خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب للبغدادي

عبد القادر البغدادي

بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم نحمدك يَا من شَوَاهِد آيَاته غنية عَن الشَّرْح وَالْبَيَان وَدَلَائِل توحيده متلوة بِكُل لِسَان صل وَسلم على رَسُولك مُحَمَّد الْمُؤَيد بقواطع الْحجَج والبرهان وعَلى آله وَصَحبه الباذلين مهجهم فِي نصر دينه على سَائِر الْأَدْيَان صَلَاة وَسلَامًا دائمين على ممر الْأَزْمَان أما بعد فَيَقُول المفتقر إِلَى مَعُونَة ربه الْهَادِي عبد الْقَادِر بن عمر الْبَغْدَادِيّ هَذَا شرح شَوَاهِد الكافية لنجم الْأَئِمَّة وفاضل هَذِه الْأمة الْمُحَقق مُحَمَّد بن الْحسن الشهير بالرضي الأستراباذي عَفا الله عَنهُ ورحمه وَهُوَ كتاب عكف عَلَيْهِ نحارير الْعلمَاء ودقق النّظر فِيهِ أماثل الْفُضَلَاء وَكَفاهُ من الشّرف وَالْمجد مَا اعْترف بِهِ السَّيِّد والسعد لما فِيهِ من أبحاث أنيقة وأنظار دقيقة وتقريرات رائقة وتوجيهات فائقة حَتَّى صَارَت بعده كتب النَّحْو كالشريعة المنسوخة أَو كالأمة الممسوخة إِلَّا أَن أبياته الَّتِي اسْتشْهد بهَا وَهِي زهاء ألف بَيت كَانَت محلولة العقال ظَاهِرَة الْإِشْكَال لغموض مَعْنَاهَا وخفاء مغزاها وَقد انْضَمَّ إِلَيْهَا التحريف وَبِأَن عَلَيْهَا أثر التَّصْحِيف وَكنت مِمَّن مرن فِي علم الْأَدَب حَتَّى صَار يلبيه من كثب وأفرغ فِي تَحْصِيله جهده وبذل فِيهِ وكده وكده وَجمع دواوينه وَعرف قوانينه وَاجْتمعَ عِنْده بِفضل

الله من الْأَسْفَار مَا لم يجْتَمع عِنْد أحد فِي هَذِه الْأَعْصَار فشمرت عَن ساعد الْجد وَالِاجْتِهَاد وشرعت فِي شرحها على وفْق المنى وَالْمرَاد فجَاء بِحَمْد الله حائز المفاخر والمحامد فائقا على جَمِيع شُرُوح الشواهد فَهُوَ جدير بِأَن يُسمى (خزانَة الْأَدَب ولب لباب لِسَان الْعَرَب) وَقد عرضت فِيهِ بضاعتي للامتحان وَعِنْده يكرم الْمَرْء أَو يهان (الطَّوِيل) (على أنني رَاض بِأَن أحمل الْهوى ... وأخلص مِنْهُ لَا عَليّ وَلَا ليا) وَقد جعلته هَدِيَّة لسدة هِيَ مقبل شفَاه الْأَقْيَال ومخيم سرادق الْمجد والإقبال حَضْرَة سيد مُلُوك بني آدم وواسطة عقد سلاطين الْعَالم ملك ألبس الدُّنْيَا خلع الْجمال والكمال وَأَحْيَا داثر الْأَمَانِي والآمال حامي بَيْضَة الْإِسْلَام بالصارم الصمصام وناشر أَعْلَام الشَّرِيفَة الغراء وَالْملَّة الحنيفية الْبَيْضَاء ومرغم أنوف الفراعين ومعفر تيجان الخواقين خَليفَة رب السَّمَوَات وَالْأَرضين ظلّ الله على الْعَالمين وقطب الْخلَافَة فِي الدُّنْيَا وَالدّين خَادِم الْحَرَمَيْنِ الشريفين وسلطان المشرقين الْغَازِي فِي سَبِيل الله والمجاهد لإعلاء كلمة الله إِلَّا وَهُوَ السُّلْطَان ابْن السُّلْطَان السُّلْطَان الْغَازِي مُحَمَّد خَان ابْن السُّلْطَان إِبْرَاهِيم خَان نخبة آل عُثْمَان

مقدمة تشتمل على أمور ثلاثة

خلد الله ظلال خِلَافَته السابغة الوارفة وأفاض على الْعَالمين سِجَال رأفته المترادفة وَيسر لَهُ النَّصْر المتين وَسَهل لَهُ الْفَتْح الْمُبين بجاه حَبِيبه وَرَسُوله مُحَمَّد الْأمين آمين وَهَاهُنَا مُقَدّمَة تشْتَمل على أُمُور ثَلَاثَة يَنْبَغِي ذكرهَا أَمَام الشُّرُوع فِي الْمَقْصُود فَنَقُول بعون الله المعبود (الْأَمر الأول) (فِي الْكَلَام الَّذِي يَصح الاستشهاد بِهِ فِي اللُّغَة والنحو وَالصرْف) قَالَ الأندلسي فِي شرح بديعية رَفِيقه ابْن جَابر عُلُوم الْأَدَب سِتَّة اللُّغَة وَالصرْف والنحو والمعاني وَالْبَيَان والبديع وَالثَّلَاثَة الأول لَا يستشهد عَلَيْهَا إِلَّا بِكَلَام الْعَرَب دون الثَّلَاثَة الْأَخِيرَة فَإِنَّهُ يستشهد فِيهَا بِكَلَام غَيرهم من المولدين لِأَنَّهَا رَاجِعَة إِلَى الْمعَانِي وَلَا فرق فِي ذَلِك بَين الْعَرَب وَغَيرهم إِذْ هُوَ أَمر رَاجع إِلَى الْعقل وَلذَلِك قبل من أهل هَذَا الْفَنّ الاستشهاد بِكَلَام البحتري وَأبي تَمام وَأبي الطّيب وهلم جرا هـ وَأَقُول الْكَلَام الَّذِي يستشهد بِهِ نَوْعَانِ شعر وَغَيره فَقَائِل الأول قد قسمه الْعلمَاء على طَبَقَات أَربع الطَّبَقَة الأولى الشُّعَرَاء الجاهليون وهم قبل الْإِسْلَام كامرئ الْقَيْس والأعشى

الثَّانِيَة المخضرمون وهم الَّذين أدركوا الْجَاهِلِيَّة وَالْإِسْلَام كلبيد وَحسان الثَّالِثَة المتقدمون وَيُقَال لَهُم الإسلاميون وهم الَّذين كَانُوا فِي صدر الْإِسْلَام كجرير والفرزدق الرَّابِعَة المولدون وَيُقَال لَهُم المحدثون وهم من بعدهمْ إِلَى زَمَاننَا كبشار ابْن برد وَأبي نواس فالطبقتان الأوليان يستشهد بشعرهما إِجْمَاعًا وَأما الثَّالِثَة فَالصَّحِيح صِحَة الاستشهاد بكلامها وَقد كَانَ أَبُو عَمْرو بن الْعَلَاء وَعبد الله بن أبي إِسْحَاق وَالْحسن الْبَصْرِيّ وَعبد الله بن شبْرمَة يلحنون الفرزدق والكميت وَذَا الرمة وأضرابهم كَمَا سَيَأْتِي النَّقْل عَنْهُم فِي هَذَا الشَّرْح إِن شَاءَ الله فِي عدَّة أَبْيَات أخذت عَلَيْهِم ظَاهرا وَكَانُوا يعدونهم من المولدين لأَنهم كَانُوا فِي عصرهم والمعاصرة حجاب قَالَ ابْن رَشِيق فِي الْعُمْدَة كل قديم من الشُّعَرَاء فَهُوَ مُحدث فِي زَمَانه بِالْإِضَافَة إِلَى من كَانَ قبله وَكَانَ أَبُو عَمْرو يَقُول لقد أحسن هَذَا المولد حَتَّى لقد هَمَمْت أَن آمُر صبياننا بِرِوَايَة شعره يَعْنِي بذلك شعر جرير والفرزدق فَجعله مولدا بِالْإِضَافَة إِلَى شعر الْجَاهِلِيَّة والمخضرمين وَكَانَ لَا يعد الشّعْر إِلَّا مَا كَانَ للْمُتَقَدِّمين قَالَ الْأَصْمَعِي جَلَست إِلَيْهِ عشر حجج فَمَا سمعته يحْتَج بِبَيْت إسلامي وَأما الرَّابِعَة فَالصَّحِيح أَنه لَا يستشهد بكلامها مُطلقًا وَقيل يستشهد بِكَلَام من يوثق بِهِ مِنْهُم وَاخْتَارَهُ الزَّمَخْشَرِيّ وَتَبعهُ الشَّارِح الْمُحَقق

فَإِنَّهُ اسْتشْهد بِشعر أبي تَمام فِي عدَّة مَوَاضِع من هَذَا الشَّرْح وَاسْتشْهدَ الزَّمَخْشَرِيّ أَيْضا فِي تَفْسِير أَوَائِل الْبَقَرَة من الْكَشَّاف بِبَيْت من شعره وَقَالَ وَهُوَ وَإِن كَانَ مُحدثا لَا يستشهد بِشعرِهِ فِي اللُّغَة فَهُوَ من عُلَمَاء الْعَرَبيَّة فأجعل مَا يَقُوله بمنزل مَا يرويهِ إِلَّا ترى إِلَى قَول الْعلمَاء الدَّلِيل عَلَيْهِ بَيت الحماسة فيقنعون بذلك لوثوقهم بروايته وإتقانه وَاعْترض عَلَيْهِ بِأَن قبُول الرِّوَايَة مَبْنِيّ على الضَّبْط والوثوق وَاعْتِبَار القَوْل مَبْنِيّ على معرفَة أوضاع اللُّغَة الْعَرَبيَّة والإحاطة بقوانينها وَمن الْبَين أَن إتقان الرِّوَايَة لَا يسْتَلْزم إتقان الدِّرَايَة وَفِي الْكَشْف أَن القَوْل رِوَايَة خَاصَّة فَهِيَ كنقل الحَدِيث بِالْمَعْنَى وَقَالَ الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ فِي القَوْل بِأَنَّهُ بِمَنْزِلَة نقل الحَدِيث بِالْمَعْنَى لَيْسَ بسديد بل هُوَ بِعَمَل الرَّاوِي أشبه وَهُوَ لَا يُوجب السماع إِلَّا مِمَّن كَانَ من عُلَمَاء الْعَرَبيَّة الموثوق بهم فَالظَّاهِر أَنه لَا يُخَالف مقتضاها فَإِن استؤنس بِهِ وَلم يَجْعَل دَلِيلا لم يرد عَلَيْهِ مَا ذكر وَلَا مَا قيل من أَنه لَو فتح هَذَا الْبَاب لزم الِاسْتِدْلَال بِكُل مَا وَقع فِي كَلَام عُلَمَاء الْمُحدثين كالحريري وَأَضْرَابه وَالْحجّة فِيمَا رَوَوْهُ لَا فِيمَا رَأَوْهُ وَقد خطأوا المتنبي وَأَبا تَمام والبحتري فِي أَشْيَاء كَثِيرَة كَمَا هُوَ مسطور فِي شُرُوح تِلْكَ الدَّوَاوِين

وَفِي الاقتراح للجلال السُّيُوطِيّ أَجمعُوا على أَنه لَا يحْتَج بِكَلَام المولدين والمحدثين فِي اللُّغَة والعربية وَفِي الْكَشَّاف مَا يَقْتَضِي تَخْصِيص ذَلِك بِغَيْر أَئِمَّة اللُّغَة ورواتها فَإِنَّهُ اسْتشْهد على مَسْأَلَة بقول أبي تَمام الطَّائِي وَأول الشُّعَرَاء الْمُحدثين بشار بن برد وَقد احْتج سِيبَوَيْهٍ بِبَعْض شعره تقربا إِلَيْهِ لِأَنَّهُ كَانَ هجاه لتَركه الِاحْتِجَاج بِشعرِهِ ذكره المرزباني وَغَيره وَنقل ثَعْلَب عَن الْأَصْمَعِي أَنه قَالَ ختم الشّعْر بإبراهيم بن هرمة وَهُوَ آخر الْحجَج وَكَذَا عد ابْن رَشِيق فِي الْعُمْدَة طَبَقَات الشُّعَرَاء أَرْبعا قَالَ هم جاهلي قديم ومخضرم وَإِسْلَامِيٌّ ومحدث قَالَ ثمَّ صَار المحدثون طَبَقَات أولى وثانية على التدريج هَكَذَا فِي الهبوط إِلَى وقتنا هَذَا وَجعل الطَّبَقَات بَعضهم سِتا وَقَالَ الرَّابِعَة المولدون وهم من بعد الْمُتَقَدِّمين كمن ذكر وَالْخَامِسَة المحدثون وهم من بعدهمْ كَأبي تَمام والبحتري وَالسَّادِسَة الْمُتَأَخّرُونَ وهم من بعدهمْ كَأبي الطّيب المتنبي والجيد هُوَ الأول إِذْ مَا بعد الْمُتَقَدِّمين لَا يجوز الِاسْتِدْلَال بكلامهم فهم طبقَة وَاحِدَة وَلَا فَائِدَة فِي تقسيمهم

وَأما قَائِل الثَّانِي فَهُوَ إِمَّا رَبنَا تبَارك وَتَعَالَى فَكَلَامه عز اسْمه افصح كَلَام وأبلغه وَيجوز الاستشهاد بمتواتره وشاذه كَمَا بَينه ابْن جني فِي أول كِتَابه الْمُحْتَسب وأجاد القَوْل فِيهِ وَإِمَّا بعض إِحْدَى الطَّبَقَات الثَّلَاث الأول من طَبَقَات الشُّعَرَاء الَّتِي قدمناها وَأما الِاسْتِدْلَال بِحَدِيث النَّبِي فقد جوزه ابْن مَالك وَتَبعهُ الشَّارِح الْمُحَقق فِي ذَلِك وَزَاد عَلَيْهِ بالاحتجاج بِكَلَام أهل الْبَيْت رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم وَقد مَنعه ابْن الضائع وَأَبُو حَيَّان وَسَنَدهمَا أَمْرَانِ أَحدهمَا أَن الْأَحَادِيث لم تنقل كَمَا سَمِعت من النَّبِي وَإِنَّمَا رويت بِالْمَعْنَى وَثَانِيهمَا أَن أَئِمَّة النَّحْو الْمُتَقَدِّمين من المصرين لم يحتجوا بِشَيْء مِنْهُ ورد الأول على تَقْدِير تَسْلِيمه بِأَن النَّقْل بِالْمَعْنَى إِنَّمَا كَانَ فِي الصَّدْر الأول قبل بدوينه فِي الْكتب وَقبل فَسَاد اللُّغَة وغايته تَبْدِيل لفظ بِلَفْظ يَصح الِاحْتِجَاج بِهِ فَلَا فرق على أَن الْيَقِين غير شَرط بل الظَّن كَاف ورد الثَّانِي بِأَنَّهُ لَا يلْزم من عدم استدلالهم بِالْحَدِيثِ عدم صِحَة الِاسْتِدْلَال بِهِ وَالصَّوَاب جَوَاز الِاحْتِجَاج بِالْحَدِيثِ للنحوي فِي ضبط أَلْفَاظه وَيلْحق بِهِ

مَا رُوِيَ عَن الصَّحَابَة وَأهل الْبَيْت كَمَا صنع الشَّارِح الْمُحَقق وَإِن شِئْت تَفْصِيل مَا قيل فِي الْمَنْع وَالْجَوَاز فاستمع لما ألقيه بإطناب دون إيجاز قَالَ أَبُو الْحسن بن الضائع فِي شرح الْجمل تَجْوِيز الرِّوَايَة بِالْمَعْنَى هُوَ السَّبَب عِنْدِي فِي ترك الْأَئِمَّة كسيبويه وَغَيره الاستشهاد على إِثْبَات اللُّغَة بِالْحَدِيثِ واعتمدوا فِي ذَلِك على الْقُرْآن وصريح النَّقْل عَن الْعَرَب وَلَوْلَا تَصْرِيح الْعلمَاء بِجَوَاز النَّقْل بِالْمَعْنَى فِي الحَدِيث لَكَانَ الأولى فِي إِثْبَات فصيح اللُّغَة كَلَام النَّبِي لِأَنَّهُ أفْصح الْعَرَب قَالَ وَابْن خروف يستشهد بِالْحَدِيثِ كثيرا فَإِن كَانَ على وَجه الِاسْتِظْهَار والتبرك بالمروي فَحسن وَإِن كَانَ يرى أَن من قبْلَة أغفل شَيْئا وَجب عَلَيْهِ استدراكه فَلَيْسَ كَمَا رأى وَقَالَ أَبُو حَيَّان فِي شرح التسهيل قد أَكثر هَذَا المُصَنّف من الِاسْتِدْلَال بِمَا وَقع فِي الْأَحَادِيث على إِثْبَات الْقَوَاعِد الْكُلية فِي لِسَان الْعَرَب وَمَا رَأَيْت أحدا من الْمُتَقَدِّمين والمتأخرين سلك هَذِه الطَّرِيقَة غَيره على أَن الواضعين الْأَوَّلين لعلم النَّحْو المستقرئين للْأَحْكَام من لِسَان الْعَرَب كَأبي عَمْرو بن الْعَلَاء وَعِيسَى بن عمر والخليل وسيبوية من أَئِمَّة الْبَصرِيين وَالْكسَائِيّ وَالْفراء وَعلي بن الْمُبَارك الْأَحْمَر وَهِشَام الضَّرِير من أَئِمَّة الكوفين لم يَفْعَلُوا ذَلِك وتبعهم على ذَلِك المسلك الْمُتَأَخّرُونَ من الْفَرِيقَيْنِ وَغَيرهم من نحاة الأقاليم كنحاة بَغْدَاد وَأهل الأندلس وَقد جرى الْكَلَام فِي ذَلِك مَعَ بعض الْمُتَأَخِّرين الأذكياء فَقَالَ إِنَّمَا ترك الْعلمَاء ذَلِك لعدم وثوقهم أَن ذَلِك لفظ الرَّسُول

إِذْ لَو وثقوا بذلك لجرى مجْرى الْقُرْآن الْكَرِيم فِي إِثْبَات الْقَوَاعِد الْكُلية وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِك لأمرين أَحدهمَا أَن الروَاة جوزوا النَّقْل بِالْمَعْنَى فتجد قصَّة وَاحِدَة قد جرت فِي زَمَانه لم تقل بِتِلْكَ الْأَلْفَاظ جَمِيعهَا نَحْو مَا رُوِيَ من قَوْله زوجتكها بِمَا مَعَك من الْقُرْآن ملكتكها بِمَا مَعَك من الْقُرْآن خُذْهَا بِمَا مَعَك من الْقُرْآن وَغير ذَلِك من الْأَلْفَاظ الْوَارِدَة فنعلم يَقِينا أَنه لم يلفظ بِجَمِيعِ هَذِه الْأَلْفَاظ بل لَا نجزم بِأَنَّهُ قَالَ بَعْضهَا إِذْ يحْتَمل أَنه قَالَ لفظا مرادفا لهَذِهِ الْأَلْفَاظ غَيرهَا فَأَتَت الروَاة بالمرادف وَلم تأت بِلَفْظِهِ إِذْ الْمَعْنى هُوَ الْمَطْلُوب وَلَا سِيمَا مَعَ تقادم السماع وَعدم ضَبطهَا بِالْكِتَابَةِ والاتكال على الْحِفْظ وَالضَّابِط مِنْهُم من ضبط الْمَعْنى وَأما من ضبط اللَّفْظ فبعيد جدا لَا سِيمَا فِي الْأَحَادِيث الطوَال وَقد قَالَ سُفْيَان الثَّوْريّ إِن قلت لكم إِنِّي أحدثكُم كَمَا سَمِعت فَلَا تصدقوني إِنَّمَا هُوَ الْمَعْنى وَمن نظر فِي الحَدِيث أدنى نظر علم الْعلم الْيَقِين أَنهم إِنَّمَا يروون بِالْمَعْنَى الْأَمر الثَّانِي أَنه وَقع اللّحن كثيرا فِيمَا رُوِيَ من الحَدِيث لِأَن كثيرا من الروَاة كَانُوا غير عرب بالطبع وَلَا يعلمُونَ لِسَان الْعَرَب بصناعة النَّحْو فَوَقع اللّحن فِي كَلَامهم وهم لَا يعلمُونَ وَدخل فِي كَلَامهم وروايتهم غير الفصيح من لِسَان الْعَرَب ونعلم قطعا من غير شكّ أَن رَسُول الله كَانَ أفْصح الْعَرَب فَلم يكن يتَكَلَّم إِلَّا بأفصح اللُّغَات وَأحسن التراكيب وأشهرها وأجزلها وَإِذا تكلم

بلغَة غير لغته فَإِنَّمَا يتَكَلَّم بذلك مَعَ أهل تِلْكَ اللُّغَة على طَرِيق الإعجاز وَتَعْلِيم الله ذَلِك لَهُ من غير معلم وَالْمُصَنّف قد أَكثر من الِاسْتِدْلَال بِمَا ورد فِي الْأَثر متعقبا بِزَعْمِهِ على النَّحْوِيين وَمَا أمعن النّظر فِي ذَلِك وَلَا صحب من لَهُ التَّمْيِيز وَقد قَالَ لنا قَاضِي الْقُضَاة بدر الدَّين بن جمَاعَة وَكَانَ مِمَّن أَخذ عَن ابْن مَالك قلت لَهُ يَا سَيِّدي هَذَا الحَدِيث رِوَايَة الْأَعَاجِم وَوَقع فِيهِ من روايتهم مَا نعلم أَنه لَيْسَ من لفظ الرَّسُول فَلم يجب بِشَيْء قَالَ أَبُو حَيَّان وَإِنَّمَا أمعنت الْكَلَام فِي هَذِه الْمَسْأَلَة لِئَلَّا يَقُول مبتدئ مَا بَال النَّحْوِيين يستدلون بقول الْعَرَب وَفِيهِمْ الْمُسلم وَالْكَافِر وَلَا يستدلون بِمَا روى فِي الحَدِيث بِنَقْل الْعُدُول كالبخاري وَمُسلم وإضرابهما فَمن طالع مَا ذَكرْنَاهُ أدْرك السَّبَب الَّذِي لأَجله لم يسْتَدلّ النُّحَاة بِالْحَدِيثِ ا. هـ. وتوسط الشاطبي فجوز الِاحْتِجَاج بالأحاديث الَّتِي اعتني بِنَقْل ألفاظها قَالَ فِي شرح الألفية لم نجد أحدا من النَّحْوِيين اسْتشْهد بِحَدِيث رَسُول الله وهم يستشهدون بِكَلَام أجلاف الْعَرَب وسفهائهم الَّذين يَبُولُونَ على أَعْقَابهم وأشعارهم الَّتِي فِيهَا الْفُحْش والخنى ويتركون الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة لِأَنَّهَا تنقل بِالْمَعْنَى وتختلف رِوَايَاتهَا وألفاظها بِخِلَاف كَلَام الْعَرَب وشعرهم فَإِن رُوَاته اعتنوا بألفاظها لما يَنْبَنِي عَلَيْهِ من النَّحْو وَلَو وقفت على اجتهادهم قضيت مِنْهُ الْعجب وَكَذَا الْقُرْآن ووجوه الْقرَاءَات وَأما الحَدِيث فعلى قسمَيْنِ قسم يعتني ناقله بِمَعْنَاهُ دون لَفظه فَهَذَا لم يَقع بِهِ استشهاد أهل اللِّسَان وَقسم

عرف اعتناء ناقله بِلَفْظِهِ لمقصود خَاص كالأحاديث الَّتِي قصد بهَا بَيَان فصاحة ككتابه لهمدان وَكتابه لِوَائِل بن حجر والأمثال النَّبَوِيَّة فَهَذَا يَصح الاستشهاد بِهِ فِي الْعَرَبيَّة وَابْن مَالك لم يفصل هَذَا التَّفْصِيل الضَّرُورِيّ الَّذِي لَا بُد مِنْهُ وَبنى الْكَلَام على الحَدِيث مُطلقًا وَلَا أعرف لَهُ سلفا إِلَّا ابْن خروف فَإِنَّهُ أَتَى بِأَحَادِيث فِي بعض الْمسَائِل حَتَّى قَالَ ابْن الضائع لَا أعرف هَل يَأْتِي بهَا مستدلا بهَا أم هِيَ لمُجَرّد التَّمْثِيل وَالْحق أَن ابْن مَالك غير مُصِيب فِي هَذَا فَكَأَنَّهُ بناه على امْتنَاع نقل الحَدِيث بِالْمَعْنَى وَهُوَ قَول ضَعِيف ا. هـ. وَقد تبعه السُّيُوطِيّ فِي الاقتراح قَالَ فِيهِ وَأما كَلَامه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فيستدل مِنْهُ بِمَا أثبت أَنه قَالَه على اللَّفْظ الْمَرْوِيّ وَذَلِكَ نَادِر جدا إِنَّمَا يُوجد فِي الْأَحَادِيث الْقصار على قلَّة أَيْضا فَإِن غَالب الْأَحَادِيث مَرْوِيّ بِالْمَعْنَى وَقد تداولتها الْأَعَاجِم والمولدون قبل تدوينها فرووها بِمَا أدَّت إِلَيْهِ عباراتهم فزادوا ونقصوا وَقدمُوا وأخروا وأبدلوا ألفاظا بِأَلْفَاظ وَلِهَذَا ترى الحَدِيث الْوَاحِد فِي الْقِصَّة الْوَاحِدَة مرويا على أوجه شَتَّى بعبارات مُخْتَلفَة وَمن ثمَّ أنكر على ابْن مَالك إثْبَاته الْقَوَاعِد النحوية بالألفاظ الْوَارِدَة فِي الحَدِيث ثمَّ نقل كَلَام ابْن الضائع وَأبي حَيَّان وَقَالَ مِمَّا يدل على صِحَة مَا ذَهَبا إِلَيْهِ أَن ابْن مَالك اسْتشْهد على لُغَة أكلوني البراغيث بِحَدِيث الصَّحِيحَيْنِ يتعاقبون فِيكُم مَلَائِكَة بِاللَّيْلِ وملائكة بِالنَّهَارِ وَأكْثر من ذَلِك حَتَّى صَار يسميها لُغَة يتعاقبون وَقد اسْتشْهد بِهِ السُّهيْلي ثمَّ قَالَ لكني أَنا أَقُول إِن الْوَاو

فِيهِ عَلامَة إِضْمَار لِأَنَّهُ حَدِيث مُخْتَصر رَوَاهُ الْبَزَّار مطولا فَقَالَ فِيهِ إِن لله تَعَالَى مَلَائِكَة يتعاقبون فِيكُم مَلَائِكَة بِاللَّيْلِ وملائكة بِالنَّهَارِ وَقَالَ ابْن الْأَنْبَارِي فِي الْإِنْصَاف فِي منع أَن فِي خبر كَاد وَأما حَدِيث كَاد الْفقر أَن يكون كفرا فَإِنَّهُ من تَغْيِير الروَاة لِأَنَّهُ أفْصح من نطق بالضاد ا. هـ. وَقد رد هَذَا الْمَذْهَب الَّذِي ذَهَبُوا إِلَيْهِ الْبَدْر الدماميني فِي شرح التسهيل وَللَّه دره فَإِنَّهُ قد أَجَاد فِي الرَّد قَالَ وَقد أَكثر المُصَنّف من الِاسْتِدْلَال بالأحاديث النَّبَوِيَّة وشنع أَبُو حَيَّان عَلَيْهِ وَقَالَ إِن مَا اسْتندَ إِلَيْهِ من ذَلِك لَا يتم لَهُ لتطرق احْتِمَال الرِّوَايَة بِالْمَعْنَى فَلَا يوثق بِأَن ذَلِك المحتج بِهِ لَفظه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ حَتَّى تقوم بِهِ الْحجَّة وَقد أجريت ذَلِك لبَعض مَشَايِخنَا فصوب رَأْي ابْن مَالك فِيمَا فعله بِنَاء على أَن الْيَقِين لَيْسَ بمطلوب فِي هَذَا الْبَاب وَإِنَّمَا الْمَطْلُوب غَلَبَة الظَّن الَّذِي هُوَ منَاط الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة وَكَذَا مَا يتَوَقَّف عَلَيْهِ من نقل مُفْرَدَات الْأَلْفَاظ وقوانين الْإِعْرَاب فالظن فِي ذَلِك كُله كَاف وَلَا يخفى أَنه يغلب على الظَّن أَن ذَلِك الْمَنْقُول المحتج بِهِ لم يُبدل لِأَن الأَصْل عدم التبديل لَا سِيمَا وَالتَّشْدِيد فِي الضَّبْط والتحري فِي نقل الْأَحَادِيث شَائِع بَين النقلَة والمحدثين وَمن يَقُول مِنْهُم بِجَوَاز النَّقْل بِالْمَعْنَى فَإِنَّمَا هُوَ عِنْده بِمَعْنى التجويز الْعقلِيّ الَّذِي لَا يُنَافِي وُقُوع نقيضه فَلذَلِك تراهم يتحرون فِي الضَّبْط ويتشددون مَعَ قَوْلهم بِجَوَاز النَّقْل

بِالْمَعْنَى فيغلب على الظَّن من هَذَا كُله أَنَّهَا لم تبدل وَيكون احْتِمَال التبديل فِيهَا مرجوحا فيلغى وَلَا يقْدَح فِي صِحَة الِاسْتِدْلَال بهَا ثمَّ إِن الْخلاف فِي جَوَاز النَّقْل بِالْمَعْنَى إِنَّمَا هُوَ فِيمَا لم يدون وَلَا كتب وَأما مَا دون وَحصل فِي بطُون الْكتب فَلَا يجوز تَبْدِيل أَلْفَاظه من غير خلاف بَينهم قَالَ ابْن الصّلاح بعد أَن ذكر اخْتلَافهمْ فِي نقل الحَدِيث بِالْمَعْنَى إِن هَذَا الْخلاف لَا نرَاهُ جَارِيا وَلَا أجراه النَّاس فِيمَا نعلم فِيمَا تضمنته بطُون الْكتب فَلَيْسَ لأحد أَن يُغير لفظ شَيْء من كتاب مُصَنف وَيثبت فِيهِ لفظا آخر ا. هـ. وَتَدْوِين الْأَحَادِيث وَالْأَخْبَار بل وَكثير من المرويات وَقع فِي الصَّدْر الأول قبل فَسَاد اللُّغَة الْعَرَبيَّة حِين كَانَ كَلَام أُولَئِكَ المبدلين على تَقْدِير تبديلهم يسوغ الِاحْتِجَاج بِهِ وغايته يَوْمئِذٍ تَبْدِيل لفظ بِلَفْظ يَصح الِاحْتِجَاج بِهِ فَلَا فرق بَين الْجَمِيع فِي صِحَة الِاسْتِدْلَال ثمَّ دون ذَلِك الْمُبدل على تَقْدِير التبديل وَمنع من تَغْيِيره وَنَقله بِالْمَعْنَى كَمَا قَالَ ابْن الصّلاح فَبَقيَ حجَّة فِي بَابه وَلَا يضر توهم ذَلِك السَّابِق فِي شَيْء من استدلالهم الْمُتَأَخر وَالله أعلم بِالصَّوَابِ 1. كَلَام الدماميني وَعلم مِمَّا ذكرنَا من تَبْيِين الطَّبَقَات الَّتِي يَصح الِاحْتِجَاج بكلامها أَنه لَا يجوز الِاحْتِجَاج بِشعر أَو نثر لَا يعرف قَائِله صرح بذلك ابْن الْأَنْبَارِي فِي كتاب الْإِنْصَاف فِي مسَائِل الْخلاف وَعلة ذَلِك مَخَافَة أَن يكون ذَلِك الْكَلَام مصنوعا أَو لمولد أَو لمن لَا يوثق بِكَلَامِهِ وَلِهَذَا اجتهدنا فِي تَخْرِيج أَبْيَات الشَّرْح وفحصنا عَن قائليها حَتَّى عزونا كل بَيت إِلَى قائلة إِن أمكننا ذَلِك ونسبناه إِلَى قبيلته أَو فصيلته وميزنا

الإسلامي عَن الجاهلي والصحابي عَن التَّابِعِيّ وهلم جرا وضممنا إِلَى الْبَيْت مَا يتَوَقَّف عَلَيْهِ مَعْنَاهُ وَإِن كَانَ من قِطْعَة نادرة أَو قصيدة عزيزة أوردناها كَامِلَة وشرحنا غريبها ومشكلها وأوردنا سَببهَا ومنشأها كل ذَلِك بالضبط وَالتَّقْيِيد ليعم النَّفْع ويؤمن التحريف والتصحيف وليوثق بِالشَّاهِدِ لمعْرِفَة قَائِله وَيدْفَع احْتِمَال ضعفه قَالَ ابْن النّحاس فِي التعليقة أجَاز الْكُوفِيُّونَ إِظْهَار أَن بعد كي واستشهدوا بقول الشَّاعِر (الطَّوِيل) (أردْت لكيما أَن تطير بقربتي ... فتتركها شنا ببيداء بلقع) قَالَ وَالْجَوَاب أَن هَذَا الْبَيْت لَا يعرف قَائِله وَلَو عرف لجَاز أَن يكون من ضَرُورَة (الشّعْر) وَقَالَ أَيْضا ذهب الْكُوفِيُّونَ إِلَى جَوَاز دُخُول اللَّام فِي خبر لَكِن وَاحْتَجُّوا بقوله (الطَّوِيل) (ولكنني من حبها لعميد) وَالْجَوَاب أَن هَذَا الْبَيْت لَا يعرف قَائِله وَلَا أَوله وَلم يذكر مِنْهُ إِلَّا هَذَا وَلم ينشده أحد مِمَّن وثق فِي اللُّغَة وَلَا عزي إِلَى مَشْهُور بالضبط والإتقان ا. هـ. وَيُؤْخَذ من هَذَا أَن الشَّاهِد الْمَجْهُول قائلة وتتمته إِن صدر من ثِقَة يعْتَمد عَلَيْهِ قبل وَإِلَّا فَلَا وَلِهَذَا كَانَت أَبْيَات سِيبَوَيْهٍ أصح الشواهد اعْتمد عَلَيْهَا خلف بعد سلف مَعَ أَن فِيهَا أبياتا عديدة جهل قائلوها وَمَا عيب بهَا ناقلوها وَقد خرج كِتَابه إِلَى النَّاس وَالْعُلَمَاء كثير والعناية بِالْعلمِ وتهذيبه وكيدة

وَنظر فِيهِ وفتش فَمَا طعن أحد من الْمُتَقَدِّمين عَلَيْهِ وَلَا أدعى أَنه أَتَى بِشعر مُنكر وَقد روى فِي كِتَابه قِطْعَة من اللُّغَة غَرِيبَة لم يدْرك أهل اللُّغَة معرفَة جَمِيع مَا فِيهَا وَلَا ردوا حرفا مِنْهَا قَالَ الْجرْمِي نظرت فِي كتاب سِيبَوَيْهٍ فَإِذا فِيهِ ألف وَخَمْسُونَ بَيْتا فإمَّا الْألف فقد عرفت أَسمَاء قائليها فأثبتها وَأما الْخَمْسُونَ فَلم أعرف أَسمَاء قائليها فأعترف بعجزه وَلم يطعن عَلَيْهِ بِشَيْء وَقد رُوِيَ هَذَا الْكَلَام لأبي عُثْمَان الْمَازِني أَيْضا وَلكَون أبياته أصح الشواهد التزمنا فِي هَذَا الشَّرْح أَن ننص على مَا وجد فِيهِ مِنْهَا بَيْتا بَيْتا ونميزها عَن غَيرهَا ليرتفع شَأْنهَا وَيظْهر رُجْحَانهَا وَرُبمَا رُوِيَ الْبَيْت الْوَاحِد من أبياته أَو غَيرهَا على أوجه مُخْتَلفَة رُبمَا لَا يكون مَوضِع الشَّاهِد فِي بَعْضهَا أَو جَمِيعهَا وَلَا ضير فِي ذَلِك لِأَن الْعَرَب كَانَ بَعضهم ينشد شعره للْآخر فيرويه على مُقْتَضى لغته الَّتِي فطره الله عَلَيْهَا وبسببه تكْثر الرِّوَايَات فِي بعض الأبيات فَلَا يُوجب ذَلِك قدحا فِيهِ وَلَا غضا مِنْهُ فَإِذا وَقع فِي هَذَا الشَّرْح من ذَلِك شَيْء نبهنا عَلَيْهِ

(الأمر الثاني ضروب وأجناس)

والتزمنا فِي شرح هَذِه الشواهد عدهَا وَاحِدًا بعد وَاحِد ليسهل مَوضِع الْحِوَالَة فِيهِ وَيَزُول التَّعَب عَن متعاطيه (الْأَمر الثَّانِي ضروب وأجناس) فَمِنْهَا مَا يرجع إِلَى علم النَّحْو وَهُوَ كتاب س وَالْأُصُول لِأَبْنِ السراج ومعاني الْقُرْآن للفراء ومعاني الْقُرْآن للزجاج وتأليف أبي عَليّ الْفَارِسِي ك التَّذْكِرَة القصرية والمسائل البغدادية والمسائل العسكرية والمسائل البصرية والمسائل المنثورة وَنقض الهاذور على ابْن خالويه وَكتاب الشّعْر وتأليف تِلْمِيذه ابْن جني ك الخصائص والمحتسب وَشرح تصريف الْمَازِني وسر الصِّنَاعَة وإعراب الحماسة والمبهج فِي شرح أَسمَاء شعرائها وَشرح ديوَان المتنبي والإنصاف فِي مسَائِل الْخلاف لِابْنِ الْأَنْبَارِي وتذكره أبي حَيَّان وارتشاف الضَّرْب لَهُ أَيْضا والضرائر الشعرية لِابْنِ عُصْفُور والأمالي لِابْنِ الْحَاجِب والأمالي لِأَبْنِ الشجري وشروح الكافية وشروح التسهيل ومغنى اللبيب وشروحه وَغير ذَلِك من المتداول وَمِنْهَا مَا يرجع إِلَى شُرُوح الشواهد وَهُوَ شرح أَبْيَات الْكتاب

لأبي جَعْفَر النّحاس وللأعلم الشنتمري وَلابْن خلف وَلأبي مُحَمَّد الْأَعرَابِي الْمُسَمّى فرحة الأديب وَشرح أَبْيَات الْجمل لِابْنِ السَّيِّد البطليوسي وَلابْن هِشَام اللَّخْمِيّ ولغيرهما وَشرح أَبْيَات الْمفصل لِابْنِ المستوفي الإربلي ولبعض عُلَمَاء الْعَجم الْمُسَمّى بالتخمير وَشرح أَبْيَات شُرُوح ألفية ابْن مَالك للعيني وَشرح أَبْيَات ابْن النَّاظِم لِابْنِ هِشَام الْأنْصَارِيّ وَلم يكمل وَشرح أَبْيَات الْكَشَّاف للحموي وَشرح أَبْيَات التفسيرين لخضر الْموصِلِي وَشرح أَبْيَات الْإِيضَاح والمفتاح فِي علم الْمعَانِي وَشرح أَبْيَات التَّلْخِيص للعباسي وَشرح أَبْيَات إصْلَاح الْمنطق ليوسف بن السيرافي وَشرح أَبْيَات الْغَرِيب المُصَنّف لَهُ أَيْضا وَشرح أَبْيَات أدب الْكَاتِب للجواليقي وَلابْن السَّيِّد البطليوسي وللبلي وَشرح أَبْيَات الْآدَاب الْمُسَمّى ب الْعباب وَغير ذَلِك

وَمِنْهَا مَا يرجع إِلَى تَفْسِير أَبْيَات الْمعَانِي المشكلة وَهُوَ أَبْيَات الْمعَانِي للأخفش الْمُجَاشِعِي وأبيات الْمعَانِي للأشنانداني بِخَط ابْن جني وَعَلَيْهَا أجازة أبي عَليّ لَهُ وأبيات الْمعَانِي لِابْنِ السّكيت وأبيات الْمعَانِي لِابْنِ قُتَيْبَة فِي مجلدين ضخمين وأبيات الْمعَانِي لِابْنِ السَّيِّد البطليوسي وَغير ذَلِك وَمِنْهَا مَا يرجع إِلَى دفاتر اشعار الْعَرَب وَهُوَ قِسْمَانِ دواوين ومجاميع فَالْأول ديوَان امْرِئ الْقَيْس الْكِنْدِيّ وديوان الْأَعْشَى مَيْمُون وديوان عَلْقَمَة الْفَحْل وديوان ابْن حلزة وديوان أبي دواد الْإِيَادِي وديوان طرفه بن العَبْد وديوان عَمْرو بن قميئة وديوان طفيل الغنوي وديوان عَامر بن الطُّفَيْل وديوان بشر بن أبي خازم وديوان أَوْس بن حجر وديوان أعشى باهلة وديوان عَوْف بن عَطِيَّة بن الخرع وديوان مطير بن الأشيم وديوان الحادرة وديوان المثقب الْعَبْدي وديوان لَقِيط بن يعمر الْإِيَادِي وديوان نَابِغَة بني شَيبَان وديوان النَّابِغَة الذبياني وديوان زُهَيْر بن أبي سلمى وديوان أبي طَالب عَم النَّبِي وَمن شعر الصَّحَابَة ديوَان حسان بن ثَابت وديوان لبيد بن ربيعَة العامري وديوان كَعْب بن زُهَيْر وديوان حميد بن ثَوْر وديوان أبي محجن الثَّقَفِيّ وديوان النمر بن تولب وديوان عَمْرو بن معدي كرب وديوان خفاف بن ندبة وديوان الخنساء أُخْت صَخْر وَغير ذَلِك وَمن شعر الإسلاميين ديوَان رَافع بن هريم الْيَرْبُوعي وديوان الْقطَامِي وديوان جران الْعود وديوان مُحَمَّد بن

بشير الْخَارِجِي وديوان ابْن همام السَّلُولي وديوان الشماخ وديوان عدي بن الرّقاع وديوان عُرْوَة بن حزَام العذري وديوان عبيد الله الْهُذلِيّ وديوان أبي دهبل الجُمَحِي وديوان الحطيئة وديوان عَمْرو بن الْأَهْتَم الْمنْقري وديوان ابْن قيس الرقيات وديوان الفرزدق وديوان جرير وديوان الأخطل النَّصْرَانِي وديوان ذِي الرمة وديوان جميل العذري وديوان الْمُغيرَة بن حبناء وديوان رجز رؤبة بن العجاج وديوان رجز الزفيان السَّعْدِيّ وديوان رجز أبي الأخزر الْحمانِي وَغير ذَلِك وَمن دواوين المولدين والمحدثين ديوَان مُسلم بن الْوَلِيد وديوان ابْن الوكيع وديوان الْعَبَّاس بن الْأَحْنَف وديوان عَليّ بن جبلة الطوسي وديوان أبي نواس وديوان ابْن المعتز وديوان ابْن الرُّومِي وديوان أبي تَمام الطَّائِي وديوان البحتري وديوان الشريف المرتضى وديوان المتنبي وديوان أبي فراس الحمداني وَغير ذَلِك والمجاميع مِنْهَا أشعار بني محَارب للشيباني والمفضليات للمفضل الضَّبِّيّ وأشعار الهذليين للسكري وَشَرحهَا لَهُ وَللْإِمَام المرزوقي وأشعار لصوص الْعَرَب للسكري أَيْضا والنقائض لِابْنِ حبيب ومختار شعر الشُّعَرَاء السِّتَّة امْرِئ الْقَيْس والنابغة وعلقمة وَزُهَيْر وطرفة وعنترة وَشَرحهَا

للأعلم الشنتمري وأشعار تغلب لأبي عَمْرو الشَّيْبَانِيّ ومختار شعراء الْقَبَائِل لأبي تَمام والحماسة أَيْضا وَشَرحهَا للنمري وَأبي مُحَمَّد الْأَعرَابِي وَللْإِمَام المرزوقي وللخطيب التبريزي وَلأبي الْفضل الطبرسي والحماسة البصرية وحماسة الشريف الحسني وحماسة الأعلم الشنتمري وأشعار النِّسَاء للمرزباني وشروح المعلقات لِابْنِ النّحاس وللزوزني وللخطيب التبريزي وجمهرة أشعار الْعَرَب ومنتهى الطّلب من أشعار الْعَرَب فِيهِ أَكثر من ألف قصيدة واليتيمة للثعالبي وَكتاب المغربين وَكتاب النِّسَاء الفوارك وَكتاب النِّسَاء النواشز وَالثَّلَاثَة للمدائني والمجتنى لِابْنِ دُرَيْد وشروح لأمية الْعَرَب للخطيب التبريزي وللزمخشري ولغيرهما وَشرح بَانَتْ سعاد لِابْنِ الْأَنْبَارِي وَلأبي الْعَبَّاس الْأَحول وَلابْن خالويه وَلابْن هِشَام الْأنْصَارِيّ وَلابْن كتيلة الْبَغْدَادِيّ وَشرح الْبردَة لِابْنِ مَرْزُوق

وَغير ذَلِك وَمن المجاميع النَّوَادِر والأمالي أما النَّوَادِر فَهِيَ نَوَادِر أبي زيد الْأنْصَارِيّ وَشَرحهَا لأبي الْحسن الْأَخْفَش وَلغيره ونوادر ابْن الْأَعرَابِي وَشَرحهَا لأبي مُحَمَّد الْأَعرَابِي ونوادر أبي عَليّ القالي وَشَرحهَا لأبي عبيد الْبكْرِيّ وَأما الأمالي فَهِيَ أمالي ثَعْلَب وأمالي الزجاجي الصُّغْرَى والكبرى وأمالي أبي عَليّ القالي وَشَرحهَا لأبي عبيد الْبكْرِيّ وذيل أمالي القالي للقالي أَيْضا وصلَة ذيل الأمالي لَهُ أَيْضا وأمالي الصولي وأمالي السَّيِّد المرتضى الْمُسَمَّاة بالغرر والدرر فِي مجلين ضخمين وأمالي شَيخنَا الشهَاب الخفاجي وَمِنْهَا مَا يرجع إِلَى فن الْأَدَب وَهِي الْبَيَان للجاحظ والمحاسن والأضداد لَهُ أَيْضا وَكتاب الشّعْر وَالشعرَاء لَهُ أَيْضا والكامل للمبرد وَشَرحه لِابْنِ السَّيِّد البطليوسي وَلأبي الْوَلِيد الوقشي ولغيرهما وَالْعقد الفريد لِابْنِ عبد ربه وزهر الْآدَاب للحصري وجواهر النكت وَالْملح لَهُ أَيْضا وديوان الْمعَانِي لأبي هِلَال العسكري والأغاني للأصفهاني فِي عشْرين مجلدا والعمدة لِابْنِ رَشِيق فِي مجلدين والمثل السائر لِابْنِ الْأَثِير وتحرير التحبير لِابْنِ أبي الإصبع ومساوي الْخمر لِابْنِ الْحباب السَّعْدِيّ والأوائل لِابْنِ هبة الله الْموصِلِي فِي مجلدين ومدرج البلاغة لِابْنِ فضَالة الْمُجَاشِعِي وَنقد الشّعْر

لقدامه الْكَاتِب وَشَرحه لعبد اللَّطِيف الْبَغْدَادِيّ وسفر السَّعَادَة للسخاوي وَمِنْهَا مَا يرجع إِلَى كتب السّير وَكتب الصَّحَابَة وأنساب الْعَرَب وَهُوَ سيرة ابْن هِشَام وَشَرحه الرَّوْض الآنف لِلسُّهَيْلِي وسيرة الكلَاعِي وسيرة ابْن سيد النَّاس وسيرة الشَّامي والاستيعاب لِابْنِ عبد الْبر والإصابة لِابْنِ حجر وجمهرة الْأَنْسَاب لِابْنِ الْكَلْبِيّ ومختصرها لياقوت الْحَمَوِيّ وأنساب قُرَيْش للزبير بن بكار ومقدمة الِاسْتِيعَاب لِابْنِ عبد الْبر والمعارف لِابْنِ قُتَيْبَة وتنكيس الْأَصْنَام لِابْنِ الْكَلْبِيّ وَمِنْهَا مَا يرجع إِلَى طَبَقَات الشُّعَرَاء وَغَيرهم وَهُوَ كتاب الشُّعَرَاء لِابْنِ قُتَيْبَة والمؤتلف والمختلف للآدمي والموشح لأبي عبيد الله المرزباني وَكتاب المعمرين لأبي حَاتِم السجسْتانِي وَكتاب المقتولين غيلَة لِابْنِ حبيب وَكتاب من نسب إِلَى أمه من الشُّعَرَاء لَهُ أَيْضا وَكتاب المنسوبين إِلَى أمهاتهم للحلواني بِخَطِّهِ وطبقات النَّحْوِيين للتاريخي وطبقاتهم أَيْضا لأبي عبد الله اليمني ومعجم الأدباء لياقوت الْحَمَوِيّ فِي عدَّة مجلدات

وَمِنْهَا مَا يرجع إِلَى كتب اللُّغَة وَهُوَ الجمهرة لِابْنِ دُرَيْد والصحاح للجوهري والعباب للصاغاني والقاموس لمجد الدَّين واليواقيت لأبي عمر المطرزي وَكتاب لَيْسَ لِابْنِ خالويه وَالنِّهَايَة لِابْنِ الْأَثِير والزاهر لِابْنِ الْأَنْبَارِي والمصباح لخطيب الدهشة والتقريب فِي علم الْغَرِيب لوَلَده وَكتاب النَّبَات فِي مجلدات كبار سِتَّة لأبي حنيفَة الدينَوَرِي وَإِصْلَاح الْمنطق لِابْنِ السّكيت وَشَرحه للبلي ومختصره للخطيب التبريزي وَكتاب الْأَلْفَاظ لِابْنِ السّكيت وأدب الْكَاتِب لِابْنِ قُتَيْبَة وَشَرحه للجواليقي وَلابْن السَّيِّد البطليوسي وللزجاجي وللبلي وَلابْن بري والفصيح لثعلب وشروحه لِابْنِ درسْتوَيْه وللهروي وللمرزوقي وللبلي وَلابْن هِشَام اللَّخْمِيّ ولغيرهم وذيل الفصيح لعبد اللَّطِيف الْبَغْدَادِيّ وَكتاب الأضداد لِابْنِ السّكيت ولعَبْد الْوَاحِد اللّغَوِيّ وَلغيره وَكتاب الفروق لأبي هِلَال العسكري وَكتاب الْبَيْضَة والدرع لأبي عُبَيْدَة وَخلق

الْإِنْسَان للزجاج والمعربات للجواليقي والمثلثات لِابْنِ السَّيِّد البطليوسي وَكتاب التفسح فِي اللُّغَة لأبي الْحُسَيْن النَّحْوِيّ والمرصع لِابْنِ الْأَثِير والمزهر للجلال السُّيُوطِيّ وَكتاب الْقلب والإبدال لِابْنِ السّكيت وَكتاب الْمُذكر والمؤنث لَهُ أَيْضا وَلغيره وَكتاب الْأَيَّام والليالي للفراء وَكتاب الْيَوْم وَاللَّيْلَة والشهر وَالسّنة والدهر لأبي عمر المطرزي كتاب الأنواء وَأَسْمَاء الشُّهُور للزجاج والأنواء لأبي الْعَلَاء المعري وَغَيره والمقصور والممدود لِابْنِ الْأَنْبَارِي وللقالي وَلابْن ولاد ولغيرهم وَغير ذَلِك وَمِنْهَا مَا يتَعَلَّق بأغلاط اللغويين وَهُوَ التَّنْبِيهَات على أغاليط الروَاة لعَلي ابْن حَمْزَة الْبَصْرِيّ وَفِيه أغلاط نَوَادِر أبي زِيَاد الْكلابِي وأغلاط نَوَادِر أبي عَمْرو الشَّيْبَانِيّ وأغلاط النَّبَات لأبي حنيفَة الدينَوَرِي وأغلاط الْغَرِيب المُصَنّف لأبي عبيد وأغلاط إصْلَاح الْمنطق لِابْنِ السّكيت وأغلاط الجمهرة لِابْنِ دُرَيْد وأغلاط الْمجَاز لأبي عُبَيْدَة وأغلاط الفصيح لثعلب

وأغلاط الْكَامِل للمبرد وَغير ذَلِك وَكتاب التَّصْحِيف لِلْحسنِ العسكري وَكتاب التَّنْبِيه على حُدُوث التَّصْحِيف لِحَمْزَة الْأَصْفَهَانِي ولحن الْعَامَّة للجواليقي وَلأبي بكر الزبيدِيّ وحاشية ابْن بري على صِحَاح الْجَوْهَرِي وإغلاط الْجَوْهَرِي للصلاح الصَّفَدِي ودرة الغواص للحريري وَشَرحهَا لِأَبْنِ بري وَلابْن ظفر وَلابْن الْحَنْبَلِيّ ولشيخنا الشهَاب الخفاجي وَمِنْهَا كتب الْأَمْثَال وَهِي أَمْثَال أبي عبيد الْقَاسِم بن سَلام وَشَرحهَا لتلميذه وأمثال أبي فيد مؤرج السدُوسِي والفاخر للمفضل بن سَلمَة والأمثال الَّتِي على أفعل لِحَمْزَة الْأَصْفَهَانِي وَمجمع الْأَمْثَال للميداني ومستقصى الْأَمْثَال للزمخشري وَغير ذَلِك وَمِنْهَا كتب الْأَمَاكِن والبلاد وَهِي المعجم فِيمَا استعجم لأبي عبيد الْبكْرِيّ فِي ثَلَاث مجلدات كبار ومعجم الْبلدَانِ لياقوت الْحَمَوِيّ فِي عشر مجلدات كبار وَغير ذَلِك مِمَّا لَو سردته لطال وأورث السأم والملال

(الأمر الثالث يتعلق بترجمة الشارح المحقق والحبر المدقق رحمه الله وتجاوز عنه)

(الْأَمر الثَّالِث يتَعَلَّق بترجمة الشَّارِح الْمُحَقق والحبر المدقق رَحِمَهُ اللَّهُ وَتجَاوز عَنهُ) وَلم أطلع على تَرْجَمَة لَهُ وافية بالمراد وَقد رَأَيْت فِي آخر نُسْخَة قديمَة من هَذَا الشَّرْح مَا نَصه هُوَ الْمولى الإِمَام الْعَالم الْعَلامَة ملك الْعلمَاء صدر الْفُضَلَاء مفتي الطوائف الْفَقِيه الْمُعظم نجم الْملَّة وَالدّين مُحَمَّد بن الْحسن الأستراباذي وَقد أمْلى هَذَا الشَّرْح بالحضرة الشَّرِيفَة الغروية فِي ربيع الآخر من سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة هَذَا صُورَة مَا رَأَيْته وَهَذَا التَّارِيخ غير مُوَافق لما أرخه هُوَ فِي آخر شَرحه قبل أَحْكَام هَاء السكت قَالَ فِيهِ هَذَا آخر شرح الْمُقدمَة وَالْحَمْد لله على إنعامه وإفضاله بِتَوْفِيق إكماله وصلواته على مُحَمَّد وكرام آله وَقد تمّ تَمَامه وَختم اختتامه فِي الحضرة المقدسة الغروية على مشرفها أفضل تَحِيَّة رب الْعِزَّة وَسَلَامه فِي شَوَّال سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة وَقد أوردهُ الْجلَال السُّيُوطِيّ فِي مُعْجم النَّحْوِيين وَلم يعرف اسْمه قَالَ الرضي الإِمَام الْمَشْهُور صَاحب شرح الكافية لِابْنِ الْحَاجِب الَّذِي لم يؤلف عَلَيْهَا بل وَلَا فِي غَالب كتب النَّحْو مثله جمعا وتحقيقا وَحسن تَعْلِيل وَقد أكب النَّاس عَلَيْهِ وتداولوه وَاعْتَمدهُ شُيُوخ الْعَصْر فَمن قبلهم فِي مصنفاتهم ودروسهم وَله فِيهِ أبحاث واختيارات جمة ومذاهب ينْفَرد بهَا ولقبه نجم الْأَئِمَّة وَلم أَقف على اسْمه وَلَا على شَيْء من تَرْجَمته إِلَّا أَنه فرغ من تأليفه هَذَا الشَّرْح سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة وَأَخْبرنِي صاحبنا شمس الدَّين بن عوم

بِمَكَّة أَن وَفَاته سنة أَربع وَثَمَانِينَ أَو سِتّ وسِتمِائَة الشَّك مني وَله شرح على الشافية هَذَا مَا ذكره السُّيُوطِيّ والتاريخان غير موافقين لما ذَكرْنَاهُ وَقد ذكر البقاعي فِي مناسبات الْقُرْآن تَارِيخ هَذَا الشَّرْح كَمَا نقلنا قَالَ هُوَ مُحَمَّد بن الْحسن الأستراباذي الْعَلامَة نجم الدَّين وتمم شرح الكافية فِي سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة وَلم ينْقل الشَّرْح من الْعَجم إِلَى الديار المصرية إِلَّا بعد أبي حَيَّان وَابْن هِشَام ا. هـ. وعَلى هَذَا لَا يُمكن أَن يكون تَارِيخ وَفَاته مَا ذكره السُّيُوطِيّ فَإِنَّهُ عَاشَ مُدَّة يحرر شَرحه وَلِهَذَا تخْتَلف نسخه اخْتِلَافا كثيرا كَمَا نَقله السَّيِّد الْجِرْجَانِيّ فِي إِجَازَته الآتيه وَشَرحه للشافية مُتَأَخّر عَن شَرحه للكافية فَلَا يَصح ذَلِك التَّارِيخ وعصره قريب من عصر ابْن الْحَاجِب فَإِن وَفَاة ابْن الْحَاجِب كَانَت فِي سنة سِتّ وَأَرْبَعين وسِتمِائَة وَقد رَأَيْت أَن أكتب هُنَا صُورَة إجَازَة الشريف الْجِرْجَانِيّ لمن قَرَأَ عَلَيْهِ هَذَا الشَّرْح فَإِنَّهُ بَالغ فِي تقريظه وأطرى ومدح الشَّارِح بِمَا هُوَ اللَّائِق والأحرى وَهِي هَذِه أَحْمَده على جزيل نواله وأصلي على نبيه مُحَمَّد وَصَحبه وَآله وَبعد فَإِن صناعَة الْإِعْرَاب لَا يخفي شَأْنهَا فِي رَفعه مَكَانهَا تجْرِي من عُلُوم الْأَدَب مجْرى الأساس وتتنزل مِنْهَا منزلَة الْبُرْهَان من الْقيَاس وَبهَا يتم ارتشاف الضَّرْب من تراكيب كَلَام الْعَرَب بل هِيَ مرقاة مَنْصُوبَة إِلَى علم الْبَيَان المطلع على نكت نظم الْقُرْآن وَإِن شرح الكافية للْعَالم الْكَامِل نجم الْأَئِمَّة وفاضل الْأمة مُحَمَّد بن الْحسن الرضي الأستراباذي تغمده الله بغفرانه وَأَسْكَنَهُ بحبوحة جنانه كتاب جليل الْخطر مَحْمُود الْأَثر يحتوى من أصُول هَذَا الْفَنّ

على أمهاتها وَمن فروعه على نكاتها قد جمع بَين الدَّلَائِل والمباني وتقريرها وَبَين تَكْثِير الْمسَائِل والمعاني وتحريرها وَبَالغ فِي توضيح المناسبات وتوجيه المباحثات حَتَّى فاق ببيانه على أقرانه وَجَاء كِتَابه هَذَا كعقد نظم فِي جَوَاهِر الحكم بزواهر الْكَلم لَكِن وَقع فِيهِ تغييرات وَشَيْء كثير من المحور والإنبات وَبدل بذلك صور نُسْخَة تبديلا بِحَيْثُ لَا نجد إِلَى سيرتها سَبِيلا وَإِنِّي مَعَ مَا منيت بِهِ من الأشغال واختلال الْحَال وانتكاس سوق الْفضل والكمال وانقراض عصر الرِّجَال الَّذين كَانُوا محط الرّحال ومنبع الأفضال ومعدن الإقبال وَمجمع الآمال وتلاطم أمواج الوسواس من غَلَبَة أَفْوَاج الشَّوْكَة وَظُهُور الْفساد فِي الْبر وَالْبَحْر بِمَا كسبت أَيدي النَّاس قد بذلت وسعي فِي تَصْحِيحه بِقدر مَا وَفِي بِهِ حسي مَعَ تِلْكَ الْعَوَائِق ووسعه مقدرتي مَعَ مَوَانِع الْعَوَائِق فتصحح إِلَّا مَا ندر أَو طَغى بِهِ الْقَلَم أَو زاغ الْبَصَر وَقد قَرَأَهُ على من أَوله إِلَى آخِره الْمولى الإِمَام والفاضل الْهمام زبدة أقرانه فِي زَمَانه وأسوة الأفاضل فِي أَوَانه مُحَمَّد حاجي ابْن الشَّيْخ المرحوم السعيد عمر بن مُحَمَّد زيدت فضائله كَمَا طابت شمائله قِرَاءَة بحث وإتقان وكشف وإيقان وَقد نقر فِيهَا عَن معضلاته وكشف عَن وُجُوه مخدراته هَذَا وَقد أجزته أَن يرويهِ عني مَعَ سَائِر مَا سَمعه عَليّ من الْأَحَادِيث وفنون الْأَدَب والأصولين راجيا مِنْهُ أَن لَا ينساني فِي خلواته وَفِي دعواته عقيب صلواته لَعَلَّ الله يجمعنا فِي جناته ويتغمدنا بمرضاته إِنَّه على مَا يَشَاء قدير وبالإجابة جدير وحسبنا الله وَنعم الْوَكِيل نعم الْمولى وَنعم النصير كتبه الْفَقِير الحقير الْجَانِي عَليّ بن مُحَمَّد الْحُسَيْنِي الْجِرْجَانِيّ وَذَلِكَ بمحروسة سَمَرْقَنْد سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانمِائَة

وَهَذَا آخر الْإِجَازَة وَقد حَان أَن نشرع فِيمَا انتوينا ونتوجه إِلَى مَا انتحينا راجين من الله إخلاص الْعَمَل والعصمة عَن الزيغ والخطل وَمن هُنَا نقُول وعَلى الله الْقبُول أنْشد فِي خَواص الأسم (الطَّوِيل) (يَقُول الخنى وَأبْغض الْعَجم ناطقا ... إِلَى رَبنَا صَوت الْحمار اليجدع) أوردهُ الشَّارِح وَابْن هِشَام فِي مُغنِي اللبيب على أَن أل فِي اليجدع اسْم مَوْصُول دخل على صَرِيح الْفِعْل لمشابهته لاسم الْمَفْعُول وَهُوَ مَعَ ذَلِك شَاذ قَبِيح لَا يَجِيء إِلَى فِي ضَرُورَة وَقَالَ الْأَخْفَش أَرَادَ الَّذِي يجدع كَمَا تَقول هُوَ ال يَضْرِبك تُرِيدُ الَّذِي يَضْرِبك وَقَالَ ابْن السراج فِي كتاب الْأُصُول لما احْتَاجَ إِلَى رفع القافية قلب الِاسْم فعلا وَهُوَ من أقبح ضرورات الشّعْر قيل لَا ضَرُورَة فِيهِ فَإِنَّهُ يُمكن أَن يَقُول يجدع بِدُونِ أل لِاسْتِقَامَةِ الْوَزْن وَأَن يَقُول المتقصع أَقُول هَذَا مبْنى على أَن معنى الضَّرُورَة عِنْد هَذَا الْقَائِل مَا لَيْسَ للشاعر عَنهُ مندوحة وَهُوَ فَاسد كَمَا يَأْتِي بَيَانه وَالصَّحِيح تَفْسِيرهَا بِمَا وَقع فِي الشّعْر دون النثر سَوَاء كَانَ عَنهُ مندوحة أَو لَا قَالَ شَارِح شَوَاهِد الألفية ذَاك مُسلم فِي يجدع دون المتقصع فَإِنَّهُ يلْزمه الإقواء وَهُوَ عيب أَقُول لَا يلْزمه الإقواء فَإِن اليربوع مَرْفُوع والمتقصع وَصفه كَمَا يَأْتِي بَيَانه وَقيل أل فِيهِ زَائِدَة وَالْجُمْلَة صفة الْحمار أَو حَال مِنْهُ لِأَن أل فِي الْحمار جنسية وَهَذَا لَا يتمشى فِي أخواته

وَقَول الشَّارِح الْمُحَقق لمشابهته لاسم الْمَفْعُول يُرِيد أَنَّهَا إِذا دخلت على مضارع مبْنى للْمَفْعُول إِنَّمَا تدخل عَلَيْهِ لمشابهته لاسم الْمَفْعُول نَحْو اليجدع واليتقصع وَقَول الفرزدق (الْبَسِيط) (مَا أَنْت بالحكم الترضى حكومته ... وَلَا الْأَصِيل وَلَا ذِي الراي والجدل) وَإِذا دخلت على مضارع مَبْنِيّ للْفَاعِل إِنَّمَا تدخل عَلَيْهِ لمشابهته لاسم الْفَاعِل كَقَوْلِه (الطَّوِيل) (وَلَيْسَ اليرى للخل مثل الَّذِي يرى ... لَهُ الْخلّ أَهلا أَن يعد خَلِيلًا) وَقَوله (الْبَسِيط) (مَا كاليروح وَيَغْدُو لاهيا فَرحا ... مشمر يستديم الحزم ذُو رشد) وَقَوله (السَّرِيع) (لَا تبعثن الْحَرْب إِنِّي لَك الينذر ... من نيرانها فَاتق) وَقَوله (الطَّوِيل) (فذو المَال يُؤْتِي مَاله دون عرضه ... لما نابه والطارق اليتعمل) وَقَوله (الطَّوِيل) (أحين اصطباني أَن سكت وإنني ... لفي شغل عَن دخلي اليتتبع) وَقَول أبي عَليّ الْفَارِسِي فِي الْمسَائِل العسكرية إِن دُخُول أل على الْفِعْل الْمُضَارع لم يُوجد إِلَّا فِي اليجدع واليتقصع وأظن حرفا أَو حرفين آخَرين لَيْسَ كَذَلِك كَمَا ذكرنَا وَسكت عَن دُخُولهَا على الظّرْف نَحْو (الرجز) (من لَا يزَال شاكرا على المعه ... فَهُوَ حر بعيشة ذَات سعه) وَقَوله (الطَّوِيل) (وغيرني مَا غال قيسا ومالكا ... وعمرا وحجرا بالمشقر ألمعا)

يُرِيد اللَّذين مَعًا وَقَالَ الْكسَائي أَرَادَ مَعًا وأل زَائِدَة وَعَن دُخُولهَا على الْجُمْلَة الأسمية نَحْو (الوافر) (بل الْقَوْم الرَّسُول الله فيهم ... هم أهل الْحُكُومَة من قصي) لِأَنَّهُ لَا يرد النَّقْض بهَا وَإِن كَانَت مَوْصُولَة أُسَمِّيهِ شَاذَّة كشذوذها مَعَ الْفِعْل وَالْكل خَاص بالشعر قَالَ الشاطبي فِي شرح ألفية ابْن مَالك وَأما آل فمختصه بالأسماء على جَمِيع وجوهها من كَونهَا لتعريف الْعَهْد أَو الْجِنْس أَو زَائِدَة أَو مَوْصُولَة أَو غير ذَلِك من أقسامها وَأعلم أَن صَرِيح مَذْهَب الشَّارِح الْمُحَقق فِي الضَّرُورَة هُوَ الْمَذْهَب الثَّانِي وَهُوَ مَا وَقع فِي الشّعْر وَهُوَ مَذْهَب الْجُمْهُور وَذهب ابْن مَالك إِلَى أَنَّهَا مَا لَيْسَ للشاعر عَنهُ مندوحة فوصل أل بالمضارع وَغَيره عِنْده جَائِز اخْتِيَارا لكنه قَلِيل وَقد صرح بِهِ فِي شرح التسهيل فَقَالَ وَعِنْدِي أَن مثل هَذَا غير مَخْصُوص بِالضَّرُورَةِ لِإِمْكَان أَن يَقُول الشَّاعِر صَوت الْحمار يجدع وَمَا من يرى للخل والمتقصع وَإِذا لم يَفْعَلُوا ذَلِك مَعَ الِاسْتِطَاعَة فَفِي ذَلِك إِشْعَار بِالِاخْتِيَارِ وَعدم الِاضْطِرَار وَمَا ذهب إِلَيْهِ بَاطِل من وُجُوه أَحدهَا إِجْمَاع النُّحَاة على عدم اعْتِبَار هَذَا المنزع وعَلى إهماله فِي النّظر القياسي جملَة وَلَو كَانَ مُعْتَبرا لنبهوا عَلَيْهِ الثَّانِي أَن الضَّرُورَة عِنْد النُّحَاة لَيْسَ مَعْنَاهَا أَنه لَا يُمكن فِي الْموضع غير مَا ذكر إِذْ مَا من ضَرُورَة إِلَّا وَيُمكن أَن يعوض من لَفظهَا غَيره وَلَا يُنكر هَذَا إِلَّا جَاحد لضَرُورَة الْعقل هَذِه الرَّاء فِي كَلَام الْعَرَب من الشياع فِي الِاسْتِعْمَال بمَكَان لَا يجهل وَلَا تكَاد تنطق بجملتين تعريان عَنْهَا وَقد هجرها وَاصل بن عَطاء لمَكَان لثغته فِيهَا حَتَّى كَانَ

يناظر الْخُصُوم ويخطب على الْمِنْبَر فَلَا يسمع فِي نطقه رَاء فَكَانَ إِحْدَى الْأَعَاجِيب حَتَّى صَار مثلا وَلَا مرية فِي أَن اجْتِنَاب الضَّرُورَة الشعرية أسهل من هَذَا بِكَثِير وَإِذا وصل الْأَمر إِلَى هَذَا الْحَد أدّى أَن لَا ضَرُورَة فِي شعر عَرَبِيّ وَذَلِكَ خلاف الْإِجْمَاع وَإِنَّمَا معنى الضَّرُورَة أَن الشَّاعِر قد لَا يخْطر بِبَالِهِ إِلَّا لَفظه مَا تضمنته ضَرُورَة النُّطْق بِهِ فِي ذَلِك الْموضع إِلَى زِيَادَة أَو نقص أَو غير ذَلِك بِحَيْثُ قد ينتبه غَيره إِلَى أَن يحتال فِي شَيْء يزِيل تِلْكَ الضَّرُورَة الثَّالِث أَنه قد يكون للمعنى عبارتان أَو أَكثر وَاحِدَة يلْزم فِيهَا ضَرُورَة إِلَّا أَنَّهَا مُطَابقَة لمقْتَضى الْحَال وَلَا شكّ أَنهم فِي هَذِه الْحَال يرجعُونَ إِلَى الضَّرُورَة لِأَن اعتناءهم بالمعاني أَشد من اعتنائهم بالألفاظ وَإِذا ظهر لنا فِي مَوضِع أَن مَا لَا ضَرُورَة فِيهِ يصلح هُنَالك فَمن أَيْن يعلم أَنه مُطَابق لمقْتَضى الْحَال الرَّابِع أَن الْعَرَب قد تأبى الْكَلَام القياسي لعَارض زحاف فتستطيب المزاحف دون غَيره أَو بِالْعَكْسِ فتركب الضَّرُورَة لذَلِك وَقد بسط الرَّد عَلَيْهِ الشاطبي فِي شرح الألفية وَهَذَا أنموذج مِنْهُ ثمَّ قَالَ وَقد بيّنت هَذِه الْمَسْأَلَة بِمَا هُوَ أوسع من هَذَا فِي بَاب الضرائر من أصُول الْعَرَبيَّة وَهَذَا الْبَيْت ثَانِي أَبْيَات سَبْعَة أوردهَا أَبُو زيد فِي نوادره لذِي الْخرق الطهوي وَهِي (الطَّوِيل) (أَتَانِي كَلَام الثَّعْلَبِيّ ابْن ديسق ... فَفِي أَي هَذَا ويله يتترع) (يَقُول الخنى وَأبْغض الْعَجم ناطقا ... إِلَى رَبنَا صَوت الْحمار اليجدع) (فَهَلا تمناها إِذْ الْحَرْب لاقح ... وَذُو النبوان قَبره يتصدع) (يأتك حَيا دارم وهما مَعًا ... ويأتك ألف من طهية أَقرع) ...

(فيستخرج اليربوع من نافقائه ... وَمن جُحْره بالشيحة اليتقصع) (وَنحن أَخذنَا الْفَارِس الْخَيْر مِنْكُم ... فظل وأعييا ذُو الفقار يكرع) (وَنحن أَخذنَا قد علمْتُم أسيركم ... يسارا فنحدي من يسَار وننقع) قَوْله أَتَانِي كَلَام الثَّعْلَبِيّ هُوَ بِفَتْح الْمُثَلَّثَة وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة كَمَا فِي نَوَادِر أبي زيد فِي نُسْخَة قديمَة صَحِيحَة نِسْبَة إِلَى ثَعْلَبَة بن يَرْبُوع أبي قَبيلَة لَا بمثناة فوقية فغين مُعْجمَة نِسْبَة إِلَى تغلب بن وَائِل أبي قَبيلَة كَمَا ضَبطه بَعضهم فَإِن ابْن ديسق هُوَ أَبُو مذعور طَارق بن ديسق بن عَوْف بن عَاصِم بن عبيد بن ثَعْلَبَة ابْن يَرْبُوع كَذَا سرد نسبه الْأسود أَبُو مُحَمَّد الْأَعرَابِي الغندجاني فِي شَرحه نَوَادِر ابْن الْأَعرَابِي وَأورد لَهُ شعرًا جيدا وديسق علم مَنْقُول قَالَ الصَّاغَانِي فِي الْعباب قَالَ اللَّيْث الديسق خوان من فضَّة وَالطَّرِيق الْمُسْتَعْمل والحوض الملآن وَالشَّيْخ والنور وكل حلي من فضَّة بَيْضَاء صَافِيَة ووعاء من أوعيتهم مَأْخُوذ من الدسق بِفتْحَتَيْنِ وَهُوَ امتلاء الْحَوْض يُقَال مَلَأت الْحَوْض حَتَّى دسق أَي ساح مَاؤُهُ وَقيل هُوَ بَيَاض الْحَوْض وبريقة وَقَوله يتترع التترع بفتحتي التَّاء الْمُثَنَّاة فَوق وَالرَّاء فِي الْعباب ترع الرجل كفرح إِذا اقتحم الْأُمُور مرحا ونشاطا وَقيل ترع سارع إِلَى الشَّرّ وَالْغَضَب وتترع إِلَيْهِ بِالشَّرِّ أَي تسرع وَكَأَنَّهُ توعده بِالْقَتْلِ والسبي والنهب وَمَا أشبه ذَلِك يَقُول إِلَى أَي هَذِه الْأُمُور يسابق بشره وبلائه وَقَوله يَقُول الخنى الْبَيْت قَالَ الْجَوْهَرِي وَتَبعهُ الصَّاغَانِي هَذَا من أَبْيَات الْكتاب وَهَذَا لَا اصل لَهُ وَقد تصفحت شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ

فِي عدَّة نسخ وَلم أَجِدهُ فِيهَا قَالَ الصَّاغَانِي لم أجد هَذَا الْبَيْت فِي شعر ذِي الْخرق وَقد قَرَأت شعره فِي أشعار بني طهية وسَاق لَهُ أبياتا سَبْعَة لم يكن هَذَا الْبَيْت فِيهَا وَذكر لَهُ بَيْتا بدل مَا قبل الْبَيْت الْأَخير وَهُوَ (الطَّوِيل) (وَنحن حبسنا الدهم وسط بُيُوتكُمْ ... فَلم تقربوها والرماح تزعزع) والخنى بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة وَالنُّون الْفُحْش من الْكَلَام وألفه منقلبة عَن يَاء وَلِهَذَا كتبت بِالْيَاءِ يُقَال كَلَام خن وَكلمَة خنية وَقد خني عَلَيْهِ بِالْكَسْرِ وأخنى عَلَيْهِ فِي منْطقَة إِذا أفحش وَهُوَ مَنْصُوب بالْقَوْل لتَضَمّنه معنى الْجُمْلَة كقلت قصيدة فَلَا حَاجَة لتأويل يَقُول بيفوه وَيتَكَلَّم وَجُمْلَة يَقُول الخنى تَفْسِير لقَوْله أَتَانِي كَلَام الثَّعْلَبِيّ وَأبْغض اسْم تَفْضِيل على غير قِيَاس لِأَنَّهُ بِمَعْنى اسْم الْمَفْعُول من أبغضته إبغاضا فَهُوَ مبغض أَي مقته وكرهته وَلِأَنَّهُ من غير الثلاثي أَو هُوَ من بغض الشَّيْء بِالضَّمِّ بغاضة بِمَعْنى صَار بغيضا فَلَا شذوذ قَالَ السخاوي فِي شرح الْمفصل قَالُوا هُوَ أبْغض لي من زيد وأمقت لي مِنْهُ أَي يبغضني أَكثر مِمَّا يبغضني زيد وَقَالُوا إِنَّه مَرْدُود إِلَى بغض ومقت يُقَال بغض بغاضة إِذا صَار بغيضا قَالَ ابْن بري إِنَّمَا جعل شاذا لِأَنَّهُ جعل من أبْغض والتعجب لَا يكون من أفعل إِلَّا بأشد وَلَيْسَ كَمَا ظن الْجَوْهَرِي بل هُوَ من بغض فلَان إِلَيّ وَحكى اللغويون والنحويون مَا أبغضني لَهُ إِذا كنت أَنْت الْمُبْغض لَهُ وَمَا أبغضني إِلَيْهِ إِذا كَانَ هُوَ الْمُبْغض لَك انْتهى وَإِلَى فِي التَّفْضِيل غير مَا ذكر فِي التَّعَجُّب فَإِن إِلَى هُنَا بِمَعْنى عِنْد ومجرورها فَاعل معنى والعجم جمع أعجم وعجماء وَهُوَ الْحَيَوَان الَّذِي لَا ينْطق والأعجم أَيْضا الْإِنْسَان الَّذِي فِي لِسَانه عجمة وَإِن كَانَ بدويا لشُبْهَة

بِالْحَيَوَانِ وناطقا فَاعل من النُّطْق قَالَ الرَّاغِب النُّطْق فِي التعارف الْأَصْوَات الْمُقطعَة الَّتِي يظهرها اللِّسَان وَتَعيهَا الآذان وَلَا يُقَال للحيوانات نَاطِق إِلَّا مُقَيّدا أَو على طَرِيق التَّشْبِيه كَقَوْل الشَّاعِر (الطَّوِيل) (عجبت لَهَا أَنى يكون غنَاؤُهَا ... فصيحا وَلم تفغر بمنطقها فَمَا) انْتهى وَهُوَ هُنَا مجَاز عَن الصَّوْت من إِطْلَاق الْخَاص وَإِرَادَة الْعَام وَهُوَ مَنْصُوب على التَّمْيِيز للنسبة وَأَصله وَأبْغض نطق الْعَجم أَي تصويتها فَلَمَّا حذف صَارَت نِسْبَة البغض إِلَى الْعَجم مُبْهمَة ففسرت بالتمييز ولابد من هَذَا الْمَحْذُوف ليَصِح الْإِخْبَار أَرَادَ الشَّاعِر تَشْبِيه صَوته إِذْ يَقُول الخنى فِي بشاعته بِصَوْت الْحمار إِذْ تقطع أذنَاهُ وَصَوت الْحمار شنيع فِي غير تِلْكَ الْحَال فَمَا الظَّن بِهِ فِيهَا وَزعم جمَاعَة أَن ناطقا حَال ثمَّ اخْتلفُوا فَقَالَ بَعضهم هُوَ حَال من الْعَجم وَيرد عَلَيْهِ أَنه مفرج وَصَاحب الْحَال جمع وَمن صَححهُ بإنابة الْمُفْرد مناب الْجمع أَو أَن ناطقا بِمَعْنى ذَات نطق فقد تكلّف وَقَالَ بَعضهم هُوَ حَال من أبْغض وَيرد عَلَيْهِ أَن الْأَصَح أَن الْمُبْتَدَأ لَا يتَقَيَّد بِالْحَال وَجوز هَذَا الْقَائِل أَن يكون حَالا من ضمير يَقُول مَعَ أعترافه بِأَنَّهُ يلْزم الْفَصْل بَين الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر بالأجنبي وَذهب بَعضهم إِلَى أَنه حَال من ضمير أبْغض وَهَذَا سَهْو إِذْ لَيْسَ فِيهِ ضمير وَلَو كَانَ خَبرا لتحمله وَقَوله إِلَى رَبنَا مُتَعَلق بأبغض وروى ابْن جني فِي سر الصِّنَاعَة إِلَى ربه فَالضَّمِير يرجع إِلَى ابْن ديسق وَقَوله اليجدع قَالَ الصَّاغَانِي الجدع بِالدَّال الْمُهْملَة قطع الْأنف وَقطع الْأذن وَقطع الْيَد وَقطع الشّفة وجدعته أَي سجنته وحبسته ثمَّ قَالَ وحمار مجدع مَقْطُوع الْأُذُنَيْنِ وَأنْشد هَذَا الْبَيْت عَن نَوَادِر أبي زيد وَزعم شَارِح

مُغنِي اللبيب وَهُوَ الْحق أَنه من جدعت الْحمار سجنته قَالَ لِأَن الْحمار إِذا حبس كثر تصويته وَإِذا جعل من الجدع الَّذِي هُوَ قطع الْأذن لم يظْهر لَهُ معنى قَالَ السُّيُوطِيّ وَلَيْسَ كَمَا قَالَ لِأَن صَوت الْحمار حَالَة تقطيع أُذُنه أَكثر وأقبح وَكَأَنَّهُ ظن أَن المُرَاد صَوته بعد التجديع وَلَيْسَ كَذَلِك بل المُرَاد وَقت التجديع هَذَا كَلَامه وَفِيه نظر فَإِنَّهُ قيل لَا يصوت عِنْد قطع أُذُنه أصلا وَقيل إِن الْحمار إِذا كَانَ مَقْطُوع الْأذن يكون صَوته أرفع وَإِنَّمَا كَانَ صَوت الْحمار مستكرها لِأَن أَوله زفير وَآخره شهيق وَهَذِه الْحَالة تنفر مِنْهَا الطباع وَقد ورد تَمْثِيل الصَّوْت الْمُرْتَفع بِصَوْت الْحمار فِي الْقُرْآن قَالَ تَعَالَى فِي وَصِيَّة لُقْمَان لِابْنِهِ واغضض من صَوْتك إِن أنكر الْأَصْوَات لصوت الْحمير أَي أوحش الْأَصْوَات وأقبحها قَالَ القَاضِي وَفِي تَمْثِيل الصَّوْت الْمُرْتَفع بِهِ ثمَّ إِخْرَاجه مخرج الِاسْتِعَارَة مُبَالغَة شَدِيدَة وَقَالَ معِين الدَّين الصفوي شبه الرافعين صوتهم بالحمير من غير أَدَاة التَّشْبِيه مُبَالغَة فِي التنفير وَلما كَانَ صَوته لَا يكَاد يخْتَلف وأصوات سَائِر الْحَيَوَانَات مُخْتَلفَة جدا أفرد وجمعت وَالْحمير بِمَنْزِلَة أَسمَاء الْأَجْنَاس على الْأَصَح وَالظَّاهِر أَن أنكر الْأَصْوَات إِلَخ كَلَام لُقْمَان وَقيل هَذَا من كَلَام الله انْتهى وَهَذَا القَوْل الْأَخير يُنَاسِبه قَول الشَّاعِر إِلَى رَبنَا فَإِن إِلَى بِمَعْنى عِنْد وَقَالَ النَّسَفِيّ وَلَو كَانَ فِي ارْتِفَاع الصَّوْت فَضِيلَة لم يستشنع صَوت الْحمار الَّذِي هُوَ أرفع الْأَصْوَات وَقَوله فَهَلا تمناها الضَّمِير رَاجع إِلَى مَعْهُود فِي الذِّهْن أَي فَهَلا تمنى الْحَرْب حِين كَانَت حُبْلَى بمنايا الرِّجَال

ومقارعة الْأَبْطَال ولاقح من لقحت النَّاقة لقحا من بَاب تَعب فَهِيَ لاقح مُطَاوع ألقح الْفَحْل النَّاقة إلقاحا أحبلها كَذَا فِي الْمِصْبَاح وَقَوله وَذُو النبوان فِي شرح نَوَادِر أبي زيد وَذُو النبوان لم يعرفهُ أَبُو زيد والنبوان بِفَتْح النُّون وَالْبَاء الْمُوَحدَة اسْم مَاء بِنَجْد لبني أَسد وَقيل لبني السَّيِّد من ضبة كَذَا فِي مُعْجم الْبلدَانِ لياقوت الْحَمَوِيّ وَيُقَال لَهُ نبوان أَيْضا بِلَا لَام قَالَ أَبُو صَخْر الْهُذلِيّ (الْكَامِل) (وَلها بِذِي نبوان منزله ... قفر سوى الْأَرْوَاح والرهم) أَي لَهَا بأراضي نبوان منزلَة وَالْمرَاد ب ذِي النبوان هُنَا رجل وَهُوَ إِمَّا صَاحب هَذَا المَاء أَو لِأَنَّهُ دفن فِي ارضها والتصدع التشقق يُقَال صدعته صدعا من بَاب نفع شققته وصدعت الْقَوْم صدعا فتصدعوا فرقتهم فَتَفَرَّقُوا وَالْمرَاد بِهِ هُنَا الْحفر والنبش أَي هلا تمنيت الْحَرْب إِذْ قتلنَا مِنْكُم ذَا النبوان فحفرت لَهُ قبرا وواريته فِيهِ وَأَنت شَدِيد الْحزن عَلَيْهِ وَلم تقدر على الْأَخْذ بثأره وَقَوله يأتك حَيا دارم فِيهِ الْتِفَات من الْغَيْبَة إِلَى الْخطاب جزم يَأْتِ فِي جَوَاب شَرط مُقَدّر أَي إِن تمنيت حربنا يأتك الْحَيَّانِ من دارم دَفعه ودارم أَبُو قبيلتين من تَمِيم وطهية حَيّ من تَمِيم سموا باسم أمّهم وَهِي طهية بنت عبد شمس ابْن سعد بن زيد مَنَاة بن تَمِيم وَهِي أم أبي سود وعَوْف بن مَالك بن حَنْظَلَة وَالنِّسْبَة إِلَيْهَا طهوي بِسُكُون الْهَاء وَبَعْضهمْ يفتحها على الْقيَاس وأقرع بِالْقَافِ تَامّ يُقَال ألف أَقرع وَدِرْهَم أَقرع وَمِائَة قرعاء وَقَوله فيستخرج اليربوع ألخ الْفَاء للسَّبَبِيَّة ويستخرج مَنْصُوب بِأَن مضمرة وجوبا وَهُوَ مَبْنِيّ للْمَفْعُول وَيجوز بِالْبِنَاءِ

للْفَاعِل نِسْبَة إِلَى الْألف واليربوع دويبة تحفر الأَرْض وَالْيَاء زَائِدَة لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي كَلَام الْعَرَب فعلول سوى صعفوق على مَا فِيهِ وَله جحران أَحدهمَا القاصعاء وَهُوَ الَّذِي يدْخل فِيهِ وَأما قَول الفرزدق يهجو جَرِيرًا (الْكَامِل) (وَإِذا أخذت بقاصعائك لم تَجِد ... أحدا يعينك غير من يتقصع) فَمَعْنَاه إِنَّمَا أَنْت فِي ضعفك إِذا قصدت لَك كاولاد اليرابيع لَا يعينك إِلَّا ضَعِيف مثلك وَالْآخر النافقاء وَهُوَ الْجُحر الَّذِي يَكْتُمهُ وَيظْهر غَيره وَهُوَ مَوضِع يرققه فَإِذا أُتِي من قبل القاصعاء ضرب النافقاء بِرَأْسِهِ فانتفق أَي خرج وجمعهما قواصع ونوافق ونافق اليربوع أَخذ فِي نافقائه وَمِنْه الْمُنَافِق شبه باليربوع لِأَنَّهُ يخرج من الْإِيمَان من غير الْوَجْه الَّذِي دخل فِيهِ وَقيل لِأَنَّهُ يستر كفره فَشبه بِالَّذِي يدْخل النفق وَهُوَ السرب يسْتَتر فِيهِ والجحر يكون للضب واليربوع والحية وَالْجمع جحرة كعنبة وانجحر الضَّب على انفعل أَوَى إِلَى جحرة وَقَوله بالشيحة رُوَاة أَبُو عمر الزَّاهِد وَغَيره تبعا لِابْنِ الْأَعرَابِي ذِي الشيحة وَقَالَ لكل يَرْبُوع شيحة عِنْد جحرة ورد الْأسود أَبُو مُحَمَّد الْأَعرَابِي الغندجاني على ابْن الْأَعرَابِي وَقَالَ مَا أَكثر مَا يصحف فِي أَبْيَات الْمُتَقَدِّمين وَذَلِكَ أَنه توهم أَن ذَا الشيحة مَوضِع ينْبت الشيح وَإِنَّمَا الصَّحِيح وَمن جحرة بالشيخه بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة وَقَالَ هِيَ رَملَة بَيْضَاء فِي بِلَاد بني أَسد وحَنْظَلَة وَكَذَا رَوَاهُ الْجرْمِي أَيْضا والشين فِي الرِّوَايَتَيْنِ مَكْسُورَة وَقَوله اليتقصع رَوَاهُ أَبُو مُحَمَّد الْخَوَارِزْمِيّ عَن الرياشي بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول يُقَال تَقْصَعُ اليربوع دخل فِي قاصعائه فَتكون صفة

للجحر وصلته محذوفة أَي من جحرة الَّذِي يتقصع فِيهِ كَمَا قدره ابْن جني فِي سر الصِّنَاعَة وَرُوِيَ بِالْبِنَاءِ للْفَاعِل فَيكون صفة اليربوع وَلَا حذف وَرَوَاهُ أَبُو زيد المتقصع بِصِيغَة اسْم الْمَفْعُول وَقَالَ والمتقصع متفعل من القاصعاء فَيكون صفة اليربوع أَيْضا لَكِن فِيهِ حذف الصِّلَة قَالَ أَبُو الْحسن الْأَخْفَش فِي شرح نَوَادِر أبي زيد رَوَاهُ لنا أَبُو الْعَبَّاس ثَعْلَب اليتقصع واليجدع قَالَ هَكَذَا رَوَاهُ أَبُو زيد قَالَ وَالرِّوَايَة الجيدة عِنْده المتقصع والمجدع وَقَالَ لَا يجوز إِدْخَال أل على الْأَفْعَال فَإِن أُرِيد بهَا الَّذِي كَانَ افسد فِي الْعَرَبيَّة وَكَانَ لَا يلْتَفت إِلَى شَيْء من هَذِه الرِّوَايَات الَّتِي تشذ عَن الْإِجْمَاع والمقاييس وَمعنى الْبَيْت إِنَّكُم إِن حاربتمونا جئناكم بِجَيْش لهام يحيطون بكم فيوسعونكم قتلا وأسرا وَلَا نجاه لكم وَلَو احتلتم بِكُل حِيلَة كاليربوع الَّذِي يَجْعَل النافقاء حِيلَة لخلاصة من الحارش فَإِذا كثر عَلَيْهِ الحارش أخذُوا عَلَيْهِ من نافقائه وقاصعائه فَلَا يبْقى لَهُ مهرب الْبَتَّةَ وروى بعض شرَّاح الشواهد هَذَا الْبَيْت بعد الْبَيْتَيْنِ الْأَوَّلين وَلم يزدْ على الثَّلَاثَة وَظن أَن قَوْله يسْتَخْرج اليربوع بِالْبِنَاءِ للمعلوم مَعْطُوف على قَوْله يَقُول الخنى فَقَالَ ووصفة أخيرا بالخديعة وَالْمَكْر ثمَّ أَخذ الشَّاعِر فِي الْفَخر عَلَيْهِ بِمَا فعل قومه فيهم من الْقَتْل والأسر فِي الحروب السَّابِقَة فَقَالَ وَنحن أَخذنَا ألخ الْخَيْر هُنَا إِمَّا أفعل تَفْضِيل أَي أفضلكم وَإِمَّا مخفف خير بِالتَّشْدِيدِ أَي الْجيد الْفَاضِل ومنكم على التَّقْدِيرَيْنِ مُتَعَلق بأخذنا وَقَوله فظل أَي اسْتمرّ فِي أسرنا وَقَوله وأعيا ذُو الفقار هُوَ بِفَتْح الْفَاء قَالَ الصَّاغَانِي هُوَ معشر بن عَمْرو الْهَمدَانِي وَهُوَ فَاعل أعيا من أعيا فِي مَشْيه أَي كل بِمَعْنى لم يقدر على شَيْء وَجُمْلَة يكرع بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول حَال من الْفَاعِل وَمَعْنَاهُ تقطع أكارعه جمع كرَاع بِالضَّمِّ

(تتمة)

وَهُوَ كَمَا قَالَ ابْن فَارس من الْإِنْسَان مَا دون الرّكْبَة وَمن الدَّوَابّ مَا دون الكعب وروى الصَّاغَانِي وأضحى ذُو الفقار يكرع فجملة يكرع إِمَّا خبر أضحى أَو حَال أَيْضا إِن كَانَت تَامَّة وَقَوله وَنحن أَخذنَا قد علمْتُم الخ يَقُول نَحن قد فككنا يسارا الَّذِي أسرتموه من أسركم بِأَمْوَالِنَا فَنحْن نعطي ونضيف من ثروة وَأَنْتُم صعاليك لَا تقدرون على شَيْء من ذَلِك ويسار الأول اسْم رجل وَالثَّانِي بِمَعْنى الْغنى والثروة ونحذي بِضَم النُّون وَسُكُون الْمُهْملَة والذال الْمُعْجَمَة بِمَعْنى نعطي من الإحذاء وَهُوَ الْإِعْطَاء وننقع بالنُّون وَالْقَاف يُقَال نقع الْجَزُور ينقع بِفتْحَتَيْنِ نقوعا إِذا نحرها للضيافة قَالَ الصَّاغَانِي وَفِي كَلَام الْعَرَب إِذا لقى الرجل مِنْهُم قوما يَقُول ميلوا ينقع لكم أَي يجزر لكم كَأَنَّهُ يَدعُوهُم إِلَى دَعوته والنقيعة الْجَزُور الَّتِي تجزر للضيافة وَفسّر بعض من كتب على نَوَادِر أبي زيد ننقع بقوله نروى وَهَذَا غير مُنَاسِب وَقَالَ الرياشي حفظي ونمنع ومصدره الْمَنْع إِمَّا مُقَابل الْإِعْطَاء وَإِمَّا بِمَعْنى الحياطة والنصرة يُقَال فلَان فِي عز ومنعة بِالتَّحْرِيكِ وَقد تسكن النُّون وَكِلَاهُمَا مُنَاسِب لنحذي قَالَ الصَّاغَانِي وَالْمَانِع من صِفَات الله تَعَالَى لَهُ مَعْنيانِ أَحدهمَا مُقَابل الْإِعْطَاء وَالثَّانِي أَنه يمْنَع أهل دينه أَي يحوطهم وَيَنْصُرهُمْ (تَتِمَّة) نسب أَبُو زيد فِي نوادره هَذَا الشّعْر لذِي الْخرق الطهوي قَالَ وَهُوَ جاهلي وَمن لقب من الشُّعَرَاء من بني طهية ذَا الْخرق ثَلَاثَة أحدهم خَليفَة ابْن حمل بن عَامر بن حميري بن وقدان بن سبيع بن عَوْف بن مَالك بن حَنْظَلَة بن طهية ولقب ذَا الْخرق بقوله

(الْبَسِيط) (مَا بَال أم حُبَيْش لَا تكلمنا ... لما افتقرنا وَقد نثري فننتففق) (تقطع الطررف دوني وَهِي عابسة ... كَمَا تشاوس فِيك الثائر الحنق) (لما رَأَتْ إبلي جَاءَت حمولتها ... غرثى عِجَافًا عَلَيْهَا الريش والخرق) (قَالَت إِلَّا تبتغي مَالا تعيش بِهِ ... عَمَّا تلاقي وَشر العيشة الرمق) (فيئي إِلَيْك فَإنَّا معشر صَبر ... فِي الجدب لَا خفَّة فِينَا وَلَا ملق) (إِنَّا إِذا حطمة حتت لنا وَرقا ... نمارس الْعَيْش حَتَّى ينْبت الْوَرق) الثَّانِي قرط وَيُقَال لَهُ ذُو الْخرق بن قرط أَخُو بني سعيدة بن عَوْف ابْن مَالك بن حَنْظَلَة بن طهية وَهُوَ فَارس أَيْضا الثَّالِث شمير بن عبد الله بن هِلَال بن قرط بن سعيدة كَذَا فِي المؤتلف والمختلف للآمدي وَلم يذكر هَذَا صَاحب الْعباب وَلم أر من قيد أحد هَذِه الثَّلَاثَة بِكَوْنِهِ جاهليا فَلَا يظْهر أَن هَذَا الشّعْر لمن هُوَ من هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَة وَقَالَ الْعَيْنِيّ إِن ذَا الْخرق الطهوي صَاحب الشّعْر اسْمه دِينَار بن هِلَال وَلَا أَدْرِي من أَيْن نَقله وَقَالَ شَارِح شَوَاهِد الْمُغنِي وَفِي المؤتلف والمختلف للآمدي أَن اسْمه قرط شَاعِر جاهلي سمي بذلك لقَوْله (جَاءَت عِجَافًا عَلَيْهَا الريش والخرق) وَفِيه ثَلَاثَة أُمُور الأول أَن الْآمِدِيّ لم يذكر هَذَا الشّعْر فَكيف ينْسبهُ إِلَى قرط الثَّانِي أَنه لم يُقيد قرطا بِكَوْنِهِ جاهليا الثَّالِث أَن هَذَا الشّعْر

لَيْسَ لقرط وَإِنَّمَا هُوَ لخليفة بن حمل كَمَا تقدم آنِفا وَفِيه أَيْضا أَن الرِّوَايَة غرثى عِجَافًا لَا جَاءَت عِجَافًا بَقِي من يلقب بِذِي الْخرق من الشُّعَرَاء من غير طهيه وهم اثْنَان أَحدهمَا ذُو الْخرق الْيَرْبُوعي أحد بني صبير بن يَرْبُوع بن حَنْظَلَة بن مَالك بن زيد مَنَاة بن تَمِيم وَالثَّانِي ذُو الْخرق بن شُرَيْح بن سيف بن أبان بن دارم وَهَذَا وَالَّذِي قبله من شعراء الْجَاهِلِيَّة وَمن غير الشُّعَرَاء ذُو الْخرق النُّعْمَان بن رَاشد بن مُعَاوِيَة بن عَمْرو بن وهب ابْن مرّة كَانَ يعلم نَفسه فِي الْحَرْب بخرق حمر وصفر وَذُو الْخرق أَيْضا فرس عباد بن الْحَارِث بن عدي بن الْأسود كَانَ يُقَاتل عَلَيْهِ يَوْم الْيَمَامَة والخرق جمع خرقَة وَهِي الْقطعَة من الثَّوْب وَالْأسود الغندجاني تَرْجمهُ ياقوت الْحَمَوِيّ فِي مُعْجم الأدباء الْمُسَمّى إرشاد الأريب إِلَى معرفَة الأديب قَالَ هُوَ الْحسن بن أَحْمد أَبُو مُحَمَّد الْأَعرَابِي الْمَعْرُوف بالأسود الغندجاني اللّغَوِيّ النسابة وغندجان بلد قَلِيل المَاء لَا يخرج مِنْهُ إِلَّا أديب أَو حَامِل سلَاح فِي الْقَامُوس غندجان بِالْفَتْح بلد بِفَارِس بمفازة معطشة وَكَانَ الْأسود صَاحب دنيا وثروة وَكَانَ عَارِفًا بأيام الْعَرَب وَأَشْعَارهَا قيمًا بِمَعْرِِفَة أحوالها وَكَانَ مُسْتَنده فِيمَا يرويهِ عَن مُحَمَّد بن أَحْمد أبي الندى وَكَانَ قد رزق فِي أَيَّامه سَعَادَة وَذَاكَ أَنه كَانَ فِي كنف الْوَزير الْعَادِل أبي مَنْصُور بهْرَام بن مافنه وَزِير الْملك أبي كالنجار ابْن بهاء الدولة

ابْن بويه صَاحب شيراز وَقد خطب لَهُ بِبَغْدَاد بالسلطنة وَكَانَ الْأسود إِذا صنف لَهُ كتابا جعله باسمه وَكَانَ يفضل عَلَيْهِ إفضالا جما فأثرى من جِهَته وَمَات أَبُو مَنْصُور الْوَزير فِي سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وَأَرْبَعمِائَة قَالَ ياقوت وقرأت فِي بعض تصانيفه أَنه صنفه فِي شهور سنة اثْنَتَيْ عشرَة وَأَرْبَعمِائَة وَقُرِئَ عَلَيْهِ فِي سنة ثَمَان وَعشْرين وَأَرْبَعمِائَة وَله من التصانيف فرحة الأديب فِي الرَّد على يُوسُف بن أبي سعيد السيرافي فِي شرح أَبْيَات سِيبَوَيْهٍ وَكتاب قيد الأوابد فِي الرَّد على ابْن السيرافي أَيْضا فِي شرح أَبْيَات إصْلَاح الْمنطق وَكتاب ضَالَّة الأديب فِي الرَّد على ابْن الْأَعرَابِي فِي النَّوَادِر الَّتِي رَوَاهَا ثَعْلَب عَنهُ وَكتاب الرَّد على أبي عَليّ النمري فِي شرح مُشكل أَبْيَات الحماسة وَكتاب نزهة الأديب فِي الرَّد على أبي عَليّ فِي التَّذْكِرَة وَكتاب السل وَالسَّرِقَة وَكتاب الْخَيل مُرَتّب على حُرُوف المعجم وَكتاب فِي أَسمَاء الْأَمَاكِن وأكثرها عِنْدِي وَللَّه الْحَمد والْمنَّة وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد الثَّانِي من شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ (المتقارب) (وَلَا أَرض أبقل إبقالها) أَوله (فَلَا مزنة ودقت ودقها) أوردهُ نظيرا لعرفات فِي كَونهَا مُؤَنّثَة لَا يجوز فِيهَا التَّذْكِير إِلَّا بِتَأْوِيل بعيد وَهُوَ أَن يُرَاد بهما الْمَكَان وَأوردهُ أَيْضا فِي بَاب الْمُذكر والمؤنث

على أَنه لَا يحذف عَلامَة التَّأْنِيث من الْمسند إِلَى ضمير الْمُؤَنَّث الْمجَازِي إِلَّا لضَرُورَة الشّعْر وَهُوَ من شَوَاهِد الْكتاب وَمُغْنِي اللبيب قَالَ ابْن خلف الشَّاهِد فِيهِ أَنه ذكر أبقل وَهُوَ صفة للْأَرْض ضَرُورَة حملا على معنى الْمَكَان فَأَعَادَ الضَّمِير على الْمَعْنى وَهُوَ قَبِيح وَالصَّحِيح أَنه ترك فِيهِ عَلامَة التَّأْنِيث للضَّرُورَة وَاسْتغْنى عَنهُ مِمَّا علم من تَأْنِيث الأَرْض وَإِلَى هَذَا الْوَجْه أَشَارَ أَبُو عَليّ وَقَالَ غَيره وَإِنَّمَا قبح ذَلِك لاتصال الْفَاعِل الْمُضمر بِفِعْلِهِ فَكَأَنَّهُ كالجزء مِنْهُ حَتَّى لَا يُمكن الْفَصْل بَينهمَا بِمَا يسد مسد عَلامَة التَّأْنِيث وَلَا يخفي مَا فِيهِ وَعند ابْن كيسَان والجوهري أَن الْفِعْل إِذا كَانَ مُسْندًا لضمير الْمُؤَنَّث الْمجَازِي لَا يجب إِلْحَاق عَلامَة التَّأْنِيث وَقَول بَعضهم وَهَذَا لَيْسَ بضرورة لِأَنَّهُ كَانَ يُمكنهُ أَن يَقُول وَلَا أَرض أبقلت إبقالها بِنَقْل حَرَكَة الْهمزَة إِلَى مَا قبلهَا وإسقاطها لَيْسَ بجيد لِأَن الصَّحِيح أَن الضَّرُورَة مَا وَقع فِي الشّعْر سَوَاء كَانَ للشاعر عَنهُ فسحة أم لَا وَأجَاب السيرافي بِأَنَّهُ يجوز أَن يكون هَذَا الشَّاعِر لَيْسَ من لغته تَخْفيف الْهمزَة وَحِينَئِذٍ لَا يُمكنهُ مَا ذكره وَذكر ابْن يسعون أَن بَعضهم رَوَاهُ بِالتَّاءِ بِالنَّقْلِ الْمَذْكُور وَقَالَ ابْن هِشَام فَإِن صحت الرِّوَايَة وَصَحَّ أَن الْقَائِل ذَلِك هُوَ الَّذِي قَالَ وَلَا أَرض أبقل بالتذكير صَحَّ لِابْنِ كيسَان مدعاه وَإِلَّا فقد كَانَت الْعَرَب ينشد بَعضهم بَعْضًا وكل يتَكَلَّم على مُقْتَضى لغته الَّتِي فطر عَلَيْهَا وَمن هُنَا كثرت الرِّوَايَات فِي بعض الأبيات وَزعم جمَاعَة أَنه لَا شَاهد فِيهِ فَقَالَ ابْن القواس فِي شرح ألفية ابْن معطي أَنه روى إبقالها بِالرَّفْع مُسْندًا إِلَى الْمصدر وَيَردهُ أَن إبقالها مَنْصُوب على الْمصدر التشبيهي أَي وَلَا أَرض أبقلت كإبقال هَذِه الأَرْض وَلَو كَانَ كَمَا زعم كَانَ مَعْنَاهُ نفي الإبقال وَهُوَ نقيض مُرَاد الشَّاعِر وَزعم بَعضهم أَن ضمير

أبقل عَائِد على مُذَكّر مَحْذُوف أَي وَلَا مَكَان أَرض فَقَالَ أبقل بِاعْتِبَار الْمَحْذُوف وَقَالَ إبقالها بِاعْتِبَار الْمَذْكُور وَهَذَا فَاسد أَيْضا لِأَن ضمير إبقالها لَيْسَ عَائِدًا على الأَرْض الْمَذْكُورَة هُنَا فتذكير أبقل بِاعْتِبَار الْمَحْذُوف لَا دَلِيل عَلَيْهِ وَلَو قَالَ إِن الأَرْض مِمَّا يذكر وَيُؤَنث كَمَا قَالَ أَبُو حنيفَة الدينَوَرِي فِي كتاب النَّبَات عِنْدَمَا أنْشد هَذَا الْبَيْت إِن الأَرْض تذكر وتؤنث وَكَذَلِكَ السَّمَاء وَلِهَذَا قَالَ أبقل إبقالها لَكَانَ وَجها قَالَ ابْن الْحَاجِب فِي أَمَالِيهِ الضَّمِير فِي ودقها وإبقالها رَاجع إِلَى غير المزنة وَالْأَرْض المذكورتين وَلَا يَسْتَقِيم أَن يعود إِلَيْهِمَا لِئَلَّا يصير مخبرا أَنه لَيْسَ مزنة تدق مثل ودق نَفسهَا وَهُوَ فَاسد وَإِن لم تقدر محذوفا كَانَ أفسد إِذْ يصير الْمَعْنى أَنه لَيْسَ مزنة تدق ودق نَفسهَا وَالْأَمر على خِلَافه إِذْ لَا تدق مزنة إِلَّا ودق نَفسهَا فَوَجَبَ أَن يكون التَّقْدِير فَلَا مزنة ودقت ودقا مثل هَذِه المزنة المحذوفة وَزعم الصَّاغَانِي فِي الْعباب أَن الرِّوَايَة وَلَا روض أبقل إباقلها وَهَذَا لَا يصادم نقل سِيبَوَيْهٍ لِأَنَّهُ ثِقَة والاعتماد عَلَيْهِ أَكثر فَقَوله فَلَا مزنة الخ لَا الأولى نَافِيَة للْجِنْس على سَبِيل الظُّهُور عاملة عمل لَيْسَ أَو ملغاة وَالثَّانيَِة نَافِيَة للْجِنْس على سَبِيل التَّنْصِيص ومزنة اسْم لَا إِن كَانَت عاملة عمل لَيْسَ أَو مُبْتَدأ إِن كَانَت غير عاملة وَصَحَّ الِابْتِدَاء بالنكرة إِمَّا للْعُمُوم وَإِمَّا للوصف وَجُمْلَة ودقت محلهَا نصب خبر لَا أَو رفع خبر الْمُبْتَدَأ أَو نعت ل مزنة وَالْخَبَر مَحْذُوف أَي مَوْجُودَة أَو معهودة وَجُمْلَة أبقل خبر لَا فَقَط وَلَا يجوز كَونهَا صفة لاسم لَا كَمَا جوزه شرَّاح الشواهد لِأَنَّهُ يجب حِينَئِذٍ تَنْوِين اسْم لَا لكَونه مضارعا للمضاف والمزنة وَاحِدَة المزن السحابة الْبَيْضَاء وَيُقَال المطرة وَالْمعْنَى

هُنَا على الأول انْتهى وَكِلَاهُمَا غير صَحِيح أما الأول فَلِأَن السحابة الْبَيْضَاء لَا ودق لَهَا وَأما الثَّانِي فَيردهُ قَوْله تَعَالَى {أأنتم أنزلتموه من المزن} والودق الْمَطَر قَالَ الْمبرد فِي الْكَامِل يُقَال ودقت السَّمَاء يَا فَتى تدق ودقا قَالَ تَعَالَى {فترى الودق يخرج من خلاله} وَأنْشد هَذَا الْبَيْت وأبقل قَالَ الدينَوَرِي فِي كتاب النَّبَات يُقَال بقل الْمَكَان يبقل بقولا إِذا نبت بقله وأبقل يبقل إبقالا وَهَذَا أَكثر اللغتين وأعرفهما وَأكْثر الْعلمَاء يرد بقل الْمَكَان وَقَالَ بعض الروَاة أبقلت الأَرْض وأبقلها الله وبقل وَجه الْغُلَام إِذا خرج وَجهه وَقَالَ بعض عُلَمَاء الْعَرَبيَّة أبقل الْمَكَان ثمَّ يَقُولُونَ مَكَان بَاقِل قَالَ وَلَا نعلمهُمْ يَقُولُونَ بقل الْمَكَان وَمثله قَوْلهم أدرست الأَرْض وَنبت دارس وَلَا يَقُولُونَ غَيرهَا وَقَالَ أَيْضا أعشب الْبَلَد ثمَّ قَالَ بلد عاشب وَكَذَا قَالَ ابو عُبَيْدَة والأصمعي وتبعهما ابْن السّكيت وَغَيره قَالُوا يُقَال بلد عاشب وَلَا يُقَال إِلَّا أعشب وباقل الرمث وَهُوَ نبت وَقد أبقل ودارس الرمث وَقد أدرس فَيَقُولُونَ فِي النَّعْت على فَاعل وَفِي الْفِعْل على أفعل كَذَا تَكَلَّمت بِهِ الْعَرَب قَالَ الدينَوَرِي وَتَبعهُ عَليّ بن حَمْزَة الْبَصْرِيّ فِي كتاب التَّنْبِيهَات على أغلاط الروَاة وَقد جَاءَ عَن الْعَرَب مَا يرد عَلَيْهِم قَالَ رؤبة (الرجز) (يملحن من كل غميس مبقل) وَقَالَ ابْن هرمة

(الطَّوِيل) (لرعت بصفراء السحالة حرَّة ... لَهَا مرتع بَين النبيطين مبقل) وَقَالَ آخر (وَلَا أَرض أبقل إبقالها) فجَاء بِهِ على أبقل يبقل فَهُوَ مبقل وَقَالَ النَّابِغَة الْجَعْدِي (المتقارب) (على جَانِبي حائر مفرط ... ببرث تبوأنه معشب) وَقَالَ الدينَوَرِي فِي مَوضِع آخر النَّبَات كُله ثَلَاثَة أَصْنَاف شَيْء بَاقٍ على الشتَاء أَصله وفرعه وَشَيْء آخر يبيد الشتَاء فَرعه وَيبقى أَصله فَيكون نَبَاته فِي أرومته الْبَاقِيَة وَشَيْء ثَالِث يبيد الشتَاء أَصله وفرعه فَيكون نَبَاته من بزره وكل ذَلِك يتفرق ثَلَاثَة أَصْنَاف آخر فصنف يسمو صعدا على سَاقه مستغنيا بِنَفسِهِ عَن غَيره وصنف يسمو أَيْضا صعدا لَا يَسْتَغْنِي بِنَفسِهِ وَيحْتَاج إِلَى مَا يتَعَلَّق بِهِ ويرتقي فِيهِ وصنف ثَالِث لَا يسمو وَلَكِن يتسطح على الأَرْض فينبت مفترشا فَيُقَال لكل مَا سما بِنَفسِهِ شجر دق أَو جلّ قاوم أَو عجز عَنهُ وَقيل لَهُ شجر لِأَنَّهُ شجر فسما فَكل مَا سمكته ورفعته فقد شجرته وَمَا كَانَ مِنْهُ ينْبت فِي بزره وَلَا ينْبت فِي أرومته فاسمه البقل وكل نابته بقلة فِي أول مَا تنْبت وَلذَلِك قيل لوجه الْغُلَام أول مَا يخرج بقل. وَمَا نبت فِي أرومة وَكَانَ مِمَّا يهْلك فَرعه فاسمه الجنبة لِأَنَّهُ فَارق الَّذِي يبْقى فَرعه وَأَصله وَفَارق البقل الَّذِي يبيد أَصله وفرعه فَكَانَ جنبة بَينهمَا وَمَا تعلق بِالشَّجَرِ فرقى فِيهِ وَعصب بِهِ فَهُوَ فِي طَريقَة الْعصبَة وَمَا افترش وَلم يسم فَهُوَ فِي طَريقَة السطاح وَقد زعم أَبُو عُبَيْدَة أَنه النَّجْم على ان كل مَا طلع من الأَرْض فقد نجم فَهُوَ نجم إِلَى أَن تتبين وجوهه

(تتمة)

اهـ وَقَالَ الجواليقي فِي لحن الْعَامَّة يذهب الْعَامَّة إِلَى أَن البقل مَا يَأْكُلهُ النَّاس خَاصَّة دون الْبَهَائِم من النَّبَات الناجم الَّذِي لَا يحْتَاج فِي أكله إِلَى طبخ وَلَيْسَ كَذَلِك إِنَّمَا البقل العشب وَمَا ينْبت الرّبيع مِمَّا تألكه الْبَهَائِم قَالَ الشَّاعِر (وَلَا أَرض أبقل إبقالها) وَقَالَ آخر الْكَامِل (قوم إِذا نبت الرّبيع لَهُم ... نَبتَت عداتهم مَعَ البقل) وَقَالَ زُهَيْر الطَّوِيل) (رَأَيْت ذَوي الْحَاجَات حول بُيُوتهم ... قطينا لَهُم حَتَّى إِذا أنبت البقل) يُقَال مِنْهُ بقلت الأَرْض وأبقلت لُغَتَانِ فصيحتان إِذا أنبتت البقل قَالَ أَبُو النَّجْم يصف الْإِبِل (الرجز) (تبقلت فِي أول التبقل) وَالْفرق بَين البقل ودق الشّجر أَن البقل إِذا رعي لم يبْق لَهُ سَاق وَالشَّجر يبْقى لَهُ (تَتِمَّة) قَالَ شرَّاح شَوَاهِد الْكتاب هَذَا الْبَيْت لعامر بن جُوَيْن الطَّائِي وَهُوَ أحد الخلعاء الفتاك قد تَبرأ قومه من جرائره وَله حِكَايَة مَعَ امْرِئ الْقَيْس وَسَتَأْتِي فِي تَرْجَمته إِن شَاءَ الله وصف بِهِ أَرضًا مخصبة بِكَثْرَة مَا نزل بهَا من الْغَيْث وَلم يذكرُوا مِمَّا قبله وَلَا مِمَّا بعده شَيْئا وَقَالَ شَارِح شَوَاهِد الْمُغنِي قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ أَوله

(المتقارب) (وَجَارِيَة من بَنَات الْمُلُوك ... قعقعت بِالرُّمْحِ خلْخَالهَا ككرفئة الْغَيْث ذَات الصَّبِي ر ترمي السَّحَاب وَيَرْمِي لَهَا تواعدتها بعد مر النجو م كلفاء تكْثر تهطالها فَلَا مزنة ودقت ودقها الْبَيْت انْتهى وَقد رَأَيْت الْبَيْتَيْنِ الْأَوَّلين فِي شعر الخنساء من قصيدة ترثي بهَا أخاها صخرا أَولهَا المتقارب أَلا مَا لعَيْنِي أَلا مَالهَا لقد أخضل الدمع سربالها ثمَّ وصفت جَيْشًا فَقَالَت: (ورجراجة فَوْقهَا بيضها ... عَلَيْهَا المضاعف زفنا لَهَا) (ككرفئة الْغَيْث ذَات الصبير..... . (الْبَيْت الْمَذْكُور)) وَقَالَ الشارد ديوانها الْأَخْفَش: " الرجراجة ": الكتيبة، كَأَنَّهَا تتحرك وتتمخض من كثرتها. و" المضاعف " من الدروع: الَّتِي تنسج حلقتين حلقتين. و" زفنا لَهَا ": مشينا لَهَا باختيال، وَهِي بالزاي الْمُعْجَمَة وَالْفَاء، زاف يزيف زيفاً وزيفاناً: تبختر فِي مشيته. وَشبه الرجراجة فِي كثرتها وحركتها وتمخضها بالكرفئة، وَهِي السحابة الْعَظِيمَة الَّتِي يركب بَعْضهَا على بعض حملا للْمَاء. وَالْحمل - بِالْفَتْح -: مَا كَانَ فِي الْجوف مستكناً. وَالْحمل - بِالْكَسْرِ -: ظَاهر مثل الوقر على الظّهْر. شبه الكرفئة بالناقة يكثر لَحمهَا وشحمها، يُقَال: إِن عَلَيْهَا

لكرافئ من اللَّحْم والشحم. و" يَرْمِي لَهَا " بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول، أَي: يضم إِلَيْهَا حَتَّى يَسْتَوِي ويخلولق. قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: هَذَا الْبَيْت لعامر بن جُوَيْن الطَّائِي. وَقَالَ الْأَصْمَعِي: الْكُوفَة وَجمعه كرافئ: قطع من السَّحَاب بَعْضهَا فَوق بعض. والصبير: السَّحَاب الْأَبْيَض. ثمَّ قَالَت تخاطب أخاها: (وبيض منعت غَدَاة الصَّباح ... وَقد كفت الروع أذيالها) (وهاجرة حرهَا وَاقد ... جعلت رداءك أظلالها) (وجامعة الْجمع قد سقتها ... وأعلمت بِالرُّمْحِ أغفالها) (ورعبوبة من بَنَات الْمُلُوك ... قعقعت بِالرُّمْحِ خلْخَالهَا) " بيض "، تَعْنِي جواري سبين. " كفت ": كشفت. و" الروع ": الْفَزع. وروى ابْن الْأَعرَابِي: " تكشف للروع أذيالها ". " وَاقد ": شَدِيد الْحر. قد سقتها إِمَّا لتزويج وَإِمَّا لسباء تفكه. وروى ابْن الْأَعرَابِي: " ومعلمة سقتها قَاعِدا ". معلمة: إبل. قَاعِدا: أَي: قَاعِدا على فرسك. و" الأغفال ": الَّتِي لَا سمات عَلَيْهَا وَلَا عَلَامَات تَقول أعلمت مِنْهَا مَا كَانَ أغفالا وألرعبوبة الناعمة الرُّخْصَة اللينة قعقعت خلْخَالهَا أَي تزوجت بهَا أَو سبيتها فَهُوَ سلبها وَلَا يخفى أَن هَذِه الأبيات غير مرتبطة بِبَيْت الشَّاهِد وَلَا مُنَاسبَة لَهَا بِهِ وَالله أعلم

وَقد نسب أَبُو مُحَمَّد الْأَعرَابِي فِي فرحة الأديب الأبيات الَّتِي نقلت عَن الزَّمَخْشَرِيّ إِلَى عَامر الْمَذْكُور وَقَالَ المظهري فِي شرح الْمفصل كلَاما يشبه كَلَام المبرسمين وهذيان المحمومين وَهُوَ قَوْله قصَّة هَذَا الْبَيْت أَن جَارِيَة هربت من غَارة وَفِي رجلهَا خلخال يَقُول الشَّاعِر إِن هَذِه الْجَارِيَة تعدو ويصوت خلْخَالهَا كصوت الرَّعْد فَلَيْسَ مزنة تمطر مَطَرا مثل السَّحَاب الَّذِي يشبه هَذِه الْجَارِيَة وَلَيْسَ أَرض تخرج النَّبَات مثل أَرض أَصَابَهَا ذَلِك السَّحَاب هَذَا كَلَامه وعامر بن جُوَيْن صَاحب الشَّاهِد هُوَ كَمَا قَالَ مُحَمَّد بن حبيب فِي أَسمَاء المغتالين من الْأَشْرَاف فِي الْجَاهِلِيَّة وَالْإِسْلَام هُوَ عَامر بن جُوَيْن بن عبد رِضَاء بن قمران الطَّائِي أحد بني جرم بن عَمْرو بن الْغَوْث بن طَيئ كَانَ سيدا شَاعِرًا فَارِسًا شريفا وَهُوَ الَّذِي نزل بِهِ أمرؤ الْقَيْس بن حجر وَكَانَ سَبَب قَتله أَن كَلْبا غزت بني جرم فَأسر بشر بن حَارِثَة وهبيرة بن صَخْر الْكَلْبِيّ عَامر بن جُوَيْن وَهُوَ شيخ فَجعلُوا يتدافعونه لكبره فَقَالَ عَامر بن جُوَيْن لَا يكن لعامر بن جُوَيْن الهوان فَقَالُوا لَهُ وَإنَّك لَهو قَالَ نعم فذبحوه ومضوا فَأقبل الْأسود بن عَامر فَلَمَّا رأى أَبَاهُ قَتِيلا تتبعهم فَأخذ مِنْهُم ثَمَانِيَة نفر وَكَانُوا قتلوا عَامِرًا وَقد هبت الصِّبَا فكعمهم وَوضع أَيْديهم فِي جفان فِيهَا مَاء وَجعل كلما هبت الصِّبَا ذبح وَاحِدًا حَتَّى أَتَى عَلَيْهِم قَالَ أَبُو حَاتِم السجسْتانِي فِي كتاب المعمرين عَاشَ عَامر بن جُوَيْن مِائَتي سنة

ورضاء بِضَم الرَّاء وَالْمدّ قَالَ ابْن الْكَلْبِيّ فِي كتاب الْأَصْنَام وَقد كَانَت الْعَرَب تسمى بأسماء يعبدونها لَا أدرى أعبدوها للأصنام أم لَا مِنْهَا عبد رِضَاء كَانَ بَيْتا لأبي ربيعَة بن كَعْب بن سعد بن زيد مَنَاة بن تَمِيم وهدمه المستوغر فِي الْإِسْلَام وَقَالَ (الْكَامِل) (وَلَقَد شددت على رِضَاء شدَّة ... فتركتها تَلا تنَازع أسحما) وقمران بِفَتْح الْقَاف وَسُكُون الْمِيم وَبعدهَا رَاء مُهْملَة وجرم اسْم ثَعْلَبَة حضنته أمة يُقَال لَهَا جرم فَسُمي بهَا وَابْنه الْأسود كَانَ شريفا شَاعِرًا وَقبيصَة بن الْأسود وَفد إِلَى النَّبِي وَهَذِه نِسْبَة عَامر بن جُوَيْن من الجمهرة عَامر بن جُوَيْن بن عبد رِضَاء بن قمران بن ثَعْلَبَة بن جيان وَهُوَ جرم بن عَمْرو بن الْغَوْث بن طَيء وَأَبُو حنيفَة الدينَوَرِي هُوَ أَحْمد بن دَاوُد بن ونند أَخذ عَن الْبَصرِيين والكوفيين وَأكْثر أَخذه عَن ابْن السّكيت وَكَانَ نحويا لغويا مهندسا منجما حاسبا راوية ثِقَة فِيمَا يرويهِ ويحكيه مَاتَ فِي جُمَادَى الأولى سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ قَالَ أَبُو حَيَّان التوحيدي أَبُو حنيفَة الدينَوَرِي من نَوَادِر الرِّجَال جمع بَين حِكْمَة الفلاسفة وَبَيَان الْعَرَب لَهُ فِي كل فن سَاق وَقدم وَهَذَا كَلَامه فِي الأنواء يدل على حَظّ وافر من علم النُّجُوم وأسرار الْفلك وَأما كِتَابَة فِي النَّبَات فَكَلَامه فِيهِ فِي عرُوض كَلَام أبدى بدوي وعَلى طباع أفْصح عَرَبِيّ وَلَقَد قيل لي إِن لَهُ فِي الْقُرْآن كتابا يبلغ ثَلَاثَة عشر مجلدا وَمَا رَأَيْته وَإنَّهُ مَا سبق إِلَى ذَلِك النمط مَعَ ورعه وزهده وجلاله قدره وَله من الْكتب كتاب الْبَاءَة كتاب مَا تلحن فِيهِ الْعَامَّة كتاب الشّعْر

الشاهد الثالث

وَالشعرَاء كتاب الفصاحة كتاب الأنواء كتاب فِي حِسَاب الدّور كتاب الْبَحْث فِي حِسَاب الْهِنْد كتاب الْجَبْر والمقابلة كتاب الْبلدَانِ كَبِير كتاب النَّبَات لم يصنف مثله فِي مَعْنَاهُ كتاب الْجمع والتفريق كتاب الْأَخْبَار الطوَال كتاب الْوَصَايَا كتاب نَوَادِر الْجَبْر كتاب إصْلَاح الْمنطق كتاب الْقبْلَة والزوال كتاب الْكُسُوف وَله غير ذَلِك رُوِيَ أَن أَبَا الْعَبَّاس الْمبرد ورد الدينور زَائِرًا لعيسى بن ماهان فَأول مَا دخل عَلَيْهِ وَقضى سَلامَة قَالَ لَهُ عِيسَى أَيهَا الشَّيْخ مَا الشَّاة الْمُجثمَة الَّتِي نهى النَّبِي عَن أكل لَحمهَا فَقَالَ هِيَ الشَّاة القليلة اللَّبن مثل اللجبة فَقَالَ هَل من شَاهد قَالَ نعم قَول الراجز الرجز) (لم يبْق من آل الحميد نسمه ... إِلَّا عنيز لجبة مجثمه) فَإِذا الْحَاجِب يسْتَأْذن لأبي حنيفَة الدينَوَرِي فَلَمَّا دخل عَلَيْهِ قَالَ أَيهَا الشَّيْخ مَا الشَّاة الْمُجثمَة الَّتِي نهينَا عَن أكل لَحمهَا فَقَالَ هِيَ الَّتِي جثمت على ركبهَا وذبحت من خلف قفاها فَقَالَ كَيفَ تَقول وَهَذَا شيخ أهل الْعرَاق يَقُول هِيَ مثل اللجبة وأنشده الشّعْر فَقَالَ أَبُو حنيفَة أَيْمَان الْبيعَة تلْزم أَبَا حنيفَة إِن كَانَ هَذَا التَّفْسِير سَمعه هَذَا الشَّيْخ أَو قَرَأَهُ وَإِن كَانَ الشّعْر إِلَّا لساعته هَذِه فَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس صدق الشَّيْخ فإنني أنفت أَن أرد عَلَيْك من الْعرَاق وذكري مَا قد شاع فَأول مَا تَسْأَلنِي عَنهُ لَا أعرفهُ فَاسْتحْسن مِنْهُ هَذَا الْإِقْرَار وَأنْشد بعده لامرئ الْقَيْس وَهُوَ الشَّاهِد الثَّالِث وَهُوَ من شَوَاهِد

س (الطَّوِيل) (تنورتها من أَذْرُعَات وَأَهْلهَا ... بِيَثْرِب أدنى دارها نظر عَال) وَقَالَ الشَّارِح يرْوى بِكَسْر التَّاء بِلَا تَنْوِين وَبَعْضهمْ يفتح التَّاء فِي مثله مَعَ حذف التَّنْوِين ويروى من أَذْرُعَات كَسَائِر مَا لَا ينْصَرف فعلى هذَيْن الْوَجْهَيْنِ التَّنْوِين للصرف بِلَا خلاف وَالْأَشْهر بَقَاء التَّنْوِين فِي مثله مَعَ العلمية أَقُول أَرَادَ بِهَذَا الْكَلَام تَقْرِير مَا ذهب إِلَيْهِ تبعا للربعي والزمخشري وَإِن خالفهما فِي الدَّلِيل من أَن تَنْوِين جمع الْمُؤَنَّث السَّالِم تَنْوِين صرف لَا تَنْوِين مُقَابلَة فَإِن حذف التَّنْوِين فِي بعض اللُّغَات مِمَّا سمى بِهَذَا الْجمع دَلِيل على أَن تنوينه قبل التَّسْمِيَة تَنْوِين صرف فاستند أَولا إِلَى تَجْوِيز الْمبرد والزجاج حذف التَّنْوِين مِنْهُ مَعَ العلمية وَثَانِيا إِلَى رِوَايَة منع الصّرْف فِيهِ مَعَ العلمية بِوَجْهَيْنِ سَمَاعي وقياسي فَالْأول نَقله ابْن جني فِي سر الصِّنَاعَة عَن بعض الْعَرَب فَقَالَ وَاعْلَم أَن من الْعَرَب من يشبه التَّاء فِي مسلمات معرفَة بتاء التَّأْنِيث فِي طَلْحَة وَحَمْزَة وَيُشبه الْألف الَّتِي قبلهَا بالفتحة الَّتِي قبل هَاء التَّأْنِيث فيمنعها حِينَئِذٍ الصّرْف فَيَقُول هَذِه مسلمات مقبلة وعَلى هَذَا بَيت امْرِئ الْقَيْس تنورتها من أَذْرُعَات وَقد أنشدوه من أَذْرُعَات بِالتَّنْوِينِ وَقَالَ الْأَعْشَى (الوافر تخيرها أَخُو عانات شهرا ورجى خَيرهَا عَاما فعاما) وعَلى هَذَا مَا حَكَاهُ س من قَوْلهم هَذِه قرشيات غير منصرفة انْتهى وَالثَّانِي أَن بَعضهم أَي بعض النُّحَاة يفتح التَّاء فِي مثله أَي فِي

مثل أَذْرُعَات مِمَّا سمي بِجمع مؤنث سَالم مَعَ حذف التَّنْوِين أَي يفتح التَّاء ويحذف التَّنْوِين مِنْهُ ويروي ذَلِك الْبَعْض من أَذْرُعَات بِفَتْح التَّاء قِيَاسا على سَائِر مَالا ينْصَرف فعلى هذَيْن الْوَجْهَيْنِ أَي حذف التَّنْوِين مَعَ كسر التَّاء وَحذف التَّنْوِين مَعَ فتح التَّاء التَّنْوِين للصرف أَي التَّنْوِين الَّذِي كَانَ قبل التَّسْمِيَة فَإِن النُّحَاة اتَّفقُوا على أَن التَّنْوِين الَّذِي يحذف فِيمَا لَا ينْصَرف إِنَّمَا هُوَ تَنْوِين الصّرْف وَأَذْرعَات قَالَ ياقوت فِي مُعْجم الْبلدَانِ وَهِي بلد فِي أَطْرَاف الشَّام يجاور البلقاء وعمان وينسب إِلَيْهِ الْخمر وَقد ذكرتها الْعَرَب فِي أشعارها لِأَنَّهَا لم تزل من بلادها وَالنِّسْبَة إِلَيْهِ أذرعي ويثرب زَاد الصَّاغَانِي واثرب اسْم مَدِينَة رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قَالَ ياقوت نقلا عَن الزجاجي سميت مَدِينَة الرَّسُول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بذلك لِأَن أول من سكنها عِنْد التَّفَرُّق يثرب بن عوص بن إرم بن سَام بن نوح فَلَمَّا نزلها رَسُول الله سَمَّاهَا طيبَة وطابة كَرَاهِيَة للتثريب وَسميت مَدِينَة الرَّسُول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ لنزوله بهَا ثمَّ اخْتلفُوا فَقيل إِن يثرب اسْم للناحية الَّتِي مِنْهَا مَدِينَة وَقَالَ آخَرُونَ بل يثرب نَاحيَة من مَدِينَة الرَّسُول وَقيل هِيَ مَدِينَة الرَّسُول قَالَ ابْن عَبَّاس من قَالَ للمدينة يثرب فليستغفر الله ثَلَاثًا إِنَّمَا هِيَ طيبَة وَقَالَ فِي الْمِصْبَاح ثرب عَلَيْهِ من بَاب ضرب عتب وَلَام وبالمضارع بياء الْغَائِب سمي رجل من العمالقة وَهُوَ الَّذِي بنى الْمَدِينَة سميت باسمه قَالَه السُّهيْلي وَأما يترب بِالْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّة بدل الْمُثَلَّثَة فَقَالَ ياقوت هِيَ بِفَتْح الرَّاء قيل

قَرْيَة بِالْيَمَامَةِ عِنْد جبل وشم وَقيل اسْم مَوضِع فِي بِلَاد بني سعد وَقَالَ الْحسن بن أَحْمد الْهَمدَانِي اليمني هِيَ مَدِينَة بحضرموت نزلها كِنْدَة وَإِيَّاهَا عَنى الْأَعْشَى بقوله (الطَّوِيل) (بسهام يترب أَو سِهَام الْوَادي) وَيُقَال إِن عرقوبا صَاحب المواعيد كَانَ بهَا ثمَّ قَالَ وَالصَّحِيح أَنه من قدماء يثرب وَأما قَول ابْن عبيد الْأَشْجَعِيّ (الطَّوِيل) (وعدت وَكَانَ الْخلف مِنْك سجية ... مواعيد عرقوب أَخَاهُ بيترب) فَهَكَذَا أَجمعُوا على رِوَايَته بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاة قَالَ ابْن الْكَلْبِيّ وَكَانَ من حَدِيثه أَنه كَانَ رجلا من العماليق يُقَال لَهُ عرقوب فَأَتَاهُ أَخ لَهُ يسْأَله شَيْئا فَقَالَ لَهُ عرقوب إِذا أطلعت النَّخْلَة فلك طلعها فَلَمَّا أَتَاهُ للعدة قَالَ دعها تصير بلحا فَلَمَّا أبلحت قَالَ دعها تصير زهوا ثمَّ حَتَّى تصير بسرا ثمَّ حَتَّى تصير رطبا ثمَّ تَمرا فَلَمَّا أتمرت عمد إِلَيْهَا عرقوب من اللَّيْل فجدها وَلم يُعْطه شَيْئا فَصَارَ مثلا فِي الْخلف والتنور قَالَ الْمبرد فِي الْكَامِل المتنور الَّذِي يلْتَمس مَا يلوح لَهُ من النَّار ورد عَلَيْهِ أَبُو الْوَلِيد الوقشي فِي شَرحه عَلَيْهِ بِأَن المتنور إِنَّمَا هُوَ النَّاظر إِلَى النَّار من بعد أَرَادَ قَصدهَا أَو لم يرد كَمَا قَالَ امْرُؤ الْقَيْس تنورتها من أَذْرُعَات وَلم يرد أَن يَأْتِيهَا كَمَا لم يرد الْقَائِل (الطَّوِيل) (وأشرف بالقور اليفاع لعلني ... أرى نَار ليلى أَو يراني بصيرها)

وَالنَّظَر إِلَى نارها إِنَّمَا هُوَ بِنَظَر قلبه تشوقا إِلَيْهَا كَمَا قَالَ ابْن قُتَيْبَة فِي أَبْيَات الْمعَانِي هَذَا تحزن وتظنن مِنْهُ لَيْسَ أَنه رأى بِعَيْنِه شَيْئا إِنَّمَا أَرَادَ رُؤْيَة الْقلب وَمثله قَول الآخر (الطَّوِيل) (أَلَيْسَ بَصيرًا من رأى وَهُوَ قَاعد ... بِمَكَّة أهل الشَّام يختبزونا) وَقَالَ الْأَعْشَى (الوافر) أريت الْقَوْم نارك لم أغمض ... بواقصة ومشربنا زرود) (فَلم أر موقدا مِنْهَا وَلَكِن ... لأية نظرة زهر الْوقُود) وَجوز أَرْبَاب البديع فِي الإغراق من الْمُبَالغَة أَن يكون نظرا بِالْعينِ حَقِيقَة قَالُوا لَا يمْتَنع عقلا أَن يرى من أَذْرُعَات من الشَّام نَار أحبته وَكَانَت بِيَثْرِب مَدِينَة النَّبِي على بعد هَذِه الْمسَافَة على تَقْدِير اسْتِوَاء الأَرْض وَأَن لَا يكون ثمَّ حَائِل من جبل أَو غَيره مَعَ عظم جرم النَّار وَإِن كَانَ ذَلِك مُمْتَنعا عَادَة وَجُمْلَة تنورتها استئنافية وَأدنى دارها مُبْتَدأ وَنظر عالي خبْرَة بِتَقْدِير مُضَاف قَالَ أَبُو عَليّ فِي الْإِيضَاح الشعري وَلَا يجوز أَن يكون نظر خبر أدنى لِأَنَّهُ لَيْسَ بِهِ لِأَن أدنى أفعل تَفْضِيل وأفعل لَا يُضَاف إِلَّا إِلَى مَا هُوَ بعض لَهُ فَوَجَبَ أَن يكون بعض الدَّار وَبَعض الدَّار لَا يكون النّظر فإمَّا أَن يحذف الْمُضَاف من النّظر أَي أدنى دارها ذُو نظر وَإِمَّا أَن يحذف من الأول أَي نظر أدنى دارها نظر عالي ليَكُون الثَّانِي الأول فِي الْمِصْبَاح علا علوا من بَاب قعد ارْتَفع فَهُوَ عَال يُرِيد أَن أقرب مَكَان من دارها

بعيد فَكيف بهَا ودونها نظر عَال والجملتان الاسميتان حَال من ضمير الْمُؤَنَّث فِي تنورتها وَجَاءَت الثَّانِيَة بِلَا وَاو كَقَوْلِه (السَّرِيع) (وَالله يبقيك لنا سالما ... برداك تَعْظِيم وتبجيل) وَهَذَا الْبَيْت من قصيدة طَوِيلَة لامرئ الْقَيْس عدتهَا سِتَّة وَخَمْسُونَ بَيْتا وَهِي من عُيُون شعره وأكثرها وَقعت شَوَاهِد فِي كتب المؤلفين هُنَا وَفِي مُغنِي اللبيب وَفِي كتب النَّحْو والمعاني فَيَنْبَغِي شرحها تتميما للفائدة وَإِن شرحت هُنَا بأجمعها طَال الْكَلَام فلنوزعها مَعَ الأبيات الَّتِي ذكرت مِنْهَا فِي هَذَا الْكتاب مُتَفَرِّقَة فَنَذْكُر هُنَا من أول القصيدة إِلَى الْبَيْت الَّذِي شرحناه (الا عَم صباحا أَيهَا الطلل الْبَالِي ... وَهل يعمن من كَانَ فِي الْعَصْر الْخَالِي) (وَهل يعمن إِلَّا سعيد مخلد ... قَلِيل الهموم مَا يبيت بأوجال) قَوْله عَم صباحا هَذِه الْكَلِمَة تَحِيَّة عِنْد الْعَرَب يُقَال عَم صباحا وَعم مسَاء وَعم ظلاما والصباح من نصف اللَّيْل الثَّانِي إِلَى الزَّوَال والمساء من الزَّوَال إِلَى نصف اللَّيْل الأول قَالَ ابْن السَّيِّد فِي شرح شَوَاهِد أدب الْكَاتِب يُقَال وَعم يعم كوعد يعد وومق يمق وَذهب قوم إِلَى أَن يعم مَحْذُوف من ينعم وأجازوا عَم صباحا بِفَتْح الْعين وَكسرهَا كَمَا يُقَال أنعم صباحا وأنعم زَعَمُوا أَن بعض الْعَرَب أنْشد (إِلَّا عَم صباحا أَيهَا الطلل الْبَالِي) بِفَتْح الْعين وَحكى يُونُس أَن أَبَا عَمْرو بن الْعَلَاء سُئِلَ عَن قَول عنترة (الْكَامِل) (وَعمي صباحا دَار عبلة واسلمي) فَقَالَ هُوَ من نعم الْمَطَر إِذا كثر وَنعم الْبَحْر إِذا كثر زبده كَأَنَّهُ

يَدْعُو لَهَا بالسقيا وَكَثْرَة الْخَيْر وَقَالَ الْأَصْمَعِي وَالْفراء إِنَّمَا هُوَ دُعَاء بالنعيم والأهل وَهُوَ الْمَعْرُوف وَمَا حَكَاهُ يُونُس نَادِر غَرِيب وَلم يذكر صَاحب الصِّحَاح مَادَّة وَعم قَالَ وَقَوْلهمْ عَم صباحا كَأَنَّهُ مَحْذُوف من نعم ينعم بِالْكَسْرِ وَزعم ابْن مَالك فِي التسهيل أَن عَم فعل أَمر غير متصرف قَالَ أَبُو حَيَّان لَيْسَ الْأَمر كَمَا زعم بل هُوَ فعل متصرف وَقد حكى يُونُس وعمت الدَّار أَعم أَي قلت لَهَا انعمي قَالَ الْأَصْمَعِي عَم فِي كَلَام الْعَرَب أَكثر من انْعمْ وَقد روى أَلا انْعمْ صباحا الخ وَنعم الشَّيْء نعومة صَار نَاعِمًا لينًا من بَاب كرم وحذر وَحسب وَيُقَال انْعمْ صباحك أَيْضا من النعومة وصباحا ظرف أَو تَمْيِيز محول عَن الْفَاعِل والطلل مَا شخص من آثَار الدَّار والرسم مُطلق الْأَثر والبالي من بلي الثَّوْب من بَاب تَعب بلَى بِالْكَسْرِ وَالْقصر وبلاء بِالْفَتْح وَالْمدّ خلق أَو من بلي الْمَيِّت أفنته الأَرْض وَقَوله وَهل يعمن هُوَ اسْتِفْهَام إنكاري اسْتشْهد بِهِ ابْن هِشَام فِي شرح الألفية على أَن من يسْتَعْمل فِي غير الْعُقَلَاء وَقَالَ العسكري فِي كتاب التَّصْحِيف اخْتلفُوا فِي مَعْنَاهُ لَا فِي لَفظه فَقَالَ الْأَصْمَعِي اللَّفْظ على مَذْهَب أَنْت يَا طلل قد تفرق أهلك وذهبوا فَكيف تنعم بعدهمْ أَو الْمَعْنى كَيفَ أنعم أَنا فَكَأَنَّهُ يَعْنِي أهل الطلل وَالْعصر بِضَمَّتَيْنِ لُغَة فِي الْعَصْر وَهُوَ الدَّهْر والخالي الْمَاضِي قَالَ تَعَالَى {وَإِن من أمة إِلَّا خلا فِيهَا نَذِير} وَقَوله وَهل يعمن إِلَّا سعيد إِلَخ قَالَ العسكري المخلد الطَّوِيل الْعُمر الرخي البال ومخلد إِذا لم يشب وَقيل المخلد المقرط والقرط الخلدة وَرَوَاهُ بَعضهم (وَهل ينعمن إِلَّا خلي مخلد) وَقَالَ يَعْنِي غُلَاما حَدثا خليا من الْعِشْق والأوجال جمع وَجل وَهُوَ الْخَوْف وَفعله من بَاب تَعب

(وَهل يعمن من كَانَ أحدث عَهده ... ثَلَاثِينَ شهرا فِي ثَلَاثَة أَحْوَال) قَالَ العسكري نقلا عَن الْأَصْمَعِي وَابْن السّكيت يَقُول كَيفَ ينعم من كَانَ أقرب عَهده بالرفاهية ثَلَاثِينَ شهرا من ثَلَاثَة أَحْوَال على أَن فِي بِمَعْنى من ثمَّ قَالَا وَقد تكون بِمَعْنى مَعَ قَالَ ابْن السَّيِّد وَكَونهَا بِمَعْنى مَعَ أشبه من كَونهَا بِمَعْنى من وَرَوَاهُ الطوسي أَو ثَلَاثَة أَحْوَال وكل من فسره ذهب إِلَى أَن الْأَحْوَال هُنَا السنون جمع حول وَالْقَوْل فِيهِ عِنْدِي أَن الْأَحْوَال هُنَا جمع حَال لَا جمع حول وَإِنَّمَا أَرَادَ كَيفَ ينعم من كَانَ أقرب عَهده بالنعيم ثَلَاثِينَ شهرا وَقد تعاقبت عَلَيْهِ ثَلَاثَة أَحْوَال وَهِي اخْتِلَاف الرِّيَاح عَلَيْهِ وملازمة الأمطار لَهُ والقدم المغير لرسومه فَتكون فِي هُنَا هِيَ الَّتِي تقع بِمَعْنى وَاو الْحَال فِي نَحْو قَوْلك مرت عَلَيْهِ ثَلَاثَة أشهر فِي نعيم أَي وَهَذِه حَاله (ديار لسلمى عافيات بِذِي الْخَال ... الح عَلَيْهَا كل أسحم هطال) عافيات من عَفا الْمنزل يعْفُو عفوا وعفوا وعفاء بِالْفَتْح وَالْمدّ درس وَذُو الْخَال قَالَ ابْن الْأَثِير فِي المرصع جبل مِمَّا يَلِي نجدا وَقيل مَوضِع وَأنْشد هَذَا الْبَيْت وَلم يذكرهُ ياقوت فِي مُعْجم الْبلدَانِ والأسحم الْأسود أَرَادَ بِهِ السَّحَاب لِكَثْرَة مَائه وَهَذَا الْبَيْت مصرع وديار مُبْتَدأ ولسلمى وَصفه وعافيات خَبره وبذي الْخَال حَال من ضمير عافيات وَجُمْلَة ألح خبر بعد خبر ... وتحسب سلمى لَا تزَال كعهدنا ... بوادي الخزامى أَو على رَأس أَو عَال)

والعهد الْحَال وَالْعلم يُقَال هُوَ قريب الْعَهْد بِكَذَا أَي قريب الْعلم وَالْحَال والخزامى بِالضَّمِّ وَالْقصر خيري الْبر ووادي الخزامى وَرَأس أوعال موضعان ويروى ذَات أوعال قَالَ ابْن الْأَثِير فِي المرصع هِيَ هضبة فِيهَا بِئْر وَقيل هِيَ جبل بَين علمين فِي نجد والأوعال جمع وعل وَأنْشد هَذَا الْبَيْت أَي إِن سلمى تظن أَنَّهَا تبقى على الْحَالة الَّتِي كُنَّا عَلَيْهَا فِي ذَيْنك المكانين (وتحسب سلمى لَا تزَال ترى طلا ... من الْوَحْش أَو بيضًا بميثاء محلال) سلمى فَاعل تحسب وَالْمَفْعُول الأول من ترى مَحْذُوف أَي نَفسهَا جملَة ترى خبر لَا تزَال وَهَذَا الْإِعْرَاب جَار فِي السَّابِق على هَذَا التَّرْتِيب والرؤية علمية وطلا مفعولها الثَّانِي والطلا بِالْفَتْح ولد الظبية وَمن الْوَحْش صفة طلا وبيضا مَعْطُوف على طلا أَرَادَ بيض النعام فِي الْبيَاض والملاسة والنعومة والميثاء قَالَ فِي الْعباب هُوَ بِالْفَتْح الأَرْض السهلة وَأنْشد هَذَا الْبَيْت وَقَالَ العسكري فِي التَّصْحِيف هُوَ بِفَتْح الْمِيم طَرِيق للْمَاء عَظِيم مُرْتَفع من الْوَادي فَإِذا كَانَ صَغِيرا فَهِيَ شُعْبَة وَهُوَ نَحْو من ثلث الْوَادي أَو أقل فَإِذا كَانَ أَكثر من ذَلِك فَهُوَ تلعة فَإِذا كَانَ مثل نصف الْوَادي أَو ثُلثَيْهِ فَهُوَ ميثاء والميث مَا لِأَن وَسَهل من الأَرْض وَرُوِيَ الميثاء بِالْكَسْرِ وَهِي الأَرْض اللينة وَرُوِيَ الميتاء بِالْكَسْرِ وبالتاء الْمُثَنَّاة فَوق وَهُوَ الطَّرِيق المأتي أَي المسلوك والمحلال بِالْكَسْرِ من حللت إِذا نزلت بِهِ قَالَ الصَّاغَانِي وَأَرْض محلال إِذا أَكثر الْقَوْم النُّزُول فِيهَا وَكَذَلِكَ رَوْضَة محلال وَأنْشد هَذَا الْبَيْت وَقَالَ الْعَيْنِيّ أَي تحسبها ظَبْيَة لَا تزَال تنظر إِلَى وَلَدهَا وتحسبها بيض نعام وَقَالَ بعض شرَّاح

القصيدة أَي بالبادية حَيْثُ يكون بيض النعام أَو ولد الْوَحْش ا. هـ. وَهَذَا لَا يخفى مَا فِيهِ (ليَالِي سلمى إِذْ تريك منصبا ... وجيدا كجيد الريم لَيْسَ بمعطال) ليَالِي مَنْصُوب بِتَقْدِير اذكر وَنَحْوه وَإِذ بدل من ليَالِي ومنصبا قَالَ العسكري من رَوَاهُ بالنُّون أَرَادَ ثغرها والمنصب المستوى من الأَرْض المتسق وَمن روى مقصبا بِالْقَافِ أَرَادَ شعرهَا قصبته جعلته ذوائب وَشعر مقصب أَي قصابة قصابه وَقَالَ الْأَصْمَعِي قصبه قَصَبَة وَقَالَ غَيره قصيبة وقصائب انْتهى وَفِي الصِّحَاح الذوائب المقصبة تلوى ليا حَتَّى تترجل وَلَا تضفر واحدتها قصيبة وقصابة بِالضَّمِّ وَالتَّشْدِيد والمعطال الْمَرْأَة الَّتِي خلا جيدها من القلائد وَالْفِعْل من بَاب قتل وعطلا بِالتَّحْرِيكِ وعطولا بِالضَّمِّ (أَلا زعمت بسباسة الْيَوْم أنني ... كَبرت وَأَن لَا يشْهد اللَّهْو أمثالي) بسباسة امْرَأَة من بني أَسد وَكبر شاخ يُقَال كبر الصَّبِي وَغَيره من بَاب تَعب مكبرا كمسجد وكبرا كعنب وشهده بِالْكَسْرِ يشهده بِالْفَتْح شُهُودًا حَضَره وَاللَّهْو مصدر لهوت بالشَّيْء إِذا لعبت بِهِ قَالَ فِي الصِّحَاح وَقد يكنى باللهو عَن الْجِمَاع وَقَوله تَعَالَى (لَو أردنَا أَن نتَّخذ لهوا قَالُوا) أمْرَأَة وَيُقَال ولدا (بلَى رب يَوْم قد لهوت وَلَيْلَة ... بآنسة كَأَنَّهَا خطّ تِمْثَال) بلَى حرف إِيجَاب يخْتَص بِالنَّفْيِ ويفيد إثْبَاته وَأثبت بِهِ هُنَا الشُّهُود الْمَنْفِيّ فِي الْبَيْت السَّابِق وَرَوَاهُ ابْن هِشَام فِي مُغنِي اللبيب فيارب يَوْم إِلَخ

وَأوردهُ شَاهدا على وُرُود رب للتكثير وَجُمْلَة قد لهوت صفة يَوْم والعائد مَحْذُوف أَي فِيهِ وَصفَة لَيْلَة مَعَ الْعَائِد مَحْذُوف أَي لهوت فِيهَا وَلَا يجوز أَن يكون الْوَصْف لَهما والآنسة الْمَرْأَة الَّتِي تأنس بحديثك والخط الْكِتَابَة قَالَ فِي الْعباب يُقَال خطة فلَان كَمَا يُقَال كتبه وَأنْشد هَذَا الْبَيْت واقل فِي مَادَّة مثل والتمثال الصُّورَة وَالْجمع التماثيل وَقَوله تَعَالَى {مَا هَذِه التماثيل} أَي الْأَصْنَام وَقَوله تَعَالَى {يعْملُونَ لَهُ مَا يَشَاء من محاريب وتماثيل} وَهِي صور الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام وَكَانَ التَّصْوِير مُبَاحا فِي ذَلِك الْوَقْت (يضيء الْفراش وَجههَا لضجيعها ... كمصباح زَيْت فِي قناديل ذبال) الْفراش مفعول مقدم ووجهها الْفَاعِل والمصباح السراج والذبال بِضَم الذَّال وَتَشْديد الْمُوَحدَة جمع ذبالة وَهِي الفتيلة لُغَة فِي الذبال بتَخْفِيف الْبَاء ويروى فِي قناديل آبال جمع أبيل كشريف وأشراف وَهُوَ الراهب قَالَ عدي بن زيد الْعَبَّادِيّ (الرمل) (إِنَّنِي وَالله فاقبل حلفتي ... بأبيل كلما صلى جأر) وفِي بِمَعْنى مَعَ (كَأَن على لباتها جمر مصطل ... أصَاب غضى جزلا وكف بأجذال) (وهبت لَهُ ريح بمختلف الصوى ... صبا وَشمَالًا فِي منَازِل قفال) اللبة المنحر وَمَوْضِع القلادة من الصَّدْر وَالْمرَاد هُنَا هُوَ الثَّانِي والمصطلى اسْم فَاعل من اصطلى بالنَّار وَصلى بهَا وصليها من بَاب تَعب وجد حرهَا وَجُمْلَة أصَاب غضى صفة لمصطل والغضى شجر خَشَبَة من أَصْلَب الْخشب وَلِهَذَا يكون فِي فحمه صلابة وَأصَاب وجد والجزل الغليظ وجزل الْحَطب بِالضَّمِّ إِذا عظم وَغلظ فَهُوَ جزل وكف بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول من كَفَفْت الثَّوْب أَي خطت حَاشِيَته وَهِي الْخياطَة الثَّانِيَة أَرَادَ جعل

حول الْجَمْر أجزال وَهِي أصُول الْحَطب الْعِظَام جمع جذل بِكَسْر الْجِيم وَسُكُون الذَّال الْمُعْجَمَة والمختلف بِفَتْح اللَّام مَوضِع الِاخْتِلَاف أَي التَّرَدُّد وَهُوَ أَن تذْهب ريح وتجيء ريح والصوى جمع صوة كقوى جمع قُوَّة والصوة قَالَ فِي الصِّحَاح هِيَ مُخْتَلف الرّيح وَأنْشد هَذَا الْبَيْت والصوة أَيْضا حجر يكون عَلامَة فِي الطَّرِيق وَلَيْسَ بِمُرَاد هُنَا خلافًا لبَعْضهِم والقفال جمع قافل كعباد وعابد والقافل الرَّاجِع من سَفَره وَفعله من بَاب قعد وَيكون القفول فِي الْمُبْتَدِئ للسَّفر تفاؤلا بِالرُّجُوعِ بَالغ فِي سخونة هَذِه الْمَرْأَة فِي الشتَاء حَيْثُ وصف الْحلِيّ الَّذِي على لباتها بِمَا ذكر فِي الْبَيْتَيْنِ وَهَذَا مدح فِي النِّسَاء كَمَا إِذا بردت فِي الصَّيف قَالَ الْأَعْشَى (المتقارب) (وتسخن لَيْلَة لَا يَسْتَطِيع ... نباحا بهَا الْكَلْب إِلَّا هريرا) ( ... (وتبرد برد رِدَاء الْعَرُوس ... بالصيف رقرقت فِيهِ العبيرا) (كذبت لقد أصبي على الْمَرْء عرسه ... وامنع عرسي أَن يزن بهَا الْخَالِي) صرح بتكذيب بسباسة حَيْثُ زعمت أَنه لَا يلهو بِالنسَاء فَقَالَ إِنِّي أشوق النِّسَاء إِلَيّ مَعَ وجود أَزوَاجهنَّ وَلَا أدع أحدا يتهم بامرأتي لِأَنَّهَا لَا تميل إِلَى أحد مَعَ وجودي لِأَنِّي محبب عِنْد النِّسَاء وأصبي مضارع أصبيت الْمَرْأَة بِمَعْنى شوقتها وجعلتها ذَات صبوة وَهِي الشوق والعرس بِالْكَسْرِ الزَّوْجَة ويزن يتهم بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول يُقَال أزننته بِشَيْء اتهمته بِهِ وَهُوَ يزن بِكَذَا وأزنة بِالْأَمر إِذا اتهمه بِهِ والخالي قَالَ فِي الصِّحَاح قَالَ الْأَصْمَعِي هُوَ من الرِّجَال الَّذِي لَا زَوْجَة لَهُ وَأنْشد هَذَا الْبَيْت (وَمثلك بَيْضَاء الْعَوَارِض طفلة ... لعوب تنسيني إِذا قُمْت سربالي)

الْوَاو وَاو رب وَهُوَ خطاب لبسباسة فِي الْقَامُوس الْعَارِض والعارضة صفحة الخد وصفحتا الْعُنُق وجانبا الْوَجْه والعارضة أَيْضا مَا يستقبلك من الشَّيْء وَمن الْوَجْه مَا يَبْدُو عِنْد الضحك والطفلة بِفَتْح الطَّاء الناعمة الْبدن والطفل الناعم واللعوب الْحَسَنَة الدل وَالنِّسْيَان خلاف الذّكر وأنسانية الله ونسانيه تنسية بِمَعْنى وَرَوَاهُ الْجَوْهَرِي عَن أبي عُبَيْدَة لعوب تناساني إِذا قُمْت سربالي قَالَ وَمَعْنَاهُ تنسيني والسربال الْقَمِيص (لَطِيفَة طي الكشح غير مفاضة ... إِذا انفتلت مرتجة غير متفال) لطف لطفا ولطافة ككرم صغر ودق وَهُوَ لطيف والكشح بِالْفَتْح مَا بَين الخاصرة إِلَى الضلع الْخلف وطي الكشح هُنَا جدلها وفتلها يُرِيد أَنَّهَا مجدولة الكشح جدلا لطيفا فَإِن هيف الكشح والخصر ممدوح والمفاضة من النِّسَاء الضخمة الْبَطن وَهَذَا ذمّ فِيهِنَّ وَمن الدروع الواسعة وهما من الْفَيْض وانفتلت انصرفت ومرتجة من الارتجاج وَهُوَ التحرك وَالِاضْطِرَاب أَرَادَ عظم كفلها وَهِي خبر تكون محذوفة والمتفال بِالْكَسْرِ من تفل بِالْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّة وَالْفَاء قَالَ فِي الْعباب التفل بِالتَّحْرِيكِ مصدر قَوْلك تفل الرجل بِالْكَسْرِ إِذا ترك الطّيب فَهُوَ تفل وأمرأة تفلة وَفِي الحَدِيث لَا تمنعوا إِمَاء الله مَسَاجِد الله وليخرجن إِذا خرجن تفلات أَي تاركات للطيب وَامْرَأَة متفال إِذا كَانَت كَذَلِك وأتفله غَيره وَمِنْه حَدِيث عَليّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه لرجل رَآهُ نَائِما فِي الشَّمْس قُم عَنْهَا فَإِنَّهَا تَتْفُل الرّيح وتبلي الثَّوْب وَتظهر الدَّاء الدفين وصفهَا بِثَلَاثَة أُمُور بهضم الخصر وضخامة الكفل وَالطّيب (إِذا مَا الضجيع ابتزها من ثِيَابهَا ... تميل عَلَيْهِ هونة غير معطال)

ابتزها نزع بزها أَي ثِيَابهَا وَأَرَادَ مُطلق النزع وَالسَّلب والهونة بِالْفَتْح وَالضَّم المتئدة والهون السكينَة وَالْوَقار والمعطال تقدم تَفْسِيره ويروي مجبال قَالَ الْأَصْمَعِي مَعْنَاهُ هِيَ الغليظة (كدعص النقا يمشي الوليدان فَوْقه ... بِمَا احتسبا من لين مس وتسهال) الدعص بِالْكَسْرِ قِطْعَة من الرمل مستديرة والنقا الْكَثِيب من الرمل أَرَادَ تَشْبِيه عجزها بالدعص لعظمه حَتَّى أَن وَلدين يمكنهما أَن يلعبا فَوْقه من غير ضَرَر عَلَيْهِمَا للينه وسهولته والوليدان الصّبيان وأحتسب أكتفى والتسهال السهولة (إِذا مَا أستحمت كَانَ فيض حميمها ... على متنتيها كالجمان لَدَى الْحَال) استحمت اغْتَسَلت بالحميم وَهُوَ المَاء الْحَار ومتنتا الظّهْر مكتنفا الصلب عَن يَمِين وشمال من عصب وَلحم والمفرد متن ومتنة والجمان بِالضَّمِّ اللُّؤْلُؤ وَالْحَال وسط الظّهْر وَمن الْفرس مَوضِع اللبد أَرَادَ أَن المَاء الَّذِي ينْفَصل من ظهرهَا عِنْد الِاغْتِسَال يشبه اللُّؤْلُؤ المتناثر تنورتها من أَذْرُعَات (الْبَيْت) الضَّمِير رَاجع إِلَى بسباسة وَقد شرح الْبَيْت (نظرت إِلَيْهَا والنجوم كَأَنَّهَا ... مصابيح رُهْبَان تشب لقفال) ضمير إِلَيْهَا رَاجع إِلَى النَّار الْمَفْهُوم من تنورتها وَجُمْلَة والنجوم إِلَخ حَال من الْفَاعِل وَجُمْلَة تشب حَال من ضمير النَّار قَالَ ابْن رَشِيق فِي الْعُمْدَة

(أقسام التنوين)

وَمن أَبْيَات الْمُبَالغَة قَول امْرِئ الْقَيْس يصف نَارا وَإِن كَانَ فِيهِ إغراق نظرت إِلَيْهَا والنجوم الْبَيْت يَقُول نظرت إِلَى نَار هَذِه الْمَرْأَة تشب لقفال والنجوم كَأَنَّهَا مصابيح رُهْبَان وَقد قَالَ تنورتها من أَذْرُعَات الْبَيْت وَبَين المكانين بعد أَيَّام وَإِنَّمَا يرجع الْقفال من الْغَزْو والغارات وَجه الصَّباح فَإِذا رَآهَا من مسيرَة أَيَّام وَجه الصَّباح وَقد خمد سناها وكل موقدها فَكيف كَانَت أول اللَّيْل وَشبه النُّجُوم بمصابيح الرهبان لِأَنَّهَا فِي السحر يضعف نورها كَمَا يضعف نور المصابيح الموقدة لَيْلهَا أجمع لَا سِيمَا مصابيح الرهبان لأَنهم يكلون من سهر اللَّيْل فَرُبمَا نعسوا فِي ذَلِك الْوَقْت وَقَالَ بَعضهم وَمن التَّشْبِيه الصَّادِق هَذَا الْبَيْت فَإِنَّهُ شبه النُّجُوم بمصابيح رُهْبَان لفرط ضيائها وتعهد الرهبان لمصابيحهم وقيامهم عَلَيْهَا لتزهر إِلَى الصُّبْح فَكَذَلِك النُّجُوم زاهرة طول اللَّيْل وتتضاءل إِلَى الصُّبْح كتضاؤل المصابيح لَهُ وَقَالَ تشب لقفال لِأَن أَحيَاء الْعَرَب بالبادية إِذا قفلت إِلَى موَاضعهَا الَّتِي تأوي إِلَيْهَا من مصيف إِلَى مشتى إِلَى مربع أوقدت لَهَا نيران على قدر كَثْرَة منازلها وقلتها ليهتدوا بهَا فَشبه النُّجُوم ومواقعها من السَّمَاء بتفرق تِلْكَ النيرَان واجتماعها من مَكَان بعد مَكَان على حسب منَازِل الْقفال بالنيران الموقدة لَهُم وَقد طَال الْكَلَام هُنَا وَلم يمكننا أَن نترجم امرا الْقَيْس ونترجمه إِن شَاءَ الله فِي الشَّاهِد الثَّانِي من شَوَاهِد شعره (أَقسَام التَّنْوِين) وَأنْشد بعده وَفِي آخر الشَّرْح فِي التَّنْوِين وَهُوَ الشَّاهِد الرَّابِع (الوافر) (أقلي اللوم عاذل والعتابن ... وَقَوْلِي إِن أصبت لقد اصابن)

على أَن تَنْوِين الترنم يلْحق الْفِعْل والمعرف بِاللَّامِ وَقد اجْتمعَا فِي هَذَا الْبَيْت وَالْفِعْل سَوَاء كَانَ مَاضِيا كَمَا ذكر أَو مضارعا كَقَوْلِه (الرجز) (داينت أروى والديون تقضين) وَقد لحقت الْمُضمر أَيْضا كَقَوْلِه (يَا أبتا علك أَو عساكن) قَالَ الشَّارِح وَلم يسمع دُخُولهَا على الْحَرْف وَلَا يمْتَنع ذَلِك فِي الْقيَاس أَقُول قد سمع فِي الْحَرْف أَيْضا كَمَا مثل لَهُ شرَّاح الألفية بقول النَّابِغَة (الْكَامِل) (أفد الترحل غير أَن رِكَابنَا ... لما تزل برحالنا وَكَأن قدن) ولحاق هَذَا التَّنْوِين لما ذكر إِنَّمَا هُوَ عِنْد بني تَمِيم كَمَا قَالَ الشَّارِح وَعند قيس أَيْضا كَمَا قَالَه ابْن جني فِي سر الصِّنَاعَة وأقلي فعل أَمر مُسْند إِلَى ضمير العاذلة يُقَال أقللته وقللته بِمَعْنى جعلته قَلِيلا بتعدية قل بِالْهَمْزَةِ والتضعيف وَهَذَا الْمَعْنى لَيْسَ بِمُرَاد بل الْمَقْصُود اتركي اللوم فَإِن الْقلَّة يعبر بهَا عَن الْعَدَم كَمَا هُوَ مستفيض واللوم مفعول أقلي وَهُوَ مصدر لَام يلوم وَمَعْنَاهُ العذل والتوبيخ وعاذل منادى مَحْذُوف مِنْهُ حرف النداء ومرخم عاذلة من عذل يعذل من بَابي ضرب وَقتل بِمَعْنى لَام والعتاب مَعْطُوف على اللوم مصدر عَاتب معاتبة وعتابا قَالَ الْخَلِيل العتاب مُخَاطبَة الإدلال ومذاكرة الموجدة أَي الْغَضَب وَهَذَا لَيْسَ بمقصود إِذْ هُوَ بِهَذَا الْمَعْنى لَا يكون إِلَّا بَين متحابين وَإِنَّمَا المُرَاد مصدر

عتب عَلَيْهِ عتبا من بَابي ضرب وَقتل بِمَعْنى لامه فِي تسخط وَقَوله قولي فعل أَمر أَيْضا مَعْطُوف على أقلي وَقَوله لقد أصابن مقول القَوْل وَجُمْلَة إِن أصبت مُعْتَرضَة بَينهمَا وَجَوَاب الشَّرْط مَحْذُوف وجوبا يفسره جملَة القَوْل وَهَذَا الْبَيْت مطلع قصيدة طَوِيلَة عدد أبياتها مائَة وَتِسْعَة لجرير يهجو عبيد الرَّاعِي النميري والفرزدق وَسبب هجوه إيَّاهُمَا على مَا حكى فِي شرح المناقضات أَن عَرَادَة النميري كَانَ نديما للفرزدق فَقدم الرَّاعِي الْبَصْرَة فَقدم عَرَادَة طَعَاما وَشَرَابًا فَدَعَا الرَّاعِي فَلَمَّا أخذت الكاس مِنْهُمَا قَالَ عراده لِلرَّاعِي يَا أَبَا جندل قل شعرًا تفضل الفرزدق على جرير فَلم يزل يزين لَهُ ذَلِك حَتَّى قَالَ (الْكَامِل) (يَا صَاحِبي دنا الْأَصِيل فسيرا ... غلب الفرزدق فِي الهجاء جَرِيرًا) فغدا بِهِ عَرَادَة على الفرزدق فأنشده إِيَّاه وَكَانَ عبيد الرَّاعِي شَاعِر مُضر وَذَا سنّهَا فَحسب جرير أَنه مغلب الفرزدق عَلَيْهِ فَلَقِيَهُ يَوْم الْجُمُعَة فَقَالَ يَا أَبَا جندل إِنِّي أَتَيْتُك بِخَبَر أَتَانِي إِنِّي وَابْن عمي هَذَا يَعْنِي الفرزدق نستب صباحا وَمَسَاء وَمَا عَلَيْك غَلَبَة المغلوب وَلَا عَلَيْك غَلَبَة الْغَالِب فإمَّا أَن تدعني وصاحبي وَإِمَّا أَن تغلبني عَلَيْهِ لانقطاعي إِلَى قيس وحطي فِي حبلهم فَقَالَ لَهُ الرَّاعِي صدقت لَا أبعدك من خير ميعادك المربد فصحبه جرير فَبَيْنَمَا هما يسْتَخْرج كل مِنْهُمَا مقَالَة صَاحبه رآهما جندل بن عبيد فَأقبل يرْكض على فرس لَهُ فَضرب بغلة أَبِيه الرَّاعِي وَقَالَ مَالك يراك النَّاس وَاقِفًا على كلب بني كُلَيْب فَصَرفهُ عَنهُ فَقَالَ جرير أما وَالله

لأثقلن رواحلك ثمَّ أقبل إِلَى منزلَة فَقَالَ للحسين رِوَايَته زد فِي دهن سراجك اللَّيْلَة وأعدد لوحا ودواة ثمَّ أقبل على هجاء بني نمير فَلم يزل يملي حَتَّى ورد عَلَيْهِ قَوْله (الوافر) (فغض الطّرف إِنَّك من نمير ... فَلَا كَعْبًا بلغت وَلَا كلابا) فَقَالَ حَسبك أطفئ سراجك ونم فرغت مِنْهُ ثمَّ إِن جَرِيرًا أتم هَذِه بعد وَكَانَ يسميها الدامغة أَو الدماغة وَكَانَ يُسمى هَذِه القافية المنصورة لِأَنَّهُ قَالَ قصائد فِيهَا كُلهنَّ أَجَاد فِيهَا وَبعد أَن أتمهَا أَدخل طرف ثَوْبه بَين رجلَيْهِ ثمَّ هدر فَقَالَ أخزيت ابْن يَرْبُوع حَتَّى إِذا أصبح غَدا وَرَأى الرَّاعِي فِي سوق الْإِبِل فَأَتَاهُ وأنشده إِيَّاهَا حَتَّى وصل إِلَى قَوْله (أجندل مَا تَقول بَنو نمير ... إِذا مَا الأير فِي أست أَبِيك غابا) فَقَالَ الرَّاعِي شرا وَالله تَقول (عَلَوْت عَلَيْك ذرْوَة خندفي ... ترى من دونهَا رتبا صعابا) (لنا حَوْض النَّبِي وساقياه ... وَمن ورث النُّبُوَّة والكتابا) (إِذا غضِبت عَلَيْك بَنو تَمِيم ... حسبت النَّاس كلهم غضابا) (فغض الطّرف إِنَّك من نمير) (الْبَيْت) فَقَالَ الرَّاعِي وَهُوَ يُرِيد نقضهَا (أَتَانِي أَن جحش بني كُلَيْب ... تعرض حول دجلة ثمَّ هابا) (فَأولى أَن يظل الْبَحْر يطفو ... بِحَيْثُ يُنَازع المَاء السحابا) (أَتَاك الْبَحْر يضْرب جانبيه ... أغر ترى لجريته حبابا)

ثمَّ كف ورأي أَن لَا يجِيبه فَأجَاب عَنهُ الفرزدق على رُوِيَ قَوْله (الوافر) (أَنا ابْن العاصمين بني تَمِيم ... إِذا مَا أعظم الْحدثَان نابا) ثمَّ إِن الرَّاعِي قَالَ لِابْنِهِ يَا غُلَام بئْسَمَا كسبنا قَومنَا ثمَّ قَامَ من سَاعَته وَقَالَ لأَصْحَابه ركابكم فَلَيْسَ لكم هَا هُنَا مقَام فضحكم جرير فَقَالَ لَهُ بعض الْقَوْم ذَلِك بشؤمك وشؤم ابْنك وَسَار إِلَى أَهله فَلَمَّا وصل إِلَيْهِم سمع عِنْد الْقدوم (فغض الطّرف إِنَّك من نمير) (الْبَيْت) وَأقسم بِاللَّه مَا بلغَهَا إنسي وَإِن لجرير لأشياعا من الْجِنّ فتشاءمت بِهِ بَنو نمير وسبوه وسبوه ابْنه وهم يتشاءمون بِهِ إِلَى الْآن قَالَ ابْن رَشِيق فِي الْعُمْدَة وَمِمَّنْ وَضعه مَا قيل فِيهِ من الشّعْر حَتَّى أنكر نسبه وَسقط عَن رتبته وعيب بفضيلته بَنو نمير كَانُوا جَمْرَة من جمرات الْعَرَب إِذا سُئِلَ أحدهم مِمَّن الرجل فخم لَفظه وَمد صَوته وَقَالَ من بني نمير إِلَى أَن صنع جرير قصيدته الَّتِي هجا بهَا عبيد بن حُصَيْن الرَّاعِي فسهر لَهَا فطالت ليلته إِلَى أَن قَالَ فغض الطّرف إِنَّك من نمير الْبَيْت فأطفأ سراجه ونام وَقَالَ وَالله قد أخزيتهم آخر الدَّهْر فَلم يرفعوا رَأْسا بعْدهَا إِلَّا نكس بِهَذَا الْبَيْت حَتَّى أَن مولى لباهلة كَانَ يرد سوق الْبَصْرَة ممتارا فَيَصِيح بِهِ بَنو نمير ياجوذاب بالهة فَقص الْخَبَر على موَالِيه وَقد ضجر من ذَلِك فَقَالُوا لَهُ إِذا نبزوك فَقل لَهُم (فغض الطّرف أَنَّك من نمير) (الْبَيْت) وَمر بهم بعد ذَلِك فنبزوه وَأَرَادَ الْبَيْت فنسيه فَقَالَ غمض وَإِلَّا جَاءَك

مَا تكره فكفوا عَنهُ وَلم يعرضُوا لَهُ بعْدهَا وَمَرَّتْ امْرَأَة بِبَعْض مجَالِس بني نمير فأداموا النّظر إِلَيْهَا فَقَالَت قبحكم الله يَا بني نمير مَا قبلتم قَول الله عَزَّ وَجَلَّ {قل للْمُؤْمِنين يغضوا من أَبْصَارهم} وَلَا قَول الشَّاعِر (فغض الطّرف إِنَّك من نمير) (الْبَيْت) وَهَذِه القصيدة تسميها الْعَرَب الفاضحة وَقيل سَمَّاهَا جرير الدماغة تركت بني نمير بِالْبَصْرَةِ ينتسبون إِلَى عَامر بن صعصعة ويتجاوزون أباهم نميرا إِلَى أَبِيه هربا من ذكر نمير وفرارا مِمَّا وسم بِهِ من الفضيحة والوصمة وَأعلم أَن جمرات الْعَرَب ثَلَاث وهم بَنو نمير بن عَامر بن صعصعة وَبَنُو الْحَارِث بن كَعْب وَبَنُو ضبة بن أد فطفئت جمرتان وهما بَنو ضبة لِأَنَّهَا حالفت الربَاب وَبَنُو الْحَارِث بن كَعْب لِأَنَّهَا حالفت مذحجا وَبقيت نمير لم تحالف فَهِيَ على كثرتها ومنعتها وَكَانَ الرجل مِنْهُم إِذا قيل لَهُ من أَنْت قَالَ نميري إدلالا بنسبه وافتخارا بمنصبه حَتَّى قَالَ جرير (فغض الطّرف إِنَّك من نمير) (الْبَيْت) وَكَعب وكلاب ابْنا ربيعَة بن عَامر بن صعصعة والتجمير فِي كَلَام الْعَرَب التجميع وَإِنَّمَا سموا بذلك لأَنهم متوافرون فِي أنفسهم لم يدخلُوا مَعَهم غَيرهم وَفِي الْقَامُوس الْجَمْرَة النَّار المتقدة وَألف فَارس والقبيلة لَا تنضم إِلَى أحد أَو الَّتِي فِيهَا ثَلَاثمِائَة فَارس وجمرات الْعَرَب بَنو ضبة بن أد وَبَنُو الْحَارِث بن كَعْب وَبَنُو نمير بن عَامر أَو عبس والْحَارث وضبة لِأَن أمّهم رَأَتْ فِي الْمَنَام أَنه خرج من فرجهَا ثَلَاث جمرات فَتَزَوجهَا كَعْب بن عبد المدان

فَولدت لَهُ الْحَارِث وهم أَشْرَاف الْيمن ثمَّ تزَوجهَا بغيض بن ريث فَولدت لَهُ عبسا وهم فرسَان الْعَرَب ثمَّ تزَوجهَا أد فَولدت لَهُ ضبة فجمرتان فِي مُضر وجمرة فِي الْيمن وَجَرِير ابْن عَطِيَّة بن الخطفى بن بدر بن سَلمَة بن عَوْف بن كُلَيْب بن يَرْبُوع بن حَنْظَلَة بن مَالك بن زيد مَنَاة بن تَمِيم وَجَرِير من الْأَسْمَاء المنقولة لِأَن الْجَرِير حَبل يكون فِي عنق الدَّابَّة أَو النَّاقة من أَدَم كَذَا فِي أدب الْكَاتِب وَسمي جَرِيرًا لِأَن أمه كَانَت رَأَتْ فِي نومها وَهِي حاملة بِهِ أَنَّهَا تَلد جَرِيرًا فَكَانَ يلتوي على عنق رجل فيخنقه ثمَّ فِي عنق آخر ثمَّ فِي عنق آخر حَتَّى كَاد يقتل عدَّة من النَّاس فَفَزِعت من رؤياها وقصتها على معبر فَقَالَ لَهَا إِن صدقت رُؤْيَاك ولدت ولدا يكون بلَاء على النَّاس فَلَمَّا وَلدته سمته جَرِيرًا وَكَانَ تَأْوِيل رؤياها أَنه هجا ثَمَانِينَ شَاعِرًا فَغَلَبَهُمْ كلهم إِلَّا الفرزدق وَكَانَت أمه ترقصه وَهُوَ صَغِير وَتقول (الرجز) (قصصت رُؤْيَايَ على ذَاك الرجل ... فَقَالَ لي قولا وليت لم يقل) (لتلدن عضلة من العضل ... ذَا منقق جزل إِذا قَالَ فضل) (مثل الحسام العضب مَا مس فصل ... يعدل ذَا الْميل وَلما يعتدل) (ينهل سما من يعادي ويعل) والخطفى لقب جده واسْمه حُذَيْفَة مصغر حذفة وَهِي الرَّمية بالعصا ولقب بالخطفى لقَوْله (الرجز) (يرفعن بِاللَّيْلِ إِذا مَا أسدفا ... أَعْنَاق جنان وهاما رجفا) (وعنقا بَاقِي الرسيم خطفا)

ويروى خطيفا وَهُوَ السَّرِيع ويكنى جرير أَبَا حزرة بِفَتْح الْمُهْملَة وَسُكُون الْمُعْجَمَة بِابْن كَانَ لَهُ والحزرة فعلة من حزرت الشَّيْء إِذا خرصته وخمنته والحزرة أَيْضا خِيَار المَال وحموضة اللَّبن قَالَ ابْن قُتَيْبَة فِي كتاب الشّعْر وَالشعرَاء وَكَانَ لَهُ عشرَة من الْوَلَد فيهم ثَمَانِيَة ذُكُور مِنْهُم بِلَال وَكَانَ أفضلهم وأشعرهم وَله عقب مِنْهُم عمَارَة ابْن عقيل بن بِلَال وَمن ولد جرير نوح وَعِكْرِمَة وَكَانَا شاعرين أَيْضا وَكَانَ جرير من فحول شعراء الْإِسْلَام وَكَانَ يشبه بالأعشى مَيْمُون وَكَانَ من أحسن النَّاس تشبيبا قَالَ الْأَصْمَعِي سَمِعت الْحَيّ يتحدثون عَن جرير أَنه قَالَ لَوْلَا مَا شغلني من هَذِه الْكلاب لشببت تشبيبا تحن مِنْهُ الْعَجُوز إِلَى شبابها حنين النَّاقة إِلَى سقبها وَكَانَ من أَشد النَّاس هجاء وَقد أجمع عُلَمَاء الشّعْر على أَن جَرِيرًا والفرزدق والأخطل مقدمون على سَائِر شعراء الْإِسْلَام وَاخْتلفُوا فِي أَيهمْ أفضل وَقد حكم مَرْوَان بن أبي حَفْصَة بَين الثَّلَاثَة بقوله (الْكَامِل) (ذهب الفرزدق بالفخار وَإِنَّمَا ... حُلْو الْكَلَام ومره لجرير) (وَلَقَد هجا فأمض أخطل تغلب ... وحوى اللهى بمديحه الْمَشْهُور) فَحكم للفرزدق بالفخار وللأخطل بالمدح والهجو ولجرير بِجَمِيعِ فنون الشّعْر قَالَ الْمَدَائِنِي كَانَ جرير أعق النَّاس لِأَبِيهِ وَكَانَ أبنه بِلَال أعق النَّاس بِهِ فراجع جرير بِلَالًا فِي الْكَلَام فَقَالَ بِلَال الْكَاذِب من ناك أمه

فَأَقْبَلت عَلَيْهِ وَقَالَت لَهُ يَا عَدو الله أَتَقول هَذَا لأَبِيك قَالَ جرير فوَاللَّه لكَأَنِّي أسمعها وَأَنا أقولها لأبي وَلما بلغ موت الفرزدق جَرِيرًا قَالَ (الْكَامِل) (هلك الفرزدق بعد مَا جدعته ... لَيْت الفرزدق كَانَ عَاشَ قَلِيلا) ثمَّ أطرق طَويلا وَبكى فَقيل لَهُ مَا أبكاك قَالَ بَكَيْت على نَفسِي وَالله إِنِّي لأعْلم أَنِّي عَن قَلِيل لاحقه فَلَقَد كَانَ نجمنا وَاحِدًا وكل وَاحِد منا مَشْغُول بِصَاحِبِهِ وقلما مَاتَ ضد أَو صديق إِلَّا تبعه الآخر ثمَّ أنشأ يرثيه (الطَّوِيل) (فجعنا بحمال الدِّيات ابْن غَالب ... وحامي تَمِيم عرضهَا والبراجم) (بكيناك حدثان الْفِرَاق وَإِنَّمَا ... بكناك إِذْ نابت أُمُور العظائم) (فَلَا حملت بعد ابْن ليلى مهيرة ... وَلَا شدّ أنساع الْمطِي الرواسم) ثمَّ لم يلبث أَن مَاتَ بعد قَلِيل بِالْيَمَامَةِ وَذكر الْآمِدِيّ فِي المؤتلف والمختلف من اسْمه جرير من الشُّعَرَاء سَبْعَة أحدهم هَذَا وَتُوفِّي فِي سنة عشر وَقيل إِحْدَى عشرَة وَمِائَة وعمره قد قَارب التسعين وَالثَّانِي جرير الْعجلِيّ وَهُوَ عصري الأول وَقد رد على الفرزدق الثَّالِث جرير بن عبد الله أحد بني عَامر بن عقيل فَارس شَاعِر وَالرَّابِع جرير بن عبد الْمَسِيح الضبعِي وَهُوَ المتلمس صَاحب طرفَة بن العَبْد وَالْخَامِس جرير بن كُلَيْب ابْن نَوْفَل وَهُوَ إسلامي السَّادِس جرير بن الْغَوْث

الشاهد الخامس

أَخُو بني كنَانَة بن الْقَيْن السَّابِع جرير وَهَذَا مصغر وَهُوَ أَبُو مَالك المدلجي وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد الْخَامِس وَهُوَ من شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ أنْشدهُ فِي بَاب وُجُوه القوافي وَاسْتشْهدَ بِهِ لما يلْزم من إِثْبَات الْوَاو وَالْيَاء إِذا كَانَتَا قافيتين كَمَا يلْزم إِثْبَات الْقَاف فِي المخترق لِأَنَّهَا حرف الروي (الرجز) (وقاتم الأعماق خاوي المخترقن) على أَن تَنْوِين الترنم قد يلْحق الروي الْمُقَيد فَيخْتَص باسم الغالي تبع الشَّارِح الْمُحَقق فِي جعل تَنْوِين الغالي نوعا من تَنْوِين الترنم لِابْنِ جني فَإِنَّهُ قَالَ فِي سر الصِّنَاعَة الرَّابِع من وُجُوه التَّنْوِين وَهُوَ أَن يلْحق أَوَاخِر القوافي معاقبا لما فِيهِ من الغنة لحرف الْمِيم وَهُوَ على ضَرْبَيْنِ أَحدهمَا أَن يلْحق متمما للْبِنَاء وَالْآخر أَن يلْحق زِيَادَة بعد اسْتِيفَاء الْبَيْت جَمِيع أَجْزَائِهِ نيفا من آخِره بِمَنْزِلَة الزِّيَادَة الْمُسَمَّاة خزما فِي أَوله ثمَّ قَالَ وَإِنَّمَا زادوا هَذَا التَّنْوِين فِي هَذَا الْموضع وَنَحْوه بعد تَمام الْوَزْن لِأَن من عَادَتهم أَن يلحقوه فِيمَا يحْتَاج إِلَيْهِ الْوَزْن نَحْو (قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزلن) وَقَوله (الْحَمد لله الوهوب المجزلن) فَلَمَّا اعتادوه فِيمَا يكمل وَزنه ألحقوه أَيْضا بِمَا هُوَ مُسْتَغْنى عَنهُ وَهَذَا معنى

قَول الشَّارِح وَإِنَّمَا الْحق بالروي الْمُقَيد تَشْبِيها لَهُ بالمطلق وَزعم ابْن يعِيش أَن فَائِدَة هَذَا التَّنْوِين التطريب والتغني وَجعله ضربا من تَنْوِين الترنم وَزعم أَن تَنْوِين الترنم يُرَاد بِهِ ذَلِك وَهُوَ غلط كَمَا بَينه الشَّارِح الْمُحَقق وَقَالَ عبد القاهر فَائِدَته الإيذان بِأَن الْمُتَكَلّم وَاقِف لِأَنَّهُ إِذا أنْشد عجلا والقوافي سَاكِنة صَحِيحَة لم يعلم أَو اصل هُوَ أم وَاقِف وَأنكر هَذَا التَّنْوِين الزّجاج والسيرافي وزعما أَن رؤبة كَانَ يزِيد فِي أَوَاخِر الأبيات إِن فَلَمَّا ضعف صَوته بِالْهَمْزَةِ لسرعة الْإِيرَاد ظن السَّامع أَنه نون وَفِي هَذَا توهيم الروَاة الثِّقَات بِمُجَرَّد الأحتمال وَقَول الشَّارِح فَيفتح مَا قبل النُّون تَشْبِيها لَهَا بالخفيفة أَو يكسر للساكنين كَمَا فِي حِينَئِذٍ قَالَ ابْن هِشَام فِي شرح الشواهد والأخفش يُسَمِّي هَذَا التَّنْوِين غاليا وَالْحَرَكَة الَّتِي قبل التَّنْوِين غلوا وَهِي الكسرة لِأَنَّهَا الأَصْل فِي التقاء الساكنين كَقَوْلِهِم يَوْمئِذٍ ومه وَزعم ابْن الْحَاجِب أَن الأولى أَن تكون الْحَرَكَة قبل فَتْحة كَمَا فِي نَحْو اضربن وَأَن هَذَا أولى من أَن يُقَاس على يَوْمئِذٍ لِأَن ذَاك لَهُ أصل فِي الْمَعْنى وَهُوَ عوض من الْمُضَاف إِلَيْهِ وَلنَا أَن قِيَاس التَّنْوِين على التَّنْوِين أولى لِاتِّحَاد جنسهما وَلِأَنَّهُمَا يكونَانِ فِي الِاسْم وَالنُّون لَا تكون إِلَّا فِي الْفِعْل ثمَّ إِن فَتحه اضربن للتركيب كَمَا فِي خَمْسَة عشر لَا لالتقاء الساكنين والروي هُوَ الْحَرْف الَّذِي تنْسب إِلَيْهِ القصيدة مَأْخُوذ من الرواء بِالْكَسْرِ وَالْمدّ وَهُوَ الْحَبل والمقيد السَّاكِن الَّذِي لَيْسَ حرف عِلّة وَهَذَا الْبَيْت مطلع قصيدة مرجزة مَشْهُورَة لرؤبة بن العجاج وَقَالَ ابْن قُتَيْبَة فِي أول كتاب الشّعْر وَالشعرَاء حَدثنِي أَبُو حَاتِم عَن الْأَصْمَعِي قَالَ

كَانَ ثَلَاثَة إخْوَة من بني سعد لم يَأْتُوا الْأَمْصَار ذهب رجزهم يُقَال لَهُم نَذِير ومنيذر وَمُنْذِر يُقَال إِن قصيدة رؤبة الَّتِي أَولهَا وقاتم الأعماق لنذير وَهَذِه القصيدة طَوِيلَة لَا فَائِدَة فِي إِيرَاد جَمِيعهَا لَكِن فِيهَا بَيت من شَوَاهِد التَّفْسِير وَمُغْنِي اللبيب لَا يَتَّضِح مَعْنَاهُ إِلَّا بشرح الأبيات الَّتِي قبْلَة فَلهَذَا شرحت فَقَوله وقاتم الْوَاو وَاو رب وَهِي عاطفة لَا جَارة وقاتم مجرور بِرَبّ لَا بِالْوَاو على الصَّحِيح وَقد أنْشد الشَّارِح هَذَا الْبَيْت فِي رب من حُرُوف الْجَرّ أَيْضا على أَن رب محذوفة بعد الْوَاو وَذكر أَنه يجوز حذفهَا فِي الشّعْر بعد الْوَاو وَالْفَاء وبل وَلم أر من قيد حذفهَا فِي الشّعْر وَغَيره وَهَذَا هُوَ مَذْهَب الْبَصرِيين وَزعم الْكُوفِيُّونَ والمبرد أَن الْجَرّ ب الْوَاو لَا ب رب وَاسْتَدَلُّوا فِي افْتِتَاح القصائد بهَا كَهَذا الْبَيْت وَأجِيب بِجَوَاز الْعَطف على كَلَام تقدم ملفوظ بِهِ لم ينْقل أَو مُقَدّر حكم لَهُ منويا فِي النَّفس بِحكم الْمَنْطُوق بِهِ ورد مَذْهَبهم بِوُجُوه أَيْضا أَحدهَا أَنَّهَا مَعَ ذكر رب عاطفة بِاتِّفَاق فَكَذَلِك مَعَ حذفهَا وَلَا تنقل عَن ذَلِك إِلَّا بِدَلِيل وَالْأَصْل عَدمه قَالَ ابْن خالويه الْوَاو إِذا كَانَت فِي أَوَائِل القصائد نَحْو وقاتم الأعماق فَإِنَّهَا تدل على رب فَقَط وَلَا تكون للْعَطْف لِأَنَّهُ لم يتَقَدَّم مَا يعْطف عَلَيْهِ بِالْوَاو قَالَ أَبُو عَليّ الْفَارِسِي فِي نقض الهاذور هَذَا شَيْء لم نعلم أحدا مِمَّن حكينا قَوْله فِي ذَلِك ذهب إِلَيْهِ وَلَا قَالَ بِهِ وَلَيْسَ هَذَا الَّذِي تظناه من الْفَصْل بَين الْأَوَائِل وَغَيرهَا بِشَيْء وَذَلِكَ أَن أَوَائِل القصائد يدْخل عَلَيْهَا حُرُوف الْعَطف على جِهَة الخزم نَحْو مارووا من قَوْله (الرجز) (بل مَا هاج أحزانا وشجوا قد شجا)

وَكَأَنَّهُ جعله عطفا على كَلَام قد كَانُوا يَقُولُونَهُ وقصة خَاضُوا فِيهَا فعطف الشّعْر بِحرف الْعَطف على ذَلِك الْكَلَام الَّذِي كَانُوا فِيهِ الثَّانِي لَو كَانَت الْوَاو عوضا من رب لما جَازَ ظُهُورهَا مَعهَا لِأَنَّهُ لَا يجوز أَن يجمع بَين الْعِوَض والمعوض عَنهُ الثَّالِث أَنَّهَا لَو كنت نائبة عَن رب لجامعها وَاو الْعَطف كَمَا تجامعها وَاو الْقسم كَقَوْلِه (الطَّوِيل) (وَوَاللَّه لَوْلَا تمره مَا حببته) الرَّابِع أَن رب تضمر بعد الْفَاء وبل وَلم يقل أحد إنَّهُمَا حرفا جر فَكَذَلِك يَنْبَغِي أَن يكون الحكم مَعَ الْوَاو وَقَالَ الشاطبي وَفِي هَذِه الْأَدِلَّة كلهَا نظر وأقربها الرَّابِع إِن ثَبت الِاتِّفَاق من الْفَرِيقَيْنِ على أَن الْفَاء وبل ليستا جارتين عِنْد حذف رب فَإِن الْفرق بَينهمَا وَبَين الْوَاو فِيهِ بعد وَبعد فَهَذِهِ الْمَسْأَلَة لَا ثَمَرَة لَهَا فِي النَّحْو وَإِنَّمَا الْبَحْث فِيهَا مظهر للمرتكب الأولى فِي ضبط القوانين خَاصَّة وَإِذا كَانَ كَذَلِك فَمَا قَالَه أهل الْبَصْرَة لَهُ وَجه صَحِيح وَمَا قَالَه الْآخرُونَ كَذَلِك وَالله أعلم وقاتم قَالَ الْأَصْمَعِي فِي شرح ديوَان رؤبة القتمة الغبرة إِلَى الْحمرَة مصدر الأقتم وَقَالَ ابْن السّكيت فِي كتاب الْقلب والإبدال وَيُقَال أسود قاتم وقاتن بِالْمِيم وَالنُّون وَفعله من بَابي ضرب وَعلم وَهُوَ صفة لموصوف مَحْذُوف أَي رب بلد قاتم والأعماق جمع عمق بِفَتْح الْعين وَضمّهَا

وَهُوَ مَا بعد من أَطْرَاف المفاوز مستعار من عمق الْبِئْر يُقَال عمقت الْبِئْر عمقا من بَاب قرب وعماقة بِالْفَتْح أَيْضا بعد قعرها وتعديته بِالْهَمْزَةِ والتضعيف والخاوي من خوى الْمنزل إِذا خلا والمخترق بِفَتْح الرَّاء مَكَان الاختراق من الْخرق بِالْفَتْح وَأَصله من خرقت الْقَمِيص من بَاب ضرب إِذا قطعته وَقد اسْتعْمل فِي قطع الْمَفَازَة فَقيل خرقت الأَرْض إِذا جبتها ومخترق الرِّيَاح ممرها (مشتبه الْأَعْلَام لماع الخفق) الْأَعْلَام جمع علم وَهِي الْجبَال الَّتِي يَهْتَدِي بهَا يُرِيد أَن أَعْلَام هَذَا الْبَلَد يشبه بَعْضهَا بَعْضًا فتشتبه عَلَيْك الْهِدَايَة والخفق بِفَتْح الْخَاء وَسُكُون الْفَاء مصدر خَفق السراب وخفقت الرَّايَة من بَابي نصر وَضرب خفقا وخفقانا إِذا تحركت واضطربت وتحريك الْفَاء ضَرُورَة يُرِيد أَنه يلمع فِيهِ السراب ومشتبه ولماع صفتان لقاتم (يكل وَفد الرّيح من حَيْثُ انخرق) يكل مضارع كل من بَاب ضرب كَلَالَة تَعب وأعيا وَيَتَعَدَّى بِالْألف وَرُوِيَ بِضَم الْيَاء مضارع أكله ف الْوَفْد مَفْعُوله وضميره الْمُسْتَتر رَاجع لقاتم وَالْجُمْلَة على الْوَجْهَيْنِ صفة لقاتم إِلَّا أَن الرابط فِي الْوَجْه الأول مَحْذُوف أَي يكل فِيهِ الْوَفْد جمع وَافد من وَفد على الْقَوْم من بَاب وعد وَفْدًا ووفودا بِمَعْنى قدم ووفد الرّيح أَولهَا وَهَذَا مثل وَقَوله حَيْثُ أنخرق أَي حَيْثُ صَار خرقا والخرق الْوَاسِع يُرِيد أتسع فَإِذا اتَّسع الْموضع فترت الرّيح وَإِذا ضَاقَ اشْتَدَّ مرورها فِيهِ ...

(شأز بِمن عوة جَدب المنطلق) قَالَ أَبُو زيد شئز مَكَاننَا شأزا غلظ وَاشْتَدَّ وَيُقَال قلق وأشأزه أقلقه وَمثله شأس تَصرفا وَمعنى وَهُوَ هُنَا وصف كصعب بِمَعْنى الغليظ والشديد وعوه بِالْعينِ الْمُهْملَة مصدره التعويه بِمَعْنى التَّعْرِيس وَهُوَ النُّزُول فِي آخر اللَّيْل وكل من احْتبسَ فِي مَكَان فقد عوه والجدب بِالْفَتْح نقيض الخصب وَهُوَ هُنَا وصف كَالْأولِ فَإِنَّهُ يُقَال مَكَان جَدب وَأَرْض جدبة وَيُقَال أَيْضا مَكَان جديب وَأَرْض جدوب أَي بَين الجدوبة فيهمَا وشأز وجدب وصفان لقاتم والمنطلق بِفَتْح اللَّام مَحل الانطلاق يَعْنِي أَن هَذَا الْبَلَد شَدِيد على من تلبث فِيهِ غير خصيب على الْمَار والسالك (ناء من التصبيح نأي المغتبق) يَقُول هُوَ بعيد من أَن يصبحه الرَّاكِب فيصطبح فِيهِ أَو يَأْتِيهِ لَيْلًا فيغتبق وَهُوَ وصف لقاتم أَيْضا (تبدو لنا أَعْلَامه بعد الْغَرق) يَعْنِي تظهر جبال بعد أَن تغرق فِي الْآل وَضمير أَعْلَامه لقاتم وَمثله (الطَّوِيل) (ترى قورها يغرقن فِي الْآل مرّة ... وآونة يخْرجن من غامر ضحل) (فِي قطع الْآل وهبوات الدقق) مُتَعَلق بِالْغَرَقِ قبله قَالَ الْأَصْمَعِي قطع الْآل غُدْرَان من الْآل جمع قِطْعَة والآل قَالَ ابْن قُتَيْبَة فِي أدب الْكَاتِب الْفرق بَين الْآل والسراب أَن الْآل يكون أول النَّهَار وَآخره وَسمي آلا لِأَن الشَّخْص هُوَ الْآل فَلَمَّا رفع الشَّخْص قيل هَذَا آل قد بدا وَتبين أما السراب

فَهُوَ الَّذِي ترَاهُ نصف النَّهَار كَأَنَّهُ مَاء ورد عَلَيْهِ ابْن السَّيِّد فِي شَرحه فَقَالَ إِنْكَار أَن يكون الْآل هُوَ السراب من أعجب شَيْء يسمع بِهِ وَذكر أبياتا تدل على أَن الْآل هُوَ السراب والهبوة الغبرة والدقق بِضَم الدَّال وَفتح الْقَاف الأولى جمع دقة وَهُوَ التُّرَاب الَّذِي كسحته الرّيح من الأَرْض (خَارِجَة أعناقها من معتنق) خَارجه حَال سَبَبِيَّة من الْأَعْلَام وأعناقها فَاعل خَارجه وَالضَّمِير للأعلام والمعتنق مخرج أَعْنَاق الْجبَال من السراب (تنشطته كل مغلاة الوهق) هَذَا جَوَاب رب وَقد غفل عَنهُ الْعَيْنِيّ مَعَ أَنه شرح القصيدة جَمِيعهَا فَقَالَ وَجَوَاب وقاتم الأعماق مَحْذُوف وَالتَّقْدِير وَرب قاتم الأعماق إِلَخ قد قطعته أَو جبته أَو نَحْو ذَلِك انْتهى وتنشطته تجاوزته بنشاط قَالَ أَبُو حَاتِم هُوَ أَن تمد يَدهَا ثمَّ تسرع ردهَا وَالضَّمِير للقاتم وكل فَاعل والمغلاة من النوق الَّتِي تبعد الخطو وتغلو فِيهِ أَي تفرط والوهق المباراة فِي السّير وَقَالَ اللَّيْث المواهقة الْمُوَاظبَة فِي السّير وَمد الْأَعْنَاق وتواهقت الركاب تسايرت (مضبورة قرواء هرجاب فنق) المضبورة الْمَجْمُوعَة الْخلق المكتنزة والقرواء الطَّوِيلَة القرا بِالْفَتْح وَالْقصر وَهُوَ الظّهْر وَفِي الصِّحَاح وناقة قرواء طَوِيلَة السنام وَيُقَال الشَّدِيدَة الظّهْر بَينه القرا والهرجاب بِالْكَسْرِ وَالْجِيم الطَّوِيلَة الضخمة

من النوق والفنق بِضَم الْفَاء وَالنُّون النَّاقة الْفتية النَّاقة الْفتية وَلَا يُقَال لشَيْء من الذُّكُور فنق وَقيل المنعمة فِي عيشها وَقَالَ الْأَصْمَعِي وَهِي الْفتية الضخمة وَهَذِه الْكَلِمَات الْأَرْبَع صِفَات للمغلاة (مائرة العضدين مصلات الْعُنُق) مار الشَّيْء يمور مورا تحرّك وَجَاء وَذهب أَي يمور ضبعاها لسعة إبطيها وَلَيْسَت بكنزة فرجعهما سريع والعضدان بِسُكُون الضَّاد مخفف من ضمهَا ويروي الضبعين بِفَتْح الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْمُوَحدَة وَهُوَ كالعضدين وزنا وَمعنى والمصلات بِالْكَسْرِ وَمثله الصلته بِالْفَتْح وَهِي الَّتِي انحسر الشّعْر عَن عُنُقهَا والهجينة تكون شعراء الْعُنُق وَقيل هِيَ الَّتِي تنصلت فِي السّير أَي تتقدم (مسودة الأعطاف من وسم الْعرق) مسودة مجرور كالمائرة والمصلات صِفَات للمغلاة يَقُول قد جهدت حَتَّى عرقت وتراكب عَلَيْهَا الْعرق واسود حَتَّى صَار وسما يُقَال وسمه وسما وسمه إِذا أثر فِيهِ بسمة وكي وروى من وشم بِالْمُعْجَمَةِ يُقَال وشم يَده وشما إِذا غرزها بإبرة ثمَّ ذَر عَلَيْهَا النئور وَهُوَ النّيل وَالِاسْم الوشم أَيْضا (إِذا الدَّلِيل استاف أَخْلَاق الطّرق) إِذا هُنَا ظرف وَلَيْسَت شَرْطِيَّة وَالْعَامِل فِيهَا مَا فِي كَأَن من معنى التَّشْبِيه واستاف شم يُقَال ساف يسوف سوفا إِذا شم وَذَلِكَ بِاللَّيْلِ

يشم الدَّلِيل التُّرَاب وأخلاق الطّرق الدارس مِنْهَا الَّتِي قد أخلقت وَاحِدهَا خلق بِفتْحَتَيْنِ شبهها بِالثَّوْبِ الْخلق لِأَن الِاسْتِدْلَال بشم التُّرَاب إِنَّمَا يكون فِي الطّرق الْقَدِيمَة الَّتِي كثر الْمَشْي فِيهَا فيوجد رَائِحَة الأرواث والأبوال (كَأَنَّهَا حقباء بلقاء الزلق) ضمير كَأَنَّهَا للناقة المغلاة والحقباء مؤنث الأحقب وَهُوَ حمَار الْوَحْش سمي بذلك لبياض فِي حقْوَيْهِ شبه النَّاقة بالأتان الوحشية وَهِي فِي الجلادة والسرعة مثلهَا والبلقاء مؤنث الأبلق والزلق عجز الدَّابَّة أَي الْمَكَان الَّذِي تزلق الْيَد عَن كفلها أَبيض وأسود (أَو جادر الليتين مطوي الحنق) فِي الْعباب وجدر ليته إِذا بَقِي فِيهَا جدر بِالتَّحْرِيكِ أَي أثر الكدم والعض وجادر بِمَعْنى ذُو جدر والليت بِالْكَسْرِ صفحة الْعُنُق وهما ليتان يَقُول عضته الفحول فَصَارَ فِي عنقة أثر ومطوي الحنق قَالَ الْأَصْمَعِي فِي شَرحه يَقُول طوي بالحنق أَي بالضمر يُقَال أحنق إِذا ضمر وإبل محانيق أَي ضوامر وَفِي الصِّحَاح حمَار محنق ضمر من كَثْرَة الضراب شبه النَّاقة الَّتِي سلكت بِهِ هَذَا الْبَلَد الهائل مَمَره فِي الْوَقْت الَّذِي يحار الدَّلِيل فِي الطّرق الْقَدِيمَة الَّتِي لَا علم بهَا وَذَلِكَ آيَة الْهَلَاك بالأتان الوحشية أَو الْحمار الوحشي الموصوفين بِهَذِهِ الْأَوْصَاف وَإِنَّمَا خصهما بالتشبيه لِكَوْنِهِمَا أجلد الوحوش وأسرع وجادر مَعْطُوف على حقباء (محملح أدرج الطلق) هَذَا وصف للحمار الوحشي والمحملج اسْم مفعول من حملج الْحَبل فتله فَتلا شَدِيدا وأوله مُهْملَة وَآخره مُعْجمَة وأدرج بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول أَيْضا

بِمَعْنى فتل وطوي وإدراج بِكَسْر الْهمزَة مصدر تشبيهي أَي كإدراج الطلق والطلق بِفتْحَتَيْنِ قيد من جُلُود وصف هَذَا الْحمار بالضمر واكتناز الْخلق وَذَلِكَ أَشد لعَدوه (لوح مِنْهُ بعد بدن وسنق) يُقَال لاحه السّفر ولوحه غَيره وأضمره وَضمير مِنْهُ لجادر الليتين وفاعل لوح قَود ثَمَان فِي الْبَيْت الثَّالِث بعد هَذَا وَمن للتَّبْعِيض وبدن بِضَم فَسُكُون وبضمتين السّمن والاكتناز تَقول مِنْهُ بدن الرجل بِالْفَتْح يبدن بدنا بِالضَّمِّ فيهمَا إِذا ضخم وَكَذَلِكَ بدن بدانة فَهُوَ بادن وَامْرَأَة بادن أَيْضا فِي الصِّحَاح والسنق بِفتْحَتَيْنِ البشم يُقَال شرب الفصيل حَتَّى سنق بِالْكَسْرِ يسنق بِالْفَتْح وَهُوَ كالتخمة قَالَ الْأَصْمَعِي والسنق كَرَاهَة الطَّعَام من كثرته على الْإِنْسَان حَتَّى لَا يشتهيه قيل لأعرابية أترين أحدا لَا يَشْتَهِي الخبيص قَالَت وَمن لَا يشتهيه إِلَّا من سنق مِنْهُ (من طول تعداء الرّبيع فِي الأنق) هَذَا عِلّة للسنق والأنق بِفتْحَتَيْنِ الْإِعْجَاب بالشَّيْء تَقول أنقت بِهِ من بَاب فَرح فَأَنا بِهِ أنق أَي معجب وَقَالَ الْأَصْمَعِي الأنق المنظر المعجب وَمِنْه أنيق يَعْنِي أَنه سنق من طول مَا عدا فِي الرّبيع فِي مَكَان أنيق (تلويحك الضامر يطوى للسبق) تلويحك مصدر تشبيهي مَنْصُوب بلوح الْمَذْكُور قبل وَهُوَ مُضَاف إِلَى الْفَاعِل والضامر مفعول بِهِ يَقُول كَمَا تلوح أَنْت الْفرس الضامر تُرِيدُ أَن تسابق عَلَيْهِ ويطوى يجوع ويضمر بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول والسبق بِفتْحَتَيْنِ والسبقة بِالضَّمِّ مثله الْخطر وَالرَّهْن الَّذِي يوضع بَين أهل السباق وَالْجمع أسباق ...

(قَود ثَمَان مثل أمراس الأبق) قَود فَاعل لوح الْمُتَقَدّم وَهُوَ جمع قوداء بِمَعْنى الطَّوِيلَة الْعُنُق وَالظّهْر والأمراس جمع مرس وَهُوَ جمع مرسة بِمَعْنى الْحَبل والأبق بِفَتْح الْهمزَة وَالْمُوَحَّدَة القنب وَقيل قشر القنب وَقَالَ الْأَصْمَعِي هُوَ الْكَتَّان يفتل يَقُول هَذِه الأتن كَأَنَّهَا حبال من شدَّة طيها وَهَذِه الْأَوْصَاف مِمَّا تزيد فِي نشاط الْحمار وجريه فَإِذا كَانَت النَّاقة تشبهه فَلَا شَيْء أسْرع مِنْهَا (فِيهَا خطوط من سَواد وبلق) (كَأَنَّهُ فِي الْجلد توليع البهق) البلق بِفتْحَتَيْنِ والبلقة بِالضَّمِّ مثله وَهُوَ سَواد وَبَيَاض والتوليع استطالة البلق قَالَ الْأَصْمَعِي إِذا كَانَ فِي الدَّابَّة ضروب من الألوان من غير بلق فَذَلِك التوليع يُقَال برذون مولع والملمع الَّذِي يكون فِي جسده بقع تخَالف سَائِر لَونه فَإِذا كَانَ فِيهِ استطالة فَهُوَ مولع والبهق كَمَا فِي الْمِصْبَاح بَيَاض مُخَالف للون الْجَسَد وَلَيْسَ ببرص وَقَالَ ابْن فَارس سَواد يعتري الْجلد أَو لون يُخَالف لَونه وَفعله من بَاب تَعب وَهُوَ أبهق وَهِي بهقاء وَجُمْلَة فِيهَا خطوط إِمَّا صفة ثَالِثَة لقود وَإِمَّا حَال مِنْهَا والرابط الضَّمِير وَبِه علم سُقُوط مَا نَقله شَارِح شَوَاهِد التفسيرين خضر الْموصِلِي من أَن الضَّمِير رَاجع إِمَّا إِلَى بقرة يصفها كَمَا فِي بعض الْحَوَاشِي أَو إِلَى أَفْرَاس كَمَا قَالَ جمَاعَة أَو إِلَى أتان كَمَا قَالَه ابْن دُرَيْد مَعَ أَنه لم يتَقَدَّم ذكر شَيْء من بقر وأفراس وَالْعجب مِنْهُ أَنه سطر الأرجوزة برمتها وَلم يتَأَمَّل مرجع الضَّمِير وَقَوله من سَواد وبلق بَيَان لِلْخُطُوطِ يُرِيد أَن بعض الخطوط من سَواد بحت وَبَعضهَا من سَواد يخالطه بَيَاض فالتقابل بَين سوادين وَجُمْلَة كَأَنَّهُ فِي الْجلد إِلَخ صفة لِلْخُطُوطِ

أَو للسواد والبلق والرابط الضَّمِير بتأويله باسم الْإِشَارَة وَاسم الْإِشَارَة مؤول بالمذكور وَنَحْوه وَإِنَّمَا لم يؤول بالمذكور ابْتِدَاء لِأَن التَّأْوِيل قد كثر فِي اسْم الْإِشَارَة كَمَا نقلوا عَن أبي عُبَيْدَة أَنه قَالَ لرؤبة إِن كنت أردْت الخطوط فَقل كَأَنَّهَا وَإِن أردْت السوَاد والبلق فَقل كَأَنَّهُمَا فَقَالَ رؤبة أردْت كَأَن ذَلِك وَيلك وَتَأْويل اسْم الْإِشَارَة بالمذكور إِذا خَالف الْمشَار إِلَيْهِ جعله عُلَمَاء التَّفْسِير والعربية قانونا يرجع إِلَيْهِ عِنْد الِاحْتِيَاج وَخَرجُوا عَلَيْهِ آيَات مِنْهَا قَوْله تَعَالَى {ذَلِك بِمَا عصوا} بإفراد اسْم الْإِشَارَة مَعَ أَن الْمشَار إِلَيْهِ شَيْئَانِ الْكفْر وَالْقَتْل وَأورد هَذَا الْبَيْت نظيرا لَهُ وَزعم ابْن جني فِي الْمُحْتَسب أَنه لَو قَالَ قَائِل إِن الْهَاء فِي كَأَنَّهُ عَائِدَة على البلق وَحده لَكَانَ مصيبا لِأَن فِي البلق مَا يحْتَاج إِلَيْهِ من تشبيهه بالبهق فَلَا ضَرُورَة إِلَى إِدْخَال السوَاد مَعَه انْتهى وَفِيه أَن الْمُحدث عَنهُ هُوَ الخطوط وَهِي المشبهة بالبهق فإمَّا أَن يرجع الضَّمِير إِلَى الْمُبين الَّذِي هُوَ الْمُحدث عَنهُ أَو إِلَى الْبَيَان بِتَمَامِهِ وَأما إرجاعه إِلَى بعض الْبَيَان فَيلْزم تَشْبِيه بعضه دون بعض وَهَذَا لَيْسَ بمقصود بل المُرَاد تَشْبِيه الخطوط الَّتِي بَعْضهَا من سَواد بحت وَبَعضهَا من سَواد فِيهِ بَيَاض أَيْضا فَتَأمل وروى الْأَصْمَعِي كَأَنَّهَا أَيْضا بضمير الْمُؤَنَّث وَعَلَيْهَا فَلَا إِشْكَال وَفِي هَذِه الأرجوزة بَيت وَهُوَ (لواحق الأقراب فِيهَا كالمقق) أوردهُ الشَّارِح فِي حرف الْكَاف من حُرُوف الْجَرّ على أَن الْكَاف فِيهِ زَائِدَة ونشرحه هُنَاكَ إِن شَاءَ الله تَعَالَى ورؤبة هُوَ أَبُو الجحاف بن العجاج عبد الله بن رؤبة بن لبيد بن صَخْر من بني مَالك بن سعد بن زيد مَنَاة بن تَمِيم هُوَ وَأَبوهُ شاعران كل مِنْهُمَا لَهُ

ديوَان رجز وهما مجيدان فِيهِ عارفان باللغة وحشيها وغريبها وَهُوَ أَكثر شعرًا من أَبِيه وأفصح مِنْهُ رُوِيَ أَنه قَالَ لِأَبِيهِ أَنا أشعر مِنْك لِأَنِّي شَاعِر وَابْن شَاعِر وَأَنت شَاعِر فَقَط وَقيل ليونس النَّحْوِيّ من أشعر النَّاس قَالَ العجاج ورؤبة فَقيل لَهُ لم نعن الرجاز قَالَ هما أشعر أهل القصيد وَإِنَّمَا الشّعْر كَلَام فأجوده أشعره قَالَ ابْن عون مَا شبهت لهجة الْحسن الْبَصْرِيّ إِلَّا بلهجة رؤبة وَحكي عَن يُونُس بن حبيب النَّحْوِيّ أَنه قَالَ كنت عِنْد أبي عَمْرو بن الْعَلَاء فَجَاءَهُ شبيل بن عزْرَة الضبعِي فَقَامَ إِلَيْهِ أَبُو عَمْرو وَألقى إِلَيْهِ لبدة بغلته فَجَلَسَ إِلَيْهَا ثمَّ أقبل عَلَيْهِ يحدثه فَقَالَ شبيل يَا أَبَا عَمْرو سَأَلت رؤبتكم عَن اشتقاق اسْمه فَمَا عرفه قَالَ يُونُس فَلم أملك نَفسِي عِنْد ذكر رؤبة فَقلت لَعَلَّك تظن أَن معد بن عدنان أفْصح مِنْهُ وَمن أَبِيه أفتعرف أَنْت مَا الرؤبة وكررها خمْسا فَلم يحر جَوَابا وَقَامَ مغضبا فَقَالَ لي أَبُو عَمْرو هَذَا رجل شرِيف يزور مَجْلِسنَا وَيَقْضِي حقوقنا وَقد أَسَأْت بِمَا فعلت مِمَّا واجهته بِهِ فَقلت لم أملك نَفسِي عِنْد ذكر رؤبة فَقَالَ أوقد سلكت على تَقْوِيم النَّاس وَحكى الْمَدَائِنِي قَالَ قدم الْبَصْرَة راجز من رجاز الْعَرَب فَجَلَسَ إِلَى حَلقَة فِيهَا الشُّعَرَاء وَجعل يَقُول أَنا أرجز الْعَرَب أَنا الَّذِي أَقُول

(الرجز) (مَرْوَان يُعْطي وَسَعِيد يمْنَع ... مَرْوَان نبع وَسَعِيد خروع) وَالله أَنا أرجز من العجاج فليت الْبَصْرَة جمعت بيني وَبَينه ورؤبة والعجاج حَاضرا الْمجْلس فَقَالَ رؤبة لِأَبِيهِ قد أنصفك الرجل فَقُمْ إِلَيْهِ فَأقبل عَلَيْهِ وَقَالَ هأنا العجاج وزحف إِلَيْهِ قَالَ أَي العجاجين أَنْت قَالَ مَا خلتك تَعْنِي غَيْرِي أَنا عبد الله الطَّوِيل وَكَانَ يعرف بذلك فَقَالَ مَا عنيتك وَمَا قصدتك قَالَ كَيفَ وَقد هَتَفت باسمي وتمنيت أَن تَلقانِي قَالَ أَو مَا فِي الدُّنْيَا عجاج سواك قَالَ فَهَذَا ابْني رؤبة قَالَ اللَّهُمَّ غفرا إِنَّمَا مرادي غيركما فَضَحِك النَّاس وكفا عَنهُ قَالَ ابْن قُتَيْبَة فِي كِتَابه الشّعْر وَالشعرَاء قَالَ أَبُو عُبَيْدَة دخلت على رؤبة وَهُوَ يجيل جرذانا فِي النَّار فَقلت أتأكلها قَالَ نعم إِنَّهَا خير من دجاجكم الَّتِي تَأْكُل الْعذرَة إِنَّهَا تَأْكُل الْبر وَالتَّمْر وَكَانَ رؤبة مُقيما بِالْبَصْرَةِ وَلحق الدولة العباسية كَبِيرا ومدح الْمَنْصُور وَأَبا مُسلم وَلما ظهر بهَا إِبْرَاهِيم بن الْحسن بن عَليّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه وَخرج على الْمَنْصُور خَافَ على نَفسه من الْفِتْنَة فَخرج إِلَى الْبَادِيَة فَمَاتَ بهَا فِي سنة خمس وَأَرْبَعين وَمِائَة كَذَا قيل وَهَذَا يُخَالف مَا رُوِيَ عَن يَعْقُوب قَالَ لقِيت الْخَلِيل بن أَحْمد يَوْمًا بِالْبَصْرَةِ فَقَالَ لي يَا أَبَا عبد الله دفنا الشّعْر واللغة والفصاحة الْيَوْم فَقلت لَهُ وَكَيف ذَاك فَقَالَ هَذَا حِين انصرفنا من دفن رؤبة بن العجاج

(تتمة)

وَله أر لَهُ فِي ديوانه من غير الرجز إِلَّا هذَيْن الْبَيْتَيْنِ (الْخَفِيف) (أَيهَا الشامت الْمُعير بالشيب ... أقلن بالشباب افتخارا) (قد لبست الشَّبَاب غضا طريا ... فَوجدت الشَّبَاب ثوبا معارا) وبيتين آخَرين وهما (الوافر) (إِذا مَا الْمَوْت أقبل قبل قوم ... أكب الْحَظ وانتقص العديد) (أرانا لَا يفِيق الْمَوْت عَنَّا ... كَأَن الْمَوْت إيانا يكيد) وَذكر الْآمِدِيّ فِي المؤتلف والمختلف من اسْمه رؤبة ثَلَاثَة أحدهم هَذَا وَالثَّانِي رؤبة بن العجاج بن شدقم الْبَاهِلِيّ وَهُوَ وَأَبوهُ شاعران وكنية هَذَا أَبُو بيهس وَمن شعره (الرجز) (قَالَت لنا وَقَوْلها أحزان ... ذرْوَة وَالْقَوْل لَهُ بَيَان) (يَا أبتا أرقني القذان ... فالنوم لَا تطعمه العينان) (من وخز برغوث لَهُ أَسْنَان ... وللبعوض فَوْقه دندان الدندنة الْكَلَام الَّذِي لَا يفهم والقذان جمع قذذ وَهُوَ البرغوث وَالثَّالِث رؤبة بن عَمْرو بن ظهير الثَّعْلَبِيّ أحد بني ثَعْلَبَة بن سعد بن ذبيان بن بغيض (تَتِمَّة) رؤبة اسْم مَنْقُول إِمَّا من رؤبة بِالْهَمْز وَهِي قِطْعَة ترأب بهَا الشَّيْء أَي تشده بهَا قَالَ صَاحب أدب الْكَاتِب فِي بَاب مَا يُغير من أَسمَاء النَّاس

الشاهد السادس

إِن رؤبة بن العجاج بِالْهَمْز لَا غير وَهَذَا الْحصْر بَاطِل لِأَن المهموز فِي مثله يجوز تَخْفيف همزَة بِلَا خلاف وَقد نقض قَوْله هَذَا بِمَا ذكره فِي أَوَائِل الْكتاب فِي بَاب المسمين بِالصِّفَاتِ وَغَيرهَا فَيجوز أَن يكون مهموزا وَغير مَهْمُوز فَإِنَّهُ قَالَ روبة اللَّبن خميرة تلقي فِيهِ من الحامض ليروب وروبة اللَّيْل سَاعَة مِنْهُ وَيُقَال فلَان لَا يقوم بروبة أَهله أَي بِمَا أسندوا إِلَيْهِ من حوائجهم غير مَهْمُوز ورؤبة بِالْهَمْز قِطْعَة ترأب بهَا الشَّيْء وَإِنَّمَا سمي رؤبة بِوَاحِدَة من هَذِه فَذكر لغير المهموز ثَلَاثَة معَان وَبَقِي لَهُ معَان آخر رَابِعهَا روبة الْفرس وَهِي طرقه فِي جمامة خَامِسهَا يُقَال أَرض روبة أَي كَرِيمَة سادسها شجر الزعرور سابعها روبة الرجل عقله ثامنها الفترة والكسل من كَثْرَة شرب اللَّبن تاسعها اللَّبن الَّذِي فِيهِ زبدة وَالَّذِي نزع زبده فَهُوَ من الأضداد وَله معَان آخر قَالَ ابْن خلف فِي شرح شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ قيل سمي روبة لِأَنَّهُ ولد نصف اللَّيْل وَالله أعلم وَأنْشد بعده وَهُوَ من شَوَاهِد مُغنِي اللبيب وَهُوَ الشَّاهِد السَّادِس (الْبَسِيط) (ياما أميلح غزلانا شدن لنا ... من هؤليائكن الضال والسمر) أوردهُ على أَن التصغير فِي فعل التَّعَجُّب رَاجع إِلَى الْمَفْعُول المتعجب مِنْهُ أَي هن مليحات والتصغير للشفقة وأنشده فِي بَاب التَّعَجُّب أَيْضا على

أَن الْكُوفِيّين غير الْكسَائي زَعَمُوا اسميته وَاسْتَدَلُّوا عَلَيْهَا بتصغيره فِي نَحْو الْبَيْت وَهَذَا جَوَاب س قَالَ الشاطبي وَعلل ذَلِك سِيبَوَيْهٍ بِأَنَّهُم أَرَادوا تَصْغِير الْمَوْصُوف بالملاحة كَأَنَّك قلت مليح لكِنهمْ عدلوا عَن ذَلِك وهم يعنون الأول وَمن عَادَتهم أَن يلفظوا بالشَّيْء وهم يُرِيدُونَ شَيْئا آخر وَقد ذكر ابْن الْأَنْبَارِي فِي كِتَابه الْإِنْصَاف فِي مسَائِل الْخلاف جَمِيع أَدِلَّة الْكُوفِيّين مَعَ أجوبة الْبَصرِيين عَنْهَا فَقَالَ وَمن جملَة أدلتهم أَنهم استدلوا على أسميته بِالتَّصْغِيرِ وَأجَاب عَنهُ بِثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَن التصغير فِي هَذَا الْفِعْل لَيْسَ على حد التصغير فِي الْأَسْمَاء فَإِنَّهُ على اخْتِلَاف ضروبه من التحقير والتقليل والتقريب والتحزن والتعطف كَقَوْلِه أصيحابي أصيحابي والتعظيم كَقَوْلِه (الطَّوِيل) (دويهية تصفر مِنْهَا الأنامل) والتمدح كَقَوْلِه (أَنا جذيلها المحكك) فَإِنَّهُ يتَنَاوَل الِاسْم لفظا وَمعنى والتصغير اللَّاحِق فعل التَّعَجُّب إِنَّمَا يتَنَاوَلهُ لفظا لَا معنى من حَيْثُ كَانَ مُتَوَجها إِلَى الْمصدر وَإِنَّمَا رفضوا ذكر الْمصدر هَاهُنَا لِأَن الْفِعْل إِذا أزيل عَن التَّصَرُّف لَا يُؤَكد بِذكر الْمصدر لِأَنَّهُ خرج عَن مَذْهَب الْأَفْعَال فَلَمَّا رفضوا الْمصدر وأثروا تصغيره صغروا الْفِعْل لفظا ووجهوا التصغير إِلَى الْمصدر وَجَاز تَصْغِير الْمصدر بتصغير فعله لِأَن الْفِعْل يقوم فِي الذّكر مقَام مصدره لِأَنَّهُ يدل عَلَيْهِ بِلَفْظِهِ وَلِهَذَا يعود الضَّمِير إِلَى الْمصدر بِذكر فعله وَإِن لم يجر

لَهُ ذكر فَكَمَا يجوز عود الضَّمِير إِلَى الْمصدر وَإِن لم يجر لَهُ ذكر اسْتغْنَاء بِذكر فعله فَكَذَلِك يجوز أَن يتَوَجَّه التصغير اللَّاحِق لفظ الْفِعْل إِلَى مصدره وَإِن لم يجر لَهُ ذكر وَنَظِيره إِضَافَة أَسمَاء الزَّمَان إِلَى الْفِعْل نَحْو هَذَا يَوْم ينفع الصَّادِقين صدقهم وَإِنَّمَا جَازَ لِأَن الْمَقْصُود بِالْإِضَافَة إِلَى الْفِعْل مصدره من حَيْثُ كَانَ ذكر الْفِعْل يقوم مقَام ذكر مصدره فَكَمَا أَن هَذِه الْإِضَافَة لفظية لَا اعْتِدَاد بهَا فَكَذَلِك التصغير لَفْظِي لَا اعْتِدَاد بِهِ الْوَجْه الثَّانِي إِنَّمَا دخله التصغير حملا على بَاب أفعل التَّفْضِيل لاشتراك اللَّفْظَيْنِ فِي التَّفْضِيل وَالْمُبَالغَة إِلَّا ترى أَنَّك تَقول مَا أحسن زيدا لمن بلغ الْغَايَة فِي الْحسن كَمَا تَقول زيد أحسن الْقَوْم فتجمع بَينه وَبينهمْ فِي أصل الْحسن وتفضله عَلَيْهِم وَالثَّالِث إِنَّمَا دخله التصغير لِأَنَّهُ ألزم طَريقَة وَاحِدَة فَأشبه بذلك الْأَسْمَاء فدخله بعض أَحْكَامهَا وَحمل الشَّيْء على الشَّيْء فِي بعض أَحْكَامه لَا يُخرجهُ عَن أَصله أَلا ترى أَن اسْم الْفَاعِل مَحْمُول على الْفِعْل فِي الْعَمَل وَلم يخرج بذلك عَن كَونه اسْما وَكَذَلِكَ الْمُضَارع مَحْمُول على الِاسْم فِي الْإِعْرَاب وَلم يخرج بذلك عَن كَونه فعلا ا. هـ. ويَا حرف نِدَاء والمنادى مَحْذُوف أَي يَا صَاحِبي وَنَحْوه والملاحة الْبَهْجَة وَحسن المنظر وَفعله ملح الشَّيْء بِالضَّمِّ ملاحة وملح الرجل وَغَيره ملحا من بَاب تَعب اشتدت زرقته وَهُوَ الَّذِي يضْرب إِلَى الْبيَاض فَهُوَ أَمْلَح وَهِي ملحاء وَالِاسْم الملحة كغرفة والغزلان جمع غزال وَهُوَ ولد الظبية قَالَ أَبُو حَاتِم الظبي أول مَا يُولد هُوَ طلا ثمَّ هُوَ غزال وَالْأُنْثَى غزالة فَإِذا قوي وتحرك فَهُوَ شادن فَإِذا بلغ شهرا فَهُوَ شصر بِمُعْجَمَة ومهملة مفتوحتين فَإِذا بلغ سِتَّة أشهر أَو سَبْعَة فَهُوَ جداية بِفَتْح الْجِيم للذّكر وَالْأُنْثَى وَهُوَ خشف أَيْضا والرشأ الفتي من الظباء فَإِذا أثنى فَهُوَ ظَبْي

وَلَا يزَال ثنيا حَتَّى يَمُوت وَالْأُنْثَى ثنية وظبية والثني الَّذِي يلقِي ثنيته أَي سنة من ذَوَات الظلْف والحافر فِي السّنة الثَّالِثَة يُقَال أثنى فَهُوَ ثني فعيل بِمَعْنى فَاعل وشدن ماضي شدن الغزال بِالْفَتْح يشدن بِالضَّمِّ شدونا قوي وطلع قرناه وَاسْتغْنى عَن أمه وَرُبمَا قَالُوا شدن الْمهْر وأشدنت الظبية فَهِيَ مشدن إِذا شدن وَلَدهَا النُّون الثَّانِيَة ضمير الغزلان وَجُمْلَة شدن صفة غزلان وَلنَا وَمن متعلقان بشدن وَقَوله (من هؤليائكن) هُوَ مصغر هَؤُلَاءِ شذوذا وَأَصله أَولا بِالْمدِّ وَالْقصر وَهَا للتّنْبِيه وَهُوَ اسْم إِشَارَة يشار بِهِ إِلَى جمع سَوَاء كَانَ مذكرا أَو مؤنثا عَاقِلا أم غير عَاقل وَالْكَاف حرف خطاب وَالنُّون حرف أَيْضا لجمع الْإِنَاث وَقد اسْتشْهد بِهِ النُّحَاة على دُخُول هَا التَّنْبِيه وعَلى تصغيره شذوذا وَقد رَوَاهُ الْجَوْهَرِي (من هؤلياء بَين الضال والسمر) وَقَالَ وَلم يصغروا من الْفِعْل غير هَذَا وَغير قَوْلهم مَا احيسنه والضال صفة اسْم الْإِشَارَة أَو عطف بَيَان والضال السدر الْبري جمع ضَالَّة وَلِهَذَا صَحَّ إتباعه لاسم الْإِشَارَة إِلَى الْجمع وألفه منقلبة من الْيَاء والسدر شجر النبق الْوَاحِدَة سِدْرَة وَمَا نبت مِنْهُ على شطوط الْأَنْهَار فَهُوَ العبري نِسْبَة إِلَى العبر بِالضَّمِّ وَهُوَ شط النَّهر وجانبه والسمر بِفَتْح السِّين وَضم الْمِيم جمع سَمُرَة وَهُوَ شجر الطلح والطلح نوع من العضاه وَهُوَ شجر عِظَام والعضاه بِكَسْر الْعين جمع عضاهة وَهُوَ كل شجر عَظِيم وَله شوك

وَهَذَا الْبَيْت من جملَة أَبْيَات ذكرهَا هِشَام فِي شرح شواهده وَهِي (الْبَسِيط) (حوراء لَو نظرت يَوْمًا إِلَى حجر ... لأثرت سقما فِي ذَلِك الْحجر) (يزْدَاد توريد خديها إِذا لحظت ... كَمَا يزِيد نَبَات الأَرْض بالمطر) (فالورد وجنتها وَالْخمر ريقتها ... وضوء بهجتها أضوا من الْقَمَر) (يامنء رأى الْخمر فِي غير الكروم وَمن ... هَذَا رأى نبت ورد فِي سوى الشّجر) (كَادَت ترف عَلَيْهَا الطير من طرب ... لما تغنت بتغريد على وتر) (بِاللَّه يَا ظبيات القاع قُلْنَ لنا ... ليلاي مِنْكُن أم ليلى من الْبشر) (ياما أميلح غزلانا شدن لنا الْبَيْت) وروى العباسي فِي معاهد التَّنْصِيص عَن بَعضهم أَنه من أَبْيَات لبَعض الْأَعْرَاب وَذكرهَا فِي الدمية للباخرزي أَنه أول أَبْيَات ثَلَاثَة لبدوي اسْمه كَامِل الثَّقَفِيّ ثَانِيهَا بِاللَّه يَا ظبيات القاع قُلْنَ لنا الْبَيْت وَثَالِثهَا (إنسانة الْحَيّ أم أدمانة السمر ... بِالنَّهْي رقصها لحن من الْوتر) وَقَالَ الْعَيْنِيّ إِنَّه من قصيدة للعرجي وَمِنْهَا بِاللَّه يَا ظبيات القاع الْبَيْت وَهَذَا الْبَيْت قد رُوِيَ للمجنون وَلِذِي الرمة وللحسين بن عبد الله وَالله أعلم

ثمَّ رَأَيْت الصَّاغَانِي قَالَ فِي الْعباب يَقُولُونَ مَا أميلح زيدا وَلم يصغروا من الْفِعْل غَيره وَغير قَوْلهم مَا أحيسنه قَالَ الْحُسَيْن بن عبد الرَّحْمَن العريني (بِاللَّه يَا ظبيات القاع قُلْنَ لنا الْبَيْت) (بَانَتْ لنا بعيون من براقعها ... مَمْلُوءَة مقل الغزلان وَالْبَقر) ياما أميلح غزلان ضدن لنا ا. هـ. والأدمانة قَالَ الْجَوْهَرِي والأدم من الظباء بيض تعلوهن جدد فِيهِنَّ غبرة تسكن الْجبَال يُقَال ظَبْيَة أدماء وَقد جَاءَ فِي شعر ذِي الرمة أدمانة قَالَ (الْبَسِيط) (أَقُول للركب لما عارضت أصلا ... أدمانة لم تربيها الأجاليد وَأنْكرهُ الْأَصْمَعِي وَالنَّهْي بِكَسْر النُّون وَسُكُون الْهَاء الغدير فِي لُغَة نجد) وَغَيرهم يَقُول بِالْفَتْح كَذَا فِي الصِّحَاح وَقَالَ السخاوي فِي شرح الْمفصل والنحاة ينشدون ياما أميلح غزلانا الْبَيْت ظنا مِنْهُم أَنه شعر قديم وَإِنَّمَا هُوَ لعَلي بن مُحَمَّد العريني وَهُوَ مُتَأَخّر وَكَانَ يروم التَّشَبُّه بطريقة الْعَرَب فِي الشّعْر وَله مدح فِي عَليّ بن عِيسَى وَزِير المقتدر وَقتل المقتدر فِي شَوَّال سنة عشْرين وثلاثمائة وَنسبه قوم من النُّحَاة إِلَى مَجْنُون بني عَامر وأنشدوا مَعَه بِاللَّه يَا ظبيات القاع الْبَيْت وَالصَّحِيح مَا قَدمته ا. هـ. والعرجي اسْمه عبد الله وَهُوَ أموي وَإِنَّمَا لقب العرجي لِأَنَّهُ كَانَ يسكن العرج قَالَ فِي الصِّحَاح وَالْعَرج منزل بطرِيق مَكَّة وَإِلَيْهِ

المعرب والمبني

ينْسب العرجي الشَّاعِر وَلم يكن لَهُ نباهة فِي أَهله مَاتَ فِي حبس مُحَمَّد بن هِشَام بن إِسْمَاعِيل المَخْزُومِي وَهُوَ خَال هِشَام بن عبد الْملك وَكَانَ واليا بِمَكَّة بعد ضرب كثير وتشهير فِي الْأَسْوَاق لِأَنَّهُ شَبَّبَ بِأُمِّهِ ليفضحه لَا لمحبة كَانَت بَينه وَبَينهَا وَقَالَت فِي حَبسه قصيدته الَّتِي مِنْهَا (الوافر) (كَأَنِّي لم أكن فيهم وَسِيطًا ... وَلم تَكُ نسبتي من آل عَمْرو) (أضاعوني وَأي فتي أضاعوا ... ليَوْم كريهة وسداد ثغر) وَكَانَ من الفرسان الْمَعْدُودين مَعَ مسلمة بن عبد الْملك بِأَرْض الرّوم وترجمته مَعَ أَحْوَاله مفصلة فِي الأغاني والمعاهد (المعرب والمبني) وَأنْشد فِي بَاب المعرب وَهُوَ من شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ وَهُوَ الْبَيْت السَّابِع (تكتبان فِي الطَّرِيق لَام ألف) على أَن مَقْصُود الشَّاعِر اللَّام والهمزة لَا صُورَة لَا فَيكون مَعْنَاهُ أَنه تَارَة يمشي مُسْتَقِيمًا فتخط رِجْلَاهُ خطا شَبِيها ب الْألف وَتارَة يمشي معوجا فتخط رِجْلَاهُ خطا شَبِيها ب اللَّام وَعَلِيهِ فَالظَّاهِر أَن يَقُول لاما والفا وَوَجهه أَنه حذف التَّنْوِين من الأول من بَاب الْوَصْل بنيه الْوَقْف وَحذف العاطف ووقف على الثَّانِي على لُغَة ربيعَة وَلَيْسَ فِي وَاحِد من هَذِه الثَّلَاثَة ضَرُورَة وَوجه هَذَا الْبَيْت ابْن جني فِي سر الصِّنَاعَة بِوَجْهَيْنِ آخَرين فَقَالَ إِنَّمَا أَرَادَ كَأَنَّهُمَا تخطان حُرُوف المعجم لَا يُرِيد بَعْضهَا دون بعض وَقد يُمكن أَنه أَرَادَ بقوله لَام ألف شكل لَا فَإِنَّهُ تَلقاهُ من أَفْوَاه الْعَامَّة لِأَن الْخط لَيْسَ لَهُ تعلق بالعرب وَلَا عَنْهُم يُؤْخَذ وَقَول من لَا خبْرَة لَهُ بحروف

المعجم كالمعلمين لَام ألف خطأ وصواب النُّطْق بِهِ لَا فَإِنَّهُ اسْم الْألف اللينة الَّتِي تكون قبل الْيَاء فِي آخر حُرُوف المعجم وَفِيمَا قَالَه نظر من وَجْهَيْن الأول قَالَ الدماميني فِي شرح الْمُغنِي نِسْبَة الْعَرَبِيّ الفصيح إِلَى أَنه اعْتمد فِي النُّطْق على الْعَامَّة أَمر بعيد لَا يلْتَفت إِلَيْهِ وَقَوله لِأَن الْخط لَا تعلق لَهُ بالفصاحة سَاقِط لِأَن مَا صدر عَنهُ لفظ لَا خطّ. الثَّانِي أَن قَوْله لَام ألف خطأ مَمْنُوع فَإِنَّهُ قد ورد فِي الشّعْر أنْشد أَبُو زيد فِي نوادره لراجز يصف جنديا وَقيل غرابا (الرجز) (يخط لَام الف مَوْصُول ... وَالزَّاي والرا أَيّمَا تهليل) وَسَيَأْتِي شَرحه فِي الشَّاهِد الثَّانِي بعد هَذَا وَأما مَا أوردهُ أَبُو بكر الشنواني فِي جَوَاب أسئلة السُّيُوطِيّ السَّبع بقوله قَالَ روى أَبُو ذَر الْغِفَارِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَنه قَالَ سَالَتْ رَسُول الله فَقلت يَا رَسُول الله كل نَبِي يُرْسل بِمَ يُرْسل قَالَ بِكِتَاب منزل قلت يَا رَسُول الله أَي كتاب أنزلهُ الله على آدم قَالَ كتاب المعجم ألف با تا ثا إِلَى آخرهَا قلت يَا رَسُول الله كم حرفا قَالَ تِسْعَة وَعِشْرُونَ قلت يَا رَسُول الله عددت ثَمَانِيَة وَعشْرين فَغَضب رَسُول الله حَتَّى احْمَرَّتْ عَيناهُ ثمَّ قَالَ يَا أَبَا ذَر وَالَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ نَبيا مَا أنزل الله على آدم إِلَّا تِسْعَة وَعشْرين حرفا قلت أَلَيْسَ فِيهَا ألف وَلَام فَقَالَ لَام ألف حرف وَاحِد قَالَ أنزلهُ الله تَعَالَى على آدم فِي صحيفَة وَاحِدَة وَمَعَهُ سَبْعُونَ ألف ملك من خَالف لَام ألف فقد كفر بِمَا أنزل عَليّ من لم يعد لَام ألف فَهُوَ بَرِيء مني وَأَنا بَرِيء مِنْهُ وَمن لم يُؤمن

بالحروف وَهِي تِسْعَة وَعِشْرُونَ لَا يخرج من النَّار أبدا ا. هـ. فَهُوَ مَوْضُوع قَالَ ابْن عراق سُئِلَ عَنهُ ابْن تَيْمِية فَقَالَ لَا أصل لَهُ ولوائح الْوَضع عَلَيْهِ ظَاهِرَة وَلَا سِيمَا فِي آخِره فَهُوَ كذب قطعا ا. هـ. ؟ وعَلى هَذَا فَالْفرق بَين لَا وَبَين لَام ألف أَن لَا اسْم الْألف اللينة وَلَام ألف اسْم لَا لِأَنَّهَا على صُورَة اللَّام والهمزة إِذا كتبَتَا مَعًا وَعلم مِمَّا تقدم أَن بَيت الشَّاهِد إِنَّمَا هُوَ بِإِضَافَة لَام إِلَى ألف بِكَوْن أصل لَام ألف مركبا مزجيا فأعرب بِإِضَافَة أحد الجزءين إِلَى الآخر على أحد الْوُجُوه لَا كَمَا زَعمه الشَّارِح وَتَبعهُ الدماميني فِي شرح الْمُغنِي ثمَّ قَالَ ابْن جني وَإِنَّمَا لم يجز أَن تفرد الْألف اللينة من اللَّام وتقام بِنَفسِهَا كَمَا أقيم سَائِر حُرُوف المعجم سواهَا بأنفسها من قبل أَنَّهَا لَا تكون إِلَّا سَاكِنة تَابِعَة للفتحة والساكن لَا يُمكن ابتداؤه فدعمت بِاللَّامِ ليَقَع الِابْتِدَاء بهَا وَيُؤَيّد هَذَا أَن وَاضع حُرُوف المعجم إِنَّمَا رسمها منثورة غير منظومة فَلَو كَانَ غَرَضه فِي لَا إِن يرينا كَيْفيَّة تركب اللَّام مَعَ الْألف للزمه أَيْضا أَن يرينا كَيفَ تركب الْجِيم مَعَ الطَّاء وَالْقَاف مَعَ التَّاء وَغير ذَلِك مِمَّا يطول تعداده وَإِنَّمَا غَرَضه التَّوَصُّل إِلَى النُّطْق بِالْألف فدعم بِاللَّامِ ليمكن الِابْتِدَاء بِهِ فَإِن قيل مَا بالهم دعموه بِاللَّامِ دون سَائِر الْحُرُوف أُجِيب بِأَنَّهُم خصوا اللَّام من قبل إِنَّهُم لما احتاجوا لسكون لَام التَّعْرِيف إِلَى حرف يَقع الِابْتِدَاء بِهِ قبلهَا أَتَوا بِالْهَمْزَةِ فَقَالُوا الْغُلَام فَكَمَا أدخلُوا الْألف قبل اللَّام كَذَلِك أدخلُوا اللَّام قبل الْألف ليَكُون ذَلِك ضربا من التقارض ا. هـ. وَاعْترض عَلَيْهِ الدماميني بِأَن الَّذِي توصل بِهِ إِلَى النُّطْق بلام التَّعْرِيف

هُوَ الْهمزَة لَا الْألف وَالَّذِي توصل بِاللَّامِ إِلَى النُّطْق بِهِ هُوَ الْألف الهوائي لَا الْهمزَة فَلَا تقارض ا. هـ. وَفِيه أَنَّهُمَا أَخَوان يُبدل كل مِنْهُمَا إِلَى الآخر فتبدل الْهمزَة ألفا فِي نَحْو رَأس وتبدل الْألف همزَة فِي نَحْو دأبة وشأبة وحبلأ فِي الْوَقْف وَفِي هَذَا الْقدر من الِاشْتِرَاك يتَحَقَّق التقارض وَاسْتشْهدَ بِهِ سِيبَوَيْهٍ على أَنه ألْقى حَرَكَة ألف على مِيم لَام وَكَذَلِكَ أوردهُ الشَّارِح فِي شرح الشافية أَيْضا فِي بَاب التقاء الساكنين على أَنه نقل حَرَكَة همزَة ألف إِلَى مِيم لَام كَمَا نقلت حَرَكَة همزَة أَرْبَعَة إِلَى الْهَاء فِي قَوْلك ثَلَاثَة أَرْبَعَة إِذا صلت ثَلَاثَة بِمَا بعْدهَا وَهَذَا الْبَيْت ثَالِث أَبْيَات ثَلَاثَة لأبي النَّجْم الْعجلِيّ وَهِي (الرجز) (خرجت من عِنْد زِيَاد كالخرف ... تخط رجلاي بِخَط مُخْتَلف) (تكتبان فِي الطَّرِيق لَام ألف) قَالَ المرزباني فِي الموشح وَهُوَ طَبَقَات الشُّعَرَاء فِي الْجَاهِلِيَّة وَالْإِسْلَام أَخْبرنِي الصولي قَالَ حَدثنَا الْقَاسِم بن إِسْمَاعِيل قَالَ أنشدنا مُحَمَّد بن سَلام لأبي النَّجْم الْعجلِيّ وَكَانَ لَهُ صديق يسْقِيه الشَّرَاب فَيَنْصَرِف من عِنْده ثملا (أخرج من عِنْد زِيَاد كالخرف الأبيات) قَالَ الصولي وَقد عيب أَبُو النَّجْم بِهَذَا فَقيل لَوْلَا أَنه كَانَ يكْتب مَا عرف صُورَة لَام ألف وعناقها لَهَا ا. هـ. وَقد عرفت مَا فِيهِ وَرُوِيَ أَيْضا ...

أَقبلت من عِنْد زِيَاد إِلَخ) والخرف صفة مشبهة من خرف الرجل خرفا من بَاب تَعب فسد عقله لكبره وَخط على الأَرْض خطا أعلم عَلامَة وَخط بِيَدِهِ خطا كتب وَكتب يُقَال بِالتَّخْفِيفِ والتثقيل والتثقيل هُنَا لتكثير الْفِعْل وَأَبُو النَّجْم هُوَ الْفضل بن قدامَة بن عبيد الله بن عبد الله بن الْحَارِث ابْن عَبدة بن الْحَارِث بن الياس بن العوف بن ربيعَة بن مَالك بن عجل بن لجيم بن صَعب بن عَليّ بن بكر بن وَائِل وَهُوَ أحد رجاز الْإِسْلَام الْمُتَقَدِّمين فِي الطَّبَقَة الأولى قَالَ أَبُو عَمْرو بن الْعَلَاء هُوَ أبلغ من العجاج فِي النَّعْت قَالَ ابْن قُتَيْبَة فِي طَبَقَات الشُّعَرَاء كَانَ أَبُو النَّجْم ينزل سوق الْكُوفَة وراجز العجاج فَخرج إِلَيْهِ العجاج على نَاقَة لَهُ كوماء وَعَلِيهِ ثِيَاب حسان وَخرج أَبُو النَّجْم على جمل مهنوء وَعَلِيهِ عباءة فَأَنْشد العجاج (الرجز) (قد جبر الدَّين الْإِلَه فجبر) وَأنْشد أَبُو النَّجْم (تذكر الْقلب وجهلا مَا ذكر) حَتَّى بلغ قَوْله (إِنِّي وكل شَاعِر من الْبشر ... شَيْطَانه أنثي وشيطاني ذكر) (فَمَا رَآنِي شَاعِر إِلَّا استتر ... فعل نُجُوم اللَّيْل عاين الْقَمَر) فَبينا هُوَ ينشد إِذْ وثب جمله على نَاقَة العجاج فَضَحِك النَّاس وَانْصَرفُوا يَقُولُونَ (شَيْطَانه أُنْثَى وشيطاني ذكر)

الشاهد الثامن

وَقَالَ لَهُ هِشَام بن عبد الْملك يَوْمًا يَا أَبَا النَّجْم حَدثنِي قَالَ عني أَو عَن غَيْرِي قَالَ بل عَنْك قَالَ إِنِّي لما كَبرت عرض لي الْبَوْل فَوضعت عِنْد رجْلي شَيْئا أبول فِيهِ فَقُمْت من اللَّيْل أبول فَخرج مني صَوت فتشددت ثمَّ عدت فَخرج مني صَوت آخر فأويت إِلَى فِرَاشِي فَقلت يَا أم الْخِيَار هَل سَمِعت شَيْئا قَالَت لَا وَلَا وَاحِدَة مِنْهُمَا فَضَحِك هِشَام وَأحسن إِلَيْهِ بصلَة وَله مَعَه نَوَادِر ومضحكات مَذْكُورَة فِي الأغاني وَغَيرهَا وسنورد لَهُ إِن شَاءَ الله مِنْهَا إِذا ورد شَاهد من شعره وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد الثَّامِن (الطَّوِيل) (تداعين باسم الشيب فِي متثلم) على أَن اسْم الصَّوْت إِنَّمَا أعرب فِي هَذَا للتركيب وَإِن كَانَ بِنَاؤُه أَصْلِيًّا يُرِيد أَن أَسمَاء الْأَصْوَات إِذا ركبت جَازَ إعرابها اعْتِبَارا بالتركيب الْعَارِض بِشَرْط إِرَادَة اللَّفْظ لَا الْمَعْنى كَمَا يجوز إِعْرَاب الْحُرُوف إِذا قصد ألفاظها وَالْإِعْرَاب مَعَ اللَّام أَكثر من الْبناء لكَونه عَلامَة الِاسْم الَّذِي أَصله الْإِعْرَاب لَكِنَّهَا لَا توجبه بِدَلِيل الْآن وَالَّذِي والخمسة عشر كَذَا فَصله الشَّارِح فِي بَاب الصَّوْت وَعجز هَذَا المصراع (جوانبه من بصرة وَسَلام) وَهُوَ من قصيدة لذِي الرمة يمدح بهَا إِبْرَاهِيم بن هِشَام بن الْوَلِيد بن الْمُغيرَة بن عبد الله بن عمر بن مَخْزُوم وَقبل بَيت الشَّاهِد

(الطَّوِيل) (وَكم عسفت من منهل متخطأ ... أفل وَأقوى فالجمام طوامي) (إِذا مَا وردنا لم نصادف بجوفه ... سوى واردات من قطا وحمام) (إِذا ساقيانا أفرغا فِي إزائه ... على قلص بالمقفرات حيام) (تداعين باسم الشيب الْبَيْت) يصف قطعه القفار على إبِله والعسف الْأَخْذ على غير هدى وَالضَّمِير الْمُسْتَتر رَاجع إِلَى الْإِبِل العيس والمنهل المورد وَهُوَ عين مَاء ترده الْإِبِل والمنهل المتخطأ الَّذِي تخطأه النَّاس فَلم ينزلوه وأفل بِالْفَاءِ فعل مَاض بِمَعْنى لم يصبهُ مطر وَهُوَ مَعَ ضميرَة صفة لمنهل وَهَذَا سَبَب كَون النَّاس لم ينزلُوا فِيهِ يُقَال أَرض فل بِالْكَسْرِ لَا نَبَات فِيهَا لعدم الْمَطَر وَأقوى بِمَعْنى خلا يُقَال أقوت الدَّار وقويت أَيْضا أَي خلت والجمام بِكَسْر الْجِيم جمع جمة بضَمهَا وَهُوَ الْمَكَان الَّذِي اجْتمع فِيهِ مَاؤُهُ وطوامي مَمْلُوءَة جمع طام اسْم فَاعل من طما المَاء يطمو طموا كسمو إِذا ارْتَفع وملأ النَّهر وساقيانا تَثْنِيَة سَاق وَهُوَ من يَسْتَقِي المَاء من الْبِئْر والإزاء بِكَسْر الْهمزَة وَالزَّاي مُعْجمَة مصب المَاء فِي الْحَوْض قَالَ أَبُو زيد هُوَ صَخْرَة وَمَا جعلت وقاية على مصب المَاء حِين يفرغ المَاء وَيُقَال أزيت الْحَوْض تأزية وآزيته بِالْمدِّ إزاء وعَلى قلص مُتَعَلق بأفرغا والقلص بِضَمَّتَيْنِ جمع قلُوص وَهِي النَّاقة الشَّابَّة والحيام بِكَسْر الْمُهْملَة جمع حوم والحوم بِالْفَتْح القطيع الضخم من الْإِبِل وب المقفرات صفة لقلص من أقفرت الدَّار إِذا خلت وتداعين دَعَا بعض القلص بَعْضًا وروى تنادين من النداء وَالْجُمْلَة جَوَاب إِذا والشيب بِالْكَسْرِ حِكَايَة أصوات مشافر الْإِبِل عِنْد الشّرْب وَالصَّوْت شيب شيب جعل هَذَا الصَّوْت مِمَّا يدعوهن

إِلَى الشّرْب وَيَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى فِي بَاب الْإِضَافَة الْكَلَام على إِضَافَة اسْم إِلَى الشيب والمتثلم المتكسر والمتهدم أَرَادَ فِي حَوْض متثلم فَحذف الْمَوْصُوف لدلَالَة مصب الْحَوْض عَلَيْهِ يُقَال ثلمته من بَاب ضرب كَسرته فانثلم وتثلم وَالْبَصْرَة بِفَتْح الْبَاء حِجَارَة رخوة فِيهَا بَيَاض وَبِه سميت الْبَصْرَة وَالسَّلَام بِكَسْر الْمُهْملَة جمع سَلمَة بِفَتْحِهَا وَكسر اللَّام وَهِي الْحِجَارَة وَذُو الرمة هُوَ غيلَان بِالْمُعْجَمَةِ ابْن عقبَة من بني صَعب بن مَالك بن عدي بن عبد مَنَاة ويكنى أَبَا الْحَارِث وَسمي ذَا الرمة بقوله (لم يبْق فِيهَا أَبَد الأبيد ... غير ثَلَاث ماثلات سود) (وَغير مرضوخ الْقَفَا موتود ... أَشْعَث بَاقِي رمة التَّقْلِيد) والرمة بِضَم الرَّاء وَتَشْديد الْمِيم قِطْعَة من الْحَبل الْخلق وَيجوز كسرهَا وَقَالَ ثَعْلَب إِن مية لقبته بذلك وَذَلِكَ أَنه مر بخبائها قبل أَن يشبب بهَا فرآها فَأَعْجَبتهُ فَأحب الْكَلَام مَعهَا فخرق دلوه وَأَقْبل إِلَيْهَا وَقَالَ يَا فتاة أخرزي لي هَذَا الدَّلْو فَقَالَت إِنَّنِي خرقاء والخرقاء الَّتِي لَا تحسن عملا فَخَجِلَ غيلَان وَوضع دلوه على عُنُقه وَهِي مشدودة بِقِطْعَة حَبل بَال وَولى رَاجعا فَعلمت مية مَا أَرَادَ فَقَالَت يَا ذَا الرمة انْصَرف فَانْصَرف فَقَالَت لَهُ إِن كنت أَنا خرقاء فَإِن أمتِي صناع فاجلس حَتَّى تخرز دلوك ثمَّ دعت أمتها قَالَت أخرزي لَهُ هَذَا الدَّلْو وَكَانَ ذُو الرمة يُسَمِّي مية خرقاء لقولها إِنَّنِي خرقاء وَغلب عَلَيْهِ ذُو الرمة لقولها يَا ذَا الرمة ا. هـ.

وَهَذَا خلاف مَا نَقله ابْن قُتَيْبَة فِي كتاب الشُّعَرَاء أَن مية بنت فلَان ابْن طلبة ابْن قيس وَهِي غير الخرقاء فَإِن الخرقاء من بني الْبكاء بن عَامر وَكَانَ سَبَب تشبيبه بهَا أَنه مر فِي بعض أسفارة بِبَعْض الْبَوَادِي وَإِذا خرقاء خَارجه من خباء لَهَا فَنظر إِلَيْهَا فَوَقَعت فِي قلبه فخرق إداوته ودنا مِنْهَا وَقَالَ إِنِّي رجل على ظهر سفر وَقد تخرقت إدواتي فأصلحيها يستطعم بذلك كَلَامهَا فَقَالَت وَالله إِنِّي مَا أحسن الْعَمَل وَإِنِّي لخرقاء والخرقاء الَّتِي لَا تعْمل بِيَدِهَا شَيْئا لكرامتها على أَهلهَا فشبب بهَا وسماها خرقاء وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس الْأَحول سمي ذَا الرمة لِأَنَّهُ خشِي عَلَيْهِ الْعين وَهُوَ غُلَام فَأتي بِهِ إِلَى شيخ من الْحَيّ وصنع لَهُ معَاذَة وشدت فِي عضده بِحَبل وَالْمَشْهُور القَوْل الأول قَالَ حَمَّاد الراوية امْرُؤ الْقَيْس أحسن الْجَاهِلِيَّة تَشْبِيها وَذُو الرمة أحسن الْإِسْلَام تَشْبِيها وَمَا أخر الْقَوْم ذكره إِلَّا لحداثة سنه وَأَنَّهُمْ حسدوه وَكَانَ الفرزدق وَجَرِير يحسدانه على شعره ولقيه جرير فَقَالَ هَل لَك فِي المهاجاة قَالَ لَا قَالَ كَأَنَّك هبتني قَالَ لَا وَالله وَلَكِن حَرمك قد هتكهن السّفل وَمَا أرى فِي نسوتك مترقعا قَالَ أَبُو الْمطرف لم يكن أحد من الْقَوْم فِي زَمَانه أبلغ مِنْهُ وَلَا أحسن جَوَابا وَلَقَد عَارضه رجل بسوق الْإِبِل فِي الْبَصْرَة يهزأ بِهِ فَقَالَ يَا أَعْرَابِي أَتَشهد بِمَا لَا ترى قَالَ نعم أشهد بِأَن أَبَاك ناك أمك

وَقَالَ أَبُو عَمْرو بن الْعَلَاء مرّة ختم الشّعْر بِذِي الرمة وَالرجز برؤبة وَقَالَ أُخْرَى كَمَا فِي الموشح للمرزباني شعر ذِي الرمة نقط عروس تضمحل عَن قَلِيل وأبعار ظباء لَهَا مشم فِي أول شمها ثمَّ تعود إِلَى أَرْوَاح البعر وَإِنَّمَا وضع مِنْهُ لِأَنَّهُ كَانَ لَا يحسن الهجاء والمدح قَالَ الْمبرد معنى قَوْله نقط عروس أَنَّهَا تبقى أول يَوْم ثمَّ تذْهب وبعر الظباء إِذا شممته من سَاعَته وجدت فِيهِ كرائحة الْمسك فَإِذا غب ذهب ذَلِك مِنْهُ وَقد أسْند هَذَا التَّعْبِير فِي حَقه إِلَى جمَاعَة مِنْهُم الفرزدق وَجَرِير قَالَ الْأَصْمَعِي إِن شعر ذِي الرمة حُلْو أول مَا تسمعه فَإِذا كثر إنشاده ضعف وَلم يكن لَهُ حسن لِأَن أبعار الظباء أول مَا تشم تُوجد لَهَا رائحه مَا أكلت من الشيح والقيصوم والجثجاث والنبت الطّيب الرّيح فَإِذا أدمت شمه ذهبت تِلْكَ الرَّائِحَة ونقط الْعَرُوس إِذا غسلتها ذهبت وَقَالَ ابْن قُتَيْبَة وقف ذُو الرمة فِي سوق الْإِبِل ينشد شعره الَّذِي يذكر فِيهِ نَاقَته صيدح فَوقف عَلَيْهِ الفرزدق فَقَالَ كَيفَ ترى مَا تسمع يَا أَبَا فراس قَالَ مَا أحسن مَا تَقول قَالَ فَمَالِي لَا أذكر مَعَ الفحول قَالَ قصر بك عَن غاياتهم بكاؤك فِي الدمن ونعتك الأبعار والعطن وَمَات بالبادية وَلما حَضرته الْوَفَاة قَالَ أَنا ابْن نصف الْهَرم أَي ابْن الْأَرْبَعين وَقَالَ الْمفضل الضَّبِّيّ كنت أنزل على بعض الْأَعْرَاب إِذا حججْت فَقَالَ لي يَوْمًا هَل لَك فِي خرقاء صَاحِبَة ذِي الرمة قلت بلَى فتوجهنا نريدها

فَعدل بِي عَن الطَّرِيق بِقدر ميل فَإِذا أَبْيَات فقرع بَابا مِنْهَا فَخرجت إِلَيْنَا امْرَأَة حسانة بهَا قُوَّة فتحدثا طَويلا فَقَالَت أحججت قبل هَذِه قلت بلَى قَالَت فَمَا مَنعك من زيارتي أما علمت أَنِّي منسك من مَنَاسِك الْحَج قلت وَكَيف ذَلِك قَالَت أما سَمِعت قَول ذِي الرمة (الوافر) (تَمام الْحَج لَا تقف المطايا ... على خرقاء وَاضِعَة اللثام) وَفِي الأغاني عَن ابْن قُتَيْبَة أَن مية جعلت لله عَلَيْهَا أَن تنحر بَدَنَة يَوْم ترَاهُ فَلَمَّا رَأَتْهُ رجلا دميما أسود وَكَانَت من أجمل النَّاس فَقَالَت وأسوءتاه واضيعة بدنتاه فَقَالَ ذُو الرمة (الطَّوِيل) (على وَجه مي مسحة من ملاحة ... وَتَحْت الثِّيَاب الشين لَو كَانَ باديا) قَالَ فَكشفت ثوبها عَن بدنهَا وَقَالَت أشينا ترى لَا أم لَك فَقَالَ (الم تَرَ أَن المَاء يخْبث طعمه ... وَإِن كَانَ لون المَاء أَبيض صافيا) فَقَالَت أما مَا تَحت الثِّيَاب فقد رَأَيْته وَعلمت أَن لَا شين فِيهِ وَلم يبْق إِلَّا أَن أَقُول لَك هَلُمَّ حَتَّى تذوق مَا وَرَاءه وَالله لَا ذقت ذَلِك أبدا فَقَالَ (فيا ضَيْعَة الشّعْر الَّذِي لج وانقضى ... بمي وَلم أملك ضلال فؤاديا) قَالَ ثمَّ صلح الْأَمر بَينهمَا بعد ذَلِك فَعَاد إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ من حبها ثمَّ قَالَ صَاحب الأغاني أَن مية كَانَت لَهَا بنت عَم قَالَت على لِسَان ذِي الرمة ...

الشاهد التاسع

(على وَجه مي مسحة من ملاحة) الأبيات فَكَانَ ذُو الرمة إِذا ذكر ذَلِك لَهُ يتمعض مِنْهُ وَيحلف أَنه مَا قَالَه قطّ وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد التَّاسِع (الوافر) (إِذا اجْتَمعُوا على ألف وواو ... وياء هاج بَينهم جِدَال) على أَن أَسمَاء حُرُوف المعجم تعرب إِذا ركبت وَإِن كَانَ بناؤها أَصْلِيًّا قيل حَيْثُ كَانَت معربة لأجل التَّرْكِيب علم أَنَّهَا قبل التَّرْكِيب غير معربة وَهَذَا حكم جَمِيع الْأَسْمَاء سَوَاء قُلْنَا إِنَّهَا قبل التَّرْكِيب مَوْقُوفَة أم مَبْنِيَّة فَمَا الْفرق بَينهَا وَبَين سَائِر الْأَسْمَاء أَقُول الْفرق أَن أَسمَاء حُرُوف الهجاء إِنَّمَا وضعت لسردها مُفْردَة للتعليم لَا لِأَن تكون مركبة مَعَ عَامل فالتركيب فِيهَا عَارض بِخِلَاف سَائِر الْأَسْمَاء فَإِنَّهَا إِنَّمَا وضعت للتركيب وسردها منثورة أَمر عَارض ثمَّ رَأَيْت الشَّارِح الْمُحَقق قد ذكر مَا قلته فِي مَوَاضِع أخر من شَرحه فَقَالَ إِن أَسمَاء حُرُوف المعجم لم تُوضَع إِلَّا لتستعمل مُفْرَدَات لتعليم الصّبيان وَمن يجْرِي مجراهم مَوْقُوفا عَلَيْهِم فَإِذا اسْتعْملت مركبة مَعَ عاملها فقد خرجت عَن حَالهَا الْمَوْضُوعَة لَهَا وَهَذَا مَذْهَب ابْن جني فِي سر الصِّنَاعَة حَيْثُ قَالَ أعلم أَن هَذِه الْحُرُوف مَا دَامَت حُرُوف هجاء فَإِنَّهَا سواكن الْأَوَاخِر فِي الدرج وَالْوَقْف لِأَنَّهَا أصوات بِمَنْزِلَة صه ومه فَإِن وَقعت موقع الْأَسْمَاء أعربت

وَأَرَادَ الشَّارِح بإعرابها عِنْد التَّرْكِيب وجوب إعرابها كَمَا نَص عَلَيْهِ فِي مَوضِع آخر فَقَالَ إِذا أردْت إِعْرَاب أَسمَاء حُرُوف المعجم الكائنة على حرفين ضعفت الْألف وقلبتها همزَة وَلَا تجوز الْحِكَايَة فِي أَسمَاء حُرُوف المعجم مَعَ التَّرْكِيب مَعَ عاملها وَأغْرب السُّيُوطِيّ فِي جمع الْجَوَامِع وَشَرحه فَقَالَ وَأَسْمَاء الْحُرُوف ألف با تا ثا إِلَى آخرهَا وقف إِلَّا مَعَ عَامل فالأجود حِينَئِذٍ فِيهَا الْإِعْرَاب وَمد الْمَقْصُور مِنْهَا وَيجوز فِيهَا الْحِكَايَة كهيئتها بِلَا عَامل وَيجوز ترك الْمَدّ بِأَن يعرب مَقْصُورا منونا كَمَا إِذا تعاطفت فَإِن الأجود فِيهَا الْإِعْرَاب وَالْمدّ وَإِن لم يكن عَامل انْتهى فجوز مَعَ الْعَامِل الْحِكَايَة وَالْقصر كَمَا إِذا لم تكن مَعَ عَامل وَجوز أَيْضا إعرابها مَعَ الْقصر وَجوز فِي التعاطف مَعَ عدم الْعَامِل الْإِعْرَاب وَالْمدّ وَأما الأول فَصرحَ بِمَنْعه ابْن جني وَالشَّارِح وَأما الثَّانِي فَمَنعه ابْن جني أَيْضا فَقَالَ فَأَما مَا كَانَ من نَحْو با تا فَإنَّك مَتى أعربته لزمك أَن تمده وَذَلِكَ أَنه على حرفين الثَّانِي مِنْهُمَا حرف؟ لين والتنوين يدْرك الْكَلِمَة فتحذف الْألف لالتقاء الساكنين فيلزمك أَن تَقول بن وتن يَا فَتى فَيبقى الِاسْم على حرف وَاحِد فَإِن ابتدأته وَجب أَن يكون متحركا وَإِن وقفت عَلَيْهِ وَجب أَن يكون سَاكِنا وَهَذَا ظَاهر الاستحالة فَأَما مَا روى شربت مَا يُرِيد مَاء فحكاية شَاذَّة لَا نَظِير لَهَا وَلَا يسوغ قِيَاس غَيرهَا عَلَيْهَا وَإِذا كَانَ الْأَمر كَذَلِك زِدْت على ألف با تا ألفا أُخْرَى كَمَا رَأَيْت الْعَرَب فعلت حِين أعربت لوا فَقَالُوا (الْخَفِيف) (إِن لوا وَإِن ليتا عناء)

وَأما قَول الشَّاعِر (بِخَط لَام ألف مَوْصُول ... وَالزَّاي والرا أَيّمَا تهليل) إِنَّمَا أَرَادَ وَالرَّاء ممدودة فَلم يُمكنهُ ذَلِك لِئَلَّا يكسر الْوَزْن فَحذف الْهمزَة من الرَّاء وَجَاء بذلك على قِرَاءَة أبي عَمْرو وتحقيقه الأولى من الهمزتين إِذا التقتا من كَلِمَتَيْنِ وكانتا جَمِيعًا متفقتي الحركتين نَحْو فقد جَاءَ أشراطها وَشاء أنشره وَكَذَلِكَ كَانَ أصل هَذَا وَالزَّاي وَالرَّاء أَيّمَا تهليل فَلَمَّا اتّفقت الحركتان حذف الأولى من الهمزتين وَأما الثَّالِث فَلَا وَجه للإعراب وَالْمدّ جَمِيعًا مَعَ عدم الْعَامِل وأظن أَن السُّيُوطِيّ لخص كَلَامه من الارتشاف لأبي حَيَّان وَأَصله من الْمَقْصُور والممدود لِابْنِ الْأَنْبَارِي وَتَبعهُ أَبُو عَليّ القالي فِي الْمَقْصُور والممدود لَهُ أَيْضا حرفا بِحرف فَقَالَا وَمَا كَانَ من حُرُوف الهجاء على حرفين فالعرب تمده وتقصره فَيَقُولُونَ بَاء وتاء وَمِنْهُم من يقصر فَيَقُول با وتا وَمِنْهُم من ينون فَيَقُول با وتا قَالَ يزِيد بن الحكم يذكر النَّحْوِيين (إِذا أجتمعوا على ألف وواو ... وياء الْبَيْت) وَالزَّاي فِيهَا خَمْسَة أوجه من الْعَرَب من يمدها فَيَقُول زاء فَاعْلَم وَمِنْهُم من يَقُول زَاي وَمِنْهُم من يَقُول هَذِه زا فيقصرها وَمِنْهُم من ينون فَيَقُول زا وَمِنْهُم من يَقُول زِيّ فيشدد وَأنْشد الْفراء (بِخَط لَام ألف مَوْصُول ... وَالزَّاي والرا أَيّمَا تهليل) انْتهى فَأَنت تراهما كَيفَ أطلقا وَلم يفصلا وَهُوَ مُخَالف لكَلَام النَّاس وَمُرَاد الشَّارِح بالتركيب أَن تقع مَعَ عَامل نَحْو أول الْجِيم جِيم وأوسط السِّين يَاء وكتبت يَاء حَسَنَة وَكَذَلِكَ الْعَطف فَيُقَال مَا هجاء بكر فَنَقُول

بَاء وكاف وَرَاء وكبيت الشَّاهِد فَإِن لم تعطف تبن فَتَقول بَاء كَاف رَاء بِإِسْكَان الْأَوَاخِر وَبَيت الشَّاهِد ليزِيد بن الحكم كَمَا نسبه إِلَيْهِ الزّجاج فِي أول تَفْسِيره وَابْن الْأَنْبَارِي وَأَبُو عَليّ القالي وروى الحريري فِي درة الغواص عَن الْأَصْمَعِي أَنه قَالَ أَنْشدني عِيسَى بن عمر بَيْتا هجا بِهِ النَّحْوِيين يَعْنِي أَنهم إِذا اجْتَمعُوا للبحث عَن إعلال حُرُوف الْعلَّة ثار بَينهم جِدَال والجدال مصدر جادل إِذا خَاصم بِمَا يشغل عَن ظُهُور الْحق ووضوح الصَّوَاب وَهَذَا أَصله ثمَّ اسْتعْمل فِي لِسَان حَملَة الشَّرْع فِي مُقَابلَة الْأَدِلَّة لظُهُور أرجحها وَهُوَ مَحْمُود إِن كَانَ للوقوف على الْحق وَإِلَّا فمموم يُقَال إِن أول من دون الجدل أَبُو عَليّ الطَّبَرِيّ ويروى بدله قتال أما يزِيد بن الحكم فَهُوَ يزِيد بن الحكم بن أبي الْعَاصِ الثَّقَفِيّ الْبَصْرِيّ الشَّاعِر الْمَشْهُور وَمن قَالَ يزِيد بن الحكم بن عُثْمَان بن أبي الْعَاصِ فقد وهم فَإِن عُثْمَان جده أَو عَم أَبِيه أحد من أسلم من ثَقِيف يَوْم الطَّائِف حدث عَن عَمه عُثْمَان الْمَذْكُور وروى عَنهُ مُعَاوِيَة بن قُرَّة وَعبد الرَّحْمَن بن إِسْحَاق حكى أَن الفرزدق مر على يزِيد هَذَا وَهُوَ ينشد فِي الْمَسْجِد فَقَالَ من هَذَا الَّذِي ينشد شعرًا كَأَنَّهُ شعرنَا قَالُوا يزِيد بن الحكم فَقَالَ أشهد بِاللَّه أَن عَمَّتي وَلدته وَأم يزِيد بكرَة بنت الزبْرِقَان بن بدر وَأمّهَا هنيدة بنت صعصعة بن نَاجِية وَكَانَت بكرَة أول عَرَبِيَّة ركبت الْبَحْر وروى الزجاجي فِي أَمَالِيهِ الصُّغْرَى قَالَ ورد يزِيد بن الحكم الثَّقَفِيّ من

الطَّائِف على الْحجَّاج بن يُوسُف بالعراق وَكَانَ شريفا شَاعِرًا فولاه الْحجَّاج فَارس فَلَمَّا جَاءَ لأخذ عَهده قَالَ لَهُ يَا يزِيد أنشدنا من شعرك يُرِيد أَن ينشده مديحا لَهُ فأنشده (الوافر) (من يَك سَائِلًا عني فَإِنِّي] ... أَنا ابْن الصَّيْد من سلفي ثَقِيف) (وَفِي وسط البطاح مَحل بَيْتِي ... مَحل اللَّيْث من وسط الغريف) (وَفِي كَعْب وَمن كالحي كَعْب ... حللت ذؤابة الْجَبَل المنيف) (حويت فخارها غوا ونجدا ... وَذَلِكَ مُنْتَهى شرف الشريف) (نماني كل أصيد لَا ضَعِيف ... بِحمْل المعضلات وَلَا عنيف) فَوَجَمَ الْحجَّاج وأطرق سَاعَة ثمَّ رفع رَأسه فَقَالَ الْحَمد لله أَحْمَده وأشكره إِذْ لم يَأْتِ علينا زمَان إِلَّا وَفينَا أشعر الْعَرَب ثمَّ قَالَ أنشدنا يَا يزِيد فَأَنْشَأَ يَقُول (الْكَامِل) ... وَأبي الَّذِي فتح الْبِلَاد بِسَيْفِهِ ... فأذلها لبني الزَّمَان الغابر) (وَأبي الَّذِي سلب ابْن كسْرَى راية ... فِي الْملك تخفق كالعقاب الكاسر) (وَإِذا فخرت فخرت غير مكذب ... فخرا أدق بِهِ فخار الفاخر) فَقَامَ الْحجَّاج مغضبا وَدخل الْقصر وَانْصَرف يزِيد والعهد فِي يَده فَقَالَ الْحجَّاج لِخَادِمِهِ اتبعهُ وَقل لَهُ ارْدُدْ علينا عهدنا فَإِذا أَخَذته فَقل لَهُ هَل ورثك أَبوك مثل هَذَا الْعَهْد فَفعل الْخَادِم وأبلغه الرسَالَة فَرد عَلَيْهِ الْعَهْد فَقَالَ قل للحجاج أورثني أبي مجدة وفعاله وأورثك أَبوك أَعْنُزًا ترعاها ثمَّ سَار تَحت اللَّيْل فلحق بِسُلَيْمَان وَهُوَ ولي عهد الْوَلِيد فضمه إِلَيْهِ وَجعله فِي خاصته ومدحه بقصائد فَقَالَ لَهُ سُلَيْمَان كم كَانَ أجري لَك فِي عمالة فَارس قَالَ عشْرين ألفا قَالَ هِيَ لَك عَليّ مَا دمت حَيا

وَمِمَّا مدحه بِهِ هَذِه القصيدة ومطلعها (الْبَسِيط) (أَمْسَى بأسماء هَذَا الْقلب معمودا ... إِذا أَقُول صَحا يعتاده عيدا) (كَأَن أحور من غزلان ذِي بقر ... أهْدى لنا شبه الْعَينَيْنِ والجيدا) (أجري على موعد مِنْهَا فتخلفني ... فَلَا أمل وَلَا توفّي المواعيدا) (كأنني يَوْم أمسي لَا تكلمني ... ذُو بغية يَشْتَهِي مَا لَيْسَ مَوْجُودا) وَمِنْهَا (سميت باسم امرىء أشبهت شيمته ... فصلا وعدلا سُلَيْمَان بن داودا) (أَحْمد بِهِ فِي الورى الماضين من ملك ... وَأَنت أَصبَحت فِي البَاقِينَ مَحْمُودًا) (لَا يبرأ النَّاس من أَن يحْمَدُوا ملكا ... أولاهم فِي الْأُمُور الْحلم والجودا) وَمن النَّاس من ينْسب هَذِه الأبيات لعمر بن أبي ربيعَة وَذَلِكَ خطأ وَفِي الأغاني بِسَنَدِهِ إِلَى ابْن عَائِشَة قَالَ دخل يزِيد بن الحكم على يزِيد ابْن الْمُهلب فِي سجن الْحجَّاج وَهُوَ يعذب وَقد حل عَلَيْهِ نجم كَانَ قد نجم عَلَيْهِ وَكَانَت نجومه فِي كل أُسْبُوع سِتَّة عشر ألف دِرْهَم فَقَالَ لَهُ (المنسرح) (أصبح فِي قيدك السماحة والجود وَفضل الصّلاح والحسب) (لَا بطر إِن تَتَابَعَت نعم ... وصابر فِي الْبلَاء محتسب) (برزت سبق الْجِيَاد فِي مهل ... وَقصرت دون سعيك الْعَرَب) قَالَ فَالْتَفت يزِيد إِلَى مولى لَهُ وَقَالَ أعْطه نجم هَذَا الْأُسْبُوع وَنَصْبِر على الْعَذَاب إِلَى السبت الآخر

وليزيد بن الحكم عدَّة قصائد يُعَاتب فِيهَا أَخَاهُ عبد ربه بن الحكم وَابْن عَمه عبد الرَّحْمَن بن عُثْمَان بن أبي الْعَاصِ وَمِمَّا قَالَ فِي ابْن عَمه (الطَّوِيل) (وَمولى كذئب السوء لَو يستطيعني ... أصَاب دمي يَوْمًا بِغَيْر قَتِيل) (وَأعْرض عَمَّا سَاءَهُ وكأنما ... يُقَاد إِلَى مَا سَاءَنِي بِدَلِيل) (مجاملة مني وإكرام غَيره ... بِلَا حسن مِنْهُ وَلَا بجميل) (وَلَو شِئْت لَوْلَا الْحلم جععت أَنفه ... بإيعاب جدع بادىء وعليل) (حفاظا على أَحْلَام قوم رزئتهم ... رزان يزينون الندي كهول) وَقَالَ فِي أَخِيه عبد ربه (الْبَسِيط) (أخي يسر لي الشحناء يضمرها ... حَتَّى ورى جَوْفه من غمره الدَّاء) (حران ذُو غُصَّة جرعت غصته ... وَقد تعرض دون الغصة المَاء) (حَتَّى إِذا مَا أساغ الرِّيق أنزلني ... مِنْهُ كَمَا ينزل الْأَعْدَاء أَعدَاء) (أسعى فيكفر سعي مَا سعيت لَهُ ... إِنِّي كَذَاك من الإخوان لِقَاء) (وَكم يَد وَيَد لي عِنْده وَيَد ... يعدهن ترات وَهِي آلَاء) والغريف بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة هُوَ الأجمة والغابة وَأما عِيسَى بن عمر فَهُوَ عِيسَى بن عمر الثَّقَفِيّ مولى خَالِد بن الْوَلِيد أَخذ عَن أبي عَمْرو بن الْعَلَاء وَعبد الله بن إِسْحَاق وروى عَن الْحسن الْبَصْرِيّ والعجاج ورؤبة وَجَمَاعَة وَعنهُ أَخذ الْأَصْمَعِي وَغَيره وَكَانَ يتقعر فِي كَلَامه حكى عَنهُ الْجَوْهَرِي فِي الصِّحَاح أَنه سقط عَن حمَار فَاجْتمع عَلَيْهِ النَّاس فَقَالَ مَالِي أَرَاكُم تكأكأتم عَليّ تكأكؤكم على ذِي جنَّة افرنقعوا عني واتهمه عمر ابْن هُبَيْرَة بوديعة فَضَربهُ نَحْو ألف سَوط فَجعل يَقُول

وَالله إِن كَانَت إِلَّا أثيابا فِي أسيفاط قبضهَا عشاروك مَاتَ سنة تسع وَأَرْبَعين وَقيل سنة خمسين وَمِائَة كَذَا فِي مُعْجم النَّحْوِيين للسيوطي وَالْبَيْت الَّذِي مثل بِهِ ابْن جني ووعدنا بشرحه هُوَ من أَبْيَات رَوَاهَا أَبُو زيد فِي نوادره قَالَ إِنَّهَا لراجز يصف بهَا جندبا وَهِي (يحجل فِيهَا مقلز الحجول ... بغيا على شقيه كالمشكول) (يخط لَام ألف مَوْصُول ... وَالزَّاي والرا أَيّمَا تهليل) (خطّ يَد المستطرق المسؤول) الجندب بِفَتْح الدَّال وَضمّهَا ضرب من الْجَرَاد وَقَالَ أَبُو الْحسن الْأَخْفَش فِي شرح نَوَادِر أبي زيد قَالَ أَبُو الْعَبَّاس ثَعْلَب إِنَّه عَنى غرابا يحجل قَالَ فِي الْعباب الحجلان مَشْيه الْمُقَيد يُقَال حجل الطَّائِر يحجل بِضَم الْجِيم وَكسرهَا إِذا نزا فِي مَشْيه والحجول بِفَتْح الْمُهْملَة وَضم الْجِيم صفة الجندب أَو الْغُرَاب وَضمير فِيهَا للْأَرْض والمقلز بِكَسْر الْمِيم وَفتح اللَّام أَرَادَ بِهِ رجل الجندب أَو الْغُرَاب لِأَنَّهُ اسْم آلَة من قلز الْغُرَاب والعصفور فِي مشيهما وكل من لَا يمشي مشيا فَهُوَ يقلز بِضَم اللَّام وَكسرهَا قلزا بِسُكُون اللَّام وَرَوَاهُ أَبُو حَاتِم بِفَتْح الْمِيم وَكسر اللَّام فَيكون مصدرا ميميا وَزعم الْأَخْفَش فِي شرح النَّوَادِر أَنه مقلوب مقزل من القزل بِفتْحَتَيْنِ وَهُوَ أسوا العرج وَقد قزل بِالْكَسْرِ فَهُوَ أقزل والقزلان العرجان وَقد قزل بِالْفَتْح قزلانا إِذا مَشى مشْيَة العرجان وَلَا حَاجَة إِلَى ادِّعَاء الْقلب لِأَن مَادَّة قلز ثَابِتَة مَذْكُورَة

فِي الْعباب والقاموس وَلم يقل أحد إِنَّهَا مَقْلُوبَة من قزل ثمَّ قَالَ الْأَخْفَش روى لي ثَعْلَب مقلز الحجول بِكَسْر الْمِيم وَلَا وَجه لَهُ عِنْد أهل الْعَرَبيَّة لِأَن المقلز هُوَ الحجول وَلَا يُضَاف الشَّيْء إِلَى نَفسه وَالرَّفْع فِي الحجول أَجود وَإِن كَانَ الشّعْر يصير مقوى وَقد رُوِيَ بِالرَّفْع وَفِيه مَعَ هَذَا عيب وَهُوَ أَنه حذف التَّنْوِين من مقلز لسكونها وَسُكُون اللَّام وَحذف التَّنْوِين هُوَ الَّذِي شجع من رَوَاهُ مخفوضا وَلم يتَأَمَّل الْمَعْنى والإقواء أصلح من الإحالة انْتهى أَقُول هَذَا تَطْوِيل بِلَا طائل يعلم فَسَاده مِمَّا قدمْنَاهُ على ان المقلز لم يقل أحد إِنَّه بِمَعْنى الحجول وَالْبَغي هُنَا الاختيال والمرح والمشكول الَّذِي فِي رجلَيْهِ شكال يُقَال شكلته شكلا من بَاب قتل قيدته بالشكال وشكلت الْكتاب شكلا أعلمته بعلامات الْإِعْرَاب وَقَوله بِخَط الْبَاء مُتَعَلقَة بيحجل وَيجوز أَن يكون بمثناة تحتية مضارع خطّ فَيكون ضَمِيره الْمُسْتَتر للمقلز وَلَام ألف مَفْعُوله وموصول وصف اللَّام والصلة محذوفة أَي مَوْصُول بهَا أَي بِالْألف وَالزَّاي والرا منصوبان بالْعَطْف على مَحل لَام ألف وَقَوله (أَيّمَا تهليل) مَنْصُوب بِفعل مَحْذُوف وَمَا زَائِدَة أَي هلل تهليلا أَي تهليل وَهُوَ مصدر هلل بِمَعْنى نكص وَجبن وفر وَخط مَنْصُوب على الْمصدر التشبيهي أَي بِخَط لَام ألف كخط يَد الكاهن المسؤول مِنْهُ التكهن والمستطرق الكاهن الَّذِي يطْرق الْحَصَى بعضه بِبَعْض والطرق ضرب الكاهن الْحَصَى وَقد استطرقته أَنا رُوِيَ بِكَسْر الرَّاء وَفتحهَا وَقد أورد هَذِه الأبيات ابْن الْأَعرَابِي أَيْضا فِي نوادره قَالَ أنشدنيها الْمفضل وَذكر دَارا خلت من أَهلهَا فَصَارَ فِيهَا الْغرْبَان والظباء والوحش ثمَّ قَالَ المستطرق الَّذِي يتكهن فَإِذا سُئِلَ عَن الشَّيْء خطّ فِي التُّرَاب وَنظر وَحكى عَن أَعْرَابِي قَالَ عَالَجت جَارِيَة شابه فَإِذا قلزة كَأَنَّهَا أتان وَحش

الشاهد العاشر

قَالَ القلزة الشَّدِيدَة والقلز النّحاس الَّذِي لَا يعْمل فِيهِ الْحَدِيد وَقَالَ أَبُو الْمنْهَال هُوَ القلز وَلم يعرف القلز ا. هـ. وَرُوِيَ الحجول بِضَمَّتَيْنِ على أَنه مصدر وَرُوِيَ نعبا بدل بغيا بِفَتْح النُّون وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة بعْدهَا مُوَحدَة وَهُوَ صَوت الْغُرَاب وَرُوِيَ تَفْصِيل بدل تهليل وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد الْعَاشِر وَهُوَ من شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ (أحضر الوغى) وَهُوَ قِطْعَة من بَيت وَهُوَ (الطَّوِيل) (إِلَّا ايهذا اللائمي أحضر الوغى ... وَأَن أشهد اللَّذَّات هَل أَنْت مخلدي) على ان نصب أَن الْمقدرَة فِي مثل هَذَا ضَعِيف وَقَالَ فِي بَاب نواصب الْفِعْل نصبها فِي مثله شَاذ والكوفيون يجوزون النصب فِي مثله قِيَاسا أَقُول ذهب الْكُوفِيُّونَ إِلَى أَنَّهَا تعْمل محذوفة فِي غير الْمَوَاضِع المعدودة وَاسْتَدَلُّوا بِهَذَا الْبَيْت فَقَالُوا الدَّلِيل على صِحَة هَذَا التَّقْدِير أَنه عطف عَلَيْهِ قَوْله (وَأَن أشهد) فَدلَّ على أَنَّهَا تنصب مَعَ الْحَذف وَمنع البصريون ذَلِك بِأَن عوامل الْأَفْعَال ضَعِيفَة لَا تعْمل مَعَ الْحَذف وَإِذا حذفت ارْتَفع الْفِعْل وَمِنْه عِنْد سِيبَوَيْهٍ قَوْله تَعَالَى {قل أفغير الله تأمروني أعبد} وَقَالُوا رِوَايَة الْبَيْت عندنَا إِنَّمَا هِيَ بِالرَّفْع فَقَالَ سِيبَوَيْهٍ أَصله أَن أحضر فَلَمَّا حذفت

أَن أرتفع وَأَن أحضر مجرور بفي مقدرَة وَأَن أشهد مَعْطُوف عَلَيْهِ وَقَالَ الْمبرد جملَة أحضر حَال من الْيَاء وَأَن أشهد مَعْطُوف على الْمَعْنى لِأَنَّهُ لما قَالَ أحضر دلّ على الْحُضُور كَمَا تَقول من كذب كَانَ شرا لَهُ أَي كَانَ الْكَذِب كَذَا نقلوا عَنهُ وَلَئِن صحت رِوَايَة النصب فَهُوَ مَحْمُول على أَنه توهم أَنه أَتَى بِأَن فنصب كَقَوْلِه (الطَّوِيل) (بدا لي أَنِّي لست مدرك مَا مضى ... وَلَا سَابق شَيْئا إِذا كَانَ جائيا) بجر سَابق على توهم أَنه قَالَ لست بمدرك مَا مضى وَهَذَا لَا يجوز الْقيَاس عَلَيْهِ وَرُوِيَ أَلا أيهذا الزاجري وَرُوِيَ أَيْضا أَلا أَيهَا اللاحي بتَشْديد الْيَاء والوغي الْحَرْب وَأَصله الْأَصْوَات الَّتِي تكون فِيهَا وَقَالَ ابْن جني الوغي بِالْمُهْمَلَةِ الصَّوْت وبالمعجمة الْحَرْب نَفسهَا وَالشُّهُود الْحُضُور يُقَال شهِدت الْمجْلس بِمَعْنى حَضرته وأخلده أبقاه وَمعنى الْبَيْت يَا من يلومني فِي حُضُور الْحَرْب لِئَلَّا أقتل وَفِي ان أنْفق مَالِي لِئَلَّا أفتقر مَا أَنْت مخلدي إِن قبلت مِنْك فَدَعْنِي أنْفق مَالِي فِي الفتوة وَلَا أخلفه لغيري وَهَذَا الْبَيْت من قصيدة لطرفة بن العَبْد وَهِي إِحْدَى المعلقات السَّبع وَنَذْكُر تَرْجَمته وأخباره فِي مَوضِع آخر إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَبعد هَذَا الْبَيْت (فَإِن كنت لَا تسطيع دفع منيتي ... فذرني أبادرها بِمَا ملكت يَدي)

الشاهد الحادي عشر

يَقُول إِن كنت لَا تقدر أَن تدفع موتِي فذرني أسبق الْمَوْت بالتمتع بإنفاق مَالِي يُرِيد أَن الْمَوْت لابد مِنْهُ فَلَا معنى للبخل وَترك اللَّذَّات وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد الْحَادِي عشر (أدنو فأنظور) وَهُوَ قِطْعَة من بَيت ثَان أنشدهما الْفراء وهما (الْبَسِيط) (الله يعلم أَنا فِي تلفتنا ... يَوْم الْفِرَاق إِلَى أحبابنا صور) (وأنني حوثما يثني الْهوى بَصرِي ... من حوثما سلكوا أدنو فأنظور) على أَن الْوَاو حَاصِلَة من إشباع الضمة وَأَصله أنظر ويروى إِلَى إِخْوَاننَا بدل أحبابنا والصور بصاد مُهْملَة جمع أصور وَهُوَ المائل من الشوق من صور يصور صورا بِالتَّحْرِيكِ مَال وأصاره فانصار أماله فَمَال وَيجوز أَن يكون جمع صُورَة أَي إِذا تلفتنا إِلَى الأحباب عِنْد رحيلهم فكأننا أشكال وأشباح لَيْسَ فِيهَا أَرْوَاح وأنني بِفَتْح الْهمزَة ووحوث ظرف مَكَان لُغَة فِي حَيْثُ بِتَثْلِيث الثَّاء فيهمَا وَهُوَ خبر أَن وَمَا زَائِدَة وثناه أماله والهوى الْعِشْق وَهُوَ فَاعل وبصري مَفْعُوله أَي أَنا فِي الْجِهَة الَّتِي يمِيل الْهوى بَصرِي إِلَيْهَا وَقَوله (من حوثما) روى فِي الْمَوْضِعَيْنِ حَيْثُمَا مُتَعَلق بأدنو وبأنظر أَي أدنو فَأنْظر إِلَيْهِم من الْجِهَة الَّتِي سلكوا فِيهَا وروى ابْن جني فِي سر الصِّنَاعَة

الشاهد الثاني عشر

وَفِي الخصائص وَفِي الْمُبْهِج يسري بدل يثني وَزَاد فِي الْمُحْتَسب فَقَالَ هَكَذَا روى أَبُو عَليّ يسري من سريت وَرَوَاهُ ابْن الْأَعرَابِي يشري بالشين مُعْجمَة اي يعلق ويحرك الْهوى بَصرِي وَمَا أحسن هَذِه الرِّوَايَة وأظرفها انْتهى أما الأول فَهُوَ مضارع سريت الثَّوْب عني سريا لُغَة فِي سروته عني سروا بِمَعْنى أَلقيته وَأما الثَّانِي فَهُوَ مضارع أشريته متعدي شري الْبَرْق شرى من بَاب فَرح إِذا كثر لمعانه وشري زِمَام النَّاقة إِذا كثر اضطرابه وشرى الرجل واستشرى إِذا لج فِي الْأَمر وَقَوله (أدنو فأنظور) روى ابْن جني مَوْضِعه أثني فأنظور أَي أثني عنقِي فَأنْظر نحوهم من ثناه بِمَعْنى لواه قَالَ أَبُو عَليّ وَتَبعهُ ابْن جني لَو سميت رجلا بأنظر لمنعته الصّرْف للتعريف وَوزن الْفِعْل وَلَو سميته بأنظور من قَول الشَّاعِر أدنو فأنظور لصرفته لزوَال لفظ الْفِعْل وَإِن كُنَّا نعلم أَن الْوَاو إِنَّمَا تولدت من إشباع ضمة الظَّاء وَأَن المُرَاد عِنْد الْجَمِيع أنظر وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد الثَّانِي عشر (الْكَامِل) (ينباع من ذفرى غضوب جسرة) تَمَامه (زيافة مثل الفنيق المكدم) على أَن الْألف تولدت من إشباع الفتحة وَالْأَصْل يَنْبع كَذَا قَالَ جمَاعَة وَقَالَ أبن الْأَعرَابِي ينباع ينفعل من بَاعَ يبوع إِذا مر مرا لينًا فِيهِ تلو وَأنكر أَن يكون الأَصْل فِيهِ يَنْبع وَقَالَ يَنْبع يخرج كَمَا يَنْبع المَاء من الأَرْض وَلم يرد هَذَا إِنَّمَا أَرَادَ السيلان وتلويه على رقبَتهَا وَفِي الْعباب

وانباع الْعرق سَالَ وَأنْشد هَذَا الْبَيْت وَقَالَ ويروى يَنْبع وَقيل يَنْبع فتولدت الْألف من إشباع الفتحة ويروى ينهم أَي يذوب يُقَال همه الْمَرَض إِذا أذابه وَأَنَّهُمْ الشَّحْم وَالْبرد ذابا وإنكار ابْن الْأَعرَابِي رِوَايَة يَنْبع مَرْدُود بِرِوَايَة الثِّقَات وَقَوله لَيْسَ المُرَاد يَنْبع إِلَخ مَرْدُود أَيْضا فَإِن الذفري هُوَ الْموضع الَّذِي يعرق من الْإِبِل خلف الْأذن وفاعل ينباع ضمير عَائِد على الرب أَو الكحيل فِي الْبَيْت السَّابِق وَجُمْلَة ينباع خبر كَأَن وَهُوَ (الْكَامِل) (وَكَأن رَبًّا أَو كحيلا معقدا ... حش الْوقُود بِهِ جَوَانِب قمقم) الرب بِضَم الْمُهْملَة مَعْرُوف وَهُوَ شَبيه الدبس والكحيل بِضَم الْكَاف وَفتح الْحَاء الْمُهْملَة القطران شبه عرق النَّاقة بهما وَقَالَ الْخَطِيب التبريزي وَقيل الكحيل هناء تهنأ بِهِ الْإِبِل من الجرب شَبيه بالنفط يُقَال لَهُ الخضخاض وَقَالَ أَبُو جَعْفَر النَّحْوِيّ هُوَ رَدِيء القطران يضْرب إِلَى الْحمرَة ثمَّ يسود إِذا عقد وَفِي الْعباب الكحيل مصغر الَّذِي يطلي بِهِ الْإِبِل للجرب وَهُوَ النفط قَالَه الْأَصْمَعِي قَالَ والقطران إِنَّمَا يطلى بِهِ للدبر والقراد وَشبه ذَلِك وانشد هَذَا الْبَيْت ومعقد اسْم مفعول من أعقد وَهُوَ الَّذِي أوقد تَحْتَهُ النَّار حَتَّى انْعَقَد وَغلظ قَالَ فِي الصِّحَاح وَعقد الرب وَغَيره اي غلظ فَهُوَ عقيد أعقدته تعقيدا قَالَ الْكسَائي يُقَال للقطران والرب وَنَحْوه أعقدته حَتَّى تعقد وَهُوَ وصف الثَّانِي لَا الأول فَإِن الرب يكون معقدا وَحش بِالْحَاء الْمُهْملَة يُقَال حششت النَّار إِذا أوقدتها والوقود بِفَتْح الْوَاو الْحَطب والوقود بِالضَّمِّ الْمصدر وَهُوَ فَاعل حش وجوانب مَفْعُوله وَيجوز أَن يكون حش بِمَعْنى احتش أَي اتقد كَمَا يُقَال هَذَا لَا يخلطه شَيْء بِمَعْنى لَا يخْتَلط بِهِ فَيكون جَوَانِب مَنْصُوبًا على الظّرْف كَذَا فِي شرح أبي جَعْفَر النَّحْوِيّ والقمقم كهدهد الجرة

وآنية مَعْرُوفَة قَالَ القَاضِي أَبُو الْحُسَيْن الزوزني فِي شَرحه شبه الْعرق السَّائِل من رَأسهَا وعنقها بِرَبّ أَو قطران جعل فِي قمقم أوقدت عَلَيْهِ النَّار فَهُوَ يترشح بِهِ عِنْد الغليان وعرق الْإِبِل شبهه بهما وَشبه رَأسهَا بالقمقم فِي الصلابة وَتَقْدِير الْبَيْت وَكَأن رَبًّا أَو كحيلا حش الْوقُود بإغلائه فِي جَوَانِب قمقم عرقها الَّذِي ينرشح مِنْهَا ا. هـ. والذفرى بِكَسْر الذَّال الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْفَاء من الْقَفَا الْموضع الَّذِي يعرق من الْإِبِل خلف الْأذن يُقَال هَذِه ذفرى أسيلة لَا تنون لِأَن ألفها للتأنيث وَبَعْضهمْ ينون وَيجْعَل ألفها للإلحاق وَهِي ماخوذة من ذفر الْعرق لِأَنَّهَا أول مَا يعرق من الْإِبِل الذفريان وَأول مَا يَبْدُو فِيهِ السّمن لِسَانه وكرشه وَآخر مَا يبْقى فِيهِ السّمن عينه وسلاماه وَعِظَام أخفافه والغضوب بالغين وَالضَّاد المعجمتين قَالُوا هِيَ النَّاقة العبوس وَالْمرَاد النَّاقة الصعبة الشَّدِيدَة المراس قَالَ الْخَطِيب فِي شَرحه تبعا لأبي جَعْفَر الغضوب والغضبى وَاحِد وغضوب للتكثير كَمَا يُقَال ظلوم وغشوم وروى شَارِح شَوَاهِد التفسيرين من ذفرى أسيل قَالَ والأسيل من كل شَيْء المسترسل الطَّوِيل السهل وَهَذِه الرِّوَايَة غير صَحِيحَة لِأَنَّهُ إِن كَانَ بِإِضَافَة ذفرى إِلَيْهِ فَكَانَ يجب ان يَقُول أسيلة لِأَن كَلَامه فِي النَّاقة بِدَلِيل مَا بعده وَإِن كَانَ الأسيل وَصفا للذفرى وَإِن صَحَّ بِتَقْدِير ألفها للإلحاق لَكِن تبقى الذفرى غير مُقَيّدَة والجسرة بِفَتْح الْجِيم وَسُكُون السِّين الْمُهْملَة قَالَ فِي الصِّحَاح الجسر الْعَظِيم من الْإِبِل وَالْأُنْثَى جسرة وَفِي الشُّرُوح الجسرة الْمَاضِيَة فِي سَيرهَا وَمِنْه جسر فلَان على كَذَا وَقيل هِيَ الضخمية

القوية وروى بدله حرَّة وَالْحر الْجيد الأَصْل والخالص من كل شَيْء والزيافة بِفَتْح الزَّاي الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الْمُثَنَّاة التَّحْتِيَّة وَالْفَاء مُبَالغَة زائف وَهُوَ من زاف يزيف زيفا وزيفانا إِذا تبختر فِي مشيته كَذَا فِي الْعباب وَقَالَ الْخَطِيب هِيَ المسرعة والفنيق بِفَتْح الْفَاء وَكسر النُّون الْفَحْل المكدم الَّذِي لَا يُؤْذِي وَلَا يركب لكرامته على أَهله والمكدم بِضَم الْمِيم وَسُكُون الْكَاف اسْم مفعول قِيَاسه أَن يكون من أكدمه لكِنهمْ لم ينقولا إِلَّا كدمه ثلاثيا من الْبَاب الأول وَالثَّانِي قَالُوا الكدم العض بِأَدْنَى الْفَم كَمَا يكدم الْحمار والمكدم بِالتَّشْدِيدِ المعضض وروى مَوْضِعه المقرم على وَزنه وَهُوَ الْبَعِير الَّذِي لَا يحمل عَلَيْهِ وَلَا يذلل وَإِنَّمَا هُوَ للفحلى بِكَسْر الْفَاء وَسُكُون الْحَاء الْمُهْملَة قَالَ الزوزني يَقُول يَنْبع هَذَا الْعرق من خلف أذن نَاقَة غضوب مؤثقة الْخلق شَدِيدَة التَّبَخْتُر فِي سَيرهَا مثل فَحل من الْإِبِل قد كدمته الفحول شبهها بالفحل فِي تبخترها ووثاقة خلقهَا وضخمها وَهَذَانِ البيتان من معلقَة عنترة وَهِي من أَجود شعره وَكَانَت الْعَرَب تسميها المذهبة بِصِيغَة اسْم الْمَفْعُول من الإذهاب أَو التذهيب وهما بِمَعْنى التمويه والتطلية بِالذَّهَب وَمعنى الْمُعَلقَة أَن الْعَرَب كَانَت فِي الْجَاهِلِيَّة يَقُول الرجل مِنْهُم الشّعْر

فِي أقْصَى الأَرْض فَلَا يعبأ بِهِ وَلَا ينشده أحد حَتَّى يأتى مَكَّة فِي موسم الْحَج فيعرضه على أندية قُرَيْش فَإِن استحسنوه رُوِيَ وَكَانَ فخرا لقائله وعلق على ركن من أَرْكَان الْكَعْبَة حَتَّى ينظر إِلَيْهِ وَإِن لم يستحسنوه طرح وَلم يعبأ بِهِ وَأول من علق شعره فِي الْكَعْبَة أمرؤ الْقَيْس وَبعده علقت الشُّعَرَاء وَعدد من علق شعره سَبْعَة ثانيهم طرفَة بن العَبْد ثالثهم زُهَيْر بن أبي سلمى رابعهم لبيد بن ربيعَة خامسهم عنترة سادسهم الْحَارِث بن حلزة سابعهم عَمْرو بن كُلْثُوم التغلبي هَذَا هُوَ الْمَشْهُور وَفِي الْعُمْدَة لِابْنِ رَشِيق وَقَالَ مُحَمَّد بن أبي الْخطاب فِي كِتَابه الموسوم بجمهرة أشعار الْعَرَب إِن أَبَا عُبَيْدَة قَالَ أَصْحَاب السَّبع الَّتِي تسمى السموط امْرُؤ الْقَيْس وَزُهَيْر والنابغة والأعشى ولبيد وَعَمْرو وطرفه قَالَ وَقَالَ الْمفضل من زعم أَن فِي السَّبع الَّتِي تسمى السموط لأحد غير هَؤُلَاءِ فقد أبطل فاسقطا من أَصْحَاب المعلقات عنترة والْحَارث بن حلزة وأثبتا الْأَعْشَى والنابغة وَكَانَت المعلقات تسمى المذهبات وَذَلِكَ أَنَّهَا اختيرت من سَائِر الشّعْر فَكتبت فِي الْقبَاطِي بِمَاء الذَّهَب وعلقت على الْكَعْبَة فَلذَلِك يُقَال مذهبَة فلَان إِذا كَانَت أَجود شعره ذكر ذَلِك غير وَاحِد من الْعلمَاء وَقيل بل كَانَ الْملك إِذا استجيدت قصيدة يَقُول عَلقُوا لنا هَذِه لتَكون

فِي خزانته وَنَذْكُر إِن شَاءَ الله خبر كل وَاحِد من أَصْحَاب القصائد وأنسابهم وَالسَّبَب الَّذِي دعاهم إِلَى قَول تِلْكَ القصائد عِنْدَمَا يَأْتِي شعر كل مِنْهُم وَقد طرح عبد الْملك بن مَرْوَان شعر أَرْبَعَة مِنْهُم وَأثبت مكانهم أَرْبَعَة وَرُوِيَ أَن بعض أُمَرَاء بني أُميَّة أَمر من أخْتَار لَهُ سَبْعَة أشعار فسماها المعلقات وَالسَّبَب الَّذِي حمل عنترة على نظم هَذِه القصيدة أَنه كَانَ لَا يَقُول من الشّعْر إِلَّا الْبَيْتَيْنِ وَالثَّلَاثَة حَتَّى سابه رجل من قومه فعابه بسواده وَسَوَاد أمه وَأَنه لَا يَقُول الشّعْر فَأَجَابَهُ عنترة أبلغ جَوَاب نَقله ابْن قُتَيْبَة فِي طَبَقَات الشُّعَرَاء وَقَالَ أما الشّعْر فستعلم فَقَالَ هَذِه القصيدة ويستحسن مِنْهَا قَوْله فِي وصف روضه (الْكَامِل) (وخلا الذُّبَاب بهَا فَلَيْسَ ببارح ... غردا كَفعل الشَّارِب المترنم) (هزجا يحك ذراعه بذراعه ... فعل المكب على الزِّنَاد الأجذم) البراح الزَّوَال والغرد وصف من غرد من بَاب فَرح إِذا تغنى يَقُول خلا الذُّبَاب بِهَذِهِ الرَّوْضَة فَلَا زَالَ يرجع صَوته بِالْغنَاءِ كشارب الْخمر والهزج تراكب الصَّوْت وَمعنى يحك ذراعه بذراعه يمر إِحْدَاهمَا على الْأُخْرَى والأجذم بالمعجمتين صفة المكب وَهُوَ الْمَقْطُوع الْيَد شبه الذُّبَاب إِذا سنّ إِحْدَى ذِرَاعَيْهِ بِالْأُخْرَى بأجذم يقْدَح نَارا بذراعيه وَهَذَا من عَجِيب التَّشْبِيه يُقَال إِنَّه لم يقل أحد فِي مَعْنَاهُ مثله وَقد عده

أَرْبَاب الْأَدَب من التشبيهات العقم وَهِي الَّتِي لم يسْبق إِلَيْهَا وَلَا يقدر أحد عَلَيْهَا مُشْتَقّ من الرّيح الْعَقِيم وَهِي الَّتِي لَا تلقح شَجَرَة وَلَا تنْتج ثَمَرَة وَقد شبه بَعضهم من يفرك يَدَيْهِ ندامة بِفعل الذُّبَاب وزاده اللَّطْم فَقَالَ (الْكَامِل) (فعل الأديب إِذا خلا بهمومه ... فعل الذُّبَاب يرن عِنْد فَرَاغه) (فتراه يفرك راحتيه ندامة ... مِنْهُ ويتبعها بلطم دماغه) \ وعنترة هُوَ عنترة الْعَبْسِي بن شَدَّاد بن عَمْرو بن قراد قَالَ الْكَلْبِيّ شَدَّاد جده غلب على اسْم أَبِيه وَإِنَّمَا هُوَ عنترة بن عَمْرو بن شَدَّاد وَقَالَ غَيره شَدَّاد عَمه تكفله بعد موت أَبِيه فنسب إِلَيْهِ وَيُقَال إِن أَبَاهُ ادَّعَاهُ بعد الْكبر وَذَلِكَ أَنه كَانَ لأمة سَوْدَاء يُقَال لَهَا زبيبة وَكَانَت الْعَرَب فِي الْجَاهِلِيَّة إِذا كَانَ لأَحَدهم ولد من أمة استعبده وَكَانَ لعنترة إخْوَة من أمه عبيد وَكَانَ سَبَب ادِّعَاء أبي عنترة إِيَّاه أَن بعض أَحيَاء الْعَرَب أَغَارُوا على قوم من بني عبس فَأَصَابُوا مِنْهُم فَتَبِعهُمْ العبسيون فلحقوهم فقاتلوهم وَفِيهِمْ عنترة فَقَالَ لَهُ أَبوهُ كرّ يَا عنترة فَقَالَ العَبْد لَا يحسن الْكر إِنَّمَا يحسن الحلاب والصر قَالَ كرّ وانت حر فَقَاتلهُمْ واستنقذ مَا فِي أَيدي الْقَوْم من الْغَنِيمَة فَادَّعَاهُ أَبوهُ بعد ذَلِك وَهُوَ أحد أغربة الْعَرَب وهم ثَلَاثَة وَالثَّانِي خفاف كغراب وَاسم أمه ندبة كتمرة وَالثَّالِث السليك بِالتَّصْغِيرِ وأسم أمه السلكة بِضَم فَفتح وَأُمَّهَات الثَّلَاثَة سود وَكَانَ عنترة أَشْجَع أهل زَمَانه وأجودهم بِمَا ملكت يَده وَكَانَ شهد حَرْب داحس والغبراء وحمدت مشاهده فِيهَا وَقتل فِيهَا ضمضما المري

الشاهد الثالث عشر

أَبَا الْحصين بن ضَمْضَم وَأَبا أَخِيه هرم وَلذَلِك قَالَ فِي هَذِه القصيدة (وَلَقَد خشيت بِأَن أَمُوت وَلم تدر ... للحرب دَائِرَة على ابْني ضَمْضَم) (الشاتمي عرضي وَلم أشتمهما ... والناذرين إِذا لم القهما دمي) (إِن يفعلا فَلَقَد تركت أباهما ... جزر السبَاع وكل نسر قشعم) وَهَذَا آخر الْمُعَلقَة قَالَ أَبُو عُبَيْدَة إِن عنترة بعد مَا أوت عبس إِلَى غطفان بعد يَوْم جبلة وَحمل الدِّمَاء احْتَاجَ وَكَانَ صَاحب غارات فَكبر وَعجز عَنْهَا وَكَانَ لَهُ يَد على رجل من غطفان فَخرج يتجازاه فَمَاتَ فِي الطَّرِيق وَنقل عَن أبي عُبَيْدَة أَيْضا أَن طيئا تَدعِي قتل عنترة ويزعمون أَن الَّذِي قَتله الْأسد الرهيص وَهُوَ الْقَائِل (الوافر) (أَنا الْأسد الرهيص قتلت عمرا ... وعنترة الفوارس قد قتلت) وَالله أعلم والعنتر فِي اللُّغَة الذُّبَاب الْأَزْرَق الْوَاحِد عنترة قَالَ سِيبَوَيْهٍ نونه لَيست بزائدة وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد الثَّالِث عشر (الرجز) (فِي كلت رِجْلَيْهَا سلامى زائده ... كلتاهما قد قرنت بواحده) على أَن كلت أَصْلهَا كلتا حذفت الفها ضَرُورَة وفتحة التَّاء دَلِيل عَلَيْهَا رَأَيْت فِي حَاشِيَة الصِّحَاح أَن هَذَا الْبَيْت من رجز يصف بِهِ نعَامَة

فضمير رِجْلَيْهَا عَائِد على النعامة والسلامى على وزن حبارى عظم فِي فرسن الْبَعِير وَعِظَام صغَار طول إِصْبَع أَو أقل فِي الْيَد وَالرجل وَالْجمع سلاميات والفرسن بِكَسْر أَوله وثالثه هُوَ للبعير بِمَنْزِلَة الْحَافِر للْفرس وَالضَّمِير فِي كلتاهما للرجلين وَقَوله فِي كلت خبر مقدم والكسرة مقدرَة على الْألف المحذوفة وسلامى مُبْتَدأ مُؤخر وزائدة وَصفه وكلتاهما مُبْتَدأ وَمَا بعده الْخَبَر وَهَذَا المصراع تَأْكِيد للْأولِ وَفِيه قلب يَجْعَل الْمَجْرُور وَالْمَرْفُوع فِي الأول مَرْفُوعا ومجرورا فِي الثَّانِي أَي قرنت بِوَاحِدَة من السلاميات وَأوردهُ الشَّارِح مرّة ثَانِيَة هُنَا على أَن الْكُوفِيّين زَعَمُوا أَن كلت مُفْرد كلتا لَكِن هَذَا الْمُفْرد لم يسْتَعْمل وَيجوز اسْتِعْمَاله للضَّرُورَة كَمَا فِي هَذَا الْبَيْت أَقُول الْكُوفِيُّونَ ذَهَبُوا إِلَى أَن كلا وكلتا فيهمَا تَثْنِيَة لفظية ومعنوية وأصلهما كل فَكسرت الْكَاف وخففت اللَّام وزيدت الْألف للتثنية وَالتَّاء للتأنيث وَقد بَين الشَّارِح مَذْهَبهم وَاسْتَدَلُّوا على أَنَّهُمَا مثنيان لفظا وَمعنى وَأَن ألفهما للتثنية بِالسَّمَاعِ وَالْقِيَاس أما السماع فنحو هَذَا الْبَيْت فأفرد كلت وَهِي بِمَعْنى إِحْدَى فَدلَّ عَن أَن كلتا تَثْنِيَة وَأما الْقيَاس فَقَالُوا الدَّلِيل على أَن ألفهما للتثنية أَنَّهَا تنْقَلب إِلَى الْيَاء فِي النصب والجر إِذا أضيفا إِلَى الْمُضمر وَلَو كَانَت ألف قصر لم تنْقَلب وَذهب البصريون إِلَى أَنَّهُمَا ليستا بمأخوذتين من كل لِأَن كلا للإحاطة وهما لِمَعْنى مَخْصُوص لَيْسَ أحد القبيلين مأخوذا من الآخر بل مادتهما الْكَاف وَاللَّام وَالْوَاو وهما مفردان لفظا مثنيان معنى وَالْألف فِي كلا كألف عَصا وَفِي كلتا للتأنيث وَيدل لما قَالُوا عود الضَّمِير إِلَيْهِمَا تَارَة مُفردا حملا على اللَّفْظ وَتارَة مثنى حملا على الْمَعْنى وَقد اجْتمعَا فِي قَوْله

(الْبَسِيط) (كِلَاهُمَا حِين جد الجري بَينهمَا ... قد أقلعا وكلا أنفيهما رابي وَلَو كَانَا مثنيين حَقِيقَة للزمهم أَمْرَانِ) الأول كَانَ يجب عود الضَّمِير إِلَيْهِمَا مثنى مَعَ أَن الْحمل على اللَّفْظ فيهمَا أَكثر من الْحمل على الْمَعْنى ونظيرهما كل فَإِنَّهُ يجوز عود الضَّمِير إِلَيْهَا مُفردا بِالنِّسْبَةِ إِلَى لَفظهَا نَحْو كل الْقَوْم ضَربته وَعوده جمعا بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَعْنَاهَا نَحْو كل الْقَوْم ضربتهم لَكِن الْحمل على الْمَعْنى فِيهِ أَكثر من الْحمل على اللَّفْظ عكس كلا وكلتا الثَّانِي كَانَ يمْتَنع نَحْو كلا أخويك لِأَنَّهُ يلْزم إِضَافَة الشَّيْء إِلَى نَفسه وَيدل على أَن ألفهما ألف مَقْصُورَة إمالتها كَمَا قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ وَخلف بإمالة قَوْله تَعَالَى {إِمَّا يبلغن عنْدك الْكبر أَحدهمَا أَو كِلَاهُمَا} وَقَوله تَعَالَى {كلتا الجنتين آتت أكلهَا} فَلَو كَانَت للتثنية لما جَازَ إمالتها وَأَجَابُوا عَن الدَّلِيل الأول بِأَنَّهُ لَا حجَّة فِي الْبَيْت فَإِن أَصله كلتا، حذفت الْألف ضَرُورَة وَاكْتفى عَنْهَا بفتحة التَّاء، كَمَا قَالَ الشَّاعِر: (الرجز) (وصاني العجاج فِيمَا وصني) أَرَادَ وصاني. وَقَالَ الآخر: (الوافر) (فلست بمدرك مَا فَاتَ مني ... بلهف وَلَا بليت وَلَا لَو أَنِّي) أَرَادَ بلهفى، فحذفت الْألف مِنْهُمَا ضَرُورَة، مثله كثير. أَقُول: استدلالهم بِهَذَا الْبَيْت على الْإِفْرَاد يردهُ مَعْنَاهُ، فَإِن الْمَعْنى على التَّثْنِيَة، بِدَلِيل تأكيده بالمصراع الثَّانِي، فَتَأمل.

وَأَجَابُوا عَن الدَّلِيل الثَّانِي بِأَنَّهَا إِنَّمَا قلبت فِي حَال الْإِضَافَة إِلَى الْمُضمر لوَجْهَيْنِ: " أَحدهمَا ": أَنه لما كَانَ فيهمَا إِفْرَاد لَفْظِي وتثنية معنوية، وَكَانَا تَارَة يضافان إِلَى الْمظهر وَتارَة إِلَى الْمُضمر، جعلُوا لَهما حظاً من حَالَة الْإِفْرَاد وحظاً من حَالَة التَّثْنِيَة. وَإِنَّمَا جعلوهما مَعَ الْإِضَافَة إِلَى الْمظهر بِمَنْزِلَة الْمُفْرد لِأَن الْمُفْرد هُوَ الأَصْل؛ وجعلوهما مَعَ الْإِضَافَة إِلَى الْمُضمر بِمَنْزِلَة التَّثْنِيَة لِأَن الْمُضمر فرع والتثنية فرع، فَكَانَ الْفَرْع أولى بالفرع. و" الثَّانِي ": أَنه لم تقلب ألفهما مَعَ الْمظهر لِأَنَّهُمَا لزمتا الْإِضَافَة وجر الِاسْم بعدهمَا، فأشبهتا لَدَى، وَإِلَى، وعَلى. وكما أَن هَذِه الثَّلَاثَة لَا تقلب ألفها مَعَ الْمظهر وتقلب مَعَ الْمُضمر، وَكَانَ " كلا " و" كلتا " كَذَلِك. وَيدل على صِحَة ذَلِك أَن الْقلب فيهمَا يخْتَص بِحَالَة النصب والجر دون الرّفْع، لِأَن لديك إِنَّمَا تسْتَعْمل فِي حَالَة النصب والجر، دون الرّفْع، فَلهَذَا الْمَعْنى كَانَ الْقلب مُخْتَصًّا بهما دون حَالَة الرّفْع. قَالَ ابْن الْأَنْبَارِي فِي كتاب الْإِنْصَاف وَهَذَا الْوَجْه أوجه الْوَجْهَيْنِ وَبِه علل أَكثر الْمُتَقَدِّمين قَالَ وَالدَّلِيل على أَن الْألف فيهمَا لَيست للتثنية أَنَّهَا لَو كَانَت للتثنية لانقلبت فِي حَالَة النصب والجر إِذا أضيفتا إِلَى الْمظهر لِأَن الأَصْل هُوَ الْمظهر والمضمر فَرعه فَلَمَّا لم تنْقَلب دلّ على أَنَّهَا ألف مَقْصُورَة لَا أَنَّهَا للتثنية وَالله أعلم هَذَا وَقد قَالَ أَبُو حَيَّان فِي تَذكرته هَذَا الْبَيْت من اضطرار الشُّعَرَاء وكلت لَيْسَ بِوَاحِد كلتا بل هُوَ جَاءَ بِمَعْنى كلا غير أَنه أسقط الْألف اعْتِمَادًا

الشاهد الرابع عشر

على الفتحة الَّتِي قبلهَا وَعَملا على أَنَّهَا تَكْفِي من الْألف الممالة إِلَى الْيَاء وَمَا من الْكُوفِيّين أحد يَقُول كلت وَاحِدَة كلتا وَلَا يَدعِي أَن لِكِلَا وكلتا وَاحِدًا مُنْفَردا فِي النُّطْق مُسْتَعْملا فَإِن ادَّعَاهُ عَلَيْهِ مُدع فَهُوَ تشنيع وتفحيش من الْخُصُوم على قَول خصومهم انْتهى وَيُؤَيِّدهُ مَا رَأَيْته فِي مَعَاني الْقُرْآن للفراء عِنْد تَفْسِير قَوْله تَعَالَى {كلتا الجنتين آتت أكلهَا} وَهَذِه عِبَارَته وَقد تفرد الْعَرَب إِحْدَى كلتي بالإمالة وهم يذهبون بإفرادها إِلَى تثنيتها وأنشدني بَعضهم (فِي كلت رِجْلَيْهَا سلامى واحده ... كلتاهما قد قرنت بزائده) يَعْنِي الظليم يُرِيد بكلت كلتي وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد الرَّابِع عشر (الرمل) (كلت كفيه توالي دَائِما ... بجيوش من عِقَاب وَنعم) على أَن كلت مُفْرد كلتا عِنْد الْكُوفِيّين وَالْكَلَام عَلَيْهِ كَالْكَلَامِ على الْبَيْت الَّذِي قبله ووالى بَين الْأَمريْنِ مُوالَاة وَوَلَاء تَابع والجيش الْجند وَقيل الْجند السائر لِحَرْب أَو غَيرهَا وَالْعِقَاب النكال وَالنعَم جمع نعْمَة وَهُوَ المَال هُنَا وَالظَّاهِر أَن مُرَاد الشَّاعِر أَن إِحْدَى يَدَيْهِ تفِيد النعم لأوليائه وَالْأُخْرَى توقع النقم بأعدائه كَمَا قَالَ آخر (المتقارب) (يداك يَد خَيرهَا يرتجى ... وَأُخْرَى لأعدائها غائظه)

الشاهد الخامس عشر

وَحِينَئِذٍ فَلَا يَتَأَتَّى قَول الْكُوفِيّين إِن كلت هُنَا بِمَعْنى إِحْدَى فَوَجَبَ أَن يكون أَصله كلتا حذفت الْألف ضَرُورَة كَمَا تقدم بَيَانه فِي الْبَيْت السَّابِق وَفِيه أَيْضا مَا نَقَلْنَاهُ وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد الْخَامِس عشر (الطَّوِيل) (كِلَانَا إِذا مَا نَالَ شَيْئا أفاته) تَمَامه (وَمن يحترث حرثي وحرثك يهزل) على أَن كلا وكلتا لَو كَانَتَا مثنيين حَقِيقَة لم يجز عود ضمير الْمُفْرد إِلَيْهِمَا كَمَا عَاد ضمير نَالَ الْمُفْرد إِلَى كلا فِي هَذَا الْبَيْت فَلَمَّا عَاد إِلَيْهَا ضمير الْمُفْرد علم أَنَّهَا مُفْردَة لفظا مثناة معنى فَعَاد إِلَيْهَا بِاعْتِبَار اللَّفْظ وَهُوَ الْكثير وَيجوز أَن يثنى الضَّمِير الْعَائِد إِلَيْهَا بِاعْتِبَار الْمَعْنى وَهَذَا الْبَيْت من أَبْيَات أَرْبَعَة رَوَاهَا الروَاة لتأبط شرا مِنْهُم الْأَصْمَعِي وَأَبُو حنيفَة الدينَوَرِي فِي كتاب النَّبَات وَابْن قُتَيْبَة فِي أَبْيَات الْمعَانِي وَخَالفهُم أَبُو سعيد السكرِي وَزعم أَنَّهَا لامرئ الْقَيْس وَرَوَاهَا فِي معلقته الْمَشْهُورَة بعد قَوْله كَأَن الثريا علقت فِي مصامها ... بأمراس كتَّان إِلَى صم جندل) والأبيات هَذِه (الطَّوِيل) (وقربة أَقوام جعلت عصامها ... على كَاهِل مني ذَلُول مرحل) ...

(وواد كجوف العير قفر قطعته ... بِهِ الذِّئْب يعوي كالخليع المعيل) (فَقلت لَهُ لما عوى إِن شَأْننَا ... قَلِيل الْغنى إِن كنت لما تمول) (كِلَانَا إِذا مَا نَالَ شَيْئا أفاته ... وَمن يحترث حرثي وحرثك يهزل) وَهَذَا الشّعْر أشبه بِكَلَام اللص والصعلوك لَا بِكَلَام الْمُلُوك الْوَاو وَاو رب والعصام الْحَبل الَّذِي تحمل بِهِ الْقرْبَة ويضعه الرجل على عَاتِقه وعَلى صَدره والكاهل موصل الْعُنُق وَالظّهْر والذلول فعول من ذلت الدَّابَّة ذلا بِالْكَسْرِ سهلت وانقادت فَهِيَ ذَلُول والمرحل اسْم مفعول من رحلته ترحيلا إِذا أظعنته من مَكَانَهُ وأرسلته يصف نَفسه بِأَنَّهُ يخْدم أَصْحَابه قَوْله وواد كجوف العير إِلَخ الْوَاو حرف عطف عطفت على مجرور وَاو رب وجوف العير فِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا أَنه مثل مَا لَا ينْتَفع مِنْهُ بِشَيْء قَالَ أَبُو نصر وَالْعير عِنْد الْأَصْمَعِي الْحمار يذهب بِهِ إِلَى أَنه لَيْسَ فِي جَوف الْحمار شَيْء يُؤْكَل وَينْتَفع بِهِ إِذا صيد فجوف الْحمار عِنْدهم بِمَنْزِلَة الْوَادي القفر وَفِي كتاب العشرات للتميمي فِي الْمثل تَركه جَوف حمَار أَي لَيْسَ فِيهِ مَا ينْتَفع بِهِ الثَّانِي أَن العير رجل من العمالقة وَقيل من عَاد كَانَ لَهُ بنُون وواد خصيب وَكَانَ حسن الطَّرِيقَة فَخرج بنوه يتصيدون فَأَصَابَتْهُمْ صَاعِقَة فَأَحْرَقَتْهُمْ فَكفر بِاللَّه وَقَالَ لَا أعبد رَبًّا أحرق بني وَأخذ فِي عبَادَة الْأَصْنَام ودعا قومه إِلَيْهَا فَمن أَبى قَتله فَسلط الله على واديه نَارا فَأَهْلَكَهُ وأخرب واديه والوادي بلغَة الْيمن الْجوف

قَالَ حَمْزَة الْأَصْبَهَانِيّ فِي أَمْثَاله قَالَ أَبُو نصر قَالَ الْأَصْمَعِي حَدثنِي ابْن الْكَلْبِيّ عَن فَرْوَة بن سعيد عَن عفيف الْكِنْدِيّ أَن هَذَا الَّذِي ذكرته الْعَرَب كَانَ رجلا من بقايا عَاد يُقَال لَهُ حمَار بن مويلع فعدلت الْعَرَب عَن ذكر الْحمار إِلَى ذكر العير لِأَنَّهُ فِي الشّعْر أخف وأسهل مخرجا ا. هـ. وَقد ضربت الْعَرَب الْمثل بِهِ فِي الخراب والخلاء فَقَالُوا أخرب من جَوف حمَار وأخلى من جَوف حمَار قَالَ الشَّاعِر (الرمل) (وبشؤم الْبَغي والغشم قَدِيما ... مَا خلا جَوف وَلم يبْق حمَار) وَقَالُوا أَيْضا أكفر من حمَار وَقَالَ بَعضهم أَرَادَ بجوف العير وسط السَّيْف وَالْعير وسط السَّيْف والخليع قَالَ ابْن قُتَيْبَة فِي أَبْيَات الْمعَانِي هُوَ الَّذِي قد خلعه أَهله لجناياته والمعيل الَّذِي ترك يذهب وَيَجِيء حَيْثُ شَاءَ وَقَالَ الْخَطِيب التبريزي الخليع المقامر وَيُقَال هُوَ الَّذِي خلع عذاره فَلَا يُبَالِي مَا ارْتكب والمعيل الْكثير الْعِيَال وَأَرَادَ يعوي عواء مثل عواء الخليع وَقَوله إِن كنت لما تمول لما نَافِيَة وتمول مضارع مَحْذُوف مِنْهُ التَّاء الْمَاضِي تمول إِذا صَار ذَا مَال وَمثله مَال الرجل يمول ويمال مولا ومؤولا يَقُول إِن كنت لم تصب من الْغنى مَا يَكْفِيك فَإِن شَأْننَا قَلِيل الْغنى أَي أَنا لَا أغْنى عَنْك وَأَنت لَا تغني عني شَيْئا أَي أَنا أطلب وَأَنت تطلب فكلانا لَا غنى لَهُ وَمن رَوَاهُ طَوِيل الْغنى أَرَادَ همتي تطول فِي طلب الْغنى وروى ابْن قُتَيْبَة وَقلت لَهُ لما عوى إِن ثَابتا قَلِيل الخ

وَقَوله كِلَانَا إِذا مَا نَالَ إِلَخ نَالَ ينَال نيلا أَصَابَهُ وأفاته فَوته وَلم يدخره وَرَوَاهُ ابْن قُتَيْبَة (كِلَانَا مضيع لَا خزانَة عِنْده) والمضيع من أضاع المَال بِمَعْنى أهلكه وروى الدينَوَرِي (كِلَانَا مقل لَا خزانَة عِنْده) وَقَالَ يُقَال للْعَمَل فِي الْحَرْث لزرع كَانَ أَو لغرس الحراثة والفلاحة والإكارة ثمَّ قيل للْعَمَل فِي كل شَيْء حرث فَقيل فلَان يحرث لآخرته يَقُول من يكْسب كسبي وكسبك لَا يَسْتَغْنِي لِأَنَّهُ يعِيش من الخلس وَلَا يقتني وَقَالَ الْخَطِيب التبريزي أَي من طلب مني ومنك شَيْئا لم يدْرك مُرَاده وَقَالَ قوم مَعْنَاهُ من كَانَت صناعته وطلبته مثل طلبتي وطلبتك فِي هَذَا الْموضع مَاتَ هزالًا لِأَنَّهُمَا كَانَا بواد لَا نَبَات فِيهِ وَلَا صيد وتأبط شرا اسْمه ثَابت وكنيته أَبُو زُهَيْر بن جَابر بن سُفْيَان بن عميثل ابْن عدي بن كَعْب بن حَرْب بن تيم بن سعد بن فهم بن عَمْرو بن قيس عيلان وَأمه أُمَيْمَة من قين بطن من فهم وَفِي تلقيبه بتأبط شرا أَرْبَعَة أَقْوَال أَحدهَا وَهُوَ الْمَشْهُور أَنه تأبط سَيْفا وَخرج فَقيل لأمه أَيْن هُوَ فَقَالَت لَا أَدْرِي تأبط شرا وَخرج

الثَّانِي أَن أمه قَالَت لَهُ فِي زمن الكمأة أَلا ترى غلْمَان الْحَيّ يجتنون لأهلهم الكمأة فيروحون بهَا فَقَالَ لَهَا أعطيني جرابك حَتَّى أجتني لَك فِيهِ فَأَعْطَتْهُ فملأه لَهَا أفاعي من أكبر مَا قدر عَلَيْهِ وأتى بِهِ متأبطا لَهُ فَأَلْقَاهُ بَين يَديهَا ففتحته فسعين بَين يَديهَا فِي بَيتهَا فَوَثَبت وَخرجت مِنْهُ فَقَالَ لَهَا نسَاء الْحَيّ مَاذَا كَانَ الَّذِي تأبطه الْيَوْم قَالَت تأبط شرا الثَّالِث أَنه رأى كَبْشًا فِي الصَّحرَاء فاحتمله تَحت إبطه فَجعل يَبُول طول الطَّرِيق عَلَيْهِ فَلَمَّا قرب من الْحَيّ ثقل عَلَيْهِ حَتَّى لم يقلهُ فَرمى بِهِ فَإِذا هُوَ الغول فَقَالَ لَهُ قومه بِمَ تأبطت يَا ثَابت فَأخْبرهُم فَقَالُوا لقد تأبط شرا الرَّابِع أَنه أَتَى بالغول فَأَلْقَاهُ بَين يَديهَا فَسُئِلت أمه عَمَّا كَانَ متأبطا فَقَالَت ذَلِك فَلَزِمَهُ وَكَانَ أحد لصوص الْعَرَب يَغْزُو على رجلَيْهِ وَحده وَكَانَ إِذا جَاع نظر إِلَى الظباء فيتنقى على نظره أسمنها ثمَّ يجْرِي خَلفه فَلَا يفوتهُ حَتَّى يَأْخُذهُ وترجمته مَذْكُورَة فِي الأغاني بحكايات كَثِيرَة يتعجب مِنْهَا الْعقل لغرابتها وَقيس عيلان تركيب إضافي لِأَن عيلان اسْم فرس قيس لَا أَبِيه كَمَا ظَنّه بعض النَّاس كَذَا فِي الْقَامُوس وَغَيره وَهُوَ بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَلَيْسَ عيلان فِي لُغَة الْعَرَب غَيره وَمَا عداهُ غيلَان بِالْمُعْجَمَةِ وَقيس أَبُو قَبيلَة من مُضر واسْمه النَّاس ابْن مُضر بن نزار وَقيس لقبه يُقَال تقيس فلَان إِذا تشبه بهم أَو تمسك مِنْهُم بِسَبَب إِمَّا بِحلف أَو جوَار أَو وَلَاء قَالَ رؤبة (الرجز) (وَقيس عيلان وَمن تقيسا) ثمَّ رَأَيْت فِي شرح أدب الْكَاتِب للجواليقي قَالَ عِنْد بَيت رؤبة هَذَا قيس عيلان بن مُضر وَيُقَال قيس بن عيلان واسْمه النَّاس بالنُّون وَأَخُوهُ

الشاهد السادس عشر

إلْيَاس بِالْيَاءِ وَفِيه الْعدَد وَكَانَ النَّاس متلافا وَكَانَ إِذا نفذ مَا عِنْده أَتَى أَخَاهُ إلْيَاس فيناصفه مَاله أَحْيَانًا ويواسيه أَحْيَانًا فَلَمَّا طَال ذَلِك عَلَيْهِ وَأَتَاهُ كَمَا كَانَ يَأْتِيهِ قَالَ لَهُ إلْيَاس غلبت عَلَيْك الْعيلَة فَأَنت عيلان فَسُمي لذَلِك عيلان وَجَهل النَّاس وَمن قَالَ قيس ابْن عيلان فَإِن عيلان كَانَ عبدا لمضر حضن ابْنه النَّاس فغلب على نِسْبَة ا. هـ. وَمثله فِي الْأَنْسَاب للكلبي قَالَ كَانَ عيلان عبدا لمضر فحضن ابْنه النَّاس وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد السَّادِس عشر وَهُوَ من شَوَاهِد س (الوافر) (فَلَا أَعنِي بذلك أسفليكم ... وَلَكِنِّي أُرِيد بِهِ الذوينا) على أَن الذوين دَاخل فِي حد الْجمع الْمَذْكُور على أَي وَجه كَانَ لِأَن واحده ذُو وأنشده أَيْضا فِي آخر بَاب الْإِضَافَة على أَن قطع ذُو وَإِدْخَال اللَّام عَلَيْهِ شَاذ وَذَلِكَ لإجرائه مجْرى صَاحب وأنشده أَيْضا فِي بَاب الْجمع الْمُذكر السَّالِم على أَنه لَو اعْتبر اللَّام أَي لَام الْفِعْل لقَالَ الذوين كالأعلين فَإِن ذُو مَفْتُوح الْعين عِنْد س قَالَ أَبُو عَليّ الْفَارِسِي فِي الْإِيضَاح الشعري كسر الْعين من الذوين

وَكَانَ حَقّهَا أَن تفتح لِأَن ذوين جمع ذوى وَقد ثَبت ب ذواتا أفنان أَن الْعين مَفْتُوحَة ا. هـ. قَالَ فِي الصِّحَاح وَلَو سميت رجلا ذُو لَقلت هَذَا ذوى قد أقبل فَترد مَا ذهب مِنْهُ لِأَنَّهُ لَا يكون اسْم على حرفين أَحدهمَا حرف لين لِأَن التَّنْوِين يذهبه فَيبقى على حرف وَاحِد وأنشده س أَيْضا فِي بَاب تَغْيِير الْأَسْمَاء المبهمة إِذا صَارَت أعلاما خَاصَّة فَإِنَّهُ جمع ذُو جمعا سالما وأفرده من الْإِضَافَة وَأدْخل عَلَيْهِ اللَّام وَجعله أسما على حياله قَالَ فِي الصِّحَاح وَلَو جمعت ذُو مَال لَقلت هَؤُلَاءِ ذوون لِأَن الْإِضَافَة قد زَالَت وَأنْشد بَيت الْكُمَيْت وَقَالَ أَرَادَ أذواء الْيمن وَكَذَلِكَ قَالَ أَبُو الْبَقَاء فِي شرح الْإِيضَاح النَّحْوِيّ للفارسي إِنَّمَا جَازَ هَذَا لِأَنَّهُ أَرَادَ مُلُوك الْيمن فقد أخرجه إِلَى بَاب الْمُفْرد وَلذَلِك قَالُوا الأذواء فِي هَؤُلَاءِ لَكِن قَالَ أَبُو بكر الزبيدِيّ فِي كتاب لحن الْعَامَّة لَا يجوز أَن تدخل اللَّام على ذُو وَلَا على ذَات فِي حَال إِفْرَاد وَلَا تَثْنِيَة وَلَا جمع وَلَا تُضَاف إِلَى الْمُضْمرَات وَإِنَّمَا تقع مُضَافَة إِلَى الظَّاهِر وَقد غلط فِي ذَلِك اهل الْكَلَام وَأكْثر النَّحْوِيين من الشُّعَرَاء وَالْكتاب وَالْفُقَهَاء فَأَما قَوْلهم فِي ذِي رعين وَذي أصبح وَذي كلاع الأذواء وَقَوله ...

(وَلَكِنِّي أُرِيد بِهِ الذوينا) فَلَيْسَ من كَلَامهم الْمَعْرُوف أَلا ترى أَنَّك لَا تَقول هَؤُلَاءِ أذواء الدَّار وَلَا مَرَرْت بأذواء المَال وَإِنَّمَا أحدث ذَلِك بعض أهل النّظر كَأَنَّهُ ذهب إِلَى جمعه على الأَصْل لِأَن أصل ذُو ذوى فَجَمعه على أذواء مثل قفا وأقفاء وَكَذَلِكَ الذوون كَأَنَّهُ جمعه مُفردا وَأخرجه مخرج الأذواء فِي الِانْفِرَاد وَذَلِكَ غير مقول لِأَن ذُو لَا تكون إِلَّا مُضَافَة وكما لَا يجوز أَن تَقول هَذَا الذو والذوان فتفرد فَكَذَلِك لَا تَقول الأذواء وَلَا الذوون لِأَن ذُو لَا تكون إِلَّا مُضَافَة وَكَذَلِكَ جمعهَا ا. هـ. وَالصَّحِيح عِنْد س وَمن تبعه جَوَاز جمع ذُو فِي نَحْو ذِي رعين مِمَّا هُوَ جُزْء علم على الأذواء والذوين كَمَا فِي شعر الْكُمَيْت وَهُوَ عَرَبِيّ فصيح وَمُرَاد الزبيدِيّ بتغليط من ذكر أَنهم يَقُولُونَ الذَّات وذاته فَيدْخلُونَ اللَّام عَلَيْهِ ويضيفونه إِلَى الضَّمِير وَهُوَ مؤنث ذُو وَهَذَا جَائِز أَيْضا وَإِن توقف فِيهِ أَكثر النَّاس فَإِن الذَّات قد أجري مجْرى الْأَسْمَاء الجامدة فَإِن المُرَاد بِهِ حَقِيقَة الشَّيْء وَنَفسه من غير مُلَاحظَة مَوْصُوف يجْرِي عَلَيْهِ قَالَ الزَّرْكَشِيّ فِي تَذكرته سُئِلَ الزَّمَخْشَرِيّ عَن إِطْلَاق الذَّات على الله عَزَّ وَجَلَّ فَأجَاب بِأَنَّهَا تَأْنِيث ذُو بِمَعْنى صَاحب وَهِي مَوْضُوعَة ليوصف بهَا مَا تلبس بِمَا يلْزمهَا الْإِضَافَة إِلَيْهِ من الْأَجْنَاس فِي نَحْو قَوْلهم رجل ذُو مَال وَامْرَأَة ذَات جمال ثمَّ قطعت عَن مقتضاها وأجريت مجْرى الْأَسْمَاء الجوامد فَلَا تلْزم الْإِضَافَة وَلَا الإجراء على مَوْصُوف وعني بهَا نفس الْبَارِي وَحَقِيقَته وَأَصلهَا فِي التَّقْدِير نفس ذَات علم وَغَيره من الصِّفَات ثمَّ اسْتغنى بِالصّفةِ عَن الْمَوْصُوف وَمثله كثير وَحذف الْمُضَاف إِلَيْهِ لإِرَادَة التَّعْمِيم كَمَا تحذف المفاعيل فَإِن قلت كَيفَ جَازَ إِطْلَاقه على الله مَعَ مَا فِيهِ من التَّأْنِيث

وهم يمْنَعُونَ إِطْلَاق الْعَلامَة عَلَيْهِ مَعَ أَن تاءه للْمُبَالَغَة لما فِيهِ من الْإِيهَام قلت سَاغَ من حَيْثُ سَاغَ النَّفس والحقيقة وَوَجهه أَن امْتنَاع عَلامَة لِأَنَّهُ صفة حذي بهَا حَذْو الْفِعْل فِي التفصلة بَين الْمُذكر والمؤنث بِخِلَاف الْأَسْمَاء الَّتِي لَا تجْرِي على مجْرى الْأَفْعَال فِي الْفرق فَلَمَّا انسلكت الذَّات فِي مَسْلَك الْأَسْمَاء جرت مجْرى النَّفس والحقيقة فَإِن صَحَّ مَا حُكيَ عَن الْعَرَب من قَوْلهم جعل الله مَا بَيْننَا فِي ذَاته وَعَلِيهِ بنى حبيب قَوْله (الطَّوِيل) (وَيضْرب فِي ذَات الْإِلَه فيوجع) فالكلمة إِذن عَرَبِيَّة وعَلى ذَلِك اسْتِعْمَال الْمُتَكَلِّمين ا. هـ. وَأعلم أَن استشهادهم بِشعر حبيب وَبِمَا وَقع فِي الحَدِيث من قَوْله ثَلَاث كذبات فِي ذَات الله لتصحيح هَذِه اللفظه فِيهِ أَن بعض الْمُحَقِّقين قَالَ لَيْسَ مَعْنَاهُ مَا ذَكرُوهُ وَإِنَّمَا معنى ذَات فِيهِ أُمُور تستند إِلَى الله مِمَّا أَرَادَهُ وأوجبه على عبَادَة من طَاعَته وعبادته وَالْإِيمَان بِهِ وَنَحْو ذَلِك وَهُوَ الْمُتَبَادر مِنْهُ بشهاده السِّيَاق والتأمل الصَّادِق وَهَذَا الْبَيْت من قصيدة الْكُمَيْت بن زيد هجا بهَا أهل الْيمن تعصبا لمضر وَسَيَأْتِي فِي الشَّاهِد الرَّابِع وَالْعِشْرين سَبَب عصبيته لمضر ونظمه لهَذِهِ القصيدة يَقُول لَا أعنى بهجوي إيَّاكُمْ أراذلكم وَإِنَّمَا أعنى عليتكم وملوككم وروى

(الوافر) (لم أقصد بذلك أسفليكم ... وَلَكِنِّي عنيت بِهِ الذوينا) يُقَال عنيته عنيا من بَاب رمى قصدته فمفعوله أسفليكم وَهُوَ جمع مُذَكّر سَالم واعتنيت بأَمْري اهتممت واحتفلت وعنيت بِهِ أَعنِي من بَاب رمى أَيْضا عناية كَذَلِك وَأما الْمَبْنِيّ لمفعول نَحْو عنيت بِأَمْر فلَان عناية وعنيا فَهُوَ بِمَعْنى شغلت بِهِ ولتعن بحاجتي أَي لتكن حَاجَتي شاغلة لسرك وَرُبمَا قيل عنيت بأَمْره بِالْبِنَاءِ للْفَاعِل كَذَا فِي الْمِصْبَاح والأسفلون جمع أَسْفَل وَهُوَ خلاف الْأَعْلَى يُقَال سفل سفولا من بَاب قعد وسفل من بَاب قرب لُغَة صَار أَسْفَل من غَيره وسفل فِي خلقه وَعَمله سفلا من بَاب قتل وسفالا وَالِاسْم السّفل بِالضَّمِّ وَمِنْه قيل للأراذل سفلَة بِفَتْح السِّين وَكسر الْفَاء وَيجوز التَّخْفِيف بِنَقْل الكسرة إِلَى مَا قبلهَا وَأَرَادَ بالذوين الأذواء وهم مُلُوك الْيمن المسمون بِذِي يزن وَذي جدن وَذي نواس وهم التبابعة وَقَالَ ابْن الشجري فِي أمالية وأذواء الْيمن مِنْهُم مُلُوك وَمِنْهُم أقيال والقيل دون الْملك ثمَّ سرد من سمي بِذِي كَذَا من مُلُوك الْيمن وَبَالغ فِي جمعهَا وَشَرحهَا فَمن أرادها فَلْينْظر ثمَّة وَمن يُقَال لَهُ الْكُمَيْت من الشُّعَرَاء كَمَا فِي المؤتلف والمختلف للآمدي ثَلَاثَة من بني أَسد بن خُزَيْمَة أَوَّلهمْ الْكُمَيْت الْأَكْبَر بن ثَعْلَبَة بن نَوْفَل بن نَضْلَة بن الأشتر بن جحوان بِتَقْدِيم الْمُعْجَمَة ابْن فقعس وَالثَّانِي الْكُمَيْت بن مَعْرُوف بن الْكُمَيْت الْأَكْبَر

وَالثَّالِث هُوَ صَاحب الشَّاهِد وَهُوَ الْكُمَيْت بن زيد بن الْأَخْنَس بن مجَالد بن ربيعَة بن قيس بن الْحَارِث بن عَامر بن دويبة بن عَمْرو بن مَالك بن سعد بن ثَعْلَبَة ابْن دودان بن أَسد وَهُوَ كُوفِي شَاعِر مقدم عَالم بلغات الْعَرَب خَبِير بأيامها وَمن شعراء مُضر وألسنتها المتعصبين على القحطانية المقارعين الْعَالمين بالمثالب يُقَال مَا جمع أحد من علم الْعَرَب ومناقبها وَمَعْرِفَة أنسابها مَا جمع الْكُمَيْت فَم صحّح الْكُمَيْت نسبه صَحَّ وَمن طعن فِيهِ وَهن وَسُئِلَ معَاذ الهراء عَن أشعر النَّاس فَقَالَ من الجاهليين امْرُؤ الْقَيْس وَزُهَيْر وَعبيد ابْن الأبرص وَمن الإسلاميين الفرزدق وَجَرِير والأخطل فَقيل لَهُ يَا أَبَا مُحَمَّد مَا رَأَيْنَاك ذكرت الْكُمَيْت قَالَ ذَاك أشعر الْأَوَّلين والآخرين وَقَالَ أَبُو عِكْرِمَة الضَّبِّيّ لَوْلَا شعر الْكُمَيْت لم يكن للغة ترجمان وَلَا للْبَيَان لِسَان يُقَال إِن شعره بلغ أَكثر من خَمْسَة آلَاف بَيت وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة لَو لم يكن لبني أَسد منقبة غير الْكُمَيْت لكفاهم حببهم إِلَى النَّاس وَأبقى لَهُم ذكرا وَقَالَ بَعضهم فِي الْكُمَيْت خِصَال لم تكن فِي شَاعِر كَانَ خطيب بني أَسد وفقيه الشِّيعَة وحافظ الْقُرْآن وَكَانَ ثَبت الْجنان وَكَانَ كَاتبا حسن الْخط وَكَانَ نسابة وَكَانَ جدليا وَهُوَ أول من نَاظر فِي التَّشَيُّع مجاهرا بذلك وَله فِي أهل الْبَيْت القصائد الْمَشْهُورَة وَهِي أَجود شعره وَكَانَ فِي صغره ذكيا لوذعيا يُقَال إِنَّه وقف وَهُوَ صبي على الفرزدق

وَهُوَ ينشد فأعجبه سَمَاعه فَلَمَّا فرغ قَالَ يَا غُلَام كَيفَ ترى مَا تسمع قَالَ حسن يَا عَم قَالَ أَيَسُرُّك أَنِّي أَبوك قَالَ أما أبي فَلَا أبغي بِهِ بَدَلا وَلَكِن يسرني أَنَّك أُمِّي فحصر الفرزدق وَقَالَ مَا مر بِنَا مثلهَا وَحكى صاعد مولى الْكُمَيْت قَالَ دخلت مَعَ الْكُمَيْت على عَليّ بن الْحُسَيْن رَضِيَ اللَّهُ عَنْه فَقَالَ إِنِّي قد مدحتك بِمَا أَرْجُو أَن يكون لي وَسِيلَة عِنْد رَسُول الله ثمَّ أنْشدهُ قصيدته الَّتِي أَولهَا (الْخَفِيف) (من لقلب متيم مستهام ... غير مَا صبوة وَلَا أَحْلَام) فَلَمَّا أَتَى على آخرهَا قَالَ لَهُ ثوابك نعجز عَنهُ وَلَكِن مَا عجزنا عَنهُ فَإِن الله لَا يعجز عَن مكافأتك اللَّهُمَّ أَغفر للكميت اللَّهُمَّ أَغفر للكميت ثمَّ قسط لَهُ على نَفسه وعَلى أَهله أَرْبَعمِائَة ألف دِرْهَم وَقَالَ لَهُ خُذ يَا أَبَا المستهل فَقَالَ لَهُ لَو وصلتني بدانق لَكَانَ شرفا لي وَلَكِن إِن أَحْبَبْت أَن تحسن إِلَيّ فادفع إِلَيّ بعض ثِيَابك الَّتِي تلِي جسدك أتبرك بهَا فَقَامَ فَنزع ثِيَابه وَدفعهَا إِلَيْهِ كلهَا ثمَّ قَالَ اللَّهُمَّ إِن الْكُمَيْت جاد فِي آل رَسُولك وذرية نبيك بِنَفسِهِ حِين ضن النَّاس وَأظْهر مَا كتمه غَيره من الْحق فأحيه سعيدا وَأمته شَهِيدا وأره الْجَزَاء عَاجلا وأجزل لَهُ جزيل المثوبة آجلا فَإنَّا قد عجزنا عَن مكافاته قَالَ الْكُمَيْت مَا زلت أعرف بركَة دُعَائِهِ وَحدث مُحَمَّد بن سهل قَالَ دخلت مَعَ الْكُمَيْت على جَعْفَر الصَّادِق فِي أَيَّام التَّشْرِيق فَقَالَ جعلت فداءك أَلا أنْشدك قَالَ إِنَّهَا أَيَّام عِظَام قَالَ إِنَّهَا فِيكُم قَالَ هَات فأنشده قصيدته الَّتِي أَولهَا (الطَّوِيل) (أَلا هَل عَم فِي رَأْيه متأمل ... وَهل مُدبر بعد الْإِسَاءَة مقبل) ...

(وَهل أمة مستيقظون لدينهم ... فَيكْشف عَنهُ النعسة المتزمل) (فقد طَال هَذَا النّوم واستخرج الْكرَى ... مساويهم لَو أَن ذَا الْميل يعدل) (وعطلت الْأَحْكَام حَتَّى كأننا ... على مِلَّة غير الَّتِي نتنحل) (كَلَام النَّبِيين الهداة كلامنا ... وأفعال أهل الْجَاهِلِيَّة نَفْعل) (رَضِينَا بدنيا لَا نُرِيد فراقها ... على أننا فِيهَا نموت ونقتل) (وَنحن بهَا مستمسكون كَأَنَّهَا ... لنا جنَّة مِمَّا نَخَاف وَمَعْقِل) فَكثر الْبكاء وَارْتَفَعت الْأَصْوَات فَلَمَّا مر على قَوْله فِي الْحُسَيْن رَضِيَ اللَّهُ عَنْه (كَأَن حُسَيْنًا والبهاليل حوله ... لأسيافهم مَا يختلي المتبقل) (وَغَابَ نَبِي الله عَنْهُم وفقده ... على النَّاس رزء مَا هُنَاكَ مجلل) (فَلم أر مخذولا أجل مُصِيبَة ... وَأوجب مِنْهُ نصْرَة حِين يخذل) فَرفع جَعْفَر الصَّادِق رَضِيَ اللَّهُ عَنْه يَدَيْهِ وَقَالَ اللَّهُمَّ اغْفِر للكميت مَا قدم وَمَا آخر وَمَا أسر وَمَا أعلن وأعطه حَتَّى يرضى ثمَّ أعطَاهُ ألف دِينَار وكسوه فَقَالَ لَهُ الْكُمَيْت وَالله مَا أحببتكم للدنيا وَلَو أردتها لأتيت من هِيَ فِي يَدَيْهِ ولكنني أحببتكم للآخرة فَأَما الثِّيَاب الَّتِي أَصَابَت أجسادكم فَإِنِّي أقبلها لبركتها وَأما المَال فَلَا أقبله وَكَانَت ولادَة الْكُمَيْت سنة سِتِّينَ وَهِي أَيَّام مقتل الْحُسَيْن رَضِيَ اللَّهُ عَنْه وَكَانَت وَفَاته سنة سِتّ وَعشْرين وَمِائَة فِي خلَافَة مَرْوَان بن مُحَمَّد وَكَانَ السَّبَب فِي مَوته أَنه مدح يُوسُف بن عمر بعد عزل خَالِد الْقَسرِي

الشاهد السابع عشر

عَن الْعرَاق فَلَمَّا دخل عَلَيْهِ أنْشدهُ مديحة معرضًا بِخَالِد وَكَانَ الْجند على رَأس يُوسُف متعصبين لخَالِد فوضعوا سيوفهم فِي بَطْنه وَقَالُوا أتنشد الْأَمِير وَلم تستأمره فَلم يزل ينزف الدَّم مِنْهُ حَتَّى مَاتَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى والكميت مُشْتَقّ من الكمتة يُقَال للذّكر وَالْأُنْثَى وَلَا يسْتَعْمل إِلَّا مُصَغرًا وَهُوَ تَصْغِير أكمت على غير قِيَاس والأسم الكمته وَهُوَ من الْخَيل بَين الْأسود والأحمر قَالَ أَبُو عبيد وَيفرق بَين الْكُمَيْت والأشقر بِالْعرْفِ والذنب فَإِن كَانَا أحمرين فَهُوَ أشقر وَإِن كَانَا أسودين فَهُوَ الْكُمَيْت وَوجه تصغيره س بِمَا يستحسن فَقَالَ لِأَنَّهُ لم يخلص لَهُ لون بِعَيْنِه فينفرد بِهِ مكبرا وَالله أعلم وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد السَّابِع عشر (المتقارب) (وَمَا كَانَ حصن وَلَا حَابِس ... يَفُوقَانِ مرداس فِي مجمع) على أَن الْكُوفِيّين وَبَعض الْبَصرِيين جوزوا للضَّرُورَة ترك صرف المنصرف بِشَرْط العلمية وأنشده أَيْضا هُنَا فِي آخر الْكَلَام على مُنْتَهى الجموع على أَن الْكُوفِيّين يمْنَعُونَ الصّرْف بالعلمية وَحدهَا لِأَنَّهَا سَبَب قوي فِي بَاب منع الصّرْف أَرَادَ بِبَعْض الْبَصرِيين أَبَا الْحسن الْأَخْفَش وَأَبا عَليّ الْفَارِسِي وَابْن برهَان وَاشْتِرَاط العلمية لمنع الصّرْف إِنَّمَا هُوَ مَذْهَب السُّهيْلي لَا غير وَأما الْكُوفِيُّونَ فهم يجيزون ترك الصّرْف للضَّرُورَة مُطلقًا فِي الْأَعْلَام وَغَيرهَا وَمن جملَة شواهدهم قَول الشَّاعِر

(الطَّوِيل) (فأوفض مِنْهَا وَهِي ترغو حشاشة ... بِذِي نَفسهَا وَالسيف عُرْيَان أَحْمَر) قَالُوا ترك صرف عُرْيَان وَهُوَ منصرف لِأَن مؤنثه عُرْيَانَهُ لَا عريا وَسَيَأْتِي مثله للشَّارِح فِي هَذَا الْبَاب وَقَول الفرزدق وَقيل هُوَ لِابْنِ أَحْمَر (الطَّوِيل) (إِذا قَالَ عاو من تنوخ قصيدة ... بهَا جرب عدت عَليّ بزوبرا) قَالُوا ترك صرف زوبر وَهُوَ منصرف وَمَعْنَاهُ نسبت إِلَيّ بكمالها من قَوْلهم أَخذ الشَّيْء بزوبره إِذا أَخذه كُله وَقيل بزوبرا أَي كذبا وزورا وَإِن كَانَ زوبر عِنْد الْبَصرِيين معرفَة قَالَ ابْن جني فِي الْمُبْهِج وَهُوَ تَفْسِير أسامي شعراء الحماسة سَأَلت أَبَا عَليّ عَن ترك صرف زوبر فَقَالَ جعلهَا علما لما تضمنته القصيدة من الْمَعْنى وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ فِي الْمفصل هُوَ علم للكلية كسبحان علم للتسبيح وَكَذَا ذكره الشَّارِح فِي بَاب الْعلم نعم أَكثر شواهدهم جَاءَت فِي الْأَعْلَام وَكَأَنَّهُم راعوا بِحَسب الْأَغْلَب العلمية فِي منع الصرغ وَحدهَا للضَّرُورَة كَمَا أهملوها أَيْضا للضَّرُورَة فَالْمَسْأَلَة ثلاثية الْجَوَاز مُطلقًا وَهُوَ مَذْهَب الْكُوفِيّين وَالْمَنْع مُطلقًا وَهُوَ مَذْهَب الْبَصرِيين وَالْجَوَاز مَعَ العلمية وَهُوَ مَذْهَب السُّهيْلي وَقد حكى هَذِه الْمذَاهب الثَّلَاثَة الشاطبي فِي شرح الألفية وَقَالَ الْمبرد الرِّوَايَة (يَفُوقَانِ شَيْخي فِي مجمع) قَالَ ابْن مَالك فِي شرح التسهيل وللمبرد إقدام فِي رد مَا لم يرو مَعَ أَن الْبَيْت بِذكر مرادس ثَابت بِنَقْل الْعدْل عَن الْعدْل فِي صَحِيح البُخَارِيّ وَمُسلم وَذكر

شَيْخي لَا يعرف لَهُ سَنَد صَحِيح وَلَا سَبَب يُدْنِيه من التَّسْوِيَة فَكيف من التَّرْجِيح وَقَالَ ابْن جني فِي سر الصِّنَاعَة بعد أَن عَارض الرِّوَايَة الْمَشْهُورَة بِرِوَايَة الْمبرد على أَن الْمبرد قد حكى عَنْهُم سَلام عَلَيْكُم غير منون وَالْقَوْل فِيهِ أَن اللَّفْظَة كثرت فِي كَلَامهم فَحذف تنوينها تَخْفِيفًا كَمَا قَالُوا لم يَك وَلَا تبل وَلَا أدر انْتهى يُرِيد إِن سلمنَا رِوَايَة الْكُوفِيّين فَهُوَ من بَاب حذف التَّنْوِين لَا من بَاب منع الصّرْف وَهَذَا ظَاهر فِي الْمَنْصُوب وليت شعري مَا يَقُول فِي الْمَجْرُور إِذا جر بالفتحة كَقَوْل الشَّاعِر (الْكَامِل) (قَالَت أُمَيْمَة مَا لِثَابِت شاخصا ... عاري الأشاجع ناحلا بالمفصل) ف ثَابت علم جر بالفتحة وَقَول الآخر (الْكَامِل) (وَإِلَى ابْن أم أنَاس تعمد نَاقَتي ... عَمْرو لتنجح نَاقَتي أَو تتْلف) فجر أنَاس بالفتحة وَأم أنَاس بنت ذهل بن شَيبَان وَعَمْرو هُوَ عَمْرو بن حجر الْكِنْدِيّ وَقَوله (الطَّوِيل) (وقائلة مَا بَال دوسر بَعدنَا ... صَحا قلبه عَن آل ليلى وَعَن هِنْد) وَنَحْو هَذَا من أَبْيَات أخر وَاسْتدلَّ الْكُوفِيُّونَ على جَوَاز ترك الصّرْف ضَرُورَة بِالسَّمَاعِ وَالْقِيَاس أما السماع فكثرة الشواهد وَهِي تزيد على عشْرين بَيْتا ذكرهَا ابْن الْأَنْبَارِي فِي كتاب الْإِنْصَاف واثبتها البصريون بروايات لَيْسَ فِيهَا ترك الصّرْف فَقَالُوا فِي قَوْله ...

(وقائلة مَا بَال دوسر بَعدنَا) الرِّوَايَة (وقائلة مَا للقريعي بَعدنَا) وَقَالُوا فِي قَوْله (مجزوء الوافر) (وَمصْعَب حِين جد الْأَمر ... أَكْثَرهَا وأطيبها) الرِّوَايَة وَأَنْتُم حِين جد الْأَمر وَهَكَذَا رووا فِي سَائِر الأبيات فَقَالَ الْكُوفِيُّونَ الرِّوَايَة الصَّحِيحَة الْمَشْهُورَة مَا روينَاهُ وَلَو سلمنَا صِحَة روايتكم فَمَا جوابكم عَمَّا روينَاهُ مَعَ صِحَّته وشهرته وَأما الْقيَاس فَإِنَّهُ لما جَازَ صرف مَالا ينْصَرف اتِّفَاقًا وَهُوَ خلاف الْقيَاس جَازَ الْعَكْس أَيْضا إِذْ لَا فرق بَينهمَا وَأَيْضًا فَإِنَّهُ إِذا جَازَ حذف الْوَاو المتحركة ضَرُورَة من قَوْله (الطَّوِيل) (فبيناه يشري رَحْله قَالَ قَائِل ... لمن جمل رخو الملاط نجيب) وَأَصله فَبينا هُوَ فجواز حذف التَّنْوِين ضَرُورَة من بَاب أولى لِأَن الْوَاو من هُوَ متحركة والتنوين سَاكن وَلَا خلاف أَن حذف الْحَرْف السَّاكِن أسهل من حذف المتحرك وَأما البصريون فَقَالُوا لَا يجوز ترك الصّرْف لِأَن الأَصْل فِي الْأَسْمَاء الصّرْف فَلَو أَنا جَوَّزنَا ذَلِك أدّى إِلَى رده عَن الأَصْل إِلَى الْفَرْع وَلَا لتبس مَا ينْصَرف بِمَا لَا ينْصَرف وعَلى هَذَا يخرج حذف الْوَاو من هُوَ نَحْو قَوْله فبيناه يشري رَحْله فَإِنَّهُ لَا يُؤَدِّي إِلَى لبس وَإِنَّمَا جَازَ فِي الضَّرُورَة صرف مَالا ينْصَرف لِأَنَّهُ من أصل الِاسْم فَإِذا اضطروا ردُّوهُ إِلَى أَصله وَإِن لم ينطقوا إِلَيْهِ فِي السعَة كَمَا لم ينطقوا بِنَحْوِ ضننوا فِي السعَة بِخِلَاف منع الصّرْف لِأَنَّهُ لَيْسَ من أصل المنصرف أَلا ينْصَرف

وَقد ذهب ابْن الْأَنْبَارِي فِي كتاب الْإِنْصَاف مَذْهَب الْكُوفِيّين لِكَثْرَة النَّقْل الَّذِي خرج عَن هَذَا الشذوذ والقلة فَقَالَ وَلما صحت الرِّوَايَة عِنْد الْأَخْفَش والفارسي وَابْن برهَان من الْبَصرِيين صَارُوا إِلَى جَوَاز ترك الصّرْف ضَرُورَة تبعا للكوفيين وهم من أكَابِر أَئِمَّة الْبَصرِيين والمشار إِلَيْهِم من الْمُحَقِّقين وَأجَاب عَن كَلِمَات الْبَصرِيين فَقَالَ أما قَوْلهم يُؤَدِّي ترك الصّرْف إِلَى الْفَرْع قُلْنَا هَذَا يبطل بِحَذْف الْوَاو من هُوَ فِي قَوْله فبيناه يشري خُصُوصا على أصل الْبَصرِيين فَإِن الْوَاو عِنْدهم أَصْلِيَّة وَقَوْلهمْ لَا التباس بحذفها غير مُسلم فَإنَّك إِذا قلت غزا هُوَ بتأكيد الضَّمِير الْمُتَّصِل بالمنفصل فَإِذا حذفت الْوَاو حصل اللّبْس وَكَذَلِكَ يحصل اللّبْس بِصَرْف مَا لَا ينْصَرف فَإِنَّهُ يُوقع لبسا بَين المنصرف وَغَيره وَمَعَ هَذَا وَقع الْإِجْمَاع على جَوَازه فَإِن قَالُوا الْكَلَام هُوَ الَّذِي يتَحَصَّل القانون بِهِ دون الشّعْر وَصرف مَا لَا ينْصَرف لَا يُوقع لبسا بَين مَا ينْصَرف وَبَين مَا لَا ينْصَرف لِأَنَّهُ لَا يلتبس ذَلِك فِي أختيار الْكَلَام قُلْنَا وَهَذَا هُوَ جَوَابنَا عَمَّا ذكرتموه فَإِنَّهُ إِذا كَانَ الْكَلَام هُوَ الَّذِي يتَحَصَّل بِهِ القانون فَترك صرف مَا لَا ينْصَرف فِي الضَّرُورَة لَا يُوجب لبسا بَينهمَا إِذْ لَا يلتبس مَا ينْصَرف وَمَا لَا ينْصَرف فِي اخْتِيَار الْكَلَام وَأطَال الْكَلَام فِي الرَّد على الْبَصرِيين وَقد أورد الْفَارِسِي فِي تَذكرته على أصل الْبَصرِيين سؤالا لم يجب عَنهُ فَقَالَ أفيجوز فِي الضَّرُورَة أَن لَا يعرب الْفِعْل الْمُضَارع لِأَن الأَصْل كَانَ فِيهِ

أَن لَا يعرب كَمَا كَانَ الأَصْل فِي الِاسْم أَن لَا يصرف فَإِذا لم تعربه رَددته إِلَى الأَصْل فِي الضَّرُورَة كَمَا رددت الِاسْم إِلَى الصّرْف فِي الضَّرُورَة وَاسْتشْهدَ على ذَلِك بقوله فاليوم أشْرب وَنَحْو ذَلِك قيل أما الأبيات فَلَيْسَتْ بِدَلِيل قَاطع لِأَنَّهُ يجوز أَن يكون أجريت فِي الْوَصْل مجْرى الْوَقْف وَبَقِي النّظر فِي هَل يجوز أَن لَا يعرب هَذَا مَا قَالَه وَلم يجب عَنهُ قَالَ الشاطبي وَكَأَنَّهُ إِشْكَال على مَذْهَب الْبَصرِيين لَكِن الْجَواب يظْهر عَنهُ بِأَدْنَى نظر انْتهى وَهَذَا الْبَيْت من أَبْيَات سَبْعَة للْعَبَّاس بن مرداس الصَّحَابِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه ابْن أبي عَامر بن حَارِثَة بن عبد بن عبس بن رِفَاعَة بن الْحَرْث بن بهثة بن سليم أسلم قبل فتح مَكَّة بِيَسِير وَأمه الخنساء الصحابية الشاعرة كَمَا يَأْتِي بَيَانه فِي ترجمتها وَكَانَ عَبَّاس هَذَا من الْمُؤَلّفَة قُلُوبهم وَلما فرغ رَسُول الله من رد سَبَايَا حنين إِلَى أَهلهَا أعْطى الْمُؤَلّفَة قُلُوبهم وَكَانُوا أَشْرَاف يتألفهم ويتألف بهم قَومهمْ فَأعْطى أَبَا سُفْيَان وَابْنه مُعَاوِيَة وَحَكِيم بن حزَام والْحَارث بن الْحَارِث بن كلدة والْحَارث بن هِشَام وَسُهيْل بن عَمْرو وَحُوَيْطِب بن عبد الْعُزَّى وَصَفوَان بن أُميَّة وكل هَؤُلَاءِ من أَشْرَاف قُرَيْش والأقرع بن حَابِس بن عقال بن مُحَمَّد بن سُفْيَان الْمُجَاشِعِي التَّمِيمِي وعيينة بن حصن الْفَزارِيّ وَمَالك ابْن عَوْف النصري أعْطى كل وَاحِد من هَؤُلَاءِ مائَة بعير

وَأعْطى دون الْمِائَة رجَالًا من قُرَيْش وَأعْطى عَبَّاس بن مرداس أباعر فسخطها وَقَالَ يُعَاتب النَّبِي (المتقارب) (أَتجْعَلُ نَهْبي وَنهب العبيد ... بَين عُيَيْنَة والأقرع) (وَمَا كَانَ حصن وَلَا حَابِس ... يَفُوقَانِ مرداس فِي مجمع) (وَمَا كنت دون امْرِئ مِنْهُمَا ... وَمن تضع الْيَوْم لَا يرفع) (وَقد كنت فِي الْحَرْب ذَا تدرإ ... فَلم أعْط شَيْئا وَلم أمنع) (إِلَّا أفائل من حَرْبَة ... عديد قوائمه الْأَرْبَع) (وَكَانَت نهابا تلافيتها ... ... بكري على الْمهْر فِي الأجرع) (وإيقاظي الْقَوْم أَن يرقدوا ... إِذا هجع النَّاس لم أهجع) النهب الْغَنِيمَة وَالْعَبِيد بِالتَّصْغِيرِ اسْم فرس الْعَبَّاس وَكَانَ يدعى فَارس العبيد وتدرأ تفعل بِضَم التَّاء وَفتح الْعين مَهْمُوز من الدرء وَهُوَ الدّفع قَالَ فِي الصِّحَاح وَقَوْلهمْ السُّلْطَان ذُو تدرإ أَي 1 ذُو عدَّة وَقُوَّة على دفع أعدائه عَن نَفسه وَهَذَا اسْم مَوْضُوع للدَّفْع وَقَوله فَلم أعْط شَيْئا إِلَخ أَي لم أعْط شَيْئا طائلا أَو لم أعْط شَيْئا اسْتَحَقَّه وَهُوَ الْمِائَة وَلم أمنع من الْإِعْطَاء لِأَنِّي أَعْطَيْت بَعْضًا قيل كَانَ أعطي خمسين وَاسْتشْهدَ بِهِ النُّحَاة على حذف الصّفة لِئَلَّا يلْزم التَّنَاقُض والأفائل جمع أفيل بِالْفَاءِ كالفصيل وزنا وَمعنى وَقَالَ الْأَصْمَعِي هُوَ ابْن سَبْعَة أشهر أَو ثَمَانِيَة وَيجمع على إفال أَيْضا بِكَسْر الْهمزَة وَهَذِه رِوَايَة سُفْيَان بن عُيَيْنَة وروى ابْن عقبَة وَابْن إِسْحَاق إِلَّا افائل أعطيتهَا كَذَا فِي الِاسْتِيعَاب لِابْنِ عبد الْبر فَلَمَّا أنْشد هَذِه الأبيات بَين يَدي النَّبِي قَالَ اقْطَعُوا عني لسانة فَأعْطِي حَتَّى رَضِي وَقَالَ سُفْيَان بن عُيَيْنَة

الشاهد الثامن عشر

أتمهَا لَهُ مائَة وَقَالَ ابْن أبي الإصبع فِي تَحْرِير التحبير قَالَ لعَلي يَا عَليّ اقْطَعْ لِسَانه عني فَقبض على يَده وَخرج بِهِ فَقَالَ أقاطع أَنْت لساني يَا أَبَا الْحسن فَقَالَ إِنِّي لممض فِيك مَا أمرت ثمَّ مضى بِهِ إِلَى إبل الصَّدَقَة فَقَالَ خُذ مَا أَحْبَبْت قَالَ وَقَول عَليّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أحسن مواربة سَمعتهَا فِي كَلَام الْعَرَب وَفِيه رِوَايَات آخر حَكَاهَا السُّيُوطِيّ فِي شرح شَوَاهِد الْمُغنِي والمرداس الْحَصَاة الَّتِي يَرْمِي بهَا فِي الْبِئْر لينْظر هَل فِيهَا مَاء أم لَا وَأَخْطَأ شَارِح اللب حَيْثُ قَالَ إِن مرداسا هَذَا هُوَ رَأس الْخَوَارِج وكنيته أَبُو بِلَال وَحكى رِوَايَة الأبيات للصحابي بقيل وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد الثَّامِن عشر (الرجز) (أرقني اللَّيْلَة برق بالتهم ... يَا لَك برقا لَا يشقه لَا يلم) قَالَ الشَّارِح وَكَذَا تهام بِفَتْح التَّاء فِي الْمَنْسُوب إِلَى التهم بِمَعْنى تهَامَة يُرِيد أَن الْألف فِي تهام بِالْفَتْح عوض من إِحْدَى ياءي النّسَب كَمَا فِي يمَان إِذْ هُوَ مَنْسُوب إِلَى يمن وَإِنَّمَا قيد بِفَتْح التَّاء لِأَنَّك إِذا كسرتها قلت تهامي بتَشْديد الْيَاء لِأَنَّهُ مَنْسُوب إِلَى تهَامَة بِالْكَسْرِ فالألف من لَفظهَا وَلَيْسَت بَدَلا قَالَ المرزوقي فِي شرح فصيح ثَعْلَب رجل تهام أَي من أهل تهَامَة وَالْأَصْل تهمي لِأَن تهما قد وضع مَوضِع تهَامَة لكِنهمْ حذفوا إِحْدَى ياءي النِّسْبَة وأبدلوا مِنْهَا ألفا وَأنْشد هَذَا الْبَيْت عَن أبي عَليّ الْفَارِسِي

وَقَالَ ابْن جني فِي الخصائص فَإِن قلت فَإِن فِي تهَامَة ألفا فَلم ذهبت إِلَى أَن هَذِه الْألف فِي تهام عوض من إِحْدَى الياءين للإضافة قيل قَالَ الْخَلِيل فِي هَذَا كَأَنَّهُمْ نسبوه إِلَى فعل أَو فعل وَكَأَنَّهُم كفوا صِيغَة تهَامَة وأصاروها إِلَى تهم أَو تهم ثمَّ أضافوا إِلَيْهِ فَقَالُوا تهام وَإِنَّمَا مثل الْخَلِيل بَين فعل وَفعل وَلم يقطع بِأَحَدِهِمَا لِأَنَّهُ قد جَاءَ هَذَا الْعَمَل فِي هذَيْن المثالين جَمِيعًا وَهُوَ الشأم واليمن وَهَذَا التَّرْخِيم الَّذِي أشرف عَلَيْهِ الْخَلِيل ظنا قد جَاءَ بِهِ السماع نصا أنشدنا أَبُو عَليّ قَالَ أنْشد أَحْمد بن يحيى (أرقني اللَّيْلَة برق بالتهم الْبَيْت) وَقَالَ أَبُو عبيد الْبكْرِيّ فِي مُعْجم مَا استعجم التهم بِفَتْح أَوله وثانية قَالَه ابْن الْأَعرَابِي وَأنْشد (أرقني اللَّيْلَة برق بالتهم الْبَيْت) ثمَّ قَالَ تهَامَة بِكَسْر أَوله أَرض طرفها من قبل الْحجاز مدارج العرج وأولها من قبل نجد مدارج ذَات عرق وَسميت تهَامَة لتغير هوائها من قَوْلهم تهم الدّهن وتمه إِذا تَغَيَّرت رَائِحَته ا. هـ. وَقَالَ ابْن حجر فِي شرح البُخَارِيّ وتهامة اسْم لكل مَا نزل من بِلَاد الْحجاز سميت بذلك من التهم بِفَتْح الْمُثَنَّاة وَالْهَاء وَهُوَ شدَّة الْحر وركود الرّيح وَقيل تغير الْهَوَاء لَكِن صَاحب الصِّحَاح والقاموس قَالَا إِن التهم مصدر من تهَامَة وَبَينه صَاحب الْقَامُوس فَقَالَ وتهامة بِالْكَسْرِ مَكَّة شرفها الله تَعَالَى وَأَرْض لَا بلد وَوهم الْجَوْهَرِي ثمَّ قَالَ والتهمة بِالْفَتْح الْبَلدة ولغة فِي تهَامَة وبالتحريك الأَرْض المتصوبه إِلَى الْبَحْر كالتهم كَأَنَّهُمَا مصدران من تهَامَة لِأَن التهائم متصوبة إِلَى الْبَحْر

وأرقني أسهرني من الأرق بِالتَّحْرِيكِ وَهُوَ السهر بِاللَّيْلِ وَفعله من بَاب فَرح ونعديته بالتضعيف وَيَا لَك برقا تعجب من الْبَرْق واستعظام لَهُ وَقد شرح الشَّارِح فِي بَاب الاستغاثة نَحْو هَذَا التَّرْكِيب وبرقا تَمْيِيز وَفِيه الْتِفَات من الْغَيْبَة إِلَى الْخطاب والشوق إِلَى الشَّيْء نزاع النَّفس إِلَيْهِ يُقَال شاقني الشَّيْء أَي جعلني مشتاق وَإِنَّمَا جعله الْبَرْق مشتاقا لِأَن حبيبته فِي تِلْكَ الأَرْض تذكر بالبرق وميض ثناياها فَلم تَأْخُذهُ سنة كَمَا قَالَ الشَّاعِر (الرجز) (جَارِيَة فِي رَمَضَان الْمَاضِي ... تقطع الحَدِيث بالإيماض) وَقَالَ المتنبي (الطَّوِيل) (إِذا الْغُصْن أم ذَا الدعص أم أَنْت فتْنَة ... وذيا الَّذِي قبلته الْبَرْق أم ثغر) وأستحسن قَول ابْن نَبَاته الْمصْرِيّ (الطَّوِيل) (تذكرت لما أَن رَأَيْت جبينها ... هِلَال الدجى وَالشَّيْء بالشَّيْء يذكر) وفاعل يشقه ضمير الْبَرْق وَالْهَاء مفعول وَهُوَ ضمير من الشّرطِيَّة وَلَا يلم بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول مناللوم وَهُوَ العذل جَوَاب من وَوُجُود لَا النافية لَا يمْنَع الْجَزْم فَإِن الْمُضَارع الْمَنْفِيّ بِلَا إِذا وَقع جَزَاء يجوز جزمه كَقَوْلِه تَعَالَى {إِن تدعوهم لَا يسمعوا دعاءكم} وَيجوز رَفعه لَكِن يجب أقترانة حِينَئِذٍ بِالْفَاءِ نَحْو قَوْله تَعَالَى {فَمن يُؤمن بربه فَلَا يخَاف بخسا} وَأورد ابْن الْأَعرَابِي فِي نوادره بعد هذَيْن الْبَيْتَيْنِ ثَلَاثَة أَبْيَات آخر وَلم يعز الشّعْر لأحد وَهِي

(الرجز) (مَا زَالَ يسري منجدا حَتَّى عتم ... كَأَن فِي رِيقه إِذا ابتسم) (بلقاء تَنْفِي الْخَيل عَن طِفْل متم) ومنجد من أنجد إِذا ذهب إِلَى النجد والنجد كل مَا ارْتَفع من تهَامَة إِلَى أَرض الْعرَاق فَهُوَ نجد وعتم دخل فِي الْعَتَمَة وَالْمَشْهُور أعتم بِالْألف وَالْعَتَمَة بِالتَّحْرِيكِ الثُّلُث الأول من اللَّيْل بعد غيبوبة الشَّفق والريق بِالتَّشْدِيدِ وريق كل شَيْء أَوله والبلقاء الْفرس الَّتِي فِيهَا البلق وَهُوَ بَيَاض وَسَوَاد وتنفي تطرد وَالْخَيْل مَفْعُوله وَعَن مُتَعَلق بتنفي والمتم بِفَتْح التَّاء الْوَلَد الَّذِي يُولد لتَمام مدَّته وَهَذَا الْبَيْت مثل بَيت أَوْس بن حجر فِي رصف الْبَرْق وَهُوَ (الْبَسِيط) (كَانَ رِيقه لما علا شطبا ... أقراب أبلق يَنْفِي الْخَيل رماح) قَالَ شارحة ابْن السّكيت رِيقه مسترقه لَيْسَ بمعظمه والأقراب جمع الْقرب وَهُوَ الكشح يَقُول ينْكَشف الْبَرْق كَمَا يرمح الأبلق فيبدو بياضه ا. هـ. وَأنْشد بعده وَهُوَ وَهُوَ من شَوَاهِد س (الْكَامِل) (يَحْدُو ثَمَانِي مُولَعا بلقاحها) على أَن ثَمَانِي لم يصرف فِي الشّعْر شذوذا لما توهم الشَّاعِر أَن فِيهِ معنى الْجمع وَلَفظه يشبه لفظ الْجمع وَكَانَ الْقيَاس أَن يَقُول ثمانيا قَالَ ابْن السَّيِّد فِي ثَمَانِي لُغَتَانِ الصّرْف لِأَنَّهُ اسْم عدد وَلَيْسَ بِجمع وَمنع الصّرْف لِأَنَّهُ جمع من جِهَة مَعْنَاهُ لِأَنَّهُ عدد يَقع للْجمع بِخِلَاف يمَان وشآم

لِأَنَّهُ غير جمع وَفِيه جمع فَإِن س وَغَيره قَالُوا إِنَّه شَاذ توهم الشَّاعِر فِيهِ معنى الْجمع فَلم يصرفهُ وَلم يقل أحد إِنَّه لُغَة وَفِي شرح شَوَاهِد الْكتاب للنحاس قَالَ سِيبَوَيْهٍ وَقد جعل بعض الشُّعَرَاء ثَمَانِي بِمَنْزِلَة حذَارِي حَدثنِي أَبُو الْخطاب أَنه سمع الْعَرَب ينشدون هَذَا الْبَيْت غير منون وَسمعت أَبَا الْحسن يَقُول إِن هَذَا الْأَعرَابِي غلط وتوهم أَن ثَمَانِي جمع على الْوَاحِد وتوهم أَنه من الثّمن ا. هـ. أَي توهم أَنه الْجُزْء الَّذِي صير السَّبْعَة ثَمَانِيَة فَهُوَ ثمنهَا وَقَالَ الأعلم الشنتمري كَأَنَّهُ توهم أَن واحده ثمنية كحذرية ثمَّ جمع فَقَالَ ثَمَانِي كَمَا يُقَال حذَارِي فِي جمع حذرية وَالْمَعْرُوف صرفهَا على أَنَّهَا اسْم وَاحِد أَي بِلَفْظ الْمَنْسُوب نَحْو يمَان والحذرية بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الذَّال الْمُعْجَمَة وَتَخْفِيف الْمُثَنَّاة التَّحْتِيَّة قِطْعَة غَلِيظَة من الأَرْض وَهَذَا المصراع صدر وعجزه (حَتَّى هممن بزيغة الإرتاج) وَقبل هَذَا الْبَيْت (وَكَأن أصل رِحَالهَا وحبالها ... علقن فَوق قويرح شحاج) وَهَذَانِ البيتان من قصيدة لِابْنِ ميادة كَمَا قَالَ السيرافي شبه نَاقَته بسرعتها بِحِمَار وَحش قارح يَحْدُو ثَمَانِي أتن أَي يَسُوقهَا مُولَعا بلقاحها حَتَّى تحمل وَهِي لَا تمكنه فتهرب مِنْهُ لِأَن الْأُنْثَى من الْحَيَوَان غير الْإِنْسَان لَا تمكن الْفَحْل إِذا حملت والرحال جمع رَحل وَهُوَ كل شَيْء يعد للرحيل من وعَاء للمتاع ومركب للبعير وحلس ورسن وَضمير رِحَالهَا للناقة وعلقن بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول وَالنُّون ضمير الرّحال والحبال واكتسب الْمُضَاف

الجمعية من الْمُضَاف إِلَيْهِ لِأَنَّهُ يَصح سُقُوطه والقويرح مصغر قارح وَهُوَ من ذِي الْحَافِر الَّذِي انْتَهَت أَسْنَانه وَإِنَّمَا يَنْتَهِي أَسْنَانه فِي خمس سِنِين والتصغير للتعظيم والشحاج بِفَتْح الشين الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الْحَاء الْمُهْملَة قَالَ فِي الصِّحَاح هُوَ الْحمار الوحشي وَهُوَ بدل من قويرح أَو عطف بَيَان ويحدو بِمَعْنى يَسُوق وفاعله ضمير الشحاج وَالْجُمْلَة صفة لَهُ وَأَرَادَ بالثماني أتنه وَلِهَذَا حذف التَّاء مِنْهُ أَو لِأَن الْمَعْدُود مَحْذُوف والمولع من أولع بالشَّيْء بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول فَهُوَ مولع بِهِ بِفَتْح اللَّام أَي أغرى بِهِ وعلق بِهِ واللقاح كسحاب مَاء الْفَحْل فِي رحم النَّاقة وَفِي الْمِصْبَاح اللقَاح بِفَتْح اللَّام وبكسرها اسْم من ألقح الذّكر وَالْأُنْثَى أَي أحبلها وَحَتَّى غَايَة لقَوْله يَحْدُو وهم بالشَّيْء من بَاب قتل إِذا أَرَادَهُ وَلم يَفْعَله والزيغة بِفَتْح الزَّاي الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْمُثَنَّاة التَّحْتِيَّة وبالغين الْمُعْجَمَة مصدر زاغ يزِيغ أَي مَال والإرتاج بِالْكَسْرِ مصدر أرتجت النَّاقة إِذا أغلقت رخمها على مَاء الْفَحْل يُرِيد أَن هَذَا الْحمار عدا خلف أتنه ليلقحها ويركبها حَتَّى تحبل فهربت مِنْهُ فَكَأَنَّهُ سَاقهَا سوقا عنيفا حَتَّى هَمت بِإِسْقَاط مَا أرتجت عَلَيْهِ أرحامها من الأجنة وإزلاقه وَكَأن زِمَام هَذِه النَّاقة مُرْتَبِط بِهَذَا الْحمار الشَّديد الْحِرْص على اللقَاح بأتنه فَهِيَ تعدو بعدوه وَهَذَا غَايَة فِي سرعَة النَّاقة وروى بربقة الإرتاج والربقة بِكَسْر الرَّاء الْمُهْملَة وَسُكُون الْمُوَحدَة وبالقاف أَرَادَ بِهِ العقد لِأَنَّهَا إِذا أغلقت فَم الرَّحِم على مَاء الْفَحْل فَكَأَنَّهَا عقدته وَمِنْه الحَدِيث فقد خلع ربقة الْإِسْلَام من عُنُقه أَي عقد الْإِسْلَام وأصل الربقة وَاحِد الربق بِالْكَسْرِ وَهُوَ حَبل فِيهِ عدَّة عرى تشد بِهِ البهم الْوَاحِدَة من العرى ربقة ولابد من تَقْدِير مُضَاف على هَذِه الرِّوَايَة أَي حَتَّى هممن بِحل ربقة الإنتاج يَعْنِي أرتجت هَذِه الأتن وانحلت من شدَّة الجري حَتَّى لم تقدر أَن تضبط مَا فِي أرحامها

وَلم يقف الأعلم الشتنتمري على الْبَيْت الأول فَظن أَنه فِي وصف رَاع فَقَالَ وصف إبِلا أولع راعيها بلقاحها حَتَّى لقحت ثمَّ حداها أَشد الحداء حَتَّى هَمت بِإِسْقَاط مَا فِي بطونها من الأجنة وابْن ميادة هُوَ أَبُو شرَاحِيل وَقيل أَبُو شُرَحْبِيل واسْمه الرماح كشداد بن يزِيد وَهُوَ من بني مرّة بن عَوْف بن سعد بن ذبيان رَهْط الْحَارِث بن ظَالِم كَذَا فِي كتاب الشُّعَرَاء لِابْنِ قُتَيْبَة وميادة أمة وَهِي أم ولد بربرية وَقيل صقلبية وَكَانَ هُوَ يزْعم أَنَّهَا فارسية وَفِي ذَلِك يَقُول (الطَّوِيل) (أَنا ابْن أبي سلمى وجدي ظَالِم ... وَأمي حصان حصنتها الْأَعَاجِم) (أَلَيْسَ غُلَام بَين كسْرَى وظالم ... بأكرم من نيطت عَلَيْهِ التمائم) وَسبب تَسْمِيَتهَا أَنه لما أَقبلُوا بهَا من الشَّام نظر إِلَيْهَا رجل وَهِي ناعسة تتمايل على بَعِيرهَا فَقَالَ أَنَّهَا لميادة فسميت بِهِ وَغلب عَلَيْهَا وَابْن ميادة شَاعِر مقدم فصيح لكنه كَانَ متعرضا للشر طَالبا لمهاجاه النَّاس ومسابة الشُّعَرَاء وَله مَعَ الحكم الخضري مهاجاة ومناقضات كَثِيرَة وأراجيز طَوِيلَة وَقد أدْرك الدولتين كَانَ فِي أَيَّام هِشَام بن عبد الْملك وَبَقِي إِلَى زمن الْمَنْصُور ومدح من بني أُميَّة الْوَلِيد بن يزِيد وَعبد الْوَاحِد بن سُلَيْمَان وَمن بني هَاشم أَبَا جَعْفَر الْمَنْصُور وجعفر بن سُلَيْمَان وَلما قَالَ من قصيدة (الطَّوِيل) (فضلنَا قُريْشًا غير رَهْط مُحَمَّد ... وَغير بني مَرْوَان أهل الْقَبَائِل)

الشاهد العشرون

قَالَ لَهُ إِبْرَاهِيم بن هِشَام أَأَنْت فضلت قُريْشًا وجرده وضربه اسواطا وَلما سمع الْبَيْت الْوَلِيد بن يزِيد قَالَ لَهُ قدمت آل مُحَمَّد علينا قَالَ مَا كنت يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أَظُنهُ يكون غير ذَلِك فَلَمَّا أفضت الْخلَافَة إِلَى بني الْعَبَّاس قدم على الْمَنْصُور فمدحه فَقَالَ لَهُ لما دخل عَلَيْهِ كَيفَ قَالَ لَك الْوَلِيد فَأخْبرهُ فَجعل يتعجب وَلم يعد إِلَى الْمَنْصُور بعْدهَا لما رأى قلَّة رغبته فِي مدائح الشُّعَرَاء ونزارة ثَوَابه لَهُم وَتُوفِّي فِي صدر خِلَافَته فِي حُدُود السِّت وَالثَّلَاثِينَ بعد الْمِائَة وَبَنُو ذبيان تزْعم أَن ابْن ميادة آخر الشُّعَرَاء الَّذين يستشهد بأشعارهم روى أَبُو دَاوُود الْفَزارِيّ أَن ابْن ميادة وقف يَوْمًا فِي الْمَوْسِم ينشد (الطَّوِيل) (لَو أَن جَمِيع النَّاس كَانُوا بتلعة ... وَجئْت بجدي ظَالِم وَابْن ظَالِم) (لظلت رِقَاب النَّاس خاضعة لنا ... سجودا على أقدامنا بالجماجم) والفرزدق وَاقِف عَلَيْهِ متلثم فَقَالَ لَهُ يَا ابْن يزِيد أَنْت صَاحب هَذِه الصّفة كذبت وَالله وَكذب سامع ذَلِك مِنْك فَلم يكذبك قَالَ فَمن يَا أَبَا فراس قَالَ أَنا أولى بِهِ مِنْك وَقَالَ (لَو أَن جَمِيع النَّاس كَانُوا بتلعة ... وَجئْت بجدي دارم وَابْن دارم) (لظلت رِقَاب النَّاس خاضعة لنا ... سجودا على أقدامنا بالجماجم) فَأَطْرَقَ ابْن ميادة وَلم يجبهُ وَمضى الفرزدق وانتحلها وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد الْعشْرُونَ (الرجز) (بلغتهَا وَاجْتمعت أشدي) على أَن أَشد جمع شدَّة على غير قِيَاس أَو جمع لَا وَاحِد لَهُ بِدَلِيل تانيث الْفِعْل لَهُ

وَفِي الصِّحَاح كَانَ س يَقُول وَاحِدَة شدَّة وَهُوَ حسن فِي الْمَعْنى لِأَنَّهُ يُقَال بلغ الْغُلَام شدته وَلَكِن لَا يجمع فعلة على أفعل وَأما أنعم فَإِنَّمَا هُوَ جمع نعم بِالضَّمِّ ضد الْبُؤْس وَقيل هُوَ جمع شدّ بِالْفَتْح نَحْو كلب وأكلب وَقيل جمع شدّ بِالْكَسْرِ مثل ذِئْب وأذوب وكلا هذَيْن الْقَوْلَيْنِ قِيَاس وليسا بمسموعين وَقيل هُوَ جمع لَا وَاحِد لَهُ من لَفظه مثل محَاسِن ومشابه وَقيل هُوَ لَيْسَ بِجمع وَإِنَّمَا هُوَ مُفْرد جَاءَ على صِيغَة الْجمع مثل أَنَّك وَهُوَ الأسرب وَلَا نَظِير لَهما وَهَذَا قَول أبي زيد وَحكى فِي همزته الضمة لُغَة فِي فتحهَا وَمعنى الأشد الْقُوَّة وَهُوَ مَا بَين ثَمَانِي عشرَة سنة إِلَى ثَلَاثِينَ وَقيل إِلَى أَرْبَعِينَ أَو إِلَى خمسين قَالَ سحيم بن وثيل (الوافر) (أَخُو خمسين مُجْتَمع أشدي ... ونجذني مداورة الشوون) وَفِي عُمْدَة الْحفاظ للسمين هُوَ جمع شدَّة بِمَعْنى الْقُوَّة والجلادة فِي الْبدن وَالْعقل وَقد شدّ يشد شدَّة إِذا كَانَ قَوِيا وأصل الشدَّة العقد الْقوي وشددت الشَّيْء قويت عقده وَأَشد يسْتَعْمل فِي الْعقل وَفِي الْبدن وَفِي قوى النَّفس هَذَا واستدلال الشَّارِح الْمُحَقق تبعا لِابْنِ الْحَاجِب فِي شرح الْمفصل بتأنيث الْفِعْل لكَون أَشد جمعا مَحل بحث فَإِن أهل التَّفْسِير واللغة أَجمعُوا على تَفْسِيره بِالْقُوَّةِ فَيحْتَمل أَن يكون تَأْنِيث الْفِعْل لَهُ بِاعْتِبَار مَعْنَاهُ لَا لكَونه جمعا وَكَانَ يَنْبَغِي أَن يسْتَدلّ بمادة الْفِعْل وصيغته فَإِن الْجمع مَعْنَاهُ تأليف

المتفرق والاجتماع مطاوعه وَهُوَ تألف المتفرق فَلَا يتَصَوَّر مَعْنَاهُ إِلَّا بَين مُتَعَدد وَلَا يكون الِاجْتِمَاع من شَيْء وَاحِد على أَن الرِّوَايَة (بلغتهَا مُجْتَمع الأشد) بِالْخِطَابِ لَا بالتكلم وَهُوَ من أرجوزة لأبي نخيلة مدح بهَا هِشَام بن عبد الْملك مِنْهَا (الرجز) (وَقلت للعيس اعتلي وجدي ... فَهِيَ تخدى أحسن التخدي) (قد ادرعن فِي مسير سمد ... لَيْلًا كلون الطيلسان الجرد) (إِلَى أَمِير الْمُؤمنِينَ المجدي ... رب معد وَسوى معد) (ممضن دَعَا من أصيد وَعبد ... ذِي الْمجد والتشريف بعد الْمجد) (فِي وَجهه بدر بدا بالسعد ... أَنْت الْهمام القرم عِنْد الْجد) (بلغتهَا مُجْتَمع الأشد ... فانهل لما قُمْت صوب الرَّعْد) والعيس الْإِبِل الْبيض يخالط بياضها شقرة مفرده الْمُذكر أعيس والمؤنث عيساء واعتلي ارتفعي وَالْجد بِالْكَسْرِ الِاجْتِهَاد فِي الْأُمُور تَقول جد فِي الْأَمر يجد بِالضَّمِّ وتخدى بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة وَفتح الدَّال الْمُهْملَة أَصله تتخدى أَي تسرع حذفت مِنْهُ التَّاء من خدى الْبَعِير يخدي خديا أسْرع وزج بقوائمه والسمد بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَسُكُون الْمِيم فِي الصِّحَاح وسمدت الْإِبِل فِي سَيرهَا جدت وَفِي الْقَامُوس هُوَ السرمد أَي الطَّوِيل الدَّائِم يُقَال هُوَ لَك سمدا أَي سرمدا والادراع افتعال لبس الدرْع وَهُوَ قَمِيص الْمَرْأَة والطيلسان من لِبَاس الْعَجم لَونه أسود للمهابة والجرد الْخلق يُقَال ثوب جرد والمجدي اسْم فَاعل من أجدي عَلَيْهِ بِمَعْنى أعطَاهُ عطاءا كثيرا من الجداء والجدوى بِفَتْح الْجِيم فيهمَا وَهُوَ الْمَطَر الَّذِي لَا يعرف

أقصاه وَقيل الْمَطَر الْعَام وَرب كل شَيْء مَالِكه ومستحقه ومعد أَبُو الْعَرَب وَهُوَ معد بن عدنان وَقَوله مِمَّن دَعَا بَيَان لقَوْله سوى معد وَقَوله من أصيد إِلَخ بَيَان لمن دَعَا أَي هُوَ سيد من دَعَا لنَفسِهِ من ملك وسوقة والأصيد الْملك وَقَوله أَنْت الْهمام الْتِفَات من الْغَيْبَة إِلَى الْخطاب والهمام الْملك الْعَظِيم الهمة وَالسَّيِّد الشجاع وَالْقَرْمُ بِالْفَتْح السَّيِّد وَأَصله الْفَحْل المكرم لَا يركب وَلَا يرحل وَالْجد بِالْكَسْرِ ضد الْهزْل تَقول جد يجد بِالْكَسْرِ وَقَوله بلغتهَا بِالْبِنَاءِ للْفَاعِل وروى بلغتهَا بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول وَالتَّشْدِيد أَيْضا وروى أَيْضا طوقتها بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول وَالتَّشْدِيد أَيْضا والطوق حلي الْعُنُق وكل مَا اسْتَدَارَ بِشَيْء وتطوقه لبسه وَضمير بلغتهَا للخلافة الْمَعْهُودَة ذهنا ومجتمع اسْم فَاعل حَال من ضمير الْمُخَاطب وَلَا تضر بِالْإِضَافَة لِأَنَّهَا لفظية وَظهر بِهَذَا أَن بَيت الشَّاهِد على غير وَجهه وَيحْتَمل أَن يكون من أرجوزة أُخْرَى وَالله أعلم وأنهل بِمَعْنى سَالَ إِن كَانَ الصوب بِالْبَاء الْمُوَحدَة وَبِمَعْنى ارْتَفع إِن كَانَ الصَّوْت بِالْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّة يُرِيد إِنَّك لما قُمْت بِأَمْر الْخلَافَة انْفَتح أَبْوَاب الْخَيْر وَفِي الأغاني أَن أَبَا نخيلة قَالَ قرأتها حَتَّى أتيت إِلَى آخرهَا وهممت أَن أسأله فِيهَا ثمَّ تذكرت أَن النَّاس نصحوني على أَن لَا أسأله شَيْئا فَإِنَّهُ يحرم من يسْأَله فَلَمَّا فرغت أقبل على جُلَسَائِهِ فَقَالَ الْغُلَام السَّعْدِيّ أشعر من الشَّيْخ أبي النَّجْم الْعجلِيّ وَخرجت فَلَمَّا كَانَ بعد أَيَّام أَتَتْنِي جائزته وَلما أفضت الْخلَافَة إِلَى السفاح نقل هَذِه الأرجوزة الدالية إِلَيْهِ فَهِيَ إِلَى الْآن فِي ديوانه منسوبة إِلَى السفاح

وأَبُو نخيلة بِضَم النُّون وَفتح الْخَاء الْمُعْجَمَة اسْم الشَّاعِر لَا كنيته كَذَا فِي الأغاني وَقَالَ ابْن قُتَيْبَة اسْمه يعمر وكني أَبَا نخيلة لِأَن أمه وَلدته إِلَى جنب نَخْلَة ويكنى أَبَا الْجُنَيْد وَأَبا العرماس وَهُوَ من بني حمان بن كَعْب بن سعد بِكَسْر الْمُهْملَة وَتَشْديد الْمِيم وَكَانَ عاقا لِأَبِيهِ فنفاه أَبوهُ عَن نَفسه فَخرج إِلَى الشأم فَأَقَامَ هُنَاكَ إِلَى أَن مَاتَ أَبوهُ ثمَّ عَاد وَبَقِي مشكوكا فِي نسبه مطعونا عَلَيْهِ وَكَانَ الْأَغْلَب على شعره الرجز وَله قصيد لَيْسَ بالكثير وَمن شعره (الطَّوِيل) (وَإِن بِقوم سودوك لحَاجَة ... إِلَى سيد لَو يظفرون بِسَيِّد) وَلما خرج إِلَى الشأم اتَّصل بِمسلمَة بن عبد الْملك فاصطنعه وَأحسن إِلَيْهِ وأوصله إِلَى الْخُلَفَاء وَاحِدًا بعد وَاحِد واستماحهم لَهُ فأغنوه وَكَانَ بعد ذَلِك قَلِيل الْوَفَاء انْقَطع إِلَى بني الْعَبَّاس ولقب نَفسه بشاعر بني هَاشم فمدح الْخُلَفَاء من بني الْعَبَّاس وهجا بني أُميَّة وَكَانَ طامعا فَحَمله طمعه على أَن قَالَ فِي الْمَنْصُور أرجوزة يغريه فِيهَا بخلع عِيسَى بن مُوسَى وبعقد الْعَهْد لِابْنِهِ مُحَمَّد الْمهْدي فوصله أَبُو جَعْفَر بألفي دِرْهَم وَأمره أَن ينشدها بحضره عِيسَى فَفعل فَطَلَبه عِيسَى فهرب مِنْهُ وَبعث فِي طلبه مولى لَهُ فأدركه فِي طَرِيق خُرَاسَان فذبحة وسلخ وَجهه

الشاهد الحادي والعشرون

وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد الْحَادِي وَالْعشْرُونَ (الرجز جذب الصواريين بالكرور) على أَن الصراري جمع صراء وَهُوَ جمع صَار بِمَعْنى الملاح وَهُوَ السفان الَّذِي يجْرِي السَّفِينَة والصاري بالصَّاد وَالرَّاء الْمُهْمَلَتَيْنِ على وزن القَاضِي معتل اللَّام بِالْيَاءِ وَجمعه على صوار قِيَاس مطرد لِأَنَّهُ جمع فَاعل اسْما لَا وَصفا بِخِلَاف جمعه على صراء إِذْ جمع فَاعل المعتل اللَّام على فعال نَادِر نَحْو جَان وجناء وغاز وغزاء وقار وقراء وَلما شابه صراء وزن الْمُفْرد نَحْو زنار وكلاب جَازَ جمعه على فعاعيل نَحْو صراري كَمَا تَقول زنانير وكلاليب ثمَّ جمع الصراري جمع تَصْحِيح فَقيل الصراريون هَذَا تَقْرِير كَلَام الشَّارِح وَقَالَ أَبُو عَليّ الْفَارِسِي فِي الْإِيضَاح الشعري الْأَشْبَه أَن يكون صراء مُفردا جمعه صراري أَلا ترى أَن فعالا جمعا كشهاد وَلم نعلمهُ جَاءَ مكسرا كَمَا جَاءَ تكسير فعال نَحْو جمال وجمائل وعَلى هَذَا يكون الصراء كالصارى وكلا هذَيْن الْقَوْلَيْنِ خلاف الْمَنْقُول والمسموع أما الأول فقد نقل الثِّقَات كَابْن السيرافي فِي شرح شَوَاهِد إصْلَاح الْمنطق والجواليقي وَابْن السَّيِّد فِي شرح شَوَاهِد أدب الْكَاتِب وَصَاحب الصِّحَاح والعباب والقاموس أَن الصراري مُفْرد مثل الصاري وَأَن جمعه الصراريون وأنشدوا لَهُ هَذَا الْبَيْت وَأَن جمع الصاري الصراء كَقَوْلِه (إشراف مردي على صرائه) فَيكون الصراري من مَادَّة الثلاثي المضعف والصاري من مَادَّة الثلاثي المعتل إِلَّا أَن صَاحب الْقَامُوس أَسَاءَ حَيْثُ أورد الصراري فِي المعتل

أَيْضا جمعا للصاري مَعَ أَن فَاعِلا لَا يجمع على فعاعيل وَإِنَّمَا الَّذِي يجمع عَلَيْهِ فعال بِالضَّمِّ وَالتَّشْدِيد كَمَا مر أَو فعال بِالْفَتْح وَالتَّشْدِيد نَحْو جَبَّار وجبابير وَزنه فعالي غير مَوْجُودَة فِي أوزان الْمُفْردَات من أبنية سِيبَوَيْهٍ وَغَيرهَا فَيكون فِي الأَصْل مَنْسُوبا إِلَى صرارة وَهُوَ اسْم نهر وَالَّذِي لم يحجّ وَالَّذِي لم يتَزَوَّج أَو إِلَى صرار بِدُونِ هَاء وَهُوَ كسحاب وَكتاب اسْم وَاد بالحجاز وَأما الثَّانِي فقد قَالَ الفرزدق البسبيط) (ترى الصراري والأمواج تضربه ... لَو يَسْتَطِيع إِلَى بَريَّة عبرا) وَقَالَ خَليفَة بن حمل الطهوي أَيْضا (الْبَسِيط) (ترى الصراري فِي غبراء مظْلمَة ... تعلوه طورا ويعلو فَوْقهَا تيرا) فقد رَجَعَ الضَّمِير إِلَيْهِ فِي الْبَيْت الأول مُفردا ثَلَاث مَرَّات وَفِي الْبَيْت الثَّانِي رَجَعَ إِلَيْهِ مُفردا مرَّتَيْنِ وَقَالَ الْقطَامِي فِي وصف غواص درة شبه حبيبته بهَا من قصيدة (الْبَسِيط) (حَتَّى إِذا السفن كَانَت فَوق معتلج ... ألْقى المعاوز عَنهُ ثمت انكتما

) (فِي ذِي جلول يقْضِي الْمَوْت صَاحبه ... إِذا الصراري من أهواله ارتسما) فَلَو كَانَ جمعا كَمَا زعما لقَالَ ارتسموا قَالَ شَارِح ديوانه أَبُو سعيد السكرِي والصراري الملاح والصراء الملاحون وَالْوَاحد صَار وَأورد الحريري فِي درة الغواص الْبَيْت الثَّانِي وَزعم أَنه يصف فلكا والمعتلج اسْم فَاعل من اعتلجت الأمواج التطمت واضطربت والمعاوز بِالْفَتْح جمع معوز بِالْكَسْرِ وَهُوَ الثَّوْب الْخلق الَّذِي لَا يتبدل لِأَنَّهُ لِبَاس المعوزين والمعاوز مفعول ألْقى وفاعله ضمير الغواص فِي بَيت قبله وأنكتم مَعْطُوف على ألْقى وضميره كضميره وَقَوله فِي ذِي جلول مُتَعَلق بانكتم أَي توارى فِي مَاء كثير عَظِيم والجلول جمع جلّ وَهُوَ مُعظم الشَّيْء وَقيل الجلول جمع جلّ بِفَتْح الْجِيم بِمَعْنى الشراع يَعْنِي مَاء فِيهِ سفن لَهَا شرع والارتسام بِالسِّين الْمُهْملَة التَّكْبِير والتعوذ وَالدُّعَاء يَقُول إِن الملاح دَعَا وعوذ حِين شَاهد عظم الْأَهْوَال بتلاطم الأمواج وَبَيت الشَّاهِد من أرجوزه للعجاج يصف فِيهَا سفينة وَقَبله (الرجز) (لأيا ينائيها من الجئور ... جذب الصرارين بالكرور) (إِذْ نفحت فِي جلها الْمَسْجُور ... حدواء جَاءَت من حِيَال الطّور) اللاي بِفَتْح اللَّام وَسُكُون الْهمزَة البطء والشدة وَهُوَ مَنْصُوب على نزع الْخَافِض أَي بلاي وينائيها يباعدها من النأي وروى يثانيها بِالْمُثَلثَةِ وَالنُّون من ثناه إِذا عطفه والجئور مصر جَار إِذا عدل عَن

الْقَصْد وَهُوَ مصدر سَمَاعي جَاءَ على فعول بِالضَّمِّ لَكِن همز عينه على مُقْتَضى الْقَاعِدَة وَلم أر من نبه على هَذَا الْمصدر غير ابْن السيرافي فِي شرح شَوَاهِد إصْلَاح الْمنطق وَابْن السَّيِّد البطليوسي فِي شرح شَوَاهِد أدب الْكَاتِب وكلاهم نبها عَلَيْهِ فِي هَذَا الْبَيْت وَكَذَلِكَ الجواليقي فِي شرح أدب الْكَاتِب أَيْضا والكرور الحبال وَاحِدهَا كرّ بِالْفَتْح قَالَ أَبُو حنيفَة فِي كتاب النَّبَات قَالَ أَبُو خيرة الْكر الغليظ من الحبال وَقَالَ الطوسي هُوَ حَبل يكون من جُلُود وَغَيرهَا وَأنْشد هَذَا الْبَيْت وجذب فَاعل ينائيها يَقُول إِذا عدلت هَذِه السَّفِينَة وجارت عَن الْقَصْد لم يصرفهَا الملاحون عَن ذَلِك إِلَّا بعد بطء ومشقة ونفحت بِالْحَاء الْمُهْملَة هبت والجل بِفَتْح الْجِيم الشراع كَمَا تقدم والمسجور بِالسِّين الْمُهْملَة وَالْجِيم الَّذِي شدّ بالحبال قَالَ فِي الْعباب اللُّؤْلُؤ الْمَسْجُور المنظوم المسترسل قَالَه أَبُو عبيد وَأنْشد للمخبل السَّعْدِيّ (الْكَامِل) (وَإِذا ألم خيالها طرفت ... عَيْني فماء شؤونها سجم) (كاللولؤ الْمَسْجُور أغفل فِي ... سلك النظام فخانه النّظم) والحدواء فَاعل نفحت بِالْحَاء وَالدَّال الْمُهْمَلَتَيْنِ وَهِي الرّيح الَّتِي تحدو السَّحَاب أَي تسوقها وَهِي ريح الشمَال وَالطور جبل وَالرِّيح الَّتِي تَجِيء من قبله هِيَ الشمَال وحيال الطّور ناحيته وإزاوه وَهِي بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة وبالمثناة التَّحْتِيَّة يُقَال قعد حياله وبحياله أَي بإزائه وروى من بِلَاد الطّور

الشاهد الثاني والعشرون

والعجاج اسْمه عبد الله وكنيته أَبُو الشعْثَاء وَتقدم نسبه فِي تَرْجَمَة وَلَده روبة فِي الشَّاهِد الْخَامِس وَكَانَ يُقَال لَهُ عبد الله الطَّوِيل ولقب بالعجاج لقَوْله (الرجز) (حَتَّى يعج عِنْدهَا من عجعجا) \ وَهُوَ أول من رفع الرجز وَجعل لَهُ أَوَائِل وَشبهه بالقصيد وَأنْشد بعده للكميت وَهُوَ الشَّاهِد الثَّانِي وَالْعشْرُونَ (المتقارب) (وَلم يستريثوك حَتَّى رمي ت ... فَوق الرِّجَال خِصَالًا عشارا) على أَن عشار المعدول عَن عشرَة قد جَاءَ فِي قَول الْكُمَيْت وَالْمَسْأَلَة مفصلة فِي الشَّرْح قَالَ الحريري فِي درة الغواص روى خلف الْأَحْمَر أَنهم صاغوا هَذَا الْبناء متسقا إِلَى عشار وَأنْشد عَلَيْهِ مَا عزي إِلَى أَنه مَصْنُوع وَمِنْه (مجزوء الرمل) (قل لعَمْرو يَا ابْن هِنْد ... لَو رَأَيْت الْيَوْم شنا) (لرأت عَيْنَاك مِنْهُم ... كل مَا كنت تمنى) (إِذْ أتتنا فيلق شهباء من هُنَا وَهنا) (وَأَتَتْ دوسر والملحاء ... سيرا مطمئنا) (وَمَشى الْقَوْم إِلَى الْقَوْم ... أحاد وَأثْنى) (وَثَلَاثًا ورباعا ... وخماسا فاطعنا)

. (وسداسا وسباعا ... وثمانا فاجتلدنا) (وتساعا وعشارا ... فأصبنا وأصبنا) (لَا ترى إِلَّا كميا ... قَاتلا مِنْهُم وَمنا) وَدَلَائِل الْوَضع فِي هَذِه الأبيات ظَاهِرَة وَكَانَ خلف الْأَحْمَر مُتَّهمًا بِالْوَضْعِ وَشن قَبيلَة وَالْفَيْلَق الْجَيْش وأنثه بِاعْتِبَار الكتيبة وَهنا بِالْفَتْح اسْم إِشَارَة للقريب ودوسر كَتِيبَة للنعمان بن الْمُنْذر والملحاء كَتِيبَة أَيْضا لآل الْمُنْذر وترجمة الْكُمَيْت قد مَضَت فِي الشَّاهِد السَّادِس عشر قَالَ ابْن السَّيِّد فِي شرح شَوَاهِد أدب الْكَاتِب وَمعنى يستريثوك يجدونك رائثا أَي بطيئا من الريث وَهُوَ البطء ورميت زِدْت يُقَال رمى على الْخمسين وأرمى أَي زَاد يَقُول لما نشأت نشء الرِّجَال أسرعت فِي بُلُوغ الْغَايَة الَّتِي يطْلبهَا طلاب الْمَعَالِي وَلم يقنعك ذَلِك حَتَّى زِدْت عَلَيْهِم بِعشر خِصَال فقت السَّابِقين وأيأست الَّذين راموا أَن يَكُونُوا لَك لاحقين انْتهى وَوَقع فِي رِوَايَة ابْن جني فِي الخصائص عَلَوْت مَوضِع رميت وروى أَبُو جَعْفَر النّحاس (حَتَّى أتيت فَوق الرِّجَال خلالا عشارا) وروى الحريري فِي الدرة نصالا بدل خِصَالًا وَالْأول هُوَ الصَّحِيح وَهَذَا الْبَيْت من قصيدة للكميت يمدح بهَا أبان بن الْوَلِيد بن عبد الْملك بن مَرْوَان وَقَبله

الشاهد الثالث والعشرون

(المتقارب) ... رجوك وَلم يبلغ الْعُمر مِنْك ... عشرا وَلَا نبت فِيك اتغارا) (لأدنى خسا أَو زكا من سنيك ... إِلَى أَربع فبقوك انتظارا) وَبعده بَيت الشَّاهِد يَقُول تبينوا فِيك السؤدد لسنة أَو سنتَيْن من مولدك فَرجوا أَن تكون سعيدا أَمِيرا مُطَاعًا رفيع الذّكر وَلم تبلغ عشْرين سنة وَقَوله وَلَا نبت فِيك أتغارا أَي أثغرت وَلم تنْبت أسنانك بعد فِي الصِّحَاح وَإِذا سَقَطت رواضع الصَّبِي قيل ثغر فَهُوَ مثغور فَإِذا نَبتَت قيل اتغر وَأَصله اثتغر فقلبت الثَّاء تَاء ثمَّ أدغمت وَإِن شِئْت قلت اثغر يَجْعَل الْحَرْف الأصلى هُوَ الظَّاهِر وَقَوله لأدنى خسا أَو زكا الخسا بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة الْفَرد والزكا بِفَتْح الزَّاي الْمُعْجَمَة الزَّوْج وخسا وزكا ينون وَلَا ينون وَالْمعْنَى أَنهم رجوك أَن تكون كَذَلِك لأَقل مَا يعبر عَنهُ بخسا وزكا وَهُوَ سنة أَو سنتَانِ إِلَى أَن سَار لَك أَربع سِنِين فَظهر للنَّاس مَا دلهم على مَا رجوه مِنْك وتفرسوك عِنْد كَمَال سنك وَقَوله فبقوك أَي انتظروك يُقَال بقوت الشَّيْء إِذا انتظرته وَمِنْه يُقَال للمؤذنين بقاة لأَنهم ينتظرون أَوْقَات الصَّلَاة وانتظارا مَنْصُوب بقوله بقوك لِأَنَّهُ فِي معنى انتظروك انتظارا وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد الثَّالِث وَالْعشْرُونَ وَهُوَ من أَبْيَات سِيبَوَيْهٍ مجزوء الْكَامِل (إِلَّا علالة أَو بدا ... هة سابح نهد الجزاره) على أَن الْمُضَاف يحذف مَعَ دلَالَة مَا أضيف إِلَيْهِ تَابع ذَلِك الْمُضَاف عَلَيْهِ

ذكر الشَّارِح الْمُحَقق فِي بَاب الْإِضَافَة أَن هَذَا مَذْهَب الْمبرد وأيده بِمَا ذكره هُنَاكَ على مَذْهَب سِيبَوَيْهٍ وَهُوَ أَن علالة مُضَاف إِلَيْهِ الْمَجْرُور الظَّاهِر وبداهة فِي الأَصْل مُضَاف إِلَى ضميرَة وَالتَّقْدِير إِلَّا علالة سابح أَو بداهته ثمَّ حذف الضَّمِير وَجعل بداهة بَين المتضايقين إِلَى آخر مَا ذكره وَسَيَأْتِي عَلَيْهِ هُنَاكَ إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَهَذَا الْبَيْت من قصيدة للاعشى يُخَاطب هبا شَيبَان بن شهَاب مِنْهَا (وَهُنَاكَ يكذب ظنكم ... أَن لَا اجْتِمَاع وَلَا زياره) (وَلَا بَرَاءَة للبريء ... وَلَا عَطاء وَلَا خفاره) (إِلَّا علالة أَو بدا ... هة سابح نهد الجزارة) إِلَى أَن قَالَ (وَلَا نُقَاتِل بِالْعِصِيِّ ... وَلَا نرامي بالحجاره) يَقُول إِذا غزوناكم علمْتُم أَن ظنكم بأننا لَا نغزوكم كذب وَهُوَ زعمكم أننا لَا نَجْتَمِع وَلَا نزوركم بِالْخَيْلِ وَالسِّلَاح غازين لكم وَمن كَانَ بَرِيئًا مِنْكُم لم تَنْفَعهُ بَرَاءَته لِأَن الْحَرْب إِذا عظمت لحق شَرها البريء كَمَا يلْحق الْمُسِيء يُرِيد أننا ننال مِنْكُم من الْمُسِيء والبريء بِمَا تَكْرَهُونَ وَلَا نقبل مِنْكُم عَطاء وَلَا نعطيكم خفارة تفتدون بهما منا والخفارة بِالضَّمِّ وَالْكَسْر الذِّمَّة قَالَ فِي الْمِصْبَاح خفر بالعهد من بَاب ضرب وَفِي لُغَة من بَاب قتل إِذا وفى بِهِ وخفرت الرجل حميته وأجرته من طَالبه وَالِاسْم الخفارة بِضَم الْخَاء وَكسرهَا وَقَوله أَلا علالة اسْتثِْنَاء مُنْقَطع من قَوْله لَا اجْتِمَاع أَي لَكِن نزوركم بِالْخَيْلِ والعلالة بِضَم الْعين

الْمُهْملَة بَقِيَّة جري الْفرس وَبَقِيَّة كل شَيْء أَيْضا وَهُوَ من التعلل بِمَعْنى التلهي والبداهة بِضَم الْمُوَحدَة أول جرى الْفرس وأو للإضراب وَوَقع فِي رِوَايَة ابْن جني فِي سر الصِّنَاعَة والخصائص تَقْدِيم بداهة فَهُوَ على هَذَا لأحد الشَّيْئَيْنِ والسابح الْفرس الَّذِي يدحو الأَرْض بيدَيْهِ فِي الْعَدو ويروى بدله القارح وَهُوَ من الْخَيل الَّذِي بلغ أقْصَى أَسْنَانه يُقَال قرح ذُو الْحَافِر يقرح بفتحهما قروحا انْتَهَت أسنانة وَذَلِكَ عِنْد أكمال خمس سِنِين والنهد بِفَتْح النُّون الْمُرْتَفع والجزارة بِضَم الْجِيم الرَّأْس وَالْيَدَانِ وَالرجلَانِ وَهَذَا فِي الأَصْل فِيمَا يذبح وَسميت بذلك لِأَن الجزار يَأْخُذهَا فِي مُقَابلَة ذَبحهَا كَمَا يُقَال أَخذ الْعَامِل عمالته بِالضَّمِّ فَبَقيَ هَذَا الِاسْم عَلَيْهَا يُرِيد أَن فِي عُنُقه وقوائمه طولا وارتفاعا فَإِنَّهُ يسْتَحبّ فِي عنق الْخَيل الطول واللين وَقد فرق سُلَيْمَان بن ربيعَة بَين الْعتاق والهجن بالأعناق فَدَعَا بطست من مَاء فَوضعت بِالْأَرْضِ ثمَّ قدمت الْخَيل إِلَيْهَا وَاحِدًا وَاحِدًا فَمَا ثنى سنبكة وَهُوَ مقدم الْحَافِر ثمَّ شرب هجنة وَمَا شرب وَلم يثن سنبكه جعله عتيقا وَذَلِكَ لِأَن فِي أَعْنَاق الهجن قصرا فَهِيَ لَا تنَال المَاء على تِلْكَ الْحَالة حَتَّى تثنى سنابكها وَيسْتَحب أَيْضا أَن يكون مَا فَوق السَّاقَيْن من الفخذين طَويلا فيوصف حِينَئِذٍ بطول القوائم قَالَ الشَّاعِر (الْخَفِيف) (شرحب سلهب كَأَن رماحا ... حَملته وَفِي السراة دموج) والشرحب والسلهب كِلَاهُمَا على وزن جَعْفَر بِمَعْنى الطَّوِيل والسراة بِفَتْح الْمُهْملَة أَعلَى الظّهْر والدموج دُخُول بعض الشَّيْء فِي بعضه من شدته واكتنازه وَأما الساقان فَيُسْتَحَب قصرهما وَقَالَ الشَّاعِر (المتقارب) (لَهُ متن عير وساقا ظليم)

العير الْحمار الوحشي والظليم ذكر النعام كَذَا فِي أدب الْكَاتِب لِابْنِ قُتَيْبَة وَبِه يعلم سُقُوط قَول الشنتمري النهد الغليظ والجزارة الرَّأْس والقوائم وَيسْتَحب غلظهما مَعَ قلَّة لحمهما وأوهى مِنْهُ قَول الْجَوْهَرِي وَتَبعهُ صَاحب الْعباب وَنَقله الْعَيْنِيّ إِذا قَالُوا فرس نهد أَو عبل الجزارة فَإِنَّمَا يُرَاد غلظ الْيَدَيْنِ وَالرّجلَيْنِ وَكَثْرَة عصبهما وَلَا يدْخل الرَّأْس فِي هَذَا لِأَن عظم الرَّأْس هجنة فِي الْخَيل وخبط المطرزي فِي شرح الْمفصل خبط عشواء فَقَالَ يَعْنِي كُنَّا فِي سفر أَو حَرْب انْقَطع فِيهَا جَمِيع الأفراس عَن السّير وَلم يبْق لَهَا جري إِلَّا علالة أَو بداهة فرس سابح هَذَا كَلَامه وَكَأَنَّهُ لم يقف على مَا قبله من الأبيات وَقَوله وَلَا نُقَاتِل بِالْعِصِيِّ إِلَخ يصف قومه بِأَنَّهُم أَصْحَاب حروب يُقَاتلُون على الْخَيل لَا أَصْحَاب أبل يرعونها فَيُقَاتل بَعضهم بَعْضًا بِالْعِصِيِّ وَالْحِجَارَة والأعشى كنيته أَبُو بَصِير واسْمه مَيْمُون بن قيس بن جندل بن شرَاحِيل بن عَوْف بن سعد بن ضبيعة بن قيس بن ثَعْلَبَة بن عكابة بن صَعب بن عَليّ بن بكر بن وَائِل وَكَانَ أَبوهُ قيس يدعى قَتِيل الْجُوع وَذَلِكَ أَنه كَانَ فِي جبل فَدخل غارا فَوَقَعت صَخْرَة من الْجَبَل فَسدتْ فَم الْغَار فَمَاتَ فِيهِ جوعا وَكَانَ الْأَعْشَى من فحول شعراء الْجَاهِلِيَّة وَمِمَّنْ قدم على سَائِرهمْ سلك فِي شعره كل مَسْلَك وَقَالَ فِي أَكثر أعاريض الْعَرَب وَلَيْسَ مِمَّن تقدم من الفحول أَكثر شعرًا مِنْهُ وَسُئِلَ ابْن أبي حَفْصَة من أشعر الْعَرَب قَالَ شَيخا وَائِل الْأَعْشَى فِي الْجَاهِلِيَّة والأخطل فِي الْإِسْلَام وَسُئِلَ يُونُس النَّحْوِيّ من أشعر النَّاس قَالَ لَا أومئ إِلَى رجل بِعَيْنِه وَلَكِنِّي أَقُول امْرُؤ الْقَيْس إِذا ركب والنابغة إِذا رهب وَزُهَيْر إِذا رغب والأعشى إِذا طرب

وَهُوَ أول من سَأَلَ بِشعرِهِ وَكَانُوا يسمونه صناجة الْعَرَب لجودة شعره وَكَانَ أَبُو عَمْرو بن الْعَلَاء يفخم مِنْهُ ويعظم مَحَله وَيَقُول شَاعِر مجيد كثير الأعاريض والافتنان وَإِذا سُئِلَ عَنهُ وَعَن لبيد قَالَ لبيد رجل صَالح والأعشى رجل شَاعِر وروى الْمفضل بِسَنَدِهِ عَن الشّعبِيّ قَالَ عبد الْملك بن مَرْوَان لمؤدب أَوْلَاده أدبهم بِرِوَايَة شعر الْأَعْشَى فَإِنَّهُ قَاتله الله مَا كَانَ أعذب بحره وأصلب صخره قَالَ الْمفضل من زعم أَن أحدا أشعر من الْأَعْشَى فَلَيْسَ يعرف الشّعْر وَكَانَ الْأَعْشَى يفد على الْمُلُوك لَا سِيمَا مُلُوك فَارس وَلذَلِك كثرت الْأَلْفَاظ الفارسية فِي شعره قَالَ ابْن قُتَيْبَة فِي طَبَقَات الشُّعَرَاء وَكَانَ الْأَعْشَى جاهليا قَدِيما وَأدْركَ الْإِسْلَام فِي آخر عمره ورحل إِلَى النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فِي صلح الحديبة فَسَأَلَهُ أَبُو سُفْيَان بن حَرْب عَن وَجهه الَّذِي يُرِيد فَقَالَ أردْت مُحَمَّدًا قَالَ إِنَّه يحرم عَلَيْك الْخمر والزني والقمار قَالَ أما الزِّنَى فقد تركني وَلم أتركه وَأما الْخمر فقد قضيت مِنْهَا وطرأ وَأما الْقمَار فلعلي أُصِيب مِنْهُ عوضا قَالَ فَهَل لَك إِلَى خير من هَذَا قَالَ وَمَا هُوَ قَالَ بَيْننَا وَبَينه هدنة فترجع عامك هَذَا وَتَأْخُذ مائَة نَاقَة حَمْرَاء فَإِن ظفر بعد ذَلِك أَتَيْته وَإِن ظفرنا كنت قد أصبت من رحلتك عوضا فَقَالَ لَا أُبَالِي فَأَخذه أَبُو سُفْيَان إِلَى منزله وَجمع عَلَيْهِ أَصْحَابه وَقَالَ يَا معشر قُرَيْش هَذَا أعشى قيس وَلَئِن وصل إِلَى مُحَمَّد ليضربن عَلَيْكُم الْعَرَب قاطبة فَجمعُوا لَهُ مائَة نَاقَة حَمْرَاء فَانْصَرف فَلَمَّا صَار بِنَاحِيَة الْيَمَامَة أَلْقَاهُ بعيرة فَقتله انْتهى

وَقَالَ شَارِح ديوانه مُحَمَّد بن حبيب وَكَانَ الْأَعْشَى فِيمَا رُوِيَ رَحل عِنْد ظُهُور النَّبِي حَتَّى أَتَى مَكَّة وَكَانَ قد سمع قِرَاءَة الْكتب فَنزل عِنْد عتبَة بن ربيعَة فَسمع بِهِ أَو جهل فَأَتَاهُ فِي فتية من قُرَيْش وَأهْدى لَهُ هَدِيَّة ثمَّ سَأَلَهُ مَا جَاءَ بك قَالَ جِئْت إِلَى مُحَمَّد إِنِّي كنت سَمِعت مبعثه فِي الْكتب لأنظر مَاذَا يَقُول وماذا يَدْعُو إِلَيْهِ فَقَالَ أَبُو جهل إِنَّه يحرم الزِّنَى فَقَالَ لقد كَبرت وَمَالِي فِي الزِّنَى حَاجَة قَالَ فَإِنَّهُ يحرم عَلَيْك الْخمر قَالَ فَمَا أحل فَجعلُوا يحدثونه بِأَسْوَأ مَا يقدرُونَ عَلَيْهِ فَقَالُوا أنشدنا مَا قلت فِيهِ فَأَنْشد (الطَّوِيل) (ألم تغتمض عَيْنَاك لَيْلَة أرمدا ... وعادك مَا عَاد السَّلِيم المسهدا) وَهِي قصيدة جَيِّدَة عدتهَا أَرْبَعَة وَعِشْرُونَ بَيْتا فَلَمَّا أنشدهم قَالُوا هَذَا رجل لَا يمدح أحد إِلَّا رَفعه وَلَا يهجو أحدا إِلَّا وَضعه فَمن لنا يصرفهُ عَن هَذَا الْوَجْه فَقَالَ أَبُو جهل للأعشى أما أَنْت فَلَو أنشدته هَذِه لم يقبلهَا فَلم يزَالُوا بِهِ لشقاوته حَتَّى صدوه وَخرج من فورته حَتَّى وصل الْيَمَامَة فَمَكثَ بهَا قَلِيلا ثمَّ مَاتَ وروى ابْن دأب وَغَيره أَن الْأَعْشَى خرج يُرِيد النَّبِي وَقَالَ شعرًا حَتَّى إِذا كَانَ بِبَعْض الطَّرِيق نفرت بِهِ رَاحِلَته فَقتلته فَلَمَّا أنْشد شعره الَّذِي يَقُول فِيهِ (الطَّوِيل) (وآليت لَا أرثي لَهَا من كلاله ... وَلَا من حفى حَتَّى تلاقي مُحَمَّدًا) (مَتى مَا تناخي عِنْد بَاب ابْن هَاشم ... تراحي وتلقي من فواضلة ندى)

وهو الشاهد الرابع والعشرون

فَقَالَ النَّبِي كَاد ينجو وَلما وَترد هَذِه القصيدة إِن شَاءَ الله مشروحة فِي شَوَاهِد مُغنِي اللبيب فَإِنَّهُ اسْتشْهد بغالب أبياتها وَلم يَقع مِنْهَا شَيْء فِي هَذِه الشواهد. وللأعشى أَخْبَار أخر تَأتي مُتَفَرِّقَة فِي شرح شَوَاهِد من شعره والْأَعْشَى فِي اللُّغَة الَّذِي لَا يبصر بِاللَّيْلِ ويبصر بِالنَّهَارِ وَالْمَرْأَة عشواء وعشي الرجل بِالْكَسْرِ عشا بِالْقصرِ إِذا ضعف بَصَره وَكَانَ هَذَا الْأَعْشَى عمي فِي أَوَاخِر عمره وعدة من هُوَ أعشى من الشُّعَرَاء سَبْعَة عشر شَاعِرًا ذكرهم الْآمِدِيّ فِي المؤتلف والمختلف وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد الرَّابِع وَالْعشْرُونَ (الوافر) (حلائل أسودين وأحمرينا) وأوله (فَمَا وجدت بَنَات بني نزار) على أَن جمع أسود وأحمر جمع تَصْحِيح شَاذ كَمَا يَجِيء فِي بَاب الْجمع وَقَالَ فِي بَاب الْجمع فَكل صفة لَا تلحقها التَّاء فَكَأَنَّهَا من قبيل الْأَسْمَاء فَلِذَا لم يجمع هَذَا الْجمع أفعل فعلاء وفعلان فعلى وَأَجَازَ ابْن كيسَان أحمرون وسكرانون وَاسْتدلَّ بِهَذَا الْبَيْت وَهُوَ عِنْد غَيره شَاذ ا. هـ. وبَنَات فَاعل وجدت وحلائل مَفْعُوله نزار بِكَسْر النُّون هُوَ وَالِد مُضر بن نزار بن معد بن عدنان والحلائل جمع حليل بِالْحَاء الْمُهْملَة وَهُوَ

الزَّوْج والحليلة الزَّوْجَة سميا بذلك لِأَن كلا مِنْهُمَا يحل للأخر وَلَا يحرم أَو لِأَن كلا مِنْهُمَا يحل من صَاحبه محلا لَا يحله غَيره وأسودين صفة حلائل وَهَذَا الْبَيْت من قصيدة لحكيم الْأَعْوَر ابْن عَيَّاش الْكَلْبِيّ من شعراء الشَّام هجا بهَا مُضر وَرمى فِيهَا أمْرَأَة الْكُمَيْت بن زيد بِأَهْل الْحَبْس لما فر مِنْهُ بِثِيَاب امْرَأَته وَسبب حبس الْكُمَيْت على وَجه الِاخْتِصَار أَن حكيما الْأَعْوَر هَذَا كَانَ ولعا بِهِجَاء مُضر فَكَانَت شعراء مُضر تهجوه وتجيبه وَكَانَ الْكُمَيْت يَقُول هُوَ وَالله أشعر مِنْكُم قَالُوا فأجب الرجل قَالَ إِن خَالِد بن عبد الله الْقَسرِي محسن إِلَيّ فَلَا أقدر أَن أرد عَلَيْهِ قَالُوا فاسمع بأذنك مَا يَقُول فِي بَنَات عمك وَبَنَات خَالك من الهجاء فأنشدوه ذَلِك فحمي الْكُمَيْت لعشيرته فَقَالَ المذهبة الَّتِي أَولهَا (أَلا حييت عَنَّا يَا مدينا) وَأحسن فِيهَا وَهِي زهاء ثَلَاثمِائَة بَيت لم يتْرك فِيهَا حَيا من أَحيَاء الْيمن إِلَّا هجاهم وَمِنْهَا (الوافر) (وَلَا أَعنِي بذلك أسفليكم ... وَلَكِنِّي أُرِيد بِهِ الذوينا) وَتقدم شَرحه وَهُوَ الشَّاهِد السَّادِس عشر وَعرض الْكُمَيْت فِيهَا بِأخذ الْفرس والحبشة وَغَيرهمَا نسَاء الْيمن بقوله (لنا قمر السَّمَاء وكل نجم ... تُشِير إِلَيْهِ أَيدي المهتدينا) ...

(وَمَا ضربت بَنَات بني نزار ... هوائج من فحول الأعجمينا) (وَمَا حملُوا الْحمير على عتاق ... مطهمة فيلفوا منغلينا) والهوائج جمع هائج وَهُوَ الْفَحْل الَّذِي يشتهى الضراب وَبلغ خَالِدا الْقَسرِي خبر هَذِه القصيدة فَقَالَ وَالله لأقتلنه ثمَّ اشْترى ثَلَاثِينَ جَارِيَة فِي نِهَايَة الْحسن فرواهن القصائد الهاشميات للكميت ودسهن مَعَ نخاس إِلَى هِشَام بن عبد الْملك فاشتراهن فأنشدنه يَوْمًا القصائد الْمَذْكُورَة فَكتب إِلَى خَالِد وَكَانَ يَوْمئِذٍ عَامله بالعراق أَن ابْعَثْ إِلَيّ بِرَأْس الْكُمَيْت فَأَخذه خَالِد وحبسه فَوجه الْكُمَيْت إِلَى امْرَأَته وَلبس ثِيَابهَا وَتركهَا فِي مَوْضِعه وهرب من الْحَبْس فَلَمَّا علم خَالِد أَرَادَ أَن ينكل بِالْمَرْأَةِ فاجتمعت بَنو أَسد إِلَيْهِ وَقَالُوا مَا سَبِيلك على امْرَأَة لنا خدعت فخافهم وخلى سَبِيلهَا ثمَّ إِن الْكُمَيْت أتصل بِمسلمَة بن هِشَام فشفع فِيهِ عِنْد وَالِده فشفعه وَقيل إِن سَبَب هجاء الْكُمَيْت أهل الْيمن أَن حكيما الْأَعْوَر هَذَا كَانَ يهجو عَليّ بن أبي طَالب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه وَبني هَاشم جَمِيعًا وَكَانَ مُنْقَطِعًا إِلَى بني أُميَّة فَانْتدبَ لَهُ الْكُمَيْت رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فهجاه وسبه وأجابه ولج الهجاء بَينهمَا وَكَانَ الْكُمَيْت يخَاف أَن يفصح بِشعرِهِ عَن عَليّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه لما وَقع بَينه وَبَين هِشَام وَكَانَ يظْهر أَن هجاءه إِيَّاه للعصبية الَّتِي بَين عدنان جد مُضر وَبَين قحطان أبي الْيمن وَقَالَ المستهل بن الْكُمَيْت يَوْمًا لوالده لما افتخر فِي قصيدة بائية مُوَحدَة ببني أَيَّة هاجيا بهَا قحطان كَيفَ فخرت ببني أُميَّة وَأَنت تشهد عَلَيْهَا بالْكفْر فَهَلا فخرت بعلي وَبني هَاشم الَّذين تتولاهم فَقَالَ يَا بني أَنْت تعلم انْقِطَاع الْكَلْبِيّ إِلَى بني أُميَّة وهم أَعدَاء عَليّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه فَلَو ذكرت

وهو الشاهد الخامس والعشرون

عليا لترك ذكري وَأَقْبل على هجائه فَأَكُون قد عرضت عليا لَهُ وَلَا أجد لَهُ ناصرا من بني أُميَّة ففخرت عَلَيْهِ ببني أُميَّة وَقلت إِن نقضهَا عَليّ قَتَلُوهُ وَإِن أمسك عَن ذكرهم ثنيته عَن الَّذِي هُوَ عَلَيْهِ فَكَانَ كَمَا قَالَ أمسك الْأَعْوَر الْكَلْبِيّ عَن جَوَابه فغلب عَلَيْهِ وأفحم الْكَلْبِيّ وَقَالَ الْأَعْوَر الْكَلْبِيّ يَوْمًا (الْبَسِيط) (مَا سرني أَن أُمِّي من بني أَسد ... وَأَن رَبِّي نجاني من النَّار) (وَأَنَّهُمْ زوجوني من بناتهم ... وَأَن لي كل يَوْم ألف دِينَار) فَأَجَابَهُ الْكُمَيْت (الْبَسِيط) (يَا كلب مَالك أم من بني أَسد ... مَعْرُوفَة فَاحْتَرَقَ يَا كلب بالنَّار) فَأَجَابَهُ الْكَلْبِيّ (لن يبرح اللؤم هَذَا الْحَيّ من أَسد ... حَتَّى يفرق بَين السبت والأحد) وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد الْخَامِس وَالْعشْرُونَ (الرجز) (قدذ صرت البكرة يَوْمًا أجمعا) على أَن الْكُوفِيّين جوزوا تَأْكِيد النكرَة المحدودة وَقد أوردهُ الشَّارِح فِي بَاب التوكيد أَيْضا وَيَأْتِي الْكَلَام عَلَيْهِ هُنَاكَ إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَهَذَا الْبَيْت مَجْهُول لَا يعرف قَائِله حَتَّى قَالَ جمَاعَة من الْبَصرِيين إِنَّه مَصْنُوع والبكرة بِفَتْح الْمُوَحدَة وَسُكُون الْكَاف إِن كَانَت البكرة الَّتِي يَسْتَقِي عَلَيْهَا المَاء من الْبِئْر ف صرت بِمَعْنى صوتت من صر الْبَاب يصر صَرِيرًا

أَي صَوت فَيكون الْمَعْنى مَا انْقَطع استقاء المَاء من الْبِئْر يَوْمًا كَامِلا وَإِن كَانَت الْفتية من الْإِبِل مؤنث الْبكر وَهُوَ الفتي مِنْهَا قَالَ أَبُو عُبَيْدَة الْبكر من الْإِبِل بِمَنْزِلَة الْفَتى من الْإِنْسَان والبكرة بِمَنْزِلَة الفتاة والقلوص بِمَنْزِلَة الْجَارِيَة وَالْبَعِير بِمَنْزِلَة الْإِنْسَان والجمل بِمَنْزِلَة الرجل والناقة بِمَنْزِلَة الْمَرْأَة ف صرت بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول يُقَال صررت النَّاقة شددت عَلَيْهَا الصرار وَهُوَ خيط يشد فَوق الْخلف والتوديه لِئَلَّا يرضعها وَلَدهَا والفتي بِفَتْح الْفَاء وَكسر الْمُثَنَّاة وَتَشْديد الْيَاء هُوَ من الدَّوَابّ خلاف المسن وَهُوَ كالشاب من النَّاس وَالْأُنْثَى فتية والفتى بِالْقصرِ الشَّاب وَالْأُنْثَى فتاة وَالْخلف بِكَسْر الْخَاء الْمُعْجَمَة وَسُكُون اللَّام هُوَ لذوات الْخُف كالثدي للْإنْسَان والتودية بِفَتْح الْمُثَنَّاة الْفَوْقِيَّة وَسُكُون الْوَاو وَكسر الدَّال وَتَخْفِيف الْمُثَنَّاة التَّحْتِيَّة هِيَ خَشَبَة تشد على خلف النَّاقة إِذا صرت وَجَمعهَا تواد كمساجد قَالَ الْعَيْنِيّ بعد أَن شَرحه على الْوَجْه الأول صَدره (إِنَّا إِذا خطافنا تقعقعا) وَفِيه نظر من وَجْهَيْن الأول أَن بَيت الشَّاهِد بَيت من الرجز وَلَيْسَ مصراعا من بَيت حَتَّى يكون مَا ذكره صَدره وَالثَّانِي أَنه غير مُرْتَبِط بِبَيْت الشَّاهِد فَإِن بَيت الشَّاهِد لَا يَصح أَن يكون خَبرا لقَوْله إِنَّا وَلَا جَوَابا ل إِذا اللَّهُمَّ إِلَّا إِن قدر الرابط أَي صرت البكرة فِيهِ وَتَكون حِينَئِذٍ الْجُمْلَة الشّرطِيَّة خَبرا لإنا فَافْهَم والخطاف بِالضَّمِّ وَالتَّشْدِيد حَدِيدَة معوجة تكون فِي جَانِبي البكرة فِيهَا المحور وكل حَدِيدَة معطوفة خطَّاف والقعقعة تَحْرِيك الشَّيْء الْيَابِس الصلب مَعَ صَوت والتقعقع مطاوعه

وهو الشاهد السادس والعشرون

وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد السَّادِس وَالْعشْرُونَ وَهُوَ من شَوَاهِد الْمفصل (الطَّوِيل) (أَتَانِي وَعِيد الحوص من آل جَعْفَر ... فيا عبد عَمْرو لَو نهيت الأحاوصا) على أَن الْأَحْوَص بِالنّظرِ إِلَى الوصفية جمع على الحوص وبالنظر إِلَى نَقله إِلَى الإسمية بالغلبة جمع على الأحاوص وَهَذَا الْبَيْت أوردهُ الزَّمَخْشَرِيّ فِي الْمفصل على أَن الْأَحْوَص يجمع على هذَيْن الجمعين أَحدهمَا فعل وَلَا يجمع على هَذَا إِلَّا أفعل صفة وَشَرطه أَن يكون مؤنثه على فعلاء كَمَا هُوَ مُبين فِي جمع التكسير وَالثَّانِي أفَاعِل وَلَا يجمع على هَذَا إِلَّا أفعل اسْما أَو أفعل التَّفْضِيل وَالْبَيْت من قصيدة لأعشى قيس نفر فِيهَا عَامر بن الطُّفَيْل قَاتله الله تَعَالَى ابْن مَالك بن جَعْفَر على ابْن عَمه عَلْقَمَة الصَّحَابِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه ابْن علاثة بن عَوْف بن الْأَحْوَص بن جَعْفَر بن كلاب بن ربيعَة بن عَامر بن صعصعة الْكلابِي العامري قَالَ فِي الِاسْتِيعَاب وَكَانَ سيدا فِي قومه حَلِيمًا عَاقِلا وَلم يكن فِيهِ ذَاك الْكَرم والْوَعيد التهديد والتخويف وَأَرَادَ ب الحوص والأحاوص أَوْلَاد الْأَحْوَص بن جَعْفَر وهم عَوْف بن الْأَحْوَص وَعَمْرو بن الْأَحْوَص وَشُرَيْح ابْن الْأَحْوَص والأحوص اسْمه ربيعَة سمي أحوص لضيق كَانَ فِي عينه قَالَ فِي الصِّحَاح والحوص اي بمهملتين ضيق فِي مُؤخر الْعين وَالرجل أحوص وَيُقَال بل هُوَ الضّيق فِي إِحْدَى الْعَينَيْنِ وَالْمَرْأَة حوصاء وَعبد عَمْرو

قَالَ ابْن السيرافي فِي شَرحه لشواهد إصْلَاح الْمنطق هُوَ عبد بن عَمْرو بن الْأَحْوَص وَقَالَ فِي الصِّحَاح عبد عَمْرو وَهُوَ ابْن شُرَيْح بن الْأَحْوَص وَجَوَاب لَو مَحْذُوف أَي لَو نهيتهم لَكَانَ خيرا لَهُم وَيجوز أَن تكون لِلتَّمَنِّي على سَبِيل التهكم وَإِنَّمَا وَجه الْخطاب إِلَيْهِ لِأَنَّهُ كَانَ رئيسهم حِينَئِذٍ وَإِنَّمَا قَالَ الْأَعْشَى هَذَا الْكَلَام لِأَن عَلْقَمَة بن علاثة كَانَ أوعده بِالْقَتْلِ وَيدل عَلَيْهِ قَوْله بعد هَذَا بِأَبْيَات (الطَّوِيل) (فَإِن تتعدني أتعدك بِمِثْلِهَا ... وسوف أَزِيد الْبَاقِيَات القوارصا) والقوارص الْكَلِمَات المؤذية يُرِيد إِنِّي أزيدك على الإيعاد بقصائد الهجو وَلَوْلَا أَنَّهَا فِي صَحَابِيّ لأوردت مِنْهَا أبياتا وَكَانَ سَبَب تهديد عَلْقَمَة بِالْقَتْلِ للأعشى هُوَ أَن عَلْقَمَة بن علاثة كَانَ نافر ابْن عَمه عَامر بن الطُّفَيْل وَكَانَ عَلْقَمَة كَرِيمًا رَئِيسا وَكَانَ عَامر عاهرا سَفِيها وساقا إبِلا جمة لينحر لَهما المنفر فهاب حكام الْعَرَب أَن يحكموا بَينهمَا بِشَيْء وَأتوا هرم بن قُطْبَة بن سِنَان فَقَالَ أَنْتُمَا كركبتي الْبَعِير تقعان مَعًا وتنهضان مَعًا قَالَا فأينا الْيُمْنَى قَالَ كلاكما يَمِين وَأَقَامَا سنة لَا يَجْسُر أحد أَن يحكم بَينهمَا بِشَيْء إِلَى أَن جَاءَ الْأَعْشَى عَلْقَمَة مستجيرا بِهِ فَقَالَ أجيرك من الْأسود والأحمر قَالَ وَمن الْمَوْت قَالَ لَا فَأتى عَامِرًا فَقَالَ لَهُ مثل ذَلِك فَقَالَ وَمن الْمَوْت قَالَ نعم قَالَ وَكَيف قَالَ إِن مت فِي جواري وديتك فَقَالَ عَلْقَمَة لَو علمت أَن ذَلِك مُرَاده لهان عَليّ ثمَّ إِن الْأَعْشَى ركب نَاقَته ووقف فِي نَادَى الْقَوْم وانشدهم قصيدة نفر فِيهَا عَامِرًا على عَلْقَمَة مِنْهَا

وهو الشاهد السابع والعشرون

(السَّرِيع) (أَقُول لما جَاءَنِي فخره ... سُبْحَانَ من عَلْقَمَة الفاخر) وَمِنْهَا (وَلست بِالْأَكْثَرِ مِنْهُم حَصى ... وَإِنَّمَا الْعِزَّة للكاثر) وهما شَاهِدَانِ من شَوَاهِد هَذَا الْكتاب وَسَيَأْتِي شرحهما إِن شَاءَ الله تَعَالَى فِي مَحلهمَا وَبعد أَن أنْشد القصيدة نَادَى النَّاس نفر عَامر على عَلْقَمَة وَرووا الشّعْر وأمضوا حكم الْأَعْشَى ودعواه أَنَّهُمَا حكماه بَاطِلَة كَمَا يُعلمهُ النَّاس وَكَانَ رَأْي هرم خلاف ذَلِك فَلَمَّا سمع عَلْقَمَة بِهَذَا هدده بِالْقَتْلِ فَقَالَ الْأَعْشَى هَذِه القصيدة الصادية وَمعنى المنافرة كَمَا فِي الصِّحَاح المحاكمة فِي الْحسب يُقَال نافرة فنفره ينفره بِالضَّمِّ لَا غير أَي غَلبه والمنفور المغلوب والنافر الْغَالِب ونفره عَلَيْهِ تنفيرا أَي قضى عَلَيْهِ بالغلبة وَكَذَلِكَ أنفره والحسب هُوَ من الحسبان وَهُوَ مَا يعده الْإِنْسَان من مفاخر آبَائِهِ وَيُقَال حَسبه دينه وَيُقَال مَاله وَقَالَ ابْن السّكيت الْحسب وَالْكَرم يكونَانِ فِي الرجل وَإِن لم يكن لَهُ آبَاء لَهُم شرف وَالْمجد لَا يكون إِلَّا بِالْآبَاءِ وترجمة الْأَعْشَى مرت فِي الشَّاهِد الثَّالِث وَالْعِشْرين وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد السَّابِع وَالْعشْرُونَ (الْبَسِيط) (يابى الظلامة مِنْهُ النوفل الزفر) وأوله (أَخُو رغائب يُعْطِيهَا ويسألها) على أَن الزفر بِمَعْنى السَّيِّد قَالَ الشَّارِح الْمُحَقق فِي فعل بِضَم الْفَاء إِذا كَانَ علما يشْتَرط لمنع صرفه جمع شرطين ثُبُوت فَاعل وَعدم فعل

قبل العلمية أما عمر وَزفر علمين فَكَانَ الْوَاجِب صرفهما لِأَنَّهُ لما جَاءَ لَهما فَاعل قبل العلمية جَاءَ فعل أَيْضا نَحْو عمر جمع عمْرَة والزفر السَّيِّد قَالَ الْأَعْشَى وَأنْشد الشّعْر ثمَّ قَالَ لكنهما لما سمعا غير منصرفين حكمنَا بِأَنَّهُمَا علمَان غير منقولين عَن فعل الجنسي بل هما معدولان عَن فَاعل انْتهى يفهم مِنْهُ أَنه لم يسمع صرف زفر فِي العلمية لَكِن يجوز صرفه بِاعْتِبَار كَونه معدولا من الزافر كَمَا صرح بِهِ ابْن جني نَاقِلا عَن أبي عَليّ فِي كِتَابه الْمُبْهِج وَهُوَ شرح أَسمَاء شعراء الحماسة وَعبارَته زفر معدول عَن زَافِر وَلذَلِك لم يصرف لِاجْتِمَاع التَّعْرِيف وَالْعدْل فِيهِ وَيدل على أَنه معدول أَنَّك لَا تَجدهُ فِي الْأَجْنَاس كَمَا تَجِد صرد ونغر وَأما قَوْله (يَأْبَى الظلامة مِنْهُ النوفل الزفر) فَقَالَ أَبُو عَليّ إِنَّك لَو سميت بِهَذَا صرفته كَمَا تصرفه إِذا سميته صردا وجرذا وحطما ولبدا وَقَالَ فِي مَوضِع آخر من هَذَا الْكتاب الزفر الناهض بِحمْلِهِ وَلَيْسَ زفر هَذَا الِاسْم مَنْقُولًا من هَذَا الْوَصْف وَلَو كَانَ كَذَلِك لوَجَبَ صرفه إِلَّا تعلم أَن فعلا المعدول عَن فَاعل لَا يجوز دُخُول اللَّام عَلَيْهِ وَذَلِكَ نَحْو زحل وَقثم وَقد قَالَ (يَأْبَى الظلامة مِنْهُ النوفل الزفر) فدخول اللَّام عَلَيْهِ يعرفك أَن زفر الَّذِي لَيْسَ مصروفا لَيْسَ بِهَذَا لداخلية اللَّام وَلَو سميت رجلا بزفر هَذَا بعد خلعك اللَّام عَنهُ لوَجَبَ صرفه لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ كصرد ونغر وَهَذَا وَاضح وَهُوَ رَأْي أبي عَليّ وَتَفْسِيره انْتهى

وَالْأَخ هُنَا بِمَعْنى الملابس والملازم للشَّيْء فَإِن الْعَرَب اسْتعْملت الْأَخ على أَرْبَعَة أوجه أَحدهَا هَذَا كَقَوْلِهِم أَخُو الْحَرْب وَالثَّانِي الْمجَالِس والمشابة كَقَوْلِهِم هَذَا الثَّوْب آخو هَذَا وَالثَّالِث الصّديق وَالرَّابِع أَخُو النّسَب وَهُوَ قِسْمَانِ نسب قرَابَة وَهُوَ الْمَشْهُور وَنسب قَبيلَة وَقوم كَقَوْلِهِم يَا أَخا تَمِيم يَا أَخا فَزَارَة لمن هُوَ مِنْهُم وَبِه فسر قَوْله تَعَالَى (يَا أُخْت هرون) والرغائب جمع رغيبة وَهِي العطايا الْكَثِيرَة كَذَا فِي الصِّحَاح وَفِي شرح شَوَاهِد الْغَرِيب المُصَنّف لِابْنِ السيرافي والرغائب الْأَشْيَاء الَّتِي يرغب فِيهَا يُرِيد يُعْطي مَا يرغب الرِّجَال فِي إدخاره ويحرصون على التَّمَسُّك بِهِ لنفاسته وأخو خبر مبتدا مَحْذُوف أَي هُوَ أَخُو رغائب وَجُمْلَة يُعْطِيهَا ويسألها مفسرة لوجه الملابسة فِي قَوْله أَخُو رغائب ويسألها بِالْبِنَاءِ للْمَجْهُول من السُّؤَال ويروي مَوْضِعه ويسلبها بِالْبِنَاءِ للمعلوم من السَّلب والظلامة بِالضَّمِّ وَمثله الظليمة والمظلمة بِكَسْر اللَّام وَضمّهَا وَهُوَ مَا تطلبه عِنْد الظَّالِم وَهُوَ اسْم مَا أَخذ مِنْك والنوفل الْبَحْر وَالْكثير الْعَطاء وَقَالَ ثَعْلَب النوفل الْعَزِيز الَّذِي ينفل عَنهُ الضيم أَي يَدْفَعهُ والزفر الْكثير النَّاصِر والأهل وَالْعدة وَقَالَ فِي الصِّحَاح هُوَ السَّيِّد لِأَنَّهُ يزدفر اي يتَحَمَّل بالأموال فِي الحمالات من دين ودية مطيقا لَهَا وأنشاد هَذَا الْبَيْت ثمَّ قَالَ وَإِنَّمَا يريديه بِعَيْنِه كَقَوْلِك لَئِن لقِيت فلَانا ليلقينك مِنْهُ الْأسد ومحصل كَلَامهم أَن من تجريدية والتجريد كَمَا فِي الْكَشْف هُوَ تَجْرِيد الْمَعْنى المُرَاد عَمَّا قَامَ بِهِ تصويرا لَهُ بِصُورَة المستقل مَعَ إِثْبَات مُلَابسَة بَينه وَبَين الْقَائِم بِهِ بأداة أَو سِيَاق وَهَذَا الْبَيْت من قصيدة عدَّة أبياتها أَرْبَعَة وَثَلَاثُونَ بَيْتا لأعشى باهله رثى صَاحب الشَّاهِد

بهَا الْمُنْتَشِر بن وهب الْبَاهِلِيّ قَالَ الْآمِدِيّ فِي المؤتلف والمختلف اعشى باهلة يكنى أَبَا قحطان جاهلي واسْمه عَامر بن الْحَارِث أحد بني عَامر بن عَوْف بن وَائِل ابْن معن ومعن أَبُو باهلة وباهلة امْرَأَة من هَمدَان وَهُوَ الشَّاعِر الْمَشْهُور صَاحب القصيدة المرثية فِي أخية لأمة الْمُنْتَشِر انْتهى والمنتشر هُوَ كَمَا قَالَ أَبُو عُبَيْدَة ابْن وهب بن سَلمَة بن كراثة بن هِلَال ابْن عَمْرو بن سَلامَة بن ثَعْلَبَة بن وَائِل بن معن بن مَالك بن أعصر بن سعد بن قيس عيلان وَكَانَ الْمُنْتَشِر رَئِيسا فَارِسًا وَكَانَ رَئِيس الْأَبْنَاء يَوْم أرمام وَهُوَ أحد يومي مُضر فِي الْيمن كَانَ يَوْمًا عَظِيما قتل فِيهِ مرّة بن عاهان وصلاءة بن العنبر والجموح ومعارك وَقَالَ الْأَصْمَعِي الْمُنْتَشِر هُوَ ابْن هُبَيْرَة بن وهب بن عَوْف بن حَارِث بن ورقة ابْن مَالك قَالَ السَّيِّد المرتضى فِي أَمَالِيهِ الْمُسَمَّاة غرر الْفَوَائِد ودرر القلائد وَهَذِه القصيدة من المراثي المفضلة الْمَشْهُورَة بالبراعة والبلاغة قَالَ وَقد رويت أَنَّهَا للدعجاء أُخْت الْمُنْتَشِر وَقيل لليلى أُخْته قَالَ وَمن هُنَا اشْتبهَ الْأَمر على عبد الْملك بن مَرْوَان فَظن أَنَّهَا لليلى الأخيلية وَيَنْبَغِي أَن نورد هَذِه القصيدة مشروحة لأمور مِنْهَا أَنَّهَا نادرة قَلما تُوجد وَمِنْهَا أَنَّهَا جَيِّدَة فِي بَابهَا وَمِنْهَا أَن كثيرا من أبياتها شَوَاهِد فِي كتب الْعلمَاء

ونورد أَولا خبر الْمُنْتَشِر حَتَّى يظْهر بِنَاء القصيدة عَلَيْهِ وَكَانَ من حَدِيثه على مَا رَوَاهُ أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن يحيى ثَعْلَب فِي رِوَايَته ديوَان الْأَعْشَى قَالَ خرج الْمُنْتَشِر ابْن وهب الْبَاهِلِيّ يُرِيد حج ذِي الخلصة وَمَعَهُ غلمه من قومه والأقيصر بن جَابر أَخُو بني فراص وَكَانَ بَنو نفَيْل بن عَمْرو بن كلاب أَعدَاء لَهُ فَلَمَّا رَأَوْا مخرجه وعورته وَمَا يَطْلُبهُ بِهِ بَنو الْحَارِث بن كَعْب وَطَرِيقَة عَلَيْهِم وَكَانَ من حج ذَا الخلصة أهْدى لَهُ هَديا يتحرم بِهِ مِمَّن لقِيه فَلم يكن مَعَ الْمُنْتَشِر هدي فَسَار حَتَّى إِذا كَانَ بهضب النباع انْكَسَرَ لَهُ بعض غلمته الَّذين كَانُوا مَعَه فَصَعِدُوا فِي شعب من النباع فَقَالُوا فِي غَار فِيهِ وَكَانَ الأقيصر يتكهن وأنذر بَنو نفَيْل بالمنتشر بني الْحَارِث بن كَعْب فَقَالَ الأقيصر النَّجَاء يَا منتشر فقد أتيت فَقَالَ لَا أَبْرَح حَتَّى أبرد فَمضى الأقيصر وَأقَام الْمُنْتَشِر وَأَتَاهُ غلمته بسلاحه واراد قِتَالهمْ فأمنوه وَكَانَ قد أسر رجلا من بني الْحَارِث بن كَعْب يُقَال لَهُ هِنْد بن أَسمَاء بن زنباع فَسَأَلَهُ أَن يفْدي نَفسه فَأَبْطَأَ عَلَيْهِ فَقطع أُنْمُلَة ثمَّ أَبْطَأَ فَقطع مِنْهُ أُخْرَى وَقد أَمنه الْقَوْم وَوضع سلاحه فَقَالَ أتؤمنون مقطعا وإلهي لَا أؤمنه ثمَّ قَتله وَقتل غلمته انْتهى وَذُو الخلصة بِفَتَحَات الْخَاء الْمُعْجَمَة وَاللَّام وَالصَّاد الْمُهْملَة الْكَعْبَة اليمانية الَّتِي كَانَت بِالْيمن أنفذ إِلَيْهَا رَسُول الله جرير بن عبد الله فخربها وَقيل هُوَ بَيت كَانَ فِيهِ صنم لدوس وخثعم وبجيلة وَغَيرهم كَذَا فِي النِّهَايَة لِابْنِ الْأَثِير وَفِي الصِّحَاح هُوَ بَيت لخثعم كَانَ يَدعِي الْكَعْبَة اليمانية وَكَانَ فِيهِ صنم يدعى الخلصة فهدم وَفِي شرح البُخَارِيّ لِابْنِ حجر ذُو الخلصة بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَاللَّام بعْدهَا مُهْملَة وَحكى ابْن دُرَيْد فتح

أَوله وَإِسْكَان ثَانِيَة وَحكى ابْن هِشَام ضمهما وَقيل بِفَتْح أَوله وَضم ثَانِيَة وَالْأول أشهر والخلصة نَبَات لَهُ حب أَحْمَر كخرز العقيق وَذُو الخلصة اسْم الْبَيْت الَّذِي كَانَ فِيهِ الصَّنَم وَقيل اسْم الْبَيْت الخلصة وَاسم الصَّنَم ذُو الخلصة وَحكى الْمبرد أَن مَوضِع ذِي الخلصة صَار مَسْجِدا جَامعا لبلدة يُقَال لَهَا العبلات من أَرض خثعم وَوهم من قَالَ إِنَّه كَانَ فِي بِلَاد فَارس انْتهى وَرَأَيْت فِي كتاب الْأَصْنَام لِابْنِ الْكَلْبِيّ أَن ذَا الخلصة كَانَ مروة بَيْضَاء منقوشة عَلَيْهَا كَهَيئَةِ التَّاج وَكَانَت بتبالة بَين مَكَّة واليمن مسيرَة سبع لَيَال من مَكَّة وَكَانَ سدنتها بَنو أُمَامَة من باهلة بن أعصر وَكَانَت تعظمها وتهدي لَهَا خثعم وبجيلة وأزد السراة وَمن قاربهم من بطُون الْعَرَب من هوَازن وفيهَا يَقُول خِدَاش بن زُهَيْر العامري لعثعث بن وَحشِي فِي عهد كَانَ بَينهم فغدر بهم (الطَّوِيل) (وذكرته بِاللَّه بيني وَبَينه ... وَمَا بَيْننَا من هَذِه لَو تذكرا) (وبالمروة الْبَيْضَاء يَوْم تباله ... ومحبسة النُّعْمَان حَيْثُ تنصرا) فَلَمَّا فتح رَسُول الله مَكَّة وَأسْلمت الْعَرَب ووفدت عَلَيْهِ وفودها قدم عَلَيْهِ جرير بن عبد الله مُسلما فَقَالَ لَهُ يَا جرير أَلا تكفيني ذَا الخلصة فَقَالَ بلَى فوجهه إِلَيْهِ فَخرج حَتَّى أَتَى أحمس من بجيلة فَسَار بهم إِلَيْهِ فقاتلته خثعم وباهلة دونه فَقتل من سدنته من باهلة

يؤمئذ مائَة رجل وَأكْثر الْقَتْل فِي خثعم وَقتل مِائَتَيْنِ من بني قُحَافَة بن عَامر بن خثعم فظفر بهم وَهَزَمَهُمْ وَهدم بُنيان ذِي الخلصة واضرم فِيهِ النَّار فَاحْتَرَقَ وَذُو الخلصة الْيَوْم عتبَة بَاب مَسْجِد تبَالَة وبلغنا أَن رَسُول الله قَالَ لَا تذْهب الدُّنْيَا حَتَّى تصطك أليات نسَاء دوس على ذِي الخلصة يعبدونه كَمَا كَانُوا يعبدونه انْتهى وَالْقَصِيدَة هَذِه (إِنِّي أَتَتْنِي لِسَان لَا أسر بهَا ... من علو لَا عجب مِنْهَا وَلَا سخر) هَذَا الْبَيْت أوردهُ الشَّارِح الْمُحَقق فِي الظروف على أَن علو رُوِيَ بِضَم الْوَاو وَكسرهَا وَفتحهَا وَاسْتشْهدَ بِهِ صَاحب الْكَشَّاف على أَن اللِّسَان فِي قَوْله تَعَالَى {وَجَعَلنَا لَهُم لِسَان صدق عليا} أطلق على مَا يُوجد بهَا من الْعَطِيَّة وَاللِّسَان هُنَا بِمَعْنى الرسَالَة وَأَرَادَ بهَا نعي الْمُنْتَشِر وَلِهَذَا أنث لَهُ الْفِعْل فَإِنَّهُ إِذا أُرِيد بِهِ الْكَلِمَة أَو الرسَالَة يؤنث وَيجمع على ألسن وَإِذا كَانَ بِمَعْنى جارحة الْكَلَام فَهُوَ مُذَكّر وَيجمع على أَلْسِنَة روى ثَعْلَب (إِنِّي أتيت بِشَيْء لَا أسر بِهِ ... من علو لَا عجب فِيهِ وَلَا سخر) وروى أَبُو زيد فِي نوادره (إِنِّي أَتَانِي شَيْء لَا أسر بِهِ ... من عل لَا عجب فِيهِ وَلَا سخر) قَالَ: ويروى " من علو " و" سخر " - بِضَمَّتَيْنِ -. قَالَ فِي " الصِّحَاح ": " وعلو مثلث الْوَاو، أَي: أَتَانِي خبر من أَعلَى نجد ". وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: أَرَادَ الْعَالِيَة. وَقَالَ ثَعْلَب:

أَي: من أعالي الْبِلَاد. وَيُقَال من علو بِتَثْلِيث الْوَاو وَمن عل بِكَسْر اللَّام وضمهما، وَمن علا، وَمن أَعلَى، وَمن معال. وَقَوله " لَا عجب " إِلَخ، أَي: لَا أعجب مِنْهَا، وَإِن كَانَت عَظِيمَة، لِأَن مصائب الدُّنْيَا كَثِيرَة؛ " وَلَا سخر ": بِالْمَوْتِ، وَقيل مَعْنَاهُ لَا أَقُول ذَلِك سخرية، وَهُوَ بِفتْحَتَيْنِ وبضمتين: مصدر سخر مِنْهُ كفرح وسخرا بِضَمَّتَيْنِ ومسخرا: اسْتَهْزَأَ بِهِ. (فظلت مكتئباً حران أندبه ... وَكنت أحذره لَو ينفع الحذر) وروى: وَكنت ذَا حذر: (فَجَاشَتْ النَّفس لنا جَاءَ جمعهم ... وراكب جَاءَ من تثليت مُعْتَمر) فِي " الصِّحَاح ": " جَاشَتْ نَفسه أَي: غثت، وَيُقَال دارت للغثيان. فَإِن أردْت أَنَّهَا ارْتَفَعت من حزن أَو فزع. قلت: جشأت، بِالْهَمْز ". وروى بدل " جمعهم " أَي: الَّذين شهدُوا مَقْتَله: " فَلهم " بِفَتْح الْفَاء وَتَشْديد اللَّام؛ يُقَال جَاءَ فل الْقَوْم أَي: منهزموهم، يَسْتَوِي فِيهِ الْوَاحِد وَالْجمع، وَرُبمَا قَالُوا: فلول وفلال. وتثليت بِالْمُثَلثَةِ. اسْم مَوضِع. و" مُعْتَمر " صفة رَاكب بِمَعْنى زائر، وَيُقَال من عمْرَة الْحَج. (يَأْتِي على النَّاس لَا يلوي على أحد ... حَتَّى الْتَقَيْنَا وَكَانَت دُوننَا مُضر) فَاعل " يَأْتِي " ضمير الرَّاكِب. و" يلوي ": مضارع لوى بِمَعْنى توقف وعرج، أَي: يمر هَذَا الرَّاكِب على النَّاس وَلم يعرج على أحد حَتَّى أَتَانِي؛ لِأَنِّي كنت صديقه. و" دون " بِمَعْنى قُدَّام. (إِن الَّذِي جِئْت من تثليث تندبه ... مِنْهُ السماح وَمِنْه النَّهْي والغير) أَي: فقت لهَذَا الرَّاكِب: إِن الَّذِي جِئْت إِلَخ، يُقَال ندب الْمَيِّت من بَاب

نصر: بَكَى عَلَيْهِ وَعدد محاسنه. وَجُمْلَة " مِنْهُ السماح " إِلَخ خبر إِن. و" النَّهْي ": خلاف الْأَمر. و" الْغَيْر "، بِكَسْر الْمُعْجَمَة وَفتح الْمُثَنَّاة التَّحْتِيَّة: اسْم من غيرت الشَّيْء فَتغير، أَقَامَهُ مقَام الْأَمر. (ينعى امرا لَا تغب الْحَيّ جفنته ... إِذا الْكَوَاكِب أخطا نوءها الْمَطَر) النعي خبر الْمَوْت يُقَال نعاه ينعاه قَالَ الْأَصْمَعِي كَانَت الْعَرَب إِذا مَاتَ ميت لَهُ قدر ركب رَاكب فرسا وَجعل يسير فِي النَّاس وَيَقُول نعاء فلَانا أَي انعه وَأظْهر خبر وَفَاته وَهِي مَبْنِيَّة على الْكسر وَلَا يغب هُوَ من قَوْلهم فلَان لَا يغبنا عطاؤه أَي لَا يأتينا يَوْمًا دون يَوْم بل يأتينا كل يَوْم والجفنة الْقَصعَة وأخطاه كتخطاه تجاوزه والنوء سُقُوط نجم من الْمنَازل فِي الْمغرب مَعَ الْفجْر وطلوع رقيبه من الْمشرق يُقَابله من سَاعَته فِي كل لَيْلَة إِلَى ثَلَاثَة عشر يَوْمًا وَهَكَذَا كل نجم إِلَى انْقِضَاء السّنة وَكَانَت الْعَرَب تضيف الأمطار والرياح وَالْحر وَالْبرد إِلَى السَّاقِط مِنْهَا يُرِيد أَن جفانه لَا تَنْقَطِع فِي الْقَحْط والشدة ... وراحت الشول مغبرا مناكبها ... شعثا تغير مِنْهَا الني والوبر) مَعْطُوف على مَدْخُول إِذا فِي الْقَامُوس الشائلة من الْإِبِل مَا أَتَى عَلَيْهَا من حملهَا أَو وَضعهَا سَبْعَة أشهر فجف لَبنهَا وَالْجمع شول على غير قِيَاس وَفِي النِّهَايَة الشول مصدر شال لبن النَّاقة أَي ارْتَفع وَتسَمى النَّاقة الشول أَي ذَات شول لِأَنَّهُ لم يبْق فِي ضرْعهَا إِلَّا شول من لبن اي بَقِيَّة وَيكون ذَلِك بعد سَبْعَة أشهر من حملهَا وروى مباءتها أَي مراجها بدل مناكبها ومغبرا يَعْنِي من الرِّيَاح والعجاج والني بِفَتْح النُّون الشَّحْم

ومصدر نَوَت النَّاقة تنوي نواية ونيا إِذا سمنت يُرِيد أَن الجدب وَقلة المرعى خشن لَحمهَا وَغَيره (وَأَلْجَأَ الْكَلْب مبيض الصقيع بِهِ ... وَأَلْجَأَ الْحَيّ من تناحه الْحجر) مَعْطُوف أَيْضا على مَدْخُول إِذا وَأَلْجَأَ اضْطر ويروي أجحر يُقَال أجحرته أَي ألجأته إِلَى أَن دخل جحرة والصقيع الجليد وتنفاحه ضربه وَهُوَ مصدر نفحت الرّيح إِذا هبت بَارِدَة وَالضَّمِير للصقيع وَالْبَاء فِي بِهِ بِمَعْنى على وَالضَّمِير للكلب وَالْحجر بِضَم الْحَاء وَفتح الْجِيم جمع حجرَة بِالضَّمِّ الغرفة وحظيرة الْإِبِل من شجر يَقُول هُوَ فِي مثل هَذِه الْأَيَّام الشَّدِيدَة يطعم النَّاس الطَّعَام (عَلَيْهِ أول زَاد الْقَوْم قد علمُوا ... ثمَّ الْمطِي إِذا مَا أرملوا جزر) يَعْنِي أَنه يرتب على نَفسه زَاد أصحابة أَولا وَإِذا فني الزَّاد نحر لَهُم وأرمل الرجل نفد زَاده والمطي جمع مَطِيَّة وَهِي النَّاقة والجزر بِضَمَّتَيْنِ جمع جزور وَهِي النَّاقة الَّتِي تنحر وَرُوِيَ بِفتْحَتَيْنِ جمع جزرة وَهِي النَّاقة وَالشَّاة تذبح (قد تكظم البزل مِنْهُ حِين تبصره ... حَتَّى تقطع فِي أعناقها الجرر) ويروى (وتفزع الشول مِنْهُ حِين يفجؤها) يُقَال كظم الْبَعِير بِالْفَتْح يَكْظِم بِالْكَسْرِ كظوما إِذا أمسك عَن الجرة وَقيل الكظم أَن لَا تجتر لشدَّة الْفَزع إِذا رَأَتْ السَّيْف والبزل جمع بازل وَهُوَ الدَّاخِل فِي السّنة التَّاسِعَة والجرر جمع جرة بِكَسْر الْجِيم فيهمَا وَهِي مَا يُخرجهُ الْبَعِير للاجترار يَقُول تعودت الْإِبِل أَنه يعقر مِنْهَا فَإِذا

رَأَتْهُ كظمت على جرتها فَزعًا مِنْهُ وتقطع فعل مضارع مَنْصُوب بِأَن (أَخُو رغائب يُعْطِيهَا ويسألها ... يَأْبَى الظلامة مِنْهُ النوفل الزفر) (لم تَرَ أَرضًا وَلم] تسمع بساكنها ... إِلَّا بهَا من نوادي وقعه أثر) نوادي كل شَيْء بالنُّون أَوَائِله وَمَا ندر مِنْهُ وَاحِدَة نَادِيَةَ وَمِنْه قَوْلهم لَا ينداك مني سوء أبدا أَي لَا ينْدر إِلَيْك والوقع النُّزُول (وَلَيْسَ فِيهِ إِذا استنظرته عجل ... وَلَيْسَ فِيهِ إِذا ياسرته عسر) (وَإِن يصبك عَدو فِي مناوأة ... يَوْمًا فقد كنت تستعلي وتنتصر) ويروي فقد كَانَ يستعلي وينتصر المناوأة المعاداة يُقَال ناوأت الرجل مناوأة وَقيل هِيَ الْمُحَاربَة ناوأته أَي حاربته قَالَ الشَّاعِر (الطَّوِيل) ... إِذا أَنْت ناوأت الْقُرُون فَلم تنؤ ... بقرنين عزتك الْقُرُون الكوامل) (من لَيْسَ فِي خَيره من يكدره ... على الصّديق وَلَا فِي صَفوه كدر) (أَخُو شروب ومكساب إِذا عدموا ... وَفِي المخافة مِنْهُ الْجد والحذر) الشروب جمع شرب وَهُوَ جمع شَارِب كصحب جمع صَاحب ويروى أَخُو حروب والمكاسب مُبَالغَة كاسب والعدم الْفقر وَفعله من بَاب فَرح (مردى حروب وَنور يستضاء بِهِ ... كَمَا أَضَاء سَواد الظلمَة الْقَمَر) المردى بِكَسْر الْمِيم قَالَ فِي الصِّحَاح هُوَ حجر يَرْمِي بِهِ وَمِنْه قيل للشجاع إِنَّه لمردى حروب وَمَعْنَاهُ أَنه يقذف فِي الحروب ويرجم فِيهَا وروى ...

(كَمَا أَضَاء سَواد الطخية الْقَمَر) الطخية بِضَم الْمُهْملَة وَسُكُون الْمُعْجَمَة الظلمَة والطخياء بِالْمدِّ اللَّيْلَة الْمظْلمَة يُرِيد أَنه كَامِل شجاعة وعقلا فشجاعته كَونه يرْمى فِي الحروب وعقله كَون رَأْيه نورا يستضاء بِهِ وهما وصفان متضادان غَالِبا (مهفهف أهضم الكشحين منخرق ... عَنهُ الْقَمِيص لسير اللَّيْل محتقر) المهفهف الخميص الْبَطن الدَّقِيق الخصر والأهضم المنضم الجنبين والكشح مَا بَين الخاصرة إِلَى الضلع الْخلف وَهَذَا مدح عِنْد الْعَرَب فَإِنَّهَا تمدح الهزال والضمر وتذم السّمن وَفِي الْعباب وَرجل منخرق السربال إِذا طَال سَفَره فشققت ثِيَابه ولسير اللَّيْل مُتَعَلق بِمَا بعده وَهَذَا يدل على الجلادة وَتحمل الشدائد (طاوي الْمصير على العزاء منجرد ... بالقوم لَيْلَة لَا مَاء وَلَا شجر) الطوى الْجُوع وَفعله من بَاب فَرح وطوى بِالْفَتْح يطوي بِالْكَسْرِ طيا إِذا تعمد الْجُوع والمصير المعى الرَّقِيق وَجمعه مصران كرغيف ورغفان وَجمع هَذَا مصارين أَرَادَ طاوي الْبَطن والعزاء بِفَتْح الْعين المهمله وَتَشْديد الزَّاي الْمُعْجَمَة الشدَّة والجهد وَقَالَ فِي الصِّحَاح هِيَ السّنة الشَّدِيدَة والمنجرد المتشمر وَقَوله لَيْلَة لَا مَاء وَلَا شجر أَي يرْعَى (لَا يصعب الْأَمر إِلَّا ريث يركبه ... وكل أَمر سوى الْفَحْشَاء يأتمر) أصعب الْأَمر وجده صعبا وكل مفعول مقدم ليأتمر أَي يفعل كل خير وَلَا يدنو من الْفَاحِشَة ...

(لَا يهتك السّتْر عَن أُنْثَى يطالعها ... وَلَا يشد إِلَى جاراته النّظر) (لَا يتأرى لما فِي الْقدر يرقبه ... وَلَا يعَض على شرسوفه الصفر) لَا يتأرى لَا يتجبس ويتلبث يُقَال تأرى بِالْمَكَانِ إِذا أَقَامَ فِيهِ أَي لَا يلبث لإدراك طَعَام الْقدر وَجُمْلَة يرقبه حَال من الْمُسْتَتر فِي يتأرى يمدحه بِأَن همته لَيْسَ فِي الْمطعم وَالْمشْرَب وَإِنَّمَا همته فِي طلب الْمَعَالِي فَلَيْسَ يرقب نضج مَا فِي الْقدر إِذا هم بِأَمْر لَهُ شرف بل يَتْرُكهَا ويمضى والشرسوف طرف الضلع والصفر دويبة مثل الْحَيَّة تكون فِي الْبَطن تعتري من بِهِ شدَّة الْجُوع قَالَ فِي النِّهَايَة فِي حَدِيث لَا عدوى وَلَا هَامة وَلَا صفر إِن الْعَرَب كَانَت تزْعم أَن فِي الْبَطن حَيَّة يُقَال لَهَا الصفر تصيب الْإِنْسَان إِذا جَاع وتؤذيه وَأَنَّهَا تعدِي فَأبْطل الْإِسْلَام ذَلِك وَقيل أَرَادَ بِهِ النَّبِي النسيء الَّذِي كَانُوا يَفْعَلُونَهُ فِي الْجَاهِلِيَّة وَهُوَ تَأْخِير الْمحرم إِلَى صفر ويجعلون صفر هُوَ الشَّهْر الْحَرَام فأبطله انْتهى وَلم يرد الشَّاعِر أَن فِي جَوْفه صفرا لَا يعَض على شراسيفه وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنه لَا صفر فِي جوفة فيعض يصفه بِشدَّة الْخلق وَصِحَّة البنية (لَا يغمز السَّاق من أَيْن وَلَا وصب ... وَلَا يزَال أَمَام الْقَوْم يقتفر) لَا يغمز السَّاق لَا يجسها يصف جلده وتحمله للمشاق والأين الإعياء والوصب الوجع والاقتفار بِتَقْدِيم الْقَاف على الْفَاء اتِّبَاع الْآثَار فِي الصِّحَاح وقفرت أَثَره أقفره بِالضَّمِّ أَي قفوته وأقتفرت مثله وَأنْشد هَذَا

الْبَيْت وَرَوَاهُ أَبُو الْعَبَّاس فِي شرح نَوَادِر أبي زيد يقتفر بِالْبِنَاءِ للْمَجْهُول وَمَعْنَاهُ أَنه يفوت النَّاس فَيتبع وَلَا يلْحق (لَا يَأْمَن النَّاس ممساه ومصبحه ... فِي كل فج وَإِن لم يغز ينْتَظر) اي لَا يأمنه النَّاس على كل حَال سَوَاء كَانَ غازيا أم لَا فَإِن كَانَ غازيا يخَافُونَ أَن يُغير عَلَيْهِم وَإِن لم يكن غازيا فَإِنَّهُم قي قلق أَيْضا لأَنهم يترقبون غَزْوَة وينتظرونه ... تكفيه حزة فلذان ألم بهَا ... من الشواء ويروي شربه الْغمر) الحزة بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الزَّاي الْمُعْجَمَة قِطْعَة من اللَّحْم قطعت طولا والفلذان جمع فلذ بِكَسْر الْفَاء فيهمَا الْقطعَة من الكبد وَاللَّحم وألم بهَا أَصَابَهَا يَعْنِي أكلهَا والغمر بِضَم الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَفتح الْمِيم قدح صَغِير لَا يروي (لَا تأمن البازل الكوماء عدوته ... وَلَا الأمون إِذا مَا أخروط السّفر) البازل الْبَعِير الَّذِي فطر نأبه بِدُخُولِهِ فِي السّنة التَّاسِعَة وَيُقَال للناقة بازل أَيْضا يستوى فِيهِ الذّكر وَالْأُنْثَى والكوماء بِالْفَتْح النَّاقة الْعَظِيمَة السنام والعدوة التَّعَدِّي فَإِنَّهُ يَنْحَرهَا لمن مَعَه سَوَاء كَانَت المطية مُسِنَّة كالبازل أَو شَابة كالأمون وَهِي النَّاقة الموثقة الْخلق يُؤمن عثارها وضعفها واخروط امْتَدَّ وَطَالَ (كَأَنَّهُ بعد صدق الْقَوْم أنفسهم ... باليأس تلمع من قدامه الْبشر) لمع أَضَاء والبشر بِضَمَّتَيْنِ جمع بشير يَقُول إِذا فزع الْقَوْم وأيقنوا بِالْهَلَاكِ عِنْد الحروب أَو الشدائد فَكَأَنَّهُ من ثقته بِنَفسِهِ قدامه بشير يبشره

بالظفر والنجاح فَهُوَ منطلق الْوَجْه نشيط غير كسلان قَالَ السَّيِّد المرتضى فِي أمالية قَالَ الْمبرد لَا نعلم بَيْتا فِي يمن النقيبة وبركه الطلعة أبرع من هَذَا الْبَيْت (لَا يعجل الْقَوْم أَن تغلي مراجلهم ... ويدلج اللَّيْل حَتَّى يفسح الْبَصَر) يُرِيد أَنه رابط الجأش عِنْد الْفَزع لَا يستخفه الْفَزع فيعجل أَصْحَابه عَن الأطباخ وَقَوله حَتَّى يفسح الْبَصَر أَي يجد متسعا من الصُّبْح وَقيل مَعْنَاهُ لَيْسَ هُوَ شَرها يتعجل بِمَا يُؤْكَل والمراجل الْقُدُور جمع مرجل (عِشْنَا بِهِ حقبة حَيا ففارقنا ... كَذَلِك الرمْح ذُو النصلين ينكسر) وروى (عِشْنَا بذلك دهرا ثمَّ وَدعنَا) والنصلان هما السنان وَهِي الحديدة الْعليا من الرمْح والزج وَهِي الحديدة السُّفْلى وَيُقَال لَهما الزجان أَيْضا وَهَذَا مثل أَي كل شَيْء يهْلك وَيذْهب (فَإِن جزعنا فقد هدت مصابتنا ... وَإِن صَبرنَا فَإنَّا معشر صَبر) المصابة بِضَم الْمِيم بِمَعْنى الْمُصِيبَة يُقَال جبر الله مصابته وَهُوَ فَاعل وَالْمَفْعُول مَحْذُوف أَي قوانا وَالصَّبْر بِضَمَّتَيْنِ جمع صبور مُبَالغَة صابر (أصبت فِي حرم منا أَخا ثِقَة ... هِنْد بن أَسمَاء لَا يهني لَك الظفر) خَاطب قَاتل الْمُنْتَشِر هِنْد بن أَسمَاء وَأَرَادَ بِالْحرم ذَا الخلصة ثمَّ دَعَا عَلَيْهِ والتهنئة خلاف التَّعْزِيَة (لَو لم تخنه نفَيْل وَهِي خَائِنَة ... لصبح الْقَوْم وردا مَا لَهُ صدر)

وهو الشاهد الثامن والعشرون

صبحه سقَاهُ الصبوح وَهُوَ الشّرْب بِالْغَدَاةِ أَرَادَ أَنه كَانَ يقتلهُمْ (وَأَقْبل الْخَيل من تثليث مصغية ... وَضم أعينها رغوان أَو حضر) أقبل الْخَيل جعلهَا مقبلة ومصغية مائلة نحوكم ورغوان وَحضر موضعان أَي كَانَت تَأتي خيله عَلَيْكُم فِي هذَيْن الْمَوْضِعَيْنِ وَمَا كَانَت تنام فِي منزل إِلَّا فيهمَا (إِذا سلكت سَبِيلا أَنْت سالكه ... فَاذْهَبْ فَلَا يبعدنك الله منتشر) وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد الثَّامِن وَالْعشْرُونَ (شمس بن مَالك) وَهُوَ قِطْعَة من بَيت وَهُوَ (الطَّوِيل) (إِنِّي لمهد من ثنائي وقاصد ... بِهِ لِابْنِ عَم الصدْق شمس بن مَالك) على أَنه مَصْرُوف مَعَ أَنه معدول عَن شمس بِالْفَتْح وَعَلِيهِ اقْتصر فِي بَاب الْعلم وَإِنَّمَا صرف لكَونه لم يلْزم الضَّم فَإِنَّهُ سمع فِيهِ الْفَتْح أَيْضا فَلَمَّا لم يلْزم الضَّم لم يعْتَبر عدله وَلَو لزم الضَّم لصرف أَيْضا لِأَنَّهُ يكون حِينَئِذٍ مَنْقُولًا من جمع شموس لَا معدولا من شمس بِالْفَتْح وَقد تبع الشَّارِح الْمُحَقق فِي رِوَايَة الضَّم وَالْفَتْح شرَّاح الحماسة مِنْهُم ابْن جني فِي إعرابها فَإِنَّهُ قَالَ أما من روى شمس فتح الشين فَأمره وَاضح كَمَا يُسمى ببدر وَنَحْوه وَمن رَوَاهُ شمس بِضَم الشين فَيحْتَمل أَن يكون جمع شموس سمي بِهِ من قَول الأخطل

(الْبَسِيط) (شمس الْعَدَاوَة حَتَّى يستقاد لَهُم ... وَأعظم النَّاس أحلاما إِذا قدرُوا) وَيجوز أَن يكون ضم الشين على وَجه تَغْيِير الْأَعْلَام نَحْو معد يكرب وثهلل وموهب وموظب ومكوزة وَغير ذَلِك مِمَّا غير فِي حَال نَظَائِره لأجل العلمية الْحَادِثَة فِيهِ وَلَيْسَ فِي كَلَام الْعَرَب شمس إِلَّا هَذَا الْموضع ا. هـ. وَفِيه نظر فَإِن شمسا فِي هَذَا الْبَيْت مضموم الشين لَا غير وَإِن المضموم غير المفتوح كَمَا فَصله الْحسن العسكري فِي كتاب التَّصْحِيف فَإِنَّهُ قَالَ بعد مَا أورد هَذَا الْبَيْت شمس مضموم الشين بطن من الأزد من مَالك بن فهم وكل مَا جَاءَ فِي أَنْسَاب الْيمن فَهُوَ شمس بِالضَّمِّ وكل مَا جَاءَ فِي قُرَيْش فَهُوَ شمس بِالْفَتْح انْتهى وَهَذَا الْبَيْت أول أَبْيَات عشرَة لتأبط شرا أثبتها أَبُو تَمام فِي أول الحماسة قَالَ ابْن جني ضمير بِهِ عِنْدِي رَاجع إِلَى مَوْصُوف مَحْذُوف أَي ثَنَاء من ثنائي وراجع عِنْد الْأَخْفَش إِلَى نفس ثنائي وَمن عِنْده زَائِدَة وسيبويه لَا يرى زيادتها فِي الْوَاجِب انْتهى فعلى الأول يكون مَا أهْدى محذوفا وعَلى الثَّانِي مَذْكُورا وَاللَّام فِي قَوْله لِابْنِ عَم مُتَعَلقَة بقاصد عِنْد الْبَصرِيين يُقَال قصدته بِكَذَا وقصدت لَهُ بِهِ قَالَ فِي الْعباب كل مَا نسب إِلَى الصّلاح وَالْخَيْر أضيف إِلَى الصدْق فَقيل رجل صدق وصديق صدق وتأبط شرا تقدّمت تَرْجَمته فِي الشَّاهِد الْخَامِس عشر

وهو الشاهد التاسع والعشرون

وَأما مُصَنف كتاب التَّصْحِيف فَهُوَ أَبُو أَحْمد الْحسن بن عبد الله بن سعيد بن إِسْمَاعِيل العسكري ولد يَوْم الْخَمِيس لست عشرَة لَيْلَة خلت من شَوَّال سنة ثَلَاث وَتِسْعين وَمِائَتَيْنِ وَمَات يَوْم الْجُمُعَة لسبع خلون من ذِي الْحجَّة من سنة أثنتين وَثَمَانِينَ وثلاثمائة قَالَ أَبُو طَاهِر السلَفِي إِن أَبَا أَحْمد هَذَا كَانَ من الْأَئِمَّة الْمَذْكُورين بِالتَّصَرُّفِ فِي أَنْوَاع الْعُلُوم والتبحر فِي فنون الفهوم وَمن الْمَشْهُورين بجودة التَّأْلِيف وَحسن التصنيف وَمن جملَته كتاب صناعَة الشّعْر كتاب الحكم والأمثال كتاب التَّصْحِيف كتاب رَاحَة الْأَرْوَاح كتاب الزواجر والمواعظ كتاب تَصْحِيح الْوُجُوه والنظائر وَكَانَ قد سمع بِبَغْدَاد وَالْبَصْرَة واصبهان وَغَيرهَا من شُيُوخ مِنْهُم أَبُو الْقَاسِم الْبَغَوِيّ وَابْن أبي دَاوُد السجسْتانِي وَأكْثر عَنْهُم وَبَالغ فِي الْكِتَابَة وَبَقِي حَتَّى علا بِهِ السن واشتهر فِي الْآفَاق بالرواية والإتقان وانتهت إِلَيْهِ رياسة التحديث والإملاء والتدريس بقطر خوزستان ورحل الأجلاء إِلَيْهِ للاخذ عَنهُ وَالْقِرَاءَة عَلَيْهِ نقلته مُخْتَصرا من مُعْجم الأدباء وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد التَّاسِع وَالْعشْرُونَ (الْكَامِل) (وهم قُرَيْش الأكرمون إِذا انتموا ... طابوا فروعا فِي الْعلَا وعروقا) على أَن الْأَب رُبمَا جعل مؤولا بالقبيلة فَمنع الصّرْف كَمَا منع قُرَيْش الصّرْف لتأويله بالقبيلة والأكرمون صفة قُرَيْش

\ وَمثله لعدي بن زيد بن الرّقاع العاملي يمدح الْوَلِيد بن عبد الْملك (الْكَامِل) (غلب المساميح الْوَلِيد سماحة ... وَكفى قُرَيْش المعضلات وسادها) والمساميح جمع سمح على خلاف الْقيَاس وَقَوله إِذا انتموا يُقَال انْتَمَى إِلَى أَبِيه انتسب ونميته إِلَى أَبِيه نميا نسبته فِي الْعباب قَالَ ابْن دُرَيْد كثر الْكَلَام فِي قُرَيْش فَقَالَ قوم سميت قُرَيْش بِقُرَيْش بن مخلد بن غَالب بن فهر وَكَانَ صَاحب عيرهم فَكَانُوا يَقُولُونَ قدمت عير قُرَيْش وَخرجت عير قُرَيْش وَقَالَ قوم سميت قُريْشًا لِأَن قصيا قرشها أَي جمعهَا فَلذَلِك سمي قصي مجمعا قَالَ الْفضل) (أَبونَا قصي كَانَ يدعى مجمعا ... بِهِ جمع الله الْقَبَائِل من فهر) وَقَالَ اللَّيْث قُرَيْش قَبيلَة أبوهم النَّضر بن كنَانَة بن خُزَيْمَة بن مدركة بن الياس ابْن مُضر فَكل من كَانَ من ولد النَّضر فَهُوَ قريشي دون ولد كنَانَة وَمن فَوْقه وَقَالَ صَاحب الْعباب وينقض هذَيْن الْقَوْلَيْنِ قَول ابْن الْكَلْبِيّ لِأَنَّهُ المرجوع إِلَيْهِ فِي هَذَا الشَّأْن وَهُوَ أَن قُريْشًا اسْمه فهر بن مَالك بن النَّضر وَفِي تَسْمِيَته قُريْشًا سَبْعَة أَقْوَال أَحدهَا سموا قُريْشًا لتجمعهم إِلَى الْحرم ثَانِيهَا أَنهم كَانُوا يتقرشون الْبياعَات فيشترونها ثَالِثهَا أَنه جَاءَ النَّضر بن كنَانَة فِي ثوب لَهُ يَعْنِي اجْتمع فِي ثَوْبه فَقَالُوا قد تقرش فِي ثَوْبه رَابِعهَا قَالُوا جَاءَ إِلَى قومه فَقَالُوا كَأَنَّهُ جمل قُرَيْش أَي شَدِيد خَامِسهَا قَول ابْن عَبَّاس لما سَأَلَهُ عَمْرو بن الْعَاصِ بِمَ سميت قُرَيْش

وهو الشاهد الثلاثون

قَالَ بِدَابَّة فِي الْبَحْر تسمى قُريْشًا لَا تدع دَابَّة إِلَّا أكلتها فدواب الْبَحْر كلهَا تخافها قَالَ المشمرج بن عَمْرو الْحِمْيَرِي (الْخَفِيف) (وقريش هِيَ الَّتِي تسكن الْبَحْر ... بهَا سميت قُرَيْش قُريْشًا) سادسها قَالَ عبد الْملك بن مَرْوَان سَمِعت أَن قصيا كَانَ يُقَال لَهُ الْقرشِي لم يسم قرشي قبله سابعها أَنهم كَانُوا يفتشون الْحَاج عَن خلتهم فيسدونها وَيعلم من هَذِه الْأَقْوَال أَن كَون قُرَيْش أَبَا إِنَّمَا هُوَ على القَوْل الثَّالِث وَالرَّابِع وَالسَّادِس وأنشده بعده (جذب الصراريين بالكرور) على أَن جمع التكسير لَا يمْتَنع جمعه جمع سَلامَة فَإِن الصراري جمع صراء وَهُوَ جمع تكسير وَقد جمع على الصراريين جمع سَلامَة وَتقدم مَا فِيهِ مشروحا فِي الشَّاهِد الْحَادِي وَالْعِشْرين فَرَاجعه وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد الثَّلَاثُونَ وَهُوَ من شَوَاهِد س (الْكَامِل) (وَإِذا الرِّجَال رَأَوْا يزِيد رَأَيْتهمْ ... خضع الرّقاب نواكسي الْأَبْصَار)

على أَن جمع التكسير نَحْو نواكس لَا يمْتَنع جمعه جمع سَلامَة كنواكسين كَمَا ذكره أَبُو عَليّ فِي الْحجَّة أَقُول ذكره أَبُو عَليّ فِي إِعْرَاب الشّعْر أَيْضا وَأعلم أَن الْكَلَام على هَذِه الْكَلِمَة من ثَلَاثَة وُجُوه أَحدهَا أَن نواكس جمع ناكس وَهُوَ المطأطئ رَأسه وفاعل إِذا كَانَ اسْما نَحْو كَاهِل أَو صفة مؤنث سَوَاء كَانَ مِمَّن يعقل نَحْو حَائِض أَو مِمَّن لَا يعقل نَحْو نَاقَة حاسر إِذا أعيت أَو صفة مُذَكّر غير عَاقل نَحْو صاهل يجمع قِيَاسا على فواعل تَقول كواهل وحوائض وحواسر وصواهل أما إِذا كَانَ صفة لمذكر عَاقل لَا يجمع على فواعل وَقد شذت أَلْفَاظ خَمْسَة وَهِي ناكس ونواكس وَفَارِس وفوارس نَحْو (الْبَسِيط) (لَوْلَا فوارس من نعم وأسرتهم) وهالك وهوالك قَالُوا هَالك فِي الهوالك وغائب وغوائب وَشَاهد وشواهد قَالَ عتبَة بن الْحَارِث لجزء بن سعد (الوافر) (أحامي عَن ديار بني أبيكم ... ومثلي فِي غوائبكم قَلِيل) فَقَالَ لَهُ جُزْء نعم وَفِي شواهدنا فَجمع عتبَة غَائِبا على غوائب وَجمع جُزْء شَاهدا على شَوَاهِد وَقد وجهت بتوجيهات أما الأول فقد حمله سِيبَوَيْهٍ على اعْتِبَار التَّأْنِيث فِي الرِّجَال قَالَ لِأَنَّك تَقول هِيَ الرِّجَال كَمَا تَقول هِيَ الْجمال فشبهه بالجمال وَمِنْه أَخذ أَبُو الْوَلِيد فَقَالَ فِي شرح كَامِل الْمبرد هَذَا مخرج على غير الضَّرُورَة وَهُوَ أَن تُرِيدُ بِالرِّجَالِ جماعات الرِّجَال فَكَأَنَّهُ جماعات نواكس وَوَاحِدَة جمَاعَة ناكسة فَيكون مقيسا جَارِيا على بَابه كقائله وقوائل وَوَجهه ابْن الصَّائِغ على أَنه صفة للأبصار

من جِهَة الْمَعْنى لِأَن الأَصْل قبل النَّقْل نواكس أَبْصَارهم وَالْجمع فِي هَذَا قبل النَّقْل سَائِغ لِأَنَّهُ غير عَاقل فَلَمَّا نقل تركُوا الْأَمر على مَا كَانَ عَلَيْهِ لِأَن الْمَعْنى لم ينْتَقل وَأما الثَّانِي فَقَالُوا إِنَّه من الصِّفَات الَّتِي اسْتعْملت اسْتِعْمَال الْأَسْمَاء فَقرب بذلك مِنْهَا وَلِأَنَّهُ لَا لبس فِيهِ لما ذكر سِيبَوَيْهٍ من أَن الْفَارِس فِي كَلَامهم لَا يَقع إِلَّا للرِّجَال وَأما الثَّالِث فوجهه أَنه جرى عِنْدهم مجْرى الْمثل وَمن شَأْن الْأَمْثَال أَن لَا تغير عَن أَصْلهَا وَأما الرَّابِع وَالْخَامِس فوجههما يعلم مِمَّا وَجه بِهِ الشلوبين هوالك ونواكس فَإِنَّهُ يجْرِي فِي جَمِيع مَا جَاءَ من هَذَا وَهُوَ قَوْله قد عرف بقَوْلهمْ أَولا هَالك أَنه إِنَّمَا يُرِيد الْمُذكر وَكَذَلِكَ بقوله وَإِذا الرِّجَال رَأَوْا يزِيد قَالَ فَصَارَ ذَلِك مِمَّا تقدم ذكره من قَوْلهم فَارس فِي الفوارس وَإِن لم يكن مثله فِي الْجُمْلَة لِأَن الْمَعْنى الَّذِي يتضمنه نواكس يصلح للمذكر والمؤنث وَالْمعْنَى الَّذِي يتضمنه الفوارس لَا يصلح إِلَّا للمذكر هَذَا قَوْله وَهُوَ جَار فِي الْأَخيرينِ لِأَنَّهُ إِنَّمَا يُرِيد فِيمَن غَابَ من رجالكم وَلم يرد أَن مثله فِي نِسَائِهِم قَلِيل فعين أَنه يُرِيد الْمُذكر من جِهَة قَصده فَصَارَ كالفوارس قَالَ الشاطبي فِي شرح الألفية وَطَرِيقَة الْمبرد فِي جَمِيع مَا جَاءَ شاذا من هَذَا النَّوْع أَن فواعل هُوَ الأَصْل فِي الْجَمِيع وَإِنَّمَا منع مِنْهُ خوف اللّبْس فَإِذا اضطروا راجعوا الأَصْل كَمَا يراجعونه فِي سَائِر الضرورات وَكَذَلِكَ حَيْثُ أمنُوا الإلباس ا. هـ. قَالَ الْمبرد فِي الْكَامِل بعد مَا أورد بَيت الشَّاهِد

وَفِي هَذَا الْبَيْت شَيْء يسطرفه النحويون وَهُوَ أَنهم لَا يجمعُونَ مَا كَانَ من فَاعل نعتا على فواعل لِئَلَّا يلتبس بالمؤنث لَا يَقُولُونَ ضَارب وضوارب لأَنهم قَالُوا ضاربة وضوارب وَلم يَأْتِ هَذَا إِلَّا فِي حرفين أَحدهمَا فَارس لِأَن هَذَا مِمَّا لَا يسْتَعْمل فِي النِّسَاء فامنوا الالتباس وَيَقُولُونَ فِي الْمثل هُوَ هَالك فِي الهوالك فأجروه على أَصله لِكَثْرَة الِاسْتِعْمَال لِأَنَّهُ مثل فَلَمَّا احْتَاجَ الفرزدق لضَرُورَة الشّعْر أجراه على أَصله فَقَالَ نواكسي الْأَبْصَار وَلَا يكون مثل هَذَا أبدا إِلَّا ضَرُورَة ا. هـ. وَفِيه أَنه كَانَ يَنْبَغِي أَن يُقيد النَّعْت بِمن يعقل وَلكنه أطلق لشهرته وَفِيه أَيْضا أَن المسموع خَمْسَة لَا ثَلَاثَة كَمَا تقدم ثمَّ رَأَيْت فِي شرح أدب الْكَاتِب للجواليقي زِيَادَة على هَذِه الْخَمْسَة وَهِي حارس وحوارس وحاجب وحواجب من الحجابة نقلهما عَن ابْن الْأَعرَابِي ثمَّ قَالَ وَمن ذَلِك مَا جَاءَ فِي الْمثل مَعَ الخواطئ سهم صائب وَقَوْلهمْ أما وحواج بَيت الله ودواجه جمع حَاج وداج والداج الأعوان والمكارون وَحكى الْمفضل رافد وروافد وَأنْشد (الطَّوِيل) (إِذا قل فِي الْحَيّ الْجَمِيع الروافد) فالجميع إِحْدَى عشرَة كلمة الْوَجْه الثَّانِي أَن الْمَشْهُور فِي رِوَايَة هَذِه الْكَلِمَة نواكس بِدُونِ جمعهَا جمع سَلامَة وَبِه اسْتشْهد س وَصَاحب الْجمل وَقَالا كَانَ الْقيَاس أَن يجمع ناكس على أنكاس أَو نكس وَكَأَنَّهُ حمله على تَأْنِيث الْجمع وَقد رَوَاهَا جمَاعَة جمعهَا بِجمع السَّلامَة قَالَ ابْن السَّيِّد فِي شرح كَامِل الْمبرد وَهَذَا أطرف

وَأغْرب من جمع ناكس على نواكس فَإِنَّهُ غَرِيب جدا لِأَن الْخَلِيل يرى أَن هَذَا الْبناء نِهَايَة الْجمع وَقَالَ فِي شرح أَبْيَات الْجمل وَلما كَانَ الْجمع الَّذِي ثالثه ألف وَبعده حرفان أَو ثَلَاثَة لَا يتهيا تكسيرة لِأَنَّهُ نِهَايَة التكسير وَأُرِيد جمعه لم يكن ذَلِك إِلَّا بِأَن يجمع جمع سَلامَة لِأَنَّهُ لَا يُغير الِاسْم عَن لَفظه قَالَ الجاربردي فِي شرح الشافية بعد مَا قَالَ ابْن الْحَاجِب وَقد بِجمع الْجمع أَي جمع تكسير وَجمع تَصْحِيح بِالْألف وَالتَّاء وَأفَاد بقد أَنه لَا يطرد قِيَاسا لكنه كثير فِي جمع الْقلَّة قَلِيل فِي جمع الْكَثْرَة إِلَّا بِالْألف وَالتَّاء الْوَجْه الثَّالِث أَنه يتَرَاءَى فِي ظَاهر الْأَمر تدافع بَين هَذَا الْوَزْن من جمع التكسير وَبَين جمع التَّصْحِيح فَإِن الأول مَوْضُوع للكثرة وَالثَّانِي للقلة وَقد سَأَلَ ابْن جني فِي إِعْرَاب الحماسة عَن هَذَا فَقَالَ فَإِن قلت فقد قَالُوا (فهن يعلكن حدائدداتها) وَقَالُوا (قد جرت الطير أيامنينا) وَقَالُوا صواحبات يُوسُف ومواليات الْعَرَب وَقَالَ الفرزدق (خضع الرّقاب نواكسي الْأَبْصَار) فِيمَن رَوَاهُ بِالْيَاءِ فَفِي هَذَا على قَوْلك اجْتِمَاع الضدين وَهُوَ دلَالَة الْمِثَال على الْكَثْرَة مَعَ جُمُعَة بِالْوَاو وَالنُّون وَالْألف وَالتَّاء وكل وَاحِد مِنْهُمَا على مَا قدمت مَوْضُوع للقلة وَأجَاب عَنهُ بقوله قيل لَا يكون مُفِيد الْقلَّة فِي الْقلَّة كَأَن لَا يُوجد الْبَتَّةَ الا ترى أَن نفس نواكس وَصَوَاحِب يُفِيد بِنَفسِهِ مُفْرد الْكَثْرَة أفتراه إِذا جمع جمع الْقلَّة يصيره ذَلِك أَن يكون أقل

من أَن لَا يجمع أصلا قد كَفاهُ مَوْضُوعه للكثرة من احْتِيَاجه إِلَى تَثْنِيَة فضلا عَن جمع قلَّة أَو تجَاوز بِهِ إِلَى مِثَال كَثْرَة كَمَا أَن الْمُضمر الْمَجْرُور وَإِن ضعف عَن عطف الْمظهر عَلَيْهِ بِغَيْر إِعَادَة حرف جر مَعَه فَإِنَّهُ لَا يضعف عَن توكيده كمررت بِهِ نَفسه وَذَلِكَ أَنه لَا يبلغ بِهِ الضعْف أَن يكون أقل من لَا شَيْء وَأَنت لَو قلت مَرَرْت بِنَفسِهِ لَكَانَ قولا جَائِزا فاعرف هَذَا النَّحْو انْتهى كَلَامه وَهَذِه عبارَة قلقة يتعسر فهم المُرَاد مِنْهَا فَيَنْبَغِي شرحها فَقَوله فَفِي هَذَا على قَوْلك اجْتِمَاع الضدين إِلَخ أَقُول لَا يخفى عَلَيْك أَن هَذَا لَيْسَ على ظَاهره بل إِنَّمَا هُوَ فِي الْحَقِيقَة اعْتِرَاض بالترديد بَين المحذورين ذكر أَحدهمَا لظُهُوره وَترك الآخر اعْتِمَادًا على فهم من لَهُ حَظّ من قانون المناظرة وَإِلَّا فَلَا يتم التَّقْرِيب أصلا كَمَا لَا يخفى وَتَقْرِيره أَن هَذَا الْجمع لَو جمع جمع الْقلَّة يلْزم أحد المحذورين إِمَّا إجتماع الضدين على تَقْدِير أَن يكون الْقلَّة وَالْكَثْرَة موجودتين مَعًا أَو كَون مُفِيد الْقلَّة كَانَ لَا يُوجد على تَقْدِير إعدام الْقلَّة وَلم يتَعَرَّض لكَون مُفِيد الْكَثْرَة كَانَ لَا يُوجد لِأَنَّهُ لَا خَفَاء فِي امْتِنَاعه ضَرُورَة بَقَاء الْكَثْرَة على حَالهَا بعد أَن جمع جمع الْقلَّة وَقَوله قيل لَا يكون مُفِيد الْقلَّة فِي الْقلَّة كَأَن لَا يُوجد الْبَتَّةَ إِلَخ ظَاهره جَوَاب بِاخْتِيَار الشق الثَّانِي لَكِن يحصل مِنْهُ الْجَواب بِاخْتِيَار الشق الأول أَيْضا وَتَقْرِيره إِنَّا لَا نسلم لُزُوم كَون مُفِيد الْقلَّة كَانَ لَا يُوجد على تَقْدِير إعدام الْقلَّة بل إِنَّمَا يلْزم ذَلِك أَن لَو كَانَت الْقلَّة منتفية بِجَمِيعِ أَنْوَاعهَا وَذَلِكَ مَمْنُوع لِأَن وضع لفظ التكسير للكثرة يَقْتَضِي انْتِفَاء الْقلَّة المباينة لَهَا لَا الْقلَّة المجامعة مَعهَا وَلَا يلْزم من انْتِفَاء الأول انْتِفَاء الثَّانِي حَتَّى يكون مُفِيد الْقلَّة كَأَن لَا يُوجد وَلَا نسلم أَيْضا لُزُوم اجْتِمَاع الضدين على تَقْدِير وجودهما مَعًا بل إِنَّمَا يلْزم ذَلِك

أَن لَو كَانَت الْقلَّة الْبَاقِيَة بعد أَن جمع جمع الْقلَّة هِيَ الْقلَّة المباينة للكثرة الْمَذْكُورَة وَذَلِكَ أَيْضا مَمْنُوع بل مُقْتَضَاهُ اجْتِمَاع الْكَثْرَة مَعَ الْقلَّة المجامعة مَعهَا ضَرُورَة أَن لفظ الْقلَّة يُفِيد تقليل أَفْرَاد مدخولها لَا غير وهما ليسَا بضدين حَتَّى يلْزم من وجودهما مَعًا اجْتِمَاع الضدين وَقَوله أَلا ترى إِلَخ مَعَ قَوْله أفتراه إِلَخ تنوير لعدم كَون مُفِيد الْقلَّة كَانَ لَا يُوجد وَتَقْرِيره أَنَّك تعرف قطعا أَن نفس صَوَاحِب وأمثالها يُفِيد الْكَثْرَة بِنَفسِهِ مُفردا وتعرف أَيْضا أَن جمعه جمع الْقلَّة لَا يصيره إِلَى أقل من أَن لَا يجمع ذَلِك الْجمع أَي لَا يُغَيِّرهُ إِلَى حكم الْمُفْرد حَتَّى يكون جمع الْقلَّة مُفِيدا للقلة فِي الْمُفْردَات المباينة لتِلْك الْكَثْرَة كَيفَ لَا وَلَو كَانَ كَذَلِك يلْزم انْتِفَاء الْكَثْرَة مَعَ أَن وَضعه كَاف فِي ذَلِك من غير احْتِيَاج إِلَى تَثْنِيَة أَو جمع قلَّة أَو جمع كَثْرَة فَظهر لَك أَن ذَلِك الْجمع لإِفَادَة أَمر آخر زَائِد عَلَيْهِ وَهُوَ تَعْلِيل تِلْكَ الْكَثْرَة فَقَط فَلَمَّا كنت الْقلَّة المجامعة مَعَ تِلْكَ الْكَثْرَة بَاقِيَة على حَالهَا لم يكن مُفِيد الْقلَّة كَأَن لَا يُوجد الْبَتَّةَ وَقَوله كَمَا أَن الْمُضمر الْمَجْرُور إِلَخ تنظير لعدم تَغْيِير جمع الْقلَّة مَعَ الْكَثْرَة وَتَقْرِيره أَن امْتنَاع اجْتِمَاع الضدين نَظِير ضعف عطف الْمظهر على الْمُضمر بِغَيْر إِعَادَة الْجَار وَجمع الْقلَّة فِيمَا نَحن فِيهِ نَظِير تَأْكِيد الْمُضمر بِغَيْر إِعَادَة الْجَار فَكَمَا أَن ضعف الْعَطف الْمَذْكُور لكَونه كالعطف على بعض حُرُوف الْكَلِمَة لَا يُنَافِي جَوَاز التَّأْكِيد بِغَيْر إِعَادَة الْجَار لِأَنَّهُ كنفسه بِنَاء على تغاير الْمَادَّتَيْنِ كَذَلِك امْتنَاع اجْتِمَاع الضدين لَا يُنَافِي جَوَاز جمع التكسير جمع الْقلَّة لتغاير الْمَادَّتَيْنِ وكما أَن التَّأْكِيد لَا يَجْعَل الْمُضمر أقل من أَن لَا يُؤَكد بل يُفِيد أمرا زَائِدا عَلَيْهِ وَهُوَ التَّأْكِيد كَذَلِك الْجمع فِيمَا نَحن فِيهِ لَا يَجْعَل

لفظ التكسير أقل من ان لَا يجمع بل يُفِيد أمرا زَائِدا عَلَيْهِ وَهُوَ تقليل الْكَثْرَة الْحَاصِلَة من المجامعة مَعَه وَالْحَاصِل أَن مَا هُوَ لَازم لَيْسَ بمحذور وَمَا هُوَ مَحْذُور لَيْسَ بِلَازِم هَكَذَا يَنْبَغِي أَن يفهم هَذَا الْمقَام وَقَوله خضع الرّقاب حَال من مفعول رَأَيْتهمْ والرؤية بصرية فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَلَا تضر الْإِضَافَة فَإِنَّهَا لفظية وَكَذَلِكَ نواكسي الْأَبْصَار لِأَن الْمَعْنى خضعا رقابهم نواكس أَبْصَارهم وخضع بِضَمَّتَيْنِ جمع خضوع مُبَالغَة خاضع من الخضوع وَهُوَ التطامن والتواضع يُقَال خضع لغريمة يخضع بفتحهما خضوعا ذل واستكان وَهُوَ قريب من الْخُشُوع إِلَّا أَن الْخُشُوع أَكثر مَا يسْتَعْمل فِي الصَّوْت والخضوع فِي الْأَعْنَاق وَلِهَذَا أَضَافَهُ إِلَى الرّقاب وَيحْتَمل أَن يكون خضع بضمه فَسُكُون جمع أخضع وَهُوَ الَّذِي فِي عُنُقه تطامن من خلقَة وَهَذَا أبلغ من الأول أَي ترى أَعْنَاقهم إِذا رَأَوْهُ كَأَنَّهَا خلقت متطامنة من شدَّة تذللهم وَفعل قِيَاس فِي جمع أفعل وفعلاء صفة غير تَفْضِيل نَحْو أَحْمَر وحمراء وجمعهما حمر وَهَذَا الْبَيْت من قصيدة للفرزدق يمدح بهَا آل الْمُهلب وَخص من بَينهم ابْنه يزِيد أَولهَا (الْكَامِل) (فلأمدحن بني الْمُهلب مِدْحَة ... غراء ظَاهِرَة على الْأَشْعَار) (مثل النُّجُوم أمامها قمر لَهَا ... يجلو الدجى ويضيء ليل الساري) (ورثوا الطعان عَن الْمُهلب والقرى ... وخلائقا كتدفق الْأَنْهَار) (أما البنون فَإِنَّهُم لم يورثوا ... كتراثه لِبَنِيهِ يَوْم فخار)

إِلَى أَن قَالَ (أما يزِيد فَإِنَّهُ تأبى لَهُ ... نفس موطنة على الْمِقْدَار) (ورادة شعب الْمنية بالقنا ... فتدر كل معاند نعار) (وَإِذا النُّفُوس جشأن طامن جأشها ... ثِقَة بِهِ لحماية الأدبار) (ملك عَلَيْهِ مهابة الْملك التقى ... قمر التَّمام بِهِ وشمس نَهَار) (وَإِذا الرِّجَال رَأَوْا يزِيد رَأَيْتهمْ الْبَيْت) إِلَى أَن قَالَ (مَا زَالَ مذ عقدت يَدَاهُ إزَاره ... وسما فَأدْرك خَمْسَة الأشبار) (يدني خوافق من خوافق للتقى ... فِي كل معتبط الْغُبَار مثار) قَوْله تأبى لَهُ نفس مفعول تأبى مَحْذُوف أَي الْقعُود عَن الحروب وَنَحْوه وَقَوله موطنة على الْمِقْدَار أَي تَقول نَفسه عِنْد اقتحام المهالك لَا يُصِيبنِي إِلَّا مَا قدر الله والمقدار بِمَعْنى الْقدر وورادة مُبَالغَة وَارِدَة صفة نفس وَشعب مفعول ورادة بِمَعْنى فروع الْمنية وأنواعها مستعار من الشّعب الَّتِي هِيَ أَغْصَان الشَّجَرَة جمع شُعْبَة والقنا جمع قناة وَهِي الرمْح وتدر فَاعله ضمير القنا من أدرت الرّيح السَّحَاب واستدرته أَي استحلبته وكل مَفْعُوله والمعاند الْعرق الَّذِي يسيل وَلَا يرقا وَيُقَال لَهُ عاند أَيْضا وَفعله من بَاب نصر والنعار بِالْعينِ الْمُهْملَة من نعر الْعرق ينعر بِالْفَتْح فيهمَا أَي فار مِنْهُ الدَّم فَهُوَ عرق نعار ونعور وجشأن يُقَال جشأت نَفسه إِذا ارْتَفَعت من حزن أَو فزع والجأش بِالْهَمْز جأش الْقلب وَهُوَ رواعه إِذا اضْطربَ عِنْد الْفَزع يُقَال فلَان رابط الجأش أَي يرْبط نَفسه عَن الْفِرَار

لشجاعته وطأمن مقلوب طمأن بِالْهَمْز فيهمَا بِمَعْنى سكن وثقة فَاعله والتقى فعل مَاض وقمر التَّمام فَاعله يُقَال قمر تَمام بِفَتْح التَّاء وَكسرهَا إِذا تمّ لَيْلَة الْبَدْر وَأما ليل التَّمام فمكسور لَا غير وَهُوَ أطول لَيْلَة فِي السّنة وَقَوله مَا زَالَ مذ عقدت يَدَاهُ إِلَى آخِره هَذَا الْبَيْت اسْتشْهد بِهِ النُّحَاة فِي عدَّة مَوَاضِع مِنْهُم ابْن هِشَام أوردهُ فِي الْمُغنِي شَاهدا لإيلاء الْجُمْلَة الفعلية ل مذ كَمَا يَليهَا الْجُمْلَة الأسمية وَأوردهُ أَيْضا فِي شرح الألفية لقَوْله خَمْسَة الأشبار حَيْثُ جرد الْمُضَاف من أَدَاة التَّعْرِيف وَهُوَ حجَّة على الْكُوفِيّين فِي جوازهم الْجمع بَين تَعْرِيف الْمُضَاف بِاللَّامِ وَالْإِضَافَة إِلَى الْمعرفَة مستدلين بقول عرب غير فصحاء الثَّلَاثَة الْأَبْوَاب والمسموع تَجْرِيد الأول من أَدَاة التَّعْرِيف كَمَا قَالَ ذُو الرمة أَيْضا (الطَّوِيل) (وَهل يرجع التَّسْلِيم أَو يكْشف الْعَمى ... ثَلَاث الأثافي والديار البلاقع) وسما ارْتَفع وشب من السمو وَهُوَ الْعُلُوّ وَأدْركَ بِمَعْنى بلغ وَوصل وفاعلهما ضمير يزِيد وَقَوله خَمْسَة الأشبار أَرَادَ طول خَمْسَة أشبار بشبرالرجال وَهِي ثلثا قامة الرجل وينسب إِلَيْهَا فَيُقَال غُلَام خماسي قَالَ ابْن دُرَيْد غُلَام خماسي قد ايفع فِي الصِّحَاح والعباب وَغُلَام رباعي وخماسي أَي طوله أَرْبَعَة أشبار وَخَمْسَة أشبار وَلَا يُقَال سداسي وَلَا سباعي لِأَنَّهُ إِذا بلغ سِتَّة أشبار أَو سَبْعَة أشبار صَار رجلا والغلام إِذا بلغ خَمْسَة أشبار عِنْدهم تخيلوا فِيهِ الْخَيْر وَالشَّر وَلِهَذَا قَالَ بعض الْعَرَب أَيّمَا غُلَام بلغ خَمْسَة أشبار فاتهمته قتلته هَذَا مَا عِنْدِي وَأما النَّاس فقد اخْتلفُوا فِي تَفْسِيره على أَقْوَال أَحدهَا قَالَ ابْن السَّيِّد فِي شرح شَوَاهِد الْجمل وَمعنى فَأدْرك خَمْسَة الأشبار ارْتَفع وَتجَاوز حد الصِّبَا لِأَن الفلاسفة زَعَمُوا أَن الْمَوْلُود إِذا ولد

لتَمام مُدَّة الْحمل وَلم تغيره آفَة فِي الرَّحِم فَإِنَّهُ يكون فِي قدة ثَمَانِيَة أشبار من شبر نَفسه وَتَكون سرته بِمَنْزِلَة المركز لَهُ فَيكون مِنْهَا إِلَى نِهَايَة شقَّه الْأَعْلَى أَرْبَعَة أشبار بشبره وَمِنْهَا إِلَى نِهَايَة شقة الْأَسْفَل أَرْبَعَة أشبار وَمِنْهَا إِلَى أَطْرَاف أَصَابِعه من يَده مَعًا أَرْبَعَة أشبار حَتَّى أَنه لَو رقد على صلبة وَفتح ذراعية وَوضع ضَابِط فِي سرته وأدير لَكَانَ شبه الدائرة قَالُوا فَمَا زَاد على هَذَا أَو نقص فلآفة عرضت لَهُ فِي الرَّحِم فَإنَّك تَجِد من نصفه الْأَعْلَى أطول من نصفه الْأَسْفَل وَمن نصفه الْأَسْفَل أطول من نصفه الْأَعْلَى وَمن يَدَاهُ قصيرتان وَمن يَده الْوَاحِدَة أقصر من الثَّانِيَة فَإِذا تجَاوز الصَّبِي أَرْبَعَة أشبار فقد أَخذ فِي الترقي إِلَى غَايَة الْكَمَال ا. هـ. وَقَوله أَولا ارْتَفع وَتجَاوز حد الصِّبَا شرح بِهِ الْمَعْنى المُرَاد وَلَا حَاجَة بعده إِلَى نقل كَلَام الفلاسفة لِأَنَّهُ خَارج عَن الْمقَام بل مُفسد لِأَنَّهُ رتب بعده قَوْله فَإِذا تجَاوز الصَّبِي أَرْبَعَة أشبار فقد أَخذ فِي الترقي إِلَى غَايَة الْكَمَال وَهَذَا غير مُتَصَوّر لِأَن الطِّفْل الَّذِي تجَاوز أَرْبَعَة أشبار بشبر نَفسه لَا يحسن عقد إزَاره فضلا عَن الْأَخْذ فِي الترقي إِلَى غَايَة الْكَمَال وَإِنَّمَا الْمَعْنى تجَاوز خَمْسَة أشبار بشبر الرِّجَال وَهِي ثلثا قامة الرجل كَمَا ذكرهَا ثَانِيهَا أَنه أَرَادَ ب خَمْسَة الأشبار السَّيْف قَالَ ابْن هِشَام اللَّخْمِيّ فِي شرح شَوَاهِد الْجمل هَذَا هُوَ الصَّحِيح لِأَنَّهُ مُنْتَهى طول السَّيْف فِي الْأَكْثَر كَمَا أَن مُنْتَهى طول الْقوس ثَلَاث أَذْرع وإصبع قَالَ الراجز (الرجز) (أرمى عَلَيْهَا وَهِي فرع أجمع ... وَهِي ثَلَاث أَذْرع وإصبع) وَإِنَّمَا زَاد إصبعا لاخْتِلَاف أَذْرع النَّاس فِي الطول وَالْقصر وَرُبمَا زادوا شبْرًا كَمَا قَالَ آخر ...

(وَهِي ثَلَاث أَذْرع وشبر) وكما أَن مُنْتَهى طول الْقَنَاة أحد عشر ذِرَاعا قَالَ عتبَة بن مرداس (الطَّوِيل) (وأسمر خطيا كَأَن كعوبه ... نوى القسب قد أرمى ذِرَاعا على الْعشْر) وَقَالَ البحتري أَيْضا (الْبَسِيط) (كالرمح أذرعه عشر وَوَاحِدَة ... فَلَيْسَ يزري بِهِ طول وَلَا قصر) ثَالِثهَا أَنه أَرَادَ عَصا الْخطْبَة وَهَذَا غير مُنَاسِب لما قبله وَلما بعده وَرَابِعهَا أَنه أَرَادَ الخيزرانة الَّتِي كَانَ الْخُلَفَاء يحبسونها بِأَيْدِيهِم وَهَذَا أَيْضا غير مُنَاسِب كَالَّذي قبله على أَن يزِيد لَيْسَ خَليفَة وَلَا من نسل الْخُلَفَاء وَأَرَادَ هَذَا الْقَائِل الْخُلَفَاء الأمويين خَامِسهَا أَنه أَرَادَ خلال الْمجد الْخَمْسَة الْعقل والعفة وَالْعدْل والشجاعة وَالْوَفَاء وَكَانَت عِنْدهم مَعْرُوفَة بِهَذَا الْعدَد كَذَا نقلوه وَلَا يخفى أَنه لَو كَانَ المُرَاد هَذَا لبقي ذكر الأشبار لَغوا سادسها أَنه أَرَادَ بِخَمْسَة الأشبار الْقَبْر لِأَن الْبَيْت من مريثة وَهَذَا بَاطِل لَا أصل لَهُ فَإِنَّهُ من قصيدة فِي مدح يزِيد بن الْمُهلب وَكَانَ حَيا وَاسم زَالَ ضمير يزِيد وخبرها الْبَيْت الَّذِي بعده وَهُوَ يدني خوافق إِلَخ وَأَرَادَ بالخوافق الرَّايَات وَهُوَ جمع خافقة يُقَال خَفَقت الرَّايَة بِالْفَتْح تخفق بِالْكَسْرِ وَالضَّم خفقا وخفقانا إِذا تحركت واضطربت ومعتبط الْغُبَار بِالْعينِ والطاء الْمُهْمَلَتَيْنِ هُوَ الْموضع الَّذِي لم يُقَاتل عَلَيْهِ وَلم يثر فِيهِ غُبَار قبل

مَا أثاره هَذَا الممدوح يُقَال أعبطت الأَرْض إِذا حفرت مِنْهَا موضعا لم يحْفر فِيهَا قبل ذَلِك والمثار المهيج المحرك وروى بدله (يدني كتائب من كتائب تلتقي ... فِي ظلّ معترك العجاج مثار) والْكَتَائِب جمع كَتِيبَة وَهُوَ الْجَيْش والمعترك مَوضِع الاعتراك وَهُوَ الْمُحَاربَة وَأَرَادَ ب ظله الْغُبَار الثائر فِي المعركة فَإِنَّهُ إِذا اشْتَدَّ لَا يرى مَعَه ضوء فَيصير كالظل الكثيف ومذ اسْم فَقيل إِنَّهَا ظرف مُضَاف إِلَى الْجُمْلَة وَقيل إِلَى زمن مُضَاف إِلَى الْجُمْلَة وَقيل مُبْتَدأ فَيجب تَقْدِير زمَان للجملة يكون هُوَ الْخَبَر والإزار مَعْرُوف وَقيل كنى بِعقد الْإِزَار عَن شده لما يحتوى عَلَيْهِ من كساءي الْمجد وَهَذَا يُنَاسب تَفْسِيره خَمْسَة الأشبار بخلال الْمجد الْخَمْسَة وَخَمْسَة الأشبار مفعول أدْرك بِتَقْدِير مُضَاف كَمَا تقدم وَقَالَ الأعلم على مَا نَقله اللَّخْمِيّ فَاعل سما مُضْمر لدلَالَة الْمَعْنى عَلَيْهِ وَالتَّقْدِير وسما جِسْمه أَو طوله وفاعل أدْرك مُضْمر أَيْضا عَائِد على الْجِسْم الَّذِي دلّ عَلَيْهِ الْمَعْنى وَمعنى أدْرك انْتهى وَالْأَفْعَال يحمل بَعْضهَا على بعض إِذا اشتركت فِي الْمَعْنى وَالتَّقْدِير انْتهى طوله أَو جِسْمه خَمْسَة أشبار وَيكون انتصاب خَمْسَة أشبار على أَنه مفعول على إِسْقَاط حرف الْجَرّ أَي انْتهى إِلَى خَمْسَة أشبار ا. هـ. أَقُول هَذَا كُله تعسف لَا ضَرُورَة تَدْعُو إِلَيْهِ وَمثل هَذَا قَول ابْن يسعون فِي شرح شَوَاهِد الْإِيضَاح وَيجوز نَصبه نصب الظروف بقوله سما أَي فعلا مِقْدَار خَمْسَة الأشبار ا. هـ. فَإِنَّهُ تعسف أَيْضا لِأَنَّهُ يكون الْمدْرك غير مَعْلُوم مَا هُوَ وَبَقِي قَوْله أدْرك غير مُفِيد شَيْئا وَمن فسر الْخَمْسَة بِالسَّيْفِ والعصا والخيزرانة فَهُوَ على حذف مُضَاف أَي فَأدْرك أَخذ خَمْسَة الأشبار لِلْقِتَالِ بِهِ أَو للجس بِالْيَدِ أَو للخطبة وَقَالَ ابْن يسعون بعد جعل الْخَمْسَة مَفْعُولا

لأدرك على تَقْدِير مَعْنَاهَا السَّيْف أَو خلال الْمجد الْخَمْسَة مَا نَصه وَيجوز نصب خَمْسَة نعتا لإزاره أَو بَدَلا مِنْهُ أَو عطف بَيَان هـ فَتَأمل وَأما يزِيد فَهُوَ ابْن الْمُهلب بن أبي صفرَة أحد شجعان الْعَرَب وكرمائهم وشهرته فِي الشجَاعَة وَالْكَرم غنية عَن الْوَصْف كَانَ فِي دولة الأمويين واليا على خُرَاسَان وافتتح جرجان ودهستان وطبرستان وَبعد الْحجَّاج صَار أَمِير العراقين وَأجْمع عُلَمَاء التَّارِيخ على أَنه لم يكن فِي دولة بني أُميَّة أكْرم من بني الْمُهلب كَمَا لم يكن فِي دولة بني الْعَبَّاس أكْرم من البرامكة وَولد يزِيد سنة ثَلَاث وَخمسين من الْهِجْرَة وَتُوفِّي مقتولا يَوْم الْجُمُعَة لِاثْنَتَيْ عشرَة لَيْلَة خلت من صفر سنة اثْنَتَيْنِ وَمِائَة وَقد تَرْجمهُ ابْن خلكان وَترْجم وَالِده بِمَا لَا مزِيد عَلَيْهِ وستاتي تَرْجَمَة وَالِده فِي رب من حُرُوف الْجَرّ فِي شرح قَوْله (الْكَامِل) (فَلَقَد يكون أَخا دم وذبائح) والفرزدق هُوَ أَبُو فراس واسْمه همام بن غَالب بن صعصعة بن نَاجِية بن عقال بن مُحَمَّد بن سُفْيَان بن مجاشع بن دارم بن مَالك بن حَنْظَلَة بن مَالك بن زيد مَنَاة بن تَمِيم الْبَصْرِيّ وَهَمَّام بِصِيغَة الْمُبَالغَة من الهمة وَقَالَ ابْن قُتَيْبَة فِي طَبَقَات الشُّعَرَاء بعد أَن قَالَ اسْمه همام وَكَانَ للفرزدق إخْوَة مِنْهُم هميم بن غَالب وَبِه سمي الفرزدق والأخطل وَكَانَ أسن مِنْهُ وَأُخْت يُقَال لَهَا جعثن كَانَت امْرَأَة صدق وَكَانَ جرير فِي مهاجاته للفرزدق يذكرهَا بِسوء قَالَ الْيَرْبُوعي وَكذب عَلَيْهَا جرير وَكَانَ يَقُول أسْتَغْفر الله فِيمَا قلت لجعثن قَالَ وَكَانَت إِحْدَى الصَّالِحَات.

والفرزدق قَالَ صَاحب الْعباب قَالَ اللَّيْث الفرزدق الرَّغِيف الَّذِي يسْقط فِي التَّنور وَيَقُولُونَ أَيْضا الفرزدقة قَالَ وَقَالَ بَعضهم هُوَ فتات الْخبز وَقَالَ غَيره الفرزدق الْقطعَة من الْعَجِين وَأَصلهَا بِالْفَارِسِيَّةِ براذده وَقَالَ ابْن فَارس هَذِه كلمة منحوته من كَلِمَتَيْنِ من فرز وَمن دق لِأَنَّهُ دَقِيق عجن ثمَّ أفرزت مِنْهُ قِطْعَة فَهِيَ من الْإِفْرَاز والدقيق ا. هـ. فلقب بِأحد هَذِه الْمعَانِي وَيشْهد للْأولِ مَا رُوِيَ أَنه كَانَ أَصَابَهُ جدري وَبَقِي أَثَره فِي وَجهه ويروى أَن رجلا قَالَ لَهُ يَا أَبَا فراس كَأَن وَجهك أحراح مَجْمُوعَة فَقَالَ تَأمل هَل ترى فِيهَا حر أمك والأحراح جمع حر بِالْكَسْرِ وَحذف لَام الْفِعْل هُوَ فرج الْمَرْأَة وَأخذ الفرزدق هَذَا الْجَواب من كَلَام أبي الْأسود الديلِي فَإِنَّهُ كَمَا فِي الأغاني قَالَ كَانَ طَرِيق أبي الْأسود إِلَى الْمَسْجِد والسوق فِي بني تيم الله بن ثَعْلَبَة وَكَانَ فيهم رجل متفحش يكثر الِاسْتِهْزَاء بِمن يمر بِهِ فَمر بِهِ أَبُو الْأسود يَوْمًا فَلَمَّا رَآهُ قَالَ لِقَوْمِهِ كَأَن وَجه أبي الْأسود وَجه عَجُوز راحت إِلَى أَهلهَا بِطَلَاق فَضَحِك الْقَوْم وَأعْرض عَنهُ أَبُو الْأسود ثمَّ مر بهم فَقَالَ لَهُم كَأَن غُضُون قفا أبي الْأسود غُضُون الفقاح فَأقبل عَلَيْهِ أَبُو الْأسود فَقَالَ هَل تعرف فقحة أَبِيك فِيهِنَّ فأفحمه وَضحك الْقَوْم مِنْهُ وَقَامُوا إِلَى أبي الْأسود فاعتذروا إِلَيْهِ وَلم يعاوده الرجل بعد ذَلِك وَيحْتَمل أَنه لقب بِالْمَعْنَى الثَّالِث وَبِه صرح ابْن قُتَيْبَة فِي أدب الْكَاتِب فَقَالَ والفرزدق قطع الْعَجِين وَاحِدهَا فرزدقة وَمِنْه سمي الرجل وَهُوَ لقب لَهُ لِأَنَّهُ كَانَ جهم الْوَجْه وَيحْتَمل أَنه لقب بِالْمَعْنَى الثَّانِي بِأَن شبه غُضُون وَجهه بفتات الْخبز وَقَالَ ابْن السَّيِّد فِي شرح شَوَاهِد الْجمل وَتَبعهُ فِيهَا ابْن هِشَام اللَّخْمِيّ وَابْن خلف وَغَيرهمَا قَالَ ابْن قُتَيْبَة فِي طَبَقَات الشُّعَرَاء

إِنَّمَا سمي الفرزدق لغلظة وقصره شبه بالفتيتة الَّتِي تشربها النِّسَاء وَهُوَ الفرزدقة ا. هـ. أَقُول لم أر الفرزدقة بِهَذَا الْمَعْنى فِي اللُّغَة وَلَا الفتيتة بِمَعْنى مَا ذكره على أَن ابْن قُتَيْبَة لم يذكر فِي الطَّبَقَات شَيْئا فِي تلقيبه بالفرزدق ثمَّ رَأَيْت فِي الأغاني فِي تَرْجَمته أَن الفرزدق الرَّغِيف الضخم الَّذِي يجففه النِّسَاء للفتوت وروى أَن الجهم ابْن سُوَيْد بن الْمُنْذر الْجرْمِي قَالَ لَهُ مَا وجدت أمك أسما لَك إِلَّا الفرزدق الَّذِي تكسره النِّسَاء فِي سويقها قَالَ وَالْعرب تسمي خبز الفتوت الفرزدق فَقَالَ لَهُ الفرزدق أَحَق النَّاس بِأَن لَا يتَكَلَّم فِي هَذَا أَنْت لِأَن أسمك اسْم مَتَاع الْمَرْأَة وَاسم أَبِيك اسْم الْحمار وَاسم جدك اسْم الْكَلْب وروى بِسَنَدِهِ عَن أبي عَمْرو بن الْعَلَاء قَالَ أخْبرت عَن هِشَام الْعَنزي أَنه قَالَ جمعني والفرزدق مجْلِس فتجاهلت عَلَيْهِ فَقلت من أَنْت قَالَ أما تعرفنِي قلت لَا قَالَ فَأَنا أَبُو فراس قلت وَمن أَبُو فراس قَالَ أَنا الفرزدق قلت وَمن الفرزدق قَالَ أَو مَا تعرف الفرزدق قلت أعرف الفرزدق أَنه شَيْء تتخذه النِّسَاء عندنَا بِالْمَدِينَةِ تتسمن بِهِ وَهُوَ الفتوت فَضَحِك وَقَالَ الْحَمد لله الَّذِي جعلني فِي بطُون نِسَائِكُم وَقَالَ السَّيِّد المرتضي فِي أمالية والفرزدق لقب وَإِنَّمَا لقب بِهِ لجهامة وَجهه وغلظة لِأَن الفرزدقة هِيَ الْقطعَة الضخمة من الْعَجِين وَقيل إِنَّهَا الخبزة الغليظة الَّتِي يتَّخذ مِنْهَا النِّسَاء الفتوت وَفِي الأغاني بِسَنَدِهِ إِلَى مُحَمَّد بن وهيب الشَّاعِر قَالَ جَلَست بِالْبَصْرَةِ إِلَى جنب عطار فَإِذا أعرابية سَوْدَاء قد جَاءَت فاشترت من الْعَطَّار خلوقا

فَقلت لَهُ تجدها اشترته لابنتها وَمَا ابْنَتهَا أَلا خنفساء فالتفتت إِلَيّ متضاحكة وَقَالَت لَا وَالله إِلَّا مهاة جيداء وَإِن قَامَت فقناة وَإِن قعدت فحصاة وَإِن مشت فقطاة أَسْفَلهَا كثيب وأعلاها قضيب لَا كفتياتكم اللواتب تسمنونهن بالفتوت ثمَّ انصرفت وَهِي تَقول (الرجز) (إِن الفتوت للفتاة مضرطه ... يكربها فِي الْبَطن حَتَّى تثلطه) فَلَا أعلمني ذكرتها إِلَّا أضحكني ذكرهَا وَبِالْجُمْلَةِ هُوَ وَجَرِير والأخطل النَّصْرَانِي فِي الطَّبَقَة الأولى من الشُّعَرَاء الإسلاميين وَاخْتلف الْعلمَاء بالشعر فِيهِ وَفِي جرير فِي المفاضلة وَكَانَ يُونُس يفضل الفرزدق وَيَقُول لَوْلَا الفرزدق لذهب شعر الْعَرَب وَقَالَ ابْن شبْرمَة الفرزدق أشعر النَّاس وَقَالَ أَبُو عَمْرو بن الْعَلَاء لم أر بدويا أَقَامَ فِي الْحَضَر إِلَّا فسد لِسَانه غير رؤبة والفرزدق وَفِي الْعُمْدَة لِابْنِ رَشِيق كتب الْحجَّاج بن يُوسُف إِلَى قُتَيْبَة بن مُسلم يسْأَله عَن أشعر الشُّعَرَاء فِي الْجَاهِلِيَّة وأشعر شعراء وقته فَقَالَ أشعر الْجَاهِلِيَّة امْرُؤ الْقَيْس وأضربهم مثلا طرفَة وَأما شعراء الْوَقْت فالفرزدق أفخرهم وَجَرِير أهجاهم والأخطل أوصفهم وَقد طبق الْمفصل الْأَصْبَهَانِيّ فِي قَوْله حِين سُئِلَ عَنْهُمَا من كَانَ يمِيل إِلَى جودة الشّعْر وفخامته وَشدَّة أسره فليقدم الفرزدق وَمن كَانَ يمِيل

إِلَى أشعار المطبوعين وَالْكَلَام السَّمْح الجزل فليقدم جَرِيرًا قَالَ أَبُو عُبَيْدَة وَكَانَ الفرزدق يشبه من شعراء الْجَاهِلِيَّة بزهير وَكَانَ صعصعة جد الفرزدق كَمَا قَالَ ابْن قُتَيْبَة فِي الطَّبَقَات عَظِيم الْقدر فِي الْجَاهِلِيَّة وَكَانَ اشْترى ثَلَاثِينَ موؤدة ثمَّ أسلم وَصَارَ صحابيا وَأم صعصعة قفيرة بِتَقْدِيم الْقَاف على الْفَاء وبالتصغير بنت مِسْكين الدَّارمِيّ وَكَانَت أمهَا أمة وَهبهَا كسْرَى لزرارة فَوَهَبَهَا زُرَارَة لهِنْد بنت يثربي فَوَثَبَ أَخُو زَوجهَا وَهُوَ مِسْكين ابْن حَارِثَة بن زيد بن عبد الله بن دارم على الْأمة فأحبلها فَولدت لَهُ قفيرة فَكَانَ جرير يعير الفرزدق بهَا وَكَانَ لصعصعة قيون والقين الْحداد مِنْهُم جُبَير ووقبان وديسم فَلذَلِك جعل جرير مجاشعا قيونا وَكَانَ جرير ينْسب غَالب بن صعصعة إِلَى جُبَير فَقَالَ (المتقارب) (وجدنَا جبيرا أَبَا غَالب ... بعيد الْقَرَابَة من معبد) يَعْنِي معبد بن زُرَارَة وَكَانَ يعيبهم بالخزيرة وَذَلِكَ أَن ركبا من مجاشع مروا بشهاب التغلبي فسالهم أَن ينزلُوا فَحمل إِلَيْهِم خزيرة فَجعلُوا يَأْكُلُون وَهِي تسيل على لحاهم وهم على رواحلهم والخزيرة بِفَتْح الْخَاء وَكسر الزَّاي المعجمتين وبالراء الْمُهْملَة قطع لحم صغَار تُوضَع فِي الْقدر بِمَاء كثير فَإِذا نضج ذَر عَلَيْهِ الدَّقِيق فَإِن لم يكن فِيهَا لحم فَهِيَ عصيدة وَيُقَال خزير أَيْضا بِدُونِ تَاء تَأْنِيث. وَأما غَالب أَبُو الفرزدق فَإِنَّهُ كَانَ يكنى أَبَا الأخطل واستجير بقبره بكاظمه فاحتملها عَنهُ الفرزدق وَفِي نهج البلاغة وَقَالَ عَليّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه لغالب بن صعصعة أبي الفرزدق

فِي كَلَام دَار بَينهمَا مَا فعلت إبلك الْكَثِيرَة قَالَ ذعذعتها الْحُقُوق يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فَقَالَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه ذَاك أَحْمد سَبِيلهَا قَوْله ذعذعتها بذالين معجمتين وعينين مهملتين بِمَعْنى فرقتها يُقَال ذعذعته فتذعذع وذعذعة السِّرّ إذاعته قَالَ شَارِح نهج البلاغة ابْن أبي الْحَدِيد دخل غَالب بن صعصعة بن نَاجِية بن عقال الْمُجَاشِعِي على أَمِير الْمُؤمنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَيَّام خِلَافَته وغالب شيخ كَبِير وَمَعَهُ أبنه همام الفرزدق وَهُوَ غُلَام يَوْمئِذٍ فَقَالَ لَهُ عَليّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه من الشَّيْخ قَالَ أَنا غَالب بن صعصعة قَالَ ذُو الْإِبِل الْكَثِيرَة قَالَ نعم قَالَ مَا فعلت إبلك قَالَ ذعذعتها الْحُقُوق وأذهبتها الحمالات والنوائب قَالَ ذَاك أَحْمد سَبِيلهَا من هَذَا الْغُلَام مَعَك قَالَ هَذَا ابْني قَالَ مَا اسْمه قَالَ همام وَقد رويته الشّعْر يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ وَكَلَام الْعَرَب ويوشك أَن يكون شَاعِرًا مجيدا فَقَالَ أقرئه الْقُرْآن فَهُوَ خير لَهُ فَكَانَ الفرزدق بعد يروي هَذَا الحَدِيث وَيَقُول مَا زَالَت كَلمته فِي نَفسِي حَتَّى قيد نَفسه بِقَيْد وآلى أَلا يفكه حَتَّى يحفظ الْقُرْآن فَمَا فكة حَتَّى حفظه 1. وَقد روى عَنهُ عَلَيْهِ السَّلَام أَحَادِيث وَعَن غَيره من الصَّحَابَة وعاش حَتَّى قَارب الْمِائَة وَمَات بعلة الدُّبَيْلَة رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ النويري فِي تَارِيخه مَاتَ الفرزدق فِي سنة عشر وَمِائَة وَله إِحْدَى وَتسْعُونَ سنة وَمَات فِيهَا جرير أَيْضا وَقَالَ السَّيِّد المرتضي قدس الله سره فِي أَمَالِيهِ الفرزدق مَعَ

وهو الشاهد الحادي والثلاثون

تقدمه فِي الشّعْر وبلوغه فِيهِ إِلَى الذرْوَة الْعليا والغاية القصوى شرِيف الْآبَاء كريم الْبَيْت لَهُ ولآبائه مآثر لَا تدفع ومفاخر لَا تجحد وَكَانَ مائلا إِلَى بني هَاشم وَنزع فِي آخر عمره عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ من الْقَذْف وَالْفِسْق وراجع طَريقَة الدَّين على أَنه لم يكن فِي خلال فسقه منسلخا من الدَّين جملَة وَلَا مهملا لأَمره أصلا رُوِيَ أَنه تعلق بِأَسْتَارِ الْكَعْبَة وَعَاهد الله على ترك الهجاء وَالْقَذْف وَقَالَ (الطَّوِيل) (ألم ترني عَاهَدت رَبِّي وإنني ... لبين رتاج قَائِم ومقام) (على حلفة لَا أشتم الدَّهْر مُسلما ... وَلَا خَارِجا من فِي زور كَلَام) (أطعتك يَا إِبْلِيس تسعين حجَّة ... فَلَمَّا انْقَضى عمري وَتمّ تمامي) (فزعت إِلَى رَبِّي وأيقنت أنني ... ملاق لأيام الحتوف حمامي) وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد الْحَادِي وَالثَّلَاثُونَ (الطَّوِيل) (وشق لَهُ من اسْمه ليجله ... فذو الْعَرْش مَحْمُود وَهَذَا مُحَمَّد) على أَنه يُمكن لمح الْوَصْف مَعَ العلمية اي يُمكن أَن يُلَاحظ بعد العلمية الْوَصْف الَّذِي كَانَ قبلهَا وبملاحظته بِوَضْع علما فَإِن مُحَمَّدًا وضع علما لنبينا بملاحظة مَعْنَاهُ فَإِن مَعْنَاهُ فِي اللُّغَة كَمَا قَالَ صَاحب

الْعباب وَغَيره الَّذِي كثرت خصالة المحمودة كَمَا قَالَ الْأَعْشَى فِي مدح النُّعْمَان ابْن الْمُنْذر (الطَّوِيل) (إِلَيْك أَبيت اللَّعْن كَانَ كلالها ... إِلَى الْمَاجِد الْفَرْع الْجواد المحمد) وَبعد أَن صَار علما يجوز أَن يلحظ مَعْنَاهُ اللّغَوِيّ كَمَا لحظه حسان فِي هَذَا الْبَيْت وَهُوَ أول أَبْيَات ثَمَانِيَة مدح بهَا نَبينَا مُحَمَّدًا وَالصَّوَاب فِي رِوَايَته شقّ لَهُ من اسْمه بِدُونِ وَاو فَإِنَّهَا للْعَطْف وَلم يتَقَدَّم شَيْء يعْطف عَلَيْهِ لَكِن يبْقى الشّعْر مخروما والخرم جَائِز عِنْدهم وَهُوَ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة وَالرَّاء الْمُهْملَة عبارَة عَن حذف أول الوتد الْمَجْمُوع فِي أول الْبَيْت وَذَلِكَ نَحْو فعولن ومفاعيلن ومفاعلتن كَمَا أَن ضمير لَهُ رَاجع إِلَى النَّبِي ومفعوله مَحْذُوف أَي شقّ لَهُ اسْما من اسْمه وَاسم الله تَعَالَى المشقوق مِنْهُ مَحْمُود بِمَعْنى أَن الْحَمد لَا يكون إِلَّا لَهُ وَلَا يَقع إِلَّا عَلَيْهِ فَأَرَادَ تبَارك وَتَعَالَى أَن يُشْرك نبيه فِي اسْم من هَذَا الْوَصْف تَعْظِيم لَهُ فَسَماهُ مُحَمَّدًا كَمَا سَيَأْتِي بَيَانه وَقَوله من اسْمه بِهَمْزَة الْوَصْل وَسمعت بَعضهم يقرؤة بِهَمْزَة الْقطع وَهُوَ لحن وَقَوله ليجله روى بدله كي يجله وَبَقِيَّة الأبيات هَذِه (الطَّوِيل) (نَبِي أَتَانَا بعد يأس وفترة ... من الرُّسُل والأوثان فِي الأَرْض تعبد) (فأمسى سِرَاجًا مستنيرا وهاديا ... يلوح كَمَا لَاحَ الصَّقِيل المهند) (وأنذرنا نَارا وَبشر جنَّة ... وَعلمنَا الْإِسْلَام فَالله نحمد) (وَأَنت إِلَه الْعَرْش رَبِّي وخالقي ... بذلك مَا عمرت فِي النَّاس أشهد) (تعاليت رب النَّاس عَن قَول من دَعَا ... سواك إِلَهًا أَنْت أَعلَى وأمجد) ...

(لَك الْخلق والنعماء وَالْأَمر كُله ... فإياك نستهدي وَإِيَّاك نعْبد) (لِأَن ثَوَاب الله كل موحد ... جنان من الفردوس فِيهَا يخلد) كَذَا فِي ديوانه من رِوَايَة أبي سعيد السكرِي وَرَأَيْت فِي الْمَوَاهِب اللدنية قَالَ مؤلفة ثمَّ إِن فِي اسْمه مُحَمَّد خَصَائِص مِنْهَا أَنه تَعَالَى شقَّه من اسْمه الْمَحْمُود كَمَا قَالَ حسان بن ثَابت (الطَّوِيل) (أغر عَلَيْهِ للنبوة خَاتم ... من الله من نور يلوح وَيشْهد) (وَضم الْإِلَه اسْم النَّبِي إِلَى اسْمه ... إِذا قَالَ فِي الْخمس الْمُؤَذّن اشْهَدْ) (وشق لَهُ من اسْمه ليجله ... فذو الْعَرْش مَحْمُود وَهَذَا مُحَمَّد) وعَلى هَذِه الرِّوَايَة فالواو للْعَطْف وفاعل شقّ ضمير الْإِلَه وَالضَّمِير فِي لَهُ رَاجع للنَّبِي ثمَّ قَالَ صَاحب الْمَوَاهِب وَأخرج البُخَارِيّ فِي تَارِيخه الصَّغِير من طَرِيق عَليّ بن زيد قَالَ كَانَ أَبُو طَالب يَقُول (وشق لَهُ من اسْمه ليجله الْبَيْت) وَقد سَمَّاهُ الله تَعَالَى بِهَذَا الِاسْم قبل الْخلق بألفي ألف عَام كَمَا ورد من حَدِيث أنس بن مَالك من طَرِيق أبي نعيم فِي مُنَاجَاة مُوسَى وروى ابْن عَسَاكِر عَن كَعْب الْأَحْبَار قَالَ إِن الله أنزل على آدم عصيا بِعَدَد الْأَنْبِيَاء وَالْمُرْسلِينَ ثمَّ أقبل على ابْنه شِيث فَقَالَ أَي بني أَنْت خليفتي من بعدِي فَخذهَا بعمارة التَّقْوَى والعروة الوثقى وَكلما ذكرت الله فاذكر إِلَى جنبه اسْم مُحَمَّد فإنى رَأَيْت اسْمه مَكْتُوبًا على سَاق الْعَرْش وَأَنا بَين الرّوح والطين ثمَّ إِنِّي طفت السَّمَوَات فَلم أر فِي السَّمَوَات موضعا إِلَّا رَأَيْت اسْم مُحَمَّد مَكْتُوبًا عَلَيْهِ وَإِن

رَبِّي أسكنني الْجنَّة فَلم أر فِي الْجنَّة قصرا وَلَا غرفَة إِلَّا اسْم مُحَمَّد مَكْتُوبًا عَلَيْهَا وَلَقَد رَأَيْت اسْم مُحَمَّد مَكْتُوبًا على نحور الْحور الْعين وعَلى ورق قصب آجام الْجنَّة وعَلى ورق شَجَرَة طُوبَى وعَلى ورق سدره الْمُنْتَهى وعَلى أَطْرَاف الْحجب وَبَين أعين الْمَلَائِكَة فَأكْثر ذكره فَإِن الْمَلَائِكَة تذكره فِي كل ساعاتها وَلما سَمَّاهُ جده عبد الْمطلب بِمُحَمد قيل لَهُ كَيفَ سميته باسم لَيْسَ لأحد من آبَائِك وقومك فَقَالَ لِأَنِّي أَرْجُو أَن يحمده أهل الأَرْض كلهم وَذَلِكَ لرؤيا كَانَ رَآهَا عبد الْمطلب كَمَا ذكر حَدِيثهَا عَليّ القيرواني العابر فِي كتاب الْبُسْتَان قَالَ كَانَ عبد الْمطلب قد رأى فِي الْمَنَام كَأَن سلسلة من فضَّة خرجت من ظَهره لَهَا طرف فِي السَّمَاء وطرف فِي الْمشرق وطرف فِي الْمغرب ثمَّ عَادَتْ كَأَنَّهَا شَجَرَة على كل ورقة مِنْهَا نور وَإِذا أهل الْمشرق وَالْمغْرب كَأَنَّهُمْ يتعلقون بهَا فَقَصَّهَا فعبرت لَهُ بمولود يكون من صلبه يتبعهُ أهل الْمشرق وَأهل الْمغرب وَيَحْمَدهُ أهل السَّمَاء وَالْأَرْض فَلذَلِك سَمَّاهُ مُحَمَّدًا مَعَ مَا حدثته بِهِ أمه آمنهُ حِين قيل لَهَا إِنَّك قد حملت بِسَيِّد هَذِه الْأمة فَإِذا وَضعته فَسَمِّيهِ مُحَمَّدًا قَالَ السُّهيْلي مُحَمَّد مَنْقُول من صفة فِي معنى مَحْمُود وَلَكِن فِيهِ معنى الْمُبَالغَة والتكرار لِأَن المحمد الَّذِي حمد مرّة بعد مرّة كَمَا ان المكرم من أكْرم مرّة بعد مرّة وَكَذَلِكَ الْمَدْح وَنَحْو ذَلِك فاسم مُحَمَّد مُطَابق لمعناه وَالله سُبْحَانَهُ سَمَّاهُ بِهِ قبل أَن يُسمى بِهِ علم من أَعْلَام نبوته عَلَيْهِ السَّلَام إِذْ كَانَ اسْمه صَادِقا عَلَيْهِ فَهُوَ مَحْمُود فِي الدُّنْيَا بِمَا هدى إِلَيْهِ ونفع بِهِ من الْعلم وَالْحكمَة وَهُوَ مَحْمُود فِي الْآخِرَة بالشفاعة فقد تكَرر معنى الْحَمد ومحمود أَيْضا من أَسْمَائِهِ قَالَ صَاحب الْمَوَاهِب أعلم أَن من أَسمَاء الله تَعَالَى الحميد وَمَعْنَاهُ الْمَحْمُود لِأَنَّهُ تَعَالَى حمد نَفسه وحمده عبَادَة

وَقد سمى الرَّسُول بمحمود وَكَذَا وَقع اسْمه فِي زبور دَاوُد وَقَالَ الشَّامي فِي سيرته وَمن أَسْمَائِهِ الْمَحْمُود وَهُوَ الْمُسْتَحق لِأَن يحمد لِكَثْرَة خصالة الحميدة قَالَ حسان بن ثَابت رَضِيَ اللَّهُ عَنْه (الطَّوِيل) (فَأصْبح مَحْمُودًا إِلَى الله رَاجعا ... يبكيه حق المرسلات ويحمد) وَهُوَ من أسمائة تَعَالَى قَالَ حسان أَيْضا (وشق لَهُ من اسْمه ليجله) ا. هـ. وَعَلِيهِ فَهُوَ اسْم مُشْتَرك بَين الله وَبَين نبيه وَلم أر من صرح بِهِ غير الشَّامي وَأما أَحْمد فَهُوَ اسْمه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ الَّذِي سمي بِهِ على لِسَان عِيسَى ومُوسَى قَالَ السُّهيْلي هُوَ مَنْقُول من الصّفة الَّتِي مَعْنَاهَا التَّفْضِيل فَمَعْنَى أَحْمد أَحْمد الحامدين لرَبه وَكَذَلِكَ هُوَ فِي الْمَعْنى لِأَنَّهُ يفتح عَلَيْهِ فِي الْمقَام الْمَحْمُود محامد لم تفتح على أحد قبله فيحمد بهَا ربه وَلذَلِك يعْقد لَهُ لِوَاء الْحَمد وَقَالَ السخاوي فِي سفر السَّعَادَة أَحْمد هُوَ مَأْخُوذ من الْحَمد كَمَا أَخذ من الْحمرَة أَحْمَر وَمن الصُّفْرَة أصفر وَأحمد أبلغ من مُحَمَّد كَمَا أَن أَحْمَر وأصفر أبلغ من محمر ومصفر لِأَنَّهُ فِي أَحْمَر وأصفر ألزم وَلَيْسَ أَحْمد بمنقول من الْفِعْل الْمُضَارع وَلَا هُوَ أفعل فَتَقول كأكرم وَمن هَذَا الله أكبر وَحسان هُوَ أَبُو الْوَلِيد بن ثَابت بن الْمُنْذر الْأنْصَارِيّ من بني النجار وَأمه الفريعة بنت خنس من بني الْخَزْرَج والفريعة بِالْفَاءِ وَالْعين الْمُهْملَة مصغر قرعَة بِالتَّحْرِيكِ وَهِي القملة الْكَبِيرَة

الشاهد الثاني والثلاثون

قَالَ ابْن قُتَيْبَة فِي طَبَقَات الشُّعَرَاء وَهُوَ جاهلي إسلامي مُتَقَدم الْإِسْلَام إِلَّا أَنه لم يشْهد مَعَ رَسُول الله مشهدا لِأَنَّهُ كَانَ يرْمى بالجبن لعِلَّة أَصَابَته وَكَانَت لَهُ نَاصِيَة يسدلها بَين عَيْنَيْهِ وَكَانَ يضْرب بِلِسَانِهِ روثه أَنفه من طوله وَيَقُول وَالله لَو وَضعته على شعر لحلقه أَو على صَخْر لفلقة وعاش فِي الْجَاهِلِيَّة سِتِّينَ سنة وَفِي الْإِسْلَام سِتِّينَ سنة فَهُوَ من المخضرمين وَمَات فِي زمن مُعَاوِيَة وكف بَصَره فِي آخر عمْرَة وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد الثَّانِي وَالثَّلَاثُونَ (الطَّوِيل) (فَتى فَارسي فِي سَرَاوِيل رامح) وصدره (أَتَى دونهَا ذب الرياد كَأَنَّهُ) على أَن سَرَاوِيل غير منصرف عِنْد الْأَكْثَرين كَمَا هُنَا وَهَذَا الْبَيْت من قصيدة لتميم بن أبي بن مقبل يصف الثور الوحشي وَضمير دونهَا لأنثاه وَدون بِمَعْنى قُدَّام وروى يمشي بهَا ذب الرياد وروى أَيْضا يرود بهَا والذب بِفَتْح الذَّال الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الْمُوَحدَة قَالَ فِي الصِّحَاح هُوَ الثور الوحشي وَيُقَال لَهُ ذب الرياد لِأَنَّهُ يرود أَي يذهب وَيَجِيء وَلَا يثبت فِي مَوضِع قَالَ النَّابِغَة الذبياني يصف نَاقَته (الْبَسِيط) (كَأَنَّمَا الرحل مِنْهَا فَوق ذِي جدد ... ذب الرياد إِلَى الأشباح نظار)

وَزَاد فِي الْعباب فَقَالَ وَرجل ذب الرياد إِذا كَانَ زوارا للنِّسَاء قَالَ عبد من عبيد بجيله (الْبَسِيط) (قد كنت فتاح أَبْوَاب مغلقة ... ذب الرياد إِذا مَا خولس النّظر) وَقَالَ القالي فِي أَمَالِيهِ يُقَال فلَان ذب إِذا كَانَ لَا يسْتَقرّ فِي مَوضِع وَمِنْه قيل للثور الوحشي ذب الرياد وَأنْشد بَيت الشَّاهِد وَقد خَالف أَبُو هِلَال العسكري فِي ديوَان الْمعَانِي فَزعم أَن ذب الرياد اسْم للوعل وَنسب الْبَيْت إِلَى الرَّاعِي فَقَالَ وَقد أحسن الرَّاعِي فِي وصف الوعل ثمَّ قَالَ وذب الرياد علم على الوعل وَالصَّوَاب مَا قدمْنَاهُ فيهمَا شبه الشَّاعِر مَا على قَوَائِم الثور الوحشي من الشّعْر بالسراويل وَهُوَ من لِبَاس الْفرس وَلِهَذَا شبهه بفتى فَارسي وَشبه قرنه بِالرُّمْحِ وَلِهَذَا قَالَ رامح أَي ذُو رمح فَقَوله فَتى خبر كَأَن وفارسي صفة فَتى وَفِي سَرَاوِيل حَال من ضمير فَارسي إِذْ هُوَ بِمَعْنى مَنْسُوب إِلَى الْفرس أَو صفة لفارسي ورامح صفة ثَانِيَة لفتى والسراويل يذكر وَيُؤَنث كَمَا فِي الْعباب وجر بالفتحة لِأَنَّهُ غير منصرف قَالَ الشَّارِح الْمُحَقق وَاخْتلف فِي تَعْلِيله فَعِنْدَ س وَتَبعهُ أَبُو عَليّ أَنه اسْم أعجمي مُفْرد أعرب كَمَا أعرب الْآجر وَلكنه أشبه من كَلَامهم مَا لَا ينْصَرف قطعا نَحْو قناديل فَحمل على مَا شابهه فَمنع الصّرْف أَقُول الَّذِي رَأَيْته فِي تذكره أبي على مُخَالفَة س فَإِنَّهُ بعد أَن نقل كَلَام س قَالَ سَرَاوِيل وَإِن كَانَ وَاحِدًا فَهُوَ على مِثَال الْجمع الَّذِي لَا يكون وَاحِد على مِثَاله فَأَنت مَا لم تسم بِهِ فَهُوَ منصرف كآجر الَّذِي لَيْسَ

فِي الْوَاحِد وَلَا غَيره على مِثَاله فَإِذا سميت بِهِ صَار مثل شراحبل ا. هـ. وَكَأن أَبَا عَليّ فهم من قَول س أَنه أعجمي كَمَا أعرب الْآجر أَنه يُرِيد يصرف كَمَا يصرف الْآجر وَلَيْسَ كَذَلِك بل مُرَاده أَنه مُعرب لَا مَبْنِيّ كَمَا أَن الْآجر مُعرب بِدَلِيل قَول س بعده إِلَّا أَن سَرَاوِيل أشبه من كَلَامهم مَا لَا ينْصَرف فِي نكرَة وَلَا معرفَة وأَبُو هِلَال العسكري هُوَ الْحسن بن عبد الله بن سهل بن سعيد بن يحيى ابْن مهْرَان اللّغَوِيّ العسكري وَكَانَ تلميذ أبي أَحْمد الْحسن بن عبد الله العسكري وَافق اسْمه اسْم شَيْخه وَاسم أَبِيه اسْم أَبِيه وَهُوَ عسكري أَيْضا فَرُبمَا اشْتبهَ ذكره بِذكرِهِ إِذا قيل الْحسن بن عبد الله العسكري وَقد ترجمنا أَبَا أَحْمد العسكري فِي الشَّاهِد الثَّامِن وَالْعِشْرين قَالَ أَبُو طَاهِر السلَفِي سَأَلت الرئيس أَبَا المظفر الأبيوردي بهمذان عَنهُ فَأثْنى عَلَيْهِ وَوَصفه بِالْعلمِ والعفة مَعًا قَالَ كَانَ يبزز احْتِرَازًا من الطمع والدناءة والتبذل وَكَانَ الْغَالِب عَلَيْهِ الْأَدَب وَالشعر وَله كتاب فِي اللُّغَة سَمَّاهُ التَّلْخِيص وَهُوَ كتاب مُفِيد وَكتاب صناعتي النّظم والنثر وَهُوَ أَيْضا كتاب مُفِيد جدا قَالَ ياقوت فِي مُعْجم الأدباء وَذكر غَيره أَن أَبَا هِلَال كَانَ ابْن أُخْت أبي أَحْمد وَله من الْكتب بعد مَا ذكره السلَفِي كتاب جمهرة الْأَمْثَال كتاب مَعَاني الْأَدَب كتاب أَعْلَام الْمعَانِي فِي مَعَاني الشّعْر كتاب شرح الحماسة كتاب الْأَوَائِل كتاب الْفرق بَين الْمعَانِي كتاب نَوَادِر

الْوَاحِد وَالْجمع كتاب من احتكم من الْخُلَفَاء إِلَى الْقُضَاة كتاب التَّبْصِرَة وَهُوَ كتاب مُفِيد كتاب الدِّرْهَم وَالدِّينَار كتاب الْعُمْدَة كتاب فضل الْغنى على الْعسر كتاب مَا تلحن فِيهِ الْخَاصَّة كتاب المحاسن فِي تَفْسِير الْقُرْآن خمس مجلدات وَكتاب ديوَان شعره قَالَ ياقوت وَأما وَفَاته فَلم يبلغنِي فِيهَا شَيْء غير أَنِّي وجدت فِي آخر كتاب الْأَوَائِل من تصنيفه وفرغنا من إملاء هَذَا الْكتاب يَوْم الْأَرْبَعَاء لعشر خلت من شعْبَان سنة خمس وَتِسْعين وثلاثمائة هَذَا مَا ذكره ياقوت وَله عِنْدِي كتاب الفروق فِي اللُّغَة وَكتاب ديوَان الْمعَانِي وهما دالان على غزارة علمه وَمن شعره (الطَّوِيل) (إِذا كَانَ مَالِي مَال من يلقط الْعَجم ... وحالي فِيكُم حَال من حاك أَو حجم) (فَأَيْنَ انتفاعي بالاصالة والحجا ... وَمَا ربحت كفي على الْعلم وَالْحكم) (وَمن ذَا الَّذِي فِي النَّاس يبصر حالتي ... وَلَا يلعن القرطاس والحبر والقلم) وَله أَيْضا (الطَّوِيل) (جلوسي فِي سوق أبيع وأشتري ... دَلِيل على أَن الْأَنَام قرود) (وَلَا خير فِي قوم يذل كرامهم ... ويعظم فيهم نذلهم ويسود) (ويهجوهم عني رثاثة كسوتي ... هجاء قبيحا مَا عَلَيْهِ مزِيد) وَأما تَمِيم صَاحب الشَّاهِد فَهُوَ ابْن أبي بن مقبل وَأبي بِالتَّصْغِيرِ وَتَشْديد الْيَاء ابْن عَوْف بن حنيف بن قُتَيْبَة بن العجلان بن كَعْب بن ربيعَة بن عَامر بن صعصعة شَاعِر مخضرم أدْرك الْجَاهِلِيَّة وَالْإِسْلَام وَكَانَ يبكي أهل الْجَاهِلِيَّة وَبلغ مائَة وَعشْرين سنة وَكَانَ يهاجي النَّجَاشِيّ الشَّاعِر

فهجاه النَّجَاشِيّ فاستعدى عَلَيْهِ عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ هجاني فَقَالَ عمر يَا نجاشي مَا قلت قَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ قلت مَا لَا أرى فِيهِ عَلَيْهِ بَأْسا وأنشده (الطَّوِيل) (إِذا الله جازى أهل لؤم بذلة ... فجازى بني العجلان رَهْط ابْن مقبل) فَقَالَ عمر إِن كَانَ مَظْلُوما اسْتُجِيبَ لَهُ وَإِن لم يكن مَظْلُوما لم يستجب لَهُ. قَالُوا وَقد قَالَ أَيْضا (الطَّوِيل) (قبيلته لَا يغدرون بِذِمَّة ... وَلَا يظْلمُونَ النَّاس حَبَّة خَرْدَل) فَقَالَ عمر لَيْت آل الْخطاب كَذَلِك قَالُوا فَإِنَّهُ قَالَ (وَلَا يردون المَاء إِلَّا عَشِيَّة ... إِذا صدر الوراد عَن كل منهل) فَقَالَ عمر ذَلِك أقل للزحام قَالُوا فَإِنَّهُ قَالَ (تعاف الْكلاب الضاريات لحومهم ... وتأكل من كَعْب بن عَوْف ونهشل) فَقَالَ عمر يَكْفِي ضيَاعًا من تَأْكُل الْكلاب لَحْمه قَالُوا فَإِنَّهُ قَالَ (وَمَا سمي العجلان إِلَّا لقَولهم ... خُذ الْقَعْب وأحلب أَيهَا العَبْد واعجل)

وهو الشاهد الثالث والثلاثون

فَقَالَ عمر كلتا عبد وَخير الْقَوْم خادمهم قَالَ تَمِيم فسله يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ عَن قَوْله (أُولَئِكَ إخْوَان اللعين وأسرة الهجين ... ورهط الواهن المتذلل) فَقَالَ عمر أما هَذَا فَلَا أعذرك عَلَيْهِ فحبسه وَقيل جلده قَالَ صَاحب زهر الْآدَاب كَانَ بَنو العجلان يفخرون بِهَذَا الِاسْم إِذْ كَانَ عبد الله بن كَعْب جدهم إِنَّمَا سمي العجلان لتعجيله الْقرى للضيفان وَذَلِكَ أَن حَيا من طَيئ نزلُوا بِهِ فَبعث إِلَيْهِم بقراهم عبدأ لَهُ وَقَالَ لَهُ أعجل عَلَيْهِم فَفعل العَبْد فَأعْتقهُ لعجلته فَقَالَ الْقَوْم مَا يَنْبَغِي أَن يُسمى إِلَّا العجلان فَسُمي بذلك فَكَانَ شرفا لَهُم حَتَّى قَالَ النَّجَاشِيّ هَذَا الشّعْر فَصَارَ الرجل إِذا سُئِلَ عَن نسبه قَالَ كعبي ويرغب عَن العجلان قَالَ وَزَعَمت الروَاة أَن بني العجلان اسْتَعدوا على النَّجَاشِيّ وَذكر هَذِه الْحِكَايَة وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد الثَّالِث وَالثَّلَاثُونَ (المتقارب) (عَلَيْهِ من اللؤم سروالة ... فَلَيْسَ يرق لمستعطف) على أَن السَّرَاوِيل عِنْد الْمبرد عَرَبِيّ وَهُوَ جمع سروالة والسروالة قِطْعَة خرقَة أَقُول هَذَا الْبَيْت قيل مَصْنُوع وَقيل قائلة مَجْهُول وَالَّذِي أثْبته قَالَ إِن سروالة وَاحِدَة السَّرَاوِيل وَكَيف تكون سروالة بِمَعْنى قِطْعَة خرقَة

وهو الشاهد الرابع والثلاثون

مَعَ الحكم بِأَنَّهَا وَاحِدَة السَّرَاوِيل هَذَا لَا يكون وَقَالَ السيرافي سروالة لُغَة فِي السَّرَاوِيل إِذْ لَيْسَ مُرَاد الشَّاعِر عَلَيْهِ من اللؤم قِطْعَة من جُزْء السَّرَاوِيل وسروالة فِي الْبَيْت مُبْتَدأ مُؤخر وَعَلِيهِ خبر مقدم وَقَوله من اللؤم كَانَ فِي الأَصْل صفة لسروالة فَلَمَّا قدم عَلَيْهِ صَار حَالا مِنْهُ هَذَا هُوَ الْمُقَرّر وَقَالَ الْعَيْنِيّ وَمن اللؤم صفة لسروالة فَيكون محلهَا الرّفْع وَهَذَا خطأ واللؤم بِالْهَمْز شح النَّفس ودناءة الْآبَاء وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد الرَّابِع وَالثَّلَاثُونَ (الرجز) (جَاءَ الشتَاء وقميصي أَخْلَاق ... شراذم يعجب مِنْهُ التواق) على أَن شراذم لَفْظَة جمع بالِاتِّفَاقِ \ أَقُول نسب أَبُو حنيفَة الدينَوَرِي فِي كتاب النَّبَات هَذَا الْبَيْت إِلَى بعض الْأَعْرَاب وَقَالَ الْأَخْلَاق والأرمام والأرماث لَا تكون إِلَّا فِي الخلقان وَقَالَ إِنَّمَا نعت الْوَاحِد بِالْجمعِ لكثرته فِيهِ كَمَا قَالُوا برمة أعشار إِذا انْكَسَرت اريد أَن كسرهَا كثير وَفِي الْعباب وَقد خلق الثَّوْب بِالضَّمِّ خلوقة أَي بلي وثوب أَخْلَاق إِذا كَانَت الخلوقة فِيهِ كُله كَمَا قَالُوا برمة أعشار وَأَرْض سباسب وَفِي الزَّاهِر لِابْنِ الْأَنْبَارِي وَقَالَ الْفراء من الْعَرَب من يَقُول قَمِيص أَخْلَاق وجبة أَخْلَاق فيصف الْوَاحِد بِالْجمعِ لِأَن الخلوقة فِي الثَّوْب تتسع فيسمى كل مَوضِع مِنْهَا خلقا ثمَّ يجمع على هَذَا الْمَعْنى وَمن قَالَ جُبَّة خلق قَالُوا

وهو الشاهد الخامس والثلاثون

فِي التَّثْنِيَة جبتان خلقان وَفِي الْجمع جباب أَخْلَاق والشراذم بالشين والذال المعجمتين جمع شرذمة بِكَسْر الأول وَالثَّالِث قَالَ فِي الصِّحَاح الشرذمة الطَّائِفَة من النَّاس والقطعة من الشَّيْء وثوب شراذم أَي قطع والتواق بِفَتْح التَّاء الْمُثَنَّاة الْفَوْقِيَّة وَتَشْديد الْوَاو اسْم ابْن الشَّاعِر قَالَه الْفراء وَغَيره وَأَصله مُبَالغَة تائق من تاقت نَفسه إِلَى الشَّيْء بِمَعْنى اشتاقت قَالَ الشَّاعِر (الرجز) (الْمَرْء تواق إِلَى مَا لم ينل) وَقَالَ صَاحب الْعباب وروى النواق بالنُّون وَقَالَ فِي نُوق والنواق من الرِّجَال الَّذِي يرود الْأُمُور ويصلحها وعَلى هَذَا فَيجوز أَن يُرَاد بِهِ أَيْضا الرفاء وَنَحْوه وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد الْخَامِس وَالثَّلَاثُونَ وَهُوَ من شَوَاهِد س (الطَّوِيل) (وَلَو كَانَ عبد الله مولى هجوته ... وَلَكِن عبد الله مولى مواليا) على أَن بعض الْعَرَب يجر نَحْو جوَار بالفتحة فَيَقُول مَرَرْت بِجوَارِي كَمَا قَالَ الفرزدق مولى موَالِي بِإِضَافَة موَالِي إِلَى مولى وَالْألف للإطلاق وَجُمْهُور الْعَرَب يَقُول مَرَرْت بجوار وَمولى موَالٍ بِحَذْف الْيَاء والتنوين فِي الْجَرّ وَالرَّفْع وَأما فِي النصب عِنْدهمَا فَلَا تحذف الْيَاء بل تظهر الفتحة

عَلَيْهَا نَحْو رَأَيْت جواري وَالْمرَاد بجوار مَا كَانَ جمعا على هَذَا الْوَزْن معتل اللَّام وَهَذَا خلاف مَا قَالَه س قَالَ الأعلم فِي شرح أبياته الشَّاهِد فِي إجرائة موَالِي على الأَصْل ضَرُورَة وَكَانَ الْوَجْه موَالٍ كجوار وَنَحْوه من الْجمع المنقوص فاضطر إِلَى الْإِتْمَام والإجراء على الأَصْل كَرَاهَة للزحاف ا. هـ. وَكَذَا قَالَ صَاحب الصِّحَاح قَالَ وَإِنَّمَا قَالَ مواليا لِأَنَّهُ رده إِلَى أَصله للضَّرُورَة وَإِنَّمَا لم ينون لِأَنَّهُ جعله بِمَنْزِلَة غير المعتل الَّذِي لَا ينْصَرف وَصَاحب اللّبَاب وَغَيره جعله قولا للنحويين لَا لُغَة لبَعض الْعَرَب وَقَالَ وَنَحْو جوَار حكمه حكم قَاض رفعا وجرا على الأعرف وَحكم ضوارب نصبا وَقيل نصبا وجرا وَبِهَذَا سقط اعْتِرَاض ابْن ابي إِسْحَاق على الفرزدق فِي قَوْله (وَلَو كَانَ عبد الله مولى هجوته الْبَيْت) وَالْمولى الحليف هُوَ الَّذِي يُقَال لَهُ مولى الْمُوَالَاة والحليف الْمعَاهد يُقَال مِنْهُ تحَالفا إِذا تعاهدا وتعاقدا على أَن يكون أَمرهمَا وَاحِدًا فِي النُّصْرَة والحماية وَبَينهمَا حلف وحلفة بِالْكَسْرِ فيهمَا اي عهد وَالرجل إِذا كَانَ ذليلا يوالي قَبيلَة وينضم إِلَيْهَا ليعتز بهم وَإِذا والى مولى كَانَ أذلّ ذليل وَكَذَلِكَ الْقَبِيلَة توالي وَأَرَادَ بِالْمَوَالِي الحضرميين وَكَانُوا موَالِي بني عبد شمس ابْن عبد منَاف يَقُول لَو كَانَ عبد الله ذليلا لهجوته وَلكنه أذلّ من الذَّلِيل لِأَنَّهُ حَلِيف الحضرميين وهم حلفاء بني عبد شمس وَهَذَا مُبَالغَة فِي الهجو والحضرمي مَنْسُوب إِلَى حَضرمَوْت وحضرموت بلد وقبيلة وَالصَّوَاب فِي رِوَايَة الْبَيْت ...

(لَو كَانَ عبد الله مولى هجوته) بِحَذْف الْوَاو وَجعل الْبَيْت مخروما فَإِنَّهُ بَيت وَاحِد وَلم يتقدمه شَيْء حَتَّى تكون الْوَاو عاطفة وَعبد الله هُوَ عبد الله بن أبي إِسْحَاق الزيَادي الْحَضْرَمِيّ قَالَ الواحدي فِي كتاب الأغراب فِي علم الْإِعْرَاب كَانَ عبد الله من تلامذة عَنْبَسَة بن معدان وَهُوَ من تلامذة أبي الْأسود الدؤَلِي وَاضع النَّحْو وَلَيْسَ فِي أَصْحَاب عَنْبَسَة مثل عبد الله واسْمه مَيْمُون الأقرن وَهُوَ الَّذِي كَانَ يرد على الفرزدق قَوْله (الطَّوِيل) (وعض زمَان يَا ابْن مَرْوَان لم يجع ... من المَال إِلَّا مسحتا أَو مجلف) فهجاه الفرزدق بقوله (فَلَو كَانَ عبد الله مولى هجوته الْبَيْت) وَكَانَ يُقَال عبد الله أعلم أهل الْبَصْرَة وأعقلهم وَفرع النَّحْو وقاسه وَكَانَ أَبُو عَمْرو بن الْعَلَاء قد أَخذ عَنهُ النَّحْو وَمن أَصْحَاب عبد الله الَّذين أخذُوا عَنهُ النَّحْو عِيسَى بن عمر الثَّقَفِيّ وَيُونُس بن حبيب وَأَبُو الْخطاب الْأَخْفَش ا. هـ. وَقَالَ أَبُو بكر مُحَمَّد بن عبد الْملك بن السراج الْمَعْرُوف بالتاريخي فِي تَارِيخ النُّحَاة وَتُوفِّي عبد الله هَذَا سنة سبع عشرَة وَمِائَة وَهُوَ ابْن ثَمَان وَثَمَانِينَ سنة وَصلى عَلَيْهِ بِلَال بن أبي بردة

وَاعْلَم أَنهم قد ذكرُوا فِي سَبَب هجو الفرزدق لعبد الله أَن عبد الله لحنه فِي قَوْله إِلَّا مسحتا أَو مجلف فَإِنَّهُ عطف الْمَرْفُوع على الْمَنْصُوب كَمَا نَقله الواحدي وَغَيره وَسَيَأْتِي إِن شَاءَ الله شرح هَذَا الْبَيْت مُسْتَوفى فِي بَاب الْعَطف فَلَمَّا بلغ الفرزدق تلحين عبد الله إِيَّاه هجاه بِهَذَا الْبَيْت فَلَمَّا بلغ هجو الفرزدق لعبد الله قَالَ قُولُوا للفرزدق لحنت فِي هَذَا الْبَيْت أَيْضا حَيْثُ حركت موَالِي فِي الْخَفْض هَكَذَا رووا هَذِه الْحِكَايَة وَالَّذِي رَأَيْته فِي تَارِيخ النُّحَاة للتاريخي الْمَذْكُور آنِفا قَالَ حَدثنِي ابْن الْفَهم عَن مُحَمَّد بن سَلام قَالَ أخبرنَا يُونُس أَن ابْن أبي إِسْحَاق قَالَ للفرزدق فِي مديحة يزِيد بن عبد الْملك بن مَرْوَان (مستقلين شمال الشَّام تضربنا ... على زواحف تزجى مخها رير) فَقَالَ لَهُ ابْن أبي إِسْحَاق أَسَأْت موضعهَا رفع وَإِن رفعت أقويت وألح النَّاس على الفرزدق فِي ذَلِك فقلبها فَقَالَ (على زواحف نزجيها محاسير) ثمَّ ترك الروَاة هَذَا وَرَجَعُوا إِلَى القَوْل الأول قَالَ يُونُس وَهَذَا جيد فَلَمَّا أَكثر ابْن أبي إِسْحَاق على الفرزدق هجاه فَقَالَ (لَو كَانَ عبد الله مولى هجوته الْبَيْت) وَقد حكى مثل حِكَايَة التاريخي أَبُو الْقَاسِم على بن حَمْزَة الْبَصْرِيّ اللّغَوِيّ فِي كتاب التَّنْبِيهَات على أغلاط الروَاة قَالَ وَقد حكى أَبُو أَحْمد عبد الْعَزِيز بن يحيى الجلودي فِي إِسْنَاد ذكره فِي أَخْبَار الفرزدق أَن عبد الله بن أبي إِسْحَاق النَّحْوِيّ قَالَ إِن الفرزدق لحن فِي قَوْله ...

(على زواحف تزجى مخها رير) وَإِن ذَلِك بلغ الفرزدق فَقَالَ أما وجد هَذَا المنتفخ الخصيين لبيتي مخرجا فِي الْعَرَبيَّة أما إِنِّي لَو أَشَاء لَقلت (على زواحف نزجيها محاسير) ولكنني وَالله لَا أقوله ثمَّ قَالَ (فَلَو كَانَ عبد الله مولى هجوته الْبَيْت) فَبلغ ذَلِك عبد الله فَقَالَ عذره شَرّ من ذَنبه والخفض فِي رير جيد وَتَقْدِيره على زواحف رير مخها تزجى ا. هـ. كَلَامه وَهَذَا الْبَيْت مركب من بَيْتَيْنِ وهما (الْبَسِيط) (مُسْتَقْبلين شمال الشَّام تضربنا ... بحاصب كنديف الْقطن منثور) (على عمائمنا يلقى وأرحلنا ... على زواحف نزجيها محاسير) والشمَال هِيَ الرّيح الْمَعْرُوفَة وَهِي مفعولة وَجُمْلَة تضربنا حَال مِنْهَا والحاصب بمهملتين الرّيح الَّتِي تثير الْحَصْبَاء والزواحف جمع زاحفة بالزاي الْمُعْجَمَة والحاء الْمُهْملَة وَهِي الْإِبِل الَّتِي أعيت فجرت فراسنها يُقَال زحف الْبَعِير إِذا أعيا فجر فرسنة أَي خفَّة ونزجيها نسوقها والإزجاء السُّوق ومحاسير جمع محسور من حسرت الْبَعِير حسرا إِذا أتعبته فَهُوَ حسير أَيْضا وَيُقَال أحسرته بِالْألف أَيْضا وَيكون لَازِما أَيْضا يُقَال حسر الْبَعِير يحسر حسورا إِذا أعيا والرير على مَا فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى هُوَ بإهمال الراءين قَالَ الْفراء مخ رير بِفَتْح الرَّاء وَكسرهَا ورار أَيْضا أَي فَاسد ذائب من الهزال

(تتمة)

وَمن الْأَمْثَال أسمح من مخة الرير قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ فِي أَمْثَاله الرير والرار المخ الَّذِي قد ذاب فِي الْعظم حَتَّى كَأَنَّهُ مَاء وسماحه ذوبه وجريانه وترجمة الفرزدق ذكرت فِي الشَّاهِد الثَّلَاثِينَ (تَتِمَّة) قد تكلم ابْن جني فِي شرح تصريف أبي عُثْمَان الْمَازِني الْمُسَمّى بالتصريف الملوكي بتفصيل جيد فِي الْكَلَام على تَنْوِين جوَار أَحْبَبْت أَن أذكرهُ هُنَا قَالَ فَأَما جوَار وغواش وَنَحْوهمَا فللسائل أَن يَقُول لم صرف هَذَا الْوَزْن وَبعد أَلفه حرفان وَقد قَالَ أَبُو إِسْحَاق الزّجاج فِي هَذَا مَا أذكرهُ لَك وَهُوَ انه ذهب إِلَى أَن التَّنْوِين إِنَّمَا دخل فِي هَذَا الْوَزْن لِأَنَّهُ عوض من ذهَاب حَرَكَة الْيَاء فَلَمَّا جَاءَ التَّنْوِين وَهُوَ سَاكن وَالْيَاء قبله ساكنه التقى ساكنان فحذفت الْيَاء فَقيل هَؤُلَاءِ جوَار قيل هَذَا قَاض ومررت بقاض يُرِيد أَن أَصله هَؤُلَاءِ جواري ثمَّ أسكنت الْيَاء استثقالا للضمة عَلَيْهَا فَبَقيت جواري ثمَّ عوض من الْحَرَكَة التَّنْوِين فَالتقى ساكنان فَوَجَبَ حذف الْيَاء إِلَّا ترى أَن الْحَرَكَة لما ثبتَتْ فِي مَوضِع النصب فِي قَوْلك رايت جواري لم يُؤْت بِالتَّنْوِينِ لِأَنَّهُ إِنَّمَا كَانَ يَجِيء عوضا من الْحَرَكَة فَإِذا كَانَت الْحَرَكَة ثَابِتَة لم يلْزم أَن يعوض مِنْهَا شَيْء وَأنكر أَبُو عَليّ هَذَا القَوْل على أبي إِسْحَاق وَقَالَ لَيْسَ

التَّنْوِين عوضا من حَرَكَة الْيَاء وَقَالَ لِأَنَّهُ لوكان كَذَلِك لوَجَبَ أَن يعوض التَّنْوِين من حَرَكَة الْيَاء فِي يَرْمِي أَلا ترى أَن أَصله يَرْمِي بِوَزْن يضْرب فَكَمَا لم نرهم عوضوا من حَرَكَة هَذِه الْيَاء كَذَلِك لَا يجوز أَن يكون التَّنْوِين فِي جوَار عوضا من ذهَاب حَرَكَة الْيَاء فَإِن انتصر منتصر لأبي إِسْحَاق فَقَالَ إِلْزَام أبي عَليّ إِيَّاه لَا يلْزمه لِأَن لَهُ أَن يَقُول إِن جوَار وَنَحْوه اسْم والتنوين بَابه الْأَسْمَاء ويرمى فعل والتنوين لَا مدْخل لَهُ فِيهِ فَلذَلِك لم يلْزم أَن يعوض من حركته قيل لَهُ وَمِثَال مفاعل أَيْضا لَا يدْخلهُ التَّنْوِين فَإِن قَالَ مفاعل اسْم والأسم مِمَّا يَصح فِيهِ التَّنْوِين قيل لَهُ لَو كَانَ الْأَمر كَذَلِك لوَجَبَ ان يعوض من حَرَكَة الْألف فِي حُبْلَى وَنَحْوهَا تنوينا فَإِن قَالَ لَو عوض لدخل التَّنْوِين مَا لَا ينْصَرف على وَجه من الْوُجُوه قيل وَكَذَلِكَ مِثَال مفاعل لَا ينْصَرف معرفَة وَلَا نكرَة فَإِن قَالَ مفاعل قد ينْصَرف فِي بعض الْمَوَاضِع فِي ضَرُورَة الشّعْر وحبلى وبابها لم يصرف قطّ لضَرُورَة قيل إِنَّمَا لم يصرفوا حُبْلَى للضَّرُورَة لِأَن التَّنْوِين كَانَ يذهب الْألف من اللَّفْظ فَيحصل على سَاكن هُوَ التَّنْوِين وَقد كَانَت الْألف قبله سَاكِنة فَلَا يزدادون أَكثر مِمَّا كَانَ قبل الصّرْف فتركوا الصّرْف فِي نَحْو حُبْلَى لذَلِك أَلا ترى أَنهم يصرفون نَحْو حَمْرَاء فَيَقُولُونَ مَرَرْت بِحَمْرَاء للضَّرُورَة لأَنهم قد أزدادوا حرفا يقوم بِهِ وزن الْبَيْت وهمزة حَمْرَاء كألف سكرى وحبلى وَالْقَوْل فِي هَذَا مَا ذهب إِلَيْهِ الْخَلِيل وسيبويه من أَن الْيَاء حذفت حذفا لَا لالتقاء الساكنين فَلَمَّا حذفت إلياء صَار فِي التَّقْدِير جوَار بِوَزْن جنَاح فَلَمَّا نقص عَن وزن فواعل دخله التَّنْوِين كَمَا يدْخل جنَاحا فَدلَّ على أَن التَّنْوِين إِنَّمَا دخله لما نقص عَن وزن ضوارب وَلذَا إِذا تمّ الْوَزْن فِي النصب وَظَهَرت الْيَاء امْتنع التَّنْوِين أَن يدْخل

لِأَنَّهُ قد تمّ فِي وزن ضوارب فالتنوين على هَذَا معاقب للياء لَا للحركة إِذْ لَو كَانَ معاقبا للحركة لوَجَبَ ان يدْخل فِي يَرْمِي لِأَن الْحَرَكَة قد حذفت من الْيَاء فِي مَوضِع الرّفْع وَشَيْء آخر يدل عِنْدِي على أَن التَّنْوِين لَيْسَ بَدَلا من الْحَرَكَة وَذَلِكَ أَن الْيَاء فِي جوَار قد عَاقَبت الْحَرَكَة فِي الرّفْع والجر فِي الْغَالِب وَإِذا كَانَ كَذَلِك فقد صَارَت الْيَاء لمعاقبتها الْحَرَكَة تجْرِي مجْراهَا فَكَمَا لَا يجوز أَن يعوض من الْحَرَكَة وَهِي ثَابِتَة كَذَلِك لَا يجوز أَن يعوض مِنْهَا وَفِي الْكَلِمَة مَا هُوَ معاقب لَهَا وجار مجْراهَا وَقد دللت فِي هَذَا الْكتاب على أَن الْحَرَكَة قد تعاقب الْحَرْف وَتقوم مقَامه فِي كثير من كَلَام الْعَرَب فَإِن قَالَ قَائِل فَلم ذهب الْخَلِيل وسيبويه إِلَى أَن الْيَاء قد حذفت حذفا حَتَّى أَنه لما نقص وزن الْكَلِمَة عَن بِنَاء فواعل دَخلهَا التَّنْوِين قيل لِأَن الْيَاء قد حذفت فِي مَوَاضِع لَا تبلغ أَن تكون فِي الثّقل مثل هَذَا كَقَوْلِه تَعَالَى {الْكَبِير المتعال} وَيَوْم يدع الداع) وَيَوْم التناد) وَقَالَ الشَّاعِر (الْكَامِل) (وأخو الغوان مَتى يشب يصرمنه) وَقَالَ آخر (الوافر) (دوامي الأيد يخبطن السريحا)

فَاكْتفى فِي جَمِيع هَذَا بالكسرة من الْيَاء وَهُوَ كثير جدا فَلَمَّا كَانَ الِاكْتِفَاء بالكسرة جَائِزا مستحسنا فِي هَذِه الْأَسْمَاء الْآحَاد والآحاد أخف من الجموع كَانَ بَاب جوَار جَدِيرًا بِأَن يلْزم الْحَذف لثقله أَلا ترى أَنه جمع وَهُوَ مَعَ ذَلِك الْجمع الْأَكْبَر الَّذِي تَنْتَهِي إِلَيْهِ الجموع فَلَمَّا اجْتمع فِيهِ ذَلِك وَكَانُوا قد حذفوا الْيَاء مِمَّا هُوَ أخف مِنْهُ ألزموه الْحَذف الْبَتَّةَ حَتَّى لم يجز غَيره وَقد حذفت الْيَاء من الْفِعْل أَيْضا فِي مَوضِع الرّفْع حذفا كالمطرد كَقَوْلِه تَعَالَى {مَا كُنَّا نبغ} {وَاللَّيْل إِذا يسر} وَهُوَ كثير فَهَذَا يدلك على اطراد حذف الْيَاء فَإِن قَالَ قَائِل الْفِعْل أثقل من الِاسْم فَكيف ألزم بَاب جوَار الْحَذف وَلم يلزموه الْفِعْل قيل لَهُ لم يلْزم فِي الْفِعْل لِأَن الْيَاء قد تحذف للجزم حذفا مطردا فَلَو ألزموها الْحَذف فِي مَوضِع الرّفْع أَيْضا لالتبس الرّفْع بِالْجَزْمِ وأجازوا الْحَذف فِي بعض الْمَوَاضِع اسْتِخْفَافًا فَإِن قيل هلا فصلت بَين الرّفْع والجر أَيْضا فِي جوَار كَمَا فصلت بَين الرّفْع والجزم قيل لَهُ الضمة والكسرة وَإِن اختلفتا فِي الصُّورَة فقد أتفقتا فِي أَن كل وَاحِدَة مِنْهُمَا حَرَكَة وأنهما كلتيهما مستثقلتان فِي الْيَاء فَكَذَلِك لم يفصلوا بَينهمَا فِي بَاب جوَار واعتمدوا على مَا يصحب الْكَلَام من أَوله إِلَى آخِره وَلَيْسَ كَذَلِك فِي الرّفْع والجزم لِأَنَّهُمَا لم يتَّفقَا فِي حَال كَمَا اتّفقت الضمة وَالْكَسْر فَافْهَم

وهو الشاهد السادس والثلاثون

وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد السَّادِس وَالثَّلَاثُونَ وَهُوَ من شَوَاهِد س (الطَّوِيل) (سَمَاء الْإِلَه فَوق سبع سمائيا) وصدره (لَهُ مَا رَأَتْ عين الْبَصِير وفوقه) أنْشدهُ لما تقدم فِي الْبَيْت قبله قَالَ أَبُو جَعْفَر النّحاس فِي شرح شَوَاهِد س نقلا عَن الْأَخْفَش وَمثله ابْن جني فِي شرح تصريف الْمَازِني وَاللَّفْظ لَهُ قَالَ قد خرج هَذَا الشَّاعِر عَمَّا عَلَيْهِ الِاسْتِعْمَال من ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه جمع سَمَاء على فعائل فشبهها بشمال وشمائل وَالْجمع الْمَعْرُوف فِيهَا إِنَّمَا هُوَ سمي على فعول وَنَظِيره عنَاق وعنوق أَلا ترى أَن سَمَاء مُؤَنّثَة كَمَا أَن عنَاقًا كَذَلِك وَالثَّانِي أَنه أقرّ الْهمزَة الْعَارِضَة فِي الْجمع مَعَ أَن اللَّام معتلة وَهَذَا غير مَعْرُوف أَلا ترى أَن مَا تعرض الْهمزَة فِي جمعه ولامه وَاو أَو يَاء أَو همزَة فالهمزة الْعَارِضَة فِيهِ مُغيرَة مبدلة نَحْو خَطِيئَة وخطايا ومطية ومطايا وَلم يَقُولُوا خطائي وَلَا مطائي وَالثَّالِث أَنه أجْرى الْيَاء فِي سمائي مجْرى الْبَاء فِي ضوارب فَفَتحهَا فِي مَوضِع الْجَرّ وَالْمَعْرُوف عِنْدهم أَن تَقول هَؤُلَاءِ جوَار ومررت بجوار فتحذف الْيَاء وَتدْخل التَّنْوِين وللنحويين فِي ذَلِك احتجاج لما يذهبون إِلَيْهِ من أَن أصل مطايا مطائي أَلا ترى أَن الشَّاعِر لما اضْطر جَاءَ بِهِ على أَصله فَقَالَ سمائيا كَمَا أَنه لما اضْطر إِلَى إِظْهَار أصل ضن قَالَ

(الْبَسِيط) (أَنِّي أَجود لأقوام وَإِن ضنوا) وكما قَالَ الآخر (الطَّوِيل) (صددت فأطولت الصدود) يُرِيد أطلت فَهَذِهِ الْأَشْيَاء الشاذة فِيهَا حجج فِي أَن يَقُولُوا إِن أصل هَذَا كَذَا وَكَذَلِكَ مَا حكى عَنْهُم من أَنهم يَقُولُونَ غفر الله لَهُ خطائئه بِوَزْن خطاععة فِيهِ دلَالَة على ان أصل رزايا رزائي بِوَزْن رزاعع أَلا ترى أَن رزيئة كخطيئة فلابد لَهُم فِي جَمِيع مَا يَدعُونَهُ وَهَذَا كُله من الْأُصُول لِابْنِ السيرافي إِلَّا أَن ابْن جني بسط مَا أجملة لِابْنِ السراج وَهَذَا الْبَيْت من قصيدة طَوِيلَة لأمية بن أبي الصَّلْت مطْلعهَا (الطَّوِيل) (أَلا كل شَيْء هَالك غير رَبنَا ... وَللَّه مِيرَاث الَّذِي كَانَ فانيا) (ولي لَهُ من دون كل ولَايَة ... إِذا شَاءَ لم يمسوا جَمِيعًا مواليا) (وَإِن يَك شَيْء خَالِدا ومعمرا ... تَأمل تَجِد من فَوْقه الله بَاقِيا) (لَهُ مَا رَأَتْ عين الْبَصِير وفوقه ... سَمَاء الْإِلَه فَوق سبع سمائيا)

وَهَذِه قصيدة عَظِيمَة تشْتَمل على تَوْحِيد الله وقصص بعض الْأَنْبِيَاء كنوح ويوسف ومُوسَى وَدَاوُد وَسليمَان عَلَيْهِم السَّلَام ويعجبني مِنْهَا قَوْله (أَلا لن يفوت الْمَرْء رَحمَه ربه ... وَلَو كَانَ تَحت الأَرْض سبعين وَاديا) (يعالى وتدركه من الله رَحْمَة ... ويضحي ثناه فِي الْبَريَّة زاكيا) وَقَوله فِي آخرهَا (وَأَنت الَّذِي من فضل سيب ونعمة ... بعثت إِلَى مُوسَى رَسُولا مناديا) (فَقَالَ أَعنِي يَابْنَ أُمِّي فإنني ... كثير بِهِ يَا رب صل لي جناحيا) (وَقلت لهارون اذْهَبَا فتظاهرا ... على الْمَرْء فِرْعَوْن الَّذِي كَانَ طاغيا) (وقولا لَهُ أَأَنْت سويت هَذِه ... بِلَا وتد حَتَّى اطمأنت كَمَا هيا) (وقولا لَهُ أَأَنْت رفعت هَذِه ... بِلَا عمد أرْفق إِذا بك بانيا) (وقولا لَهُ أَأَنْت سويت وَسطهَا ... منيرا إِذا مَا جنه اللَّيْل ساريا) (وقولا لَهُ من أخرج الشَّمْس بكرَة ... فاصبح مَا مست من الأَرْض ضاحيا) (وقولا لَهُ من أنبت الْحبّ فِي الثرى ... فَأصْبح مِنْهُ البقل يَهْتَز رابيا) (فاصبح مِنْهُ حبه فِي رؤوسه ... فَفِي ذَاك آيَات لمن كَانَ واعيا) وَقَوله ولي لَهُ من دون كل ولَايَة ألخ هُوَ خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي رَبنَا ولي وَهُوَ فعيل بِمَعْنى فَاعل من وليه إِذا قَامَ بِهِ وكل من ولي أَمر أحد فَهُوَ وليه وَالضَّمِير فِي لَهُ رَاجع لقَوْله الَّذِي كَانَ فانيا وَالْولَايَة قَالَ أَبُو عَمْرو هِيَ بِالْكَسْرِ فِي الْعَمَل وبالفتح فِي الدَّين وَقَوله إِذا شَاءَ إِلَخ يَقُول إِذا شَاءَ أماتهم وفرقهم والموالي الْوَرَثَة جمع مولى قَالَ تَعَالَى!

2 - وَلكُل جعلنَا موَالِي} أَي وَرَثَة وَقَوله لَهُ مَا رَأَتْ عين الْبَصِير إِلَخ لَهُ خبر مقدم وضميره لربنا وَمَا مَوْصُولَة مُبْتَدأ مُؤخر وَتَقْدِيم الْخَبَر للحصر أَي الَّذِي رَأَتْهُ الْأَعْين ملك لربنا لَيْسَ لأحد شَيْء مِنْهُ وَضمير فَوْقه عَائِد ل مَا الموصولة وسماء الْإِلَه أَرَادَ بِهِ الْعَرْش مبتدا وَخَبره الظّرْف قبله وَقَوله فَوق سبع سمائيا حَال من الضَّمِير الْمُسْتَتر فِي فَوْقه وَمن رفع سَمَّاهُ الْإِلَه بالظرف قبله كَانَ فَوق سبع سمائيا حَالا من سَمَاء الْإِلَه كَذَا فِي إِيضَاح الشّعْر لأبي عَليّ قَالَ ابْن جني فِي الخصائص وَكَانَ أَبُو عَليّ ينشدنا فَوق سِتّ سمائيا وَكَذَا رَأَيْته أَنا قد أثْبته فِي الْإِيضَاح وَكَذَلِكَ رَأَيْته أَنا أَيْضا فِي ديوَان أُميَّة فَيكون المُرَاد بسماء الْإِلَه السَّمَاء السَّابِعَة وَأُميَّة هُوَ أُميَّة بن أبي الصَّلْت واسْمه عبد الله بن أبي ربيعَة بن عَوْف الثَّقَفِيّ قَالَ الْأَصْمَعِي ذهب أُميَّة فِي شعره بعامه ذكر الْآخِرَة وعنترة بعامة ذكر الْحَرْب وَقد صدقه النَّبِي فِي بعض شعره وَفِي صَحِيح مُسلم عَن الرشيد بن سُوَيْد قَالَ ردفت رَسُول الله فَقَالَ هَل مَعَك من شعر أُميَّة بن أبي الصَّلْت شَيْء قلت نعم قَالَ هيه فَأَنْشَدته بَيْتا فَقَالَ هيه ثمَّ أنشدته بَيْتا فَقَالَ هيه حَتَّى أنشدته مائَة بَيت فَقَالَ كَاد ليسلم وَفِي رِوَايَة ليسلم فِي شعره وَفِي رِوَايَة آمن شعره وَكفر قلبه وَفِي الْإِصَابَة عَن ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي أنْشد قَول أُميَّة

(الْكَامِل) (رجل وثور تَحت رجل يَمِينه والنسر لِلْأُخْرَى وَلَيْث مرصد) فَقَالَ صدق وَهَذِه صفة حَملَة الْعَرْش وَفِي شرح ديوانه لمُحَمد بن حبيب يُقَال أَن حَملَة الْعَرْش ثَمَانِيَة رجل وثور ونسر وَأسد هَذِه أَرْبَعَة وَأَرْبَعَة أُخْرَى فَأَما الْيَوْم فهم أَرْبَعَة فَإِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة أيدوا بأَرْبعَة أُخْرَى فَذَلِك قَوْله تَعَالَى {وَيحمل عرش رَبك فَوْقهم يَوْمئِذٍ ثَمَانِيَة} كَذَلِك بَلغنِي وَالله أعلم وَيُقَال إِن الَّذِي فِي صُورَة رجل هُوَ الَّذِي يشفع لبني آدم فِي أَرْزَاقهم وَأما الَّذِي فِي صُورَة نسر فَهُوَ الَّذِي يشفع للطير فِي أَرْزَاقهم وَبَلغنِي أَيْضا أَن لكل ملك مِنْهُم أَرْبَعَة وجوة وَجه رجل وَوجه ثَوْر وَوجه أَسد وَوجه نسر ا. هـ. وَفِي الأغاني بِسَنَدِهِ لما أنْشد النَّبِي قَول أُميَّة (الْبَسِيط) (الْحَمد لله ممسانا ومصبحنا ... بِالْخَيرِ صبحنا رَبِّي ومسانا) (رب الحنيفة لم تنفد خزائنها ... مَمْلُوءَة طبق الافاق أشطانا) (أَلا نَبِي لنا منا فيخبرنا ... مَا بعد غايتنا من رَأس مجرانا) (بَينا يرببنا آبَاؤُنَا هَلَكُوا ... وبينما نقتني الْأَوْلَاد أبلانا) (وَقد علمنَا لَو أَن الْعلم ينفعنا ... أَن سَوف تلْحق أخرانا بأولانا) ...

(وَقد عجبت وَمَا بِالْمَوْتِ من عجب ... مَا بَال أحيائنا يَبْكُونَ مَوتَانا) إِلَى أَن قَالَ: (يَا رب لَا تجعلني كَافِرًا أبدا ... وَاجعَل سريرة قلبِي الدَّهْر إِيمَانًا) (واخلط بِهِ بنيتي واخلط بِهِ بشري ... وَاللَّحم وَالدَّم مَا عمرت إنْسَانا) (إِنِّي أعوذ بِمن حج الحجيج لَهُ ... والرافعون لدين الله أركاناً) (مُسلمين إِلَيْهِ عِنْد حجهم ... لم يَبْتَغُوا بِثَوَاب الله أثماناً) فَقَالَ : " آمن شعره وَكفر قلبه ". وَقَالَ ابْن قُتَيْبَة فِي " طَبَقَات الشُّعَرَاء ": " وَكَانَ أُميَّة يخبر أَن نَبيا يخرج، قد أظل زَمَانه، وَكَانَ يؤمل أَن يكون ذَلِك النَّبِي؛ فَلَمَّا بلغه خُرُوج النَّبِي كفر بِهِ حسداً ". وَلما أنْشد النَّبِي شعره قَالَ: " آمن لِسَانه وَكفر قلبه ". وأتى بِأَلْفَاظ كَثِيرَة لَا تعرفها الْعَرَب، وَكَانَ يَأْخُذهَا من الْكتب. مِنْهَا قَوْله: (الوافر) (بِآيَة قَامَ ينْطق كل شَيْء ... وخان أَمَانَة الديك الْغُرَاب) وَزعم أَن الديك كَانَ نديماً للغراب، فرهنه على الْخمر وغدر بِهِ وَتَركه عِنْد الْخمار، فَجعله الْخمار حارساً. وَمِنْهَا قَوْله: (قمر وساهور يسل ويغمد) وَزعم أهل الْكتاب أَن " الساهور " غلاف الْقَمَر يدْخل فِيهِ إِذا انكسف.

وَقَوله فِي الشَّمْس (الْكَامِل) (لَيْت بطالعة لَهُم فِي رسلها ... إِلَّا معذبة وَإِلَّا تجلد) وَكَانَ يُسمى السَّمَاوَات صاقورة وحاقورة وبرقع وعلماؤنا لَا يرَوْنَ شعره حجَّة على الْكتاب وَلما حَضرته الْوَفَاة قَالَ (الْخَفِيف) (كل عَيْش وَإِن تطاول يَوْمًا ... صائر مرّة إِلَى أَن يزولا) (لَيْتَني كنت قبل مَا قد بدا لي ... فِي رُؤُوس الْجبَال أرعى الوعولا) قَالَ شَارِح ديوانه فِي شرح بَيت الشَّمْس قَالَ أَبُو عَمْرو قَالَ أَبُو بكر الْهُذلِيّ قلت لعكرمة مولى ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما أَرَأَيْت مَا بلغنَا عَن النَّبِي أَنه قَالَ لأمية بن أبي الصَّلْت آمن شعره وَكفر قلبه فَقَالَ هُوَ حق وَمَا أنكرتم من ذَلِك قَالَ قُلْنَا أَنْكَرْنَا قَوْله (وَالشَّمْس تصبح كل آخر لَيْلَة ... حَمْرَاء يصبح لَوْنهَا يتورد) (لَيست بطالعة لَهُم فِي رسلها الْبَيْت) فَمَا شَأْن الشَّمْس تجلد قَالَ وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ مَا طلعت الشَّمْس قطّ حَتَّى ينخسها سَبْعُونَ ألف ملك يُقَال لَهَا أطلعي فَتَقول لَا أطلع على قوم يعبدوني من دون الله فيأتيها ملكان حَتَّى تستقل لضياء الْعباد فيأتيها شَيْطَان يُرِيد أَن يصدها عَن الطُّلُوع فَتَطلع على قرنيه فيحرقه الله تحتهَا وَمَا غربت قطّ إِلَّا خرت لله سَاجِدَة فيأتيها شَيْطَان يُرِيد أَن يصدها عَن سجودها فتغرب على قرنية فيحرقه الله تحتهَا فَذَلِك قَول النَّبِي تطلع بَين قَرْني شَيْطَان وتغرب بَين قَرْني شَيْطَان

وَفِي الأغاني عَن الزبير بن بكار قَالَ حَدثنِي عمي قَالَ كَانَ أُميَّة فِي الْجَاهِلِيَّة نظر الْكتب وَقرأَهَا وَلبس المسوح تعبدا وَكَانَ مِمَّن ذكر إِبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل والحنيفية وَحرم الْخمر وتجنب الْأَوْثَان وَصَامَ وَالْتمس الدَّين طَمَعا فِي النُّبُوَّة لِأَنَّهُ كَانَ قد قَرَأَ فِي الْكتب أَن نَبيا يبْعَث فِي الْحجاز من الْعَرَب وَكَانَ يَرْجُو أَن يكون هُوَ فَلَمَّا بعث النَّبِي حسده وَكَانَ يحرض قُريْشًا بعد وقْعَة بدر ويرثي من قتل فِيهَا فَمن ذَلِك قصيدته الحائية الَّتِي نهى النَّبِي عَن رِوَايَتهَا الَّتِي يَقُول فِيهَا (مجزوء الْكَامِل) (مَاذَا ببدر والعقنقل من مرازبة جحاجح) لِأَن رُؤُوس من قتل بهَا عتبَة وَشَيْبَة ابْنا ربيعَة بن عبد شمس وهما ابْنا خَاله لِأَن أمة رقية بنت عبد شمس وَفِي الْإِصَابَة ذكر صَاحب الْمَرْأَة فِي تَرْجَمته عَن ابْن هِشَام قَالَ كَانَ أُميَّة آمن بِالنَّبِيِّ فَقدم الْحجاز ليَأْخُذ مَاله من الطَّائِف ويهاجر فَلَمَّا نزل بَدْرًا قيل لَهُ إِلَى أَيْن يَا أَبَا عُثْمَان فَقَالَ أُرِيد أَن أتبع مُحَمَّدًا فَقيل لَهُ هَل تَدْرِي مَا فِي هَذَا القليب قَالَ لَا قَالَ فِيهِ شيبَة وَرَبِيعَة وَفُلَان وَفُلَان فجدع أنف نَاقَته وشق ثَوْبه وَبكى وَذهب إِلَى الطَّائِف فَمَاتَ بهَا ذكر ذَلِك فِي حوادث السّنة الثَّامِنَة وَالْمَعْرُوف أَنه مَاتَ

فِي التَّاسِعَة وَلم يخْتَلف أَصْحَاب الْأَخْبَار أَنه مَاتَ كَافِرًا وَصَحَّ أَنه عَاشَ حَتَّى رثى أهل بدر وَقيل إِنَّه الَّذِي نزل فِيهِ قَوْله تَعَالَى {الَّذِي آتيناه آيَاتنَا فانسلخ مِنْهَا} وَقيل إِنَّه مَاتَ سنة تسع من الْهِجْرَة فِي الطَّائِف كَافِرًا قبل أَن يسلم الثقفيون وَرَأَيْت فِي ديوانه قصيدة مدح بهَا النَّبِي أَولهَا (المتقارب) (لَك الْحَمد والمن رب الْعباد ... أَنْت المليك وَأَنت الحكم) إِلَى أَن قَالَ (وَدَن دين رَبك حَتَّى التقى ... واجتنبن الْهوى والضجم) (مُحَمَّد أرْسلهُ بِالْهدى ... فَعَاشَ غَنِيا وَلم يهتضم) (عَطاء من الله أَعْطيته ... وَخص بِهِ الله أهل الْحرم) (وَقد علمُوا أَنه خَيرهمْ ... وَفِي بَيتهمْ ذِي الندى وَالْكَرم) (يعيبون مَا قَالَ لما دَعَا ... وَقد فرج الله إِحْدَى البهم) (بِهِ وَهُوَ يَدْعُو بِصدق الحديدث ... غلى الله من قبل زيغ الْقدَم) (أطِيعُوا الرَّسُول عباد الْإِلَه ... تنجون من شَرّ يَوْم ألم تنجون من ظلمات الْعَذَاب وَمن حر نَار على من ظلم) (دَعَانَا النَّبِي بِهِ خَاتم ... فَمن لم يجبهُ أسر النَّدَم) (نَبِي هدى صَادِق طيب ... رَحِيم رؤوف يُوصل الرَّحِم) (بِهِ ختم الله من قبله ... وَمن بعده من نَبِي ختم) (يَمُوت كَمَا مَاتَ من قد مضى ... يرد إِلَى الله باري النسم) (مَعَ الأنبيا فِي جنان الخلود ... هم أَهلهَا غير حل الْقسم) ...

(تتمة)

(وَقدس فِينَا بحب الصَّلَاة ... جَمِيعًا وَعلم خطّ الْقَلَم) (كتابا من الله نقرا بِهِ ... فَمن يعتديه فقد مَا أَثم) مَا زَائِدَة وأثم فعل مَاض (تَتِمَّة) تتبعت من اسْمه أُميَّة فوجدتهم خَمْسَة أحدهم هَذَا وَالثَّانِي أُميَّة بن كَعْب الْمحَاربي وَالثَّالِث أُميَّة بن خلف الْخُزَاعِيّ وَالرَّابِع أُميَّة بن أبي عَائِذ الْهُذلِيّ وَالْخَامِس أُميَّة بن الأسكر الْكِنَانِي وَلم يذكر وَاحِدًا مِنْهُم الْآمِدِيّ فِي كِتَابه المؤتلف والمختلف مَعَ أَن هَذَا من شَرط كِتَابه ونترجم إِن شَاءَ الله من هَؤُلَاءِ من يَأْتِي لَهُ شعر فِي هَذِه الشواهد بعون الله تَعَالَى وَحسن توفيقه وَأنْشد بعده (يَفُوقَانِ مرداس فِي مجمع) تقدم الْكَلَام عَلَيْهِ مُسْتَوفى فِي الشَّاهِد السَّابِع عشر وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد السَّابِع وَالثَّلَاثُونَ (الْبَسِيط) (كم دون مية من خرق وَمن علم ... كَأَنَّهُ لامع عُرْيَان مسلوب)

. على أَن عُرْيَان جَاءَ فِي ضَرُورَة الشّعْر مَمْنُوع الصّرْف تَشْبِيها بِبَاب سَكرَان قد تقدم فِي الشَّاهِد السَّابِع عشر أَن الْكُوفِيّين يجيزون ترك الصّرْف للضَّرُورَة فِي الْأَعْلَام وَغَيرهَا وَمن جملَة شواهدهم (الطَّوِيل) (وَالسيف عُرْيَان أَحْمَر) وَتقدم وَكم هُنَا للتكثير وَدون بِمَعْنى قُدَّام ومية اسْم محبوبة ذِي الرمة ولقبها الخرقاء كَمَا تقدم بَيَانه فِي الشَّاهِد الثَّامِن وَفِي أَكثر نسخ هَذَا الشَّرْح بيشة بدل مية وَهُوَ مَوضِع بِالْيمن وَهُوَ مأسدة وَفِي كتاب النَّبَات للدينوري بيشة وَاد عَظِيم من أَوديَة نجد وَهُوَ تَحْرِيف من الْكتاب والخرق بِفَتْح الْمُعْجَمَة وَسُكُون الرَّاء الْمُهْملَة وبالقاف هُوَ الأَرْض الواسعة الَّتِي تتخرق فِيهَا الرِّيَاح وَالْعلم الْجَبَل والمنار الَّذِي يهتدى بِهِ فِي الطّرق وَجُمْلَة كَأَنَّهُ صفة للْعلم والرابط ضمير كَأَنَّهُ شبهه بِرَجُل عُرْيَان سلب ثَوْبه فَهُوَ يُشِير إِلَى الْقَوْم واللامع من لمع الرجل بِيَدِهِ إِذا أَشَارَ والموصوف مَحْذُوف أَي رجل لامع وَهَذَا الْبَيْت من أَبْيَات عشرَة لذِي الرمة وَقبل هَذَا الْبَيْت (الْبَسِيط) (هَيْهَات خرقاء إِلَّا أَن يقربهَا ... ذُو الْعَرْش والشعشعانات الهراجيب) يستبعد الْوُصُول إِلَيْهَا لبعد مَا بَينهمَا إِلَّا أَن يقربهَا الله إِلَيْهِ وَالْجمال والشعشعانة النَّاقة الْخَفِيفَة الطَّوِيلَة والهراجيب جمع هرجاب وَهِي النَّاقة الطَّوِيلَة الضخمة ثمَّ بعد أَن وصف النَّاقة فِي أَبْيَات ثَلَاثَة قَالَ ...

وهو الشاهد الثامن والثلاثون

(كم دون مية من خرق وَمن علم) الْبَيْت (وَمن مُلَمَّعَة غبراء مظْلمَة ... ترابها بالشعاف الغبر معصوب) هَذَا مَعْطُوف على قَوْله من خرق وَمن علم والملمعة اسْم فَاعل وَهِي الفلاة الَّتِي يلمع فِيهَا السراب وَيُقَال لَهَا اللماعة أَيْضا قَالَ ابْن أَحْمَر (السَّرِيع) (كم دون ليلى من تنوفية ... لماعة ينذر فِيهَا النّذر) والسراب يُقَال لَهُ يلمع وَيُشبه بِهِ الكذوب والشعاف رُؤُوس الْجبَال والمعصوب الملفوف عَلَيْهِ كالعصابة وَبعده وَهُوَ آخر الأبيات (كَأَن حرباءها فِي كل هاجرة ... ذُو شيبَة من رجال الْهِنْد مصلوب) الهاجرة نصف النَّهَار عِنْد اشتداد الْحر والحرباء دويبة تسْتَقْبل الشَّمْس على أَغْصَان الشّجر وتدور مَعهَا كَيفَ دارت ويتلون ألوانا بَحر الشَّمْس يخضر كَأَنَّهُ شيخ هندي مصلوب على عود وترجمة ذِي الرمة تقدّمت فِي الشَّاهِد الثَّامِن وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد الثَّامِن وَالثَّلَاثُونَ وَهُوَ من شَوَاهِد س (الوافر) (أَنا ابْن جلا وطلاع الثنايا ... مَتى أَضَع الْعِمَامَة تعرفوني) على أَن جلا غير منصرف عِنْد عِيسَى بن عمر لِأَنَّهُ مَنْقُول من الْفِعْل وَلم يشْتَرط غَلَبَة الْوَزْن بِالْفِعْلِ وَأجَاب عَنهُ الشَّارِح الْمُحَقق تبعا لغيره بِوَجْهَيْنِ

الأول وَهُوَ جَوَاب س أَن الْعلم إِنَّمَا هُوَ الْفِعْل مَعَ ضميرَة الْمُسْتَتر فَهُوَ جملَة محكية وَلَيْسَ الْعلم هُوَ الْفِعْل بِدُونِ ضَمِيره وَيرد عَلَيْهِ أَن جلا لَيْسَ اسْما لأبي الشَّاعِر وَلَا لقبا لَهُ كَمَا يعلم من تَرْجَمته الْآتِيَة وَإِنَّمَا ابْن جلا فِي اللُّغَة المنكشف الْأَمر كَمَا قَالَه الْمبرد فِي الْكَامِل وَقَالَ القالي فِي أمالية يُقَال هُوَ ابْن جلا أَي المنكشف الْمَشْهُور الْأَمر وَأنْشد الْأَصْمَعِي (أَنا ابْن جلا وطلاع الثنايا إِلَخ) قَالَ وَابْن أجلى مثله وَأنْشد للعجاج (لاقوا بِهِ الْحجَّاج والإصحارا ... بِهِ ابْن أجلى وَافق الإسفارا) قَالَ وَلم أسمع بِابْن أَََجَلًا إِلَّا فِي بَيت العجاج وَقَوله لاقوا بِهِ أَي بذلك الْمَكَان وَقَوله والإصحارا أَي وجدوا بِهِ ابْن أجلى كَمَا تَقول لقِيت بِهِ الْأسد أَي كَأَنِّي لقِيت بلقائي وَقَوله وَافق الإسفارا أَي وَاضحا مثل الصُّبْح وَقَالَ ابْن الْأَثِير فِي المرصع ابْن جلا وَابْن أجلى هُوَ الرجل الْمَعْرُوف الْمَشْهُور وَالْأَمر الْوَاضِح المكشوف وَزعم بَعضهم أَن ابْن جلا اسْم رجل كَانَ فاتكا صَاحب غارات مَشْهُورا بذلك وَأنْشد هَذَا الْبَيْت وَقَوله بعد هَذَا وَهُوَ فِي الأَصْل فعل مَاض سمي بِهِ وَإِنَّمَا لم يصرف لِأَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الْحِكَايَة فَاسد لِأَنَّهُ ركب من الْقَوْلَيْنِ قولا وَقَالَ البلوي فِي كتاب ألف بَاء ابْن جلا وَابْن أجلى هما بِمَعْنى التجلي وَالْأَمر المنكشف وَهُوَ أول النَّهَار وَقَالَ صَاحب الْقَامُوس وَابْن جلا الْوَاضِح الْأَمر كَابْن أجلى

وَقَالَ ابْن الْأَنْبَارِي والقالي فِي الْمَقْصُور والممدود لَهما وَقَوْلهمْ أَنا ابْن جلا أَنا ابْن البارز الْأَمر أَنا ابْن من لَا يُنكر فَهَذَا كُله يدل على عدم اختصاصة بِأحد بل يجوز لكل أحد أَن يَقُول للتمدح أَنا ابْن جلا كَمَا قَالَ اللعين الْمنْقري يهجو رؤبة بن العجاج (الْبَسِيط) (إِنِّي أَنا ابْن جلا إِن كنت تعرفنِي ... يَا رؤب والحية الصماء والجبل) (أبالأراجيز يَا ابْن اللوم توعدني ... وَفِي الأراجيز خلت اللوم والفشل) وَهَذَا الْبَيْت ينشده النحويون (وَفِي الأراجيز خلت اللؤم والخور) وَالصَّوَاب مَا ذَكرْنَاهُ فَإِن القصيدة لأمية إِلَّا أَن يكون من قصيدة أُخْرَى رائية وَقَالَ الآخر (أَنا القلاخ بن جناب بن جلا) قَالَ العسكري فِي التَّصْحِيف جناب جد القلاح أنتسب إِلَيْهِ وَابْن جلا لَيْسَ بجد إِنَّمَا أَرَادَ أَنا أبن الْأَمر المكشوف مثل قَول سحيم (أَنا ابْن جلا وطلاع الثنايا انْتهى) الثَّانِي وَهُوَ جَوَاب الزَّمَخْشَرِيّ فِي الْمفصل أَن جلا لَيْسَ بِعلم وَإِنَّمَا هُوَ فعل مَاض مَعَ ضَمِيره صفة لموصوف مَحْذُوف وَبِهَذَا الْوَجْه أوردهُ الشَّارِح فِي بَاب النَّعْت وَفِي بَاب أَفعَال الْمَدْح والذم أَيْضا وَضَعفه فِي الْأَبْوَاب الثَّلَاثَة بِأَن الْجُمْلَة إِذا كَانَت صفة لمَحْذُوف فَشرط موصوفها أَن يكون بَعْضًا من مُتَقَدم مجرور بِمن أَو فِي كَمَا بَين

وَيبقى وَجه ثَالِث ذكره ابْن الْحَاجِب فِي أمالية وَهُوَ أَن يكون جلا اسْما لَا فعلا وَأَن يكون بِتَقْدِير ذِي أَي أَنا ابْن ذِي جلا والجلا هُوَ انحسار الشّعْر عَن مقدم الرَّأْس أَقُول فِي الْقَامُوس وَغَيره الجلا بِالْقصرِ انحسار مقدم الرَّأْس من الشّعْر أَو نصف الرَّأْس أَو هُوَ دون الصلع جلي كرضي جلا أنْتَهى وَفِي الْمَقْصُور والممدود لِابْنِ الْأَنْبَارِي والقالي الجلا انحسار الشّعْر من مقدم الرَّأْس من جَانِبي الْجَبْهَة مَقْصُور يكْتب بِالْألف لِأَنَّهُ يُقَال رجل أجلى وَامْرَأَة جلواء وعَلى هَذَا الْوَجْه لَا يحْتَاج إِلَى تَقْدِير ذِي فَإِنَّهُ يُقَال فلَان ابْن كَذَا بِمَعْنى أَنه ملازم لَهُ كَمَا يُقَال أَخُو حروب والصلع وَنَحْوه أحد محايل الشجَاعَة وأماراتها وَقيل من دَلَائِل الْكَرم لِأَن الْعَرَب تَقول الَّذِي ولد أصلع يكون كَرِيمًا بِحَسب الْغَالِب وَالْمرَاد من وضع الْعِمَامَة إِزَالَتهَا عَن الرَّأْس إِمَّا لِأَن الَّذِي يعرفهُ إِنَّمَا رَآهُ مَكْشُوف الرَّأْس فِي الحروب لِكَثْرَة مُبَاشَرَته إِيَّاهَا فَإِذا رأى الْعِمَامَة جهلة وَإِمَّا لِأَن الَّذِي يعرفهُ إِنَّمَا رَآهُ لابسا آلَات الْحَرْب وعَلى رَأسه الْبَيْضَة لِكَثْرَة حروبه فينحي عمَامَته ويلبس الْبَيْضَة وَهَذَا مُحَصل كَلَام ابْن الْحَاجِب فِي أمالية وَعبارَته قَوْله مَتى أَضَع الْعِمَامَة تعرفوني إِلَخ إِمَّا أَن يُرِيد كَثْرَة مُبَاشَرَته الحروب فَلَا يرَاهُ الْأَكْثَر إِلَّا بِغَيْر عِمَامَة فَقَالَ مَتى أَضَع الْعِمَامَة يعرفنِي الَّذِي مَا رَآنِي إِلَّا غير متعمم أَو يُرِيد أنني بِكَثْرَة مباشرتي الحروب ولباسي بَيْضَة الْحَرْب فَمَتَى أَضَع الْعِمَامَة وألبس آلَة الْحَرْب يعرفوني يَعْنِي إِذا حَارَبت عرفت بإقدامي وشجاعتي انْتهى وَالْوَجْه هُوَ الأول وَقد لَحْظَة ضِيَاء الدَّين مُوسَى بن ملهم الْكَاتِب فَأَخذه وَضَمنَهُ بِبَعْض تَغْيِير فِي الرشيد عمر الغوي وَكَانَ بِهِ دَاء الثَّعْلَب وَهُوَ من نَوَادِر مَا قيل فِي أَقرع وَقَالَ

(الوافر) (عجبت لمعشر غلطوا وغضوا ... من الشَّيْخ الرشيد وأنكروه) (هُوَ ابْن جلا وطلاع الثنايا ... مَتى يضع الْعِمَامَة يعرفوه) وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد اللمخي الْمَالِكِي وَتُوفِّي فِي سنة 603 ثَلَاث وسِتمِائَة (يسر بالعيد أَقوام لَهُم سَعَة ... من الثراء وَأما المقترون فَلَا) (هَل سرني وثيابي فِيهِ قوم سبا ... أَو راقني وعَلى رَأْسِي بِهِ ابْن جلا) يَعْنِي بِقوم سبا قَوْله تَعَالَى {مزقناهم كل ممزق} وَابْن جلا مَا لَهُ عِمَامَة وَقَالَ ثَعْلَب فِي أمالية فِي الْكَلَام على هَذَا الْبَيْت والعمامة تلبس فِي الحروب وتوضع فِي السّلم وَهَذَا خلاف الْوَاقِع وضد معنى الْبَيْت وَقَالَ الْكرْمَانِي شَارِح شَوَاهِد الموشح شرح الكافية الحاجبية للخبيصي قَوْله مَتى أَضَع الْعِمَامَة يحْتَمل مَعْنيين بِحَسب اخْتِلَاف التَّقْدِيرَيْنِ الأول أَن يقدر على فَيكون التَّقْدِير مَتى أَضَع الْعِمَامَة على رَأْسِي تعرفوني أَنِّي أهل للسيادة والإمارة وَالثَّانِي أَن يقدر عَن أَي مَتى أَضَع الْعِمَامَة على رَأْسِي تعرفوا شجاعتي بِوَاسِطَة صلع رَأْسِي لِأَنَّهُ أحد مخايل الشجَاعَة هَذَا كَلَامه وَلم يتَعَرَّض لِمَعْنى وضع الْعِمَامَة الْعَيْنِيّ وَلَا السُّيُوطِيّ وَلَا صَاحب الْمعَاهد فِي شُرُوح شواهدهم وطلاع مُبَالغَة طالع يُقَال طلعت الْجَبَل طلوعا أَي علوته يتَعَدَّى بِنَفسِهِ وطلعت فِيهِ رقيته قَالَ ثَعْلَب فِي أَمَالِيهِ من رفع طلاع الثنايا جعله مدحا لِابْنِ وَمن خفضه

جعله مدحا لجلا يَعْنِي أَنه رُوِيَ فِيهِ الْخَفْض وَالرَّفْع والجيد عِنْدِي الرّفْع والثنايا جمع ثنية قَالَ الْمبرد فِي الْكَامِل هِيَ الطَّرِيق فِي الْجَبَل وَالطَّرِيق فِي الرمل يُقَال لَهُ الْخلّ وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ أَنه جلد بطلع الثنايا فِي ارتفاعها وصعوبتها قَالَ دُرَيْد بن الصمَّة يَعْنِي عبد الله أَخَاهُ (الطَّوِيل) (كميش الْإِزَار خَارج نصف سَاقه ... بعيد من السوءات طلاع أنجد) والنجد مَا ارْتَفع من الأَرْض وَقَالَ ابْن قُتَيْبَة فِي أَبْيَات الْمعَانِي قَوْله طلاع الثنايا أَي يطلع على الثنايا وَهِي مَا علا من الأَرْض وَغلظ وَمثله قَوْلهم طلاع أنجد وَقَالَ الْعَيْنِيّ والثنايا جمع ثنية وَهِي السن الْمَشْهُورَة وَهَذَا غير لَائِق بِهِ وَهَذَا الْبَيْت مطلع قصيدة لسحيم بن وثيل الريَاحي وَلَيْسَ هُوَ للعرجي كَمَا توهمه التَّفْتَازَانِيّ فِي المطول. وَبعده (وَإِن مَكَاننَا من حميري ... مَكَان اللَّيْث من وسط العرين) (وَإِنِّي لن يعود إِلَيّ قَرْني ... غَدَاة الغب إِلَّا فِي قرين) (بِذِي لبد يصد الركب عَنهُ ... وَلَا تُؤْتى قرينته لحين) (غذرتث البزل إِذْ هِيَ خاطرتني ... فَمَا بالي وبال ابْني لبون) (وماذا يَبْتَغِي الشُّعَرَاء مني ... وَقد جَاوَزت حد الْأَرْبَعين) ...

(أَخُو خمسين مُجْتَمع أشدي ... ونجدني مداورة الشؤون) (فَإِن علالتي وجراء حَولي ... لذُو شقّ على الضَّرع الظنون) (كريم الْخَال من سلفي ريَاح ... كنصل السَّيْف وضاح الجبين) (مَتى أحلل إِلَى قطن وَزيد ... وسلمى تكْثر الْأَصْوَات دوني) (وَهَمَّام مَتى احلل إِلَيْهِ ... مَحل اللَّيْث فِي عيص أَمِين) (ألف الْجَانِبَيْنِ بِهِ أسود ... منْطقَة بأصلاب الجفون) (وَإِن قناتنا مشظ شظاها ... شَدِيد مدها عنق القرين) روى صَاحب الْمعَاهد وَغَيره أَن السَّبَب فِي هَذِه الأبيات أَن رجلا أَتَى الأبيرد الريَاحي وَابْن عَمه الأخوص وهما من ردف الْمُلُوك من بني ريَاح يطْلب مِنْهُمَا هناء لإبله أَي قطرانا فَقَالَا لَهُ إِذا أَنْت أبلغت سحيم بن وثيل الريَاحي هَذَا الشّعْر أعطيناك فَقَالَ قولا فَقَالَا أذهب وَقل لَهُ (فَإِن بداهتي وجراء حَولي ... لذُو شقّ على الحطم الحرون) فَلَمَّا أَتَاهُ وأنشده الشّعْر أَخذ عَصَاهُ وَانْحَدَرَ فِي الْوَادي يقبل فِيهِ وَيُدبر ويهمهم بالشعر ثمَّ قَالَ اذْهَبْ وَقل لَهما وَأنْشد هَذِه الأبيات قَالَ فَأتيَاهُ واعتذرا لَهُ فَقَالَ إِن أَحَدكُمَا ليرى أَنه صنع شَيْئا حَتَّى يقيس شعره بشعرنا وحسبه بحسبنا ويستطيف بِنَا استطافة الْبَعِير الأرب انْتهى وَفِي الْعُمْدَة لِابْنِ رَشِيق أَن الْأَحْوَص والأبيرد ابْني المعذر وهما شاعران مفلقان وَقَالَ عبد الْكَرِيم الأبيرد ابْن أخي الْأَحْوَص انْتهى

والردف بِضَمَّتَيْنِ جمع ردف بِكَسْر فَسُكُون والردف هُوَ الَّذِي يجلس على يَمِين الْملك فَإِذا شرب الْملك شرب الردف قبل النَّاس وَإِذا غزا الْملك قعد الردف فِي مَوْضِعه وَكَانَ خَلِيفَته على النَّاس حَتَّى ينْصَرف وَإِذا عَادَتْ كَتِيبَة الْملك أَخذ الردف ربع الْغَنِيمَة والبداهة بِضَم الْمُوَحدَة أول جري الْفرس والجراء بِكَسْر الْجِيم مصدر جاراه مجاراة وجراء أَي جرى مَعَه والحول الْعَام والشق بِالْكَسْرِ الْمَشَقَّة والحطم بِفَتْح الْحَاء وَكسر الطَّاء الْمُهْمَلَتَيْنِ الْفرس الْهَرم قَالَ فِي الصِّحَاح الحطم المتكسر فِي نَفسه وَيُقَال للْفرس إِذا تهدم لطول عمره حطم وَيُقَال حطمت الدَّابَّة بِالْكَسْرِ إِذا أَسِنَت وحطمته السن بِالْفَتْح حطما والحرون الْفرس الَّذِي لَا يُقَاد وَإِذا اشْتَدَّ بِهِ الجري وقف وَهَذَا الْبَيْت تَعْرِيض لسحيم بِأَنَّهُ لَا يبلغ غايتهما لكبره وعجزه والأزب بالزاي الْمُعْجَمَة والزبب هُوَ طول الشّعْر وَيُقَال بعير أزب وَلَا يكَاد يكون الأزب إِلَّا نفورا لِأَنَّهُ ينْبت على حاجبيه شَعرَات فَإِذا ضَربته الرّيح نفر وَقَول سحيم وَإِن مَكَاننَا من حميري يَأْتِي فِي نسبه أَن حميريا أحد أجداده وَاللَّيْث الْأسد والعرين بِفَتْح الْمُهْملَة الأجمة والغابة وفيهَا يكون ماوى الْأسد يُرِيد أَنه فِي بحبوحة النّسَب إِلَى حميري لَا فِي أَطْرَافه والقرن بِكَسْر الْقَاف الْكُفْء فِي الشجَاعَة وَقيل عَام وَالْغِب بِالْكَسْرِ وُرُود الْإِبِل المَاء فِي الْيَوْم الثَّانِي وغداة الغب الْيَوْم الَّذِي يسوقون إبلهم فِيهِ والقرين الْمُقَارن والمصاحب وَفِي بِمَعْنى مَعَ وَقَوله

بِذِي لبد بدل من قَوْله فِي قرين وفاعل يصد ضمير ذِي لبد وَضمير عَنهُ وقرينته للقرن وَذُو اللبد هُوَ الْأسد بِكَسْر اللَّام وَفتح الْبَاء جمع لبده كقرب جمع قربَة واللبدة هِيَ الشّعْر المتلبد بَين كَتِفي الْأسد والقرينة النَّفس يَقُول إِن قَرْني لَا يقدر أَن يقابلني من خَوفه إِلَّا مَعَ رَفِيق كالأسد يقدر أَن يدْفع ركبا عَنهُ حَتَّى تسلم نَفسه منى لحين من الأحيان وَقَوله عذرت البزل هُوَ جمع بازل وَهُوَ الْبَعِير المسن وخاطرتني راهنتني من الْخطر بِالتَّحْرِيكِ وَهُوَ الشَّيْء الَّذِي يتراهن عَلَيْهِ وَقد أخطر المَال جعله خطرا بَين المتراهنين وخاطره على كَذَا راهنه وَابْن اللَّبُون ولد النَّاقة إِذا اسْتكْمل السّنة الثَّانِيَة وَدخل فِي الثَّالِثَة يَقُول إِذا راهنني الشُّيُوخ على شَيْء عذرتهم لأَنهم أقراني وَأما الشبَّان فَلَا مُنَاسبَة بيني وَبينهمْ وَأَرَادَ بِابْني لبون الأبيرد وَابْن عَمه فَإِنَّهُمَا طلبا مجاراته فِي الشّعْر وَقَوله وماذا يَبْتَغِي الشُّعَرَاء مني إِلَخ رَوَاهُ الْجَوْهَرِي وماذا يدْرِي الشُّعَرَاء قَالَ ادراه افتعله بِمَعْنى ختله من درى الصَّيْد إِذا أختله وَاسْتشْهدَ النُّحَاة بِهَذَا الْبَيْت على كسر نون الْجمع وَقَوله أَخُو خمسين آي أَنا أَخُو خمسين سنة واجتماع الأشد عبارَة عَن كَمَال القوى فِي الْبدن وَالْعقل وَقَالَ صَاحب الْعباب وَالرجل الْمُجْتَمع الَّذِي بلغ أشده واستوت لحيته وَلَا يُقَال ذَلِك للنِّسَاء وَأنْشد هَذَا الْبَيْت لسحيم وَفِيه نظر وَقَوله ونجذني بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة أَي هذبني قَالَ فِي الصِّحَاح وَرجل منجذ أَي مجربي أحكمته الْأُمُور وَهُوَ من الناجذ وَهُوَ آخر الأضراس وَيُسمى ضرس الْحلم بِكَسْر الْحَاء لِأَنَّهُ ينْبت بعد الْبلُوغ

وَكَمَال الْعقل والمداورة مفاعله من دَار يَدُور بِمَعْنى المعالجة والمزاولة والشؤون الْأُمُور وَالْأَحْوَال جمع شَأْن وَقَوله فَإِن علالتي إِلَخ العلالة بِضَم الْعين الْمُهْملَة بَقِيَّة جرى الْفرس والضرع بِفَتْح الضَّاد الْمُعْجَمَة وَالرَّاء الْمُهْملَة الضَّعِيف وَفِي الْقَامُوس وضرع ككرم ضعف فَهُوَ ضرع محركة من قوم ضرع محركة أَيْضا وَمهر ضرع محركة لم يقو على الْعَدو والظنون بِالْمُعْجَمَةِ كصبور الرجل الضَّعِيف والقليل الْحِيلَة وَهَذَا تَعْرِيض بِأَن فيهمَا ضعفا لَا يقدران على مجاراته وَإِن كَانَ شَيخا وَقَوله كريم الْخَال أَي أَنا كريم الْخَال ورياح بِكَسْر الرَّاء الْمُهْملَة وبالمثناة التَّحْتِيَّة هُوَ ابْن يَرْبُوع وَأَبُو قَبيلَة سحيم وأحلل أنزل وقطن وَزيد هما خالاه وسلمى خَالَته وَكَثْرَة أَصْوَاتهم للترحيب والتهنئة وَهَمَّام هُوَ عَمه والعيص بِكَسْر الْعين وبالصاد الْمُهْمَلَتَيْنِ الشّجر الْكثير المتف. وَبَين بِهَذَيْنِ الْبَيْتَيْنِ سلفيه من ريَاح وَالْألف الْموضع الملتف الْكثير الْأَهْل والمنطقة المحزمة بالمنطقة وَهِي الحزام يُقَال انتطق الرجل وتنطق شدّ وَسطه بالمنطقة كمكنسة وَهِي مَا ينتطق بِهِ والجفون جمع جفن بِالْفَتْح وَهُوَ قرَاب السَّيْف وَأَرَادَ بالجفون السيوف وبالأصلاب سيورها وَقَوله وَإِن قناتنا مشظ إِلَخ مشظ بِفَتْح الْمِيم وَكسر الشين الْمُعْجَمَة وإعجام الظَّاء هُوَ الَّذِي يدْخل فِي الْيَد من الشوك إِذا مس. يُقَال مشظ من بَاب فَرح مس الشوك أَو الْجذع فَدخل فِي يَده مِنْهُ شَيْء والشظى بِفَتْح الشين والظاء المعجمتين بِمَعْنى الشظية وَهِي الفلقة والقطعة من الشَّيْء والشديد من الشدَّة ومدها فَاعل شَدِيد وعنق القرين مَنْصُوب بمدها والقرين الْقرن المقاوم وَالْبَيْت على طَرِيق التَّشْبِيه يَقُول من تعرض لنا بِسوء ناله

مَكْرُوه يتَأَذَّى بِهِ كَالَّذي يمس جلده قناة مشظة فَيدْخل فِي جلده من شظاها وَهِي مَعَ ذَلِك صلبة من قرن بهَا مدت عُنُقه إِلَيْهَا وَلم تنثن إِلَيْهِ كَذَا فِي شرح أَبْيَات الْإِصْلَاح لِابْنِ السيرافي وسحيم مصغر أسحم تَصْغِير ترخيم من السحمة بِالضَّمِّ وَهِي السوَاد ابْن وثيل بِفَتْح الْوَاو وَكسر الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَهُوَ فِي اللُّغَة كَمَا فِي الْقَامُوس الليف والرشاء الضَّعِيف وَالْحَبل من القنب والضعيف وَفِي الْإِصَابَة لِابْنِ حجر وَتَبعهُ السُّيُوطِيّ فِي شَوَاهِد المغنى أَنه بِالتَّصْغِيرِ وَهُوَ غير مَنْقُول ابْن أعيفر مصغر أعفر بِالْعينِ الْمُهْملَة وَالْفَاء وَهُوَ الرمل الْأَحْمَر والأبيض وَلَيْسَ بالشديد الْبيَاض وأعيفر ابْن أبي عَمْرو بن إهَاب بِكَسْر الْهمزَة ابْن حميري بِلَفْظ النِّسْبَة إِلَى حمير وَهُوَ أَبُو قَبيلَة من الْيمن وَهُوَ حمير بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان قَالَ ابْن الْكَلْبِيّ فِي جمهرة الْأَنْسَاب حميري بن ريَاح يُقَال فِيهِ حمري أَيْضا أَي بِفَتْح الْحَاء وَتَشْديد الْمِيم وَزعم الدماميني فِي الْحَاشِيَة الْهِنْدِيَّة أَن الْيَاء فِي حميري زَائِدَة أَو للنسبة بِتَقْدِير من نسب حميري وَهَذَا من عدم اطِّلَاعه على نسب الشَّاعِر وَتقدم فِي شرح أول بَيت من الشواهد أَن حميريا أحد آبَاء ذِي الْخرق الطهوي أَيْضا وحميري بن ريَاح وَتقدم ضَبطه ورياح بن يَرْبُوع ويربوع اثْنَان أَحدهمَا يَرْبُوع أَبُو حَيّ من تَمِيم وَهُوَ يَرْبُوع بن حَنْظَلَة بن مَالك بن عَمْرو بن تَمِيم بن مر بن أد بن طابخة بن الياس بن مُضر ابْن نزار بن معد بن عدنان وَالثَّانِي أَبُو بطن من مرّة

وَهُوَ يَرْبُوع بن غيظ بن مرّة ابْن عَوْف بن سعد بن ذبيان بن بغيض بن ريث بن غطفان بن سعد بن قيس بن عيلان ابْن مُضر بن نزار وسحيم بن وثيل يتَّصل نسبه بيربوع بن حَنْظَلَة كَمَا قَالَ ابْن الْكَلْبِيّ فِي الجمهرة فَمن بني حميري بن ريَاح بن يَرْبُوع بن حَنْظَلَة سحيم بن وثيل بن عَمْرو بن جُوَيْن بن أهيب بن حميري الشَّاعِر الْقَائِل (أَنا ابْن جلا وطلاع الثنايا الْبَيْت) وَهُوَ الَّذِي نافر غَالِبا أَبَا الفرزدق فِي الْإِسْلَام انْتهى وَلَيْسَ فِي آبَاء سحيم من اسْمه جلا وسحيم شَاعِر مَعْرُوف فِي الْجَاهِلِيَّة وَالْإِسْلَام عده الجُمَحِي فِي الطَّبَقَة الثَّانِيَة من شعراء الْإِسْلَام وَقَالَ سحيم بن وثيل شَاعِر خنذيذ شرِيف مَشْهُور الذّكر فِي الْجَاهِلِيَّة وَالْإِسْلَام جيد الْموضع فِي قومه وَقَالَ ابْن دُرَيْد عَاشَ سحيم فِي الْجَاهِلِيَّة أَرْبَعِينَ سنة وَفِي الْإِسْلَام سِتِّينَ سنة فَهُوَ من الشُّعَرَاء المخضرمين وَله أَخْبَار مَعَ زِيَاد ابْن أَبِيه وَهُوَ الَّذِي افتخر مَعَ غَالب بن صعصعة وَالِد الفرزدق فِي نحر الْإِبِل فَبلغ عليا رَضِي الله فَأفْتى بِحرْمَة مَا نَحره سحيم وَسَتَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى هَذِه الْقِصَّة مشروحة فِي بَاب الِاشْتِغَال فِي قَول جرير (الطَّوِيل) (تَعدونَ عقر النيب أفضل مجدكم ... بنى ضوطرى لَوْلَا الكمي المقنعا) وَله سميان من الشُّعَرَاء أَحدهمَا سحيم بن الأعرف وَهُوَ من بني الهجيم وَكَانَ فِي الدولة الأموية وَلم يذكر أبن قُتَيْبَة فِي طَبَقَات الشُّعَرَاء غير هَذَا

وَأورد طرفا من شعره وَالثَّانِي سحيم عبد بني الحسحاس وَكَانَ عبدا حَبَشِيًّا وَهُوَ صَاحب القصيدة الَّتِي أَولهَا (الطَّوِيل) (عميرَة ودع إِن تجهزت غاديا ... كفى الشيب وَالْإِسْلَام للمرء ناهيا) وَهُوَ من شَوَاهِد مُغنِي اللبيب وَسَنذكر إِن شَاءَ الله تَرْجَمته بِتَوْفِيق الله تَعَالَى فِي الشَّاهِد الرَّابِع وَالتسْعين وَلم يذكر الْآمِدِيّ فِي كِتَابه المؤتلف والمختلف وَاحِدًا من هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَة مَعَ أَنه من شَرط كِتَابه وَقد حصل اللّبْس للعيني فِي بَاب المعرب والمبنى من اتِّفَاق أَسمَاء هَؤُلَاءِ فَزعم أَن الأول هُوَ الثَّالِث فَقَالَ سحيم بن وثيل الريَاحي كَانَ عبدا حَبَشِيًّا وَكَانَ عبد بني الحسحاس هَذَا فِيمَا قَالَه الْجَوْهَرِي انْتهى مَعَ أَن الْجَوْهَرِي لم يذكر لفظ سحيم فِي صحاحه وَأغْرب من هَذَا كُله أَنه أورد أبياتا قبل بَيت أَنا ابْن جلا وأكثرها من قصيدة المثقب الْعَبْدي الَّتِي أَولهَا (الوافر) (أفاطم قبل بَيْنك متعيني ... ومنعك مَا سَأَلت كَأَن تبيني) وفيهَا بَيت لعَلي بن بدال من بني سليم وَهُوَ (الوافر) (فَلَو أَنا على حجر ذبحنا ... جرى الدميان بالْخبر الْيَقِين) وَهَذَا ثَالِث أَبْيَات ثَلَاثَة يَأْتِي شرحها إِن شَاءَ الله فِي بَاب الْمثنى وفيهَا ثَلَاثَة أَبْيَات لسحيم بن وثيل من الأبيات الَّتِي شرحناها وَهِي قَوْله أَنا ابْن جلا الْبَيْت وَالثَّانِي وماذا يَبْتَغِي الشُّعَرَاء مني الْبَيْت وَالثَّالِث أَخُو خمسين مُجْتَمع أشدي الْبَيْت فَمَا أوردهُ مَجْمُوع من شعر شعراء ثَلَاثَة وَقَالَ فِي بَاب

(تتمة)

مَا لَا ينْصَرف عِنْد شرح بَيت أَنا ابْن جلا قَائِله سحيم بن وثيل الريَاحي وَقيل المثقب الْعَبْدي وَقيل أَبُو زبيد وَقيل إِنَّه من قصيدة سحيم الَّتِي أَولهَا (أفاطم قبل بَيْنك متعيني) (تَتِمَّة) المخضرم بِالْخَاءِ وَالضَّاد المعجمتين على صِيغَة اسْم الْمَفْعُول وَنقل السُّيُوطِيّ فِي شرح تقريب النَّوَوِيّ عَن بعض أهل اللُّغَة كسر الرَّاء أَيْضا قَالَ صَاحب الْقَامُوس هُوَ الْمَاضِي نصف عمره فِي الْجَاهِلِيَّة وَنصفه فِي الْإِسْلَام وَقيل من أدركهما وَهَذَانِ الْقَوْلَانِ يعمان الشَّاعِر وَغَيره وَقيل الشَّاعِر الَّذِي أدركهما وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُور وَعَلِيهِ اقْتصر صَاحب الصِّحَاح ثمَّ توسع حَتَّى أطلق على من أدْرك دولتين كرؤبة بن العجاج وَحَمَّاد عجرد فَإِنَّهُمَا أدْركَا دولة بني أُميَّة ودولة بني الْعَبَّاس وَقَالَ السُّيُوطِيّ فِي شرح التَّقْرِيب المخضرم فِي اصْطِلَاح أهل الحَدِيث هُوَ الَّذِي أدْرك الْجَاهِلِيَّة وزمن النَّبِي وَلم يره وَفِي اصْطِلَاح أهل اللُّغَة هُوَ الَّذِي عَاشَ نصف عمره فِي الْجَاهِلِيَّة وَنصفه فِي الْإِسْلَام سَوَاء أدْرك الصُّحْبَة أم لَا فَبين الاصطلاحين عُمُوم وخصوص من وَجه فحكيم بن حزَام مخضرم باصطلاح اللُّغَة لَا الحَدِيث وَبشر بن عَمْرو مخضرم باصطلاح الحَدِيث لَا اللُّغَة انْتهى وَفِي تَعْرِيفه اصْطِلَاح اللُّغَة نظر وَتَأمل ثمَّ قَالَ وَالْمرَاد بِإِدْرَاك الْجَاهِلِيَّة مَا قبل الْبعْثَة كَمَا قَالَ النَّوَوِيّ فِي شرح مُسلم قَالَ الْعِرَاقِيّ وَفِيه نظر وَالظَّاهِر إِدْرَاك قومه أَو غَيرهم على الْكفْر

قبل فتح مَكَّة فَإِن الْعَرَب بعده بَادرُوا إِلَى الْإِسْلَام وَزَالَ أَمر الْجَاهِلِيَّة وخطب فِي الْفَتْح بِإِبْطَال أمرهَا وَقد ذكر مُسلم فِي المخضرمين بشير بن عَمْرو وَإِنَّمَا ولد بعد الْهِجْرَة قَالَ ابْن رَشِيق فِي الْعُمْدَة قَالَ أَبُو الْحسن الْأَخْفَش مَاء خضرم كزبرج إِذا تناهى فِي الْكَثْرَة وَالسعَة فَمِنْهُ سمي الرجل الَّذِي شهد الْجَاهِلِيَّة وَالْإِسْلَام مخضرما كَأَنَّهُ استوفى الْأَمريْنِ قَالَ وَيُقَال أذن مخضرمة إِذا كَانَت مَقْطُوعَة فَكَأَنَّهُ انْقَطع عَن الْجَاهِلِيَّة إِلَى الْإِسْلَام وَحكى ابْن قُتَيْبَة عَن عبد الرَّحْمَن عَن عَمه قَالَ أسلم قوم فِي الْجَاهِلِيَّة على إبل قطعُوا آذانها فَسُمي كل من أدْرك الْجَاهِلِيَّة وَالْإِسْلَام مخضرما وَزعم أَنه لَا يكون مخضرما حَتَّى يكون إِسْلَامه بعد وَفَاة النَّبِي وَهَذَا عِنْدِي خطأ لِأَن النَّابِغَة الْجَعْدِي ولبيدا قد وَقع عَلَيْهِمَا هَذَا الِاسْم وَحكى عَليّ بن الْحسن كرَاع يُقَال شَاعِر محضرم بحاء غير مُعْجمَة مَأْخُوذ من الحضرمة وَهِي الْخَلْط لِأَنَّهُ خلط الْجَاهِلِيَّة وَالْإِسْلَام وَحكى ابْن خلكان مَعَ الْحَاء الْمُهْملَة كسر الرَّاء أَيْضا وَأعلم أَن الشُّعَرَاء أَربع طَبَقَات الأولى جاهلي قديم الثَّانِيَة المخضرم الثَّالِثَة إسلامي الرَّابِعَة مُحدث وهم أَرْبَعَة أَقسَام شَاعِر خنذيذ بِالْخَاءِ وَالنُّون والذالين المعجمات على وزن إبريق وَهُوَ الَّذِي يجمع إِلَى جيد شعره رِوَايَة الْجيد من شعر غَيره وشاعر مفلق وَهُوَ الَّذِي لَا رِوَايَة لَهُ إِلَّا أَنه مجود

وهو الشاهد التاسع والثلاثون

كالخنذيذ فِي شعره والمفلق مَعْنَاهُ الَّذِي يَأْتِي فِي شعره بالفلق بِالْكَسْرِ وَهُوَ الْعجب وَقيل هُوَ اسْم الداهية وشاعر فَقَط وَهُوَ الَّذِي فَوق الرَّدِيء بِدَرَجَة وشعرور وَهُوَ لَا شَيْء وَقيل بل هم شَاعِر مفلق وشاعر مُطلق وشويعر وشعرور \ وسمى الشَّاعِر شَاعِرًا لِأَنَّهُ يشْعر لما لَا يشْعر لَهُ غَيره فَإِذا لم يكن عِنْد الشَّاعِر توليد معنى واختراعه واستطراف لفظ وابتداعه أَو زِيَادَة فِيمَا أجحف بِهِ غَيره من الْمعَانِي أَو نقص مِمَّا أطاله سواهُ من الْأَلْفَاظ وَصرف معنى إِلَى وَجه من وَجه آخر كَانَ اسْم الشَّاعِر عَلَيْهِ مجَازًا لَا حَقِيقَة وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد التَّاسِع وَالثَّلَاثُونَ (الرجز) (نبئت أخوالي بني يزِيد ... ظلما علينا لَهُم فديد) على أَن يزِيد علم محكي لكَونه سمي بِالْفِعْلِ مَعَ ضَمِيره الْمُسْتَتر من قَوْلك المَال يزِيد وَلَو كَانَ من قَوْلك يزِيد المَال لوَجَبَ مَنعه من الصّرْف وَكَانَ هُنَا مجرورا بالفتحة ونبئت مَجْهُول نبأ بِالتَّشْدِيدِ من النبأ وَهُوَ الْخَبَر وَقَالَ الرَّاغِب النبأ خبر ذُو فَائِدَة عَظِيمَة يحصل بِهِ علم أَو غَلَبَة ظن وَلَا يُقَال للْخَبَر فِي الأَصْل نبأ حَتَّى يتَضَمَّن هَذِه الْأَشْيَاء الثَّلَاثَة وَحقه أَن يتعرى عَن الْكَذِب كاتلواتر وَخبر الله وَخبر الرَّسُول ولتضمن النبأ معنى الْخَبَر يُقَال أنبأته بِكَذَا أخْبرته بِهِ ولتضمنه معنى الْعلم قيل أنبأته كَذَا كَقَوْلِك عَلمته كَذَا

قَالَ السمين أنبأ ونبأ وَأخْبر وَخبر مَتى تَضَمَّنت معنى أعلم تعدت لثَلَاثَة مفاعيل وَهُوَ نِهَايَة التَّعَدِّي وَأما أعلمته بِكَذَا فلتضمنه معنى الْإِحَاطَة قيل ونبأته أبلغ من أنبأته وَلذَلِك قَالَ تَعَالَى {من أَنْبَأَك هَذَا قَالَ نَبَّأَنِي الْعَلِيم الْخَبِير} وَلم يقل أنبأني لِأَنَّهُ من قبل الله تَعَالَى وَالْمَفْعُول الأول هُنَا ضمير الْمُتَكَلّم فِي نبئت وَالثَّانِي أخوالي وَالثَّالِث جملَة لَهُم فديد وأصل المفعولين الْأَخيرينِ الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر والفديد الصَّوْت وَهُوَ مصدر فد يفد بِالْكَسْرِ أَي أَن أَصْوَاتهم تعلو علينا وَلَا يوقروننا فِي الْخطاب وَرجل فداد بِالتَّشْدِيدِ شَدِيد الصَّوْت وَفِي الحَدِيث إِن الْجفَاء وَالْقَسْوَة فِي الْفَدادِين وهم الَّذين تعلو أَصْوَاتهم فِي حروثهم ومواشيهم وَبني يزِيد هم تجار كَانُوا بِمَكَّة حرسها الله تَعَالَى وإليهم تنْسب البرود اليزيدية كَمَا يَأْتِي آنِفا نعت لأخوالي أَو بَيَان لَهُ أَو بدل مِنْهُ وَقَالَ ابْن الْحَاجِب فِي الْإِيضَاح لَا يحسن أَن يكون بَدَلا لِأَن الْبَدَل هُوَ الْمَقْصُود بِالذكر وَلَو جعلته بَدَلا لاحتاج إِلَى مَوْصُوف مُقَدّر وهم الأخوال أَو مَا يقوم مقامهم وَلَا حَاجَة إِلَى هَذَا التَّقْدِير مَعَ الِاسْتِغْنَاء عَنهُ فَيتَعَيَّن أَن يكون صفة وَقد يجوز الْبَدَل على قبحة انْتهى وَفِيه نظر فَإِنَّهُ على تَقْدِير كَونه بَدَلا لَا يحْتَاج إِلَى مَوْصُوف مُقَدّر فَإِنَّهُ مَذْكُور وَهُوَ أخوالي وَلَيْسَ معنى الْإِبْدَال أَن يكون الْمُبدل مِنْهُ لَغوا سَاقِطا عَن الِاعْتِبَار كَيفَ وَقد يعود الضَّمِير عَلَيْهِ فِي نَحْو قطع زيد إصبعه فَلَو كَانَ فِي حكم السَّاقِط بِالْكُلِّيَّةِ لجهل مرجع الضَّمِير وَلم يقل أحد إِنَّه رَاجع إِلَى زيد مُقَدّر مَعَ وجوده وَإِنَّمَا الْمَقْصُود بِالذكر فِي بدل الْكل الْمُبدل مِنْهُ وَالْبدل جَمِيعًا كَمَا حَقَّقَهُ الشَّارِح الْمُحَقق وَيُؤَيِّدهُ أَنهم جعلُوا الْجِنّ بَدَلا

من شُرَكَاء فِي قَوْله تَعَالَى {وَجعلُوا لله شُرَكَاء الْجِنّ} فلولا اعتبارهما مَا كَانَ معنى لقولنا وَجعلُوا لله الْجِنّ وَقد تبع ابْن الْحَاجِب الزَّمَخْشَرِيّ فِي هَذَا فَإِنَّهُ منع فِي كشافة أَن يكون أَن اعبدوا الله بَدَلا من ضمير بِهِ من قَوْله تَعَالَى {مَا قلت لَهُم إِلَّا مَا أَمرتنِي بِهِ أَن اعبدوا الله} ظنا مِنْهُ أَن الْمُبدل مِنْهُ فِي قُوَّة السَّاقِط فَتبقى الصِّلَة بِلَا عَائِد ووهمه صَاحب الْمُغنِي بِأَن الْعَائِد مَوْجُود حسا فَلَا مَانع وَقد نقض ابْن الْحَاجِب مَا عده قبيحا هُنَا بقوله فِي أمالية وَالْأَحْسَن أَن يكون بني يزِيد بَدَلا من أخوالي لِأَن الْبَدَل إِنَّمَا يكون بالأسماء الْمَوْضُوعَة للذوات بِخِلَاف ابْن فَإِنَّهُ مَوْضُوع لذات بِاعْتِبَار معنى هُوَ الْمَقْصُود وَهُوَ الْبُنُوَّة قَالَ الشَّارِح الْمُحَقق الْأَغْلَب فِي الْبَدَل أَن يكون جَامِدا بِحَيْثُ لَو حذف الأول لاستقل الثَّانِي وَلم يحْتَج إِلَى متبوع قبله فِي الْمَعْنى انْتهى وَلَا يجوز أَن يكون بني يزِيد الْمَفْعُول الثَّالِث لِأَنَّهُ لم يرد الْإِخْبَار عَن أَخْوَاله بِأَنَّهُم بَنو يزِيد وَلِأَن قَوْله لَهُم فديد يبْقى غير مُرْتَبِط بِمَا قبله وَقَوله ظلما عِنْدِي أَنه تَمْيِيز محول عَن الْمَفْعُول أَب نبئت ظلم أخوالي وَقَالَ ابْن الْحَاجِب فِي الْإِيضَاح وَاخْتَارَهُ ابْن هِشَام فِي شواهده وَقد أُجِيز أَن يكون ظلما مَفْعُولا ثَالِثا يَعْنِي ظالمين أَو ذَوي ظلم وَيكون مَا بعده كالتفسير لَهُ وَلَا يخفي مَا فِي هَذَا وَقَالَ فِي أمالية لَا يجوز أَن يكون حَالا أَي بالتأويل الْمَذْكُور من أخوالي لِأَن الْمُبْتَدَأ لَا يتَقَيَّد وَلَا من ضمير لَهُم لِأَنَّهَا لَا تتقدم على عاملها الْمَعْنَوِيّ وَفِيه أَنه حَال من الْمَفْعُول لَا من الْمُبْتَدَأ لِأَنَّهُ انْفَسَخ حكمه وَقَوله لِأَن الْمُبْتَدَأ لَا يتَقَيَّد فِيهِ مُسَامَحَة لِأَن الْحَال إِنَّمَا هِيَ قيد فِي عاملها لَا فِي صَاحبهَا وَلما كَانَ الْعَامِل فِي المبتدا الِابْتِدَاء وَهُوَ لَيْسَ معنى فعليا ليَصِح تَقْيِيده امْتنع مَجِيء الْحَال مِنْهُ لذَلِك وَمن جوزه

كسيبويه لم يلْتَزم اتِّحَاد الْعَامِل فيهمَا فجوز أَن يكون الْعَامِل فِي الْمُبْتَدَأ الأبتداء وَفِي الْحَال مِنْهُ الانتساب وَاعْترض بِأَن الانتساب عَامل ضَعِيف لَا يتَحَقَّق إِلَّا بتقدم الطَّرفَيْنِ عَلَيْهِ وَأجِيب بِأَن قوه طلب الْمُبْتَدَأ لخبره جعلته فِي حكم الْمُتَقَدّم وَلَا يجوز أَيْضا أَن يكون مَفْعُولا لأَجله كَمَا اخْتَارَهُ الْعَيْنِيّ سَوَاء كَانَ عِلّة لنبئت لِأَنَّهُ لم ينبأ لأجل ظلمهم أَو للاستقرار لِأَنَّهُ تقدم على عَامله الْمَعْنَوِيّ أَو للفديد لِأَنَّهُ يلْزم تقدم مَعْمُول الْمصدر عَلَيْهِ وَقيل تَمْيِيز من لَهُم فديد أَي يصيحون ظلما لَا عدلا وَفِيه أَن التَّمْيِيز لَا يتَقَدَّم على عَامله وَقيل هُوَ مفعول مُطلق عَامله من لَفظه محذوفا وَقَالَ الْعَيْنِيّ وَيجوز أَن يكون حَالا بِتَقْدِير جملَة أَي فِي حَال كَونهم يظْلمُونَ علينا ظلما فحذفت الْجُمْلَة الَّتِي وَقعت حَالا وأقيم الْمصدر مقَامهَا وَلَا يخفى أَن هَذِه الْوُجُوه كلهَا ظَاهر فِيهَا التعسف وَقَوله علينا أما مُتَعَلق بظلما أَو بقوله لَهُم وَلَا حَاجَة حِينَئِذٍ إِلَى تضمين الفديد معنى الْجور خلافًا للعيني لِأَنَّهُ يتَعَدَّى بعلى وَقَوله لَهُم خبر مقدم لقَوْله فديد وَهُوَ بإشباع ضمة الْمِيم وإسكانها خطأ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى جعل كل مصراع من بَحر وَذَلِكَ لَا يجوز كَمَا بَينه الدماميني فِي الْحَاشِيَة الْهِنْدِيَّة وَأعلم أَن الرِّوَايَة يزِيد بِالْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّة وَرَوَاهُ ابْن يعِيش بِالْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّة قَالَ ابْن الْحَاجِب فِي الْإِيضَاح وَمن رَوَاهُ بالفوقية فقد تنطع وتبجح بِأَنَّهُ قد علم أَن فِي الْعَرَب تزيد بِالتَّاءِ الْفَوْقِيَّة وَإِلَيْهِ تنْسب البرود التزيديه وَهُوَ مَرْدُود من وَجْهَيْن أَحدهمَا أَن الرِّوَايَة هُنَا بالتحتية وَالثَّانِي أَن تزيد بالفوقية فِي كَلَامهم مُفْرد لَا جملَة قَالَ

(الْكَامِل) ... يعثرن فِي حد الظبات كَأَنَّمَا ... كُسِيت برود بني تزيد الأذرع) فاستعماله كالجملة خطأ انْتهى وَفِيمَا قَالَه أَمْرَانِ الأول قَوْله وَإِلَيْهِ تنْسب البرود التزيدية وإيراده الْبَيْت أَعنِي كُسِيت برود بني تزيد الأذرع مَأْخُوذ من الصِّحَاح فَإِنَّهُ قَالَ فِيهِ وتزيد أَي بِالْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّة وَهُوَ تزيد بن حلوان بن عمرَان بن الحاف بن قضاعة وَإِلَيْهِ تنْسب البرود التزيديه قَالَ عَلْقَمَة (البيسط) (رد القيان جمال الْحَيّ فاحتملوا ... فَكلهَا بالتزيديات معكوم) وَهِي برود فِيهَا خطوط حمر يشبه بهَا طرائق الدَّم قَالَ أَبُو ذُؤَيْب (يعثرن فِي حد الظبات كَأَنَّمَا ... كُسِيت برود بني تزيد الأذرع) انْتهى وَفِيه أُمُور الأول أَنه قصر فِي تعديد من اسْمه تزيد وهم على مَا ذكره العسكري فِي التَّصْحِيف ثَلَاثَة أحدهم تزيد قضاعة وَهُوَ مَا ذكره وَالثَّانِي تزيد الْأَنْصَار وَهُوَ تزيد بن جشم بن الخزرح بن حَارِثَة مِنْهُم صَاحب رَسُول الله معَاذ بن جبل رَضِيَ اللَّهُ عَنْه وَالثَّالِث تزيد تنوخ كَانَت التّرْك أغارت عَلَيْهِم فأفنتهم فَقَالَ عَمْرو بن مَالك التزيدي (الوافر) (وليلتنا بآمد لم ننمها ... كليلتنا بميا فارقينا) الثَّانِي قَوْله تزيد بن حلوان بِالضَّمِّ وَتَبعهُ صَاحب الْعباب والقاموس وَغَيرهمَا صَوَابه تزيد بن حيدان نبه عَلَيْهِ العسكري فِي التَّصْحِيف فِيمَا تلحن فِيهِ الْخَاصَّة

الثَّالِث قَوْله وَإِلَيْهِ تنْسب البرود التزيدية صَوَابه الهوادج التزيدية كَمَا قَالَ العسكري قَالَ والبرود اليزيدية إِنَّمَا هُوَ بِالْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّة منسوبة إِلَى بني يزِيد بالتحتية وَبَنُو يزِيد تجار كَانُوا بِمَكَّة حرسها الله وَهِي برود حمر وَأما قَول أبي ذُؤَيْب كُسِيت برود بني يزِيد الأذرع فَلَيْسَ إِلَّا يزِيد بِالْيَاءِ تحتهَا نقطتان وَمن قَالَ فِي هَذَا الْبَيْت بني تزيد بِالتَّاءِ فقد أَخطَأ وَقد أدعى الجهمي النسابة على الْأَصْمَعِي أَنه صحف تزيد بِالتَّاءِ منقوطة فَوْقهَا وَلَا أَدْرِي أصدق الجهمي أم كذب لِأَن الْأَصْمَعِي يُنكر فِي تَفْسِير أشعار هُذَيْل من يَقُول تزيد بتاء منقوطة فَوْقهَا انْتهى كَلَام العسكري وَرَأَيْت فِي شرح أشعار هُذَيْل للسكري فِي نُسْخَة بِخَط أبي بكر القناوي وَقد قَرَأَهَا ابْن فَارس على ابْن العميد وَعَلَيْهَا خطهما قَالَ فِي تَفْسِير هَذَا هَذ الْبَيْت الْعَامَّة تَقول بني تزيد أَي بنقطتين من فَوق وَلم أسمعها هَكَذَا وَرَأَيْت فِي شرحها أَيْضا للْإِمَام المرزوقي فِي هَذَا الْبَيْت روى الْأَصْمَعِي بني يزِيد أَي بالتحتية وَقَالَ هم تجار كَانُوا بِمَكَّة وروى أَبُو عمر بني تزيد أَي بالفوقية وَقَالَ هُوَ تزيد بن حلوان بن عمرَان بن الحاف بن قضاعة وَاحْتج بِبَيْت عَلْقَمَة (فَكلهَا بالتزيديات معكوم) والظبة حد السهْم وَالسيف وَمعنى الْبَيْت أَن الْحمر تعثر والسهام فِيهَا وأذرعها مِمَّا سَالَتْ من الدِّمَاء عَلَيْهَا كَأَنَّهَا كُسِيت برودا حمرا شبه طرائق الدَّم بطرائق البرود انْتهى

وَفِي الْعباب للصاغاني قَالَ ابْن حبيب تزيد بِالْمُثَنَّاةِ فَوق هُوَ تزيد بن حلوان إِلَى آخر مَا ذكره صَاحب الصِّحَاح وَقَالَ غير ابْن حبيب يزِيد بِالْمُثَنَّاةِ من تَحت وهم تجار كَانُوا بِمَكَّة وروى أَبُو عُبَيْدَة برود أبي يزِيد وَقَالَ كَانَ يَبِيع العصب بِمَكَّة وَهُوَ ضرب من البرود وَصَاحب الْقَامُوس قد أخل باختصاره حَيْثُ لم يُقيد بالفوقية أَو بالتحتية فَإِنَّهُ قَالَ تزيد بن حلوان أَبُو قَبيلَة وَمِنْه البرود التزيدية وَبهَا خطوط حمر فَلَا يعلم هُوَ بِالتَّاءِ أم بِالْيَاءِ رَأَيْت فِي مُعْجم مَا استعجم لأبي عبيد الْبكْرِيّ فِي الْكَلَام على جَزِيرَة الْعَرَب عِنْدَمَا ذكر تفرق كلمة الْعَرَب وَوُقُوع الحروب بَينهم وتشتتهم أَن تزيد تنوخ هِيَ تزيد قضاعة قَالَ وَخرجت فرقة من بني حلوان بن عمرَان بن الحاف بن قضاعة وَرَئِيسهمْ عَمْرو بن مَالك التزيدي فنزلوا عبقر من أَرض الجزيرة فنسج نِسَاؤُهُم الصُّوف وَعمِلُوا مِنْهُ الزرابي فَهِيَ الَّتِي يُقَال لَهَا العبقرية وَعمِلُوا البرود وَهِي الَّتِي يُقَال لَهَا التزيدية وأغارت عَلَيْهِم التّرْك فَأَصَابَتْهُمْ وسبت مِنْهُ فَذَلِك قَول عَمْرو بن مَالك بن زُهَيْر (الوافر) (أَلا لله ليل لم ننمه ... على ذَات الحصاب مجنبينا) (وليلتنا بآمد لم ننمها ... كليلتنا بميا فارقينا) وَأَقْبل الْحَارِث بن قراد البهراني وَمَضَت بهراء حَتَّى لحقت بِالتّرْكِ فهزموهم واستنقذوا مَا بِأَيْدِيهِم من بني تزيد انْتهى الْأَمر الثَّانِي فِي كَلَام ابْن الْحَاجِب أَن قَوْله تزيد بالفوقية فِي كَلَامهم مُفْرد

(تتمة)

لَا جملَة إِلَخ أَقُول لَا مَانع من اسْتِعْمَاله مُفردا وَجُمْلَة بِاعْتِبَار نَقله مَعَ الضَّمِير وبدونه كَمَا اسْتعْمل يزِيد بِالْوَجْهَيْنِ مَعَ الاعتبارين فِي قَوْله (ليبك يزِيد ضارع لخصومة) فَإِنَّهُم قَالُوا رُوِيَ ليبك بِالْبِنَاءِ للْفَاعِل وَيزِيد مَفْعُوله وَهُوَ مَنْصُوب بالفتحة وضارع فَاعله وَرُوِيَ بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول وَيزِيد نَائِب فَاعل وَأي فرق بَينهمَا تَأمل (تَتِمَّة) هَذَا الْبَيْت فِي غَالب كتب النَّحْو وَلم أظفر بقائله وَلم يعزه أحد لقائله غير الْعَيْنِيّ فَإِنَّهُ قَالَ هُوَ لرؤبة بن العجاج وَقد تصفحت ديوانه فَلم أَجِدهُ فِيهِ وَالله أعلم أنْشد فِيهِ وَهُوَ الشَّاهِد الْأَرْبَعُونَ (الطَّوِيل) (جزى ربه عني عدي بن حَاتِم ... جَزَاء الْكلاب العاويات وَقد فعل) على أَن الْأَخْفَش وَابْن جني قد أجازا اتِّصَال ضمير الْمَفْعُول بِهِ بالفاعل مَعَ تقدم الْفَاعِل لشدَّة اقْتِضَاء الْفِعْل للْمَفْعُول بِهِ كاقتضائه للْفَاعِل أَقُول وَمِمَّنْ ذهب مَذْهَبهمَا أَبُو عبد الله الطوَال من الْكُوفِيّين وَابْن مَالك فِي التسهيل وَشَرحه وَأطَال فِي الرَّد عَلَيْهِ الشاطبي فِي شرح الألفية وَنصر الإِمَام عبد القاهر الْجِرْجَانِيّ مَذْهَب الْأَخْفَش فِي الْمسَائِل المشكلة

قَالَ الفناري فِي حَاشِيَة المطول وَذهب بَعضهم إِلَى عدم إخلال الْإِضْمَار قبل الذّكر بالفصاحة مُسْتَندا بِأَن عبد القاهر قدوة فِي فن البلاغة وَهُوَ الْمرجع فِيهَا وَكَلَامه حجَّة مُطلقًا وَقد بَين ابْن جني مذهبَة فِي الخصائص فَقَالَ وَأَجْمعُوا على أَن لَيْسَ بجائز ضرب غُلَامه زيدا لتقدم الْمُضمر على مظهره لفظا وَمعنى وَقَالُوا فِي قَول النَّابِغَة (جزى ربه عني عدي بن حَاتِم) إِن الْهَاء عَائِدَة على عدي خلافًا على الْجَمَاعَة فَإِن قيل الْفَاعِل رتبته التَّقَدُّم وَالْمَفْعُول رتبته التَّأَخُّر فقد وَقع كل مِنْهُمَا الْموقع الَّذِي هُوَ أولى بِهِ فَلَيْسَ لَك أَن تعتقد فِي الْفَاعِل إِذا وَقع مُؤَخرا أَن مَوْضِعه التَّقْدِيم فَإِذا وَقع مقدما فقد أَخذ مأخذه وَإِذا كَانَ كَذَلِك فقد وَقع الْمُضمر قبل مظهره لفظا وَمعنى وَهَذَا مَا لَا يجوزه الْقيَاس قيل الْأَمر وَإِن كَانَ ظَاهِرَة مَا تَقوله فَإِن هُنَا طَرِيقا آخر يسوغك غَيره وَذَلِكَ أَن الْمَفْعُول قد شاع وَأطْرد كَثْرَة تقدمه على الْفَاعِل حَتَّى دَعَا ذَاك أَبَا عَليّ إِلَى أَن قَالَ إِن تَقْدِيم الْمَفْعُول على الْفَاعِل فسم قَائِم بِرَأْسِهِ كَمَا أَن تَقْدِيم الْفَاعِل قسم أَيْضا قَائِم بِرَأْسِهِ وَإِن كَانَ تَقْدِيم الْفَاعِل أَكثر وَقد جَاءَ بِهِ الِاسْتِعْمَال مجيئا وَاسِعًا فَلَمَّا كثر وشاع تَقْدِيم الْمَفْعُول صَار كَأَن الْموضع لَهُ حَتَّى إِنَّه إِذا أخر فموضعه التَّقْدِيم فعلى ذَلِك كَأَنَّهُ قَالَ جزى عدي بن حَاتِم ربه ثمَّ قدم الْفَاعِل على أَنه قد قدره مقدما عَلَيْهِ مَفْعُوله فَجَاز لذَلِك وَلَا تستنكر هَذَا الَّذِي صورته لَك فَإِنَّهُ مِمَّا تقبله هَذِه اللُّغَة أَلا ترى أَن سيبوية أجَاز فِي جر الْوَجْه من قَوْلك هَذَا الْحسن الْوَجْه أَن يكون من موضِعين أَحدهمَا بِإِضَافَة الْحسن إِلَيْهِ وَالْآخر

تشبيهه لَهُ بالضارب الرجل مَعَ أَنا نعلم أَن الْجَرّ فِي الرجل إِنَّمَا جَاءَهُ من تشبيههم إِيَّاه بالْحسنِ الْوَجْه لَكِن لما أطْرد الْجَرّ فِي الضَّارِب الرجل صَار كَأَنَّهُ أصل فِي بَابه حَتَّى دَعَا ذَاك سِيبَوَيْهٍ إِلَى أَن عَاد فَشبه الْحسن الْوَجْه بِهِ وَهَذَا يدلك على تمكن الْفُرُوع عِنْدهم حَتَّى أَن الْأُصُول الَّتِي أَعْطَتْ فروعها حكما قد حارت فاستعارت من فروعها ذَلِك الحكم فَكَذَلِك تصيير تَقْدِيم الْمَفْعُول لما اسْتمرّ وَكثر كَأَنَّهُ هُوَ الأَصْل وَتَأْخِير الْفَاعِل كَأَنَّهُ أَيْضا هُوَ الأَصْل ويؤكد أَن الْهَاء فِي ربه لعدي بن حَاتِم من جِهَة الْمَعْنى عَادَة الْعَرَب فِي الدُّعَاء لَا تكَاد تَقول جزى رب زيد عمرا وَإِنَّمَا يُقَال جَزَاك رَبك خيرا أَو شرا وَذَلِكَ أوفق لِأَنَّهُ إِذا كَانَ مجازيه ربه كَانَ أقدر على جَزَائِهِ وإيلامه وَلذَلِك جرى الْعرف بذلك فاعرفه انْتهى وَمُلَخَّص كَلَامه أَن الْمَفْعُول فِي هَذِه الصُّورَة مُتَقَدم فِي الرُّتْبَة لَكِن تَأَخّر لضَرُورَة الشّعْر فَالضَّمِير الْمُتَّصِل بالفاعل عَائِد على مُتَقَدم حكما وَهَذَا غير قَول الشَّارِح الْمُحَقق لشدَّة اقْتِضَاء الْفِعْل للْمَفْعُول بِهِ على أَن حفيد السعد قَالَ فِي حَاشِيَة المطول فِيهِ أَن ذَلِك لَا يدْفع الْإِضْمَار قبل الذّكر نعم لَو كَانَ اقْتِضَاء الْمَفْعُول أَشد تمّ الْكَلَام انْتهى وَتبع التَّفْتَازَانِيّ فِي المطول الشَّارِح فِيمَا ذَكرْنَاهُ وَأورد بَيت الشَّاهِد وَقَوله (لما عصى أَصْحَابه مصعبا ... أدّى إِلَيْهِ الْكَيْل صَاعا بِصَاع) ثمَّ قَالَ ورد بِأَن الضَّمِير للمصدر الْمَدْلُول عَلَيْهِ بِالْفِعْلِ أَي رب الْجَزَاء وَأَصْحَاب الْعِصْيَان كَقَوْلِه تَعَالَى {اعدلوا هُوَ أقرب للتقوى} أَي الْعدْل وَأما قَوْله

(الْبَسِيط) (جزى بنوه أَبَا الغيلان عَن كبر ... وَحسن فعل كَمَا يجزى سنمار) وَقَوله (الطَّوِيل) (أَلا لَيْت شعري] هَل يَلُومن قومه ... زهيرا على مَا جر من كل جَانب) فشاذ لَا يُقَاس عَلَيْهِ انْتهى قَالَ الفناري وَيُمكن أَن يُقَال الضَّمِير فِي ربه رَاجع إِلَى الْمُتَكَلّم على طَريقَة الِالْتِفَات عِنْد السكاكي على قَول امْرِئ الْقَيْس (تطاول ليلك بالإثمد) انْتهى وَلَا يخفي بُطْلَانه لسماجته فَإِن الِالْتِفَات إِنَّمَا وَقع من الْمُتَكَلّم إِلَى خطاب النَّفس لَا إِلَى الْغَيْبَة فَتَأمل وَالْجَزَاء الْمُكَافَأَة وَعَن هُنَا للبدل كَقَوْلِه تَعَالَى {وَاتَّقوا يَوْمًا لَا تجزي نفس عَن نفس شَيْئا} وَقَوله جَزَاء الْكلاب مصدر تشبيهي أَي جَزَاء كجزاء الْكلاب العاويات وَهُوَ الضَّرْب والإهانة قيل هَذَا لَيْسَ بِشَيْء وَإِنَّمَا المُرَاد الْكلاب الَّتِي تتداعى للسفاد يُقَال عاوت الكلبة الْكلاب فَهِيَ مُعَاوِيَة أَي دعتهم للسفاد وَلَا يكَاد يسْتَعْمل العواء للكلاب إِلَّا عِنْد السفاد والمستعمل فِي غير ذَلِك النباح وَإِنَّمَا العواء للسباع وَقيل أَنه يَعْنِي بالعاويات المسعورة وَمن شَأْنهَا إِذا أُرِيد برؤها أَن يُؤْخَذ سفود فَيدْخل فِي أدبارها والسعر بضمه وبضمتين والسعار بِضَم أَوله الْجُنُون والسعر ككتف الْمَجْنُون وَرُوِيَ الْكلاب العاديات جمع العادي من الْعَدو دَعَا عَلَيْهِ بِأحد هَذِه الْمعَانِي ثمَّ حققها عَلَيْهِ فَقَالَ وَقد فعل أَي اسْتَجَابَ الله مَا دَعَوْت عَلَيْهِ وحققه وَمثله للمتنبي (الطَّوِيل) (وَهَذَا دُعَاء لَو سكت كفيته ... لِأَنِّي سَأَلت الله فِيك وَقد فعل)

وَجُمْلَة وَقد فعل حَال من ربه وَهَذَا الْبَيْت لأبي الْأسود الديلِي يهجو بِهِ عدي بن حَاتِم الطَّائِي وَزعم ابْن جني وَغَيره أَنه للنابغة الذبياني وَهُوَ وَإِن عاصر عديا لَكِن الَّذِي رُوِيَ لَهُ إِنَّمَا هُوَ (الطَّوِيل) (جزى الله عبسا عبس آل بغيض ... جَزَاء الْكلاب العاويات وَقد فعل) وَلَيْسَ فِيهِ مَا نَحن فِيهِ وَسَيَأْتِي الْكَلَام عَلَيْهِ وَقَالَ الْعَيْنِيّ قيل إِن قَائِله لم يعلم حَتَّى قَالَ ابْن كيسَان أَحْسبهُ مولدا مصنوعا قَالَ وَالضَّمِير لغير عدي فَكَأَنَّهُ وصف رجلا أحسن إِلَيْهِ ثمَّ قَالَ جزاه ربه خيرا وجزى عني عدي بن حَاتِم شرا فَحِينَئِذٍ لَا شذوذ فِي الْبَيْت وَلَا يخفى ركاكته أما أَبُو الْأسود الديلِي فاسمه ظَالِم بن عَمْرو بن سُفْيَان بن جندل بن يعمر ابْن حليس بن نفاثة بن عدي بن الديل بن بكر بن عبد مَنَاة بن كنَانَة بن خُزَيْمَة بن مدركه بن الياس بن مُضر بن نزار وهم إخْوَة قُرَيْش لِأَن قُريْشًا تخْتَلف فِي الْموضع الَّذِي أفترقت فِيهِ مَعَ بني أَبِيهَا والنسابون يَقُولُونَ إِن من لم يلده فهر بن مَالك بن النَّضر فَلَيْسَ قرشيا وَهُوَ وَاضع علم النَّحْو بتعليم عَليّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه وَكَانَ من وُجُوه شيعته وَاسْتَعْملهُ على الْبَصْرَة بعد ابْن عَبَّاس وَقبل هَذَا كَانَ اسْتَعْملهُ عمر بن الْخطاب وَعُثْمَان بن عَفَّان رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما وَتُوفِّي فِيمَا ذكره الْمَدَائِنِي فِي الطَّاعُون الجارف فِي سنة تسع وَسِتِّينَ وَله خمس وَثَمَانُونَ سنة وَقيل مَاتَ قبل ذَلِك قَالَ الجاحظ أَبُو الْأسود الديلِي مَعْدُود فِي طَبَقَات من النَّاس وَهُوَ

فِيهَا كلهَا مقدم ومأثور عَنهُ الْفضل فِي جَمِيعهَا كَانَ معدودا فِي التَّابِعين وَالْفُقَهَاء والمحدثين وَالشعرَاء والأشراف والفرسان والأمراء والدهاة والنحويين والحاضرين الْجَواب والشيعة والبخلاء والصلع الْأَشْرَاف والبخلاء الْأَشْرَاف وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة معمر بن الْمثنى كَانَ أَبُو الْأسود كَاتبا لِابْنِ عَبَّاس على الْبَصْرَة وَهُوَ الَّذِي يَقُول (الْكَامِل) (وَإِذا طلبت من الْخَلَائق حَاجَة ... فَادع الْإِلَه وَأحسن الأعمالا) (فليعطينك مَا أَرَادَ بقدرة ... وَهُوَ اللَّطِيف إِذا أَرَادَ فعالا) (إِن الْعباد وشأنهم وأمورهم ... بيد الْإِلَه يقلب الأحوالا) (فدع الْعباد وَلَا تكن بطلابهم ... لهجا تضعضع للعباد سؤالا) وَفِي الأغاني بِسَنَدِهِ إِلَى ابْن عَيَّاش قَالَ خطب أَبُو الْأسود امْرَأَة من عبد الْقَيْس يُقَال لَهَا أَسمَاء بنت زِيَاد فَأسر أمرهَا إِلَى صديق لَهُ من الأزد يُقَال لَهُ الْهَيْثَم بن زِيَاد فَحدث بِهِ ابْن عَم لَهُ كَانَ يخطبها وَكَانَ لَهَا مَال عِنْد أَهلهَا فَمشى ابْن عَمها الْخَاطِب لَهَا إِلَى أَهلهَا الَّذين مَالهَا فِي أَيْديهم فَأخْبرهُم خبر أبي الْأسود وسألهم أَن يمنعوها من نِكَاحه وَمن مَالهَا الَّذِي فِي أَيْديهم فَفَعَلُوا ذَلِك وضاروها حَتَّى تزوجت ابْن عَمها فَقَالَ أَبُو الْأسود فِي ذَلِك (الطَّوِيل) (لعمري لقد أفشيت يَوْمًا فخانني ... إِلَى بعض من لم يخْش سرا ممنعا) (فمزقه مزق الْعَمى وَهُوَ غافل ... ونادى بِمَا أخفيت مِنْهُ فأسمعا) (فَقلت وَلم أفحش لعا لَك عاثرا ... وَقد يعثر السَّاعِي إِذا كَانَ مسرعا) (وَلست بجازيك الْمَلَامَة إِنَّنِي ... أرى الْعَفو أدنى للرشاد وأوسعا) ...

(وَلَكِن تعلم أَنه عهد بَيْننَا فبن غير مَذْمُوم وَلَكِن مودعا) (حَدِيث أضعناه كِلَانَا فَلَنْ أرى ... وَأَنت نجيا آخر الدَّهْر أجمعا) (وَكنت إِذا ضيعت سرك لم تَجِد ... سواك لَهُ إِلَّا أشت وأضيعا) وَقَالَ فِيهِ أَيْضا (الطَّوِيل) (أمنت امْرأ فِي السِّرّ لم يَك حازما ... وَلكنه فِي النصح غير مريب) (أذاع بِهِ فِي النَّاس حَتَّى كَأَنَّهُ ... بعلياء نَار أوقدت بثقوب) (وَكنت مَتى لم ترع سرك تَنْتَشِر ... قوارعه من مخطىء ومصيب) (فَمَا كل ذِي لب بمؤتيك نصحه ... وَمَا كل مؤت نصحه بلبيب وَلَكِن إِذا مَا استجمعا عِنْد وَاحِد فَحق لَهُ من طَاعَة بِنَصِيب) وَفِي الأغاني أَيْضا بِسَنَدِهِ عَن عوَانَة قَالَ كَانَ أَبُو الْأسود يجلس إِلَى فنَاء امْرَأَة بِالْبَصْرَةِ فيتحدث إِلَيْهَا وَكَانَت بَرزَة جميلَة فَقَالَت لَهُ يَا أَبَا الْأسود هَل لَك أَن أتزوجك فَإِنِّي صناع الْكَفّ حَسَنَة التَّدْبِير قانعة بالميسور قَالَ نعم فَجمعت أَهلهَا وتزوجته فَوجدَ عِنْدهَا خلاف مَا قدره وأسرعت فِي مَاله ومدت يَدهَا إِلَى خيانته وأفشت سره فغدا على من كَانَ حضر تَزْوِيجه إِيَّاهَا فَسَأَلَهُمْ أَن يجتمعوا عِنْده فَفَعَلُوا فَقَالَ لَهُم (المتقارب) (أريت امْرأ كنت لم أبله ... فَقَالَ اتَّخَذَنِي صديقا خَلِيلًا) (فخاللته ثمَّ أكرمته ... فَلم أستفد من لَدنه فتيلا) (وألفيته حِين جربته ... كذوب الحَدِيث سروقا بَخِيلًا) ...

(فَذَكرته ثمَّ عاتبته ... عتابا رَفِيقًا وقولا جميلا) (فَأَلْفَيْته غير مستعتب ... وَلَا ذَاكر الله إِلَّا قَلِيلا) (أَلَسْت حَقِيقا بتوديعه ... وإتباع ذَلِك صرما طَويلا) فَقَالُوا لَهُ بلَى وَالله يَا أَبَا الْأسود فَقَالَ تِلْكَ صاحبتكم وَقد طَلقتهَا لكم وَأَنا أحب أَن أستر مَا أنكرته من أمرهَا فَانْصَرَفت مَعَهم وَفِيه أَيْضا بِسَنَدِهِ إِلَى ابْن عَيَّاش قَالَ كَانَ الْمُنْذر بن الْجَارُود الْعَبْدي صديقا لأبي الْأسود يُعجبهُ مُجَالَسَته وَحَدِيثه وَكَانَ كل مِنْهُمَا يغشى صَاحبه وَكَانَت لأبي الْأسود مقطعَة من برود يكثر لبسهَا فَقَالَ لَهُ الْمُنْذر لقد أدمنت لبس هَذِه الْمُقطعَة فَقَالَ أَبُو الْأسود رب مملول يُسْتَطَاع فِرَاقه فَعلم الْمُنْذر أَنه قد احْتَاجَ إِلَى كسْوَة فأهدى لَهُ ثيابًا فَقَالَ أَبُو الْأسود يمدحه (الطَّوِيل) (كساك وَلم تستكسه فحمدته ... أَخ لَك يعطيك الجزيل وياصر) (وَإِن أَحَق النَّاس إِن كنت حامدا ... بحَمْدك من أَعْطَاك وَالْعرض وافر) وروى الحريري فِي درة الغواص عَن عبيد الله بن عبد الله بن طَاهِر قَالَ اجْتمع عندنَا أَبُو نصر أَحْمد بن حَاتِم وَابْن الْأَعرَابِي فتجاريا الحَدِيث إِلَى أَن حكى أَبُو نصر أَن أَبَا الْأسود دخل على عبيد الله بن زِيَاد وَعَلِيهِ ثِيَاب

رثَّة فَكَسَاهُ ثيابًا جددا من غير أَن عرض لَهُ بسؤال فَخرج وَهُوَ يَقُول وَأنْشد الْبَيْتَيْنِ ثمَّ قَالَ وَأنْشد أَبُو نصر وياصر يُرِيد بِهِ ويعطف فَقَالَ لَهُ ابْن الْأَعرَابِي بل هُوَ وناصر بالنُّون فَقَالَ لَهُ أَبُو نصر دعنى يَا هَذَا وياصري وَعَلَيْك بناصرك \ وَفِي الأغاني أَيْضا بِسَنَدِهِ إِلَى أبي عُبَيْدَة قَالَ كَانَ أَبُو حَرْب بن أبي الْأسود قد لزم منزل أَبِيه بِالْبَصْرَةِ وَلَا ينتجع أَرضًا وَلَا يطْلب الرزق فِي تِجَارَة وَلَا غَيرهَا فَعَاتَبَهُ أَبوهُ على ذَلِك فَقَالَ أَبُو حَرْب إِن كَانَ لي رزق فسيأتيني فَقَالَ لَهُ أَبوهُ (الوافر) (وَمَا طلب الْمَعيشَة بالتمني ... وَلَكِن ألق دلوك فِي الدلاء) (تَجِيء بملئها يَوْمًا وَيَوْما ... تَجِيء بحمأة وَقَلِيل مَاء) وَفِيه أَيْضا بِسَنَدِهِ إِلَى عبد الْملك بن عُمَيْر قَالَ كَانَ ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه يكرم أَبَا الْأسود لما كَانَ عَاملا بِالْبَصْرَةِ لعَلي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه وَيَقْضِي حوائجة فَلَمَّا ولي ابْن عَامر جفاه وأبعده وَمنعه حَوَائِجه لما كَانَ يُعلمهُ من هَوَاهُ فِي عَليّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه فَقَالَ فِيهِ أَبُو الْأسود (الطَّوِيل) (ذكرت ابْن عَبَّاس بِبَاب ابْن عَامر ... وَمَا مر من عيشي ذكرت وَمَا فضل) (أميرن كَانَا صَاحِبي كِلَاهُمَا ... فكلا جزاه الله عني بِمَا فعل) (فَإِن كَانَ شرا كَانَ شرا جَزَاؤُهُ ... وَإِن كَانَ خيرا كَانَ خيرا إِذا عدل) وَفِيه أَيْضا بِسَنَدِهِ إِلَى الْعُتْبِي قَالَ كَانَ لأبي الْأسود جَار فِي ظهر دَاره لَهُ بَاب إِلَى قَبيلَة أُخْرَى وَكَانَ بَين دَاره وَدَار أبي الْأسود بَاب مَفْتُوح يخرج

مِنْهُ كل وَاحِد إِلَى قَبيلَة صَاحبه إِذا أرادها وَكَانَ الرجل ابْن عَم أبي الْأسود دنيا وَكَانَ شرسا سيء الْخلق فَأَرَادَ سد ذَلِك الْبَاب فَقَالَ لَهُ قومه لَا تفعل فتضر بِأبي الْأسود وَهُوَ شيخ وَلَيْسَ عَلَيْك فِي هَذَا الْبَاب ضَرَر وَلَا مُؤنَة فَأبى إِلَّا سَده ثمَّ نَدم على ذَلِك لِأَنَّهُ أضرّ بِهِ فَكَانَ إِذا أَرَادَ سلوك الطَّرِيق الَّتِي يسلكها مِنْهُ بعد عَلَيْهِ فعزم على فَتحه وَبلغ ذَلِك أَبَا الْأسود فَمَنعه مِنْهُ وَقَالَ فِيهِ (الوافر) (بليت بِصَاحِب إِن أدن شبْرًا ... يزدني فِي مباعدة ذِرَاعا) (وَإِن أمدد لَهُ فِي الْوَصْل ذرعي ... يزدني فَوق قيس الذرع بارعا) (أَبَت نَفسِي لَهُ إِلَّا اتبَاعا ... وتأبى نَفسه إِلَّا امتناعا) (كِلَانَا جَاهد أدنو وينأى ... فَذَلِك مَا اسْتَطَعْت وَمَا استطاعا) وَقَالَ فِيهِ أَيْضا (مجزوء الْكَامِل) (أعصيت أَمر ذَوي النهى ... وأطعت أَمر ذَوي الجهاله) (أَخْطَأت حِين صرمتني ... والمرء يعجز لَا محاله) (وَالْعَبْد يقرع بالعصا ... وَالْحر تكفيه المقاله) وَقد أطلتا فِي إِيرَاد شعره لَكنا أطبنا فَإِن حِكْمَة شِفَاء الصُّدُور ودرر قلائد النحور وَأما عدي بن حَاتِم فنسبته عدي بن حَاتِم الطَّائِي بن عبد الله بن سعد ابْن حشرج بن امْرِئ الْقَيْس بن عدي بن أخزم بن أبي أخزم واسْمه هزومة بن ربيعَة ابْن جَرْوَل بن ثعل بن عَمْرو بن الْغَوْث بن طَيئ بن أدد

بن زيد بن كهلان إِلَّا أَنهم يَخْتَلِفُونَ فِي بعض الْأَسْمَاء إِلَى طَيء وكنية عدي أَبُو طريف قَالَ أَبُو حَاتِم السجسْتانِي فِي كتاب المعمرين عَاشَ عدي مائَة وَثَمَانِينَ سنة ا. هـ. قدم على النَّبِي فِي شعْبَان من سنة سبع وَقَالَ الْوَاقِدِيّ من سنة عشر وَخَبره فِي قدومه خبر عَجِيب وَحَدِيث صَحِيح ثمَّ قدم على أبي بكر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه بصدقات قومه فِي حِين الرِّدَّة وَمنع قومه وَطَائِفَة مَعَهم من الرِّدَّة بِثُبُوتِهِ على الْإِسْلَام وَحسن رَأْيه وَكَانَ سريا شريفا فِي قومه خَطِيبًا حَاضر الْجَواب فَاضلا كَرِيمًا رُوِيَ عَنهُ أَنه قَالَ مَا دخل وَقت صَلَاة قطّ إِلَّا وَأَنا أشتاق إِلَيْهَا وَرُوِيَ عَنهُ أَنه قَالَ مَا دخلت على النَّبِي قطّ إِلَّا وسع لي أَو تحرّك وَدخلت عَلَيْهِ يَوْمًا فِي بَيته وَقد امْتَلَأَ من أَصْحَابه فَوسعَ لي حَتَّى جَلَست إِلَى جنبه وَفِي حَدِيث الشّعبِيّ أَن عدي بن حَاتِم قَالَ لعمر بن الْخطاب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه إِذْ قدم عَلَيْهِ مَا أَظُنك تعرفنِي فَقَالَ وَكَيف لَا أعرفك وَأول صَدَقَة بيضت وَجه رَسُول الله صَدَقَة طَيئ أعرفك آمَنت إِذْ كفرُوا وَأَقْبَلت إِذْ أدبروا ووفيت إِذْ غدروا ثمَّ نزل عدي الْكُوفَة وسكنها وَشهد مَعَ عَليّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه الْجمل وفقئت عينه يَوْمئِذٍ ثمَّ شهد مَعَ عَليّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه صفّين والنهروان وَمَات بِالْكُوفَةِ وَهُوَ ابْن مائَة وَعشْرين فِي سنة سبع وَسِتِّينَ كَذَا فِي الِاسْتِيعَاب لِابْنِ عبد الْبر وَأما شعر النَّابِغَة الذبياني فَهُوَ (الطَّوِيل) (جزى الله عبسا عبس آل بغيض ... جَزَاء الْكلاب العاويات وَقد فعل) ...

(بِمَا انتهكوا من رب عدنان جهرة ... وعَوْف يُنَاجِيهِمْ وذلكم جلل) (فاصبحتم وَالله يفعل ذاكم ... يعزكم مولى مواليكم شكل) وروى (يبوك النِّسَاء المرضعات بَنو شكل) (إِذا شَاءَ مِنْهُم نَاشِئ دربخت لَهُ ... لَطِيفَة طي الكشح رابية الكفل) قَالَ الْمفضل بن سَلمَة فِي الفاخر روى هَذَا الشّعْر للنابغة الذبياني وَقيل إِنَّه لعبد الله بن همارق بِضَم الْهَاء وَآخره قَاف وَهُوَ أحد بني عبد الله بن غطفان وَلَيْسَ فِي هَذَا الشّعْر شَاهد لما نَحن فِيهِ وَالسَّبَب فِيهِ أَن بني عبس لحقت ببني ضبة بعد يَوْم الفروق ثمَّ وَقع بَينهمَا دم ففارقتهم عبس فمرت تُرِيدُ الشَّام وَبلغ بني عَامر ارتفاعهم فخافوا انقطاعهم من قيس بن زُهَيْر رَئِيس بني عبس فَخرجت وُفُود بني عَامر إِلَيْهِم فدعتهم إِلَى أَن يرجِعوا ويحالفوهم فَقَالَ قيس بن زُهَيْر حالفوا قوما فِي صيابة بني عَامر لَيْسَ لَهُم عدد فيبغوا عَلَيْكُم بعددهم وَإِن احتجتم أَن يقومُوا بنصرتكم قَامَت بَنو عَامر فَحَالَفُوا مُعَاوِيَة بن شكل بن كَعْب بن عَامر بن صعصعة فَمَكَثُوا فيهم إِلَى أَن قَالَ الشَّاعِر هَذِه الأبيات يعير بني عبس فَلَمَّا بلغت قيسا قَالَ مَاله قَاتله الله أفسد علينا حلفنا فَخَرجُوا عَنْهُم ويبوك مضارع باك الْمَرْأَة بِمَعْنى جَامعهَا بِالْبَاء الْمُوَحدَة وَآخره كَاف ودربخت بِالدَّال وَالرَّاء الْمُهْمَلَتَيْنِ وبالباء الْمُوَحدَة وَالْخَاء الْمُعْجَمَة يُقَال دربخت الْحَمَامَة لذكرها طاوعته للسفاد والصيابة بِضَم الصَّاد الْمُهْملَة وَتَشْديد الْمُثَنَّاة التَّحْتِيَّة الْخَالِص والصميم وَالْأَصْل وَالْخيَار من كل شَيْء وَالسَّيِّد وصيابة الْقَوْم لبابهم

وهو الشاهد الحادي والأربعون

وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد الْحَادِي وَالْأَرْبَعُونَ (السَّرِيع) (لما عصى أَصْحَابه مصعبا ... أدّى إِلَيْهِ الْكَيْل صَاعا بِصَاع) لما تقدم فِي الْبَيْت الَّذِي قبله قَالَ حفيد السعد فِي حَاشِيَة المطول أفرد ضمير إِلَيْهِ مَعَ أَنه رَاجع إِلَى الْأَصْحَاب قصدا إِلَى كل وَاحِد مِنْهُم وَقَالَ الفناري قيل الضَّمِير فِي أدّى رَاجع إِلَى شخص مَذْكُور فِيمَا سبق وَفِي إِلَيْهِ رَاجع إِلَى مُصعب. وَقيل الضَّمِير فِي أدّى رَاجع إِلَى مُصعب وَفِي إِلَيْهِ رَاجع إِلَى أَصْحَابه قصدا إِلَى كل وَاحِد مِنْهُم أَو نقُول لمشابهة لفظ أَفعَال للمفرد وَلِهَذَا يَجِيء فِي كثير من الْمَوَاضِع وصف الْمُفْرد بِهِ نَحْو ثوب أسمال ونطفه أمشاج وَنَظِيره قَوْله تَعَالَى {وَإِن لكم فِي الْأَنْعَام لعبرة نسقيكم مِمَّا فِي بطونه} فَإِن الضَّمِير فِي بطونه رَاجع للأنعام ا. هـ. وَهَذَا الْكَلَام برمتِهِ من شرح اللب فِي بَاب الْمَفْعُول الْمُطلق وَقَوله أدّى إِلَيْهِ الْكَيْل إِلَخ قَالَ الميداني فِي مجمع الْأَمْثَال جزاه كيل الصَّاع بالصاع أَي كافا إحسانه بِمثلِهِ وإساءته بِمِثْلِهَا وَقَوله صَاعا قَالَ الْحَفِيد هُوَ فِي مَوضِع الْحَال مثل بايعته يدا بيد وَهُوَ فِي الأَصْل جملَة أَي صَاع مِنْهُ بِصَاع كَذَا كتب قدس سره بِخَطِّهِ فِي الْحَاشِيَة ا. هـ. وَقَالَ الفناري وَقَوله صَاعا بِصَاع حَال من ضمير أدّى وَالْأَصْل مُقَابلا صَاعا بِصَاع ثمَّ طرح مُقَابلا وأقيم صَاعا مقَامه ثمَّ الْحَال لَيست هِيَ صَاعا وَحده بل هُوَ مَعَ قَوْله بِصَاع لِأَن معنى المنوب عَنهُ يحصل بالمجموع كَذَا ذكره صَاحب الإقليد فِي كَلمته فَاه إِلَى فِي ا. هـ.

ومرجع الضميرين على مَا تقدم نَاشِئ عَن عدم الِاطِّلَاع عَلَيْهِ وَالْبَيْت من قصيدة للسفاح بن بكير بن معدان الْيَرْبُوعي رثى بهَا يحيى بن شَدَّاد ابْن ثَعْلَبَة بن بشر أحد بني ثَعْلَبَة بن يَرْبُوع وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة هِيَ لرجل من بني قريع رثى بهَا يحيى بن ميسرَة صَاحب مُصعب بن الزبير وَكَانَ وَفِي لَهُ حَتَّى قتل مَعَه وَهَذِه أَبْيَات من مطْلعهَا (السَّرِيع) (صلى على يحيى وأشياعه ... رب رَحِيم وشفيع مُطَاع) (لما عصى أَصْحَابه مصعبا ... أدّى إِلَيْهِ الْكَيْل صَاعا بِصَاع) (يَا سيدا مَا أَنْت من سيد ... موطأ الْبَيْت رحيب الذِّرَاع) نقلته من المفضليات وَشَرحهَا لِابْنِ الْأَنْبَارِي فَالضَّمِير فِي أدّى رَاجع إِلَى يحيى وَضمير إِلَيْهِ رَاجع إِلَى مُصعب وروى الْبَيْت أَيْضا كَذَا (لما جلا الخلان عَن مُصعب ... أدّى إِلَيْهِ الْقَرْض صَاعا بِصَاع) فَلَا شَاهد فِي الْبَيْت على هَذِه الرِّوَايَة وَهِي رِوَايَة الْمفضل الضَّبِّيّ فِي المفضليات وجلا بِالْجِيم بِمَعْنى تفرق من الْجلاء بِالْفَتْح وَالْمدّ وَهُوَ الْخُرُوج من الوطن يُقَال قد جلوا عَن أوطانهم وجلوتهم أَنا لَازم ومتعد وَيُقَال أَيْضا أجلو عَن الْبَلَد وأجليتهم أَنا كِلَاهُمَا بِالْألف والخلان جمع خَلِيل

وهو الشاهد الثاني والأربعون

وَقَوله يَا سيدا مَا أَنْت من سيد إِلَخ يَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى فِي الشَّاهِد الْخَامِس وَالثَّلَاثِينَ بعد الأربعمائة وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد الثَّانِي وَالْأَرْبَعُونَ (الطَّوِيل) لما تقدم فِي الْبَيْت الَّذِي قبله قَالَ الفناري إِنَّمَا لم يجز هَاهُنَا رُجُوع الضَّمِير إِلَى الْمصدر الْمَدْلُول عَلَيْهِ وَهُوَ اللوم أَو إِلَى الشَّاعِر على سنَن الِالْتِفَات لِأَن مَقْصُود الشَّاعِر قوم زُهَيْر فَإِن الذَّوْق السَّلِيم يفهم من هَذَا الْبَيْت تحريض أقربائه على لومه ولومهم على ترك لومه وَلَعَلَّ قوم زُهَيْر غير قوم الشَّاعِر وَالله أعلم ا. هـ. وَقَوله على مَا جر فِي الْقَامُوس الجريرة الذَّنب وَالْجِنَايَة جر على نَفسه وَغَيره جريرة يجر بِالضَّمِّ وَالْفَتْح جرا وَقَالَ حفيد السعد قَوْله على مَا جر أَي على الْعَار الَّذِي جَرّه ومده من كل جَانب وناحية بِسَبَب الظُّلم والعداوة لكنه قدس سره قد كتب فِي الْحَاشِيَة يُقَال جر عَلَيْهِم جريرة أَي جنى جِنَايَة وَقَالَ الفناري وَقد يرْوى بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالزَّاي الْمُعْجَمَة من الحز وَهُوَ الْقطع ا. هـ. وَهَذَا لَا وَجه لَهُ هُنَا وَالرِّوَايَة إِنَّمَا هِيَ الأولى كَمَا يَأْتِي وَبعده (بكفي زُهَيْر عصبَة العرج مِنْهُم ... وَمن بيع فِي الركبين لخم وغالب) والبيتان من شعر أبي جُنْدُب بن مرّة القردي قَالَ السكرِي فِي شرح أشعار هُذَيْل زُهَيْر من بني لحيان وجر جنى أَي جر على نَفسه جرائر

من كل جَانب وروى قومه زُهَيْر ا. هـ. يَعْنِي بِنصب قومه وَرفع زُهَيْر وَعَلِيهِ لَا شَاهد فِيهِ وَقَوله بكفي زُهَيْر إِلَخ عصبَة مُبْتَدأ والظرف قبله خَبره وَمن يَبِيع مَعْطُوف على الْمُبْتَدَأ والعصبة الْجَمَاعَة وَالْعَرج بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الرَّاء بعْدهَا جِيم قَرْيَة جَامِعَة بَين مَكَّة وَالْمَدينَة بهَا قتل قوم زُهَيْر وَسبي نِسَاؤُهُم وذراريهم وَضمير مِنْهُم لقوم زُهَيْر والظرف حَال من عصبَة بِتَقْدِير مُضَاف لَهُ وللمعطوف أَي قتل الْعصبَة فِي العرج وَسبي من بيع فِي الركبين حَال كَونهم من قوم زُهَيْر بِسَبَب جِنَايَة كفي زُهَيْر ولخم وغالب بدل من الركبين ولخم حَيّ من الْيمن وغالب قَبيلَة من قُرَيْش وَيقدر مِنْهُم أَيْضا بعد قَوْله وَمن بيع وَسبب هَذَا الشّعْر مَا رَوَاهُ السكرِي قَالَ مرض أَبُو جُنْدُب وَكَانَ لَهُ جَار من خُزَاعَة اسْمه خاطم فَقتله زُهَيْر اللحياني وَقتلُوا امْرَأَته فَلَمَّا برأَ أَبُو جُنْدُب من مَرضه خرج من أَهله حَتَّى قدم مَكَّة فاستلم الرُّكْن وكشف عَن استه وَطَاف فَعرف النَّاس أَنه يُرِيد شرا فَقَالَ (الرجز) (إِنِّي امْرُؤ أبْكِي على جاريه ... أبكى على الكعبي والكعبيه) (وَلَو هَلَكت بكيا عَلَيْهِ ... كَانَا مَكَان الثَّوْب من حقْوَيْهِ) يُقَال عذت بحقويك يُرِيد كَانَا فِي مَوضِع المعاذ أَي كَانَا مني بمَكَان من أجرت فَلَمَّا فرغ من طَوَافه وَقضى من مَكَّة حَاجته خرج فِي الخلعاء من بكر وخزاعة فاستجاشهم على بني لحيان فَخَرجُوا مَعَه حَتَّى صبح بهم بني لحيان فِي العرج فَقتل فيهم وسبى من نِسَائِهِم وذراريهم وباعهم فاشترتهم هَاتَانِ القبيلتان فَقَالَ أَبُو جُنْدُب فِي ذَلِك ...

(تتمة)

(أَلا لَيْت شعري هَل يَلُومن قومه) والقردي نِسْبَة إِلَى قرد بِكَسْر الْقَاف على لفظ الْحَيَوَان الْمَعْرُوف وَهُوَ بطن من هُذَيْل بن مدركة بن الياس بن مُضر ولحيان بِكَسْر اللَّام وَسُكُون الْمُهْملَة بعْدهَا مثناة تحتية بطن من هُذَيْل أَيْضا وَأَبُو جُنْدُب شَاعِر جاهلي (تَتِمَّة) الْبَيْت الَّذِي فِي المطول وَهُوَ قَوْله جزى بنوه إِلَخ رَوَاهُ الْأَصْبَهَانِيّ فِي الأغاني فِي تَرْجَمَة عدي بن زيد كَذَا (الْبَسِيط) (جزى بنوه أَبُو الغيلان من كبر ... وَحسن فعل كَمَا يجزى سنمار) وَذكر فِيهِ جَزَاء سنمار قَالَ وَأما صَاحب الخورنق فَهُوَ النُّعْمَان بن الشَّقِيقَة وَهُوَ الَّذِي ساح على وَجهه فَلم يعرف لَهُ خبر والشقيقة أمة بنت أبي ربيعَة بن ذهل بن شبيان وَهُوَ النُّعْمَان بن امْرِئ الْقَيْس بن عَمْرو بن عدي بن نصر ابْن ربيعَة اللَّخْمِيّ فَذكر ابْن الْكَلْبِيّ أَنه كَانَ سَبَب بنائِهِ الخورنق أَن يزدجرد بن سَابُور كَانَ لَا يبْقى لَهُ ولد فَسَأَلَ عَن منزل مريء صَحِيح من الأدواء والأسقام فَدلَّ على ظهر الْحيرَة فَدفع ابْنه بهْرَام جور بن يزدجرد إِلَى النُّعْمَان بن الشَّقِيقَة وَكَانَ عاملة على أَرض الْعَرَب وَأمره بِأَن يَبْنِي الخورنق مسكنا لَهُ ولابنه وينزله إِيَّاه مَعَه بِإِخْرَاجِهِ إِلَى بوادي الْعَرَب وَكَانَ الَّذِي بنى الخورنق رجلا يُقَال لَهُ سنمار فَلَمَّا فرغ من بنائِهِ عجبوا من حسنه وإتقان عمله فَقَالَ لَو علمت أَنكُمْ توفوني أجرتي

وتصنعون بِي مَا أستحقه لبنيته بِنَاء يَدُور مَعَ الشَّمْس حَيْثُمَا دارت فَقَالُوا وَإنَّك لتبني مَا هُوَ أفضل مِنْهُ وَلم تبنه ثمَّ أَمر بِهِ فَطرح من رَأس الْجَوْسَقِ وَفِي بعض الرِّوَايَات أَنه قَالَ إِنِّي لأعرف فِي هَذَا الْقصر مَوضِع عيب إِذا هدم تداعى الْقصر فَقَالَ أما وَالله لَا تدل عَلَيْهِ أحدأ أبدا ثمَّ رمى بِهِ من أَعلَى الْقصر فَقَالَت الشُّعَرَاء فِي ذَلِك أشعارا كَثِيرَة مِنْهَا قَول أبي الطمحان القيني (الطَّوِيل) (جَزَاء سنمار جزوها وربها ... وباللات والعزى جَزَاء الْمُكَفّر) وَمِنْهَا قَول سليط بن سعد (الْبَسِيط) (جزى بنوه أَبَا الغيلان من كبر ... وَحسن فعل كَمَا يجزى سنمار قَالَ عبد الْعُزَّى بن امرىء الْقَيْس الْكَلْبِيّ وَكَانَ أهْدى إِلَى الْحَارِث بن مَارِيَة الغساني أفراسا ووفد إِلَيْهِ فأعجب بِهِ واختصه وَكَانَ للْملك ابْن مسترضع فِي بني عبد ود من كلب فنهشته حَيَّة فَظن الْملك أَنهم اغتالوه فَقَالَ لعبد الْعُزَّى جئني بهؤلاء الْقَوْم فَقَالَ هم قوم أَحْرَار لَيْسَ لي عَلَيْهِم فضل فِي نسب وَلَا فعل فَقَالَ لتَأْتِيني بهم أَو لَأَفْعَلَنَّ وأفعلن فَقَالَ لَهُ رجونا من جنابك أمرا حَال دونه عقابك ودعا ابنيه شرَاحِيل وَعبد الْحَارِث فَكتب مَعَهُمَا إِلَى قومه (الطَّوِيل) (جزاني جزاه الله شَرّ جَزَائِهِ ... جَزَاء سنمار وَمَا كَانَ ذَا ذَنْب) ...

وهو الشاهد الثالث والأربعون

(سوى رصه الْبُنيان عشْرين حجَّة ... يعل عَلَيْهِ بألقراميد والسكب) وَهِي أَبْيَات قَالَ فَقتله النُّعْمَان ا. هـ. وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد الثَّالِث وَالْأَرْبَعُونَ (الطَّوِيل) (كَأَن لم يمت حَيّ سواك وَلم تقم ... على أحد إِلَّا عَلَيْك النوائح) على أَنه إِذا وَقع مَرْفُوع بعد الْمُسْتَثْنى فِي الشّعْر أضمروا لَهُ عَاملا من جنس الأول أَي قَامَت النوائح وَالْمَسْأَلَة مفصلة فِي الشَّرْح وَهَذَا الْبَيْت من أَبْيَات مَذْكُورَة فِي الحماسة لأشجع السّلمِيّ وَهِي (مضى ابْن سعيد حِين لم يبْق مشرق ... وَلَا مغرب إِلَّا لَهُ فِيهِ مادح) (وَمَا كنت أَدْرِي مَا فواضل كَفه ... على النَّاس حَتَّى غيبته الصفائح) (فَأصْبح فِي لحد من الأَرْض مَيتا ... وَكَانَت بِهِ حَيا تضيق الصحاصح) (سأبكيك مَا فاضت دموعي فَإِن تغض ... فحسبك مني مَا تجن الجوانح) (وَمَا أَنا من رزء وَإِن جلّ جازع ... وَلَا لسرور بعد موتك فارح) (لَئِن حسنت فِيك المراثي وَذكرهَا ... لقد حسنت من قبل فِيك المدائح) كَأَن لم يمت حَيّ سواك الْبَيْت والصفائح أَحْجَار عراض يسقف بهَا الْقَبْر والصحاصح جمع صحصح وَهِي الأَرْض المستوية الواسعة وتغيض تنقص يُقَال غاض المَاء وغضته

وَقَوله كَأَن لم يمت كَأَن مخففه وَاسْمهَا ضمير شَأْن يَقُول أفرط الْحزن عَلَيْك حَتَّى كَانَ الْمَوْت لم يعْهَد قبل موتك وَكَأن النِّيَاحَة لم تقم على من سواك وَأَشْجَع هُوَ ابْن عَمْرو السّلمِيّ ويكنى أَبَا الْوَلِيد من ولد الشريد بن مطرود السّلمِيّ وَتزَوج أَبوهُ امْرَأَة من أهل الْيَمَامَة فشخص مَعهَا إِلَى بَلَدهَا فَولدت لَهُ هُنَاكَ أَشْجَع وَنَشَأ بِالْيَمَامَةِ ثمَّ مَاتَ أَبوهُ فَقدمت بِهِ أمه الْبَصْرَة فطلبت مِيرَاث أَبِيه وَكَانَ لَهُ هُنَاكَ مَال فَمَاتَتْ بهَا وربي أَشْجَع وَنَشَأ بِالْبَصْرَةِ فَكَانَ من لَا يعرفهُ يدْفع نسبته ثمَّ كبر وَقَالَ الشّعْر فأجاد وعد فِي الفحول وَكَانَ الشّعْر يؤمئذ فِي ربيعَة واليمن وَلم يكن لقيس عيلان شَاعِر فَلَمَّا نجم أَشْجَع افتخرت بِهِ قيس واثبتت نسبه ثمَّ خرج أَشْجَع إِلَى الرقة والرشيد بهَا فَنزل على بني سليم ومدح البرامكة وَانْقطع إِلَى جَعْفَر خَاصَّة فوصله الرشيد فأثرى وَحسنت حَاله وَلما ولى الرشيد جَعْفَر بن يحيى خُرَاسَان جلس لتهنئة النَّاس وأنشده الشُّعَرَاء وَدخل فِي آخِرهم أَشْجَع فَقَالَ لتأذن فِي إنشاد شعر قضيت بِهِ حق سوددك وكمالك وخففت بِهِ ثقل أياديك عِنْدِي فَقَالَ هَات يَا أَبَا الْوَلِيد فأنشده (المتقارب) (أتصبر يَا قلب أم تجزع ... فَإِن الديار غَدا بلقع) (غَدا يتفرق أهل الْهوى ... وَيكثر باك ومسترجع) إِلَى أَن بلغ قَوْله (ودوية بَين أقطارها ... مقاطع أَرضين لَا تقطع) (تجاوزتها فَوق عيرانة ... من الرّيح فِي سَيرهَا أسْرع) (إِلَى جَعْفَر نزعت رَغْبَة ... وَأي فَتى نَحوه تنْزع) ...

(فَمَا دونه لامرئ مطمع ... وَلَا لامرئ غَيره مقنع) (وَلَا يرفع النَّاس مَا حطه ... وَلَا يضعون الَّذِي يرفع) (يُرِيد الْمُلُوك مدى جَعْفَر ... وَلَا يصنعون كَمَا يصنع) (وَلَيْسَ بأوسعهم فِي الْغنى ... وَلَكِن معروفه أوسع) (يلوذ الْمُلُوك بآرائه ... إِذا نالها الْحَدث الأفظع) (بديهته مثل تَدْبيره ... مَتى رمته فَهُوَ مستجمع) (وَكم قَائِل إِذْ راى ثروتي ... وَمَا فِي فضول الْغنى أصنع) (غَدا فِي ظلال ندى جَعْفَر ... يجر ثِيَاب الْغنى أَشْجَع) (فَقل لخراسان تحيا فقد ... أَتَاهَا ابْن يحيى الْفَتى الأروع) فَأقبل عَلَيْهِ جَعْفَر يخاطبه مُخَاطبَة الْأَخ أَخَاهُ ثمَّ أَمر لَهُ بِأَلف دِينَار قَالَ الصولي فِي الورقات قَالَ لي يَوْمًا عبد الله بن المعتز من أَيْن أَخذ أَشْجَع قَوْله (وَلَيْسَ بأوسعهم فِي الْغنى الْبَيْت) فَقلت من قَول مُوسَى شهوات لعبد الله بن جَعْفَر بن أبي طَالب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه (وَلم يَك أوسع الفتيان مَالا ... وَلَكِن كَانَ ارحبهم ذِرَاعا) فَقَالَ أصبت هَكَذَا هُوَ ا. هـ. وَرَأَيْت فِي الحماسة فِي بَاب الأضياف وَقَالَ أَبُو زِيَاد الْأَعرَابِي الْكلابِي (الوافر) (لَهُ نَار تشب على يفاع ... إِذا النيرَان ألبست القناعا) (وَلم يَك أَكثر الفتيان مَالا الْبَيْت) وَإِنَّمَا لقب مُوسَى بشهوات لِأَن عبد الله بن جَعْفَر كَانَ يشتهى عَلَيْهِ

الشَّهَوَات فيشتريها لَهُ مُوسَى ويتربح عَلَيْهِ وَهُوَ مولى لبني سهم وَأَصله من أذربيجان كَذَا فِي كتاب الشُّعَرَاء لِابْنِ قُتَيْبَة وَقَالَ أَبُو عبيد الْبكْرِيّ فِي شرح أمالي القالي مُوسَى شهوات هُوَ مُوسَى ابْن يسَار مولى قُرَيْش وَيُقَال مولى بنى سهم وَيُقَال مولى بني تيم كَانَ يجلب إِلَى الْمَدِينَة القند وَالسكر من أذربيجان فَقَالَت امْرَأَة مَا يزَال مُوسَى يجلب إِلَيْنَا الشَّهَوَات فغلب عَلَيْهِ وَقَالَ أبن شبة كَانَ مُوسَى سؤولا ملحفا فَإِذا رأى مَعَ أحد شَيْئا يُعجبهُ من ثوب أَو مَتَاع أَو دَابَّة تباكى فَإِذا قيل لَهُ مَالك قَالَ أشتهي هَذَا فَسمى مُوسَى شهوات وَقَالَ ابْن الْكَلْبِيّ سمي بذلك لقَوْله فِي يزِيد بن مُعَاوِيَة (الْخَفِيف) (لست منا وَلَيْسَ خَالك منا ... يَا مضيع الصَّلَاة بالشهوات) يُقَال مُوسَى شهوات على الصّفة وعَلى الْإِضَافَة وَهُوَ أصح ويكنى أَبَا مُحَمَّد وَهُوَ أَخُو إِسْمَاعِيل بن يسَار ا. هـ. وَبَيت مُوسَى شهوات نسبه السعد فِي المطول وَصَاحب الْمعَاهد فِي شَوَاهِد التَّلْخِيص إِلَى أبي زِيَاد الْأَعرَابِي الْكلابِي كَمَا فِي الحماسة قَالَ الصولي بعد أَن تصرف جَعْفَر بِالْأَمر وَالنَّهْي وَالتَّوْلِيَة والعزل بدا للرشيد عَزله فَعَزله عَن خُرَاسَان فَاغْتَمَّ لذَلِك جَعْفَر فَدخل عَلَيْهِ أَشْجَع فَقَالَ (السَّرِيع) (أمست خُرَاسَان تعزى بِمَا ... أخطأها من جَعْفَر المرتجى) (كَانَ الرشيد المعتلى أمره ... ولى على مشرقها الأبلجا) (ثمَّ أرَاهُ رَأْيه أَنه ... أَمْسَى إِلَيْهِ مِنْهُم أحوجا) ...

(كم فرق الدَّهْر بأسبابه ... من مُحصن أَهلا وَكم زوجا) (وَكم بِهِ الرَّحْمَن من كربَة ... فِي مُدَّة تقصر قد فرجا) فَقَالَ لَهُ جَعْفَر قُمْت وَالله بالعذر لأمير الْمُؤمنِينَ وأصبت الْحق وخففت عَليّ الْعَزْل فَأمر لَهُ بِأَلف دِينَار أُخْرَى وَلما دخل أَشْجَع على الرشيد بالرقة كَانَ قد فرغ من قصره الْأَبْيَض فأنشده (الْكَامِل) (قصر عَلَيْهِ تحيه وَسَلام ... فِيهِ لأعلام الْهدى أَعْلَام) (نشرت عَلَيْهِ الأَرْض كسوتها الَّتِي ... نسج الرّبيع وزخرف الأوهام) إِلَى أَن قَالَ (وعَلى عَدوك يَا ابْن عَم مُحَمَّد ... رصدان ضوء الصُّبْح والإظلام) (فَإِذا تنبه رعته وَإِذا غفا ... سلت عَلَيْهِ سيوفك الأحلام) قَالَ الصولي فِي الورقات بِسَنَدِهِ إِلَى أَشْجَع إِن الرشيد قَالَ لي من أَيْن أخذت قَوْلك وعَلى عَدوك الْبَيْتَيْنِ فَقلت لَا أكذب وَالله من قَول النَّابِغَة (الطَّوِيل) (فَإنَّك كالليل الَّذِي هُوَ مدركي ... وَإِن خلت أَن المنتأى عَنْك وَاسع) فَقَالَ صه هُوَ عِنْدِي من كَلَام الأخطل لعبد الْملك بن مَرْوَان وَقد قَالَ لَهُ أَنا مجيرك من الجحاف فَقَالَ من يجيرني مِنْهُ إِذا نمت وترجمة أَشْجَع مُطَوَّلَة فِي الورقات للصولي وَفِي الأغاني للأصبهاني وَأَشْجَع لَيْسَ مِمَّن يستشهد بِكَلَامِهِ فَكَانَ يَنْبَغِي تَأْخِيره عَن الْبَيْت الَّذِي بعده

وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد الرَّابِع وَالْأَرْبَعُونَ (الْكَامِل) 44 - (لَا أشتهي يَا قوم إِلَّا كَارِهًا ... بَاب الْأَمِير وَلَا دفاع الْحَاجِب) على أَن " بَاب الْأَمِير " مَنْصُوب ب " لَا أشتهي " مُقَدرا. وَالْمَسْأَلَة مفصلة فِي الشَّرْح أَيْضا. قَالَ أَمِين الدَّين الطبرسي، فِي شرح الحماسة: هُنَا " كَارِهًا " حَال، يَقُول: لَا أعلق شهوتي بورود بَاب الْأَمِير ومدافعة الْحَاجِب إِلَّا على كره؛ يصف ميله إِلَى البدو وَأَهله وإلفه إيَّاهُم. وَقَالَ السَّيِّد فِي حَاشِيَته على المطول: قصر فِيهِ الشَّاعِر نَفسه فِي زمَان اشتهائه بَاب الْأَمِير على صفة الْكَرَاهَة لَهُ؛ فَهُوَ من قصر الْمَوْصُوف على الصّفة. وَيُمكن أَن يُقَال: قصر فِيهِ اشتهاءه بَاب الْأَمِير عَلَيْهِ مَوْصُوفا بالكراهية لَهُ لَا يتعداه إِلَيْهِ مَوْصُوفا بِصفة الْإِرَادَة لَهُ، فَهُوَ من قصر الصّفة على الْمَوْصُوف. وَلَك أَن تَقول قصر اشتهاءه الْبَاب على أَنه مُجْتَمع مَعَ كراهيته لَهُ دون إِرَادَته إِيَّاه؛ فَيكون أَيْضا من قصر الْمَوْصُوف على الصّفة. ثمَّ اشتهاء الشَّيْء إِن لم يكن مستلزماً لإرادته لم يناف كَرَاهَته، فَجَاز أَن يكون الشَّيْء مشتهى مَكْرُوها كاللذات الْمُحرمَة عِنْد الزهاد، كَمَا جَازَ أَن يكون الشَّيْء مرَادا منفوراً عَنهُ، كشرب الْأَدْوِيَة الْمرة عِنْد المرضى. فَإِن قيل: الاشتهاء يسْتَلْزم الْإِرَادَة، فالجمع بَينه وَبَين الْكَرَاهِيَة باخْتلَاف الْجِهَة، فيشتهي الدُّخُول على الْأَمِير لما فِيهِ من التَّقَرُّب، يكرههُ لما فِيهِ من المذلة ودفاع الْحَاجِب، فبالحقيقة المشتهى هُوَ التَّقَرُّب، وَالْمَكْرُوه تِلْكَ المذلة. ا. هـ. وَبِهَذَا يعرف سُقُوط قَول بعض شرَّاح الحماسة هُنَا، فَإِنَّهُ قَالَ: لَيْسَ قَوْله " كَارِهًا " حَالا من أشتهي، لِأَنَّهُ لَا يكون كَارِهًا للشَّيْء مشتهياً لَهُ فِي حَال،

من أجل أَن الشَّهْوَة مُنَافِيَة للكراهية، وَلكنه حَال من فعل مُقَدّر، وَالْمعْنَى: لَا أشتهي بَاب الْأَمِير وَلَا آتيه إِلَّا كَارِهًا، أَو وَلَكِن آتيه كَارِهًا ا. هـ. وَهَذَا الْبَيْت أول أَبْيَات ثَلَاثَة مَذْكُورَة فِي الحماسة، لمُوسَى بن جَابر الْحَنَفِيّ والبيتان بعده: (وَمن الرِّجَال أسنة مذروبة ... ومزندون شهودهم كالغائب) الْجُزْء 9 (مِنْهُم أسود لَا ترام وَبَعْضهمْ ... مِمَّا قمشت وَضم حَبل الحاطب) يشبه الرجل فِي مضائه وصرامته وَفِي دقته إِذا هزل بِالسَّيْفِ والسنان ومذروبة محددة وَكَذَلِكَ مذربة وكل شَيْء حددته فقد ذربته يَقُول من الرِّجَال رجال كالأسنة المطرورة مضاء ونفاذا فِي الْأُمُور والمزند وَكَذَلِكَ الزند الضّيق وَقَوْلهمْ فلَان زند متين أَي زند شَدِيد الضّيق متين شَدِيد بخيل أَي إِن نالهم خطب ضاقوا عَنهُ وَلم يتجهوا فِيهِ لرشد وَكَانَ من حَقه أَن يَقُول وَمِنْهُم مزندون لكنه أكتفى بِالْأولِ كَقَوْلِه تَعَالَى (مِنْهَا قَائِم وحصيد) قَالَ المرزوقي سَمِعت أَبَا عَليّ الْفَارِسِي يَقُول كل صفتين تتنافيان فَلَا يَصح اجْتِمَاعهمَا لموصوف وَاحِد فلابد من إِضْمَار من مَعَهُمَا إِذا فصل جملَة بهما مَتى لم يجىء ظَاهرا فَإِن أمكن أجتماع صفتين لموصوف وَاحِد اسْتغنى عَن إِضْمَار من كَقَوْلِك صاحباك مِنْهُمَا ظريف وكريم وَقَوله شهودهم إِلَى آخِره يرْوى بدله حضورهم يُرِيد أَنه لَا غناء عِنْدهم فحضورهم كغيبتهم كَقَوْل الشَّاعِر (الطَّوِيل) (شهِدت جسيمات العلى وَهُوَ غَائِب ... وَلَو كَانَ أَيْضا شَاهدا كَانَ غَائِبا) قَالَ الطبرسي يجوز أَن يُرِيد بالشهود جمع شَاهد وَهُوَ الْحَاضِر وَأَرَادَ

بالغائب الْكَثْرَة فَتكون جِنْسا وَإِن كَانَ الشُّهُود مصدرا فالغائب يجوز أَن يكون جِنْسا كَالْأولِ أَي شهودهم كغيبة الْغَائِب بِحَذْف الْمُضَاف وَيجوز أَن يكون مصدرا كالباطل وَقَوله مِنْهُم لُيُوث إِلَخ يَقُول من الرِّجَال رجال كالأسود فِي الْعِزَّة والمنعة لَا يطْلب اهتضامهم وَلَا يطْمع فيهم وَمِنْهُم متفاوتون كقماش الْبَيْت وَهُوَ رَدِيء مَتَاعه جمع من هَهُنَا وَهَهُنَا وَقَوله وَضم حَبل الحاطب هُوَ كَقَوْل الآخر (وَكلهمْ يجمعهُمْ بَيت الْأدم) قَالَ الْأَصْمَعِي بَيت الْأدم يجمع الْجيد والرديء فَفِيهِ من كل جلد رقعه وَكَذَلِكَ الحاطب يجمع فِي حبله الرطب واليابس والجزل والشخت وَرُبمَا احتطب لَيْلًا فضم فِي حبلة أَفْعَى وَهُوَ لَا يدْرِي وَنَحْوه قَول الْعَامَّة فِي الشَّيْء المتفاوت وَالْقَوْم الْمُخْتَلطين هم خرق الْبُرْنُس استانف بِهَذَا الْبَيْت تِلْكَ الْقِسْمَة على وَجه آخر فَهُوَ من بَاب الْبَيَان وَهُوَ أَن يحمل الشَّاعِر معنى ويفسره بِمَا يَلِيهِ وَصَاحب هَذِه الأبيات مُوسَى بن جَابر الْحَنَفِيّ أحد شعراء بني حنيفَة المكثرين يُقَال لَهُ ابْن الفريعة وَهِي أمة كَمَا أَن حسان بن ثَابت رَضِيَ اللَّهُ عَنْه يُقَال لَهُ ابْن الفريعة وَتقدم فِي تَرْجَمته وَيُقَال كَانَ نَصْرَانِيّا وَهُوَ الْقَائِل (الطَّوِيل) (وجدنَا أَبَانَا كَانَ حل ببلدة ... سوى بَين قيس عيلان والفزر) (برابية أما الْعَدو فحولنا ... مطيف بِنَا فِي مثل دَائِرَة الْمهْر) (فَلَمَّا نأت عَنَّا الْعَشِيرَة كلهَا ... أَقَمْنَا وحالفنا السيوف على الدَّهْر)

كَذَا فِي المؤتلف والمختلف للآمدي وَسوى صفة بَلْدَة بِمَعْنى متوسطة والفزر لقب لسعد بن زيد مَنَاة وَالْمعْنَى وجدنَا أَبَانَا حل ببلدة متوسطه لديار قيس بن عيلان وَسعد بن زيد مَنَاة يُرِيد حل بَين مُضر وناى عَن ربيعَة لِأَن قيسا والفزر من مُضر وَقَوله فَلَمَّا نأت إِلَخ يَقُول لما خذلتنا عشيرتنا وهم ربيعَة اكتفينا بِأَنْفُسِنَا فَأَقَمْنَا بدار الْحفاظ وَالصَّبْر واتخذنا سُيُوفنَا حلفاء على الدَّهْر وَهَذَا مثل ضربه لاستقلالهم فِيمَا نهضوا فِيهِ بعددهم وعدتهم وبلائهم وصبرهم واستغنائهم عَن القاعدين وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد الْخَامِس وَالْأَرْبَعُونَ وَهُوَ من شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ (الطَّوِيل) (ليبك يزِيد ضارع لخصومة ... ومختبط مِمَّا تطيح الطوائح) على أَن الْفِعْل الْمسند إِلَى ضارع حذف جَوَازًا أَي يبكة ضارع وَهَذَا على رِوَايَة ليبك بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول وَيزِيد نَائِب فَاعل وَأما على رِوَايَته بِالْبِنَاءِ للْفَاعِل ففاعله ضارع وَيزِيد مَفْعُوله وَلَا حذف وَلَا شَاهد وَهَذِه الرِّوَايَة هِيَ الثَّابِتَة عِنْد العسكري وعد الرِّوَايَة الأولى غَلطا فَإِنَّهُ قَالَ فِي كتاب التَّصْحِيف فِيمَا غلط فِيهِ النحويون وَمِمَّا قلبوه وَخَالفهُم الروَاة قَول الشَّاعِر (ليبك يزِيد ضارع الْبَيْت) وَقد رَوَاهُ خَالِد والأصمعي وَغَيرهمَا بِالْبِنَاءِ للْفَاعِل من الْبكاء وَنصب يزِيد وَمثله فِي كتاب فعلت وأفعلت لأبي حَاتِم السجسْتانِي قَالَ أنْشد

الْأَصْمَعِي ليبك يزِيد ضارع أَي بِالْبِنَاءِ للْفَاعِل وَلم يعرف ليبك يزِيد أَي بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول وَقَالَ هَذَا من عمل النَّحْوِيين وَزعم بَعضهم أَنه لَا حذف فِي الْبَيْت على الرِّوَايَة الأولى أَيْضا لجَوَاز أَن يكون يزِيد منادى وضارع نَائِب الْفَاعِل قَالَ ابْن هِشَام فِي شرح الشواهد والتوجيه الأول أولى لِأَنَّهُ قد روى ليبك يزِيد بِفَتْح يَاء يبك وَكسر كَافَّة وَنصب يزِيد فَلَمَّا ظهر ضارع فَاعِلا فِي هَذِه الرِّوَايَة اسْتحق أَن يقدر فَاعِلا فِي الْأُخْرَى ليستويا وتوهم الدماميني فِي الْحَاشِيَة الْهِنْدِيَّة وَتَبعهُ الفناري فِي حَاشِيَة المطول أَن الْقَائِل بِنِدَاء يزِيد يزْعم أَنه منادى فِي الرِّوَايَتَيْنِ وَاسْتَشْكَلَهُ بِأَنَّهُ لم يثبت رفع يزِيد فِي رِوَايَة الْبناء للْفَاعِل وَلَيْسَ كَمَا توهم فَإِن الَّذِي خرجه على النداء إِنَّمَا هُوَ على رِوَايَة ليبك بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول كَمَا نقل ابْن هِشَام وَالرِّوَايَة الأولى أبلغ بتكرار الْإِسْنَاد إِجْمَالا ثمَّ تَفْصِيلًا كَمَا بَينه السعد فِي المطول وَقَالَ ابْن خلف لما قَالَ ليبك يزِيد عَم المأمورين بالتفجع على هَذَا الْمَيِّت والبكاء عَلَيْهِ من كَثْرَة الْغناء ثمَّ خص هذَيْن الصِّنْفَيْنِ من جملَة الباكين عَلَيْهِ لشدَّة احتياجهما إِلَيْهِ ثمَّ قَالَ نقلا عَن بَعضهم إِن الْإِبْهَام على الْمُخَاطب فِي مثل هَذَا النَّحْو الَّذِي يقْصد بِهِ الْعُمُوم تَعْظِيم للمقصود ومدح عميم وَيزِيد على رِوَايَة الْبناء لفاعل غير منصرف للعلمية وَوزن الْفِعْل لِأَنَّهُ مَنْقُول من الْفِعْل دون ضَمِيره الْمُسْتَتر وعَلى الرِّوَايَة الْأُخْرَى يحْتَمل أَن يكون كَالْأولِ وَهُوَ الظَّاهِر وَيحْتَمل أَن يكون مَنْقُولًا من الْفِعْل مَعَ فَاعله الْمُسْتَتر وَيكون حِينَئِذٍ جملَة محكية وَأعلم أَن هَذَا الْبَيْت لوُقُوعه فِي الْمَتْن شَرحه الشَّارِح الْمُحَقق وَنحن نذْكر

مَا يتَعَلَّق بِهِ فَقَوله الضارع الذَّلِيل من قَوْلهم ضرع ضراعة فعله من الْبَاب الثَّالِث وَورد فِي لُغَة أَيْضا من بَاب تَعب وَيُقَال أَيْضا ضرع ضرعا كشرف شرفا بِمَعْنى ضعف فَهُوَ ضرع أَيْضا تَسْمِيَة بِالْمَصْدَرِ كَذَا فِي الْمِصْبَاح وَقَوله لخصومة مُتَعَلق بضارع وَإِن لم يعْتَمد على شَيْء إِلَخ أَقُول ظَاهره أَنه لم يعْتَمد على شَيْء مِمَّا ذكر من شُرُوط عمل اسْم الْفَاعِل النصب وَفِيه أَنه مُعْتَمد على مَوْصُوف مُقَدّر قَالَ ابْن مَالك فِي الْخُلَاصَة (الرجز) (وَقد يكون نعت مَحْذُوف عرف ... فَيسْتَحق الْعَمَل الَّذِي وصف) وَيحْتَمل أَن يكون مَعْنَاهُ أَنه مُتَعَلق بضارع وَإِن فرض أَنه لم يعْتَمد على شَيْء لِأَنَّهُ يَكْفِيهِ رَائِحَة الْفِعْل وَكَيف لَا يتَعَلَّق بِهِ مَعَ اعْتِمَاده على مَوْصُوف مُقَدّر لكنه بعيد عَن السِّيَاق قَالَ الفناري فِي حَاشِيَة المطول فَإِن قلت بل قد اعْتمد على الْمَوْصُوف الْمُقدر أَي شخص ضارع فعلى تَقْدِير اشْتِرَاط الِاعْتِمَاد فِي تعلق الْجَار بِهِ لَا مَحْذُور أَيْضا قلت إِن كفى فِي عمله الِاعْتِمَاد على مَوْصُوف مُقَدّر لَا يتَصَوَّر الإلغاء لعدم الِاعْتِمَاد حِينَئِذٍ لتصريح الشَّارِح يَعْنِي السعد فِي شرح الْكَشَّاف بِأَن ذكر الْمَوْصُوف مَعَ اسْم الْفَاعِل مُلْتَزم لفظا أَو تَقْديرا تعيينا للذات الَّتِي قَامَ بهَا الْمَعْنى وَهُوَ مُخَالف لتصريحهم اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يُقَال الِاعْتِمَاد على مَوْصُوف مُقَدّر إِنَّمَا يَكْفِي لعمله إِذا قوي الْمُقْتَضى لتقديره كَمَا فِي يَا طالعا جبلا وَيَا رَاكِبًا فرسا لانضمام اقْتِضَاء حرف النداء إِلَى اقْتِضَاء نفس اسْم الْفَاعِل لَكِن تَأتي اعْتِبَار مثل هَذَا الْمُقْتَضى فِي كل مَوضِع مَحل نظر ا. هـ. وَهَذَا كَلَام جيد وَقَوله لأجل الْخُصُومَة أَشَارَ إِلَى أَن اللَّام فِي الْخُصُومَة لَام التَّعْلِيل وَيحْتَمل أَن يكون بِمَعْنى عِنْد أَيْضا وَقَوله فَإِن يزِيد كَانَ ملْجأ للأذلاء

والضعفاء الأولى ملْجأ للأذلاء والفقراء فَإِن المختبط بِمَعْنى السَّائِل كَمَا فسره الشَّارِح بِهِ وَقَوله وتعليقه بيبك لَيْسَ بِقَوي فِي الْمَعْنى قَالَ الفناري لِأَن مُطلق الْخُصُومَة لَيْسَ سَببا للبكاء بل هِيَ بِوَصْف المغلوبية وَقَوله والمختبط الَّذِي يَأْتِيك للمعروف من غير وَسِيلَة وَقع فِي بعض النّسخ الَّذِي يَأْتِي بِاللَّيْلِ للمعروف وَالظَّاهِر أَن قيد اللَّيْل تَحْرِيف من النساخ وَكَون الاختباط الْإِتْيَان للمعروف من غير وَسِيلَة هُوَ قَول أبي عُبَيْدَة فَإِنَّهُ قَالَ المختبط الرجل يَسْأَلك من غير معرفَة كَانَت بَيْنكُمَا وَلَا يَد سلفت مِنْهُ إِلَيْك وَعَلِيهِ فَيكون الاختباط مُتَعَدِّيا لمفعول وَاحِد كَمَا مثل الشَّارِح الْمُحَقق بقوله يُقَال اختبطني فلَان وَقَالَ ابْن خلف الاختباط بِمَعْنى السُّؤَال والطلب فَهُوَ بِمَنْزِلَة الِاقْتِضَاء تَقول اختبطني معروفي فخبطته أَي أَنْعَمت عَلَيْهِ وَمثله اقتضيته مَالا أَي سَأَلته إِيَّاه وَحكى بَعضهم اختبط فلَان فلَانا وَرقا إِذا أصَاب مِنْهُ خيرا فعلى تَفْسِير أبي عُبَيْدَة فِي الْبَيْت حذف مفعول وَاحِد أَي ومختبط وَرقا أَو رزقا أَو نَحْو ذَلِك وَيجوز أَن يكون هَذَا الْمَفْعُول ضمير يزِيد أَي ومختبط إِيَّاه وعَلى التَّفْسِير الثَّانِي فِيهِ حذف مفعولين أَي ومختبط النَّاس أَمْوَالهم وَمثله إِذا سَأَلت فاسأل الله أَي إِذا سَأَلت أحدا مَعْرُوفَة فاسأل الله مَعْرُوفَة وروى ومستنمح بدل ومختبط أَي من أستمنحه أَي طلب منحته وَهِي الْعَطِيَّة والرفد وَالْأَصْل فِي المنحة هِيَ الشَّاة أَو النَّاقة يُعْطِيهَا صَاحبهَا رجلا يشرب لَبنهَا ثمَّ يردهَا إِذا انْقَطع اللَّبن ثمَّ كثر اسْتِعْمَاله حَتَّى أطلق على كل عَطاء ومنحته من بَاب نفع وَضرب إِذا أَعْطيته

وصف الشَّاعِر يزِيد بالنصر وَالْكَرم للذليل وطالب الْمَعْرُوف فيقصده الضارع للخصومة ويلتجىء إِلَيْهِ المختبط إِذا أَصَابَته شدَّة السنين وَقَوله وَأَصله من خبطت الشَّجَرَة إِلَخ الْخبط بِسُكُون الْبَاء إِسْقَاط الْوَرق من الشّجر بالعصا لعلف الْإِبِل والخبط بِفتْحَتَيْنِ هُوَ الْوَرق السَّاقِط والمخبط بِكَسْر الْمِيم هِيَ الْعَصَا الَّتِي يخبط بهَا وَالْفِعْل من بَاب ضرب وَقَالَ ابْن مَالك الأَصْل فِيهِ أَن الساري والسائر لابد من أَن يختبط الأَرْض ثمَّ اختصر الْكَلَام فَقيل للآتي طَالبا للجدوى مختبط وخبطت الرجل إِذا أَنْعَمت عَلَيْهِ من غير معرفَة وخبطته إِذا سَأَلته أَيْضا فَهُوَ ضد وَقَوله وَهُوَ إِمَّا على حذف الزَّوَائِد إِلَخ أَشَارَ إِلَى أَن الطوائح جمع على غير قِيَاس لِأَن فعله رباعي يُقَال أطاحته الطوائح وطوحته فَقِيَاس الْجمع أَن يكون المطيحات والمطارح فَإِن تكسير مفعل مفاعل بِحَذْف إِحْدَى الْعَينَيْنِ وإبقاء الْمِيم وَتَخْرِيج الْجمع على حذف الزَّوَائِد هُوَ لأبي عَليّ الْفَارِسِي وتخريجه على النّسَب هُوَ لأبي عَمْرو الشَّيْبَانِيّ فَإِن تَقْدِيره عِنْده مِمَّا تطيحه الحادثات ذَوَات الطوائح وَنقل ابْن خلف عَن الْأَصْمَعِي أَن الْعَرَب تَقول طاح الشَّيْء بِنَفسِهِ وطاحه غَيره بِمَعْنى طوحه وأبعده فعلى هَذَا تكون الطوائح جمع طائحة من الْمُتَعَدِّي قِيَاسا وَلَا شذوذ وَلم أر هَذَا النَّقْل فِي الْكتب المدونه فِي اللُّغَة وَلَا فِي غَيرهَا وَقَوله يُقَال طاح يطوح إِلَخ طاح بِمَعْنى هلك وكل شَيْء ذهب وفني

فقد طاح وَقَوله وطاح يطيح وَهُوَ واوي إِلَخ فَيكون أَصلهمَا طوح يطوح بِكَسْر الْوَاو فيهمَا فأعلا وَجعله صَاحب الْعباب مِمَّا عينه جَاءَ مُعْتَلًّا بِالْوَاو تَارَة وبالياء تَارَة أُخْرَى وَلم يعْتَبر أَن الْوَاو صَارَت يَاء بالإعلال وَسَبقه ابْن جني فِي إِعْرَاب الحماسة فَإِنَّهُ قَالَ وَمن قَالَ طاح يطيح فَكَانَ عِنْده كباع يَبِيع فقياسة أَن يَقُول المطايح فيصحح الْيَاء لِأَنَّهَا عين مفعل وَقَوله مِمَّا تطيح مُتَعَلق بمختبط إِلَخ هَذَا هُوَ الظَّاهِر الْمُتَبَادر إِلَيْهِ وَقَالَ ابْن خلف وَقَوله مِمَّا تطيح مَوْضِعه رفع على النَّعْت لمختبط أَوله ولضارع جَمِيعًا أَي كَائِن أَو كائنان فَتكون مَا للْجِنْس وَيُؤَيّد هَذَا التَّأْوِيل رِوَايَة من روى مِمَّن تطيح أَي من الَّذِي تطيحه الطوائح فَحذف الْعَائِد وروى أَبُو عَليّ قد طوحته الطوائح وَهَذَا يُؤَيّد كَون هَذِه الْجُمْلَة نعتا لمختبط لرجوع الضَّمِير إِلَيْهِ مُفردا وَقَوله أَي يسْأَل من أجل أَشَارَ إِلَى أَن من تعليلية وَقَالَ ابْن الْحَاجِب فِي إيضاحه وأماليه وَمن للابتداء أَو بِمَعْنى السَّبَبِيَّة فَالْأول على أَن ابْتِدَاء الاختباط من الإطاحة أَو سَبَب الاختباط الإطاحة فَإِن قلت مَا الْفرق بَينهمَا قلت فِيهِ خلاف قَالَ أَبُو حَيَّان كَأَن التَّعْلِيل وَالسَّبَب عِنْدهم شَيْء وَاحِد قَالَ السُّيُوطِيّ هَذَا هُوَ الْحق وَفِي شرح جمع الْجَوَامِع للمحلي مَا يُصَرح بِهِ لِأَنَّهُ قَالَ الْمعبر عَنهُ هُنَا بِالسَّبَبِ هُوَ الْمعبر عَنهُ فِي الْقيَاس بِالْعِلَّةِ وَخَالفهُم ابْن السُّبْكِيّ فِي الْأَشْبَاه والنظائر فَقَالَ إِن الْفرق بَينهمَا ثَابت لُغَة ونحوا وَشرعا قَالَ اللغويون

السَّبَب كل شَيْء يتَوَصَّل بِهِ إِلَى غَيره وَمن ثمَّ سموا الْحَبل سَببا وَذكروا أَن الْعلَّة الْمَرَض وكلمات يَدُور مَعْنَاهَا على أَن الْعلَّة أَمر يكون عَنهُ أَمر آخر وَذكر النُّحَاة أَن اللَّام للتَّعْلِيل وَلم يَقُولُوا للسَّبَبِيَّة وَقَالَ أَكْثَرهم الْبَاء للسَّبَبِيَّة وَلم يَقُولُوا للتَّعْلِيل وَذكر ابْن مَالك السَّبَبِيَّة وَالتَّعْلِيل وَهَذَا تَصْرِيح بِأَنَّهُمَا غيران وَقَالَ أهل الشَّرْع السَّبَب مَا يحصل الشَّيْء عِنْده لَا بِهِ وَالْعلَّة مَا يحصل بِهِ وَأنْشد ابْن السَّمْعَانِيّ على ذَلِك (الطَّوِيل) (ألم تَرَ أَن الشَّيْء للشَّيْء عله ... تكون بِهِ كالنار تقدح بالزند) والمعلول يتأثر عَن علته بِلَا وَاسِطَة بَينهمَا وَلَا شَرط يتَوَقَّف الحكم على وجوده وَالسَّبَب إِنَّمَا يُفْضِي إِلَى الحكم بِوَاسِطَة أَو وسائط وَلذَلِك يتراخى الحكم عَنهُ حَتَّى تُوجد الشَّرَائِط وتنتفي الْمَوَانِع وَأما الْعلَّة فَلَا يتراخى الحكم عَنْهَا إِذْ لَا شَرط لَهَا بل مَتى وجدت أوجبت معلولها بالِاتِّفَاقِ إِلَى آخر مَا فَصله وَقَوله إذهاب الوقائع مَاله أَشَارَ إِلَى أَن مفعول تطيح مَحْذُوف وَهُوَ مَاله وَقَوله أَي يبك لأجل إهلاك المنايا يزِيد أَشَارَ إِلَى أَن مفعول تطيح على هَذَا التَّقْدِير هُوَ يزِيد وَأَرَادَ بالمنايا أَسبَاب الْمَوْت إطلاقا لاسم الْمُسَبّب على السَّبَب وَإِلَّا فالشخص الْوَاحِد لَا تهلكه إِلَّا منية وَاحِدَة وَقَوله وَيجوز أَن تكون مَا بِمَعْنى الَّتِي زَاد بَعضهم وَيجوز أَن تكون نكرَة مَوْصُوفَة وَهَذَا الْبَيْت من أَبْيَات لنهشل بن حري على مَا فِي شرح أَبْيَات الْكتاب لِابْنِ خلف فِي مرثية يزِيد وَهِي

(الطَّوِيل) (لعمري لَئِن أَمْسَى يزِيد بن نهشل ... حَشا حدث تسفي عَلَيْهِ الروائح) (لقد كَانَ مِمَّن يبسط الْكَفّ بالندى ... إِذا ضن بِالْخَيرِ الأكف الشحائح) (فبعدك أبدى ذُو الضغينة ضغنه ... وسد لي الطّرف الْعُيُون الكواشح) (ذكرت الَّذِي مَاتَ الندى عِنْد مَوته ... بعاقبه إِذْ صَالح الْعَيْش طالح) (إِذا أرق أفنى من اللَّيْل مَا مضى ... تمطى بِهِ ثني من اللَّيْل رَاجِح) (ليبك يزِيد ضارع) ... الْبَيْت سقى جدثا أَمْسَى بدومة ثاويا ... من الدَّلْو والجوزاء غاد ورائح) الحشا مَا فِي الْبَطن والجدث بِالْجِيم والثاء الْمُثَلَّثَة الْقَبْر وتسفي مضارع سفت الرّيح التُّرَاب ذرته وَيُقَال أسفته أَيْضا فالمفعول مَحْذُوف والروائح أَي الْأَيَّام الروائح من رَاح الْيَوْم يروح روحا من بَاب قَالَ وَفِي لُغَة من بَاب خَافَ إِذا اشتدت رِيحه فَهُوَ رائح وَأما كَونه جمع ريح لم أَقف على من نبه عَلَيْهِ مَعَ أَن ريحًا لم تجمع على هَذَا الْوَزْن وضن يُقَال ضن بالشَّيْء يضن من بَاب تَعب ضنا وضنة بِالْكَسْرِ وضنانة بِالْفَتْح بخل فَهُوَ ضنين وَمن بَاب ضرب لُغَة والشحائح جمع شحيح من الشُّح وَهُوَ الْبُخْل وَفعله من بَاب قتل وَفِي لُغَة من بَابي ضرب وتعب أَرَادَ أَنه إِن فقد بِالْعدمِ فَهُوَ حَيّ بِذكرِهِ بِالْكَرمِ وَمَا أحسن قَول أبي نصر الميكالي (الْكَامِل) (باني العلى وَالْمجد وَالْإِحْسَان ... وَالْفضل وَالْمَعْرُوف أكْرم باني) (الْجُود رَأْي مُسَدّد وموفق ... والبذل فعل مؤيد وَمَعَان) ...

(وَالْبر أكْرم مَا وعته حقيبة ... وَالشُّكْر افضل مَا حوته يدان) (وَإِذا الْكَرِيم مضى وَولى عمره ... كفل الثَّنَاء لَهُ بعمر ثَان) وَلأَجل هَذَا الْبَيْت الْأَخير أنشدت هَذِه الأبيات وعاه يعيه حفظه وَجمعه والحقيبة أَصله الْعَجز ثمَّ سمي مَا يحمل من القماش على الْفرس خلف حقيبته مجَازًا لِأَنَّهُ مَحْمُول على الْعَجز وَقَوله فبعدك أبدى إِلَخ فِيهِ الْتِفَات من الْغَيْبَة إِلَى الْخطاب والضغينة والضغن بِالْكَسْرِ اسْم من ضغن صَدره ضغنا من بَاب تَعب بِمَعْنى حقد وسد أغلق والطرف مصدر طرف الْبَصَر طرفا من بَاب ضرب تحرّك وَنظر وَهُوَ مفعول مقدم والعيون فَاعل مُؤخر والكواشح جمع كاشحة مؤنث الْكَاشِح وَهُوَ مُضْمر الْعَدَاوَة وكشح لَهُ بالعداوة عَادَاهُ ككاشحه وَإِنَّمَا نسبه إِلَى الْعُيُون لِأَن الْعَدَاوَة أول مَا تظهر من الْعين أَي صرت بعْدك ذليلا لَا أقدر أَن أرفع بَصرِي إِلَى أحد وَفِي نُسْخَة وسدد لي من التسديد وَهُوَ التَّقْوِيم أَي صوبت نحوي عُيُون الْأَعْدَاء نظرها وَهَذِه أحسن وَقَوله ذكرت الَّذِي إِلَخ ضمير مَوته رَاجع للَّذي وَهُوَ الْعَائِد وَالْبَاء مُتَعَلقَة بمات وَالْعَاقِب الَّذِي يخلف من كَانَ قبله فِي الْخَيْر وَضمير عاقبه رَاجع للندى يَقُول مَاتَ الندى مَعَ من يخلفه عِنْد موت يزِيد وَيصِح أَن يعود الضَّمِير ليزِيد وَإِذ مُتَعَلقَة بذكرت والصالح من الصّلاح والطالح من الطلاح وَهُوَ ضد الصّلاح والأرق السهر وتمطى امْتَدَّ وَطَالَ

وَضمير بِهِ رَاجع إِلَى مَا مضى والثني بِكَسْر الْمُثَلَّثَة وَسُكُون النُّون يُقَال ثني من اللَّيْل أَي سَاعَة وَقيل وَقت وراجح أَي زَائِد ثقيل من رجح الْمِيزَان رجوحا مَال وَإِذا عاملها تمطى يشكو بِهَذَا الْبَيْت طول اللَّيْل وَقَوله أَمْسَى بدومة ثاويا دومة بِفَتْح الدَّال وَالْمِيم اسْم مَوضِع بَين الشَّام والموصل وَهُوَ من منَازِل جذيمة الأبرش كَانَ وَقع فِيهِ الطَّاعُون ذكره الأخطل فِي شعره كَذَا فِي المعجم لأبي عبيد الْبكْرِيّ وغاد فَاعل سقى واحده غادية وَهِي السحابة تنشأ غدْوَة والرائح مطر الْعشي وَهُوَ آخر النَّهَار وَقَوله من الدَّلْو كَانَ فِي الأَصْل صفة لما بعده فَلَمَّا قدم صَار حَالا وَإِنَّمَا خص السَّحَاب كَونه من الدَّلْو والجوزاء لِكَثْرَة مَاله فَإِن الدَّلْو وسط فصل الشتَاء فَإِن الشَّمْس تحل فِيهِ بالجدي والدلو والحوت والجوزاء آخر فصل الرّبيع وَالشَّمْس تحل فِيهِ بِالْحملِ والثور والجوزاء ونهشل بن حري بِفَتْح الْحَاء وَتَشْديد الرَّاء الْمُهْمَلَتَيْنِ بِلَفْظ الْمَنْسُوب إِلَى الْحر أَو إِلَى الْحرَّة وَهُوَ ابْن ضَمرَة بن جَابر بن قطن بن نهشل بن دارم بن مَالك بن حَنْظَلَة ابْن مَالك بن زيد مَنَاة بن تَمِيم وَكَانَ اسْم ضَمرَة جد نهشل شقة بِكَسْر الشين الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الْقَاف وَدخل على النُّعْمَان فَقَالَ لَهُ من أَنْت فَقَالَ أَنا شقة بن ضَمرَة قَالَ النُّعْمَان تسمع بالمعيدي لَا أَن ترَاهُ فَقَالَ أَبيت اللَّعْن إِنَّمَا الْمَرْء باصغريه بِقَلْبِه وَلسَانه إِن نطق نطق بِبَيَان وَإِن قَاتل قَاتل بجنان قَالَ أَنْت ضَمرَة بن ضَمرَة يُرِيد أَنَّك كأبيك كَذَا فِي كتاب الشُّعَرَاء لِابْنِ قُتَيْبَة وَكَانَ نهشل شَاعِرًا حسن الشّعْر وَهُوَ الْقَائِل

(تتمة)

(الطَّوِيل) (وَيَوْم كَأَن المصطلين بحره ... وَإِن لم تكن نَار وقُوف على جمر) (صَبرنَا لَهُ حَتَّى يبوخ وَإِنَّمَا ... تفرج أَيَّام الكريهة بِالصبرِ) قَالَ العسكري فِي التَّصْحِيف وَابْنه حري بن نهشل بن حري شَاعِر أَيْضا وَله يَقُول الفرزدق (أحري قد فاتتك أُخْت مجاشع ... فصيلة فانكح بعْدهَا أَو تأيم) ونهشل بن حري من المخضرمين نقل ابْن حجر فِي الْإِصَابَة عَن المرزباني أَنه شرِيف مَشْهُور مخضرم بَقِي غلى أَيَّام مُعَاوِيَة وَكَانَ مَعَ عَليّ فِي حروبه وَقتل أَخُوهُ مَالك بصفين وَهُوَ يَوْمئِذٍ رَئِيس بن حَنْظَلَة وَكَانَت رايتهم مَعَه ورثاه نهشل بمراث كَثِيرَة قَالَ وَأَبوهُ شَاعِر شرِيف مَشْهُور مَذْكُور وجده ضمره سيد ضخم الشّرف وَكَانَ من خير بيُوت بني دارم (تَتِمَّة) نسب النّحاس هَذِه الأبيات فِي شرح أَبْيَات الْكتاب وَتَبعهُ ابْن هِشَام للبيد الصَّحَابِيّ وَحكى الزَّمَخْشَرِيّ أَنَّهَا لمزرد أخي الشماخ وَقَالَ ابْن السيرافي هِيَ لِلْحَارِثِ بن ضرار النَّهْشَلِي يرثي يزِيد بن نهشل وَقَالَ اللبلي إِنَّهَا لِضِرَار النَّهْشَلِي وَذكر البعلي أَنَّهَا لِلْحَارِثِ بن نهيك النَّهْشَلِي وَقيل هِيَ للمهلهل وَالصَّوَاب أَنَّهَا لنهشل بن حري كَمَا فِي شرح أَبْيَات الْكتاب لِابْنِ خلف وَكَذَا فِي شرح أَبْيَات الْإِيضَاح وَالله أعلم

وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد السَّادِس وَالْأَرْبَعُونَ وَهُوَ من شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ (لَا تجزعي إِن منفس أهلكته) وَتَمَامه (وَإِذا هَلَكت فَعِنْدَ ذَلِك فاجزعي) على أَن الْكُوفِيّين أضمروا فعلا رَافعا لمنفس أَي إِن هلك منفس أَو أهلك منفس وَأوردهُ فِي بَاب الِاشْتِغَال أَيْضا كَذَا وَأما البصريون فقد رَوَوْهُ (لَا تجزعي إِن منفسا أهلكته) وَكَذَا أوردهُ سِيبَوَيْهٍ بِنصب منفس على أَنه مَنْصُوب بِفعل مُضْمر تَقْدِيره إِن أهلكت منفسا أهلكته فأهلكته الْمَذْكُور مُفَسّر للمحذوف وَهَذِه الْجُمْلَة من بَاب الِاشْتِغَال لَا تدخل فِي الْجُمْلَة التفسيرية الَّتِي لَا مَحل لَهَا من الْإِعْرَاب وَإِن حصل بهَا تَفْسِير قَالَ أَبُو عَليّ فِي البغداديات الْفِعْل الْمَحْذُوف وَالْفِعْل الْمَذْكُور فِي نَحْو قَوْله لَا تجزعي إِن منفسا أهلكته مجزومان فِي التَّقْدِير وَإِن انجزام الثَّانِي لَيْسَ على الْبَدَلِيَّة إِذْ لم يثبت حذف الْمُبدل مِنْهُ بل على تَكْرِير إِن أَي إِن أهلكت منفسا إِن أهلكته وساغ إِضْمَار إِن وَإِن لم يجز إِضْمَار لَام الْأَمر إِلَّا ضَرُورَة لاتساعهم فِيهَا بِدَلِيل إيلائهم إِيَّاهَا الِاسْم وَلِأَن تقدمها مقو للدلالة عَلَيْهَا وَقَوله وَإِذا هَلَكت الْوَاو عطفت هَذِه الْجُمْلَة الشّرطِيَّة على الشّرطِيَّة الَّتِي قبلهَا وَلم أر فِي جَمِيع الطّرق من روى بِالْفَاءِ بدل الْوَاو إِلَّا الْعَيْنِيّ

فَإِنَّهُ قَالَ الْفَاء عاطفة وَالْمعْنَى لَا يَقْتَضِي الْفَاء فَإِنَّهَا تدل على التَّرْتِيب والتعقيب والسببية وَالثَّلَاثَة منتفية سَوَاء كَانَ التَّرْتِيب معنويا كَمَا فِي قَامَ زيد فعمرو أَو زَكَرِيَّا وَهُوَ عطف مفصل على مُجمل نَحْو ونادى نوح ربه فَقَالَ رب) وَقَوله فَعِنْدَ ذَلِك فاجزعي أوردهُ الشَّارِح فِي الْفَاء العاطفة على أَن إِحْدَى الفاءين زَائِدَة وَلم يعين أَيَّتهمَا زَائِدَة قَالَ أَبُو عَليّ فِي الْمسَائِل القصرية الْفَاء الأولى زَائِدَة وَالثَّانيَِة فَاء الْجَزَاء ثمَّ قَالَ أجعَل الزَّائِدَة أَيهمَا شِئْت وَعين القَاضِي فِي تَفْسِيره الْفَاء الأولى فَإِنَّهُ أورد الْبَيْت نظيرا لقَوْله تَعَالَى {فبذلك فليفرحوا} فَقَالَ الْفَاء فِي بذلك زَائِدَة مثلهَا الْفَاء الدَّاخِلَة على عِنْد فِي الْبَيْت وَتَقْدِيم عِنْد للتَّخْفِيف كتقديم ذَلِك وسيبويه لَا يثبت زِيَادَة الْفَاء وَحكم بزيادتها هُنَا للضَّرُورَة وَمن تبعه وَجه مَا أوهم الزِّيَادَة فوجهها صَاحب اللّبَاب بِأَنَّهَا إِنَّمَا كررت هُنَا لبعد الْعَهْد بِالْفَاءِ الأولى كَمَا كرر الْعَامِل فِي قَوْله (الطَّوِيل) (لقد علم الْحَيّ اليمانون أنني ... إِذا قلت أما بعد أَنِّي خطيبها) أُعِيد أَنِّي لبعد الْعَهْد بأنني وَأَجَازَ الْأَخْفَش زيادتها فِي الْخَبَر مُطلقًا وَحكى زيد فَوجدَ وَقَيده بَعضهم بِكَوْن الْخَبَر أمرا أَو نهيا نَحْو (وقائلة خولان فانكح فناتهم) وَقَوله (الْخَفِيف) (أَنْت فَانْظُر لأي ذَاك تصير) وأوله المانعون بِأَن التَّقْدِير هَذَا زيد فَوجدَ وَهَذِه خولان وَبِأَن الأَصْل انْظُر فَانْظُر ثمَّ حذف انْظُر فبرز ضَمِيره والجزع قيل هُوَ الْحزن وَقيل أخص مِنْهُ فَإِنَّهُ حزن يمْنَع الْإِنْسَان ويصرفه عَمَّا هُوَ بصدده ويقطعه عَنهُ

وَأَصله الْقطع يُقَال جزعت الْحَبل قطعته لنصفه وَيُقَال أَيْضا جزعنا الْوَادي أَي قطعناه عرضا وَقيل هُوَ قِطْعَة مُطلقًا فالجزع بِالْفَتْح الْمصدر والجزع بِالْكَسْرِ مُنْقَطع الْوَادي وَقيل هُوَ الْفَزع وَمِنْه قَوْله تَعَالَى {أجزعنا أم صَبرنَا} والفزع أخص من الْخَوْف وَهُوَ انقباض يعتري الْإِنْسَان ونفار من كل شَيْء مخيف وَهُوَ من جنس الْجزع والمنفس قَالَ فِي الْقَامُوس وَشَيْء نَفِيس ومنفوس ومنفس بِالضَّمِّ يتنافس فِيهِ ويرغب وَنَفس ككرم نفاسه ونفاسا بِالْكَسْرِ ونفسا بِالتَّحْرِيكِ والنفيس المَال الْكثير وَنَفس بِهِ كفرح ضن وَعَلِيهِ بِخَير حسد وَعَلِيهِ الشَّيْء نفاسه لم يره لَهُ أَهلا انْتهى وَفِي عُمْدَة الْحفاظ وأصل المنافسة مجاهدة النَّفس للتشبيه بالأفاضل فِي غير إِدْخَال ضَرَر على غَيره وَشَيْء نَفِيس منفوس بِهِ أَي مضنون والإهلاك لشَيْء إِيقَاع الْهَلَاك بِهِ والهلاك على أَرْبَعَة أوجه أَحدهَا وَهُوَ المُرَاد هُنَا افتقاد الشَّيْء عَنْك وَهُوَ مَوْجُود عِنْد غَيْرك وَمِنْه هلك عني سلطانيه. وَالثَّانِي هَلَاك الشَّيْء باستحالة وَفَسَاد كَقَوْلِه تَعَالَى {وَيهْلك الْحَرْث والنسل} وَالثَّالِث الْمَوْت نَحْو إِن امْرُؤ هلك وَالرَّابِع الشَّيْء من الْعَالم وَعَدَمه رَأْسا وَذَلِكَ هُوَ الْمُسَمّى فنَاء كَقَوْلِه تَعَالَى (كل شَيْء هَالك إِلَّا وَجهه) وَقد يُطلق الْهَلَاك على الْعَذَاب وَالْخَوْف والفقر وَنَحْوهَا لِأَنَّهَا أَسبَابه يَقُول لَا تجزعي من إنفاقي النفائس مَا دمت حَيا فَإِنِّي أحصل أَمْثَالهَا وأخلفها عَلَيْك وَلَكِن أجزعي إِذا مت فَإنَّك لَا تجدين خلفا منى وَهَذَا الْبَيْت آخر قصيدة للنمر بن تولب يصف نَفسه فِيهَا بِالْكَرمِ

ويعاتب زَوجته على لومها فِيهِ وَكَانَ أَضَافَهُ قوم فِي الْجَاهِلِيَّة فعقر لَهُم أَربع قَلَائِص وَاشْترى لَهُم زق خمر فَلَامَتْهُ على ذَلِك فَقَالَ هَذِه القصيدة وَهِي (الْكَامِل) (قَالَت لتعذلني من اللَّيْل اسْمَع ... سفه تبيتك الْمَلَامَة فاهجعي) قَوْله اسْمَع مقول قَوْلهَا وَقَوله سفه إِلَخ هُوَ خبر مقدم وتبيتك مُبْتَدأ مُؤخر والملامة مفعول تبيتك وَهُوَ مُضَاف لفَاعِله وروى سفها بِالنّصب فَتكون كَانَ مقدرَة وعَلى الْوَجْهَيْنِ الْجُمْلَة مقولة لقَوْل مَحْذُوف اي فَقلت لَهَا يَقُول لامت من اللَّيْل عجلة عَن الصُّبْح وَكَانَ ذَلِك مِنْهَا سفها مثله قَول الشَّاعِر (الْبَسِيط) (هبت تلوم وبئست سَاعَة اللاحي ... هلا انتظرت بِهَذَا اللوم إصباحي) والسَّفه خفَّة الْعقل وَالْأَصْل فِيهِ خفَّة النسج فِي الثَّوْب يُقَال ثوب سَفِيه أَي خَفِيف النسج والسفه أَيْضا خفه الْبدن وَمِنْه زِمَام سفية أَي كثير الِاضْطِرَاب وَاسْتعْمل فِي خفَّة النَّفس كنقصان الْعقل فِي الْأُمُور الدُّنْيَوِيَّة والأخروية قَالَ تَعَالَى (فَإِن كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحق سَفِيها أَي ضَعِيف الْعقل بِاعْتِبَار خفته وَلذَلِك قوبل برزانة فَقيل رزين الْعقل والتبيت أَرَادَ بِهِ التبييت لِأَنَّهُ مصدر بَيت الْأَمر أَي دبره لَيْلًا والهجوع النّوم بِاللَّيْلِ (لَا تجزعي لغد وَأمر غَد لَهُ ... أتعجلين الشَّرّ مَا لم تمنعي) يَقُول إننا الْآن بِخَير فَلم تعجلين الشَّرّ مَا لم تمنعي من الْخَيْر وَقَوله وَأمر غَد لَهُ أَي أَن أَمر غَد أَو رزق غَد موكول إِلَى غَد فَلَا يَنْبَغِي لَهُ التحزن مُنْذُ الْيَوْم وَقَوله أتعجلين اسْتِفْهَام توبيخي وتعجلين بِفَتْح التَّاء وَأَصله بتاءين وَأَرَادَ ب الشَّرّ الْفقر أَو الْجزع وَمَا مَصْدَرِيَّة ظرفيه ...

(قَامَت تبْكي أَن سبأت لفتية ... زقا وخابية بِعُود مقطع) تبْكي بِضَم التَّاء وَكسر الْكَاف الْمُشَدّدَة يُقَال بكاه عَلَيْهِ تبكية اي هيجه للبكاء فمفعوله مَحْذُوف وروى تباكى أَي تتباكى وسبأ الْخمر مَهْمُوز الآخر كجعل سبأ وسباء واستبأها أَيْضا بِمَعْنى اشْتَرَاهَا للشُّرْب لَا للتِّجَارَة والزق بِالْكَسْرِ جلد يخرز وَلَا ينتف صوفه يكون للشراب وَغَيره والزق بِالضَّمِّ الْخمر نَفسهَا والخابية الجرة الْعَظِيمَة وَيُقَال الْحبّ والزير وَأَصلهَا الْهَمْز لَكِن تَرَكُوهُ وَالْعود بِفَتْح الْمُهْملَة المسن من الْإِبِل والمقطع بزنة اسْم الْمَفْعُول الْبَعِير الَّذِي أقطع عَن الضراب وَالْبَعِير قَامَ من الهزال يخبر أَنَّهَا لامته فِيمَا لَا خطر لَهُ (وقريت فِي مقرى قَلَائِص أَرْبعا ... وقريت بعد قرى قَلَائِص أَربع) قريت الضَّيْف قرى بِالْكَسْرِ وَالْقصر وقراء بِالْفَتْح وَالْمدّ أَي أضفته والمقرى بِالْفَتْح مَوضِع الْقرى وبالكسر وَكَذَلِكَ المقرأة الْقَصعَة الَّتِي يقرى فِيهَا وقلائص مفعول قريت وَهِي جمع قلُوص وَهِي النَّاقة الشَّابَّة وَلِهَذَا حذف التَّاء من الْعدَد وَقَوله بعد قرى قَلَائِص أَربع كل لفظ مُضَاف لما بعده إِلَى الآخر يَقُول قريت فِي مَوضِع قَلَائِص أَرْبعا وَلم يمنعنى ذَلِك أَن قريت بعدهن (أتبكيا من كل شَيْء هَين ... سفة بكاء الْعين مَا لم تَدْمَع) يَقُول سفة بكاؤك من كل شَيْء لَا يحزنك وَلَا تَدْمَع عَيْنك مِنْهُ فَلَو كنت حزينة كَانَ أعذر لَك عِنْدِي (فَإِذا أَتَانِي إخوتي فدعيهم ... يتعللوا فِي الْعَيْش أَو يلهوا معي] 9 ... تعلل بِالْأَمر تشاغل بِهِ والعيش الْحَيَاة المختصة بِالْحَيَوَانِ وَهُوَ أخص

من الْحَيَاة لِأَن الْحَيَاة تقال فِي الْحَيَوَان وَفِي الْملك وَفِي الْبَارِي تَعَالَى (وَاللَّهْو) الشّغل عَن مهمات الْأُمُور بِمَا تميل إِلَيْهِ النَّفس وَالْوَاو فِي يلهوا ضمير الْجَمَاعَة وَلَام الْفِعْل محذوفة مثل الرِّجَال يعفون (لَا تطرديهم عَن فِرَاشِي إِنَّه ... لابد يَوْمًا أَن سيخلو مضجعي) الْفراش الْبَيْت كَذَا قَالَ مُحَمَّد بن حبيب فِي شَرحه وَهِي هُنَا لَفْظَة قبيحة وَأَن مُخَفّفَة من الثَّقِيلَة (هلا سَأَلت بعادياء وبيته ... والخل وَالْخمر الَّتِي لم تمنع) قَالَ شَارِح الدِّيوَان مُحَمَّد بن حبيب بعادياء يُرِيد عَن عادياء يَقُول لم يبْق عادياء وَكَذَلِكَ أَنا أقل بَقَاء وَهُوَ عادياء أَبُو السموءل الْأَزْدِيّ الغساني وَقَالَ آخَرُونَ يُرِيد عادا وكل شَيْء قديم عِنْد الْعَرَب عادي وَقَوله والخل وَالْخمر الَّتِي لم تمنع يَعْنِي الْخَيْر وَالشَّر كَمَا يُقَال مَا فلَان بخل وَلَا بِخَمْر أَي لَيْسَ عِنْده خير وَلَا شَرّ واذهب فَمَا أَنْت بخل وَلَا خمر قَالَ أَبُو عبيد فِي الْأَمْثَال أَرَادَ أَنه كَانَ لَا يبخل بِشَيْء مِمَّا كَانَ عِنْده (وفتاتهم عنز عَشِيَّة أَبْصرت ... من بعد مرأى فِي الفضاء ومسمع) (قَالَت أرى رجلا يقلب نَعله ... أصلا وجو آمن لم يفزع) قَوْله وفتاتهم مجرور وعنز عطف بَيَان عَلَيْهِ وَهُوَ بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون النُّون وَآخره زَاي مُعْجمَة اسْم زرقاء الْيَمَامَة وَكَانَت من جديس بنت ملكهم وَكَانَت تغذى بالمخ وَفِي الْقَامُوس وعنز امْرَأَة من طسم سبيت فحملوها فِي هودج وألطفوها بالْقَوْل وَالْفِعْل فَقَالَت هَذَا شَرّ يومي حِين صرت أكْرم للسباء وَنصب شَرّ على معنى ركبت فِي شَرّ يوميها

ثمَّ قَالَ وزرقاء الْيَمَامَة امْرَأَة من جديس كَانَت تبصر من مسيرَة ثَلَاثَة أَيَّام انْتهى فَتَأمل قَالَ الشَّاعِر (الرمل) (شَرّ يوميها وأغواه لَهَا ... ركبت عنز بحدج جملا) وَكَانَت رَأَتْ رجلا من طلائع جمع تبع قُدَّام الْجَيْش يقلب نعلا من مسيرَة ثَلَاثَة أَيَّام وَلم يفزع لَهُم أحد وَلم يعلم بمجيئهم وَالْأَصْل جمع أصيل وَهُوَ مَا بعد صَلَاة الْعَصْر إِلَى الْغُرُوب وَقَوله وجو يُرِيد أهل جو وجو اسْم بلد وَهِي الْيَمَامَة الَّتِي تُضَاف إِلَيْهَا زرقاء الْيَمَامَة وَقَوله وفتاتهم قَالَ ابْن حبيب نسب عَنْزًا إِلَى بَيت عادياء وَلَيْسَت مِنْهُم وَإِنَّمَا كَانَ شَيْئا فِي أول الدَّهْر فنسبه إِلَى بَعضهم كَمَا قَالَ زُهَيْر كأحمر عَاد وَإِنَّمَا كَانَ فِي ثَمُود وكما قَالَ آخر (مثل النَّصَارَى قتلوا المسيحا) (فَكَأَن صَالح أهل جو غدْوَة ... صبحوا بذيفان السمام المنقع) يُرِيد الْجَمِيع لِأَنَّهُ إِذا هلك الْوُجُوه والصالحون مِنْهُم فَالَّذِينَ دونهم أَحْرَى أَن يهْلكُوا وَقد صبحوا بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول من الصبوح وَهُوَ شرب الْغَدَاة تَقول صبحته صبحا من بَاب ضَربته والذيفان بِفَتْح الذَّال وَكسرهَا وبالمثناة التَّحْتِيَّة وتهمز فيهمَا السم الْقَاتِل والسمام بِالْكَسْرِ جمع سم والمنقع كل مَا ينقع مالماء وَنَحْوه (كَانُوا كأنعم من رَأَيْت فَأَصْبحُوا ... يلوون زَاد الرَّاكِب الْمُتَمَتّع) أَي كَانُوا بِنِعْمَة وخصب ثمَّ أَصْبحُوا يعسر عَلَيْهِم أَن يزودوا رَاكِبًا لأَنهم لَا يقدرُونَ على ذَلِك والمتعة الزَّاد يَقُول مَا لَهُ مُتْعَة وَلَا بتات يَقُول

الْمُسَافِر متعني وبتتني وزودني كل ذَلِك بِمَعْنى وَاحِد (كَانَت مُقَدّمَة الْخَمِيس وَخَلفهَا ... رقص الركاب إِلَى الصَّباح بتبع) الرقص بِفتْحَتَيْنِ الخبب وَهُوَ نوع من السّير وأرقص الرجل بعيره أَي حمله على الخبب ويروى ركض الركاب والركاب الْإِبِل واحده رَاحِلَة وَضمير كَانَت رَاجع إِلَى نظرة عنز الْمَرْأَة الْمَذْكُورَة المفهومة من السِّيَاق وَخلف تِلْكَ النظرة إبل تبع تسير إِلَى الصَّباح حَتَّى لحقهم وَتبع أَبُو حسان بن تبع الَّذِي غزا جديس فَقَتلهُمْ واستباح الْيَمَامَة (لَا تجزعي إِن منفس أهلكته الْبَيْت) وَهَذَا آخر القصيدة والنمر بن تولب صَحَابِيّ يعد من المخضرمين وَنسبه مَذْكُور فِي الِاسْتِيعَاب وَغَيره وَهُوَ عكلي مَنْسُوب إِلَى عكل بِضَم الْمُهْملَة وَسُكُون الْكَاف وَهِي أمة كَانَ تزَوجهَا عَوْف بن قيس بن وَائِل بن عَوْف بن عبد مَنَاة بن أد بن طابخة فَولدت لَهُ ثَلَاث بَنِينَ ثمَّ مَاتَ فحضنتهم عكل فنسبوا إِلَيْهَا والنمر شَاعِر جواد وَاسع الْعَطاء كثير الْقرى وهاب لمَاله وَكَانَ أَبُو عَمْرو ابْن الْعَلَاء يسمية الْكيس لجودة شعره وَكَثْرَة أَمْثَاله وَيُشبه شعره بِشعر حَاتِم الطَّائِي وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة كَانَ النمر شَاعِر الربَاب فِي الْجَاهِلِيَّة وَلم يمدح أحدا وَلَا هجا ووفد على النَّبِي مُسلما وَهُوَ كَبِير

(باب التنازع)

قَالَ أَبُو حَاتِم السجسْتانِي فِي كتاب المعمرين عَاشَ النمر بن تولب مِائَتي سنة وخرف وَأُلْقِي على لِسَانه انحروا للضيف أعْطوا السَّائِل اصبحوا الرَّاكِب أَي اسقوه الصبوح قَالَ ابْن قُتَيْبَة فِي تَرْجَمته من كتاب الشُّعَرَاء وَألقى بعض البطالين على لِسَانه نيكوا الرَّاكِب فَكَانَ يَقُولهَا وَمن شعره (الْكَامِل) (لَا تغضبن على امْرِئ فِي مَاله ... وعَلى كرائم صلب مَالك فاغضب) (وَإِذا تصبك خصَاصَة فارج الْغنى ... وَإِلَى الَّذِي يُعْطي الرغائب فارغب) (بَاب التَّنَازُع) أنْشد فِيهِ وَهُوَ الشَّاهِد السَّابِع وَالْأَرْبَعُونَ (السَّرِيع) (فَكنت كالساعي إِلَى مثعب ... موائلا من سبل الراعد) على أَن الْكسَائي وَقع فِي أشنع مِمَّا فر مِنْهُ من حذف الْفَاعِل مضمرا لِئَلَّا يلْزم الْإِضْمَار قبل الذّكر فِي نَحْو ضرباني وَضربت الزيدين مَعَ أَن الْإِضْمَار قبل الذّكر قد ورد وَحذف الْفَاعِل فِي غير الْمسَائِل المحصورة لم يرد والساعي من سعى الرجل فِي مَشْيه وسعى إِلَى الصَّلَاة ذهب إِلَيْهَا على أَي وَجه كَانَ وأصل السَّعْي التَّصَرُّف فِي كل عمل وَمِنْه قَوْله تَعَالَى {وَأَن لَيْسَ للْإنْسَان إِلَّا مَا سعى} والمثعب بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الْمُثَلَّثَة وَفتح الْعين الْمُهْملَة قَالَ فِي الصِّحَاح هُوَ وَاحِد مثاعب الْحِيَاض وانثعب المَاء جرى فِي المثعب وثعبت المَاء فِي الْحَوْض بِالتَّخْفِيفِ فجرته والثعب

بِالتَّحْرِيكِ مسيل المَاء فِي الْوَادي والموائل اسْم فَاعل من واءل مِنْهُ على وزن فَاعل أَي طلب النجَاة وهرب والموثل الملجأ وَقد وأل يئل وَألا ووؤلا على فعول أَي لَجأ والسبل بِالسِّين الْمُهْملَة وَالْبَاء الْمُوَحدَة المفتوحتين هُوَ الْمَطَر والراعد سَحَاب ذُو رعد وَيُقَال رعدَتْ السَّمَاء رعدا من بَاب قتل ورعودا لَاحَ مِنْهَا الرَّعْد كَذَا فِي الْمِصْبَاح يَقُول أَنا فِي التجائي إِلَيْهِ كالهارب من السَّحَاب ملتجئا إِلَى الْمِيزَاب وَمثله قَول الشَّاعِر (الْبَسِيط) (المستجير بِعَمْرو عِنْد كربته ... كالمستجير من الرمضاء بالنَّار) وَالْبَيْت لسَعِيد بن حسان وَقَبله (فَرَرْت من معن وإفلاسه ... إِلَى اليزيدي أبي وَاقد) ومعن هُوَ معن بن زَائِدَة الْأَمِير الْجواد الْمَضْرُوب مثلا فِي الْجُود وَالْكَرم وَإِنَّمَا قَالَ وإفلاسه لِأَن الإفلاس لَازم للكرام فِي أَكثر الْأَيَّام واليزيدي هُوَ أحد أَوْلَاد يزِيد بن عبد الْملك وَقد أورد الْعُتْبِي هذَيْن الْبَيْتَيْنِ فِي تَارِيخ يَمِين الدولة مَحْمُود بن سبكتكين تمثيلا ونسبهما إِلَى سعيد بن حسان ونقلتهما مِنْهُ لِأَنِّي لم أرهما إِلَّا فِيهِ ونقلت شرح بَيته الأول من شرح التَّارِيخ الْمَذْكُور لأبي عبد الله مَحْمُود بن عمر النَّيْسَابُورِي الشهير بالنجاتي

وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد الثَّامِن وَالْأَرْبَعُونَ (الْخَفِيف) (لَا تخلنا على غراتك إِنَّا ... طالما قد وشى بِنَا الْأَعْدَاء) على أَن بَعضهم جوز فِي السعَة حذف أحد مفعولي بَاب علمت للقرينة مستدلا بِهَذَا الْبَيْت أَي لَا تخلنا أذلاء الأولى هالكين أَو جازعين والقرينة الْبَيْت الَّذِي بعده وَهُوَ (فبقينا على الشناءة تنمينا ... جدود وَعزة قعساء) أَي فبقينا على بغض الْأَعْدَاء لنا وَلم يضرنا بغضهم والشناءة بِالْفَتْح وَالْمدّ البغض وتنمينا ترفعنا يُقَال نماه كَذَا أَي رَفعه والقعساء الثَّابِتَة والجدود جمع جد بِالْفَتْح وَهُوَ الْحَظ وَالْبخْت وخال يخال بِمَعْنى ظن وَحسب وعَلى بِمَعْنى مَعَ والغراة بِالْفَتْح وَالْقصر اسْم بِمَعْنى الإغراء وَيُقَال أغريته بِهِ إغراء فأغري بِهِ بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول وَقد روى على غرائك أَيْضا بِالْمدِّ وَهُوَ مُضَاف لفَاعِله وَالْمَفْعُول مَحْذُوف أَي الْملك وَقَالَ أَبُو زيد فِي نوادره يُقَال أغريت فلَانا بِصَاحِبِهِ إغراء وآسدت بَينهمَا إيسادا إِذا حملت كل وَاحِد مِنْهُمَا على صَاحبه حَتَّى غري بِهِ أَي لزق بِهِ غرى شَدِيدا مَقْصُور وغريت أَنا بفلان فَأَنا أغرى بِهِ غرى إِذا أولعت بِهِ من غير تحميل وَأنْشد هَذَا الْبَيْت وَإِنَّا بِالْكَسْرِ لِأَنَّهُ اسْتِئْنَاف بياني وطالما أَي كثيرا مَا وَهُوَ فعل مكفوف عَن الْفَاعِل لاتصاله بِمَا الكافة وروى أَيْضا قبل مَا قد وشى بِضَم اللَّام أَي قبلك وَمَا زَائِدَة ووشى بِهِ عِنْد السُّلْطَان وشيا سعى بِهِ وَقبل هَذَا الْبَيْت ...

(أَيهَا النَّاطِق المرقش عَنَّا ... عِنْد عَمْرو وَهل لذاك بَقَاء) والمرقش المزين أَرَادَ الَّذِي يزين القَوْل بِالْبَاطِلِ يَقُول يَا أَيهَا النَّاطِق عِنْد الْملك الَّذِي يبلغهُ عَنَّا مَا يرِيبهُ فِي محبتنا إِيَّاه ودخولنا تَحت طَاعَته هَل لهَذَا التَّبْلِيغ بَقَاء وَهُوَ اسْتِفْهَام إنكاري لِأَن الْملك يبْحَث عَنهُ فَيعلم ذَلِك من الأكاذيب وعَمْرو هُوَ عَمْرو هُوَ عَمْرو بن الْمُنْذر الْأَكْبَر بن مَاء السَّمَاء وَيُقَال لَهُ أَيْضا عَمْرو بن هِنْد ويلقب بالمحرق لِأَنَّهُ حرق بني تَمِيم فِي النَّار وَقيل بل حرق نخل الْيَمَامَة وَهُوَ من مُلُوك الْحيرَة وَهَذِه الأبيات من الْمُعَلقَة الْمَشْهُورَة لِابْنِ حلزة وَهُوَ الْحَارِث بن حلزة من بني يشْكر بن بكر بن وَائِل وَهُوَ بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة وَكسر اللَّام الْمُشَدّدَة وَهُوَ فِي اللُّغَة كَمَا قَالَ الصَّاغَانِي اسْم دويبة وَاسم البومة وَالذكر بِدُونِ هَاء وَيُقَال امْرَأَة حلزة للقصيرة والبخيلة والحلز السيء الْخلق انْتهى وَقَالَ قطرب حُكيَ لنا أَن الحلزة ضرب من النَّبَات وَلم نسْمع فِيهِ غير ذَلِك قَالَ أَبُو عُبَيْدَة أَجود الشُّعَرَاء قصيدة وَاحِدَة جَيِّدَة طَوِيلَة ثَلَاثَة نفر عَمْرو بن كُلْثُوم والْحَارث بن حلزة وطرفة بن العَبْد وَزعم الْأَصْمَعِي أَن الْحَارِث قَالَ قصيدته هَذِه وَهُوَ ابْن مائَة وَخمْس وَثَلَاثِينَ سنة وَكَانَ من حَدِيثه أَن عَمْرو بن هِنْد لما ملك الْحيرَة وَكَانَ جبارا جمع بكرا وتغلب فَأصْلح بَينهم وَأخذ من الْحَيَّيْنِ رهنا من كل حَيّ مائَة غُلَام ليكف بَعضهم عَن بعض وَكَانَ أُولَئِكَ الرَّهْن يَسِيرُونَ ويغزون مَعَ الْملك فَأَصَابَتْهُمْ سموم فِي بعض مَسِيرهمْ فَهَلَك عَامَّة التغلبيين وَسلم البكريون فَقَالَت تغلب لبكر بن وَائِل أعطونا ديات أَبْنَائِنَا فَإِن ذَلِك لَازم لكم فَأَبت بكر فاجتمعت

تغلب إِلَى عَمْرو بن كُلْثُوم فَقَالَ عَمْرو بن كُلْثُوم لتغلب بِمن ترَوْنَ بكرا تعصب أمرهَا الْيَوْم قَالُوا بِمن عَسى إِلَّا بِرَجُل من بني ثَعْلَبَة قَالَ عَمْرو أرى الْأَمر وَالله سينجلي عَن أَحْمَر أصلع أَصمّ من بني يشْكر فَجَاءَت بكر بالنعمان بن هرم أحد بني ثَعْلَبَة بن غنم بن يشْكر وَجَاءَت تغلب بِعَمْرو بن كُلْثُوم فَلَمَّا اجْتَمعُوا عِنْد الْملك قَالَ عَمْرو بن كُلْثُوم للنعمان بن هرم يَا أَصمّ جَاءَت بك أَوْلَاد ثَعْلَبَة تناضل عَنْهُم وَقد يفخرون عَلَيْك فَقَالَ النُّعْمَان وعَلى من أظلت السَّمَاء يفخرون قَالَ عَمْرو بن كُلْثُوم وَالله إِنِّي لَو لطمتك لطمة مَا أخذُوا بهَا قَالَ وَالله أَن لَو فعلت مَا أفلت بهَا قيس أير أَبِيك فَغَضب عَمْرو بن هِنْد وَكَانَ يُؤثر بني تغلب على بكر وَجرى بَينهمَا كَلَام فَغَضب عَمْرو بن هِنْد غَضبا شَدِيدا حَتَّى هم بالنعمان فَقَامَ الْحَارِث بن حلزة وارتجل هَذِه القصيدة وتوكأ على قوسه فزعموا أَنه انتظم بهَا كَفه وَهُوَ لَا يشْعر من الْغَضَب وَقَالَ ابْن السَّيِّد فِي شرح أدب الْكَاتِب كَانَ مُتكئا على عنزة فارتزت فِي جسده وَهُوَ لَا يشْعر والعنزة بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَالنُّون رمح صَغِير فِيهِ زج أَي حَدِيدَة وَكَانَ عَمْرو بن هِنْد شريرا لَا ينظر إِلَى أحد بِهِ سوء وَكَانَ ابْن حلزة إِنَّمَا ينشده من وَرَاء حجاب لبرص كَانَ بِهِ فَلَمَّا أنْشدهُ هَذِه القصيدة أدناه حَتَّى جلس إِلَيْهِ وَقَالَ ابْن قُتَيْبَة فِي كتاب الشُّعَرَاء وَكَانَ ينشده من وَرَاء سَبْعَة ستور فَأمر بِرَفْع الستور عَنهُ اسْتِحْسَانًا لَهَا

وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد التَّاسِع وَالْأَرْبَعُونَ وَهُوَ من شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ (الطَّوِيل) (وَلَو أَن مَا أسعى لأدنى معيشة ... كفاني وَلم أطلب قَلِيل من المَال) (ولكنما أسعى لمجد مؤثل ... وَقد يدْرك الْمجد الموثل أمثالي) على أَنه لَيْسَ من التَّنَازُع وَقد بَينه الشَّارِح الْمُحَقق وَأَصله من إِيضَاح ابْن الْحَاجِب وَقد تكلم عَلَيْهِ ابْن هِشَام أَيْضا فِي مغنى اللبيب فِي لَو وَفِي الْأَشْيَاء الَّتِي تحْتَاج إِلَى رابط من الْبَاب الرَّابِع بتحقيق لَا مزِيد عَلَيْهِ بقى أَن ابْن خلف نقل فِي شرح أَبْيَات الْكتاب عَن أبي عبد الله الْحسن بن مُوسَى الدينَوَرِي أَنه قَالَ وَالَّذِي يقوى فِي نَفسِي وَمَا سبقني إِلَيْهِ أحد أَن قَوْله وَلم أطلب مَعْنَاهُ وَلم أسع وَهُوَ غير مُتَعَدٍّ فَلذَلِك لم يحفل بِهِ وَلَا أعمل الأول وَلَا أَدْرِي كَيفَ خَفِي على الأفاضل من أَصْحَابنَا ذَلِك حَتَّى جعلُوا الْبَيْت شَاهدا لجَوَاز إِعْمَال الأول انْتهى وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْء فَإِن الطّلب مَعْنَاهُ الفحص عَن وجود الشَّيْء عينا كَانَ ذَلِك الشَّيْء أَو معنى وَالسَّعْي السّير السَّرِيع دون الْعَدو وَيسْتَعْمل للْجدّ فِي الْأَمر وَهَذَا غير معنى الطّلب وَقد يكون لَازِما لَهُ واستعماله فِي اللَّازِم لَا قرينَة لَهُ مَعَ أَن الأول مُتَعَدٍّ وَالثَّانِي لَازم وَلم أطلب مُسْند إِلَى ضمير الْمُتَكَلّم فَكيف يرفع وَمَا فِي أَن مَا مَصْدَرِيَّة لَا مَوْصُولَة لاحتياجها إِلَى الْعَائِد الْمُقدر أَي أسعى لَهُ

قَالَ ابْن خلف الْمجد الشّرف وَأَصله الْكَثْرَة فَكَأَن مَعْنَاهُ كَثْرَة الْأَفْعَال الجميلة الَّتِي توجب لصَاحِبهَا الشّرف وَهُوَ الِارْتفَاع انْتهى وَمثله فِي عُمْدَة الْحفاظ قَالَ وأصل الْمجد من مجدت الْإِبِل حصلت فِي مرعى كثير وَاسع وَقد أمجدها الرَّاعِي جعلهَا فِي ذَلِك وَتقول الْعَرَب فِي كل شجر نَار واستمجد المرخ والعفار ويروى بِصِيغَة الْمَاضِي والمرخ فَاعله بِمَعْنى استكثر النَّار وَفِي الْقَامُوس الْمجد نيل الشّرف وَالْكَرم أَو لَا يكون إِلَّا بِالْآبَاءِ وكرم الْآبَاء خَاصَّة والموثل قَالَ ابْن الْأَنْبَارِي فِي شرح المفضليات هُوَ الْمَجْمُوع وَمِنْه قَول امْرِئ الْقَيْس وَقَالَ ابْن السّكيت الموثل المستمر الْمُثبت يُقَال قد تأثل فلَان بِأَرْض كَذَا وَكَذَا أَي ثَبت فِيهَا وَقَالَ قَالَ أَبُو عُبَيْدَة يُقَال مجد موثل قديم لَهُ أصل والتأثل اتِّخَاذ أصل مَال والأثلة بِسُكُون الْمُثَلَّثَة الأَصْل قَالَ الْأَعْشَى (أَلَسْت منتهيا عَن نحت أأثلتنا) وَهَذَا البيتان من قصيدة لامرىء الْقَيْس مطْلعهَا (أَلا عَم صباحا أَيهَا الطلل الْبَالِي) وَقد شرحنا فِي الشَّاهِد الثَّالِث من أَولهَا إِلَى قَوْله (نظرت إِلَيْهَا والنجوم كَأَنَّهَا ... مصابيح رُهْبَان تشب لقفال) عشْرين بَيْتا وَقد أَخذ هذَيْن الْبَيْتَيْنِ وَبسط مَعْنَاهُمَا خفاف بن غضين البرجمي كَمَا رَأَيْته فِي مُخْتَار أشعار الْقَبَائِل لأبي تَمام وَفِي المؤتلف والمختلف للآمدي

(الطَّوِيل) (وَلَو أَن مَا أسعى لنَفْسي وَحدهَا ... لزاد يسير أَو ثِيَاب على جلدي) (لأَنْت على نَفسِي وَبلغ حَاجَتي ... من المَال مَال دون بعض الَّذِي عِنْدِي) (ولكنما أسعى لمجد مؤثل ... وَكَانَ أبي نَالَ المكارم عَن جدي) وخفاف بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة وَتَخْفِيف الْفَاء الأولى وغضين بِضَم الْغَيْن وَفتح الضَّاد المعجمتين وَأَنت بِضَم الْهمزَة فَهِيَ مَاض من الأون وَهُوَ الدعة والرفق وَالْمَشْي الهين وَبعد هذَيْن الْبَيْتَيْنِ وَهُوَ آخر القصيدة (وَمَا الْمَرْء مَا دَامَت حشاشة نَفسه ... بمدرك أَطْرَاف الخطوب وَلَا آلي) أَي وَلَا بمقصر من أَلا يألو بِمَعْنى قصر وقبلهما بيتان وحكايتهما بَين سيف الدولة والمتنبي مَشْهُورَة وهما (كَأَنِّي لم اركب جوادا للذة ... وَلم أتبطن كاعبا ذَات خلجال) (وَلم أسبأ الزق الروي وَلم أقل ... لخيلي كري كرة بعد إجفال) أخذهما عبد يَغُوث الجاهلي وأودعهما فِي قصيدة قَالَهَا بعد أَن أسر فِي يَوْم الْكلاب الثَّانِي وَلم يرد عَلَيْهِ مَا ورد على امْرِئ الْقَيْس وهما (كَأَنِّي لم أركب جوادا وَلم أقل ... لخيلي كري نَفسِي عَن رجاليا) (وَلم اسبأ الزق الروي وَلم أقل ... لأيسار صدق عظموا ضوء ناريا) والأيسار جمع يَاسر وَهُوَ الجازر وَالَّذِي يَلِي قسْمَة جزور الميسر وَنسب امْرِئ الْقَيْس على مَا فِي المؤتلف والمختلف امْرُؤ الْقَيْس

بن حجر بن الْحَارِث بن عَمْرو بن حجر آكل المرار بن عَمْرو بن مُعَاوِيَة بن ثَوْر بن مرتع ابْن مُعَاوِيَة بن ثَوْر الْأَكْبَر وَهُوَ كِنْدَة بن عفير بن عدي بن الْحَارِث بن مرّة ابْن أدد الشَّاعِر الْمُقدم وَنسبه لِابْنِ الْأَنْبَارِي فِي شرح المعلقات امْرُؤ الْقَيْس بن حجر بن الْحَارِث ابْن عَمْرو بن حجر بن عَمْرو بن مُعَاوِيَة بن الْحَارِث بن مُعَاوِيَة بن كِنْدَة بن ثَوْر بن مرتع بن عفير بن الْحَارِث بن مرّة بن عدي بن أدد بن عَمْرو بن هميسع بن عريب بن عَمْرو بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان بن عَابِر بن شالخ ابْن أرفخشد بن سَام بن نوح عَلَيْهِ السَّلَام ومرتع بِسُكُون الرَّاء وَكسر التَّاء ذكره ابْن مَاكُولَا وَابْن الْكَلْبِيّ وَقَالَ سمي بذلك لِأَنَّهُ كَانَ يُقَال لَهُ أرتعنا فَيَقُول أرتعتكم أَرض كَذَا وَالتَّشْدِيد ذكره أَيْضا لُغَة انْتهى وَقَالَ الصَّاغَانِي فِي التكملة إِن مرتعا اسْمه عَمْرو وَذكر بَقِيَّة نسبه وَهُوَ أدد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان قَالَ ابْن خلف ويكنى امْرُؤ الْقَيْس أَبَا زيد وَأَبا وهب وَأَبا الْحَارِث وَذكر بعض اللغويين أَن اسْمه حندج وامرؤ الْقَيْس لقب لَهُ لقب بِهِ لجماله وَذَلِكَ أَن النَّاس قيسوا إِلَيْهِ فِي زَمَانه فَكَانَ أفضلهم والحندج بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَالدَّال وَسُكُون النُّون وَآخره جِيم وَهُوَ فِي اللُّغَة الرملة الطّيبَة

وَقيل كثيب من الرمل أَصْغَر من النقا وَيُقَال لامرئ الْقَيْس ذُو القروح أَيْضا لقَوْله (الطَّوِيل) (وبدلت قرحا داميا بعد صِحَة) وَيُقَال لَهُ الْملك الضليل وَحجر فِي الْمَوْضِعَيْنِ بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الْجِيم والمرار بِضَم الْمِيم وَتَخْفِيف الراءين الْمُهْمَلَتَيْنِ شجر من أفضل العشب وأضخمة إِذا أَكلته الْإِبِل قلصت مشافرها فبدت أسنانها وَلذَلِك قيل لجد امْرِئ الْقَيْس آكل المرار لكشر كَانَ بِهِ وَهَذِه أَحْوَاله على وَجه الْإِجْمَال قَالَ ابْن قُتَيْبَة فِي تَرْجَمته وَلما ملك حجر على بني أَسد كَانَ يَأْخُذ مِنْهُم شَيْئا مَعْلُوما فامتنعوا مِنْهُ فَسَار إِلَيْهِم فَأخذ سراوتهم فَقَتلهُمْ بِالْعِصِيِّ فسموا عبيد الْعَصَا وَأسر مِنْهُم طَائِفَة فيهم عبيد بن الأبرص فَقَامَ بَين يَدي الْملك وأنشده أبياتا يرققه بهَا مِنْهَا (مجزوء الْكَامِل) (أَنْت المليك عَلَيْهِم ... وهم العبيد إِلَى القيامه) فَرَحِمهمْ الْملك وَعَفا عَنْهُم وردهم إِلَى بِلَادهمْ حَتَّى إِذا كَانُوا على مسيرَة يَوْم من تهَامَة تكهن كاهنهم عَوْف بن ربيعَة الْأَسدي فَقَالَ يَا عبَادي قَالُوا لبيْك رَبنَا فسجع لَهُم على قتل حجر وحرضهم عَلَيْهِ فركبت بَنو أَسد كل صَعب وَذَلُول فَمَا أشرق لَهُم الضُّحَى حَتَّى انْتَهوا إِلَى حجر فوجدوه نَائِما فذبحوه وشدوا على هجائنه فاستاقوها وَكَانَ امْرُؤ الْقَيْس طرده أَبوهُ لما صنع فِي الشّعْر بفاطمة مَا صنع وَكَانَ لَهَا عَاشِقًا فطلبها زَمَانا فَلم يصل إِلَيْهَا وَكَانَ يطْلب مِنْهَا موعدا حَتَّى كَانَ مِنْهَا يَوْم الغدير بدارة جلجل مَا كَانَ فَقَالَ

(قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل) فَلَمَّا بلغ ذَلِك حجرا دَعَا مولى لَهُ يُقَال لَهُ ربيعَة فَقَالَ لَهُ اقْتُل امْرأ الْقَيْس وائتني بِعَيْنيهِ فذبح جؤذرا فَأَتَاهُ بِعَيْنيهِ فندم حجر على ذَلِك فَقَالَ أَبيت اللَّعْن إِنِّي لم أَقتلهُ قَالَ فائتني بِهِ فَانْطَلق فَإِذا هُوَ قد قَالَ شعرًا فِي رَأس جبل وَهُوَ قَوْله (الطَّوِيل) (فَلَا تسلميني يَا ربيع لهَذِهِ ... وَكنت أَرَانِي قبلهَا بك واثقا) فَرده إِلَى أَبِيه فَنَهَاهُ عَن قَول الشّعْر ثمَّ إِنَّه قَالَ (الطَّوِيل) (إِلَّا عَم صباحا أَيهَا الطلل الْبَالِي) فَبلغ ذَلِك أَبَاهُ فطرده كَذَا قَالَ ابْن قُتَيْبَة وَفِيه أَن امْرأ الْقَيْس قَالَ هَذِه القصيدة فِي طَرِيق الشَّام عِنْد مسيره إِلَى قَيْصر بعد قتل أَبِيه وَلَعَلَّه شعر آخر ثمَّ قَالَ ابْن قُتَيْبَة فَبَلغهُ مقتل أَبِيه وَهُوَ بدمون فَقَالَ (الرجز) (تطاول اللَّيْل علينا دمون ... دمون إِنَّا معشر يمانون) (وإننا لأهلنا محبون) ثمَّ قَالَ ضيعني صَغِيرا وحملني دَمه كَبِيرا لَا صحو الْيَوْم وَلَا سكر غَدا الْيَوْم خمر وَغدا أَمر ثمَّ آلى لَا يَأْكُل لَحْمًا وَلَا يشرب خمرًا حَتَّى يثأر بِأَبِيهِ فَلَمَّا كَانَ اللَّيْل لَاحَ لَهُ برق فَقَالَ (المتقارب) (أرقت لبرق بلَيْل أهل ... يضيء سناه بِأَعْلَى جبل) (بقتل بني أَسد رَبهم ... أَلا كل شَيْء سواهُ جلل)

ثمَّ استجاش بكر بن وأئل فَسَار إِلَيْهِم وَقد لجئوا إِلَى كنَانَة فأوقع بهم ونجت بَنو كَاهِل من بني أَسد فَقَالَ (الرجز) (يَا لهف نَفسِي إِذْ خطئن كاهلا ... القاتلين الْملك الحاحلا) (تالله لَا يذهب شَيْخي بَاطِلا) وَقد ذكر امْرُؤ الْقَيْس فِي شعره أَنه ظفر بهم فيأبى عَلَيْهِ ذَلِك الشُّعَرَاء قَالَ عبيد (مجزوء الْكَامِل) (يَا ذَا المخوفنا بقتل أَبِيه إذلالا وحينا) (أزعمت أَنَّك قد قتلت سراتنا كذبا ومينا) وَلم يزل يسير فِي الْعَرَب يطْلب النَّصْر حَتَّى خرج إِلَى قَيْصر يستمده وَنظرت إِلَيْهِ ابْنه قَيْصر فعشقته فَكَانَ يَأْتِيهَا وتأتيه وفطن الطماح بن قيس الْأَسدي لَهما وَكَانَ حجر قتل أَبَاهُ فوشى بِهِ إِلَى الْملك فَخرج امْرُؤ الْقَيْس متسرعا فَبعث قَيْصر فِي طلبه رَسُولا فأدركه دون أنقرة بِيَوْم وَمَعَهُ حلَّة مَسْمُومَة فلبسها فِي يَوْم صَائِف فَتَنَاثَرَ لَحْمه وتفطر جسده وَمَات هُنَاكَ وَكَانَ يحملهُ جَابر بن حني التغلبي فَذَلِك قَوْله (الطَّوِيل) (فإمَّا تريني فِي رحالة جَابر ... على حرج كالقر تخفق أكفاني) (فيا رب مكروب كررت وَرَاءه ... وعان فَككت الغل مِنْهُ فقداني) (إِذا الْمَرْء لم يخزن عَلَيْهِ لِسَانه ... فَلَيْسَ على شَيْء سواهُ بخزان) وَقَالَ حِين حَضرته الْوَفَاة (منهوك الْكَامِل) (وطعنة مسحنفره ... وجفنه مثعنجره) (تبقى غَدا بأنقره)

قَالَ ابْن الْكَلْبِيّ هَذَا آخر شَيْء تكلم بِهِ ثمَّ مَاتَ وَجَابِر بن حني بِضَم الْمُهْملَة وَفتح النُّون وَالْيَاء الْمُشَدّدَة والرحالة بِالْكَسْرِ قيل السرج وَقيل السرج من جُلُود لَا خشب فِيهِ يتَّخذ للركض الشَّديد والحرج الضّيق والقر بِفَتْح الْقَاف مركب للرِّجَال كالهودج والمسحنفر الْوَاسِع والمثعنجر السَّائِل المنسكب ثمَّ قَالَ ابْن قُتَيْبَة قَالَ أَبُو عبد الله الجُمَحِي كَانَ امْرُؤ الْقَيْس مِمَّن يتعهر فِي شعره وَذَلِكَ قَوْله (الطَّوِيل) (فمثلك حُبْلَى قد طرقت ومرضع) وَقَالَ (الطَّوِيل) (سموت إِلَيْهَا بعد مَا نَام أَهلهَا) وَقد سبق امْرُؤ الْقَيْس الْعَرَب إِلَى أَشْيَاء ابتدعها واستحسنها الْعَرَب واتبعته فِيهَا الشُّعَرَاء من استيقاف صَحبه والتبكاء فِي الديار ودقة التَّشْبِيه وَقرب المأخذ ويستجاد من تشبيهه قَوْله (الطَّوِيل) (كَأَن عُيُون الْوَحْش حول خبائنا ... وأرحلنا الْجزع الَّذِي لم يثقب) وَمِمَّا عيب عَلَيْهِ قَوْله (الطَّوِيل) (إِذا مَا الثريا فِي السَّمَاء تعرضت ... تعرض أثْنَاء الوشاح الْمفصل) قَالُوا الثريا لَا تعرض لَهَا وَإِنَّمَا أرَاهُ أَرَادَ الجوزاء فَذكر الثريا

تتمه

على الْغَلَط كَمَا قَالَ الآخر كأحمر عَاد وَإِنَّمَا هُوَ كأحمر ثَمُود وَهُوَ عَاقِر النَّاقة وَأَقْبل قوم من الْيمن يُرِيدُونَ النَّبِي فضلوا الطَّرِيق ومكثوا ثَلَاثًا لَا يقدرُونَ على المَاء إِذْ أقبل رَاكب على بعير وَأنْشد بعض الْقَوْم (الطَّوِيل) (وَلما رَأَتْ أَن الشَّرِيعَة همها ... وَأَن الْبيَاض من فرائصها دامي) (تيممت الْعين الَّتِي عِنْد ضارج ... يفِيء عَلَيْهَا الظل عرمضها طامي) فَقَالَ الرَّاكِب من يَقُول هَذَا قَالُوا امْرُؤ الْقَيْس فَقَالَ وَالله مَا كذب هَذَا ضارج عنْدكُمْ وَأَشَارَ إِلَيْهِ فَمَشَوْا على الركب فَإِذا مَاء غدق وَإِذا عَلَيْهِ العرمض والظل يفِيء عَلَيْهِ فَشَرِبُوا وحملوا وَلَوْلَا ذَلِك لهلكوا انْتهى كَلَام ابْن قُتَيْبَة (تتمه) ذكر الْآمِدِيّ فِي المؤتلف والمختلف عشرَة من الشُّعَرَاء مِمَّن اسمهم امْرُؤ الْقَيْس وَاحِد مِنْهُم صَحَابِيّ وَهُوَ امْرُؤ الْقَيْس بن عَابس الْكِنْدِيّ وَزَاد صَاحب الْقَامُوس على مَا قَالَ الْآمِدِيّ اثْنَيْنِ وهما صحابيان أَحدهمَا امْرُؤ الْقَيْس بن الْأَصْبَغ الْكَلْبِيّ وامرؤ الْقَيْس بن الفاخر بن الطماح

(مفعول مَا لم يسم فَاعله أنْشد فِيهِ وَهُوَ الشَّاهِد الْخَمْسُونَ (الْكَامِل) (نبئت عمرا غير شَاكر نعمتي) على أَن أعلم وَأَخَوَاتهَا مِمَّا يتَعَدَّى إِلَى ثَلَاثَة مفاعيل إِذا بنيت للْمَفْعُول لَا يَنُوب عَن الْفَاعِل إِلَّا الْمَفْعُول الأول كَمَا فِي هَذَا الْبَيْت فَإِن ضمير الْمُتَكَلّم كَانَ فِي الأَصْل مَفْعُولا أَولا وَالتَّقْدِير نَبَّأَنِي فلَان فَلَمَّا بنى فعله للْمَفْعُول نَاب عَن الْفَاعِل وَقد بَينه الشَّارِح الْمُحَقق وعمرأ هُوَ الْمَفْعُول الثَّانِي وَغير الْمَفْعُول الثَّالِث وأصلهما الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر وَهَذَا المصراع صدر وعجزه (وَالْكفْر مخبثة لنَفس الْمُنعم) وَهَذَا الْبَيْت من معلقَة عنترة بن شَدَّاد الْعَبْسِي وَالْكفْر هُنَا الْجحْد يُقَال كفر النِّعْمَة وبالنعمة إِذا جَحدهَا ومخبثة بِفَتْح الْمِيم من الْخبث يُقَال خبث الشَّيْء خبثا من بَاب قرب خلاف طَابَ وَالِاسْم الخباثة ومفعلة صِيغَة سَبَب الْفِعْل وَالْحَامِل عَلَيْهِ والداعي إِلَيْهِ كَقَوْلِه الْوَلَد مَجْبَنَة مَبْخَلَة أَي سَبَب يَجْعَل وَالِده جَبَانًا لم يشْهد الحروب ليربيه ويجعله بَخِيلًا يجمع المَال ويتركه لوَلَده من بعده وَمثله كثير فِي الْعَرَبيَّة وَلم يتَكَلَّم عُلَمَاء التصريف على هَذِه الصِّيغَة قَالَ الْخَطِيب التبريزي فِي شرح الْمُعَلقَة يُقَال طَعَام مطيبة للنَّفس ومخبثة لَهَا وشراب مبولة انْتهى يَقُول من أَنْعَمت عَلَيْهِ نعْمَة فَلم ينشرها وَلم يشكرها فَإِن ذَلِك سَبَب لتغير نفس الْمُنعم من الإنعام على كل أحد وَلَيْسَ الْمَعْنى يتَغَيَّر نفس الْمُنعم على ذَلِك الجاحد كَمَا قَالَ شرَّاح الْمُعَلقَة فَإِنَّهُ تَقْصِير

وَهَذَا المصراع من بَاب إرْسَال الْمثل وَلما كَانَ هَذَا الْبَيْت تَاما فِي نَفسه لم نضف إِلَيْهِ شَيْئا من هَذِه القصيدة وترجمة عنترة قد تقدّمت مَعَ أَبْيَات من هَذِه الْمُعَلقَة فِي الشَّاهِد الثَّانِي عشر وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد الْحَادِي وَالْخَمْسُونَ (الوافر) (وَلَو ولدت قفيرة جرو كلب ... لسب بذلك الجرو الكلابا) على أَن الْكُوفِيّين وَبَعض الْمُتَأَخِّرين أَجَازُوا نِيَابَة الْجَار وَالْمَجْرُور عَن الْفَاعِل مَعَ وجود الْمَفْعُول الصَّرِيح قَالَ ابْن جني فِي الخصائص هَذَا من أقبح الضَّرُورَة وَمثله لَا يعْتد بِهِ أصلا بل لَا يثبت إِلَّا محتقرا شاذا وَبَعض الْمُتَأَخِّرين هُوَ عَليّ بن سُلَيْمَان الْأَخْفَش تلميذ الْمبرد وقفيرة بِتَقْدِيم الْقَاف على الْفَاء وبالراء الْمُهْملَة مُصَغرًا اسْم أم الفرزدق وَرُوِيَ فكيهة أَيْضا على وَزنه وَهُوَ تَحْرِيف والجرو مثلث الْجِيم ولد السبَاع وَمِنْهَا الْكَلْب ذمّ الشَّاعِر قفيرة بِأَنَّهَا لَو ولدت جروا لسبت جَمِيع الْكلاب بِسَبَب

ذَلِك الجرو لسوء خلقه وخلقه وَقَالَ القالي فِي شرح اللّبَاب وَقيل الْكلاب لَيست مَفْعُوله بل مفعول ولدت وجرو نصب على النداء أَو على الذَّم وَقيل الْكلاب نصب على الذَّم وَجمع لِأَن قفيرة وجروا وكلبا ثَلَاثَة انْتهى وَهَذَا التَّخْرِيج نَقله ابْن الْحَاجِب فِي أمالية عَن أبي جَعْفَر النّحاس فِي كِتَابه الْكَافِي فِي النَّحْو عَن أبي إِسْحَاق الزّجاج وَقَالَ معنى قَوْله لسب لحصل السب بِسَبَب ذَلِك الجرو وَهَذَا مُسْتَقِيم وَهَذَا الْبَيْت من قصيدة لجرير يهجو بهَا الفرزدق مطْلعهَا (الوافر) (أقلي اللوم عاذل والعتابا ... وَقَوْلِي إِن أصبت لقد أصابا) وَتقدم شَرحه مَعَ تَرْجَمَة جرير فِي الشَّاهِد الرَّابِع وَقبل الْبَيْت الشَّاهِد (وَهل أم تكون أَشد رعيا ... وصرا من قفيرة واحتلابا) وَقد نقض هَذِه القصيدة عَلَيْهِ الفرزدق بقصيدة وكلتاهما مسطورة فِي النقائض

(أمرتك الخير)

وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد الثَّانِي وَالْخَمْسُونَ وَهُوَ من شَوَاهِد س (أَمرتك الْخَيْر) وَهُوَ قِطْعَة من بَيت وَهُوَ (الْبَسِيط) (أَمرتك الْخَيْر فافعل مَا أمرت بِهِ ... فقد تركتك ذَا مَال وَذَا نشب) على أَن الْجُزُولِيّ منع نِيَابَة الْمَنْصُوب بِسُقُوط الْجَار مَعَ وجود الْمَفْعُول بِهِ الْمَنْصُوب من غير حذف الْجَار وَأَصله أَمرتك بِالْخَيرِ لِأَن أَمر يتَعَدَّى بِنَفسِهِ إِلَى مفعول وَاحِد وَهُوَ الْكَاف هُنَا وبحرف الْجَرّ إِلَى آخر ف الْخَيْر مَنْصُوب بِنَزْع الْبَاء بِدَلِيل مَا أمرت بِهِ قَالَ الأعلم وسوغ الْحَذف وَالنّصب أَن الْخَيْر اسْم فعل يحسن أَن وَمَا عملت فِيهِ فِي مَوْضِعه وَأَن يحذف مَعهَا حرف الْجَرّ كثيرا تَقول أَمرتك أَن تفعل تُرِيدُ بِأَن تفعل فَإِذا وَقع موقع أَن اسْم فعل شبه بهَا فَحسن الْحَذف فَإِن قلت أَمرتك بزيد لم يجز أَن تَقول أَمرتك زيدا انْتهى وَنقل ابْن هِشَام اللَّخْمِيّ هَذَا الْكَلَام فِي شرح أَبْيَات الْجمل إِلَّا أَنه قَالَ الْخَيْر مصدر وَهَذَا لَيْسَ بجيد قَالَ المرزوقي فِي شرح الفصيح عِنْد قَول الشَّاعِر (الطَّوِيل) (وَمن يلق خيرا يحمد النَّاس أمره ... وَمن يغو لَا يعْدم على الغي لائما) يجوز أَن يكون جعل الْخَيْر كِنَايَة عَن كل مَا يحمد من إِصَابَة الْحق وتعاطي الْعدْل وَاتِّبَاع الرشد وَيكون وَمن يغو على الضِّدّ مِنْهُ وَيجوز أَن يكون الْخَيْر كِنَايَة عَن الْغنى خَاصَّة والغي كِنَايَة عَن الْفقر وَقد علم أَن

الْغنى مَحْمُود والفقر مَذْمُوم وَالْعرب تسمى كل مرتضى عِنْدهم خيرا وَحقا وصوابا وحسنا وكل مَذْمُوم عِنْدهم شرا وَخطأ وسيئة وجهلا وغيا انْتهى وَقد أورد القَاضِي هَذَا الْبَيْت عِنْد قَوْله تَعَالَى (فأفعلوا مَا تؤمرون على أَنه بِتَقْدِير تؤمرون بِهِ كَمَا فِي الْبَيْت وَلَا يخفى ركاكة قَول شَارِح شواهده الْموصِلِي إِن الْأَمر لَا يسْتَعْمل إِلَّا بِالْبَاء وَقد شاع حذفه فِي هَذَا الْفِعْل وَكثر اسْتِعْمَال أَمرته كَذَا حَتَّى لحقت بالأفعال المتعدية إِلَى مفعولين هَذَا كَلَامه روى أَبُو عَليّ الهجري فِي نوادره أَمرتك الرشد بدل الْخَيْر وَهُوَ الصّلاح وإصابة الصَّوَاب وَفعله من بَابي تَعب وَقتل وَأمرت بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول وَضمير بِهِ لما الموصولة أَو الموصوفة وَالْفَاء الأولى جَوَاب شَرط مُقَدّر أَي إِن تمتثل فافعل وَقَالَ اللَّخْمِيّ جَوَاب لما فِي الْجُمْلَة من معنى الْأَمر وَالْفَاء الثَّانِيَة جَوَاب الْأَمر وَقَالَ أَيْضا ذَا حَال من الْكَاف فِي تركتك وَالْعَامِل فِيهِ ترك وَهُوَ بِمَعْنى صَاحب وَهُوَ عِنْد ابْن درسْتوَيْه مفعول ثَان لتركت لِأَنَّهَا تتعدى إِلَى مفعولين وَالثَّانِي هُوَ الأول وَهَذَا وهم لِأَن تركت فِي معنى خليت وخليت لَا يَجِيء مَعهَا إِلَّا الْحَال فَكَذَلِك لَا يَجِيء مَعَ تركت إِلَّا الْحَال انْتهى وَالصَّوَاب أَن ترك يتَضَمَّن معنى جعل فيتعدى تعديته وَهَذَا مستفيض لَا يخفى على مثله وَقَالَ ابْن خلف وتركتك إِن كَانَ بِمَعْنى صيرتك كَانَ ذَا مَال مَفْعُولا

ثَانِيًا كَمَا تَقول تركت زيدا فَقِيه الْبَلَد إِذا كنت أَنْت الَّذِي فقهته وعلمته وَمِنْه قَوْله سُبْحَانَهُ (تركناها آيَة) أَي جعلناها وصيرناها وَإِن كَانَت بِمَعْنى خلفتك كَانَ ذَا مَال حَالا كَمَا تَقول تركت زيدا وَهُوَ فَقِيه الْبَلَد انْتهى وَقد للتحقيق وَقَالَ اللَّخْمِيّ يجوز أَن تكون للتوقع أَيْضا وَالْمَال قَالَ اللَّخْمِيّ فِي شرح فصيح ثَعْلَب هُوَ عِنْد الْعَرَب الْإِبِل وَالْبَقر وَالْغنم وَلَا يُقَال لِلذَّهَبِ وَالْفِضَّة مَال وَإِنَّمَا يُقَال لَهما ناض وَأقله مَا تجب فِيهِ الزَّكَاة وَمَا نقص عَن ذَلِك فَلَيْسَ بِمَال وَحكى أَبُو عمر صَاحب الياقوته المَال الصَّامِت والناطق فالصامت الدَّنَانِير وَالدَّرَاهِم والجواهر والناطق الْبَعِير وَالْبَقَرَة وَالشَّاة قَالَ وَمِنْه قَوْلهم مَاله صَامت وَلَا نَاطِق وَمِنْهُم من أوقع المَال على جَمِيع مَا يملكهُ الْإِنْسَان وَهُوَ الصَّحِيح انْتهى وَيشْهد لِلْقَوْلِ الْأَخير قَوْله تَعَالَى (وَلَا تُؤْتوا السُّفَهَاء أَمْوَالكُم وَهَذَا لَا يخص شَيْئا دون شَيْء والنشب بالشين الْمُعْجَمَة قيل بِمَعْنى جَمِيع مَا يملك بِمَعْنى المَال وَقيل المَال الْأَصِيل الثَّابِت بِمَعْنى الْعقار كالدور والضياع مَأْخُوذ من نشب الشَّيْء إِذا ثَبت فِي مَوضِع لُزُومه فعلى الأول يكون من عطف المترادفين للتوكيد وعَلى الثَّانِي يكون من عطف الْخَاص على الْعَام وَإِن فسر المَال بِغَيْر القَوْل الْأَخير كَانَ من عطف المتقابلين وَقَالَ الأعلم قد قيل إِن النشب هُنَا جَمِيع المَال فَيكون عطفه على الأول مُبَالغَة وتوكيدا وسوغ ذَلِك أختلاف اللَّفْظَيْنِ وَهَذَا كَلَامه فَتَأَمّله وَهَذِه رِوَايَة سِيبَوَيْهٍ فِي كِتَابه وَلم يَخْتَلِفُوا فِيهِ وَرَوَاهُ الهجري فِي نوادره ذَا نسب بِالسِّين الْمُهْملَة قَالَ اللَّخْمِيّ وَأَبُو الْوَلِيد

الوقشي فِيمَا كتبه على كَامِل الْمبرد هَذَا هُوَ الصَّحِيح لِأَنَّهُ لَا معنى لإعادة ذكر المَال وَإِنَّمَا يَقُول تركتك غَنِيا حسيبا يُخَاطب ابْنه وَقد نسب السُّيُوطِيّ فِي شرح أَبْيَات الْمُغنِي هَذَا الْكَلَام لِابْنِ السَّيِّد البطليوسي فِيمَا كتبه على الْكَامِل وَهَذَا لَا أصل لَهُ فَإِنَّهُ لم يكْتب عَلَيْهِ هُنَا شَيْئا وَإِنَّمَا كتب مَا يُقَارب هَذَا فِي أَبْيَات الْجمل وَقد ورد هَذَا الْبَيْت فِي شعرين أَحدهمَا فِي شعر أعشى طرود وَالثَّانِي فِي شعر اخْتلف فِي قَائِله أما الأول فقد نَقله الْآمِدِيّ فِي المؤتلف والمختلف وَأَبُو مُحَمَّد الْأَعرَابِي فِي فرحة الأديب وَهُوَ (الْبَسِيط) (يَا دَار أَسمَاء بَين السفح فالرحب ... أقوت وَعفى عَلَيْهَا ذَاهِب الحقب) (فَمَا تبين مِنْهَا غير منتضد ... وراسيات ثَلَاث حول منتصب) (وعرصة الدَّار تستن الرِّيَاح بهَا ... تحن فِيهَا حنين الوله السَّلب) (دَار لأسماء إِذْ قلبِي بهَا كلف ... وَإِذ أقرب مِنْهَا غير مقترب) (إِن الحبيب الَّذِي أمسيت أهجره ... من غير مقلية مني وَلَا غضب) (أصد عَنهُ ارتقابا أَن ألم بِهِ ... وَمن يخف قالة الواشين يرتقب) (إِنِّي حوبت على الأقوام مكرمَة ... قدما وَحَذَّرَنِي مَا يَتَّقُونَ أبي) (وَقَالَ لي قَول ذِي علم وتجربة ... بسالفات أُمُور الدَّهْر والحقب) (أَمرتك الرشد فافعل مَا أمرت بِهِ) انْتهى وَقَالَ اللَّخْمِيّ من قَالَ إِن الْبَيْت لأعشى طرود قَالَ بعده (لَا تبخلن بِمَال عَن مذاهبه ... فِي غير زلَّة إِسْرَاف وَلَا تغب) (فَإِن وراثه لن يحمدوك بِهِ ... إِذا أجنوك بَين اللَّبن والخشب)

وَقد أورد الهجري أَيْضا فِي نوادره هذَيْن الْبَيْتَيْنِ بعد الْبَيْت الشَّاهِد وَأما الثَّانِي فَهُوَ هَذَا (الْبَسِيط) (فَقَالَ لي قَول ذِي رَأْي ومقدرة ... مجرب عَاقل نزة عَن الريب) (قد نلْت مجدا فحاذر أَن تدنسه ... أَب كريم وجد غير مؤتشب) (أَمرتك الْخَيْر فافعل مَا أمرت بِهِ ... فقد تركتك ذَا مَال وَذَا نشب) (واترك خلائق قوم لَا خلاق لَهُم ... واعمد لأخلاق أهل الْفضل وَالْأَدب) (وَإِن دعيت لغدر أَو أمرت بِهِ ... فاهرب بِنَفْسِك عِنْد آبد الْهَرَب) وَهَذَا الشّعْر قد نسب إِلَى عَمْرو بن معد يكرب وللعباس بن مرداس ولزرعة ابْن السَّائِب ولخفاف بن ندبة قَالَ اللَّخْمِيّ من نسب الْبَيْت لأحد الثَّلَاثَة الأول قَالَ قبْلَة (فَقَالَ لي قَول ذِي رَأْي ومقدرة الْبَيْت) وَنسب قَوْله فاترك خلائق قوم لَا خلاق لَهُم وَقَوله قد نلْت مجدا فحاذر أَن تدنسه الْبَيْتَيْنِ إِلَى أعشى طرود لَا غير وَقَالَ هما بعد الْبَيْت الشَّاهِد وَقد نسب الْبَيْت فِي كتاب سِيبَوَيْهٍ لعَمْرو بن معد يكرب وَالله أعلم وأعشى طرود قَالَ الْآمِدِيّ فِي المؤتلف والمختلف لم يذكر اسْمه وَلَا عرف نسبه إِلَى الْقَبِيل وَبَنُو طرود من فهم بن عَمْرو بن قيس بن عيلان وهم حلفاء بني سليم ثمَّ فِي بني خفاف انْتهى وَنقل الصَّاغَانِي فِي الْعباب هَذَا الْكَلَام وَلم يزدْ عَلَيْهِ

وَقَالَ أَبُو الْوَلِيد الوقشي نقلا عَن نَوَادِر الهجري وَاللَّخْمِيّ نقلا عَن أبي مَرْوَان عبد الْملك بن سراج إِن أعشى طرود اسْمه إِيَاس بن مُوسَى بِكَسْر الْهمزَة بعْدهَا مثناة تحتية وَلم يزيدا على هَذَا قَالَ المرزباني حضر هوذه بن الْحَارِث الْمَعْرُوف بِابْن حَملَة فِي أَيَّام عمر الْعَطاء فَدَعَا قبله إِيَاس بن مُوسَى هَذَا فَقَالَ هَوْذَة (الطَّوِيل) (لقد دَار هَذَا الْأَمر فِي غير أَهله ... فابصر أَمِين الله كَيفَ تذود) (ايدعى جشيم والسويد أمامنا ... ويدعى إِيَاس قبلنَا وطرود) (فَإِن كَانَ هَذَا فِي الْكتاب فهم إِذن ... مُلُوك سوى حَرْب وَنحن عبيد) انْتهى وَفهم من هَذَا أَن أعشى طرود إسلامي لَكِن لَو يعلم مَا هُوَ صَحَابِيّ أم تَابِعِيّ وَالله أعلم وَقَوله يَا دَار أَسمَاء بَين السفح إِلَخ قَالَ ياقوت فِي مُعْجم الْبلدَانِ السفح بِلَفْظ سفح الْجَبَل وَهُوَ أَسْفَله حَيْثُ يسفح فِيهِ المَاء وَهُوَ مَوضِع كَانَت بِهِ وقْعَة بَين بكر بن وَائِل وَتَمِيم وَلم يذكر أَبُو عبيد هَذِه الْكَلِمَة فِي المعجم والرحب بِضَم الرَّاء وَفتح الْحَاء الْمُهْمَلَتَيْنِ مَوضِع وَلم يذكرهَا أَبُو عبيد وَلَا ياقوت وأقوت خلت من الأنيس كَأَنَّهُ ذهب قوتها وَعفى عَلَيْهَا بِالتَّشْدِيدِ كعفاها أَي طمسها ومحا علاماتها والحقب بِضَمَّتَيْنِ الدَّهْر وبكسر فَفتح جمع حقبة وَهِي السّنة أَي طمسها الدَّهْر الذَّاهِب والسنون الْمَاضِيَة وَتبين ظهر والمنتضد الْحِجَارَة المصفوفة بَعْضهَا فَوق بعض

(المبتدأ والخبر)

وَأَرَادَ بقوله راسيات ثَلَاث حِجَارَة الْقدر الثَّلَاثَة وَهُوَ مَعْطُوف على منتضد وَكَذَلِكَ عَرصَة واستنت الرِّيَاح هبت عَلَيْهَا من هُنَا وَمن هُنَا والوله جمع الواله الْمَرْأَة الَّتِي فقدت وَلَدهَا وَالسَّلب بِضَمَّتَيْنِ اللابسة الثِّيَاب السود وتحن من الحنين بِمَعْنى الأنين وَقَوله وَإِذ أقرب مِنْهَا إِلَخ أَي أمني نَفسِي مِنْهَا مَا لَا يكون والمقلية بتَخْفِيف الْيَاء مصدر بِمَعْنى القلى وَهُوَ البغض والكراهية والارتقاب الِانْتِظَار وَأَن ألم أَي لِأَن أنزل وَأحل بِهِ والتغب بمثناة فوقية فغين مُعْجمَة قَالَ اللَّخْمِيّ هُوَ جمع تغبة وَهِي السقطة وَمَا يعاب بِهِ ابْنه والتغب أَيْضا الْهَلَاك وَقَالَ فِي الصِّحَاح تغب بِالْكَسْرِ تغبا هلك ونزه بِفَتْح وَسُكُون الزَّاي الْبعيد سكن الزَّاي وَهِي مَكْسُورَة للضَّرُورَة والمؤتشب الْمُخْتَلط يُقَال أشبت الْقَوْم إِذا خلطت بَعضهم بِبَعْض (الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر) أنْشد فِيهِ وَهُوَ الشَّاهِد الثَّالِث وَالْخَمْسُونَ (المديد) (غير مأسوف على زمن ... يَنْقَضِي بالهم والحزن) أوردهُ مِثَالا لإجراء غير قَائِم الزيدان مجْرى مَا قَائِم الزيدان لكَونه بِمَعْنَاهُ \ وَتَخْرِيج الْبَيْت على هَذَا أحد أَقْوَال ثَلَاثَة هُوَ أحْسنهَا وَإِلَيْهِ ذهب ملك النُّحَاة الْحسن بن أبي نزار وَابْن الشجري أَيْضا فِي أمالية

ومأسوف اسْم مفعول من الأسف وَهُوَ أَشد الْحزن وَبَاب فعله فَرح وعَلى زمن مُتَعَلق بِهِ على أَنه نَائِب الْفَاعِل وَجُمْلَة يَنْقَضِي صفة لزمن وبالهم حَال من ضَمِيره أَي مشوبا بالهم فَلَمَّا كَانَت غير للمخالفة فِي الْوَصْف وَجَرت لذَلِك مجْرى حرف النَّفْي وأضيفت إِلَى اسْم الْمَفْعُول الْمسند إِلَى الْجَار وَالْمَجْرُور والمتضايفان بِمَنْزِلَة الِاسْم الْوَاحِد سد ذَلِك مسد الْجُمْلَة كَأَنَّهُ قيل مَا يؤسف على زمن هَذِه صفته قَالَ أَبُو حَيَّان فِي تَذكرته وَلم أر لهَذَا الْبَيْت نظيرا فِي الْأَعْرَاب إِلَّا بَيْتا فِي قصيدة المتنبي يمدح بهَا بدر بن عمار الطبرستاني يَقُول فِيهَا (الرمل) (لَيْسَ بالمنكر أَن برزت سبقا ... غير مَدْفُوع عَن السَّبق العراب) ف العراب مَرْفُوع بمدفوع وَمن جعله مُبْتَدأ فقد أَخطَأ لِأَنَّهُ يصير التَّقْدِير العراب غير مَدْفُوع عَن السَّبق والعراب جم فَلَا أقل من أَن يَقُول غير مدفوعة لِأَن خبر الْمُبْتَدَأ لَا يتَغَيَّر تذكيره وتأنيثه بتقديمة وتأخيره وَالْقَوْل الثَّانِي لِابْنِ جني وَتَبعهُ ابْن الْحَاجِب وَهُوَ أَن غير خبر مقدم وَالْأَصْل زمن يَنْقَضِي بالهم والحزن غير مأسوف عَلَيْهِ ثمَّ قدمت عَلَيْهِ وَمَا بعْدهَا ثمَّ حذف زمن دون صفته فَعَاد الضَّمِير الْمَجْرُور بعلى على غير مَذْكُور فَأتى بِالِاسْمِ الظَّاهِر مَكَانَهُ وَحذف الْمَوْصُوف بِدُونِ شَرطه الْمَعْرُوف ضَرُورَة وَالثَّالِث وَهُوَ لِابْنِ الخشاب أَن غير خبر لأَنا محذوفا ومأسوف مصدر كالمعسور والميسور أُرِيد بِهِ اسْم الْفَاعِل وَالتَّقْدِير أَنا غير آسَف على زمن هَذِه صفته وَهَذَا الْبَيْت لأبي نواس وَهُوَ لَيْسَ مِمَّن يستشهد بِكَلَامِهِ وَإِنَّمَا أوردهُ

الشَّارِح مِثَالا للمسألة وَلِهَذَا لم يقل كَقَوْلِه وَبعده بَيت ثَان وَهُوَ (إِنَّمَا يَرْجُو الْحَيَاة فَتى ... عَاشَ فِي أَمن من المحن) وأَبُو نواس هُوَ أَبُو عَليّ الْحسن بن هَانِئ بن عبد الأول بن الصَّباح الْحكمِي بِفَتْح الْحَاء وَالْكَاف نِسْبَة إِلَى الحكم بن سعد الْعَشِيرَة وَهِي قَبيلَة كَبِيرَة مِنْهَا الْجراح ابْن عبد الله الْحكمِي أَمِير خُرَاسَان وَكَانَ جد أبي نواس من موَالِيه وَإِنَّمَا قيل لَهُ أَبُو نواس لذوابتين كَانَتَا لَهُ تنوسان على عاتقة والذؤابة بِهَمْزَة بعد الذَّال المضمومة الضفيرة من الشّعْر إِذا كَانَت غير ملوية فَإِن كَانَت ملوية فَهِيَ عقيصة والذؤابة أَيْضا طرف الْعِمَامَة وناس ينوس إِذا تدلى وتحرك والعاتق مَا بَين الْمنْكب والعنق وَهُوَ مَوضِع الرِّدَاء وَقيل إِن خلفا الْأَحْمَر كَانَ لَهُ وَلَاء فِي الْيمن وَكَانَ أميل النَّاس إِلَى أبي نواس فَقَالَ لَهُ يَوْمًا أَنْت من الْيمن فتكن باسم ملك من مُلُوكهمْ الأذواء فَاخْتَارَ ذَا نواس فكناه أَبَا نواس بِحَذْف صَدره وغلبت عَلَيْهِ ومولده بِالْبَصْرَةِ سنة خمس وَأَرْبَعين وَمِائَة وَقيل سِتّ وَثَلَاثِينَ وَمِائَة وَمَات بِبَغْدَاد سنة خمس وَتِسْعين وَمِائَة وَقيل سنة سِتّ وَقيل سنة ثَمَان وَنَشَأ بِالْبَصْرَةِ ثمَّ خرج إِلَى الْكُوفَة وَقيل بل ولد بالأهواز وَقيل بكورة من كور خوزستان سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَمِائَة وَنقل مِنْهَا وعمره سنتَانِ إِلَى الْبَصْرَة وَأمه أهوازية اسْمهَا جلبان وَكَانَ أَبوهُ من أهل دمشق من جند مَرْوَان الْحمار انْتقل إِلَى الأهواز للرباط فَتَزَوجهَا وَقدم أَبُو نواس بَغْدَاد مَعَ والبة بن الْحباب الشَّاعِر وَبِه تخرج وَعرض الْقُرْآن على يَعْقُوب الْحَضْرَمِيّ وَأخذ اللُّغَة عَن أبي زيد الْأنْصَارِيّ وَأبي عُبَيْدَة ومدح الْخُلَفَاء والوزراء وَكَانَ فِي الشّعْر من الطَّبَقَة الأولى من المولدين

قَالَ أَبُو عُبَيْدَة أَبُو نواس للمحدثين مثل امْرِئ الْقَيْس للْمُتَقَدِّمين وشعره عشرَة أَنْوَاع وَهُوَ مجيد فِي الْكل وَمَا زَالَ الْعلمَاء والأشراف يروون شعره ويتفكهون بِهِ ويفضلونه على أشعار القدماء وَقَالَ أَبُو عَمْرو الشَّيْبَانِيّ لَوْلَا أَن أَبَا نواس أفسد بِهَذِهِ الأقذار يَعْنِي الْخُمُور لَا حتججنا بِهِ لِأَنَّهُ كَانَ مُحكم القَوْل لَا يُخطئ وديوان شعره مُخْتَلف لاخْتِلَاف جامعيه فَإِنَّهُ أعتنى بجمعه جمَاعَة مِنْهُم أَبُو بكر الصولي وَهُوَ صَغِير وَمِنْهُم عَليّ بن حَمْزَة الْأَصْبَهَانِيّ وَهُوَ كَبِير جدا وَكِلَاهُمَا عِنْدِي وَللَّه الْحَمد على نعْمَة وَمِنْهُم إِبْرَاهِيم بن أَحْمد الطَّبَرِيّ الْمَعْرُوف بتوزون وَلم أره إِلَى الْآن وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد الرَّابِع وَالْخَمْسُونَ (الطَّوِيل) (على مثلهَا من أَربع وملاعب ... تذال مصونات الدُّمُوع السواكب [) على أَنه لما أنْشد المصراع الأول عَارضه شخص فَقَالَ لعنة الله وَالْمَلَائِكَة وَالنَّاس أَجْمَعِينَ فانخزل مِنْهُ وَترك الإنشاد لِأَن تَقْدِيم الْخَبَر فِي مثله يُوهم الدُّعَاء باللعنة وسمى ابْن أبي الإصبع هَذَا النَّوْع فِي تَحْرِير التحبير التوليد وَقَالَ التوليد على ضَرْبَيْنِ من الْأَلْفَاظ وَمن الْمعَانِي فَالَّذِي من الْأَلْفَاظ هُوَ أَن يُزَوّج الْمُتَكَلّم كلمة من لَفظه إِلَى كلمة من غَيره فيتولد بَينهمَا كَلَام

يُنَاقض غَرَض صَاحب الْكَلِمَة الْأَجْنَبِيَّة وَذَلِكَ فِي الْأَلْفَاظ المفرده دون الْجمل المؤتلفة ومثاله مَا حكى أَن مُصعب بن الزبير وسم خيله بِلَفْظِهِ عدَّة فَلَمَّا قتل وَصَارَت إِلَى الْعرَاق رَآهَا الْحجَّاج فوسم بعد لَفْظَة عدَّة لَفْظَة الْفِرَار فتولد بَين اللفظتين غير مَا أَرَادَهُ مُصعب وَمن توليد الْأَلْفَاظ توليد الْمَعْنى من تَزْوِيج الْجمل المفيدة وَمن لطيف التوليد قَول بعض الْعَجم (الوافر) (كَأَن عذاره فِي الخد لَام ... ومبسمه الشهي الطّعْم صَاد) (وطرة شعره ليل بهيم ... فَلَا عجب إِذا سرق الرقاد) فَإِن هَذَا الشَّاعِر ولد من تَشْبِيه العذار بِاللَّامِ وتشبيه الْفَم بالصَّاد لَفظه لص وَولد من مَعْنَاهَا وَمعنى تَشْبِيه الطرة بِاللَّيْلِ ذكر سَرقَة النّوم فَجعل فِي هَذَا الْبَيْت توليدا وإدماجا وَهَذَا من أغرب مَا سَمِعت ومثاله مَا حُكيَ أَن أَبَا تَمام أنْشد أَبَا دلف (على مثلهَا من أَربع وملاعب) فَقَالَ بعض من أَرَادَ نُكْتَة لعنة الله وَالْمَلَائِكَة وَالنَّاس أَجْمَعِينَ فولد من الْكَلَامَيْنِ كلَاما يُنَافِي غَرَض أبي تَمام من وَجْهَيْن أَحدهمَا خُرُوج الْكَلَام عَن التشبيب إِلَى الهجاء بِسَبَب مَا انْضَمَّ إِلَيْهِ من الدُّعَاء وَالثَّانِي خُرُوج الْكَلَام عَن أَن يكون بَيْتا من شعر إِلَى أَن صَار قِطْعَة من نثر وَمن هَذَا الضَّرْب قَول الشَّاعِر

(الطَّوِيل) (ألوم زيادا فِي ركاكة عقله ... وَفِي قَوْله أَي الرِّجَال الْمُهَذّب) (وَهل يحسن التَّهْذِيب مِنْك خلائقا ... أرق من المَاء الزلَال وَأطيب) (تكلم والنعمان شمس سمائه ... وكل مليك عِنْد نعْمَان كَوْكَب) (وَلَو أَبْصرت عَيناهُ شخصك مرّة ... لَأبْصر مِنْهُ شمسه وَهِي غيهب) فَإِن هَذَا الشَّاعِر زوج مدح ممدوحه بتهذيب الْأَخْلَاق إِلَى قَول النَّابِغَة أَي الرِّجَال الْمُهَذّب فتولد بَين الْكَلَامَيْنِ مَا يُنَافِي غَرَض النَّابِغَة حَيْثُ أخرج الشَّاعِر كَلَامه مخرج الْمُنكر على النَّابِغَة ذَلِك الِاسْتِفْهَام وأوضح مناقضته للنابغة ببيته الثَّانِي وَهُوَ قَوْله وَهل يحسن التَّهْذِيب الْبَيْت وَزوج قَوْله فِي عجز الْبَيْت الثَّالِث وكل مليك عِنْد نعْمَان كَوْكَب إِلَى قَول النَّابِغَة بأنك شمس والملوك كواكب بِدَلِيل قَول الشَّاعِر يَعْنِي النَّابِغَة تكلم والنعمان شمس سمائه الْبَيْت فتولد بَين الْكَلَامَيْنِ قَوْله (الطَّوِيل) (وَلَو أَبْصرت عَيناهُ شخصك مرّة ... لَأبْصر مِنْهُ شمسه وَهِي غيهب) وَأما الضَّرْب الثَّانِي وَهُوَ مَا تولد من الْمعَانِي كَقَوْل الْقطَامِي (الْبَسِيط) (قدء يدْرك المتأني بعض حَاجته ... وَقد يكون مَعَ المستعجل الزلل) فَقَالَ من بعده (الْبَسِيط) (عَلَيْك بِالْقَصْدِ فِيمَا أَنْت فَاعله ... إِن التخلق يَأْتِي دونه الْخلق)

. فَمَعْنَى صدر هَذَا الْبَيْت معنى بَيت الْقطَامِي بِكَمَالِهِ وَمعنى عجز الْبَيْت مولد بَينهمَا وَهُوَ قَوْله (إِن التخلق يَأْتِي دونه الْخلق) والقطامي أَخذ مَعْنَاهُ من عدي بن زيد الْعَبَّادِيّ حَيْثُ قَالَ (السَّرِيع) (قد يدْرك المبطئ من حَظه ... وَالْخَيْر قد يسْبق جهد الْحَرِيص) وعدي نظر إِلَى قَول جمانة الْجعْفِيّ (الطَّوِيل) (ومستعجل والمكث أدنى لرشده ... وَلم يدر فِي استعجاله مَا يُبَادر) وَمن التوليد توليد بديع من بديع كَقَوْل أبي تَمام (الطَّوِيل) (لَهَا منظر قيد النواظر لم يزل ... يروح وَيَغْدُو فِي خفارته الْحبّ) فَإِنَّهُ ولد قَوْله قيد النواظر من قَول امْرِئ الْقَيْس قيد الأوابد لِأَن هَذِه اللَّفْظَة الَّتِي هِيَ قيد انْتَقَلت بإضافتها من الطَّرْد إِلَى النسيب فَكَأَن النسيب تولد من الطَّرْد وَتَنَاول اللَّفْظ الْمُفْرد لَا يعد سَرقَة وَإِنَّمَا سقنا هَذَا الْفَصْل برمتِهِ لغرابته وقلما يُوجد فِي مَوضِع آخر وَقَول أبي تَمام على مثلهَا من أَربع ضمير مثلهَا مُفَسّر بالتمييز الْمَجْرُور بِمن وَالْأَكْثَر أَن يكون التَّمْيِيز مُفَسرًا لضمير نعم وَبئسَ وَرب قَالَ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي والزمخشري يُفَسر الضَّمِير بالتمييز فِي غير بَابي نعم وَرب وَذَلِكَ أَنه قَالَ فِي فسواهن سبع سموات الضَّمِير فِي فسواهن ضمير مُبْهَم وَسبع سموات تَفْسِيره كَقَوْلِهِم ربه رجلا وَلَوْلَا تشبيهه بربه رجلا لحمل على الْبَدَل والأربع جمع ربع بِالْفَتْح وَهُوَ محلّة الْقَوْم ومنزلهم

والملاعب جمع ملعب وَهُوَ مَوضِع اللّعب وتذال مَبْنِيّ للْمَجْهُول مضارع أذاله بِمَعْنى أهانة وَهُوَ متعدي ذال الشَّيْء ذيلا هان وَالثَّابِت فِي نسخ ديوانه وشروحه أذيلت والمصونات من الصون وَهُوَ خلاف الابتذال والسواكب المنصبة فَإِن سكب يَأْتِي لَازِما يُقَال سكب المَاء سكبا وسكوبا أنصب وَيَأْتِي مُتَعَدِّيا يُقَال سكب زيد المَاء قَالَ الإِمَام أَبُو بكر بن يحيى الصولي فِي شَرحه قد أنكر بَعضهم مصونات الدُّمُوع السواكب وَقَالَ كَيفَ يكون من السواكب مَا هُوَ مصون وَإِنَّمَا أَرَادَ أَبُو تَمام أذيلت مصونات الدُّمُوع الَّتِي هِيَ الْآن سواكب ثمَّ قَوْله أذيلت بِمَعْنى صبَّتْ صبا سَائِلًا حَتَّى يصير لَهَا ذيل لَيْسَ بجيد فَإِن معنى الْبَيْت أهينت الدُّمُوع الغزيرة يسكبها على مثل هَذِه الْمنَازل لخلها من الحبائب وَهَذَا الْبَيْت مطلع قصيدة مدح بهَا أَبَا دلف الْقَاسِم بن عِيسَى الْعجلِيّ وَبعده (الطَّوِيل) (أَقُول لقرحان من الْبَين لم يجد ... رسيس الْهوى بَين الحشا والترائب) (أَعنِي أفرق شَمل دمعي فإنني ... ارى الشمل مِنْهُم لَيْسَ بالمتقارب) إِلَى أَن قَالَ (إِذا العيس لاقت بِي أَبَا دلف فقد ... تقطع مَا بيني وَبَين النوائب) (هُنَالك تلقى الْجُود حَيْثُ تقطعت ... تمائمه وَالْمجد مرخى الذوائب) (تكَاد عطاياه يجن جنونها ... إِذا لم يعوذها بنغمة طَالب) قَالَ الإِمَام المرزوقي فِي شرح ديوانه القرحان أَصله الَّذِي لم يصبهُ

الجدري واستعارة هُنَا لمن لم يمْتَحن بالنوى وَلم يدْخل فِي إسار الْهوى قَالَ فِي الصِّحَاح رس الْحمى ورسيسها أول مَسهَا وَقَوله أَعنِي أفرق الْبَيْت قَالَ الصولي اي لَا أرى شملهم مجتمعا بِالرُّجُوعِ إِلَيْهَا يَقُول قد اجْتمع دمعي لِأَنِّي لم أبك حَتَّى رَأَيْت مَنَازِلهمْ فأعني بوقفة ثمَّ معي حَتَّى أبكيهم فَأَسْتَرِيح وَقَوله إِذا العيس لاقت بِي الْبَيْت يَقُول إِذا أقدمتني الْإِبِل إِلَيْهِ انْقَطَعت الْأَسْبَاب بيني وَبَين النوائب أَي لم يبْق لَهَا سَبِيل عَليّ وَقَوله هُنَالك تلقى الْجُود الْبَيْت قَالَ الصولي يُقَال تقطعت تمائم فلَان فِي بني فلَان إِذا تربى وَنَشَأ فيهم وَأَرَادَ إِن الْمجد كالآمن فيهم أَن يتَحَوَّل إِلَى غَيرهم فَيكون قد أحَاط بِهِ الشّرف من كل جَانب ويروى وافي الذوائب وَقَوله تكَاد عطاياه الْبَيْت قَالَ الإِمَام المرزوقي يَقُول قد تعود هَذَا الرجل تَفْرِيق مَاله بالصلات وتبديده بالعطيات حَتَّى تقرب عطاياه لَو أمسك يَوْمًا من أَن تجن إِن لم يعلق عَلَيْهَا عوذها من نغم الطلاب وَالزُّوَّارِ وَقَوله يجن جنونها إِنَّمَا يُرِيد يجن صِحَّتهَا أَي يصير بدل صِحَّتهَا جُنُون لكنه سَمَّاهَا بِمَا يؤول إِلَيْهِ كَمَا يُقَال خرجت خوارجه وَكَذَلِكَ عطاياه أَي أَمْوَاله الَّتِي تصير عطاياه فَسَماهُ بِمَا يؤول إِلَيْهِ وَقَالَ الصولي مِمَّا أنكر أَبُو الْعَبَّاس ابْن المعتز من رَدِيء طباقة قَوْله تكَاد عطاياه الْبَيْت وَفِيه اسْتِعَارَة فَقَالَ وَلم يجن جُنُون عطاياه انتظارا للطلب بل يبْدَأ بالعطاء ويستريح وَفِيه قبح لم يعودها بنغمة طَالب

يعطبها ليغر طَالب وَفِي هَذَا الآعتراض نظر فَإِن مُرَاده أَنه أغْنى النَّاس فَلم يبْق طَالب إِلَّا نَادرا فَإِذا أَبْطَأَ طَالب الْمَعْرُوف جنت عطاياه شوقا إِلَيْهِ فَتَأمل وَمِنْهَا وَهُوَ مِمَّا يستجاد (يرى أقبح الْأَشْيَاء أوبة آمل ... كسته يَد المأمول حلَّة خائب) (وَأحسن من نور يَفْتَحهُ الندى ... بَيَاض العطايا فِي سَواد المطالب) (إِذا ألجمت يَوْمًا لجيم وحولها ... بَنو الْحصن نجل الْمُحْصنَات النجائب) (فَإِن المنايا والصوارم والقنا ... أقاربهم فِي الروع دون الْأَقَارِب) (جحافل لَا يتركن ذَا جبرية ... سليما وَلَا يحربن من لم يحارب) (يمدون من أيد عواص عواصم ... تصول بأسياف قواض قواضب) ولجيم بِالتَّصْغِيرِ أَبُو عجل جد أبي دلف والحصن هُوَ ثَعْلَبَة بن عكابة وَبَنُو الْحصن أَعْمَامه (الطَّوِيل) (إِذا افتخرت يَوْمًا تَمِيم بقوسها ... فخارا على مَا وطدت من مَنَاقِب) (فَأنْتم بِذِي قار أمالت سُيُوفكُمْ ... عروش الَّذين استرهنوا قَوس حَاجِب) قَالَ الإِمَام المرزوقي يَعْنِي بِالْقَوْسِ قَوس حَاجِب بن زُرَارَة رَهنهَا عِنْد كسْرَى وَكَانَ السَّبَب فِي ذَلِك أَن النَّبِي كَانَ دَعَا على مُضر وَقَالَ اللَّهُمَّ أشدد وطأتك على مُضر وأبعث عَلَيْهِم سِنِين كَسِنِي يُوسُف فتوالت الجدوبة عَلَيْهِم سبع سِنِين فَلَمَّا رأى حَاجِب الْجهد على قومه جمع بني زُرَارَة وَقَالَ إِنِّي أزمعت على أَنِّي آتِي الْملك يَعْنِي

كسْرَى فأطلب أَن يَأْذَن لقومنا فَيَكُونُوا تَحت هَذَا الْبَحْر حَتَّى يحيوا فَقَالُوا رشدت فافعل غير أَنا نَخَاف عَلَيْك بكر بن وَائِل فَقَالَ مَا مِنْهُم وَجه إِلَّا ولي عِنْده يَد إِلَّا ابْن الطَّوِيلَة التَّيْمِيّ وسأداويه ثمَّ ارتحل فَلم يزل ينْتَقل فِي الإتحاف وَالْبر من النَّاس حَتَّى أنْتَهى إِلَى المَاء الَّذِي عَلَيْهِ ابْن الطَّوِيلَة فنزله لَيْلًا فَلَمَّا أَضَاء الْفجْر دَعَا بنطع ثمَّ أَمر فصب عَلَيْهِ التَّمْر ثمَّ نَادَى حَيّ على الْغَدَاء فَنظر ابْن الطَّوِيلَة فَإِذا هُوَ بحاجب فَقَالَ لأهل الْمجْلس أَجِيبُوهُ وَأهْدى إِلَيْهِ جزرا ثمَّ ارتحل فَلَمَّا بلغ كسْرَى شكا إِلَيْهِ الْجهد فِي أَمْوَالهم وأنفسهم وَطلب أَن بأذن لَهُم فَيَكُونُوا فِي حد بِلَاده فَقَالَ أَنْتُم معشر الْعَرَب أهل غدر فَإِذا أَذِنت لَهُم عاثوا فِي الرّعية وأغاروا قَالَ حَاجِب إِنِّي ضَامِن للْملك أَن لَا يَفْعَلُوا قَالَ فَمن لي بِأَن تفي أَنْت قَالَ أرهنك قوسي فَلَمَّا جَاءَ بهَا ضحك من حوله فَقَالَ الْملك مَا كَانَ ليلمسها اقبضوها مِنْهُ ثمَّ جَاءَت مُضر إِلَى النَّبِي بعد موت حَاجِب فَدَعَا لَهُم فَخرج أَصْحَابه إِلَى بِلَادهمْ وارتحل عُطَارِد بن حَاجِب إِلَى كسْرَى يطْلب قَوس أَبِيه فَقَالَ مَا أَنْت بِالَّذِي وَضَعتهَا قَالَ أجل إِنَّه هلك وَأَنا ابْنه وَفِي للْملك قَالَ ردوا عَلَيْهِ وكساه حلَّة فَلَمَّا وَفد إِلَى النَّبِي أهداها إِلَيْهِ فَلم يقبلهَا فَبَاعَهَا من يَهُودِيّ بأَرْبعَة آلَاف دِرْهَم فَصَارَ ذَلِك فخرا ومنقبة لحاجب وعشيرته فَيَقُول أَبُو تَمام إِذا افتخرت تَمِيم بذلك فَأنْتم قتلتم الَّذين كسبوهم هَذَا الْمجد مِمَّا ارتهنوه وهدمتم عزهم وَإِنَّمَا يَعْنِي وقْعَة ذِي قار حِين قتلت بَنو شَيبَان الْعَجم

ونكلوا فيهم وَكَانَ رئيسهم سيار بن حَنْظَلَة الْعجلِيّ وَأَبُو دلف عجلي فَلذَلِك خاطبه بِهَذَا ا. هـ. وَقد لمح بَعضهم إِلَى قَوس حَاجِب بقوله فِي مليح قلندري قد حلق حَاجِبه فَقَالَ (الطَّوِيل) (حَبِيبِي بِحَق الله قل لي مَا الَّذِي ... دعَاك إِلَى هَذَا فَقَالَ مجابي) (وعدت بوصل العاشقين تعطفا ... فَلم يثقوا واسترهنوا قَوس حاجبي) وَلما أنْشد أَبُو تَمام أَبَا دلف هَذِه القصيدة استحسنها وَأَعْطَاهُ خمسين ألف دِرْهَم وَقَالَ وَالله إِنَّهَا لدوّنَ شعرك ثمَّ قَالَ لَهُ وَالله مَا مثل هَذَا القَوْل فِي الْحسن إِلَّا مَا رثيت بِهِ مُحَمَّد بن حميد الطوسي فَقَالَ وَأي ذَلِك أَرَادَ الْأَمِير قَالَ الرائية الَّتِي أَولهَا (الطَّوِيل) (كَذَا فليجل الْخطب وليفدح الْأَمر ... وَلَيْسَ لعين لم يفض مَاؤُهَا عذر) وددت وَالله أَنَّهَا لَك فِي قَالَ بل أفدي الْأَمِير بنفسي وأكون الْمُقدم قبله فَقَالَ إِنَّه لم يمت من رثي بِهَذَا الشّعْر وأَبُو تَمام الطَّائِي هُوَ حبيب بن أَوْس بن الْحَارِث بن قيس بن الْأَشَج بن يحيى ابْن مَرْوَان بن مر بن سعد بن كَاهِل بن عَمْرو بن عدي بن عَمْرو بن الْغَوْث بن طَيئ

ولد فِي جاسم بِالْجِيم وَالسِّين الْمُهْملَة وَهِي قَرْيَة من قرى الجيدور بِفَتْح الْجِيم وَسُكُون الْمُثَنَّاة التَّحْتِيَّة وَهُوَ إقليم من دمشق فِي آخر خلَافَة الرشيد سنة تسعين وَمِائَة وَقيل غير ذَلِك وَنَشَأ بِمصْر واشتغل إِلَى أَن صَار أوحد عصره كَانَ يحفظ أَرْبَعَة عشر ألف أرجوزة للْعَرَب غير المقاطيع والقصائد وَله كتاب الحماسة الَّذِي دلّ على غزارة علمه وَكَمَال فَضله وإتقان مَعْرفَته بِحسن اخْتِيَاره وَهُوَ فِي جمعه للحماسة أشعر مِنْهُ فِي شعره وَله كتاب مُخْتَار أشعار الْقَبَائِل وَهُوَ دون الحماسة وَكِلَاهُمَا عِنْدِي وَمَات سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ بعد الْمِائَتَيْنِ وَقيل غير هَذَا وَكَانَ شعره غير مُرَتّب فرتبه الصولي على الْحُرُوف ثمَّ رتبه عَليّ بن حَمْزَة الْأَصْفَهَانِي على أَنْوَاع الشّعْر وترجمته طَوِيلَة تركناها لشهرتها وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد الْخَامِس وَالْخَمْسُونَ وَهُوَ من شَوَاهِد س (الْكَامِل) (وَلَقَد أَمر على اللَّئِيم يسبني ... فمضيت ثمت قلت لَا يعنيني) على أَن التَّعْرِيف غير مَقْصُود قَصده فَإِن تَعْرِيف أل الجنسية لَفْظِي لَا يُفِيد التَّعْيِين وَإِن كَانَ فِي اللَّفْظ معرفَة وَقد أورد الشَّارِح هَذَا الْبَيْت فِي الْحَال وَالْإِضَافَة والنعت والموصوف والمعرف بأل أَيْضا وَجُمْلَة يسبني وصف اللَّئِيم فِي الْمَعْنى وَحَال مِنْهُ بِاعْتِبَار اللَّفْظ وَالْأول أظهر للمقصود وَهُوَ التمدح بالوقار

والتحمل لِأَن الْمَعْنى أَمر على اللَّئِيم الَّذِي عَادَته سبي وَلَا شكّ أَنه لم يرد كل لئيم وَلَا لئيما معينا وَالْوَاو للقسم وَلَقَد أَمر جَوَابه والمقسم بِهِ مَحْذُوف وَعبر بالمضارع حِكَايَة للْحَال الْمَاضِيَة كَمَا فِي الخصائص لِابْنِ جني أَو للاستمرار التجددي ومضيت مَعْطُوف على أَمر بِمَعْنى أمضي وَعبر بِهِ للدلالة على تحقق إعراضه عَنهُ وَقَوله ثمت هِيَ ثمَّ العاطفة وَإِذا كَانَت مَعَ التَّاء اخْتصّت بعطف الْجمل وَقَوله لَا يعنيني أَي لَا يهمني أَو بِمَعْنى لَا يقصدني وروى بدل هَذَا المصراع وأعف ثمَّ أَقُول مَا يعنيني يُقَال عف عَن الشَّيْء من بَاب ضرب عفة وعفافا امْتنع وَهَذَا الْبَيْت أول بَيْتَيْنِ لرجل من بني سلول ثَانِيهمَا (غَضْبَان ممتلئا عَليّ إهابه ... إِنِّي وحقك سخطه يرضيني) وغضبان بِالنّصب حَال من اللَّئِيم أَو بِالرَّفْع خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف ومتلئا حَال سَبَبِيَّة من ضمير غَضْبَان وإهابه فَاعل ممتلئا وَهُوَ فِي الأَصْل الْجلد الَّذِي لم يدبغ وَقد استعير هُنَا لجلد الْإِنْسَان والسخط بِالضَّمِّ اسْم مصدر والمصدر بِفتْحَتَيْنِ بِمَعْنى الْغَضَب وَالْفِعْل من بَاب تَعب وروى الْأَصْمَعِي بَيْتَيْنِ فِي هَذَا الْمَعْنى وهما (السَّرِيع) (لَا يغْضب الْحر على سفلَة ... وَالْحر لَا يغضبه النذل) (إِذا لئيم سبني جهده ... أَقُول زِدْنِي فلي الْفضل) وَأنْشد سِيبَوَيْهٍ الْبَيْت الشَّاهِد على أَن أَمر قد وضع مَوضِع مَرَرْت وَجَاز أَمر فِي معنى مَرَرْت لِأَنَّهُ لم يرد مَاضِيا مُنْقَطِعًا وَإِنَّمَا أَرَادَ أَن هَذَا

أمره ودابه فَجعله كالفعل الدَّائِم وَقيل معنى وَلَقَد أَمر رُبمَا أَمر فالفعل على هَذَا مَوْضِعه وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد السَّادِس وَالْخَمْسُونَ وَهُوَ من شَوَاهِد س (الرجز) (قد أَصبَحت أم الْخِيَار تَدعِي ... عَليّ ذَنبا كُله لم أصنع) على أَن الضَّمِير الْعَائِد على الْمُبْتَدَأ من جملَة الْخَبَر يجوز حذفه قِيَاسا عِنْد الْفراء إِذا كَانَ مَنْصُوبًا مَفْعُولا بِهِ والمبتدأ لفظ كل نقل الصفار أَنه مَذْهَب الْكسَائي أَيْضا وَقد نقل ابْن مَالك فِي التسهيل الْإِجْمَاع على جَوَاز ذَلِك وَزَاد على كل مَا أشبههَا فِي الْعُمُوم والافتقار من مَوْصُول وَغَيره نَحْو أَيهمْ يسألني أعطي وَنَحْو رجل يَدْعُو إِلَى الْخَيْر أُجِيب أَي أعْطِيه وأجيبه وَقَالَ شَارِح كَلَامه لم نر هَذَا الْإِجْمَاع بل مَنعه البصريون وَأما نَقله فِي شبه كل فقد قَالَ أَبُو حَيَّان لَا أعلم لَهُ سلفا فِي ذَلِك أَقُول الصَّحِيح جَوَازه بقلة لوروده فِي الْمُتَوَاتر قَرَأَ ابْن عَامر فِي سُورَة الْحَدِيد فَقَط وكل وعد الله الْحسنى وَأما فِي سُورَة النِّسَاء فقد قَرَأَ مثل الْجَمَاعَة بِالنّصب وَقَالَ ابْن جني فِي الْمُحْتَسب لحذف هَذَا الضَّمِير وَجه من الْقيَاس وَهُوَ تَشْبِيه عَائِد الْخَبَر بعائد الْحَال أَو الصّفة وَهُوَ إِلَى الْحَال أقرب لِأَنَّهَا ضرب من الْخَبَر وَهُوَ فِي الصّفة أمثل بشبه الصّفة بالصلة وَفِي حذفه من لم أصنع مَا يقوم مقَامه ويخلفه لِأَنَّهُ يُعَاقِبهُ وَلَا يجْتَمع مَعَه وَهُوَ حرف الْإِطْلَاق

أَعنِي الْيَاء فِي أصنعي فَلَمَّا حضر مَا يُعَاقب الْهَاء صَارَت لذَلِك كَأَنَّهَا حَاضِرَة ا. هـ. وَمَفْهُوم قَول الْفراء أَن الْمُبْتَدَأ إِذا لم يكن كلا يمْتَنع حذف الْعَائِد وَالصَّحِيح فِيهِ أَيْضا الْجَوَاز بقلة فِي الْكَلَام وَالشعر أما الأول فقد قَرَأَ يحيى وَإِبْرَاهِيم والسلمي فِي الشواذ أَفَحكم الْجَاهِلِيَّة يَبْغُونَ بِالْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّة وَأما الثَّانِي فكثير مِنْهُ قَول الشَّاعِر (فَخَالِد يحمد سَادَاتنَا) أَي يحمده سَادَاتنَا وَأعلم أَن الشَّارِح الْمُحَقق أورد هَذَا الشَّاهِد فِي بَاب الإشتغال أَيْضا وَقَالَ يرْوى بِرَفْع كل ونصبه وَكَذَلِكَ رَوَاهُمَا سِيبَوَيْهٍ وَقد أنكر عَلَيْهِ الْمبرد رِوَايَة الرّفْع وَقَالَ الَّذِي رَوَاهُ الْجرْمِي وَغَيره من الروَاة النصب فَقَط وَمنع هَذِه الْمَسْأَلَة نظما ونثرا قَالَ ابْن ولاد س أَيْضا رَوَاهُ بِالنّصب وَقَالَ إِن النصب أَكثر وَأعرف فأغنى هَذَا الِاحْتِجَاج عَلَيْهِ بقول الْجرْمِي أَلا ترى قَوْله إِن الرّفْع ضَعِيف وَهُوَ بِمَنْزِلَتِهِ فِي غير الشّعْر لِأَن النصب لَا يكسر وَلَا يخل بِهِ ترك إِضْمَار الْهَاء كَأَنَّهُ قَالَ كُله غير مَصْنُوع وَقد روى أهل الْكُوفَة وَالْبَصْرَة هَذِه الشواهد رفعا كَمَا رَوَاهَا س ا. هـ. وَظَاهر كَلَام س أَن الضَّرُورَة مَا لَيْسَ للشاعر عَنهُ فسحة وَتقدم الْكَلَام عَلَيْهَا فِي أول شَاهد من هَذِه الشواهد وَزعم تَقِيّ الدَّين السُّبْكِيّ فِي رِسَالَة كل وَفِي تَفْسِيره أَن رِوَايَة النصب

تَسَاوِي رِوَايَة الرّفْع فِي الْمَعْنى كُله غير مَصْنُوع وَهَذَا يَقْتَضِي أَن النصب أَيْضا يُفِيد الْعُمُوم وَأَنه لم يصنع شَيْئا مِنْهُ لما تقرر من دلَالَة الْعُمُوم وَقد تَأَمَّلت ذَلِك فَوجدت قَول س أصح من قَول البيانيين وَأَن الْمَعْنى حَضَره وَغَابَ عَنْهُم لِأَنَّهُ ابْتَدَأَ فِي اللَّفْظ بِكُل وَمَعْنَاهَا كل فَرد فَكَانَ عاملها الْمُتَأَخر فِي معنى الْخَبَر لِأَن السَّامع إِذا سمع الْمَفْعُول تشوف إِلَى عَامله كَمَا يتشوف سامع الْمُبْتَدَأ إِلَى الْخَبَر وَبِه يتم الْكَلَام فَكَانَ كُله لم أصنع مَرْفُوعا ومنصوبا سَوَاء فِي الْمَعْنى وَإِن اخْتلفَا فِي الْإِعْرَاب وَيبعد كل الْبعد أَن يحمل كَلَام سِيبَوَيْهٍ على أَن كُله لم أصنع بِالرَّفْع وَالنّصب مَعْنَاهُ عدم صنع الْمَجْمُوع فَيكون قد صنع بعضه لِأَن معنى الحَدِيث على خلَافَة فِي قَوْله كل ذَلِك لم يكن إِلَى آخر مَا ذكره وَنقل الدماميني بعض هَذَا الْكَلَام فِي الْحَاشِيَة الْهِنْدِيَّة وَقَالَ وَكَأن ابْن هِشَام لم يقف على كَلَام س فَنقل تَسَاوِي الْمَعْنى فِي الرّفْع وَالنّصب عَن الشلوبين وَابْن مَالك وَلَو وقف على كَلَام سِيبَوَيْهٍ لم ينْقل عَنْهُمَا (فَخَالِد يحمد سَادَاتنَا) أَي: يحمده سَادَاتنَا. وَاعْلَم أَن الشَّارِح الْمُحَقق أورد هَذَا الشَّاهِد فِي بَاب الِاشْتِغَال أَيْضا وَقَالَ: " يرْوى بِرَفْع كل ونصبه ". وَكَذَلِكَ رَوَاهُمَا سبيويه. وَقد أنكر عَلَيْهِ الْمبرد رِوَايَة الرّفْع وَقَالَ: الَّذِي رَوَاهُ الْجرْمِي وَغَيره من الروَاة النصب فَقَط، وَمنع هَذِه الْمَسْأَلَة نظماً ونثراً. قَالَ ابْن ولاد: س أَيْضا رَوَاهُ بِالنّصب، وَقَالَ: إِن النصب أَكثر وَأعرف، فأغنى هَذَا عَن الِاحْتِجَاج عَلَيْهِ بقول الْجرْمِي، أَلا ترى قَوْله إِن الرّفْع ضَعِيف وَهُوَ بِمَنْزِلَتِهِ فِي غير الشّعْر لِأَن النصب لَا يكسر، وَلَا يخل بِهِ ترك إِضْمَار الْهَاء، كَأَنَّهُ قَالَ كُله غير مَصْنُوع. وَقد روى أهل الْكُوفَة وَالْبَصْرَة هَذِه الشواهد رفعا كَمَا رَوَاهَا س ا. هـ. وَظَاهر كَلَام س أَن الضَّرُورَة مَا لَيْسَ للشاعر فسحة. وَتقدم الْكَلَام عَلَيْهَا فِي أول شَاهد من هَذِه الشواهد. وَزعم تَقِيّ الدَّين السُّبْكِيّ فِي رِسَالَة " كل " وَفِي تَفْسِيره: أَن رِوَايَة النصب تَسَاوِي رِوَايَة الرّفْع فِي الْمَعْنى؛ وَذَلِكَ أَنه قَالَ: " لَا فرق بَين الرّفْع وَالنّصب فِي قَول س: إِن الْمَعْنى: كُله غير مَصْنُوع. وَهَذَا يَقْتَضِي أَن النصب أَيْضا يُفِيد الْعُمُوم، وَأَنه لم يصنع شَيْئا مِنْهُ، لما تقرر من دلَالَة الْعُمُوم. قد تَأَمَّلت ذَلِك فَوجدت قَول س أصح من قَول البيانيين، وَأَن الْمَعْنى حَضَره وَغَابَ عَنْهُم؛ لِأَنَّهُ ابْتَدَأَ فِي اللَّفْظ بِكُل وَمَعْنَاهَا كل فَرد، فَكَانَ عاملها الْمُتَأَخر فِي معنى الْخَبَر، لِأَن السَّامع إِذا سمع الْمَفْعُول تشوف إِلَى عَامله كَمَا يتشوف سامع الْمُبْتَدَأ إِلَى الْخَبَر، وَبِه يتم الْكَلَام؛ فَكَانَ كُله لم أصنع مَرْفُوعا ومنصوباً سَوَاء فِي الْمَعْنى، وَإِن اخْتلفَا فِي الْإِعْرَاب. وَيبعد كل الْبعد أَن يحمل كَلَام سِيبَوَيْهٍ على أَن كُله لم أصنع بِالرَّفْع وَالنّصب مَعْنَاهُ عدم صنع الْمَجْمُوع فَيكون قد صنع بعضه؛ لِأَن معنى الحَدِيث على خِلَافه فِي قَوْله: كل ذَلِك لم يكن ". إِلَى آخر مَا ذكره. وَنقل الدماميني بعض هَذَا الْكَلَام فِي الْحَاشِيَة الْهِنْدِيَّة وَقَالَ: وَكَأن ابْن هِشَام لم يقف على كَلَام س فَنقل تَسَاوِي الْمَعْنى فِي الرّفْع وَالنّصب عَن الشلوبين وَابْن مَالك؛ وَلَو وقف على كَلَام سِيبَوَيْهٍ لم ينْقل عهما. وَقد نقل الشَّيْخ بهاء الدَّين كَلَام سِيبَوَيْهٍ فِي عروس الأفراح وَبَينه تَابعا لوالده السُّبْكِيّ وَرِوَايَة الرّفْع عِنْد عُلَمَاء الْبَيَان هِيَ الجيدة فَإِنَّهَا تفِيد عُمُوم السَّلب وَرِوَايَة النصب سَاقِطَة عَن الِاعْتِبَار بل لَا تصح فَإِنَّهَا تفِيد سلب الْعُمُوم وَهُوَ خلاف الْمَقْصُود وَمَا ذكره السُّبْكِيّ لم يعرجوا عَلَيْهِ وَهُوَ مفصل فِي التَّلْخِيص وشروحه وَرَأَيْت للفاضل اليمني على هَذَا الْبَيْت كلَاما أَحْبَبْت إِيرَاده وَهُوَ قَوْله

معنى هَذَا الْبَيْت أَن هَذِه الْمَرْأَة أَصبَحت تَدعِي عَليّ ذَنبا وَهُوَ الشيب والصلع وَالْعجز وَغير ذَلِك من مُوجبَات الشيخوخة وَلم يقل ذنوبا بل قَالَ ذَنبا لِأَن المُرَاد كبر السن الْمُشْتَمل على كل عيب وَلم أصنع شَيْئا من ذَلِك الذَّنب وَلم ينصب كُله لِأَنَّهُ لَو نَصبه مَعَ تقدمه على ناصبه لأفاد تَخْصِيص النَّفْي بِالْكُلِّ وَيعود دَلِيلا على أَنه فعل بعض ذَلِك الذَّنب وَمرَاده تَنْزِيه نَفسه عَن كل جُزْء مِنْهُ فَلذَلِك رَفعه إِيذَانًا مِنْهُ بِأَنَّهُ لم يصنع شَيْئا مِنْهُ قطّ بل كُله بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ غير مَصْنُوع ثمَّ قَالَ وَلقَائِل أَن يَقُول لما كَانَ الضَّمِير فِي كُله عَائِدًا إِلَى ذَنبا وَهُوَ نكرَة والنكرة لوَاحِد غير معِين لابد أَن يكون الْمُضمر هُوَ ذَلِك الذَّنب الَّذِي لَيْسَ بِمعين فَقَط لإعادة الضَّمِير بِهِ فَلَا يكون نَفْيه نفيا لجَمِيع الذُّنُوب فَلَا يلْزم مَا ذكره من تَنْزِيه نَفسه من جملَة الذُّنُوب لَا يُقَال إِن الضَّمِير لما كَانَ عبارَة عَن النكرَة الْمَذْكُورَة وَدخُول النَّفْي عَلَيْهَا يَقْتَضِي الْعُمُوم فدخول النَّفْي عَلَيْهِ أَيْضا يَقْتَضِي ذَلِك لأَنا نقُول إِن الْفرق ظَاهر بَين قَوْلنَا لم أصنع ذَنبا وَبَين قَوْلنَا لم أصنع ذَلِك الذَّنب الْمَذْكُور الَّذِي لَيْسَ بِمعين فِي اقْتِضَاء الأول الْعُمُوم دون الثَّانِي ا. هـ. وَقَوله وَلقَائِل أَن يَقُول إِلَخ فِيهِ إِنَّه قَالَ أَولا إِن قَالَ أَولا إِن ذَنْب الشيخوخة يسْتَلْزم ثُبُوته جَمِيع الذُّنُوب وَحِينَئِذٍ نَفْيه يسْتَلْزم نفي جَمِيع الذُّنُوب وَقَوله والنكرة لوَاحِد غير معِين فِيهِ أَنه حمل الذَّنب \ سَابِقًا على كبر السن الْمُشْتَمل على كل عيب فَالْمُرَاد بِهِ معِين وَأفَاد أَن كلا حِينَئِذٍ لاستغراق أَجزَاء هَذَا الذِّئْب الْمعِين فَإِن رفع كل أَفَادَ استغراق جَمِيع أَجزَاء ذَلِك الذَّنب وَإِن نصب كل أَفَادَ سلب الْعُمُوم لجَمِيع الْأَجْزَاء وَاقْتضى ثُبُوت بعض الْأَجْزَاء فَهَذَا الْبَحْث غير وَارِد فَتَأمل

وَبِهَذَا يسْقط قَوْله بعد هَذَا ثمَّ نقُول فَتكون الْقَضِيَّة حِينَئِذٍ شخصية وَالتَّقْدِير كل ذَلِك الذَّنب غير مَصْنُوع لي وَإِنَّمَا يكون ذَلِك إِذا كَانَ هُنَالك ذَنْب ذُو أَجزَاء يُمكن الاتصاف بِبَعْضِه دون بعض وعَلى هَذَا إِمَّا أَن يكون المُرَاد بِالْكُلِّ الْكل المجموعي وَهُوَ الْغَالِب الظَّاهِر من دُخُوله فِي الشخصيات فَلَا تفَاوت فِي تقدم السَّلب عَلَيْهِ وتقديمه على السَّلب فِي عدم اقْتِضَاء شُمُول النَّفْي جَمِيع الْأَجْزَاء أَو يكون المُرَاد كل وَاحِد من الْأَجْزَاء كَمَا يسْتَعْمل فِي الْكُلِّي بِاعْتِبَار الجزئيات فقد يظْهر الْفرق بَينهمَا فَإنَّك إِن رفعت كلا لزم عُمُوم النَّفْي لجَمِيع الْأَجْزَاء وَإِن نصبتها لَا يلْزم مَعَ أَن الِاسْتِعْمَال على هَذَا الْوَجْه فِي الشخصي قَلِيل فَإِنَّهُ لَا يلْزم صدق مَا ذكره من تبرئة نَفسه من جملَة أَجزَاء ذَلِك الذَّنب الْوَاحِد 1 ,. هـ وَقَالَ ابْن خلف قَوْله كُله لم أصنع يحْتَمل أَمريْن أَحدهمَا أَنه أَرَادَ أَنه لم يصنع جَمِيعهَا وَلَا شَيْئا مِنْهَا وَالْوَجْه الآخر أَنه صنع بَعْضهَا وَلم يصنع جَمِيعهَا كَمَا تَقول لمن يدعى عَلَيْك أَشْيَاء لم تفعل جَمِيعهَا مَا فعلت جَمِيع مَا ذكرت بل فعلت بَعْضهَا ا. هـ. أَقُول احْتِمَاله لوَجْهَيْنِ غير صَحِيح فَإِن كلا مِنْهُمَا مَدْلُول رِوَايَة يعلم وَجههَا مِمَّا تقدم وَقَوله أَرَادَ بقوله ذَنبا ذنوبا لكنه اسْتعْمل الْوَاحِد فِي مَوضِع الْجمع لَيْسَ كَذَلِك كَمَا علم من كَلَام الْفَاضِل اليمني وَهَذَا الْبَيْت مطلع أرجوزة لأبي النَّجْم الْعجلِيّ وَبعده (الرجز) (من أَن رَأَتْ رَأْسِي كرأس الأصلع ... ميز عَنهُ قنزعا عَن قنزع) (جذب اللَّيَالِي أبطئي أَو أسرعي ... قرنا أشيبيه وقرنا فانزعي) (أفناه قيل الله للشمس أطعي ... حَتَّى إِذا واراك أفق فارجعي) ...

(حَتَّى بدا بعد السخام الأفرع ... يمشي كمشي الأهدأ المكنع) (يَا ابْنة عَمَّا لَا تلومي واهجعي ... لَا يخرق اللوم حجاب مسمعي) (الم يكن يبيض إِن لم يصلع ... إِن لم يُصِبْنِي قبل ذَاك مصرعي) (أفناه مَا أفنى إيادا فاربعي ... وَقوم عَاد قبلهم وَتبع) (لَا تسمعيني مِنْك لوما واسمعي ... أيهات أيهات فَلَا تطلعي) (هِيَ الْمَقَادِير فلومي أَو دعِي ... لَا تطمعي فِي فرقتي لَا تطمعي) (وَلَا تروعيني لَا تروعي ... واستشعري الْيَأْس وَلَا تفجعي) (فَذَاك خير لَك من أَن تجزعي ... فتحبسي وتشتمي وتوجعي) وأم الْخِيَار هِيَ زَوْجَة أبي النَّجْم وَقَوله من أَن رَأَتْ إِلَخ من تعليلية وَزعم القونوي فِي شرح تَلْخِيص الْمِفْتَاح أَنَّهَا بَيَانِيَّة ثمَّ قَالَ فَإِن قلت كَيفَ يبين الذَّنب بِرُؤْيَة أم الْخِيَار فَإِن الرُّؤْيَة قَائِمَة بهَا والذنب قَائِم بِهِ قلت أَرَادَ المرئي وَأطلق عَلَيْهِ الرُّؤْيَة للملابسة انْتهى والأصلع هُوَ الَّذِي لم يكن شعر على رَأسه وصلع الرَّأْس صلعا من بَاب تَعب والصلع يحدث للمشايخ إِذا طعنوا فِي السن قَالَ ابْن سينا وَلَا يحدث الصلع للنِّسَاء لِكَثْرَة رطوبتهن وَلَا للخصيان لقرب أمزجتهم من أمزجة النِّسَاء والتمييز الْعَزْل وَفصل شَيْء من شَيْء وَالتَّشْدِيد للكثرة فَإِنَّهُ يُقَال مازه ميزا وَيكون فِي المشتبهات وَضمير عَنهُ للرأس والقنزع كقنفذ والقنزعة بِضَم الزَّاي وَفتحهَا وَهِي الشّعْر حوالي الرَّأْس والخصلة من الشّعْر تتْرك على رَأس الصَّبِي أَو هِيَ مَا ارْتَفع من الشّعْر وَطَالَ وَأما نهى النَّبِي عَن القنازع فَهِيَ أَن يُؤْخَذ الشّعْر وَيتْرك مِنْهُ مَوَاضِع كَذَا فِي الْقَامُوس

وَجعل النُّون أَصْلِيَّة وَعَن بِمَعْنى بعد وجذب اللَّيَالِي فَاعل ميز قَالَ فِي الصِّحَاح جذب الشَّهْر مضى عامته وَقَوله أبطئي أَو أسرعي حَال من اللَّيَالِي على تَقْدِير القَوْل أَو كَون الْأَمر بِمَعْنى الْخَبَر وَصحت من الْمُضَاف إِلَيْهِ لِأَن الْمُضَاف عَامل فيهمَا وَقيل صفة اللَّيَالِي وَيجوز أَن يكون مُنْقَطِعًا أَي أصنعي أيتها اللَّيَالِي فَلَا أُبَالِي بعد هَذَا وَقَالَ القونوي وَقد يجوز أَن يكون استئنافا أمرا لأم الْخِيَار على معنى أَن حَالي مَا قررت لَك فَعِنْدَ ذَلِك أبطئي أَو أسرعي فِي قبُول الْعذر فِيهِ فَلَا محيص لي عَن ذَلِك وَهَذَا بديع انْتهى وَهَذِه غَفلَة عَمَّا بعده وَهُوَ قرنا أشيبيه إِلَخ فَإِنَّهُ خطاب لليالي والقرن بِفَتْح الْقَاف الْخصْلَة من الشّعْر ونصبه من بَاب الِاشْتِغَال والقرن الثَّانِي مفعول لما بعده وأشيبيه فعل أَمر وَالْيَاء ضمير اللَّيَالِي يُقَال أشاب الْحزن رَأسه وبرأسه بِمَعْنى شَيْبه وَقَوله وانزعي من النزع بِفتْحَتَيْنِ وَهُوَ انحسار الشّعْر عَن جَانِبي الْجَبْهَة من الرَّأْس وَهُوَ أنزع وَذَلِكَ الْموضع النزعة محركة وَقَوله أفناه قيل الضَّمِير لجذب وَقيل لشعر رَأسه وَقيل لأبي النَّجْم وَهُوَ الْمُنَاسب لما بعده وَقيل الله أمره وَهُوَ فَاعل أفناه وَهَذَا يدل على أَن الشَّاعِر لَا يُرِيد أَن الْمُمَيز هُوَ جذب اللَّيَالِي الَّذِي هُوَ ظَاهر كَلَامه بل يُرِيد أَن الْمُمَيز قَول الله وَأمره وَقَوله حَتَّى بدا فَاعله الْمُسْتَتر ضمير أبي النَّجْم والسخام بِضَم السِّين وَالْخَاء الْمُعْجَمَة اللين يُقَال ثوب سخام إِذا كَانَ لين الْمس مثل الْخَزّ وَرِيش سخام أَي لين رَقِيق والأفرع بِالْفَاءِ هُوَ التَّام الشّعْر قَالَ فِي الصِّحَاح وَلَا يُقَال للرجل إِذا كَانَ

عَظِيم اللِّحْيَة أَو الجمة أفرع وَإِنَّمَا يُقَال رجل أفرع بضد الأصلع والأهدأ مَهْمُوز كجعفر الأحدب والتكنع التقبض كنع كفرح يبس وتشنج وَشَيخ كنع ككتف شنج وكنع كمنع كنوعا انقبض وانضم يَقُول يمشى أَبُو النَّجْم بعد الشَّبَاب كَمَا يمشي الأحدب المتقبض الكز من الْكبر وَقَوله يَا ابْنة عَمَّا إِلَخ اسْتشْهد بِهِ شرَّاح الألفية على أَن أَصله يَا أبنه عمي فابدلت الْيَاء ألفا وفاعل يبيض ضمير الرَّأْس وإياد بِالْكَسْرِ حَيّ من معد وَقَوله فاربعي فِي الصِّحَاح ربع الرجل يربع بفتحهما إِذا وقف وتحبس وَمِنْه قَوْلهم أَربع على نَفسك أَي ارْفُقْ بِنَفْسِك وكف وأيهات أيهات لُغَة فِي هَيْهَات وتطلعي بِفَتْح التَّاء وَتَشْديد اللَّام وَأَصله تتطلعي بتاءين من التطلع للشَّيْء وَقَوله واستشعري يُقَال استشعر خوفًا أَي أضمره واليأس ضد الرَّجَاء وترجمة أبي النَّجْم تقدّمت فِي الشَّاهِد السَّابِع وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد السَّابِع وَالْخَمْسُونَ وَهُوَ من شَوَاهِد س (الوافر) (ثَلَاث كُلهنَّ قتلت عمدا ... فأخزى الله رَابِعَة تعود) لما تقدم فِي الْبَيْت قبله وَهُوَ أَنه حذف عَائِد الْمُبْتَدَأ الَّذِي هُوَ كُلهنَّ من جملَة الْخَبَر حذفا قياسيا عِنْد الْفراء قَالَ الأعلم اسْتشْهد بِهِ س على رفع كل مَعَ حذف الضَّمِير من الْفِعْل وَجعله مثل زيد ضربت وَلَو نصب وَقَالَ كُله لم أصنع وكلهن قتلت لأجراه على مَا يَنْبَغِي وَلم يحْتَج

إِلَى الرّفْع مَعَ حذف الضَّمِير وَالْقَوْل عِنْدِي أَن الرّفْع هُنَا أقوى من زيد ضربت لِأَن كلا لَا يحسن حملهَا على الْفِعْل لِأَن أَصْلهَا أَن تَأتي تَابِعَة للاسم مُؤَكدَة كَقَوْلِك ضربت الْقَوْم كلهم أَو مُبتَدأَة بعد كَلَام نَحْو الْقَوْم كلهم ذَاهِب فَإِن قلت ضربت كل الْقَوْم وبنيتها على الْفِعْل لَخَرَجت عَن الأَصْل فَيَنْبَغِي أَن يكون الرّفْع أقوى من النصب وَتَكون الضَّرُورَة حذف الْهَاء لَا رفع كل انْتهى وَتَبعهُ فِي هَذَا ابْن الْحَاجِب فِي شرح الْمفصل وَنَقله عَنهُ السعد فِي المطول وَنقل ابْن الْأَنْبَارِي فِي الْإِنْصَاف أَن هَذَا الْبَيْت مِمَّا اسْتدلَّ بِهِ الْكُوفِيُّونَ على جَوَاز تَأْكِيد النكرَة قَالَ وَلَا حجَّة لَهُم فِيهِ لِأَنَّهُ مَحْمُول على أَنه بدل لَا تَأْكِيد وَيجوز أَن يكون أَيْضا ثَلَاث مُبْتَدأ وكلهن مُبْتَدأ ثَان وَقتلت خبر كُلهنَّ وهما جَمِيعًا خبر ثَلَاث انْتهى وَقَالَ أَبُو جَعْفَر النّحاس وَلَا ينشد ثَلَاثًا بنصبه بقتلت لِأَن قَوْله كُلهنَّ قتلت جملَة فِي مَوضِع نعت لثلاث وَمن رفع قدره لي ثَلَاث وَيكون كُلهنَّ قتلت نعتا وَإِنَّمَا لم يجز أَن يرْوى ثَلَاثًا لِئَلَّا يتَقَدَّم النَّعْت على المنعوت انْتهى أَقُول من رفع وَجعل الْجُمْلَة بعده نعتا قدر لي وَنَحْوه خَبرا للمبتدأ وَقَوله وَإِنَّمَا لم يجز أَن يرْوى ثَلَاثًا إِلَخ مُرَاده أَنه إِذا نصب ثَلَاث بقتلت كَانَ ثَلَاثًا منعوتا بجملة كُلهنَّ قتلت فَيكون قتلت من أَجزَاء

النَّعْت لثلاثا لِأَنَّهُ بعض الْجُمْلَة المنعوت بهَا وَمَعَ كَونه من أَجزَاء النَّعْت هُوَ عَامل فِي المنعوت الْمُتَقَدّم فَيكون المنعوت مُتَأَخِّرًا فِي الرُّتْبَة فَيلْزم تَقْدِيم النَّعْت على المنعوت من حَيْثُ الرُّتْبَة وَهَذَا كَلَام مُخَالف للقواعد لَا يَنْبَغِي تسطيره من مثله وَنقل ابْن خلف عَن أبي عَليّ أَن ثَلَاث مُبْتَدأ وكلهن قتلت خبر كَأَنَّهُ فِي تَقْدِير زيد أَخَاهُ ضَربته وَفِيه نظر فَإِن الشَّاهِد لَيْسَ من بَاب الِاشْتِغَال لعدم الضَّمِير فَتَأمل وَأعلم أَن الضَّمِير الْمَحْذُوف من الشَّاهِد تَقْدِيره قتلتها لِأَن كلا المضافة إِلَى الْمعرفَة يكون عائدها مُفردا قَالَ تَعَالَى {وَكلهمْ آتيه} وَفِي الحَدِيث كلكُمْ جَائِع إِلَّا من أطعمته وَقَالَ الشَّاعِر (الطَّوِيل) (وَكلهمْ قد نَالَ شبعا لبطنه ... وشبع الْفَتى لؤم إِذا جَاع صَاحبه ... وَقَالَ آخر (الوافر) (وكل الْقَوْم يسْأَل عَن نفَيْل ... كَأَن عَليّ للحبشان دينا) قَالَ أَبُو حَيَّان وَلَا يكَاد يُوجد فِي لِسَان الْعَرَب كلهم يقومُونَ وَلَا كُلهنَّ قائمات وَإِن كَانَ مَوْجُودا فِي تَمْثِيل كثير من النُّحَاة قَالَ السُّبْكِيّ فِي رِسَالَة كل وَقد طلبته فَلم أَجِدهُ وَجوز ابْن مَالك وَغَيره أَن يحمل على الْمَعْنى فَيجمع وَجعلُوا مِنْهُ أَنْتُم كلكُمْ بَيْنكُم دِرْهَم قَالُوا يجوز كلكُمْ بَينه دِرْهَم على اللَّفْظ وَبَيْنكُم على الْمَعْنى وَإِن جعل كلكُمْ توكيدا جوز بَعضهم أَيْضا أَن يَقُول بَينه وَالْمَشْهُور بَيْنكُم انْتهى

وَقدر الضَّمِير هُنَا بَعضهم قتلتهن وَكَأَنَّهُ بناه على مَذْهَب ابْن مَالك وَقدره ابْن خلف نقلا عَن بَعضهم قتلته أَو قَتلتهمْ وَلَا أعرف وَجهه وَقَوله فأخزى الله هَذِه جملَة دعائية يُقَال خزي الرجل خزيا من بَاب علم ذل وَهَان وأخزاه الله أذله وأهانه وتعود من الْعود وَهُوَ الرُّجُوع قَالَ صَاحب الْمِصْبَاح عَاد إِلَى كَذَا وَعَاد لَهُ أَيْضا عودا وعودة صَار إِلَيْهِ فالصلة هُنَا محذوفة أَي تعود إِلَيّ قَالَ ابْن خلف يجوز أَن يُرِيد بِالثلَاثِ ثَلَاث نسْوَة تزوجهن وَيجوز أَن يُرِيد ثَلَاث نسْوَة هوينه فقتلهن هَوَاهُ أَو يعْنى غير ذَلِك مِمَّا يحْتَملهُ الْمَعْنى وَجعل مَجِيء الرَّابِعَة عودا وَإِن لم تكن جَاءَت قبل لِأَنَّهُ جعل فعل صواحبها الماضيات كَأَنَّهُ فعلهَا انْتهى وَقَالَ شَارِح أَبْيَات الموشح ويروى تقود من الْقود وَهُوَ الْقصاص وَهَذَا الْبَيْت وَإِن كَانَ من شَوَاهِد س لَا يعرف مَا قبله وَلَا مَا بعده وَلَا قائلة فَإِن سِيبَوَيْهٍ إِذا اسْتشْهد بِبَيْت لم يذكر ناظمه وَأما الأبيات المنسوبة فِي كِتَابه إِلَى قائليها فالنسبة حَادِثَة بعده اعتنى بنسبتها أَبُو عمر الْجرْمِي قَالَ الْجرْمِي نظرت فِي كتاب سِيبَوَيْهٍ فَإِذا فِيهِ ألف وَخَمْسُونَ بَيْتا فَأَما ألف فَعرفت أَسمَاء قائليها فأثبتها وَأما خَمْسُونَ فَلم أعرف أَسمَاء قائليها وَإِنَّمَا امْتنع سِيبَوَيْهٍ من تَسْمِيَة الشُّعَرَاء لِأَنَّهُ كره أَن يذكر الشَّاعِر وَبَعض الشّعْر يروي لشاعرين وَبَعضه منحول لَا يعرف قَائِله لِأَنَّهُ قدم الْعَهْد بِهِ وَفِي كِتَابه

شَيْء مِمَّا يرْوى لشاعرين فاعتمد على شُيُوخه وَنسب الإنشاد إِلَيْهِم فَيَقُول أنشدنا يَعْنِي الْخَلِيل وَيَقُول أنشدنا يُونُس وَكَذَلِكَ يفعل فِيمَا يحكيه عَن أبي الْخطاب وَغَيره مِمَّن أَخذ عَنهُ وَرُبمَا قَالَ أَنْشدني أَعْرَابِي فصيح وَزعم بعض الَّذين ينظرُونَ فِي الشّعْر أَن فِي كِتَابه أبياتا لَا تعرف فَيُقَال لَهُ لسنا ننكر أَن تكون أَنْت لَا تعرفها وَلَا أهل زَمَانك وَقد خرج كتاب سِيبَوَيْهٍ إِلَى النَّاس وَالْعُلَمَاء كثير والعناية بِالْعلمِ وتهذيبه أكيده وَنظر فِيهِ وفتش فَمَا طعن أحد من الْمُتَقَدِّمين عَلَيْهِ وَلَا أدعى أَنه أَتَى بِشعر مُنكر وَقد روى فِي كِتَابه قِطْعَة من اللُّغَة غَرِيبَة لم يدْرك أهل اللُّغَة معرفَة جَمِيع مَا فِيهَا وَلَا ردوا حرفا مِنْهَا قَالَ أَبُو إِسْحَاق إِذا تَأَمَّلت الْأَمْثِلَة من كتاب سِيبَوَيْهٍ تبينت أَنه أعلم النَّاس باللغة قَالَ أَبُو جَعْفَر النّحاس وَحدثنَا عَليّ بن سُلَيْمَان قَالَ حَدثنَا مُحَمَّد بن يزِيد أَن المفتشين من أهل الْعَرَبيَّة وَمن لَهُ الْمعرفَة باللغة تتبعوا على سِيبَوَيْهٍ الْأَمْثِلَة فَلم يجدوه ترك من كَلَام الْعَرَب إِلَّا ثَلَاثَة أَمْثِلَة مِنْهَا الهندلع وَهِي بقلة والدرداقس وَهُوَ عظم فِي الْقَفَا وشنمصير وَهُوَ اسْم أَرض وَقد فسر {الْأَصْمَعِي حروفا من اللُّغَة الَّتِي فِي كِتَابه وَفسّر الْجرْمِي الْأَبْنِيَة وفسرها أَبُو حَاتِم وَأحمد بن يحيى وكل وَاحِد مِنْهُم يَقُول مَا عِنْده فِيمَا يُعلمهُ وَيقف عَمَّا لَا علم لَهُ بِهِ وَلَا يطعن على مَا لَا يعرفهُ ويعترف لسيبويه فِي اللُّغَة بالثقة وَأَنه علم مَا لم يعلمُوا وروى مَا لم يرووا

قَالَ أَبُو جَعْفَر لم يزل أهل الْعَرَبيَّة يفضلون كتاب سِيبَوَيْهٍ حَتَّى لقد قَالَ مُحَمَّد بن يزِيد لم يعْمل كتاب فِي علم من الْعُلُوم مثل كتاب سِيبَوَيْهٍ وَذَلِكَ أَن الْكتب المصنفة فِي الْعُلُوم مضطرة إِلَى غَيرهَا وَكتاب سِيبَوَيْهٍ لَا يحْتَاج من فهمه إِلَى غَيره وَقَالَ أَبُو جَعْفَر سَمِعت أَبَا بكر بن شقير يَقُول حَدثنِي أَبُو جَعْفَر الطَّبَرِيّ قَالَ سَمِعت الْجرْمِي يَقُول هَذَا وَأَوْمَأَ بيدَيْهِ إِلَى أذنية وَذَلِكَ أَن أَبَا عمر الْجرْمِي كَانَ صَاحب حَدِيث فَلَمَّا علم كتاب سِيبَوَيْهٍ تفقه فِي الحَدِيث إِذْ كَانَ كتاب سِيبَوَيْهٍ يتَعَلَّم مِنْهُ النّظر والتفتيش قَالَ أَبُو جَعْفَر وَقد حكى بعض النَّحْوِيين أَن الْكسَائي قَرَأَ على الْأَخْفَش كتاب سِيبَوَيْهٍ وَدفع إِلَيْهِ مِائَتي دِينَار وَحكى أَحْمد بن جَعْفَر أَن كتاب سِيبَوَيْهٍ وجد بعضه تَحت وسَادَة الْفراء الَّتِي كَانَ يجلس عَلَيْهَا وَكَانَ الْمبرد يَقُول إِذا أَرَادَ مُرِيد أَن يقْرَأ عَلَيْهِ كتاب سِيبَوَيْهٍ هَل ركبت الْبَحْر تَعْظِيمًا لما فِيهِ واستصعابا لألفاظه ومعانيه وَقَالَ الْمَازِني من أَرَادَ أَن يعْمل كتابا كَبِيرا فِي النَّحْو بعد كتاب سِيبَوَيْهٍ فليستحي مِمَّا أقدم عَلَيْهِ وَقَالَ أَيْضا مَا أَخْلو فِي كل زمن من أعجوبة فِي كتاب سِيبَوَيْهٍ وَلِهَذَا سَمَّاهُ النَّاس قُرْآن النَّحْو وَقَالَ ابْن كيسَان نَظرنَا فِي كتاب سِيبَوَيْهٍ فوجدناه فِي الْموضع الَّذِي يسْتَحقّهُ وَوجدنَا أَلْفَاظه تحْتَاج إِلَى عبارَة وإيضاح لِأَنَّهُ كتاب ألف فِي زمَان كَانَ أَهله يألفون مثل هَذِه الْأَلْفَاظ فاختصر على مذاهبهم

قَالَ أَبُو جَعْفَر وَرَأَيْت عَليّ بن سُلَيْمَان يذهب إِلَى غير مَا قَالَ ابْن كيسَان قَالَ عمل سِيبَوَيْهٍ كِتَابه على لُغَة الْعَرَب وخطبها وبلاغتها فَجعل فِيهِ بَينا مشروحا وَجعل فِيهِ مشتبها ليَكُون لمن استنبط وَنظر فضل وعَلى هَذَا خاطبهم الله عَزَّ وَجَلَّ بِالْقُرْآنِ قَالَ أَبُو جَعْفَر وَهَذَا الَّذِي قَالَه عَليّ بن سُلَيْمَان حسن لِأَن بِهَذَا يشرف قدر الْعَالم وتفضل مَنْزِلَته إِذْ كَانَ ينَال الْعلم بالفكرة واستنباط الْمعرفَة وَلَو كَانَ كُله بَينا لاستوى فِي علمه جَمِيع من سَمعه فَيبْطل التَّفَاضُل وَلَكِن يسْتَخْرج مِنْهُ الشَّيْء بالتدبر وَلذَلِك لَا يمل لِأَنَّهُ يزْدَاد فِي تدبره علما وفهما وَقَالَ مُحَمَّد بن يزِيد الْمبرد قَالَ يُونُس وَقد ذكر عِنْده سِيبَوَيْهٍ أَظن هَذَا الْغُلَام يكذب على الْخَلِيل فَقيل لَهُ قد روى عَنْك أَشْيَاء فَانْظُر فِيهَا فَنظر وَقَالَ صدق فِي جَمِيع مَا قَالَ هُوَ قولي وَمَات سِيبَوَيْهٍ قبل جمَاعَة قد كَانَ أَخذ عَنْهُم كيونس وَغَيره وَقد كَانَ يُونُس مَاتَ فِي سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وَمِائَة وَذكر أَبُو زيد النَّحْوِيّ اللّغَوِيّ كالمفتخر بذلك بعد موت سِيبَوَيْهٍ قَالَ كل مَا قَالَ سِيبَوَيْهٍ وَأَخْبرنِي الثِّقَة فَأَنا أخْبرته بِهِ وَمَات أَبُو زيد بعد موت سِيبَوَيْهٍ بنيف وَثَلَاثِينَ سنة وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد الثَّامِن وَالْخَمْسُونَ وَهُوَ من شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ

(المتقارب) اوله (فَأَقْبَلت زحفا على الرُّكْبَتَيْنِ) على أَن حذف الضَّمِير الْمَنْصُوب بِالْفِعْلِ من الْخَبَر سَمَاعي أَي فثوب نَسِيته وثوب أجره قَالَ ابْن عقيل فِي شرح الألفية وَجَاز الِابْتِدَاء بِثَوْب وَهُوَ نكرَة لِأَنَّهُ قصد بِهِ التنويع قَالَ الأعلم وَيجوز عِنْدِي أَن يكون نسيت وَأجر من نعت الثَّوْبَيْنِ فَيمْتَنع أَن يعْمل فِيهِ لِأَن النَّعْت لَا يعْمل فِي المنعوت فَيكون التَّقْدِير فثوباي ثوب منسي وثوب مجرور وَقَالَ ابْن هِشَام فِي مُغنِي اللبيب وَمِمَّا ذكرُوا من المسوغات أَن تكون النكرَة للتفصيل نَحْو فثوب نسيت وثوب أجر وَفِيه نظر لاحْتِمَال نسيت وَأجر للوصفية وَالْخَبَر مَحْذُوف أَي فَمن أثوابي ثوب نَسِيته وَمِنْهَا ثوب أُجْرَة وَيحْتَمل أَنَّهُمَا خبران وَثمّ صفتان مقدرتان أَي فثوب لي نَسِيته وثوب لي أُجْرَة وَإِنَّمَا نسي ثَوْبه لشغل قلبه كَمَا قَالَ (الطَّوِيل) (لعوب تنسيني إِذا قُمْت سربالي) وَإِنَّمَا جر الاخر ليعفي الْأَثر على الْقَافة وَلِهَذَا زحف على الرُّكْبَتَيْنِ انْتهى والقافة جمع قائف وَهُوَ من يعرف الْآثَار يُقَال قفا أَثَره أَي تبعه وروى (فَلَمَّا دَنَوْت تسديتها ... فثوب نسيت إِلَخ)

. قَالَ ابْن الْأَنْبَارِي فِي شرح المفضليات يُقَال تسديته إِذا تخطيت إِلَيْهِ وَقيل علوته وَأنْشد هَذَا الْبَيْت وروى (فثوبا نسيت وثوبا أجر) وَعَلِيهِ فَهُوَ مفعول لما بعده وَهُوَ من قصيدة لامرئ الْقَيْس عدتهَا اثْنَان وَأَرْبَعُونَ بَيْتا ومطلعها (المتقارب) (لَا وَأَبِيك ابْنة العامري لَا يَدعِي الْقَوْم أَنِّي أفر) وَسَيَأْتِي شَرحه إِن شَاءَ الله تَعَالَى فِي حُرُوف الزِّيَادَة فِي آخر الْكتاب وَأثبت هَذِه القصيدة لَهُ أَبُو عَمْرو الشَّيْبَانِيّ والمفضل وَغَيرهمَا وَزعم الْأَصْمَعِي فِي رِوَايَته عَن أبي عَمْرو بن الْعَلَاء أَنَّهَا لرجل من أَوْلَاد النمر بن قاسط يُقَال لَهُ ربيعَة ابْن جعْشم وأولها عِنْده (أحار بن عَمْرو كَأَنِّي خمر ... ويعدو على الْمَرْء مَا يأيمر) وَبِه اسْتشْهد ابْن أم قَاسم فِي شرح الألفية لتنوين الغالي حَيْثُ لحق الروي الْمُقَيد رَوَاهُ مَا يأتمرون بِضَم الرَّاء والهمزة للنداء وحار مرخم حَارِث قَالَ فِي الصِّحَاح والخمار بَقِيَّة السكر تَقول مِنْهُ رجل خمر بِفَتْح فَكسر أَي فِي عقب خمار وَيُقَال هُوَ الَّذِي خامره الدَّاء أَي خالطه وعد عَلَيْهِ جَار والائتمار الِامْتِثَال أَي مَا تَأمر بِهِ نَفسه فَيرى أَنه رشد فَرُبمَا كَانَ هَلَاكه فِيهِ والوا عطفت جملَة فعلية على جملَة إسمية على قَوْلَيْنِ من

ثَلَاثَة أَقْوَال الْجَوَاز مُطلقًا وَالْمَنْع مُطلقًا وَالْجَوَاز مَعَ الْوَاو فَقَط وَلَيْسَت للاستئناف وَلَا للتَّعْلِيل وَلَا زَائِدَة كَمَا زعمها الْعَيْنِيّ وَبعد بَيت الشَّاهِد (المتقارب) (وَلم يرنا كالئ كاشح ... وَلم يفش منا لَدَى الْبَيْت سر) (وَقد رَابَنِي قَوْلهَا يَا هَناه وَيحك ألحقت شرا بشر) والكالئ بِالْهَمْز الحارس والرقيب والكاشح الْمُبْغض ورابني أوقعني فِي الرِّيبَة وهناه كلمة يكنى بهَا عَن النكرات كَمَا يكنى بفلان عَن الْأَعْلَام فَمَعْنَى يَا هَناه يَا رجل وَلَا يسْتَعْمل إِلَّا فِي النداء عِنْد الْجفَاء والغلظة وَقَوله ألحقت شرا بشر أَي كنت مُتَّهمًا فَلَمَّا صرت إِلَيْنَا ألحقت تُهْمَة بعد تُهْمَة وَهَذِه الضمائر المؤنثة رَاجِعَة إِلَى هر بِكَسْر الْهَاء وَتَشْديد الرَّاء وكنيتها أم الْحُوَيْرِث وَهِي الَّتِي كَانَ يشبب بهَا فِي أشعاره وَكَانَت زوجه وَالِده فَلذَلِك كَانَ طرده وهم بقتْله من أجلهَا وَفِي هَذِه القصيدة بَيت فِي وصف فرسه يَأْتِي شَرحه إِن شَاءَ الله فِي أَفعَال الْقُلُوب وترجمة امْرِئ الْقَيْس تقدّمت فِي الشَّاهِد التَّاسِع وَالْأَرْبَعِينَ وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد التَّاسِع وَالْخَمْسُونَ وَهُوَ من شَوَاهِد س (الطَّوِيل) (لعمرك مَا معن بتارك حَقه ... وَلَا منسئ معن وَلَا متيسر)

على أَن وضع الظَّاهِر مقَام الضَّمِير إِن لم يكن فِي معرض التفخيم فَعِنْدَ س يجوز فِي الشّعْر بِشَرْط أَن يكون بِلَفْظ الأول كَهَذا الْبَيْت وَهُوَ للفرزدق أول بَيْتَيْنِ ثَانِيهمَا (أتطلب يَا عوران فضل نبيذهم ... وعندك يَا عوران زق موكر] ) واللَّام لَام الِابْتِدَاء والعمر الْحَيَاة وَالْمعْنَى أَنه أقسم بحياة مخاطبه لعزته عَلَيْهِ والعمر فتحا وضما وَاحِد غير أَنه مَتى اتَّصل بلام الِابْتِدَاء مقسمًا بِهِ وَجب فتح عينه وَإِلَّا جَازَ الْأَمْرَانِ وَهُوَ مُبْتَدأ خَبره مَحْذُوف تَقْدِيره قسمي وسياتي الْكَلَام عَلَيْهِ إِن شَاءَ الله فِي الْمَفْعُول الْمُطلق وَجُمْلَة مَا معن إِلَخ جَوَاب الْقسم وَمَا نَافِيَة تميمية زيدت الْبَاء فِي خَبَرهَا ومعن قَالَ أَبُو عَليّ القالي فِي ذيل أمالية قَالَ أَبُو محلم هُوَ رجل كَانَ كلاء بالبادية يَبِيع بالكالئ أَي بِالنَّسِيئَةِ وَكَانَ يضْرب بِهِ الْمثل فِي شدَّة التقاضي قَالَ سيار بن هُبَيْرَة يُعَاتب خَالِدا وزيادا أَخَوَيْهِ (الطَّوِيل) (يؤذنني هَذَا وَيمْنَع فَضله ... وَهَذَا كمعن أَو أَشد تقاضيا) يؤذنني يحرمني مضارع أُذُنه بتَشْديد الذَّال الْمُعْجَمَة قَالَ فِي الْمِصْبَاح وكلأ الدَّين يكلأ مَهْمُوز بِفتْحَتَيْنِ كلوءا تَأَخّر فَهُوَ كالئ بِالْهَمْز وَيجوز تخفيفه فَيصير كَالْقَاضِي وَقَالَ الْأَصْمَعِي هُوَ مثل القَاضِي وَلَا يجوز همزه وَنهي عَن بيع الكالئ بالكالئ أَي بيع النَّسِيئَة بِالنَّسِيئَةِ قَالَ أَبُو عبيد صورته أَن يسلم الرجل الدَّرَاهِم فِي طَعَام إِلَى أجل فَإِذا حل الْأَجَل يَقُول الَّذِي عَلَيْهِ الطَّعَام لَيْسَ عِنْدِي طَعَام وَلَكِن بِعني إِيَّاه إِلَى أجل فَهَذِهِ نَسِيئَة

انقلبت إِلَى نَسِيئَة فَلَو قبض الطَّعَام ثمَّ بَاعه مِنْهُ أَو من غَيره لم يكن كالئا بكالئ ويعدى بِالْهَمْزَةِ والتضعيف انْتهى وَقَالَ شرَّاح أَبْيَات الْكتاب عَنى بِالْبَيْتِ معن بن زَائِدَة الشَّيْبَانِيّ وَهُوَ أحد أجواد الْعَرَب وسمحائهم فوصفه ظلما بِسوء الِاقْتِضَاء وَأخذ الْغَرِيم على عسرة وَأَنه لَا ينسئه بِدِينِهِ انْتهى وَهَذَا غير صَحِيح فَإِن معن بن زَائِدَة مُتَأَخّر عَن الفرزدق فَإِنَّهُ قد توفّي الفرزدق فِي سنة عشر وَمِائَة وَتُوفِّي معن بن زَائِدَة فِي سنة ثَمَان وَخمسين وَمِائَة وَقَوله وَلَا منسئ هُوَ اسْم فَاعل من أنسات الشَّيْء أَخَّرته وَيُقَال أَيْضا نسأته فعلت وأفعلت بِمَعْنى فالمفعول مَحْذُوف أَي حَقه قَالَ الشَّارِح الرِّوَايَة بجر منسئ وَإِذا رفعته فَهُوَ خبر مقدم على الْمُبْتَدَأ أَقُول الْجَرّ يكون بالْعَطْف على مَدْخُول الْبَاء الزَّائِدَة ومعن فَاعله أقيم مقَام الضَّمِير فَيكون من تَتِمَّة الْجُمْلَة الأولى وَإِذا رفع كَانَ من جملَة أُخْرَى وبالرفع أنْشدهُ سِيبَوَيْهٍ قَالَ الأعلم اسْتشْهد بِهِ سِيبَوَيْهٍ على أَن تَكْرِير الِاسْم مظْهرا من جملتين أحسن من تكريره فِي جملَة وَاحِدَة فَلَو حمل الْبَيْت على أَن التكرير من جملَة وَاحِدَة لقَالَ وَلَا منسئ معن عطف على قَوْله بتارك حَقه وَلكنه كَرَّرَه مظْهرا وَلما أمكنه أَن يَجْعَل الْكَلَام جملتين اسْتَأْنف الْكَلَام فَرفع الْخَبَر وَقَالَ أعلم أَن الِاسْم الظَّاهِر مَتى احْتِيجَ إِلَى تَكْرِير ذكره فِي جملَة وَاحِدَة كَانَ الِاخْتِيَار أَن يذكر ضَمِيره لِأَن ذَلِك أخف وأنفى للشُّبْهَة واللبس كَقَوْلِك زيد ضَربته وَلَو أعدت لَفظه بِعَيْنِه فِي مَوضِع

كنايته لجَاز وَلم يكن وَجه الْكَلَام كَقَوْلِك زيد ضربت زيدا على معنى زيد ضَربته وَإِذا أعدت ذكره فِي غير تِلْكَ الْجُمْلَة جَازَ إِعَادَة ظَاهره وَحسن كَقَوْلِك مَرَرْت بزيد وَزيد رجل صَالح قَالَ تَعَالَى {وَإِذا جَاءَتْهُم آيَة قَالُوا لن نؤمن حَتَّى نؤتى مثل مَا أُوتِيَ رسل الله الله أعلم حَيْثُ يَجْعَل رسَالَته} فَأَعَادَ الظَّاهِر لِأَن قَوْله الله أعلم ابْتِدَاء وَخبر وَقد مرت الْجُمْلَة الأولى فَإِذا قلت مَا زيد ذَاهِبًا وَلَا محسن زيد جَازَ الرّفْع وَالنّصب فَإِذا نصبت فَقلت وَلَا محسنا زيد جعلت زيدا هَذَا الظَّاهِر بِمَنْزِلَة كنايته فكأنك قلت مَا زيد ذَاهِبًا وَلَا محسنا كَمَا تَقول وَلَا محسنا أَبوهُ فتعطف محسنا على ذَاهِبًا وترفع زيدا بِفِعْلِهِ وَهُوَ محسن فَإِذا رفعت جعلت زيدا كَالْأَجْنَبِيِّ ورفعته بِالِابْتِدَاءِ وَجعلت محسنا خَبرا مقدما وأختار سِيبَوَيْهٍ الرّفْع لِأَن الْعَرَب لَا تعيد لفظ الظَّاهِر إِلَّا أَن تكون الْجُمْلَة الأولى غير الْجُمْلَة الثَّانِيَة وَتَكون الثَّانِيَة مستأنفة كَمَا قُلْنَا فِي رسل الله الله أعلم فَإِذا رفعته فَهُوَ مُطَابق لما ذَكرْنَاهُ وَخرج عَن بَاب الْعَيْب لِأَنَّك جعلته جملَة مستانفة وَاسْتشْهدَ سِيبَوَيْهٍ لجَوَاز النصب وَجعل الظَّاهِر بِمَنْزِلَة الْمُضمر بقوله (لَا أرى الْمَوْت يسْبق الْمَوْت شَيْء) فَأَعَادَ الْإِظْهَار وَذَلِكَ أَن قَوْله لَا أرى الْمَوْت يسْبق الْمَوْت شَيْء الْمَوْت الأول هُوَ الْمَفْعُول الأول لأرى ويسبق الْمَوْت شَيْء فِي مَوضِع الْمَفْعُول الثَّانِي وهما فِي جملَة وَاحِدَة وَكَانَ يَنْبَغِي أَن يَقُول يسْبقهُ شَيْء فيضمره وَاسْتشْهدَ لاختيار الرّفْع فِيمَا اخْتَارَهُ فِيهِ بقول الفرزدق (لعمرك مَا معن بتارك حَقه الْبَيْت) ومعن الثَّانِي هُوَ الأول فَهُوَ بِمَنْزِلَة قَوْله مَا زيد ذَاهِبًا وَلَا محسن زيد وللمعترض أَن يَقُول الفرزدق تميمي وَهُوَ يرفع خبر مَا على كل حَال مكنيا كَانَ أَو ظَاهرا أَلا ترى أَن الفرزدق من لغته أَن يَقُول مَا معن تَارِك حَقه وَلَا منسئ هُوَ فَالظَّاهِر والمكنى على لغته سَوَاء انْتهى وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد السِّتُّونَ وَهُوَ من شَوَاهِد س (الْخَفِيف) (لَا أرى الْمَوْت يسْبق الْمَوْت شَيْء)

تَمَامه (نغص الْمَوْت ذَا الْغنى والفقيرا) لما تقدم فِي الْبَيْت قبله أَي لَا أرى الْمَوْت يسْبقهُ شَيْء أَي لَا يفوتهُ وأنشده ثَانِيًا فِي الْإِخْبَار بِالَّذِي وَجعله من قبيل الحاقة مَا الحاقة مِمَّا إِظْهَاره يُفِيد التفخيم فَخَالف كَلَامه هُنَا وَتبع الشَّارِح هُنَا س وَخَالفهُ الْمبرد فِي هَذَا وَفرق بَينه وَبَين مَا ذكر لِأَن الْمَوْت جنس وَإِنَّمَا كره زيد قَامَ زيد لِئَلَّا يتَوَهَّم أَن الثَّانِي خلاف الأول وَهَذَا لَا يتَوَهَّم

فِي الْأَجْنَاس قَالَ تَعَالَى {إِذا زلزلت الأَرْض زِلْزَالهَا} وأخرجت الأَرْض أثقالها وَكَذَا إِذا اقْترن بِالِاسْمِ الثَّانِي حرف الِاسْتِفْهَام بِمَعْنى التَّعْظِيم والتعجب كَانَ الْبَاب الْإِظْهَار كَقَوْلِه تَعَالَى (القارعة مَا القارعة والحاقة مَا (الحاقة) والإضمار جَائِز كَمَا قَالَ تَعَالَى (فأمة هاوية وَمَا أَدْرَاك مَا هيه) وَكَذَلِكَ لم يرتضه شرَّاح أبياته قَالَ الأعلم وَتَبعهُ ابْن خلف وَمثله لأبي جَعْفَر النّحاس اسْتشْهد بِهَذَا الْبَيْت سِيبَوَيْهٍ على إِعَادَة الظَّاهِر مَوضِع الْمُضمر وَفِيه قبح إِذا كَانَ تكريره فِي جملَة وَاحِدَة لِأَنَّهُ يَسْتَغْنِي بَعْضهَا عَن بعض فَلَا يكَاد يجوز إِلَّا فِي ضَرُورَة كَقَوْلِك زيد ضربت زيدا فَإِن كَانَ إِعَادَته فِي جملتين حسن كَقَوْلِك زيد شتمته وَزيد أهنته لِأَنَّهُ قد يُمكن أَن تسكت عَن الْجُمْلَة الأولى ثمَّ تسْتَأْنف الْأُخْرَى بعد ذكر رجل غير زيد فَلَو قيل زيد ضَربته وَهُوَ أهنته لجَاز أَن يتَوَهَّم الضَّمِير لغير زيد فَإِذا أُعِيد مظْهرا وَزَالَ التَّوَهُّم وَمَعَ إِعَادَته مضمرا فِي الْجُمْلَة الْوَاحِدَة كَقَوْلِك زيد ضَربته لَا يتَوَهَّم الضَّمِير لغيره لِأَنَّك لَا تَقول زيد ضربت عمرا والإظهار فِي مثل هَذَا أحسن مِنْهُ فِي هَذَا وَنَحْوه لِأَن الْمَوْت اسْم جنس فَإِذا أُعِيد مظْهرا لم يتَوَهَّم أَنه اسْم لشَيْء آخر فَلذَلِك كَانَ الْإِظْهَار فِي هَذَا أمثل لِأَنَّهُ أشكل وَقَوله نغص الْمَوْت إِلَخ يُرِيد نغض عَيْش ذِي الْغنى وَالْفَقِير يَعْنِي أَن خوف الْغَنِيّ من الْمَوْت ينغص عَلَيْهِ الالتذاذ بالغنى وَالسُّرُور بِهِ وَخَوف الْفَقِير من الْمَوْت ينغص عَلَيْهِ السَّعْي فِي التمَاس الْغنى لِأَنَّهُ لَا يعلم أَنه

إِذا وصل إِلَيْهِ الْغنى هَل يبْقى حَتَّى ينْتَفع بِهِ أَو يقتطعه الْمَوْت عَن الِانْتِفَاع وَهَذَا الْبَيْت من قصيدة لعدي بن زيد وَقيل لِابْنِهِ سوَاده بن عدي وَالصَّحِيح الأول وأولها (طَال ليلِي أراقب التنويرا ... ارقب اللَّيْل بالصباح بَصيرًا) (شط وصل الَّذِي تريدين مني ... وصغير الْأُمُور يجني الكبيرا) (إِن للدهر صولة فاحذرنها ... لَا تبيتن قد أمنت الدهورا) (قد يبات الْفَتى صَحِيحا فيردى ... وَلَقَد بَات آمنا مَسْرُورا) (لَا أرى الْمَوْت يسْبق الْمَوْت شَيْء ... نغص الْمَوْت ذَا الْغنى والفقيرا) (للمنايا مَعَ الغدو رواح ... كل يَوْم ترى لَهُنَّ عقيرا) (كم ترى الْيَوْم من صَحِيح تمنى ... وَغدا حَشْو ريطة مقبورا) (أَيْن أَيْن الْفِرَار مِمَّا سَيَأْتِي ... لَا أرى طائرا نجا أَن يطيرا) (فامش قصدا إِذا مشيت وَأبْصر ... إِن للقصد منهجا وجسورا) (إِن فِي الْقَصْد لِابْنِ آدم خيرا ... وسبيلا على الضَّعِيف يَسِيرا) وعدي بن زيد بن حَمَّاد بن زيد بن أَيُّوب من بني امْرِئ الْقَيْس بن زيد مَنَاة بن تَمِيم قَالَ صَاحب الأغاني وَكَانَ أَيُّوب هَذَا أول من سمي من الْعَرَب أَيُّوب وَكَانَ عدي شَاعِرًا فصيحا من شعراء الْجَاهِلِيَّة وَكَانَ نَصْرَانِيّا وَكَذَلِكَ أَبوهُ وَأمه وَأَهله وَلَيْسَ مِمَّن يعد فِي الفحول وَهُوَ قروي

قد أخذُوا عَلَيْهِ أَشْيَاء عيب فِيهَا وَكَانَ الْأَصْمَعِي وَأَبُو عُبَيْدَة يَقُولَانِ عدي بن زيد فِي الشُّعَرَاء بِمَنْزِلَة سُهَيْل فِي النُّجُوم يعارضها وَلَا يجْرِي مَعهَا مجْراهَا وَكَذَلِكَ عِنْدهم أُميَّة بن أبي الصَّلْت وَمثلهمَا من الإسلاميين الْكُمَيْت والطرماح وَكَانَ سَبَب نزُول آل عدي بن زيد الْحيرَة أَن جدة أَيُّوب بن محروف كَانَ منزله الْيَمَامَة فِي بني امْرِئ الْقَيْس بن زيد مَنَاة بن تَمِيم فَأصَاب دَمًا فِي قومه فهرب إِلَى أَوْس بن قلام أحد بني الْحَارِث بن كَعْب بِالْحيرَةِ وَكَانَ بَينهمَا نسب من قبل النِّسَاء فَأكْرمه وابتاع لَهُ مَوضِع دَار هـ بثلاثمائة أُوقِيَّة من ذهب وَأنْفق عَلَيْهَا مِائَتي أُوقِيَّة ذَهَبا وَأَعْطَاهُ مِائَتَيْنِ من الْإِبِل برعاتها وفرسا وقينة واتصل بملوك الْحيرَة فعرفوا حَقه وَحقّ ابْنه زيد بن أَيُّوب فَلم يكن مِنْهُم ملك يملك إِلَّا ولولد أَيُّوب مِنْهُ جوائز ثمَّ إِن زيدا بن أَيُّوب نكح امْرَأَة من آل قلام فَولدت لَهُ حمادا فَخرج زيد بن أَيُّوب يَوْمًا يَوْمًا للصَّيْد فَلَقِيَهُ رجل من بني امْرِئ الْقَيْس الَّذين كَانَ لَهُم الثأر فاغتال زيدا وهرب وَمكث حَمَّاد فِي أَخْوَاله حَتَّى أَيفع وعلمته أمه الْكِتَابَة فَكَأَن أول من كتب من بني أَيُّوب فَخرج من أكتب النَّاس وَطلب حَتَّى صَار كَاتب الْملك النُّعْمَان الْأَكْبَر فَلبث كَاتبا لَهُ حَتَّى ولد لَهُ ولد فَسَماهُ زيدا باسم أَبِيه وَكَانَ لحماد صديق من دهاقين الْفرس اسْمه فرخ ماهان فَلَمَّا حضرت الْوَفَاة حمادا أوصى بِابْنِهِ زيد إِلَى الدهْقَان وَكَانَ من المرازبة فَأَخذه إِلَيْهِ وَكَانَ زيد قد حذق الْكِتَابَة والعربية قبل أَن يَأْخُذهُ الدهْقَان وَعلمه الدهْقَان الفارسية وَكَانَ لبيبا فَأَشَارَ الدهْقَان إِلَى كسْرَى أَن يَجعله على الْبَرِيد فِي حَوَائِجه فولاه وَبَقِي زَمَانا ثمَّ إِن النُّعْمَان النصري هلك فَاخْتلف أهل

الْحيرَة فِيمَن يملكونه إِلَى أَن يعْقد كسْرَى الْأَمر لرجل مِنْهُم فَأَشَارَ الْمَرْزُبَان عَلَيْهِم بزيد بن حَمَّاد فَكَانَ على الْحيرَة إِلَى أَن ملك كسْرَى الْمُنْذر بن مَاء السَّمَاء ونكح زيد نعْمَة بنت ثَعْلَبَة العدوية فَولدت لَهُ عديا وَولد للمرزبان وَسَماهُ شاهان مرد فَلَمَّا أَيفع عدي أرْسلهُ الْمَرْزُبَان مَعَ ابْنه إِلَى كتاب الفارسية وَتعلم الْكِتَابَة وَالْكَلَام بِالْفَارِسِيَّةِ حَتَّى خرج من أفهم النَّاس بهَا وأفصحهم بِالْعَرَبِيَّةِ وَقَالَ الشّعْر وَتعلم الرَّمْي بالنشاب فَخرج من الأساورة الرُّمَاة وَتعلم لعب الْعَجم على الْخَيل بالصوالجة وَغَيرهَا ثمَّ إِن الْمَرْزُبَان لما اجْتمع بكسرى قَالَ لَهُ إِن عِنْدِي غُلَاما من الْعَرَب هُوَ أفْصح النَّاس وأكتبهم بِالْعَرَبِيَّةِ والفارسية وَالْملك يحْتَاج إِلَى مثله فأحضر الْمَرْزُبَان عدي بن زيد وَكَانَ جميل الْوَجْه فائق الْحسن وَكَانَت الْفرس تتبرك بالجميل الْوَجْه فَرغب فِيهِ فَكَانَ عدي أول من كتب بِالْعَرَبِيَّةِ فِي ديوَان كسْرَى فَرغب أهل الْحيرَة إِلَى عدي ورهبوه وَلم يزل بِالْمَدَائِنِ فِي ديوَان كسْرَى مُعظما وَأَبوهُ زيد كَانَ حَيا إِلَّا أَن صيته قد حمل بِذكر ابْنه عدي ثمَّ لما هلك الْمُنْذر اجْتهد عدي عِنْد كسْرَى حَتَّى ملك النُّعْمَان بن الْمُنْذر الْحيرَة ثمَّ بعد مُدَّة افتروا على عدي وَقَالُوا للنعمان إِن عديا يزْعم أَنَّك عَامله على الْحيرَة فاغتاظ مِنْهُ النُّعْمَان وَأرْسل إِلَى عدي بِأَنَّهُ مشتاق إِلَيْهِ يستزيره فَلَمَّا أَتَى إِلَيْهِ حَبسه وَبَقِي فِي الْحَبْس إِلَى أَن جَاءَ رَسُول كسْرَى ليخرجه فخاف النُّعْمَان من خُلَاصَة فغمة حَتَّى مَاتَ وَنَدم النُّعْمَان على قَتله وَعرف أَنه غلب على رَأْيه ثمَّ إِنَّه خرج يَوْمًا إِلَى الصَّيْد فلقي ابْنا لعدي يُقَال لَهُ زيد

فَلَمَّا رَآهُ عرف شبهه فَقَالَ لَهُ من أَنْت قَالَ أَنا زيد بن عدي فَكَلمهُ فَإِذا هُوَ غُلَام ظريف ففرح بِهِ فَرحا شَدِيدا فقربه وَاعْتذر إِلَيْهِ من أَمر أَبِيه ثمَّ كتب إِلَى كسْرَى يربيه ويشفع لَهُ مَكَان أَبِيه فولاه كسْرَى وَكَانَ يَلِي الْكِتَابَة عِنْده إِلَى مُلُوك الْعَرَب وَفِي خَواص أُمُور الْملك وَكَانَت لملوك الْعَجم صفة النِّسَاء مَكْتُوبَة عِنْدهم وَكَانُوا يبعثون فِي تِلْكَ الْأَرْضين تِلْكَ الصّفة فَإِذا وجدت حملت إِلَى الْملك غير أَنهم لم يَكُونُوا يطلبونها فِي أَرض الْعَرَب فَلَمَّا كتب كسْرَى فِي طلب تِلْكَ الصّفة قَالَ لَهُ زيد بن عدي أَنا عَارِف بآل الْمُنْذر وَعند عَبدك النُّعْمَان بَين بَنَاته وأخواته وَبَنَات عَمه أَكثر من عشْرين امْرَأَة على هَذِه الصّفة فابعثني مَعَ ثِقَة من رجالك يفهم الْعَرَبيَّة حَتَّى أبلغ مَا تحبه فَبعث مَعَه رجلا فطنا وَخرج بِهِ زيد فَجعل يكرم الرجل ويلطفه حَتَّى بلغ الْحيرَة فَلَمَّا دخل على النُّعْمَان قَالَ لَهُ إِن كسْرَى قد احْتَاجَ إِلَى نسَاء لنَفسِهِ ولولده واراد كرامتك بصهره فَبعث إِلَيْك فَقَالَ النُّعْمَان لزيد وَالرَّسُول يسمع أما فِي مها السوَاد وَعين فَارس مَا يبلغ بِهِ كسْرَى حَاجته فَقَالَ الرَّسُول لزيد بِالْفَارِسِيَّةِ مَا المها فَقَالَ لَهُ بِالْفَارِسِيَّةِ كاوان أَي الْبَقر فَأمْسك الرَّسُول وَقَالَ زيد للنعمان إِنَّمَا أَرَادَ الْملك أَن يكرمك وَلَو علم أَن هَذَا يشق عَلَيْك لم يكْتب إِلَيْك بِهِ فأنزلهما عِنْده يَوْمَيْنِ ثمَّ كتب إِلَى كسْرَى إِن الَّذِي طلب الْملك لَيْسَ عِنْدِي وَقَالَ لزيد اعذرني عِنْده فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى كسْرَى قَالَ زيد للرسول أصدق الْملك عَمَّا سَمِعت فَإِنِّي سأحدثه بِمثل حَدِيثك وَلَا أخالفك فِيهِ فَلَمَّا دخلا على كسْرَى قَالَ زيد هَذَا كِتَابه فقرأه عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ كسْرَى وَأَيْنَ الَّذِي كنت خبرتني بِهِ قَالَ قد كنت خبرتك ببخلهم بنسائهم على غَيرهم وَأَن ذَلِك من شقائهم واختيارهم الْجُوع والعري على الشِّبَع والرياش وإيثارهم السمُوم

على طيب أَرْضك حَتَّى إِنَّهُم ليسمونها السجْن فسل هَذَا الرَّسُول الَّذِي كَانَ معي عَمَّا قَالَ فَإِنِّي أكْرم الْملك عَن مشافهته بِمَا قَالَ فَقَالَ للرسول وَمَا قَالَ النُّعْمَان فَقَالَ لَهُ الرَّسُول إِنَّه قَالَ أما كَانَ فِي بقر السوَاد وَفَارِس مَا يَكْفِيهِ حَتَّى يطْلب مَا عندنَا فَعرف الْغَضَب فِي وَجهه وَسكت كسْرَى أشهرا وَسمع النُّعْمَان غَضَبه ثمَّ كتب إِلَيْهِ كسْرَى أَن أقبل فَإِن لي حَاجَة بك فخافه النُّعْمَان وَحمل سلاحه وَمَا قدر عَلَيْهِ ولجأ إِلَى قبائل الْعَرَب فَلم يجره أحد وَقَالُوا لَا طَاقَة لنا بكسرى حَتَّى نزل بِذِي قار فِي بني شَيبَان سرأ فلقي هَانِئ بن قبيصَة فأجاره وَقَالَ لزمني ذِمَامك وَإِنِّي مانعك مِمَّا أمنع مِنْهُ نَفسِي وَأَهلي وَإِن ذَلِك مهلكي ومهلكك وَعِنْدِي راي لست أُشير بِهِ لأدفعك عَمَّا تريده من مجاورتي وَلكنه الصَّوَاب فَقَالَ هاته قَالَ إِن كل أَمر يجمل بِالرجلِ أَن يكون عَلَيْهِ إِلَّا أَن يكون بعد الْملك سوقة وَالْمَوْت نَازل بِكُل أحد وَلِأَن تَمُوت كَرِيمًا خير من أَن تتجرع الذل أَو تبقى سوقة بعد الْملك امْضِ إِلَى صَاحبك وأحمل إِلَيْهِ هَدَايَا ومالا والق نَفسك بَين يَدَيْهِ فإمَّا أَن يصفح عَنْك فعدت ملكا عَزِيزًا وَإِمَّا أَن يصيبك فالموت خير من أَن تتلعب بك صعاليك الْعَرَب ويتخطفك ذئابها قَالَ فَكيف بحرمي وَأَهلي قَالَ هن فِي ذِمَّتِي لَا يخلص إلَيْهِنَّ حَتَّى يخلص إِلَى بَنَاتِي فَقَالَ هَذَا وَأَبِيك الرَّأْي ثمَّ اخْتَار خيلا وحللا من عصب الْيمن وجواهر وطرفا كَانَت عِنْده وَوجه بهَا إِلَى كسْرَى وَكتب إِلَيْهِ يعْتَذر ويعلمه أَنه صائر إِلَيْهِ فقبلها كسْرَى وَأمره بالقدوم فَعَاد إِلَيْهِ الرَّسُول

وَأخْبرهُ بذلك وَأَنه لم ير لَهُ عِنْد كسْرَى سوءا فَمضى إِلَيْهِ حَتَّى إِذا وصل إِلَى ساباط لقِيه زيد بن عدي فَقَالَ لَهُ انج نعيم إِن اسْتَطَعْت النجَاة فَقَالَ لَهُ النُّعْمَان أفعلتها يَا زيد أما وَالله لَئِن عِشْت لأَقْتُلَنك قَتله لم يَقْتُلهَا عَرَبِيّ قطّ فَقَالَ لَهُ زيد قد وَالله أخيت لَك آخية لَا يقطعهَا الْمهْر الأرن فَلَمَّا بلغ كسْرَى أَنه بِالْبَابِ بعث إِلَيْهِ فقيده وسجنه فَلم يزل فِي السجْن حَتَّى هلك وَقيل أَلْقَاهُ تَحت أرجل الفيلة فوطئته حَتَّى مَاتَ وَذَلِكَ قبيل الْإِسْلَام بِمدَّة وغضبت لَهُ الْعَرَب حِينَئِذٍ فَكَانَ قَتله سَبَب وقْعَة ذِي قار وانشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد الْحَادِي وَالسِّتُّونَ (الطَّوِيل) (إِذا الْمَرْء لم يغش الكريهة أوشكت ... حبال الهوينى بالفتى أَن تقطعا) على ان الِاسْم إِن أُعِيد ثَانِيًا وَلم يكن بِلَفْظ الأول لم يجز عِنْد سِيبَوَيْهٍ وَيجوز عِنْد الْأَخْفَش سَوَاء كَانَ فِي شعر أم فِي غَيره كَهَذا الْبَيْت قَالَ ابْن حني فِي إِعْرَاب الحماسة عِنْد قَول أبي النشناش (الطَّوِيل) (إِذا الْمَرْء لم يسرح سواما وَلم يرح ... سواما وَلم تعطف عَلَيْهِ أَقَاربه) (فللموت خير للفتى من حَيَاته ... فَقِيرا وَمن مولى تدب عقاربه) كَانَ يجب أَن يَقُول فللموت خير لَهُ فَعدل عَن الْمظهر والمضمر جَمِيعًا إِلَى لفظ آخر كَقَوْلِه ...

(إِذا الْمَرْء لم يغش الكريهة الْبَيْت) وَسبب ذَلِك أَن هَذَا الْمظهر الْمُخَالف للفظ الْمظهر قبله قد أشبه عِنْدهم الْمُضمر من حَيْثُ كَانَ مُخَالفا للفظ الْمظهر قبله خلاف الْمُضمر لَهُ وَقَالَ ابْن رَشِيق فِي الْعُمْدَة قَوْله بالفتى حَشْو وَكَانَ الْوَاجِب أَن يَقُول بِهِ لِأَن ذكر الْمَرْء قد تقدم إِلَّا أَن يُرِيد بالفتى معنى الزراية والأطنوزة فَإِنَّهُ مُحْتَمل ا. هـ. وَهَذَا تخيل دَقِيق والغشيان الْإِتْيَان يُقَال غَشيته من بَاب تَعب أَتَيْته والكريهة الْحَرْب وَقيل شدتها وَقيل النَّازِلَة وَهَذَا هُوَ المُرَاد هُنَا وأوشكت قاربت وَدنت والحبال جمع حَبل بِمَعْنى السَّبَب استعير لكل شَيْء يتَوَصَّل بِهِ إِلَى أَمر من الْأُمُور والهويني الرِّفْق والراحة وعدة ابْن دُرَيْد فِي الجمهرة فِي الْكَلِمَات الَّتِي وَردت مصغرة لَا غير قَالَ والسكون والخفض قَالَ السمين فِي عُمْدَة الْحفاظ يُقَال فلَان يمشي الهوينى وَهُوَ مصغر الهونى والهونى تَأْنِيث الأهون كالفضلى تَأْنِيث الْأَفْضَل وبالفتى الْبَاء للمصاحبة فَيكون حَالا أَو بِمَعْنى عَن فَيتَعَلَّق بِمَا بعْدهَا وَجَاز لِأَنَّهُ ظرف وَمثله قَوْله تَعَالَى {وتقطعت بهم الْأَسْبَاب} قَالَ السمين فِي الْبَاء أَرْبَعَة أوجه أَحدهَا للْحَال أَي تقطعت مَوْصُولَة بهم الْأَسْبَاب الثَّانِي للتعدية أَي قطعتهم الْأَسْبَاب كَقَوْلِهِم تَفَرَّقت بهم الطّرق أَي فرقتهم الثَّالِث للسَّبَبِيَّة أَي تقطعت بِسَبَب كفرهم الْأَسْبَاب الَّتِي كَانُوا يرجون بهَا النجَاة وَالرَّابِع بِمَعْنى عَن أَي تقطعت عَنْهُم الْأَسْبَاب الموصلات بَينهم وَهِي مجَاز

وَالسَّبَب فِي الأَصْل الْحَبل ثمَّ أطلق على كل مَا يتَوَصَّل بِهِ إِلَى شَيْء عينا كَانَ أَو معنى وتقطعا أَصله تتقطع بتاءين وفاعله ضمير حبال وَهَذَا الْبَيْت آخر أَبْيَات للكلحبة العريني وَهِي (الطَّوِيل) (فَإِن تنج مِنْهَا يَا حزيم بن طَارق ... فقد تركت مَا خلف ظهرك بلقعا) (ونادى مُنَادِي الْحَيّ أَن قد أتيتم ... وَقد شربت مَاء المزادة أجمعا) (وَقلت لكأس ألجميها فَإِنَّمَا ... نزلنَا الْكَثِيب من زرود لنفزعا) (فَأدْرك إبْقَاء العرادة ظلعها ... وَقد جَعَلتني من حزيمة إصبعا) (أَمرتكُم أَمْرِي بمنعرج اللوى ... وَلَا أَمر للمعصي إِلَّا مضيعا) (إِذا الْمَرْء لم يغش الكريهة الْبَيْت) وَسبب هَذِه الأبيات أَن الكلحبة كَانَ نازلا بزرود وَهِي أَرض بني مَالك ابْن حَنْظَلَة وَهُوَ من بني يَرْبُوع فأغارت بَنو تغلب على بني مَالك وَكَانَ رئيسهم حزيمة بن طَارق فاستاق إيلهم فَأتى الصَّرِيخ إِلَى بني يَرْبُوع فَرَكبُوا فِي إثره فهزموه واستقذوا مَا كَانَ أَخذه فَقَوله إِن تنج مِنْهَا الضَّمِير رَاجع إِلَى فرس الكلحبة وحزيم بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَكسر الزَّاي الْمُعْجَمَة مرخم حزيمة وَهَذَا الْبَيْت يشْهد بانفلاته وَشعر جرير يشْهد بأسره وَهُوَ (الْكَامِل) (قدنا حزيمة قد علمْتُم عنْوَة) وَلَا مَانع مِنْهُ بِأَن أدْركهُ غير الكلحبة وأسره لما ظلعت فرسه قيل وَلما أسر اخْتصم فِيهِ اثْنَان أَحدهمَا أنيف بن جبلة الضَّبِّيّ وَهُوَ أحد بني عبد مَنَاة بن سعد بن ضبة وَكَانَ أنيف يؤمئذ نازلا فِي بني يَرْبُوع وَلَيْسَ مَعَه من قومه أحد وَثَانِيهمَا أسيد بن حناءة السليطي فاختصما

إِلَى الْحَارِث بن قراد فَحكم أَن جز ناصيته لأنيف وَأَن لأسيد عِنْده مائَة من الْإِبِل فرضيا بذلك والْحَارث بن قراد من بني حميري بن ريَاح بن يَرْبُوع وَأمه من بني عبد مَنَاة بن بكر بن سعد بن ضبة وَقَوله فقد تركت إِلَخ الْعَرَب كثيرا مَا تذكر أَن الْخَيل فعلت كَذَا وَكَذَا وَإِنَّمَا يُرَاد بِهِ أَصْحَابهَا لأَنهم عَلَيْهَا فعلوا وأدركوا يَقُول إِن تنج يَا حزيمة من فرسي لم تفلت إِلَّا بِنَفْسِك وَقد استبيح مَالك وَمَا كنت حويته وغنمته فَلم تدع لَك هَذِه الْفرس شَيْئا وَقَوله ونادى مُنَادِي الْحَيّ إِلَخ كَأَن الكلحبة يعْتَذر من انفلات حزيمة يَقُول أُتِي الصَّرِيخ وَقد شربت فرسي ملْء الْحَوْض مَاء وخيل الْعَرَب إِذا علمت أَنه يغار عَلَيْهَا وَكَانَت عطاشا فَمِنْهَا مَا يشرب بعض الشّرْب وَلَا يرْوى وَبَعضهَا لَا يشرب الْبَتَّةَ لما قد جربت من الشدَّة الَّتِي تلقي إِذا شربت المَاء وحورب عَلَيْهَا وفاعل شربت ضمير الْفرس وَجُمْلَة قد شربت حَال أَي أتيتم فِي هَذِه الْحَال وَقَوله وَقلت لكأس الْبَيْت كأس بنت الكلحبة وَقيل جَارِيَته وَالْعرب لَا تثق فِي خيلها إِلَّا بِأَوْلَادِهَا ونسائها وَقَوله لنفزعا أَي لنغيث يَقُول مَا نزلنَا فِي هَذَا الْموضع إِلَّا لنغيث من اسْتَغَاثَ بِنَا والفزع من الأضداد بِمَعْنى الإغاثة والاستغاثة وَقَوله فَأدْرك إبْقَاء العرادة إِلَخ العرادة بِفَتْح الْعين وَالرَّاء وَالدَّال المهملات اسْم فرس الكلحبة كَانَت أُنْثَى والإبقاء مَا تبقية الْفرس من الْعَدو إِذْ من عتاق الْخَيل مَا لَا تُعْطِي مَا عِنْدهَا من الْعَدو بل تبقي مِنْهُ شَيْئا

إِلَى وَقت الْحَاجة يُقَال فرس مبقية إِذا كَانَت تَأتي بجري عِنْد انْقِطَاع جريها وَقت الْحَاجة يُرِيد أَنَّهَا شربت المَاء فقطعها عَن إبقائها ففأته حزيمة وروى أنقاء العرادة بِفَتْح الْهمزَة وبالنون جمع نقو بِالْكَسْرِ وَهُوَ كل عظم ذِي مخ يَعْنِي ظلعها وصل إِلَى عظامها وروى أَيْضا إرقال العرادة بِكَسْر الْهمزَة وبالقاف وَهُوَ السّير السَّرِيع وَهُوَ مفعول والظلع فَاعل قَالَ ابْن الْأَنْبَارِي الظلوع فِي الْإِبِل بِمَنْزِلَة الغمز أَي العرج الْيَسِير يُقَال ظلع يظلع بفتحهما ظلعا وظلوعا وَلَا يكون الظلوع فِي الْحَافِر إِلَّا اسْتِعَارَة يَقُول فَاتَنِي حزيمة وَمَا بيني وَبَينه إِلَّا قدر إِصْبَع وَأورد الشَّارِح هَذَا الْبَيْت فِي بَاب الْإِضَافَة على أَن فِيهِ حذف ثَلَاثَة مضافات أَي جَعَلتني ذَا مِقْدَار مَسَافَة إِصْبَع وَالْأولَى تَقْدِير مضافين أَي ذَا مَسَافَة إِصْبَع كَمَا قدر ابْن هِشَام فِي مغنى اللبيب فَإِن الْمسَافَة مَعْنَاهَا الْبعد والمقدار لَا حَاجَة إِلَيْهِ والمسافة وَزنهَا مفعلة أَي مَحل السوف وَهُوَ الشم وَكَانَ الدَّلِيل إِذا سلك الطّرق الْقَدِيمَة المهجورة أَخذ ترابها فشمه ليعلم أَعلَى قصد هُوَ أم على جور وَإِنَّمَا يقْصد بشم التُّرَاب رَائِحَة الأبوال والأبعار فَيعلم بذلك أَنه مسلوك وَكَذَلِكَ أوردهُ صَاحب الْكَشَّاف عِنْد قَوْله تَعَالَى {فَكَانَ قاب قوسين} قَالَ فِيهِ حذف مضافين كَمَا فِي هَذَا الْبَيْت لَكِن تَقْدِيره مِقْدَار مَسَافَة إِصْبَع يحْتَاج إِلَى تَأْوِيل لصِحَّة الْحمل وَقَوله أَمرتكُم أَمْرِي إِلَخ اللوى بِالْقصرِ هُوَ لوى الرمل أَي

منقطعه حَيْثُ يَنْقَطِع ويفضي إِلَى الجدد ومنعرجه حَيْثُ انثنى مِنْهُ وانعطف وَإِنَّمَا قَالَ بمنعرج اللوى ليعلم أَيْن كَانَ أمره إيَّاهُم كَمَا قَالَ الآخر (الْكَامِل) (وَلَقَد أمرت أَخَاك عمرا أمره ... فَأبى وضيعه بِذَات العجرم) وَهَذَا الْبَيْت من شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ أوردهُ الشَّارِح أَيْضا فِي بَاب الِاسْتِثْنَاء على أَن نصب الْمُسْتَثْنى فِي مثله قَلِيل وَقَالَ الْخَلِيل مضيعا حَال وَجَاز تنكير ذِي الْحَال لكَونه عَاما كَأَنَّهُ قَالَ للمعصي أمره مضيعا وَبِهَذَا يسْقط قَول الأعلم حَيْثُ قَالَ الشَّاهِد فِيهِ نصب مضيع على الْحَال من الْأَمر وَهُوَ حَال من نكرَة وَفِيه ضعف لِأَن أصل الْحَال أَن تكون للمعرفة ا. هـ. أَقُول إِن جعل حَالا من الضَّمِير المستقر فِي قَوْله للمعصي فَإِنَّهُ خبر لَا النافية فَلَا يرد عَلَيْهِ مَا ذكر وَقَالَ النّحاس وَيجوز أَن يكون حَالا للمضمر التَّقْدِير إِلَّا أمرا فِي حَال تضييعه فَهُوَ حَال من نكرَة أَقُول هَذَا التَّقْدِير من بَاب الِاسْتِثْنَاء ومضيعا وصف للمضمر لَا حَال مِنْهُ وَقَالَ الأعلم وَيجوز نَصبه على الِاسْتِثْنَاء وَالتَّقْدِير إِلَّا أمرا مضيعا وَفِيه قبح لوضع الصّفة مَوضِع الْمَوْصُوف أَقُول لَا قبح فَإِن الْمَوْصُوف كثيرا مَا يحذف لقَرِينَة وَقَالَ ابْن الْأَنْبَارِي الِاسْتِثْنَاء مُنْقَطع أَقُول التفريغ لَا يكون

فِي الْمُنْقَطع ثمَّ قَالَ وَلَو رفع فِي غير هَذَا الْموضع لجَاز بجعله خَبرا ل لَا أَقُول يجب حِينَئِذٍ أَن يُقَال وَلَا أمرا للمعصي بِالتَّنْوِينِ إِلَّا على مَذْهَب البغدادين وَقد أورد أَبُو زيد فِي نوادره هَذِه الأبيات على غير هَذَا التَّرْتِيب وروى أَولهَا (أَمرتهم أَمْرِي بمنعرج اللوى) والكلحبة لقب الشَّاعِر وَهُوَ بِفَتْح الْكَاف وَسُكُون اللَّام وَبعدهَا حاء مُهْملَة فباء مُوَحدَة وَمَعْنَاهُ فِي اللُّغَة صَوت النَّار ولهبها كَذَا فِي الْعباب وَزَاد فِي الْقَامُوس وكلحبه بِالسَّيْفِ ضربه والعريني نِسْبَة إِلَى عرين بِفَتْح الْعين وَكسر الرَّاء الْمُهْمَلَتَيْنِ وَالْيَاء فِي فعيل تثبت فِي النّسَب وَهُوَ جده الْقَرِيب وَيُقَال لَهُ الْيَرْبُوعي أَيْضا نِسْبَة إِلَى جده الْبعيد وَقَوْلهمْ الكلحبة عرني نِسْبَة إِلَى عرينه كجهني نِسْبَة إِلَى جُهَيْنَة تَحْرِيف فَإِن عرينة بِالتَّصْغِيرِ بطن من بجيلة وَلَيْسَ من نسبه قَالَ الْآمِدِيّ فِي المؤتلف والمختلف الكلحبة الْيَرْبُوعي اسْمه هُبَيْرَة بن عبد منَاف بن عرين بن ثَعْلَبَة بن يَرْبُوع بن حَنْظَلَة بن مَالك بن زيد مَنَاة بن تَمِيم أحد فرسَان بني تَمِيم وساداتها وشاعر وَهُوَ الْقَائِل (فَقلت لكأس ألجميها الْبَيْت) وَكَذَا قَالَ أَبُو زيد فِي نوادره اسْمه هُبَيْرَة بن عبد منَاف عَم وَاقد بن عبد الله ابْن عبد منَاف

وَمثله قَالَ ابْن الْأَنْبَارِي الكلحبة اسْمه هُبَيْرَة بن عبد منَاف وَقَالَ الصَّاغَانِي فِي الْعباب قَالَ أَبُو عبيد كلحبة اسْمه عبد الله بن كلحبة وَيُقَال هُبَيْرَة بن كلحبة فَارس العرادة وَيُقَال اسْمه حَرِير وَأثبت من ذَلِك أَن اسْمه هُبَيْرَة بن عبد الله بن عبد منَاف إِلَى آخر نسبه وَقَالَ صَاحب الْقَامُوس الكلحبة شَاعِر عرني ولقب هُبَيْرَة بن عبد الله بن عبد منَاف بن عرين العرني فَارس العرادة ذ هـ. فَتَأمل مَا فِيهِ وَالظَّاهِر أَن حَرِيرًا ابْنه وَهُوَ بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَفتح الرَّاء الأولى كَمَا يفهم من قَوْله (الطَّوِيل) (لَعَلَّ حَرِيرًا أخطأته منية ... ستأتيك بِالْعلمِ العشية أَو غَد) (تَقول لَهُ إِحْدَى بلي شماتة ... من الْحَنْظَلِي الْفَارِس المتفقد) فَإِنَّهُ كَانَ أَرَادَ بعض مُلُوك الشَّام فَسَار حَتَّى إِذا صَار فِي مَوضِع يُقَال لَهُ قرن ظَبْي رَجَعَ وَقَالَ (الوافر) (رددت ظعائني من قرن ظَبْي ... وَهن على شمائلهن زور فجاور فِي بلي بن عَمْرو بن الحاف بن قضاعة فَأَغَارَ عَلَيْهِم بَنو جشم بن بكر من بني تغلب فقاتل مَعَ بلي هُوَ وَابْنه وَقد أَخذ بَنو جشم أَمْوَالهم حَتَّى ردهَا وجرح ابْنه فَمَاتَ من جراحته وَمن شعر الكلحبة يُخَاطب جَارِيَته كأسا رَوَاهُ أَبُو زيد فِي نوادره

(تتمة)

(الْبَسِيط) (يَا كأس وَيلك إِنِّي غالني خلقي ... على السماحة صعلوكا ذَا مَال) (تخيري بَين رَاع حَافظ برم ... عبد الرشاء عَلَيْك الدَّهْر عُمَّال) (وَبَين أروع مشمول خلائقه ... مُسْتَغْرق المَال للذات مكسال) (فَأَي ذَيْنك إِن نابتك نائبة ... وَالْقَوْم لَيْسُوا وَإِن سووا بأمثال) قَالَ أَبُو حَاتِم فَأَي بِالرَّفْع قَالَ أَبُو عَليّ أضمر اخْتَارِي لِأَن ذكره قد جرى فَهُوَ مَنْصُوب وَقَالَ أَخُوهُ يرد عَلَيْهِ (الطَّوِيل) (ألم تَكُ قد جربت مَا الْفقر والغنى ... وَمَا يعظ الضليل إِلَّا ألالكا) (عقوقا وإفسادا لكل معيشة ... فَكيف ترى أمست إِضَاعَة مَالِكًا) قَالَ أَبُو حَاتِم إِضَاعَة بِالنّصب وَقَالَ أَبُو عَليّ ترى المتعدية لمفعولين ألغاها (تَتِمَّة) قد أَخذ الْبَيْت الشَّاهِد شبيب بن البرصاء وَغير قافيته وَقَالَ (الطَّوِيل) (دَعَاني حُصَيْن للفرار فساءني ... مَوَاطِن أَن يثنى على فأشتما) (فَقلت لحصن نج نَفسك إِنَّمَا ... يذود الْفَتى عَن حَوْضه أَن يهدما) (تَأَخَّرت أستبقي الْحَيَاة فَلم أجد لنَفْسي حَيَاة مثل أَن أتقدما) (سيكفيك أَطْرَاف الأسنة فَارس ... إِذا ريع نَادَى بالجواد وألجما) (إِذا الْمَرْء لم يغش الكريهة أوشكت ... حبال الهوينى بالفتى أَن تجذما)

فِي الْقَامُوس وجذمه بِالْجِيم والذال الْمُعْجَمَة فانجذم وتجذم قطعه وَمثله كثير من الشُّعَرَاء وَسَيَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى لَهُ نَظَائِر كَثِيرَة والبرصاء هِيَ أم شبيب وَأَبوهُ اسْمه يزِيد وتنتهي نسبته إِلَى قيس بن عيلان وَهُوَ ابْن خَالَة عقيل بن علفة وكل مِنْهُمَا كَانَ شريفا سيدا فِي قومه وَكَانَا من شعراء الدولة الأموية وترجمتها طَوِيلَة فِي الأغاني قَالَ صَاحبهَا كَانَ عبد الْملك بن مَرْوَان يتَمَثَّل بِهَذِهِ الأبيات لشبيب بن البرصاء فِي بذل النَّفس عِنْد اللِّقَاء ويعجب مِنْهُ وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد الثَّانِي وَالسِّتُّونَ (الطَّوِيل) (فَإِن فُؤَادِي عنْدك الدَّهْر أجمع) صَدره (فَإِن يَك جثماني بِأَرْض سواكم) على أَن الضَّمِير انْتقل من مُتَعَلق الظّرْف إِلَى الظّرْف وَهُوَ عنْدك وَوجه الدّلَالَة أَنه لَيْسَ قبل أجمع مَا يَصح أَن يحمل عَلَيْهِ إِلَّا أسم إِن وَالضَّمِير الَّذِي فِي الظّرْف والدهر فاسم إِن والدهر منصوبان فَبَقيَ حمله على الْمُضمر فِي عنْدك قَالَ ابْن هِشَام هَذَا هُوَ الْمُخْتَار بدليلين أَحدهمَا امْتنَاع تَقْدِيم الْحَال فِي نَحْو زيد فِي الدَّار جَالِسا وَلَو كَانَ الْعَامِل الْفِعْل لم يمْتَنع وَلقَوْله (فَإِن فُؤَادِي عنْدك الدَّهْر أجمع)

فأكد الضَّمِير الْمُسْتَتر فِي الظّرْف وَالضَّمِير لَا يسْتَتر إِلَّا فِي عَامله وَلَا يَصح أَن يكون توكيدا لضمير مَحْذُوف مَعَ الِاسْتِقْرَار لِأَن التوكيد والحذف متنافيان وَلَا لاسم إِن على مَحَله من الرّفْع بِالِابْتِدَاءِ لِأَن الطَّالِب للمحل قد زَالَ وَقَوله بِأَرْض سواكم قَالَ أَبُو عبيد الْبكْرِيّ فِي شرح نَوَادِر أبي عَليّ القالي يرْوى بِأَرْض سواكم على الْإِضَافَة وَهَذَا بَين ويروى بِأَرْض سواكم يُرِيد بِأَرْض سوى أَرْضكُم فَحذف الْمُضَاف واقام الْمُضَاف إِلَيْهِ مقَامه ا. هـ. وَقَوله عنْدك بِكَسْر الْكَاف فَإِنَّهُ خطاب لامْرَأَة فَإِن قلت فَكيف قَالَ سواكم قلت قد تخاطب الْمَرْأَة بخطاب جمَاعَة الذُّكُور مُبَالغَة فِي سترهَا وَمِنْه قَوْله تَعَالَى {فَقَالَ لأَهله امكثوا} وَهَذَا الْبَيْت من قصيدة لجميل بن معمر يتغزل فِيهَا بمحبوبته بثينة وَمَا قبله (أَلا تتقين الله فِيمَن قتلته ... فأمسى إِلَيْكُم خَاشِعًا يتَضَرَّع) وَبعده (إِذا قلت هَذَا حِين أسلو وأجتري ... على هجرها ظلت لَهَا النَّفس تشفع) (أَلا تتقين الله فِي قتل عاشق ... لَهُ كبد حرى عَلَيْك تقطع) (غَرِيب مشوق مولع بأدكاركم ... وكل غَرِيب الدَّار بالشوق مولع) (فَأَصْبَحت مِمَّا أحدث الدَّهْر موجعا ... وَكنت لريب الدَّهْر لَا أتخشع) (فيا رب حببني إِلَيْهَا وَأَعْطِنِي الْمَوَدَّة ... مِنْهَا أَنْت تُعْطِي وتمنع)

وَرَأَيْت فِي تذكره أبي حَيَّان أَن الْبَيْت لكثير عزة وَقَالَ بعده (إِذا قلت هَذَا حِين أسلو ذكرتها ... فظلت لَهَا نَفسِي تتوق وتنزع) وَالصَّوَاب مَا قدمْنَاهُ وَجَمِيل هُوَ جميل بن عبد الله بن معمر كَذَا قَالَ ابْن الْكَلْبِيّ وَفِي اسْم أَبِيه فَمن فَوْقه خلاف ذكره الْآمِدِيّ فِي المؤتلف والمختلف وصاحبته بثينة وهما من عذرة ويكنى أَبَا عَمْرو وَهُوَ أحد عشاق الْعَرَب الْمَشْهُورين وَكَانَت بثينه تكنى أم عبد الْملك وَلها يَقُول جميل (يَا أم عبد الْملك اصرميني ... وبيني صرمك أَو صليني) وَيُقَال أَيْضا إِنَّه جميل بن معمر بن عبد الله وَالْجمال والعشق فِي عذرة كثير وعشق جميل بثينة وَهُوَ غُلَام صَغِير فَلَمَّا كبر خطبهَا فَرد! عَنْهَا فَقَالَ فِيهَا الشّعْر وَكَانَ يَأْتِيهَا وتأتيه ومنزلهما وَأدِّي الْقرى فَجمع لَهُ قَومهَا جمعا ليأخذوه فحذرته بثينة فاستخفى وَقَالَ (الطَّوِيل) (وَلَو أَن ألفا دون بثنة كلهم ... غيارى وكل مزمعون على قَتْلِي) (لحاولتها إِمَّا نَهَارا مجاهرا ... وَإِمَّا سرى ليل وَلَو قطعُوا رجْلي) وهجا قَومهَا فَاسْتَعدوا عَلَيْهِ مَرْوَان بن الحكم وَهُوَ على الْمَدِينَة من قبل مُعَاوِيَة فَنَذر ليقطعن لِسَانه فلحق بجذام فَقَالَ (الطَّوِيل) (أَتَانِي عَن مَرْوَان بِالْغَيْبِ أَنه ... مُقَيّد دمي أَو قَاطع من لسانيا) (فَفِي العيس منجاة وَفِي الأَرْض مَذْهَب ... إِذا نَحن رفعنَا لَهُنَّ المثانيا)

فَأَقَامَ هُنَاكَ إِلَى أَن عزل مَرْوَان ثمَّ انْصَرف إِلَى بَلَده وَمن شعره فِيهَا (علقت الْهوى مِنْهَا وليدا فَلم يزل ... إِلَى الْيَوْم ينمي حبها وَيزِيد) (وأفنيت عمري] بانتظار نوالها ... فباد بِذَاكَ الدَّهْر وَهُوَ جَدِيد) (فَلَا أَنا مَرْدُود بِمَا جِئْت طَالبا ... وَلَا حبها فِيمَا يبيد يبيد) ويستجاد لَهُ قَوْله (الطَّوِيل) (خليلي فِيمَا عشتما هَل رَأَيْتُمَا ... قَتِيلا بَكَى من حب قَاتله قبلي) وَقَالَت بثينة وَلَا يعرف لَهَا شعر غَيره (الطَّوِيل) (وَإِن سلوي عَن جميل لساعة ... من الدَّهْر مَا حانت وَلَا حَان حينها) (سَوَاء علينا يَا جميل بن معمر ... إِذا مت بأساء الْحَيَاة ولينها) وترجمة جميل فِي الأغاني طَوِيلَة جدا وَمَا ذَكرْنَاهُ ملخص من طَبَقَات الشُّعَرَاء لِابْنِ قُتَيْبَة وَذكر الْآمِدِيّ فِي المؤتلف والمختلف ثَلَاثَة مِمَّن اسْمه جميل أحدهم هَذَا وَالثَّانِي جميل بن الْمُعَلَّى الْفَزارِيّ وَهُوَ شَاعِر فَارس وَمن شعره (الوافر) (فَلَا وَأَبِيك مَا فِي الْعَيْش خير ... وَلَا الدُّنْيَا إِذا ذهب الْحيَاء) وَالثَّالِث جميل بن سيدان الْأَسدي وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد الثَّالِث وَالسِّتُّونَ

(الوافر) (أَلا يَا نَخْلَة من ذَات عرق ... عَلَيْك وَرَحْمَة الله السَّلَام) لما تقدم فِي الْبَيْت قبله بِدَلِيل الْعَطف عَلَيْهِ فَإِن قَوْله وَرَحْمَة الله عطف على الضَّمِير المستكن فِي عَلَيْك الرَّاجِع إِلَى السَّلَام لِأَنَّهُ فِي التَّقْدِير السَّلَام حصل عَلَيْك فَحذف حصل وَنقل ضَمِيره إِلَى عَلَيْك واستتر فِيهِ وَلَو كَانَ الْفِعْل محذوفا مَعَ الضَّمِير لزم الْعَطف بِدُونِ الْمَعْطُوف عَلَيْهِ وَبِهَذَا الْبَيْت سقط قَول ابْن خروف بِأَن الظّرْف إِنَّمَا يتَحَمَّل الضَّمِير إِذا تَأَخّر عَن الْمُبْتَدَأ قَالَ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي قَول ابْن خروف مُخَالف لإطلاقهم وَلقَوْل ابْن جني فِي هَذَا الْبَيْت إِن الأولى حمله على الْعَطف على ضمير الظّرْف لَا على تَقْدِيم الْمَعْطُوف على الْمَعْطُوف عَلَيْهِ قد اعْترض بِأَنَّهُ تخلص من ضَرُورَة بِأُخْرَى وَهُوَ الْعَطف مَعَ عدم الْفَصْل وَلم يعْتَرض بِعَدَمِ الضَّمِير وَجَوَابه أَن عدم الْفَصْل أسهل لوروده فِي النثر كمررت بِرَجُل سَوَاء والعدم حَتَّى قيل إِنَّه قِيَاس 1. وَإِنَّمَا نسب الْأَوْلَوِيَّة إِلَى ابْن جني لِأَنَّهُ ذهب تبعا لغيره فِي حرف الْوَاو من الْمُغنِي إِلَى أَنه من بَاب تقدم الْمَعْطُوف على الْمَعْطُوف عَلَيْهِ وَأَنه من خَصَائِص الْوَاو وَمَا زَعمه الدماميني فِي الِاخْتِصَاص بِأَن السعد قَالَ فِي شرح الْمِفْتَاح إِن تَقْدِيم الْمَعْطُوف جَائِز بِشَرْط الضَّرُورَة وَعدم التَّقْدِيم على الْعَامِل وَكَون العاطف أحد حُرُوف خَمْسَة الْوَاو وَالْفَاء وَثمّ وأو وَلَا صرح بِهِ الْمُحَقِّقُونَ وَقَالَ ابْن السَّيِّد فِي شرح أَبْيَات الْجمل مَذْهَب الْأَخْفَش أَنه أَرَادَ عَلَيْك السَّلَام ورَحِمَهُ اللَّهُ فَقدم الْمَعْطُوف ضَرُورَة لِأَن السَّلَام عِنْده فَاعل عَلَيْك وَلَا يلْزم هَذَا سِيبَوَيْهٍ لِأَن السَّلَام عِنْده مُبْتَدأ وَعَلَيْك خَبره ورَحِمَهُ اللَّهُ مَعْطُوف على الضَّمِير المستر

وَأنْشد ثَعْلَب فِي أمالية هَذَا الْبَيْت هَكَذَا (الوافر) (إِلَّا يَا نَخْلَة من ذَات عرق ... برود الظل شاعكم السَّلَام) شاعكم تبعكم وَعَلِيهِ لَا شَاهد فِيهِ وأنشده صَاحب الْجمل فِي بَاب النداء قَالَ اللَّخْمِيّ ونخلة منادى مُنكر وَهُوَ الشَّاهِد وَحكى الأعلم أَن كل نكرَة تؤنث فَلَا تكون إِلَّا مَنْصُوبَة وَإِن كَانَت مَقْصُودَة مُعينَة ونخلة عِنْده منادى مَقْصُود وَلَكِن لما نونها نصبها قَالَ وَذَات عرق مَوضِع بالحجاز وَسلم على النَّخْلَة لِأَنَّهُ معهد أحبابه وملعبه مَعَ أترابه لِأَن الْعَرَب تقيم الْمنَازل مقَام سكانها فتسلم عَلَيْهَا وتكثر من الحنين إِلَيْهَا قَالَ الشَّاعِر (الْخَفِيف) (وكمثل الأحباب لَو يعلم العاذل ... عِنْدِي منَازِل الأحباب) وَيحْتَمل أَن يكون كنى عَن محبوبته بالنخلة لِئَلَّا يشهرها وخوفا من أَهلهَا وأقاربها وعَلى هَذَا الْأَخير اقْتصر ابْن أبي الإصبع فِي تَحْرِير التحبير فِي بَاب الْكِنَايَة قَالَ وَمن نخوة الْعَرَب وغيرتهم كنايتهم عَن حرائر النِّسَاء بالبيض وَقد جَاءَ الْقُرْآن الْعَزِيز بذلك فَقَالَ سُبْحَانَهُ {كأنهن بيض مَكْنُون} وَقَالَ امْرُؤ الْقَيْس (الطَّوِيل) (وبيضة خدر لَا يرام خباؤها ... تمتعت من لَهو بهَا غير معجل) وَمن مليح الْكِنَايَة قَول بعض الْعَرَب (الوافر) (أَلا يَا نَخْلَة من ذَات عرق ... عَلَيْك وَرَحْمَة الله السَّلَام) (سَأَلت النَّاس عَنْك فخبروني ... هُنَا من ذَاك تكرههُ الْكِرَام) (وَلَيْسَ بِمَا أحل الله بَأْس ... إِذا هُوَ لم يخالطه الْحَرَام)

فَإِن هَذَا الشَّاعِر كنى عَن الْمَرْأَة بالنخلة وبالهناة عَن الرَّفَث فَأَما الهناة فَمن عَادَة الْعَرَب الْكِنَايَة بهَا عَن مثل ذَلِك وَأما الْكِنَايَة بالنخلة عَن الْمَرْأَة فَمن ظريف الْكِنَايَة وغريبها ا. هـ. وَقَالَ شرَّاح أَبْيَات الْجمل وَغَيرهم بَيت الشَّاهِد لَا يعرف قَائِله وَقيل هُوَ للأحوص وَالله أعلم وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد الرَّابِع وَالسِّتُّونَ وَهُوَ من شَوَاهِد س (الطَّوِيل) (أحقا بني أَبنَاء سلمى بن جندل ... تهددكم إيَّايَ وسط الْمجَالِس) على أَن تهددكم فَاعل الظّرْف أَعنِي قَوْله حَقًا لاعتماده على الِاسْتِفْهَام وَالتَّقْدِير أَفِي حق تهددكم إيَّايَ كَمَا قَالَ الآخر (الطَّوِيل) (أَفِي الْحق أَنِّي مغرم بك هائم) وَجَاز وُقُوعه ظرفا وَهُوَ مصدر فِي الأَصْل لما بَين الْفِعْل وَالزَّمَان من المضارعة وَكَأَنَّهُ على حذف الْوَقْت وَإِقَامَة الْمصدر مقَامه كَمَا قَالُوا أَتَيْتُك خفوق النَّجْم أَي وَقت خفوق النَّجْم فَكَأَن تَقْدِيره أَفِي وَقت حق وَقَالَ ابْن الشجري فِي أمالية قَالُوا حَقًا إِنَّك ذَاهِب وأكبر ظَنِّي أَنَّك مُقيم يُرِيدُونَ فِي حق وَفِي أكبر ظَنِّي

وَلَك فِي أَن مذهبان فمذهب سِيبَوَيْهٍ والأخفش والكوفيين رفع أَن بالظرف وكل اسْم حدث يتقدمه ظرف يرْتَفع عِنْد سِيبَوَيْهٍ بالظرف ارْتِفَاع الْفَاعِل وَقد مثل ذَلِك بقوله غَدا الرحيل وأحقا أَنَّك ذَاهِب قَالَ حملوه على أَفِي حق أَنَّك ذَاهِب وَالْحق أَنَّك ذَاهِب وَالْمذهب الآخر مَذْهَب الْخَلِيل وَذَلِكَ أَنه يرفع اسْم الْحَدث بِالِابْتِدَاءِ ويخبر عَنهُ بالظرف الْمُتَقَدّم حكى ذَلِك عَنهُ سِيبَوَيْهٍ فِي قَوْله وَزعم الْخَلِيل أَن التهدد هَا هُنَا بِمَنْزِلَة الرحيل بعد غَد وَأَن أَن بِمَنْزِلَتِهِ ا. هـ. وَقَالَ ابْن هِشَام فِي مُغنِي اللبيب أَن وصلتها مُبْتَدأ والظرف خَبره وَقَالَ الْمبرد حَقًا مصدر لحق محذوفا وَأَن وصلتها فَاعل ا. هـ. وَقد اسْتشْكل النّحاس قَول الْخَلِيل أَن التهدد هُنَا بِمَنْزِلَة الرحيل بعد غَد إِلَخ فَقَالَ وَهَذَا مُشكل وسالت عَنهُ أَبَا الْحسن فَقَالَ لِأَنَّك تَقول أحقا أَن تتهددوا وَكَذَا أحقا أَنَّك منطلق قَالَ فحقا عِنْده ظرف كَأَنَّهُ قَالَ أَفِي حق انطلاقك قَالَ وَحَقِيقَته أزمن حق أَنَّك منطلق مثل وأسأل الْقرْيَة قَالَ مُحَمَّد بن يزِيد لم يجز الْخَلِيل كسر إِن هُنَا لِأَنَّهُ يكون التَّقْدِير إِنَّك ذَاهِب حَقًا ثمَّ تقدم ومحال أَن يعْمل مَا بعد إِن فِيمَا قبلهَا وَلَو كَانَ الْعَامِل فِيهَا جَازَ فِيهِ التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير نَحْو حَقًا ضربت زيدا وَلَا يجوز حَقًا زيد فِي الدَّار فَلذَلِك اضْطر إِلَى تَقْدِير فِي وَإِن قلت أحقا أَنَّك ذَاهِب جَازَ لِأَن الْعَامِل معنى ا. هـ. قَالَ النّحاس وَسمعت أَبَا الْحسن يَقُول

نظرت فِي أحقا فَلم أجد يَصح فِيهِ إِلَّا قَول سِيبَوَيْهٍ على حذف فِي ا. هـ. أَرَادَ بِهَذَا الرَّد على الْجرْمِي فَإِنَّهُ قَالَ فِي هَذَا الْبَيْت وَنَحْوه هُوَ على التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير وَلَا يكون على مَا قَالَه سِيبَوَيْهٍ من أَنه ظرف لِأَن الظّرْف لم يَجِيء مصدرا فِي غير هَذَا وَهَذَا الَّذِي قَالَه قَبِيح من جِهَة أَن مَا ينْتَصب لدلَالَة الْجُمْلَة عَلَيْهِ مُتَقَدم قَالَ أَبُو عَليّ فِي التَّذْكِرَة هَذَا لَيْسَ بالْحسنِ على أَن سِيبَوَيْهٍ قَالَ غير ذِي شكّ أَنه خَارج وَقَوْلهمْ غير ذِي شكّ فِيهِ دلَالَة على جَوَاز نصب حَقًا على الظّرْف أَلا ترى أَنه إِنَّمَا أجَاز تَقْدِيمه حَيْثُ كَانَ غير ذِي شكّ بِمَنْزِلَة حَقًا وَفِي مَعْنَاهُ فلولا أَن حَقًا فِي معنى الظّرْف عِنْدهم لم يستعملوا تَقْدِيم مَا كَانَ فِي مَعْنَاهُ إِذْ الْعَامِل إِذا كَانَ معنى لم يتَقَدَّم عَلَيْهِ معموله فلولا أَن حَقًا بِمَنْزِلَة الظّرْف لما تقدم على الْعَامِل فِيهِ وَهُوَ معنى ويؤكد ذَلِك أَيْضا قَوْلهم أكبر ظَنِّي أَنَّك منطلق فإجراؤهم إِيَّاه مجْرى الظّرْف يدل على أَن حَقًا أَيْضا قد أجْرى مجْرى الظّرْف إِذْ كَانَا متقاربي الْمَعْنى وَقد أجْرى الْجرْمِي هَذِه الأبيات الَّتِي أنشدها سِيبَوَيْهٍ على أَنَّهَا مَحْمُولَة على الْمصدر وَأَن مَا بعد الْمصدر مَحْمُول على الْفِعْل أَو على الْمصدر فإمَّا أَن يعْمل فِيهِ الْمصدر وَإِمَّا أَن يعْمل فِيهِ الْفِعْل الْعَامِل فِي الْمصدر وَهَذَا الَّذِي أجَازه جَائِز غير مُمْتَنع وَهُوَ ظَاهر وَقد كنت سَأَلت أَبَا بكر عَنهُ فَقلت مَا تنكر أَن يكون مَحْمُولا على الْفِعْل فَأجَاز ذَلِك وَلم يمْتَنع مِنْهُ ا. هـ. وبني منادى مُضَاف لما بعده وسلمى بِفَتْح السِّين وَرُوِيَ وعيدكم بدل تهددكم وسط بِسُكُون السِّين ظرف بِمَعْنى بَين وَهَذَا الْبَيْت للأسود بن يعفر أول أَبْيَات أَرْبَعَة وَهَذَا مَا بعده (الطَّوِيل) (فَهَلا جعلتم نَحوه من وعيدكم ... على رَهْط قعقاع ورهط ابْن حَابِس) ...

(هم منعُوا مِنْكُم تراث أبيكم ... فَصَارَ التراث للكرام الأكايس) (وهم أوردوكم ضفة الْبَحْر طاميا ... وهم تركوكم بَين خاز وناكس) نَحوه أَي مثله أَي مثل مَا هددتموني بِهِ والأكايس جمع أَكيس من الكياسة وَهِي الظرافة والضفة بِالْفَتْح وَالْكَسْر جَانب الْبَحْر وَالنّهر والبئر وطاميا من طما المَاء يطمو طموا ويطمي طميا فَهُوَ طام إِذا ارْتَفع وملأ النَّهر وَهُوَ بِالطَّاءِ الْمُهْملَة وخاز من خزي بِالْكَسْرِ يخزى خزيا إِذا ذل وَهَان والناكس المطأطئ رَأسه وَالسَّبَب فِي هَذِه الأبيات كَمَا فِي الأغاني أَن أَبَا جعل أَخا بني عَمْرو ابْن حَنْظَلَة من البراجم جمع من شذاذ أَسد وَتَمِيم وَغَيرهم فغزوا بني الْحَارِث بن تيم الله بن ثَعْلَبَة فنذروا بهم وقاتلوهم قتالا شَدِيدا حَتَّى فضوا جمعهم فلحق رجل من بني الْحَارِث بن تيم الله بن ثَعْلَبَة جمَاعَة من بني نهشل فيهم جراح بن الْأسود بن يعفر وحرير بن شمر بن هزان بن زُهَيْر بن جندل وَرَافِع بن صُهَيْب بن حَارِثَة ابْن جندل وَعَمْرو والْحَارث ابْنا حَرِير بن سلمى ابْن جندل فَقَالَ لَهُم الْحَارِثِيّ هَلُمَّ إِلَيّ يَا طلقاء فقد أعجبني قتالكم وَأَنا خير لكم من الْعَطش قَالُوا نعم فَنزل ليجز نواصيهم فَنظر جراح بن الْأسود إِلَى فرسه فَإِذا هُوَ أَجود فرس فِي الأَرْض يُقَال لَهُ العصماء فَوَثَبَ فركبها وركضها وَنَجَا عَلَيْهَا فَقَالَ الْحَارِثِيّ للَّذين بقوا مَعَه أتعرفون هَذَا قَالُوا نعم نَحن لَك عَلَيْهِ خفراء فَلَمَّا أَتَى جراح أَبَاهُ أمره فهرب بهَا فِي بني سعد فابتطنها

ثَلَاثَة أبطن وَكَانَ يُقَال لَهَا العصماء فَلَمَّا رَجَعَ النَّفر النهشليون إِلَى قَومهمْ قَالُوا إِنَّا خفراء فَارس العصماء فوَاللَّه لنأخذنها فأوعدوه وَقَالَ حَرِير وَرَافِع نَحن الخفيران لَهَا وَكَانَ بَنو جَرْوَل حلفاء بني سلمى ابْن جندل على بني حَارِثَة بن جندل فأعانه على ذَلِك التيجان بن بلج بن جَرْوَل ابْن نهشل فَقَالَ الْأسود بن يعفر يهجوه (الطَّوِيل) (أَتَانِي وَلم أخش الذ ي ابتعثا بِهِ ... خفيرا بني سلمى حَرِير وَرَافِع) (هم خيبوني كل يَوْم غنيمَة ... وأهلكتهم لَو أَن ذَلِك نَافِع) وَسَيَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى شرح هَذَا مَعَ بَقِيَّة الأبيات فِي آخر الْكتاب فِي حُرُوف الشَّرْط قَالَ فَلَمَّا رأى الْأسود أَنهم لَا يقلعون عَن الْفرس أَو يردهَا أحلفهم عَلَيْهَا فَحَلَفُوا أَنهم خفراء لَهَا فَرد الْفرس عَلَيْهِم وَأمْسك أمهارها فَردُّوا الْفرس إِلَى صَاحبهَا ثمَّ أظهر الأمهار بعد ذَلِك فأوعدوه فِيهَا أَن يأخذوها فَقَالَ الْأسود أحقا بني أَبنَاء سلمى بن جندل الأبيات الْأَرْبَعَة وَالْأسود هُوَ ابْن يعفر بن عبد الْأسود بن جندل بن نهشل بن دارم بن مَالك بن حَنْظَلَة بن مَالك بن زيد مَنَاة بن تَمِيم قَالَ السُّيُوطِيّ وَجعله مُحَمَّد بن سَلام فِي الطَّبَقَة الثَّانِيَة مَعَ خِدَاش بن زُهَيْر والمخبل السَّعْدِيّ والنمر بن تولب وكنيته أَبُو الْجراح وَكَانَ مِمَّن

يهجو قومه وترجمه الْآمِدِيّ فِي المؤتلف والمختلف فِيمَن لقب بالأعشى فَقَالَ وَمِنْهُم أعشى بني نهشل وَهُوَ الْأسود بن يعفر بن الْأسود بن حَارِثَة بن جندل بن نهشل بن دارم الشَّاعِر الْمَشْهُور ا. هـ. وَفِي الصِّحَاح الْأسود بن يعفر الشَّاعِر إِذا قلته بِفَتْح الْيَاء لم تصرفه لِأَنَّهُ مثل يقتل وَقَالَ يُونُس سَمِعت رؤبة يَقُول اسود بن يعفر بِضَم الْيَاء أَي وبضم الْفَاء أَيْضا وَهَذَا ينْصَرف لِأَنَّهُ قد زَالَ عَنهُ شبه الْفِعْل ا. هـ. وَهُوَ شَاعِر مقدم فصيح من شعراء الْجَاهِلِيَّة لَيْسَ بمكثر وَله القصيدة الْمَشْهُورَة الَّتِي أَولهَا (الْكَامِل) (نَام الخلي وَمَا أحس رقادي ... والهم محتضر لدي وِسَادِي) وفيهَا أَبْيَات شَوَاهِد فِي الْمُغنِي لِأَبْنِ هِشَام تشرح هُنَاكَ إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَهِي من مُخْتَار أشعار الْعَرَب وَحكمهَا مأثورة وَكَانَ ينادم النُّعْمَان بن الْمُنْذر وَلما أسن كف بَصَره فَكَانَ يُقَاد إِذا ذهب إِلَى مَوضِع وَابْنه الْجراح وَأَخُوهُ حطائط شاعران وَمن شعر حطائط يَقُول لأمه وَقد عاتبته على جوده (الطَّوِيل) (أريني جوادا مَاتَ هزلا لعلني ... أرى مَا تَرين أَو بَخِيلًا مخلدا) (ذرين أكن لِلْمَالِ رَبًّا وَلَا يكن ... لي المَال رَبًّا تحمدي غب غَدا) ذَرِينِي يكن مَالِي لعرضي وقاية ... يقي المَال عرضي قبل أَن يتبددا)

وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد الْخَامِس وَالسِّتُّونَ وَهُوَ من شَوَاهِد س (أكل عَام نعم تحوونه) على أَنه بِتَقْدِير حواية نعم ليَصِح الْإِخْبَار عَن اسْم الْعين باسم الزَّمَان فَإِن قَوْله أكل عَام مَنْصُوب على الظّرْف فِي مَوضِع خبر لقَوْله نعم فَوَجَبَ تَقْدِير مُضَاف وَقدره الشَّارِح الْمُحَقق حواية بِدَلِيل تحوونه وَهُوَ مصدر حويت الشَّيْء أحويه إِذا ضممته واستوليت عَلَيْهِ وملكته وَقدره ابْن النَّاظِم فِي شرح الْخُلَاصَة إِحْرَاز نعم وَقدره ابْن هِشَام نهب نعم وَقدره ابْن خلف أَخذ نعم أَو تَحْصِيل نعم وَقَالَ النّحاس كَانَ الْمبرد يذهب إِلَى أَن الْمَعْنى أكل عَام حُدُوث نعم فَيكون كل مَنْصُوبًا بالحدوث كَمَا تَقول اللَّيْلَة الْهلَال قَالَ أَبُو الْحسن ردا عَلَيْهِ لَيْسَ النعم شَيْئا يحدث لم يكن كَيَوْم الْجُمُعَة وَمَا أشبهه وَلَكِن الْعَامِل فِي كل الِاسْتِقْرَار وَالْخَبَر مَحْذُوف كَأَنَّهُ قَالَ نعم تحوونه لكم ا. هـ. أَقُول الْمبرد قدر هَذَا الْمُضَاف لصِحَّة الْإِخْبَار لَا لِأَنَّهُ عَامل فِي الظّرْف وَكَيف يكون الْعَامِل فِي كل الِاسْتِقْرَار مَعَ كَون الْخَبَر محذوفا مُقَدرا بلكم فَتَأمل وَقدر صَاحب اللب الْمَحْذُوف مثل الْمبرد قَالَ شَارِحه يحْتَمل أَن يكون مُرَاده أَن الْمُضَاف هُنَا مَحْذُوف أَي أحدوث نعم حصل فِي كل عَام أَو أحصل فِي كل عَام حُدُوث نعم فَحذف الْمُضَاف وأقيم الْمُضَاف إِلَيْهِ مقَامه فَيكون الْمُبْتَدَأ أَو الْعَامِل فِي التَّقْدِير حَدثا غير مُسْتَمر وَأَن يكون مُرَاده أَن

للنعم فِي نَفسه تجددا وحدوثا فِي كل عَام كَمَا أَن فِي نفس الْهلَال تجددا وحدوثا فِي كل شهر ا. هـ. وَفهم من كَلَامه شيئآن الأول الرَّد على أبي الْحسن فِي قَوْله لَيْسَ النعم شَيْئا يحدث وَالثَّانِي أَن نعما لَا يتَعَيَّن أَن يكون مُبْتَدأ بل يجوز أَيْضا أَن يكون فَاعل الظّرْف وَمثله قَالَ ابْن هِشَام فِي شرح الشواهد الْأَحْسَن أَن يكون نعم فَاعِلا بالظرف لاعتماده فَلَا مُبْتَدأ وَلَا خبر وَمَعَ هَذَا فلابد من التَّقْدِير أَيْضا لِأَنَّهُ لأجل الْمَعْنى لَا لأجل الْمُبْتَدَأ إِذْ الَّذِي يحكم لَهُ بالاستقرار هُوَ الْأَفْعَال لَا الذوات ا. هـ. وَأورد س هَذَا الْبَيْت على أَن جملَة تحوونه صفة لنعم وَاسْتشْهدَ بِهِ أَيْضا صَاحب الْكَشَّاف على تذكير الْأَنْعَام فِي قَوْله تَعَالَى (وَإِن لكم فِي الْأَنْعَام لعبرة نسقيكم مِمَّا فِي بطونه لِأَنَّهُ مُذَكّر كَمَا ذكر الشَّاعِر الضَّمِير الْمَنْصُوب فِي تحوونه الرَّاجِع إِلَى النعم لِأَنَّهُ النعم اسْم مُفْرد بِمَعْنى الْجمع قَالَ الْفراء هُوَ مُفْرد لَا يؤنث يُقَال هَذَا نعم وَارِد وَقَالَ الْهَرَوِيّ وَالنعَم يذكر وَيُؤَنث وَكَذَلِكَ الْأَنْعَام تذكر وتؤنث وَلِهَذَا قَالَ مِمَّا فِي بطونه وَفِي مَوضِع آخر مِمَّا فِي بطونها قَالَ الرَّاغِب فِي مَوضِع النعم مُخْتَصّ بِالْإِبِلِ قَالَ وتسميته بذلك لكَون الْإِبِل عِنْدهم أعظم نعْمَة ثمَّ قَالَ لَكِن الْأَنْعَام يُقَال لِلْإِبِلِ وَالْبَقر وَالْغنم وَلَا يُقَال لَهَا أنعام حَتَّى يكون فِيهَا إبل وَقَالَ فِي قَوْله تَعَالَى (مِمَّا يَأْكُل النَّاس والأنعام) إِن الْأَنْعَام هَا هُنَا عَام فِي الْإِبِل وَغَيرهَا

وَرُوِيَ أَيْضا فِي كل عَام بالجار بدل الْهمزَة والهمزة للاستفهام الإنكاري وَبعده (الرجز) (يلقحه قوم وتنتجونه ... أربابه نوكى فَلَا يحمونه) (وَلَا يلاقون طعانا دونه ... أنعم الْأَبْنَاء تحسبونه) (أيهات أيهات لما ترجونه) يَقُول يحملون الفحولة على النوق فَإِذا حملت أَغَرْتُم أَنْتُم عَلَيْهَا فأخذتموها وَهِي حوامل فتلد عنْدكُمْ يُقَال ألقح الْفَحْل النَّاقة إِذا أحبلها واللقاح كسحاب مَاء الْفَحْل وتنتجونه بتاء الْخطاب يُقَال نتج النَّاقة أَهلهَا أَي استولدوها وأنتجت الْفرس بِالْهَمْزَةِ حَان نتاجها قَالَ صَاحب الْمِصْبَاح النِّتَاج بِالْكَسْرِ اسْم يَشْمَل وضع الْبَهَائِم من الْغنم وَغَيرهَا وَإِذا ولي الْإِنْسَان نَاقَة أَو شَاة ماخضا حَتَّى تضع قيل نتجها نتجا من بَاب ضرب فالإنسان كالقابلة لِأَنَّهُ يتلَقَّى الْوَلَد وَيصْلح من شَأْنه فَهُوَ ناتج والبهيمة منتوجة وَالْولد نتيجة وَالْأَصْل فِي الْفِعْل أَن يتَعَدَّى إِلَى مفعولين فَيُقَال نتجها ولدا لِأَنَّهُ بِمَعْنى وَلَدهَا ولدا وَيَبْنِي الْفِعْل للْمَفْعُول فيحذف الْفَاعِل ويقام الْمَفْعُول الأول مقَامه وَيُقَال نتجت النَّاقة ولدا إِذا وَضعته وَيجوز حذف الْمَفْعُول الثَّانِي اقتصارا لفهم الْمَعْنى فَيُقَال نتجت الشَّاة وَيجوز إِقَامَة الْمَفْعُول الثَّانِي مقَام الْفَاعِل وَحذف الْمَفْعُول الأول لفهم الْمَعْنى فَيُقَال نتج الْوَلَد ونتجت السخلة أَي ولدت وَقد يُقَال نتجت النَّاقة ولدا بِالْبِنَاءِ للْفَاعِل على معنى ولدت أَو حملت قَالَ السَّرقسْطِي نتج الرجل الْحَامِل وضعت عِنْده ونتجت هِيَ أَيْضا حملت لُغَة قَليلَة وأنتجت الْفرس وَذُو الْحَافِر بِالْألف استبان حملهَا فَهِيَ نتوج ا. هـ.

وَهَذَا التَّفْصِيل لَا يُوجد فِي غير هَذَا الْكتاب وَلِهَذَا نقل برمتِهِ ونوكى بِفَتْح النُّون جمع أنوك وَهُوَ الأحمق الضَّعِيف التَّدْبِير وَالْعَمَل وَالِاسْم النوك بِالضَّمِّ وَالْفَتْح نوك كفرح نواكة ونوكا محركة واستنوك وَهُوَ أنوك ومستنوك وَالْجمع نوكي كسكري ونوك كهوج وَامْرَأَة نوكاء من نوك أَيْضا وأنوكه صادفة أنوك وَقَوله فَلَا يحمونه أَي لَا يمْنَعُونَ من أَرَادَ الإغارة عَلَيْهِ وَالْأَبْنَاء كل بني سعد بن زيد إِلَّا بني كَعْب بن سعد وتحسبونه بِالْخِطَابِ أَيْضا وأيهات لُغَة فِي هَيْهَات وَقَوله لما ترجونه بِالْخِطَابِ أَيْضا أَي رجوا أَن يَدُوم لَهُم هَذَا الْفِعْل فِي النَّاس فمنعناهم مِنْهُ وحمينا مَا يَنْبَغِي أَن نحميه وَهَذِه الأبيات قيلت فِي يَوْم الْكلاب الثَّانِي فَإِن للْعَرَب فِيهِ يَوْمَيْنِ عظيمين وَهُوَ بِضَم الْكَاف وَتَخْفِيف اللَّام وَهُوَ مَاء لبني تَمِيم بَين الْكُوفَة وَالْبَصْرَة وَكَانَ من حَدِيث هَذَا الْيَوْم على مَا فِي شرح المناقضات وَفِي الأغاني أَنه لما أوقع كسْرَى ببني تَمِيم وَذَلِكَ أَنهم كَانُوا أَغَارُوا على لطيمته فَلَجَئُوا إِلَى الْكلاب وَذَلِكَ فِي القيظ وَقد أمنُوا أَن تقطع عَلَيْهِم تِلْكَ الصحارى فَدلَّ عَلَيْهِم بَنو الْحَارِث ابْن عبد المدان فقتلت الْمُقَاتلَة وَبَقِي الذَّرَارِي وَالْأَمْوَال بلغ ذَلِك مذحجا فَمشى بَعضهم إِلَى بعض وَقَالُوا اغتنموا بني تَمِيم ثمَّ بعثوا الرُّسُل فِي قبائل الْيمن وأحلافها من قضاعة فَقَالَت مذْحج للْمَأْمُور

الْحَارِثِيّ الكاهن مَا ترى فَأَشَارَ بالكف عَن غزوهم وَزَعَمُوا أَنه اجْتمع من مذْحج ولفها اثْنَا عشر ألفا فَكَانَ رَئِيس مذْحج عبد يَغُوث بن وَقاص وَرَئِيس هَمدَان رجل يُقَال لَهُ مشرح وَرَئِيس كِنْدَة الْبَراء ابْن قيس بن الْحَارِث الْملك فَأَقْبَلُوا إِلَى بني تَمِيم فَبلغ ذَلِك سَعْدا والرباب فَانْطَلق نَاس من أَشْرَافهم إِلَى أَكْثَم بن صَيْفِي فاستشارة فَقَالَ أقلوا الْخلاف على أمرائكم وَاعْلَمُوا أَن كَثْرَة الصياح من الفشل تثبتوا فَإِن أحزم الْفَرِيقَيْنِ الركين وَرُبمَا عجدلة تهب ريثا وابرزوا للحرب وأدرعوا اللَّيْل فَإِنَّهُ أخْفى للويل فَلَمَّا انصرفوا من عِنْد أَكْثَم تهيؤوا للغزو واستعدوا للحرب وَأَقْبل أهل الْيمن فِي بني الْحَارِث من أَشْرَافهم يزِيد بن عبد المدان وَيزِيد بن المخرم وَيزِيد بن اليكسم ابْن الْمَأْمُور وَيزِيد بن هوبر حَتَّى إِذا كَانُوا بتيمن وَهِي مَا بَين نَجْرَان إِلَى بِلَاد بني تَمِيم نزلُوا قَرِيبا من الْكلاب وَرجل من بني زيد بن ريَاح بن يَرْبُوع يُقَال لَهُ مشمت بن زنباع فِي إبل لَهُ وَهُوَ عِنْد خَال لَهُ من بني سعد] وَمَعَهُ رجل من بني سعد يُقَال لَهُ زُهَيْر بن بو فَلَمَّا أبصرهم المشمت قَالَ لزهير دُونك الْإِبِل وَتَنَحَّى عَن طريقهم حَتَّى أَتَى الْحَيّ فأنذرهم فأعدوا للْقَوْم وصبحوهم فَأَغَارُوا على النعم فأطردوه وَجعل رجل من أهل الْيمن يَقُول

(الرجز) (فِي كل عَام نعم ننتابه ... على الْكلاب غيبا أربابه فَأَجَابَهُ غُلَام من بني سعد كَانَ فِي النعم على فرس لَهُ فَقَالَ) (عَمَّا قَلِيل يلحقن أربابه) وروى (عَمَّا قَلِيل سترى أربابه) (صلب الْقَنَاة حازما شبابه ... على جِيَاد ضمر غيابه) وَأَقْبل بَنو سعد والرباب وَرَئِيس الربَاب النُّعْمَان بن جساس بِكَسْر الْجِيم وَتَخْفِيف السِّين وَرَئِيس بني سعدج قيس بن عَاصِم وَأجْمع الْعلمَاء على أَن قيس بن عَاصِم كَانَ الرئيس يَوْمئِذٍ فَقَالَ رجل من بني ضبة حِين دنا من الْقَوْم وَقَالَ شرَّاح أَبْيَات سِيبَوَيْهٍ هُوَ قيس بن حُصَيْن بن يزِيد الْحَارِثِيّ (فِي كل عَام نعم تحوونه الأبيات) وَتَقَدَّمت سعد والرباب فَالْتَقوا فِي أَوَائِل النَّاس فَلم يلتفتوا إِلَيْهِم واستقبلوا النعم من قبل وجوهه فَجعلُوا يصرفونه بأرماحهم وَاخْتَلَطَ الْقَوْم فَاقْتَتلُوا قتالا شَدِيدا يومهم حَتَّى إِذا كَانَ آخر النَّهَار قتل النُّعْمَان بن جساس وَظن أهل الْيمن أَن بني تَمِيم لَيْسُوا بِكَثِير حَتَّى قتل النُّعْمَان فَلم يزدهم ذَلِك إِلَّا جَرَاءَة فَاقْتَتلُوا حَتَّى حجز . بَينهم اللَّيْل فَلَمَّا صبحوا غدوا على الْقِتَال فَنَادَى قيس بن عَاصِم يَا آل مقاعس وَهُوَ الْحَارِث بن عَمْرو بن كَعْب بن سعد بن زيد مَنَاة بن تَمِيم فَسمع الصَّوْت وَعلة بن عبد الله بن الْجرْمِي

وَكَانَ صَاحب اللِّوَاء يَوْمئِذٍ فطرحه وَكَانَ أول من انهزم مِنْهُم وحملت عَلَيْهِم سعد والرباب فهزموهم وَجعل رجل مِنْهُم يَقُول (الرجز) (يَا قوم لَا يفلتكم اليزيدان ... يزِيد حزن وَيزِيد الريان) (مخرم أَعنِي بِهِ وَالديَّان) مخرم هُوَ ابْن شُرَيْح بن المخرم بن حزن بن زِيَاد بن الْحَارِث بن مَالك بن ربيعَة بن كَعْب بن الْحَارِث وَهُوَ صَاحب المخرم بِبَغْدَاد وَجعل قيس يُنَادي يال تَمِيم لَا تقتلُوا إِلَّا فَارِسًا فَإِن الرجالة لكم وَجعل يَأْخُذ الأسرى فَمَا زَالُوا فِي آثَار الْقَوْم يقتلُون وَيَأْسِرُونَ حَتَّى أَسرُّوا عبد يَغُوث بن وَقاص وَسَيَأْتِي الْكَلَام عَلَيْهِ إِن شَاءَ الله تَعَالَى فِي بَاب المنادى عِنْد شرح قَوْله (الطَّوِيل) (فيا رَاكِبًا إِمَّا عرضت فبلغن ... نداماي من نَجْرَان أَن لَا تلاقيا) وَأما وَعلة فَإِنَّهُ لحق رجلا من بني نهد يُقَال لَهُ سليط بن قتب فَقَالَ لَهُ وَعلة أردفني خَلفك فإنني أَتَخَوَّف الْقَتْل فَأبى أَن يردفه فطرحه عَن قربوسه وَركب عَلَيْهَا وَأدْركت بَنو سعد النَّهْدِيّ فَقَتَلُوهُ فَقَالَ وَعلة لما أَتَى أَهله (الطَّوِيل) (لما سَمِعت الْخَيل تَدْعُو مقاعسا ... تطلع مني ثغرة النَّحْر جَائِر) يَعْنِي الْقلب (نجوت نجاء لَيْسَ فِيهِ وتيرة ... كَأَنِّي عِقَاب دون تيمن كاسر) (وَقد قلت للنهدي هَل أَنْت مردفي ... وَكَيف رداف الفل أمك عَابِر) من الْعبْرَة يَقُول عبرت أمك كَيفَ تردفني وَإنَّك فل مُنْهَزِم (أناشده وَالرحم بيني وَبَينه ... وَقد كَانَ فِي نهد وجرم تدابر) أَي تقاطع وتباغض (فَمن يَك يَرْجُو فِي تَمِيم هوادة ... فَلَيْسَ لجرم فِي تَمِيم أواصر) أَي قَرَابَات (فدى لَكمَا رجْلي أُمِّي وخالتي ... غَدَاة الْكلاب إِذْ تجز الدوابر) وَذَلِكَ أَن قيس بن عَاصِم لما أَكثر قومه الْقَتْل فِي الْيمن أَمرهم بالكف عَن الْقَتْل وَأَن يجزوا عراقيبهم وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد السَّادِس وَالسِّتُّونَ (الطَّوِيل) (إِلَّا جبرئيل أمامها)

وَهُوَ قِطْعَة من بَيت وَهُوَ (شَهِدنَا فَمَا نلقى لنا من كَتِيبَة ... يَد الدَّهْر إِلَّا جبرئيل أمامها) على أَن الظّرْف الْوَاقِع خَبرا إِذا كَانَ معرفَة يجوز رَفعه بمرجوحية وَالرَّاجِح نَصبه وَهَذَا لَا يخْتَص بالشعر خلافًا للجرمي والكوفيين وجبرئيل مُبْتَدأ وأمامها بِالرَّفْع خَبره وَالْجُمْلَة صفة للكتيبة وَقد أورد هَذَا الْبَيْت ابْن هِشَام فِي شرح بَانَتْ سعاد عِنْد قَوْله (الْبَسِيط) (غلباء وجناء علكوم مذكرة) وروى نصرنَا بدل شَهِدنَا ثمَّ قَالَ قوافي هَذَا الشّعْر مَرْفُوعَة وَإِنَّمَا استشهدت على جَوَاز رفع الإِمَام لِأَن بعض العصريين وهم فِيهِ فَزعم أَنه لَا يتَصَرَّف ا. هـ. وَقَوله يَد الدَّهْر بِمَعْنى مدى الدَّهْر ظرف مُتَعَلق بقوله نلقى وَمن زَائِدَة وكتيبة مفعول لنلقي وَلنَا كَانَ فِي الأَصْل صفة لكتيبة فَلَمَّا قدم صَار حَالا مِنْهُ والكتيبة طَائِفَة من الْجَيْش مجتمعة من الْكتب وَهُوَ الْجمع ونلقى بالنُّون وبالقاف الْفَوْقِيَّة من اللقى يُقَال لَقيته أَلْقَاهُ من بَاب تَعب لقيا وَالْأَصْل على فعول وكل شَيْء اسْتقْبل شَيْئا أَو صادفة فقد لقِيه وَشَهِدْنَا من شهِدت الْمجْلس مثلا إِذا حَضرته فالمفعول مَحْذُوف أَي شَهِدنَا عزوات النَّبِي فَمَا لَقينَا كَتِيبَة وَعبر بالمستقبل لحكاية الْحَال الْمَاضِيَة

وَهَذَا الْبَيْت لم أر من ذكره ابْتِدَاء إِلَّا أَبَا إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن السّري الزّجاج فِي تَفْسِيره أوردهُ عِنْد قَوْله تَعَالَى {قل من كَانَ عدوا لجبريل} قَالَ جِبْرِيل فِي اسْمه لُغَات قد قرئَ بِبَعْضِهَا وَمِنْهَا مَا لم يقْرَأ بِهِ فأجود اللُّغَات جبرئيل بِفَتْح الْجِيم والهمز لِأَن الَّذِي يرْوى عَن النَّبِي فِي صَاحب الصُّور جبرئيل عَن يَمِينه وَمِيكَائِيل عَن يسَاره هَذَا الَّذِي ضَبطه أَصْحَاب الحَدِيث وَيُقَال جِبْرِيل بِفَتْح الْجِيم وَكسرهَا وَيُقَال جبرئل بِحَذْف الْيَاء وَإِثْبَات الْهمزَة وَيُقَال جبرين بالنُّون وَهَذَا لَا يجوز فِي الْقُرْآن لِأَنَّهُ خلاف الْمُصحف قَالَ الشَّاعِر (شَهِدنَا فَمَا نلقى لنا من كَتِيبَة الْبَيْت) وَهَذَا على لفظ مَا فِي الحَدِيث وَمَا عَلَيْهِ كثير من الْقُرَّاء وَقد جَاءَ فِي شعر جِبْرِيل قَالَ الشَّاعِر الوافر (وَجِبْرِيل رَسُول الله فِينَا ... وروح الْقُدس لَيْسَ لَهُ كفاء ا. هـ. وَلم يبين قَائِل الْبَيْتَيْنِ وَقد بَينهمَا الصَّاغَانِي فِي الْعباب قَالَ وجبرئيل اسْم يُقَال هُوَ جبر أضيف إِلَى إيل وجبر هُوَ العَبْد وإيل هُوَ الله تَعَالَى وَفِيه لُغَات جبرئيل كجبرعيل وجبرييل بِغَيْر همز وَأنْشد الْأَخْفَش لكعب بن مَالك الْأنْصَارِيّ (شَهِدنَا فَمَا نلقى لنا من كَتِيبَة الْبَيْت) وَيُقَال جِبْرِيل كحزقيل وَأنْشد لحسان بن ثَابت (وَجِبْرِيل رَسُول الله فِينَا الْبَيْت) ثمَّ ذكر بَقِيَّة اللُّغَات

وَنسبَة ابْن هِشَام فِي شرح بَانَتْ سعاد وَابْن عَادل فِي تَفْسِيره هَذَا الْبَيْت إِلَى حسان غير صَحِيحَة لنه غير مَوْجُود فِي ديوانه وَكَعب بن مَالك هُوَ أحد شعراء رَسُول الله الَّذين كَانُوا يردون الْأَذَى عَنهُ وَكَانَ مجودا مطبوعا قد غلب عَلَيْهِ فِي الْجَاهِلِيَّة أَمر الشّعْر وَعرف بِهِ ثمَّ أسلم وَشهد الْعقبَة وَلم يشْهد بَدْرًا والمشاهد كلهَا حاشا تَبُوك فَإِنَّهُ تخلف عَنْهَا وَقد قيل إِنَّه شهد بَدْرًا وَهُوَ أحد الثَّلَاثَة الْأَنْصَار الَّذين قَالَ الله فيهم {وعَلى الثَّلَاثَة الَّذين خلفوا حَتَّى إِذا ضَاقَتْ عَلَيْهِم الأَرْض} الْآيَة وَالثَّانِي وَالثَّالِث هِلَال بن أُميَّة ومرارة بن الرّبيع تخلفوا عَن غَزْوَة تَبُوك فَتَابَ الله عَلَيْهِم وَعذرهمْ وَغفر لَهُم وَنزل الْقُرْآن المتلو فِي شَأْنهمْ وَتُوفِّي كَعْب بن مَالك فِي مُدَّة مُعَاوِيَة سنة خمسين وَقيل سنة ثَلَاث وَخمسين وَهُوَ ابْن سبع وَسبعين سنة وَلبس كَعْب يَوْم أحد لأمة النَّبِي وَكَانَت صفراء وَلبس النَّبِي لأمته فجرح كَعْب أحد عشر جرحا وَلما قَالَ كَعْب (الْكَامِل) (جَاءَت سخينة كي تغالب رَبهَا ... فليغلبن مغالب الغلاب) قَالَ رَسُول الله لقد شكرك الله يَا كَعْب على قَوْلك هَذَا وَله أشعار حسان جدا فِي الْمَغَازِي وَغَيرهَا كَذَا فِي الِاسْتِيعَاب

وَأورد لَهُ ابْن هِشَام فِي سيرته مِمَّا قَالَه يَوْم بدر (الطَّوِيل) (أَلا أهل أَتَى غَسَّان فِي ناي دارها ... وَأخْبر شَيْء بالأمور عليمها) (بِأَن قد رمتنا عَن قسي عَدَاوَة ... معد مَعًا جهالها وحليمها) (لأَنا عَبدنَا الله لم نرج غَيره ... رَجَاء الْجنان إِذا أَتَانَا زعيمها) (نَبِي لَهُ فِي قومه إِرْث عزة ... وأعراق صدق هذبتها أرومها) (فَسَارُوا وسرنا فالتقينا كأننا ... أسود لِقَاء لَا يُرْجَى كليمها) (ضربناهم حَتَّى هوى فِي مكرنا ... لمنخر سوء من لؤَي عظيمها) (فَوَلوا ودسناهم ببيض صوارم ... سَوَاء علينا حَلفهَا وصميمها) ا. هـ. وَفِي نُسْخَة نفيته وسخينة لقب قُرَيْش قَالَ فِي الصِّحَاح والسخينة طَعَام يتَّخذ من الدَّقِيق دون العصيدة فِي الرقة وَفَوق الحساء وَإِنَّمَا يَأْكُلُون السخينة فِي شدَّة الدَّهْر وَغَلَاء السّعر وعجف المَال وَكَانَت قُرَيْش تعير بهَا ا. هـ. وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد السَّابِع وَالسِّتُّونَ وَهُوَ من شَوَاهِد س (الْكَامِل) (فوردن والعيوق مقْعد رابء الضرباء ... خلف النَّجْم لَا يتتلع) على أَن معقد ظرف مَنْصُوب رقع خَبرا عَن اسْم عين وَهُوَ العيوق

وَاسْتشْهدَ بِهِ س على نصب المقعد على الظَّرْفِيَّة مَعَ اخْتِصَاصه بِهِ تَشْبِيها لَهُ بِالْمَكَانِ لِأَن مقْعد الرابئ مَكَان من الْأَمَاكِن الْمَخْصُوصَة وَجَاز عمل الْفِعْل فِي مثله وَلم يجز فِي الدَّار وَنَحْوه لأَنهم أَرَادوا بِهِ التَّشْبِيه والمثل فكأنهم قَالُوا والعيوق من الثريا مَكَان قعُود الرابئ من الضرباء فحذفوا اختصارا وَجعلُوا المقعد ظرفا لذَلِك وَلَا تقع الدَّار وَنَحْوهَا هَذَا الْموقع فَلذَلِك اخْتلف حكمهمَا كَذَا قَالَ الأعلم وَقَالَ الإِمَام المرزوقي ومقعد وَإِن كَانَ مُخْتَصًّا فِي الْأَمْكِنَة جَائِز أَن يكون ظرفا لانتقاله عَن بَابه إِلَى معنى الْقرب كَمَا أَن مقْعد الْإِزَار ومقعد الْقَابِلَة منقولان إِلَيْهِ وَجعلا ظرفين وكما أَن منَاط الثريا ومزجر الْكَلْب نقلا إِلَى معنى الْبعد والإهانة وَجعلا ظرفين وَقَالَ السيرافي أعلم أَن هَذَا الْبَاب يَنْقَسِم قسمَيْنِ أَحدهمَا يُرَاد بِهِ تعْيين الْمنزلَة من بعد أَو قرب وَالْآخر يُرَاد بِهِ تَقْدِير الْقرب والبعد فَأَما مَا كَانَ من ذَلِك يُرَاد بِهِ تعْيين الْموضع وَذكر الْمحل من قرب أَو بعد فَإِنَّهُ يجوز فِيهِ النصب على الظّرْف وَالرَّفْع على خبر الأول تَشْبِيها وَالْأَكْثَر فِيهِ النصب ويدلك على ذَلِك أَنه تدخل الْبَاء عَلَيْهِ فَتَقول هُوَ مني بِمَنْزِلَة كَأَنَّهُ قَالَ هُوَ مني اسْتَقر بِمَنْزِلَة وَالْبَاء وَفِي بِمَعْنى وَاحِد وَهُوَ مني بمزجر الْكَلْب إِذا أردْت هُوَ مهان مباعد فَإِذا نصبت فالناصب اسْتَقر وَإِذا رفعت فَقلت هُوَ مني مقْعد الْقَابِلَة جعلته بِمَنْزِلَة قَوْلك هُوَ قريب كمقعد الْقَابِلَة فَإِن قلت هُوَ مني منَاط الثريا فكأنك قلت هُوَ بعيد وَجَاز أَن تكون هَذِه الْأَشْيَاء ظروفا لأَنهم قد اتسعوا فِيمَا هُوَ من الْأَمَاكِن أخص من هَذِه فجعلوه ظرفا ونصبوه كَقَوْلِهِم ذهبت الشَّام وَدخلت الْبَيْت تَشْبِيها بالأماكن المحيطة كخلف وَقُدَّام قَالَ سِيبَوَيْهٍ إِنَّمَا يجوز هَذَا فِيمَا تستعمله

الْعَرَب ظرفا من هَذِه الْأَمَاكِن وَلَا يجوز الْقيَاس عَلَيْهَا ا. هـ. وَهَذَا الْبَيْت من قصيدة مَشْهُورَة لأبي ذُؤَيْب الْهُذلِيّ يرثي بهَا أَوْلَاده عدتهَا أثنان وَسِتُّونَ بَيْتا مطْلعهَا (الْكَامِل) (أَمن الْمنون وريبها تتوجع ... والدهر لَيْسَ بمعتب من يجزع) وَمِنْهَا (أودى بني وأعقبوني غصه ... بعد الرقاد وعبرة لَا تقلع) (فغبرت بعدهمْ بعيش ناصب ... وإخال أَنِّي لَاحق مستتبع) (وَلَقَد حرصت بِأَن أدافع عَنْهُم ... فَإِذا الْمنية أَقبلت لَا تدفع) (وَإِذا الْمنية أنشبت أظفارها ... ألفيت كل تَمِيمَة لَا تَنْفَع) (وتجلدي للشامتين أريهم ... أَنِّي لريب الدَّهْر لَا أتضعضع) (وَالنَّفس راغبة إِذا رغبتها ... وَإِذا ترد إِلَى قَلِيل تقنع) (والدهر لَا يبْقى على حدثانه ... جون السراة لَهُ جدائد أَربع) على بِمَعْنى مَعَ والحدثان بِمَعْنى الْحَادِثَة والسراة بِفَتْح السِّين أَعلَى الظّهْر وسراة كل شَيْء أَعْلَاهُ والجون بِفَتْح الْجِيم الْأسود المائل إِلَى الْحمرَة وَأَرَادَ بجون السراة الْحمار الوحشي والجدائد الأتن الَّتِي لَا ألبان لَهَا وَاحِدهَا جدود بِفَتْح الْجِيم أَخذ يسلي نَفسه وَيَقُول إِن أصبت ببني فتكدر بموتهم عيشي فَإِن الدَّهْر لَا يسلم على نوائبه عير أسود الظّهْر لَهُ أتن أَربع قد خفت أَلْبَانهَا وَالْمعْنَى أَن الْوَحْش فِي تباعدها عَن كثير من الْآفَات الَّتِي يقاربها الْإِنْس وَفِي انصرافها بطبعها وحدسها عَن جلّ مراصد الدَّهْر وعَلى نفارها الشَّديد وحذارها

الْكثير وَبعد مراتعها من الصياد لَيست تتخلص بجهدها من حوادث الدَّهْر بل لابد من هلاكها وَبعد هَذَا الْبَيْت وصفهَا بِطيب الْعَيْش فِي عشْرين بَيْتا إِلَى أَن قَالَ (فوردن والعيوق مقْعد الْبَيْت) والعيوق كَوْكَب أَحْمَر يطلع حِيَال الثريا وَفَوق الجوزاء والمقعد بِفَتْح الْمِيم مَكَان الْقعُود وَيَأْتِي مصدرا أَيْضا والرابئ مَهْمُوز الآخر اسْم فَاعل من ربأهم من بَاب منع بِمَعْنى علا وارتفع وَرفع وأشرف كارتبأ ورابئ الضرباء هُوَ الَّذِي يقْعد خلف ضَارب قداح الميسر يرتبئ لَهُم فِيمَا يخرج من القداح فيخبرهم بِهِ ويعتمدون على قَوْله فِيهِ وَهُوَ مَأْخُوذ من ربيئة الْقَوْم وَهُوَ طليعتهم والضرباء جمع ضريب ككريم وكرماء وَهُوَ الَّذِي يضْرب بِالْقداحِ وَهُوَ الْمُوكل بهَا وَيُقَال لَهُ الضَّارِب أَيْضا والنجم الثريا ويروى فَوق النّظم يَعْنِي نظم الجوزاء ويتتلع يتَقَدَّم ويرتفع مَأْخُوذ من التلعة فَقَوله والعيوق مقْعد جملَة اسمية حَال من نون وردن يَقُول وَردت الأتن المَاء والعيوق من النَّجْم مقْعد رابئ الضرباء من الضرباء أَي خَلفه لَا يتَقَدَّم وَهَذَا إِنَّمَا يكون فِي صميم الْحر عِنْد الإسحار وَإِنَّمَا قَالَ خلف النَّجْم لِأَنَّك فِي الصَّيف ترى المجرة عِنْد الإسحار كَأَنَّهَا ملوية فترى العيوق مُتَخَلِّفًا عَن الثريا وَهَذَا الْوَقْت

الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ هُوَ وَقت وُرُود الْوَحْش المَاء وَلذَلِك يكمن الصيادون فِيهِ عِنْد المشارع ونواحيها ومقعد وَخلف منصوبان على الظّرْف وَقع الأول خَبرا لقَوْله والعيوق وَالثَّانِي بَدَلا مِنْهُ كَأَنَّهُ أَرَادَ والعيوق من خلف النَّجْم مقْعد رابئ الضرباء من الضرباء فَحذف من خلف لِأَن الْبَدَل وَهُوَ قَوْله خلف النَّجْم يدل عَلَيْهِ كَمَا حذف من الضرباء لِأَن جملَة الْكَلَام يدل عَلَيْهِ وَيجوز أَن يكون خلف النَّجْم فِي مَوضِع الْحَال كَأَنَّهُ قَالَ والعيوق من النَّجْم قريب مُتَخَلِّفًا عَنهُ وَيجوز الْعَكْس فَيكون خلف النَّجْم خبر الْمُبْتَدَأ ومقعد حَالا وَالْعَامِل فِيهِ الظّرْف كَأَنَّهُ قَالَ والعيوق مُسْتَقر خلف النَّجْم قَرِيبا وَجُمْلَة لَا يتتلع إِمَّا خبر بعد خبر وَإِمَّا حَال بعد قَالَ أَبُو سعيد الضَّرِير إِنَّمَا اشْترط التتلع لِأَن العيوق مادام مُتَقَدما على الثريا فَفِي الزَّمَان بَقِيَّة من الأبارد والأبارد برد أَطْرَاف النَّهَار فَإِذا اسْتَوَى العيوق مَعهَا فقد بَقِي من الأبارد شَيْء قَلِيل فَإِذا اسْتَأْخَرَ عَنْهَا استحكم الْحر ثمَّ ذكر أَبُو ذُؤَيْب فِيمَا بعد هَذَا من أَبْيَات أَن الصياد كمن لَهُنَّ فأهلكها جَمِيعًا وأَبُو ذُؤَيْب اسْمه خويلد بن خَالِد بن محرث بن زبيد بن مَخْزُوم بن صاهلة ابْن كَاهِل أَخُو بني مَازِن بن مُعَاوِيَة بن تَمِيم بن سعد بن هُذَيْل بن مدركة بن إلْيَاس ابْن مُضر ومحرث بتَشْديد الرَّاء الْمَكْسُورَة وزبيد تَصْغِير الزّبد وَهُوَ الْعَطِيَّة وَقيل برَاء مُهْملَة وَكَانَ هلك لأبي ذُؤَيْب بنُون خَمْسَة فِي عَام وَاحِد أَصَابَهُم الطَّاعُون وَكَانُوا هَاجرُوا إِلَى مصر وَهلك هُوَ فِي زمن عُثْمَان

رَضِيَ اللَّهُ عَنْه فِي طَرِيق مصر وَدَفنه ابْن الزبير وَقَالَ أَبُو عَمْرو الشَّيْبَانِيّ مَاتَ فِي طَرِيق إفريقية وَهُوَ شَاعِر فَحل مخضرم أدْرك الْجَاهِلِيَّة وَالْإِسْلَام وَهُوَ أشعر هُذَيْل من غير مدافعة وَفد على النَّبِي فِي مرض مَوته فَمَاتَ النَّبِي قبل قدومه بليلة أدْركهُ وَهُوَ مسجى وَصلى عَلَيْهِ وَشهد دَفنه وَحكى عَن نَفسه قَالَ بلغنَا أَن رَسُول الله عليل وأوجس أهل الْحَيّ خيفة واستشعرت حَربًا فَبت بليلة طَوِيلَة حَتَّى إِذا كَانَ وَقت السحر هتف الْهَاتِف يَقُول (الْكَامِل) (خطب أجل أَنَاخَ بِالْإِسْلَامِ ... بَين النخيل ومقعد الْآطَام) (قبض النَّبِي مُحَمَّد فعيوننا ... تذري الدُّمُوع عَلَيْهِ بالتسجام) فَوَثَبت من نومي فَزعًا فَنَظَرت إِلَى السَّمَاء فَلم ار إِلَّا سعد الذَّابِح فتفاءلت بِهِ ذبحا يَقع فِي الْإِسْلَام وَعلمت أَن النَّبِي قد قبض وَسَيَأْتِي لَهُ أَخْبَار فِي هَذَا الْكتاب إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد الثَّامِن وَالسِّتُّونَ وَهُوَ من شَوَاهِد س ...

(هم درج السُّيُول) هُوَ قِطْعَة من بَيت وَهُوَ (الوافر) (أنصب للمنية يعتريهم ... رجالي أم هم درج السُّيُول) على أَن درجا ظرف مَنْصُوب وَقع خَبرا لقَوْله هم وَتقدم الْكَلَام على نَظِيره قبله وَهَذَا الْبَيْت لإِبْرَاهِيم بن هرمه يبكي بِهِ قومه لِكَثْرَة من فقد مِنْهُم وَالنّصب بِالضَّمِّ الشَّيْء الْمَنْصُوب وَالشَّر وَالْبَلَاء أَيْضا وَمِنْه قَوْله تَعَالَى (مسني الشَّيْطَان بِنصب وَعَذَاب ودرج السُّيُول الْموضع الَّذِي يمر بِهِ السَّيْل فَينزل من مَوضِع إِلَى مَوضِع حَتَّى يسْتَقرّ والدرج بِفتْحَتَيْنِ الطَّرِيق وَرجع أدراجه وَيكسر أَي فِي الطَّرِيق الَّذِي جَاءَ مِنْهُ يَقُول قومِي كَانُوا غَرضا للمنية فأهلكتهم أم كَانُوا فِي ممر السَّيْل فاجترفهم ف رجالي مُبْتَدأ وَنصب خَبره وَجُمْلَة يعتريهم بِالْيَاءِ التَّحْتِيَّة صفة لنصب وبالتاء الْفَوْقِيَّة حَال من الْمنية أَي تنزل بهم وَإِبْرَاهِيم هُوَ أَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن هرمة بِفَتْح الْهَاء وَسُكُون الرَّاء الْمُهْملَة ابْن عَليّ بن سَلمَة بن عَامر بن هرمة قَالَ ابْن قُتَيْبَة فِي الطَّبَقَات هُوَ من الخلج من قيس عيلان وَيُقَال إِنَّهُم من قُرَيْش

وَفِي الأغاني أَن نسبه يَنْتَهِي إِلَى قيس بن الْحَارِث وَقيس هم الخلج وَكَانُوا فِي عدوان ثمَّ انتقلوا إِلَى بني نصر بن مُعَاوِيَة بن بكر فَلَمَّا اسْتخْلف عمر أَتَوْهُ ليفرض لَهُم فَأنْكر نسبهم فَلَمَّا تولى عُثْمَان أثبتهم فِي بني الْحَارِث بن فهر وَجعل لَهُم ديوانا فسموا الخلج لأَنهم اختلجوا عَمَّا كَانُوا عَلَيْهِ من عدوان وَقيل لأَنهم نزلُوا بِالْمَدِينَةِ خلف بطحان يدْفع عَلَيْهِم إِذا جَاءَ السَّيْل ثَلَاثَة خلج جمع خليج وَابْن هرمة آخر الشُّعَرَاء الَّذين يحْتَج بِشَعْرِهِمْ قَالَ ابْن قُتَيْبَة حَدثنِي عبد الرَّحْمَن عَن عَمه الْأَصْمَعِي أَنه قَالَ ساقة الشُّعَرَاء ابْن ميادة وَابْن هرمة ورؤبة وَحكم الخضري حَيّ من محَارب وَقد رَأَيْتهمْ أَجْمَعِينَ وَكَانَ من مخضرمي الدولتين مدح الْوَلِيد بن يزِيد ثمَّ أَبَا جَعْفَر الْمَنْصُور وَكَانَ مُنْقَطِعًا إِلَى الطالبيين وَكَانَ مولده سنة سبعين ووفاته فِي خلَافَة الرشيد بعد الْخمسين وَمِائَة تَقْرِيبًا وَله فِي آل الْبَيْت أشعار لَطِيفَة مِنْهَا قَوْله (المتقارب) (وَمهما ألام على حبهم ... فَإِنِّي أحب بني فاطمه) (بنى بنت من جَاءَ بالمحكمات وَالدّين وَالسّنة القائمه) قَالَ ابْن قُتَيْبَة وَكَانَ ابْن هرمة مُولَعا بِالشرابِ وَأَخذه صَاحب شرطة

زِيَاد على الْمَدِينَة فجلده فِي الْخمر وَهُوَ زِيَاد بن عبيد الله الْحَارِثِيّ وَكَانَ واليا عَلَيْهَا فِي ولَايَة أبي الْعَبَّاس فَلَمَّا ولي الْمَنْصُور شخص إِلَيْهِ فامتدحه فَاسْتحْسن شعره وَقَالَ سل حَاجَتك قَالَ تكْتب إِلَى عَامل الْمَدِينَة لَا يحدني فِي الْخمر قَالَ هَذَا حد من حُدُود الله وَمَا كنت لأعطلة قَالَ فاحتل لي فِيهِ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فَكتب إِلَى عاملة من أَتَاك بِابْن هرمه سَكرَان فاجلده مائَة جلدَة وَأجْلَد ابْن هرمة ثَمَانِينَ فَكَانَ النَّاس يَمرونَ بِهِ وَهُوَ سَكرَان فَيَقُولُونَ من يشترى ثَمَانِينَ بِمِائَة وترجمته فِي الأغاني طَوِيلَة وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد التَّاسِع وَالسِّتُّونَ (الوافر) (فساغ لي الشَّرَاب وَكنت قبلا) على أَن أَصله قبل هَذَا فَحذف الْمُضَاف إِلَيْهِ وَلم ينْو لَفظه وَلَا مَعْنَاهُ وَلِهَذَا نكر فنون وتتمته (أغص بِنُقْطَة المَاء الْحَمِيم) وَهَذَا آخر أَبْيَات خَمْسَة ليزِيد بن الصَّعق وَهِي (أَلا أبلغ لديك أَبَا حُرَيْث ... وعاقبه الْمَلَامَة للمليم) (فَكيف ترى معاقبتي وسعيي ... بأذواد القصيبة والقصيم) (وَمَا بَرحت قلوصي كل يَوْم ... تكر على الْمُخَالف والمقيم) (فَنمت اللَّيْل إِذْ أوقعت فِيكُم ... قبائل عَامر وَبني تَمِيم) (وساغ لي الشَّرَاب وَكنت قبلا ... أغص بِنُقْطَة المَاء الْحَمِيم)

أَبُو حُرَيْث كنية الرّبيع بن زِيَاد الْعَبْسِي والمليم من ألام الرجل إِذا أَتَى بِمَا يلام عَلَيْهِ والمعاقبة المناوبة من الْعقبَة بِالضَّمِّ وَهِي النّوبَة والذود من الْإِبِل مَا بَين الثَّلَاث إِلَى الْعشْر لَا وَاحِد لَهَا من لَفظهَا وَالْكثير اذواد والقصيبة على لفظ مصغر القصبة والقصيم بِفَتْح الْقَاف وَكسر الصَّاد موضعان والمخالف من الخلوف وهم المقيمون فِي الْحَيّ حِين تذْهب الرِّجَال للغزو وَقَوله وساغ إِلَى آخِره مَعْطُوف على قَوْله فَنمت وروى فساغ بِالْفَاءِ وَهُوَ خطأ وَالْحَمِيم المَاء الْحَار وَلَيْسَ بِمُرَاد وَإِنَّمَا أوردهُ للقافية هُوَ من الأضداد يُطلق على المَاء الْبَارِد أَيْضا وساغ من بَاب قَالَ إِذا سهل مدخله فِي الْحلق وأسغته جعلته سائغا وَيَتَعَدَّى بِنَفسِهِ فِي لُغَة وَمن هُنَا قيل سَاغَ فعل الشَّيْء وسوغته إِذا أبحته وَالشرَاب مَا يشرب من الْمَائِعَات وأغص مضارع غصصت بِالطَّعَامِ غصصا من بَاب تَعب وَمن بَاب قتل لُغَة والغصة مَا غص بِهِ الْإِنْسَان من طَعَام أَو غيظ على التَّشْبِيه وَيَتَعَدَّى بِالْهَمْزَةِ وَهُوَ هُنَا مُسْتَعْمل مَكَان الشرق لِأَنَّهُ مَخْصُوص بِالْمَاءِ يُقَال شَرق بِالْمَاءِ وبريقة إِذا لم يبلعهما والشجى بِالْقصرِ يكون فِي الْعظم يُقَال شجى بالعظم من بَاب فَرح إِذا وقف فِي حلقه والجرض بإعجام الطَّرفَيْنِ يكون من ألهم والحزن يُقَال جرض بريقه وَهُوَ أَن يبتلع رِيقه على هم وحزن بالجهد وَهُوَ من بَاب فَرح وَالِاسْم الجرض بِفتْحَتَيْنِ وَمَا أحسن قَول بَعضهم (الْبَسِيط) (ذل السُّؤَال شجى فِي الْحلق معترض ... من دونه شَرق من بعده جرض) وَالسَّبَب فِي هَذِه الأبيات هُوَ مَا حَكَاهُ أَبُو عُبَيْدَة قَالَ كَانَت بِلَاد

بني غطفان مخصبة فرعت بَنو عَامر بن صعصعة نَاحيَة مِنْهَا فَأَغَارَ الرّبيع بن زِيَاد الْعَبْسِي على يزِيد بن الصَّعق وَكَانَ فِي كرش النَّاس أَي فِي جَمَاعَتهمْ فَلم يستطعه الرّبيع فاستفاء سروح بني جَعْفَر والوحيد ابْني كلاب واستفاء من الْفَيْء وَهِي الْغَنِيمَة أَي ردهَا مَعَه وَالْمعْنَى فاستاق سروحهم والسرح الْإِبِل الَّتِي ترعى فَقَالَ فِي ذَلِك الرّبيع (الوافر) (فَإِذا أَخْطَأت قَوْمك يَا يزيدا ... فأنعى جعفرا لَك والوحيدا) فَحرم على نَفسه يزِيد بن الصَّعق الطّيب وَالنِّسَاء حَتَّى يُغير عَلَيْهِ فَجمع قبائل شَتَّى ثمَّ أغار فاستاق نعما لَهُم وَأصَاب عصافير النُّعْمَان بن الْمُنْذر وَهِي إبل مَعْرُوفَة يُقَال لَهَا العصافير فَقَالَ يزِيد فِي ذَلِك هَذِه الأبيات وَقَالَ لبيد بن ربيعَة أَيْضا يرد على الرّبيع بن زِيَاد حِين ذكر جعفرا والوحيد (الوافر) (لست بغافر لبني بغيض ... سفاهتهم وَلَا خطل اللِّسَان) (سآخذ من سراتهم بعرضي ... وَلَيْسوا بِالْوَفَاءِ وَلَا المداني) (فَإِن بَقِيَّة الأحساب منا ... وَأَصْحَاب الْحمالَة والطعان) (جراثيم منعن بَيَاض نجد ... وَأَنت تعد فِي الزمع الدواني) وأجابه النَّابِغَة الذبياني وَقَالَ (الوافر) (أَلا من مبلغ عني لبيدا ... أَبَا الدَّرْدَاء جحفلة الأتان) (فقد أزجى مطيته إِلَيْنَا ... بمنطق جَاهِل خطل اللِّسَان) وَقَول لبيد خطل اللِّسَان يُرِيد طول اللِّسَان وَسمي الأخطل لطول

(تتمة)

لِسَانه وَيُقَال شَاة خطلاء إِذا كَانَت طَوِيلَة الْأُذُنَيْنِ والسراة الْأَشْرَاف وَقَوله وَلَيْسوا بِالْوَفَاءِ إِلَخ أَي سأنتقم من أَشْرَافهم بِسَبَب عرضي وَإِن لم يوفوا بعرضي وَلَا يدانوه والحمالة بِالْفَتْح تحمل الدِّيَة والجرثومة التُّرَاب الْمُجْتَمع تجمعه الرّيح فِي أصُول الشّجر فيتلبد حَتَّى يصير كَأَنَّهُ خلقَة والزمع جمع زَمعَة بِالتَّحْرِيكِ وَهِي هنة زَائِدَة فِي قَوَائِم الشَّاة وَقَول النَّابِغَة جحفلة الأتان بدل من قَوْله لبيدأ وَهُوَ بِتَقْدِيم الْجِيم على الْمُهْملَة والأتان الحمارة وَهِي كلمة ذمّ وأزجى سَاق (تَتِمَّة) الْمَشْهُور فِي رِوَايَة هَذَا الْبَيْت (فساغ لي الشَّرَاب وَكنت قبلا ... أكاد أغص بِالْمَاءِ الْحَمِيم) قَالَ الْعَيْنِيّ قَائِله عبد الله بن يعرب بن مُعَاوِيَة بن عبَادَة بن الْبكاء بن عَامر وَكَانَ لَهُ ثأر فأدركه فأنشده انْتهى وَرَوَاهُ الثعالبي والزمخشري (أكاد أغص بِالْمَاءِ الْفُرَات) وَلَعَلَّه من شعر آخر وَكَذَلِكَ مَا رَوَاهُ أَبُو حَيَّان فِي تَذكرته عَن الْكسَائي (أكاد أغص بِالْمَاءِ الْمعِين) لكنه رَوَاهُ عَنهُ وَكنت قبل بِالرَّفْع والتنوين ثمَّ قَالَ قَالَ الْفراء هَذَا التَّنْوِين نَظِير تَنْوِين المنادى الْمُفْرد إِذا لحقه التَّنْوِين فِي ضَرُورَة الشّعْر كَمَا قَالَ

(الرمل) (قدمُوا إِذْ قيل قيس قدمُوا ... وَارْفَعُوا الْمجد بأطراف الأسل) اراد يَا قيس فنونه ضَرُورَة والأجود النصب كَمَا قَالَ الآخر (الطَّوِيل) (فطر خَالِدا إِن كنت تَسْتَطِيع طيرة ... وَلَا تقعن إِلَّا وقلبك طَائِر) قَالَ أَبُو حَيَّان وَهَذَا الَّذِي اخْتَارَهُ الْفراء من نصب المنادى الْمُفْرد فِي الضَّرُورَة هُوَ مَذْهَب أبي عَمْرو وَأَصْحَابه وَالْمذهب الأول وَهُوَ رَفعه منونا مَذْهَب الْخَلِيل وسيبويه وأصحابهما وَمذهب أبي عَمْرو أَقيس ا. هـ. وَوجه كَونه أَقيس أَن المنادى مفعول وَالْقِيَاس إِذا نون فِي الضَّرُورَة أَن يرجع إِلَى أَصله وَهُوَ النصب فَإِن الضرائر ترجع الْأَشْيَاء إِلَى أُصُولهَا وَأما رفع قبل مَعَ التَّنْوِين فوجهه أَن أَصله كَانَ مَبْنِيا على ضمة لحذف الْمُضَاف إِلَيْهِ وَإِرَادَة معناة فنون ضَرُورَة كتنوين الْعلم المنادى وَيزِيد هُوَ يزِيد بن عَمْرو بن خويلد بن نفَيْل بن عَمْرو بن كلاب الْكلابِي وخويلد يُقَال لَهُ الصَّعق قَالَ أَبُو عَمْرو وَابْن الْكَلْبِيّ ابْن الصَّعق إِنَّمَا سمي الصَّعق لِأَنَّهُ عمل طَعَاما لقوم بعكاظ فَجَاءَت ريح بغبار فسبها ولعنها فَأرْسل الله عَلَيْهِ صَاعِقَة فَأَحْرَقتهُ وَقَالَ ابْن دُرَيْد الصَّعق أَن يسمع الْإِنْسَان الهدة الشَّدِيدَة فيصعق لذَلِك وَيذْهب عقله والصعق الْكلابِي أحد فرسانهم سمي الصَّعق لِأَن بني تَمِيم ضربوه ضَرْبَة على رَأسه فأمته فَكَانَ إِذا سمع الصَّوْت الشَّديد صعق فَذهب عقله وَالله أعلم

وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد السبعون وَهُوَ من شَوَاهِد س (الْبَسِيط) (ترتع مَا رتعت حَتَّى إِذا ادكرت ... فَإِنَّمَا هِيَ إقبال وإدبار) على أَن اسْم الْمَعْنى يَصح وُقُوعه خَبرا عَن اسْم الْعين إِذا لزم ذَلِك الْمَعْنى لتِلْك الْعين حَتَّى صَار كَأَنَّهُ هِيَ هَذَا من قبيل زيد عدل وَفِيه ثَلَاث توجيهات أَحدهَا كَونه مجَازًا عقليا بحملة على الظَّاهِر وَهُوَ جعل الْمَعْنى نفس الْعين مُبَالغَة وَالثَّانِي أَن الْمصدر فِي تَأْوِيل اسْم الْفَاعِل فِي نَحوه وَتَأْويل اسْم الْمَفْعُول فِي نَحْو زيد خلق أَي مَخْلُوق وَالثَّالِث أَنه على تَقْدِير مُضَاف مَحْذُوف أَي ذَات إقبال وَهَذَا الْبَيْت للخنساء قَالَ سِيبَوَيْهٍ جَعلتهَا الإقبال والأدبار مجَازًا على سَعَة الْكَلَام كَقَوْلِك نهارك صَائِم وليلك قَائِم وَاسْتشْهدَ بِهِ صَاحب الْكَشَّاف عِنْد قَوْله تَعَالَى {وَلَكِن الْبر من اتَّقى} على أَن الْإِسْنَاد مجازي بِدَعْوَى أَن المتقى هُوَ عين الْبر بِجعْل الْمُؤمن كَأَنَّهُ تجسد من الْبر وَكَانَ الزّجاج يَأْبَى غير هَذَا قَالَ عبد القاهر لم ترد بالإقبال والأدبار غير مَعْنَاهُمَا حَتَّى يكون الْمجَاز فِي الْكَلِمَة وَإِنَّمَا الْمجَاز فِي أَن جَعلتهَا لِكَثْرَة مَا تقبل وتدبر كَأَنَّهَا تجسمت من الإقبال والأدبار وَلَيْسَ أَيْضا على حذف مُضَاف وَإِقَامَة الْمُضَاف إِلَيْهِ مقَامه وَإِن كَانُوا يذكرُونَهُ مِنْهُ إِذْ لَو قُلْنَا أُرِيد إِنَّمَا هِيَ ذَات

إقبال وإدبار أفسدنا الشّعْر على أَنْفُسنَا وَخَرجْنَا إِلَى شَيْء مغسول وَكَلَام عَامي مرذول لَا مساغ لَهُ عِنْد من هُوَ صَحِيح الذَّوْق والمعرفة نسابة للمعاني وَمعنى تَقْدِير الْمُضَاف فِيهِ أَنه لَو كَانَ الْكَلَام قد جِيءَ بِهِ على ظَاهره وَلم تقصد لمبالغة لكل حَقه أَن يجاء بِلَفْظ الذَّات لَا أَنه مُرَاد وروى الْأَخْفَش فِي شرح ديوَان الخنساء عَن ابْن الْأَعرَابِي أَنه روى فَإِنَّمَا هُوَ أَرَادَ فَإِنَّمَا فعلهَا وَهَذَا الْبَيْت من قصيدة لَهَا ترثي بهَا أخاها صخرا تنيف على ثَلَاثِينَ بَيْتا فِي رِوَايَة الْأَخْفَش وَقَبله (فَمَا عجول على بو تطيف بِهِ ... قد ساعدتها على التحنان أظآر) وَبعده (لَا تسمن الدهرفي أَرض وَإِن رتعت ... وَإِنَّمَا هِيَ تحنان وتسجار) (يَوْمًا بأوجد مني يَوْم فارقني ... صَخْر وللدهر إحلاء وإمرار) العجول الثكول أَرَادَ بِهِ النَّاقة وروى مَا أم سقب وَهُوَ الذّكر من ولد النَّاقة وَلَا يُقَال للْأُنْثَى سقبة وَلَكِن حَائِل والبو جلد ولد النَّاقة إِذا مَاتَ حِين تَلد أمه يخْشَى تبنا وَهِي لَا ترَاهُ ويدنى مِنْهَا فتشمه وترأمه فتدر عَلَيْهِ اللَّبن وساعدتها وافقتها والتحنان الحنين والأظآر جمع ظئر وَهِي الَّتِي تعطف على ولد غَيرهَا يُقَال رتعت الْإِبِل إِذا رعت وارتعتها تركتهَا ترعى وروى ترتع مَا غفلت واذكرت أَي تذكرت وَلَدهَا وَأَصله اذتكرت

وَزعم ابْن خلف عَن بَعضهم أَنه فِي وصف بقرة اخذ وَلَدهَا وَقَوْلها لَا تسمن الدَّهْر إِلَخ يُقَال حنت النَّاقة إِذا طربت فِي إِثْر وَلَدهَا فَإِذا مدت الحنين وطربت قيل سجرت بِالْجِيم وَقَوْلها بأوجد مني أَي بأشد مني وجدا وللدهر إحلاء وإمرار أَي سرُور وحزن يُقَال مَا أحلى وَلَا أَمر أَي مَا أَتَى بحلوة وَلَا مرّة وَمن هَذِه القصيدة (وَإِن صخرا لمولانا وَسَيِّدنَا ... وَإِن صخرا إِذا نشتوا لنحار) (وَإِن صخرا لتأتم الهداة بِهِ ... كَأَنَّهُ علم فِي رَأسه نَار) قيل إِذا اجْتمع الْمولى وَالسَّيِّد قدم الْمولى كَمَا هُنَا وروى (وَإِن صخرا لحامينا وَسَيِّدنَا) وَإِنَّمَا قَالَت إِذا نشتو لنحار لِأَن النَّحْر فِي الشتَاء لِأَن الْإِطْعَام فِيهِ أَشد مُؤنَة وَقَوْلها لتأتم الهداة بِهِ أَي تَجْعَلهُ الأدلاء إِمَامًا وَالْعلم الْجَبَل وكل مشرف شبه بِالْجَبَلِ وَفِي رَأسه نَار أَشد للدلالة وَالْهِدَايَة وَأشهر فِي الشّرف وَهَذَا إيغال وَهُوَ ختم الْبَيْت بِمَا يُفِيد نكته يتم الْمَعْنى بِدُونِهَا فَإِن قَوْلهَا كَأَنَّهُ علم يتم الْمَعْنى بِهِ وَهُوَ للتشبيه بِمَا هُوَ مَعْرُوف بالهداية فَإِنَّهَا جعلت أخاها جبلا مَشْهُورا يتَوَجَّه إِلَيْهِ وَلَا يخفى أمره على قاص ودان ثمَّ لما أَرَادَت الْمُبَالغَة لم تقنع بذلك واردفته بقولِهَا فِي رَأسه نَار فَجَعَلته بعد أَن كَانَ علما يشار إِلَيْهِ معلما بعلامة يعرفهُ كل من يرَاهُ والخنساء هِيَ بنت عَمْرو بن الشريد بن ريَاح بن يقظة بن عصية بن خفاف ابْن امْرِئ الْقَيْس بن بهثة بن سليم

وَاسْمهَا تماضر بِضَم التَّاء الْمُثَنَّاة فَوق وَكسر الضَّاد الْمُعْجَمَة قَالَ ابْن خلف قد قَالُوا للبياض تماضر وَأكْثر مَا يكون للنِّسَاء وَمِنْه قيل اشْتقت المضيرة لبياضها والخنساء مؤنث الْأَخْنَس والخنس تَأَخّر الْأنف عَن الْوَجْه مَعَ ارْتِفَاع قَلِيل فِي الأرنبة وَيُقَال لَهَا خناس أَيْضا بِضَم الْخَاء غير منصرف للعدل والتأنيث وَهِي صحابية رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قدمت على رَسُول الله مَعَ قَومهَا من بني سليم وَأسْلمت مَعَهم وَهِي أم الْعَبَّاس بن مرداس وَهِي أم إخْوَته الثَّلَاثَة وَكلهمْ شَاعِر وَلم تَلد الخنساء إِلَّا شَاعِرًا وَمن وَلَدهَا أَبُو شَجَرَة السّلمِيّ وَقَالَ الْكَلْبِيّ أم ولد مرداس جَمِيعًا الخنساء إِلَّا الْعَبَّاس فَإِنَّهَا لَيست أمه وَلم يذكر من أمه وَذكر صَاحب الأغاني أَن الخنساء أمه وَكَانَ النَّبِي يُعجبهُ شعرهَا ويستنشدها وَيَقُول هيه يَا خناس ويومئ بِيَدِهِ وَلما قدم عدي بن حَاتِم على رَسُول وحادثه فَقَالَ يَا رَسُول الله إِن فِينَا أشعر النَّاس وأسخى النَّاس وأفرس النَّاس قَالَ سمهم قَالَ أما أشعر النَّاس فامرؤ الْقَيْس بن حجر وَأما أسخى النَّاس فحاتم بن سعد يَعْنِي أَبَاهُ وَأما أَفرس النَّاس فعمرو بن معد يكرب فَقَالَ رَسُول الله لَيْسَ كَمَا قلت يَا عدي أما أشعر النَّاس فالخنساء بنت عَمْرو وَأما أسخى النَّاس فمحمد يَعْنِي نَفسه وَأما أَفرس النَّاس فعلي بن أبي طَالب وَاتفقَ أهل الْعلم بالشعر أَنه لم تكن امْرَأَة قبلهَا وَلَا بعْدهَا أشعر مِنْهَا

وَقيل لجرير من أشعر النَّاس قَالَ أَنا لَوْلَا الخنساء قيل بِمَ فضلتك قَالَ بقولِهَا (الْبَسِيط) (إِن الرُّمَّان وَمَا يفنى لَهُ عجب ... أبقى لنا ذَنبا واستؤصل الراس) (إِن الجديدين فِي طول اخْتِلَافهمَا ... لَا يفسدان وَلَكِن يفْسد النَّاس) وَكَانَت فِي أَوَائِل أمرهَا تَقول الْبَيْتَيْنِ وَالثَّلَاثَة حَتَّى قتل أَخُوهَا مُعَاوِيَة ثمَّ أَخُوهَا صَخْر فَأَكْثَرت من الشّعْر وأجادت وَكَانَ أحبهما إِلَيْهَا لِأَنَّهُ كَانَ حَلِيمًا جوادا محبوبا فِي الْعَشِيرَة شريفا فِي قومه وَكَانَ أَبوهَا يَأْخُذ بيَدي ابنيه صَخْر وَمُعَاوِيَة وَيَقُول أَنا أَبُو خيري مُضر فتعترف لَهُ الْعَرَب بذلك وَمَا زَالَت ترثي صخرا وتبكيه حَتَّى عميت وَكَانَت تَقول بعد إسْلَامهَا كنت أبْكِي لصخر من الْقَتْل فَأَنا الْيَوْم أبْكِي لَهُ من النَّار وَدخلت على عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما وَعَلَيْهَا صدار من شعر فَقَالَت لَهَا مَا هَذَا فو الله لقد مَاتَ رَسُول الله فَلم ألبس صدارا عَلَيْهِ قَالَت إِن لَهُ حَدِيثا قَالَت وَمَا هُوَ قَالَت زَوجنِي أبي سيدا من سَادَات قومِي متلافأ معطاء فأنفد مَاله وَقَالَ لي إِلَى أَيْن يَا خنساء قلت إِلَى أخي صَخْر فأتيناه فقاسمنا مَاله وأعطانا خير النصفين فَأقبل زَوجي يُعْطي ويهب وَيحمل حَتَّى أنفده ثمَّ قَالَا لي إِلَى أَيْن يَا خنساء قلت إِلَى أخي صَخْر فأتيناه وقاسمنا مَاله وأعطانا خير النصفين إِلَى الثَّالِثَة فَقَالَت لَهُ امْرَأَته أما ترْضى أَن تقاسمهم مَالك حَتَّى تعطيهم خير النصفين فَقَالَ (الرجز) (وَالله لَا أمنحها شِرَارهَا ... وَلَو هَلَكت قددت خمارها) (واتخذت من شعر صدارها)

فَذَاك الَّذِي دَعَاني إِلَى لبس الصدار وَكَانَ من حَدِيث قَتله أَنه جمع جمعا وأغار على بني أَسد بن خُزَيْمَة فطعنه ابْن ربيعَة بن ثَوْر الْأَسدي فَأدْخل فِي جَوْفه حلقا من الدرْع فاندمل عَلَيْهِ فأضناه وَطَالَ مَرضه ومله أَهله فَكَانُوا إِذا سَأَلُوا امْرَأَته سليمى عَنهُ قَالَت لَا هُوَ حَيّ فيرجى وَلَا هُوَ ميت فينعى وصخر يسمع كَلَامهَا فَيشق ذَلِك عَلَيْهِ وَإِذا سَأَلُوا أمه قَالَت أصبح صَالحا بنعمه الله فَلَمَّا أَفَاق بعض الْإِفَاقَة عمد إِلَى امْرَأَته فعلقها بعمود الْفسْطَاط حَتَّى مَاتَت وَقيل بل قَالَ ناولوني سَيفي لأنظر كَيفَ قوتي وَأَرَادَ قَتلهَا وناولوه فَلم يطق السَّيْف فَفِي ذَلِك يَقُول (الطَّوِيل) (أرى أم صَخْر مَا تمل عيادتي ... وملت سليمى مضجعي ومكاني) (وَمَا كنت أخْشَى أَن أكون جَنَازَة ... عَلَيْك وَمن يغتر بالحدثان) (أهم بِأَمْر الحزم لَو أستطيعه ... وَقد حيل بَين العير والنزوان) (لعمري لقد نبهت من كَانَ نَائِما ... وأسمعت من كَانَ لَهُ أذنان) (وللموت خير من حَيَاة كَأَنَّهَا ... معرس يعسوب بِرَأْس سِنَان) (وَأي امرىء سَاوَى بِأم حَلِيلَة ... فَلَا عَاشَ إِلَّا فِي شقا وهوان) وَقيل إِن الَّتِي قَالَت ذَلِك بديلة الأَسدِية كَانَ قد سباها من أَسد واتخذها لنَفسِهِ وَأنْشد مَكَان الْبَيْت الأول (الطَّوِيل) (أَلا تلكم عرسي بديلة أوجست ... فراقي وملت مضجعي ومكاني) قَالَ أَبُو عُبَيْدَة فَلَمَّا طَال عَلَيْهِ الْبلَاء وَقد نتأت قِطْعَة مثل اللبد

فِي مَوضِع الطعنة وَاسْتَرْخَتْ قَالُوا لَهُ لَو قطعتها لرجونا أَن تَبرأ قَالَ شَأْنكُمْ الْمَوْت أَهْون عَليّ مِمَّا أَنا فِيهِ فقطعها فيئس من نَفسه وَمَات وَرُوِيَ أَن امْرَأَته هَذِه كَانَت ذَات كفل وأوراك وَكَانَت قد مِلَّته وَكَانَ يكرمها ويقدمها على أَهله فَمر بهَا رجل وَهِي قَائِمَة فَقَالَ لَهَا أيباع هَذَا الكفل فَقَالَت عَمَّا قَلِيل وصخر يسمع فَقَالَ لَئِن اسْتَطَعْت لأقدمنك أَمَامِي ثمَّ قَالَ لَهَا ناوليني السَّيْف أنظر هَل تقله يَدي فَدَفَعته إِلَيْهِ فَإِذا هُوَ لَا يقلهُ فَعندهَا أنْشد الأبيات الْمَذْكُورَة ذكر ياقوت فِي مُعْجم الأدباء فِي تَرْجَمَة أبي أَحْمد الْحسن بن عبد الله العسكري وَقد ترجمناه نَحن أَيْضا فِي الشَّاهِد الثَّامِن وَالْعِشْرين أَن الصاحب بن عباد كَانَ يود الِاجْتِمَاع بِهِ ويكاتبه ويستميل قلبه فيعتل عَلَيْهِ بالشيخوخة وَالْكبر فَلَمَّا يئس مِنْهُ احتال فِي جذب السُّلْطَان إِلَى ذَلِك الصوب وَكتب إِلَيْهِ حِين قرب من عَسْكَر مكرم كتابا يتَضَمَّن علوما نظما ونثرا وَمِنْه قَوْله (الطَّوِيل) (وَلما أَبَيْتُم أَن تزوروا وقلتم ... ضعفنا فَمَا نقوى على الوخدان) (أَتَيْنَاكُم من بعد أَرض نزوركم ... على منزل بكر لنا وعوان) (نسائلكم هَل من قرى لنزيلكم ... بملء جفون لَا بملء جفان) فَلَمَّا قَرَأَ أَبُو أَحْمد الْكتاب أقعد تلميذا فأملى عَلَيْهِ الْجَواب عَن النثر نثرا وَعَن النّظم نظما وَهُوَ (أروم نهوضا ثمَّ يثني عزيمتى ... تعوص أعضائي من الرجفان) ...

(فضمنت بَيت ابْن الشريد كَأَنَّمَا ... تعمد تشبيهي بِهِ وعناني) (أهم بِأَمْر الحزم لَو أستطيعه ... وَقد حيل بَين العير والنزوان) فَلَمَّا بلغت الصاحب استحسنها وَوَقعت مِنْهُ موقعا عَظِيما وَقَالَ لَو عرفت أَن هَذَا المصراع يَقع فِي هَذِه القافية لم أتعرض لَهَا وَبَقِيَّة الْحِكَايَة هُنَاكَ مسطورة وَفِي الِاسْتِيعَاب أَن الخنساء حضرت حَرْب الْقَادِسِيَّة وَمَعَهَا بنوها أَرْبَعَة رجال فَقَالَت لَهُم يَا بني أَنْتُم أسلمتم طائعين وهاجرتم مختارين وَوَاللَّه الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا غَيره إِنَّكُم لبنو رجل وَاحِد كَمَا أَنكُمْ بَنو امْرَأَة وَاحِدَة مَا خُنْت أَبَاكُم وَلَا فضحت خالكم وَلَا هجنت حسبكم وَلَا غيرت نسبكم وَقد تعلمُونَ مَا أعد الله للْمُسلمين من الثَّوَاب الْعَظِيم فِي حَرْب الْكَافرين وأعلموا أَن الدَّار الْبَاقِيَة خير من الدَّار الفانية يَقُول الله عَزَّ وَجَلَّ {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابطُوا وَاتَّقوا الله لَعَلَّكُمْ تفلحون} فَإِذا أَصْبَحْتُم غَدا فاغدوا إِلَى قتال عَدوكُمْ مستبصرين وَبِاللَّهِ على أعدائه مستنصرين فَلَمَّا أَضَاء لَهُم الصُّبْح باكروا مراكزهم فتقدموا وَاحِدًا بعد وَاحِد ينشدون الأراجيز فَقَاتلُوا حَتَّى اسْتشْهدُوا جَمِيعًا فَلَمَّا بلغَهَا الْخَبَر قَالَت الْحَمد لله الَّذِي شرفني بِقَتْلِهِم وَأَرْجُو من رَبِّي أَن يجمعني بهم فِي مُسْتَقر رَحمته فَكَانَ عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه يُعْطِيهَا أرزاق أَوْلَادهَا الْأَرْبَعَة لكل وَاحِد مِنْهُم مائَة دِرْهَم حَتَّى قبض وَمَاتَتْ الخنساء

وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد الْحَادِي وَالسَّبْعُونَ (الرجز) (أَنا أَبُو النَّجْم وشعري شعري) على أَن عدم مُغَايرَة الْخَبَر للمبتدأ إِنَّمَا هُوَ للدلالة على الشُّهْرَة أَي شعري الْآن هُوَ شعري الْمَشْهُور الْمَعْرُوف بِنَفسِهِ لَا شَيْء آخر اسْتشْهد بِهِ صَاحب الْكَشَّاف عِنْد قَوْله تَعَالَى {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ} على أَن المُرَاد السَّابِقُونَ من عرفت حَالهم وبلغك وَصفهم كَمَا فِي شعري شعري أَي شعري مَا بلغك وَصفه وَسمعت ببراعته وفصاحته وَصَحَّ إِيقَاع أبي النَّجْم خَبرا لتَضَمّنه نوع وَصفِيَّة واشتهاره بالكمال وَالْمعْنَى أَنا ذَلِك الْمَعْرُوف الْمَوْصُوف بالكمال وشعري هُوَ الْمَوْصُوف بالفصاحة. وَهَذَا الْبَيْت من أرجوزة لأبي النَّجْم الْعجلِيّ وَبعده (الرجز) (لله دري مَا أجن صَدْرِي ... من كَلِمَات باقيات الْحر) (تنام عَيْني وفؤادي يسري ... مَعَ العفاريت بِأَرْض قفر) الدّرّ فِي الأَصْل اللَّبن يُقَال فِي الْمَدْح لله دره أَي عمله وَقد شَرحه الشَّارِح فِي بَاب التَّمْيِيز بِمَا لَا مزِيد عَلَيْهِ وَقَوله مَا أجن صَدْرِي هُوَ صِيغَة تعجب من الْجُنُون قَالَ فِي الصِّحَاح وَقَوله مَا أجنه فِي الْمَجْنُون شَاذ لَا يُقَاس عَلَيْهِ وَمن كَلِمَات مُتَعَلق بِهِ وَمن ابتدائية أَو تعليلية وَأَبُو النَّجْم تقدّمت تَرْجَمته فِي الشَّاهِد السَّابِع

وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد الثَّانِي وَالسَّبْعُونَ (الطَّوِيل) (رفوني وَقَالُوا يَا خويلد لَا ترع ... فَقلت وَأنْكرت الْوُجُوه هم هم) لما تقدم فِي الْبَيْت قبله أَي هم الَّذين يطردونني وَيطْلبُونَ دمي وَهَذَا الْبَيْت لأبي خرَاش الْهُذلِيّ مطلع قصيدة وَهِي سِتَّة عشر بَيْتا ذكر فِيهَا تفلته من أعدائه حِين صادفهم فِي الطَّرِيق كامنين لَهُ وَسُرْعَة عدوه حَتَّى نجا مِنْهُم روى السكرِي فِي شرح أشعار الهذليين عَن الْأَخْفَش قَالَ خرج أَبُو خرَاش وَأم خرَاش يُريدَان بعض أهلهما فمرا بخزاعة فَلَمَّا رأتهما خُزَاعَة قَالُوا هَذَا أَبُو خرَاش وَامْرَأَته فَلَا تهيجوهما حَتَّى يدنوا منا فَقَالَ أَبُو خرَاش لأم خرَاش فَإِن سألوك فَقولِي تخلف كَأَنَّهُ يقْضِي حَاجَة وَهُوَ مار بكم فمضت حَتَّى إِذا علم أَبُو خرَاش أَنَّهَا قد جَاوَزت الثَّنية وأمنهم جَاءَ يمشي رويدأ حَتَّى مر فِي وَسطهمْ فَسلم فَردُّوا عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ مِمَّن أَنْتُم قَالُوا إخْوَتك وَبَنُو عمك فتباعد مِنْهُم فَهموا بِهِ فَعدا وعدوا على إثره فَأَعْجَزَهُمْ وَجعلُوا ينظرُونَ إِلَيْهِ ويرمونه وَنَجَا مِنْهُم ا. هـ. وَفِي الأغاني بِسَنَدِهِ أَن أَبَا خرَاش الْهُذلِيّ خرج من أَهله هُذَيْل يُرِيد مَكَّة فَقَالَ لزوجته أم خرَاش وَيحك إِنِّي أُرِيد مَكَّة لبَعض الْحَاجة وَإِن بني الديل يطلبونني بترات فإياك أَن تذكريني فَخرج بهَا وَكَمن لِحَاجَتِهِ

وَخرجت إِلَى السُّوق لتشتري عطرا وَمَا تحتاجه النِّسَاء فَمر بهَا فتيَان من بني الديل فَقَالَ أَحدهمَا لصَاحبه أم خرَاش وَرب الْكَعْبَة فسلما عَلَيْهَا فَقَالَت بِأبي أَنْتُمَا من أَنْتُمَا فَقَالَا رجلَانِ من أهلك هُذَيْل قَالَت فَإِن أَبَا خرَاش معي فَلَا تذكراه لأحد وَنحن رائحون العشية فَجمع الرّجلَانِ جمَاعَة وكمنوا فِي طَريقَة فَلَمَّا نظر إِلَيْهِم قَالَ لَهَا قتلتني قَالَت مَا ذكرتك وَرب الْكَعْبَة إِلَّا لفتيين من هُذَيْل فَقَالَ وَالله مَا هما من هُذَيْل ولكنهما من بني الديل وَقد جلسا لي وجمعا جمَاعَة من قومهما فَإِذا جزت عَلَيْهِم فَإِنَّهُم لن يعرضُوا لَك لِئَلَّا أستوحش فأفوتهم فاركضي بعيرك وضعي عَلَيْهِ الْعَصَا فَكَانَت على قعُود يسابق الرّيح فَلَمَّا دنا مِنْهُم وَقد تلثموا وَوَضَعُوا تَمرا على طَريقَة على كسَاء فَوقف قَلِيلا كَأَنَّهُ يصلح شَيْئا وجازتهم أم خرَاش وَوضعت الْعَصَا على قعودها وتوثبوا إِلَيْهِ فَوَثَبَ يعدو وسبقهم وَلم يلحقوه وَقَالَ أَبُو خرَاش فِي ذَلِك هَذِه القصيدة ا. هـ. ورفوني قَالَ الْمفضل بن سَلمَة فِي الفاخر والمرزوقي فِي شرح الفصيح رفوت الرجل إِذا سكنته وَأنْشد هَذَا الْبَيْت ثمَّ قَالَا وَيُقَال رافيت فلَانا أَي وافقته قَالَ الشَّاعِر (الوافر) (وَلما أَن رَأَيْت أَبَا رُوَيْم ... يرافيني وَيكرهُ أَن يلاما) وَأما رفأت الثَّوْب إِذا أصلحت خرقه أرفؤه رفئا فبالهمز وَمِنْه بالرفاء والبنين إِذا دعى للمتزوج وَفِي الْمَقْصُود والممدود للقالي الرفاء بِالْمدِّ الِاتِّفَاق والالتئام وَمِنْه قَوْلهم بالرفاء والبنين وَنهى رَسُول الله أَن يُقَال

بالرفاء والبنين وَقَالَ أَبُو عبيد قَالَ الْأَصْمَعِي الرفاء يكون على مَعْنيين يكون من الِاتِّفَاق وَحسن الِاجْتِمَاع قَالَ وَمِنْه أَخذ رفء الثَّوْب لِأَنَّهُ يرفأ فيضم بعضه إِلَى بعض ويلأم وَيكون الرفاء من الهدو والسكون قَالَ (رفوني وَقَالُوا يَا خويلد الْبَيْت) وحَدثني أَبُو بكر بن دُرَيْد قَالَ قَالَ الْأَصْمَعِي فِي بَيت أبي خرَاش أَرَادَ رفئوني بِالْهَمْز وَالدَّلِيل على صِحَة مَا روى أَبُو بكر قَول الْأَصْمَعِي فِي كتاب الْهَمْز وَيُقَال رفأت الرجل إِذا سكنته حَتَّى يسكن وَكَذَلِكَ المرافأة مَهْمُوز وَالدَّلِيل على ذَلِك قَول أبي زيد فِي كتاب الْهَمْز رفأت الثَّوْب أرفؤه رفئا ورفأت المملك ترفئة إِذا دَعَوْت لَهُ ورافأني الرجل فِي البيع مرافأة ا. هـ. فَجعله مهموزا لَا غير وَكَذَلِكَ قَالَ العسكري فِي كتاب التَّصْحِيف أخبرنَا ابْن أبي سعيد أَخْبرنِي طَابع سَمِعت قعنب بن مُحرز يسْأَل الْأَصْمَعِي عَن قَول الشَّاعِر رفوني وَقَالُوا يَا خويلد الْبَيْت فَقَالَ قعنب رقوني بِالْقَافِ فَقَالَ الْأَصْمَعِي مَا معنى رقوني قَالَ رقوه بالْكلَام قَالَ يصحف ويفسر التَّصْحِيف إِنَّمَا هُوَ رفوني بِالْفَاءِ وَأَصله رفئوني من رفأت فأزال الْهمزَة الشَّاعِر ا. هـ. وخويلد اسْم الشَّاعِر وَلَا ترع نهي بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول

أَي لَا يحصللك روع وَخَوف وَجُمْلَة أنْكرت حَال من ضمير قلت بِتَقْدِير قد وَجُمْلَة هم هم مقول القَوْل وأَبُو خرَاش قَالَ ابْن قُتَيْبَة فِي الطَّبَقَات هُوَ خويلد بن مرّة أحد بني قرد بن عَمْرو بن مُعَاوِيَة بن تَمِيم بن سعد بن هُذَيْل أحد فرسَان الْعَرَب وفتاكهم أسلم وَهُوَ شيخ كَبِير وَحسن إِسْلَامه وَفِي تَارِيخ الذَّهَبِيّ مَا يدل على أَن إِسْلَامه كَانَ يَوْم حنين وَذكره ابْن حجر فِي الْقسم الثَّالِث من الْإِصَابَة وهم المخضرمون الَّذين لم يرد فِي خبر قطّ أَنهم اجْتَمعُوا بِالنَّبِيِّ وَفِي الأغاني عَن الْأَصْمَعِي قَالَ دخل أَبُو خرَاش مَكَّة فِي الْجَاهِلِيَّة وَكَانَ مِمَّن يعدو على رجلَيْهِ فَيَسْبق الْخَيل فَرَأى الْوَلِيد بن الْمُغيرَة لَهُ فرسَان يُرِيد أَن يرسلهما فِي الحلبة فَقَالَ مَا تجْعَل لي إِن سبقتهما عدوا قَالَ إِن فعلت فهما لَك فسبقهما وَقَالَ الْكَلْبِيّ والأصمعي مر على أبي خرَاش نفر من الْيمن حجاجا فنزلوا عَلَيْهِ فَقَالَ مَا أَمْسَى عِنْدِي مَاء وَلَكِن هَذِه برمة وشَاة وقربة فَردُّوا المَاء فَإِنَّهُ غير بعيد ثمَّ اطبخوا الشَّاة وذروا البرمة والقربة عِنْد المَاء نأخذهما فامتنعوا وَقَالُوا لَا نَبْرَح فَأخذ أَبُو خرَاش الْقرْبَة وسعى نَحْو المَاء تَحت اللَّيْل فاستقى ثمَّ أقبل فنهشتة حَيَّة

فَأقبل مسرعا حَتَّى أَعْطَاهُم المَاء وَلم يعلمهُمْ بِمَا أَصَابَهُ فَبَاتُوا يَأْكُلُون فَلَمَّا أَصْبحُوا وجدوه فِي الْمَوْت فأقاموا حَتَّى دفنوه فَبلغ عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ خَبره فَقَالَ وَالله لَوْلَا أَن تكون سنة لأمرت أَن لَا يُضَاف يماني بعْدهَا ثمَّ كتب إِلَى عَامله أَن يَأْخُذ النَّفر الَّذين نزلُوا بِهِ فيغرمهم دِيَته وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد الثَّالِث وَالسَّبْعُونَ (الطَّوِيل) (بنونا بَنو أَبْنَائِنَا وبناتنا ... بنوهن أَبنَاء الرِّجَال الأباعد) على أَن الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر إِذا تَسَاويا تعريفا وتخصيصا يجوز تَأْخِير الْمُبْتَدَأ إِذا كَانَ هُنَاكَ قرينَة معنوية على تعْيين الْمُبْتَدَأ فَإِنَّهُ قدم الْخَبَر هُنَا على الْمُبْتَدَأ لوُجُود الْقَرِينَة من حَيْثُ الْمَعْنى فَإنَّك عرفت أَن الْخَبَر هُوَ محط الْفَائِدَة فَمَا يكون فِيهِ التَّشْبِيه الَّذِي تذكر الْجُمْلَة لأَجله فَهُوَ الْخَبَر وَهُوَ قَوْله بنونا إِذْ الْمَعْنى أَن بني أَبْنَائِنَا مثل بنينَا لَا أَن بنينَا مثل بني أَبْنَائِنَا قَالَ ابْن هِشَام فِي شرح شَوَاهِد ابْن النَّاظِم وَقد يُقَال إِن هَذَا الْبَيْت لَا تَقْدِيم فِيهِ وَلَا تَأْخِير وَإنَّهُ جَاءَ على عكس التَّشْبِيه كَقَوْل ذِي الرمة (الطَّوِيل) (وَرمل كأوراك العذارى قطعته) فَكَانَ يَنْبَغِي للشَّارِح يَعْنِي ابْن النَّاظِم أَن يسْتَدلّ بِمَا أنْشدهُ وَالِده فِي شرح التسهيل من قَول حسان بن ثَابت رَضِيَ اللَّهُ عَنْه (الْبَسِيط) (قَبيلَة ألأم الْأَحْيَاء أكرمها ... وأغدر النَّاس بالجيران وافيها)

إِذْ المُرَاد الْإِخْبَار عَن أكرمها بِأَنَّهُ ألأم الْأَحْيَاء وَعَن وافيها بِأَنَّهُ أغدر النَّاس لَا الْعَكْس انْتهى المُرَاد مِنْهُ وَقد منع الْكُوفِيُّونَ تَأْخِير الْمُبْتَدَأ قَالَ ابْن الْأَنْبَارِي فِي الْإِنْصَاف ذهب الْكُوفِيُّونَ إِلَى أَنه لَا يجوز تَقْدِيم خبر الْمُبْتَدَأ عَلَيْهِ مُفردا كَانَ أَو جملَة فَالْأول نَحْو قَائِم زيد وَالثَّانِي نَحْو أَبوهُ قَائِم زيد وَأَجَازَهُ البصريون لمجيئه فِي كَلَام الْعَرَب نظما ونثرا وَمن النّظم قَوْله بنونا بَنو أَبْنَائِنَا الْبَيْت وَأطَال الْكَلَام فِيهِ وَهَذَا الْبَيْت لَا يعرف قَائِله مَعَ شهرته فِي كتب النُّحَاة وَغَيرهم قَالَ الْعَيْنِيّ وَهَذَا الْبَيْت اسْتشْهد بِهِ النُّحَاة على جَوَاز تَقْدِيم الْخَبَر والفرضيون على دُخُول أَبنَاء الْأَبْنَاء فِي الْمِيرَاث وَأَن الانتساب إِلَى الْآبَاء وَالْفُقَهَاء كَذَلِك فِي الْوَصِيَّة وَأهل الْمعَانِي وَالْبَيَان فِي التَّشْبِيه وَلم أر أحدا مِنْهُم عزاهُ إِلَى قَائِله ا. هـ. وَرَأَيْت فِي شرح الْكرْمَانِي فِي شرح شَوَاهِد الكافية للخبيصي أَنه قَالَ هَذَا الْبَيْت قائلة أَبُو فراس همام الفرزدق بن غَالب ثمَّ تَرْجمهُ وَالله أعلم بِحَقِيقَة الْحَال وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد الرَّابِع وَالسَّبْعُونَ قَول أبي تَمام (الطَّوِيل) (لعاب الأفاعي القاتلات لعابه ... وأري الجنى اشتارته أيد عواسل) لما تقدم فِي الْبَيْت قبله أَي لعابه مثل لعاب الأفاعي

وَهَذَا الْبَيْت أحد أَبْيَات عشرَة فِي وصف الْقَلَم من قصيدة لأبي تَمام مدح بهَا مُحَمَّد بن عبد الْملك الزيات وأبيات الْقَلَم هِيَ هَذِه وَهِي أحسن وأفخم من جَمِيع مَا قيل فِي الْقَلَم (لَك الْقَلَم الْأَعْلَى الَّذِي بشباته ... ينَال من الْأَمر الكلى والمفاصل) (لَهُ الخلوات اللاء لَوْلَا نجيها ... لما أحتفلت للْملك تِلْكَ المحافل) (لعاب الأفاعي القاتلات لعابه الْبَيْت) (لَهُ ريقة طل وَلَكِن وقعها ... بآثاره فِي الشرق والغرب وابل) (فصيح إِذا استنطقته وَهُوَ رَاكب ... وأعجم إِن ناطقته وَهُوَ راجل) (إِذا مَا امتطى الْخمس اللطاف وأفرغت ... عَلَيْهِ شعاب الْفِكر وَهِي حوافل) (أَطَاعَته أَطْرَاف الرماح وقوضت ... لنجواه تقويض الْخيام الجحافل) (إِذا استغزر الذِّهْن الخلي وَأَقْبَلت ... أعاليه فِي القرطاس وَهِي أسافل) (وَقد رفدته الخنصران وسددت ... ثَلَاث نواحيه الثَّلَاث الأنامل) (رَأَيْت جَلِيلًا شَأْنه وَهُوَ مرهف ... ضنى وسمينا خطبه وَهُوَ ناحل) الشبا بِفَتْح الشين وَالْقصر حد كل شَيْء وَقَوله ينَال من الْأَمر روى أَيْضا يصاب من الْأَمر والكلى جمع كُلية وكلوه جَاءَ بِالْيَاءِ وَالْوَاو والمفاصل جمع مفصل وَهُوَ ملتقى كل عظمين أَرَادَ أَن الْقَلَم يطبق الْمفصل ويصادف المحز وَبِه ينَال مَقَاصِد الْأُمُور فَإِنَّهُ ينَال بالأقلام مَا يعجز عَنهُ مجالدة الحسام وَقَوله لَهُ الخلوات إِلَخ يَعْنِي أَن أَصْحَاب الْقَلَم هم أهل المشورة وَمَوْضِع السِّرّ يخلي لَهُم الْمُلُوك الْمجَالِس للمشورة وبهم يحصل نظام الْملك والنجي

المسار والتناجي المسارة وَأَرَادَ بِهِ المشير فَإِن المشورة تكون سرا غَالِبا والاحتفال حسن الْقيام بالأمور والمحافل جمع محفل كمجلس ومقعد وَهُوَ الْمُجْتَمع واللعاب مَا يسيل من الْفَم والقاتلات صفة كاشفة للأفاعي ذكرهَا تهويلا والأري بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون الرَّاء مَا لزق من الْعَسَل فِي جَوف الخلية والجنى بِفَتْح الْجِيم وَالْقصر الْعَسَل وَالْإِضَافَة للتخصيص فَإِن الأري يَأْتِي أَيْضا بِمَعْنى مَا لزق بِأَسْفَل الْقدر من الطبيخ وَإِن جعلت الأري بِمَعْنى الْعَسَل والجني بِمَعْنى كل مَا يجنى من ثَمَرَة وَنَحْوهَا يلْزم إِضَافَة الْمَوْصُوف إِلَى الصّفة واشتارته استخرجته يُقَال شار فلَان الْعَسَل شورا وشيارا وشيارة إِذا استخرجه وَكَذَلِكَ أشارة واشتاره وأيد جمع يَد والعواسل جمع عاسلة أَي مستخرجة الْعَسَل والعاسل مشتار الْعَسَل من مَوْضِعه والمصراع الأول بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْأَعْدَاء وَالثَّانِي بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْأَوْلِيَاء يَعْنِي أَن لعاب قلمه بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْأَعْدَاء سم قَاتل وبالنسبة إِلَى الْأَوْلِيَاء شِفَاء عَاجل فَقَوله لعابه مُبْتَدأ مُؤخر ولعاب الأفاعي خبر مقدم وَأرى مَعْطُوف على الْخَبَر وَجَاز هَذَا مَعَ تعرف الطَّرفَيْنِ لِأَن الْمَعْنى دَال عَلَيْهِ فَإِن اللعاب الْقَاتِل إِنَّمَا هُوَ لعاب الأفاعي فلعاب الْقَلَم مشبه بِهِ فِي التَّأْثِير وَعلم من هَذَا أَنه لَيْسَ من التَّشْبِيه المقلوب فَإِن لعاب الْقَلَم قد شبه بشيئين وهما السم وَالْعَسَل باعتبارين وَإِن جعلته من التَّشْبِيه المقلوب كَانَ من عطف الْجمل وَالْخَبَر فِي الْمَعْطُوف مَحْذُوف وَفِيه تكلّف

وَقَوله لَهُ ريقة طل ريقة مُبْتَدأ وطل وَصفه والظرف قبله خَبره والطل الْمَطَر الضَّعِيف والوابل وَكَذَا الوبل الْمَطَر الشَّديد الضخم الْقطر إِن مَا يجْرِي من الْقَلَم حقير تافه فِي ظَاهر الْأَمر وَلَكِن لَهُ أثر خير عَم الْمَشَارِق والمغارب وَأَرَادَ ب الْخمس اللطاف الْأَصَابِع الْخمس والشعاب جمع شعب بكسرهما الطَّرِيق فِي الْجَبَل والحوافل جمع حافلة يُقَال حفل اللَّبن وَغَيره حفلا وحفولا اجْتمع واحتفل الْوَادي امْتَلَأَ وسال وَقَوله أَطَاعَته أَطْرَاف إِلَخ هُوَ جَوَاب إِذا وروى أَطَاعَته أَطْرَاف القنا وتقوضت يُقَال تقوضت الصُّفُوف إِذا انتقضت وَأَصله من تقويض الْبناء وَهُوَ نقضه من غير هدم والنجوى السِّرّ وتقويض أَي كتقويض الْخيام والجحافل فَاعل قوضت وَهُوَ جمع جحفل بِتَقْدِيم الْجِيم على الْمُهْملَة كجعفر الْجَيْش واستغزر الذِّهْن وجده غزيرا وفاعله ضمير الْقَلَم والخلي الْخَالِي وروى بدله الذكي أَي المتوقد وَإِنَّمَا تكون أعالي الْقَلَم أسافل حِين الْكِتَابَة ورفدته أعانته وَرَأَيْت جَوَاب إِذا وشأنه فَاعل جَلِيلًا وَجُمْلَة وَهُوَ مرهف حَال وَهُوَ اسْم مفعول من أرهفت السَّيْف وَنَحْوه إِذا رققت شفرتيه وَيُقَال أَيْضا رهفته رهفا فَهُوَ رهيف ومرهوف وضنى تَمْيِيز وَهُوَ مصدر ضني من بَاب تَعب إِذا مرض مَرضا ملازما وسمينا مَعْطُوف على جَلِيلًا وناحل من نحل الْجِسْم ينْحل بفتحهما نحولا سقم وَمن بَاب تَعب لُغَة

وَأَبُو تَمام الطَّائِي مَضَت تَرْجَمته فِي الشَّاهِد الرَّابِع وَالْخمسين وَلم يُورد الشَّارِح الْمُحَقق بَيته هُنَا شَاهدا وَإِنَّمَا أوردهُ نظيرا لما قبله وَأما ابْن الزيات الَّذِي مدحه أَبُو تَمام بِهَذِهِ القصيدة فَهُوَ أَبُو جَعْفَر مُحَمَّد بن عبد الْملك بن أبان الْمَعْرُوف بِابْن الزيات كَانَ جده أبان من قَرْيَة يُقَال لَهَا الدسكرة يجلب الزَّيْت وَكَانَ مُحَمَّد من أهل الْأَدَب فَاضلا عَالما بالنحو واللغة وَلما قدم الْمَازِني بَغْدَاد فِي أَيَّام المعتصم كَانَ أَصْحَابه وجلساؤه يحْضرُون بَين يَدَيْهِ فِي علم النَّحْو فَإِذا اخْتلفُوا فِيمَا يَقع فِيهِ الشَّك يَقُول لَهُم الْمَازِني ابْعَثُوا إِلَى هَذَا الْفَتى الْكَاتِب يَعْنِي مُحَمَّد بن عبد الْملك فَاسْأَلُوهُ واعرفوا جَوَابه وَكَانَ يصوب جَوَابه فعلا شَأْنه بذلك وَكَانَ فِي أول أمره من جملَة الْكتاب وَكَانَ أَحْمد بن عمار الْبَصْرِيّ وَزِير المعتصم فورد على المعتصم كتاب من بعض الْأَعْمَال فقرأه الْوَزير عَلَيْهِ فَإِذا فِي الْكتاب ذكر الْكلأ فَقَالَ لَهُ المعتصم مَا الْكلأ فَقَالَ لَا أعلم فَقَالَ المعتصم خَليفَة أُمِّي ووزير عَامي ثمَّ قَالَ أبصروا من بِالْبَابِ من الْكتاب فوجدوا مُحَمَّد بن عبد الْملك فَقَالَ لَهُ مَا الْكلأ فَقَالَ هُوَ العشب على الْإِطْلَاق فَإِن كَانَ رطبا فَهُوَ الخلا وَإِذا يبس فَهُوَ الْحَشِيش وَشرع فِي تَقْسِيم أَنْوَاع النَّبَات فَعلم المعتصم فَضله فاستوزره وَحكمه وَبسط يَده ومدحه أَبُو تَمام بقصائد ومدحه البحتري بقصيدته الدالية وَأحسن فِي وصف خطه وبلاغته

وَكَانَ ابْن الزيات هجا القَاضِي ابْن أبي دؤاد الْإِيَادِي بتسعين بَيْتا فَعمل القَاضِي فِيهِ بَيْتَيْنِ وَقَالَ (السَّرِيع) (أحسن من تسعين بَيْتا سدى ... جمعك معناهن فِي بَيت) (مَا أحْوج الْملك إِلَى مطرة ... تغسل عَنهُ وضر الزَّيْت) وَقيل هما لعَلي بن الجهم وَبعد المعتصم وزر لِابْنِهِ الواثق هَارُون فَقَالَ ابْن الزيات (المنسرح) (قد قلت إِذا غيبوه وَانْصَرفُوا ... من خير قبر لخير مدفون) (لن يجْبر الله أمه فقدت ... مثلك إِلَّا بِمثل هَارُون) وَبعد الواثق وزر للمتوكل وَكَانَ ابْن الزيات يدْخل عَلَيْهِ المتَوَكل أَيَّام المعتصم والواثق فَكَانَ يتجهمه ويحتقره ويستهزئ بِهِ فحقد عَلَيْهِ المتَوَكل وَبعد أَرْبَعِينَ يَوْمًا من ولَايَته قبض عَلَيْهِ واستصفى أَمْوَاله وَكَانَ ابْن الزيات قد اتخذ تنورا من حَدِيد وأطراف مَسَامِيرهُ المحدودة إِلَى دَاخله وَهِي قَائِمَة مثل رُؤُوس المسال وَكَانَ يعذب فِيهِ أَيَّام وزارته فكيفما انْقَلب المعذب أَو تحرّك من حرارة الْعقُوبَة تدخل المسامير فِي جِسْمه وَإِذا قَالَ لَهُ أحد أرحمني أَيهَا الْوَزير فَيَقُول لَهُ الرَّحْمَة خور فِي الطبيعة فَلَمَّا

اعتقله المتَوَكل أَمر بإدخاله فِي التَّنور وقيدة بِخَمْسَة عشر رطلا من الْحَدِيد فَقَالَ لَهُ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ ارْحَمْنِي فَقَالَ لَهُ الرَّحْمَة خور فِي الطبيعة كَمَا كَانَ يَقُول للنَّاس وَكَانَ ذَلِك فِي سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ وَكَانَت مُدَّة تعذيبه فِي التَّنور أَرْبَعِينَ يَوْمًا إِلَى أَن مَاتَ فِيهِ وَوجد مَكْتُوبًا بالفحم فِي جَانب التَّنور (مجزوء الرمل) (من لَهُ عهد بنوم ... يرشد الصب إِلَيْهِ) (رحم الله رحِيما ... دلّ عَيْني عَلَيْهِ) (سهرت عَيْني ونامت ... عين من هنت عَلَيْهِ) وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد الْخَامِس وَالسَّبْعُونَ (المتقارب) (إِلَى الْملك القرم وَابْن الْهمام ... وَلَيْث الكتيبة فِي المزدحم) على أَن يجوز عطف أحد الْخَبَرَيْنِ على الآخر كَمَا يجوز عطف بعض الْأَوْصَاف على بَعْضهَا كَمَا هُنَا قَالَ ابْن الْهمام وَلَيْث الكتيبة وصفان للْملك وَقد عطفا على الصّفة الأولى وَهِي القرم وَاسْتشْهدَ بِهِ الْفراء فِي مَعَاني الْقُرْآن وَصَاحب الْكَشَّاف أَيْضا لهَذَا الْأَمر وَبعده بَيت أوردهُ ابْن الْأَنْبَارِي فِي الْإِنْصَاف وَهُوَ (وَذَا الرَّأْي حِين تغم الْأُمُور ... بِذَات الصليل وَذَات اللجم) وَقَالَ نصب ذَا الرَّأْي على الْمَدْح وَالْقَرْمُ بِفَتْح الْقَاف السَّيِّد

والهمام الْملك الْعَظِيم الهمة وَالسَّيِّد الشجاع السخي والكتيبة الْجَيْش وَقيل جمَاعَة الْخَيل إِذا أغارت من الْمِائَة إِلَى الْألف والمزدحم مَحل الازدحام يُقَال ازْدحم الْقَوْم وتزاحموا أَي تضايقوا وَأَرَادَ بِهِ المعركة وَالْغَم فِي الأَصْل ستر كل شَيْء وَمِنْه الْغَمَام لِأَنَّهُ يستر الضَّوْء وَالشَّمْس وَمِنْه أَيْضا الْغم الَّذِي يغم الْقلب أَي يستره ويغشيه وَقَوله بِذَات الصليل مُتَعَلق بِالرَّأْيِ وَهُوَ الْبَيْضَة يُقَال صل الْبيض يصل صليلا سمع لَهُ طنين عِنْد القراع وَذَات اللجم الْخَيل وَهُوَ جمع لجام أَرَادَ أَنه يمدهُمْ بِالسِّلَاحِ وَالرِّجَال وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد السَّادِس وَالسَّبْعُونَ (الطَّوِيل) (فاما الْقِتَال لَا قتال لديكم) على أَن حذف الْفَاء الدَّاخِلَة على خبر الْمُبْتَدَأ الْوَاقِع بعد أما ضَرُورَة فَإِن الْقِتَال مُبْتَدأ وَجُمْلَة لَا قتال لديكم خبْرَة والرابط الْعُمُوم الَّذِي فِي اسْم لَا قَالَه ابْن إياز فِي شرح الْفُصُول وَمثله بَيت الْكتاب لِابْنِ ميادة (الطَّوِيل) (أَلا لَيْت شعري هَل إِلَى أم معمر ... سَبِيل فَأَما الصَّبْر عَنْهَا فَلَا صبرا) قَالَ ابْن جني فِي إِعْرَاب الحماسة هُوَ بِمَنْزِلَة قَوْلهم نعم الرجل زيد وَذَلِكَ أَن الصَّبْر عَنْهَا فِي بعض الصَّبْر لَا جَمِيعه وَقَوله فَلَا صَبر نفي للْجِنْس أجمع فَدخل الصَّبْر عَنْهَا وَهُوَ الْبَعْض فِي جملَة مَا نفي من الْجِنْس كَمَا أَن زيدا بعض الرِّجَال فَأَما الْبَيْت الآخر (الطَّوِيل) (فَأَما الصُّدُور لَا صُدُور لجَعْفَر ... وَلَكِن أعجازا شَدِيدا ضريرها)

فَالثَّانِي هُوَ الأول سَوَاء وَكَذَلِكَ قَول الآخر (فَأَما الْقِتَال لَا قتال لديكم الْبَيْت) فَالثَّانِي هُوَ الأول وَكِلَاهُمَا جنس انْتهى وَهَذَا المصراع صدر وعجزه (وَلَكِن سيرا فِي عراض المواكب) لَكِن اسْمهَا مَحْذُوف وسيرا مفعول مُطلق عَامله مَحْذُوف وَهُوَ خبر لَكِن أَي وَلَكِنَّكُمْ تسيرون سيرا وَيجوز أَن يكون سيرا اسْم لَكِن وَالْخَبَر محذوفا أَي وَلَكِن لكم سيرا وَفِي عراض مُتَعَلق بتسيرون الْمَحْذُوف وَهُوَ جمع عرض بِضَم الْعين وَسُكُون الرَّاء وَآخره ضاد مُعْجمَة بِمَعْنى النَّاحِيَة والمواكب الْجَمَاعَة ركبانا أَو مشَاة وَقيل ركاب الْإِبِل للزِّينَة من وكب يكب وكوبا مَشى فِي درجان وَقبل هَذَا الْبَيْت بَيت وَهُوَ (فضحتم قُريْشًا بالفرار وَأَنْتُم ... قمدون سودان عِظَام المناكب) والقمد بِضَم الْقَاف وَتَشْديد الدَّال الطَّوِيل وَقيل الطَّوِيل الْعُنُق الضخمة من القمد بِفتْحَتَيْنِ وَهُوَ الطول وَقيل ضخامة الْعُنُق فِي طول وَالْوَصْف أقمد وقمد وَالْأُنْثَى قمداء وقمدة وقمدانية والسودان أَرَادَ بِهِ الْأَشْرَاف جمع سود وَهُوَ جمع أسود أفعل تَفْضِيل من السِّيَادَة والبيتان لِلْحَارِثِ بن خَالِد المَخْزُومِي كَذَا قَالَ ابْن خلف وَقَالَ صَاحب الأغاني هما مِمَّا هجا بهما قَدِيما بني أسيد بن أبي الْعيص بن أُميَّة بن عبد شمس ا. هـ. والْحَارث هُوَ ابْن خَالِد بن الْعَاصِ بن هِشَام بن الْمُغيرَة بن عبد الله بن عَمْرو بن مَخْزُوم

قَالَ الزبير بن بكار فِي أَنْسَاب قُرَيْش كَانَ الْحَارِث شَاعِرًا كثير الشّعْر وَهُوَ الَّذِي يَقُول (الْبَسِيط) (من كَانَ يسْأَل عَنَّا أَيْن منزلنا ... فالأقحوانة منا منزل قمن) (إِذْ نلبس الْعَيْش غضا لَا يكدره ... خوف الوشاة وَلَا ينبو بِنَا الزَّمن) والأقحوانة مَاء بَين بِئْر مَيْمُون إِلَى بِئْر ابْن هِشَام وَكَانَ يزِيد اسْتَعْملهُ على مَكَّة وَابْن الزبير يَوْمئِذٍ بهَا فَمَنعه ابْن الزبير فَلم يزل فِي دَاره مُعْتَزِلا لِابْنِ الزبير حَتَّى ولي عبد الْملك بن مَرْوَان فولاه مَكَّة ثمَّ عَزله فَقدم عَلَيْهِ دمشق فَلم ير لَهُ عِنْده مَا يحب فَانْصَرف عَنهُ وَقَالَ (الطَّوِيل) (عطفت عَلَيْك النَّفس حَتَّى كَأَنَّمَا ... بكفيك بؤسي أَو لديك نعيمها) (فَمَا بِي إِن أقصيتني من ضراعة ... وَلَا افْتَقَرت نَفسِي إِلَى من يضيمها) انْتهى وَمن شعره (الْكَامِل) (أظلوم إِن مصابكم رجلا ... أهْدى السَّلَام تَحِيَّة ظلم) وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد السَّابِع وَالسَّبْعُونَ وَهُوَ من شَوَاهِد س

(الطَّوِيل) عَجزه (وأكرومة الْحَيَّيْنِ خلو كَمَا هيا) على أَن الْفَاء فِي فانكح زَائِدَة عِنْد الْأَخْفَش وخولان مُبْتَدأ وانكح خَبره وَعند سِيبَوَيْهٍ غير زَائِدَة وَالْأَصْل هَذِه خولان فانكح فَتَاتهمْ قَالَ ابْن خلف قَالَ أَبُو عَليّ من جعل الْفَاء زَائِدَة أجَاز فِي خولان الرّفْع وَالنّصب كَقَوْلِك زيدا فَاضْرِبْهُ فَإِن قلت زيدأ فَاضْرب جَازَ عِنْد الْجَمِيع قَالَ تَعَالَى {وثيابك فطهر} وَنقل أَبُو جَعْفَر النّحاس عَن الْمبرد أَنه قَالَ لَو قلت هَذَا زيدا فَاضْرِبْهُ جَازَ أَن تجْعَل زيدا عطف بَيَان أَو بَدَلا فَلَو رفعت خولان بِالِابْتِدَاءِ لم يجز من أجل الْفَاء وَإِنَّمَا جَازَ مَعَ هَذَا لِأَن فِيهَا معنى التَّنْبِيه وَالْإِشَارَة وَقَالَ أَبُو الْحسن وَيجوز النصب على الذَّم انْتهى وَالظَّاهِر أَن يَقُول وَيجوز النصب على الْمَدْح كَمَا قَالَ غَيره فَإِن المرغب لَا يذم وعَلى قَول س فالفاء إِمَّا لعطف الْإِنْشَاء على الْخَبَر وَهُوَ جَائِز فِيمَا لَهُ مَحل من الْإِعْرَاب وَأما لربط جَوَاب شَرط مَحْذُوف أَي إِذا كَانَ كَذَلِك فانكح قَالَ سِيبَوَيْهٍ قد يحسن ويستقيم أَن تَقول عبد الله فَاضْرِبْهُ إِذا كَانَ الْخَبَر مَبْنِيا على مُبْتَدأ مظهر أَو مُضْمر نَحْو هَذَا زيد فَاضْرِبْهُ والهلال وَالله فَانْظُر إِلَيْهِ وَقَالَ السيرافي الْجمل كلهَا يجوز أَن تكون أجوبتها بِالْفَاءِ نَحْو زيد أَبوك فَقُمْ إِلَيْهِ فَإِن كَونه أَبَاهُ سَبَب وَعلة للْقِيَام إِلَيْهِ وَكَذَلِكَ الْفَاء فِي فانكح يدل على أَن وجود هَذِه الْقَبِيلَة عِلّة لِأَن يتَزَوَّج مِنْهُم ويتقرب إِلَيْهِم لحسن نسائها وشرفها وَفِيه إِشَارَة إِلَى ترَتّب الحكم على الْوَصْف وأرده صَاحب الْكَشَّاف عِنْد قَوْله تَعَالَى {رب السَّمَاوَات وَالْأَرْض

وَمَا بَينهمَا فاعبده} قَالَ إِن رب خبر مُبْتَدأ أَي هُوَ رب السَّمَاوَات كَمَا فِي خولان بِالرَّفْع أَي هَؤُلَاءِ خولان وخولان حَيّ بِالْيمن وروى فانكح فتاتها لِأَنَّهُ أَرَادَ الْقَبِيلَة وجملتا هَذِه خولان فانكح فَتَاتهمْ فِي مَحل نصب على أَنَّهَا مقول القَوْل وَإِنَّمَا عمل فِيهَا النصب وَهُوَ قائلة لاعتماده على الْمَوْصُوف الْمُقدر أَي رب امْرَأَة قائلة وَبِه يدْفع مَا يرد عَلَيْهِ من أَن مجرور رب غير مَوْصُوف بِشَيْء مَعَ أَن وَصفه وَاجِب فَإِن الْمَجْرُور هُوَ الْوَصْف والموصوف مَحْذُوف أَو تَقول الصّفة محذوفة أَي رب قائلة قَالَت لي لَكِن يرد عَلَيْهِ أَن مَا بعد رب يلْزمه الْمُضِيّ وَالْوَصْف هُنَا مُسْتَقْبل بِدَلِيل إعماله وَيدْفَع أَيْضا بِأَنَّهُ أَرَادَ حِكَايَة الْحَال الْمَاضِيَة بِدَلِيل أَن الْمَعْنى قد قيل لي ذَلِك فِيمَا مضى وَلَيْسَ المُرَاد أَنه يُقَال لي هَذَا فِيمَا يسْتَقْبل أَو أَنه مَاض وَعمل على مَذْهَب الْكسَائي قَالَ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي وَسمع أَعْرَابِي يَقُول بعد انْقِضَاء رَمَضَان رب صائمه لن يَصُومهُ وَيَا رب قائمه لن يقومه وَهُوَ مِمَّا تمسك بِهِ الْكسَائي على إِعْمَال اسْم الْفَاعِل الْمُجَرّد بِمَعْنى الْمَاضِي وَرب هُنَا للتكثير وَهِي حرف جر لَا يتَعَلَّق بِشَيْء وَالْفِعْل المعدى مَحْذُوف أَي رب قائلة هَذَا القَوْل أدركتها ورأيتها فمجرور رب جَاءَ فِي مَحل رفع على الِابْتِدَاء أَو فِي مَحل نصب على المفعولية على شريطة التَّفْسِير وَإِن قدرت أدْركْت فمحله نصب لَا غير وَقَوله وأكرومة الْحَيَّيْنِ خلو الأكرومة فعل الْكَرم مصدر بِمَعْنى اسْم الْمَفْعُول أَي ومكرمة الْحَيَّيْنِ وَأَرَادَ بالحيين حَيّ أَبِيهَا وَحي أمهَا والخلو بِكَسْر الْخَاء الْمُعْجَمَة الَّتِي لَا زوج لَهَا وَهَذِه الْجُمْلَة الظَّاهِر أَنَّهَا فِي مَحل نصب على الْحَال وَالْمعْنَى رب قائلة قَالَت لي هَؤُلَاءِ خولان فانكح فتاتها فَقلت كَيفَ أنْكحهَا وأكرومة الْحَيَّيْنِ خَالِيَة عَن الزَّوْج قيل

وَيجوز أَن الْجُمْلَة من تَمام قَول القائلة وَلَا يخفى أَنه لَو كَانَ كَذَلِك لَكَانَ الْوَجْه أَن يُقَال فأكرومة الْحَيَّيْنِ بِالْفَاءِ فَتَأمل وَقَوله كَمَا هيا صفة لخلو وَفِيه فعل مَحْذُوف أَي كَمَا كَانَت خلوا فَلَمَّا حذفت كَانَ برز الضَّمِير وَمَا مَصْدَرِيَّة فِي الْجَمِيع وَيجوز أَيْضا أَن يكون هِيَ مُبْتَدأ وَخَبره مَحْذُوف وَمَا مَوْصُولَة أَي كالحالة الَّتِي هِيَ عَلَيْهَا فِيمَا عهدته وَالْكَاف بِمَعْنى على وَيحْتَمل أَن مَا زَائِدَة فَيكون ضمير الرّفْع قد استعير فِي مَوضِع الضَّمِير الْمَجْرُور وَالْمعْنَى أَنَّهَا خلو الْآن كهي فِيمَا مضى وَالْكَاف للتشبيه وَيحْتَمل أَيْضا أَنَّهَا كَافَّة وَهِي مُبْتَدأ خَبره مَحْذُوف أَي هِيَ عَلَيْهِ وَقد جوزوا هَذِه الْوُجُوه إِلَّا المصدرية فِي قَوْلهم كن كَمَا أَنْت نقلهَا ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي فِي الْكَاف وَزَاد عَلَيْهَا وَهَذَا الْبَيْت من أَبْيَات سِيبَوَيْهٍ الْخمسين الَّتِي لم يعرف لَهَا ناظم وَالله أعلم وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد الثَّامِن وَالسَّبْعُونَ وَهُوَ من شَوَاهِد جمل الزجاجي (الْخَفِيف) (إِن من يدْخل الْكَنِيسَة يَوْمًا ... يلق فِيهَا جآذرا وظباء) على أَن اسْم إِن ضمير شَأْن وَالْجُمْلَة الشّرطِيَّة بعْدهَا خَبَرهَا وَإِنَّمَا لم يَجْعَل من اسْمهَا لِأَنَّهَا شَرْطِيَّة بِدَلِيل جزمها الْفِعْلَيْنِ وَالشّرط لَهُ الصَّدْر فِي جملَته فَلَا يعْمل فِيهِ مَا قبله

قَالَ ابْن السَّيِّد فِي شرح أَبْيَات الْجمل هَذَا الْبَيْت للأخطل وَكَانَ نَصْرَانِيّا فَلذَلِك ذكر الْكَنِيسَة وَقَالَ ابْن هِشَام اللَّخْمِيّ فِي شرحها لم أَجِدهُ فِي ديوَان الأخطل أَقُول قد فتشت ديوَان الأخطل من رِوَايَة السكرِي فَلم أظفر بِهِ فِيهِ وَلَعَلَّه ثَابت فِي رِوَايَة أُخْرَى وَنسبه السُّيُوطِيّ فِي شَوَاهِد الْمُغنِي إِلَى الأخطل وَقَالَ وَبعده (مَالَتْ النَّفس بعْدهَا إِذْ رأتها ... فَهِيَ ريح وَصَارَ جسمي هباء) (لَيْت كَانَت كَنِيسَة الرّوم إِذْ ذَاك ... علينا قطيفة وخباء) الْكَنِيسَة هُنَا متعبد النَّصَارَى وَأَصله متعبد الْيَهُود مُعرب كنشت بِالْفَارِسِيَّةِ والجآذر جمع جؤذر وَهُوَ ولد الْبَقَرَة بِضَم الذَّال الْمُعْجَمَة وَحكى الْكُوفِيُّونَ فتحهَا أَيْضا وسردوا ألفاظا كَثِيرَة على فعلل بِضَم الأول وَفتح الثَّالِث مِنْهَا جؤذر وبرقع وطحلب وجخدب وضفدع والبصريون لَا يعْرفُونَ فِيهَا إِلَّا ضم الثَّالِث والظباء الغزلان الْوَاحِد ظَبْيَة يَقُول من يدْخل الْكَنِيسَة يلق فِيهَا أشباه الجآذر من أَوْلَاد النَّصَارَى وَأَشْبَاه الظباء من نِسَائِهِم فكنى عَن الصّبيان بالجآذر وَعَن النِّسَاء بالظباء وَقَالَ اللَّخْمِيّ وَيحْتَمل أَن يُرِيد الصُّور الَّتِي يصورونها فِيهَا لِأَن كنائس الرّوم قل أَن تَخْلُو من الصُّور شَبيهَة بالجآذر والغزلان قَالَ عمر بن أبي ربيعَة

(الْخَفِيف) (دمية عِنْد رَاهِب ذِي اجْتِهَاد ... صوروها بِجَانِب الْمِحْرَاب) وَيَعْنِي ب الدمية الصُّورَة والهباء الْغُبَار الرَّقِيق والقطيفة كسَاء ذُو خمل والأخطل هَذَا هُوَ التغلبي الشَّاعِر الْمَشْهُور من الأراقم واسْمه غياث بن غوث بن الصَّلْت بن طارقة وأنهى نسبته الْآمِدِيّ فِي المؤتلف والمختلف إِلَى تغلب قَالَ ابْن قُتَيْبَة فِي أدب الْكَاتِب وَسمي الأخطل من الخطل وَهُوَ استرخاء الْأُذُنَيْنِ وَمِنْه قيل لكلاب الصَّيْد خطل قَالَ شَارِحه ابْن السَّيِّد لَا أعلم أحدأ ذكر أَن الأخطل كَانَ طَوِيل الْأُذُنَيْنِ مسترخيهما وَالْمَعْرُوف أَنه لقب الأخطل لبذاءته وسلاطه لِسَانه وَذَلِكَ أَن ابْني جعيل) (لعمرك إِنَّنِي وَابْني جعيل ... وأمهما لإستار لئيم) فَقيل إِنَّه لأخطل فَلَزِمَهُ هَذَا اللقب والإسنار مُعرب جهار وَهُوَ أَرْبَعَة من الْعدَد بِالْفَارِسِيَّةِ وَقَالَ بعض الروَاة وَحكى نَحْو ذَلِك أَبُو الْفرج الْأَصْبَهَانِيّ فِي الأغاني

إِن السَّبَب فِي تلقيبه بالأخطل أَن كَعْب بن جعيل كَانَ شَاعِر تغلب فِي وقته وَكَانَ لَا يلم برهط مِنْهُم إِلَّا أكرموه وَأَعْطوهُ فَنزل على رَهْط الأخطل فأكرموه وجمعوا لَهُ غنما وحظروا عَلَيْهَا حَظِيرَة فجَاء الأخطل فأخرجها من الحظيرة وفرقها فَخرج كَعْب وَشَتمه واستعان بِقوم من تغلب فجمعوها لَهُ وردوها إِلَى الحظيرة فَارْتَقِبْ الأخطل غفلته ففرقها ثَانِيَة فَغَضب كَعْب وَقَالَ كفوا عني هَذَا الْغُلَام وَإِلَّا هجوتكم فَقَالَ لَهُ الأخطل إِن هجوتنا هجوناك وَكَانَ الأخطل يَوْمئِذٍ يقرزم والقرزمة أَن يَقُول الشّعْر فِي أول أمره قبل أَن يستحكم طبعه وتقوى قريحته فَقَالَ كَعْب وَمن يهجوني فَقَالَ أَنا فَقَالَ كَعْب (ويل لهَذَا الْوَجْه غب الحمه) فَقَالَ الأخطل (فناك كَعْب بن جعيل أمه) فَقَالَ كَعْب إِن غلامكم هَذَا لأخطل ولج الهجاء بَينهمَا فَقَالَ الأخطل (المتقارب) (سميت كَعْبًا بشر الْعِظَام ... وَكَانَ أَبوك يُسمى الْجعل) (وَأَنت مَكَانك من وَائِل ... مَكَان القراد من است الْجمل) فَفَزعَ كَعْب وَقَالَ وَالله لقد هجوت نَفسِي بِهَذَيْنِ الْبَيْتَيْنِ وَعلمت أَن ساهجى بهما وَقيل بل قَالَ هجوت نَفسِي بِالْبَيْتِ الأول من هذَيْن الْبَيْتَيْنِ

وَقيل إِن الأخطل اسْمه غويث ويكنى أَبَا مَالك ويلقب دوبلا أَيْضا والدوبل الْحمار الْقصير الذَّنب وَيُقَال إِن جَرِيرًا هُوَ الَّذِي لقبه بذلك بقوله (الطَّوِيل) (بَكَى دوبل لَا يرقىء الله دمعه ... إِلَّا إِنَّمَا يبكى من الذل دوبل) وَمَات على نصرانيته وَكَانَ مقدما عِنْد خلفاء بني أُميَّة لمدحه لَهُم وانقطاعه إِلَيْهِم ومدح مُعَاوِيَة وأبنه يزِيد وهجا الْأَنْصَار رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم بِسَبَبِهِ فلعنه الله وأخزاه وخذله وَعمر عمرا طَويلا إِلَى أَن ذهب إِلَى النَّار وَبئسَ الْقَرار قَالَ ابْن رَشِيق فِي الْعُمْدَة وَمن الفحول الْمُتَأَخِّرين الأخطل وَبَلغت بِهِ الْحَال فِي الشّعْر إِلَى أَن نادم عبد الْملك بن مَرْوَان واركبه ظهر جرير بن عَطِيَّة الشَّاعِر وَهُوَ مُسلم تَقِيّ وَقيل أمره بذلك عبد الْملك بِسَبَب شعر (فاخره) فِيهِ بَين يَدَيْهِ وَطول لِسَانه حَتَّى قَالَ مجاهرا لعنة الله عَلَيْهِ لَا يسْتَتر فِي الطعْن على الدَّين وَالِاسْتِخْفَاف بِالْمُسْلِمين (الوافر) (وَلست بصائم رَمَضَان طَوْعًا ... وَلست بآكل لحم الْأَضَاحِي) (وَلست بزاجر عنسا بكورا ... إِلَى بطحاء مَكَّة للنجاح) (وَلست مناديا أبدا بلَيْل ... كَمثل العير حَيّ على الْفَلاح) (وَلَكِنِّي سأشربها شمولا ... وأسجد عِنْد منبلج الصَّباح) وَقد رد على جرير أقبح رد وَتَنَاول من أَعْرَاض الْمُسلمين وقبائل الْعَرَب وأشرافهم مَا لَا ينجو من مثله علوي فضلا عَن نَصْرَانِيّ وعد الْآمِدِيّ فِي المؤتلف والمختلف من لقب الأخطل أَرْبَعَة أحدهم

هَذَا وَالثَّانِي الأخطل الضبعِي كَانَ شَاعِرًا وَادّعى النُّبُوَّة وَكَانَ يَقُول لمضر صدر النُّبُوَّة وَلنَا عجزها فَأَخذه ابْن هُبَيْرَة فِي دولة الأمويين فَقَالَ أَلَسْت الْقَائِل (الطَّوِيل) (لنا شطر هَذَا الْأَمر قسمه عَادل ... مَتى جعل الله الرسَالَة ترتبا) أَي راتبة دائمة فِي وَاحِد قَالَ وَأَنا الْقَائِل (الطَّوِيل) (وَمن عجب الْأَيَّام أَنَّك حَاكم ... عَليّ وَأَنِّي فِي يَديك أَسِير) قَالَ أَنْشدني شعرك (فِي الدَّجَّال) قَالَ اغرب وَيلك فَأمر بِهِ فَضربت عُنُقه وَالثَّالِث الأخطل الْمُجَاشِعِي وَهُوَ الأخطل بن غَالب أَخُو الفرزدق وَكَانَ شَاعِرًا وَإِنَّمَا كسفه الفرزدق فَذهب شعره وَالرَّابِع الأخطل بن حَمَّاد بن الأخطل بن ربيعَة بن النمر بن تولب وَأنْشد بعده (وَلَو أَن مَا أسعى لأدنى معيشة) تقدم شَرحه فِي الشَّاهِد التَّاسِع وَالْأَرْبَعِينَ وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد التَّاسِع وَالسَّبْعُونَ (البيسط) (قَالَت أُمَامَة لما جِئْت زائرها ... هلا رميت بِبَعْض الأسهم السود) (لَا در دَرك إِنِّي قد رميتهم ... لَوْلَا حددت وَلَا عذرى لمحدود) على أَنه رُبمَا دخلت لَوْلَا على الفعلية كَمَا هُنَا أَي لَوْلَا الْحَد وَهُوَ

الحرمان وَهَذَا الْبَيْت يرد مَذْهَب الْفراء الْقَائِل بِأَن مَا بعد لَوْلَا مَرْفُوع بهَا فَلَو كَانَت عاملة للرفع لذكر بعْدهَا هُنَا مَرْفُوع فَوَجَبَ كَونهَا غير عاملة لعدم مَرْفُوع وَهَذَا الَّذِي نسبه الشَّارِح الْمُحَقق إِلَى الْفراء نسبه ابْن الْأَنْبَارِي فِي الْإِنْصَاف وَابْن الشجري فِي أمالية إِلَى الْكُوفِيّين وَذهب ابْن الْأَنْبَارِي إِلَى صِحَة مَذْهَبهم وَقَالَ الصَّحِيح مَا ذهب إِلَيْهِ الْكُوفِيُّونَ من أَن لَوْلَا نائبة عَن الْفِعْل الَّذِي لَو ظهر لرفع الِاسْم فَإِن التَّقْدِير فِي لَوْلَا زيد لأكرمتك لَو لم يَمْنعنِي زيد من إكرامك لأكرمتك إِلَّا أَنهم حذفوا الْفِعْل تَخْفِيفًا وَزَادُوا لَا على لَو فَصَارَ بِمَنْزِلَة حرف وَاحِد وَأجَاب عَن الْبَيْت بِأَن لَوْلَا هُنَا هِيَ لَو الامتناعية وَلَا مَعهَا بِمَعْنى لم لِأَن لَا مَعَ الْمَاضِي بِمَنْزِلَة لم مَعَ الْمُسْتَقْبل فَكَأَنَّهُ قَالَ قد رميتهم لَو لم أحد وَهَذَا كَقَوْلِه تَعَالَى {فَلَا اقتحم الْعقبَة} أَي لم يقتحمها ا. هـ. وَقَالَ يُوسُف بن السيرافي فِي شرح شَوَاهِد الْغَرِيب المُصَنّف لأبي عبيد الْقَاسِم بن سَلام لَوْلَا لَا يَقع بعْدهَا إِلَّا الْأَسْمَاء وَتَكون مُبتَدأَة وتحذف أَخْبَارهَا وجوبا وَتَقَع بعْدهَا أَن الْمَفْتُوحَة الْمُشَدّدَة وَهِي وَاسْمهَا وخبرها فِي تَقْدِير اسْم وَاحِد فَلَمَّا اضْطر الشَّاعِر حذف أَن وَاسْمهَا أَي لَوْلَا أَنِّي حددت يَقُول لَوْلَا أَنِّي حددت لقتلت الْقَوْم وَهَذَا قَبِيح لِأَنَّهُ يجْرِي مجْرى حذف الْمَوْصُول وإبقاء الصِّلَة وَيجوز أَن يكون شبه لَوْلَا بلو فأولاها الْفِعْل أَو شبه أَن الشَّدِيدَة بِأَن الْخَفِيفَة فَأن الْخَفِيفَة قد تحذف كَقَوْلِه (الطَّوِيل) (أَلا أيهذا الزاجري أحضر الوغى)

فَلَمَّا استجازوا حذفهَا حذفوا الثَّقِيلَة لِأَنَّهُمَا حرفا مصدر وَهَذَا الشّعْر للجموح أحد بني ظفر بن سليم بن مَنْصُور وبعدهما بيتان آخرَانِ وهما (الْبَسِيط) (إِذْ هم كَرجل الدبى لَا در دِرْهَم ... يغزون كل طوال الْمَشْي مَمْدُود) (فَمَا تركت أَبَا بشر وَصَاحبه ... حَتَّى أحَاط صَرِيح الْمَوْت بالجيد) وروى هَذِه الأبيات الْأَرْبَعَة أَبُو تَمام فِي كِتَابه مُخْتَار أشعار الْقَبَائِل لراشد بن عبد الله السّلمِيّ ونسبها ابْن السيرافي وَابْن الشجري للجموح كَمَا ذكرنَا وَقَالَ ابْن السيرافي كَانَ من خبر الجموح الظفري أَنه بَيت بني لحيان وَبني سهم ابْن هُذَيْل بواد يُقَال لَهُ ذَات البشام وَكَانَ الجموح قد جمع جمعا من بني سليم وَفِيهِمْ رجل يقودهم مَعَه يكنى بِأبي بشر فتحالف الجموح وَأَبُو بشر على الْمَوْت وَكَانَ فِي كنَانَة الجموح نبل معلمة بسواد حلف ليرمين بهَا جمع قبل رجعته فِي عدوه فَقتل أَبُو بشر وَهزمَ أَصْحَابه وأصابتهم بَنو لحيان تِلْكَ اللَّيْلَة وأعجز الجموح فَقَالَت لَهُ امْرَأَته وَهِي تلومه هلا رميت تِلْكَ النبل الَّتِي كنت آلَيْت لترمين بهَا وأمامه زَوجته وروى لما جِئْت طارقها وروى هلا رميت بباقي الأسهم الْأسود قَالَ أَبُو حنيفَة الدينَوَرِي فِي كتاب النَّبَات وتتخذ السِّهَام من القنا وقلما يرغب فِيهَا أهل الْبَوَادِي لِأَنَّهَا خفاف وَإِن كَانَ مداها أبعد وقداح أهل الْبَوَادِي غِلَاظ ثقال عراض الحدائد فَهِيَ قَوِيَّة إِذا نشبت فِي الصَّيْد

فعضها لم تنكسر وَكَانَت جراحاتها وَاسِعَة لأَنهم أَصْحَاب صيد وحروب وسهام القنا سود الألوان وَإِيَّاهَا عَنى الشَّاعِر بقوله (هلا رميت بِبَعْض الأسهم السود ا. هـ. وَقَوله لَا در دَرك أَي فَقلت لَهَا لَا كَانَ فِيك خير وَلَا أتيت بِخَير يَدْعُو عَلَيْهَا وَالْكَاف مَكْسُورَة وحددت بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول حرمت ومنعت قَالَ ابْن الْأَنْبَارِي فِي شرح المفضليات يُقَال حددته حدا إِذا منعته وَقد حد الرجل عَن الرزق إِذا منع مِنْهُ وَهُوَ مَحْدُود وَأنْشد هَذَا الْبَيْت يَقُول قد رميت وَاجْتَهَدت فِي قِتَالهمْ وَلَكِنِّي حرمت النَّصْر عَلَيْهِم وَلَا يقبل عذر المحروم وروى لَا در كسبك وروى أَبُو تَمام لله دَرك فَيكون دُعَاء لَهَا والعذرى بِضَم الْعين وَالْقصر اسْم بِمَعْنى المعذرة قَالَ فِي الصِّحَاح عذرته فِيمَا صنع أعذره عذرا وعذرا وَالِاسْم المعذرة والعذرى وَأنْشد هَذَا الْبَيْت وَالرجل بِكَسْر الرَّاء وَسُكُون الْجِيم الْقطعَة الْعَظِيمَة من الْجَرَاد والدبى بِفَتْح الدَّال وبالموحدة وبالقصر أَصْغَر الْجَرَاد والطوال كغراب (الطَّوِيل) وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد الثَّمَانُونَ وَهُوَ من شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ (الطَّوِيل) (وَمَا ليل الْمطِي بنائم) أَصله (لقد لمتنا يَا أم غيلَان بالسرى ... ونمت وَمَا ليل الْمطِي بنائم)

على أَن الزَّمَان يسند إِلَيْهِ كثيرا مَا يَقع فِيهِ فَإِن النّوم يَقع فِي اللَّيْل وَقد أسْند إِلَيْهِ مجَازًا عقليا كَقَوْل رؤبة (الرجز) (فَنَامَ ليلِي وتجلى همي) فَإِن قلت إِن الشَّاعِر قد نفى النّوم عَن اللَّيْل فَكيف ذَلِك مَعَ قَول الشَّارِح بِأَن النّوم قد أسْند إِلَى اللَّيْل قلت النَّفْي فرع الْإِثْبَات وَقد أوردهُ سِيبَوَيْهٍ على أَن وصف اللَّيْل بِأَنَّهُ غير نَائِم على طَرِيق الاتساع وَاللَّيْل لَا ينَام وَلَا يُوصف بِأَنَّهُ غير نَائِم لِأَنَّهُ لَيْسَ من الْحَيَوَان وَكَانَ حَقه بمنوم فِيهِ وَأَرَادَ وَمَا ليل أَصْحَاب الْمطِي فَحذف وَأَرَادَ بأصحاب الْمطِي من يركب ويسافر فَلَا يَنْبَغِي أَن ينَام من أول اللَّيْل إِلَى آخِره وَأم غيلَان قَالَ ابْن خلف هِيَ بنت جرير يَقُول لمتنا فِي تركنَا النّوم واشتغالنا بالسرى والمطي جمع مَطِيَّة وَهِي الرَّاحِلَة الَّتِي يمتطى ظهرهَا أَي يركب والسرى سير اللَّيْل وَهَذَا الْبَيْت من قصيدة لجرير يرد بهَا على الفرزدق مطْلعهَا (الطَّوِيل) (لَا خير فِي مستعجلات الملاوم ... وَلَا فِي حبيب وَصله غير دَائِم) (تركت الصِّبَا من رهبة أَن يهيجني ... بتوضح رسم الْمنزل المتقادم) وَقَالَ صَحَابِيّ مَاله قلت حَاجَة ... تهيج صدوع الْقلب بَين الحيازم) (تَقول لنا سلمى من الْقَوْم أَن رَأَتْ ... وُجُوهًا عتاقا لوحت بالسمائم) (لقد لمتنا يَا أم غيلَان بالسرى الْبَيْت) والملاوم جمع ملامة والمستعجلات بِكَسْر الْجِيم والحيازم جمع حيزوم وَهُوَ وسط الصَّدْر وَقَوله من الْقَوْم بالاستفهام وَأَن رَأَتْ بِفَتْح همزَة

(اسم ما ولا المشبهين بليس)

أَن ولوحت بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول مُبَالغَة لاحه السّفر أَي غَيره والسمائم جمع سموم وَهِي الرّيح الحارة مُؤَنّثَة وَقَوله لقد لمتنا إِلَخ أَي قلت لنا وترجمة جرير قد تقدّمت فِي الشَّاهِد الرَّابِع (اسْم مَا وَلَا المشبهين بليس) أنْشد فِيهِ وَهُوَ الشَّاهِد الْحَادِي وَالثَّمَانُونَ وَهُوَ من شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ (مجزوء الْكَامِل) (من صد عَن نيرانها ... فَأَنا ابْن قيس لَا براح) على أَن لَا تعْمل عمل لَيْسَ شذوذا أنْشدهُ سِيبَوَيْهٍ أَيْضا على إِجْرَاء لَا مجْرى لَيْسَ فِي بعض اللُّغَات فبراح اسْمهَا وَالْخَبَر مَحْذُوف أَي لي قَالَ ابْن خلف وَيجوز رفع براح بِالِابْتِدَاءِ على أَن الْأَحْسَن حِينَئِذٍ تَكْرِير لَا كَقَوْلِه تَعَالَى {لَا خوف عَلَيْهِم وَلَا هم يَحْزَنُونَ} وَقَالَ الْمبرد كَمَا نَقله النّحاس لَا أرى بَأْسا أَن تَقول لَا رجل فِي الدَّار فِي غير ضَرُورَة وَكَذَا لَا زيد فِي الدَّار فِي جَوَاب هَل زيد فِي الدَّار وَقَوله فَأَنا ابْن قيس أَي أَنا الْمَشْهُور فِي النجدة كَمَا سَمِعت وأضاف نَفسه إِلَى جده الْأَعْلَى لشهرته بِهِ وَجُمْلَة لَا براح لي حَال مُؤَكدَة لقَوْله

أَنا ابْن قيس كَأَنَّهُ قَالَ أَنا ابْن قيس ثَابتا فِي الْحَرْب وإتيان الْحَال بعد أَنا ابْن فلَان كثير كَقَوْلِه (الْبَسِيط) (أَنا ابْن دارة مَشْهُورا بهَا نسبي) وَقيل الْجُمْلَة فِي مَحل رفع خبر بعد خبر وَقيل تَقْرِير للجملة الَّتِي قبلهَا وَيجوز نصب ابْن قيس على الِاخْتِصَاص فَيتَعَيَّن جملَة لَا براح لي كَونهَا خَبرا لأَنا وَهُوَ أَفْخَر وأمدح قَالَ الإِمَام المرزوقي فِي قَوْله (الْبَسِيط) (إِنَّا بني نهشل لَا ندعي لأَب) الْفرق بَين أَن تنصب بني نهشل على الِاخْتِصَاص وَبَين أَن ترفع على الخبرية هُوَ أَنه لَو جعله خَبرا لَكَانَ قَصده إِلَى تَعْرِيف نَفسه عِنْد الْمُخَاطب وَكَانَ فعله لذَلِك لَا يَخْلُو عَن خمول فيهم وَجَهل من الْمُخَاطب بشأنهم وَإِذا نصب أَمن من ذَلِك فَقَالَ مفتخرا أَنا أذكر من لَا يخفي شَأْنه لِأَنَّهُ يفعل كَذَا وَكَذَا ا. هـ. والبراح بِفَتْح الْمُوَحدَة مصدر برح الشَّيْء براحا من بَاب تَعب إِذا زَالَ من مَكَانَهُ وَهَذَا الْبَيْت من قصيدة مَذْكُورَة فِي الحماسة هِيَ خَمْسَة عشر بَيْتا لسعد بن مَالك وأولها (مجزوء الْكَامِل) (يَا بؤس للحرب الَّتِي ... وضعت أراهط فاستراحوا)

وَهُوَ من أَبْيَات مُغنِي اللبيب أوردهُ على أَن الأَصْل يَا بؤس الْحَرْب فأقحمت اللَّام بَين المتضايفين تَقْوِيَة للاختصاص ثمَّ قَالَ وَهل انجرار مَا بعْدهَا بهَا أَو بالمضاف قَولَانِ أرجحهما الأول لِأَن الْجَار أقرب وَلِأَنَّهُ لَا يعلق وَفِي أمالي ابْن الشجري قَالَ الْمبرد من قَالَ يَا بؤسا لزيد جعل النداء بِمَعْنى الدُّعَاء على الْمَذْكُور وَمثله يَا بؤس للحرب الْبَيْت كَأَنَّهُ دُعَاء على الْحَرْب وَأَرَادَ يَا بؤس الْحَرْب فَزَاد اللَّام وَيجوز عِنْدِي أَن يكون من قبيل الشبيه بالمضاف نَحْو لَا مَانع لما أَعْطَيْت وَلم أر من جوزه فِيهِ وَيجوز أَن يكون المنادى محذوفا وبؤس مَنْصُوبًا على الذَّم وَاللَّام مقحمة أَو حذف التَّنْوِين للضَّرُورَة أَي يَا قوم أَذمّ شدَّة الْحَرْب وَمعنى وضعت أراهط حطتهم واسقطتهم فَلم يكن لَهُم ذكر شرف فِي هَذِه الْحَرْب فاستراحوا من مكابدتها كالنساء وَفِيه حذف مُضَاف أَي وضعت ذكر أراهط وَهُوَ جمع أرهط جمع رَهْط وَهُوَ النَّفر من ثَلَاثَة إِلَى عشرَة وَقد جَاءَ أرهط مُسْتَعْملا قَالَ رؤبة (الرجز) (وَهُوَ الذَّلِيل نَفرا فِي أرهطه) وَزعم أَكثر النَّحْوِيين أَن أراهط جمع رَهْط على خلاف الْقيَاس وروى بِرَفْع أراهط فالمفعول مَحْذُوف أَي وَضَعتهَا أراهط وَالْأول أنسب فَإِن هَذَا الشّعْر قَالَه سعد فِي حَرْب البسوس حِين هَاجَتْ الْحَرْب بَين بكر وتغلب لقتل كُلَيْب وَاعْتَزل الْحَارِث بن عباد وَقَالَ هَذَا أَمر لَا نَاقَة لي فِيهِ وَلَا جمل فَعرض سعد فِي هَذَا الشّعْر بقعود الْحَارِث بن عباد عَن الْحَرْب

كَمَا يَأْتِي بَيَانه وَزعم الدماميني فِي الْحَاشِيَة الْهِنْدِيَّة أَن الْوَضع هُنَا مَعْنَاهُ الإهلاك وَذَلِكَ لعدم وُقُوفه على منشأ هَذَا الشّعْر وَبعد هَذَا الْبَيْت (وَالْحَرب لَا يبْقى لجا ... حمها التخيل والمراح) (إِلَّا الْفَتى الصبار فِي النجدات وَالْفرس الوقاح) وهما من أَبْيَات سِيبَوَيْهٍ أوردهما على أَن الْفَتى وَمَا بعده بدل من التخيل والمراح على الاتساع وَالْمجَاز وَلذَلِك أوردهما الشَّارِح أَيْضا فِي بَاب الْمُسْتَثْنى وَذَلِكَ أَنه أستثناء مُنْقَطع كَقَوْلِك مَا فِيهَا أحد إِلَّا حمَار فَرفع على لُغَة بني تَمِيم وَلَا يخفى أَن هَذَا الْبَدَل لَيْسَ بدل بعض كَمَا هُوَ شَأْنه وَلِهَذَا قَالَ سِيبَوَيْهٍ على الاتساع وَالْمجَاز ثمَّ أَقُول هَذَا بِنَاء على الظَّاهِر وَإِن اعْتبر حذف مُضَاف أَي ذُو التخيل فالاستثناء مُتَّصِل ويختار فِيهِ الْإِبْدَال والجاحم بِتَقْدِيم الْجِيم على الْحَاء الْمُهْملَة الْمَكَان الشَّديد الْحر من جحمت النَّار فَهِيَ جاحمة إِذا اضطرمت وَمِنْه الْجَحِيم والتخيل التكبر من الْخُيَلَاء يَقُول إِنَّهَا تزيل نخوة المنخو وَذَلِكَ أَن أولي الْغناء يتكرمون عَن الْخُيَلَاء ويختال المتشبع فَإِذا جرب فَلم يحمد افتضح وَسقط والمراح بِكَسْر الْمِيم النشاط أَي إِنَّهَا تكف حِدة البطر النشيط وَهَذَا تَعْرِيض بِالْحَارِثِ بن عباد بِأَنَّهُ صَاحب خُيَلَاء ومراح والصبار مُبَالغَة صابر والنجدة الشدَّة والبأس فِي الْحَرْب والوقاح بِفَتْح الْوَاو الْفرس الَّذِي حَافره صلب شَدِيد وَمِنْه الوقاحة

وَقَالَ بعدهمَا بِأَبْيَات (بئس الخلائف بَعدنَا ... أَوْلَاد يشْكر واللقاح) (من صد عَن نيرانها الْبَيْت) (الْمَوْت غايتنا فَلَا ... قصر وَلَا عَنهُ جماح) ... وكأنما ورد الْمنية ... عندنَا مَاء وَرَاح) وَهَذَا آخر القصيدة أَي إِذا ذَهَبْنَا وَبقيت يشْكر وحنيفة فبئس الخلائف هم منا لَا يحْمُونَ حريما وَلَا يأبون ضيما وَكَانَت حنيفَة تلقب اللقَاح لأَنهم لم يدينوا لملك يُقَال حَيّ لقاح بِفَتْح اللَّام إِذا لم يكن فِي طَاعَة ملك وَقَالَ بعض شرَّاح الحماسة إِنَّه بِكَسْر اللَّام جمع لقحة أَي إِذا خلفنا من لَا دفاع بِهِ من الرِّجَال وَالْأَمْوَال فبئس الخلائف بَعدنَا جعل أَوْلَاد يشْكر كاللقاح وَهِي الْإِبِل الَّتِي بهَا لبن فِي احتياجها إِلَى من يذب عَنْهَا وَهَذَا لَيْسَ بِالْوَجْهِ وَإِنَّمَا مُرَاده ذمّ الْحَيَّيْنِ لقعودهما عَن بكر فِي حربهم وَالْقصر بِسُكُون الصَّاد الْحَبْس والجماح بِكَسْر الْجِيم مصدر جمح إِذا انفلت وهرب يُرِيد لَا يُمكن حبس نفس عَن الْمَوْت وَلَا مهرب عَنهُ والورد الْوُرُود وَهُوَ دُخُول المَاء وَقيل حُضُوره وَإِن لم تدخله وَهَذِه القصيدة قَالَهَا سعد يعرض بِالْحَارِثِ بن عباد لقعودة عَن الْحَرْب وَذَلِكَ أَن جساسا الْبكْرِيّ لما قتل كليبا التغلبي هَاجَتْ الْحَرْب بَين بكر وتغلب ابْني وَائِل وَهِي حَرْب البسوس واعنزلهما الْحَارِث بن عباد عَن هَذِه الْحَرْب قعرض بِهِ سعد كَمَا قُلْنَا قَالَ أَبُو رياش فِي شرح الحماسة كَانَ الْحَارِث بن عباد بن ضبيعة بن قيس

ابْن ثَعْلَبَة من حكام ربيعَة وفرسانها الْمَعْدُودين وَكَانَ اعتزل حَرْب بني وَائِل وَتَنَحَّى بأَهْله وَولده وَولد إخْوَته وأقاربه وَحل وتر قوسه وَنزع سِنَان رمحه وَلم يزل مُعْتَزِلا حَتَّى إِذا كَانَ فِي آخر وقائعهم خرج ابْن أَخِيه بجير بن عَمْرو بن عباد فِي أثر إبل لَهُ ندت يطْلبهَا فَعرض لَهُ مهلهل فِي جمَاعَة يطْلبُونَ غرَّة بكر بن وَائِل فَقَالَ لمهلهل امْرُؤ الْقَيْس بن أبان بن كَعْب بن زُهَيْر بن جشم وَكَانَ من أَشْرَاف بني تغلب وَكَانَ على مقدمتهم زَمَانا طَويلا لَا تفعل فو الله لَئِن قتلته ليقْتلن بِهِ مِنْكُم كَبْش لَا يسْأَل عَن خَاله من هُوَ وَإِيَّاك أَن تحقر الْبَغي فَإِن عاقبته وخيمة وَقد اعْتَزَلنَا عَمه وَأَبوهُ وَأهل بَيته وَقَومه فَأبى مهلهل إِلَّا قَتله فطعنه بِالرُّمْحِ وَقَتله وَقَالَ بؤ بشسع نعل كُلَيْب يُقَال أبأت فلَانا بفلان فباء بِهِ إِذا قتلته بِهِ وَلَا يكَاد يسْتَعْمل هَذَا إِلَّا وَالثَّانِي كُفْء للْأولِ فَبلغ فعل مهلهل عَم بجير وَكَانَ من أحلم أهل زَمَانه وأشدهم بَأْسا فَقَالَ الْحَارِث نعم الْقَتِيل قَتِيل أصلح بَين أبني وَائِل فَقيل لَهُ إِنَّمَا قتل بشسع نعل كُلَيْب فَلم يقبل ذَلِك وَأرْسل الْحَارِث إِلَى مهلهل إِن كنت قتلت بجيرا بكليب وانقطعت الْحَرْب بَيْنكُم وَبَين إخْوَانكُمْ فقد طابت نَفسِي بذلك فَأرْسل إِلَيْهِ مهلهل إِنَّمَا قتلته بشسع نعل كُلَيْب فَغَضب الْحَارِث ودعا بفرسه وَكَانَت تسمى النعامة فجز ناصيتها وهلب ذنبها وَهُوَ أول من فعل ذَلِك بِالْخَيْلِ وَقَالَ (قربا مربط النعامة مني ... لقحت حَرْب وَائِل عَن حِيَال) (لَا بجير أغْنى قَتِيلا وَلَا رَهْط ... كُلَيْب تزاجروا عَن ضلال) ...

(لم أكن من جناتها علم ... الله وَإِنِّي لجمرها الْيَوْم صالي) (قربا مربط النعامة مني ... إِن قتل الْغُلَام بالشسع غالي) ولقحت حملت والحيال أَن يضْرب الْفَحْل النَّاقة فَلَا تحمل وَهَذَا مثل ضربه لِأَن النَّاقة إِذا حَالَتْ وضربها الْفَحْل كَانَ أسْرع للقاحها وَإِنَّمَا يعظم أَمر الْحَرْب لما تولد مِنْهَا من الْأُمُور الَّتِي لم تكن تحتسب ثمَّ ارتحل الْحَارِث مَعَ قومه حَتَّى نزل مَعَ جمَاعَة بكر بن وَائِل وَعَلَيْهِم يَوْمئِذٍ الْحَارِث بن همام بن مرّة بن ذهل بن شَيبَان بن ثَعْلَبَة فَقَالَ الْحَارِث بن عباد لَهُ إِن الْقَوْم مستقلون قَوْمك وَذَلِكَ زادهم جَرَاءَة عَلَيْكُم فَقَاتلهُمْ بِالنسَاء قَالَ لَهُ الْحَارِث بن همام وَكَيف قتال النِّسَاء قَالَ قلد كل امْرَأَة إدواة من مَاء وأعطها هراوة وَاجعَل جمعهن من وَرَائِكُمْ فَإِن ذَلِكُم يزِيد كم اجْتِهَادًا وَعَلمُوا بعلامات يعرفنها فَإِذا مرت امْرَأَة على صريع مِنْكُم عَرفته بعلامته فسقته من المَاء ونعشته وَإِذا مرت على رجل من غَيْركُمْ ضَربته بالهرواة فَقتلته وَأَتَتْ عَلَيْهِ فأطاعوه وحلقت بَنو بكر يؤمئذ رؤوسها استبسالا للْمَوْت وَجعلُوا ذَلِك عَلامَة بَينهم وَبَين نِسَائِهِم واقتتل الفرسان قتالا شَدِيدا وانهزمت بَنو تغلب وَلَحِقت بالظعن بَقِيَّة يَوْمهَا وليلتها واتبعهم سرعَان بكر بن وَائِل وتخلف الْحَارِث بن عباد فَقَالَ لسعد بن مَالك الْقَائِل (يَا بؤس للحرب الَّتِي ... وضعت أراهط فاستراحوا)

أَترَانِي مِمَّن وَضعته قَالَ لَا وَلَكِن لَا مخبأ لعطر بعد عروس وَمَعْنَاهُ إِن لم تنصر قَوْمك الْآن فَلَنْ تدخر نصرك وَسعد هُوَ سعد بن مَالك بن ضبيعة بن قيس بن ثَعْلَبَة بن عكابة بن صَعب بن عَليّ بن بكر بن وَائِل قَالَ الْآمِدِيّ فِي المؤتلف والمختلف كَانَ سعد هَذَا أحد سَادَات بكر بن وَائِل وفرسانها فِي الْجَاهِلِيَّة وَكَانَ شَاعِرًا وَله أشعار جِيَاد فِي كتاب بني قيس بن ثَعْلَبَة قَالَ وشاعر آخر اسْمه سعد بن مَالك بن الأقيصر القريعي أحد بني قريع بن سلامان بن مفرج وَكَانَ فَارِسًا شَاعِرًا آخر الْجُزْء الأول وَالْحَمْد لله وَحده

المنصوبات

(المنصوبات) 3 - (الْمَفْعُول الْمُطلق) الشَّاهِد الثَّانِي وَالثَّمَانُونَ وَهُوَ من شَوَاهِد: الْبَسِيط (هَذَا سراقَة لِلْقُرْآنِ يدرسه ... والمرء عِنْد الرشا إِن يلقها ذيب) على أَن الضَّمِير فِي يدرسه رَاجع إِلَى مَضْمُون يدرس أَي: يدرس الدَّرْس فَيكون رَاجعا للمصدر الْمَدْلُول عَلَيْهِ بِالْفِعْلِ وَإِنَّمَا لم يجز عوده لِلْقُرْآنِ لِئَلَّا يلْزم تعدِي الْعَامِل إِلَى الضَّمِير وَظَاهره مَعًا. وَاسْتشْهدَ بِهِ أَبُو حَيَّان فِي شرح التسهيل على أَن ضمير الْمصدر قد يَجِيء مرَادا بِهِ التَّأْكِيد وَأَن ذَلِك لايختص بِالْمَصْدَرِ الظَّاهِر على الصَّحِيح. وَأوردهُ سِيبَوَيْهٍ على أَن تَقْدِيره عِنْده: والمرء عِنْد الرشا ذئبٌ إِن يلقها. وَتَقْدِيره عِنْد الْمبرد: إِن يلقها فَهُوَ ذِئْب. وَهَذَا من أَبْيَات سِيبَوَيْهٍ الْخمسين الَّتِي لم يقف على قَائِلهَا أحد. قَالَ الأعلم: هجا هَذَا الشَّاعِر) رجلا من الْقُرَّاء نسب إِلَيْهِ الرِّيَاء. وَقبُول الرشا. والحرص عَلَيْهَا وَكَذَلِكَ أوردهُ ابْن السراج فِي الْأُصُول

وَزعم الدماميني فِي الْحَاشِيَة الْهِنْدِيَّة: أَن هَذَا الْبَيْت من الْمَدْح لَا من الهجاء وَظن أَن سراقَة هُوَ سراقَة بن جعْشم الصَّحَابِيّ مَعَ أَنه فِي الْبَيْت غير مَعْلُوم من هُوَ فِيهِ تحريفات ثَلَاثَة: الأول: أَن الرشا بِضَم الرَّاء وَالْقصر: جمع رشوة فَقَالَ: هُوَ بِكَسْر الرَّاء مَعَ الْمَدّ: الْحَبل وقصره للضَّرُورَة وأنثه على معنى الْآلَة. وَكَلَامه هَذَا على حد: زِنَاهُ وَحده. وَالثَّانِي: أَن قَوْله يلقها بِفَتْح الْيَاء من اللقي وَهُوَ ضَبطه بِضَم الْيَاء من الْإِلْقَاء. وَالثَّالِث: أَن قَوْله ذيب بِكَسْر الذَّال وبالهمزة المبدلة يَاء وَهُوَ الْحَيَوَان الْمَعْرُوف وَهُوَ صحفه ذَنبا بِفَتْح الذَّال وَالنُّون وَقَالَ: قَوْله عِنْد الرشا مُتَعَلق بذنب لما فِيهِ من معنى التَّأَخُّر. وَالْمعْنَى: إِن يلق إِنْسَان الرشا فَهُوَ مُتَأَخّر عِنْد إلقائها يُرِيد أَن سراقَة درس الْقُرْآن فَتقدم والمرء مُتَأَخّر عِنْد اشْتِغَاله بِمَا لَا يهم كمن امتهن نَفسه فِي السَّقْي وإلقاء الأرشية فِي الْآبَار. هَذَا كَلَامه وَتَبعهُ فِيهِ الشمني فاعتبروا يَا أولي الْأَبْصَار وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد الثَّالِث وَالثَّمَانُونَ وَهُوَ من شَوَاهِد

: الرجز. دَار لسعدى إذه من هواكا على أَن الْمصدر بِمَعْنى اسْم الْمَفْعُول أَي: من مهويك. وَبِهَذَا الْمَعْنى أوردهُ أَيْضا فِي بَاب الْمصدر فَإِن الْهوى بِالْقصرِ مصدر هويته من بَاب تَعب: إِذا وأنشده أَيْضا فِي بَاب الضَّمِير على أَن الْيَاء قد تحذف ضَرُورَة من هِيَ إِذْ أَصله إِذْ هِيَ من هواكا. وَلِهَذَا الْوَجْه أوردهُ سِيبَوَيْهٍ قَالَ الأعلم: سكن الْيَاء أَولا ضَرُورَة ثمَّ حذفهَا ضَرُورَة أُخْرَى بعد الإسكان تَشْبِيها لَهَا بعد سكونها بِالْيَاءِ اللاحقة فِي ضمير الْغَائِب إِذا سكن مَا قبله وَالْوَاو اللاحقة لَهُ فِي هَذِه الْحَال نَحْو عَلَيْهِ ولديه وَمِنْه وَعنهُ. وَمثله للنحاس قَالَ: وَالَّذِي أحفظه عَن ابْن كيسَان: أَن هَذَا على مَذْهَب من قَالَ: هِيَ جالسة. بِإِسْكَان الْيَاء. وَهَذَا قَول حسن. وَهَذِه الْيَاء من سنخ الْكَلِمَة وحذفها أقبح من حذف الْيَاء فِي قَوْله: الطَّوِيل سأجعل عَيْنَيْهِ لنَفسِهِ مقنعا لِأَن الْيَاء الَّتِي تتبع الْهَاء فِي نَفسه لَيست من بنية الضَّمِير. قَالَ الْمبرد: حذف الْيَاء من قَوْله: لنَفسِهِ لِأَنَّهَا زَائِدَة زيدت لخفاء الْهَاء وَكَذَلِكَ الْوَاو وَأَنَّك) تقف بِغَيْر يَاء وَلَا وَاو فَلَمَّا اضْطر حذفهما فِي الْوَصْل كَمَا يحذفان فِي الْوَقْف وَدلّ عَلَيْهِمَا مَا بَقِي من حَرَكَة كل وَاحِد مِنْهُمَا.

وَقَالَ أَبُو الْحسن الْأَخْفَش: حذف الْيَاء لِأَن الِاسْم إِنَّمَا هُوَ الْهَاء فَرده إِلَى أَصله وحرف اللين اللَّاحِق لَهَا زَائِد. وَقَوله دَار لسعدى خبر لمبتدأ مَحْذُوف أَي: هَذِه وَقدره ابْن خلف: فِي دَار أَو هُوَ دَار. وَإِذ عَامله الظّرْف قبله. قَالَ الأعلم: وصف دَارا خلت من سعدى: هَذِه الْمَرْأَة وَبعد عهدها بهَا فتغيرت بعْدهَا وَذكر أَنَّهَا كَانَت لَهَا دَارا ومستقراً إِذْ كَانَت مُقِيمَة بهَا فَكَانَ يهواها بإقامتها فِيهَا. وَهَذَا الْبَيْت أَيْضا من الأبيات الْخمسين الَّتِي لم يعلم قَائِلهَا وَلَا يعرف لَهُ ضميمة وَرَأَيْت فِي هَل تعرف الدَّار على تبراكا بِكَسْر التَّاء الْمُثَنَّاة وَهُوَ مَوضِع. قَالَ أَبُو عبيد فِي مُعْجم مَا استعجم: تبراك بِكَسْر التَّاء: مَوضِع فِي ديار بني فقعس. وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد الرَّابِع وَالثَّمَانُونَ إِذا الدَّاعِي المثوب قَالَ يالا وصدره: فخيرٌ نَحن عِنْد الْبَأْس مِنْكُم على أَن اللَّام خلطت ب يَا أَرَادَ أَنه خلطت لَام الاستغاثة الجارة ب يَا حرف النداء وجعلتا كالكلمة الْوَاحِدَة وحكيتا كَمَا تحكى الْأَصْوَات وَصَارَ الْمَجْمُوع شعاراً للاستغاثة.

قَالَ أَبُو زيد فِي نوادره: وَقَوله يالا أَرَادَ يَا لبني فلَان يُرِيد حِكَايَة الصَّارِخ المستغيث. وَهَذَا مَذْهَب أبي عَليّ أَيْضا وَأَتْبَاعه وَالْأَصْل عِنْدهم يَا لبني فلَان أَو يَا لفُلَان فَحذف مَا بعد لَام الاستغاثة كَمَا يُقَال: أَلا تا فَيُقَال: أَلا فا يُرِيدُونَ: أَلا تَفعلُوا وَألا فافعلوا. وَهَذَا أحد مَذَاهِب ثَلَاثَة فِيهِ. ثَانِيهَا: أَن المنادى والمنفي بِلَا محذوفان أَي: يَا قوم لَا تغدوا. ذكره ابْن مَالك فِي شرح التسهيل وَابْن هِشَام فِي الْمُغنِي. ثالثهما: أَنه بَقِيَّة يَا آل فلَان وَهُوَ مَذْهَب الْكُوفِيّين قَالُوا فِي يَا لزيد: أَصله يَا آل زيد فحذفت همزَة آل للتَّخْفِيف وَإِحْدَى الْأَلفَيْنِ لالتقاء الساكنين وَاسْتَدَلُّوا بِهَذَا الْبَيْت وَقَالُوا: لَو كَانَت اللَّام جَارة لما جَازَ الِاقْتِصَار عَلَيْهَا. قَالَ الشَّارِح الْمُحَقق: وَهُوَ ضَعِيف لِأَنَّهُ يُقَال ذَلِك فِيمَا لَا آل لَهُ نَحْو: يَا لله وَيَا للدواهي وَنَحْوهمَا. وَأجَاب ابْن جني فِي الخصائص عَن دليلهم بقوله: فَإِن قلت: كَيفَ جَازَ تَعْلِيق حرف الْجَرّ قلت لما خلط ب يَا صَار كالجزء مِنْهَا وَلذَلِك شبه أَبُو عَليّ أَلفه الَّتِي قبل اللَّام بِأَلف بابٍ ودارٍ فَحكم عَلَيْهَا بالانقلاب وَحسن الْحَال أَيْضا شيٌ آخر: وَهُوَ تشبث اللَّام الجارة بِأَلف الْإِطْلَاق فَصَارَت كَأَنَّهَا معاقبة للمجرورة أَلا ترى أَنَّك لَو أظهرت ذَلِك الْمُضَاف إِلَيْهِ وَقلت: يَا لبني فلَان لم يجز إِلْحَاق الْألف هُنَا فِي منابها عَمَّا كَانَ يَنْبَغِي أَن يكون بمكانها مجْرى ألف الْإِطْلَاق فِي منابها عَن تَاء التَّأْنِيث فِي نَحْو قَوْله:

(ولاعب بالْعَشي بني بنيه ... كَفعل الهر يحترش العظايا) وَكَذَلِكَ نابت وَاو الْإِطْلَاق فِي قَوْله: الطَّوِيل فِيمَن رفع كلا عَن الضَّمِير الَّذِي يُرَاد فِي عَارِف. وكما نَاب التَّنْوِين فِي نَحْو يومئذٍ.) وَقَالَ فِي مَوضِع آخر من الخصائص: وسألني أَبُو عَليّ عَن ألف يَا من قَوْله يَا لَا فِي هَذَا الْبَيْت فَقَالَ: أمنقلبة هِيَ قلت: لَا لِأَنَّهَا فِي حرف فَقَالَ: بل هِيَ منقلبة فاستدللته على ذَلِك فاعتصم بِأَنَّهَا قد خلطت بِاللَّامِ بعْدهَا ووقفت عَلَيْهَا فَصَارَت اللَّام كَأَنَّهَا جُزْء مِنْهَا فَصَارَت يال بِمَنْزِلَة قَالَ وَالْألف فِي مَوضِع الْعين وَهِي مَجْهُولَة فَيَنْبَغِي أَن يحكم بالانقلاب عَن الْوَاو. وَهَذَا أجمل مَا قَالَه وَللَّه هُوَ وَعَلِيهِ رَحمته فَمَا كَانَ أقوى قِيَاسه وَأَشد بِهَذَا الْعلم اللَّطِيف الشريف أنسه وَكَأَنَّهُ إِنَّمَا كَانَ مخلوقاً لَهُ وَكَيف لَا يكون كَذَلِك وَقد أَقَامَ على هَذِه الطَّرِيقَة مَعَ جلة أَصْحَابهَا وأعيان شيوخها سبعين سنة زائحةً علله سَاقِطَة مِنْهُ كلفه لَا يعتاقه عَنهُ ولد وَلَا يُعَارضهُ فِيهِ متجر وَلَا يسوم بِهِ مطلباً وَلَا يخْدم بِهِ رَئِيسا إِلَّا بِأخرَة وَقد حط

من أثقاله وَألقى عَصا ترحاله: ثمَّ إِنِّي لَا أَقُول إِلَّا حَقًا إِنِّي لأعجب من نَفسِي فِي وقتي هَذَا كَيفَ تطوع لي بِمَسْأَلَة أم كَيفَ تطمح بِي إِلَى انتزاع عِلّة مَعَ مَا الْحَال عَلَيْهِ من علق الْوَقْت وأشجانه وتذاؤبه وخلج أشطانه وَلَوْلَا مساورة الْفِكر واكتداده لَكُنْت عَن هَذَا الشَّأْن بمعزل وبأمر سواهُ على شغل. وَللَّه دره فَكَأَنَّمَا رمى عَن قوسي وَتكلم عَن نَفسِي. وَالله المشكور فِي كل حَال وَهُوَ غَنِي وَقَوله: فخيرٌ نَحن عِنْد الْبَأْس مِنْكُم قد تكلم النَّاس على إعرابه قَدِيما وحديثاً لاسيما أَبُو عَليّ الْفَارِسِي فَإِنَّهُ تكلم عَلَيْهِ فِي أَكثر كتبه. قَالَ: فِي التَّذْكِرَة القصيرة: سَأَلت عَن هَذَا الْبَيْت ابْن الْخياط والمعمري فَلم يجيبا إِلَّا بعد مُدَّة قَالَا: لَا يَخْلُو من أَن يكون نَحن ارْتَفع بِخَبَر أَو بِالِابْتِدَاءِ وَيكون خيرٌ الْخَبَر أَو يكون تَأْكِيدًا للضمير الَّذِي فِي خير والمبتدأ مَحْذُوف أَي: نَحن خير لَا جَائِز أَن يرْتَفع بِخَير لِأَن خيرا لَا يرفع الْمظهر الْبَتَّةَ وَلَا مُبْتَدأ للُزُوم الْفَصْل بالأجنبي بَين أفعل وَبَين من وَهُوَ غير جَائِز فَثَبت أَن نَحن تَأْكِيد للضمير فِي خير. وَقد أجمل كَلَامه هُنَا وفصله فِي الْمسَائِل المشكلة الْمَعْرُوفَة بالبغداديات. وَبعد أَن منع كَون نَحن مُبْتَدأ وَخير خَبرا قَالَ: عِنْدِي فِيهِ قَولَانِ: أَحدهمَا أَن يكون قَوْله خير خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف تَقْدِيره: نَحن خير عِنْد الْبَأْس مِنْكُم

فَنحْن على هَذَا فِي الْبَيْت لَيْسَ بمبتدأ لكنه تَأْكِيد لما فِي خير من ضمير الْمُبْتَدَأ الْمَحْذُوف وَحسن هَذَا التَّأْكِيد لِأَنَّهُ حذف الْمُبْتَدَأ من اللَّفْظ وَلم يَقع الْفَصْل بِشَيْء أَجْنَبِي بل بِمَا هُوَ مِنْهُ وَقد وَقع الْفَصْل بالفاعل بَين الصِّلَة وموصولها فِي نَحْو قَوْلهم: مَا من أَيَّام أحب إِلَى الله فِيهَا الصَّوْم مِنْهُ فِي عشر ذِي الْحجَّة وَكَانَ ذَلِك حسنا سائغاً. فَإِذا سَاغَ كَانَ) التَّأْكِيد أسوغ لِأَنَّهُ قد يحسن حَيْثُ لَا يحسن غَيره من الْأَسْمَاء. وَقَالَ فِي الْإِيضَاح الشعري فِي هَذَا الْوَجْه بعد أَن قَالَ: وَنحن الظَّاهِر تَأْكِيد للضمير الَّذِي فِي خير على الْمَعْنى: كَانَ يَنْبَغِي أَن يكون على لفظ الْغَيْبَة وَلَكِن جَاءَ بِهِ على الأَصْل نَحْو نَحن فعلنَا ويدلك على أَنه كَانَ يَنْبَغِي أَن يَجِيء على لفظ الْغَيْبَة: أَن أَبَا عُثْمَان قَالَ: فِي الْإِخْبَار عَن الضَّمِير الَّذِي فِي منطلق من قَوْله: أَنْت منطلق إِذا أخْبرت عَن الضَّمِير الَّذِي فِي منطلق من قَوْلك أَنْت منطلق لم يجز لِأَنَّك تجْعَل مَكَانَهُ ضميراً يرجع إِلَى الَّذِي وَلَا يرجع إِلَى الْمُخَاطب فَيصير الْمُخَاطب مُبْتَدأ لَيْسَ فِي خَبره مَا يرجع إِلَيْهِ. فَهَذَا من قَوْله يدل على أَن الضَّمِير وَإِن كَانَ للمخاطب فِي أَنْت منطلق فَهُوَ على لفظ الْغَيْبَة وَلَوْلَا ذَلِك لم يصلح أَن يرجع إِلَى الَّذِي. على أَن هَذَا من كَلَامهم مثل أَنْتُم تذهبون وَاسم الْفَاعِل أشبه بالمضارع مِنْهُ بالماضي فَلذَلِك جعله مثله وَلم يَجعله مثل الْمَاضِي فِي أَنْتُم فَعلْتُمْ. ثمَّ قَالَ فِي البغداديات: القَوْل الثَّانِي: أَن يَجْعَل خير صفة مُقَدّمَة يقدر ارْتِفَاع نَحن بِهِ كَمَا يُجِيز أَبُو الْحسن فِي: قَائِم الزيدان أَن ارْتِفَاع الزيدان بقائم. فَلَا يَقع على هَذَا أَيْضا فصلٌ بِشَيْء يكره وَلَا يجوز لِأَن نَحن على هَذَا مُرْتَفع بِخَبَر. إِلَّا أَن ذَا قَبِيح لِأَن خيرا وبابه لَا يعْمل عمل الْفِعْل إِذا جرى

على موصوفه وإعماله فِي الظَّاهِر مُبْتَدأ غير جارٍ على شَيْء أقبح وَأَشد امتناعاً. وَالْوَجْه الأول حسن سَائِغ. قَالَ فِي الْإِيضَاح: فَإِذا جَازَ ذَلِك فِيمَا ذَكرْنَاهُ أَي: الْوَجْه الأول لم يكن فِيمَا حمل أَبُو الْحسن عَلَيْهِ الْبَيْت من الظَّاهِر دلَالَة على إجَازَة نَحْو: الْخَلِيفَة أحب إِلَيْهِ يحيى من جَعْفَر حَتَّى يَقُول: الْخَلِيفَة يحيى أحب إِلَيْهِ من جَعْفَر أَو أحب إِلَيْهِ من جَعْفَر يحيى على مَا أجَازه سِيبَوَيْهٍ فِي: مَا رَأَيْت رجلا أحسن فِي عينه الْكحل مِنْهُ فِي عين زيد فَلَا يفصل بَينهمَا بِمَا هُوَ أَجْنَبِي مِنْهُمَا. ثمَّ قَالَ فِي البغداديات: فَإِن قَالَ قَائِل: أَيجوزُ أَن يكون فخيرٌ خَبرا مقدما لما بعده وَهُوَ نَحن وَيكون مِنْكُم غير صلَة وَلكنهَا ظرف كَقَوْلِه: وَلست بِالْأَكْثَرِ مِنْهُم حَصى وَتَقْدِيره: وَلست بِالْأَكْثَرِ فيهم لَا على حد: هُوَ أفضل من زيد أَلا ترى أَن الْألف وَاللَّام تعاقب من هُنَا فَالْجَوَاب: أَنه بعيد وَلَيْسَ الْمَعْنى عَلَيْهِ إِنَّمَا يُرِيد: نَحن خير مِنْكُم وَأَن الْفَزع إِلَيْنَا والاستغاثة) بِنَا نسد مَا لَا تسدون ونمنع من الثغور مَالا تمْنَعُونَ. أَلا ترى أَن مَا بعد هَذَا الْبَيْت: (وَلم تثق الْعَوَاتِق من غيور ... بغيرته وخلين الحجالا) وَقَوله: عِنْد الْبَأْس الْعَامِل فِيهِ خير وَلَا يجوز أَن يكون مُتَعَلقا بالمبتدأ الْمَحْذُوف على أَلا يكون التَّقْدِير: فَنحْن خير عِنْد الْبَأْس مِنْكُم يُرِيد: نَحن

عِنْد الْبَأْس خير مِنْكُم لِأَنَّك إِن نزلته هَذَا التَّنْزِيل فصلت بَين الصِّلَة والموصول بِمَا هُوَ أَجْنَبِي مِنْهُمَا ومتعلق بِغَيْرِهِمَا وَإِذا قدرت اتِّصَاله بِخَير والْبَأْس بِالْمُوَحَّدَةِ لَا بالنُّون وَهُوَ الشدَّة وَالْقُوَّة. والداعي من دَعَوْت زيدا: إِذا ناديته وَطلبت إقباله. والمثوب اسْم فَاعل من ثوب قَالَ أَبُو زيد: هُوَ الَّذِي يَدْعُو النَّاس يستنصرهم وَالْأَصْل فِيهِ: أَن المستغيث إِذا كَانَ بَعيدا يتعرى ويلوح بِثَوْبِهِ رَافعا صَوته ليرى فيغاث. ووثق مِنْهُ وَبِه: اطْمَأَن إِلَيْهِ وَقَوي قلبه. وَجُمْلَة لم تثق معطوفة على مَدْخُول إِذا وَكَذَلِكَ جملَة خلين الحجالا والْعَوَاتِق: جمع عاتق وَهِي الَّتِي خرجت عَن خدمَة أَبَوَيْهَا وَعَن أَن يملكهَا الزَّوْج. والغيور: من غَار الرجل على حريمه يغار من بَاب تَعب غيرَة بِالْفَتْح فَهُوَ غيور وغيران وَهِي غيور أَيْضا وغيرى. وخلين متعدي خلا الْمنزل من أَهله يَخْلُو خلوا وخلاء فَهُوَ خالٍ. وصحفه بَعضهم بِالْحَاء الْمُهْملَة وبالبناء للْمَجْهُول على أَنه من التحلية وَهُوَ التزيين. والحجال بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة: جمع حجلة بِالتَّحْرِيكِ وَهُوَ بَيت كالقبة يستر بالثياب وَيكون لَهُ أزرار كبار كَذَا فِي النِّهَايَة. وَزَاد فِي الْقَامُوس أَنه للعروس: وَأَخْطَأ بَعضهم حَيْثُ قَالَ: هُوَ جمع حجل بِمَعْنى الخلخال وَهَذَا لَا يُنَاسب الْمقَام مَعَ أَنه لَا يجمع على حجال وَإِنَّمَا يجمع على حجول وأحجال. يُرِيد أَنَّهُنَّ فِي يَوْم فزع أَو غَارة لَا يثقن بِأَن يحميهن الْأزْوَاج والآباء وَالإِخْوَة فَنحْن عِنْدهن أوثق مِنْكُم.

وَهَذَانِ البيتان نسبهما أَبُو زيد فِي نوادره لزهير بن مَسْعُود الضَّبِّيّ. الشَّاهِد الْخَامِس وَالثَّمَانُونَ وَهُوَ من أَبْيَات س: (عمرتك الله إِلَّا مَا ذكرت لنا ... هَل كنت جارتنا أَيَّام ذِي سلم) على أَن قَوْلهم عمرك الله لَهُ فعل كَمَا فِي هَذَا الْبَيْت وعمرتك بتَشْديد الْمِيم وَضم التَّاء وَكسر الْكَاف. وَكَذَلِكَ اسْتدلَّ بِهِ سِيبَوَيْهٍ على أَن عمرك وضع بَدَلا من اللَّفْظ بِالْفِعْلِ فَلَزِمَهُ النصب بِذكر الْفِعْل مُجَردا فِي الْبَيْت. قَالَ الأعلم وَتَبعهُ بن خلف معنى عمرتك الله ذكرتك الله وَأَصله من عمَارَة الْموضع فَكَأَنَّهُ جعل تذكيره عمَارَة لِقَلْبِهِ فعمرك الله مصدر عِنْد سِيبَوَيْهٍ وَتَقْدِيره أَن معنى عمرك عمرتك الله أَي: سَأَلت الله عمرك وَإِذا وضح أَن عمرك بِمَعْنى عمرتك وَجب أَن يكون مصدرا. وَقد ثَبت أَنهم يَقُولُونَ: عمرك الله وعمرتك الله بِمَعْنى فَيكون اسْم الله مَنْصُوبًا بعمرك على قَول. وَفِيه معنى السُّؤَال. وَقيل مَنْصُوب بِفعل مُقَدّر أَي: سَأَلت الله عمرك أَي بَقَاءَك. وَالْفرق بَينه وَبَين قَول سِيبَوَيْهٍ وَإِن كَانَ بِمَعْنى سَأَلت الله تَعَالَى بَقَاءَك: أَن عمرك على مَذْهَب سِيبَوَيْهٍ بِمَعْنى عمرتك الْمُلْتَزم حذفه وَهُوَ الناصب لَهُ وَاسم الله الْمَفْعُول الثَّانِي وعَلى القَوْل

وروى الشَّارِح عَن الْأَخْفَش إجَازَة رفع الْجَلالَة على أَنه فَاعل. وَنسبه أَبُو حَيَّان فِي الارتشاف إِلَى ابْن الْأَعرَابِي. وروى عَن الْأَخْفَش: أَن أَصله عِنْده بتعميرك الله حذف زَوَائِد الْمصدر وَالْفِعْل وَالْبَاء فانتصب مَا كَانَ مجروراً بهَا. وَيدل لما قَالَه الْأَخْفَش وَأَنه لَيْسَ مَنْصُوبًا على إِضْمَار فعل إِدْخَال بَاء الْجَرّ عَلَيْهِ قَالَ: بعمرك هَل رَأَيْت لَهَا سميا قَالَ أَبُو حَيَّان: وَالَّذِي يكون بعد نشدتك الله وعمرتك الله أحد سِتَّة أَشْيَاء: اسْتِفْهَام وَأمر وَنهي وَأَن وَإِلَّا وَلما بِمَعْنى إِلَّا كَقَوْلِه: عمرتك الله إِلَّا مَا ذكرت لنا وَإِذا كَانَ إِلَّا أَو مَا فِي مَعْنَاهَا فالفعل قبلهَا فِي صُورَة الْمُوجب وَهُوَ منفي فِي الْمَعْنى وَالْمعْنَى مَا أَسأَلك إِلَّا كَذَا فالمثبت لفظا منفي معنى ليتأتى التفريغ.) قَالَ الدماميني فِي شرح التسهيل: فَإِن قلت: تَأْوِيل الْفِعْل بِالْمَصْدَرِ بِدُونِ سابك لَيْسَ قِيَاسا فَيلْزم الشذوذ كتسمع بالمعيدي أَي سماعك وادعاء الشذوذ هُنَا غير متأت لَا طراد مثل هَذَا التَّرْكِيب وفصاحته قلت: لَا نسلم أَن التَّأْوِيل بِدُونِ حرف مصدر شَاذ مُطلقًا وَإِنَّمَا يكون شاذاً إِذا لم يطرد فِي بابٍ أما إِذا طرد فِي بَاب وَاسْتمرّ فِيهِ فَإِنَّهُ لَا يكون شاذاً كالجملة الَّتِي يُضَاف إِلَيْهَا اسْم الزَّمَان مثلا نَحْو: جئْتُك حِين ركب الْأَمِير أَي حِين ركُوبه. وَضبط أَبُو عَليّ الْفَارِسِي كَمَا نقل ابْن خلف عَنهُ أَن أَلا فِي هَذَا الْبَيْت بِفَتْح الْهمزَة فَيكون أَصله هلا. نقل صَاحب التَّلْخِيص عَن الْكسَائي:

أَن هلا وأَلا بقلب الْهَاء همزَة وَلَوْلَا ولوما للتنديم فِي الْمَاضِي وللتحضيض فِي الْمُسْتَقْبل فَالْأول نَحْو: هلا أكرمت زيدا على معنى ليتك أكرمته قصدا إِلَى جعله نَادِما على ترك الْإِكْرَام وَالثَّانِي نَحْو: هلا تقوم على معنى ليتك تقوم قصدا إِلَى حثه على الْقيام. وَمَعَ هَذَا فَلَا يَخْلُو من ضرب من التوبيخ واللوم على مَا كَانَ يجب أَن يَفْعَله الْمُخَاطب قبل أَن يطْلب مِنْهُ. ومَا زَائِدَة. وَهَذِه الْجُمْلَة جَوَاب عمرتك الله. وَهُوَ قسم سُؤَالِي. وَجُمْلَة هَل كنت جارتنا فِي مَوضِع الْمَفْعُول لذكرت مُعَلّق عَنهُ بالاستفهام وَالْأَصْل هلا ذكرت لنا جَوَاب هَذَا السُّؤَال وَجُمْلَة عمرتك الله إِلَى آخر الْبَيْت فِي مَحل نصب على أَنَّهَا مقولة لقَوْله فِي الْبَيْت السَّابِق وَهُوَ: (إِذْ كدت أنكر من سلمى فَقلت لَهَا ... لما الْتَقَيْنَا وَمَا بالعهد من قدم) وَذُو سلم: مَوضِع عِنْد جبل قريب من الْمَدِينَة المنورة على ساكنها أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام. والبيتان من قصيدة للأحوص الْأنْصَارِيّ. وَأنْشد سِيبَوَيْهٍ بَيْتا آخر مثل هَذَا الْبَيْت لعَمْرو بن أَحْمَر الْبَاهِلِيّ وَهُوَ: (عمرتك الله الْجَلِيل فإنني ... ألوي عَلَيْك لَو أَن لبك يَهْتَدِي) ألوي عَلَيْك: أعطف عَلَيْك. وَقَوله: لَو أَن لبك يَهْتَدِي أَي: لَو أَن قَلْبك يقبل النَّصِيحَة عبر عَنهُ باللب لِأَنَّهُ مَحَله. وَجَوَاب الْقسم السؤالي فِي بَيت بعده وَهُوَ: (هَل لامني من صَاحب صاحبته ... من حاسرٍ أَو دارعٍ أَو مرتدي)

وَاعْلَم أَن عمرتك الله فِي الْبَيْتَيْنِ بتَشْديد الْمِيم كَمَا يدل عَلَيْهِ كَلَام سِيبَوَيْهٍ الْمَنْقُول فِي كَلَام) الشَّارِح وَهُوَ قَوْله: وَالْأَصْل عِنْد سِيبَوَيْهٍ: عمرتك الله تعميراً. وَمثله فِي الْعباب للصاغاني: وَقَوْلهمْ عمرتك الله أَي: سَأَلت الله تعميرك. وَأنْشد الْبَيْت الأول ثمَّ قَالَ: وَقَالَ جلّ ذكره: أَو لم نُعَمِّركُمْ مَا يتَذَكَّر فِيهِ من تذكر. وَيجوز عِنْدِي أَن يكون قَوْلهم عمرك الله مصدرا لفعل ثلاثي وَهُوَ: فلَان يعمره من بَاب نصر أَي: يعبده بِالصَّلَاةِ وَالصَّوْم وَنَحْوهمَا وَفُلَان عمار أَي: كثير الصَّلَاة وَالصَّوْم فَيكون مَنْصُوبًا على نزع الْبَاء القسمية ومضافاً إِلَى فَاعله أَي: بعبادتك الله. وَلم أر من شَرحه على هَذَا الْوَجْه. والْأَحْوَص من الحوص بمهملتين وَهُوَ ضيق فِي مُؤخر الْعين وَقيل: فِي أحد الْعَينَيْنِ. وَهُوَ الْأَحْوَص بن مُحَمَّد بن عبد الله بن عَاصِم بن ثَابت يُسمى حمي الدبر أَي: محميها كَانَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بَعثه فِي بعث فَقتله الْمُشْركُونَ وَأَرَادُوا أَن يصلبوه ويمثلوا بِهِ فحمته الدبر وَهِي النَّحْل فَلم يقدروا عَلَيْهِ. والأحوص مقدم عِنْد أهل الْحجاز وَأكْثر الروَاة لَولَا أَفعاله الدنيئة لِأَنَّهُ أسمحهم طبعا وأسلسهم كلَاما وأصحهم معنى ولشعره رونق وحلاوة وعذوبة أَلْفَاظ لَيست لأحد. وَهُوَ محسن فِي الْغَزل وَالْفَخْر والمدح. وَكَانَ يشبب بنساء أَشْرَاف الْمَدِينَة ويشيع ذَلِك فِي النَّاس فنهي فَلم ينْتَه.

فشكي إِلَى عَامل سُلَيْمَان بن عبد الْملك وَسُئِلَ الْكِتَابَة فِيهِ إِلَيْهِ فَفعل فَكتب سُلَيْمَان يَأْمُرهُ أَن يضْربهُ مائَة ويقيمه على البلس للنَّاس ثمَّ يسيره إِلَى دهلك فَفعل بِهِ ذَلِك. والبلس بِضَمَّتَيْنِ: جمع بلاس بِكَسْر الْمُوَحدَة وَهِي غَرَائِر كبار من مسوح يَجْعَل فِيهَا التِّبْن يشهر عَلَيْهَا من ينكل بِهِ وينادى عَلَيْهِ. وَمن دُعَائِهِمْ أرانيك الله على البلس وَكَانَ الْأَحْوَص يَقُول: وَهُوَ يُطَاف بِهِ: (مَا من مُصِيبَة نكبة أمنى بهَا ... إِلَّا تعظمني وترفع شأني) (إِنِّي إِذا خَفِي اللئام رَأَيْتنِي ... كَالشَّمْسِ لَا تخفى بِكُل مَكَان) (أَصبَحت للْأَنْصَار فِيمَا نابهم ... خلفا وَفِي الشُّعَرَاء من حسان) وَأقَام الْأَحْوَص منفياً بدهلك إِلَى أَن ولي عمر بن عبد الْعَزِيز فَكتب إِلَيْهِ الْأَحْوَص يَسْتَأْذِنهُ فِي الْقدوم وَسَأَلَهُ الْأَنْصَار أَيْضا أَن يقدمهُ إِلَى الْمَدِينَة فَقَالَ لَهُم: من الْقَائِل: (فَمَا هُوَ إِلَّا أَن أَرَاهَا فجاءةً ... فأبهت حَتَّى لَا أكاد أُجِيب) قَالُوا: الْأَحْوَص قَالَ: فَمن الَّذِي يَقُول:) (أدور وَلَوْلَا أَن أرى أم جَعْفَر ... بأبياتكم مَا درت حَيْثُ أدور)

قَالُوا: الْأَحْوَص قَالَ: فَمن الَّذِي يَقُول: (سَيبقى لَهَا فِي مُضْمر الْقلب والحشا ... سريرة حب يَوْم تبلى السرائر) قَالُوا: الْأَحْوَص. قَالَ: فَمن الَّذِي يَقُول: (الله بيني وَبَين قيمها ... يفر مني بهَا وأتبع) قَالُوا: الْأَحْوَص. قَالَ: لَا جرم مَا رَددته مَا كَانَ لي سُلْطَان قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: كَانَ سَبَب نفي الْأَحْوَص أَن شُهُودًا شهدُوا عَلَيْهِ أَنه قَالَ: لَا أُبَالِي أَي الثَّلَاثَة أكون ناكحاً أَو منكوحاً أَو زَانيا. وَكَانَ مَشْهُورا بالأبنة وانضاف إِلَى ذَلِك أَنه دخل يَوْمًا على سكينَة بنت الْحُسَيْن رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما فَأذن الْمُؤَذّن فَلَمَّا قَالَ: أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فخرت سكينَة برَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فَقَالَ الْأَحْوَص: (فخرت وانتمت فَقلت: ذَرِينِي ... لَيْسَ جهل أَتَيْته ببديع) (فَأَنا ابْن الَّذِي حمت لَحْمه الدب ... ر قَتِيلا للحيان يَوْم رجيع) (غسلت خَالِي الْمَلَائِكَة الْأَب ... رار مَيتا طُوبَى لَهُ من صريع) وَكَانَ وَفد الْأَحْوَص على الْوَلِيد بن عبد الْملك ممتدحاً لَهُ فأنزله منزلا وَأمر

بمطبخةٍ تمال عَلَيْهِ. وَكَانَ قد نزل على الْوَلِيد شُعَيْب بن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ وَكَانَ الْأَحْوَص يُرَاوِد وصفاء للوليد خبازين يريدهم أَن يَفْعَلُوا بِهِ الْفَاحِشَة وَكَانَ شُعَيْب قد غضب على مولى لَهُ ونحاه فَلَمَّا خَافَ الْأَحْوَص أَن يفتضح بمراودته الغلمان اندس لمولى شُعَيْب بذلك فَقَالَ: ادخل على أَمِير الْمُؤمنِينَ فاذكر لَهُ أَن شعيباً راودك عَن نَفسك. فَفعل الْمولى فَالْتَفت الْوَلِيد إِلَى شُعَيْب فَقَالَ: مَا يَقُول هَذَا فَقَالَ: لكَلَامه نبأ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فاشدد بِهِ يدك يصدقك. فَشد عَلَيْهِ فَقَالَ: أَمرنِي الْأَحْوَص بذلك. فَقَالَ قيم الخبازين: إِن الْأَحْوَص يُرَاوِد غلمانك عَن أنفسهم. فَأرْسل بِهِ الْوَلِيد إِلَى ابْن حزم وَالِي الْمَدِينَة وَأمره أَن يجلده مائَة وَيصب على رَأسه زيتاً ويقيمه على البلس فَفعل بِهِ كَمَا ذكرنَا. وَلم يزل الْأَحْوَص بدهلك حَتَّى مَاتَ عمر بن عبد الْعَزِيز وَتَوَلَّى يزِيد بن عبد الْملك. فَبينا يزِيد وَجَارِيَة ذَات يَوْم تغنيه بعض شعر الْأَحْوَص فَقَالَ لَهَا: من يَقُول هَذَا الشّعْر قَالَت: لَا أَدْرِي) فَأرْسل إِلَى ابْن شهَاب الزُّهْرِيّ وَسَأَلَهُ فَأخْبرهُ أَن قَائِله الْأَحْوَص. قَالَ: وَمَا فعل قَالَ: طَال حَبسه بدهلك. فَأمر بتخلية سَبيله ووهب لَهُ أَرْبَعمِائَة دِينَار. وَعَن ابْن الْأَعرَابِي: أَن الْأَحْوَص كَانَت لَهُ جَارِيَة تسمى بشرة وَكَانَت تحبه ويحبها. فَقدم بهَا دمشق فحذرته الْمَوْت وبكت فَقَالَ الْأَحْوَص: ...

(مَا لجديد الْمَوْت يابشر لذةٌ ... وكل جديدٍ تستلذ طرائفه) ثمَّ مَاتَ فَجَزِعت عَلَيْهِ جزعاً شَدِيدا وَلم تزل تبْكي عَلَيْهِ وتندبه حَتَّى شهقت شهقةً وَمَاتَتْ. ودفنت إِلَى جنبه. تَتِمَّة لم يذكر الْآمِدِيّ فِي المؤتلف والمختلف من اسْمه أحوص غير هَذَا. وَذكر الْأَحْوَص بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة وَقَالَ: هُوَ زيد بن عَمْرو بن قيس الْيَرْبُوعي التَّمِيمِي وَهُوَ شاعرٌ فَارس. وَأورد لَهُ شعرًا جيدا يفتخر بِهِ. وَأنْشد بعده وَهُوَ (قعيدك أَن لَا تسمعيني ملامة ... وَلَا تنكئي قرح الْفُؤَاد فييجعا) على أَن قعيدك الله وعمرك الله أَكثر مَا يستعملان فِي الْقسم السؤالي فَيكون جوابهما مَا فِيهِ الطّلب كالأمر وَالنَّهْي. وَأَن هُنَا زَائِدَة. قَالَ أَبُو حَيَّان فِي الارتشاف: وَيَجِيء بعد قعد وقعيدك الِاسْتِفْهَام وَأَن وَلم يقيدها بِكَوْنِهَا زَائِدَة أَو مَصْدَرِيَّة أَو غَيرهمَا. وَمِثَال الِاسْتِفْهَام قَالَ الْأَزْهَرِي: قَالَت قريبَة الأعرابية: (قعيدك عمر الله يَا ابْنة مَالك ... ألم تعلمينا نعم مأوى المحصب) وَلم أسمع بَيْتا جمع فِيهِ بَين الْعُمر والقعيد إِلَّا هَذَا. انْتهى.

وَبَقِي على أبي حَيَّان أَن يَقُول: وَالسَّلَام. روى أَبُو عبيد قعيدك لتفعلن وَلَا النافية كَمَا يَأْتِي فِي كَلَام الْجَوْهَرِي. قَالَ ابْن الْحَاجِب فِي الْإِيضَاح: وقعدك الله عِنْد سِيبَوَيْهٍ مثل عمرك الله يَجعله بِمَعْنى فعل مُقَدّر مَعْنَاهُ: سَأَلته أَن يكون حفيظك وَإِن لم يتَكَلَّم بِهِ. كَأَنَّهُ قيل حفظتك الله من قَوْله تَعَالَى: عَن الْيَمين وَعَن الشمَال قعيد أَي: حَافظ. ووضح ذَلِك فِي عمرك الله لاستعمال فعله. وَإِذا تحقق أَن معنى قعدك الله معنى الْفِعْل الْمُقدر الْمَذْكُور وضح أَيْضا أَن قعيدك الله بِمَعْنَاهُ وَفِيه أَيْضا معنى) السُّؤَال كعمرك الله. وَقَالَ ابْن خلف: يُرِيد سِيبَوَيْهٍ بقوله: فقعدك الله يجْرِي على هَذَا المجرى أَن فعل المصادر قد يتْرك وَيكون بِمَنْزِلَة مَا اسْتعْمل الْفِعْل فِيهِ فقعدك بِمَنْزِلَة قَوْلك: وصفك الله بالثبات وَأَنه لَا يَزُول. يُرِيد سَأَلتك بوصفك الله بالثبات ثمَّ حذف الْفِعْل وَالْبَاء. وَلَا يسْتَعْمل فِيهِ الْفِعْل وَلَا الْبَاء وَهُوَ مصدر لَا يتَصَرَّف أَي: لَا يسْتَعْمل فِي غير هَذَا الْموضع من الْكَلَام وَلَا يسْتَعْمل إِلَّا مُضَافا. انْتهى. وَقَالَ أَبُو اسحاق إِبْرَاهِيم النجيرمي فِي كتاب أَيْمَان الْعَرَب: معنى قعدك الله وقعيدك الله: أخصب الله بلادك حَتَّى تكون مُقيما فِيهَا قَاعِدا غير منتجع. وَقَالَ الْجَوْهَرِي: وَقَوْلهمْ: قعيدك لَا آتِيك وقعيدك الله لَا آتِيك وقعدك الله وقعدك الله بِالْفَتْح وَالْكَسْر: يَمِين للْعَرَب. وَهِي مصَادر اسْتعْملت مَنْصُوبَة بِفعل مُضْمر وَالْمعْنَى: بصاحبك الَّذِي هُوَ صَاحب كل

نجوى كَمَا يُقَال: نشدتك الله. زَاد عَلَيْهِ صَاحب الْعباب: وَقَالَ أَبُو عبيد: عليا مُضر تَقول: قعيدك لتفعلن كَذَا يَعْنِي أَنهم يحلفونه بِأَبِيهِ قَالَ: القعيد: الْأَب. وَأنكر صَاحب الْقَامُوس كَونهمَا للقسم فَقَالَ: قعيدك الله وقعدك بِالْكَسْرِ استعطاف لَا قسمٌ بِدَلِيل أَنه لم يجِئ جَوَاب الْقسم. وَهَذَا مُخَالف لِلْجُمْهُورِ فَإِن قَوْله لَا تسمعيني جَوَاب لقَوْله قَالَ صَاحب الْبَسِيط وَيدل على الْقسم قَوْلهم: قعدك الله لَأَفْعَلَنَّ وروى فقعدك بِفَتْح الْقَاف وَكسرهَا. وَالْمَفْعُول الثَّانِي مَحْذُوف أَي: قعدك الله. وَالْكَاف مَكْسُورَة لِأَنَّهُ خطاب مَعَ امْرَأَة كَمَا يَأْتِي بَيَانه. وَجُمْلَة لَا تنكئي لَا مَحل لَهَا من الْإِعْرَاب كجملة الْمَعْطُوف عَلَيْهَا يُقَال نكأت القرحة بِالْهَمْز: إِذا قشرتها ونكيت فِي الْعَدو بِلَا همز. والقرح كالجرح وزنا وَمعنى. وَقَوله فييجعا مَنْصُوب بِأَن مضمرة بعد الْفَاء فِي جَوَاب النَّهْي الثَّانِي. قَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: أهل الْحجاز يَقُولُونَ: وجع يوجع ووجل يوجل يقرونَ الْوَاو على حَالهَا إِذا سكنت وَانْفَتح مَا قبلهَا وَهِي أَجود اللُّغَات وَبَعض قيس يَقُول: وَجل ياجل ووجع ياجع وَبَنُو تَمِيم تَقول: وجع ييجع وَهِي شَرّ اللُّغَات لِأَن الْكسر من الْيَاء وَالْيَاء يقوم مقَام كسرتين فكرهوا أَن يكسروا لثقل الْكسر فِيهَا. وَقَالَ الْفراء: إِنَّمَا كسر ليتفق اللَّفْظ فِيهَا وَاللَّفْظ بأخواتها وَذَلِكَ أَن بعض الْعَرَب يَقُول: أَنا إيجل وَأَنت تيجل وَنحن نيجل فَلَو قَالُوا هُوَ يوجل كَانَت الْيَاء قد خَالَفت أخواتها.) وَهَذَا الْبَيْت من قصيدة مَشْهُورَة مشروحة فِي المفضليات وَغَيرهَا لمتمم

ابْن نُوَيْرَة الصَّحَابِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه يرثي بهَا أَخَاهُ مَالك بن نُوَيْرَة. وَقبل هَذَا الْبَيْت ثَمَانِيَة أَبْيَات مُتَّصِلَة بِهِ وَهِي: (تَقول ابْنة الْعمريّ مَالك بَعْدَمَا ... أَرَاك حَدِيثا ناعم البال أفرعا) ابْنة الْعمريّ: زَوجته. والْحَدِيث: الْقَرِيب. والأفرع: الْكثير شعر الرَّأْس. تَقول لَهُ: مَالك الْيَوْم فَقلت لَهَا: طول الأسى إِذْ سَأَلتنِي ولوعة حزن تتْرك الْوَجْه أسفعا الأسى: الْحزن. وَالتَّاء من سَأَلتنِي مَكْسُورَة. واللوعة: الحرقة. والسفعة بِالضَّمِّ: سَواد يضْرب إِلَى الْحمرَة. (وفقد بني أم تداعوا فَلم أكن ... خلافهم أَن أستكين وأضرعا) فقد: مَعْطُوف على طول الأسى. وتداعوا: تفَرقُوا ودعا بَعضهم بَعْضًا. وخلافهم: بعدهمْ وخلفهم. يَقُول: لست وَإِن أصابني حزن بمستكين وَلَا خاضع فيشمت بِهِ الْأَعْدَاء. (ولكنني أمضي على ذَاك مقدما ... إِذا بعض من يلقى الحروب تكعكعا) التكعكع: التَّأَخُّر عَن الْحَرْب من الْجُبْن والتهيب. (وغيرني مَا غال قيسا ومالكاً ... وعمراً وجزءاً بالمشقر ألمعا) غال: أهلك. وَقيس وَعَمْرو: رجلَانِ من بني يَرْبُوع وجزء: هُوَ بن سعد الريَاحي وَهَؤُلَاء قَتلهمْ الْأسود بن الْمُنْذر يَوْم المشقر. وَيَعْنِي بِمَالك أَخَاهُ. والمشقر بالشين الْمُعْجَمَة وَالْقَاف على زنة اسْم الْمَفْعُول: قصر

بِالْبَحْرَيْنِ وَقيل: مَدِينَة هجر. وَقَوله: ألمعا أَي: ألمع بهم الْمَوْت وَمَعْنَاهُ ذهب بهم وَقَالَ الْكسَائي: أَرَادَ مَعًا فَزَاد أل. (وَمَا غال نَدْمَانِي يزِيد وليتني ... تمليته بالأهل وَالْمَال أجمعا) (وَإِنِّي وَإِن هازلتني قد أصابني ... من البث مَا يبكي الحزين المفجعا) يَقُول: نزل بِي مَا يغلب الصَّبْر والتجلد حَتَّى يحمل صَاحبه على الْبكاء وَأَنا مَعَ ذَلِك أتجلد. (وَلست إِذا مَا أحدث الدَّهْر نكبة ... ورزءاً بزوار القرائب أخضعا) يَقُول: إِذا أصابتني مُصِيبَة لم آتٍ قرائبي خاضعاً لَهُم الْحَاجة مني إِلَيْهِم ولكنني أَصْبِر وأعف مَعَ الْفقر. وَبعده: قعيدك أَن لَا تسمعيني ملامة ... ... . . الْبَيْت) ومتمم: هُوَ ابْن نُوَيْرَة بن جَمْرَة بِالْجِيم ابْن شَدَّاد ابْن عبيد بن ثَعْلَبَة ابْن يَرْبُوع بن حَنْظَلَة بن مَالك بن زيد مَنَاة بن تَمِيم. وَكَانَ متمم من الصَّحَابَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم. وَأَخُوهُ مَالك يُقَال لَهُ فَارس ذِي الْخمار بِكَسْر الْخَاء الْمُعْجَمَة وَذُو الْخمار فرسه. قَالَ ابْن السَّيِّد فِي شرح كَامِل الْمبرد: قَوْلهم فَتى وَلَا كمالك هُوَ مَالك بن نُوَيْرَة سيد بني يَرْبُوع قَتله خَالِد بن الْوَلِيد. وَرَأَيْت رِسَالَة لأبي رياش أَحْمد بن أبي هَاشم الْقَيْسِي تَتَضَمَّن قصَّة قتل خَالِد بن الْوَلِيد لمَالِك كَانَ مَالك بن نُوَيْرَة قد أسلم قبل وَفَاة النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وَتصدق

وَكَانَ عريف ثَعْلَبَة بن يَرْبُوع فَقبض النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وإبل الصَّدَقَة برحرحان وَهُوَ مَاء دوين بطن نخل فَجمع مَالك جمعا نَحوا من ثَلَاثِينَ فَأَغَارَ عَلَيْهَا فاقتطع مِنْهَا ثَلَاثمِائَة فَلَمَّا قدم بِلَاد بني تَمِيم لامه الْأَقْرَع بن حَابِس بن عقال بن مُحَمَّد بن سُفْيَان بن مجاشع بن دارم وَضِرَار بن الْقَعْقَاع بن معبد بن زُرَارَة بن عدس بن زيد بن عبد الله بن دارم وَبلغ مَالِكًا أَنَّهُمَا يمشيان بِهِ فِي بني تَمِيم فَقَالَ مَالك يعتبهما وَيَدْعُو على مَا بَقِي من إبل الصَّدَقَة: (أَرَانِي الله بِالنعَم المندى ... ببرقة رحرحان وَقد أَرَانِي) (أإن قرت عُيُون فاستفيئت ... غَنَائِم قد يجود بهَا بناني) (حويت جَمِيعهَا بِالسَّيْفِ صَلتا ... وَلم ترْعد يداي وَلَا جناني) (تمشى يَا ابْن عوذة فِي تَمِيم ... وَصَاحِبك الأقيرع تلحياني) (ألم أك نَار رابئة تلظى ... فتتقيا أذاي وترهباني) (فَقل لِابْنِ المذب يغض طرفا ... على قطع المذلة والهوان) وعوذة: أم ضرار بن الْقَعْقَاع وَهِي معَاذَة بنت ضرار بن عَمْرو الضَّبِّيّ. والمذبة: أم الْأَقْرَع بن حَابِس. فَلَمَّا قَامَ أَبُو بكر وبلغه قَول مَالك بعث إِلَيْهِ خَالِد بن الْوَلِيد وَأمره أَن لَا يَأْتِي النَّاس إِلَّا عِنْد صَلَاة الْغَدَاة فَمن سمع فيهم مُؤذنًا كف عَنْهُم وَمن لم يسمع فيهم مُؤذنًا استحلهم وعزم عَلَيْهِ ليقْتلن مَالِكًا إِن أَخذه. فَأقبل خَالِد بن الْوَلِيد حَتَّى هَبَط جو الْبَعُوضَة وَبِه بَنو يَرْبُوع فَبَاتَ

عِنْدهم وَلَا يخافونه فَمر على بني ريَاح فَوجدَ شَيخا مِنْهُم يُقَال لَهُ مَسْعُود بن وضام يَقُول:) (وَحجَّة أتبعهَا بِحجَّة ... وهدية أَهْدَيْتهَا للأبطح) فَمضى عَن ريَاح حَتَّى مر ببني غُدَانَة وَبني ثَعْلَبَة فَلم يسمع فيهم مُؤذنًا فَحمل عَلَيْهِم فثار النَّاس وَلَا يَدْرُونَ مَا بَيتهمْ فَلَمَّا رَأَوْا الفرسان والجيش قَالُوا: من أَنْتُم قَالُوا: نَحن الْمُسلمُونَ. قَالَ مَالك: وَنحن الْمُسلمُونَ فَلم ينْتَه الْمُسلمُونَ لذَلِك وَوَضَعُوا فيهم السَّيْف وَقتلت غُدَانَة أَشد الْقَتْل وَقتلت ثَعْلَبَة وَأعجل مَالك عَن لبس السِّلَاح وَإِن امْرَأَته ليلى بنت سِنَان بن ربيعَة بن حَنْظَلَة قَامَت دونه عُرْيَانَة وَدخل الْقبَّة وَقَامَت دونه وَلبس مَالك أداته ثمَّ خرج فَنَادَى: يَا آل عبيد. فَلم يجبهُ أحد غير بني بهآن فَإِنَّهُم صدقُوا مَعَه يومئذٍ وطلعوا من جو الْبَعُوضَة وبلغوا ذَات المذاق وَهِي أكمة بَينهَا وَبَين الجو ميلان أَو قدر ميل وَنصف ففزعوا من الْقَوْم غير مَالك وَغير بَقِيَّة من ولد حبشِي بن عبيد بن ثَعْلَبَة وَكَانَ عدَّة من أُصِيب مَعَ مَالك خَمْسَة وَأَرْبَعين رجلا من بني بهان. ثمَّ إِن خَالِد بن الْوَلِيد قَالَ: يَا ابْن نُوَيْرَة هَلُمَّ إِلَى الْإِسْلَام قَالَ مَالك: وتعطيني مَاذَا قَالَ: ذمَّة الله وَذمَّة رَسُوله وَذمَّة أبي بكر وَذمَّة خَالِد بن الْوَلِيد فَأقبل مَالك وَأَعْطَاهُ بيدَيْهِ وعَلى خَالِد تِلْكَ العزمة من أبي بكر. قَالَ: يَا مَالك إِنِّي قَاتلك. قَالَ: لَا تقتلني قَالَ: لَا أَسْتَطِيع غير ذَلِك قَالَ: فأت مَا لَا تَسْتَطِيع إِلَّا إِيَّاه. فقدمه إِلَى النَّاس فتهيبوا قَتله وَقَالَ الْمُهَاجِرُونَ: أنقتل رجلا مُسلما غير ضرار ابْن الْأَزْوَر الْأَسدي من بني كوز فَإِنَّهُ قَامَ بقتْله. فَقَالَ متمم بن نُوَيْرَة يذكر غدره بِمَالك:

(نعم الْقَتِيل إِذا الرِّيَاح تحدبت ... فَوق الكنيف قتيلك بن الْأَزْوَر) (أدعوته بِاللَّه ثمَّ قتلته ... لَو هُوَ دعَاك بِذِمَّة لم يغدر) (ولنعم حَشْو الدرْع يَوْم لِقَائِه ... ولنعم مأوى الطارق المتنور) (لَا يلبس الْفَحْشَاء تَحت ثِيَابه ... صَعب مقادته عفيف المئزر) فَلَمَّا فرغ خَالِد مِنْهُ أقبل الْمنْهَال بن عصمَة الريَاحي فِي نَاس من بني ريَاح يدفنون قَتْلَى بني ثَعْلَبَة وَبني غُدَانَة وَمَعَ الْمنْهَال بردَان من يمنة. فَكَانُوا إِذا مروا على رجل يعرفونه قَالُوا: كفن هَذَا يَا منهال فيهمَا فَيَقُول: لَا حَتَّى أكفن فيهمَا الجفول مَالِكًا وَهُوَ الْكثير الشّعْر وَكَانَ يلقب بذلك لِكَثْرَة شعره. وَذَلِكَ فِي يَوْم شَدِيد الرّيح فَجعلُوا لَا يقدرُونَ على ذَلِك. ثمَّ رفعت الرّيح شعره (لعمري وَمَا دهري بتأبين مَالك ... وَلَا جزع مِمَّا أصَاب فأوجع) ) (لقد كفن الْمنْهَال تَحت رِدَائه ... فَتى غير مبطان العشيات أروعا) (ألم يَأْتِ أَخْبَار الْمحل سراتنا ... فيغضب مِنْهَا كل من كَانَ موجعا) الْمحل: رجل من بني ثَعْلَبَة مر بِمَالك مقتولاً فنعاه كَأَنَّهُ شامت فذمه متمم وَأخذ خَالِد بن الْوَلِيد ليلى بنت سِنَان امْرَأَة مَالك وَابْنهَا جَراد بن مَالك فأقدمهما الْمَدِينَة ودخلها وَقد غرز سَهْمَيْنِ فِي عمَامَته فَكَأَن عمر غضب حِين رأى السهمين فَقَامَ فَأتى عليا فَقَالَ: إِن فِي حق الله أَن يُقَاد هَذَا بِمَالك قتل رجلا مُسلما ثمَّ نزا على امْرَأَته كَمَا ينزو الْحمار. ثمَّ قاما فَأتيَا طَلْحَة فتتابعوا على ذَلِك. فَقَالَ أَبُو بكر: سيف سَله الله لَا أكون أول من أغمده أكل أمره إِلَى الله.

فَلَمَّا قَامَ عمر بِالْأَمر وَفد عَلَيْهِ متمم فاستعداه على خَالِد. فَقَالَ: لَا أرد شَيْئا صنعه أَبُو بكر. فَقَالَ متمم: قد كنت تزْعم أَن لَو كنت مَكَان أبي بكر أقدته بِهِ فَقَالَ عمر: لَو كنت ذَلِك الْيَوْم بمكاني الْيَوْم لفَعَلت وَلَكِنِّي لَا أرد شَيْئا أَمْضَاهُ أَبُو بكر ورد عَلَيْهِ ليلى وَابْنهَا جَراد. وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد السَّابِع وَالثَّمَانُونَ: (أَيهَا المنكح الثريا سهيلا ... عمرك الله كَيفَ يَلْتَقِيَانِ) على أَن عمرك الله يسْتَعْمل فِي الْقسم السؤالي وَيكون جَوَابه مَا فِيهِ الطّلب وَهُوَ هُنَا جملَة كَيفَ يَلْتَقِيَانِ فَإِن الِاسْتِفْهَام طلب الْفَهم وَهُوَ هُنَا تعجبي. خلافًا للجوهري فِي هَذَا فَإِنَّهُ زعم أَن عمرك الله هُنَا فِي غير الْقسم. وَهَذَانِ البيتان من قصيدة لعمر بن أبي ربيعَة. والمنكح: اسْم فَاعل من أنكحه أَي: زوجه. واستقل ارْتَفع. والثريا هِيَ بنت عَليّ بن عبد الله بن الْحَارِث بن أُميَّة الْأَصْغَر وهم العبلات. وَكَانَت الثريا وَأُخْتهَا عَائِشَة أعتقتا الْغَرِيض الْمُغنِي واسْمه عبد الْملك ويكنى أَبَا يزِيد كَذَا قَالَ الْمبرد فِي الْكَامِل. قَالَ ابْن السَّيِّد فِي شَرحه: والعبلات هم بَنو أُميَّة الْأَصْغَر بن عبد شمس وَبَنُو عبد شمس: أُميَّة وَعبد أُميَّة وَنَوْفَل أَبنَاء عبد شمس نسبوا إِلَى أمّهم عبلة بنت

عبيد بن جادل بن قيس بن حَنْظَلَة بن مَالك بن زيد مَنَاة بن تَمِيم. وَهِي من البراجم. وَرَأَيْت فِي كتب اللَّهْو لبن جرادبة أَن كنيته أَبُو زيد وَقَالَ: هُوَ من مولدِي البربر يضْرب الْعود أَخذ الْغناء عَن ابْن سُرَيج ثمَّ حسده فطرده وَكَانَ جميلاً وربته الثريا وعلمته النوح بالمراثي) على من قَتله يزِيد بن مُعَاوِيَة يَوْم الْحرَّة. وَقيل إِن الثريا بنت عبد الله بن الْحَارِث بن أُميَّة الْأَصْغَر. وَذكر الزبير بن بكار أَنَّهَا الثريا بنت عبد الله بن مُحَمَّد بن عبد الله بن الْحَارِث ابْن أُميَّة الْأَصْغَر وَأَنَّهَا أُخْت مُحَمَّد بن عبد الله الْمَعْرُوف بِأبي جراب العبلي الَّذِي قَتله دَاوُد بن عَليّ كَذَا فِي الْغرَر والدرر للشريف. وَأما سُهَيْل: فَهُوَ سُهَيْل بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف الزُّهْرِيّ. وكنيته أَبُو الْأَبْيَض. وَأمه بنت يزِيد بن سَلامَة ذِي فائش الْحِمْيَرِي. تزوج الثريا ونقلها إِلَى مصر. فَقَالَ عمر بن أبي ربيعَة يضْرب لَهَا الْمثل بالكوكبين. فَكَانَ يشبب بهَا وَقَالَ فِيهَا أشعاراً. وَكَانَت تصيف فِي الطَّائِف فَكَانَ عمر يَغْدُو بفرسه كل غَدَاة فيسائل الَّذين يحملون الْفَاكِهَة عَن أَخْبَارهَا فَسَأَلَ بَعضهم يَوْمًا فَقَالَ: لَا أعلم خَبرا غير أَنِّي سَمِعت عِنْد رحيلنا صَوتا وصياحاً على امْرَأَة من قُرَيْش اسْمهَا اسْم نجم ذهب عني اسْمه. قَالَ عمر: الثريا قَالَ: نعم وَكَانَ قد بلغه أَنَّهَا عليلة فركض فرسه من أقرب الطَّرِيق حَتَّى انْتهى إِلَيْهَا

وَهِي تشرف من ثنية فَوَجَدَهَا سليمَة وَمَعَهَا أُخْتهَا فَأَخْبرهَا الْخَبَر فَضَحكت وَقَالَت: أَنا وَالله أَمرتهم لأخبر مَا عنْدك وَلما تزوج عمر هجرته الثريا وغضبت عَلَيْهِ فَقَالَ: (قَالَ لي صَاحِبي ليعلم مَا بِي: ... أَتُحِبُّ القتول أُخْت الربَاب) (قلت: وجدي بهَا كوجدك بالما ... ء إِذا مَا منعت برد الشَّرَاب) ثمَّ تزَوجهَا سُهَيْل الْمَذْكُور وَحملهَا إِلَى مصر وَكَانَ عمر غَائِبا فَلَمَّا بلغه قَالَ: الْخَفِيف (أَيهَا الطارق الَّذِي قد عناني ... بعد مَا نَام سامر الركْبَان) (زار من نازح بِغَيْر دَلِيل ... يتخطى إِلَيّ حَتَّى أَتَانِي) إِلَى أَن قَالَ: أَيهَا المنكح الثريا سهيلا ... . . الْبَيْتَيْنِ وَزعم بَعضهم أَن سهيلا هُوَ ابْن عبد الْعَزِيز بن مَرْوَان. وَالصَّحِيح الأول. ثمَّ سَار إِلَى الْمَدِينَة وَكتب إِلَيْهَا: (كتبت إِلَيْك من بلدي ... كتاب مولهٍ كمد) (كثيب واكف الْعين ... ين بالحسرات مُنْفَرد)) (يؤرقه لهيب الشو ... ق بَين السحر والكبد) (فَيمسك قلبه بيد ... وَيمْسَح عينه بيد) فَلَمَّا قرأته بَكت بكاء شَدِيدا ثمَّ تمثلت:

الطَّوِيل (بنفسي من لَا يسْتَقلّ بِنَفسِهِ ... وَمن هُوَ إِن لم يرحم الله ضائع) وكتبت إِلَيْهِ تَقول: (فقرطاسه قوهية ورباطه ... بعقدٍ من الْيَاقُوت صافٍ وجوهر) (وَفِي صَدره: مني إِلَيْك تحيةٌ ... لقد طَال تهيامي بكم وتذكري) (وعنوانه: من مستهامٍ فُؤَاده ... إِلَى هائمٍ صب من الْحزن مسعر) رُوِيَ أَن الثريا وعدته لَيْلَة أَن تزوره فَجَاءَت فِي الْوَقْت الَّذِي وعدته فِيهِ فصادفت أَخَاهُ الْحَارِث بن ربيعَة قد طرقه وَأقَام عِنْده وَوجه بِهِ فِي حَاجَة ونام مَكَانَهُ وغطى وَجهه بِثَوْبِهِ فَلم يشْعر إِلَّا وَقد أَلْقَت نَفسهَا عَلَيْهِ تقبله فانتبه وَجعل يَقُول: اغربي عني فلست بالفاسق أخزاكما الله فَانْصَرَفت. وَرجع عمر فَأخْبرهُ الْحَارِث بذلك فاغتنم على مَا فَاتَهُ مِنْهَا وَقَالَ: وَالله لَا تمسك النَّار أبدا وَقد أَلْقَت نَفسهَا عَلَيْك فَقَالَ: عَلَيْك وَعَلَيْهَا لعنة الله. وَحكم لَهُ بَين الثريا وَسُهيْل تورية لَطِيفَة فَإِن الثريا يحْتَمل الْمَرْأَة الْمَذْكُورَة وَهُوَ الْمَعْنى الْبعيد المورى عَنهُ وَهُوَ المُرَاد وَيحْتَمل ثريا السَّمَاء وَهُوَ الْمَعْنى الْقَرِيب المورى بِهِ. وَسُهيْل يحْتَمل الرجل الْمَذْكُور وَهُوَ الْمَعْنى الْبعيد المورى عَنهُ وَهُوَ المُرَاد وَيحْتَمل النَّجْم الْمَعْرُوف بسهيل. فَتمكن للشاعر أَن ورى بالنجمين عَن الشخصين ليبلغ من الْإِنْكَار على من جمع بَينهمَا مَا أَرَادَ. وَهَذِه أحسن تورية وَقعت فِي شعر الْمُتَقَدِّمين.

وَفِي شرح بديعية العميان لِابْنِ جَابر: لَا يُقَال إِن التورية فِي الثريا مرشحة بقوله شامية إِذْ لَيست من لَوَازِم المورى بِهِ وَلَا مبينَة إِذْ لَيست من لَوَازِم المورى إِذْ الْمَرْأَة شامية الدَّار والنجم أَيْضا شَامي فاشتركا فِي ذَلِك وَلَا يكون الترشيح والتبيين إِلَّا بِلَازِم خاصي. وَكَذَلِكَ التورية فِي سُهَيْل لَا يُقَال إِنَّهَا مرشحة وَلَا مبينَة بيمانٍ إِذْ هُوَ صفة مُشْتَركَة بَينهمَا لن سهيلاً الَّذِي هُوَ رجل يمَان كسهيل الَّذِي هُوَ النَّجْم. وَسبب هذَيْن: أَن سهيلاً الْمَذْكُور تزوج الثريا الْمَذْكُورَة وَكَانَ بَينهمَا بون بعيد فِي الْخلق: كَانَت الثريا مَشْهُورَة فِي زمانها بالْحسنِ وَالْجمال وَكَانَ سُهَيْل قَبِيح المنظر وَهَذَا مُرَاده بقوله: عمرك الله كَيفَ يَلْتَقِيَانِ أَي: كَيفَ يَلْتَقِيَانِ مَعَ تفَاوت مَا بَينهمَا فِي) الْحسن والقبح انْتهى. وَعمر: هُوَ عمر بن عبد الله سَمَّاهُ بِهِ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وَكَانَ فِي الْجَاهِلِيَّة يُسمى بحيرا بِفَتْح الْمُوَحدَة وَكسر الْمُهْملَة ابْن أبي ربيعَة واسْمه حُذَيْفَة وَكَانَ يلقب بِذِي الرمحين ابْن الْمُغيرَة بن عبد الله بن عمر بن مَخْزُوم المَخْزُومِي. ويكنى عمر أَبَا الْخطاب. وَأَبُو جهل بن هِشَام بن الْمُغيرَة ابْن عَم أَبِيه. وَأم عمر بن الْخطاب حنتمة بنت هِشَام بن الْمُغيرَة بنت عَم أَبِيه. وَإِخْوَته عبد الله وَعبد الرَّحْمَن والْحَارث بَنو عبد الله.

وَكَانَ عبد الرَّحْمَن أَخُوهُ تزوج أم كُلْثُوم بنت أبي بكر الصّديق بعد طَلْحَة وَولدت لَهُ. وأعقب وَلم يكن فِي قُرَيْش أشعر من عمر. وَهُوَ كثير الْغَزل والنوادر والمجون يُقَال: من أَرَادَ رقة الْغَزل فَعَلَيهِ بِشعر عمر بن أبي ربيعَة. ولد لَيْلَة الْأَرْبَعَاء لأَرْبَع بَقينَ من ذِي الْحجَّة سنة ثَلَاث وَعشْرين وَهِي اللَّيْلَة الَّتِي مَاتَ فِيهَا عمر بن الْخطاب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه فَسُمي باسمه. قَالَ ابْن قُتَيْبَة: كَانَ عمر فَاسِقًا يتَعَرَّض لِنسَاء الْحَاج ويشبب بِهن. فنفاه عمر بن عبد الْعَزِيز إِلَى دهلك. ثمَّ غزا فِي الْبَحْر فأحرقت السَّفِينَة الَّتِي كَانَ فِيهَا فَاحْتَرَقَ هُوَ وَمن كَانَ مَعَه. وَفِي الأغاني بِسَنَدِهِ أَنه نظر فِي الطّواف امْرَأَة شريفة فكلمها فَلم تجبه فَقَالَ: (الرّيح تسحب أذيالاً وتنشرها ... يَا لَيْتَني كنت مِمَّن تسحب الرّيح) فِي أَبْيَات. فَلَمَّا بلغتهَا جزعت جزعاً شَدِيدا. فَقيل لَهَا: اذكريه لزوجك واشكيه. قَالَت: وَالله مَا أشكوه إِلَّا لله اللَّهُمَّ إِن كَانَ نوه باسمي ظَالِما فاجعله طَعَاما للريح. فَعدا يَوْمًا على فرس فَهبت ريح فَنزل فاستتر بشجرة فعصفت الرّيح فخدشه غُصْن مِنْهَا فَمَاتَ على ذَلِك. وَكَانَ ذَلِك سنة ثَلَاث وَتِسْعين وَقد قَارب السّبْعين أَو جاوزها. وَقيل عَاشَ ثَمَانِينَ سنة. وترجمته فِي الأغاني طَوِيلَة.

فَإِنَّمَا هِيَ إقبال وإدبار تقدم شَرحه فِي الشَّاهِد السّبْعين فِي بَاب الْمُبْتَدَأ. وَأنْشد بعده وَهُوَ) الشَّاهِد الثَّامِن وَالثَّمَانُونَ وَهُوَ من شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ: الْكَامِل (عجب لتِلْك قَضِيَّة وإقامتي ... فِيكُم على تِلْكَ الْقَضِيَّة أعجب) على أَنهم يرفعون بعض المصادر المنصوبة بعد حذف عاملها لزِيَادَة الْمُبَالغَة فِي الدَّوَام. بَين الشَّارِح وَجه رَفعه على الْخَيْرِيَّة. وَكَذَلِكَ أوردهُ سِيبَوَيْهٍ بِأَنَّهُ على إضمارٍ مُبْتَدأ أَي: أَمْرِي عجب. وَقَالَ الأعلم وَتَبعهُ بن خلف: يجوز أَن يكون مَرْفُوعا بِالِابْتِدَاءِ وَإِن كَانَ نكرَة لوُقُوعه موقع الْمَنْصُوب ويتضمن من الْوُقُوع موقع الْفِعْل مَا يتَضَمَّن الْمَنْصُوب فيستغنى عَن الْخَبَر لِأَنَّهُ كالفعل وَالْفَاعِل فَكَأَنَّهُ قَالَ: أعجب لتِلْك الْقَضِيَّة. أَو خَبره لتِلْك. وَهَذَا هُوَ الْمَعْهُود فِي المصادر المنصوبة: إِذا رفعت جعلت مُبْتَدأ وَجعل متعلقها خَبرا مثل الْحَمد لله وَالسَّلَام عَلَيْك لتَكون فِي معنى الأَصْل أَعنِي الْجُمْلَة الفعلية لَا تزيد عَلَيْهَا إِلَّا بِالدّلَالَةِ على الثَّبَات وَقد يَجْعَل غير متعلقها خَبرا كَقَوْلِه تَعَالَى: فصبرٌ جميلٌ أَي: أحسن من غَيره. وَقَضِيَّة مَنْصُوب على التَّمْيِيز للنوع الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ بِتِلْكَ وَيجوز أَن يكون مَنْصُوبًا على الْحَال قَالَ أَبُو عَليّ: كَأَنَّهُ قَالَ: اعجبوا لتِلْك الفعلة

قَضِيَّة. وَقَضِيَّة هُنَا بِمَعْنى مقضية. وروى: عجبا بِالنّصب على أَنه مصدر نَائِب عَن أعجب. وَاعْلَم أَن الشَّارِح الْمُحَقق حقق هُنَا أَن الْمصدر الْمَنْصُوب بعد حذف عَامله يُفِيد الدَّوَام وَإِذا رفع وَجعل خَبرا أَفَادَ زِيَادَة وَهِي الْمُبَالغَة فِي الدَّوَام. وَهَذَا مُنَاقض لكَلَامه فِي بَاب الْمُبْتَدَأ فِي سلامٌ عَلَيْك من أَن النصب بعد حذف الْفِعْل يدل على الْحُدُوث فَعدل إِلَى الرّفْع للدلالة على الدَّوَام قَالَ الدماميني فِي شرح التسهيل: الْحق مَا قَالَه الرضي فِي بَاب الْمَفْعُول الْمُطلق بِخِلَاف مَا قَالَه فِي الْمُبْتَدَأ فَإِنَّهُ غير مرضِي. أَقُول: لَو عكس الْقَضِيَّة لَكَانَ أظهر فَإِنَّهُ مَعَ النصب الصَّرِيح كَيفَ يُفِيد الدَّوَام مَعَ أَن الْجُمْلَة فعلية والتزام الْحَذف لَا يُنَافِيهِ كَمَا فِي الظَّرْفِيَّة الْوَاقِعَة خَبرا إِذا قدر الْمُتَعَلّق فعلا مَعَ أَن الْجُمْلَة إسمية وَمَعَ هَذَا فَلم يجعلوها للدوام الثبوتي فَإِن ادّعى أَن الْعَامِل مضارع أَو اسْم فَاعل وَأَن كلا مِنْهُمَا مَحْمُول على الِاسْتِمْرَار التجددي لَا الدوامي ورد عَلَيْهِ أَن هَذَا يحصل مَعَ الذّكر) فتخصيص الْحَذف بِهِ مِمَّا لَا دَاعِيَة إِلَيْهِ مَعَ أَن هَذَا لَيْسَ مرَادا لَهُ بل مُرَاده حُصُول الِاسْتِمْرَار الثبوتي مَعَ النصب. وَكَلَام الشَّارِح هُنَا مُخَالف لكَلَام عُلَمَاء الْمعَانِي قَالَ السَّيِّد فِي شرح الْمِفْتَاح: إِن الِاسْم كعالم مثلا يدل على ثُبُوت الْعلم لمن حكم بِهِ عَلَيْهِ وَلَيْسَ فِيهِ تعرض لاقترانه بزمانٍ وحدوثه فِيهِ وَلَا لدوامه. نعم لما كَانَ اسْم الْفَاعِل جَارِيا على الْفِعْل جَازَ أَن يقْصد بِهِ الْحُدُوث بمعونة الْقَرَائِن كَمَا فِي ضائق وَيجوز أَن يقْصد بِهِ الدَّوَام أَيْضا فِي مقَام الْمَدْح وَالْمُبَالغَة وَكَذَا حكم اسْم الْمَفْعُول وَأما الصّفة المشبهة فَلَا يقْصد بهَا إِلَّا مُجَرّد الثُّبُوت وضعا أَو الدَّوَام

باقتضاء الْمقَام. وَالْجُمْلَة الاسمية إِذا كَانَ خَبَرهَا اسْما فقد يقْصد بهَا الدَّوَام والاستمرار الثبوتي بمعونة الْقَرَائِن وَإِذا كَانَ خَبَرهَا مضارعاً فقد يُفِيد استمراراً تجددياً وَهَذِه الإفادة أَيْضا بمعونة الْقَرَائِن كَمَا فِي: الله يستهزئ بهم لَكِن هَذَا الِاسْتِمْرَار التجددي مُسْتَفَاد من الْمُضَارع فِي الْحَقِيقَة وَفَائِدَة الْجُمْلَة الإسمية هَا هُنَا تقَوِّي الحكم فَلَيْسَ كل جملَة إسمية مفيدة للدوام فَإِن قَوْلك: زيد قَامَ يُفِيد تجدّد الْقيام. فَقَوْل الشَّارِح هُنَا إِنَّمَا وَجب حذف الْفِعْل لِأَن الْمَقْصُود من مثل هَذَا الْحصْر أَو التكرير وصف الشَّيْء بدوام حُصُول الْفِعْل مِنْهُ ولزومه لَهُ وَوضع الْفِعْل على الْحُدُوث والتجدد مشكلٌ لِأَنَّهُ هُنَا جملَة إسمية خَبَرهَا فعل مضارع أَو اسْم فَاعل دلّ على الْحُدُوث لعمله فَهِيَ للاستمرار التجددي لَا الدوامي وحينئذٍ لَا فرق بَين ذكر الْعَامِل وحذفه لِأَن التَّقْدِير: مَا زيد إِلَّا يسير سيراً وَزيد يسير سيراً فَكيف جعل الْغَرَض من هَذَا الْحصْر أَو التكرير وصف الشَّيْء بدوام حُصُول الْفِعْل مِنْهُ ولزومه لَهُ مَعَ أَن الْجُمْلَة اسمية خَبَرهَا مضارع فَإِن أُجِيب: بِأَن الْجُمْلَة إِنَّمَا أفادت مَعَ الْحصْر أَو التكرير الدَّوَام الثبوتي للُزُوم حذف الْعَامِل ورد عَلَيْهِ الْجُمْلَة الاسمية الَّتِي خَبَرهَا ظرفية إِذا قدر الْمُتَعَلّق فِيهَا فعلا فَإِنَّهَا لَا تفِيد الدَّوَام الثبوتي مَعَ لُزُوم حذف الْعَامِل. فَإِن أُجِيب: بِأَن الدَّال على الدَّوَام الثبوتي إِنَّمَا هُوَ الْحصْر أَو التكرير لَا الْجُمْلَة الإسمية الَّتِي قدر خَبَرهَا فعلا كَمَا يدل عَلَيْهِ قَوْله بعد ذَلِك لم يكن

فِيهِ معنى الْحصْر الْمُفِيد للدوام ورد عَلَيْهِ أَن كَلَامهم مُطلق لم يُقيد بِهَذَا الْقَيْد. وَقَول الشَّارِح: وَإِن كَانَ يسْتَعْمل الْمُضَارع فِي بعض الْمَوَاضِع للدوام لَا يَخْلُو عَن بحث فَإِن ظَاهره) أَن الدَّوَام الَّذِي يفِيدهُ الْمُضَارع ثبوتي لَا تجددي إِلَّا أَن يُقَال: مُرَاده مُطلق الدَّوَام وَإِن كَانَ مُخْتَلفا وَهَذَا لَا يُنَاسب أول كَلَامه. وَقَوله: وَذَلِكَ لمشابهته لاسم الْفَاعِل إِن حمل اسْم الْفَاعِل على الْعَامِل فدوامه تجددي لَا ثبوتي وَإِن حمل على غير الْعَامِل فَهُوَ يُفِيد الِاسْتِمْرَار الدوامي لَا التجددي بِالْقَرِينَةِ وَالْحمل عَلَيْهِ لَا يُنَاسب لِأَن الْمُضَارع لَا يُفِيد ذَلِك بل يُفِيد الِاسْتِمْرَار التجددي. وَقَوله: فَلَمَّا كَانَ المُرَاد التَّنْصِيص على الدَّوَام واللزوم لم يسْتَعْمل الْعَامِل أصلا يُرِيد أَنه قد علم أَن الدَّال للدوام عِنْده هُوَ الْحصْر أَو التكرير فالتزم حذف مَا دلَالَته تنَافِي ذَلِك وَهُوَ الْعَامِل لِأَنَّهُ: إِمَّا فعل وَهُوَ مَوْضُوع للتجدد واستعماله فِي الدَّوَام إِذا كَانَ مضارعاً لَيْسَ وضيعاً بل بالقرائن فَنَظَرْنَا إِلَى أصل الْوَضع والتزمنا حذفه وَفِيه أَن الْمَحْذُوف كَالثَّابِتِ كَمَا يدل عَلَيْهِ كَلَامهم فِي مُتَعَلق الظّرْف الْوَاقِع خَبرا إِذا قدر بِالْفِعْلِ. وَقَوله: أَو اسْم فَاعل وَهُوَ مَعَ الْعَمَل كالفعل أَي: للتجدد فَلَا يُفِيد الِاسْتِمْرَار وضعا وَإِن اسْتعْمل فِيهِ بمعونة الْقَرَائِن وَفِيه أَيْضا أَن الْمَحْذُوف كَالثَّابِتِ وَعَمله إِنَّمَا يُنَافِي حمله على الِاسْتِمْرَار الثبوتي إِذا كَانَ عَاملا فِي الْمَفْعُول بِهِ أما عمله فِي الظّرْف أَو فِي الْمَفْعُول الْمُطلق كَمَا هُنَا فَلَا يُنَافِي إفادته للدوام الثبوتي وَأما إِذا عمل فِي الْمَفْعُول بِهِ فَإِنَّهُ يُفِيد الِاسْتِمْرَار التجددي. وَبَيت الشَّاهِد من أَبْيَات سَبْعَة أَولهَا: (ياجند أَخْبرنِي وَلست بمخبري ... وأخوك ناصحك الَّذِي لَا يكذب) ...

(هَل فِي الْقَضِيَّة أَن إِذا استغنيتم ... وأمنتم فَأَنا الْبعيد الأجنب) (وَإِذا تكون كريهة أدعى لَهَا ... وَإِذا يحاس الحيس يدعى جُنْدُب) (ولجنب سهل الْبِلَاد وعذبها ... ولي الملاح وخبتهن المجدب) عجب لتِلْك قَضِيَّة وإقامتي ... ... ... ... ... ... ... . الْبَيْت (هَذَا وجدكم الصغار بِعَيْنِه ... لَا أم لي إِن كَانَ ذَاك وَلَا أَب) وَهَذَا الشّعْر لضمرة بن ضَمرَة بن جَابر بن قطن بن نهشل بن دارم شَاعِر جاهلي. وَيُقَال: إِن ضَمرَة كَانَ اسْمه شقة فَسَماهُ النُّعْمَان ضَمرَة بن ضَمرَة. وَكَانَ يبر أمه ويخدمها وَكَانَت مَعَ ذَلِك تُؤثر أَخا لَهُ يُقَال لَهُ جُنْدُب فَقَالَ هَذَا الشّعْر. هَكَذَا رَوَاهُ ابْن هِشَام اللَّخْمِيّ فِي شرح أَبْيَات الْجمل. وَرَوَاهُ بَعضهم: يَا ضمر أَخْبرنِي وَقَالَ: إِن قَائِله ضَمرَة. وَهُوَ خطأ. وَنسبه أَبُو رياش) لهمام بن مرّة أخي جساس بن مرّة قَاتل كُلَيْب. وَزعم ابْن الْأَعرَابِي: أَنه قيل قبل الْإِسْلَام بِخَمْسِمِائَة سنة. وَفِي شرح أَبْيَات سِيبَوَيْهٍ: أَنه لبَعض مذْحج وَقَالَ السيرافي: هُوَ لزراقة الْبَاهِلِيّ. وَقَالَ الْآمِدِيّ فِي المؤتلف والمختلف: هُوَ لهني بن أَحْمَر من بني الْحَارِث ابْن مرّة بن عبد مَنَاة بن كنَانَة بن خُزَيْمَة جاهلي. وأنشدوا لَهُ: يَا ضمر أَخْبرنِي. وهني: مصغر هن وَأَصله هنيو فأبدلت الْوَاو يَاء وأدغمت فِي الْيَاء لسبقها بِالسُّكُونِ. وَرَوَاهُ أَبُو مُحَمَّد الْأَعرَابِي عَن أبي الندي: أَنه لعَمْرو بن الْغَوْث بن طَيئ وأنشدوا لَهُ:

قَالَ: أكتبنا أَبُو الندى قَالَ: بَينا طَيئ جَالس ذَات يَوْم مَعَ وَلَده بالجبلين: أجأ وسلمى إِذْ أقبل رجلٌ من بقايا جديس ممتد الْخلق كَاد يسد الْأُفق طولا ويفرعهم باعا وَإِذا هُوَ الْأسود بن عفار الجديسي وَكَانَ نجا من حسان تبع يَوْم الْيَمَامَة فلحق بالجبلين فَقَالَ لِطَيِّئٍ: من أدخلكم بلادي وأورثكم عَن آبَائِي اخْرُجُوا عَنْهَا وَإِلَّا اضربوا بَيْننَا وَبَيْنكُم وقتا نقتتل فِيهِ فأينا غلب اسْتحق الْبَلَد فاتعدا لوقتٍ فَقَالَ طَيئ لجندب بن خَارِجَة بن سعد بن فطْرَة بن طَيئ وَأمه جديلة بنت سبيع بن عَمْرو من حمير وَبهَا يعْرفُونَ وهم جديلة طَيء وَكَانَ طَيئ لَهَا مؤثراً فَقَالَ لجندب: قَاتل عَن مكرمتك. فَقَالَت أمه آللَّهُ لتتركن بنيك ولتعرضن ابْني للْقَتْل فَقَالَ طَيئ: وَيحك إِنَّمَا خصصته بذلك. فَأَبت. فَقَالَ طَيئ لعَمْرو بن الْغَوْث بن طَيئ: عَلَيْك يَا عَمْرو الرجل فقاتله. قَالَ عَمْرو: لَا أفعل. وَقَالَ هَذِه الأبيات وَهُوَ أول من قَالَ الشّعْر فِي طَيئ بعد طَيئ. فَقَالَ طَيئ: يابني إِنَّهَا أكْرم دارٍ فِي الْعَرَب. فَقَالَ عَمْرو: لن أفعل إِلَّا على شَرط أَن لَا يكون لبني جديلة فِي الجبلين نصيب. فَقَالَ لَهُ طَيئ: لَك شرطك. فَأقبل الْأسود بن عفار

وَمَعَهُ قَوس من حَدِيد ونشاب من حَدِيد فَقَالَ: يَا عَمْرو إِن شِئْت صارعتك وَإِن شِئْت ناضلتك. وَإِلَّا سايفتك. فَقَالَ عَمْرو: الصراع أحب إِلَيّ فاكسر قوسك لأكسرها أَيْضا ونصطرع. وَكَانَت مَعَ عَمْرو بن الْغَوْث قوسٌ مَوْصُولَة بزرافين إِذا شَاءَ شدها وَإِذا شَاءَ خلعها فَأَهوى بهَا عَمْرو فانفتحت الزرافين وَاعْترض الْأسود بقوسه ونشابه فَكَسرهَا فَلَمَّا رأى عَمْرو ذَلِك أَخذ قوسه فركبها وأوترها وناداه: يَا أسود اسْتَعِنْ بقوسك فالرمي أحب إِلَيّ. فَقَالَ الْأسود: خدعتني. فَقَالَ عَمْرو: الْحَرْب خدعة فَصَارَت مثلا. فَرَمَاهُ عَمْرو ففلق قلبه وخلص الجبلان لِطَيِّئٍ فنزلهما بَنو الْغَوْث وَنزلت جديلة السهل مِنْهُمَا. وروى أَمن السوية أَي: من الْعدْل. والأجنب بِالْجِيم وَالنُّون: الْغَرِيب والبعيد وروى الأخيب) أَي: الخائب. وأشجتكم من الشجى وَهُوَ الْحزن وَفعله فِي بَاب تَعب وأشجاه أحزنه. والحيس بِفَتْح الْمُهْملَة: لبن وأقط وَسمن وتمر يصنع مِنْهُ طَعَام. والملاح بِكَسْر الْمِيم: جمع مليح يُقَال قليب مليح أَي: مَاؤُهُ ملح. والخبت بِفَتْح الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْمُوَحدَة: المطمئن من الأَرْض فِيهِ رمل. والمجدب اسْم فَاعل من الجدب بِفَتْح الْجِيم وَسُكُون الْمُهْملَة: نقيض الخصب بِكَسْر الْمُعْجَمَة. وَقَوله: هَذَا وجدكم الصغار بِعَيْنِه ... . الْبَيْت

هُوَ من شَوَاهِد س وَغَيره. وَالشَّاهِد فِيهِ رفع الِاسْم الثَّانِي مَعَ فتح الأول. وَذَلِكَ إِمَّا على إِلْغَاء الثَّانِيَة وَرفع تَالِيهَا بالْعَطْف على مَحل الأولى مَعَ اسْمهَا وعَلى هَذَا فخبرهما وَاحِد وَإِمَّا على تَقْدِير لَا الثَّانِيَة معتداً بهَا عاملةً عمل لَيْسَ فَيكون لكل من الأولى وَالثَّانيَِة خبر يَخُصهَا لِأَن خبر الأولى مَرْفُوع وَخبر الثَّانِيَة مَنْصُوب. وَهَذَا مُبْتَدأ وَخَبره الصغار بِفَتْح الصَّاد بِمَعْنى الذل. وَقَوله وجدكم جملَة قسمية مُعْتَرضَة بَين المبتدا وَالْخَبَر. قَالَ اللَّخْمِيّ: وَالْجد هُنَا: أَبُو الْأَب: وَالْجد أَيْضا: البخت والسعد وَالْعَظَمَة. ويروى: هَذَا لعمركم. وَقَوله بِعَيْنِه: تَأْكِيد للصغار وزيدت الْبَاء كَمَا يُقَال جَاءَ زيد بِعَيْنِه وَقيل: حَال مُؤَكدَة أَي: هَذَا الصغار حَقًا. وَقَالَ اللَّخْمِيّ: وبعينه حَال من الصغار وَالْعَامِل فِيهِ مَا فِي هَا من معنى التَّنْبِيه أَو مَا فِي ذَا من معنى الْإِشَارَة. وَذَاكَ: فَاعل كَانَ إِذْ هِيَ تَامَّة وَيجوز أَن تكون نَاقِصَة وخبرها مَحْذُوف أَي: إِن كَانَ ذَاك مَرِيضا ولابد على الْوَجْه الأول من حذف مُضَاف أَي: إِن كَانَ رِضَاء ذَاك ليَصِح الْمَعْنى لِأَنَّهُ إِنَّمَا اشْترط أَنه لَا يرضى بذلك الْخَسْف الَّذِي يطْلب مِنْهُ وَجُمْلَة الشَّرْط مُعْتَرضَة بَين الْمَعْطُوف والمعطوف عَلَيْهِ وسد مَا قبل الشَّرْط مسد الْجَواب أَي: إِن كَانَ ذَلِك انتفيت من أُمِّي وَأبي. والمشار إِلَيْهِ باسم الْإِشَارَة فِي الْمَوْضِعَيْنِ الْفِعْل الَّذِي فَعَلُوهُ بِهِ. وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد التَّاسِع وَالثَّمَانُونَ فِيهَا ازدهاف أَيّمَا ازدهاف

على انه نصب أَيّمَا على الْمصدر أَو الْحَال مَعَ أَنه لم يذكر صَاحب الِاسْم وَلَا الْمَوْصُوف وَهُوَ فِي غَايَة الضعْف وَالْوَجْه الإتباع فِي مثله وَهُوَ رَفعه صفة لازدهاف لكنه حمله على الْمَعْنى لِأَنَّهُ إِذْ قَالَ فِيهَا ازدهاف فَكَأَنَّهُ قَالَ: تزدهف أَيّمَا ازدهاف. قَالَ سِيبَوَيْهٍ: فَإِن قلت: لَهُ صَوت أَيّمَا صَوت أَو مثل صَوت الْحمار أَو لَهُ صوتٌ صَوتا حسنا جَازَ زعم ذَلِك الْخَلِيل. وَيُقَوِّي ذَلِك أَن يُونُس وَعِيسَى زعما أَن رؤبة كَانَ ينشد هَذَا الْبَيْت نصبا. وَزعم الْجرْمِي أَن نَصبه على إِضْمَار تزدهف قَالَ: وَلَا يجوز نَصبه بازدهاف لِأَن الْمصدر لَا يعْمل فِي الْمصدر. وَهَذَا الْبَيْت من أرجوزة طَوِيلَة تزيد على ثَمَانِينَ بَيْتا لرؤية ابْن العجاج يُعَاتب بهَا أَبَاهُ مِنْهَا: (إِنَّك لم تنصف أَبَا الجحاف ... وَكَانَ يرضى مِنْك بالإنصاف) (وَهُوَ عَلَيْك وَاسع العطاف ... غاديك بالنفع وَأَنت جافي) (عَنهُ وَلَا يخفى الَّذِي تجافي ... كَيفَ تلومه على الإلطاف) (وَأَنت لَو ملكت بِالْإِتْلَافِ ... شبت لَهُ شوباً من الذعاف) (والدهر إِن الدَّهْر ذُو ازدلاف ... بِالْمَرْءِ ذُو عطفٍ وَذُو انصراف) إِلَى أَن قَالَ: وَإِن تشكيت من الإسخاف لم أر عطفا من أَب عطاف (فليت حظي من جداك الضافي ... والنفع أَن تتركني كفاف) (لَيست قوى حبلي بالضعاف ... لَوْلَا توقي على الإشراف) ...

(أقحمني فِي النفنف النفناف ... فِي مثل مهوى هوة الوصاف) (قَوْلك أقوالاً مَعَ التحلاف ... فِيهِ ازدهاف أَيّمَا ازدهاف) وَالله بَين الْقلب والأضعاف أَبُو الجحاف بِفَتْح الْجِيم وَتَشْديد الْحَاء الْمُهْملَة: كنية رؤبة. والعطاف بِكَسْر الْعين: الرِّدَاء مَأْخُوذ من الْعَطف وَهُوَ الْميل والمحبة. وغاديك: من الغدوة وَهُوَ من أول النَّهَار إِلَى الزَّوَال يُقَال) غَدا عَلَيْهِ غدواً وغدواً بِالضَّمِّ: إِذا بكر وغاداه: باكره. والجفو: الِارْتفَاع والتباعد ونقيض الْوَصْل. والإلطاف بِكَسْر الْهمزَة: السّير يُقَال ألطفه بِكَذَا أَي: بره. وملكت بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول وَتَشْديد اللَّام. والشوب: الْخَلْط والمزج. والذعاف بِضَم الذَّال الْمُعْجَمَة: السم وَقيل سم ساعةٍ. والقراف بِكَسْر الْقَاف: المقاربة. وَضمير هُوَ للإتلاف أَي: إتلافي مقرب للأعداء إِلَيْك. والازدلاف: الاقتراب فِي الحَدِيث ازدلفوا إِلَى الله بِرَكْعَتَيْنِ أَي: تقربُوا وأصل الزلفة الْمنزلَة والحظوة. وَقَوله بِالْمَرْءِ مُتَعَلق بالازدلاف والعطف: الإقبال. والانصراف: الإدبار. والإسخاف بِكَسْر الْهمزَة وَبعد السِّين الْمُهْملَة خاء مُعْجمَة: رقة الْعَيْش. وسخفة الْجُوع بِالْفَتْح: رقته وهزاله والعطف: الشَّفَقَة والعطاف مُبَالغَة عاطف والجدى بِفَتْح الْجِيم وَالْقصر: الجدوى وهما الْعَطِيَّة والضافي بِالْمُعْجَمَةِ: الْكثير من ضفا المَال: إِذا كثر أَو بِمَعْنى السابغ يُقَال ثوب ضاف من ضفا الشَّيْء يضفو ضفواً. وَقَوله: والنفع بِالْجَرِّ عطفا على جداك وروى بدله وَالْفضل. وَقَوله: أَن تتركني كفاف خبر لَيست. أوردهُ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي على أَن فعال بِنَاؤُه على الْكسر مَشْهُور فِي المعارف كحذام لشبهه بنزال وَقد جَاءَ فِي غير المعارف وَمِنْه هَذَا وَالْأَصْل كافا فَهُوَ حَال أَو ترك كفاف فمصدر. وَقَول الصاغاتي فِي الْعباب: كفاف فِي هَذَا الْبَيْت هُوَ من قَوْلهم دَعْنِي كفاف أَي: كف

عني وأكف عَنْك أَي: ننجو رَأْسا بِرَأْس وَعَلِيهِ فَهُوَ اسْم فعل قد جَاءَ على بَابه. والقوى جمع قُوَّة وَهِي إِحْدَى طاقات الْحَبل. والضعاف: جمع ضَعِيف. والتوقي: التخوف وَأَصله جعل النَّفس فِي وقاية مِمَّا يخَاف. والوقاية: فرط الصيانة وَقيل حفظ الشَّيْء مِمَّا يُؤْذِيه ويضره. والإشراف بِكَسْر الْهمزَة: النَّفَقَة كَذَا فِي الْعباب أَي: أَنِّي جلد غير عَاجز عَن الِاكْتِسَاب لَوْلَا أَنِّي ملازم على خدمتك وحالف على تعظيمك. وأقحمني: أدخلني يُقَال قحم فلَان بِنَفسِهِ فِي كَذَا: إِذا دخل فِيهِ من روية وفاعله هُوَ قَوْلك الْآتِي. والنفنف: بنونين كجعفر: المهوى بَين جبلين وصقع الْجَبَل الَّذِي كَأَنَّهُ جِدَار مَبْنِيّ مستوٍ والنفناف بِمَعْنَاهُ جعل وَصفا لَهُ بِمَعْنى الصعب والشديد. وَقَوله فِي مثل مهوى بدل من قَوْله فِي النفنف. والمهوى وَمثله المهواة بِمَعْنى الْمسْقط: اسْم مَكَان من هوى بِالْفَتْح يهوي بِالْكَسْرِ هوياً بِضَم الْهَاء وَكسر الْوَاو وَتَشْديد الْيَاء وَيُقَال لما بَين الجبلين) وَنَحْوه أَيْضا مهوى والهوة بِضَم الْهَاء وَتَشْديد الْوَاو: الوهدة العميقة. والوصاف بِفَتْح الْوَاو وَتَشْديد الصَّاد الْمُهْملَة: رجل من سَادَات الْعَرَب اسْمه مَالك بن عَامر بن كَعْب بن سعد بن ضبيعة بن عجل بن لجيم وَسمي الوصاف لحَدِيث لَهُ قَالَ أَبُو مُحَمَّد الْأَعرَابِي: هوة الوصاف فِي شعر رؤبة. دحل بالحزن لبني الوصاف من بني عجل وهوة الوصاف مثل فِي الْعَرَب يستعملونه فِي الدُّعَاء على الْإِنْسَان يُقَال كَبه الله فِي هوة ابْن الوصاف: وقولك فَاعل أقحمني. وأقوالا: جمع قَول بِمَعْنى الْمَقُول. والتحلاف بِفَتْح التَّاء: مصدر بِمَعْنى الْحلف يَقُول: إِن أقوالك الكاذبة الْمُؤَكّدَة بالأيمان الْبَاطِلَة غرتني حَتَّى أوقعتني بالشدائد والمهالك. وَقَوله: فِيهِ أَي فِي قَوْلك أَو فِي

فِي الْعباب: وازدهفه: استخفه وَفِيه ازدهاف أَي: استعجال وتقحم زَاد فِي الْقَامُوس: وتزيد فِي الْكَلَام يُرِيد أَن كَلَامه يستخف الْعُقُول. وَأي هَذِه الدَّالَّة على معنى الْكَمَال وَإِذا وَقعت بعد النكرَة كَانَت صفة لَهَا وَبعد الْمعرفَة كَانَت حَالا مِنْهَا لَكِنَّهَا نصبت هُنَا على المصدرية وَيجوز رَفعهَا على الوصفية وَمَا زَائِدَة. وَالله مُبْتَدأ والظرف خَبره. والأضعاف أَعْضَاء الْجَسَد جمع ضعف بِالْكَسْرِ أَي: إِن الله عَالم بِمَا فِي الضمائر وَلَا يخفى عَلَيْهِ مَا تضمره لي. وَالسَّبَب فِي عتاب رؤبة أَبَاهُ: مَا رَوَاهُ الْأَصْمَعِي قَالَ: قَالَ رؤبة: خرجت مَعَ أبي نُرِيد سُلَيْمَان بن عبد الْملك فَلَمَّا سرنا بعض الطَّرِيق قَالَ لي: أَبوك راجز وَأَنت مفحم. قلت: أفأقول قَالَ: نعم. فَقلت أرجوزة. فَلَمَّا سَمعهَا قَالَ لي: اسْكُتْ فض الله فَاك. فَلَمَّا وصلنا إِلَى سُلَيْمَان أنْشدهُ أرجوزتي فَأمر لَهُ بِعشْرَة آلَاف دِرْهَم فَلَمَّا خرجنَا من عِنْده قلت لَهُ: أتسكتني وتنشده أرجوزتي فَقَالَ: اسْكُتْ وَيلك فَإنَّك أرجز النَّاس. فَالْتمست مِنْهُ أَن يعطيني نَصِيبا مِمَّا أَخذه بشعري فَأبى فنابذته فَقَالَ: (لطالما أجْرى أَبُو الجحاف ... لهيئة بعيدَة الْأَطْرَاف) (يَأْتِي على الأهلين والألاف ... سرهفته مَا شِئْت من سرهاف) (حَتَّى إِذا مَا آض ذَا أعراف ... كالكودن المشدود بالإكاف)

فأجبته بِهَذِهِ الأرجوزة. وَفِي كتاب مَنَاقِب الشبَّان وتقديمهم على ذَوي الْأَسْنَان كَانَ رؤبة يرْعَى إبل أَبِيه حَتَّى بلغ وَهُوَ لَا يقْرض الشّعْر فَتزَوج أَبوهُ امْرَأَة تسمى عقرب فَعَادَت رؤبة وَكَانَت تقسم إبِله على أَوْلَادهَا الصغار فَقَالَ رؤبة: مَا هم بِأَحَق مني لَهَا إِنِّي لأقاتل عَنْهَا السنين وأنتجع بهَا الْغَيْث. فَقَالَت) عقرب للعجاج أسمع هَذَا وَأَنت حَيّ فَكيف بِنَا بعْدك فَخرج فزبرة وَصَاح بِهِ وَقَالَ لَهُ: اتبع إبلك ثمَّ قَالَ: الرجز (لطالما أجْرى أَبُو الجحاف ... فِي فرقة طَوِيلَة التَّجَافِي) (لما رَآنِي أرعشت أطرافي ... استعجل الدَّهْر وَفِيه كَافِي) يخترم الإلف مَعَ الألاف فِي أَبْيَات. فأنشده رؤبة يجِيبه: الرجز (إِنَّك لم تنصف أَبَا الجحاف ... وَكَانَ يرضى مِنْك بالإنصاف) وَهُوَ عَلَيْك دَائِم التعطاف هَكَذَا روى هذَيْن الْوَجْهَيْنِ السُّيُوطِيّ فِي شرح شَوَاهِد الْمُغنِي. وَقَوله: لطالما أجْرى أَبُو الجحاف أجْرى: أرسل جَريا بِفَتْح الْجِيم

وَتَشْديد الْيَاء وَهُوَ الرَّسُول والأجير وَالْوَكِيل ومفعوله مَحْذُوف أَي أجراني يَقُول طالما استخدمني فِي صغره. والهيئة: التهيؤ يُقَال هَاء لِلْأَمْرِ يهاء ويهيء: إِذا أَخذ لَهُ هَيئته كتهيأ لَهُ وهيأه تهيئة: أصلحه. والألاف بِضَم الْهمزَة وَتَشْديد اللَّام: جمع ألف كعمال جمع عَامل. والسرهفة: نعْمَة الْغذَاء بِفَتْح النُّون يُقَال سرهفت الصَّبِي وسرعفته: إِذا أَحْسَنت غذاءه والسرهاف بِالْكَسْرِ. وروى: سرعفته مَا شِئْت من سرعاف وآض بِمَعْنى صَار. والأعراف: جمع عرف الْفرس. والكودن: الْفرس الهجين والبرذون والبغل. والإكاف: البرذعة. وَهَذِه صِفَات ذمّ لَهُ يُرِيد أَنه رباه حَتَّى صَار رجلا ذَا لحية. وصراف: اسْم فعل أَمر بِمَعْنى اصرف. وَقَوله فِي الْوَجْه الثَّانِي: استعجل الدَّهْر وَفِيه كَافِي كَقَوْل الآخر: تعين عَليّ الدَّهْر والدهر مكتف وَقَول كسْرَى: إِذا أدبر الدَّهْر عَن قوم كفى عدوهم. وَأنْشد بعده وَهُوَ) الشَّاهِد التِّسْعُونَ وَهُوَ من شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ:

الْكَامِل (إِنِّي لأمنحك الصدود وإنني ... قسما إِلَيْك مَعَ الصدود لأميل) على أَن قسما تَأْكِيد للحاصل من الْكَلَام السَّابِق بِسَبَب إِن وَاللَّام يَعْنِي أَن قسما تأكيدٌ لما فِي قَوْله: وإنني مَعَ الصدود لأميل إِلَيْك: من معنى الْقسم لما فِيهِ من التَّحْقِيق والتأكيد من إِن وَلَام التَّأْكِيد فَلَمَّا كَانَ فِي الْجُمْلَة مِنْهُمَا تَحْقِيق وَالْقسم أَيْضا تَحْقِيق صَار كَأَنَّهُ قَالَ: أقسم قسما. وَقَالَ ابْن خلف: الشَّاهِد فِيهِ أَنه جعل قسما تَأْكِيدًا لقَوْله: وإنني إِلَيْك لأميل وَقَوله وإنني إِلَيْك لأميل جَوَاب قسم فَجعل قسما تَأْكِيدًا لما هُوَ قسم. وروى أَبُو الْحسن: أَصبَحت أمنحك كَأَنَّهُ قَالَ: أَصبَحت أمنحك الصدود وَوَاللَّه إِنِّي إِلَيْك لأميل. وهم يحذفون الْيَمين وهم يريدونها ويبقون جوابها. وَفِيه نظر من وَجْهَيْن: الأول أَن الْجُمْلَة لَيست جَوَاب قسم مَحْذُوف. وَالثَّانِي: أَن الْمُؤَكّد لَا يحذف. وَجعل ابْن السراج فِي الْأُصُول التوكيد من جِهَة الِاعْتِرَاض فَقَالَ: قَوْله قسما اعْتِرَاض وَجُمْلَة هَذَا الَّذِي يَجِيء مُعْتَرضًا إِنَّمَا يكون تَأْكِيد للشَّيْء أَو لدفعه لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَة الصّفة فِي الْفَائِدَة يُوضح عَن الشَّيْء ويؤكده. وَقَالَ ابْن جني فِي إِعْرَاب الحماسة: انتصاب قسمٍ لَا يَخْلُو أَن يكون بِمَا تقدم من قَوْله إِنِّي لأمنحك الصدود أَو من جملَة إِنَّنِي إِلَيْك لأميل. وَلَا يجوز الأول من حَيْثُ كَانَ فِي ذَلِك الحكم لجَوَاز الْفَصْل بَين اسْم إِن وخبرها بمعمول جملَة أُخْرَى أَجْنَبِي عَنْهَا فَثَبت بذلك أَنه من الْجُمْلَة الثَّانِيَة وَأَنه مَنْصُوب بِفعل مَحْذُوف دلّ عَلَيْهِ قَوْله: وإنني إِلَيْك لأميل أَي: أقسم

قسما وأضمر هَذَا الْفِعْل وَإِنَّمَا سبق الْجُزْء الأول من الْجُمْلَة الثَّانِيَة وَهُوَ اسْم إِن وَهَذَا وَاضح. وَهَذَا الْبَيْت من قصيدة للأحوص الْأنْصَارِيّ يمدح بهَا عمر بن عبد الْعَزِيز الْأمَوِي. وأولها: (يَا بَيت عَاتِكَة الَّذِي أتعزل ... حذر العدا وَبِه الْفُؤَاد مُوكل) إِنِّي لأمنحك الصدود وإنني ... ... ... ... ... الْبَيْت (وَلَقَد نزلت من الْفُؤَاد بمنزل ... مَا كَانَ غَيْرك وَالْأَمَانَة ينزل) (وَلَقَد شَكَوْت إِلَيْك بعض صبابتي ... وَلما كتمت من الصبابة أطول)) (هَل عيشنا بك فِي زَمَانك رَاجع ... فَلَقَد تفحش بعْدك المتعلل) (فصددت عَنْك وَمَا صددت لبغضة ... أخْشَى مقَالَة كاشح لَا يغْفل) (وَلَئِن صددت لأَنْت لَوْلَا رقبتي ... أشهى من اللائي أَزور وَأدْخل) (وتجنبي بَيت الحبيب أحبه ... أرضي البغيض بِهِ حَدِيث معضل) وَقَالَ فِي آخرهَا يُخَاطب عمر بن عبد الْعَزِيز رَحِمَهُ اللَّهُ: (وأراك تفعل مَا تَقول وَبَعْضهمْ ... مذق الحَدِيث يَقُول مَا لَا يفعل) (وَأرى الْمَدِينَة حِين كنت أميرها ... أَمن البريء بهَا ونام الأعزل) وَهَذَا آخر القصيدة.

وعاتكة هِيَ بنت يزِيد بن مُعَاوِيَة وَكَانَت مِمَّن يشبب بهَا من النِّسَاء. وَقَوله: أتعزل بِالْعينِ الْمُهْملَة أَي: أتجنبه وأكون عَنهُ بمعزل. وَقَوله: وَبِه الْفُؤَاد مُوكل من وكلته بِأَمْر كَذَا: فوضته إِلَيْهِ. وَقَوله: إِنِّي لأمنحك الصدود ... إِلَخ يُرِيد أَنه يظْهر هجر هَذَا الْبَيْت وَمن فِيهِ وَهُوَ محب لَهُم خوفًا من أعدائه. وَالْوَاو فِي قَوْله: وَالْأَمَانَة وَاو الْقسم. وتفحش: من فحش الشَّيْء فحشا مثل قبح قبحاً وزنا وَمعنى. والمتعلل اسْم مفعول من تعلل بالشَّيْء: إِذا تلهى بِهِ وَعلله بالشَّيْء إِذا ألهاه بِهِ كَمَا يُعلل الصَّبِي بِشَيْء من الطَّعَام عَن اللَّبن يُقَال فلَان يُعلل نَفسه بتعلة. وَجُمْلَة قَوْله: أخْشَى مقَالَة كاشح اسْتِئْنَاف بياني. ويغفل من بَاب نصر ينصر. وَقَوله: وَلَو أَن مَا عَالَجت ... إِلَخ ضمير فُؤَاده عَائِد للكاشح وَهَذَا الْبَيْت من أَبْيَات مُغنِي اللبيب وَهُوَ بِنَقْل فَتْحة الْألف إِلَى وَاو لَو وَمَا: موصوله اسْم أَن وعالجت صلَة والعائد مَحْذُوف أَي: بِهِ وَجُمْلَة استلين بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول خبر لِأَن والجندل نَائِب الْفَاعِل وللان جَوَاب لَو وفاعله ضمير الجندل وقسا: عطف على الصِّلَة بِالْفَاءِ وَهُوَ خَال عَن الرَّبْط لِأَن ضَمِيره عَائِد إِلَى الْفُؤَاد وَلما كَانَ فِي الْفَاء معنى السَّبَبِيَّة اكْتفى من الجملتين بضمير وَاحِد وَهُوَ الْمَجْرُور الْمَحْذُوف وحذفت بِهِ الأولى من الصِّلَة اكْتِفَاء ب بِهِ الثَّانِيَة وَهُوَ مَحل الشَّاهِد فِي الْمُغنِي.

وَقَوله: لَوْلَا رقبتي هُوَ بِكَسْر الرَّاء اسْم من المراقبة بِمَعْنى الْخَوْف. وَالْبَيْت الأول قد عرض بِهِ بعض الْمَدَنِيين لأبي جَعْفَر الْمَنْصُور قَالَ المدايني: لما حج الْمَنْصُور قَالَ للربيع: أبغني فَتى من أهل الْمَدِينَة أديباً ظريفاً عَالما بقديم ديارها ورسوم آثارها فقد بعد عهدي بديار قومِي وَأُرِيد الْوُقُوف عَلَيْهَا. فالتمس لَهُ الرّبيع فَتى أعلم النَّاس بِالْمَدِينَةِ وأفهمهم بظريف الْأَخْبَار وشريف الْأَشْعَار فَعجب بِهِ الْمَنْصُور وَكَانَ يسايره أحسن مسايرة ويحاضره) أزين محاضرة وَلَا يبتدئه بخطاب إِلَّا على وَجه الْجَواب فَإِذا سَأَلَهُ أَتَى بأوضح دلَالَة وأفصح مقَالَة. فأعجب بِهِ الْمَنْصُور غَايَة الْإِعْجَاب وَقَالَ للربيع: ادْفَعْ إِلَيْهِ عشرَة آلَاف دِرْهَم وَكَانَ الْفَتى مملقاً مُضْطَرّا فتشاغل الرّبيع عَن الْقَضَاء واضطرته الْحَاجة إِلَى الِاقْتِضَاء وَقيل قَالَ لَهُ الرّبيع: لَا بُد من معاودته وَإِن أَحْبَبْت دفعت إِلَيْك سلفا من عِنْدِي حَتَّى أعاوده فِيمَا أَمر لَك. فأبقى ذَلِك حَتَّى إِذا كَانَ فِي بعض اللَّيَالِي قَالَ عِنْد مُنْصَرفه مبتدئاً: وَهَذِه الدَّار يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ يَا بَيت عَاتِكَة الَّذِي أتعزل ثمَّ سكت فَأنْكر الْمَنْصُور هَذَا من حَاله وفكر فيأمره فَعرض الشّعْر على نَفسه فَإِذا فِيهِ. (وأراك تفعل مَا تَقول وَبَعْضهمْ ... مذق الحَدِيث يَقُول مَا لَا يفعل) فَقَالَ للربيع: أدفعت للرجل مَا أمرنَا لَهُ بِهِ قَالَ: لَا يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ. قَالَ: فليدفع إِلَيْهِ مضاعفاً.

وَهَذَا أحسن إفهام من الْفَتى وَأحسن فهم من الْمَنْصُور. وَلم يسمع فِي التَّعْرِيض بألطف مِنْهُ. وَلقَوْل الْأَحْوَص سَبَب ذكره عبد الله بن عُبَيْدَة بن عمار بن يَاسر قَالَ: خرجت أَنا والأحوص بن مُحَمَّد مَعَ عبد الله بن الْحسن بن الْحسن بن عَليّ بن أبي طَالب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه إِلَى الْحَج فَلَمَّا كُنَّا بِقديد قُلْنَا لعبد الله بن الْحسن: لَو أرْسلت إِلَى سُلَيْمَان بن أبي دباكل الْخُزَاعِيّ فأتشدنا نمن رَقِيق شعره فَأرْسل إِلَيْهِ. فأنشدنا قصيدة لَهُ يَقُول فِيهَا: (يَا بَيت خنساء الَّذِي أتجنب ... ذهب الزَّمَان وحبها لَا يذهب) (أَصبَحت أمنحك الصدود وإنني ... قسما إِلَيْك مَعَ الصدود لأجنب) (مَالِي أحن إِلَى جمالك قربت ... وأصد عَنْك وَأَنت مني أقرب) (لله دَرك هَل لديك معول ... لمتيم أم هَل لودك مطلب) (فَلَقَد رَأَيْتُك قبل ذَاك وإنني ... لموكل بهواك لَو يتَجَنَّب) (تبْكي الْحَمَامَة شجوها فيهيجني ... وَيروح عَازِب همي المتأوب) (وتهب سَارِيَة الرِّيَاح من أَرْضكُم ... فَأرى الْبِلَاد بهَا تطل وتجنب) ...

(وَأرى السمية باسمكم فيزيدني ... شوقاً إِلَيْك سميك المتغرب) (وَأرى الصّديق يودكم فأوده ... إِن كَانَ ينْسب مِنْك أَو يتنسب) (وأخالق الواشين فِيك تجملاً ... وهم عَليّ ذَوُو ضغائن دؤب) (ثمَّ اتخذتهم عَليّ وليجةً ... حَتَّى غضِبت وَمثل ذَاك يغْضب)) فَلَمَّا كَانَ من قَابل حج أَبُو بكر بن عبد الْعَزِيز فَلَمَّا مر بِالْمَدِينَةِ دخل عَلَيْهِ الْأَحْوَص بن مُحَمَّد فاستصحبه فَفعل. فَلَمَّا خرج الْأَحْوَص قَالَ لَهُ بعض من عِنْده: مَا تُرِيدُ بِنَفْسِك تقدم الشَّام بالأحوص وفيهَا من ينفسك من بني أَبِيك وَهُوَ من السَّفه على مَا علمت فَلَمَّا رَجَعَ أَبُو بكر من الْحَج دخل عَلَيْهِ الْأَحْوَص متنجزاً مَا وعده من الصُّحْبَة. فَدَعَا لَهُ بِمِائَة دِينَار وأثواب وَقَالَ: يَا خَال إِنِّي نظرت فِيمَا ضمنت لَك من الصَّحَابَة فَكرِهت أَن أهجم بك على أَمِير الْمُؤمنِينَ. فَقَالَ الْأَحْوَص: لَا حَاجَة لي بعطيتك وَلَكِنِّي سبعت عنْدك. ثمَّ خرج فَأرْسل عمر بن عبد الْعَزِيز إِلَى الْأَحْوَص وَهُوَ أَمِير الْمَدِينَة فَلَمَّا دخل عَلَيْهِ أعطَاهُ مائَة دِينَار وكساه ثيابًا ثمَّ قَالَ: يَا خَال هَب لي عرض أخي. قَالَ: هُوَ لَك ثمَّ خرج الْأَحْوَص وَهُوَ يَقُول فِي عرُوض قصيدة سُلَيْمَان الْمَذْكُورَة يمدح عمر بن عبد الْعَزِيز: (يَا بَيت عَاتِكَة الَّذِي أتعزل ... حذر العدا وَبِه الْفُؤَاد مُوكل)

حَتَّى انْتهى إِلَى قَوْله: (فسموت عَن أَخْلَاقهم فتركتهم ... لنداك إِن الحازم المتَوَكل) (ووعدتني فِي حَاجَتي فصدقتني ... ووفيت إِذْ كذبُوا الحَدِيث وبدلواد) (وَلَقَد بدأت أُرِيد ود معاشر ... وعدوا مواعد أخلفت إِذْ حصلوا) (حَتَّى إِذا مَا صَنَعُوا إِلَيْك برحلة ... عجلى وعندك مِنْهُم المتحول) (وأراك تفعل مَا تَقول وَبَعْضهمْ ... مذق الحَدِيث يَقُول مَا لَا يفعل) فَقَالَ لَهُ عمر بن عبد الْعَزِيز: مَا أَرَاك أعفيتني مِمَّا استعفيتك والأحوص وَإِن أغار على قصيدة سُلَيْمَان فقد أربى عَلَيْهِ فِي الْإِحْسَان وَكَانَ كَمَا قَالَ ابْن الْمَرْزُبَان وَقد أنْشد لِابْنِ المعتز قصيدته فِي مناقضة ابْن طَبَاطَبَا الْعلوِي الَّتِي أَولهَا: (دعوا الْأسد تكنس غاباتها ... وَلَا تدْخلُوا بَين أنيابها) وَقَالَ: أَخذه من قَول بعض العباسيين الْمُتَقَدِّمين: وَلكنه أَخذه ساجاً ورده عاجا. وغل قطيفة ورد ديباجا. والمذق بِكَسْر الذَّال الْمُعْجَمَة: من يخلط بِكَلَامِهِ كذبا من مذقت اللَّبن والشارب من بَاب قتل: إِذا مزجته وخلطته.) وعاتكة بنت يزِيد الْمَذْكُورَة هِيَ زَوْجَة عبد الْملك بن مَرْوَان وَكَانَ

شَدِيد الْمحبَّة لَهَا فغاضبته فِي بعض الْأُمُور وسدت الْبَاب الَّذِي بَينهَا وَبَينه فساءه ذَلِك وتعاظمه وشكاه إِلَى من يأنس بِهِ من خاصته فَقَالَ لَهُ عمر بن بِلَال الْأَسدي: إِن أَنا أرضيتها لَك حَتَّى ترْضى فَمَا الثَّوَاب قَالَ: حكمك. فَأتى إِلَى بَابهَا وَقد مزق ثَوْبه وسوده فَاسْتَأْذن عَلَيْهَا وَقَالَ: الْأَمر الَّذِي أتيت فِيهِ عَظِيم فَأدْخل لوقته فَرمى بِنَفسِهِ وَبكى. فَقَالَت: مَا لَك يَا عَم قَالَ: لي ولدان هما من المبرة وَالْإِحْسَان إِلَيّ فِي غَايَة وَقد عدا أَحدهمَا على أَخِيه فَقتله وفجعني بِهِ فاحتسبته وَقلت: يبْقى لي ولد أَتَسَلَّى بِهِ فَأَخذه أَمِير الْمُؤمنِينَ وَقَالَ: لَا بُد من الْقود وَإِلَّا فَالنَّاس يجترئون على الْقَتْل وَهُوَ قَاتله إِلَّا أَن يغيثني الله بك فتحت الْبَاب وَدخلت على عبد الْملك وَأَكَبَّتْ على الْبسَاط تقبله وَتقول: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ قد تعلم فضل عمر بن بِلَال وَقد عزمت على فَقتل ابْنه فشفعني فِيهِ. قَالَ عبد الْملك: مَا كنت بِالَّذِي أفعل: فَأَقْبَلت فِي الضراعة والخضوع حَتَّى وعدها الْعَفو عَنهُ وَصلح مَا بَينهمَا ووفى لعمر بِمَا وعده بِهِ. كل هَذَا من كتاب الْجَوَاهِر فِي الْملح والنوادر تأليف أبي إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن عَليّ الْمَعْرُوف بالحصري صَاحب زهر الْآدَاب. وترجمة الْأَحْوَص تقدّمت فِي الشَّاهِد الْخَامِس والثمانين. وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد الْحَادِي وَالتِّسْعُونَ قَول أبي طَالب عَم النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ:

(إِذن لاتبعناه على كل حَالَة ... من الدَّهْر جدا غير قَول التهازل) على أَن الْمصدر الْمُؤَكّد لغيره يكون فِي الْحَقِيقَة مؤكداُ لنَفسِهِ لِأَنَّهُ إِمَّا مَعَ صَرِيح القَوْل كَقَوْلِه تَعَالَى: ذَلِك عِيسَى ابْن مَرْيَم قَول الْحق أَو مَا هُوَ فِي معنى القَوْل كَمَا فِي هَذَا الْبَيْت فَإِن قَوْله جدا مصدر مُؤَكد لما يحْتَمل غَيره فَإِن قَوْله اتبعناه يحْتَمل أَن يكون قَالَه على سَبِيل الْجد وَهُوَ الْمَفْهُوم من اللَّفْظ وَأَن يكون قَالَه على طَرِيق الْهزْل وَهُوَ احْتِمَال عَقْلِي. فأكد الْمَعْنى الأول بِمَا هُوَ فِي معنى القَوْل لِأَنَّهُ أَرَادَ بِهِ: قولا جدا والقرينة عَلَيْهِ مَا بعده فَإِن قَول التهازل يُقَابل قَول الْجد فَكَانَ الأولى أَن يَقُول: قَول جد بِالْإِضَافَة ليناسب مَا بعده فَيكون لما حذف الْمُضَاف أعرب الْمُضَاف إِلَيْهِ بإعرابه. وَغير بِالنّصب صفة لقَوْله جدا وَلَا تضر الْإِضَافَة إِلَى الْمعرفَة فَإِنَّهَا متمكنة فِي الْإِبْهَام لَا وَزعم ابْن السراج أَن غيرا إِذا وَقعت بَين ضدين كَمَا هُنَا اكْتسبت التَّعْرِيف من الْإِضَافَة. وَيَردهُ قَوْله تَعَالَى: نعمل صَالحا غير الَّذِي كُنَّا نعمل وَإِن زعم أَنَّهَا فِي مثل هَذَا بدل يردهُ أَن غيراً وضعت للوصف وَالْبدل بِالْوَصْفِ ضَعِيف. والتهازل بِمَعْنى الْهزْل فَإِن تفَاعل قد يَأْتِي بِمَعْنى فعل كتوانيت بِمَعْنى ونيت لكنه أبلغ من الْمُجَرّد. وَقَوله: إِذن لاتبعناه جَوَاب قسم فِي بَيت قبله وَهُوَ: (فو الله لَوْلَا أَن أجيء بسبة ... تجر على أشياخنا فِي الْقَبَائِل) وَالضَّمِير الْمَنْصُوب فِي اتبعناه رَاجع للنَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ. وروى لَكنا اتبعناه. والسبة بِضَم السِّين يُقَال صَار عَلَيْهِ هَذَا الْأَمر سبة

أَي: عاراً يسب بِهِ. وتجر: بِفَتْح الْجِيم مضارع جر من جر عَلَيْهِم جريرة أَي: جنى عَلَيْهِم جِنَايَة. وَفِي بِمَعْنى بَين. والبيتان من قصيدة طَوِيلَة تزيد على مائَة بَيت لأبي طَالب عاذ فِيهَا بحرم مَكَّة وبمكانه مِنْهَا وتودد فِيهَا إِلَى أَشْرَاف قومه وَأخْبر قُريْشًا أَنه غير مُسلم مُحَمَّدًا رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ لأحد أبدا حَتَّى يهْلك دونه ومدحه فِيهَا أَيْضا. وَقَالَهَا فِي الشّعب لما اعتزل مَعَ بني هَاشم وَبني عبد الْمطلب قُريْشًا. وَسبب دُخُوله الشّعب: أَن كفار قُرَيْش اتّفق رَأْيهمْ على قتل رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ) وَقَالُوا: قد أفسد أبناءنا وَنِسَاءَنَا. فَقَالُوا لِقَوْمِهِ: خُذُوا منا دِيَة مضاعفة ويقتله رجل من غير قُرَيْش وتريحوننا وتريحون أَنفسكُم فَأبى بَنو هَاشم من ذَلِك وظاهرهم بَنو عبد الْمطلب. فَاجْتمع الْمُشْركُونَ من قُرَيْش على منابذتهم وإخراجهم من مَكَّة إِلَى الشّعب. فَلَمَّا دخلُوا الشّعب أَمر رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ من كَانَ بِمَكَّة من الْمُؤمنِينَ أَن يخرجُوا إِلَى أَرض الْحَبَشَة وَكَانَت متجراً لقريش وَكَانَ يثني على النَّجَاشِيّ بِأَنَّهُ لَا يظلم عِنْده أحد. فَانْطَلق عَامَّة من آمن بِاللَّه وَرَسُوله إِلَى الْحَبَشَة وَدخل بَنو هَاشم وَبَنُو عبد الْمطلب الشّعب مؤمنهم وكافرهم: فالمؤمن دينا وَالْكَافِر حمية. فَلَمَّا عرفت قُرَيْش أَن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قد مَنعه قومه أَجمعُوا على أَن لَا يبايعوهم وَلَا يدخلُوا إِلَيْهِم شَيْئا من الرِّفْق وَقَطعُوا عَنْهُم الْأَسْوَاق وَلم يتْركُوا

طَعَاما وَلَا إدَامًا إِلَّا بَادرُوا إِلَيْهِ واشتروه وَلَا يناكحوهم وَلَا يقبلُوا مِنْهُم صلحا أبدا وَلَا تأخذهم بهم رأفة حَتَّى يسلمُوا رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ للْقَتْل وَكَتَبُوا بذلك صحيفَة وعلقوها فِي الْكَعْبَة وتمادوا على الْعَمَل بِمَا فِيهَا من ذَلِك ثَلَاث سِنِين. فَاشْتَدَّ الْبلَاء على بني هَاشم وَمن مَعَهم فَأَجْمعُوا على نقض مَا تَعَاهَدُوا عَلَيْهِ من الْغدر والبراءة وَقَالَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ لأبي طَالب: يَا عَم إِن رَبِّي قد سلط الأرضة على صحيفَة قُرَيْش فلحستها إِلَّا مَا كَانَ اسْما لله فأبقته. قَالَ: أربك أخْبرك بِهَذَا قَالَ: نعم قَالَ: فو الله مَا يدْخل عَلَيْك أحد ثمَّ خرج إِلَى قُرَيْش فَقَالَ: يَا معشر قُرَيْش إِن ابْن أخي أَخْبرنِي وَلم يكذبنِي أَن هَذِه الصَّحِيفَة الَّتِي فِي أَيْدِيكُم قد بعث الله عَلَيْهَا دَابَّة فلحست مَا فِيهَا فَإِن كَانَ كَمَا يَقُول فأفيقوا فَلَا وَالله لَا نسلمه حَتَّى نموت وَإِن كَانَ يَقُول بَاطِلا دفعناه إِلَيْكُم. فَقَالُوا: قد رَضِينَا. ففتحوا الصَّحِيفَة فوجدوها كَمَا أخبر بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وَقَالُوا: هَذَا سحر ابْن أَخِيك وَزَادَهُمْ ذَلِك بغياً وعدواناً. فَقَالَ أَبُو طَالب: يَا معشر قُرَيْش علام نحصر ونحبس وَقد بَان الْأَمر وَتبين أَنكُمْ أهل الظُّلم والقطيعة ثمَّ دخل هُوَ وَأَصْحَابه بَين أَسْتَار الْكَعْبَة وَقَالَ: اللَّهُمَّ انصرنا على من ظلمنَا وَقطع أرحامنا واستحل مَا يحرم عَلَيْهِ منا. ثمَّ انْصَرف إِلَى الشّعب وَقَالَ هَذِه القصيدة. قَالَ ابْن كثير: هِيَ قصيدة بليغة جدا لَا يَسْتَطِيع أَن يَقُولهَا إِلَّا من نسبت إِلَيْهِ وَهِي أفحل من المعلقات السَّبع وأبلغ فِي تأدية الْمَعْنى. وَقد أَحْبَبْت أَن أوردهَا هُنَا منتخبة مشروحةً بشرح يُوفي الْمَعْنى محبَّة فِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ) وَسلم وَهِي هَذِه:

(خليلي مَا أُذُنِي لأوّل عاذل ... بصغواء فِي حق وَلَا عِنْد بَاطِل) بصغواء: خبر مَا النافية وَهِي حجازية وَلذَا زيدت الْبَاء. والصغو: الْميل. وأصغيت إِلَى فلَان: إِذا ملت بسمعك نَحوه. ولأول عاذل: مُتَعَلق بصغواء. وَفِي حق مُتَعَلق بعاذل أَي: لَا أميل بأذني لأوّل عاذل فِي الْحق وَإِنَّمَا قيد العاذل بِالْأولِ لِأَنَّهُ إِذا لم يقبل عذل العاذل الأول فَمن بَاب أولى أَن لَا يقبل عذل العاذل الثَّانِي فَإِن النَّفس إِذا كَانَت خَالِيَة الذِّهْن فَفِي الْغَالِب أَن يسْتَقرّ فِيهَا أول مَا يرد عَلَيْهَا. (خليلي إِن الرَّأْي لَيْسَ بشركةٍ ... وَلَا نهنه عِنْد الْأُمُور البلابل) أَرَادَ أَن الرَّأْي الْجيد يكون بمشاركة الْعُقَلَاء فَإِن لم يتشاركوا: بِأَن كَانُوا متباغضين لم ينْتج شَيْئا والرأي مَا لم يتخمر فِي الْعُقُول كَانَ فطيرا. والنهنه بنونين وهائين كجعفر: المضيء والنير الشفاف الَّذِي يظْهر الْأَشْيَاء على جليتها وَأَصله الثَّوْب الرَّقِيق النسج وَمن شَأْنه أَن لَا يمْنَع النّظر إِلَى مَا وَرَاءه وَهُوَ مَعْطُوف على شركَة. والبلابل: إِمَّا جمع بلبلة بِفَتْح البائين أَو جمع بلبال بفتحمها وهما بِمَعْنى الْهم ووساوس الصَّدْر كزلازل جمع زَلْزَلَة وزلزال بِالْفَتْح وَهُوَ إِمَّا على حذف مُضَاف أَي: ذَات البلابل أَو إِنَّهَا بدل من الْأُمُور. (وَلما رَأَيْت الْقَوْم لَا ود عِنْدهم ... وَقد قطعُوا كل العرى والوسائل)

أَرَادَ بالقوم كفار قُرَيْش. والعرا: جمع عُرْوَة وَهِي مَعْرُوفَة وَأَرَادَ بهَا هُنَا مَا يتَمَسَّك بِهِ من (وَقد صارحونا بالعداوة والأذى ... وَقد طاوعوا أَمر الْعَدو المزايل) صارحونا: كاشفونا بالعداوة صَرِيحًا والصراحة وَإِن كَانَت لَا زمة لَكِنَّهَا لما نقلت إِلَى بَاب المفاعلة تعدت. والمزايل: اسْم فَاعل من زايله مزايلة وزيلاً: فَارقه وباينه وَإِنَّمَا يكون الْعَدو مفارقاً إِذا صرح بالعداوة فَلَا تمكن الْعشْرَة. وَمن قَالَ: المزايل: المعالج وظنه من المزاولة لم يصب. (وَقد حالفوا قوما علينا أظنةً ... يعضون غيظاً خلفنا بالأنامل) حالفوا قوما: مثل صارحونا فِي أَنه كَانَ لَازِما وتعدى إِلَى الْمَفْعُول بنقله إِلَى بَاب المفاعلة. والتحالف: التعاهد والتعاقد على أَن يكون الْأَمر وَاحِدًا فِي النُّصْرَة والحماية وَبَينهمَا حلف أَي:) عهد والحليف: الْمعَاهد. وعلينا مُتَعَلق بحالفوا. والأظنة جمع ظنين وَهُوَ الرجل الْمُتَّهم والظنة بِالْكَسْرِ التُّهْمَة وَالْجمع الظنن. يُقَال مِنْهُ أطنه وَأَظنهُ: بِالطَّاءِ والظاء إِذا اتهمه. قَالَ الشاطبي فِي شرح الألفية: أفعلة قياسٌ فِي كل اسْم مُذَكّر رباعي فِيهِ مُدَّة ثَالِثَة فَهَذِهِ أَرْبَعَة أَوْصَاف مُعْتَبرَة فَإِن كَانَ صفة لم يجمع قِيَاسا على أفعلة فَإِن جَاءَ عَلَيْهِ فمحفوظ لَا يُقَاس عَلَيْهِ قَالُوا فِي شحيح. أشحة وَفِي ظنين: أظنة. قَالَ تَعَالَى: أشحة عَلَيْكُم وَقَالَ أَبُو طَالب. . وَأنْشد هَذَا الْبَيْت. الصَّبْر: الْحَبْس. والسمراء: الْقَنَاة. والسمحة: اللدنة اللينة الَّتِي تسمح بالهز والانعطاف. والأبيض: السَّيْف. والعضب: الْقَاطِع. والمقاول: جمع

مقول بِكَسْر الْمِيم: الرئيس وَهُوَ دون الْملك كَذَا فِي الْمِصْبَاح عَن ابْن الْأَنْبَارِي. وَقَالَ السُّهيْلي فِي الرَّوْض الْأنف: أَرَادَ بالمقاول آباءه شبههم بالملوك وَلم يَكُونُوا ملوكاً وَلَا كَانَ فيهم ملك بِدَلِيل حَدِيث أبي سُفْيَان حِين قَالَ لَهُ هِرقل: هَل كَانَ فِي آبَائِهِ من ملك فَقَالَ: لَا. وَيحْتَمل أَن يكون هَذَا السَّيْف من هبات الْمُلُوك لِأَبِيهِ فقد وهب ابْن ذِي يزن لعبد الْمطلب هباتٍ جزيلةً حِين وَفد عَلَيْهِ مَعَ قُرَيْش يهنئونه بظفره بِالْحَبَشَةِ وَذَلِكَ بعد مولد رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بعامين. (وأحضرت عِنْد الْبَيْت رهطي وإخوتي ... وَأَمْسَكت من أثوابه بالوصائل) الوصائل: ثِيَاب مخططة يَمَانِية كَانَ الْبَيْت يكسى بهَا. (قيَاما مَعًا مُسْتَقْبلين رتاجه ... لَدَى حَيْثُ يقْضى حلفه كل نافل) الرتاج: الْبَاب الْعَظِيم وَهُوَ مفعول مُسْتَقْبلين. والنافل: فَاعل من النَّافِلَة وَهُوَ التَّطَوُّع. (أعوذ بِرَبّ النَّاس من كل طاعنٍ ... علينا بسوءٍ أَو ملحٍ بباطل) (وَمن كاشحٍ يسْعَى لنا بمعيبة ... وَمن ملحقٍ فِي الدَّين مَا لم نحاول) ملح: اسْم فَاعل من ألح على الشَّيْء: إِذا أقبل عَلَيْهِ مواظباً. والمعيبة: الْعَيْب والنقيصة. ونحاول نُرِيد. (وثورٍ وَمن أرسى ثبيراً مَكَانَهُ ... وراقٍ لبرٍ فِي حراء ونازل) وثورٍ: مَعْطُوف على رب النَّاس. وَهُوَ وثبير وحراء. جبال بِمَكَّة. وَالْبر: خلاف الْإِثْم. وَهُوَ رِوَايَة ابْن اسحاق وَغَيره وروى ابْن هِشَام:

ليرقى وَهُوَ خطأ لِأَن الراقي لَا يرقى. وَإِنَّمَا هُوَ لبر) أَي: فِي طلب بر. أقسم بطالب الْبر بصعوده فِي حراء للتعبد فِيهِ وبالنازل مِنْهُ. (وبالبيت حق الْبَيْت من بطن مَكَّة ... وَبِاللَّهِ إِن الله لَيْسَ بغافل) (وبالحجر الْأسود إِذْ يمسحونه ... إِذا اكتنفوه بالضحى والأصائل) قَالَ السُّهيْلي: وَقَوله بِالْحجرِ الْأسود فِيهِ زحاف يُسمى الْكَفّ وَهُوَ حذف النُّون من مفاعيلن وَهُوَ بعد الْوَاو من الْأسود. والأصائل: جمع أصيلة وَالْأَصْل: جمع أصيل وَذَلِكَ لِأَن فعائل جمع فعيلة. والأصيلة: لُغَة مَعْرُوفَة فِي الْأَصِيل انْتهى. وَهُوَ مَا بعد صَلَاة الْعَصْر إِلَى الْغُرُوب. (وموطئ إِبْرَاهِيم فِي الصخر رطبَة ... على قَدَمَيْهِ حافياً غير ناعل) موطئ إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام: هُوَ مَوضِع قَدَمَيْهِ حِين غسلت كنته رَأسه وَهُوَ رَاكب فاعتمد بقدمه على الصَّخْرَة حِين أمال رَأسه ليغسل وَكَانَت سارة قد أخذت عَلَيْهِ عهدا حِين استأذنها فِي أَن يطالع مَا تَركه بِمَكَّة. فَحلف لَهَا أَنه لَا ينزل عَن دَابَّته وَلَا يزِيد على السَّلَام واستطلاع الْحَال غيرَة من سارة عَلَيْهِ من هَاجر فحين اعْتمد على الصَّخْرَة ألْقى الله فِيهَا أثر قدمه آيَة. قَالَ تَعَالَى: فِيهِ آياتٌ بيناتٌ مقَام إِبْرَاهِيم. أَي مِنْهَا مقَام إِبْرَاهِيم. وَمن جعل مقَام إِبْرَاهِيم بَدَلا من آيَات قَالَ: الْمقَام جمع مقامة. وَقيل: بل هُوَ أثر قدمه حِين رفع الْقَوَاعِد من الْبَيْت وَهُوَ قَائِم عَلَيْهِ. (وأشواط بَين المروتين إِلَى الصَّفَا ... وَمَا فيهمَا من صورةٍ وتماثل) هُوَ جمع تماثلن وَأَصله تماثيل فَحذف الْيَاء. ...

(وَمن حج بَيت الله من كل رَاكب ... وَمن كل ذِي نذرٍ وَمن كل راجل) (فَهَل بعد هَذَا من معاذٍ لعائذٍ ... وَهل من معيذٍ يَتَّقِي الله عَادل) المعاذ بِالْفَتْح: اسْم مَكَان من عاذ فلَان بِكَذَا إِذا لَجأ إِلَيْهِ واعتصم بِهِ. والمعيذ: اسْم فَاعل من أَعَاذَهُ بِاللَّه أَي: عصمه بِهِ. وعادل: صفة معيذ بِمَعْنى غير جَائِر. (يطاع بِنَا العدا وودوا لَو أننا ... تسد بِنَا أَبْوَاب تركٍ وكابل) العدا بِضَم الْعين وَكسرهَا: اسْم جمع لِلْعَدو ضد الصّديق وروى الأعدا وَهُوَ جمع عَدو. وتسد بِنَا أَي: علينا. وَالتّرْك وكابل بِضَم الْبَاء. صنفان من الْعَجم. أَي: وَالله لَا نَتْرُك مَكَّة وَلَا نظعن مِنْهَا لَكِن أَمركُم فِي هموم ووساوس صدر. وروى: فِي تلاتل بِالْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّة جمع تلتلة وَهُوَ الِاضْطِرَاب وَالْحَرَكَة.) (كَذبْتُمْ وَبَيت الله نبزى مُحَمَّدًا ... وَلما نطاعن دونه ونناضل) الْوَاو للقسم ونبزى جَوَاب الْقسم على تَقْدِير لَا النافية فَإِنَّهَا يجوز حذفهَا فِي الْجَواب كَقَوْلِه تَعَالَى: تالله تفتؤ أَي: لَا تفتؤ. ونبزى بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول أَي: نغلب ونقهر عَلَيْهِ يُقَال أَبْزَى فلَان بفلان إِذا غَلبه وقهرهن كَذَا فِي الصِّحَاح. فَهُوَ بِالْبَاء وَالزَّاي المنقوطة. ومحمداً مَنْصُوب بِنَزْع الْبَاء. وَلما: نَافِيَة جازمة وَالْجُمْلَة المنفية حَال من نَائِب فَاعل نبزى. والطعن يكون بِالرُّمْحِ والنضال يكون بِالسَّهْمِ. (ونسلمه حَتَّى نصرع حوله ... ونذهل عَن أَبْنَائِنَا والحلائل)

ونسلمه بِالرَّفْع مَعْطُوف على نبزى أَي: لَا نسلمه من أسلمه بِمَعْنى سلمه لفُلَان أَو من أسلمه بِمَعْنى خذله. ونصرع ونذهل بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول. والحلائل: جمع حَلِيلَة وَهِي الزَّوْجَة. قَالَ ابْن هِشَام فِي السِّيرَة: قَالَ عُبَيْدَة بن الْحَارِث بن الْمطلب لما أُصِيب فِي قطع رجله يَوْم بدر: أما وَالله لَو أدْرك أَبَا طَالب هَذَا الْيَوْم لعلم أَنِّي أَحَق بِمَا قَالَ مِنْهُ حَيْثُ يَقُول: كَذبْتُمْ وَبَيت الله نبزى مُحَمَّدًا ... . . الْبَيْت وَمَا بعده. وينهض بِفَتْح الْيَاء وَهُوَ مَنْصُوب مَعْطُوفًا على نصرع والنهوض فِي الْحَدِيد عبارَة عَن لبسه واستعماله فِي الْحَرْب. والروايا: جمع راوية وَهُوَ الْبَعِير أَو الْبَغْل أَو الْحمار الَّذِي يستقى عَلَيْهِ. وَذَات الصلاصل هِيَ المزادة الَّتِي ينْقل فِيهَا المَاء وتسميها الْعَامَّة الراوية والصلاصل جمع صلصلة بِضَم الصادين وَهِي بَقِيَّة المَاء فِي الإدرة. يُرِيد: أَن الرِّجَال مثقلين بالحديد كالجمال الَّتِي تحمل الْمِيَاه مثقلة شبه قعقعة الْحَدِيد بصلصلة المَاء فِي المزادات. (وَحَتَّى نرى ذَا الضغن يركب ردعه ... من الطعْن فعل الأنكب المتحامل) نرى بالنُّون من رُؤْيَة الْعين. والضغن بِالْكَسْرِ الحقد. وَجُمْلَة يركب حَال من مفعول نرى يُقَال للقتيل. ركب ردعه: إِذْ خر لوجهه على دَمه. والردع بِفَتْح الرَّاء وَسُكُون الدَّال: اللطخ والأثر من الدَّم والزعفران. وَمن

الطعْن مُتَعَلق بيركب. والأنكب: المائل إِلَى جِهَة وَأَرَادَ كَفعل الأنكب فِي الصِّحَاح: والنكب أَي: بِفتْحَتَيْنِ: دَاء يَأْخُذ الْإِبِل فِي مناكبها فتظلع مِنْهُ وتمشي منحرفة يُقَال نكب الْبَعِير بِالْكَسْرِ ينكب نكباً فَهُوَ أنكبٌ. وَهُوَ من صفة المتطاول الجائر. والمتحامل بِالْمُهْمَلَةِ: الجائر والظالم. (وَإِنَّا لعمر الله إِن جد مَا أرى ... لتلتبسن أسيافنا بالأماثل)) عمر الله مُبْتَدأ وَالْخَبَر مَحْذُوف أَي: قسمي وَجُمْلَة لتلتبسن جَوَاب الْقسم وَالْجُمْلَة القسمية خبر وَقَوله إِن جد إِن شَرْطِيَّة وجد بِمَعْنى لج ودام وَعظم وَمَا مَوْصُولَة وَأرى من رُؤْيَة الْبَصَر وَالْمَفْعُول مَحْذُوف وَهُوَ الْعَائِد وَجَوَاب الشَّرْط مَحْذُوف وجوبا لسد جَوَاب الْقسم مَحَله. والالتباس: الِاخْتِلَاط والملابسة وَالنُّون الْخَفِيفَة للتوكيد وأسيافنا فَاعل تَلْتَبِس. والأماثل: الْأَشْرَاف جمع أمثل. وَالْمعْنَى إِن دَامَ هَذَا العناد الَّذِي أرَاهُ تنَلْ سُيُوفنَا أشرافكم. بكفي: تَثْنِيَة كف وَالْبَاء مُتَعَلقَة بقوله تَلْتَبِس وَقد حقق الله مَا تفرسه أَبُو طَالب يَوْم بدر. وَقَوله: مثل الشهَاب يُرِيد أَنه شجيع لَا يقاومه أحد فِي الْحَرْب كَأَنَّهُ شعلة نَار يحرق من يقرب مِنْهُ. والسميدع بِفَتْح السِّين وَضمّهَا خطأ وبفتح الدَّال الْمُهْملَة وإعجامها لَا أصل لَهُ خلافًا لصَاحب الْقَامُوس وَمَعْنَاهُ السَّيِّد الْمُوَطَّأ الأكناف. قَالَ الْمبرد فِي أول الْكَامِل: معنى موطأ الأكناف: أَن ناحيته

يتَمَكَّن فِيهَا صَاحبهَا غير مؤذى وَلَا نَاب بِهِ مَوْضِعه. والتوطئة التذليل والتمهيد يُقَال دَابَّة وطئ يَا فَتى وَهُوَ الَّذِي لَا يُحَرك رَاكِبه فِي مسيره وفراش وطئ إِذا كَانَ وثيراً لَا يُؤْذِي جنب النَّائِم عَلَيْهِ. قَالَ أَبُو الْعَبَّاس: حَدثنِي الْعَبَّاس بن الْفرج الرياشي قَالَ: حَدثنِي الْأَصْمَعِي قَالَ: قيل لأعرابي وَهُوَ المنتجع بن نَبهَان: مَا السميدع فَقَالَ: السَّيِّد الْمُوَطَّأ الأكناف. وَتَأْويل الأكناف: الجوانب يُقَال فِي الْمثل: فلَان فِي كنف فلَان كَمَا يُقَال فلَان فِي ظلّ فلَان وَفِي ذرا فلَان وَفِي نَاحيَة فلَان وَفِي والثقة: مصدر وثقت بِهِ أَثِق بكسرهما: إِذا ائتمنته. وَالْأَخ يسْتَعْمل بِمَعْنى الملازم والمداوم. والحقيقة: مَا يحِق على الرجل أَن يحميه. والباسل: الشجيع الشَّديد الَّذِي يمْتَنع أَن يَأْخُذهُ أحد فِي الْحَرْب والمصدر البسالة وَفعله بسل بِالضَّمِّ. وَأَرَادَ بِصَاحِب هَذِه الصِّفَات الفاضلة مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ. (وَمَا ترك قومٍ لَا أَبَا لَك سيداً ... يحوط الذمار غير ذربٍ مواكل) مَا: استفهامية تعجبية مُبْتَدأ عِنْد سِيبَوَيْهٍ وَترك: خبر الْمُبْتَدَأ وَعند الْأَخْفَش بِالْعَكْسِ. وَقَوله: لَا أَبَا لَك يسْتَعْمل كِنَايَة عَن الْمَدْح والذم وَوجه الأول: أَن يُرَاد نفي نَظِير الممدوح بِنَفْي أَبِيه وَوجه الثَّانِي: أَن يُرَاد أَنه مَجْهُول النّسَب والمعنيان محتملان هُنَا. وَالسَّيِّد من السِّيَادَة وَهُوَ الْمجد والشرف. وحاطه يحوطه حوطاً. رعاه وَفِي الصِّحَاح: وَقَوْلهمْ فلَان حامي الذمار أَي إِذا ذمر وَغَضب حمي وَفُلَان أمنع ذماراً من فلَان. وَيُقَال الذمار: مَا وَرَاء الرجل مِمَّا يحِق عَلَيْهِ أَن) يحميه لأَنهم قَالُوا: حلمي الذمار كَمَا قَالُوا حامي الْحَقِيقَة.

وَسمي ذماراً لِأَنَّهُ يجب على أَهله التذمر لَهُ وَسميت حَقِيقَة لِأَنَّهُ يحِق على أَهلهَا الدّفع عَنْهَا. وظل يتذمر على فلَان: إِذا تنكر لَهُ وأوعده. والذرب بِفَتْح الذَّال الْمُعْجَمَة وَكسر الرَّاء لكنه سكنه هُنَا وَهُوَ الْفَاحِش البذي اللِّسَان. والمواكل: اسْم فَاعل من واكلت فلَانا موكلة: إِذا اتكلت عَلَيْهِ واتكل هُوَ عَلَيْك وَرجل وكل بِفتْحَتَيْنِ ووكله كهمزة وتكله أَي عَاجز يكل أمره إِلَى غَيره ويتكل عَلَيْهِ. (وأبيض يستسقى الْغَمَام بِوَجْهِهِ ... ثمال الْيَتَامَى عصمَة للأرامل) أَبيض: مَعْطُوف على سيد الْمَنْصُوب بِالْمَصْدَرِ قبله وَهُوَ من عطف الصِّفَات الَّتِي موصوفها وَاحِد هَكَذَا أعربه الزَّرْكَشِيّ فِي نكته على البُخَارِيّ الْمُسَمّى بالتنقيح لألفاظ الْجَامِع الصَّحِيح وَقَالَ: لَا يجوز غير هَذَا. وَتَبعهُ ابْن حجر فِي فتح الْبَارِي وَكَذَلِكَ الدماميني فِي تَعْلِيق المصابيح على الْجَامِع الصَّحِيح وَفِي حَاشِيَته على مُغنِي اللبيب أَيْضا. وَزعم ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي: أَن أَبيض مجرور بِرَبّ مقدرَة وَأَنَّهَا للتقليل. وَالصَّوَاب الأول فَإِن الْمَعْنى لَيْسَ على التنكير بل الْمَوْصُوف بِهَذَا الْوَصْف واحدٌ مَعْلُوم. والأبيض هُنَا بِمَعْنى الْكَرِيم. قَالَ السمين فِي عُمْدَة الْحفاظ: عبر عَن الْكَرم بالبياض فَيُقَال: لَهُ عِنْدِي يَد بَيْضَاء أَي: مَعْرُوف وَأورد هَذَا الْبَيْت. وَالْبَيَاض أشرف الألوان وَهُوَ أَصْلهَا إِذْ هُوَ قَابل لجميعها وَقد كني بِهِ عَن السرُور والبشر وبالسواد عَن الْغم. وَلما كَانَ الْبيَاض أفضل الألوان قَالُوا: الْبيَاض أفضل والسواد أهول والحمرة أجمل والصفرة أشكل. ويستسقى بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول وَالْجُمْلَة صفة أَبيض. والثمال: الْعِمَاد والملجأ والمطعم وَالْمُغني وَالْكَافِي. والعصمة: مَا يعتصم بِهِ ويتمسك قَالَ الزَّرْكَشِيّ: يجوز فيهمَا النصب وَالرَّفْع. والأرامل جمع أرملة وَهِي الَّتِي لَا زوج لَهَا

لافتقارها إِلَى من ينْفق عَلَيْهَا وَأَصله من أرمل الرجل: إِذا نفذ زَاده وافتقر فَهُوَ مرمل وَجَاء أرمل على غير قِيَاس. قَالَ الْأَزْهَرِي: لَا يُقَال للْمَرْأَة أرملة إِلَّا إِذا كَانَت فقيرة فَإِن كَانَت موسرة فَلَيْسَتْ بأرملة وَالْجمع أرامل حَتَّى قيل رجل أرمل إِذا لم يكن لَهُ زوج. قَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: وَهُوَ قَلِيل لِأَنَّهُ لَا يذهب بفقد امْرَأَته لِأَنَّهَا لم تكن قيمَة عَلَيْهِ. وَقَالَ ابْن السّكيت: الأرامل: الْمَسَاكِين رجَالًا كَانُوا أَو نسَاء.) قَالَ السُّهيْلي فِي الرَّوْض الْأنف: فَإِن قيل: كَيفَ قَالَ أَبُو طَالب: وأبيض يستسقى الْغَمَام بِوَجْهِهِ وَلم يره قطّ استسقي بِهِ إِنَّمَا كَانَت استقاءاته عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ بِالْمَدِينَةِ فِي سفر وَحضر وفيهَا شوهد مَا كَانَ من سرعَة إِجَابَة الله لَهُ فَالْجَوَاب: أَن أَبَا طَالب قد شَاهد من ذَلِك فِي حَيَاة عبد الْمطلب مَا دله على مَا قَالَ. انْتهى. ورده بَعضهم بِأَن قَضِيَّة الاسْتِسْقَاء متكررة إِذْ وَاقعَة أبي طَالب كَانَ الاسْتِسْقَاء بِهِ عِنْد الْكَعْبَة وواقعة عبد الْمطلب كَانَ أَولهَا أَنهم أمروا باستلام الرُّكْن ثمَّ بصعودهم جبل أبي قبيس ليدعو عبد الْمطلب وَمَعَهُ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ويؤمن الْقَوْم فسقوا بِهِ. قَالَ ابْن هِشَام فِي السِّيرَة: حَدثنِي من أَثِق بِهِ قَالَ: أقحط أهل الْمَدِينَة فَأتوا رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فشكوا ذَلِك إِلَيْهِ فَصَعدَ رَسُول

الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ الْمِنْبَر فَاسْتَسْقَى فَمَا لبث أَن جَاءَ من الْمَطَر مَا أَتَاهُ أهل الضواحي يَشكونَ مِنْهُ الْغَرق فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: اللَّهُمَّ حوالينا وَلَا علينا فانجاب السَّحَاب عَن الْمَدِينَة فَصَارَ حواليها كالإكليل فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: لَو أدْرك أَبُو طَالب هَذَا الْيَوْم لسره. فَقَالَ لَهُ بعض أَصْحَابه وَهُوَ عَليّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: كَأَنَّك أردْت يَا رَسُول الله قَوْله وأبيض يستسقى الْغَمَام بِوَجْهِهِ. . الْبَيْت قَالَ أجل انْتهى. وبتصديق النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ كَون هَذَا الْبَيْت لأبي طَالب وَعلي اتّفق أهل السّير سقط مَا أوردهُ الدَّمِيرِيّ فِي شرح الْمِنْهَاج فِي بَاب الاسْتِسْقَاء عَن الطَّبَرَانِيّ وَابْن سعد: أَن عبد الْمطلب استسقى بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فسقوا وَلذَلِك يَقُول عبد الْمطلب فِيهِ يمدحه. وأبيض يستسقى الْغَمَام بِوَجْهِهِ. . الْبَيْت قَالَ ابْن حجر الهيتمي فِي شرح الهمزية: وَسبب غلط الدَّمِيرِيّ فِي نِسْبَة هَذَا الْبَيْت لعبد الْمطلب: أَن رقيقَة برَاء مَضْمُومَة وقافين بنت أبي صَيْفِي بن هَاشم وَهِي الَّتِي سَمِعت الْهَاتِف فِي النّوم أَو فِي الْيَقَظَة لما تَتَابَعَت على قُرَيْش سنُون أهلكتهم يصْرخ: يَا معشر قُرَيْش إِن هَذَا النَّبِي الْمَبْعُوث قد أَظَلَّتْكُم أَيَّامه فَحَيَّهَلا بالحيا وَالْخصب. ثمَّ امرهم بِأَن يستسقوا بِهِ وَذكر كَيْفيَّة يطول ذكرهَا. . فَلَمَّا ذكرت الرِّوَايَة فِي الْقِصَّة أنشأت تمدح النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بِأَبْيَات آخرهَا:)

(مبارك الْأَمر يستسقى الْغَمَام بِهِ ... مَا فِي الْأَنَام لَهُ عدلٌ وَلَا خطر) فَإِن الدَّمِيرِيّ لما رأى هَذَا الْبَيْت فِي رِوَايَة قصَّة عبد الْمطلب الَّتِي رَوَاهَا الطَّبَرَانِيّ وَهُوَ يشبه بَيت أبي طَالب إِذْ فِي كل استسقاء الْغَمَام بِهِ توهم أَن بَيت أبي طَالب لعبد الْمطلب. وَإِنَّمَا هُوَ لرقيقة الْمَذْكُورَة. وَالْحكم عَلَيْهِ بِأَنَّهُ عين الْبَيْت الْمَنْسُوب لأبي طَالب لَيْسَ كَذَلِك بل شتان مَا بَينهمَا. فَتَأمل هَذَا الْمحل فَإِنَّهُ مُبْهَم. وَقد اغْترَّ بِكَلَام الدَّمِيرِيّ من لَا خيرة لَهُ بالسير انْتهى. (يلوذ بِهِ الْهَلَاك من آل هاشمٍ ... فهم عِنْده فِي رَحْمَة وفواضل) يلوذ صفة أُخْرَى لموصوف سيد. والهلاك: الْفُقَرَاء والصعاليك الَّذين ينتابون النَّاس طلبا لمعروفهم من سوء الْحَال وَهُوَ جمع هَالك قَالَ جميل: (أَبيت مَعَ الْهَلَاك ضيفاً لأَهْلهَا ... وَأَهلي قريب موسعون ذَوُو فضلٍ) (ترى الأرامل والهلاك تتبعه ... يستن مِنْهُ عَلَيْهِم وابلٌ رذم) (جزى الله عَنَّا عبد شمسٍ ونوفلاً ... عُقُوبَة شَرّ عَاجلا غير آجل) نَوْفَل هُوَ ابْن خويلد بن أَسد ابْن عبد الْعُزَّى بن قصي وَهُوَ ابْن العدوية وَكَانَ من شياطين قُرَيْش قَتله عَليّ بن أبي طَالب يَوْم بدر. ...

(بميزان قسطٍ لَا يخس شعيرَة ... لَهُ شاهدٌ من نَفسه غير عائل) بميزان مُتَعَلق بجزى الله. والقسط بِالْكَسْرِ: الْعدْل. وخس يخس من بَاب ضرب: إِذا نقص وخف وَزنه فَلم يعادل مَا يُقَابله. وَله أَي: للميزان شَاهد أَي: لِسَان من نَفسه أَي: من نفس الْقسْط غير عائل صفة شَاهد أَي غير مائل يُقَال: عَال الْمِيزَان يعول: إِذا مَال كَذَا فِي الْعباب وَأنْشد هَذَا الْبَيْت كَذَا: (بميزان صدق لَا يغل شعيرَة ... لَهُ شَاهد ... . . الْبَيْت) (وَنحن الصميم من ذؤابة هاشمٍ ... وأل قصي فِي الخطوب الْأَوَائِل) الصميم: الْخَالِص من كل شَيْء. والذؤابة: الْجَمَاعَة الْعَالِيَة وَأَصله الْخصْلَة من شعر الرَّأْس. (وكل صديقٍ وَابْن أختٍ نعده ... لعمري وجدنَا غبه غير طائل) الغب بِالْكَسْرِ: الْعَاقِبَة. وَيُقَال هَذَا الْأَمر لَا طائل فِيهِ إِذا لم يكن فِيهِ غناء ومزية مَأْخُوذ من (سوى أَن رهطاً من كلاب بن مرةٍ ... براءٌ إِلَيْنَا من معقة خاذل)) قَالَ السُّهيْلي: يُقَال قوم برَاء بِالضَّمِّ وبراء بِالْفَتْح وبراء بِالْكَسْرِ: فَأَما برَاء بِالْكَسْرِ فَجمع بَرِيء مثل كريم وكرام وَأما برَاء فمصدر مثل سَلام والهمزة فِيهِ وَفِي الَّذِي قبله لَام الْفِعْل وَيُقَال رجل برَاء ورجلان برَاء وَإِذا كسرتها أَو ضممت لم يجز إِلَّا فِي الْجمع وَأما برَاء بِضَم الْبَاء فَالْأَصْل فِيهِ بُرَآء

مثل كرماء واستثقلوا اجْتِمَاع الهمزتين فحذفوا الأولى وَكَانَ وَزنه فعلاء فَلَمَّا حذفوا الَّتِي هِيَ لَام الْفِعْل صَار وَزنه فعاء وَانْصَرف لِأَنَّهُ أشبه فعالا. والمعقة بِفَتْح الْمِيم: مصدر بِمَعْنى العقوق. (وَنعم ابْن أُخْت الْقَوْم غير مكذبٍ ... زهيرٌ حساماً مُفردا من حمائل) قَالَ ابْن هِشَام فِي السِّيرَة: زُهَيْر هُوَ ابْن أبي أُميَّة بن الْمُغيرَة بن عبد الله بن عمر بن مَخْزُوم وَأمه عَاتِكَة بنت عبد الْمطلب انْتهى. وَزُهَيْر هُوَ الْمَخْصُوص بالمدح مُبْتَدأ وَجُمْلَة نعم ابْن أُخْت الْقَوْم هُوَ الْخَبَر وَغير مكذب بِالنّصب حَال من فَاعل نعم وَهُوَ ابْن. ومكذب: على صِيغَة اسْم الْمَفْعُول يُقَال كَذبته بِالتَّشْدِيدِ إِذا نسبته إِلَى الْكَذِب وَوَجَدته كَاذِبًا أَي: هُوَ صَادِق فِي مودته لم يلف كَاذِبًا فِيهَا. والحسام: السَّيْف الْقَاطِع وَهُوَ مَنْصُوب على الْمَدْح بِفعل مَحْذُوف أَي: يشبه الحسام المسلول فِي المضاء. وَرَوَاهُ الْعَيْنِيّ فِي شرح شَوَاهِد الألفية: حسامٌ مفردٌ برفعهما وَقَالَ: حسام صفة لزهير وَقَوله مُفْرد من حمائل صفة للحسام وَهَذَا على تَقْدِير صِحَة الرِّوَايَة خبط عشواء فَإِن زهيراً علم وحسام نكرَة والمفرد: الْمُجَرّد. والحمائل: جمع حمالَة وَهِي علاقَة السَّيْف مثل الْمحمل بِكَسْر الْمِيم هَذَا قَول الْخَلِيل وَقَالَ الْأَصْمَعِي: حمائل السَّيْف لَا وَاحِد لَهَا من لَفظهَا وَإِنَّمَا وَاحِدهَا محمل كَذَا فِي الْعباب. وَهَذَا الْبَيْت اسْتشْهد بِهِ شرَّاح الألفية على أَن فَاعل نعم مظهر مُضَاف إِلَى مَا أضيف إِلَى الْمُعَرّف بِاللَّامِ. (أَشمّ من الشم البهاليل ينتمي ... إِلَى حسبٍ فِي حومة الْمجد فَاضل)

الشمم: ارْتِفَاع فِي قَصَبَة الْأنف مَعَ اسْتِوَاء أَعْلَاهُ وَهَذَا مِمَّا يمدح بِهِ وَهُوَ أَشمّ من قوم شم. والبهاليل: جمع بهْلُول بِالضَّمِّ. قَالَ الصَّاغَانِي: والبهلول من الرِّجَال الضَّحَّاك وَقَالَ ابْن عباد: هُوَ الْحَيِي الْكَرِيم. وينتمي: ينتسب. وفاضل بالضاد الْمُعْجَمَة صفة حسب.) (لعمري لقد كلفت وجدا بأحمدٍ ... وَإِخْوَته دأب الْمُحب المواصل) كلفت بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول وَالتَّشْدِيد: مُبَالغَة كلفت بِهِ كلفاً من بَاب تَعب: إِذا أحببته وأولعت بِهِ ووجداً أَي: كلف وجد يُقَال: وجدت بِهِ وجدا: إِذا حزنت عَلَيْهِ. وبأحمد مُتَعَلق بكلفت وَهُوَ اسْم نَبينَا مُحَمَّد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ. وَيجوز أَن يكون من كلفته الْأَمر فتكلفه مثل حَملته فتحمله وزنا وَمعنى مَعَ مشقة فوجداً مَفْعُوله الثَّانِي وَبِدُون التَّضْعِيف مُتَعَدٍّ لوَاحِد يُقَال كلفت الْأَمر من بَاب تَعب: حَملته على مشقة. وَأَرَادَ بإخوته أَوْلَاده جعفراً وعقيلاً وعلياً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم فَإِن أَبَا طَالب كَانَ عَم النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وَالْعم أَب فأولاده إخْوَة النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ. ودأب مصدر مَنْصُوب بِفِعْلِهِ الْمَحْذُوف أَي: ودأبت دأب الْمُحب يُقَال فلَان دأب فِي عمله: إِذا جد وتعب. (فَلَا زَالَ فِي الدُّنْيَا جمالاً لأَهْلهَا ... وزيناً لمن ولاه ذب المشاكل) الذب: الدّفع والمشاكل: جمع مشكلة (فَمن مثله فِي النَّاس أَي مؤملٍ ... إِذا قاسه الْحُكَّام عِنْد التَّفَاضُل) أَي هِيَ الدَّالَّة على الْكَمَال خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي: هُوَ والمؤمل الَّذِي يُرْجَى لكل خير: والتفاضل بالضاد الْمُعْجَمَة وَهُوَ التغالب بِالْفَضْلِ. (حليمٌ رشيدٌ عادلٌ غير طائش ... يوالي إِلَهًا لَيْسَ عَنهُ بغافل)

أَي: هُوَ حَلِيم. والطيش: النزق والخفة: ويوالي إِلَهًا أَي: يَتَّخِذهُ وليا. وَهُوَ فعيل بِمَعْنى فَاعل. (فأيده رب الْعباد بنصره ... وَأظْهر دينا حَقه غير ناصل) الْحق: خلاف الْبَاطِل وَهُوَ مصدر حق الشَّيْء من بَاب ضرب وَقتل: إِذا وَجب وَثَبت. والناصل: الزائل المضمحل يُقَال نصل السهْم: إِذا خرج مِنْهُ النصل ونصل الشّعْر ينصل نصولاً: زَالَ عَنهُ الخضاب. (فو الله لَوْلَا أَن أجيء بسبةٍ ... تجر على أشياخنا فِي الْقَبَائِل) (لَكنا اتبعناه على كل حالةٍ ... من الدَّهْر جدا غير قَول التهازل) تقدم شرحهما أَولا. (لقد علمُوا أَن ابننا لَا مكذبٌ ... لدينا وَلَا يعْنى بقول الأباطل) فِي النِّهَايَة: يُقَال عنيت بحاجتك أعنى بهَا فَأَنا بهَا معني وعنيت بهَا فَأَنا عانٍ وَالْأول أَكثر أَي:) اهتممت بهَا واشتغلت. انْتهى. وَهُوَ من بَاب تَعب. (فَأصْبح فِينَا أحمدٌ فِي أرومةٍ ... يقصر عَنْهَا سُورَة المتطاول) تَنْوِين أَحْمد للضَّرُورَة. والأرومة بِفَتْح الْهمزَة وَضم الرَّاء الْمُهْملَة: الأَصْل وَالسورَة بِالضَّمِّ: الْمنزلَة وبفتح السِّين السطوة والاعتداء. والمتطاول من الطول بِالْفَتْح وَهُوَ الْفضل وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمنزلَة أَو من تطاول عَلَيْهِ: إِذا قهره وغلبه وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى السطوة.

حدب عَلَيْهِ كفرح وتحدب عَلَيْهِ أَيْضا بِمَعْنى تعطف عَلَيْهِ وَحَقِيقَته جعل نَفسه كالأحدب بالانحناء أَمَامه ليتلقى عَنهُ مَا يُؤْذِيه. ودونه أَمَامه. والذرا بِالضَّمِّ: أعالي الشَّيْء جمع ذرْوَة بِكَسْر الذَّال وَضمّهَا. والكلاكل: جمع كلكل كجعفر بِمَعْنى الصَّدْر. تَنْبِيه رِوَايَة هَذِه القصيدة كَمَا سطرت نقلتها من سيرة الشَّامي وَرَوَاهَا ابْن هِشَام فِي السِّيرَة أَزِيد من ثَمَانِينَ بَيْتا ومطلعها عِنْده: (وَلما رَأَيْت الْقَوْم لَا ود فيهم ... وَقد قطعُوا كل العرى والوسائل) وَلم يذكر الْبَيْتَيْنِ الْأَوَّلين مطلع القصيدة فِي رِوَايَة الشَّامي وَلَا تعرض لَهما السُّهيْلي بِشَيْء. وَأَبُو طَالب هُوَ عَم النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وناصره. ولد قبل النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بِخمْس وَثَلَاثِينَ سنة. وَلما مَاتَ عبد الْمطلب وصّى بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ إِلَيْهِ فَكَفَلَهُ وَأحسن تَرْبِيَته وسافر بِهِ إِلَى الشَّام وَهُوَ شَاب وَلما بعث صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قَامَ بنصرته وذب عَنهُ من عَادَاهُ ومدحه عدَّة مدائح. واسْمه عبد منَاف على الْمَشْهُور واشتهر بكنيته وَقيل: اسْمه عمرَان

وَقيل: شيبَة. قَالَ الْوَاقِدِيّ: وَتُوفِّي أَبُو طَالب فِي النّصْف من شَوَّال فِي السّنة الْعَاشِرَة من النُّبُوَّة وَهُوَ ابْن بضع وَثَمَانِينَ وَاخْتلف فِي إِسْلَامه قَالَ ابْن حجر: رَأَيْت لعَلي بن حَمْزَة الْبَصْرِيّ جُزْءا جمع فِيهِ شعر أبي طَالب وَزعم أَنه كَانَ مُسلما وَمَات على الْإِسْلَام وَأَن الحشوية تزْعم أَنه مَاتَ كَافِرًا وَاسْتدلَّ لدعواه بِمَا لَا دلَالَة فِيهِ. انْتهى. وَمن شعره قَوْله: (وَدَعَوْتنِي وَزَعَمت أَنَّك صادقٌ ... وَلَقَد صدقت وَكنت قبل أَمينا) (وَلَقَد علمت بِأَن دين محمدٍ ... من خير أَدْيَان الْبَريَّة دينا) ) وَمن شعره الَّذِي قَالَه وَهُوَ فِي الشّعب: (أَلا أبلغا عني على ذَات بَيْننَا ... لؤياً وخصا من لؤَي بني كَعْب) (ألم تعلمُوا أَنا وجدنَا مُحَمَّدًا ... نَبيا كموسى خطّ فِي أول الْكتب) (وَأَن عَلَيْهِ فِي الْعباد مَوَدَّة ... وَخير فِيمَن خصّه الله بالحب) وَهِي قصيدة جَيِّدَة على هَذَا الأسلوب. وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد الثَّانِي وَالتِّسْعُونَ

على أَن جدكما لَيْسَ مصدرا مؤكداً لقَوْله: لَا تقضيان بل هُوَ إِمَّا مَنْصُوب بِنَزْع الْخَافِض وَإِمَّا حَال وَإِمَّا مصدر حذف عَامله وجوبا. أما كَونه لَيْسَ مؤكداً لمضمون الْجُمْلَة بعده فلشيئين: الأول: أَن قَوْله أجدكما لَو جعل مؤكداً لمضمون مَا بعده لَكَانَ مؤكداً لمضمون الْمُفْرد وَهُوَ الْفِعْل فَقَط لَا لمضمون الْجُمْلَة كَمَا بَينه الشَّارِح. وَالثَّانِي: أَنه إِنَّمَا يكون الْمصدر مؤكداً لغيره إِذا أكد معنى القَوْل الَّذِي هُوَ مَضْمُون الْجُمْلَة وَلَا يجوز أَن يقدر أجدكما أَقُول لَا تقضيان لفساد الْمَعْنى لِأَن القَوْل من الْمُتَكَلّم وَعدم الْقَضَاء من الْمُخَاطب. وَأما كَونه مَنْصُوبًا بِنَزْع الْخَافِض فَلِأَنَّهُ فِي معنى حَقًا وَهُوَ على تَقْدِير فِي وَجدك وَحقا متقاربان معنى فالأنسب تقاربهما فِي الْإِعْرَاب أَيْضا. وَأما كَونه حَالا فَمَعْنَاه: لَا تقضيان كراكما جادين فعامل الْحَال الْفِعْل الَّذِي بعْدهَا وصاحبها ضمير التَّثْنِيَة. وَأما الثَّالِث فَهُوَ مُؤَكد لنَفسِهِ لِأَنَّهُ أكد مَضْمُون الْمُفْرد لَا مَضْمُون الْجُمْلَة لِأَنَّهُ أكد الْفِعْل بِدُونِ الْفَاعِل وَالْفِعْل يدل وَحده على الْحَدث وَالزَّمَان. هَذَا مُحَصل كَلَامه. والحالية لَا تطرد فِي كل مَوضِع وَلِهَذَا ذهب الإِمَام المرزوقي فِي شرح فصيح ثَعْلَب إِلَى أَن انتصاب أجدكما إِمَّا بِنَزْع الْخَافِض وَإِمَّا بِفِعْلِهِ الْمَحْذُوف. وَالْمَفْهُوم من كَلَام بن جني على هَذَا الْبَيْت فِي إِعْرَاب الحماسة: أَن أجدكما مَنْصُوب بِفِعْلِهِ الْمَحْذُوف. لَكِن جعله جملَة لَا تقضيان حَالا غير جيد لِأَنَّهَا مُقَيّدَة وجدكما قيد لَهَا والمقيد هُوَ) أصل الْكَلَام. ثمَّ جَوَابه عَن إِيرَاده

على جعله الْجُمْلَة حَالا أَنَّهَا مصدرة بِعلم الِاسْتِقْبَال بِأَن الشَّاعِر أَرَادَ امتداد الْحَال فَلَمَّا لاحظ حَال الِاسْتِمْرَار والاستقبال أَتَى بِلَا غير صَحِيح فَإِن لَا لَيست للاستقبال على الصَّحِيح والمضارع الْمَنْفِيّ بهَا يَقع حَالا نَحْو: مالكم لَا ترجون لله وقارا. وَقد تعسف أَيْضا فِي نَحْو أجدك لَا تفعل بِأَنَّهُ على إِرَادَة اسْتِمْرَار حِكَايَة الْحَال الممتدة فِيمَا مضى. قَالَ أَبُو حَيَّان فِي الارتشاف: وَلَا تفعل عِنْد أبي عَليّ حَال أَو على إِضْمَار أَن فَحذف أَن وارتفع الْفِعْل. وَاعْلَم أَن صَنِيع الشَّارِح الْمُحَقق فِيهِ رد لمن جعل كَابْن الْحَاجِب أجدك لَا تفعل كَذَا من قبيل الْمصدر الْمُؤَكّد لغيره قَالَ ابْن الْحَاجِب فِي الْإِيضَاح: أَصله لَا تفعل كَذَا جدا لِأَن الَّذِي يَنْبَغِي الْفِعْل عَنهُ يجوز أَن يكون بجد مِنْهُ وَيجوز أَن يكون من غير جد فَإِذا قَالَ: جدا فقد ذكر أحد المحتملين ثمَّ أدخلُوا همزَة الِاسْتِفْهَام إِيذَانًا بِأَن الْأَمر يَنْبَغِي أَن يكون كَذَلِك على سَبِيل التَّقْرِير فَقدم الْمصدر من أجل همزَة الِاسْتِفْهَام فَصَارَ: أجدك لَا تفعل ثمَّ لما كَانَ مَعْنَاهُ تَقْرِير أَن يكون الْأَمر على وفْق مَا أخبر صَار فِي معنى تَأْكِيد كَلَام الْمُتَكَلّم فيتكلم بِهِ من يقْصد إِلَى التَّأْكِيد وَإِن كَانَ مَا تقدم هُوَ الأَصْل الْجَارِي على قِيَاس لغتهم. وَيجوز أَن يكون معنى أجدك فِي مثله: أتفعله جدا مِنْك على سَبِيل الْإِنْكَار لفعله جدا ثمَّ نَهَاهُ عَنهُ أَو أخبر عَنهُ بِأَنَّهُ لَا يفعل فَيكون أجدك توكيداً لجملة مقدرَة دلّ سِيَاق الْكَلَام عَلَيْهَا. وَمِمَّا يدل على أَنهم يَقُولُونَ أَفعلهُ جدا قَول أبي طَالب: إِذن لاتبعناه على كل حَالَة ... الْبَيْت هَذَا كَلَامه. وَقَوله ثمَّ نَهَاهُ عَنهُ يفهم مِنْهُ أَن أجدك يَقع بعْدهَا النَّهْي

وَكَذَا قَول بَعضهم أجدك هَل تفعل كَذَا يفهم مِنْهُ أَن الِاسْتِفْهَام يَقع بعده. وَقد قَالَ الشَّارِح الْمُحَقق: إِن أجدك لَا يسْتَعْمل إِلَّا مَعَ النَّفْي. وَلم أر هَذَا التقيد لغيره وَظَاهره: سَوَاء كَانَ النَّافِي لَا أَو مَا أَو لن كَقَوْلِه: (أجدك لن ترى بثعيلبات ... وَلَا بيدان نَاجِية ذمولا) (أجدك لم تغتمض لَيْلَة ... فترقدها مَعَ رقادها)) فَإِن قلت: قد وَقع بعْدهَا الِاسْتِفْهَام فِي هَذَا الْبَيْت الَّذِي أوردهُ ثَعْلَب فِي فصيحه وَهُوَ: (أجدك مَا لعينيك لَا تنام ... كَأَن جفونها فِيهَا كَلَام) قلت: النَّفْي الَّذِي يَقع بعد أجدك مَوْجُود وَهُوَ قَوْله لَا تنام والاستفهام الثَّانِي سُؤال عَن عِلّة عدم نوم عينه وَمثله قَول كَعْب بن مَالك الصَّحَابِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه فِي غَزْوَة الطَّائِف: (أجدهم أَلَيْسَ لَهُم نصيحٌ ... من الأقوام كَانَ لنا عريفا) (يُخْبِرهُمْ بِأَنا قد جَمعنَا ... عتاق الْخَيل وَالْبخْت الطروفا) وَفِي الارتشاف: وَلَا يسْتَعْمل أجدك إِلَّا مُضَافا وغالباً بعده لَا أَو لم أَو لن. وَفِي النِّهَايَة لِابْنِ الخباز قَالَ الْأَعْشَى:

أجدك ودعت الدمى والولائدا ودعت موجبٌ وَجَاء مَعَ لَا كثيرا. وَقد ذكر صَاحب الصِّحَاح وَغَيره: أَن أجدك يجوز فِي جيمه الْكسر وَالْفَتْح لَكِن الْكسر هُوَ الفصيح وَلِهَذَا قَالَ ثَعْلَب فِي فصيحه: وَمَا أَتَاك أجدك فمكسور وَمَا أَتَاك وَجدك فمفتوح. وَهُوَ من الْجد ضد الْهزْل وَأَصله من الْجد فِي الْأَمر بِمَعْنى الِاجْتِهَاد فِيهِ لِأَن الهازل لَا يبْذل الِاجْتِهَاد وَأغْرب صَاحب الْقَامُوس حَيْثُ جعله من جاده بِمَعْنى حاققه ثمَّ قَالَ: وأجدك لَا تفعل لَا يُقَال إِلَّا مُضَافا وَإِذا كسر استحلفه بحقيقته وَإِذا فتح استحلفه ببخته انْتهى. وَهَذَا شَيْء انْفَرد بِهِ وَكَأَنَّهُ جنح لما ذهب إِلَيْهِ الشلوبين حَيْثُ زعم أَن فِيهِ معنى الْقسم وَلذَلِك قدم. وَهَذَا المصارع من شعر لقس بن سَاعِدَة. وَهُوَ: (خليلي هبا طالما قد رقدتما ... أجدكما لَا تفيضان كراكما) (ألم تعلما أَنِّي بسمعان مُفردا ... وَمَالِي فِيهِ من خَلِيل سواكما) (مُقيم على قبريكما لست بارحاً ... طوال اللَّيَالِي أَو يُجيب صداكما) (أبكيكما طول الْحَيَاة وَمَا الَّذِي ... يرد على ذِي لوعةٍ أَن بكاكما) (كأنكما وَالْمَوْت اقْربْ غائبٍ ... بروحي فِي قبريكماٍ قد أتاكما) ...

(أَمن طول نوم لَا تجيبان دَاعيا ... كَأَن الَّذِي يسْقِي الْعقار سقاكما) (فَلَو جعلت نفسٌ لنفسٍ وقايةً ... لجدت بنفسي أَن تكون فداكما) فِي سيرة ابْن سيد النَّاس بِسَنَدِهِ إِلَى ابْن عَبَّاس فِي حَدِيث الْجَارُود بن عبد الله لما قدم مُؤمنا) بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وَسَأَلَهُ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ عَن قس بن سَاعِدَة والْحَدِيث طَوِيل إِلَى أَن قَالَ ابْن عَبَّاس: وَقَامَ رجل أشدق أجش الصَّوْت فَقَالَ: لقد رَأَيْت من قس عجبا: (يَا أَيهَا الراقد فِي اللَّيْل الأحم ... قد بعث الله نَبيا فِي الْحرم) (من هَاشم أهل الْوَقار وَالْكَرم ... يجلو دجنات اللَّيَالِي والبهم) قَالَ: فأدرت طرفِي فَمَا رَأَيْت لَهُ شخصا. فأنشأت أَقُول: (يَا أَيهَا الْهَاتِف فِي دجى الظُّلم ... أَهلا وسهلاً بك من طيفٍ ألم) (بَين هداك الله فِي لحن الْكَلم ... من الَّذِي تَدْعُو إِلَيْهِ تغتنم) فَإِذا أَنا بنحنحة وقائلٍ يَقُول: ظهر النُّور وَبَطل الزُّور وَبعث الله مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بالحبور صَاحب النجيب الْأَحْمَر والتاج والمغفر وَالْوَجْه الْأَزْهَر والحاجب الْأَقْمَر والطرف الأحور صَاحب قَول شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله فَذَاك مُحَمَّد الْمَبْعُوث إِلَى الْأسود والأحمر أهل الْمدر والوبر. ثمَّ أنشأ يَقُول: (الْحَمد لله الَّذِي ... لم يخلق الْخلق عَبث) ...

(وَلم يخلنا سدى ... من بعد عِيسَى واكترث) (أرسل فِينَا أحمدا ... خير نَبِي قد بعث) (صلى عَلَيْهِ الله مَا ... حج لَهُ ركبٌ وحث) قَالَ: ولاح الصَّباح فَإِذا أَنا بالفنيق يشقشق إِلَى النوق فملكت خطامه وعلوت سنامه حَتَّى إِذا لغب فَنزلت فِي رَوْضَة خضرَة فَإِذا أَنا بقس بن سَاعِدَة فِي ظلّ شَجَرَة وَبِيَدِهِ قضيب من أَرَاك ينكت بِهِ الأَرْض وَهُوَ يَقُول: (يَا ناعي الْمَوْت والأموات فِي جدثٍ ... عَلَيْهِم من بقايا بزهم خرق) (دعهم فَإِن لَهُم يَوْمًا يصاح بهم ... فهم إِذا انتبهوا من نومهم فرقوا) (حَتَّى يعودوا لحَال غير حَالهم ... خلقا جَدِيدا كَمَا من قبله خلقُوا) (مِنْهُم عراةٌ وَمِنْهُم فِي ثِيَابهمْ: ... مِنْهَا الْجَدِيد وَمِنْهَا الْمنْهَج الْخلق) قَالَ: فدنوت مِنْهُ فَسلمت عَلَيْهِ فَرد عَليّ السَّلَام وَإِذا أَنا بِعَين خرارة فِي أَرض خوارة وَمَسْجِد بَين قبرين وأسدين عظيمين يلوذان بِهِ وَإِذا بِأَحَدِهِمَا قد سبق الآخر إِلَى المَاء فَتَبِعَهُ الآخر يطْلب المَاء. فَضَربهُ بالقضيب الَّذِي فِي يَده وَقَالَ: ارْجع ثكلتك أمك حَتَّى يشرب الَّذِي ورد قبلك) فَرجع ثمَّ ورد بعده. فَقلت لَهُ: مَا هَذَانِ القبران قَالَ: هَذَانِ قبرا أَخَوَيْنِ كَانَا لي يعبدان الله عَزَّ وَجَلَّ معي فِي هَذَا الْمَكَان لَا يشركان بِاللَّه عَزَّ وَجَلَّ شَيْئا فأدركهما الْمَوْت فقبرتهما وَهَا أَنا بَين قبريهما حَتَّى ألحق بهما ثمَّ نظر إِلَيْهِمَا وَجعل يَقُول: ...

(خليلي هبا طالما قد رقدتما ... أجدكما لَا تقضيان كراكما) الأبيات السَّابِقَة: فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: رحم الله قساً إِنِّي أَرْجُو أَن يَبْعَثهُ الْأمة: الشَّخْص الْمُنْفَرد بدين أَي: يبْعَث وَاحِدًا يقوم مقَام جمَاعَة. والأجش: الغليظ الصَّوْت. وعسعس اللَّيْل: أدبر وَيَأْتِي بِمَعْنى أقبل فَهُوَ ضد. والأحم: الْأسود. والدجنة بِضَمَّتَيْنِ وَتَشْديد النُّون: الظلمَة وَكَذَلِكَ البهمة وَجَمعهَا بهم. ولحن القَوْل قَالَ الْأَزْهَرِي: هُوَ كالعنوان والعلامة تُشِير بهَا فيظن الْمُخَاطب لغرضك. والنجيب: الْكَرِيم من الْإِبِل. والحاجب الْأَقْمَر: أَرَادَ أَنه مفروق مَا بَين الحاجبين فَيكون أَبْلَج نيرا. والفنيق: الْفَحْل المكرم من الْإِبِل الَّذِي لَا يركب وَلَا يهان لكرامته. ويشقشق: يهدر بشقشقته. ولغب: تَعب. وَالْعين الخرارة: الغزيرة النبع من الخرير وَهُوَ صَوت المَاء. وَالْأَرْض الخوارة: اللينة السهلة من خار يخور: إِذا ضعف. وهبا: أَمر مُسْند إِلَى ضمير الخليلين من الهب يُقَال هَب من نَومه من بَاب قتل: إِذا اسْتَيْقَظَ. وطالما: قَالَ التبريزي فِي شرح الحماسة: إِن جعلت مَا مَصْدَرِيَّة كتبت مُنْفَصِلَة وَإِن جعلت كَافَّة فمتصلة. والرقود: النّوم فِي ليل أَو نَهَار وَخَصه بَعضهم بنوم اللَّيْل وَالْأول هُوَ الْحق وَيشْهد لَهُ الْمُطَابقَة فِي قَوْله تَعَالَى: وتحسبهم أيقاظاً وهم رقود قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: إِذا رَأَيْتهمْ حسبتهم أيقاظاً لِأَن أَعينهم مفتحة وهم نيام. وتقضيان: من قضيت. وطري: إِذا بلغته ونلته. والكرى: النّوم قَالُوا: أول النّوم النعاس والوسن ثقل النعاس ثمَّ الترنيق وَهُوَ مُخَالطَة النعاس للعين

ثمَّ الْكرَى والغمض وَهُوَ أَن يكون الْإِنْسَان بَين النَّائِم وَالْيَقظَان ثمَّ الهجود والهجوع وَهُوَ النّوم الْغَرق. وسمعان بِفَتْح السِّين. مَوضِع. وبارحاً بِالْمُوَحَّدَةِ والمهملة: فَاعل من برح الشَّيْء يبرح من بَاب تَعب براحاً: إِذا زَالَ من مَكَانَهُ. وطوال اللَّيَالِي بِفَتْح الطَّاء بِمَعْنى الطول بضمهما وَهُوَ مَنْصُوب على الظَّرْفِيَّة يُقَال: لَا ُأكَلِّمهُ طوال الدَّهْر وَطول الدَّهْر وهما بِمَعْنى يُرِيد إِنَّنِي مُقيم أبدا. وأو بِمَعْنى إِلَى أَو بِمَعْنى إِلَّا ويجيب مَنْصُوب بِأَن بعْدهَا. والصدى هُنَا بِمَعْنى مَا يبْقى من الْمَيِّت فِي قَبره وَمِنْه قَول النمر بن تولب الصَّحَابِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: (أعاذل إِن يصبح صداي بقفرةٍ ... بَعيدا نآني صَاحِبي وقريبي)) (ترى أَن مَا أبقيت لم أك ربه ... وَأَن الَّذِي أنفقت كَانَ نَصِيبي) وَله معَان أخر: أَحدهمَا ذكر البوم ثَانِيهمَا: حشْوَة الرَّأْس يُقَال لذَلِك الهامة والصدى وَتَأْويل ذَلِك عِنْد الْعَرَب فِي الْجَاهِلِيَّة: أَن الرجل كَانَ عِنْدهم إِذا قتل فَلم يدْرك بِهِ الثأر أَنه يخرج من رَأسه طَائِر كالبومة وَهِي الهامة وَالذكر الصدى فَيَصِيح على قَبره: اسقوني اسقوني فَإِن قتل قَاتله كف ذَلِك الطَّائِر. قَالَ: (ياعمرو إِن لَا تدع شتمي ومنقصتي ... أضربك حَتَّى تَقول الهامة اسقوني) ثالثهما مَا يرجع عَلَيْك من الصَّوْت إِذا كنت بمتسع من الأَرْض أَو بِقرب جبل. رَابِعهَا: بِمَعْنى الْعَطش مصدر صدى يصدى. والصدأ بِالْهَمْزَةِ: صدأ الْحَدِيد وَمَا أشبهه كَذَا فِي الْكَامِل

وأبكيكما قَالَ الْأَصْمَعِي: بَكَيْت الرجل وبكيته بِالتَّشْدِيدِ كِلَاهُمَا إِذا بَكَيْت عَلَيْهِ. وَمَا اسْم اسْتِفْهَام مُبْتَدأ وَالَّذِي خَبره أَو بِالْعَكْسِ وَالْمعْنَى: أَي شَيْء الَّذِي يردهُ الْبكاء على ذِي اللوعة وَهِي الحرقة. وروى ذِي عولة وَهِي رفع الصَّوْت بالبكاء بِمَعْنى العويل. أَن بكاكما: بِفَتْح الْهمزَة مَصْدَرِيَّة ومؤولها فَاعل يرد وروى بِكَسْر الْهمزَة فَهِيَ شَرْطِيَّة وَالْجَوَاب مَدْلُول عَلَيْهِ بأبكيكما وفاعل يرد ضمير مَفْهُوم من أبكيكما وَهُوَ الْبكاء وَيجوز أَن يكون دلّ عَلَيْهِ قَوْله أَن بكاكما. وَقَوله كأنكما. كَأَن هُنَا للتقريب وَجُمْلَة قد أتاكما خبر كَأَن وفاعل أَتَى ضمير الْمَوْت والظرفان متعلقان بِهِ وَجُمْلَة وَالْمَوْت أقرب غَائِب اعتراضية. وَالْعَقار بِالضَّمِّ: الْخمر. والفدى بِكَسْر الْفَاء وَفتحهَا وبالقصر: مصدر فدَاه من الْأسر يفْدِيه: إِذا استنقذه بِمَال وَاسم ذَلِك المَال الْفِدْيَة وَهُوَ عوض الْأَسير وَأما الْفِدَاء بِالْكَسْرِ وَالْمدّ فمصدر فاديته مفاداة وَفِدَاء: أخذت فديته وأطلقته وَقَالَ الْمبرد: المفاداة: أَن تدفع رجلا وَتَأْخُذ رجلا والفدى: أَن تشتريه وَقيل هما وَاحِد. تَنْبِيه أورد أَبُو تَمام فِي الحماسة هَذِه الأبيات على غير هَذَا النمط وَقَالَ: ذكرُوا أَن رجلَيْنِ من بني أَسد خرجا إِلَى أَصْبَهَان فآخيا بهَا دهقاناً فِي مَوضِع يُقَال لَهُ راوند فَمَاتَ أَحدهمَا وَبَقِي الآخر والدهقان ينادمان قَبره ويشربان كأسين ويصبان على قَبره كأساً فَمَاتَ الدهْقَان فَكَانَ الْأَسدي ينادم قبريهما وَيشْرب قدحاً وَيصب على قبريهما قدحين ويترنم بِهَذَا الشّعْر:)

خليلي هبا طالما قد رقدتما ... ... ... ... ... ... ... ... . الْبَيْت (ألم تعلما مَا لي براوند كلهَا ... وَلَا بخزاق من صديق سواكما) (أصب على قبريكما من مدامة ... فإلا تنالاها ترو جثاكما) أقيم على قبريكما ... ... ... ... ... ... ... ... . . الْبَيْت وأبكيكما حَتَّى الْمَمَات وَمَا الَّذِي ... ... ... ... الْبَيْت (جرى النّوم بَين الْجلد وَاللَّحم مِنْكُمَا ... كأنكما ساقي عقار سقاكما) وروى الْأَصْبَهَانِيّ فِي الأغاني بِسَنَدِهِ إِلَى يَعْقُوب بن السّكيت أَن هَذَا الشّعْر لعيسى بن قدامَة الْأَسدي قدم قاشان وَله نديمان فماتا فَكَانَ يجلس عِنْد قبريهما وهما براوند بِموضع يُقَال لَهُ خزاق فيشرب وَيصب على القبرين حَتَّى يقْضِي وطره ثمَّ ينْصَرف وينشد وَهُوَ يشرب. وروى مَا رَوَاهُ أَبُو تَمام وَزَاد عَلَيْهِ. (تحمل من يَبْغِي القفول وغادروا ... أَخا لَكمَا أشجاه مَا قد شجاكما) (أناديكما كَيْمَا تجيبا وتنطقا ... وَلَيْسَ مجاباً صَوته من دعاكما) (قضيت بِأَنِّي لَا محَالة هَالك ... وَأَنِّي سيعروني الَّذِي قد عراكما) وروى الْأَصْبَهَانِيّ أَيْضا بِسَنَدِهِ إِلَى عبد الله بن صَالح البَجلِيّ أَنه قَالَ:

بَلغنِي أَن ثَلَاثَة نفرٍ من أهل الْكُوفَة كَانُوا فِي الْجَيْش الَّذِي وَجهه الْحجَّاج إِلَى الديلم وَكَانُوا يتنادمون وَلَا يخالطون غَيرهم وَإِنَّهُم لعلى ذَلِك إِذا مَاتَ أحدهم فدفنه صَاحِبَاه فَكَانَا يشربان عِنْد قَبره فَإِذا بلغه الكأس هراقاها على قَبره وبكيا. ثمَّ إِن الثَّانِي مَاتَ فدفنه الْبَاقِي إِلَى جنب صَاحبه وَكَانَ يجلس عِنْد قبريهما فيشرب وَيصب كأسين عَلَيْهِمَا ويبكي وَيَقُول ثمَّ ذكر الأبيات الَّتِي تقدم ذكرهَا وَقَالَ مَكَان براوند: بقزوين قَالَ: وقبورهم هُنَاكَ تعرف بقبور الندماء. قَالَ الْأَصْبَهَانِيّ: وَذكر الْعُتْبِي عَن أَبِيه أَن الشّعْر للحزين بن الْحَارِث أحد بني عَامر بن صعصعة وَكَانَ أحد نديميه من بني أَسد وَالْآخر من بني حنيفَة فَلَمَّا مَاتَ أَحدهمَا كَانَ يشرب وَيصب على قَبره وَيَقُول: (لَا تصرد هَامة من كأسها ... واسقه الْخمر وَإِن كَانَ قبر) (كَانَ حرا فهوى فِيمَن هوى ... كل عودٍ ذِي شعوبٍ ينكسر) ثمَّ مَاتَ الآخر فَكَانَ يشرب على قبريهما وَيَقُول:) وَأما أَبُو عبيد فِي مُعْجم مَا استعجم وَيَاقُوت فِي مُعْجم الْبلدَانِ فقد نسبا هَذِه الأبيات للأسدي وذكرا حكايته كَأبي تَمام ثمَّ قَالَ ياقوت: وَقَالَ بَعضهم: إِن هَذَا الشّعْر لقس بن سَاعِدَة فِي خليلين لَهُ كَانَا وَمَاتَا. وَقَالَ آخَرُونَ

هَذَا الشّعْر لنصر بن غَالب يرثي بِهِ أَوْس بن خَالِد وأنيسا وَزَاد فِي الأبيات وَنقص وَهَذِه رِوَايَته بعد الْبَيْت الأول: (أجدكما مَا ترثيان لموجع ... حزينٍ على قبريكما قد رثاكما) جرى النّوم بَين الْعظم وَالْجَلد مِنْكُمَا ... ... ... ... الْبَيْت ألم تعلما مَالِي براوند كلهَا ... ... ... ... ... ... ... الْبَيْت (أصب على قبريكما من مدامةٍ ... فإلا تذوقاها ترو ثراكما) (ألم ترحماني أنني صرت مُفردا ... وَأَنِّي مشتاقٌ إِلَى أَن أراكما) (فَإِن كنتما لَا تسمعان فَمَا الَّذِي ... خليلي عَن سمع الدُّعَاء نهاكما) أقيم على قبريكما لست بارحا ... ... ... ... ... ... ... . . الْبَيْت وأبكيكماطول الْحَيَاة وَمَا الَّذِي ... ... ... ... ... ... ... . . الْبَيْت قَالَ ياقوت راوند: بليدَة قرب قاشان وأصفهان قَالَ حَمْزَة: أَصْلهَا راهاوند وَمَعْنَاهَا الْخَيْر المضاعف. قَالَ بَعضهم: وراوند مَدِينَة بالموصل قديمَة بناها راوند الْأَكْبَر بن بيوراسف الضَّحَّاك. وخزاق: بِضَم الْخَاء وبالزاي المعجمتين وَآخره قَاف: مَوضِع فِي سَواد أضفهان. كَذَا فِي المعجم لأبي عبيد وَأنْشد هَذَا الْبَيْت. وَرَأَيْت فِي هامشه بِخَط من يوثق بِهِ: خزاق اسْم قَرْيَة من قرى راوند من أَعمال أصفهان. والجثا بِضَم الْجِيم وبالثاء الْمُثَلَّثَة: جمع جثوَة مُثَلّثَة الْجِيم وَهِي الْحِجَارَة الْمَجْمُوعَة

والجسد. والدهقان مُعرب دهجان وَمَعْنَاهُ رَئِيس الْقرْيَة وَفِي الْقَامُوس: الدهْقَان بِالْكَسْرِ وَالضَّم زعيم فلاحي الْعَجم وَرَئِيس الإقليم مُعرب. وَقَوله ألم تعلما مَالِي: مَا نَافِيَة قَالَ ابْن جني فِي إِعْرَاب الحماسة: استعملها بعد الْعلم وَهِي مقتضية لمفعوليها لما دَخلهَا من معنى الْقسم فَكَأَنَّهُ قَالَ: وَالله مَالِي براوند من صديق غيركما وَجَاز اسْتِعْمَال الْعلم فِي مَوضِع الْقسم من حَيْثُ كَانَا مثبتين مؤكدين. انْتهى. وَقس بن سَاعِدَة إيادي بِكَسْر الْهمزَة وإياد حَيّ من معد بن عدنان. قَالَ الذَّهَبِيّ: قس بن) سَاعِدَة أوردهُ ابْن شاهين وعبدان فِي الصَّحَابَة. وَكَذَلِكَ قَالَ ابْن حجر فِي الْإِصَابَة: ذكره أَبُو عَليّ بن السكن وَابْن شاهين وعبدان الْمروزِي وَأَبُو مُوسَى فِي الصَّحَابَة وَصرح ابْن السكن بِأَنَّهُ مَاتَ قبل الْبعْثَة. وَفِي سيرة ابْن سيد النَّاس بِسَنَدِهِ إِلَى ابْن عَبَّاس قَالَ: قدم الْجَارُود بن عبد الله وَكَانَ سيداً فِي قومه على رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فَقَالَ: وَالَّذِي بَعثك بِالْحَقِّ لقد وجدت صِفَتك فِي الْإِنْجِيل وَلَقَد بشر بك ابْن البتول فَأَنا أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَنَّك مُحَمَّد رَسُول الله. قَالَ: فَآمن الْجَارُود وَأمن من قومه كل سيد. فسر النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بهم وَقَالَ: يَا جارود هَل فِي جمَاعَة وَفد عبد الْقَيْس من يعرف لنا قساً قَالُوا: كلنا نعرفه يَا رَسُول الله وَأَنا من بَين يَدي الْقَوْم كنت أقفو أَثَره

كَانَ من أَسْبَاط الْعَرَب فصيحاً عمر سَبْعمِائة سنة أدْرك من الحواريين سمْعَان فَهُوَ أول من تأله من الْعَرَب أَي: تعبد كَأَنِّي أنظر إِلَيْهِ يقسم بالرب الَّذِي هُوَ لَهُ ليبلغن الْكتاب أَجله وليوفين كل عَامل عمله ثمَّ أنشأ يَقُول: (هاج للقلب من جواه ادكار ... وليالٍ خلالهن نَهَار) فِي أَبْيَات آخرهَا: (وَالَّذِي قد ذكرت دلّ على الله ... نفوساً لَهَا هدى وَاعْتِبَار) فَقَالَ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: على رسلك ياجارود فلست أنساه بسوق عكاظ على جمل أَوْرَق وَهُوَ يتَكَلَّم بِكَلَام مَا أَظن أَنِّي أحفظه. فَقَالَ أَبُو بكر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: يَا رَسُول الله فَإِنِّي أحفظه: كنت حَاضرا ذَلِك الْيَوْم بسوق عكاظ فَقَالَ فِي خطبَته: يَا أَيهَا النَّاس اسمعوا وعوا فَإِذا وعيتم فانتفعوا إِنَّه من عَاشَ مَاتَ وَمن مَاتَ فَاتَ وكل مَا هُوَ آتٍ أت. . إِلَى آخر مَا أوردهُ من الْوَعْظ. وَالَّذِي فِي كتاب المعمرين لأبي حَاتِم السجسْتانِي: عَاشَ قس بن سَاعِدَة ثلثمِائة وَثَمَانِينَ سنة وَقد أدْرك نَبينَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وَسمع النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ حكمته وَهُوَ أول من آمن بِالْبَعْثِ من أهل الْجَاهِلِيَّة وَأول من توكأ على عَصا وَأول من قَالَ أما بعد. وَكَانَ من حكماء الْعَرَب. وَهُوَ أول من كتب من فلَان إِلَى فلَان ابْن فلَان. وَقَالَ المرزباني: ذكر كثير من أهل الْعلم أَنه عَاشَ سِتّمائَة سنة.

وَذكر الجاحظ فِي الْبَيَان والتبيين قساً وَقَومه وَقَالَ: إِن لَهُ ولقومه فَضِيلَة لَيست لأحد من الْعَرَب) لِأَن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ روى كَلَامه وموقفه على جمله بعكاظ وموعظته. وَعجب من حسن كَلَامه وَأظْهر تصويبه. وَهَذَا شرف تعجز عَنهُ الْأَمَانِي وتنقطع دونه الآمال. وَإِنَّمَا وفْق الله ذَلِك لقس لاحتجاجه للتوحيد ولإظهار الْإِخْلَاص وإيمانه بِالْبَعْثِ وَمن ثمَّ كَانَ قس خطيب الْعَرَب قاطبة. وَفِي نسبه خلاف. فَقيل قس بن سَاعِدَة بن حذافة بن زفر وَقيل حذافة بن زهر بن إياد بن نزار. وَقيل هُوَ قس بن سَاعِدَة بن عَمْرو بن عدي بن مَالك بن ايدعان بن النمر بن وَاثِلَة بن الطشان بن عوذ بن مَنَاة بن يقدم بن أفصى بن دعمي بن إياد. وَقيل: هُوَ ابْن سَاعِدَة بن عَمْرو بن شمر بن عدي بن مَالك وَالله أعلم. وَأنْشد بعده: (أحقاً بني أَبنَاء سلمى بن جندل ... تهددكم إيَّايَ وسط الْمجَالِس)

على أَن حَقًا ظرف مَنْصُوب بِتَقْدِير فِي. وَتقدم شَرحه فِي الشَّاهِد الرَّابِع وَالسِّتِّينَ من بَاب الْمُبْتَدَأ. وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد الثَّالِث وَالتِّسْعُونَ وَهُوَ من شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ: (دَعَوْت لما نابني مسوراً ... فلبى فلبي يَدي مسور) على أَن لبيْك مثنى عِنْد سِيبَوَيْهٍ لَا مُفْرد ك لَدَى قلبت ألفها يَاء لما أضيفت إِلَى الْمُضمر خلافًا ليونس بِدَلِيل بَقَاء يائها مُضَافَة إِلَى الظَّاهِر كَمَا فِي هَذَا الْبَيْت. أما الأول فقد قَالَ أَبُو حَيَّان فِي الارتشاف: ذهب الْخَلِيل وسيبويه وَالْجُمْهُور إِلَى أَن لبيْك تَثْنِيَة وَحكى سِيبَوَيْهٍ عَن بعض الْعَرَب لب على أَنه مُفْرد لبيْك غير أَنه مَبْنِيّ على الْكسر كأمس وعلق لقلَّة تمكنه ونصبه نصب الْمصدر كَأَنَّهُ قَالَ: إِجَابَة. وَزعم ابْن مَالك أَنه اسْم فعل. وَهُوَ فَاسد لِإِضَافَتِهِ ويضاف إِلَى الظَّاهِر تَقول: لبي زيد وَإِلَى ضمير الْغَائِب قَالُوا: لبيه. وَدَعوى الشذوذ فيهمَا بَاطِلَة. انْتهى. وَهَذَا مُخَالف لما قَالَه ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي: أَن شَرط مجرور لبي وسعدي وحناني ضمير الْخطاب وشذ:

(دَعونِي فيا لبي إِذا هدرت لَهُم ... شقاشق أقوامٍ فأسكتها بَدْرِي) لعدم الْإِضَافَة وَنَحْو: لَقلت لبيه لمن يدعوني لِإِضَافَتِهِ إِلَى ضمير الْغَيْبَة كَمَا شَذَّ إِضَافَته إِلَى الظَّاهِر فِي قَوْله: فلبى فلبي يَدي مسور وَأما الثَّانِي فَهُوَ اسْم مُفْرد مَقْصُور عِنْد يُونُس. قَالَ ابْن جني فِي سر الصِّنَاعَة: أَصله عِنْده لببٌ ووزنه فعللٌ وَلَا يجوز أَن تحمله على فعل لقلَّة فعل فِي الْكَلَام وَكَثْرَة فعلل فقلبت الْبَاء الَّتِي هِيَ اللَّام الثَّانِيَة من لبب يَاء هرباً من التَّضْعِيف فَصَارَ لبي ثمَّ أبدل الْيَاء ألفا لتحركها وانفتاح مَا قبلهَا فَصَارَت لبا ثمَّ إِنَّهَا لما وصلت بِالْكَاف فِي لبيْك وبالهاء فِي لبيه قلبت الْألف يَاء كَمَا قلبت فِي على ولدى إِذا وصلتها بالضمير وَوجه الشّبَه بَينهمَا: أَنه اسْم لَيْسَ لَهُ تصرف غَيره فِي الْأَسْمَاء لِأَنَّهُ لَا يكون إِلَّا مَنْصُوبًا

وَلَا يكون إِلَّا مُضَافا كَمَا أَن إِلَيْك وَعَلَيْك ولديك لَا تكون إِلَّا مَنْصُوبَة الْمَوَاضِع مُلَازمَة للإضافة فقلبوا أَلفه يَاء فَقَالُوا: لبيْك كَمَا قَالُوا: عَلَيْك. وَنَظِير هَذَا كلا وكلتا فِي قلب ألفهما يَاء مَتى اتَّصَلت بضمير وَكَانَت فِي مَوضِع نصب أَو جر وَلم يقلبوا الْألف فِي) مَوضِع الرّفْع يَاء لِأَنَّهُمَا بعدا برفعهما عَن شبه عَلَيْك ولديك إِذْ كَانَ لاحظ لَهُنَّ فِي الرّفْع. وَاحْتج سِيبَوَيْهٍ على يُونُس فَقَالَ: لَو كَانَت يَاء إِلَيْك بِمَنْزِلَة يَاء عَلَيْك ولديك لوَجَبَ مَتى أضفتها إِلَى الْمظهر أَن تقرها ألفا فلبي فِي هَذَا الْبَيْت بِالْيَاءِ مَعَ إِضَافَته إِلَى الْمظهر دلَالَة على أَنه اسْم مثنى. وَأجَاب ابْن جني فِي الْمُحْتَسب: بِأَن من الْعَرَب من يُبدل ألف الْمَقْصُور فِي الْوَقْف يَاء فَيَقُول: هَذِه عصي وَرَأَيْت حبلي وَمِنْهُم من يبدلها واواً فِيهِ أَيْضا فَيَقُول: هَذِه عصو وحبلو وَفِي الْوَصْل أَيْضا نَحْو هَذِه حبلو يَا فَتى وَمِنْه قِرَاءَة الْحسن: يَوْم يَدْعُو كل أناسٍ بِضَم الْيَاء وَفتح الْعين. وعَلى هَذَا التَّخْرِيج يسْقط قَول سِيبَوَيْهٍ عَن يُونُس. قَالَ أَبُو عَليّ: يُمكن يُونُس أَن يَقُول: إِنَّه أجْرى الْوَصْل مجْرى الْوَقْف فَكَمَا يَقُول فِي الْوَقْف: عصى وفتى كَذَلِك قَالَ: فلبي ثمَّ وصل على ذَلِك. هَذَا مَا قَالَه أَبُو عَليّ. وَعَلِيهِ يُقَال: كَيفَ يحسن تَقْدِير الْوَقْف على الْمُضَاف دون الْمُضَاف إِلَيْهِ وَجَوَابه أَن ذَلِك قد جَاءَ أنْشد أَبُو زيد: ضخم نجاري طيبٌ عنصري أَرَادَ عنصري فثقل الرَّاء لنِيَّة الْوَقْف ثمَّ أطلق يَاء الْإِضَافَة من بعد.

وَإِذا جَازَ هَذَا التَّوَهُّم مَعَ أَن الْمُضَاف إِلَيْهِ مُضْمر والمضمر الْمَجْرُور لَا يجوز تصور انْفِصَاله فجوازه مَعَ الْمظهر أولى من حَيْثُ كَانَ الْمظهر أقوى من الْمُضمر. وَمثله قَوْله: يَا ليتها قد خرجت من فَمه أَرَادَ: من فَمه ثمَّ نوى الْوَقْف على الْمِيم فثقلها على حد قَوْلهم فِي الْوَقْف: هَذَا خالدٌ وَهُوَ يَجْعَل ثمَّ أضَاف على ذَلِك. ويروى: من فَم يضم الْمِيم أَيْضا وَفِيه أَكثر من هَذَا. انْتهى. فوزن لبيْك عِنْدهمَا فَعَلَيْك وَعند يُونُس فعللك. وَاعْلَم أَن الشَّارِح جوز أَن يكون أصل لبيْك إِمَّا إلبابين حذف مِنْهَا الزَّوَائِد وَإِمَّا من لب بِالْمَكَانِ بِمَعْنى أَقَامَ فَلَا حذف. وَيَنْبَغِي أَن يكون الْمَأْخُوذ مِنْهُ هَذَا فَإِنَّهُ لَا تكلّف فِيهِ وَفعله وَوَصفه ثَابت أما الْفِعْل فقد روى الْمفضل بن سَلمَة فِي الفاخر: أَنه يُقَال: لب بِالْمَكَانِ: إِذا أَقَامَ فِيهِ وَأنْشد قَول الراجز: وَأما الْوَصْف فقد قَالَ صَاحب الصِّحَاح: وَرجل لبٌ أَي: لَازم لِلْأَمْرِ وَأنْشد: لبا بأعجاز الْمطِي لاحقا)

وَرجل لَبِيب مثل لب قَالَ: (فَقلت لَهَا فيئي إِلَيْك فإنني ... حرامٌ وَإِنِّي بعد ذَاك لَبِيب) وَقيل: هُوَ بِمَعْنى ملب بِالْحَجِّ من التَّلْبِيَة وَحرَام: بِمَعْنى محرم وَبعد ذَاك أَي: مَعَ ذَاك. وَقيل: إِنَّه مَأْخُوذ من قَوْلهم: دَاري تلب دَارك أَي: تقَابلهَا فَيكون مَعْنَاهُ: اتجاهي إِلَيْك وإقبالي عَلَيْك. حَكَاهُمَا المضل فِي الفاخر وَأسْندَ أَولهمَا إِلَى الْخَلِيل عَن أبي عبيد. وَقيل: مَعْنَاهُ إخلاصي لَك من قَوْلهم: حسبٌ لباب. وَاخْتلف فِي كَاف لبيْك فَقَالَ أَبُو حَيَّان فِي الارتشاف: وَهِي فِي لبيْك وَسَعْديك وحنانيك الْوَاقِع موقع الَّذِي هُوَ خير فِي مَوضِع الْمَفْعُول وَفِي دواليك وهذاذيك وحنانيك إِذا وَقعت موقع الطّلب فِي مَوضِع الْفَاعِل. وَذهب الأعلم إِلَى أَن الْكَاف حرف خطاب فَلَا مَوضِع لَهَا من الْإِعْرَاب. وحذفت النُّون لشبه الْإِضَافَة. وَيجوز اسْتِعْمَال لبيْك وَحده وَأما سعديك فَلَا يسْتَعْمل إِلَّا تَابعا للبيك. انْتهى. وَقَوله فِي الْبَيْت فلبى هُوَ فعل مَاض من التَّلْبِيَة وفاعله الضَّمِير الْعَائِد إِلَى مسور قَالَ الشَّارِح الْمُحَقق وَأما قَوْلهم: لبّى يُلَبِّي فَهُوَ مُشْتَقّ من لبيْك لِأَن معنى لبّى: قَالَ لبيْك كَمَا أَن معنى سبح وَسلم وبسمل: قَالَ سُبْحَانَ الله وَسَلام عَلَيْك وبسم الله. وَهَذَا مَأْخُوذ من سر الصِّنَاعَة لِابْنِ جني فَإِنَّهُ قَالَ: فَأَما حَقِيقَة لبيت عِنْد أهل الصَّنْعَة فَلَيْسَ أصل يائه بَاء وَإِنَّمَا الْيَاء فِي لبيت هِيَ الْيَاء فِي قَوْلهم:

لبيْك وَسَعْديك اشتقوا من الصَّوْت فعلا مجمعا من حُرُوفه كَمَا قَالُوا من سُبْحَانَ الله: سبحت أَي: قلت سُبْحَانَ الله وَمن لَا إِلَه إِلَّا الله: هللت وَمن لَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه: حوقلت وحولقت وَمن بِسم الله: بسملت وَمن هَلُمَّ وَهُوَ مركب من هَا وَلم عندنَا وَهل وَأم عِنْد البغداديين فَقَالُوا: هلممت. وَكتب إِلَيّ أَبُو عَليّ فِي شَيْء سَأَلته عَنهُ قَالَ: قَالَ بَعضهم: سَأَلتك حَاجَة فَلَا لَيْت لي أَي قلت لي: لَا وَسَأَلْتُك حَاجَة فلوليت لي أَي: قلت لي: لَوْلَا قَالَ: وَقَالُوا: بأبأ الصَّبِي أَبَاهُ أَي: قَالَ لَهُ بَابا. وَكَذَلِكَ اشتقوا أَيْضا لبيت من لفظ لبيْك فجاؤوا فِي لبيت بِالْيَاءِ الَّتِي هِيَ للتثنية. ثمَّ قَالَ ابْن جني: وَقَول من قَالَ: إِن لبيت بِالْحَجِّ إِنَّمَا هُوَ من قَوْلنَا ألب بِالْمَكَانِ إِلَى قَول يُونُس أقرب مِنْهُ إِلَى قَول سِيبَوَيْهٍ. أَلا ترى أَن الْيَاء فِي لبيْك عِنْد يُونُس إِنَّمَا هِيَ بدل من الْألف المبدلة من الْيَاء المبدلة من الْبَاء الثَّالِثَة فِي لبب. انْتهى.) وَعِنْدِي أَن التَّلْبِيَة من مَادَّة معتلة غير مَادَّة المضاعف ونظائره كَثِيرَة مثل صر وصرى فَإِن لبّى غير منحصر مَعْنَاهُ فِي قَالَ لبيْك بل يَأْتِي بِمَعْنى أَقَامَ ولازم مثل ألب بِالْمَكَانِ قَالَ طفيل الغنوي أنْشدهُ الْمفضل فِي الفاخر: (رددن حصيناً من عدي ورهطه ... وتيم تلبي فِي العروج وتحلب) أَي: تلازمها وتقيم بهَا.

وَقَوله لما نابني: اللَّام للتَّعْلِيل. وَاسْتشْهدَ بِهِ صَاحب الْكَشَّاف على أَن اللَّام فِي قَوْله تَعَالَى: يدعوكم ليغفر لكم تَعْلِيله كَمَا فِي هَذَا الْبَيْت. ومسور بِكَسْر الْمِيم: اسْم رجل. وَالْفَاء الأولى عطفت جملَة لبّى على جملَة دَعَوْت وَالثَّانيَِة سَبَبِيَّة ومدخولها جملَة دعائية يَقُول: دَعَوْت مسوراً لدفع مَا نابني فَأَجَابَنِي أجَاب الله دعاءه قَالَ الشاطبي فِي شرح الألفية: رُوِيَ فِي بعض الْأَحَادِيث عَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أَنه قَالَ: إِذا دَعَا أحدكُم أَخَاهُ فَقَالَ لبيْك فَلَا يَقُولَن لبي يَديك وَليقل أجابك الله بِمَا تحب. وَهَذَا يشْعر بِأَن عَادَة الْعَرَب إِذا دعت فأجيبت بلبيك أَن تَقول: لبي يَديك فَنهى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ عَن هَذَا القَوْل وَعوض مِنْهُ كلَاما حسنا. وَقَالَ الأعلم: يَقُول: دَعَوْت مسوراً لدفع نَائِبه نابتني فَأَجَابَنِي بالعطاء فِيهَا وكفاني مؤنتها. وَكَأَنَّهُ سَأَلَهُ فِي دِيَة. وَإِنَّمَا لبّى يَدَيْهِ لِأَنَّهُمَا الدافعتان إِلَيْهِ مَا سَأَلَهُ مِنْهُ فخصهما بِالتَّلْبِيَةِ لذَلِك. (دَعَوْت فَتى أجَاب فَتى دَعَاهُ ... بلبيه أَشمّ شمردلي) وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد الرَّابِع وَالتِّسْعُونَ وَهُوَ من أَبْيَات س:

(إِذا شقّ بردٌ شقّ بالبرد مثله ... دواليك حَتَّى كلنا غير لابس) على أَن دواليك مَنْصُوب بعامل مَحْذُوف. قَالَ: يُقَال دواليك أَي: تداول الْأَمر دوالين ظَاهره أَن دواليك بدل من فعل الْأَمر. وَلَيْسَ كَذَلِك كَمَا يعلم مِمَّا سَيَأْتِي. اعْلَم أَن دوالين مثنى دوال والدوال بِالْكَسْرِ: مصدر داولت الشَّيْء مداولة ودولا وبالفتح: اسْم مصدر. وَرُوِيَ بِالْوَجْهَيْنِ مَا أنْشدهُ أَبُو زيد فِي نوادره لضباب بن سبيع بن عَوْف الْحَنْظَلِي: (جزوني بِمَا ربيتهم وحملتهم ... كَذَلِك مَا أَن الخطوب دوال) والتداول: حُصُول الشَّيْء فِي يَد هَذَا تَارَة وَفِي يَد ذَاك أُخْرَى وَالِاسْم الدولة بِفَتْح الدَّال وَضمّهَا وَمِنْهُم من يَقُول: الدولة بِالضَّمِّ فِي المَال وبالفتح فِي الْحَرْب ودالت الْأَيَّام مثل دارت وزنا وَمعنى. ودواليك مَعْنَاهُ مداولة بعد مداولة وَثني لِأَنَّهُ فعل اثْنَيْنِ. قَالَ الشاطبي: وَلَا تجوز إِضَافَته إِلَى الظَّاهِر لَا تَقول: دوالي زيد. وَقَالَ الأعلم: الْكَاف للخطاب وَلذَلِك لم يتعرف بهَا مَا قبلهَا. وَأنْشد سِيبَوَيْهٍ هَذَا الْبَيْت على أَن دواليك مصدر وضع مَوضِع الْحَال.

وَدلّ قَوْله: إِذا شقّ برد على الْفِعْل الَّذِي نصب دواليك أَي: نشقهما متداولين بإضمار فعل لَهُ وَلها يعْمل فِي دواليك. وَرُوِيَ: إِذا شقّ بردٌ شقّ بالبرد برقع يَعْنِي أَنه يشق برقعها وَهِي تشق برده. وَمَعْنَاهُ: أَن الْعَرَب يَزْعمُونَ أَن المتحابين إِذا شقّ كل وَاحِد مِنْهُمَا ثوب صَاحبه دَامَت مودتهما وَلم تفْسد. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: كَانَ من شَأْن الْعَرَب إِذا تجالسوا مَعَ الفتيات للتغزل أَن يتعابثوا بشق الثِّيَاب لشدَّة المعالجة عَن إبداء المحاسن. وَقيل إِنَّمَا يَفْعَلُونَ ذَلِك ليذكر كل وَاحِد مِنْهُمَا صَاحبه بِهِ. وَقَالَ الْعَيْنِيّ: كَانَت عَادَة الْعَرَب فِي الْجَاهِلِيَّة أَن يلبس كل وَاحِد من الزَّوْجَيْنِ برد الآخر ثمَّ يتداولان على تخريقه حَتَّى لَا يبْقى فِيهِ لبس طلبا لتأكيد الْمَوَدَّة. وَقَالَ الْجَوْهَرِي: يزْعم النِّسَاء إِذا شقّ أحد الزَّوْجَيْنِ عِنْد البضاع شَيْئا من ثوب صَاحبه دَامَ الود بَينهمَا وَإِلَّا تهاجرا.) وشق فِي الْمَوْضِعَيْنِ بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول وبردٌ وَمثله: نَائِبا الْفَاعِل وَالْبَاء للمقابلة. وَالْبرد: الثَّوْب من أَي شَيْء كَانَ وَقَالَ أَبُو حَاتِم: لَا يُقَال لَهُ برد حَتَّى يكون فِيهِ وشي فَإِن كَانَ من صوف فَهُوَ بردة. وَحَتَّى ابتدائية وكلنَا مُبْتَدأ وَغير لابس خَبره. وروى الْعَيْنِيّ: لَيْسَ للبرد لابس كصاحب الصِّحَاح. وَهُوَ غير صَحِيح فَإِن القوافي مجرورة. وَأثبت صَاحب الصِّحَاح هذاذيك مَوضِع دواليك وَالصَّوَاب مَا ذكرنَا. وأنشده سِيبَوَيْهٍ أَيْضا كصاحب الصِّحَاح فَيكون فِيهِ إقواء.

وَهَذَا الْبَيْت من قصيدة لسحيم عبد بني الحسحاس. وأولها: (كَأَن الصبيريات يَوْم لقيننا ... ظباءٌ حنت أعناقها للمكانس) (وَهن بَنَات الْقَوْم إِن يشعروا بِنَا ... يكن فِي ثِيَاب الْقَوْم إِحْدَى الدهارس) وَقبل الْبَيْت الشَّاهِد: (فكم قد شققنا من رداءٍ منيرٍ ... على طفلةٍ ممكورةٍ غير عانس) قَالَ ابْن السَّيِّد: أَرَادَ بالصبيريات: نسَاء بني صبيرة بن يَرْبُوع. وحنت: أمالت. والمكانس: جمع مكنس بِمَعْنى الكناس وَهُوَ مَوضِع الظباء فِي الشّجر يكتن فِيهِ ويستتر وكنس الظبي يكنس بِالْكَسْرِ. والدهارس: بِفَتْح الدَّال: الدَّوَاهِي جمع دهرس كجعفر والدهاريس جمع الْجمع. والرداء الْمُنِير: الَّذِي لَهُ نير بِالْكَسْرِ وَهُوَ علم الثَّوْب. وَجَارِيَة طفلة بِفَتْح الطَّاء أَي: ناعمة. وَالْمُنَاسِب لقَوْله غير عانس أَن يكون طفلة بِكَسْر الطَّاء. والممكورة: المطوية الْخلق من النِّسَاء يُقَال: امْرَأَة ممكورة السَّاقَيْن أَي: جدلاء مفتولة. وَقَالَ ابْن السَّيِّد: الممكورة: الطَّوِيلَة الْخلق. والعانس بالنُّون فِي الصِّحَاح: عنست الْجَارِيَة تعنس عنوساً وعناساً فَهِيَ عانس وَذَلِكَ إِذا طَال مكثها فِي منَازِل أَهلهَا بعد إِدْرَاكهَا حَتَّى خرجت من عداد الْأَبْكَار وَهَذَا مَا لم تتَزَوَّج فَإِن تزوجت مرّة فَلَا يُقَال عنست. يَقُول: إِذا شقّ هَؤُلَاءِ

النِّسَاء اللَّاتِي يلعبن معي بردي شققت أَنا أَيْضا أرديتهن وبراقعهن حَتَّى نعرى جَمِيعًا. وَمثل هَذَا قَول رجل من بني أَسد: (كَأَن ثِيَابِي نازعت شوك عرفطٍ ... ترى الثَّوْب لم يخلق وَقد شقّ جَانِبه) وسحيمٌ عبد بني الحسحاس من المخضرمين: قد أدْرك الْجَاهِلِيَّة وَالْإِسْلَام. وَلَا يعرف لَهُ صُحْبَة. وَكَانَ أسود شَدِيد السوَاد. وَبَنُو الحسحاس قَالَ بن هِشَام فِي السِّيرَة: هم من بني أَسد) بن خُزَيْمَة والحسحاس بمهملات هُوَ ابْن نفاثة بن سعد ابْن عَمْرو بن مَالك بن ثَعْلَبَة بن دودان بن أَسد بن خُزَيْمَة بن مدركة بن إلْيَاس. وَمن شعر سحيم: (إِن كنت عبدا فنفسي حرةٌ كرماً ... أَو أسود اللَّوْن إِنِّي أَبيض الْخلق) وَله القصيدة الْمَشْهُورَة الَّتِي مطْلعهَا وَهُوَ من شَوَاهِد مُغنِي اللبيب: قَالَ الْمبرد فِي الْكَامِل: وَكَانَ عبد بني الحسحاس يرتضخ لكنةً حبشية فَلَمَّا أنْشد عمر بن الْخطاب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه هَذَا المطلع قَالَ لَهُ عمر: لَو كنت قدمت الْإِسْلَام على الشيب لأجزتك. فَقَالَ سحيم: مَا سعرت يُرِيد مَا شَعرت. وَفِي الأغاني للأصبهاني من طَرِيق أبي عُبَيْدَة قَالَ: كَانَ سحيم أسود أعجمياً أدْرك النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وَقد تمثل النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ من شعره روى المرزباني فِي تَرْجَمته والدينوري فِي المجالسة من طَرِيق

عَليّ بن يزِيد عَن الْحسن رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قَالَ: كفى بِالْإِسْلَامِ والشيب للمرء ناهياً فَقَالَ لَهُ أَبُو بكر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه إِنَّمَا قَالَ الشَّاعِر: كفى الشيب وَالْإِسْلَام للمرء ناهياً فَأَعَادَهَا النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ كَالْأولِ فَقَالَ أَبُو بكر: أشهد إِنَّك لرَسُول الله وَمَا علمناه الشّعْر وَمَا يَنْبَغِي لَهُ. وَقَالَ عمر بن شبة: قدم سحيم بعد ذَلِك على عمر بن الْخطاب فأنشده هَذِه القصيدة فَقَالَ لَهُ عمر: لَو قدمت الْإِسْلَام لأجزتك. وَقتل سحيم فِي خلَافَة عُثْمَان. قَالَ بن حجر فِي الْإِصَابَة: يُقَال إِن سَبَب قَتله أَن امْرَأَة من بني الحسحاس أسرها بعض الْيَهُود واستخصها لنَفسِهِ وَجعلهَا فِي حصن لَهُ فَبلغ ذَلِك سحيماً فَأَخَذته الْغيرَة فَمَا زَالَ يتحيل لَهُ حَتَّى تسور على الْيَهُودِيّ حصنه فَقتله وخلص الْمَرْأَة فأوصلها إِلَى قَومهَا فَلَقِيته يَوْمًا فَقَالَت لَهُ: يَا سحيم وَالله لَوَدِدْت أَنِّي قدرت على مكافأتك على تخليصي من الْيَهُودِيّ فَقَالَ لَهَا: وَالله إِنَّك لقادرة على ذَلِك عرض لَهَا بِنَفسِهَا فاستحيت وَذَهَبت ثمَّ لَقيته مرّة أُخْرَى فَعرض لَهَا بذلك فأطاعته فهويها وطفق يتغزل فِيهَا ففطنوا لَهُ فَقَتَلُوهُ خشيَة الْعَار. وَقَالَ ابْن حبيب: أنْشد رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قَول سحيم عبد بني الحسحاس: (الْحَمد لله حمداً لَا انْقِطَاع لَهُ ... فَلَيْسَ إحسانه عَنَّا بمقطوع)) فَقَالَ: أحسن وَصدق وَإِن الله يشْكر مثل هَذَا وَلَئِن سدد وقارب إِنَّه لمن أهل الْجنَّة. انْتهى.

وَقَالَ اللَّخْمِيّ فِي شرح شَوَاهِد الْجمل: اسْم عبد بني الحسحاس سحيم وَقيل اسْمه حَيَّة ومولاه جندل بن معبد من بني الحسحاس. وَكَانَ سحيم حَبَشِيًّا أعجمي اللِّسَان ينشد الشّعْر ثمَّ يَقُول: أهشند وَالله يُرِيد أَحْسَنت وَالله وَكَانَ عبد الله بن أبي ربيعَة قد اشْتَرَاهُ وَكتب إِلَى عُثْمَان بن عَفَّان رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: إِنِّي قد ابتعت لَك غُلَاما شَاعِرًا حَبَشِيًّا. فَكتب إِلَيْهِ عُثْمَان: لَا حَاجَة لي بِهِ فاردده فَإِنَّمَا قصارى أهل العَبْد الشَّاعِر إِن شبع أَن يشبب بنسائهم وَإِن جَاع أَن يهجوهم. فَرده عبد الله فَاشْتَرَاهُ أَبُو معبد فَكَانَ كَمَا قَالَ عُثْمَان رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: شَبَّبَ فَمن ذَلِك قَوْله فِيهَا: (ألكني إِلَيْهَا عمرك الله يافتى ... بِآيَة مَا جَاءَت إِلَيْنَا تهادياً) (وبتنا وسادانا إِلَى علجانةٍ ... وحقفٍ تهاداه الرِّيَاح تهاديا) (وهبت شمالٌ آخر اللَّيْل قرةٌ ... وَلَا ثوب إِلَّا بردهَا وردائيا) (توسدني كفا وَتثني بمعصمٍ ... عَليّ وتحوي رجلهَا من ورائيا) (فَمَا زَالَ بردي طيبا من ثِيَابهَا ... إِلَى الْحول حَتَّى أنهج الْبرد بَالِيًا) ألكني إِلَيْهَا: مَعْنَاهُ ابلغ رسالتي إِلَيْهَا. والألوك: الرسَالَة. وعلجانة: شَجَرَة مَعْرُوفَة. والحقف: مَا تراكم من الرمل. والقرة بِالضَّمِّ: الْبرد. وانهج: أخلق. وَذكر مُحَمَّد بن حبيب فِي كتاب من قتل من الشُّعَرَاء: أَن سحيماً كَانَ

صَاحب تغزل فاتهمه مَوْلَاهُ بابنته فَجَلَسَ لَهُ فِي مَكَان إِذا رعى سحيم قَالَ فِيهِ. فَلَمَّا اضْطجع تنفس الصعداء ثمَّ قَالَ: (يَا ذكرةً مَالك فِي الْحَاضِر ... تذكرها وَأَنت فِي السادر) (من كل بَيْضَاء لَهَا كعشبٌ ... مثل سَنَام الرّبع المائر) فَقَالَ لَهُ سَيّده وَظهر من مَوْضِعه الَّذِي كَانَ كمن فِيهِ وَمَالك فلجلج فِي مَنْطِقه. فَلَمَّا رَجَعَ وهم على قَتله خرجت غليه صاحبته فَحَدَّثته وأخبرته بِمَا يُرَاد بِهِ فَقَامَ ينفض برده ويعفي أَثَره. فَلَمَّا انْطلق بِهِ ليقْتل ضحِكت امْرَأَة كَانَ بَينه وَبَينهَا شَيْء فَقَالَ: (إِن تضحكي مني فيا رب ليلةٍ ... تركتك فِيهَا كالقباء المفرج) فَلَمَّا قدم ليقْتل قَالَ:) (شدوا وثاق العَبْد لَا يغلبكم ... إِن الْحَيَاة من الْمَمَات قريب) (فَلَقَد تحدر من جبين فتاتكم ... عرقٌ على ظهر الْفراش وَطيب) فَقتل. انْتهى. تَتِمَّة قَالَ ابْن السَّيِّد فِي شرح شَوَاهِد الْجمل وَتَبعهُ ابْن خَافَ: إِن سحيماً مصغر أسحم وَهُوَ الْأسود تَصْغِير ترخيم وَيجوز أَن يكون مصغر سحم وَهُوَ ضرب

من النَّبَات وَالْأول أَجود لِأَنَّهُ كَانَ عبدا أسود. وَأما الحسحاس فالأشبه أَن يكون اسْما مرتجلاً مشتقاً من قَوْلهم: حسحست الشواء: إِذا أزلت عَنهُ الْجَمْر والرماد وَقد يُمكن أَن يكون مَنْقُولًا لأَنهم قَالُوا: ذُو الحسحاس: الرجل الْجواد قَالَ الراجز: فَهُوَ قطعا مَنْقُول مِنْهُ. وَقَوله: من حسحست الشواء. . قَالَ فِي الصِّحَاح: وحسست اللَّحْم وحسحسته بِمَعْنى: إِذا جعلته على الْجَمْر. . وحسست النَّار: إِذا رَددتهَا بالعصا على خبْزَة الْملَّة أَو الشواء من نواحيه لينضج. وَمن كَلَامهم: قَالَت الخبزة: لَوْلَا الْحس مَا باليت بالدس. فَكَلَامه لَا يُوَافق شَيْئا من هَذَا فَتَأمل. وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد الْخَامِس وَالتِّسْعُونَ وَهُوَ من أَبْيَات سِيبَوَيْهٍ: ضربا هذاذيك وطعناً وخضا على أَن هذاذيك بِمَعْنى أسْرع إسراعين أَي: ضربا يُقَال فِيهِ هذاذيك. أَرَادَ أَن هذاذيك بِمَعْنى أسْرع وَأَنه بدل من فعل الْأَمر. وَلَا يخفى أَنه بدل من الهذ وَهُوَ فِي جَمِيع تَصَرُّفَاته مَعْنَاهُ السرعة فِي الْقطع لَا السرعة مُطلقًا بل حكم اللحياني فِي نوادره أَن الهذ: الْقطع نَفسه. وَأنْشد هَذَا الْبَيْت. وَكَذَلِكَ صَاحب الْقَامُوس قَالَ: هذاذيك: قطعا بعد قطع.

وهذاذيك لَيْسَ بَدَلا من فعل الْأَمر حَتَّى يحْتَاج إِلَى تَقْدِير القَوْل ليَصِح وُقُوعه وَصفا لما قبله بل مَعْنَاهُ ضربا يهذ هَذَا بعد هذٍ أَي: قطعا سَرِيعا بعد قطع سريع فَهُوَ صفة بِدُونِ إِضْمَار القَوْل والأنسب تهذ بِهِ هَذَا بِالْخِطَابِ ليظْهر كَونه مُضَافا لفَاعِله. وَجوز شرَّاح أَبْيَات سِيبَوَيْهٍ وأبيات الْجمل أَن يكون بَدَلا من قَوْله ضربا وان يكون حَالا مِنْهُ على ضعف. وَقَالَ ابْن هِشَام اللَّخْمِيّ: وَقيل: إِن هذاذيك مَنْصُوب بإضمار فعل من لَفظه وَذَلِكَ الْفِعْل فِي مَوضِع نصب على الصّفة للضرب وَذَلِكَ الضَّرْب مَنْصُوب بإضمار فعلٍ من لَفظه كَأَنَّهُ قَالَ: تضربه ضربا يهذ اللَّحْم هَذَا بعد هَذ أَو تطعنهم طَعنا وخضاً يردد دِمَائِهِمْ فِي أَجْوَافهم. وَقَالَ ابْن السَّيِّد: معنى ضربا هذاذيك: ضربا يهذك هَذَا بعد هَذ. وَهَذَا عكس الْمَعْنى المُرَاد كَأَنَّهُ ظن أَن الْمصدر مُضَاف لمفعوله وَلَيْسَ كَذَلِك. وَهَذَا الْبَيْت من أرجوزة للعجاج مدح بهَا الْحجَّاج بن يُوسُف الثَّقَفِيّ عَامله الله بِمَا يسْتَحقّهُ وَذكر فِيهَا ابْن الْأَشْعَث وَأَصْحَابه. وَقَبله: (تجزيهم بالطعن فرضا فرضا ... وَتارَة يلقون قرضا قرضا) (حَتَّى تقضي الْأَجَل المنقضا ... ضربا هذاذيك وطعناً وخضا) يمْضِي إِلَى عاصي الْعُرُوق النحضا (جاؤوا مخلين فلاقوا حمضا ... طاغين لَا يزْجر بعضٌ بَعْضًا) قَوْله: تجزيهم الْخطاب للحجاج وَالضَّمِير الْمَنْصُوب لِابْنِ الْأَشْعَث

وَأَصْحَابه مُتَعَدٍّ لمفعولين) يُقَال: جزاه الله خيرا. والطعن يكون بِالرُّمْحِ وَفعله من بَاب قتل. وَالْفَرْض بِالْفَاءِ: الحز فِي الشَّيْء وَالثَّانِي تَأْكِيد للْأولِ. وَالْقَرْض بِالْقَافِ: الْقطع وتقضي بِالْبِنَاءِ للْفَاعِل وَالْخطاب أَيْضا يُقَال قضى حَاجته بِالتَّشْدِيدِ كقضى بِالتَّخْفِيفِ: أَي: أتمهَا. والمنقض: السَّاقِط يُقَال انقض الْجِدَار أَي: سقط وانقض الطَّائِر: هوى فِي طيرانه. أَي: يجازيهم إِلَى أَن يتم أَجلهم المنقض عَلَيْهِم انقضاض الطير على صَيْده. وَقَوله: ضربا هذاذيك: ضربا إِمَّا مَنْصُوب بِفعل مَحْذُوف أَي: تضربهم ضربا وَالْجُمْلَة حَال من فَاعل تقضى وَيجوز أَن يكون مَنْصُوبًا بِنَزْع الْخَافِض أَي: بِضَرْب. والوخض بِفَتْح الْوَاو وَسُكُون الْخَاء الْمُعْجَمَة: مصدر وخضه بِمَعْنى طعنه من غير أَن ينفذ فِي جَوْفه. يُرِيد: إِنَّك تضرب أَعْنَاقهم وتطعن فِي أَجْوَافهم. ويمضي من الْإِمْضَاء يُقَال أمضيت الْأَمر: إِذا أنفذته ومفعوله النحض وَهُوَ بِفَتْح النُّون وَسُكُون الْمُهْملَة وَهُوَ اللَّحْم. وعاصي الْعُرُوق أَي: الْعُرُوق العاصية. فِي الصِّحَاح: العَاصِي: الْعرق الَّذِي لَا يرقأ. ومخلين: اسْم فَاعل من أخل إِذا طلب الْخلَّة بِضَم الْخَاء وَهِي من النبت مَا هُوَ حُلْو. والحمض بِفَتْح الْمُهْملَة وَسُكُون الْمِيم: مَا ملح وَأمر من النَّبَات كالأثل وترجمة العجاج قد تقدّمت فِي الشَّاهِد الْحَادِي وَالْعِشْرين.

وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد السَّادِس وَالتِّسْعُونَ: جاؤوا بمذق هَل رَأَيْت الذِّئْب قطّ على أَن قَوْلهم: هَل رَأَيْت وَقعت صفة مذق بِتَقْدِير القَوْل يَعْنِي أَن الْجُمْلَة الَّتِي تقع صفة شَرطهَا أَن تكون خبرية لِأَنَّهَا فِي الْمَعْنى كالخبر عَن الْمَوْصُوف فجملة هَل رَأَيْت. . ظَاهرهَا أَنَّهَا وَقعت صفة لمذق مَعَ أَنَّهَا استفهامية والاستفهام قسم من الْإِنْشَاء. فَأجَاب بِأَن التَّحْقِيق أَنَّهَا معمولة للصفة المحذوفة أَي: بمذق مقولٍ فِيهِ: هَل رَأَيْت أَو يَقُول فِيهِ من رَآهُ هَذَا القَوْل وَنَحْوه. وَهَذَا الْبَيْت قد كرر الشَّارِح إنشاده فِي هَذَا الْكتاب فقد أوردهُ فِي النَّعْت وَفِي الْمَوْصُول مرَّتَيْنِ وَفِي أَفعَال الْقُلُوب وَفِي الْحُرُوف المشبهة بِالْفِعْلِ. وَرَوَاهُ الدينَوَرِي فِي النَّبَات وَابْن قُتَيْبَة فِي أَبْيَات الْمعَانِي والزجاجي وَابْن الشجري فِي أماليهما: جاؤوا بضيحٍ هَل رَأَيْت الذِّئْب قطّ وَقَالَ الدينَوَرِي: نزل هَذَا الشَّاعِر بِقوم فقروه ضياحاً وَهُوَ اللَّبن الَّذِي قد أَكثر عَلَيْهِ من المَاء.) وَقَالَ ابْن جني فِي الْمُحْتَسب: قَوْله هَل رَأَيْت: جملَة استفهامية إِلَّا أَنَّهَا فِي مَوضِع وصف الضيح حملا على مَعْنَاهَا دون لَفظهَا لِأَن الصّفة ضرب

من الْخَبَر فَكَأَنَّهُ قَالَ: جاؤوا بضيح يشبه لَونه لون الذِّئْب. والضيح هُوَ اللَّبن الْمَخْلُوط بِالْمَاءِ فَهُوَ يضْرب إِلَى الخضرة والطلسة. وَأوردهُ صَاحب الْكَشَّاف عِنْد قَوْله تَعَالَى: وَاتَّقوا فتْنَة لَا تصيبن الَّذين ظلمُوا على أَن لَا تصيبن صفة لفتنة على إِرَادَة القَوْل كَهَذا الْبَيْت. والمذق: اللَّبن الممزوج بِالْمَاءِ وَهُوَ يشبه لون الذِّئْب لِأَن فِيهِ غبرة وكدرة واصله مصدر مذقت اللَّبن: إِذا مزجته بِالْمَاءِ. وقط اسْتعْملت هُنَا مَعَ الِاسْتِفْهَام مَعَ أَنَّهَا لَا تسْتَعْمل إِلَّا مَعَ الْمَاضِي الْمَنْفِيّ لِأَن الِاسْتِفْهَام أَخُو النَّفْي فِي أَكثر الْأَحْكَام. لَكِن قَالَ ابْن مَالك: قد ترد قطّ فِي الْإِثْبَات. وَاسْتشْهدَ لَهُ بِمَا وَقع فِي حَدِيث البُخَارِيّ فِي قَوْله: قَصرنَا الصَّلَاة فِي السّفر مَعَ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أَكثر مَا كُنَّا قطّ. وَأما قَوْله: جاؤوا بمذق هَل رَأَيْت الذِّئْب قطّ فَلَا شَاهد فِيهِ لِأَن الِاسْتِفْهَام أَخُو النَّفْي. وَهَذَا مِمَّا خَفِي على كثير من النُّحَاة. انْتهى. وَتَبعهُ الْكرْمَانِي عَلَيْهِ فِي شرح هَذَا الحَدِيث. قَالَ الْمبرد فِي الْكَامِل: الْعَرَب تختصر التَّشْبِيه وَرُبمَا أَوْمَأت بِهِ إِيمَاء قَالَ أحد الرجاز: (بتنا بحسانٍ ومعزاه يئط ... مَا زلت أسعى بَينهم وألتبط) يَقُول فِي لون الذِّئْب. وَاللَّبن إِذا اخْتَلَط بِالْمَاءِ ضرب إِلَى الغبرة. انْتهى.

وبتنا: ماضٍ من الْمبيت فِي الْمِصْبَاح: بَات بِموضع كدا أَي: صَار بِهِ سَوَاء كَانَ فِي ليل أَو نَهَار وَبَات يفعل كَذَا: إِذا فعله لَيْلًا وَلَا يُقَال بِمَعْنى نَام. وَحسان: اسْم رجل ينْصَرف إِن اخذ من الْحسن وَلَا ينْصَرف إِن كَانَ من الْحسن بِالتَّشْدِيدِ. والمعزى: من الْغنم خلاف الضَّأْن وَهُوَ اسْم جنس وَكَذَلِكَ الْمعز وَالْوَاحد مَاعِز وَالْأُنْثَى ماعزة وَهِي العنز. قَالَ سِيبَوَيْهٍ: ألف معزى للإلحاق بدرهم ى للتأنيث فَهُوَ منون مَصْرُوف بِدَلِيل تصغيره على معيز فَلَو كَانَت للتأنيث لم يقلبوها يَاء كَمَا لم يقلبوها فِي حبيلى وَهُوَ مُضَاف إِلَى ضمير حسان. ويئط: مضارع أط أَي: صَوت جَوْفه من الْجُوع والمصدر الأطيط كَذَا فِي الصِّحَاح وَيَأْتِي بِمَعْنى تصويت الرحل وَالْإِبِل من ثقل أحمالها وَعَلِيهِ اقْتصر الْعَيْنِيّ وَلَا مُنَاسبَة لَهُ هُنَا. وَرُوِيَ بعده بيتان زِيَادَة فِي بعض الرِّوَايَات وهما:) يلمس أُذُنه وحيناً يمتخط يُقَال: امتخط وتمخط أَي: استنثر وَرُبمَا قَالُوا: امتخط مَا فِي يَده: نَزعه واختلسه كَذَا فِي الصِّحَاح. فِي سمنٍ مِنْهُ كثيرٍ وأقط مُتَعَلق بقوله يمتخط. وَالسمن بِسُكُون الْمِيم وَفتحهَا هُنَا للضَّرُورَة. والأقط: قَالَ الْأَزْهَرِي: اللَّبن المخيض يطْبخ ثمَّ يتْرك حَتَّى يمصل وَهَذَا يدل على خسته ودنسه. مَا زلت أسعى بَينهم وألتبط

أعَاد الضَّمِير من بَينهم إِلَى حسان بِاعْتِبَار حيه وقبيلته أسعى بَينهم أَي: أتردد إِلَيْهِم وألتبط: أعدو يُقَال التبط الْبَعِير: إِذا عدا وَضرب بقوائمه الأَرْض وتلبط: اضْطجع وتمرغ. وروى بدله: وأختبط أَي: أسأَل معروفهم من غير وَسِيلَة وَهَذَا يدل على كَمَال شحهم حَيْثُ كَانَ ضيفاً عِنْدهم لم يشبعوه مَعَ أَنه يعرض لمعروفهم. حَتَّى إِذا كَانَ الظلام يخْتَلط غَايَة لقَوْله أسعى وألتبط. وَكَاد: قرب. وروى: حَتَّى إِذا جن الظلام وَاخْتَلَطَ يُرِيد ستر الظلام كل شَيْء. وَصفهم بالشح وَعدم إكرامهم الضَّيْف وَبَالغ فِي أَنهم لم يَأْتُوا بِمَا أَتَوا بِهِ إِلَّا بعد سعي ومضي جَانب من اللَّيْل ثمَّ لم يَأْتُوا إِلَّا بِلَبن أَكْثَره مَاء. وَهَذَا الرجز لم ينْسبهُ أحد من الروَاة إِلَى قَائِله. وَقيل: قَائِله العجاج وَالله أعلم. وَأنْشد بعده وَهُوَ وَهُوَ من شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ: (فَقَالَت: حنانٌ مَا أَتَى بك هَهُنَا ... أذو نسب أم أَنْت بالحي عَارِف)

على أَن لبيْك ودواليك وَنَحْوهمَا مصَادر لم تسْتَعْمل إِلَّا للتكرير بِخِلَاف حنانيك فَإِنَّهُ يسْتَعْمل حنان: يُرِيد أَن حنانيك لَا يلْزم أَن يكون للتكرير بل قد يكون لَهُ وَقد لَا يكون بل قد اسْتعْمل مُفردا كَمَا فِي هَذَا الْبَيْت. وَيُزَاد عَلَيْهِ دواليك أَيْضا فَإِنَّهُ لَا يلْزم وَقد اسْتعْمل مفرده كَمَا تقدم قَرِيبا. والحنان الرَّحْمَة وَهُوَ مصدر حن يحن بِالْكَسْرِ حناناً وتحنن عَلَيْهِ: ترحم وَالْعرب تَقول حنانك) يارب وحنانيك بِمَعْنى وَاحِد أَي: رحمتك كَذَا فِي الصِّحَاح. وَقَالَ ابْن هِشَام فِي شرح الشواهد تبعا للفارسي فِي التَّذْكِرَة القصرية: وَالْأَصْل أتحنن عَلَيْك تحنناً ثمَّ حذف الْفِعْل وزائد الْمصدر فَصَارَ حناناً. انْتهى: وَهَذَا تكلّف مَعَ وجود حن يحن. وأنشده سِيبَوَيْهٍ على أَن حناناً خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي شأني حنان وَالْأَصْل أحن حناناً فَحذف الْفِعْل وَرفع الْمصدر على الخبرية لتفيد الْجُمْلَة الاسمية الدَّوَام: وَمَا استفهامية مُبْتَدأ وَجُمْلَة أَتَى بك خَبره. ثمَّ سَأَلته عَن عِلّة مَجِيئه: هَل هُوَ نسب بَينه وَبَين قَومهَا أَو لمعْرِفَة بَينه وَبينهمْ وَالْمعْنَى: لأي شَيْء جِئْت إِلَى هُنَا أَلَك قرَابَة جِئْت إِلَيْهِم أم لَك معرفَة بالحي وَهَذَا الْبَيْت من جملَة أَبْيَات للمنذر بن دِرْهَم الْكَلْبِيّ ذكرهَا أَبُو مُحَمَّد الْأَعرَابِي فِي فرحة الأديب وَيَاقُوت فِي مُعْجم الْبلدَانِ عَن أبي الندى وَهِي: (سقى رَوْضَة الثري عَنَّا وَأَهْلهَا ... ركام سرى من آخر اللَّيْل رادف) (أَمن حب أم الأشيمين وَذكرهَا ... فُؤَادك معمودٌ لَهُ أَو مقارف) ...

(تمنيتها حَتَّى تمنيت أَن أرى ... من الوجد كَلْبا للوكيعين آلف) (أَقُول وَمَا لي حَاجَة فِي ترددي ... سواهَا بِأَهْل الرَّوْض هَل أَنْت عاطف) (وأحدث عهدٍ من أُميَّة نظرةٌ ... على جَانب العلياء إِذْ أَنا وَاقِف) (تَقول: حنان مَا أَتَى بك هَهُنَا ... أذو نسبٍ أم أَنْت بالحي عَارِف) (فَقلت لَهَا: ذُو حاجةٍ وَمُسلم ... فَصم علينا المأزق المتضايف) قَالَ ياقوت: رَوْضَة المثري بالثاء الْمُثَلَّثَة ويروى بِالْمُثَنَّاةِ. وَأَرَادَ بالوكيعين: الوكيع بن الطُّفَيْل الْكَلْبِيّ وَابْنه. انْتهى. وَالظَّاهِر أَن المثري اسْم رجل أضيفت الرَّوْضَة إِلَيْهِ لكَونه كَانَ صَاحبهَا وَهُوَ اسْم مفعول من قَوْلهم: ثرى الله الْقَوْم أَي: كثرهم فَالْأَصْل مثروي قلبت الْوَاو يَاء وأدغمت عملا بالقاعدة أَهلهَا: مَعْطُوف على رَوْضَة. وركامٌ فَاعل سقى وَهُوَ بِضَم الرَّاء السَّحَاب المتراكم بعضه على بعض. والرادف نَعته وَمَعْنَاهُ الرَّاكِب خلف الشَّيْء يُرِيد: سحائب مترادفة بَعْضهَا خلف بعض. وَجُمْلَة سرى نعت لركام وصف بهَا قبل الْوَصْف بالمفرد. وَقَوله: أَمن حب الْهمزَة للاستفهام. والأشيمين: مثنى أَشْيَم وَهُوَ الَّذِي بِهِ شامة. والمعمود: السقيم يُقَال عمده الْمَرَض أَي: فدحه وَرجل وعمود وعميد أَي: هده الْعِشْق. وَله: أَي:) للحب. والمقارف: المقارب

يُقَال: قارفه أَي قاربه. وآلف: اسْم فَاعل من ألف يألف ألفة مُبْتَدأ للوكيعين خَبره وَالْجُمْلَة صفة كلب. وَقَوله هَل أَنْت عاطف مقول أَقُول وَهُوَ خطاب لصَاحبه يطْلب مِنْهُ الْعَطف فِي الذّهاب إِلَى حيها مَعَه. وأحدث عهد أَي: أقرب مَا أعهده وأحفظه وَهُوَ مُبْتَدأ ونظرة خَبره. والعلياء بِفَتْح الْعين: مَوضِع وكل مَكَان عَال مشرفٍ. وَالْمُسلم من التَّسْلِيم بِمَعْنى التَّحِيَّة. وصم بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول أَي: سد علينا من الصمم وَهُوَ انسداد الْأذن وصم القارورة أَي: سدها وأصمها: جعل لَهَا صماماً بِالْكَسْرِ وَهُوَ مايسد بِهِ فمها. والمأزق بِالْهَمْز كمجلس: الْمضيق من أزق بالزاي الْمُعْجَمَة وَالْقَاف كفرح وَضرب أزقاً وأزقا: ضَاقَ. والمتضايف: الْمُجْتَمع الَّذِي أضيف بعضه على بعض. وَمِمَّنْ نسب الْبَيْت الشَّاهِد للمنذر بن دِرْهَم الْكَلْبِيّ ابْن خَافَ والزمخشري فِي شرح أَبْيَات سِيبَوَيْهٍ وَفِي الْكَشَّاف اسْتشْهد بِهِ على أَن حنانا فِي قَوْله تَعَالَى: وَحَنَانًا من لدنا بِمَعْنى الرَّحْمَة. وَذكر مَعَه الْبَيْت الَّذِي قبله. وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد الثَّامِن وَالتِّسْعُونَ: أَرضًا وذؤبان الخطوب تنوشني على أَن رضَا مصدر حذف فعله وجوبا للتوبيخ وَالْأَصْل: أترضى رضَا فالهمزة للإنكار التوبيخي وَهُوَ يَقْتَضِي أَن مَا بعْدهَا وَاقع وفاعله ملوم وَالْوَاو وَاو الْحَال. والذؤبان: جمع ذِئْب جمع كَثْرَة والخطوب

جمع خطب بِالْفَتْح وَهُوَ الْأَمر الشَّديد ينزل على الْإِنْسَان وَالْإِضَافَة من قبيل لجين المَاء أَي: المصائب الَّتِي كالذئاب. وتنوشني مضارع ناشه نوشاً أَي: تناله وتصيبه. وَجُمْلَة تنوشني خبر الْمُبْتَدَأ الَّذِي هُوَ ذؤبان. وَالْجُمْلَة الاسمية حَال من فَاعل الْفِعْل الْمَحْذُوف. وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد التَّاسِع وَالتِّسْعُونَ وَهُوَ من شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ فاها لفيك (فَقلت لَهُ: فاها لفيك فَإِنَّهَا ... قلُوص امرئٍ قاريك مَا أَنْت حاذره) على أَن فاها لفيك وضع مَوضِع الْمصدر وَالْأَصْل فوها لفيك فَلَمَّا صَارَت الْجُمْلَة بِمَعْنى الْمصدر أَي: أَصَابَته داهية أعرب الْجُزْء الأول بإعراب الْمصدر فَصَارَ فاها لفيك. وَقيل فاها مَنْصُوب بِفعل مَحْذُوف أَي: جعل الله فا الداهية إِلَى فِيك. وَلِهَذَا الْوَجْه أنْشدهُ سِيبَوَيْهٍ. قَالَ الأعلم: الشَّاهِد فِيهِ قَوْله فاها لفيك أَي: فَم الداهية ونصبه على إِضْمَار فعل وَالتَّقْدِير: ألصق الله فاها لفيك وَجعل فاها لفيك. وَوضع مَوضِع دهاك الله فَلذَلِك لزم النصب لِأَنَّهُ بدل من اللَّفْظ بِالْفِعْلِ فَجرى فِي النصب مجْرى الْمصدر. وَخص الْفَم فِي هَذَا دون سَائِر الْأَعْضَاء لِأَن أَكثر المتالف يكون مِنْهُ بِمَا يُؤْكَل أَو يشرب من السمُوم. وَيُقَال: مَعْنَاهُ فَم الخيبة لفيك فَمَعْنَاه على هَذَا خيبك الله.

وَمثله لأبي زيد فِي نوادره قَالَ: وَإِذا أَرَادَ الرجل أَن يَدْعُو على رجل قَالَ: فاها لفيك أَي: لَك الخيبة. قَالَ الْأَخْفَش فِيمَا كتبه على نوادره: وَالَّذِي أختاره مَا فسره الْأَصْمَعِي وَأَبُو عُبَيْدَة فَإِنَّهُمَا قَالَا: معنى قَوْلهم فاها لفيك: ألصق الله فاها لفيك يعنون الداهية والهلكة. وَالْأول تَقْدِير سِيبَوَيْهٍ وَكِلَاهُمَا صَحِيح. وَقَوله: فَقلت لَهُ أَي: لهواس وَهُوَ الْأسد. وَقَوله: فَإِنَّهَا أَي: رَاحِلَتي والقلوص: النَّاقة الشَّابَّة. وعنى بامرئ نَفسه. وَقَوله قاريك أَي: يَجْعَل مَوضِع قراك وَمَا يقوم لَك مقَام الْقرى مَا أَنْت حاذره من الْمَوْت أَي: لَيْسَ لَك قرى عِنْدِي غير الْقَتْل مثل قَوْله تَعَالَى: فبشرهم بعذابٍ أَلِيم. وَقيل: يُفَسر فاها لفيك: أَن الشَّاعِر لما غشي الْأسد ضربه ضَرْبَة وَاحِدَة فعض التُّرَاب فَقَالَ لَهُ: فاها لفيك يَعْنِي فَم الأَرْض. قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَالدَّلِيل على أَنه يُرِيد بقوله فاها فَم الداهية قَول عَامر بن جُوَيْن الطَّائِي: (وداهية من دواهي المنو ... ن يحسبها النَّاس لَا فا لَهَا) (دفعت سنا برقها إِذا بَدَت ... وَكنت على الْجهد حمالها) وَمعنى لَا فا لَهَا: لَا مدْخل إِلَى معاناتها والتداوي مِنْهَا أَي: هِيَ داهية مشكلة والمنون: الْمَوْت.) وفا مَنْصُوب بِلَا وَاللَّام مقحمة وَالْخَبَر مَحْذُوف

أَي: فِي الدُّنْيَا أَو فِيمَا يُعلمهُ النَّاس. والسنا هُوَ الضَّوْء يُرِيد: أَنه دفع شَرها والتهاب نارها حِين أَقبلت وَكَانَ هُوَ حمال ثقلهَا. وَالْبَيْت الشَّاهِد من أَبْيَات أَولهَا: (تحسب هواسٌ وأيقن أنني ... بهَا مفتدٍ من وَاحِد لَا أغامره) (ظللنا مَعًا جارين نحترس الثأى ... يسائرني من ختله وأسائره) فَقلت لَهُ فاها لفيك ... ... ... ... ... ... ... ... . . الْبَيْت تحسب بِمَعْنى حسب بِالتَّخْفِيفِ وَقيل: هُوَ بِمَعْنى تحسس يُقَال: فلَان يتحسس الْأَخْبَار أَي: يتجسس وَقيل: تحسب فِي معنى حسبته فتحسب مثل كفيته فَاكْتفى قَالَ النّحاس: معنى تحسب اكْتفى. وَكَذَلِكَ قَالَ الْأَخْفَش فِيمَا كتبه على نَوَادِر أبي زيد عَن الْمبرد أَنه قَالَ: معنى تحسب اكْتفى من قَوْلك حَسبك كَقَوْلِه تَعَالَى: عَطاء حسابا أَي: كَافِيا. وَتقول الْعَرَب: مَا أحسبك فَهُوَ لي محسب أَي: مَا كَفاك فَهُوَ لي كَاف. والهواس: الْأسد. سمي هواساً لِأَنَّهُ يهوس الفريسة أَي يدقها والهوس: الدق الْخَفي وَقيل: الهواس: الَّذِي يطَأ وطئا خفِيا حَتَّى لَا يشْعر بِهِ. قَالَ السيرافي: مَعْنَاهُ: أَنه عرض الْأسد لناقة هَذَا الشَّاعِر فَحكى عَن الْأسد أَنه توهم أنني أدع النَّاقة وأفتدي بهَا من لِقَاء الْأسد وَلَا أغامره وَلَا أقاتله وَلَا أرد مَعَه غَمَرَات الْحَرْب. وَالرِّوَايَة: تحسب هواس وَأَقْبل وَرُوِيَ أَيْضا: من صَاحب لَا أغاوره أَي: أغور عَلَيْهِ ويغور عَليّ. وروى: لَا أناظره. والثأى بِالْمُثَلثَةِ والهمز على وزن الْفَتى: الخرم والفتق. والختل: الْمَكْر وَالْخداع.

وَهَذِه الأبيات قَالَ الْجرْمِي: هِيَ لأبي سِدْرَة الْأَعرَابِي. وَقَالَ أَبُو زيد فِي نوادره: إِنَّهَا لرجل من بني الهجيم. وهما شَيْء وَاحِد قَالَ أَبُو مُحَمَّد الْأَعرَابِي فِي فرحة الأديب: أَبُو سِدْرَة هُوَ سحيم بن الْعرف من بني الهجيم بن عَمْرو بن تَمِيم. وَله مقطعات مليحة مِنْهَا قَوْله فِي حسان بن سعد عَامل الْحجَّاج على الْبَحْرين: (إِلَى حسان من أكناف نجدٍ ... رحلنا العيس تنفخ فِي براها) (نعد قرَابَة ونعد صهراً ... ويسعد بِالْقَرَابَةِ من رعاها) (فَمَا جئْنَاك من عدمٍ وَلَكِن ... يهش إِلَى الْإِمَارَة من رجاها)) (وأياً مَا أتيت فَإِن نَفسِي ... تعد صَلَاح نَفسك من غناها) قَالَ ابْن قُتَيْبَة فِي كتاب الشُّعَرَاء. وَفِيه وَفِي قبيلته يَقُول جرير: (وَبَنُو الهجيم قبيلةٌ مذمومةٌ ... صفر اللحى متشابهو الألوان) (لَو يسمعُونَ بأكلة أَو شربةٍ ... بعمان أصبح جمعهم بعمان) يُرِيد: أَنهم يوقدون البعر فتصفر لحاهم بدخانه. وَهُوَ شَاعِر إسلامي من معاصري جرير والفرزدق.

(المفعول به)

3 - (الْمَفْعُول بِهِ) أنْشد فِيهِ وَهُوَ وَهُوَ من أَبْيَات سِيبَوَيْهٍ: (فواعديه سرحتي مَالك أَو الرِّبَا بَينهمَا أسهلا) على أَن أسهل مفعول لفعل مَحْذُوف وَهُوَ صفة وموصوفه مَحْذُوف أَيْضا أَي: قولي: ائْتِ مَكَانا أسهل. هَذَا الْبَيْت لعمر بن أبي ربيعَة. وَيفهم من تَقْدِير الشَّارِح: أَن عشيقته أرْسلت إِلَيْهِ امْرَأَة تعين لَهُ مَوضِع الملاقاة وأمرتها أَن تواعده أحد هذَيْن الْمَوْضِعَيْنِ. وَكَذَلِكَ قَالَ ابْن خلف: الْمَعْنى أَنَّهَا قَالَت لأمتها: واعديه اللَّيْلَة أَن يقْصد السرحتين ويلتمس مَكَانا سهلاً يقرب من ذَلِك الْموضع أَنَّهُمَا إِذا علوا الرِّبَا عرف مكانهما وشنع أَمرهمَا. لَكِن الْمَفْهُوم من كَلَام الأعلم: أَنه هُوَ الَّذِي أرسل إِلَيْهَا امْرَأَة فَإِنَّهُ قَالَ: نصب أسهل بإضمار فعل دلّ عَلَيْهِ مَا قبله لِأَنَّهُ لما قَالَ فواعديه سرحتي مَالك أَو الرِّبَا بَينهمَا علم أَنه مزعج لَهَا داعٍ إِلَى إتْيَان أَحدهمَا. فَكَأَنَّهُ قَالَ: ائتي أسهل الْأَمريْنِ عَلَيْك. وَكَذَلِكَ نقل النّحاس عَن الْمبرد أَن التَّقْدِير: وَأتي أسهل الْمَوَاضِع لِأَنَّهُ لما قَالَ: فواعديه أزعجها فَكَأَنَّهُ قَالَ: اقصدي بِهِ أسهل الْمَوَاضِع. وَالصَّوَاب الأول كَمَا يعلم من الْبَيْت الَّذِي بعده وَيَأْتِي قَرِيبا وَقدر الْمَحْذُوف بَعضهم من لفظ الْمَذْكُور أَي: واعديه مَكَانا أسهل. وَالْمعْنَى قريب.

وأسهل: أفعل تَفْضِيل من السهولة ضد الحزونة وَقد سهل بِالضَّمِّ. وَتَقْدِير الشَّارِح كَابْن خلف أسهل من بَاب حذف الْمفضل عَلَيْهِ أَي: أسهل مِنْهُمَا أصوب من تَقْدِير غَيره الْمُضَاف إِلَيْهِ أَي:) أسهل الْأَمريْنِ أَو أسهل الْمَوَاضِع. قَالَ ابْن خلف: وَيجوز أسهل أَن يعْنى بِهِ سهلا كَمَا يُقَال: رجل أوجل ووجل وأحمق وحمق إِن أَرَادَ أَن يكون وَصفا من السهولة فمجيء أفعل بِمَعْنى فعل وَصفا بَابه السماع وَلم يسمع وَإِن أَرَادَ أَنه من السهل نقيض الْجَبَل فَلم يسمع إِلَّا مَكَان سهل وَأَرْض سهلة. ثمَّ قَالَ: وَقد قيل إِنَّه يجوز أَن يكون أسهل اسْما لموْضِع بِعَيْنِه. أَقُول: قد فتشت كتب اللُّغَة وَكتب أَسمَاء الْأَمَاكِن ك مُعْجم مَا استعجم ومعجم الْبلدَانِ فَلم أجد لَهُ ذكرا فِيهَا. والمواعدة: مفاعلة من الطَّرفَيْنِ ووعد يتَعَدَّى بِنَفسِهِ إِلَى وَاحِد وَإِلَى ثَان بِالْبَاء وَقد تحذف فينصب بِنَزْع الْخَافِض وَالْفِعْل إِذا كَانَ مُتَعَدِّيا إِلَى وَاحِد فبنقله إِلَى بَاب المفاعلة يتَعَدَّى إِلَى اثْنَيْنِ فَالضَّمِير فِي واعديه مفعول أول وسرحتي مَالك الْمَفْعُول الثَّانِي بِتَقْدِير مُضَاف أَي: مَكَان سرحتي مَالك. وَلَيْسَ سرحتي مَالك اسْم مَكَان بل هما شجرتان لمَالِك. والسرحة: وَاحِد السَّرْح وَهُوَ كل شجر عَظِيم لَا شوك لَهُ. والربا: جمع ربوة بِتَثْلِيث الرَّاء وَهُوَ الْمَكَان الْمُرْتَفع عَمَّا حوله وَكَانَت الرِّبَا بَين السرحتين. وروى الْأَصْبَهَانِيّ فِي الأغاني الْبَيْت هَكَذَا: (سلمى عديه سرحتي مالكٍ ... أَو الرِّبَا دونهمَا منزلا

) فَعَلَيهِ فَلَا شَاهد فِيهِ ومنزلاً إِمَّا بدل من الرِّبَا أَو حَال مِنْهُ وسلمى منادى. وَبعد هَذَا الْبَيْت: إِن جَاءَ فليأت على بغلةٍ إِنِّي أَخَاف الْمهْر أَن يصهلا وترجمة عمر ابْن أبي ربيعَة تقدّمت فِي الشَّاهِد السَّابِع والثمانين. وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد الْوَاحِد بعد الْمِائَة كلا طرفِي قصد الْأُمُور ذميم على أَن الْقَصْد فِي الْأَمر خلاف الْقُصُور والإفراط فَإِنَّهُ يُقَال: قصد فِي الْأَمر قصدا: توَسط وَطلب الأشد وَلم يُجَاوز الْحَد. فالقصد فِي الْأُمُور لَهُ طرفان: أَحدهمَا: الْقصر وَالتَّقْصِير وهما بِمَعْنى التواني فِيهِ حَتَّى يضيع ويفوت وَكَذَلِكَ الفرط والتفريط فَإِنَّهُ يُقَال: فرط فِي الْأَمر فرطا من بَاب نصر وفرط تفريطاً وَأما الْقُصُور فَهُوَ مصدر والطرف الآخر: الإفراط وَهُوَ مصدر أفرط فِي الْأَمر: إِذا أسرف وَجَاوَزَ فِيهِ الْحَد. فَكَانَ يَنْبَغِي للشَّارِح أَن يَقُول: خلاف الْقصر أَو التَّقْصِير والإفراط أَو يَقُول: خلاف الفرط أَو التَّفْرِيط والإفراط. والذميم بِالْمُعْجَمَةِ: المذموم. وَهَذَا الصراع عجز بَيت وَقَبله: (عَلَيْك بأوساط الْأُمُور فَإِنَّهَا ... طريقٌ إِلَى نهج الصَّوَاب قويم) ...

(وَلَا تَكُ فِيهَا مفرطاً أَو مفرطاً ... كلا طرفِي قصد الْأُمُور ذميم) وَهَذَا نظم للْحَدِيث وَهُوَ: الْجَاهِل إِمَّا مفرط أَو مفرط. وَلَا أعلم قَائِل هذَيْن الْبَيْتَيْنِ وَلَا رأيتهما إِلَّا فِي كتاب الْعباب فِي شرح أَبْيَات الْآدَاب. وَكتاب الْآدَاب: تأليف ابْن سنا الْملك بن شمس الْخلَافَة وَهُوَ من كتب الْأَدَب وَقد اشْتَمَل على أَبْيَات ومصاريع كَثِيرَة لغالب الشُّعَرَاء الْمُتَقَدِّمين والمتأخرين تنيف على ألفي بَيت. وَقد نسب كل بَيت ومصراع فِيهِ إِلَى قَائِله مَعَ تَتِمَّة الشّعْر حسن بن صَالح الْعَدوي اليمني وسمى تأليفه: الْعباب فِي شرح أَبْيَات الْآدَاب وَكَانَ المصراع الشَّاهِد فِي الأَصْل وكمله بالمصاريع الثَّلَاثَة صَاحب الْعباب. وَقد ضمنه أَيْضا الإِمَام الْخطابِيّ فِي نتفة لَهُ وَهِي: (فسامح وَلَا تسوف حَقك كُله ... وأبق فَلم يستقص قطّ كريم) والخطابي: هُوَ الإِمَام أَبُو سُلَيْمَان حمد بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن الْخطاب من ولد زيد بن الْخطاب أخي عمر بن الْخطاب صَاحب كتاب معالم السّنَن وَشرح البُخَارِيّ وَغير ذَلِك. وَكَانَ صديق أبي مَنْصُور الثعالبي وَأوردهُ فِي كتاب يتيمة الدَّهْر وَأنْشد لَهُ نتفاً جَيِّدَة. وَولد فِي سنة تسع عشرَة وثلاثمائة وَمَات فِي مَدِينَة بست فِي رِبَاط على شاطئ هندمند يَوْم السبت السَّادِس

عشر من ربيع الآخر سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وثلاثمائة وَأنْشد لَهُ الثعالبي فِي الْيَتِيمَة:) (وَمَا غربَة الْإِنْسَان فِي شقة النَّوَى ... وَلكنهَا وَالله فِي عدم الشكل) (وَإِنِّي غَرِيب بَين بست وَأَهْلهَا ... وَإِن كَانَ فِيهَا أسرتي وَبهَا أَهلِي) وَأنْشد لَهُ أَيْضا: (وَلَيْسَ اغترابي فِي سجستان أنني ... عدمت بهَا الإخوان وَالدَّار والأهلا) (ولكنني مَا لي بهَا من مشاكلٍ ... وَإِن الْغَرِيب الْفَرد من يعْدم الشكلا) وَأنْشد أَيْضا: (شَرّ السبَاع العوادي دونه وزر ... وَالنَّاس شرهم مَا دونه وزر) (كم معشر سلمُوا لم يؤذهم سبعٌ ... وَمَا نرى بشرا لم يؤذه بشر) وَأنْشد أَيْضا: (من يدر دارى وَمن لم يدر سَوف يرى ... عَمَّا قليلٍ نديماً للندامات) وللثعالبي فِيهِ: (أَبَا سُلَيْمَان سر فِي الأَرْض أَو فأقم ... فَأَنت عِنْدِي دنا مثواك أَو شطنا) (مَا أَنْت غَيْرِي فأخشى أَن يفارقني ... قربت روحك بل روحي فَأَنت أَنا)

قَالَ السلَفِي: أَنْشدني أَبُو مَنْصُور الثعالبي بنيسابور للخطابي يَقُوله فِي الثعالبي: (قلبِي رهينٌ بنيسابور عِنْد أخٍ ... مَا مثله حِين تستقرى الْبِلَاد أَخ) (لَهُ صَحَائِف أخلاقٍ مهذبةٍ ... مِنْهَا التقى والنهى والحلم تنتسخ) وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد الثَّانِي بعد الْمِائَة وَهُوَ من شَوَاهِد س: (جاري لَا تستنكري عذيري ... سيري وإشفاقي على بَعِيري) على أَن العذير هُنَا بِمَعْنى الْحَال الَّتِي يحاولها الْمَرْء يعْذر عَلَيْهَا وَقد بَين بقوله: سيري وإشفاقي الْحَال الَّتِي يَنْبَغِي أَن يعْذر فِيهَا وَلَا يلام عَلَيْهَا. وَمثله لِابْنِ الشجري فِي أَمَالِيهِ فَإِنَّهُ قَالَ: العذير: الْأَمر الَّذِي يحاوله الْإِنْسَان فيعذر فِيهِ. أَي: لَا تستنكري مَا أحاوله مَعْذُورًا فِيهِ. وَقد فسره بِالْبَيْتِ الثَّانِي. وَعَلِيهِ فعذيري مفعول تستنكري وسيري: عطف بَيَان لَهُ أَو بدل مِنْهُ أَو خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي: هُوَ سيري ... وَيجوز أَن يكون عذيري مُبْتَدأ خَبره سيري كَمَا قَالَ بن الْحَاجِب فِي الْإِيضَاح وعَلى هَذَا فمفعول تستنكري مَحْذُوف.

قَالَ الزّجاج: العذير: الْحَال. وَذَلِكَ أَن العجاج كَانَ يصلح حلساً لجمله فأنكرته وهزئت مِنْهُ فَقَالَ لَهَا هَذَا. قَالَ عَليّ بن سُلَيْمَان الْأَخْفَش: العذير: الصَّوْت. كَأَنَّهُ كَانَ يرجز فِي عمله بحلسه فأنكرت عَلَيْهِ ذَلِك أَي: لَا تستنكري صوتي وَرَفعه بِالْحَدِيثِ لِأَنِّي قد كَبرت. والحلس للبعير وَهُوَ كسَاء رَقِيق يكون تَحت البرذعة وَهُوَ بِكَسْر الْمُهْملَة وَسُكُون اللَّام. وَأنْشد سِيبَوَيْهٍ الْبَيْت الأول على أَن جاري منادى مرخم. قَالَ الأعلم: الشَّاهِد فِيهِ حذف حرف النداء ضَرُورَة من قَوْله جاري وَهُوَ اسْم منكور قبل النداء لَا يتعرف إِلَّا بِحرف النداء. وَإِنَّمَا يطرد الْحَذف فِي المعارف. ورد الْمبرد على سِيبَوَيْهٍ جعله الْجَارِيَة نكرَة وَهُوَ يُشِير إِلَى جَارِيَة بِعَينهَا فقد صَارَت معرفَة بِالْإِشَارَةِ. وَلم يذهب سِيبَوَيْهٍ إِلَى مَا تَأَوَّلَه الْمبرد عَلَيْهِ: من أَنه نكرَة بعد النداء وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنه اسْم شَائِع فِي الْجِنْس قبل النداء وَهُوَ نكرَة. وَكَيف يتَأَوَّل عَلَيْهِ الْغَلَط فِي مثل هَذَا وسيبويه قد فرق بَين مَا كَانَ مَقْصُودا بالنداء من أَسمَاء الْأَجْنَاس وَبَين مَا لم يقْصد قَصده وَهَذَا من التعسف الشَّديد والاعتراض الْقَبِيح. وَقَوله سيري هُوَ مصدر سَار يسير يكون بِاللَّيْلِ وبالنهار وَيسْتَعْمل لَازِما ومتعدياً يُقَال سَار الْبَعِير وسرته وَيفهم من كَلَام أبي عبيد الْقَاسِم بن سَلام فِي أَمْثَاله وَمن كَلَام الأعلم أَنه من فعل أَمر وَصرح بِهِ غَيره فَإِنَّهُمَا قَالَا: وَمعنى الشّعْر: يَا جَارِيَة سيري وَلَا تستنكري عذيري) وإشفاقي. وَيَردهُ الرِّوَايَة الْأُخْرَى وَهِي سعيي وإشفاقي كَمَا نقلهَا الصَّاغَانِي وَغَيره. والإشفاق:

مصدر أشفقت عَلَيْهِ: إِذا حنوت وعطفت عَلَيْهِ وأشفقت من كَذَا: حذرت مِنْهُ. وَقَوله على بَعِيري مُتَعَلق بِأحد المصدرين على التَّنَازُع. وَهَذَانِ البيتان من رجز للعجاج وَبعده: وَكَثْرَة الحَدِيث عَن شقوري مَعَ الجلا ولائح القتير فِي الصِّحَاح: الشقور الْحَاجة وَعَن الْأَصْمَعِي بِفَتْح الشين قَالَ أَبُو عبيد: الأول أصلح لِأَن الشقور بِالضَّمِّ بِمَعْنى الْأُمُور اللاصقة بِالْقَلْبِ المهمة لَهُ الْوَاحِد شقر. وَفِي أَمْثَال أبي عبيد أفضيت إِلَيْهِ بشقوري أَي: أخْبرته بأَمْري وأطلعته على مَا أسره من غَيره: وَقَالَ الزبيدِيّ فِي لحن الْعَامَّة: الشقور: مَذْهَب الرجل وباطن أمره. والجلا: بِفَتْح الْجِيم وَالْقصر: انحسار الشّعْر من مقدم الرَّأْس يكون خلقَة وَيكون من كبر. القتير بِفَتْح الْقَاف: الشيب. قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: مَعْنَاهُ: لَا تستنكري حَالي من الْهَرم ياجارية وَلَا كَثْرَة مَا أحدث بِهِ من الْأَسْرَار. وَذَلِكَ من أَحْوَال الشُّيُوخ المسان وتهاتر الهرمى. وترجمة العجاج تقدّمت فِي الشَّاهِد الْحَادِي وَالْعِشْرين. وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد الثَّالِث بعد الْمِائَة ...

(وَإِن تعتذر بِالْمحل من ذِي ضروعها ... إِلَى الضَّيْف يجرح فِي عراقيبها نصلي) على أَنه حذف مفعول يجرح لتَضَمّنه معنى يُؤثر بِالْجرْحِ. وَكَذَلِكَ جعله ابْن هِشَام فِي مُغنِي اللبيب من بَاب التَّضْمِين قَالَ: فَإِنَّهُ ضمن معنى يعث أَو يفْسد فَإِن العيث لَازم يتَعَدَّى بفي يُقَال عاث الذِّئْب فِي الْغنم أَي: أفسد وَكَذَلِكَ الْإِفْسَاد قَالَ الله تَعَالَى: لَا تفسدوا فِي الأَرْض. وأنشده صَاحب الْكَشَّاف عِنْد قَوْله تَعَالَى: لأزينن لَهُم على أَن أزينن مُتَعَدٍّ نزل منزلَة اللَّازِم قَالَ الطيي: أَي: يعث الْجرْح فِي عراقيبها نصلي جعل لَازِما ثمَّ عدي كَمَا يعدى اللَّازِم مُبَالغَة. وَهَذَا الْبَيْت من أَوَاخِر قصيدة لذِي الرمة عدَّة أبياتها سِتَّة وَثَلَاثُونَ بَيْتا شَبَّبَ فِيهَا بمي وَوصف فِيهَا القفار وناقته. إِلَى أَن قَالَ: (أعاذل عوجي من لسَانك عَن عذلي ... فَمَا كل من يهوى رشادي على شكلي) (فَمَا لَام يَوْمًا من أخٍ وَهُوَ صادقٌ ... إخاي وَلَا اعتلت على ضيفها إبلي) (إِذا كَانَ فِيهَا الرُّسُل لم تأت دونه ... فصالي وَلَو كَانَت عِجَافًا وَلَا أَهلِي) وَإِن تعتذر بِالْمحل من ذِي ضروعها ... ... ... ... ... ... ... . . الْبَيْت وَبعده أَرْبَعَة أَبْيَات وَهِي آخر القصيدة. فَقَوله: أعاذل الْهمزَة للنداء وعاذل منادى مرخم عاذلة. قَالَ الْأَصْمَعِي

فِي شرح ديوانه: عوجي من لسَانك أَي: كفي وَلَفظ عوجي على الْحَقِيقَة اعطفي. والشكل: الضَّرْب يَقُول مَا كل من يهوى ذَلِك مني على طريقتي وعَلى مذهبي. وَقَوله: فَمَا لَام يَوْمًا من أخٍ من زَائِدَة وَأَخ فَاعل لَام والإخاء بِكَسْر الْهمزَة: الْأُخوة. قَالَ الْأَصْمَعِي: اعتلت أطلق اللَّفْظ على الْإِبِل وَالْمعْنَى على أَصْحَابهَا يَقُول لم أبخل فأعتذر إِلَى وَقَوله: إِذا كَانَ فِيهَا الرُّسُل ضمير فِيهَا لِلْإِبِلِ وَضمير دونه للرسل قَالَ الْأَصْمَعِي: الرُّسُل: اللَّبن حلوه وحامضه وخاثره ورقيقه يَقُول: لَا أَسْقِي فصالي وأدعو ضَيْفِي وَلَو كَانَت عِجَافًا مهازيل. يُقَال: عجف الدَّابَّة وأعجفه صَاحبه وعجفت نَفسِي عَن كَذَا: إِذا صرفتها. وَقَوله: وَإِن تعتذر بِالْمحل قَالَ الْأَصْمَعِي: اعتذارها للضيف: أَن لَا يرى فِيهَا محتلباً من شدَّة الجدب) وَالزَّمَان فَإِذا كَانَت كَذَلِك عقرتها. وَالْمحل: انْقِطَاع الْمَطَر ويبس الأَرْض من الْكلأ وَهُوَ مصدر مَحل الْبَلَد من بَاب تَعب. وَالْمرَاد بِذِي ضرْعهَا: اللَّبن كَمَا يُقَال ذُو بطونها وَالْمرَاد: الْوَلَد. قَالَ الطيي: الْمَعْنى إِذا اعتذرت بقلة اللَّبن بِسَبَب الْقَحْط إِلَى الضَّيْف أعقرها لتَكون هِيَ عوض اللَّبن. والعقر: ضرب الْبَعِير بِالسَّيْفِ على قوائمه لَا يُطلق الْعقر فِي غير القوائم وَرُبمَا قيل عقره: إِذا نَحره. والعراقيب: جمع عرقوب فِي الصِّحَاح: عرقوب الدَّابَّة فِي رجلهَا بِمَنْزِلَة الرّكْبَة فِي يَدهَا قَالَ الْأَصْمَعِي: كل ذِي أَربع عرقوباه فِي رجلَيْهِ وَركبَتَاهُ فِي يَدَيْهِ. وعرقبت الدَّابَّة قطعت عرقوبها. والعرقوب من الْإِنْسَان: العصب الغليظ الموتر فَوق الْعقب. والنصل: حَدِيدَة السَّيْف والسكين والمنصل كقنفذ: نَفسه.

وترجمة ذِي الرمة تقدّمت فِي الشَّاهِد الثَّامِن. أنْشد فِيهِ وَهُوَ الشَّاهِد الرَّابِع بعد الْمِائَة وَهُوَ من أَبْيَات سِيبَوَيْهٍ: يابؤس للْجَهْل ضِرَارًا لأقوام على أَن الْمبرد أجَاز أَن ينصب عَامل المنادى الْحَال نَحْو: يَا زيد قَائِما إِذا ناديته فِي حَال قِيَامه. قَالَ: وَمِنْه يَا بؤس للْجَهْل. . وَالظَّاهِر أَن عَامله بؤس الَّذِي هُوَ بِمَعْنى الشدَّة وَهُوَ مُضَاف إِلَى صَاحب الْحَال أَعنِي الْجَهْل تَقْديرا لزِيَادَة اللَّام. أَقُول: من جعل عَامل الْحَال النداء جعل الْحَال من الْمُضَاف وَفِيه مُنَاسبَة جَيِّدَة فَإِن الْجَهْل ضار وبؤسه ضرار وَمن جعل ضِرَارًا حَالا من الْمُضَاف إِلَيْهِ جعل الْعَامِل الْمُضَاف. وَمِمَّنْ جعله من الْمُضَاف إِلَيْهِ الأعلم قَالَ: وَنصب ضِرَارًا على الْحَال من الْجَهْل. وَإِنَّمَا كَانَ يرد هَذَا الِاسْتِظْهَار على الْمبرد لَو جعل ضِرَارًا حَالا من الْمُضَاف إِلَيْهِ. وَقد أجَاز ابْن جني فِي قَوْله بقرى من قَول الحماسي: ألهفى بقرى سحبلٍ حِين أجلبت

الْوَجْهَيْنِ قَالَ: يجوز أَن تجْعَل بقرى حَالا من لهفي وَذَلِكَ أَنَّهَا يَاء ضمير الْمُتَكَلّم فأبدلت ألفا تَخْفِيفًا فَيكون معنى هَذَا: تلهفت وَأَنا بقرى أَي: كَائِنا هُنَاكَ كَمَا أَن معنى الأول لَو أنثته: يالهفتي كائنة فِي ذَلِك الْموضع. فَيكون بقرى فِي هَذَا الْأَخير حَالا من المنادى الْمُضَاف كَقَوْلِه:) يَا بؤس للْجَهْل ضِرَارًا لأقوام أَي: يَا بؤس الْجَهْل أَي: أَدْعُوهُ ضِرَارًا. وَإِذا جعلته حَالا من الْيَاء المنقلبة ألفا كَانَ الْعَامِل نفس اللهف كَقَوْلِك يَا قيامي ضَاحِكا تَدْعُو الْقيام أَي: هَذَا من أوقاتك. وَقد قرر ابْن الْأَنْبَارِي مَذْهَب الْمبرد فِي الْإِنْصَاف فَقَالَ: حكى ابْن السراج عَن الْمبرد أَنه قَالَ: قلت للمازني: مَا أنْكرت من الْحَال للمدعو قَالَ: لم أنكر مِنْهُ شَيْئا إِلَّا أَن الْعَرَب لم تدع على شريطة فَإِنَّهُم لَا يَقُولُونَ يَا زيد رَاكِبًا أَي ندعوك فِي هَذِه الْحَالة ونمسك على دعائك مَاشِيا لِأَنَّهُ إِذا قَالَ يَا زيد فقد وَقع الدُّعَاء على كل حَال. قلت: فَإِن احْتَاجَ إِلَيْهِ رَاكِبًا وَلم يحْتَج إِلَيْهِ فِي غير هَذِه الْحَالة فَقَالَ: أَلَسْت تَقوله يازيد دُعَاء حَقًا فَقلت: بلَى فَقَالَ: علام تحمل الْمصدر قلت: لِأَن قولي يازيد كَقَوْلي أَدْعُو زيدا فَكَأَنِّي قلت: أَدْعُو دُعَاء حَقًا. فَقَالَ: لَا أرى بَأْسا بِأَن تَقول على هَذَا يَا زيد رَاكِبًا فَالْزَمْ الْقيَاس. قَالَ الْمبرد: وَوجدت أَنا تَصْدِيقًا لهَذَا قَول النَّابِغَة:

يَا بؤس للْجَهْل ضِرَارًا لأقوام. وَقَالَ اللَّخْمِيّ فِي شرح أَبْيَات الْجمل: وَيَا بؤس منادى مُضَاف مَعْنَاهُ التَّعَجُّب أَي: مَا أبأس الْجَهْل وَمَا أضره للنَّاس وضراراً حَال من الْجَهْل أَو نصب على الْقطع على مَذْهَب الْكُوفِيّين وَنَظِيره عِنْدهم: وَالْهَدْي معكوفاً وَاللَّام فِي لأقوام زَائِدَة قَالَ الْمبرد: هَذِه اللَّام تزاد فِي الْمَفْعُول على معنى زيادتها فِي الْإِضَافَة يَقُولُونَ: هَذَا ضاربٌ زيدا وَهَذَا ضَارب لزيد لِأَنَّهَا لَا تغير معنى الْإِضَافَة. وَأورد سِيبَوَيْهٍ هَذَا المصراع لكَون اللَّام مقحمة بَين المتضايفين وَتقدم الْكَلَام عَلَيْهَا فِي الشَّاهِد التَّاسِع وَالسبْعين. وَهُوَ عجز وصدره: قَالَت بَنو عامرٍ خالوا بني أسدٍ خالوا: تاركوا يُقَال خَالِي يخالي مخلاة وخلاء كَمَا يُقَال تَارِك يتارك وَيُقَال للْمَرْأَة الْمُطلقَة خلية من هَذَا وخليت النبت: إِذا قطعته. وَهَذَا الْبَيْت مطلع أَبْيَات عدتهَا ثَلَاثَة عشر بَيْتا للنابغة الذبياني قَالَهَا لزرعة بن عَمْرو العامري: حِين بعث بَنو عَامر إِلَى حصن بن حُذَيْفَة بن بدر وَإِلَى عُيَيْنَة بن حصن الذبياني: أَن اقْطَعُوا مَا) بَيْنكُم وَبَين بني أَسد من الْحلف وألحقوهم بكنانة بن خُزَيْمَة بن عمهم ونحالفكم فَنحْن بَنو أبيكم.

فَلَمَّا هم عُيَيْنَة بذلك قَالَت لَهُم بَنو ذبيان: أخرجُوا من فِيكُم من الحلفاء وَنخرج من فِينَا فَأَبُو من ذَلِك. فَحكى النَّابِغَة قَول بني عَامر. يَقُول: إِن الْجَهْل يضر الأقوام ويدعوهم إِلَى سفاهة الأحلام أَي: إِن بني عَامر جهال يأمروننا بترك هَؤُلَاءِ الَّذين قد أَحْسنُوا عَنَّا الدفاع وَكثر بهم الِانْتِفَاع. وَبعد هَذَا الْبَيْت: (يَأْبَى الْبلَاء فَلَا نبغي بهم بَدَلا ... وَلَا نُرِيد خلاء بعد إحكام) (فصالحونا جَمِيعًا إِن بدا لكم ... وَلَا تَقولُوا: لنا أَمْثَالهَا عَام) (إِنِّي لأخشى عَلَيْكُم أَن يكون لكم ... من أجل بغضائهم يومٌ كأيام) (تبدو كواكبه وَالشَّمْس طالعةٌ ... لَا النُّور نورٌ وَلَا الإظلام إظلام) وعام منادى مرخم عَامر. وقافية الْبَيْت الْخَامِس مَرْفُوعَة وَمَا عَداهَا مجرور وَهُوَ عيب يُسمى إقواء. روى المرزباني فِي الموشح بِسَنَدِهِ عَن مُحَمَّد بن سَلام قَالَ: لم يقو أحد من الطَّبَقَة الأولى وَلَا من أشباههم إِلَّا النَّابِغَة فِي بَيْتَيْنِ: قَوْله: (أَمن آل مية رائح أَو مغتدي ... عجلَان ذَا زادٍ وَغير مزود) وَقَوله: (سقط النصيف وَلم ترد إِسْقَاطه ... فتناولته واتقتنا بِالْيَدِ) (بمخضبٍ رخصٍ كَأَن بنانه ... عنمٌ يكَاد من اللطافة يعْقد)

. العنم: نبت أَحْمَر يصْبغ بِهِ فَقدم الْمَدِينَة فعيب ذَلِك عَلَيْهِ فَلم يأبه لَهُ حَتَّى أسمعوه إِيَّاه فِي غناء وَأهل الْقرى ألطف نظرا من أهل البدو وَكَانُوا يَكْتُبُونَ جواريهم عِنْد أهل الْكتاب فَقيل لِلْجَارِيَةِ: إِذا صرت إِلَى قَوْله: يعْقد وَالْأسود فرتلي. فَلَمَّا قَالَت: الغداف الْأسود ويعقد بِالْيَدِ علم فانتبه وَلم يعد فِيهِ. وَقَالَ: قدمت الْحجاز وَفِي شعري ضَيْعَة ورحلت عَنْهَا وَأَنا أشعر النَّاس. وَفِي رِوَايَة أُخْرَى أَنه أصلح الأول بقوله: وبذاك تنعاب الغداف الْأسود. وَيُزَاد عَلَيْهِ مَا ذَكرْنَاهُ هُنَا فَيكون قد أقوى فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَقَوله: يَأْتِي الْبلَاء فَمَا نبغي يَقُول: يَأْبَى علينا أَن نخاليهم مَا بلونا من نصحهمْ وَلَا نُرِيد خلاء) أَي: متاركة بهم: ببني اسد بعد إحكام الْأَمر بَينهم. وَقَوله: تبدو كواكبه وَالشَّمْس طالعة رَأَيْت فِي ديوانه المصراع الثَّانِي كَذَا: نورا بِنور وإظلاماً بإظلام قَالَ شَارِحه: روى الْأَصْمَعِي: يَقُول: هُوَ يَوْم شَدِيد تظلم الشَّمْس من شدته فتبدو كواكبه. وَقَوله: لَا النُّور نور: لَا كنوره نورٌ إِن ظفر وَلَا كظلمته إِن ظفر بِهِ. وَقَوله: نورا بِنور كَأَنَّهُ قَالَ: نور مَعَ نور يُرِيد بريق الْبيض وَالسُّيُوف وَنور الشَّمْس

إِذا أَصَابَت الْبيض صَار نورا مَعَ نور. وَقَالَ بن نصر: قَوْله: لَا النُّور نور يُرِيد أَن نور هَذَا الْيَوْم لَيْسَ من نور الشَّمْس إِنَّمَا هُوَ من نور السِّلَاح وبريقه وَلَا إظلام هَذَا الْيَوْم من ظلمَة اللَّيْل إِنَّمَا ظلمته من كَثْرَة الْغُبَار. وَقَالَ: أَرَادَ بقوله: تبدو كواكبه شبه بريق الْبيض وَمَا ظهر من السِّلَاح بالكواكب. وعَلى هَذَا فَلَا إقواء. والنابغة اسْمه زِيَاد بن مُعَاوِيَة. وَيَنْتَهِي نسبه إِلَى سعد بن ذبيان بن بغيض وكنيته أَبُو أُمَامَة وَأَبُو عقرب بابنتين كَانَتَا لَهُ. وَهُوَ أحد شعراء الْجَاهِلِيَّة وَأحد فحولهم عده الجُمَحِي فِي الطَّبَقَة الأولى بعد امْرِئ الْقَيْس. وَسمي النَّابِغَة لقَوْله: فقد نبغت لنا مِنْهُم شؤون وَقيل: لِأَنَّهُ لم يقل الشّعْر حَتَّى صَار رجلا. وَقيل: هُوَ مُشْتَقّ من نبغت الْحَمَامَة: إِذا تغنت. وَحكى ابْن ولاد أَنه يُقَال: نبغ المَاء ونبغ بالشعر. فَكَأَنَّهُ أَرَادَ أَن لَهُ مَادَّة من الشّعْر لَا تَنْقَطِع كمادة المَاء النابغ. قَالَ ابْن قُتَيْبَة فِي طَبَقَات الشُّعَرَاء: ونبغ بالشعر بعد مَا احتنك وَهلك قبل أَن يهتر. وَهُوَ أحد الْأَشْرَاف الَّذين تمحض الشّعْر مِنْهُم وَهُوَ أحْسنهم ديباجة شعر وَأَكْثَرهم رونق كَلَام وأجزلهم بَيْتا. كَأَن شعره كلامٌ لَيْسَ فِيهِ تكلّف. قَالَ الْأَصْمَعِي: سَأَلت بشاراً عَن أشعر النَّاس فَقَالَ: أجمع أهل الْبَصْرَة على امْرِئ الْقَيْس وطرفة وَأهل الْكُوفَة على بشر بن أبي خازم والأعشى وَأهل الْحجاز

على النَّابِغَة وَزُهَيْر وَأهل الشَّام على جرير والفرزدق والأخطل. وَمَات النَّابِغَة فِي الْجَاهِلِيَّة فِي زمن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قبل أَن يبْعَث.) والأبيات التالية من قصيدة وصف بهَا المتجردة امْرَأَة النُّعْمَان بن الْمُنْذر وَكَانَ النَّابِغَة من خواصه وندمائه وَأهل أنسه فَرَأى زَوجته المتجردة يَوْمًا وغشيها أمرٌ سقط نصيفها واستترت بِيَدِهَا وذراعها. وَذكر فِي هَذِه القصيدة أموراً عَجِيبَة مِنْهَا فِي صفة فرجهَا. ثمَّ أنشدها النَّابِغَة مرّة بن سعيد القريعي فأنشدها مرّة النُّعْمَان فَامْتَلَأَ غَضبا وأوعده النَّابِغَة وتهدده. فهرب مِنْهُ إِلَى مُلُوك غَسَّان بِالشَّام. وَقيل: إِن الَّذِي من أَجله هرب النَّابِغَة: أَنه كَانَ هُوَ والمنخل البشكري نديمين للنعمان وَكَانَ النُّعْمَان دميماً قَبِيح المنظر وَكَانَ المنخل من أجمل الْعَرَب وَكَانَ يرْمى بالمتجردة وتكلمت الْعَرَب أَن ابْني النُّعْمَان مِنْهَا كَانَا مِنْهُ فَقَالَ النُّعْمَان للنابغة: يَا أَبَا أُمَامَة صف المتجردة فِي شعرك. فَقَالَ تِلْكَ القصيدة ووصفها فِيهَا وَوصف بَطنهَا وفرجها وأردافها. فلحقت المنخل من ذَلِك غيرَة فَقَالَ للنعمان: مَا يَسْتَطِيع أَن يَقُول هَذَا الشّعْر إِلَّا من جرب فوقر ذَلِك فِي نفس النُّعْمَان. فَبلغ النَّابِغَة فخافه فهرب إِلَى مُلُوك غَسَّان وَنزل بِعَمْرو بن الْحَارِث الْأَصْغَر فمدحه ومدح أَخَاهُ وَلم يزل مُقيما مَعَ عَمْرو حَتَّى مَاتَ وَملك أَخُوهُ النُّعْمَان فَصَارَ مَعَه إِلَى أَن استعطف النُّعْمَان بن الْمُنْذر فَعَاد إِلَيْهِ. وَمِمَّا قَالَه فِي مُلُوك غَسَّان مَا أنْشدهُ ابْن قُتَيْبَة فِي كتاب الشُّعَرَاء عَن الشّعبِيّ أَنه قَالَ: دخلت على عبد الْملك وَعِنْده رجل لَا أعرفهُ فَالْتَفت إِلَيْهِ عبد الْملك فَقَالَ: من أشعر النَّاس قَالَ: أَنا فأظلم مَا بيني وَبَينه فَقلت:

من هَذَا يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فتعجب عبد الْملك من عجلتي فَقَالَ: هَذَا الأخطل قلت: أشعر مِنْهُ الَّذِي يَقُول: (هَذَا غلامٌ حسنٌ وَجهه ... مُسْتَقْبل الْخَيْر سريع التَّمام) (لِلْحَارِثِ الْأَكْبَر والْحَارث ... الْأَصْغَر والأعرج خير الْأَنَام) (ثمَّ لهندٍ ولهندٍ وَقد ... ينجع فِي الروضات مَاء الْغَمَام) (سِتَّة آباءٍ هم مَا هم ... هم خير من يشرب صفو المدام) فَقَالَ الأخطل: صدق يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ النَّابِغَة أشعر مني. فَقَالَ لي عبد الْملك: مَا تَقول فِي النَّابِغَة قلت: قد فَضله عمر بن الْخطاب على الشُّعَرَاء غير مرّة خرج وبابه وَفد غطفان فَقَالَ: أَي شعرائكم الَّذِي يَقُول: (حَلَفت فَلم أترك لنَفسك رِيبَة ... وَلَيْسَ وَرَاء الله للمرء مطلب) ) قَالُوا: النَّابِغَة. قَالَ: فَأَي شعرائكم الَّذِي يَقُول: (فَإنَّك كالليل الَّذِي هُوَ مدركي ... وَإِن خلت أَن المنتأى عَنْك وَاسع) قَالُوا: النَّابِغَة. قَالَ: هَذَا أشعر شعرائكم وَله القصائد: الاعتذاريات الْمَشْهُورَة إِلَى النُّعْمَان بن الْمُنْذر لم يقل أحد مثلهَا. مِنْهَا قَوْله: (نبئت أَن أَبَا قَابُوس أوعدني ... وَلَا قَرَار على زأرٍ من الْأسد)

وتمثل بِهِ الْحجَّاج بن يُوسُف حِين سخط عَلَيْهِ عبد الْملك بن مَرْوَان. وَمِمَّا يتَمَثَّل بِهِ من شعره: (فَلَو كفي الْيَمين بغتك خوناً ... لأفردت الْيَمين من الشمَال) أَخذه المثقب الْعَبْدي فَقَالَ: (فَلَو أَنِّي تخالفني شمَالي ... خِلافك مَا وصلت بهَا يَمِيني) (فحملتني ذَنْب امرئٍ وَتركته ... كذي العر يكوى غَيره وَهُوَ راتع) أَخذه الْكُمَيْت فَقَالَ: (وَلَا أكوي الصِّحَاح براتعاتٍ ... بِهن العر قبلي مَا كوينا) تَتِمَّة ذكر الْآمِدِيّ فِي المؤتلف والمختلف: من يُقَال لَهُ النَّابِغَة ثمانيةٌ: أَوَّلهمْ هَذَا وَالثَّانِي: النَّابِغَة الْجَعْدِي الصَّحَابِيّ. وَالثَّالِث: نَابِغَة بن الديَّان الْحَارِثِيّ. وَالرَّابِع: النَّابِغَة الشَّيْبَانِيّ. وَالْخَامِس: النَّابِغَة الغنوي. وَالسَّادِس: النَّابِغَة العدواني. وَالسَّابِع: النَّابِغَة الذبياني أَيْضا وَهُوَ نَابِغَة بني قتال بن يَرْبُوع. وَالثَّامِن: النَّابِغَة التغلبي واسْمه الْحَارِث. وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد الْخَامِس بعد الْمِائَة: ...

(يَا أبجر بن أبجر يَا أنتا ... أَنْت الَّذِي طلقت عَام جعتا) على أَن الْمُضمر لَو وَقع منادى جَازَ نظرا إِلَى الْمظهر فَإِن الْمظهر بِصُورَة الرّفْع وَالضَّمِير ضمير رفع. قَالَ ابْن الْأَنْبَارِي فِي مسَائِل الْخلاف نقلا عَن الْبَصرِيين بِأَن الْمُفْرد الْمعرفَة إِنَّمَا بني لِأَنَّهُ أشبه كَاف الْخطاب وكاف الْخطاب مَبْنِيَّة فَكَذَلِك مَا أشبههَا وَوجه الشّبَه بَينهمَا من ثَلَاثَة أوجه: الْخطاب) والتعريف والإفراد. وَمِنْهُم من قَالَ: إِنَّمَا بني لِأَنَّهُ وَقع موقع اسْم الْخطاب لِأَن الأَصْل فِي قَوْلك يَا زيد: أَن تَقول: يَا إياك أَو يَا أَنْت لِأَن المنادى لما كَانَ مُخَاطبا كَانَ يَنْبَغِي أَن يسْتَغْنى عَن اسْمه وَيُؤْتى باسم الْخطاب فَيُقَال: يَا إياك وَيَا أَنْت كَمَا قَالَ: يَا مر يَا ابْن وَاقع يَا أنتا فَلَمَّا وَقع الِاسْم المنادى موقع اسْم الْخطاب وَجب أَن يكون مَبْنِيا كَمَا أَن اسْم الْخطاب مَبْنِيّ. وَظَاهر كَلَام الشَّارِح الْمُحَقق أَن نِدَاء الضَّمِير مطرد وَأَنه لَا فرق بَين نِدَاء الضَّمِير الْمَرْفُوع وَالضَّمِير الْمَنْصُوب. قَالَ ابْن الْحَاجِب فِي الْإِيضَاح: نِدَاء الْمُضمر شَاذ. وَقد قيل إِنَّه على تَقْدِير: يَا هَذَا أَنْت وَيَا هَذَا إياك أَعنِي.

وَقَالَ أَبُو حَيَّان فِي تَذكرته: وَأما يَا أنتا فشاذ لِأَن الْموضع مَوضِع نصب وَأَنت ضمير رفع فحقه أَن لَا يجوز كَمَا لَا يجوز فِي إياك لَكِن بعض الْعَرَب قد جعل بعض الضمائر نَائِبا عَن غَيره كَقَوْلِهِم: رَأَيْتُك أَنْت بِمَعْنى رَأَيْتُك إياك فناب ضمير الرّفْع عَن ضمير النصب وَكَذَلِكَ قَالُوا: يَا أنتا وَالْأَصْل يَا إياك. وَقد يُقَال: إِن يَا فِي يَا أَنْت حرف تَنْبِيه وَأَنت مُبْتَدأ وَأَنت الثَّانِيَة تَأْكِيد وَقَالَ ابْن عُصْفُور: وَلَا يُنَادى الْمُضمر إِلَّا نَادرا والأسماء كلهَا تنادى إِلَّا الْمُضْمرَات أما ضمير الْغَيْبَة وَضمير الْمُتَكَلّم فهما مناقضان لحرف النداء لِأَن حرف النداء يَقْتَضِي الْخطاب وَلم يجمع بَين حرف النداء وَالضَّمِير الْمُخَاطب لِأَن أَحدهمَا يُغني عَن الآخر فَلم يجمع بَينهمَا إِلَّا فِي الشّعْر مثل قَوْله: (يَا أَقرع بن حابسٍ يَا أنتا ... أَنْت الَّذِي ... ... ... ... . الْبَيْت) فَمنهمْ من جعل يَا تَنْبِيها وَجعل أَنْت: مُبْتَدأ وَأَنت الثَّانِي إِمَّا تاكيداً أَو مُبْتَدأ أَو فصلا أَو بَدَلا. وَدلّ كَلَامه على أَن الْعَرَب لَا تنادي ضمير الْمُتَكَلّم فَلَا تَقول: يَا أَنا وَلَا ضمير الْغَائِب فَلَا تَقول: يَا إِيَّاه وَلَا يَا هُوَ فَكَلَام جهلة الصُّوفِيَّة فِي نِدَاء الله تَعَالَى: يَا هُوَ لَيْسَ جَارِيا على كَلَام الْعَرَب. كَلَام أبي حَيَّان. وَهَذَانِ البيتان من أرجوزة لسالم بن دارة وَقد حرف الْبَيْت الأول على أوجهٍ كَمَا رَأَيْت. وَصَوَابه: يَا مر يَا ابْن وَاقع يَا أنتا) وَرَوَاهُ الْعَيْنِيّ كَرِوَايَة الشَّارِح وَزعم أَن قَائِله الْأَحْوَص. وَهُوَ وهم إِنَّمَا

قَوْله نثر لَا نظم: وَهُوَ أَنه لما وَفد مَعَ أَبِيه على مُعَاوِيَة خطب فَوَثَبَ أَبوهُ ليخطب فكفه وَقَالَ: يَا إياك قد كفيتك. ومنشأ الْوَهم: أَن النَّحْوِيين قد ذكرُوا هَذَا الْبَيْت عقب قَول الْأَحْوَص مَعَ قَوْلهم وَكَقَوْلِه فَظن أَن الضَّمِير للأحوص. وَقد صحفه أَبُو عبد الله بن الْأَعرَابِي أَيْضا فِي نوادره وَرَوَاهُ: يَا قر يَا ابْن واقعٍ يَا أنتا نبه على تصحيفه أَبُو مُحَمَّد الْأسود الْأَعرَابِي فِيمَا كتبه على نوادره وَسَماهُ ضَالَّة الأديب فَقَالَ: صحف أَبُو عبد الله فِي اسْم من قيل فِيهِ هَذَا الرجز فَقَالَ: يَا قر وَإِنَّمَا هُوَ يَا مر وَهُوَ مرّة بن وَاقع أحد بني عبد منَاف بن فَزَارَة. وَقَوله: أَنْت الَّذِي طلقت كَانَ الْقيَاس طلق ليعود إِلَى الْمَوْصُول ضمير الْغَائِب. قَالَ ابْن جني: هَذَا كَلَام الْعَرَب الفصيح وَقد جَاءَ أَيْضا الْحمل على الْمَعْنى دون اللَّفْظ كَهَذا الْبَيْت. وَكَانَ من قصَّة سَالم بن دارة وَمرَّة بن وَاقع الْفَزارِيّ: أَن قرفة أحد بني عبد منَاف نثل حسياً بزهمان فاستعان بسالم وبمرة وَاسم الحسى مُعَلّق فرجز سَالم وَهُوَ يخرج عَن مرّة المسناة: (أنزلني قرفة فِي مُعَلّق ... أترك حبلي مرّة وأرتقي) عَن مرّة بن واقعٍ واستقي

وَلَا يزَال قَائِل: ابْن ابْن دلوك عَن حد الضروس وَاللَّبن فَغَضب مرّة من ذَلِك وَكَانَ عِنْده مرّة امرأةٌ من بني بدر بن عَمْرو فأسنت مرّة فَطلقهَا وَأهل الْبَادِيَة أفعل شَيْء لذَلِك فَلَمَّا أَحْيَا أَرَادَ رَجعتهَا فَأَبت وَكَانَ مرّة يحْسب أَن لَهُ عَلَيْهَا رَجْعَة وَأَنه إِنَّمَا فاكهها فاحتملت إِلَى أَهلهَا ثمَّ إِن مرّة حج فِي أركوب من بني فَزَارَة حجاج وَخرج سَالم فِي أركوب من بني عبد الله بن غطفان حجاج فاصطحبوا فَنزل مرّة يَسُوق بالقوم فَقَالَ يرتجز: (لَو أَن بنت الأكرم البدري ... رَأَتْ شحوبي وَرَأَتْ بذريي) (وَهن خوصٌ شبه القسي ... يلفها لف حَصى الأتي) أروع سقاءٌ على الطوي) ثمَّ نزل سالمٌ يَسُوق بالقوم وَقد كُنَّا تضاغنا فرجز: (يَا مر يَا ابْن وَاقع يَا أنتا ... أَنْت الَّذِي طلقت عَام جعتا) (فَضمهَا البدري إِذْ طلقتا ... حَتَّى إِذا اصطبحت واغتبقتا) (أَصبَحت مُرْتَدا لما تركتا ... أردْت أَن ترجعها كذبتا) (أودى بَنو بدرٍ بهَا وأنتا ... تقسم وسط الْقَوْم: مَا فارقتا)

انْتهى مَا أوردهُ الْأسود الْأَعرَابِي. وَقَوله: نثل حسياً بزهمان يُقَال: نثلت الْبِئْر نثلاً وانتثلتها: إِذا استخرجت ترابها وَهُوَ النثيلة بالنُّون والثاء الْمُثَلَّثَة. والحسي بِكَسْر الْحَاء وَسُكُون السِّين الْمُهْمَلَتَيْنِ: مَا تنشفه الأَرْض من الرمل فَإِذا صَار إِلَى صلابة أمسكته فتحفر عته الرمل فتستخرجه وَجمعه الأحساء. وزهمان بِضَم الرَّاء الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْهَاء: وادٍ لبني فَزَارَة مُتَّصِل بِالرَّقْمِ بِفَتْح الرَّاء وَالْقَاف وَهُوَ مَوضِع بالحجاز قريب من وَادي الْقرى كَانَت فِيهِ وقْعَة لغطفان على عَامر. كَذَا فِي مُعْجم مَا استعجم لأبي عبيد الْبكْرِيّ. وَقَوله: أبن أبن هُوَ فعل أَمر من الْإِبَانَة وَهُوَ الإبعاد. والضروس قَالَ فِي الصِّحَاح: بِضَم الضَّاد: الْحِجَارَة الَّتِي طويت بهَا الْبِئْر. وَأنْشد هَذَا الشّعْر وبئر مضروسة وضريس أَي: مطوية بِالْحِجَارَةِ. وَقَوله فأسنت مرّة أَي: أَصَابَهُ السّنة وَهِي الْقَحْط والجدب. وَقَوله: فَلَمَّا أَحْيَا فِي الصِّحَاح: قَالَ أَبُو عَمْرو: أَحْيَا الْقَوْم: إِذا حسنت حَال مَوَاشِيهمْ. فَإِن أردْت أنفسهم قلت: حيوا. ثمَّ قَالَ: وَأَحْيَا الْقَوْم أَي: صَارُوا فِي الحيا وَهُوَ الخصب والحيا مَقْصُور: الْمَطَر وَالْخصب. وَهُوَ بِالْحَاء الْمُهْملَة وَبعدهَا يَاء آخر الْحُرُوف. وَقَوله فاكهها أَي: مازحها والمفاكهة: الممازحة. وَقَوله: البدري مَنْسُوب إِلَى بني بدر بن عَمْرو. وَلَو: لِلتَّمَنِّي لَا جَوَاب لَهَا. والشحوب: مصدر شحب جِسْمه بِالْفَتْح يشحب بِالضَّمِّ: إِذا تغير. وَقَوله:

بذريي أَي إبلي المفرقة وَيُقَال: تَفَرَّقت إبِله شذر بذر بِفَتْح الشين وَالْبَاء وكسرهما وَمَا بعدهمَا مَفْتُوح: إِذا تَفَرَّقت فِي كل وَجه. وَقَوله: وَهن خوصٌ أَي: غائرات الْعُيُون جمع أخوص وخوصاء وَالْفِعْل خوص بِالْكَسْرِ أَي: غارت عينه. ويلفها: يضمها ويجمعها. والأتي بِفَتْح الْهَمْز وَكسر الْمُثَنَّاة الْفَوْقِيَّة قَالَ فِي الصِّحَاح: وأتيت للْمَاء تأتية وتأتياً أَي: سهلت سَبيله ليخرج إِلَى مَوضِع والأتي: الْجَدْوَل يؤتيه الرجل إِلَى) أرضه وَهُوَ فعيل يُقَال: جَاءَنَا سيل أُتِي وأتاوي: إِذا جَاءَك وَلم يصبك مطره. وَقَوله: أروع هُوَ فَاعل يلفها وَمَعْنَاهُ: السَّيِّد الَّذِي يروعك بجماله وجلاله. وسقاء: مُبَالغَة ساقٍ والطوي: الْبِئْر المطوية أَي: المبنية بِالْحِجَارَةِ. وَقَوله: أَصبَحت مُرْتَدا. أَي: رَاجعا والارتداد: الرُّجُوع. وأودى بهَا: ذهب بهَا. وَقَوله: فأد رزقها أَي: أعْط صَدَاقهَا الَّذِي تغلبت عَلَيْهِ وأكلته. وَسَالم بن دارة: هُوَ سَالم بن مسافع بن عقبَة بن يَرْبُوع بن كَعْب بن عدي ابْن جشم بن عَوْف بن بهثة بن عبد الله بن غطفان. ودارة: لقب أمة وَاسْمهَا سيقاء كَانَت أخيذة: أَصَابَهَا زيد الْخَيل من بعض غطفان وَهِي حُبْلَى وَهِي من بني أَسد فَوَهَبَهَا زيد الْخَيل لزهير بن أبي سلمى. فَرُبمَا نسب سَالم بن دارة إِلَى زيد الْخَيل. كَذَا فِي كتاب أَسمَاء الشُّعَرَاء المنسوبين إِلَى أمهاتهم تأليف أَحْمد بن أبي سهل بن عَاصِم الْحلْوانِي وَمن خطه نقلت. وَقَالَ التبريزي فِي شرح الحماسة: ودارة هُوَ يَرْبُوع وَإِنَّمَا سمي دارة

لِأَن رجلا من بني الصَّادِر بن مرّة بن عَوْف بن سعد بن ذبيان يُقَال لَهُ: كَعْب قتل ابْن عَم ليربوع بن كَعْب يُقَال لَهُ: درص فَقتل يَرْبُوع كَعْبًا بِابْن عَمه وَأخذ ابْنة كَعْب ثمَّ أرسلها فَأَتَت قَومهَا فنعت أَبَاهَا كَعْبًا فَقَالُوا: من قَتله قَالَت: غُلَام كَأَن وَجهه دارة الْقَمَر من بني جشم بن عَوْف بن بهثة. فَسُمي بذلك وَنسب إِلَيْهِ سَالم. وَمثله فِي الأغاني. وَالصَّحِيح الأول وَيدل لَهُ قَول سَالم: (أَنا ابْن دارة مَعْرُوفا بهَا نسبي ... وَهل بدارة يَا للنَّاس من عَار) وَسَالم: شَاعِر مخضرم: قد أدْرك الْجَاهِلِيَّة وَالْإِسْلَام. وَكَانَ رجلا هجاء وبسببه قتل. قَالَ التبريزي نقلا عَن أبي رياش. وَكَانَ الَّذِي هاج قَتله: أَنه كَانَ مرّة بن وَاقع من وُجُوه بني فَزَارَة وَكَانَت عِنْده امْرَأَة من أَشْرَاف بني فَزَارَة ففاكهته امْرَأَته ذَات لَيْلَة فَطلقهَا الْبَتَّةَ واحتملت إِلَى أَهلهَا وَمرَّة يظنّ أَنه قَادر على ردهَا إِن شَاءَ حَتَّى أَتَى لذَلِك عامٌ وهما كَذَلِك. ثمَّ خطبهَا حمل بن القليب الْفَزارِيّ وَرجل آخر من بني فَزَارَة يُقَال لَهُ: عَليّ وخطبها ابْن دارة. فَبلغ ذَلِك مرّة فَأَرَادَ أَن يُرَاجِعهَا فَأَبت عَلَيْهِ واختارت عليا. فَركب مرّة بن وَاقع إِلَى مُعَاوِيَة وَقيل إِلَى عُثْمَان فَقَالَ: إِن الْأَعْرَاب أهل جفَاء وَإِنِّي قد قلت كلمة بيني وَبَين امْرَأَتي لم أرد مَا) تبلغ فَتزوّجت رجلا وَإِنَّمَا أَتَيْتُك مبادراً قبل أَن يَبْنِي بهَا فامنع لي امْرَأَتي. فَقَالَ مُعَاوِيَة: لقد ذكرت أمرا صَغِيرا فِي أَمر عَظِيم لَا سَبِيل لَك عَلَيْهَا.

فَفرق بَينهمَا مُعَاوِيَة وَهُوَ يَوْمئِذٍ على الشَّام عَاملا لعُثْمَان فَقَالَ سَالم فِي ذَلِك قبل أَن يقدم مرّة عِنْد مُعَاوِيَة وَالْقَوْم ينتظرونه: (يَا لَيْت مرّة يَأْتِيهَا فيجعلها ... خير الْبناء وَيجْزِي مِنْهُمَا الجازي) فجَاء مرّة وَقد ابتنى بهَا عَليّ: فَغَضب على سَالم وَجعل يشتمه حَتَّى قَالَ: أَيهَا العَبْد من محولة مَا أَنْت وَذكر نسائنا ومحولة بَنو عبد الله بن غطفان وَكَانَ يُقَال لَهُم بَنو عبد الْعُزَّى فوفدوا على النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فَقَالَ: من أَنْتُم فَقَالُوا: نَحن بَنو عبد الْعُزَّى فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: بل أَنْتُم بَنو عبد الله فسمتهم الْعَرَب محولة فَقَالَ سَالم بن دارة: مهلا يَا مرّة فَإِنِّي لم أفعل تأبيداً كَأَنَّهُ أَرَادَ لم آتٍ بآبدة وَمَا بِي بَأْس وَلَا ذَنْب لي وَإِنَّمَا مزحت. فَأبى مرّة إِلَّا شَتمه. فَقَالَ سَالم: وَقد غضب: أوقع يَا على المنادى الْمَحْذُوف كَأَنَّهُ قَالَ: يَا مرّة أَنْت. وَقد ادّعى قوم أَن أَنْت يجوز نداؤها. وَلَا يَنْبَغِي أَن يعدل عَن الْوَجْه الأول ... ثمَّ ذكر الأبيات السَّابِقَة وَقَالَ: ثمَّ تواعدا أَن يلتقيا وَعظم فِي صُدُور بني فَزَارَة قَول سَالم فأغمضوا على ذَلِك. ثمَّ تواقف ابْن وَاقع وَسَالم على رهان وَفِيهِمْ يَوْمئِذٍ ابْن بيشة. أحد بني عبد منَاف بن عقيل فَقَالَ سَالم لجَمِيع بني فَزَارَة: إِنِّي أَحْمد الله كعهدكم وبعدكم واستعهدكم من مرّة. فَقَالَ مرّة: وَالله لَا أَزَال أهجوك مَا بل ريقي لساني. وَجَاءَت بَنو فَزَارَة بامرأةٍ من بني غراب ترجز يُقَال لَهَا: غاضرة. فَلَمَّا رَآهَا سَالم نهق كَمَا ينهق الْحمار ثمَّ قَالَ: ...

(قد سبني بَنو الْغُرَاب الْأَحْمَر ... جبنا وجهلاً وتمنوا منكري) (كل عَجُوز مِنْهُم ومعصر ... غاضر أُدي رشوتي لَا تغدري) (وَأَبْشِرِي بعزبٍ مصدر ... شراب ألبان الخلايا مقفر) (يحمل عرداً كالوظيف الأعجر ... وفيشةً مَتى تريها تشفري) (حَمْرَاء كالنورج فَوق الأندر ... تقلب أَحْيَانًا حماليق الْحر) (معقدٍ مشْعر مسير ... كَأَنَّمَا أحس جَيش الْمُنْذر) (إِن تمنعي قعوك أمنع محوري ... لقعو أُخْرَى كعشبٍ مدور)) النورج: شَيْء يدق بِهِ أهل الشَّام حبهم: فَلَمَّا قَالَهَا سَالم ألهاها الِاسْتِمَاع الرَّد عَلَيْهِ ثمَّ لوى درعها فكشف عَنْهَا فحجز النَّاس بَينهمَا وافترقوا وَلابْن دارة الظفر. وَعم بني فَزَارَة بالهجاء لما أعانت عَلَيْهِ بَنو غراب وَقَالَ يهجو مرّة بن وَاقع الْفَزارِيّ: (حدبدبا بدبدبا مِنْك الْآن ... اسْتَمعُوا أنْشدكُمْ يَا ولدان) (إِن بني فَزَارَة بن زبيان ... قد طرقت ناقتهم بِإِنْسَان) (مشيإ أعجب بِخلق الرَّحْمَن ... غلبتم النَّاس بِأَكْل الجردان) (كل متل كالعمود جوفان ... وسرق الْجَار ونيك البعران)

حدبدبا: كلمة جَاءَ بهَا فِي معنى التَّعَجُّب مِمَّا هُوَ فِيهِ. وَأَصلهَا لعبة يلْعَب بهَا الصّبيان وَيخْتَلف فِي لَفظهَا فبعضهم يَقُول: حدبدبا ببائين وَبَعْضهمْ يَقُول: حدندبا وَمِنْهُم من يَقُول: حديدبا يَقُول: اجْتَمعُوا يَا صبية لتلعبوا هَذِه اللعبة. وَإِنَّمَا غَرَضه أَن يعجب النَّاس مِمَّا هُوَ فِيهِ وَيُعلمهُم أَنه فِي أَمر كلعب الصّبيان. وَقَالَ قصيدة طَوِيلَة فِي هجوهم مِنْهَا: (بلغ فَزَارَة أَنِّي لن أسالمها ... حَتَّى ينيك زميلٌ أم دِينَار) هِيَ أم زميل وَكَانَت تكنى أم دِينَار فَحلف زميلبن أبير أحد بني عبد الله ابْن عبد منَاف: أَن لَا يَأْكُل لَحْمًا وَلَا يغسل رَأسه وَلَا يَأْتِي امْرَأَة حَتَّى يقْتله. فَالتقى زميل وَابْن دارة منحدرٌ إِلَى الْكُوفَة وزميل يُرِيد الْبَادِيَة: فَقَالَ لَهُ سَالم: لَا أَبَا لَك ألم يَأن لَك أَن تحل يَمِينك فَقَالَ لَهُ زميل: إِنِّي أعْتَذر إِلَيْك وَالله مَا فِي الْقَوْم حَدِيدَة إِلَّا أَن يكون مخيطاً. فَافْتَرقَا. وَسَار سَالم حَتَّى قدم على أَخِيه فِي الْكُوفَة فَمَكثَ غير بعيد ثمَّ لحق بقَوْمه بالبادية ثمَّ ورد الْمَدِينَة ثمَّ خرج مِنْهَا فلقي زميلاً عشَاء وزميل دَاخل الْمَدِينَة فَكَلمهُ وناداه وَقَالَ. . أَلا تحل يَمِينك ثمَّ انْطلق وَاتبعهُ زميل وغشيه بِالسَّيْفِ فَدفع الرَّاحِلَة وأدركه زميل فَضَربهُ فَأصَاب مؤخرة الرحل وحذا عضده ذُبَاب السَّيْف حذْيَة أوضحت وَرجع إِلَى الْمَدِينَة يتداوى بهَا. فزعموا أَن بسرة بنت عُيَيْنَة بن أَسمَاء وَيُقَال إِنَّهَا بنت مَنْظُور بن زبان وَكَانَت تَحت عُثْمَان بن عَفَّان دست إِلَى الطَّبِيب سما فِي دوائه فَمَاتَ وَقَالَ قبل مَوته: (أبلغ أَبَا سالمٍ عني مغلغلةً ... فَلَا تكونن أدنى الْقَوْم للعار) (لَا تأخذن مائَة مِنْهُم مُجَللَة ... وَاضْرِبْ بسيفك مَنْظُور بن سيار)

) وَقَالَ النَّاس لما قتل: قد محوا عَن أنفسهم. وَفِي ذَلِك يَقُول الْكُمَيْت بن مَعْرُوف: (فَلَا تكثروا فِيهَا الضجاج فَإِنَّهُ ... محا السَّيْف مَا قَالَ ابْن دارة أجمعا) انْتهى مَا أوردهُ التبريزي. وَقَالَ مُحَمَّد بن حبيب فِي كتاب المغتالين من الْأَشْرَاف فِي الْجَاهِلِيَّة وَالْإِسْلَام: إِن سَالم بن دارة هجا زميل بن أبير وَهُوَ ابْن أم دِينَار فَقَالَ فِي قصيدة لَهُ طَوِيلَة: (آلى ابْن دارة جهداً لَا يصالحكم ... حَتَّى ينيك زميل أم دِينَار) وَحكى الْحِكَايَة كَمَا ذكرت. إِلَى أَن قَالَ: ثمَّ إِن زميلاً قدم الْمَدِينَة فَقضى حَوَائِجه حَتَّى إِذا صدر عَن الشقرة سمع رجلا يتَغَنَّى بِشعر فَعرف زميل صَوت سَالم فَأقبل إِلَيْهِ فَضَربهُ ضربتين وعقر بعيره. فَحمل سَالم إِلَى عُثْمَان بن عَفَّان فَدفعهُ إِلَى طَبِيب نَصْرَانِيّ حَتَّى إِذا برأَ والتأمت كلومه دخل النَّصْرَانِي وَإِذا سَالم يشامع امْرَأَته فاحتنقها عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ النَّصْرَانِي: إِنِّي لأرى عظما ناتئاً فَهَل لَك أَن أجعَل عَلَيْهِ دَوَاء حَتَّى يسْقط قَالَ: نعم فافعل. فسمه فَمَاتَ. وَيُقَال: إِن أم الْبَنِينَ بنت عُيَيْنَة بن حصن الْفَزارِيّ وَكَانَت عِنْد عُثْمَان بن عَفَّان جعلت للطبيب جعلا حَتَّى سمه فَمَاتَ.

وافتخر زميل بقتْله وَقَالَ: (أَنا زميل قَاتل ابْن دارة ... وغاسل المخزاة عَن فَزَارَة) وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد السَّادِس بعد الْمِائَة (سَلام الله يَا مطر عَلَيْهَا ... وَلَيْسَ عَلَيْك يَا مطر السَّلَام) على أَنه إِذا اضْطر إِلَى تَنْوِين المنادى المضموم اقْتصر على الْقدر الْمُضْطَر إِلَيْهِ من التَّنْوِين. وَالْقدر الْمُضْطَر إِلَيْهِ هُوَ النُّون الساكنة فألحقت وأبقيت حَرَكَة مَا قبلهَا على حَالهَا إِذْ لَا ضَرُورَة إِلَى تغيرها فَإِنَّهَا تنْدَفع بِزِيَادَة النُّون. وَهَذَا مَذْهَب سِيبَوَيْهٍ والخليل والمازني. قَالَ النّحاس والأخفش الْمُجَاشِعِي فِي المعاياة: وحجتهم أَنه بِمَنْزِلَة مَرْفُوع مَا لَا ينْصَرف فَلحقه التَّنْوِين على لَفظه. وَاخْتَارَ الزجاجي فِي أَمَالِيهِ هَذَا الْمَذْهَب لكنه رد هَذِه الْحجَّة فَقَالَ: الِاسْم الْعلم المنادى الْمُفْرد مَبْنِيّ على الضَّم لمضارعته عِنْد الْخَلِيل وَأَصْحَابه للأصوات وَعند غَيره لوُقُوعه موقع الضَّمِير فَإِذا لحقه فِي ضَرُورَة الشّعْر فالعلة الَّتِي من أجلهَا بني قائمةٌ بعد فِيهِ فينون على لَفظه لأَنا قد رَأينَا من المبنيات مَا هُوَ منون نَحْو إيهٍ وغاقٍ وَمَا أشبه ذَلِك. وَلَيْسَ بِمَنْزِلَة مَا لَا ينْصَرف لِأَن مَا لَا ينْصَرف أَصله الصّرْف وَكثير من الْعَرَب من لَا يمْتَنع من صرف شَيْء فِي ضَرُورَة وَلَا غَيرهَا إِلَّا أفعل مِنْك فَإِذا

نون فَإِنَّمَا يرد إِلَى أَصله والمفرد المنادى الْعلم لم ينْطق بِهِ مَنْصُوبًا منوناً قطّ فِي غير ضَرُورَة شعر. فَهَذَا بَين وَاضح. وَتَبعهُ اللَّخْمِيّ فِي أَبْيَات الْجمل وَنقل هَذَا الْكَلَام بِعَيْنِه. قَالَ النّحاس: وَحكى سِيبَوَيْهٍ عَن عِيسَى بن عمر يَا مَطَرا بِالنّصب وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الْأَخْفَش فِي المعاياة وَقَالَ: نصب مَطَرا لِأَنَّهُ نكرَة. وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْء. قَالَ الْمبرد: أما أَبُو عمر وَعِيسَى وَيُونُس والجرمي فيختارون النصب وحجتهم أَنهم ردُّوهُ إِلَى الأَصْل لِأَن أصل النداء النصب كَمَا ترده الْإِضَافَة إِلَى النصب قَالَ: وَهُوَ عِنْدِي أحسن لرده التَّنْوِين إِلَى أَصله كَمَا فِي النكرَة. وَهَذَا الْبَيْت من قصيدة للأحوص الْأنْصَارِيّ وَبعده: (فَلَا غفر الْإِلَه لمنكحيها ... ذنوبهم وَإِن صلوا وصاموا) (كَأَن المالكين نِكَاح سلمى ... غَدَاة نِكَاحهَا مطرٌ نيام) (فَلَو لم ينكحوا إِلَّا كفيئاً ... لَكَانَ كفيئها الْملك الْهمام) (فَإِن يكن النِّكَاح أحل شيءٍ ... فَإِن نِكَاحهَا مَطَرا حرَام) (فَطلقهَا فلست لَهَا بكفءٍ ... وَإِلَّا يعل مفرقك الحسام)) فِي الأغاني بِسَنَدِهِ إِلَى مُحَمَّد بن ثَابت بن إِبْرَاهِيم بن خَلاد الْأنْصَارِيّ قَالَ: قدم الْأَحْوَص الْبَصْرَة فَخَطب إِلَى رجل من بني تَمِيم ابْنَته وَذكر لَهُ نسبه فَقَالَ: هَات لي شَاهدا يشْهد أَنَّك ابْن حمي الدبر وأزوجك. فَجَاءَهُ بِمن شهد لَهُ على ذَلِك. فَزَوجهُ إِيَّاهَا وشرطت عَلَيْهِ أَن لَا يمْنَعهَا من أحد من أَهلهَا. فَخرج بهَا إِلَى الْمَدِينَة وَكَانَت أُخْتهَا عِنْد رجل من بني تَمِيم قَرِيبا من طريقهم فَقَالَت لَهُ: اعْدِلْ بِي إِلَى أُخْتِي. فَفعل فذبحت لَهُم وأكرمتهم

وَكَانَت من أحسن النَّاس وَكَانَ زَوجهَا فِي إبِله فَقَالَت زَوْجَة الْأَحْوَص لَهُ أقِم حَتَّى يَأْتِي. فَلَمَّا أَمْسوا رَاجع إبِله ورعاة غنمه فراح من ذَلِك شَيْء كثير وَكَانَ يُسمى مَطَرا. فَلَمَّا رَآهُ الْأَحْوَص ازدراه واقتحمته عينه وَكَانَ شَيخا دميماً فَقَالَت لَهُ زَوجته: قُم إِلَى سلفك فَسلم عَلَيْهِ. فَقَالَ الْأَحْوَص وَأَشَارَ إِلَى أُخْت زَوجته بإصبعه: سَلام الله يَا مطر عَلَيْهَا ... ... ... . الأبيات وَأَشَارَ إِلَى مطر بإصبعه فَوَثَبَ إِلَيْهِ مطر وَبَنوهُ وَكَاد الْأَمر يَتَفَاقَم حَتَّى حجز بَينهم. انْتهى. وَقَالَ الزجاجي فِي أَمَالِيهِ الْوُسْطَى وَتَبعهُ اللَّخْمِيّ: كَانَ الْأَحْوَص يهوى أُخْت امْرَأَته ويكتم ذَلِك وينسب فِيهَا وَلَا يفصح فَتَزَوجهَا مطر فغلبه الْأَمر وَقَالَ هَذَا الشّعْر. وَبَعْضهمْ لما لم يقف على منشأ الشّعْر قَالَ: مطر اسْم رجل وَكَانَ دميماً أقبح النَّاس وَكَانَت امْرَأَته من أجمل النِّسَاء وأحسنهن وَكَانَت تُرِيدُ فِرَاقه وَلَا يرضى مطر بذلك فَأَنْشد الْأَحْوَص هَذِه القصيدة يصف فِيهَا أحوالهما. هَذَا كَلَامه. وَقَوله غَدَاة نِكَاحهَا الْغَدَاة الضحوة وَأَرَادَ مُطلق الْوَقْت. ونكاحها: مصدر مُضَاف لمفعوله ومطر: فَاعل الْمصدر وَهُوَ هُنَا بِمَعْنى التَّزَوُّج وَالْعقد فِي الْمَوْضِعَيْنِ ونيام: خبر كَأَن وروى

غَدَاة يعرهم مطرٌ نيام مضارع عرهم من بَاب قتل عرة بِالضَّمِّ وَهُوَ الفضيحة والقذر والجرب يُقَال: فلَان عرة كَمَا يُقَال: قذر للْمُبَالَغَة. وَقَوله: فَلَو لم ينكحوا: هُوَ مضارع أنكحت الرجل الْمَرْأَة فَهُوَ مُتَعَدٍّ لمفعولين بِالْهَمْزَةِ وَالْمَفْعُول الأول ضمير سلمى مَحْذُوف والكفيء على وزن فعيل بِمَعْنى الْكُفْء والمماثل وَيُقَال: الكفوء أَيْضا على وزن فعول. وَقَوله: أحل شَيْء هُوَ مَنْصُوب خبر يكن وَهُوَ أفعل تَفْضِيل من الْحَلَال ضد الْحَرَام وروى) الزجاجي أحل شَيْئا بِنصب شَيْء فَيكون أحل فعلا مَاضِيا وَقَوله: فَإِن نِكَاحهَا مَطَرا يرْوى بِرَفْع مطر ونصبه وجره: فالرفع على أَنه فَاعل الْمصدر وَهُوَ نِكَاحهَا فَيكون مُضَافا إِلَى مَفْعُوله وَالنّصب على أَنه مفعول الْمصدر فَيكون مُضَافا إِلَى فَاعله والجر على أَنه مُضَاف إِلَيْهِ وَوَقع الْفَصْل بَين المتضايفين بضمير الْفَاعِل أَو الْمَفْعُول. وَقد أورد ابْن هِشَام هَذَا الْبَيْت فِي شرح الألفية شَاهدا لهَذَا. وَقَوله: وَإِلَّا يعل مفرقك أَي: وَإِن لم تطلقها. وَهَذَا الْبَيْت شَاهد للنحاة فِي اطراد حذف الشَّرْط فِي مثله. والمفرق بِفَتْح الْمِيم وَكسر الرَّاء: الْموضع الَّذِي ينفرق فِيهِ الشّعْر من الرَّأْس وَأَرَادَ وترجمة الْأَحْوَص تقدّمت فِي الشَّاهِد الْخَامِس والثمانين.

وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد السَّابِع بعد الْمِائَة يَا للكهول وللشبان للعجب على أَن لَام المستغاث إِن عطفت بِغَيْر يَا كسرت فلام للشبان مَكْسُورَة وَالْقِيَاس فتحهَا وَجَاز الْكسر لعدم اللّبْس. وَهَذَا عجز وصدره: يبكيك ناءٍ بعيد الدَّار مغترب يُقَال بكيته: بِمَعْنى بَكت عَلَيْهِ. وَالنَّسَائِيّ: أَرَادَ بِهِ بعيد النّسَب. وبعيد الدَّار وصف ناءٍ وَلَا تضر الْإِضَافَة إِلَى الْمعرفَة لِأَنَّهَا فِي نِيَّة الِانْفِصَال لِأَن الدَّار فَاعله فِي الْمَعْنى. يَقُول: يبكي عَلَيْك الْغَرِيب وَيسر بموتك الْقَرِيب وَهُوَ أحد الْأَعَاجِيب. والكهول: جمع كهل. والشبان: جمع شَاب وَقَالَ ابْن حبيب: زمَان الغلومية سبع عشرَة سنة مُنْذُ يُولد إِلَى أَن يستكملها ثمَّ زمَان الشبابية سبع عشرَة سنة إِلَى أَن يستكمل أَرْبعا وَثَلَاثِينَ ثمَّ هُوَ كهل سبع عشرَة سنة إِلَى أَن يستكمل إِحْدَى وَخمسين سنة ثمَّ هُوَ شيخ إِلَى أَن يَمُوت. وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد الثَّامِن بعد الْمِائَة وَهُوَ من أَبْيَات سِيبَوَيْهٍ: يَا لعطافنا وَيَا لرياح على أَن اللَّام فِي الْمَعْطُوف فتحت كَلَام الْمَعْطُوف عَلَيْهِ لإعادة يَا. وَبعده:

وَأبي الحشرج الْفَتى النفاح فأبي الحشرج مَعْطُوف على يَا لعطفنا. وعطاف ورياح وَأَبُو الحشرج: أَعْلَام رجال. والنفاح: الْكثير النفح أَي: الْعَطِيَّة. وَقَبله: (يَا لقومي من للعلا والمساعي ... يَا لقومي من للندى والسماح) المساعي: جمع مسعاة فِي الْكَرم والجود. رثى هَذَا الشَّاعِر رجلا من قومه وَقَالَ: لم يبْقى للعلا والمساعي من يقوم بهَا بعدهمْ. وَهَذَا من الشواهد الْخمسين الَّتِي لم يعرف لَهَا قَائِل. وَأنْشد بعده وَهُوَ فيا لله من ألم الْفِرَاق على أَن المستغاث لَهُ قد يجر بِمن كَمَا يجر بِاللَّامِ. قَالَ الدماميني فِي شرح التسهيل: وَاعْلَم أَن قَوْلنَا المستغاث من أَجله أَعم من أَن يُرَاد الْمُسْتَنْصر لَهُ والمستنصر عَلَيْهِ إِذْ كل مِنْهُمَا وَقعت الاستغاثة بِهِ لأَجله أَي: بِسَبَبِهِ فَإِذا كَانَ المستغاث من أَجله من النَّوْع الأول لَا يجوز جَرّه بِمن الْبَتَّةَ بل يجر بِاللَّامِ وَإِذا كَانَ من النَّوْع الثَّانِي جَازَ الْوَجْهَانِ فَإِن جر بِمن وَجب تَعْلِيقهَا بِفعل التخليص أَو الْإِنْصَاف وَإِن جر بِاللَّامِ فَهِيَ للتَّعْلِيل وتتعلق بِالْفِعْلِ أَو الِاسْم. وَهَذَا المصراع من شعر لِعبيد الله بن الْحر الْجعْفِيّ رثى بِهِ الْحُسَيْن بن عَليّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما. وأوله: ...

(يَا لَك حسرةً مَا دمت حَيا ... تردد بَين حلقي والتراقي) (حُسَيْنًا حِين يطْلب بذل نصري ... على أهل الْعَدَاوَة والشقاق) (وَلَو أَنِّي أواسيه بنفسي ... لَنِلْت كَرَامَة يَوْم التلاقي)) (مَعَ ابْن الْمُصْطَفى نَفسِي فدَاه ... فيا لله من ألم الْفِرَاق) (غَدَاة يَقُول لي بِالْقصرِ قولا: ... أتتركنا وتزمع بانطلاق) (فقد فَازَ الألى نصروا حُسَيْنًا ... وخاب الْآخرُونَ أولو النِّفَاق) قَوْله: يالك حسرة هَذَا مخروم والخرم: إِسْقَاط أول الوتد. لَك بِكَسْر الْكَاف: ضمير مُفَسّر لقَوْله حسرةً. وتردد: مضارع مَحْذُوف من أَوله التَّاء. وحُسَيْنًا مَنْصُوب باذكر محذوفاً. وَقَوله: فيا لله من ألم الْفِرَاق روى بدله: فولى ثمَّ ودع بالفراق وَعَلِيهِ فَلَا شَاهد فِيهِ. قَالَ أَبُو سعيد السكرِي فِي كتاب اللُّصُوص بِسَنَدِهِ إِلَى أبي مخنف لوط بن يحيى بن سعيد الْأَزْدِيّ قَالَ: كَانَ من حَدِيث عبيد الله بن الْحر: أَنه كَانَ شهد الْقَادِسِيَّة مَعَ خاليه: زُهَيْر ومرثد: ابْني قيس بن مشجعَة. وَكَانَ شجاعاً لَا يُعْطي الْأُمَرَاء طَاعَة ثمَّ صَار مَعَ مُعَاوِيَة فَكَانَ يُكرمهُ وَكَانَ ينتاب عبيد الله أَصْحَاب لَهُ فَبلغ ذَلِك مُعَاوِيَة فَبعث إِلَيْهِ فَدَعَاهُ فَلَمَّا دخل عَلَيْهِ قَالَ: يَا ابْن الْحر مَا هَذِه

الْجَمَاعَة الَّتِي بَلغنِي أَنَّهَا ببابك قَالَ: أُولَئِكَ بطانتي أقيهم وأتقي بهم إِن نَاب جور أَمِير. فَقَالَ مُعَاوِيَة: لَعَلَّك يَا ابْن الْحر قد تطلعت نَفسك نَحْو بلادك وَنَحْو عَليّ بن أبي طَالب قَالَ عبيد الله: إِن زعمت أَن نَفسِي تطلع إِلَى بلادي وَإِلَى عَليّ إِنِّي لجدير بِذَاكَ وَإنَّهُ لقبيح بِي الْإِقَامَة مَعَك وتركي بلادي. فَأَما مَا ذكرت من عَليّ فَإنَّك تعلم أَنَّك على الْبَاطِل. فَقَالَ لَهُ عَمْرو بن الْعَاصِ: كذبت يَا ابْن الْحر وأثمت فَقَالَ عبيد الله: بل أَنْت أكذب مني ثمَّ خرج عبيد الله مغضباً وارتحل إِلَى الْكُوفَة فِي خمسين فَارِسًا وَسَار يَوْمه ذَلِك حَتَّى إِذا أَمْسَى بلغ مسالح مُعَاوِيَة فَمنع من السّير فَشد عَلَيْهِم وَقتل مِنْهُم نَفرا وهرب الْبَاقُونَ وَأخذ دوابهم وَمَا احْتَاجَ إِلَيْهِ وَمضى لَا يمر بقرية من قرى الشَّام إِلَّا أغار عَلَيْهَا حَتَّى قدم الْكُوفَة وَكَانَت لَهُ امْرَأَة بِالْكُوفَةِ وَكَانَ أَخذهَا أَهلهَا فزوجوها من عِكْرِمَة فَولدت لَهُ جَارِيَة فَقدم عبيد الله فخاصمهم إِلَى عَليّ بن أبي طَالب فَقَالَ لَهُ: يَا ابْن الْحر أَنْت الممالئ علينا عدونا. فَقَالَ ابْن الْحر: أما إِن) ذَلِك لَو كَانَ لَكَانَ أثري مَعَه بَينا وَمَا كَانَ ذَلِك مِمَّا يخَاف من عدلك. وقاضى الرجل إِلَى عَليّ فَقضى لَهُ بِالْمَرْأَةِ. فَأَقَامَ عبيد الله مَعهَا منقبضاً عَن كل أَمر فِي يَدي عَليّ حَتَّى قتل عَليّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه وَحَتَّى ولي عبيد الله بن زِيَاد وَهلك مُعَاوِيَة وَولي يزِيد وَكَانَ من أَمر الْحُسَيْن مَا كَانَ. قَالَ أَبُو مخنف: لما أقبل الْحُسَيْن بن عَليّ رضوَان الله عَلَيْهِمَا فَأتى قصر بني مقَاتل فَلَمَّا قتل عبيد الله بن زِيَاد مُسلم بن عقيل بن أبي طَالب وتحدث أهل الْكُوفَة: أَن الْحُسَيْن يُرِيد الْكُوفَة خرج عبيد الله بن الْحر مِنْهَا متحرجاً من دم الْحُسَيْن وَمن مَعَه من أهل بَيته حَتَّى نزل قصر بني مقَاتل وَمَعَهُ خيل مضمرة وَمَعَهُ نَاس من أَصْحَابه. فَلَمَّا قدم الْحُسَيْن

رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قصر بني مقَاتل وَنزل رأى فسطاطاً مَضْرُوبا فَقَالَ: لمن هَذَا الْفسْطَاط فَقيل: لِعبيد الله بن الْحر الْجعْفِيّ وَمَعَ الْحُسَيْن يَوْمئِذٍ الْحجَّاج بن مَسْرُوق وَزيد بن معقل الجعفيان. فَبعث إِلَيْهِ الْحُسَيْن الْحجَّاج بن مَسْرُوق فَلَمَّا أَتَاهُ قَالَ لَهُ: يَا ابْن الْحر أجب الْحُسَيْن بن عَليّ. فَقَالَ لَهُ ابْن الْحر: أبلغ الْحُسَيْن: أَنه إِنَّمَا دَعَاني إِلَى الْخُرُوج من الْكُوفَة حِين بَلغنِي أَنَّك تريدها فرارٌ من دمك وَدِمَاء أهل بَيْتك وَلِئَلَّا أعين عَلَيْك وَقلت إِن قَاتلته كَانَ عَليّ كَبِيرا وَعند الله عَظِيما وَإِن قَاتَلت مَعَه وَلم أقتل بَين يَدَيْهِ كنت قد ضيعت قَتله وَأَنا رجل أحمى أنفًا من أَن أمكن عدوي فَيَقْتُلنِي ضَيْعَة وَالْحُسَيْن لَيْسَ لَهُ نَاصِر بِالْكُوفَةِ وَلَا شيعةٌ يُقَاتل بهم. فأبلغ الْحجَّاج الْحُسَيْن قَول عبيد الله فَعظم عَلَيْهِ فَدَعَاهُ بنعليه ثمَّ أقبل يمشي حَتَّى دخل على عبيد الله بن الْحر الْفسْطَاط فأوسع لَهُ عَن صدر مَجْلِسه وَقَامَ إِلَيْهِ حَتَّى أجلسه. فَلَمَّا جلس قَالَ يزِيد بن مرّة: فَحَدثني عبيد الله بن الْحر قَالَ: دخل عَليّ الْحُسَيْن رَضِيَ اللَّهُ عَنْه ولحيته كَأَنَّهَا جنَاح غراب وَمَا رَأَيْت أحدا قطّ أحسن وَلَا أملأ للعين من الْحُسَيْن وَلَا رققت على أحد قطّ رقتي عَلَيْهِ حِين رَأَيْته يمشي وَالصبيان حوله فَقَالَ لَهُ الْحُسَيْن: مَا يمنعك يَا ابْن الْحر أَن تخرج معي قَالَ ابْن الْحر: لَو كنت كَائِنا من أحد الْفَرِيقَيْنِ لَكُنْت مَعَك ثمَّ كنت من أَشد أَصْحَابك على عَدوك فَأَنا أحب أَن تعفيني من الْخُرُوج مَعَك وَلَكِن هَذِه خيل لي معدة وأدلاء من أَصْحَابِي وَهَذِه فرسي المحلقة فاركبها فو الله مَا طلبت عَلَيْهَا شَيْئا قطّ إِلَّا أَدْرَكته وَلَا طلبني أحدٌ إِلَّا فته فاركبها حَتَّى تلْحق بمأمنك وَأَنا لَك بالعيالات حَتَّى أؤديهم إِلَيْك أَو أَمُوت وأصحابي عَن آخِرهم وَأَنا كَمَا تعلم إِذا دخلت فِي أَمر لم يضمني فِيهِ أحد. قَالَ الْحُسَيْن: أفهذه نصيحة لنا مِنْك يَا ابْن الْحر قَالَ: نعم وَالله الَّذِي لَا فَوْقه

شَيْء فَقَالَ لَهُ الْحُسَيْن: إِنِّي سأنصح) لَك كَمَا نصحت لي إِن اسْتَطَعْت أَن لَا تسمع صراخنا وَلَا تشهد وقعتنا فافعل فو الله لَا يسمع داعيتنا أحدٌ لَا ينصرنا إِلَّا أكبه الله فِي نَار جَهَنَّم ثمَّ خرج الْحُسَيْن من عِنْده وَعَلِيهِ جُبَّة خَز وكساءٌ وقلنسوة موردة قَالَ: ثمَّ أعدت النّظر إِلَى لحيته فَقلت: أسوادٌ مَا أرى أم خضاب قَالَ: يَا ابْن الْحر عجل على الشيب. فَعرفت أَنه خضاب وَخرج عبيد الله بن الْحر حَتَّى أَتَى منزله على شاطئ الْفُرَات فنزله. وَخرج الْحُسَيْن رَضِيَ اللَّهُ عَنْه فأصيب بكربلاء وَمن مَعَه وَأَقْبل ابْن الْحر بعد ذَلِك فَمر بهم فَلَمَّا وقف عَلَيْهِم بَكَى. ثمَّ أقبل حَتَّى دخل الْكُوفَة فَدخل على عبيد الله بن زِيَاد بعد ثالثةٍ وَكَانَ أَشْرَاف النَّاس يدْخلُونَ عَلَيْهِ ويتفقدهم فَلَمَّا رأى ابْن الْحر قَالَ لَهُ: أَيْن كنت قَالَ كنت مَرِيضا. قَالَ: مَرِيض الْقلب أم مَرِيض الْجَسَد قَالَ: أما قلبِي فَلم يمرض قطّ وَأما جَسَدِي فقد من الله تَعَالَى عَليّ بالعافية. قَالَ: قد أبطلت وَلَكِنَّك كنت مَعَ عدونا. قَالَ: لَو كنت مَعَ عَدوك لم يخف مَكَاني. قَالَ: أما مَعنا فَلم تكن قَالَ: لقد كَانَ ذَاك. ثمَّ استغفل ابْن زِيَاد وَالنَّاس عِنْده فانسل مِنْهُ ثمَّ خرج فَنزل الْمَدَائِن وَقَالَ: لَئِن اسْتَطَعْت أَن لَا أرى لَهُ وَجها لَأَفْعَلَنَّ ورثى الْحُسَيْن وَأَصْحَابه الَّذين قتلوا مَعَه بالشعر الْمُتَقَدّم وَبِقَوْلِهِ: (يَقُول أميرٌ غادرٌ حق غادرٍ: ... أَلا كنت قَاتَلت الشَّهِيد ابْن فَاطِمَة) ...

(وَنَفْسِي على خذلانه واعتزاله ... وبيعة هَذَا الناكث الْعَهْد لائمة) (فواندمي أَن لَا أكون نصرته ... أَلا كل نفسٍ لَا تسدد نادمه) (وَإِنِّي لِأَنِّي لم أكن من حماته ... لذُو حسرة مَا إِن تفارق لَازمه) (سقى الله أَرْوَاح الَّذين تآزرو ... على نَصره سقيا من الْغَيْث دائمه) (وقفت على أجداثهم ومجالهم ... فكاد الحشا ينْقض وَالْعين ساجمه) (لعمري لقد كَانُوا مصاليت فِي الوغى ... سرَاعًا إِلَى الهيجا حماةً ضبارمه) (تآسوا على نصر ابْن بنت نَبِيّهم ... بِأَسْيَافِهِمْ آساد غيل ضراغمه) (وَمَا إِن رأى الراؤون أَصْبِر مِنْهُم ... لَدَى الْمَوْت ساداتٍ وزهراً قماقمة) (أتقتلهم ظلما وترجو ودادنا ... فدع خطةً لَيست لنا بملائمه) (لعمري لقد راغمتمونا بِقَتْلِهِم ... فكم ناقمٍ منا عَلَيْكُم وناقمه)) (أهم مرَارًا أَن أَسِير بجحفلٍ ... إِلَى فئةٍ زاغت عَن الْحق ظالمه) (فكفوا وَإِلَّا زرتكم فِي كتائب ... أَشد عَلَيْكُم من زحوف الديالمه) ثمَّ إِن ابْن الْحر لم يزل يشغب بِابْن زِيَاد وبالمختار وبمصعب بن الزبير. وَجَرت بَينه وَبَين مُصعب محاربات عديدة. ثمَّ سَار إِلَى عبد الْملك بن مَرْوَان

وَقَالَ لَهُ: إِنَّمَا أَتَيْتُك لتوجه معي جنداً لقِتَال مُصعب بن الزبير. فَأكْرمه عبد الْملك وَأَعْطَاهُ أَمْوَالًا وَقَالَ لَهُ: سر فَإِنِّي أقطع الْبعُوث وأمدك بِمِائَة ألف. فَسَار ابْن الْحر حَتَّى نزل بِجَانِب الأنبار واستأذنه أَصْحَابه فِي دُخُول الْكُوفَة. وَبلغ ذَلِك عبيد الله بن الْعَبَّاس السّلمِيّ فاغتنم الفرصة فَسَأَلَ الْحَارِث بن عبد الله. وَكَانَ خَليفَة مُصعب على الْكُوفَة وَأخْبرهُ بتفرق أَصْحَابه عَنهُ. فَبَعثه فِي مائَة فَارس من قيس واستمد خَمْسمِائَة فَارس مِنْهُم أَيْضا وَسَار حَتَّى لقوه وَهُوَ فِي عشرَة من أَصْحَابه. فأشاروا عَلَيْهِ بالذهاب فَأبى وَقَاتلهمْ حَتَّى فَشَتْ فِي أَصْحَابه الْجِرَاحَات فَأذن لَهُم فِي الذّهاب وَقَاتلهمْ على الجسر فَقتل مِنْهُم رجَالًا كَثِيرَة حَتَّى انْتهى إِلَى الْمعبر فدخله. فَقَالُوا: لنبطي: هَذَا الرجل بغية أَمِير الْمُؤمنِينَ فَإِن فاتكم قتلناكم. فَوَثَبَ إِلَيْهِ نبطي قوي فَقبض على عضدي ابْن الْحر وجراحاته تشخب وضربه الْآخرُونَ بالمجاذيف. فَلَمَّا رأى ابْن الْحر أَن الْمعبر قد قرب إِلَى القيسية قبض على الَّذِي قبض عَلَيْهِ فعالجه حَتَّى سقطا فِي المَاء لَا يُفَارِقهُ حَتَّى غرقا جَمِيعًا وَسمع شيخ يُنَادي وينتف لحيته وَيَقُول: يَا بختيار يَا بختيار فَقيل لَهُ: مَالك ياشيخ قَالَ: كَانَ ابْني بختيار يقتل الْأسد وَكَانَ يخرج هَذَا الْمعبر من المَاء فيقره ثمَّ يُعِيدهُ وَحده حَتَّى ابْتُلِيَ بِهَذَا الشَّيْطَان الَّذِي دخل السَّفِينَة فَلم يملكهُ من أمره شَيْئا حَتَّى قذف بِهِ فِي المَاء فغرقا جَمِيعًا فَجعلُوا يسكنونه وَهُوَ يَقُول: مَا كَانَ ليغرق ابْني إِلَّا شَيْطَان فَلَمَّا انْتهى الْخَبَر إِلَى عبد الْملك جزع عَلَيْهِ جزعاً شَدِيدا وَنَدم على بَعثه إِيَّاه. وَتمنى أَن يكون بعث مَعَه الجيوش. وَقد فصل السكرِي وقائعه وحروبه وَجمع أشعاره فِي كتاب اللُّصُوص بِمَا لَا مزِيد عَلَيْهِ.

وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد الْعَاشِر بعد الْمِائَة وَهُوَ من شَوَاهِد س: (يَا لبكرٍ أنشروا لي كليباً ... يَا لبكرٍ أَيْن أَيْن الْفِرَار) وَهَذَا الْمَعْنى هُوَ الْجيد ومأخذه من هَذَا الْبَيْت وَاضح لَا خَفَاء بِهِ وَلَا معنى للاستغاثة فِيهِ كَمَا حَقَّقَهُ الشَّارِح. وَفِيه مُخَالفَة لسيبويه فِي جعلهَا للاستغاثة. وَحملهَا النّحاس على الِاسْتِهْزَاء فَقَالَ: إِنَّمَا يَدعُوهُم ليهزأ بهم أَلا ترَاهُ قَالَ: أنشروا لي كليباً. وَقَالَ الأعلم: والمستغاث من أَجله فِي الْبَيْت هُوَ المستغاث بِهِ وَالْمعْنَى: يَا لبكر أدعوكم لأنفسكم مطالباً لكم فِي إنشار كُلَيْب وإحيائه وَهَذَا مِنْهُ استطالة ووعيد وَكَانُوا قد قتلوا كليباً أَخَاهُ فِي أَمر البسوس. وَكَأن الشَّارِح انتزع مَا قَالَه من هُنَا. وَالله أعلم. وَهَذَا الْبَيْت لمهلهل: أخي كُلَيْب أول أَبْيَات ثَلَاثَة قَالَهَا بعد أَن أَخذ بثأر أَخِيه كُلَيْب ثَانِيهمَا:

(تِلْكَ شيبانٌ تَقول لبكرٍ: ... صرح الشَّرّ وباح الشرار) (وَبَنُو عجلٍ تَقول لقيسٍ ... ولتيم الله: سِيرُوا. فَسَارُوا) وَقَوله: أنشروا بِفَتْح الْهمزَة وَكسر الشين يُقَال: أنشر الله الْمَيِّت: إِذا أَحْيَاهُ وَيَتَعَدَّى بِدُونِ الْهمزَة أَيْضا فَإِن نشر من بَاب قعد جَاءَ لَازِما نَحْو: نشر الْمَوْتَى: أَي: حيوا ومتعدياً نَحْو نشرهم الله. وصرح الشَّيْء بِالضَّمِّ صَرَاحَة وصروحة: خلص من تعلقات غَيره. وباح الشَّيْء يبوح من بَاب قَالَ: ظهر. والشرار: مَا تطاير من النَّار الْوَاحِدَة شرارة.

ومهلهل قَالَ الْآمِدِيّ: اسْمه امْرُؤ الْقَيْس بن ربيعَة بن الْحَارِث بن زُهَيْر ابْن جشم بن بكر بن حبيب بن عَمْرو بن غنم بن تغلب وَهُوَ مهلهل الشَّاعِر الْمَشْهُور. وَيُقَال اسْمه عدي. وَقَالَ ابْن قُتَيْبَة فِي كتاب الشُّعَرَاء: مهلهل بن ربيعَة هُوَ عدي بن ربيعَة. وَسمي مهلهلاً لِأَنَّهُ هلهل الشّعْر أَي: أرقه وَيُقَال: إِنَّه أول من قصد القصيد قَالَ الفرزدق: ومهلهل الشُّعَرَاء ذَاك الأول وَهُوَ خَال امْرِئ الْقَيْس بن حجر صَاحب الْمُعَلقَة. انْتهى.) وَالصَّحِيح هَذَا. وَيدل لَهُ أَنه ذكر اسْمه فِي شعره. فَقَالَ:

ضربت صدرها إِلَيّ وَقَالَت: يَا عدي لقد وقتك الأواقي وَلم يقل أحدٌ قبله عشرَة أَبْيَات. وَقَالَ الْغَزل وعني بالنسيب فِي شعره. وَيُقَال سمي مهلهلاً بقوله: هلهلت أثأر مَالِكًا أَو صنبلا قَالَ ابْن سَلام: زعمت الْعَرَب أَنه كَانَ يتكثر وَيَدعِي فِي قَوْله بِأَكْثَرَ من فعله. وَكَانَ شعراء الْجَاهِلِيَّة فِي ربيعَة أَوَّلهمْ المهلهل والمرقشان وَسعد بن مَالك. والمهلهل: أَخُو كُلَيْب الَّذِي هاج بمقتله حَرْب البسوس وَهِي حَرْب بكر وتغلب ابْني وَائِل. وَكَانَ من خَبَرهَا مَا حَكَاهُ ابْن عبد ربه فِي العقد الفريد والأصبهاني فِي الأغاني. وَقد تدَاخل كَلَام كل مِنْهُمَا فِي كَلَام الآخر. قَالَ أَبُو الْمُنْذر هِشَام بن مُحَمَّد بن السَّائِب: مَا اجْتمعت معد كلهَا إِلَّا على ثَلَاثَة رَهْط من رُؤَسَاء الْعَرَب وَهُوَ عَامر وَرَبِيعَة وكليب. فَالْأول عَامر بن الظرب ابْن عَمْرو بن بكر بن يشْكر بن الْحَارِث. وَهُوَ قَائِد معد يَوْم

الْبَيْدَاء حِين تمذجحت مذجح وسارت إِلَى تهَامَة وَهِي أول وقْعَة كَانَت بَين تهَامَة واليمن. وَالثَّانِي: ربيعَة بن الْحَارِث بن مرّة بن زُهَيْر بن جشم بن بكر بن حبيب بن كَعْب وَهُوَ قَائِد معد يَوْم السلان وَهُوَ يَوْم كَانَ بَين أهل تهَامَة واليمن. وَالثَّالِث: كُلَيْب بن ربيعَة وَهُوَ الَّذِي يُقَال فِيهِ: أعز من كُلَيْب وَائِل وقاد معداً كلهَا يَوْم خزاز ففض جموع الْيمن وَهَزَمَهُمْ فاجتمعت عَلَيْهِ معد كلهَا وَجعلُوا لَهُ قسم الْملك وتاجه وتحيته وطاعته فغبر بذلك حينا من دهره ثمَّ دخله زهوٌ شديدٌ وبغى على قومه حَتَّى بلغ من بغيه أَنه كَانَ يحمي مواقع السَّحَاب فَلَا يرْعَى حماه وَكَانَ يحمي من المرعى مدى صَوت كلب فَيخْتَص بِهِ ويشاركهم فِي غَيره وَيُجِير على الدَّهْر فَلَا تخفر ذمَّته وَيَقُول: وَحش أَرض كَذَا فِي جواري فَلَا يهاج وَلَا يُورد مَعَ إبِله أحد وَلَا توقد نَار مَعَ ناره حَتَّى قَالَت الْعَرَب: أعز من كُلَيْب وَائِل. وَكَانَت بَنو جشم وَبَنُو شَيبَان فِي دارٍ وَاحِدَة بتهامة وَكَانَ كُلَيْب قد تزوج جليلة بنت مرّة بن ذهل بن شَيبَان وأخوها جساس بن مرّة وَكَانَت لجساس خَالَة تسمى البسوس بنت منقذ التميمية جَاوَرت ابْن أُخْتهَا

جساساً وَكَانَ لَهَا نَاقَة يُقَال لَهَا: سراب وَلَهُمَا تَقول الْعَرَب:) أشأم من سراب وأشأم من البسوس فَمر إبل كُلَيْب بسراب وَهِي معقولة بِفنَاء البسوس فَلَمَّا رَأَتْ سراب الْإِبِل خلخلت عقالها وتبعت إبل كُلَيْب فاختلطت بهَا حَتَّى انْتَهَت إِلَى كُلَيْب وَهُوَ على الْحَوْض مَعَه قوسٌ وكنانة فَلَمَّا رَآهَا أنكرها فَرَمَاهَا بِسَهْم فِي ضرْعهَا فنفرت سراب وَوَلَّتْ حَتَّى بَركت بِفنَاء صاحبتها وضرعها يشخب دَمًا ولبناً فبرزت البسوس صارخةً يَدهَا على رَأسهَا تصيح: واذلاه وأنشأت تَقول: (لعمري لَو أَصبَحت فِي دَار منقذ ... لما ضيم سعدٌ وَهُوَ جارٌ لأبياتي) (ولكنني أَصبَحت فِي دَار غربةٍ ... مَتى يعد فِيهَا الذِّئْب يعد على شاتي) (فيا سعد لَا تغرر بِنَفْسِك وارتحل ... فَإنَّك فِي قومٍ عَن الْجَار أموات) فَلَمَّا سمع جساس صَوتهَا سكنها وَقَالَ: وَالله ليقْتلن غَدا جملٌ عظيمٌ أعظم عقراً من نَاقَتك. فَبلغ كليباً فَظن أَنه أَرَادَ قتل عليان وَهُوَ فَحل كريم لَهُ فَقَالَ: هَيْهَات دون عليان خرط القتاد ثمَّ انتجع الْحَيّ فَمروا على نهر يُقَال لَهُ: شبيب فنهاهم كُلَيْب عَنهُ ثمَّ على آخر يُقَال لَهُ: الأحص فنهاهم عَنهُ حَتَّى نزلُوا على الذنائب فَمر جساس بكليب وَهُوَ على غَدِير

الذنائب مُنْفَردا فَقَالَ: أطردت أهلنا عَن الْمِيَاه حَتَّى كدت تقتلهم عطشاً فَقَالَ كُلَيْب: مَا منعناهم من مَاء إِلَّا وَنحن لَهُ شاغلون. فَقَالَ جساس: هَذَا كفعلك بِنَاقَة خَالَتِي قَالَ: أَو قد ذكرتها أما إِنِّي لَو وَجدتهَا فِي غير إبل مرّة لاستحللت تِلْكَ الْإِبِل. فعطف عَلَيْهِ جساس فطعنه فأرداه وَوجد الْمَوْت فَقَالَ: يَا جساس اسْقِنِي فَقَالَ: هَيْهَات تجاوزت شبيثاً والأحص وروى أَن البسوس لما صرخت وأحمت جساساً ركب فرسا لَهُ وَتَبعهُ عَمْرو بن الْحَارِث بن ذهل بن شَيبَان وَمَعَهُ رمحه حَتَّى دخلا على كُلَيْب الْحمى فَضَربهُ جساس فقصم صلبه وطعنه عَمْرو بن الْحَارِث من خَلفه فَقطع قطنه فَوَقع كُلَيْب يفحص بِرجلِهِ فَلَمَّا فرغ من قَتله جَاءَ إِلَى أَهله وَأخْبرهمْ بِأَنَّهُ قتل كليباً ثمَّ هرب. وَكَانَ همام بن مرّة أَخا جساس وَكَانَ ينادم المهلهل أَخا كُلَيْب وَكَانَ قد صادقه وواخاه وعاهده أَن لَا يكتم عَنهُ شَيْئا. فَجَاءَت أمه إِلَيْهِ فأسرت إِلَيْهِ قتل جساس كليباً فَقَالَ لَهُ مهلهل: مَا قَالَت لَك فَلم يُخبرهُ. فَذكره الْعَهْد فَقَالَ: أخْبرت أَن أخي قتل أَخَاك. فَقَالَ: است أَخِيك أضيق من ذَلِك فَسكت وأقبلا على شرابهما فَجعل مهلهل يشرب شرب الآمن وَهَمَّام يشرب شرب الْخَائِف فَلم تلبث الْخمر أَن صرعت مهلهلاً فانسل همام فَأتى قومه بني شَيبَان وَقد) قوضوا الْخيام وجمعوا الْخَيل وَالنعَم ورحلوا حَتَّى نزلُوا بِمَاء يُقَال لَهُ النهى.

وَلما ظهر قتل كُلَيْب وأفاق مهلهل اجْتمعت إِلَيْهِ وُجُوه قومه فاستعد لِحَرْب بكر وَترك النِّسَاء والغزل وَحرم الْقمَار وَالشرَاب وَأرْسل إِلَى بني شَيبَان وَهُوَ فِي نَادِي قومه. فَقَالَت الرُّسُل: إِنَّكُم أتيتم عَظِيما بقتلكم كليباً بناب من الْإِبِل فقطعتم الرَّحِم وانتهكتم الْحُرْمَة وَإِنَّا كرهنا العجلة عَلَيْكُم دون الْإِعْذَار إِلَيْكُم وَنحن نعرض عَلَيْكُم إِحْدَى خلال أَربع لكم فِيهَا مخرج وَلنَا مقنع فَقَالَ مرّة: مَا هِيَ قَالُوا: تحيي لنا كليباً أَو تدفع إِلَيْنَا جساساً قَاتله نَقْتُلهُ بِهِ أَو هماماً فَإِنَّهُ كُفْء لَهُ أَو تمكننا من نَفسك فَإِن فِيك وَفَاء من دَمه. فَقَالَ: أما إحيائي كليباً فَهَذَا مَا لَا يكون وَأما جساس فَإِنَّهُ غُلَام طعن طعنةً على عجل ثمَّ ركب فرسه فَلَا أَدْرِي أَي الْبِلَاد احتوت عَلَيْهِ وَأما همام فَإِنَّهُ أَبُو عشرَة وأخو عشرَة وَعم عشرَة كلهم فرسَان قومه فَلَنْ يسلموه إِلَيّ فأدفعه إِلَيْكُم ليقْتل بجريرة غَيره وَأما أَنا فَهَل هُوَ إِلَّا أَن تجول الْخَيل جَوْلَة فَأَكُون أول قَتِيل فِيهَا فَمَا أتعجل الْمَوْت وَلَكِن لكم عِنْدِي إِحْدَى خَصْلَتَيْنِ: أما إِحْدَاهمَا فَهَؤُلَاءِ بني الْبَاقُونَ فعلقوا فِي عنق من شِئْتُم نسعة وَانْطَلَقُوا بِهِ إِلَى رحالكُمْ فاذبحوه ذبح الخروف وَإِلَّا فألف ناقةٍ سَوْدَاء الْمقل أقوم لكم بهَا كَفِيلا من بكر بن وَائِل. فَغَضب الْقَوْم وَقَالُوا: لقد أَسَأْت فِي الْجَواب وسمتنا اللَّبن من دم كُلَيْب. وَوَقعت الْحَرْب بَينهم وَلَحِقت زَوْجَة كُلَيْب بأبيها وقومها. ودعت تغلب النمر بن قاسط فانضمت إِلَيْهَا وصاروا يدا مَعَهم على بكر وَلَحِقت بهم غفيلة بن

قاسط واعتزلت قبائل بكر بن وَائِل وكرهوا مجامعة بني شَيبَان ومساعدتهم على قتال إِخْوَتهم وأعظموا قتل جساس كليباً بناب من الْإِبِل فظعنت لجيم عَنْهُم وكفت يشْكر عَن نصرتهم وانقبض الْحَارِث بن عباد فِي أهل بَيته وَهُوَ أَبُو بجير وَفَارِس النعامة. قَالَ أَبُو الْمُنْذر: أَخْبرنِي خرَاش: أَن أول وقْعَة على ماءٍ كَانَت بَنو شَيبَان نازلة عَلَيْهِ وَرَئِيس تغلب المهلهل وَرَئِيس شَيبَان الْحَارِث بن مرّة فَكَانَت الدائرة لتغلب وَكَانَت الشَّوْكَة فِي شَيبَان واستحر الْقَتْل فيهم إِلَّا أَنه لم يقتل فِي ذَلِك الْيَوْم أحد من بني مرّة. ثمَّ الْتَقَوْا بالذنائب وَهُوَ أعظم وقْعَة كَانَت لَهُم فظفرت بَنو تغلب وَقتلت بكر مقتلة عَظِيمَة وفيهَا قتل شرَاحِيل بن مرّة بن همام بن مرّة بن ذهل بن شَيبَان وَهُوَ جد الحوفزان وَهُوَ جد معن بن زَائِدَة. والحوفزان هُوَ الْحَارِث بن شريك بن عَمْرو ابْن قيس بن شرَاحِيل قَتله عتاب بن) قيس بن زُهَيْر بن جشم وَقتل الْحَارِث بن مرّة ابْن ذهل بن شَيبَان قَتله كَعْب بن زُهَيْر بن جشم وَقتل من بني ذهل بن ثَعْلَبَة بن عَمْرو ابْن مندوس بن شَيبَان بن ذهل بن ثَعْلَبَة وَقتل من بني تيم الله جميل بن مَالك بن تيم الله وَعبد الله بن مَالك بن تيم الله وَقتل من بني قيس بن ثَعْلَبَة سعد بن ضبيعة ابْن قيس وَتَمِيم بن قيس بن ثَعْلَبَة وَهُوَ أحد الخرفين وَكَانَ شَيخا كَبِيرا. فَهَؤُلَاءِ من أُصِيب من رُؤَسَاء بكر يَوْم الذنائب.

ثمَّ الْتَقَوْا بواردات وعَلى النَّاس رؤساؤهم الَّذين سمينا فظفرت بَنو تغلب واستحر الْقَتْل فِي بني بكر فَيَوْمئِذٍ قتل شعثم وَعبد شمس ابْنا مُعَاوِيَة بن عَامر بن ذهل ابْن ثَعْلَبَة وسيار بن حَارِث بن سيار وَفِيه قتل همام بن مرّة أَخُو جساس فَمر بِهِ مهلهل مقتولاً فَقَالَ لَهُ: وَالله مَا قتل بعد كُلَيْب قَتِيل أعز عَليّ فقداً مِنْك وَقَتله نَاشِرَة وَكَانَ همام رباه وكفله كَمَا كَانَ ربى حديقة بن بدر قرواشاً فَقتله يَوْم الهباءة. ثمَّ الْتَقَوْا بعنيزة فظفرت بَنو تغلب ثمَّ كَانَت بَينهم معاودة ووقائع كَثِيرَة كل ذَلِك كَانَت الدائرة فِيهَا لبني تغلب على بني بكر. وَقَالَ مهلهل يصف الْأَيَّام وينعاها على بكر فِي قصيدة طَوِيلَة أَولهَا: (أليلتنا بِذِي حسمٍ أنيري ... إِذا أَنْت انقضيت فَلَا تحوري) وَقَالَ مهلهل لما أسرف فِي الْقَتْل: (آلَيْت بِاللَّه لَا أرْضى بِقَتْلِهِم ... حَتَّى أبهرج بكرا أَيْنَمَا وجدوا) قَالَ أَبُو حَاتِم: أبهرج: أدعهم بهرجا لَا يقتل فيهم قَتِيل وَلَا يُؤْخَذ لَهُم دِيَة وَيُقَال: المبهرج من الدَّرَاهِم من هَذَا. وَقَالَ أَيْضا: يَا لبكر أنشروا لي كليباً. . الأبيات الثَّلَاثَة. وَله أشعار كَثِيرَة فِي رثاء أَخِيه كُلَيْب. ثمَّ إِن المهلهل أسرف فِي الْقَتْل وَلم يبال بِأَيّ قَبيلَة من قبائل بكر أوقع وَكَانَت أَكثر بكر قعدت عَن نصْرَة بني شَيبَان لقتلهم كليباً وَكَانَ الْحَارِث

بن عباد قد اعتزل تِلْكَ الحروب وَقَالَ: لَا ناقةٌ لي فِي هَذَا وَلَا جمل فَذَهَبت مثلا. فَاجْتمع قبائل بكر إِلَيْهِ فَقَالَت: قد فني قَوْمك فَأرْسل بجبيراً بن أَخِيه إِلَى مهلهل وَقَالَ لَهُ: قل لَهُ: إِنِّي قد اعتزلت قومِي لأَنهم ظلموك وخليتك وإياهم. وَقد أدْركْت ثأرك وَقتلت قَوْمك. فَأتى بجبير إِلَيْهِ فَقتله مهلهل كَمَا تقدم شَرحه عِنْد الْكَلَام) على قَوْله: (من صد عَن نيرانها ... فَأَنا ابْن قيس لَا براح) وَهُوَ الشَّاهِد الْحَادِي وَالثَّمَانُونَ فَبعد ذَلِك نَهَضَ الْحَارِث للحرب فقاتل تغلب حَتَّى هرب المهلهل وَتَفَرَّقَتْ قبائل تغلب وَكَانَ أول يَوْم شهده الْحَارِث بن عباد يَوْم فضَّة وَهُوَ يَوْم تحلاق اللمم وَفِيه أسر الْحَارِث بن عباد مهلهلاً وَهُوَ لَا يعرفهُ واسْمه عدي بن ربيعَة فَقَالَ لَهُ: دلَّنِي على عدي وأخلي عَنْك فَقَالَ لَهُ: عَلَيْك الْعَهْد بذلك إِن دللتك عَلَيْهِ قَالَ: نعم قَالَ: فَأَنا عدي فجز ناصيته وَتَركه. وَقَالَ فِيهِ: (لهف نَفسِي على عدي وَلم أع ... رف عديا إِذْ أمكنتني اليدان) وَفِيه قتل عَمْرو وعامر التغلبيان قَتلهمَا جحدر بن ضبيعة. ثمَّ إِن مهلهلاً فَارق قومه وَلم يزل مُقيما فِي أَخْوَاله بني يشْكر ضجراً من الْحَرْب وَأرْسل الْحَارِث بن عَمْرو بن مُعَاوِيَة الْكِنْدِيّ وَهُوَ جد امْرِئ الْقَيْس بن حجر فِي الصُّلْح بَينهم وَالتَّمْلِيك عَلَيْهِم وَقد كَانُوا قَالُوا: إِن سفهاءنا غلبوا علينا وَأكل الْقوي منا الضَّعِيف فَالرَّأْي أَن نملك علينا ملكا نُعْطِيه الْبَعِير وَالشَّاة فَيَأْخُذ منا الْقوي وَيرد الظَّالِم وَلَا يكون من بعض قبائلنا فيأباه

الْآخرُونَ فَلَا تَنْقَطِع الحروب فَأصْلح بَينهم وشغلهم بِحَرب اللخميين من بني غَسَّان مُلُوك الشَّام وَبَقِي مهلهل وحيداً عِنْد أَخْوَاله إِلَى أَن مَاتَ. قيل وجد مَيتا بَين رجْلي جمل هاج عَلَيْهِ. وَقيل بل مَاتَ أَسِيرًا وَذَلِكَ أَنه لما نزل الْيمن فِي بني جنب وجنب من مذْحج فخطبوا إِلَيْهِ ابْنَته فَقَالَ لَهُم: إِنِّي طريدٌ بَيْنكُم فَمَتَى أنكحتكم قَالُوا: اقتسروه. فأجبروه على تَزْوِيجهَا وَسَاقُوا إِلَيْهِ فِي صَدَاقهَا أدماً فَقَالَ: فِي أَبْيَات. . ثمَّ انحدر فَلَقِيَهُ عَوْف بن مَالك أَبُو أَسمَاء صَاحِبَة المرقش الْأَكْبَر فَأسرهُ فَمَاتَ فِي أسره. قَالَ السكرِي فِي أشعار تغلب: أسر مهلهلاً عَوْف بن مَالك أحد بني قيس بن ثَعْلَبَة وَإِن شباناً من شُبَّان بني قيس بن ثَعْلَبَة أَتَوا عَوْف بن مَالك أحد بني قيس فَقَالُوا: أرسل مَعنا مهلهلاً فَأرْسلهُ مَعَهم فَشرب فَلَمَّا رَجَعَ جعل يتَغَنَّى بِهِجَاء بكر بن وَائِل فَسَمعهُ عَوْف بن مَالك فَغَاظَهُ فَقَالَ: لَا جرم إِن لله عَليّ نذرا إِن شرب عِنْدِي قَطْرَة مَاء وَلَا خمر حَتَّى يُورد الخضير بمعجمتين مُصَغرًا وَهُوَ بعير لعوف لَا يرد المَاء إِلَّا سبعا فَقَالَ لَهُ أنَاس من قومه: بئس مَا حَلَفت فبعثوا) الْخُيُول فِي طلب الْبَعِير فَأتوا بِهِ بعد ثَلَاثَة أَيَّام وَمَات مهلهل عطشاً. وَقيل بل قتل. وَكَانَ السَّبَب فِي قَتله: أَنه أسن وخرف وَكَانَ لَهُ عَبْدَانِ يخدمانه فملاه وَخرج بهما إِلَى سفر فَبَيْنَمَا هُوَ فِي بعض

الفلوات عزما على قَتله فَلَمَّا عرف ذَلِك كتب على قتب رَحْله وَقيل أوصاهما: (من مبلغ الْحَيَّيْنِ أَن مهلهلاً ... لله دركما ودر أبيكما) ثمَّ قتلاه ورجعا إِلَى قومه فَقَالَا: مَاتَ: وأنشداهم قَوْله. فَقَالَ بعض وَلَده قيل هِيَ ابْنَته إِن مهلهلاً لَا يَقُول مثل هَذَا الشّعْر وَإِنَّمَا أَرَادَ: (من مبلغ الْحَيَّيْنِ أَن مهلهلاً ... أَمْسَى قَتِيلا فِي الفلاة مجدلاً) فَضربُوا الْعَبْدَيْنِ حَتَّى أقرا بقتْله. وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد الْحَادِي عشر بعد الْمِائَة وَهُوَ من شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ: (أيا شَاعِرًا لَا شَاعِر الْيَوْم مثله ... جريرٌ وَلَكِن فِي كليبٍ تواضع) على أَن المنادى من قبيل الشبيه بالمضاف إِذا كَانَ مَوْصُوفا بجملة فَإِن جملَة لَا شَاعِر الْيَوْم مثله من اسْم لَا وخبرها وَهُوَ مثله صفة للمنادى وَالْوَصْف مُتَقَدم على النداء. وَبِه يسْقط مَا ذهب إِلَيْهِ سِيبَوَيْهٍ من أَن الْوَصْف بعد النداء وتكلف حَتَّى جعل المنادى فِي مثله محذوفاً وَجعل شَاعِرًا مَنْصُوبًا بِفعل مَحْذُوف. قَالَ الأعلم: الشَّاهِد فِيهِ على مَذْهَب الْخَلِيل وسيبويه نصب شَاعِرًا بإضمار

فعل على معنى الِاخْتِصَاص والتعجب والمنادى مَحْذُوف وَالْمعْنَى: يَا هَؤُلَاءِ أَو ياقوم عَلَيْكُم شَاعِرًا أَو حسبكم بِهِ شَاعِرًا. وَقَالَ النّحاس: كَأَنَّهُ قَالَ: يَا قَائِل الشّعْر عَلَيْك شَاعِرًا وَإِنَّمَا امْتنع عِنْده أَن يكون منادى لِأَنَّهُ نكرَة يدْخل فِي كل شَاعِر بالحضرة وَهُوَ إِنَّمَا قصد شَاعِرًا بِعَيْنِه وَهُوَ جرير وَكَانَ يَنْبَغِي أَن يبنيه وَقَالَ أَحْمد بن يحيى: يَا شَاعِرًا نصب بالنداء وَفِيه معنى التَّعَجُّب وَالْعرب تنادي بالمدح والذم وتنصب بالنداء: فَيَقُولُونَ: يَا رجلا لم أر مثله وَكَذَا يَا طيبك من لَيْلَة وَكَذَا يَا شَاعِرًا. وَمثله قَول التبريزي أَيْضا عِنْد قَول الحماسي:) أيا طعنة مَا شيخٍ كبيرٍ يفنٍ بالي المنادى مَحْذُوف. وَيجوز أَن يكون غَيره فَكَأَنَّهُ قَالَ لمن بِحَضْرَتِهِ: يَا هَذَا حَسبك بِهِ شَاعِرًا على الْمَدْح والتعجب مِنْهُ ثمَّ بَين أَنه جرير وَيُشبه هَذَا الْإِضْمَار بقَوْلهمْ: نعم رجلا زيد. وَيجوز أَن يكون حَسبك بِهِ على شريطة التَّفْسِير وَبِه فِي مَوضِع اسْم مَرْفُوع لَا بُد مِنْهُ. وَيجوز أَن تكون الْهَاء للشاعر الَّذِي جرى ذكره ثمَّ وكده بقوله جرير أَي: هُوَ جرير. وَتَقْدِير الْخَلِيل وَيُونُس يَا قَائِل الشّعْر: على أَن قَائِل الشّعْر غير الشَّاعِر الْمَذْكُور كَأَنَّهُ قَالَ يَا شعراء عَلَيْكُم شَاعِرًا لَا شَاعِر الْيَوْم مثله: أَي حسبكم بِهِ شَاعِرًا فَهَذَا ظَاهر كَلَام سِيبَوَيْهٍ. وَيجوز أَن يكون يَا قَائِل الشّعْر الْمَحْذُوف هُوَ الشَّاعِر

الْمَذْكُور وينتصب شَاعِرًا على الْحَال وَلَا شَاعِر الْيَوْم فِي مَوضِع النَّعْت وَاحْتَاجَ إِلَى إِضْمَار قَائِل الشّعْر وَنَحْوه حَتَّى يكون المنادى معرفَة وَهَذَا الْبَيْت من قصيدة للصلتان الْعَبْدي عدَّة أبياتها ثَلَاثَة وَعِشْرُونَ بَيْتا أوردهَا الْمبرد فِي كتاب الاعتنان والقالي فِي أَمَالِيهِ وَابْن قُتَيْبَة فِي كتاب الشُّعَرَاء إِلَّا أَنه حذف مِنْهَا أبياتاً والاعتنان مَعْنَاهُ الْمُعَارضَة والمناظرة فِي الْخُصُومَة يُقَال عَن لَهُ: إِذا جادله وعارضه. والمعن بِكَسْر الْمِيم وَفتح الْعين: الْمعَارض: ومضمون كتاب الاعتنان: بَيَان الْأَسْبَاب الَّتِي اقْتَضَت التهاجي بَين جرير والفرزدق فَادّعى أَنَّهُمَا حكماه بَينهمَا فَقضى بشرف الفرزدق على جرير وَبني مجاشع على بني كُلَيْب وَقضى لجرير بِأَنَّهُ أشعرهما. وكليب رَهْط جرير ومجاشع رَهْط الفرزدق. وَالْقَصِيدَة هَذِه: (أَنا الصلتان وَالَّذِي قد علمْتُم ... مني مَا يحكم فَهُوَ بالحكم صادع) (أَتَتْنِي تميممٌ حِين هابت قضاتها ... وَإِنِّي لبالفصل الْمُبين قَاطع) (كَمَا أنفذ الْأَعْشَى قَضِيَّة عامرٍ ... وَمَا لتميمٍ من قضائي رواجع) (وَلم يرجع الْأَعْشَى قَضِيَّة جَعْفَر ... وَلَيْسَ لحكمي آخر الدَّهْر رَاجع) (سأقضي قَضَاء بَينهم غير جَائِر ... فَهَل أَنْت للْحكم الْمُبين سامع) (قَضَاء امرئٍ لَا يَتَّقِي الشتم مِنْهُم ... وَلَيْسَ لَهُ فِي الْحَمد مِنْهُم مَنَافِع) (قَضَاء امرئٍ لَا يرتشي فِي حُكُومَة ... إِذا مَال بِالْقَاضِي الرشا والمطامع)

. (فَإِن تجزعا أَو ترضيا لَا أقلكما ... وللحق بَين النَّاس راضٍ وجازع)) (فأقسم لَا آلو عَن الْحق بَينهم ... فَإِن أَنا لم أعدل فَقل أَنْت ضالع) (فَإِن يَك بَحر الحنظليين وَاحِدًا ... فَمَا يَسْتَوِي حيتانه والضفادع) (وَمَا يَسْتَوِي صدر الْقَنَاة وزجها ... وَمَا يَسْتَوِي شم الذرا والأجارع) (وَلَيْسَ الذنابى كالقدامى وريشه ... وَمَا تستوي فِي الْكَفّ مِنْك الْأَصَابِع) (أَلا إِنَّمَا تحظى كُلَيْب بشعرها ... وبالمجد تحظى دارمٌ والأقارع) (وَمِنْهُم رُؤُوس يَهْتَدِي بصدورها ... والأذناب قدماً للرؤوس تَوَابِع) (أرى الخطفى بذ الفرزدق شعره ... وَلَكِن خيرا من كُلَيْب مجاشع) (فيا شَاعِرًا لَا شَاعِر الْيَوْم مثله ... جريرٌ وَلَكِن فِي كُلَيْب تواضع) (جريرٌ أَشد الشاعرين شكيمةً ... وَلَكِن علته الباذخات الفوارع) (وَيرْفَع من شعر الفرزدق أَنه ... لَهُ باذخ لذِي الخسيسة رَافع) (وَقد يحمد السَّيْف الددان بجفنه ... وتلقاه رثا غمده وَهُوَ قَاطع) (يناشدني النَّصْر الفرزدق بَعْدَمَا ... ألحت عَلَيْهِ من جريرٍ صواقع) (فَقلت لَهُ: إِنِّي ونصرك كَالَّذي ... يثبت أنفًا كشمته الجوادع) قَالَ الْمبرد: قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: فَأَما الفرزدق فَرضِي حِين شرفه عَلَيْهِ وَقَومه

على قومه وَقَالَ: إِنَّمَا الشّعْر مُرُوءَة من لَا مُرُوءَة لَهُ وَهُوَ أخس حَظّ الشريف وَأما جرير فَغَضب من الْمنزلَة الَّتِي أنزلهُ إِيَّاهَا فَقَالَ يهجوه وَهُوَ أحد بني هجرس: (أَقُول وَلم أملك سوابق عِبْرَة: ... مَتى كَانَ حكم فِي بيُوت الهجارس) (فَلَو كنت من رَهْط الْمُعَلَّى وطارقٍ ... قضيت قَضَاء وَاضحا غير لابس) قَالَ: والمعلى أَبُو الْجَارُود أَو جده وطارق: ابْن النُّعْمَان من بني الْحَارِث بن جذيمة وَأم الْمُنْذر بن الْجَارُود بنت النُّعْمَان. وَقَالَ جرير أَيْضا: (أَقُول لعَيْنِي قد تحدر مَاؤُهَا ... مَتى كَانَ حكم الله فِي كرب النّخل) فَلم يجبهُ الصلتان فَسقط. أَقُول: قد أَجَابَهُ الصلتان بقوله: (تعيرنا بِالنَّخْلِ وَالنَّخْل مالنا ... وود أَبوك الْكَلْب لَو كَانَ ذَا نخل) (وَأي نَبِي كَانَ من غير قريةٍ ... وَهل كَانَ حكم الله إِلَّا مَعَ الرُّسُل)) وَقيل: هما لخليد عينين. أحد بني عبد الله بن دارم وَكَانَ ينزل فِي قَرْيَة بِالْبَحْرَيْنِ يُقَال لَهَا عينين كَذَا فِي شرح أمالي القالي لأبي عبيد الْبكْرِيّ. أَنا الصلتاني الَّذِي قد علمْتُم بِالنِّسْبَةِ إِلَى الصلتان وَمَعْنَاهُ فِي اللُّغَة: النشيط الْحَدِيد من الْخَيل وَالْحمار الشَّديد.

وَقَوله: كَمَا أنفذ الْأَعْشَى قَضِيَّة عَامر أَشَارَ إِلَى مَا حكم بِهِ أعشى قيس بَين عَامر بن الطُّفَيْل لعنة الله عَلَيْهِ وَبَين ابْن عَمه عَلْقَمَة بن علاثة الصَّحَابِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه وَغلب الْأَعْشَى عَامِرًا على عَلْقَمَة بِالْبَاطِلِ وَزعم أَنَّهُمَا حكماه وَهُوَ كذب وَقد تقدم بَيَانه فِي الشَّاهِد السَّادِس وَالْعِشْرين. والرواجع: جمع رَاجِعَة من رجعه بِمَعْنى رده وَأَرَادَ بتميم الْقَبِيلَة. وَقَوله: فاصمتا: أَمر من صمت من بَاب دخل: إِذا سكت وروى الْمبرد فأنصتا من أنصت بِمَعْنى سكت واستمع الحَدِيث فالياء من حكمتماني مَفْتُوحَة على الرِّوَايَة الأولى سَاكِنة على الرِّوَايَة الثَّانِيَة. وَقَوله: لَا أقلكما: من الْإِقَالَة وَهِي رفع العقد فَإِنَّهُ عقد لَهُ فِي الحكم عَلَيْهِمَا كَمَا زعم وَهُوَ مجزوم فِي جَوَاب الشَّرْط. وَقَوله: فأقسم لَا آلو: أَي: لَا أقصر من الألو وَهُوَ التَّقْصِير وروى الْمبرد لَا ألوي: بِمَعْنى لَا أعرض وَلَا أحيد. وَقَوله: فَقل أَنْت ضالع: هُوَ من ضلع من بَاب نفع: مَال عَن الْحق يُقَال ضلعك مَعَ فلَان أَي: ميلك وروى الْمبرد ظالع بالظاء المشالة من ظلع الْبَعِير وَالرجل من بَاب نفع أَيْضا: إِذا غمز فِي مَشْيه وَهُوَ شَبيه بالعرج. والحنظليين بالتثنية لِأَن كُلَيْب بن يَرْبُوع بن حَنْظَلَة قوم جرير وَمَالك بن حَنْظَلَة قوم الفرزدق. والزج بِضَم الزَّاي الْمُعْجَمَة: الحديدة الَّتِي فِي أَسْفَل الرمْح وَصدر الْقَنَاة من السنان إِلَى ثلثهَا. وشم الذرا: أَي: جبال شم الذرا يُقَال: جبل أَشمّ أَي: طَوِيل والذرا: جمع ذرْوَة وَهُوَ أَعلَى الشَّيْء. والأجارع: جمع أجرع وَهُوَ رَملَة مستوية لَا تنْبت شَيْئا ومؤنثه الجرعاء.

وروى ابْن قُتَيْبَة والمبرد: والأكارع جمع أكرع جمع كرَاع وَهُوَ فِي الْغنم وَالْبَقر بِمَنْزِلَة الوظيف فِي الْفرس وَالْبَعِير وَهُوَ مستدق السَّاق. فَالْمُرَاد: بالذرا: جمع ذرْوَة بِمَعْنى أَعلَى السنام.) وَقَوله: وَلَيْسَ الذنابى كالقدامى الذنابى بِضَم الذَّال وَالْقصر: ذَنْب الطَّائِر وَهُوَ أَكثر من الذَّنب والقدامى بِضَم الْقَاف وَالْقصر: إِحْدَى قوادم الطَّائِر وَهِي مقاديم ريشه وَهِي عشرٌ فِي كل جنَاح وَيُقَال قادمة أَيْضا وَجَمعهَا قوادم. وتحظى: من الحظوة بالظاء الْمُعْجَمَة بِمَعْنى الصلف والافتخار. ودارم هُوَ دارم بن مَالك بن حَنْظَلَة بن مَالك بن زيد مَنَاة بن تَمِيم. وَاسم دارم بَحر وَذَلِكَ أَن أَبَاهُ أَتَاهُ قوم فِي حمالَة أَي: فِي طلب دِيَة فَقَالَ لَهُ: يَا بَحر ائْتِنِي بخريطة وَكَانَ فِيهَا مَال فجَاء يحملهَا وَهُوَ يدرم تحتهَا من ثقلهَا فَسُمي دارماً يُقَال درم فلَان: إِذا قَارب الخطا. والأقارع أَرَادَ بِهِ الأقرعين وهما الْأَقْرَع بن حَابِس وَأَخُوهُ مرْثَد التميميان. وَقَوله: أرى الخطفى بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة والطاء وَالْفَاء وَالْقصر: اسْم وَالِد جرير سَمَّاهُ باسم أَبِيه. وبذه: غَلبه. وشعره: فَاعله. والتواضع: الانحطاط من الذل والوضيع: الدنيء من النَّاس. والشكيمة: الشدَّة يُقَال فلَان ذُو شكيمة: إِذا كَانَ لَا ينقاد وَفُلَان شَدِيد الشكيمة: إِذا كَانَ شَدِيد النَّفس أَبَيَا. الباذخات: أَي: الْمَرَاتِب العاليات يُقَال شرف باذخ أَي: عَال وَكَذَلِكَ الفوارع: يُقَال فرعت قومِي: أَي: علوتهم بالشرف أَو بالجمال. وَقَوله: وَيرْفَع من شعر الفرزدق يُقَال: رفعت من خسيسته:

إِذا فعلت بِهِ فعلا تكون فِيهِ رفعته. يُرِيد أَن الفرزدق لَهُ شرف باذخ وَلَكِن شعره دنيء. فَالْقَوْل يرْتَفع برفعة الْقَائِل. وروى الْمبرد: ينوء ببيتٍ للخسيسة رَافع أَي: ينْهض وَيقوم بِالْبَيْتِ الرَّدِيء من الشّعْر فيرفعه. جرير أَشد الشاعرين شكيمةً والرث: الْبَالِي. والجفن: قرَاب السَّيْف وَهُوَ الغمد أَيْضا. وَهَذَا المصراع نَاظر إِلَى قَوْله: وَيرْفَع من شعر الفرزدق أَنه. . الْبَيْت والصواقع: جمع صَاعِقَة لُغَة فِي الصاعقة. وَقَوله: كشمته الجوادع قَالَ القالي فِي أَمَالِيهِ: كشم أَنفه. إِذا قطعه. والجوادع: جمع جادعة وَهِي الَّتِي تقطع الْأنف. وروى الْمبرد: هشمته الجوادع.) قَالَ الْآمِدِيّ فِي المؤتلف: هُوَ شَاعِر مَشْهُور خَبِيث. وشاعران آخرَانِ يُقَال لَهما: الصلتان. أَحدهمَا الصلتان الضَّبِّيّ قَالَ الْآمِدِيّ وَلست أعرفهُ فِي شعراء بني

ضبة وَأَظنهُ مُتَأَخِّرًا. قَالَ أَبُو عَمْرو بنْدَار فِي كتاب مَعَاني الشُّعَرَاء قَالَ أَبُو زيد أَحْسبهُ أنشدنيه فِي صفة نَاقَته: (كَأَن يَدي عنسي إِذا هِيَ هجرت ... هراوة حبى تنفض الْغُصْن اللدنا) حبى: امْرَأَته. وَالثَّانِي: الصلتان الفهمي قَالَ الْآمِدِيّ: لست أعرفهُ فِي شعرائهم وَأَظنهُ مُتَأَخِّرًا. أنْشد لَهُ الجاحظ فِي الْبَيَان والتبين: (العَبْد يقرع بالعصا ... وَالْحر تكفيه الْإِشَارَة) وَذكره ابْن المعتز فِي سرقات الشُّعَرَاء وَحَكَاهُ أَيْضا عَن الجاحظ. وَمن مَشْهُور شعر الصلتان الْعَبْدي مَا أنْشدهُ ابْن قُتَيْبَة فِي كتاب الشُّعَرَاء قَوْله: (أشاب الصَّغِير وأفنى الكب ... ير كرّ الْغَدَاة وَمر الْعشي) (إِذا هرمت ليلةٌ يَوْمهَا ... أَتَى بعد ذَلِك يومٌ فتي) (نروح ونغدو لحاجاتنا ... وحاجة من عَاشر لَا تَنْقَضِي) (تَمُوت مَعَ الْمَرْء حاجاته ... وَتبقى لَهُ حاجةٌ مَا بَقِي) ...

(إِذا قلت يَوْمًا لمن قد ترى: ... أروني السّري أروك الْغَنِيّ) (ألم تَرَ لُقْمَان أوصى بنيه ... وأوصيت عمرا وَنعم الْوَصِيّ) بني بدا خب نجوى الرِّجَال فَكُن عِنْد سرك خب النجي (وسرك مَا كَانَ عِنْد امرئٍ ... وسر الثَّلَاثَة غير الْخَفي) وَزَاد عَلَيْهِ أَبُو تَمام فِي الحماسة: (ودع النَّفس اتِّبَاع الْهوى ... فَمَا للفتى كل مَا يَشْتَهِي) ومطلع هَذِه الأبيات من شَوَاهِد تَلْخِيص الْمِفْتَاح للقزويني. وَأنْشد بعده وَهُوَ) الشَّاهِد الثَّانِي عشر بعد الْمِائَة وَهُوَ من شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ: (أعبداً حل فِي شعبى غَرِيبا ... ألؤماً لَا أَبَا لَك واغترابا) على أَن جملَة حل صفة للمنادى قبل النداء وَهُوَ من قبيل الشبيه

بالمضاف وَعند سِيبَوَيْهٍ مَا تقدم ذكره قبل هَذَا. قَالَ ابْن خلف تبعا للنحاس: وَقَوله أعبداً أجَاز س أَن يكون منادى منكوراً وَأَن يكون مَنْصُوبًا على الْحَال كَأَنَّهُ قَالَ: أتفخر فِي حَال عبودية وَلَا يَلِيق الْفَخر بالعبودية. وعَلى هَذَا فالهمزة للاستفهام وعبداً وَجُمْلَة حل وغريباً أَحْوَال من ضمير تَفْخَر وعَلى الأول فجملة حل صفة للمنادى وغريباً حَال من ضمير حل وَقيل صفة أُخْرَى للمنادى. وَقد نقل ابْن السَّيِّد فِي شرح أَبْيَات الْجمل الْوَجْهَيْنِ: النداء والاستفهام عَن سِيبَوَيْهٍ. وَأنْشد سِيبَوَيْهٍ هَذَا الْبَيْت على أَن لؤماً واغتراباً منصوبان بِفعل مَحْذُوف على طَرِيق الانكار التوبيخي كَأَنَّهُ قَالَ: أتلؤم لؤماً وتغترب اغتراباً وَيجوز أَن يكون التَّقْدِير: أتجمع لؤماً واغتراباً فتنصبهما بِفعل وَاحِد مُضْمر. وَهَذَا أحسن لِأَن الْمُنكر إِنَّمَا هُوَ جمع اللؤم والغربة واللؤم بِالْهَمْز: ضد الْكَرم وَهُوَ فعل الْأُمُور الخسيسة الدنيئة وَفعله من بَاب كرم. وَقَوله: لَا أَبَا لَك جملَة مُعْتَرضَة وَهَذَا يكون للمدح: بِأَن يُرَاد نفي نَظِير الممدوح بِنَفْي أَبِيه وَيكون للذم: بِأَن يُرَاد أَنه مَجْهُول النّسَب وَهَذَا هُوَ المُرَاد هُنَا. وَقَالَ السُّيُوطِيّ فِي شرح شَوَاهِد الْمُغنِي: هِيَ كلمة تسْتَعْمل عِنْد

الغلطة فِي الْخطاب وَأَصله أَن ينْسب الْمُخَاطب إِلَى غير أَب مَعْلُوم شتماً لَهُ واحتقاراً ثمَّ كثر فِي الِاسْتِعْمَال حَتَّى صَار يُقَال فِي كل خطاب يغلط فِيهِ على الْمُخَاطب. وَحكى أَبُو الْحسن ابْن الْأَخْضَر: كَانَ الْعَرَب تستحسن لَا أَبَا لَك وتستقبح لَا أم لَك لِأَن الْأُم مشفقة حنينة. وَقَالَ الْعَيْنِيّ: وَقد يذكر فِي معرض التَّعَجُّب دفعا للعين كَقَوْلِهِم: لله دَرك وَقد يسْتَعْمل بِمَعْنى جد فِي أَمرك وشمر لِأَن من لَهُ أَب يتكل عَلَيْهِ فِي بعض شَأْنه. قَالَ اللَّخْمِيّ فِي شرح أَبْيَات الْجمل: اللَّام فِي لَك مقحمة وَالْكَاف فِي مَحل خفض بهَا لِأَنَّهُ لَو كَانَ الْخَفْض بِالْإِضَافَة أدّى إِلَى تَعْلِيق حرف الْجَرّ فالجر بِاللَّامِ وَإِن كَانَت مقحمة كالجر بِالْبَاء وَهِي زَائِدَة وَإِنَّمَا أقحمت مُرَاعَاة لعمل لَا لِأَنَّهَا لَا تعْمل إِلَّا فِي النكرات وَثبتت الْألف مُرَاعَاة) للإضافة فَاجْتمع فِي هَذِه الْمَسْأَلَة شَيْئَانِ متضادان: اتِّصَال وانفصال: فثبات الْألف دَلِيل على الِاتِّصَال من جِهَة الْإِضَافَة فِي الْمَعْنى وثبات اللَّام دَلِيل على الِانْفِصَال فِي اللَّفْظ مُرَاعَاة لعمل لَا. فَهَذِهِ مَسْأَلَة قد روعيت لفظا وَمعنى. وَخبر لَا التبرئة مَحْذُوف أَي: لَا أَبَا لَك بالحضرة

وشعبى بِضَم الشين وَالْقصر وَالْألف للتأنيث. قَالَ السكرِي فِي أشعار تغلب: هِيَ جبال منيعة متدانية بَين أيسر الشمَال وَبَين مغيب الشَّمْس من ضرية على قريب من ثَمَانِيَة أَمْيَال. وَقيل جبل أسود وَله شعاب فِيهَا أوشال تحبس المَاء من سنة إِلَى سنة. وَفِي مُعْجم مَا استعجم للبكري: قَالَ يَعْقُوب: شعبى جبيلات متشعبة وَلذَلِك قيل شعبى وَقَالَ عمَارَة: هِيَ هضبة بحمى ضرية. وَمن أَصْحَاب شعبى الْعَبَّاس بن يزِيد الْكِنْدِيّ وَكَانَ هُنَاكَ نازلاً فِي غير قومه قَالَ جرير يَعْنِي الْعَبَّاس: أعبداً حل فِي شعبى غَرِيبا ... . الْبَيْت انْتهى. وَمثله لِابْنِ السَّيِّد فِي شرح أَبْيَات الْجمل. قَالَ أَبُو مُحَمَّد الْأَعرَابِي فِي فرحة الأديب وَإِنَّمَا عير جرير الْعَبَّاس بن يزِيد بحلوله فِي شعبى لِأَنَّهُ كَانَ حليفاً لبني فَزَارَة وشعبى من بِلَادهمْ وَهُوَ كندي وَالْحلف عِنْدهم عَار. قَالَ: وَكَانَ السَّبَب فِي قَول جرير هَذَا الشّعْر: أَنه لما هجا الرَّاعِي النميري بقوله من قصيدة: عَارضه الْعَبَّاس بن يزِيد الْكِنْدِيّ وَكَانَ مُقيما بشعبى فَقَالَ: (أَلا أرغمت أنوف بني تَمِيم ... فساة التَّمْر إِن كَانُوا غضابا) (لقد غضِبت عَليّ بَنو تَمِيم ... فَمَا نكأت بغضبتها ذبابا) (لَو اطلع الْغُرَاب على تَمِيم ... وَمَا فِيهَا من السوءات شَابًّا) فَقَالَ جرير يهجوه: (إِذا جهل الشقي وَلم يقدر ... لبَعض الْأَمر أوشك أَن يصاب)

. (ستطلع من ذرا شعبى قوافٍ ... على الْكِنْدِيّ تلتهب التهابا) أعبداً حل فِي شعبى غَرِيبا ... ... ... ... ... . . الْبَيْت (فَمَا تخفى هضيبة حِين تمشي ... وَلَا إطْعَام سخلتها الكلابا) (تخرق بالمشاقص حالبيها ... وَقد حلت مشيمتها الثيابا) انْتهى. وَمثله فِي الأغاني حِكَايَة عَن جرير مَعَ الْحجَّاج بن يُوسُف الثَّقَفِيّ قَالَ: هجاني الْعَبَّاس بن) يزِيد الْكِنْدِيّ بقوله: أَلا أرغمت أنوف بني تَمِيم ... الأبيات. فتركته خمس سِنِين لَا أهجوه ثمَّ قدمت الْكُوفَة فَأتيت مجْلِس كِنْدَة فطلبت إِلَيْهِم أَن يكفوه عني فَقَالُوا: مَا نكفه وَإنَّهُ لشاعر وأوعدوني بِهِ فَمَكثت قَلِيلا ثمَّ بعثوا إِلَيّ رَاكِبًا فَأَخْبرُونِي بمثالبه وجواره فِي طَيئ حَيْثُ جاور غفار وأحبل أُخْته هضيبة. فَقلت: إِذا جهل الشقي وَلم يقدر ... ... ... ... ... ... . الْبَيْت

أعبداً حل فِي شعبي غَرِيبا ... ... ... ... ... . الْبَيْت فَمَا تخفى هضيبة حَيْثُ تمشي ... ... ... ... الْبَيْت تخرق بالمشاقص حالبيها ... ... ... ... ... . الْبَيْت (فقد حملت ثَمَانِيَة وأوفت ... بتاسعها وتحسبها كعابا) انْتهى. أَرَادَ بسخلتها: وَلَدهَا الَّذِي وَلدته لزنية ورمته للكلاب فأكلته. والمشاقص: جمع مشقص وَهُوَ النصل العريض يكون فِي السهْم. والحالبان: عرقان مكتنفان بالسرة. ومشيمتها: مَا يخرج بعد الْوَلَد يَعْنِي أَنَّهَا لما حبلت شقَّتْ حالبيها بمشقص لترمي الْوَلَد. والكعاب بِالْفَتْح وَهِي الكاعب وَهِي الْجَارِيَة الَّتِي نهد ثديها. وَقَالَ اللَّخْمِيّ: هَذَا الْبَيْت من قصيدة لجرير يهجو بهَا البعيث واسْمه خِدَاش بن بشر الْمُجَاشِعِي. ثمَّ أنْشد هَذِه الأبيات. وَقَالَ: أَرَادَ بِالْعَبدِ البعيث. وَقَالَ الْعَيْنِيّ: هُوَ من قصيدة لجرير يهجو بهَا خَالِد بن يزِيد الْكِنْدِيّ وأولها: (أخالد كَانَ أهلك لي صديقا ... فقد أَمْسوا بحبكم حرابا) ...

(بنفسي من أَزور فَلَا أرَاهُ ... وَيضْرب دونه الخدم الحجابا) أخالد لَو سَأَلت علمت أَنِّي لقِيت بحبك الْعجب العجابا ستطلع من ذرا شعبى قوافٍ ... ... ... ... ... . . الْبَيْت أعبداً حل فِي شعبى غَرِيبا ... ... ... ... ... ... الْبَيْت (وَيَوْما فِي فَزَارَة مستجيراً ... وَيَوْما نَاشِدًا حلفا كلابا) إِذا جهل اللَّئِيم وَلم يقدر ... ... ... ... ... الْبَيْت وَالظَّاهِر أَن هَذِه الأبيات لَيست منتظمة فِي نسق وَاحِد. وَالله أعلم.) فَائِدَة قد جَاءَ على فعلى تسع كَلِمَات: إِحْدَاهَا: شعبى وَقد شرحت. وَثَانِيها: أدْمى بِالدَّال وَالْمِيم وَهُوَ مَوضِع وَقيل حِجَارَة حمر فِي أَرض قُشَيْر. ثَالِثهَا: أربى بالراء الْمُهْملَة وَالْمُوَحَّدَة وَهِي الداهية. رَابِعهَا: أرنى بالراء وَالنُّون: حب يَجْعَل فِي اللَّبن فيثخنه. خَامِسهَا: حلكى بِالْحَاء الْمُهْملَة وَاللَّام وَالْكَاف لضرب من العظاء وَقيل دَابَّة تغوص فِي الرمل. سادسها: جنفى بِالْجِيم وَالنُّون وَالْفَاء وَهُوَ اسْم مَوضِع. سابعها: حنفى بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالنُّون وَالْفَاء وَهُوَ اسْم جبل. ثامنها: جعبى بِالْجِيم وَالْعين الْمُوَحدَة للعظام من النَّمْل. تاسعها: جمدى بِالْجِيم وَالْمِيم وَالدَّال وَهُوَ اسْم مَوضِع. وترجمة جرير قد تقدّمت فِي أَوَائِل الْكتاب فِي الشَّاهِد الرَّابِع.

وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد الثَّالِث عشر بعد الْمِائَة وَهُوَ من شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ: (أداراً بحزوى هجت للعين عِبْرَة ... فماء الْهوى يرفض أَو يترقرق) على أَن المنادى من قبيل الشبيه بالمضاف وَالْجَار وَالْمَجْرُور صفته قبل النداء. وَلِهَذَا أنْشدهُ سِيبَوَيْهٍ. قَالَ الأعلم: الشَّاهِد فِيهِ نصب دَارا لِأَنَّهُ منادى منكور فِي اللَّفْظ لاتصاله بالمجرور بعده ووقوعه موقع صفته كَأَنَّهُ قَالَ: أداراً مُسْتَقِرَّة بحزوى فَجرى لَفظه على التنكير وَإِن كَانَ مَقْصُودا بالنداء معرفَة فِي التَّحْصِيل. وَنَظِيره مِمَّا ينْتَصب وَهُوَ معرفَة لِأَن مَا بعده من صلته فضارع الْمُضَاف قَوْلهم: يَا خيرا من زيد وَكَذَلِكَ مَا نقل إِلَى النداء مَوْصُوفا بِمَا تُوصَف بِهِ النكرَة جرى عَلَيْهِ لفظ المنادى المنكور وَإِن كَانَ فِي الْمَعْنى معرفَة. وحزوى بِضَم الْمُهْملَة وَسُكُون الزَّاي الْمُعْجَمَة قَالَ الْبكْرِيّ فِي مُعْجم مَا استعجم: هُوَ مَوضِع فِي ديار بني تَمِيم وَقَالَ الْأَحول: حزوى وخفان: موضعان قريبان من السوَاد والخورنق من الْكُوفَة. وهجت جَوَاب النداء وَيُقَال لَهُ: الْمَقْصُود بالنداء. وَقَالَ ابْن السَّيِّد: جملَة هجت صفة ثَانِيَة للمنادى أَو خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي: أَنْت هجت.

وَفِيه نظر. وهاج هُنَا مُتَعَدٍّ يُقَال: هجت الشَّيْء وهيجته: إِذا أثرته وَيَأْتِي لَازِما يُقَال هاج الشَّيْء: إِذا ثار. وعِبْرَة مَفْعُوله) بِفَتْح الْعين بِمَعْنى الدمعة وللعين كَانَ فِي الأَصْل صفة لعبرة فَلَمَّا قدم صَار حَالا مِنْهَا. وَالْعبْرَة تكون جَارِيَة ومتحيرة وساكنة وقاطرة. وَمَاء الْهوى هُوَ الدمع وأضافه إِلَى الْهوى أَي: الْعِشْق لِأَنَّهُ هُوَ الْبَاعِث لجريانه. ويرفض بِالْفَاءِ وَالضَّاد: يسيل بعضه فِي إِثْر بعض وكل متناثر مرفض. ويترقرق: يبْقى فِي الْعين متحيراً يَجِيء وَيذْهب ورقراق السراب من ذَلِك. وَحكى بَعضهم أَن يترقرق هُنَا بِمَعْنى يترقق. وَهَذَا الْبَيْت مطلع قصيدة طَوِيلَة لذِي الرمة عدَّة أبياتها سَبْعَة وَخَمْسُونَ بَيْتا كلهَا غزل وتشبيب بمي. وَقد أَخذه من زُهَيْر بن جناب وَهُوَ شَاعِر جاهلي من قصيدة فِيهَا: (وَذي دَار سلمى قد عرفت رسومها ... فعجت إِلَيْهَا والدموع ترقرق) (وكادت تبين القَوْل لما سَأَلتهَا ... وتخبرني لَو كَانَت الدَّار تنطق) وأَو فِي الْبَيْتَيْنِ بِمَعْنى الْوَاو. وَقد أَخذ مِنْهُ بَيْتا آخر وَهُوَ: (وقفنا فسلمنا فَكَادَتْ بمسرفٍ ... لعرفان صوتي دمنة الدَّار تنطق) ومُسْرِف بِضَم الْمِيم وَسُكُون السِّين وَكسر الرَّاء الْمُهْمَلَتَيْنِ اسْم مَوضِع. وَمن قصيدة ذِي الرمة: ...

(وإنسان عَيْني يحسر المَاء تَارَة ... فيبدو وتاراتٍ يجم فيغرق) وَهُوَ من شَوَاهِد مُغنِي اللبيب. وحسر المَاء من بَاب ضرب: نضب عَن مَوْضِعه وغار. ويجم بِضَم الْجِيم وَكسرهَا: مضارع جم المَاء جموماً أَي: كثر وارتفع. ويغرق بِفَتْح الرَّاء: مضارع غرق بِكَسْرِهَا. وَفِي إِفْرَاد تَارَة أَولا وَجَمعهَا ثَانِيًا إشارةٌ إِلَى أَن غَلَبَة الْبكاء عَلَيْهِ هِيَ غَالب أَحْوَاله. وَجُمْلَة يحسر المَاء وَقعت خَبرا عَن قَوْله إِنْسَان عَيْني وَهِي خَالِيَة عَن رابط مَحْذُوف أَي: يحسر المَاء عَنهُ وَقيل: هُوَ آل فِي المَاء لنيابتها عَن الضَّمِير وَالْأَصْل مَاؤُهُ وَقيل هُوَ على تَقْدِير أَدَاة الشَّرْط وَقدره شَارِح ديوَان ذِي الرمة مُحَمَّد بن حبيب: إِذا وَقدره غَيره: إِن وَهُوَ الصَّحِيح لِأَنَّهَا أم الْبَاب فَلَمَّا حذفت ارْتَفع الْفِعْل وَالْجُمْلَة الشّرطِيَّة إِذا وَقعت خَبرا لم يشْتَرط كَون الروابط فِي الشَّرْط بل فِي أَيهمَا من الشَّرْط وَالْجَزَاء وجد كفى. وَقَالَ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي تبعا لأبي حَيَّان: الْفَاء السَّبَبِيَّة نزلت الجملتين منزلَة جملَة وَاحِدَة فاكتفي مِنْهُمَا بضمير وَاحِد فَالْخَبَر مجموعهما.) وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد الرَّابِع عشر بعد الْمِائَة (أَلا يَا نَخْلَة من ذَات عرقٍ ... عَلَيْك وَرَحْمَة الله السَّلَام) على أَن الْجَار وَالْمَجْرُور صفة لنخلة قبل النداء والمنادى من قبل الشبيه بالمضاف. وَقَوله: عَلَيْك وَرَحْمَة الله السَّلَام مَذْهَب أبي الْحسن الْأَخْفَش:

أَنه أَرَادَ عَلَيْك السَّلَام وَرَحْمَة الله فَقدم الْمَعْطُوف ضَرُورَة لِأَن السَّلَام عِنْده مَرْفُوع بالاستقرار الْمُقدر فِي الظّرْف. وَلَا يلْزم هَذَا على مَذْهَب سِيبَوَيْهٍ لِأَن السَّلَام عِنْده مَرْفُوع بِالِابْتِدَاءِ وَعَلَيْك خبر مقدم وَرَحْمَة الله مَعْطُوف على الضَّمِير الْمَرْفُوع فِي عَلَيْك. غير أَنه من عطف ظَاهر على مُضْمر من غير تَأْكِيد وَذَلِكَ جَائِز فِي الشّعْر وَقد أجَازه قوم فِي سَعَة الْكَلَام كَذَا فِي شرح أَبْيَات الْجمل لِابْنِ السَّيِّد وَاللَّخْمِيّ. وروى ثَعْلَب فِي أَمَالِيهِ المصراع الثَّانِي هَكَذَا: برود الظل شاعكم السَّلَام شاعكم: تبعكم. انْتهى. وذَات عرق: مَوضِع بالحجاز وَفِي المرصع لِابْنِ الْأَثِير: ذَات عرق: مِيقَات أهل الْعرَاق للاحرام بِالْحَجِّ. وَهَذَا الْبَيْت أول أَبْيَات ثَلَاثَة نسبت للأحوص أوردهَا الدَّمِيرِيّ وَابْن أبي الإصبع فِي تَحْرِير التحبير. والبيتان الْآخرَانِ هما: (سَأَلت النَّاس عَنْك فخبروني ... هُنَا من ذَاك تكرههُ الْكِرَام) (وَلَيْسَ بِمَا أحل الله بأسٌ ... إِذا هُوَ لم يخالطه الْحَرَام) قَالَ ابْن أبي الإصبع: وَمن مليح الْكِنَايَة: النَّخْلَة فَإِن هَذَا الشَّاعِر كنى عَن الْمَرْأَة بالنخلة وبالهناة عَن الرَّفَث فَأَما الهناة فَمن عَادَة الْعَرَب الْكِنَايَة بهَا عَن مثل ذَلِك وَأما الْكِنَايَة بالنخلة عَن الْمَرْأَة فَمن ظريف الْكِنَايَة وغريبها انْتهى. وأصل ذَلِك: أَن عمر بن الْخطاب كَانَ نهى الشُّعَرَاء عَن ذكر النِّسَاء فِي أشعارهم لما فِي ذَلِك من الفضيحة وَكَانَ الشُّعَرَاء يكنون عَن النِّسَاء بِالشَّجَرِ وَغَيره وَلذَلِك قَالَ حميد بن ثَوْر الْهِلَالِي: ...

(وَهل أَنا إِن عللت نَفسِي بسرحةٍ ... من السَّرْح مسدودٌ عَليّ طَرِيق) (أَبى الله إِلَّا أَن سرحة مالكٍ ... على كل أفنان العضاه تروق)) وَعلم بِهَذَا سُقُوط قَول اللَّخْمِيّ: سلم على النَّخْلَة لِأَنَّهَا معهد أحبابه أَو ملعبه مَعَ أترابه لِأَن (وكمثل الأحباب لَو يعلم العا ... ذل عِنْدِي منَازِل الأحباب) وَيحْتَمل لِأَن يكون كنى عَن محبوبته بالنخلة لِئَلَّا يشهرها وخوفاً من أَهلهَا وقرابتها. انْتهى. وترجمة الْأَحْوَص تقدّمت فِي الشَّاهِد الْخَامِس والثمانين. وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد الْخَامِس عشر بعد الْمِائَة وَهُوَ من شَوَاهِد س: (فيا رَاكِبًا إِمَّا عرضت فبلغن ... نداماي من نَجْرَان أَن لَا تلاقيا) على أَن المنادى هُنَا عِنْد الْكسَائي والقراء إِمَّا معرفَة بِالْقَصْدِ وَإِمَّا أَصله يَا رجلا رَاكِبًا لِأَنَّهُمَا لَا يجيزان نِدَاء النكرَة مُفْردَة بل يوجبان الصّفة. وَالصَّحِيح جَوَاز نِدَاء النكرَة غير الْمَقْصُودَة. وأنشده سِيبَوَيْهٍ لما قُلْنَا. قَالَ الأعلم: الشَّاهِد فِيهِ نصب رَاكب لِأَنَّهُ

منادى منكور إِذْ لم يقْصد بِهِ رَاكب بِعَيْنِه إِنَّمَا التمس رَاكِبًا من الركْبَان يبلغ قومه خَبره وتحيته وَلَو أَرَادَ رَاكِبًا بِعَيْنِه لبناه على الضَّم وَلم يجز لَهُ تنوينه ونصبه. انْتهى. وَأغْرب أَبُو عُبَيْدَة حَيْثُ قَالَ: أَرَادَ يَا راكباه للندبة فَحذف الْهَاء كَقَوْلِه تَعَالَى: يَا أسفا على يُوسُف مَعَ أَن الثِّقَات رَوَوْهُ بِالنّصب والتنوين إِلَّا الْأَصْمَعِي فَإِنَّهُ كَانَ ينشده بِلَا تَنْوِين. كَذَا نَقله ابْن الْأَنْبَارِي فِي شرح المفضليات. وَهَذَا الْبَيْت من قصيدة عدتهَا عشرُون بَيْتا لعبد يَغُوث الْحَارِثِيّ اليمني. قَالَهَا بعد أَن أسر فِي يَوْم الْكلاب الثَّانِي: كلاب تيم واليمن وَقتل أَسِيرًا. ولمالك بن الريب قصيدة على هَذَا الْوَزْن والروي فِيهَا بَيت يشبه الْبَيْت الشَّاهِد وَهُوَ: (فيا صَاحِبي إِمَّا عرضت فبلغن ... بني مازنٍ والريب أَن لَا تلاقيا) وَهَذَا غير ذَاك قطعا. فَقَوْل شرَّاح أَبْيَات سِيبَوَيْهٍ فِي الْبَيْت الشَّاهِد: إِنَّه لعبد يَغُوث ويروى لمَالِك بن الريب غير جيد. و ... . . بن جهم أحد بني الْحَارِث بن سعد بن بني أَسد وَهُوَ: (أيا رَاكِبًا إِمَّا عرضت فبلغن ... بني عمنَا من عبد شمسٍ وهَاشِم))

(أَمن عمل الجراف أمس وظلمه ... وعدوانه اعتبتمونا براسم) عرضت هُنَا بِمَعْنى تعرضت. والجراف: اسْم رجل وراسم كَذَلِك: وَكَانَ الجراف ولي صدقَات هَؤُلَاءِ الْقَوْم فظلمهم فشكوا فعزل وَولي راسم مَكَانَهُ فظلم أَكثر من الجراف. والإعتاب: الإرضاء وَإِزَالَة الشكوى وروى أعنتمونا: من الإعنات وَهُوَ الْإِيقَاع فِي الْعَنَت وقصيدة عبد يَغُوث مسطورة فِي المفضليات وَفِي ذيل أمالي القالي وَقد شرحنا يَوْم الْكلاب الثَّانِي فِي الشَّاهِد الْخَامِس وَالسِّتِّينَ. وَكَانَ الَّذِي أسر عبد يَغُوث فَتى من بني عبد شمس أهوج فَقَالَت أمه: من هَذَا فَقَالَ عبد يَغُوث: أَنا سيد الْقَوْم فَضَحكت وَقَالَت: قبحك الله من سيد قوم حِين أسرك هَذَا الأهوج. وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بقوله: وتضحك مني شيخة عبشمية. . الْبَيْت فَقَالَ: أيتها الْحرَّة هَل لَك إِلَى خير قَالَت: وَمَا ذَاك قَالَ: أَعْطِنِي ابْنك مائَة من الْإِبِل وينطلق بِي إِلَى الْأَهْتَم فَإِنِّي أَخَاف أَن تنتزعني سعدٌ والرباب مِنْهُ فضمن لَهَا مائَة من الْإِبِل وَأرْسل إِلَى بني الْحَارِث فوجهوا بهَا إِلَيْهِ فقبضها العبشمي وَانْطَلق بِهِ إِلَى الْأَهْتَم فَقَالَ عبد يَغُوث: ...

(أأهتم يَا خير الْبَريَّة والداً ... ورهطاً إِذا مَا النَّاس عدوا المساعيا) (تدارك أَسِيرًا عانياً فِي حبالكم ... وَلَا تثقفني التيم ألق الدواهيا) فمشت سعد والرباب إِلَى الْأَهْتَم فِيهِ فَقَالَت الربَاب: يَا بني سعد قتل فارسنا وَهُوَ النُّعْمَان بن جساس وَلم يقتل لكم فَارس فَدفعهُ إِلَيْهِم فَأَخذه عصمَة بن أبير التَّيْمِيّ فَانْطَلق بِهِ إِلَى منزله فَقَالَ عبد يَغُوث: يَا بني تيم اقتلوني قتلة كَرِيمَة فَقَالَ عصمَة: وَمَا تِلْكَ القتلة قَالَ: اسقوني الْخمر ودعوني أنوح على نَفسِي فَجَاءَهُ عصمَة بِالشرابِ فَسَقَاهُ ثمَّ قطع عرقه الأكحل وَتَركه ينزف وَمضى وَجعل مَعَه رجلَيْنِ فَقَالَا لعبد يَغُوث: جمعت أهل الْيمن ثمَّ جِئْت لتصطلمنا كَيفَ رَأَيْت صنع الله بك فَقَالَ هَذِه القصيدة: أَلا لَا تلوماني كفى اللوم مَا بيا فَمَا لَكمَا فِي اللوم خيرٌ وَلَا ليا فالخطاب لاثْنَيْنِ حَقِيقَة. واللوم مفعول مقدم ومَا فَاعل مُؤخر. أَي: كفى اللوم مَا أَنا فِيهِ فَلَا تحتاجون إِلَى لومي مَعَ مَا ترَوْنَ من إساري وجهدي. (ألم تعلما أَن الْمَلَامَة نَفعهَا ... قليلٌ وَمَا لومي أخي من شماليا)) وَهَذَا الْبَيْت من أَبْيَات شرح الشافية للشَّارِح نقل فِيهِ عَن أبي الْخطاب: أَن شمالاً يَأْتِي مُفردا وجمعاً وَفِي هَذَا الْبَيْت جمع أَي: من شمائلي. (فيا رَاكِبًا إِمَّا عرضت فبلغن ... نداماي من نَجْرَان أَن لَا تلاقيا) الرَّاكِب: رَاكب الْإِبِل وَلَا تسمي الْعَرَب رَاكِبًا على الْإِطْلَاق إِلَّا رَاكب الْبَعِير والناقة وَالْجمع ركبان والركب: اسْم للْجمع عِنْد سِيبَوَيْهٍ وَعند غَيره جمع رَاكب كتاجر وتجر. وَيُقَال لعابر المَاء فِي زورق وَنَحْوه رَاكب وَيجمع على ركاب بِالضَّمِّ وَالتَّشْدِيد وَلَا يُقَال ركاب إِلَّا لركاب

وإِمَّا مركبة من إِن الشّرطِيَّة وَمَا المزيدة وعرضت: قَالَ فِي الصِّحَاح: عرض الرجل: إِذا أَتَى الْعرُوض وَهِي مَكَّة وَالْمَدينَة وَمَا حولهما وَأنْشد هَذَا الْبَيْت. وَقَالَ شرَّاح أَبْيَات سِيبَوَيْهٍ والجمل: عرضت: بِمَعْنى تعرضت وَظَهَرت. وَقيل مَعْنَاهُ بلغت الْعرض وَهِي جبال نجد تعرف بذلك. والندامى: جمع ندمان بِالْفَتْح بِمَعْنى نديم وَهُوَ المشارب وَإِنَّمَا قيل لَهُ ندمان من الندامة لِأَنَّهُ إِذا سكر تكلم بِمَا ينْدَم عَلَيْهِ وَقيل: المنادمة مَقْلُوبَة من المدامنة وَذَلِكَ إدمان الشَّرَاب وَيكون الندمان والنديم أَيْضا الْمجَالِس والمصاحب على غير الشَّرَاب. ونجران بِفَتْح النُّون وَسُكُون الْجِيم قَالَ أَبُو عبيد الْبكْرِيّ فِي مُعْجم مَا استعجم: مَدِينَة بالحجاز من شقّ الْيمن سميت بِنَجْرَان بن زيد بن يشجب بن يعرب وَهُوَ أول من نزلها. وَأطيب الْبِلَاد نَجْرَان من الْحجاز وَصَنْعَاء من الْيمن ودمشق من الشَّام والري من خُرَاسَان انْتهى. وَبِهَذَا عرف حسن تَفْسِير الصِّحَاح لعرضت. وَأَن مُخَفّفَة من الثَّقِيلَة لِأَن التَّبْلِيغ فِيهِ معنى الْعلم وَاسْمهَا ضمير شَأْن مَحْذُوف وَالْجُمْلَة من اسْم لَا التبرئة وخبرها الْمَحْذُوف أَي: لنا خَبَرهَا وَجُمْلَة أَن لَا تلاقيا فِي مَوضِع الْمَفْعُول الثَّانِي للتبليغ وَجوز اللَّخْمِيّ أَن تكون تفسيرية. (أَبَا بكربٍ والأيهمين كليهمَا ... وقيساً بِأَعْلَى حَضرمَوْت اليمانيا) هَؤُلَاءِ كَانُوا نداماه هُنَاكَ فَذكرهمْ عِنْد مَوته وحن إِلَيْهِم وَهُوَ بدل من نداماي. وَأَبُو كرب والأيهمان من الْيمن وَقيس هُوَ ابْن معد يكرب أَبُو الْأَشْعَث ابْن قيس الْكِنْدِيّ قَالَ صَاحب الأغاني وَكَذَا اللَّخْمِيّ:

يرْوى أَن قيسا هَذَا لما بلغه هَذَا الْبَيْت قَالَ: لبيْك وَإِن كنت قد) أخرتني. (جزى الله قومِي بالكلاب ملامةً ... صريحهم والآخرين المواليا) الصَّرِيح: الْخَالِص والمحض. والمواليا: الحلفاء المنضمين إِلَيْهِم والْكلاب: بِضَم الْكَاف: اسْم مَوضِع الْوَقْعَة. (وَلَو شِئْت نجتني من الْخَيل نهدةٌ ... ترى خلفهَا الحو الْجِيَاد تواليا) النهدة: المرتفعة وكل مَا ارْتَفع يُقَال لَهُ نهد. والحو من الْخَيل: الَّتِي تضرب إِلَى خضرَة والحوة: الخضرة قَالَ الْأَصْمَعِي: وَإِنَّمَا خص الحو لِأَنَّهُ يُقَال: إِنَّهَا أَصْبِر الْخَيل وأخفها عظاماً إِذا عرقت لِكَثْرَة الجري. وتواليا: جمع تالية أَي: إِن فرسي لخفتها تسبق الحو فَهِيَ تتلو فرسي. (ولكنني أحمي ذمار أبيكم ... وَكَانَ الرماح يختطفن المحاميا) الذمار: مَا يجب على الرجل حفظه: من مَنعه جاراً أَو طلبه ثأراً. وَقَوله: وَكَانَ الرماح (أَقُول وَقد شدوا لساني بنسعةٍ: ... أمعشر تيمٍ أطْلقُوا عَن لسانيا) النسعة بِكَسْر النُّون: سير منسوج. وَفِيه قَولَانِ: الأول أَن هَذَا مثل وَذهب إِلَيْهِ شرَّاح أَبْيَات الشُّعَرَاء والقالي فِي أَمَالِيهِ وَحَكَاهُ ابْن الْأَنْبَارِي فِي شرح المفضليات وَقَالَ: لِأَن اللِّسَان لَا يشد بنسعة وَإِنَّمَا أَرَادَ: افعلوا بِي خيرا لينطلق لساني بشكركم وَإِنَّكُمْ مَا لم تَفعلُوا فلساني مشدود لَا أقدر على مدحكم. وَالثَّانِي أَنهم شدوه بنسعة حَقِيقِيَّة وَإِلَيْهِ ذهب الجاحظ فِي الْبَيَان

والتبين والأصفهاني فِي الأغاني وَحَكَاهُ أَيْضا ابْن الْأَنْبَارِي: بِأَنَّهُم ربطوه بنسعة مَخَافَة أَن يهجوهم وَكَانُوا سَمِعُوهُ ينشد شعرًا فَقَالَ: أطْلقُوا لي عَن لساني أَذمّ أَصْحَابِي وأنوح على نَفسِي فَقَالُوا: إِنَّك شَاعِر ونحذر أَن تهجونا. فعاهدهم أَن لَا يهجوهم فأطلقوا لَهُ عَن لِسَانه. قَالَ الجاحظ: وَبلغ من خوفهم من الهجاء أَن يبْقى ذكره فِي الأعقاب ويسب بِهِ الْأَحْيَاء والأموات أَنهم إِذا أَسرُّوا الشَّاعِر أخذُوا عَلَيْهِ المواثيق وَرُبمَا شدوا لِسَانه بنسعة كَمَا صَنَعُوا بِعَبْد يَغُوث بن وَقاص الْحَارِثِيّ حِين أسرته تيمٌ يَوْم الْكلاب. (أمعشر تيم قد ملكتم فأسجحوا ... فَإِن أَخَاكُم لم يكن من بوائيا) أسجحوا بِتَقْدِيم الْجِيم على الْحَاء الْمُهْملَة بِمَعْنى سهلوا ويسروا. والبواء: السوَاء أَي: لم (فَإِن تقتلوني تقتلُوا بِي سيداً ... وَإِن تطلقوني تحربوني بماليا)) (أحقاً عباد الله أَن لست سَامِعًا ... نشيد الرعاء المعزبين المتاليا) الرعاء: جمع رَاع. والمعزب: المتنحي بإبله وَهُوَ اسْم فَاعل من أعزب بِالْعينِ الْمُهْملَة وَالزَّاي الْمُعْجَمَة. والمتالي: الَّتِي نتج بَعْضهَا وَبَقِي بعض جمع متلية وَهُوَ اسْم فَاعل. ...

(وتضحك مني شيخةٌ عبشميةٌ ... كَأَن لم تري قبلي أَسِيرًا يَمَانِيا) هَذَا الْبَيْت من أَبْيَات مُغنِي اللبيب قَالَ القالي فِي ذيل الأمالي: قَالَ الْأَخْفَش: رِوَايَة أهل الْكُوفَة كَأَن لم ترى بِالْألف وَهَذَا عندنَا خطأ وَالصَّوَاب ترى بِحَذْف النُّون عَلامَة للجزم. وَقَالَ ابْن السَّيِّد: قَوْله: كَأَن لم تري رُجُوع من الْإِخْبَار إِلَى الْخطاب ويروى على الْإِخْبَار: وَفِي إِثْبَات الْألف وَجْهَان: أَحدهمَا أَن يكون ضَرُورَة وَالثَّانِي أَن يكون على لُغَة من قَالَ رَاء. مقلوب رأى فَجزم فَصَارَ ترأ ثمَّ خفف الْهمزَة فقلبها ألفا لانفتاح مَا قبلهَا وَهَذِه لُغَة مَشْهُورَة وكَأَن مُخَفّفَة وَاسْمهَا مُضْمر فِيهَا تَقْدِيره على الْوَجْه الأول: كَأَنَّك لم تري وعَلى الْوَجْه الثَّانِي كَأَنَّهَا لم ترأ. (وظل نسَاء الْحَيّ حَولي ركداً ... يراودن مني مَا تُرِيدُ نسائيا) هَذَا من شَوَاهِد س وَأوردهُ الشَّارِح فِي شرح الشافية وَقد وَقع فِي روايتهما معدياً عَلَيْهِ وعاديا فَقَالَ: هَذَا شَاذ وَالْقِيَاس معدواً عَلَيْهِ لِأَنَّهُ من الْعدوان لكنه بناه على عدي عَلَيْهِ. (وَقد كنت نحار الْجَزُور ومعمل ال ... مطي وأمضي حَيْثُ لَا حَيّ مَاضِيا) (وأنحر للشُّرْب الْكِرَام مطيتي ... وأصدع بَين القينتين ردائيا) الشّرْب: جمع شَارِب كصحب جمع صَاحب. وأصدع: أشق. والْقَيْنَة: الْأمة مغنيةً كَانَت كَمَا هُنَا أم لَا. (وَكنت إِذا مَا الْخَيل شمصها القنا ... لبيقاً بتصريف الْقَنَاة بنانيا)

ويروى: شمسها بِالسِّين وَهِي أَجود. ويروى: نفرها. واللبيق: فعيل من اللباقة. (وعاديةٍ سوم الْجَرَاد وزعتها ... بكفي وَقد أنحوا إِلَيّ العواليا) العادية: الْقَوْم يعدون من الْعَدو وَهُوَ الركض وسوم الْجَرَاد أَي: كسومه وَهُوَ انتشاره. وزعتها: كففتها والوازع: الْكَاف وَالْمَانِع. وأنحوا الرماح: أمالوها وقصدوا بهَا من النَّحْو وَهُوَ الْقَصْد. والعالية من الرمْح: أَعْلَاهُ وَيُقَال: مادون السنان بذارع.) (كَأَنِّي لم أركب جواداً وَلم أقل ... لخيلي كري نَفسِي عَن رجاليا) (وَلم أسبأ الزق الروي وَلم أقل ... لأيسار صدقٍ أعظموا ضوء ناريا) نَفسِي: وسعي وروى: قاتلي والسباء بِالْكَسْرِ وَالْمدّ: اشْتِرَاء الْخمر للشُّرْب لَا للْبيع. والأيسار: الَّذين يضْربُونَ القداح جمع يَاسر وَفعله من بَاب ضرب وَهَذَانِ البيتان مأخوذان من قَول امْرِئ الْقَيْس: (كَأَنِّي لم أركب جواداً للذةٍ ... وَلم أتبطن كاعباً ذَات خلخال) (وَلم أسبأ الزق الروي وَلم أقل ... لخيلي كري كرة بعد إجفال) وَلم يرد على عبد يَغُوث مَا ورد على امْرِئ الْقَيْس. وعبد يَغُوث هُوَ ابْن الْحَارِث بن وَقاص الْحَارِثِيّ القحطاني. كَانَ شَاعِرًا من شعراء الْجَاهِلِيَّة فَارِسًا سيد قومه من بني الْحَارِث بن كَعْب وَهُوَ الَّذِي كَانَ قائدهم يَوْم الْكلاب الثَّانِي فأسرته تيم وقتلته كَمَا ذكرنَا. وَهُوَ من أهل بَيت شعر معرق فِي الْجَاهِلِيَّة وَالْإِسْلَام مِنْهُم اللَّجْلَاج الْحَارِثِيّ وَهُوَ طفيل بن زيد بن عبد يَغُوث وَأَخُوهُ مسْهر فَارس

شَاعِر وَهُوَ الَّذِي طعن عَامر بن الطُّفَيْل فِي عينه يَوْم فيف الرّيح. وَمِنْهُم مِمَّن أدْرك الْإِسْلَام جَعْفَر بن علبة بن ربيعَة بن الْحَارِث ابْن عبد يَغُوث وَكَانَ شَاعِرًا صعلوكاً أَخذ فِي دم فحبس بِالْمَدِينَةِ ثمَّ قتل صبرا وَسَتَأْتِي تَرْجَمته فِي بَاب إِن الْمُشَدّدَة فِي أَوَاخِر الْكتاب. قَالَ الجاحظ فِي الْبَيَان والتبيين: لَيْسَ فِي الأَرْض أعجب من طرفَة بن العَبْد وَعبد يَغُوث فَإِن قسنا جودة أشعارهما فِي وَقت إحاطة الْمَوْت بهما فَلم تكن دون سَائِر أشعارهما فِي حَال الْأَمْن والرفاهية. وَأما قصيدة مَالك بن الريب فَهِيَ ثَمَانِيَة وَخَمْسُونَ بَيْتا وَهِي هَذِه: (أَلا لَيْت شعري هَل أبيتن لَيْلَة ... بِجنب الغضى أزجي القلاص النواجيا) (فليت الغضى لم يقطع الركب عرضه ... وليت الغضى ماشى الركاب لياليا) (لقد كَانَ فِي أهل الغضى لَو دنا الغضى ... مزارٌ وَلَكِن الغضى لَيْسَ دانيا) (ألم ترني بِعْت الضَّلَالَة بِالْهدى ... وأصبحت فِي جَيش ابْن عَفَّان غازيا) (وأصبحت فِي أَرض الأعادي بعيد مَا ... أَرَانِي عَن أَرض الأعادي قاصيا) (دَعَاني الْهوى من أهل أودٍ وصحبتي ... بِذِي الطبسين فَالْتَفت ورائيا)) (أجبْت الْهوى لما دَعَاني بزفرةٍ ... تقنعت مِنْهَا أَن ألام ردائيا) (أَقُول وَقد حَالَتْ قرى الكرد دُوننَا: ... جزى الله عمرا خير مَا كَانَ جازيا) (إِن الله يرجعني من الْغَزْو لَا أرى ... وَإِن قل مَالِي طَالبا مَا ورائيا) (تَقول ابْنَتي لما رَأَتْ طول رحلتي ... سفارك هَذَا تاركي لَا أَبَا لي)

. (لعمري لَئِن غالت خُرَاسَان هامتي ... لقد كنت عَن بَابي خُرَاسَان نَائِيا) (فَللَّه دري يَوْم أترك طَائِعا ... بني بِأَعْلَى الرقمتين وماليا) (ودر الظباء السانحات عَشِيَّة ... يخبرن أَنِّي هالكٌ من ورائيا) (ودر كبيري اللَّذين كِلَاهُمَا ... عَليّ شفيقٌ ناصحٌ لَو نهانيا) (ودر الرِّجَال الشَّاهِدين تفتكي ... بأَمْري أَلا يقصروا من وثاقيا) (ودر الْهوى من حَيْثُ يَدْعُو صحابه ... ودر لجاجاتي ودر انتهائيا) (تذكرت من يبكي عَليّ فَلم أجد ... سوى السَّيْف وَالرمْح الرديني باكيا) (وأشقر محبوكٍ يجر لجامه ... إِلَى المَاء لم يتْرك لَهُ الْمَوْت ساقيا) (وَلَكِن بِأَكْنَافِ السمينة نسوةٌ ... عزيزٌ عَلَيْهِنَّ العشية مَا بيا) (صريعٌ على أَيدي الرِّجَال بقفرة ... يسوون لحدي حَيْثُ حم قضائيا) (وَلما تراءت عِنْد مرو منيتي ... وخل بهَا جسمي وحانت وفاتيا) (أَقُول لِأَصْحَابِي: ارفعوني فَإِنَّهُ ... يقر بعيني أَن سهيلٌ بدا ليا) (فيا صَاحِبي رحلي دنا الْمَوْت فانزلا ... برابيةٍ إِنِّي مقيمٌ لياليا) (أقيما عَليّ الْيَوْم أَو بعض ليلةٍ ... وَلَا تعجلاني قد تبين شانيا) (وقوما إِذا مَا استل روحي فهيئا ... لي السدر والأكفان عِنْد فنائيا)

. (وَلَا تحسداني بَارك الله فيكما ... من الأَرْض ذَات الْعرض أَن توسعاليا) (خذاني فجراني ببردي إلَيْكُمَا ... فقد كَانَ قبل الْيَوْم صعباً قياديا) (وَقد كنت عطافاً إِذا الْخَيل أَدْبَرت ... سَرِيعا إِلَى الهيجا إِلَى من دعانيا) (وَقد كنت صباراً على الْقرن فِي الوغى ... وَعَن شتمي ابْن الْعم وَالْجَار وانيا) (فطوراً تراني فِي ظلالٍ ونعمةٍ ... وَيَوْما تراني وَالْعتاق ركابيا) (وَيَوْما تراني فِي رحى مستديرة ... تخرق أَطْرَاف الرماح ثيابيا) ) (وقوماً على بِئْر السمينة أسمعا ... بهَا الغر وَالْبيض الحسان الروانيا) (بأنكما خلفتماني بقفرةٍ ... تهيل عَليّ الرّيح فِيهَا السوافيا) (وَلَا تنسيا عهدي خليلي بَعْدَمَا ... تقطع أوصالي وتبلى عظاميا) (وَلنْ يعْدم الوالون بثاً يصيبهم ... وَلنْ يعْدم الْمِيرَاث مني المواليا) (يَقُولُونَ: لَا تبعد وهم يدفنونني ... وَأَيْنَ مَكَان الْبعد إِلَّا مكانيا) غَدَاة غدٍ يَا لهف نَفسِي على غدٍ إِذا أدلجوا عني وأصبحت ثاويا (وَأصْبح مَالِي من طريفٍ وتالد ... لغيري وَكَانَ المَال بالْأَمْس ماليا) (فيا لَيْت شعري هَل تَغَيَّرت الرَّحَى ... رحى الْمثل أَو أمست بفلج كَمَا هيا)

. (وَعين وَقد كَانَ الظلام يجنها ... يسفن الخزامى مرّة والأقاحيا) (وَهل أترك العيس العبالي بالضحى ... بركبانها تعلو المتان الديافيا) (إِذا عصب الركْبَان بَين عنيزة ... وبولان عاجوا المبقيات النواجيا) (فيا لَيْت شعري هَل بَكت أم مالكٍ ... كَمَا كنت لَو عالوا بنعيك باكيا) (إِذا مت فاعتادي الْقُبُور فسلمي ... على الرمس أسقيت السَّحَاب الغواديا) (على جدث قد جرت الرّيح فَوْقه ... تُرَابا كسحق المرنباني هابيا) (رهينة أحجارٍ وترب تَضَمَّنت ... قراراتها مني الْعِظَام البواليا) (فيا صَاحِبي إِمَّا عرضت فبلغن ... بني مازنٍ والريب أَن لَا تلاقيا) (وعطل قلوصي فِي الركاب فَإِنَّهَا ... ستفلق أكباداً وتبكي بواكيا)

. (وأبصرت نَار المازنيات موهناً ... بعلياء يثنى دونهَا الطّرف وانيا) (بعودي النجوج أَضَاء وقودها ... مهاً فِي ظلال السدر حوراً جوازيا) (بعيدٌ غَرِيب الدَّار ثاوٍ بقفرةٍ ... يَد الدَّهْر مَعْرُوفا بِأَن لَا تدانيا) (أقلب طرفِي حول رحلي فَلَا أرى ... بِهِ من عُيُون المؤنسات مراعيا) (وبالرمل منا نسوةٌ لَو شهدنني ... بكين وفدين الطَّبِيب المداويا) (فمنهن أُمِّي وابنتاها وخالتي ... وباكيةٌ أُخْرَى تهيج البواكيا) وَهَذَا تَفْسِير مَا فِيهَا على الْإِجْمَال: الغضى: شجر ينْبت فِي الرمل وَلَا يكون غضى إِلَّا فِي رمل. وأزجي: أسوق يُقَال) أزجاه إزجاء وزجاه تزجية. والنواجي: السراع. وَقَوله: فليت الغضى لم يقطع الركب عرضه: أَي: ليته طَال عَلَيْهِم الاسترواح إِلَيْهِ والشوق. والركاب: الْإِبِل جمع رَاحِلَة من غير لَفظه. وَقَوله: وليت الغضى ماشى الركاب أَي لَيْت الغضى طاولهم. وَقَوله: لقد كَانَ فِي أهل الغضى يَعْنِي بِعْت مَا كنت فِيهِ من الفتك فِي الضَّلَالَة بِأَن صرت فِي جَيش سعيد بن

عُثْمَان بن عَفَّان. وَقَوله: دَعَاني الْهوى أود بِضَم الْهمزَة قَالَ الْبكْرِيّ: مَوضِع بِبِلَاد مَازِن. . وَأنْشد هَذَا الْبَيْت وَقَالَ: الطبسان: كورتان بخراسان. يَقُول: دَعَاني هواي وتشوقي من ذَلِك الْموضع وأصحابي بالموضع الآخر. وَقَوله: أجبْت الْهوى يَقُول: لما ذكرت ذَلِك الْموضع استعبرت فَاسْتَحْيَيْت فَتَقَنَّعت بردائي لكَي لَا يرى ذَلِك مني. . قَالَ الشَّاعِر: (فكائن ترى فِي الْقَوْم من متقنع ... على عِبْرَة كَادَت بهَا الْعين تسفح) وَقَوله: لَا أَبَا ليا قَالَ القالي: روى أَبَا بِالتَّنْوِينِ وَبِغير تَنْوِين. وَقَوله: لَئِن غالت خُرَاسَان هامتي يُرِيد. أهلكت هامتي. وَقَوله: فَللَّه دري تعجب من نَفسه كَيفَ تغرب عَن وَلَده وَمَاله. قَالَ ابْن أَحْمَر: (بَان الشَّبَاب وأفنى ضعفه الْعُمر ... لله دري فَأَي الْعَيْش أنْتَظر) تعجب من نَفسه أَي عَيْش ينْتَظر. وَيُرِيد بالسانحات: الظباء سنحت لَهُ فتطير مِنْهَا. ووراء بِمَعْنى قُدَّام. قَوْله: تفتكي يرْوى تفنكي بالنُّون يُقَال: فنك فِي الشَّيْء: إِذا تَمَادى فِيهِ قَالَ الشَّاعِر: (ودع لميس وداع الصارم اللاحي ... إِذْ فَنكتَ فِي فسادٍ بعد إصْلَاح) وَقَوله: تذكرت من يبكي عَليّ يَقُول: كنت أسْتَعْمل السَّيْف وَالرمْح فهما لي خليلان وَأَنا هُنَا غَرِيب فَلَيْسَ أحد يبكي عَليّ غَيرهمَا. والمحبوك: الْفرس الْقوي. وَقَوله: وَلَكِن بِأَكْنَافِ السمينة بِلَفْظ مصغر السمنة وَهُوَ مَوضِع قريب من أود الْمَذْكُور. ومرو: مَدِينَة بخراسان.

وَقَوله: وخل بهَا جسمي: أَي: اخْتَلَّ واضطرب. وَقَوله: يقر بعيني أَن سُهَيْل بدا ليا يُرِيد أَن سهيلاً لَا يرى بِنَاحِيَة خُرَاسَان فَيَقُول: ارفعوني لعَلي أرَاهُ فتقر عَيْني لِأَنَّهُ يرى فِي بَلَده. وَقَوله: خطا: أَي: احفرا بِالرِّمَاحِ. وَقَوله: فِي رحى مستديرة الرَّحَى: مَوضِع الْحَرْب) ومستديرة: حَيْثُ يستدير الْقَوْم لِلْقِتَالِ. وَقَوله: الْبيض الحسان الروانيا: أَي: النواظر جمع رانية والرنو: النّظر الدَّائِم. والغر: الْبيض. والوالون: جمع وَال. والموالي: بَنو الْعم وَالْأَقْرَبُونَ. والبث: أَشد الْحزن. وَقَوله: رحى الْمثل هُوَ بِضَم الْمِيم وَسُكُون الْمُثَلَّثَة: مَوضِع بفلج يُقَال لَهُ: رحى الْمثل وفلج: مَوضِع فِي بِلَاد بني مَازِن وَهُوَ فِي طَرِيق الْبَصْرَة إِلَى مَكَّة. وَقَوله: حلوها: نزلُوا بهَا. وَأَرَادَ بالبقر النِّسَاء ويروى: جم الْقُرُون أَي: لَيست لَهَا قُرُون شبهها بالبقر. وسواجي: سواكن. والْعين: بقر الْوَحْش والأعين: ثوره. والخزامى بِالْقصرِ خيري الْبر زهره أطيب الأزهار نفحة. والأقاحي: جمع أقحاء وَهُوَ جمع. والعيس: الْإِبِل الَّتِي تضرب إِلَى الْبيَاض. والعبالى: جمع عبلى وَهِي الضخمة. والمتان: جمع متن وَهُوَ مَا صلب من الأَرْض. وعنيزة: قارة سَوْدَاء فِي وَادي بطن فلج. والمبقيات: الَّتِي تبقي سَيرهَا. والنواجي: الَّتِي تنجو سَيرهَا أَي: تسرع. والمرنباني: كسَاء من خَز وَيُقَال: مطرف من وبر الْإِبِل. وهابياً: من هبا هبوا. وَقَوله: رهينة أَحْجَار أَي: فِي الْقَبْر على الترب وَالْحِجَارَة. والقرارة بطن الْوَادي حَيْثُ يسْتَقرّ المَاء وصيره مثلا للقبر وبطنه. وَقَوله:

يَد الدَّهْر يُقَال: يَد الدَّهْر ومدى الدَّهْر وأبد الدَّهْر وَكله وَاحِد. ومَالك بن الريب بِفَتْح الرَّاء وَسُكُون الْمُثَنَّاة التَّحْتِيَّة هُوَ من مَازِن تَمِيم وَكَانَ لصاً يقطع الطَّرِيق مَعَ شظاظ الضَّبِّيّ الَّذِي يضْرب بِهِ الْمثل فَيُقَال: ألص من شظاظ. قَالَ القالي فِي ذيل أَمَالِيهِ: قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: لما ولى مُعَاوِيَة سعيد بن عُثْمَان بن عَفَّان خُرَاسَان سَار فِيمَن مَعَه فَأخذ طَرِيق فَارس فَلَقِيَهُ بهَا مَالك بن الريب بن حوط بن قرط بن حسل بن ربيعَة بن كابية بن حرقوص بن مَازِن بن مَالك بن عَمْرو بن تَمِيم وَأمه شهلة بنت سنيح بن الْحر بن ربيعَة بن كابية بن حرقوص بن مَازِن قَالَ: وَكَانَ مَالك بن الريب فِيمَا ذكر من أجمل الْعَرَب جمالاً وأبينهم بَيَانا. فَلَمَّا رَآهُ سعيد أعجبه وَقَالَ أَبُو الْحسن الْمَدَائِنِي: بل كَانَ مر بِهِ سعيد بن عُثْمَان بالبادية وَهُوَ منحدر من الْمَدِينَة يُرِيد الْبَصْرَة حِين ولاه مُعَاوِيَة خُرَاسَان وَمَالك فِي نفر من أَصْحَابه. فَقَالَ لَهُ: وَيحك يَا مَالك مَا الَّذِي يَدْعُوك إِلَى مَا يبلغنِي عَنْك من العداء وَقطع الطَّرِيق قَالَ: أصلح الله الْأَمِير الْعَجز عَن مُكَافَأَة الإخوان. قَالَ: فَإِن أغنيتك واستصحبتك أتكف عَمَّا تفعل وتتبعني قَالَ: نعم أصلح الله الأميرّ أكف كفا مَا كف أحدٌ أحسن مِنْهُ.) فاستصحبه وأجرى عَلَيْهِ خَمْسمِائَة دِينَار فِي كل شهر وَكَانَ مَعَه حَتَّى قتل

بخراسان. قَالَ: وَمكث مَالك بخراسان فَمَاتَ هُنَاكَ فَقَالَ يذكر مَرضه وغربته. وَقَالَ بَعضهم بل مَاتَ فِي غَزْو سعيد طعن فَسقط وَهُوَ بآخر رَمق وَقَالَ آخَرُونَ: بل مَاتَ فِي خَان فرثته الْجِنّ لما رَأَتْ من غربته ووحدته وَوضعت الْجِنّ الصَّحِيفَة الَّتِي فِيهَا القصيدة تَحت رَأسه. وَالله أعلم أَي ذَلِك كَانَ. قَالَ ابْن قُتَيْبَة: وَمن شعره يهجو الْحجَّاج: (فَإِن تنصفوا يَا آل مَرْوَان نقترب ... إِلَيْكُم وَإِلَّا فأذنوا ببعاد) (فَإِن لنا عَنْكُم مزاحا ونزحةً ... بعيسٍ إِلَى ريح الفلاة صوادي) (فَمَاذَا عَسى الْحجَّاج يبلغ جهده ... إِذا نَحن جاوزنا حفير زِيَاد) (فَلَولَا بَنو مَرْوَان كَانَ ابْن يوسفٍ كَمَا كانعبداً من عبيد إياد ... زمَان هُوَ العَبْد الْمقر بذلةٍ) وَلَيْسَ لَهُ عقب. وَمِمَّا سبق إِلَيْهِ فَأخذ عَنهُ قَوْله: (العَبْد يقرع بالعصا ... وَالْحر يَكْفِيهِ الْوَعيد)

وَقَالَ آخر: (العَبْد يقرع بالعصا ... وَالْحر تكفيه الْمَلَامَة) وَقَالَ آخر: العَبْد يقرع بالعصا وَالْحر تكفيه الْإِشَارَة أنْشد فِيهِ وهوالشاهد السَّادِس عشر بعد الْمِائَة) وَهُوَ من شَوَاهِد س: (يَاذَا المخوفنا بمقتل شَيْخه ... حجرٍ تمني صَاحب الأحلام) على أَن المخوفنا نعت لاسم الْإِشَارَة الْوَاقِع الْمَبْنِيّ على ضمة وَهُوَ مُضَاف إِلَى ضمير الْمُتَكَلّم مَعَ الْغَيْر إِضَافَة لفظية. قَالَ ابْن الشجري: هَذَا سَهْو فَإِن الضَّمِير فِي المخوفنا مَنْصُوب لَا مجرور. وَيَأْتِي بَيَانه فِي الشَّاهِد الْعشْرين. وأل مَوْصُولَة بِمَعْنى الَّذِي. وبمقتل مُتَعَلق بالمخوف وَهُوَ مصدر

مُضَاف إِلَى مَفْعُوله وَالْفَاعِل مَحْذُوف. أَي: يَا من يخوفنا بِسَبَب قتلنَا شَيْخه وَأَرَادَ بشيخه: أَبَاهُ. وحجر: بدل من شَيْخه أَو عطف بَيَان لَهُ وَهُوَ بِضَم الْحَاء وَسُكُون الْجِيم: اسْم وَالِد امْرِئ الْقَيْس. وَقَوله: تمني صَاحب الأحلام مَنْصُوب على أَنه مصدر عَامله مَحْذُوف أَي: تمنيت تمني صَاحب الأحلام فَإنَّك لَا تقدر على الانتقام. والأحلام: جمع حلم بِضَمَّتَيْنِ وَهُوَ الرُّؤْيَا. وَهَذَا الْبَيْت لِعبيد بن الأبرص الْأَسدي يُخَاطب بِهِ امْرأ الْقَيْس صَاحب الْمُعَلقَة الْمَشْهُورَة. (لَا تبكنا سفهاً وَلَا سَادَاتنَا ... وَاجعَل بكاءك لِابْنِ أم قطام) وَسبب قَول عبيد هَذَا الشّعْر: أَن قوم عبيد بني أَسد قتلوا أَبَا امْرِئ الْقَيْس حجرا وَهُوَ ابْن أم قطام كَمَا تقدم بَيَانه فِي الشَّاهِد التَّاسِع وَالْأَرْبَعِينَ فتوعدهم امْرُؤ الْقَيْس بقوله: (وَالله لَا يذهب شَيْخي بَاطِلا ... حَتَّى أبيد مَالِكًا وكاهلا) وهما حَيَّان من بني أَسد. فَقَالَ لَهُ عبيد ذَلِك وَجعل وعيده كَاذِبًا وَمَا تمناه فيهم غير وَاقع كأضغاث أَحْلَام وَقَالَ عبيد أَيْضا: (يَا ذَا المخوفنا بقت ... ل أَبِيه إذلالاً وحينا) (أزعمت أَنَّك قد قتل ... ت سراتنا كذبا ومينا) (هلا على حجر بن أم ... قطام تبْكي لَا علينا) (إِنَّا إِذا عض الثقا ... ف بِرَأْس صعدتنا لوينا) (نحمي حقيقتنا وبع ... ض الْقَوْم يسْقط بَين بَينا)

. (هلا سَأَلت جموع كن ... دة يَوْم ولوا: أَيْن أَيّنَا) (أَيَّام نضرب هامهم ... ببواترٍ حَتَّى انحنينا)) (وجموع غَسَّان الملو ... ك أتينهم وَقد انطوينا) (وَاعْلَم بِأَن جيادنا ... آلين لَا يقضين دينا) (وَلَقَد أبحنا مَا حمي ... ت وَلَا مُبِيح لما حمينا) وَهَذَا نصف القصيدة. وَقَوله: إذلالاً مفعول ثَان للتخويف وَهُوَ مصدر أذله الله متعدي ذل الرجل: إِذا ضعف وَهَان. والْحِين بِالْفَتْح الْهَلَاك مصدر حَان. والسراة بِفَتْح السِّين: الْأَشْرَاف جمع سري وَأَصله سروي على وزن فعول من السرو وَهُوَ كرمٌ فِي مُرُوءَة. والمين: مرادف للكذب. والثقاف بِكَسْر الْمُثَلَّثَة: مَا يسوى بِهِ الرماح. والصعدة بِالْفَتْح قَالَ فِي الصِّحَاح: هِيَ الْقَنَاة المستوية تنْبت كَذَلِك لَا تحْتَاج إِلَى تثقيف وَقيل: الرمْح الْقصير ولوى الرجل رَأسه وألوى بِرَأْسِهِ: أماله وَأعْرض. والحقيقة مَا يحِق على الرجل أَن يحميه كالأهل وَالْولد وَالْجَار. وَقَالَ فِي الصِّحَاح: هَذَا الشَّيْء بَين بَين أَي: بَين الْجيد والرديء. ثمَّ أنْشد هَذَا لبيت وَقَالَ: أَي: يتساقط ضَعِيفا غير مُتَعَدٍّ بِهِ. وَألف بَين

الثَّانِي إشباع وبنيا لتضمنهما لواو الْعَطف. والبواتر: جمع باتر وَهُوَ السَّيْف الْقَاطِع وَكَأَنَّهُ لحظ فِي السَّيْف معنى الحديدة أَو آلَة الْقطع فَجَمعه هَذَا الْجمع يدلك عَلَيْهِ انحنين بضمير الْإِنَاث الْعَائِد إِلَى البواتر وَأَنه غلب عَلَيْهِ الاسمية. والألى بِمَعْنى الَّذين اسْم مَوْصُول وحذفت الصِّلَة لادعاء شهرتها أَي: نَحن الَّذين عرفُوا بالشجاعة. والْجِيَاد: جمع جواد وصفٌ من جاد الْفرس: أَي: صَار رائعاً يجود جودة بِالضَّمِّ فَهُوَ جواد للذّكر وَالْأُنْثَى. وآلين: أَي: حلفن من الألية بِمَعْنى الْيَمين. وَعبيد هُوَ بِفَتْح الْعين وَكسر الْمُوَحدَة ابْن الأبرص بن عَوْف بن جشم ابْن عَامر بن مَالك بن زُهَيْر بن مَالك بن الْحَارِث بن سعد بن ثَعْلَبَة بن دودان بن أَسد ابْن خُزَيْمَة بن مدركة بن إلْيَاس بن مُضر الْأَسدي الشَّاعِر من فحول شعراء الْجَاهِلِيَّة. جعله ابْن سَلام الجُمَحِي فِي الطَّبَقَة الرَّابِعَة من فحول الْجَاهِلِيَّة وَقرن بِهِ طرفَة وعلقمة بن عَبدة. قَالَ ابْن قُتَيْبَة فِي كتاب الشُّعَرَاء: عَاشَ عبيد هَذَا أَكثر من ثلثمِائة سنة. وَقَالَ أَبُو حَاتِم السجسْتانِي فِي كتاب المعمرين: عَاشَ عبيد مِائَتي سنة وَعشْرين سنة. وَيُقَال: بل ثلثمِائة سنة وَقَالَ فِي ذَلِك: (ولتأتين بعدِي قُرُون جمةٌ ... ترعى مخارم أيكةٍ ولدودا)) (فالشمس طالعةٌ وليلٌ كاسفٌ ... والنجم يجْرِي أنحساً وسعودا) ...

(حَتَّى يُقَال لمن تعرق دهره: ... يَا ذَا الزمانة هَل رَأَيْت عبيدا) (مِائَتي زمانٍ كاملٍ ونصيةً ... عشْرين عِشْت معمرا مَحْمُودًا) (أدْركْت أول ملك نصرٍ ناشئاً ... وَبِنَاء شدادٍ وَكَانَ أبيدا) (مَا تبتغي من بعد هَذَا عيشة ... إِلَّا الخلودا وَلنْ تنَال خلودا) (وليفنين هَذَا وَذَاكَ كِلَاهُمَا ... إِلَّا الْإِلَه وَوَجهه المعبودا) وَقَالَ أَيْضا: (فنيت وأفناني الزَّمَان وأصبحت ... لداتي بَنو نعشٍ وزهر الفراقد) وَمن شعره: (تذكرت أهل الْخَيْر والباع والندى ... وَأهل عتاق الْخَيل وَالْخمر وَالطّيب) (فَأصْبح مني كل ذَلِك قد خلا ... وَأي فَتى فِي النَّاس لَيْسَ بمكذوب) (ترى الْمَرْء يصبو للحياة وطيبها ... وَفِي طول عَيْش الْمَرْء برحٌ بتعذيب) ومضمون الْبَيْت الْأَخير مِمَّا تداوله النَّاس قَدِيما وحديثاً قَالَ بعض شعراء الْجَاهِلِيَّة: (كَانَت قناتي لَا تلين لغامزٍ ... فألانها الإصباح والإمساء)

وَقَالَ النمر بن تولب الصَّحَابِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: (يود الْفَتى طول السَّلامَة والبقا ... فَكيف ترى طول السَّلامَة يفعل) وَتَبعهُ حميد بن ثَوْر الْهِلَالِي الصَّحَابِيّ أَيْضا رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: (أرى بَصرِي قد رَابَنِي بعد صحةٍ ... وحسبك داءٌ أَن تصح وتسلما) (ودعوت رَبِّي بالسلامة جاهداً ... ليصحني فَإِذا السَّلامَة دَاء) وَفِي مَعْنَاهُ قَول الخيمي من الْمُتَأَخِّرين: إِذا كَانَ موت الْمَرْء إفناء عمره فَفِي مَوته من يَوْم يُولد يشرع وَأحسن من هَذَا كُله قَوْله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: كفى بالسلامة دَاء فَإِنَّهُ أبلغ وأوجز وأسلس وأرشق مِمَّا ذكر. قَالَ مُحَمَّد بن حبيب فِي كتاب من قتل من الشُّعَرَاء: وَمِنْهُم عبيد بن البرص الْأَسدي وَكَانَ الْمُنْذر بن امْرِئ الْقَيْس اللَّخْمِيّ بن مَاء السَّمَاء وَهُوَ الَّذِي يُسمى ذَا القرنين وَهُوَ جد النُّعْمَان بن) الْمُنْذر لَهُ يَوْم بؤس وَيَوْم نعيم

وَكَانَ يقتل أول من رأى فِي يَوْم بؤسه فَخرج الْمُنْذر فِي يَوْم بؤسه فلقي عبيد بن الأبرص فَقَالَ لَهُ: هلا كَانَ الْمَذْبُوح غَيْرك يَا عبيد فَقَالَ: أتتك بحائن رِجْلَاهُ وأرسله مثلا فَقَالَ لَهُ: أنشدنا يَا عبيد فَقَالَ: حَال الجريض دون القريض وَبلغ الحزام الطبيين وأرسلهما مثلا فَقَالَ لَهُ أَنْشدني فَقَالَ: المنايا على الحوايا وأرسله مثلا فَقَالَ بعض الْقَوْم: أنْشد الْملك هبلتك أمك فَقَالَ: وَمَا قَول قَائِل مقتول وأرسله مثلا وَقَالَ آخر: مَا أَشد جزعك بِالْمَوْتِ فَقَالَ: لَا يرحلن رحلك من لَيْسَ مَعَك وأرسله مثلا فَقَالَ الْملك: قد أمللتني فأرحني قبل أَن آمُر بك فَقَالَ عبيد: من عز بز وأرسله مثلا فَقَالَ الْملك: أنشدنا قَوْلك: فأنشده: أقفر من أَهله عبيد فاليوم لَا يُبْدِي وَلَا يُعِيد وَأنْشد هَذَا الْبَيْت صَاحب الْكَشَّاف عِنْد قَوْله تَعَالَى: قل جَاءَ الْحق وَمَا يبدئ الْبَاطِل وَمَا يُعِيد على أَن هَذِه الْكَلِمَة قد صَارَت مثلا فِي الْهَلَاك من غير نظر إِلَى مفرداتها وَهُوَ فِي الأَصْل كِنَايَة لِأَن الْهَالِك لم يبْق لَهُ إبداء وَلَا إِعَادَة كَمَا يُقَال: لَا يَأْكُل وَلَا يشرب أَي: مَاتَ. فَقَالَ لَهُ الْملك: وَيحك يَا عبيد أَنْشدني قبل أَن أذبحك فَقَالَ عبيد: وَالله إِن مت مَا ضرني فَقَالَ لَهُ: لابد من الْمَوْت فاختر: إِن شِئْت من الأكحل وَإِن شِئْت من الأبجل وَإِن شِئْت من الوريد: فَقَالَ عبيد:

ثَلَاث خصالٍ كسحابات عَاد واردها شَرّ وراد وحاديها شَرّ حاد ومعادها شَرّ معاد وَلَا خير فِيهَا لمرتاد فَإِن كنت لابد قاتلي فاسقني الْخمر حَتَّى إِذا ذهلت مِنْهَا ذواهلي وَمَاتَتْ لَهَا مفاصلي فشأنك وَمَا تُرِيدُ. فَفعل بِهِ مَا أَرَادَ فَلَمَّا طابت نَفسه ودعا بِهِ ليَقْتُلهُ أنشأ يَقُول: (وخيرني ذُو الْبُؤْس يَوْم بؤسه ... خِصَالًا أرى فِي كلهَا الْمَوْت قد برق) (كَمَا خيرت عادٌ من الدَّهْر مرّة ... سحائب مَا فِيهَا لذِي خيرة أنق) (سحائب ريح لم توكل ببلدة ... فتتركها إِلَّا كَمَا لَيْلَة الطلق) الشَّاهِد السَّابِع عشر بعد الْمِائَة) وَهُوَ من شَوَاهِد س: (إِنِّي وأسطارٍ سطرن سطراً ... لقائلٌ: يَا نصر نصرٌ نصرا) على أَن التوكيد اللَّفْظِيّ فِي النداء حكمه فِي الْأَغْلَب حكم الأول وَقد يجوز إعرابه رفعا ونصباً فنصر الثَّانِي رفع إتباعاً للفظ الأول وَالثَّالِث نصب إتباعاً لمحل الأول.

وَضعف الشَّارِح الْمُحَقق الْبَدَل وَالْبَيَان فِي مثله وَقَالَ: لِأَنَّهُمَا يفيدان مَالا يفِيدهُ الأول من غير معنى التَّأْكِيد وَالثَّانِي فِيمَا نَحن فِيهِ لَا يُفِيد إِلَّا التَّأْكِيد. وَمنع أَبُو حَيَّان كَونه من التَّأْكِيد اللَّفْظِيّ أَو الْبَدَل وحصره فِي الْبَيَان فَقَالَ: لَا يجوز أَن يكون نصر الثَّانِي توكيداً لفظياً. قيل: لتنوينه وَالْأول لَيْسَ كَذَلِك ورد بِأَن هَذَا الْقدر من الِاخْتِلَاف مغتفر فِي التَّأْكِيد اللَّفْظِيّ. وَقيل: للِاخْتِلَاف فِي التَّعْرِيف: فيا نصر عرف بالإقبال عَلَيْهِ لَا بالعلمية وَالثَّانِي معرف بالعلمية فَكَمَا لَا يجوز جعل الثَّانِي فِي: جَاءَ الْغُلَام غُلَام زيد تَأْكِيدًا لفظياً لاختلافهما فِي التَّعْرِيف فَكَذَلِك هَذَا. وَلَا يجوز أَن يكون بَدَلا لِأَنَّهُ منون وَلَا نعتاً لِأَنَّهُ علم. ثمَّ قَالَ أَبُو حَيَّان: وَلَا يجوز ان يكون مَرْفُوعا على أَن خبر مُبْتَدأ مُضْمر وَلَا نَصبه على إِضْمَار فعل لِأَن هَذَا النَّوْع من الْقطع إِنَّمَا تَكَلَّمت بِهِ الْعَرَب إِذا قصدت الْبَيَان أَو الْمَدْح أَو الذَّم أَو الترحم وَنصر لَا يفهم مِنْهُ شَيْء من ذَلِك. وَفِيه أَنه يَصح نَصبه على الْمَدْح بِدَلِيل مَا بعده وَهُوَ: (بلغك الله فَبلغ نصرا ... نصر بن سيارٍ يثبني وفرا) فَإِنَّهُ رُوِيَ أَن نصرا فِي الْبَيْت الأول وَهُوَ صَاحب نصر بن سيار مَنعه من الدُّخُول إِلَى نصر بن سيار وَهُوَ أَمِير خُرَاسَان فِي الدولة الأموية فتلطف بِهِ وَأقسم لَهُ بِأَنَّهُ يَدْعُو لَهُ وَطلب مِنْهُ المعونة. وَقَول خضر الْموصِلِي شَارِح شَوَاهِد التفسيرين: بِأَنَّهُ يجوز نَصبه

على الذَّم لِأَن الْحَاجِب مَنعه من الدُّخُول إِلَى الْأَمِير غفلةٌ عَن الْبَيْت الثَّانِي. وَرُوِيَ نَصبه أَيْضا: إِمَّا لما ذكرنَا وَإِمَّا للإتباع على مَحل الأول وَإِمَّا لِأَنَّهُ مصدر بدل من فعل الْأَمر أَي: انصرني وَقَالَ بدر الدَّين فِي شرح الْخُلَاصَة: يجوز كَونه مصدرا دعائياً كسقياً) ورعياً فَيكون نصر الثَّالِث تَأْكِيدًا على الْوُجُوه الثَّلَاثَة. وروى الْجرْمِي عَن أبي عُبَيْدَة أَن النَّصْر: الْعَطِيَّة يُرِيد: يَا نصر عَطِيَّة عَطِيَّة. وَيَردهُ رِوَايَة وَزعم أَبُو عُبَيْدَة أَيْضا: أَن نصرا الثَّانِي هُوَ حَاجِب نصر بن سيار وَالْأول هُوَ ابْن سيار فنصبه على الإغراء أَي: يَا نصر عَلَيْك نصرا. وَيَردهُ شَيْئَانِ: رِوَايَة الرّفْع وَالدُّعَاء وَفِيه أَيْضا غَفلَة عَن الْبَيْت الثَّانِي. وروى فِي نصر الثَّانِي أَيْضا ضمه بِلَا تَنْوِين كَالْأولِ على أَنه توكيد لَفْظِي لَهُ تبعه فِي الْبناء. وروى صَاحب اللّبَاب فِيهِ وَجها رَابِعا: وَهُوَ جَرّه مَعَ نصب الأول قَالَ شَارِحه الفالي: فَيكون الْمُضَاف إِلَيْهِ على هَذَا جِنْسا كَمَا تَقول: طَلْحَة الْخَيْر وحاتم الْجُود. والتنكير للتفخيم. وَمُلَخَّص مَا ذكرنَا: أَن نصرا الأول رُوِيَ فِيهِ وَجْهَان: ضمه ونصبه وَالثَّانِي رُوِيَ فِيهِ أَرْبَعَة أوجه: ضمه وَرَفعه ونصبه وجره وَالثَّالِث رُوِيَ فِيهِ وَجه وَاحِد وَهُوَ النصب.

وَاعْلَم أَن الصَّاغَانِي قَالَ فِي الْعباب وَتَبعهُ صَاحب الْقَامُوس: أَن اسْم الْحَاجِب إِنَّمَا هُوَ نضر بالضاد الْمُعْجَمَة وَأَن الثَّلَاثَة فِي الْبَيْت الأول بالإعجام وإهمال الصَّاد تَصْحِيف وَأما نصر فِي الْبَيْت الثَّانِي فَهُوَ بالإهمال لَا غير. وَكَذَا قَالَ ابْن يسعون: رَأَيْت فِي عرض كتاب أبي إِسْحَاق الزّجاج بِخَط يَده وَهُوَ أَصله الَّذِي قَرَأَ فِيهِ على أبي الْعَبَّاس: نضر الَّذِي هُوَ الْحَاجِب بالضاد مُعْجمَة. وأنشده سِيبَوَيْهٍ بِنصب نصر الثَّانِي قَالَ الأعلم: الشَّاهِد فِيهِ نَصبه نصرا نصرا حملا على قَالَ النّحاس: وَقد خُولِفَ فِي هَذَا: فَقَالَ الْأَصْمَعِي: النَّصْر: المعونة فَهُوَ على هَذَا مَنْصُوب على الْمصدر كَأَنَّهُ قَالَ: عوناً عونا. وَقَوله: لقَائِل خبر إِن. وَجُمْلَة الْقسم أَعنِي قَوْله: واسطار. . اعْتِرَاض بَين اسْم إِن وخبرها وَالْوَاو للقسم أَي: وَحقّ أسطار الْمُصحف وَهُوَ جمع سطر جمع قلَّة كأسطر وَفِي الْكَثْرَة: سطار وسطور وَيجمع أسطار على أساطير. وَاسْتشْهدَ صَاحب الْكَشَّاف بِهَذَا الْبَيْت عِنْد قَوْله تَعَالَى: إِن هَذَا إِلَّا أساطير الْأَوَّلين على أَن أساطير جمع أسطار بِفَتْح الْهمزَة جمع سطر. وَقَوله: يَا نصر إِلَى قَوْله بلغك الله مقول القَوْل. وَبلغ بِالتَّشْدِيدِ مُتَعَدٍّ إِلَى مفعولين ثَانِيهمَا مَحْذُوف أَي: مرادك وثلاثيه مُتَعَدٍّ إِلَى وَاحِد يُقَال

بلغت الْمنزل: إِذا وصلته. وبلغ: فعل أَمر ومفعوله الأول مَحْذُوف: أَي: أرجوزتي ومديحي) وَنَحْوهمَا. ونصر الثَّانِي عطف بَيَان للْأولِ. ويثبني مجزوم فِي جَوَاب بلغ يُقَال: أثابه الله أَي: جزاه وَأَعْطَاهُ. والوفر المَال الْكثير. وترجمة رؤبة تقدّمت فِي الشَّاهِد الْخَامِس. وَالْعجب من الصَّاغَانِي حَيْثُ رد على سِيبَوَيْهٍ فِي أَن هَذَا الشَّاهِد لَيْسَ لرؤبة وَلم يبين قَائِله. وَأما نصر بن سيار فقد كَانَ أَمِير خُرَاسَان فِي الدولة الأموية وَكَانَ أول من ولاه هِشَام بن عبد الْملك. وَكَانَت إِقَامَته فِي مرو إِلَى أَن جَاءَ أَبُو مُسلم الْخُرَاسَانِي إِلَى مرو وَأرْسل إِلَى نصر يَدعُوهُ إِلَى كتاب الله وَسنة رَسُوله والرِّضَا من آل مُحَمَّد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ. فَلَمَّا رأى نصرٌ مَا مَعَ أبي مُسلم من اليمانية والربعية والعجم وَأَنه لَا طَاقَة لَهُ بهم أظهر قبُول مَا أَتَاهُ بِهِ وَأَنه يَأْتِيهِ ويبايعه واستمهلهم ثمَّ هرب نصر إِلَى سرخس وَاجْتمعَ عَلَيْهِ ثَلَاثَة آلَاف رجل ثمَّ سَار نصر فَنزل جوَار الرّيّ وَكَاتب ابْن هُبَيْرَة يستمده وَهُوَ بواسط وَقَالَ لَهُ: أمدني بِعشْرَة آلَاف قبل أَن تمدني بِمِائَة ألف ثمَّ لَا تغني شَيْئا. فحبس ابْن هُبَيْرَة رسله وتباطأ فَأرْسل نصر إِلَى مَرْوَان بن مُحَمَّد يُعلمهُ مَا فعل ابْن هُبَيْرَة. فَكتب مَرْوَان إِلَى ابْن هُبَيْرَة يَأْمُرهُ أَن يمده. فَجهز ابْن هُبَيْرَة جَيْشًا كثيفاً أَمر عَلَيْهِم ابْن عطيف إِلَى نصر. وَلما قدم نصرٌ إِلَى الرّيّ أَقَامَ بهَا يَوْمَيْنِ ثمَّ مرض فَحمل إِلَى ساوة فَمَاتَ بهَا لِاثْنَتَيْ عشرَة لَيْلَة مَضَت من ربيع الأول من سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وَمِائَة وعمره خمس وَثَمَانُونَ سنة.

وَهَذِه نسبته من الجمهرة: نصر بن سيار بن رَافع بن حري بِفَتْح الْحَاء وَكسر الرَّاء الْمُشَدّدَة الْمُهْمَلَتَيْنِ ابْن ربيعَة بن عَامر بن هِلَال بن عَوْف بن جندع بن لَيْث وَيَنْتَهِي نسبه إِلَى مدركة بن إلْيَاس بن مُضر. وَأنْشد بعده وَهُوَ (علا زيدنا يَوْم النقا رَأس زيدكم ... بأبيض ماضي الشفرتين يمَان) على أَن الْعلم إِذا وَقع فِيهِ اشْتِرَاك لَفْظِي جَازَ إِضَافَته للتعيين. والعليمة قد ذهبت بِالْإِضَافَة كَمَا يَأْتِي بَيَانه بعد هَذَا. أوردهُ ابْن عقيل فِي شرح الألفية على أَن الْإِضَافَة من قبيل إِضَافَة الْمَوْصُوف إِلَى الْقَائِم مقَام الْوَصْف أَي: علا زيد صاحبنا رَأس زيد صَاحبكُم فَحذف الصفتان وَجعل الْمَوْصُوف خلفا عَنْهُمَا فِي الْإِضَافَة.) وَرَوَاهُ الْمبرد فِي الْكَامِل بِتَغَيُّر بعض أَلْفَاظه مَعَ بَيت آخر وَأوردهُ فِي أول الثُّلُث الثَّالِث مِنْهُ فِي بَاب هَذِه تَرْجَمته: بابٌ يجمع فِيهِ طرائف من

حسن الْكَلَام وجيد الشّعْر وَسَائِر الْأَمْثَال ومأثور الْأَخْبَار ثمَّ قَالَ: وَقَالَ رجل من طَيئ وكانرجل مِنْهُم يُقَال لَهُ زيد من ولد عُرْوَة بن زيد الْخَيل قتل رجلا من بني أَسد يُقَال لَهُ زيد ثمَّ أقيد بِهِ بعد: (علا زيدنا يَوْم الْحمى رَأس زيدكم ... بأبيض مشحوذ الغرار يمَان) وَمثله فِي أَوَاخِر زهر الْآدَاب للحصري قَالَ: قَالَ رجل من طَيئ وَكَانَ رجل مِنْهُم يُقَال لَهُ زيد من ولد عُرْوَة بن زيد الْخَيل قتل رجلا اسْمه زيد فأقاد مِنْهُ السُّلْطَان فَقَالَ يفتخر على الأسديين وَأنْشد الْبَيْتَيْنِ كَرِوَايَة الْمبرد. . وَلم أر من رَوَاهُ: يَوْم النقا وَظهر بِهَذَا أَنه شعر إسلامي. فَإِن زيد الْخَيل من الصَّحَابَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم. والمشحوذ: مفعول من شحذت السَّيْف أشحذه شحذاً من بَاب منع أَي: حددته والمشحذة بِالْكَسْرِ: المسن والتشحيذ: جعل الشَّيْء حاداً. والغرار بِكَسْر الْغَيْن الْمُعْجَمَة قَالَ فِي الصِّحَاح: والغراران. شفرتا السَّيْف وكل شَيْء لَهُ حد فحده غراره. وَقَوله: أقادكم السُّلْطَان أَي: مكنكم من قَتله قوادا وَيُقَال: أقاد السُّلْطَان الْقَاتِل بالقتيل: قَتله بِهِ قوداً. وَأنْشد بعده وهوالشاهد التَّاسِع عشر بعد الْمِائَة)

(رَأَيْت الْوَلِيد بن اليزيد مُبَارَكًا ... شَدِيدا بأحناء الْخلَافَة كَاهِله) على أَن الْعلم إِذا وَقع فِيهِ اشْتِرَاك اتفاقي جَازَ تَعْرِيفه بِاللَّامِ. يَعْنِي: وَيَزُول تَعْرِيف العلمية بِأَن يُنكر ثمَّ يعرف بِاللَّامِ. قَالَ ابْن جني فِي سر الصِّنَاعَة وَمن خطه نقلت: وَاعْلَم أَن قَوْلك: جَاءَنِي الزيدان لَيْسَ تَثْنِيَة زيد هَذَا الْعلم الْمَعْرُوف وَذَلِكَ ان الْمعرفَة لَا يَصح تثنيتها فَلَا تصح إِلَّا فِي النكرات فَلم تثن زيدا حَتَّى سلبته تَعْرِيفه فَجرى مجْرى رجل وَفرس وَحِينَئِذٍ لم يستنكر دُخُول لَام الْمعرفَة. وَقد جَاءَ فِي الشّعْر مِنْهُ قَالَ ابْن ميادة: وجدنَا الْوَلِيد بن اليزيد يُرِيد: يزِيد. وَمِمَّا يُؤَكد جَوَاز خلع التَّعْرِيف قَوْله: علا زيدنا يَوْم النقا رَأس زيدكم فإضافة الإسم تدل على أَنه قد كَانَ خلع عَنهُ مَا كَانَ فِيهِ من تعرفة وكساه التَّعْرِيف بإضافته إِيَّاه إِلَى الضَّمِير فَجرى فِي تَعْرِيفه مجْرى أَخِيك وَصَاحِبك وَلَيْسَ بِمَنْزِلَة زيد إِذا أردْت الْعلم وعَلى هَذَا: لَو سَأَلت عَن زيد عَمْرو فِي قَوْله من قَالَ: رَأَيْت زيد عمرٍ ولما جَازَت الْحِكَايَة ولكان بِالرَّفْع لَا غير ا. هـ مُلَخصا. واللَّام فِي الْوَلِيد للمح الأَصْل قَالَ بَعضهم: نُكْتَة إدخالها فِي اليزيد الإتباع للوليد. وَاسْتشْهدَ بِهِ ابْن هِشَام فِي شرح الألفية على أَن مَا لَا ينْصَرف إِذا دَخلته أل وَلَو كَانَت زَائِدَة صرف كَمَا فِي اليزيد. فَجَعلهَا زَائِدَة لَا معرفَة. ورَأَيْت هُنَا علمية. ومُبَارَكًا هُوَ الْمَفْعُول الثَّانِي. وشَدِيدا من تعدد الْمَفْعُول الثَّانِي لِأَن جزأي بَاب علم أَصلهمَا الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر وَالْخَبَر قد

يَتَعَدَّد. . وَإِن كَانَت بصرية فمباركاً حَال من مفعولها وشديداً تعدد من تعدد الْحَال أَو من ضمير مُبَارَكًا فَهِيَ حَال متداخلة وَالْوَجْه الأول وَيُؤَيِّدهُ: أَنه رُوِيَ: وجدت بدل رَأَيْت. والْوَلِيد هُوَ ابْن يزِيد بن عبد الْملك بن مَرْوَان الْأمَوِي. وشَدِيدا صفة مشبهة يعْمل عمل فعله: وكَاهِله فَاعله. وَزعم السُّيُوطِيّ أَن فعيلا أعمل لاعتماده على ذِي خبر وَفِيه الْفَصْل بَينه وَبَين مرفوعه بالجار وَالْمَجْرُور. انْتهى فَتَأمل. والأحناء: جمع حنو بِالْكَسْرِ وَهُوَ الْجَانِب والجهة وَقيل: هُوَ هُنَا بِمَعْنى السرج والقتب كني بِهِ عَن أُمُور الْخلَافَة الشاقة. والْكَاهِل مَا بَين الْكَتِفَيْنِ. وَرُوِيَ بأعباء الْخلَافَة جمع عبء) وَهُوَ كالحمل لفظا وَمعنى. وَقَالَ الْعَيْنِيّ: شبهه بالجمل الْمحمل وَشبه الْخلَافَة بالقتب: وَأَرَادَ كَأَنَّهُ يحمل شَدَائِد أُمُور الْخلَافَة. وَهَذَا الْبَيْت من قصيدة لاميةٍ لِابْنِ ميادة يمدح بهَا الْوَلِيد الْمَذْكُور وَلَيْسَ هُوَ أول القصيدة كَمَا زعم الْعَيْنِيّ بل هُوَ أول المديح وَقَبله: (هَمَمْت بقولٍ صادقٍ أَن أقوله ... وَإِنِّي على رغم الْعَدو لقائله) وَبعده: وَهَذَا كَقَوْل الشَّاعِر: (فِي المهد ينْطق عَن سَعَادَة جده ... أثر السِّيَادَة سَاطِع الْبُرْهَان) وَأول القصيدة: (أَلا تسْأَل الرّبع الَّذِي لَيْسَ ناطقاً ... وَإِنِّي على أَن لَا يبين لسائله) أَي: إِنِّي مَعَ عدم إبانته لسائله.

وترجمة ابْن ميادة تقدّمت فِي الشَّاهِد التَّاسِع عشر. والْوَلِيد بن يزِيد بُويِعَ سنة خمس وَعشْرين وَمِائَة بعد موت عَمه هِشَام بن عبد الْملك. وَقتل الْوَلِيد فِي سنة سِتّ وَعشْرين لِأَنَّهُ رمي بالْكفْر وغشيان أُمَّهَات أَوْلَاد أَبِيه. وَكَانَ منهمكاً فِي اللَّهْو وَشرب الْخمر وَسَمَاع الْغناء. وَمِمَّا اشْتهر عَنهُ: أَنه استفتح الْمُصحف الْكَرِيم فَخرج لَهُ قَوْله تَعَالَى: واستفتحوا وخاب كل جبارٍ عنيد فَأَلْقَاهُ ونصبه غَرضا ورماه بِالسِّهَامِ وَقَالَ: (تهددني بجبارٍ عنيد ... فها أَنا ذَاك جبارٌ عنيد) (إِذا مَا جِئْت رَبك يَوْم حشرٍ ... فَقل يَا رب مزقني الْوَلِيد) فَلم يلبث بعد ذَلِك إِلَّا يَسِيرا حَتَّى قتل كَذَا فِي تَارِيخ النويري وَغَيره. وَقطع رَأس الْوَلِيد وَنصب على رمحٍ وطيف بِهِ دمشق ثمَّ دفع إِلَى أَخِيه سُلَيْمَان بن يزِيد فَلَمَّا نظر إِلَيْهِ سُلَيْمَان قَالَ: بعدا لَهُ أشهد أَنه كَانَ شروباً للخمر مَاجِنًا فَاسِقًا وَلَقَد أرداني على نَفسِي وَكَانَ سُلَيْمَان هَذَا مِمَّن سعى فِي خلعه وَكَانَ عمر الْوَلِيد حِينَئِذٍ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين سنة وَقيل ثَمَانِي وَثَلَاثِينَ وَقيل غير هَذَا. وَكَانَت مُدَّة سلطنته سنة وشهرين واثنين وَعشْرين يَوْمًا.

وَأنْشد بعده وَهُوَ) الشَّاهِد الْعشْرُونَ بعد الْمِائَة) وَهُوَ من شَوَاهِد س: يَا صَاح يَا ذَا الضامر العنس على أَن الضامر العنس والمخوفنا تركيبان إضافيان قد وَقعا صفتين للمنادى الَّذِي هُوَ اسْم إِشَارَة وَصفَة المنادى إِذا كَانَت مُضَافَة وَجب نصبها فَكيف رفعت إتباعاً للمنادى الْمُفْرد وَهَذَا إشكاله ظَاهر ... وَنقل الشَّارِح لِحلِّهِ جوابين من الْإِيضَاح لِابْنِ الْحَاجِب: أَحدهمَا: أَن أل فِي الضامر وَفِي المخوفنا مَوْصُولَة وَهُوَ الْوَاقِع صفة: أَي: الَّذِي ضمرت عنسه وَالَّذِي خوفنا وَالْإِعْرَاب فِي الْحَقِيقَة للموصول لَكِن لما كَانَ على صُورَة الْحَرْف نقل إعرابه إِلَى صلته عَارِية. ثَانِيهمَا: أَن الضامر العنس والمخوفنا صفتان لصفة اسْم الْإِشَارَة أَي: يَا ذَا الرجل الضامر العنس وَيَا ذَا الرجل المخوفنا وَإِنَّمَا قدر هَذَا: لِأَن صفة اسْم الْإِشَارَة لَا تكون إِلَّا مُفْردَة وإعراب الرجل رفع فَيجب رفع وَصفه بالتبعية لَهُ. . وَهَذَا مُحَصل كَلَامه وَيفهم من هذَيْن الجوابين: أَنه لم يجز نَصبه وَهُوَ مُخَالف لما نَقله الفالي فِي شرح اللّبَاب قَالَ: جوزوا فِي نَحْو:

يَا صَاح يَا ذَا الضامر العنس نصب الضامر وَرَفعه كَمَا لَو قلت: يَا ذَا الضامر رفعا ونصباً. وَكَون الْوَصْف فِي المخوفنا مُضَافا إِلَى الضَّمِير كإضافة الضامر إِلَى العنس وَقع مثله للسيرافي قَالَ ابْن الشجري فِي أَمَالِيهِ: الثَّانِي صَحِيح لِأَن الضامر غير مُتَعَدٍّ وَالِاسْم الَّذِي بعده فِيهِ أل. وَكَون الْمخوف مثله سهوٌ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ وَلَيْسَ بعده اسْم فِيهِ أل وَأَنت لَا تَقول الْمخوف زيدٍ فَالضَّمِير فِي المخوفنا مَنْصُوب لَا مجرور. وَهَذِه الْمَسْأَلَة غير مُتَّفق عَلَيْهَا فَإِن الرماني والمبرد فِي أحد قوليه والزمخشري قد ذَهَبُوا لما قَالَه السيرافي. كَمَا نَقله الشَّارِح الْمُحَقق فِي بَاب الْإِضَافَة فَلَا يَنْبَغِي الحكم بالسهو على مثل الإِمَام السيرافي. وَأنْشد سِيبَوَيْهٍ هَذَا المصراع بِرَفْع الضامر على أَن ذَا اسْم إِشَارَة. . وَأورد عَلَيْهِ أَنه لَا يَسْتَقِيم لِأَن مَا بعده:) والرحل والأقتاب والحلس فَإِن الثَّلَاثَة معطوفة على العنس وَهِي لَا تُوصَف بالضمور. فَالصَّوَاب إنشاده بِالْجَرِّ على ان ذَا بِمَعْنى صَاحب كَمَا أنْشدهُ الْكُوفِيُّونَ. قَالَ أَبُو جَعْفَر النّحاس: أنْشدهُ س وَشبهه بِقَوْلِك: يَا ذَا الْحسن الْوَجْه. قَالَ أَبُو إِسْحَاق: وَهَذَا غلط عِنْد جَمِيع النَّحْوِيين: وَذَلِكَ أَن الرِّوَايَة بِالْجَرِّ يدلك أَن بعده: والرحل والأقتاب والحلس

وَبِه يتَبَيَّن أَن ذَا بِمَعْنى صَاحب وَكَأَنَّهُ لم يبلغهُ مَا بعده. قَالَ أَبُو جَعْفَر: سَمِعت أَبَا الْحسن الْأَخْفَش يَقُول: بَلغنِي أَن رجلا صَاح بسيبويه من منزله وَقَالَ: كَيفَ تنشد هَذَا الْبَيْت فأنشده إِيَّاه مَرْفُوعا فَقَالَ الرجل: وَإِن بعده: والرحل والأقتاب والحلس فَتَركه سِيبَوَيْهٍ وَصعد إِلَى منزله. فَقَالَ لَهُ: أبن لي علام عطف فَقَالَ سِيبَوَيْهٍ: فَلم صعدت الغرفة إِنِّي فَرَرْت من ذَلِك. وَكَذَا حكى ثَعْلَب هَذِه الْحِكَايَة فِي أَمَالِيهِ فِي موضِعين وَقَالَ: الصَّوَاب جر الضامر. وَكَذَا حكى أَبُو عَليّ فِي الْمسَائِل البصرية وَابْن جني فِي الخصائص وَقد صححوا كَلَام سِيبَوَيْهٍ أَحدهَا: قَالَ السيرافي: هَذَا من بَاب: علفتها تبناً وَمَاء بَارِدًا وَقَوله: (ياليت زَوجك قد غَدا ... مُتَقَلِّدًا سَيْفا ورمحا) على أَن يَجْعَل الثَّانِي على مَا يَلِيق بِهِ وَلَا يخرج عَن مقصد الأول: فَيكون معنى الضامر: الْمُتَغَيّر والرحل مَحْمُول عَلَيْهِ كَأَنَّهُ قَالَ: الْمُتَغَيّر العنس والرحل. وَتَبعهُ على هَذَا شرَّاح أَبْيَات الْكتاب وَأَبُو عَليّ الْفَارِسِي فِي الْمسَائِل القصرية بِالْقَافِ. ثَانِيهَا: قَالَ أَبُو عَليّ فِي إِيضَاح الشّعْر وَتَبعهُ ابْن جني فِي الخصائص:

القَوْل فِي جر الرحل: أَنه مَعْطُوف على مَا دلّ عَلَيْهِ مَا تقدم لِأَن قَوْله: يَا ذَا الضامر العنس يدل على أَنه صَاحب ضامر فَحمل الرحل على مَا دلّ عَلَيْهِ هَذَا الْكَلَام من الصاحب. ثَالِثهَا: قَالَ بعض النَّحْوِيين: إِن أَصله وَيَا صَاحب الرحل فَحذف صَاحب لدلَالَة قَوْله: يَا صَاح عَلَيْهِ وَبَقِي الْجَرّ على حَاله. قَالَ أَبُو عَليّ: يرد عَلَيْهِ أَن كَونه صاحباً للمنادى لَا يدل على أَنه صَاحب رَحل كَمَا يدل قَوْله:) يَا ذَا الضامر العنس على أَن لَهُ عنساً. رَابِعهَا: قَالَ ابْن الْحَاجِب فِي الْإِيضَاح: إِن سِيبَوَيْهٍ اسْتدلَّ بإنشاد هَذَا المصراع بِانْفِرَادِهِ على مَا رَوَاهُ الثِّقَات مِمَّن لم يعلم تتمته. وَهَذَا مصادمٌ لما نَقله ثعلبٌ والنحاس وَغَيرهمَا من تِلْكَ الْحِكَايَة. وصَاح: مرخم صَاحب. والضامر: من ضمر الْحَيَوَان وَغَيره من بَاب قعد: دق وَقل لَحْمه. والعنس بِفَتْح الْعين وَسُكُون النُّون: النَّاقة الصلبة الشَّدِيدَة. والرحل قَالَ فِي الْمِصْبَاح: كل شَيْء يعد للرحيل من وعَاء للمتاع ومركب للبعير وحلس ورسن. وَجمعه أرحل ورحال. والأقتاب: جمع قتب بِالتَّحْرِيكِ قَالَ فِي الصِّحَاح: هُوَ رَحل صَغِير على قدر السنام. وروى ابْن الشجري فِي أَمَالِيهِ بدله: والأقتاد وَقَالَ: هُوَ جمع قتد وَهُوَ خشب الرحل. والحلس بِكَسْر الْمُهْملَة: كسَاء يَجْعَل على ظهر الْبَعِير تَحت رَحْله وَالْجمع أحلاس. وَهَذَا الْبَيْت نسبه بعض شرَّاح أَبْيَات الْكتاب والزمخشري فِي مفصله لخزز بن لوذان السدُوسِي. قَالَ الْأَصْبَهَانِيّ فِي الأغاني فِي تَرْجَمَة علية بنت الْمهْدي العباسي: خزز: شَاعِر يُقَال: إِنَّه قبل امْرِئ الْقَيْس.

وخزز بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة وَفتح الزَّاي الأولى وَهُوَ فِي الأَصْل ذكر الأرنب. ولوذان بِفَتْح اللَّام وَسُكُون الْوَاو بعْدهَا ذال مُعْجمَة. وَنسبه الْأَصْبَهَانِيّ فِي الأغاني لخَالِد بن المُهَاجر وَزَاد بعده بَيْتا وَرَوَاهُ هَكَذَا: (سير النَّهَار وَلست تَاركه ... وتجد سيراً كلما تمسي) فعلى هَذَا فالرحل هُنَا بِمَعْنى برذعة الْبَعِير والأنساع: جمع نسعة بِكَسْر النُّون. قَالَ فِي الصِّحَاح: وَهِي الَّتِي تنسج عريضاً للتصدير. والسّير يكون بِالنَّهَارِ وبالليل وَيكون لَازِما كَمَا هُنَا ومتعدياً يُقَال: سرت الْبَعِير وَهُوَ مَنْصُوب على الظَّرْفِيَّة وَكَذَا النَّهَار. وتَجِد: من الْجد فِي الْأَمر بِمَعْنى الإجتهاد فِيهِ يُقَال جد يجد من بَاب ضرب وَقتل وَالِاسْم الْجد بِالْكَسْرِ. وتمسي: مضارع أَمْسَى الرجل: إِذا دخل فِي الْمسَاء والمساء: خلاف الصَّباح قَالَ ابْن الْقُوطِيَّة: هُوَ مَا بَين الظّهْر إِلَى الْمغرب. وروى صَاحب الأغاني أَيْضا: (أما النَّهَار فَلَا تقصره ... دركاً يزيدك كلما تمسي) وروى أَيْضا:)

(أما النَّهَار فَأَنت تقطعه ... رتكاً وتصبح مثل مَا تمسي) والدَّرك بِالتَّحْرِيكِ: التبعة يُقَال: مَا لحقك من دَرك فعلي خلاصه قَالَ رؤبة: مَا بَعدنَا من طلب وَلَا دَرك وتسكن راؤه أَيْضا. والرتك بِفَتْح الرَّاء وَالتَّاء تفتح وتسكن: ضرب من سير الْإِبِل فِيهِ اهتزاز وخَالِد قَالَ الْأَصْفَهَانِي: هُوَ ابْن المُهَاجر بن خَالِد بن الْوَلِيد بن الْمُغيرَة بن عبد الله بن عمر بن مَخْزُوم. وَكَانَ المُهَاجر وَالِد خَالِد مَعَ عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام بصفين وَكَانَ خَالِد على رَأْي أَبِيه هاشمي الْمَذْهَب وَدخل مَعَ بني هَاشم الشّعب فاضطغن ذَلِك ابْن الزبير عَلَيْهِ فَألْقى عَلَيْهِ زق خمر وصب بعضه على رَأسه وشنع عَلَيْهِ بِأَنَّهُ وجده ثملاً من الْخمر فَضَربهُ الْحَد. وَكَانَ عَمه عبد الرَّحْمَن بن خَالِد بن الْوَلِيد مَعَ مُعَاوِيَة فِي صفّين وَلِهَذَا كَانَ بن المُهَاجر أَسْوَأ النَّاس رَأيا فِي عَمه. ثمَّ إِن مُعَاوِيَة لما أَرَادَ أَن يظْهر الْعَهْد ليزِيد قَالَ لأهل الشَّام: إِنِّي قد كَبرت سني ورق جلدي ودق عظمي واقترب أَجلي وَأُرِيد أَن أستخلف عَلَيْكُم فَمن ترَوْنَ فَقَالُوا: عبد الرَّحْمَن بن خَالِد. فَسكت وأضمرها ودس إِلَى ابْن أَثَال الطَّبِيب فَسَقَاهُ سما فَمَاتَ وَبلغ ابْن أَخِيه خَالِد ابْن المُهَاجر خَبره وَهُوَ بِمَكَّة فَقَالَ لَهُ عُرْوَة ابْن الزبير: أتدع ابْن أَثَال يفني أوصال

عمك بِالشَّام وَأَنت بِمَكَّة مسبلٌ إزارك. تجره وتخطر فِيهِ متخايلاً فحمي خَالِد ودعا مولى لَهُ يدعى نَافِعًا فَأعلمهُ الْخَبَر وَقَالَ لَهُ: لابد من قتل ابْن أَثَال فَخَرَجَا حَتَّى قدما دمشق وَكَانَ ابْن أَثَال يُمْسِي عِنْد مُعَاوِيَة فَجَلَسَ لَهُ فِي مَسْجِد دمشق إِلَى أسطوانة وَجلسَ غُلَامه إِلَى أُخْرَى فَلَمَّا حاذاه وثب إِلَيْهِ خَالِد فَقتله وثار إِلَيْهِ من كَانَ مَعَه فحملا عَلَيْهِم فَتَفَرَّقُوا حَتَّى دخل خَالِد وَنَافِع زقاقاً ضيقا ففاتا الْقَوْم. وَبلغ مُعَاوِيَة الْخَبَر فَقَالَ: هَذَا خَالِد بن المُهَاجر اقلبوا الزقاق الَّذِي دخل فِيهِ فَأتي بِهِ. فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَة: لَا جَزَاك الله من زائرٍ خيرا قتلت طبيبي فَقَالَ خَالِد: قتلت الْمَأْمُور وَبَقِي الْآمِر فَقَالَ: عَلَيْك لعنة الله وَالله لَو كَانَ تشهد مرّة وَاحِدَة لقتلتك بِهِ أَمَعَك نَافِع قَالَ: لَا. قَالَ: بلَى وَالله مَا اجترأت إِلَّا بِهِ. ثمَّ أَمر بِطَلَبِهِ فَأتى بِهِ فَضَربهُ مائَة سَوط وَحبس خَالِدا وألزم بني مَخْزُوم دِيَة ابْن أَثَال اثْنَي عشر ألف دِرْهَم. وَقَالَ خَالِد فِي الْحَبْس: (إِمَّا خطاي تقاربت ... مشي الْمُقَيد فِي الْحصار) (فبمَا أَمْشِي فِي الأبا ... طح يقتفي أثري إزَارِي)) (دع ذَا وَلَكِن هَل ترى ... نَارا تشب بِذِي مرار) (مَا إِن تشب لقرةٍ ... للمصطلين وَلَا قتار) ...

(مَا بَال ليلك لَيْسَ ين ... قصّ طوله طول النَّهَار) (لتقاصر الْأَزْمَان أم ... غَرَض الْأَسير من الإسار) وَلما بلغت مُعَاوِيَة هَذِه الأبيات رق لَهُ وَأطْلقهُ. فَرجع إِلَى مَكَّة وَلما لَقِي عُرْوَة ابْن الزبير قَالَ: أما ابْن أَثَال فقد قتلته وَذَاكَ ابْن جرموز ينعي أوصال الزبير بِالْبَصْرَةِ فاقتله إِن كنت ثائراً. وَأنْشد بعده وَهُوَ وَهُوَ من شَوَاهِد س: جاريةٌ من قيسٍ ابْن ثَعْلَبَة على أَن تَنْوِين قيسٍ شَاذ لِأَن ابْن وَقع بَين علمين مستجمع الشُّرُوط فَكَانَ الْقيَاس حذف تَنْوِين قيس إِلَّا أَنه نونه لضَرُورَة الشّعْر. قَالَ ابْن جني فِي سر الصِّنَاعَة: من نونه لزمَه إِثْبَات الْألف فِي ابْن خطا. وَقَالَ ابْن الْحَاجِب فِي الْإِيضَاح: وَزعم قوم أَن ابْن ثَعْلَبَة بدلٌ وقصده أَن يُخرجهُ عَن الشذوذ وَهُوَ بعيد لِأَن الْمَعْنى على الْوَصْف وَأَيْضًا: فَإِن خرج عَن الشذوذ بِاعْتِبَار التَّنْوِين لم يخرج بِاعْتِبَار اسْتِعْمَال ابْن بَدَلا.

وَمن أُولَئِكَ الْقَوْم ابْن جني قَالَ فِي سر الصِّنَاعَة: إِلَى هَذَا رَأَيْت جَمِيع أَصْحَابنَا يذهبون. وَالَّذِي أرى أَن الشَّاعِر لم يرد أَن يجْرِي ابْنا وَصفا على مَا قبله وَلَو أَرَادَ لحذف التَّنْوِين وَلَكِن أَرَادَ أَن يجْرِي ابْنا بَدَلا مِمَّا قبله وحينئذٍ لم يَجْعَل مَعَه كالشيء الْوَاحِد فَوَجَبَ أَن يَنْوِي انْفِصَال ابْن مِمَّا قبله وَوَجَب أَن يبتدأ فَاحْتَاجَ إِذا إِلَى الْألف لِئَلَّا يلْزم الِابْتِدَاء بالساكن. وعَلى ذَلِك تَقول: كلمت زيدا ابْن بكر كَأَنَّك قلت: كلمت ابْن بكر فكأنك قلت: كلمت زيدا كلمت ابْن بكر لِأَن ذَلِك شَرط الْبَدَل إِذْ الْمُبدل فِي التَّقْدِير من جملَة ثَانِيَة. (كريمةٌ أخوالها والعصبة ... قبَاء ذَات سرةٍ مقعبة) (كَأَنَّهَا حقة مسكٍ مذهبَة ... ممكورة الْأَعْلَى رداح الحجبة) (كَأَنَّهَا حلية سيفٍ مذهبَة ... أَهْوى لَهَا شيخٌ شَدِيد الْعصبَة) (خاظي البضيع أيره كالخشبة ... فَضربت بالود فَوق الأرنبة)) (ثمَّ انْثَنَتْ بِهِ فويق الرَّقَبَة ... فأعلنت بصوتها: أَن يَا أبه) كل فتاةٍ بأبيها معجبة وَأَرَادَ بِجَارِيَة: امْرَأَة من الْعَرَب اسْمهَا كلبة كَانَ بَينهمَا مهاجاة وَمن قَوْلهَا فِيهِ: (ناك أَبُو كلبة أم الْأَغْلَب ... فَهِيَ على جردانه توثب) توثب الْكَلْب لحس الأرنب وجَارِيَة خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي: هَذِه جَارِيَة. ومن قيس صفة لَهَا. وَقيس بن ثَعْلَبَة: قَبيلَة.

وَهَذَا الْبَيْت من شَوَاهِد مغي اللبيب أَيْضا وَلم يُورِدهُ السُّيُوطِيّ فِي شرحها. والقباء: الضامرة الْبَطن مؤنث الأقب. من القبب وَهُوَ دقة الخصر. والمقعبة: السُّرَّة الَّتِي دخلت فِي الْبَطن وَعلا مَا حولهَا حَتَّى صَار كالقعب وَهُوَ الْقدح المقعر من الْخشب. وَضمير كَأَنَّهَا للسرة. والممكورة: المطوية الْخلق. وَأَرَادَ بالأعلى: الْبَطن والخصر. والرداح بِفَتْح الرَّاء: الْمَرْأَة الثَّقِيلَة الْأَوْرَاك. والحجبة بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَالْجِيم: رَأس الورك. وَضمير كَأَنَّهَا لِلْجَارِيَةِ. وحلية السَّيْف: زينته. ومذهبَة صفة حلية وروى الزَّمَخْشَرِيّ فِي مستقصى الْأَمْثَال: كَأَنَّهَا خلة سيفٍ مذهبَة بِكَسْر الْخَاء الْمُعْجَمَة وَتَشْديد اللَّام قَالَ فِي الصِّحَاح: الْخلَّة بِالْكَسْرِ: وَاحِدَة خلل السيوف وَهِي بطائن كَانَت تغشى بهَا أجفان السيوف منقوشة بِالذَّهَب وَغَيره. وأهوى بالشَّيْء: إِذا أَوْمَأ إِلَيْهِ وأهوى إِلَى الشَّيْء بِيَدِهِ: مدها ليأخذه إِذا كَانَ عَن قرب فَإِن كَانَ عَن بعد قيل: هوى إِلَيْهِ بِلَا ألفٍ. والخاظي بمعجمتين: المكتنز والمتداخل. والبضيع: اللَّحْم. والأير: آلَة الرجل وروى الزَّمَخْشَرِيّ فِي المستقصى عرده كالخشبة والعرد بِفَتْح الْعين وَسُكُون الرَّاء الْمُهْمَلَتَيْنِ: الشَّيْء الصلب وَأَرَادَ بِهِ الأير. والود: الوتد. والأرنبة: طرف الْأنف. وَأَن مفسرة وروى الزَّمَخْشَرِيّ: وصرخت مِنْهُ وَقَالَت يَا أبه وَقَوله: كل فتاة. . هُوَ من إرْسَال الْمثل وَلَيْسَ من كَلَامهَا قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: هُوَ مثل يضْرب

والْأَغْلَب الْعجلِيّ قَالَ الْآمِدِيّ فِي المؤتلف والمختلف: هُوَ الْأَغْلَب ابْن عَمْرو بن عُبَيْدَة) (الْحلم بعد الْجَهْل قد يثوب ... وَفِي الزَّمَان عجبٌ عَجِيب) (وعبرةٌ لَو ينفع التجريب ... واللب لَا يشقى بِهِ اللبيب) (والمرء محصىً سَعْيه مرقوب ... يهرم أَو تعتاقه شعوب) وَقَالَ ابْن قُتَيْبَة فِي كتاب الشُّعَرَاء: كَانَ الْأَغْلَب جاهلياً إسلامياً وَقتل بنهاوند. وَهُوَ أول من أَطَالَ الرجز وَكَانَ الرجل قبله يَقُول الْبَيْت والبيتين إِذا فاخر أَو شاتم. وَقد ذكره العجاج بقوله: إِنِّي أَنا الْأَغْلَب أضحى قد نشر. . وعده ابْن الْأَثِير فِي أَسد الغابة من الصَّحَابَة. قَالَ ابْن حجر فِي الْإِصَابَة: قَالَ ابْن قُتَيْبَة: أدْرك الْإِسْلَام فَأسلم وَهَاجَر ثمَّ كَانَ مِمَّن سَار إِلَى الْعرَاق مَعَ سعد فَنزل الْكُوفَة وَاسْتشْهدَ فِي وقْعَة نهاوند. وَقد استدركه ابْن الْأَثِير. قلت: لَيْسَ فِي قَوْله: وَهَاجَر مَا يدل على أَنه هَاجر إِلَى النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: فَيحْتَمل أَنه أَرَادَ: هَاجر إِلَى الْمَدِينَة بعد مَوته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ. وَلِهَذَا لم يذكرهُ أحد من الصَّحَابَة.

وَقد قَالَ المرزباني فِي مُعْجَمه: هُوَ مخضرم. وَلم يذكر ابْن قُتَيْبَة هجرته كَمَا نقلنا وَلَعَلَّه نَقله من كتاب آخر. وَالله أعلم. وَقَالَ أَبُو عبيد الْبكْرِيّ فِي شرح نَوَادِر القالي: الْأَغْلَب الْعجلِيّ آخر من عمر فِي الْجَاهِلِيَّة عمرا طَويلا وَأدْركَ الْإِسْلَام فَحسن إِسْلَامه وَهَاجَر وَاسْتشْهدَ فِي وقْعَة نهاوند. قَالَ الْآمِدِيّ: من يُقَال لَهُ الْأَغْلَب من الشُّعَرَاء ثَلَاثَة: أحدهم هَذَا. وَالثَّانِي: الْأَغْلَب الْكَلْبِيّ وَلم أجد لَهُ فِي أشعار كلب شعرًا وأظن شعره درس فَلم يدْرك وَالثَّالِث: الْأَغْلَب بن نباتة الْأَزْدِيّ ثمَّ الدوسي أنْشد لَهُ بنْدَار شعرًا فِي مَعَاني الشّعْر وَلم أر لَهُ ذكرا فِي أشعار الأزد وَأَظنهُ إسلامياً مُتَأَخِّرًا. وَأنْشد بعده وهوالشاهد الثَّانِي وَالْعشْرُونَ بعد الْمِائَة) طلب المعقب حَقه الْمَظْلُوم على أَن فَاعل الْمصدر وَإِن كَانَ مجروراً بِإِضَافَة الْمصدر إِلَيْهِ مَحَله الرّفْع فالمعقب فَاعل وَهَذَا عجز وصدره: حَتَّى تهجر فِي الرواح وهاجها

وَهُوَ من قصيدة للبيد بن ربيعَة الصَّحَابِيّ. وصف بِهِ مَعَ أَبْيَات حمارا وأتانه شبه بِهِ نَاقَته. وَقَبله: (لَوْلَا تسليك اللبانة حرةٌ ... حرجٌ كأحناء الغبيط عقيم) لَوْلَا هُنَا تخصصية. والتسلية: إِزَالَة الْهم وَضَمنَهُ معنى النسْيَان. واللبانة: الْحَاجة. والْحَرج بِفَتْح الْحَاء وَالرَّاء الْمُهْمَلَتَيْنِ وَالثَّالِث جِيم: النَّاقة الضامرة. والغبيط بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة: الرحل وَهُوَ للنِّسَاء يشد عَلَيْهِ الهودج. وأحناؤه: عيدانه فِي الصِّحَاح: الحنو بِالْكَسْرِ: وَاحِد أحناء السرج والقتب. وحنو كل شَيْء أَيْضا: اعوجاجه. والْعَقِيم: الَّتِي لَا تَلد يُرِيد: أَنَّهَا قَوِيَّة صلبة لم يصبهَا مَا يوهنها من فقد أَوْلَادهَا وَغير ذَلِك. (حرفٌ أضرّ بهَا السفار كَأَنَّهَا ... بعد الكلال مسدمٌ محجوم) الْحَرْف: النَّاقة الشَّدِيدَة. وأضرّ بالضاد الْمُعْجَمَة بِمَعْنى لصق ودنا دنواً شَدِيدا يُقَال أضرّ بفلان كَذَا: أَي: لصق بِهِ ودنا مِنْهُ. والسفار: فَاعل أضرّ وَهُوَ مصدر سَافر يُسَافر مسافرة وسفاراً. والكلال: مصدر كل من الْمَشْي: إِذا أعيا. والمسدم: اسْم مفعول يُقَال: فَحل مسدم. إِذا جعل على فَمه الكعام بِالْكَسْرِ وَهُوَ شَيْء يَجْعَل فِي فَم الْبَعِير يُقَال: كعمت الْبَعِير: إِذا شددت بِهِ فَمه فِي هياجه فَهُوَ مكعوم. والسدم بِكَسْر الدَّال: الْفَحْل الهائج المشتهي الضراب. والمحجوم: من حجمت الْبَعِير أحجمه: إِذا جعلت على فَمه حجاماً وَذَلِكَ إِذا هاج للضراب والحجام بِتَقْدِيم الْمُهْملَة الْمَكْسُورَة على الْجِيم: شَيْء يَجْعَل فِي مقدم أنف الْبَعِير كي لَا يعَض عِنْد هيجانه. (أَو مسحلٌ شنجٌ عضادة سمحجٍ ... بسراته ندبٌ لَهَا وكلوم) المسحل بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون السِّين وَفتح الْحَاء الْمُهْمَلَتَيْنِ: الْحمار الوحشي

وصف نَاقَته بأبلغ مَا يُمكن من النشاط وَالْقُوَّة على السّير وَذَلِكَ أَنه شبهها بعد أَن كلت وأعيت بالفحل الهائج أَو) بالحمار الوحشي وهما مَا هما فِي الْقُوَّة وَالْجَلد فَمَا ظَنك بِهَذِهِ النَّاقة قبل الإعياء وشنج بِفَتْح الْمُعْجَمَة وَسُكُون النُّون من الشنج وَهُوَ فِي الأَصْل التقبض وَأَرَادَ بِهِ هُنَا الملازم. والعضادة بِالْكَسْرِ: الْجنب. والسمحج بِفَتْح السِّين وَسُكُون الْمِيم وَآخره جِيم قبلهَا مُهْملَة: الأتان الطَّوِيلَة على الأَرْض. والسراة بِفَتْح الْمُهْملَة: الظّهْر. والنّدب بِفَتْح النُّون وَالدَّال أثر الْجرْح. والكلوم: الْجِرَاحَات جمع كلم بِالْفَتْح وَهَذَا الْبَيْت من شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ: أوردهُ على عضادة مَنْصُوب بشنج نصب الْمَفْعُول بِهِ يَقُول: إِنَّه ملازم لأتانه ولشدته وصلابته قد لازمها وَقبض النَّاحِيَة الَّتِي بَينهَا وَبَينه وَلم يحجزه عَن ذَلِك رمحها وعضها اللَّذَان بظهره مِنْهَا ندب وكلوم. ثمَّ أَخذ يصفه مَعَ أتانه: بِأَنَّهُمَا كَانَا فِي خصب زَمَانا حَتَّى إِذا هاج النَّبَات ونضب المَاء أسْرع مَعهَا إِلَى كل نجدٍ يُريدَان أطيب الْكلأ وأهنأ المرعى إِلَى أَن قَالَ: (يُوفي ويرتقب النجاد كَأَنَّهُ ... ذُو إربةٍ كل المرام يروم) (حَتَّى تهجر فِي الرواح وهاجها ... طلب المعقب حَقه الْمَظْلُوم) (قرباً يشج بهَا الحزون عَشِيَّة ... ربذٌ كمقلاء الْوَلِيد شتيم) يُوفي: يشرف وفاعله ضمير مسحل. والنجاد: جمع نجد وَهُوَ الْمُرْتَفع من الأَرْض أَي: يشرف على الْأَمَاكِن المرتفعة كالرقيب وَهُوَ الرجل الَّذِي

يكون ربيئة الْقَوْم يرْتَفع على مَكَان عالٍ متجسساً. والإربة بِالْكَسْرِ: الْحَاجة. وكل مفعول مقدم ليروم. والتهجر: السّير فِي الهاجرة وَهِي نصف النَّهَار عِنْد اشتداد الْحر. وَحَتَّى بِمَعْنى إِلَى. والرواح: اسْم للْوَقْت من زَوَال الشَّمْس إِلَى اللَّيْل وَهُوَ نقيض الغدو لَا الصَّباح خلافًا للجوهري. وهاجها: أزعجها. وطلب: مصدر تشبيهي أَي: هاج هَذَا المسحل أنثاه لطلب المَاء طلبا حثيثاً كَطَلَب المعقب وَهُوَ اسْم فَاعل من التعقيب وَهُوَ الَّذِي يطْلب حَقه مرّة وَاسْتشْهدَ بِهِ صَاحب الْكَشَّاف عِنْد قَوْله تَعَالَى: لَا معقب لحكمه على أَن المعقب: الْمُقْتَضِي الَّذِي يطْلب الدَّين من الْغَرِيم يُقَال: عقب فِي الْأَمر: إِذا تردد فِي طلبه مجداً. والْقرب محركة: سير اللَّيْل لورد الْغَد وَهُوَ مَنْصُوب بيشج: أَي: يقطع يُقَال: شججت الْمَفَازَة: إِذا قطعتها وَالْبَاء بِمَعْنى مَعَ. والحزون: جمع حزن بِالْفَتْح وَهُوَ مَا غلظ من الأَرْض. وربذ: أَي: هُوَ ربذ بِفَتْح الرَّاء وَكسر الْمُوَحدَة وبالذال الْمُعْجَمَة وَهُوَ السَّرِيع الْخَفِيف القوائم فِي) الْمَشْي. والمقلاء بِالْكَسْرِ وَالْمدّ كمفعال والْقلَّة بِالضَّمِّ وَالتَّخْفِيف: هما عودان يلْعَب بهما الصّبيان وَالْأول يضْرب بِهِ وَالثَّانِي ينصب ليضْرب يُقَال: قلوت الْقلَّة بالمقلاء أقلو قلواً. أَي: أَنه يَسُوقهَا كَمَا أَن المقلاء يَسُوق الْقلَّة. والشتيم: الكريه الْوَجْه يشْتم لعنفه وغلظته وَهُوَ صفة ربذ. وَقَوله: طلب المعقب حَقه يجوز أَن يكون حَقه مفعول الْمصدر

وَهُوَ الطّلب وَيكون مفعول المعقب محذوفاً وَأَن يكون مفعول المعقب لِأَنَّهُ بِمَعْنى الطَّالِب والمقتضي وَيكون مفعول الْمصدر محذوفاً: على التَّنَازُع. وَإِلَى هَذَا جنح الْفَارِسِي وَقَالَ: فَلَو قدم الْمَظْلُوم على حَقه لم يجز لِأَنَّك لَا تصف الْمَوْصُول وَهُوَ أل هُنَا حَتَّى يتم بصلته وصلته لم تتمّ بعد لِأَن حَقه من صلَة المعقب وَمن تَمَامه. وتوجيه هَذَا الشَّاهِد على مَا ذكره الشَّارِح الْمُحَقق هُوَ الْمَشْهُور والمتداول بَين النَّاس وَهُوَ ليعقوب بن السّكيت. وَقَالَ أَبُو حَيَّان فِي تَذكرته: أنْشدهُ الْفراء وَهِشَام. وهاجه بتذكير الضَّمِير على أَنه عَائِد على الْحمار وَقَالَ: الطّلب عِنْدهمَا فِي هَذِه الرِّوَايَة مَرْفُوع. وَفِي الْبَيْت تخاريج أخر. ثَانِيهمَا لأبي حَاتِم السجسْتانِي قَالَ: الْمَظْلُوم جَار على الضَّمِير الَّذِي فِي المعقب: يُرِيد أَنه بدل كل من الضَّمِير لتساويهما فِي الْمَعْنى. وَقَالَ الْعَيْنِيّ: هُوَ بدل اشْتِمَال من الضَّمِير. وَفِيه أَن بدل الاشتمال لابد لَهُ من ضمير. ثالثهما لأبي عَليّ الْفَارِسِي فِي الْمسَائِل البصرية والقصرية: وَهُوَ أَن يكون الْمَظْلُوم فَاعل الْمصدر وَيكون الْمصدر مُضَافا لمفعوله والمعقب حِينَئِذٍ مَعْنَاهُ الماطل يُقَال عقبني حَقي أَي: مطلني. وعَلى هَذَا فحقه مفعول المعقب لَا غير وَحِينَئِذٍ لَا يجوز تَقْدِيم الْمَظْلُوم عَلَيْهِ لما تقدم. وَكَأَنَّهُ قَالَ: طلب الْمَظْلُوم الماطل حَقه فَتكون الْهَاء رَاجِعَة إِلَى الْمَظْلُوم على نَحْو: ضرب غُلَامه زيدٌ لِأَنَّهَا مُتَّصِلَة بالمفعول أَي: طلب الْمَدِين الماطل حَقه أَي: حق الْمَدِين فَإِن الْحق لَهُ لَا للمستدين. وَقد يجوز أَن تكون رَاجِعَة للمستدين يُرِيد حَقه أَي: الَّذِي يجب عَلَيْهِ الْخُرُوج مِنْهُ وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: وليلبسوا عَلَيْهِم

دينهم فأضاف الدَّين إِلَيْهِم لما كَانَ وَاجِبا عَلَيْهِم الْأَخْذ بِهِ وَإِن لم وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: زينا لكل أمةٍ عَمَلهم أَي: الْعَمَل الَّذِي أمروا بِهِ وندبوا إِلَيْهِ وَشرع لَهُم. . قَالَ: وعَلى هَذَا يحْتَمل أَن تكون رَاجِعَة إِلَى المعقب بأسره وَأَن تكون رَاجِعَة إِلَى أل على قَول) أبي بكر وَأَن تكون رَاجِعَة إِلَى الَّذِي دلّت عَلَيْهِ أل على قَول أبي عُثْمَان. . وَنسب أَبُو حَيَّان فِي تَذكرته قَول الْفَارِسِي إِلَى جمَاعَة من قدماء اللغويين وَقَالَ: تلخيصه: وهاج الْحمار الأتان هيجاناً مثل طلب المعقب حَقه. وَقَالُوا: مَوضِع المعقب نصبٌ بِالطَّلَبِ وناصب الْحق المعقب وفاعل الطّلب الْمَظْلُوم. وَتَفْسِير يعقب حَقه يَطْلُبهُ مرّة بعد أُخْرَى. وَلَا يخفى أَن هَذَا تَخْلِيط بَين الْقَوْلَيْنِ. رَابِعهَا لِابْنِ جني فِي الْمُحْتَسب: أَن الْمَظْلُوم فَاعل حَقه. قَالَ فِي سُورَة النَّحْل فِي تَوْجِيه قِرَاءَة ابْن سِيرِين: وَإِن عقبتم فعقبوا. أَي: إِن تتبعتم فتتبعوا بِقدر الْحق الَّذِي لكم وَلَا تَزِيدُوا عَلَيْهِ قَالَ لبيد: (حَتَّى تهجر فِي الرواح وهاجه ... طلب المعقب ... ... ... . . الخ) أَي: هاجه طلبا مثل طلب المعقب حَقه الْمَظْلُوم أَي: عازه وَمنعه الْمَظْلُوم فحقه على هَذَا فعل حَقه يحقه أَي: لواه حَقه. وَيجوز طلب المعقب حَقه فتنصب حَقه بِنَفس الطّلب مَعَ نصب طلب كَمَا تنصبه مَعَ رَفعه والمظلوم صفة المعقب على مَعْنَاهُ دون لَفظه أَي: أَن طلب

هَذَا كَلَامه. وَعَلِيهِ فَينْظر: مَا فَاعل حَقه مَعَ نصب طلب وَأما مَعَ رَفعه فَهُوَ فَاعل هاجه. وَينظر أَيْضا: مَا مَوضِع جملَة حَقه الْمَظْلُوم من الْإِعْرَاب. على أَن حَقه بِمَعْنى لواه حَقه لم أَجِدهُ فِي كتب اللُّغَة. وَقَوله: كَمَا تنصبه أَي: تنصب الْحق. وَقَوله: مَعَ رَفعه أَي: مَعَ رفع الطّلب. وَقَوله: فِي الْمَوْضِعَيْنِ جَمِيعًا أَي: فِي نصب الطّلب وَرَفعه وَبِالْجُمْلَةِ كَلَامه هُنَا خلاف كَلَام النَّاس وَفِيه تعقيد لَا يظْهر مَعَه المُرَاد. فَلْيتَأَمَّل. وَقَالَ ابْن بري فِي شرح أَبْيَات الْإِيضَاح لأبي عَليّ. قَوْله: وهاجه أَي: أثاره يَعْنِي العير وَالْفَاعِل التهجر أَو الطّلب وَالتَّقْدِير: هاجه مثل طلب المعقب فَحذف الْمُضَاف ويروى: هاجها أَي: هاج العير الأتان وطلب مَنْصُوب على الْمصدر بِمَا دلّ عَلَيْهِ الْمَعْنى أَي: طلب المَاء كَطَلَب المعقب وَإِن شِئْت جعلته مَفْعُولا من أَجله أَي: هاجها للطلب وحَقه مفعول بِالْمَصْدَرِ والمعقب فَاعل أضيف إِلَيْهِ الْمصدر وَهُوَ الَّذِي يتبع عقب الْإِنْسَان فِي طلب حق أَو نَحوه والمظلوم نعت للمعقب على الْموضع. وَقَالَ يَعْقُوب: المعقب: الماطل عقبني حَقي أَي: مطلني. فعلى هَذَا يكون المعقب مَفْعُولا والمظلوم فَاعِلا. وَقيل: الْمَظْلُوم بدل من الضَّمِير فِي) الصَّحَابِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه. قدم على النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ سنة وَفد قومه بَنو جَعْفَر بن كلاب فَأسلم وَحسن إِسْلَامه. وَكَانَ لبيد وعلقمة بن علاثة العامريان من الْمُؤَلّفَة قُلُوبهم وَهُوَ مَعْدُود فِي فحول الشُّعَرَاء المجودين كَذَا فِي بَاب الِاسْتِيعَاب. وَقَالَ ابْن قُتَيْبَة فِي كتاب الشُّعَرَاء: كنيته أَبُو عقيل. وَكَانَ من شعراء

الْجَاهِلِيَّة وفرسانهم. وَكَانَ الْحَارِث بن أبي شمر الغساني وَهُوَ الْأَعْرَج وَجه إِلَى الْمُنْذر بن مَاء السَّمَاء مائَة فارسٍ وَأمره عَلَيْهِم فَسَارُوا إِلَى معسكر الْمُنْذر وأظهروا أَنهم أَتَوْهُ داخلين عَلَيْهِ فِي طَاعَته فَلَمَّا تمكنوا مِنْهُ قَتَلُوهُ وركبوا خيلهم فَقتل أَكْثَرهم وَنَجَا لبيد فَأتى ملك غَسَّان فَأخْبرهُ فَحمل الغسانيون على عَسْكَر الْمُنْذر فهزموهم فَهُوَ يَوْم حليمة. وحليمة: بنت ملك غَسَّان وَكَانَت طيبت هَؤُلَاءِ الفتيان وألبستهم الأكفان. وَلما أسلم مَعَ قومه رَجَعَ قومه إِلَى بِلَادهمْ وَقدم هُوَ الْكُوفَة فَأَقَامَ بهَا إِلَى أَن مَاتَ فَدفن فِي صحراء بني جَعْفَر بن كلاب. وَيُقَال: إِن وَفَاته كَانَت فِي أول مُدَّة مُعَاوِيَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه وَمَات وَهُوَ ابْن مائَة وَسبع وَخمسين سنة. انْتهى. وَقَالَ فِي الِاسْتِيعَاب: قد قيل: إِنَّه مَاتَ بِالْكُوفَةِ أَيَّام الْوَلِيد بن عقبَة فِي خلَافَة عُثْمَان وَهُوَ أصح. فَبعث الْوَلِيد إِلَى منزله عشْرين جزوراً فنحرت عَنهُ. ثمَّ قَالَ ابْن قُتَيْبَة: وَلم يقل شعرًا فِي الْإِسْلَام إِلَّا بَيْتا وَاحِدًا قَالَ أَبُو الْيَقظَان وَهُوَ قَوْله: وَقَالَ غَيره: بل هُوَ قَوْله: (الْكَامِل) (مَا عَاتب الْمَرْء الْكَرِيم كنفسه ... والمرء يصلحه الجليس الصَّالح) وَكتب عمر بن الْخطاب إِلَى عَامله الْمُغيرَة بن شُعْبَة بِالْكُوفَةِ: أَن استنشد من عنْدك من شعراء مصرك مَا قَالُوهُ فِي الْإِسْلَام. فَأرْسل إِلَى الْأَغْلَب الْعجلِيّ أَن أَنْشدني فَقَالَ: (لقد طلبت هيناً مَوْجُودا ... أرجزاً تُرِيدُ أم قصيدا)

ثمَّ أرسل إِلَى لبيد: أَن أَنْشدني فَقَالَ: إِن شِئْت مَا عُفيَ عَنهُ يَعْنِي الْجَاهِلِيَّة قَالَ: لَا مَا قلت فِي الْإِسْلَام. فَانْطَلق إِلَى بَيته فَكتب سُورَة الْبَقَرَة فِي صحيفَة ثمَّ أَتَى بهَا فَقَالَ: أبدلني الله هَذِه فِي الْإِسْلَام مَكَان الشّعْر. فَكتب بذلك الْمُغيرَة إِلَى عمر فنقص من عَطاء الْأَغْلَب خَمْسمِائَة وزادها فِي عَطاء لبيد فَكَانَ عطاؤه أَلفَيْنِ وَخَمْسمِائة. فَكتب الْأَغْلَب إِلَى عمر: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ تنقص عطائي أَن أطعتك فَرد عَلَيْهِ خَمْسمِائَة وَأقر لبيداً على الْأَلفَيْنِ والخمسمائة فَلَمَّا كَانَ زمن) مُعَاوِيَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه وَأَرَادَ أَن يَجْعَل عطايا النَّاس أَلفَيْنِ قَالَ لَهُ: هَذَانِ الفودان فَمَا هَذِه العلاوة فَقَالَ لَهُ لبيد: أَمُوت وَيبقى لَك الفودان والعلاوة وَإِنَّمَا أَنا هَامة الْيَوْم أَو غَد فرق لَهُ وَترك عطاءه على حَاله. فَمَاتَ بعد ذَلِك بِيَسِير وَلم يقبضهَا. وَفِي الِاسْتِيعَاب: ذكر الْمبرد وَغَيره: أَن لبيداً كَانَ شريفاً فِي الْجَاهِلِيَّة وَالْإِسْلَام وَكَانَ نذر أَن لَا تهب الصِّبَا إِلَّا نحر وَأطْعم وَأَن الصِّبَا هبت يَوْمًا وَهُوَ بِالْكُوفَةِ مقتر مملق فَعلم بذلك الْوَلِيد بن عقبَة بن أبي معيط وَكَانَ أَمِيرا عليهالعثمان فَخَطب النَّاس فَقَالَ: إِنَّكُم قد عَرَفْتُمْ نذر أبي عقيل وَمَا وكد على نَفسه فأعينوا أَخَاكُم. ثمَّ نزل فَبعث إِلَيْهِ بِمِائَة نَاقَة وَبعث النَّاس إِلَيْهِ فَقضى نَذره وَفِي خبر غير الْمبرد. فاجتمعت عِنْده ألف رَاحِلَة وَكتب إِلَيْهِ الْوَلِيد: (أرى الجزار يشحذ شفرتيه ... إِذا هبت ريَاح أبي عقيل) (أغر الْوَجْه أَبيض عامريٌ ... طَوِيل الباع كالسيف الصيقل)

. (وَفِي ابْن الْجَعْفَرِي بحلفتيه ... على العلات وَالْمَال الْقَلِيل) (بنحر الكوم إِذْ سحبت عَلَيْهِ ... ذيول صبا تجاوب الْأَصِيل) فَقَالَ لبيد لابنته: أجيبيه فقد رَأَيْتنِي وَمَا أعيا بِجَوَاب شَاعِر فأنشأت تَقول: (إِذا هبت ريَاح أبي عقيلٍ ... دَعونَا عِنْد هبتها الوليدا) (أَشمّ الْأنف أصيد عبشمياً ... أعَان على مروءته لبيدا) (بأمثال الهضاب كَأَن ركباً ... عَلَيْهَا من بني حامٍ قعُودا) (أَبَا وهبٍ جَزَاك الله خيرا ... نحرناها وأطعمنا الثريدا) (فعد إِن الْكَرِيم لَهُ معادٌ ... وظني بِابْن أروى أَن يعودا) فَقَالَ لَهَا لبيد: قد أَحْسَنت لَوْلَا أَنَّك استزدته فَقَالَت: وَالله مَا استزدته إِلَّا لِأَنَّهُ ملك وَلَو كَانَ سوقة لم أفعل. وَقَالَت عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها: رحم الله لبيداً حَيْثُ يَقُول: (ذهب الَّذين يعاش فِي أَكْنَافهم ... وَبقيت فِي خلفٍ كَجلْد الأجرب) (لَا ينفعون وَلَا يُرْجَى خَيرهمْ ... ويعاب قَائِلهمْ وَإِن لم يشغب) قَالَت: فَكيف لَو أدْرك زَمَاننَا انْتهى. . وَالْخلف بِسُكُون اللَّام:

النَّسْل الطالح وبفتح اللَّام: النَّسْل الصَّالح. والشغب: تهييج الشَّرّ والفتنة.) ثمَّ قَالَ ابْن قُتَيْبَة: وملاعب الأسنة عَم لبيد. وَهُوَ عَامر بن مَالك. وَسمي ملاعب الأسنة بقول أَوْس بن حجر: (ولاعب أَطْرَاف الأسنة عامرٌ ... فراح لَهُ حَظّ الكتيبة أجمع) وَكَانَ ملاعب الأسنة أَخذ أَرْبَعِينَ مرباعاً فِي الْجَاهِلِيَّة. وأَرْبَد بن قيس الَّذِي أَتَى رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ غادراً مَعَ عَامر بن الطُّفَيْل هُوَ أَخُو لبيد لأمه فَدَعَا الله عَلَيْهِمَا فَمَاتَ عَامر بالطاعون وَنزلت صَاعِقَة على أَرْبَد فَأَحْرَقتهُ. وَيُقَال: فِيهِ نزلت: وَيُرْسل الصَّوَاعِق فَيُصِيب بهَا من يَشَاء. ورثاه لبيد بأشعار كَثِيرَة. انْتهى. وروى أَبُو حَاتِم السجسْتانِي فِي كتاب المعمرين بِسَنَدِهِ إِلَى الشّعبِيّ قَالَ: أرسل إِلَيّ عبد الْملك بن مَرْوَان وَهُوَ شاكٍ فَدخلت عَلَيْهِ فَقلت: كَيفَ أَصبَحت يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فَقَالَ: أَصبَحت كَمَا قَالَ ابْن قميئة الشَّاعِر: (كَأَنِّي وَقد جَاوَزت تسعين حجَّة ... خلعت بهَا عني عذار لجامي) (رمتني بَنَات الدَّهْر من حَيْثُ لَا أرى ... فَكيف بِمن يرْمى وَلَيْسَ برام) (فَلَو أَنَّهَا نبلٌ إِذا لاتقيتها ... ولكنني أرمى بِغَيْر سِهَام) (إِذا مَا رَآنِي النَّاس قَالُوا: ألم تكن ... جليداً شَدِيد الْبَطْش غير كهام) (فنيت وَلم يفن من الدَّهْر لَيْلَة ... وَلم يغن مَا أفنيت سلك نظام) ...

(على الراحتين مرّة وعَلى الْعَصَا ... أنوء ثَلَاثًا بعدهن قيامي) فَقلت: لَا يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ وَلَكِنَّك كَمَا قَالَ لبيد بن ربيعَة: (نَفسِي تشكى إِلَيّ الْمَوْت مجهشةً ... وَقد حَملتك سبعا بعد سبعينا) (فَإِن تزادي ثَلَاثًا تحدثي أملاً ... وَفِي الثَّلَاث وفاءٌ للثمانينا) فَعَاشَ وَالله حَتَّى بلغ تسعين حجَّة فَقَالَ: (كَأَنِّي وَقد جَاوَزت تسعين حجَّة ... خلعت بهَا عَن مَنْكِبي ردائيا) (أَلَيْسَ فِي مائَة قد عاشها رجلٌ ... وَفِي تَكَامل عشرٍ بعْدهَا عمر) فَعَاشَ وَالله حَتَّى بلغ عشْرين سنة وَمِائَة فَقَالَ فِي ذَلِك: (وغنيت سبتاً بعد مجْرى داحسٍ ... لَو كَانَ للنَّفس اللجوج خُلُود) فَعَاشَ وَالله حَتَّى بلغ أَرْبَعِينَ وَمِائَة سنة فَقَالَ فِي ذَلِك:) (وَلَقَد سئمت من الْحَيَاة وطولها ... وسؤال هَذَا النَّاس: كَيفَ لبيد) فَقَالَ عبد الْملك: وَالله مَا بِي بَأْس اقعد حَدثنِي مَا بَيْنك وَبَين اللَّيْل. فَقَعَدت فَحَدَّثته حَتَّى أمسيت ثمَّ فارقته فَمَاتَ فِي ليلته.

وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد الثَّالِث وَالْعشْرُونَ بعد الْمِائَة) وَهُوَ من شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ: (فَإِن لم تَجِد من دون عدنان والداً ... وَدون معد فلتزعك العواذل) على أَن دون بِالنّصب مَعْطُوف على مَحل الْجَار وَالْمَجْرُور أَعنِي من دون. وَكَذَلِكَ أوردهُ سِيبَوَيْهٍ قَالَ: وَكَأَنَّهُ قَالَ: فَإِن لم تَجِد دون عدنان والداً وَدون معد. قَالَ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي: شَرط الْعَطف على الْمحل إِمْكَان ظُهُور ذَلِك الْمحل فِي الفصيح نَحْو: لَيْسَ زيد بقائم وَلَا قَاعِدا فَإِنَّهُ يجوز أَن تسْقط الْبَاء وتنصب وَلَا يخْتَص مُرَاعَاة الْموضع بِأَن يكون الْعَامِل فِي اللَّفْظ زَائِدا كَمَا فِي مثل بِدَلِيل: فَإِن لم تَجِد من دون عدنان والداً ... ... ... ... . . الْبَيْت وَهَذَا الْبَيْت من قصيدة أَزِيد من خمسين بَيْتا للبيد بن ربيعَة الصَّحَابِيّ رَضِي الله عَنهُ رثى بهَا النُّعْمَان بن الْمُنْذر ملك الْحيرَة. . وأولها: (أَلا تَسْأَلَانِ الْمَرْء مَاذَا يحاول ... أنحبٌ فَيقْضى أم ضلالٌ وباطل) (حبائله مبثوثةٌ فِي سَبيله ... ويفنى إِذا مَا أخطأته الحبائل) (إِذا الْمَرْء أسرى لَيْلَة خَال أَنه ... قضى عملا والمرء مَا عَاشَ عَامل) (فقولا لَهُ إِن كَانَ يقسم أمره: ... ألما يعظك الدَّهْر أمك هابل) (فتعلم أَن لَا أَنْت مدرك مَا مضى ... وَلَا أَنْت مِمَّا تحذر النَّفس وَائِل) (فَإِن أَنْت لم تصدقك نَفسك فانتسب ... لَعَلَّك تهديك الْقُرُون الْأَوَائِل) ...

(فَإِن لم تَجِد من دون عدنان بَاقِيا ... وَدون معدٍ فلتزعك العواذل) (أرى النَّاس لَا يَدْرُونَ مَا قدر أَمرهم ... بلَى كل ذِي رَأْي إِلَى الله واسل) (وكل أناسٍ سَوف تدخل بَينهم ... دويهيةٌ تصفر مِنْهُ الأنامل) (وكل امرئٍ يَوْمًا سَيعْلَمُ سَعْيه ... إِذا كشفت عِنْد الْإِلَه الحصائل)) قَوْله: أَلا تَسْأَلَانِ الْمَرْء. . الْبَيْت يَأْتِي شَرحه إِن شَاءَ الله تَعَالَى فِي مَاذَا. وَقَوله: حبائله مبثوثة. . الْبَيْت الحبائل: جمع حبالة وَهِي الشّرك وَالضَّمِير للْمَوْت وَأَرَادَ بحبائله: الْأَحْدَاث الَّتِي هِيَ سَبَب الْمَوْت ومبثوثةٌ: منصوبةٌ على طرقه. والْهَاء فِي سَبيله عَائِدَة على الْمَرْء. ويفنى: يهرم. وسرى وَأسرى بِمَعْنى. يَقُول: إِذا سهر الْمَرْء لَيْلَة فِي عمل ظن أَنه قد فرغ مِنْهُ وَهُوَ مَا عَاشَ يعرض لَهُ مثل ذَلِك وَهُوَ أبدا مَا دَامَ حَيا لَا يَنْقَطِع عمله وَلَا حَوَائِجه. وَقَوله: فقولا لَهُ إِن كَانَ. . الخ أقسم بِمَعْنى قدر يَعْنِي قولا لَهُ إِن كَانَ يدبر أمره وَينظر فِيهِ: ألم يعظك من مضى قبلك فِي سالف الدَّهْر هَل رَأَيْته بَقِي عَلَيْهِ أحد ثمَّ دَعَا عَلَيْهِ فَقَالَ: أمك هابل يُقَال: هبلته أمه أَي: ثكلته. وَقَوله: فتعلم بِالنّصب جَوَاب ألما. وَأَن مُخَفّفَة من الثَّقِيلَة. ووَائِل: من وألت النَّفس بِمَعْنى نجت والموئل: المنجى. وَقَوله: فَإِن أَنْت لم تصدقك. . الخ يَقُول: إِن لم تصدقك نَفسك عَن هَذِه الْأَخْبَار بل كذبتك فانتسب: أَي: قل أَيْن فلَان ابْن فلَان فَإنَّك

لَا ترى أحدا بقى لَعَلَّك تهديك هَذِه الْقُرُون وترشدك. وَرُوِيَ: فَإِن أَنْت لم ينفعك علمك فانتسب. قَالَ أَبُو عَليّ فِي إِيضَاح الشّعْر: أَنْت مُرْتَفع بِفعل فِي معنى هَذَا الظَّاهِر أَي: فَإِن لم تَنْفَع. وَلَو حمل أَنْت على هَذَا الْفِعْل الظَّاهِر الَّذِي هُوَ ينفعك لوَجَبَ أَن يكون مَوضِع أَنْت إياك لِأَن الْكَاف الَّذِي سَببه مفعولة مَنْصُوبَة. وَهَذَا أولى من تَقْدِير ابْن قَاسم فِي شرح الألفية: أَن أَصله فَإِن ضللت لم ينفعك. وَزَاد الْفَارِسِي على الْوَجْه الثَّانِي: أَن فِيهِ إنابة الضَّمِير الْمَرْفُوع عَن الْمَنْصُوب. والْقُرُون: جمع قرن وَهُوَ أهل زمَان وَاحِد. وَقَوله: فَإِن لم تَجِد تزعك: تكفك قَالَ أَبُو الْحسن الطوسي فِي شرح ديوَان لبيد: وزعه يزعه بِالْفَتْح ويزعه بِالْكَسْرِ وزعاً ووزوعاً: إِذا كَفه. وعدنان جده الْأَعْلَى لِأَن مُضر بن نزار بن معد بن عدنان. يَقُول: لم يبْق لَك أبٌ حَيّ إِلَى عدنان فَكف عَن الطمع فِي الْحَيَاة. . وَمعنى الْبَيْتَيْنِ: أَن غَايَة الْإِنْسَان الْمَوْت فَيَنْبَغِي لَهُ أَن يتعظ: بِأَن ينْسب نَفسه إِلَى عدنان فَإِن لم يجد من بَينه وَبَينه من الْآبَاء بَاقِيا فَليعلم أَنه يصير إِلَى مصيرهم فَيَنْبَغِي لَهُ أَن ينْزع عَمَّا هُوَ عَلَيْهِ. والعواذل هُنَا حوادث الدَّهْر وزواجره وَإسْنَاد العذل إِلَيْهَا مجَاز. وَقَالَ الطوسي: العواذل:) النِّسَاء. وَقَوله: أرى النَّاس. . الخ الواسل: الطَّالِب الَّذِي يطْلب من قَوْلك. أَنْت وسيلتي إِلَى فلَان. وَاسْتشْهدَ بِهِ صَاحب الْكَشَّاف على أَن الْوَسِيلَة فِي قَوْله تَعَالَى: وابتغوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَة مَا يتوسل بِهِ إِلَى الله تَعَالَى من فعل الْخيرَات وَاجْتنَاب الْمعاصِي. والواسل: هُوَ الرَّاغِب إِلَى الله بِمَعْنى ذُو

وَسِيلَة أَو هُوَ كتامرٍ ولابنٍ. وَرُوِيَ: اللب وَهُوَ الْعقل بدل الرَّأْي. وَالْمعْنَى: أرى النَّاس لَا يعْرفُونَ مَا هم فِيهِ من خطر الدُّنْيَا وَسُرْعَة زَوَالهَا فالعاقل اللبيب من يتوسل إِلَى الله تَعَالَى بِالطَّاعَةِ وَالْعَمَل الصَّالح. وَقَوله: أَلا كل شَيْء وَقد وَقع فِي بعض الرِّوَايَات هَذَا الْبَيْت أول القصيدة فِي صَحِيح البُخَارِيّ وَمُسلم عَن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قَالَ: أصدق كلمة قَالَهَا شَاعِر كلمة لبيد: أَلا كل شيءٍ مَا خلا الله بَاطِل وَفِي رِوَايَة لَهما: أشعر كلمة تَكَلَّمت بهَا الْعَرَب كلمة لبيد. وَقد رُوِيَ أَيْضا بِأَلْفَاظ مُخْتَلفَة مِنْهَا: إِن أصدق كلمة وَمِنْهَا: إِن أصدق بَيت قَالَهَا الشَّاعِر وَمِنْهَا: أصدق بَيت قالته الشُّعَرَاء وَكلهَا فِي الصَّحِيح وَمِنْهَا. أشعر كلمة قالتها الْعَرَب. قَالَ ابْن مَالك فِي شرح التسهيل: وَكلهَا من وصف الْمعَانِي بِمَا يُوصف بِهِ الْأَعْيَان كَقَوْلِهِم: وروى ابْن إِسْحَاق فِي مغازيه: أَن عُثْمَان بن مَظْعُون رَضِيَ اللَّهُ عَنْه مر بِمَجْلِس من قُرَيْش فِي صدر الْإِسْلَام ولبيد بن ربيعَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه ينشدهم: أَلا كل شيءٍ مَا خلا الله بَاطِل فَقَالَ عُثْمَان رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: صدقت. فَقَالَ لبيد: وكل نعيمٍ لَا محَالة زائل فَقَالَ عُثْمَان: كذبت نعيم الْجنَّة لَا يَزُول أبدا فَقَالَ لبيد: يَا معشر قُرَيْش وَالله مَا كَانَ يُؤْذى جليسكم فَمَتَى حدث هَذَا فِيكُم فَقَالَ رجل:

إِن هَذَا سَيْفه من سفهائنا قد فَارق ديننَا فَلَا تجدن فِي نَفسك من قَوْله. فَرد عَلَيْهِ عُثْمَان فَقَامَ إِلَيْهِ ذَلِك الرجل فلطم عينه فخضرها فَقَالَ الْوَلِيد بن الْمُغيرَة لعُثْمَان: إِن كَانَت عَيْنك لغنيةً عَمَّا أَصَابَهَا لم رددت جواري فَقَالَ عُثْمَان: بل وَالله إِن عَيْني الصَّحِيحَة لفقيرةٌ لمثل مَا أصَاب أُخْتهَا فِي الله لَا حَاجَة لي فِي جوارك) وروى أَحْمد بن حَنْبَل فِي زَوَائِد الزّهْد: أَن لبيداً قدم على أبي بكر الصّديق رَضِيَ اللَّهُ عَنْه فَقَالَ: أَلا كل شَيْء مَا خلا الله بَاطِل فَقَالَ: صدقت. قَالَ: فَقَالَ: كذبت عِنْد الله نعيمٌ لَا يَزُول فَلَمَّا ولى قَالَ أَبُو بكر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه رُبمَا قَالَ الشَّاعِر الْكَلِمَة من الْحِكْمَة وَأخرج السلَفِي فِي المشيخة البغدادية من طَرِيق هَاشم عَن يعلى عَن ابْن جَراد قَالَ: أنْشد لبيدٌ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قَوْله: أَلا كل شيءٍ مَا خلا الله بَاطِل فَقَالَ لَهُ: صدقت فَقَالَ:

وكل نعيمٍ لَا محَالة زائل فَقَالَ لَهُ: كذبت نعيم الْآخِرَة لَا يَزُول وَأجَاب الْعَيْنِيّ عَن ذَلِك من وَجْهَيْن: الأول: أَن لبيداً إِنَّمَا قَالَ ذَلِك قبل أَن يسلم فَيمكن أَن يكون فِي اعْتِقَاده فِي ذَلِك الْوَقْت أَن الْجنَّة لَا وجود لَهَا أَو كَانَ يعْتَقد وجودهَا وَلَكِن لَا يعْتَقد دوامها كَمَا ذهبت إِلَيْهِ طَائِفَة من أهل الْأَهْوَاء والضلال. وَالثَّانِي: أَنه يُمكن أَن يكون أَرَادَ بِهِ مَا سوى الْجنَّة من نعيم الدُّنْيَا لِأَنَّهُ كَانَ فِي صدد ذمّ الدُّنْيَا وَبَيَان سرعَة زَوَالهَا. وَأما تَكْذِيب عُثْمَان إِيَّاه فلكونه حمل الْكَلَام على الْعُمُوم. انْتهى. وَقَالَ ابْن حجر فِي شرح البُخَارِيّ فِي بَاب الشّعْر: التَّعْبِير بِوَصْف كل شَيْء بِالْبُطْلَانِ تندرج فِيهِ الْعِبَادَات والطاعات وَهِي حقٌ لَا محَالة وَأجِيب: بِأَن المُرَاد مَا عدا الله وَمَا عدا صِفَاته الذاتية والفعلية من رَحْمَة وَعَذَاب أَو المُرَاد بِالْبُطْلَانِ الفناء لَا الْفساد وكل شَيْء سوى الله تَعَالَى جائزٌ عَلَيْهِ الفناء لذاته حَتَّى الْجنَّة وَالنَّار وَإِنَّمَا يبقيان بإبقاء الله تَعَالَى لَهما وَخلق الدَّوَام لأهلهما. وَالْحق على الْحَقِيقَة من لَا يجوز عَلَيْهِ الزَّوَال لذاته. انْتهى. وَمثله للسيوطي فِي البدور السافرة عِنْد ذكر قَوْله تَعَالَى: كل شيءٍ هالكٌ إِلَّا وَجهه. أَي: قَابل للهلاك وكل مُحدث قَابل لذَلِك وَإِن لم يهْلك بِخِلَاف الْقَدِيم الأزلي. وَيُؤَيّد ذَلِك أَن الْعَرْش لم) يرد خبرٌ أَنه يهْلك. فلتكن الْجنَّة مثله. وَقَالَ فِي مَوضِع آخر من ذَلِك الْكتاب: وَفِي بَحر الْكَلَام: قَالَ أهل السّنة: سبعةٌ لَا تفنى: الْعَرْش والكرسي واللوح والقلم وَالْجنَّة وَالنَّار بأهلهما والأرواح. وَقَالَ صَاحب الْمُفْهم شرح مُسلم وَكَذَا الْبَيْهَقِيّ وَغَيره من

الْمُحدثين: إِن هَذِه السَّبْعَة يَقع لَهَا هَلَاك نسبي وَهُوَ غشيان يمْنَع الإحساس وفناءٌ مَا من الْأَوْقَات. قلت: وَالظَّاهِر وُقُوع ذَلِك على تَقْدِير صِحَّته بَين النفختين عِنْد قَوْله عَزَّ وَجَلَّ: لمن الْملك الْيَوْم فَلَا يجِيبه أحد كَمَا وَردت بِهِ الرِّوَايَات. انْتهى. وَالْبَاطِل هُنَا الذَّاهِب الزائل وَمَعْنَاهُ: الْهَالِك الفاني أَي: الْقَابِل للهلاك والفناء. وَقَالَ بَعضهم: الْبَاطِل فِي الأَصْل ضد الْحق وَالْمرَاد بِهِ هُنَا الْهَالِك. وَقَالَ الْعَيْنِيّ: الْبَاطِل ضد الْحق وَفِي عرف الْمُتَكَلِّمين: الْبَاطِل الْخَارِج عَن الِانْتِفَاع وَالْفَاسِد يقرب مِنْهُ وَالصَّحِيح: ضِدّه وَمُقَابِله. وَفِي عرف الشَّرْع: الْبَاطِل من الْأَعْيَان: مَا فَاتَ مَعْنَاهُ الْمَقْصُود الْمَخْلُوق لَهُ من كل وَجه بِحَيْثُ لم يبْقى إِلَّا صورته وَلِهَذَا يذكر فِي مُقَابِله الْحق الَّذِي هُوَ عبارَة عَن الْكَائِن الثَّابِت وَفِي الشَّرْع يُرَاد بِهِ مَا هُوَ الْمَفْهُوم مِنْهُ لُغَة وَهُوَ مَا كَانَ فَائت الْمَعْنى من كل وَجه مَعَ وجود الصُّورَة إِمَّا لِانْعِدَامِ محلية التَّصَرُّف كَبيع الْميتَة وَالدَّم أَو لِانْعِدَامِ أَهْلِيَّة الْمُتَصَرف كَبيع الْمَجْنُون وَالصَّبِيّ الَّذِي لَا يعقل. فَإِن قلت: مَا مَعْنَاهُ هُنَا قلت: الْمَعْنى: كل شَيْء سوى الله تَعَالَى زائلٌ فَائت مضمحل لَيْسَ لَهُ دوَام. انْتهى. والمحالة بِفَتْح الْمِيم: الْحِيلَة قَالَ الْجَوْهَرِي: قَوْلهم لَا محَالة أَي: لابد. وَقَوله: وكل أنَاس سَوف تدخل بَينهم يَأْتِي شَرحه إِن شَاءَ الله تَعَالَى فِي مَاذَا. وَقَوله: وكل امْرِئ يَوْمًا سَعْيه: عمله. والحصائل: الْحَسَنَات والسيئات الَّتِي بقيت لَهُ عِنْد الله تَعَالَى وَهُوَ بِالْحَاء وَالصَّاد الْمُهْمَلَتَيْنِ.

ثمَّ شرع بعد هَذَا فِي تقلب الدَّهْر بأَهْله وَبَدَأَ بِذكر النُّعْمَان وَمَا كَانَ فِيهِ من سَعَة الْملك ونعيم الدُّنْيَا ثمَّ ذكر مُلُوك الشَّام آل غَسَّان وَمَا فعل الدَّهْر بهم فبادوا كَأَن لم يَكُونُوا فَقَالَ: الشّرْب: جمع شَارِب يُرِيد أَصْحَابه الَّذين كَانَ يشاربهم. والْقنية: الْخَادِم. والمختبطات الْفرق: السائلات الْمَعْرُوف. والسعالي: الغيلان شبه السائلات بهَا فِي سوء حالهن وقبحهن. والأرامل: المحاويج الجياع من أرمل الْقَوْم: إِذا نفذ زادهم وجاعوا. وَقَالَ فِي آخر القصيدة:) (فأمسى كأحلام النيام نعيمهم ... وَأي نعيمٍ خلته لَا يزايل) فَظهر بِهَذَا أَن هَذِه القصيدة لَيست فِي مدح النُّعْمَان كَمَا زعم من تكلم على هَذِه الأبيات بل هِيَ بالرثاء أشبه لاسيما أَوَائِل القصيدة فَإِنَّهَا تناسب مَا قُلْنَا. وَالله أعلم. وترجمة لبيد تقدّمت فِي الْبَيْت الَّذِي قبل هَذَا الْبَيْت. وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد الرَّابِع وَالْعشْرُونَ بعد الْمِائَة) وَهُوَ من شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ:

فلسنا بالجبال وَلَا الحديدا على أَن قَوْله: الحديدا مَعْطُوف على مَحل الْجَار وَالْمَجْرُور وَهُوَ قَوْله: بالجبال وَهُوَ خبر لَيْسَ وَهُوَ عجزٌ وصدره: معاوي إننا بشرٌ فَأَسْجِحْ ومعاوي: منادى مرخم مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان. وأسجح بِقطع الْهمزَة وَتَقْدِيم الْجِيم على الْمُهْملَة وَمَعْنَاهُ ارْفُقْ وَسَهل. وخد أسجح أَي: طَوِيل سهل. وَقد رد الْمبرد على سِيبَوَيْهٍ رِوَايَته لهَذَا الْبَيْت بِالنّصب وَتَبعهُ جماعةٌ مِنْهُم العسكري صَاحب التَّصْحِيف قَالَ: وَمِمَّا غلط فِيهِ النحويون من الشّعْر وَرَوَوْهُ مُوَافقا لما أرادوه مَا رُوِيَ عَن سِيبَوَيْهٍ عِنْدَمَا احْتج بِهِ فِي نسق الِاسْم الْمَنْصُوب على المخفوض. وَقد غلط على الشَّاعِر لِأَن هَذِه القصيدة مَشْهُورَة وَهِي مخفوضةٌ كلهَا. وَهَذَا الْبَيْت أَولهَا. وَبعده: (فهبنا أمة ذهبت ضيَاعًا ... يزِيد أميرها وَأَبُو يزِيد) (أكلْتُم أَرْضنَا فجردتموها ... فَهَل من قائمٍ أَو من حصيد) (أتطمع فِي الخلود إِذا هلكنا ... وَلَيْسَ لنا وَلَا لَك من خُلُود) (ذَروا خون الْخلَافَة واستقيموا ... وتأمير الأراذل وَالْعَبِيد) (وأعطونا السوية لَا تزركم ... جنودٌ مردفاتٌ بالجنود) وَهَذَا الشّعْر لعقيبة بن هُبَيْرَة الْأَسدي شاعرٌ جاهليٌ إسلامي. وَفد على مُعَاوِيَة ابْن أبي سُفْيَان فَدفع إِلَيْهِ رقْعَة فِيهَا هَذِه الأبيات فَدَعَاهُ مُعَاوِيَة

فَقَالَ لَهُ: مَا جرأك عَليّ قَالَ: نَصَحْتُك إِذْ غشوك وصدقتك إِذْ كَذبُوك فَقَالَ: مَا أَظُنك إِلَّا صَادِقا فَقضى حَوَائِجه.) ويروى أَن أَبَا بردة بن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ جَاءَ إِلَى مُعَاوِيَة فَقَالَ لَهُ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِن عقيبة أَخا بني أَسد هجاني فَقَالَ: وَمَا قَالَ لَك قَالَ: قَالَ لي: فَمَا أَنا من حداث أمك بالضحى فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَة: لَيْسَ من حداثها قَالَ: وَقَالَ لي: وَلَا من يزكيها بِظهْر مغيب فَقَالَ مُعَاوِيَة: لَكِن الله وَرَسُوله والمهاجرين وَالْأَنْصَار يزكونها وَكَانَت تخْدم رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ. قَالَ: وَقَالَ لي: وَأَنت امرؤٌ فِي الأشعرين مُقَابل فَقَالَ: صدق. قَالَ: وَقَالَ لي: وَفِي الْبَيْت والبطحاء حق غَرِيب فَقَالَ: صدق لَيْسَ لَك فِي الْبَيْت وَلَا فِي الْبَطْحَاء حق قَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فندعه على هَذَا قَالَ: مَا قَالَ لي أَشد مِمَّا قَالَ لَك. . وَقَرَأَ لَهُ الأبيات فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ مَا تصنع بِهِ قَالَ: وعقيبة بِالْقَافِ يحْتَمل أَن يكون مصغر عقبَة كظلمة وَهِي بَقِيَّة

المرق وَنَحْو ذَلِك ترد فِي الْقدر المستعارة أَو مصغر الْعقبَة بِمَعْنى النّوبَة يُقَال: تمت عقبتك. وهما يتعاقبان أَي: يتناوبان. وَقَوله: فجردتموها أَي: قشرتموها كَمَا يجرد اللَّحْم من الْعظم وَقَوله: فَهَل من قَائِم يَعْنِي: الْقرى الَّتِي أهلكت مِنْهَا قَائِم قد بقيت حيطانه وَمِنْهَا حصيد قد أمحى أَثَره والخون بِفَتْح الْخَاء وَسُكُون الْوَاو: مصدر كالخيانة. والتأمير: تفعيل من الْإِمَارَة. والسوية: الْمُسَاوَاة: والنصفة. وَلم أر لعقيبة هَذَا ذكرا فِي كتب الصَّحَابَة وَلم يذكرهُ ابْن حجر أَيْضا فِي الْإِصَابَة من المخضرمين. وَالظَّاهِر أَنه من المخضرمين. وَأجَاب الزَّمَخْشَرِيّ تبعا لما قَالَه ابْن الْأَنْبَارِي فِي الْإِنْصَاف بِأَن هَذَا الْبَيْت رُوِيَ مَعَ أَبْيَات مَنْصُوبَة وَمَعَ أَبْيَات مجرورة فَمن رَوَاهُ بِالْجَرِّ روى مَعَه الأبيات الْمُتَقَدّمَة وَمن رَوَاهُ بِالنّصب روى مَعَه: (أديروها بني حربٍ عَلَيْكُم ... وَلَا ترموا بهَا الْغَرَض البعيدا)) يَقُول: ضمُّوا الْخلَافَة وَالْولَايَة إِلَيْكُم وَلَا ترموا بهَا أقْصَى المرامي أَي: لَا تطرحوا النّظر فِي أمرنَا وَهَذَا الشّعْر لعبد الله بن الزبير الْأَسدي. قَالُوا: وَلَيْسَ يُنكر أَن يكون بيتٌ من شعرين مَعًا لِأَن الشُّعَرَاء قد يستعير بَعضهم من كَلَام بعض وَرُبمَا أَخذ الْبَيْت بِعَيْنِه وَلم يُغَيِّرهُ كَقَوْل الفرزدق: ...

(ترى النَّاس مَا سرنا يَسِيرُونَ خلفنا ... وَإِن نَحن أومأنا إِلَى النَّاس وقفُوا) فَإِن هَذَا الْبَيْت لجميل بن عبد الله انتحله الفرزدق. وَأورد ابْن خلف نَظِير هَذَا فِي شرح أَبْيَات الْكتاب مَا يزِيد على مائَة بَيت. وَمثل مَا نَحن فِيهِ قَول الْأَخْنَس بن شهَاب الْيَشْكُرِي: (إِذا قصرت أسيافنا كَانَ وَصلهَا ... خطانا إِلَى أَعْدَائِنَا فنضارب) وَالْقَصِيدَة مَرْفُوعَة القوافي وَأَخذه قيس بن الخطيم وَجعله فِي قصيدة مجرورة القوافي وَسَيَأْتِي شَرحه إِن شَاءَ الله تَعَالَى فِي الظروف. وَزعم السيرافي: أَن شعر عقيبة الْأَسدي يجوز فِي إنشاد قوافيه الْجَرّ وَالنّصب. قَالَ اللَّخْمِيّ فِي شرح أَبْيَات الْجمل: وَهَذَا وهم لِأَن فِيهَا مَا يجوز فِيهِ الْوَجْهَانِ عِنْد الْبَصرِيين وَمِنْهَا مَا لَا يجوز فِيهِ عِنْدهم إِلَّا وجهٌ وَاحِد وَلَا يجوز أَن ينشد بعض القصيدة مَنْصُوبًا وَبَعضهَا مَرْفُوعا على طَرِيق الإقواء لِأَن الإقواء فِي الْغَالِب إِنَّمَا يكون بَين الْمَرْفُوع وَالْمَجْرُور لما بَينهمَا من الْمُنَاسبَة فَأَما مايصح فِيهِ الْوَجْهَانِ فالبيت الأول وَالثَّالِث وَالْخَامِس وَالنّصب فِيهِ عطف على خون الْخلَافَة وَيجوز أَن يكون مَعْطُوفًا على تأمير الأراذل على حذف مُضَاف فَأَما البيتان الباقيان فَلَا يَصح فيهمَا النصب على مَذْهَب الْبَصرِيين وَيجوز على مَذْهَب الْكُوفِيّين لأَنهم يجيزون ترك صرف مَا ينْصَرف فِي الشّعْر ضَرُورَة. وَلَا يخفى أَن الْكُوفِيّين إِنَّمَا يجيزون ترك صرف المنصرف إِذا كَانَ علما يكتفون بِشَرْط الْعلَّة كَمَا هُوَ الْمَشْهُور وَقدمنَا فِي أول بَاب مَا لَا ينْصَرف مَا يُغني عَن إِعَادَته هُنَا.

وَقيل: إِنَّه من شعر آخر لعبد الله بن الزبير وَهُوَ: (رمى الْحدثَان نسْوَة آل حربٍ ... بِمِقْدَار سمدن لَهُ سمودا) (فَرد شعورهن السود بيضًا ... ورد وجوههن الْبيض سُودًا) (فَإنَّك لَو سَمِعت بكاء هندٍ ... ورملة إِذْ تصكان الخدودا) (سَمِعت بكاء باكيةٍ حزينٍ ... أبان الدَّهْر وَاحِدهَا الفقيدا)) معاوي إننا بشرٌ فاسجح ... ... ... ... ... . . الْبَيْت وَلَا يخفى أَن هَذَا الْبَيْت أَجْنَبِي من هَذِه الأبيات وَيدل عَلَيْهِ: أَن أَبَا تَمام أنْشد هَذِه الأبيات لمن ذكرنَا فِي بَاب المراثي من الحماسة بون الْبَيْت الْأَخير وَلم يذكرهُ أحد من شراحه. والْحدثَان بِالتَّحْرِيكِ: الْحَادِثَة ونائبة الدَّهْر. والْمِقْدَار: مَا قدره الله تَعَالَى. وَفِيه قلبٌ وابْن الزبير هُوَ عبد الله بن الزبير بن الأشيم بن الْأَعْشَى بن بجرة بِفَتْح الْمُوَحدَة وَالْجِيم وَيَنْتَهِي نسبه إِلَى أَسد بن خُزَيْمَة. وَالزُّبَيْر بِفَتْح الزَّاي وَكسر الْمُوَحدَة. وَعبد الله شَاعِر كُوفِي المنشأ والمنزل. وَهُوَ من شعراء الدولة الأموية وَمن شيعتهم والمتعصب لَهُم فَلَمَّا غلب مُصعب بن الزبير على الْكُوفَة أُتِي بِهِ أَسِيرًا فَمن عَلَيْهِ وَوَصله وَأحسن إِلَيْهِ فمدحه وَأكْثر من مدحه وَانْقطع إِلَيْهِ

فَلم يزل مَعَه حَتَّى قتل وَعمي بعد ذَلِك وملت فِي خلَافَة عبد الْملك بن مَرْوَان. وَكَانَ الْحجَّاج أرْسلهُ فِي بعثٍ إِلَى الرّيّ فَمَاتَ بهَا. وَكَانَ أحد الهجائين يخَاف النَّاس شَره وَله حكايات مسطورة فِي الأغاني. وَمن شعره يمدح عَمْرو بن عُثْمَان بن عَفَّان وَكَانَ رَآهُ عَمْرو فِي ثِيَاب رثَّة فاقترض ثَمَانِيَة آلَاف دِرْهَم بِاثْنَيْ عشر ألفا وأرسلها إِلَيْهِ مَعَ رزمة ثِيَاب فَقَالَ: وَهُوَ من أَبْيَات تَلْخِيص الْمِفْتَاح: (سأشكر عمرا إِن تراخت منيتي ... أيادي لم تمنن وَإِن هِيَ جلت) (فَتى غير مَحْجُوب الْغنى عَن صديقه ... وَلَا مظهرٍ الشكوى إِذا النَّعْل زلت) (رأى خلتي من حَيْثُ يخفى مَكَانهَا ... فَكَانَت قذى عَيْنَيْهِ حَتَّى تجلت) ومدح أَسمَاء بن خَارِجَة الْفَزارِيّ بقصيدة مِنْهَا: (ترَاهُ إِذا مَا جِئْته متهللاً ... كَأَنَّك تعطيه الَّذِي أَنْت سائله) فأثابه أَسمَاء ثَوابًا لم يرضه فَغَضب وَقَالَ يهجوه: (بنت لكم هندٌ بتلذيع بظرها ... دكاكين من جصٍّ عَلَيْهَا الْمجَالِس) فو الله لَوْلَا رهز هندٍ ببظرها لعد أَبوهَا فِي اللئام العوابس فَبلغ ذَلِك أَسمَاء فَركب إِلَيْهِ وَاعْتذر إِلَيْهِ من ضيق يَده وأرضاه وَجعل لَهُ على نَفسه وَظِيفَة فِي كل سنة. فَكَانَ بعد ذَلِك يمدحه ويفضله. وَكَانَ أَسمَاء

يَقُول لِبَنِيهِ: وَالله مَا رَأَيْت قطّ جصاً فِي بِنَاء إِلَّا ذكرت بظر أمكُم هِنْد فخجلت. وَأنْشد بعده وَهُوَ الْبَيْت الْخَامِس وَالْعشْرُونَ بعد الْمِائَة:) يسْمعهَا لاهه الْكِبَار على أَنه قيل إِنَّمَا جَازَ يَا الله للُزُوم اللَّام للكلمة فَلَا يُقَال: لاهٌ إِلَّا نَادرا كَمَا فِي هَذَا الشّعْر. وَإِنَّمَا عبر بقيل لِأَن أَبَا عَليّ الْفَارِسِي قَالَ: أل عوضٌ من الْهمزَة إِذْ أَصله إِلَه وَيدل على ذَلِك: استجازتهم لقطع الْهمزَة فِي الْقسم والنداء فَلَو كَانَت غير عوض لم تثبت كَمَا لم تثبت فِي غير هَذَا الِاسْم. وَلَا يجوز أَن يكون للُزُوم الْحَرْف لِأَن ذَلِك يُوجب أَن تقطع همزَة الَّذِي وَالَّتِي. وَلَا يجوز أَيْضا أَن يكون لِأَنَّهَا همزَة مَفْتُوحَة وَإِن كَانَت مَوْصُولَة كَمَا لم يجز فِي ايم الله وايمن الله. وَلَا يجوز أَيْضا أَن يكون ذَلِك لِكَثْرَة الِاسْتِعْمَال لِأَن ذَلِك يُوجب أَن تقطع الْهمزَة أَيْضا فِي غير هَذَا مِمَّا يكثر استعمالهم لَهُ. فَعلمنَا أَن ذَلِك لِمَعْنى اخْتصّت بِهِ لَيْسَ فِي غَيرهَا. وَلَا شَيْء أولى بذلك الْمَعْنى من أَن يكون للعوض من الْحَرْف الْمَحْذُوف الَّذِي هُوَ الْفَاء. وَكَون لفظ الْجَلالَة أَصله لاه هُوَ أحد قولي سِيبَوَيْهٍ فِيهِ. وَاخْتَارَهُ الْمبرد قَالَ: أَصله لاه على فعل مثل ضرب ثمَّ دخلت أل عَلَيْهِ تَعْظِيمًا لله

عَزَّ وَجَلَّ وإبانة لَهُ عَن كل مَخْلُوق فَهُوَ اسْم وَإِن كَانَ فِيهِ معنى فعل. وأصل لاه: لوه أَو ليه. قَالَ: وَلَو كَانَ كَمَا ذكر سِيبَوَيْهٍ: أَن أَصله إلاه لَكَانَ قد حذف فَاء الْفِعْل وعينه لِأَنَّهُ يحذف همزَة إِلَه وَهِي فَاء الْفِعْل ثمَّ تذْهب الْعين إِذا دخل الْألف وَاللَّام وَلم نر شَيْئا يحذف فاؤه وعينه. قَالَ السخاوي فِي سفر السَّعَادَة: ولَيْسَ كَمَا يُقَال فَإِن عينه بَاقِيَة لم تحذف. وَالْعجب من السخاوي حَيْثُ نقل عَن الْمبرد بِأَن قَول ابْن عَبَّاس: الله هُوَ الله ذُو الألوهية يأله الْخلق وَقَرَأَ ابْن عَبَّاس: ويذرك وإلهتك أَي: وعبادتك لأَنهم كَانُوا يعْبدُونَ فِرْعَوْن. يُؤَيّد القَوْل بِكَوْن أَصله لاه وَلم يتعقبه بِشَيْء مَعَ أَنه يُؤَيّد من قَالَ: إِن أَصله إِلَه. فَتَأمل. وَقَالَ ابْن الشجري فِي أَمَالِيهِ: وَالَّذِي ذهب إِلَيْهِ س: من أَن أصل هَذَا الِاسْم إِلَه قَول يُونُس والأخفش وَالْكسَائِيّ وَالْفراء وقطرب. وَقَالَ بعد وَفَاته لهَؤُلَاء: وجائزٌ أَن يكون أَصله لاه وأصل لاه ليه على وزن فعل ثمَّ أَدخل عَلَيْهِ أل. وَاسْتدلَّ بقول بعض الْعَرَب: لهي أَبوك يُرِيدُونَ وَأنْشد. . لاهه الْكِبَار وَقَوله: لاه ابْن عمك. . الْبَيْت. ا. هـ كَلَام سِيبَوَيْهٍ. وَأَقُول: لاه على هَذَا تَامّ على وزن جبل وَمن قَالَ لهي أَبوك فَهُوَ مقلوب من لاه قدمت لامه الَّتِي هِيَ الْهَاء على عينه الَّتِي هِيَ الْيَاء فوزنه فلع وَكَانَ أَصله بعد تَقْدِيم لامه على عينه للهي فحذفوا لَام الْجَرّ ثمَّ لَام التَّعْرِيف

وضمنوه معنى لَام التَّعْرِيف فبنوه كَمَا ضمنُوا مَعْنَاهَا أمس) فَوَجَبَ بِنَاؤُه. وحركوا الْيَاء لسكون الْهَاء قبلهَا وَكَانَت فَتْحة لخفتها ا. هـ كَلَام ابْن الشجري. أَقُول: البيتان اللَّذَان أوردهما ليسَا فِي كتاب س وَلَيْسَ فِي الشّعْر دليلٌ على أَن الله أَصله لاه لجَوَاز أَن يكون لاه مخفف إِلَه حذفت الْهمزَة لضَرُورَة الشّعْر بِدَلِيل الْجمع على آلِهَة دون ألوهة أَو أليهة. وَقَالَ خضر الْموصِلِي: اسْتشْهد بِهِ على أَن أصل الله لاه لِأَن الضَّرُورَة ترد الْأَشْيَاء إِلَى أُصُولهَا. وَفِيه نظر لجَوَاز أَن يكون لاه لفظا مُسْتقِلّا بِرَأْسِهِ بِمَعْنى إِلَه. قَالَ أَبُو عَليّ فِي نقض الهاذور: فَإِن قيل: قد قَالَ الشَّاعِر: لاهه الْكِبَار لقد أخرج الْألف وَاللَّام من الِاسْم وأضافه. قيل: إِن الشَّاعِر لما رأى الْألف وَاللَّام فِيهِ على حد مَا يكون فِي الصِّفَات الَّتِي تغلب وَرَأى أَن هَذِه الصِّفَات إِذا غلبت صَارَت كالأعلام فَلَا تحْتَاج إِلَى حرف التَّعْرِيف فِيهَا كَمَا لم يحْتَج إِلَيْهَا فِي الْأَعْلَام. ونابغة الْجَعْدِي بالرمل بَيته حَيْثُ غلب الْوَصْف فَصَارَ يعرف بِهِ كَمَا بعرف بِالْعلمِ فَكَذَلِك الِاسْم. وَمَعَ هَذَا فَكَأَنَّهُ رد الِاسْم للضَّرُورَة إِلَى الأَصْل المرفوض الِاسْتِعْمَال. وَهَذَا لَا يجوز اسْتِعْمَاله سائغاً مطرداً. والأزهري أورد هَذَا الشّعْر على غير هَذِه الرِّوَايَة قَالَ فِي التَّهْذِيب: وَقد كثر اللَّهُمَّ فِي الْكَلَام حَتَّى خففت ميمها فِي بعض اللُّغَات وأنشدني بَعضهم: ...

(كحلفةٍ من أبي ريَاح ... يسْمعهَا اللَّهُمَّ الْكِبَار) وإنشاد الْعَامَّة: يسْمعهَا لاهه الْكِبَار. وَأوردهُ جمَاعَة من النَّحْوِيين مِنْهُم الْمرَادِي فِي شرح الألفية: يسْمعهَا لاهم الْكِبَار على أَن فِيهِ شذوذين: أَحدهمَا اسْتِعْمَاله فِي غير النداء لِأَنَّهُ فَاعل يسْمعهَا وَالثَّانِي تَخْفيف ميمه وَأَصلهَا التَّشْدِيد. وَقَالَ العسكري فِي كتاب التَّصْحِيف: روى الْأَصْمَعِي: يسْمعهَا الْوَاحِد الْكِبَار وَرِوَايَة غَيره لاهه. قَالَ أَبُو عَليّ فِي نقض الهاذور: وَأما قَول من قَالَ لاهم الْكِبَار فَالْقَوْل فِيهِ: أَنه بنى من الِاسْم وَالصَّوْت اسْما كَمَا بنى التهليل من هلل وبأبأ من بأبى ثمَّ صَار اسْما كَمَا صَارَت هَذِه) الْأَشْيَاء اسْما وَأَصله الصَّوْت. والكبار وَصفه. قَالَ ابْن عقيل فِي شرح التسهيل: وَمذهب سِيبَوَيْهٍ والخليل أَن اللَّهُمَّ فِي النداء لَا يُوصف لكَونه مَعَ الْمِيم كالصوت. وَأما لاهم الْكِبَار فَقيل فِيهِ: لما كَانَ غير منادى وصف وَقيل رفع على الْقطع. وأَبُو ريَاح رجل من بني ضبيعة. وَهُوَ حصن بن عَمْرو بن بدر. وَكَانَ قتل رجلا من بني سعد بن ثَعْلَبَة فَسَأَلُوهُ أَن يحلف أَو يُعْطي الدِّيَة فَحلف ثمَّ قتل بعد حلفته. فضربته الْعَرَب مثلا لما لَا يُغني من الْحلف قَالَه ابْن دُرَيْد فِي شرح ديوَان الْأَعْشَى. وَهُوَ بمثناة تحتية لَا بموحدة كَمَا زعم شرَّاح الشواهد.

قَالَ العسكري فِي كتاب التَّصْحِيف: زعم بعض المصحفين: أَن الْإِنْسَان إِذا صحف فِي مثل هَذَا لم يكن ملوماً. وَلَيْسَ كَمَا قَالَ وَهل الْعَيْب واللوم إِلَّا على تَصْحِيف الْأَسْمَاء وَلَيْسَ يعرف فِي أَسمَاء الْعَرَب فِي الْجَاهِلِيَّة رَبَاح بباء تحتهَا نقطة وَاحِدَة إِلَّا فِي أَسمَاء عبيدها إِلَّا فِي اسْم رجلَيْنِ: أَحدهمَا رَبَاح بن المغترف بغين مُعْجمَة وَآخر. وَأما قَول الْأَعْشَى: كحلفة من أبي ريَاح فَهُوَ بياء تحتهَا نقطتان من بني تيم بن ضبيعة. والْكِبَار بِضَم الْكَاف وَتَخْفِيف الْمُوَحدَة: صِيغَة مُبَالغَة الْكَبِير بِمَعْنى الْعَظِيم وَهُوَ صفة لاهه. والحلفة بِالْفَتْح: الْمرة من الْحلف بِمَعْنى الْقسم. وَقَوله: من أبي ريَاح صفة لحلفة أَي: كحلفةٍ صادرةٍ مِنْهُ. وروى بدل يسْمعهَا: يشهدها وَالضَّمِير للحلفة وَالْجُمْلَة صفة ثَانِيَة لحلفة. وَقَبله: (أقسمتم حلفا جهاراً: ... إِن نَحن مَا عندنَا عرار) وحلفا: جمع حَالف. وإِن: مُخَفّفَة من الثَّقِيلَة. وعرار بِكَسْر الْمُهْملَة: اسْم رجل. والبيتان من قصيدة للأعشى مَيْمُون ذكر فِيهَا من أهلكه الدَّهْر من الْجَبَابِرَة. ومطلعها: (ألم تروا إرماً وعاداً ... أفناهم اللَّيْل وَالنَّهَار) (وقبلهم غالت المنايا ... طمساً فَلم ينجها الحذار) (وَحل بالحي من جديسٍ ... يومٌ من الشَّرّ مستطار) ...

(وَأهل جوٍّ أَتَت عَلَيْهِم ... فأفسدت عيشهم فباروا) (فصبحتهم من الدَّوَاهِي ... جائحةٌ عَقبهَا الدمار)) (وَمر دهرٌ على وبارٍ ... فَهَلَكت جهرةً وبار) الرُّؤْيَة علمية وَجُمْلَة أفناهم هُوَ الْمَفْعُول الثَّانِي لَا أَنَّهَا بصرية خلافًا للعيني. وروى: أودى بهَا اللَّيْل وَالنَّهَار وَهُوَ بِمَعْنى أفناهم. وإرم بِكَسْر الْهمزَة قَالَ الْبكْرِيّ فِي مُعْجم مَا استعجم: هُوَ أَبُو عوص بالصَّاد وَفتح الْعين وعَاد: ابْن عوص وإرم: هُوَ ابْن سَام بن نوح عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ الْهَمدَانِي: نزل جيرون بن سعد بن عادٍ دمشق وَبنى مدينتها فسميت باسمه جيرون. . قَالَ: وَهِي إرم ذَات الْعِمَاد يُقَال: إِن بهَا أَرْبَعمِائَة ألف عَمُود من حِجَارَة. . قَالَ: وإرم ذَات الْعِمَاد الْمَعْرُوفَة بتيه أبين وبجانب هَذَا التيه منهل أهل عدن وبتيه أبين مسكن إرم بن سَام بن نوح فَلذَلِك يُقَال: إِن إرم ذَات الْعِمَاد فِيهِ. وَاخْتلف أهل التَّأْوِيل فِي معنى إرم فَقَالَ بَعضهم: إرم: بَلْدَة وَقيل: إِنَّهَا دمشق وَقيل هِيَ الْإسْكَنْدَريَّة وَقَالَ مُجَاهِد رَحِمَهُ اللَّهُ: إرم: أمة وَقَالَ غَيره: من عَاد. وَمعنى ذَات الْعِمَاد على هَذَا ذَات الطول. وطسم وجديس: قبيلتان من عَاد كَانُوا فِي الدَّهْر الأول فانقرضوا. . وَبَيَان انقراضهم كَمَا قَالَ مُحَمَّد بن حبيب فِي كتاب المغتالين: أَن ملك

طسم عمليق ابْن لاوذ بن إرم بن سَام بن نوح تعدى فِي الظُّلم والتجبر. وأتته يَوْمًا امْرَأَة من جديس اسْمهَا هزيلة وَكَانَ زَوجهَا طَلقهَا وَأَرَادَ أَخذ وَلَدهَا مِنْهَا فَقَالَت: أَيهَا الْملك إِنِّي حَملته تسعا وَوَضَعته دفعا وأرضعته شفعاً حَتَّى إِذا تمت أوصاله ودنا فصاله أَرَادَ أَن يَأْخُذهُ كرها وَأَن يتركني من بعده ورهاً فَقَالَ لزَوجهَا: مَا حجتك قَالَ: أَيهَا الْملك إِنَّهَا قد أَعْطَيْت الْمهْر كَامِلا وَلم أصب مِنْهَا طائلاً إِلَّا وليداً خاملاً فافعل مَا كنت فَاعِلا. فَأمر بالغلام أَن ينْزع مِنْهُمَا جَمِيعًا وَيجْعَل فِي غلمانه وَقَالَ لهزيلة: أبغيه ولدا وَلَا تنكحي أحدا أَو اجزيه صفدا. فَقَالَت هزيلة: أما النِّكَاح فَإِنَّمَا يكون بِالْمهْرِ وَأما السفاح فَإِنَّمَا يكون بالقهر وَمَالِي فيهمَا من أَمر فَلَمَّا سمع عمليقٌ كَلَامهَا أَمر أَن تبَاع مَعَ زَوجهَا فَيعْطى زَوجهَا خمس ثمنهَا وتعطى هزيلة عشر ثمن زَوجهَا ويسترقا. فأنشأت تَقول: (أَتَيْنَا أَخا طسمٍ ليحكم بَيْننَا ... فأنفذ حكما فِي هزيلة ظَالِما) (لعمري لقد حكمت لَا متورعاً ... وَلَا كنت فِيمَا يبرم الحكم عَالما)) فَلَمَّا سمع عمليق كَلَامهَا أَمر أَن لَا تزوج بكر من جديس فتهدى إِلَى زَوجهَا إِلَّا يفترعها هُوَ قبل زَوجهَا فَلَقوا من ذَلِك جهداً وذلاً. فَلم يزل على

هَذَا أَرْبَعِينَ سنة حَتَّى زوجت الشموس عميرَة بنت غفار الجديسية أُخْت الْأسود الَّذِي وَقع إِلَى جبلي طَيئ وَسَكنُوا الجبلين بعده فَلَمَّا أَرَادوا أَن يهدوها إِلَى زَوجهَا. انْطَلقُوا بهَا إِلَى عمليقٍ لينالها قبله وَمَعَهَا الفتيات يغنين وَيَقُلْنَ. (ابدي بعمليقٍ وقومي واركبي ... وبادري الصُّبْح لأمرٍ معجب) فَلَمَّا أدخلت عَلَيْهِ افترعها وخلى سَبِيلهَا. فَخرجت إِلَى قَومهَا فِي دمائها شاقة درعها عَن قبلهَا ودبرها وَهِي تَقول: لَا أحد أذلّ من جديس أهكذا يفعل بالعروس يرضى بِهَذَا يَا لقومي. حر أهْدى وَقد أعْطى وسيق الْمهْر (لأَخذه الْمَوْت كَذَا لنَفسِهِ ... خيرٌ من أَن يفعل ذَا بعرسه) وَقَالَت تحرض قَومهَا: (أيصلح مَا يُؤْتى إِلَى فَتَيَاتكُم ... وَأَنْتُم رجالٌ فِيكُم عدد النَّمْل) (وتصبح تمشي فِي الدِّمَاء صبيحةٌ ... شميسةٌ زفت فِي النِّسَاء إِلَى البعل) ...

(فَإِن أَنْتُم لم تغضبوا بعد هَذِه ... فكونوا نسَاء لَا تغب عَن الْكحل) (ودونكم طيب الْعَرُوس فَإِنَّمَا ... خلقْتُمْ لأثواب الْعَرُوس وللغسل) (فَلَو أننا كُنَّا رجَالًا وَأَنْتُم ... نساءٌ لَكنا لَا نُقِيم على الذل) (فبعداً وَسُحْقًا للَّذي لَيْسَ دافعاً ... ويختال يمشي بَيْننَا مشْيَة الْفَحْل) (فموتوا كراماً أَو أميتوا عَدوكُمْ ... ودنوا لنار الْحَرْب بالحطب الجزل) فَلَمَّا سمع قَوْلهَا أَخُوهَا الْأسود وَكَانَ سيداً مطواعاً قَالَ لِقَوْمِهِ: يَا معشر جديس إِن هَؤُلَاءِ الْقَوْم لَيْسُوا بِأَعَز مِنْكُم فِي داركم إِلَّا بِمَا كَانَ من ملك صَاحبهمْ علينا وَعَلَيْهِم وَأَنْتُم أذلّ من النيب فأطيعوني يكن لكم عز الدَّهْر وَذَهَاب ذل الْعُمر. فَقَالُوا: نطيعك وَلَكِن الْقَوْم أَكثر منا وَأقوى. قَالَ: فَإِنِّي أصنع للْملك طَعَاما ثمَّ أدعوهم إِلَيْهِ فَإِذا جاؤوا يرفلون فِي حللهم مشينا إِلَيْهِم بِالسُّيُوفِ فقتلناهم وَأَنا أنفرد بعمليق وينفرد كل وَاحِد مِنْكُم بجليسه فَاتخذ الْأسود طَعَاما كثيرا وَأمر الْقَوْم فاخترطوا سيوفهم وَدَفَنُوهَا فِي الرمل ودعا الْقَوْم فجاؤوا حَتَّى إِذا أخذُوا مجَالِسهمْ ومدوا أَيْديهم إِلَى الطَّعَام أخذُوا سيوفهم من تَحت أَقْدَامهم فَشد الْأسود على

عمليق) وكل رجل على جليسه. فَلَمَّا فرغوا من قتل الْأَشْرَاف شدوا على السفلة فأفنوهم وَنَجَا بعض طسم فاستغاث بِحسان بن تبع فغزا حسان جديساً فَقَتلهَا وأخرب دِيَارهمْ وتفانى الْحَيَّانِ فَلم يبْق مِنْهُم أحد. وجو بِفَتْح الْجِيم وَتَشْديد الْوَاو وَهِي منَازِل طسم وجديس وَكَانَ هَذَا الِاسْم فِي الْجَاهِلِيَّة حَتَّى سَمَّاهَا الْحِمْيَرِي لما قتل الْمَرْأَة الَّتِي تسمى الْيَمَامَة باسمها وَقَالَ الْملك الْحِمْيَرِي: (وَقُلْنَا وسموها الْيَمَامَة باسمها ... وسرنا وَقُلْنَا لَا نُرِيد إِقَامَة) والْعقب بِضَم الْعين وَسُكُون الْقَاف: الْعَاقِبَة. والدمار: الْهَلَاك. وَقَوله: وَمر دهر على وبار. . الخ هَذَا الْبَيْت من شَوَاهِد النَّحْوِيين وَأول من اسْتشْهد بِهِ سِيبَوَيْهٍ: على أَن وبار وَأوردهُ شرَّاح الألفية شَاهدا على وُرُود وبار على اللغتين: إِحْدَاهمَا الْبناء على الْكسر وَالثَّانيَِة إعرابها إِعْرَاب مَا لَا ينْصَرف. وَزعم أَبُو حَيَّان: أَنه يحْتَمل أَن يكون وبار الثَّانِي فعلا مَاضِيا مُسْندًا إِلَى الْوَاو. قَالَ الأعلم: وبار: اسْم أمة قديمَة من الْعَرَب العاربة هَلَكت وانقطعت كهلاك عَاد وَثَمُود. وَقَالَ الْبكْرِيّ فِي مُعْجم مَا استعجم: قَالَ أَبُو عَمْرو: وبار بالدهناء بِلَاد بهَا إبل حوشية وَبهَا نخلٌ كثيرٌ لَا يأبره أحدٌ وَلَا يجده وَزعم أَن رجلا وَقع إِلَى تِلْكَ الأَرْض فَإِذا تِلْكَ الْإِبِل ترد عينا وتأكل من ذَلِك التَّمْر فَركب فحلاً مِنْهَا وَوَجهه قبل أَهله فاتبعته تِلْكَ الْإِبِل الحوشية فَذهب إِلَى أَهله. وَقَالَ الْخَلِيل: وبار كَانَت محلّة عَاد وَهِي بَين الْيمن ورمال يبرين

فَلَمَّا أهلك الله عاداً ورث محلتهم الْجِنّ فَلَا يتقاربها أحدٌ من النَّاس وَهِي الأَرْض الَّتِي ذكرهَا الله تَعَالَى فِي قَوْله: وَاتَّقوا الَّذِي أمدكم بِمَا تعلمُونَ. أمدكم بأنعامٍ وبنين وجناتٍ وعيون. وَقَالَ إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم الْموصِلِي: كَانَ من شَأْن دعيميص الرمل الْعَبْدي الَّذِي يضْرب بِهِ الْمثل فَيُقَال: أهْدى من دعيميص الرمل إِنَّه لم يكن أحدٌ دخل أَرض وبار غَيره فَوقف بِالْمَوْسِمِ بعد انْصِرَافه من وبار وَجعل ينشد: فَلم يجبهُ أحدٌ من أهل الْمَوْسِم إِلَّا رجل من مهرَة فَإِنَّهُ أعطَاهُ مَا سَأَلَ وَتحمل مَعَه فِي جمَاعَة من قومه بأهلهم وَأَمْوَالهمْ فَلَمَّا توسطوا الرمل طمست الْجِنّ بصر دعيميص واعترته الصرفة فَهَلَك هُوَ وَمن مَعَه جَمِيعًا.) وترجمة الْأَعْشَى تقدّمت فِي الشَّاهِد الثَّالِث وَالْعِشْرين. وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد السَّادِس وَالْعشْرُونَ بعد الْمِائَة)

(معَاذ الْإِلَه أَن تكون كظبيةٍ ... وَلَا دميةٍ وَلَا عقيلة ربرب) على أَن أل فِي الله بدل من همزَة إِلَه فَلَا يجمع بَينهمَا إِلَّا قَلِيلا: كَمَا فِي هَذَا الْبَيْت. وَهَذَا الْبَيْت من أَبْيَات عشرَة للبعيث بن حُرَيْث أوردهَا أَبُو تَمام فِي الحماسة. وأولها: (خيالٌ لأم السلسبيل ودونها ... مسيرَة شهرٍ للبريد المذبب) (فَقلت لَهُ أَهلا وسهلاً ومرحباً ... فَرد بتأهيلٍ وسهلٍ ومرحب) معَاذ الْإِلَه أَن تكون كظبيةٍ ... ... ... ... ... ... ... الْبَيْت (وَلكنهَا زَادَت على الْحسن كُله ... كمالاً وَمن طيبٍ على كل طيب) خيال: مُبْتَدأ خَبره مَحْذُوف أَي: خيالها أَتَانِي وبيني وَبَينهَا مسيرَة شهر للبريد المسرع والخيال يذكر وَيُؤَنث ونكره لِأَنَّهُ رَآهُ على هيئات مُخْتَلفَة فَاعْتقد أَنه عدَّة خيالات قصد إِلَى وَاحِد مِنْهَا. وأم السلسبيل: امْرَأَة وَلَو كَانَ فِي شعر مولد لجَاز أَن يعْنى بالسلسبيل الرِّيق على وَجه التَّشْبِيه. والْبَرِيد: الدَّابَّة المركوبة مُعرب دم بريده أَي: محذوفة الذَّنب فَإِن الرُّسُل كَانَت تركب البغال المحذوفة الذَّنب وَيُطلق على الرَّسُول أَيْضا لركوبه إِيَّاهَا. والمذبب: اسْم فَاعل من ذبب فِي سيره أَي: جد وأسرع بذال مُعْجمَة وَالْبَاء الأولى مُشَدّدَة. وَرُوِيَ: المدئب من دأب يدأب بِالْهَمْزَةِ: إِذا وجد التَّعَب. وَهَاتَانِ الرِّوَايَتَانِ للآمدي فِي المؤتلف والمختلف. وروى شرَّاح الحماسة: المذبذب قَالَ التبريزي: هُوَ الَّذِي لَا يسْتَقرّ وَقَالَ الطبرسي: المذبذب والمذبب الأَصْل فيهمَا يرجع إِلَى الطَّرْد والاستعجال والمسرع المستعجل يتذبذب أَي: يضطرب.

وَقَوله: فَقلت لَهُ وَرُوِيَ لَهَا أَي: للخيال فيهمَا. وأَهلا مَنْصُوب بِفعل مُضْمر أَي: أتيت أَهلا لَا غرباء. والتأهيل: مصدر أهلته: إِذا قلت لَهُ أَهلا. وَقَوله: معَاذ الْإِلَه مَنْصُوب على الْمصدر أَي: أعوذ بِاللَّه معَاذًا. وَكَأَنَّهُ أنف وتبرأ من أَن تكون هَذِه الْمَرْأَة فِي الْحسن بِحَيْثُ تشبه بالظبية أَو الصُّورَة المنقوشة أَو بكريمة من بقر الْوَحْش. والدمية بِالضَّمِّ: الصُّورَة من العاج وَنَحْوه قَالَ أَبُو الْعَلَاء: سميت دمية لِأَنَّهَا كَانَت أَولا تصور بالحمرة فَكَأَنَّهَا أخذت من الدَّم.) والعطف من قبيل: أَبى الله أَن أسمو بِأم وَلَا أَب لما اشْتَمَل الْمُتَقَدّم على معنى النَّفْي كَأَنَّهُ قَالَ: لَا أشبههَا بظبية وَلَا دمية تعوذ بِاللَّه من تَشْبِيه خليلته بِأحد هَذِه الثَّلَاثَة كَمَا يشبه الشُّعَرَاء بهَا. وعقيلة كل شَيْء: أكْرمه. والربرب: القطيع من بقر الْوَحْش. وَقَوله: وَلكنهَا زَادَت. . إِلَخ بَين بِهِ لم أنكر تشبيهها بغَيْرهَا. وكمالاً: تَمْيِيز أَي: يزِيد حسنها على كل حسن كمالاً لِأَنَّهُ لَا حسن إِلَّا وَفِيه نقص سوى حسنها وَكَذَلِكَ كل طيب يتخلله حطيطة إِلَّا طيبها. وَقَوله: من طيب قَالَ التبريزي: أَي: وزادت من طيبها على كل طيب طيبا. وَقَالَ الطبرسي: وَلما كَانَ كمالاً تمييزاً دخله معنى من فَحسن أَن يَقُول: وَمن طيب. وَرَأَيْت فِي بعض شُرُوح الحماسة: أَرَادَ: زَادَت بحسنها كمالاً على كل حسن فَحذف للْعلم بِهِ لِأَنَّك لَا تَقول لِلْحسنِ: هُوَ أكمل من الْحسن لاخْتِلَاف الْجِنْس لِأَن الْحسن عرض وَالْحسن جسم. والبعيث قَالَ الْآمِدِيّ: هُوَ البعيث من حُرَيْث بن جَابر بن سري

بن مسلمة بن عبيد بن ثَعْلَبَة بن يَرْبُوع بن ثَعْلَبَة بن الدول بن حنيفَة بن لجيم. . شَاعِر محسن وَهُوَ قَائِل: خيالٌ لأم السلسبيل ودونها. . الْبَيْت. وَهِي أَبْيَات جِيَاد مختارة ا. هـ. والبعيث بِفَتْح الْمُوَحدَة وَكسر الْعين الْمُهْملَة قَالَ ابْن جني: هُوَ اسْم مرتجل للعلمية وَيُمكن أَن يكون صفة منقولة فَيكون فعيل فِي معنى مفعول. وَقَالَ أَبُو رياش: ابْن حُرَيْث هَذَا لَيْسَ بِصَاحِب الْقبَّة بصفين. وحريث بِالتَّصْغِيرِ وسري وَعبيد كَذَلِك. والدول بِضَم الدَّال وَسُكُون الْوَاو. ولجيم قَالَ أَبُو الْعَلَاء: يجوز أَن يكون تَصْغِير ترخيم لملجم أَو لجام أَو تَصْغِير لجم بِضَم فَفتح واللجم: دويبة يتشاءم بهَا وتوصف بالعطاس قَالَ الراجز: (أغدو فَلَا أحاذر الشكيسا ... وَلَا أَخَاف اللجم العطوسا) وَذكر الْآمِدِيّ شاعرين آخَرين يُقَال لَهما البعيث أَحدهمَا الْمُجَاشِعِي واسْمه خِدَاش وَهَذَا شَاعِر مَشْهُور دخل بَين جرير وغسان السليطي وَأعَاد غَسَّان فنشب الهجاء بَينه وَبَين جرير والفرزدق وَسقط البعيث. وَالثَّانِي: البعيث التغلبي بمثناة فمعجمة وَهُوَ بعيث بن رزام وَكَانَ يهاجي زرْعَة بن عبد الرَّحْمَن. وَقَالَ الْقطَامِي: (إِن رزاماً غرها قرزامها ... قلف على أزبابها كمامها))

الشَّاهِد السَّابِع وَالْعشْرُونَ بعد الْمِائَة) إِن المنايا يطلعن على الأناس الآمنينا على أَن اجْتِمَاع أل والهمزة فِي الأناس لَا يكون إِلَّا فِي الشّعْر وَالْقِيَاس النَّاس فَإِن أَصله أنَاس فحذفت الْهمزَة وَعوض عَنْهَا أل إِلَّا أَنَّهَا لَيست لَازِمَة إِذْ يُقَال فِي السعَة نَاس. أَقُول: هَذَا يدل على أَن أل فِي الْبَيْت لَيست عوضا من الْهمزَة إِذْ لَو كَانَت عوضا لم يجز أَن يُقَال نَاس: من غير همزَة وَلَا أل إِذْ لَا يجوز الْخُلُو عَن الْعِوَض والمعوض عَنهُ. وَمَا ذكره من كَونه عوضا من الْهمزَة هُوَ مَذْهَب سِيبَوَيْهٍ وَتَبعهُ الزَّمَخْشَرِيّ وَالْقَاضِي وَغَيرهمَا. وَذهب أَبُو عَليّ الْفَارِسِي فِي الأغفال: وَهُوَ كتاب ذكر فِيهِ مَا أغفله شَيْخه أَبُو إِسْحَاق الزّجاج. أَن أل لَيست عوضا من همزَة أنَاس. وَقد عزا إِلَيْهِ السَّيِّد فِي حَاشِيَة الْكَشَّاف خلاف هَذَا فَقَالَ: وتوهم أَبُو عَليّ فِي الأغفال أَن اللَّام فِي النَّاس أَيْضا عوض إِذْ لَا يَجْتَمِعَانِ فِي الأناس إِلَّا ضَرُورَة. ورد بِكَثْرَة اسْتِعْمَال نَاس مُنْكرا دون إِلَه وبامتناع يَا النَّاس دون يَا الله. انْتهى.

فقد انعكس النَّقْل عَلَيْهِ من هَذَا الْكتاب مَعَ أَنه قد رد عَلَيْهِ ابْن خالويه فِيمَا كتبه على الأغفال وَتعقبه أَبُو عَليّ فِيمَا كتبه ثَانِيًا وَهُوَ رد على ابْن خالويه وَسَماهُ نقض الهاذور وَبسط الْكَلَام فِيهِ كل الْبسط. وَأَنا أوردهُ مُخْتَصرا لتقف على حَقِيقَة الْحَال. وَهَذِه عِبَارَته: ثمَّ ذكر هذراً لَيْسَ من حكمه أَن نتشاغل بِهِ وَإِن كَانَ جَمِيع مَا هذر بِهِ غير خَارج من هَذَا الحكم. . ثمَّ حكى قَوْلنَا وَهُوَ: فَإِن قَالَ قَائِل: أَو لَيْسَ قد حذفت الْهمزَة من النَّاس كَمَا حذفت من هَذَا الِاسْم حذفا فَهَل تَقول: إِنَّهَا عوض مِنْهَا كَمَا أَن اللَّام عوض من الْهمزَة المحزوفة فِي اسْم الله. . إِلَى آخر الْفَصْل. فَقَالَ الْمُعْتَرض: أما ادعاؤه أَن أل لَيست عوضا من الْهمزَة فِي أنَاس كَمَا كَانَت فِي هَذَا الِاسْم فَلَيْسَ على مَا ذكر. . فَلم يزدْ على الْإِنْكَار والادعاء لتركنا طَريقَة سِيبَوَيْهٍ وَحمل كَلَامه الْمُطلق على الْمُقَيد الْمَخْصُوص وتظني المتعرض أَن الْهمزَة سَقَطت مِنْهُمَا على حد وَاحِد وَأَن أل فِي النَّاس عوض من حذف الْهمزَة كَمَا كَانَ ذَلِك فِي اسْم الله تظن على عكس مَا الْأَمر عَلَيْهِ:) وَذَلِكَ أَن قَول سِيبَوَيْهٍ: وَمثل ذَلِك أنَاس فَإِذا أدخلت الْألف وَاللَّام عَلَيْهِ قلت النَّاس لَيْسَ يدل قَوْله: وَمثل ذَلِك أنَاس أَن التَّمَاثُل بَينهمَا يَقع على جَمِيع مَا الاسمان عَلَيْهِ إِنَّمَا يدل على أَن الْمُمَاثلَة تقع على شَيْء وَاحِد. أَلا ترى أَن مثلا إِذا أضيفت إِلَى معرفَة جَازَ أَن يُوصف بِهِ النكرَة لِأَن مَا يتشابهان بِهِ كثير وَإِنَّمَا يتشابهان فِي شَيْء من أَشْيَاء. وَمن ثمَّ كَانَ نكرَة وَكَانَ هَذَا الْأَغْلَب. وَلَو كَانَ التشابه يَقع بَينهمَا فِي كل مَا يُمكن أَن يتشابها بِهِ لَكَانَ مَخْصُوصًا غير مُبْهَم ومحصوراً غير شَائِع. وَفِي أَن الْأَمر بِخِلَاف هَذَا دلَالَة على أَن الظَّاهِر من كَلَام سِيبَوَيْهٍ لَيْسَ على مَا قدره هَذَا الْمُعْتَرض يدل على ذَلِك مَا ذهب إِلَيْهِ أهل الْعلم فِي قَوْله تَعَالَى: فجزاءٌ

مثل مَا قتل من النعم فَقَالَ قَائِلُونَ: جَزَاء مثل مَا قتل فِي الْقيمَة وَقَالَ قَائِلُونَ: جزاءٌ مثله فِي الصُّورَة وَلم يذهب أحد فِيمَا علمناه إِلَى أَن الْمَعْنى جزاءٌ مثل مَا قتل فِي الْقيمَة وَالصُّورَة جَمِيعًا. فَكَذَلِك قَول سِيبَوَيْهٍ: وَمثل ذَلِك أنَاس إِنَّمَا يُرِيد مثله فِي حذف الْفَاء فِي ظَاهر الْأَمر لَو لم تدل دلَالَة على أَن قَوْلهم النَّاس لَيْسَ كاسم الله: فِي كَون الْألف وَاللَّام عوضا من الْهمزَة المحذوفة. فَكيف وَقد قَامَت الْأَدِلَّة على أَن قَوْلهم النَّاس: قد فَارق مَا عَلَيْهِ هَذَا الِاسْم فِي بَاب الْعِوَض على مَا سَنذكرُهُ إِن شَاءَ الله وَإِذا كَانَ الْأَمر فِي إِضَافَة مثل مَا قُلْنَا تبين أَن هَذَا الْمُعْتَرض لم يعرف قَول سِيبَوَيْهٍ. وَلَيْسَ فِي لفظ سِيبَوَيْهٍ شَيْء يدل على أَن الْهمزَة فِي أنَاس مثل الْهمزَة فِي الِاسْم الآخر: فِي أَنه عوض مِنْهَا شَيْء كَمَا عوض هُنَاكَ. وَيبين ذَلِك: أَنه حَيْثُ أَرَادَ أَن يرى النَّظَائِر فِي الْعِوَض أفرد ذكر الِاسْم فَقَالَ: وَهِي فِي إِلَه بِمَنْزِلَة شَيْء غير مُنْفَصِل من الْكَلِمَة كَمَا كَانَت الْمِيم فِي اللَّهُمَّ غير مُنْفَصِلَة وكما كَانَت التَّاء فِي الجحاجحة وَالْألف فِي يمَان وأختيها بَدَلا من الْيَاء. فَأَما الدّلَالَة على أَن حرف التَّعْرِيف لَيْسَ بعوض فَهِيَ أَن الْألف وَاللَّام تدخل مَعَ (إِن المنايا يطلع ... ن على الأناس الآمنينا) وَأَن الأناس وأناس فِي الْمَعْنى وَاحِد إِلَّا فِيمَا أحدث حرف التَّعْرِيف من التَّعْرِيف. وَقد جَاءَ فِي كَلَامهم ناسٌ وأناس. فَمن يَقُول أنَاس يَقُول الأناس وَمن يَقُول نَاس يَقُول النَّاس. وَأنْشد مُحَمَّد بن يزِيد: (وناسٌ من سراة بني سليمٍ ... وناسٌ من بني سعد بن بكر)

وَمِمَّا يغلب أَن هَذِه الْهمزَة لَا يلْزم أَن يكون مِنْهَا عوض أَن من يرد الْأُصُول المحذوفة فِي التحقير وَمن لَا يرد اتَّفقُوا عندنَا جَمِيعًا على أَن حقروا أُنَاسًا: نويسا. فَدلَّ ترك رد الأَصْل فِي التحقير) مِمَّن يرد على أَن هَذَا الْحَذف قد صَار عِنْدهم كالحذف اللَّازِم فِي أَكثر الْأَمر نَحْو: حاش لله وَنَحْو لَا أدر. وَمَا كَانَ من الْحَذف عِنْدهم هَكَذَا يبعد أَن يعوض مِنْهُ وَقد كَانَ أولى من التعويض رد مَا هُوَ مِنْهُ إِلَيْهِ فَلَمَّا لم يَقُولُوا أنيس عِنْد سِيبَوَيْهٍ فِي تحقير نَاس وَلَا عِنْد يُونُس وَأبي عُثْمَان كَانَ أَن لَا يعوض مِنْهُ أولى. وَمِمَّا يبين حسن الْحَذف مِنْهُ وسهولته: أَنه جمع والجموع قد تخفف بِمَا لَا يُخَفف الْآحَاد بِهِ أَلا ترى أَنهم قَالُوا: عصي ودلي فَأَجْمعُوا على الْقلب فِي هَذَا النَّحْو وَكَذَلِكَ نَحْو بيضٍ فَكَمَا خففوا هَذَا النَّحْو من الْجمع كَذَلِك قَوْلهم أنَاس بالحذف مِنْهُ. . ويدلك على أَنه جمع: أَنهم قَالُوا فِي الْإِضَافَة إِلَى أنَاس: إنساني كَمَا قَالُوا فِي الْإِضَافَة إِلَى الْجَمِيع: جمعي. فَعلمت أَن أُنَاسًا فِي جمع إِنْسَان كتؤام فِي جمع توأم وبراء فِي جمع بَرِيء ورخال وظؤار وثناء وَنَحْو ذَلِك. فَكَمَا أجروه مجْرى الْجمع فِي هَذَا كَذَلِك أجروه مجْرَاه فِي الْحَذف مِنْهُ كَمَا خففوا مَا ذكرنَا بِالْقَلْبِ فِيهِ. وَمِمَّا يغلب أَن قَوْلنَا النَّاس على الْحذاء الَّذِي ذكرنَا من التَّخْفِيف بالحذف أَن مَا فِي التَّنْزِيل من هَذَا النَّحْو عَلَيْهِ نَحْو: الَّذين قَالَ لَهُم النَّاس إِن النَّاس قد جمعُوا لكم وَنَحْو: أعوذ بِرَبّ النَّاس. ملك النَّاس

فَهَذَا إِنَّمَا أدغم لَام الْمَعْنى فِي النُّون على حد مَا أدغم فِي: النشر والنشز والنعمان لَا على حد تَقْدِير الْهمزَة فِيهِ وتخفيفها. أَلا ترى أَنه لَو كَانَ على تَقْدِير أنَاس لم يدغم لِأَن الحرفين ليسَا مثلين كَمَا كَانَا مثلين فِي الِاسْم الآخر إِنَّمَا هما متقاربان وَالْأَكْثَر فِي المتقاربين إِذا تحرّك الأول مِنْهُمَا فالأقيس أَن لَا يدغم الأول فِي الثَّانِي كَمَا يدغم المثلان. وَذَلِكَ: أَن مباينة الحرفين فِي الْمخْرج إِذا انْضَمَّ إِلَيْهِمَا الْحَرَكَة قَوِيا على منع الْإِدْغَام فَامْتنعَ كَمَا يمْتَنع لحجز الْحَرْف بَينهمَا وَلَيْسَ كَذَلِك المثلان إِذا حجزت بَينهمَا الْحَرَكَة لِأَن الْحَرَكَة أقل وأيسر فِي الصَّوْت من الْحَرْف فَلم يبلغ من قوتها أَن تحجز بَين المثلين وَيمْنَع الْإِدْغَام كَمَا يمْنَع مِنْهُ فِي أَكثر الْأَمر إِذا انْضَمَّ إِلَى الْحَرَكَة الِاخْتِلَاف فِي مخرجي الْحَرْف. وَأما قَول صَاحب الهاذور: وَالدَّلِيل على صِحَة ذَلِك وَأَن هَذَا هُوَ الَّذِي ذهب إِلَيْهِ سِيبَوَيْهٍ وَإِن كَانَ عِنْده عوضا فِي هَذَا الْموضع أَيْضا: أَنه تعاطى الْفرق بَينهمَا. . فتعاطيه الْفرق بَينهمَا لَا يدل أَن كَانَ تعاطى على اتِّفَاقهمَا عِنْده وَلَيْسَ لنسخه كَلَام سِيبَوَيْهٍ فِي جملَة الهذر فَائِدَة وَلَا معنى لاحتجاج من احْتج بِشَيْء لَا يعرفهُ وَلَا يفهمهُ وَإِنَّمَا وكده فِي غَالب رَأينَا بتسويد الْوَرق) وإفساده. وَأما تَفْسِير الْمُعْتَرض لقولنا إنَّهُمَا لَو كَانَتَا هَهُنَا عوضا كَمَا هما فِي هَذَا الِاسْم لفعل بهما مَا فعل بِالْهَمْزَةِ فِي اسْم الله. فَإِن عني بِهِ أَنَّهُمَا كَانَتَا تلزمان ثمَّ كَانَت الْألف تَنْقَطِع فِي النداء فَلَيْسَ على مَا قدر وَلَكِن المُرَاد

بِهِ: أَن الْألف وَاللَّام فِي الاسمين لَو كَانَا على حد وَاحِد لَكَانَ النَّاس إِذا سقط مِنْهُ حرف التَّعْرِيف لَا يدل على مَا كَانَ يدل عَلَيْهِ والحرف لاحقٌ بِهِ كَمَا أَنه فِي اسْم الله إِذا خرج مِنْهُ لَا يدل على مَا يدل عَلَيْهِ وَهُوَ فِيهِ. وَأما قَوْله: حاكياً لكلامنا: فَأَما استدلاله على أَنَّهُمَا فِي النَّاس غير عوض بقول الشَّاعِر: على الأناس الآمنينا وَأَنه لَو كَانَ عوضا لم يكن ليجتمع مَعَ المعوض مِنْهُ فَهَذَا يلْزمه بِعَيْنِه فِيمَا ذهب إِلَيْهِ فِي اسْم الله. وَذَلِكَ أَنه يُقَال لَهُ: أَلَسْت تَقول الْإِلَه فَتدخل الْألف وَاللَّام على إِلَه وَلَا تحذف الْهمزَة مَعَ دُخُولهَا. . إِلَى آخر الهذر. أَقُول: لَيْسَ الْأَمر كَمَا تظناه هَذَا الْعَاميّ الْمَرِيض لما ذكر سعيد عَن قَتَادَة فِي قَوْله تَعَالَى: هَل تعلم لَهُ سميا: لَا سمي لله وَلَا عدل لَهُ كل خلقه مقرّ لَهُ ومعترف لَهُ أَنه خالقه. ثمَّ يقْرَأ: وَلَئِن سَأَلتهمْ من خلقهمْ ليَقُولن الله فالاسم الَّذِي لَا سمي للقديم سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِيهِ لَا يخلوا من أَن يكون الله أَو الرَّحْمَن فَلَا يجوز أَن يكون الرَّحْمَن لِأَنَّهُ وَإِن كَانَ اسْما من أَسمَاء الله فقد تسمي بِهِ وَقد قَالُوا لمُسَيْلمَة: رحمان وَقَالُوا أَيْضا فِيهِ: رحمان الْيَمَامَة وَذكر بعض الروَاة: أَنهم لما سمعُوا النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يذكر الرَّحْمَن قَالَت قُرَيْش: أَتَدْرُونَ مَا الرَّحْمَن هُوَ كَاهِن الْيَمَامَة فَهَذَا يدل على أَنهم كَانُوا لَا يحظرون التَّسْمِيَة بِهِ. فَإِذا كَانَ قد سمي بِهِ ثَبت أَن الِاسْم الَّذِي لَا سمي لَهُ فِيهِ هُوَ الله وَهَذَا الِاسْم إِنَّمَا يكون بِهَذَا الْوَصْف إِذا لزمَه الْألف وَاللَّام فَأَما إِذا أخرجَا مِنْهُ وَألْحق الْهمزَة فَقيل: إِلَه والإله فَلَيْسَ على حد قَوْلهم: الله فِي الِاسْتِعْمَال

وَلَا فِي الْمَعْنى أَلا ترى أَنه إِذا قَالَ إِلَه صَار مُشْتَركا غير مَخْصُوص وَجَاز فِيهِ الْجمع وَأما فِي الْمَعْنى: فَإِنَّهُ يعْمل على الْفِعْل كَقَوْلِه تَعَالَى: وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاء إِلَه الظّرْف يتَعَلَّق بِمَا فِي إِلَه من معنى الْفِعْل وَإِذا دَخلته الْألف وَاللَّام لم يعْمل هَذَا الْحَد لِخُرُوجِهِ عَن حد المصادر. فَإِن قلت: وَهُوَ الله فِي السَّمَاوَات وَفِي الأَرْض يعلم سركم وجهركم فَإِن الظّرْف لَا يتَعَلَّق بِالِاسْمِ على حد مَا تعلق بإله إِلَّا على حد مَا أذكرهُ لَك: وَهُوَ أَن الِاسْم لما عرف مِنْهُ معنى التَّدْبِير للأشياء وَالْحِفْظ لَهَا وتصورها فِي نَحْو: إِن الله يمسك السَّمَوَات وَالْأَرْض أَن تَزُولَا صَار إِذا) ذكر كَأَنَّهُ قد ذكر الْمُدبر والحافظ الْمُثبت فَيجوز أَن يتَعَلَّق الظّرْف بِهَذَا الْمَعْنى الَّذِي دلّ عَلَيْهِ الِاسْم بعد أَن صَار مَخْصُوصًا وَفِي أَحْكَام الْأَسْمَاء الْأَعْلَام الَّتِي لَا معنى فعلٍ فِيهَا فَبِهَذَا يتَعَلَّق الظّرْف. وعَلى هَذَا تَقول: هُوَ حاتمٌ جواداً وزهيرٌ شَاعِرًا فَتعلق الْحَال بِمَا دخل فِي هَذِه الْأَسْمَاء من معنى الْفِعْل لاشتهارها بِهَذِهِ الْمعَانِي وَلَوْلَا ذَلِك لم يجز. فَإِذا كَانَ كَذَلِك علمت أَن هَذَا الِاسْم إِذا أخرجت مِنْهُ الْألف وَاللَّام فَقلت إِلَه لم يكن على حد قَوْلنَا الله وَلَيْسَ كَذَلِك النَّاس والأناس لِأَن الْمَعْنى فِي كلا الْحَالين فِيهِ وَاحِد أَلا ترى أَنه اسْم الْعين لَا مُنَاسبَة بَينه وَبَين الْفِعْل وَهَذَا الَّذِي عناه سِيبَوَيْهٍ عندنَا بقوله: وَذَلِكَ أَنه من قبل أَنه اسْم يلْزمه الْألف وَاللَّام لَا يفارقانه فَصَارَ كَأَن الْألف وَاللَّام فِيهِ بِمَنْزِلَة اللف وَاللَّام اللَّتَيْنِ من نفس الْحَرْف. وَلَيْسَ فِي النَّاس والأناس كَذَلِك أَلا ترى أَنَّك إِذا أخرجتهما من الِاسْم دلّ على أَن الْأَعْيَان الَّتِي يدل عَلَيْهَا حَسْبَمَا

يدل عَلَيْهِ وهما فِيهِ وَلَيْسَ فِي اسْم الله كَذَلِك فَإِذا كَانَ الْأَمر فِيهِ على مَا ذكرنَا وضح الْفَصْل بَين الاسمين إِذا أخرج مِنْهُمَا الْألف وَاللَّام. مِمَّا وَصفنَا لم يكن إِخْرَاج الْألف وَاللَّام من اسْم الله سُبْحَانَهُ كإخراجه من النَّاس حَذْو القذة بالقذة. انْتهى كَلَام أبي عَليّ. وَقد وَاعْلَم أَنهم اخْتلفُوا فِي نَاس فَقَالَ الْجُمْهُور: أَصله أنَاس فَقيل: جمع إِنْسَان وَقيل اسْم جمع لَهُ. وَقَالَ الْكسَائي: هُوَ اسْم تَامّ وعينه وَاو من نَاس ينوس إِذا تحرّك. وعَلى هَذَا فإطلاقه على الْجِنّ وَاضح قَالَ فِي الْقَامُوس: وَالنَّاس يكون من الْإِنْس وَالْجِنّ إِلَّا أَن قَوْله أَصله أنَاس مَعَ جعله من مَادَّة نوس غير صَحِيح وَصرح بِهِ جمَاعَة من أهل اللُّغَة فَإِن الْعَرَب تَقول: ناسٌ من الْجِنّ وَفِي الحَدِيث: جَاءَ قومٌ فوقفوا. فَقيل من أَنْتُم قَالُوا: نَاس من الْجِنّ وَلذَا جوز بَعضهم فِي قَوْله تَعَالَى: من الْجنَّة وَالنَّاس أَن يكون بَيَانا للنَّاس. وَقيل أَصله نسيٌ من النسْيَان فَقدمت اللَّام على الْعين وقلبت ألفا فَصَارَ نَاسا. وَهَذَا الْبَيْت من أَبْيَات لذِي جدن الْحِمْيَرِي الْملك كَمَا فِي كتاب المعمرين لأبي حَاتِم السجسْتانِي قَالَ: عَاشَ ثلثمِائة سنة وَقَالَ فِي ذَلِك: (لكل جنبٍ اجتنى مُضْطَجع ... وَالْمَوْت لَا ينفع مِنْهُ الْجزع) (الْيَوْم تُجْزونَ بأعمالكم ... كل امرئٍ يحصد مِمَّا زرع)

(لَو كَانَ شيءٌ مفلتاً حتفه ... أفلت مِنْهُ فِي الْجبَال الصدع)) وَقَالَ أَيْضا: (يَا اجتني مهلا ذرينا ... أَفِي سفاءٍ تعذلينا) (يومٌ يُغير ذَا النعي ... م وَتارَة يشفي الحزينا) (إِن المنايا يطلع ... ن على الأناس الآمنينا) (فيدعنهم شَتَّى وَقد ... كَانُوا جَمِيعًا ففرينا) فَقَوله: اجتنى اسْم امْرَأَة مَنْقُول من الْفِعْل الْمَاضِي من اجتنى الثَّمَرَة وَهُوَ منادى بِحرف النداء الْمَحْذُوف. ومفلتا: اسْم فَاعل من أفلته: إِذا أطلقهُ. والصدع بِفَتْح الصَّاد وَالدَّال: الوعل. والسفاء بِكَسْر السِّين الْمُهْملَة: مصدر سافاه مسافاة وسفاء: إِذا سافهه. واستعتب: طلب الإعتاب والإعتاب: مصدر أعتبه: إِذا أَزَال عتابه وشكواه فالهمزة للسلب. وعتب عَلَيْهِ من بَاب ضرب وَقتل: إِذا لامه فِي تسخط. والعتاب: مصدر عاتبه. وَقَوله: تعتبينا هُوَ جَوَاب الْقسم بِتَقْدِير لَا النافية كَقَوْلِه تَعَالَى: تا لله تفتؤ تذكر يُوسُف وَهَذَا بِالْبِنَاءِ للْمَجْهُول. وَقَوله: يومٌ أَي: للدهر يومٌ يُغير صَاحب النَّعيم نعيمه. ويشفى بِالْفَاءِ. والمنايا: جمع منية وَهُوَ الْمَوْت. ويطلعن: يشرفن ويقربن. والْآمنينَ: جمع آمن. بِمَعْنى مطمئن يُقَال: أَمن الْبَلَد: إِذا

اطْمَأَن. وَقَوله: فيدعنهم رُوِيَ بدله: فيذرنهم. وشتى: مُتَفَرّقين وَهُوَ جمع شتيت. ووافرين: جمع وَزعم بَعضهم فِيمَا كتبه على تَفْسِير الْبَيْضَاوِيّ: أَن بَيت الشَّاهِد من قصيدة لِعبيد بن الأبرص قَالَ: وأولها كَمَا فِي الحماسة البصرية: (نَحن الألى فاجمع جمو ... عك ثمَّ وجههم إِلَيْنَا) وَفِيه نظر من وجهيين: الأول أَن هَذَا الْبَيْت لم يذكرهُ صَاحب الحماسة فِي تِلْكَ القصيدة وَالثَّانِي: أَن أول القصيدة إِنَّمَا هُوَ: يَا ذَا المخوفنا بقتل أَبِيه إذلالاً وحينا وَالْبَيْت الَّذِي أوردهُ من أواخرها كَمَا تقدم. وذُو جدن بِفَتْح الْجِيم وَالدَّال: اسْم مرتجل وَهُوَ من أذواء الْيمن. والأذواء بَعضهم مُلُوك وَبَعْضهمْ أقيال والقيل دون الْملك قَالَ فِي الصِّحَاح: والقيل: ملك من مُلُوك حمير دون الْملك) الْأَعْظَم وَالْمَرْأَة قيلة. وَأَصله قيل بِالتَّشْدِيدِ كَأَنَّهُ الَّذِي لَهُ قَول أَي: ينفذ قَوْله وَالْجمع أَقْوَال وأقيال أَيْضا وَمن جمعه على أقيال لم يَجْعَل الْوَاحِد مِنْهُ مشدداً. وَالْمقول بِالْكَسْرِ: القيل أَيْضا بلغَة أهل الْيمن وَالْجمع المقاول.

وَمن الأذواء الْأَوَائِل أَبْرَهَة ذُو الْمنَار والمنار مفعل من النُّور وَابْنه عَمْرو ذُو الأذعار بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون الذَّال الْمُعْجَمَة زَعَمُوا أَنه حمل مَعَه إِلَى الْيمن نسناساً فذعر النَّاس مِنْهُ. وصحفه ابْن الشجري فِي أَمَالِيهِ بِالدَّال الْمُهْملَة فَقَالَ: والأدعار جمع دعر أَي: بِفَتْح فَكسر وَهُوَ الْعود الْكثير الدُّخان. وَأنكر عَلَيْهِ فِي بَغْدَاد فأصر عَلَيْهِ. . وَبعد ذِي الأذعار بدهر ذُو معاهر واسْمه حسان. ومعاهر من العهر وَهُوَ الْفُجُور. وَبعده ذُو رعين الْأَكْبَر واسْمه يريم ورعين: اسْم حصن كَانَ لَهُ وَهُوَ فِي الأَصْل تَصْغِير رعن وَهُوَ أنف الْجَبَل. ويريم: من قَوْلك رام من مَكَانَهُ أَي: برح وانفصل مِنْهُ. وذُو رعين الْأَصْغَر واسْمه عبد كلال بِضَم الْكَاف وَتَخْفِيف اللامين. وَبعده بدهر ذُو شناتر واسْمه ينوف من ناف الشَّيْء ينوف: إِذا طَال وارتفع. والشناتر بِفَتْح الشين الْمُعْجَمَة وَالنُّون: الْأَصَابِع فِي لُغَة الْيمن. وَمِنْهُم ذُو القرنين واسْمه الصعب. وَذُو غيمان وَهُوَ من الْغَيْم الَّذِي هُوَ الْعَطش وحرارة الْجوف بالغين الْمُعْجَمَة. وذُو أصبح بِفَتْح الْهمزَة وَإِلَيْهِ نسبت السِّيَاط الأصبحية. وذُو سحر بِفَتْح الْمُهْمَلَتَيْنِ وذُو شعْبَان. . وذُو فائش واسْمه سَلامَة: وفائش: من الفياش وَهُوَ الْمُفَاخَرَة وذُو حمام وَالْحمام بِضَم الْمُهْملَة: حمى الْإِبِل.

وذُو ترخم بِضَم الْمُثَنَّاة وَالْخَاء الْمُعْجَمَة وَفتحهَا وَسُكُون الرَّاء: من قَوْلهم: مَا أَدْرِي أَي ترخم هُوَ: أَي: أَي النَّاس. وترخم قَبيلَة بِالْيمن أَيْضا. وذُو يحصب من قَوْلهم حصبة يحصبه: إِذا رَمَاه بالحصباء وَهِي الْحَصَى الصغار. وذُو عسيم بِفَتْح الْعين وَكسر السِّين الْمُهْمَلَتَيْنِ من العسم بِفتْحَتَيْنِ وَهُوَ يبس فِي الْمرْفق أَو من العسم بِالسُّكُونِ وَهُوَ الطمع. وذُو قثاث بِضَم الْقَاف وَتَخْفِيف المثلثتين من قَوْلهم قث يقث: إِذا جمع. وذُو حوال بِالضَّمِّ واسْمه عَامر. وحوال من المحاولة وَهِي الطّلب. وذُو مهدم وَهُوَ مفعل بِالْكَسْرِ من هدمت الْبَيْت. وَذُو الْجنَاح واسْمه شمر. . وذُو أنس والأنس بِفتْحَتَيْنِ: الْجَمَاعَة من النَّاس.)

وَسمي بذلك لضفرتين كَانَتَا تنوسان على عَاتِقه وَكَانَ غُلَاما حسنا من أَبنَاء الْمُلُوك أَرَادَهُ على نَفسه ذُو الشناتر فوجأه بخنجر كَانَ قد أعده لَهُ فَقتله ورضيته حمير لنَفسهَا لما أراحها من ذِي الشناتر. وَذُو نواس هُوَ صَاحب الْأُخْدُود الَّذِي ذكره الله عَزَّ وَجَلَّ وَكَانَ يَهُودِيّا فَخدَّ الْأُخْدُود لقومٍ من أهل نَجْرَان تنصرُوا على يَد رجل من قبل آل جَفْنَة دعاهم إِلَى الْيَهُودِيَّة فَأَبَوا فحرقهم ثمَّ ظَهرت الْحَبَشَة على الْيمن فحاربوا ذَا نواس أَشد حَرْب فَلَمَّا أَيقَن بِالْهَلَاكِ اعْترض الْبَحْر بفرسه فَكَانَ آخر الْعَهْد بِهِ. وَمِنْهُم ذُو الكلاع الْأَكْبَر وذُو الكلاع الْأَصْغَر وَأدْركَ الْأَصْغَر الْإِسْلَام كتب إِلَيْهِ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ مَعَ جرير بن عبد الله البَجلِيّ فَأسلم وَأعْتق يَوْم أسلم أَرْبَعَة آلَاف عبد وَهَاجَر بقَوْمه فِي أَيَّام أبي بكر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه إِلَى الْمَدِينَة ثمَّ سكنوا حمص. واشتقاق الكلاع بِضَم الْكَاف وَفتحهَا من الكلع بِالتَّحْرِيكِ وَهُوَ شقاقٌ ووسخ يكون فِي الْقدَم يُقَال: مِنْهُ كلعت رجله. وَمِنْهُم ذُو عثكلان بِفَتْح الْعين وَسُكُون الْمُثَلَّثَة وَهُوَ اسْم مرتجل. وذُو ثعلبان بِالضَّمِّ وَهُوَ ذكر الثعالب. وذُو زهران وذُو مكارب أَي: ذُو مفاصل شَدَّاد جمع مكرب كمكرم. وذُو مناخ بِالضَّمِّ وَكَانَ نزل ببعلبك.

وذُو ظليم واسْمه حَوْشَب وَهُوَ الْعَظِيم الْبَطن. والظليم: ذكر النعام. وَشهد ذُو ظليم صفّين مَعَ مُعَاوِيَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه. وَمِنْهُم ذُو يزن ملك الْيمن بعد ذِي نواس فهزمته الْحَبَش واقتحم الْبَحْر فَهَلَك. ويزن: اسْم مرتجل وَهُوَ غير منصرف لِأَن أَصله يزأن على وزن يسْأَل فخففوا همزته فَصَارَ وَزنه يفل وَمِنْهُم من رد عينه فِي النّسَب فَقَالَ رمح يزأني: وَقيل إِن أَصله من وزن يزن فحذفت الْوَاو ثمَّ) أبدلت الكسرة فَتْحة. وَاسم ذِي يزن: عَامر بن أسلم بن زيد بن غوث الْحِمْيَرِي وَالله أعلم. وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد الثَّامِن وَالْعشْرُونَ بعد الْمِائَة) وَهُوَ من أَبْيَات سِيبَوَيْهٍ: (من أَجلك يَا الَّتِي تيمت قلبِي ... وَأَنت بخيلةٌ بالوصل عني) على أَنه شَاذ: لِأَن فِي لَام الَّتِي اللُّزُوم فَقَط وَلَيْسَ فِيهَا العوضية أَيْضا. قَالَ بعض شرَّاح الْمفصل: وَلَو قلت: تَقْدِيره: من أَجلك يَا حبيبتي الَّتِي تيمت قلبِي لم يبْق إِشْكَال لِأَن الَّتِي لم تكن منادى على هَذَا التَّقْدِير. انْتهى. وَرُوِيَ فديتك يَا الَّتِي الخ. وَمعنى تيمت: ذللت واستعبدت وَمِنْه تيم اللات أَي: عبد ومن اجلك يقْرَأ بِنَقْل فَتْحة ألف أَجلك إِلَى نون من. وَقَوله: من اجلك علةٌ معلولها مَحْذُوف أَي: من أَجلك قاسيت مَا قاسيت أَو خبر

مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي: من أَجلك مقاساتي. وَكَانَ الْقيَاس أَن يَقُول تيمت بتاء التَّأْنِيث على الْغَيْبَة لَكِن جَاءَ على نَحْو قَوْله: أَنا الَّذِي سمتن أُمِّي حيدرة وَالْقِيَاس سمته. وَجُمْلَة أَنْت بخيلة حَال عاملها تيمت. وَهَذَا من الأبيات الْخمسين الَّتِي لم يعرف لَهَا قَائِل وَلَا ضميمة. وَأنْشد بعده وهوالشاهد التَّاسِع وَالْعشْرُونَ بعد الْمِائَة) (فيا الغلامان اللَّذَان فرا ... إياكما أَن تكسبانا شرا) على أَنه أشذ مِمَّا قبله: إِذْ لَيْسَ فِي أل الَّتِي فِي الغلامين لُزُوم وَلَا عوض. وخرجه ابْن الْأَنْبَارِي فِي الْإِنْصَاف على حذف المنادى وَإِقَامَة صفته مقَامه قَالَ: التَّقْدِير فِيهِ وَفِي الَّذِي قبله فيا أَيهَا الغلامان وَيَا حبيبتي الَّتِي وَهَذَا قَلِيل بَابه الشّعْر. وإياكما: تحذير. وأَن تكسبانا: أَي: من أَن تكسبانا وماضيه كسب يتَعَدَّى إِلَى مفعولين يُقَال: كسبت زيدا مَالا وعلماً أَي: أنلته. قَالَ ثَعْلَب: كلهم يَقُول: كسبك فلانٌ خيرا إِلَّا ابْن الْأَعرَابِي فَإِنَّهُ يَقُول: أكسبك بِالْألف كَذَا فِي الْمِصْبَاح. وَهَذَا الْبَيْت شائعٌ فِي كتب النَّحْو وَلم يعرف لَهُ قَائِل وَلَا ضميمة.

وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد الثَّلَاثُونَ بعد الْمِائَة: (إِنِّي إِذا مَا حدثٌ ألما ... أَقُول: يَا اللَّهُمَّ يَا اللهما) على أَن اجْتِمَاع يَا وَالْمِيم الْمُشَدّدَة شَاذ. وَالْحَدَث محركة: مَا يحدث من أُمُور الدَّهْر. وروى أَبُو زيد فِي نوادره: إِنِّي إِذا مَا لممٌ ألما هُوَ بِفتْحَتَيْنِ مقارفة الذَّنب وَقيل هُوَ الصَّغَائِر. وألم الشَّيْء: قرب. وَأَقُول: خبر إِن وَإِذا: ظرف لَهُ. وَهَذَا الْبَيْت أَيْضا من الأبيات المتداولة فِي كتب الْعَرَبيَّة وَلَا يعرف قَائِله وَلَا بَقِيَّته. وَزعم الْعَيْنِيّ أَنه لأبي خرَاش الْهُذلِيّ. قَالَ: وَقَبله: وَهَذَا خطأ فَإِن هَذَا الْبَيْت الَّذِي زعم أَنه قبله بيتٌ مُفْرد لَا قرين لَهُ وَلَيْسَ هُوَ لأبي خرَاش وَإِنَّمَا هُوَ لأمية بن أبي الصَّلْت قَالَه عِنْد مَوته وَقد أَخذه أَبُو خرَاش وضمه إِلَى بَيت آخر وَكَانَ يقولهما وَهُوَ يسْعَى بَين الصَّفَا والمروة وهما: (لاهم هَذَا خامسٌ إِن تما ... أتمه الله وَقد أتما) إِن تغْفر اللَّهُمَّ تغْفر جما ... ... ... ... . الخ وَقد تمثل بِهِ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وَصَارَ من جملَة الْأَحَادِيث أوردهُ السُّيُوطِيّ

فِي جَامعه) الصَّغِير وَرَوَاهُ عَن التِّرْمِذِيّ فِي تَفْسِيره وَعَن الْحَاكِم فِي الْإِيمَان وَالتَّوْبَة عَن ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما. قَالَ الْمَنَاوِيّ فِي شَرحه الْكَبِير: يجوز إنشاد الشّعْر للنَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وَإِنَّمَا الْمحرم إنشاؤه. وَمَعْنَاهُ إِن تغْفر ذنُوب عِبَادك فقد غفرت ذنوباً كَثِيرَة فَإِن جَمِيع عِبَادك خطاؤون. وَقَوله: لَا ألما أَي: لم يلم بِمَعْصِيَة. وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد الْحَادِي وَالثَّلَاثُونَ بعد الْمِائَة) (وَمَا عَلَيْك أَن تقولي كلما ... سبحت أَو صليت: يَا اللَّهُمَّ مَا) أردد علينا شَيخنَا مُسلما على أَن مَا تزاد قَلِيلا بعد يَا اللَّهُمَّ. هَذَا الرجز أَيْضا مِمَّا لَا يعرف قَائِله. وَزَاد بعد هَذَا الْكُوفِيُّونَ: (من حَيْثُمَا وكيفما وأينما ... فإننا من خَيره لن نعدما) فَقَوله: وَمَا عَلَيْك. . الخ مَا استفهامية وَالْمعْنَى على الْأَمر. والتَّسْبِيح: تَنْزِيه الله وتعظيمه وتقديسه. وصليت بِمَعْنى دَعَوْت أَو الصَّلَاة الشَّرْعِيَّة. وروى بدله: هللت أَي: قلت لَا إِلَه إِلَّا الله كَمَا أَن سبحت: قلت سُبْحَانَ الله. والشَّيْخ هُنَا: الْأَب أَو الزَّوْج. ومُسلما: اسْم مفعول من السَّلامَة. وَقَوله: من حَيْثُمَا أَي: من حَيْثُمَا يُوجد. . الخ. وَقَوله: فإننا من خَيره الْخَيْر هُنَا: الرزق والنفع. ولن نعدما بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول. أَمر بنيته أَو زَوجته بِالدُّعَاءِ لَهُ إِذا سَافر وَغَابَ فِي أَوْقَات الدَّعْوَات وَفِي مظان الْقبُول: كَمَا فعلت بنت الْأَعْشَى مَيْمُون: (تَقول بِنْتي وَقد قربت مرتحلا ... يَا رب جنب أبي الأوصاب والوجعا) (عَلَيْك مثل الَّذِي صليت فاغتمضي ... نوماً فَإِن لجنب الْمَرْء مُضْطَجعا) تَقول ابْنَتي حِين جد الرحيل أرانا سَوَاء وَمن قد يتم (أَبَانَا فَلَا رمت من عندنَا ... فَإنَّا بخيرٍ إِذا لم ترم) (وَيَا أبتا لَا تزل عندنَا ... فَإنَّا نَخَاف بِأَن نحترم) (أرانا إِذا أضمرتك البلا ... د نجفى وَيقطع منا الرَّحِم)) فَقَوله: قربت بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول والمرتحل الْجمل الَّذِي وضع عَلَيْهِ الرحل وَهَذَا كِنَايَة عَن الرحيل. والأوصاب: جمع وصب وَهُوَ الْمَرَض. وصليت: دَعَوْت. ويتم ييتم من بَاب تَعب وَقرب: إِذا صَار يَتِيما. ورام يريم بِمَعْنى برح يبرح. ولَا تزل من زَالَ يَزُول وَالْأَفْعَال الثَّلَاثَة بعده بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول

وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد الثَّانِي وَالثَّلَاثُونَ بعد الْمِائَة) وَهُوَ من شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ: ...

(يَا تيم تيم عدي لَا أَبَا لكم ... لَا يلقينكم فِي سوءةٍ عمر) على أَن تيماً الأول يجوز فِيهِ الضَّم وَالنّصب وَفِي الثَّانِي النصب لَا غير وَبَينه الشَّارِح قَالَ اللَّخْمِيّ فِي شرح أَبْيَات الْجمل: وأضاف تيماً إِلَى عدي للتخصيص. وَاحْترز بِهِ عَن تيم مرّة فِي قُرَيْش وهم بَنو الأدرم وَعَن تيم غَالب بن فهر فِي قُرَيْش أَيْضا وَعَن تيم قيس بن ثَعْلَبَة وَعَن تيم شَيبَان وَعَن تيم ضبة. وعدي الْمَذْكُور هُوَ أَخُو تيم فَإِنَّهُمَا ابْنا عبد مَنَاة بن أد بن طابخة بن الياس بن مُضر. وَمعنى لَا أَبَا لكم الغلظة فِي الْخطاب وَأَصله أَن ينْسب الْمُخَاطب إِلَى غير أَب مَعْلُوم شتماً لَهُ واحتقاراً ثمَّ كثر فِي الِاسْتِعْمَال حَتَّى جعلت فِي كل خطاب يغلظ فِيهِ على الْمُخَاطب. وَحكى أَبُو الْحسن بن الْأَخْضَر: أَن الْعَرَب كَانَت تستحسن لَا أَبَا لَك وتستقبح لَا أم لَك لِأَن الْأُم مشفقة حنينة وَالْأَب جَائِر مَالك. وَتقدم الْكَلَام عَلَيْهِ مفصلا فِي الشَّاهِد الثَّانِي عشر بعد الْمِائَة. وَقَوله: لَا يلقينكم بِالْقَافِ من الْإِلْقَاء وَهُوَ الرَّمْي قَالَ ابْن سَيّده: من رَوَاهُ بِالْفَاءِ فقد صحف وحرف. وَرُوِيَ: لَا يوقعنكم وَالنَّهْي وَاقع فِي اللَّفْظ على عمر وَهُوَ فِي الْمَعْنى وَاقع عَلَيْهِم. والسوءة بِالْفَتْح: الفعلة

القبيحة أَي: لَا يوقعنكم عمر فِي بلية ومكروه لأجل تعرضه لي أَي: امنعوه من هجائي حَتَّى تأمنوا أَن ألقيكم فِي بلية فَإِنَّكُم قادرون على كَفه فَإِذا تركْتُم نَهْيه فكأنكم رَضِيتُمْ بهجوه إيَّايَ. وَهَذَا الْبَيْت من قصيدة لجرير يهجو بهَا عمر بن لَجأ التَّيْمِيّ ولجأ بِفَتْح اللَّام وَالْجِيم وَآخره همزَة (تعرضت تيم لي عمدا لأهجوها ... كَمَا تعرض لاست الخارئ الْحجر) (أَنْت ابْن بَرزَة منسوبٌ إِلَى لجإٍ ... عِنْد العصارة والعيدان تعتصر)) خل الطَّرِيق لمن يَبْنِي الْمنَار بِهِ وابرز ببرزة حَيْثُ اضطرك الْقدر (أحين صرت سماماً يَا بني لجأٍ ... وخاطرت بِي عَن أحسابها مُضر) وَهِي قصيدة طَوِيلَة أفحش فِيهَا. فَلَمَّا توعدهم فِيهَا أَتَوْهُ بِهِ موثقًا وحكموه فِيهِ فَأَعْرض عَن هجوهم. وَقَالَ ابْن قُتَيْبَة فِي كتاب الشُّعَرَاء: لما بلغ ذَلِك تيماً أَتَوا عمر وَقَالُوا: عرضتنا لجرير وسألوه الْكَفّ فَأبى وَقَالَ: أكف بعد ذكره أُمِّي وبَرزَة هِيَ أم عمر بن لَجأ. يُقَال: فلَان عصارة فلَان أَي: وَلَده. وَهُوَ سبّ. وَقَوله: خل الطَّرِيق. . الخ هَذَا من أَبْيَات سِيبَوَيْهٍ أوردهُ على أَن فِيهِ إِظْهَار الْفِعْل قبل الطَّرِيق وَالتَّصْرِيح بِهِ وَلَو أضمره لَكَانَ حسنا على مَا بَينه.

يَقُول: خل طَرِيق الْمَعَالِي والشرف والمفاخرة واتركه لمن يفعل أفعالاً مَشْهُورَة كَأَنَّهَا الْأَعْلَام الَّتِي تنصب على الطَّرِيق وتبنى من حِجَارَة ليهتدى بهَا وعيره بِأَنَّهُ يَقُول: ابرز بهَا عَن النَّاس وصر إِلَى مَوضِع يمكنك أَن تكون فِيهِ لما قضي عَلَيْك. وَقيل: مَعْنَاهُ: دع سَبِيل الرشاد لطالبيه وأبرز والسمام بِالْكَسْرِ: جمع سم وَهُوَ الشَّيْء الْقَاتِل. وخاطره على كَذَا أَي: راهنه من الْخطر وَهُوَ السَّبق بتحريكهما وَهُوَ الشَّيْء الَّذِي يتراهن عَلَيْهِ. وَرُوِيَ بدله: وحاضرت بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالضَّاد الْمُعْجَمَة يُقَال: حاضرته عِنْد السُّلْطَان وَهُوَ كالمغالبة والمكابرة. وأجابه عمر بن لَجأ بقصيدة مِنْهَا: (لقد كذبت وَشر القَوْل أكذبه ... مَا خاطرت بك عَن أحسابها مُضر) (بل أَنْت نزوة خوار على أمةٍ ... لن يسْبق الحلبات اللؤم والخور) (مَا قلت من هَذِه إِنِّي سأنقضها ... يَا ابْن الأتان بمثلي تنقض المرو) والنزوة: مصدر نزا الذّكر على الْأُنْثَى وَهَذَا يُقَال: فِي الْحَافِر والظلف وَالسِّبَاع. والخوار: من الخور وَهُوَ ضعف الْقلب وَالْعقل. والحلبات بِالْحَاء الْمُهْملَة. وَكَانَ سَبَب التهاجي بَين جرير وَعمر بن لَجأ هُوَ مَا حَكَاهُ الْمبرد فِي كتاب الاعتنان عَن أبي عُبَيْدَة: أَن الْحجَّاج بن يُوسُف الثَّقَفِيّ

سَأَلَ جَرِيرًا عَن سَبَب التهاجي بَينه وَبَين شعراء عصره فَبين لَهُ جرير سَبَب كل وَاحِد. إِلَى أَن قَالَ الْحجَّاج: ثمَّ من قَالَ: ثمَّ التَّيْمِيّ عمر بن لَجأ. قَالَ: وَمَا لَك وَله قَالَ: حسدني فعاب عَليّ بَيْتا كنت قلته فحرفه:) (لقومي أحمى للْحَقِيقَة مِنْكُم ... وأضرب للجبار وَالنَّقْع سَاطِع) فَقَالَ لي: إِنَّمَا قلت: وأوثق عِنْد المردفات عَشِيَّة فصيرت نِسَاءَك قد أردفن عدوة ولحقتهن عَشِيَّة وَقد فضحن وَلم أَقَله كَمَا حكى. قَالَ الْحجَّاج: فَمَا قلت لَهُ قَالَ: قلت: لَهُ أحذره وَأحذر قومه: يَا تيم تيم عدي لَا أَبَا لكم ... الْبَيْت قَالَ: فنقض عَليّ بأشد مِمَّا قلت لَهُ فَقَالَ: لقد كذبت وَشر القَوْل أكذبه ... الْبَيْت قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: وَأما كردين المسمعي فَأَخْبرنِي قَالَ: كَانَ بَدْء الشَّرّ بَين ابْن لَجأ وَجَرِير: أَن لُقْمَان الْخُزَاعِيّ قدم على صدقَات الربَاب فحضرته وُجُوه الربَاب وَفِيهِمْ عمر بن لَجأ فأنشده: (تأوبني ذكرٌ لزولة كالخبل ... وَمَا حَيْثُ تلقى بالكثيب وَلَا السهل) (تريدين أَن أرْضى وَأَنت بخيلةٌ ... وَمن ذَا الَّذِي يُرْضِي الأخلاء بالبخل)

حَتَّى فرغ مِنْهَا. فَقَالَ لَهُ لُقْمَان: مَا زلنا نسْمع بِالشَّام أَن هَذِه لجرير فَقَالَ عمر بن لَجأ: إِنِّي لأكذب شيخ فِي الأَرْض إِن ادعيت شعر جرير. ثمَّ أنشدته على رُؤُوس النَّاس وجماعات الربَاب فأبلغ لُقْمَان جَرِيرًا مقَالَة عمر قَالَ: فَزعم عمر أَنَّك سرقتها مِنْهُ فَقَالَ جرير: وَأَنا أحتاج إِلَى أَن أسرق شعر عمر وَهُوَ الْقَائِل فِي إبِله ووصفها حَتَّى جعلهَا كالجبال ثمَّ جعل فَحلهَا كالظرب وَهُوَ الْجَبَل الصَّغِير فِي الغلظ من الأَرْض فَقَالَ: كالظرب الْأسود من وَرَائِهَا ثمَّ قَالَ: جر الْعَرُوس الثني من ردائها وَالله مَا شعره من نمط وَاحِد وَإنَّهُ لمختلف الْعُيُون فأبلغ لُقْمَان عمر قَول جرير وَمَا عَابَ من قَوْله فَقَالَ عمر: أيعيب جرير قولي: جر الْعَرُوس الثني من ردائها وَإِنَّمَا أردْت لينه وَلم أرد أَثَره وَقد قَالَ هُوَ أقبح من هَذَا حِين يَقُول: وأوثق عِنْد المردفات عَشِيَّة) فلحقهن بعد مَا نكحن وفضحن فَقَالَ جرير: حرف قولي إِنَّمَا قلت: عِنْد المرهفات عَشِيَّة. فَوَقع الشَّرّ بَينهمَا. انْتهى. وترجمة جرير تقدّمت فِي الشَّاهِد الرَّابِع من أَوَائِل الْكتاب. وَأنْشد بعده وَهُوَ وَهُوَ من شَوَاهِد س: ...

(يَا زيد زيد اليعملات الذبل ... تطاول اللَّيْل عَلَيْك فَانْزِل) لما ذكر فِي الْبَيْت قبله. وَهُوَ ظَاهر. واليعملات. بِفَتْح الْيَاء وَالْمِيم: الْإِبِل القوية على الْعَمَل. والذبل: جمع ذابل أَي: ضامرة من طول السّفر. وأضاف زيدا إِلَيْهَا لحسن قِيَامه عَلَيْهَا ومعرفته بحدائها. وَقَوله: تطاول اللَّيْل عَلَيْك. . الخ رُوِيَ: هديت بدل عَلَيْك وَهُوَ الْمُنَاسب. أَي: انْزِلْ عَن راحلتك وَاحِد الْإِبِل فَإِن اللَّيْل قد طَال وَحدث لِلْإِبِلِ الكلال فنشطها بالحداء وأزل عَنْهَا الإعياء. وَهَذَا الْبَيْت لعبد الله بن رَوَاحَة الصَّحَابِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه لَا لبَعض ولد جرير خلافًا لشراح أَبْيَات سِيبَوَيْهٍ. وَهُوَ بيتان لَا ثَالِث لَهما قالهما فِي غَزْوَة مُؤْتَة وَهِي بِأَدْنَى البلقاء من أَرض الشَّام وَكَانَت فِي جُمَادَى الأولى من سنة ثَمَان من الْهِجْرَة. قَالَ ابْن عبد الْبر فِي الِاسْتِيعَاب: ذكر ابْن إِسْحَاق عَن عبد الله بن أبي بكر بن مُحَمَّد بن عَمْرو بن حزم قَالَ: كَانَ زيد بن أَرقم يَتِيما فِي حجر عبد الله بن رَوَاحَة فَخرج بِهِ مَعَه إِلَى مُؤْتَة يحملهُ على حقيبة رَحْله فَسَمعهُ زيد بن أَرقم من اللَّيْل وَهُوَ يتَمَثَّل أبياته الَّتِي يَقُول فِيهَا: (إِذا أديتني وحملت رحلي ... مسيرَة أربعٍ بعد الحساء) (وَجَاء الْمُؤْمِنُونَ وغادروني ... بِأَرْض الشَّام مُنْتَهى الثواء) فَبكى زيد بن أَرقم فخفقه عبد الله بن رَوَاحَة بِالدرةِ وَقَالَ: مَا عَلَيْك

يَا لكع أَن يَرْزُقنِي الله الشَّهَادَة وَترجع بَين شُعْبَتَيْ الرحل. . ولزيد بن أَرقم يَقُول عبد الله بن رَوَاحَة: يَا زيد زيد اليعملات الذبل تطاول اللَّيْل هديت فَانْزِل وَقيل: بل قَالَ ذَلِك فِي غزرة مُؤْتَة لزيد بن حَارِثَة انْتهى. وَهَذَا الثَّانِي بعيد فَإِنَّهُ يستبعد أَن يُقَال لأمير الْجَيْش: انْزِلْ عَن راحلتك وَاحِد الْإِبِل فَإِن زيد بن حَارِثَة كَانَ أَمِير الْجَيْش فِي غَزْوَة مُؤْتَة كَمَا سَيَأْتِي.) وَقَوله: وخلاك ذمّ أَي: تجاوزك الذَّم دُعَاء لَهَا. وَقَوله: وَلَا أرجع مجزوم بِالدُّعَاءِ وَمَعْنَاهُ اللَّهُمَّ لَا أرجع انْتهى. وعبد الله بن رَوَاحَة أَنْصَارِي خزرجي. وَهُوَ أحد النُّقَبَاء. شهد الْعقبَة وبدراً وأحداً وَالْخَنْدَق وَالْحُدَيْبِيَة وَعمرَة الْقَضَاء والمشاهد كلهَا إِلَّا الْفَتْح وَمَات بعده لِأَنَّهُ قتل يَوْم مُؤْتَة شَهِيدا. وَهُوَ أحد الْأُمَرَاء فِي غَزْوَة مُؤْتَة وَأحد الشُّعَرَاء الْمُحْسِنِينَ الَّذين كَانُوا يردون الْأَذَى عَن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ. وَفِيه وَفِي صَاحِبيهِ حسان وَكَعب بن مَالك نزلت: إِلَّا الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات وَذكروا الله كثيرا الْآيَة.

وَسبب غَزْوَة مُؤْتَة: أَن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بعث الْحَارِث بن عُمَيْر الْأَزْدِيّ بكتابه إِلَى الشَّام إِلَى ملك الرّوم وَقيل إِلَى ملك بصرى فَعرض لَهُ شُرَحْبِيل ابْن عَمْرو الغساني فأوثقه رِبَاطًا وَضرب عُنُقه صبرا وَلم يقتل لرَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ رسولٌ غَيره فَاشْتَدَّ ذَلِك عَلَيْهِ حِين بلغه الْخَبَر فَبعث بَعثه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ إِلَى مُؤْتَة وَاسْتعْمل عَلَيْهِم زيد بن حَارِثَة وَقَالَ: إِن أُصِيب زيدٌ فجعفر ابْن أبي طَالب فَإِن أُصِيب فعبد الله بن رَوَاحَة. فتجهز ثَلَاثَة آلَاف رجل ثمَّ مضوا حَتَّى إِذا كَانُوا بتخوم البلقاء لقيتهم جموع هِرقل وَالْعرب فِي مشارف من قرى البلقاء وانحاز الْمُسلمُونَ إِلَى قَرْيَة يُقَال لَهَا مُؤْتَة وَكَانَ الرّوم مائَة ألف. وانضم إِلَيْهِم من لخم وجذام والقين وبهراء وبلي مائَة ألف أُخْرَى ثمَّ الْتَقَوْا فَاقْتَتلُوا. فقاتل زيد بن حَارِثَة براية رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ حَتَّى قتل شَهِيدا فَأَخذهَا جَعْفَر ثمَّ قتل ثمَّ أَخذهَا عبد الله بن رَوَاحَة فَقتل فَأخذ الرَّايَة خَالِد بن الْوَلِيد ودافع النَّاس ثمَّ انحاز وانحيز عَنهُ حَتَّى انْصَرف بِالنَّاسِ إِلَى رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ. وَأما زيد بن أَرقم فَهُوَ أَنْصَارِي خزرجي من بني الْحَارِث بن الْخَزْرَج. وَزيد ابْن أَرقم هُوَ الَّذِي رفع إِلَى رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ عَن عبد الله بن أبي ابْن سلول قَوْله: لَئِن رَجعْنَا) إِلَى الْمَدِينَة ليخرجن الْأَعَز مِنْهَا الْأَذَل فأكذبه عبد الله بن أبي وَحلف فَأنْزل الله تَصْدِيق زيد بن أَرقم فبشره أَبُو بكر بِتَصْدِيق الله إِيَّاه. وَجَاء إِلَى النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فَأخذ بأذن زيد وَقَالَ: وفت أُذُنك يَا غُلَام. وَشهد مَعَ عَليّ وقْعَة صفّين وَهُوَ مَعْدُود فِي خَاصَّة أَصْحَابه.

وَنزل الْكُوفَة وسكنها وابتنى بهَا دَارا وَبهَا كَانَت وَفَاته فِي سنة ثَمَان وَسِتِّينَ. وَأما زيد بن حَارِثَة فَهُوَ مولى رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ كَانَ أَصَابَهُ سباء فِي الْجَاهِلِيَّة فَاشْتَرَاهُ حَكِيم بن حزَام لِعَمَّتِهِ خَدِيجَة بنت خويلد فَوَهَبته خَدِيجَة لرَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فَتَبَنَّاهُ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بِمَكَّة قبل النُّبُوَّة وَهُوَ ابْن ثَمَان سِنِين. ثمَّ إِن نَاسا من كلب حجُّوا فَرَأَوْا زيدا فعرفهم وعرفوه فَقَالَ لَهُم: أبلغوا أَهلِي هَذِه الأبيات فَإِنِّي أعلم أَنهم قد جزعوا عَليّ فَقَالَ: (أحن إِلَى قومِي وَإِن كنت نَائِيا ... فَإِنِّي قعيد الْبَيْت عِنْد المشاعر) (فَإِنِّي بِحَمْد الله فِي خير أسرةٍ ... كرامٍ معد كَابِرًا بعد كَابر) فَانْطَلق الكلبيون فأعلموا أَبَاهُ فَقَالَ: ابْني وَرب الْكَعْبَة ووصفوا لَهُ مَوْضِعه وَعند من هُوَ. فَخرج حَارِثَة وَكَعب أَخُوهُ لفدائه وقدما مَكَّة فدخلا على النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فِي الْمَسْجِد فَقَالَا: يَا ابْن عبد الْمطلب يَا ابْن هَاشم يَا ابْن سيد قومه أَنْتُم أهل حرم الله وجيرانه تفكون العاني وتطلقون الْأَسير جئْنَاك فِي ابننا عَبدك فَامْنُنْ علينا وَأحسن إِلَيْنَا فِي فدائه. قَالَ: من هُوَ قَالَا: زيد بن حَارِثَة. فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: ادعوهُ فأخيره فَإِن اختاركم فَهُوَ لكم وَإِن اختارني فوَاللَّه مَا أَنا بِالَّذِي أخْتَار على من اختارني أحدا. قَالَا: قد زدتنا على النّصْف وأحسنت. فَدَعَاهُ فَقَالَ: هَل تعرف هَؤُلَاءِ قَالَ: نعم هَذَا أبي وَهَذَا عمي قَالَ: فَأَنا من قد علمت وَرَأَيْت صحبتي لَك فاخترني أَو اخترهما. قَالَ زيد: مَا أَنا بِالَّذِي أخْتَار عَلَيْك أحدا أَنْت مني

مَكَان الْأَب وَالْعم فَقَالَا: وَيحك يَا زيد أتختار الْعُبُودِيَّة على الْحُرِّيَّة قَالَ: نعم قد رَأَيْت من هَذَا الرجل شَيْئا مَا أَنا بِالَّذِي أخْتَار عَلَيْهِ أحدا فَلَمَّا رأى رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ذَلِك أخرجه إِلَى الْحجر فَقَالَ: يَا من حضر اشْهَدُوا أَن زيدا ابْني يَرِثنِي وَأَرِثهُ. فَلَمَّا رأى ذَلِك أَبوهُ وَعَمه طابت نفوسهما فانصرفا. ودعي زيد بن مُحَمَّد حَتَّى جَاءَ الله بِالْإِسْلَامِ فَنزلت: ادعوهُمْ لِآبَائِهِمْ فدعي يومئذٍ زيد بن حَارِثَة وَكَانَ) يُقَال: لَهُ زيد بن حَارِثَة حب رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وَشهد بَدْرًا وزوجه مولاته أم أَيمن فَولدت لَهُ أُسَامَة. وَقتل زيد بمؤتة سنة ثَمَان من الْهِجْرَة وَهُوَ كَانَ الْأَمِير على تِلْكَ الْغَزْوَة. رُوِيَ عَنهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أَنه قَالَ: أحب النَّاس إِلَيّ من أنعم الله عَلَيْهِ وأنعمت عَلَيْهِ يَعْنِي زيد بن حَارِثَة. أنعم الله عَلَيْهِ بِالْإِسْلَامِ وأنعم عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بِالْعِتْقِ. ولخصت التراجم من الِاسْتِيعَاب والغزوة من سيرة ابْن سيد النَّاس. وَاعْلَم أَنِّي رَأَيْت فِي نَوَادِر ابْن الْأَعرَابِي أرجوزة عدتهَا اثْنَان وَعِشْرُونَ بَيْتا مطْلعهَا: يَا زيد زيد اليعملات الذبل قَالَ: أَنْشدني بكير بن عبيد الربعِي. وَلَا أعلم من هُوَ: أهوَ سَابق على عبد الله بن رَوَاحَة أم لَاحق لَهُ. وَالظَّاهِر أَنه بعده فَإِن الرجز فِي الْجَاهِلِيَّة كَانَ لَا يتَجَاوَز الأبيات الثَّلَاثَة والربعة وَإِنَّمَا قَصده وأطاله الْأَغْلَب الْعجلِيّ كَمَا تقدم بَيَانه فِي تَرْجَمته. وَالله أعلم.

وَأنْشد بعده وَهُوَ (فَلَا وَالله لَا يلفى لما بِي ... وَلَا للما بهم أبدا دَوَاء) على أَن اللَّام الثَّانِيَة فِي قَوْله: للما مُؤَكدَة للام الأولى. وَيَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى مَا يتَعَلَّق بِهِ فِي بَاب التوكيد وَفِي الْبَاء وَالْكَاف أَيْضا من حُرُوف الْجَرّ. وَهَذَا الْبَيْت من قصيدة لمُسلم بن معبد الْوَالِبِي. قَالَ أَبُو مُحَمَّد الْأسود الْأَعرَابِي فِي ضَالَّة الأديب: كَانَ السَّبَب فِي هَذِه القصيدة: أَن مُسلما كَانَ غَائِبا فَكتبت إبِله للمصدق أَي: لعامل الصَّدَقَة وَهِي الزَّكَاة وَكَانَ رقيع وَهُوَ عمَارَة بن عبيد الْوَالِبِي عريفاً فَظن مُسلم أَن رقيعاً أغراه وَكَانَ مُسلم ابْن أُخْت رقيع وَابْن عَمه فَقَالَ: (بَكت إبلي وَحقّ لَهَا الْبكاء ... وفرقها الْمَظَالِم والعداء) (إِذا ذكرت عرافة آل بشرٍ ... وعيشاً مَا لأوله انثناء) (ودهراً قد مضى وَرِجَال صدقٍ ... سعوا قد كَانَ بعدهمْ الشَّقَاء) (إِذا ذكر العريف لَهَا اقشعرت ... وَمَسّ جلودها مِنْهُ انزواء) (فظلت وَهِي ضامرةٌ تفادى ... من الجرات جاهدها الْبلَاء) (وكدن بِذِي الرِّبَا يدعونَ باسمي ... وَلَا أرضٌ لدي وَلَا سَمَاء))

(تؤمل رَجْعَة مني وفيهَا ... كتابٌ مثل مَا لزق الغراء) (فَلَيْسَ على ملامتناك لومٌ ... وَلَيْسَ على الَّذِي نلقى بَقَاء) (ألما أَن رَأَيْت النَّاس آبت ... كلابهم عَليّ لَهَا عواء) (ثنيت ركاب رحلك مَعَ عدوي ... لمختتلٍ وَقد برح الخفاء) (ولاخيت الرِّجَال بِذَات بيني ... وَبَيْنك حِين أمكنك اللخاء) (وَأي أخٍ لسلمك بعد حَرْبِيّ ... إِذا قوم الْعَدو دعوا فجاؤوا) (فَقَامَ الشَّرّ مِنْك وَقمت مِنْهُ ... على رجلٍ وشال بك الْجَزَاء) (هُنَالك لَا يقوم مقَام مثلي ... من الْقَوْم الظنون وَلَا النِّسَاء) (وَقد عيرتني وجفوت عني ... فَمَا أَنا ويب غَيْرك والجفاء) (وَقد يُغني الحبيب وَلَا تراخي ... مودته الْمَغَانِم والحباء) (ويوصل ذُو الْقَرَابَة وَهُوَ ناءٍ ... وَيبقى الدَّين مَا بَقِي الْحيَاء) (جزى الله الصَّحَابَة عَنْك شرا ... وكل صحابة لَهُم جَزَاء) (بفعلهم فَإِن خيرا فخيراً ... وَإِن شرا: كَمَا مثل الْحذاء) (وإياهم جزى عني وَأدّى ... إِلَى كل بِمَا بلغ الْأَدَاء) (وَقد أنصفتهم وَالنّصف يرضى ... بِهِ الْإِسْلَام وَالرحم البواء)

. (وَكنت لَهُم كداء الْبَطن يُؤْذِي ... وَرَاء صَحِيحه مرضٌ عياء) (جُوَيْن من الْعَدَاوَة قد وراهم ... نشيش الغيظ وَالْمَرَض الضناء) (إِذا مولى رهبت الله فِيهِ ... وأرحاماً لَهَا قبلي رعاء) (رأى مَا قد فعلت بِهِ موالٍ ... فقد غمرت صُدُورهمْ وداؤوا) (فَكيف بهم فَإِن أَحْسَنت قَالُوا ... أَسَأْت وَإِن غفرت لَهُم أساؤوا) (فَلَا وَأَبِيك لَا يلفى لما بِي ... وَلَا للما بهم ابداً شِفَاء) وَبَقِي من القصيدة اثْنَا عشر بَيْتا وصف إبِله فِيهَا. قَوْله: الْمَظَالِم والعداء هُوَ جمع مظْلمَة بِكَسْر اللَّام وَهُوَ مَا أَخذه الظَّالِم وَكَذَلِكَ الظلامة والظليمة. والعداء بِالْفَتْح: الظُّلم وَتجَاوز الْحَد وَهُوَ مصدر عدا عَلَيْهِ. وَقَوله: إِذا ذكرت ظرف لقَوْله بَكت إبلي وفاعل ذكرت ضمير الْإِبِل. وانثناء: انكفاف) يُقَال ثناه: إِذا كَفه. وَقَوله: وَرِجَال صدق سعوا بِالنّصب مَعْطُوف على عرافة وسعوا أَي: تعاطوا أَخذ الزَّكَاة والساعي: من ولي شَيْئا على قوم وَأكْثر مَا يُقَال ذَلِك فِي وُلَاة الصَّدَقَة. والانزواء: التقبض. وتفادى من كَذَا: إِذا تحاماه وانزوى عَنهُ. وَقَوله: عذرت النَّاس غَيْرك خطاب لرقيع ابْن عَمه وخلوت بهَا بِالْخِطَابِ أَي: سخرت بهَا يُقَال خلوت بِهِ: إِذا سخرت وَقَوله: ملامتناك أَي: لَو متْنا إياك. وَقَوله: ألما الْهمزَة اسْتِفْهَام توبيخي وَلما بِمَعْنى حِين مُتَعَلقَة بقوله ثنيت. وآبت: رجعت. وبرح: زَالَ. ولاخيت بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة: مالأت وساعدت. والظنون بِالْفَتْح: الرجل السَّيئ الظَّن وَهُوَ فَاعل يقوم. وويب بِمَعْنى ويل. وَقَوله: يغنى الحبيب أَي: يصير غَنِيا وَلَا تراخي الْمَغَانِم وَالعطَاء مودته.

والصَّحَابَة الْأَصْحَاب. والْحذاء بِالْكَسْرِ: النَّعْل واحتذى: انتعل أَرَادَ: كَمَا صنع مثل الْحذاء مطابقاً لَهُ. وأنصفت الرجل إنصافاً: عاملته بِالْعَدْلِ وَالِاسْم النصفة بِالتَّحْرِيكِ والنّصْف بِفَتْح فَسُكُون. والبواء بِفَتْح الْمُوَحدَة وَالْمدّ: السوَاء. وَقَوله: لددتهم النَّصِيحَة اللدود بِالْفَتْح: مَا يصب من الْأَدْوِيَة فِي أحد شقي الْفَم ولددته لداً: صببت فِي فِيهِ صبا. ومجه: رَمَاه. وثنوا: عطفوا ومالوا. وَقَالَهُ: وقاؤوا بِالْقَافِ من الْقَيْء وصحفه الْعَيْنِيّ تصحيفاً فَاحِشا فَقَالَ: قَوْله: وفاؤوا خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي: وهم فاؤوا وَالْجُمْلَة حَالية ا. هـ وَهَذَا مِمَّا لَا يقْضى مِنْهُ الْعجب. وَقَوله: وَكنت لَهُم كداء الْبَطن. . الخ دَاء الْبَطن: الإسهال ويوذي من الأذية وَالْوَاو مسهلة من همزَة وَالْجُمْلَة حَال من الدَّاء وَرَاء بِمَعْنى خلف وَبعد وَضمير صَحِيحه لداء الْبَطن وَالْمَرَض العياء بِالْفَتْح هُوَ الْمَرَض الَّذِي تعيا عَنهُ الْأَطِبَّاء وَالْجُمْلَة الاسمية حَال أَيْضا من الْبَطن. يُرِيد أَن مَا أضمروه من بغضي قَاتلهم لَا محَالة لِأَنِّي كنت عِنْدهم بِمَنْزِلَة دَاء الْبَطن المؤذي نَشأ من أهونه مَا عجز عَنهُ الْأَطِبَّاء كالزحير والسل. وَقَوله: جُوَيْن من الْعَدَاوَة الخ هَذَا بَيَان لما قبله وجُوَيْن مَنْصُوب بِفعل مَحْذُوف أَي: أَرَاهُم جُوَيْن وَهُوَ جمع جوٍ: صفة مشبهة من الجوى كعمٍ من الْعَمى جمع على طَريقَة جمع الْمُذكر السَّالِم والجوى: الحرقة وَشدَّة الوجد من عشق أَو حزن ووراهم من ورى الْقَيْح جَوْفه وريا: إِذا أكله ونشيش: فَاعل وراهم والنشيش: صَوت المَاء وَنَحْوه إِذا غلي على النَّار. والضناء بِالْفَتْح وَالْمدّ: اسْم مصدر ضني ضنىً من بَاب تَعب: مرض مَرضا ملازماً حَتَّى أشرف على الْمَوْت. كَذَا فِي الْمِصْبَاح.) وَقَوله: إِذا مولى رهبت

الله فِيهِ الْمولى هُنَا ابْن الْعم ورهبت الله فِيهِ أَي: خفت الله فِي جَانِبه. وَقَوله: قبلي بِفَتْح الْقَاف وَسُكُون الْمُوَحدَة. والرعاء: جمع رَاع من الرِّعَايَة وَهِي تفقد الشَّيْء وَتَحفظه. وَقَوله: رأى مَا قد فعلت بِهِ. . الخ مَا: مَوْصُولَة أَو نكرَة مَوْصُوفَة مفعول أول لرأي وَالْمَفْعُول الثَّانِي مَحْذُوف أَي: سوأ وَنَحْوه وموَالٍ: فَاعل رأى وَهُوَ جمع مولى وغمرت: من الغمربالكسر وَهُوَ الحقد والغل يُقَال: غمر صَدره عَليّ بِالْكَسْرِ يغمر بِالْفَتْح غمراً بِسُكُون الْمِيم وَفتحهَا مَعَ فتح الأول فيهمَا. وداؤوا أَي: مرضوا وَهُوَ فعل مَاض من الدَّاء يُقَال: دَاء وَقَوله: فَلَا وَأَبِيك. . الخ جملَة لَا يلفى جَوَاب الْقسم أَي: لَا يُوجد شفاءٌ لما بِي من الكدر وَلَا للما بهم: من دَاء الْحَسَد والللام الثَّانِيَة مُؤَكدَة للأولى. وروى صَاحب مُنْتَهى الطّلب من أشعار الْعَرَب. (فَلَا وَالله لَا يلفى لما بِي ... وَمَا بهم من الْبلوى. . الخ) وَعَلِيهِ فَلَا شَاهد فِيهِ. ومُسلم شَاعِر إسلامي فِي الدولة الأموية. وَهُوَ ابْن معبد بن طواف بتَشْديد الْوَاو ابْن وحوح بحاءينمهملتين ابْن عُوَيْمِر مصغر عَامر الْوَالِبِي نِسْبَة إِلَى والبة بن الْحَارِث بن ثَعْلَبَة بن دودان بن أَسد بن خُزَيْمَة بن مدركة. وَأنْشد بعده وهوالشاهد الْخَامِس وَالثَّلَاثُونَ بعد الْمِائَة) وَهُوَ من أَبْيَات س: وصالياتٍ ككما يؤثفين على أَنه يُمكن أَن تكون الْكَاف الثَّانِيَة مُؤَكدَة للأولى قِيَاسا على اللامين فِي الْبَيْت الَّذِي قبله وَهُوَ من قصيدة لخطام الْمُجَاشِعِي. وَهِي من بَحر السَّرِيع وَرُبمَا حسب من لَا يحسن الْعرُوض أَنه من الرجز كَمَا توهمه بَعضهم لِأَن الرجز لَا يكون فِيهِ معولات فَيرد إِلَى فعولات. وَمثله: قد عرضت أروى بقولٍ إفناد وَهُوَ مستفعلن مستفعلن فعولات. وأولها: (حَيّ ديار الْحَيّ بَين الشهبين ... وَطَلْحَة الدوم وَقد تعفين) (لم يبْق من آي بهَا يحلين ... غير حطامٍ ورمادٍ كنفين) (وَغير نؤيٍ وحجاجي نؤيين ... وَغير ود جاذلٍ أَو وَدين) وصاليات ككما يؤثفين

وَمِنْهَا: (ومهمهين قذفين مرَّتَيْنِ ... ظهراهما مثل ظُهُور الترسين) (جبتهما بالنعت لَا بالنعتين ... على مطار الْقلب سامي الْعَينَيْنِ) فَقَوله: حَيّ فعل أَمر من التَّحِيَّة. والْحَيّ: الْقَبِيلَة. والسهبان: مَوضِع وَكَذَا طَلْحَة الدوم وَلم يذكرهما الْبكْرِيّ فِي مُعْجم مَا استعجم. وَالنُّون فِي تعفين: ضمير ديار الْحَيّ وتعفى بِمَعْنى عَفا اللَّازِم يُقَال: عَفا الْمنزل يعْفُو عفوا وعفواً وعفاء بِالْفَتْح وَالْمدّ: درس. وَيَتَعَدَّى أَيْضا فَإِنَّهُ يُقَال: غفته الرّيح. والْآي: جمع آيَة بِمَعْنى الْعَلامَة. وَضمير تحلين لديار الْحَيّ والتحلية: الْوَصْف يُقَال: حليت الرجل تحلية: إِذا وَصفته. يَقُول: لم يبْق من عَلَامَات حلولهم فِي دِيَارهمْ تحليها وتصفها غير مَا ذكر. وَمن زَائِدَة. وآي: فَاعل لم يبْق. وغير مَنْصُوب على الِاسْتِثْنَاء. وَجُمْلَة يحلين صفة لآي. وَبهَا مُتَعَلق بِهِ. والحطام بِضَم الْمُهْملَة: مَا تكسر من الْحَطب وَالْمرَاد بِهِ: دق الشّجر الَّذِي قطعوه فظللوا بِهِ الْخيام. ورماد مُضَاف إِلَى كنفين أَي: رماد من جَانِبي الْموضع وَلَو رُوِيَ بِالتَّنْوِينِ لم يكن خطأ.)

وَرُوِيَ أَيْضا: وماثلات أَي: منتصبات. والأثافي: جمع أثفية وَهِي الْأَحْجَار الثَّلَاثَة الَّتِي ينصب عَلَيْهَا الْقدر. ومَا فِي قَوْله: ككما قَالَ: الْفَارِسِي فِي التَّذْكِرَة القصرية: يجوز أَن تكون مَصْدَرِيَّة كَأَنَّهُ قَالَ: مثل الإثفاء وَيجوز أَن تكون مَوْصُولَة بِمَنْزِلَة الَّذِي كَقَوْلِه: فَإِن الَّذِي حانت بفلج دِمَاؤُهُمْ ا. هـ وَالْكَاف الأولى جَارة وَالثَّانيَِة مُؤَكدَة لَهَا كَمَا قَالَ الشَّارِح. وَهَذَا مَأْخُوذ من الْكَشَّاف قَالَ فِي تَفْسِير قَوْله تَعَالَى: لَيْسَ كمثله شيءٌ: لَك أَن تزْعم أَن كلمة التَّشْبِيه كررت للتَّأْكِيد كَمَا كررها من قَالَ: وصاليات ككما يؤثفين وَإِذا كَانَ من بَاب التوكيد جَازَ أَن يكون الكافان اسْمَيْنِ أَو حرفين فَلَا يكون دَلِيل على اسمية الثَّانِيَة فَقَط. وَقَالَ ابْن السَّيِّد فِي شرح أدب الْكَاتِب: أجْرى الْكَاف الجارة مجْرى مثل فَأدْخل عَلَيْهَا كافاً ثَانِيَة فَكَأَنَّهُ قَالَ: كَمثل مَا يؤثفين. وَمَا مَعَ الْفِعْل بِتَقْدِير الْمصدر كَأَنَّهُ قَالَ: كَمثل إثفائها أَي: إِنَّهَا على حَالهَا حِين أثفيت. والكافان لَا يتعلقان بِشَيْء فَإِن الأولى زَائِدَة وَالثَّانيَِة قد

أجريت مجْرى الْأَسْمَاء لدُخُول الْجَار عَلَيْهَا وَلَو سَقَطت الأولى وَجب أَن تكون الثَّانِيَة مُتَعَلقَة بِمَحْذُوف صفة لمصدر مُقَدّر مَحْمُول) على معنى الصاليات لِأَنَّهَا نابت مناب مثفيات فَكَأَنَّهُ قَالَ: ومثفيات إثفاءً مثل إثفائها حِين نصبت للقدر. وَلَا بُد من هَذَا التَّقْدِير ليَصِح اللَّفْظ وَالْمعْنَى. وَأما قَوْله: يؤثفين فقد اخْتلف النحويون فِي وَزنه: فَقَالَ قوم: وَزنه يؤفعلن والهمزة زَائِدَة والثاء فِيهِ ثاء الْفِعْل فَكَانَ يجب أَن يَقُول يثفين لكنه جَاءَ على الأَصْل ضَرُورَة كَمَا قَالَ الْأُخَر: فَإِنَّهُ أهلٌ لِأَن يؤكرما وعَلى هَذَا فأثفية أفعولة. فأصلها أثفوية قلبت الْوَاو يَاء وأدغمت فِي الْيَاء وَكسرت الْفَاء لتبقى الْيَاء على حَالهَا وَاسْتَدَلُّوا على زِيَادَة الْهمزَة بقول الْعَرَب: ثفيت الْقدر إِذا جَعلتهَا على الأثافي. . وَقَالَ قوم: وَزنه يفعلين فالهمزة أصل وَوزن أثفية على هَذَا فعلية وَاسْتَدَلُّوا بقول النَّابِغَة: (لَا تقذفني بركنٍ لَا كفاء لَهُ ... وَإِن تأثفك الْأَعْدَاء بالرفد) فَقَوله: تأثفك وَزنه تفعلك لَا يَصح فِيهِ غَيره وَلَو كَانَ من ثفيت الْقدر لقَالَ تثفاك. وَمَعْنَاهُ صَار أعدائي حولك كالأثافي تظافراً. قَالَ ابْن جني فِي شرح تصريف الْمَازِني: ويفعلين أولى من يؤفعلن لنه لَا ضَرُورَة فِيهِ. وَقَوله: ومهمهين قذفين ... الخ هَذَا الْبَيْت من شَوَاهِد النُّحَاة أنْشدهُ الزّجاج فِي بَاب مَا جَاءَ من الْمثنى بِلَفْظ الْجمع. وَسَيَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى

فِي الشَّاهِد الثَّالِث وَالسبْعين بعد الْخَمْسمِائَةِ فِي بَاب الْمثنى. والمهمة: القفر الْمخوف قَالَ ابْن السَّيِّد فِي شرح شَوَاهِد الْجمل: واشتقاقه من قَوْلك مهمهت بِالرجلِ: إِذا زجرته فَقلت لَهُ: مَه مَه. أَرَادَ: أَن سالكه يخفي صَوته وحركته من خَوفه فَإِن رفع صَاحبه صَوته قَالَ لَهُ: مَه مَه. وَنَظِير هَذَا مَا ذكره اللغويون فِي قَول أبي ذُؤَيْب: على أطرقا باليات الْخيام فَإِنَّهُم ذكرُوا: أَن أطرقا مَوضِع وَأَنه سمي بذلك لِأَن ثَلَاثَة أنفس مروا بِهِ فَتكلم أحدهم مَعَ صَاحبه فَقَالَ لَهما الثَّالِث. أطرقا. والْقَذْف بِفَتْح الْقَاف والذال الْمُعْجَمَة: الْبعيد من الأَرْض. والمرت بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الْمُهْملَة: الأَرْض الَّتِي لَا مَاء بهَا وَلَا نَبَات. والظّهْر: مَا ارْتَفع من الأَرْض شبهه بِظهْر ترس: فِي ارتفاعه وتعريه من النبت كَمَا قَالَ الْأَعْشَى: وَقَوله: جبتهما بالنعت. . الخ أَي: نعتا لي مرّة وَاحِدَة فَلم أحتج إِلَى أَن ينعتا لي مرّة ثَانِيَة) وصف نَفسه بالحذق والمهارة. وَهَذَا يشبه مَا أنْشدهُ الْفَارِسِي فِي التَّذْكِرَة: (ومهمهٍ أَعور إِحْدَى الْعَينَيْنِ ... بَصِير الْأُخْرَى وأصم الْأُذُنَيْنِ) قطعته بالسمت لَا بالسمتين قَوْله: أَعور الخ قَالَ أَبُو عَليّ: كَانَت فِي هَذَا الْموضع بئران فعورت

إِحْدَاهمَا وَبقيت الْأُخْرَى فَلذَلِك قَالَ: أَعور إِحْدَى الْعَينَيْنِ. وَقَوله: وأصم الْأُذُنَيْنِ يَعْنِي: أَنه لَيْسَ بِهِ جبلٌ فَيسمع صَوت الصدى مِنْهُ. وَقَوله: بالسمت. . الخ أَي: قيل لي مرّة وَاحِدَة فاكتفيت. وواو ومهمهين وَاو رب وجوابها جبتهما. خطام الْمُجَاشِعِي بِكَسْر الْخَاء الْمُعْجَمَة وَمَعْنَاهُ الزِّمَام. قَالَ الْآمِدِيّ فِي المؤتلف والمختلف: هُوَ خطام الرّيح الْمُجَاشِعِي الراجز وَهُوَ خطام بن نصر بن عِيَاض بن يَرْبُوع من بني الْأَبْيَض بن مجاشع بن دارم. وَهُوَ الْقَائِل: وماثلاتٍ ككما يؤثفين ا. هـ وَذكر الصَّاغَانِي فِي الْعباب: أَن اسْمه بشر بِكَسْر الْمُوَحدَة وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة. وَقَالَ الْآمِدِيّ: وَمِنْهُم من يُقَال لَهُ: خطام الْكَلْب واسْمه بجير بِضَم الْمُوَحدَة وَفتح الْجِيم ابْن (وَالله مَا أشبهني عِصَام ... لَا خلقٌ مِنْهُ وَلَا قوام) نمت وعرق الْخَال لَا ينَام وَأنْشد بعده وهوالشاهد السَّادِس وَالثَّلَاثُونَ بعد الْمِائَة) وَهُوَ من أَبْيَات سِيبَوَيْهٍ:

بَين ذراعي وجبهة الْأسد هَذَا عجزٌ وصدره: يَا من رأى عارضاً أسر بِهِ على أَن الْمُضَاف إِلَيْهِ مَحْذُوف بِقَرِينَة الْمُضَاف إِلَيْهِ الثَّانِي أَي بَين ذراعي الْأسد وجبهته. تقدم الْكَلَام على مثل هَذَا فِي الشَّاهِد الثَّالِث وَالْعِشْرين وَمن: منادى وَقيل: مَحْذُوف المنادى أَي: يَا قوم وَمن استفهامية. والرؤية بصرية. والْعَارِض: السَّحَاب الَّذِي يعْتَرض الْأُفق. وَجُمْلَة أسر بِهِ صفةٌ لعَارض. والذراعان والجبهة: من منَازِل الْقَمَر الثَّمَانِية وَالْعِشْرين فالذراعان أَرْبَعَة كواكب كل كوكبين مِنْهُمَا ذِرَاع. قَالَ أَبُو إِسْحَاق الزّجاج فِي كتاب الأنواء. ذِرَاع الْأسد المقبوضة وهما كوكبان نيران بَينهمَا كواكب صغَار يُقَال لَهَا: الْأَظْفَار كَأَنَّهَا فِي مَوَاضِع مخالب الْأسد فَلذَلِك قيل لَهَا الْأَظْفَار. وَإِنَّمَا قيل لَهَا الذِّرَاع الْأُخْرَى وَهِي مَقْبُوضَة عَنْهَا ونوءها يكون لليلتين تمضيان من كانون الثَّانِي يسْقط الذِّرَاع فِي الْمغرب غدْوَة وتطلع الْبَلدة والنسر الطَّائِر فِي الْمشرق غدْوَة. وَفِيه يجمد المَاء ويشتد الْبرد. والجبهة: أَرْبَعَة كواكب فِيهَا عوج أَحدهمَا براق وَهُوَ الْيَمَانِيّ مِنْهَا وَإِنَّمَا سميت الْجَبْهَة لِأَنَّهَا كجبهة الْأسد. ونوءها يكون لعشر تمْضِي من شباط تسْقط الْجَبْهَة فِي الْمغرب غدْوَة ويطلع سعد السُّعُود من الْمشرق غدْوَة. وَفِيه تقع الْجَمْرَة الثَّالِثَة ويتحرك أول

العشب ويصوت الطير ويورق الشّجر وَيكون مطرٌ جود. وَيُسمى نوء الْأسد لِأَنَّهُ يتَّصل بهَا كواكب فِي جبهة الْأسد. . وَخص هَاتين المنزلتين لِأَن السَّحَاب الَّذِي ينشأ بِنَوْء من منَازِل الْأسد يكون مطره غزيراً فَلذَلِك يسر بِهِ. والنوء: غيبوبة الْكَوْكَب فِي الْمغرب غدْوَة وطلوع رقيبه فِي الْمشرق غدْوَة وَسمي النوء لِأَنَّهُ ناء أَي: نَهَضَ للغيوب. قَالَ الزّجاج: وَالَّذِي أخْتَار مَذْهَب الْخَلِيل: وَهُوَ أَن النوء اسْم الْمَطَر الَّذِي يكون مَعَ سُقُوط النَّجْم فاسم مطر الْكَوْكَب السَّاقِط النوء ا. هـ. وَكَانَت الْعَرَب تزْعم أَنه يحدث عِنْد نوء كل منزل مطرٌ أَو ريح أَو حر أَو برد وَهَذَا الَّذِي) رُوِيَ فِي الحَدِيث. أَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قَالَ: ثَلَاث من أَمر الْجَاهِلِيَّة: الطعْن فِي النساب والنياحة وَالِاسْتِسْقَاء بالأنواء وَهُوَ أَن تضيف الْمَطَر إِلَى الْكَوْكَب الَّذِي ينوء. قَالَ الأعلم: وصف عَارض سحابٍ اعْترض بَين نوء الذِّرَاع ونوء الْجَبْهَة وهما من أنواء الْأسد وأنواؤه أَحْمد الأنواء. وَذكر الذراعين والنوء إِنَّمَا هُوَ لِلذِّرَاعِ المقبوضة مِنْهُمَا لاشْتِرَاكهمَا فِي أَعْضَاء السد. وَنَظِير هَذَا قَوْله تَعَالَى: يخرج مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤ والمرجان يُرِيد من الْبَحْرين الْملح والعذب وَإِنَّمَا يخرج اللُّؤْلُؤ والمرجان من الْملح لَا مِنْهُمَا. وَهَذَا الْبَيْت للفرزدق. وَتَقَدَّمت تَرْجَمته فِي الشَّاهِد الثَّلَاثِينَ.

وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد السَّابِع وَالثَّلَاثُونَ بعد الْمِائَة) وَهُوَ من شَوَاهِد س: كليني لَهُم يَا أُمَيْمَة ناصب هَذَا صدر وعجزه قد أنْشدهُ فِي بَاب النَّعْت. على أَن أُمَيْمَة جَاءَ بِفَتْح التَّاء وَالْقِيَاس ضمهَا. وَاخْتلفُوا فِي التَّوْجِيه. فَقَالَ الْجُمْهُور. إِنَّه مرخم وَالْأَصْل يَا أميم ثمَّ أدخلت الْهَاء غير مُعْتَد بهَا وَفتحت لِأَنَّهَا وَقعت موقع مَا يسْتَحق الْفَتْح وَهُوَ مَا قبل هَاء التَّأْنِيث. لأبي عَليّ الْفَارِسِي فِيهِ قَولَانِ: أَحدهمَا أَن الْهَاء زَائِدَة وَفتحت إتباعاً لحركة الْمِيم. وَالثَّانِي أَنَّهَا أدخلت بَين الْمِيم وفتحتها. فالفتحة الَّتِي فِي أَولهَا هِيَ فَتْحة الْمِيم ثمَّ فتحت الْمِيم إتباعاً لحركة الْهَاء. . وَقيل: جَاءَ هَذَا على أصل المنادى وَلم ينون لِأَنَّهُ غير منصرف. وَقيل: هُوَ مَبْنِيّ على الْفَتْح لِأَن مِنْهُم من يَبْنِي المنادى الْمُفْرد على الْفَتْح لِأَنَّهَا حَرَكَة تشابه حَرَكَة إعرابه فَهُوَ نَظِير: لَا رجل فِي الدَّار. وَقَوله: كليني أمرٌ من وكلت الْأَمر إِلَيْهِ وكلا من بَاب وعد ووكولاً: إِذا فوضته إِلَيْهِ واكتفيت بِهِ. وأُمَيْمَة تَصْغِير ترخيم أُمَامَة وَهِي بنته. وناصب بِمَعْنى منصب: من النصب وَهُوَ التَّعَب فجَاء بِهِ

على طرح الزَّائِد وَحمله سِيبَوَيْهٍ على النّسَب أَي: ذِي نصب كَمَا يُقَال: طَرِيق خَائِف أَي: ذُو خوف. وأقاسيه: أكابده. يَقُول: دعيني لهَذَا الْهم المتعب ومقاساة اللَّيْل البطيء الْكَوَاكِب بالسهر وَلَا تزيديني لوماً وعذلاً وَجعل بطء الْكَوَاكِب دَلِيلا على طول اللَّيْل) كَأَنَّهَا لَا تغرب فينقضي اللَّيْل. وَمَا أحسن قَول بَعضهم: (ليلِي كَمَا شَاءَت فَإِن لم تجئ ... طَال وَإِن جَاءَت فليلي قصير) وَهَذَا الْبَيْت مطلع قصيدة للنابغة الذبياني مدح بهَا عَمْرو بن الْحَارِث الْأَعْرَج ابْن الْحَارِث الْأَكْبَر بن أبي شمر بِفَتْح وَكسر وَيُقَال: شمر بِكَسْر فَسُكُون حِين هرب إِلَى الشَّام لما بلغه سعي بن ربيعَة بن قزيع بِهِ إِلَى النُّعْمَان بن الْمُنْذر وخافه. وَهَذَا عَن أبي عبيد. وَقَالَ غَيره: هُوَ ابْن الْحَارِث الْأَصْغَر بن الْحَارِث الْأَعْرَج بن الْحَارِث الْأَكْبَر بن أبي شمر. وَبعده: (تطاول حَتَّى قلت لَيْسَ بمنقضٍ ... وَلَيْسَ الَّذِي يرْعَى النُّجُوم بآيب) (وصدرٍ أراح اللَّيْل عَازِب همه ... تضَاعف فِيهِ الْحزن من كل جَانب) ...

(عَليّ لعمرٍ ونعمةٌ بعد نعمةٍ ... لوالده لَيست بِذَات عقارب) وَمِنْهَا: (وَلَا عيب فيهم غير أَن سيوفهم ... بِهن فلولٌ من قراع الْكَتَائِب) وَسَيَأْتِي شَرحه إِن شَاءَ الله تَعَالَى فِي الْمُسْتَثْنى. قَوْله: وَصدر مَعْطُوف على قَوْله: لَهُم فِي أول الْبَيْت. وأراح بمهملتين: متعدي راحت الْإِبِل بالْعَشي على أَهلهَا أَي: رجعت من المرعى إِلَيْهِم. والعازب بِالْعينِ الْمُهْملَة وَالزَّاي الْمُعْجَمَة: الْغَائِب من عزب الشَّيْء عزوباً من بَاب قعد: بعد وعزب من بَابي قتل وَضرب: وَقَوله: لَيست. . الخ الْجُمْلَة صفة إِمَّا لنعمةٌ المرفوعة أَو لنعمةٍ المجرورة أَي: نعْمَة غير مشوبة بنقمة كنعمة النُّعْمَان بن الْمُنْذر. وَعَمْرو هَذَا هُوَ الغساني من مُلُوك الشَّام. قَالَ ابْن رَشِيق فِي الْعُمْدَة: أول من ولي الشَّام من غَسَّان الْحَارِث بن عَمْرو محرق. سمي بذلك لِأَنَّهُ أول من حرق الْعَرَب فِي ديارها وَهُوَ الْحَارِث الْأَكْبَر يكنى أَبَا شمر. . ثمَّ ابْنه الْحَارِث بن أبي شمر وَهُوَ الْحَارِث الْأَعْرَج وَأمه مَارِيَة ذَات القرطين وَهِي مَارِيَة بنت ظَالِم بن وهب بن الْحَارِث بن مُعَاوِيَة الْكِنْدِيّ وَأُخْتهَا هِنْد الهنود امْرَأَة حجر كل المرار الْكِنْدِيّ. وَإِلَى الْحَارِث الْأَعْرَج زحف الْمُنْذر الْأَكْبَر فَانْهَزَمَ جَيْشه

وَقتل هُوَ. . ثمَّ الْحَارِث الْأَصْغَر بن الْحَارِث الْأَعْرَج بن الْحَارِث. . وَهُوَ ولد الْحَارِث الْأَعْرَج ثمَّ عَمْرو بن الْحَارِث وَكَانَ يُقَال لَهُ أَبُو شمر الْأَصْغَر. وَله يَقُول نَابِغَة بني ذبيان: (عَليّ لعمرٍ نعمةٌ بعد نعمةٍ ... لوالده لَيست بِذَات عقارب)) وَمن ولد الْأَعْرَج أَيْضا: الْمُنْذر والأيهم أَبُو جبلة. وجبلة آخر مُلُوك غَسَّان وَكَانَ طوله اثْنَي وَكَانَ أصل هَؤُلَاءِ من الْيمن وَكَانُوا من غَسَّان وَقيل من قضاعة. وَأول مُلُوكهمْ النُّعْمَان بن عَمْرو بن مَالك. ثمَّ من بعده ابْنه مَالك. ثمَّ من بعد مَالك ابْنه عَمْرو. . إِلَى خُرُوج مزيقيا وَهُوَ عَمْرو بن عَامر من الْيمن فِي قومه من الأزد وَسمي مزيقيا لِأَنَّهُ كَانَ يمزق كل يَوْم حلَّة لَا يعود إِلَى لبسهَا ثمَّ يَهَبهَا. وَسمي عامرٌ مَاء السَّمَاء لِأَنَّهُ كَانَ يَجِيء فِي الْمحل فينوب عَن الْغَيْث بالرفد وَالعطَاء. ومزيقيا: ابْن حَارِثَة الغطريف بن ثَعْلَبَة البهلول بن امْرِئ

الْقَيْس البطريق بن مَازِن قَاتل الْجُوع ابْن الأزد لما خرج مزيقيا من الْيمن كَانَ مَعَه رجل اسْمه جذع بن سِنَان فنزلوا بِلَاد عك فَقتل جذعٌ ملك بِلَاد عك وافترقت الأزد وَالْملك فيهم حِينَئِذٍ ثَعْلَبَة بن عَمْرو بت عَامر فَانْصَرف عَامله فحارب جرهم فأجلاهم عَن مَكَّة واستولوا عَلَيْهَا زَمَانا ثمَّ أَحْدَثُوا الْأَحْدَاث. وَجَاء قصي بن كلاب فَجمع معداً وَبِذَلِك سمي مجمعا واستعان ملك الرّوم فأعانه وَحَارب الأزد فَغَلَبَهُمْ وَاسْتولى على مَكَّة. فَلَمَّا رَأَتْ الأزد ضيق الْعَيْش بِمَكَّة ارتحلت وانخزعت خُزَاعَة لولاية الْبَيْت وَبِذَلِك سميت فَصَارَ بعض الأزد إِلَى السوَاد فملكوا عَلَيْهِم مَالك بن فهم أَبَا جذيمة الأبرش وَصَارَ قوم إِلَى يثرب فهم الْأَوْس والخزرج وَصَارَ قوم إِلَى عمان وَصَارَ قوم إِلَى الشَّام وَفِيهِمْ جذع بن سِنَان وَأَتَاهُ عَامل الْملك فِي خرج وَجب عَلَيْهِ فَدفع إِلَيْهِ سَيْفه رهنا فَقَالَ لَهُ الرُّومِي: أدخلهُ فِي حر أمك فَغَضب جذع وقنعه بِهِ فَقتله فَقيل: خُذ من جذعٍ مَا أَعْطَاك وَصَارَت مثلا. ثمَّ استولوا على الشَّام كَمَا تقدم ذكره. وَالله أعلم. تَتِمَّة روى المرزباني فِي الموشح عَن الصولي بِسَنَدِهِ: أَن الْوَلِيد بن عبد الْملك تشاجر مَعَ أَخِيه مسلة فِي شعر امْرِئ الْقَيْس والنابغة الذبياني فِي وصف طول اللَّيْل أَيهمَا أَجود فرضيا بالشعبي فأحضر فأنشده الْوَلِيد: كليني لَهُم يَا أُمَيْمَة ناصب. . الأبيات الثَّلَاثَة.) وَأنْشد مسلمة قَول امْرِئ الْقَيْس: ...

(وليلٍ كموج الْبَحْر أرْخى سدوله ... عَليّ بأنواع الهموم ليبتلي) السدول: الستور. ويَبْتَلِي: ينظر مَا عِنْدِي من صَبر أَو جزع. (فَقلت لَهُ لما تمطى بصلبه ... وَأَرْدَفَ اعجازاً وناء بكلكل) تمطى: امْتَدَّ. وصلبه: وَسطه. وأرْدف: أتبع. وأعجازه: مآخيره. وناء: نَهَضَ. والكلكل: الصَّدْر. (أَلا أَيهَا اللَّيْل الطَّوِيل أَلا انجلي ... بصبحٍ وَمَا الإصباح مِنْك بأمثل) (فيالك من ليلٍ كَأَن نجومه ... بِكُل مغار الفتل شدت بيذبل) المغار: الْحَبل الْمُحكم الفتل. ويذبل: جبل. (كَأَن الثريا علقت فِي مصامها ... بأمراس كتانٍ إِلَى صم جندل) فِي مصامها: فِي مقَامهَا. والأمراس: الحبال. والجندل: الْحِجَارَة. والصم: الصلاب. قَالَ: فَضرب الْوَلِيد بِرجلِهِ طَربا فَقَالَ الشّعبِيّ: بَانَتْ الْقَضِيَّة قَالَ الصولي: فَأَما قَول النَّابِغَة: وصدرٍ أراح اللَّيْل عَازِب همه فَإِنَّهُ جعل صَدره مألفاً للهموم وَجعلهَا كالنعم العازبة بِالنَّهَارِ عَنهُ الرَّائِحَة مَعَ اللَّيْل إِلَيْهِ كَمَا تريح الرُّعَاة السَّائِمَة بِاللَّيْلِ إِلَى مَكَانهَا. وَهُوَ أول من وصف أَن الهموم متزايدة بِاللَّيْلِ وَتَبعهُ النَّاس فَقَالَ الْمَجْنُون: ...

(يضم إِلَيّ اللَّيْل أَطْفَال حبها ... كَمَا ضم أزرار الْقَمِيص البنائق) وَهَذَا من المقلوب: أَرَادَ: كَمَا ضم أزرار الْقَمِيص البنائق وَمثل هَذَا كثير فَجعل الْمَجْنُون مَا يَأْتِيهِ فِي ليله مِمَّا عزب عَنهُ فِي نَهَاره كالأطفال الناشئة. وَقَالَ ابْن الدمينة يتبع النَّابِغَة: (أظل نهاري فِيكُم متعللاً ... ويجمعني والهم بِاللَّيْلِ جَامع) أَقْْضِي نهاري بِالْحَدِيثِ وبالمنى فالشعراء على هَذَا متفقون وَلم يشذ عَنهُ وَيُخَالِفهُ مِنْهُم إِلَّا أحذقهم بالشعر. والمبتدئ بِالْإِحْسَانِ فِيهِ امْرُؤ الْقَيْس: فَإِنَّهُ بحذقه وَحسن طبعه وجودة قريحته كره أَن يَقُول: إِن الْهم فِي حبه يخف عَنهُ فِي نَهَاره وَيزِيد فِي ليله فَجعل اللَّيْل وَالنَّهَار سَوَاء عَلَيْهِ فِي قلقه وهمه وجزعه) وغمه فَقَالَ: أَلا أَيهَا اللَّيْل الطَّوِيل. . الْبَيْت وَقد أحسن فِي هَذَا الْمَعْنى الَّذِي ذهب إِلَيْهِ وَإِن كَانَت الْعَادة غَيره وَالصُّورَة لَا توجبه. وَقد صب الله على امْرِئ الْقَيْس بعده شَاعِرًا أرَاهُ اسْتِحَالَة مَعْنَاهُ فِي الْمَعْقُول وَأَن الصُّورَة تَدْفَعهُ وَالْقِيَاس لَا يُوجِبهُ وَالْعَادَة غير جَارِيَة بِهِ حَتَّى لَو كَانَ الرَّاد عَلَيْهِ من حذاق الْمُتَكَلِّمين مَا بلغ فِي كثير نثره مَا أَتَى بِهِ فِي قَلِيل نظمه وَهُوَ أَبُو نفر الطرماح بن حَكِيم الطَّائِي: فَإِنَّهُ ابْتَدَأَ قصيدةً فَقَالَ: (أَلا أَيهَا اللَّيْل الطَّوِيل أَلا اصبح ... ببم وَمَا الإصباح فِيك بأروح) فَأتى بِلَفْظ امْرِئ الْقَيْس وَمَعْنَاهُ ثمَّ عطف محتجاً مستدركاً فَقَالَ: ...

(بلَى إِن للعينين فِي الصُّبْح رَاحَة ... لطرحهما طرفيهما كل مطرح) وَإِنَّمَا أجمع الشُّعَرَاء على ذَلِك. من تضَاعف بلائهم بِاللَّيْلِ وَشدَّة كلفهم لقلَّة المساعد وفقد الحبيب وَتَقْيِيد اللحظ عَن أقْصَى مرامي النّظر الَّذِي لابد أَن يُؤَدِّي إِلَى الْقلب بتأمله شَيْئا يُخَفف عَنهُ أَو يغلب عَلَيْهِ فينسى مَا سواهُ. وأبيات امْرِئ الْقَيْس فِي وصف اللَّيْل اشْتَمَل الْإِحْسَان عَلَيْهَا ولاح الحذق فِيهَا وَبَان الطَّبْع بهَا فَمَا فِيهَا معابٌ إِلَّا من جِهَة وَاحِدَة عِنْد أُمَرَاء الْكَلَام والحذاق بِنَقْد الشّعْر وتمييزه وَهُوَ قَوْله: فَقلت لَهُ لما تمطى. . الْبَيْت لم يشْرَح فَقلت لَهُ إِلَّا فِي بَيت بعده. وَهَذَا عيب لِأَن خير الشّعْر مَا لم يحْتَج بَيت مِنْهُ إِلَى بَيت آخر. وَقد تبع النَّاس امْرأ الْقَيْس وَصَدقُوا قَوْله وَجعلُوا نهارهم كليلهم فَقَالَ البحتري فِي غضب الْفَتْح عَلَيْهِ: (وألبستني سخط امْرِئ بت موهناً ... أرى سخطه لَيْلًا مَعَ اللَّيْل مظلما) وَكَأَنَّهُ من قَول أبي عُيَيْنَة فِي التَّذَكُّر لوطنه: (طَال من ذكره بجرجان ليلِي ... ونهاري عَليّ كالليل داجي) وترجمة النَّابِغَة الذبياني قد تقدّمت فِي الشَّاهِد الرَّابِع بعد الْمِائَة. 3 - (التَّرْخِيم) الشَّاهِد الثَّامِن وَالثَّلَاثُونَ بعد الْمِائَة) وَهُوَ من شَوَاهِد س:

(خُذُوا حظكم يَا آل عكرم واذْكُرُوا ... أواصرنا وَالرحم بِالْغَيْبِ تذكر) على أَن الْكُوفِيّين أَجَازُوا ترخيم الْمُضَاف وَيَقَع الْحَذف فِي آخر الِاسْم الثَّانِي كَمَا فِي الْبَيْت وَفِي أَبْيَات أخر كَثِيرَة وَالْأَصْل يَا آل عِكْرِمَة. وَقَالُوا: الْمُضَاف والمضاف إِلَيْهِ بِمَنْزِلَة الشَّيْء الْوَاحِد فَجَاز ترخيمه كالمفرد. وَمنع البصريون هَذَا التَّرْخِيم وَقَالُوا: لَا حجَّة فِي هَذَا الْبَيْت وَأَمْثَاله لِأَنَّهُ مَحْمُول على الضَّرُورَة. والترخيم ضَرُورَة جَائِز فِي غير النداء أَيْضا كَقَوْلِه: (أودى ابْن جلهم عبادٌ بصرمته ... إِن ابْن جلهم أَمْسَى حَيَّة الْوَادي) أَرَادَ جلهمة. وَهَذَا الْبَيْت من أَبْيَات تِسْعَة لزهير بن أبي سلمى. قَالَهَا لبني سليم وبلغه أَنهم يُرِيدُونَ الإغارة على غطفان. وَهِي هَذِه: (رَأَيْت بني آل امْرِئ الْقَيْس أصفقوا ... علينا وَقَالُوا: إننا نَحن أَكثر) (سليم بن منصورٍ وأفناء عامرٍ ... وَسعد بن بكرٍ والنصور وأعصر) بَنو آل امْرِئ الْقَيْس: هوزان وسليم بِالتَّصْغِيرِ. وَقَوله: أصفقوا علينا أَي: اجْتَمعُوا يُقَال: أصفق الْقَوْم على كَذَا: إِذا اجْتَمعُوا عَلَيْهِ. وَقَوله: سليم بن مَنْصُور أَي: مِنْهُم سليم. وأفناء عَامر: قبائلها. وَسعد بن بكر من هوزان وهم الَّذين كَانَ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ مس ترضعاً فيهم. والنصور: بَنو نصر وهم من هوزان أَيْضا سمي كل وَاحِد مِنْهُم باسم أَبِيه ثمَّ جمع. وأعصر أَبُو غَنِي وباهلة. وكل هَؤُلَاءِ من ولد عِكْرِمَة بن خصفة بن قيس عيلان بن مُضر.

(خُذُوا حظكم يَا آل عكرم واذْكُرُوا ... أواصرنا وَالرحم بِالْغَيْبِ تذكر) (خُذُوا حظكم من ودنا إِن قربنا ... إِذا ضرستنا الْحَرْب نارٌ تسعر) الْحَظ النَّصِيب. يَقُول: صونوا حظكم من صلَة الْقَرَابَة وَلَا تفسدوا مَا بَيْننَا وَبَيْنكُم فَإِن ذَلِك مِمَّا يعود مكروهه عَلَيْكُم. وآل عِكْرِمَة هم بَنو عِكْرِمَة ابْن خصفة بن قيس بن عيلان بن مُضر ورخم عِكْرِمَة ضَرُورَة. والأواصر: جمع آصرة وَهِي مَا عطفك على رجلٍ. من رحم أَو قرَابَة أَو صهر أَو مَعْرُوف. والرَّحِم: مَوضِع تكوين الْوَلَد وتخفف بِسُكُون الْحَاء مَعَ فتح الرَّاء) وَمَعَ كسرهَا أَيْضا فِي لُغَة بني كلاب ثمَّ سميت الْقَرَابَة والوصلة من جِهَة الْوَلَاء رحما فالرحم خلاف الْأَجْنَبِيّ وَهُوَ مؤنث فِي الْمَعْنيين. وَالرحم الَّتِي بَين قوم زُهَيْر وَبينهمْ: أَن مزينة من ولد أد بن طابخة بن الياس بن مُضر وَهَؤُلَاء من ولد قيس بن عيلان بن مُضر. وَقَوله: إِذا ضرستنا الْحَرْب أَي: عضتنا بأضراسها وَهَذَا مثل للشدة. يَقُول: إِذا اشتدت الْحَرْب فالقرب منا مَكْرُوه وجانبنا شَدِيد. وَضرب النَّار مثلا لذَلِك. وَمعنى تسعر وَأَصله تتسعر تتقد. (وَإِنَّا وَإِيَّاكُم إِلَى مَا نسومكم ... لمثلان أَو أَنْتُم إِلَى الصُّلْح أفقر) يَقُول: نَحن وَأَنْتُم مثلان فِي الِاحْتِجَاج إِلَى الصُّلْح وَترك الْغَزْو بل أَنْتُم إِلَى ذَلِك أحْوج وَأَشد افتقاراً إِلَيْهِ. وَمعنى نسومكم: نعرض عَلَيْكُم وندعوكم يُقَال: سمته الْخَسْف أَي: طلبت مِنْهُ غير الْحق وَحَمَلته على الذل والهوان. (إِذا مَا سمعنَا صَارِخًا معجت بِنَا ... إِلَى صَوته ورق المراكل ضمر) الصَّارِخ هُنَا المستغيث. ومعجت بِنَا أَي: مرت مرا سَرِيعا فِي سهولة. وَقَوله: ورق المراكل ضمر هُوَ جمع أَوْرَق وَهُوَ الْأسود فِي غبرة والمركل

كجعفر: مَوضِع عقب الْفَارِس من جنب الْفرس. أَي: قد تحات الشّعْر وتساقط عَن مراكلها فاسود مَوْضِعه لِكَثْرَة الرّكُوب فِي الْحَرْب. (وَإِن شل ريعان الْجَمِيع مَخَافَة ... نقُول جهاراً وَيْلكُمْ لَا تنفرُوا) (على رسلكُمْ إِنَّا سنعدي وراءكم ... فتمنعكم أرماحنا أَو ستعذر) يَقُول: إِن أحسن الْقَوْم بالعدو فطردوا أَوَائِل إبلهم وصرفوها عَن المرعى أمرناهم بِأَن لَا يَفْعَلُوا وَقُلْنَا لَهُم مجاهرةً: وَيْلكُمْ لَا تنفرُوا وَلَا تطردوها فَنحْن نمنعها من الْعَدو ونقاتل دونهَا. وشل بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول: طرد. وريعان كل شَيْء: أَوله. وَقَوله: على رسلكُمْ بِالْكَسْرِ أَي: على مهلكم ورفقكم وَالْمعْنَى: أمهلوا قَلِيلا. وَقَوله: سنعدي وراءكم أَي: سنعدي الْخَيل وراءكم يُقَال: عدا الْفرس وأعداه فارسه. وَقَوله: ستعذر أَي: سنأتي بالعذر فِي الذب عَنْكُم يُقَال: أعذر الرجل فِي الْأَمر: إِذا اجْتهد وَبلغ الْعذر. وَقَوله: وَإِلَّا فَإنَّا. . الخ يَقُول: وَإِن لم يكن قتال فَإنَّا بالشربة أَي: بمنازلها الَّتِي تعلمُونَ نَحن فِيهَا آمنون نضرب بقداح الميسر وننحر النوق الْكَرِيمَة.) وَرُوِيَ:

وَإِن شدّ رعيان الْجَمِيع مَخَافَة وشدّ بِمَعْنى فر. ورعيان: جمع رَاع. ووراءكم: أمامكم. وستعذر رُوِيَ بِالْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّة وَالضَّمِير للرماح. والشربة بِفَتْح الشين وَالرَّاء وَتَشْديد الْمُوَحدَة: مَوضِع بِبِلَاد غطفان. وَكَذَلِكَ اللوى. وزُهَيْر هُوَ زُهَيْر بن أبي سلمى. وَاسم أبي سلمى ربيعَة بن ريَاح الْمُزنِيّ من مزينة بن أد بن طابخة بن الياس بن مُضر وَكَانَت محلتهم فِي بِلَاد غطفان. فيظن النَّاس أَنه من غطفان أَعنِي زهيراً وَهُوَ غلط. كَذَا فِي الِاسْتِيعَاب لِابْنِ عبد الْبر. وَكَأن هَذَا ردٌ لما قَالَه ابْن قُتَيْبَة فِي كتاب الشُّعَرَاء فَإِنَّهُ قَالَ: زُهَيْر هُوَ ابْن ربيعَة بن قرط. وَالنَّاس ينسبونه إِلَى مزينة وَإِنَّمَا نسبه إِلَى غطفان ا. هـ. وسلمى بِضَم السِّين قَالَ فِي الصِّحَاح: لَيْسَ فِي الْعَرَب سلمى بِالضَّمِّ غَيره ورياح بِكَسْر الرَّاء وَبعدهَا مثناة تحتية. وَزُهَيْر أحد الشُّعَرَاء الثَّلَاثَة الفحول الْمُتَقَدِّمين على سَائِر الشُّعَرَاء بالِاتِّفَاقِ وَإِنَّمَا الْخلاف فِي تَقْدِيم أحدهم على الآخر وهم: امْرُؤ الْقَيْس وَزُهَيْر والنابغة الذبياني. قَالَ ابْن قُتَيْبَة: يُقَال: إِنَّه لم يتَّصل الشّعْر فِي ولد أحد من الفحول فِي الْجَاهِلِيَّة مَا اتَّصل فِي ولد زُهَيْر وَفِي الْإِسْلَام مَا اتَّصل فِي ولد جرير. وَكَانَ زُهَيْر راوية أَوْس بن حجر. وَعَن عِكْرِمَة بن جرير قَالَ: قلت لأبي: من أشعر النَّاس قَالَ: أجاهلية أم إسلامية قلت: جَاهِلِيَّة. قَالَ: زُهَيْر.

قلت: فالإسلام قَالَ: الفرزدق. قلت: فالأخطل. قَالَ: الأخطل يجيد نعت الْمُلُوك ويصيب صفة الْخمر. قلت لَهُ: فَأَنت قَالَ: أَنا نحرت الشّعْر نحراً. وَقَالَ ثَعْلَب وَهُوَ مِمَّن قدم زهيراً: كَانَ أحْسنهم شعرًا وأبعدهم من سخف وأجمعهم لكثير فِي الْمَعْنى فِي قَلِيل من الْمنطق وأشدهم مُبَالغَة فِي الْمَدْح وَأَكْثَرهم أَمْثَالًا فِي شعره. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: لزهير فِي الشّعْر مَا لم يكن لغيره: كَانَ أَبوهُ شَاعِرًا وخاله شَاعِرًا وَأُخْته سلمى) شاعرة وَأُخْته الخنساء شاعرة وابناه كَعْب وبحير شاعرين وَابْن ابْنه المضرب بن كَعْب شَاعِرًا وَهُوَ الَّذِي يَقُول: (إِنِّي لأحبس نَفسِي وَهِي صابرةٌ ... عَن مصعبٍ وَلَقَد بَانَتْ لي الطّرق) (رعوى عَلَيْهِ كَمَا أرعى على هرمٍ ... جدي زهيرٌ وَفينَا ذَلِك الْخلق) (مدح الْمُلُوك وسعيٌ فِي مسرتهم ... ثمَّ الْغنى وَيَد الممدوح تَنْطَلِق) وَكَعب هُوَ ناظم: بَانَتْ سعاد فقلبي الْيَوْم متبول وَسَتَأْتِي تَرْجَمته إِن شَاءَ الله تَعَالَى فِي أَفعَال الْقُلُوب. قَالَ ابْن قُتَيْبَة: وَكَانَ زُهَيْر يتأله ويتعفف فِي شعره وَيدل شعره على إيمَانه بِالْبَعْثِ وَذَلِكَ قَوْله:

وَشبه زُهَيْر امْرَأَة بِثَلَاثَة أَوْصَاف فِي بَيت وَاحِد فَقَالَ: (تنازعها المها شبها ودر ال ... بحور وشاكهت فِيهَا الظباء) ففسر ثمَّ قَالَ: (فَأَما مَا فويق العقد مِنْهَا ... فَمن أدماء مرتعها الْخَلَاء) (وَأما المقلتان فَمن مهاةٍ ... وللدر الملاحة والصفاء) وَقَالَ بعض الروَاة: لَو أَن زهيراً نظر إِلَى رِسَالَة عمر بن الْخطاب إِلَى أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ مَا زَاد على مَا قَالَ: فَإِن الْحق مقطعه ثلاثٌ يمينٌ أَو نفارٌ أَو جلاء يَعْنِي يَمِينا أَو منافرة إِلَى حَاكم يقطع بِالْبَيِّنَاتِ أَو جلاء وَهُوَ بَيَان وبرهان يجلو بِهِ الْحق وتتضح الدَّعْوَى. وديوان شعر زُهَيْر كَبِير وَعَلِيهِ شرحان وهما عِنْدِي وَالْحَمْد لله والْمنَّة أَحدهمَا بِخَط مهلهل الشهير الخطاط صَاحب الْخط الْمَنْسُوب. وغالب شعره مدحٌ فِي هرم بن سِنَان أحد الأجواد الْمَشْهُورين وَمن شعره فِيهِ قَوْله: صَحا الْقلب عَن سلمى وَقد كَاد لَا يسلو قَالَ صَاحب الأغاني: هَذِه القصيدة أول قصيدة مدح بهَا زُهَيْر هرماً ثمَّ تتَابع بعده. وَكَانَ هرمٌ حلف أَن لَا يمدحه زهيرٌ إِلَّا أعطَاهُ

وَلَا يسْأَله إِلَّا أعطَاهُ: عبدا أَو وليدةً أَو فرسا.) فاستحيا زُهَيْر مِنْهُ فَكَانَ زُهَيْر إِذا رَآهُ فِي مَلأ قَالَ: أنعموا صباحاً غير هرم وخيركم استثنيت. . وَقَالَ عمر بن الْخطاب لبَعض ولد هرم: أَنْشدني بعض مدح زُهَيْر أَبَاك فأنشده فَقَالَ عمر: إِن كَانَ ليحسن فِيكُم الْمَدْح. قَالَ: وَنحن وَالله إِن كُنَّا لنحسن لَهُ الْعَطِيَّة. قَالَ: قد ذهب مَا أعطيتموه وَبَقِي مَا أَعْطَاكُم. وَفِي رِوَايَة عمر بن شبة: قَالَ عمر لِابْنِ زُهَيْر: مَا فعلت الْحلَل الَّتِي كساها هرمٌ أَبَاك قَالَ: أبلاها الدَّهْر. قَالَ: لَكِن الْحلَل الَّتِي كساها أَبوك هرماً لم يبلها الدَّهْر ويستجاد قَوْله فِي هرم: (قد جعل المبتغون الْخَيْر فِي هرمٍ ... والسائلون إِلَى أبوابه طرقا) (من يلق يَوْمًا على علاته هرماً ... يلق السماحة فِيهِ والندى خلقا) وَرُوِيَ أَن زهيراً كَانَ ينظم القصيدة فِي شهر وينقحها ويهذبها فِي سنة وَكَانَت تسمى قصائده حوليات زُهَيْر. وَقد أَشَارَ إِلَى هَذَا الْبَهَاء زُهَيْر فِي قَوْله من قصيدة: (هَذَا زهيرك لَا زُهَيْر مزينةٍ ... وافاك لَا هرماً على علاته) وَكَانَ رأى زهيرٌ فِي مَنَامه فِي أَوَاخِر عمره: أَن آتِيَا أَتَاهُ فَحَمله إِلَى السَّمَاء حَتَّى كَاد يَمَسهَا بِيَدِهِ ثمَّ تَركه فهوى إِلَى الأَرْض. فَلَمَّا احْتضرَ قصّ رُؤْيَاهُ على وَلَده كَعْب ثمَّ قَالَ: إِنِّي لَا أَشك أَنه كَائِن من خبر السَّمَاء بعدِي فَإِن كَانَ

فَتمسكُوا بِهِ وسارعوا إِلَيْهِ. ثمَّ توفّي قبل المبعث بِسنة. فَلَمَّا بعث صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ خرج إِلَيْهِ وَلَده كعبٌ بقصيدته بَانَتْ سعاد وَأسلم كَمَا يَأْتِي بَيَانهَا فِي أَفعَال الْقُلُوب إِن شَاءَ الله تَعَالَى. وَرُوِيَ أَيْضا: أَن زهيراً رأى فِي مَنَامه أَن سَببا تدلى من السَّمَاء إِلَى الأَرْض وَكَانَ النَّاس يمسكونه وَكلما أَرَادَ أَن يمسِكهُ تقلص عَنهُ. فأوله بِنَبِي آخر الزَّمَان فَإِنَّهُ وَاسِطَة بَين الله وَبَين النَّاس وَأَن مدَّته لَا تصل إِلَى زمن مبعثه وَأوصى بنيه أَن يُؤمنُوا بِهِ عِنْد ظُهُوره. وَأنْشد بعده وهوالشاهد التَّاسِع وَالثَّلَاثُونَ بعد الْمِائَة) (أَبَا عرو لَا تبعد فَكل ابْن حرةٍ ... سيدعوه دَاعِي مَوته فيجيب) لما تقدم فِي الْبَيْت قبله: فَإِن أَبَا عرو منادى بِحرف النداء الْمَحْذُوف وَأَبا منادى مُضَاف لما بعده وعرو: مرخم عُرْوَة: وَالْكَلَام عَلَيْهِ كَمَا تقدم فِي الْبَيْت قبله. قَالَ ابْن الشجري فِي أَمَالِيهِ: وَمِمَّا يدل على مَذْهَب سِيبَوَيْهٍ وَلم يكن فِيهِ مَا تَأَوَّلَه أَبُو الْعَبَّاس الْمبرد فِي بَيت زُهَيْر فَزعم أَنه أَرَادَ يَا آل عكرمٍ بِالْجَرِّ والتنوين قَول الشَّاعِر: أَبَا عرو لَا تبعد ... الْبَيْت

أَلا ترى أَنه لَا يُمكن أَبَا الْعَبَّاس أَن يَقُول: إِن عُرْوَة قَبيلَة كَمَا قَالَ ذَلِك فِي عِكْرِمَة وَلَا يُمكنهُ أَن يَقُول: أَرَادَ أَبَا عرو بِالْجَرِّ والتنوين. فَمَنعه من ذَلِك أَن عُرْوَة لَا ينْصَرف للتأنيث فِي التَّعْرِيف انْتهى. وروى ابْن الشجري هَذَا الْبَيْت كَرِوَايَة الشَّارِح الْمُحَقق وأنشده ابْن الْأَنْبَارِي فِي مسَائِل الْخلاف وَكَذَا ابْن هِشَام فِي شرح الألفية: سيدعوه دَاعِي ميتةٍ بِكَسْر الْمِيم. والْميتَة: الْحَالة الَّتِي يَمُوت عَلَيْهَا الْإِنْسَان. وَزَاد ابْن السّكيت فِي كتاب الْمُذكر والمؤنث رِوَايَة: ستدعوه بمثناة فوقية لَا تحتية على أَن قَوْله: دَاعِي اكْتسب التَّأْنِيث من إِضَافَته إِلَى الْمُؤَنَّث. وَكَذَلِكَ أوردهُ الْفراء عِنْد تَفْسِير قَوْله تَعَالَى: إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَال حبةٍ من خَرْدَل قَالَ: فَإِن قلت: إِن المثقال ذكر فَكيف قَالَ: تَكُ قلت: لِأَن المثقال أضيف إِلَى الْحبَّة وفيهَا الْمَعْنى كَأَنَّهُ قَالَ: وَقَوله: لَا تبعد أَي: لَا تهْلك وَهُوَ دُعَاء خرج بِلَفْظ النَّهْي كَمَا يخرج الدُّعَاء بِلَفْظ الْأَمر وَإِن كَانَ لَيْسَ بِأَمْر نَحْو: اللَّهُمَّ اغْفِر لنا. يُقَال: بعد الرجل يبعد بعدا من بَاب فَرح إِذا هلك وَإِذا أردْت ضد الْقرب قلت: بعد يبعد بِضَم الْعين فيهمَا والمصدر على وزن ضِدّه وَهُوَ الْقرب وَرُبمَا استعملوا هَذَا فِي معنى الْهَلَاك لتداخل معنييهما. فَإِن قيل: كَيفَ قَالَ: لَا تبعد وَهُوَ قد هلك أُجِيب بِأَن الْعَرَب قد جرت عَادَتهم بِاسْتِعْمَال هَذِه اللَّفْظَة فِي الدُّعَاء للْمَيت

وَلَهُم فِي ذَلِك غرضان: أَحدهمَا أَنهم يُرِيدُونَ بذلك استعظام موت الرجل الْجَلِيل وَكَأَنَّهُم لَا يصدقون بِمَوْتِهِ. وَقد بَين هَذَا الْمَعْنى النَّابِغَة الذبياني بقوله:) (يَقُولُونَ: حصنٌ ثمَّ تابى نُفُوسهم ... وَكَيف بحصنٍ وَالْجِبَال جنوح) (وَلم تلفظ الْمَوْتَى الْقُبُور وَلم تزل ... نُجُوم السَّمَاء والأديم صَحِيح) أَرَادَ أَنهم يَقُولُونَ: مَاتَ حصن ثمَّ يستعظمون أَن ينطقوا بذلك وَيَقُولُونَ: كَيفَ يجوز أَن يَمُوت وَالْجِبَال لم تنسف والنجوم لم تنكدر والقبور لم تخرج موتاها وجرم الْعَالم صَحِيح لم يحدث فِيهِ حَادث. وَهَكَذَا تستعمله الْعَرَب فِيمَن هلك فسَاء هَلَاكه وشق على من يفقده. قَالَ الْفِرَار السّلمِيّ: (مَا كَانَ يَنْفَعنِي مقَال نِسَائِهِم ... وَقتلت دون رِجَالهمْ: لَا تبعد) (يَقُولُونَ: لَا تبعد وهم يدفنونني ... وَأَيْنَ مَكَان الْبعد إِلَّا مكانيا) وَالْغَرَض الثَّانِي: أَنهم يُرِيدُونَ الدُّعَاء لَهُ بِأَن يبْقى ذكره وَلَا ينسى لِأَن بَقَاء ذكر الْإِنْسَان بعد مَوته بِمَنْزِلَة حَيَاته كَمَا قَالَ الشَّاعِر: (فَأَثْنوا علينا لَا أَبَا لأبيكم ... بأفعالنا إِن الثَّنَاء هُوَ الْخلد) وَقَالَ آخر: (فَإِن تَكُ أفنته اللَّيَالِي فأوشكت ... فَإِن لَهُ ذكرا سيفني اللياليا)

. وَقَالَ المتنبي وَأحسن: (ذكر الْفَتى عمره الثَّانِي وَحَاجته ... مَا فَاتَهُ وفضول الْعَيْش أشغال) وَقد بَين الْفِرَار السّلمِيّ وَمَالك بن الريب مَا فِي هَذَا من الْمحَال فِي الْبَيْتَيْنِ الْمَذْكُورين. وَقَوله: فَكل ابْن حرَّة الْفَاء للتَّعْلِيل. يَقُول: لَا أنسى الله ذكرك بالثناء الْجَمِيل فِي الدُّنْيَا فَإِن الْإِنْسَان لابد لَهُ من الْمَوْت فَإِن ذكر بالجميل فَكَأَنَّهُ لم يمت. وَذكر الْحرَّة وَأَرَادَ الْمَرْأَة أَو تَقول: أَبنَاء الْحَرَائِر إِذا كَانَ لابد لَهُم من الْمَوْت فموت أَبنَاء الْإِمَاء من بَاب أولى. . وَالسِّين فِي قَوْله: ستدعوه للتَّأْكِيد لَا للتسويف. وَقَوله: فيجيب مَعْطُوف على ستدعوه. وَأنْشد بعده وَهُوَ وَهُوَ من شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ: (ديار مية إِذْ ميٌ تساعفنا ... وَلَا يرى مثلهَا عجمٌ وَلَا عرب) على أَن التَّرْخِيم فِي غير النداء ضَرُورَة إِذْ مي مرخم مية وَهُوَ غير منادى. وَأنْشد سِيبَوَيْهٍ هَذَا الْبَيْت فِي كِتَابه فِي موضِعين: أَحدهمَا هَذَا وَأما قَول ذِي الرمة:) ديار مية إِذْ ميٌ تساعفنا. . الْبَيْت فَزعم يُونُس أَنه كَانَ يسميها مرّة ميا وَمرَّة مية. انْتهى. وَكَذَا فِي الصِّحَاح قَالَ: مية اسْم امْرَأَة ومي أَيْضا. وعَلى هَذَا يكون مَا فِي الْبَيْت على أحد الْوَجْهَيْنِ فَلَا ترخيم وَلَا ضَرُورَة فَيكون مي مصروفاً كَمَا يصرف دعد لِأَنَّهُ ثلاثي سَاكن الْوسط. قَالَ ابْن الشجري فِي أَمَالِيهِ: وَمنع الْمبرد من التَّرْخِيم فِي غير النداء على لُغَة من قَالَ يَا حَار بِالْكَسْرِ إِلَى أَن قَالَ: وَكَذَلِكَ يَقُولُونَ فِي قَول ذِي الرمة:

ديار مية إِذْ مي تساعفنا ... الْبَيْت أَنه كَانَ مرّة يسميها ميا وَمرَّة يسميها مية. قَالَ: وَيجوز أَن يكون أجراه فِي غير النداء على يَا حَار بِالضَّمِّ ثمَّ صرفه لما احْتَاجَ إِلَى صرفه. قَالَ: وَهَذَا الْوَجْه عِنْدِي لِأَن الروَاة كلهم ينشدون: والموضع الثَّانِي من كتاب سِيبَوَيْهٍ أوردهُ على أَن ديار مية مَنْصُوب بإضمار فعل كَأَنَّهُ قَالَ: أذكر ديار مية وَلَا يذكر هَذَا الْعَامِل لكثرته فِي كَلَامهم وَلما كَانَ فِيهِ من ذكر الديار قبل ذَلِك. وَنَصّ كِتَابه: وَمِمَّا الْتزم فِيهِ الْإِضْمَار قَول الشُّعَرَاء: ديار فُلَانَة قَالَ: ديار مية إِذْ ميٌ تساعفنا. . الْبَيْت

كَأَنَّهُ قَالَ: أذكر. وَلكنه حذف لِكَثْرَة الِاسْتِعْمَال ثمَّ قَالَ: وَمن الْعَرَب من يرفع الديار كَأَنَّهُ يَقُول تِلْكَ ديار فُلَانَة. انْتهى. وَيجوز أَن يكون مجروراً على أَنه بدلٌ من دارٍ فِي بَيت قبله بِثَلَاثَة أَبْيَات وَهُوَ: (لَا بل هُوَ الشوق من دارٍ تخونها ... مرا سحابٌ وَمَرا بارحٌ ترب) وهما من قصيدة طَوِيلَة جدا فِي النسيب بمية ووصفها وَهِي أحسن شعره حَتَّى قَالَ جرير: مَا أَحْبَبْت أَن ينْسب إِلَيّ من شعر ذِي الرمة إِلَّا هَذِه القصيدة فَإِن شَيْطَانه كَانَ فِيهَا ناصحاً وَلَو خرس بعْدهَا لَكَانَ أشعر النَّاس. وروى الْأَصْمَعِي فِي شرح ديوانه عَن أبي جهمة الْعَدوي قَالَ: سَمِعت ذَا الرمة يَقُول: من شعري مَا ساعدني فِيهِ القَوْل وَمِنْه مَا أجهدت فِيهِ نَفسِي وَمِنْه مَا جننت فِيهِ جنونا. فَأَما الَّذِي جننت فِيهِ فَقولِي: وَأما مَا طاوعني فِيهِ القَوْل فَقولِي:) خليلي عوجا من صُدُور الرَّوَاحِل وَأما مَا أجهدت فِيهِ نَفسِي فَقولِي: أأن ترسمت من خرقاء منزلَة ا.

هـ وَمن أول القصيدة إِلَى بَيت الشَّاهِد عشرَة أَبْيَات لَا بَأْس بإيرادها وَهِي هَذِه: (مَا بَال عَيْنك مِنْهَا المَاء ينسكب ... كَأَنَّهُ من كلى مفريةٍ سرب) الكلى: جمع كُلية وَهِي الرقعة تكون فِي أصل عرقة المزادة. والمفرية: المقطوعة المخروزة يُقَال: فريت الْأَدِيم: إِذا شققته وخرزته وأفريته: إِذا شققته. ففرى بِلَا ألف: شقٌ مَعَه إصْلَاح وأفرى مَعَ ألف: شقّ فِي فَسَاد. وسرب رَوَاهُ أَبُو عَمْرو بِكَسْر الرَّاء بِمَعْنى السَّائِل وَرَوَاهُ الْأَصْمَعِي وَابْن الْأَعرَابِي بِفَتْحِهَا قَالَ: السرب المَاء نَفسه الَّذِي يصب فِي المزادة الجديدة لكَي تبتل مَوَاضِع الخرز والسيور سرب قربتك: أَي: صب فِيهَا المَاء حَتَّى تستحكم مَوَاضِع الخرز. (وفراء غرفيةٍ أثأى خوارزها ... مشلشلٍ ضيعته بَينهَا الْكتب) وفراء أَي: ضخمة صفة مفرية أَي: مزادة وفراء. وغرفية: منسوبة إِلَى الغرف وَهُوَ دباغ بِالْبَحْرَيْنِ وَقيل: شجر يدبغ بِهِ وَقَالَ أَبُو عَمْرو: هُوَ الأرطى مَعَ التَّمْر وَالْملح يدبغ بِهِ. وأثأى: أفسد ومفعوله مَحْذُوف أَي: الخرز يُقَال: أثأيت الخرز: إِذا خرمته. والخوارز فَاعل أثأى وَهُوَ جمع خارزة وَهِي الَّتِي تخيط المزادة. المشلشل: نعت سرب وَهُوَ المَاء الَّذِي يتَّصل تقاطره وَلَا يَنْقَطِع. والْكتب بِالْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّة: الْخَزّ جمع كتبة وكل شَيْء ضممته فقد كتبته. (أستحدث الركب عَن أشياعهم خَبرا ... أم رَاجع الْقلب من أطرابه طرب)

الركب: أَصْحَاب الْإِبِل جمع رَاكب كصحب جمع صَاحب. والأشياع: الْأَصْحَاب. وأستحدث بِفَتْح الْهمزَة: اسْتِفْهَام. يَقُول: بكاؤك وحزنك ألخبر حدث أم رَاجع قَلْبك طرب والطَّرب: استخفاف الْقلب فِي فَرح كَانَ أَو حزن. وَهَذَا الْبَيْت من شَوَاهِد شرح الشافية للشَّارِح الْمُحَقق: (من دمنة نسفت عَنْهَا الصِّبَا سفعاً ... كَمَا تنشر بعد الطية الْكتب) (سيلاً من الدعص أغشته معالمها ... نكباء تسحب أَعْلَاهُ فينسحب) كَأَنَّهُ قَالَ: رَاجع الْقلب طربٌ من دمنة أَي: من أجل دمنة. وَرُوِيَ: أم دمنة كَأَنَّهُ قَالَ: أم دمنة هَاجَتْ حزنك والدمنة: آثَار النَّاس وَمَا لطخو وسودوا. والسفع: قَالَ الْأَصْمَعِي:) هِيَ طرائق النَّمْل سود وحمر. وَنصب سفعاً بنسفت وأتبع السَّيْل سفعاً وَذَلِكَ السفع سيل من الدعص. يُرِيد رملاً سَالَ من دعص جعله كالنعت للسيل فَكَأَنَّهُ قَالَ: كشفت الصِّبَا عَن يَقُول: فظهرت الأَرْض كَمَا تنشر الْكتب بعد أَن كَانَت مطوية. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: السفع جمع سفعة وَهُوَ سَواد تدخله حمرَة تكون فِي الأثافي. وَنصب سفعاً على الْحَال وَنصب سيلاً بنسفت: وخفض أَبُو عَمْرو سفع اتبعهُ الدمنة. والطية بِالْكَسْرِ: الْحَالة الَّتِي يكون عَلَيْهَا الْإِنْسَان والمفتوح مِنْهُ فعلة وَاحِدَة وَقَوله: سيلاً من الدعص الخ يَقُول: سيلاً أغشته إِيَّاهَا النكباء. والدعص: رمل مُنْفَرد متلبد لَيْسَ بعظيم. والنكباء: كل ريح انحرفت بَين ريحين. وَقَوله: أَعْلَاهُ يَعْنِي أَعلَى هَذَا

السَّيْل الَّذِي سَالَ من الدعص وَلَيْسَ سيل مطر إِنَّمَا هُوَ رملٌ انهال إِلَى هَذِه الدمنة فغشى آثارها والنكباء الَّتِي أغشت المعالم سيلاً من الدعص فغطته فَجَاءَت بعده فنسفته. وتسحبه: تجره وَتذهب بِهِ وينسحب أَي: فينجر هُوَ أَيْضا. (لَا بل هُوَ الشوق من دارٍ تخونها ... مرا سحابٌ وَمَرا بارحٌ ترب) يَقُول: لَيْسَ هَذَا الْحزن من أثر دمنة وَلَا من خبر الركب إِنَّمَا هُوَ شوقٌ هيج الْحزن من أجل دارٍ ذكرت من كَانَ يحلهَا. وتخونها: تعهدها وتنقصها يُقَال: فلَان تخونه الحمي أَي: تعهده. والبارح: الرّيح الشَّدِيدَة الهبوب فِي الصَّيف. والترب: الَّتِي تَأتي بِالتُّرَابِ. (يَبْدُو لعينيك مِنْهَا وَهِي مزمنةٌ ... نؤيٌ ومستوقدٌ بالٍ ومحتطب) يَبْدُو: يظْهر. ومزمنة: الَّتِي أَتَى عَلَيْهَا زمَان. والنؤي حاجز يحْفر حول الْبناء ليرد السَّيْل. والمستوقد: مَوضِع الْوقُود. والْبَالِي: الدارس. والمحتطب: مَوضِع الْحَطب. (إِلَى لوائح من أطلال أحويةٍ ... كَأَنَّهَا خللٌ موشيةٌ قشب) أَي: مَعَ لوائح. يَقُول: يَبْدُو لَك هَذَا مَعَ ذَاك. واللوائح: مَا لَاحَ لَك من الأطلال. والأحوية: جمَاعَة بيُوت الْحَيّ الْوَاحِد حَوَّاء. والْخلَل: أغماد السَّيْف جمع خلة بِالْكَسْرِ. والقشب تكون الجدد والأخلاق. شبه آثَار الدَّار بأغماد السيوف الموشاة المخلقة. والقشب هُنَا الجدد. وموشية: موشاة. (بِجَانِب الزرق لم تطمس معالمها ... دوارج المور والأمطار والحقب)

يَقُول: هَذَا النؤي مَعَ هَذِه الأطلال بِهَذَا الْمَكَان. والزرق بِضَم الزَّاي وَسُكُون الْمُهْملَة: أنقاء) بِأَسْفَل الدهناء لبني تَمِيم. والدوارج: الرِّيَاح الَّتِي تدرج: تذْهب وتجيء. والمور بِالضَّمِّ: التُّرَاب الدَّقِيق. والأمطار بِالرَّفْع. والحقب بِكَسْر فَفتح: السنون الْوَاحِد حقبة. لم تطمس: لم تمح. وَيُقَال: دوارج الرِّيَاح: أذيالها ومآخيرها. ديار مية إِذْ ميٌ تساعفنا ... الْبَيْت تساعفنا: تدايننا وتواتينا. وعجم بِالضَّمِّ: لُغَة فِي الْعَجم بِفتْحَتَيْنِ وَهُوَ فَاعل يرى وترجمة ذِي الرمة تقدّمت فِي الشَّاهِد الثَّامِن. وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد الْحَادِي وَالْأَرْبَعُونَ بعد الْمِائَة) (لله مَا فعل الصوارم والقنا ... فِي عَمْرو حاب وضبة الأغنام) لما تقدم فِي الْبَيْت قبله فَإِن قَوْله: حاب مرخم حَابِس فِي غير النداء وَهُوَ ضَرُورَة وَهُوَ فِي الْمُضَاف إِلَيْهِ أبعد. وَأبقى كسرة الْبَاء من حَابِس بعد التَّرْخِيم على حَالهَا. وَأَصله عَمْرو بن حَابِس فَحذف ابْنا وأضاف عمرا إِلَى حَابِس. وَقَالَ ابْن سَيّده صَاحب الْمُحكم فِي شرح ديوَان المتنبي: أَرَادَ عَمْرو حابسٍ فرخم الْمُضَاف إِلَيْهِ اضطراراً كَقَوْلِه أنْشدهُ سِيبَوَيْهٍ: (أودى ابْن جلهم عباد بصرمته ... إِن ابْن جلهم أَمْسَى حَيَّة الْوَادي)

قَالَ: أَرَادَ ابْن جلهمة. وَالْعرب يسمون الرجل جلهمة وَالْمَرْأَة جلهم كل هَذَا حَكَاهُ سِيبَوَيْهٍ. وهذاالبيت من قصيدة لأبي الطّيب المتنبي. قَالَهَا فِي صباه عِنْدَمَا اجتاز بِرَأْس عين فِي سنة إِحْدَى وَعشْرين وثلاثمائة وَقد أوقع سيف الدولة بِعَمْرو بن حَابِس من بني أَسد وَبني ضبة (ذكر الصِّبَا ومراتع الآرام ... جلبت حمامي قبل وَقت حمامي) إِلَى أَن قَالَ فِي مدح سيف الدولة: (وَإِذا امتحنت تكشفت عزماته ... عَن أوحدي النَّقْض والإبرام) (وَإِذا سَأَلت بنانه عَن نيله ... لم يرض بالدنيا قَضَاء ذمام) (مهلا أَلا لله مَا صنع القنا ... فِي عَمْرو حاب وضبة الأغنام) جعل هَؤُلَاءِ أغناماً لأَنهم كَانُوا جاهلين حِين عصوه حَتَّى فعل بهم مَا فعل. وَهُوَ بالنُّون لَا بِالْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّة إِذْ هُوَ غير مُنَاسِب إِذْ الأغتم: الْأَعْجَم الَّذِي لَا يفصح شَيْئا وَالْجمع الغتم.) وَزعم ابْن سَيّده فِي شَرحه: أَن هَذَا هُوَ المُرَاد هُنَا قَالَ: والأغتام: جمع أغتم كسر أفعل على أَفعَال وَهُوَ قَلِيل وَنَظِيره أعزل وأعزال بإهمال الأول وَهُوَ الَّذِي لَا سلَاح مَعَه وأغرل وأغرال بإهمال الثَّانِي وَهُوَ الَّذِي لم يختن. وَبعده: (لما تحكمت الأسنة فيهم ... جارت وَهن يجرن فِي الْأَحْكَام) ...

(فتركتهم خلل الْبيُوت كَأَنَّمَا ... غضِبت رؤوسهم على الْأَجْسَام) أَي: غزوتهم فِي عقر دَارهم حَتَّى تَركتهم خلال بُيُوتهم أجساماً بِلَا رُؤُوس وَهَذِه تَرْجَمَة المتنبي نقلتها من كتاب إِيضَاح الْمُشكل لشعر المتنبي من تصانيف أبي الْقَاسِم عبد الله بن عبد الرَّحْمَن الْأَصْفَهَانِي وَهَذَا الْإِيضَاح قاصرٌ على شرح ابْن جني لديوان المتنبي يُوضح مَا اخطأ فِيهِ من شَرحه. وَهُوَ مِمَّن عاصر ابْن جني وَألف الْإِيضَاح لبهاء الدولة بن بويه. قَالَ: وَقد بدأت بِذكر المتنبي ومنشئه ومغتربه وَمَا دلّ عَلَيْهِ شعره من معتقده إِلَى مختتم أمره ومقدمه على الْملك نضر الله وَجهه بشيراز وانصرافه عَنهُ إِلَى أَن وَقعت مقتلته بَين دير قنة والنعمانية واقتسام عقائله وصفاياه. . حَدثنِي ابْن النجار بِبَغْدَاد: أَن مولد المتنبي كَانَ بِالْكُوفَةِ فِي محلةٍ تعرف بكندة بهَا ثَلَاثَة آلَاف بَيت من بَين رواء ونساج. وَاخْتلف إِلَى كتاب فِيهِ أَوْلَاد أَشْرَاف الْكُوفَة فَكَانَ يتَعَلَّم دروس العلوية شعرًا ولغةً وإعراباً فَنَشَأَ فِي خير حَاضِرَة. وَقَالَ الشّعْر صَبيا. ثمَّ وَقع إِلَى خير بادية بادية اللاذقية وَحصل فِي بيُوت الْعَرَب فَادّعى الفضول الَّذِي نبذ بِهِ فنمى خَيره إِلَى أَمِير بعض أطرافها فأشخص إِلَيْهِ من قَيده وَسَار بِهِ إِلَى محبسه فَبَقيَ يعْتَذر إِلَيْهِ ويتبرأ مِمَّا وسم بِهِ فِي كَلمته الَّتِي يَقُول فِيهَا: (فَمَا لَك تقبل زور الْكَلَام ... وَقدر الشَّهَادَة قدر الشُّهُود) (وَفِي جود كفك مَا جدت لي ... بنفسي وَلَو كنت أَشْقَى ثَمُود) ...

(الزم مقَال الشّعْر تحظ بقربةٍ ... وَعَن النُّبُوَّة لَا أَبَا لَك فانتزح) (تربح دَمًا قد كنت توجب سفكه ... إِن الممتع بِالْحَيَاةِ لمن ربح) فَأَجَابَهُ المتنبي: (أَمْرِي إِلَيّ فَإِن سمحت بمهجةٍ ... كرمت عَليّ فَإِن مثلي من سمح) ) وهجاه غَيره فَقَالَ: (أطللت يَا أَيهَا الشقي دمك ... بالهذيان الَّذِي مَلَأت فمك) (أَقْسَمت لَو أقسم الْأَمِير على ... قَتلك قبل الْعشَاء مَا ظلمك) فَأَجَابَهُ المتنبي: (همك فِي أمردٍ تقلب فِي ... عين دواةٍ من صلبه قلمك) (وهمتي فِي انتضاء ذِي شطبٍ ... أقد يَوْمًا بحده أدمك) (فاخس كليباً واقعد على ذنبٍ ... واطل بِمَا بَين أليتيك فمك) وَهُوَ فِي الْجُمْلَة خَبِيث الإعتقاد. وَكَانَ فِي صغره وَقع إِلَى واحدٍ يكنى أَبَا الْفضل بِالْكُوفَةِ من المتفلسفة فهوسه وأضله كَمَا ضل. وَأما مَا يدل عَلَيْهِ شعره فمتلون. وَقَوله:

مَذْهَب السوفسطائية. وَقَوله: (تمتّع من سهادٍ أَو رقادٍ ... وَلَا تَأمل كرى تَحت الرجام) (فَإِن لثالث الْحَالين معنى ... سوى معنى انتباهك والمنام) مَذْهَب التناسخ. وَقَوله: (نَحن بَنو الدُّنْيَا فَمَا بالنا ... نعاف مَا لابد من شربه) (فَهَذِهِ الْأَرْوَاح من جوه ... وَهَذِه الْأَجْسَام من تربه) مَذْهَب الفضائية. وَقَوله فِي أبي الْفضل بن العميد: (فَإِن يكن الْمهْدي من قد بَان هَدْيه ... فَهَذَا وَإِلَّا فالهدي ذَا فَمَا الْمهْدي) مَذْهَب الشِّيعَة. وَقَوله: (تخَالف النَّاس حَتَّى لَا اتِّفَاق لَهُم ... إِلَّا على شجبٍ وَالْخلف فِي الشجب) (فَقيل: تخلد نفس الْمَرْء بَاقِيَة ... وَقيل: تشرك جسم الْمَرْء فِي العطب) فَهَذَا من يَقُول بِالنَّفسِ الناطقة ويتشعب بعضه إِلَى قَول الحشيشية. وَالْإِنْسَان إِذا خلع ربقة الْإِسْلَام من عُنُقه وأسلمه الله عَزَّ وَجَلَّ إِلَى حوله وقوته وجد فِي الضلالات مجالاً وَاسِعًا وَفِي الْبدع والجهالات مناديح وفسحاً. ثمَّ جِئْنَا إِلَى حَدِيثه وانتجاعه ومفارقته الْكُوفَة أصلا وتطوافه فِي أَطْرَاف الشَّام واستقرائه) بِلَاد الْعَرَب ومقاساته للضر وَسُوء الْحَال ونزارة كَسبه وحقارة مَا يُوصل بِهِ حَتَّى انه أَخْبرنِي أَبُو الْحسن الطرائفي بِبَغْدَاد وَكَانَ لَقِي المتنبي دفعات فِي حَال عسره ويسره: أَن المتنبي قد مدح بِدُونِ الْعشْرَة والخمسة من الدَّرَاهِم. وَأنْشد فِي قَوْله مصداقاً لحكايته: (انصر بجودك ألفاظاً تركت بهَا ... فِي الشرق والغرب من عاداك مكبوتا) (فقد نظرتك حَتَّى حَان مرتحلٌ ... وَذَا الْوَدَاع فَكُن أَهلا لما شيتا) وَأَخْبرنِي أَبُو الْحسن الطرائفي

قَالَ: سَمِعت المتنبي يَقُول: أول شعر قلته وابيضت أيامي بعده قولي: (أيا لائمي إِن كنت وَقت اللوائم ... علمت بِمَا بِي بَين تِلْكَ المعالم) فَإِنِّي أَعْطَيْت بهَا بِدِمَشْق مائَة دِينَار. . ثمَّ اتَّصل بِأبي العشائر فَأَقَامَ مَا أَقَامَ ثمَّ أهداه إِلَى سيف الدولة فَاشْترط أَنه لَا ينشد إِلَّا قَاعِدا وعَلى الْوحدَة فاستحملوه وأجابوه إِلَيْهِ. فَلَمَّا سمع سيف الدولة شعره حكم لَهُ بِالْفَضْلِ وعد مَا طلبه استحقاقاً. وَأَخْبرنِي أَبُو الْفَتْح عُثْمَان ابْن جني: أَن المتنبي أسقط من شعره الْكثير وَبَقِي مَا تداوله النَّاس. . وَأَخْبرنِي الْحلَبِي أَنه قيل للمتنبي: معنى بَيْتك هَذَا أَخَذته من قَول الطَّائِي. فَأجَاب المتنبي: وَكَانَ المتنبي يحفظ ديواني الطائيين ويستصحبهما فِي أَسْفَاره ويجحدهما فَلَمَّا قتل توزعت دفاتره فَوَقع ديوَان البحتري إِلَى بعض من درس عَليّ وَذكر أَنه رأى خطّ المتنبي وتصحيحه فِيهِ. وَسمعت من قَالَ: إِن كافوراً لما سمع قَوْله: ...

(إِذا لم تنط بِي ضَيْعَة أَو ولَايَة ... فجودك يكسوني وشغلك يسلب) يلْتَمس ولَايَة صيداء. فَأَجَابَهُ: لست أجسر على توليتك صيداء لِأَنَّك على مَا أَنْت عَلَيْهِ: تحدث نَفسك بِمَا تحدث فَإِن وليتك صيداء فَمن يطيقك وَسمعت انه قيل للمتنبي: قَوْلك لكافور: (فارم بِي حَيْثُمَا أردْت فَإِنِّي ... أَسد الْقلب آدَمِيّ الرواء) (وفؤادي من الْمُلُوك وَإِن كَا ... ن لساني يرى من الشُّعَرَاء) لَيْسَ قَول ممتدح وَلَا منتجع إِنَّمَا هُوَ قَول مضاد فَأجَاب المتنبي إِلَى أَن قَالَ: هَذِه الْقُلُوب كَمَا سَمِعت أَحدهَا يَقُول:) (يقر بعيني أَن أرى قصد القنا ... وصرعى رجالٍ فِي وغى أَنا حاضره) وأحدها يَقُول: ثمَّ أَقَامَ المتنبي عِنْد سيف الدولة على التكرمة البليغة: فِي إسناء الْجَائِزَة وَرفع الْمنزلَة. وَدخل مَعَ سيف الدولة بِلَاد الرّوم وتأصل حَالا فِي جنبته بعد أَن كَانَ حويلة. وَكَانَ سيف الدولة يسْتَحبّ الاستكثار من شعره والمتنبي يستقله وَكَانَ ملقى من هَذِه الْحَال يشكوها ابداً وَبهَا فَارقه حَيْثُ أنْشدهُ: (وَمَا انْتِفَاع أخي الدُّنْيَا بناظره ... إِذا اسْتَوَت عِنْده الْأَنْوَار وَالظُّلم) وَآخِرهَا: ...

(بِأَيّ لفظٍ يَقُول الشّعْر زعنفةٌ ... يجوز عنْدك لَا عربٌ وَلَا عجم) وَقَالَ فِي أُخْرَى: (إِذا شَاءَ أَن يهزا بلحية أحمقٍ ... أرَاهُ غباري ثمَّ قَالَ لَهُ الْحق) فَلَمَّا انْتَهَت مدَّته عِنْد سيف الدولة استأذنه فِي الْمسير إِلَى إقطاعه فأدن لَهُ وامتد باسطاً عنانه إِلَى دمشق إِلَى أَن قصد مصر فألم بكافور فأنزله وَأقَام مَا أَقَامَ. إِلَّا أَن أول شعره فِيهِ دليلٌ على ندمه لفراق سيف الدولة وَهُوَ: (كفى بك داءٌ أَن ترى الْمَوْت شافيا ... وَحسب المنايا أَن يكن أمانيا) حَتَّى انْتهى إِلَى قَوْله: وَأَخْبرنِي بعض المولدين بِبَغْدَاد وخاله أَبُو الْفَتْح يتوزر لسيف الدولة: أَن سيف الدولة رسم لي التوقيع إِلَى ديوَان الْبر بِإِخْرَاج الْحَال فِيمَا وصل بِهِ المتنبي فَخرجت بِخَمْسَة وَثَلَاثِينَ ألف دِينَار فِي مُدَّة أَربع سِنِين. ثمَّ لما أنْشد الثَّانِيَة كافوراً خرجت موجهة يشتاق سيف الدولة. وأولها: (فراقٌ وَمن فَارَقت غير مذممٍ ... وأمٌ وَمن يممت خير ميمم) وَأقَام على كره بِمصْر إِلَى أَن ورد فاتك غُلَام الإخشيدي من الفيوم

وَهِي وبيئة فنبت بِهِ واجتواها وقادوا بَين يَدَيْهِ فِي مدخله إِلَى مصر أَرْبَعَة آلَاف جنيه منعلة بِالذَّهَب فَسَماهُ أهل مصر بفاتك الْمَجْنُون. فَلَقِيَهُ المتنبي فِي الميدان على رَقَبَة من كافور فَقَالَ: (لَا خيل عنْدك تهدينا وَلَا مَال ... فليسعد النُّطْق إِن لم يسْعد الْحَال)) فوصل إِلَيْهِ من أَنْوَاع صلَاته وأصناف جوائزه مَا تبلغ قِيمَته عشْرين ألف دِينَار. ثمَّ مضى فاتك لسبيله فرثاه المتنبي وذم كافوراً: (أيموت مثل أبي شجاعٍ فاتكٍ ... ويعيش حاسده الْخصي الأوكع) فاحتال بعده فِي الْخَلَاص من كافور فانتهز الفرصة فِي الْعِيد وَكَانَ رسم السُّلْطَان أَن يسْتَقْبل الْعِيد بِيَوْم وتعد فِيهِ الْخلْع والحملانات وأنواع المبار لرابطة جنده وراتبة جَيْشه وصبيحة الْعِيد تفرق وَثَانِي الْيَوْم يذكر لَهُ من قبل وَمن رد واستزاد فاهتبل المتنبي غَفلَة كافور وَدفن رماحه برا وَسَار ليلته وَحمل بغاله وجماله وَهُوَ لَا يألو سيراً وسرى هَذِه اللَّيْلَة مَسَافَة أَيَّام حَتَّى وَقع فِي تيه بني اسرائيل إِلَى أَن جازه على الْحلَل والأحياء والمفاوز المجاهيل والمناهل الأواجن. وَنزل الْكُوفَة وَقَالَ يقص حَاله: (أَلا كل مَاشِيَة الخيزلي ... فدا كل مَاشِيَة الهيدبى) وفيهَا يَقُول: (ضربت بهَا التيه ضرب القما ... ر: إِمَّا لهَذَا وَإِمَّا لذا)

ثمَّ مدح بِالْكُوفَةِ دلير بن لشكورز وأنشده فِي الميدان فَحَمله على فرس بمركب ذهب. وَكَانَ السَّبَب فِي قَصده أَبَا الْفضل بن العميد على مَا أَخْبرنِي أَبُو عَليّ بن شبيب القاشاني وَكَانَ أحد تلامذتي ودرس عَليّ بقاشان سنة ثلثمِائة وَسبعين وتوزر للأصبهبد بِالْجَبَلِ وَأَبوهُ أَبُو الْقَاسِم توزر لوشمكير بجرجان عَن الْعلوِي العباسي نديم أَبُو الْفضل بن العميد الَّذِي يَقُول فِيهِ: (أبلغ رسَالَاتي الشريف وَقل لَهُ: ... قدك اتئد أربيت فِي الغلواء) أَن الْمَعْرُوف المطوق الشَّاشِي كَانَ بِمصْر وَقت المتنبي فَعمد إِلَى قصيدته فِي كافور: وَجعل مَكَان أَبَا الْمسك أَبَا الْفضل وَسَار إِلَى خُرَاسَان وَحمل القصيدة أَعنِي قصيدة المتنبي إِلَى أبي الْفضل وَزعم أَنه رَسُوله. فوصله أَبُو الْفضل بألفي دِرْهَم واتصل هَذَا الْخَبَر بالمتنبي بِبَغْدَاد فَقَالَ: رجلٌ يُعْطي لحامل شعري هَذَا فَمَا تكون صلته لي وَكَانَ ابْن العميد يخرج فِي السّنة من الرّيّ خرجتين إِلَى أرجان يجبي بهَا أَربع عشرَة مرّة ألف ألف دِرْهَم فنمى حَدِيثه إِلَى المتنبي

بحصوله بأرجان فَلَمَّا حصل المتنبي بِبَغْدَاد نزل ربض حميد فَركب إِلَى المهلبي فَأذن لَهُ فَدخل وَجلسَ إِلَى جنبه وصاعدٌ خَلِيفَته دونه وَأَبُو فرج الْأَصْبَهَانِيّ صَاحب كتاب الأغاني. فأنشدوا) هَذَا الْبَيْت: (سقى الله أمواهاً عرفت مَكَانهَا ... جراماً وملكوماً وبذر فالغمرا) وَقَالَ المتنبي: هُوَ جراباً وَهَذِه أمكنة قتلتها علما وَإِنَّمَا الْخَطَأ وَقع فِي النقلَة فَأنكرهُ أَبُو الْفرج. قَالَ الشَّيْخ: هَذَا الْبَيْت أنْشدهُ أَبُو الْحسن الْأَخْفَش صَاحب سِيبَوَيْهٍ فِي كِتَابه جراماً بِالْمِيم وَهُوَ الصَّحِيح وَعَلِيهِ عُلَمَاء اللُّغَة وتفرق الْمجْلس عَن هَذِه الْجُمْلَة. ثمَّ عاوده الْيَوْم الثَّانِي وانتظر المهلبي إنشاده فَلم يفعل وَإِنَّمَا صده مَا سَمعه من تماديه فِي السخف واستهتاره بِالْهَزْلِ واستيلاء أهل الخلاعة والسخافة عَلَيْهِ وَكَانَ المتنبي مر النَّفس صَعب الشكيمة حاداً مجداً فَخرج فَلَمَّا كَانَ الْيَوْم الثَّالِث أغروا بِهِ ابْن الْحجَّاج حَتَّى علق لجام (يَا شيخ أهل الْعلم فِينَا وَمن ... يلْزم أهل الْعلم توقيره) فَصَبر عَلَيْهِ المتنبي سَاكِنا ساكتاً إِلَى أَن نجزها ثمَّ خلى عنان دَابَّته

وَانْصَرف المتنبي إِلَى منزله وَقد تَيَقّن اسْتِقْرَار أبي الْفضل بن العميد بأرجان وانتظاره لَهُ فاستعد للمسير. وَحدثنَا أَبُو الْفَتْح عُثْمَان بن جني عَن عَليّ بن حَمْزَة الْبَصْرِيّ قَالَ: كنت مَعَ المتنبي لما ورد أرجان فَلَمَّا أشرف عَلَيْهَا وجدهَا ضيقَة الْبقْعَة والدور والمساكن فَضرب بِيَدِهِ على صَدره وَقَالَ: تركت مُلُوك الأَرْض وهم يتعبدون بِي وقصدت رب هَذِه المدرة فَمَا يكون مِنْهُ ثمَّ وقف بِظَاهِر الْمَدِينَة أرسل غُلَاما على رَاحِلَته إِلَى ابْن العميد فَدخل عَلَيْهِ وَقَالَ: مولَايَ أَبُو الطّيب المتنبي خَارج الْبَلَد وَكَانَ وَقت القيلولة وَهُوَ مضطجعٌ فِي دسته فثار من مضجعه واستثبته ثمَّ أَمر حَاجِبه باستقباله فَركب واستركب من لقِيه فِي الطَّرِيق ففصل عَن الْبَلَد بِجمع كثير. فتلقوه وقضوا حَقه وأدخلوه الْبَلَد. فَدخل على أبي الْفضل فَقَامَ لَهُ من الدست قيَاما مستوياً وَطرح لَهُ كرسيٌ عَلَيْهِ مخدة ديباج وَقَالَ أَبُو الْفضل: كنت مشتاقاً إِلَيْك يَا أَبَا الطّيب. ثمَّ أَفَاضَ المتنبي فِي حَدِيث سَفَره وَأَن غُلَاما لَهُ احْتمل سَيْفا وشذ عَنهُ. وَأخرج من كمه عقيب هَذِه الْمُفَاوضَة درجاً فِيهِ قصيدته: بادٍ هَوَاك صبرت أم لم تصبرا فوحى أَبُو الْفضل إِلَى حَاجِبه بقرطاس فِيهِ مِائَتَا دِينَار وسيفٍ غشاؤه فضَّة وَقَالَ: هَذَا عوض عَن السَّيْف الْمَأْخُوذ وأفرد لَهُ دَارا نزلها فَلَمَّا استراح من تَعب السّفر كَانَ يغشى أَبَا الْفضل كل يَوْم وَيَقُول: مَا أزورك إكباباً إِلَّا لشَهْوَة النّظر إِلَيْك ويؤاكله. وَكَانَ أَبُو الْفضل يقْرَأ عَلَيْهِ ديوَان)

اللُّغَة الَّذِي جمعه ويتعجب من حفظه وغزارة علمه. فأظلهم النيروز فَأرْسل أَبُو الْفضل بعض ندمائه إِلَى المتنبي: كَانَ يبلغنِي شعرك بِالشَّام وَالْمغْرب وَمَا سمعته دونه فَلم يحر جَوَابا إِلَى أَن حَضَره النيروز وأنشده مهنئاً ومعتذراً فَقَالَ: (هَل لعذري إِلَى الْهمام أبي الفض ... ل قبُول سَواد عَيْني مداده) (مَا كفاني تَقْصِير مَا قلت فِيهِ ... عَن علاهُ حَتَّى ثناه انتقاده) (إِنَّنِي أصيد البزاة وَلَك ... ن أجل النُّجُوم لَا أصطاده) (مَا تعودت أَن أرى كَأبي الفض ... ل وَهَذَا الَّذِي أَتَاهُ اعتياده) فَأَخْبرنِي البديهي سنة ثلثمِائة وَسبعين: أَن المتنبي قَالَ بأرجان: الْمُلُوك قرود يشبه بَعضهم بَعْضًا على الْجَوْدَة يُعْطون. وَكَانَ حمل إِلَيْهِ أَبُو الْفضل خمسين ألف دِينَار سوى توابعها وَهُوَ من أجاود زمَان الديلم. وَكَذَلِكَ أَبُو الْمطرف وَزِير مرداويج قَصده شَاعِر من قزوين فأنشده وأمله مَادَّة نفقةٍ يرجع بهَا (أأقلامٌ بكفك أم رماح ... وعزمٌ ذَاك أم أجلٌ متاح) فَقَالَ أَبُو الْمطرف: أَعْطوهُ ألف دِينَار. وَكَذَلِكَ أَبُو الْفضل البلعمي وَزِير بُخَارى أعْطى المطراني الشَّاعِر على قصيدته الَّتِي أَولهَا: لَا شرب إِلَّا بسير الناي وَالْعود

خَمْسَة عشر ألف دِينَار. وَكَذَلِكَ خلفٌ صَاحب سجستان أعْطى أَبَا بكر الْحَنْبَلِيّ خَمْسَة آلَاف دِينَار على كلمة فِيهِ. وَكَانَ سيف الدولة لَا يملك نَفسه وَكَانَ يَأْتِيهِ علوي من بعض جبال خُرَاسَان كل سنة فيعطيه رسماً لَهُ جَارِيا على التأييد فَأَتَاهُ وَهُوَ فِي بعض الثغور فَقَالَ للخازن: أطلق لَهُ مَا فِي الخزانة فَبلغ أَرْبَعِينَ ألف دِينَار. فشاطر الخازن وَقبض عشْرين ألف دِينَار إشفاقاً من خلل يَقع على عسكره فِي الْحَرْب. وَأَخْبرنِي بعض أهل الْأَدَب أَنه تعرض سَائل لسيف الدولة وَهُوَ رَاكب فأنشده فِي طَرِيقه: (أَنْت عليٌ وَهَذِه حلب ... قد فني الزَّاد وانْتهى الطّلب) فَأطلق لَهُ الف دِينَار. وَتعرض سَائل لأبي عَليّ بن الياس وَهُوَ فِي موكبه فَأمر لَهُ بِخَمْسِمِائَة دِينَار فَجَاءَهُ الخازن) بالدواة وَالْبَيَاض. فَوَقع بألفي دِينَار. فَلَمَّا أبصره الخازن رَاجعه فِيهَا. فَقَالَ أَبُو عَليّ: الْكَلَام ريح والخط شَهَادَة وَلَا يجوز أَن يشْهد عَليّ بِدُونِ هَذَا. ثمَّ إِن أَبَا الطّيب المتنبي لما ودع أَبَا الْفضل بن العميد ورد كتاب عضد الدولة يستدعيه فَعرفهُ ابْن العميد فَقَالَ المتنبي: مَا لي وللديلم فَقَالَ أَبُو الْفضل: عضد الدولة أفضل مني ويصلك بأضعاف مَا وصلتك بِهِ. فَأجَاب بِأَنِّي ملقى من هَؤُلَاءِ الْمُلُوك: أقصد الْوَاحِد بعد الْوَاحِد وأملكهم شَيْئا يبْقى بِبَقَاء النيربين ويعطوني عرضا فانياً ولي ضجرات واختيارات

فيعوقونني عَن مرادي فأحتاج إِلَى مفارقتهم على أقبح الْوُجُوه فكاتب ابْن العميد عضد الدولة بِهَذَا الحَدِيث. فورد الْجَواب بِأَنَّهُ مملك مُرَاده فِي الْمقَام والظعن. فَسَار المتنبي من أرجان فَلَمَّا كَانَ على أَرْبَعَة فراسخ من شيراز استقبله عضد الدولة بِأبي عمر الصّباغ أخي أبي مُحَمَّد الْأَبْهَرِيّ صَاحب كتاب حدائق الْآدَاب. فَلَمَّا تلاقيا وتسايرا استنشده. فَقَالَ: المتنبي: النَّاس يتناشدون فاسمعه. فَأخْبر أَبُو عمر أَنه رسم لَهُ ذَلِك عَن الْمجْلس العالي. فَبَدَأَ بقصيدته الَّتِي فَارق مصر بهَا: (أَلا كل مَاشِيَة الخيزلي ... فدى كل مَاشِيَة الهيدبى) ثمَّ دخل الْبَلَد فَأنْزل دَارا مفروشة وَرجع أَبُو عمر الصّباغ إِلَى عضد الدولة فَأخْبرهُ بِمَا جرى (فَلَمَّا أنخنا ركزنا الرما ... ح حول مكارمنا والعلا) (وبتنا نقبل أسيافنا ... ونمسحها من دِمَاء العدا) (لتعلم مصر وَمن بالعراق ... وَمن بالعواصم أَنِّي الْفَتى) (وَأَنِّي وفيت وَأَنِّي أَبيت ... وَأَنِّي عتوت على من عتا) فَقَالَ عضد الدولة: هُوَ ذَا يتهددنا المتنبي ثمَّ لما نفض غُبَار السّفر واستراح ركب إِلَى عضد الدولة فَلَمَّا توَسط الدَّار انْتهى إِلَى قرب السرير مصادمة فَقبل الأَرْض واستوى قَائِما وَقَالَ: شكرت مَطِيَّة حَملتنِي إِلَيْك واملاً وقف بِي عَلَيْك ثمَّ سَأَلَهُ عضد الدولة عَن مسيره من مصر وَعَن عَليّ بن حمدَان فَذكره وَانْصَرف وَمَا أنْشدهُ فَبعد أيامٍ حضر السماط وَقَامَ بِيَدِهِ درج فأجلسه عضد الدولة وأنشده:

مغاني الشّعب طيبا فِي المغاني فَلَمَّا أنشدها وفرغوا من السماط حمل إِلَيْهِ عضد الدولة من أَنْوَاع الطّيب فِي الأردية الأمنان) من بَين الكافور والعنبر والمسك وَالْعود وقاد فرسه الملقب بالمجروح وَكَانَ اشْترى لَهُ بِخَمْسِينَ ألف شَاة وبدرةً دراهمها عدلية ورداءً حشوه ديباج رومي مفصل وعمامة قومت بِخَمْسِمِائَة دِينَار ونصلاً هندياً مرصع النجاد والجفن بِالذَّهَب. وَبعد ذَلِك كَانَ ينشده فِي كل حدث يحدث قصيدة إِلَى أَن حدث يَوْم نثر الْورْد فَدخل عَلَيْهِ وَالْملك على السرير فِي قبَّة يحسر الْبَصَر فِي ملاحظتها والأتراك ينثرون الْورْد فَمثل المتنبي بَين يَدَيْهِ وَقَالَ: مَا خدمت عَيْني قلبِي كَالْيَوْمِ وَأَنْشَأَ يَقُول: (قد صدق الْورْد فِي الَّذِي زعما ... أَنَّك صبرت نشره ديما) (كَأَنَّمَا مائح الْهَوَاء بِهِ ... بحرٌ حوى مثل مَائه عنما) فَحمل على فرس بمركب وألبس خلعة ملكية وبدرة بَين يَدَيْهِ مَحْمُولَة. وَكَانَ أَبُو جَعْفَر وَزِير بهاء الدولة مَأْمُورا بالاختلاف إِلَيْهِ وَحفظ الْمنَازل والمناهل من مصر إِلَى الْكُوفَة وتعرفها مِنْهُ فَقَالَ: كنت حاضره وَقَامَ ابْنه يلْتَمس أُجْرَة الغسال فأحد المتنبي إِلَيْهِ النّظر بتحديق فَقَالَ: مَا للصعلوك والغسال يحْتَاج الصعلوك إِلَى أَن يعْمل بيدَيْهِ ثَلَاثَة أَشْيَاء: يطْبخ قدره وينعل فرسه وَيغسل ثِيَابه ثمَّ مَلأ يَده قطيعات بلغت دِرْهَمَيْنِ أَو ثَلَاثَة. وَورد كتاب أبي الْفَتْح ذِي الكفايتين بن أبي الْفضل وَكَانَ من أجاود

زمَان الديلم فرق فِي يَوْم وَاحِد بشبديز قرميسين أَلفَيْنِ وَخَمْسمِائة قِطْعَة إبريسم ومضمونه كتاب الشوق إِلَى لِقَاء المتنبي وتشوفه إِلَى نظرته. فَأَجَابَهُ المتنبي: (إِذا سمع النَّاس أَلْفَاظه ... خُلِقْنَ لَهُ فِي الْقُلُوب الْحَسَد) (فَقلت وَقد فرس الناظرين ... كَذَا يفعل الْأسد ابْن الْأسد) فَلَمَّا عَاد الْجَواب إِلَى أبي الْفَتْح جعل الأبيات سُورَة يدرسها وَيحكم للمتنبي بِالْفَضْلِ على أهل زَمَانه. . فَقَالَ أَبُو مُحَمَّد بن أبي الثَّبَات الْبَغْدَادِيّ: (لوارد شعرٍ كذوب الْبرد ... أَتَانَا بِهِ خاطرٌ قد جمد) (فَأقبل بمضغه بَعْضنَا ... وهم السنانير أكل الغدد) (وَقَالُوا: جوادٌ يفوق الْجِيَاد ... ويسبق من عَفوه المقتصد) (وَلَو ولي النَّقْد أَمْثَاله ... لظلت خفافيشنا تنتقد)) فاستخف أَبُو الْفَتْح بِهِ وجره بِرجلِهِ. ففارقهم وَهَاجَر إِلَى أذربيجان والأمير أَبُو سَالم ديسم بن شادكويه على الإمرة فاتصل بِهِ وحظي عِنْده على غَايَة الْإِكْرَام.

وَقَالَ عضد الدولة: إِن المتنبي كَانَ جيد شعره بالعرب. فَأخْبر المتنبي بِهِ فَقَالَ: الشّعْر على قدر الْبِقَاع. وَكَانَ عضد الدولة جَالِسا فِي الْبُسْتَان الزَّاهِر يَوْم زينته وأكابر حَوَاشِيه وقوفٌ فَقَالَ أَبُو الْقَاسِم عبد الْعَزِيز بن يُوسُف الحكاري: مَا يعوز مجْلِس مَوْلَانَا سوى أحد الطائيين. فَقَالَ عضد الدولة: لَو حضر المتنبي لناب عَنْهُمَا. فَلَمَّا أَقَامَ مُدَّة مقَامه وَسمع ديوَان شعره ارتحل وَسَار بمراكبه وَأخْبرنَا أَبُو الْحسن السُّوسِي فِي دَار الْوَقْف بَين السورين قَالَ: كنت أتولى الأهواز من قبل المهلبي وَورد علينا المتنبي وَنزل عَن فرسه ومقوده بِيَدِهِ وَفتح عيابه وصناديقه لبلبل مَسهَا فِي الطَّرِيق وَصَارَت الأَرْض كَأَنَّهَا مطارف منشورة فحضرته أَنا وَقلت: قد أَقمت للشَّيْخ نزلا. فَقَالَ المتنبي: إِن كَانَ تمّ فآتيه. ثمَّ جَاءَهُ فاتك الْأَسدي بِجمع وَقَالَ: قدم الشَّيْخ فِي هَذِه الديار وشرفها بِشعرِهِ وَالطَّرِيق بَينه وَبَين دير قنة خشنٌ قد احتوشته الصعالكة وَبَنُو أَسد يَسِيرُونَ فِي خدمته إِلَى أَن يقطع هَذِه الْمسَافَة ويبر كل وَاحِد مِنْهُم بِثَوْب بَيَاض. فَقَالَ المتنبي: مَا أبقى الله بيَدي هَذَا الأدهم وذباب الجراز الَّذِي أَنا متقلده فَإِنِّي لَا أفكر فِي مَخْلُوق فَقَامَ فاتك ونفض ثَوْبه وَجمع من رتوت الأعاريب الَّذين يشربون دِمَاء الحجيج حسواً سبعين رجلا ورصد لَهُ فَلَمَّا توَسط المتنبي الطَّرِيق خَرجُوا عَلَيْهِ فَقتلُوا كل من كَانَ فِي صحبته وَحمل فاتك على المتنبي وطعنه فِي يسَاره

ونكسه عَن فرسه. وَكَانَ ابْنه أفلت إِلَّا أَنه رَجَعَ يطْلب دفاتر أَبِيه فقنع خَلفه الْفرس أحدهم وجز رَأسه وَصبُّوا أَمْوَاله يتقاسمونها بطرطورة. وَقَالَ بعض من شَاهده: إِنَّه لم تكن فِيهِ فروسية وَإِنَّمَا كَانَ سيف الدولة سلمه إِلَى النخاسين والرواض بحلب فاستجرأ على الركض والحضر فَأَما اسْتِعْمَال السِّلَاح فَلم يكن من عمله. وَجُمْلَة القَوْل فِيهِ: أَنه من حفاظ اللُّغَة ورواة الشّعْر وكل مَا فِي كَلَامه من الْغَرِيب المُصَنّف سوى حرف وَاحِد هُوَ فِي كتاب الجمهرة وَهُوَ قَوْله: يطوي المجلحة العقد وَأما الحكم عَلَيْهِ وعَلى شعره: فَهُوَ سريع الهجوم على الْمعَانِي ونعت الْخَيل وَالْحَرب من خَصَائِصه وَمَا كَانَ يُرَاد طبعه فِي شَيْء مِمَّا يسمح بِهِ يقبل السَّاقِط الرَّدِيء كَمَا يقبل النَّادِر) الْبدع. وَفِي متن شعره وَهِي وَفِي أَلْفَاظه تعقيد وتعويض ا. هـ كَلَامه مَعَ بعض اخْتِصَار. وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد الثَّانِي وَالْأَرْبَعُونَ بعد الْمِائَة) وَهُوَ من شَوَاهِد س: (أَلا أضحت حبالكم رماما ... وأضحت مِنْك شاسعةً أماما) على أَن ترخيم غير المنادى فِي الضَّرُورَة جَائِز سَوَاء كَانَ على تَقْدِير

الِاسْتِقْلَال وَهُوَ لُغَة من لَا ينْتَظر أَو على نِيَّة الْمَحْذُوف وَهُوَ لُغَة من ينْتَظر كَمَا فِي هَذَا الْبَيْت. فَإِن أماما أَصله أُمَامَة فَلَمَّا حذف الْهَاء أبقى الْمِيم على حَالهَا وَالْألف للإطلاق فَلَو كَانَ على تَقْدِير الِاسْتِقْلَال بِجعْل مَا قبل الآخر فِي حكم الآخر لضم الْمِيم رفعا لِأَنَّهُ اسْم أضحى. وشاسعة أَي: بعيدَة خَبَرهَا. قَالَ الأعلم الشنتمري: وَكَانَ الْمبرد يرد هَذَا وَيَزْعُم أَن الرِّوَايَة فِيهِ: وَمَا عهدي كعهدك يَا أماما وَأَن عمَارَة بن عقيل بن بِلَال بن جرير أنْشدهُ هَكَذَا. وسيبويه أوثق من أَن يتهم فِيمَا رَوَاهُ انْتهى. وَقَالَ أَبُو الْحسن الْأَخْفَش فِي شرح نَوَادِر أبي زيد الْأنْصَارِيّ: الْعَرَب فِي التَّرْخِيم على لغتين: فَمنهمْ من يَقُول إِذا رخم حارثاً وَنَحْوه: يَا حَار بِكَسْر الرَّاء وَهُوَ الْأَكْثَر فالثاء على هَذِه اللُّغَة فِي النِّيَّة فَمن فعل هَذَا لم يجز مثله فِي غير النداء إِلَّا فِي الضَّرُورَة وَأنْشد سِيبَوَيْهٍ لجرير: أَلا أضحت حبالكم رماما. . الْبَيْت فأجراه فِي غير النداء لما اضْطر كَمَا أجراه فِي النداء وَهَذَا من أقبح الضرورات. . وأنشدنا الْمبرد هَذَا الْبَيْت عَن عمَارَة: وَمَا عهدي كعهدك يَا أماما على غير ضَرُورَة. وَأنْشد سِيبَوَيْهٍ لعبد الرَّحْمَن بن حسان:

فَحذف الْفَاء لما اضْطر. وَأخْبرنَا الْمبرد عَن الْمَازِني عَن الْأَصْمَعِي: أَنه أنشدهم: من يفعل الْخَيْر فالرحمن يشكره) قَالَ: فَسَأَلته عَن الرِّوَايَة الأولى فَذكر أَن النَّحْوِيين صنعوها. وَلِهَذَا نَظَائِر لَيْسَ هَذَا مَوضِع شرحها. وَمِنْهُم من يَقُول: يَا حَار بِضَم الرَّاء فَلَا يعْتد بِمَا حذف ويجريه مجْرى زيد فَحكم هَذَا فِي غير النداء كحكمه فِي النداء وعَلى هَذَا أجْرى قَول ذِي الرمة: ديار مية إِذْ مي تساعفنا وَهَذَا كثير. وكل مَا جَاءَك مِمَّا حذف فقسه على مَا ذكرت لَك ا. هـ وَفِيه نظر فَتَأمل. والرمام قَالَ الأعلم: جمع رَمِيم وَهُوَ الْخلق الْبَالِي يُرِيد: أَن حبال الْوَصْل بَينه وَبَين أُمَامَة قد تقطعت للفراق الْحَادِث بَينهمَا. وَالصَّوَاب مَا قَالَه النّحاس: أَن الرمام جمع رمة بِالضَّمِّ وَهِي الْقطعَة البالية من الْحَبل. وَهَذَا الْبَيْت مطلع قصيدة لجرير بن الخطفى وَبعده: (يشق بهَا العساقل موجداتٌ ... وكل عرندسٍ يَنْفِي اللغاما) والعساقل جمع عسقلة أَو عسقول وَهُوَ السراب واضطرابه. يُرِيد سَيرهَا فِي الفلوات رَاجِعَة إِلَى محضرها بعد انْقِضَاء زمن الانتجاع. وَوهم الْعَيْنِيّ فَقَالَ: العساقل: ضربٌ من الكمأة. وروى النّحاس عَن أبي

الْحسن الْأَخْفَش يشق بهَا الأماعز قَالَ: يشق: يَعْلُو. وَضمير بهَا لأمامة. والأماعز جمع أمعز ومعزاء بِالْعينِ الْمُهْملَة وَالزَّاي الْمُعْجَمَة وَهُوَ الْموضع الصلب يخلطه طين وحصى صغَار قَالَ زُهَيْر: (يشج بهَا الأماعز وَهِي تهوي ... هوي الدَّلْو أسلمها الرشاء) والموجدة بِضَم الْمِيم وَفتح الْجِيم: النَّاقة القوية المحكمة قَالَ فِي الصِّحَاح: نَاقَة أجد بِضَمَّتَيْنِ: إِذا كَانَت قَوِيَّة موثقة الْخلق وَلَا يُقَال للبعير أجد وآجدها الله فَهِيَ موجدة الْقرى أَي: موثقة الظّهْر وبناءٌ موجد وَالْحَمْد لله الَّذِي آجدني بعد ضعف أَي: قواني. والعرندس كسفرجل: الْجمل الشَّديد. واللغام بِضَم اللَّام وَبعدهَا غين مُعْجمَة: مَا يطرحه الْبَعِير من الزّبد لنشاطه. وترجمة جرير تقدّمت فِي الشَّاهِد الرَّابِع من أَوَائِل الْكتاب. وَأنْشد بعده: (كليني لَهُم يَا أُمَيْمَة ناصب ... وليل أقاسيه بطيء الْكَوَاكِب)) وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد الثَّالِث وَالْأَرْبَعُونَ بعد الْمِائَة) وَهُوَ من شَوَاهِد س: ...

(قفي قبل التَّفَرُّق يَا ضباعا ... وَلَا يَك موقفٌ مِنْك الوداعا) على أَن مرخم ضباعة فحذفت الْهَاء للترخيم وَألف التَّرْخِيم تغني عَنْهَا. قَالَ الْعلم وَغَيره: الْوَقْف مَا فِيهِ الْهَاء ثمَّ لما وقفُوا عَلَيْهِ ردوا الْهَاء عَلَيْهَا عوضا من الْهَاء لأَنهم إِنَّمَا رخموا للْوَقْف فَلَمَّا لم يُمكنهُم رد الْهَاء هَهُنَا جعل الْألف عوضا مِنْهَا على مَا بَينه سِيبَوَيْهٍ. قَالَ الدماميني فِي شرح التسهيل: قد يُقَال: لَا نسلم أَن هَذِه الْألف عوض عَن التَّاء المحذوفة بل هِيَ ألف الْإِطْلَاق. وَهَذِه الْمَسْأَلَة لَا يسْتَدلّ عَلَيْهَا بالشعر فَإِن ثَبت فِي النثر مثل ذَلِك تمت الدَّعْوَى وَإِلَّا فَلَا. قَوْله: وَلَا يَك موقف. . الخ يحْتَمل وَجْهَيْن: أَحدهمَا أَن يكون على الطّلب وَالرَّغْبَة كَأَنَّهُ قَالَ: لَا جعل الله موقفك هَذَا آخر الْوَدَاع. كَذَا فِي شرح أَبْيَات الْجمل للخمي. فَفِيهِ حذف مُضَاف من الْوَدَاع وَقدره بَعضهم: موقف وداع وَهَذَا أحسن. وروى أَبُو الْحسن الْأَخْفَش وَهُوَ سعيد وَلَا يَك موقفا مِنْك الوداعا وَقَالَ: نصب موقفا لِأَنَّهُ أَرَادَ: قفي موقفا وَهُوَ أبينها ا. هـ. وَعَلِيهِ فاسم يَك ضمير الْمصدر الْمَفْهُوم من قفي كَأَنَّهُ قَالَ: وَلَا يكن موقفك موقف الْوَدَاع. وَقَوله: وَرفع بَعضهم موقفا. . الخ هُوَ الْمَشْهُور فِي الرِّوَايَة لَكِن فِيهِ الْإِخْبَار بالمعرفة عَن النكرَة. وَسَيَأْتِي الْكَلَام عَلَيْهِ إِن شَاءَ الله تَعَالَى فِي بَاب الْأَفْعَال النَّاقِصَة.

وضباعة بنت زفر بن الْحَارِث الْآتِي ذكره. قَالَ اللَّخْمِيّ: وَفِيه عطف المعرب على الْمَبْنِيّ لِأَنَّهُ عطف وَلَا يَك وَهُوَ مُعرب على قفي وَهُوَ مَبْنِيّ وَإِنَّمَا سوغ ذَلِك وجود الْعَامِل وَهِي لَا كَقَوْلِه تَعَالَى: وَقَالَ الَّذين كفرُوا للَّذين آمنُوا اتبعُوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم وَلَو قلت: اقصدني وأكرمك بِالْجَزْمِ على اللَّفْظ لم يجز على مَذْهَب الْبَصرِيين لِأَن اقصدني فعل مَبْنِيّ لَا جازم لَهُ فَلَا يعْطف على لَفظه كَمَا لَا يجوز: هَذِه حذام وَأُخْتهَا بِالْجَرِّ على لفظ حذام. فَإِن قلت: اقصدني فلأحدثك فأدخلت لَام الْأَمر جَازَت الْمَسْأَلَة كَمَا تقدم فِي الْآيَة. .) أَقُول: هَذَا مَا يتعجب مِنْهُ فَإِن الْعَطف فِيهِ إِنَّمَا هُوَ من عطف جملَة على جملَة لَا من عطف مُعرب على مَبْنِيّ وَلَا حَاجَة إِلَى التَّطْوِيل من غير طائل. . قَالَ: وَفِيه حذف النُّون من يكن وَهَذَا الْبَيْت مطلع قصيدة للقطامي مدح بهَا زفر بن الْحَارِث الْكلابِي. وَكَانَ بَنو أَسد أحاطوا بِهِ فِي نواحي الجزيرة وأسروه يَوْم الخابور وَأَرَادُوا قَتله فحال زفر بَينه وَبينهمْ وحماه وَمنعه وَحمله وكساه وَأَعْطَاهُ مائَة نَاقَة. فمدحه بِهَذِهِ القصيدة وَغَيرهَا وحض قيسا وتغلب على السّلم. وَبعد هَذَا الْبَيْت: (قفي فادي أسيرك إِن قومِي ... وقومك لَا أرى لَهُم اجتماعا) (وَكَيف تجامعٌ مَعَ مَا استحلا ... من الْحرم الْكِبَار وَمَا أضاعا) (ألم يحزنك أَن حبال قيسٍ ... وتغلب قد تباينت انْقِطَاعًا) ...

(يطيعون الغواة وَكَانَ شرا ... لمؤتمر الغواية أَن يطاعا) (ألم يحزنك أَن ابْني نزارٍ ... أسالا من دمائهما التلاعا) إِلَى أَن قَالَ: (أمورٌ لَو تلافاها حليمٌ ... إِذا لنهى وهبب مَا استطاعا) (وَلَكِن الْأَدِيم إِذا تفرى ... بلَى وتعيناً غلب الصناعا) (ومعصية الشفيق عَلَيْك مِمَّا ... يزيدك مرّة مِنْهُ استماعا) (وَخير الْأَمر مَا اسْتقْبلت مِنْهُ ... وَلَيْسَ بِأَن تتبعه اتبَاعا) (تراهم يغمزون من استركوا ... ويجتنبون من صدق المصاعا) وَقَوله: قفي فادي أسيرك خطاب لضباعة بنت زفر الممدوح لِأَنَّهُ كَانَ عِنْد والدها أَسِيرًا. والمفاداة: أَخذ الْفِدْيَة من الْأَسير وإطلاقه. والحبال: المواصلة والعهود الَّتِي كَانَت بَين قيس وتغلب. وتباينت: تَفَرَّقت. رُوِيَ أَن ضباعة لما سَمِعت قَوْله: ألم يحزنك الخ قَالَت: بلَى وَالله قد حزنني. وأحزنني وحزنني لُغَتَانِ. والمؤتمر: الَّذِي يرى الغواية رَأيا وَيَأْمُر بهَا نَفسه. يَقُول هُوَ: شرٌ للغاوي أَن يطاع فِي غيه. وابنا نزار: ربيعَة وَمُضر. والتلعة: مسيل من الِارْتفَاع إِلَى بطن الْوَادي. وتلافاها: تداركها. وهبب بِالْقَتْلِ بموحدتين أَي: أَمر بِهِ. وتفرى: تشقق. وَتعين السقاء والمزادة: إِذا رقت مِنْهُمَا مَوَاضِع وتهيأت للخرق. والصناع بِالْفَتْح: الحاذقة بِعَمَل الْيَدَيْنِ.) وَقَوله:

ومعصية الشفيق. . الخ يَقُول: إِذا عصيت الشفيق عَلَيْك الْحَرِيص على رشدك تبينت فِي عواقب أَمرك الزلل. فزادك ذَلِك حرصاً على أَن تقبل نصحه. وَقَوله: وَخير الْأَمر مَا اسْتقْبلت أَي: خير الْأَمر مَا قد تدبرت أَوله فَعرفت إلام تؤول عاقبته وشره مَا ترك النّظر فِي أَوله وتتبعت أواخره بِالنّظرِ. وَاسْتشْهدَ بِهِ الزَّمَخْشَرِيّ عِنْد قَوْله تَعَالَى: فتقبلها رَبهَا بقبولٍ حسن على أَن تقبل بِمَعْنى اسْتقْبل كتعجله وتقصاه بِمَعْنى استعجله وَقَوله: كَذَاك وَمَا رَأَيْت النَّاس. . الخ وَرُوِيَ: إِلَى مَا ضرّ جاهلهم سرَاعًا أَي: يُسَارع الْجَاهِل إِلَى مَا يضرّهُ. وَقَوله: تراهم يغمزون. . الخ استركوا: استضعفوا والركيك: الضَّعِيف. والمصاع بِالْكَسْرِ: المجالدة بِالسَّيْفِ. يَقُول: يستضعفون الضَّعِيف فيطعنون فِيهِ. والغمز هُنَا: الْإِشَارَة بِالْعينِ وَالرَّأْس. والْقطَامِي اسْمه عُمَيْر بن شييم التغلبي: تغلب بني وَائِل. وَعُمَيْر مصغر عمرٍ ووَكَذَلِكَ شييم مصغر أَشْيَم وَهُوَ الَّذِي بِهِ شامة. وَيُقَال: شييم بِكَسْر الشين أَيْضا وَضَبطه عِيسَى بن إِبْرَاهِيم شَارِح أَبْيَات الْجمل: شييم بسين مُهْملَة مَضْمُومَة. وَله لقبان أَحدهمَا الْقطَامِي مَنْقُول من الصَّقْر لِأَن الصَّقْر يُقَال لَهُ: قطامي بِفَتْح الْقَاف وَضمّهَا وَهُوَ مُشْتَقّ من القطم بِالتَّحْرِيكِ وَهُوَ شَهْوَة اللَّحْم وشهوة النِّكَاح يُقَال فَحل قطمٌ: إِذا هاج للضراب.

وَهُوَ لقبٌ غلب عَلَيْهِ لقَوْله: (يصكهن جانباً فجانبا ... صك الْقطَامِي القطا القواربا) واللقب الآخر: صريع الغواني. قَالَ النطاح: أول من سمي صريع الغواني الْقطَامِي بقوله: (صريع غوانٍ راقهن ورقنه ... لدن شب حَتَّى شَاب سود الذوائب) أَي: صرعه حبهن حَتَّى لَا حراك بِهِ. والغواني: الشواب. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: ذَوَات الْأزْوَاج غنين بأزواجهن. وصريع الغواني لقب مُسلم بن الْوَلِيد أَيْضا لقبه هَارُون الرشيد بقوله: (هَل الْعَيْش إِلَّا أَن تروح مَعَ الصِّبَا ... وتغدو صريع الكأس والأعين النجل) والقطامي كَانَ نَصْرَانِيّا فَأسلم. وَهُوَ ابْن أُخْت الأخطل النَّصْرَانِي الْمَشْهُور. وعده الجُمَحِي فِي الطَّبَقَة الثَّانِيَة من شعراء الْإِسْلَام. قَالَ بعض عُلَمَاء الشّعْر: أحسن النَّاس ابتداعاً فِي الْجَاهِلِيَّة) امْرُؤ الْقَيْس حَيْثُ يَقُول: (أَلا عَم صباحاً أَيهَا الطل الْبَالِي ... وَهل يعمن من كَانَ فِي الْعَصْر الْخَالِي) وَفِي الْإِسْلَام الْقطَامِي حَيْثُ يَقُول: إِنَّا محيوك فَاسْلَمْ أَيهَا الطل وَمن المولدين بشار حَيْثُ يَقُول: (أَبى طلٌ بالجزع أَن يتكلما ... وماذا عَلَيْهِ لَو أجَاب متيما) وَذكر الْآمِدِيّ فِي المؤتلف والمختلف من يُقَال لَهُ الْقطَامِي ثَلَاثَة: أَوَّلهمْ هَذَا وَالثَّانِي: الْقطَامِي الضبعِي ضبيعة بن ربيعَة بن نزار أحد ولد

الساهري وَصَاحب شراب وَمن شعره: وَكَانَ أَبوهُ من أَصْحَاب خَالِد الْقَسرِي. وَالثَّالِث الْقطَامِي الْكَلْبِيّ واسْمه الْحصين وَهُوَ أَبُو الشَّرْقِي بن الْقطَامِي. شَاعِر محسن وَهُوَ الْقَائِل لما بلغه خبر يزِيد بن الْمُهلب: (لَعَلَّ عَيْني أَن ترى يزيدا ... يَقُود جَيْشًا جحفلاً رشيدا) ترى ذَوي التَّاج لَهُ سجودا وَأما زفر بن الْحَارِث فَهُوَ أَبُو الْهُذيْل زفر بن الْحَارِث بن عبد عَمْرو بن معَاذ بن يزِيد بن عَمْرو بن الصَّعق بن خُلَيْد بن نفَيْل بن عَمْرو بن كلاب الْكلابِي. كَانَ كَبِير قيس فِي زَمَانه وَفِي الطَّبَقَة الأولى من التَّابِعين من أهل الجزيرة. وَكَانَ من الْأُمَرَاء. سمع عَائِشَة وَمُعَاوِيَة. وَشهد وقْعَة صفّين مَعَ مُعَاوِيَة أَمِيرا على أهل قنسرين وَشهد وقْعَة مرج راهط مَعَ الضَّحَّاك بن قيس فَلَمَّا قتل الضَّحَّاك هرب إِلَى قرقيسا وَلم يزل متحصناً فِيهَا حَتَّى مَاتَ فِي خلَافَة عبد الْملك بن مَرْوَان فِي بضع وَسبعين.

وَكَانَ الضَّحَّاك بن قيس وَمَعَهُ النُّعْمَان بن بشير الْأنْصَارِيّ يَدْعُو فِي الشَّام لعبد الله بن الزبير ومروان بن الحكم مَعَ بني أُميَّة يَدْعُو لنَفسِهِ فَالتقى الْفَرِيقَانِ فِي مرج راهط وَكَانَ مَعَ الضَّحَّاك سِتُّونَ ألف فَارس وَمَعَ مَرْوَان ثَلَاثَة عشر ألفا. فَقَالَ عبيد الله بن زِيَاد لمروان: إِن فرسَان قيس مَعَ الضَّحَّاك فَلَا ننال مِنْهُ إِلَّا بكيد فَأرْسل مَرْوَان إِلَى الضَّحَّاك يسْأَله الْمُوَادَعَة حَتَّى نَنْظُر فِي الْمُبَايعَة لِابْنِ الزبير فَأَجَابَهُ الضَّحَّاك وَوضع أَصْحَابه سِلَاحهمْ فَقَالَ ابْن زِيَاد: دُونك فَشد مَرْوَان على الضَّحَّاك فَقتل الضَّحَّاك والنعمان وَرِجَال قيس. وَلما هرب زفر جَاءَتْهُ خيل مَرْوَان ففاتها وتحصن وَقَالَ فِي ذَلِك:) (أريني سلاحي لَا أَبَا لَك إِنَّنِي ... أرى الْحَرْب لَا تزداد إِلَّا تماديا) (أَتَانِي عَن مَرْوَان بِالْغَيْبِ أَنه ... مقيدٌ دمي أَو قاطعٌ من لسانيا) (وَفِي العيس مناجاةٌ وَفِي الأَرْض مهربٌ ... إِذا نَحن رفعنَا لَهُنَّ المثانيا) (فَلَا تحبسوني إِن تغيبت غافلاً ... وَلَا تفرحوا إِن جِئتُكُمْ بلقائيا) (فقد ينْبت المرعى على دمن الثرى ... لَهُ ورقٌ من تَحْتَهُ الشَّرّ باديا) (ويمضي وَلَا يبْقى على الأَرْض دمنة ... وَتبقى حزازات النُّفُوس كَمَا هيا) (وَيذْهب يومٌ واحدٌ إِن أسأته ... بِصَالح أيامي وَحسن بلائيا) وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد الرَّابِع وَالْأَرْبَعُونَ بعد الْمِائَة)

أطرق كرا (أطرق كرا أطرق كرا ... إِن النعام فِي الْقرى) على أَن الكرا ذكر الكروان وَلَيْسَ مرخماً مِنْهُ. وَهَذَا بَيت من الرجز وَهُوَ مثل. وَقد اخْتلف فِي قدره وَفِي معنى الكرا والكروان وَفِي معنى الْبَيْت: أما الأول فقد أوردهُ ابْن الْأَنْبَارِي وَابْن ولاد وَأَبُو عَليّ القالي والجوهري فِي الصِّحَاح والصاغاني فِي الْعباب كَمَا ذكرنَا وَأوردهُ الْمبرد فِي الْكَامِل والزمخشري فِي مستقصى الْأَمْثَال وَالشَّارِح أَيْضا فِي آخر بحث التَّرْخِيم هَكَذَا: أطرق كرا إِن النعام فِي الْقرى بِنَاء على انه نثر لَا نظم وَصَوَابه أطرق كرا مرَّتَيْنِ كَمَا نبه عَلَيْهِ ابْن السَّيِّد البطليوسي فِيمَا كتبه على الْكَامِل. وَزَاد الشَّارِح هُنَاكَ مَا إِن أرى هُنَا كرا وَلم أر هَذِه الزِّيَادَة لغيره. وَأما الثَّانِي: فَالْمَشْهُور أَن الكروان طَائِر طَوِيل الْعُنُق وَالرّجلَيْنِ أغبر لَهُ صَوت حسن وَهُوَ أكبر من الْحَمَامَة. وَقَالَ أَبُو حَاتِم فِي كتاب الطير: الكروان القبج أَي: الحجل. وَقيل: هُوَ الْحُبَارَى. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: هُوَ ذكر الْحُبَارَى. وَقيل: هُوَ الكركي. والكرا يكْتب بِالْألف. قَالَ الْمبرد: وَهُوَ مرخم الكروان وَتَبعهُ من جَاءَ بعده. قَالَ القالي:

الكرا: الكروان. وَهُوَ عِنْد أهل النّظر وَالتَّحْقِيق من أهل الْعَرَبيَّة ترخيم كروان. وَإِنَّمَا أراد الراجز: أطرق يَا كروان فرخم. وَمَا قَالَه الشَّارِح من أَن الكرا ذكر الكروان ذكره صَاحب الْقَامُوس أَيْضا وَنسبه ابْن عقيل فِي) (لنا يومٌ وللكروان يومٌ ... تطير البائسات وَلَا نطير) فَجعله جمَاعَة الكرا أَلا ترى أَنه قَالَ: البائسات وَكَذَلِكَ تنشده الْعَرَب وَلم ترهم رخموا ثمَّ جمعُوا على التَّرْخِيم. وجمعوه على الكروان بِالْكَسْرِ وَلم يَقُولُوا: الكراوين والكروانات انْتهى. وعَلى هَذَا يسْقط مِنْهُ شذوذان: التَّرْخِيم وتغييره وَيبقى شذوذ وَاحِد وَهُوَ حذف حرف النداء مَعَ اسْم الْجِنْس. وَيدل على الترادف وعَلى أَنه ذكره وُرُود الكرا فِي غير النداء. أنْشد ابْن ولاد والزمخشري للفرزدق قَوْله: ...

(أألآن لما عض نابي بمسحلي ... وأطرق إطراق الكرا من أحاربه) (إِذا رَآنِي كل بكري بَكَى ... أطرق فِي الْبَيْت كإطراق الكرا) وَأما مَعْنَاهُ فقد قَالَ ابْن الْأَنْبَارِي والقالي: معنى الْبَيْت: أَغضّ فَإِن الأعزاء فِي الْقرى والكروان طَائِر ذليل يَقُول: مَا دَامَ عزيزٌ مَوْجُودا فإياك أَيهَا الذَّلِيل أَن تنطق. ضربه مثلا. وَقَالَ الشَّارِح الْمُحَقق فِي آخر بحث النداء: هُوَ رقية يصيدون بهَا الكرا فيسكن ويطرق حَتَّى يصاد. وَهُوَ فِي هَذَا تَابع للزمخشري فَإِنَّهُ قَالَ: يُقَال للكروان ذَلِك إِذا أُرِيد اصطياده. أَي: تطأطأ واخفض عُنُقك للصَّيْد فَإِن أكبر مِنْك وأطول أعناقاً وَهِي النعام قد صيدت وحملت من الدو إِلَى الْقرى. يضْرب لمن تكبر وَقد تواضع من هُوَ أشرف مِنْهُ. وَمثله لصَاحب الْقَامُوس فَإِنَّهُ قَالَ: وأطرق كرا يضْرب لمن يخدع بِكَلَام يلطف لَهُ وَيُرَاد بِهِ الغائلة. وَقَالَ ابْن الْحَاجِب فِي الْإِيضَاح: واطرق كرا مثلٌ لمن يتَكَلَّم وبحضرته أولى مِنْهُ بذلك: كَأَن أَصله خطابٌ للكروان بالإطراق لوُجُود النعام وَلذَلِك يُقَال إِن تَمَامه: ( ... . أطرق كرا ... إِن النعام فِي الْقرى) وَيُقَال: إِن الكروان يخَاف من النعام.) وَمثله فِي الْعباب للصاغاني فَإِنَّهُ قَالَ: وأطرق: أرْخى عينه ينظر إِلَى الأَرْض وَفِي الْمثل: أطرق كرا. . الْبَيْت. يضْرب للمعجب بِنَفسِهِ وللذي لَيْسَ عِنْده غناء وَيتَكَلَّم فَيُقَال: اسْكُتْ وتوق انتشار مَا تلفظ بِهِ كَرَاهِيَة مَا يتعقبه.

وَقَوْلهمْ: إِن النعام فِي الْقرى أَي: تَأْتِيك فتدوسك بمناسمها. وَيُقَال أَيْضا: أطرق كرا يجلب لَك يضْرب للأحمق فِي تمنيه الْبَاطِل فَيصدق. وَقَالَ الأعلم الشنتمري فِي شرح الْأَشْعَار السِّتَّة: يضْرب لرجل يظنّ أَنَّك مُحْتَاج إِلَيْهِ فَتَقول لَهُ: اسكن فقد أمكنني من هُوَ أنبل مِنْك وَأَرْفَع. والنعام إِنَّمَا يكون فِي القفار فَإِذا كَانَ بالقرى فقد أمكن. انْتهى. تَتِمَّة: كروان يجمع على كراوين كورشان يجمع على وراشين وَقَالُوا يجمع أَيْضا على غير قِيَاس على كروان بِكَسْر الْكَاف وَسُكُون الرَّاء كَمَا يجمع ورشان على ورشان وَهُوَ جمع بِحَذْف الزَّوَائِد. كَأَنَّهُمْ جمعُوا كراً مثل أخٍ وإخوان. قَالَ ابْن جني فِي الخصائص: وَذَلِكَ أَنَّك لما حذفت أَلفه ونونه بَقِي مَعَك كرو فقلبت واوه ألفا لتحركها وانفتاح مَا قبلهَا طرفا فَصَارَت كرا ثمَّ كسرت كرا على كروان كشبث وشبثان وَخرب وخربان. وَعَلِيهِ قَوْلهم فِي الْمثل: أطرق كرا إِنَّمَا هُوَ عندنَا ترخيم كروان على قَوْلهم يَا حَار بِالضَّمِّ. قَالُوا: وَالْألف فِي كروان إِنَّمَا هِيَ بدل من الْألف المبدلة من وَاو كروان. انْتهى. وَزعم الرياشي أَن الكروان والكروان للْوَاحِد وَكَذَلِكَ ورشان وورشان. وَيَردهُ قَول ذِي (من ال أبي مُوسَى ترى النَّاس حوله ... كَأَنَّهُمْ الكروان أبصرن بازيا) وَأنْشد بعده وهوالشاهد الْخَامِس وَالْأَرْبَعُونَ بعد الْمِائَة) وَهُوَ من شَوَاهِد س: ...

(فَقَالُوا تعال يَا يزي بن مخرم ... فَقلت لَهُم: إِنِّي حَلِيف صداء) على أَن المرخم يجوز وَصفه إِلَّا عِنْد الْفراء وَابْن السراج أَرَادَ الشَّاعِر: يَا يزِيد ابْن مخرم. وَعند سِيبَوَيْهٍ حذفت الدَّال للترخيم. وَالْيَاء لالتقاء الساكنين. وَقَالَ الْفراء: كِلَاهُمَا حذف للترخيم. فَإِن مذْهبه حذف السَّاكِن مَعَ الآخر فِي التَّرْخِيم فَيَقُول: فِيمَن اسْمه قمطر ياقم كَذَا فِي الْإِيضَاح لِابْنِ الْحَاجِب. قَالَ الشاطبي فِي شرح الألفية: شَرط الْمُؤَنَّث بِالتَّاءِ المرخم أَن لايكون مَوْصُوفا لِأَن التَّرْخِيم حذف آخر الِاسْم للْعلم بِهِ وَالصّفة بَيَان الْمَوْصُوف لعدم الْعلم بِهِ فهما متدافعان. وَلذَلِك قَالَ سِيبَوَيْهٍ فِي قَوْله: إِنَّك يَا معاو يَا ابْن الْأَفْضَل إِنَّه ترخيم بعد ترخيم. وَقد نَص على هَذَا الروماني وَتَبعهُ ابْن خروف وَقَالَ فِي الْبَيْت: لَا يصلح فِيهِ النَّعْت لِأَنَّهُ منادى مرخم فَهُوَ فِي نِهَايَة التَّعْرِيف فنعته بعيد. فعلى هَذَا يكون قَول يزِيد بن مخرم وَأنْشد سِيبَوَيْهٍ: فقلتم تعال يَا يزي بن مخرم. . الْبَيْت شاذاً. وَيجْرِي مجْرى النَّعْت على هَذَا التَّقْدِير التوابع كلهَا: من الْعَطف الْبَيَانِي والتوكيد إِلَّا الْبَدَل فَفِيهِ بحث وَإِلَّا الْعَطف النسقي فَإِن كل وَاحِد مِنْهُمَا أَعنِي من الْمَعْطُوف والمعطوف عَلَيْهِ مُسْتَقل بالعامل من جِهَة الْمَعْنى. وَفِيه نظر أَيْضا. انْتهى

ثمَّ قَالَ: وَهَذَا الشَّرْط منازعٌ فِيهِ. وَأجَاب الشلوبين بِأَنَّهُ قد يتَوَجَّه الْعلم الْمُشْتَرط فِي التَّرْخِيم على الِاسْم وَعدم الْعلم على الْمُسَمّى فَلَا يتدافعان. وَأما بَيت سِيبَوَيْهٍ فَلَعَلَّهُ إغرابٌ من سِيبَوَيْهٍ إِذْ كَانَ الْوَجْه الآخر لَا غرابة فِيهِ أَو لَعَلَّه اخْتِيَار مِنْهُ لذَلِك الْوَجْه لِأَنَّهُ مَوضِع مدح فتكرير النداء فِيهِ أفخم من الْإِتْيَان بِهِ وَصفا. هَذَا مَا قَالَ ويقويه أَن سِيبَوَيْهٍ أنْشد: فقلتم تعال يَا يزي بن مخرم على أَنه لَيْسَ من الشاذ بل على أَنه من الْجَائِز بِإِطْلَاق وَهُوَ مَعَ ترخيم الْهَاء أَجود وَمثله قَول امْرِئ الْقَيْس:) وَهَذَا الشَّاهِد دَال على جَوَاز ترخيم الْمَوْصُوف من بَاب الأولى لِأَنَّهُ من الْمَوْصُوف بِابْن وتقرر فِي الْكَلَام صيرورة ابْن مَعَ الْمَوْصُوف فِي حكم الْمركب بِدَلِيل حذف التَّنْوِين. فَإِن كَانَ هَذَا يجوز ترخيمه فَمن بَاب أولى جَوَاز ترخيم نَحْو: يَا طَلْحَة الْفَاضِل وَيَا حَارِث الْفَاضِل فَتَقول: يَا طلح الْفَاضِل وَيَا حَار الْفَاضِل. وَكَذَلِكَ الْمَعْطُوف والمؤكد والمبدل مِنْهُ. انْتهى. ومخرم بِضَم الْمِيم وَفتح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَكسر الرَّاء الْمُشَدّدَة. ويزِيد بن المخرم من أَشْرَاف بني الْحَارِث من أهل الْيمن. والمخرم هُوَ ابْن شُرَيْح بن المخرم بن حزن بن زِيَاد بن الْحَارِث بن مَالك بن ربيعَة بن كَعْب بن الْحَارِث. وَكَانَ يزِيد بن المخرم مِمَّن جَاءَ مَعَ عبد يَغُوث الْحَارِثِيّ فِي يَوْم الْكلاب

الثَّانِي وَقد مضى شَرحه فِي الشَّاهِد الْخَامِس وَالسِّتِّينَ وَقتل يزِيد بن المخرم فِي ذَلِك الْيَوْم مَعَ يزِيد بن عبد المدان وَيزِيد بن الهوبر. وَأسر عبد يَغُوث كَمَا تقدم شَرحه. وَلما وَقعت الْهَزِيمَة عَلَيْهِم جعل رجلٌ من بني تَمِيم يَقُول: (يَا قوم لَا يفلتكم اليزيدان ... يزِيد حزنٍ وَيزِيد الديَّان) ويروى: مخرماً أَعنِي بِهِ وَالديَّان وصداء بِضَم الصَّاد وَفتح الدَّال الْمُهْمَلَتَيْنِ وبالمد: حيٌ من الْيمن مِنْهُم زِيَاد ابْن الْحَارِث الصدائي الصَّحَابِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه. والحلبف: المحالف والمعاهد. وَرُوِيَ الْبَيْت هَكَذَا: (فقلتم تعال يَا يزي بن مخرم ... فَقلت لكم: إِنِّي حَلِيف صداء) وَهُوَ من أَبْيَات ليزِيد بن المخرم الْمَذْكُور آنِفا. وَأنْشد بعده: كليني لَهُم يَا أُمَيْمَة ناصب وَتقدم شَرحه قبل هَذَا بِثمَانِيَة شَوَاهِد.

وَأنْشد بعده وهوالشاهد السَّادِس وَالْأَرْبَعُونَ بعد الْمِائَة) وَهُوَ من شَوَاهِد س: (عجبت لمولود وَلَيْسَ لَهُ أبٌ ... وَذي ولدٍ لم يلده أَبَوَانِ) على أَن سِيبَوَيْهٍ اسْتشْهد بِهِ فِي ترخيم أسحار فِي أَنَّك تحركه بأقرب الحركات إِلَيْهِ وَكَذَا تَقول: انْطلق إِلَيْهِ فِي الْأَمر: تسكن اللَّام فَتبقى سَاكِنة وَالْقَاف سَاكِنة فَتحَرك الْقَاف بأقرب الحركات قَالَ أَبُو جَعْفَر النّحاس: فَإِن قيل: فقد جِئْت بحركة مَوضِع حَرَكَة فَمَا الْفَائِدَة فِي ذَلِك فَالْجَوَاب: أَن الْحَرَكَة المحذوفة كسرة انْتهى. أَي: فالفتحة أخف مِنْهَا. فَأصل يلده بِكَسْر اللَّام وَسُكُون الدَّال للجزم فسكن المكسور تَخْفِيفًا فحركت الدَّال دفعا لالتقاء الساكنين بحركة وَهِي أقرب الحركات إِلَيْهَا وَهِي الفتحة لِأَن السَّاكِن غير حاجز حُصَيْن. قَالَ الْمبرد فِي الْكَامِل: كل مكسور أَو مضموم إِذا لم يكن من حركات الْإِعْرَاب يجوز فِيهِ التسكين. وَأنْشد هَذَا الْبَيْت وَقَالَ: لَا يجوز ذَلِك فِي المفتوح لخفة الفتحة. انْتهى. وَوَقع هَذَا الْبَيْت فِي رِوَايَة سِيبَوَيْهٍ: أَلا رب مولودٍ وَلَيْسَ لَهُ أَب وَكَذَا أوردهُ ابْن هِشَام فِي مُغنِي اللبيب شَاهدا على أَن رب تَأتي بقلة لإنشاء

التقليل كَهَذا الْبَيْت وَفِي الْأَكْثَر أَنَّهَا لإنشاء التكثير. وَكَذَا أوردهُ غَيره. وَلَا تلْتَفت إِلَى قَول ابْن هِشَام اللَّخْمِيّ مَعَ رِوَايَة سِيبَوَيْهٍ: الصَّوَاب عجبت لمولود. لِأَن الرِّوَايَتَانِ صحيحتان ثابتتان. وَنسبه شرَّاح أَبْيَات سِيبَوَيْهٍ لرجل من أَزْد السراة. وَبعده: (وَذي شامةٍ سَوْدَاء فِي حر وَجهه ... مخلدةٍ لَا تَنْقَضِي لِأَوَانِ) وعَلى هَذِه الرِّوَايَة لَا وصف لمجرور رب لِأَنَّهُ لَا يلْزم وَصفه عِنْد سِيبَوَيْهٍ وَمن تبعه. فجملة وَلَيْسَ لَهُ أَب حَال من مَوْلُود وَالْعَامِل مَحْذُوف وَهُوَ جَوَاب رب تَقْدِيره: يُوجد وَنَحْوه. وَالْتزم الْمبرد وتابعوه وصف مجرورها فَتكون الْجُمْلَة صفة لَهُ وَالْوَاو هِيَ الْوَاو الَّتِي سَمَّاهَا الزَّمَخْشَرِيّ وَاو اللصوق أَي: لصوق الصّفة بالموصوف وَجعل من ذَلِك قَوْله تَعَالَى: وَمَا أهلكنا من قَرْيَة إِلَّا وَلها كتابٌ مَعْلُوم. وذِي ولد مَعْطُوف على مَوْلُود. وَأَرَادَ بِالْأولِ عِيسَى ابْن مَرْيَم وَبِالثَّانِي آدم أَبَا الْبشر) عَلَيْهِمَا السَّلَام قَالَ أَبُو عَليّ الْفَارِسِي: إِن عمرا الْجَنبي سَأَلَ امْرأ الْقَيْس عَن مُرَاد الشَّاعِر فَأَجَابَهُ بِهَذَا الْجَواب وجنب بِفَتْح الْجِيم وَسُكُون النُّون: قَبيلَة فِي الْيمن وَعَمْرو هَذَا مَنْسُوب إِلَيْهَا وَقيل: أَرَادَ بِذِي الْوَلَد الْبَيْضَة وَقيل: أَرَادَ بِهِ الْقوس وَوَلدهَا السهْم لم يلده أَبَوَانِ لِأَنَّهُ لَا تتَّخذ الْقوس إِلَّا من شَجَرَة وَاحِدَة مَخْصُوصَة. وَهَذَانِ الْقَوْلَانِ من الخرافات فَإِن الْبَيْضَة مُتَوَلّدَة من أُنْثَى وَذكر والقوس لَا تتصف بِالْولادَةِ حَقِيقَة وَإِن أَرَادَ بهَا التولد وَهُوَ حُصُول شَيْء من شَيْء فَلَيْسَتْ مِمَّا ينْسب إِلَيْهِ الْوَالِدَان.

وَأَرَادَ بِذِي شامة: الْقَمَر فَإِنَّهُ ذُو شامة. وَهِي المسحة الَّتِي فِيهِ يُقَال: إِنَّهَا من أثر جنَاح جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام لما مَسحه والشامة: عَلامَة مُخَالفَة لسَائِر الْبدن وَالْخَال هِيَ النُّكْتَة السَّوْدَاء فِيهِ. وَأَرَادَ بِكَمَال شبابه فِي خمس وتسع صَيْرُورَته بَدْرًا فِي اللَّيْلَة الرَّابِعَة عشرَة لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ فِي غَايَة الْبَهَاء والضياء كَمَا أَن الشَّاب فِي غَايَة قوته محسن منظره فِي عنفوان شبابه. وَأَرَادَ بهرمه ذهَاب نوره ونقصان ذَاته فِي اللَّيْلَة التَّاسِعَة وَالْعِشْرين فَإِن السَّبْعَة وَالثَّمَانِيَة وَهِي خَمْسَة عشر إِذا انضمت مَعَ الْخَمْسَة والتسعة الْمُتَقَدّمَة وَهِي أَرْبَعَة عشر صَارَت تِسْعَة وَعشْرين. وَهَذَا الضَّم اسْتُفِيدَ من قَوْله: مَعًا. وَرُوِيَ: مَضَت بدل مَعًا. وروى بَعضهم: وَذي شامة غراء أَي: بَيْضَاء وَهَذَا غير مُنَاسِب. وحر الشَّيْء: خالصه وحر الْوَجْه: مَا بدا من الوجنة أَو مَا أقبل عَلَيْك مِنْهُ أَو أعتق مَوضِع فِيهِ. ومخلدة بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة وَالدَّال أَي: بَاقِيَة وَهُوَ بِالْجَرِّ صفة لشامة وَبِالنَّصبِ حَال مِنْهَا للمسوغ. وروى بَعضهم: مُجَللَة اسْم فَاعل من التجليل بجيم ولامين وَهُوَ التغطية. وَهَذَا أَيْضا غير مُنَاسِب. وفسرها بَعضهم بِذَات الْعِزّ والجلال. وروى أَيْضا: مجلحة بِتَقْدِيم الْجِيم على الْحَاء الْمُهْملَة وَفَسرهُ بمنكسفة وَهَذَا كُله من ضيق العطن: لَا الرِّوَايَة لَهَا أصل وَلَا هَذَا التَّفْسِير ثَابت فِي اللُّغَة. وَاللَّام فِي قَوْله: لِأَوَانِ بِمَعْنى فِي كَقَوْلِه تَعَالَى: وَنَضَع الموازين الْقسْط ليَوْم الْقِيَامَة وَقَوْلهمْ: مضى لسبيله أَو بِمَعْنى عِنْد كَقَوْلِهِم: كتبته لخمسٍ خلون أَو بِمَعْنى بعد كَقَوْلِه تَعَالَى: أقِم الصَّلَاة لدلوك الشَّمْس. قَالَ الْبَيْضَاوِيّ فِي قَوْله تَعَالَى: لَا يجليها لوَقْتهَا إِلَّا هُوَ لَا يظْهر أمرهَا فِي وَقتهَا. وَالْمعْنَى:

أَن الخفاء بهَا اسْتمرّ على غَيره إِلَى وَقت وُقُوعهَا. وَاللَّام للتأقيت كاللام فِي قَوْله تَعَالَى: لدلوك الشَّمْس. وَقَالَ الْعَيْنِيّ: هِيَ للْوَقْت. وَلَا يُقَال: هَذَا إِضَافَة الشَّيْء إِلَى نَفسه لِأَن الْمَعْنى لوقتٍ وَقت لِأَن) التغاير فِي اللَّفْظ كافٍ فِي دفع ذَلِك. انْتهى. فَتَأمل. وَرُوِيَ: لَا تنجلي لزمان. وَذكر الْعدَد فِي الْجَمِيع لِأَنَّهُ بِاعْتِبَار اللَّيَالِي. وَجُمْلَة يكمل من الْفِعْل وضميره الْمُسْتَتر مَعْطُوف على جملَة لَا تَنْقَضِي. وَلَا يضر تخالفهما نفيا وإثباتاً. وأَزْد السراة: حَيّ من الْيمن. والأزد اسْمه درءٌ بِكَسْر الدَّال وَسُكُون الرَّاء الْمُهْمَلَتَيْنِ وبالهمز. والأسد لُغَة فِي الأزد بل قيل: السِّين أفْصح من الزَّاي. والأزد: ابْن الْغَوْث بن نبت بن مَالك بن أدد بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب ابْن يعرب بن قحطان. والغوث بِفَتْح الْعين الْمُعْجَمَة وبالثاء الْمُثَلَّثَة وَنبت: بِفَتْح النُّون وَسُكُون الْمُوَحدَة وبالتاء الْمُثَنَّاة. وأدد: بِضَم الْهمزَة وَفتح الدَّال الأولى. وسبأ: بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَفتح الْمُوَحدَة وبالهمز. ويشجب: بِفَتْح الْمُثَنَّاة التَّحْتِيَّة وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة وَضم الْجِيم وبالباء الْمُوَحدَة. ويعرب بِفَتْح الْمُثَنَّاة التَّحْتِيَّة وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة وَضم الْجِيم وبالباء الْمُوَحدَة. ويعرب بِفَتْح الْمُثَنَّاة التَّحْتِيَّة وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة وَضم الرَّاء الْمُهْملَة وبالباء الْمُوَحدَة. كَذَا فِي جَامع الْأُصُول لِابْنِ الْأَثِير وَغَيره من كتب الْأَنْسَاب. والسراة بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة هُوَ أعظم جبال الْعَرَب. روى أَبُو عبيد

الْبكْرِيّ فِي مُعْجم مَا استعجم بِسَنَدِهِ إِلَى سعيد بن الْمسيب: أَنه قَالَ: لما خلق الله عَزَّ وَجَلَّ الأَرْض مادت بِأَهْلِهَا فضربها بِهَذَا الْجَبَل يَعْنِي السراة فاطمأنت. قَالَ أَبُو عبيد: وَطول السراة: مَا بَين ذَات عرق إِلَى حد نَجْرَان الْيمن. وَبَيت الْمُقَدّس فِي غربي طولهَا. وعرضها مَا بَين الْبَحْر إِلَى الشرق. فَصَارَ مَا خلف هَذَا الْجَبَل فِي غربيه إِلَى أسياف الْبَحْر من بِلَاد الْأَشْعَرِيين وعك وكنانة إِلَى ذَات عرق والجحفة وَمَا والاها وصاقبها وغار من أرْضهَا الْغَوْر: غور تهَامَة وتهامة تجمع ذَلِك كُله. وغور الشَّام لَا يدْخل فِي ذَلِك. وَصَارَ مَا دون ذَلِك فِي شرقيه من الصحارى إِلَى أَطْرَاف الْعرَاق والسماوة وَمَا يَليهَا نجداً ونجد يجمع ذَلِك كُله. وَصَارَ الْجَبَل نَفسه سراته وَهُوَ الْحجاز. وَمَا احتجز بِهِ فِي شرقيه من الْجبَال وانحاز إِلَى نَاحيَة فيد والجبلين إِلَى الْمَدِينَة وَمن بِلَاد مذْحج تثليث. وَمَا دونهَا إِلَى نَاحيَة فيد فَذَلِك كُله حجاز. وَصَارَت بِلَاد الْيَمَامَة والبحرين وَمَا والاهما: الْعرُوض وفيهَا نجد وغور لقربها من الْبَحْر وانخفاض مَوَاضِع مِنْهَا ومسايل أَوديَة فِيهَا وَالْعرُوض بِجمع ذَلِك كُله. وَصَارَ مَا خلف تثليث وَمَا قاربها إِلَى صنعاء وَمَا والاها من الْبِلَاد إِلَى حَضرمَوْت والشحر وعمان وَمَا بَينهمَا الْيمن) وَفِيهِمَا التهائم والنجود واليمن يجمع ذَلِك كُله. وَذَات عرق فصلٌ مَا بَين تهَامَة ونجد والحجاز. وَقيل لأهل ذَات عرق: أمتهمون أَنْتُم أم منجدون قَالُوا: لَا متهمون وَلَا منجدون. انْتهى. كَلَام أبي عبيد. وَقَالَ ابْن مكرم فِي لِسَان الْعَرَب: السراة جبل بِنَاحِيَة الطَّائِف. قَالَ

ابْن السّكيت: الطود: الْجَبَل المشرف على عَرَفَة ينقاد إِلَى صنعاء يُقَال لَهَا: السراة فأوله سراة ثَقِيف ثمَّ سراة فهم وعدوان ثمَّ الأزد انْتهى. قَالَ ابْن عبد الْبر فِي مُقَدّمَة الِاسْتِيعَاب: الأزد جرثومة من جراثيم قحطان وافترقت فِيمَا ذكر أَبُو عُبَيْدَة وَغَيره من عُلَمَاء النّسَب على نَحْو سبع وَعشْرين قَبيلَة. . ثمَّ ذكرهَا. . وَيُقَال: لبَعض مِنْهُم: أَزْد السراة وَهُوَ من أَقَامَ مِنْهُم عِنْد جبل السراة. ولبعض آخر: أَزْد عمان بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الْمِيم وَهُوَ بلد على شاطئ الْبَحْر بَين الْبَصْرَة وعدن أضيفوا إِلَيْهِ لسكناهم فِيهِ. ولبعض آخر: أَزْد غَسَّان بِفَتْح الْعين الْمُعْجَمَة وَتَشْديد السِّين الْمُهْملَة وَهُوَ اسْم مَاء بَين زبيد ورمع وهما واديان للأشعريين فَمن شرب مِنْهُ مِنْهُم سمي أَزْد غَسَّان وهم أَربع قبائل وَمن لم يشرب مِنْهُ لَا يُقَال لَهُ ذَلِك قَالَ حسان بن ثَابت رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: وَمِنْهُم من يُقَال لَهُ: أَزْد شنُوءَة على وزن فعولة وَهُوَ اسْم أَبِيهِم سمي بِهِ لشنآن وَقع بَينهم. واسْمه الْحَارِث وَقيل: عبد الله بن كَعْب بن مَالك بن نصر ابْن الأزد. قَالَ فِي الصِّحَاح: أَزْد أَبُو حَيّ من الْيمن يُقَال أَزْد شنُوءَة وأزد عمان وأزد السراة. قَالَ النَّجَاشِيّ: (وَكنت كذي رجلَيْنِ رجلٌ صحيحةٌ ... ورجلٍ بهَا ريب من الْحدثَان) ...

(فَأَما الَّتِي صحت فأزد شنُوءَة ... وَأما الَّتِي شلت فأزد عمان) وَرَأَيْت فِي الملحقات الَّتِي ألحقها صَاحب الْمُخْتَصر الَّذِي اخْتَصَرَهُ من جمهرة الْأَنْسَاب لِابْنِ الْكَلْبِيّ بعد أَن نقل كَلَام الصِّحَاح مَا نَصه: لم أجد فِي الجمهرة. لِابْنِ دُرَيْد لذَلِك ذكرا بل رَأَيْت فِي العجالة فِي النّسَب أَن شنُوءَة اسْمه الْحَارِث وَقيل عبد الله. فَقَوله: إِنَّه الْحَارِث أقرب إِلَى الصَّوَاب. فالحارث هُوَ الَّذِي ولد هَذِه الْبُطُون والقبائل من دوس وَنصر وغامد وماسخة وَغَيرهم. وَأهل عمان الْآن يَقُولُونَ: إِنَّهُم شنُوءَة وهم من دوس ثمَّ من مَالك بن فهم بن غنم بن دوس.) وَهَذَا الَّذِي ظهر من صِحَة ذَلِك يبطل تَقْسِيم الشَّاعِر فِي هَذَا الْبَيْت وَقَوله: إِن أَزْد عمان غير أَزْد شنُوءَة وَقَول الْجَوْهَرِي: يُقَال أَزْد شنُوءَة وأزد عمان وأزد السراة إِن أَرَادَ بهم التَّقْسِيم على ثَلَاث قبائل ففاسد وَذَلِكَ: أَن أَزْد السراة أَيْضا من أَزْد شنُوءَة فيهم من يذكر وهم ثمالة تحل بَلَدا بالسراة اسْمه قوسى ودوس مِنْهُم منْهب بن دوس بالسراة. وَالْأَقْرَب أَن يُقَال: إِن هَذَا كَقَوْلِهِم غَسَّان وَالْأَنْصَار وخزاعة وَكلهمْ غَسَّان وَإِنَّمَا تجدّد للْأَنْصَار وخزاعة هَذَانِ الوصفان فَبَقيت تَسْمِيَة غَسَّان للشاميين ا. هـ. وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد السَّابِع وَالْأَرْبَعُونَ بعد الْمِائَة) (يَا مرحباه بِحِمَار ناجيه)

على أَن هَاء السكت الْوَاقِعَة بعد الْألف يضمها بعض الْعَرَب ويفتحها فِي حَالَة الْوَصْل فِي الشّعْر. قَالَ ابْن جني فِي بَاب الحكم يقف بَين الْحكمَيْنِ من الخصائص: وَمن ذَلِك بَيت الْكتاب: لَهُ زجلٌ كَأَنَّهُ صَوت حادٍ فَحذف الْوَاو من كَأَنَّهُ لَا على حد الْوَقْف وَلَا على حد الْوَصْل أما الْوَقْف فَيَقْتَضِي بِالسُّكُونِ: كَأَنَّهُ وَأما الْوَصْل فَيَقْتَضِي بالمطل وتمكين الْوَاو: كأنهو فَقَوله إِذن: كَأَنَّهُ منزلَة بَين الْوَصْل وَالْوَقْف. (يَا مرحباه بِحِمَار ناجيه ... إِذا أَتَى قربته للسانيه) فثبات الْهَاء فِي مرحباه لَيْسَ على حد الْوَقْف وَلَا على حد الْوَصْل أما الْوَقْف فَيُؤذن بِأَنَّهَا سَاكِنة وَأما الْوَصْل فَيُؤذن بحذفها أصلا فثباتها فِي الْوَصْل متحركة منزلةٌ بَين المنزلتين ا. هـ. وَقَوله: يَا مرحباه: المنادى مَحْذُوف ومرحبا مصدر مَنْصُوب بعامل مَحْذُوف أَي: صَادف رحباً وسعة. حذف تنوينه لنِيَّة الْوَقْف ثمَّ بعد أَن وصل بِهِ هَاء السكت عَن لَهُ الْوَصْل فوصل. والْحمار مُذَكّر وَالْأُنْثَى أتان وحمارة بِالْهَاءِ نَادِر وَهُوَ مُضَاف إِلَى نَاجِية. ونَاجِية: بالنُّون وَالْجِيم: اسْم

شخص وَبَنُو نَاجِية قوم من الْعَرَب وَنَاجِيَة: مَاء لبني أَسد وَمَوْضِع بِالْبَصْرَةِ والناجية: النَّاقة السريعة وَلَيْسَت بمرادٍ هُنَا. وَالْبَاء مُتَعَلقَة بقوله مرْحَبًا. والسانية: الدَّلْو الْعَظِيمَة وأداتها. والناقة الَّتِي يسنى عَلَيْهَا أَي: يستقى عَلَيْهَا من الْبِئْر.) وَفِي الْمثل: سير السواني سفر لَا يَنْقَطِع. يُقَال: سنت النَّاقة تسنو سناوة وسناية: إِذا سقت الأَرْض والسحابة تسنو الأَرْض وَالْقَوْم يسنون لأَنْفُسِهِمْ: إِذا استقوا وَالْأَرْض مسنوة ومسنية بِالْوَاو وَالْيَاء. وَأَرَادَ بتقريب الْحمار للسانية: أَن يستقى عَلَيْهِ من الْبِئْر بالدلو الْعَظِيمَة. وَأنْشد بعده وَهُوَ وَهُوَ من شَوَاهِد س: فِي لجةٍ أمسك فلَانا عَن فل على أَن فَلَا مِمَّا يخْتَص بالنداء وَقد اسْتَعْملهُ الشَّاعِر فِي الضَّرُورَة غير منادى. قَالَ صَاحب اللّبَاب: ووزنه فعل تَقْديرا والذاهب مِنْهُ الْوَاو فَيكون أَصله فَلَو كفسق فَذَهَبت الْوَاو تَخْفِيفًا. وَذَلِكَ لِأَن الِاسْم المتمكن لَا يكون على حرفين فَلَا بُد من تَقْدِير حرف ثَالِث وحرف الْعلَّة أولى لِكَثْرَة دوره وَالْوَاو أولى لِأَن بَنَات الْوَاو أَكثر.

وَهَذَا الْبَيْت من أرجوزة طَوِيلَة لأبي النَّجْم الْعجلِيّ وصف فِيهَا أَشْيَاء كَثِيرَة أَولهَا: (الْحَمد لله الْعلي الأجلل ... الْوَاسِع الْفضل الوهوب المجزل) (أعْطى فَلم يبخل وَلم يبخل ... كوم الذرى من خول المخول) (تبقلت من أول التبقل ... بَين رماحي مالكٍ ونهشل) يدْفع عَنْهَا الْعِزّ جهل الْجَهْل إِلَى أَن قَالَ: (وَقد جعلنَا فِي وضين الأحبل ... جوز خفافٍ قلبه مثقل) (أخزم لَا قوقٍ وَلَا حزنبل ... موثق الْأَعْلَى أَمِين الْأَسْفَل) إِلَى أَن قَالَ: (وصدرت بعد أصيل الْموصل ... تمشي من الرِّدَّة مشي الحفل) مشي الروايا بالمزاد الأثقل إِلَى أَن قَالَ: (تثير أيديها عجاج القسطل ... إِذْ عصبت بالعطن المغربل) (تدافع الشيب وَلم تقتل ... فِي لجةٍ أمسك فلَانا عَن فل)

وَمِنْهَا فِي صفة الرَّاعِي:) (تفلي لَهُ الرّيح وَلما يفتل ... لمة قفرٍ كشعاع السنبل) (يَأْتِي لَهَا من أيمنٍ وأشمل ... وبدلت والدهر ذُو تبدل) هيفاً دبوراً بالصبا والشمأل وَهِي طَوِيلَة جدا. قَالَ الْأَصْبَهَانِيّ فِي الأغاني: ورد أَبُو النَّجْم على هِشَام بن عبد الْملك فِي الشُّعَرَاء فَقَالَ لَهُم هِشَام: صفوا لي إبِلا فقطروها وأوردوها وأصدروها حَتَّى كَأَنِّي أنظر إِلَيْهَا. فأنشدوه. . وَأنْشد أَبُو النَّجْم هَذِه الأرجوزة بديهة. وَكَانَ أسْرع النَّاس بديهة. قَالَ الْأَصْمَعِي: أَخْبرنِي عمي قَالَ أَخْبرنِي ابْن بنت أبي النَّجْم قَالَ: قَالَ جدي أَبُو النَّجْم: نظمت هَذِه الأرجوزة فِي قدر مَا يمشي الْإِنْسَان من مَسْجِد الْأَشْيَاخ إِلَى مَسْجِد حَاتِم الجزار وَمِقْدَار مَا بَينهمَا غلوة سهم أَي مِقْدَار رمية. وَقَالَ ابْن قُتَيْبَة فِي كتاب الشُّعَرَاء: أنْشد أَبُو النَّجْم هَذِه الأرجوزة هِشَام بن عبد الْملك وَهِي أَجود أرجوزة للْعَرَب وَهِشَام يصفق بيدَيْهِ اسْتِحْسَانًا لَهَا حَتَّى إِذا بلغ قَوْله فِي صفة الشَّمْس: ...

(حَتَّى إِذا الشَّمْس جلاها المجتلي ... بَين سماطي شفقٍ مرعبل) (صغواء قد كَادَت وَلما تفعل ... فَهِيَ على الْأُفق كعين الْأَحول) أَمر بوجء رقبته وإخراجه. وَكَانَ هِشَام أَحول ا. هـ. وَقَوله: الْحَمد لله الْعلي الأجلل أوردهُ عُلَمَاء البلاغة على أَن الأجلل بفك الْإِدْغَام مِمَّا يخل بالفصاحة والفصيح الْأَجَل وَهُوَ الْقيَاس. وَأوردهُ ابْن هِشَام أَيْضا فِي آخر الأوضح على أَن فك الْإِدْغَام فِيهِ للضَّرُورَة مَعَ أَن الْإِدْغَام وَاجِب فِي مثله. وَرَوَاهُ سِيبَوَيْهٍ: الْحَمد لله الوهوب المجزل وأنشده على أَن حذف الْيَاء الْمُتَّصِلَة بِحرف الروي جَائِز على ضعف تَشْبِيها لَهَا فِي الْحَذف بياء الْوَصْل الزَّائِدَة للترنم كَمَا فِي قَوْله المجزل وَنَحْوه. . وَكَأن هَذِه الرِّوَايَة مركبة من بَيْتَيْنِ. والمجزل: من أجزل لَهُ فِي الْعَطاء: إِذا أوسعه. وَالْبخل عِنْد الْعَرَب: منع السَّائِل مِمَّا يفضل عِنْده وَفعله من بَاب تَعب وَقرب. وبخله بِالتَّشْدِيدِ: إِذا نسبه إِلَى الْبُخْل وَأما أبخله بِالْهَمْز فَمَعْنَاه وجده بَخِيلًا. وكوم الذرى: مفعول أعْطى وَهُوَ جمع كوماء بِالْفَتْح وَالْمدّ وَهِي النَّاقة الْعَظِيمَة السنام. وذرى الشَّيْء بِالضَّمِّ أعاليه جمع ذرْوَة بِالْكَسْرِ وَالضَّم أَيْضا وَهِي أَعلَى السنام أَيْضا. والخول بِفتْحَتَيْنِ: الْعَطِيَّة. والمخول) اسْم فَاعل: الْمُعْطِي. فِي الْعباب: الخول: الْعَطِيَّة وَقَوله تَعَالَى: وتركتم مَا خولناكم أَي: أعطيناكم وملكناكم. وَأنْشد هَذَا الْبَيْت. وَقَوله: تبقلت. . الخ البقل: كل نَبَات اخضرت لَهُ الأَرْض. وتبقلت النَّاقة مثلا وابتقلت: رعت

البقل. وَمَالك هُوَ ابْن ضبيعة بن قيس من هوزان. ونهشل هُوَ أَبُو دارم قَبيلَة من ربيعَة. قَالَ الْأَصْفَهَانِي فِي الأغاني: وَكَانَ سَبَب ذكر هَاتين القبيلتين أَعنِي بني مَالك ونهشل: أَن دِمَاء كَانَت بَين بني دارم وَبني نهشل وحروباً فِي بِلَادهمْ فتجافى جَمِيعهم الرَّعْي فِيمَا بَين فلج والصمان مَخَافَة الشَّرّ حَتَّى عَفا كلؤه وَطَالَ. فَذكر: أَن بني عجل جَاءَت لعزها إِلَى ذَلِك الْموضع فرعته وَلم تخف رماح هذَيْن الْحَيَّيْنِ. ففخر بِهِ أَبُو النَّجْم ا. هـ. وفلج بِفَتْح الْفَاء وَسُكُون اللَّام وَآخره جِيم. والصمان بِفَتْح الصَّاد الْمُهْملَة وَتَشْديد الْمِيم قَالَ الْبكْرِيّ فِي مُعْجم مَا استعجم: فلج: مَوضِع فِي بِلَاد مَازِن وَهُوَ فِي طَرِيق الْبَصْرَة إِلَى مَكَّة وَفِيه منَازِل للحجاج. وَقَالَ الزّجاج: فلج بَين الرحيل إِلَى المجازة وَهُوَ ماءٌ لَهُم. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: لما قتل عمرَان بن خُنَيْس السَّعْدِيّ رجلَيْنِ من بني نهشل بن دارم اتهاماً بأَخيه الْمَقْتُول فِي بغاء إبِله نشأت بَين بني سعد بن مَالك وَبَين بني نهشل حربٌ تحامى النَّاس من أجلهَا مَا بَين فلج والصمان وَهُوَ على وزن فعلان: جبل يخرج من الْبَصْرَة على طَرِيق الْمُنْكَدر لمن أَرَادَ مَكَّة. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي فِي نوادره: كَانَ رجل من عنزة دَعَا رؤبة بن العجاج فأطعمه وسقاه فَأَنْشد فخره على ربيعَة فسَاء ذَلِك الْعَنزي

فَقَالَ لغلامه سرا: اركب فرسي وجئني بِأبي النَّجْم. فجَاء بِهِ وَعَلِيهِ جُبَّة خَز وَبت فِي غير سَرَاوِيل. فَدخل واكل وَشرب. ثمَّ قَالَ الْعَنزي: أنشدنا يَا أَبَا النَّجْم ورؤبة لَا يعرفهُ فانتحى فِي قَوْله: الْحَمد لله الوهوب المجزل ينشدها حَتَّى بلغ: (تبقلت من أول التبقل ... بَين رماحي مالكٍ ونهشل) فَقَالَ لَهُ رؤبة: إِن نَهْشَلَا من مَالك يَرْحَمك الله فَقَالَ: يَا ابْن أخي الكمر أشباه الكمر إِنَّه لَيْسَ مَالك بن حَنْظَلَة إِنَّه مَالك بن ضبيعة فخزي رؤبة وحيي من غَلَبَة أبي النَّجْم لَهُ. . ثمَّ وَاسْتشْهدَ صَاحب الْكَشَّاف بقوله:) بَين رماحي مالكٍ ونهشل عِنْد قَوْله تَعَالَى: اثْنَتَيْ عشرَة أسباطاً على جمع الأسباط مَعَ أَن مُمَيّز مَا عدا الْعشْرَة لَا يكون إِلَّا مُفردا. لِأَن المُرَاد بالأسباط الْقَبِيلَة وَلَو قيل: سبطاً لأوهم أَن الْمَجْمُوع قَبيلَة وَاحِدَة فَوضع أسباطاً مَوضِع قَبيلَة كَمَا وضع أَبُو النَّجْم رماحاً وَهُوَ جمع مَوضِع جماعتين من الرماح وَثني على تَأْوِيل: رماح هَذِه الْقَبِيلَة ورماح هَذِه الْقَبِيلَة. فَالْمُرَاد: لكل فَرد من أَفْرَاد هَذِه التَّثْنِيَة جمَاعَة كَمَا أَن لكل فَرد من أَفْرَاد هَذَا الْجمع وَهُوَ أَسْبَاط قَبيلَة. . وفاعل تبقلت ضمير كوم الذرى. زعم بعض شرَّاح شَوَاهِد التَّفْسِير: أَن هَذَا الْبَيْت

فِي وصف رمكة مرتاضة اعتادت ممارسة الحروب حَتَّى تحسب أَرض الْحَرْب رَوْضَة تتبقل فِيهَا. وَلَا يخفى أَن هَذَا كَلَام من لم يقف على سِيَاق هَذَا الْبَيْت وَلَا سباقه. مَعَ أَن هَذَا الزاعم أورد غَالب الأرجوزة وَلم يتفهم الْمَعْنى. وَقَوله: يدْفع عَنْهَا الْعِزّ. . الخ الْعِزّ: فَاعل يدْفع وَهُوَ بِمَعْنى الْقُوَّة والمنعة وَجَهل الْجَهْل: مَفْعُوله أَي: سفاهة السُّفَهَاء وَضمير عَنْهَا رَاجع إِلَى كوم الذرى. وَقَوله: وَقد جعلنَا فِي وضين. . الخ هَذَا فِي وصف بعير السانية والْوَضِين: نسعٌ عريض كالحزام يعْمل من أَدَم قَالَ الْجَوْهَرِي: الْوَضِين للهودج بِمَنْزِلَة البطان للقتب والتصدير للرحل والحزام للسرج وهما كالنسع إِلَّا أَنَّهُمَا من السيور إِذا نسج بعضه على بعض. . تَقول: وضنت النسع أضنه وضناً: إِذا نسجته. والأحبل: جمع حَبل. والْجَوْز بِفَتْح الْجِيم وَآخره زَاي مُعْجمَة. مفعول جعلنَا وَجوز كل شَيْء: وَسطه. والْخفاف بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة وَتَخْفِيف الفاءين بِمَعْنى خَفِيف وَهُوَ منون وَقَلبه فَاعل خفاف وَهُوَ صفة لموصوف مَحْذُوف أَي: بعير خفاف. والمثقل: الثقيل صفة ثَانِيَة. يُرِيد: شددنا الْوَضِين فِي وسط بعير خَفِيف الْقلب ذكي من ثقل بدنه وضخامته. والأحزم: خلاف الأهضم وَهُوَ أَن يكون مَوضِع حزامه عَظِيما وَهُوَ صفة ثَالِثَة. والقوق بِضَم الْقَاف الأولى: الْفَاحِش الطول وَهُوَ صفة رَابِعَة. والحزنبل بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَالزَّاي الْمُعْجَمَة وَسُكُون النُّون وَفتح الْمُوَحدَة: الْقصير. وَقَوله: موثق الْأَعْلَى. . الخ بِالْجَرِّ صفة خَامِسَة وَأَرَادَ بالأعلى ظَهره وبالأسفل بَطْنه وأَمِين بِمَعْنى مَأْمُون صفة سادسة. وَقَوله: أقب. . الخ

مجرور بالفتحة صفة سابعة و) وَمن عَليّ يكْتب بِالْيَاءِ وَلَيْسَت الكسرة فِي اللَّام كسرة إِعْرَاب أَلا ترى أَنه معرفَة وَلَيْسَ بنكرة. أَلا ترى أَن مَعْنَاهُ وكويته فَوق نواظره أَو النواظر مِنْهُ فَهُوَ إِذن معرفَة لِأَنَّهُ يُرِيد بِهِ شَيْئا مَخْصُوصًا فَهُوَ إِذن كَقَوْل أَوْس: (فَملك بالليط الَّذِي تَحت قشره ... كغرقئ بيضٍ كنه القيض من عل) أَي: من أَعْلَاهُ وَقَالَ الشنفرى: (إِذا وَردت أصدرتها ثمَّ إِنَّهَا ... تثوب فتأتي من تحيت وَمن عل) وَإِنَّمَا تعرب عل إِذا كَانَت نكرَة كَقَوْلِهِم فِي النكرَة: من فوقٍ وَمن علٍ إِذا لم ترد أمرا مَعْلُوما. فَقَوله: فَوق النواظر من علٍ علٍ مِنْهُ كشج وعمٍ ووزنه فعل وَالْيَاء فِيهِ لَام الْفِعْل والكسرة فِي اللَّام قبلهَا ككسرة الضَّاد من قَاض. فاعرف ذَلِك. وَفِيه عشر لُغَات: أَتَيْته من علٍ وَمن عل وَمن عَليّ وَمن علا وَمن علو وَمن علو وَمن علو وَمن علوٍ وَمن عالٍ وَمن معالٍ. وَمثله سَوَاء قَول الْعجلِيّ:

أقب من تَحت عريضٍ من عَليّ أَرَادَ من أَعْلَاهُ. أَلا ترَاهُ قرنه بالمعرفة المبنية وَهِي تَحت فعلي إِذن معرفَة فَهُوَ كشج وكسرة لامه ككسرة زَاي غاز والكلمة مَبْنِيَّة على الضَّم وَفِي الْيَاء تَقْدِير ضمة الْبناء. فبيت ربيعَة كجلمود صَخْر حطه السَّيْل من عل قَالَ ابْن جني: عل فِيهِ نكرَة أَلا ترى أَنه لَا يُرِيد من أَعلَى شَيْء مَخْصُوص فالكسرة إِذن فِي لَام علٍ كسرة إِعْرَاب ككسرة دَال يدٍ وَمِيم دم ا. هـ. كَلَام ابْن جني مُخْتَصرا. وَقد قرر ابْن هِشَام أَيْضا فِي الْمُغنِي: أَن عل مَتى أُرِيد بِهِ الْمعرفَة كَانَ مَبْنِيا على الضَّم تَشْبِيها بالغايات كَمَا فِي قَوْله: أرمض من تَحت وأضحى من عِلّة وَالْهَاء للسكت قَالَ: إِذْ المُرَاد فوقية مُعينَة لَا فوقية مُطلقَة. وَالْمعْنَى: أَنه تصيبه الرمضاء من تَحْتَهُ وحر الشَّمْس من فَوْقه. وَمثله قَول الآخر يصف فرسا: أقب من تَحت عريض من عل ا. هـ) وَقد أَشَارَ بقوله: وَمثله يصف فرسا إِلَى أَن ضمة الْبناء فِي عل إِمَّا ملفوظة كَمَا فِي قَوْله: وأضحى من عله وَإِمَّا مقدرَة كَمَا فِي قَول أبي النَّجْم:

عريض من عل فَلَا يرد الِاعْتِرَاض عَلَيْهِ بِأَنَّهُ أنْشدهُ بِالْبِنَاءِ على الضَّم والقوافي كلهَا مجرورة. لَكِن يبْقى عَلَيْهِ أَن الْبَيْت فِي وصف بعير السانية لَا فِي وصف فرس. فَتَأمل وأنصف. قَوْله: معاود كرة. . الخ معاود: اسْم مفعول وَهُوَ بِالْجَرِّ صفة تاسعة أَي: يُعَاد عَلَيْهِ مرَارًا قَول أقبل على الْبِئْر إِذا تفرعت الدَّلْو أدبر عَنْهَا إِذا امْتَلَأت. وكرة: بِالرَّفْع نَائِب فَاعل معاود وَهُوَ مُضَاف لما بعده. وَقَوله: تمشى من الرِّدَّة فِي الصِّحَاح: وَالرِّدَّة بِالْكَسْرِ: امتلاء الضَّرع من اللَّبن قبل النِّتَاج عَن الْأَصْمَعِي. وَأنْشد لأبي النَّجْم تمشي من الرِّدَّة. . الْبَيْت ا. هـ. وَيجوز أَن تكون مصدر قَوْلك رده يردهُ ردا وردة وَالرِّدَّة الِاسْم من الارتداد. وَقَالَ ابْن السيرافي فِي شرح أَبْيَات إصْلَاح الْمنطق: يصف إبِلا قد أكثرت من شرب المَاء فأثقلها الرّيّ وَالرِّدَّة ترَاد فِي أجوافها يُقَال: أردْت فَهِيَ مرد. إِذا انتفخت من المَاء أَو انتفخ ضرْعهَا من غير لبن. يَقُول: تمشي من كَثْرَة شرب المَاء كمشي الَّتِي أثقلها كَثْرَة مَا فِي ضرْعهَا. والحافل: الَّتِي اجْتمع فِي ضرْعهَا اللَّبن ا. هـ. ومشي: مصدر مَنْصُوب أَي: مشياً كمشي الحفل وَهُوَ جمع حافل من حفل اللَّبن فِي الضَّرع: إِذا اجْتمع. والروايا: جمع رِوَايَة من روى الْبَعِير المَاء: حمله فَهُوَ راويةٌ الْهَاء فِيهِ للْمُبَالَغَة ثمَّ أطلقت الرِّوَايَة على كل دَابَّة يستقى المَاء عَلَيْهَا. والمزاد: جمع مزادة وَهِي الراوية الَّتِي تعْمل من جُلُود. وَقَوله: تثير أيديها. . الخ الضَّمِير إِلَى كوم الذرى. والقسطل بِالْقَافِ الْغُبَار والعجاج: مَا ارْتَفع مِنْهُ. وعصبت بِالْعينِ وَالصَّاد الْمُهْمَلَتَيْنِ قَالَ فِي الصِّحَاح: وعصبت الْإِبِل بِالْمَاءِ: إِذا دارت بِهِ. قَالَ الْفراء: عصبت الْإِبِل وعصبت بِالْكَسْرِ: إِذا اجْتمعت. والعطن بِفتْحَتَيْنِ: مبرك الْإِبِل عِنْد المَاء لتشرب عللاً بعد نهل فَإِذا

استوفت ردَّتْ إِلَى المرعى. والمغربل: المنخول أَي: أَن تُرَاب العطن كَأَنَّهُ منخول لِكَثْرَة مَا انسحق مِنْهُ لشدَّة الْحَرَكَة. وَقَوله: تدافع الشيب مصدر تشبيهي وعامله مَحْذُوف وَهُوَ مَعْطُوف على عصبت أَي: اجْتمعت وتدافعت تدافعاً كتدافع الشُّيُوخ والشيب بِالْكَسْرِ جمع أشيب وَهُوَ الشَّيْخ. وَقَوله:) وَقَوله: أمسك فلَانا. الخ هُوَ على إِضْمَار القَوْل أَي: فِي لجة يُقَال فِيهَا: أمسك. . الخ. قَالَ اللَّخْمِيّ فِي شرح أَبْيَات الْجمل تبعا لِابْنِ السَّيِّد: شبه تزاحمها ومدافعة بَعْضهَا بَعْضًا بقومٍ شُيُوخ فِي لجة وَشر يدْفع بَعضهم بَعْضًا فَيُقَال: أمسك فلَانا عَن فلَان أَي: احجز بَينهم. وَخص الشُّيُوخ لِأَن الشَّبَاب فيهم التسرع إِلَى الْقِتَال. فَلذَلِك قَالَ: تدافع الشيب. . الخ. أَي: هِيَ فِي تزاحم وَلَا تقَاتل كالشيوخ. وَقد غفل عَن هَذَا الْمَعْنى الأعلم الشنتمري فِي شرح أَبْيَات س فَقَالَ: إِن مَعْنَاهُ خُذ هَذَا بِدَم هَذَا وَأسر هَذَا بِهَذَا هَذَا كَلَامه وَكَأَنَّهُ لم ينظر إِلَى مَا قبله من الأبيان. وأعجب مِنْهُ قَول ابْن السَّيِّد فِيمَا كتبه على هَذَا الْكتاب فِي شرح بَيت الشَّاهِد: إِن مَعْنَاهُ: قد كثر أصوات الرُّعَاة يَقُول بَعضهم لبَعض: أمسك الْبَعِير الْفُلَانِيّ عَن الْبَعِير الْفُلَانِيّ لِئَلَّا يضرّهُ.

هَذَا كَلَامه مَعَ أَنه سطر مَا قبله من الأبيات وَشَرحهَا من شرح اللّبَاب للفالي. وَقَوله: تفلى لَهُ الرّيح. . الخ الفلي: مصدر فليت رَأسه من بَاب رمى. إِذا نقيته من الْقمل وافتلى هُوَ: إِذا نقاه ويفتل: مجزوم بلما مَحْذُوف الْيَاء من آخِره يُرِيد: أَن الرّيح تهب على رَأسه فَتفرق شعره كَأَنَّهَا تفليه وَهُوَ لم يفتل شعره لشعثه وَقلة تعهده نَفسه. واللمة بِكَسْر اللَّام: الشّعْر الَّذِي يلم بالمنكب أَي: يقرب مِنْهُ وَهُوَ مفعول تفلي على التَّنَازُع. والقفر بِفَتْح الْقَاف وَسُكُون الْفَاء وَأَصله بِالْكَسْرِ: وصفٌ من قفر زيدٌ من بَاب فَرح: إِذا قل لَحْمه. وشعاع السنبل بِفَتْح الشين الْمُعْجَمَة: سفاه وَقد أشع الزَّرْع: أخرج شعاعه وأسفى الزَّرْع: إِذا خشن أَطْرَاف سنبله. والسنبل هُنَا سنبل الْحِنْطَة وَالشعِير وَنَحْوهمَا شبه شعره المنتفش بشوك سنبل الزَّرْع. وَقَوله: يَأْتِي لَهَا. . الخ فَاعل يَأْتِي ضمير الرَّاعِي وَضمير لَهَا لكوم الذرى قَالَ صَاحب الصِّحَاح: أَي: يعرض لَهَا من نَاحيَة الْيَمين وناحية الشمَال. وَذهب إِلَى معنى أَيمن الْإِبِل وأشملها فَجمع لذَلِك ا. هـ. وَأوردهُ سِيبَوَيْهٍ على أَن الشَّاعِر لما جر أيمناً وأشملاً بِمن أخرجهُمَا عَن الظَّرْفِيَّة. وَزعم الأعلم) الشنتمري أَن هَذَا الْبَيْت فِي وصف ظليم ونعامة قَالَ: يَعْنِي: كلما أسرعت إِلَى أدحيها وَهُوَ مبيضها عرض لَهَا يَمِينا وَشمَالًا مزعجاً لَهَا وَهَذَا كَمَا ترى لَا أصل لَهُ. وَقَوله: وبدلت والدهر ذُو تبدل. . الخ نَائِب الْفَاعِل ضمير الرّيح والهيف بِفَتْح الْهَاء مثل الهوف بضَمهَا: ريح حارة تَأتي من الْيمن وَهِي النكباء الَّتِي تجْرِي بَين الْجنُوب وَالدبور من تَحت مجْرى سُهَيْل. وَالصبَا: ريح ومهبها المستوي أَي تهب من مَوضِع مطلع

الشَّمْس إِذا اسْتَوَى اللَّيْل وَالنَّهَار. والدبور: الرّيح الَّتِي تقَابل الصِّبَا. والشمَال بِسُكُون الْمِيم وَفتح الْهمزَة بعْدهَا: الرّيح الَّتِي تقَابل الْجنُوب. فَكَانَ الْوَاجِب أَن يُقَابل الشمَال بالجنوب. لكنه لضَرُورَة النّظم أَقَامَ الهيف مقَام الْجنُوب لقربها من الْجنُوب. وَفِيه لف وَنشر غير مُرَتّب أَي: بدلت الرّيح فَجَاءَت الدبور بدل الصِّبَا وَجَاءَت الهيف أَي: الْجنُوب بدل الشمَال. فَفِيهِ دُخُول الْبَاء على الْمَتْرُوك وَهُوَ الْمَشْهُور وَسمع خِلَافه أَيْضا. وَأوردهُ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي على أَن جملَة: والدهر ذُو تبدل مُعْتَرضَة بَين الْفِعْل ومفعوله للتَّأْكِيد والتسديد. وَقَوله: بَين سماطي شفق مرعبل السماط بِالْكَسْرِ: الصَّفّ والجانب والسماطان من النَّاس وَالنَّخْل: الجانبان يُقَال: مَشى بَين السماطين وَأنْشد القصيدة بَين السماطين. والمرعبل: المقطع. وَرُوِيَ بدله مهول. وصغواء بالغين الْمُعْجَمَة من صغت النُّجُوم إِذا مَالَتْ للغروب. وَقَوله: قد كَادَت أَي: قاربت الشَّمْس أَن تغيب وَلم تغب بِالْفِعْلِ. روى صَاحب الأغاني: أَن أَبَا النَّجْم لما بلغ ذكر الشَّمْس فَقَالَ: وَهِي على الْأُفق كعين. . وَأَرَادَ أَن يَقُول: الْأَحول فَذكر حول هِشَام فَلم يتم الْبَيْت وأرتج عَلَيْهِ. فَقَالَ هِشَام: أجز. فَقَالَ: كعين الْأَحول. فَأمر هِشَام بِإِخْرَاجِهِ من الرصافة وَيُقَال: لَهَا رصافة هِشَام وَهِي مَدِينَة فِي غربي

الرقة بَينهمَا أَرْبَعَة فراسخ على طرف الْبَريَّة بناها هِشَام لما وَقع الطَّاعُون بِالشَّام وَكَانَ يسكنهَا فِي الصَّيف وَكَانَت قبل من بِنَاء الْمُلُوك الغسانيين ثمَّ قَالَ لصَاحب شرطته: إياك وَأَن أرى هَذَا فَكلم وُجُوه النَّاس صَاحب الشرطة أَن يقره. فَفعل. فَكَانَ يُصِيب من فضول أَطْعِمَة النَّاس ويأوي بِاللَّيْلِ إِلَى الْمَسَاجِد. . قَالَ أَبُو النَّجْم: وَلم يكن فِي الرصافة أحدٌ يضيف إِلَّا سليم بن كيسَان الْكَلْبِيّ وَعَمْرو بن بسطَام الثَّعْلَبِيّ فَكنت أتغدى عِنْد سليم وأتعشى عِنْد عَمْرو وَآتِي الْمَسْجِد فأبيت فِيهِ. فأغتم هشامٌ لَيْلَة وَأَرَادَ مُحدثا يحدثه فَقَالَ لخادمٍ لَهُ: أبغني مُحدثا أَعْرَابِيًا أهوج شَاعِرًا يروي الشّعْر. فَخرج) الْحَاجِب إِلَى الْمَسْجِد فَإِذا هُوَ بِأبي النَّجْم فَضَربهُ بِرجلِهِ وَقَالَ لَهُ: قُم أجب أَمِير الْمُؤمنِينَ. فَقَالَ: أَنا أَعْرَابِي غَرِيب. قَالَ: إياك أبغي فها تروي الشّعْر قَالَ: نعم وأقوله. فَأقبل بِهِ حَتَّى أدخلهُ الْقصر وأغلق الْبَاب فأيقن بِالشَّرِّ ثمَّ مضى فَأدْخلهُ على هِشَام فِي بَيت صَغِير بَينه وَبَين أَهله ستر رَقِيق والشمع بَين يَدَيْهِ يزهر. قَالَ: فَلَمَّا دخلت قَالَ لي: أَبُو النَّجْم قلت: نعم يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ طريدك. قَالَ: اجْلِسْ. فَسَأَلَنِي وَقَالَ: أَيْن كنت تأوي فَأَخْبَرته الْخَبَر. قَالَ: وَمَالك من الْوَلَد وَالْمَال قلت: أما المَال فَلَا مَال لي وَأما الْوَلَد فلي ثَلَاث بَنَات وَبني يُقَال لَهُ: شيان بِفَتْح الشين وَتَشْديد الْيَاء الْمُثَنَّاة التَّحْتِيَّة قَالَ: هَل أخرجت من بناتك قلت: نعم زوجت اثْنَتَيْنِ وَبقيت وَاحِدَة تجمز

فِي أَبْيَاتنَا كَأَنَّهَا نعَامَة قَالَ: وَمَا وصيت بِهِ الأولى وَكَانَت تسمى برة قَالَ: (أوصيت من برة قلباً حرا ... بالكلب خيرا والحماة شرا) (لَا تسأمي ضربا لَهَا وجراً ... حَتَّى ترى حُلْو الْحَيَاة مرا) (وَإِن كستك ذَهَبا ودرا ... والحي عميهم بشر طرا) فَضَحِك هِشَام وَقَالَ: فَمَا قلت فِي الْأُخْرَى قَالَ: قلت: (سبي الحماة وابهتي عَلَيْهَا ... وَإِن دنت فازلفي إِلَيْهَا) (وقعدي كفيك فِي صدغيها ... لَا تُخْبِرِي الدَّهْر بِذَاكَ ابنيها) فَضَحِك هِشَام حَتَّى بَدَت نَوَاجِذه وَسقط على قَفاهُ وَقَالَ: وَيحك مَا هَذِه وَصِيَّة يَعْقُوب لوَلَده قَالَ: وَلَا أَنا كيعقوب يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ قَالَ: فَمَا قلت فِي الثَّالِثَة قَالَ: قلت: (أوصيك يَا بِنْتي فَإِنِّي ذَاهِب ... أوصيك أَن يحمدك الْأَقَارِب) (وَالْجَار والضيف الْكَرِيم الساغب ... وَيرجع الْمِسْكِين وَهُوَ خائب) (وَلَا تني أظفارك السلاهب ... لَهُنَّ فِي وَجه الحماة كَاتب) وَالزَّوْج إِن الزَّوْج بئس الصاحب قَالَ: فَأَي شَيْء قلت فِي تَأْخِير تَزْوِيجهَا قَالَ: قلت: ...

(كَأَن ظلامة أُخْت شيان ... يتيمةٌ ووالدها حَيَّان) (الْجيد مِنْهَا عطلٌ والآذان ... وَلَيْسَ للرجلين إِلَّا خيطان) (وقصةٌ قد شيطتها النيرَان ... تِلْكَ الَّتِي يضْحك مِنْهَا الشَّيْطَان)) فَضَحِك هِشَام وضحكت النِّسَاء لضحكه وَقَالَ للخصي: كم بَقِي من نَفَقَتك قَالَ: ثلثمِائة دِينَار. قَالَ: أعْطه إِيَّاهَا يَجْعَلهَا فِي رجْلي ظلامة مَكَان الْخَيْطَيْنِ. وَتَقَدَّمت تَرْجَمَة أبي النَّجْم فِي الشَّاهِد السَّابِع فِي أَوَائِل الْكتاب. الشَّاهِد التَّاسِع وَالْأَرْبَعُونَ بعد الْمِائَة) (أَطُوف مَا أَطُوف ثمَّ آوي ... إِلَى بَيت قعيدته لكاع) على أَن لكاع مِمَّا يخْتَص بالنداء وَقد اسْتعْمل فِي غير النداء ضَرُورَة. قَالَ الْمبرد فِي الْكَامِل: يُقَال فِي النداء للئيم يَا لكع وللأنثى يَا لكاع لِأَنَّهُ مَوضِع معرفَة. فَإِن لم ترد أَن تعدله عَن جِهَته قلت للرجل: يَا ألكع وللأنثى يَا لكعاء. وَهَذَا مَوضِع لَا تقع فِي النكرَة. وَقد جَاءَ فِي الحَدِيث:

لَا تقوم السَّاعَة حَتَّى يَلِي أُمُور النَّاس لكع بن لكع. فَهَذَا كِنَايَة عَن اللَّئِيم ابْن اللَّئِيم. وَهَذَا بِمَنْزِلَة عمر ينْصَرف فِي النكرَة وَلَا ينْصَرف فِي الْمعرفَة. ولكاع مَبْنِيّ على الْكسر. وَقد اضْطر الحطيئة فَذكر لكاع فِي غير النداء فَقَالَ يهجو امْرَأَته: أَطُوف مَا أَطُوف. ثمَّ آوي. . الْبَيْت وقعيدة الْبَيْت: ربة الْبَيْت وصاحبته. وَإِنَّمَا قيل: قعيدة لقعودها وملازمتها. قَالَ الْمَدَائِنِي فِي كتاب النِّسَاء الفوارك إِن امْرَأَة الحطيئة نشزت عَلَيْهِ وَسَأَلته الْفرْقَة فَقَالَ: أجول مَا أجول ثمَّ آوي. . الْبَيْت قَالَ المرزوقي فِي شرح فصيح ثَعْلَب: هَذَا الْبناء يُرَاد بِهِ الْمُبَالغَة. وَمعنى لكاع: المتناهية فِي اللؤم. وَالْفِعْل مِنْهُ لكعت لكعاً ولكاعا وَهِي لكعاء وملكعانة. وَالْأَصْل فِي اللكع: الْوَسخ. ومَا مَعَ مَا بعْدهَا فِي تَأْوِيل الْمصدر الَّذِي يُرَاد بِهِ الزَّمَان وَالتَّقْدِير: أَطُوف مُدَّة تطويفي. وَأورد ابْن عقيل فِي شرح الألفية هَذَا الْبَيْت شَاهدا على وصل المصدرية بالمضارع الْمُثبت وَهُوَ قَلِيل وَالْكثير وَصلهَا بالمضارع الْمَنْفِيّ أَو الْمَاضِي. وَمعنى الْبَيْت: أَطُوف نهاري كُله فِي طلب الرزق فَإِذا أويت عِنْد اللَّيْل فَإِنَّمَا آوي إِلَى بيتٍ قِيمَته الْقَاعِدَة فِيهِ لئيمة. والمصراع الأول مَأْخُوذ من قَول قيس بن زُهَيْر بن جذيمة: ...

(وأطوف مَا أَطُوف ثمَّ آوي ... إِلَى جارٍ كجار أبي دواد) وَأَبُو دواد هُوَ أَبُو دواد الْإِيَادِي الشَّاعِر الْمَشْهُور. وجاره: كَعْب بن مامة الْإِيَادِي الْجواد) الْمَشْهُور. وَقيل بل هُوَ الْحَارِث بن همام بن مرّة وَكَانَ أسر أَبَا دوادٍ وناساً من قومه فَأَطْلَقَهُمْ وَأكْرم أَبَا دواد وَأَجَارَهُ فمدحه أَبُو دواد وَأَعْطَاهُ وَحلف أَن لَا يذهب لَهُ شَيْء إِلَّا أخلفه لَهُ. وَيُقَال: إِن ولد أبي دواد لعب مَعَ صبيان فِي غَدِير فغمسوه فَمَاتَ فَقَالَ الْحَارِث: لَا يبْقى صبيٌ فِي الْحَيّ إِلَّا غرق فودى ابْنه بديات كَثِيرَة. وآوي: مضارع آوى إِلَى منزله من بَاب ضرب أوياً: إِذا أَقَامَ بِهِ وانضم ولجأ إِلَيْهِ. وَمعنى وَهَذَا بَيت مفردٌ هجا بِهِ امْرَأَته كَمَا ذكرنَا. والحطيئة اسْمه: جَرْوَل بن أَوْس بن مَالك بن جؤية بن مَخْزُوم بن مَالك ابْن غَالب بن قطيعة بِالتَّصْغِيرِ بن عبس بن بغيض بن ريث بن غطفان بن سعد ابْن قيس بن عيلان بن مُضر بن نزار بن معد بن عدنان وكنيته أَبُو مليكَة بِالتَّصْغِيرِ. وَاخْتلف فِي تلقيبه بالحطيئة بِضَم الْحَاء وَفتح الطَّاء الْمُهْمَلَتَيْنِ وَسُكُون الْمُثَنَّاة التَّحْتِيَّة وَبعدهَا همزَة فَقيل: لقب بذلك لقصره وقربه من الأَرْض فِي الصِّحَاح: والحطيئة: الرجل الْقصير قَالَ ثَعْلَب: وَسمي الحطيئة لدمامته. وَقيل: لِأَنَّهُ ضرط بَين قوم فَقيل لَهُ: هَذَا فَقَالَ حطيئة يُقَال حطأ: إِذا ضرط. وَقيل: لِأَنَّهُ كَانَ محطوء الرجل وَالرجل المحطوءة: الَّتِي لَا أَخْمص لَهَا.

وَهُوَ أحد فحول الشُّعَرَاء متصرف فِي فنون الشّعْر: من المديح والهجاء وَالْفَخْر والنسيب. وَكَانَ سَفِيها شريراً. ينتسب إِلَى الْقَبَائِل وَكَانَ إِذا غضب على قَبيلَة انْتَمَى إِلَى أُخْرَى. قَالَ ابْن الْكَلْبِيّ: كَانَ الحطيئة مغموز النّسَب وَكَانَ من أَوْلَاد الزِّنَى الَّذين شرفوا. وَكَانَ أَوْس بن مَالك الْعَبْسِي تزوج بنت رَبَاح بن عَوْف الشَّيْبَانِيّ وَكَانَت لَهَا أمة يُقَال لَهَا: الصراء فأعقلها أَوْس. وَكَانَ لبِنْت رَبَاح أخٌ يُقَال لَهُ: الأفقم فَلَمَّا ولدت الصراء جَاءَت بِهِ شَبِيها بالأفقم. فَقَالَت مولاتها: من أَيْن لَك هَذَا الصَّبِي قَالَت: من أَخِيك وهابت أَن تَقول: من زَوجك ثمَّ مَاتَ الأفقم وَترك ابْنَيْنِ من حرَّة وَتزَوج الصراء رجلٌ من عبس فَولدت لَهُ ابْنَيْنِ فَكَانَا أخوي الحطيئة من أمه. وأعتقت بنت رَبَاح الحطيئة وربته فَكَانَ كَأَنَّهُ أحدهم ثمَّ اعْترفت أمه بِأَنَّهُ من أَوْس. وَترك الأفقم نخيلاً بِالْيَمَامَةِ فَأتى الحطيئة أَخَوَيْهِ من أَوْس فَقَالَ لَهُم: أفردوا لي من مالكم قِطْعَة. فَقَالَا: لَا وَلَكِن أقِم مَعنا نواسك. فهجاهما. وَسَأَلَ أمه: من أَبوهُ فخلطت عَلَيْهِ فَغَضب عَلَيْهَا وهجاها وَلحق بإخوته. من بني الأفقم وَنزل عَلَيْهِم فِي الْقرْيَة وَقَالَ يمدحهم: (إِن الْقرْيَة خير ساكنها ... أهل الْقرْيَة من بني ذهل))

(الضامنون لمَال جارهم ... حَتَّى يتم نواهض البقل) (قومٌ إِذا انتسبوا ففرعهم ... فرعي وَأثبت أصلهم أُصَلِّي) وسألهم مِيرَاثه من الأفقم فَأَعْطوهُ نخيلات فَلم تقنعه. فَسَأَلَهُمْ مِيرَاثه كَامِلا فَلم يعطوه شَيْئا. فَغَضب عَلَيْهِم وهجاهم ثمَّ عَاد إِلَى بني عبس وانتسب إِلَى أَوْس بن مَالك. قَالَ ابْن قُتَيْبَة: وَكَانَ الحطيئة راوية زُهَيْر. وَكَانَ جاهلياً إسلامياً. وَلَا أرَاهُ أسلم إِلَّا بعد وَفَاة رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ لِأَنِّي لم أجد لَهُ ذكرا فِيمَن وَفد عَلَيْهِ من وُفُود الْعَرَب غير أَنِّي وجدته فِي خلَافَة أبي بكر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه يَقُول: (أَطعْنَا رَسُول الله إِذْ كَانَ حَاضرا ... فيا لهفتي مَا بَال دين أبي بكر) وَقَالَ ابْن حجر فِي الْإِصَابَة: كَانَ أسلم فِي عهد النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ثمَّ ارْتَدَّ ثمَّ أسر وَعَاد إِلَى الْإِسْلَام. وروى ابْن أخي الْأَصْمَعِي عَن عَمه قَالَ: كَانَ الحطيئة جشعاً سؤولاً ملحفاً دنيء النَّفس كثير الشَّرّ بَخِيلًا قَبِيح المنظر رث الْهَيْئَة مغموز النّسَب فَاسد الدَّين وَمَا تشَاء أَن تَقول فِي شعر شَاعِر عَيْبا إِلَّا وجدته وقلما تَجِد ذَلِك فِي شعره.

وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: التمس الحطيئة ذَات يَوْم إنْسَانا يهجوه فَلم يجده وضاق ذَلِك عَلَيْهِ فَجعل يَقُول: (أَبَت شفتاي الْيَوْم إِلَّا تكلما ... بسوءٍ فَمَا ادري لمن أَنا قَائِله) وَجعل يهدر بذا الْبَيْت فِي أشداقه وَلَا يرى إنْسَانا إِذْ اطلع فِي حَوْض فَرَأى وَجهه فَقَالَ: (أرى لي وَجها شوه الله وَجهه ... فقبح من وجهٍ وقبح حامله) وَكَانَ الْكَلْب بن كنيس تزوج الصراء أم الحطيئة فهجاه وهجا أمه فَقَالَ: (وَلَقَد رَأَيْتُك فِي النِّسَاء فسؤتني ... وَأَبا بنيك فساءني فِي الْمجْلس) فِي أَبْيَات. وَقَالَ يهجو أمه: (فقد ملكت أَمر بنيك حَتَّى ... تَركتهم أدق من الطحين) (لسَانك مبردٌ لَا عيب فِيهِ ... ودرك در جاذبةٍ دَهِين) وَقَالَ يهجوها أَيْضا:) (تنحي فاجلسي مني بَعيدا ... أراح الله مِنْك العالمينا) (أغربالاً إِذا اسْتوْدعت سرا ... وكانوناً على المتحدثينا) (حياتك مَا علمت حَيَاة سوءٍ ... وموتك قد يسر الصالحينا)

. وَقَالَ فِي هجاء أَبِيه وَعَمه وخاله: (لحاك الله ثمَّ لحاك حَقًا ... أَبَا ولحاك من عَم وخال) (فَنعم الشَّيْخ أَنْت لَدَى المخازي ... وَبئسَ الشَّيْخ أَنْت لَدَى الْمَعَالِي) (جمعت اللؤم لَا حياك رَبِّي ... وأبواب السفاهة والضلال) قَالَ ابْن قُتَيْبَة: وَدخل الحطيئة على عتيبة بن النهاس الْعجلِيّ فَسَأَلَهُ فَقَالَ: مَا أَنا فِي عمل فأعطيك من غدده وَمَا فِي مَالِي فضلٌ عَن قومِي. فَلَمَّا خرج قَالَ لَهُ رجل من قومه: أتعرفه قَالَ: لَا قَالَ: هَذَا الحطيئة فَأمر برده فَلَمَّا رَجَعَ قَالَ: إِنَّك لم تسلم تَسْلِيم الْإِسْلَام وَلَا استأنست استئناس الْجَار وَلَا رَحبَتْ ترحيب ابْن الْعم. قَالَ: هُوَ ذَلِك. قَالَ: اجْلِسْ فلك (وَمن يَجْعَل الْمَعْرُوف من دون عرضه ... يفره وَمن لايتق الشتم يشْتم) قَالَ: ثمَّ من قَالَ: أَنا فَقَالَ عتيبة لغلامه: اذْهَبْ بِهِ إِلَى السُّوق فَلَا يشيرن إِلَى شَيْء إِلَّا اشْتَرَيْته لَهُ. فَانْطَلق بِهِ الْغُلَام فَجعل يعرض عَلَيْهِ الْحبرَة واليمنة وَبَيَاض مصر وَهُوَ يُشِير إِلَى الكرابيس والأكسية الْغِلَاظ. فَاشْترى لَهُ بِمِائَتي دِرْهَم وأوقر رَاحِلَته برا وَتَمْرًا فَقَالَ لَهُ الْغُلَام: هَل من حاجةٍ غير هَذَا قَالَ: لَا حسبي قَالَ: إِنَّه قد أَمرنِي أَن لَا أجعَل لَك عِلّة

فِيمَا تُرِيدُ. قَالَ: لَا حَاجَة بِي أَن يكون لهَذَا يدٌ على قومِي أَكثر من هَذِه. . ثمَّ ذهب فَقَالَ: (سُئِلت فَلم تبخل وَلم تعط طائلاً ... فسيان لَا ذمٌ عَلَيْك وَلَا حمد) (وَأَنت امرؤٌ لَا الْجُود مِنْك سجيةٌ ... فنعطي وَقد يعدي على النائل الوجد) وأتى الحطيئة كَعْب بن زُهَيْر فَقَالَ لَهُ: قد علمت روايتي لكم وانقطاعي إِلَيْكُم وَقد ذهب الفحول غَيْرِي وَغَيْرك فَلَو قلت شعرًا تبدأ فِيهِ بِنَفْسِك ثمَّ تثني بِي فَإِن النَّاس لأشعاركم أروى. فَقَالَ كَعْب: (فَمن للقوافي شانها من يحوكها ... إِذا مَا ثوى كعبٌ وَفَوْز جَرْوَل) (نقُول وَلَا نعيا بِشَيْء نقُوله ... وَمن قائليها من يسيء وَيعْمل)) وَفِي الأغاني عَن جمَاعَة: أَن الحطيئة لما حَضرته الْوَفَاة اجْتمع إِلَيْهِ قومه فَقَالُوا: أوص يَا أَبَا مليكَة. قَالَ: ويلٌ للشعر من راوية السوء قَالُوا: أوص يَرْحَمك الله قَالَ: من الَّذِي يَقُول: (إِذا نبض الرامون عَنْهَا ترنمت ... ترنم ثَكْلَى أوجعتها الْجَنَائِز) قَالُوا: الشماخ. قَالَ: أبلغوا غطفان أَنه أشعر الْعَرَب قَالُوا: وَيحك أهذه وَصِيَّة أوص بِمَا ينفعك قَالَ: أبلغوا أهل ضابئ أَنه شَاعِر حَيْثُ يَقُول: (لكل جديدٍ لذةٌ غير أنني ... وجدت جَدِيد الْمَوْت غير لذيذ)

قَالُوا: أوص وَيحك بِغَيْر ذَا. قَالَ: أبلغوا أهل امْرِئ الْقَيْس أَنه أشعر الْعَرَب حَيْثُ يَقُول: (فيا لَك من ليلٍ كَأَن نجومه ... بِكُل مغار الفتل شدت بيذبل) قَالُوا: اتَّقِ الله ودع عَنْك هَذَا قَالَ: أبلغوا الْأَنْصَار أَن صَاحبهمْ أشعر الْعَرَب حَيْثُ يَقُول: (يغشون حَتَّى مَا تهر كلابهم ... لَا يسْأَلُون عَن السوَاد الْمقبل) قَالُوا: إِن هَذَا لَا يُغني عَنْك شَيْئا فَقل غير مَا أَنْت فِيهِ. فَقَالَ: (الشّعْر صعبٌ وطويلٌ سلمه ... إِذا ارْتقى فِيهِ الَّذِي لَا يُعلمهُ) (زلت بِهِ إِلَى الحضيض قدمه ... يُرِيد أَن يعربه فيعجمه) قَالُوا: هَذَا مثل الَّذِي أَنْت فِيهِ. فَقَالَ: فوردت نَفسِي وَمَا كَادَت ترد قَالُوا: يَا أَبَا مليكَة أَلَك حَاجَة قَالَ: لَا وَالله وَلَكِن أجزع على المديح الْجيد يمدح بِهِ من لَيْسَ لَهُ أَهلا. قَالُوا: فَمن أشعر النَّاس فَأَوْمأ بِيَدِهِ إِلَى فِيهِ وَقَالَ: هَذَا اللِّسَان إِذا طمع فِي خير. واستعبر باكياً. قَالُوا لَهُ: قل: لَا إِلَه إِلَّا الله. فَقَالَ:

(قَالَت وفيهَا حيدةٌ وذعر ... عوذٌ بربي مِنْكُم وَحجر) فَقيل لَهُ: مَا تَقول فِي عبيدك فَقَالَ: هم عبيد قنٌ مَا عاقب اللَّيْل النَّهَار. قَالُوا: فأوص للْفُقَرَاء بِشَيْء. قَالَ: أوصيهم بالإلحاح فِي الْمَسْأَلَة فَإِنَّهَا تجارةٌ لن تبور واست المسؤول أضيق قَالُوا: فَمَا تَقول فِي مَالك قَالَ: للْأُنْثَى من وَلَدي مثلا حَظّ الذّكر. قَالُوا: لَيْسَ هَكَذَا قضى الله. قَالَ: لكني هَكَذَا قضيت. قَالُوا: فَمَا توصي لِلْيَتَامَى قَالَ: كلوا أَمْوَالهم ونيكوا أمهاتهم. قَالُوا: فَهَل شيءٌ تعهد فِيهِ غير هَذَا قَالَ: نعم تحملوني على أتان وتتركوني راكبها حَتَّى أَمُوت فَإِن الْكَرِيم لَا يَمُوت على فرَاشه والأتان مركبٌ لم يمت عَلَيْهِ كريمٌ قطّ. فَحَمَلُوهُ على أتان وَجعلُوا) يذهبون بِهِ ويجيئون عَلَيْهَا حَتَّى مَاتَ. وَفِي الْإِصَابَة لِابْنِ حجر: أَنه عَاشَ إِلَى زمن مُعَاوِيَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه. أنْشد فِيهِ وَهُوَ الشَّاهِد الْخَمْسُونَ بعد الْمِائَة) وَهُوَ من شَوَاهِد س: (بِنَا تميماً يكْشف الضباب) على أَن الْمَنْصُوب على الِاخْتِصَاص رُبمَا كَانَ علما. أَقُول: تَمِيم هُوَ تَمِيم بن مر بن أد بن طابخة بن الياس بن مُضر. وَهَذَا لَيْسَ مُرَاد الشَّاعِر وَإِنَّمَا مُرَاده الْقَبِيلَة. والضباب: جمع ضَبَابَة وَهُوَ

ندى كالغبار يغشى الأَرْض بالغدوات وأضب يَوْمنَا بِالْهَمْزَةِ: إِذا صَار ذَا ضباب. فَضرب الضباب مثلا لغمة الْأَمر وشدته أَي: بِنَا تكشف الشدائد فِي الحروب وَغَيرهَا. وأنشده س على أَن تميماً مَنْصُوب بإضمار فعل على معنى الِاخْتِصَاص وَالْفَخْر. وبِنَا مُتَعَلق بقوله: يكْشف. وَقدم للحصر. وَهَذَا الْبَيْت من أرجوزة لرؤبة بن العجاج وَقد تقدّمت تَرْجَمته فِي الشَّاهِد الْخَامِس من أَوَائِل الْكتاب. الشَّاهِد الْحَادِي وَالْخَمْسُونَ بعد الْمِائَة:) (إِنَّا بني ضبة لَا نفر) على أَن بني ضبة مَنْصُوب على الِاخْتِصَاص تَقْدِيره: أخص بني ضبة الْجُمْلَة مُعْتَرضَة بَين اسْم إِن وخبرها وَهُوَ جملَة لَا نفر جِيءَ بهَا لبَيَان الافتخار. وضبة هُوَ ابْن أد بن طابخة بن الياس بن مُضر وَأَبْنَاء ضبة ثَلَاثَة: سعد وَسَعِيد بِالتَّصْغِيرِ وباسل وَهُوَ أَبُو الديلم. قَالَ أَبُو عبيد الْقَاسِم بن سَلام: خرج باسل بن ضبة مغاضباً لِأَبِيهِ فَوَقع بِأَرْض الديلم فَتزَوج امْرَأَة من الْعَجم فَولدت لَهُ ديلماً. فَهُوَ أَبُو الديلم.

وَأنْشد بعده وهوالشاهد الثَّانِي وَالْخَمْسُونَ بعد الْمِائَة) (لنا يومٌ وللكروان يومٌ ... تطير البائسات وَلَا نطير) على أَن البائسات مَنْصُوب على الترحم. وَهَذَا الْبَيْت لقصيدة لطرفة بن العَبْد هجا بهَا عَمْرو بن الْمُنْذر امْرِئ الْقَيْس وأخاه قَابُوس بن (فليت لنا مَكَان الْملك عمرٍ و ... رغوثا حول قبتنا تخور) (من الزمرات أسبل قادماها ... وضرتها مركنةٌ درور) (يشاركنا لنا رخلان فِيهَا ... وتعلوها الكباش وَمَا تنور) (لعمرك إِن قَابُوس بن هندٍ ... ليخلط ملكه نوك كثير) (قسمت الدَّهْر فِي زمنٍ رخي ... كَذَاك الحكم يقْصد أَو يجور) لنا يومٌ وللكروان يومٌ ... ... ... ... ... ... الْبَيْت (فَأَما يومهن فَيوم سوءٍ ... تطاردهن بالحدب الصقور) (وَأما يَوْمنَا فنظل ركباً ... وقوفاً مَا نحل وَلَا نسير) وَكَانَ السَّبَب فِي هَذِه القصيدة على مَا حكى الْمفضل بن سَلمَة فِي كِتَابه الفاخر أَن عَمْرو بن الْمُنْذر كَانَ يرشح أَخَاهُ قَابُوس بن الْمُنْذر ليملك بعده فَقدم عَلَيْهِ المتلمس وطرفة فجعلهما فِي صحابة قَابُوس وَأَمرهمَا بلزومه. . وَكَانَ قَابُوس شَابًّا يُعجبهُ اللَّهْو وَكَانَ يركب يَوْمًا فِي الصَّيْد فيركض يتصيد وهما مَعَه يركضان حَتَّى يرجعا عَشِيَّة وَقد تعبا فَيكون قَابُوس من الْغَد

فِي الشَّرَاب فيقفان بِبَاب سرادقة إِلَى الْعشي. فَكَانَ قَابُوس يَوْمًا على الشَّرَاب فوقفا بِبَابِهِ النَّهَار كُله وَلم يصلا إِلَيْهِ فضجر طرفَة فَقَالَ هَذِه القصيدة. وَقَالَ يَعْقُوب بن السّكيت والأعلم الشنتمري فِي شرحهما لديوان طرفَة: إِن عَمْرو بن هِنْد الْمَذْكُور كَانَ شريراً وَكَانَ لَهُ يَوْم بؤس وَيَوْم نعْمَة فيومٌ يركب فِي صَيْده يقتل أول من يلقى ويومٌ يقف النَّاس بِبَابِهِ فَإِن اشْتهى حَدِيث رجل أذن لَهُ فَكَانَ هَذَا دهره كُله. فهجاه طرفَة وَذكر ذَلِك بقوله: فليت لنا مَكَان. . الخ الْملك بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون اللَّام وَأَصلهَا الْكسر: وصفٌ من ملك على النَّاس أَمرهم: إِذا تولى السلطنة. وَلنَا: خبر لَيْت مقدم ورغوثاً: اسْمهَا مُؤخر وَمَكَان الْملك: ظرف وَكَانَ فِي الأَصْل صفة لرغوث فَلَمَّا قدم صَار حَالا. والرغوث بِفَتْح الرَّاء وَضم الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَآخره ثاء مُثَلّثَة: النعجة الْمُرْضع يُقَال: رغث الْغُلَام أمه: إِذا رضعها.) وتخور: تصوت وأصل الخوار للبقر. فَجعله طرفَة للنعجة. وَقَوله: من الزمرات. . الخ بِفَتْح الزَّاي الْمُعْجَمَة وَكسر الْمِيم أَي: القليلات الصُّوف وخصها لِأَنَّهَا أغزر ألباناً يُقَال: رجل زمر الْمُرُوءَة: إِذا كَانَ قليلها. والقادمان: الخلفان وأصل القادمين للناقة لِأَن لَهَا أَرْبَعَة أخلاف: قادمين وَآخَرين فاستعار القادمين للشاة. وأسبل: طَال وكمل والضرة بِفَتْح الضَّاد الْمُعْجَمَة. لحم الضَّرع. والمركنة: الَّتِي لَهَا أَرْكَان أَي: جَوَانِب وأصل وَقيل: هِيَ المجتمعة. والدرور بِفَتْح الدَّال: الْكَثِيرَة الدّرّ. وَقَوله: يشاركنا. . الخ الرخل بِفَتْح الرَّاء وَكسر الْخَاء الْمُعْجَمَة: الْأُنْثَى من أَوْلَاد الضَّأْن. وَلنَا: حَال من رخلان وَكَانَ قبل التَّقْدِيم صفة

أَي: يشاركنا فِي لَبنهَا رخلان لنا. وتنور بالنُّون: تنفر والنوار: النفور. يصف غزارة درها وَكَثْرَة أَوْلَادهَا وَأَنَّهَا قد ألفت الذُّكُور فَمَا تنفر مِنْهَا. وَقَوله: نوك كثير النوك بالنُّون: الحماقة وَكثير: يرْوى بِالْمُثَلثَةِ وبالموحدة. وَكَانَ قَابُوس يحمق ويزن فِي نَفسه. وَقَوله: قسمت الدَّهْر. . الخ هُوَ بِالْخِطَابِ على طَريقَة الِالْتِفَات: إِمَّا من قَابُوس على قَول الْمفضل بن سَلمَة وَإِمَّا من عَمْرو على القَوْل الآخر يخاطبه وَيذكر مَا كَانَ من يَوْم صَيْده وَيَوْم وقُوف النَّاس بِبَابِهِ. وَقد بَينه فِي الأبيات الَّتِي بعده. والرخي: السهل اللين. وكذاك الحكم جملَة اسمية على حذف مُضَاف أَي: ذُو الحكم. أرسلها مثلا. وَقَوله: يقْصد. . الخ بَيَان لجِهَة التَّشْبِيه. ويقصد: من قصد فِي الْأَمر قصدا من بَاب ضرب: إِذا توَسط وَطلب الْأسد وَلم يُجَاوز الْحَد. وَقَوله: لنا يَوْم. . الخ مُبْتَدأ وَخبر وَرُوِيَ فِي أَكثر الرِّوَايَات: لنا يَوْمًا وللكروان يَوْمًا بِنصب يَوْمًا فِي الْمَوْضِعَيْنِ على أَنه بدل كل من الدَّهْر. والكروان بِكَسْر الْكَاف وَسُكُون الرَّاء قَالَ الأعلم: هُوَ جمع كروان وَهُوَ طَائِر وَنَظِيره شقذان وشقذان وورشان وورشان وحمار وَلم يذكر فِي أَمْثَاله أَبُو فيد مؤرج بن عَمْرو السدُوسِي إِلَّا الْوَجْه الثَّانِي كَمَا تقدم فِي الشَّاهِد الرَّابِع وَالْأَرْبَعِينَ بعد الْمِائَة قَالَ: قَالُوا: كراً وكروان مثل فَتى وفتيان. وَأنْشد هَذَا الْبَيْت.

وَزعم ابْن السَّيِّد فِيمَا كتبه على هَذَا الْكتاب: أَن الكروان هُنَا مُفْرد بِفَتْح الْكَاف وَالرَّاء وَأَن التَّأْنِيث بِاعْتِبَار قصد الْأَفْرَاد من الْجِنْس. انْتهى.) والبائسات مَنْصُوب على الترحم كَمَا يُقَال: مَرَرْت بِهِ الْمِسْكِين. وفاعل تطير ضمير الكروان. وَرُوِيَ بِالرَّفْع أَيْضا قَالَ ابْن السّكيت: وَهُوَ الْأَكْثَر وَقَالَ الأعلم: وَالرَّفْع على الْقطع وَقد يكون على الْبَدَل من الْمُضمر فِي تطير. وَهُوَ جمع بائسة من الْبُؤْس بِالضَّمِّ وَسُكُون الْهمزَة وَهُوَ الضّر يُقَال: بئس بِالْكَسْرِ: إِذا نزل بِهِ الضّر فَهُوَ بائس. وَقَوله: لَا نطير بنُون الْمُتَكَلّم مَعَ الْغَيْر. وَقَوله: فَأَما يومهن. . الخ السوء بِفَتْح السِّين قَالَ الْأَزْهَرِي فِي تهذيبه: وَتقول فِي النكرَة: هَذَا رجل سوءٍ وَإِذا عرفت قلت: هَذَا الرجل السوء وَلم تضف. وَتقول: هَذَا عمل سوءٍ وَلَا تقل عمل السوء لِأَن السوء يكون نعتاً للرجل وَلَا يكون السوء نعتاً للْعَمَل لِأَن الْفِعْل من الرِّجَال وَلَيْسَ الْفِعْل من السوء. كَمَا تَقول: قَول صدقٍ وَقَول الصدْق وَرجل صدقٍ وَلَا تَقول رجل الصدْق لِأَن الرجل لَيْسَ من الصدْق انْتهى. وَرُوِيَ بدله نحسٍ وَهُوَ بِمَعْنَاهُ. والحدب بِفَتْح الْمُهْمَلَتَيْنِ: مَا ارْتَفع من الأَرْض وَغلظ. يَقُول: يَوْم الكروان يَوْم نحسٍ لمطاردة الصقور لَهُنَّ. وَقَوله: مَا نحل وَلَا نسير أَي: نَحن قيام على بَابه نَنْتَظِر الْإِذْن فَلَا هُوَ يَأْذَن فنحل عِنْده وَلَا هُوَ يَأْمُرنَا بِالرُّجُوعِ فنسير عَنهُ. وَنحل مضارع حل يحل حلولاً من بَاب قعد: إِذا نزل.

وطرفَة هُوَ طرفَة بن العَبْد بن سُفْيَان بن سعد بن مَالك بن ضبيعة بن قيس بن ثَعْلَبَة بن عكابة بن صَعب بن عَليّ بن بكر بن وَائِل. الشَّاعِر الْمَشْهُور. وطرفة بِالتَّحْرِيكِ فِي الأَصْل: وَاحِد الطرفاء وَهُوَ الأثل قَالَ فِي الْقَامُوس: الطرفة محركة: وَاحِدَة الطرفاء وَبهَا لقب طرفَة بن العَبْد واسْمه عَمْرو ولقب بِبَيْت قَالَه. وَهُوَ أشعر الشُّعَرَاء بعد امْرِئ الْقَيْس. ومرتبته ثَانِي مرتبَة وَلِهَذَا ثني بمعلقته. وَقَالَ الشّعْر صَغِيرا. قَالَ ابْن قُتَيْبَة: هُوَ أَجود الشُّعَرَاء قصيدةً. وَله بعد الْمُعَلقَة شعرٌ حسن. وَلَيْسَ عِنْد الروَاة من شعره وَشعر عبيدٍ إِلَّا الْقَلِيل. وَقتل وَهُوَ ابْن سِتّ وَعشْرين سنة. وَكَانَ السَّبَب فِي قَتله: أَنه وَفد مَعَ خَاله المتلمس على عَمْرو بن هِنْد فأكرمهما وبقيا عِنْده مُدَّة قَالَ الْمفضل بن سَلمَة: وَكَانَ لطرفة ابْن عَم عِنْد عَمْرو بن هِنْد واسْمه عبد عمرٍ وبن بشر بن عَمْرو بن مرْثَد بن سعد بن مَالك بن ضبيعة وَكَانَ طرفَة عدوا لِابْنِ عَمه عبد عَمْرو وَكَانَ سميناً بادناً فَدخل على عَمْرو بن هِنْد الْحمام فَلَمَّا تجرد قَالَ لَهُ عَمْرو بن هِنْد: لقد كَانَ بن عمك طرفَة رآك حِين مَا قَالَ وَكَانَ طرفَة هجا عبد عَمْرو فَقَالَ فِيهِ من جملَة أَبْيَات: (وَلَا خير فِيهِ غير أَن لَهُ غنى ... وَأَن لَهُ كشحاً إِذا قَامَ أهضما)

فَلَمَّا أنْشد الأبيات لعبد عَمْرو قَالَ لَهُ عبد عَمْرو: مَا قَالَ لَك شرٌ مِمَّا قَالَ لي ثمَّ أنْشدهُ:) فليت لنا مَكَان الْملك عَمْرو. . الأبيات الْمُتَقَدّمَة فَصدقهُ عَمْرو بن هِنْد وَقَالَ لَهُ: مَا أصدقك عَلَيْهِ مَخَافَة أَن تُدْرِكهُ الرَّحِم وينذره فَمَكثَ غير كثير ثمَّ دَعَا المتلمس وطرفة وَقَالَ: لعلكما قد اشتقتما إِلَى أهلكما وسركما أَن تنصرفا قَالَا: نعم فَكتب لَهما إِلَى عَامله على هجر أَن يقتلهما. وأخبرهما أَنه قد كتب لَهما بحباء وَأعْطى كل وَاحِد مِنْهُمَا شَيْئا فَخَرَجَا وَكَانَ المتلمس قد أسن فمرا بنهر الْحيرَة على غلْمَان يَلْعَبُونَ فَقَالَ المتلمس: هَل لَك أَن نَنْظُر فِي كتابينا فَإِن كَانَ فيهمَا خيرٌ مضينا لَهُ وَإِن كَانَ شرا ألقيناهما فَأبى عَلَيْهِ طرفَة. فَأعْطى المتلمس كِتَابه بعض الغلمان فقرأه عَلَيْهِ فَإِذا فِيهِ السوء. فَألْقى كِتَابه فِي المَاء وَقَالَ لطرفة: أطعني والق كتابك فَأبى طرفَة وَمضى بكتابه إِلَى الْعَامِل فَقتله. وَمضى المتلمس حَتَّى لحق بملوك بني جَفْنَة بِالشَّام ا. هـ. وروى يَعْقُوب بن السّكيت فِي شرح ديوانه الْقِصَّة بأبسط من هَذَا قَالَ: إِن طرفَة لما هجا عَمْرو بن هِنْد بالأبيات الْمُتَقَدّمَة لم يسْمعهَا عَمْرو بن هِنْد. حَتَّى خرج يَوْمًا إِلَى الصَّيْد فأمعن فِي الطّلب فَانْقَطع فِي نفر من أَصْحَابه حَتَّى أصَاب طريدته فَنزل وَقَالَ لأَصْحَابه: اجْمَعُوا حطباً وَفِيهِمْ ابْن عَم طرفَة فَقَالَ لَهُم: أوقدوا. فأوقدوا نَارا وشوى. فَبَيْنَمَا عَمْرو يَأْكُل من شوائه وَعبد عَمْرو يقدم إِلَيْهِ إِذْ نظر إِلَى خصر قَمِيصه منخرقاً فأبصر كشحه وَكَانَ من أحسن أهل زَمَانه جسماً وَقد كَانَ بَينه وَبَين طرفَة أمرٌ وَقع بَينهمَا مِنْهُ شَرّ فهجاه طرفَة بِأَبْيَات فَقَالَ لَهُ عَمْرو بن هِنْد وَكَانَ

سمع تِلْكَ الأبيات يَا عبد عَمْرو لقد أبْصر طرفَة حسن كشحك ثمَّ تمثل فَقَالَ: (وَلَا خير فِيهِ غير أَن لَهُ غنى ... وَأَن لَهُ كشحاً إِذا قَامَ أهضما) فَغَضب عبد عَمْرو مِمَّا قَالَه وأنف فَقَالَ: لقد قَالَ للْملك أقبح من هَذَا قَالَ عَمْرو: وَمَا الَّذِي قَالَ فندم عبد عَمْرو وأبى أَن يسمعهُ. فَقَالَ: أسمعنيه وطرفة آمن. فأسمعه القصيدة الَّتِي هجاه بهَا وشرحنا مِنْهَا ثَمَانِيَة أَبْيَات تقدّمت فَسكت عَمْرو بن هِنْد على مَا وقر فِي نَفسه وَكره أَن يعجل عَلَيْهِ لمَكَان قومه فَأَضْرب عَنهُ وَبلغ ذَلِك طرفَة وَطلب غرته والاستمكان مِنْهُ حَتَّى أَمن طرفَة وَلم يخفه على نَفسه فَظن أَنه قد رَضِي عَنهُ. وَقد كَانَ المتلمس وَهُوَ جرير بن عبد الْمَسِيح هجا عَمْرو بن هِنْد. وَكَانَ قد غضب عَلَيْهِ فَقدم المتلمس وطرفة على عَمْرو بن هِنْد يتعرضان لفضله. فَكتب لَهما إِلَى عَامله على الْبَحْرين وهجر. وَكَانَ عَامله فيهمَا فِيمَا) يَزْعمُونَ ربيعَة بن الْحَارِث الْعَبْدي وَهُوَ الَّذِي كتب إِلَيْهِ فِي شَأْن طرفَة والمتلمس وَقَالَ لَهما: انْطَلقَا إِلَيْهِ فاقبضا جوائزكما. فَخَرَجَا. فزعموا أَنَّهُمَا لما هبطا النجف قَالَ المتلمس: يَا طرفَة إِنَّك غلامٌ غر حَدِيث السن وَالْملك من قد عرفت حقده وغدره وكلانا قد هجاه فلست آمنا أَن يكون قد أَمر فِينَا بشر فَهَلُمَّ نَنْظُر فِي كتابينا فَإِن يكن أَمر لنا بخيرٍ مضينا فِيهِ وَإِن يكن قد أَمر فِينَا بِغَيْر ذَلِك لم نهلك أَنْفُسنَا فَأبى طرفَة أَن يفك خَاتم الْملك وحرص المتلمس على طرفَة فَأبى. وَعدل المتلمس إِلَى غُلَام من غلْمَان الْحيرَة عبَادي فَأعْطَاهُ الصَّحِيفَة فقرأها فَلم يصل إِلَى مَا أَمر بِهِ فِي المتلمس حَتَّى جَاءَ غُلَام بعده فَأَشْرَف فِي الصَّحِيفَة

لَا يدْرِي لمن هِيَ فقرأها فَقَالَ: ثكلت المتلمس أمه فَانْتزع المتلمس الصَّحِيفَة من يَد الْغُلَام وَاكْتفى بذلك من قَوْله وَاتبع طرفَة فَلم يُدْرِكهُ وَألقى الصَّحِيفَة فِي نهر الْحيرَة ثمَّ خرج هَارِبا. وَقد كَانَ المتلمس فِيمَا يُقَال قَالَ لطرفة حِين قَرَأَ كِتَابه: تعلم أَن فِي صحيفتك لمثل الَّذِي فِي صحيفتي فَقَالَ طرفَة: إِن كَانَ اجترأ عَلَيْك فَمَا كَانَ ليجترأ عَليّ وَلَا ليغرني وَلَا ليقدم عَليّ فَلَمَّا غَلبه سَار المتلمس إِلَى الشَّام وَسَار طرفَة حَتَّى قدم على عَامل الْبَحْرين وَهُوَ بهجر. فَدفع إِلَيْهِ كتاب عَمْرو بن هِنْد فقرأه فَقَالَ: هَل تعلم مَا أمرت بِهِ فِيك قَالَ: نعم أمرت أَن تجزيني وتحسن إِلَيّ. فَقَالَ لطرفة: إِن بيني وَبَيْنك لخؤولةً أَنا لَهَا راعٍ فاهرب من ليلتك هَذِه فَإِنِّي قد أمرت بقتلك فَاخْرُج قبل أَن تصبح وَيعلم بك النَّاس فَقَالَ لَهُ طرفَة: اشتدت عَلَيْك جائرتي وأحببت أَن أهرب وَأَجْعَل لعَمْرو بن هِنْد عَليّ سَبِيلا كَأَنِّي أذنبت ذَنبا وَالله لَا أفعل ذَلِك أبدا فَلَمَّا أصبح أَمر بحبسه. وَجَاءَت بكر بن وَائِل فَقَالَت: قدم طرفَة فَدَعَا بِهِ صَاحب الْبَحْرين فَقَرَأَ عَلَيْهِم كتاب الْملك ثمَّ أَمر بطرفة وَحبس وتكرم عَن قَتله وَكتب إِلَى عَمْرو بن هِنْد: أَن ابْعَثْ إِلَى عَمَلك فَإِنِّي غير قَاتل الرجل. فَبعث إِلَيْهِ رجلا من بني تغلب يُقَال لَهُ عبد هِنْد بن جرذ وَاسْتَعْملهُ على الْبَحْرين وَكَانَ رجلا شجاعاً وَأمره بقتل طرفَة

وَقتل ربيعَة بن الْحَارِث الْعَبْدي فقدمهما عبد هِنْد فَقَرَأَ عَهده على أهل الْبَحْرين ولبث أَيَّامًا. وَاجْتمعت بكر بن وَائِل فهمت بِهِ وَكَانَ طرفَة يحضضهم. وانتدب لَهُ رجل من عبد الْقَيْس ثمَّ من الحواثر يُقَال لَهُ: أَبُو ريشة فَقتله. فقبره الْيَوْم مَعْرُوف بهجر.) وَزَعَمُوا أَن الحواثر ودته إِلَى أَبِيه وَقَومه. وَقَالَت أُخْت طرفَة تهجو عبد عَمْرو لما كَانَ من إنشاده الشّعْر للْملك: (أَلا ثكلتك أمك عبد عمرٍ و ... أبالخربات آخيت الملوكا) (هم دحوك للوركين دحاً ... وَلَو سَأَلُوا لأعطيت البروكا) ورثت طرفَة أُخْته بقولِهَا: (فجعنا بِهِ لما رجونا إيابه ... على خير حالٍ: لَا وليداً وَلَا قحما) ا. هـ. وَمثله فِي كتاب الشُّعَرَاء لِابْنِ قُتَيْبَة قَالَ: وَكَانَ طرفَة فِي حسبٍ من قومه جريئاً على هجائهم وهجاء غَيرهم. وَكَانَت أُخْته عِنْد عبد عَمْرو بن بشر ابْن مرْثَد وَكَانَ عبد عَمْرو سيد أهل زَمَانه فشكت أُخْت طرفَة شَيْئا من أَمر زَوجهَا إِلَيْهِ فَقَالَ: وَلَا عيب فِيهِ غير أَن لَهُ غنى ... ... ... ... ... . الْبَيْت (وَإِن نسَاء الْحَيّ يعكفن حوله ... يقلن عسيب من سرارة ملهما) وأهضم: منقبض. وسرارة بِالْفَتْح: خِيَار. وملهم بِالْفَتْح: مَوضِع

كثير النّخل فَخرج عَمْرو بن هِنْد يتصيد وَمَعَهُ عبد عَمْرو فَأصَاب حمارا فعقره فَقَالَ لعبد عَمْرو: انْزِلْ إِلَيْهِ فَنزل غليه فأعياه فَضَحِك عَمْرو بن هِنْد وَقَالَ: لقد أبصرك طرفَة حِين قَالَ: وَلَا عيب فِيهِ غير أَن لَهُ غنى ... ... ... ... ... . . الْبَيْت وَقَالَ فِي آخرهَا: وَيُقَال: إِن الَّذِي قَتله الْمُعَلَّى بن حَنش الْعَبْدي وَالَّذِي تولى قَتله بِيَدِهِ مُعَاوِيَة بن مرّة الأيفلي حيٌ من طسم وجديس. ثمَّ قَالَ: وَكَانَ أَبُو طرفَة مَاتَ وطرفة صَغِير فَأبى أَعْمَامه أَن يقسموا مَاله فَقَالَ: (مَا تنْظرُون بِمَال وردة فِيكُم ... صغر البنون ورهط وردة غيب) (وَالظُّلم فرق بَين حييّ وائلٍ ... بكرٌ تساقيها المنايا تغلب) (والصدق يألفه الْكَرِيم المرتجى ... وَالْكذب يألفه الدنيء الأخيب) وَيُقَال: إِن أول شعر قَالَه طرفَة أَنه خرج مَعَ عَمه فِي سفر فنصب فخاً فَلَمَّا أَرَادَ الرحيل قَالَ: (يالك من قبرةٍ بِمَعْمَر ... خلا لَك الجو فبيضي واصفري) (ونقري إِن شِئْت أَن تنقري ... قد رفع الفخ فَمَاذَا تحذري) لَا بُد يَوْمًا أَن تصادي فاصبري ا. هـ)

وَعَمْرو بن هِنْد الْمَذْكُور هُوَ من مُلُوك الْحيرَة. كَانَ عاتياً جباراً وَيُسمى محرقاً أَيْضا لِأَنَّهُ حرق بني تَمِيم وَقيل: بل حرق نخل الْيَمَامَة. والنعمان بن الْمُنْذر صَاحب النَّابِغَة ابْن أخي عَمْرو بن هِنْد. وَسَيَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى نِسْبَة عَمْرو بن الْمُنْذر فِي نِسْبَة أَخِيه النُّعْمَان بن الْمُنْذر فِي الشَّاهِد الثَّالِث بعد هَذَا. تَتِمَّة ذكر الْآمِدِيّ فِي المؤتلف والمختلف من اسْمه طرفَة من الشُّعَرَاء أَرْبَعَة أَوَّلهمْ هَذَا. والثَّانِي طرفَة بن ألاءة بن نَضْلَة بن الْمُنْذر بن سلمى بن جندل بن نهشل بن دارم. والثَّالِث طرفَة الجذمي أحد بني جذيمة الْعَبْسِي. وَالرَّابِع أَخُو عَامر بن ربيعَة.

وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد الثَّالِث وَالْخَمْسُونَ بعد الْمِائَة) وَهُوَ من شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ: (ويأوي إِلَى نسوةٍ عطلٍ ... وشعثاً مراضيع مثل السعالي) على أَن قَوْله: شعثاً مَنْصُوب على الترحم كَالَّذي قبله. قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وشعثاً مَنْصُوب بإضمار فعل. قَالَ الأعلم: لِأَنَّهُ لما قَالَ: نسوةٍ عطل علم أَنَّهُنَّ شعثٌ. فَكَأَنَّهُ قَالَ: وأذكرهن شعثاً. إِلَّا أَنه فعل لَا يظْهر لِأَن مَا قبله دلّ عَلَيْهِ فأغنى عَن ذكره. وَقَالَ ابْن خلف: الشَّاهِد أَنه نصب شعثاً كَأَنَّهُ حَيْثُ قَالَ: إِلَى نسْوَة عطل صرن عِنْده مِمَّن علم أَنَّهُنَّ شعث وَلكنه ذكر ذَلِك تشنيعاً لَهُنَّ وتشويهاً. قَالَ الْخَلِيل: كَأَنَّهُ قَالَ: أذكرهن شعثاً إِلَّا أَن هَذَا فعلٌ لَا يسْتَعْمل إِظْهَاره لِأَن مَا قبله قد دلّ عَلَيْهِ فأغنى عَن ذكره على مَا يجْرِي الْبَاب عَلَيْهِ فِي الْمَدْح والذم. وأنشده سِيبَوَيْهٍ فِي مَوضِع آخر أَيْضا قبل هَذَا يجر شعثٍ عطفا على عطل. وَقَالَ: وَإِن شِئْت جررت على الصّفة. وَزعم يُونُس أَن ذَلِك أَكثر كَقَوْلِك مَرَرْت بزيد أَخِيك وَصَاحِبك. ثمَّ قَالَ: وَلَو قَالَ: فشعث بِالْفَاءِ لقبح.

قَالَ النّحاس: وَمعنى قَوْله: لقبح: لَا يجوز. لِأَن عطلاً وشعثاً صفتان ثابتتان مَعًا فِي الْمَوْصُوف فعطفت إِحْدَاهمَا على الْأُخْرَى بِالْوَاو لِأَن مَعْنَاهَا الِاجْتِمَاع وَلَو عطفت بِالْفَاءِ لم يجز لِأَنَّهُ لم يرد) أَن الشعث حصل لَهُنَّ بعد العطل. وَأورد هَذَا الْبَيْت صَاحب الْكَشَّاف عِنْد قَوْله تَعَالَى: وَأولُوا الْعلم قَائِما بِالْقِسْطِ على أَن المنتصب على الْمَدْح كَمَا يَجِيء معرفَة يَجِيء نكرَة كَمَا فِي شعثاً فَإِنَّهُ مَنْصُوب على الترحم. وَأوردهُ أَيْضا ابْن النَّاظِم وَابْن هِشَام فِي شرح الألفية على أَن قَوْله: شعثاً مَنْصُوب بِفعل مُضْمر على الِاخْتِصَاص ليبين أَن هَذَا الضَّرْب من النِّسَاء أَسْوَأ حَالا من الضَّرْب الأول الَّذِي هُوَ العطل مِنْهُنَّ. وَمثل هَذَا يُسمى نصبا على الترحم. قَالَ ابْن الْحَاجِب فِي أَمَالِيهِ: لَا يجوز أَن يكون شعثاً مَنْصُوبًا مَفْعُولا مَعَه لِأَن شَرطه التَّشْرِيك مَعَ الْمَرْفُوع فِي نِسْبَة الْفِعْل. وَقد توهم من لَا عِبْرَة بِهِ جَوَاز: سرت والجبل وَهُوَ غير جَائِز إِذْ الْجَبَل لَا يسير وَلَو سلم جَوَازه فَلَا بُد من تَأْوِيله وَهُوَ أَن يَجْعَل كَأَن كل جزءٍ من الْجَبَل سَائِر لِأَنَّهُ إِذا سَار من مَوضِع من نواحي الْجَبَل فَذَاك مفارقٌ لَهُ. وَالْبَيْت مُطلق الروي فَهُوَ بِكَسْر اللَّام من السعالي كَمَا أنْشدهُ سِيبَوَيْهٍ. قَالَ النّحاس: هَكَذَا أخذناه عَن أبي إِسْحَاق وَأبي الْحسن وَهُوَ الصَّوَاب. وَأنْشد هَذَا الْبَيْت العروضيون مِنْهُم الْأَخْفَش سعيد: مثل السعال بِإِسْكَان اللَّام. وَلَا يجوز إِلَّا ذَلِك على مَا رَوَوْهُ لأَنهم جَعَلُوهُ من المتقارب من الضَّرْب الثَّانِي من الْعرُوض الأولى.

وَقَوله: ويأوي. . الخ فَاعل يأوي ضمير الصياد: أَي: تَأتي مَأْوَاه ومنزله إِلَى نسْوَة. وعطل: جمع عاطل قَالَ فِي الصِّحَاح: والعطل بِالتَّحْرِيكِ: مصدر عطلت الْمَرْأَة: إِذا خلا جيدها من القلائد فَهِيَ عطل بِالضَّمِّ وعاطل ومعطال. وَقد يسْتَعْمل العطل فِي الْخُلُو من الشَّيْء وَإِن كَانَ أَصله فِي الْحلِيّ يُقَال: عطل الرجل من المَال وَالْأَدب فَهُوَ عطل بضمة وبضمتين. وَهَذَا هُوَ المُرَاد هُنَا لِأَن الْمَعْنى: أَن هَذَا الصياد يغيب عَن نِسَائِهِ للصَّيْد ثمَّ يَأْتِي إلَيْهِنَّ فيجدهن فِي أَسْوَأ الْحَال. والشعث: جمع شعثاء من شعث الشّعْر شعثاً فَهُوَ شعث من بَاب تَعب: تغير وَتَلَبَّدَ لقلَّة تعهده بالدهن وَرجل أَشْعَث وَامْرَأَة شعثاء. والمراضيع: جمع مرضاع بِالْكَسْرِ وَهِي الَّتِي ترْضع كثيرا. والسعالي: بِفَتْح السِّين قَالَ أَبُو عَليّ القالي فِي كتاب الْمَقْصُور والممدود السعلي بِالْكَسْرِ وبالقصر: ذكر الغيلان وَالْأُنْثَى سعلاة: وَقَالَ الْأَصْمَعِي: يُقَال: السعلاة: سَاحِرَة الْجِنّ. حَدثنَا أَبُو) بكر بن دُرَيْد قَالَ: ذكر أَبُو عُبَيْدَة وأحسب الْأَصْمَعِي قد ذكره أَيْضا قَالَ: لقِيت السعلاة حسان بن ثَابت فِي بعض طرقات الْمَدِينَة وَهُوَ غُلَام قبل أَن يَقُول الشّعْر فبركت على صَدره وَقَالَت: أَنْت الَّذِي يَرْجُو قَوْمك أَن تكون شَاعِرهمْ قَالَ: نعم قَالَت: فأنشدني ثَلَاثَة أَبْيَات على رُوِيَ وَاحِد وَإِلَّا قتلتك فَقَالَ: (إِذا مَا ترعرع فِينَا الْغُلَام ... فَمَا إِن يُقَال لَهُ: من هوه) (إِذا لم يسد قبل شدّ الْإِزَار ... فَذَلِك فِينَا الَّذِي لَا هوه) (ولي صاحبٌ من بني الشيصبان ... فحيناً أَقُول وحيناً هوه)

فخلت سَبيله. ا. هـ. والشيصبان بِفَتْح الشين الْمُعْجَمَة وَبعدهَا يَاء مثناة تحتية وَبعدهَا صَاد مُهْملَة مَفْتُوحَة وَبعدهَا بَاء مُوَحدَة قَالَ ابْن دُرَيْد فِي الجمهرة: هُوَ ابْن جني من الْجِنّ. . وَأنْشد هَذَا الْبَيْت. وروى أَبُو سعيد السكرِي هَذَا الْبَيْت فِي أشعار هُذَيْل كَذَا: (لَهُ نسوةٌ عاطلات الصدو ... رعوجٌ مراضيع مثل السعالي) وَقَالَ: عوج: مهازيل مثل الغيلان فِي سوء الْحَال هُوَ جمع عوجاء. قَالَ فِي الصِّحَاح: وَهَذَا الْبَيْت لأمية بن أبي عَائِد الْهُذلِيّ من قصيدة طَوِيلَة عدتهَا سِتَّة وَسَبْعُونَ بَيْتا على رِوَايَة أبي سعيد السكرِي فِي أشعار الهذليين وَهَذَا مطْلعهَا: إِلَّا يَا لقومٍ لطيف الخيال يؤرق من نازحٍ ذِي دلال الطيف هُنَا مصدر طَاف الخيال يطِيف طيفاً. ويؤرق: يسهد. وَقَوله: من نازح أَي: من حبيب بعيد. وَهَذَا من أَبْيَات سِيبَوَيْهٍ أوردهُ شَاهدا على فتح اللَّام الأولى وَكسر

الثَّانِيَة فرقا بَين المستغاث بِهِ والمستغاث من أَجله. قَالَ سِيبَوَيْهٍ مَعْنَاهُ: من لطيف الخيال من نازحٍ ذِي دلالٍ يؤرقني. وَذكر النازح لِأَنَّهُ أَرَادَ الشَّخْص. والدَّلال: الدّلَالَة بحسنٍ ومحبةٍ وَنَحْوهَا. (أجَاز إِلَيْنَا على بعده ... مهاوي خرقٍ مهابٍ مهال) أجَاز الخيال: أَي: قطع إِلَيْنَا على بعده. مهاوي: مَوَاضِع يهوى وَيسْقط فِيهَا وَهُوَ مفعول اجاز. والْخرق بِالْفَتْح: الفلاة الواسعة تنخرق فِيهَا الرِّيَاح. ومهاب بِالْفَتْح: مَوضِع هَيْبَة.) (صحارٍ تغول جنانها ... وأحداب طودٍ رفيع الحبال) صحارٍ: جمع صحراء. وتغول: تتلون كالغول. والْجنان بِالْكَسْرِ: جمع جَان وَهُوَ أَبُو الْجِنّ. وأحداب مَنْصُوب بالْعَطْف على مهاوي وَهُوَ جمع حدب بِالتَّحْرِيكِ وَهُوَ مَا ارْتَفع من الأَرْض. (خيالٌ لجعدة قد هاج لي ... نكاساً من الْحبّ بعد اندمال) أَي: ذَلِك الخيال خيال جعدة. يُقَال: عرض لي نكس ونكاس بضمهما. واندمل: أَفَاق بعض الْإِفَاقَة. (تسدى مَعَ النّوم تمثالها ... دنو الضباب بَطل زلال)

أَي: غشينا خيالها كَمَا تغشى الضباب الأَرْض. الْأَصْمَعِي: الضباب: الْغَيْم. والطل: الندى. والزلَال: الصافي. (فباتت تسائلنا فِي الْمَنَام ... وأحبب إِلَيّ بِذَاكَ السُّؤَال) (تثني التَّحِيَّة بعد السَّلَام ... ثمَّ تفدي بعم وخال) (فقد هاجني ذكر أم الصَّبِي ... من بعد سقمٍ طَوِيل المطال) أَي: المطاولة. (وَمر الْمنون بأمرٍ يغو ... ل من رزء نفسٍ وَمن نقص مَال) (إِلَى الله أَشْكُو الَّذِي قد أرى ... من النائبات بعافٍ وعال) أَي: تَأْخُذ بِالْعَفو والسهولة أَو تقهر فتعلو وتعظم يُقَال عاله الْأَمر: إِذا تفاقم بِهِ شكا إِلَى الله مَا أَصَابَهُ من دهره. (وإظلال هَذَا الزَّمَان الَّذِي ... يقلب بِالنَّاسِ حَالا لحَال) مَعْطُوف على الَّذِي وَهُوَ مصدر أطل على الشَّيْء بِمَعْنى أشرف عَلَيْهِ. (وَجهد بلاءٍ إِذا مَا أَتَى ... تطاول أَيَّامه والليالي) عطف على الَّذِي أَيْضا. (فسل الهموم بعيرانةٍ ... مواشكة الرجع بعد النقال) أَي: سريعٌ رَجَعَ يَديهَا. والمناقلة: ضرب من السّير.)

ثمَّ أَخذ فِي وصف نَاقَته. . إِلَى أَن شبهها بِحِمَار الْوَحْش وَوَصفه بِشَيْء كثير إِلَى أَن ذكر أَنه أورد أتنه المَاء. . فَقَالَ: (فَلَمَّا وردن صدرن النقيل ... كأوب مرامي غويٌ مغالي) النقيل: المناقلة فِي السّير وَأَصله إِذا وَقع فِي حجارةٍ ناقل وَهُوَ أَن ينْقل قوائمه يَضَعهَا بَين كل حجرين. والمغالي: المرامي الَّذِي يغالي فِي الرَّمْي غَيره ينْظرَانِ أَيهمَا أبعد سَهْما. يَقُول: آبت كأوب السِّهَام. وأوبها إِذا نزع النازع فِي الْقوس فَإِذا أرسل السهْم فقد آب من حَيْثُ نزع. (فأسلكها مرْصدًا حَافِظًا ... بِهِ ابْن الدجى لاصقاً كالطحال) أَي: فأسلكها الْفَحْل وَهُوَ حمَار الْوَحْش مرْصدًا أَي: مَكَانا يرصد بِهِ الرَّامِي الْوَحْش. وَقَوله: بِهِ أَي: بالمرصد. وابْن الدجى: الصياد وَهُوَ جمع دجية وَهِي بَيت الصَّائِد تكون حفيرةً يسْتَتر فِيهَا لِئَلَّا يرَاهُ الْوَحْش. وَقَوله: لاصقاً. . الخ يَقُول: قد لصق الصياد بِأَرْض حفيرته ليخفى عَن الصَّيْد كَمَا لصق الطحال بالجنب. (مقيتاً معيداً لأكل القنيص ... ذَا فاقةٍ ملحماً للعيال) المقيت: المقتدر من أقات على الشَّيْء بِمَعْنى اقتدر عَلَيْهِ. والمعيد: الَّذِي قد اعْتَادَ صيد القنيص. والملحم: اسْم فَاعل من ألحم إِذا أطْعم اللَّحْم. ويأوي إِلَى نسوةٍ عطل ... الْبَيْت

فَاعله ضمير ابْن الدجى وَهُوَ الصياد. (تراح يَدَاهُ بمحشورةٍ ... خواظي القداح عجاف النصال) فِي الصِّحَاح: راحت يَده بِكَذَا: خفت لَهُ. والمحشورة: نبل قد ألطف قذذها وَهُوَ أسْرع لَهَا وَأبْعد. وخواظي القداح: جمع خاظية أَي: متينة مكتنزة. والقداح: جمع قدح بِالْكَسْرِ وَهُوَ عود السهْم. وعجاف النصال: أَي: قد أرهفت حَتَّى دقَّتْ. ثمَّ وصف قوسه ونباله وَصدق رميه. . إِلَى أَن قَالَ: (فعما قليلٍ سَقَاهَا مَعًا ... بمزعف ذيفان قشبٍ ثمال) المزعف: الْمَوْت السَّرِيع. والذيفان: السم. والقشب بِالْكَسْرِ: أَن يخلط بِشَيْء ليقْتل. وثمال بِالضَّمِّ: منقع. شبه السِّهَام بِهِ.) (سوى العلج أخطأه رائغاً ... بثجراء ذَات غرارٍ مسالٍ) يَقُول: سَقَاهَا بمزعف سوى العلج أخطأه فَلم يصبهُ. والعلج بِالْكَسْرِ: الْحمار الغليظ. وثجراء: صقيلة عريضة. وغرارها: حَدهَا. ومسال: ممطول وَمِنْه خد أسيل وأسال. (فجال عَلَيْهِنَّ فِي نفره ... ليفتنهن لزول الزَّوَال)

جال عَلَيْهِنَّ: أقبل وَاعْتمد عَلَيْهِنَّ فِي نفره حَتَّى نفر. ليفتنهن: أَي: ليشتق بِهن أَي: ليزول بِهن عَن الرَّامِي. (فَلَمَّا رآهن بالجلهتين ... يكبون فِي مطحرات الإلال) الجلهة: مَا اسْتقْبلت من الْوَادي. يكبون فِي مطحرات يَعْنِي سهاماً. والمطحر: الملزق. و (رمى بالجراميز عرض الوجين ... وارمد فِي الجري بعد انفتال) رمى: أَي: الْحمار يُقَال: رمى بالجراميز أَي: بِنَفسِهِ. والوجين: مَا اعْترض لَك من غلظ. وارمد: أسْرع فِي الْعَدو بعد أَن كَانَ انْفَتَلَ انفتالةً فجال. ثمَّ وصف الْحمار بِشدَّة عدوه حينما نفر من الصياد وَرَأى أتنه مصرعة. . إِلَى أَن قَالَ: (أشبه رَاحِلَتي مَا ترى ... جواداً ليسمع فِيهَا مقالي) (وأنجو بهَا عَن ديار الهوا ... ن غير انتحال الذَّلِيل الموَالِي) بهَا: أَي: براحلتي. والموَالِي: الَّذِي يَقُول أَنا مَوْلَاك. يَقُول: لَيْسَ كَمَا ينتحل الذَّلِيل الموَالِي. أَي: لَا أَقُول ذَلِك وَلَا أَفعلهُ أَي: انتحالاً. (وأطلب الْحبّ بعد السلو ... حَتَّى يُقَال: امرؤٌ غير سَالَ)

اشْتهى أَن يعاود الْحبّ والهوى بَعْدَمَا رأى النَّاس أَنه قد أقلع. (أسلي الهموم بأمثالها ... وأطوي الْبِلَاد وأقضي الكوالي) أَي: وأقضي مَا تَأَخّر عَليّ من الْحُقُوق. يُقَال: دين كالئ: إِذا تَأَخّر. أَي: أَقْْضِي الدَّين بوفادةٍ على هَذِه الرَّاحِلَة إِلَى ملك أَو أضْرب فِي الأَرْض لمكسب. (وَأَجْعَل فقرتها عدَّة ... إِذا خفت بيُوت أمرٍ عضال) وَهَذَا آخر القصيدة يُقَال: بعير ذُو فقرة: إِذا كَانَ قَوِيا على الرّكُوب. وبيُوت: هُوَ أَمر جَاءَ بياتاً. وعضال: شَدِيد. يَقُول: أجعلها عدَّة إِذا نزل بِي أَمر معضل هربت عَلَيْهَا. وأُميَّة هَذَا هُوَ أُميَّة بن أبي عَائِذ. بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة الْعمريّ. أحد بني عَمْرو بن الْحَارِث بن) تَمِيم بن سعد بن هُذَيْل. . شَاعِر إسلامي مخضرم على مَا فِي الْإِصَابَة عَن المرزباني. وَفِي الأغاني: أَنه من شعراء الدولة الأموية وَأحد مداحهم. لَهُ فِي عبد الْملك بن مَرْوَان وَعبد الْعَزِيز قصائد. وَقد وَفد إِلَى عبد الْعَزِيز بن مَرْوَان بِمصْر وَأنْشد قصيدته الَّتِي أَولهَا: ...

(أَلا إِن قلبِي مَعَ الظاعنينا ... حزينٌ فَمن ذَا يعزي الحزينا) (وَسَار بمدحه عبد الْعزي ... ز ركبان مَكَّة والمنجدونا) (وَقد ذَهَبُوا كل أَوب بهَا ... فَكل أناسٍ بهَا معجبونا) (محبرة من صَحِيح الكلا ... م لَيست كَمَا لفق المحدثونا) وَطَالَ مقَامه بِمصْر عِنْده وَكَانَ يأنس بِهِ. وَوَصله بصلات سنية فتشوق إِلَى الْبَادِيَة وَإِلَى أَهله فَأذن لَهُ وَوَصله. وَأنْشد بعده وَهُوَ (لحا الله جرما كلما ذَر شارقٌ ... وُجُوه كلابٍ هارشت فازبأرت) على أَن قَوْله: وُجُوه كلاب مَنْصُوب على الذَّم. وَهَذَا الْبَيْت من أَبْيَات لعَمْرو بن معد يكرب. وَهِي: (وَلما رَأَيْت الْخَيل زوراً كَأَنَّهَا ... جداول زرعٍ أرْسلت فاسبطرت) (فَجَاشَتْ إِلَيّ النَّفس أول مرةٍ ... فَردَّتْ على مكروهها فاستقرت) (علام تَقول الرمْح يثقل عَاتِقي ... إِذا أَنا لم أطعن إِذا الْخَيل كرت) (لحا الله جرما كلما ذَر شارقٌ ... وُجُوه كلابٍ هارشت فازبأرت) (فَلم تغن جرمٌ نهدها أَن تلاقيا ... وَلَكِن جرما فِي اللِّقَاء ابذعرت)

. (ظللت كَأَنِّي للرماح دريةٌ ... أقَاتل عَن أَبنَاء جرمٍ وفرت) (فَلَو أَن قومِي أنطقتني رماحهم ... نطقت وَلَكِن الرماح أجرت) هَذَا الْمِقْدَار أوردهُ أَبُو تَمام فِي الحماسة. وَفِي ديوانه أَكثر من هَذَا. وقصة هَذِه الأبيات: هُوَ مَا حَكَاهُ الْمفضل الطبرسي فِي شرح الحماسة: أَن جرما ونهداً وهما قبيلتان من قضاعة كَانَتَا من بني الْحَارِث بن كَعْب فقتلت جرمٌ رجلا من أَشْرَاف بني الْحَارِث فارتحلت عَنْهُم وتحولت فِي بني زبيد. فَخرجت بَنو الْحَارِث يطْلبُونَ بِدَم أخيهم فَالْتَقوا فعبأ عمرٌ وجرما لنهد وتعبأ هُوَ وَقَومه لبني الْحَارِث. ففرت جرم واعتلت بِأَنَّهَا كرهت دِمَاء نهد) فهزمت يومئذٍ بَنو زبيد. فَقَالَ عمرٌ وهَذِه الأبيات يلومها. ثمَّ غزاهم بعد فانتصف مِنْهُم. فَقَوله: زوراً هُوَ جمع أَزور وَهُوَ المعوج الزُّور بِالْفَتْح أَي: الصَّدْر. يَقُول: لما رَأَيْت الفرسان منحرفين لِلطَّعْنِ وَقد خلوا أَعِنَّة دوابهم وارسلوها علينا كَأَنَّهَا أَنهَار زرعٍ أرْسلت مياهها فاسبطرت أَي: امتدت. والتشبيه وَقع على جري المَاء فِي الْأَنْهَار لَا على الْأَنْهَار فَكَأَنَّهُ شبه امتداد الْخَيل فِي انحرافها عِنْد الطعْن بامتداد المَاء فِي الْأَنْهَار وَهُوَ يطرد ملتوياً ومضطرباً. وَهَذَا تَشْبِيه بديع. وَقَوله: فَجَاشَتْ. . الخ جَاشَتْ: ارْتَفَعت من فزع. وَهَذَا لَيْسَ لكَونه جَبَانًا بل هَذَا بَيَان حَال النَّفس. وَنَفس الجبان والشجاع سواءٌ فِيمَا يدهمها عِنْد الوهلة الأولى ثمَّ يَخْتَلِفَانِ: فالجبان يركب نفرته والشجاع يَدْفَعهَا

فَيثبت. قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: قَالَ عبد الْملك بن مَرْوَان: وجدت فرسَان الْعَرَب سِتَّة نفر: ثَلَاثَة مِنْهُم جزعوا من الْمَوْت عِنْد اللِّقَاء ثمَّ صَبَرُوا وَثَلَاثَة لم يجزعوا. قَالَ عَمْرو: فَجَاشَتْ إِلَيّ النَّفس أول مرةٍ ... ... ... ... ... الْبَيْت وَقَالَ ابْن الإطنابة: (وَقَوْلِي كلما جشأت وجاشت: ... مَكَانك تحمدي أَو تستريحي) (إِذْ يَتَّقُونَ بِي الأسنة لم أخم ... عَنْهَا وَلَكِنِّي تضايق مقدمي) فَأخْبر هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَة أَنهم هابوا ثمَّ أقدموا. وَقَالَ عَامر بن الطُّفَيْل: (أَقُول لنفسٍ مَا أُرِيد بقاءها ... أقلي المراح إِنَّنِي غير مُدبر) وَقَالَ قيس بن الخطيم: (وَإِنِّي فِي الْحَرْب الضروس موكلٌ ... بإقدام نفيسٍ مَا أُرِيد بقاءها) وَقَالَ الْعَبَّاس بن مرداس: (أَشد على الكتيبة لَا أُبَالِي ... أحتفي كَانَ فِيهَا أم سواهَا) فَأخْبر هَؤُلَاءِ انهم لم يجزعوا.

الْفَاء زَائِدَة وجاشت: جَوَاب لما عِنْد الْكُوفِيّين والأخفش. وَعند الْبَصرِيين للْعَطْف وَالْجَوَاب مَحْذُوف يقدر بعد قَوْله: فاستقرت أَي: طاعنت أَو أبليت. والقرينة عَلَيْهِ قَوْله: علام تَقول الرمْح. . الْبَيْت كَذَا قَالَ شرَّاح الحماسة وَهَذَا تعسف نَشأ من أبي تَمام فَإِنَّهُ حذف بَيت الْجَواب اختصاراً كعادته. لَكِن كَانَ على الشَّارِح مُرَاجعَة الأَصْل. وَالْجَوَاب هُوَ الْبَيْت الثَّالِث) الْمَحْذُوف وَهُوَ: (هَتَفت فَجَاءَت من زبيد عصابةٌ ... إِذا طردت فاءت قَرِيبا فَكرت) وفاءت بِمَعْنى رجعت. وَأول مرّة: ظرف. وَقَوله: علام تَقول الرمْح. . الخ أوردهُ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي على أَن على فِيهِ تعليلية. وَأوردهُ فِي شرح الألفية أَيْضا شَاهدا على إِعْمَال تَقول عمل ظن. وَمَا استفهامية وَلها حذف ألفها. وأثقله الشَّيْء: أجهده. والعاتق: مَا بَين الْمنْكب والعنق وَهُوَ مَوضِع الرِّدَاء. قَالَ ابْن جني فِي إِعْرَاب الحماسة: يرْوى الرمْح بِالنّصب وَالرَّفْع: فَأَما الرّفْع فعلى ظَاهر الْأَمر وَأما النصب فعلى اسْتِعْمَال القَوْل بِمَعْنى الظَّن وَذَلِكَ مَعَ اسْتِفْهَام الْمُخَاطب كَقَوْلِه: أجهالاً تَقول بني لؤَي وعَلى قَوْله: فَمَتَى تَقول الدَّار تجمعنا

وروى لنا أَبُو عَليّ بَيت الحطيئة: (إِذا قلت أَنِّي آيبٌ أهل بلدةٍ ... حططت بهَا عَنهُ الولية بالهجر) بِفَتْح الْهمزَة من أَنِّي قَالَ: وَمَعْنَاهَا إِذا قدرت وظننت أَنِّي آيب. فَإِن قيل: فَلَيْسَ هُنَا اسْتِفْهَام فَكيف جَازَ اسْتِعْمَال القَوْل اسْتِعْمَال الظَّن قيل: لم يجز هَذَا للاستفهام وَحده بل لِأَن الْموضع من مَوَاضِع الظَّن. وَلَو كَانَ للاستفهام مُجَرّد من تقاضي الْموضع لَهُ وتلقيه إِيَّاه فِيهِ لجَاز أَيْضا أأقول زيدا مُنْطَلقًا وأيقول زيدا عمرا جَالِسا وَلما لم يجز ذَلِك لِأَنَّهُ لَا يكَاد يَسْتَفْهِمهُ عَن ظن غَيره علمت بِهِ أَن جَوَازه إِنَّمَا هُوَ لِأَن الْموضع مُقْتَض لَهُ. وَإِذا كَانَ الْأَمر كَذَلِك جَازَ أَيْضا: إِذا قلت أَنِّي آيب بِفَتْح همزَة أَنِّي من حَيْثُ كَانَ الْموضع متقاضياً للظن. وَهَذِه رِوَايَة غَرِيبَة لَطِيفَة. وَلَو كسرت هُنَا همزَة إِن لكَانَتْ كالرفع فِي قَوْلك: أَتَقول زيدٌ منطلق إِذا حكيت وَلم تعْمل. وَأما إِذا وإِذا فِي الْبَيْت ففيهما نظر: وَذَلِكَ ان كل وَاحِدَة مِنْهُمَا محتاجة إِلَى ناصب هُوَ جوابهما وكل واحدةٍ مِنْهُمَا جوابها مَحْذُوف يدل عَلَيْهِ مَا قبلهَا. وَشرح ذَلِك أَن تَقول: إِن إِذا الأولى جوابها مَحْذُوف حَتَّى كَأَنَّهُ قَالَ: إِذا أَنا لم أطعن وَجب طرحي الرمْح عَن عَاتِقي. فَدلَّ قَوْله: علام تَقول الرمْح يثقل عَاتِقي على مَا أَرَادَهُ من وجوب طرح الرمْح إِذا لم يطعن بِهِ) كَقَوْلِك: أَنْت ظَالِم إِن فعلت أَي: إِن فعلت ظلمت ودلك أَنْت ظَالِم على ظلمت. وَهَذَا بابٌ وَاضح. . وَإِذا الأولى وَمَا نَاب عَن

جوابها فِي مَوضِع جَوَاب إِذا الثَّانِيَة أَي: نائبٌ عَنهُ ودال عَلَيْهِ وتلخيصه: أَنه كَأَنَّهُ قَالَ: إِذا الْخَيل كرت وَجب إلقائي الرمْح مَعَ تركي الطعْن بِهِ. وَمثله من التَّرْكِيب: أزورك إِذا أكرمتني إِذا لم يَمْنعنِي من ذَلِك مَانع فاعرف صِحَة الْغَرَض فِي هَذَا الْموضع فَإِنَّهُ طَرِيق ضيق وكل مجتازٍ فِيهِ قَلِيل التَّأَمُّل لمحصول حَدِيثه فَإِنَّمَا يأنس بِظَاهِر اللَّفْظ وَلَا يوليه والتبريزي جعل إِذا الأولى ظرفا لقَوْله: يثقل وَإِذا الثَّانِيَة ظرفا لقَوْله: لم أطعن بِضَم الْعين لِأَنَّهُ يُقَال: طعنه بِالرُّمْحِ من بَاب قتل. وَقَوله: لحا الله جرما. . الخ أصل اللحو نزع قشر الْعود. يَدْعُو عَلَيْهِم بِالْهَلَاكِ: أَي: قشرهم الله غَدَاة كل يَوْم. والذرور فِي الشَّمْس بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة: أَصله الانتشار والتفريق وَيُقَال: ذرت الشَّمْس: طلعت. وشارق: الشَّمْس. وكلما مَنْصُوب على الظّرْف. ووجوه: مَنْصُوب على الذَّم والشتم وَيجوز أَن يكون بَدَلا من جرما. وهارشت فِي الصِّحَاح: الهراش: المهارشة بالكلاب وَهُوَ تحريش بَعْضهَا على بعض. وَقَوله: فازبأرت أَي: انتفشت حَتَّى ظهر أصُول شعرهَا وتجمعت للوثب. وَهَذِه الْحَالة أشنع حالات الْكلاب. وَهَذَا تحقير للمشبه وتصوير لقباحة منظره. شبه وُجُوههم بِوُجُوه الْكلاب فِي هَذِه الْحَالة.

وَقَوله: فَلم تغن جرمٌ. . الخ أَي: لم تقاوم جرم نهداً بل فرت مِنْهَا. وَقَالَ الطبرسي: لم تغن أَي: لم تكف جرمٌ نهداً وَلكنهَا فرت. قَالَ الشَّاعِر: وأغن نَفسك عَنَّا أَيهَا الرجل وابذعرت: تَفَرَّقت. وَقَالَ الإِمَام المرزوقي وَالْمعْنَى: لم تنصر جرم نهداً وَقت الالتقاء وَلَكِن جرما انْهَزَمت وهامت على وَجههَا فمضت واصطلت نهدٌ بِنَار الْحَرْب ومست حَاجَتهَا إِلَى من ينصرها ويذب عَنْهَا الْأَعْدَاء. وأضاف نهدها إِلَى ضمير جرم أَن اعتمادهم كَانَ عَلَيْهَا واعتقادهم الِاكْتِفَاء بهَا ا. هـ. وَهَذَا غَفلَة عَن سَبَب الأبيات. وَإِضَافَة نهد إِلَى ضمير جرم للملابسة فَإِن جرما أعدت لمقاتلة نهد كَمَا أَن زبيداً أعدت لمقاتلة بني الْحَارِث. وَقَوله: ظللت كَأَن. . الخ أَي: بقيت نهاري منتصباً فِي وُجُوه الْأَعْدَاء والطعن يَأْتِي من) جوانبي أذب عَن جرم وَقد هربت. فالدرية هِيَ الْحلقَة الَّتِي يتَعَلَّم عَلَيْهَا الطعْن وَأما الدرأة بِالْهَمْز فَهِيَ الدَّابَّة الَّتِي يسْتَتر بهَا من الصَّيْد يُقَال: درأتها نَحْو الصَّيْد وَإِلَى الصَّيْد وللصيد: إِذا سقتها من الدرء وَهُوَ الدّفع. وَجُمْلَة كَأَنِّي خبر ظللت. وَجُمْلَة أقَاتل حَال وَيجوز الْعَكْس. قَالَ يُوسُف بن السيرافي فِي شرح شَوَاهِد إصْلَاح الْمنطق: يَقُول: صرت لِكَثْرَة الطعْن فِي وَدخُول الرماح فِي جَسَدِي كالحلقة الَّتِي يتَعَلَّم عَلَيْهَا الطعْن. وحكايته: أَن جرما كَانَت مَعَ زبيد ونهداً مَعَ بني الْحَارِث بن كَعْب فَالْتَقوا فانهزمت جرم وَبَنُو زبيد وَكَاد عمرٌ ويُؤْخَذ وَقَاتل يَوْمئِذٍ قتالاً شَدِيدا.

وَقَوله: فَلَو أَن قومِي يَقُول: لَو صَبَرُوا وطعنوا برماحهم أعداءهم لأمكنني مدحهم وَلَكِن فرارهم صيرني كالمشقوق اللِّسَان لِأَنِّي إِن مدحتهم بِمَا لم يَفْعَلُوا كذبت ورد عَليّ. يُقَال: أجررت لِسَان الفصيل: إِذا شققت لِسَانه لِئَلَّا يرضع أمه. قَالَ أَبُو الْقَاسِم الزجاجي فِي أَمَالِيهِ الْوُسْطَى أخبرنَا ابْن شقير قَالَ: حضرت الْمبرد وَقد سَأَلَهُ رجلٌ عَن معنى قَول الشَّاعِر: فَلَو أَن قومِي أنطقتني رماحهم ... ... ... ... ... ... ... الْبَيْت فَقَالَ: هَذَا كَقَوْل الآخر: (وقافيةٍ قيلت فَلم أستطع لَهَا ... دفاعاً إِذا لم تضربوا بالمناصل) (فأدفع عَن حق بِحَق وَلم يكن ... ليدفع عَنْكُم قالة الْحق باطلي) قَالَ أَبُو الْقَاسِم: معنى هَذَا: أَن الفصيل إِذا لهج بِالرّضَاعِ جعلُوا فِي أَنفه خلالة محددة فَإِذا جَاءَ يرضع أمه نخستها تِلْكَ الخلالة فمنعته من الرَّضَاع فَإِن كف. . وَإِلَّا أجروه. والإجرار: أَن يشق لِسَان الفصيل أَو يقطع طرفه فَيمْتَنع حِينَئِذٍ من الرَّضَاع ضَرُورَة. فَقَالَ قَائِل الْبَيْت الأول: إِن قومِي لم يقاتلوا فَأَنا مجرٌ عَن مدحهم لِأَنِّي مَمْنُوع كَأَن رماحهم حِين قصروا عَن الْقِتَال بهَا أجرتني عَن مدحهم كَمَا يجر الفصيل. عَن الرَّضَاع. ففسره أَبُو الْعَبَّاس بالبيتين اللَّذين مضيا. وللإجرار مَوضِع آخر وَهُوَ أَن يطعن الْفَارِس الْفَارِس فَيمكن الرمْح فِيهِ ثمَّ يتْركهُ مُنْهَزِمًا يجر الرمْح فَذَلِك قَاتل لَا محَالة. وَمِنْه قَول الشَّاعِر:

وَقَول الآخر: ونقي بِأَفْضَل مالنا أحسابنا ونجر فِي الهيجا الرماح وندعي ا. هـ قَوْله: وندعي أَي: ننتسب فِي الْحَرْب كَمَا ينتسب الشجاع فِي الْحَرْب فَيَقُول: أَنا فلَان ابْن فلَان.) ومعدي اشتقاقه مثل اشتقاق معدان وَيزِيد عَلَيْهِ بِأَنَّهُ يجوز أَن يكون من الْعدوان فقلبت الْوَاو يَاء لما بني على مفعل أَو يكون بني على مفعول فقلبت الْوَاو يَاء ثمَّ خففت الْيَاء لطول الِاسْم لِأَنَّهُ جعل مَعَ كرب كالاسم الْوَاحِد. وكرب يجوز أَن يكون من الكرب الَّذِي هُوَ أَشد الْغم أَو من كرب فِي معنى قَارب أَو من أكربت الدَّلْو: إِذا شددتها بالكرب وَهُوَ الْحَبل الَّذِي يشد على الْعِرَاقِيّ قَالَ ابْن جني: فسره ثَعْلَب: أَنه عداهُ الكرب أَي: تجاوزه وَانْصَرف عَنهُ.

وعصم بِضَم الْعين وَسُكُون الصَّاد الْمُهْمَلَتَيْنِ. وزبيد مصغر زبدة أَو زبد والزبد: الْعَطاء يُقَال: زبده زبداً: إِذا أعطَاهُ. وَقَالَ شَارِح ديوانه: وَسمي زبيداً لِأَنَّهُ قَالَ: من يزبدني نَصره وَكَذَا رَأَيْت فِي جمهرة الْأَنْسَاب. إِنَّمَا سمي زبيداً لِأَنَّهُ قَالَ: من يزبدني نَصره لما كثر عمومته وَبَنُو عَمه فَأَجَابُوهُ كلهم. فسموا كلهم زبيداً مَا بَين زبيد الْأَصْغَر إِلَى مُنَبّه بن صَعب وَهُوَ زبيد الْأَكْبَر. وَأَخُوهُ زبيد الْأَصْغَر كلهم يدعى زبيداً ا. هـ. وكنية عَمْرو أَبُو ثَوْر. وَهُوَ الْفَارِس الْمَشْهُور صَاحب الغارات والوقائع فِي الْجَاهِلِيَّة وَالْإِسْلَام. قَالَ فِي الِاسْتِيعَاب: وَفد على النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فِي سنة تسع. وَقَالَ الْوَاقِدِيّ: فِي سنة عشر فِي وَفد زبيد فَأسلم ا. هـ. وَأقَام مُدَّة فِي الْمَدِينَة ثمَّ رَجَعَ إِلَى قومه وَأقَام فيهم سَامِعًا مُطيعًا وَعَلَيْهِم فَرْوَة بن مسيك فَلَمَّا توفّي النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ارْتَدَّ. قَالَ النَّوَوِيّ فِي تَهْذِيب الْأَسْمَاء واللغات: ارْتَدَّ مَعَ الْأسود الْعَنسِي فَسَار إِلَيْهِ خَالِد بن سعيد فَقتله فَضَربهُ خَالِد على عَاتِقه فَانْهَزَمَ وَأخذ خالدٌ سَيْفه. فَلَمَّا رأى عَمْرو الأمداد من أبي بكر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أسلم وَدخل على المُهَاجر بن أبي أُميَّة بِغَيْر أَمَان فأوثقه وَبعث بِهِ إِلَى أبي بكر فَقَالَ لَهُ أَبُو بكر: أما تَسْتَحي كل يَوْم مهزوماً أَو مأسوراً لَو عززت هَذَا الدَّين لرفعك الله قَالَ: لَا جرم لأقبلن وَلَا أَعُود. فَأَطْلقهُ وَعَاد إِلَى قومه. ثمَّ عَاد إِلَى الْمَدِينَة فَبَعثه أَبُو بكر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه إِلَى الشَّام فَشهد اليرموك ا. هـ.) وَله فِي يَوْم اليرموك بلاءٌ حسن وَقد ذهبت فِيهِ إِحْدَى عَيْنَيْهِ. ثمَّ بَعثه

عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه إِلَى الْعرَاق وَله فِي الْقَادِسِيَّة أَيْضا بلَاء حسن وَهُوَ الَّذِي ضرب خطم الْفِيل بِالسَّيْفِ فانهزمت الْأَعَاجِم وَكَانَ سَبَب الْفَتْح. وَمَات فِي سنة إِحْدَى وَعشْرين من الْهِجْرَة. وَفِي كَيْفيَّة مَوته خلاف. قيل: مَاتَ عطشاً يَوْم الْقَادِسِيَّة وَقيل: قتل فِيهِ وَقيل: بل مَاتَ فِي وقْعَة نهاوند بعد الْفَتْح وَقيل: غير ذَلِك. وعمره يَوْمئِذٍ مائَة وَعِشْرُونَ وَقيل: مائَة وَخَمْسُونَ. وَلم يذكرهُ السجسْتانِي فِي المعمرين. رُوِيَ أَن رجلا رَآهُ وَهُوَ على فرسه فَقَالَ: لأنظر مَا بَقِي من قُوَّة أبي ثَوْر. فَأدْخل يَده بَين سَاقه وجنب الْفرس فَفطن لَهَا عَمْرو فضم رجله وحرك الْفرس فَجعل الرجل يعدو مَعَ الْفرس وَلَا يقدر أَن ينْزع يَده حَتَّى إِذا بلغ مِنْهُ صَاح بِهِ فَقَالَ لَهُ: يَا ابْن أخي: مَالك قَالَ: يَدي تَحت ساقك فخلى عَنهُ. وَقَالَ لَهُ: إِن فِي عمك بَقِيَّة. وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد الْخَامِس وَالْخَمْسُونَ بعد الْمِائَة) وَهُوَ من شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ: لما تقدم فِي الْبَيْت قبله أَعنِي أَن نصب وُجُوه على الشتم. قَالَ النّحاس: وَيجوز رَفعه على إِضْمَار مُبْتَدأ أَو على أَن تَجْعَلهُ بَدَلا من أقارع عَوْف: تبدل النكرَة من الْمعرفَة مثل: لنسفعاً بالناصية. ناصيةٍ كاذبةٍ. وَنقل ابْن السَّيِّد البطليوسي عَن يُونُس بن حبيب فِي أَبْيَات الْمعَانِي أَنه

قَالَ: لَو شِئْت رفعت مَا نصبته على الِابْتِدَاء وتضمر فِي نَفسك شَيْئا لَو أظهرته لم يكن مَا بعده إِلَّا رفعا كَأَنَّك قلت: لَهُم وُجُوه قرودٍ ا. هـ. وَهَذَا الْبَيْت للنابغة الذبياني من قصيدةٍ يعْتَذر بهَا إِلَى النُّعْمَان بن الْمُنْذر مِمَّا وشت بِهِ بَنو قريع. وَقَبله: (لعمري وَمَا عمري عَليّ بهينٍ ... لقد نطقت بطلاً عَليّ الأقارع) وَاسْتشْهدَ بِهِ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي على أَن جملَة وَمَا عمري عَليّ بهين مُعْتَرضَة بَين الْقسم وَجَوَابه. . الْعُمر بِفَتْح الْعين هُوَ الْعُمر بضَمهَا لَكِن خص اسْتِعْمَال المفتوح بالقسم أَي: مَا قسمي بعمري هينٌ عَليّ حَتَّى يتهم متهمٌ بِأَنِّي أَحْلف بِهِ كَاذِبًا. والبطل بِالضَّمِّ هُوَ الْبَاطِل وَنصب على الْمصدر أَي: نطقت نطقاً بَاطِلا.) وَقَوله: أقارع عَوْف بدلٌ من الأقارع. ولَا أحاول لَا أُرِيد. والمجادعة بِالْجِيم وَالدَّال الْمُهْملَة هُوَ أَن يَقُول كلٌ من شَخْصَيْنِ: جدعاً لَك أَي: قطع الله أَنْفك. وَهِي كلمة سبّ من الجدع وَهُوَ قطع الْأذن وَالْأنف. يَقُول: هم سُفَهَاء يطْلبُونَ من يشاتمهم. والأقارع: هم بَنو قريع بن عَوْف بن كَعْب بن زيد مَنَاة بن تَمِيم الَّذين كَانُوا سعوا بِهِ إِلَى النُّعْمَان حَتَّى تغير لَهُ. وَسَمَّاهُمْ أقارع لِأَن قريعاً أباهم سمي بِهَذَا الِاسْم. وَهُوَ تَصْغِير أَقرع وَلِهَذَا جمعه على الأَصْل. وَالْعرب إِذا نسبت الْأَبْنَاء إِلَى الْآبَاء فَرُبمَا سمتهم باسم الْأَب كَمَا قَالُوا: المهالبة والمسامعة فِي بني الْمُهلب وَبني مسمع. وَزعم

الدماميني فِي الْحَاشِيَة الْهِنْدِيَّة أَن الأقارع جمع أَقرع. ثمَّ نقل من الصِّحَاح أَن الأقرعين: الْأَقْرَع بن حَابِس وَأَخُوهُ مرْثَد. وَهَذَا كَمَا ترى لَا مُنَاسبَة لَهُ هُنَا. وَالسَّبَب فِي غضب النُّعْمَان على النَّابِغَة هُوَ مَا حَكَاهُ شَارِح ديوانه وَغَيره عَن أبي عَمْرو وَابْن الْأَعرَابِي أَنَّهُمَا قَالَا: كَانَ النَّابِغَة مِمَّن يُجَالس النُّعْمَان ويسمر عِنْده ورجلٌ آخر من بني يشْكر يُقَال لَهُ: المنخل وَكَانَ جميلاً يتهم بالمتجردة امْرَأَة النُّعْمَان. وَكَانَ النُّعْمَان قَصِيرا دميماً قَبِيح الْوَجْه أبرش. وَكَانَت المتجردة ولدت للنعمان غلامين. وَكَانَ النَّاس يَزْعمُونَ أَنَّهُمَا ابْنا المنخل. وَكَانَ النَّابِغَة رجلا حَلِيمًا عفيفاً وَله منزلَة يحْسد عَلَيْهَا. فَقَالَ لَهُ النُّعْمَان يَوْمًا وَعِنْده المتجردة والمنخل صفها يَا نَابِغَة فِي شعرك. فَقَالَ قصيدته الدالية الَّتِي أَولهَا: أَمن آل مية رائحٌ أَو مغتدي وَسَتَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى فِي هَذَا الْكتاب فوصف النَّابِغَة فِيهَا بَطنهَا وروادفها وفرجها وَلَذَّة مجامعتها. فَلَمَّا سمع المنخل هَذِه القصيدة لحقته غيرَة. فَقَالَ للنعمان: مَا يَسْتَطِيع أَن يَقُول هَذَا الشّعْر إِلَّا من قد جرب فوقر ذَلِك فِي نفس النُّعْمَان. ثمَّ أَتَى النُّعْمَان بعد ذَلِك رهطٌ من بني سعد بن زيد مَنَاة بن تَمِيم وهم بَنو قريع فبلغوه أَن النَّابِغَة يصف المتجردة وَيذكر فِيهَا وان ذَلِك قد شاع بَين النَّاس. فَتغير النُّعْمَان عَلَيْهِ. وَكَانَ للنعمان بوابٌ يُقَال لَهُ عِصَام بن شهبر الْجرْمِي. فَأتى النَّابِغَة فَقَالَ لَهُ عِصَام: إِن النُّعْمَان واقعٌ بك فَانْطَلق. فهرب النَّابِغَة إِلَى غَسَّان مُلُوك الشَّام وَهُوَ آل جَفْنَة وَمكث

عِنْدهم ومدحهم بقصائد كَمَا تقدم فِي الشَّاهِد السَّابِع وَالثَّلَاثِينَ بعد الْمِائَة. وَكَانَ سَبَب وُقُوع بني قريع فِي النَّابِغَة عِنْد النُّعْمَان: هُوَ مَا حَكَاهُ أَبُو عبيد والأصمعي قَالَا: كَانَ لمرة بن ربيعَة بن قريع بن عَوْف بن كَعْب بن سعد بن زيد مَنَاة بن تَمِيم سيف جيد. فحسده) النَّابِغَة فَدلَّ على السَّيْف النُّعْمَان بن الْمُنْذر فَأَخذه من مرّة فحقد مرّة على النَّابِغَة وأرصد لَهُ بشر حَتَّى تمكن مِنْهُ فَوَقع فِيهِ عِنْد النُّعْمَان فَبعد أَن هرب النَّابِغَة وَمكث عِنْد آل جَفْنَة أرسل إِلَى النُّعْمَان قصائد يعْتَذر إِلَيْهِ بهَا وَيحلف لَهُ: أَنه مَا فرط مِنْهُ ذَنْب. وَاشْتَدَّ ذَلِك على النُّعْمَان وَعرف أَن الَّذِي بلغه كذب. فَبعث النُّعْمَان إِلَى النَّابِغَة: إِنَّك لم تعتذر من سخطةٍ إِن كَانَت بلغتك وَلَكنَّا تغيرنا لكمن شَيْء مِمَّا كُنَّا لَك عَلَيْهِ وَلَقَد كَانَ فِي قَوْمك ممنع وتحصين فتركته ثمَّ انْطَلَقت إِلَى قومٍ قتلوا جدي وبيني وَبينهمْ مَا قد علمت. وَكَانَ النُّعْمَان وَأَبوهُ وجده قد أكْرمُوا النَّابِغَة وشرفوه وَأَعْطوهُ مَالا عَظِيما حَتَّى كَانَ لَا يَأْكُل وَلَا يشرب إِلَّا فِي أواني الذَّهَب وَالْفِضَّة. فَرضِي عَنهُ النُّعْمَان ووهب لَهُ مائَة بعير من عصافيره وَهِي إبل كَانَت للنعمان تسمى بهَا. والنابغة قد تقدّمت تَرْجَمته فِي الشَّاهِد الرَّابِع بعد الْمِائَة. والنعمان هَذَا آخر مُلُوك الْحيرَة. ثمَّ ولي بعده إِيَاس بن قبيصَة الطَّائِي ثَمَانِيَة

أشهر واضطرب ملك فَارس وضعفوا وَكَانَت مُلُوك الْحيرَة من تَحت أَيْديهم وأتى الله عَزَّ وَجَلَّ بِالْإِسْلَامِ فغزا أَهله النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ. وَأول من ملك الْحيرَة مَالك بن فهم بن عَمْرو بن دوس بن الأزد. ملك الْعَرَب بالعراق عشْرين سنة. والحيرة هِيَ أَرض فِي الْعرَاق بَلْدَة قريبَة من الْكُوفَة. قَالَ الْهَمدَانِي فِي جَزِيرَة الْعَرَب: سَار تبع أَبُو كرب فِي غزوته الثَّانِيَة. فَلَمَّا أَتَى مَوضِع الْحيرَة خلف هُنَاكَ مَالك بن فهم بن غنم بن دوس على أثقاله. وتخلف مَعَه من ثقل من أَصْحَابه فِي نَحْو اثْنَي عشر ألفا. وَقَالَ: تحيروا هَذَا الْموضع فَسُمي الْموضع الْحيرَة وَهُوَ من قَوْلهم: تحير المَاء. إِذا اجْتمع وَزَاد وتحير الْمَكَان بِالْمَاءِ: إِذا امْتَلَأَ فمالكٌ أول مُلُوك الْحيرَة وأبوهم. وَكَانُوا يملكُونَ مابين الْحيرَة والأنبار وَكَانَ مَكَان الْحيرَة من أطيب الْبِلَاد وأرقه هَوَاء وأخفه مَاء وأعذاه تربة وأصفاه جواً قد تَعَالَى عَن عمق الأرياف واتضع عَن حزونة

الْغَائِط واتصل بالمزارع والجنان والمتاجر الْعِظَام لِأَنَّهَا كَانَت من ظهر الْبَريَّة على مرفأ سفن الْبَحْر من الْهِنْد والصين وَغَيرهمَا ا. هـ. قَالَ ابْن رَشِيق فِي الْعُمْدَة: وَملك بعد مَالك بن فهم ابْنه جذيمة بن مَالك وَهُوَ الأبرش والوضاح وَكَانَ ملكه سِتِّينَ سنة. ثمَّ عَمْرو بن عدي بن نر ابْن ربيعَة اللَّخْمِيّ وَعَمْرو هَذَا هُوَ ابْن أُخْت جذيمة الأبرش وَفِيه قيل: شب عمروٌ عَن الطوق ثمَّ امْرُؤ الْقَيْس بن عَمْرو بن عدي) وَيُقَال: بل الْحَارِث بن عَمْرو وَأَنه هُوَ الَّذِي كَانَ يدعى محرقاً. ثمَّ النُّعْمَان ابْن امْرِئ الْقَيْس وَهُوَ النُّعْمَان الْأَكْبَر الَّذِي بنى الخورنق. ثمَّ الْمُنْذر بن امْرِئ الْقَيْس وَهُوَ الْمُنْذر الْأَكْبَر ابْن مَاء السَّمَاء أَخُو النُّعْمَان الْأَكْبَر. ثمَّ الْمُنْذر بن الْمُنْذر وَهُوَ الْأَصْغَر. ثمَّ أَخُوهُ عَمْرو بن الْمُنْذر وَهُوَ عَمْرو بن هِنْد وَسمي محرقاً أَيْضا. لِأَنَّهُ حرق بني تَمِيم وَقيل بل حرق نخل الْيَمَامَة. ثمَّ النُّعْمَان بن الْمُنْذر بن الْمُنْذر صَاحب النَّابِغَة وَهُوَ آخر مُلُوك لخم كَمَا ذكرنَا. وَاعْلَم أَن هَذِه القصيدة غَالب أبياتها شَوَاهِد فِي كتب الْعَرَبيَّة وَهِي خَمْسَة وَثَلَاثُونَ بَيْتا. فَلَا بَأْس بإيرادها مختصرةً تتميماً للفائدة. وَهِي على هَذَا التَّرْتِيب: (عَفا ذُو حسىً من فرتنى فالفوارع ... فجنبا أريكٍ فالتلاع الدوافع) عَفا: درس وامحى. وذُو حسى: بلد فِي بِلَاد بني مرّة وَهُوَ بِضَم الْحَاء

وَالسِّين الْمُهْمَلَتَيْنِ وَالْقصر. وفرتنى: أَي: من منَازِل فرتنى وَهُوَ بِفَتْح الْفَاء وَسُكُون الرَّاء وَبعدهَا تَاء مَفْتُوحَة يَليهَا نون قَالَ فِي الصِّحَاح: هُوَ مَقْصُور وَهُوَ اسْم امْرَأَة. وَالْعرب تسمي الْأمة فرتنى. والفوارع: جمع فارعة قَالَ فِي الصِّحَاح: وفارعة الْجَبَل: أَعْلَاهُ. وتلاع فوارع: مشرفات المسايل. وأريك بِفَتْح الْهمزَة وَكسر الرَّاء قَالَ الْبكْرِيّ فِي مُعْجم مَا استعجم: هُوَ مَوضِع فِي ديار غَنِي بن يعصر. وَأنْشد هَذَا الْبَيْت ثمَّ قَالَ: وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: أريك فِي بِلَاد ذبيان قَالَ: وهما أريكان: أريكٌ الْأسود وأريكٌ الْأَبْيَض. والأريك: الْجَبَل الصَّغِير. وَقَالَ الْأَخْفَش: إِنَّمَا سمي أريكاً لِأَنَّهُ جبل كثير الْأَرَاك. والتلاع بِالْكَسْرِ: مجاري المَاء إِلَى الأودية وَهِي مسايل عِظَام. والدوافع: تدفع المَاء إِلَى الميث والميث يدْفع المَاء إِلَى الْوَادي الْأَعْظَم. كَذَا فِي الشَّرْح. (فمجتمع الأشراج عفى رسومها ... مصايف مرت بَعدنَا ومرابع) قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: مُجْتَمع الأشراج: مسايل فِي الأَرْض تصب إِلَى الأودية وَالْوَاحد شرج بِفَتْح الشين الْمُعْجَمَة وَسُكُون الرَّاء وَآخره جِيم. والرسوم: الْآثَار. وعفى: درس ومحا. والمصايف: جمع مصيف. ومرابع: جمع مربع.

أَرَادَ آيَات الدَّار. وَاللَّام بِمَعْنى بعد أَي: بعد سِتَّة أَعْوَام. وتوهمت: تفرست. وَهَذَا الْبَيْت من شَوَاهِد أَبْيَات سِيبَوَيْهٍ أنْشدهُ على أَن الْعَام صفة ذَا وسابع خبر اسْم الْإِشَارَة. وَأوردهُ ابْن هِشَام أَيْضا فِي شرح الألفية على أَن سابعاً اسْتعْمل مُفردا ليُفِيد) الاتصاف بِمَعْنَاهُ مُجَردا وَهَذَا بِخِلَاف مَا يَسْتَعْمِلهُ الشَّخْص مَعَ أَصله ليُفِيد أَن الْمَوْصُوف بِهِ بعض الْعدَد الْمعِين نَحْو: سَابِع سَبْعَة وثامن ثَمَانِيَة وَنَحْوهمَا: (رمادً ككحل الْعين مَا إِن تبينه ... ونؤيٌ كجذم الْحَوْض أثلم خاشع) أَي: من الْآيَات رماد ونؤيٌ. اسْتَأْنف وَفسّر بعض الْآيَات. زَعَمُوا: أَن الرماد يبْقى ألف سنة. وروى: لأياً أبينه اللأي بِفَتْح اللَّام وَسُكُون الْهمزَة: البطء وَنصب على نزع الْخَافِض: أَي: أستبينه بعد بطء. والنؤي بِضَم النُّون وَسُكُون الْهمزَة حفيرة تحفر حول الخباء وَيجْعَل ترابها حاجزاً لِئَلَّا يدْخلهُ الْمَطَر. والجذم بِكَسْر الْجِيم وَسُكُون الذَّال الْمُعْجَمَة: الأَصْل وَالْبَاقِي. وخاشع: لاطيء بِالْأَرْضِ قد اطْمَأَن وَذهب شخوصه. (كَأَن مجر الرامسات ذيولها ... عَلَيْهِ قضيمٌ نمقته الصوانع) هَذَا الْبَيْت أوردهُ الشَّارِح الْمُحَقق فِي شرح الشافية فِي بَاب الْمَنْسُوب على أَن فِيهِ حذف مُضَاف: أَي: كَأَن أثر مجر الرامسات. ومجر مصدر ميمي

لَا اسْم مَكَان فَإِن أَسمَاء الْمَكَان وَالزَّمَان والآلة لَا ترفع فضلا عَن أَن تنصب. وذيولها: قد انتصب بمجر فمجر مصدر مُضَاف لفَاعِله وذيولها مَفْعُوله وَإِنَّمَا كَانَ بِتَقْدِير مُضَاف وَهُوَ أثر مجر أَو مَكَان مجر لِأَنَّهُ إِذا كَانَ مصدرا فَلَا يَصح الْإِخْبَار بقوله قضيم وَإِن كَانَ اسْم مَكَان فَلَا يَصح نَصبه الْمَفْعُول. والرامسات: الرِّيَاح الشَّدِيدَة الهبوب من الرمس وَهُوَ الدّفن. وذيولها: مآخيرها: وَذَلِكَ أَن أوائلها تَجِيء بِشدَّة ثمَّ تسكن. وَرُوِيَ بجر ذيولها على أَنه بدل من الرامسات وَعَلِيهِ فالمجر اسْم مَكَان وَلَا حذف. والقضيم: حَصِير منسوج خيوطه سيور. كَذَا فِي الْقَامُوس وَكَذَا قَالَ شَارِح ديوانه: شبه آثَار هَذِه الرامسات فِي هَذَا الرَّسْم بحصير من جريد أَو أَدَم ترمله الصوانع أَي: تعمله وتخرزه. وَمثله لذِي الرمة: ريحٌ لَهَا هباب الصَّيف تمنيم أَي: نمنمة كالوشي. وَقَالَ العجاج: سجاحة الأولى دروج الأذيال وَلَا يُنَاسِبه قَول الجاربردي فِي شرح الشافية: إِن القضيم جلدٌ أَبيض يكْتب فِيهِ فَإِن الصوانع جمع صانعة والمعهود فِي نسَاء الْعَرَب النسج وَمَا أشبهه لَا الْكِتَابَة. وَالْمعْنَى يَقْتَضِيهِ أَيْضا فَإِن) الرمل الَّذِي تمر عَلَيْهِ الرّيح يشبه نسج الْحَصِير. والصنع: إجادة الْفِعْل وَلَيْسَ كل صنع فعلا وَلَا يجوز نسبته إِلَى الْحَيَوَانَات غير الْآدَمِيّين وَلَا إِلَى الجمادات وَإِن كَانَ

الْفِعْل ينْسب إِلَيْهِمَا. وَلَا يُقَال صنعٌ بِفتْحَتَيْنِ إِلَّا للرجل الحاذق الْمجِيد وَلَا صناع بِالْفَتْح إِلَّا لامْرَأَة تتقن مَا تعمله ضد الخرقاء. وَفِي الْقَامُوس: رجل صنع الْيَدَيْنِ بِالْكَسْرِ والتحريك وصنيع الْيَدَيْنِ وصناعهما: حاذقٌ فِي الصَّنْعَة. وَامْرَأَة صناع الْيَدَيْنِ كسحاب: حاذقة ماهرة بِعَمَل الْيَدَيْنِ وجمعهما صنع ككتب. وَقَوله: نمقته: أَي: حسنته. قَالَ الشَّارِح: كل مَا ألزق بعضه إِلَى بعض وأقيم سطوره من نخل أَو كتاب فَهُوَ منمق: (على ظهر مبناةٍ جديدٍ سيورها ... يطوف بهَا وسط اللطيمة بَائِع) قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: المبناة بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة: نطع يَقُول: هَذَا الْحَصِير على هَذَا النطع يطوف بِهِ بَائِع فِي الْمَوْسِم. قَالَ الْأَصْمَعِي: كَانَ من يَبِيع مَتَاعا يفرش نطعاً وَيَضَع عَلَيْهِ مَتَاعه والنطع يُسمى مبناة. فَيَقُول: نشر هَذَا التَّاجِر حَصِيرا على نطع. وَإِنَّمَا سميت مبناة لِأَنَّهَا كَانَت تتَّخذ قباباً والقبة وَالْبناء سَوَاء والأنطاع تبنى عَلَيْهَا القباب. والنطع بِكَسْر فَسُكُون وبفتحتين وكعنب: بِسَاط من الْأَدِيم. واللطيمة قَالَ أَبُو عَمْرو: سوقٌ فِيهَا بز وَطيب. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: اللطيمة: العير الَّتِي تحمل دق الْمَتَاع وأفضله وَتحمل إِلَى الْأَسْوَاق والمواسم وَلَا تسمى لطيمة إِلَّا وفيهَا طيب. وَقَوله: جَدِيد سيورها أَرَادَ الْأَدِيم وَأنْشد: وقدت من أديمهم سيوري (فأسبل مني عبرةٌ فرددتها ... على النَّحْر: مِنْهَا مستهلٌ ودامع) مستهلٌ: سَائل منصب لَهُ وَقع وَمِنْه استهلت السَّمَاء بالمطر: إِذا رام مطرها. ودامع: قاطر

(على حِين عاتبت المشيب على الصِّبَا ... فَقلت: ألما تصح والشيب وازع) يَأْتِي شَرحه إِن شَاءَ الله تَعَالَى فِي بَاب الظروف. (وَقد حَال همٌ دون ذَلِك داخلٌ ... دُخُول الشغاف تبتغيه الْأَصَابِع) أَي: دون هَذَا الَّذِي أشبب بِهِ وأبكي عَلَيْهِ دون الصِّبَا. وَرُوِيَ: وَقد جال همٌ وَرُوِيَ أيضاُ: (وَلَكِن هما دون ذَلِك داخلٌ ... مَكَان الشغاف ... ... ... . .)) أَي: غلاف الْقلب. وَقَالَ الْأَصْمَعِي: الشغاف: دَاء يدْخل تَحت الشراسيف فِي الْبَطن فِي الشق الْأَيْمن إِذا التقى هُوَ وَالطحَال مَاتَ صَاحبه. يَقُول: هَذَا الْهم الَّذِي هُوَ لي هُوَ مضوع الشغاف الَّذِي يكون فِيهِ الْقلب. ثمَّ رَجَعَ إِلَى الشغاف فَقَالَ: تبتغيه الْأَصَابِع: أَي: تلتمسه أَصَابِع المتطببين ينظرُونَ أنزل من ذَلِك الْموضع أم لَا وَإِنَّمَا ينزل عِنْد الْبُرْء. قَالَ ابْن السَّيِّد فِي شرح أَبْيَات أدب الْكَاتِب: هَذَا قَول الْأَصْمَعِي وَأبي عُبَيْدَة. وَقيل مَعْنَاهُ: تلتمسه هَل انحدر نَحْو الطحال فيتوقع على صَاحبه الْمَوْت أم لم ينحدر فترجى لَهُ السَّلامَة. وَقَالَ أَبُو عَليّ الْبَغْدَادِيّ يَعْنِي أَصَابِع الْأَطِبَّاء يلمسونني هَل وصل إِلَى الْقلب أم لَا لِأَنَّهُ إِذا اتَّصل بِالْقَلْبِ تلف صَاحبه. وَإِنَّمَا أَرَادَ النَّابِغَة: أَنه من موجدة النُّعْمَان عَلَيْهِ بَين رَجَاء ويأس كَهَذا العليل الَّذِي يخْشَى عَلَيْهِ الْهَلَاك وَلَا يأس مَعَ ذَلِك من برئه. وَهَذَانِ التأويلان أشبه بغرض النَّابِغَة من التَّأْوِيل الأول: (وَعِيد أبي قَابُوس فِي غير كنهه ... أَتَانِي ودوني راكسٌ فالضواجع)

. أَبُو قَابُوس: كنية النُّعْمَان بن الْمُنْذر. قَالَ الْأَصْمَعِي: أَي: جَاءَنِي وعيده فِي غير قدر الْوَعيد. أَي: لم أكن بلغت مَا يغْضب عَليّ غفيه. وراكس: وَاد. والضواجع: جمع ضاجعة وَهُوَ منحنى الْوَادي. (فَبت كَأَنِّي ساورتني ضئيلةٌ ... من الرقش فِي أنيابها السم ناقع) المساورة: المواثبة والأفعى لَا تلدغ إِلَّا وثباً. وضئيلة: هِيَ الْحَيَّة الدقيقة القليلة اللَّحْم. وَالْعرب تَقول: سلط الله عَلَيْهِ أَفْعَى حارية. تحري. أَي: ترجع من غلظ إِلَى دقة ويقل دَمهَا ويشتد سمها. قَالَ: (داهيةٌ قد صغرت من الْكبر ... جَاءَ بهَا الطوفان أَيَّام زخر) وَقَوله: ناقع. أَي: ثَابت يُقَال: نقع ينقع نقوعاً: إِذا ثَبت. والرقش من الْحَيَّات: المنقطة بسواد. وَهِي من شِرَارهَا فَلِذَا خصها بِالذكر. وَقَالَ شَارِح ديوَان الحطيئة فِي شرح هَذَا الْبَيْت من شعره: (كَأَنِّي ساورتني ذَات سم ... نقيعٍ مَا يلائمها رقاها) النقيع: المنقوع الْمَجْمُوع وَذَلِكَ: أَن الْحَيَّة تجمع سمها من أول الشَّهْر إِلَى النّصْف مِنْهُ فَإِن) أَصَابَت شَيْئا لفظته فِيهِ وَإِن جَاءَ النّصْف وَلم تصب شَيْئا تنهشه لفظته من فِيهَا بِالْأَرْضِ ثمَّ استأنفت تجمع إِلَى رَأس الشَّهْر ثمَّ تفعل كفعلها الأول فَهَذَا دأبها الدَّهْر كُله ا. هـ. وَهَذَا الْبَيْت من أَبْيَات سِيبَوَيْهٍ أوردهُ على أَن ناقعاً رفع على أَنه خبر عَن السم وَيجوز فِي غير الشّعْر ناقعاً على الحالية. وَقَوله: فِي أنيابها هُوَ الْخَبَر. وَأوردهُ الْمرَادِي فِي شرح الألفية وَكَذَلِكَ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي على أَن بَعضهم قَالَ ناقع صفة للسم وَهُوَ

ابْن الطراوة فَإِنَّهُ قَالَ: يجوز وصف الْمعرفَة بالنكرة إِذا كَانَ الْوَصْف خَاصّا لَا يُوصف بِهِ إِلَّا ذَلِك الْمَوْصُوف. وَهَذَا لَا يُجِيزهُ أحد من الْبَصرِيين إِلَّا الْأَخْفَش. وَلَا حجَّة فِي هَذَا الْبَيْت قَالَ ابْن هِشَام: إِنَّه خبر للسم. والظرف مُتَعَلق بِهِ أَو خبر ثَان. (يسهد فِي ليل التَّمام سليمها ... لحلي النِّسَاء فِي يَدَيْهِ قعاقع) ليل التَّمام بِكَسْر التَّاء: أطول لَيْلَة فِي السّنة. والسليم: اللديغ. قَالَ الزجاجي فِي أَمَالِيهِ الصُّغْرَى: سمت الْعَرَب الملسوع سليما تفاؤلاً كَمَا سموا الْمهْلكَة مفازة من قَوْلهم فوز الرجل: إِذا مَاتَ كَأَنَّهُمَا لفظتان لِمَعْنى. وَكَانَ ينشد قَول الشَّاعِر: (كَأَنِّي من تذكر آل ليلى ... إِذا مَا أظلم اللَّيْل البهيم) (سليمٌ بَان عَنهُ أقربوه ... وأسلمه المداوي وَالْحَمِيم) وَلَو كَانَ على مَا ذهب إِلَيْهِ فِي السَّلِيم لقيل لكل من بِهِ عِلّة صعبة: سليم مثل المبرسم وَالْمَجْنُون والمفلوج بل كَانَ يلْزم أَن يُقَال للْمَيت: سليم ا. هـ. وَفِيه أَن الْمَنْقُول عَنهُ أَنه هُوَ وَابْن الْأَعرَابِي قَالَا: إِن بني أَسد تَقول: إِنَّمَا سمي السَّلِيم سليما لِأَنَّهُ أسلم لما بِهِ. على أَن الْعلَّة لَا يجب إطرادها: فَتَأمل. وَقَوله: لحلي النِّسَاء الخ كَانَ الملدوغ يَجْعَل الْحلِيّ فِي يَدَيْهِ والجلاجل حَتَّى لَا ينَام فيدب السم فِيهِ.

وَرُوِيَ أَيْضا: نناذرها الحاوون وَهُوَ جمع حاوٍ وَهُوَ الَّذِي يمسك الْحَيَّات. أَي: أنذر بَعضهم بَعْضًا بِأَنَّهَا لَا تجيب راقياً. وَرُوِيَ: من سوء سَمعهَا يَعْنِي أَنَّهَا حَيَّة صماء وَقَوله: تطلقه: تخف عَنهُ مرّة وتشتد عَلَيْهِ مرّة. قَالَ الْمبرد فِي الْكَامِل عِنْدَمَا أنْشد هَذِه الأبيات الْأَرْبَعَة من قَوْله: وَعِيد أبي قَابُوس إِلَى هَذَا الْبَيْت وَمن التَّشْبِيه الصَّحِيح هَذِه الأبيات وَهَذِه صفة الْخَائِف المهموم وَمثل ذَلِك قَول الآخر:) (تبيت الهموم الطارقات يعدنني ... كَمَا تعتري الأوصاب رَأس الْمُطلق) والْمُطلق: هُوَ الَّذِي ذكره النَّابِغَة فِي قَوْله: تطلقه طوراً. . الخ. وَذَلِكَ أَن المنهوش إِذا ألح الوجع بِهِ تَارَة وَأمْسك عَنهُ تَارَة فقد قَارب أَن يوأس من برئه. وَإِنَّمَا ذكر خَوفه من النُّعْمَان وَمَا يَعْتَرِيه من لوعة فِي أثر لوعة والفترة بَينهمَا. والخائف لَا ينَام إِلَّا غراراً فَلذَلِك شبه بالملدوغ المسهد. ا. هـ. (أَتَانِي أَبيت اللَّعْن أَنَّك لمتني ... وَتلك الَّتِي تستك مِنْهَا المسامع) (مقَالَة أَن قد قلت: سَوف أناله ... وَذَلِكَ من تِلْقَاء مثلك رائع) قَالَ ابْن الْأَنْبَارِي فِي شرح المفضليات: قَوْله: أَبيت اللَّعْن: أَي: أَبيت أَن تَأتي من الْأَخْلَاق المذمومة مَا تلعن عَلَيْهِ. وَكَانَت هَذِه تَحِيَّة لخم وجذام وَكَانَت مَنَازِلهمْ الْحيرَة وَمَا يَليهَا. وتحية مُلُوك غَسَّان: يَا خير الفتيان وَكَانَت

مَنَازِلهمْ الشَّام. وَحكى ثَعْلَب عَن الْفراء أَن المشيخة كَانُوا يضيفونه على الْغَلَط لِأَنَّهُ إِذا أَضَافَهُ خرج دَمًا فَيَقُول: أَبيت اللَّعْن كَأَنَّهُمْ شبهوه بِالْإِضَافَة على الْغَلَط. وَقَالَ: أَرَادَ بَيت اللَّعْن أَي: يَا من هُوَ بَيت اللَّعْن. وَالْقَوْل هُوَ الأول ا. هـ. وتستك: تنسد وَلَا تسمع. ورائع مفزع ومخوف. وَقَوله: مقَالَة أَن قد قلت تَفْسِير لِأَنَّك رَوَاهُ الْأَصْمَعِي بِرَفْع مقَالَة على أَنه بدل من: أَنَّك لمتني. وَرُوِيَ بِفَتْح التَّاء أَيْضا. قَالَ الْأَخْفَش فِي كتاب المعاياة: إِنَّه نصب ملامة على: أَنَّك لمتني فجَاء بِهِ من بعد مَا تمّ الِاسْم وَهُوَ من الصِّلَة وَهَذَا رَدِيء. ا. هـ. وَقَالَ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي: ويحكى أَن ابْن الْأَخْضَر سُئِلَ بِحَضْرَة ابْن الأبرش عَن وَجه النصب كَذَا فِي النّسخ وَصَوَابه عَن وَجه الْفَتْح فِي قَول النَّابِغَة: مقَالَة أَن قد قلت وَأنْشد الْبَيْتَيْنِ فَقَالَ: وَلَا تصْحَب الأردى فتردى مَعَ الردي فَقيل لَهُ: الْجَواب فَقَالَ ابْن الأبرش: قد أجَاب. يُرِيد أَنه لما أضيف إِلَى الْمَبْنِيّ اكْتسب مِنْهُ الْبناء فَهُوَ مَفْتُوح لَا مَنْصُوب. وَمحله الرّفْع بَدَلا

من: أَنَّك لمتني وَقد رُوِيَ بِالرَّفْع. وَهَذَا الْجَواب عِنْدِي غير جيد لعدم إِبْهَام الْمُضَاف. وَلَو صَحَّ لصَحَّ الْبناء فِي نَحْو: غلامك وفرسه وَنَحْو هَذَا مِمَّا لَا قَائِل بِهِ. ثمَّ قَالَ: وَإِنَّمَا هُوَ مَنْصُوب على إِسْقَاط الْبَاء أَو بإضمار أَعنِي أَو على المصدرية. وَفِي الْبَيْت إشكالٌ لَو سَأَلَ السَّائِل عَنهُ كَانَ أولى وَهُوَ إِضَافَة مقَال إِلَى أَن قد قلت فَإِنَّهُ فِي التَّقْدِير مقَالَة) قَوْلك وَلَا يُضَاف الشَّيْء إِلَى نَفسه. وَجَوَابه: أَن الأَصْل مقَالَة فَحذف التَّنْوِين للضَّرُورَة لَا للإضافة وَأَن وصلتها بدلٌ من مقَالَة أَو من أَنَّك لمتني أَو خبرٌ لمَحْذُوف. وَقد يكون الشَّاعِر إِنَّمَا قَالَ: مقَالَة أَن بِإِثْبَات التَّنْوِين وَنقل حَرَكَة الْهمزَة فأنشده النَّاس بتحقيقها فاضطروا إِلَى حذف التَّنْوِين. ا. هـ. وَلَا يخفى أَن هَذَا كُله تعسفٌ وَإِنَّمَا هُوَ من إِضَافَة الْأَعَمّ إِلَى الْأَخَص لِأَن مقَالَة أَعم من قَوْلك. وَهِي من الْإِضَافَة البيانية كشجر الْأَرَاك. أَي: مقَالَة هِيَ هَذَا القَوْل. (أتوعد عبدا لم يخنك أَمَانَة ... وتترك عبدا ظَالِما وَهُوَ ضالع) قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: ظَالِم: جَائِر مُتَحَامِل. وضلع أَي: جَار. وَرُوِيَ: ظالع أَي: مذنب وَأخذ من ظلع الْبَعِير وَهُوَ أَن يقي ويعرج. (حملت عَليّ ذَنبه وَتركته ... كذي العر يكوى غَيره وَهُوَ راتع) هَذَا الْبَيْت من شَوَاهِد أدب الْكَاتِب لِابْنِ قُتَيْبَة. قَالَ الْأَصْمَعِي: العر بِالْفَتْح: الجرب نَفسه. وَأنْشد:

والعر بِالضَّمِّ: قرح يَأْخُذ الْإِبِل فِي مشافرها وأطرافها شَبيه بالقرع وَرُبمَا تفرق فِي مشافرها مثل القوباء يسيل مِنْهُ مَاء أصفر. قَالَ ابْن السَّيِّد فِي شَرحه لأدب الْكَاتِب: فِي مَعْنَاهُ خَمْسَة أَقْوَال. أَحدهمَا: أَن هَذَا أمرٌ كَانَ يَفْعَله جهال الْأَعْرَاب كَانُوا إِذا وَقع العر فِي إبل أحدهم اعْترضُوا بَعِيرًا صَحِيحا من تِلْكَ الْإِبِل فكووا مشفره وعضده وَفَخذه يرَوْنَ أَنهم إِذا فعلوا ذهب العر من إبلهم. كَمَا كَانُوا يعلقون على أنفسهم كعوب الأرانب خشيَة العطب ويفقؤون عين فَحل الْإِبِل لِئَلَّا تصيبها الْعين. وَهَذَا قَول الْأَصْمَعِي وَأبي عَمْرو وَأكْثر اللغويين. ثَانِيهَا: قَالَ يُونُس: سَأَلت رؤبة بن العجاج عَن هَذَا فَقَالَ: هَذَا وَقَول الآخر: كالثور يضْرب لما عافت الْبَقر شيءٌ كَانَ قَدِيما ثمَّ تَركه النَّاس. وَيدل عَلَيْهِ قَول الراجز: (وَكَانَ شكر الْقَوْم عِنْد المنن ... كي الصحيحات وفقء الْأَعْين) ثَالِثهَا: قيل: إِنَّمَا كَانُوا يكوون الصَّحِيح لِئَلَّا يتَعَلَّق بِهِ الدَّاء لَا ليبرأ السقيم حكى ذَلِك ابْن دُرَيْد.) رَابِعهَا: قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: هَذَا أَمر لم يكن وَإِنَّمَا هُوَ مثل لَا حَقِيقَة.

أَي: أخذت البريء وَتركت المذنب فَكنت كمن كوى الْبَعِير الصَّحِيح وَترك السقيم لَو كَانَ هَذَا مِمَّا يكون. قَالَ: وَنَحْو من هَذَا قَوْلهم: يشرب عجلَان ويسكر ميسرَة. وَلم يَكُونَا شَخْصَيْنِ موجودين. خَامِسهَا: قيل: أصل هَذَا: أَن الفصيل كَانَ إِذا أَصَابَهُ العر لفسادٍ فِي لبن أمه عَمدُوا إِلَى أمه فكووها فتبرأ: وَيبرأ فصيلها ببرئها لِأَن ذَلِك الدَّاء إِنَّمَا كَانَ سرى إِلَيْهِ فِي لَبنهَا. وَهَذَا أغرب الْأَقْوَال وأقربها إِلَى الْحَقِيقَة. وَمن روى كذي العر بِفَتْح الْعين فقد غلط. لِأَن العر الجرب وَلم يَكُونُوا يكوون من الجرب وَإِنَّمَا كَانُوا يكوون من القروح الَّتِي تخرج فِي مشافر الْإِبِل وقوائمها خَاصَّة. وَقَوله: كذي العر حَال من مفعول تركته أَو تَقْدِيره: تركا كَتَرْكِ ذِي العر وَجُمْلَة: يكوى غَيره تفسيرية وَجُمْلَة: هُوَ راتعٌ حَال من غير. وَهَذَا ضربه مثلا لنَفسِهِ. يَقُول: أَنا بَرِيء وغيري سقيم فحملتني ذَنْب السقيم وَتركته. وَقد قَالَ الْكُمَيْت: (وَلَا أكوي الصِّحَاح براتعاتٍ ... بِهن العر قبلي مَا كوينا) قَالَ ابْن أبي الإصبع: فِي التحبير أنْشد ابْن شرف القيرواني ابْن رَشِيق: (غَيْرِي جنى وَأَنا المعاقب فِيكُم ... فكأنني سبابة المتندم) وَقَالَ لَهُ هَل سَمِعت هَذَا الْمَعْنى فَقَالَ: سمعته وأخذته أَنْت وأفسدته فَقَالَ مِمَّن فَقَالَ: من النَّابِغَة الذبياني حَيْثُ يَقُول:

وكلفتني ذَنْب امرئٍ وَتركته كذي العر يكوى غَيره وَهُوَ راتع فَهَذَا الْمَعْنى الَّذِي أَخَذته. وأما إفساده فلأنك قلت فِي صدر بَيْتك: إِنَّك عوقبت بِجِنَايَة غَيْرك وَلم يُعَاقب صَاحب الْجِنَايَة ثمَّ قلت فِي عجز بَيْتك: إِن صَاحب الْجِنَايَة قد شركك فِي الْعقُوبَة. فتناقض معناك: وَذَلِكَ أَنَّك شبهت نَفسك بسبابة المتندم وسبابة المتندم أول شَيْء يألم فِي المتندم ثمَّ يشركها المتندم فِي الْأَلَم فَإِنَّهُ مَتى تألم عُضْو من الْحَيَوَان تألم كُله لِأَن الْمدْرك من كل مدركٍ حَقِيقَته وَحَقِيقَته على الْمَذْهَب الصَّحِيح هِيَ جملَته الْمُشَاهدَة مِنْهُ والمكوي من الْإِبِل يألم وَمَا بِهِ عر وَصَاحب العر لَا يألم جملَة. فَمن هَهُنَا أخذت الْمَعْنى وأفسدته انْتهى. وَهَذَا تدقيق فلسفي لَا مدْخل لَهُ فِي الشّعْر.) (وَذَلِكَ أمرٌ لم أكن لأقوله ... وَلَو كبلت فِي ساعدي الْجَوَامِع) كبلت: جمعت من الكبل وَهُوَ الْقَيْد. والْجَوَامِع: الأغلال جمع جَامِعَة. (أَتَاك بقولٍ لهله النسج كَاذِبًا ... وَلم يَأْتِ بِالْحَقِّ الَّذِي هُوَ ناصع) يُقَال: ثوب لهله النسج وهلهل النسج: إِذا كَانَ رَقِيقا وَكَذَلِكَ هلهال. وَلِهَذَا سمي الشَّاعِر لعمري وَمَا عمري عَليّ بهين ... ... ... ... ... ... . الْبَيْت أقارع عوفٍ لَا أحاول غَيرهَا ... ... ... ... ... ... . . الْبَيْت

تقدم شرحهما. (أَتَاك امرؤٌ مستعلن لي بغضةً ... لَهُ من عَدو مثل ذَلِك شَافِع) (فَإِن كنت لَا ذَا الضغن عني منكلاً ... وَلَا حلفي على الْبَرَاءَة نَافِع) (وَلَا أَنا مَأْمُون بشيءٍ أقوله ... وَأَنت بأمرٍ لَا محَالة وَاقع) (حَلَفت فَلم أترك لنَفسك رِيبَة ... وَهل يأثمن ذُو إمةٍ وَهُوَ طائع) الضغن بِالْكَسْرِ: الحقد. والإمة بِالْكَسْرِ وَالْقَصْد والاستقامة. يَقُول: هَل يَأْثَم من كَانَ على طريقةٍ حسنةٍ وَهُوَ طائع. (بمصطحباتٍ من لصاف وثبرةٍ ... يزرن ألالاً سيرهن تدافع) الْبَاء مُتَعَلقَة بحلفت. وَأَرَادَ بالمصطحبات الْإِبِل الَّتِي يحجّ عَلَيْهَا من لصاف وثبرة. ولصاف بِفَتْح اللَّام وَكسر الْفَاء كحذام وَيجوز أَن يكون كسحابٍ وَهُوَ جبل فِي بِلَاد بني يَرْبُوع. وثبرة فِي بِلَاد بني مَالك. وألال بِضَم الْهمزَة ولامين: جبل صَغِير عَن يَمِين الإِمَام بِعَرَفَة. وَقَوله: سيرهن تدافع: أَي: من الإعياء: أَي: يتحاملن تحاملاً من الْجهد والتعب. قَالَ الشَّارِح: سمام بِالْفَتْح طير يشبه السماني سريع الطيران شبه الْإِبِل بهَا. تباري الشَّمْس يَعْنِي فِي ارتفاعها. ويروى: تباري الرّيح أَي: تعارضها لسرعتها. والخوص بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة: جمع خوصاء: أَي: غائرة عيونها ذَاهِبَة فِي الرَّأْس من الْجهد. والرذايا: المعييات أرذاهن السّفر فَلم تنبعث فَتركت

وَأخذ عَنْهَا رَحلهَا. وَقد أرذيت الشَّيْء: طرحته يُقَال: جمل رذي وناقة رذية. وَكَذَلِكَ المعيية والطليح والطلح والرجيع. وودائع: قد اسْتوْدعت الطَّرِيق. (عَلَيْهِنَّ شعثٌ عامدون لبرهم ... فهن كآرام الصريم خواضع)) ويروى: فهن كأطراف الحني وَهُوَ جمع حنية وَهِي الْقوس الَّتِي حنيت. يَقُول: قد ضمرت الْإِبِل ودقت من السّير. وخواضع: خواشع. والآرام: جمع ريم. والصريم: مَا انْفَرد من الرمل. (إِلَى خير دينٍ نُسكه قد عَلمته ... وميزانه فِي سُورَة الْمجد ماتع) إِلَى: مُتَعَلقَة بقوله: عامدون. ومِيزَانه: سنَنه وشرائعه. والسُّورَة بِالضَّمِّ. الْمنزلَة. وماتع: مُرْتَفع يُقَال: متع النَّهَار: إِذا علا. (فَإنَّك كالليل الَّذِي هُوَ مدركي ... وَإِن خلت أَن المنتأى عَنْك وَاسع) قَالَ أَبُو عَليّ فِي إِيضَاح الشّعْر: يحْتَمل أَن تكون إِن نَافِيَة كَأَنَّك قلت: مَا خلت أَن المنتأى عَنْك وَاسع لِأَنَّك كالليل المدركي أَيْنَمَا كنت. وَيجوز أَن تكون إِن للجزاء كَأَنَّهُ قَالَ: إِن خلت أَن المنتأى عَنْك وَاسع أدركتني وَلم أفتك كَمَا يدركني اللَّيْل. وَالْأول أشبه ا. هـ. وَقد اعْترض الْأَصْمَعِي على النَّابِغَة فِي هَذَا الْبَيْت فَقَالَ: تشبيهه الْإِدْرَاك بِاللَّيْلِ يُسَاوِيه إِدْرَاك النَّهَار فَلم خصّه دونه وَإِنَّمَا كَانَ سَبيله أَن يَأْتِي بِمَا لَيْسَ لَهُ قسيم حَتَّى يَأْتِي بِمَعْنى ينْفَرد بِهِ أَقُول: إِنَّمَا قَالَ: كالليل وَلم يقل:

كالصبح مثلا لِأَنَّهُ وَصفه فِي حَال سخطه فشبهه بِاللَّيْلِ وهوله. فَهِيَ كلمة جَامِعَة لمعانٍ كَثِيرَة. كَذَا فِي تَهْذِيب الطَّبْع. وَهَذَا الْبَيْت من شَوَاهِد تَلْخِيص الْمِفْتَاح أوردهُ شَاهدا لمساواة اللَّفْظ للمعنى. وَمَا أحسن قَول ابْن هَانِئ الأندلسي فِي هَذَا الْمَعْنى: (أَيْن المفر وَلَا مفر لهاربٍ ... وَلَك البسيطان: الثرى وَالْمَاء) (خطاطيف حجنٌ فِي حبالٍ متينةٍ ... تمد بهَا إيد إِلَيْك نوازع) الخطاطيف: جمع خطَّاف وَهِي الحديدة الَّتِي تخرج بهَا الدلاء وَغَيرهَا من الْبِئْر. وحجن: معوجة جمع أحجن وحجناء. يَقُول: أَنا فِي قبضتك تقدر عَليّ مَتى شِئْت لَا أَسْتَطِيع الْهَرَب مِنْك وَهُوَ مثل. ونوازع: جواذب يُقَال: نزعت من الْبِئْر دلواً أَو دلوين. وبئر نزوع: إِذا كَانَ (سيبلغ عذرا أَو نجاحاً من امرئٍ ... إِلَى ربه رب الْبَريَّة رَاكِع) رَاكِع: فَاعل سيبلغ وَهُوَ بِمَعْنى الخاضع والذليل يَعْنِي بِهِ نَفسه. (وَأَنت ربيعٌ ينعش النَّاس سيبه ... وسيفٌ أعيرته الْمنية قَاطع) أَي: أَنْت بِمَنْزِلَة الرّبيع. ينعش: يرفع وَيجْبر. وسيبه: عطاؤه. أَي: أَنْت سيب وَعَطَاء) لوليك وَسيف لأعدائك. (وتسقي إِذا مَا شِئْت غير مصردٍ ... بزوراء فِي أكنافها الْمسك كارع) غير مصرد: أَي: غير مَمْنُوع وَلَا مَقْطُوع. يُقَال: صرد عَليّ الشَّرَاب:

صَاحب الصِّحَاح هُوَ الْقدح. وكارع: أَي أَن الْمسك على شفَاه ذَلِك الْإِنَاء. وَقَالَ الْأَصْمَعِي: الزَّوْرَاء: دَار بِالْحيرَةِ وحَدثني من رَآهَا وَزعم أَن أَبَا جعفرٍ هدمها. (أَبى الله: إِلَّا عدله ووفاءه ... فَلَا النكر معروفٌ وَلَا الْعرف ضائع) وَهَذَا آخر القصيدة أَي: مَا يُرِيد الله إِلَّا عدل النُّعْمَان بن الْمُنْذر وَإِلَّا وفاءه فَلَا يَدعه أَن يجور وَلَا أَن يغدر فَلَا النكر يعرفهُ النُّعْمَان وَلَا الْجَمِيل يضيع عِنْده. تمّ الْجُزْء الثَّانِي

(باب الاشتغال)

(بَاب الِاشْتِغَال) الشَّاهِد السَّادِس وَالْخَمْسُونَ بعد الْمِائَة (فكلاً أَرَاهُم أَصْبحُوا يعقلونه ... صحيحات مَال طالعات بمخرم) على أَنه مِمَّا اشْتغل الْفِعْل فِيهِ بِنَفس الضَّمِير إِذْ التَّقْدِير: يعْقلُونَ كلا هَذَا الْبَيْت من معلقَة زُهَيْر بن أبي سلمى وَضمير الْجمع فِي الْمَوَاضِع الثَّلَاثَة عَائِد إِلَى الْحَيّ وهم قَبيلَة بني ذبيان وَقَوله: فكلاً أَي: فَكل وَاحِد من المقتولين الْمَذْكُورين قبل هَذَا الْبَيْت وروى الأعلم: يعقلونهم بإرجاع الضَّمِير إِلَى كل مجموعاً بِاعْتِبَار الْمَعْنى نَحْو قَوْله تَعَالَى: كل فِي فلك يسبحون ويعقلونه: أَي: يؤدون عقله أَي: دِيَته يُقَال عقلت الْقَتِيل من بَاب ضرب: أدّيت دِيَته قَالَ الْأَصْمَعِي: سميت الدِّيَة عقلا تَسْمِيَة بِالْمَصْدَرِ لِأَن الْإِبِل كَانَت تعقل بِفنَاء ولي الْقَتِيل ثمَّ كثر الِاسْتِعْمَال حَتَّى أطلق الْعقل على الدِّيَة إبِلا كَانَت أَو نَقْدا وعقلت عَنهُ: غرمت عَنهُ مَا لزمَه من دِيَة وَجِنَايَة وَهَذَا هُوَ الْفرق بَين عقلته وعقلت عَنهُ: وَمن الْفرق بَينهمَا أَيْضا عقلت لَهُ دم فلَان: إِذا تركت الْقود للدية وَعَن الْأَصْمَعِي: كلمت القَاضِي أَبَا يُوسُف بِحَضْرَة الرشيد فِي ذَلِك فَلم يفرق بَين عقلته وعقلت عَنهُ حَتَّى فهمته كَذَا فِي الْمِصْبَاح فتفسير الأعلم فِي شَرحه للديوان يعقلونه بقوله: يغرمون دِيَته

غير جيد وَالْمعْنَى: أرى حَيّ ذبيان أَصْبحُوا يعْقلُونَ كل وَاحِد من المقتولين من بني عبس فالرؤية وَاقعَة على ضمير الْحَيّ وَالْعقل وَاقع على ضمير كل فَلَا يَصح قَول أبي جَعْفَر النَّحْوِيّ وَقَول الْخَطِيب) التبريزي فِي شرحيهما لهَذِهِ الْمُعَلقَة: إِن كلا مَنْصُوب بإضمار فعل يفسره مَا بعده كَأَنَّهُ قَالَ: فَأرى كلا وَيجوز الرّفْع على أَن لَا يضمر لَكِن النصب أَجود لتعطف فعلا على فعل لِأَن قبله وَلَا شاركت فِي الْحَرْب وَوجه الرّفْع حِينَئِذٍ: أَن يكون كل مُبْتَدأ وَجُمْلَة يعقلونه الْخَبَر وَمَا بَينهمَا اعْتِرَاض وَقَوله صحيحات مَال أَي: لَيست بعدة وَلَا مطل يُقَال: مَال صَحِيح: إِذا لم تدخله عِلّة فِي عدَّة ومطل وَالْمَال عِنْد الْعَرَب: الْإِبِل وَعند الْفُقَهَاء: مَا يتمول أَي: مَا يعد مَالا فِي الْعرف وَقَوله: طالعات بمخرم هُوَ بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الْخَاء الْمُعْجَمَة وَهُوَ الثَّنية فِي الْجَبَل وَالطَّرِيق يَعْنِي: أَن إبل الدِّيَة تعلو فِي أَطْرَاف الْجَبَل عِنْد سوقها إِلَى أَوْلِيَاء المقتولين يُشِير إِلَى وفائهم وروى أَبُو جَعْفَر والخطيب المصراع الثَّانِي: علالة ألف بعد ألف مصتم والعلالة: بِضَم الْمُهْملَة هَاهُنَا: الزِّيَادَة وَبِنَاء فعالة للشَّيْء الْيَسِير نَحْو القلامة والمصتم بِضَم الْمِيم وَفتح الصَّاد الْمُهْملَة وَتَشْديد الْمُثَنَّاة الْفَوْقِيَّة: التَّام والكامل وروى صعوداء فِي شَرحه لديوان زُهَيْر: صحيحات ألف بعد ألف مصتم

وَالْبَيْت الْمَذْكُور. على رِوَايَة الأعلم ملفق من بَيْتَيْنِ. وَهَذِه رِوَايَته: (فكلاً أَرَاهُم أَصْبحُوا يعقلونهم ... علالة ألف بعد ألف مصتم) (تساق إِلَى قوم لقوم غَرَامَة ... صحيحات مَال طالعات بمخرم) وَقَالَ: وَقَوله: تساق إِلَى قوم أَي: يدْفع إبل الدِّيَة قوم إِلَى قوم ليبلغوها هَؤُلَاءِ وَيَنْبَغِي أَن نورد مَا قبل هَذَا الْبَيْت حَتَّى يَتَّضِح مَعْنَاهُ وَكَذَلِكَ السَّبَب الَّذِي قيلت هَذِه القصيدة لأَجله فَنَقُول: قَالَ الشُّرَّاح: إِن زهيراً مدح بِهَذِهِ القصيدة الْحَارِث بن عَوْف وهرم بن سِنَان المريين وَذكر سعيهما بِالصُّلْحِ بَين عبس وذبيان وتحملهما الْحمالَة وَكَانَ ورد بن حَابِس الْعَبْسِي قتل هرم بن ضَمْضَم المدي فِي حَرْب عبس وذبيان قبل الصُّلْح وَهِي حَرْب داحس ثمَّ اصْطلحَ النَّاس وَلم يدْخل حُصَيْن بن ضَمْضَم أَخُو هرم بن ضَمْضَم فِي الصل فِي الصُّلْح وَحلف: لَا يغسل رَأسه حَتَّى يقتل ورد بن حَابِس أَو رجلا من بني عبس ثمَّ من بني غَالب وَلم يطلع على ذَلِك أحدا وَقد حمل الْحمالَة الْحَارِث بن عَوْف بن أبي حَارِثَة وهرم بن سِنَان بن أبي حَارِثَة فَأقبل رجل من بني عبس ثمَّ من بني غَالب حَتَّى نزل بحصين بن ضَمْضَم فَقَالَ: من) أَنْت أَيهَا الرجل فَقَالَ: عبسي فَقَالَ: من أَي عبس فَلم يزل ينتسب حَتَّى انتسب إِلَى غَالب فَقتله حُصَيْن فَبلغ ذَلِك الْحَارِث بن عَوْف وهرم بن سِنَان فَاشْتَدَّ عَلَيْهِمَا وَبلغ بني عبس فَرَكبُوا نَحْو الْحَارِث فَلَمَّا بلغ الْحَارِث ركُوب بني عبس وَمَا قد اشْتَدَّ عَلَيْهِم من قتل صَاحبهمْ وَإِنَّمَا أَرَادَت بَنو عبس أَن يقتلُوا

الْحَارِث بعث إِلَيْهِم بِمِائَة من الْإِبِل مَعهَا ابْنه وَقَالَ للرسول: قل لَهُم: آللبن أحب إِلَيْكُم أم أَنفسكُم فَأقبل الرَّسُول حَتَّى قَالَ مَا قَالَ فَقَالَ لَهُم الرّبيع بن زِيَاد: إِن أَخَاكُم قد أرسل إِلَيْكُم: آلإبل أحب إِلَيْكُم أم ابْنه تَقْتُلُونَهُ فَقَالُوا: نَأْخُذ الْإِبِل ونصالح قَومنَا وَيتم الصُّلْح فَقَالَ زُهَيْر فِي ذَلِك هَذِه القصيدة وَبعد أَن تغزل بِخَمْسَة عشر بَيْتا قَالَ: (سعى ساعياً غيظ بن مرّة بَعْدَمَا ... تبزل مَا بَين الْعَشِيرَة بِالدَّمِ) الساعيان: الْحَارِث بن عَوْف وهرم بن سِنَان وَقيل: خَارِجَة بن سِنَان وَهُوَ أَخُو هرم بن سِنَان وهما ابْنا عَم لِلْحَارِثِ بن عَوْف لِأَنَّهُمَا ابْنا سِنَان بن أبي حَارِثَة والْحَارث هُوَ ابْن عَوْف بن أبي حَارِثَة وابْن أبي حَارِثَة هُوَ ابْن مرّة بن نشبة بن مرّة بن غيظ بن مرّة بن عَوْف بن سعد بن ذبيان وَمعنى سعيا: أَي: عملا عملا حسنا حِين مشيا للصلح وتحملا الدِّيات وتبزل أَي: تشقق يَقُول: كَانَ بَينهم صلح فتشقق بِالدَّمِ الَّذِي كَانَ بَينهم فسعيا فِي إحكام الْعَهْد بعد مَا تشقق بسفك الدِّمَاء (فأقسمت بِالْبَيْتِ الَّذِي طَاف حوله ... رجال بنوه من قُرَيْش وجرهم) أَرَادَ بِالْبَيْتِ الْكَعْبَة المعظمة وجرهم: أمة قديمَة كَانَت أَرْبَاب الْبَيْت قبل قُرَيْش وبنوه بِفَتْح النُّون من الْبناء وَضمّهَا خطأ (يَمِينا لنعم السيدان وجدتما ... على كل حَال من سحيل ومبرم)

يَمِينا: مصدر مُؤَكد لقَوْله أَقْسَمت وَجُمْلَة لنعم السيدان الخ جَوَاب الْقسم وَهَذَا الْبَيْت أوردهُ الشَّارِح الْمُحَقق فِي بَاب أَفعَال الْمَدْح على أَن الْمَخْصُوص بالمدح إِذا تَأَخّر عَن نعم يجوز دُخُول نواسخ الْمُبْتَدَأ عَلَيْهِ فَإِن ضمير التَّثْنِيَة فِي وجدتما هُوَ الْمَخْصُوص بالمدح وَقد دخل عَلَيْهِ النَّاسِخ وَهُوَ وجد وعلى مُتَعَلقَة بِهِ والسحيل: بِفَتْح السِّين وَكسر الْحَاء الْمُهْمَلَتَيْنِ: المسحول أَي: الَّذِي لم يحكم فتله والمبرم: مفعول من أبرم الفاتل الْحَبل: إِذا أعَاد عَلَيْهِ الفتل ثَانِيًا بعد أول فَالْأول سحيل وَالثَّانِي مبرم وَقيل: السحيل: مَا فتل من خيط وَاحِد) والمبرم: مَا فتل من خيطين وَأَرَادَ بالسحيل الْأَمر السهل الضَّعِيف وبالمبرم الشَّديد الْقوي (تداركتما عبساً وذبيان بَعْدَمَا ... تفانوا ودقوا بَينهم عطر منشم) عبس وذبيان: أَخَوان وهما ابْنا بغيض بن ريث بن غطفان بن سعد بن قيس بن عيلان بن مُضر أَي: تداركتماهما بِالصُّلْحِ بَعْدَمَا تفانوا بِالْحَرْبِ ومنشم الْمَشْهُور بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون النُّون وَكسر الشين الْمُعْجَمَة زَعَمُوا أَنَّهَا امْرَأَة عطارة من خُزَاعَة تحالف قوم فأدخلوا أَيْديهم فِي عطرها على أَن يقاتلوا حَتَّى يموتوا فَضرب زُهَيْر بهَا الْمثل أَي: صَار هَؤُلَاءِ فِي شدَّة الْأَمر بِمَنْزِلَة أُولَئِكَ وَقيل: كَانُوا إِذا حَاربُوا اشْتَروا مِنْهَا كافوراً لموتاهم فتشاءموا بهَا وَزعم بَعضهم: أَنَّهَا امْرَأَة من بني غُدَانَة وَهِي صَاحِبَة

يسَار الكواعب وَكَانَت امْرَأَة مَوْلَاهُ وَكَانَ يسَار من أقبح النَّاس وَكَانَ النِّسَاء يضحكن من قبحه فَضَحكت مِنْهُ منشم يَوْمًا فَظن أَنَّهَا خضعت إِلَيْهِ فَرَاوَدَهَا عَن نَفسهَا فَقَالَت لَهُ: مَكَانك فَإِن للحرائر طيبا فَأَتَت بمُوسَى فأشمته طيبا ثمَّ أنحت على أصل أَنفه فاستوعبته قطعا فَخرج هَارِبا وَدَمه يسيل فَضرب الْمثل فِي الشَّرّ بِطيب منشم وَقيل غير ذَلِك (وَقد قلتما إِن ندرك السّلم وَاسِعًا ... بِمَال ومعروف من القَوْل نسلم) السّلم والسّلم: الصُّلْح يذكر وَيُؤَنث وَمنا مُذَكّر لقَوْله: وَاسِعًا: أَي: مُمكنا وَقَالَ الأعلم: أَي: كَامِلا مكيناً وَقَوله: نسلم أَي: من الْحَرْب وَرُوِيَ بِضَم النُّون أَي: نوقع السّلم بَين الْقَوْم وَالصُّلْح (فأصبحتما مِنْهَا على خير موطن ... بعيدين فِيهَا من عقوق ومأثم) أَي: أصبحتما من الْحَرْب على خير منزلَة وَمن للبدل وبعيدين: خبر بعد خبر والعقوق: قطيعة الرَّحِم والمأثم: الْإِثْم عليا معد: مؤنث أَعلَى أَي: فِي عليا منزلَة هَذِه الْقَبِيلَة وَرُوِيَ بدل وَغَيرهَا هديتما وَهُوَ دُعَاء أَي: دَامَت هدايتكما إِلَى طَرِيق الْفَلاح وَمعنى يستبح كنزاً يصب مجداً مُبَاحا والكنز كِنَايَة عَن الْكَثْرَة يَقُول: من فعل فعلكما فقد أُبِيح لَهُ الْمجد وَاسْتحق أَن يعظم عِنْد النَّاس رُوِيَ يعظم بِالْفَتْح أَي: يصر عَظِيما وبالضم مَعَ كسر الظَّاء أَي: يَأْتِ بِأَمْر عَظِيم وَمَعَ فتح الظَّاء أَي: يعظمه النَّاس وعظيمين خبر ثَالِث ...

(فَأصْبح يحدى فيهم من تلادكم ... مَغَانِم شَتَّى من إفال المزنم)) (تعفى الكلوم بالمئين فَأَصْبَحت ... ينجمها من لَيْسَ فِيهَا بمجرم) أَي: تمحى الْجِرَاحَات بالمئين من الْإِبِل وَإِنَّمَا يَعْنِي أَن الدِّمَاء تسْقط بالديات وَقَوله: ينجمها أَي: تجْعَل نجوماً على غارمها وَلم يجرم فِيهَا أَي: لم يَأْتِ بجرم من قتل تجب (ينجمها قوم لقوم غَرَامَة ... وَلم يهريقوا بَينهم ملْء محجم) يَعْنِي أَن هذَيْن الساعيين حملا دِمَاء من قتل وَغرم فِيهَا قوم من رهطهما على أَنهم لم يصبوا دم أحد ملْء محجم أَي: أَنهم أعْطوا فِيهَا وَلم يقتلُوا ويهريقوا: أَصله يريقوا وزيدت الْهَاء الْمَفْتُوحَة (فَمن مبلغ الأحلاف عني رِسَالَة ... وذبيان: هَل أقسمتم كل مقسم) (فَلَا تكتمن الله مَا فِي نفوسكم ... ليخفى وَمهما يكتم الله يعلم) الأحلاف: أَسد وغَطَفَان وطيئ وَمعنى هَل أقسمتم الخ أَي: هَل حلفتم كل الْحلف لتفعلن مَا لَا يَنْبَغِي وَهَذَا الْبَيْت أوردهُ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي فِي بحث هَل وَقَوله: فَلَا تكتمن الله الخ أَي: لَا تضمروا خلاف

مَا تظهرونه فَإِن الله يعلم السِّرّ فَلَا تكتموا مَا فِي أَنفسكُم من الصُّلْح وَتَقولُوا: لَا حَاجَة لنا إِلَيْهِ وَقيل معنى قَوْله: هَل أقسمتم هَل حلفتم على إبرام حَبل الصُّلْح فتخرجوا من الْحِنْث فَلَا تخفوا الله مَا تضمرون من الْغدر وَنقض الْعَهْد ويكتم: بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول بِخِلَاف يعلم فَإِنَّهُ للْفَاعِل (يُؤَخر فَيُوضَع فِي كتاب فيدخر ... ليَوْم الْحساب أَو يعجل فينقم) جَمِيع الْأَفْعَال بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول مَا عدا الْأَخير يُقَال: نقم مِنْهُ من بَاب ضرب بِمَعْنى عاقبه وانتقم (وَمَا الْحَرْب إِلَّا مَا علمْتُم وذقتم ... وَمَا هُوَ عَنْهَا بِالْحَدِيثِ المرجّم) يَقُول: مَا الْحَرْب إِلَّا مَا جربتم وذقتم فإياكم أَن تعودوا إِلَى مثلهَا وَقَوله: وَمَا هُوَ عَنْهَا أَي: مَا الْعلم عَن الْحَرْب بِالْحَدِيثِ أَي: مَا الْخَبَر عَنْهَا بِحَدِيث يرْجم فِيهِ بِالظَّنِّ فَقَوله: هُوَ كِنَايَة عَن) الْعلم لِأَنَّهُ لما قَالَ إِلَّا مَا علمْتُم دلّ على الْعلم كَذَا قَالَ الْخَطِيب وَأَبُو جَعْفَر النَّحْوِيّ وَقَالَ صعوداء فِي شَرحه: هُوَ ضمير مَا وَكَأَنَّهُ قَالَ: وَمَا الَّذِي علمْتُم وَقَالَ الزوزني: هُوَ ضمير القَوْل لَا الْعلم لِأَن الْعلم لَا يكون قولا أَي: وَمَا هَذَا الَّذِي أَقُول بِحَدِيث مرجّم أَي: هَذَا مَا شهِدت عَلَيْهِ الشواهد الصادقة من التجارب وَلَيْسَ من أَحْكَام الظنون وَقَالَ الأعلم: هُوَ كِنَايَة عَن الْعلم يُرِيد: وَمَا علمْتُم بِالْحَرْبِ وعَن: بدل من الْبَاء أَي: مَا هُوَ بِالْحَدِيثِ الَّذِي يرْمى بِهِ بالظنون ويشكّ وَأورد الشَّارِح الْمُحَقق هَذَا الْبَيْت فِي بَاب الْمصدر على أَن ضمير الْمصدر يعْمل فِي الْجَار وَالْمَجْرُور وَقَالَ: أَي: مَا حَدِيثي عَنْهَا. فَجعله ضمير

الحَدِيث. والمرجّم: الَّذِي يرجّم بالظنون والترجيم: الظَّن. وَالْمعْنَى: أَنه يحضّهم على قبُول الصُّلْح ويخوفهم من الْحَرْب: (مَتى تبعثوها تبعثوها ذميمة ... وتضرى إِذا ضرّيتموها فتضرم) أَي: إِن لم تقبلُوا الصُّلْح وهجتم الْحَرْب لم تحمدوا أمرهَا والْبَعْث: الإثارة وذميمة: أَي: تذمون عَاقبَتهَا. وَرُوِيَ: دَمِيمَة بِالْمُهْمَلَةِ: أَي: حقيرة وَهَذَا بِاعْتِبَار المبدأ وضري بالشَّيْء من بَاب تَعب ضراوة: اعتاده واجترأ عَلَيْهِ ويعدّى بِالْهَمْزَةِ والتضعيف قَالَ صعوداء فيش رحه: من الْعَرَب من يهمز ضري فَيَقُول: قد ضرئ بِهِ: فَمن هَذِه اللُّغَة تَقول: وتضرأ إِذا ضرأتموها وضرمت النَّار من بَاب تَعب أَيْضا: التهبت. (فتعرككم عَرك الرَّحَى بثفالها ... وتلقح كشافاً ثمَّ تحمل فتتئم) مَعْطُوف على جَوَاب الشَّرْط وَيقْرَأ بِضَم الْمِيم للوزن قَالَ صعوداء: وَإِن رفعته مستانفاً كَانَ صَوَابا أَقُول: يمنعهُ مَا بعده من الْأَفْعَال السَّبْعَة فَإِنَّهَا مجزومة أَي: تطحنكم وتهلككم: وأصل العرك: دلك الشَّيْء. والثفال: بِكَسْر الْمُثَلَّثَة: جلدَة تكون تَحت الرَّحَى إِذا أَدْبَرت يَقع عَلَيْهَا الدَّقِيق. وَالْبَاء للمعيّة نَحْو قَوْله تَعَالَى تنْبت بالدهن. أَي: وَمَعَهَا الدّهن. وَجَاء فلَان بِالسَّيْفِ: أَي: وَمَعَهُ السَّيْف. وَالْمعْنَى: عَرك الرَّحَى طاحنة

لِأَن الرَّحَى لَا تطحن إِلَّا وَتَحْت مجْرى الدَّقِيق ثفال. فَعَرَكَ: مصدر مُضَاف إِلَى فَاعله وَالْمَفْعُول مَحْذُوف أَي: الْحبّ. قَالَ صعوداء: فظع بِهَذَا أَمر الْحَرْب وَأخْبر بأشد أَوْقَاتهَا. قَالَ: والكشاف فِي لُغَة كنَانَة وهذيل وخزاعة: الْإِبِل الَّتِي لم تحمل عَاميْنِ: وَتَمِيم وَقيس وَأسد وَرَبِيعَة يَقُولُونَ: الْكَشَّاف الَّتِي إِذا نتجت ضربهَا الْفَحْل بعد أَيَّام فلقحت وَبَعْضهمْ يَقُول: هِيَ الَّتِي يحمل عَلَيْهَا فِي الدَّم: وَأَبُو مُضر) طبّ بعسّ الْبَوْل غير ظلام قَالَ: فَهُوَ لَا يدنو مِنْهَا جاملاً فَكيف يدنو إِلَيْهَا فِي دَمهَا وَقَالَ: الْكَشَّاف عندنَا: أَن يحمل على النَّاقة عَاميْنِ متوالين وَذَلِكَ مُضر بهَا وَهُوَ أردأ النِّتَاج: وَإِلَى هَذَا ذهب زُهَيْر أَي: إِن الْحَرْب تتوالى عَلَيْكُم فينالكم مِنْهَا هَذَا الضَّرَر. وَرُوِيَ: ثمَّ تحمل فتتئم والإتآم: أَن تضع اثْنَيْنِ: وَلَيْسَ فِي الْإِبِل إتآم إِنَّمَا الإتآم فِي الْغنم خَاصَّة وَإِنَّمَا يُرِيد بذلك تفظيع الْحَرْب وتحذيرهم إِيَّاهَا. جعل آفَة الْحَرْب إيَّاهُم بِمَنْزِلَة طحن الرَّحَى الحبّ وَجعل صنوف الشَّرّ تتولد من تِلْكَ الحروب بِمَنْزِلَة الْأَوْلَاد الناشئة من الْأُمَّهَات. قَالَ أَبُو جَعْفَر والخطيب: شبه الْحَرْب بالناقة لِأَنَّهُ جعل مَا يحلب مِنْهَا من الدِّمَاء بِمَنْزِلَة مَا يحلب من النَّاقة من اللَّبن كَمَا قَالَ: (إِن المهالب لَا يزَال لَهُم فَتى ... يمري قوادم كل حَرْب لاقح)

وَقيل: إِنَّمَا شبه الْحَرْب بالناقة إِذا حملت ثمَّ أرضعت لِأَن هَذِه الحروب تطول وَهِي أشبه بِالْمَعْنَى. وَقَوله: تتئم أَي: تَأتي بتوأمين الذّكر توأم وَالْأُنْثَى توأمة. (فتنتج لكم غلْمَان أشأم كلهم ... كأحمر عَاد ثمَّ تُوضَع فتفطم) مَعْطُوف على قَوْله فتتئم. نتجت النَّاقة ولدا بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول: إِذا وَضعته. وأشأم: قَالَ أَبُو جَعْفَر والخطيب. فِيهِ قَولَانِ: أَحدهمَا أَنه مصدر كَأَنَّهُ قَالَ: غلْمَان شُؤْم وَالْآخر: أَنه صفة لموصوف أَي: غلْمَان امْرِئ أشأم أَي: مشؤوم. وَقَالَ الأعلم: أشام هُنَا صفة للمصدر على معنى الْمُبَالغَة وَالْمعْنَى: غلْمَان شُؤْم أشام كَمَا يُقَال: شغل شاغل. وكلهم: مُبْتَدأ وكأحمر عَاد: خَبره. . وَقَالَ صعوداء: وَإِن شِئْت رفعت كلا بأشأم كَمَا تَقول مَرَرْت بِرِجَال كريم أبوهم. وَفِيه أَن كلا إِذا أضيفت لضمير لَا تقع معمولة لعامل لَفْظِي. وَيُرِيد بأحمر عَاد: عَاقِر النَّاقة واسْمه قدار بن سالف وأحمر لقبه. قَالَ الْأَصْمَعِي: اخطأ زُهَيْر فِي هَذَا لِأَن عَاقِر النَّاقة لَيْسَ من عَاد وَإِنَّمَا هُوَ من ثَمُود. وَقَالَ الْمبرد: لَا غلط لِأَن ثَمُود يُقَال لَهَا عَاد الْآخِرَة وَيُقَال لقوم هود عَاد الأولى وَالدَّلِيل على هَذَا قَوْله تَعَالَى وَأَنه أهلك عاداً الأولى وَقَالَ صعوداء والأعلم لَا غلط لكنه جعل عاداً فَكَانَ ثَمُود اتساعاً مجَازًا المعني مَعَ تقَارب مَا بَين عَاد وَثَمُود فِي الزَّمن والأخلاق.) والإرضاع والفطم معروفان أَي: لاتنزع إِلَّا عَن حَوْلَيْنِ. وَإِنَّمَا أَرَادَ

طول شدتها وَأَنَّهَا لَا تَنْقَطِع إِلَّا عَن تَمام لِأَن الْمَرْأَة إِذا أرضعت ثمَّ فطمت فقد تمت. (فتغلل لكم مَا لَا تغل لأَهْلهَا ... قرى بالعراق من قفيز وَدِرْهَم) مَعْطُوف على قَوْله: فتفطم أَي: فتغلل لكم هَذِه الْحَرْب من الدّيات بدمائ قَتْلَاكُمْ مَا لَا تغلّ قرى بالعراق وَهِي تغل القفيز وَالدِّرْهَم. وَهَذَا تهكّم بهم واستهزاء. يُقَال: أغلّت الضّيعة بِالْألف. صَارَت ذَات غلّة. والغلّة كل شَيْء من ريع الأَرْض أَو من أجرتهَا وَنَحْو ذَلِك. (لعمري لنعم الحيّ جرّ عَلَيْهِم ... بِمَا لَا يواتيهم حُصَيْن بن ضَمْضَم) جرّ: من الجريرة: وَهِي الْجِنَايَة. وفاعله حُصَيْن. وَالْجُمْلَة صفة لموصوف مَحْذُوف هُوَ الْمَخْصُوص بالمدح أَي: لنعم الْحَيّ حَيّ جر عَلَيْهِم. . الخ. وعمري: مُبْتَدأ خَبره مَحْذُوف أَي: قسمي. وَجُمْلَة لنعم الْحَيّ الخ جَوَاب الْقسم. ولَا يواتيهم: لَا يوافقهم رُوِيَ: لَا يماليهم والممالأة: المعاونة. وحصين بن ضَمْضَم هُوَ ابْن عَم النَّابِغَة الذبياني لِأَن النَّابِغَة هُوَ ابْن مُعَاوِيَة بن ضباب بن جَابر بن يَرْبُوع بن غيظ بن مره بن عَوْف بن سعد بن ذبيان وحصين هُوَ ابْن ضَمْضَم بن ضباب إِلَى آخر النّسَب. وجنايته: أَنه أَنه لما اصطلحت قَبيلَة ذبيان مَعَ قَبيلَة عبس أَبى حُصَيْن بن ضَمْضَم أَن يدْخل فِي الصُّلْح واستتر مِنْهُم ثمَّ عدا على رجل من بني عبس فَقتله كَمَا تقدم بَيَانه. وَإِنَّمَا مدح حيّ ذبيان لتحملهم الدِّيات إصلاحاً لذات الْبَين: (وَكَانَ طوى كشحاً على مستكنّة ... فَلَا هُوَ أبداها وَلم يتجمجم)

طوى بإضمار قد عِنْد الْمبرد قَالَ: لِأَن كَانَ فعل مَاض اسْمهَا ضمير حُصَيْن وَلَا يخبر عَنهُ إِلَّا باسم أَبُو بِمَا ضارعه. وَخَالفهُ أَصْحَابه فِي هَذَا. . والكشح: الْجنب وَقيل: الخاصرة يُقَال: طوى كشحه على فعلة: إِذا أضمرها فِي نَفسه. والمستكنّة: المستترة وَهِي صفة لموصوف أَي غدرة مضمرة أَو نِيَّة مستترة أَو حَالَة مستكنة لِأَنَّهُ كَانَ قد أضمر قتل ورد بن حَابِس الْقَاتِل أَخَاهُ هرم بن ضَمْضَم أَو يقتل رجلا من بني عبس وَلِهَذَا كَانَ أَبى من الصُّلْح. وَقَوله: وَلم يتجمجم أَي: لم يدع التَّقَدُّم فِيمَا أضمر وَلم يتَرَدَّد فِي إِنْفَاذه يُقَال: جمجم الرجل وتجمجم: إِذا لم يبين كَلَامه وَسَيَأْتِي هَذَا الْبَيْت إِن شَاءَ الله تَعَالَى فِي خبر كَانَ وَقَالَ سأقضي حَاجَتي ثمَّ اتقِي عدوي بِأَلف من ورائي ملجم حَاجته هِيَ ادراك ثَأْره وملجم قَالَ صعوداء:) يرْوى بِكَسْر الْجِيم أَي: ألف فَارس ملجم فرسه وَرُوِيَ بِفَتْحِهَا أَي: ألف فرس ملجم. وَالْفرس مِمَّا يذكر وَيُؤَنث. (فشدّ وَلم تفزع بيُوت كَثِيرَة ... لَدَى حَيْثُ أَلْقَت رَحلهَا أم قشعم) أورد ابْن هِشَام هَذَا الْبَيْت فِي الْمُغنِي على أَن حَيْثُ قد تجر بِغَيْر من على غير الْغَالِب. وَقَوله: فَشد. . الخ أَي: حمل حُصَيْن على ذَلِك الرجل من عبس فَقتله. وَلم تفزع بيُوت كَثِيرَة أَي: لم يعلم أَكثر قومه بِفِعْلِهِ. وَأَرَادَ بِالْبُيُوتِ أَحيَاء وقبائل. يَقُول: لَو علمُوا بِفِعْلِهِ لفزعوا أَي: لأغاثوا الرجل الْمَقْتُول وَلم يدعوا صيناً يقْتله. وَإِنَّمَا أَرَادَ بقوله هَذَا أَلا يفسدوا صلحهم

بفعلة. وَرُوِيَ: وَلم يفزع بيُوت بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول. قَالَ الْخَطِيب: أَي: لم يفزع أهل بيُوت ثمَّ حذف يَقُول: شدّ على عدوه وَحده فَقتله وَلم يفزع الْعَامَّة بِطَلَب وَاحِد أَي: لم يستعن عَلَيْهِ بِأحد وَإِنَّمَا قصد الثأر. وَقيل: مَعْنَاهُ أَي: لم يعلمُوا بِهِ. وَرُوِيَ: وَلم ينظر بُيُوتًا أَي: لم يُؤَخر أهل بَيت ورد بن حَابِس فِي قَتله لكنه عجل فَقتل هَذَا الرجل. يُقَال: أنظرته بِالْألف أَي: أَخَّرته. وَرُوِيَ أَيْضا: وَلم ينظر من نظرت الرجل. أَي: انتظرته. وَقَوله: لَدَى حَيْثُ الخ أَي: حَيْثُ كَانَ شدَّة الْأَمر يَعْنِي مَوضِع الْحَرْب وأم قشعم هِيَ الْحَرْب وَيُقَال: هِيَ الْمنية. وَالْمعْنَى أَن حصيناً شدّ على الرجل الْعَبْسِي فَقتله بعد الصُّلْح وَحَيْثُ حطت رَحلهَا الْحَرْب وَوضعت أَوزَارهَا وسكنت. وَيُقَال: هُوَ دُعَاء على حُصَيْن أَي: عدا على الرجل بعد الصُّلْح وَخَالف الْجَمَاعَة فصيّره الله إِلَى هَذِه الشدَّة وَيكون معنى أَلْقَت رَحلهَا على هَذَا ثبتَتْ وتمكنت. وَقيل: أم قشعم: كنية العنكبوت وَقيل: كنية الضبع. وَالْمعْنَى: فَشد على صَاحب ثَأْره بمضيعة من الأَرْض وَقَالَ صعوداء فِي شَرحه: وَقَالَ قوم: أم قشعم: أم حُصَيْن هَذَا الَّذِي شدّ أَي: فَلم يفزع الْبيُوت الَّتِي بِحَضْرَة بَيت أمه والرحل: مَا يستصحبه الْمُسَافِر من الْمَتَاع (لَدَى أَسد شاكي السِّلَاح مقاذف ... لَهُ لبد أَظْفَاره لم تقلم) لَدَى: مُتَعَلقَة بقوله أَلْقَت رَحلهَا وَهَذَا الْبَيْت من أَبْيَات تَلْخِيص الْمعَانِي وَغَيره على أَن التَّجْرِيد والترشيح قد يَجْتَمِعَانِ: فَإِن شاكي السِّلَاح تَجْرِيد لِأَنَّهُ وصف بِمَا يلائم الْمُسْتَعَار لَهُ وَهُوَ الرجل الشجاع وَمَا بعده ترشيح لِأَن هَذَا الْوَصْف مِمَّا يلائم الْمُسْتَعَار مِنْهُ وَهُوَ الْأسد الْحَقِيقِيّ قَالَ الأعلم والخطيب: أَرَادَ بقوله لَدَى أَسد الْجَيْش وَحمل لفظ الْبَيْت على الْأسد وَقَالَ) الزوزني: الْبَيْت

كُله من صفة حُصَيْن بن ضَمْضَم وَهُوَ الصَّوَاب وَقَوله: شَاك السِّلَاح أَي: سلاحه شائكة حَدِيدَة ذُو شَوْكَة وَأَرَادَ شائك فقلبت الْيَاء من عين الْفِعْل إِلَى لامه يجوز حذف الْيَاء فَيُقَال شَاك وَيكون شَاك على وزن فعل كَمَا قَالُوا رجل خَافَ وَمَال وَأَصله خوف ومول فَيُقَال: شَاك ومقاذف: مرامي يرْوى باسم الْفَاعِل وَالْمَفْعُول وَرُوِيَ أَيْضا: مقذف اسْم مفعول وَهُوَ الغليظ الْكثير اللَّحْم واللبد بِكَسْر اللَّام: جمع لبدة وَهِي زبرة الْأسد والزبرة: شعر متراكب بَين كَتِفي الْأسد إِذا أسن والْأَظْفَار: السِّلَاح وتقليمها: نَقصهَا يَقُول: سلاحه تَامّ حَدِيد قَالَ الأعلم: وَأول من كنى بالأظفار عَن السِّلَاح أَوْس بن حجر فِي قَوْله: (لعمرك إِنَّا والأحاليف هؤلا ... لفي حقبة أظفارها لم تقلم) (وَبَنُو جذيمة لَا محَالة أَنهم ... آتوك غير مقلمي الْأَظْفَار) أَي: لَيْسَ سِلَاحهمْ بناقص وَقَالَ الزوزني: قَوْله لم يقلم يُرِيد أَنه لَا يَعْتَرِيه ضعف وَلَا يعِيبهُ عدم شَوْكَة كَمَا أَن الْأسد لَا تقلم براثنه (جريء مَتى يظلم يُعَاقب بظلمه ... سَرِيعا وَإِلَّا يبد بالظلم يظلم) جريء بِالْجَرِّ صفة لأسد المُرَاد بِهِ حُصَيْن بن ضَمْضَم وَيجوز رَفعه ونصبه ومَتى يظلم وإلاّ يبد كِلَاهُمَا بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول. ويُعَاقب ويظلم بِالْبِنَاءِ للْفَاعِل. والجريء: ذُو الجراءة والشجاعة. يَقُول: هُوَ شُجَاع مَتى ظلم عاقب

الظَّالِم بظلمه سَرِيعا وَإِن لم يَظْلمه أحد ظلم النَّاس إِظْهَارًا لعزة نَفسه وشدّة جراءته. وسَرِيعا: حَال أَو صفة مصدر أَي: يُعَاقب عقَابا سَرِيعا. وَقَوله: وَإِلَّا يبد الأَصْل فِيهِ الْهَمْز من بَدَأَ يبْدَأ إِلَّا أَنه لما اضْطر أبدل من الْهمزَة ألفا ثمَّ حذف الْألف للجزم وَهَذَا من أقبح الضرورات وَلِهَذَا أوردهُ الشَّارِح الْمُحَقق فِي أول شرح الشافية. وَحكي عَن سِيبَوَيْهٍ: أَن أَبَا زيد قَالَ لَهُ: من الْعَرَب من يَقُول قريت فِي قَرَأت فَقَالَ سِيبَوَيْهٍ: كَانَ يجب أَن يَقُول أقري حَتَّى تكون مثل رميت أرمي. وَإِنَّمَا أنكر سِيبَوَيْهٍ هَذَا لِأَنَّهُ إِنَّمَا يَجِيء فعلت أفعل بِفَتْح الْعين فيهمَا إِذا كَانَ عين الْفِعْل أَو لامه من حُرُوف الْحلق وَلَا يكَاد يكون هَذَا فِي الْألف إِلَّا أَنهم قد حكوا أَبى يَأْبَى فجَاء على فعل يفعل.) قَالَ أَبُو إِسْحَاق قَالَ اسماعيل بن اسحاق: إِنَّمَا جَاءَ هَذَا فِي الْألف لمضارعتها حُرُوف الْحلق فشبّهت بِالْهَمْزَةِ. يَعْنِي: فشبهت بقَوْلهمْ قَرَأَ يقْرَأ وَمَا أشبهه. (رعوا مَا رعوا من ظمئهم ثمَّ أوردوا ... غماراً تسيل بِالرِّمَاحِ وبالدم) هَذَا إضراب عَن قصَّة حُصَيْن إِلَى تقبيح الْحَرْب والحث على الصُّلْح. الظمء بِالْكَسْرِ وَآخره همزَة أَصله الْعَطش وَهُوَ هُنَا مَا بَين الشربتين. والغمار جمع غمر بِالْفَتْح وَهُوَ المَاء الْكثير. يُرِيد: أَقَامُوا فِي غير حَرْب ثمَّ أوردوا خيلهم وأنفسهم الْحَرْب أَي: أدخلوها فِي الْحَرْب أَي: كَانُوا فِي صَلَاح من أُمُورهم ثمَّ صَارُوا إِلَى حَرْب يسْتَعْمل فِيهَا السِّلَاح وتسفك فِيهَا الدِّمَاء. وَضرب الظمء مثلا لما كَانُوا فِيهِ من ترك الْحَرْب وَضرب الغمار مثلا لشدَّة الْحَرْب. وَرُوِيَ: تفرّى بِالسِّلَاحِ وبالدم وَأَصله تتفرّى بتاءين أَي: تتفتّح وتتكشف. (فقضوا منايا بَينهم ثمَّ أصدروا ... إِلَى كلأ مستوبل متوخّم)

الْكلأ: العشب. وقضّاه: أحكمه ونفذه. وأصدر: ضد أورد. واستوبلت الشَّيْء: استثقلته والوبيل: الوخيم الَّذِي لَا يمرئ. يَقُول: فَقتل كل وَاحِد من الحيّين الآخر فَقَوله: فقضوا منايا بَينهم أَي: أنفذوها بِمَا بعثوا من الْحَرْب ثمَّ أصدروا إِلَى الْكلأ أَي: رجعُوا إِلَى أَمر استوبلوه. وَضرب الْكلأ مثلا. والمستوبل: السَّيئ الْعَاقِبَة أَي صَار آخر أَمرهم إِلَى وخامة وَفَسَاد. (لعمرك ماجرت عَلَيْهِم رماحهم ... دم ابْن نهيك أَو قَتِيل المثلم) (وَلَا شاركوا فِي الْقَوْم فِي دم نَوْفَل ... وَلَا وهب مِنْهُم وَلَا ابْن المحزّم) يَقُول: هَؤُلَاءِ الَّذين يُعْطون دِيَة الْقَتْلَى لم تجر عَلَيْهِم رماحهم دِمَاء الْمَذْكُورين. وابْن نهيك بفنح النُّون وَكسر الْهَاء. وَنَوْفَل ووهب بِفَتْح الْوَاو وَالْهَاء وَابْن المحزم بِالْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الزَّاي الْمُعْجَمَة الْمَفْتُوحَة كلهم من عبس. وجرت: جنت. وَالْمعْنَى: أَن رماحهم لم تقتل أحدا من هَؤُلَاءِ الَّذين يدونهم وَإِنَّمَا يُعْطون الدِّيات تَبَرعا وَلم يشاركوا قاتليهم فِي سفك دِمَائِهِمْ. وَرُوِيَ: وَلَا شاركت فِي الْحَرْب. وَالضَّمِير للرماح قصد بِهَذَا أَن يبين بَرَاءَة ذمتهم عَن سفك دمهم ليَكُون ذَلِك أبلغ فِي مدحهم لعقلهم الْقَتْلَى. فكلاً أَرَاهُم أَصْبحُوا يعقلونه أَي: فَكل وَاحِد من هَؤُلَاءِ المقتولين الْمَذْكُورين فِي الْبَيْت الَّذِي قبله.) (لحي حَلَال يعْصم النَّاس أَمرهم ... إِذا طلعت إِحْدَى اللَّيَالِي بمعظم) قَوْله: لحي هُوَ حَال من قَوْله صحيحات مَال أَو أَنه بدل من قَوْله لقوم أَو خبر لمبتدأ مَحْذُوف أَي: هِيَ لحي حَلَال أَي: المَال الصحيحات لحي.

وَأَرَادَ بِهَذَا الْحَيّ حَيّ الساعيين بِالصُّلْحِ بَين عبس وذبيان. قَالَ الأعلم: الْحَلَال: جمع حلَّة بِالْكَسْرِ وَهِي مائَة بَيت. يَقُول: لَيْسُوا بحلة وَاحِدَة وَلَكنهُمْ حَلَال كَثِيرَة. وَقَوله: يعْصم النَّاس أَمرهم أَي: يلجؤون إِلَى هَذَا الْحَيّ ويتمسكون بِهِ فيعصمهم مِمَّا نابهم. وأصل الْحلَّة الْموضع الَّذِي ينزل بِهِ فاستعير لجَماعَة النَّاس. وَقَوله: إِحْدَى اللَّيَالِي أَرَادَ لَيْلَة من اللَّيَالِي وَفِي الْكَلَام معنى التفخيم والتعظيم كَمَا يُقَال: أَصَابَته إِحْدَى الدَّوَاهِي: أَي: داهية شَدِيدَة. والمعظم: الْأَمر وَأَرَادَ بالحي الْحَلَال حَيّ الساعين بِالصُّلْحِ بَين عبس وذبيان الْعَظِيم. وَقَوله: فَلَا ذُو الْوتر يَقُول: هم أعزة لَا ينتصر مِنْهُم صَاحب دم وَلَا يدْرك وتره فيهم. وَقَوله: بِمُسلم أَي: إِذا جنى عَلَيْهِم جَان مِنْهُم شرا إِلَى غَيرهم لم يسلموه لَهُم لعزهم ومنعتهم. وَاعْلَم أَن هَذِه الأبيات الَّتِي أوردناها على هَذَا التَّرْتِيب هِيَ رِوَايَة الأعلم وَقدم بَعضهم هذَيْن الْبَيْتَيْنِ وأوردهما بعد قَوْله سَابِقًا: فتغلل لكم مَا لَا تغل لأَهْلهَا وَأنْشد بعده: (قد أَصبَحت أم الْخِيَار تَدعِي ... عليّ ذَنبا كُله لم أصنع) تقدم شَرحه فِي الشَّاهِد السَّادِس وَالْخمسين.

وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد السَّابِع وَالْخَمْسُونَ بعد الْمِائَة وَهُوَ من شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ: (ألْقى الصَّحِيفَة كي يُخَفف رَحْله ... والزاد حَتَّى نَعله أَلْقَاهَا) على أَن حَتَّى وَإِن كَانَت يسْتَأْنف بعْدهَا الْكَلَام إِلَّا أَنَّهَا لَيست متمحضة للاستئناف فَلم يكن الرّفْع بعْدهَا أولى فَهِيَ كَسَائِر حُرُوف الْعَطف. يَعْنِي أَنه يجوز فِي نَعله النصب وَالرَّفْع. أما النصب فَمن وَجْهَيْن: أَحدهمَا نَصبه بإضمار فعل يُفَسر أَلْقَاهَا كَأَنَّهُ قَالَ: حَتَّى ألْقى نَعله أَلْقَاهَا كَمَا يُقَال فِي الْوَاو وَغَيرهَا من حُرُوف الْعَطف. ثَانِيهمَا: أَن يكون نَصبه بالْعَطْف على الصَّحِيفَة وَحَتَّى بِمَعْنى الْوَاو كَأَنَّهُ قَالَ: ألْقى الصَّحِيفَة حَتَّى نَعله يُرِيد وَنَعله كَمَا تَقول: أكلت السَّمَكَة حَتَّى رَأسهَا بِنصب رَأسهَا أَي: ورأسها فعلى هَذَا الْهَاء عَائِدَة على النَّعْل أَو الصَّحِيفَة وَأَلْقَاهَا تَكْرِير وتوكيد. فَإِن قلت: شَرط الْمَعْطُوف بحتى أَن يكون إِمَّا بَعْضًا من جمع كقدم الْحجَّاج حَتَّى المشاة. أَو جُزْءا من كل نَحْو: أكلت السَّمَكَة حَتَّى رَأسهَا أَو كجزء نَحْو: أعجبتني الْجَارِيَة حَتَّى حَدِيثهَا فَكيف جَازَ عطف نَعله مَعَ أَنه لَيْسَ وَاحِدًا مِمَّا ذكر قلت: جَازَ لِأَن ألْقى الصَّحِيفَة والزاد فِي معنى ألْقى مَا يثقله فالنعل بعض مَا يثقل.

وَأما الرّفْع فعلى الِابْتِدَاء وَجُمْلَة أَلْقَاهَا هُوَ الْخَبَر. فحتى على هَذَا. وعَلى الْوَجْه الأول. من وَجْهي النصب حرف ابْتِدَاء وَالْجُمْلَة بعْدهَا مستأنفة. وَزعم ابْن خلف: أَن حَتَّى هُنَا عاطفة وَالْجُمْلَة بعْدهَا معطوفة على الْجُمْلَة الْمُتَقَدّمَة وَهَذَا شَيْء قَالَه ابْن السَّيِّد نَقله عَنهُ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي ورده بقوله: لِأَن حَتَّى لَا تعطف الْجمل وَذَلِكَ لِأَن شَرط معطوفها أَن يكون جُزْءا مِمَّا قبلهَا أَو كجزء وَهَذَا لَا يَتَأَتَّى إِلَّا فِي الْمُفْردَات. وَقد نازعه الدماميني فِي هَذَا التَّعْلِيل. وَأنْشد سِيبَوَيْهٍ هَذَا الْبَيْت على أَن حَتَّى فِيهِ حرف جر وَأَن مجرورها غَايَة لما قبله كَأَنَّهُ قَالَ: ألْقى الصَّحِيفَة والزاد وَمَا مَعَه من الْمَتَاع حَتَّى انْتهى الْإِلْقَاء إِلَى النَّعْل. وَعَلِيهِ فجملة أَلْقَاهَا للتَّأْكِيد وَالضَّمِير يجوز فِيهِ أَيْضا أَن يعود على النَّعْل وعَلى الصَّحِيفَة. فَقَوله: حَتَّى نَعله أَلْقَاهَا رُوِيَ على ثَلَاثَة أوجه. (وَمضى يظنّ بريد عَمْرو خَلفه ... خوفًا وَفَارق أرضه وقلاها)) وهما فِي قصَّة المتلمس حِين فر من عَمْرو بن هِنْد. حكى ذَلِك الْأَخْفَش عَن عِيسَى بن عمر فِيمَا ذكره الْفَارِسِي. وَكَانَ المتلمس قد هجا عَمْرو بن هِنْد وهجاه أَيْضا طرفَة فَكتب لَهما إِلَى عَامله بِالْبَحْرَيْنِ كتابين أوهمهما أَنه أَمر لَهما بجوائز وَهُوَ قد أمره فيهمَا بِقَتْلِهِمَا فَلَمَّا وصلا إِلَى الْحيرَة دفع المتلمس كِتَابه إِلَى غُلَام ليقرأه فَإِذا فِيهِ: أما بعد فَإِذا أَتَاك المتلمس فاقطع يَدَيْهِ وَرجلَيْهِ وادفنه حَيا فَرمى المتلمس كِتَابه فِي نهر الْحيرَة وهرب إِلَى الشَّام وَقد ذكرنَا خبرهما

فِي الشَّاهِد الَّذِي قبل هَذَا بأَرْبعَة شَوَاهِد فَصَارَت صحيفَة المتلمس مثلا فِيمَا ظَاهره خير وباطنه شَرّ. والصحيفة: الْكتاب. وَقَوله: ألْقى الصَّحِيفَة أَي: رَمَاهَا بنهر الْحيرَة كَمَا أخبر المتلمس عَن نَفسه بقوله: (قذفت بهَا فِي النَّهر من جنب كَافِر ... كَذَلِك أقنو كل قطّ مضلل) وَرُوِيَ أَيْضا: ألْقى الحقيبة وَهِي خرج يحمل فِيهِ الرجل مَتَاعه. وَرُوِيَ أَيْضا: ألْقى الحشية وَهِي الْفراش المحشو بالقطن أَو الصُّوف ينَام عَلَيْهِ قَالَ عنترة: وحشيتي سرج على عبل الشوى (قوم يبيت على الحشايا غَيرهم ... ومبيتهم فَوق الْجِيَاد الضمر) وَزعم ابْن السَّيِّد وَتَبعهُ غَيره: أَن الحشية مَا يركب عَلَيْهِ الرَّاكِب. وَأورد بَيت عنترة. وَهَذَا غير لَائِق بِهِ. وَقَالَ ابْن هِشَام اللَّخْمِيّ: الحشية: هِيَ البرذعة المحشوة والرحل هُنَا بِمَعْنى الأثاث وَالْمَتَاع. وَقد أنكرهُ الحريري فِي درة الغواص بِهَذَا الْمَعْنى ورد عَلَيْهِ ابْن بري فِيمَا كتبه عَلَيْهِ فَقَالَ: قَالَ الْجَوْهَرِي: الرحل: منزل الرجل وَمَا يستصحبه من الأثاث والرحل أَيْضا: رَحل الْبَعِير وَهُوَ أَصْغَر من القتب. فقد ثَبت فِيهِ الرحل بِمَعْنى الأثاث. وَقد فسر بَيت متمّم بن نُوَيْرَة على ذَلِك وَهُوَ قَوْله: ...

(كريم الثنا حُلْو الشَّمَائِل ماجد ... صبور على الضراء مُشْتَرك الرحل) قَالُوا: أَرَادَ بالرحل الأثاث. وَمثله قَول الآخر ألْقى الصَّحِيفَة كي يُخَفف رَحْله قَالُوا: رَحْله: أثاثه وقماشه. وَالتَّقْدِير عِنْدهم: ألْقى قماشه وأثاثه حَتَّى ألْقى نَعله مَعَ جملَة أثاثه. وَإِنَّمَا قدروه بذلك ليَصِح كَون مَا بعد حَتَّى فِي هَذَا الْموضع جُزْءا مِمَّا قبلهَا. وَعَلِيهِ فسر) قَوْله تَعَالَى حِكَايَة عَن يُوسُف: قَالُوا جَزَاؤُهُ من وجد فِي رَحْله فَهُوَ جَزَاؤُهُ قَالُوا: رَحْله: أثاثه بِدَلِيل: ثمَّ استخرجها من وعَاء أَخِيه. انْتهى كَلَام ابْن بري. وَقد فسر ابْن السَّيِّد الرحل فِي شرح أَبْيَات الْجمل بقوله: الرحل للناقة كالسرج وَتَبعهُ عَلَيْهِ ابْن هِشَام اللَّخْمِيّ وَابْن خلف وَغَيرهمَا. وَهَذَا مَعَ كَونه غير مُنَاسِب كَانَ الصَّوَاب أَن يَقُول: والرحل للبعير لَا للناقة قَالَ الأعلم: كَانَ الْوَاجِب فِي الظَّاهِر أَن يَقُول: ألْقى الزَّاد كي يُخَفف رَحْله والنعل حَتَّى الصَّحِيفَة فيبدأبالأثقل ثمَّ يتبعهُ الأخفّ فَلم يُمكنهُ الشّعْر. أَو يكون قدّم الصَّحِيفَة لِأَن الزَّاد والنعل أَحَق عِنْده بالإبقاء لِأَن الزَّاد يبلّغه الْوَجْه الَّذِي يُريدهُ والنعل يقوم لَهُ مقَام الرَّاحِلَة إِن عطبت فَاحْتَاجَ إِلَى الْمَشْي فقد قَالُوا: كَاد المنتعل أَن يكون رَاكِبًا.

والبريد: الرَّسُول وَمِنْه قَول الْعَرَب: الحمّى بريد الْمَوْت: وَعَمْرو هُوَ عَمْرو بن هِنْد الْملك ملك الْحيرَة. وَقد ذكرنَا تَرْجَمته قبل هَذَا الشَّاهِد ببيتين. قَالَ ابْن خلف: أنْشد سِيبَوَيْهٍ هَذَا الْبَيْت لأبي مَرْوَان النَّحْوِيّ قَالَه فِي قصَّة المتلمس حِين فر من عَمْرو بن هِنْد حكى ذَلِك الْأَخْفَش عَن عِيسَى بن عمر فِيمَا ذكره الْفَارِسِي. وَنسبه النَّاس إِلَى المتلمس انْتهى. وَنسبَة ياقوت الْحَمَوِيّ فِي مُعْجم الأدباء إِلَى مَرْوَان النَّحْوِيّ لَا أبي مَرْوَان قَالَ: سَمِعت بعض النَّحْوِيين ينْسب إِلَيْهِ هَذَا الْبَيْت وَقَالَ فِي تَرْجَمته: هُوَ مَرْوَان بن سعيد بن عباد بن حبيب بن وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد الثَّامِن وَالْخَمْسُونَ بعد الْمِائَة وَهُوَ من شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ: (فَلَا حسباً فخرت بِهِ لتيم ... وَلَا جدا إِذا ازْدحم الجدود) على أَنه يجوز النصب فِي قَوْله حسباً وَالرَّفْع لوُقُوعه بعد حرف النَّفْي أمّا نَصبه فبفعل مُقَدّر مُتَعَدٍّ إِلَيْهِ بِنَفسِهِ فِي معنى الْفِعْل الظَّاهِر وَالتَّقْدِير: فَلَا ذكرت حسباً فخرت بِهِ وَلَا جدا مَعْطُوف على قَوْله حسباً وَهُوَ بِمَنْزِلَة قَوْلك: أزيداً مَرَرْت بِهِ وَإِنَّمَا لم يجز إِضْمَار الْفِعْل الْمُتَعَدِّي بِحرف

الْجَرّ لِأَن ذَلِك يُؤَدِّي إِلَى إِضْمَار حرف الْجَرّ وَلَا يجوز إضماره لِأَنَّهُ مَعَ الْمَجْرُور كشيء وَاحِد وَهُوَ عَامل ضَعِيف فَلَا يجوز أَن يتَصَرَّف فِيهِ بالإضمار والإظهار كَمَا يتَصَرَّف فِي الْفِعْل وَأما الرّفْع فعلى الِابْتِدَاء وَجُمْلَة فخرت بِهِ صفته ولتيم: هُوَ الْخَبَر وَرُوِيَ بدل قَوْله: لتيم كريم وَهُوَ الثَّابِت وجدا مَعْطُوف على حسباً قَالَ السيرافي: لما جَازَ الرّفْع مَعَ الِاسْتِفْهَام وَإِن كَانَ الِاخْتِيَار النصب كَانَ الرّفْع فِي حُرُوف النَّفْي أقوى لِأَنَّهَا لم تبلغ أَن تكون فِي الْقُوَّة مثل حُرُوف الِاسْتِفْهَام والحسب: الْكَرم وَشرف الْإِنْسَان فِي نَفسه وأخلاقه وَالْجد: أَبُو الْأَب يَقُول: مَا ذكرت لتيم حسباً تفتخر بِهِ لِأَنَّك لم تَجِد لَهَا شَيْئا تذكره وَلَا لَك جد شرِيف تعول عَلَيْهِ عِنْد ازدحام النَّاس للمفاخر وَقيل: الْجد هُنَا: الْحَظ أَي: لَيْسَ لتيم حَظّ فِي علو الْمرتبَة وَالذكر الْجَمِيل وَهَذَا الْبَيْت من قصيدة طَوِيلَة لجرير هجا بهَا الفرزدق وتيم الربَاب وَلَيْسَت من النقائض وَهِي إِحْدَى القصائد الثَّلَاث الَّتِي هِيَ خير شعره كَذَا فِي مُنْتَهى الطّلب من أشعار الْعَرَب وَزعم الأعلم وَتَبعهُ ابْن خلف وَغَيره أَن جَرِيرًا هجا بهَا عمر بن لَجأ وه من تيم عدي والرباب بِكَسْر الرَّاء: جمع رب بضَمهَا قَالَ ابْن الْكَلْبِيّ فِي جمهرة الْأَنْسَاب: ولد عبد مَنَاة بن أدّ تيماً وهم الربَاب وعدياً بطن وعوفاً والأشيب وثوراً وَإِنَّمَا سموا الربَاب لِأَن تيماً وعدياً وثوراً

وعوفاً وأشيب وضبة بن أد غمسوا أَيْديهم فِي الرب فتحالفوا عَليّ بني تَمِيم فسمّوا الربَاب فهم جَمِيعًا الربَاب وخصت تيم أَيْضا بالرباب انْتهى وَمن هَذِه القصيدة: (لقد أخزى الفرزدق رَهْط ليلى ... وتيم قد أقادهم مُقَيّد)) (خصيت مجاشعاً وجدعت تيماً ... وَعِنْدِي فاعلموا لَهُم مزِيد) (أتيماً تَجْعَلُونَ إليّ ندّاً ... وَهل تيم لذِي حسب نديد) (أتوعدنا وتمنع مَا أردنَا ... ونأخذ من ورائك مَا نُرِيد) (وَيقْضى الْأَمر حِين تغيب تيم ... وَلَا يستأذنون وهم شُهُود) (فَلَا حسب فخرت بِهِ كريم ... وَلَا جد إِذا ازْدحم الجدود) (لئام الْعَالمين كرام تيم ... وسيدهم وَأَن زَعَمُوا مسود) (وَإنَّك لَو لقِيت عبيد تيم ... وتيماً قلت أَيهمَا العبيد) (أرى لَيْلًا يُخَالِفهُ نَهَار ... ولؤم التيم مَا اخْتلفَا جَدِيد) (بخبث الْبذر ينْبت بذر تيم ... فَمَا طَابَ النَّبَات وَلَا الحصيد) (تمنى التيم أَن أَبَاهُ سعد ... فَلَا سعد أَبوهُ وَلَا سعيد) (وَمَا لكم الفوارس يَا ابْن تيم ... وَلَا المستأذنون وَلَا الْوُفُود) (أَهَانَك بِالْمَدِينَةِ يَا ابْن تيم ... أَبُو حَفْص وجدّعك النشيد) (وَإِن الْحَاكِمين لغير تيم ... وَفينَا العزّ والحسب التليد) ...

(وَإِن التيم قد خبثوا وقلوا ... فَمَا طابوا وَلَا كثر العديد) (إِذا تيم ثوت بصعيد أَرض ... بَكَى من خبث ريحهم الصَّعِيد) (أتيما تَجْعَلُونَ إِلَى تَمِيم ... بعيد فضل بَينهمَا بعيد) وَقَوله: أتيماً تَجْعَلُونَ إِلَيّ ندا الْبَيْت أوردهُ صَاحب الْكَشَّاف وَالْقَاضِي على أَن الند من قَوْله تَعَالَى فَلَا تجْعَلُوا لله أندادأً. بِمَعْنى الْمثل المناوئ أَي: المعادي وَهُوَ من ند ندوداً: إِذا نفر وناددت الرجل: خالفته خص بالمخالف المماثل فِي الذَّات كَمَا خص الْمسَاوِي للمماثل فِي الْقدر. قَالَ السعد: وإلي كَانَ فِي الأَصْل صفة لقَوْله ندّاً فَلَمَّا قدم صَار حَالا مِنْهُ وَإِلَى بِمَعْنى اللَّام. وَقَالَ السَّيِّد: هَذَا لَا يَصح لِأَن ندّاً خبر لمبتدأ فِي الأَصْل وَإِنَّمَا هُوَ حَال من قَوْله تيماً. . وَفِيه: أَن تيماً فِي الأَصْل مُبْتَدأ وَعند سِيبَوَيْهٍ يجوز مَجِيء الْحَال من الْمُبْتَدَأ وَعند الْأَخْفَش من الْخَبَر. والاستفهام للإنكار. والتنوين فِي ذِي حسب للتحقير يَعْنِي أَن تيماً لَيْسَ ندّاً لذِي حسب حقير فَكيف يَجْعَل ندّاً لمثلي وَيجوز أَن يكون للتعظيم وَيُرِيد بِذِي حسب نَفسه. والنديد بِمَعْنى الند.) وترجمة جرير تقدّمت فِي الشَّاهِد الرَّابِع من أَوَائِل الْكتاب. وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد التَّاسِع وَالْخَمْسُونَ بعد الْمِائَة وَهُوَ من الحماسة:

إِذا الْخصم أَبْزَى مائل الرَّأْس انكب وَقَبله: فهلاّ أعدوني لمثلي تفاقدوا على أَن إِذا الشّرطِيَّة يجوز عِنْد الْكُوفِيّين وُقُوع الْجُمْلَة الاسمية بعْدهَا لَكِن بِشَرْط كَون خَبَرهَا فعلا إِلَّا فِي الشاذ كَهَذا الْبَيْت. قَالَ ابْن جني فِي إِعْرَاب الحماسة: يرْوى إِذْ وَإِذا جَمِيعًا: فَمن رَوَاهُ إِذْ حكى الْحَال المتوقعة كَقَوْل الله سُبْحَانَهُ: إِذْ الأغلال فِي أَعْنَاقهم وَمن رَوَاهُ إِذا فَهُوَ كَقَوْلِك: أَتَيْتُك إِذا زيد قَائِم وَهَذَا جَائِز على رَأْي أبي الْحسن وَذَلِكَ أَنه يُجِيز الِابْتِدَاء بعد إِذْ الزمانية الْمَشْرُوط بهَا انْتهى وأبذى من قَوْلهم: زجل أبذى وَامْرَأَة بذواء وَهُوَ الَّذِي يخرج صَدره وَيدخل ظَهره وأبذى هَهُنَا مثل وَمَعْنَاهُ الراصد المخاتل لِأَن المخاتل رُبمَا انثنى فَيخرج عَجزه. وَقَالَ أَبُو رياش: أَبْزَى: تحامل على خَصمه ليظلمه. . فَجعل أَبْزَى فعلا وَلَا يمْتَنع ذَلِك وَإِنَّمَا الْمَعْرُوف أَن يُقَال: بزوت الرجل وَمِنْه اشتقاق الْبَازِي من الطير إِذا اسْتعْمل على وزن القَاضِي. وَعَلِيهِ فالخصم مَرْفُوع بِفعل يفسره أَبْزَى وَيرْفَع مائل الرَّأْس على أَنه بدل من الْخصم. والأنكب: المائل وَأَصله الَّذِي يشتكي مَنْكِبَيْه فَهُوَ يمشي فِي شقّ. ومائل الرَّأْس أَي: مصعر من الْكبر. وَقَوله: تفاقدوا دُعَاء قد اعْترض بِهِ بَين أول الْكَلَام وَآخره يَقُول: هلا جعلوني عدَّة لرجل مثلي فقد بَعضهم بَعْضًا وَقد جَاءَهُم الْخصم

مُتَأَخّر الْعَجز مائل الرَّأْس منحرفاً. وَهَذَا تَصْوِير لحَال الْمقَاتل إِذا انتصب فِي وَجه مَقْصُوده وَهُوَ أبلغ فِي الْوَصْف من كل تَشْبِيه. وَمثله قَول الآخر: جاؤوا بمذق هَل رَأَيْت الذِّئْب قطّ أَلا ترى أَنه لَو صور لون المذق لما قَالَ: هَل رَأَيْت الذِّئْب قطّ. وَالْمعْنَى: لم أفاتوني أنفسهم وهلا ادخروني ليَوْم الْحَاجة إِذا كَانَ الْخصم هَكَذَا. وَهَذَا) الْبَيْت من أَبْيَات خَمْسَة فِي الحماسة لبَعض بني فقعس أَولهَا: (رَأَيْت موَالِي الألى يخذلونني ... على حدثان الدَّهْر إِذْ يتقلب) الموَالِي هُنَا: أَبنَاء الْعم. والألى فِي معنى الَّذين ويخذلونني من صلته. يَقُول: رَأَيْت أَبنَاء عمي هم الَّذين يَقْعُدُونَ عَن نصرتي على تقلب الزَّمَان وَتصرف الْحدثَان. وَقَوله: على حدثان الخ (فَهَلا أعدوني لمثلي تفاقدوا ... إِذا الْخصم أَبْزَى مائل الرَّأْس أنكب) (وهلا أعدوني لمثلي تفاقدوا ... وَفِي الأَرْض مبثوث شُجَاع وعقرب) كَرَّرَه تَأْكِيدًا وتفظيعاً لِلْأَمْرِ. وَالْمعْنَى: هلا جعلوني عدَّة لرجل مثلي فِي النَّاس فقد بَعضهم بَعْضًا وَقد انْتَشَر أَعدَاء كَثِيرَة وأنواع من الشَّرّ فظيعة والشجاع: الْحَيَّة. وكنى بِهِ وبالعقرب عَن الْأَعْدَاء وَالشَّر. وارتفاع شُجَاع يجوز أَن يكون على الْبَدَل من مبثوث وَيجوز أَن يكون على الِابْتِدَاء ومبثوث خَبره قدم عَلَيْهِ.

قَالَ ابْن جني فِي إِعْرَاب الحماسة: يرْوى مبثوثاً ومبثوث: فَمن نصب فَلِأَنَّهُ صفة نكرَة قدم عَلَيْهَا فنصب على الْحَال مِنْهَا وَمن رفع رفع بِالِابْتِدَاءِ وَجعل شُجَاع وعقرب بَدَلا من مبثوث. فَإِن قلت: فَهَلا قَالَ: وَفِي الأَرْض مبثوثون أَو مبثوثان قلت: فِيهِ جوابان: أَحدهمَا أَنه لم يرد بِشُجَاعٍ وعقرب الِاثْنَان الشافعان للْوَاحِد وَإِنَّمَا أُرِيد بِهِ الْأَعْدَاء الَّذين بَعضهم شجعان وَبَعْضهمْ عقارب أَي: أَعدَاء فِي خبثهما ونكرهما فَلَمَّا لم يرد حَقِيقَة التَّثْنِيَة وَإِنَّمَا أَرَادَ الْأَعْدَاء ذهب بِهِ مَذْهَب الْجِنْس. . وَالْوَجْه الآخر: أَن يكون أَرَادَ: وَفِي الأَرْض مبثوثاً شُجَاع أَي: شُجَاع مبثوث فَلَمَّا قدمه عَلَيْهِ نَصبه حَالا مِنْهُ ثمَّ عطف عقرب على الضَّمِير فِي مبثوثاً. وَكَذَلِكَ إِذا رفعت تعطف عقرب على الضَّمِير فِي مبثوث فَإِذا سلكت هَذِه الطَّرِيق سَقَطت عَنْك كلفة الِاعْتِذَار من ترك التَّثْنِيَة. انْتهى مُلَخصا. (فَلَا تَأْخُذُوا عقلا من الْقَوْم إِنَّنِي ... أرى الْعَار يبْقى والمعاقل تذْهب) (كَأَنَّك لم تسبق من الدَّهْر لَيْلَة ... إِذا أَنْت أدْركْت الَّذِي أَنْت تطلب) لَك فِي المعاقل الرّفْع على الِاسْتِئْنَاف وَالنّصب عطفا على الْعَار. يَقُول: لَا ترغبوا فِي قبُول الدِّيَة فَإِنَّهُ عَار والعار يبْقى أَثَره وَالْأَمْوَال تفنى. والمعاقل: جمع المعقلة والمعقلة بِضَم الْقَاف وَكسرهَا وَالْمِيم فيهمَا مَفْتُوحَة. وَالْعقل: الدِّيَة) وَأَصله الْإِبِل كَانَت تعقل بِفنَاء ولي الْمَقْتُول وَهُوَ مصدر وصف بِهِ. وَحكى الْأَصْمَعِي: صَار دَمه معقلة على قومه أَي: صَارُوا يدونه. وَقَوله: كَأَنَّك لم تسبق الخ يَقُول: من أدْرك مَا طلبه من الثأر

فكأنهلم يصب وَلم يُوتر. وَهَذَا بعث وتحضيض على طلب الدَّم والزهد فِي الدِّيَة. وَبَنُو فقعس حَيّ من بني أَسد وفقعس اسْم مرتجل غير مَنْقُول وَقيل: الفقعسة: البلادة. قَالَ ابْن الْكَلْبِيّ فِي جمهرة الْأَنْسَاب: فقعس: ابْن طريف بن عَمْرو بن قعين بِالتَّصْغِيرِ ابْن الْحَارِث بن ثَعْلَبَة بن دودان بن أَسد بن خُزَيْمَة بن مدركة بن الياس بن مُضر بن نزار بن معد بن عدنان. وَنسب صَاحب الحماسة البصرية هَذِه الأبيات إِلَى عَمْرو بن أَسد الفقعسي وَالله أعلم. (لَا تجزعي إِن منفس أهلكته ... وَإِذا هَلَكت فَعِنْدَ ذَلِك فاجزعي) تقدم شَرحه مُسْتَوفى فِي الشَّاهِد السَّادِس وَالْأَرْبَعِينَ. وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد السِّتُّونَ بعد الْمِائَة وَهُوَ من شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ: إِذا ابْن أبي مُوسَى بِلَالًا بلغته فَقَامَ بفأس بَين وصليك جازر على أَنه يقدر على مَذْهَب الْمبرد فِي رِوَايَة رفع ابْن إِذا بلغ ابْن أبي مُوسَى بلغ بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول فَيكون ابْن نَائِب الْفَاعِل لهَذَا الْفِعْل الْمَحْذُوف. وبلالاً يَنْبَغِي أَن يكون بِالرَّفْع لِأَنَّهُ بدل من ابْن أَو عطف بَيَان لَهُ

وَقد رَأَيْته مَرْفُوعا فِي نسختين صحيحتين من إِيضَاح الشّعْر لأبي عَليّ الْفَارِسِي إِحْدَاهمَا بِخَط أبي الْفَتْح عُثْمَان بن جني. وَفِي نسخ الْمُغنِي وَغَيره نصب بِلَال مَعَ رفع ابْن: قَالَ الدماميني فِي شَرحه: وبلالاً مَنْصُوب بِفعل مَحْذُوف آخر يفسره بلغته وَالتَّقْدِير: إِذا بلغ ابْن أبي مُوسَى بلغت بِلَالًا بلغته. وَلَا يخفى مَا فِيهِ من التَّكَلُّف وَالتَّقْدِير المستغنى عَنهُ. وَقد رُوِيَ بِنصب ابْن أَيْضا قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَالنّصب عَرَبِيّ كثير وَالرَّفْع أَجود. قَالَ النّحاس: وغلّطه المبرّد فِي الرّفْع لِأَن إِذا بِمَنْزِلَة حُرُوف المجازاة فَلَا يجوز أَن يرْتَفع مَا بعْدهَا بِالِابْتِدَاءِ. وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق الزجّاج: الرّفْع فِيهِ بِمَعْنى إِذا بلغ ابْن أبي مُوسَى بِلَال. وَكَذَلِكَ قَالَ أَبُو عَليّ: إِن إِذا هَذِه تُضَاف إِلَى الْأَفْعَال وَهِي ظرف من الزَّمَان وَمَعْنَاهَا على أَن تدخل على الْأَفْعَال لِأَن مَعْنَاهَا الشَّرْط وَالْجَزَاء وَقد جوزي بهَا فِي الشّعْر فَإِذا وَقع بعْدهَا اسْم مُرْتَفع) فَلَيْسَ ارتفاعه بِالِابْتِدَاءِ وَلَكِن بِأَنَّهُ فَاعل والرافع لَهُ يفسره الْفِعْل الَّذِي بعد الِاسْم كَأَنَّهُ قَالَ: إِذا بلغ ابْن أبي مُوسَى بِلَال بلغته وَكَذَلِكَ إِذا اوليها اسْم مَنْصُوب صَار على تَقْدِير إِذا بلغت ابْن أبي مُوسَى بِلَالًا بلغته. وَقَالَ أَبُو عَليّ أَيْضا فِي إِيضَاح الشّعْر. قَالَ الْقطَامِي: (إِذا التياز ذُو العضلات قُلْنَا: ... إِلَيْك إِلَيْك ضَاقَ بهَا ذِرَاعا) فَاعل ضَاقَ ضمير التياز وضاق جَوَاب إِذا والتياز يرْتَفع بِفعل مُضْمر يفسره قُلْنَا التَّقْدِير: إِذا خُوطِبَ التياز. وَقُلْنَا مَعْنَاهُ قُلْنَا لَهُ وَهُوَ مُفَسّر

لخوطب أَو كلم وَنَحْو ذَلِك مِمَّا يفسره قُلْنَا لَهُ وَهُوَ رَافع التياز كإنشاد من أنْشد: إِذا ابْن أبي مُوسَى بِلَالًا بلغته وَالْمعْنَى: ضَاقَ ذرع التياز بِأخذ هَذِه النَّاقة لِأَنَّهُ لَا يضبطها من شدتها ونشاطها فَكيف من هُوَ دونه وَمن أنْشد: إِذا ابْن أبي مُوسَى بِلَال بِالنّصب نصب التيار أَيْضا فَهُوَ بِمَنْزِلَة إِذا زيدا مَرَرْت بِهِ جئْتُك وَيَقُول من أنْشد إِذا ابْن أبي مُوسَى بِالدفع قَول لبيد أَلا ترى أَن أَنْت يرْتَفع بِفعل فِي معنى هَذَا الظَّاهِر كَانَ لَو أظهرته فَإِن لم تنْتَفع وَلَو حمل أَنْت على هَذَا الْفِعْل الظَّاهِر الَّذِي هُوَ ينفعك لوَجَبَ أَن يكون مَوضِع أَنْت إياك لِأَن الْكَاف الَّذِي هُوَ سَببه هِيَ مفعولة مَنْصُوبَة فَهَذَا الْبَيْت يُقَوي إنشاد من أنْشد: إِذا ابْن أبي مُوسَى بِالرَّفْع على إِضْمَار فعل فِي معنى الظَّاهِر نَفسه. انْتهى. وَقَوله: فَقَامَ بفأس هُوَ جَوَاب إِذا. وَدخلت الْفَاء على الْفِعْل الْمَاضِي لِأَنَّهُ دُعَاء كَمَا تَقول: إِن أَعْطَيْتنِي فجزاك الله خيرا وَلَو كَانَ خَبرا لم تدخل عَلَيْهِ الْفَاء. والفأس مَعْرُوفَة وَهِي مَهْمُوزَة وَرُوِيَ بدلهَا: بنصل بِفَتْح النُّون والنصل: حَدِيدَة السَّيْف والسكين. والوصل بِكَسْر الْوَاو: الْمفصل وَهُوَ ملتقى كل عظمين وَهُوَ وَاحِد الأوصال وَالْمرَاد بوصليهما: المفصلان اللَّذَان عِنْد مَوضِع نحرها. والجازر: اسْم فَاعل من جزر النَّاقة: إِذا نحرها وَهُوَ فَاعل قَامَ. وبلال هَذَا هُوَ بِلَال بن أبي بردة بن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ. وَالتَّاء من بلغته مَكْسُورَة خطاب لناقته. وَكَذَلِكَ الْكَاف

فِي وصليك دُعَاء عَلَيْهِمَا بالنحر والجزر. إِذا بلغته إِلَى ابْن أبي مُوسَى وَقد عيب عَلَيْهِ هَذَا كَمَا سَيَأْتِي. وَهَذَا الْبَيْت من قصيدة لذِي الرمة غيلَان مدح بهَا بِلَالًا مطْلعهَا:) (لمية أطلال بحزوى دواثر ... عفتها السوافي بَعدنَا والمواطر) (إِلَى ابْن أبي مُوسَى بِلَال طوت بِنَا ... قلاص أبوهن الجديل وداعر) (بلاداً يبيت البوم يَدْعُو بَنَاته ... بهَا وَمن الأصداء وَالْجِنّ سامر) (تمر برحلي بكرَة حميرية ... ضناك التوالي عيطل الصَّدْر ضامر) تمر: تمْضِي. والضناك بِالْكَسْرِ: المكتنزة الغليظة وتواليها: مآخيرها. والعيطل: الطَّوِيلَة. (أَقُول لَهَا إِذْ شمر السّير واستوت ... بهَا البيد واستنت عَلَيْهَا الْحَرَائِر) إِذا ابْن أبي مُوسَى بِلَالًا بلغته شمر السّير: قلص. واستوت بهَا البيد. أَي: لَا علم بهَا. واستنت: اطردت. والحرائر: جمع حرور وَهِي السمُوم. وبلال هُوَ ابْن أبي بردة ابْن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ. قَالَ ابْن حجر فِي التَّهْذِيب: هُوَ من الطَّبَقَة الْخَامِسَة من التَّابِعين مَاتَ سنة نَيف وَعشْرين وَمِائَة وَقَالَ: فِي تَهْذِيب التَّهْذِيب هُوَ أَمِير الْبَصْرَة وقاضيها. روى عَن

أنس فِيمَا قيل وَعَن أَبِيه وَعَمه أبي بكر روى لَهُ التِّرْمِذِيّ حَدِيثا وَاحِدًا وَذكره البُخَارِيّ فِي الْأَحْكَام وَذكره الصّقليّ فِي كتاب الضُّعَفَاء. قَالَ خَليفَة الحناط: ولاه خَالِد الْقَسرِي الْقَضَاء سنة تسع وَمِائَة وَحكي عَن مَالك بن دِينَار أَنه قَالَ لما ولي بِلَال الْقَضَاء: يَا لَك أمة هَلَكت ضيَاعًا وروى الْمبرد: أَن أول من أظهر الْجور من الْقُضَاة فِي الحكم بِلَال وَكَانَ يَقُول: إِن الرجلَيْن ليختصمان إليّ فأجد أَحدهمَا أخف على قلبِي فأقضي لَهُ وروى ابْن الْأَنْبَارِي أَنه مَاتَ فِي حبس يُوسُف بن عمر وَأَنه قَتله دهاؤه وَقَالَ للسجان: أعلم يُوسُف أَنِّي قدمت وَلَك مني مَا يُغْنِيك فَأعلمهُ فَقَالَ يُوسُف: أحب أَن أرَاهُ مَيتا فَرجع إِلَيْهِ السجان فَألْقى عَلَيْهِ شَيْئا فغمه حَتَّى مَاتَ ثمَّ أرَاهُ يُوسُف. وَقَالَ جوَيْرِية بن أَسمَاء: لما ولي عمر بن عبد الْعَزِيز وَفد إِلَيْهِ بِلَال فهنأه ثمَّ لزم الْمَسْجِد يُصَلِّي وَيقْرَأ ليله ونهاره فدسّ عمر إِلَيْهِ ثِقَة لَهُ فَقَالَ لَهُ: إِن عملت لَك ولَايَة الْعرَاق مَا تُعْطِينِي فضمن لَهُ مَالا جزيلاً فَأخْبر بذلك عمر فنفاه وَأخرجه وَكتب إِلَى عَامله على الْكُوفَة: إِن بِلَالًا غرنا بِاللَّه فكدنا نغتر بِهِ ثمَّ سبكناه فوجدناه كُله خبثاً. وترجمة ذِي الرمة تقدّمت فِي الشَّاهِد الثَّامِن فِي أَوَائِل الْكتاب روى

المرزباني فِي كتاب الموشح) عَن أبي بكر الْجِرْجَانِيّ عَن الْمبرد عَن التوزي أَنه قَالَ: أنْشد ذُو الرمة قصيدته فِي بِلَال بن أبي بردة فَلَمَّا بلغ قَوْله: إِذا ابْن أبي مُوسَى بِلَالًا بلغته قَالَ لَهُ عبد الله بن مُحَمَّد بن وَكِيع: هلاّ قلت كَمَا قَالَ سيدك الفرزدق: (أَقُول لناقتي لما ترامت ... بِنَا بيد مسربلة القتام) (إلام تلفتين وَأَنت تحتي ... وَخير النَّاس كلهم أَمَامِي) (مَتى تردي الرصافة تستريحي ... من التصدير والدبر الدوامي) قَالَ الْأَصْبَهَانِيّ فِي الأغاني: وَقد أَخذ هَذَا الْمَعْنى من الفرزدق دَاوُد بن سلم فِي مدحه قثم بن الْعَبَّاس أَخا عبد الله بن الْعَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم فَأحْسن وَقَالَ: (عتقت من حلي وَمن رحلتي ... يَا ناق إِن أدنيتني من قثم) (إِنَّك إِن أدنيت مِنْهُ غَدا ... حالفني الْيُسْر وَزَالَ الْعَدَم) (فِي كَفه بَحر وَفِي وَجهه ... بدر وَفِي الْعرنِين مِنْهُ شمم) وَقَالَ التاريخي: لما أنْشد مَرْوَان بن أبي حَفْصَة يحيى بن خَالِد: (إِذا بلغتنا العيس يحيى بن خَالِد ... أَخذنَا بِحَبل الْيُسْر وَانْقطع الْعسر) قَالَ لَهُ يحيى: لَا عَلَيْك أَن لَا تَقول شَيْئا بعد هَذَا

أَقُول: الفرزدق قد سلك طَريقَة الْأَعْشَى مَيْمُون فِي مدح النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وَهُوَ قَوْله: (فآليت لَا أرثي لَهَا من كَلَالَة ... وَلَا من وجى حَتَّى تلاقي مُحَمَّدًا) (مَتى مَا تناخي عِنْد بَاب ابْن هَاشم ... تراحي وتلقي من فواضله ندى) (رَأَيْت عرابة الأوسي يسمو ... إِلَى الْخيرَات مُنْقَطع القرين) (إِذا مَا راية رفعت لمجد ... تلقاها عرابة بِالْيَمِينِ) (إِذا بلغتني وحملت رحلي ... عرابة فاشرقي بِدَم الوتين) قَالَ الْمبرد فِي الْكَامِل: وَقد أحسن كل الْإِحْسَان فِي قَوْله: إِذا بلغتني وحملت رحلي يَقُول: لست أحتاج أَن أرحل إِلَى غَيره. وَقد عَابَ بعض الروَاة قَوْله: فاشرقي بِدَم الوتين وَقَالَ: كَانَ يَنْبَغِي أَن ينظر لَهَا مَعَ استغنائه عَنْهَا فقد قَالَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ للأنصارية) المأسورة بِمَكَّة وَقد نجت على نَاقَة رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فَقَالَت يَا رَسُول الله: إِنِّي نذرت إِن نجوت عَلَيْهَا أَن أنحرها. فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: لبئسما مَا جزيتهَا. وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: لَا نذر فِي مَعْصِيّة الله جلّ وعزّ وَلَا نذر للْإنْسَان فِي غير ملكه. وَمِمَّا لم يعب فِي هَذَا الْمَعْنى قَول عبد الله بن رَوَاحَة الْأنْصَارِيّ لما أمّره رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بعد زيد وجعفر على جَيش مُؤْتَة: ...

(إِذا بلّغتني وحملت رحلي ... مسيرَة أَربع بعد الحساء) (فشأنك فانعمي وخلاك ذمّ ... وَلَا أرجع إِلَى أَهلِي ورائي) قَالَ بعض الْعلمَاء فِيمَا كتبه على الْكَامِل هَذِه الْمَرْأَة غفارية لَا أنصارية. وَقد تبع الشماخ فِي اساءته أَبُو دهبل الجُمَحِي أَيْضا فِي قَوْله يمدح الْمُغيرَة بن عبد الله وَهُوَ مطلع أَبْيَات لَهُ فِيهِ: (يَا ناق سيري واشرقي ... بِدَم إِذا جِئْت الْمُغيرَة) (سيثيبني أُخْرَى سوا ... ك وَتلك لي مِنْهُ يسيرَة) (إِن ابْن عبد الله نع ... م أَخُو الندى وَابْن الْعَشِيرَة) وتبعهما أَيْضا ابْن أبي العاصية السّلمِيّ فَإِنَّهُ لما قدم على معن بن زَائِدَة بِصَنْعَاء نحر نَاقَته على بَابه بلغ ذَلِك مَعنا فتطير وَأمر بإدخاله فَقَالَ: مَا صنعت قَالَ: نذرت أصلحك الله قَالَ: وَمَا هُوَ فأنشده من أَبْيَات: (نذر عليّ لَئِن لقيتك سالما ... أَن يسْتَمر بهَا شفار الجازر) فَقَالَ معن: أطعمونا من كبد هَذِه المظلومة وَأول من عَابَ على الشماخ عرابة ممدوحه فَإِنَّهُ قَالَ لَهُ: بئْسَمَا كافأتها بِهِ. وَكَذَا عَابَ عَلَيْهِ أحيحة بن الجلاح فَإِن الشّمّاخ لما أنْشدهُ الْبَيْت قَالَ لَهُ أحيحة: بئس المجازاة جَازَيْتهَا

وَمِمَّنْ رد عَلَيْهِ من الشُّعَرَاء أَبُو نواس: روى المرزباني فِي كتاب الموشح بِسَنَدِهِ عَن أبي نواس أَنه (وَإِذا الْمطِي بِنَا بلغن مُحَمَّدًا ... فظهورهن على الرّحال حرَام) (قرّبتنا من خير من وطىء الْحَصَا ... فلهَا علينا حُرْمَة وذمام) وَقلت أَيْضا: (أَقُول لناقتي إِذْ قرّبتني ... لقد أَصبَحت عِنْدِي بِالْيَمِينِ)) (فَلم أجعلك للغربان نحلا ... وَلَا قلت اشرقي بِدَم الوتين) (حرمت على الأزمة والولايا ... وأعلاق الرحالة والوضين) الولايا: جمع ولية وَهِي البرذعة. والأعلاق: مَا علق على الرحل من العهون وَغَيره. والْوَضِين: حزَام الرحل. قَالَ ابْن خلكان فِي تَرْجَمَة ذِي الرمة: أَبُو نواس هُوَ الَّذِي كشف هَذَا الْمَعْنى وأوضحه حَتَّى قَالَ بعض الْعلمَاء وَلَا أستحضر الْآن من هُوَ الْقَائِل لما وقف على بَيت أبي نواس: هَذَا الْمَعْنى وَالله الَّذِي كَانَت الْعَرَب تحوم حوله فتخطئه وَلَا تصيبه. فَقَالَ الشماخ: كَذَا وَقَالَ ذُو الرمة: كَذَا وَمَا أبانه إِلَّا أَبُو نواس بِهَذَا الْبَيْت وَهُوَ فِي نِهَايَة الْحسن. هـ. وَقد تقدم أَن أول من كشف هَذَا الْمَعْنى الْأَعْشَى لَا أَبُو نواس.

ورد أَبُو تَمام أَيْضا على الشماخ تَابعا لأبي نواس: (أشرقها من دم الوتين لقد ... ضل كريم الْأَخْلَاق عَن شيمه) (ذَلِك حكم قضى بفيصله ... أحيحة بن الجلاح فِي أطمه) وروى المرزباني أَيْضا عَن أَحْمد بن سُلَيْمَان بن وهب أَن مُحَمَّد بن عَليّ القنبري الْهَمدَانِي أنْشد عبيد الله بن يحيى بن خاقَان قَوْله من قصيدة: (إِلَى الْوَزير عبيد الله مقصدها ... أَعنِي ابْن يحيى حَيَاة الدَّين وَالْكَرم) (إِذا رميت برحلي فِي ذراه فَلَا ... نلْت المنى مِنْهُ إِن لم تشرقي بِدَم) (وَلَيْسَ ذَاك لجرم مِنْك أعلمهُ ... وَلَا لجهل بِمَا أسديت من نعم) (لكنه فعل شماخ بناقته ... لَدَى عرابة إِذْ أدته للأطم) فَلَمَّا سمع عبيد الله هَذَا الْبَيْت قَالَ: مَا معنى هَذَا فَقَالَ لَهُ أبي سُلَيْمَان: أعز الله الْوَزير إِن الشماخ بن ضرار مدح عرابة الأوسي بقصيدة وَقَالَ فِيهَا يُخَاطب نَاقَته: إِذا بلغتني وحملت رحلي الْبَيْت فعاب من فعله هَذَا أَبُو نواس فَقَالَ:

أَقُول لناقتي إِذْ قربتني الْبَيْتَيْنِ فَقَالَ عبيد الله: هَذَا على صَوَاب والشماخ على خطأ فَقَالَ لَهُ أبي: قد أَتَى مَوْلَانَا الْوَزير) بِالْحَقِّ وَكَذَا قَالَ عرابة الممدوح للشماخ لما أنْشدهُ هَذَا الْبَيْت: بئْسَمَا كافأتها بِهِ. هـ. تتمات الأولى قَول الشماخ: تلقاها عرابة بِالْيَمِينِ قَالَ الْمبرد فِي الْكَامِل: قَالَ أَصْحَاب الْمعَانِي: مَعْنَاهُ بِالْقُوَّةِ. وَقَالُوا مثل ذَلِك فِي قَول الله عَزَّ وَجَلَّ: وَالسَّمَاوَات مَطْوِيَّات بِيَمِينِهِ. هـ. قَالَ الْحَاتِمِي: أَخذ الشماخ هَذَا من قَول بشر بن أبي خازم: (إِذا مَا المكرمات رفعن يَوْمًا ... وَقصر مبتغوها عَن مداها) (وَضَاقَتْ أَذْرع المثرين عَنْهَا ... سما أَوْس إِلَيْهَا فاحتواها) وَرَأَيْت فِي الحماسة البصرية نِسْبَة الْبَيْت لجندب بن خَارِجَة الطَّائِي الجاهلي وَرَوَاهُ هَكَذَا: (إِذا مَا راية رفعت لمجد ... سما أَوْس إِلَيْهَا فاحتواها) وَذكر بَيْتَيْنِ قبله وهما: (إِلَى أَوْس بن حَارِثَة بن لأم ... ليقضي حَاجَتي فِيمَن قَضَاهَا) (فَمَا وطىء الْحَصَى مثل ابْن سعدى ... وَلَا لبس النِّعَال وَلَا احتذاها)

عرابة الَّذِي عناه الشماخ بمدحه هُوَ أحد أَصْحَاب النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وَهُوَ ابْن أَوْس بن قيظي بن عَمْرو بن زيد بن جشم بن حَارِثَة بن الْحَارِث بن الْخَزْرَج: وَإِنَّمَا قَالَ لَهُ الشماخ الأوسي وَهُوَ من الْخَزْرَج نِسْبَة إِلَى أَوْس بن قيظي. قَالَ أَبُو الْفرج: لم يصنع إِسْحَاق شَيْئا عرابة من الْأَوْس لَا من الْخَزْرَج وَإِنَّمَا وَقع عَلَيْهِ الْغَلَط فِي هَذَا لِأَن فِي نسب عرابة الْخَزْرَج وَفِي الْأَوْس رجل يُقَال لَهُ: الْخَزْرَج لَيْسَ هُوَ الْجد الَّذِي ينتمي إِلَيْهِ الخزرجيون الَّذِي هُوَ أَخُو الْأَوْس وَهَذَا الْخَزْرَج بن النبيت بن مَالك بن الْأَوْس. ورده رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فِي غَزْوَة أحد لصغره مَعَ تِسْعَة نفر: مِنْهُم ابْن عَمْرو وَزيد بن ثَابت وَأَبُو سعيد الْخُدْرِيّ وَأسيد بن ظهير. . وَأَبوهُ أَوْس من الْمُنَافِقين الَّذين شهدُوا مَعَ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أحدا وَهُوَ الَّذِي قَالَ: إِن بُيُوتنَا عَورَة وَمَا هِيَ بِعَوْرَة وَكَانَ من وُجُوههم. وَقد انقرض عقب عرابة فَلم يبْق مِنْهُم أحد. قَالَ الْمبرد فِي الْكَامِل: قَالَ مُعَاوِيَة لعرابة بن أَوْس بن قيظي الْأنْصَارِيّ: بِمَ سدت قَوْمك قَالَ: لست بسيدهم وَلَكِنِّي رجل مِنْهُم فعزم عَلَيْهِ فَقَالَ: أَعْطَيْت فِي نائبتهم وحلمت عَن سفيهم) وشددت على يَدي حليمهم فَمن فعل مِنْهُم مثل فعلي فَهُوَ مثلي وَمن قصر عَنهُ فَأَنا أفضل مِنْهُ وَمن تجاوزني فَهُوَ أفضل مني. وَكَانَ سَبَب ارْتِفَاع عرابة: أَن قدم من سفر فَجَمعه الطَّرِيق والشماخ بن ضرار المري فتحادثا فَقَالَ لَهُ عرابة: مَا الَّذِي أقدمك الْمَدِينَة فَقَالَ: قدمت لأمتار بهَا فَمَلَأ لَهُ عرابة رواحله برا وَتَمْرًا وأتحفه غير ذَلِك فَقَالَ الشماخ ذَلِك.

الثَّانِيَة: تتَعَلَّق بِشعر الفرزدق. قَالَ القالي فِي أَمَالِيهِ: حَدثنَا أَبُو بكر قَالَ: أَخْبرنِي أَبُو عُثْمَان عَن التوزي عَن أبي عُبَيْدَة قَالَ: خرج جرير والفرزدق إِلَى هِشَام بن عبد الْملك مرتدفين على نَاقَة فَنزل جرير يَبُول فَجعلت النَّاقة تتلفت فضربها الفرزدق وَقَالَ: علام تلفتين وَأَنت تحتي الْبَيْتَيْنِ ثمَّ قَالَ: الْآن يَجِيء جرير فأنشده هذَيْن الْبَيْتَيْنِ فَيرد عَليّ: (تلفت أَنَّهَا تَحت ابْن قين ... إِلَى الكيرين والفأس الكهام) (مَتى ترد الرصافة تخز فِيهَا ... كخزيك فِي المواسم كل عَام) فجَاء يضْحك فَقَالَ مَا يضحكك يَا أَبَا فراس فأنشده الْبَيْتَيْنِ فَقَالَ جرير: تلفت أَنَّهَا تَحت ابْن قين. كَمَا قَالَ الفرزدق سَوَاء قَالَ الفرزدق وَالله لقد قلت هذَيْن الْبَيْتَيْنِ فَقَالَ جرير: أما علمت أَن شيطاننا وَاحِد. الثَّالِثَة: تتَعَلَّق بِشعر أبي نواس الأول: قَالَ ابْن خلكان فِي تَرْجَمته: لهَذَا الْبَيْت حِكَايَة جرت لي مَعَ صاحبنا جمال الدَّين مَحْمُود بن عبد الله الإربلي الأديب الْمجِيد فِي صَنْعَة الألحان وَغير ذَلِك فَإِنَّهُ جَاءَنِي إِلَى مجْلِس الحكم الْعَزِيز بِالْقَاهِرَةِ المحروسة فِي بعض شهور سنة خمس وَأَرْبَعين وسِتمِائَة وَقعد عِنْدِي سَاعَة وَكَانَ النَّاس مزدحمين

لِكَثْرَة أشغالهم حِينَئِذٍ ثمَّ نَهَضَ وَخرج فَلم أشعر إِلَّا وَقد جَاءَ غُلَام وَفِي يَده رقْعَة مَكْتُوب فِيهَا هَذِه الأبيات: (يَا أَيهَا الْمولى الَّذِي بِوُجُودِهِ ... أبدت محاسنها لنا الْأَيَّام)) (إِنِّي حججْت إِلَى جَانِبك حجَّة ... الأشواق مَا لَا يُوجب الْإِسْلَام) (وأنخت بِالْحرم الشريف مطيتي ... فتسربت واستاقها الأقوام) (فظللت أنْشد عِنْد نشداني لَهَا ... بَيْتا لمن هُوَ فِي القريض إِمَام) (وَإِذا الْمطِي بِنَا بلغن مُحَمَّدًا ... فظهورهن على الرّحال حرَام) فوقفت عَلَيْهَا وَقلت لغلامه: مَا الْخَبَر فَقَالَ: إِنَّه لما قَامَ من عنْدك وجد مداسه قد سرق فاستحسنت مِنْهُ هَذَا التَّضْمِين وَالْعرب يشبهون النَّعْل بالراحلة وَقد جَاءَ هَذَا فِي شعر الْمُتَقَدِّمين والمتأخرين وَاسْتَعْملهُ المتنبي فِي مَوَاضِع من شعره ثمَّ جَاءَنِي من بعد جمال الدَّين الْمَذْكُور وَجرى ذكر هَذِه الأبيات فَقلت لَهُ: وَلَكِن أَنا اسْمِي أَحْمد لَا مُحَمَّد فَقَالَ: علمت ذَلِك وَلَكِن أَحْمد وَمُحَمّد وَاحِد وَهَذَا التَّضْمِين حسن وَلَو كَانَ الِاسْم أَي شَيْء كَانَ. وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد الْحَادِي وَالسِّتُّونَ بعد الْمِائَة وَهُوَ من شَوَاهِد س: ...

(فَمَتَى واغل يزرهم يحيو ... هـ وَتعطف عَلَيْهِ كأس الساقي) على أَنه فصل اضطراراً بَين مَتى ومجزومه فعل الشَّرْط بواغل ف واغل فَاعل فعل مَحْذُوف يفسره الْمَذْكُور أَي: مَتى يزرهم واغل يزرهم. وَرُوِيَ أَيْضا يجئهم وَرُوِيَ أَيْضا ينبهم من نَاب يَنُوب. والواغل: الرجل الَّذِي يدْخل على من يشرب الْخمر وَلم يدع وَهُوَ فِي الشَّرَاب بِمَنْزِلَة الوارش فِي الطَّعَام وَهُوَ الطفيلي يُقَال: وغل بِالْفَتْح يغل بِالْكَسْرِ وغلاً بِالسُّكُونِ فَهُوَ واغل ووغل أَيْضا بِالسُّكُونِ كَذَا فِي كتاب كتاب النَّبَات للدينوري. والكأس بِالْهَمْز مُؤَنّثَة قَالَ أَبُو حنيفَة فِي كتاب النَّبَات وَذكر أَسمَاء الْخمر فَقَالَ: وَمِنْهَا الكاس وَهُوَ اسْم لَهَا وَلَا يُقَال للزجاجة كأس إِن لم يكن فِيهَا الْخمر ثمَّ أورد حجَجًا على ذَلِك مِنْهَا قَول الله تَعَالَى: يُطَاف عَلَيْهِم بكأس من معِين. وَقد رد عَلَيْهِ أَبُو قَاسم عليّ بن حَمْزَة الْبَصْرِيّ اللّغَوِيّ فِي كتاب التَّنْبِيهَات على أغلاط الروَاة فِيمَا كتبه على كتاب النَّبَات فَقَالَ: قد أَسَاءَ فِي هَذَا الشَّرْط الكأس: نفس الْخمر كَمَا قَالَ والكأس: الزجاجة وَقَول الله تَعَالَى الَّذِي احْتج بِهِ هُوَ حجَّة عَلَيْهِ وَمثله قَوْله تَعَالَى: بأكواب) وأباريق وكأس من معِين أَي: ظرف فِيهِ خمر من هَذِه الَّتِي هَذِه صفتهَا. وَقد قَالَ سُبْحَانَهُ: وكأساً دهاقاً والدهاق: الملأى. وَلَا يجوز أَنه أَرَادَ خمرًا ملأى. وَهَذَا فَاسد من القَوْل. وَالْعرب تَقول: سقَاهُ كأساً مرّة و: جرّعه كأساً من السم وَقَالَ: وَقد سقى الْقَوْم كاس النعسة السهر

وأوضح من هَذَا كُله وَأبْعد من قَول أبي حنيفَة مَا أنْشدهُ أَبُو زِيَاد لريسبان بن عميرَة من بني عبد الله بن كلاب: (وَأول كأس من طَعَام تذوقه ... ذرا قضب يجلو نقياً مفلجا) فَجعل سواكها كأساً وَجعل الكأس من الطَّعَام وبعّض من تبعيضاً يدل على صِحَة مَا قُلْنَاهُ. وَقَالَ آخر: (من لم يمت عبطة هرماً ... للْمَوْت كأس والمرء ذائقها) وَقَالَ كرَاع: الكأس: الزجاجة والكأس أَيْضا: الْخمر. فَبَدَأَ بقولنَا. هـ. وتعطف بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول. وَهَذَا الْبَيْت من قصيدة لعدي بن زيد الْعَبَّادِيّ وَبعده (وَيَقُول الْأَعْدَاء: أودى عديّ ... وَبَنوهُ قد أيقنوا بعلاق) وَقد تقدّمت تَرْجَمته فِي الشَّاهِد السِّتين. وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد الثَّانِي وَالسِّتُّونَ بعد الْمِائَة وَهُوَ من شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ: (صعدة نابتة فِي حائر ... أَيْنَمَا الرّيح تميّلها تمل) لما تقدم قبله. فَتكون الرّيح فاعلة بِفعل مَحْذُوف يفسره الْمَذْكُور أَي: أَيْنَمَا تميّلها الرّيح تميلها.

وَهَذَا الْبَيْت من قصيدة لِابْنِ جعيل مِنْهَا هَذِه الأبيات: (وضجيع قد تعللت بِهِ ... طيّب أردانه غير تفل) (فِي مَكَان لَيْسَ فِيهِ برم ... وفراش متعال متمهل) (فَإِذا قَامَت إِلَى جاراتها ... لاحت السَّاق بخلخال زجل) (وبمتنين إِذا مَا أَدْبَرت ... كالعنانين ومرتج رهل) صعدة قد سمتت فِي حائر الضجيع: الْمضَاجِع مثل النديم بِمَعْنى المنادم والجليس بِمَعْنى الْمجَالِس من الضجوع وَهُوَ وضع الْجنب على الأَرْض وَهُوَ مجرور بِرَبّ الْمقدرَة بعد الْوَاو وَجُمْلَة قد تعللت جَوَاب رب وَهُوَ الْعَامِل فِي مجرورها وَقد وَقع جَوَاب رب قبل وَصفه. والتعلل: التلهي. وطيب: صفة ضجيع وأردانه: فَاعله. والتفل: بِفَتْح الْمُثَنَّاة الْفَوْقِيَّة وَكسر الْفَاء وصف من تفلت الْمَرْأَة تفلاً فَهِيَ تفلة من بَاب: تركت الطّيب والأدهان. والْبرم بِفتْحَتَيْنِ: مصدر برم بِهِ بِالْكَسْرِ: إِذا سئمه وضجر مِنْهُ. وفرَاش: مَعْطُوف على مَكَان. ومتمهل: اسْم فَاعل من اتمهل الشَّيْء على وزن اقشعرّ أَي: طَال واعتدل وأصل الْمَادَّة تمهل بمثناة فوقية فميم فهاء فلام. وزجل: بِفَتْح الزَّاي الْمُعْجَمَة وَكسر الْجِيم. أَي: مصوت. وَذَلِكَ أَنهم كَانُوا يجْعَلُونَ فِي الخلاخيل جلاجل. وَقَوله: وبمتنين هُوَ تَثْنِيَة متن وَهُوَ كَمَا قَالَ ابْن فَارس مكتنفا الصلب من العصب وَاللَّحم وَهُوَ مُتَعَلق بِمَحْذُوف أَي: وَإِذا مَا أَدْبَرت أَدْبَرت بمتنين كالعنانين وبمرتج الخ وَهُوَ مثنى عنان الْفرس وعنانا الْمَتْن: حبلاه أَرَادَ أَن خصرها مجدول لطيف وَأَرَادَ بالمرتج الكفل. والرهل بِفَتْح فَكسر: المضطرب.

وَقَوله: صعدة أَي: هِيَ صعدة والصعدة: الْقَنَاة الَّتِي تنْبت مستوية فَلَا تحْتَاج إِلَى تثقيف وتعديل وَامْرَأَة صعدة: مستوية الْقَامَة شبهها بالقناة. وأنشده الْجَوْهَرِي فِي مَادَّة صعد وَلم) ينْسبهُ إِلَى أحد. وَقَالَ الْعَيْنِيّ: نسبه الْجَوْهَرِي إِلَى الحسام بن صداء الْكَلْبِيّ. وَلَا أَدْرِي أَيْن ذكره. والحائر بِالْحَاء الْمُهْملَة قَالَ أَبُو نصر: يُقَال للمكان المطمئن الْوسط الْمُرْتَفع الْحُرُوف: حائر وَأنْشد هَذَا الْبَيْت وَإِنَّمَا قيل لَهُ حائر لِأَن المَاء يتحير فِيهِ فَيَجِيء وَيذْهب. . قَالَ الأعلم: الحائر: القرارة من الأَرْض يسْتَقرّ فِيهَا السَّيْل فيتحير مَاؤُهُ. أَي: يستدير وَلَا يجْرِي وَجعلهَا فِي حائر لِأَن ذَلِك أنعم لَهَا وَأَشد لتثنيها إِذا اخْتلفت الرّيح. هـ. وَقَالَ أَبُو بكر الزبيرِي فِي كتاب لحن الْعَامَّة وَيَقُولُونَ تكون فِي الحظيرة تكون فِي الدراحير ويجمعونه أحيارا وَالصَّوَاب حائر وَجمعه حوران وحيران بِالْبَصْرَةِ حائر الْحجَّاج مَعْرُوف وَقَالَ أَحْمَر بن يحيى ثَعْلَب: الحائر هُوَ الَّذِي تسميه الْعَامَّة حيراً وَهُوَ الْحَائِط. هـ. وَرُوِيَ بدل نابتة: قد سمقت أَي: طَالَتْ وَارْتَفَعت. وابْن جعيل صَاحب هَذَا الشّعْر بِضَم الْجِيم مصغر جعل. واسْمه كَعْب بن جعيل بن قمير مصغر قمر ابْن عجْرَة بن ثَعْلَبَة بن عَوْف بن مَالك بن بكر بن حبيب بن عَمْرو بن تغلب بن وَائِل. وَهُوَ شَاعِر مَشْهُور إسلامي كَانَ فِي زمن مُعَاوِيَة. وَفِيه يَقُول عتبَة بن الوغل التغلبي: ...

(سمّيت كَعْبًا بشرّ الْعِظَام ... وَكَانَ أَبوك يُسمى الْجعل) (وَإِن مَكَانك من وَائِل ... مَكَان القراد من است الْجمل) هَكَذَا ذكره الْآمِدِيّ فِي المؤتلف والمختلف وَنسب إِلَيْهِ الشّعْر الَّذِي مِنْهُ بَيت الشَّاهِد. وَقَالَ ابْن قُتَيْبَة فِي كتاب الشُّعَرَاء: وَكَعب بن جعيل هُوَ الَّذِي قَالَ لَهُ يزِيد بن مُعَاوِيَة: اهج الْأَنْصَار فدله على الأخطل. ولكعب هَذَا أَخ يُقَال لَهُ: عُمَيْر بن جعيل بِالتَّصْغِيرِ وَهُوَ شَاعِر أَيْضا وَهُوَ الْقَائِل يهجو قومه: (كسا الله حيّي تغلب ابْنة وَائِل ... من اللؤم أظفاراً بطيئاً نصولها) ثمَّ نَدم فَقَالَ: (نَدِمت على شتمي الْعَشِيرَة بَعْدَمَا ... مَضَت واستتبت للرواة مذاهبه) (فَأَصْبَحت لَا أَسْتَطِيع دفعا لما مضى ... كَمَا لَا يرد الدّرّ فِي الضَّرع حالبه) وَفِي الشُّعَرَاء شَاعِر آخر يُقَال لَهُ ابْن جعيل بِالتَّصْغِيرِ واسْمه شبيب التغلبي وَسَتَأْتِي تَرْجَمته إِن شَاءَ الله تَعَالَى فِي خبر مَا ولَا وَفِيهِمْ أَيْضا من يُقَال لَهُ ابْن جعل مكبراً وَهُوَ تغلبي أَيْضا كاللذين قبله واسْمه عميرَة بِفَتْح الْعين ابْن جعل بن عَمْرو بن مَالك بن الْحَارِث بن حبيب بن) عَمْرو بن غنم بن تغلب بن وَائِل شَاعِر جاهلي وَهُوَ الْقَائِل: (فَمن مبلغ عني إِيَاس بن جندل ... أَخا طَارق وَالْقَوْل ذُو نفيان) (فَلَا توعدني بِالسِّلَاحِ فَإِنَّمَا ... جمعت سلاحي رهبة الْحدثَان) ...

(جمعت ردينيّاً كَأَن سنانه ... سنا لَهب لم يتَّصل بِدُخَان) كَذَا فِي المؤتلف أَيْضا للآمدي. وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد الثَّالِث وَالسِّتُّونَ بعد الْمِائَة وَهُوَ من شَوَاهِد س (أَلا رجلا جزاه الله خيرا ... يدلّ على محصّلة تبيت) على أَن أَلا عِنْد الْخَلِيل قد تكون للتحضيض كَمَا فِي هَذَا الْبَيْت أَي: أَلا ترونني رجلا هُوَ بِضَم التَّاء من الإراءة لَا بِفَتْحِهَا من الرُّؤْيَة. قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَسَأَلت الْخَلِيل عَن هَذَا الْبَيْت فَزعم أَنه لَيْسَ على التَّمَنِّي وَلَكِن بِمَنْزِلَة قَول الرجل: فَهَلا خيرا من ذَاك كَأَنَّهُ قَالَ: أَلا تروني رجلا جزاه الله خيرا قَالَ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي: وَمن مَعَاني أَلا الْعرض والتحضيض ومعناهما طلب الشَّيْء وَلَكِن الْعرض طلب بلين والتحضيض طلب بحث وتختص أَلا هَذِه بالفعلية وَمِنْه عِنْد الْخَلِيل هَذَا الْبَيْت وَالتَّقْدِير عِنْده: أَلا تروني رجلا هَذِه صفته فَحذف الْفِعْل مدلولاً عَلَيْهِ بِالْمَعْنَى. وَزعم بَعضهم: أَنه مَحْذُوف على شريطة التَّفْسِير أَي: أَلا جزى الله رجلا جزاه خيرا. وَألا على هَذَا للتّنْبِيه. وَقَالَ يُونُس: أَلا لِلتَّمَنِّي ونوّن الِاسْم للضَّرُورَة. . وَقَول الْخَلِيل أولى لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَة فِي إِضْمَار الْفِعْل بِخِلَاف التَّنْوِين. وإضمار الْخَلِيل

أولى من إِضْمَار غَيره لِأَنَّهُ لم يرد أَن وَأما قَول ابْن الْحَاجِب فِي تَضْعِيف هَذَا القَوْل: إنّ يدلّ صفة لرجل فَيلْزم الْفَصْل بَينهمَا بِالْجُمْلَةِ المفسرة وَهِي أَجْنَبِيَّة فمردود بقوله تَعَالَى: إِن امْرُؤ هلك لَيْسَ لَهُ ولد ثمَّ الْفَصْل بِالْجُمْلَةِ لَازم وَإِن لم تقدّر مفسرة إِذْ لَا تكون صفة لِأَنَّهَا إنشائية. اه كَلَام الْمُغنِي. وقدّر الْعَامِل غير الْخَلِيل أَلا أجد رجلا. وقدّره بَعضهم أَلا هَات رجلا. وَرُوِيَ أَيْضا أَلا رجل بِالرَّفْع والجر فالرفع اخْتَارَهُ الْجَوْهَرِي على أَنه فَاعل لفعل مَحْذُوف يفسره الْمَذْكُور أَي: أَلا يدل رجل. وَقيل: رجل: مُبْتَدأ تخصص بالاستفهام وَالنَّفْي وَجُمْلَة يدل خَبره. والجر على) تَقْدِير أَلا دلَالَة رجل فَحذف الْمُضَاف وَبَقِي لامضاف إِلَيْهِ على حَاله. وَقَالَ الصَّاغَانِي فِي الْعباب: الْجَرّ على معنى أما من رجل. وهما ضعيفان. وَجُمْلَة جزاه الله خيرا دعائية لَا مَحل لَهَا. وَهَذَا الْبَيْت من قصيدة طَوِيلَة لعَمْرو بن قعاس الْمرَادِي. وَهَذَا مطْلعهَا وأبيات مِنْهَا: (أَلا يَا بَيت بالعلياء بَيت ... وَلَوْلَا حب أهلك مَا أتيت) (أَلا يَا بَيت أهلك أوعدوني ... كاني كل ذنبهم جنيت) (أَلا بكر العواذل فاستميت ... وَهل من رَاشد لي أَن غويت)

(إِذا مَا فَاتَنِي لحم غريض ... ضربت ذِرَاع بكري فاشتويت) (أمشّي فِي سراة بني غطيف ... إِذا مَا سامني ضيم أَبيت) (أرجّل لمّتي وَأجر ذيلي ... وَتحمل بزتي أفق كميت) (وَبَيت لَيْسَ من شعر وصوف ... على ظهر المطيّة قد بنيت) (أَلا رجلا جزاه الله خيرا ... يدلّ على محصّلة تبيت) (ترجّل لمّتي وتقمّ بَيْتِي ... وأعطيها الإتاوة إِن رضيت) وَالْبَيْت الأول من شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ نسبه إِلَى عَمْرو بن قعاس وَأوردهُ فِي بَاب النداء. قَالَ الأعلم: الشَّاهِد فِيهِ رفع الْبَيْت لِأَنَّهُ قَصده بِعَيْنِه وَلم يصفه بالمجرور بعده فينصبه لِأَنَّهُ أَرَادَ: لي بالعلياء بَيت وَلَكِنِّي أوثرك عَلَيْهِ لمحبتي فِي أهلك. وَقَوله: كَأَنِّي كل ذنبهم أتيت قَالَ الْمَازِني: مَعْنَاهُ: كَأَنِّي جنيت كل ذَنْب أَتَاهُ إِلَيْهِم آتٍ. وَقَوله: فاستميت. أَي: عَلَوْت عَن سَماع عذلهن وَهُوَ افتعلت من السموّ أَي: أَنا أَعلَى من أَن ألام على شَيْء وَهل من رَاشد لي إِن غويت. واللَّحْم الْغَرِيض: الطري. والْبكر: بِالْفَتْح. والرّقّ بِكَسْر الرَّاء الْمُهْملَة. يصف نَفسه بالعفة ورقة الْقلب. وامشي بِالتَّشْدِيدِ: لُغَة فِي أَمْشِي بِالتَّخْفِيفِ. وغطيف بِالتَّصْغِيرِ جده الْأَعْلَى. والبزة قَالَ فِي الْمِصْبَاح: يُقَال فِي السِّلَاح بزَّة بِالْكَسْرِ مَعَ الْهَاء وبز بِالْفَتْح مَعَ حذفهَا. وَرُوِيَ بدله: وَتحمل شكّتي بِكَسْر الشين وَهِي السِّلَاح أَيْضا. وأفق بِضَمَّتَيْنِ: الْفرس الرائع للْأُنْثَى وَالذكر كَذَا فِي الْعباب. وَأنْشد هَذَا الْبَيْت. والكميت من

الْخَيل: بَين الْأسود والأحمر وَقَالَ أَبُو عبيد: وَيفرق بَينه وَبَين الْأَشْقَر بِالْعرْفِ والذنب. فَإِن كَانَا أحمرين فَهُوَ أشقر وَإِن كَانَا أسودين فَهُوَ الْكُمَيْت وَقَوله:) (قوم يبيت على الحشايا غَيرهم ... ومبيتهم فَوق الْجِيَاد الضمّر) والحشايا: جمع حشيّة وَهِي الْفراش. وَقَوله: يدل على محصلة تبيت المحصلة بِكَسْر الصَّاد قَالَ الْجَوْهَرِي وَابْن فَارس وتبعهما قَول الْعباب والقاموس وَغَيرهَا هِيَ الْمَرْأَة الَّتِي تحصل تُرَاب الْمَعْدن وانشدوا هَذَا الْبَيْت. قَالَ بن فَارس وأصل التَّحْصِيل اسْتِخْرَاج الذَّهَب من حجر الْمَعْدن وفاعلة المحصل وَهَذَا كَمَا ترى رَكِيك وَالظَّاهِر مَا قَالَه الْأَزْهَرِي فِي التَّهْذِيب فَإِنَّهُ أنْشد هَذَا الْبَيْت وَمَا بعده قَالَ: هما لأعرابي أَرَادَ أَن يتَزَوَّج امْرَأَة بمتعة فصاده مَفْتُوحَة. بمتعة. فصاده مَفْتُوحَة. وَأنْشد الْأَخْفَش هَذَا الْبَيْت فِي كتاب المعاياة وَقَالَ: قَوْله محصلة مَوضِع يجمع النَّاس أَي: يحصلهم. وتبيت: فعل نَاقص مضارع بَات اسْمهَا ضمير المحصلة وَجُمْلَة ترجل لمّتي فِي مَحل نصب خَبَرهَا. وَفِيه الْعَيْب الْمُسَمّى بالتضمين وَهُوَ توقف الْبَيْت على بَيت آخر وخرّجه بَعضهم على أَنه بِضَم أَوله من أبات أَي: تجْعَل لي بَيْتا أَي: امْرَأَة بِنِكَاح وَعَلِيهِ فَلَا تضمين لكني لم أجد أبات بِهَذَا الْمَعْنى فِي كتب اللُّغَة. وَزعم الأعلم أَنه فعل تَامّ فَقَالَ: طلبَهَا للمبيت إِمَّا

للتحصيل أَو الْفَاحِشَة. وروى بَعضهم: تبيث بِالْمُثَلثَةِ وَقَالَ: الْعَرَب تَقول: بثت بالشَّيْء بوثاً وبثته بيثاً: إِذا استخرجته. أَرَادَ امْرَأَة تعينه على اسْتِخْرَاج الذَّهَب من تُرَاب الْمَعْدن. وَهَذَا غَفلَة عَمَّا قبله وَمَا بعده. والترجيل: التسريح وَإِصْلَاح الشّعْر واللمة بِالْكَسْرِ: الشّعْر الَّذِي يُجَاوز شحمة الْأذن. وقم الْبَيْت قماً من بَاب قتل: كنسه. والإتاوة قَالَ فِي الْمِصْبَاح: وأتوته آتوه إتاوة بِالْكَسْرِ: رشوته. وَعَمْرو بن قعاس بِكَسْر الْقَاف بعْدهَا عين قَالَ الصَّاغَانِي فِي الْعباب: وَيُقَال ابْن قنعاس أَيْضا. أَي: بِزِيَادَة نون بَينهمَا. وَهَذِه نسبته من جمهرة ابْن الْكَلْبِيّ: عَمْرو بن قعاس بن عبد يَغُوث بن مخدش ابْن عصر بِالتَّحْرِيكِ ابْن غنم بِفَتْح بِسُكُون ابْن مَالك بن عَوْف بن مُنَبّه بن غطيف بن عبد الله بن) نَاجِية بن مَالك بن مُرَاد الْمرَادِي الْمذْحِجِي. وَمن ولد عَمْرو ابْن قعاس هَانِئ بن عُرْوَة بن نمران بن عَمْرو بن قعاس قَتله عبيد الله بن زِيَاد مَعَ مُسلم بن عقيل بن أبي طَالب وصلبهما. وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد الرَّابِع وَالسِّتُّونَ بعد الْمِائَة (تَعدونَ عقر النيب أفضل مجدكم ... بني ضوطرى لَوْلَا الكمي المقنعا)

. على أَن الْفِعْل قد حذف بعد لَوْلَا بِدُونِ مُفَسّر. أَي: لَوْلَا تَعدونَ. قَالَ الْمبرد فِي الْكَامِل: لَوْلَا هَذِه لَا يَليهَا إِلَّا الْفِعْل لِأَنَّهَا لِلْأَمْرِ والتحضيض مظْهرا أَو مضمراً كَمَا قَالَ: تَعدونَ عقر النيب الْبَيْت أَي: هلا تَعدونَ الكمي المقنعا. وَمثله قدر ابْن الشجري فِي أَمَالِيهِ وَقَالَ: أَرَادَ لَوْلَا تَعدونَ الكمي أَي: لَيْسَ فِيكُم كمي فتعدوه. وَكَذَلِكَ قدره أَبُو عَليّ فِي إِيضَاح الشّعْر فِي بَاب الْحُرُوف الَّتِي يحذف بعْدهَا الْفِعْل وَغَيره وَقَالَ: فالناصب للكمي هُوَ الْفِعْل المُرَاد بعد لَوْلَا وَتَقْدِيره: لَوْلَا تلقونَ الكمي أَو تبارزون أَو نَحْو ذَلِك إِلَّا أَن الْفِعْل حذف بعْدهَا لدلالتها عَلَيْهِ. فَكل هَؤُلَاءِ كالشارح جعل لَوْلَا تحضيضية وَقدر الْمُضَارع لِأَنَّهَا مُخْتَصَّة بِهِ. وَخَالفهُم ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي فَجَعلهَا للتوبيخ والتنديم وتختص بالماضي وَقَالَ: الْفِعْل مُضْمر أَي: لَوْلَا عددتم. وَقَول النَّحْوِيين: لَوْلَا تَعدونَ مَرْدُود إِذْ لم يرد أَن يحضهم على أَن يعدوا فِي الْمُسْتَقْبل بل المُرَاد توبيخهم على ترك عده فِي الْمَاضِي. وَإِنَّمَا قَالَ تَعدونَ على حِكَايَة الْحَال فَإِن كَانَ مُرَاد النَّحْوِيين مثل ذَلِك فَحسن. وتعدون اخْتلف فِي تعديته إِلَى مفعولين: قَالَ ابْن هِشَام فِي شرح الشواهد: اخْتلف فِي تعدِي عد. بِمَعْنى اعْتقد إِلَى مفعولين فَمَنعه قوم وَزَعَمُوا فِي قَوْله: ...

(لَا أعد الإقتار عدماً وَلَكِن ... فقد من قد رزيته الإعدام) أَن عدماً حَال. وَلَيْسَ الْمَعْنى عَلَيْهِ. وأثبته آخَرُونَ مستدلين بقوله: (فَلَا تعدد الْمولى شريكك فِي الْغنى ... ولكنما الْمولى شريكك فِي الْعَدَم)) وَقَوله: تَعدونَ عقر النيب الخ. هـ وَجه الِاسْتِدْلَال فِي الْبَيْت الأول أَن قَوْله شريكك. وَفِي الْبَيْت الثَّانِي أَن قَوْله أفضل مجدكم معرفتان لَا يجوز نصبهما على الحالية لِأَنَّهَا وَاجِبَة التنكير. وَقَوله: الكمي المقنعا مَنْصُوب على أَنه الْمَفْعُول الأول لتعدون الْمَحْذُوف بِتَقْدِير مُضَاف وَالْمَفْعُول الثَّانِي مَحْذُوف أَي: لَوْلَا تَعدونَ عقر الكمي أفضل مجدكم. وَلَا يجوز أَن يكون من الْعد بِمَعْنى الْحساب قَالَ اللَّخْمِيّ فِي شرح أَبْيَات الْجمل وَأما عد من الْعدَد وَهُوَ إحصاء الشَّيْء فيتعدى لمفعولين أَحدهمَا بِحرف الْجَرّ. وَقد يحذف تَقول: عددتك المَال وعددت لَك المَال. هـ. فَهُوَ مُتَعَدٍّ بِاللَّامِ وَتَقْدِير من لَا يَسْتَقِيم. وَقدر بَعضهم من حُرُوف الْجَرّ من وَقَالَ: هلا تَعدونَ ذَلِك من أفضل مجدكم. نَقله ابْن الْمُسْتَوْفى فِي شرح أَبْيَات الْمفصل. وَفِيه نظر. وَذكر أَيْضا وُجُوهًا أخر: مِنْهَا أَن أفضل مجدكم بدل من عقر النيب. وَفِيه أَن هَذَا لَيْسَ بدل اشْتِمَال وَلَا بدل بعض لعدم الضَّمِير وَلَا بدل كل لِأَنَّهُ غَيره وَلَا بدل غلط لِأَنَّهُ لم يَقع فِي الشّعْر. ومِنْهَا أَنه مَنْصُوب على الْمصدر بِتَقْدِير مُضَاف أَي: تَعدونَ عقر النيب عد أفضل مجدكم. ومِنْهَا أَنه نعت أَو عطف بَيَان.

والْعقر: مصدر عقر النَّاقة بِالسَّيْفِ من بَاب ضرب: إِذا ضرب قَوَائِمهَا بِهِ. قَالَ فِي الْمِصْبَاح: لَا يُطلق الْعقر فِي غير القوائم وَرُبمَا قيل: عقر الْبَعِير: إِذا نَحره. والنيب: جمع نَاب وَهِي النَّاقة المسنة. والْمجد: الْعِزّ والشرف. وبني ضوطرى: منادى بإضمار يَا قَالَ ابْن الأثيرفي المرصع: بَنو ضوطرى وَيُقَال فِيهِ: أَبُو ضوطرى: هُوَ ذمّ وَسَب. وَأنْشد هَذَا الْبَيْت وَقَالَ: وضوطرى هُوَ الرجل الضخم اللَّئِيم الَّذِي لَا غناء عِنْده وَكَذَلِكَ الضوطر والضيطر. وَمثله فِي سفر السَّعَادَة وَزَاد ضيطاراً وَقَالَ: وَجمع ضيطار ضياطرة. وَقَالَ حَمْزَة بن الْحُسَيْن: الْعَرَب تَقول: يَا ابْن ضوطر أَي: يَا ابْن الْأمة. وَقَالَ اللَّخْمِيّ: الضوطر: الْمَرْأَة الحمقاء. والكمي: الشجاع المتكمي فِي سلاحه لِأَنَّهُ كمى نَفسه أَي: سترهَا بالدرع والبيضة كَذَا فِي الصِّحَاح. والْمقنع بِصِيغَة اسْم الْمَفْعُول الَّذِي على رَأسه الْبَيْضَة والمغفر. حَاصِل الْمَعْنى: أَنكُمْ تَعدونَ عقر الْإِبِل المسنة الَّتِي لَا ينْتَفع بهَا وَلَا يُرْجَى نسلها أفضل مجدكم) هلا تَعدونَ قتل الشجعان أفضل مجدكم وَهَذَا تَعْرِيض بجبنهم وضعفهم عَن مقارعة الشجعان ومنازلة الأقران. وَهَذَا الْبَيْت من قصيدة لجرير يهجو بهَا الفرزدق. وقَضِيَّة عقر الْإِبِل مَشْهُورَة فِي التواريخ محصلها أَنه أصَاب أهل الْكُوفَة مجاعَة فَخرج أَكثر النَّاس إِلَى الْبَوَادِي وَكَانَ غَالب أَبُو الفرزدق رَئِيس قومه (وَكَانَ سحيم بن وثيل الريَاحي رَئِيس قومه) فَاجْتمعُوا فِي أَطْرَاف السماوة من بِلَاد كلب على مسيرَة يَوْم من الْكُوفَة فعقر غَالب لأَهله نَاقَة صنع مِنْهَا طَعَاما وَأهْدى إِلَى قوم من تَمِيم جفاناً وَأهْدى إِلَى سحيم جَفْنَة فكفاها وَضرب الَّذِي أَتَى بهَا وَقَالَ: أَنا مفتقر إِلَى طَعَام غَالب وَنحر سعيم لأَهله فَلَمَّا كَانَ من الْغَد نحر غَالب لأَهله ناقتين وَنحر سحيم ناقتين وَفِي الْيَوْم الثَّالِث نحر غَالب ثَلَاثًا فَنحر

سحيم ثَلَاثًا فَلَمَّا كَانَ الْيَوْم الرَّابِع نحر غَالب مائَة نَاقَة وَلم يكن لسحيم هَذَا الْقدر فَلم يعقر شَيْئا وَلما انْقَضتْ المجاعة وَدخل النَّاس الْكُوفَة قَالَ بَنو ريَاح لسحيم جررت علينا عَار الدَّهْر هلاّ نحرت مثل مَا نحر غَالب وَكُنَّا نعطيك مَكَان كل نَاقَة ناقتين فَاعْتَذر أَن إبِله كَانَت غَائِبَة وَنحر نَحْو ثَلَاثمِائَة نَاقَة. وَكَانَ فِي خلَافَة عَليّ بن أبي طَالب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه فَمنع النَّاس من أكلهَا وَقَالَ: إِنَّهَا مِمَّا أهل لغير الله بِهِ وَلم يكن الْغَرَض مِنْهُ إِلَّا الْمُفَاخَرَة والمباهاة فَجمعت لحومها على كناسَة الْكُوفَة فَأكلهَا الْكلاب والعقبان والرخم. وَقد أورد القالي هَذِه الْحِكَايَة فِي ذيل أَمَالِيهِ بأبسط مِمَّا ذَكرْنَاهُ وَأورد مَا قيل فِيهَا من الْأَشْعَار وَمَا مدح بِهِ غَالب وهجي بِهِ سحيم. تَتِمَّة بَيت الشَّاهِد نسبه ابْن الشجري فِي أَمَالِيهِ للأشهب بن رميلة. وَكَذَا غَيره. وَالصَّحِيح أَنه من قصيدة لجرير لَا خلاف بَين الروَاة أَنَّهَا لَهُ. وَهِي جَوَاب عَن قصيدة تقدّمت للفرزدق على قافيتها. وَكَانَ الفرزدق تزوج حدراء الشيبانية وَكَانَ أَبوهَا نَصْرَانِيّا وَهِي من ولد بسطَام بن قيس وَمَاتَتْ قبل أَن يصل إِلَيْهَا الفرزدق وَقد سَاق إِلَيْهَا الْمهْر فَترك الْمهْر لأَهْلهَا وَانْصَرف. (يَقُولُونَ زر حدراء والترب دونهَا ... وَكَيف بِشَيْء وَصله قد تقطعا) (يَقُول ابْن خِنْزِير: بَكَيْت وَلم تكن ... على امْرَأَة عَيْني إخال لتدمعا) ...

(وأهون رزء لمرىء غير عَاجز ... رزية مرتج الروادف أفرعا)) (وَمَا مَاتَ عِنْد ابْن المراغة مثلهَا ... وَلَا تَبعته ظَاعِنًا حَيْثُ دعدعا) فَأَجَابَهُ جرير بقصيدة طَوِيلَة مِنْهَا: (وحدراء لَو لم ينجها الله برزت ... إِلَى شَرّ ذِي حرث دمالاً ومزرعا) (وَقد كَانَ رجساً طهرت من جمَاعه ... وآب إِلَى شَرّ الْمضَاجِع مضجعا) ثمَّ قَالَ: (تَعدونَ عقر النيب أفضل سعيكم ... بني ضوطرى هلاّ الكمي المقنعا) (وَقد علم الأقوام أَن سُيُوفنَا ... عجمن حَدِيد الْبيض حَتَّى تصدعا) (أَلا رب جَبَّار عَلَيْهِ مهابة ... سقيناه كأس الْمَوْت حَتَّى تضلعا) والقصيدتان مسطورتان أَيْضا فِي مُنْتَهى الطّلب من أشعار الْعَرَب. وترجمة جرير تقدّمت فِي الشَّاهِد الرَّابِع من أَوَائِل الْكتاب. وَتَقَدَّمت تَرْجَمَة سحيم بن وثيل أَيْضا فِي الشَّاهِد الثَّامِن وَالثَّلَاثِينَ. وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد الْخَامِس وَالسِّتُّونَ بعد الْمِائَة (ونبّئت ليلى أرْسلت بشفاعة ... إِلَيّ فَهَلا نفس ليلى شفيعها) على أَن الْجُمْلَة الاسمية قد وَقعت فِيهِ بعد أَدَاة التحضيض شذوذاً.

هَذَا الْبَيْت أوردهُ أَبُو تَمام فِي أول بَاب النسيب من الحماسة مَعَ بَيت ثَان وَهُوَ: (أكْرم من ليلى عليّ فتبتغي ... بِهِ الجاه أم كنت امْرَءًا لَا أطيعها) قَالَ ابْن جني فِي إِعْرَاب الحماسة: هلاّ من حُرُوف التحضيض وبابه الْفِعْل إِلَّا أَنه فِي هَذَا الْموضع اسْتعْمل الْجُمْلَة المركبة من الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر فِي مَوضِع المركبة من الْفِعْل وَالْفَاعِل وَهَذَا فِي نَحْو هَذَا الْموضع عَزِيز جدا وَكَذَا قَالَ شرّاح الحماسة. وخرجه ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي على إِضْمَار كَانَ الشأنية أَي: فَهَلا كَانَ هُوَ أَي: الشَّأْن. ثمَّ قَالَ: التَّقْدِير فَهَلا شفعت نفس ليلى لِأَن الْإِضْمَار من جنس الْمَذْكُور أَقيس. وشفيعها على هَذَا خبر لمَحْذُوف أَي: هِيَ شفيعها. وَنسب أَبُو حَيَّان الْوَجْه الأول لأبي بكر بن طَاهِر وَنسب الْوَجْه الثَّانِي إِلَى الْبَصرِيين. ونبىء يتَعَدَّى لثَلَاثَة مفاعيل الْمَفْعُول الأول التَّاء وَهِي نَائِب الْفَاعِل وليلى الْمَفْعُول الثَّانِي وَجُمْلَة أرْسلت فِي مَوضِع الْمَفْعُول الثَّالِث. وَقَوله: بشفاعة أَي: بِذِي شَفَاعَة فالمضاف) مَحْذُوف أَي: شَفِيعًا. يَقُول: خبرت أَن ليلى أرْسلت إِلَيّ ذَا شَفَاعَة تطلب بِهِ جاهاً عِنْدِي هلا جعلت نَفسهَا شفيعها. وَقَوله: أأكرم من ليلى الخ الِاسْتِفْهَام إِنْكَار وتقريع. أنكر مِنْهَا استعانتها عَلَيْهَا بِالْغَيْر. وَقَوله: فتبتغي مَنْصُوب فِي جَوَاب الِاسْتِفْهَام لكنه سكنه ضَرُورَة. وأم مُتَّصِلَة كَأَنَّهُ قَالَ: أيّ هذَيْن توهمت (أطلب) إِنْسَان أكْرم عَليّ مِنْهَا أم اتهامها لطاعتي لَهَا وَخبر أكْرم عَليّ مَحْذُوف وَالتَّقْدِير (أأكرم من ليلى مَوْجُود فِي الدُّنْيَا) . وَقد أورد ابْن هِشَام هَذَا الْبَيْت فِي الْبَاب الْخَامِس من الْمُغنِي شَاهدا على اشْتِرَاط الصّفة لما وطّىء بِهِ من خبر

أَو صفة أَو حَال. وَفِي الأمالي ابْن الشجري: فِي الْبَيْت إِعَادَة الضَّمِير من أطيعها ضمير مُتَكَلم وفَاقا لَكُنْت وَلم يعد ضمير غَائِب وفَاقا لامرىء على حد (قَوْله تَعَالَى:) بل أَنْتُم قوم تجهلون. والبيتان نسبهما ابْن جنّي فِي إِعْرَاب الحماسة للصّمّة بن عبد الله الْقشيرِي. قَالَ أَبُو رياش فِي شرح الحماسة: وَكَانَ من خبر هذَيْن الْبَيْتَيْنِ أَن الصّمّة بن عبد الله كَانَ يهوى ابْنة عَمه تسمى ريّا فَخَطَبَهَا إِلَى عَمه فَزَوجهُ على خمسين من الْإِبِل فجَاء إِلَى أَبِيه فَسَأَلَهُ فساق عَنهُ تسعا وَأَرْبَعين فَقَالَ: أكملها فَقَالَ: هُوَ عمك وَمَا يناظرك فِي نَاقَة (نَاقِصَة) فجَاء إِلَى عَمه بهَا فَقَالَ: وَالله لَا أقبلها إِلَّا كلهَا. فلجّ عَمه ولجّ أَبوهُ فَقَالَ: وَالله مَا رَأَيْت ألأم مِنْكُمَا وَأَنا ألأم مِنْكُمَا إِن أَقمت مَعَكُمَا فَرَحل إِلَى الشَّام فلقي الْخَلِيفَة فَكَلمهُ فأعجب بِهِ وَفرض لَهُ وألحقه بالفرسان. فَكَانَ يتشوق إِلَى نجد وَقَالَ هَذَا الشّعْر. هـ. والصمّة كَمَا فِي جمهرة الْأَنْسَاب هُوَ الصمَّة بن عبد الله بن الْحَارِث بن قُرَّة بن هُبَيْرَة. كَانَ شريفاً شَاعِرًا ناسكاً عابداً وقرة بن هُبَيْرَة وَفد على رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فَأكْرمه وكساه وَاسْتَعْملهُ على صدقَات قومه وَيَنْتَهِي نسبه إِلَى قُشَيْر بن كَعْب بن ربيعَة بن عَامر بن صعصعة بن مُعَاوِيَة بن بكر بن هوَازن بن مَنْصُور بن عِكْرِمَة بن خصفة بن قيس بن عيلان بن مُضر. تَتِمَّة نسب الْعَيْنِيّ الْبَيْت الشَّاهِد إِلَى قيس بن الملوح. قَالَ: وَيُقَال: قائلة ابْن الدّمينة.

(باب التحذير)

وَنسبه ابْن خلكان فِي وفيات الْأَعْيَان على مَا اسْتَقر تَصْحِيحه فِي آخر نُسْخَة مِنْهَا) لإِبْرَاهِيم بن الصولي وَأَن أَبَا تَمام أوردهُ فِي بَاب النسيب من الحماسة. وَذكر أَن وَفَاة إِبْرَاهِيم بن الصولي فِي سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ ووفاة أبي تَمام فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ. وَالله أعلم. 3 - (بَاب التحذير) أنْشد فِيهِ وَهُوَ الشَّاهِد السَّادِس وَالسِّتُّونَ بعد الْمِائَة) وَهُوَ من شَوَاهِد س: (فإياك إياك المراء فَإِنَّهُ ... إِلَى الشَّرّ دُعَاء وللشر جالب) على أَن حذف الْوَاو شَاذ. قَالَ س: اعْلَم أَنه لَا يجوز أَن تَقول إياك زيدا كَمَا أَنه لَا يجوز أَن تَقول رَأسك الْجِدَار وَكَذَلِكَ إياك أَن تفعل إِذا أردْت إياك وَالْفِعْل فَإِذا قلت إياك أَن تفعل تُرِيدُ إياك أعظ مَخَافَة أَن تفعل أَو من أجل أَن تفعل جَازَ. يَعْنِي أَن تقع بعد إياك على وَجْهَيْن

أَحدهمَا أَن تجْعَل مصدرا هُوَ مَعْقُول بِهِ كَمَا تَقول إياك وزيداً وَأَصله أَن تَقول إياك وَأَن تفعل كَمَا قَالَت إياك وزيداً وَلَكنهُمْ حذفوا الْوَاو لطول الْكَلَام. ويقدّر أَيْضا إياك من أَن تفعل إِذا حذرته الْفِعْل. وَالْوَجْه الآخر: أَن تجْعَل أَن تفعل مَفْعُولا لَهُ وَهَذَا لَا يحْتَاج إِلَى حرف عطف وَيجوز أَن يَقع الْمصدر موقعه فَإِذا وَقع أَن وَالْفِعْل بِمَنْزِلَة الْمَفْعُول ثمَّ أوقعت الْمصدر موقعه لم يَك بدّ من إِدْخَال الْوَاو عَلَيْهِ كَمَا تدخل على غَيره من المفعولات. ثمَّ قَالَ سِيبَوَيْهٍ: إِلَّا أَنهم زَعَمُوا أَن ابْن أبي إِسْحَاق أجَاز هَذَا الْبَيْت وَهُوَ قَوْله. فإياك إياك المراء. . الخ. وَالشَّاهِد فِيهِ أَنه أَتَى بالمراء وَهُوَ مفعول بِهِ بِغَيْر حرف عطف. وَعند سِيبَوَيْهٍ أَن نصب المراء بإضمار فعل لِأَنَّهُ لم يعْطف على إياك. وسيبويه وَابْن أبي اسحاق ينصبه ويجعله كَأَن وَالْفِعْل وينصبه بِالْفِعْلِ الَّذِي نصب إياك يقدر فِيهِ: اتَّقِ المراء كَمَا يقدر فعلا آخر ينصب إياك. وَقَالَ الْمَازِني: لما كرر إياك مرَّتَيْنِ كَانَ أَحدهمَا عوضا من الْوَاو. وَعند الْمبرد: المراء بِتَقْدِير أَن تُمَارِي كَمَا تَقول: إياك أَن تُمَارِي: أَي مَخَافَة أَن تُمَارِي. وَهَذَا الْبَيْت نسبه أَبُو بكر مُحَمَّد التاريخي فِي طَبَقَات النُّحَاة وَكَذَلِكَ ابْن بري فِي حَوَاشِيه) على درة الغواص الحريرية وَكَذَلِكَ تِلْمِيذه ابْن خلف فِي شرح شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ للفضل بن عبد الرَّحْمَن الْقرشِي يَقُوله لِابْنِهِ الْقَاسِم بن الْفضل. قَالَ ابْن بري: وَقبل هَذَا الْبَيْت: ...

(من ذَا الَّذِي يَرْجُو الأباعد نَفعه ... إِذا هُوَ لم تصلح عَلَيْهِ الْأَقَارِب) والأباعد: فَاعل يَرْجُو. يُرِيد: كَيفَ يَرْجُو الْأَجَانِب نفع رجل أَقَاربه محرومون مِنْهُ. والمراء: مصدر ماريته أماريه مماراة ومراء. أَي: جادلته. وَيُقَال ماريته أَيْضا: إِذا طعنت فِي قَوْله تزييفاً لِلْقَوْلِ وتصغيراً للقائل. وَلَا يكون المراء إِلَّا اعتراضاً بِخِلَاف الْجِدَال: فَإِنَّهُ يكون ابْتِدَاء واعتراضاً. والجدال مصدر جادل: إِذا خَاصم بِمَا يشغل عَن ظُهُور الْحق ووضوح الصَّوَاب. كَذَا فِي الْمِصْبَاح. وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد السَّابِع وَالسِّتُّونَ بعد الْمِائَة وَهُوَ من شَوَاهِد س: (أَخَاك أَخَاك إِن من لَا أَخا لَهُ ... كساع إِلَى الهيجا بِغَيْر سلَاح) على أَن أَخَاك مَنْصُوب على الإغراء وَهُوَ مُكَرر. يُرِيد: الزم أَخَاك غير أَن هَذَا مِمَّا لَا يحسن فِيهِ إِظْهَار الْفِعْل عنذ التكرير وَيحسن إِذا لم يُكَرر لأَنهم. إِذا كرروا وَجعلُوا أحد الاسمين كالفعل وَالِاسْم الآخر كالمفعول وَكَأَنَّهُم جعلُوا أَخَاك الأول بِمَنْزِلَة الزم فَلم يحسن أَن تدخل الزم على مَا قد جعل بِمَنْزِلَة الزم. وَجُمْلَة إِن من لَا أَخا لَهُ الخ اسْتِئْنَاف بياني. وأكد لِأَنَّهُ جَوَاب عَن السَّبَب الْخَاص. ومن: نكرَة مَوْصُوفَة بِالْجُمْلَةِ بعْدهَا وَقيل: مَوْصُولَة.

ولَا: نَافِيَة للْجِنْس وأَخا: اسْمهَا وَاللَّام مقحمة بَين المتضايفين نَحْو قَوْلهم: يَا بؤس للحرب وَالْخَبَر مَحْذُوف أَي: مَوْجُود وَنَحْوه. قَالَ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي: وَمن ذَلِك قَوْلهم: لَا أَبَا لزيد وَلَا أَخا لَهُ وَلَا غلامى لَهُ على قَول سِيبَوَيْهٍ: إِن اسْم لَا مُضَاف لما بعد اللَّام. وَأما على قَول من جعل اللَّام وَمَا بعْدهَا صفة وَجعل الِاسْم مشبهاً بالمضاف لِأَن الصّفة من تَمام الْمَوْصُوف وعَلى قَول من جَعلهمَا خَبرا وَجعل أَبَا وأخا على لُغَة من قَالَ: إِن أَبَاهَا وَأَبا أَبَاهَا وَجعل حذف النُّون على وَجه الشذوذ فَاللَّام للاختصاص وَهِي مُتَعَلقَة باستقرار مَحْذُوف. هـ.) وَقَوله: كساع إِلَى الهيجا الخ خبر إِن. يَقُول: استكثر من الإخوان فهم عدَّة تستظهر بهَا على الزَّمَان كَمَا قَالَ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: الْمَرْء كثير بأَخيه. وَجعل من لَا أَخا لَهُ يستظهر بِهِ كمن قَاتل عدوه وَلَا سلَاح مَعَه. وَقد صدق فَإِن من قطع أَخَاهُ وصرمه كَانَ بِمَنْزِلَة من قَاتل بِغَيْر سلَاح. وَقد أورد هَذَا الْبَيْت أَبُو عبيد الْقَاسِم بن سلاّم فِي أَمْثَاله وَقَالَ: هُوَ مثل فِي استغاثة الرجل بِأَهْل الثِّقَة. والهيجا: الْحَرْب تمد وتقصر. قَالَ ابْن خلف: وَهِي فعلاء أَو فعلى فَمن قصرهَا فَيكون الْمَحْذُوف مِنْهَا ألف الْمَدّ دون ألف التَّأْنِيث. وَإِنَّمَا كَانَ حذف ألف الْمَدّ أولى من حذف ألف التَّأْنِيث لوَجْهَيْنِ: أَحدهمَا أَن ألف التَّأْنِيث لِمَعْنى وَألف الْمَدّ لغير الْمَعْنى فَكَانَ حذف مَا لَيْسَ لِمَعْنى أولى مِمَّا جَاءَ لِمَعْنى. وَالثَّانِي: أَن جَمِيع مَا قصر مِمَّا همزته للتأنيث لَا ينْصَرف بعد الْقصر وَلَو كَانَ الْمَحْذُوف مِنْهُ همزَة التَّأْنِيث لانصرف الِاسْم لزوَال عَلامَة التَّأْنِيث كَمَا صرفت قريقر وحبيّر مصغري قرقرى وحبارى لزوَال عَلامَة التَّأْنِيث مِنْهُ. أَلا ترى قَوْله:

يَا رب هيجا هِيَ خير من دَعه قصره وَلم يصرفهُ وَالْقصر فِيهِ ضَرُورَة وَقيل: هُوَ لُغَة. وَلَو كَانَ الْمَحْذُوف مِنْهُ ألف التَّأْنِيث لقَالَ: يَا رب هيجاً هِيَ خير وَكَانَ ينون هيجا ويذكرها وَيَقُول هُوَ خير وَلَا يَقُول هِيَ خير. وَهَذَا الْبَيْت أول أَبْيَات لمسكين الدَّارمِيّ. وَبعده: (وَإِن ابْن عَم الْمَرْء فَاعْلَم جنَاحه ... وَهل ينْهض الْبَازِي بِغَيْر جنَاح) (وَمَا طَالب الْحَاجَات إِلَّا معذباً ... وَمَا نَالَ شَيْئا طَالب لنجاح) (لحا الله من بَاعَ الصّديق بِغَيْرِهِ ... وَمَا كل بيع بِعته برباح) (كمفسد أدناه ومصلح غَيره ... وَلم يأتمر فِي ذَاك غير صَلَاح) وَفِي الأغاني وَغَيره إِن مِسْكينا الدَّارمِيّ لما قدم على مُعَاوِيَة أنْشدهُ (إِلَيْك أَمِير الْمُؤمنِينَ رحلتها ... تثير القطا لَيْلًا وَهن هجود) (على الطَّائِر الميمون وَالْجد صاعد ... لكل أنَاس طَائِر وجدود)) وَسَأَلَهُ أَن يفْرض لَهُ فَأبى عَلَيْهِ وَكَانَ لَا يفْرض إِلَّا لليمن فَخرج من عِنْده وَهُوَ يَقُول: أَخَاك أَخَاك إِن من لَا أَخا لَهُ الأبيات وَلم يزل مُعَاوِيَة كَذَلِك حَتَّى كثرت الْيمن وعزّت قحطان وضعفت عدنان فَبلغ مُعَاوِيَة أَن رجلا من الْيمن قَالَ: هَمَمْت أَن لَا أحل حبوتي حَتَّى أخرج كل نزاريّ بِالشَّام. فرض من وقته لأربعة آلَاف رجل من قيس. فَقدم

لذَلِك على مُعَاوِيَة عُطَارِد بن حَاجِب فَقَالَ لَهُ: مَا فعل الْفَتى الدَّارمِيّ الصبيح الْوَجْه الفصيح اللِّسَان يَعْنِي مِسْكينا فَقَالَ: صَالح يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ قَالَ: أعلمهُ أَنِّي قد فرضت لَهُ فَلهُ شرف الْعَطاء وَهُوَ فِي بِلَاده فَإِن شَاءَ يُقيم بهَا أَو عندنَا فَلْيفْعَل فَإِن عطاءه سيأتيه وبشره بِأَنِّي قد فرضت لأربعة آلَاف من قومه. فَكَانَ مُعَاوِيَة يغزي الْيمن فِي الْبَحْر وتميماً فِي البرّ فَقَالَ النَّجَاشِيّ وَهُوَ شَاعِر الْيمن: (أَلا أَيهَا النَّاس الَّذين تجمعُوا ... بعكّا أنَاس أَنْتُم أم أباعر) (أيترك قيسا آمِنين بدارهم ... ونركب ظهر الْبَحْر وَالْبَحْر زاخر) (فو الله مَا أَدْرِي وَإِنِّي لسائل ... أهمدان تَحْمِي ضيمها أم يحابر) (أم الشّرف الْأَعْلَى من أَوْلَاد حمير ... بَنو مَالك أَن تستمرّ المرائر) فَرجع الْقَوْم جَمِيعًا عَن وجههم فَبلغ ذَلِك مُعَاوِيَة فسكّن مِنْهُم وَقَالَ: أَنا أغزيكم فِي الْبَحْر لِأَنَّهُ أرْفق من الْخَيل وَأَقل مُؤنَة وَأَنا أعاقبكم فِي الْبر وَالْبَحْر فَفعل ذَلِك

ومسكين الدَّارمِيّ اسْمه ربيعَة بن عَامر بن أنيس بن شُرَيْح بن عَمْرو بن عدي بن زيد بن عبد الله بن دارم بن مَالك بن حَنْظَلَة بن مَالك بن زيد مَنَاة بن تَمِيم. قَالَ الْكَلْبِيّ: كل عدس فِي الْعَرَب بِضَم الْعين وَفتح الدَّال إِلَّا عدس بن زيد هَذَا فَإِنَّهُ مضموم الدَّال. هَكَذَا فِي جمهرة النّسَب. ومسكين الدَّارمِيّ شَاعِر شُجَاع من أهل الْعرَاق ولقّب الْمِسْكِين لقَوْله: (أَنا مِسْكين لمن أنكرني ... وَلمن يعرفنِي جد نطق) وَلقَوْله: (وسمّيت مِسْكينا وَكَانَت لحَاجَة ... وَإِنِّي لمسكين إِلَى الله رَاغِب) وَهَذِه القصيدة من أحسن شعره:) (اتَّقِ الأحمق أَن تصحبه ... إِنَّمَا الأحمق كَالثَّوْبِ الْخلق) (كلما رقّعت مِنْهُ جانباً ... حرّكته الرّيح وَهنا فانخرق) (أَو كصدع فِي زجاج فَاحش ... هَل ترى صدع زجاج يتَّفق) (وَإِذا نهنهته كي يرعوي ... زَاد جهلا وَتَمَادَى فِي الْحمق) ...

(وَإِذا الْفَاحِش لَاقَى فَاحِشا ... فَهُنَا كم وَافق الشّنّ الطَّبَق) (إِنَّمَا الْفُحْش وَمن يعتاده ... كغراب السوء مَا شَاءَ نغق) (أَو حمَار السوء إِن أشبعته ... رمح النَّاس وَإِن جَاع نهق) (أَو غُلَام السوء إِن جوّعته ... سرق الْجَار وَإِن يشْبع فسق) أَو كغيرى رفعت من ذيلها ثمَّ أرخته ضراطاً فانمزق (أَيهَا السَّائِل عَمَّا قد مضى ... هَل جَدِيد مثل ملبوس خلق) (أَنا مِسْكين لمن أنكرني ... وَلمن يعرفنِي جد نطق) (لَا أبيع النَّاس عرضي إِنَّنِي ... لَو أبيع النَّاس عرضي لنفق) وَمن شعره يرثي ابْن سميّة: (رَأَيْت زِيَادَة الْإِسْلَام ولّت ... جهاراً حِين ودّعنا زِيَاد) وردّ عَلَيْهِ الفرزدق بقوله: (أمسكين أبكى الله عَيْنك إِنَّمَا ... جرى فِي ضلال دمعها إِذْ تحدرا) (بَكَيْت امْرأ من أهل ميسَان كَافِرًا ... ككسرى على عدّانه أَو كقيصرا) قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ فِي أَمْثَاله: بِهِ لَا بِظَبْيٍ مثل: أَي: جعل الله مَا أَصَابَهُ

لَازِما مؤثراً فِيهِ وَلَا كَانَ مثل الظبي فِي سَلَامَته مِنْهُ. يضْرب فِي الشماتة. وَأنْشد هَذَا الْبَيْت. ثمَّ رَأَيْت الميداني قَالَ: الأعفر: الْأَبْيَض. أَي: لتنزل بِهِ الْحَادِثَة لَا بِظَبْيٍ. يضْرب عِنْد الشماتة. قَالَ جرير حِين نعي إِلَيْهِ زِيَاد بن أَبِيه. . وَأنْشد هَذَا الْبَيْت وَقَالَ: وَمثله. بِهِ لَا بكلب نابح فِي السباسب وَمن شعر مِسْكين: (اصحب الأخيار وارغب فيهم ... ربّ من صحبته مثل الجرب) (واصدق النَّاس إِذا حدثتهم ... ودع الْكَذِب لمن شَاءَ كذب)) (ربّ مهزول سمين عرضه ... وسمين الْجِسْم مهزول الْحسب) وَمن شعره الْجيد مِمَّا أثْبته السَّيِّد المرتضى علم الْهدى فِي أَمَالِيهِ الدُّرَر وَالْغرر: (إِن أدع مِسْكينا فَمَا قصرت ... قدري بيُوت الْحَيّ والجدر) (مَا مسّ رحلي العنكبوت وَلَا ... جدياته من وَضعه غبر) (لَا آخذ الصّبيان ألثمهم ... وَالْأَمر قد يعزى بِهِ الْأَمر) (ولربّ أَمر قد تركت وَمَا ... بيني وَبَين لِقَائِه ستر) (مَا علتي قومِي بَنو عدس ... وهم الْمُلُوك وخالي الْبشر) ...

(عمّي زُرَارَة غير منتحل ... وَأبي الَّذِي حدثته عَمْرو) (فِي الْمجد غرّتنا مبيّنة ... للناظرين كَأَنَّهَا الْبَدْر) (لَا يرهب الْجِيرَان غدرتنا ... حَتَّى يواري ذكرنَا الْقَبْر) (لسنا كأقوام إِذا كلحت ... إِحْدَى السنين فجارهم تمر) (مَوْلَاهُم لحم على وَضم ... تنتابه العقبان والنسر) (نَارِي ونار الْجَار وَاحِدَة ... وَإِلَيْهِ قبلي تنزل الْقدر) (مَا ضرّ جاري أَن أجاوره ... أَن لَا يكون لبيته ستر) (أعشى إِذا مَا جارتي خرجت ... حَتَّى يواري جارتي الخدر) (ويصمّ عَمَّا كَانَ بَينهمَا ... سَمْعِي وَمَا بِي غَيره وقر) قَوْله: فَمَا قصرت قدري الخ أَي: سترت. يُرِيد: أَنَّهَا بارزة لَا يحجبها السواتر والحيطان. وَقَوله: مَا مس رحلي العنكبوت الخ هَذِه كِنَايَة مليحة عَن مُوَاصلَة السّير وهجر الوطن لِأَن العنكبوت إِنَّمَا ينسج على مَا لَا تناله الْأَيْدِي وَلَا يكثر اسْتِعْمَاله. والجديات: جمع جدية بِالسُّكُونِ وَهِي بَاطِن دفة الرحل. وَقَوله: لَا آخذ الصّبيان الخ يَقُول: لَا أقبّل الصَّبِي وَأَنا أُرِيد وَمثله لغيره: (وَلَا ألقِي لذِي الودعات سَوْطِي ... ألاعبه وربّته أُرِيد)

. وَأنْشد ابْن الْأَعرَابِي فِي مثله: (إِذا رَأَيْت صبي الْقَوْم يلثمه ... ضخم المناكب لَا عمّ وَلَا خَال) (فاحفظ صبيك مِنْهُ أَن يدنسه ... وَلَا يغرنك يَوْمًا قلَّة المَال)) وَقَوله: قاومت فِي كبد الخ الكبد: المزلة الَّتِي لَا تثبت فِيهَا الأرجل. والدهان: الْأَدِيم الْأَحْمَر. وَقَوله: فَكَانَ لي الْعذر إِنَّمَا يكون الْعذر إِذا كَانَ ثمَّ ظلم فَيَقُول: إِنَّمَا أقاوم وأخاصم مَظْلُوما متعدى عَلَيْهِ وَإِذا كَانَ كَذَلِك فَيجب الِاعْتِذَار على الظَّالِم وَيكون الْعذر لي كَقَوْلِه: (فَإِن كَانَ سحرًا فاعذريني على الْهوى ... وَإِن كَانَ دَاء غَيره فلك الْعذر) وَقَوله: فجارهم تمر أَي: يستحلى الْغدر بِهِ كَمَا يستحلى التَّمْر. وَقَوله: نَارِي ونار الْجَار وَاحِدَة يُقَال: إِنَّه كَانَت لَهُ امْرَأَة تماضّه فَلَمَّا قَالَ ذَلِك قَالَت لَهُ: أجل إِنَّمَا ناره ونارك وَاحِدَة لِأَنَّهُ أوقد وَلم توقد وَالْقدر تنزل إِلَيْهِ قبلك لِأَنَّهُ طبخ وَلم تطبخ وَأَنت تستطعمه. . وَقَوله: أَن لَا يكون لبيته ستر يُقَال: إِنَّهَا قَالَت لَهُ: أجل إِن كَانَ لَهُ ستر هتكته. وَقَوله: أعشى إِذا مَا جارتي خرجت اسْتشْهد بِهِ فِي التَّفْسِير عِنْد قِرَاءَة وَمن يَعش عَن ذكر الرَّحْمَن بِفَتْح الشين ولأجله أوردت هَذِه القصيدة فَإِن شرّاح شَوَاهِد التَّفْسِير اخْتلفُوا فِي هَذَا الْبَيْت: فبعضهم نسبه إِلَى حَاتِم الطائيّ وَبَعْضهمْ نسبه إِلَى غَيره. قَالَ صَاحب الْكَشَّاف: وَمن يَعش بِضَم الشين وَفتحهَا وَالْفرق بَينهمَا: أَنه إِذا حصلت الآفة فِي بَصَره قيل:

(باب المفعول فيه)

عشي وَإِذا نظر نظر الْعشي وَلَا آفَة بِهِ قيل: عشا. وَنَظِيره عرج لمن بِهِ الآفة وعرج لمن مَشى مشْيَة العرجان من غير عرج قَالَ الحطيئة: مَتى تأته تعشو إِلَى ضوء ناره أَي: تنظر إِلَيْهَا نظر الْعشي لما يضعف بَصرك من عظم الْوقُود واتساع الضَّوْء. وَهُوَ بَين فِي قَول حَاتِم: (أعشو إِذا مَا جارتي برزت ... حَتَّى يواري جارتي الخدر) وَقُرِئَ: يعشو. وَمعنى الْقِرَاءَة بِالْفَتْح: وَمن يعم عَن ذكر الرَّحْمَن وَهُوَ الْقُرْآن. وَأما الْقِرَاءَة بِالضَّمِّ فمعناها: وَمن يتعام عَن ذكره أَي: يعرف أَنه الْحق وَهُوَ يتجاهل ويتغابى. ا. هـ مُخْتَصرا. 3 - (بَاب الْمَفْعُول فِيهِ) أنْشد فِيهِ وَهُوَ الشَّاهِد الثَّامِن وَالسِّتُّونَ بعد الْمِائَة وَهُوَ من شَوَاهِد الْكَامِل (فَلَا يغنيكم قِنَا وعوارضها ... ولأقبلن الْخَيل لابه ضرغد) على أَن قِنَا وعوارضاً منصوبان على إِسْقَاط حرف الْجَرّ ضَرُورَة لِأَنَّهُمَا مكانان مختصان لَا ينتصبان انتصاب الظّرْف. وهما بِمَنْزِلَة ذهبت الشَّام فِي الشذوذ.

أوعد أعداءه بتتبعهم والإيقاع بهم حَيْثُ حلوا فِي الْمَوَاضِع المنيعة. وَمعنى لأبغينكم: لأطلبنكم. وَالْبَغي لَهُ مَعْنيانِ: أَحدهمَا الطّلب يُقَال: بغيت الضَّالة. فَهُوَ مُتَعَدٍّ إِلَى مفعول وَاحِد. وَالْآخر: الظُّلم والتعدي يتَعَدَّى بعلى يُقَال: بغى فلَان على فلَان. فَهُوَ فعل لَازم. وقناً قَالَ أَبُو عبيد الْبكْرِيّ فِي مُعْجم مَا استعجم هُوَ بِفَتْح الْقَاف وَبعده نون وَهُوَ اسْم مَقْصُور يكْتب بِالْألف لِأَنَّهُ يُقَال فِي تثنيته: قنوان هُوَ جبل فِي ديار بني ذبيان قَالَ النَّابِغَة: (فإمَّا تنكري نسبي فَإِنِّي ... من الصهب السبال بني ضباب) وَقَالَ أَبُو عَمْرو الشَّيْبَانِيّ: قِنَا بِبِلَاد بني مرّة وَقَالَ الشماخ: (تربّع من جَنْبي قِنَا فعوارض ... نتاج الثريّا نوءها غير مُخْدج) وينبئك أنّ قِنَا جبلان قَول الطرماح: (تحالف يشْكر واللؤم قدماً ... كَمَا جبلا قِنَا متحالفان) ولكونه اسْم جبلين يثنى فَيُقَال: قنوين قَالَ الشماخ: (كَأَنَّهَا وَقد وبدا عوارض ... وَاللَّيْل بَين قنوين رابض) بجلهة الْوَادي قطاً نواهض وَبِمَا ذكرنَا لَا يلْتَفت إِلَى قَول ابْن الْقُوطِيَّة كَمَا نَقله أَبُو حَيَّان

فِي تَذكرته: لَا أعرف قِنَا فِي الْأَمْكِنَة وَإِنَّمَا هُوَ قباً بِالْمُوَحَّدَةِ وَلَيْسَ قبا الْمَدِينَة وَلَا قبا بطرِيق مَكَّة هَذَانِ يذكّران ويؤنثان وَذَلِكَ يذكّر لَا غَيره وَمن ذكّره قصره وَصَرفه وَمن أنّثه مدّه وَلم يصرفهُ. اه. وَأَقُول: لم يذكر أحد مِمَّن ألف فِي الْمَقْصُور والممدود ان قِنَا يمدّ. وروى ابْن الْأَنْبَارِي فِي المفضّليات.) فلأنعينكم الملا وعوارضاً والملا بِالْفَتْح: من أَرض كلب. وأنعينكم: من النعي بالنُّون أَي: لأذكرن معايبكم وقبيح وروى الحرمازي: فلأبغينكم الملا من الْبَغي وَهُوَ الطّلب. وَلم يَقع فِي رِوَايَة ابْن الْأَنْبَارِي: قِنَا بدل الملا. وعوارض بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَكسر الرَّاء وَبعدهَا ضاد مُعْجمَة: جبل لبني أَسد وَقَالَ أَبُو رياش: هُوَ جبل فِي بِلَاد طَيئ وَعَلِيهِ قبر حَاتِم. وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح. كَذَا فِي مُعْجم مَا استعجم. واللابة: الْحرَّة بِالْفَتْح وَهِي أَرض ذَات حِجَارَة سود. وضرغد بِفَتْح الضَّاد والغين وَسُكُون الرَّاء قَالَ أَبُو عبيد الْبكْرِيّ: هِيَ أَرض لهذيل وَبني غاضرة وَبني عَامر بن صعصعة وَقيل: هِيَ حرَّة بِأَرْض غطفان من الْعَالِيَة وَقَالَ الْخَلِيل: ضرغد: اسْم جبل وَيُقَال: مَوضِع مَاء ونخل. اه. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد الْأَعرَابِي ضرغد من مياه بني مرّة. وَقَوله: ولأقبلن الْخَيل هَكَذَا رَوَاهُ سِيبَوَيْهٍ. وَفِيه قَولَانِ:

أَحدهمَا لأبي عَليّ الْفَارِسِي وَهُوَ أَنه فعل لَازم يتَعَدَّى بِحرف الْجَرّ وَالْأَصْل لأقبلن بِالْخَيْلِ إِلَى لابة ضرغد. كَذَا حَكَاهُ عَنهُ أَبُو الْبَقَاء فِي شرح الْإِيضَاح للفارسي وَابْن خلف فِي شرح أَبْيَات سِيبَوَيْهٍ والسخاوي فِي سفر السَّعَادَة قَالَ: لأنّ أقبل فعل غير مُتَعَدٍّ كَقَوْلِه تَعَالَى: فَأقبل بَعضهم على بعض وَتقول: أَقبلت بوجهي عَلَيْهِ فَأجَاز هُنَا حذف حرفي جر فِي فعل وَاحِد. وَهَذَا تعسف مَعَ أَنه منع حذف على من قَوْلهم: كررت على مسمعي وَهُوَ حرف وَاحِد. وَالْقَوْل الثَّانِي للعبدري شَارِح الْإِيضَاح وَهُوَ أَن أقبل هُنَا مُتَعَدٍّ بِمَعْنى جعل مُقَابلا وَلَيْسَ ضد أدبر. وَالْمعْنَى: لأجعلن الْخَيل تقَابل فَهُوَ مُتَعَدٍّ إِلَى مفعولين. وَهَذَا هُوَ الْمَعْرُوف فِي اللُّغَة فَإِن قبل بِدُونِ همزَة يتَعَدَّى إِلَى مفعول وَاحِد بِمَعْنى اسْتقْبل وَأَقْبل بِالْهَمْز يتَعَدَّى إِلَى مفعولين قَالَ أَبُو زيد فِي نوادره: قبلت الْمَاشِيَة الْوَادي تقبله قبولاً إِذا استقبلته وأقبلتها إِيَّاه. وَقَالَ صَاحب الصِّحَاح: وأقبلته الشَّيْء أَي: جعلته يَلِي قبالته وَأَقْبَلت الْإِبِل أَفْوَاه الْوَادي. وَحكى السخاوي فِي سفر السَّعَادَة عَن شَيْخه الإِمَام الشاطبي: أقبلته الرمْح: إِذا جعلته قبله. وَقَالَ أَبُو حَيَّان فِي تَذكرته: مَا نَقله أَبُو زيد نَقله الهجري أَيْضا فِي نوادره وَفِي الحَدِيث: أَن حَكِيم بن حزَام كَانَ يَشْتَرِي العير من الطَّعَام والإدام ثمَّ يقبلهَا الشّعب. وَأنْشد الشَّيْبَانِيّ:) (أكلفها هواجر حاميات ... وَأَقْبل وَجههَا الرّيح القبولا. هـ) وروى غير سِيبَوَيْهٍ مِنْهُم ابْن الْأَنْبَارِي فِي شرح المفضليات.

ولأهبطن الْخَيل لابت ضرغد قَالَ: وروى أَيْضا: ولأوردن الْخَيل. وَهَذَا الْبَيْت من قصيدة عدتهَا ثَلَاثَة عشر بَيْتا لعامر بن الطُّفَيْل العامري. قَالَ أَبُو مُحَمَّد الْأَعرَابِي: قَالَهَا عَامر يَوْم الرقم يَوْم هزمتهم بَنو مرّة ففرّ عَامر واختنق أَخُوهُ الحكم بن الطُّفَيْل. وَفِي ذَلِك الْيَوْم قتل عقبَة بن أنيس الْأَشْجَعِيّ مائَة وَخمسين رجلا من بني عَامر أدخلهم شعب الرقم فذبحهم. فَسُمي عقبَة ذَلِك الْيَوْم مذبحاً. والمخاطب بِشعر عَامر بَنو مرّة وفزارة. وقنا وعوارض: جبلان من بِلَاد بني فَزَارَة. . وأولها: (ولتسألن أَسمَاء وَهِي حفية ... نصحاءها: أطردت أم لم أطْرد) قَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: أَسمَاء بنت قدامَة بن سكين الْفَزارِيّ قَالَ أَبُو مُحَمَّد الْأَعرَابِي: كَانَ يهواها عَامر ويشبب بهَا فِي شعره وَكَانَ قد فجر بهَا. انْتهى. ونصحاء: جمع نصيح. وروى شَارِح ديوانه: فصحاءها بِالْفَاءِ قَالَ: هُوَ جمع فصيح. وطردت بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول والتكلم. (قَالُوا لَهَا: فَلَقَد طردنا خيله ... قلح الْكلاب وَكنت غير مطرد) قلح مَنْصُوب على الذَّم والقلح: صفرَة تعلو الْأَسْنَان شبه عَامر بني فَزَارَة بهَا. وَجُمْلَة وَكنت إِلَى آخِره حَال. (لاضير قد عركت بِمرَّة بركها ... وتركن أَشْجَع مثل خشب الْغَرْقَد) هَذَا الْبَيْت لم يروه الْمفضل فِي المفضليات وَلَا شرّاحها. قَالَ شَارِح الدِّيوَان: يُقَال للصدر: برك بِالْفَتْح وبركة بِالْكَسْرِ. وأَشْجَع: قَبيلَة. والْغَرْقَد: شجر.

فلأبغينكم قِنَا وعوارضاً هَذَا الْتِفَات من الْغَيْبَة إِلَى التَّكَلُّم. خَاطب بني فَزَارَة. (بِالْخَيْلِ تعثر فِي القصيد كَأَنَّهَا ... حدأ تتَابع فِي الطَّرِيق الأقصد) القصيد: كسر القنا جمع قصيدة. والحدأ كعنب: جمع حدأ كعنبة وَهِي طَائِر مَعْرُوف.) (فِي ناشىء من عَامر ومجرب ... مَاض إِذا سقط الْعَنَان من الْيَد) لم يرو هَذَا الْبَيْت أَيْضا صَاحب المفضليات. قَالَ شَارِح الدِّيوَان: الناشىء الْحَدث حِين نَشأ. وَقَول سقط الْعَنَان أَي لشدَّة الْجَهْر (ولأثأرن بِمَالك وبمالك ... وَأخي المرواة الَّذِي لم يسند) مَعْطُوف على قَوْله فَلَا يغنيكم يَقُول لأدركن بثأر مَالك وَمَالك أَي: لأقتلن بهما. والمروراة بِالْفَتْح: مَوضِع بِظهْر الْكُوفَة وَقَالَ الْبكْرِيّ فِي المعجم: هُوَ جبل لأشجع. وَقَوله: لم يسند أَي: لم يدْفن وَلَكِن ترك للسباع تَأْكُله. قَتِيل يرْوى بالحركات الثَّلَاث: بِالْجَرِّ عطفا على مَا قبله أَو الْوَاو للقسم وبالرفع على الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر أثأرن وَبِالنَّصبِ على أَنه مفعول لفعل مَحْذُوف يدل عَلَيْهِ أثأرن. وَلَيْسَ مفعول أثأرن الْمَذْكُور لِأَن الْفِعْل الْمُؤَكّد لَا يتَقَدَّم معموله عَلَيْهِ. ومرّة: قَبيلَة. وأثأرن توكيده يَأْتِي الْكَلَام عَلَيْهِ إِن شَاءَ الله تَعَالَى

فِي أدوات الْقسم وفرغ رُوِيَ بِكَسْر الْفَاء والغين الْمُعْجَمَة بِمَعْنى الهدر وَرُوِيَ بِفَتْحِهَا مَعَ الْعين الْمُهْملَة. أَرَادَ أَنه رَأس عَال فِي الشّرف. ولم يقْصد: لم يقتل يُقَال: أقصدت الرجل: إِذا قتلته. يَقُول: قَتِيل بن مرّة صَار دَمه هدرا فَلَا بُد من أَخذ ثَأْره مِنْهُم فَإِن أَخا بني مرّة لم يقتل إِلَى الْآن فَلَا بُد من قَتلهمْ وَأخذ الثأر مِنْهُم. وَبَقِيَّة الأبيات لَا حَاجَة لنا بهَا. وعَامر بن الطُّفَيْل هُوَ عَامر بن الطُّفَيْل بن مَالك بن جَعْفَر بن كلاب العامري. وَهُوَ ابْن عَم لبيد الصَّحَابِيّ. وكنية عَامر فِي الْحَرْب أَبُو عقيل وَفِي السّلم أَبُو عَليّ. وَكَانَت أُصِيبَت إِحْدَى عَيْنَيْهِ فِي بعض الحروب. قَالَ ابْن الْأَنْبَارِي فِي شرح المفضليات: كَانَ عَامر من أشهر فرسَان الْعَرَب بَأْسا ونجدة وأبعدها اسْما حَتَّى بلغ أَن قَيْصر كَانَ إِذا قدم عَلَيْهِ قادم من الْعَرَب قَالَ: مَا بَيْنك وَبَين عَامر بن الطُّفَيْل فَإِن ذكر نسبا عظم عِنْده حَتَّى وَفد عَلَيْهِ عَلْقَمَة بن علاثة فانتسب لَهُ. فَقَالَ: ابْن عَم عَامر بن الطُّفَيْل فَغَضب عَلْقَمَة وَكَانَ ذَلِك مِمَّا أوغر صَدره وهيجه إِلَى أَن دَعَاهُ إِلَى المنافرة. وَكَانَ عَمْرو بن معد يكرب وَهُوَ فَارس الْيمن يَقُول: مَا أُبَالِي أَي ظَعِينَة لقِيت على مَاء من أمواه معد مَا لم يلقني دونهَا عبداها أَو حراها وَيَعْنِي بالحرين: عَامر بن الطُّفَيْل وعتيبة ابْن الْحَارِث) بن شهَاب الْيَرْبُوعي وعنى بالعبدين: عنترة الْعَبْسِي والسليك بن السلكة. قَالَ الْأَثْرَم: وَيُقَال: كَانَت المنافرة أَن عَلْقَمَة بن علاثة شرب الْخمر فَضَربهُ عمر الْحَد فلحق بالروم فَارْتَد فَلَمَّا دخل على ملك الرّوم قَالَ: انتسب.

فانتسب لَهُ عَلْقَمَة. فَقَالَ: أَنْت ابْن عَم عَامر بن الطُّفَيْل فَقَالَ: أَلا أَرَانِي لَا أعرف هَاهُنَا إِلَّا بعامر فَغَضب فَرجع فَأسلم وَتقدم بَيَان المنافرة فِي الشَّاهِد السَّادِس وَالْعِشْرين. وَلما قدمت وُفُود الْعَرَب على رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فِي سنة تسع من الْهِجْرَة قدم وَفد بني عَامر فيهم عَامر بن الطُّفَيْل وأربد بن قيس أَخُو لبيد الصَّحَابِيّ لأمه وَكَانَا رئيسي الْقَوْم وَمن شياطينهم فَقدم عَامر بن الطُّفَيْل عَدو الله على رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وَهُوَ يُرِيد الْغدر بِهِ وَقد قَالَ لَهُ قومه: يَا عَامر إِن النَّاس قد أَسْلمُوا فَأسلم. قَالَ: وَالله لقد كنت آلَيْت أَن لَا أَنْتَهِي حَتَّى تتبع الْعَرَب عَقبي فَأَنا أتبع عقب هَذَا الْفَتى من قُرَيْش ثمَّ قَالَ لأربد: إِذا قدمنَا على الرجل فَإِنِّي شاغل عَنْك وَجهه فَإِذا فعلت ذَلِك فَاعله بِالسَّيْفِ فَلَمَّا قدما على رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وَجعل يكلمهُ وينتظر من أَرْبَد مَا كَانَ أمره بِهِ فَجعل أَرْبَد لَا يحير شَيْئا فَلَمَّا رأى عَامر مَا يصنع أَرْبَد قَالَ لَهُ عَامر: أَتجْعَلُ لي نصف ثمار الْمَدِينَة وتجعلني ولي الْأَمر من بعْدك وَأسلم فَأبى عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فَانْصَرف عَامر وَقَالَ: أَنا وَالله لأَمْلَأَنهَا عَلَيْك خيلاً ورجالاً فَلَمَّا ولي قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: اللَّهُمَّ اكْفِنِي عَامر بن الطُّفَيْل. فَلَمَّا خرجا من عِنْد رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قَالَ عَامر لأربد: وَيلك يَا أَرْبَد: أَيْن مَا كنت أَمرتك بِهِ وَالله مَا كَانَ على ظهر الأَرْض رجل أخوف عِنْدِي عَليّ مِنْك وَايْم الله لَا أخافك بعد الْيَوْم أبدا. قَالَ: لَا أبالك لَا تعجل عَليّ وَالله مَا هَمَمْت بِالَّذِي أَمرتنِي بِهِ من أمره إِلَّا دخلت بيني وَبَين الرجل حَتَّى

مَا أرى غَيْرك أفأضربك بِالسَّيْفِ وخرجا رَاجِعين إِلَى بِلَادهمْ حَتَّى إِذا كَانُوا بِبَعْض الطَّرِيق بعث الله على عَامر بن الطُّفَيْل الطَّاعُون فِي عُنُقه فَقتله الله فِي بَيت امْرَأَة من بني سلول فَجعل يَقُول: يَا بني عَامر أغدة كَغُدَّة الْبكر فِي بَيت امْرَأَة من بني سلول ثمَّ خرج أَصْحَابه حِين واروه التُّرَاب حَتَّى قدمُوا أَرض بني عَامر فَقَالُوا: مَا وَرَاءَك يَا أَرْبَد قَالَ: لَا شَيْء وَالله لقد دَعَانَا إِلَى عبَادَة شَيْء لَوَدِدْت أَنه عِنْدِي الْآن فأرميه بِالنَّبلِ حَتَّى أَقتلهُ. فَخرج بعد مقَالَته بِيَوْم أَو يَوْمَيْنِ مَعَه جمل لَهُ يَبِيعهُ فَأرْسل الله عَلَيْهِ وعَلى جمله صَاعِقَة فأحرقتهما.) وروى ابْن الْأَنْبَارِي فِي شرح المفضليات: لما مَاتَ عَامر نصبت بَنو عَامر أنصاباً ميلًا فِي ميل حمى على قَبره لَا تنشر فِيهِ راعية وَلَا يرْعَى وَلَا يسلكه رَاكب وَلَا ماش وَكَانَ جَبَّار بن سلمى بن عَامر بن مَالك غَائِبا فَلَمَّا قدم قَالَ: مَا هَذِه الأنصاب قَالُوا: نصبناها حمى على قبر عَامر. فَقَالَ: ضيقتم على أبي عَليّ إِن أَبَا عَليّ بَان من النَّاس بِثَلَاث: كَانَ لَا يعطش حَتَّى يعطش الْجمل وَكَانَ لَا يضل حَتَّى يضل النَّجْم وَكَانَ لَا يجبن حَتَّى يجبن السَّيْل. ولعامر وقائع فِي مذْحج وخثعم وغَطَفَان وَسَائِر الْعَرَب.

وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد التَّاسِع وَالسِّتُّونَ بعد الْمِائَة وَهُوَ من شَوَاهِد س: (لدن بهز الْكَفّ يعسل مَتنه ... فِيهِ كَمَا عسل الطَّرِيق الثَّعْلَب) على أَن حذف حرف الْجَرّ من الطَّرِيق شَاذ. وَالْأَصْل: كَمَا عسل فِي الطَّرِيق الثَّعْلَب. قَالَ البن هِشَام فِي الْمُغنِي: وَقَول ابْن الطراوة: إِنَّه ظرف مَرْدُود بِأَنَّهُ غير مُبْهَم. وَقَوله: إِنَّه اسْم لكل مَا يقبل الاستطراق فَهُوَ مُبْهَم لصلاحيته لكل مَوضِع مُنَازع فِيهِ بل هُوَ اسْم لما هُوَ مستطرق. انْتهى. وَقَالَ الأعلم: اسْتشْهد بِهِ سِيبَوَيْهٍ على وُصُول الْفِعْل إِلَى الطَّرِيق وَهُوَ اسْم خَاص للموضع المستطرق بِغَيْر وَاسِطَة حرف جر تَشْبِيها بِالْمَكَانِ لِأَن الطَّرِيق مَكَان. وَهُوَ نَحْو قَول الْعَرَب: ذهبت الشَّام. إِلَّا أَن الطَّرِيق أقرب إِلَى الْإِبْهَام من الشَّام لِأَن الطَّرِيق تكون فِي كل مَوضِع يسَار فِيهِ وَلَيْسَ الشَّام كَذَلِك. وَهَذَا الْبَيْت من قصيدة طَوِيلَة عدتهَا اثْنَان وَخَمْسُونَ بَيْتا لساعدة بن جؤية الْهُذلِيّ. وَقبل بَيت الشَّاهِد هَذِه الأبيات: (من كل أسحم ذابل لَا ضره ... قصر وَلَا راش الكعوب معلب) (خرق من الخطي أغمض حَده ... مثل الشهَاب رفعته يتلهب) (مِمَّا يترص فِي الثقاف يزينه ... أخذى كخافية الْعقَاب مخرب)

لدن بهز الْكَفّ يعسل مَتنه التعاور: التداول بالطعن وغايره. والضبر بِفَتْح الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْمُوَحدَة: مصدر ضبر: إِذا) وثب والضبر: الْجَمَاعَة أَيْضا. وَرُوِيَ مَوْضِعه: ضربا وأشرعت الرمْح أَي: أملته. والأسلات: الرماح. والقيون: جمع قين وَهُوَ الْحداد وَأَرَادَ: بِمَا صاغ القيون: الأسنة وَقَوله: من كل أسحم أَي: أسود. وَرُوِيَ بدله: أمسر. وَكَذَلِكَ رُوِيَ: أظمى وَهُوَ بِمَعْنَاهُ. وَأَرَادَ بِهِ الرمْح. وذابل: قد جف وَفِيه لين. يَقُول: لَيْسَ بِهِ قصر فيضره وَلَا ضعف فيشد. فِي الصِّحَاح: ورمح راش أَي: خوّار. وناقة راشة: ضَعِيفَة. وَهُوَ من مَادَّة الريش. وَهُوَ خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي: وَلَا هُوَ راش الكعوب. ومعلب: خبر بعد خبر. والمعلب: اسْم مفعول من علبت الشَّيْء (تعليباً) : إِذا شددته وحزمته بعلباء الْبَعِير والعلباء بِالْكَسْرِ وَالْمدّ: عصب الْعُنُق. وَقَوله: خرق من الخطي هُوَ بِكَسْر الْخَاء وَسُكُون الرَّاء وبالجر: صفة لأسحم ذابل. قَالَ السكرِي فِي شرح أشعار هُذَيْل: يَعْنِي بالخرق الرمْح ضربه مثلا. يَقُول: هُوَ فِي الرماح مثل الْخرق فِي الفتيان. والْخرق: الَّذِي يتَصَرَّف فِي الْأُمُور ويتخرق فِيهَا. وأغمض حَده: يَعْنِي ألطف ورقق حد السنان. والشهَاب: السراج شبه السنان بِهِ عَن غير أبي نصر. وَقَالَ الْأَخْفَش: خرق: مَاض. وروى بَعضهم: خرق من الخطي ألزم لهذما والْخرق أَي: بِفَتْح الْكسر: الطَّوِيل. واللهذم: الْحَدِيد الْقَاطِع انْتهى. وَقَوله: مثل الشهَاب بِالْجَرِّ: صفة أُخْرَى. وَقَوله: مِمَّا يترص الخ يَعْنِي: هَذَا الرمْح مِمَّا يترص أَي: يحكم فِي الصِّحَاح: أترصته وترصته أَي: أحكمته

وقومته فَهُوَ مترص وتريص. وَهُوَ بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاة وَالرَّاء وَالصَّاد الْمُهْمَلَتَيْنِ. وطالثقاف بِالْكَسْرِ: الْخَشَبَة الَّتِي يقوّم بهَا الرمْح. وَقَوله: أخذى أَي: سِنَان أخذى وَهُوَ بِالْخَاءِ والذال المعجمتين وَهُوَ صفة. قَالَ السكرِي: أخذى: منتصب مثل الأخذى من الْكلاب وَهُوَ المنتصب الْأذن. وَشبهه بخافية الْعقَاب فِي الدقة والخافية: مَا دون الريشات الْعشْر من مقدم الْجنَاح وَهِي ريشة بَيْضَاء. ومخرب بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة. يَقُول: كَأَنَّهُ غَضْبَان من الْحِرْص أَن يَقع فِي الدَّم. يُقَال: خرّبته بِالتَّشْدِيدِ فخرب كفرح. أَي: أغضبته فَغَضب. وَقَوله: لدن بهز الْكَفّ الخ بجر لدن صفة أُخْرَى لأسحم ذابل وَيجوز رَفعه على أَنه خبر لمبتدأ مَحْذُوف أَي: هُوَ لدن واللدن: اللين الناعم. ويعسل يشْتَد اهتزازه. وَعسل الثَّعْلَب) وَالذِّئْب فِي عدوه: إِذا اشْتَدَّ اضطرابه بِفَتْح السِّين فِي الْمَاضِي وَكسرهَا فِي الْمُسْتَقْبل والمصدر عسلاً وعسلاناً بتحريكهما. وَالْبَاء فِي قَوْله: بهز بِمَعْنى عِنْد مُتَعَلقَة بلدن. قَالَ ابْن خلف فِي شرح أَبْيَات سِيبَوَيْهٍ: وَالْأَحْسَن أَن يكون ظرفا ليعسل أَي: يعسل مَتنه عِنْد هزه. فَإِن قيل: إِن فِيهِ ظرف قد عمل فِيهِ يعسل فَكيف يعْمل فِي ظرف آخر فَالْجَوَاب: أَنَّهُمَا ظرفان مُخْتَلِفَانِ: لِأَن فِيهِ ظرف مَكَان وبهز ظرف زمَان. . والهز: مصدر مُضَاف إِلَى الْفَاعِل وَالْمَفْعُول مَحْذُوف أَي: بهز الْكَفّ إِيَّاه. وَقَالَ أَبُو عَليّ فِي إِيضَاح الشّعْر: التَّقْدِير فِي قَوْله يعسل مَتنه يعسل هُوَ يُرِيد أَنه لَا كزازة فِيهِ إِذا هززته وَلَا جسو. وَمثل ذَلِك قَول الآخر: ...

(أَو كاهتزاز رديني تعاوره ... أَيدي التُّجَّار فزادوا مَتنه لينًا) وَمثل ذكر الْمَتْن فِي هَذِه الْمَوَاضِع وَالْمرَاد الْجُمْهُور قَول الآخر: يغشى قرا عَارِية أقراؤه أَلا ترى أَن الْمَعْنى يغشى هَذِه الفلاة وَلَا يُرِيد تَخْصِيص مَكَان مِنْهَا دون مَكَان. قَالَ ابْن خلف: وَيجوز أَن يُرِيد ثَعْلَب الرمْح وَهُوَ طرفه الدَّاخِل فِي جلبة السنان أَي: يضطرب وَسطه كَمَا يضطرب طرفه لاعتداله واستوائه. وَنبهَ بالأبعد على الْأَقْرَب لِأَنَّهُ إِذا اهتز وَسطه فأطرافه أول. انْتهى. وَلَا يخفى أَن ذكر الطَّرِيق على هَذَا يكون لَغوا. وَالْهَاء من فِيهِ ضمير الهز كَمَا قَالَه أَبُو عَليّ وَلبن الشجري. وَأَعَادَهُ ابْن خلف على لدن. وَجُمْلَة يعسل مَتنه مفسرة لقَوْله: لدن. وَمَا ذكر هُوَ رِوَايَة س. وَرَوَاهُ السكؤي فِي أشعاره هُذَيْل كَذَا: لذ بهز الْكَفّ يعسل نصله واللذ بِالْفَتْح: اللذيذ. يَقُول: هَذَا الرمْح إِذا هز بالكف فَهُوَ لذيذ أَي: تلتذه الْكَفّ. والالتذاذ فِي التَّحْقِيق لصَاحب الْكَفّ. وَقَالَ السكرِي: يضطرب نصله كَمَا يضطرب الثَّعْلَب فِي الطَّرِيق إذاعدا والنصل: السنان. وَرِوَايَة سِيبَوَيْهٍ هِيَ الجيدة. وَابْن جؤية كَمَا قَالَ الْآمِدِيّ فِي المؤتلف والمختلف سَاعِدَة بن جؤية. أَخُو بني كَعْب كَاهِل بن الْحَارِث بن تَمِيم بن سعد بن هُذَيْل بن مدركة بن إلْيَاس بن مُضر. شَاعِر محسن جاهلي.) وشعره محشو بالغريب والمعاني الغامضة وَلَيْسَ فِيهِ من الْملح مَا يصلح للمذاكرة. انْتهى.

وَهُوَ شَاعِر مخضرم أدْرك الْجَاهِلِيَّة وَالْإِسْلَام وَأسلم وَلَيْسَت لَهُ صُحْبَة. كَذَا قَالَ ابْن حجر فِي الْإِصَابَة. فَقَوْل الْآمِدِيّ: جاهلي لَيْسَ كَمَا يَنْبَغِي. وجؤية بِضَم الْجِيم بعْدهَا همزَة مَفْتُوحَة وَبعد الْهمزَة يَاء مُشَدّدَة. هَذَا هُوَ الْمَشْهُور. وَهُوَ مصغر وَفِي مكبره خَمْسَة أَقْوَال بَينهَا ابْن خلف فِي أَوَائِل شرح أَبْيَات سِيبَوَيْهٍ. وَمُقَابل الْمَشْهُور أَنه سَاعِدَة بن جُوَيْن. وَالله أعلم. وَذكر الْآمِدِيّ أَن ابْن جؤية شَاعِر آخر اسْمه عَائِذ بن جؤية النصري الْيَرْبُوعي. وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد السبعون بعد الْمِائَة وَهُوَ من شَوَاهِد س: (عزمت على إِقَامَة ذِي صباح ... لأمر مَا يسود من يسود) على أَن الشَّاعِر جر ذِي صباح على لُغَة خثعم. وَهُوَ ظرف لَا يتَمَكَّن والظروف الَّتِي لَا تتمكن لَا تجر وَلَا ترفع. وَلَا يجوز مثل هَذَا إِلَّا فِي لُغَة هؤلاءالقوم أَو فِي ضَرُورَة. قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَذُو صباح بِمَنْزِلَة ذَات مرّة تَقول: سير عَلَيْهِ ذَا صباح. خبرنَا بذلك يُونُس. إِلَّا أَنه قد جَاءَ فِي لُغَة خثعم مفارقاً لذات مرّة ولذات

لَيْلَة. وَأما الجيدة الْعَرَبيَّة فَأن تكون بمنزلتها يُرِيد بمنزلتها: ظرفا قَالَ رجل من خثعم: عزمت على إِقَامَة. . الْبَيْت. فَهُوَ على هَذِه اللُّغَة يجوز فِيهِ الرّفْع. انْتهى. وَقَالَ أَبُو الْبَقَاء فِي شرح الْإِيضَاح: قيل: هُوَ بِمَنْزِلَة ذَات مرّة إِلَّا أَنه أخرجه عَن الظّرْف بِالْإِضَافَة إِلَيْهِ وَقيل: ذُو زَائِدَة أَي: على إِقَامَة صباح. وَجعل ابْن جني فِي الخصائص إِضَافَة ذِي إِلَى صباح من إِضَافَة الْمُسَمّى إِلَى الِاسْم نَحْو: كَانَ عندنَا ذَات مرّة أَي: الدفعة الْمُسَمَّاة مرّة وَالْوَقْت الْمُسَمّى صباحاً. وَأنْشد هَذَا الْبَيْت. قَالَ أَبُو عَليّ الْفَارِسِي فِي التَّذْكِرَة: هَذَا الْبَيْت قَالَه الشَّاعِر وَلم يقل بَيْتا غَيره. وَكَانَ اسْتَعَانَ هُوَ وَقَومه بِملك على أعدائهم فَقَالَ: إِن أردتم أعنتكم على أَن يكون النهب لي فَقَالُوا: لَا نُرِيد ذَلِك فَقَاتلُوا أعداءهم بِأَنْفسِهِم فاستظهر عَلَيْهِم أعداؤهم فَلَمَّا رأى استظهارهم عَلَيْهِم أعانهم رَاضِيا بِأَن لَا يكون لَهُ النهب. فَقَالَ هَذَا الشَّاعِر هَذَا الْبَيْت فَقَط يمدحه. فَاللَّام مُتَعَلقَة) بيسود كَأَنَّهُ قَالَ: يسود لأمر من يسود أَي: بعقله وفضله يسود لَيْسَ للاشيء بل لأمر فِيهِ. انْتهى وَفِيه: أَنه لَيْسَ بَيْتا مُفردا وَإِنَّمَا هُوَ من أَبْيَات. وَلَيْسَت الْقِصَّة كَمَا ذكرهَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّد الْأَعرَابِي فِي فرحة الأديب هَذَا الْبَيْت لأنس بن مدركة الْخَثْعَمِي. وَذَلِكَ: أَنه غزا هُوَ وَرَئِيس آخر من قومه بعض قبائل الْعَرَب متساندين فَلَمَّا قربا من الْقَوْم أمسيا فباتا حَيْثُ جن عَلَيْهِم اللَّيْل فَقَامَ صَاحبه

فَانْصَرف وَلم يغنم وَأقَام أنس حَتَّى أصبح فشن عَلَيْهِم الْخَيل فَأصَاب وغنم وغنم أَصْحَابه. . فَهَذَا معنى قَوْله: عزمت على إِقَامَة ذِي صباح. وَهُوَ آخر الأبيات. قَالَ أَبُو الندى: وَكَانَ أنس مجاوراً لبني الْحَارِث بن كَعْب فَوجدَ أَصْحَابه مِنْهُم جفَاء وغلظة فأرادوا أَن يفارقوهم فَقَالَ لَهُم: أقِيمُوا إِلَى الصَّباح فَلَمَّا ظفر بَنو الْحَارِث ببني عَامر يَوْم فيف الرّيح قَالَ عِنْد ذَلِك مَا قَالَ. وَأول الأبيات: (دَعَوْت إِلَى المصاع فجاوبوني ... بورد مَا ينهنهه المذيد) (كَأَن غمامة برقتْ عَلَيْهِم ... من الأصياف ترجسها الرعود) عزمت على إِقَامَة ذِي صباح انْتهى وَلَا يخفى أَن هَذِه الأبيات أَجْنَبِيَّة لَا يظْهر ارتباطها بِالْبَيْتِ الْأَخير. والمصاع: مصدر ماصع أَي: قَاتل والمصع: الضَّرْب بِالسَّيْفِ. وَقَوله: على إِقَامَة ذِي صباح لَا يبعد أَن يكون على تَقْدِير: على إِقَامَة ليل ليل ذِي صباح. وَمَا: زَائِدَة للتوكيد. يَقُول: عزمت على الْإِقَامَة إِلَى وَقت

الصَّباح لِأَنِّي قد وجدت الرَّأْي والحزم قد أوجبا ذَلِك. ثمَّ قَالَ: لأمر مَا يسود من يسود يُرِيد: أَن الَّذِي يسوده قومه لَا يسودونه إِلَّا لشَيْء من الْخِصَال الجميلة والأمور المحمودة رَآهَا قومه فِيهِ فسودوه لأَجلهَا. أنْشد صَاحب الْكَشَّاف هَذَا الْبَيْت فِي سُورَة الْإِخْلَاص فِي جَوَاب السَّائِل: لم كَانَت هَذِه السُّورَة مَعَ قصرهَا عدل الْقُرْآن قَالَ الجاحظ فِي كتاب شرائع الْمُرُوءَة: وَكَانَت الْعَرَب تسود على أَشْيَاء: أما مُضر فتسود ذَا رأيها وَأما ربيعَة فَمن أطْعم الطَّعَام وَأما الْيمن فعلى النّسَب. وَكَانَ أهل الْجَاهِلِيَّة لَا يسودون إِلَّا من تكاملت فِيهِ سِتّ خِصَال: السخاء والنجدة وَالصَّبْر والحلم والتواضع وَالْبَيَان وَصَارَ فِي الْإِسْلَام سبعا. وَقيل لقيس بن عَاصِم: بِمَ سدت قَوْمك قَالَ: ببذل الندى وكف) الْأَذَى ونصرة الْمولى وتعجيل الْقرى. وَقد يسود الرجل بِالْعقلِ والعفة وَالْأَدب وَالْعلم. وَقَالَ بَعضهم: السودد اصطناع الْعَشِيرَة وَاحْتِمَال الجريرة. وَقَالَ الْأَصْمَعِي: ذكر أَبُو عَمْرو بن الْعَلَاء عُيُوب جَمِيع السَّادة وَمَا كَانَ فيهم من الْخلال المذمومة إِلَى أَن قَالَ: مَا رَأَيْت شَيْئا يمْنَع من السودد إِلَّا قد رَأَيْنَاهُ فِي سيد: وجدنَا الحداثة تمنع السودد وساد أَبُو جهل بن هِشَام وَمَا طر شَاربه وَدخل دَار الندوة وَمَا اسْتَوَت لحيته. وَوجدنَا الْبُخْل يمْنَع السودد وَكَانَ أَبُو سُفْيَان بَخِيلًا عاهراً وَكَانَ عَامر بن الطُّفَيْل بَخِيلًا فَاجِرًا وَكَانَ سيداً. وَالظُّلم يمْنَع من السودد وَكَانَ كُلَيْب بن وَائِل ظَالِما وَكَانَ سيد ربيعَة وَكَانَ حُذَيْفَة حُذَيْفَة بن بدر ظَالِما وَكَانَ سيد غطفان. والحمق يمْنَع السودد وَكَانَ عُيَيْنَة بن حصن أَحمَق وَكَانَ سيداً. وَقلة الْعدَد تمنع السودد وَكَانَ السَّيْل

بن معبد سيداً وَلم يكن بِالْبَصْرَةِ من عشيرته رجلَانِ. والفقر يمْنَع السودد وَكَانَ عتبَة بن ربيعَة مملقاً وَكَانَ سيداً. وناظم هَذَا الْبَيْت أنس بن مدرك الْخَثْعَمِي كَمَا ذكرنَا. وَهُوَ جاهلي. وصحفه ابْن خلف فِي شرح أَبْيَات سِيبَوَيْهٍ بأوس بن مدرك وَقَالَ: أَوْس من الْأَسْمَاء المنقولة إِلَى العلمية. والأوس هُنَا الذِّئْب وَإِن أمكن أَن يكون من الْعَطِيَّة. وكشفت عَن اسْمه فِي الجمهرة لِابْنِ الكبي فَوَجَدته قَالَ فِي جمهرة خثعم بن أَنْمَار مَا نَصه: أنس بن مدرك بن كيعب بِالتَّصْغِيرِ بن عَمْرو بن سعد بن عَوْف بن العتيك بن حَارِثَة بن سعد بن عَامر بن تيم الله بن مُبشر بن أكلب بن ربيعَة بن عفرس بن حلف بن أفتل وَهُوَ خثعم. وَهُوَ أَبُو سُفْيَان الشَّاعِر. وَقد رَأس. انْتهى. وَنقل ابْن خلف عَن الجاحظ: أَن هَذَا الْبَيْت لإياس بن مدركة الْحَنَفِيّ. وَهَذَا غير مُنَاسِب فَإِنَّهُم نقلوا أَن قَائِل هَذَا الْبَيْت خثعمي لَا حَنَفِيّ. وخثعم أَبُو قَبيلَة من الْيمن وَهُوَ خثعم بن أَنْمَار بن إراش بن عَمْرو بن الْغَوْث بن نبت بن مَالك بن زيد بن كهلان بن سبأ. وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد الْحَادِي وَالسَّبْعُونَ بعد الْمِائَة

صلاءة ورس وَسطهَا قد تفلقا على أَن وسط سَاكِنة السِّين قد تتصرف وَتخرج عَن الظَّرْفِيَّة كَمَا فِي هَذَا الْبَيْت. وصدره: أَتَتْهُ بمجلوم كَأَن جَبينه فوسطها مَرْفُوع على أَنه مُبْتَدأ وَجُمْلَة قد تفلق خَبره. كَذَا أوردهُ أَبُو عَليّ الْفَارِسِي فِي الْإِيضَاح الشعري وَابْن جني فِي الخصائص وأوردا لَهُ نَظَائِر. قَالَ ثَعْلَب فِي الفصيح: جلس وسط الْقَوْم بِسُكُون السِّين وَجلسَ وسط الدَّار وَاحْتَجَمَ وسط رَأسه بِفَتْح السِّين. قَالَ شَارِحه الإِمَام المرزوقي: النحويون يفصلون بَينهمَا وَيَقُولُونَ: وسط بِسُكُون السِّين اسْم الشَّيْء الَّذِي يَنْفَكّ عَن الْمُحِيط بِهِ جوانبه تَقول: وسط رَأسه دهن لِأَن الدّهن يَنْفَكّ عَن الرَّأْس ووسط رَأسه صلب لِأَن الصلب لَا يَنْفَكّ عَن الرَّأْس. وَرُبمَا قَالُوا: إِذا كَانَ آخر الْكَلَام هُوَ الأول فاجعله وسطا بِالتَّحْرِيكِ وَإِذا كَانَ آخر الْكَلَام غير الأول فاجعله وسطا بالتسكين. وَحكى الْأَخْفَش: أَن وسطا قد جَاءَ فِي الشّعْر اسْما وَفَارق الظَّرْفِيَّة وَأنْشد بَيْتا آخِره وَسطهَا قد تفلقا وَسطهَا مُبْتَدأ مَرْفُوع. وَيُقَال: وسطت الْأَمر أسطه وسطا بِالسُّكُونِ. وَأَبُو الْعَبَّاس

ثَعْلَب رَاعى فِيمَا اخْتَارَهُ هُنَا أَن وسطا إِذا كَانَ بعض مَا أضيف إِلَيْهِ يُحَرك السِّين مِنْهُ وَإِذا كَانَ غير مَا أضيف إِلَيْهِ يسكن سينه أَلا ترى أَن وسط الدَّار بَعْضهَا وَأَن وسط الْقَوْم غَيرهم فاما تفسيرهم لوسط ببين فَبين لشيئين يتباين أَحدهمَا عَن الآخر فَصَاعِدا تَقول: بَين زيد وَعَمْرو بَين لتباينهما وَإِن كررت بَين للتَّأْكِيد جَازَ. ووسط لشيئين يتَّصل أَحدهمَا بِالْآخرِ تَقول: وسط الْحَصِير قلم وَلَا تَقول: بَين الْحَصِير قلم إِلَّا أَنه يستعار فَيُوضَع بَدَلا مِنْهُ. انْتهى. وَقَالَ ابْن هِشَام اللَّخْمِيّ فِي شرح الفصيح: وسط الشَّيْء وأوسطه: مَا بَين طَرفَيْهِ فَإِذا سكنت السِّين كَانَ ظرفا وَإِذا فتحتها كَانَ اسْما فَإِنَّمَا يكون اسْما إِذا أردْت بِهِ الْوسط كُله وَيكون ظرفا إِذا لم ترد بِهِ الْوسط كُله وَذَلِكَ إِذا حسنت فِيهِ فِي تَقول: قعدت وسط الدَّار فوسط الدَّار سَاكن الْوسط وَهُوَ السِّين لِأَنَّهُ ظرف ولأنك لَا تَأْخُذ بقعودك وسط الدَّار كُله وَإِنَّمَا تُرِيدُ قعدت فِي وسط الدَّار فَلَمَّا أسقطت فِي انتصب على الظّرْف.) فَإِن قلت: مَلَأت وسط الدَّار قمحاً فتحت السِّين لِأَنَّهُ مفعول بِهِ لِأَن مَلَأت لَا يَقع إِلَّا على الْوسط كُله فقمح نصب على التَّمْيِيز لِأَن التَّقْدِير مَلَأت وسط الدَّار من قَمح. وَكَذَلِكَ تَقول: حفرت وسط الدَّار بِئْرا وبنيت وسط الدَّار مَجْلِسا فوسط مفعول بِهِ وبئراً ومجلساً منصوبان على الْحَال. قَالَ أَبُو عَليّ فِي التَّذْكِرَة: فَإِن قلت: إِنَّه فِي حَال مَا يحْفر لَيْسَ ببئر فَإِن ذَلِك تجوز أَلا ترى قَوْله تَعَالَى: إِنِّي أَرَانِي أعصر خمرًا فالبئر أقرب من هَذَا أَلا ترى أَن هَذَا فِي حَال الْعَصْر لَيْسَ بِخَمْر حَتَّى يشْتَد

وَبَعض الْآبَار فِي العمق أقل من بعض وَلَا يُخرجهُ ذَلِك عَن أَن يكون بِئْرا. وَيجوز أَن يحمل حفرت على معنى جعلت فتنصبه على أَنه مفعول فَإِن هَذَا مَذْهَب الْبَصرِيين. وَأكْثر اللغويين يجْعَلُونَ الْوسط وَالْوسط بِمَعْنى وَاحِد وَهُوَ مَذْهَب أبي الْعَبَّاس وتمثيله يدل على ذَلِك لِأَنَّهُ قَالَ: وَجلسَ وسط النَّاس يَعْنِي بَينهم بسين سَاكِنة على أَن وسطا ظرف وَلذَلِك قدره بالظرف ثمَّ قَالَ: وَجلسَ وسط الدَّار وَاحْتَجَمَ وسط رَأسه بتحريك السِّين. وَهَذَا لَا يجوز عِنْد الْبَصرِيين لِأَنَّهُ إِذا فتح السِّين كَانَ اسْما وَإِذا كَانَ اسْما لم ينصبه إِلَّا الْفِعْل الْمُتَعَدِّي. فَقَوله: جلس وسط الدَّار وَاحْتَجَمَ وسط رَأسه بِفَتْح السِّين لَا يجوز لما قدمنَا. فَإِن سكنت السِّين كَانَ ظرفا وَكَانَ الْعَامِل فِيهِ جلس. فَاعْلَم ذَلِك انْتهى. وَهَذَا مُخَالف لما قَالَه الإِمَام المرزوقي فَتَأمل وروى أَبُو الْحسن عَليّ بن مُحَمَّد المدايني فِي كتاب النِّسَاء الناشزات كَمَا سَيَأْتِي نصفهَا قد تعلقا وَعَلِيهِ لَا شَاهد فِيهِ والمجلوم بِالْجِيم وَاللَّام: اسْم مفعول من جلمت الشَّيْء جلماً من بَاب ضرب: قطعته فَهُوَ مجلوم وجلمت الصُّوف وَالشعر: قطعته بالجلمين: وَهَذَا هُوَ المُرَاد هُنَا. قَالَ صَاحب الْمِصْبَاح: الجلم بِفتْحَتَيْنِ: المقراض والجلمان بِلَفْظ التَّثْنِيَة مثله كَمَا يُقَال فِيهِ: المقراض والمقراضان والقلم والقلمان. وَيجوز أَن يَجْعَل الجلمان والقلمان اسْما وَاحِدًا على فعلان كالسرطان والدبران وَتجْعَل النُّون حرف إِعْرَاب. وَيجوز أَن يبقيا على بابهما فِي إِعْرَاب الْمثنى فَيُقَال: شريت الجلمين والقلمين. انْتهى.

وَهَذِه رِوَايَة أبي زيد وَغَيره. وَرَوَاهُ أَبُو حَاتِم: أَتَتْهُ بمحلوق من حلق رَأسه بِالْمُوسَى مثلا من بَاب ضرب. والجبين: نَاحيَة الْجَبْهَة من محاذاة النزعة إِلَى الصدغ وهما جبينان: عَن يَمِين الْجَبْهَة وشمالها قَالَه) الْأَزْهَرِي وَابْن فَارس وَغَيرهمَا. فَتكون الْجَبْهَة بيبن جبينين. وَجمعه جبن بِضَمَّتَيْنِ وأجبنة مثل أسلحة كَذَا فِي الْمِصْبَاح. والصلاية بِفَتْح الصَّاد: الْحجر الأملس الَّذِي يسحق عَلَيْهِ شَيْء وَيُقَال: صلاءة أَيْضا بِالْهَمْزَةِ. وَرُوِيَ هُنَا بهما. قَالَ فِي الصِّحَاح: والصلاية: الفهر أَي: حجر ملْء الْكَفّ وَإِنَّمَا قَالَ امْرُؤ الْقَيْس: فأضافه إِلَيْهِ لِأَنَّهُ يفلق بِهِ إِذا يبس. والورس بِفَتْح الْوَاو وَسُكُون الرَّاء: نبت أصفر يزرع بِالْيمن ويصبغ بِهِ وَقيل: صنف من الكركم وَقيل: يُشبههُ. وَقَوله: قد تفلقا يُقَال: فلقته فلقاً من بَاب ضرب: شققته فانفلق وفلّقته بِالتَّشْدِيدِ: مُبَالغَة وَمِنْه خوخ مفلّق اسْم مفعول وَكَذَلِكَ المشمس وَنَحْوه: إِذا تفلق عَن نَوَاه وتجفف فَإِن لم يتجفف فَهُوَ فلوق بِضَم الْفَاء وَاللَّام مَعَ تشديدها. وتفلق الشَّيْء: تشقق كَذَا فِي الْمِصْبَاح. وَهَذَا الْبَيْت من أَبْيَات ثَمَانِيَة للفرزدق رَوَاهَا أَبُو الْحسن عَليّ بن مُحَمَّد الْمَدَائِنِي فِي كتاب النِّسَاء الناشزات قَالَ: زوّج جرير بن الخطفى بنته

عضيدة بن عضيدة ابْن أخي امْرَأَته وَكَانَ مَنْقُوص الْعَضُد فخلعها مِنْهُ أَي: طلّقها بفدية فَقَالَ الفرزدق: (مَا كَانَ ذَنْب الَّتِي أَقبلت نعتلها ... حَتَّى اقتحمت بهَا أُسْكُفَّة الْبَاب) (كِلَاهُمَا حِين جد الجري بَينهمَا ... قد أقلعا وكلا أنفيهما رابي) (يَا ابْن المراغة جهلا حِين تجعلها ... دون القولص وَدون الْبكر والناب) وَقَالَ الفرزدق أَيْضا: الطَّوِيل (لَئِن أم غيلَان اسْتحلَّ حرامها ... حمَار الغضا من ثقل مَا كَانَ رنّقا) (لما نَالَ راق مثلهَا من كعابة ... علمناه مِمَّن سَار غرباً وشرّقا) (إِذا بَركت لِابْنِ الشغور ونوّخت ... على ركبتيها للبروك والحقا) (فَمَا من دراك فاعلمن لنَادِم ... وَإِن صك عَيْنَيْهِ الْحمار وصفّقا) (وَكَيف ارتدادي أم غيلَان بَعْدَمَا ... جرى المَاء فِي أرحامها وترقرقا)

. (ستعلم من يخزى ويفضح قومه ... إِذا ألصقت عِنْد السفاد وألصقا) (أبيلق رقّاء أسيّد رهطه ... إِذا هُوَ رجْلي أم غيلَان فرّقا) فَأَجَابَهُ جرير بن الخطفى:) (هلاّ طلبت بعقر جعثن منقراً ... ومجرّها وَتركت ذكر الأبلق) (سَبْعُونَ والوصفاء مهر بناتنا ... إِذْ مهر جعثن مثل حزر البندق) (كم قد أثير عَلَيْكُم من خزية ... لَيْسَ الفرزدق بعْدهَا بفرزدق) انْتهى مَا أوردهُ الْمَدَائِنِي. وَقَوله: أَقبلت تعتلها يُقَال: عتلت الرجل أعتله من بَابي نصر وَضرب: إِذا جذبته عنيفاً. وَضمير الْمُؤَنَّث لأم غيلَان بنت جرير. وروى أَبُو زيد فِي نوادره: مَا بَال لومكما إِذْ جِئْت تعتلها خطابا لجرير وَزَوجته من اللوم وَهُوَ التعنيف. وروى المبرّد فِي الاعتنان: مَا بَال لومكما بضمير الْمُؤَنَّث فَيكون ضمير بنته عضيدة. وَقَوله: حَتَّى اقتحمت بهَا الخ أَي: إِلَى أَن أدخلتها عتبَة بابك.

وَقَوله: كِلَاهُمَا حِين جدّ الجري الخ ضمير التَّثْنِيَة لابنَة جرير عضيدة ولزوجها. وَزعم الْعَيْنِيّ وَغَيره أَن الضَّمِير للفرسين. وَزَاد شَارِح شَوَاهِد الْمُغنِي أَن فِيهِ التفاتاً وَالْأَصْل كلاكما. ورد عَلَيْهِ شَارِح الْمُغنِي الْحلَبِي بِأَنَّهُ يأباه قَول الشَّارِحين أَن الْبَيْت فِي وصف فرسين تجاريا. وَهَذَا لَا أصل لَهُ وَكَأَنَّهُم فهموه من ظَاهر الْبَيْت وَسَببه أَنهم لم يقفوا على منشأ الشّعْر. وَقَوله: جدّ الجري أَي: اشْتَدَّ الْعَدو. وَقَوله: قد أقلعا يُقَال: أقلع عَن الْأَمر إقلاعاً: إِذا تَركه والصلة هُنَا محذوفة أَي: أقلعا عَن الجري. وَقَوله: رابي من الربو وَهُوَ النَّفس العالي المتتابع يُقَال: رَبًّا يَرْبُو: إِذا أَخذه الربو. والبهر بِضَم الْبَاء وَهُوَ تتَابع النَّفس. وَهَذَا تَمْثِيل وتشبيه يَقُول: إِن بنت جرير وَزوجهَا قد افْتَرقَا حِين حصلت الألفة بَينهمَا وَلم يمضيا على حَالهمَا فهما كفرسين جدّا فِي الجري ووقفا قبل الْوُصُول إِلَى الْغَايَة. وَهَذَا الْبَيْت من شَوَاهِد مُغنِي اللبيب وَغَيره من كتب النَّحْو وَأورد شَاهدا على أنّ كلا يجوز مُرَاعَاة لَفظهَا فَيَعُود الضَّمِير إِلَيْهَا مُفردا ومراعاة مَعْنَاهَا فَيَعُود الضَّمِير عَلَيْهَا مثنّى وَقد اجْتمعَا وَقَوله: يَا ابْن المراغة الخ المراغة: الأتان والفرزدق يَقُول لجرير يَا ابْن المراغة تعبيراً لَهُ بِأَن عشيرته بني كُلَيْب أَصْحَاب حمير. وَقَالَ الغوريّ: لأنّ أمه وَلدته فِي مراغة الْإِبِل. وَقَالَ ابْن عباد: المراغة الأتان لَا تمنع الفحولة وَبِذَلِك هجا الفرزدق جَرِيرًا. وَقَالَ بَعضهم: المراغة أم جرير لقبها) بِهِ الأخطل. يُرِيد: أَنَّهَا كَانَت مراغة للرِّجَال كَذَا فِي الْعباب للصاغاني.

وَقَوله: جهلا حِين تجعلها إِلَخ يُرِيد: إِنَّك جهلت فِي تزويجك إِيَّاهَا لغير أهل الْإِبِل. وَقَوله: لَئِن أم غيلَان الخ أم غيلَان هِيَ بنت جرير وَأَرَادَ بِحِمَار الغضا زَوجهَا وَهُوَ فَاعل اسْتحلَّ وحرامها مَفْعُوله. يَقُول: إِن استحلّ بضعهَا مَا كَانَ حَرَامًا عَلَيْهِ قبل العقد. ورنّق بالراء الْمُهْملَة وَالنُّون بِمَعْنى أَقَامَ فِي الْعباب ورنّق الْقَوْم بِالْمَكَانِ: إِذا أَقَامُوا بِهِ ورنّق الطَّائِر: إِذا خَفق بجناحيه ورفرف فَوق الشَّيْء وَلم يطر. أَرَادَ من كَثْرَة إِقَامَته مَعَ الإلحاح. وَقَوله: لما نَالَ راق الخ هَذَا جَوَاب الْقسم وَجَوَاب الشَّرْط مَحْذُوف وراق بِالتَّنْوِينِ اسْم فَاعل من رقيت السَّطْح والجبل: علوته يتَعَدَّى بِنَفسِهِ. وَمثلهَا: مَفْعُوله. وكعابة بِكَسْر الْكَاف: مصدر كعبت الْجَارِيَة تكعب كعوباً وكعابة إِذا بدا ثديها فَهِيَ كاعب وكعاب بِالْفَتْح وَفِيه مُضَاف مَحْذُوف أَي: من ذَات كعابة. وَقَوله: علمناه الْجُمْلَة صفة راق. وَقَوله: حبته بمحلوق أَي: خصّصته بِإِعْطَاء فرج محلوق. وَرُوِيَ: أَتَتْهُ بمحلوق. وَهَذَا الْبَيْت فِي وَقَوله: إِذا برت لِابْنِ الشغور إِلَخ هَذِه كلمة سبّ والشغور فِي الأَصْل: النَّاقة الَّتِي تشغر بقوائمها إِذا أخذت لتركب أَو تحلب. وَقَوله: ونوّخت بالنُّون وَالْخَاء الْمُعْجَمَة بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول يُقَال: تنوّخ الْجمل النَّاقة:

أناخها ليسفدها. والبروك: مصدر برك بروكاً أَي: استناخ قَالَ جرير: (وَقد دميت مواقع ركبتيها ... من التّبراك لَيْسَ من الصَّلَاة) وَقَوله: ألحفا من ألحق الشَّيْء بالشَّيْء أَي: أوصله بِهِ مَعْطُوف على بَركت. وَقَوله: فَمَا من دراك الخ أَي: لَا يقدر أَن يلحقهما قادم عَلَيْهِمَا أَي: لَا يَتَفَرَّقَا مِنْهُ لشدَّة شبقهما. وَقَوله: وَإِن صك الخ إِن وصلية وصكّه: ضربه وَالْحمار فَاعله. والتصفيق: الردّ وَالصرْف. وَقَوله: أبيلق رقّاء مصغر أبلق وَهُوَ اسْم زوج بنت جرير ورقّاء مُبَالغَة راق صفة لأبيلق. وأسيّد مَفْعُوله مُضَاف لما بعده. قَالَ المبرّد فِي الاعتنان: كَانَ جرير زوّج بنته الأبلق الأسيدي أسيّد بن عَمْرو بن تَمِيم فَلم يحمده. وَذكر هجاء جرير إِيَّاه ورهطه. وَقَوله: هلا طلبت بعقر الخ الْعقر بِالضَّمِّ: دِيَة فرج الْمَرْأَة إِذا غصبت على نَفسهَا. وجعثن بِكَسْر الْجِيم والمثلثة: اسْم أُخْت الفرزدق. ومنقر بِكَسْر الْمِيم وَفتح الْقَاف. أَرَادَ أَوْلَاد الأشدّ المنقريّ وَكَانَ عمرَان بن مرّة الْمنْقري أسر جعثن أُخْت الفرزدق يَوْم السّيدان وَفِيه يَقُول جرير:) (خزي الفرزدق بعد وقْعَة سَبْعَة ... كالحصنمن ولد الأشدّ ذُكُور)

وَقَالَ أَيْضا: (على حفر السيدان لاقيت خزية ... وَيَوْم الرحا لم ينق ثَوْبك غاسله) (وَقد نوّختها منقر قد علمْتُم ... لمعتلج الدأيات شعر كلاكله) (يفرج عمرَان بن مرّة كينها ... وينزو نزاء العير أعلق حائله) والغمز: شبه الطعْن وَالدَّفْع. والكين: لحم الْفرج. والنغانغ: أورام تحدث فِي الْحلق. والمعذور: الَّذِي أَصَابَته الْعذرَة وَهُوَ وجع الْحلق. يُرِيد أَن اخته نَكَحَهَا حِين أسرت سَبْعَة من ولد الأشد الْمنْقري. وَيُقَال: علقت الْأُنْثَى من الذّكر وأعلقت: إِذا حملت. والحائل: الَّتِي يضْربهَا الْفَحْل فَلَا تحمل. وَهَذَا افتراء من جرير على جعثن فَإِنَّهَا كَانَت من النِّسَاء الصَّالِحَات وَقد اعْترف جرير بقذفه إِيَّاهَا وَنَدم عَلَيْهِ وَكَانَ يسْتَغْفر الله مِمَّا قَذفهَا بِهِ كَمَا مر. والأبلق: زوج بنت جرير. وَقَوله: سَبْعُونَ والوصفاء هُوَ جمع وصيف. يُرِيد: أَن مهر بناتنا سَبْعُونَ من الْإِبِل مَعَ الوصفاء. وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد الثَّانِي وَالسَّبْعُونَ بعد الْمِائَة الطَّوِيل (أَلا قَالَت الخنساء يَوْم لقيتها ... أَرَاك حَدِيثا ناعم البال أفرعا)

على ان صفة الزَّمَان الْقَائِمَة مقَام الْمَوْصُوف يلْزمهَا الظَّرْفِيَّة عِنْد سِيبَوَيْهٍ كَمَا فِي هَذَا الْبَيْت. أَي: زَمَانا حَدِيثا. وَهَذَا الْبَيْت أول أَبْيَات ثَلَاثَة مَذْكُورَة فِي الحماسة ثَانِيهَا: (فَقلت لَهَا: لَا تنكريني فقلّما ... يسود الْفَتى حَتَّى يشيب ويصلعا) (وللقارح اليعبوب خير علالة ... من الْجذع المرخى وَأبْعد منزعا) الرِّوَايَة فِي الحماية وشروحها: أَلا قَالَت العصماء لمّا لقيتها والعصماء: امْرَأَة. والْحَدِيث هُنَا: نقيض الْقَدِيم وَهُوَ هُنَا ظرف. يَقُول: قَالَت لي هَذِه الْمَرْأَة لما التقيت مَعهَا: أعلمك عَن قريب ناعم الْحَال أفرع أَي: تَامّ شعر الرَّأْس لم يتسلط صلع وَلَا حدث انحسار شعر فَكيف تَغَيَّرت مَعَ قرب الأمد والرؤية بصرية وناعم البال: مَفْعُوله وأفرعا صفته. وناعم: من نعم الشَّيْء بِالضَّمِّ: أَي: صَار نَاعِمًا لينًا وَكَذَلِكَ نعم ينعم مثل حذر يحذر وَفِيه لُغَة ثَالِثَة مركبة بَينهمَا: نعم ينعم بِكَسْر الأول وَضم الثَّانِي ولغة رَابِعَة نعم ينعم بِكَسْر عينيهما وَهُوَ شَاذ كَذَا فِي الصِّحَاح. والبال: الْقلب وخطر ببالي أَي: بقلبي وَهُوَ رخيّ البال أَي وَاسع الْحَال وَهَذَا هُوَ المُرَاد. قَالَ ابْن الأنباريّ فِي شرح المفضليات: والأفرع بِالْفَاءِ وَالرَّاء وَالْعين الْمُهْمَلَتَيْنِ هُوَ الْكثير شعر الرَّأْس يُقَال: رجل أفرع وَامْرَأَة فرعاء وَقد فرع من بَاب فَرح. وضدّ الأفرع الأزعر وَالْمَرْأَة زعراء انْتهى. وَقَالَ صَاحب الصِّحَاح: الْفَرْع بِفتْحَتَيْنِ: مصدر الأفرع وَهُوَ التَّام الشّعْر وَقَالَ ابْن دُرَيْد: امْرَأَة فرعاء كَثِيرَة الشّعْر قَالَ:

وَلَا يُقَال للرجل إِذا كَانَ عَظِيم اللِّحْيَة أَو الجمّة أفرع وَإِنَّمَا يُقَال أفرع لضد الأصلع انْتهى. وَهَذَا المصراع الثَّانِي قد وَقع فِي قصيدة متمم بن نُوَيْرَة الَّتِي رثى بهَا أَخَاهُ مَالك بن نُوَيْرَة وَهُوَ: (تَقول ابْنة العمريّ مَالك بَعْدَمَا ... أَرَاك حَدِيثا ناعم البال أفرعا)) وَقَوله: فَقلت لَهَا الخ يَقُول: قلت لَهَا: لَا تستنكري مَا رَأَيْت من شحوب لوني وانحسار شعر رَأْسِي فَمَا ينَال الْفَتى السِّيَادَة حَتَّى يسْتَبْدل بشبيبته شبيباً وبوفور شعر رَأسه صلعاً. وَقَوله: وللقارح اليعبوب الخ القارح من الْخَيل بِمَنْزِلَة البازل من الْإِبِل وَهُوَ الَّذِي تمت واستحكمت قوته. والقروح: انْتِهَاء السنّ واليعبوب: الْفرس الْكثير الجري والجذع: مَاله سنتَانِ. والعلالة بِالضَّمِّ: بَقِيَّة الجري وَيُرِيد بِهِ هُنَا الجري. والمرخى: الَّذِي يرخى فِي سيره قَلِيلا قَلِيلا لَا يُكَلف أَكثر من ذَلِك. ويروى: المرخي بِكَسْر الْخَاء والإرخاء: لين فِي الْعَدو. ويروى بِفَتْح الْخَاء وَهُوَ الْمُرْسل المهمل. والمنزع: النُّزُوع إِلَى الْغَايَة. وانتصاب منزعاً وعلالة على التَّمْيِيز وَهَذَا مثل ضربه فِي تَفْضِيل نَفسه مَعَ شيخوخته وَقد أدّبه الدَّهْر على الْأَحْدَاث الَّذين لم يجربوا الْأُمُور فَيَقُول: للْفرس المتناهي فِي الْقُوَّة وَالسّن الَّذِي يجْرِي جرية المَاء سهولة ونفاذاً خير بَقَاء وَأبْعد غَايَة من ابْن سنتَيْن وَهُوَ مهمل لم يُؤَدب بإسراج وَلَا إلجام. وَهَذَا الشّعْر لم يذكر قَائِله أحد من شرَّاح الحماسة.

وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد الثَّالِث وَالسَّبْعُونَ بعد الْمِائَة: الْكَامِل باكرت حَاجَتهَا الدَّجَاج بسحرة عَجزه: لأعل مِنْهَا حِين هَب نيامها على أَن الدَّجَاج مَنْصُوب على الظّرْف بِتَقْدِير مضافين أَي: وَقت صياح الدَّجَاج إِذا كَانَت باكرت بِمَعْنى بكرت لَا غالبت بالبكور. أَقُول: باكر مُتَعَدٍّ بِنَفسِهِ إِلَى مفعول وَاحِد قَالَ فِي الْمِصْبَاح: وباكرت بِمَعْنى بكرت إِلَيْهِ. وحاجتها: مفعول باكرت. وَبكر بِالتَّخْفِيفِ من بَاب قعد فعل لَازم يتَعَدَّى بإلى يُقَال: بكر إِلَى الشَّيْء بِمَعْنى بَادر إِلَيْهِ أيّ وَقت كَانَ. وَقَالَ أَبُو زيد فِي كتاب المصادر: بكر بكوراً وَغدا غدوّاً هَذَانِ من أول النَّهَار. فَإِذا نقل إِلَى فَاعل للمغالبة تعدّى إِلَى مفعول وَاحِد. تعدى إِلَى مفعول وَاحِد. وَمعنى المغالبة أَن يغلب الْفَاعِل الْمَفْعُول فِي معنى الْمصدر. فضمير الْمُتَكَلّم الَّذِي هُوَ التَّاء فَاعل وَقد غَالب) الدَّجَاج وَهُوَ الْمَفْعُول فِي البكور فغلبه فِيهِ. فَيكون حَاجَتهَا: مَنْصُوبًا بِنَزْع الْخَافِض وَهُوَ إِلَى لِأَن أصل باكر يتَعَدَّى بِهِ كَمَا ذكرنَا. فَإِذا كَانَ باكر من بَاب المغالبة كَانَ للتكثير فِي البكور إِلَى الْحَاجة نَحْو ضاعفت الشَّيْء بِمَعْنى كثرت أضعافه فَيكون قَوْله: حَاجَتهَا مَفْعُوله وَيكون الدَّجَاج مَنْصُوبًا على الظّرْف بِتَقْدِير مصدر مُضَاف وَالتَّقْدِير صياح الدَّجَاج وَهَذَا الْمصدر نَائِب عَن اسْم الزَّمن الْوَاقِع ظرفا أَي: وَقت صياحه. وَقد ذكر ابْن قُتَيْبَة هَذَا الْبَيْت

فِي أَبْيَات الْمعَانِي وَحمله على المغالبة مَعَ تَقْدِيره الْمُضَاف فَقَالَ: أَي: بادرت بحاجتي إِلَى شربهَا أصوات الدّيكة لأشرب مِنْهَا مرّة بعد مرّة: وَهُوَ الْعِلَل انْتهى. وَمعنى بادرت سبقت. وَكَذَا قَالَ شرَّاح المعلقات: وَهَذَا الْبَيْت من معلقَة لبيد بن ربيعَة الْمَشْهُورَة وَقَبله: (أغلي السباء بِكُل أدكن عاتق ... أَو جونة قدحت وفضّ ختامها) (بصبوح صَافِيَة وجذب كرينة ... بموتر تأتاله إبهامها) باكرت حَاجَتهَا الدَّجَاج بسحرة قَوْله: أغْلى بِضَم الْهمزَة أَي: أَشْتَرِي غالياً. والسباء: بِالْكَسْرِ وَالْمدّ: اشْتِرَاء الْخمر وَلَا يسْتَعْمل فِي غَيرهَا يُقَال: سبأت الْخمر بِالْهَمْز أسبؤها بِالضَّمِّ سبئاً بِسُكُون الْبَاء ومسبأ: إِذا (كأساً بفيها صهباء مغرقة ... يغلو بأيدي التُّجَّار مسبؤها) أَي: غنها من جودتها يغلو اشتراؤها واستبأتها مثله وَالِاسْم السباء على فعال بِكَسْر الْفَاء وَمِنْه سميت الْخمر سبيئة على وزن فعيلة وخمارها سبّاء على فعّال بِالتَّشْدِيدِ. وَأما إِذا اشْتَرَيْتهَا لتحملها إِلَى بلد آخر قلت سبيت الْخمر بِلَا همز كَذَا فِي الصِّحَاح وَالْبَاء بِمَعْنى مَعَ. والأدكن: الزق الأغبر. والعاتق: قيل هِيَ الْخَالِصَة يُقَال لكل مَا خلص: عاتق وَقيل: الَّتِي عتقت وَقيل: الَّتِي لم تفتح. فَهُوَ من صفة الْخمر وَهُوَ الصَّحِيح

لِأَنَّهُ يُقَال: اشْترى زق خمر وَإِنَّمَا اشْترى الْخمر: ف عاتق مُضَاف إِلَيْهِ. وَقيل: العاتق من صِفَات الزقّ فَهُوَ وصف لأدكن. والجونة بِفَتْح الْجِيم: الخابية. وقدحت بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول بِمَعْنى غرفت والمقدحة بِالْكَسْرِ: المغرفة وَقيل: قدحت: مزجت وَقيل: مَعْنَاهُ بزلت يُقَال: بزلت الشَّيْء بزلاً بِالْمُوَحَّدَةِ وَالزَّاي الْمُعْجَمَة إِذا ثقبته واستخرجت مَا فِيهِ. وفضّ كسر وختامها: طينها. وَفِيه تَقْدِيم وَتَأْخِير أَي: فض ختامها وقدحت لِأَنَّهُ مَا لم) يكسر ختامها لَا يُمكن اغتراف مَا فِيهَا. يَقُول: أَشْتَرِي الْخمر غَالِيَة السّعر: باشتراء كل زق أدكن أَو خابية سَوْدَاء قد فض ختامها واغترف مِنْهَا. وتحرير الْمَعْنى: أَشْتَرِي الْخمر للندماء عِنْد غلاء السّعر. وأشتري كل زق مقير أَو خابية مقيّرة. وَإِنَّمَا قيّرا لِئَلَّا يرشحا بِمَا فيهمَا. وَقَوله: بصبوح صَافِيَة الخ والصبوح: شرب الْغَدَاة وَيُرِيد: بالصافية الْخمر والكرينة بِفَتْح الْكَاف وَكسر الرَّاء الْمُهْملَة: الْمُغنيَة بِالْعودِ والكران بِكَسْر الْكَاف هُوَ الْعود. والموتر: الْعود الَّذِي لَهُ أوتار. وتأتاله بِفَتْح اللَّام الجارّة: من قَوْلك تأتيت لَهُ كَأَنَّهَا تفعل ذَلِك على مهل وَترسل. ويروى: تأتاله بِضَم اللَّام: من قَوْلك ألت الْأَمر: إِذا أصلحته كَذَا فِي شُرُوح المعلقات. وَرُوِيَ: وصبوح صَافِيَة بواو ربّ وَالْمعْنَى: كم صبوح من خمر صَافِيَة استمتعت باصطباحها وجذب عوّادة عوداً موتّراً يعالجه إِبْهَام العوّادة استمتعت بالإصغاء إِلَى غنائها. وَقَوله: باكرت حَاجَتهَا الخ باكرت متعالق قَوْله: بصبوح صَافِيَة على رِوَايَة الْبَاء وَهُوَ جَوَاب وَاو ربّ على رِوَايَة الْوَاو. وَرُوِيَ: بادرت

مَوضِع باكرت. وَضمير حَاجَتهَا رَاجع إِلَى الصافية المارد مِنْهَا الْخمر وَمَعْنَاهُ: حَاجَتي فِي الْخمر فأضاف الْحَاجة إِلَى ضمير الْخمر اتساعاً وَجعله الشَّارِح الْمُحَقق فِيمَا يَأْتِي قَرِيبا من بَاب إِضَافَة الْمصدر إِلَى ظرفه وَقَالَ: إِلَّا أَنه كالمضاف إِلَى الْمَفْعُول بِهِ الْمَنْصُوب بِنَزْع الْخَافِض أَي: حَاجَتي إِلَيْهَا وَهُوَ فِي الْحَقِيقَة بِمَعْنى الللام. وَرُوِيَ فِي ديوانه: باكرت لدّتها الدَّجَاج وَهُوَ جمع دجَاجَة بِفَتْح الدَّال وَكسرهَا يُطلق على الذّكر وَالْأُنْثَى وَالْهَاء للْوَاحِد من الْجِنْس وَالْمرَاد هُنَا الديوك. وَالْمعْنَى: باكرت بشربها صياح الديكة. والسحرة بِالضَّمِّ: أول السّحر. وَقَوله: لأعلّ مُتَعَلق بباكرت وبالبناء للْمَفْعُول من الغلل وَهُوَ الشّرْب الثَّانِي وَقد يُقَال للثَّالِث وَالرَّابِع: علل من قَوْلهم: تعلّلت بِهِ أَي: انتفعت بِهِ مرّة بعد مرّة والنهل محركة: الشّرْب الأوّل. أَي: تعاطيت شربهَا قبل صدح الديك لأسقى مِنْهَا مرّة بعد أُخْرَى أَي: حِين اسْتَيْقَظَ نيام السحر. وهبّ من نَومه: اسْتَيْقَظَ. ونيام: جمع نَائِم. وَمثله للنابغة الجعديذ: (سبقت صياح فراريجها ... وَصَوت نواقيس لم تضرب) قَالَ الْأَصْمَعِي: الفراريج: الديكة. وَقَالَ جرير مثله: (لما تذكرت بالديرين أرّقني ... صَوت الدَّجَاج وَضرب بالنواقيس)) وترجمة لبيد بن ربيعَة تقدّمت فِي الشَّاهِد الثَّانِي وَالْعِشْرين بعد الْمِائَة.

وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد الرَّابِع وَالسَّبْعُونَ بعد الْمِائَة يَا سَارِق اللَّيْلَة أهل الدَّار على أَنه قد يتوسع فِي الظروف المنصرفة فيضاف إِلَيْهَا الْمصدر وَالصّفة المشتقة مِنْهُ فَإِن اللَّيْل ظرف متصرّف وَقد أضيف إِلَيْهِ سَارِق وَهُوَ وصف. وَقد وَقع هَذَا فِي كتاب سِيبَوَيْهٍ. وَأوردهُ الفرّاء أَيْضا فِي تَفْسِيره عِنْد قَوْله تَعَالَى فَلَا تحسبن الله مخلف وعده رسله وَقَالَ: أضَاف سَارِق إِلَى اللَّيْلَة وَنصب أهل. وَكَانَ بعض النحوييين ينصب اللَّيْلَة ويخفض أهل فَيَقُول: يَا سَارِق اللَّيْلَة أهل الدَّار هَذَا كَلَامه. قَالَ ابْن خروف فِي شرح الْكتاب: أهل الدَّار مَنْصُوب بِإِسْقَاط الْجَار ومفعوله الأول مَحْذُوف وَالْمعْنَى: يَا سَارِق اللَّيْلَة لأهل الدَّار مَتَاعا فسارق مُتَعَدٍّ لثَلَاثَة أَحدهمَا اللَّيْلَة على السعَة وَالثَّانِي بعد إِسْقَاط حرف الْجَرّ وَالثَّالِث مفعول حَقِيقِيّ. وَجَمِيع الْأَفْعَال متعديها ولازمها يتَعَدَّى إِلَى الْأَزْمِنَة والأمكنة. انْتهى. وَفِيه نظر فَإِن أهل اللُّغَة نقلوا: أَن سرق يتَعَدَّى بِنَفسِهِ إِلَى مفعولين قَالَ صَاحب الْمِصْبَاح وَغَيره: سَرقه مَالا يسرقه من بَاب ضرب وسرق مِنْهُ مَالا يتَعَدَّى إِلَى الأول بِنَفسِهِ وبالحرف فَجعل من فِي الْمِثَال الثَّانِي زَائِدَة. فَالصَّوَاب أَن اللَّيْلَة هُوَ الْمَفْعُول الأول وَأهل الدَّار بدل مِنْهَا فَيَقْتَضِي أَن يكون مَنْصُوبًا بسارق آخر لِأَن الْبَدَل

على نِيَّة تكْرَار الْعَامِل وَالْمَفْعُول الثَّانِي حذف لإِرَادَة التَّعْمِيم أَي: مَتَاعا وَنَحْوه. قَالَ السَّيِّد فِي شرح الْكَشَّاف: وَأهل الدَّار مَنْصُوب بسارق لاعتماه على حرف النداء كَقَوْلِك: يَا ضَارِبًا زيدا وَيَا طالعاً جبلا. وتحقيقه: أَن النداء يُنَاسب الذَّات فَاقْتضى تَقْدِير الْمَوْصُوف أَي: يَا شخصا ضَارِبًا. انْتهى. وَلم يجر للْمَفْعُول الثَّانِي ذكرا وَكَأَنَّهُ لوضوحه تَركه. وَقَول الفناري فِي حَاشِيَة المطول: الظَّاهِر أَن انتصاب أهل الدَّار بمقدر أَي: احذر أهل الدَّار خلاف الْمَعْنى الْمَقْصُود. قَالَ السَّيِّد: والاتساع فِي الظّرْف أَن لَا يقدر مَعَه فِي توسعاً فينصب نصب الْمَفْعُول بِهِ كَقَوْلِه: وَيَوْما شهدناه أَو يُضَاف إِلَيْهِ على وتيرته ك مَالك يَوْم الدَّين وسارق) اللَّيْلَة حَيْثُ جعل الْيَوْم مَمْلُوكا وَاللَّيْلَة مسروقة وَأما مكر اللَّيْل وَالنَّهَار فَإِن جعلا ممكوراً بهما كَمَا يَقْتَضِيهِ سِيَاق كَلَامه فِي الْمفصل كَانَ مِثَالا لما نَحن فِيهِ: من إِجْرَاء الظّرْف مجْرى الْمَفْعُول بِهِ وَإِن جعلا ماكرين كَانَا مشبهين بِهِ فِي إِعْطَاء الظّرْف حكم غَيره. وَالْإِضَافَة فِي الْكل بِمَعْنى اللَّام. وَلم يُقيد المُصَنّف يَعْنِي الزَّمَخْشَرِيّ الْإِضَافَة بِمَعْنى فِي وَإِن كَانَت رَافِعَة مُؤنَة الاتساع وَمَا يتبعهُ من الْإِشْكَال إِمَّا لِأَن إِجْرَاء الظّرْف مجْرى الْمَفْعُول بِهِ قد تحقق فِي الضمائر بِلَا خلاف وَصُورَة الْإِضَافَة لما احتملت وَجْهَيْن كَانَت مَحْمُولَة على مَا تحقق فَلَا إِضَافَة عِنْدهم بِمَعْنى فِي. وَإِمَّا لِأَن الاتساع يسْتَلْزم فخامة فِي الْمَعْنى فَكَانَ عِنْد أَرْبَاب الْبَيَان بِالِاعْتِبَارِ أولى. وَمن أثبتها من النُّحَاة فلنظرة فِي تَصْحِيح الْعبارَة على ظَاهرهَا. انْتهى كَلَامه.

وَقَوله: وَمَا يتبعهُ من الْإِشْكَال هُوَ وصف الْمعرفَة بالنكرة لِأَن الْإِضَافَة على الاتساع لفظية فيشكل كَونه صفة للاسم الْكَرِيم فَلَو كَانَت الْإِضَافَة بِمَعْنى فِي لكَانَتْ معنوية وَصَحَّ الْوَصْف بِهِ لحُصُول التَّعْرِيف للمضاف بِنَاء على أَن الْإِضَافَة اللفظية لَا تكون على تَقْدِير حرف. وَاعْلَم أَن صَاحب الْكَشَّاف قَالَ فِي مَالك يَوْم الدَّين: معنى الْإِضَافَة على الظَّرْفِيَّة بعد أَن قَالَ: إِن يَوْم الدَّين أضيف إِلَيْهِ مَالك على الاتساع فَظَاهره التَّنَافِي بَينهمَا لِأَن الْإِضَافَة على الاتساع لفظية وَكَون الْمَعْنى على الظرفيى يَقْتَضِي أَن الْإِضَافَة معنوية. فَدفعهُ السَّيِّد بقوله: يَعْنِي أَن الظّرْف وَإِن قطع فِي الصُّورَة عَن تَقْدِير فِي وأوقع موقع الْمَفْعُول بِهِ إِلَّا أَن الْمَعْنى الْمَقْصُود الَّذِي سيق الْكَلَام لأَجله على الظَّرْفِيَّة لِأَن كَونه مَالِكًا ليَوْم الدَّين كِنَايَة عَن كَونه مَالِكًا فِيهِ لِلْأَمْرِ كُله فَإِن تملّك الزَّمَان كتملك الْمَكَان يسْتَلْزم تملّك جَمِيع مَا فِيهِ انْتهى. وَإِضَافَة الْوَصْف إِلَى الظّرْف الْمَذْكُور من قبيل الْمجَاز اللّغَوِيّ عِنْد السَّيِّد وَمن بَاب الْمجَاز الْحكمِي عِنْد التَّفْتَازَانِيّ. ورده السَّيِّد بقوله: وَمن قَالَ: الْإِضَافَة فِي مَالك يَوْم الدَّين مجَاز حكمي ثمَّ زعم أَن الْمَفْعُول بِهِ مَحْذُوف عامّ يشْهد لعمومه الْحَذف بِلَا قرينَة ورد عَلَيْهِ أَن مثل هَذَا الْمَحْذُوف مُقَدّر فِي حكم الملفوظ فَلَا مجَاز حكمياً كَمَا فِي واسأل الْقرْيَة إِذْ كَانَ الْأَهْل مُقَدرا انْتهى.

وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد الْخَامِس وَالسَّبْعُونَ بعد الْمِائَة وَهُوَ من شَوَاهِد: أسْتَغْفر الله ذَنبا هُوَ قِطْعَة من بَيت وَهُوَ: (أسْتَغْفر الله ذَنبا لست محصيه ... رب الْعباد إِلَيْهِ الْوَجْه وَالْعَمَل) على أَن الأَصْل اسْتغْفر الله من ذَنْب فَحذف من لِأَن اسْتغْفر يتَعَدَّى إِلَى الْمَفْعُول الثَّانِي بِمن. وَمَعْنَاهُ طلب الْمَغْفِرَة أَي: السّتْر على ذنُوبه. وَأَرَادَ بالذنب جَمِيع ذنُوبه فَإِن النكرَة قد تعم فِي الْإِثْبَات. وَيدل عَلَيْهِ قَوْله: لست محصيه أَي: انا لَا أحصي عدد ذُنُوبِي الَّتِي أذنبتها وَأَنا أسْتَغْفر الله من جَمِيعهَا. وَرب الْعباد صفة للاسم الْكَرِيم. قَالَ الأعلم: وَالْوَجْه هُنَا: الْقَصْد وَالْمرَاد وَهُوَ بِمَعْنى التَّوَجُّه أَي: إِلَيْهِ التَّوَجُّه فِي الدُّعَاء والطلب وَالْمَسْأَلَة وَالْعِبَادَة وَالْعَمَل لَهُ. يُرِيد: هُوَ الْمُسْتَحق للطاعة. وَهَذَا الْبَيْت من أَبْيَات سِيبَوَيْهٍ الْخمسين الَّتِي لَا يعرف قَائِلهَا. وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد السَّادِس وَالسَّبْعُونَ بعد الْمِائَة وَهُوَ من شَوَاهِد الْمفصل:

كَوْكَب الخرقاء وَهُوَ قِطْعَة من بَيت وَهُوَ: (إِذا كَوْكَب الخرقاء لَاحَ بسحرة ... سُهَيْل أذاعت غزلها فِي القرائب) على أَن الشَّيْء قد يُضَاف إِلَى الشَّيْء لأدنى مُلَابسَة. بَيَانه: أَن الخرقاء هِيَ الْمَرْأَة الَّتِي لَا تحسن عملا والأخرق: الرجل الَّذِي لَا يحسن صَنْعَة وَعَملا يُقَال: خرق بالشَّيْء من بَاب قرب: إِذا لم يعرف عمله. وَذَلِكَ إِمَّا من تنعم وترفه أَو من عدم استعداد وقابلية. وَمِنْه الخرقاء صَاحِبَة ذِي الرمة فَإِنَّهُ أول مَا رَآهَا أَرَادَ أَن يستطعم كَلَامهَا فَقدم إِلَيْهَا دلواً فَقَالَ: اخرزيها لي فَقَالَت: إِنِّي خرقاء أَي: لَا أحسن الْعَمَل وَلَيْسَ الخرقاء هُنَا الْمَرْأَة الحمقاء كَمَا توهم فأضاف الْكَوْكَب إِلَى الخرقاء بملابسة أَنَّهَا لما فرطت فِي غزلها فِي الصَّيف وَلم تستعد للشتاء استغزلت قرائبها عِنْد طُلُوع سُهَيْل سحرًا وَهُوَ زمَان مَجِيء الْبرد فبسبب هَذِه الملابسة سمي سُهَيْل كَوْكَب الخرقاء.) وَالْإِضَافَة لأدنى مُلَابسَة من قبيل الْمجَاز اللّغَوِيّ عِنْد السَّيِّد وَمن الْمجَاز الْعقلِيّ عِنْد التَّفْتَازَانِيّ. قَالَ السَّيِّد فِي شرح الْمِفْتَاح فِي بَيَان الْإِضَافَة لأدنى مُلَابسَة: الْهَيْئَة التركيبية فِي الْإِضَافَة اللامية مَوْضُوعَة للاختصاص الْكَامِل الْمُصَحح لِأَن يخبر عَن الْمُضَاف بِأَنَّهُ للمضاف إِلَيْهِ. فَإِذا اسْتعْملت فِي أدنى مُلَابسَة كَانَت مجَازًا لغوياً لَا حكمياً كَمَا توهم. لِأَن الْمجَاز فِي الحكم إِنَّمَا يكون بِصَرْف النِّسْبَة عَن محلهَا الْأَصْلِيّ إِلَى مَحل آخر لأجل مُلَابسَة بَين المحلين. . وَظَاهر أَنه لم يقْصد صرف نِسْبَة الْكَوْكَب عَن شَيْء إِلَى الخرقاء بِوَاسِطَة مُلَابسَة بَينهمَا بل نسب الْكَوْكَب إِلَيْهَا لظُهُور جدها فِي تهيئة ملابس

الشتَاء بتفريقها قطنها فِي قرائبها ليغزل لَهَا فِي زمَان طلوعه الَّذِي هُوَ ابْتِدَاء الْبرد فَجعلت هَذِه الملابسة بِمَنْزِلَة الِاخْتِصَاص الْكَامِل. وَفِيه لطف. انْتهى كَلَامه. وَبِه يسْقط أَيْضا كَلَام السَّيِّد عِيسَى الصفوي فِي جعله هَذِه الْإِضَافَة حَقِيقِيَّة وَلَيْسَ من الْمجَاز فِي شَيْء فَإِنَّهُ قَالَ فِي مناقشته: فَإِن ذَلِك مِمَّا لم يفهم من كَلَامهم وَالْأَصْل الْحَقِيقَة. مَعَ أَنهم صَرَّحُوا بِأَن اللَّام مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيّ مُطلق الِاخْتِصَاص بِمَعْنى الْمُنَاسبَة التَّامَّة وَزِيَادَة الخصوصية. فَلَا مجَاز فِي قَوْلنَا كَوْكَب الخرقاء انْتهى. وكوكب الخرقاء: فَاعل بِفعل مَحْذُوف يفسره لَاحَ. وَسُهيْل بِالرَّفْع: عطف بَيَان لكوكب الخرقاء. وَجُمْلَة أذاعت جَوَاب إِذا. وأذاعت أَي: فرقت وفاعله ضمير الْمُضَاف إِلَيْهِ أَعنِي الخرقاء وَرُوِيَ: أشاعت غزلها أَي: فرقته متعدي شاع اللَّبن فِي المَاء: إِذا تفرق وامتزج بِهِ. قَالَ الْأَصْمَعِي: إِذا طلع سُهَيْل عِنْد غرُوب الشَّمْس أول اللَّيْل كَانَ وَقت تَمام السّنة وَفِي الشتَاء يطلع من أول اللَّيْل وَفِي آخر الصَّيف قبيل الشتَاء من آخر اللَّيْل. وَقد أنْشد ابْن السّكيت هَذَا الْبَيْت فِي أَبْيَات الْمعَانِي وَأورد بعده: (وَقَالَت: سَمَاء الْبَيْت فَوْقك مَنْهَج ... وَلما تيَسّر أحبلاً للركائب) وَقَالَ: تَقول لزَوجهَا إِذا لَاحَ سُهَيْل: سَمَاء الْبَيْت فَوْقك مَنْهَج أَي: مخلق واما تيَسّر لركائبنا أحبلاً فَكيف تنتجع على هَذِه الْحَالة انْتهى. فجملة قَالَت مَعْطُوف على أذاعت.

(باب المفعول له)

قَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: الْبَيْت عِنْد الْعَرَب إِنَّمَا هُوَ من صوف أَو شعر فَإِذا كَانَ من شجر فَهُوَ خيمة. وَالسَّمَاء: السّقف مُذَكّر وكل عَال مظلّ سَمَاء. والمنهج: اسْم فَاعل من أنهج الثَّوْب:) إِذا أَخذ فِي البلى. وتيسر: تسهل وتهيئ مجزوم بلمّا. وأحبل: جمع حَبل وَهُوَ الرسن وَنَحْوه. والركائب: جمع ركاب والركاب بِالْكَسْرِ: الْإِبِل االتي يسَار عَلَيْهَا الْوَاحِدَة رَاحِلَة وَلَيْسَ لَهُ وَاحِد من لَفظه. 3 - (بَاب الْمَفْعُول لَهُ) أنْشد فِيهِ وَهُوَ الشَّاهِد السَّابِع وَالسَّبْعُونَ بعد الْمِائَة وَهُوَ من شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ: (يركب كل عَاقِر جُمْهُور ... مَخَافَة وزعل المحبور) والهول من تهول الهبور على أَن زعل المحبور والهول مفعول لأَجله. وَفِيه رد على الْجرْمِي فِي زَعمه أَن الْمُسَمّى مَفْعُولا لأَجله هُوَ حَال. فَيلْزم تنكيره. وَبَيَان الرَّد: أَن الأول معرف بِالْإِضَافَة وَهِي إِضَافَة معنوية وَالثَّانِي معرف بأل فَلَا يكونَانِ حَالين فَتعين أَن يكون كل مِنْهُمَا مَفْعُولا لأَجله. وَقَالَ ابْن بري فِي شرح أَبْيَات الْإِيضَاح: وانتصاب مَخَافَة وزعل والهول المعطوفين عَلَيْهِ على الْمَفْعُول لَهُ. وَأَصله اللَّام فَلَمَّا سقط الْخَافِض تعدى إِلَيْهِ الْفِعْل. والرياشي زعم أَنه لَا يكون إِلَّا نكرَة كالحال والتمييز. وسيبويه يُجِيز الْأَمريْنِ. انْتهى.

وَهَذَا من أرجوزة للعجاج. شبه بعيره فِي السرعة بالثور الوحشي الْمَوْصُوف بِهَذَا الْوَصْف. فَقَوله: يركب فَاعله ضمير الثور الوحشي الَّذِي خَافَ من الصياد فَذهب على وَجهه مسرعاً يصعد تلال الرمل ويعتسف المشاق. والعاقر: الْعَظِيم من الرمل الَّذِي لَا ينْبت شَيْئا شبه بالعاقر الَّتِي لَا تَلد. قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: العاقر من الرمل: الْعَظِيم. وَقَالَ غَيره: المشرف الطَّوِيل. وَهَذَا التَّفْسِير كُله وَاحِد لِأَن المشرف الطَّوِيل والرمل الْعَظِيم لَا ينْبت لعدم التُّرَاب والرطوبة الَّتِي يكسبها المطمئن السهل من الرمل. وَالْجُمْهُور بِالضَّمِّ: الرملة المشرفة على مَا حولهَا وَهِي المجتمعة وَهُوَ صفة لعاقر. وَإِنَّمَا خصّه لِأَن بقر الْوَحْش إِذا دهمها القانص اعتصمت بركوب الرمل فَلَا تقدر الْكلاب عَلَيْهَا. وَقَوله: مَخَافَة مفعول لأَجله. قَالَ صَاحب اللّبَاب: الْمَفْعُول لَهُ عِلّة الْإِقْدَام على) الْفِعْل يكون سَببا غائياً كَقَوْلِه: وأغفر عوراء الْكَرِيم ادخاره وسبباً باعثاً لَيْسَ غَايَة يقْصد قَصدهَا نَحْو قَوْله وَأنْشد شعر العجاج فالخوف والزعل والهول كل مِنْهَا سَبَب باعث على ركُوب الْجُمْهُور لَا سَبَب غائي. وزعل مَعْطُوف على مَخَافَة وَهُوَ بالزاي الْمُعْجَمَة وَالْعين الْمُهْملَة بِمَعْنى النشاط مصدر زعل من بَاب فَرح وَالْوَصْف (ولى يهذ انهزاماً وَسطهَا زعلاً ... جذلان قد أفرخت عَن روعه الكرب) وَقَالَ طرفَة بن العَبْد:

وبلاد زعل ظلمانها والمحبور: اسْم مفعول من حبرني الشَّيْء إِذا سرني من بَاب قتل. ف زعل مصدر مُضَاف إِلَى فَاعله فَلَيْسَ مَفْعُولا لأَجله لاخْتِلَاف الْفَاعِل وَإِنَّمَا هُوَ مصدر تشبيهي أَي: زعلاً كزعل المحبور فالمحذوف هُوَ الْمَفْعُول لَهُ. وَقَوله: والهول مَعْطُوف على مَخَافَة وَهُوَ مصدر هاله يهوله هولاً: إِذا أفزعه. قَالَ الشَّارِح: فالهول مَعْنَاهُ الإفزاع لَا الْفَزع والثور لَيْسَ بمفزع بل هُوَ فزع. فالفاعلان مُخْتَلِفَانِ. وَقد جوزه بعض النَّحْوِيين وَهُوَ الَّذِي يقوى فِي ظَنِّي وَإِن كَانَ الْأَغْلَب هُوَ الأول ا. هـ. وَقد فسره شرَّاح أَبْيَات الْكتاب بالفزع وَهُوَ الْمَشْهُور. وَعَلِيهِ فالفاعل مُتحد. وَنقل أَبُو الْبَقَاء فِي شرح الْإِيضَاح الْفَارِسِي عَن بَعضهم أَنه مَعْطُوف على كل عَاقِر أَي: يركب كل عَاقِر ويركب الهول فَيكون مصدرا بِمَعْنى اسْم الْمَفْعُول. والتهول تفعل مِنْهُ وَهُوَ أَن يعظم الشَّيْء فِي نَفسك حَتَّى يهولك أمره. والهبور: جمع هبر بِفَتْح فَسُكُون وَهُوَ مَا اطْمَأَن من الأَرْض وَمَا حوله مُرْتَفع. وروى شَارِب اللب: وَقَالَ: الهول: الْخَوْف. والتهور: الانهدام. أَي: ولمخافته من تهور

الْأَمْكِنَة المطمئنة. وَقد اسْتدلَّ صَاحب اللب لتعريف الْمَفْعُول لَهُ بزعل المحبور فَقَط من هَذَا الشّعْر. قَالَ شَارِحه: وَإِنَّمَا لم يذكر آخر الْبَيْت ليَكُون شَاهدا أَيْضا للْمَفْعُول لَهُ الْمُعَرّف بِاللَّامِ وَهُوَ الهول كَمَا ذكر الْمُعَرّف بِالْإِضَافَة لِأَنَّهُ ذكر فِي شرح أَبْيَات الْكتاب أَن الهول عطف على كل وعَلى هَذَا يكون مَفْعُولا بِهِ لَا مَفْعُولا لَهُ فَلَا يكون الْإِتْيَان بِهِ نصا فِي الاستشهاد ا. هـ. قَالَ ابْن خلف: زعل المحبور عطف على مَخَافَة والهول مَعْطُوف على كل ثمَّ قَالَ: وَالْأَصْل) لمخافة ولزعل المحبور وللهول أَي: لأجل هَذِه الْأَشْيَاء يركب كل كثيب. هَذَا كَلَامه. وترجمة العجاج تقدّمت فِي الشَّاهِد الْحَادِي وَالْعِشْرين. وأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد الثَّامِن وَالسَّبْعُونَ بعد الْمِائَة قَول ابْن دُرَيْد: (وَالشَّيْخ إِن قومته من زيغه ... لم يقم التثقيف مِنْهُ مَا التوى) على أَنه يجوز أَن يُقَال ضَربته تقويماً فَمَا استقام إِذْ قد يُطلق أَنه حصل التَّأْثِير. والتقويم: التَّعْدِيل يُقَال: قومته تقويماً فتقوّم وَمثله أَقَامَهُ أَي: عدله. والزيغ: الْميل يُقَال: زاغت الشَّمْس تزِيغ زيغاً وأزاغه إزاغة أَي: أماله. والتثقيف: تَعْدِيل المعوج. وَمِنْه: مُتَعَلق بيقم. وَمَا: مَوْصُولَة أَو مَوْصُوفَة وَيجوز أَن تكون مَصْدَرِيَّة. والتوى: تعوج وفاعله ضمير مَا على الأول وَضمير الشَّيْخ على الثَّانِي. وَجُمْلَة الشَّرْط وَالْجَزَاء فِي مَحل رفع خبر الْمُبْتَدَأ الَّذِي هُوَ الشَّيْخ.

وَهَذَا الْبَيْت من مَقْصُورَة ابْن دُرَيْد الْمَشْهُورَة. وَقبل هَذَا الْبَيْت: (وَالنَّاس كالنبت: فَمِنْهُ رائق ... غضّ نضير عوده مرّ الجنى) (وَمِنْه مَا تقتحم الْعين فَإِن ... ذقت جناه انساغ عذباً فِي اللها) (يقّوم الشارخ من زيغانه ... فيستوي مَا انعاج مِنْهُ وانحنى) وَالشَّيْخ إِن قومته من زيغه ... . الْبَيْت (كَذَلِك الْغُصْن يسير عطفه ... لدنا شَدِيد غمزه إِذا عسا) (من ظلم النَّاس تحاموا ظلمه ... وَعز فيهم جانباه واحتمى) (وهم لمن لَان لَهُم جَانِبه ... أظلم من حيات أنباث السفى) وَالنَّاس كلاًّ إِن فحصت عَنْهُم جَمِيع أقطار الْبِلَاد والقرى (عبيد ذِي المَال وَإِن لم يطعموا ... من غمره فِي جرعة تشفي الصدى) (وهم لمن أملق أَعدَاء وَإِن ... شاركهم فِيمَا أَفَادَ وحوى) وتقتحمه الْعين. تفوته وتزدريه. واللها بِالْفَتْح: جمع لهاة وَهِي مَا بَين مُنْقَطع اللِّسَان إِلَى مُنْقَطع الْقلب من أَعلَى الْفَم. والشارخ: الشَّاب. والزيغان: الْعُدُول عَن الْحق وانعاج: انعطف. وَمَا: فِيهِ الْوَجْهَانِ.) وَقَوله: كَذَلِك الْغُصْن الْإِشَارَة رَاجِعَة إِلَى تَقْوِيم الشارخ وَالشَّيْخ. واللدن: اللين والطريّ. والغمز: الْعَصْر بِالْيَدِ والهزّ. وعسا: صلب وَاشْتَدَّ فِي الْقَامُوس: النبث كفلس: النبش وَقيل: التُّرَاب الْمُسْتَخْرج من الْبِئْر. والسفى بسين مُهْملَة مَفْتُوحَة وَفَاء: التُّرَاب وه امن قَوْلهم فِي الْمثل: أظلم من

حَيَّة لِأَنَّهَا لَا تحفر جحراً وَإِنَّمَا تَأتي إِلَى جُحر قد احتفره غَيرهَا فَتدخل فِيهِ وتغلب عَلَيْهِ فَكل بَيت قصدت إِلَيْهِ هرب أَهله مِنْهُ وخلّوه لَهَا. وَهَذِه القصيدة طَوِيلَة عدتهَا مِائَتَان وَتِسْعَة وَثَلَاثُونَ بَيْتا لَهَا شُرُوح لَا تحصى كَثْرَة. وَأحسن شروحها شرح الْعَلامَة الأديب أبي عَليّ مُحَمَّد بن أَحْمد بن هِشَام بن إِبْرَاهِيم اللَّخْمِيّ السبتي. وَقد شرحتها أَنا شرحاً موجزاً مَعَ إِيضَاح واف وتبيين شاف فِي أَيَّام الشبيبة. نفع الله بِهِ. ومدح ابْن دُرَيْد بِهَذِهِ الْمَقْصُورَة الشاه وأخاه أَبَا الْعَبَّاس إِسْمَاعِيل ابْني ميكال يُقَال: إِنَّهَا اشْتَمَلت على نَحْو الثُّلُث من الْمَقْصُور. وفيهَا كل مثل سَائِر وَخبر نَادِر مَعَ سلاسة أَلْفَاظ ورشاقة أسلوب وانسجام معَان يَأْخُذ بِمَجَامِع الْقُلُوب. وَهَذِه نبذة من نسبه وأحواله. وَهُوَ أَبُو بكر مُحَمَّد بن الْحسن بن دُرَيْد وَيَنْتَهِي نسبه إِلَى الأزد بن الْغَوْث وَمِنْه إِلَى قحطان وَهُوَ أَبُو قبائل الْيمن. ولد بِالْبَصْرَةِ فِي سنة ثَلَاث وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ وَنَشَأ بهَا وَتعلم فِيهَا ثمَّ ارتحل مِنْهَا مَعَ عَمه عِنْد ظُهُور الزنج وَسكن عمان وَأقَام اثْنَتَيْ عشرَة سنة ثمَّ عَاد إِلَى الْبَصْرَة وَسكن بهَا زَمَانا ثمَّ خرج إِلَى نواحي فَارس وَصَحب ابْني ميكال وَكَانَا يَوْمئِذٍ على عمالة فَارس وَعمل لَهما كتاب الجمهرة وقلداه ديوَان فَارس فَكَانَت الْكتب لَا تكْتب إِلَّا عَن رَأْيه وَلَا ينفذ أَمر إِلَّا بعد توقيعه. وَكَانَ سخيّاً متلافاً لَا يمسك درهما.

ومدحهما بِهِ هـ القصيدة الْمَقْصُورَة فوصلاه بِعشْرَة آلَاف دِرْهَم. ثمَّ انْتقل من فَارس إِلَى بَغْدَاد ودخلها سنة ثَمَان وثلثمائة بعد عزل ابْني ميكال وانتقالهما إِلَى خُرَاسَان. وَلما دخل بَغْدَاد أنزلهُ عَليّ بن مُحَمَّد فِي جواره وَأفضل عَلَيْهِ وعرّف الْخَلِيفَة المقتدر العباسي مَكَانَهُ من الْعلم فَأجرى عَلَيْهِ فِي كل شهر خمسين دِينَارا وَلم تزل جَارِيَة عَلَيْهِ إِلَى حِين وَفَاته. وَتُوفِّي يَوْم الْأَرْبَعَاء لِاثْنَتَيْ عشرَة لَيْلَة بقيت من شعْبَان سنة إِحْدَى وَعشْرين وثلثمائة بِبَغْدَاد. وَكَانَ مواظباً على شرب الْخمر قَالَ أَبُو مَنْصُور الْأَزْهَرِي: دخلت عَلَيْهِ فرأيته سَكرَان فَلم أعدل إِلَيْهِ. وَقَالَ ابْن شاهين: كُنَّا ندخل عَلَيْهِ فنستحي مِمَّا نرى عِنْده من العيدان وَالشرَاب) الْمُصَفّى. وَعرض لَهُ فِي رَأس التسعين من عمره فالج وَسقي الترياق فبرئ وصحّ وَرجع إِلَى أفضل أَحْوَاله. ثمَّ عاوده الفالج بعد عَام لغذاء ضار تنَاوله فَكَانَ يُحَرك يَدَيْهِ حَرَكَة ضَعِيفَة وَبَطل من محزمه إِلَى قَدَمَيْهِ فَكَانَ إِذا دخل عَلَيْهِ دَاخل ضج وتألم لدُخُوله. قَالَ تِلْمِيذه أَبُو عَليّ القالي: كنت أَقُول فِي نَفسِي: إِن الله عَزَّ وَجَلَّ ّ عاقبه لقَوْله فِي هَذِه الْمَقْصُورَة يُخَاطب الدَّهْر: (مارست من لَو هوت الأفلاك من ... جَوَانِب الجو عَلَيْهِ مَا شكا) وَكَانَ يَصِيح من الدَّاخِل عَلَيْهِ صياح من ينخس بالمسالأّ والداخل بعيد وَكَانَ مَعَ هَذِه الْحَال ثَابت الذِّهْن كَامِل الْعقل. وعاش مَعَ الفالج عَاميْنِ. وَكنت أسأله عَن أَشْيَاء فِي اللُّغَة فيردّ بأسرع من النَّفس بِالصَّوَابِ. وَقَالَ لي مرّة وَقد سَأَلته عَن بَيت لَئِن طفئت شحمتا عينيّ لم تَجِد من يشفيك من اعْلَم. وَكَانَ ينشد كثيرا:

(فواحزني أَن لاحياة لذيذة ... وَلَا عمل يرضى بِهِ الله صَالح) وَأشهر مشايخه: أَبُو حَاتِم السجسْتانِي والرياشي وَعبد الرَّحْمَن ابْن أخي الْأَصْمَعِي والأشنانداني. وَسمع الْأَخْبَار من عَمه الْحسن بن دُرَيْد وَمن غَيره. وَله من التآليف: الجمهرة فِي اللُّغَة وَكتاب السرج واللجام وَكتاب الأنواء وَكتاب المجتنى وَهَذِه الْكتب عِنْدِي وَالْحَمْد لله والْمنَّة. . وَله كتاب الِاشْتِقَاق وَكتاب الْخَيل الْكَبِير وَالصَّغِير وَكتاب الملاحن وَكتاب روّاد الْعَرَب وَكتاب الوشاح وَغير ذَلِك. وَكَانَ وَاسع الرِّوَايَة لم ير أحفظ مِنْهُ وَكَانُوا يقرؤون عَلَيْهِ دواوين الْعَرَب فيسابق إِلَى إِتْمَامهَا من حفظه. وَله شعر رائق. قَالَ بعض الْمُتَقَدِّمين: ابْن دُرَيْد أعلم الشُّعَرَاء وأشعر الْعلمَاء. قَالَ المسعوديّ فِي مروج الذَّهَب: كَانَ ابْن دُرَيْد بِبَغْدَاد مِمَّن برع فِي زَمَاننَا فِي الشّعْر. وانْتهى فِي اللُّغَة وَقَامَ مقَام الْخَلِيل بن أَحْمد فِيهَا وَأورد أَشْيَاء فِي اللُّغَة لم تُوجد فِي كتب الْمُتَقَدِّمين. وشعره أَكثر من أَن يُحْصى.

وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد التَّاسِع وَالسَّبْعُونَ بعد الْمِائَة وَهُوَ من شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ: (وأغفر عوراء الْكَرِيم ادخاره ... وَأعْرض عَن شتم اللَّئِيم تكرما) على أَنه يرد على من اشْترط التنكير فِي الْمَفْعُول لَهُ هَذَا الْبَيْت وَبَيت العجاج السَّابِق. فَإِن قَوْله: ادخاره مفعول لَهُ وَهُوَ معرفَة. قَالَ الأعلم: نصب الادخار والتكرم على الْمَفْعُول لَهُ وَلَا يجوز مثل هَذَا حَتَّى يكون الْمصدر من معنى الْفِعْل الْمَذْكُور قبله فيضارع الْمصدر الْمُؤَكّد لفعله كَقَوْلِك: قصدتك ابْتِغَاء الْخَيْر. فَإِن كَانَ الْمصدر لغير الأول لم يجز حذف حرف الْجَرّ لِأَنَّهُ لَا يشبه الْمصدر الْمُؤَكّد لفعله كَقَوْلِك: قصدتك لرغبة زيد فِي ذَلِك لِأَن الرَّاغِب غير القاصد انْتهى. لَكِن الْمبرد أخرجهُمَا من هَذَا الْبَاب وجعلهما من بَاب الْمَفْعُول الْمُطلق قَالَ فِي الْكَامِل: قَوْله: وأغفر عوراء الْكَرِيم ادخاره أَي: أدخره ادخاراً. وأضافه إِلَيْهِ كَمَا تَقول: ادخاراً لَهُ. وكذكلك قَوْله: تكرماً غنما أَرَادَ لتكرم: فَأخْرجهُ مخرج أتكرم تكرماً انْتهى. وأغفر: أستر يُقَال: غفر الله لي أَي: ستر عني الْعقُوبَة فَلم يعاقبني. والعوراء بِالْفَتْح: الْكَلِمَة القبيحة وَمِنْه الْعَوْرَة للسوءة

وكل مَا يستحى مِنْهُ. والادخار افتعال من الذخر. وروى أَبُو زيد ف نوادره: وأغفر عوراء الْكَرِيم اصطناعه وَهُوَ افتعال أَيْضا من الصنع وَهُوَ الْفِعْل الْجَمِيل. والإعراض عَن الشَّيْء: الصفح عَنهُ. يَقُول: إِذا بلغتني كلمة قبيحة عَن رجل كريم قَالَهَا فيّ غفرتها لَهُ لأجل كرمه وحسبه وأبقيت على صداقته وادّخرته ليَوْم أحتاج إِلَيْهِ فِيهِ لِأَن الْكَرِيم إِذا فرط مِنْهُ قَبِيح نَدم على مَا فعل وَمنعه كرمه أَن يعود إِلَى مثله وَأعْرض عَن ذمّ اللَّئِيم إِكْرَاما لنَفْسي عَنهُ وَمَا أحسن قَول طرفَة بن (وعوراء جَاءَت من أَخ فرددتها ... بسالمة الْعَينَيْنِ طالبة عذرا) وَهَذَا من أَحْكَام صَنْعَة الشّعْر ومقابلة الألقاب بِمَا يشاكلها ويتمّم مَعَانِيهَا وَذَلِكَ أَنه لما كَانَ الْكَلَام الْقَبِيح يشبّه بالأعور الْعين سمّي ضدّه سَالم الْعَينَيْنِ. وَقد أورد صَاحب الْكَشَّاف هَذَا الْبَيْت فِي التَّفْسِير عِنْد قَوْله تَعَالَى حذر الْمَوْت على أَنه مفعول لَهُ معرّفاً بِالْإِضَافَة كَمَا فِي ادّخاره.) وَهُوَ من قصيدة طَوِيلَة لحاتم الطائيّ تتَعَلَّق بِالْكَرمِ وَمَكَارِم الْأَخْلَاق. وَهِي مسطورة فِي الحماسة البصرية وَغَيرهَا. وَهِي هَذِه: (وعاذلتين هبّتا بعد هجعة ... تلومان متلافاً مُفِيدا ملوّما) ...

(تلومان لمّا غوّر النَّجْم ضلّة ... فَتى لَا يرى الْإِنْفَاق فِي الْحَمد مغرما) (فَقلت وَقد طَال العتاب عَلَيْهِمَا ... وأوعدتماني أَن تَبينا وتصرما) (أَلا لَا تلوماني على مَا تقدّما ... كفى بصروف الدّهر لمرء محكما) (فإنكما لَا مَا مضى تدركانه ... وَلست على مَا فَاتَنِي متندّما) (فنفسك أكرمها فَإنَّك إِن تهن ... عَلَيْك فَلَنْ تلقى لَهَا الدَّهْر مكرما) (أهن للَّذي تهوى التلاد فَإِنَّهُ ... إِذا مت كَانَ المَال نهباً مقسّما) (يقسمهُ غنما ويشري كَرَامَة ... وَقد صرت فِي خطّ من الأَرْض أعظما) (قَلِيلا بِهِ مَا يحمدنك وَارِث ... إِذا نَالَ مِمَّا كنت تجمع مغنما) (تحلّم عَن الأدنين واستبق ودّهم ... وَلنْ تَسْتَطِيع الْحلم حَتَّى تحلّما) (وعوراء قد أَعرَضت عَنْهَا فَلم تضر ... وَذي أود قوّمته فتقوما) وأغفر عوراء الْكَرِيم ادّخاره ... الْبَيْت (وَلَا أخذل الْمولى وَإِن كَانَ خاذلاً ... وَلَا أشتم ابْن العمّ إِن كَانَ مفحما) (وَلَا زادني عَنهُ غناي تباعداً ... وَإِن كَانَ ذَا نقص من المَال مصرما)

. (وليل بهيم قد تسربلت هوله ... إِذا اللَّيْل بالنكس الدنيء تجهما) (وَلنْ يكْسب الصعلوك حمداً وَلَا غنى ... إِذا هُوَ لم يركب من الْأَمر مُعظما) (لحا الله صعلوكاً مناه وهمّه ... من الْعَيْش أَن يلقى لبوساً ومغنماً) (ينَام الضُّحَى حَتَّى إِذا نَومه اسْتَوَى ... تنبّه مثلوج الْفُؤَاد مورّماً) (مُقيما مَعَ المثرين لَيْسَ ببارح ... إِذا نَالَ جدوى من طَعَام ومجثما) (وَللَّه صعلوك يساور همّه ... ويمضي على الْأَحْدَاث والدهر مقدما) (فَتى طلبات لَا يرى الخمص ترحة ... وَلَا شبعة إِن نالها عدّ مغنما) (إِذا مَا رأى يَوْمًا مَكَارِم أَعرَضت ... تيَمّم كبراهن ثمّت صمّما) (ويغشى إِذا مَا كَانَ يَوْم كريهة ... صُدُور العوالي فَهُوَ مختضب دَمًا) ) (يرى رمحه ونبله ومجنّه ... وَذَا شطب عضب الضريبة مخذما) (وأحناء سرج فاتر ولحامه ... عتاد فَتى هيجاً وطرفاً مسوّما) (فَذَلِك إِن يهْلك فحسنى ثَنَاؤُهُ ... وَإِن عَاشَ لم يقْعد ضَعِيفا مذمّما) قَوْله: هبتا أَي: استيقظتا. وغور النَّجْم أَي: غَابَتْ الثريا. وَقَوله: ضلة هُوَ قيد فِي اللوم لامه ضلة: إِذا لم يوفق للرشاد فِي لومه. والمغرم بِالْفَتْح الغرامة. وأغبر الْجوف: الْقَبْر وَمثله: خطّ من الأَرْض. وَقَوله: حَتَّى تحلما أَي: تتحلم أَي: تتكلف الْحلم. وَهَذَا الْبَيْت من شَوَاهِد مُغنِي اللبيب.

وَقَوله: فَلم تضر من ضار يضير ضد نفع. والأود بِفتْحَتَيْنِ: الاعوجاج. والنكس بِكَسْر النُّون: الرَّدِيء وَأَصله السهْم الَّذِي كسر فَوْقه. وتجهّم: كلح وَجهه. ولحا الله: قبح الله. والصعلوك بِالضَّمِّ: الْفَقِير. ومثلوج الْفُؤَاد: البليد الَّذِي لَيست فِيهِ حرارة من الهمة. والمجثم بِفَتْح الْمِيم وَكسر الْمُثَلَّثَة: مَكَان الجثوم وَهُوَ بروك الطَّائِر. وَقَوله: وَللَّه صعلوك تعجب ومدح يُقَال: عِنْد استغراب الشَّيْء واستعظامه أَي: هُوَ صنع الله ومختاره إِذْ لَهُ الْقُدْرَة على خلق مثله. ويساور: يواثب. وهمه أَي: عزمه مفعول. وَقَوله: ويمضي على الْأَحْدَاث أَي: لَا يشْغلهُ الدَّهْر وحوادثه فِي حَالَة إقدامه على مَا يُرِيد. وَقَوله: فَتى طلبات إِشَارَة إِلَى علو همته. والخمص بِالْفَتْح: الْجُوع. والترحة: ضد الفرحة. والشبعة: الْمرة من الشِّبَع. وثمت: حرف يعْطف الْجمل. ورمحه وَمَا عطف عَلَيْهِ: مفعول أول ليرى وعتاد هُوَ الْمَفْعُول الثَّانِي. ذَا شطب هُوَ السَّيْف جمع شطبة: وَهِي الطَّرِيقَة فِي متن السَّيْف. والمجنّ بِالْكَسْرِ: الترس والدرقة. والعضب: الْقَاطِع. والضريبة: مَوضِع الضَّرْب. والمخذم بِكَسْر أَوله وبالمعجمتين: السَّيْف الْقَاطِع وبإعجام الثَّانِي فَقَط من الخذم وَهُوَ الْقطع السَّرِيع. والأحناء: جمع حنو بِالْكَسْرِ يُطلق على مَا فِيهِ اعوجاج من القتب والسرج وَغَيرهمَا. والقاتر بِالْقَافِ وبالمثناة الْفَوْقِيَّة: الواقي والحافظ لَا يعقر ظهر الْفرس. وعتاد بِالْفَتْح: العدّة. وطرفا: مَعْطُوف على رمحه الَّذِي هُوَ أول مفعولي يرى وَهُوَ الْكَرِيم من الْخَيل. والمسوّم: الْمعلم تشهيراً لعتقه ولكرمه من السومة وَهِي الْعَلامَة أَو الْمسيب فِي المرعى وَلَا يركب إِلَّا فِي الحروب. وَقَوله: فَذَلِك إِن يهْلك الخ الْحسنى: مصدر كالبشرى وَقيل: اسْم للإحسان.

وَالْمعْنَى: لله فَقير يواثب همته ويمضي مقدما على الدَّهْر وَالْحَال أَنه فَتى طلبات يَتَجَدَّد طلبه) كل سَاعَة والدهر يسعفه بمطلوبه لجدّه ورشده وَلَا يرى الْجُوع شدَّة وَلَا الشِّبَع غنيمَة لعلو وَاسْتشْهدَ صَاحب الْكَشَّاف بِهَذِهِ الأبيات من قَوْله: صعلوك يساور همه إِلَى آخر الأبيات السَّبْعَة عِنْد قَوْله: أُولَئِكَ على هدى من رَبهم على أَن اسْم الْإِشَارَة وَهُوَ أُولَئِكَ مُؤذن بِأَن الْمَذْكُورين قبله أهل لِاكْتِسَابِ مَا بعده للخصال الَّتِي عدّت لَهُم. فَإِنَّهُ تَعَالَى ذكر الْمُتَّقِينَ بقوله هدى لِلْمُتقين ثمَّ عدّد لَهُم خِصَالًا من كَونهم يُؤمنُونَ بِالْغَيْبِ ويقيمون الصَّلَاة وينفقون مِمَّا رزقهم الله ويؤمنون بِمَا أنزل على رَسُوله ويوقنون بِالآخِرَة. ثمَّ عقّب ذَلِك بقوله: فَذَلِك إِن يهْلك فحسنى ثَنَاؤُهُ وحاتم هُوَ حَاتِم بن عبد الله بن سعد بن الحشرج بن امْرِئ الْقَيْس بن عدي بن أخزم الطائيّ الْجواد الْمَشْهُور وَأحد شعراء الْجَاهِلِيَّة. ويكنى أَبَا عدي وَأَبا سفّانة بِفَتْح السِّين وَتَشْديد الْفَاء. وَابْنه أدْرك الْإِسْلَام وَأسلم.

وَقد مشت تَرْجَمته فِي الشَّاهِد الْأَرْبَعين. أخرج أَحْمد فِي مُسْنده عَن ابْنه عديّ قَالَ: قلت يَا رَسُول الله: إِن أبي كَانَ يصل الرَّحِم وَيفْعل كَذَا وَكَذَا قَالَ: إِن أَبَاك أَرَادَ امراً فأدركه يَعْنِي: الذّكر. وَكَانَت سفّانة بنته أُتِي بهَا إِلَى رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فَقَالَت: يَا مُحَمَّد هلك الْوَالِد وَغَابَ الْوَافِد فَإِن رَأَيْت أَن تخلي عني وَلَا تشمت بِي أَحيَاء الْعَرَب فَإِن أبي سيد قومه: كَانَ يفك العاني ويحمي الديار ويفرّج عَن المكروبن وَيطْعم الطَّعَام ويفشي السَّلَام وَلم يطْلب إِلَيْهِ طَالب قطّ حَاجَة فردّه أَنا ابْنة حَاتِم طيّ فَقَالَ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: يَا جَارِيَة هَذِه صفة الْمُؤمن لَو كَانَ أَبوك إسلامياً لترحّمنا عَلَيْهِ خلّوا عَنْهَا فَإِن أَبَاهَا كَانَ يحب مَكَارِم الْأَخْلَاق قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: كَانَ حَاتِم من شعراء الْجَاهِلِيَّة وَكَانَ جواداً يشبه جوده شعره وَيصدق قَوْله فعله وَكَانَ حَيْثُمَا نزل عرف منزله وَكَانَ مظفراً: إِذا قَاتل غلب وَإِذا غنم أنهب وَإِذا ضرب بِالْقداحِ فَازَ وَإِذا سَابق سبق وَإِذا أسر أطلق وَكَانَ أقسم بِاللَّه: لَا يقتل وَاحِد أمه وَكَانَ إِذا أهل رَجَب نحر فِي كل يَوْم عشرَة من الْإِبِل وَأطْعم النَّاس واجتمعوا عَلَيْهِ. وَكَانَ أول مَا ظهر من جوده أَن أَبَاهُ خَلفه فِي إبِله وَهُوَ غُلَام فَمر بِهِ جمَاعَة من الشُّعَرَاء فيهم عبيد بن الأبرص وَبشر بن أبي خازم والنابغة الذبياني يُرِيدُونَ النُّعْمَان بن الْمُنْذر فَقَالُوا) لَهُ: هَل من قرى وَلم يعرفهُمْ فَقَالَ: أتسألوني الْقرى وَقد رَأَيْتُمْ الْإِبِل وَالْغنم انزلوا فنزلوا فَنحر

لكل وَاحِد مِنْهُم وسألهم عَن أسمائهم فأخبروه فَفرق فيهم الْإِبِل وَالْغنم وَجَاء أَبوهُ فَقَالَ: مَا فعلت قَالَ: طوقتك مجد الدَّهْر تطويق الْحَمَامَة وعرفه الْقَضِيَّة. فَقَالَ أَبوهُ: إِذا لَا أساكنك بعْدهَا أبدا وَلَا أوويك فَقَالَ حَاتِم: إِذا لَا أُبَالِي. روى مُحرز مولى أبي هُرَيْرَة قَالَ: مر نفر من عبد الْقَيْس بِقَبْر حَاتِم فنزلوا قَرِيبا مِنْهُ. فَقَامَ إِلَيْهِ رجل يُقَال لَهُ: أَبُو الْخَيْبَرِيّ وَجعل يرْكض بِرجلِهِ قَبره وَيَقُول: اقرنا. فَقَالَ بَعضهم: وَيلك مَا يَدْعُوك أَن تعرض لرجل قد مَاتَ قَالَ: إِن طيئاً تزْعم أَنه مَا نزل بِهِ أحد إِلَّا قراه. ثمَّ أجنهم اللَّيْل فَنَامُوا. فَقَامَ أَبُو الْخَيْبَرِيّ فَزعًا وَهُوَ يَقُول: واراحلتاه فَقَالُوا لَهُ: مَالك قَالَ: أَتَانِي حَاتِم فِي النّوم وعقر نَاقَتي بِالسَّيْفِ وَأَنا أنظر إِلَيْهَا ثمَّ أَنْشدني شعرًا حفظته يَقُول فِيهِ: (أَبَا الْخَيْبَرِيّ وَأَنت امْرُؤ ... ظلوم الْعَشِيرَة شتامها) (اتيت بصحبك تبغي الْقرى ... لَدَى حُفْرَة قد صدت هامها) (أتبغي لي الذَّم عِنْد الْمبيت ... وحولك طي وأنعامها) (فَإنَّا سنشبع أضيافنا ... ونأتي الْمطِي فنعتامها) فَقَامُوا وَإِذا نَاقَة الرجل تكوس عقيراً فانتحروها وَبَاتُوا يَأْكُلُون

(باب المفعول معه)

وَقَالُوا قرانا حَاتِم حَيا وَمَيتًا وأردفوا صَاحبهمْ وَانْطَلَقُوا سائرين وَإِذا بِرَجُل رَاكب بَعِيرًا ويقود آخر قد لحقهم وَهُوَ يَقُول: أَيّكُم أَبُو الْخَيْبَرِيّ قَالَ الرجل: أَنا. قَالَ: فَخذ هَذَا الْبَعِير أَنا عدي بن حَاتِم جَاءَنِي حَاتِم فِي النّوم وَزعم أَنه قراكم بناقتك وَأَمرَنِي أَن أحملك فشأنك وَالْبَعِير وَدفعه إِلَيْهِم وَانْصَرف. وَإِلَى هَذِه الْقَضِيَّة أَشَارَ ابْن دارة الْغَطَفَانِي فِي قَوْله يمدح عدي بن حَاتِم: (بِهِ تضرب الْأَمْثَال فِي الشّعْر مَيتا ... وَكَانَ لَهُ إِذْ ذَاك حَيا مصاحبا) (قرى قَبره الأضياف إِذْ نزلُوا بِهِ ... وَلم يقر قبر قبله والدهر رَاكِبًا) 3 - (بَاب الْمَفْعُول مَعَه) أنْشد فِيهِ وَهُوَ الشَّاهِد الثَّمَانُونَ بعد الْمِائَة (جمعت وفحشاً غيبَة ونميمة ... ثَلَاث خلال لست عَنْهَا بمرعوي) على أَن أَبَا الْفَتْح ابْن جني أجَاز تقدم الْمَفْعُول مَعَه على الْمَعْمُول المصاحب متمسكاً بِهَذَا الْبَيْت وَالْأَصْل جمعت غيبَة وفحشاً. وَالْأولَى الْمَنْع رِعَايَة لأصل الْوَاو. وَالشعر ضَرُورَة. أَقُول: ذكره ابْن جني فِي الخصائص قَالَ: وَلَا يجوز تَقْدِيم الْمَفْعُول

مَعَه على الْفِعْل من حَيْثُ كَانَت صُورَة هَذِه الْوَاو صُورَة العاطفة أَلا تراك لَا تستعملها إِلَّا فِي الْموضع الَّذِي لَو شِئْت لاستعملت العاطفة فِيهِ فَلَمَّا ساوقت حرف الْعَطف قبح: والطيالسة جَاءَ الْبرد كَمَا قبح: وَزيد قَامَ عَمْرو لكنه يجوز جَاءَ والطيالسة الْبرد كَمَا تَقول: ضربت وزيداً عمرا قَالَ: جمعت وفحشاً غيبَة ونميمة وَقَالَ ابْن الشجري فِي أَمَالِيهِ: وَلَا يجوز تَقْدِيم التَّابِع على الْمَتْبُوع للضَّرُورَة إِلَّا فِي الْعَطف دون الصّفة والتوكيد وَالْبدل. ثمَّ قَالَ: وَإِنَّمَا جَازَ فِي الضَّرُورَة تَقْدِيم الْمَعْطُوف لِأَن الْمَعْطُوف غير الْمَعْطُوف عَلَيْهِ وَالصّفة هِيَ الْمَوْصُوف وَكَذَلِكَ الْمُؤَكّد عبارَة عَن الْمُؤَكّد وَالْبدل إِمَّا أَن يكون هُوَ الْمُبدل أَو بعضه أَو شَيْئا ملتبساً بِهِ. وَمثله: (أَلا يَا نَخْلَة من ذَات عرق ... عَلَيْك وَرَحْمَة الله السَّلَام. . اه) فَجعله من بَاب تَقْدِيم الْمَعْطُوف لَا من بَاب تَقْدِيم الْمَفْعُول مَعَه لِأَنَّهُ هُوَ الأَصْل. لَكِن فِي تنظيره نظر فَإِن قَوْله وَرَحْمَة الله مَعْطُوف عِنْد سِيبَوَيْهٍ على الضَّمِير المستكن فِي الظّرْف أَعنِي قَوْله عَلَيْك كَمَا تقدم بَيَانه. وَقَوله: خلالاً ثَلَاثًا بدل من قَوْله غيبَة ونميمة وفحشاً جمع خلة بِالْفَتْح كالخصلة لفظا وَمعنى. وارعوى عَن الْقَبِيح: رَجَعَ عَنهُ. وَهَذَا الْبَتّ من قصيدة جَيِّدَة فِي بَابهَا ليزِيد بن الحكم بن أبي الْعَاصِ

الثَّقَفِيّ. قَالَ الْأَصْبَهَانِيّ فِي الأغاني: عَاتب فِي هَذِه القصيدة ابْن عَمه عبد الرَّحْمَن بن عُثْمَان بن أبي الْعَاصِ وَله قصائد أخر يُعَاتب فِيهَا أَخَاهُ عبد ربه بن الحكم. وَأورد هَذِه القصيدة القالي فِي أَمَالِيهِ والأصبهاني فِي أغانيه وَابْن الشجري فِي أَمَالِيهِ مختصرة. وَفِي رِوَايَة كل وَاحِد مِنْهُم مَا لَيْسَ فِي رِوَايَة الآخر.) وأوردها أَبُو عَليّ الْفَارِسِي بِتَمَامِهَا فِي الْمسَائِل البصرية وَهَذِه رِوَايَته لكنه قَالَ: قَالَهَا لِأَخِيهِ من أَبِيه وَأمه عبد ربه بن الحكم. وَلَيْسَ كَذَلِك كَمَا يظْهر مِنْهَا: (لسَانك لي أرِي وغيبك علقم ... وشرّك مَبْسُوط وخيرك ملتوي) (تفاوض من أطوي طوى الكشح دونه ... وَمن دون من صافيته أَنْت منطوي) (تصافح من لاقيت لي ذَا عَدَاوَة ... صفاحاً وعني بَين عَيْنك منزوي) (أَرَاك إِذا اسْتَغْنَيْت عَنَّا هجرتنا ... وَأَنت إِلَيْنَا عِنْد فقرك منضوي) (إِلَيْك انعوى نصحي وَمَالِي كِلَاهُمَا ... وَلست إِلَى نصحي وَمَالِي بمنعوي) (أَرَاك إِذا لم أهوَ أمرا هويته ... وَلست لما أَهْوى من الْأَمر بالهوي) ...

(أَرَاك اجتويت الْخَيْر مني وأجتوي ... أذاك فكلّ مجتو قرب مجتوي) (فليت كفافاً كَانَ خيرك كُله ... وشرك عني مَا ارتوى المَاء مرتوي) (لَعَلَّك أَن تنأى بأرضك نِيَّة ... وَإِلَّا فَإِنِّي غير أَرْضك منتوي) (تبدّل خَلِيلًا بِي كشكلك شكله ... فَإِنِّي خَلِيلًا صَالحا بك مقتوي) (فَلم يغوني رَبِّي فكسف اصطحابنا ... ورأسك فِي الأغوى من الغيّ منغوي) (عدوّك يخْشَى صولتي إِن لَقيته ... وَأَنت عدوي لَيْسَ ذَاك بمستوي) (وَكم موطن لولاي طحت كَمَا هوى ... بأجرامه من قلّة النيق منهوي) (نداك عَن الْمولى ونصرك عاتم ... وَأَنت لَهُ بالظلم والغمر مختوي) (إِذا مَا بنى الْمجد ابْن عمك لم تعن ... وَقلت أَلا بل لَيْت بُنْيَانه خوي) (كَأَنَّك إِن قيل ابْن عمك غَانِم ... شج أَو عميد أَو أَخُو مغلة لوي) (تملأت من غيظ عليّ فَلم يزل ... بك الغيظ حَتَّى كدت فِي الغيظ تنشوي) (فَمَا بَرحت نفس حسود حشيتها ... تذيبك حَتَّى قيل هَل أَنْت مكتوي) (وَقَالَ النطاسيون إِنَّك مشْعر ... سلالاً أَلا بل أَنْت من حسد جوي)

(فديت امْرأ لم يدو للنأي عَهده ... وعهدك من قبل التنائي هُوَ الدوي) (دَمَعَتْ وفحشاً غيبَة ونميمة ... خلالاً ثَلَاثًا لست عَنْهَا بمرعوي) (أفحشاً وخبّاً واختناء على الندى ... كَأَنَّك أَفْعَى كدية فرّ محجوي) (فيدحو بك الداحي إِلَى كل سوءة ... فيا شرّ من يدحو بأطيش مدحوي)) (أتجمع تسآل الأخلاء مَا لَهُم ... وَمَالك من دون الأخلاء تحتوي) (بدا مِنْك غش طالما قد كتمته ... كَمَا كتمت دَاء ابْنهَا أم مدّوي) قَوْله: تكاشرني الخ يُقَال: كاشر الرجل الرجل: إِذا كشر كل وَاحِد مِنْهُمَا لصَاحبه وَهُوَ أَن يُبْدِي لَهُ أَسْنَانه عِنْد التبسم وَكرها بِضَم الْكَاف وَفتحهَا: مصدر وضع فِي مَوضِع الْحَال والدوي: وصف من الدوى بِالْفَتْح وَالْقصر: الْمَرَض دوِي يدوى كفرح يفرح ودوي صَدره وَقَوله: لسَانك أَي أرِي الخ الأري: الْعَسَل والعلقم: الحنظل وَحذف أَدَاة التَّشْبِيه للْمُبَالَغَة. قَالَ أَبُو عَليّ فِي الْإِيضَاح الشعري: اللِّسَان هُنَا إِمَّا بِمَعْنى الْجَارِحَة أَو بِمَعْنى الْكَلَام: فَإِن جعلته من هَذَا أمكن أَن يكون لي مُتَعَلقا بِهِ كَقَوْلِك: كلامك لي جميل وَإِن جعلته بِمَعْنى الْجَارِحَة احْتمل ظان تُرِيدُ الْمُضَاف فتحذفه فَإِذا حذفته احْتمل وَجْهَيْن: أَحدهمَا أَن يكون من قبيل صلى الْمَسْجِد أَي: أَهله وَالْآخر أَن تحذف الْمُضَاف فتجعل اللِّسَان كَالْكَلَامِ كَمَا قَالُوا اجْتمعت الْيَمَامَة أَي أهل الْيَمَامَة فجعلوهم كَأَنَّهُمْ الْيَمَامَة فَإِذا جعلته كَذَلِك أمكن أَن يتَعَلَّق بِهِ لي كَمَا يتَعَلَّق بِالْوَجْهِ الأول. وَيجوز أَن يكون لي

وَقَوله: أرِي الْخَبَر مثل: حُلْو حامض. وَيجوز فِيهِ أَن تَجْعَلهُ خَبرا لقَوْله: لسَانك ونريد بِهِ الْجَارِحَة لِأَنَّك تَقول: فلَان لطيف اللِّسَان تُرِيدُ بِهِ الْكَلَام وتلقي النَّاس بالجميل فَيحْتَمل ضمير الْمُبْتَدَأ وَتجْعَل أرياً بَدَلا من الضَّمِير فِي لي. وَيجوز أَن يكون لي حَالا كَأَنَّهُ أَرَادَ: لسَانك أرِي لي فَيكون صفة فَلَمَّا تقدم صَار حَالا. . فَإِن قلت: إِن أرِي مَعْنَاهُ مثل أرِي فالعامل معنى فعل لم يجز تقدم الْحَال عَلَيْهِ فَأَقُول: لَك أَن تضمر فعلا يدل عَلَيْهِ هَذَا الظَّاهِر فينصب الْحَال عَنهُ كَأَنَّهُ قَالَ: لسَانك يستحلى ثَابتا لي. أَو لِأَنَّهَا كالظرف فَعمل فِيهَا الْمَعْنى. وَأَن تجْعَل اللِّسَان حَدثا أشبه للتشاكل لِأَنَّهُ عطف عَلَيْهِ وَهُوَ وَقَوله: تفاوض من أطوي الخ فاوضه: إِذا أظهر لَهُ أمره وأطوي: ضد أنشر والطوى: الْجُوع وَهُوَ مصدر طوي يطوى من بَاب فَرح وَهُوَ مفعول أطوي أَي: تظهر أَمرك لمن أُخْفِي عَنهُ جوعي أَي: تنبسط فِي الْكَلَام عِنْد عَدو وَلَا أظهره على شَيْء من اموري وتنقبض عَن أصدقائي وَلَا تظهرهم على شَيْء من أَمرك نكاية فيّ. وَقَوله: وعني بَين عَيْنك منزوي بَين: مَرْفُوع بِالِابْتِدَاءِ لِأَنَّهُ اسْم لَا ظرف ومنزوي: خَبره وعني: مُتَعَلق بِهِ يُقَال: انزوت الْجلْدَة فِي النَّار أَي: اجْتمعت وتقبضت وزوى مَا بَين عَيْنَيْهِ أَي:) قبضهَا. وَقَوله: وَأَنت إِلَيْنَا عِنْد فقرك منضور انضوى إِلَيْهِ. لَجأ وانضم إِلَيْهِ وَقَوله: إِلَيْك انعوى نصحي وَمَالِي انعوى: بِمَعْنى انعطف وَهُوَ مُطَاوع عويته أَي: عطفته.

وَقَوله: أَرَاك إِذا لم أهوَ أمرا هوي الشَّيْء يهواه هوى من بَاب فَرح: إِذا أحبّه وَهوى بِالْفَتْح يهوي بِالْكَسْرِ هويّاً وَكَذَلِكَ انهوى: إِذا سقط إِلَى أَسْفَل وَقد جَاءَ فِي قَوْله: وَكم موطن لولاي طحت كَمَا هوى وَقَوله: أَرَاك اجتويت الْخَيْر اجتواه بِالْجِيم أَب: كرهه. وَقَوله: فليت كفافاً كَانَ خيرك الخ يَأْتِي شَرحه إِن شَاءَ الله تَعَالَى فِي لَيْت من أَخَوَات الْحُرُوف المشبهة فِي أَوَاخِر الْكتاب. وَقَوله: لَعَلَّك أَن تنأى الخ أَي: أَرْجُو أَن تنأى من أَرْضك أَي: تبعد عَنْهَا من النأي وَهُوَ الْبعد وَإِلَّا أَي: وَإِن لم تنأ فَإِنِّي عازم على الرحيل عَنْهَا. يُقَال: نَوَيْت نِيَّة وَكَذَلِكَ انتويت أَي: عزمت. وَقَوله: بك مقتوي قَالَ فِي الصِّحَاح: القتو: الْخدمَة. وقتوت أقتو قتواً ومقتي أَي: خدمت. يُقَال: للخادم مقتوي بفاح الْمِيم وَتَشْديد الْيَاء كَأَنَّهُ مَنْسُوب إِلَى المقتى وَهُوَ مصدر. . وَيجوز تَخْفيف يَاء النِّسْبَة. قَالَ أَبُو عَليّ فِي الْإِيضَاح الشعري: نصب خَلِيلًا بِفعل مُضْمر يدلّ عَلَيْهِ مقتوي أَي: أقتوي خَلِيلًا. وَيَأْتِي شرح هَذِه الْكَلِمَة مفصلة فِي الشَّاهِد الثَّالِث وَالْخمسين من بعد الْخَمْسمِائَةِ. وَقَوله: وَكم موطن الخ طاح الرجل يطوح ويطيح: إِذا هلك. والأجرام: جمع جرم بِالْكَسْرِ وَهُوَ الْجِسْم كَأَنَّهُ جعل أعضاءه أجراماً توسعاً أَي: سقط بجسمه وَثقله. وَلَيْسَ مَعْنَاهُ هَا هُنَا الذُّنُوب كَمَا فسره ابْن

الشجريّ بِهِ فَإِنَّهُ غير مُنَاسِب. والنيق بِكَسْر النُّون: أرفع الْجَبَل. وقلّته: مَا استدق من رَأسه. وَسَيَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى شرح هَذَا الْبَيْت فِي بَاب الضمائر. وَقَوله: نداك عَن الْمولى الندى: الْجُود. والْمولى: ابْن الْعم. وَعَن مُتَعَلقَة بعاتم أَي: بطيء يُقَال: عتم من بَاب ضرب إِذا أَبْطَأَ وقصّر. ونصرك: مَعْطُوف على نداك وَخَبره مَحْذُوف. والغمر بِكَسْر الْغَيْن الْمُعْجَمَة الحقد والغلّ يُقَال: غمر صَدره عليّ من بَاب فَرح. ومختور بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة: وَقَوله: تودّ لَو نابه نَاب حَيَّة الْحَيَّة مَعْرُوفَة تكون للذّكر وَالْأُنْثَى قَالُوا: فلَان حَيَّة ذكر وَالتَّاء للْوَاحِد من الْجِنْس كبطّة ودجاجة وَهنا بِمَعْنى الذّكر بِدَلِيل الْوَصْف لربيب من ربّ فلَان وَلَده بِمَعْنى ربّاه فعيل بِمَعْنى مفعول.) وَقَوله: لَيْت بُنْيَانه خوي يُقَال: خوى الْمنزل من بَاب رضى يُرْضِي وَرمى يَرْمِي لُغَتَانِ أَي: سقط قَالَ تَعَالَى: فَهِيَ خاوية على عروشها أَي: سَاقِطَة على سقوفها. وَقَوله: شج أَو عميد الخ هُوَ خبر كَأَن والشجيّ: الحزين المهموم. والعميد: الَّذِي قد عمده الْمَرَض أَي: هدّه حَتَّى احْتَاجَ إِلَى أَن يعمد أَي:

يسند فَهُوَ فعيل بِمَعْنى مفعول. والمغلة يفتح الْمِيم وَسُكُون الْغَيْن الْمُعْجَمَة قَالَ أَبُو عَليّ: عِلّة تكون فِي الْجوف. واللوي: الَّذِي فِي جَوْفه وجع تَقول: لوي لوىً كفرح فَرحا. وَقَوله: فَمَا بَرحت نفس حسود الخ النَّفس تذكّر وتؤنّث وَلِهَذَا وصفهَا بالمذكر وأنّث لَهَا الْفِعْل وَالضَّمِير. وحشيتها بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول وَالْخطاب من الحشو يُقَال: حشوت الوسادة وَغَيرهَا حَشْوًا. وَرُوِيَ حسبتها بضمير الْمُتَكَلّم من الْحساب وَهُوَ الظَّن. والنطاسيّون: الْعلمَاء بالطب الْوَاحِد نطاسي. ومشْعر: اسْم مفعول أَي: ملبس شعاراً بِالْكَسْرِ وَهُوَ مَا ولي الْجَسَد من الثِّيَاب. والسلال بِالضَّمِّ: مرض السل. والجوي: من الجوى وَهُوَ دَاء للقلب وَفعله من بَاب فَرح. وَقَوله: لم يدو للنأي عَهده تقدم تَفْسِير دوِي. وَقَوله: أفحشاً وخبّاً الخ الخب بِكَسْر الْخَاء الْمُعْجَمَة: مصدر خببت يَا رجل تخب خبّاً من بَاب علم: إِذا خدع ومكر. والاختناء بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة وَبعد الْمُثَنَّاة الْفَوْقِيَّة نون. قَالَ أَبُو عَليّ القاليّ فِي أَمَالِيهِ: هُوَ التقبّض. والندى: الْجُود. والكدية بِالضَّمِّ: الأَرْض الصلبة. وَأَرَادَ بالأفعى الأفعوان وَهُوَ ذكر الْحَيَّات وَلِهَذَا أرجع الضَّمِير إِلَيْهِ مذكراً. ومحجوي بِتَقْدِيم الْمُهْملَة على الْجِيم قَالَ أَبُو عَليّ القاليّ فِي أَمَالِيهِ نقلا عَن ابْن دُرَيْد: المحجوي المنطوي. وَقَوله: فيدحو بك الداحي الخ الدحو: الرَّمْي يُقَال: ادحه أَي: ارمه وَيُقَال للْفرس: مر يدحو دحواً وَذَلِكَ إِذا رمى بيدَيْهِ رمياً لَا يرفع سنبكه عَن الأَرْض كثيرا. والسوءة بِالْفَتْح: الْقبْح وَالْعَيْب. وأطيش من الطيش

وَهُوَ الخفة. ومدحوي أَي: مرميّ بناه من ادحواه لُغَة فِي دحاه أَي: رَمَاه. وَقَوله: كَمَا كتمت دَاء ابْنهَا أم مدوّي قَالَ الْأَصْمَعِي فِي كتاب الصِّفَات وَابْن دُرَيْد فِي الجمهرة) وَأَبُو عَليّ القاليّ فِي أَمَالِيهِ وَابْن الْأَثِير فِي المرصّع وَاللَّفْظ لَهُ: أم مدوي يضْرب بهَا الْمثل لمن يورّي بالشَّيْء عَن غَيره ويكنى بِهِ عَنهُ. وَأَصله أنّ امْرَأَة من الْعَرَب خطبت على ابْنهَا جَارِيَة فَجَاءَت أمهَا إِلَى أم الْغُلَام لتنظر إِلَيْهِ. فَدخل الْغُلَام فَقَالَ لأمه: أدّوي بتَشْديد الدَّال على أفتعل. فَقَالَت لَهُ: اللجام مُعَلّق بعمود الْبَيْت والسرج فِي جَانِبه. فأظهرت أَن ابْنهَا أَرَادَ أَدَاة الْفرس للرُّكُوب فكتمت بذلك زلّة ابْنهَا عَن الخاطبة. وَإِنَّمَا أَرَادَ ابْنهَا بقوله أدّوي أكل الدّواية بِضَم الدَّال وَهِي القشرة الَّتِي تعلو اللَّبن والمرق تَقول مِنْهُ: دوّى اللَّبن بتَشْديد الْوَاو وَقد ادّويت على وزن افتعلت فَأَنا مدّو بتَشْديد الدَّال فيهمَا أَي: أكلت الدّواية. وَأنْشد هَذَا الْبَيْت. وترجمة يزِيد بن الحكم تقدّمت فِي الشَّاهِد التَّاسِع فِي أَوَائِل الْكتاب وَأنْشد فِيهِ وَهُوَ الشَّاهِد الْحَادِي وَالثَّمَانُونَ بعد الْمِائَة علفتها تبناً وَمَاء بَارِدًا على أَن التَّقْدِير: وسقيتها مَاء. وَقَالَ ابْن هِشَام فِي مُغنِي اللبيب: وَقيل:

لَا حذف بل ضمّن علفتها معنى أنلتها وأعطيتها. وألزموا صِحَة نَحْو علفتها مَاء بَارِدًا وتبناً فالتزموه محتجين بقول طرفَة: وَأوردهُ صَاحب الْكَشَّاف عِنْد قَوْله تَعَالَى: أفيضوا علينا من المَاء أَو مِمَّا رزقكم الله على تضمين أفيضوا معنى ألقوا ليَصِح انصبابه على الشَّرَاب وَالطَّعَام مَعًا أَو على تَقْدِير بعد أَو أَي: أَو ألقوا مِمَّا رزقكم الله كَهَذا الْبَيْت فِي الْوَجْهَيْنِ وَأورد لَهُ الْعَلامَة الشِّيرَازِيّ والفاضل اليمني صَدرا وَجعل الْمَذْكُور عَجزا هَكَذَا: (لما حططت الرحل عَنْهَا واردا ... علفتها تبناً وَمَاء بَارِدًا) وَجعله غَيرهمَا صَدرا وَأورد عَجزا كَذَا: حَتَّى شتت همّالة عَيناهَا وَلَا يعرف قَائِله. وَرَأَيْت فِي حَاشِيَة نُسْخَة صَحِيحَة من الصِّحَاح أَنه لذِي الرمة ففتشت ديوانه فَلم أَجِدهُ فِيهِ. وشتت بِمَعْنى أَقَامَت شتاء فِي الْقَامُوس: شتا بِالْبَلَدِ أَقَامَ بِهِ شتاء كشتى وتشتى وفاعله ضمير مستتر عَائِد إِلَى مَا عَاد إِلَيْهِ ضمير علفتها. وهمالة حَال من الضَّمِير الْمُسْتَتر وَهُوَ من) هملت الْعين: إِذا صبَّتْ دمعها. وعيناها فَاعله.

وَزعم الْعَيْنِيّ أَن شتت بِمَعْنى بَدَت وَلم أر هَذَا الْمَعْنى فِي اللُّغَة وَأَن عَيناهَا فَاعله وهمالة تَمْيِيز. وَهَذَا خلاف الظَّاهِر. فَتَأمل. الشَّاهِد الثَّانِي وَالثَّمَانُونَ بعد الْمِائَة وَهُوَ من شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ: وَمَا النجدي والمتغور وَهُوَ قِطْعَة من بَيت لجميل بن معمر وَهُوَ: (وَأَنت امْرُؤ من أهل نجد وأهلنا ... تهام وَمَا النجديّ والمتغوّر) على أَن الرّفْع فِي مثله أولى من النصب على الْمَفْعُول مَعَه. قَالَ الْمبرد فِي الْكَامِل: قَوْلهم: مَا أَنْت وَزيد الرّفْع فِيهِ الْوَجْه لِأَنَّهُ عطف اسْما ظَاهرا على اسْم مُضْمر مُنْفَصِل وأجراه مجْرَاه وَلَيْسَ هُنَا فعل فَيحمل على الْمَفْعُول فَكَأَنَّهُ قَالَ: مَا أَنْت وَمَا زيد وَهَذَا تَقْدِيره فِي الْعَرَبيَّة وَمَعْنَاهُ لست مِنْهُ فِي شَيْء وَهَذَا الشّعْر كَمَا أصف لَك ينشد: (وَأَنت امْرُؤ من أهل نجد وأهلنا ... تهام فَمَا النجديّ والمتغوّر) وَكَذَلِكَ قَوْله: (تكلّفني سويق الْكَرم جرم ... وماجرم وَمَا ذَاك السويق) فَإِن كَانَ الأوّل مضمراً مُتَّصِلا كَانَ النصب لِئَلَّا يحمل ظَاهر الْكَلَام على مُضْمر تَقول: مَالك وزيداً فَإِنَّمَا تنهاه عَن ملابسته إِذْ لم يجز وَزيد

وأضمرت لِأَن حُرُوف الِاسْتِفْهَام للأفعال فَلَو كَانَ الْفِعْل ظَاهرا لَكَانَ على غير إِضْمَار نَحْو قَوْلك: مَا زلت وَعبد الله حَتَّى فعل لِأَنَّهُ لَيْسَ يُرِيد مَا زلت وَمَا زَالَ عبد الله وَلكنه أَرَادَ: مَا زلت بِعَبْد الله فَكَانَ الْمَفْعُول مخفوضاً بِالْبَاء فَلَمَّا زَالَ مَا يخفضه وصل الْفِعْل إِلَيْهِ فنصبه كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَاخْتَارَ مُوسَى قومه سبعين رجلا. فالواو فِي معنى مَعَ وَلَيْسَت بخافضة فَكَانَ مَا بعْدهَا على الْموضع فعلى هَذَا ينشد هَذَا الشّعْر: (فَمَا لَك والتلدد حول نجد ... وَقد غصّت تهَامَة بِالرِّجَالِ) وَلَو قلت: مَا شَأْنك وزيداً لاختير النصب لِأَن زيدا لَا يلتبس بالشأن لِأَن الْمَعْطُوف على) الشَّيْء فِي مثل حَاله. وَلَو قلت: مَا شَأْنك وشأن زيد لرفعته لِأَن الشَّأْن يعْطف على الشَّأْن. وَهَذِه الْآيَة تفسر على وَجْهَيْن من الْإِعْرَاب: أَحدهمَا هَذَا وَهُوَ الأجود فِيهَا وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: فَأَجْمعُوا أَمركُم وشركاءكم فَالْمَعْنى وَالله أعلم مَعَ شركائكم لِأَنَّك تَقول: جمعت قومِي وأجمعت أَمْرِي وَيجوز أَن يكون لما أَدخل الشُّرَكَاء مَعَ الْأَمر حمله على مثل لَفظه لِأَن الْمَعْنى يرجع إِلَى شَيْء وَاحِد فَيكون كَقَوْلِه: (يَا لَيْت زَوجك قد غَدا ... مُتَقَلِّدًا سَيْفا ورمحا) شرّاب ألبان وَسمن وأقط

انْتهى كَلَام المبرّد ولجودته سقناه برمّته. وَقَوله: وَمَا النجديّ والمتغور مَا مُبْتَدأ. والنجدي خَبره. وَالْمعْنَى: أَن أَهلِي يرتابون بك إِذا وجدوك عِنْدهم لِأَنَّك غَرِيب بعيد الدَّار مِنْهُم فينكرون كونك بَينهم فَيجب أَن تتجنب وَتعرض. تحذّره بني عَمها كَمَا يَأْتِي بَيَانه ف الأبيات ... وتهام بِفَتْح التَّاء مَنْسُوب إِلَى التهم بِفتْحَتَيْنِ بِمَعْنى التهامة بِكَسْر التَّاء وَقد بَينا هَذَا مشروحاً فِي الشَّاهِد الثَّامِن عشر من أَوَائِل الْكتاب. وتهام خبر عَن قَوْله وأهلنا وَإِعْرَابه كقاض. وَلم يقل تهامون لِأَنَّهُ نظر إِلَى لفظ أهل وَهُوَ مُفْرد وَيجوز نظراَ إِلَى الْمَعْنى تهامون. وَقَالَ ابْن خلف: إِنَّمَا قَالَ تهام لِأَنَّهُ اكْتفى بِالْوَاحِدِ عَن الْجمع كَقَوْلِه: كَأَن عَيْني فِيهَا الصاب مَذْبُوح هَذَا كَلَامه فَتَأَمّله. ونجد قَالَ فِي الصِّحَاح: هُوَ من بِلَاد الْعَرَب وَهُوَ خلاف الْغَوْر والغور هُوَ تهَامَة وكل مَا ارْتَفع من تهَامَة إِلَى أَرض الْعرَاق فَهُوَ نجد وَهُوَ مُذَكّر وَتقول: أنجدنا أَي: أَخذنَا فِي بِلَاد نجد. وَفِي الْمثل: أنجد من رأى حضنا وَذَلِكَ إِذا علا من الْغَوْر. وحضن محركة: جبل. والمتغور اسْم فَاعل من تغور فلَان: إِذا انتسب إِلَى الْغَوْر. وغار وغوّر أَيْضا بِالتَّشْدِيدِ: إِذا أَتَى الْغَوْر قَالَ فِي الْمِصْبَاح: والغور المطمئن من الأَرْض. والغور قيل: يُطلق على تهَامَة وَمَا يَلِي الْيمن وَقَالَ الْأَصْمَعِي: مَا بَين ذَات عرق وَالْبَحْر

غور وتهامة فتهامة أوّلها مدارج ذَات عرق من قبل نجد إِلَى مرحلَتَيْنِ وَرَاء مَكَّة وَمَا وَرَاء ذَلِك إِلَى الْبَحْر فَهُوَ الْغَوْر. وَالْبَيْت من قصيدة. وَقَبله:) (وَآخر عهد لي بهَا يَوْم ودّعت ... ولاح لَهَا خدّ مليح ومحجر) (عَشِيَّة قَالَت لَا تضيعنّ سرنا ... إِذا غبت عَنَّا وارعه حِين تدبر) (وَأعْرض إِذا لاقيت عينا تخافها ... وَظَاهر ببغض إِن ذَلِك أستر) (فَإنَّك إِن عرّضت بِي فِي مقَالَة ... يزدْ فِي الَّذِي قد قلت واش مكثّر) (وينشر سرّاً فِي الصّديق وَغَيره ... يعز علينانشره حِين ينشر) (وَمَا زلت فِي إِعْمَال طرفك نحونا ... إِذا جِئْت حَتَّى كَاد حبك يظْهر) (لأهلي حَتَّى لامني كل نَاصح ... شفيق لَهُ قربى لديّ وأيصر) (وقطعني فِيك الصّديق ملامة ... وَإِنِّي لأعصي نهيهم حِين أزْجر) (وَمَا قلت هَذَا فاعلمن تجنباً ... لصرم وَلَا هَذَا بِنَا عَنْك يقصر) (وأخشى بني عمي عَلَيْك وَإِنَّمَا ... يخَاف وينقي عرضه المتفكر) (وَأَنت امْرُؤ من أهل نجد واهلنا ... تهام وَمَا النجديّ والمتغور) (وطرفك إِمَّا جئتنا فاحفظنه ... فزيغ الْهوى باد لمن يتبصر) ...

(وَقد حدثوا أَنا الْتَقَيْنَا على هوى ... فكلهم من غلّة الغيظ موقر) (فَقلت لَهَا: يَا بثن أوثيت حَافِظًا ... وكل امْرِئ لم يرعه الله معور) (سأمنح طرفِي حِين أَلْقَاك غَيْركُمْ ... لكيما يرَوا أَن الْهوى حَيْثُ أنظر) (وأكني بأسماء سواك وأتقي ... زيارتكم وَالْحب لَا يتَغَيَّر) (فكم قد رَأينَا واجداً بحبيبه ... إِذا خَافَ يُبْدِي بغضه حِين يظْهر) وَفِي هَذِه الأبيات استشهاد وَلِهَذَا ذَكرنَاهَا. وترجمة جميل بن معمر العذري تقدّمت فِي الشَّاهِد الثَّانِي وَالسِّتِّينَ. وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد الثَّالِث وَالثَّمَانُونَ بعد الْمِائَة قَول الرَّاعِي. وَهُوَ من شَوَاهِد س: (أزمان قومِي وَالْجَمَاعَة كَالَّذي ... منع الرحالة أَن تميل مميلا) على أَنه على تَقْدِير: أزمان كَانَ قومِي وَالْجَمَاعَة. فالجماعة مفعول مَعَه على تَقْدِير إِضْمَار الْفِعْل. قَالَ سِيبَوَيْهٍ: زَعَمُوا أَنه الرَّاعِي كَانَ ينشد هَذَا الْبَيْت نصبا. وَقَالَ: كَأَنَّهُ قَالَ: أزمان كَانَ قومِي مَعَ الْجَمَاعَة. وَحذف كَانَ لأَنهم يستعملونها كثيرا فِي هَذَا الْموضع وَلَا لبس فِيهِ وَلَا تَغْيِير معنى.

وَمثله قَوْله تَعَالَى: وَاتبعُوا مَا تتلوا الشاطين على ملك سُلَيْمَان أَرَادَ مَا كَانَت تتلو. قَالَ ابْن عُصْفُور: وَإِنَّمَا حمل على إِضْمَار كَانَ وَلم يحمل على تَقْدِير حذف مُضَاف إِلَى قومِي فَيكون التَّقْدِير: أزمان كَون قومِي وَالْجَمَاعَة لِأَن الْمصدر المقدّر بِأَن وَالْفِعْل من قبيل الموصولات وَحذف الْمَوْصُول وإبقاء شَيْء من صلته لَا يجوز. فَإِن قلت: مَا الدَّلِيل على أَن قومِي من قَوْله: أزمان قومِي مَحْمُول على فعل مُضْمر قلت: لِأَنَّهُ لَيْسَ من قبيل المصادر وَأَسْمَاء الزَّمَان لَا يُضَاف شَيْء مِنْهَا إِلَّا إِلَى مصدر أَو جملَة تكون فِي مَعْنَاهُ نَحْو: هَذَا يَوْم قدوم زيد وَقَوْلهمْ: يَوْم الْجمل وَيَوْم حليمة فَهُوَ على حذف مُضَاف أَي: يَوْم حَرْب الْجمل وَنَحْوه. قَالَ الأعلم: وصف مَا كَانَ من اسْتِوَاء الزَّمَان واستقامة الْأُمُور قبل قتل عُثْمَان وشمول الْفِتْنَة. وَأَرَادَ الْتِزَام قومه الْجَمَاعَة وتركهم الْخُرُوج على السُّلْطَان. وَالْمعْنَى: أزمان قومِي والتزامهم الْجَمَاعَة وتمسكهم بهَا كَالَّذي تمسك بالرحالة ومنعها من أَن تميل وَتسقط. والرحالة بِالْكَسْرِ: وَهِي أَيْضا السرج. ضربهَا مثلا اه. وَهَذَا الْبَيْت من قصيدة طَوِيلَة عدّتها تِسْعَة وَثَمَانُونَ بَيْتا لِلرَّاعِي. مدح بهَا عبد الْملك بن مَرْوَان وشكا فِيهَا من السعاة وهم الَّذين يَأْخُذُونَ الزَّكَاة من قبل السُّلْطَان. وَهِي قصيدة جَيِّدَة كَانَ يَقُول: من لم يرو لي من أَوْلَادِي هَذِه القصيدة وقصيدتي الَّتِي أَولهَا: بَان الْأَحِبَّة بالعهد الَّذِي عهدوا

وَهِي فِي هَذَا الْمَعْنى أَيْضا فقد عقني: وَقبل بَيت الشَّاهِد:) (أوليّ أَمر الله إِنَّا معشر ... حنفَاء نسجد بكرَة وَأَصِيلا) (عرب نرى لله فِي أَمْوَالنَا ... حق الزَّكَاة منزّلاً تَنْزِيلا) (قوم على الْإِسْلَام لمّا يمنعوا ... مَا عونهم ويضّيعوا التهليلا) (فادفع مظالم عيّلت أبناءنا ... عَنَّا وأنقذ شلونا المأكولا) (فنرى عَطِيَّة ذَاك ... إِن أَعْطيته من رَبنَا فضلا ومنك جزيلا) (أَنْت الْخَلِيفَة حلمه وفعاله ... وَإِذا أردْت لظَالِم تنكيلا) (قتلوا ابْن عَفَّان الْخَلِيفَة محرما ... ودعا فَلم أر مثله مخذولا) (فتصدعت من بعد ذَاك عصاهم ... شققاً وَأصْبح سيفهم مسلولا) (حَتَّى إِذا استعرت عجاجة فتْنَة ... عمياء كَانَ كتابها مَفْعُولا) (وزنت أُميَّة أمرهَا فدعَتْ لَهُ ... من لم يكن غمراً وَلَا مَجْهُولا) (مَرْوَان أحزمها إِذا نزلت بِهِ ... حدب الْأُمُور وَخَيرهَا مسؤولا) (أزمان رفّع بِالْمَدِينَةِ ذيله ... وَلَقَد رأى زرعا بهَا ونخيلا) (وديار ملك خرّبتها فتْنَة ... ومشيّدا فِيهِ الْحمام ظليلا) (إِنِّي حَلَفت على يَمِين برّة ... لَا أكذب الْيَوْم الْخَلِيفَة قيلا) ...

(مَا زرت آل أبي خبيب وافداً ... يَوْمًا أُرِيد لبيعتي تبديلا) (من نعْمَة الرَّحْمَن لَا من حيلتي ... إِنِّي أعدّ لَهُ عليّ فضولا) (أزمان قومِي وَالْجَمَاعَة كَالَّذي ... لزم الرحالة أَن تميل مميلا) إِلَى أَن قَالَ: (إِن السعاة عصوك حِين بعثتهم ... وَأتوا دواهي لَو علمت وغولا) (إِن الَّذين أَمرتهم أَن يعدلُوا ... لم يَفْعَلُوا مِمَّا أمرت فتيلا) (أخذُوا العريف فقطّعوا حيزومه ... بالأصبحية قَائِما مغلولا) (يَدْعُو أَمِير الْمُؤمنِينَ ودونه ... خرق تجرّ بِهِ الرِّيَاح ذيولا) قَوْله: قوم على الْإِسْلَام لمّا يمنعوا ماعونهم أوردهُ الزَّمَخْشَرِيّ فِي تَفْسِيره عِنْد قَوْله تَعَالَى: وَيمْنَعُونَ الماعون على أَن الماعون الزَّكَاة. والتهليل: هُوَ قَول لَا إِلَه إِلَّا الله أَرَادَ كلمة التَّوْحِيد. وَقَوله: عيّلت أبناءنا التعييل: سوء الْغذَاء وعيّل الرجل فرسه: إِذا سيّبه فِي الْمَفَازَة. والإنقاذ:) التخليص. والشلو بِالْكَسْرِ: الْعُضْو. والشكول جمع شكل بِفَتْح أَوله وكسره: الشّبَه والمثل أَي: جعلُوا النَّاس متخالفين بعد أَن كَانُوا متحدين. وَقَوله: قتلوا ابْن عَفَّان الخ يُقَال: أحرم الرجل إِذا دخل فِي حُرْمَة لَا تهتك. قَالَ العسكري فِي بَاب مَا وهم فِيهِ عُلَمَاء الْكُوفِيّين من كتاب التَّصْحِيف:

أخبرنَا أَبُو عَليّ الكوكبيّ حَدثنِي مُحَمَّد بن سُوَيْد حَدثنِي مُحَمَّد بن هُبَيْرَة قَالَ: قَالَ الْأَصْمَعِي للكسائي وهما عِنْد الرشيد: مَا معنى قَول الرَّاعِي: قتلوا ابْن عَفَّان الْخَلِيفَة محرما فَقَالَ الْكسَائي. كَانَ محرما بِالْحَجِّ. قَالَ الْأَصْمَعِي: فَقَوله: قتلوا كسْرَى بلَيْل محرما فَتَوَلّى لم يمتع بكفن هَل كَانَ محرما بِالْحَجِّ قَالَ الرشيد للكسائي: يَا عليّ إِذا جَاءَ الشّعْر فإياك والأصمعي قَالَ الْأَصْمَعِي محرم أَي: لم يَأْتِ مَا تستحل بِهِ عُقُوبَته وَمن ثمّ قيل مُسلم محرم أَي: لم يحلّ من نَفسه شَيْئا يُوجب الْقَتْل. وَقَوله: قتلوا كسْرَى محرما يَعْنِي حُرْمَة الْعَهْد الَّذِي كَانَ لَهُ فِي أَعْنَاق أَصْحَابه اه. وَقَوله: حدب الْأُمُور جمع أحدب وحدباء أَرَادَ الْأُمُور المشكلة. وَقَوله: مَا زرت آل أبي حبيب الخ. أَبُو خبيب هُوَ عبد الله بن الزبير وَكَانَ ادّعى الْخلَافَة يَوْمئِذٍ فِي الْحجاز. وَقَوله: إِنِّي أعدّ لَهُ عليّ فضولاً هُوَ جمع فضل بِمَعْنى الْإِحْسَان والإنعام وَهُوَ الْعَامِل النصب على الظَّرْفِيَّة فِي أزمان وَيجوز رَفعه على الِابْتِدَاء وَالْخَبَر مَحْذُوف أَي: من الفضول أزمان قومِي الخ. قَالَ صَاحب كتاب التَّنْبِيه على مَا أشكل من كتاب سِيبَوَيْهٍ: وَيجوز رفع أزمان على أَنه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف دون إِظْهَار كَانَ وَالْوَاو وَاو مَعَ أَيْضا فَتكون إِضَافَة أزمان إِلَى الْجُمْلَة الإسمية على هَذَا. ثمَّ قَالَ: وَالْأول أَي: النصب على الظَّرْفِيَّة احسن وَأكْثر اه. والسعاة: جمع ساع وَهُوَ كل من ولي شَيْئا على قوم وَأكْثر مَا يُقَال

ذَلِك فِي وُلَاة الصَّدَقَة أَي: الزَّكَاة. وَقَوله: أخذُوا الْمَخَاض من الفصيل الخ الْمَخَاض: النوق الْحَوَامِل وَاحِدهَا خلفة. والفصيل: ابْنهَا. والغلبّة بِضَم الْغَيْن وَاللَّام وَتَشْديد الموحّدة هِيَ الْغَلَبَة بِالتَّحْرِيكِ وَالتَّخْفِيف. وَهُوَ وظلماً مصدران وَقعا حَالين من فَاعل أخذُوا. وَيجوز نصب الثَّانِي بِالْأولِ على أَنه مصدر معنويّ. والأفيل ككريم من أَوْلَاد الْإِبِل: مَا أَتَى عَلَيْهِ سَبْعَة أشهر وَهُوَ مَنْصُوب بيكتب بِالْبِنَاءِ) للْفَاعِل أَي: يكْتب السَّاعِي. وعَلى رِوَايَة الْبناء للْمَفْعُول وَهِي الْمَشْهُورَة مفعول لفعل مَحْذُوف أَي: وَيكْتب أَخذنَا من فلَان أفيلا. وَأورد ابْن هِشَام هَذَا الْبَيْت فِي الْمُغنِي على أَن من فِيهِ للبدل أَي: نَأْخُذ الْمَخَاض بدل الفصيل. قَالَ ابْن يسعون: وَيجوز أَن لَا تكون بدليّة بل مُتَعَلقَة بأخذوا أَي: انتزعوه من أمه. وَرُوِيَ بدله من العشار فَهِيَ بَيَانِيَّة أَي: كائنة من العشار. وَقَوله: أخذُوا العريف هُوَ رَئِيس الْقَوْم ومتكلمهم. والأصبحية هِيَ السِّيَاط منسوبة إِلَى ذِي أصبح من مُلُوك الْيمن فَإِنَّهُ الَّذِي اخترعها. والْخرق بِالْفَتْح: الفلاة. والرَّاعِي اسْمه عبيد بن حُصَيْن بتصغيرهما ابْن مُعَاوِيَة بن جندل بن قطن بن ربيعَة بن عبد الله بن الْحَارِث بن نمير بن عَامر بن صعصعة. وكنية الرَّاعِي: أَبُو جندل. ولقّب الرَّاعِي لِكَثْرَة وَصفه الْإِبِل والرعاء فِي شعره. وَقيل: لقب بِهِ بِبَيْت قَالَه. وَقَالَ ابْن قُتَيْبَة: اسْمه حُصَيْن بن مُعَاوِيَة. وَكَانَ يُقَال لِأَبِيهِ فِي الْجَاهِلِيَّة مُعَاوِيَة الرئيس. وَولده وَأهل بَيته فِي الْبَادِيَة سادة أَشْرَاف.

(باب الحال)

وَهُوَ شَاعِر فَحل مَشْهُور من شعراء الْإِسْلَام مقدم. ذكره الجُمَحِي فِي الطَّبَقَة الأولى من الشُّعَرَاء الإسلاميين. وَكَانَ يقدم الفرزدق على جرير فاستكفه جرير فَأبى فهجاه بقصيدته البائية الَّتِي مطْلعهَا: أقلي اللوم عاذل والعتابا ففضحه بهَا. وَتقدم بَيَانه فِي تَرْجَمَة جرير فِي أَوَائِل الْكتاب. وَفِي المؤتلف والمختلف للآمدي: من لقبه الرَّاعِي من الشُّعَرَاء اثْنَان: أَحدهمَا: هَذَا وَالثَّانِي: اسْمه خَليفَة بن بشير بن عُمَيْر بن الْأَحْوَص من بني عدي بن جناب. وَقيل غير ذَلِك. 3 - (بَاب الْحَال) أنْشد فِيهِ وَهُوَ الشَّاهِد الرَّابِع وَالثَّمَانُونَ بعد الْمِائَة (يَقُول وَقد ترّ الوظيف وساقها ... أَلَسْت ترى أَن قد أتيت بمؤيد) على أَنه يخرج عَن تَعْرِيف الْحَال الْحَال الَّتِي هِيَ جملَة بعد عَامل لَيْسَ مَعَه ذُو حَال.

بَيَانه: أَن جملَة وَقد ترّ الوظيف حَال وعاملها يَقُول وَلَا صَاحب لَهَا وَأما فَاعل يَقُول وَهُوَ الضَّمِير الْمُسْتَتر فَلَيْسَ صَاحب الْحَال لِأَنَّهَا لم تبين هَيئته إِذْ لَيست من صِفَاته. وَهَذَا إِنَّمَا يرد على تَعْرِيف المُصَنّف الْحَال فَإِنَّهُ اعْتبر فِيهِ تَبْيِين الْهَيْئَة وَلَا يرد عل ى تَعْرِيف الشَّارِح فَإِنَّهُ لم يعْتَبر فِي الحدّ تَبْيِين الْهَيْئَة. وَقد أوّل النَّاس تَعْرِيف المُصَنّف على وُجُوه مِنْهُم السَّيِّد ركن الدَّين فِي شَرحه الْكَبِير على الكافية وَابْن هِشَام فِي شرح التسهيل وَمُغْنِي اللبيب وَكَذَا الدماميني وَغَيره. وترّ بِالْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّة وَالرَّاء الْمُهْملَة قَالَ ابْن دُرَيْد: ترّ الْعظم يترّه ترّاً إِذا قطعه وَكَذَلِكَ كل عُضْو انْقَطع بضربة وَاحِدَة فقد ترّ ترّاً وينشد بِالْوَجْهَيْنِ قَول طرفَة. وَأنْشد هَذَا الْبَيْت فِي الجمهرة. يُرِيد: أَن ترّ ورد لَازِما ومتعدياً. وَرُوِيَ بِرَفْع الوظيف على أَنه فَاعل ترّ اللَّازِم بِمَعْنى انْقَطع وَفَسرهُ يَعْقُوب بن السّكيت فِي شرح ديوَان طرفَة وَتَبعهُ الأعلم فِي شَرحه بقوله: طنّ وندر. وَرُوِيَ بِنصب الوظيف على أَنه مفعول ترّ الْمُتَعَدِّي بِمَعْنى قطع وفاعله ضمير العضب فِي بَيت قبله. وَقَوله: وساقها: مَعْطُوف عَلَيْهِ بِالْوَجْهَيْنِ وَضمير الْمُؤَنَّث رَاجع إِلَى الكهاة فِي بَيت قبله وَهِي النَّاقة الضخمة. والوظيف فِي الرجل مَا بَين الرسغ والساق وَفِي الْيَد: مَا بَين الرسغ والذراع. وَقَوله: أَلَسْت ترى الخ مقول القَوْل. وَالْخطاب فِي الثَّلَاثَة لطرفة والاستفهام للتوبيخ. والرؤية يجوز أَن تكون بصرية فَأن مَعَ مَا بعْدهَا فِي تَأْوِيل مُفْرد مَنْصُوب على أَنه مفعول الرُّؤْيَة وَأَن تكون علمية فَأن مُخَفّفَة من الثَّقِيلَة وَاسْمهَا ضمير شَأْن وَجُمْلَة قد أتيت خَبَرهَا وَهِي مَعَ معمولها سادّة مسدّ المفعولين

للرؤية. والمؤيد: على وزن اسْم الْفَاعِل قَالَ الأعلم: هُوَ الداهية وَأَصلهَا من الأيد وَهُوَ الْقُوَّة كأناداهية ذَات شدَّة وَقُوَّة. وَرَوَاهُ الْخَطِيب التبريزي فِي شرح المعلقات بزنة اسْم الْمَفْعُول أَيْضا وَقَالَ: أَي: جِئْت بِأَمْر شَدِيد يشدّد فِيهِ: من عقرك هذهالناقة. وَلَيْسَ الْمُؤَيد من الوأد مَا توهمه السَّيِّد فِي حَوَاشِي هَذَا الْكتاب فَإِنَّهُ قَالَ: وأده أَي: دَفنه حَيا والْمُؤَيد:) الداهية. قَالَ ابْن جنّي فِي الْمنصف وَهُوَ شرح تصريف الْمَازِني: الْفِعْل المعتل الْعين إِذا صَحَّ مَا قبل عينه نقلت حَرَكَة عينه إِلَى السَّاكِن بلها نَحْو أَقَامَ واستقام. فَأَما مَا اعتلّت فاؤه فَإنَّك لَا تنقل إِلَيْهَا حَرَكَة الْعين وَذَلِكَ قَوْلك فِي أفعلت نَحْو آيمت وآولت من آم وَآل. لِأَنَّهُ لما اعتلت الْفَاء وَهِي همزَة فَقبلت ألفا صحّت الْعين وعَلى ذَلِك قَول الشَّاعِر: كرأس الفدن الْمُؤَيد فَهَذَا فعل بزنة اسْم الْمَفْعُول من الأيد وَهُوَ الْقُوَّة وَلم يقل المؤاد أَي: بِهَمْزَة ممدودة بعد الْمِيم المضمومة وَقَالَ طرفَة: أَن قد أتيت بمؤيد وَهِي الداهية وَهِي بزنة اسْم الْفَاعِل من الأيد أَيْضا وَلم يقل المئيد أَي: بميم مَضْمُومَة فهمزة مَكْسُورَة بعْدهَا مثناة تحتية وَقَالُوا: آيدته فِي أفعلته من الأيد وأيدته فعّلته. وآيدته قَليلَة مَكْرُوهَة لِأَنَّك إِن صححت فَهُوَ ثقيل وَإِن أعللت جمعت بَين إعلالين. فَعدل عَن أفعلته إِلَى فعّلته فِي غَالب الْأَمر اه.

وَهَذَا الْبَيْت من معلقَة طرفَة بن العَبْد الْمَشْهُورَة. وَهَذَا مَا قبله: (وبرك هجود قد أثارت مخافتي ... نواديها أَمْشِي بعضب مُجَرّد) (فمرّت كهاة ذَات خيف جلالة ... عقيلة شيخ كالوبيل يلندد) يَقُول وَقد ترّ الوظيف وساقها ... الْبَيْت (وَقَالَ أَلا مَاذَا ترَوْنَ بشارب ... شَدِيد علينا بغيه متعمد) (فظل الْإِمَاء يمتللن حوارها ... وتسعى علينا بالسديف المسرهد) قَوْله: وبرك بِفَتْح الْمُوَحدَة مجرور بواو رب قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: البرك يَقع على جَمِيع مَا يبرك من الْجمال والنوق على المَاء وبالفلاة من حر الشَّمْس أَو الشِّبَع الْوَاحِد بَارك وباركة. وَقيل: البرك: جمَاعَة إبل الْحَيّ وَقيل لَهَا: برك لِاجْتِمَاع مباركها. وبرك الْبَعِير: إِذا ألْقى صَدره على الأَرْض. والهجود: النيام جمع هاجد وهاجدة ومصدره الهجود أَيْضا بِمَعْنى النّوم كالقعود وَالْجُلُوس. ومخافتي: فَاعل أثارت وَهُوَ مصدر مُضَاف إِلَى الْمَفْعُول وَالْفَاعِل مَحْذُوف أَي: مخافتها إيَّايَ. ونواديها: مفعول أثارت أَي: أوائلها وَمَا سبق مِنْهَا وَهُوَ بالنُّون يُقَال: لَا ينداك مني أَمر تكرههُ أَي: لَا يسْبق إِلَيْك مني وَإِنَّمَا خص النوادي لِأَنَّهَا أبعد مِنْهُ عِنْد فرارها. فَيَقُول: لَا يفلت من عقري مَا قرب وَلَا مَا شَذَّ فندّ.) وَقَالَ ابْن السّكيت: النوادي الثقال أَيْضا من الْإِبِل الْوَاحِدَة نَادِيَةَ. وَجُمْلَة أَمْشِي حَال من الْيَاء فِي مخافتي. والعضب:

السَّيْف الْقَاطِع. والمجرد: المسلول من غمده. يَقُول: ربّ إبل كَثِيرَة باركة قد أثارت نوادي هَذَا البرك عَن مباركها مخافتها إيَّايَ فِي حَال مشيي إِلَيْهَا بِسيف مسلول قَاطع. يُرِيد: أَنه أَرَادَ أَن ينْحَر لأضيافه بَعِيرًا فنفرت مِنْهُ لتعودها ذَلِك مِنْهُ. وَقَوله: فمرّت كهاة الخ الكهاة بِفَتْح الْكَاف قَالَ ابْن السّكيت: هُوَ جلد الضَّرع وَقَالُوا: هُوَ جلد الضَّرع الْأَعْلَى الَّذِي يُسمى الجراب. يُقَال: نَاقَة خيفاء إِذا كَانَ ضرْعهَا كَبِيرا. وجلالة: بِالرَّفْع: صفة كهاة وَهِي بِضَم الْجِيم بِمَعْنى الجليلة والعظيمة. وعقيلة شيخ: صفة ثَالِثَة أَي: خير مَاله والعقيلة: الْكَرِيمَة. وَهَذَا الشَّيْخ قَالَ ابْن السّكيت: هُوَ بعض بني عَم طرفَة كَانَ طرفَة عقر لَهُ نَاقَة. وَقَالَ الزوزني: أَرَادَ بالشيخ أَبَاهُ يُرِيد: أَنه نحر كرائم مَال أَبِيه لندمائه. وَقيل: بل أَرَادَ غَيره مِمَّن يُغير على مَاله. وَقَوله: كالوبيل صفة شيخ. قَالَ ابْن السّكيت: الوبيل الْعَصَا. وَقَالَ الزوزني: الوبيل: الْعَصَا الضخمة فِي الصِّحَاح: الوبيل: الحزمة. فعلى هَذَا شبّه عِظَامه فِي البيوسة بالحطب وَالشَّيْخ بِأَنَّهُ حزمة من الْحَطب. واليلندد: السَّيئ الْخلق الشَّديد الْخُصُومَة صفة ثَانِيَة للشَّيْخ. وَقَوله: يَقُول وَقد ترّ الوظيف الخ أَي: قَالَ الشَّيْخ فِي حَال عقري هَذِه النَّاقة الْكَرِيمَة النجيبة. وَمثلهَا لَا يعقر للأضياف وَقَوله: وَقَالَ أَلا مَاذَا ترَوْنَ الخ فَاعل قَالَ ضمير الشَّيْخ صَاحب النَّاقة وَذَا اسْم مَوْصُول وَمَا اسْتِفْهَام مَنْصُوب بترون وَالْبَاء مُتَعَلقَة بِمَحْذُوف

أَي: قَالَ الشَّيْخ مستشيراً أَصْحَابه: مَا الَّذِي ترَوْنَ أَن نَفْعل بطرفة شَارِب الْخمر يَبْغِي علينا بعقر كرائم أَمْوَالنَا وَقَوله: فَقَالُوا: ذروه الخ أَي: ذَروا طرفَة فَإِن نَفعهَا للشَّيْخ فَإِن طرفَة يخلف عَلَيْهِ ويزيده وَإِن لم تردّوا قاصي إبلكم يعقر مِنْهَا أَيْضا. وَقيل: مَعْنَاهُ: إِن لم تردّوا قاصي البرك وتردّوه إِلَى أَوله زَاد فِي نفاره وَذهب. والقاصي: اسْم فَاعل من قصا يقصو قصوّاً: إِذا بعد. وَقَوله: فظل الْإِمَاء الخ يمتللن بِكَسْر اللَّام أَي: يشوين فِي الْملَّة وَهِي الرماد الْحَار. وَالْإِمَاء: الخدم. والحوار بِضَم الْمُهْملَة: ولد النَّاقة. والسديف: قطع السنام. والمسرهد: المريء الْحسن الْغذَاء وَقيل: السمين. أَي: فظل الْإِمَاء يشتوين الْوَلَد الَّذِي خرج من بَطنهَا تَحت الْجَمْر والرماد الْحَار وتسعى الخدم علينا بِقطع سنامها المقطّع يُرِيد: أَنهم أكلُوا أطايبها وأباحوا غَيرهَا للخدم.) وَذكر الحوار يدل على أَنَّهَا كَانَت حُبْلَى وَهِي من أنفس الْإِبِل عِنْدهم. وترجمة طرفَة بن العَبْد تقدّمت فِي الشَّاهِد الْخَامِس وَالثَّمَانُونَ بعد الْمِائَة (وَقد أغتدي وَالطير فِي وكناتها ... بمنجردقيد الأوابد هيكل) لما تقدم قبله. وَقد بَيناهُ. وَهَذَا الْبَيْت من معلقَة امْرِئ الْقَيْس الْمَشْهُورَة. وَقَوله: وَقد أغتدي أَي: أخرج غدْوَة للصَّيْد. والوكنات الْوَاو مَضْمُومَة وَالْكَاف

يجوز ضمهَا وَفتحهَا وسكونها جمع وكنة بِضَم فَسُكُون. قَالَ ابْن جني فِي الْمُحْتَسب: وَمن ذَلِك قِرَاءَة عبد الْكَرِيم الْجَزرِي: فتكِن فِي صَخْرَة بِكَسْر الْكَاف من قَوْلهم وَكن الطَّائِر يكن وكوناً: إِذا اسْتَقر فِي وكنته وَهِي مقره لَيْلًا وَهِي أَيْضا عشّه الَّذِي يبيض فِيهِ. وَكَأَنَّهُ من مقلوب الْكَوْن لِأَن الْكَوْن الِاسْتِقْرَار. اه. وَالْقَاف لُغَة فِي الْكَاف يُقَال: وقنة ووقنات. وَرُوِيَ: فِي وكراتها بِضَمَّتَيْنِ جمع وكر بضمة فَسُكُون وَهُوَ جمع وكربفتح فَسُكُون والوكر: مأوى الطَّائِر فِي العش. وَالطير: جمع طَائِر كصحب جمع صَاحب. وَهَذَا المصراع قد اسْتَعْملهُ امْرُؤ الْقَيْس فِي قصيدته اللامية قَالَ: (وَقد أغتدي وَالطير فِي وكناتها ... لغيث من الوسمي رائده خَالِي) وَفِي الضادية أَيْضا وَتَمَامه: بمنجرد عبل الْيَدَيْنِ قبيض وَفِي البائية أَيْضا وَتَمَامه: وَمَاء الندى يجْرِي على كل مذنب وَهَذَا الْبَيْت قد وَقع فِي قصيدة لعلقمة الْفَحْل أَيْضا. وَجُمْلَة: وَالطير فِي وكناتها حَال من ضمير الْمُتَكَلّم أَي: أغدو إِلَى الصَّيْد ملابساً لهَذِهِ الْحَالة. والمنجرد من الْخَيل قيل: الْمَاضِي فِي السّير وَقيل: الْقَلِيل الشّعْر القصيره. وبمنجرد مُتَعَلق بقوله أغتدي. والأوابد: الوحوش جمع آبده.

يُرِيد: أَن هَذَا الْفرس من شدَّة سرعته يلْحق الأوابد فَيصير لَهَا بِمَنْزِلَة الْقَيْد. قَالَ أَبُو عَليّ فِي التَّذْكِرَة: قيد الأوابد صفة وَهُوَ مصدر كَأَنَّهُ قَالَ: يُقيد الأوابد ثمَّ اسْتعْمل الْمصدر: بِحَذْف الزِّيَادَة فوصف بِهِ. وَقَالَ التبريزي: تَقْدِير قيد الأوابد ذِي تَقْيِيد الأوابد. قَالَ الباقلاّني فِي إعجاز الْقُرْآن: قَوْله قيد الأوابد عِنْدهم من البديع وَهُوَ من الِاسْتِعَارَة ويرونه من الْأَلْفَاظ) الشَّرِيفَة وعنى بذلك أَنه إِذا أرسل هَذَا الْفرس على الصَّيْد صَار قيدا لَهَا وَكَانَت بِحَال الْمُقَيد من جِهَة سرعَة عدوه. وَقد اقْتدى بِهِ النَّاس وَاتبعهُ الشُّعَرَاء فَقيل: قيد النواظر وَقيد الألحاظ وَقيد الْكَلَام وَقيد الحَدِيث وَقيد الرِّهَان قَالَ ابْن يعفر: (بمقلّص عتد جهير شدّه ... قيد الأوابد والرهان جواد) وَقَالَ أَبُو تَمام: (لَهَا منظر قيد الأوابد لم يزل ... يروح وَيَغْدُو فِي خفارته الحبّ) وَقَالَ آخر: (ألحاظه قيد عُيُون الورى ... فَلَيْسَ طرف يتعدّاه) وَقَالَ آخر: قيّد الْحسن عَلَيْهِ الحدقا والهيكل قَالَ ابْن دُرَيْد: هُوَ الْفرس الْعَظِيم الجرم. (مكرّ مفرّ مقبل مُدبر مَعًا ... كجلمود صَخْر حطّه السَّيْل من عل)

مكر ومفر بِكَسْر الْمِيم فيهمَا وجرّهما أَي: فرس صَالح للكرّ والفرّ. وَالْكر: الْعَطف يُقَال: كرّ فرسه على عدوه. أَي: عطفه عَلَيْهِ. ومفعل بِكَسْر الْمِيم يتَضَمَّن مُبَالغَة كَقَوْلِهِم: فلَان مسعر حَرْب وَفُلَان مقول ومصقع. وَإِنَّمَا جَعَلُوهُ متضمناً مُبَالغَة لِأَن مفعلاً يكون من أَسمَاء الأدوات فَكَأَنَّهُ أَدَاة للكرّ والفرّ وَآلَة لتسعر الْحَرْب أَي: تلهبها وَآلَة الْكَلَام. ومقبل ومدبر بِضَم ميميهما: اسْما فَاعل من الإقبال والإدبار. والجلمود بِالضَّمِّ: الصخر الْعَظِيم الصلب. والحط: إِلْقَاء الشَّيْء من علو إِلَى سفل. وعل بِمَعْنى عَال أَي: من مَكَان عَال. وَفِي هَذَا الْبَيْت الاتساع قَالَ ابْن أبي الإصثبع فِي تَحْرِير التحبير: الاتساع أَن يَأْتِي الشَّاعِر بَيت يَتَّسِع فِيهِ التَّأْوِيل على قدر قوى النَّاظر فِيهِ وبحسب مَا تحْتَمل لفاظه كَقَوْلِه فِي صفة فرس: مكرّ مفرّ مقبل مُدبر مَعًا لِأَن الْحجر يطْلب جِهَة السّفل لكَونهَا مركزه إِذْ كل شَيْء يطْلب مركزه بطبعه فالحجر يسْرع انحطاطه إِلَى السّفل من الْعُلُوّ من غير وَاسِطَة فَكيف إِذا أعانته قُوَّة دفّاع السَّيْل من عل فَهُوَ حَال تدحرجه يرى وَجهه فِي الْآن الَّذِي يرى فِيهِ ظَهره بِسُرْعَة تقلبه وَبِالْعَكْسِ. وَلِهَذَا قَالَ: مقبل مُدبر مَعًا يَعْنِي يكون إدباره وإقباله مُجْتَمعين فِي المعيّة لَا يعقل الْفرق بَينهمَا.) وَحَاصِل الْكَلَام وصف الْفرس بلين الرَّأْس وَسُرْعَة الانحراف فِي صدر الْبَيْت وَشدَّة الْعَدو فِي عَجزه. وَقيل: إِنَّه جمع وصفي الْفرس بِحسن الْخلق وَشدَّة الْعَدو ولكونه قَالَ فِي صدر الْبَيْت إِنَّه حسن الصُّورَة كَامِل

النصبة فِي حالتي إقباله وإدباره وكرّه وفرّه ثمَّ شبهه بجلمود صَخْر حطّه السَّيْل من الْعُلُوّ بِشدَّة الْعَدو فَهُوَ فِي الْحَالة الَّتِي ترى فِيهَا لببه ترى فِيهَا كفله وَبِالْعَكْسِ. هَذَا وَلم تخطرهذه الْمعَانِي بخاطر الشَّاعِر فِي وَقت الْعَمَل وَإِنَّمَا الْكَلَام إِذا كَانَ قويّاً من مثل هَذَا الْفَحْل احْتمل لقُوته وُجُوهًا من التَّأْوِيل بِحَسب مَا تحْتَمل أَلْفَاظه وعَلى مِقْدَار قوى الْمُتَكَلِّمين فِيهِ. وَمثله أَيْضا: (إِذا قامتا تضوّع الْمسك مِنْهُمَا ... نسيم الصّبا جَاءَت بريّا القرنفل) فَإِن هَذَا الْبَيْت اتَّسع النقاد فِي تَأْوِيله: فَمن قَائِل: تضوع مثل الْمسك مِنْهُمَا بنسيم الصِّبَا وَمن قَائِل: تضوع نسيم الصِّبَا مِنْهُمَا وَمن قَائِل: تشوع الْمسك مِنْهُمَا تضوع نسيم الصِّبَا وَهَذَا هُوَ الْوَجْه عِنْدِي وَمن قَائِل: تضوع الْمسك مِنْهُمَا بِفَتْح الْمِيم يَعْنِي الْجلد بنسيم الصِّبَا. وَقَالَ ابْن الْمُسْتَوْفى فِي شرح أَبْيَات المفصّل: حَدثنِي الإِمَام أَبُو حَامِد سُلَيْمَان قَالَ: كُنَّا فِي خوارزم وَقد جرى النّظر فِي بَيت امْرِئ الْقَيْس: إِذا قامتا تضوع الْمسك مِنْهُمَا فَقَالُوا: كَيفَ شبّه تضوع الْمسك بنسيم الصِّبَا والمشبّه يَنْبَغِي أَن يكون مثل المشبّه بِهِ والمسك أطيب رَائِحَة وَطَالَ القَوْل فِي ذَلِك فَلم يحققوه وَكَانَ سَأَلَني عَنهُ فأجبت لوقتي أَنه شبه حَرَكَة الْمسك مِنْهُمَا عِنْد الْقيام بحركة نسيم الصِّبَا لِأَنَّهُ يُقَال: تضوع الفرخ أَي: تحرّك وَمِنْه تضوع الْمسك تحرّك وانتشرت رَائِحَته: وَذَلِكَ أَن الْمَرْأَة تُوصَف بالبطء عِنْد الْقيام فحركة الْمسك تكون إِذا ضَعِيفَة مثل حَرَكَة النسيم وانتشاره كانتشاره فالتشبيه صَحِيح.

والنسيم: الرّيح الطّيبَة ونسيم الرّيح أوّلها حِين تقبل بلين. وَلقَائِل أَن يَقُول: إِن نسيم الصِّبَا وَهِي الرّيح الطّيبَة إِذا جَاءَت برّيا القرنفل وَهِي أَيْضا ريح طيبَة قاربت ريح الْمسك. وَبعد أَن جرى ذَلِك بِمدَّة طَوِيلَة وَقع إليّ كتاب أبي بكر مُحَمَّد بن الْقَاسِم الأنباريّ فِي شرح القصائد السبعيات فَوَجَدته ذكر عِنْد هَذَا الْبَيْت قولا حسنا وَهُوَ قَوْله: وَمعنى تضوع أَخذ كَذَا وَكَذَا. وَهُوَ تفعّل من ضَاعَ يضوع يُقَال: للفرخ إِذا سمع صَوت أمه فَتحَرك: قد ضاعته أمه تضوعه ضوعاً. فَلَا حَاجَة مَعَ قَوْله أَخذ كَذَا وَكَذَا إِلَى تمحل لذَلِك وَيكون التَّقْدِير: تضوّع الْمسك مِنْهُمَا) تضوّع نسيم الصِّبَا أَي: أَخذ كَذَا وَكَذَا كَمَا أَخذ النسيم كَذَا وَكَذَا. اه. وترجمة امْرِئ الْقَيْس تقدّمت فِي الشَّاهِد التَّاسِع وَالْأَرْبَعِينَ. وانشد بعده وَهُوَ (كأنّ حواميه مُدبرا ... خضبن وَإِن لم تكن تخضب) على أَن مُدبرا حَال من الْمُضَاف إِلَيْهِ وَهُوَ الْهَاء فيحواميه. وَهَذَا الْبَيْت من قصيدة فِي وصف فرس لنابغة الْجَعْدِي. وَقَبله: (كأنّ تماثيل أرساغه ... رِقَاب وعول على مشرب) كأنّ حواميه مُدبرا

وَبعده: (حِجَارَة غيل برضراضة ... كسين طلاءً من الطحلب) التماثيل: جمع تِمْثَال بِالْكَسْرِ وَهِي الصُّورَة. والأرساغ جمع رسغ بِالضَّمِّ وَهُوَ من الدوابّ: الْموضع المستدق بَين الْحَافِر وَمَوْضِع الوظيف من الْيَد وَالرجل وَمن الْإِنْسَان: مفصل مَا بَين الْكَفّ والساعد والقدم إِلَى السَّاق والوعول: جمع وعل قَالَ ابْن فَارس: هُوَ ذكر الأروى وَهُوَ الشَّاة الجبلية. وَكَذَلِكَ قَالَ فِي البارع وَزَاد: وَالْأُنْثَى وَعلة بِكَسْر الْعين وتسكّن فيهمَا. وَالْمشْرَب بِالْفَتْح مَوضِع الشّرْب. وَهَذَا الْبَيْت من التَّشْبِيه البديع الَّذِي لم يسْبق إِلَيْهِ: شبّه أرساغه فِي غلظها وانحنائها وعذد الانتصاب فِيهَا برقاب وعول قد مدّتها لتشرب المَاء. وهذاالبيت من شَوَاهِد أدب الْكَاتِب قَالَ:: وَيسْتَحب أَن تكون الأرساغ غلاظاً يابسة. وَأنْشد هَذَا الْبَيْت. وَقَوله: كأنّ حواميه. . الخ الحوامي: جمع حامية بِالْحَاء الْمُهْملَة وَهِي مَا فَوق الْحَافِر وَقيل: هِيَ مَا عَن يَمِين الْحَافِر وشماله وَلكُل حافر حاميتان قَالَ ابْن قُتَيْبَة: هما عَن يَمِين السنبك وشماله. والسنبك بِالضَّمِّ: طرف مقدم الْحَافِر. وتخضب بدل من تكن بدل اشْتِمَال لاشتمال الخضاب على الْكَوْن. وَهُوَ من قبيل بدل الْفِعْل من الْفِعْل وَلِهَذَا ظهر الْجَزْم. وَكسر للقافية. وَالْحِجَارَة: جمع حجر وَهِي الصخر. والغيل بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة: المَاء الْجَارِي على وَجه الأَرْض. والرضراضة: الأَرْض الصلبة قَالَ ابْن السّكيت

فِي أَبْيَات الْمعَانِي. ورضراضة: أَرض مرصوصة بحجارة بالضاد الْمُعْجَمَة والمهملة قَالَ ابْن قُتَيْبَة فِي أدب الْكَاتِب: وَيسْتَحب أَن تكون الحوافر صلاباً غير نقدة والنقدر بِالتَّحْرِيكِ: ان ترَاهَا متقشرة وَتَكون سُودًا أَو خضرًا لَا) يبيضّ مِنْهَا شَيْء لِأَن الْبيَاض فِيهَا رقة. اه. شبّه حَوَافِرِهِ بحجارة مُقِيمَة فيماء قَلِيل. وَذَلِكَ أَصْلَب لَهَا يُقَال للصخرة الَّتِي بَعْضهَا فِي المَاء وَبَعضهَا خَارج: أتان الضحل والضحل: المَاء الْقَلِيل وَذَلِكَ النِّهَايَة فِي صلابتها. وَإِيَّاهَا عَنى المتنبي بقوله: (أَنا صَخْرَة الْوَادي إِذا مَا زوحمت ... وَإِذا نطقت فَإِنِّي الجوزاء) وَإِذا كَانَت جَوَانِب الحوافر صلاباً على الْوَصْف الَّذِي ذكر وَكَانَت سُودًا أَو خضرًا فمقاديمها أَصْلَب وَأَشد سواداً وخضرة. وكسين بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول من الْكسْوَة. وَالنُّون ضمير الْحِجَارَة. وَالْجُمْلَة حَال من ضمير الظّرْف أَعنِي قَوْله برضراضة. والطلاء بِالْكَسْرِ: كل مَا يطلى بِهِ وَهُوَ الْمَفْعُول الثَّانِي لكسا. يُقَال: طليته بِهِ أَي: لطخته بِهِ. والطّحلب بِضَم اللَّام وَفتحهَا مَعَ ضم المَاء فَهُوَ مطحلب بِكَسْر اللَّام وَفتحهَا. قَالَ ابْن الشجريّ فِي الْمجْلس الثَّالِث من أَمَالِيهِ عِنْد قَول المسيّب بن عَامر فِي مدح عمَارَة بن زباد الْعَبْسِي: (كسيف الفرند العضب أخْلص صقله ... تراوحه أَيدي الرِّجَال قيَاما)

إِن قَوْله قيَاما نصب على الْحَال من الرِّجَال. وَالْحَال من الْمُضَاف إِلَيْهِ قَليلَة وَمن ذَلِك قَول الْجَعْدِي: كأنّ حواميه مُدبرا نصب مُدبرا على الْحَال من الْهَاء ... وأنشدوا فِي الْحَال من الْمُضَاف إِلَيْهِ قَول تأبّط شرا: (سلبت سلاحي يائساً وشتمتني ... فيا خير مسلوب وَيَا شرّ سالب) وَلست أرى أَن بائساً حَال من الْيَاء فِي سلاحي وَلكنه عِنْدِي حَال من مفعول سلبت الْمَحْذُوف وَالتَّقْدِير: سلبتني بائساً سلاحي. ومثلي قَوْله تَعَالَى: ذَرْنِي وَمن خلقت وحيدا وَقَوله تَعَالَى: أَهَذا الَّذِي بعث الله رَسُولا أَي: خاقته وَبَعثه. وَإِنَّمَا وَجب الْعُدُول إِلَى مَا قُلْنَا لعزة حَال الْمُضَاف إِلَيْهِ. فَإِذا وجدت مندوحة وَجب تَركه. وسلب يتَعَدَّى إِلَى مفعولين يجوز الِاقْتِصَار على أَحدهمَا كَقَوْلِك: سلبت زيدا ثوبا وَقَالُوا: سلب زيد ثَوْبه بِالرَّفْع على بدل الاشتمال وثوبه بِالنّصب على أَنه مفعول ثَان وَفِي التَّنْزِيل: وَإِن يسلبهم الذُّبَاب شَيْئا لَا يستنقذوه مِنْهُ فَيجوز على هَذَا أَن نجْعَل بائساً مَفْعُولا ثَانِيًا بِتَقْدِير حذف الْمَوْصُوف أَي:) سلبت سلاحي رجلا باائساً كَمَا تَقول: لتعاملن مني رجلا منصفاً. وَمِمَّا جَاءَت الْحَال فِيهِ من الْمُضَاف إِلَيْهِ قَوْله تَعَالَى: قل بل مِلَّة إِبْرَاهِيم حَنِيفا قيل: إِن حَنِيفا حَال من إِبْرَاهِيم وأوجه من ذَلِك عِنْدِي أَن تَجْعَلهُ حَالا من الْملَّة

وَإِن خالفها بالتذكير لِأَن الْملَّة فِي معنى الدَّين أَلا ترى أَنَّهَا قد أبدلت من الدَّين فِي قَوْله تَعَالَى: دينا قيمًا مِلَّة إِبْرَاهِيم فَإِذا جعلت حَنِيفا حَالا من الْملَّة فالناصب لَهُ هُوَ الناصب للملة وَتَقْدِيره: بل نتبع مِلَّة إِبْرَاهِيم حَنِيفا. وَإِنَّمَا أضمر نتبع لِأَن مَا حَكَاهُ الله عَنْهُم من قَوْلهم: كونُوا هوداً أَو نَصَارَى تهتدوا مَعْنَاهُ اتبعُوا الْيَهُودِيَّة أَو النَّصْرَانِيَّة فَقَالَ لنَبيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: قل بل نتبع مِلَّة إِبْرَاهِيم حَنِيفا. . وَإِنَّمَا ضعف مَجِيء الْحَال من الْمُضَاف إِلَيْهِ لِأَن الْعَامِل فِي الْحَال يَنْبَغِي أَن يكون هُوَ الْعَامِل فِي ذِي الْحَال. اه كَلَامه. وَقَالَ أَيْضا فِي الْمجْلس الرَّابِع وَالْعِشْرين: وَأما قَوْله: مُدبرا فحال من الْهَاء وَالْعَامِل على رَأْي أبي عليّ مَا تقدره فِي الْمُضَاف إِلَيْهِ من معنى الجارّ. يَعْنِي أنّ التَّقْدِير كَأَن حوامي ثَابِتَة لَهُ مُدبرا أَو كائنة لَهُ. قَالَ: وَلَا يجوز تَقْدِيم هَذِه الْحَال لِأَن الْعَامِل فِيهَا معنى لَا فعل مَحْض. قَالَ: وَلَا يجوز أَن يكون الْعَامِل مَا فِي كأنّ من معنى الْفِعْل لِأَنَّهُ إِذا عمل فِي حَال لمي عمل فِي أُخْرَى. يَعْنِي أنّ كَأَن قد عمل فِي مَوضِع خضبن النصب على الْحَال فَلَا يعْمل فِي قَوْله مُدبرا. وَهَذَا القَوْل يدلّ على أَنه يُجِيز أَن ينصب حَال الْمُضَاف إِلَيْهِ الْعَامِل فِي الْمُضَاف. وَإِذا كَانَ هَذَا جَائِزا عِنْده فَإِن جعل خضبن خبر كَأَن فالعامل إِذا فِي مُدبرا مَا فِي كَأَن من معنى الْفِعْل. وَهَذَا إِنَّمَا يجوز إِذا كَانَ الْمُضَاف ملتبساً بالمضاف إِلَيْهِ: كالتباس الحوامي بِمَا هِيَ لَهُ وَلَا يجوز فِي ضربت غُلَام هِنْد جالسة أَن تنصب جالسة بضربت لِأَن الْغُلَام غير ملتبس بهند كالتباس الحوامي بصاحبها. وَلَا يجوز عِنْدِي أَن تنصب جالسة

بِمَا تقدره من معنى اللَّام فِي الْمُضَاف إِلَيْهِ فكأنك قلت: ضربت غُلَاما كَائِنا لهِنْد جالسةً لِأَن ذَلِك يُوجب أَن يكون الْغُلَام لهِنْد فِي حَال جلوسها خَاصَّة وَهَذَا مُسْتَحِيل. وَكَذَلِكَ قَوْله: كَأَن حواميه مُدبرا إِن قدرت فِيهِ: حوامي ثَابِتَة لَهُ مُدبرا وَجب أَن يكون الحوامي لَهُ فِي حَال إدباره دون حَال إقباله. وَهَذَا يُوضح لَك فَسَاد إعمالك فِي هَذِه الْحَال معنى الْجَار المقدّر فِي الْمُضَاف إِلَيْهِ. وَلَا يجوزإذن ضربت غُلَام هِنْد جالسة لذَلِك وَلعدم التباس الْمُضَاف بالمضاف إِلَيْهِ. وَنَظِير مَا ذَكرْنَاهُ: من جَوَاز مَجِيء الْحَال من الْمُضَاف إِلَيْهِ إِذا كَانَ) الْمُضَاف ملتبساً بِهِ قَوْله تَعَالَى: فظلت اعناقهم لَهَا خاضعين أخبر بخاضعين عَن الْمُضَاف إِلَيْهِ وَلَو أخبر عَن الْمُضَاف لقَالَ خاضعة أَو خضّعاً أَو خواضع. وَإِنَّمَا حسن ذَلِك لِأَن خضوع أَصْحَاب الْأَعْنَاق بخضوع أَعْنَاقهم. وَقد قيل فِيهِ غير هَذَا وَذَلِكَ مَا جَاءَ فِي التَّفْسِير من أَن المُرَاد بأعناقهم كبراؤهم. وَقَالَ أهل اللُّغَة: أَعْنَاقهم: جماعاتهم كَقَوْلِك: جَاءَنِي عنق من النَّاس أَي: جمَاعَة. فَالْخَبَر فِي هذَيْن الْقَوْلَيْنِ عَن الْأَعْنَاق. وَقَوله: خضبن عِنْد أبي عليّ فِي مَوضِع نصب بِأَنَّهُ حَال من الحوامي وَلم يَجعله خبر كَأَن لِأَنَّهُ جعل خَبَرهَا قَوْله حِجَارَة غيل وَلم يجز أَن يَكُونَا خبرين لكأن: على حدّ قَوْلهم هـ احُلْو حامض أَي: قد جمع الطعمين قَالَ: لِأَنَّك لَا تَجِد فِيمَا أخبروا عَنهُ بخبرين أَن يكون أَحدهمَا مُفردا وَالْآخر جملَة: لَا تقولزيد خرج عَاقل. وَالْقَوْل عِنْدِي: أَن يكون أَحدهمَا مُفردا وَالْآخر جملَة: لَا تَقول زيد خرج عَاقل. وَالْقَوْل عِنْدِي: أَن يكون مَوضِع خضبن رفعا بِأَنَّهُ خبر كَأَن وَقَوله: حِجَارَة غيل خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي: هِيَ حِجَارَة غيل وأداة التَّشْبِيه محذوفة كَمَا

فهنّ إضاء صافيات الغلائل أَي: مثل إضاء والإضاء: الغدران وَاحِدهَا أضاة فعلة جمعت على فعال كرقبة ورقاب: شبّه الدروع فِي صفائها بالغدران. والنابغة الْجَعْدِي كنيته أَبُو ليلى وَهُوَ كَمَا فِي الِاسْتِيعَاب: قيس بن عبد الله. وَقيل: حَيَّان بن قيس بن عبد الله بن عَمْرو بن عدس بن ربيعَة بن جعدة بن كَعْب بن ربيعَة بن عَامر بن صعصعة. وَقيل: اسْمه حَيَّان بن قيس بن عبد الله بن وحوح بن عدس بن ربيعَة بن جعدة. وَإِنَّمَا قيل لَهُ: النَّابِغَة لِأَنَّهُ قَالَ الشّعْر فِي الْجَاهِلِيَّة ثمَّ أَقَامَ مُدَّة نَحْو ثَلَاثِينَ سنة لَا يَقُول الشّعْر ثمَّ نبغ فِيهِ فقاله فسمّي النَّابِغَة. وَهُوَ أسنّ من النَّابِغَة الذبياني لِأَن الذبياني كَانَ مَعَ النُّعْمَان بن الْمُنْذر وَكَانَ النُّعْمَان بن الْمُنْذر بعد الْمُنْذر بن محرّق وَقد أدْرك النَّابِغَة الْجَعْدِي الْمُنْذر بن محرق ونادمه. ذكر عمر بن شبّة أَنه عمّر مائَة وَثَمَانِينَ سنة وَأَنه أنْشد عمر بن الْخطاب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: (لبست أُنَاسًا فأفنيتهم ... وأفنيت بعد أنَاس أُنَاسًا) (ثَلَاثَة أهلين أفنيتهم ... وَكَانَ الْإِلَه هُوَ المستآسا)) فَقَالَ لَهُ عمر: كم لَبِثت مَعَ كلّ أهل قَالَ: سِتِّينَ سنة. وَقَالَ ابْن قُتَيْبَة: عمّر الْجَعْدِي مِائَتَيْنِ وَعشْرين سنة وَمَات بأصبهان.

وَلَا يدْفع هَذَا مامرّ فَإِنَّهُ أفنى ثَلَاثَة قُرُون فِي مائَة وَثَمَانِينَ سنة ثمَّ عمّر إِلَى زمن ابْن الزبير وَبعده. والبيتان من قصيدة سينية. والمستآس: المستعاض مستفعل من الْأَوْس والأوس: الْعَطِيَّة عوضا. وبعدهما: (وعشت بعيشين إِن المنو ... ن تلقّى المعايش فِيهَا خساسا) (فحيناً أصادف غرّاتها ... وحيناً أصادف مِنْهَا شماسا) (شهدتهم لَا أرجّي الحيا ... ة حَتَّى تساقوا بسمر كئاسا) وَهُوَ جمع كأس. قَالَ السجسْتانِي فِي كتاب المعمرين: وَقَالَ حِين وفت لَهُ مائَة واثنتا عشرَة سنة: (مَضَت مائَة لعام ولدت فِيهِ ... وَعشر بعد ذَاك وحجتان) (فأبقى الدَّهْر وَالْأَيَّام مني ... كَمَا أبقى من السَّيْف الْيَمَانِيّ) (تفلّل وَهُوَ مأثور جراز ... إِذا جمعت بقائمه اليدان) (أَلا زعمت بَنو كَعْب بِأَنِّي ... أَلا كذبُوا كَبِير السن فَانِي) الخنان: مرض أصَاب النَّاس فِي أنوفهم وحلوقهم وَرُبمَا أَخذ النعم وَرُبمَا قتل اه. وَهُوَ بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة وَبعدهَا نون مُخَفّفَة فِي الْقَامُوس:

والخنان كغراب: زكام الْإِبِل وزمن الخنان كَانَ فِي عهد الْمُنْذر بن مَاء السَّمَاء وَمَاتَتْ الْإِبِل مِنْهُ. ووفد الجعديّ على النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ مُسلما وأنشده ودعا لَهُ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وَكَانَ من اول مَا أنده قَوْله فِي قصيدته الرائية: (أتيت رَسُول الله إِذْ جَاءَ بِالْهدى ... وَيَتْلُو كتابا كالمجرة نيرا) (وجاهدت حَتَّى مَا أحس وَمن معي ... سهيلاً إِذا مَا لَاحَ ثمّت غوّرا) (أقيم على التَّقْوَى وأرضى بِفِعْلِهَا ... وَكنت من النَّار المخوفة أحذرا) إِلَى أَن قَالَ: (وَإِنَّا لقوم مَا نعوّد خَيْلنَا ... إِذا ماالتقينا أَن تحيد وتنفرا)) (وننكر يَوْم الروع ألوان خَيْلنَا ... من الطعْن حَتَّى تحسب الجون أشقرا) (وَلَيْسَ بِمَعْرُوف لنا ان نردها ... صحاحاً وَلَا مستنكراً أَن تعقّرا) (بلغنَا السَّمَاء مَجدنَا وسناؤنا ... وَإِنَّا لنَرْجُو فَوق ذَلِك مظْهرا) وَفِي رِوَايَة عبد الله بن جَراد:

فَقَالَ لَهُ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: إِلَى أَيْن يَا أَبَا ليلى فَقَالَ: إِلَى الْجنَّة فَقَالَ: نعم إِن شَاءَ الله (وَلَا خير فِي حلم إِذا لم تكن لَهُ ... بَوَادِر تَحْمِي صَفوه أَن يكدّرا) (وَلَا خير فِي جهل إِذا لم يكن لَهُ ... حَلِيم إِذا مَا اورد الْأَمر أصْدرَا) فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: لَا يفضض الله فَاك فَكَانَ من احسن النَّاس ثغراً وَكَانَ إِذا سَقَطت لَهُ ثنية نَبتَت وَكَانَ فوه كالبدر المتهلّل يتلألأ ويبرق. وَهَذِه القصيدة طَوِيلَة: نَحْو مِائَتي بَيت وَأنْشد جَمِيعهَا للنَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وأولها: (خليليّ غضّا سَاعَة وتهجّرا ... ولوما على مَا أحدث الدَّهْر أَو ذرا) وَهِي من أحسن مَا قيل من الشّعْر فِي الْفَخر بالشجاعة سباطة ونقاوة وحلاوة. وَمِنْهَا: (تذكرت والذكرى تهيج على الْفَتى ... وَمن حَاجَة المحزون أَن يتذكرا) (نداماي عِنْد الْمُنْذر بن محرّق ... أرى الْيَوْم مِنْهُم ظَاهر الأَرْض مقفرا) (تقضّى زمَان الْوَصْل بيني وَبَينهَا ... وَلم ينْقض الشوق الَّذِي كَانَ اكثرا) (وَإِنِّي لآستشفي بِرُؤْيَة جارها ... إِذا مَا لقاؤها عليّ تعذّرا) (وَأُلْقِي على جِيرَانهَا مسحة الْهوى ... وَإِن لم يَكُونُوا لي قبيلاً ومعشرا)

(تردّيت ثوب الذلّ يو لقيتها ... وَكَانَ رِدَائي نخوة وتجبرا) (إِلَى أَن لَقينَا الحيّ بكر بن وَائِل ... ثَمَانِينَ ألفا دارعين وحسّرا) (فَلَمَّا قرعنا النبع بالنبع: بعضه ... بِبَعْض أَبَت عيدانه أَن تكسّرا) (سقيناهم كأساً سقونا بِمِثْلِهَا ... ولكننا كُنَّا على الْمَوْت أصبرا) قَالَ عمر بن شبّة: كَانَ النَّابِغَة الجعديّ شَاعِرًا مقدّماً غلا انه كَانَ إِذا هاجى غلب وَقد هاجى أَوْس بن مغراء وليلى الأخيلية وَكَعب بن جعيل فغلبوه وَهُوَ اشعر مِنْهُم مرَارًا. لَيْسَ فيهم من يقرب مِنْهُ. وَكَانَ قد خرج مَعَ عَليّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه إِلَى صفّين فَكتب مُعَاوِيَة إِلَى مَرْوَان فَأخذ أهل النَّابِغَة وَمَاله فَدخل النَّابِغَة على مُعَاوِيَة وَعِنْده مَرْوَان وَعبيد الله بن مَرْوَان) فأنشده: (من رَاكب يَأْتِي ابْن هِنْد بحاجتي ... على النأي والأنباء تنمي وتجلب) (ويخبر عني مَا أَقُول النعامر ... وَنعم الْفَتى يأوي إِلَيْهِ المعصّب) (فَإِن تَأْخُذُوا أَهلِي وَمَالِي بظنّة ... فَإِنِّي لأحرار الرِّجَال مجرّب) (صبور على مَا يكره الْمَرْء كُله ... سوى الظُّلم إِنِّي إِن ظلمت سأغضب)

فَالْتَفت مُعَاوِيَة إِلَى مَرْوَان فَقَالَ: مَا ترى قَالَ: أرى أَن لَا تردّ عَلَيْهِ شَيْئا فَقَالَ: مَا اهون عَلَيْك أَن يقطع عليّ عرضي ثمَّ ترويه الْعَرَب أما وَالله إِن كنت لمّمن يرويهّ أردد عَلَيْهِ كل شَيْء اخذته. . ثمَّ أقحمته سنة فَدخل على ابْن الزبير فِي الْمَسْجِد الْحَرَام يستجديه ومدحه بِأَبْيَات فَأعْطَاهُ من بَيت المَال قَلَائِص سبعا وفرساً رجيلاً: وأوقر لَهُ الرّكاب بّاً وَتَمْرًا وثياباً. وَفِي تَارِيخ الْإِسْلَام للذهبي أَن النَّابِغَة قَالَ هَذِه الأبيات: (الْمَرْء يهوى أَن يعي ... ش وَطول عمر قد يضرّهُ) (وتتابع الأيّام ح ... تى مَا يرى شَيْئا يسرّه) (تفنى بشاشته ويب ... قى بعد حُلْو الْعَيْش مرّه) ثمَّ دخل بَيته فَلم يخرج مِنْهُ حَتَّى مَاتَ. وَفِي الِاسْتِيعَاب: كَانَ النَّابِغَة يذكر فِي الْجَاهِلِيَّة دين إِبْرَاهِيم والحنيفية ويصوم ويستغفر فِيمَا ذكرُوا وَقَالَ فِي الْجَاهِلِيَّة كَلمته الَّتِي أَولهَا: (الْحَمد لله لَا شريك لَهُ ... من لم يقلها فنفسه ظلما) وفيهَا ضروب من دَلَائِل التَّوْحِيد وَالْإِقْرَار بِالْبَعْثِ وَالْجَزَاء وَالْجنَّة وَالنَّار وَصفَة بعض ذَلِك: على نَحْو شعر أُميَّة بن أبي الصَّلْت. وَقد قيل إِن هـ االشّعْر لأمية بن أبي الصلب وَلكنه قد صَححهُ يُونُس بن حبيب وَحَمَّاد

الراوية وَمُحَمّد بن سلاّم وَعلي بن سُلَيْمَان الْأَخْفَش للنابغة الْجَعْدِي. الشَّاهِد السَّابِع وَالثَّمَانُونَ بعد الْمِائَة (عوذ وبهثة حاشدون عَلَيْهِم ... حلق الْحَدِيد مضاعفاً يتلهّب) على أَنه قد جَاءَ فِيهِ الْحَال من الْمُضَاف إِلَيْهِ: كالبيت الَّذِي قبله. أَعنِي قَوْله: مضاعفاً حَال من الْحَدِيد. قَالَ أَبُو عَليّ فِي الْمسَائِل الشيرازيات: قد جَاءَ الْحَال من الْمُضَاف إِلَيْهِ فِي نَحْو مَا أنْشدهُ أَبُو زيد: (عوذ وبهثة حاشدون عَلَيْهِم ... حلق الْحَدِيد مضاعفاً يتلهّب) انْتهى كَلَامه. قَالَ ابْن الشجري فِي الْمجْلس السَّادِس وَالسبْعين فِي أَمَالِيهِ: الْوَجْه فِي هَذَا الْبَيْت فِيمَا أرَاهُ أَن مضاعفاً حَال من الْحلق لَا من الْحَدِيد لأمرين: أَحدهمَا: أَنه إِذا أمكن مَجِيء الْحَال من الْمُضَاف كَانَ أولى من مجيئها من الْمُضَاف إِلَيْهِ وَلَا مَانع فِي الْبَيْت من كَون مضاعفاً حَالا من الْحلق لأننا نقُول: حلق مُحكم ومحكمة. وَالْآخر: أنّ وصف الْحلق بالمضاعف أشبه كَمَا قَالَ المتنبي: (أَقبلت تَبَسم والجياد عوابس ... يخببن بِالْحلقِ المضاعف والقنا) وَيجوز أَن يَجْعَل مضاعفاً حَالا من الْمُضمر فِي يتلهب ويتلهب فِي مَوضِع الْحَال من الْحلق فَكَأَنَّهُ

وَقَالَ فِي الْمجْلس الْخَامِس وَالْعِشْرين مثل هَذَا ثمَّ قَالَ: وَيتَوَجَّهُ ضعف مَا قَالَه من جِهَة أُخْرَى: وَذَلِكَ انه لَا عَامل لَهُ فِي هَذِه الْحَال إِذا كَانَت من الْحَدِيد إِلَّا مَا قدّره فِي الْكَلَام من معنى الْفِعْل بِالْإِضَافَة. وَذَلِكَ قَوْله: أَلا ترى أَنه لَا تَخْلُو الْإِضَافَة من أَن تكون بِمَعْنى اللَّام أَو من. وَأَقُول: إِن مضاعفاً فِي الْحَقِيقَة إِنَّمَا هُوَ حَال من الذّكر المستكن فِي عَلَيْهِم إِن رفعت الْحلق بِالِابْتِدَاءِ فَإِن رفعته بالظرف على قَول الْأَخْفَش والكوفيين فالحال مِنْهُ لِأَن الظّرْف حِينَئِذٍ يَخْلُو من ذكر. اه. وعوذ بِفَتْح الْمُهْملَة وَآخره ذال مُعْجمَة هُوَ عوذ بن غَالب بن قطيعة بِالتَّصْغِيرِ ابْن عبس بن بغيض بن ريث بن غطفان. وبهثة بِضَم الْمُوَحدَة وَهُوَ بهثة بِمَ عبد الله بن غطفان. فبهثة ابْن عمّ بغيض. وغَطَفَان هُوَ ابْن سعد بن قيس عيلان بن مُضر كَذَا فِي جمهرة الْأَنْسَاب لِابْنِ الْكَلْبِيّ. وَحلق الْحَدِيد قَالَ صَاحب الْعباب: الْحلقَة بالتسكين: الدّرع وَالْجمع الْحلق بِفتْحَتَيْنِ عيى غير قِيَاس وَقَالَ الْأَصْمَعِي: حلق بِالْكَسْرِ مثل بدرة وَبدر وقصعة وقصع.) وَفِي الْمِصْبَاح. الْحلقَة: السِّلَاح كُله. ثمَّ أورد الْجمع مثل مَا أرده صَاحب الْعباب وَقَالَ: وَحكى يُونُس عَن أبي عَمْرو بن الْعَلَاء أنّ الْحلقَة بِالْفَتْح لُغَة فِي السّكُون وعَلى هَذَا فالجمع بِحَذْف الْهَاء قِيَاس مثل قَصَبَة وقصب. وَجمع ابْن السرّاج بَينهمَا وَقَالَ: فَقَالُوا حلق ثمَّ خفّفوا الْوَاحِد حِين ألحقوه الزِّيَادَة وَغير الْمَعْنى. قَالَ: وَهَذَا لفظ سبويه. وَأما حَلقَة الْبَاب فقد قَالَ صَاحب الْعباب والمصباح: هِيَ بِالسُّكُونِ أَيْضا تكون من حَدِيد وَغَيره وحلقة الْقَوْم كَذَلِك وهم الَّذين يَجْتَمعُونَ مستديرين. وَقَالَ صَاحب الْعباب: قَالَ الفرّاء فِي نوادره: الْحلقَة بِكَسْر اللَّام لُغَة بلحارث بن كَعْب فِي الْحلقَة بِالسُّكُونِ وَالْحَلقَة بِالْفَتْح قَالَ ابْن السكّيت: سَمِعت أَبَا عَمْرو الشَّيْبَانِيّ

يَقُول: لَيْسَ فِي كَلَام الْعَرَب حلفقة بِالتَّحْرِيكِ إِلَّا فِي قَوْلهم: هَؤُلَاءِ حَلقَة للَّذين يحلقون الشّعْر جمع حالق. اه. فَقَوْل الشَّاعِر: حلق الْحَدِيد المُرَاد من الْحلق الدّروع سَوَاء كسرت الْحَاء أَو فتحت. وإضافتها إِلَى الْحَدِيد كَقَوْلِهِم: خَاتم فضَّة وثوب خزّ. ف المضاعف لَا يكون حَالا إِلَّا من ضمير الْحلق المستقر فِي الجارّ وَالْمَجْرُور الواقعين خَبرا أَو من الْحلق على مَذْهَب سِيبَوَيْهٍ: من تجويزه مَجِيء الْحَال من الْمُبْتَدَأ أَو من ضمير يتلهّب. وَلَا يَصح أَن يكون حَالا من الْحَدِيد إِذْ لَا معنى لَهُ. فتأمّل. وَأَيْضًا الدّرع المضاعفة هِيَ المنسوجة حلقتين حلقتين قيل: وَيجوز أَن يُرَاد بالمضاعفة درع فَوق أُخْرَى. ويتلهّب: يشتعل استعير للمعانه. والحشد يكون لَازِما ومتعدياً يُقَال: حشد الْقَوْم من بَاب قتل وَضرب: إِ ااجْتَمعُوا. وحشدتهم أَي: جمعتهم. وَهَذَا الْبَيْت من أَبْيَات لزيد الفوارس أوردهَا أَبُو مُحَمَّد الْأَعرَابِي فِي كتاب ضالّة الأديب. وَهِي: (دلّهت أَن لم تسألي أيّ امْرِئ ... بلوى النقيعة إِذْ رجالك غيّب) (إِذْ جَاءَ يَوْم ضوءه كظلامه ... بَادِي الْكَوَاكِب مقّمطرّ أَشهب) (عوذ وبهثة حاشدون عَلَيْهِم ... حلق الْحَدِيد مضاعفاً يتلهّب) (ولّوا تكبهم الرماح كَأَنَّهُمْ ... أثل جأفت أُصُوله أَو أثأب) (لد غدْوَة حَتَّى أغاث شريدهم ... جوّ العشارة فالعيون فزنقب) (فَتركت زرّاً فِي الْغُبَار كَأَنَّهُ ... بشقيقتي قدمية متلبّب)) قَالَ أَبُو مُحَمَّد الْأَعرَابِي: كَانَ سَبَب هَذِه الأبيات أَنه أغار زرّ بن ثَعْلَبَة أحد بني عوذ بن غَالب بن قطيعة بن عبس فِي بني عبس وَعبد الله بن غطفان

فَأَصَابُوا نعما لبني بكر بن سعد بن ضبة فطردوهم. فَأَتَاهُم الصَّرِيخ وَرَئِيسهمْ يَوْمئِذٍ زيد الفوارس حَتَّى أَدْركُوهُم بالنقيعة تَحت اللَّيْل فَقتلُوا زرّاً والجنيد بن تيجان من بني مَخْزُوم وَابْن أزنم من بني عبد الله بن غطفان. فَقَالَ زيد الفوارس هَذِه الأبيات فِي ذَلِك. اه. قَوْله: دلّهت بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول وخطاب المؤنثة من التدليه وَهُوَ ذهَاب الْعقل من همّ وعشق وَنَحْوه. دُعَاء عَلَيْهَا أَن لم تسْأَل عَنهُ أيّ فَارس كَانَ هُنَاكَ وَأي امْرِئ خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي: أَنا وَيجوز نَصبه على أَنه خبر كَانَ المحذوفة مَعَ اسْمهَا أَي: أيّ امْرِئ كنت وَبهَا يتَعَلَّق الظرفان. وَإِذ الثَّانِيَة بدل من إِذْ الأولى. والنقيعة بالنُّون: مَوضِع بَين بِلَاد بني سليط وضبة. واللوى: مَا التوى من الرمل. وَيَوْم مقمطرّ: مشتدّ اقمطرّ أَي: اشتدّ. وَأَشْهَب: من الشهبة وَهُوَ بَيَاض يصدعه سَواد. وَقَوله: ولّوا تكبهم الخ ولّوا: ادبروا وَجُمْلَة تكبهم حَال من الْوَاو كبّه: قلبه وصرعه. والرماح: جمع رمح. وجأفت الشَّجَرَة بعد الْجِيم همزَة أَي: قلعتها. والأثأب بِالْمُثَلثَةِ كجعفر: شجر الْوَاحِدَة أثأبة. والشريد: الطريد الْمَهْزُوم وَهُوَ مفعول. وجوّ العشارة فَاعله وَهُوَ مَوضِع وَكَذَلِكَ الْعُيُون. وزنقب بالزاي وَالنُّون وَالْقَاف. وَقَول بشقيقتي قدميّة هُوَ مثنى شَقِيقَة والشَّقِيقَة: كلأ مَا انْشَقَّ نِصْفَيْنِ وكلّ مِنْهُمَا شَقِيقَة أَي: كَأَنَّهُ ملفوف بشقتي ثوب قدميّة. وَقدم بِضَم الْقَاف وَفتح الدَّال: حَيّ بِالْيمن وَمَوْضِع تصنع فِيهِ ثِيَاب حمر. ومتلبب

من تلبّب بِثَوْبِهِ: إِذا التف بِهِ وتشمّر. ولبّبته تلبيباً إِذا جمعت ثِيَابه عِنْد نَحره فِي الْخُصُومَة ثمَّ جررته. وزيد الفوارس هُوَ ابْن حُصَيْن بن ضرار الضَّبِّيّ وَهُوَ جاهلي. وَذكره الآمديّ فِي المؤتلف والمختلف وَلم يرفع نسبه وَلَا ذكر لَهُ شَيْئا من شعره. وَهَذِه نسبته من جمهرة ابْن الْكَلْبِيّ: زيد الفوارس بن حُصَيْن بن ضرار بن عَمْرو بن مَالك بن زيد بن كَعْب بن بجالة بن ذهل بن مَالك بن بكر بن سعد بن ضبة بن أدّ بن طابخة بن الياس بن مُضر بن نزار بن معدّ بن عدنان. وَضِرَار بن عَمْرو وَكَانَ يُقَال لَهُ: الرّديم لِأَنَّهُ كَانَ إِذا وقف فِي الْحَرْب ردم ناحيته أَي: سدّها وطالت رياسته وَشهد يَوْم القرنتين وَمَعَهُ ثَمَانِيَة عشر من وَلَده يُقَاتلُون مَعَه وَزيد الفوارس كَانَ فارصهم. وَلِهَذَا قيل لَهُ: زيد الفوارس.) وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد الثَّامِن وَالثَّمَانُونَ بعد الْمِائَة (وإنّا سَوف تدركنا المنايا ... مقدّرة لنا ومقدّرينا) على أَنه يجوز عطف أحد حَالي الْفَاعِل وَالْمَفْعُول على الآخر كَمَا فِي هَذَا الْبَيْت. فإنّ مقدرَة حَال من الْفَاعِل وَهُوَ المنايا ومقدرينا: حَال من الْمَفْعُول أَعنِي ضمير الْمُتَكَلّم مَعَ الْغَيْر. أَي: تدركنا المنايا فِي حَال كوننا مقدّرين لأوقاتها وَكَونهَا مقدّرة لنا. والمنايا: جمع منيّة وَهِي الْمَوْت وَسمي منية لِأَنَّهُ مُقَدّر من منى لَهُ أَي: قدّر قَالَ أَبُو قلَابَة الْهُذلِيّ: ...

(فَلَا تقولن لشَيْء سَوف أَفعلهُ ... حَتَّى تلاقي مَا يمني لَك الماني) وه االْبَيْت من معلّقة عَمْرو بن كُلْثُوم التغلبي. وَهَذَا مطْلعهَا: (أَلا هبّي بصحنك فاصبحينا ... وَلَا تبقي خمور الأندرينا) (مشعشعةً كأنّ الحصّ فِيهَا ... إِذا مَا المَاء خالطها سخينا) (تجور بِذِي اللبانة عَن هَوَاهُ ... إِذا مَا ذاقها حَتَّى يلينا) (ترى اللحز الشحيح إِذا أمرّت ... عَلَيْهِ لمَاله فِيهَا مهينا) (صددت الكأس عَنَّا أمّ عَمْرو ... وَكَانَ الكأس مجْراهَا اليمينا) (وَمَا شَرّ الثَّلَاثَة أمّ عَمْرو ... بصاحبك الَّذِي لَا تصبحينا) وَإِنَّا سَوف تدركنا المنايا ... الْبَيْت أَلا: حرف يفْتَتح بِهِ الْكَلَام وَمَعْنَاهُ التَّنْبِيه. وهبّي: مَعْنَاهُ قومِي مننومك يُقَال: هبّ مننومه يهبّ هبّاً إِذا انتبه وَقَامَ من مَوْضِعه. والصحن: الْقدح الْوَاسِع الضخم. وَقَوله: فاصبحينا أَي: اسقينا الصبوح وَهُوَ شرب الْغَدَاة يُقَال: صبحه بِالتَّخْفِيفِ صبحاً بِالْفَتْح. والأندرين: قَرْيَة بِالشَّام كَثِيرَة الْخمر وَقيل: هُوَ أندر ثمَّ جمعه بِمَا حواليه وَقيل: هُوَ أندرون. وَفِيه لُغَتَانِ مِنْهُم من يعربه إِعْرَاب جمع الْمُذكر السَّالِم وَمِنْهُم من يلْزمه الْيَاء وَيجْعَل الْإِعْرَاب على النُّون وَقَالَ الزجّاج: يجوز مَعَ هَذَا لُزُوم الْوَاو أَيْضا. وَقَوله: مشعشعة كَأَن الخ المشعشعة: الرقيقة من الْعَصْر أَو من المزاج

يُقَال: شعشع كأسك أَي: صبّ فِيهَا مَاء مَنْصُوب على أَنه مفعول اصبحينا أَي: اسقينا ممزوجة وَقيل: حَال من) خمور وَقيل بدل مِنْهَا. والحصّ بِضَم الْمُهْملَة: الورس وَهُوَ نبت أصفر يكون بِالْيمن وَقيل: هُوَ الزَّعْفَرَان. وَقَوله: سخينا قَالَ أَبُو عَمْرو الشَّيْبَانِيّ: كَانُوا يسخنون لَهَا المَاء فِي الشتَاء ثمَّ يمزجونها بِهِ فَهُوَ على هَذَا حَال من المَاء. وَقيل: هُوَ صفة مَوْصُوف مَحْذُوف أَي: فاصبحينا شرابًا سخيناً. وَفِيه نظر. وَقيل: سخينا فعل أَي: جدنا يُقَال: سخي يسخى من بَاب تَعب وَالْفَاعِل سخ وَفِيه لُغَتَانِ اخريان: إِحْدَاهمَا سخا يسخو فَهُوَ ساخ من بَاب عل وَالثَّانيَِة سخو يسخو مثل قرب يقرب سخاوة فَهُوَ سخيّ. ويروى: شحينا بالشين الْمُعْجَمَة أَي: إِذا خالطها المَاء مَمْلُوءَة بِهِ. والشحن: الملء وَالْفِعْل من بَاب نفع والشحين بِمَعْنى المشحون. وَقَوله: تجور بِذِي اللبانة الخ من الْجور وَهُوَ الْعُدُول. واللبانة: الْحَاجة يمدح الْخمر وَيَقُول: تعدل بِصَاحِب الْحَاجة عَن حَاجته وهواه إِذا ذاقها حَتَّى يلين. أَي: هِيَ تنسي الهموم والحوائج أَصْحَابهَا فَإِذا شَرِبُوهَا لانوا ونسوا أحزانهم وحوائجهم. وَقَوله: ترى اللحز الخ اللحز بِفَتْح اللَّام وَكسر الْمُهْملَة وَآخره زَاي مُعْجمَة: الضيّق الْبَخِيل وَقيل: هُوَ السَّيئ الْخلق اللَّئِيم. وَقَوله: إِذا امرّت عَلَيْهِ أَي: أديرت الكأس عَلَيْهِ. وَالْمعْنَى: أنّ الْخمر إِذا كثر دورانها عَلَيْهِ أهان مَاله وجاد بِهِ. وَقَوله: صددت الكأس عَنَّا الخ أَي: صرفت الكأس عَنَّا إِلَى غَيرنَا. وَهَذَا الْبَيْت من شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ على أَن قَوْله اليمينا نصب على الظَّرْفِيَّة.

وَفِيه أَرْبَعَة أوجه: أَحدهَا: أَن يكون مجْراهَا بَدَلا من الكأس وَهُوَ مصدر لَا مَكَان. وَالْيَمِين: ظرف خبر كَانَ. الثَّانِي: أَن الْيَمين خبر كَانَ لَا ظرف لَكِن على حذف مُضَاف أَي: مجْرى الْيَمين. الثَّالِث: مجْراهَا مُبْتَدأ وَالْيَمِين ظرف خَبره وَالْجُمْلَة خبر كَانَ. الرَّابِع: ان يَجْعَل المجرى مَكَانا بَدَلا من الكأس وَالْيَمِين خبر كَانَ لَا ظرف. وأمّ عَمْرو منادى. قَالَ ابْن خلف: هِيَ أمّ الشَّاعِر وَكَانَ هُوَ جَالِسا مَعَ أَبِيه وَأبي أمه وَكَانَت تَسْقِي أَبَاهَا وَزوجهَا وَتعرض عَنهُ استصغاراً لَهُ فَقَالَ لَهَا: إِذا سقيت إنْسَانا كأساً اجعلي الكأس بعده للَّذي على يَمِينه حَتَّى يَنْقَضِي الدّور وَلَا يَنْبَغِي أَن تحقريني فلست بشر الثَّلَاثَة يَعْنِي: نَفسه وأباه وأباها اه وَهَذَا بعيد. قَالَ شرّاح المعلقات: وبضعهم يروي هذَيْن الْبَيْتَيْنِ لعَمْرو ابْن أُخْت جذيمة الأبرش: وَذَلِكَ أَنه لما) وجده مَالك وَعقيل فِي البريّة وَكَانَا يشربان وأمّ عَمْرو هَذِه تصد عَنهُ الكأس فَلَمَّا قَالَ هَذَا وَقَوله: إِنَّا سَوف تدركنا الخ معنى هَذَا الْبَيْت فِي اتِّصَاله بِمَا قبله أَنه لما قَالَ لَهَا هبي بصحنك حثها على ذَلِك. وَالْمعْنَى: فاصبحينا من قبل حُضُور الْأَجَل فَإِن الْمَوْت مقدّر لنا وَنحن مقدّرون لَهُ. وَهَذِه القصيدة أنشدها عَمْرو بن كُلْثُوم فِي حَضْرَة الْملك عَمْرو بن هِنْد وَهُوَ ابْن الْمُنْذر وَهِنْد امهِ ارتجالاً يذكر فِيهَا أَيَّام بني تغلب

ويفتخر بهم. وَأنْشد أَيْضا عِنْد الْملك يَوْمئِذٍ الْحَارِث بن حلّزة قصيدته الت أَولهَا: آذنتنا ببينها أَسمَاء وَتَقَدَّمت حكايتها. قَالَ مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان: قصيدة عَمْرو بن كُلْثُوم وقصيدة الْحَارِث بن حلّزة من مفاخر الْعَرَب كَانَتَا معلّقتين بِالْكَعْبَةِ دهراً. قَالَ ابْن قُتَيْبَة فِي كتاب الشُّعَرَاء: قصيدة عَمْرو بن كُلْثُوم من جيّد شعر الْعَرَب وَإِحْدَى السَّبع. ولشغف تغلب بهَا قَالَ بعض الشُّعَرَاء: (ألهى بني تغلب عَن كلّ مكرمَة ... قصيدة قَالَهَا عَمْرو بن كُلْثُوم) (يفاخرون بهَا مذ كَانَ أَوَّلهمْ ... يَا للرِّجَال لشعر غير مسؤوم) وَكَانَ سَبَب هَذِه القصيدة مَا رَوَاهُ أَبُو عَمْرو الشَّيْبَانِيّ قَالَ: كَانَت بَنو تغلب ابْن وَائِل من أَشد النَّاس فِي الْجَاهِلِيَّة. وَقَالُوا: لَو أَبْطَأَ الْإِسْلَام قليلاّ لأكلت بَنو تغلب النَّاس. وَيُقَال: جَاءَ نَاس من بني تغلب إِلَى بكر بن وَائِل يستسقونهم فطردتهم بكر للحقد الَّذِي كَانَ بَينهم فَرَجَعُوا فَمَاتَ مِنْهُم سَبْعُونَ رجلا عطشاً. ثمَّ إِن بني تغلب اجْتَمعُوا لِحَرْب بكر بن وَائِل واستعدّت لَهُم بكر حَتَّى إِذا الْتَقَوْا كَرهُوا الْحَرْب وخافوا ان تعود الْحَرْب بَينهم

كَمَا كَانَت فَدَعَا بَعضهم بَعْضًا إِلَى الصُّلْح فَتَحَاكَمُوا إِلَى الْملك عَمْرو بن هِنْد فَقَالَ عَمْرو: مَا كنت لأحكم بَيْنكُمَا حَتَّى تَأْتُونِي بسبعين رجلا من أَشْرَاف بكر بن وَائِل. فأجعلهم فِي وثاق عِنْدِي. فَإِن كَانَ الْحق لبني تغلب دفعتهم إِلَيْهِم وَإِن لم يكن لَهُم حق خلّيت سبيلهم. فعلوا وتواعدوا ليَوْم بِعَيْنِه يَجْتَمعُونَ فِيهِ. فَجَاءَت تغلب فِي ذَلِك الْيَوْم يَقُودهَا عَمْرو بن كُلْثُوم حَتَّى جلس إِلَى الْملك. وَقَالَ الْحَارِث بن حلّزة لِقَوْمِهِ وَهُوَ رَئِيس بكر بن وَائِل: إِنِّي قد قلت قصيدة فَمن قَامَ بهَا ظفر بحجته وفلج على خَصمه فروّاها نَاسا مِنْهُم فلمّا قَامُوا بَين يَدَيْهِ لم يرضهم فحين علم انه لَا يقوم) بهَا أحد مقَامه قَالَ لَهُم: وَالله إِنِّي لأكْره أَن آتِي الْملك فيكلمني من وَرَاء سَبْعَة ستور وينضح أثري بِالْمَاءِ إِذا انصرفت عَنهُ وَذَلِكَ لبرص كَانَ بِهِ غير أَنِّي لَا أرى أحدا يقوم بهَا مقَامي وَأَنا مُحْتَمل ذَلِك لكم. فَانْطَلق حَتَّى أَتَى الْملك فَلَمَّا نظر إِلَيْهِ عَمْرو بن كُلْثُوم قَالَ للْملك: أَهَذا يناطقني وَهُوَ لَا يُطيق صدر رَاحِلَته فَأَجَابَهُ الْملك حَتَّى أَفْحَمَهُ. آذنتنتا ببينها أَسمَاء وَهُوَ من وَرَاء سَبْعَة ستور وَهِنْد تسمع فَلَمَّا سَمعتهَا قَالَت: تالله مَا رَأَيْت كَالْيَوْمِ قطّ رجلا يَقُول مثل هَذَا القَوْل يكلّم من وَرَاء سَبْعَة ستور فَقَالَ الْملك: ارْفَعُوا سترا ودنا. فمازالت تَقول وَيرْفَع ستر فَستر حَتَّى صَار مَعَ الْملك على مَجْلِسه ثمَّ أطْعمهُ فِي جفنته وَأمر أَن لَا ينضح أَثَره بِالْمَاءِ وجزّ نواصي السّبْعين الَّذين كَانُوا فِي يَدَيْهِ من بكر وَدفعهَا إِلَى الْحَارِث وَأمره أَن لَا ينشد قصيدته إِلَّا متوضياً. فَلم تزل تِلْكَ النواصي فِي بني يشْكر

بعد الْحَارِث وَهُوَ من ثَعْلَبَة بن غنم من بني مَالك بن ثَعْلَبَة. وَأنْشد قصيدته عَمْرو بن كُلْثُوم. هَكَذَا نقلل الْخَطِيب التبريزي عَن أبي عَمْرو الشَّيْبَانِيّ. وَهَذَا مُخَالف لما نَقَلْنَاهُ عَنهُ عِنْد ذكر معلقَة الْحَارِث بن حلّزة وَالله أعلم. وعَمْرو صَاحب هَذِه الْمُعَلقَة هُوَ عَمْرو بن كُلْثُوم بن مَالك بن عتاب بن سعد بن زُهَيْر بن جشم بن بكر بن حبيّب بن عَمْرو بن غنم بن تغلب بن وَائِل. قا لأبو عبيد البكريّ فِي شرح نَوَادِر القاليّ عَمْرو بن كُلْثُوم شَاعِر فَارس جاهليّ وَهُوَ أحد فتاك الْعَرَب وَهُوَ الَّذِي فتك بِعَمْرو بن هِنْد. وكنيته أَبُو الْأسود. وَأَخُوهُ مرّة هُوَ الَّذِي قتل الْمُنْذر بن النُّعْمَان. وامه أَسمَاء بنت مهلهل بن ربيعَة. وَلما تزوج مهلهل هنداً بنت عتيبة ولدت لَهُ جَارِيَة فَقَالَ لأمها: اقتليها وغيّبيها فَلَمَّا نَام تف بِهِ هَاتِف يَقُول: (وَعدد لَا يجهل ... فِي بطن بنت مهلهل) فَاسْتَيْقَظَ فَقَالَ: أَيْن بِنْتي فَقَالَت: قتلتها. فَقَالَ: لَا وإله ربيعَة زكان أول من حلف بهَا. ثمَّ ربّاها وسمّاها أَسمَاء وَقيل ليلى. وَتَزَوجهَا كُلْثُوم بن مَالك. فَلَمَّا حملت بِعَمْرو أَتَاهَا آتٍ فِي الْمَنَام فَقَالَ: (يَا لَك ليلى من ولد ... يقدم إقدام الْأسد) ...

(من جشم فِيهِ الْعدَد ... أَقُول قولا لَا فند) فَلَمَّا ولدت عمرا اتاها ذَلِك الْآتِي فَقَالَ:) (أَنا زعيم لَك أم عَمْرو ... بماجد الجدّ كريم النجار) (أَشْجَع من ذِي لبد هزبر ... وقّاص أَقْرَان شَدِيد الْأسر) يسودهم فِي خَمْسَة وَعشر وَكَانَ كَمَا قَالَ سادهم وَهُوَ ابْن خمس عشرَة سنة. وَمَات وَهُوَ ابْن مائَة وَخمسين سنة. اه. وَقَالَ ابْن قُتَيْبَة فِي كتاب الشُّعَرَاء عَمْرو بن كُلْثُوم جاهليّ قديم وَهُوَ قَاتل عَمْرو بن هِنْد الْملك. . وَكَانَ سَبَب ذَلِك أنّ عَمْرو بن هِنْد قَالَ ذَات يَوْم لندمائه: هَل تعلمُونَ أحدا من الْعَرَب تأنف أمّه من خدمَة أمّي قَالُوا: لَا نعلمها إِلَّا ليلى أم عَمْرو بن كُلْثُوم قَالَ: وَلم ذَلِك قَالُوا: لِأَن أَبَاهَا مهلهل بن ربيعَة وعمّها كُلَيْب وَائِل أعز الْعَرَب وبعلها كُلْثُوم بن مَالك بن عتّاب أَفرس الْعَرَب وَابْنهَا عَمْرو بن كُلْثُوم سيّد من هُوَ مِنْهُ فَأرْسل عَمْرو بن هِنْد إِلَى عَمْرو بن كُلْثُوم يستزيره ويسأله أَن يزير أمّه أمّه. فَأقبل عَمْرو بن كُلْثُوم من الجزيرة إِلَى الْحيرَة فِي جمَاعَة من بني تغلب وَأَقْبَلت ليلى بنت مهلهل فِي ظعن من بني تغلب وَأمر عَمْرو بن هِنْد برواقه فَضرب مَا بَين الْحيرَة والفرات وَأرْسل إِلَى وُجُوه أهل مَمْلَكَته فَحَضَرُوا. وَدخل عمروبن كُلْثُوم على عَمْرو بن هِنْد فِي رواقه وَدخلت ليلى بنت مهلهل

على هِنْد قبّتها وَهِنْد أم عَمْرو بن هِنْد عمّة امْرِئ الْقَيْس الشَّاعِر وليلى بنت مهلهل أم عَمْرو بن كُلْثُوم هِيَ بنت أخي فَاطِمَة بنت ربيعَة أم امْرِئ الْقَيْس فَدَعَا عَمْرو بن هِنْد بمائدة فنصبها فَأَكَلُوا ثمَّ دَعَا بالطرف. فَقَالَت هِنْد: يَا ليلى ناوليني ذَلِك الطَّبَق فَقَالَت: لتقم صَاحِبَة الْحَاجة إِلَى حَاجَتهَا فأعادت عَلَيْهَا. فَلَمَّا ألحّت صاحت ليلى: واذلاّه يَا لتغلب فَسَمعَهَا ابْنهَا عَمْرو بن كُلْثُوم فثار الدَّم فِي وَجهه وَنظر إِلَى عَمْرو بن هِنْد فَعرف الشَّرّ فِي وَجهه فَقَامَ إِلَى سيف لعَمْرو بن هِنْد معلّق بالرواق وَلَيْسَ هُنَاكَ سيف غَيره فَضرب بِهِ رَأس عَمْرو بن هِنْد حَتَّى قَتله ونادى فِي بني تغلب فانتهبوا جَمِيع مَا فِي الرواق وَاسْتَاقُوا نجائبه وَسَارُوا نَحْو الجزيرة ... وَابْنه عتّاب بن عَمْرو بن كُلْثُوم قَاتل بشر بن عَمْرو بن عدس. وَأَخُوهُ (أبني كُلَيْب إِن عمّيّ اللذا ... قتلا الْمُلُوك وفكّكا الأغلالا) وَالله أعلم. وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد التَّاسِع وَالثَّمَانُونَ بعد الْمِائَة (كَأَنَّهُ خَارِجا من جنب صفحته ... سفّود شرب نسوه عِنْد مفتأد) على أَن خَارِجا حَال من الْفَاعِل المعنويّ وَهُوَ الْهَاء. لِأَن الْمَعْنى يشبه خَارِجا. وَقد بيّنه الشَّارِح الْمُحَقق. وعامل الْحَال مَا فِي كَانَ من معنى الْفِعْل قَالَ أَبُو عليّ الفارسيّ فِي الْإِيضَاح الشعري وَقد أورد هَذَا الْبَيْت فِي بَاب الْحُرُوف الَّتِي تَتَضَمَّن معنى الْفِعْل:

الْعَامِل فِي خَارِجا مَا فِي كأنّ من معنى الْفِعْل. فَإِن قلت: لم لَا يكون الْعَامِل مَا فِي الْكَلَام من معنى التَّشْبِيه دون مَا ذكرت مِمَّا فِي كأنّ من معنى الْفِعْل فَالْقَوْل أَن معنى التَّشْبِيه لَا يمْتَنع انتصاب الْحَال عَنهُ نَحْو: زيد كعمرو مُقبلا إِلَّا أَن إِعْمَال ذَلِك فِي الْبَيْت لَا يَسْتَقِيم لتقدم الْحَال وَهِي لَا تتقدم على مَا يعْمل فِيهَا من الْمعَانِي. وَالْهَاء فيكانه عَائِدَة على المدرى المُرَاد بِهِ قرن الثور. وَالضَّمِير فِي صفحته رَاجع إِلَى ضمران وَهُوَ اسْم كلب. والسّفود خبر كَأَن بِفَتْح السِّين وَتَشْديد الْفَاء المضمومة وَهِي الحديدة الَّتِي يشوى بهَا الكباب. والشّرب بِالْفَتْح: جمع شَارِب. ونسوه أَي: تَرَكُوهُ حَتَّى نضج مَا فِيهِ. شبّه قرن الثور النَّافِذ فِي الْكَلْب بسفّود فِيهِ شواء. والمفتأد بِفَتْح الْهمزَة قبل الدَّال: المشتوى والمطبخ وَهُوَ مَحل الفأد بِسُكُون الْهمزَة: اسْم فَاعل وَهُوَ الَّذِي يعْمل الملّة. والفئيد على فعيل: كل نَار يشوى عَلَيْهَا. وَهَذَا الْبَيْت من قصيدة للنابغة الذبياني يمدح بهاالنعمان بن الْمُنْذر وَيعْتَذر إِلَيْهِ فِيهَا مِمَّا بلغه عَنهُ. وَقد بينّا سَبَب اعتذاره فِي تَرْجَمته فِي الشَّاهِد الرَّابِع بعد الْمِائَة. وَهَذِه القصيدة أضافها أَبُو جَعْفَر احْمَد بن مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل النَّحْوِيّ

إِلَى المعلقات السَّبع لجودتها. وَقد أورد الشَّارِح الْمُحَقق فِي شَرحه عدَّة أَبْيَات مِنْهَا. وَقبل هَذَا الْبَيْت: (كأنّ رحلي وَقد زَالَ النَّهَار بِنَا ... بِذِي الْجَلِيل على مستانس وحد) (من وَحش وجرة موشي أكارعه ... طاوي الْمصير كسيف الصيقل الْفَرد) (سرت عَلَيْهِ من الجوزاء سَارِيَة ... تزجي الشمَال عَلَيْهِ جامد الْبرد) (فارتاع من صَوت كلاّب فَبَاتَ لَهُ ... طوع الشوامت من خوف وَمن صرد)) (فهاب ضمران مِنْهُ حَيْثُ يوزعه ... طعن المعارك عِنْد المجحر النجد) (شكّ الفريصة بالمدرى فأنفذها ... شكّ المبيطر إِذْ يشفي من الْعَضُد) (كَأَنَّهُ خَارِجا من جنب صفحته ... سفّود شرب نسوه عِنْد مفتأد) (فظلّ يعجم أَعلَى الرّوق منقبضاً ... فِي حالك اللَّوْن صدق غير ذِي أود) (لما رأى واشق إقعاص صَاحبه ... وَلَا سَبِيل إِلَى عقل وَلَا قَود) (قَالَت لَهُ النَّفس: إِنِّي لاأرى طَمَعا ... وغن مَوْلَاك لم يسلم وَلم يصد) (فَتلك تبلغني النُّعْمَان إِن لَهُ ... فضلا على النَّاس فِي الْأَدْنَى وَفِي الْبعد) الرحل: النَّاقة. وَزَالَ النَّهَار أَي: انتصف وَهُوَ من الزَّوَال. وبنا: الْبَاء بِمَعْنى على. والجليل: بِضَم الْجِيم: الثمام وَهُوَ مَوضِع أَي: بِموضع فِي هَذَا النبت. وَهَذَا النبت لَا تَأْكُله الدَّوَابّ. والمستأنس: النَّاظر بِعَيْنيهِ.

وَرُوِيَ: مستوجس: وَهُوَ الَّذِي قد أوجس فِي نَفسه الْفَزع فَهُوَ ينظر. والوحد بِفتْحَتَيْنِ: الوحيد الْمُنْفَرد وَهُوَ صَاحبهَا: وعَلى بِمَعْنى مَعَ. وَجُمْلَة وَقد زَالَ النَّهَار الخ حَال. وَهَذِه الْأُمُور مِمَّا يُوجب الْإِسْرَاع فَإِن الْمُسَافِر فِي فلاة يجد يجد فِي السّير بعد الزَّوَال ليصل إِلَى منزل يجد فِيهِ رَفِيقًا وعلفاً لدابته. وَقَوله: من وَحش شبه نَاقَته بثور وَحشِي مَوْصُوف بِهَذِهِ الصِّفَات الْآتِيَة. وَخص وَحش وجرة لِأَنَّهَا فلاة بَين مران وَذَات عرق سِتُّونَ ميلًا والوحش يكثر فِيهَا وَيُقَال: إِنَّهَا قَليلَة الشّرْب فِيهَا. والموشي بِفَتْح الْمِيم: اسْم مفعول من وشيت الثَّوْب أشيه وشياً وشية أَي: لونته ألواناً مُخْتَلفَة. وَأَرَادَ بِهِ الثور الوحشي فَإِنَّهُ أَبيض وَفِي أكارعه أَي: قوائمه نقط سود وَفِي وَجهه سفعة. وموشي: بِالْجَرِّ صفة وَحش وأكارعه: فَاعله. وطاوي الْمصير أَي: ضامره والمصير المعى وجمعهخ مصران وَجمع مصران مصارين. وَقَوله: كسيف الصيقل أَي: يلمع. والفرد بِكَسْر الرَّاء وَفتحهَا وسكونها: الثور الْمُنْفَرد إِن أنثاه وَكَذَلِكَ الفارد والفريد. وَقَوله: سرت عَلَيْهِ الخ والسارية: السحابة الَّتِي تَأتي لَيْلًا. وَمعنى سرت عَلَيْهِ الخ أَي: مطر بِنَوْء الجوزاء. وتزجى مصدره الإزجاء بالزاي وَالْجِيم وَهُوَ السُّوق. وَالشمَال فَاعله وَهِي ريح مَعْرُوفَة. وجامد الْبرد: مَفْعُوله أَي: مَا صلب من الْبرد. وَقَوله: فارتاع من صَوت الخ أَي: فزع الثور وَخَافَ. وَالْكلاب بِالْفَتْح: الصياد صَاحب) الْكلاب. وَله: أَي: للكلاب. وَالْفَاء فِي قَوْله: فَبَاتَ عاطفة. وطوع مَرْفُوع ببات. وَالْمعْنَى عِنْد الْأَصْمَعِي: فَبَاتَ للكلاب

مَا أطَاع شوامته من الْخَوْف والصرد. وَعند أبي عُبَيْدَة: فَبَاتَ لَهُ مَا يسر الشوامت. وَرُوِيَ طوع بِالنّصب فمرفوع بَات ضمير الْكلاب وَله أَي: لأجل الثور والشوامت: القوائم جمع شامتة. أَي: فَبَاتَ قَائِما بَين خوف وصرد وَهُوَ مصدر صرد من بَاب فَرح: إِذا وجد الْبرد. وَقَوله: فبثهن عَلَيْهِ الخ بَث: فرق وفاعله ضمير الْكلاب وَضمير الْمُؤَنَّث الْمَجْمُوع للكلاب المفهومة من الْكلاب وَضمير عَلَيْهِ للثور وَكَذَلِكَ ضمير بِهِ. وَأَرَادَ بصمع الكعوب قَوَائِم الْكلاب والصمع: الضوامر الْخفية الْوَاحِدَة صمعاء. والكعوب: جمع كَعْب وَهُوَ الْمفصل من الْعِظَام. قَالَ أَبُو الْفرج الْأَصْبَهَانِيّ فِي الأغاني: يَعْنِي بصمع الكعوب أَن قوائمه لَازِقَة محددة الْأَطْرَاف ملس لَيست بهزيلات. وأصل الصمع دقة الشَّيْء ولطافته. وبريئات حَال من الكعوب. والحرد بِفَتْح الْمُهْمَلَتَيْنِ: أَرَادَ بِهِ الْعَيْب وَأَصله استرخاء عصب فِي يَد الْبَعِير من شدَّة العقال وَرُبمَا كَانَ خلقَة وَإِذا كَانَ بِهِ نفض يَدَيْهِ وَضرب بهما الأَرْض ضربا شَدِيدا. وَقَوله: فهاب ضمران هُوَ بِضَم الضَّاد الْمُعْجَمَة: اسْم كلب. مِنْهُ أَي: من الثور. وروى الْأَصْمَعِي وَأَبُو عُبَيْدَة: فَكَانَ ضمران مِنْهُ. ويوزعه: يغريه. فِي الصِّحَاح: أوزعته بالشَّيْء فأوزع بِهِ فَهُوَ موزع بِهِ أَي: مغرى بِهِ. أَي: كَانَ الْكَلْب من الثور حَيْثُ أمره الْكلاب أَن يكون. وَطعن

المعارك بِالنّصب أَرَادَ: يطعن طَعنا مثل طعن المعارك. وَرُوِيَ: ضرب المعارك وَهُوَ مثله. والمعارك اسْم فَاعل بِمَعْنى الْمقَاتل. والمجحر: اسْم مفعول من أجحرته بِتَقْدِيم الْجِيم على الْمُهْملَة أَي: ألجأته إِلَى أَن دخل جُحْره فانجحر. والنجد: يرْوى بِفَتْح النُّون وَضم الْجِيم بِمَعْنى الشجاع من النجدة وَهِي الشجَاعَة يُقَال: نجد الرجل بِالضَّمِّ فَهُوَ وصف للمعارك. وَرُوِيَ النجد بِفَتْح النُّون وَكسر الْجِيم وَهُوَ إِمَّا بِمَعْنى الشجاع فَإِن الْوَصْف من النجدة جَاءَ بِضَم الْجِيم وَكسرهَا وَأما وصف من نجد الرجل من بَاب فَرح أَي: عرق من عمل أَو كرب وَشدَّة وَاسم الْعرق النجد بِفتْحَتَيْنِ وَمِنْه قَوْله فِي هَذِه القصيدة: بعد الأين والنجد. وَقد نجد ينجد بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول نجداً بِفتْحَتَيْنِ أَي: كرب فَهُوَ منجود ونجيد أَي: مكروب. وعَلى هَذَا فَهُوَ وصف المجحر. وَرُوِيَ أَيْضا النجد بِفتْحَتَيْنِ فَهُوَ على حذف مُضَاف أَي: ذِي النجد.) وروى أَبُو عُبَيْدَة: حَيْثُ يوزعه طعن بِالرَّفْع وَقَالَ: رفع ضمران بكان وَجعل الْخَبَر فِي مِنْهُ أَي: كَانَ الْكَلْب من الثور كانه قِطْعَة مِنْهُ فِي قربه. وارتفع الطعْن بيوزعه. وَقَالَ: سَمِعت يُونُس بن حبيب يُجيب بِهَذَا الْجَواب فِي هَذَا الْبَيْت. وَقَوله: شكّ الفريصة الخ فَاعل شكّ ضمير الثور. والفريصة: اللحمة بَين الْجنب والكتف الَّتِي لَا تزَال ترْعد من الدَّابَّة وَهِي مقتل. وَأَرَادَ بالمدرى قرن الثور أَي: شكّ الثور بقرنه فريصة الْكَلْب. وشكّ: مَنْصُوب على الْمصدر التشبيهي أَي: شكّاً مثل شكّ المبيطر وَهُوَ البيطار. ويشفي: يداوي ليحصل الشِّفَاء. والْعَضُد بِفتْحَتَيْنِ: دَاء يَأْخُذ الْإِبِل فِي أعضادها فيبط تَقول مِنْهُ: عضد الْبَعِير من بَاب فَرح.

وَقَوله: كَأَنَّهُ خَارِجا الخ أَي: كَأَن الْقرن فِي حَال خُرُوجه سفّود. وَمثله قَول أبي ذُؤَيْب الْهُذلِيّ: (فكأنّ سفّودين لمّا يقترا ... عجلا لَهُ بشواء شرب ينْزع) أَي: فَكَأَن سفودين لم يقترا بشواء شرب ينْزع أَي: هما جديدان. شبّه قرنيه بالسفّودين. وَقَوله: عجلا لَهُ أَي: للثور بالطعن الْوَاقِع بالكلاب. وَقَوله: فظلّ يعجم الخ عجمه يعجمه: إِذا مضغه. والرّوق بِالْفَتْح: الْقرن. والحالك: الشَّديد السوَاد. والصدق بِالْفَتْح هُوَ الصلب بِالضَّمِّ. والأود بِفتْحَتَيْنِ: العوج أَي: ظلّ الْكَلْب يمضغ أَعلَى الْقرن لمّا خرج من جَنْبَيْهِ فِي حالك يَعْنِي الْقرن فِي شدّة سوَاده. أَي: تقبّض وَاجْتمعَ فِي الْقرن لما يجد من الوجع كَمَا تَقول: صلّى فِي ثِيَابه. قَالَ ابْن قُتَيْبَة فِي أَبْيَات الْمعَانِي وَقد شرح أبياتاً خَمْسَة إِلَى هُنَا: من عَادَة الشُّعَرَاء إِذا كَانَ الشّعْر مديحاً وَقَالَ: كَأَن نَاقَتي بقرة أَو ثَوْر أَن تكون الْكلاب هِيَ المقتولة. فَإِذا كَانَ الشّعْر موعظة ومرثية أَن تكون الْكلاب هِيَ الَّتِي تقتل الثور وَالْبَقَرَة: لَيْسَ على أَن ذَلِك حِكَايَة قصَّة بِعَينهَا. وَقَوله: لمّا راى واشق إقعاص الخ واشق: اسْم كلب. والإقعاص: الْمَوْت السَّرِيع يُقَال: رَمَاه فأقعصه: إِذا قَتله وَأَصله من القعاص بِالضَّمِّ وَهُوَ دَاء يَأْخُذ الْغنم فتموت سَرِيعا. وَالْعقل: إِعْطَاء الدِّيَة. يَقُول: قتل صَاحبه فَلم يعقل بِهِ وَلم يقد بِهِ.

وَقَوله: قَالَت لهالنفس الخ هَذَا تَمْثِيل أَي: حدثته نَفسه بِهَذَا أَي باليأس مِنْهُ. وَالْمولى: النَّاصِر والصاحب وَهُوَ هُنَا الْكَلْب. لم يسلم من الْمَوْت وَلم يصد الثور. وَقيل: الْمولى صَاحب الْكلاب) لم يسلم من الضَّرَر لِأَن كَلْبه قتل. وَقَوله: فَتلك تبلغني النُّعْمَان الخ أَي: تِلْكَ النَّاقة الَّتِي تشبه هَذَا الثور تبلغني النُّعْمَان. وَقَوله: فِي الْأَدْنَى الخ الْبعد بِفتْحَتَيْنِ قيل: إِنَّه مصدر وَيَسْتَوِي فِيهِ لفظ الْوَاحِد وَالْجمع والمذكر والمؤنث وَقيل: إِنَّه جمع باعد مثل خَادِم وخدم وعَلى هَذَا اقْتصر صَاحب الصِّحَاح وَأنْشد الْبَيْت أَي: فِي الْقَرِيب والبعيد. وروى ابْن الأعرابيّ وَفِي الْبعد بِضَمَّتَيْنِ وَهُوَ جمع بعيد. وروى أَبُو زيد وَفِي الْبعد بِضَم فَفتح وَهُوَ جمع بعدى مثل دنىً جمع دنيا وسفل جمع سفلى. وَقد لخّصت شرح هَذِه الأبيات مَعَ إِيضَاح وزيادات من شرح ديوَان النَّابِغَة وَمن شرح القصيدة للخطيب التبريزي وَمن أَبْيَات الْمعَانِي لِابْنِ قُتَيْبَة. وَللَّه الْحَمد. وَأنْشد بعده وَهُوَ وَهُوَ من شَوَاهِد س: (فأرسلها العراك وَلم يذدها ... وَلم يشفق على نغص الدّخال) على أَن الْمصدر الْمُعَرّف بِاللَّامِ قد يَقع حَالا كَمَا فِي الْبَيْت: فَإِن العراك مصدر عارك يعارك معاركة وعراكاً يُقَال: أورد إبِله العراك: إِذا أوردهَا جَمِيعًا المَاء كَمَا فِي قَوْلهم: اعترك الْقَوْم أَي: ازدحموا فِي المعركة.

وَفِيه مَذَاهِب: الأول مَذْهَب سِيبَوَيْهٍ: أَنه مصدر وَقع حَالا. الثَّانِي: مَذْهَب أبي علىّ الفارسيّ. وَبَينهمَا الشَّارِح الْمُحَقق. الثَّالِث: مَذْهَب ابْن الطراوة وَهُوَ أَن العراك نعت مصدر مَحْذُوف وَلَيْسَ بِحَال أَي: فأرسلها الْإِرْسَال العراك. وَزعم ثَعْلَب أَن الرِّوَايَة: وأوردها العراك وَأَن العراك مفعول قان لأوردها. وَأما قَوْلهم: أرسلها العراك فَهُوَ عِنْد الْكُوفِيّين مضمّن أرسلها معنى أوردهَا فَهُوَ مفعول ثَان لأوردها. والإرسال: بِمَعْنى التَّخْلِيَة وَالْإِطْلَاق وفاعله ضمير الْحمار وَضمير الْمُؤَنَّث لأتنه وَهِي جمع أتانة. والذّود: الطَّرْد. وَلم يشفق أَي: الْحمار من أشْفق عَلَيْهِ: إِذا رَحمَه. والنغص بِفَتْح النُّون والغين الْمُعْجَمَة وإهمال الصَّاد مصدر فِي الصِّحَاح: نغص الرجل بِالْكَسْرِ ينغص نغصاً: إِذا لم يتم مُرَاده وَكَذَلِكَ الْبَعِير: إِذا لم يتمّ شربه. وَأنْشد هَذَا الْبَيْت. وَرُوِيَ: نغض بالضاد الْمُعْجَمَة أَيْضا لكنه بِسُكُون الْغَيْن وَهُوَ التحرك وإمالة الرَّأْس نَحْو الشَّيْء يُرِيد: أَنَّهَا تميل أعناقها إِلَى المَاء بِشدَّة وتعب. قَالَ السيرافي: يُرِيد أَن بَعْضهَا يزحم بَعْضًا حَتَّى لَا) يقدر أَن يَتَحَرَّك لشدَّة الازدحام فَهُوَ وَاقِف مزحوم لَا يقدر أَن يشرب وَلَا يتَمَكَّن من الْحَرَكَة. والدّخال بِكَسْر الدَّال: أَن يداخل بعير قد شرب مرّة فِي الْإِبِل الَّتِي لم تشرب حَتَّى يشرب مَعهَا إِذا كَانَ كَرِيمًا أَو شَدِيد الْعَطش أَو ضَعِيفا. وَقَالَ الأعلم: الدخال: ان يدْخل القويّ بَين ضعيفين أَو الضَّعِيف بَين قويين فيتنغص عَلَيْهِ شربه. وَهَذَا الْبَيْت من قصيدة للبيد بن ربيعَة الصَّحَابِيّ وصف بِهِ حمر وَحش

تعدو إِلَى المَاء. يَقُول: أورد العير أتنه المَاء دفْعَة وَاحِدَة مزدحمة وَلم يشفق على بَعْضهَا أَن يتنغص عِنْد الشّرْب وَلم يذدها لِأَنَّهُ يخَاف الصيّاد. بِخِلَاف الرّعاء الَّذين يدبّرون أَمر الْإِبِل فَإِنَّهُم إِذا أوردوا الْإِبِل جعلوها قطعا قطعا حَتَّى تروي. وَقَبله: (رفعن سرادقاً فِي يَوْم ريح ... يصفّق بَين ميل واعتدال) أَرَادَ بالسرادق: الْغُبَار. ويصفق يردّد تَارَة مائلاً وَتارَة مستوياً. وَالنُّون ضمير الأتن. وَرَأَيْت فِي ديوانه: فأوردها العراك. وفاعله ضمير العير. وهذهالقصيدة مطْلعهَا: (ألم تلمم على الدّمن الخوالي ... لسلمى بالمذانب فالقفال) وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد الْحَادِي وَالتِّسْعُونَ بعد الْمِائَة هُوَ من شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ: جاؤوا قضّهم بقضيضهم هَذَا مَأْخُوذ من بَيت أوردهُ سِيبَوَيْهٍ. (أَتَتْنِي سليم قضّها بقضيضها ... تمسّح حَولي بِالبَقِيعِ سبالها) أنْشدهُ على أَن قضهم مصدر وَقع حَالا. وَبَينه الشَّارِح الْمُحَقق بِمَا لَا مزِيد عَلَيْهِ. وَقَالَ الأعلم: معنى قضّها بقضيضها: منقضّاً آخِرهم على أَوَّلهمْ وأصل

القضّ الْكسر وَقد اسْتعْمل الْكسر مَوضِع الانقضاض كَقَوْلِهِم: عِقَاب كاسرة أَي: منقضة انْتهى. وَالْكَسْر: الْوُقُوع على الشَّيْء بِسُرْعَة. وَهَذَا الْبَيْت للشماخ. وَبعده: (يَقُولُونَ لي: يَا احْلِف وَلست بحالف ... أخادعهم عَنْهَا لكيما أنالها) (ففرجت غم النَّفس عني بحلفة ... كَمَا قدت الشقراء عَنْهَا جلالها) فَقَوله: أَتَتْنِي سليم بِالتَّصْغِيرِ وَرُوِيَ بدله تَمِيم وهما قبيلتان. والسبال: جمع سبلة وَهِي مقدم اللِّحْيَة. أَرَادَ أَنهم يمسحون لحاهم وهم يتهددونه ويتوعدونه. وَقَالَ الأعلم: يمسحون لحاهم تأهباً للْكَلَام. وَالْبَقِيع: مَوضِع بِمَدِينَة رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ. وَقَوله: يَقُولُونَ لي احْلِف أَي: يَا رجل احْلِف أَو يَا للتّنْبِيه. وَقَوله: أخادعهم عَنْهَا أَي: عَن الحلفة الَّتِي طالبوني أَن أَحْلف بهَا فَأَقُول لَهُم لَا أَحْلف وَأظْهر أَن الْحلف يشق عَليّ حَتَّى يلحوا فِي استحلافي فَإِذا استحلفوني انْقَطَعت الْخُصُومَة بَيْننَا. وَقَوله: لكيما أنالها أَي: أنال الحلفة وَالْيَمِين. وَمثله قَول بَعضهم: (سَأَلُونِي الْيَمين فارتعت مِنْهَا ... ليغروا بذلك الإنخداع) (ثمَّ أرسلتها كمنحدر السي ... ل تَعَالَى من الْمَكَان اليفاع) وَمثله لِابْنِ الرُّومِي: (وَإِنِّي لذُو حَلِيف كَاذِب ... إِذا مَا اضطررت وَفِي الْحَال ضيق) (وَهل من جنَاح على مُسلم ... يدافع بِاللَّه مَا لَا يُطيق)

إِسْلَام وَقد بِمَعْنى شقّ وَقطع طولا. يُرِيد: كشفت هَذَا الْغم عني بِالْيَمِينِ الكاذبة كَمَا كشفت الشقراء) ظهرهَا بسق جلها عَنهُ. وَسبب هَذِه الأبيات على مَا روى مُحَمَّد بن سَلام قَالَ: كَانَت عِنْد الشماخ امْرَأَة من بني سليم إِحْدَى بني حرَام بن سمال فنازعته وَادعت عَلَيْهِ طَلَاقا فَحَضَرَ مَعهَا قَومهَا فأعانوها. فاختصموا إِلَى كثير بن الصَّلْت وَكَانَ عُثْمَان بن عَفَّان رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قد أقعده للنَّظَر بَين النَّاس فَرَأى كثير أَن لَهُم عَلَيْهِ يَمِينا فالتوى الشماخ بِالْيَمِينِ يحرضهم عَلَيْهَا ثمَّ حلف. وَقَالَ هَذِه الأبيات. وَعَن الْقَاسِم بن معن قَالَ: كَانَ للشماخ امْرَأَة من بني سليم فأساء إِلَيْهَا وضربها وَكسر يَدهَا ثمَّ لما دخل الْمَدِينَة فِي بعض حَوَائِجه تعلّقت بِهِ بَنو سليم يطْلبُونَ بظلامة صاحبتهم فَأنْكر فَقَالُوا لَهُ: احْلِف فَجعل يغلظ أَمر الْيَمين وشدتها عَلَيْهِ ليرضوا بهَا مِنْهُ حَتَّى رَضوا. فَحلف وَقَالَ: (أَلا أَصبَحت عرسي من الْبَيْت جامحاً ... بِخَير بلَاء أَي أَمر بدا لَهَا) (على خيرة كَانَت أم الْعرس جامح ... فَكيف وَقد سقنا إِلَى الْحَيّ مَالهَا) (سترجع غَضَبي نزرة الْحَظ عندنَا ... كَمَا قطعت عَنَّا بلَيْل وصالها) أَتَتْنِي سليم قضها بقضيضها وَقيل: سَببهَا أَنه هجا قوما فاستحلفوه فَحلف وتخلص مِنْهُم. والشماخ اسْمه معقل بن ضرار الْغَطَفَانِي. وَهُوَ مخضرم: أدْرك الْجَاهِلِيَّة وَالْإِسْلَام. وَله صُحْبَة. وَجعله الجُمَحِي فِي الطَّبَقَة الثَّالِثَة من شعراء الْإِسْلَام

وقرنه بالنابغة الْجَعْدِي ولبيد وَأَبُو ذُؤَيْب الْهُذلِيّ. وَقَالَ: إِنَّه كَانَ شَدِيد متون الشّعْر وَأَشد كلَاما من لبيد وَفِيه كزازة ولبيد أسهل مِنْهُ منطقاً. وَقَالَ الحطيئة فِي وَصيته: أبلغوا الشماخ أَنه أشعر غطفان. وَهُوَ أوصف النَّاس للحمير يرْوى أَن الْوَلِيد بن عبد الْملك أنْشد شَيْئا من شعره فِي وصف الْحمير فَقَالَ: مَا أوصفه لَهَا إِنِّي لأحسب أَن أحد أَبَوَيْهِ كَانَ حمارا وَكَانَ الشماخ يهجو قومه وضيفه ويمن عَلَيْهِم بقراه. وَهُوَ أوصف النَّاس للقوس وأرجز النَّاس على البديهة وَشهد الشماخ وقْعَة الْقَادِسِيَّة. قَالَ المرزباني: وَتُوفِّي فِي غَزْوَة موقان فِي زمن عُثْمَان بن عَفَّان رَضِيَ اللَّهُ عَنْه. قَالَ ابْن قُتَيْبَة فِي كتاب الشُّعَرَاء: أم الشماخ من ولد الخرشب وَفَاطِمَة بنت الخرشب أم ربيع) بن زِيَاد وَإِخْوَته العبسيين الَّذين يُقَال لَهُم: الكملة. وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد الثَّانِي وَالتِّسْعُونَ بعد الْمِائَة قَول المتنبي: وقبّلتني على خوف فَمَا لفم وَهَذَا الْبَيْت من قصيدة قَالَهَا فِي صباه مطْلعهَا:

(ضيف ألمّ برأسي غير محتشم ... وَالسيف أحسن فعلا مِنْهُ باللمم) (ابعد بَعدت بَيَاضًا لَا بَيَاض لَهُ ... لأَنْت أسود فِي عَيْني من الظُّلم) (بحب قاتلتي والشيب تغذيتي: ... هواي طفْلا وشيبي بَالغ الْحلم) (فَمَا أمرّ برسم لَا أسائله ... وَلَا بِذَات خمار لَا تريق دمي) (تنفّست عَن وَفَاء غير منصدع ... يَوْم الرحيل وَشعب غير ملتئم) (قبّلتها ودموعي مزج أدمعها ... وقبّلتني على خوف فَمَا لفم) (فذقت مَاء حَيَاة من مقبّلها ... اَوْ صاب ترباً لأحيا سالف الْأُمَم) قَوْله: ضيف ألمّ برأسي الخ عَنى بالضيف الشيب. والمحتشم: المنقبض المستحي. يُرِيد: أَن الشيب ظهر فِي رَأسه دفْعَة من غير أَن يظْهر فِي تراخ. وَهَذَا معنى قَوْله: غير محتشم. ثمَّ فضل فعل السَّيْف بالشعر على فعل الشيب بِهِ لِأَن الشيب أقبح ألوان الشّعْر. وَهَذَا مَأْخُوذ من قَول البحتريّ: (وددت بَيَاض السيفيوم لقينني ... مَكَان بَيَاض الشيب مِنْهُ بمفرقي) وَقَوله: ابعد بَعدت بَيَاضًا الخ دُعَاء على الشيب. وَبعد يبعد من بَاب فَرح: إِذا هلك وذلّ. وَالْبَيَاض الأول: الشيب وَالثَّانِي: الرونق وَالْحسن. وأسود نَا: وَاحِد السود. وَالظُّلم: اللَّيَالِي الثَّلَاث فِي آخر الشَّهْر. يَقُول

لبياض شَيْبه: أَنْت عِنْدِي وَاحِد من تِلْكَ الظُّلم. كَقَوْل أبي تَمام فِيهِ: (لَهُ منظر فِي الْعين أَبيض ناصع ... وَلكنه فِي الْقلب أسود أسفع) وَقيل: أسود أفعل تَفْضِيل جَاءَ على مَذْهَب الْكُوفِيّين. وَهَذَا من أَبْيَات مُغنِي اللبيب. وَقَوله: بحب قاتلتي الخ عَنى بقاتلته حبيبته. يَعْنِي: أَن حبها بقتْله. وَالْبَاء من صلَة التغذية. يَقُول: تغذيت بِهَذَيْنِ: الْحبّ والشيب. ثمَّ فسر ذَلِك بِمَا بعده. يَقُول: هويت وَأَنا طِفْل وشبت) حِين احْتَلَمت لشدَّة مَا قاسيت من الْهوى: فَصَارَ غذائي. فَقَوله: هواي مُبْتَدأ وطفلاً حَال سدّ مسدّ الْخَبَر وَمثله مَا بعده. وَقد فصّل بِهَذَا ماأجمله أَولا لِأَنَّهُ بيّن وَقت الْعِشْق وَوقت الشيب. وَقَوله: فَمَا امرّ برسم الخ الرَّسْم من أثر الدَّار: مَا كَانَ ملاصقاً بِالْأَرْضِ. والطلل: مَا كَانَ شاخصاً. يَقُول: كل رسم يذطّرني رسم دارها فَاسْأَلْهُ تسلّياً وكل ذَات خمار تذكرنيها فتريق دمي وَقَوله: تنفست عَن وَفَاء الخ يَقُول: تنفست يَوْم الْوَدَاع تحسّراً على يَوْم فراقي عَن وَفَاء يَعْنِي عَمَّا فِي قَلبهَا من وَفَاء صَحِيح غير منشق. وَيُرِيد: بِالشعبِ: الْفِرَاق من قَوْلهم: شعبته: إِذا فرقته. وَالْمعْنَى: وَعَن حزن شعب. فَحذف الْمُضَاف. وَقَوله: قبّلتها ودموعي الخ أَي: بكينا جَمِيعًا حَتَّى امتزجت دموعي بدموعها فِي حَال التَّقْبِيل. والمزج: المزاج مصدر سمّي بِهِ الْفَاعِل. يَقُول: دموعي مازجت دموعها. وَنصب فَمَا على الْحَال. قَالَ أَبُو حَيَّان فِي الارتشاف: قَالَ الفرّاء: أَكثر كَلَام الْعَرَب كلّمته فَاه إِلَى فيّ بِالنّصب وَالرَّفْع صَحِيح وَفِيمَا أشبه هَذَا نَحْو: حاذيته ركبته

إِلَى ركبتي وَالْأَكْثَر فِيهِ بِالرَّفْع. وَإِذا كَانَ نكرَة فالنصب الْمُؤثر الْمُخْتَار نَحْو: كلّمته فَمَا لفم وحاذيته ركبةً لركبة. وَرَفعه وَهُوَ نكرَة جَائِز على ضعف إِذا جعلت اللَّام خَبرا لفم وَإِن وضعت الْوَاو مَوضِع الصّفة فَقلت: كلّمته فوه وفيّ. وحاذيته ركبته وركبتي فالواو تعْمل مَا تعْمل إِلَى وَالنّصب مَعهَا سَائِغ على غعمال الْمُضمر اه. كَلَام الفرّاء. قَالَ أَبُو حَيَّان وَيَعْنِي بقوله: وَالنّصب مَعهَا أَي: مَعَ الْوَاو فِي الثَّانِي. سَائِغ على إِعْمَال الْمُضمر يَعْنِي جاعلاً أَي: جاعلاً فَاه وجاعلاً ركبته. ويقتصر فِي هَذَا على مورد السماع. وَلَو قدّمت حرف الجرّ فَقلت: كلمني عبد الله إِلَى فيّ فوه لم يجز النصب بِإِجْمَاع من الْكُوفِيّين وتقتضيه قَاعِدَة قَول سِيبَوَيْهٍ فِي أَنه لَا يجوز: إِلَى فيّ تَبْيِين كلك بعد سقيا لَك وَتَقْدِيم لَك على سقيا لَا يجوز فَيَنْبَغِي أَن لَا يجوز هَذَا. فَلَو قدّمت فَاه إِلَى فيّ على كَلمته فَقلت: فَاه إِلَى فيّ كلمت فَلَو قلت: فوه إِلَى فيّ كلمني عبد الله لم يجز ذَلِك عِنْد أحد من الْكُوفِيّين وَلَا أحفظ نصا عَن الْبَصرِيين وَالْقِيَاس يَقْتَضِي الْجَوَاز اه. وَقَوله: فذقت مَاء حَيَاة الخ جعل رِيقهَا مَاء الْحَيَاة على معنى ان العاشق إِذا ذاقه حييّ بِهِ.) وَمعنى لَو أصَاب ترباً لَو نزل على تُرَاب: من قَوْلهم: صاب الْمَطَر يصوب صوباً بِمَعْنى أصَاب. يَقُول: لَو وَقع رِيقهَا على الأَرْض لحيا الْمَوْتَى من الْأُمَم الْمُتَقَدّمَة. وَأول هَذَا الْمَعْنى للأعشى: (لَو أسندت مَيتا إِلَى نحرها ... عَاشَ وَلم ينْقل إِلَى قابر)

فَنقل أَبُو الطّيب الْإِحْيَاء إِلَى رِيقهَا. وَمَا شرحت بِهِ هَذِه الأبيات فَهُوَ من شرح الإِمَام الواحديّ لخصته مِنْهُ بِاخْتِصَار: وترجمة المتنبي تقدّمت فِي الْبَيْت الْحَادِي وَالْأَرْبَعِينَ بعد الْمِائَة. وَأنْشد بعده: (وَلَقَد أمرّ على اللَّئِيم يسبذني ... فمضيت ثمّت قلت لَا يعنيني) على أَن اللَّام فِي اللَّئِيم زَائِدَة. قد تقدم الْكَلَام على هَذَا الْبَيْت فِي الشَّاهِد الْخَامِس وَالْخمسين. وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد الثَّالِث وَالتِّسْعُونَ بعد الْمِائَة على أَن أَسد العرين واء النجف حالان غما على تَقْدِير مثل وَإِمَّا على تأويلهما بِوَصْف أَي: شجعاناً وضعافاً. وَهَذَا ظَاهر. وَهَذَا الْبَيْت آخر أَبْيَات أَرْبَعَة لأحد أَصْحَاب عَليّ بن أبي طَالب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه وَهِي: (أيمنعنا الْقَوْم مَاء الْفُرَات ... وَفينَا السيوف وَفينَا الحجف) ...

(وَفينَا عليّ لَهُ صولة ... إِذا خوّفوه الردى لم يخف) (وَنحن الَّذين غَدَاة الزبير ... وَطَلْحَة خضنا غمار التّلف) فَمَا بالنا أمس أَسد العرين ومنشؤها على مَا ذكر فِي كتاب الْفتُوح وَكتاب الرَّوْضَة للحجوريّ: أَن عليّ بن أبي طَالب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه لما نزل يصفين وصفّين مَدِينَة عتيقة من بِنَاء الْأَعَاجِم على شاطئ الْفُرَات بِالْقربِ من قنّسرين فسبقه مُعَاوِيَة إِلَى الْفُرَات وَمنع عليا وَأَصْحَابه من المَاء فَأرْسل عليّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه إِلَى مُعَاوِيَة الْأَشْعَث بن قيس وصعصعة بن صوحان وَقَالَ: اذْهَبَا إِلَى مُعَاوِيَة وقولا لَهُ: خيلك حَالَتْ بَيْننَا وَبَين المَاء وَنحن نكره قتالكم قبل الْإِعْذَار فأبلغاه الرسَالَة وَجرى بَينهم كَلَام: فَقَالَ الْأَشْعَث: إِنَّك إِن تَمْنَعنَا بِالْمَاءِ تَرَ منّا مَا لَا تُرِيدُ فخلّ عَن المَاء قبل أَن تغلب عَلَيْهِ وَقَالَ ابْن صوحان: إِنَّا لَا نموت عطشاً وسيوفنا على عواتقنا فَاسْتَشَارَ مُعَاوِيَة أَصْحَابه) فَقَالَ لَهُ الْوَلِيد بن عتبَة وَهُوَ اخو عُثْمَان من امهِ: امنعهم كَمَا منعُوهُ عُثْمَان فَقَالَ عمروب ن الْعَاصِ: مَا أظنّ عليا يظمأ وَفِي يَده أعنّة الْخَيل وَهُوَ ينظر إِلَى الْفُرَات فخلّ عَنهُ وَعَن المَاء. وَقَالَ ابْن أبي سرح: أمنعهم المَاء مَنعهم الله إِيَّاه فَقَالَ ابْن صوحان: غنما مَنعه الله الفجرة مثلك وَمثل هَذَا الْفَاسِق: الْوَلِيد. وَبَقِي أَصْحَاب عليّ يومهم وليلتهم عطاشاً. فَسمع عليّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه صَبيا ينشد: أيمنعنا الْقَوْم مَاء الْفُرَات وَرجع الْأَشْعَث فَقَالَ: أيمنعنا الْقَوْم وَأَنت فِينَا خلّ عني وعنهم غَدا قَالَ عليّ: ذَلِك إِلَيْك. فَنَادَى مُنَاد لَهُ: من كَانَ يُرِيد المَاء وَالْمَوْت فميعاده

الصُّبْح فَأصْبح على بَاب مضربه أَرْبَعَة عشر ألفا وَسَار الْقَوْم وكلّ يرتجز برجزه ثمَّ قَالَ الْأَشْعَث: تقدّموا فَلَمَّا أشرفوا على المَاء قَالَ لأَصْحَاب مُعَاوِيَة: خلّوا عَن المَاء وَإِلَّا وردناه فَقَالَ أَبُو الْأَعْوَر السّلمِيّ: لَا وَالله حَتَّى تأخذنا السيوف وَإِيَّاكُم فَقَالَ: الْأَشْعَث للأشتر: أقحم الْخَيل فأقحمها حَتَّى غمست سنابكها فِي المَاء وَأخذ الْقَوْم السيوف فولّوا عَن المَاء. اه. فَقَوله: وَفينَا السيوف وَفينَا الحجف هُوَ جمع حجفة بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَالْجِيم يُقَال: للترس إِذا كَانَ من جُلُود لَيْسَ فِيهِ خشب وَلَا عقب: حجفة ودرقة كَذَا فِي الْعباب. وَقَالَ ابْن دُرَيْد فِي الجمهرة: هِيَ جُلُود من جُلُود الْإِبِل يطارق بَعْضهَا على بعض وَيجْعَل مِنْهَا الترسة. وَقَوله: وَنحن الَّذين غَدَاة الزبير يُشِير بِهِ إِلَى وقْعَة الْجمل. والغمار: جمع غمرة بِالْفَتْح وَهِي الشدَّة. وَقَوله: أسسد العرين هُوَ بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة. فِي الصِّحَاح: العرين والعرينة: مأوى الْأسد الَّذِي يألفه يُقَال: لَيْث عرينة وَلَيْث غابة. وأصل العرين جمَاعَة الشّجر. وَقَوله: شار النجف الشَّاء: جمع شَاة فِي الصِّحَاح: الشَّاة من الْغنم تذكر وتؤنث وَالْجمع شِيَاه بِالْهَاءِ فِي أدنى الْعدَد تَقول: ثَلَاث شِيَاه إِلَى الْعشْرَة فَإِذا حاوزت فبالتاء فَإِذا كثرت قيل هَذِه شَاءَ كَثِيرَة. زجمع الشَّاء شويّ. والنجف بِفَتْح النُّون وَالْجِيم قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: هُوَ الْحَلب الْجيد حَتَّى ينفض الضَّرع يُقَال: انتجفت الْغنم: إِذا استخرجت أقْصَى مَا فِي الضَّرع من اللَّبن وانتجفت الرّيح السَّحَاب: إِذا استفرغته وانتجاف

الشَّيْء: استخراجه وَكَذَلِكَ استنجافه. والنجف والنجفة أَيْضا: مَكَان لَا يعلوه المَاء مستطيل منقاد وَالْجمع نجاف. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: النجفة المسنّاة والنجف: التل. وَقَالَ الْأَزْهَرِي: النجفة الَّتِي هِيَ بِظَاهِر) الْكُوفَة هِيَ المسناة تمنع مَاء السَّيْل أَن يَعْلُو منَازِل الْكُوفَة ومقابرها وَفِيه مرقد عليّ بن أبي طَالب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه. قَالَ إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم الموصلّي يمدح النجف: (مَا إِن أرى النَّاس فِي سهل وَفِي جبل ... أصفى هَوَاء وَلَا أعذى من النجف) والبال هُنَا بِمَعْنى الشَّأْن وَالْحَال وَهُوَ الْعَامِل فِي أمس وَفِي الْحَال لكَونه بِمَعْنى الْفِعْل. قَالَ التَّفْتَازَانِيّ عِنْدَمَا قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ فِي سُورَة آل عمرَان: مَا باله وَهُوَ آمن قَوْله: وَهُوَ آمن حَال من عَامله مَا فِي بَال من معنى الْفِعْل وَلم نجد فِي الِاسْتِعْمَال هَذِه الْحَال بِالْوَاو قَالَ: مَا بَال عَيْنك مِنْهَا المَاء ينسكب وَاعْلَم ان مَجِيء الْحَال بَعْدَمَا بَال أكثريّ وَقد يَأْتِي بِدُونِهَا كَقَوْلِه تَعَالَى: فَمَا بَال الْقُرُون الأولى. وَقد وَردت الْحَال بعده على وُجُوه: مِنْهَا مُفْردَة كبيت الشَّاهِد كَقَوْلِه:

(فَمَا بَال النُّجُوم معلّقات ... بقلب الصّبّ لَيْسَ لَهَا براح) وَمِنْهَا ماضيّة مقرونة بقد كَقَوْل العامري: (مَا بَال قَلْبك يَا مَجْنُون قد هلعا ... من حبّ من لَا ترى فِي نيله طَمَعا) وبالواو مَعهَا كَقَوْلِه: (مَا بَال جهلك بعد الْحلم وَالدّين ... وَقد علاك مشيب حِين لَا حِين) وَبِدُون قد كَقَوْلِه أَيْضا: (فَمَا بَال قلبِي هدّه الشوق والهوى ... وَهَذَا قَمِيصِي من جوى الْحزن بَالِيًا) ومضارعية مثبتة كَقَوْل أبي العتاهيّة: وبالواو كَقَوْلِه: (فَمَا بَال من أسعى لأجبر عظمه ... حفاظاً وَيَنْوِي من سفاهته كسري) ومنفيّة كَمَا أنْشدهُ ابْن الْأَعرَابِي: وقائلة مَا باله لَا يزورها وَمِنْهَا اسميّة غير مقترنة بواو كَقَوْل ذِي الرمّة: مَا بَال عَيْنك مِنْهَا المَاء ينسكب

وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد الرَّابِع وَالتِّسْعُونَ بعد الْمِائَة وَهُوَ من شَوَاهِد س: وَمَا حلّ سعديّ غَرِيبا ببلدة على انه يجوز تنكير صَاحب الْحَال إِذا سبقه نفي: فَإِن غَرِيبا حَال من سعديّ وَهُوَ نكرَة. وَجَاز لِأَنَّهُ قد تخصص بِالنَّفْيِ. وببلدة مُتَعَلق بقوله جلّ أَي: نزل وَأقَام. وَهَذَا صدر وعجزه: فينسب إِلَّا الزّبرقان لَهُ أَب قَالَ أَبُو عليّ الفارسيّ فِي التَّذْكِرَة القصرية: قيل: نصب الشَّاعِر غَرِيبا على الْحَال فِي قَوْله فينسب كأنّ قَالَ: وَمَا حلّ سعديّ ببلدة فينسب إِلَى الغربة. وَهَذَا لَا يجوز: أَعنِي نصب غَرِيبا بينسب لتقدّمه عَلَيْهِ لِأَن تَقْدِيم الصِّلَة على الْمَوْصُول لَا يجوز والفرار مِمَّا لَا يجوز إِلَى مَا لَا يجوز مرفوض. وَلكنه حَال من النكرَة. فَاعْلَم ذَلِك. اه. وَرُوِيَ أَيْضا: وَمَا حلّ سعديّ غَرِيب بِالرَّفْع فعلى هَذَا هُوَ وصف لسعديّ. اسْتشْهد بِهِ سِيبَوَيْهٍ على نصب ينْسب بعد الْفَاء عبى الْجَواب مَعَ دُخُول إِلَّا بعده للْإِيجَاب لِأَنَّهَا عرضت بعد اتِّصَال الْجَواب بِالنَّفْيِ ونصبه على مَا يجب لَهُ. . وَيجوز الرّفْع أَيْضا.

وَأوردهُ الشَّارِح الْمُحَقق فِي نواصب الْفِعْل الْمُضَارع أَيْضا على أَن النَّفْي رَاجع إِلَى ينْسب أَي: يحلّ وَلَا ينْسب قَالَ: وَلَوْلَا أنّ مَا بعد الْفَاء منفيّ لما جَازَ الِاسْتِثْنَاء إِذْ المفرغ لَا يكون فِي الْوَاجِب إِذْ التَّقْدِير مَا نسب ذَلِك السَّعْدِيّ إِلَى أحد إِلَّا إِلَى الزبْرِقَان. فالزبرقان مَنْصُوب بِنَزْع الْخَافِض وَهُوَ إِلَى وَجُمْلَة لَهُ أَب حَال من الزبْرِقَان أَي: فِي حَال كَون الزبْرِقَان أَبَا لذَلِك السَّعْدِيّ. والزبرقان سيّد قومه وأشهرهم فَإِذا تغرّب رجل من بني سعد وهم رَهْط الزبْرِقَان فَسئلَ عَن نسبه ينتسب إِلَيْهِ لشرفه وشهرته. والزبرقان من الصَّحَابَة وَهُوَ حُصَيْن بن بدر بن امْرِئ الْقَيْس بن خلف بن بَهْدَلَة بن كَعْب بن سعد بن زيد مَنَاة بن تَمِيم. قَالَ ابْن عبد البرّ فِي الِاسْتِيعَاب: وَفد على رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فِي قومه وَكَانَ أحد ساداتهم فأسلموا. وَذَلِكَ فِي سنة تسع. فولاّه صدقَات قومه. وأقرّه أَبُو بكر وَعمر على ذَلِك. وَإِنَّمَا سمّي الزبْرِقَان لحسنه شبّه بالقمر لِأَن الْقَمَر يُقَال لَهُ: الزبْرِقَان. قَالَ الْأَصْمَعِي: الزبْرِقَان: الْقَمَر والزبرقان: الرجل الْخَفِيف اللِّحْيَة. وَقد قيل: إِن) اسْم الزبْرِقَان الْقَمَر ابْن بدر. وَالْأَكْثَر على أَنه الْحصين بن بدر. وَقيل: بل سمّي الزبْرِقَان لِأَنَّهُ لبس عِمَامَة مزبرقة بالزعفران. وَالله أعلم ا. هـ. ة هَذَا الْبَيْت من قصيدة للّعين المنقريّ. واسْمه منَازِل بن زمعه. وكنيته أَبُو أكيدر مصّغر أكدر من بني منقر بِكَسْر الْمِيم وَفتح الْقَاف وَهُوَ

منقر بن عبيد بِالتَّصْغِيرِ ابْن مقاعس وَهُوَ الْحَارِث بن عَمْرو بن كَعْب بن سعد بن زيد مَنَاة بن تَمِيم. واللّعين شَاعِر إسلامي فِي الدولة الأموية قَالَ ابْن قُتَيْبَة فِي كتاب الشُّعَرَاء والمبرّد فِي الاعتنان وَاللَّفْظ لَهُ قَالَ رَاوِيا عَن أبي عُبَيْدَة: اعْترض لعين بني منقر لجرير والفرزدق فَقَالَ: (سأقضي بَين كلب بني كُلَيْب ... وَبَين الْقَيْن قين بني عقال) (بِأَن الْكَلْب مرتعه وخيم ... وَأَن الْقَيْن يعْمل فِي سفال) فَلم يجبهُ أحد مِنْهُمَا فَقَالَ: (فدونكما انظرا: أهجوت أم لَا ... فذوقا فِي المواطن من نبالي) (وَمَا كَانَ الفرزدق غير قين ... لئيم خَاله للّؤم تالي) (وَيتْرك جدّه الخطفى جرير ... وَينْدب حاجباً وَبني عقال) فَلم يلتفتا إِلَيْهِ فَسقط اه. قَوْله: فَمَا بقيا عليّ الخ البقيا بِالضَّمِّ: الرَّحْمَة والشفقة. وصرد السهْم من بَاب فَرح من الأضداد إِذا نفذ وَإِذا نكل. فَيكون الْمَعْنى على النّفُوذ إنَّكُمَا خفتما نُفُوذ سهامي فيكما أَي: هجائي. وعَلى معنى النّكُول أَي: خفتما أَن لَا تنفذ سهامكما فيّ فعجزتما عني. وَقد تمثل بِهَذَا الْبَيْت هَارُون الرشيد لما أَرَادَ قتل جَعْفَر بن يحيى الْبَرْمَكِي. قَالَ ابْن قُتَيْبَة: وَكَانَ اللعين هجّاء للأضياف قَالَ:

(وَأبْغض الضَّيْف مَا بِي جلّ مأكله ... إِلَّا تنفّجه عِنْدِي إِذا قعدا) (مَا زَالَ ينفج كَتفيهِ وحبوته ... حَتَّى أَقُول: لعلّ الضَّيْف قد ولدا) وَوجه تلقيب اللعين بِهَذَا على مَا رَوَاهُ صَاحب زهر الْآدَاب قَالَ: سَمعه عمر بن الْخطاب ينشد شعرًا وَالنَّاس يصلّون فَقَالَ: من هَذَا اللعين فعلق بِهِ هَذَا الِاسْم. وَأنْشد بعده وَهُوَ لميّة موحشاً طلل قديم) على أَنهم اسْتشْهدُوا بِهِ لتقدم الْحَال على صَاحبهَا المنكّر. وَفِيه مَا بيّنه الشَّارِح الْمُحَقق. قَالَ ابْن الْحَاجِب فِي أَمَالِيهِ على أَبْيَات المفصّل: يجوز أَن يكون موحشاً حَالا من الضَّمِير فِي لميّة فَجعل الْحَال من الْمعرفَة أولى من جعلهَا من النكرَة مُتَقَدّمَة عَلَيْهَا لِأَن هَذَا هُوَ الْكثير الشَّائِع وَذَلِكَ قَلِيل فَكَانَ أولى. وَمِمَّنْ اسْتشْهد بِهَذَا الْبَيْت على مَا ذكره الشَّارِح ابْن جني فِي شرح الحماسة عِنْد قَوْله: (وهلاّ أعدّوني لمثلي تفاقدوا ... وَفِي الأَرْض مبثوثاً شُجَاع وعقرب) قَالَ: من نصب مبثوثاً فلأنّه وصف نكرَة قدّم عَلَيْهَا فنصب على الْحَال مِنْهَا كَقَوْلِه: لعزّة موحشاً طلل قديم

وَمِنْهُم صَاحب الْكَشَّاف أوردهُ عِنْد قَوْله تَعَالَى: وَجَعَلنَا فِيهَا فجاجاً سبلاً على انّ فجاجاً كَانَ وَصفا لقَوْله سبلاً فَلَمَّا تقدم صَار حَالا مِنْهُ. وَمِنْهُم الخبيصيّ فِي شَرحه للكافية الحاجبية قَالَ: قدّم الْحَال وَهُوَ موحشاً على ذِي الْحَال وَهُوَ طلل لِئَلَّا يلتبس بِالصّفةِ. . قَالَ شَارِح شَوَاهِد الْكرْمَانِي: هَذَا لَا يصلح لمطلوبه من وُجُوه: الأول أَنه مُحْتَمل غير مَنْصُوص إِذْ لَا نسلّم أَنه حَال من طلل لجَوَاز كَونه حَالا من ضمير الظّرْف الثَّانِي: أَنه لَو تَأَخّر عَن ذِي الْحَال لَا يلتبس بِالصّفةِ لِأَن ذَا الْحَال مَرْفُوع وَالْحَال مَنْصُوب. الثَّالِث: أَنه لَا يجوز أَن يكون حَالا من كلل لِأَنَّهُ مُبْتَدأ وَالْحَال لَا تكون إِلَّا من الْفَاعِل أَو الْمَفْعُول أَو مَا فِي قوتهما اه. وَفِي كل من الْأَخيرينِ نظر ظَاهر. وَقد تكلم السخاوي على هَذَا الْبَيْت فِي سفر السَّعَادَة بِمَا يشبه كَلَام الشَّارِح إِلَّا أَن فِيهِ زِيَادَة تتَعَلَّق بِمذهب الْأَخْفَش. وَهَذَا ملخّصه: قَالَ النُّحَاة: انتصب موحشاً على الْحَال من طلل وَالْعَامِل الجارّوالمجرور. وَهَذَا كَلَام فِي نظر لِأَن الجارّ وَالْمَجْرُور إِمَّا أَن يُقَال فِيهِ مَا قَالَ سِيبَوَيْهٍ أَو مَا قَالَ الْأَخْفَش وَبَين مَذْهَب سِيبَوَيْهٍ وَمَا يرد عَلَيْهِ من اخْتِلَاف الْعَامِل فِي الْحَال وذيها ثمَّ قَالَ: وَإِن قُلْنَا بقول الْأَخْفَش فارتفاع طلل على أَنه فَاعل والرافع لَهُ الجارّ وَالْمَجْرُور وَلَا مرية على قَول الْأَخْفَش أَن الْعَامِل فِي الْحَال

هُوَ الْعَامِل فِي ذيها. فَإِذا كَانَ الْعَامِل غير متصرّف لم تتقدم الْحَال عَلَيْهِ وَلَا على صَاحب الْحَال أَلا ترى أَنه لَا يجوز هَذَا قَائِما زيد. وَلَا قَائِما هَذَا زيد. وَالَّذِي يَنْبَغِي أَن يُقَال: الْعَامِل فِي الْحَال الجارّ وَالْمَجْرُور وَصَاحب الْحَال الضَّمِير الَّذِي فِي الجارّ) وَالْمَجْرُور اه. وَبعد هَذَا: والطلل: مَا شخص من آثَار الدَّار. والموحش: من أوحش الْمنزل: إِذا ذهب عَنهُ النَّاس وَصَارَ ذَا وَحْشَة وَهِي الْخلْوَة والهمّ كَذَا فِي الصِّحَاح. وعفاه بِمَعْنى درسه وغيّره. وَعَفا يَأْتِي متعدّياً يُقَال: عفت الرّيح الْمنزل وَيَأْتِي لَازِما يُقَال عَفا الْمنزل: إِذا اندرس وتغيّر. والأسحم: هُوَ الْأسود وَالْمرَاد هُنَا السَّحَاب لِأَنَّهُ إِذا كَانَ ذَا مَاء يرى أسود لامتلائه. والمستديم: صفة كلّ وَهُوَ السَّحَاب الممطر مطر الديمة والديمة: مطرة أقلهَا ثلث النَّهَار أَو ثلث اللَّيْل. وَهَذَا الْبَيْت من روى أوّله لعزة موحشاً الخ قَالَ: هُوَ لكثير عزة مِنْهُم أَبُو عَليّ فِي التَّذْكِرَة القصرية. وَمن رَوَاهُ لميّة موحشاً قَالَ: إِنَّه لذِي الرّمة فَإِن عزة اسْم محبوبة كثيّر وميّة اسْم محبوبة ذِي الرمة. وَالشَّاهِد الْمَشْهُور فِي هَذَا الْمَعْنى هُوَ: (لميّة موحشاً طلل ... يلوح كَأَنَّهُ خلل) وَقد قيل: إِنَّه لكثير عزّة. والخلل بِالْكَسْرِ: جمع خلة قَالَ

الْجَوْهَرِي: الخلّة بِالْكَسْرِ: وَاحِدَة خلل السيوف وَهِي بطائن يغشّى بهَا أجفان السيوف منقوشة بِالذَّهَب وَغَيره. وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد السَّادِس وَالتِّسْعُونَ بعد الْمِائَة على أَن الْحَال تقدّمت على صَاحبهَا الْمَجْرُور بالحرف: فَإِن قَوْله: حرّان صادياً حالان إِمَّا مُتَرَادِفَانِ أَو متداخلتان تقدمتا على صَاحبهمَا وَهُوَ الْيَاء الْمَجْرُور بإلي. وإليّ: بِمَعْنى عِنْد مُتَعَلقَة بقوله حبيباً وَهُوَ خبر كَانَ. قَالَ ابْن جنّي فِي إِعْرَاب الحماسة: وَقد يجوز فِي هَذَا عِنْدِي وَجه آخر لطيف الْمَعْنى وَهُوَ أَن يكون حرّان صادياً حَالا من المَاء أَي: كَانَ برد المَاء فِي حَال حرّته وصداه حبيباً إليّ وصف المَاء بذلك مُبَالغَة فِي الْوَصْف وَجَاء بذلك شَاعِرنَا فَقَالَ: وَجَبت هجيراً يتْرك المَاء صادياً وَإِذا صدي فحسبك بِهِ عطشاً فَإِن أمكن هَذَا كَانَ حمله عَلَيْهِ جَائِزا حسنا وَرَأَيْت أَبَا عليّ يستسهل تَقْدِيم حَال الْمَجْرُور فينحو هَذَا عَلَيْهِ وَيَقُول: هُوَ قريب من حَال الْمَنْصُوب اه. أَقُول: أَرَادَ بشاعره أَي: بشاعر عصره أَبَا الطيّب المتنبي. الْوَجْه

الَّذِي أبداه تخيّل صَحِيح فَإِن الْإِنْسَان يحب أَن يكون المَاء بَارِدًا فِي جال كَونه حاراً. وَلَكِن الْوَجْه الأول أحسن وأبلغ فَإِن المَاء الْبَارِد أحب إِلَى الْإِنْسَان عِنْد عطشه وحرارته من كل شَيْء. وَهَذَا الْمَعْنى هُوَ المتداول الشَّائِع قَالَ المبرّد فِي الْكَامِل: هُوَ معنى صَحِيح وَقد اعتوره الْحُكَمَاء وَكلهمْ أَجَاد فِيهِ. وَمثل بَيت الشَّاهِد قَول عمر بن ابي ربيعَة: فَإِن قَوْله: إِذا مَا منعت برد الشَّرَاب يُفِيد مَا أَفَادَهُ قَوْله: إليّ حران صادياً فَإِنَّهُ يُرِيد عِنْد وَقت الْحَاجة إِلَيْهِ وَبِذَلِك صَحَّ الْمَعْنى. وَمثله قَول القطاميّ: (فهنّ ينبذن من قَول يصبن بِهِ ... مواقع المَاء من ذِي الغلّة الصادي) ينبذن: يرمين بِهِ ويتكلمن. والغلّة بِالضَّمِّ: حرارة الْعَطش. ويروى عَن عَليّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن سَائِلًا سَأَلَهُ فَقَالَ: كَيفَ كَانَ حبّكم لرَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فَقَالَ: كَانَ وَالله أحبّ إِلَيْنَا من أَمْوَالنَا واولادنا وَآبَائِنَا وَأُمَّهَاتنَا وَمن المَاء الْبَارِد على الظمأ. وَالْقَوْل فِيهِ كثير. وَتَعْلِيق كَونهَا حَبِيبَة إِلَيْهِ على كَون المَاء حبيباً إِلَيْهِ فِي تِلْكَ الْحَالة من بَاب التَّعْلِيق على الْمُحَقق. وَقد تعسف بَعضهم فِي جعل الْبرد مصدرا ناصباً لحرّان وصادياً على) المفعولية بِتَقْدِير الْمَوْصُوف أَي: جوفاً حرّان وأنّ المُرَاد جَوف نَفسه. وَذَلِكَ هرباً من وُقُوع الْحَال فِي مثل هَذِه

الصُّورَة. حَتَّى إِن بَعضهم مَعَ عدم التَّأْوِيل يَقُول: لَا حجَّة فِيهِ لِأَن الشّعْر محلّ الضَّرُورَة. وَقَوله: لَئِن كَانَ اللَّام هِيَ اللَّام المؤذنة وَهِي الدَّاخِلَة على أَدَّاهُ شَرط للإيذان بِأَن الْجَواب بعْدهَا مبنيّ على قسم قبلهَا لَا على الشَّرْط. وَتسَمى الموطئة أَيْضا لِأَنَّهَا وطأت الْجَواب للقسم أَي: مهدته لَهُ سَوَاء كَانَ الْقسم غير مَذْكُور كَقَوْلِه تَعَالَى: لَئِن أخرجُوا لَا يخرجُون أم كَانَ مَذْكُورا قبلهَا كَمَا هُنَا فَإِن قبل هَذَا الْبَيْت قَوْله: (حَلَفت بربّ الراكعين لربّهم ... خشوعاً وَفَوق الراكعين رَقِيب) فجملة إِنَّهَا لحبيب جَوَاب الْقسم الْمَذْكُور وَهُوَ حَلَفت. وَقد أَخطَأ من قَالَ: إِن هَذِه الْجُمْلَة جَوَاب الشَّرْط. مَعَ أَن هَذَا الْقَائِل نقل ضابطة اللَّام الموطئة عَن مُغنِي اللبيب. وَضمير إِنَّهَا لعفراء بنت عَم عُرْوَة بن حزَام والبيتان لَهُ من قصيدة أوّلها: (وَإِنِّي لتعروني لذكراك روعة ... لَهَا بَين جلدي وَالْعِظَام دَبِيب) (وَمَا هُوَ إِلَّا ان أَرَاهَا فجاءة ... فأبهت حَتَّى مَا أكاد أُجِيب) (وأصرف عَن رَأْيِي الَّذِي كنت أرتئي ... وأنسى الَّذِي أَعدَدْت حِين تغيب) (ويضمر قلبِي عذرها ويعينها ... عَلَيْهِ فَمَا لي فِي الْفُؤَاد نصيب) (وَقد علمت نَفسِي مَكَان شفائها ... قَرِيبا وَهل مَا لَا ينَال قريب) حَلَفت بربّ الراكعين لرَبهم ... الْبَيْتَيْنِ (وَقلت لعرّاف الْيَمَامَة: داوني ... فَإنَّك إِن أبرأتني لطبيب) ...

(عَشِيَّة لَا عفراء دَان مزارها ... فترجى وَلَا عفراء مِنْك قريب) (فلست براءي الشَّمْس إِلَّا ذكرتها ... وَلَا الْبَدْر إِلَّا قلت سَوف تؤوب) (عَشِيَّة لَا خَلْفي مفرّ وَلَا الْهوى ... قريب وَلَا وجدي كوجد غَرِيب) (فوا كبداً أمست رفاتاً كَأَنَّمَا ... يلذّعها بالكفّ كفّ طَبِيب) وَفِي الْبَيْتَيْنِ الْأَخيرينِ إقواء. وَعُرْوَة بن حزَام هُوَ من عذرة أحد عشاق الْعَرَب الْمَشْهُورين بذلك إسلاميّ: كَانَ فِي مُدَّة مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان رَضِيَ اللَّهُ عَنْه.) قَالَ أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن الْعَبَّاس اليزيديّ فِي رِوَايَته ديوَان عُرْوَة بن حزَام عَن أبي الْعَبَّاس أَحْمد بن يحيى ثَعْلَب عَن لَقِيط بن بكير المحاربيّ قَالَ: كَانَ من حَدِيث عُرْوَة بن حزَام وَابْنَة عمّه عفراء ابْنة مَالك العذريين أَنَّهُمَا نشئا جَمِيعًا فتعلقها علاقَة الصبيّ وَكَانَ قَدِيما فِي حجر عمّه وَبلغ فَكَانَ يسْأَله أَن يزوّجه إِيَّاهَا فيسوّفه حَتَّى خرج فِي عير لأَهله إِلَى الشَّام فَقدم على أبي عفراء ابْن عَم لَهَا من أهل البلقاء وَكَانَ حاجّاً فَخَطَبَهَا فزوّجه إِيَّاهَا فحملها. وَأَقْبل عُرْوَة فِي عيره حَتَّى إِذا كَانَ بتبوك نظر إِلَى رفْقَة مقبلة من قبل الْمَدِينَة فِيهَا امْرَأَة على جمل فَقَالَ لأَصْحَابه: وَالله لكأنها شمائل عفراء فَقَالُوا: وَيحك مَا تزَال تذكر عفراء مَا تخلّ بذكرها فِي

وَإِنِّي لتعروني لذكراك روعة ثمَّ أَخذه مرض السلّ حَتَّى لم يبْق مِنْهُ شَيْئا. فَقَالَ قوم: هُوَ مسحور وَقَالَ قوم: بِهِ جنَّة. وَكَانَ بِالْيَمَامَةِ طَبِيب يُقَال لَهُ: سَالم فَصَارَ إِلَيْهِ وَمَعَهُ أَهله فَجعل يسْقِيه الدَّوَاء فَلَا يَنْفَعهُ فَخَرجُوا بِهِ إِلَى طَبِيب بِحجر فَلم ينْتَفع بعلاجه فَقَالَ: (جعلت لعرّاف الْيَمَامَة حكمه ... وعرّاف حجر إِن هم شفياني) (فَمَا تركا من حِيلَة يعلمانها ... وَلَا سلوة إِلَّا بهَا سقياني) (فَقَالَا: شفاك الله وَالله مَا لنا ... بِمَا حمّلت مِنْك الضلوع يدان) قَالَ النُّعْمَان بن بشير: بَعَثَنِي مُعَاوِيَة مصدّقاً على بني عذرة فصدّقتهم ثمَّ أَقبلت رَاجعا فَإِذا أَنا بِبَيْت مُفْرد لَيْسَ قربه أحد وَإِذا رجل بفنائه لم يبْق مِنْهُ إِلَّا عظم وَجلد فَلَمَّا سمع وجسي ترنّم بقوله: (وعينان: مَا أوفيت نشزاً فتنظرا ... بمأقيهما إِلَّا هما تكفان) (كَأَن قطاة علّقت بجناحها ... على كَبِدِي من شدَّة الخفقان) قَالَ: وَإِذا أخواته حوله أَمْثَال الدمى فَنظر فِي وجوههن ثمَّ قَالَ: (من كَانَ من أخواتي باكياً أبدا ... فاليوم إِنِّي أَرَانِي الْيَوْم مَقْبُوضا

) قَالَ: فبرزن وَالله يضربن وجوههن وينتفن شعورهن. فَلم أَبْرَح حَتَّى قضى. فهيّات من أمره ودفنته. كَذَا قَالَ ابْن قُتَيْبَة فِي كتاب الشُّعَرَاء. زحكى هذهالرواية رَاوِي شعره عَن عُرْوَة بن الزبير ثمَّ قَالَ: ومرّ ركب بوادي الْقرى فسألوا عَن الميّت فَقيل: عُرْوَة بن حزَام وَكَانُوا يردون البلقاء فَقَالَ بَعضهم لبَعض: وَالله لنأتين) عفراء بِمَا يسوءها. فَسَارُوا حَتَّى مروا بمنزلها وَكَانَ ليللاً فصاح صائح مِنْهُم وَهِي تسمع فَقَالَ: (أَلا أَيهَا الْبَيْت المغفّل أَهله ... إِلَيْكُم نعينا عُرْوَة بن حزَام) ففهمت عفراء الصَّوْت وَنَادَتْ بهم: (أَلا أَيهَا الركب المخبّون وَيحكم ... أحقاً نعيتم عُرْوَة بن حزَام) فَقَالَ بَعضهم: (نعم قد دفنّاه بِأَرْض نطيّة ... مُقيما بهَا فِي سبسب وإكام) فأجابته وَقَالَت: (فَإِن كَانَ حَقًا مَا تَقولُونَ فاعلموا ... بِأَن قد نعيتم بدر كل تَمام) (نعيتم فَتى يسقى الْغَمَام بِوَجْهِهِ ... إِذا هِيَ أمست غير ذَات غمام)

. (وبتن الحبالى لَا يرجين غَائِبا ... وَلَا فرحات بعده بِغُلَام) ثمَّ أَقبلت على زَوجهَا فَقَالَت لَهُ: إِنَّه قد بَلغنِي من أَمر ذَلِك الرجل مَا قد بلغك وَالله مَا كَانَ إِلَّا على الْحسن الْجَمِيل وَقد بَلغنِي أَنه مَاتَ فَإِن رَأَيْت أَن تَأذن لي فَأخْرج إِلَى قَبره فَأذن لَهَا فَخرجت فِي نسْوَة من قومه تندبه وتبكي عَلَيْهِ حَتَّى مَاتَت. قَالَ: وَبَلغنِي أَن مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان قَالَ: لَو علمت بهما لجمعت بَينهمَا. تَنْبِيه: نسب المبرّد فِي الْكَامِل بَيت الشَّاهِد إِلَى قيس بن ذريح وَذكر مَا قبله كَذَا: (حَلَفت لَهَا بالمشعرين وزمزم ... وَذُو الْعَرْش فَوق المقسمين رَقِيب) لَئِن كَانَ برد المَاء حرّان صادياً وَنسبه العينيّ إِلَى كثيّر عزّة وَقَالَ: هُوَ من قصيدة أوّلها: (أَبى الْقلب إِلَّا أم عَمْرو وبغّضت ... إليّ نسَاء مَا لَهُنَّ ذنُوب) (حَلَفت لَهَا بالمأزمين وزمزم ... وَللَّه فَوق الحالفين رَقِيب) لَئِن كَانَ برد المَاء حرّان صادياً وَالصَّحِيح مَا قدمْنَاهُ. والبيتان من شعر غَيره دخيل. وَالله أعلم.

الشَّاهِد السَّابِع وَالتِّسْعُونَ بعد الْمِائَة (إِذا الْمَرْء أعيته الْمُرُوءَة ناشئاً ... فمطلبها كهلاً عَلَيْهِ شَدِيد) لما تقدم قبله. قَالَ ابْن جني فِي إِعْرَاب الحماسة: كهلاً حَال من الْهَاء فِي عَلَيْهِ تَقْدِيره: فمطلبها عَلَيْهِ كهلاً شَدِيد. ثمَّ قَالَ: فَإِن قلت: فهلاّ جعلت كهلاً حَالا من الضَّمِير فِي الْمطلب قيل: الْمصدر الْخَبَر لَا يضمر يه الْفَاعِل بل يحذف مَعَه حذفا. انْتهى. وهذاالبيت أحد أَبْيَات أَرْبَعَة مَذْكُورَة فِي الحماسة وَهِي: (مَتى مَا يرى النَّاس الغنيّ وجاره ... فَقير يَقُولُوا: عَاجز وجليد) (وَلَيْسَ الْغنى والفقر من حِيلَة الْفَتى ... وَلَكِن أحاظ قسّمت وجدود) إِذا الْمَرْء أعيته الْمُرُوءَة ناشئاً (وكائن رَأينَا من غنيّ مذمّم ... وصعلوك قوم مَاتَ وَهُوَ حميد) جملَة وجاره فَقير: من الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر حَال من الغنيّ. ويقولوا جَوَاب الشَّرْط. وَقَوله: عَاجز وجليد خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي: هَذَانِ عَاجز وجليد وَالْجُمْلَة مقول القَوْل. والجليد: من الجلادة وَهِي الصلابة أَرَادَ الْقُوَّة على السَّعْي وَتَحْصِيل المَال. وَقَوله: وَلَكِن أحاظ قَالَ الأعلم: جمع حَظّ على غير قِيَاس وَيُقَال: هُوَ جمع أحظ وأحظ جمع حَظّ وَأَصله أحظظ فأبدل من إِحْدَى الظاءين يَاء كَرَاهَة التَّضْعِيف. وَيجوز عِنْدِي أَن يكون أحظ جمع حظوة وَهِي بِمَعْنى الْحَظ وفعلها حظيت أحظى فَلَا شذوذ. انْتهى. والحظّ: النَّصِيب. والجدود: جمع جدّ بِفَتْح الْجِيم وَهُوَ البخت. أَي: أَن الْغنى والفقر مِمَّا قدره الله فَهِيَ حظوظ وجدود خلقُوا لَهَا على مَا علم الله من مصَالح عباده. وَقَوله: أعيته أَي: أتعبته متعدي عيي بِالْأَمر إِذا عجز عَنهُ

من بَاب تَعب. والمروءة: آدَاب نفسانية تحمل مراعاتها الْإِنْسَان على الْوُقُوف عِنْد محَاسِن الْأَخْلَاق وَجَمِيل الْعَادَات. يُقَال: مرؤ الْإِنْسَان فَهُوَ مريء مثل قرب فَهُوَ قريب أَي: ذُو مُرُوءَة. قَالَ الْجَوْهَرِي: وَقد تشدّد فَيُقَال مروّة. وَرُوِيَ: أعيته السِّيَادَة. وناشئاً مَهْمُوز اللَّام فِي الصِّحَاح: النَّاشِئ: الْحَدث الَّذِي جَاوز حدّ الصغر وَالْجَارِيَة نَاشِئ أَيْضا. وَهُوَ حَال من مفعول اعيته. وَالْمطلب: مصدر بِمَعْنى الطّلب. والكهل: الرجل الَّذِي جَاوز الثَّلَاثِينَ ورخطه الشيب) وَقيل: من بلغ الْأَرْبَعين وَالْمَرْأَة كهلة. وكائن بِمَعْنى كم للتكثير ومذمّم أَي: غير مَحْمُود كثيرا وَالتَّشْدِيد للْمُبَالَغَة من الذمّ وَهُوَ خلاف الْمَدْح. والصعلوك بِالضَّمِّ: الْفَقِير أَي: كم من غَنِي ساعدته الدُّنْيَا ثمَّ أصبح مذموماً لبخله وَهَذِه الأبيات لرجل من بني قريع بِالتَّصْغِيرِ وَهُوَ قريع بن عَوْف بن كَعْب بن سعد بن زيد مَنَاة بن تَمِيم كَذَا فِي حماسة أبي تَمام وحماسة الأعلم. وعيّنه ابْن جني فِي إِعْرَاب الحماسة فَقَالَ: هُوَ المعلوط بن بدل القريعيّ. وَفِي حَاشِيَة صِحَاح الْجَوْهَرِي فِي مَادَّة حَظّ هِيَ للمعلوط السعديّ وتروى لسويد بن خذّاق العبديّ وَكَذَا قَالَ ابْن بري فِي أَمَالِيهِ على الصِّحَاح وَالله أعلم.

والمعلوط اسْم مفعول من علطه بِسَهْم علطاً: إِذا أَصَابَهُ بِهِ. وَهُوَ بِالْعينِ والطاء الْمُهْمَلَتَيْنِ. ثمَّ رَأَيْت فِي كتاب الْعباب فِي شرح أَبْيَات الْآدَاب تأليف حسن بن صَالح العدويّ اليمنيّ قَالَ: الْبَيْت الشَّاهِد لمخبّل السعديّ من أَبْيَات مَشْهُورَة متداولة فِي أَفْوَاه النَّاس أَولهَا: (أَلا يَا لقومي للرسوم تبيد ... وعهدك مِمَّن حبلهنّ جَدِيد) (وللدار بعد الحيّ يبكيك رسمها ... وَمَا الدَّار إِلَّا دمنة وصعيد) (لقد زَاد نَفسِي بِابْن ورد كَرَامَة ... عليّ رجال فِي الرِّجَال عبيد) (يسوقون أَمْوَالًا وَمَا سعدوا بهَا ... وهم عِنْد مثناة الْقيام قعُود) (ولاسوّد المَال اللَّئِيم وَلَا دنا ... لذاك ولكنّ الْكَرِيم يسود) (وكائن رَأينَا من غنيّ مذمّم ... وصعلوك قوم مَاتَ وَهُوَ حميد) (وَمَا يكْسب المَال الْفَتى بجلاده ... لَدَيْهِ وَلَكِن خائب وَسَعِيد) إِذا الْمَرْء أعيته الْمُرُوءَة ناشئاً وترجمة المخبّل السَّعْدِيّ تَأتي فِي الشَّاهِد الرَّابِع وَالثَّلَاثِينَ بعد الأربعمائة. وَأنْشد بعده: (فَمَا بالنا أمس أَسد العرين ... وَمَا بالنا الْيَوْم اء النجف)

. وَتقدم شَرحه قَرِيبا. وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد الثَّامِن وَالتِّسْعُونَ بعد الْمِائَة (بَدَت قمراً ومالت خوط بَان ... وفاحت عنبراً ورنت غزالا) على أَن قمراً وَمَا بعده من المنصوبات أحوالاً مؤولةً بالمشتق أَي: بَدَت مضيئة كَالْقَمَرِ ومالت متثنية كخوط بَان وفاحت: طيبَة النشر كالعنبر ورنت: مليحة المنظر كالغزال. قَالَ الواحدي: هَذِه أَسمَاء وضعت مَوضِع الْحَال. وَالْمعْنَى: بَدَت مشبهة قمراً فِي حسنها ومالت مشبهة غُصْن بَان فِي تثنّيها وفاحت مشبهة عنبراً فِي طيب رائحتها ورنت مشبهة غزالاً فِي سَواد مقلتها. وَهَذَا يُسمى التدبيج فِي الشّعْر وَمثله: (سفرن بدوراً وانتقبن أهلّة ... ومسن غصوناً والتفتن جآذرا) انْتهى. فَقَوله: بَدَت يُقَال: بدا يَبْدُو وبدوّاً. أَي: ظهر ظهوراً بيّناً. والخوط بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة: الْغُصْن الناعم لسنة. وَقيل: كلّ قضيب.

وفاحت. من فاح الْمسك فوحاً وفيحاً: انتشرت رَائِحَته خَاص فِي الطّيب. ورنا: من الرنوّ كدنو وَهُوَ إدامة النّظر بِسُكُون الطّرف كالرنا وَلَهو مَعَ شغل قلب وبصر وَغَلَبَة هوى والرّنا: مَا يرنى إِلَيْهِ لحسنه. كَذَا فِي الْقَامُوس. وَضمير بَدَت رَاجع إِلَى حبيبته فِي قَوْله قبل هَذَا: (بجسمي من برته فَلَو أصارت ... وشاحي ثقب لؤلؤة لجالا) أَي: أفدي بجسمي الحبيبة الَّتِي نحلته وبرته حَتَّى لَو جعلت قلادتي ثقب درّة لجال جسمي فِيهِ لدقّته. وَهَذَا الْبَيْت من قصيدة لأبي الطّيب المتنبي مدح بهَا بدر بن عمار بن إِسْمَاعِيل الْأَسدي. وترجمة المتنبي تقدّمت فِي الْبَيْت الْحَادِي وَالْأَرْبَعِينَ بعد الْمِائَة. وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد التَّاسِع وَالتِّسْعُونَ بعد الْمِائَة على أنّ الدأب يعبر بِهِ عَن كل حدث لَازم: كالحسن وَالْجمال. أَو غير لَازم: كالضرب وَالْقَتْل وَلِهَذَا يتَعَلَّق بِهِ الْجَار وَالْمَجْرُور والظرف وَالْحَال. فَقَوله: كدأبك بِمَعْنى كتمتعك. فكنّى وَلم يصرّح. أَقُول: جعل الدأب هُنَا كِنَايَة عَن التَّمَتُّع لَا وَجه لَهُ كَمَا يعلم قَرِيبا.

وَهَذَا الْبَيْت من معلّقة امْرِئ الْقَيْس الْمَشْهُورَة ومطلعها: (قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل ... بسقط اللوى بَين الدُّخُول فحومل) (فتوضح فالمقراة لم يعف رسمها ... لما نسجتها من جنوب وشمأل) (وقوفاً بهَا صحبي عليّ مطيّهم ... يَقُولُونَ: لَا تهْلك أسىً وتحمّل) (وَإِن شفائي عِبْرَة مهراقة ... فَهَل عِنْد رسم دارس من معوّل) (كدأبك من أم الْحُوَيْرِث قبلهَا ... وجارتها أمالرباب بمأسل) والبيتان الْأَوَّلَانِ يَأْتِي شرحهما إِن شَاءَ الله عَزَّ وَجَلَّ ّ فِي أَوَاخِر الْكتاب فِي الْفَاء العاطفة. وقوفاً بهَا صحبي الخ مُتَعَلق بقوله: قفا نبك فَكَأَنَّهُ قَالَ: قفا وقُوف صحبي بهَا على مطيّهم أَو قفا حَال وقُوف صحبي. وَقَوله: بهَا: مُتَأَخّر فِي الْمَعْنى يُرِيد: قفا نبك فِي حَال وقف أَصْحَابِي مطيّهم عليّ. وَقَوله: وَإِن شفائي عِبْرَة الخ الْعبْرَة: الدمعة. والمهراقة: المصبوبة وَأَصلهَا مراقة من الإراقة وَالْهَاء زَائِدَة. ومعوّل: مَوضِع عويل أَي بكاءن اَوْ بِمَعْنى مَوضِع ينَال فِيهِ حَاجَة: يُقَال: عوّلت على فلَان أَي: اعتمدت عَلَيْهِ. قَالَ الباقلاّني فِي معجز الْقُرْآن عِنْد الْكَلَام على معايب هَذِه القصيدة: هَذَا الْبَيْت مختلّ من جِهَة انه جعل الدمع فِي اعْتِقَاده شافياً كَافِيا فَمَا حَاجته بعد ذَلِك إِلَى طلب حِيلَة أُخْرَى عِنْد الرسوم وَلَو أَرَادَ أَن يحسن

الْكَلَام لوَجَبَ أَن يدلّ على أَن الدمع لَا يشفيه لشدَّة مَا بِهِ من الْحزن ثمَّ يسائل هَل عِنْد الرّبع من حِيلَة أُخْرَى وَفِي هَذَا مَعَ قَوْله سَابِقًا لم يعف رسمها تنَاقض الكلامان وَلَيْسَ فِي هَذَا اقْتِصَار لِأَن معنى عَفا ودرس وَاحِد فَإِذا قَالَ: لم يعف رسمها ثمَّ قَالَ: قد عَفا فَهُوَ تنَاقض لَا محَالة. واعتذار أبي عُبَيْدَة أقرب لَو صحّ وَلَكِن لم يرد هَذَا القَوْل مورد الِاسْتِدْرَاك على مَا قَالَه زُهَيْر فَهُوَ إِلَى الْخلَل أقرب. انْتهى.) وَقَوله: كدأبك من أمّ الخ قَالَ أَبُو جَعْفَر النّحاس فِي شَرحه وَتَبعهُ الْخَطِيب التبريزي: الْكَاف تتَعَلَّق بقوله: قفا نبك كَأَنَّهُ قَالَ: قفا نبك كدأبك فِي الْبكاء فَهِيَ فِي مَوضِع مصدر. وَالْمعْنَى بكاء مثل عادتك. وَيجوز أَن تتَعَلَّق بقوله: وَإِن شفائي عِبْرَة وَالتَّقْدِير: كعادتك فِي أَن تشفى من أمّ الْحُوَيْرِث. وَالْبَاء فِي قَوْله: بمأسل مُتَعَلقَة بدأبك كَأَنَّهُ قَالَ: كعادتك بمأسل. وَهُوَ جبل. وَزَاد الْخَطِيب: وَأم الْحُوَيْرِث هِيَ هرّ أم الْحَارِث بن حُصَيْن بن ضَمْضَم الكلبيّ وَأم الربَاب من كلب أَيْضا. يَقُول: لقِيت

من وقوفك على هَذِه الديار وتذكرك أَهلهَا كَمَا لقِيت من أم الْحُوَيْرِث وجارتها. وَقيل: الْمَعْنى: كَأَنَّك أَصَابَك من التَّعَب وَالنّصب من هَذِه الْمَرْأَة كَمَا أَصَابَك من هَاتين الْمَرْأَتَيْنِ انْتهى. وَقَالَ أَبُو عبيد البكريّ فِي شرح أمالي القالي: أم الْحُوَيْرِث الَّتِي كَانَ يشبب بهَا فِي أشعاره هِيَ أُخْت الْحَارِث حُصَيْن بن ضَمْضَم من كلب وَهِي امْرَأَة حجر أبي امْرِئ الْقَيْس فَلذَلِك كَانَ أَبوهُ طرده ونفاه وهمّ بقتْله انْتهى. وَهَذَا هُوَ الصَّوَاب. وَقَالَ الزوزني: يَقُول عادتك فِي حب هَذِه كعادتك فِي تينك أَي: قلَّة حظك من وصال هَذِه كمعاناتك الوجد بهما. وَقَوله: قبلهَا أَي: قبل هَذِه الَّتِي شغفت بهَا الْآن. والدأب: الْعَادة وأصلهما مُتَابعَة الْعَمَل والجدّ فِي السَّعْي انْتهى كَلَامه. فَجعل الزوزني قَوْله: كدأبك خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف. وَهَذَا أقرب من الْأَوَّلين. فَعلم مِمَّا ذكرنَا أَن الدأب كِنَايَة إِمَّا عَن الْبكاء وَإِمَّا عَن المعاناة وَالْمَشَقَّة. والتمتع لَا مساس لَهُ هَا هُنَا فَتَأمل. وترجمة امْرِئ الْقَيْس تقدّمت فِي الشَّاهِد التَّاسِع وَالْأَرْبَعِينَ. وانشد بعده وَهُوَ ...

(وَلَقَد نزلتفلا تظني غَيره مني بِمَنْزِلَة الْمُحب المكرم) على أَن مَعْنَاهُ نزلت قريبَة مني قرب الْمُحب المكرم. وَإِنَّمَا عدّي بِمن لكَون معنى بِمَنْزِلَة فلَان: قَرِيبا قربه أَو بَعيدا بعده. وَهَذَا الْبَيْت من معلّقة عنترة العبسيّ. قَالَ أَبُو جَعْفَر النّحاس فِي شَرحه وَتَبعهُ الْخَطِيب التبريزي الْبَاء فِي قَوْله: بِمَنْزِلَة مُتَعَلقَة بمصدر مَحْذُوف لِأَنَّهُ لما قَالَ: نزلت دلّ على النُّزُول. وَقَوله: بِمَنْزِلَة فِي مَوضِع نصب أَي: وَلَقَد نزلت مني منزلَة مثل منزلَة الْمُحب. وَقَالَ الزوزني: يَقُول: وَلَقَد نزلت من قلبِي منزلَة من يحب وَيكرم.) وَالتَّاء فِي نزلت مَكْسُورَة لِأَنَّهُ خطاب مَعَ مجبوبته عبلة الْمَذْكُورَة فِي بَيت قبل هَذَا. وَقَوله: فَلَا تظني غَيره مفعول ظن الثَّانِي مَحْذُوف اختصاراً لَا اقتصاراً أَي: فَلَا تظني غَيره وَاقعا أَو حَقًا أَي: غير نزولك مني منزلَة الْمُحب. وَبِه اسْتشْهد شرّاح الألفية وَغَيرهم بِهَذَا الْبَيْت. والمحبّ: اسْم مفعول جَاءَ على أحبّ وأحببت وَهُوَ على الأَصْل وَالْكثير فِي كَلَام الْعَرَب مَحْبُوب. قَالَ الْكسَائي: مَحْبُوب من حببت وَكَأَنَّهَا لُغَة قد مَاتَت. أَي: تركت. وَقَالَ الْأَصْمَعِي: تحبّ بِفَتْح التَّاء وَلَا أعرفهُ فِي غير التَّاء وَلَا أعرف حببت. وَحكى أَبُو زيد أَنه يُقَال: حببت أحبّ وَأَنت تحب وَنحن نحب. والمكرم: اسْم مفعول أَيْضا وَالْوَاو

فِي وَلَقَد عاطفة. وَجُمْلَة لقد نزلت الخ جَوَاب اسْم مفعول أَيْضا وَالْوَاو فِي وَلَقَد عاطفة. وَجُمْلَة لقد نزلت الخ جَوَاب قسم مَحْذُوف أَي: وَوَاللَّه لقد نزلت كَقَوْلِه تَعَالَى: وَلَقَد صدقكُم الله وعده. وَقَوله: فَلَا تظني غَيره جملَة مُعْتَرضَة بَين الْمَجْرُور ومتعلّقه فَإِن مني متعلّق بنزلت. وَلَقَد خبط هُنَا خبطاً فَاحِشا شَارِح شَوَاهِد الألفية فِي قَوْله: الْوَاو للقسم وَجَوَاب الْقسم قَوْله: فَلَا تظني غَيره ثمَّ قَالَ: قَوْله فَلَا تظني نهي معترض بَين الجارّ وَالْمَجْرُور ومتعلّقه وَالْبَاء فِي بِمَنْزِلَة بِمَعْنى فِي أَي: نزلت مني فِي منزلَة الشَّيْء المحبوب المكرم. هَذَا كَلَامه وَلَا يَقع فِي مثله أصاغر الطّلبَة. وترجمة عنترة تقدّمت فِي الشَّاهِد الثَّانِي عشر من اوائل الْكتاب وَأنْشد بعد وَهُوَ الشَّاهِد الْوَاحِد بعد الْمِائَتَيْنِ خرجت مَعَ البازيّ عليّ سَواد هَذَا عجز وصدره: إِذا أنكرتني بَلْدَة أَو نكرتها على أَن الْجُمْلَة الاسمية الحالية إِذا لم يكن مبتدؤها ضمير صَاحب الْحَال فَإِن كَانَ الضَّمِير فِيمَا صدّر بِهِ الْجُمْلَة فَلَا يحكم بضعفه مجرّداً عَن الْوَاو كجملة عليّ سَواد فَإِنَّهَا جال من التَّاء فِي خرجت. فِي الْمِصْبَاح: أنكرته إنكاراً: خلاف عَرفته ونكرته مثل تعبت كَذَلِك غير أَنه لَا يتَصَرَّف. أَي: إِذا لم يعرف قدري أهل بَلْدَة

أَو لم أعرفهم خرجت مِنْهُم مبتكراً مصاحباً للبازي الَّذِي هُوَ أبكر الطُّيُور فِي حَال اشتمالي على شَيْء من سَواد اللَّيْل. والبازيّ على وزن القَاضِي فِي الأَصْل: صفة من بزا يبزو: إِذا غلب. ويعرب إِعْرَاب المنقوص. وَالْجمع بزاة. وَهَذَا الْبَيْت من أَبْيَات لبشار بن برد مدح بهَا خَالِدا الْبَرْمَكِي وَكَانَ قد وَفد عَلَيْهِ وَهُوَ بِفَارِس فأنشده: (أخالد لم أهبط إِلَيْك بذمّة ... سوى أنني عاف وَأَنت جواد) (أخالد إِن الْأجر وَالْحَمْد حَاجَتي ... فَأَيّهمَا تَأتي فَأَنت عماد) (فَإِن تعطني أفرغ عَلَيْك مدائحي ... وَإِن تأب لم تضرب عليّ سداد) (ركابي على حرف وقلبي مشيّع ... وَمَا لي بِأَرْض الباخلين بِلَاد) (إِذا أنكرتني بَلْدَة أَو نكرتها ... خرجت مَعَ البازيّ عليّ سَواد) يُقَال: هَبَط من مَوضِع إِلَى مَوضِع: إِذا انْتقل إِلَيْهِ والهبوط الحدور كرسول فيهمَا. والذمّة هُنَا الْعَهْد وَالْحُرْمَة. والعافيّ: من عفوته: إِذا أَتَيْته طَالبا لمعروفه وَجمعه العفاة وهم طلاب الْمَعْرُوف. وَهَذَا مثل قَول دعبل لما وَقد على عبد الله بن طَاهِر: (جئْتُك مستشفعاً بِلَا سَبَب ... إِلَيْك إِلَّا لحُرْمَة الْأَدَب) (فَاقْض ذمامي فإنني رجل ... غير ملحّ عَلَيْك فِي الطّلب) فَبعث إِلَيْهِ عبد الله بِعشْرَة آلَاف دِرْهَم وبهذين الْبَيْتَيْنِ:

(أعجلتنا فأتاك عَاجل برّنا ... وَلَو انتظرت كَثِيره لم نقلل)) (فَخذ الْقَلِيل وَكن كَأَنَّك لم تسل ... ونكون نَحن كأننا لم نَفْعل) وَقد تداول هذَيْن الْبَيْتَيْنِ كثير من الكرماء فيظن النَّاس أَنَّهُمَا لمن تداولهما. والحرف: النَّاقة القويّة. والمشيع على وزن الْمَفْعُول: الشجاع كَأَن لَهُ شيعَة أَي: أتباعاً وأنصاراً. روى الْأَصْبَهَانِيّ فِي الأغاني أَن بشاراً لما أنْشد هَذِه الأبيات دَعَا خَالِد بأَرْبعَة أكياس فَوضع وَاحِدًا عَن يَمِينه وَآخر عَن شِمَاله وَآخر بَين يَدَيْهِ وَآخر من وَرَائه وَقَالَ: يَا أَبَا معَاذ هَل اسْتَقل الْعِمَاد فلمس الأكياس ثمَّ قَالَ: اسْتَقل وَالله أَيهَا الْأَمِير وبشار بن برد أَصله من طخارستان من سبي المهلّب بن أبي صفرَة وَهِي نَاحيَة كَبِيرَة مُشْتَمِلَة على بلدان على نهر جيحون مِمَّا وَرَاء النَّهر وكنيته أَبُو معَاذ ولقبه المرعّث وَهُوَ الَّذِي فِي أُذُنه رعاث وَجمع رعثة وَهِي القرطة لقّب بِهِ لِأَنَّهَا كَانَت فِي صغره معلّقة فِي أُذُنه. وَهُوَ عقيليّ بِالْوَلَاءِ نِسْبَة إِلَى عقيل بن كَعْب بِالتَّصْغِيرِ وَهِي قَبيلَة. وَقيل: إِنَّه ولد على الرقّ أَيْضا وأعتقته امْرَأَة عقيليّة. وَولد أكمه جاحظ الحدقتين قد تغشاهما لحم أَحْمَر. وَكَانَ ضخماً عَظِيم الْخلق وَالْوَجْه مجدّراً. وَهُوَ فِي أول مرتبَة المحدّثين من الشُّعَرَاء المجيدين. وَقد نَشأ بِالْبَصْرَةِ ثمَّ قدم بَغْدَاد ومدح المهديّ بن الْمَنْصُور العباسيّ وَرمي عِنْده بالزندقة: رُوِيَ

أَنه كَانَ يفضل النَّار على الأَرْض ويصوّب رَأْي إِبْلِيس فِي امْتِنَاعه من السُّجُود لآدَم عَلَيْهِ السَّلَام وَنسب إِلَيْهِ قَوْله: (الأَرْض مظْلمَة وَالنَّار مشرقة ... وَالنَّار معبودة مذ كَانَت النَّار) فَأمر الْمهْدي بضربه فَضرب سبعين سَوْطًا فَمَاتَ من ذَلِك وَذَلِكَ فِي سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وَمِائَة وَقد نيّف على تسعين سنة. وَمن شعره: (ياقوم أُذُنِي لبَعض الحيّ عاشقة ... وَالْأُذن تعشق قبل الْعين أَحْيَانًا) (قَالُوا: بِمن لَا ترى تهذي فَقلت لَهُم: ... الْأذن كَالْعَيْنِ توفّي الْقلب مَا كَانَا) وَمن هجائه للمهديّ قَوْله: (أبدلنا الله بِهِ غَيره ... ودسّ مُوسَى فِي حر الخيزران) وَبَينه وَبَين حَمَّاد عجرد أهاج فَاحِشَة وَمن هجوه فِيهِ: (نعم الْفَتى لَو كَانَ يعبد ربه ... وَيُقِيم وَقت صلَاته حمّاد)) (وابيضّ من شرب المدامة وَجهه ... وبياضه يَوْم الْحساب سَواد) وَقتل حَمَّاد عجرد على الزندقة أَيْضا فِي سنة سِتّ وَسِتِّينَ وَمِائَة. وَدفن بشار على حمّاد عجرد فِي قبر وَاحِد فَكتب أَبُو هِشَام الباهليّ على قبرهما: ...

(قد تبع الْأَعْمَى قفا عجرد ... فأصبحا جارين فِي دَار) (صَارا جَمِيعًا فِي يَدي مَالك ... فِي النَّار وَالْكَافِر فِي النَّار) (قَالَت جَمِيع الأَرْض لَا مرْحَبًا ... بِقرب حمّاد وبشار) وترجمته فِي الأغاني طَوِيلَة. وَأما خَالِد فَهُوَ خَالِد بن برمك الْبَرْمَكِي. وَكَانَ برمك من مجوس بَلخ وَكَانَ يخْدم النوبهار وَهُوَ معبد للمجوس بِمَدِينَة بلختوقد فِيهِ النيرَان. وَكَانَ برمك عَظِيم الْمِقْدَار وساد ابْنه خَالِد ووزر لأبي الْعَبَّاس عبد الله السفاح العباسيّ. وَهُوَ أول من وزر من آل برمك. وَلم يزر وزيراً إِلَى أَن توفّي السفاح ثمَّ وزر لِأَخِيهِ أبي جَعْفَر الْمَنْصُور إِلَى أَن توفّي فِي سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وَمِائَة. وَيحيى الْبَرْمَكِي هُوَ أَبُو جَعْفَر وَالْفضل قَالَ المَسْعُودِيّ: لم يبلغ مبلغ خَالِد بن برمك أحد من وَلَده: فِي جوده ورأيه ورياسته وَعلمه وَجَمِيع خلاله لَا يحيي فِي رَأْيه ووفور عقله وَلَا الْفضل بن يحيى فِي جوده ونزاهته وَلَا جَعْفَر بن يحيى فِي كِتَابَته وفصاحة لِسَانه وَلَا مُحَمَّد ابْن يحيى فِي سروه وَبعد همّته وَلَا مُوسَى بن يحيى فِي شجاعته ورياسته.

وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد الثَّانِي بعد الْمِائَتَيْنِ نصف النَّهَار المَاء غامره هَذَا صدر وعجزه: ورفيقه بِالْغَيْبِ مَا يدْرِي على أَن ضمير صَاحب الْحَال إِذا كَانَ فِي آخر الْجُمْلَة الحالية فَلَا شكّ فِي ضعفه وقلّته: فَإِن المَاء مُبْتَدأ وغامره خبرهن وَالْجُمْلَة حالمن ضمير نصف الْعَائِد إِلَى الغائص وَالضَّمِير الَّذِي ربط جملَة الْحَال بصاحبها فِي آخرهَا. وَهَذَا على رِوَايَة نصب النَّهَار على أَنه مفعول بِهِ قَالَ صَاحب الْمِصْبَاح: نصفت الشَّيْء نصفا من بَاب قتل: بلغت نصفه وَأما على رِوَايَة رَفعه فالجملة حَال مِنْهُ وَلَا رابط فتقدّر الْوَاو. وَعَلَيْهَا كَلَام صَاحب الْمُغنِي قَالَ: وَقد تَخْلُو الْجُمْلَة الحالية من الْوَاو وَالضَّمِير فيقدّر الضَّمِير فِي نَحْو: مَرَرْت بالبرّ قفيز بدرهم أَو الْوَاو كَقَوْلِه يصف غائصاً لطلب اللُّؤْلُؤ انتصف النَّهَار وَهُوَ غائص وَصَاحبه لَا يدْرِي مَا حَاله: نصف النَّهَار المَاء غامره فَنصف على هَذَا أَيْضا من بَاب قتل قَالَ صَاحب الْمِصْبَاح: إِن بلغ الشَّيْء نصف نَفسه فَفِيهِ لُغَات: نصف ينصف من بَاب قتل يقتل وأنصف بِالْألف وتنصّف وانتصف النَّهَار: بلغت الشَّمْس وسط السَّمَاء وَهُوَ وَقت الزَّوَال.

وَقد أثبت هَاتين الرِّوَايَتَيْنِ العسكري فِي كتاب التَّصْحِيف وَالسَّيِّد الجرجانيّ فِي شرح الْمِفْتَاح. أما العسكري فه اكَلَامه: قَالَ الرياشي: الَّذِي يروي نصف النَّهَار بِالرَّفْع يُرِيد معنى الْوَاو أَي: انتصف النَّهَار وَالْمَاء غامره وَهُوَ تَحت المَاء يَعْنِي الغوّاص وشريكه بِالْغَيْبِ أَي: بِحَيْثُ يغيب عَنهُ وَلَا يدْرِي مَا حَاله وَإِنَّمَا يغوص بِحَبل مَعَه طرفه وطرفه الآخر مَعَ صَاحبه. قَالَ الرياشيّ: الْحَال إِذا لم يرجع إِلَى الأول مِنْهَا شَيْء فَهُوَ قَبِيح فِي الْعَرَبيَّة. قَالَ: وَإِذا صيّرته ظرفا فَهُوَ جيد فِي الْعَرَبيَّة. وَقَالَ المازنيّ: الْجيد نصب النَّهَار على الظّرْف انْتهى. وَكَون النصب على الظّرْف تجوّز فِي الْكَلَام وَالصَّوَاب على المفعولية. وَأما السَّيِّد فقد قَالَ: النَّهَار مَنْصُوب من نصفت الشَّيْء: بلغت نصفه. وَالْمرَاد طول مكثه تَحت المَاء. وَفِي الصِّحَاح بِرَفْع النَّهَار من نصف الشَّيْء: بِمَعْنى انتصف. فالجملة الحالية حِينَئِذٍ خَالِيَة عَن الضَّمِير أَيْضا فَاحْتَاجَ إِلَى أَن قدّر الْوَاو محذوفة أَي: وَالْمَاء غامره أَي: ساتره) انْتهى. فَعلم من هَذَا أَن من قَالَ بِوُجُود الضَّمِير فِي هَذِه الْجُمْلَة جعل صَاحب الْحَال ضمير الغواص الْمُسْتَتر فِي نصف الناصب النَّهَار. وان من قَالَ بِعَدَمِ الضَّمِير جعل الْجُمْلَة حَالا من النَّهَار الْمَرْفُوع بِنصْف وقدّر الْوَاو للربط وَأما الضَّمِير الْمَوْجُود فَغير رابط لِأَنَّهُ لَيْسَ عَائِدًا على صَاحب الْحَال وَهُوَ النَّهَار بل هُوَ عَائِد على الغوّاص. وَالْعجب من كَلَام ابْن الشجريّ فِي أَمَالِيهِ فَإِنَّهُ جعل الْجُمْلَة حَالا من النَّهَار الْمَرْفُوع وَقَالَ: الرابط الضَّمِير وه الَا يَصح فَإِن الضَّمِير لَيْسَ للنهار.

وَهَذِه عِبَارَته: وَلَو حذفت الضَّمِير من جملَة الْحَال الْمُبْتَدَأ بِهِ واكتفيت بِالْوَاو جَازَ نَحْو: جَاءَ زيد وَعَمْرو حَاضر. وَلَو حذفت الْوَاو اكْتِفَاء بالضمير فَقلت: خرج أَخُوك يَده على وَجهه جَازَ كَقَوْلِه: نصف النَّهَار المَاء غامره وأعجب مِنْهُ قَول ابْن السَّيِّد فِي شرح شَوَاهِد أدب الْكَاتِب فِي جعله الْجُمْلَة حَالا وَصَاحب الْحَال غير مَذْكُور فِي هَذَا الْبَيْت بل هُوَ فِي بَيت قبل هَذَا بِأَبْيَات. وَهَذَا كَلَامه: جملَة المَاء غامره حَال وَكَذَلِكَ الْجُمْلَة الَّتِي بعْدهَا. وَكَانَ يَنْبَغِي أَن يَقُول: وَالْمَاء غامره فَيَأْتِي بواو الْحَال وَلكنه اكْتفى بالضمير مِنْهَا. وَلَو لم يكن فِي الجملتين عَائِد إِلَى صَاحب الْحَال لم يجز حذف الْوَاو. وَأما صَاحب هَاتين الْحَالين فَلَيْسَ بمذكور فِي الْبَيْت وَلكنه مَذْكُور فِي الْبَيْت الَّذِي قبله وَهُوَ: (كجمانة البحريّ جَاءَ بهَا ... غوّاصها من لجّة الْبَحْر. انْتهى) وَأغْرب من هذَيْن الْقَوْلَيْنِ صَنِيع ابْن جني فِي سر الصِّنَاعَة فَإِنَّهُ حكم على هَذِه الْجُمْلَة بِأَنَّهُ لَا رابط مَعهَا. ثمَّ نقض كَلَامه بِجعْل الضَّمِير رابطاً للْحَال بصاحبها الْمَحْذُوف. وَهَذَا مَا سطّره: إِذا وَقعت الْجُمْلَة الاسمية بعد وَاو الْحَال كنت فِي تضمينها ضمير صَاحب الْحَال وَترك تضمينها إِيَّاه مُخَيّرا فَالْأول نَحْو جَاءَ زيد وَتَحْته فرس وَالثَّانِي جَاءَ زيد وَعَمْرو يقْرَأ. فَأَما إِذا لم يكن وَاو فَلَا بدّ من الضَّمِير نَحْو أقبل مُحَمَّد على رَأسه قلنسوة. وَإِذا فقدت جملَة الْحَال هَاتين الْحَالين انْقَطَعت مِمَّا قبلهَا وَلم يكن هُنَاكَ مَا يرْبط الآخر بِالْأولِ وعَلى هَذَا قَول الشَّاعِر: نصف النَّهَار المَاء غامره

يصف غائصاً غاص فِي المَاء من أول النَّهَار وَهَذِه حَاله. فالهاء من غامره ربطت الْجُمْلَة بِمَا قبلهَا حَتَّى جرت حَالا على مَا فِيهَا فكأنك قلت: انتصف النَّهَار على الغائص غامراً لَهُ اماء) كَمَا انك إِذا قلت: جَاءَ زيد وَوَجهه حسن فكانك قلت: جَاءَ زيد حسنا وَجهه. هَذَا كَلَامه وَهَذَا الْبَيْت من قصيدة للأعشى مَيْمُون مدح بهَا قيس بن معد يكرب الْكِنْدِيّ. وَقد أَجَاد فِي التغزل بمحبوبته فِي أَولهَا إِلَى أَن شبهها بِالدرةِ ثمَّ وصف تِلْكَ الدرة كَيفَ استخرجت من الْبَحْر فَقَالَ: (كجمانة البحري جَاءَ بهَا ... غوّاصها من لجّة الْبَحْر) (صلب الْفُؤَاد رَئِيس أَرْبَعَة ... متخالفي الألوان والنجر) (فتنازعوا حَتَّى إِذا اجْتَمعُوا ... ألقوا إِلَيْهِ مقالد الْأَمر) (وعلت بهم سجحاء خادة ... تهوي بهم فِي لجة الْبَحْر) (حَتَّى إِذا مَا سَاءَ ظنهم ... وَمضى بهم شهر إِلَى شهر) (ألْقى مراسيه بتهلكة ... ثبتَتْ مراسيها فَمَا تجْرِي) (فانصب أَسْقُف رَأسه لبد ... نزعت رباعيتاه للصبر) (أشفى يمجّ الزَّيْت ملتمس ... ظمآن ملتهب من الْفقر) (قتلت أَبَاهُ فَقَالَ: أتبعه ... أَو أستفيد رغيبة الدَّهْر) (نصف النَّهَار المَاء غامره ... وشريكه بِالْغَيْبِ مَا يدْرِي) ...

(فَأصَاب منيته فجَاء بهَا ... صدفيّة كمضيئة الْجَمْر) (وَترى الصواري يَسْجُدُونَ لَهَا ... ويضمّها بيدَيْهِ للتجر) (فلتلك شبه الْمَالِكِيَّة إِذْ ... طلعت ببهجتها من الخدر) الجمانة بِضَم الْجِيم: حَبَّة تعْمل من فضَّة كالدرة وَجَمعهَا جمان. أَي: هِيَ كجمانة البحريّ. وصلب الْفُؤَاد بِالضَّمِّ أَي: قويّ الْفُؤَاد وشديده هُوَ صفة لغوذاص. وَرَئِيس أَرْبَعَة بِالنّصب حَال مِنْهُ وَقَوله: متخالفي الألوان: صفة أَرْبَعَة وَالْإِضَافَة لفظية. والنجر بِفَتْح النُّون وَسُكُون الْجِيم: الأَصْل. أَي: أَن هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَة أصلهم مُخْتَلف وَكَذَلِكَ ألوانهم مُخْتَلفَة. والسجحاء بِتَقْدِيم الْجِيم على الْحَاء الْمُهْملَة: الطَّوِيلَة الظّهْر وَأَرَادَ بهَا السَّفِينَة. والمراسي: جمع مرساة بِالْكَسْرِ وَهِي آلَة ترسى بهَا السَّفِينَة. وَقَوله: فانصب أَسْقُف الخ. أَي: رمى بِنَفسِهِ فِي الْبَحْر وغاص لإِخْرَاج الدّرّ. والأسقف بِفَتْح الْألف وَالْقَاف من السّقف بِفتْحَتَيْنِ وَهُوَ طول فِي انحناء. ولبد بِكَسْر الْبَاء أَي: متلبد.) وأشفى فعل مَاض يُقَال: أشفى على الشَّيْء: اي: أشرف عَلَيْهِ. ويمج: يقذف من فِيهِ كَمَا هُوَ عَادَة الغائص. وفاعلهما ضمير أَسْقُف. وملتمس وَمَا بعده من الوصفين نعوت لأسقف. وَقَوله: قتلت أَبَاهُ الخ أَي: أنّ أَبَاهُ هلك فِي حبّ هَذِه الدرة أَو فِي تَحْصِيلهَا فَقَالَ

هَذَا الغائص: أتبع أبي فِي الْهَلَاك أَو أستفيد مَالا كثيرا. والرغيبة: الْعَطاء الْكثير. وَقَوله: نصف النَّهَار. . الخ رُوِيَ ورفيقه بدل وشريكه. ومنيته هِيَ مَا يتمناه. وصدفيّة: حَال من الضَّمِير الْمَجْرُور بِالْبَاء. وَيُعْطى بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول. ويمنعها أَي: وَيمْنَع الدرة من البيع. وَقَوله: أَلا تشري: أَي: أَلا تبيعها. والصواري: جمع صَار وَهُوَ الملاّح والبحريّ. وَرُوِيَ الشواري بدله وَهُوَ جمع شار بِمَعْنى المُشْتَرِي. وسجودهم لَهَا لعزتها ونفاستها. والتجر: مصدر تجر تجراً وتجارة من بَاب نصر. وَمن أَبْيَات المديح: (أَنْت الرئيس إِذا هم نزلُوا ... وتواجهوا كالأسد والنمر) (أَو فَارس اليحموم يتبعهُم ... كالطلق يتبع لَيْلَة البهر) (ولأنت أَجود بالعطاء من الرّ ... يّان لمّا ضنّ بالقطر) (ولأنت أَحْيَا من مخبّأة ... عذراء تقطن جَانب الْكسر) (ولأنت أبين حِين تنطق من ... لُقْمَان لمّا عيّ بِالْأَمر) (لَو كنت من شَيْء سوى بشر ... كنت المنوّر لَيْلَة الْبَدْر) فَارس اليحموم هُوَ ملك الْعَرَب النعمانبن الْمُنْذر. واليحموم: اسْم فرسه.

والطلق بِالْفَتْح اللَّيْلَة الَّتِي لَا حرّ فِيهَا وَلَا برد. وَلَيْلَة البهر: لَيْلَة الْبَدْر حِين يبهر النُّجُوم أَي: يغلبها بنوره. وَقيس بن معد يكرب الكنديّ مَاتَ فِي الْجَاهِلِيَّة يُقَال لَهُ الْأَشَج لِأَنَّهُ شجّ فِي بعَ أيامهم. وَله عدَّة أَوْلَاد أكبرهم حجيّة وَبِه كني زَمَانا ثمَّ كني بولده الْأَشْعَث واسْمه معد يكرب وسمّي الْأَشْعَث لِأَنَّهُ كَانَ أبدا أَشْعَث الرَّأْس وَقد أسام وَولده لَهُ النُّعْمَان بن الْأَشْعَث وَقد بشّر بِهِ وَهُوَ عِنْد رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فَقَالَ: وَالله لجفنة من ثريد أطعمها قومِي أحبّ إِلَيّ مِنْهُ وَهلك صَغِيرا. وللأشعث عدَّة أَوْلَاد أَيْضا مِنْهُم قيس بن الْأَشْعَث وَأخذ قطيفة الْحُسَيْن رَضِيَ اللَّهُ عَنْه يَوْم قتل فَكَانَ يُقَال لَهُ: قيس قطيفة. ولقيس بن معد يكرب بنت اسْمهَا قتيلة تزَوجهَا رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فَتوفي قبل أَن) تصل إِلَيْهِ. وَابْنه سيف بن قيس وَفد على النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فَأمره أَن يُؤذن لَهُم فَأذن حَتَّى مَاتَ. كَذَا فِي جمهرة الْأَنْسَاب لِابْنِ الكلبيّ. وأعشى مَيْمُون صَاحب الشّعْر تقدّمت تَرْجَمته فِي الشَّاهِد الثَّالِث وَالْعِشْرين وَقد نقلت شعره هَذَا من ديوانه. وَقد رَوَاهَا أَبُو عُبَيْدَة

وَابْن دُرَيْد وَغَيرهمَا. وَأما الْأَصْمَعِي فقد أثبتها للمسيب بن علس الجماعيّ وَهُوَ خَال الْأَعْشَى مَيْمُون الْمَذْكُور. . وَهُوَ أحد الشُّعَرَاء الثَّلَاثَة المقلي الَّذين فضلوا فِي الْجَاهِلِيَّة. قَالَ أَحْمد بن أبي طَاهِر: كَانَ الْأَعْشَى راوية المسيّب بن علس وَالْمُسَيب خَاله وَكَانَ يطرد وَالْمُسَيب: اسْم فَاعل لقّب بِهِ لِأَنَّهُ كَانَ يرْعَى إبل أَبِيه فسيّبها فَقَالَ لَهُ أَبوهُ: أَحَق أسمائك الْمسيب. فغلب عَلَيْهِ. وَقَالَ ابْن دُرَيْد فِي كتاب الِاشْتِقَاق: إِن اسْمه زُهَيْر وَإنَّهُ لقّب بالمسيب لقَوْله: (فَإِن سركم ألاّ تؤوب لقاحكم ... غزاراً فَقولُوا للمسّب يلْحق) وَهُوَ جاهلي وَلم يدْرك الْإِسْلَام. وَنسبه فِي الجمهرة كَذَا: الْمسيب بن علس بن مَالك بن عمروبن قمامة بن زيد بن ثَعْلَبَة بن عديّ بن مَالك بن جشم بن بِلَال بن جمَاعَة بن جليّ بن أحمس بن ضبيعة بن ربيعَة بن نزار بن مُضر وعلس بِفَتْح الْعين وَاللَّام مَنْقُول من اسْم القراد. وقمامة بِضَم الْقَاف وَجَمَاعَة بِضَم الْجِيم وروى ابْن السكّيت خماعة بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة

المضمومة. وجليّ بِضَم الْجِيم وَفتح اللَّام وَتَشْديد الْمُثَنَّاة التَّحْتِيَّة. وأحمس أفعل من الحماسة. وضبيعة بِالتَّصْغِيرِ. وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد الثَّالِث بعد الْمِائَتَيْنِ (فألحقه بالهاديات ودونه ... جواحرها فِي صرة لم تزيّل) على أَن قَوْله: ودونه جواحرها جملَة حَالية لَا الظّرْف وَحده حَال وَالْمَرْفُوع بعده فَاعله خلافًا لمن زَعمه فِي نَحْو: جَاءَنِي عَلَيْهِ جُبَّة وشي لِأَنَّهُ لَو كَانَ من الْحَال المفردة لامتنعت الْوَاو فَإِنَّهَا لَا تكون مَعَ الْحَال المفردة فَلَمَّا ذكرت فِي بعض الْمَوَاضِع عرف أَن الْجُمْلَة حَال لَا الظّرْف وَحده. . وَصَاحب الْحَال الْهَاء فِي قَوْله: فألحقه وَهِي ضمير الْمَفْعُول. وفاعل ألحقهُ ضمير مستتر رَاجع إِلَى الْغُلَام فِي بَيت قبله. وَالْهَاء ضمير الْكُمَيْت. أَي: فَألْحق الْغُلَام الْكُمَيْت بالهاديات وَيجوز الْعَكْس فَيكون فَاعل ألحق ضمير الْكُمَيْت وَالْهَاء ضمير الْغُلَام أَي: فَألْحق الْغُلَام بالهاديات. وَأَرَادَ بالهاديات أَوَائِل الْوَحْش ومتقدماتها يُقَال: أَقبلت هوادي الْخَيل: إِذا تقدّمت أوائلها جمع هادية وَالْهَادِي: أول كل شَيْء. وَضمير دونه يعود على مَا عَاد عَلَيْهِ الْهَاء. وجواحرها أَي: متأخراتها وَالْهَاء ضمير الهاديات وَهُوَ جمع جاحرة بِتَقْدِيم الْجِيم على الْحَاء الْمُهْملَة يُقَال: جُحر فلَان أَي: تَأَخّر. وجواحرها مُبْتَدأ. ودونه الْخَبَر تقدم عَلَيْهِ وَالْجُمْلَة حَال كَمَا تقدم أَي: وَدون مَكَانَهُ أَو وَدون غَايَته الَّتِي وصل إِلَيْهَا أَو دون بِمَعْنى عِنْد وَقيل: دون هُنَا بِمَعْنى أقرب. ورده الزوزني بِأَنَّهُ إِنَّمَا يكون

دون بِمَعْنى أقرب مِنْهُ إِذْ أُتِي باسمين نَحْو هَذَا دون ذَاك. والصرة بِفَتْح الصَّاد وَتَشْديد الرَّاء الْمُهْمَلَتَيْنِ يجوز أَن يكون هُنَا إِمَّا بِمَعْنى الضجة والصيحة وَإِمَّا بِمَعْنى الْجَمَاعَة وَإِمَّا بِمَعْنى الشدَّة من كرب أَو غَيره وَقيل الصرة هُنَا الْغُبَار فَقَوله: فِي صرة فِي بعض الْوُجُوه حَال من الهاديات وَفِي بَعْضهَا حَال من جواحرها كَذَا قَالَ الزوزني. وَيجوز أَن يتَعَلَّق الْجَار فِي جواحرها. وَجُمْلَة لم تزيل صفة صرة وَأَصله تتزيل بتاءين أَي: لم تتفرق. وصف بِهَذَا الْبَيْت شدَّة عَدو فرسه يَقُول: إِن هَذَا الْفرس لما لحق أَوَائِل الْوَحْش بقيت أواخرها لم تتفرق فَهِيَ خَالِصَة لَهُ. وَهَذَا الْبَيْت من جملَة أَبْيَات فِي وصف الْفرس من معلقَة امْرِئ الْقَيْس الْمَشْهُورَة والأبيات هَذِه: (وَقد أغتدي وَالطير فِي وكناتها ... بمنجرد قيد الأوابد هيكل) (مكرّ مفرّ مقبل مُدبر مَعًا ... كجلمود صَخْر حطّه السَّيْل من عل) (كميت يزلّ اللبد عَن حَال مَتنه ... كَمَا زلّت الصفواء بالمتنزّل)) (على الذبل جيّاش كَأَن اهتزامه ... إِذا جاش فِيهِ حميه غلي مارجل) (يزلّ الْغُلَام الخفّ عَن صهواته ... ويلوي بأثواب العنيف المثقّل) (درير كخذروف الْوَلِيد أمرّه ... تتَابع كفّيه بخيط موصّل) (لَهُ أيطلاً ظَبْي وساقا نعَامَة ... وإرخاء سرحان وتقريب تَتْفُل)

. (مسحّ إِذا مَا السابحات على الونا ... أثرن غباراً بالكديد المركّل) (ضليع إِذا استدبرته سدّ فرجه ... بضاف فويق الأَرْض لَيْسَ بأعزل) (كأنّ سراته لَدَى الْبَيْت قَائِما ... مداك عروس أَو صلابة حنظل) (فعنّ لنا سرب كأنّ نعاجه ... عذارى دوار فِي ملاء مذيّل) (فأدبرن كالجزع المفصّل بَينه ... بجيد معمّ فِي الْعَشِيرَة مخول) (فألحقه بالهاديات ودونه ... جواحرها فِي صرّة لم تزيّل) (فعادى عداء بَين ثَوْر ونعجة ... دراكاً وَلم ينضح بِمَاء فَيغسل) (فظلّ طهاة اللَّحْم مَا بَين منضج ... صفيف شواء أَو قدير معجّل) (فرحنا يكَاد الطّرف يقصر دونه ... مَتى مَا ترقّ الْعين فِيهِ تسّهل) (فَبَاتَ عَلَيْهِ سَرْجه ولجامه ... وَبَات بعيني قَائِما يغر مُرْسل) قَوْله: وَقد أغتدي الخ تقدم شَرحه قَرِيبا. وَقَوله: مكرّ مفرّ الخ بِكَسْر أَولهمَا وَفتح ثَانِيهمَا وهما بِالْجَرِّ صفتان لقَوْله منجرد وَكَذَلِكَ مقبل ومدبر صفتان لَهُ لكنهما اسْما فَاعل بِضَم أَولهمَا. قَالَ صَاحب الْقَامُوس: كرّ عَلَيْهِ: عطف وَعنهُ: رَجَعَ فَهُوَ كرّار ومكرّ بِكَسْر الْمِيم. وَقَالَ

الزوزني: مفعل يتَضَمَّن مُبَالغَة كَقَوْلِهِم: فلَان مسعر حَرْب. وَإِنَّمَا جَعَلُوهُ متضمناً مُبَالغَة لِأَن مفعلاً يكون من أَسمَاء الأدوات كَأَنَّهُ أَدَاة للكرّ والفرّ وَآلَة لتسعّر الْحَرْب والجلمود بِالضَّمِّ: الصَّخْرَة الملساء. وعل: بِمَعْنى فَوق وَاسْتشْهدَ بِهِ سِيبَوَيْهٍ وَصَاحب مُغنِي اللبيب على أَنه بِمَعْنَاهُ وَأَن قَالَ ابْن رَشِيق فِي بَاب الاتساع من الْعُمْدَة: إِن الشَّاعِر يَقُول بَيْتا يَتَّسِع فِيهِ التَّأْوِيل فَيَأْتِي كل وَاحِد بِمَعْنى وَإِنَّمَا يَقع ذَلِك لاحْتِمَال اللَّفْظ وقوته واتساع الْمَعْنى من ذَلِك قَول امْرِئ الْقَيْس: مكرّ مفرّ مقبل مُدبر مَعًا فَإِنَّمَا أَرَادَ أَنه يصلح للكرّ والفرّ وَيحسن مُقبلا ومدبراً. ثمَّ قَالَ: مَعًا أَي: جَمِيع ذَلِك فِيهِ.) وشبّهه فِي سرعته وشدّة جريه بجلمود حطّه السَّيْل من أَعلَى الْجَبَل وَإِذا انحط من عل كَانَ شَدِيد السرعة فَكيف إِذا أعانته قُوَّة السَّيْل من وَرَائه وَذهب قوم مِنْهُم عبد الْكَرِيم إِلَى أَن معنى قَوْله: كجلمود صَخْر الخ إِنَّمَا هُوَ الصلابة لِأَن الصخر عِنْدهم كلما كَانَ أظهر للشمس وَالرِّيح كَانَ أَصْلَب. وَقَالَ بعض من فسّره من الْمُحدثين: غنما أَرَادَ الإفراط: فرزعم أَنه يرى مُقبلا مُدبرا فِي حَال وَاحِدَة عِنْد الْكر والفر لشدّة سرعته وَاعْترض على نَفسه فاحتج بِمَا يُوجد عيَانًا فمثّله بالجلمود المنحدر من قنّة الْجَبَل: فَإنَّك ترى ظَهره فِي النّصبة على الْحَال الَّتِي ترى فِيهَا بَطْنه وَهُوَ مقبل إِلَيْك. . ولعلّ هَذَا مَا مرّ قطّ ببال امْرِئ الْقَيْس وَلَا خطر فِي وهمه وَلَا وَقع فِي خلده وَلَا روعه انْتهى. وَحَاصِل هَذَا وَصفه بلين الرَّأْس وَسُرْعَة الانحراف فِي صدر الْبَيْت

وَشدَّة الْعَدو لكَونه قَالَ فِي صدر الْبَيْت: إِنَّه حسن الصُّورَة كَامِل النصبة فِي حالتي إقباله وإدباره وكرّه وفرّه ثمَّ شبّهه فِي عجز الْبَيْت بجلمود صَخْر حطّه السَّيْل من الْعُلُوّ لشدَّة الْعَدو فَهُوَ فِي الْحَالة الَّتِي ترى يها لببه ترى فِيهَا كفله. وَبِالْعَكْسِ. وَقَوله: كميت يزلّ اللبد الخ الْكُمَيْت: الَّذِي عرفه وذنبه أسودان وَهُوَ مجرور صفة منجرد. وَالْحَال: مقْعد الْفَارِس من ظهر الْفرس. والمتن: مَا اتَّصل بِالظّهْرِ من الْعَجز. والصفواء: الصَّخْرَة الملساء الَّتِي لَا يثبت فِيهَا شَيْء. والمتنزل اسْم فَاعل: الطَّائِر الَّذِي يتنزّل على الصَّخْرَة وَقيل: هُوَ السَّيْل لِأَنَّهُ يتنزل الْأَشْيَاء وَقيل: هُوَ الْمَطَر. وَالْبَاء للتعدية. يَقُول: هَذَا الْكُمَيْت يزلّ لبده عَن حَال مَتنه لانملاس ظَهره واكتناز لَحْمه وهما يحمدان من الْفرس كَمَا يزلّ الْحجر الأملس النَّازِل عَلَيْهِ فَلَا يثبت عَلَيْهِ شَيْء. وَقَوله: على الذب جيّاش الخ الذبل: الضمور. والجيّاش: الْفرس الَّذِي يَجِيش فِي عدوه كَمَا تجيش الْقدر فِي غليانها. واهتزامه: صَوته. وحميه: غليه. والمرجل بِكَسْر الْمِيم: كل قدر من حَدِيد أَو حجر أَو نُحَاس أَو خزف أَو غَيره. يَقُول: تغلي حرارة نشاطه على ذبول خلقه وضمر بَطْنه وَكَأن تكسّر صهيله فِي صَدره غليان قدر. جعله ذكي الْقلب نشيطاً فِي الْعَدو مَعَ ضمره ثمَّ شبّه تكسّر صهيله فِي صَدره بغليان الْقدر.

وَرُوِيَ على الْعقب جيّاش. والعقب بِفَتْح فَسُكُون: جري بعد جري وَقيل: مَعْنَاهُ إِذا حرّكته) بعقبك جاش وَلم تحتج إِلَى السَّوْط فَإِذا كَانَ آخر عدوه على هَذِه الْحَالة فَمَا ظَنك بأوله وجيّاش بِالْجَرِّ صفة منجرد. وَقَوله: يزلّ الْغُلَام الخفّ الخ يزلّ: يزلق. والخفّ بِكَسْر الْمُعْجَمَة: الْخَفِيف وَسمع أَبُو عُبَيْدَة فتحهَا. والصهوة: مَوضِع اللبد وَهُوَ مقْعد الْفَارِس. وَجَمعهَا بِمَا حولهَا. ويلوي بِالضَّمِّ أَي: يذهبها ويبعدها. والعنيف: من لَيْسَ لَهُ رفق. والمثقّل: الثقيل. قَالَ بَعضهم: إِذا كَانَ رَاكب الْفرس خَفِيفا رمى بِهِ وَإِن كَانَ ثقيلاً رمى بثيابه. والجيد أَن المعني بأثواب العنيف نَفسه لِأَنَّهُ غير حاذق بركوبه. وَقيل: مَعْنَاهُ أَنه إِذا رَكبه العنيف لم يَتَمَالَك أَن يصلح ثِيَابه وَإِذا رَكبه الْغُلَام الخفّ زلّ عَنهُ لسرعته ونشاطه وَإِنَّمَا يصلح لَهُ من يداريه. وَقَوله: درير كخذروف الْوَلِيد الخ درير: مستدرّ فِي الْعَدو. ويصف سرعَة جريه. والخذروف بِالضَّمِّ: الخرّارة الَّتِي يلْعَب بهَا الصّبيان يسمع لَهَا صَوت. وأمرّه: احكم فتله. يَقُول: هُوَ يدرّ الجري أَي: يديمه ويواصله ويسرع فِيهِ إسراع خذروف الصَّبِي إِذا أحكم فتل خيطه وَتَتَابَعَتْ كفّاه

فِي فتله وإدارته بخيط انْقَطع ثمَّ وصل. وَذَلِكَ أشدّ لدورانه لانملاسه. وَقَوله: أيطلا ظَبْي الخ الأيطل: الخاصرة. وَإِنَّمَا شبهه بأيطل الظبي لِأَنَّهُ طاو. وَقَالَ: ساقا نعَامَة والنعامة قَصِيرَة السَّاقَيْن صلبتهمت وَهِي غَلِيظَة ظمياء لَيست برهلة. وَيسْتَحب من الْفرس قصرالساق لِأَنَّهُ أشدّ لرميها لوظيفها. وَيسْتَحب مِنْهُ مَعَ قصر السَّاق طول وظيف الرجل وَطول الذِّرَاع لِأَنَّهُ أشدّ لدحوه أَي: لرميه بهَا. والإرخاء: جري لَيْسَ بالشديد. وَفرس مرخاء. وَلَيْسَ دابّة أحسن إرخاء من الذِّئْب. والسرحان: الذِّئْب. والتقريب: أَن يرفع يَدَيْهِ مَعًا ويضعهما مَعًا. والتتفل: بِضَم التَّاء الأولى وَفتحهَا مَعَ الْفَاء: ولد الثَّعْلَب وَهُوَ احسن الدَّوَابّ تَقْرِيبًا. وَقَوله: مسحّ إِذا مَا السابحات الخ الْمسْح بِكَسْر الْمِيم: الْفرس الَّذِي كَأَنَّهُ يصبّ الجري صبّاً. والسابحات: اللواتي عدوهنّ سباحة. والسباحة فِي الجري: أَن تدحو بأيديها دحواً أَي: تبسطها. والونا بِفَتْح الْوَاو وَالنُّون يمدّ وَيقصر: الفتور. والكديد بِفَتْح الْكَاف: الْموضع الغليظ. والمركّل اسْم مفعول: الَّذِي يركّل بالأرجل. يَقُول: إِن الْخَيل السريعة إِذا فترت فأثارت الْغُبَار بأرجلها من التَّعَب جرى هَذَا الْفرس جَريا سهلاً كَمَا يسحّ السَّحَاب الْمَطَر. وعَلى تتَعَلَّق بأثرن وَكَذَلِكَ الْبَاء.) وَقَوله: ضليع إِذا استدبرته الخ الضليع: الْعَظِيم الأضلاع المنتفخ الجنبين ضلع يضلع ضلاعة. والاستدبار: النّظر إِلَى دبر الشَّيْء. والفرج هُنَا: مَا بَين الرجلَيْن. والضافي: السابغ. والأعزل: المائل النب. وَيكرهُ

من الْفرس أَن يكون أعزل ذَنبه إِلَى جَانب وَأَن يكون قصير الذَّنب وَأَن يكون طَويلا يطَأ عَلَيْهِ. وَيسْتَحب أَن يكون سابغاً قصير العسيب. وَقَوله: كَأَن سراته لَدَى الْبَيْت الخ السراة بِالْفَتْح: الظّهْر. والمداك بِالْفَتْح الْحجر الَّذِي يسحق بِهِ والمدوك بِالْكَسْرِ: الْحجر الَّذِي يسحق عَلَيْهِ من الدوك وَهُوَ السحق والطحن. والصلابة بِالْفَتْح: الْحجر الأملس الَّذِي يسحق عَلَيْهِ شَيْء. يَقُول: إِذا كَانَ قَائِما عِنْد الْبَيْت غير مسرج رَأَيْت ظَهره أملس فَكَأَنَّهُ مداك عروس: فِي صفائها وانملاسها. وَإِنَّمَا قيّد المداك بالعروس لِأَنَّهُ قريب الْعَهْد بالطيب. وقيّد الصلابة بالحنظل لِأَن حبّ الحنظل يخرج دهنه فيبرق على الصلابة. وَرَوَاهُ العسكري فِي التَّصْحِيف صراية قَالَ: وَمِمَّا يرْوى على وَجْهَيْن مداك عروس أَو صراية حنظل: رِوَايَة الْأَصْمَعِي صراية بالصَّاد مَفْتُوحَة غير مُعْجمَة وَتَحْت الْيَاء نقطتان وَهِي الحنظلة الخضراء وَقيل: هِيَ الَّتِي اصفرّت لِأَنَّهَا إِذا اصفرّت برقتْ وَهِي قبل أَن تصفرّ مغبرّة. قَالَ: وَمثله: (إِذا أَعرَضت قلت دبّاءة ... من الْخضر مغموسة فِي الْغدر) أَي: من بريقها كَأَنَّهَا قرعَة. قَالَ الشَّاعِر: وَرَوَاهُ أَبُو عُبَيْدَة صراية بِكَسْر الصَّاد وَقَالَ: هُوَ المَاء الَّذِي ينقع فِيهِ الحنظل وَيُقَال: صرى يصري صرياً وصراية وَهُوَ أَخْضَر صَاف. وَرَوَاهُ بَعضهم صرابة حنظل بباء تحتهَا نقطة وَاحِدَة. فَمن قَالَ هَذَا أَرَادَ الملوسة والصفاء. يُقَال: اصرأبّ الشَّيْء أَي: املاسّ. انْتهى.

وَقَوله: كَأَن دِمَاء الهاديات بنحره الخ الهاديات: المتقدمات والأوائل. وَيُرِيد بعصارة الْحِنَّاء مَا بَقِي من الْأَثر. والمرجّل بِالْجِيم: المسرّح والترجيل: التسريح. يَقُول: إِنَّه يلْحق أوّل الْوَحْش فَإِذا لحق أوّلها علم أَنه قد أحرز آخرهَا وَإِذا لحقها طَعنهَا فتصيب دماؤها نَحره. وَقَوله: فعنّ لنا سرب الخ عنّ: عرض وَظهر. والسرب بِالْكَسْرِ: القطيع من الْبَقر والظباء وَالنِّسَاء. والنعاج: جمع نعجة وَهِي الْأُنْثَى من بقر الْوَحْش وَمن الضَّأْن. ودوار بِالْفَتْح: صنم كَانُوا يدورون حوله أسابيع كَمَا يُطَاف بِالْبَيْتِ الْحَرَام.) والملاء بِضَم الْمِيم: جمع ملاءة وَهِي الملحفة. والمذيّل: السابغ وَقيل: مَعْنَاهُ لَهُ هدب وَقيل: إِن مَعْنَاهُ لَهُ ذيل أسود. وَهُوَ أشبه بِالْمَعْنَى لِأَنَّهُ يصف بقر الْوَحْش وَهِي بيض الظُّهُور سود القوائم. يَقُول: إِن هَذَا القطيع من الْبَقر يلوذ بِبَعْضِه ويدور كَمَا تَدور العذارى حول دوار. وَهُوَ نسك كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّة يدورون حوله. وَقَالَ العسكري فِي التَّصْحِيف: يرْوى دوار بدال مَضْمُومَة ودوار بدال مَفْتُوحَة وَاو مُخَفّفَة. وَهُوَ نسك كَانَ لَهُم فِي الْجَاهِلِيَّة يدار حوله. ودوّار فِي غير هَذَا بفتحه الدَّال وَتَشْديد الْوَاو سجن فياليمامة. ودوّار مضموم الدَّال مثقّل الْوَاو: مَوضِع انْتهى. وَقَالَ الزوزني: المذيّل: الَّذِي أطيل ذيله وأرخي. يَقُول: تعرّض لنا قطيع من بقر الْوَحْش كَأَن إناثه عذارى يطفن حول حجر مَنْصُوب يُطَاف حوله فِي ملاء طَوِيلَة الذيل. شبّه الْبَقر فِي بَيَاض ألوانها بالعذارى لِأَنَّهُنَّ مصونات بالخدور لَا يُغير ألوانهن حرّ الشَّمْس وَغَيره وشبّه

طول أذنابها وسبوغ شعرهَا بالملاء المدذيّل. وشبذه حسن مشيها بِحسن تبختر العذارى فِي مشيهنّ. وَقَوله: فأدبرن كالجزع المفصّل الخ الْجزع بِالْفَتْح: الخرز وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة بِالْكَسْرِ وَهُوَ الخرز الَّذِي فِيهِ سَواد وَبَيَاض. وبجيد أَي: فِي جيد وَهُوَ الْعُنُق وَمعنى معمّ مخول أَي لَهُ أعمام وأخوال وهم فِي عشيرة وَاحِدَة كَأَنَّهُ قَالَ: كريمالأبوين. وَإِذا كَانَ كَذَلِك كَانَ خرزه أصفى وَأحسن. يصف أَن هَذِه الْبَقر من الْوَحْش تفرّقت كالجزع أَي: كانها قلادة فِيهَا خرز قد فصّل بَينه بالخرز وَجعلت القلادة فِي عنق صبيّ كريم الْأَعْمَام والأخوال. شبّه بقر الْوَحْش بالخرز الْيَمَانِيّ لِأَنَّهُ يسود طرفاه وسائره أَبيض وَكَذَلِكَ بقر الْوَحْش يسودّ أكارعها وخدودها وسائرها أَبيض. شَرط كَونه جيد معمّ مخول لِأَن جَوَاهِر قلادة مثل هذاالصبي أعظم من جَوَاهِر قلادة غَيره. وَقَوله: فألحقه بالهاديات تقدم شَرحه. وَقَوله: فعادى عداء بَين ثَوْر ونعجة الخ عادى: والى بَين اثْنَيْنِ فِي طلق وَلم يعرق أَي: أدْرك صَيْده قبل أَن يعرق. وَقَوله: فَيغسل: أَي: لم يعرق فَيصير كَأَنَّهُ قد غسل بِالْمَاءِ. ودراكاً بِمَعْنى مداركة فِي مَوضِع الْحَال. وَلم يرد ثوراً ونعجة فَقَط وَإِنَّمَا أَرَادَ الْكثير وَالدَّلِيل عَلَيْهِ قَوْله دراكاً وَلَو أرادهما فَقَط لاستغنى عَنهُ بعاذى. وَفِيه مُبَالغَة لَا تخفى. وَقَوله: فظلّ طهاة اللَّحْم الخ هُوَ جمع طاه وَهُوَ الطباخ. والصفيف: الَّذِي قد صفّف مرقّقاً) على الْجَمْر وَهُوَ شواء الْأَعْرَاب. والقدير: مَا طبخ

فِي قدر. وَوصف بمعجّل لأَنهم كَانُوا يستحسنون تَعْجِيل مَا كَانَ من الصَّيْد يستطرفونه. يَقُول: ظلّ المنضجون اللَّحْم وَهُوَ صنفان: صنف ينضجون شوائً مصفوفاً على الْحِجَارَة فِي النَّار والجمر وصنف يطبخون اللَّحْم فِي الْقدر. يَقُول: كثر الصَّيْد فأخصب الْقَوْم فطبخوا واشتووا. وَمن للتفصيل وَالتَّفْسِير نحوهم من بَين عَالم أَو زاهد يُرِيد أَنهم لَا يعدون الصِّنْفَيْنِ. وصفيف: منصوببمنضج وَهُوَ اسْم فَاعل. وقدير: مجرور بِتَقْدِير مُضَاف مَعْطُوف على منضج وَالتَّقْدِير: أَو طابخ قدير أَو لَا تَقْدِير لكنه مَعْطُوف على صفيف وخفض على الْجوَار أَو على توهم أَن الصفيف مجرور بِالْإِضَافَة وَعند البغداديين هُوَ مَعْطُوف على صفيف من قبيل الْعَطف على المحلّ وَلَا يشترطون أَن يكون المحلّ وَقَوله: ورحنا يكَاد الطّرف الخ يَقُول: إِذا نظرت الْعين إِلَى هَذَا الْفرس أَطَالَت النّظر إِلَى مَا ينظر مِنْهُ لحسنه فَلَا تكَاد الْعين تستوفي النّظر إِلَى جَمِيعه. وَيحْتَمل أَن يكون مَعْنَاهُ: أَنه إِذا نظرت إِلَى هَذَا الْفرس لم تدم النّظر إِلَيْهِ لِئَلَّا يصاب بِالْعينِ لحسنه. وَقَوله: مَتى مَا ترقّ الخ أَي: مَتى نظرت إِلَى أَعْلَاهُ نظرت إِلَى أَسْفَله لكماله ليستتم النّظر إِلَى جَمِيع جسده. أَصلهمَا تترقّ وتتسهّل بتاءين وجزما على أنّ الأوّل فعل الشَّرْط وَالثَّانِي جَوَابه. وَمَا زَائِدَة وَرُوِيَ: ورحنا وَرَاح الطّرف ينفض رَأسه والطرف بِالْكَسْرِ: الْكَرِيم الطَّرفَيْنِ. وينفض رَأسه من المرح والنشاط.

وَقَوله: فَبَاتَ عَلَيْهِ سَرْجه فِي بَات ضمير الْكُمَيْت وَجُمْلَة عَلَيْهِ سَرْجه خبر بَات وَبَات الثَّانِي مَعْطُوف على الأول وبعيني خَبره أَي: بِحَيْثُ أرَاهُ وَقَائِمًا حَال وَغير مُرْسل أَي: غير مهمل. وَمَعْنَاهُ: أَنه لما جِيءَ بِهِ من الصَّيْد لم يرفع عَنهُ سَرْجه وَهُوَ عرق وَلم يقْلع لجامه فيعتلف على التَّعَب فيؤذيه ذَلِك. وَيجوز أَن يكون معنى فَبَاتَ عَلَيْهِ سَرْجه الخ أَنهم مسافرون كانه أَرَادَ الغدوّ فَكَانَ معدّاً لذَلِك. وَالله أعلم. وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد الرَّابِع بعد الْمِائَتَيْنِ (وغنّ امْرأ أسرى إِلَيْك ودونه ... من الأَرْض موماة وبيداء سملق) لما تقدّم قبله: فَإِن جملَة قَوْله: ودونه من الأَرْض موماة من الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر حَال لَا الظّرْف وَحده كَمَا بَيناهُ. وَصَاحب الْحَال الْفَاعِل الْمُسْتَتر فِي قَوْله أسرى الْعَائِد إِلَى امْرِئ. وَأسرى: بِمَعْنى سرى قَالَ فِي الصِّحَاح: وسريت سرى ومسرىً وأسريت بِمَعْنى: إِذا سرت لَيْلًا. وبالألف لُغَة أهل الْحجاز وَجَاء الْقُرْآن بهما جَمِيعًا. وَالْكَاف من إِلَيْك مَكْسُورَة لِأَنَّهُ خطاب مَعَ نَاقَته. وَدون هُنَا بِمَعْنى أَمَام وقدّام. والموماة بِالْفَتْح: الأَرْض الَّتِي لَا مَاء فِيهَا وَفِي الْقَامُوس: الموماء والموماة: الفلاة وَالْجمع

الموامي. وَأَشَارَ إِلَى أَنَّهَا فوعلة: لِأَنَّهُ ذكرهَا فِي المعتلّ الآخر بِالْوَاو. والبيداء: القفر فعلاء من باد يبيد: إِذا هلك. والسملق: الأَرْض المستوية. وبيداء مَعْطُوف على موماة وسملق صفته. وَجُمْلَة أسرى إِلَيْك صفة امْرِئ. وَخبر إِن المحقوقة فِي بَيت بعده وَهُوَ: (لمحقوقة أَن تستجيبي لصوته ... وَأَن تعلمي أَن المعان موفّق) وَقد أنْشد الْمُحَقق الشَّارِح هذَيْن الْبَيْتَيْنِ فِي بَاب الضَّمِير على أَن الْكُوفِيّين استدلوا بِهَذَا على أَنه يجوز ترك التَّأْكِيد بالمنفصل فِي الصّفة الْجَارِيَة على غير من هِيَ لَهُ عِنْد امن اللّبْس وَالْأَصْل لمحقوقة أَنْت. وَهَذِه مَسْأَلَة خلافية بَين الْبَصرِيين والكوفيين يَأْتِي الْكَلَام فِيهَا إِن شَاءَ الله تَعَالَى فِي بَاب الضَّمِير. ومطلع هَذِه القصيدة: (أرقت وَمَا هَذَا السهاد المؤرّق ... وَمَا بِي من سقم وَمَا بِي معشق) قَالَ ابْن قُتَيْبَة فِي كتاب الشُّعَرَاء: سمع كسْرَى انوشروان يَوْمًا الْأَعْشَى يتَغَنَّى بِهَذَا الْبَيْت فَقَالَ: مَا يَقُول هَذَا العربيّ قَالُوا: يتَغَنَّى بِالْعَرَبِيَّةِ. قَالَ: فسّروا قَوْله. قَالُوا: زعم أَنه سهر من غيرمرض وَلَا عشق. قَالَ: فَهَذَا إِذا لصّ. وَبعد هَذَا المطلع بِأَبْيَات فِي وصف الْخمْرَة وَهُوَ من أَبْيَات الكشّاف وَالْقَاضِي: (تريك القذى من دونهَا وَهِي دونه ... إِذا ذاقها من ذاقها يتمطّق)

وَهَذَا وصف بديع فِي صفاء الْخمْرَة. والتمطّق: التذوّق. قَالَ ابْن قُتَيْبَة فِي كتاب الشُّعَرَاء: أَرَادَ أَنَّهَا من صفائها تريك القذاة عالية عَلَيْهَا والقذى فِي أَسْفَلهَا فَأَخذه الأخطل فَقَالَ: (وَلَقَد تباكرني على لذّاتها ... صهباء عالية القذى خرطوم)) اه وَسَيَأْتِي إِن شَاءَ الله عَزَّ وَجَلَّ بعض هَذِه القصيدة فِي بَاب الضَّمِير وَبَعضهَا فِي عوض من بَاب الظروف. وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد الْخَامِس بعد الْمِائَتَيْنِ كَمَا انتفض العصفور بلّله الْقطر هَذَا عجز وصدره: وَإِنِّي لتعروني لذكراك هزّة على ان الْأَخْفَش والكوفيين استدلوا بِهَذَا على أَنه لم تجب قد مَعَ الْمَاضِي الْمُثبت الْوَاقِع حَالا فَإِن جملَة بلّله الْقطر من الْفِعْل وَالْفَاعِل حَال من العصفور وَلَيْسَ مَعهَا قد لَا ظَاهِرَة وَلَا مقدرَة. وَهَذِه الْمَسْأَلَة أَيْضا خلافية: ذهب الْكُوفِيّين إِلَى أَن الْمَاضِي الْمُثبت

بِدُونِ قد يَقع حَالا بِدَلِيل قَوْله تَعَالَى: أَو جاؤكم حصرت صُدُورهمْ فحصرت حَال بِدَلِيل قِرَاءَة الْحسن الْبَصْرِيّ وَيَعْقُوب والمفضل عَن عَاصِم: أَو جاؤكم حصرةً صُدُورهمْ وَقَول أبي صَخْر الْهُذلِيّ: كَمَا انتفض العصفور بلّله الْقطر وَقَالَ البصريون: لَا يجوز وُقُوعه حَالا بِدُونِ قد لوَجْهَيْنِ: أَحدهمَا: انه لَا يجوز يدلّ على الْحَال وَالثَّانِي: أَنه إِنَّمَا يصلح أَن يوضع مَوضِع الْحَال مَا يصلح أَن يُقَال فِيهِ الْآن نَحْو: مَرَرْت بزيد يضْرب وَهَذَا لَا يصلح فِي الْمَاضِي وَلِهَذَا لم يجز مَا زَالَ زيد قَامَ لِأَن مَا زَالَ وَلَيْسَ يطلبان الْحَال وَقَامَ مَاض وَلَا يلْزم على كلامنا إِذا كَانَ مَعَ الْمَاضِي قد لن قد تقرّب الْمَاضِي من الْحَال. وَأما الْآيَة وَالْبَيْت فقد فيهمَا مقدرَة وَقَالَ بَعضهم: حصرت صفة لقوم الْمَجْرُور فِي أول الْآيَة وَهُوَ: إِلَّا الَّذين يصلونَ إِلَى قوم وَمَا بَينهمَا اعْتِرَاض وَيُؤَيِّدهُ أَنه قرئَ بِإِسْقَاط أَو. وعَلى ذَلِك يكون جاؤكم صفة لقوم وَيكون حصرت صفة ثَانِيَة. وَقيل: صفة لموصوف لمَحْذُوف أَي: قوما حصرت صُدُورهمْ. قَالَ صَاحب اللّبَاب: وَهَذَا مَذْهَب سِيبَوَيْهٍ وَهُوَ ضَعِيف لِأَنَّهُ إِذا قدّر الْمَوْصُوف يكون حَالا موطّئة وَصفَة الموطئة فِي حكم الْحَال فِي إِيجَاب تصدّرها بقد وَهُوَ يمْنَع حذف قد لَا سيّما والموصوف مَحْذُوف فّن الصّفة تكون فِي صُورَة الْحَال فالإتيان بقد يكون أولى.)

وَقَالَ المبرّد: جملَة حصرت إنشائية مَعْنَاهَا الدُّعَاء عَلَيْهِم فَهِيَ مستانفة. وردّ بِأَن الدُّعَاء عَلَيْهِم بِضيق قُلُوبهم عَن قتال قَومهمْ لَا يتجّه. وَقيل: حصرت بدل اشْتِمَال من جاؤكم لِأَن الْمَجِيء مُشْتَمل على الْحصْر. وَفِيه بعد لِأَن الْحصْر من صفة الجائين لَا من صفة الْمَجِيء. وَقد بسط ابْن الْأَنْبَارِي الْكَلَام على هَذِه الْمَسْأَلَة فِي كتاب الْإِنْصَاف فِي مسَائِل الْخلاف. وَاسْتشْهدَ ابْن هِشَام بِهَذَا الْبَيْت فِي شرح الألفيّة على أَن الْمَفْعُول لَهُ يجرّ بِاللَّامِ إِذا فقد بعذ شُرُوطه فَإِن قَوْله هُنَا لذكراك مفعول لَهُ جرّ بِاللَّامِ لِأَن فَاعله غير فَاعل الْفِعْل المعلّل. وَهُوَ قَوْله لتعروني فَإِن فَاعله هزة وفاعل ذكراك الْمُتَكَلّم فَإِنَّهُ مصدر مُضَاف لمفعوله وفاعله مَحْذُوف أَي: لذكري إياك. والهزة بِفَتْح الْهَاء: الْحَرَكَة يُقَال: هززت الشَّيْء: إِذا حركته وَأَرَادَ بهَا الرعدة. وَرُوِيَ بدلهَا رعدة. وروى القاليّ فِي أَمَالِيهِ فَتْرَة. وَسُئِلَ ابْن الْحَاجِب: هَل تصح رِوَايَة القاليّ فَأجَاب: يَسْتَقِيم ذَلِك على مَعْنيين: احدهما أَن يكون معنى لتعروني لترعدني أَي: تجْعَل عِنْدِي العرواء وَهِي الرعدة كَقَوْلِهِم: عري فلَان: إِذا أَصَابَهُ ذَلِك لِأَن الفتور الَّذِي هُوَ السّكُون عَن الإجلال والهيبة يحصل عَنهُ الرعدة غَالِبا عَادَة فَيصح نِسْبَة الإرعاد إِلَيْهِ فَيكون كَمَا انتفض مَنْصُوبًا انتصاب

قَوْلك: أخرجته كخروج زيد إِمَّا على معنى كإخراج زيد وَإِمَّا لتَضَمّنه معنى خرج غَالِبا فَكَأَنَّهُ قيل خرج فصحّ لذَلِك مثل خُرُوج زيد وَحسن ذَلِك تَنْبِيها على حُصُول المطاوع الَّذِي هُوَ الْمَقْصُود فِي مثل ذَلِك فَيكون أبلغ فِي الِاقْتِصَار على المطاوع إِذْ قد يحصل المطاوع دونه مثل أخرجته فَلَا يخرج. وَالثَّانِي: أَن يكون معنى لتعروني لتَأْتِيني وتأخذني فَتْرَة أَي: سُكُون للسرور الْحَاصِل من الذكرى وعبّر بهَا عَن النشاط لِأَنَّهَا تستلزمه غَالِبا تَسْمِيَة للمسبّب باسم السَّبَب كَأَنَّهُ قَالَ: ليأخذني نشاط كنشاط العصفور. فَيكون كَمَا انتفض إِمَّا مَنْصُوبًا نصب لَهُ صَوت صَوت حمَار وَله وَجْهَان: أَحدهمَا: أَن يكون التَّقْدِير يصوّت صَوت حمَار وَإِن لم يجز إِظْهَاره اسْتغْنَاء عَنهُ بِمَا تقدم. وَالثَّانِي: أَن يكون مَنْصُوبًا بِمَا تضمنته الْجُمْلَة من معنى يصوّت وَإِمَّا مَرْفُوعا صفة لفترة أَي: نشاط مثل نشاط العصفور. . وَهَذِه الْأَوْجه الثَّلَاثَة الْمَذْكُورَة فِي الْوَجْه الثَّانِي فِي إِعْرَاب كَمَا) انتفض تجْرِي على تَقْدِير رِوَايَة رعدة وهزّة. وروى الرمّاني عَن السكرِي عَن الْأَصْمَعِي: (إِذا ذكرت يرتاح قلبِي لذكرها ... كَمَا انتفض العصفور بلّله الْقطر) وَهَذَا ظَاهر. اه. وانتفض بِمَعْنى تحرّك يُقَال: نفضت الثَّوْب وَالشَّجر: إِذا حركته ليسقط مافيه. وبلّه يبلّه بلاًّ: إِذا ندّاه بِالْمَاءِ وَنَحْوه. والقطر: الْمَطَر. وَفِي شرح بديعيّة العميان لِابْنِ جَابر: أَن هَذَا الْبَيْت فِيهِ من البديع صَنْعَة الاحتباك وَهُوَ أَن يحذف من الأول مَا أثبت نَظِيره فِي الثَّانِي ويحذف

من الثَّانِي مَا أثبت نَظِيره فِي الأول فَإِن التَّقْدِير فِيهِ. وَإِنِّي لتعروني لذكراك هزة وانتفاضة كهزة العصفور وانتفاضته. فَحذف من الأول وَهَذَا الْبَيْت من قصيدة لأبي صَخْر الْهُذلِيّ. أورد بَعْضهَا أَبُو تَمام فِي بَاب النسيب من الحماسة وَكَذَلِكَ الْأَصْبَهَانِيّ بَعْضهَا فِي الأغاني وَرَوَاهَا تَمامًا أَبُو عليّ القالي فِي أَمَالِيهِ عَن ابْن الأنباريّ وَابْن دُرَيْد. وَهِي هَذِه: (لليلى بِذَات الْجَيْش دَار عرفتها ... وَأُخْرَى بِذَات الْبَين آياتها سطر) (كَأَنَّهُمَا ملآن لم يتغيرا ... وَقد مرّ للدارين من عهدنا عصر) (وقفت بربعيها فعيّ جوابهافقلتوعيني دمعها سرب همر ... أَلا أَيهَا الركب المخبّون هَل لكم) (فَقَالُوا: طوينا ذَاك لَيْلًا وَإِن يكن ... بِهِ بعض من تهوى فَمَا شعر السّفر) (أما وَالَّذِي أبكى وأضحك وَالَّذِي ... أمات وَأَحْيَا وَالَّذِي أمره الْأَمر) (لقد كنت آتيها وَفِي النَّفس هجرها ... بتاتاً لأخرى الدَّهْر مَا طلع الْفجْر) (فَمَا هُوَ إِلَّا أَن أَرَاهَا فجاءة ... فأبهت لَا عرف لديّ وَلَا نكر) (وأنسى الَّذِي قد كنت فِيهِ هجرتهَا ... كَمَا قد تنسّي لبّ شاربها الْخمر) (وَمَا تركت لي من شذىً أهتدي بِهِ ... وَلَا ضلع إِلَّا وَفِي عظمها كسر) (وَقد تَرَكتنِي أغبط الْوَحْش أَن أرى ... قرينين مِنْهَا لم يفزّعهما نفر)

. (مَخَافَة أَنِّي قد علمت لَئِن بدا ... لي الهجر مِنْهَا مَا على هجرها صَبر) (وَأَنِّي لَا أَدْرِي إِذا النَّفس أشرفت ... على هجرها مَا يبلغن بِي الهجر) (أَبى الْقلب إِلَّا حبها عامريةً ... لَهَا كنية عمر وَلَيْسَ لَهَا عَمْرو)) (تكَاد يَدي تندى إِذا مَا لمستها ... وينبت فِي أطرافها الْوَرق الْخضر) (وَإِنِّي لتعروني لذكراك فَتْرَة ... كَمَا انتفض العصفور بلله الْقطر) (تمنيت من حبي علية أننا ... على رمث فِي الْبَحْر لَيْسَ لنا وفر) (على دَائِم لَا يعبر الْفلك موجه ... وَمن دُوننَا الْأَعْدَاء واللجج الْخضر) (فنقضي هموم النَّفس فِي غير رَقَبَة ... ويغرق من نخشى نميمته الْبَحْر) (عجبت لسعي الدَّهْر بيني وَبَينهَا ... فَلَمَّا انْقَضى مَا بَيْننَا سكن الدَّهْر) (فيا حب ليلى قد بلغت بِي المدى ... وزدت على مَا لَيْسَ يبلغهُ الهجر) (وَيَا حبها زِدْنِي جوىً كل لَيْلَة ... وَيَا سلوة الْأَيَّام موعدك النَّضر) (هجرتك حَتَّى قيل: مَا يعرف الْهوى ... وزرتك حتي قيل: لَيْسَ لَهُ صَبر) (صدقت أَنا الصب الْمُصَاب الَّذِي بِهِ ... تباريح حب خامر الْقلب أَو سحر) (فيا حبذا الْأَحْيَاء مَا دمت حَيَّة ... وَيَا حبذا الْأَمْوَات مَا ضمك الْقَبْر) فَقَوله: ملآن أَصله من الْآن. وَقَوله: أما وَالَّذِي أبكى وأضحك

الخ هُوَ من أَبْيَات الْكَشَّاف وَمُغْنِي اللبيب أنْشدهُ فِي أما. وَقَوله: فَمَا هُوَ إِلَّا أَن أَرَاهَا فجاءة الخ هُوَ من أَبْيَات سِيبَوَيْهٍ وَيَأْتِي شَرحه إِن شَاءَ الله عَزَّ وَجَلَّ فِي نواصب الْفِعْل. وَقَوله: وَمَا تركت لي من شذى هُوَ بِفَتْح الشين والذال المعجمتين بِمَعْنى الشدَّة وَبَقِيَّة الْقُوَّة. والضلع بِكَسْر الضَّاد وَفتح اللَّام. وَقَوله: تمنيت من حبي علية أناا على رمث هُوَ بِفَتْح الرَّاء وَالْمِيم وبالثاء الْمُثَلَّثَة قَالَ القالي: أَعُود يضم بَعْضهَا إِلَى بعض كالطوف يركب عَلَيْهَا فِي الْبَحْر. وَقَوله: مَا أبرم السّلم النَّضر يُقَال: أبرم السّلم: إِذا خرجت برمتِهِ وَهِي ثَمَرَته. قَالَ فِي الصِّحَاح: الْبرم محركة: ثَمَر العضاه الْوَاحِدَة برمة وبرمة كل العضاه صفراء إِلَّا العرفط فَإِن برمتِهِ بَيْضَاء وبرمة السّلم أطيب الْبرم ريحًا. حكى الْأَصْبَهَانِيّ فِي الأغاني عَن أبي إِسْحَاق إِبْرَاهِيم الْموصِلِي قَالَ: دخلت على الْهَادِي فَقَالَ: غنني صَوتا وَلَك حكمك فغنيته: (وَإِنِّي لتعزوني لذكراك هزة ... كَمَا انتفض العصفور بلله الْقطر) فَقَالَ: أَحْسَنت وَالله وَضرب بِيَدِهِ إِلَى حبيب دراعته فشق مِنْهَا ذِرَاعا ثمَّ قَالَ: زِدْنِي فغنيته:

(هجرتك حَتَّى قيل: لَا يعرف الْهوى ... وزرتك حَتَّى قيل: لَيْسَ لَهُ صَبر)) (فيا حبها زِدْنِي جوىً كل لَيْلَة ... وَيَا سلوة الأحباب موعدك الْحَشْر) فَقَالَ: أَحْسَنت وشقّ بَاقِي درّاعته من شدَّة الطَّرب ثمَّ رفع رَأسه إليّ وَقَالَ: تمن واحتكم فَقلت: أَتَمَنَّى عين مَرْوَان بِالْمَدِينَةِ. قَالَ: فرأيته قد دارت عَيناهُ فِي رَأسه فخلتهما جمرتين ثمَّ قَالَ: يَا ابْن اللخناء اتريد أَن تشهرني بِهَذَا الْمجْلس وتجعلني سمراً وحديثاً يَقُول النَّاس أطربه فوهبه عين مَرْوَان. أما وَالله لَوْلَا بادرة جهلك الَّتِي غلبت على صِحَة عقلك لألحقتك بِمن غبر من اهلك. وأطرق إطراق الأفعوان فخلت ملك الْمَوْت بيني وَبَينه ينْتَظر أمره. ثمَّ رفع رَأسه وَطلب إِبْرَاهِيم بن ذكْوَان وَقَالَ: يَا إِبْرَاهِيم خُذ بيد هَذَا الْجَاهِل وَأدْخلهُ بَيت المَال فَإِن أَخذ جَمِيع مَا فِيهِ فَدَعْهُ وإياه قَالَ: فَدخلت وَأخذت من بَيت المَال خمسين ألف دِينَار. وأَبُو صَخْر الْهُذلِيّ هُوَ عبد الله بن سَالم السَّهْمِي الْهُذلِيّ شَاعِر إسلامي من شعراء الدولة الأموية. كَانَ متعصباً لبني مَرْوَان موالياً لَهُم وَله فِي عبد الْملك بن مَرْوَان وأخيه عبد الْعَزِيز مدائح كَثِيرَة. ولمّا ظهر عبد الله بن الزبير فِي الْحجاز وَغلب عَلَيْهَا بعد موت يزِيد بن مُعَاوِيَة وتشاغل بَنو أُميَّة فِي الْحَرْب بَينهم فِي مرج راهط وَغَيره دخل عَلَيْهِ أَبُو صَخْر الْهُذلِيّ فِي هُذَيْل ليقبضوا عطاءهم وَكَانَ عَارِفًا بهواه فِي بني أُميَّة فَمَنعه عطاءه فَقَالَ: تمنعني حَقًا لي وَأَنا امْرُؤ مُسلم مَا أحدثت فِي الْإِسْلَام حَدثا وَلَا أخرجت من طَاعَة يدا قَالَ: عَلَيْك ببني أُميَّة اطلب مِنْهُم عطاءك قَالَ: إِذا أجدهم سبطة أكفهم سَمْحَة أنفسهم بذلاً لأموالهم وهّابين لمجتديهم كَرِيمَة

أعراقهم شريفة أصولهم زاكية فروعهم قَرِيبا من رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ نسبهم وسببهم لَيْسُوا إِذا نسبوا بأذناب وَلَا وشائظ وَلَا أَتبَاع وَلَا هم فِي قُرَيْش كفقعة القاع لَهُم السودد فِي الْجَاهِلِيَّة وَالْملك فِي الْإِسْلَام لَا كمن لَا يعدّ فِي عيرها وَلَا نفيرها وَلَا حكم آباؤه فِي نقيرها وقطميرها لَيْسَ من أحلافها المطيّبين وَلَا من ساداتها المطعمين وَلَا من هاشمها المنتخبين وَلَا عبد شمسها المسوّدين وَكَيف تقاس الأرؤس بالأذناب وَأَيْنَ النصل من الجفن وَأَيْنَ السنان من الزجّ والذنابى من القدامى وَكَيف يفضل الشحيح على الْجواد والسوقة على الْمُلُوك والجائع بخلا على الْمطعم فضلا فَغَضب بن الزبير حَتَّى ارتعدت فرائصه وعرق جَبينه واهتز من قرنه إِلَى قدمه وامتقع لَونه ثمَّ قَالَ لَهُ: يَا ابْن البوّالة على عقبيها يَا جلف يَا جَاهِل أما وَالله لَوْلَا الحرمات الثَّلَاث: حُرْمَة الْإِسْلَام وَحُرْمَة الشَّهْر الْحَرَام وَحُرْمَة الْحرم لأخذت الَّذِي فِيهِ عَيْنَاك ثمَّ أَمر بِهِ إِلَى سجن عَارِم فحبس فِيهِ مدّة ثمَّ استوهبته هُذَيْل وَمن) لَهُ فِي قُرَيْش خؤولة فَأَطْلقهُ بعد سنة وَأقسم أَن لَا يُعْطِيهِ عَطاء مَعَ الْمُسلمين أبدا. فَلَمَّا كَانَ عَام الْجَمَاعَة وَولي عبد الْملك

بن مَرْوَان وحجّ لقِيه أَبُو صَخْر فقرّبه وَأَدْنَاهُ وَقَالَ لَهُ: إِنَّه لم يخف عليّ خبرك مَعَ الملحد وَلَا ضَاعَ لديّ هَوَاك وَلَا موالاتك. فَقَالَ: إِذا شفى الله مِنْهُ نَفسِي ورأيته قَتِيل سَيْفك وصريع أوليائك مصلوباً مهتوك السّتْر مفرّق الْجمع فَمَا أُبَالِي مَا فَاتَنِي من الدُّنْيَا ثمَّ استأذنه فِي مديح فأنشده قصيدة وَأمر لَهُ عبد الْملك بِمَا فَاتَهُ من الْعَطاء وَمثله من مَاله وَحمله وكساه. كَذَا فِي الأغاني. وَأنْشد بعده: (يَقُول وَقد ترّ الوظيف وساقها ... أَلَسْت ترى أَن قد أتيت بمؤيد) تقدم شَرحه فِي الشَّاهِد الرَّابِع والثمانين بعد الْمِائَة. وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد السَّادِس بعد المائنين وَهُوَ من شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ: (أَفِي السّلم أعياراً جفَاء وغلظة ... وَفِي الْحَرْب أشباه النِّسَاء العوارك) على أَن أعياراً وَأَشْبَاه النِّسَاء منصوبان على الْحَال عِنْد السيرافي وَمن تبعه وعَلى الْمصدر عِنْد سِيبَوَيْهٍ. قَالَ السُّهيْلي فِي الرَّوْض الْأنف: هَذَا الْبَيْت لهِنْد بنت عتبَة قالته

لفلّ قُرَيْش حِين رجعُوا من بدر. يُقَال: عركت الْمَرْأَة: إِذا حَاضَت. وَنصب أعياراً على الْحَال وَالْعَامِل فِيهِ مختزل لِأَنَّهُ أَقَامَ الأعيار مقَام اسْم مُشْتَقّ فَكَأَنَّهُ قَالَ: فِي السّلم بلداء جُفَاة مثل الأعيار. وَنصب جفَاء وغلظة نصب الْمصدر الْمَوْضُوع مَوضِع الْحَال كَمَا تَقول: زيد الْأسد شدّة أَي: يماثله مماثلة شَدِيدَة فالشدة صفة للمماثلة كَمَا أَن المشافهة صفة للمكالمة إِذا قلت: كلّمته مشافهة فَهَذِهِ حَال من الْمصدر فِي الْحَقِيقَة. وتعلّق حرف الجرّ من قَوْلهَا أَفِي السّلم بِمَا أدّته الأعيار من معنى الْفِعْل فَكَأَنَّهَا قَالَت: أَفِي السّلم تتبلدون. وَهَذَا الْفِعْل المختزل الناصب للأعيار وَلَا يجوز إِظْهَاره اه. وَزعم الْعَيْنِيّ أَن قَوْله: جفَاء مَنْصُوب على التَّعْلِيل أَي: لأجل الْجفَاء والغلظة. وَلَا يخفى سُقُوطه. والهمزة لللاستفهام التوبيخي. وَالسّلم بِكَسْر السِّين وَفتحهَا: الصُّلْح يذكّر وَيُؤَنث. والأعيار: جمع عير بِالْفَتْح: الْحمار أهلياً كَانَ ام وحشياً وَهُوَ مثل فِي البلادة وَالْجهل. والجفار) قَالَ فِي الْمِصْبَاح: وجفا الثَّوْب يجفو: إِذا غلظ فَهُوَ جَاف وَمِنْه جفَاء البدو وَهُوَ غلظتهم وفظاظتهم. والغلظة بِالْكَسْرِ: الشدذة وضد اللين والسلاسة. وَرُوِيَ أَمْثَال بدل قَوْله أشباه. والعوارك: جمع عارك وَهِي الْحَائِض من عركت الْمَرْأَة تعرك كنصر ينصر عروكاً أَي: حَاضَت. وبّختهم وَقَالَت لَهُم: أتجفون النَّاس وتغلظون عَلَيْهِم فِي السّلم فَإِذا أَقبلت الْحَرْب لنتم وضعفتم كالنساء الْحيض حرّضت الْمُشْركين بِهَذَا الْبَيْت على الْمُسلمين. والفلّ بِفَتْح الْفَاء: الْقَوْم المنهزمون. وَهِنْد بنت عتبَة بن ربيعَة بن عبد شمس بن عبد منَاف القرشية العبشمية وَالِدَة مُعَاوِيَة بن ابي سُفْيَان اخبارها قبل الْإِسْلَام مَشْهُورَة. وَشهِدت أحدا وَفعلت مَا فعلت بِحَمْزَة ثمَّ كَانَت تؤلّب وتحرض على الْمُسلمين إِلَى أَن جَاءَ

الله بِالْفَتْح فَأسلم زَوجهَا ثمَّ أسلمت هِيَ يَوْم الْفَتْح. كَذَا فِي الْإِصَابَة لِابْنِ حجر. وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد السَّابِع بعد الْمِائَتَيْنِ وَهُوَ من شَوَاهِد س: (أَنا ابْن دارة مَشْهُورا بهَا نسبي ... وَهل بدارة يَا للنَّاس من عَار) على أَن قَوْله مَشْهُورا حَال مُؤَكدَة لمضمون الْخَبَر. ومضمونه هُنَا الْفَخر وَرُوِيَ: أَنا ابْن دارة مَعْرُوفا بهَا نسبي. وَقَوله: نسبي نَائِب الْفَاعِل لقَوْله مَشْهُورا. وَالْبَاء من بهَا مُتَعَلقَة بِهِ للا نَائِب الْفَاعِل كَمَا وهم الْعَيْنِيّ. وَهَذِه الْحَال سَبَبِيَّة. وَهل للاستفهام الانكاري. وَمن زَائِدَة وعار مُبْتَدأ من رَفعه حَرَكَة حرف الْجَرّ الزَّائِد. وبدارة خَبره. وَيَا للنَّاس اعْتِرَاض بَين الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر. وَيَا للنداء لَا للتّنْبِيه ولناس منادى لَا ان المنادى مَحْذُوف تَقْدِيره: قومِي. وَاللَّام للاستغاثة وَهِي تدخل ودارة اسْم أمّ الشَّاعِر وَهُوَ سَالم بن دارة قَالَ ابْن قُتَيْبَة:

وَهِي من بني أَسد وَسميت بذلك لِأَنَّهَا شبهت بدارة الْقَمَر من جمَالهَا. وَقَالَ الْحلْوانِي فِي كتاب أَسمَاء الشُّعَرَاء المنسوبين إِلَى أمهاتهم: دارة لقب بِأُمِّهِ وَاسْمهَا سيفاء كَانَت أخيذة أَصَابَهَا زيد الْخَيل من بعض غطفان منبني أَسد وَهِي حُبْلَى فَوَهَبَهَا زيد الْخَيل لزهير بن أبي سلمى. فَرُبمَا نسب سَالم بن دارة إِلَى زيد الْخَيل اه.) وَقَالَ أَبُو رياش فِي شرح الحماسة والأصبهاني فِي الأغاني: دارة لقب جدّه واسْمه يربع. وعَلى هَذَا قد رُوِيَ: أَنا ابْن دارة مَعْرُوفا بِهِ نسبي وَرُوِيَ أَيْضا: مَعْرُوفا لَهُ نسبي. وَهَذَا الْبَيْت من قصيدة طَوِيلَة لسالم بن دارة هجا بهَا زميل بن أبير أحد بني عبد الله بن منَاف الْفَزارِيّ مِنْهُ: (بلغ فَزَارَة إِنِّي لن أسالمها ... حَتَّى ينيك زميل أم دِينَار) (لاتأمنن فزارياً خلوت بِهِ ... بعد الَّذِي امتلّ أيّر العير فِي النَّار) (وغن خلوت بِهِ فِي الأَرْض وحدكما ... فاحفظ قلوصك واكتبها بأسيار) (أَنا ابْن دارة مَعْرُوفا لَهُ نسبي ... وَهل بدارة يَا للنَّاس من عَار) (جرثومة نَبتَت فِي الْعِزّ واعتزلت ... تبتغي الجراثيم من عرف وإنكار) (من جذم قيس وأخوالي بَنو أَسد ... من أكْرم النَّاس زندي فيهم واري) وأمّ دِينَار هِيَ أمّ زميل. وَقَوله: بعد الَّذِي امتلّ أيّر العيل الخ العير

(باب التمييز)

بِالْفَتْح: الْحمار. وامتلّ أير العير أَي: شوى أير الْحمار فِي الْملَّة وَهِي الرماد الْحَار. وَبَنُو فزارو يرْمونَ بِأَكْل أير الْحمار مشوياً. وَسَيَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى شرح هَذَا مُسْتَوفى فِي بَاب الْمثنى. والقلوص: النَّاقة الشَّابَّة. واكتبها: من كتب النَّاقة يَكْتُبهَا بِضَم التَّاء وَكسرهَا: ختم حياءها أَو خزمها بسير أَو حَلقَة حَدِيد لِئَلَّا ينزى عَلَيْهَا. والأسيار: جمع سير من الْجلد. وعار الجواعر أَي: بارز الأست والفقحة. والقسبار بِضَم الْقَاف: الذّكر الطَّوِيل الْعظم. وجرثومة الشَّيْء بِالضَّمِّ: أَصله. وتبغي: من الْبَغي يُقَال: بغى عَلَيْهِ بغياً: إِذا علا عَلَيْهِ واستطال فأصله تبغي على الجراثيم. وَالْعرْف بِالضَّمِّ: الْمَعْرُوف. والجذم بِالْكَسْرِ وَالْفَتْح: الأَصْل. وورى الزند: كرمى: خرج ناره وَيُقَال: ورت بك زنادي يُقَال: هَذَا فِي التمدح والافتخار. وَتقدم سَبَب هجوه لبني فَزَارَة وَسبب هَذِه القصيدة مَعَ تَرْجَمته فِي الشَّاهِد الْخَامِس بعد الْمِائَة. 3 - (بَاب التَّمْيِيز) أنْشد فِيهِ وَهُوَ الشَّاهِد التَّاسِع بعد الْمِائَتَيْنِ وستّوك قد كربت تكمل على أَن الْعدَد الَّذِي فِي آخِره النُّون يُضَاف إِلَى صَاحبه أَكثر من إِضَافَته إِلَى الْمُمَيز أَي: قرب أَن يكمل سِتُّونَ سنة من عمرك.

وَهَذَا المصراع من قصيدة للكميت بن زيد مدح بهَا عبد الرَّحْمَن بن عَنْبَسَة بن سعيد بن الْعَاصِ بن أُميَّة. وأولها: (أأبكاك بِالْعرْفِ الْمنزل ... وَمَا أَنْت والطلل المحول) (وَمَا أَنْت ويك ورسم الديار ... وستوك قد كربت تكمل) قَالَ الْأَصْبَهَانِيّ فِي الأغاني: كَانَ بَين بني أَسد وَبَين طَيئ حَرْب فَاصْطَلَحُوا وَبَقِي لِطَيِّئٍ دم رجلَيْنِ فَاحْتمل ذَلِك رجل من بني أَسد فَمَاتَ قبل أَن يوّفيه. فاحتمله الْكُمَيْت فأعانه فِيهِ عبد الرَّحْمَن بن عَنْبَسَة فمدحه الْكُمَيْت فأعانه فِيهِ عبد الرَّحْمَن بن عَنْبَسَة فمدحه الْكُمَيْت رَأَيْت الغواني وحشاً نفورا وأعانه زِيَاد بن الْمُغَفَّل الْأَسدي فمدحه بقصيدته الَّتِي أَولهَا: هَل للشباب الَّذِي قد فَاتَ من طلب ثمَّ جلس الْكُمَيْت وَقد خرج الْعَطاء. فَأقبل الرجل يُعْطي الْكُمَيْت الْمِائَتَيْنِ والثلثمائة وَأكْثر وأقلّ كَانَت دِيَة الْأَعرَابِي ألف بعير ودية الحضري عشرَة آلَاف دِرْهَم وَكَانَت قيمَة الْجمل عشرَة دَرَاهِم فأدّى الْكُمَيْت عشْرين ألفا عَن قيمَة ألفي بعير اه فَقَوله: أأبكاك يُخَاطب نَفسه ويقرره مستفهماً. وَالْعرْف بِضَم الْعين وَالرَّاء الْمُهْمَلَتَيْنِ: مَوضِع. والمنزل: فَاعل أبكاك قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ فِي كتاب

الْأَمْكِنَة والمياه. عَرَفَة الأملح وعرفة رقد وعرفة اعيار: مَوَاضِع تسمّى الْعرف. وَأنْشد بَيت الْكُمَيْت. وَفِي الْمُحكم لِابْنِ سَيّده: الْعرف بِضَمَّتَيْنِ مَوضِع وَقيل جبل. وَأنْشد الْبَيْت أَيْضا. وَكَذَا ضَبطه أَبُو عبيد البكريّ فِي مُعْجم مَا استعجم وَقَالَ: هُوَ مَاء لبني أَسد. وَأنْشد الْبَيْت وَقَالَ: ويخفّف بِسُكُون الرَّاء قَالَ عَبَّاس بن مرداس: (خفافيّة بطن العقيق مصيفها ... وتحتلّ فِي البادين وجرة والعرفا)) فدلّ قَول عَبَّاس أَن الْعرف بوادي بني خفاف اه. وَقَوله: وَمَا أَنْت الخ اسْتِفْهَام توبيخيّ يُنكر بكاءه وَهُوَ شيخ على الأطلال. والطّلل: والمحول: اسْم فَاعل من أَحول الشَّيْء: إِذا مرّ عَلَيْهِ حول وَهِي السّنة. ويك: كلمة تفجّع وَأَصله وَيلك. وستّوك مُبْتَدأ وَمَا بعده خَبره وَالْجُمْلَة حَالية. وكرب بِفَتْح الرَّاء كروباً: دنا. وكرب من أَخَوَات كَاد تعْمل عَملهَا وَاسْمهَا ضمير السِّتين. وَجُمْلَة تكمل فِي مَوضِع نصب خَبَرهَا. وترجمة الْكُمَيْت بن زيد تقدّمت فِي الشَّاهِد السَّادِس عشر. وَأَشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد الْعَاشِر بعد الْمِائَتَيْنِ (فيا لَك من ليل كَأَن نجومه ... بكلّ مغار الفتل شدّت بيذبل)

على أَن قَوْله من ليل تَمْيِيز عَن الْمُفْرد الَّذِي هُوَ الضَّمِير الْمُبْهم فِي قَوْله يَا لَك. وَفِيه أَن الضَّمِير غي رمبهم لتقدم مرجعه فِي الْبَيْت قبله وَهُوَ قَوْله: أَلا أَيهَا اللَّيْل الطَّوِيل كَمَا يَأْتِي فالتمييز فِيهِ عَن النِّسْبَة لَا عَن الْمُفْرد وَمن لبَيَان الْجِنْس. وَقَالَ الْمرَادِي فِي شرح الألفية: من زَائِدَة فِي الْكَلَام الْمُوجب وَلِهَذَا يعْطف على مَوضِع مجرورها بِالنّصب كَقَوْل الحطيئة: يَا سنه من قوام ومنتقبا وَصحح هَذَا أَبُو حَيَّان فِي الارتشاف. وَيَا: حرف نِدَاء وَاللَّام للتعجب تدخل على المنادى إِذا تعجّب مِنْهُ. وَلأَجل هَذَا اورد ابْن هِشَام هَذَا الْبَيْت فِي الْمُغنِي قَالَ فِي شرح بَانَتْ سعاد: الأَصْل يَا إياك أَو يَا أَنْت ثمَّ لمّا دخلت عَلَيْهِ لَام الْجَرّ للتعجب انْقَلب الضَّمِير الْمُنْفَصِل الْمَنْصُوب أَو الْمَرْفُوع ضميراً مُتَّصِلا مخفوضاً. وَأوردهُ المراديّ فِي شرح الألفية على ان اللَّام فِيهِ للاستغاثة اسْتَغَاثَ بِهِ مِنْهُ لطوله كَأَنَّهُ قَالَ: يَا ليل مَا أطولك قَالَ ابْن هِشَام: وَإِذا قيل يَا لزيد بِفَتْح اللَّام فَهُوَ مستغاث فَإِن كسرت فَهُوَ مستغاث لأَجله والمستغاث مَحْذُوف فَإِن قيل يَا لَك احْتمل الْوَجْهَيْنِ. وَالْبَاء فِي قَوْله: بِكُل متعلّقة بشدّت. والمغار بضمّ الْمِيم: اسْم مفعول بِمَعْنى الْمُحكم من أغرت الْحَبل إغارة: إِذا أحكمت فتله. ويذبل: اسْم جبل لَا ينْصَرف للعلمية وَوزن الْفِعْل وَصَرفه للضَّرُورَة. يَقُول: إِن نُجُوم اللَّيْل لَا تفارق محالّها فَكَأَنَّهَا مربوطة بكلّ حَبل مُحكم الفتل فِي هَذَا الْحَبل. وَإِنَّمَا استطال) اللَّيْل لمقاساة الأحزان فِيهِ.

وَهَذَا الْبَيْت من معلّقة امْرِئ الْقَيْس الْمَشْهُورَة. وفيهَا خَمْسَة أَبْيَات فِي وصف اللَّيْل وَهِي: (وليل كموج الْبَحْر أرْخى سدوله ... عليّ بأنواع الهموم ليبتلي) (فَقلت لَهُ لمّا تمطى بصلبه ... وَأَرْدَفَ أعجازاً وناء بكلكل) (أَلا أَيهَا اللَّيْل الطَّوِيل أَلا انجلي ... بصبح وَمَا الإصباح مِنْك بأمثل) (كَأَن الثريا علّقت فِي مصامها ... بأمراس كتَّان إِلَى صمّ جندل) فَقَوله: وليل الْوَاو وَاو ربّ. والسدول: الستور جمع سدل وسدل ثَوْبه: إِذا أرخاه. يَقُول: ربّ ليل يحاكي أمواج الْبَحْر فِي توحشه وهوله وَقد أرْخى عليّ ستور ظلامه مَعَ أَنْوَاع الْحزن ليختبرني: أأصبر أم أجزع وَهَذَا بعد ان تغزّل تمدّح بِالصبرِ وَالْجَلد. وَقَوله: ف لت لَهُ لما تمطى الخ تمطى: امْتَدَّ. وناء: نَهَضَ. والكلكل: الصَّدْر. والأعجاز: الْأَوَاخِر جمع عجز وَهُوَ من اسْتِعْمَال الْجمع مَوضِع الْوَاحِد. وَقد اسْتشْهد ابْن مَالك بِهَذَا الْبَيْت على ان الْوَاو لَا تدلّ على التَّرْتِيب لِأَن الْبَعِير ينْهض بكلكله وَالْأَصْل: فَقلت لَهُ لمّا ناء بكلكله وتمطّى بصلبه وَأَرْدَفَ أعجازه. وَقَوله: أَلا أَيهَا اللَّيْل الطَّوِيل الخ انجلي: أَمر بِمَعْنى انْكَشَفَ وَالْيَاء إشباع. والإصباح: الصَّباح. والأمثل: الْأَفْضَل. وَأورد هَذَا الْبَيْت فِي تَلْخِيص الْمِفْتَاح على أَن صِيغَة الْأَمر فِيهِ لِلتَّمَنِّي وَمَعْنَاهُ تمنى زَوَال ظلام اللَّيْل بضياء الصُّبْح ثمَّ قَالَ: وَلَيْسَ الصَّباح بِأَفْضَل مِنْك عِنْدِي لِاسْتِوَائِهِمَا فِي مقاساة الهموم أَو لِأَن نَهَاره يظلم فِي عينه لتوارد الهموم. فَلَيْسَ الْغَرَض طلب الانجلاء من اللَّيْل لِأَنَّهُ لَا يقدر عَلَيْهِ لكنه يتمناه تخلّصاً مِمَّا يعرض لَهُ

فِيهِ ولاستطالة تِلْكَ اللَّيْلَة كَأَنَّهُ لَا يرتقب انجلاءها وَلَا يتوقعه. فَلهَذَا حمل على التَّمَنِّي دون التَّرَاخِي. قَالَ الإِمَام الباقلاني فِي إعجاز الْقُرْآن: وَمِمَّا يعدونه من محَاسِن هَذِه القصيدة هَذِه الأبيات الثَّلَاثَة وَكَانَ يعضهم يعارضها بقول النَّابِغَة: (كليني لهمّ يَا أُمَيْمَة ناصب ... وليل أقاسيه بطيء الْكَوَاكِب) (وَصدر أراح اللَّيْل عَازِب همه ... تضَاعف فِيهِ الْحزن من كلّ جَانب) (تقاعس حَتَّى قلت لَيْسَ بمنقض ... وَلَيْسَ الَّذِي يَتْلُو النُّجُوم بآيب) وَقد جرى ذَلِك بَين يَدي بعض الْخُلَفَاء فقدّمت أَبْيَات امْرِئ الْقَيْس وَاسْتحْسن استعارتها وَقد) جعل لِليْل صَدرا يثقل تنحّيه ويبطئ تقضّيه وَجعل لَهُ أردافاً كَثِيرَة. وَجعل لَهُ صلباً يمتدّ ويتطاول. وَرَأَوا هَذَا بِخِلَاف مَا يستعيره أَبُو تَمام من الاستعارات الوحشية الْبَعِيدَة المستنكرة. وَرَأَوا أَن الْأَلْفَاظ جميلَة. وَاعْلَم أَن هَذَا صَالح جميل وَلَيْسَ من الْبَاب الَّذِي يُقَال إِنَّه متناه عَجِيب. وَفِيه إِلْمَام بالتكلف وَدخُول فِي التعمّل انْتهى. وَقَوله: كَأَن الثريا علقت الخ المصام بِفَتْح الْمِيم: مَوضِع الْوُقُوف. والأمراس: الحبال جمع مرس محركة. والجندل: الْحِجَارَة. يَقُول: كَأَن الثريا مشدودةً بحبال إِلَى حِجَارَة فَلَيْسَتْ تمْضِي. قَالَ العسكري فِي التَّصْحِيف: وَمِمَّا خَالف فِيهِ ابْن الْأَعرَابِي الْأَصْمَعِي فِي الْمَعْنى لَا فِي اللَّفْظ قَوْله: (كَأَن الثريا علقت ... . ..... ... ... ... . . الْبَيْت)

فالهاء فِي " مصامها " عِنْد الْأَصْمَعِي ترجع إِلَى الثريا. وَمعنى " مصامها ": موضعهَا ومقامها. وَهُوَ يصف اللَّيْل وَأَن نجومه لَا تسير، من طوله، فَكَأَن لَهَا أواخي فِي الأَرْض تحبسها. وَهَذَا مَذْهَب الْأَصْمَعِي. وَرَأَيْت هَذَا الْبَيْت فِي نَوَادِر ابْن الْأَعرَابِي وَفَسرهُ بتفسير عَجِيب، فَقَالَ وَرَوَاهُ: (كَأَن نجوماً علقت فِي مصامه) ثمَّ فسر وَقَالَ: شبه مَا بَين الحوافر وجثمانه، بالأمراس، وصم جندل، يَعْنِي جثمانه. فَأخذ هَذَا الْبَيْت وصيره الْفرس، وَحمله على أَنه بعد: (وَقد أغتدي وَالطير فِي وكناتها ... بمنجرد قيد الأوابد هيكل اه) وترجمة امْرِئ الْقَيْس قد تقدّمت فِي الشَّاهِد التَّاسِع وَالْأَرْبَعِينَ. وَأنْشد بعده، وَهُوَ الشَّاهِد الْحَادِي عشر بعد الْمِائَتَيْنِ (ويلمّها رَوْحَة والرّيح معصفة ... والغيث مرتجز وَاللَّيْل مقترب) لما تقدم قبله أَعنِي كَون التَّمْيِيز يكون عَن الْمُفْرد إِذا كَانَ الضَّمِير مُبْهما لَا يعرف الْمَقْصُود مِنْهُ فَإِن الضَّمِير فِي ويلمّها لم يتَقَدَّم لَهُ مرجع فَهُوَ مُبْهَم ففسره بقوله: رَوْحَة: فَهُوَ تَمْيِيز عَن الْمُفْرد أَي: ويلمّ هَذِه الروحة فِي حَال عصف الرّيح. فجملة وَالرِّيح معصفة حَال. ومعصفة: شَدِيدَة يُقَال: أعصفت الرّيح وعصفت لُغَتَانِ والغيث هُنَا: الْغَيْم. ومرتجز: مصوّت يُرِيد صَوت الرَّعْد والمطر. ومقترب: قد قرب.

وَهَذَا الْبَيْت من قصيدة طَوِيلَة جدا لذِي الرمة. وَهَذَا الْبَيْت من أواخرها. شبّه بعيره بالنعام فِي شدّة الْعَدو ثمَّ وصف النعام بِمَا يَقْتَضِي شدَّة إسراعه فَقَالَ: (حَتَّى إِذا الهيق أَمْسَى شام أفرخه ... وهنّ لَا مؤيس نأياً وَلَا كثب) (يرقدّ فِي ظلّ عرّاص ويطرده ... حفيف نافجة عنوانها حصب) (تبري لَهُ صعلة خرجاء خاضعة ... فالخرق دون بَنَات الْبيض منتهب) (كَأَنَّهَا دلو بِئْر جدّ ماتحها ... حَتَّى إِذا مَا رَآهَا خانها الكرب) ويلمّها رَوْحَة (لَا يذخران من الإيغال بَاقِيَة ... حَتَّى تكَاد تفرّى عَنْهُمَا الأهب) الهيق بِالْفَتْح: ذكر النعام. وشام: نظر إِلَى نَاحيَة فِرَاخه. وأفرخ: جمع فرخ. وهنّ أَي: الأفرخ. والنأي: الْبعد. والكثب بِفَتْح الْكَاف والمثلثة الْقرب. يَقُول: موضعهن لَيْسَ مِنْهُ بالبعيد الَّذِي يؤيسه من أَن يطلبهن أَي: يحملهُ على الْيَأْس وَلَا بالقريب فيفتر. وَقَوله: يرقد أَي: يعدو الهيق عدوا شَدِيدا. والعرّاص بمهملات: غيم كثير الْبَرْق. والحفيف بإهمال الأول: صَوت الرّيح. والنافجة: الرّيح الشَّدِيدَة الْبَارِدَة. وعنوانها: أوائلها. وحصب بِفَتْح فَكسر: فِيهِ تُرَاب وحصباء وَهَذَا مِمَّا يُوجب الْإِسْرَاع إِلَى المأوى. وَقَوله: تبري لَهُ صعلة الخ تبري: تعرض لهَذَا الهيق. صعلة: نعَامَة دقيقة الْعُنُق وصغيرة الرَّأْس. خرجاء: مؤنث الأخرج وَهُوَ مَا فِيهِ سَواد وَبَيَاض. خاضعة: فِيهَا طمأنينة. والخرق بِالْفَتْح: الأَرْض الْبَعِيدَة

تنخرق فِيهَا الرِّيَاح. وَبَنَات الْبيض: الْفِرَاخ لِأَنَّهَا تخرج من الْبَيْضَة. يَقُول: الهيق والصعلة يعدوان عدوا شَدِيدا كَأَنَّهُمَا ينتهبان الأَرْض انتهاباً كَأَنَّهُمَا يأكلانها من شدَّة الْعَدو) فهما يركضان إِلَى فراخهما خَائِفين الْبرد والمطر وَغَيرهمَا. وَقَوله: كَأَنَّهَا دلو الخ أَي: كَأَن هَذِه الصعلة دلو انْقَطع حبلها بعد أَن وصلت إِلَى فَم الْبِئْر فمضت تهوي شبّهها بِهَذِهِ الدَّلْو الَّتِي هوت إِلَى أَسْفَل. وجدّ: اجْتهد. والماتح بِالْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّة: المستقي من الْبِئْر بالدلو. وَالْكرب: العقد الَّذِي على عراقيّ الدَّلْو والعراقيّ: العودان اللَّذَان فِي وسط الدَّلْو. وَالْمرَاد بخانها الكرب انْقَطع. وَقَوله: ويلمّها رَوْحَة الخ أَي: ويل أم هَذِه الروحة. وَإِنَّمَا لم يجز أَن يعود الضَّمِير على صعلة كَمَا عَاد عَلَيْهَا ضمير كَأَنَّهَا فِي الْبَيْت الْمُتَقَدّم لِأَنَّهُ قد فسّر بروحة وَالتَّفْسِير يجب أَن يكون عين المفسّر والروحة غير الصعلة فَلَا يفسّرها. وَلَو قَالَ: ويلمّها رَائِحَة لَكَانَ مرجع الضَّمِير مَعْلُوما: من صعلة وَكَانَ من تَمْيِيز النِّسْبَة لَا الْمُفْرد. والروحة: مصدر رَاح يروح رواحاً وروحة: نقيض غَدا يَغْدُو غدوّاً. والرواح أَيْضا: اسْم للْوَقْت من زَوَال الشَّمْس إِلَى اللَّيْل. وَقَوله: لَا يذخران أَي: لَا يبقيانن يَعْنِي الهيق والصعلة. والإيغال: الجدّ فِي الْعَدو. والباقية: الْبَقِيَّة. وتفرّى: تشقق. والأهب بِضَمَّتَيْنِ: جمع إهَاب أَرَادَ جلودهما. وَهَذَا غَايَة فِي شدَّة الْعَدو. وَاعْلَم أنّ قَوْلهم: ويلمّه وويلمّها قَالَ ابْن الشجريّ: يرْوى بِكَسْر اللَّام

وضمّها وَالْأَصْل ويل لأمّه فَحذف التَّنْوِين فَالتقى مثلان: لَام ويل وَلَام الْخَفْض فأسكنت الأولى وأدغمت فِي الثَّانِيَة فَصَارَ ويلّ أمّ مشدداً وَاللَّام مَكْسُورَة فخفّف بعد حذف الْهمزَة بِحَذْف إِحْدَى اللامين. فَأَبَوا عليّ وَمن أَخذ أَخذه نصّوا على أَن الْمَحْذُوف اللَّام المدغمة فأقرّوا لَام الْخَفْض على كسرتها وَآخَرُونَ نصّوا على أَن المحذوفة لَام الْخَفْض وحرّكوا اللَّام الْبَاقِيَة بالضمة الَّتِي كَانَت لَهَا فِي الأَصْل. انْتهى. قَالَ أَبُو عليّ فِي الْإِيضَاح الشعري: حذف الْهمزَة من أمّ فِي هَذَا الْموضع لَازم على غير قِيَاس كَقَوْلِه: يابا الْمُغيرَة وَالدُّنْيَا مفجّعة ثمَّ سُئِلَ لم لَا يجوز أَن يكون الأَصْل وي لامّه فَتكون اللَّام جارّة ووي التعجّب فَأجَاب بِأَن الَّذِي يدلّ على أَن الأَصْل ويل لأمه والهمزة من أمّ محذوفة قَول الشَّاعِر: (لأم الأَرْض ويل مَا أجنت ... غَدَاة أضرّ بالْحسنِ السَّبِيل)) وَقَالَ ابْن السَّيِّد فِي شرح شَوَاهِد أدب الْكَاتِب: ويلمه بِكَسْر اللَّام وضمّها: فالضم أجَاز فِيهِ ابْن جني وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَنه حذف الْهمزَة وَاللَّام وَألقى ضمّة الْهمزَة على لَام الجرّ كَمَا رُوِيَ عَنْهُم الْحَمد لله بِضَم لَام الْجَرّ. وثَانِيهمَا: أَن يكون حذف الْهمزَة وَلَام الْجَرّ وَتَكون اللَّام المسموعة هِيَ لَام ويل. وَأما كسر اللَّام فَفِيهَا ثَلَاثَة أوجه: أَحدهمَا أَن يكون أَرَادَ ويل أمه بِنصب ويل وإضافته إِلَى الْأُم ثمَّ حذف الْهمزَة لِكَثْرَة الِاسْتِعْمَال وَكسر لَام ويل إتباعاً لكسرة الْمِيم. وَالثَّانِي: أم يكون أَرَادَ ويل لأمه بِرَفْع ويل على الِابْتِدَاء ولأمه خَبره وَحذف لَام ويل وهمزة أم كَمَا قَالُوا أيش لَك يُرِيدُونَ أَي شَيْء. فَاللَّام المسموعة على هَذَا لَام الْجَرّ. وَالثَّالِث: أَن يكون الأَصْل ويل لأمه فَيكون على هَذَا قد حذف همزَة أم لَا غير وَهَذَا عِنْدِي أحسن هَذِه الْأَوْجه لِأَنَّهُ أقل للحذف والتغيير. وَأَجَازَ ابْن جني أَن تكون اللَّام المسموعة

هِيَ لَام ويل على أَن يكون حذف همزَة أم وَلَام الْجَرّ وَكسر لَام ويل إتباعاً لكسرة الْمِيم. وَهَذَا بعيد جدا. هَذَا إعلالها. وَأما مَعْنَاهَا فَهُوَ مدح خرج بِلَفْظ الذَّم: وَالْعرب تسْتَعْمل لفظ الذَّم فِي الْمَدْح يُقَال: أَخْزَاهُ الله مَا أشعره ولعنه الله مَا أجرأه وَكَذَلِكَ يستعملون لفظ الْمَدْح فِي الذَّم يُقَال للأحمق: يَا عَاقل وللجاهل: يَا عَالم: وَمعنى هَذَا يَا أَيهَا الْعَاقِل عِنْد نَفسه أَو عِنْد من يَظُنّهُ عَاقِلا. وَأما قَوْلهم: أَخْزَاهُ الله مَا أشعره وَنَحْو ذَلِك من الْمَدْح الَّذِي يخرجونه بِلَفْظ الذَّم فَلهم فِي ذَلِك غرضان: أَحدهمَا: أَن الْإِنْسَان إِذا رأى الشَّيْء فَأثْنى عَلَيْهِ ونطق باستحسانه فَرُبمَا أَصَابَهُ بِالْعينِ وأضر بِهِ فيعدلون عَن مدحه إِلَى ذمه لِئَلَّا يؤذوه. وَالثَّانِي: أَنهم يُرِيدُونَ أَنه قد بلغ غَايَة الْفضل وَحصل فِي حد من يذم ويسب لِأَن الْفَاضِل يكثر حساده والمعادون لَهُ والناقص لَا يلْتَفت إِلَيْهِ: وَلذَلِك كَانُوا يرفعون أنفسهم عَن مهاجاة الخسيس ومجاوبة السَّفِيه.

وَفِي الْقَامُوس: رجل ويلمه بِكَسْر اللَّام وَضمّهَا داه: وَيُقَال للمستجاد: ويلمه أَي: ويل لمه وَهَذَا اسْتِعْمَال ثَان جعل الْمركب فِي حكم الْكَلِمَة الْوَاحِدَة: وَلَيْسَت الْهَاء فِي آخِره ضميراً بل) هِيَ هَاء تَأْنِيث للْمُبَالَغَة فَلَا تَعْرِيف: وَلِهَذَا يَقع وَصفا للنكرة قَالَ أَبُو زيد فِي كتاب مسائية. يُقَال هُوَ رجل ويلمّه. وروى ابْن جنّي فِي سر الصِّنَاعَة عَن أبي عَليّ عَن الْأَصْمَعِي أَنه يُقَال: رجل ويلمّة. قَالَ: وَهُوَ من قَوْلهم: ويلمّ سعد سَعْدا والاشتقاق من الْأَصْوَات بَاب يطول استقصاؤه وعَلى هَذَا يجوز دُخُول لَام التَّعْرِيف عَلَيْهِ قَالَ الرياشي: الويلمة من الرِّجَال: الداهية الشَّديد الَّذِي لَا يُطَاق. وَلَا يلْتَفت إِلَى قَول أبي الْحسن الْأَخْفَش فِيمَا كتبه على كتاب مسائية: من كَلَام الْعَرَب السائر أَن يَقُولُوا للرجل الداهية: إِنَّه لَو يلمه صمحمحا والصمحمح: الشَّديد هَذَا هُوَ الْمَعْرُوف وَالَّذِي حَكَاهُ أَبُو زيد غير مُمْتَنع جعله اسْما وَاحِدًا. فأعربه. فاما حِكَايَة الرياشي: فِي إِدْخَال الْألف وَاللَّام على اسْم مُضَاف فَلَا أعلم لَهُ وَجها. انْتهى.

أَقُول: الَّذِي رَوَاهُ عَن الْعَرَب من قَوْلهم: إِنَّه لَو يلمه صمحمحا غير الَّذِي قَالَه أَبُو زيد كَمَا بَيناهُ: فَإِنَّهُ جعل الكلمتان فِي حكم كلمة وَاحِدَة فَلَا إِضَافَة فِيهِ وَالْهَاء للْمُبَالَغَة والكلمة حِينَئِذٍ نكرَة وترجمة ذِي الرمة تقدّمت فِي الشَّاهِد الثَّامِن فِي أَوَائِل الْكتاب. وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد الثَّانِي عشر بعد الْمِائَتَيْنِ (ويلم أَيَّام الشَّبَاب معيشة ... مَعَ الكثر يعطاه الْفَتى الْمُتْلف الندي) على أَن قَوْله: معيشة تَمْيِيز عَن النِّسْبَة الْحَاصِلَة بِالْإِضَافَة كَمَا بَينه الشَّارِح الْمُحَقق. وَقَوله: ويلم أَيَّام الخ دُعَاء فِي معنى التَّعَجُّب أَي: مَا ألذ الشَّبَاب مَعَ الْغنى. وَقد بَينا قبل هَذَا الْبَيْت أَصْلهَا وَمَعْنَاهَا. قَالَ الطبرسي فِي شرح الحماسة: ويل إِذا أضيفت بِغَيْر لَام فَالْوَجْه فِيهِ النصب تَقول: ويل زيد أَي: ألزم الله زيدا ويلاً. فَإِذا أضيفت بِاللَّامِ فَقيل: ويل لزيد فَالْوَجْه أَن ترفع على الِابْتِدَاء. وَجَاز ذَلِك مَعَ أَنه نكرَة لِأَن معنى الدُّعَاء مِنْهُ مَفْهُوم وَالْمعْنَى: الويل ثَابت لزيد. فَالْأَصْل فِي الْبَيْت: ويل لأم لذات الشَّبَاب. قصد الشَّاعِر إِلَى مدح الشَّبَاب وَحمد لذاته بَين لذات المعاش. وَقد طاع

لصَاحبه الكثر وَهُوَ كَثْرَة المَال فَاجْتمع الْغنى والشباب لَهُ وَهُوَ سخي. انْتهى. وهذات الْبَيْت أول أَبْيَات أَرْبَعَة لعلقمة بن عَبدة. وَهِي ثَابِتَة فِي ديوانه. وَقد اقْتصر أَبُو تَمام فِي الحماسة على الْبَيْت الأول وَالثَّانِي وَهُوَ: ونسبهما لبَعض بني أَسد. ونسبهما فِي مُخْتَار أشعار الْقَبَائِل لِابْنِهِ وَهُوَ خَالِد بن عَلْقَمَة بن عَبدة. ونسبهما بَعضهم لِابْنِ ابْنه وَهُوَ عبد الرَّحْمَن بن عَليّ بن عَلْقَمَة بن عَبدة. ونسبهما الأعلم الشنتمري فِي حماسته لحميد بن سجار الضَّبِّيّ. وَكَذَا هُوَ فِي حَاشِيَة الصِّحَاح مَنْسُوب لحميد. والكثر بِضَم الْكَاف وَمثله القل: المَال الْكثير وَالْمَال الْقَلِيل يُقَال: مَاله قل وَلَا كثر. قَالَ أَبُو عبيد: سَمِعت أَبَا زيد يَقُول: الكثر وَالْكثير وَاحِد. قَالَ فِي الصِّحَاح: هما بِالضَّمِّ وَالْكَسْر. وَقَوله: مَعَ الكثر فِي مَوضِع النصب صفة لمعيشة. وَجُمْلَة يعطاه الخ بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول: حَال من الكثر وَالْهَاء ضمير الكثر وَهُوَ الْمَفْعُول الثَّانِي للعطاء. والفتى نَائِب الْفَاعِل وَهُوَ مَفْعُوله الأول. والمتلف بِالرَّفْع: صفة للفتى وَكَذَلِكَ الندي. وَرُوِيَ: يعطاها بضمير الْمُؤَنَّث على أَنه عَائِد على الْمَعيشَة مَعَ قيدها. والفتى قَالَ فِي الصِّحَاح: هُوَ السخي الْكَرِيم يُقَال: هُوَ فَتى بَين الفتوة وَقد تفتى وتفاتى وَالْجمع فتيَان وفتية وفتو على فعول وفتي مثل عصي. والمتلف: المفرق لمَاله يُقَال: رجل متْلف لمَاله ومتلاف بالمبالغة. والندي: السخي قَالَ فِي الصِّحَاح: وندوت من الْجُود يُقَال: سنّ وَلِلنَّاسِ الندى فندوا بِفَتْح الدَّال وَيُقَال: فلَان ندي الْكَفّ: إِذا كَانَ سخياً. وَقد رُوِيَ فِي ديوانه الْبَيْت هَكَذَا:)

ويل بلذات الشَّبَاب معيشة فويلم لذات الشَّبَاب معيشة وَقَوله: وَقد يعقل القل من عقله من بَاب ضرب إِذا مَنعه. والقل بِالضَّمِّ فَاعل والفتى مفعول. وَرُوِيَ: وَقد يقصر القل من قصره: إِذا حَبسه أَو من قصرت قيد الْبَعِير: إِذا ضيقته من بَاب دخل يدْخل. وَرُوِيَ أَيْضا: وَقد يقْعد القل من أقعده: إِذا مَنعه من الْقيام لِحَاجَتِهِ. والهم بِالْفَتْح: أول الْعَزِيمَة قَالَ ابْن فَارس: الْهم: مَا هَمَمْت بِهِ وهممت بالشَّيْء هما من بَاب قتل: إِذا أردته وَلم تَفْعَلهُ وَمثله الهمة بِالْكَسْرِ وبالتاء. وَقد يُطلق على الْعَزْم الْقوي كَذَا فِي الْمِصْبَاح. وَدون بِمَعْنى قبل. وأنجد: جمع نجد وَهُوَ مَا ارْتَفع من الأَرْض. قَالَ فِي الصِّحَاح: وَمِنْه قَوْلهم فلَان طلاع أنجد وطلاع الثنايا: إِذا كَانَ سامياً لمعالي الْأُمُور. وَمعنى هَذَا الْبَيْت قد تداوله الشُّعَرَاء وتصرفوا فِيهِ مِنْهُم مُسلم بن الْوَلِيد فَقَالَ: (عرف الْحُقُوق وَقصرت أَمْوَاله ... عَنْهَا وضاق بهَا الْغَنِيّ الباخل) وَمِنْه قَول آخر: (أرى نَفسِي تتوق إِلَى أُمُور ... يقصر دون مبلغهن مَالِي)

. (فَلَا نَفسِي تطاوعني ببخل ... وَلَا مَالِي يبلغنِي فعالي) وَمِنْه قَول الآخر: (إِذا أردْت مساماة تقاعد بِي ... عَمَّا أحاول مِنْهَا رقة الْحَال) وَقَرِيب مِنْهُ قَول الآخر: (النَّاس اثْنَان فِي زَمَانك ذَا ... لَو تبتغي غير ذين لم تَجِد) (هَذَا بخيل وَعِنْده سَعَة ... وَذَا جواد بِغَيْر ذَات يَد) وَأما البيتان الأخيران من الأبيات الْأَرْبَعَة فهما: (وَقد أقطع الْخرق الْمخوف بِهِ الردى ... بعنس كجفن الْفَارِسِي المسرد) (كَأَن ذراعيها على الْخلّ بعد مَا ... ونين ذِرَاعا مائح متجرد) والخرق بِالْفَتْح: الأَرْض الواسعة الَّتِي تنخرق فِيهَا الرِّيَاح. والردى: نَائِب فَاعل الْمخوف. والعنس بِفَتْح الْعين وَسُكُون النُّون: النَّاقة القوية الشَّدِيدَة. والخل: مصدر خل لَحْمه خلا وخلولاً أَي: قل ونحف كَذَا فِي الْعباب.) وَقَوله: ونين فعل مَاض من الونى بِالْقصرِ وَهُوَ الضعْف والفتور والكلال والإعياء. والمائح: الَّذِي ينزل الْبِئْر فَيمْلَأ الدَّلْو وَذَلِكَ إِذا قل مَاؤُهَا وَفعله ماح يميح. وَأما الماتح بِالْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّة فَهُوَ مستقي الدَّلْو. والمتجرد: المشمّر ثِيَابه. وعَلْقَمَة شَاعِر جاهلي ونسبته كَمَا فِي الجمهرة لِابْنِ الْكَلْبِيّ والمؤتلف والمختلف للآمدي عَلْقَمَة بن عَبدة بن نَاشِرَة بن قيس بن عبيد بن ربيعَة بن مَالك بن زيد مَنَاة بن تَمِيم انْتهى. وَعَبدَة بِفَتْح الْعين وَالْبَاء

وَأما عَبدة بن الطَّبِيب فَهُوَ بِسُكُون الْبَاء. كَذَا فِي الصِّحَاح. والعبدة محركة بِمَعْنى الْقُوَّة والسّمن والبقاء وصلاءة الطّيب والأنفة. قَالَ صَاحب المؤتلف والمختلف: عَلْقَمَة فِي الشُّعَرَاء جمَاعَة لَيْسُوا مِمَّن أعْتَمد ذكره وَلَكِن أذكر عَلْقَمَة الْفَحْل وعلقمة الْخصي وهما من ربيعَة الْجُوع فَأَما عَلْقَمَة الْفَحْل فَهُوَ عَلْقَمَة بن عَبدة ... إِلَى آخر نسبه الْمَذْكُور. ثمَّ قَالَ: وَقيل لَهُ عَلْقَمَة الْفَحْل من أجل رجل آخر يُقَال لَهُ عَلْقَمَة الْخصي. وَأما عَلْقَمَة الْخصي فَهُوَ عَلْقَمَة بن سهل أحد بني ربيعَة بن مَالك بن زيد مَنَاة ابْن تَمِيم ذكر أَبُو يقظان أَنه كَانَ يكنى أَبَا الوضاح. قَالَ: وَكَانَ لَهُ إِسْلَام وَقدر. ومان سَبَب خصائه أَنه أسر بِالْيمن فهرب فظفر بِهِ فهرب ثَانِيَة فَأخذ وَخصي. وَكَانَ شَاعِرًا وَهُوَ الْقَائِل: (يَقُول رجال من صديق وَصَاحب ... أَرَاك أَبَا الوضاح أَصبَحت ثاويا) (فَلَا يعْدم البانون بَيْتا يكنهم ... وَلَا يعْدم الْمِيرَاث مني المواليا) (وخفّت عُيُون الباكيات وَأَقْبلُوا ... إِلَى مَالهم قد بنت عَنهُ بماليا) وَقَالَ غَيره: إِنَّمَا لقب بالفحل لِأَنَّهُ خلف على امْرَأَة امرىء الْقَيْس لما حكمت لَهُ بِأَنَّهُ أشعر مِنْهُ. وَذَلِكَ مَا حَكَاهُ الْأَصْمَعِي: أَن امْرَأَة الْقَيْس لما هرب من الْمُنْذر بن مَاء السَّمَاء وجاور فِي طَيء تزوج امْرَأَة مِنْهُم يُقَال لَهَا أم جُنْدُب. ثمَّ إِن عَلْقَمَة بن عَبدة نزل عِنْده ضيفاً وتذاكر الشّعْر فَقَالَ امْرُؤ الْقَيْس: أَنا أشعر مِنْك وَقَالَ عَلْقَمَة: أَنا أشعر مِنْك واحتكما

إِلَى امْرَأَته أم جُنْدُب لتَحكم بَينهمَا فَقَالَت: قولا شعرًا تصفان فِيهِ الْخَيل على رُوِيَ وَاحِد. فَقَالَ امْرُؤ الْقَيْس: (خليليّ مرّا بِي على أمّ جُنْدُب ... لنقضي حاجات الْفُؤَاد المعذب)) وَقَالَ عَلْقَمَة: (ذهبت من الهجران فِي كل مَذْهَب ... وَلم يَك حَقًا كل هَذَا التجنب) ثمَّ أنشداها جَمِيعًا. فَقَالَت لامرىء الْقَيْس: عَلْقَمَة أشعر مِنْك قَالَ: وَكَيف ذَلِك قَالَت: لِأَنَّك قلت: (فللسوط ألهوب وللساق درّة ... وللزجر مِنْهُ وَقع أهوج منعب) فجهدت فرسك بسوطك ومريته بساقك وَقَالَ عَلْقَمَة: (فأدركهن ثَانِيًا من عنانه ... يمرّ كمرّ الرّائح المتحلّب) فَأدْرك طريدته وَهُوَ ثَان من عنان فرسه لم يضْربهُ بِسَوْط وَلَا مراه بساق وَلَا زَجره قَالَ: مَا هُوَ بأشعر مني وَلَكِنَّك لَهُ وامق فطلّقها فخلف عَلَيْهَا عَلْقَمَة فسمّي بذلك الْفَحْل. وَقد أورد ابْن حجر فِي الْإِصَابَة ابْنه فِي المخضرمين فِيمَن أدْرك النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وَلم يره قَالَ: عَليّ بن عَلْقَمَة بن عَبدة التَّمِيمِي ولد عَلْقَمَة: الشَّاعِر الْمَشْهُور الَّذِي يعرف بعلقمة الْفَحْل وَكَانَ من شعراء الْجَاهِلِيَّة من أَقْرَان امْرِئ الْقَيْس. ولعليّ هَذَا ولد اسْمه عبد الرَّحْمَن ذكره المرزبانيّ فِي مُعْجم الشُّعَرَاء. فَيلْزم من ذَلِك أَن يكون أَبوهُ من أهل هَذَا الْقسم لِأَن عبد الرَّحْمَن لم يدْرك النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ. انْتهى.

وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد الثَّالِث عشر بعد الْمِائَتَيْنِ (لله درّ أنوشروان من رجل ... مَا كَانَ أعرفهُ بالدّون والسفل) على أَن قَوْله: من رجل تَمْيِيز عَن النِّسْبَة الْحَاصِلَة بِالْإِضَافَة. وَقد بَينه الشَّارِح الْمُحَقق رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى. وأنوشروان هُوَ أشهر مُلُوك الْفرس وَأَحْسَنهمْ سيرةً وأخباراً. وَهُوَ أنوشروان ابْن قباد ابْن فَيْرُوز. وَفِي أَيَّامه ولد النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ. وَكَانَ ملكا جَلِيلًا محبّباً للرعايا فتح الْأَمْصَار الْعَظِيمَة فِي الشرق وأطاعته الْمُلُوك. وَقتل مزدك الزنديق وَأَصْحَابه وَكَانَ يَقُول بِإِبَاحَة الْفروج وَالْأَمْوَال فَعظم فِي عُيُون النَّاس بقتْله. وَبنى المباني الْمَشْهُورَة مِنْهَا السُّور الْعَظِيم على جبل الْفَتْح عِنْد بَاب الْأَبْوَاب وَمِنْهَا الإيوان الْعَظِيم الْبَاقِي الذّكر وَلَيْسَ هُوَ الْمُبْتَدِئ بنائِهِ بل ابْتَدَأَ بِهِ سَابُور وأنوشروان أتمّه وأتقنه حَتَّى صَار من عجائب الدُّنْيَا وَانْشَقَّ لولادة النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ. وأخبار أنوشروان مَشْهُورَة فَلَا نطيل بهَا. وَقَوله: مَا كَانَ أعرفهُ كَانَ زَائِدَة بَين مَا وَفعل التَّعَجُّب. والدون بِمَعْنى الرَّدِيء وَهُوَ صفة وَمِنْه ثوب دون وَقيل: مقلوب من الدنوّ والأدنى: الرَّدِيء. وَفِي الْقَامُوس: أَن الدون للشريف والخسيس ضدّ. والسفل بِكَسْر السِّين وَفتح الْفَاء: جملَة سفلَة بِكَسْر الأول وَسُكُون الثَّانِي وَالْأَصْل فتح الأول وَكسر الثَّانِي نَحْو كلمة وَكلمَة. قَالَ صَاحب الْقَامُوس وسفلة النَّاس بِالْكَسْرِ وكفرحة: أسافلهم وغوغاؤهم وسفلة

الْبَعِير كفرحة: قوائمه اتنهى. والأوّل مستعار من الثَّانِي وأصل الأوّل كفرحة وَقد يُخَفف بِحَذْف حَرَكَة الأول وَنقل الْكسر إِلَيْهِ كَمَا يُقَال. فِي لبنة لبنة أَو أَن أَسْفَله جمع سفيل كعيلة جمع عَليّ كَذَا فِي الأساس. وَالْفِعْل سفل ككرم سفالة بِالْفَتْح أَي: نذل نذالة. وَأما السفلة بِالتَّحْرِيكِ فَهُوَ جمع سافل. وَقَول مكانس: يجوز أَن يقْرَأ بِفتْحَتَيْنِ وبفتحة فكسرة. قَالَ فِي الْمِصْبَاح: سفل سفولاً من بَاب قعد قعد وسفل من بَاب قرب لُغَة: صَار أَسْفَل من غَيره فَهُوَ سافل. وسفل فِي خلقه وَعَمله سفلاً من بَاب قتل وسفالاً وَالِاسْم السّفل بِالضَّمِّ. وتسفّل. خلاف جاد وَمِنْه قيل للأرذال سفلَة بِفَتْح فَكسر وَفُلَان من السفلة. وَيُقَال أَصله سفلَة الْبَهِيمَة وَهِي قَوَائِمهَا. وَيجوز التَّخْفِيف. . والسفل خلاف الْعُلُوّ بِالضَّمِّ وَالْكَسْر لُغَة وَابْن قُتَيْبَة يمْنَع الضَّم. والأسفل خلاف الْأَعْلَى.) وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد الرَّابِع عشر بعد الْمِائَتَيْنِ والأكرمين إِذا مَا ينسبون أَبَا هَذَا عجز وصدره: سيري أَمَام فَإِن الْأَكْثَرين

حَصى على أَنه كَانَ الظَّاهِر أَن يَقُول آبَاء بِالْجمعِ وَإِنَّمَا وحّد الْأَب لأَنهم كَانُوا أَبنَاء أَب وَاحِد. وَقَوله: سيري فعل أَمر للمؤنثة. وأمام بِضَم الْهمزَة: منادى مرخّم أَي: يَا أُمَامَة. وحصىً تَمْيِيز للأكثرين وَكَذَلِكَ أَبَا تَمْيِيز للأكرمين. وَمعنى الْحَصَى الْعدَد وَإِنَّمَا أطلق على الْعدَد لِأَن الْعَرَب أُمِّيُّونَ لَا يقرؤون وَلَا يعْرفُونَ الْحساب غنما كَانُوا يعدون بالحصى فَأطلق الْحَصَى على الْعدَد واشتق مِنْهُ الْفِعْل فَقيل أحصيت الشَّيْء أَي: عددته. وَإِذا: ظرف للأكرمين. وينسبون بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول. والأكرمين مَعْطُوف على اسْم إِن وخبرها قوم فِي الْبَيْت الَّذِي بعده وَهُوَ: (قوم هم الْأنف والأذناب غَيرهم ... وَمن يسوّي بأنف النَّاقة الذنبا) (قوم إِذا عقدوا عقدا لجارهم ... شدّوا العناج وشدّوا فَوْقه الكربا) وَهَذِه الأبيات من قصيدة للحطيئة يمدح بهَا بغيض بن عَامر بن لأي بن شمّاس بن لأي بن أنف النَّاقة واسْمه جَعْفَر بن قريع بِالتَّصْغِيرِ بن عَوْف بن كَعْب بن سعد بن زيد مَنَاة بن تَمِيم. ويهجو الزبْرِقَان واسْمه حُصَيْن بِالتَّصْغِيرِ بن بدر بن

امْرِئ الْقَيْس بن خلف بن بَهْدَلَة بن عَوْف بن كَعْب الْمَذْكُور نسبه. وَإِنَّمَا لقّب جَعْفَر بِهَذَا لِأَن أَبَاهُ نحر جزوراً فَقَسمهَا بَين نِسَائِهِ فَقَالَت لَهُ أمه وَهِي الشّموس من بني وَائِل بن سعد هذيم: انْطلق إِلَى أَبِيك فَانْظُر هَل بَقِي شَيْء من الْجَزُور عِنْده

فَأَتَاهُ فَلم يجد إِلَّا رَأسهَا فَأخذ بأنفها يجرّه فَقَالُوا: مَا هَذَا قَالَ: أنف النَّاقة. فسمّي أنف النَّاقة. وَكَانَ آل شمّاس فِي الْجَاهِلِيَّة يعيّرون بِهِ ويغضبون مِنْهُ. ولمّا مدحهم الحطيئة بِهَذَا وَإِنَّمَا مدح مِنْهُم بغيض بن عَامر صَار فخراً لَهُم. وَأَرَادَ بأنف النَّاقة بغيضاً وَأهل بَيته. وَأَرَادَ بالذنب قَالَ ابْن رَشِيق فِي بَاب من رَفعه الشّعْر وَمن وَضعه من الْعُمْدَة: كَانَ بَنو أنف النَّاقة يفرقون من هَذَا الِاسْم حَتَّى إِن الرجل مِنْهُم كَانَ يسْأَل: مِمَّن هُوَ فَيَقُول: من بني قريع. فيتجاوز) جعفراً أنف النَّاقة ويلغي ذكره فِرَارًا من هَذَا اللقب. إِلَى أَن قَالَ الحطيئة هَذَا الشّعْر فصاروا يتطاولون بِهَذَا النّسَب ويمدذون بِهِ أَصْوَاتهم فِي جهارة. وَقَوله: قوم إِذا عقدوا عقدا الخ هَذَا الْبَيْت من شَوَاهِد أدب الْكَاتِب عقد الْحَبل والعهد يعقده عقدا. والعناج بِكَسْر الْمُهْملَة وَالنُّون وَالْجِيم: حَبل يشدّ أَسْفَل الدّلو الْعَظِيمَة إِذا كَانَت ثَقيلَة ثمَّ يشدّ إِلَى الْعِرَاقِيّ فَيكون عوناً لَهَا وللوذم فَإِذا انْقَطَعت الأوذام فَانْقَلَبت أمْسكهَا العناج وَلم يَدعهَا تسْقط فِي الْبِئْر يُقَال: عنجت الدَّلْو أعنجها عنجاً من بَاب نصر والعناج اسْم ذَلِك الْحَبل يُقَال: قَول لَا عناج لَهُ: إِذا أرسل على غير رويّة. وَإِذا كَانَت الدَّلْو خَفِيفَة فعناجها خيط يشدّ فِي إِحْدَى آذانها إِلَى العرقوة. والوذم: السيور الَّتِي بَين آذان الدَّلْو وأطراف العراقيّ. وَالْكرب بِفتْحَتَيْنِ: الْحَبل الَّذِي يشدّ فِي وسط العراقيّ ثمَّ يثنى ويثلّث ليَكُون هُوَ الَّذِي يَلِي المَاء

فَلَا يعفن الْحَبل الْكَبِير. يُقَال: أكربت الدَّلْو فَهِيَ مكربة. والعراقيّ: العودان المصلّبان تشدّ إِلَيْهِمَا الأوذام. وَأَرَادَ الحطيئة أَنهم إِذا عقدوا عقدا أحكموه ووثّقوه كإحكام الدَّلْو إِذا شدّ عَلَيْهَا العناج (طافت أُمَامَة بالركبان آونة ... يَا حسنه من قوام مَا ومنتقبا) وَاسْتشْهدَ بِهِ المراديّ فِي شرح الألفية على أنّ من فِي التَّمْيِيز زَائِدَة وَلِهَذَا صحّ عطف الْمَنْصُوب على مجرورها. أَي: ياحسنه قواماً ومنتقباً. وآونة: جمع أَوَان كأزمنة جمع زمَان وَقَوله: يَا حسنه لَفظه لفظ النداء وَمَعْنَاهُ التَّعَجُّب فيا للتّنْبِيه لَا للنداء وَالضَّمِير مُبْهَم قد فسّر بالتمييز. والقوام بِالْفَتْح وَوهم من ضَبطه بِالْكَسْرِ: الْقَامَة يُقَال: امْرَأَة حَسَنَة القوام أَي: الْقَامَة. وَمَا: زَائِدَة. والمنتقب بِفَتْح الْقَاف: مَوضِع النقاب. وَبعده بِأَبْيَات: (إنّ امْرأ رهطه بِالشَّام منزله ... برمل يبرين جاراً شدّ مَا اغتربا) وَأوردهُ ابْن هِشَام فِي أَوَاخِر الْبَاب الْخَامِس من الْمُغنِي على أَن أَصله: ومنزله برمل يبرين فَحذف حرف الْعَطف وَهُوَ الْوَاو وبابه الشّعْر. ثمَّ قَالَ: كَذَا قَالُوا وَلَك أَن تَقول الْجُمْلَة الثَّانِيَة صفة ثَانِيَة لَا معطوفة. وَقَوله: امْرأ عَنى الحطيئة بِالْمَرْءِ نَفسه. وَقَوله: رهطه بِالشَّام جملَة اسميّة صفة لاسم إنّ وَأَرَادَ: بِنَاحِيَة الشَّام الحطيئة عبسيّ ومنزل بني عبس شرج والقصيم والجواء وَهِي أسافل عدنة وَكَانَ الحطيئة جاور بغيض بن شمّاس الْمَذْكُور برمل يبرين وَهِي قَرْيَة كَثِيرَة النّخل والعيون) بِالْبَحْرَيْنِ بحذاء الأحساء لبني عَوْف بن سعد بن زيد مَنَاة ثمَّ لبني أنف النَّاقة. وإعرابها بِالْوَاو رفعا وبالياء نصبا وجرّاً وَرُبمَا التزموا الْيَاء وَجعلُوا الْإِعْرَاب بالحركات على النُّون وَيُقَال أَيْضا: رمل أبرين وَلابْن جنّي فِيهِ كَلَام جيّد نَقله ياقوت فِي مُعْجم الْبلدَانِ. وَقَوله: منزله برمل يبرين جملَة اسمية ثَانِيَة إِمَّا معطوفة بِالْوَاو المحذوفة وَإِمَّا صفة ثَانِيَة لاسم إِن. وجاراً: حَال من الْمُضمر المستقرّ فِي قَوْله: برمل يبرين الْعَائِد على الْمنزل. وَقَوله: شدّ مَا اغتربا مَنْصُوب على التَّعَجُّب وَمَا مَصْدَرِيَّة أَي: مَا أشدّ اغترابه وَالْجُمْلَة خبر اسْم إِن. وَمثله قَول جرير: (فَقلت للركب إِذْ جدّ الْمسير بِنَا ... مَا بعد يبرين من بَاب الفراديس) وَبَاب الفراديس من أَبْوَاب الشَّام. وَإِنَّمَا بسطت شرح هَذَا الْبَيْت لِأَنَّهُ وَقع فِي مُغنِي اللبيب وَلم يشرحه أحد من شرّاحه بِشَيْء. وَسبب مدح الحطيئة بغيضاً وهجو الزّبرقان هُوَ مَا ذكره الْأَصْبَهَانِيّ فِي الأغاني أَن الزبْرِقَان قدم على عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه فِي سنة مُجْدِبَة ليؤدّي صدقَات قومه فَلَقِيَهُ الحطيئة بقرقرى وَمَعَهُ ابناه أَوْس وسوادة وَبنَاته وَامْرَأَته قَالَ لَهُ الزبْرِقَان وَقد عرفه وَلم يعرفهُ الحطيئة: أَيْن تُرِيدُ فَقَالَ: الْعرَاق فقد حطمتنا هَذِه السّنة قَالَ: وتصنع مَاذَا قَالَ: وددت أَن أصادف بهَا رجلا يَكْفِينِي مُؤنَة عيالي وأصفيه مدائحي فَقَالَ لَهُ الزبْرِقَان: قد أصبته فَهَل لَك فِيهِ يوسعك تَمرا ولبناً ويجاورك أحسن جوَار قَالَ:

هَذَا وَأَبِيك الْعَيْش وَمَا كنت أَرْجُو هَذَا كُله عِنْد من قَالَ: عِنْدِي. قَالَ: وَمن أَنْت قَالَ: الزبْرِقَان. فسيّره إِلَى أمه وَهِي عمّة الفرزدق وَكتب إِلَيْهَا: أَن أحسني إِلَيْهِ وأكثري لَهُ من التَّمْر وَاللَّبن. وَقَالَ آخَرُونَ: بل س ذره إِلَى زَوجته هنيدة بنت صعصعة المجاشعية فأكرمته وأحسنت إِلَيْهِ فَبلغ ذَلِك بغيض بن عَامر من بني أنف النَّاقة وَكَانَ يُنَازع الزبْرِقَان الشّرف وَكَانَ الحطيئة دميماً سيئ الْخلق فهان أمره عَلَيْهَا وقصّرت بِهِ فَأرْسل إِلَيْهِ بغيض وَإِخْوَته: أَن ائتنا. فَأبى وَقَالَ: شَأْن النِّسَاء التَّقْصِير والغفلة وَلست بِالَّذِي أحمل على صَاحبهَا ذنبها وألحّوا عَلَيْهِ فَقَالَ: إِن تركت وجفيت تحوّلت إِلَيْكُم. وأطمعوه ووعدوه وَعدا عَظِيما فدسّوا إِلَى زَوْجَة الزبْرِقَان أَن الزبْرِقَان يُرِيد أَن يتَزَوَّج ابْنَته مليكَة وَكَانَت جميلَة فَظهر مِنْهَا جفوة. وألحوا عَلَيْهِ فِي الطّلب فارتحل إِلَيْهِم فَضربُوا لَهُ قبَّة وربطوا بكلّ طُنب من أطنابها حلّة هجريّة) وأراحوا عَلَيْهِ إبلهم وَأَكْثرُوا عَلَيْهِ التَّمْر وَاللَّبن. فَلَمَّا قدم الزبْرِقَان سَأَلَ عَنهُ فَأخْبر بِقِصَّتِهِ فَنَادَى فِي بني بَهْدَلَة بن عَوْف وَركب فرسه وَأخذ رمحه وَسَار حَتَّى وقف على القريعيين وَقَالَ: ردّوا عليّ جاري قَالُوا: مَا هُوَ لَك بجار وَقد اطّرحته وضيّعته وَكَاد أَن يَقع بَين الْحَيَّيْنِ حَرْب. فَاجْتمع أهل الحجا. وخيّروا الحطيئة فَاخْتَارَ بغيضاً وَجعل يمدح القريعيين من غير أَن يهجو الزبْرِقَان وهم يحرّضونه

على ذَلِك وَهُوَ يَأْبَى حَتَّى أرسل الزبْرِقَان إِلَى رجل من النمر بن قاسط يُقَال لَهُ دثار بن شَيبَان فهجا بغيضاً وفضّل الزبْرِقَان فَقَالَ من جملَة أَبْيَات: (وجدنَا بَيت بَهْدَلَة بن عَوْف ... تَعَالَى سمكه ودجا الفناء) (وَمَا أضحى لشمّاس بن لاي ... قديم فِي الفعال وَلَا رباء) (سوى أَن الحطيئة قَالَ قولا ... فَهَذَا من مقَالَته جَزَاء) وَلما سمع الحطيئة هَذَا ناضل عَن بغيض وهجا الزبْرِقَان فِي عدَّة قصائد مِنْهَا قَوْله: (وَالله مَا معشر لاموا امْرأ جنبا ... من آل لأي بن شمّاس بأكياس) (مَا كَانَ ذَنْب بغيض لَا أَبَا لكم ... فِي بائس جَاءَ يَحْدُو آخر النَّاس) (لقد مريتكم لَو أَن درّتكم ... يَوْمًا يَجِيء بهَا مسحي وإبساسي) (فَمَا ملكت. . بِأَن كَانَت نفوسكم ... كفارك كرهت ثوبي وإلباسي) (حَتَّى إِذا مَا بدا لي غيب أَنفسكُم ... وَلم يكن لجراحي فِيكُم آسي) (أزمعت يأساً مُبينًا من نوالكم ... وَلنْ ترى طارداً للحرّ كالياس) (مَا كَانَ ذَنْب بغيض أَن رأى رجلا ... ذَا فاقة عَاشَ فِي مستوعر شَاس) (جاراً لقوم أطالوا هون منزله ... وغادروه مُقيما بَين أرماس) (دع المكارم لَا ترحل لبغيتها ... واقعد فَإنَّك أَنْت الطاعم الكاسي) (من يفعل الْخَيْر لَا يعْدم جوازيه ... لَا يذهب الْعرف بَين الله وَالنَّاس) (ماكان ذَنبي أَن فلذت معاولكم ... من آل لأي صفاة أَصْلهَا راسي) ...

(قد ناضلوك فسلّوا من كنانتهم ... مجداً تليداً ونبلاً غير أنكاس) وَالْجنب بِضَم الْجِيم وَالنُّون: الْغَرِيب. والبائس: هُنَا الحطيئة وَهُوَ الَّذِي لَقِي بؤساً وشدّة من الْفقر يُقَال: أَصَابَت النَّاس سنة شَدِيدَة وَكَانَ الحطيئة فِيمَن انحدر مَعَ النَّاس فَلم يكن بِهِ من الْقُوَّة أَن يكون فِي أوّل النَّاس. وَقَوله: لقد مريتكم الخ أَي: طلبت مَا عنْدكُمْ وَأَصله من مريت) النَّاقة هُوَ أَن يمسح ضرْعهَا لتدرّ. والدرّة بِالْكَسْرِ: اللَّبن. والإبساس: صَوت تسكّن بِهِ النَّاقة عِنْد الْحَلب يَقُول: بس بس. وَقَوله: فَمَا ملكت بِأَن كَانَت الخ يَقُول: لم أملك بغضكم فأجعله حيّاً. والفارك: الْمَرْأَة المبغضة لزَوجهَا. وَقَوله: كرهت ثوبي أَي: كرهت أَن تدخل معي فِي ثوبي وَأَن تدخلني فِي ثوبها. وَقَوله: حَتَّى إِذا مَا بدا لي الخ أَي: بدا لي مَا كَانَ غَائِبا فِي أَنفسكُم من البغضة. وَلم يكن فِيكُم مصلح لما بِي من الْفساد وَسُوء الْحَال. والآسي: المداوي. وَقَوله: أزمعت يأساً الخ هُوَ من أَبْيَات مُغنِي اللبيب أوردهُ على أَن بَعضهم قَالَ من مُتَعَلقَة بيأساً وَالصَّوَاب أَن تعلقهَا بيئست محذوفة لِأَن الْمصدر لَا يُوصف قبل أَن يَأْتِي معموله. والإزماع: تصميم الْعَزْم. والمستوعر: الْمَكَان الوعر. والشأس: الْمَكَان الْمُرْتَفع الغليظ. والهون بِالضَّمِّ: المذلة. وغادروه أَي: تَرَكُوهُ كالميت بَين أموات الْقُبُور. وَقَوله: مَا كَانَ ذَنبي الخ فَلت بِالْفَاءِ: ثلمت والفلول: الثلم. والصفاة بِالْفَتْح: الصَّخْرَة الملساء. أَي: أردتموهم بِسوء فَلم تعْمل فِيهِ معاولكم. يَقُول: مَا كَانَ ذَنبي فَإِنِّي مدحت هَؤُلَاءِ لأَنهم أشرف مِنْكُم وَلَهُم مجد راس لَا تطيقون إِزَالَته. وَقَوله: قد ناضلوك الخ النكس بِالْكَسْرِ: السهْم يقلب فَيجْعَل أَسْفَله أَعْلَاهُ إِذا

انْكَسَرَ طرفه. والمناضلة: الْمُفَاخَرَة. وَأَرَادَ بالمجد الْقَدِيم النواصي وَكَانَت الْعَرَب إِذا أَنْعَمت على الرجل الشريف المأسور جزواً ناصيته وأطلقوه فَتكون الناصية عِنْد الرجل يفخر بهَا. وَقَوله: دع المكارم الخ أوردهُ الْفراء فِي مَعَاني الْقُرْآن فِي سُورَة هود على أَن الكاسي بِمَعْنى المكسو كَمَا أَن العاصم فِي قَوْله تَعَالَى: لَا عَاصِم الْيَوْم بِمَعْنى الْمَعْصُوم. قَالَ: وَلَا تنكرن أَن يخرج الْمَفْعُول على فَاعل إِلَّا ترى أَن قَوْله من مَاء دافق بِمَعْنى مدفوق وعيشة راضية بِمَعْنى مرضية يسْتَدلّ على ذَلِك بأنك تَقول: رضيت هَذِه الْمَعيشَة ودفق المَاء وكسي الْعُرْيَان بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول وَلَا تَقول ذَلِك بِالْبِنَاءِ للْفَاعِل. وَلما بلغ الزبْرِقَان هَذَا الْبَيْت استعدى عَلَيْهِ عمر بن الْخطاب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه فَقَالَ: مَا أرَاهُ هجاك وَلكنه مدحك. فَقَالَ: سل حسان بن ثَابت. فَسَأَلَهُ فَقَالَ حسان: هجاه وسلح عَلَيْهِ فحبسه عمر فَقَالَ وَهُوَ فِي الْحَبْس: (مَاذَا تَقول لأفراخ بِذِي مرخ ... حمر الحواصل لَا مَاء وَلَا شجر)) (ألقيت كاسبهم فِي قَعْر مظْلمَة ... فَاغْفِر عَلَيْك سَلام الله يَا عمر) ذُو مرخ: اسْم مَكَان وَأَرَادَ بالأفراخ أطفاله الصغار. وحمر الحواصل يَعْنِي لَا ريش لَهَا وَتكلم فِيهِ عَمْرو بن الْعَاصِ فَأخْرجهُ عمر فَقَالَ: إياك وهجاء النَّاس قَالَ: إِذا يَمُوت عيالي جوعا هَذَا مكسبي وَمِنْه معاشي

وَعَن زيد بن أسلم عَن أَبِيه قَالَ: أرسل عمر إِلَى الحطيئة وَأَنا عِنْده وَقد كَلمه عَمْرو بن الْعَاصِ وَغَيره فَأخْرجهُ من السجْن فأنشده: مَاذَا تَقول لأفراخ بِذِي مرخ فَبكى عمر ثمَّ قَالَ: عَليّ بالكرسي فَجَلَسَ عَلَيْهِ وَقَالَ: أَشِيرُوا عَليّ فِي الشَّاعِر فَإِنَّهُ يَقُول الهجو ويشبب بِالنسَاء وينسب بِمَا لَيْسَ فيهم ويذمهم مَا أَرَانِي إِلَّا قَاطعا لِسَانه ثمَّ قَالَ: عَليّ بطست ثمَّ قَالَ: عَليّ بالمخصف عَليّ بالسكين بل عَليّ بالموس فَقَالُوا: لَا يعود يَا أَمِير وروى عبد الله بن الْمُبَارك: أَن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه لما أطلق الحطيئة أَرَادَ أَن يُؤَكد عَلَيْهِ الْحجَّة فَاشْترى مِنْهُ أَعْرَاض الْمُسلمين جَمِيعًا بِثَلَاثَة آلَاف دِرْهَم. فَقَالَ الحطيئة فِي ذَلِك: (وَأخذت أَطْرَاف الْكَلَام فَلم تدع ... شتماً يضر وَلَا مديحاً ينفع) (وحميتني عرض اللَّئِيم فَلم يخف ... مني وَأصْبح آمنا لَا يفزع) وَقد ترجمنا الحطيئة فِي الشَّاهِد التَّاسِع وَالْأَرْبَعِينَ بعد الْمِائَة. وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد الْخَامِس عشر بعد الْمِائَتَيْنِ (فَاصْدَعْ بِأَمْرك مَا عَلَيْك غَضَاضَة ... وَابْشَرْ بِذَاكَ وقر مِنْهُ عيُونا)

على أَنه يجوز جمع الْمثنى فيالتمييز إِذا لم يلبس: إِذا كَانَ الظَّاهِر أَن يُقَال: وقر مِنْهُ عينين أَو عينا. لكنه جمع لعدم اللّبْس وَلِأَن أقل الْجمع اثْنَان على رَأْي. وَهَذَا الْبَيْت أحد أَبْيَات خَمْسَة لأبي طَالب عَم النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ. وَهِي: (وَالله لن يصلوا إِلَيْك بِجَمْعِهِمْ ... حَتَّى أُوَسَّد فِي التُّرَاب دَفِينا) (فَاصْدَعْ بِأَمْرك مَا عَلَيْك غَضَاضَة ... وَابْشَرْ بِذَاكَ وقر مِنْهُ عيُونا) (وَدَعَوْتنِي وَزَعَمت أَنَّك نَاصح ... وَلَقَد صدقت وَكنت ثمَّ أَمينا) (لَوْلَا الْمَلَامَة أَو حذار مسَبَّة ... لَوَجَدْتنِي سَمحا بِذَاكَ مُبينًا) قَالَ السُّيُوطِيّ فِي شرح شَوَاهِد الْمُغنِي: أخرج ابْن إِسْحَاق وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن يَعْقُوب بن عتبَة بن الْمُغيرَة بن الْأَخْنَس: أَن قُريْشًا أَتَت أَبَا طَالب فكلمته فِي النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فَبعث إِلَيْهِ فَقَالَ لَهُ: يَا ابْن أخي إِن قَوْمك قد جاؤوني فَقَالُوا كَذَا وَكَذَا فأبق عَليّ وعَلى نَفسك وَلَا تحملنِي من الْأَمر مَا لَا أُطِيق أَنا وَلَا أَنْت فَاكْفُفْ عَن قَوْمك مَا يكْرهُونَ من قَوْلك فَظن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أَنه قد بدا لِعَمِّهِ فِيهِ وَأَنه خاذله فَقَالَ: يَا عَم لَو وضعت الشَّمْس فِي يَمِيني وَالْقَمَر فِي يساري مَا تركت هَذَا الْأَمر حَتَّى يظهره الله أَو أهلك فِي طلبه ثمَّ استعبر رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فَبكى فَلَمَّا ولى قَالَ لَهُ حِين رأى مَا بلغ من الْأَمر برَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: يَا ابْن أخي امْضِ على أَمرك وَافْعل مَا أَحْبَبْت

فوَاللَّه لَا أسلمك لشَيْء أبدا. وَقَالَ أَبُو طَالب فِي ذَلِك هَذِه الأبيات انْتهى. وَقد أنْشد الزَّمَخْشَرِيّ هَذِه الأبيات عِنْد قَوْله تَعَالَى وهم ينهون عَنهُ وينأون عَنهُ من سُورَة الْأَنْعَام بِنَاء على القَوْل بِأَنَّهَا نزلت فِي أبي طَالب. وَقَوله: وَالله لن يصلوا إِلَيْك الخ أنْشد هَذَا الْبَيْت ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي على أَن الْقسم قد يلقى بلن نَادرا. ونازعه الدماميني فِي الْحَاشِيَة الْهِنْدِيَّة بِأَنَّهُ يحْتَمل أَن يكون مِمَّا حذف فِيهِ الْجَواب لدلَالَة مَا بعده عَلَيْهِ تَقْدِيره: وَالله إِنَّك لآمن على نَفسك فَيكون قَوْله: لن يصلوا إِلَيْك الخ جملَة مستأنفة لَا جَوَاب الْقسم. وأوسد بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول: من وسدته الشَّيْء: إِذا جعلته تَحت رَأسه وسَادَة. ودفينا: حَال من ضمير أُوَسَّد بِمَعْنى مدفون.) وَقَوله فَاصْدَعْ بِأَمْرك الخ يُقَال: صدعت بِالْحَقِّ إِذا تَكَلَّمت بِهِ جهاراً. وَقيل فِي قَوْله تَعَالَى: فَاصْدَعْ بِمَا تُؤمر أَي: شقّ جماعاتهم بِالتَّوْحِيدِ وَقيل: افرق بذلك بَين الْحق وَالْبَاطِل وَقيل: أظهر ذَلِك. وَهُوَ مَأْخُوذ من قَوْلهم: صدعت الْقَوْم صدعاً فتصدعوا أَي: فرقتهم فَتَفَرَّقُوا. وأصل الصدع الشق. وَرُوِيَ فانفذ بِأَمْرك. والغضاضة قَالَ فِي الصِّحَاح: يُقَال لَيْسَ عَلَيْك فِي هَذَا الْأَمر غَضَاضَة أَي: ذلة ومنقصة. وَفِي الْمِصْبَاح: غض الرجل صَوته وطرفه وَمن طرفه وصوته غضاً من بَاب قتل: خفض وَمِنْه يُقَال غض

من فلَان غضاً وغضاضة: إِذا تنقصه. وَقَوله: وَابْشَرْ بِذَاكَ أَي: بِعَدَمِ وصولهم إِلَيْك أَو بِظُهُور أَمرك أَو بِانْتِفَاء الغضاضة عَنْك أَو بالمجموع وَيكون ذَلِك إِشَارَة إِلَى مَا ذكر. وَابْشَرْ بِفَتْح الشين لِأَنَّهُ يُقَال بشر بِكَذَا يبشر مثل فَرح يفرح وزنا وَمعنى وَهُوَ الاستبشار أَيْضا والمصدر البشور وَيَتَعَدَّى بالحركة فَيُقَال بَشرته أُبَشِّرهُ من بَاب قتل فِي لُغَة تهَامَة وَمَا والاها وَالِاسْم مِنْهُ الْبشر بِضَم الْبَاء والتعدية بالتثقيل لُغَة عَامَّة الْعَرَب كَذَا فِي الْمِصْبَاح. وَقَوله: وقر مِنْهُ عيُونا أَي: من أَجله. قَالَ الطَّيِّبِيّ: وَإِنَّمَا جمع الْعين لِأَن المُرَاد عُيُون الْمُسلمين لِأَن قُرَّة عينه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ قُرَّة لأعينهم. وَهَذَا الْمَعْنى صَحِيح إِلَّا أَن اللَّفْظ لَا يساعد. وَهُوَ تَمْيِيز محول عَن الْفَاعِل. قَالَ ثَعْلَب فِي فصيحه: وقررت بِهِ عينا أقرّ بِكَسْر الْعين فِي الْمَاضِي وَفتحهَا فِي الْمُسْتَقْبل ومصدر الأول القر والقرور بِضَم أَولهمَا ومصدر الثَّانِي الْقَرار والقر بفتحهما. قَالَ شَارِحه أَبُو سهل الْهَرَوِيّ: قَوْلهم: أقرّ الله عَيْنك مَعْنَاهُ لَا أبكاك الله فتسخن بالدمع عَيْنك فَكَأَنَّهُ قَالَ: سرك الله ويجوز أَن يكون صادفت مَا يرضيك لتقر عَيْنك من النّظر إِلَى غَيره. وَأما قَول بَعضهم: مَعْنَاهُ برد الله دمعتها لِأَن الدمعة السرُور بَارِدَة ودمعة الْحزن حارة فَإِنَّهُ خطأ لِأَن الدمع كُله حَار. وَقَوله: وَدَعَوْتنِي أَي: إِلَى الْإِيمَان. وَزَعَمت أَي: قلت فَإِن الزَّعْم أحد مَعَانِيه القَوْل وَرُوِيَ بدله. وَعلمت فَهُوَ بِضَم التَّاء وَثمّ بِفَتْح الثَّاء إِشَارَة إِلَى مقَام القَوْل

والنصح أَو الدعْوَة وَرُوِيَ بدله: قبل بِضَم اللَّام أَي: قبل هَذَا. وَقَوله: وَعرضت الخ من زَائِدَة على رَأْي من يَقُول بزيادتها فِي الْإِثْبَات أَو تبعيضية أَي: من بعض الْأَدْيَان الفاضلة. وديناً الثَّانِي إِمَّا تَمْيِيز وَإِمَّا تَأْكِيد للْأولِ. وَقَوله: لَوْلَا الْمَلَامَة أَي: لَوْلَا ملامة الْكفَّار لي. والحذار بِالْكَسْرِ: المحاذرة. وسمحاً: منقاداً. ومبيناً: مظْهرا من الْإِبَانَة وَهِي) وترجمة أبي طَالب تقدّمت فِي الشَّاهِد الْحَادِي وَالتسْعين. وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد السَّادِس عشر بعد الْمِائَتَيْنِ وَهُوَ من شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ: ثَلَاثُونَ للهجر حولا كميلا وَهَذَا عجز وصدره: على أنني بعد مَا مضى على أَنه فصل بالمجرور ضَرُورَة بَين التَّمْيِيز وَهُوَ حولا وَبَين الْمُمَيز وَهُوَ ثَلَاثُونَ. وأنشده سِيبَوَيْهٍ فِي بَاب كم مَعَ بَيت بعده وَهُوَ: (يذكرنيك حنين العجول ... ونوح الْحَمَامَة تَدْعُو هديلا) قَالَ الأعلم فِي شرح أبياته: الشَّاهِد فِي فَصله بَين الثَّلَاثِينَ والحول بالمجرور

ضَرُورَة. فَجعل سِيبَوَيْهٍ هَذَا تَقْوِيَة لما يجوز فِي كم من الْفَصْل عوضا لما منعته من التَّصَرُّف فِي الْكَلَام بالتقدير وَالتَّأْخِير لتضمنها معنى الِاسْتِفْهَام والتصدر بهَا لذَلِك. وَالثَّلَاثُونَ وَنَحْوهَا من الْعدَد لَا تمْتَنع من التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير لِأَنَّهَا لم تَتَضَمَّن معنى يجب لَهَا بِهِ التصدر فَعمِلت فِي الْمُمَيز مُتَّصِلا بهَا على مَا يجب وَقَوله: على أنني مُتَعَلق بِمَا قبله من الأبيات لَا بقوله يذكرنيك كَمَا زَعمه شَارِح شَوَاهِد الْمُغنِي فَإِن يذكرنيك خبر أنني. والحول: العا وَقَالَ صَاحب الْمِصْبَاح: حَال حولا من بَاب قَالَ: إِذا مضى وَمِنْه قيل للعام حول وَإِن لم يمض لِأَنَّهُ سَيكون حولا تَسْمِيَة بِالْمَصْدَرِ وَالْجمع أَحْوَال. والكميل: الْكَامِل. وَثَلَاثُونَ فَاعل مضى. وَالذكر مُتَعَدٍّ لمفعول وَاحِد يُقَال: ذكرته بلساني وبقلبي وَالِاسْم ذكر بِالضَّمِّ وَالْكَسْر نَص عَلَيْهِ جمَاعَة مِنْهُم أَبُو عُبَيْدَة وَابْن قُتَيْبَة وَأنكر الْفراء الْكسر فِي الْقلب وَقَالَ: اجْعَلنِي على ذكر مِنْك بِالضَّمِّ لَا غير. وَيَتَعَدَّى إِلَى مفعولين بِالْألف والتضعيف كَمَا هُنَا فَإِن الْيَاء مفعول أول وَالْكَاف مفعول ثَان. وحنين فَاعله. ونوح مَعْطُوف عَلَيْهِ. والحنين: تَرْجِيع النَّاقة صَوتهَا إِثْر وَلَدهَا هَذَا أَصله وَمِنْه معنى الاشتياق. والعجول من الْإِبِل: الواله الَّتِي فقدت وَلَدهَا بِذبح أَو موت أَو هبة وَقيل: النَّاقة الَّتِي أَلْقَت وَلَدهَا قبل أَن يتم بِشَهْر أَو بشهرين.) ونوح الْحَمَامَة: صَوت تسْتَقْبل بِهِ صَاحبهَا لِأَن أصل النوح الْمُقَابلَة وَجُمْلَة تَدْعُو حالم ن الْحَمَامَة. زالهديل قَالَ ابْن قُتَيْبَة فِي أدب الْكَاتِب: الْعَرَب تَجْعَلهُ الهديل مرّة فرخاً تزْعم الْأَعْرَاب أَنه كَانَ على عهد نوح

عَلَيْهِ السَّلَام فصاده جارج من جوارح الطير قَالُوا: فَلَيْسَ من فعلى الأول هُوَ مفعول تَدْعُو بِمَعْنى تبكيه وترثيه وَكَذَلِكَ على الثَّانِي بِمَعْنى تطلبه ليسافدها لِأَنَّهُ بِمَعْنى الذّكر. قَالَ فِي الْعباب: الهديل: الذّكر من الْحمام وَقيل الْحمام الوحشي كالقماري والدباسي. وعَلى الثَّالِث مفعول مُطلق وناصبه إِمَّا تَدْعُو بِمَعْنى تهدل وَإِمَّا فعل مُقَدّر من لَفظه أَي: تهدل هديلاً مثل: هدر يهدر هديراً. وَقَالَ الجاحظ: يُقَال فِي الْحمام الوحشي من القماري والفواخت والدباسي وَمَا أشبه ذَلِك: هدل يهدل هديلاً وَيُقَال هدر الْحمام يهدر. وَقَالَ أَبُو زيد: الْجمل يهدر وَلَا يُقَال بِاللَّامِ. وَلَا يجوز على هَذَا أَن ينْتَصب هديلاً على الْحَال من ضمير تَدْعُو لِأَن مَجِيء الْمصدر حَالا سَمَاعي وَلَا ضَرُورَة هُنَا تَدْعُو إِلَيْهِ. وَمعنى الْبَيْتَيْنِ: لم أنس عَهْدك على بعده وَكلما حنت عجول أَو صاحت حمامة وَقت نَفسِي فذكرتك. وهما من أَبْيَات سِيبَوَيْهٍ الْخمسين الَّتِي لم يعرف لَهَا قَائِل. وَنقل الْعَيْنِيّ عَن الموعب أَنَّهُمَا للْعَبَّاس بن مرداس الصَّحَابِيّ وَالله أعلم وَتَقَدَّمت تَرْجَمَة الْعَبَّاس فِي الشَّاهِد السَّابِع عشر وَكَذَا رَأَيْته أَنا فِي شرح ابْن يسعون على شَوَاهِد الْإِيضَاح لأبي عَليّ الْفَارِسِي مَنْسُوبا إِلَى الْعَبَّاس بن مرداس.

الشَّاهِد السَّابِع عشر بعد الْمِائَتَيْنِ وَهُوَ من شَوَاهِد س: (تَقول ابْنَتي حِين جد الرحي ... ل أبرحت رَبًّا وأبرحت جارا) على أَن رَبًّا وجاراً تمييزان. قَالَ ابْن السراج فِي الْأُصُول: وَأما الَّذِي ينْتَصب انتصاب الِاسْم بعد الْمَقَادِير فَقَوله: ويحه رجلا وَللَّه دره رجلا وحسبك بِهِ رجلا قَالَ عَبَّاس بن مرداس: (وَمرَّة يجمعهُمْ إِذا مَا تبددوا ... ويطعنهم شزراً فأبرحت فَارِسًا) قَالَ سِيبَوَيْهٍ: كَأَنَّهُ قَالَ: فَكفى بك فَارِسًا وَإِنَّمَا يُرِيد كغيت فَارِسًا وَدخلت هَذِه الْبَاء توكيداً. وَمِنْه قَول الآعشى: فأبرحت رَبًّا وأبرحت جاراً وَهَذَا الْبَيْت من قصيدة للأعشى مدح بهَا قيس بن معد يكرب الْكِنْدِيّ وَكَانَ الْأَعْشَى مدحه بقصيدة دالية فَقَالَ لَهُ قيس: إِنَّك تسرق الشّعْر فَقَالَ لَهُ الْأَعْشَى: قيدني فِي بَيت حَتَّى أَقُول لَك شعرًا. فحبسه وَقَيده. فَقَالَ عِنْد ذَلِك هَذِه القصيدة. وَزعم ابْن قُتَيْبَة أَن الْقَائِل لَهُ إِنَّمَا هُوَ النُّعْمَان بن الْمُنْذر وَهَذَا غير صَحِيح بِدَلِيل قَوْله فِيهَا: ...

(إِلَى الْمَرْء قيس نطيل السرى ... ونطوي من الأَرْض تيهاً قفارا) (أأزمعت من آل ليلى ابتكارا ... وشطت على ذِي هوى أَن تزارا) إِلَى أَن قَالَ بعد ثَلَاثَة أَبْيَات: (وشوق علوق تناسيته ... بزيافة تستخف الضفارا) (بَقِيَّة خمس من الراسما ... ت بيض تشبههن الصوارا) (دفعن إِلَى اثْنَيْنِ عِنْد الْخُصُوص ... وَقد حبسا بَينهُنَّ الإصارا) (فَهَذَا يعد لَهُنَّ الخلا ... وينقل ذَا بَينهُنَّ الحضارا) (فَكَانَت بقيتهن الَّتِي ... تروق الْعُيُون وتقضي السفارا) (فأبقى رواحي وسير الغدو ... مِنْهَا ذؤاب جداء صغَارًا) (أَقُول لَهَا حِين جد الرحي ... ل أبرحت جدا وأبرحت جارا) (إِلَى الْمَرْء قيس نطيل السرى ... ونطوي من الأَرْض تيهاً قفارا) (فَلَا تشتكن إِلَيّ السفار ... وَطول العنا واجعليه اصطبارا)) (رواح الْعشي وسير الغدو ... يَد الدَّهْر حَتَّى تلاقي الخيارا) (تلاقين قيسا وأشياعه ... يسعر للحرب نَارا فنارا) قَوْله: وشوق علوق أَي: رب شوق وَهُوَ مُضَاف إِلَى علوق. والعلوق بِفَتْح الْمُهْملَة: النَّاقة الَّتِي تعطف على غير وَلَدهَا فَلَا ترأمه وَإِنَّمَا تشمه بأنفها

وتمنع لَبنهَا. والعلوق أَيْضا من النِّسَاء: الَّتِي لَا تحب غير زَوجهَا وَمن النوق: الَّتِي لَا تألف الْفَحْل وَلَا ترأم الْوَلَد. والزيافة: النَّاقة المسرعة وَقيل المتبخترة من زاف يزيف زيفاً: إِذا تبختر فِي مشيته. والضفار جمع ضفرة وضفيره بالضاد الْمُعْجَمَة وَالْفَاء وَهِي البطان المعرض والبطان بِالْكَسْرِ هُوَ للقتب الحزام الَّذِي يَجْعَل تَحت بطن الْبَعِير وَهُوَ بِمَنْزِلَة التصدير للرحل. وَقَوله: بَقِيَّة خمس أَي: تِلْكَ الزيافة بَقِيَّة نُوق خمس. والراسمات من الرسيم وَهُوَ ضرب من سير الْإِبِل السَّرِيع وَقد رسم يرسم رسيماً. وبيض: جمع بَيْضَاء أَي: كَرِيمَة. والصوار بِضَم الصَّاد وَكسرهَا: القطيع من بقر الْوَحْش وَالْجمع صيران. وَقَوله: دفعن إِلَى اثْنَيْنِ اخ أَي: دفع قرينه تِلْكَ النوق الْخمس إِلَى رجلَيْنِ عِنْد الْخُصُوص وَهُوَ مَوضِع قرب الْكُوفَة. والإصار بِكَسْر الْهمزَة قَالَ الصَّاغَانِي فِي الْعباب: والإصار والأيصر: حَبل قصير يشد بِهِ فِي أَسْفَل الخباء إِلَى وتد وكل حبس يحبس بِهِ شَيْء أَو يشد بِهِ فَهُوَ إصار قَالَ الْأَعْشَى يصف النوق. . وَأنْشد هَذَا الْبَيْت. وَقَوله: فَهَذَا يعد أَي: يُهَيِّئ. والخلا بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة: الْحَشِيش الرطب. والحضار بِفَتْح الْمُهْملَة وَكسرهَا وَبعدهَا ضاد مُعْجمَة: الكرائم من الْإِبِل كالهجان: واحده وَجمعه سَوَاء. وَقَوله: فأبقى رواحي الخ الرواح: مصدر رَاح يروح وَهُوَ نقيض غَدا يَغْدُو غدواً. والذؤاب: جمع ذؤابة بذال مَضْمُومَة بعْدهَا همزَة فموحدة وَهِي الْجلْدَة الَّتِي تعلق على آخِرَة الرحل. والجداء: جمع جدية بِالْجِيم وَهِي شَيْء يحشى تَحت دفتي السرج والرحل.

أَرَادَ أَنَّهَا لم يبْق من ظهرهَا شَيْء من كَثْرَة السّير. ثمَّ بعد وصف ضمرها ببيتين آخَرين قَالَ: أَقُول لَهَا حِين جد الرحيل أَي: أَقُول لتِلْك الزيافة. وجد بِمَعْنى اشْتَدَّ. وأبرحت بِكَسْر التَّاء خطاب للزيافة. قَالَ أَبُو عبيد فِي الْغَرِيب المُصَنّف: مَا أَبْرَح هَذَا الْأَمر: مَا أعجبه. وَأنْشد هَذَا الْبَيْت. قَالَ شَارِح أبياته ابْن السيرافي: الْمَعْنى اخْتَرْت ربّاً وَهُوَ الْملك وجاراً عَظِيم الْقدر. وَقيل) أبرحت أعجبت قَالَ صَاحب الصِّحَاح وَتَبعهُ صَاحب الْعباب: وأبرحه أَي: أعجبه. وَأنْشد هَذَا الْبَيْت وَقَالَ: أَي: أعجبت وبالغت. وأبرحه أَيْضا بِمَعْنى أكْرمه وعظّمه. . وعَلى هَذَا ف ربّاً مفعول بِهِ وَهُوَ بِمَعْنى الْمَالِك وَالسَّيِّد وَالْمرَاد بِهِ نفس الشَّاعِر أَو ممدوحه. وَهَذَا هُوَ الظَّاهِر الْمُتَبَادر من سوق الْكَلَام. وَقَالَ صَاحب الْعباب: ويروى: تَقول لَهُ حِين حَان الرحيل أبرحت أَي: تَقول للأعشى النَّاقة: أبرحت بِي فِي طلب رَبك هَذَا الَّذِي طلبته وعذّبتني وحسرتني انْتهى. وعَلى هَذَا فأبرحت مَعْنَاهُ أصبتني بالبرح وَهُوَ الشدَّة وَالْعَذَاب وَيكون رَبًّا أَصله فِي طلب رَبك. وَلَا يخفى هَذَا التعسف مَعَ أَن هَذِه الرِّوَايَة غير ثَابِتَة وَغير منسجمة مَعَ ضمير الْغَائِب. وَقَالَ ابْن حبيب: يُرِيد: تَقول لَهُ نَاقَته: أعظمت وأكرمت أَي: اخْتَرْت رَبًّا كَرِيمًا وجاراً عَظِيم الْقدر يبرح بِمن طلب شأوه. وَرُوِيَ أَيْضا كَمَا فِي الشَّرْح: تَقول ابْنَتي حِين جدّ الرحيل وَإِنَّمَا رُوِيَ فِي كتاب س وَفِي نَوَادِر أبي زيد الْعَجز مَقْرُونا بِالْفَاءِ هَكَذَا:

فأبرحت ربّاً وأبرحت جارا وتمّمه شرَّاح شواهده بِمَا ذكره الشَّارِح. وَهَذِه الرِّوَايَة لَا ارتباط لَهَا بِمَا بعْدهَا كَمَا هُوَ الظَّاهِر. قَالَ أَبُو عُبَيْدَة كَمَا فِي النَّوَادِر: أبرحت فِي معنى صادفت كَرِيمًا. وَقَالَ غَيره: أبرحت بِمن أَرَادَ اللحاق بك تَبْرَح بِهِ فَيلقى دون ذَلِك شدَّة. والبرح: الْعَذَاب والشدة وَمن ذَلِك برّحت بفلان انْتهى. فالرب على الأول الممدوح وعَلى الثَّانِي الصاحب. وَقَالَ النّحاس: قَالَ الْأَصْمَعِي: أبرحت ربّاً أَي: أبلغت. وَقَالَ الأسعدي: أَبْرَح فلَان رجلا: إِذا فَضله. وَهَذَا كُله على أَن ربّاً مفعول بِهِ لَا تَمْيِيز. وَقَالَ الأعلم: قَوْله: فأبرحت رَبًّا الخ الشَّاهِد فِيهِ نصب ربّ وَدَار على التَّمْيِيز. وَالْمعْنَى أبرحت من ربّ وَمن جَار أَي: بلغت غَايَة الْفضل فِي هَذَا النَّوْع. وَصدر الْبَيْت: تَقول ابْنَتي حِين جدّ الرحيل أبرحت ربّاً) وَالْمعْنَى على هَذَا. أَبْرَح رَبك وأبرح جَارك. ثمَّ جعل الْفِعْل لغير الرب وَالْجَار كَمَا تَقول: طبت نفسا أَي: طابت نَفسك. وَهَذَا أبين من التَّفْسِير الأول وَعَلِيهِ يدل صدر الْبَيْت. وَأَرَادَ بالرب الْملك الممدوح. وكل من ملك شَيْئا فَهُوَ ربه. انْتهى.

وَقَالَ الشَّارِح الْمُحَقق: أبرحت أَي: جِئْت بالبرح وصرت ذَا برح والبرح: الشدَّة. فَمَعْنَى أبرحت صرت ذَا شدَّة وَكَمَال أَي: بالغت وكملت رَبًّا. فَهُوَ نَحْو كفى زيد رجلا أَي: أَبْرَح جَار هُوَ أَنْت. . فالرب على قَول الأعلم الممدوح وعَلى قَول الشَّارِح نفس الشَّاعِر وَمعنى الْبَيْت على هَذَا إِنَّمَا هُوَ بِقطع النّظر عَمَّا بعده وَقَبله وَإِلَّا فَلَا يُنَاسب السِّيَاق. والمقدار الَّذِي أوردهُ س عجز للصدر الَّذِي هُوَ: أَقُول لَهَا حِين جد الرحيل وَالْفَاء من تصرف النسّاخ فَتكون التَّاء مَكْسُورَة وَالْمعْنَى على مَا ذكره الأعلم وَالله أعلم وَأورد قبله قَول الْعَبَّاس بن مرداس السّلمِيّ: (وَمرَّة يحميهم إِذا مَا تبددوا ... ويطعنهم شزراً فأبرحت فَارِسًا) قَالَ الأعلم: الْمَعْنى فأبرحت من فَارس أَي: بالغت وتناهيت فِي الفروسية وأصل أبرحت من البراح وَهُوَ المتسع من الأَرْض المنكشف أَي: تبين فضلك تبين البراح من الأَرْض. وترجمة الْأَعْشَى مَيْمُون تقدّمت فِي الشَّاهِد الثَّالِث وَالْعِشْرين وترجمة قيس أَيْضا تقدّمت فِي الشَّاهِد الثَّانِي بعد الْمِائَتَيْنِ.

وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد الثَّامِن عشر بعد الْمِائَتَيْنِ يَا جارتا مَا أَنْت جَاره على أَن جَارة تَمْيِيز لِأَن مَا الاستفهامية تفِيد التفخيم أَي: كملت جَارة. وَهَذَا المصراع عجز وصدره: بَانَتْ لتحزننا عفاره وَالْبَيْت مطلع قصيدة للأعشى مَيْمُون. . قَالَ الشاطبي فِي شرح الألفية: أجَاز الْفَارِسِي أَن تكون جَارة فِي هَذَا الْبَيْت تمييزاً لجَوَاز دُخُول من عَلَيْهَا لِأَن مَا اسْتِفْهَام على معنى التَّعَجُّب فجارة يَصح أَن يُقَال فِيهَا: مَا أَنْت من جَارة كَمَا قَالَ الآخر: (يَا سيداً مَا أَنْت من سيد ... موطّأ الأكتاف رحب الذّراع) وروى أَوله أَبُو عَليّ فِي إِيضَاح الشّعْر: (بَانَتْ لطيّتها عراره ... يَا جَارة مَا أَنْت جَاره) والطية بِالْكَسْرِ وَتَشْديد الْيَاء التَّحْتِيَّة: النِّيَّة وَالْقَصْد. وعرارة: امْرَأَة وَقَالَ قبله فِي قَول الشَّاعِر: وَأَنت مَا أَنْت فِي غبراء مظْلمَة الظّرْف حَال وَالْعَامِل مَا فِي قَوْله: مَا أَنْت من معنى الْمَدْح والتعظيم كَأَنَّهُ قَالَ: عظمت حَالا فِي غبراء. وَلَيْسَ فِي الْكَلَام مَا يَصح أَن يكون عَاملا فِي الظّرْف غير مَا ذكرنَا وَإِذا صَحَّ معنى الْفِعْل وَذَلِكَ من حَيْثُ ذكرنَا

كَانَ قَول الْأَعْشَى: جَارة فِي مَوضِع نصب بِمَا فِي مَا أَنْت كَمَا ذكرنَا. انْتهى. وَلَا يَصح أَن تكون مَا نَافِيَة كَمَا زَعمه الْعَيْنِيّ لِأَن نصب جَارة على التَّمْيِيز إِنَّمَا هُوَ من الِاسْتِفْهَام التعجبي. وَهَذِه عِبَارَته: مَا نَافِيَة وَأَنت مُبْتَدأ وجارة خبر. ويروى: مَا كنت جَاره فَهَذَا يُؤَكد معنى النَّفْي. وَيجوز أَن تكون مَا استفهامية فِي مَوضِع الرّفْع على الِابْتِدَاء وَأَنت وَلَا يخفى أَن الْمَعْنى لَيْسَ على النَّفْي وَإِنَّمَا هُوَ على التَّعَجُّب كَمَا ذكره الْجَمَاعَة. وبَانَتْ: من الْبَين وَهُوَ الْفِرَاق. وَقَوله: لتحزننا يجوز فتح التَّاء وَضمّهَا فَإِنَّهُ يُقَال حزنه يحزنهُ وَهِي لُغَة قُرَيْش وأحزنه يحزنهُ وَهِي لُغَة تَمِيم وَقد قرىء بهما. وحزن يَأْتِي لَازِما أَيْضا يُقَال: حزن الرجل فَهُوَ حزن وحزين من بَاب فَرح يفرح. وعفارة بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة: اسْم امْرَأَة وَهِي فَاعل لأحد الْفِعْلَيْنِ على سَبِيل التَّنَازُع.) وَقَوله: يَا جارتا الخ هُوَ الْتِفَات من الْغَيْبَة إِلَى الْخطاب. وجارة الرجل: امْرَأَته الَّتِي تجاوره فِي الْمنزل. . ومَا: اسْم اسْتِفْهَام مُبْتَدأ عِنْد س وَأَنت الْخَبَر وَعند الْأَخْفَش بِالْعَكْسِ. وَقَالَ الْعَيْنِيّ: عفارة: امْرَأَة يحْتَمل أَن تكون هِيَ الجارة أَو غَيرهَا فَإِن كَانَت عينهَا فقد اتنقل من الْإِخْبَار إِلَى الْخطاب والجارة هُنَا زَوجته انْتهى. وَالظَّاهِر أَن الجارة عي عفارة وَأَنَّهَا عشيقته فَتَأمل. ثمَّ رَأَيْت فِي شرح شَوَاهِد الْإِيضَاح لأبي عَليّ الْفَارِسِي لِابْنِ بري قَالَ وَأنْشد: يَا جارتا مَا أَنْت جَاره

وَقَبله: بَانَتْ لتحزننا عفاره بَانَتْ لطيتها عفارة هُوَ لأعشى بني قيس والجارة هُنَا زوجه قَالَ ابْن دُرَيْد والطية: الْمنزل الَّذِي تنويه. وعفارة اسْم امْرَأَة وَيحْتَمل أَن تكون هِيَ الجارة وَغَيرهَا فَإِن كَانَت الجارة فقد انْتقل من الْإِخْبَار إِلَى الْخطاب. وَقَوله: يَا جارتا يُرِيد يَا جارتي فأبدل من الكسرة فَتْحة فَانْقَلَبت الْيَاء ألفا لتحركها وانفتاح مَا قبلهَا وَيجوز أَن تكون ألف الندبة لما وَصلهَا حذف الْهَاء كَأَنَّهُ لما فقدها ندبها. وَقَوله: مَا أَنْت جَاره مَا نَافِيَة وأَنْت مُبْتَدأ أَو اسْم مَا وجَارة إِمَّا فِي مَوضِع نصب خبر لما وَإِمَّا فِي مَوضِع رفع خبر أَنْت. ويروى: مَا كنت فَهَذَا يُؤَكد النَّفْي كَمَا قَالَ تَعَالَى مَا هَذَا بشرا وَيجوز أَن تكون مَا استفهاماً فِي مَوضِع رفع بِأَنَّهَا خبر أَنْت وجارة فِي مَوضِع نصب على التَّغْيِير أَي: مَا أَنْت من جَاره. وَيجوز أَن تكون حَالا وَالْعَامِل فِيهَا معنى الْكَلَام أَي: كرمت جَارة أَو نبلت جَارة. وَيجوز أَن تكون مَا مُبْتَدأ وَإِن كَانَت نكرَة لما فِيهَا من معنى التفخيم والتعجب وَلِأَنَّهَا تقع صَدرا غير أَنه أوقعهَا على من يعقل فَكَانَ الْوَجْه مَا بدأنا بِهِ. هَذَا كَلَامه برمتِهِ وتعسفه ظَاهر. وَقَالَ شَارِح آخر لأبيات الْإِيضَاح: جلبه أَبُو عَليّ شَاهدا على أَن

(باب المستثنى)

جَارة الْمَوْقُوف عَلَيْهَا يحْتَمل أَن تكون تمييزاً لِإِمْكَان إِدْخَال من عَلَيْهَا. وَيحْتَمل أَن تكون حَالا. ثمَّ إِنَّه أَخذ جَمِيع الْكَلَام الَّذِي نَقَلْنَاهُ من ابْن بري.) وترجمة الْأَعْشَى تقدّمت الْحِوَالَة عَلَيْهَا فِي الْبَيْت الَّذِي قبل هَذَا. وَبعد هَذَا الْبَيْت: (أرضتك من حسن وَمن ... دلّ تخالطه غراره) (وسبتك حِين تبسمت ... بَين الأريكة والستاره) والغرارة بِفَتْح الْمُعْجَمَة: الغفلى كالغرة بِالْكَسْرِ. والأريكة: السرير المزين وَالْجمع أرائك. 3 - (بَاب الْمُسْتَثْنى) أنْشد فِيهِ وَهُوَ الشَّاهِد التَّاسِع عشر بعد الْمِائَتَيْنِ (وبلدة لَيْسَ بهَا طوريّ ... وَلَا خلا الْجِنّ بهَا إنسي) على أَن تقدم الْمُسْتَثْنى على الْمَنْسُوب والمنسوب إِلَيْهِ شَاذ. وَالْأَصْل: وَلَا بهَا إنسي خلا الْجِنّ.

قَالَ ابْن الْأَنْبَارِي فِي الْإِنْصَاف: ذهب الْكُوفِيُّونَ إِلَى أَنه يجوز تَقْدِيم حرف الِاسْتِثْنَاء فِي أول الْكَلَام نَحْو إِلَّا طَعَامك مَا أكل زيد نَص عَلَيْهِ الْكسَائي وَإِلَيْهِ ذهب الزّجّاج فِي بعض الْمَوَاضِع وَاسْتَدَلُّوا بِهَذَا الْبَيْت وَنَحْوه. وَمنعه البصريون وَأَجَابُوا عَن الْبَيْت بِأَن تَقْدِيره: وبلدة لَيْسَ بهَا طوري وَلَا إنسي مَا خلا الْجِنّ. فَحذف إنسياً وأضمر الْمُسْتَثْنى مِنْهُ وَمَا أظهره تَفْسِير لما أضمره. وَقيل: تَقْدِيره: وَلَا بهَا إنسي خلا الْجِنّ. فِيهَا مقدرَة بعد لَا وَتَقْدِيم الْمُسْتَثْنى فِيهِ للضَّرُورَة فَلَا يكون فِيهِ حجَّة. وَهَذَانِ البيتان من أرجوزة للعجاج. وَقَوله: وبلدة الْوَاو فِيهِ وَاو ربّ والبلدة: الأَرْض يُقَال: هَذِه بَلْدَتنَا أَي: أَرْضنَا. وروى أَبُو عبيد الْبكْرِيّ فِي شرح نَوَادِر القالي والصاغاني فِي الْعباب: بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَالْفَاء وَالْقَاف وَقَالَ: الخفقة: الْمَفَازَة الملساء ذَات آل. قَالَ أَبُو عبيد: هَذَا صِحَة إنشاده لِأَن قبله: وبلدة نياطها نطيّ أَي: بعيد. وَبعده: للريح فِي أقرابها هويّ والأقراب: الجوانب. وَجُمْلَة: لَيْسَ بهَا طوري صفة بَلْدَة. وطوري

بِمَعْنى أحد لَا يكون إِلَّا مَعَ النَّفْي كَمَا هُنَا وَهُوَ فِي الأَصْل مَنْسُوب إِلَى طور الدَّار قَالَ شَارِح النوابغ الزمخشرية: طور الدَّار بِالضَّمِّ هُوَ مَا يَمْتَد مَعهَا من فنائها وحدودها تَقول: أَنا لَا أطور بفلان وَلَا أطور طوره) أَي: لَا أدور حوله وَلَا أدنو مِنْهُ انْتهى. وَلَا وَجه لقَوْل أبي عَليّ القالي فِي أَمَالِيهِ: إِن طورياً مَنْسُوب إِلَى الطورة وَهِي فِي بعض اللُّغَات الطّيرة على وزن العنبة وَهُوَ مَا يتشاءم بِهِ من الفأل الرَّدِيء. وَقد رَوَاهُ أَبُو زيد فِي نوادره بِهَذَا اللَّفْظ. وَكَذَلِكَ صَاحب الصِّحَاح والْعباب وَغَيرهم. وَرَوَاهُ أَبُو عَليّ القالي فِي أَمَالِيهِ طوئي على وزن طوعي قَالَ: أَنْشدني أَبُو بكر بن الْأَنْبَارِي وَأَبُو بكر بن دُرَيْد للعجّاج: وبلدة لَيْسَ بهَا طوئيّ وَهُوَ بِمَعْنى طوري. وَزَاد فِيهَا لغتين أَيْضا قَالَ: يُقَال: مَا بهَا طؤويّ على مِثَال طعويّ وَمَا بهَا طاويّ غير مَهْمُوز. وَأورد فِيهَا كَلِمَات كَثِيرَة فِي هَذَا الْمَعْنى تلازم النَّفْي كَقَوْلِهِم: مَا فِي الدَّار أحد وَمَا بهَا عريب وَمَا بهَا ديّار. وَكَأَنَّهُ وَالله أعلم استقصى فِيهَا جَمِيع هَذِه الْأَلْفَاظ. وَقَوله: وَلَا الخ الْوَاو عطفت جملَة بهَا إنسي على جملَة بهَا طوري المنفية بليس ولَا لتأكيد النَّفْي إِلَّا أَنه فصل بَين العاطف والمعطوف بجملة خلا الْجِنّ لضَرُورَة الشّعْر. قَالَ ابْن السرّاج فِي الْأُصُول: وَحكى عَن الْأَحْمَر أَنه كَانَ يُجِيز: مَا قَامَ صَغِير وَلَا خلا أَخَاك كَبِير. وَإِنَّمَا قاسه على قَوْله: ...

(وبلدة لَيْسَ بهَا طوري ... وَلَا خلا الْجِنّ وَلَا إنسي) وَلَيْسَ كَمَا ظن أَدَاة اسْتثِْنَاء وَمثلهَا عدا يكونَانِ فعلين وَينصب مَا بعدهمَا على الْمَفْعُول بِهِ لِأَن مَعْنَاهُمَا عِنْد سِيبَوَيْهٍ جَاوز وفاعلهما ضمير مصدر الْفِعْل الْمُتَقَدّم على قَول وَمِنْه فِي خلا مَا أنْشدهُ ابْن خروف وَغَيره: وَلَا خلا الْجِنّ بِالنّصب. ويكونان حرفين وينجرّ مَا بعدهمَا على أَنَّهُمَا حرفا جر وَمِنْه فِي خلا قَول الْأَعْشَى: (خلا الله مَا أَرْجُو سواك وَإِنَّمَا ... أعدّ عيالي شُعْبَة من عيالكما) وَهَذَا كُله مَا لم تتصل بهما مَا المصدرية. فَإِن اتَّصَلت بهما فَإِن الْمُخْتَار النصب والجر قَلِيل وَتَكون مَا مَعَ مَا بعْدهَا فِي تَأْوِيل مصدر مَنْصُوب نصب غير وَسوى عِنْد ابْن خروف ومصدر فِي مَوضِع الْحَال عِنْد السيرافي. وإنسي: وَاحِد الْإِنْس بِالْكَسْرِ وَهُوَ الْبشر يفرق بَينه وَبَين وَاحِد بياء النِّسْبَة كروم وروميّ. فَقَوله: خلا الْجِنّ اسْتثِْنَاء مُنْقَطع لِأَنَّهُ من غير جنس الْمُسْتَثْنى مِنْهُ. وترجمة العجّاج تقدّمت فِي الشَّاهِد الْحَادِي وَالْعِشْرين.) وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد الْعشْرُونَ بعد الْمِائَتَيْنِ وَهُوَ من شَوَاهِد س: ...

(فَإِن تمس فِي غَار برهوة ثاوياً ... أنيسك أصداء الْقُبُور تصيح) على أَنه جعل الأصداء أنيساً مجَازًا واتساعاً. لِأَنَّهَا تقوم فِي استقرارها بِالْمَكَانِ وعمارته لَهُ مقَام الأناسي. وقوى سِيبَوَيْهٍ بِهَذَا مَذْهَب بني تَمِيم فِي إِبْدَال مَا لَا يعقل مِمَّن يعقل إِذْ قَالُوا: مَا فِي الدَّار أحد إِلَّا حمَار فجعلوه بِمَنْزِلَة مَا فِي الدَّار أحد إِلَّا فلَان. وَهَذَا الْبَيْت من قصيدة لأبي ذُؤَيْب الْهُذلِيّ رصى بهَا ابْن عمّ لَهُ قتل. مطْلعهَا: (وَإِن دموعي إثره لكثيرة ... لَو أَن الدُّمُوع والزفير يرِيح) (فو الله لَا أنسى ابْن عَم كَأَنَّهُ ... نشيبة مَا دَامَ الْحمام ينوح) إِلَى أَن قَالَ بعد أَبْيَات ثَلَاثَة: (فَإِن تمس فِي رمس برهوة ثاوياً ... أنيسك أصداء الْقُبُور تصيح) (على الكره مني مَا أكفكف عِبْرَة ... وَلَكِن أخلّي سربها فتسيح) (فَمَا لَك جيران وَمَا لَك نَاصِر ... وَلَا لطف يبكي عَلَيْك نصيح) قَوْله: فَإِن تمس يُقَال أَمْسَى: إِذا دخل فِي الْمسَاء وَهُوَ خلاف أصبح: إِذا دخل فِي الصَّباح. قَالَ ابْن الْقُوطِيَّة: الْمسَاء مَا بَين الظّهْر إِلَى الْمغرب. والرمس: الْقَبْر قَالَ فِي الْمِصْبَاح: رمست الْمَيِّت رمساً من بَاب قتل: دَفَنته. والرمس: التُّرَاب تَسْمِيَة بِالْمَصْدَرِ ثمَّ سمي الْقَبْر بِهِ وَالْجمع رموس. وأرمسته بِالْألف لُغَة. ورهوة: مَكَان قَالَ ياقوت

فِي مُعْجم الْبلدَانِ: قَالَ أَبُو عبيد: الرهوة: الجوبه تكون فِي محلّة الْقَوْم يسيل إِلَيْهَا مَاء الْمَطَر. وَقَالَ أَبُو سعيد: الرهو: مَا اطْمَأَن من الأَرْض وارتفع مَا حوله قَالَ: وَلَا رهوة شبه تلّ يكون فِي متون الأَرْض على رُؤُوس الْجبَال ومساقط الطُّيُور والصقور والعقبان. ورهوة طَرِيق بِالطَّائِف وَقيل هُوَ جبل فِي شعر خفاف بن ندبة وَقيل عقبَة فِي مَكَان يعرف. وَقَالَ الْأَصْمَعِي: رهوة فِي وثاويا خبر قَوْله: تمس وَهُوَ مُتَعَلق برهوة يُقَال ثوى بِالْمَكَانِ وَفِيه: إِذا أَقَامَ. وأنيسك مُبْتَدأ وأصداء خَبره وَالْجُمْلَة حَال من ضمير صاويا. وَجُمْلَة تصيح صفة لأصداء وَلَا يضر إِضَافَته) إِلَى الْمُعَرّف بِاللَّامِ لِأَن اللَّام للْجِنْس ومدخلها قريب من النكرَة. والأنيس: المؤانس وَفعله أنست بِهِ إنساً من بَاب علم وَفِي لُغَة من بَاب ضرب والأنس بِالضَّمِّ اسْم مِنْهُ واستأنست بِهِ وتأنست بِهِ: إِذا سكن الْقلب وَلم ينفر كَذَا فِي الْمِصْبَاح: والأصداء: جمع صدى بِالْقصرِ وَهُوَ ذكر البوم وَهُوَ يسكن فِي الْقُبُور وَقَالَ الأعلم: هُوَ طَائِر يُقَال لَهُ الهامة يزْعم الْأَعْرَاب أَنه يخرج من رَأس الْقَتِيل إِذا لم يدْرك بثأره فَيَقُول: اسقوني اسقوني حَتَّى يُؤْخَذ بثأره. وَهَذَا مثل وَإِنَّمَا يُرَاد بِهِ تحريض وليّ الْمَقْتُول على طلب دَمه. فَجعله جهلة الْعَرَب حَقِيقَة. انْتهى. وَقَوله: على الكره مني مُتَعَلق بقوله: أكفكف يُقَال: كفكفت الدمع وَالرجل: إِذا كففته ومنعته. وَالْعبْرَة بِالْفَتْح: الدمعة وَفعله عبرت عينه كفرحت والسرب بِفَتْح السِّين وَسُكُون الرَّاء الْمُهْمَلَتَيْنِ: الطَّرِيق

يُقَال خلّ لَهُ سربه. وَقَوله: فَمَا لَك جيران الخ هَذِه الْجُمْلَة جَوَاب قَوْله فَإِن تمس. وجيران: جمع جَار. ولطف بِفَتْح اللَّام والطاء الْمُهْملَة هُوَ الرَّقِيق والملاطف. وَهَذَا الْكَلَام مِنْهُ على طَرِيق التحزن والتحسر. وَقد تقدّمت تَرْجَمَة أبي ذُؤَيْب فِي الشَّاهِد السَّابِع وَالسِّتِّينَ وَالله أعلم. الشَّاهِد الْحَادِي وَالْعشْرُونَ بعد الْمِائَتَيْنِ وَهُوَ من شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ: (وَالْحَرب لَا يبْقى لجا ... حمها التخيل والمراح) (إِلَّا الْفَتى الصبار فِي النج ... دات وَالْفرس الوقاح) على أَن الْفَتى وَمَا بعده اسْتثِْنَاء مُنْقَطع بدل من قَوْله: التخيل والمراح. والجاحم بِتَقْدِيم الْجِيم على الْحَاء الْمُهْملَة: الْمَكَان الشَّديد الحرّ من جحمت النَّار فَهِيَ جاحمة: إِذا اضطرمت وَمِنْه الْجَحِيم. والتخيل: التكبر من الْخُيَلَاء. يَقُول: إِن الْحَرْب تزيل نخوة المنخو. وَذَلِكَ أَن أَصْحَاب الْغناء يتكرمون عَن الْخُيَلَاء ويختال المتشبع فَإِذا جرّب فَلم يحمد افتضح وَسقط والمراح بِالْكَسْرِ: النشاط. أَي: أَنَّهَا تكفّ حِدة البطر النشيط والصبار: مُبَالغَة صابر. والنجدة: الشدَّة والبأس. والوقاح بِالْفَتْح: الْفرس الَّذِي حَافره صلب شَدِيد وَمِنْه الوقاحة.

وَهَذَانِ البيتان قد تقدم شرحهما مفصّلاً فِي الشَّاهِد الْحَادِي والثمانين فِي اسْم مَا وَلَا المشبهتين بليس. وَأنْشد بعده وَهُوَ) الشَّاهِد الثَّانِي وَالْعشْرُونَ بعد الْمِائَتَيْنِ (عَشِيَّة لَا تغني الرماح مَكَانهَا ... وَلَا النبل إِلَّا المشرفي المصمم) على أَن مَا بعد إِلَّا وَهُوَ المشرفي بدل من الرماح والنبل وَالِاسْتِثْنَاء مُنْقَطع. وَأوردهُ صَاحب الْكَشَّاف أَيْضا شَاهدا على رفع الِاسْم الْكَرِيم فِي قَوْله تَعَالَى: قل لَا يعلم من فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض الْغَيْب إِلَّا الله وَإِنَّمَا رفع على لُغَة تَمِيم. والحجازيون ينصبونه مُطلقًا. وَقد جَاءَ هَذَا الْبَيْت فِي شعرين قافية أَحدهمَا مَرْفُوعَة وقافية الآخر مَنْصُوبَة. وَالْأول هُوَ الشَّائِع المستشهد بِهِ وَقد ورد فِي كتاب سِيبَوَيْهٍ مغفلاً وَلم ينْسبهُ أَكثر شرَّاح شواهده. والمنصوب جَاءَ فِي قصيدة للحصين بن الْحمام المري. أما الأول فَهُوَ لِضِرَار بن الْأَزْوَر الصَّحَابِيّ من قصيدة قَالَهَا فِي يَوْم الرِّدَّة: قَالَ أَبُو مُحَمَّد الْأَعرَابِي فِي فرحة الأديب: أكتبنا أَبُو الندى: قَالَ ضرار بن الْأَزْوَر وَهُوَ فَارس المحبّر فِي الرِّدَّة لبني خُزَيْمَة وَكَانَ خَالِد بن الْوَلِيد بَعثه فِي خيل

على الْبَعُوضَة: أَرض لبني تَمِيم فَقتل عَلَيْهَا مَالك بن نُوَيْرَة فَارس بني يَرْبُوع وَبَنُو تَمِيم تَدعِي أَنه آمنهُ. فقاتل يَوْمئِذٍ ضرار بن الْأَزْوَر قتالاً شَدِيدا فَقَالَ فِي ذَلِك وبلغه ارتداد قومه من بني أَسد: (بني أَسد قد سَاءَنِي مَا صَنَعْتُم ... وَلَيْسَ لقوم حَاربُوا الله محرم) (وَأعلم حَقًا أَنكُمْ قد غويتم ... بني أَسد فاستأخروا أَو تقدمُوا) (عصيتم ذَوي أحلامكم وأطعتم ... ضجيماً وَأمر ابْن اللقيطة أشأم) (وَقد بعثوا وَفْدًا إِلَى أهل دومة ... فقبح من وَفد وَمن يتَيَمَّم) (وَلَو سَأَلت عَنَّا جنوب لخبّرت ... عَشِيَّة سَالَتْ عقرباء بهَا الدَّم) (عَشِيَّة لَا تغني الرماح مَكَانهَا ... وَلَا النبل إِلَّا المشرفي المصمم) (فَإِن تبتغي الْكفَّار غير منيبة ... جنوب فَإِنِّي تَابع الدَّين فاعلموا) (أقَاتل إِذْ كَانَ الْقِتَال غنيمَة ... وَللَّه بِالْعَبدِ الْمُجَاهِد أعلم) ضجيم هُوَ طليحة بن خويلد وَكَانَت أمه حميرية أخيذة. وَابْن اللقيطة: عُيَيْنَة بن حصن. وَقَوله: يَا آل ثَعْلَبَة أَرَادَ ثَعْلَبَة الحلاف بن دودان بن أَسد.

وَقَالَ لنا أَبُو الندى: عقرباء بِالْبَاء: أَرض بِالْيَمَامَةِ. قَالَ: وعقر مَا بِالْمِيم بِالْيمن وأتنشد لرجل من جعفي فِي قتل مالم بنمازن أحد بني ربيعَة بن الْحَارِث:) (جدعتم بأفعى بالذهاب أنوفنا ... فملنا بأنفيكم فَأصْبح أصلما) (فَمن كَانَ مَحْزُونا بمقتل مَالك ... فَإنَّا تَرَكْنَاهُ صَرِيعًا بعقرما ا. هـ) وَقَوله: عَشِيَّة سَالَتْ هُوَ بِتَقْدِير مُضَاف أَي: لخبّرت خبر عَشِيَّة سَالَتْ. وَعَشِيَّة الثَّانِيَة بدل مِنْهَا. وجنول فِيمَا بعد هَذَا منادى وَهِي امْرَأَة. والعشية وَاحِدَة الْعشي قَالَ فِي الْمِصْبَاح: الْعشي قيل مَا بَين الزَّوَال إِلَى الْغُرُوب وَمِنْه يُقَال لِلظهْرِ وَالْعصر صلاتا العشيّ وَقيل هُوَ آخر النَّهَار وَقيل الْعشي من الزَّوَال إِلَى الصَّباح وَقيل الْعشي وَالْعشَاء من صَلَاة الْمغرب إِلَى الْعَتَمَة. وَجُمْلَة لَا تغني الرماح الخ فِي مَحل جر بِإِضَافَة عَشِيَّة إِلَيْهَا. ومكانها ظرف لقَوْله لَا تغني وَهُوَ الْعَامِل فِيهِ. قَالَ الْعَيْنِيّ: الضَّمِير فِي مَكَانهَا للحرب يدلّ عَلَيْهِ لفظ الْجِهَاد لِأَنَّهُ لَا يكون إِلَّا بمَكَان الحروب. وأغنيت عَنْك بِالْألف مُغنِي فلَان: إِذا أَجْزَأت عَنهُ وَقمت مقَامه. وَحكى الْأَزْهَرِي: مَا أغْنى فلَان شَيْئا بالغين وَالْعين أَي: لم ينفع فِي مُهِمّ وَلم يكف مُؤنَة. وَقَوله: وَلَا النبل بِالرَّفْع عطفا على الرماح. والنبل بِالْفَتْح: السِّهَام الْعَرَبيَّة وَهِي مُؤَنّثَة وَلَا وَاحِد لَهَا من لَفظهَا بل الْوَاحِد سهم. وَقَوله:

إِلَّا المشرفي بِالرَّفْع على لُغَة تَمِيم بدل من الرماح والنبل وَإِن لم يكن من جنسهما مجَازًا على مَا تقدم قبله. وَلَا وَجه لما نَقله ابْن الْأَنْبَارِي عَن بَعضهم: من أَن نصب المشرفي على الْمَعْنى قَالَ: كَأَنَّهُ أرادبقوله: لَا تغني الرماح أَي: لَا تستعملها وَلَا تسْتَعْمل إِلَّا المشرفي. وَهَذَا تعسف ظَاهر. والمشرفي بِفَتْح الْمِيم هُوَ السَّيْف النمسوب إِلَى مشارف قَالَ الْبكْرِيّ فِي مُعْجم مَا استعجم: قَالَ الْحَرْبِيّ: والمشارف قرى من قرى الْعَرَب تَدْنُو من الرِّيف أَحدهَا مشرف. وَقَالَ فِي مَوضِع آخر: وَهِي مثل خَيْبَر ودومة الجندل وَذي الْمَرْوَة والرحبة. وَقَالَ الْبكْرِيّ فِي مُؤْتَة أَيْضا: وَكَانَ لقاؤهم يَعْنِي الْمُسلمين الرّوم فِي قَرْيَة يُقَال لَهَا مشارف من تخوم البلقاء ثمَّ انحاز الْمُسلمُونَ إِلَى مُؤْتَة وَهُوَ مَوضِع من أَرض الشَّام من عمل البلقاء. فالسيف المشرفي إِن كَانَ مَنْسُوبا إِلَى الأول فالنسبة على الْقيَاس لِأَن الْجمع يردّ إِلَى الْوَاحِد فينسب إِلَيْهِ وَإِن كَانَ مَنْسُوبا إِلَى الثَّانِي فالنسبة على خلاف الْقيَاس. وَبِهَذَا التَّحْقِيق يعرف مَا فِي قَول الصَّاغَانِي وَغَيره: وَالسُّيُوف المشرفية منسوبة إِلَى مشارف الشَّام قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: هِيَ قرى من أَرض الْعَرَب تَدْنُو من الرِّيف يُقَال: سيف مشرفي وَلَا يُقَال مشارفي لِأَن الْجمع لَا ينْسب إِلَيْهِ إِذا كَانَ على هَذَا الْوَزْن. انْتهى.) وَقَالَ صَاحب الْمِصْبَاح بعد أَن نقل هَذَا وَقيل هَذَا خطأ بل هِيَ نِسْبَة إِلَى مَوضِع من الْيمن. وَقَالَ ابْن الْأَنْبَارِي فِي شرح

المفضليات عِنْد الْكَلَام على هَذَا الْبَيْت: والمشرفي مَنْسُوب إِلَى المشارف وَهِي قرى للْعَرَب تَدْنُو من الرِّيف وَيُقَال: بل هِيَ منسوبة إِلَى مشرف رجل من ثَقِيف فَالْقَوْل الأول هُوَ القَوْل الأول من كَلَام الْبكْرِيّ وَيدل على الجمعية دُخُول اللَّام عَلَيْهَا فِي كَلَامهمَا. والمصمم: اسْم فَاعل من صمم قَالَ صَاحب الصِّحَاح: وصمم السَّيْف: إِذا مضى فِي الْعظم وقطعه فَإِذا أصَاب الْمفصل وقطعه. يُقَال: طبّق. قَالَ الشَّاعِر يصف سَيْفا: يصمّم أَحْيَانًا وحيناً يطبق وَمثله قَول ابْن النباري: والمصمم الَّذِي يبري الْعظم برياً حَتَّى كَأَنَّهُ وَقع فِي الْمفصل من سرعَة مضائه. والمطبق الَّذِي يَقع على الْمفصل وَمِنْه قَول الْكُمَيْت يصف رجلا شبهه بِالسَّيْفِ: (فَأَرَاك حِين تهز عِنْد ضريبة ... فِي النائبات مصمماً كمطبق) أَي: هُوَ يمْضِي فِي نفس الْعظم ويبريه وَكَأَنَّهُ إِنَّمَا طبق أَي وَقع على الْمفصل. فَهَذَا الرجل حِين يهز لما يَنُوب من الخطوب كَهَذا السَّيْف فِي مضائه أَي: يركب معالي الْأُمُور وشدادها وَلَا يثنيه شَيْء كَهَذا السَّيْف. وَإِنَّمَا كَانَت الرماح والنبل لَا تغني لِأَن الْحَرْب إِذا كَانَت بِاللَّيْلِ لَا تغني إِلَّا السيوف لاختلاط الْقَوْم ومواجهة بَعضهم بَعْضًا كَذَا قَالَ الْعَيْنِيّ. وَهَذَا من تَفْسِير العشية بِاللَّيْلِ. وَلَيْسَ كَذَلِك بل هُوَ من شدَّة الْمُحَاربَة حَيْثُ اسْتَقل عملهما فنازل بِالسَّيْفِ: وَذَلِكَ أَن أول الْحَرْب المناضلة بِالسِّهَامِ فَإِذا

تقاربوا فالتراشق بِالرِّمَاحِ فَإِذا الْتَقَوْا فالمجالدة بِالسُّيُوفِ. فالشاعر يصف شدَّة الْمُحَاربَة بالتقاء الْفَرِيقَيْنِ فَلم يفد حِينَئِذٍ إِلَّا التضارب بِالسُّيُوفِ. وَأما الثَّانِي وَهُوَ الشّعْر الْمَنْصُوب فمطلع القصيدة: (جزى الله أفناء الْعَشِيرَة كلهَا ... بدارة مَوْضُوع عقوقاً ومأثما) (بني عمنَا الأدنين مِنْهُم ورهطنا ... فَزَارَة إِذْ رامت بِنَا الْحَرْب مُعظما) (وَلما رَأَيْت الودّ لَيْسَ بنافعي ... وَإِن كَانَ يَوْمًا ذَا كواكب مظلما) (يفلقن هاماً من رجال أعزة ... علينا وهم كَانُوا أعق وأظلما) (فليت أَبَا شبْل رأى كرّ خَيْلنَا ... وخيلهم بَين الستار فأظلما) (نطاردهم نستنقذ الجرد كالقنا ... ويستنقذون السمهري المقوّما) (عَشِيَّة لَا تغني الرماح مَكَانهَا ... وَلَا النبل إِلَى المشرفي المصمما)) (لدن غدْوَة حَتَّى إِذا اللَّيْل مَا ترى ... من الْخَيل إِلَّا خارجيا مسوما) وَهَذِه القصيدة مسطورة فِي المفضليات وعدتها وَاحِد وَأَرْبَعُونَ بَيْتا. وأفناء الْعَشِيرَة: أوباشهم يُقَال: هُوَ من أفناء النَّاس: إِذا لم يعلم مِمَّن هُوَ. ودارة مَوْضُوع: اسْم مَكَان وَكَذَلِكَ الستار وأظلم موضعان. وَقَوله: نطاردهم الخ هَذَا هُوَ الْعَامِل فِي عَشِيَّة. وَرُوِيَ: ...

(نقاتلهم نستنقذ الجرد كالقنا ... ويستودعون السمهري المقوّما) وروى ابْن قُتَيْبَة: (نحاربهم نستودع الْبيض هامهم ... ويستودعون السمهري المقوّما) والجرد: الْخَيل القصيرة الشُّعُور وَذَلِكَ مدح لَهَا. والسمهري: القنا. والقوّم: الْمعدل المثقف. يَقُول: نَحن نستنقذ الْخَيل الجرد مِنْهُم وهم يستنقذون الرماح منا بِأَن نطعنهم بهَا ونتركها فيهم. وَقَوله: لدن غدْوَة الخ ظرف لنطاردهم أَيْضا. والخارجي من الْخَيل: الْجواد فِي غير نسب تقدم لَهُ كَأَنَّهُ نبغ بالجودة وَكَذَلِكَ الْخَارِجِي من كل شَيْء. والمسوّم: الْمعلم للحرب. يَقُول: إِن النَّاس انكشفوا فِي هَذِه الْحَرْب فَلم يبْق إِلَّا أهل هَذِه الْخَيل الْأَشِدَّاء الَّذين سوّموا أنفسهم وخيلهم شجاعة وجراءة لِأَنَّهُ لَا يثبت عِنْد انهزام النَّاس إِلَّا الْأَبْطَال. وَفِي هَذِه القصيدة بَيت من شواه سِيبَوَيْهٍ وَأوردهُ الْمرَادِي فِي بَاب إِعْرَاب الْفِعْل من شرح الألفية: (وَلَوْلَا رجال من رزام بن مَازِن ... وَآل سبيع أَو أسوءك علقما) (لأقسمت لَا تنفك مني محَارب ... على آلَة حدباء حَتَّى تندّما) أوردهُ شَاهدا على نصب أسوءك بإضمار أَن بعد أَو. ورزام هُوَ رزام بن مَازِن ثَعْلَبَة بن سعد بن ذبيان. وَوهم الْعَيْنِيّ فَزعم أَنه أَبُو حَيّ من تَمِيم قَالَ: وَهُوَ رزام بن مَالك بن عَمْرو بن تَمِيم. وسبيع بِالتَّصْغِيرِ هُوَ سبيع بن عَمْرو بن فتية مصغر فتاة بن أمة بن بجالة بن مَازِن بن ثَعْلَبَة

بن سعد بن ذبيان. وَكَانَ سبيع شريفاً وَهُوَ صَاحب الرَّهْن الَّتِي وضعت على يَدَيْهِ فِي حَرْب عبس وذبيان وَلما حَضَره الْمَوْت قَالَ لِابْنِهِ مَالك بن سبيع: إِن عِنْدِي مكرمَة لَا تبيد أبدا إِن احتفظت بِهَذِهِ الأغيلمة. . وعلقم منادى مرخّم عَلْقَمَة وَهُوَ عَلْقَمَة بن عبيد بن عبد بن فتية الْمَذْكُور. . وَآل سبيع بِالْجَرِّ عطفا على مجرور من. وأسوءك مؤول بمصدر مَعْطُوف على وَقَوله: لأقسمت لَا تنفك الخ هُوَ جَوَاب لَوْلَا. وَقَوله: لَا تنفك الخ جَوَاب الْقسم. ومحارب:) قَبيلَة وَهُوَ محَارب بن خصفة بن قيس بن عيلان. والآلة: الْحَالة والحدباء بِالْحَاء الْمُهْملَة: الصعبة. وَالْمعْنَى: لَوْلَا أَن هَؤُلَاءِ الرِّجَال أَو مساءتك لحملت على أَمر عَظِيم صَعب لَا تطمئِن عَلَيْهِ إِذا ركبته. وتندّم أَصله تتندم بتاءين فَحذف إِحْدَاهمَا. وَأما ضرار بن الْأَزْوَر فَهُوَ مَالك بن أَوْس بن جذيمة بن ربيعَة بن مَالك بن ثَعْلَبَة بن دودان بن أَسد بن خُزَيْمَة الْأَسدي. الْفَارِس الشَّاعِر الصَّحَابِيّ. أَتَى النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وأنشده: (خلعت القداح وعفت القيا ... ن وَالْخمر تقلية واستهالا)

(وكرّي المحبر فِي غمرة ... وجهدي على الْمُسلمين القتالا) (فيا ربّ لَا أغبنن بيعتي ... فقد بِعْت أَهلِي وَمَالِي بدالا) فَقَالَ لَهُ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: ربح البيع. قَالَ ابغوي: وَلَا أعلم لِضِرَار غَيرهَا وَيُقَال: إِنَّه كَانَ لَهُ ألف بعير برعاتها فَترك جَمِيع ذَلِك وَحضر وقْعَة اليرموك وَفتح الشَّام. وَكَانَ خَالِد بن الْوَلِيد بَعثه فِي سَرِيَّة فَأَغَارَ على حَيّ من أَسد فَأخذُوا امْرَأَة جميلَة فَسَأَلَ ضرار أَصْحَابه أَن يهبوها لَهُ فَفَعَلُوا فَوَطِئَهَا ثمَّ نَدم فَذكر ذَلِك لخَالِد فَكتب إِلَى عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه فَكتب إِلَيْهِ: أَن أرضخه بِالْحِجَارَةِ فجَاء الْكتاب وَقد مَاتَ ضرار. وَقيل: إِنَّه مِمَّن شرب الْخمر مَعَ أبي جندل فَكتب فيهم أَبُو عُبَيْدَة إِلَى عمر فَكتب إِلَيْهِ عمر: أَن ادعهم فسائلهم فَإِن قَالُوا إِنَّهَا حَلَال فاقتلهم وَإِن زَعَمُوا أَنَّهَا حرَام فاجلدهم فَفعل فَقَالُوا: إِنَّهَا حرَام فجلدهم. وَضِرَار هُوَ الَّذِي قتل مَالك بن نُوَيْرَة بِأَمْر خَالِد بن الْوَلِيد كَمَا تقدم شَرحه مفصّلاً فِي الشَّاهِد السَّادِس والثماني وَاخْتلف فِي وَفَاة ضرار فَقَالَ الْوَاقِدِيّ: اسْتشْهد بِالْيَمَامَةِ. وَقَالَ مُوسَى بن عقبَة: بأجنادين. وَقيل: نزل حران فَمَاتَ بهَا. وَالله أعلم. وَأما الْحصين بن الْحمام المري فَهُوَ جاهلي. وَهُوَ بِضَم الْحَاء وَفتح الصَّاد

الْمُهْمَلَتَيْنِ. وَالْحمام بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الْمِيم. وَهُوَ فَارس شَاعِر. قَالَ ابْن قُتَيْبَة فِي كتاب الشُّعَرَاء: هُوَ من بني مرّة جاهلي يعد من أوفياء الْعَرَب. قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: اتَّفقُوا على أَن أشعر المقلّين ثَلَاثَة: الْمسيب بن علس وَالْحصين بن الْحمام والمتلمّس. وَهَذِه نسبته كَمَا فِي الجمهرة وَشرح المفضليات: الْحصين بن الْحمام بن ربيعَة بن مساب بِضَم) الْمِيم وَتَخْفِيف السِّين بن حرَام بن وائلة بن سهم بن مرّة بن عَوْف بن سعد بن ذبيان بن بغيض بن ريث بن غطفان بن سعد بن قيس بن عيلان بن مُضر بن نزار. الشَّاهِد الثَّالِث وَالْعشْرُونَ بعد الْمِائَتَيْنِ وَهُوَ من شَوَاهِد س: (وَلَا عيب فيهم غير أَن سيوفهم ... بِهن فلول من قراع الْكَتَائِب) على انه عِنْد سِيبَوَيْهٍ اسْتثِْنَاء مُنْقَطع جعل كالمتصل لصِحَّة دُخُول الْبَدَل فِي الْمُبدل مِنْهُ. وَبَينه الشَّارِح الْمُحَقق أحسن بَيَان. وَقَوله: أَن سيوفهم الخ مؤول بمصدر مجرور أَي: غير كَون سيوفهم بهَا فلول الخ. والفلول: جمع فلّ بِفَتْح الْفَاء وَهُوَ كسر فِي حدّ

السَّيْف وَسيف أفلّ بَين الفلل يُقَال: فلّه فانفلّ أَي: كَسره فانكسر وفللت الْجَيْش أَي هزمتهم. والقراع: الْمُضَاربَة مصدر قارعه يُقَال قرعته بالمقرعة: إِذا ضَربته بهَا وقرعت الْبَاب: إِذا طرقته. والكتائب: جمع كَتِيبَة وَهِي الطَّائِفَة المجتمعة من الْجَيْش. وَهَذَا الْبَيْت مَشْهُور قد تداوله الْعلمَاء فِي تصانيفهم وَقد أوردهُ عُلَمَاء البديع شَاهدا لتأكيد الْمَدْح بِمَا يشبه الذمّ فَإِنَّهُ نفى الْعَيْب عَن هَؤُلَاءِ الْقَوْم على جِهَة الِاسْتِغْرَاق ثمَّ أثبت لَهُم عَيْبا وَهُوَ تثلم سيوفهم من مُضَارَبَة الجيوش. وَهَذَا لَيْسَ بِعَيْب بل هُوَ غَايَة الْمَدْح فقد أكد الْمَدْح بِمَا يشبه الذَّم. وَأوردهُ صَاحب الْكَشَّاف أَيْضا عِنْد قَوْله تَعَالَى: لِئَلَّا يكون للنَّاس عَلَيْكُم حجَّة على أَن الْآيَة أشبه بتأكيد الذَّم بِمَا يشبه الْمَدْح: عكس الْبَيْت فَإِن إِطْلَاق الْحجَّة على قَول الَّذين ظلمُوا ذمّ فِي صُورَة مدح لَا أَنه مدح فِي صُورَة ذمّ. وَأوردهُ سِيبَوَيْهٍ فِي بَاب مَا لايكون إِلَّا على معنى وَلَكِن. قَالَ النّحاس: فرق سِيبَوَيْهٍ بَين هَذَا الْبَاب وَبَين الْبَاب الَّذِي قبله لِأَن الَّذِي قبله يجوز فِيهِ الرّفْع وَالنّصب وَالنّصب أَجود وَهَذَا الْبَاب لَا يجوز فِيهِ عِنْده غلا النصب لنه لَيْسَ من الأول فِي شَيْء. وَأَجَازَ الْمبرد فِي جَمِيع مَا فِي هَذَا الْبَاب الرّفْع وَكَذَا فِي: لَا عيب فيهم غير أَن سيوفهم انْتهى. وعَلى قَول الْمبرد فَتكون غير بَدَلا من الضَّمِير المستقر فِي الظّرْف.

وَهَذَا الْبَيْت من قصيدة للنابغة الذبياني مدح بهَا عَمْرو بن الْحَارِث الْأَصْغَر بن الْحَارِث الْأَعْرَج بن الْحَارِث الْأَكْبَر مُلُوك الشَّام الغسانيين وَذَلِكَ لما هرب من النُّعْمَان بن الْمُنْذر اللَّخْمِيّ من) مُلُوك الْحيرَة. وَلَيْسَ الممدوح بهَا النُّعْمَان بن الْحَارِث كَمَا وهم شَارِح شَوَاهِد الْمُغنِي لتصريح الممدوح بهَا فِي القصيدة كَمَا سَيَأْتِي. ومطلع القصيدة: (كليني لهمّ يَا أُمَيْمَة ناصب ... وليل أقاسيه بطيء الْكَوَاكِب) وَتقدم شرح هَذَا الْبَيْت وَسبب هروبه فِي الشَّاهِد السَّابِع وَالثَّلَاثِينَ بعد الْمِائَة مفصلا. وَقَالَ بعد ثَلَاثَة أَبْيَات شرحت هُنَاكَ: (لَئِن كَانَ للقبرين قبر بجلّق ... وقبر بصيداء الَّتِي عِنْد حَارب) (وللحارث الجفنيّ سيد قومه ... ليلتمسن بِالْجمعِ أَرض الْمُحَارب) الْبَيْت الأول من شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ أوردهُ بِنصب مَا بعد إِلَّا على الِاسْتِثْنَاء الْمُنْقَطع لِأَن حسن الظَّن لَيْسَ من الْعلم. وَرَفعه جَائِز على الْبَدَل من مَوضِع الْعلم وَإِقَامَة الظَّن مقَام الْعلم اتساعاً ومجازاً. وَقَوله: غير ذِي مثنوية هُوَ مصدر بِمَعْنى الِاسْتِثْنَاء فِي الْيَمين أَي: حَلَفت غير مستثن فِي يَمِيني ثِقَة بِفعل هَذَا الممدوح وَحسن ظن بِهِ.

وروى أَبُو عُبَيْدَة: وَمَا ذَاك إِلَّا حسن ظن بِصَاحِب وَعَلِيهِ فَلَا شَاهد فِيهِ وَالْإِشَارَة للْيَمِين. . وَجُمْلَة المصراع الثَّانِي على الرِّوَايَتَيْنِ مُعْتَرضَة بَين الْقسم وَجَوَابه. وَقَوله: لَئِن كَانَ للقبرين الخ اللَّام الدَّاخِلَة على إِن موطئة للقسم أَي: وطأت أَن الْجَواب الَّذِي بعد الشَّرْط للقسم فجملة قَوْله الْآتِي: ليلتمسن بِالْجمعِ الخ جَوَاب الْقسم. وَجَوَاب الشَّرْط مَحْذُوف دلّ عَلَيْهِ جَوَاب الْقسم وَاسم كَانَ ضمير عَمْرو الممدوح الْمُتَقَدّم فِي قَوْله: (عَليّ لعَمْرو نعْمَة بعد نعْمَة ... لوالده لَيست بِذَات عقارب) وَأَرَادَ بالقبرين المقبورين: الْحَارِث الْأَعْرَج ابْن الْحَارِث الْأَكْبَر وَهُوَ الجفني الْآتِي ذكره. يَقُول: لَئِن كَانَ عَمْرو ابْن هذَيْن الرجلَيْن المقبورين فِي هذَيْن المكانين ليمضينّ أمره وليلتمسن أَرض من حاربه. وجلّق بِكَسْر الْجِيم وَاللَّام الْمُشَدّدَة هِيَ الشَّام. وصيداء مَدِينَة بِالشَّام بالسَّاحل. وَحَارب: مَوضِع وَقيل اسْم رجل. وَقَوله: لِلْحَارِثِ الجفني الخ بِفَتْح الْجِيم وَهُوَ جَفْنَة بن عَمْرو مزيقياء بن عَامر بن مَاء السَّمَاء وهم الْمُلُوك الَّذين كَانُوا بِالشَّام. وَقَوله: ليلتمسن هَذَا جَوَاب الْقسم مُؤَكد بالنُّون الْخَفِيفَة. وَقَوله: بِالْجمعِ أَي: بجموع العساكر والجيوش.) وَقَالَ بَعْدَمَا ذكر: (لَهُم شِيمَة لم يُعْطهَا الله غَيرهم ... من النَّاس والأحلام غير عوازب) (مجلتهم ذَات الْإِلَه وَدينهمْ ... قويم فَمَا يرجون غير العواقب) والشيمة: الطبيعة. وَقَوله: والأحلام الخ أَي: لَا تعزب عُقُولهمْ عَنْهُم كَمَا

تعزب الْمَاشِيَة عَن أَهلهَا أَي: لَا تغيب. وَقَوله: مجلتهم ذَات الْإِلَه الْمجلة بِفَتْح الْمِيم وَالْجِيم: الْكتاب لِأَنَّهُ يجلّ ويعظّم وَأَرَادَ بِهِ الْإِنْجِيل لأَنهم كَانُوا نَصَارَى. قَالَ العسكري فِي كتاب التَّصْحِيف: قرأته على ابْن دُرَيْد: مجلتهم بِالْجِيم وَقَالَ لي: سَمِعت أَبَا حَاتِم يَقُول: رِوَايَة الْأَصْمَعِي بِالْجِيم قَالَ: وَهُوَ كتاب النَّصَارَى. وَكَذَا كل كتاب جمع حِكْمَة وأمثالاً فَهُوَ عِنْد الْعَرَب مجلة وَمن هَذَا سمى أَبُو عُبَيْدَة كِتَابه الَّذِي جمع فِيهِ أَمْثَال الْعَرَب الْمجلة. وروى أَيْضا: محلتهم بِالْحَاء الْمُهْملَة أَي: مَنْزِلَتهمْ بَيت الْمُقَدّس وَأَرْض الشَّام ومنازل الْأَنْبِيَاء وَهِي الْقُدس. وروى ابْن السّكيت: مخافتهم يُرِيد يخَافُونَ أَمر الله. وَذَات الْإِلَه: كِتَابه. وقويم: مُسْتَقِيم. وَقَوله: فَمَا يرجون الخ قَالَ الْأَصْمَعِي: أَي: مَا يطْلبُونَ إِلَّا عواقب أُمُورهم فَلَيْسَ يرجون شَيْئا من أَمر الدُّنْيَا وَإِنَّمَا يرجون مَا بعد الْمَوْت. وَبعد الْبَيْت المستشهد بِهِ أَعنِي قَوْله: وَلَا عيب فيهم غير أَن سيوفهم (تخيّرن من أزمان يَوْم حليمة ... إِلَى الْيَوْم قد جرّبن كل التجارب) وَأوردهُ ابْن هِشَام ف يالمغني على أَن من تَأتي لابتداء الْغَايَة فِي الزَّمَان

أَيْضا وَهُوَ مَذْهَب الْكُوفِيّين والأخفش والمبرد وَابْن درسْتوَيْه بِدَلِيل: من أول يَوْم. وَفِي الحَدِيث: فمطرنا من الْجُمُعَة إِلَى الْجُمُعَة. وَهَذَا الْبَيْت. وَقيل: التَّقْدِير: من مُضِيّ أزمان وَمن تأسيس أول يَوْم. وردّه السُّهيْلي بِأَنَّهُ لَو كَانَ هَكَذَا لاحتيج إِلَى تَقْدِير الزَّمَان وتخيرن وجربن كِلَاهُمَا بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول وَالنُّون ضمير السيوف. والتجارب: جمع تجربة. وكل مَنْصُوب على الْمصدر. وَإِلَى مُتَعَلقَة بقوله تخيّرن. وَيَوْم حليمة قَالَ العسكري ف يالتصحيف: هُوَ يَوْم كَانَ بَين مُلُوك الشَّام من الغسانيين وملوك الْعرَاق قتل فِيهِ الْمُنْذر غما جد النُّعْمَان أَو أَبوهُ وَقيل فِي هَذَا الْيَوْم مَا يَوْم حليمة بسرّ انْتهى.) وَفِي الدرة الفاخرة لِحَمْزَة الْأَصْبَهَانِيّ وَهِي الْأَمْثَال الَّتِي جَاءَت على وزن أفعل التَّفْضِيل وَكَذَلِكَ فِي مستقصى الْأَمْثَال للزمخشري وَاللَّفْظ للْأولِ: أعز من حليمة هِيَ بنت الْحَارِث بن أبي شمر الغساني الْأَعْرَج ملك عرب الشَّام وفيهَا سَار الْمثل فَقيل: مَا يَوْم حليمة بسر أَي: خَفِي. وَهَذَا الْيَوْم هُوَ الْيَوْم الَّذِي قتل فِيهِ الْمُنْذر بن الْمُنْذر ملك عرب الْعرَاق فَسَار بعربها إِلَى الْحَارِث الْأَعْرَج الغساني وَهُوَ ابْن الْحَارِث الْأَكْبَر وَكَانَ فِي عرب الشَّام وَهُوَ أشهر أَيَّام الْعَرَب. وَإِنَّمَا نسب هَذَا الْيَوْم إِلَى حليمة

لِأَنَّهَا حضرت المعركة محضضة لعسكر أَبِيهَا فتزعم الْعَرَب أَن الْغُبَار ارْتَفع فِي يَوْم حليمة حَتَّى سدّ عين الشَّمْس وَظَهَرت الْكَوَاكِب المتباعدة من مطلع الشَّمْس فَسَار الْمثل بِهَذَا الْيَوْم قَالُوا: لأرينك الْكَوَاكِب ظهرا. وَأَخذه طرفَة فَقَالَ: (إِن تنوّله فقد تَمنعهُ ... وتريه النَّجْم يجْرِي بِالظّهْرِ اه) وَفِي شرح ديوَان النَّابِغَة: سَبَب ذَلِك أَن الْملك كَانَ فِي الضجاعم فَأتى رجل مِنْهُم رجلا من غَسَّان يُقَال لَهُ جذع فَسَأَلَهُ الْخراج فَأعْطَاهُ دِينَارا فَقَالَ: هَات آخر وشدد عَلَيْهِ فاستأجله فَلم يفعل فَلَمَّا ضيق عَلَيْهِ دخل جذع منزله فالتحف على سَيْفه ثمَّ خرج فَضرب بِهِ الضجعمي فَقتله. فَقَالَ الْقَاتِل: خُذ من جذع مَا أَعْطَاك. وَوَثَبْت غَسَّان ورأسوا عَلَيْهِم رجلا ثمَّ أوقعوا بالضجاعم فَغَلَبَتْهُمْ غَسَّان وَأخذت الْملك مِنْهُم. . وَأما حليمة فَهِيَ ابْنة الغساني الَّذِي رئس عَلَيْهِم وَكَانَت من اجمل النِّسَاء فَأَعْطَاهَا طيبا وأمرها أَن تطيّب من مرّ بهَا من جنده فَجعلُوا يَمرونَ بهَا وتطيبهم فَمر بهَا شَاب فَلَمَّا طيبته تنَاولهَا فقبلها فصاحت وَشَكتْ ذَلِك إِلَى أَبِيهَا فال: اسكتي فَمَا فِي الْقَوْم أجلد مِنْهُ حِين فعل هَذَا بك واجترأ عَلَيْك فَإِنَّهُ إِمَّا أَن يبلي بلَاء حسنا فَأَنت امْرَأَته وَإِمَّا أَن يقتل فَذَاك أَشد عَلَيْهِ مِمَّا تريدين بِهِ من الْعقُوبَة فأبلى الْفَتى ثمَّ رَجَعَ فزوّجه ابْنَته حليمة انْتهى. وَفِي الْقَامُوس: وحليمة بنت الْحَارِث بن أبي شمر وَجه أَبوهَا جَيْشًا إِلَى الْمُنْذر بن مَاء السَّمَاء فأخرجت لَهُم مركناً من طيب وطيبتهم مِنْهُ

والمركن بِكَسْر الْمِيم: الإجانة الَّتِي تغسل فِيهَا الثِّيَاب وَسَببه: أَن غَسَّان كَانَت تُؤدِّي كل سنة إِلَى ملك سليح دينارين من كل رجل وَكَانَ يَلِي ذَلِك سبطة بن الْمُنْذر السليحي فجَاء سبطة يسْأَل الدينارين من جذع بن عَمْرو الغساني فَدخل جذع منزله فَخرج مُشْتَمِلًا بِسَيْفِهِ فَضرب بِهِ سبطة حَتَّى برد وَقَالَ: خُذ من جذع مَا) أَعْطَاك. يضْرب فِي اغتنام مَا يجود بِهِ الْبَخِيل. وسليح كجريح: قَبيلَة بِالْيمن. وجذع بِكَسْر الْجِيم وَسُكُون الذَّال الْمُعْجَمَة ثمَّ إِن جَيش الْحَارِث توجه إِلَى الْمُنْذر فَقَالُوا: أَتَيْنَا من عِنْد صاحبنا وَهُوَ يدين لَك ويعطيك حَاجَتك فتباشر هُوَ وَأَصْحَابه وغفلوا بعض الْغَفْلَة فَحمل ذَلِك الْجَيْش على الْمُنْذر فَقَتَلُوهُ. فَقيل فِي ذَلِك الْيَوْم: مَا يَوْم حليمة بسر أَي: بخفي. فَصَارَ يضْرب لكل أَمر مَشْهُور. وترجمة النَّابِغَة تقدّمت فِي الشَّاهِد الرَّابِع بعد الْمِائَة. وانشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد الرَّابِع وَالْعشْرُونَ بعد الْمِائَتَيْنِ وَهُوَ من شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ: (فَتى كملت أخلاقه غير أَنه ... جواد فَمَا يبقي من لمَال بَاقِيا) لما تقدم بله. قَالَ ابْن جني فِي إِعْرَاب الحماسة: أخبرنَا أَبُو بكر مُحَمَّد بن الْحسن قِرَاءَة عَلَيْهِ عَن أَحْمد بن يحيى قَالَ: لما أنشدته يَعْنِي ابْن الْأَعرَابِي قَول الشَّاعِر: وَلَا عيب فيهم غير أَن سيوفهم

قَالَ: هَذَا اسْتثِْنَاء قيس يَقُولُونَ: غير أَن هَذَا أشرف من هَذَا وَهَذَا أطرف من هَذَا. يكون (فَتى تمّ فِيهِ مَا يسرّ صديقه ... على أَن فِيهِ مَا يسوء الأعاديا) انْقَضتْ الْحِكَايَة. وَهَذَا الِاسْتِثْنَاء على إغرابه جَار مجْرى الِاسْتِثْنَاء الْمَعْهُود أَلا ترى أَنه إِذا قَالَ: فَتى تمّ فِيهِ مَا يسر صديقه جَازَ أَن يظنّ أَنه مَقْصُور على هَذَا وَحده فَإِذا قَالَ: على أَن فِيهِ مَا يسوء عاديا أَزَال هَذَا الظَّن وَصَارَ مَعْنَاهُ أَن فِيهِ مَسَرَّة لأوليائه ومساءة لأعدائه وَلَيْسَ مَقْصُورا على أحد الْأَمريْنِ. فَهُوَ إِخْرَاج شَيْء من شَيْء لخلاف الثَّانِي الأول. وَكَذَلِكَ: فَتى كملت أخلاقه. . الْبَيْت لما كَانَ إِتْلَافه لِلْمَالِ عَيْبا عِنْد كثير من النَّاس اسْتثْنى هَذِه الْحَالة فأخرجها من جملَة خلال الْمَدْح لمخالفتها إِيَّاهَا عِنْدهم وعَلى مَذْهَبهم. وَلَيْسَ شَيْء يعْقد على أَصله فَيخرج عَنهُ شَيْء مِنْهُ فِي الظَّاهِر إِلَّا وَهُوَ عَائِد إِلَيْهِ وداخل فِيهِ فِي الْبَاطِن مَعَ التَّأَمُّل. انْتهى كَلَامه. وَأوردهُ عُلَمَاء البديع أَيْضا فِي بَاب تَأْكِيد الْمَدْح بِمَا يشبه الذَّم. وَهَذَا الْبَيْت من أَبْيَات للنابغة الْجَعْدِي رثى بهَا أَخَاهُ. وَقد أوردهَا أَبُو تَمام فِي بَاب المراثي من) الحماسة وَهِي من قصيدة. . وَقَبله: (ألم تعلمي أَنِّي رزئت مُحَاربًا ... فَمَا لَك مِنْهُ الْيَوْم شَيْء وَلَا ليا)

(وَمن قبله مَا قد رزئت بوحوح ... وَكَانَ ابْن أُمِّي والخليل المصافيا) (فَتى تمّ فِيهِ مايسر صديقه ... على أَن فِيهِ مَا يسوء الأعاديا) (يَقُول لمن يلحاه فِي بذل مَاله ... أأنفق أيامي وأترك ماليا) (يدر الْعُرُوق بِالسِّنَانِ وَيَشْتَرِي ... من الْحَمد مَا يبْقى وَإِن كَانَ غاليا) قَوْله: ألم تعلمي الخ يُخَاطب امْرَأَته. ومحارب قَالَ أَبُو عبيد الْبكْرِيّ فِي شرح نَوَادِر القالي: هُوَ محَارب بن قيس بن عدس من أَشْرَاف قومه. وَهُوَ تفجع وتوجع. يَقُول: قد فجعنا بِهِ فأصبحنا لَا نستمتع بِهِ وَلَا ننتفع بمكانه. ثمَّ ذكر أَنه قد فجع قبله بأَخيه وحوح وَهُوَ مَأْخُوذ من قَوْلهم وحوح الرجل: إِذا ردد صَوتا فِي صَدره وَهُوَ نَحْو النحنحة. وَقَوله: فَتى كملت الخ رُوِيَ أَيْضا: فَتى كملت فِيهِ الْمُرُوءَة وَيجوز أَن يحمل الْفَتى على ابْنه وعَلى أَخِيه ... قَالَ المرزباني فِي الموشح: أَخْبرنِي الصولي عَن أبي العيناء عَن الْأَصْمَعِي قَالَ: أنشدت الرشيد أَبْيَات النَّابِغَة الْجَعْدِي من قصيدته الطَّوِيلَة: فَتى تمّ فِيهِ مَا يسر صديقه فَتى كملت أعراقه غير أَنه (أَشمّ طَوِيل الساعدين سميدع ... إِذا لم يرح للمجد أصبح غاديا) فَقَالَ الرشيد: ويله لم لم يروحه فِي الْمجد كَمَا أغداه أَلا قَالَ:

فَقلت: أَنْت وَالله يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فِي هَذَا أعلم مِنْهُ بالشعر. وَمن أَبْيَات الْغَزل فِي هَذِه القصيدة (بَدَت فعل ود فَلَمَّا تبعتها ... تولت وبقت حَاجَتي فِي فؤاديا) (وحلت سَواد الْقلب لَا أَنا بَاغِيا ... سواهَا وَلَا فِي حبها متراخيا) قَالَ شَارِح أَبْيَات الموشح: قَوْله فعل ذِي ود إِمَّا مصدر لبدت لِأَن المصادر وَمَا يشتق مِنْهَا يعبر عَنْهَا بلف الْفِعْل قَالَ تَعَالَى: وَالَّذين هم لِلزَّكَاةِ فاعلون أَو لفعل مَحْذُوف أَي: بَدَت وَفعلت فعل ذِي ود أَي فاعلةً فعله. وَقَالَ الْعَيْنِيّ: هُوَ بِتَقْدِير: كَفعل ذِي ود وَالْمعْنَى: فعلت معي فعل ذِي محبَّة) وَقَوله: وحلت سَواد الْقلب هَذَا الْبَيْت من شَوَاهِد النُّحَاة أوردوه شَاهدا على عمل لَا عمل لَيْسَ فِي الْمعرفَة وَهُوَ شَاذ. وَأجِيب عَنهُ بِوَجْهَيْنِ: أَحدهمَا: أَن الأَصْل لَا أرى بَاغِيا فَلَمَّا حذف الْفِعْل برز الضَّمِير فباغياً حَال. وَالثَّانِي: أَن أَنا مُبْتَدأ وَالْفِعْل الْمُقدر الْمَذْكُور خَبره. وَرُوِيَ: لَا أَنا مبتغ سواهَا وَعَلِيهِ لَا شَاهد فِيهِ. وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد الْخَامِس وَالْعشْرُونَ بعد الْمِائَتَيْنِ على أَن لَيْسَ وَلَا يكون وخلا وَعدا لَا يستعملن فِي الِاسْتِثْنَاء

المفرغ وَقد جَاءَ التفريغ فِي لَيْسَ كَمَا فِي الْبَيْت فَإِن الْمُسْتَثْنى مِنْهُ مَحْذُوف أَي: مَا ترك الصنع شَيْئا إِلَّا جلدا وأعظماً. فالمنصوب بعد لَيْسَ خَبَرهَا وَاسْمهَا قد بَينه الشَّارِح. وَالرِّوَايَة إِنَّمَا هِيَ فَمَا ترك الصنع الَّذِي قد صَنعته بِالْخِطَابِ مَعَ عمر بن عبد الْعَزِيز أَرَادَ بصنعه تقريب ضِدّه: زيد بن أسلم وَمَا عَامل بِهِ الْأَحْوَص من الْجفَاء. وَقَوله: وَلَا الغيظ عطف على الصنع. ثمَّ ذكر الشَّارِح أَن هَذِه الْأَفْعَال لم تسْتَعْمل إِلَّا فِي الِاسْتِثْنَاء الْمُتَّصِل. . أَقُول: قد وَردت خلا فِي الِاسْتِثْنَاء الْمُنْقَطع كَقَوْل العجاج وَهُوَ من أبياته كَمَا مر شَرحه: (وبلدة لَيْسَ بهَا طوري ... وَلَا خلا الْجِنّ بهَا إنسي) فَإِن قَوْله إنسي هُوَ الْمُسْتَثْنى مِنْهُ وَالْجِنّ هُوَ الْمُسْتَثْنى وجنس كل مِنْهُمَا مُغَاير لجنس الآخر. وَالْبَيْت من قصيدة للأحوص الْأنْصَارِيّ وَتَقَدَّمت تَرْجَمته فِي الشَّاهِد الْخَامِس والثمانين روى صَاحب الأغاني بِسَنَدِهِ: أَن عمر بن عبد الْعَزِيز لما ولي الْخلَافَة أدنى زيد بن أسلم وجفا الْأَحْوَص فَقَالَ لَهُ الْأَحْوَص: (أَلَسْت أَبَا حَفْص هديت مخبري ... أَفِي الْحق أَن أقْصَى وتدني ابْن أسلما)

فَقَالَ عمر ذَلِك هُوَ الْحق قَالَ الزبير وأنشدنيها عبد الْملك ابْن الْمَاجشون (أَلا صلَة الْأَرْحَام أقرب للتقى ... وَأظْهر فِي أكفائه لَو تكرما) (فَمَا ترك الصنع الَّذِي قد صَنعته ... وَلَا الغيظ مني لَيْسَ جلدا وأعظما) (وَكُنَّا ذَوي قربى إِلَيْك فَأَصْبَحت ... قرابتنا ثدياً أجد مصرما) (وَكنت لما أرجوه مِنْك كبارق ... لوى قطره من بعد مَا كَانَ غيما) (وَقد كنت أَرْجَى النَّاس عِنْدِي مَوَدَّة ... ليَالِي كَانَ الظَّن غيباً مرجما)) (أعدك حرْزا إِن جنيت ظلامة ... ومالاً ثرياً حِين أحمل مغرما) (تدارك بعتبى عاتباً ذَا قرَابَة ... طوى الغيظ لم يفتح بسخط لَهُ فَمَا) وَهَذِه القصيدة أرسلها إِلَى عمر وَهُوَ منفي بدهلك كَانَ سُلَيْمَان بن عبد الْملك قد نَفَاهُ لما تقدم فِي تَرْجَمته فَبَقيَ هُنَاكَ مَحْبُوسًا مُدَّة سُلَيْمَان ثمَّ ولي

عمر بن عبد الْعَزِيز فَكتب إِلَيْهِ يَسْتَأْذِنهُ فِي الْقدوم ويمدحه فَأبى أَن يَأْذَن لَهُ. وَكَانَ فِيمَا كتب إِلَيْهِ: (أيا رَاكِبًا إِمَّا عرضت فبلغن ... هديت أَمِير الْمُؤمنِينَ رسائلي) (وَقل لأبي حَفْص إِذا مَا لَقيته ... لقد كنت نَفَّاعًا قَلِيل الغوائل) (فَكيف ترى للعيش طيبا وَلَذَّة ... وخالك أَمْسَى موثقًا فِي الحبائل) وَأنْشد بعده وَهُوَ (وكل أبي باسل غير أنني ... إِذا عرضت أولى الطرائد أبسل) على أَن غيراً تسْتَعْمل فِي الِاسْتِثْنَاء الْمُتَّصِل. وَقد مر مافيه آنِفا. وَهَذَا الْبَيْت من قصيدة مَشْهُورَة للشنفرى تسمى لامية الْعَرَب مطْلعهَا: (أقِيمُوا بني أُمِّي صُدُور مطيكم ... فَإِنِّي إِلَى قوم سواكم لأميل) (فقد حمت الْحَاجَات وَاللَّيْل مقمر ... وشدت لطيات مطايا وأرحل) (وَفِي الأَرْض منأى للكريم عَن الْأَذَى ... وفيهَا لمن خَافَ القلى متغزل) (لعمرك مَا بِالْأَرْضِ ضيق على امْرِئ ... سرى رَاغِبًا أَو رَاهِبًا وَهُوَ يعقل) (ولي دونكم أهلون: سيد عملس ... وأرقط زهلول وعرفاء جيال) (هم الْأَهْل لَا مستودع السِّرّ ذائع ... لديهم وَلَا الْجَانِي بِمَا جر يخذل) وكل أبي باسل غير أنني (وَإِن مدت الْأَيْدِي إِلَى الزَّاد لم أكن ... بأعجلهم إِذْ أجشع الْقَوْم أعجل) (وَمَا ذَاك إِلَّا بسطة عَن تفضل ... عَلَيْهِم وَكَانَ الْأَفْضَل المتفضل)

. وَهَذِه القصيدة قد شرحها جمَاعَة مِنْهُم الْخَطِيب التبريزي والزمخشري وَابْن الشجري وَابْن أكْرم. وَلم يحضرني الْآن غير الأول وَالثَّانِي: قَالَ القالي فِي أَمَالِيهِ: إِن القصيدة المنسوبة إِلَى الشنفرى الَّتِي أَولهَا: أقِيمُوا بني أُمِّي صُدُور مطيكم لَهُ هِيَ من الْمُقدمَات فِي الْحسن والفصاحة والطول. وَكَانَ أقدر النَّاس على قافية. انْتهى.) وعدتها ثَمَانِيَة وَسِتُّونَ بَيْتا وَقد اسْتشْهد الشَّارِح مِنْهَا بِسِتَّة أَبْيَات أخر فِي بَاب الْجمع وَفِي الْأَفْعَال النَّاقِصَة وَفِي رب من حُرُوف الْجَرّ وَفِي حُرُوف الشَّرْط. وَقَوله: أقِيمُوا بني أُمِّي الخ يُقَال: أَقَامَ صدر مطيته. إِذا جد فِي السّير وَكَذَلِكَ إِذا جد فِي أَمر كَانَ. يُؤذن قومه بالرحيل وَأَن غفلتهم عَنهُ توجب مفارقتهم. وبني أُمِّي: منادى وأضاف الْأَبْنَاء إِلَى الْأُم لِأَنَّهَا أَشد شَفَقَة كَمَا قيل فِي قَوْله تَعَالَى حِكَايَة عَن هرون: يَا ابْن أم. وأميل هُنَا بِمَعْنى مائل وَنَظِيره كثير نَحْو أكبر وأوحد. وَقَوله: فقد حمت الْحَاجَات الخ يُرِيد تنبهوا من رقدتكم فَهَذَا وَقت الْحَاجة وَلَا عذر لكم فَإِن اللَّيْل كالنهار فِي الضَّوْء والآلة حَاضِرَة. وحمت بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة يُقَال: حم الشَّيْء بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول أَي: قدر وهيئ. وأقمر اللَّيْل أَي: أَضَاء. والطية بِكَسْر الطَّاء الْمُهْملَة قَالَ صَاحب الصِّحَاح: الطية النِّيَّة قَالَ الْخَلِيل: الطية تكون منزلا وَتَكون منتأى تَقول: مضى

لطيته أَي: لنيته الَّتِي انتواها وبعدت عَنَّا طيته وَهُوَ الْمنزل الَّذِي انتواه وَمضى لطيته وطية بعيدَة: أَي شاسعة. وَقَوله: وَفِي الأَرْض منأى الخ المنأى: اسْم مَكَان من نأى أَي: بعد وَهُوَ مُتَعَلق قَوْله عَن الْأَذَى. والقلى بِكَسْر الْقَاف: البغض وَإِن فتحتها مددت. ومتعزل بِفَتْح الزاء: اسْم مَكَان من تعزله بِمَعْنى اعتزله. وَقَوله: ولي دونكم الخ أورد الشَّارِح هَذَا الْبَيْت فِي بَاب الْجمع. وَدون هُنَا بِمَعْنى غير. والسَّيِّد بِكَسْر السِّين: الذِّئْب وَالْأُنْثَى سيدة وَرُبمَا سمي بِهِ الْأسد. والعملس بِفَتْح الْعين وَالْمِيم وَاللَّام الْمُشَدّدَة: الْقوي على السّير السَّرِيع. وَأَرَادَ بالأرقط النمر وَهُوَ مَا فِيهِ سَواد يشوبه نقط بيض. والزهلول بِضَم الزَّاي: الأملس وَفِي الْعباب: يُقَال للضبع عرفاء لِكَثْرَة شعر رقبَتهَا. وَأنْشد هَذَا الْبَيْت. وجيأل على وزن فيعل: اسْم للضبع معرفَة وَتَكون بَدَلا من عرفاء وَهُوَ غير منصرف للعلمية والتأنيث. وَقَوله: هم الْأَهْل الخ أَي: مَا ذكرته من الوحوش هم الْأَهْل لَا غَيرهم. وَبَين وَجه انحصار الْأَهْلِيَّة فيهم دون من عداهم من الْإِنْس بقوله: لَا مستودع السِّرّ إِلَى آخِره أَي: السِّرّ الْمُسْتَوْدع عِنْدهم غير ذائع. والجاني: اسْم فَاعل من جنى عَلَيْهِ جِنَايَة أَي: أذْنب. وَالْبَاء سَبَبِيَّة. وجر بِمَعْنى جنى يُقَال: جر عَلَيْهِم جريرةً أَي: جنى عَلَيْهِم جِنَايَة ويخذل بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول من خذلته) وخذلت عَنهُ من بَاب قتل وَالِاسْم الخذلان: إِذا تركت نصرته وإعانته وتأخرت عَنهُ.

فَهُوَ آب وَأبي. والباسل: الجريء الشجيع من بسل بسالة مثل ضخم ضخامة بِمَعْنى شجع فَهُوَ باسل. وَقَوله: غير أنني الخ اسْتثِْنَاء مُنْقَطع. وَعرضت من عرض لَهُ كَذَا من بَاب ضرب: أَي: ظهر. وَأولى: مؤنث الأول. والطريدة: مَا طردت من صيد وَغَيره وَالْمرَاد هُنَا الفرسان ومطاردة الأقران فِي الْحَرْب إِذا حمل بَعضهم على بعض يُقَال: هم فرسَان الطراد. وأبسل: أفعل تَفْضِيل. وَقَوله: وَإِن مدت الْأَيْدِي الخ وصف عدم شرهه على الطَّعَام وَصَبره على الْجُوع. وَهَذَا مدح عِنْد الْعَرَب. والزاد: مَا يُؤْكَل وَأَصله الطَّعَام الْمُتَّخذ للسَّفر. وَالْبَاء فِي قَوْله: بأعجلهم زَائِدَة دخلت فِي خبر الْكَوْن الْمَنْفِيّ. وَقد اسْتشْهد لَهُ شرَّاح الألفية بِهَذَا الْبَيْت. وأجشع: أفعل تَفْضِيل من الجشع بِفتْحَتَيْنِ وَهُوَ أَشد الْحِرْص وَفعله من بَاب فَرح. وَأعجل الأول بِمَعْنى عجل بِفَتْح فَكسر لَا أَنه أفعل تَفْضِيل كالثاني لِأَن مُرَاده أَن يَنْفِي العجلة كَبِير مدح. وَالشّرط وَالْجَوَاب هُنَا كلهما حِكَايَة حَال مَاضِيَة وَلذَلِك صَحَّ وُقُوع لم فِي جَوَاب الشَّرْط. وَقَوله: وَمَا ذَاك إِلَّا بسطة الخ الْإِشَارَة رَاجِعَة إِلَى عدم مد يَده إِلَى الزَّاد مستعجلاً وَقيل رَاجِعَة إِلَى مَجْمُوع مَا مدح بِهِ نَفسه. والبسطة: السعَة. والتفضل: الإنعام يُقَال: تفضل عَلَيْهِ وَأفضل إفضالاً بِمَعْنى. وَالْأَفْضَل خبر كَانَ تقدم على اسْمهَا وَهُوَ المتفضل. والشنفرى شَاعِر جاهلي قحطاني من الأزد. وَهُوَ كَمَا فِي الجمهرة وَغَيرهَا من بني الْحَارِث بن ربيعَة بن الأواس بن الْحجر بن الهنء بن الأزد.

وَهُوَ بِفَتْح الشين وَآخره ألف مَقْصُورَة وَهُوَ اسْمه. والأواس بِفَتْح الْهمزَة. وَالْحجر بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الْجِيم. والهنء بِتَثْلِيث الْهَاء وَسُكُون النُّون وَبعدهَا همزَة. وَزعم بَعضهم أَن الشنفرى لقبه وَمَعْنَاهُ عَظِيم الشّفة وَأَن اسْمه ثَابت بن جَابر. وَهَذِه غلظ كَمَا غلظ الْعَيْنِيّ فِي زَعمه أَن اسْمه عَمْرو بن براق بِفَتْح الْبَاء وَتَشْديد الرَّاء الْمُهْملَة بل هما صَاحِبَاه فِي التلصص وَكَانَ الثَّلَاثَة أعدى العدائين فِي الْعَرَب لم تلحقهم الْخَيل وَلَكِن جرى الْمثل بالشنفرى فَقيل: أعدى من الشنفرى. وَمن حَدِيثه مَا ذكره أَبُو عَمْرو الشَّيْبَانِيّ كَمَا نَقله ابْن الْأَنْبَارِي فِي شرح المفضليات وَحَمْزَة الْأَصْبَهَانِيّ فِي الدرة الفاخرة قَالَ: أغار تأبط شرا وَهُوَ ثَابت بن جَابر والشنفرى) الْأَزْدِيّ وَعَمْرو بن براق على بجيلة بِفَتْح الْبَاء وَكسر الْجِيم. فوجدوا بجيلة قد أقعدوا لَهُم على المَاء رصداً فَلَمَّا مالوا لَهُ فِي جَوف اللَّيْل قَالَ لَهُم تأبط شرا: إِن بِالْمَاءِ رصداً. وَإِنِّي لأسْمع وجيب قُلُوب الْقَوْم أَي: اضْطِرَاب قُلُوبهم قَالُوا: وَالله مَا نسْمع شَيْئا وَلَا هُوَ إِلَّا قَلْبك يجب فَوضع يَده على قلبه فَقَالَ: وَالله مَا يجب وَمَا كَانَ وجاباً قَالُوا: فَلَا وَالله مَا لنا بُد من وُرُود المَاء فَخرج الشنفرى فَلَمَّا رَآهُ الرصد عرفوه فَتَرَكُوهُ فَشرب ثمَّ رَجَعَ إِلَى أَصْحَابه فَقَالَ: وَالله مَا بِالْمَاءِ أحد وَلَقَد شربت من الْحَوْض فَقَالَ تأبط شرا: بلَى لَا يريدونك وَلَكِن يريدونني. ثمَّ ذهب ابْن براق فَشرب ثمَّ رَجَعَ فَلم يعرضُوا لَهُ فَقَالَ: لَيْسَ بِالْمَاءِ أحد فَقَالَ تأبط شرا: بلَى لَا يريدونك وَلَكِن يريدونني ثمَّ قَالَ للشنفرى: إِذا أَنا كرعت فِي الْحَوْض فَإِن الْقَوْم سيشدون عَليّ

فيأسرونني فَاذْهَبْ كَأَنَّك تهرب ثمَّ ارْجع فَكُن فِي أصل ذَلِك الْقرن فَإِذا سمعتني أَقُول: خُذُوا خُذُوا فتعال فاطلقني. وَقَالَ لِابْنِ براق: إِنِّي سآمرك إِن تستأسر للْقَوْم فَلَا تبعد مِنْهُم وَلَا تمكنهم من نَفسك. ثمَّ أقبل تأبط شرا حَتَّى ورد المَاء فَلَمَّا كرع فِي الْحَوْض شدوا عَلَيْهِ فَأَخَذُوهُ وكتفوه بِوتْر وطار الشنفرى فَأتى حَيْثُ أمره وانحاز ابْن براق حَيْثُ يرونه فَقَالَ تأبط شرا: يَا بجيلة هَل لكم فِي خير هَل لكم أَن تياسرونا فِي الْفِدَاء ويستأسر لكم ابْن براق فَقَالُوا: نعم وَيلك يَا ابْن براق إِن الشنفرى قد طَار فَهُوَ يصطلي نَار بني فلَان وَقد علمت الَّذِي بَيْننَا وَبَين أهلك فَهَل لَك أَن تستأسر ويياسرونا فِي الْفِدَاء فَقَالَ: أما وَالله حَتَّى أروز نَفسِي شوطاً أَو شوطين. فَجعل يعدو فِي قبل الْجَبَل ثمَّ يرجع حَتَّى إِذا رَأَوْا أَنه قد أعيا وطمعوا فِيهِ اتَّبعُوهُ ونادى تأبط شرا: خُذُوا خُذُوا فَذَهَبُوا يسعون فِي أَثَره فَجعل يُطعمهُمْ وَيبعد عَنْهُم وَرجع الشنفرى إِلَى تأبط شرا فَقطع وثَاقه فَلَمَّا رَآهُ ابْن براق قد قطع عَنهُ انْطلق وكر إِلَى تأبط شرا فَإِذا هُوَ قَائِم فَقَالَ: أعجبكم يَا معشر بجيلة عَدو ابْن براق أما وَالله لأعدون لكم عدوا أنسيكموه ثمَّ انْطلق هُوَ والشنفرى. انْتهى. وَمن الْمَشْهُورين فِي الْعَدو السليك بن السلكة وَهُوَ تميمي من بني سعد. والسليك بِالتَّصْغِيرِ: فرخ الحجلة والنثى سلكة بِضَم السِّين وَفتح اللَّام وَهِي اسْم أمه وَكَانَت سَوْدَاء وإليها نسب. وَذكر أَبُو عُبَيْدَة

السليك فِي العدائين مَعَ الْمُنْتَشِر بن وهب الْبَاهِلِيّ وأوفى بن مطر الْمَازِني.) والمثل للسليك من بَينهم فَقيل: أعدى من السليك. وَمن حَدِيثه فِيمَا ذكره أَبُو عُبَيْدَة كَمَا نَقله حَمْزَة الْأَصْبَهَانِيّ فِي الدرة الفاخرة: أَن السليك رَأَتْهُ طلائع لجيش بكر بن وَائِل جاؤوا متجردين ليغيروا على بني تَمِيم وَلَا يعلم بهم فَقَالُوا: إِن علم بِنَا السليك أنذر قومه فبعثوا إِلَيْهِ فارسين على جوادين فَلَمَّا هايجاه خرج يعدو كَأَنَّهُ ظَبْي فطارداه يَوْمًا أجمع ثمَّ قَالَا: إِذا كَانَ اللَّيْل أعيا فَيسْقط فنأخذه. فَلَمَّا أصبحا وجدا أَثَره قد عثر بِأَصْل شَجَرَة وَقد وثب وانحطمت قوسه فوجدا قِطْعَة مِنْهَا قد ارتزت بِالْأَرْضِ فَقَالَا: لَعَلَّ هَذَا كَانَ من أول اللَّيْل ثمَّ فتر فتبعاه فَإِذا أَثَره متفاجاً قد بَال فِي الأَرْض وخدها فَقَالَا: مَاله قَاتله الله مَا أَشد مَتنه وَالله لَا نتبعه فانصرفا. وَوصل السليك إِلَى قومه فأنذرهم فَكَذبُوهُ لبعد الْغَايَة وَجَاء الْجَيْش فَأَغَارُوا عَلَيْهِم. رَجعْنَا إِلَى حَدِيث الشنفرى. روى الْأَصْبَهَانِيّ فِي الأغاني وَابْن الْأَنْبَارِي فِي شرح المفضليات: أَن الشنفرى أسرته بَنو شَبابَة وهم حَيّ من فهم بن عَمْرو بن قيس عيلان وَهُوَ غُلَام صَغِير فَلم يزل فيهم حَتَّى أسرت بَنو سلامان بن مفرج بِسُكُون الْفَاء وَآخره جِيم رجلا من فهم ثمَّ أحد بني شَبابَة بِفَتْح الشين الْمُعْجَمَة ففدته بَنو شَبابَة بالشنفرى فَكَانَ الشنفرى فِي بني سلامان بِفَتْح الْمُهْملَة يظنّ أَنه أحدهم حَتَّى نازعته ابْنة الرجل

الَّذِي كَانَ فِي حجره وَكَانَ قد اتَّخذهُ ابْنا فَقَالَ لَهَا: اغسلي رَأْسِي يَا أخية فأنكرت أَن يكون أخاها فلطمته فَذهب مغاضباً إِلَى الَّذِي هُوَ فِي حجره فَقَالَ لَهُ: أَخْبرنِي من أَنا فَقَالَ لَهُ: أَنْت من الأواس بن الْحجر فَقَالَ: أما إِنِّي سأقتل مِنْكُم مائَة رجل بِمَا اعتبدتموني ثمَّ إِن الشنفرى لزم دَار فهم وَكَانَ يُغير على بني سلامان على رجلَيْهِ فِيمَن تبعه من فهم وَكَانَ يُغير عَلَيْهِم وَحده أَكثر وَمَا زَالَ يقتل مِنْهُم حَتَّى قتل تِسْعَة وَتِسْعين رجلا حَتَّى قعد لَهُ فِي مَكَان أسيد بن جَابر السلاماني بِفَتْح الْهمزَة وَكسر السِّين وَمَعَ أسيد ابْن أَخِيه وخازم البقمي وَكَانَ الشنفرى قتل أَخا أسيد بن جَابر فَمر عَلَيْهِم الشنفرى فأبصر السوَاد بِاللَّيْلِ فَرَمَاهُ وَكَانَ لَا يرى سواداً إِلَّا رَمَاه فَشك ذِرَاع ابْن أخي أسيد إِلَى عضده فَلم يتَكَلَّم وَكَانَ خازم منبطحاً يرصده فَقطع الشنفرى بضربة أصبعين من أَصَابِع خازم وَضَبطه خازم حَتَّى لحقه أسيد وَابْن أَخِيه فَأخذُوا سلَاح الشنفرى وأسروه وأدوه إِلَى أهلهم وَقَالُوا لَهُ: أنشدنا فَقَالَ: إِنَّمَا النشيد على المسرة فَذَهَبت مثلا. ثمَّ ضربوا يَده فقطعوها ثمَّ قَالُوا لَهُ حِين أَرَادوا قَتله أَيْن نقبرك فَقَالَ:) (لَا تقبروني إِن قَبْرِي محرم ... عَلَيْكُم وَلَكِن أَبْشِرِي أم عَامر) (إِذا احتملت رَأْسِي وَفِي الرَّأْس أكثري ... وغودر عِنْد الْمُلْتَقى ثمَّ سائري) ...

(هُنَالك لَا أَرْجُو حَيَاة تسرني ... سجيس اللَّيَالِي مبسلاً بالجرائر) وَكَانَت حلفة الشنفرى على مائَة قَتِيل من بني سلامان فَبَقيَ عَلَيْهِ مِنْهُم رجل إِلَى أَن قتل. فَمر رجل من بني سلامان بجمجمته فضرها بِرجلِهِ فعقرته فتم بِهِ عدد الْمِائَة. . وذرع خطو الشنفرى يَوْم قتل فَوجدَ أول نزوة نزاها إِحْدَى وَعشْرين خطْوَة وَالثَّانيَِة سبع عشرَة خطْوَة ... وَكَانَ حرَام بن جَابر أَخُو أسيد بن جَابر الْمَذْكُور قتل أَبَا الشنفرى وَلما قدم منى وَبهَا حرَام بن جَابر فَقيل للشنفرى: هَذَا قَاتل أَبِيك فَشد عَلَيْهِ فَقتله ثمَّ سبق النَّاس على رجلَيْهِ وَقَالَ: (قتلت حَرَامًا مهدياً بملبد ... بِبَطن منى وسط الحجيج المصوت) وَقيل فِي سَبَب قتل الشنفرى غير هَذَا وَهُوَ مسطور فِي شرح المفضليات والأغاني. وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد السَّابِع وَالْعشْرُونَ بعد الْمِائَتَيْنِ وَهُوَ من شَوَاهِد س: (فِي لَيْلَة لَا نرى بهَا أحدا ... يَحْكِي علينا إِلَّا كواكبها) على أَن قَوْله كواكبها بِالرَّفْع بدل من الضَّمِير فِي يَحْكِي الرَّاجِع إِلَى

أحد مَعَ أَن مرجع الضَّمِير لَيْسَ مَعْمُولا للابتداء أَو أحد نواسخه. وَأما نرى فَهِيَ بصرية والمبصر هُوَ أحد وكواكبها لَا أَنَّهَا قلبية فَتكون من النواسخ خلافًا لسيبويه فيهمَا أَي: فِي اشْتِرَاط مرجع الضَّمِير أَن يكون مَعْمُولا للابتداء أَو ناسخه وَفِي جعله نرى قلبية. هَذَا محصلما نَقله الشَّارِح الْمُحَقق عَن سِيبَوَيْهٍ وَلَيْسَ فِي كَلَام سِيبَوَيْهٍ فِي هَذَا الْمقَام وَاحِد مِنْهُمَا وَلَعَلَّ مَا نَقله الشَّارِح ثَابت فِي مَوضِع آخر من كِتَابه. وَأما عِبَارَته هُنَا فَهِيَ هَذِه: وَتقول مَا مَرَرْت بِأحد يَقُول ذَاك إِلَّا عبد الله وَمَا رَأَيْت أحدا يفعل ذَلِك إِلَّا زيدا. هَذَا وَجه الْكَلَام. وَإِن حَملته على الْإِضْمَار الَّذِي فِي الْفِعْل فَقلت: غلآ زيد فَرفعت فعربي قَالَ الشَّاعِر: (فِي لَيْلَة لَا نرى بهَا أحدا ... يَحْكِي علينا إِلَّا كواكبها) وَكَذَلِكَ مَا أَظن أحدا يَقُول ذَلِك إِلَّا زيدا. وَإِن رفعت فَجَائِز حسن. وَإِنَّمَا اختير النصب هَا) هُنَا لأَنهم أَرَادوا أَن يجْعَلُوا الْمُسْتَثْنى بِمَنْزِلَة الْمُبدل مِنْهُ وَلَا يكون بَدَلا إِلَّا من منفي لِأَن الْمُبدل مِنْهُ مَنْصُوب منفي ومضمره مَرْفُوع فأرادوا أَن يجْعَلُوا الْمُسْتَثْنى بَدَلا من أحد لِأَنَّهُ هُوَ الْمَنْفِيّ وَجعلُوا يَقُول ذَلِك وَصفا للمنفي. وَقد تكلمُوا بِالْآخرِ لِأَن مَعْنَاهُ معنى الْمَنْفِيّ إِذْ كَانَ وَصفا لمنفي. انْتهى كَلَام سِيبَوَيْهٍ. وَهُوَ صَرِيح فِي عدم اشْتِرَاط وَاحِد مِنْهُمَا يدلك عَلَيْهِ عطف قَوْله: وَكَذَلِكَ مَا أَظن أحدا يَقُول ذَلِك إِلَّا زيدا على قَوْله: مَا رَأَيْت أحدا يفعل ذَلِك إِلَّا زيدا فَإِنَّهُ سوى بَين الْفِعْل القلبي وَالْفِعْل الْبَصْرِيّ وَغَيرهمَا.

وَمعنى قَوْله: تكلمُوا بِالْآخرِ أَي: تكلمُوا بِالرَّفْع فِي الْمُسْتَثْنى. وَكَذَلِكَ فِي شرح أَبْيَات سِيبَوَيْهٍ للنحاس والأعلم: قَالَ النّحاس: قَالَ مُحَمَّد بن يزِيد: أبدل الْكَوَاكِب من الْمُضمر فِي يَحْكِي وَلَو أبدله من أحد لَكَانَ أَجود لِأَن أحدا منفي فِي اللَّفْظ وَالْمعْنَى وَالَّذِي فِي الْفِعْل بعده منفي فِي الْمَعْنى. قَالَ: وَمثل ذَلِك مَا علمت أحدا دخل الدَّار إِلَّا زيدا وَإِلَّا زيد النصب على الْبَدَل من أحد وعَلى أصل الِاسْتِثْنَاء وَالرَّفْع على الْبَدَل من الْمُضمر انْتهى. قَالَ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي فِي الْقَاعِدَة الَّتِي يعْطى الشَّيْء فِيهَا حكم مَا أشبهه فِي مَعْنَاهُ من الْبَاب الثَّامِن: قَوْلهم إِن أحدا لايقول ذَلِك فأوقع أحد فِي الْإِثْبَات لِأَنَّهُ نفس الضَّمِير الْمُسْتَتر فِي يَقُول وَالضَّمِير فِي سِيَاق النَّفْي فَكَأَن أحدا كَذَلِك وَقَالَ: فِي لَيْلَة لَا نرى بهَا أحدا فَرفع كواكبها بَدَلا من ضمير يَحْكِي لِأَنَّهُ رَاجع إِلَى أحد وَهُوَ وَاقع فِي سِيَاق غير الْإِيجَاب فَكَانَ الضَّمِير كَذَلِك. وَقَالَ أَيْضا فِي بَاب الِاسْتِثْنَاء من الْجِهَة الْخَامِسَة من الْبَاب الْخَامِس: إِن قلت مَا رَأَيْت أحدا يَقُول ذَلِك إِلَّا زيد إِن رفع زيد فرفعه من وَجه وَهُوَ كَونه بَدَلا من ضمير يَقُول وَمِنْه هَذَا الْبَيْت. وَإِن نصب فنصبه من وَجْهَيْن على الْبَدَلِيَّة من أحد وعَلى الِاسْتِثْنَاء. فَإِن قلت: مَا أحد يَقُول ذَلِك إِلَّا زيد فرفعه من وَجْهَيْن: كَون زيد بَدَلا من أحد وَهُوَ الْمُخْتَار وَكَونه بَدَلا من ضَمِيره ونصبه من جِهَة وَهُوَ على الِاسْتِثْنَاء وَسَيَأْتِي بَيَان هَذَا فِي الشَّرْح قَرِيبا.

وَقد نقل الدماميني هُنَا مَا اعْترض بِهِ الشَّارِح الْمُحَقق على سِيبَوَيْهٍ وَلم يزدْ عَلَيْهِ بِشَيْء.) وَقَالَ ابْن الشجري فِي أَمَالِيهِ: رفع كواكبها على الْبَدَل من الْمُضمر فِي يَحْكِي وَلَوْلَا احْتِيَاجه إِلَى تَصْحِيح القافية كَانَ النصب فِيهَا أولى من ثَلَاثَة أوجه: إبدالها من الظَّاهِر الَّذِي تنَاوله النَّفْي على الْحَقِيقَة وَالثَّانِي: نصبها على أصل بَاب الِاسْتِثْنَاء كَقِرَاءَة ابْن عَامر: مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلا مِنْهُم وَالثَّالِث: أَنه اسْتثِْنَاء من غير الْجِنْس كَقَوْلِك: مَا فِي الدَّار أحد إِلَّا الْخيام. وَأهل الْحجاز مجمعون فِيهِ على النصب وعَلى ذَلِك أجمع الْقُرَّاء فِي قَوْله تَعَالَى: مَالهم بِهِ من علم إِلَّا اتِّبَاع الظَّن انْتهى. وَقَوله: يَحْكِي علينا الْحِكَايَة بِمَعْنى الرِّوَايَة. وعَلى بِمَعْنى عَن وَقد يُقَال ضمن يَحْكِي معنى ينم. قالهما ابْن هِشَام فِي الْبَاب الأول من الْمُغنِي. وَهَذَا الْبَيْت نسبه الشَّارِح الْمُحَقق إِلَى عدي بن زيد مُوَافقَة لشراح شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ وَلم ينْسبهُ سِيبَوَيْهٍ فِي كِتَابه إِلَى أحد وَإِنَّمَا أوردهُ غفلاً. وَقد تصفحت ديوَان عدي بن زيد مرَّتَيْنِ فَلم أَجِدهُ فِيهِ وَإِنَّمَا هَذَا الْبَيْت من أَبْيَات لأحيحة بن الجلاح الْأنْصَارِيّ أثبتها لَهُ الْأَصْبَهَانِيّ فِي الأغاني وَهِي: (يشتاق قلبِي إِلَى مليكَة لَو ... أَمْسَى قَرِيبا لمن يطالبها) ...

(مَا أحسن الْجيد من مليكَة وَال ... لبات إِذْ زانها ترائبها) (يَا لَيْتَني لَيْلَة إِذا هجع ال ... نَاس ونام الْكلاب صَاحبهَا) (فِي لَيْلَة لَا نرى بهَا أحدا ... يَحْكِي علينا إِلَّا كواكبها) (ولتبكني نَاقَة إِذا رحلت ... وَغَابَ فِي سربخ مناكبها) (ولتبكني عصبَة إِذا اجْتمعت ... لم يعلم النَّاس مَا عواقبها) وبهذه الأبيات عرف أَن القافية مَرْفُوعَة. وَقَوله: لَو أَمْسَى الخ لَو لِلتَّمَنِّي وَاسم أَمْسَى ضمير الْقلب وَمن مَوْصُولَة بِمَعْنى: الَّتِي. ومليكة بِالتَّصْغِيرِ: اسْم امْرَأَة. وَقَوله: مَا أحسن الْجيد مَا تعجبية. واللبة بِفَتْح اللَّام: مَوضِع القلادة من الصَّدْر. والترائب: جمع تريبة وَهِي عِظَام الصَّدْر مَا بَيت الترقوتين إِلَى الثدي. وَقَالَ ابْن الشجري: اللبة: الْموضع الَّذِي عَلَيْهِ طرف القلادة. والترائب واحدتها تريبة وَقيل تريب وَهُوَ الصَّدْر وَإِنَّمَا جَمعهمَا لما حولهما كَأَنَّهُ سمّى مَا يجاور اللبة لبّة وَمَا يجاور التربية تربية كَمَا قَالُوا: شابت مفارقه. وَقَوله: يَا لَيْتَني لَيْلَة الخ صَاحبهَا خبر لَيْت وَلَيْلَة ظرف) لصَاحِبهَا وَإِذا بدل مِنْهَا بدل اشْتِمَال والمضير مقدّر أَي: هجع النَّاس فِيهَا. وَقَوله: فِي لَيْلَة لَا نرى بهَا ... الخ فِي لَيْلَة بدل من قَوْله إِذا وَجُمْلَة لَا نرى بهَا الخ صفة لَيْلَة ونرى بالنُّون يوروى بِالتَّاءِ وَهُوَ قريب. وَجُمْلَة يَحْكِي علينا: صفة أحدا. وَرُوِيَ بدله: يسْعَى علينا من سعى بِهِ إِلَى الْوَالِي: إِذا وشى بِهِ ونمّ عَلَيْهِ. وَقَوله: تبكني هُوَ أَمر الْغَائِب. والقينة بِالْفَتْح: الْأمة مغنية كَانَت كَمَا هُنَا أَو غير مغنية. والمزهر بِكَسْر الْمِيم: الْعود الَّذِي يضْرب بِهِ من آلَات الملاهي. والقهوة: الْخمر. وَقَوله: إِذا رحلت بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول

من رحلت الْبَعِير رحلاً من بَاب نفع: إِذا شددت عَلَيْهِ رَحْله وَهُوَ أَصْغَر من القتب. وَقَوله: وَغَابَ فِي سربخ الخ السربخ بِفَتْح السِّين وَسُكُون الرَّاء الْمُهْمَلَتَيْنِ وفتحالموحدة وَآخره خاء مُعْجمَة: الأَرْض الواسعة. وَقَوله: مَا عواقبها مَا استفهامية مُبْتَدأ وعواقبها الْخَبَر وَالْجُمْلَة فِي مَوضِع مفعولي علم المعلّق عَن الْعَمَل بالاستفهام. وَقَالَ ابْن الشجري فِي أَمَالِيهِ مُشِيرا إِلَى أَن هَذَا الْبَيْت لأحيحة بن الجلاح بقوله: وَالْبَيْت الَّذِي أنْشدهُ سيبلويه شَاهدا على جَوَاز الرّفْع من مَقْطُوعَة لرجل من الْأَنْصَار. وَرُوِيَ أَنه لما أدخلت حبابة على يزِيد بن عبد الْملك دخلت وَعَلَيْهَا ثِيَاب معصفرة وبيدها دفّ وَهِي تصفقه بِيَدِهَا وتغني بِهَذِهِ الأبيات: (مَا أحسن الْجيد من مليكَة وَال ... لّبات إِذْ زانها ترائبها) (يَا لَيْتَني لَيْلَة إِذا هجع ال ... نَاس ونام الْكلاب صَاحبهَا) (فِي لَيْلَة لَا نرى بهَا أحدا ... يَحْكِي علينا إِلَّا كواكبها) ثمَّ قَالَ ابْن الشجري: وَوَقع فِي أَكثر نسخ كتاب سِيبَوَيْهٍ غير مَنْسُوب إِلَى شَاعِر مسمّى وَوَجَدته فِي كتاب لغويّ مَنْسُوبا إِلَى عدي بن زيد وتصفحت نسختين من ديوَان شعر عديّ فَلم أجد فيهمَا هَذِه المقطوعة بل وجدت لَهُ قصيدة على هَذَا الْوَزْن وَهَذِه القافية أَولهَا: (لم أر مثل الأقوام فِي غبن الْأَيَّام ... ينسون مَا عواقبها) (يرَوْنَ إخْوَانهمْ ومصرعهم ... وَكَيف تعتاقهم مخالبها) (فَمَا ترجّي النُّفُوس من طلب الْخَيْر ... وَحب الْحَيَاة كاذبها)

ثمَّ قَالَ: قَوْله: فِي غبن الْأَيَّام يدلّ على أَنهم قد استعملوا الْغبن المتحرك الْأَوْسَط فِي البيع) وَالْأَشْهر غبنه فِي البيع غبناً بِسُكُون وَسطه والأغلب على الْغبن المفتوح أَن يسْتَعْمل فِي الرَّأْي وَفعله غبن يغبن مثل فَرح يفرح يُقَال: غبن رَأْيه وَالْمعْنَى: فِي رَأْيه. ومفعول الْغبن فِي الْبَيْت مَحْذُوف أَي: فِي غبن الْأَيَّام إيَّاهُم. وَمِمَّا اسْتعْمل فِيهِ الْغبن المفتوح الْأَوْسَط فِي البيع قَول الْأَعْشَى: (لَا يقبل الرِّشْوَة فِي حكمه ... وَلَا يُبَالِي غبن الخاسر) وَقَوله: مَا عواقبها مَا استفهامية وينسون معلّق كَمَا علّق نقيضه وَهُوَ يعلمُونَ وَالتَّقْدِير: ينسون أيّ شَيْء عواقبها. وَمعنى قَوْله: وَحب الْحَيَاة كاذبها أَن حب النُّفُوس للحياة قد يَسْتَحِيل بغضاً لما يتَكَرَّر عَلَيْهَا من الشدائد والآفات الَّتِى يتَمَنَّى صَاحبهَا الْمَوْت كَمَا قَالَ المتنبي: (كفى بك دَاء أَن ترى الْمَوْت شافياً ... وَحسب المنايا أَن يكنّ أمانيا اه) وَبعد أَن نسب هَذِه الأبيات صَاحب الأغاني لأحيحة بن الجلاح بيّن منشأها فَقَالَ: إِن تبّعاً الْأَخير وَهُوَ أَبُو كرب بن حسان بن تبّع بن أسعد الْحِمْيَرِي أقبل من الْيمن يُرِيد الشرق كَمَا كَانَت التبابعة تفعل فمرّ بِالْمَدِينَةِ فخلّف بهَا ابْنه وَمضى حَتَّى قدم الْعرَاق فَنزل بالمشقّر فَقتل ابْنه بِالْمَدِينَةِ غيلَة فَبَلغهُ الْخَبَر فكرّ رَاجعا حَتَّى دخل الْمَدِينَة وَهُوَ مجمع على

إخرابها وَقطع نخلها واستئصال أَهلهَا وَسبي الذرّية فَنزل بسفح أحد فاحتفر بهَا بِئْرا فِي الَّتِي يُقَال لَهَا إِلَى الْيَوْم: بِئْر الْملك ثمَّ أرسل إِلَى أَشْرَاف أهل الْمَدِينَة ليأتوه فَكَانَ مِمَّن أرسل إِلَيْهِ زيد بن ضبيعة وَابْن عمّه زيد بن أُميَّة وَابْن عَمه زيد بن عبيد وَكَانُوا يسمون الأزياد وأحيحة بن الجلاح فَلَمَّا جَاءَ رَسُوله قَالَ الأزياد: غنما أرسل إِلَيْنَا ليملّكنا على أهل يثرب فَقَالَ أحيحة: وَالله مَا دعَاكُمْ لخير وَكَانَ يُقَال إِن مَعَ أحيحة تَابعا من الْجِنّ يُعلمهُ الْخَبَر لِكَثْرَة صَوَابه لِأَنَّهُ كَانَ لَا يظنّ شَيْئا إِلَّا كَانَ كَمَا يَقُول فَخَرجُوا إِلَيْهِ وَخرج أحيحة وَمَعَهُ قينة لَهُ وخباء وخمر فَضرب الخباء وَجعل فِيهِ الْقَيْنَة وَالْخمر ثمَّ اسْتَأْذن على تبّع فَأذن لَهُ ة وَأَجْلسهُ على زربيّة تَحْتَهُ وتحدث مَعَه وَسَأَلَهُ عَن أَمْوَاله بِالْمَدِينَةِ فَجعل يُخبرهُ عَنْهَا فَخرج من عِنْده فَدخل خباءه فَشرب الْخمر وقرض أبياتاً وامر القينى أَن تغنيه بهَا وَجعل تبّع عَلَيْهِ حرساً وَكَانَت قَيْنَته تدعى مليكَة فَقَالَ: الأبيات الْمُتَقَدّمَة. فَلم تزل الْقَيْنَة تغنيه بذلك يَوْمه وعامّة ليلته فَلَمَّا نَام الحرس قَالَ لَهَا: إِنِّي ذَاهِب إِلَى أَهلِي فشدّي عَلَيْك الخباء فَإِذا جَاءَ رَسُول الْملك فَقولِي: هُوَ نَائِم فَإِذا أَبَوا إِلَّا أَن يوقظوني فَقولِي: قد رَجَعَ إِلَى أَهله أَرْسلنِي إِلَى الْملك برسالة فَإِن ذَهَبُوا بك إِلَيْهِ فَقولِي: يَقُول لَك) أحيحة اغدر بقينة أَو دع ثمَّ انْطلق فتحصّن فِي أطمه الضحيان فَأرْسل تبّع من جَوف اللَّيْل إِلَى الأزياد فَقَتلهُمْ. وَأرْسل إِلَى أحيحة ليَقْتُلهُ فَخرجت إِلَيْهِم الْقَيْنَة فَقَالَت: هُوَ رَاقِد فانصرفوا وترددوا عَلَيْهَا مرَارًا كل ذَلِك تَقول: هُوَ

رَاقِد ثمَّ عَادوا فَقَالُوا: لتوقظنّه أَو لندخلن عَلَيْك قَالَت: فَإِنَّهُ قد رَجَعَ إِلَى أَهله وأرسلني إِلَى الْملك برسالة فَذَهَبُوا بهَا إِلَى الْملك وأبلغته الرسَالَة فجرّه لَهُ كَتِيبَة من خيله ثمَّ أرسلهم فِي طلبه فوجدوه قد تحصّن فِي أطمه فحاصروه ثَلَاثًا فَكَانَ يقاتلهم بِالنَّهَارِ ويرميهم بِالنَّبلِ وَالْحِجَارَة وَيَرْمِي إِلَيْهِم فِي اللَّيْل بِالتَّمْرِ. فَلَمَّا مَضَت الثَّلَاث رجعُوا إِلَى تبع فَقَالُوا: بعثتنا إِلَى رجل يقاتلنا بِالنَّهَارِ ويضيفنا فِي اللَّيْل فَتَركه وَأمرهمْ أَن يحرقوا نخله وشبّت الْحَرْب بَين أهل الْمَدِينَة: اوسها وخزرجها ويهودها وَبَين تبّع وتحصنوا فِي الْآطَام فَخرج رجل من أَصْحَاب تبّع حَتَّى جَاءَ بني عدي بن النجار وهم متحصنون فِي أطمهم فَدخل حديقة من حدائقهم فرقي بهَا عذقاً مِنْهَا يجدّها فَاطلع إِلَيْهِ رجل من بني عدي من الأطم فَنزل إِلَيْهِ فَضَربهُ بمنجل حَتَّى قَتله ثمَّ أَلْقَاهُ فِي بِئْر فَلَمَّا انْتهى ذَلِك لى تبّع زَاده غيظاً وحنقاً وجرد إِلَى بني النجار جَرِيدَة من خيله فَقَاتلهُمْ بَنو النجار ... فَبينا يُرِيد تبع إخراب الْمَدِينَة اتاه حبران من الْيَهُود فَقَالَا: أَيهَا الْملك انْصَرف عَن هَذِه الْبَلدة فَإِنَّهَا مَحْفُوظَة وَإِنَّهَا مهَاجر نَبِي من بني إِسْمَاعِيل اسْمه أَحْمد يخرج من هَذَا الْحرم. فأعجبه مَا سمع مِنْهُمَا وكفّ عَن أَهلهَا. انْتهى مَا نقلته من الأغاني مُخْتَصرا. والأطم قَالَ فِي الصِّحَاح: هُوَ مثل الأجم يُخَفف ويثقّل وَالْجمع آطام وَهِي حصون لأهل الْمَدِينَة والواحدة أطمة بِفَتَحَات. والضحيان بِفَتْح الضَّاد الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْحَاء الْمُهْملَة وَبعدهَا يَاء مثناة تحتية: اسْم حصن لأحيحة

وَقد بَينه صَاحب الأغاني بعد هَذَا فَقَالَ: وَكَانَ لأحيحة أطمان أَطَم فِي قومه يُقَال لَهُ المستظل وَهُوَ الَّذِي تحصن فِيهِ حِين قَاتل تبعا أَبَا كرب الْحِمْيَرِي وأطمه الضحيان بالعصبة فِي أرضه الَّتِي يُقَال لَهَا الغابة بناه بحجارة. وَكَانَت الْآطَام عزّهم ومنعتهم وحصونهم الَّتِي يتحرزون فِيهَا من عدوهم. انْتهى كَلَامه. وَقد خَالف بَين كلاميه فَقَالَ هُنَاكَ: تحصّن بأطمه الضحيان. وَقَالَ فِي مَوضِع آخر: تحصن فِي أطمه المستظل. وأحيحة هُوَ أحيحة بن الجلاح بن الْحَرِيش بن جحجبى بن كلفة بن عَوْف بن عَمْرو بن مَالك بن) وأحيحة بضمّ الْهمزَة وبالحاءين الْمُهْمَلَتَيْنِ: مصغّر الأحيحة وَهُوَ الغيظ وحزازة الغمّ. والجلاح بِضَم الْجِيم وَتَخْفِيف اللَّام وَآخره حاء مُهْملَة وَهُوَ فِي اللُّغَة السَّيْل الجراف. والحريش بِفَتْح الْحَاء وَكسر الرَّاء الْمُهْمَلَتَيْنِ وَآخره شين مُعْجَمه وَهُوَ نوع من الْحَيَّات أرقط. وجحجبى بحاء مُهْملَة سَاكِنة بَين جيمين مفتوحتين وَبعد الْمُوَحدَة ألف مَقْصُورَة وَهَذِه الْمَادَّة غير مَذْكُورَة فِي الصِّحَاح قَالَ صَاحب الْقَامُوس: جحجب الْعَدو: أهلكه وَفِي الشَّيْء: تردد وَجَاء وَذهب. وجحجب: اسْم. وجحجبى: حَيّ من الْأَنْصَار انْتهى. وكلفة بِضَم الْكَاف وَسُكُون اللَّام. وَكَانَ أحيحة سيد الْأَوْس فِي الْجَاهِلِيَّة وَكَانَت أم عبد الْمطلب بن هَاشم تَحْتَهُ. وَالْمُنْذر بن مُحَمَّد بن عقبَة بن أحيحة صَحَابِيّ شهد بَدْرًا وَقتل يَوْم بِئْر

مَعُونَة كَذَا فِي الجمهرة. وعد عَبْدَانِ فِي الصَّحَابَة مُحَمَّد بن عقبَة هَذَا لكنه نسبه إِلَى جده فَقَالَ: مُحَمَّد بن أحيحة. وَقَالَ: بَلغنِي أَنه أول من سمي مُحَمَّدًا وَأَظنهُ أحد الْأَرْبَعَة الَّذين سموا مُحَمَّدًا قبل مولد النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ. وَأَبوهُ كَانَ زوج سلمى أم عبد الْمطلب. قَالَ ابْن الْأَثِير: من يكون أَبوهُ تزوج أم عبد الْمطلب مَعَ طول عمر عبد الْمطلب كَيفَ تكون لَهُ صُحْبَة مَعَ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ هَذَا بعيد وَلَعَلَّه مُحَمَّد بن الْمُنْذر بن عقبَة بن أحيحة الَّذِي ذكرُوا أَبَاهُ فِيمَن شهد بَدْرًا. قَالَ ابْن حجر فِي الْإِصَابَة: وَفِيه نظر لأَنهم لم يذكرُوا للمنذر ولدا اسْمه مُحَمَّد انْتهى. وَالصَّوَاب مَا فِي الجمهرة وَبِه يَزُول الْإِشْكَال. قَالَ صَاحب الأغاني: وَكَانَت عِنْد أحيحة سلمى بنت عَمْرو بن زيد بن لبيد بن خِدَاش إِحْدَى نسَاء بني عدي بن النجار لَهُ مِنْهَا عَمْرو بن أحيحة ثمَّ أَخذهَا هَاشم بعد أحيحة فَولدت لَهُ عبد الْمطلب بن هَاشم وَكَانَت امْرَأَة شريفة لَا تنْكح الرِّجَال إِلَّا وأمرها بِيَدِهَا وَإِذا كرهت من رجل شَيْئا تركته. وَكَانَ أحيحة كثير اللمال شحيحاً عَلَيْهِ يَبِيع بيع الرِّبَا بِالْمَدِينَةِ حَتَّى كَاد يُحِيط بِأَمْوَالِهِمْ وَكَانَ لَهُ تسع وَتسْعُونَ بِئْرا كلهَا ينضح عَلَيْهَا وَكَانَ لَهُ أطمان: أَطَم فِي قومه يُقَال لَهُ المستظل وَهُوَ الَّذِي تحصن فِيهِ حِين قَاتل تبعا الْحِمْيَرِي وأطمه الضحيان بالعصبة فِي أرضه الَّتِي يُقَال لَهَا الغابة بناه بحجارة سود ويزعمون أَنه لما بناه أشرف هُوَ وَغُلَام لَهُ ثمَّ قَالَ: لقد بنيت حصناً) حصيناً مَا بنى مثله رجل من الْعَرَب أمنع مِنْهُ

وَلَقَد عرفت مَوضِع حجر مِنْهُ لَو نزع وَقع جَمِيعًا. فَقَالَ غُلَامه: أَنا أعرفهُ قَالَ: فأرنيه يَا بني قَالَ: هُوَ هَذَا وَصرف إِلَيْهِ رَأسه فَلَمَّا رأى أحيحة أَنه قد عرفه دَفعه من رَأس الأطم فَوَقع على رَأسه فَمَاتَ. وَإِنَّمَا قَتله لِئَلَّا يعرف ذَلِك الْحجر أحد. فَلَمَّا بناه قَالَ: (بنيت بعد مستظل ضاحيا ... بنيته بعصبة من ماليا) (للستر مِمَّا يتبع القواضيا ... أخْشَى ركيبا أَو رجيلا غاديا) وَسَيَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى تَتِمَّة الْكَلَام عَلَيْهِ فِي شرح شَوَاهِد الشافية عِنْد شرح قَوْله: أخْشَى ركيباً أَو رجيلاً غاديا. فَإِنَّهُ من شواهده وشواهد الْكَشَّاف أَيْضا. وَلم يعرف أحد تتمته وَلَا أَصله مِمَّن كتب على الْكَشَّاف وَغَيره. وَاعْلَم أَن جملَة من سمي بِمُحَمد فِي الْجَاهِلِيَّة ذكرهم ابْن حجر فِي شرح البُخَارِيّ. وَهَذَا كَلَامه: قَالَ عِيَاض: حمى الله عَزَّ وَجَلَّ هَذَا الِاسْم أَن يُسمى بِهِ أحد قبله وَإِنَّمَا سمى بعض الْعَرَب مُحَمَّدًا قرب مِيلَاد النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ لما سمعُوا من الْكُهَّان والأحبار أَن نَبيا سيبعث فِي ذَلِك الزَّمَان يُسمى مُحَمَّدًا فَرجوا أَن يَكُونُوا هم فسموا أَبْنَاءَهُم بذلك وهم سِتَّة لَا سَابِع لَهُم. كَذَا قَالَ. وَقَالَ السُّهيْلي فِي الرَّوْض الْأنف: لَا يعرف فِي الْعَرَب من تسمى مُحَمَّدًا قبل النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ إِلَّا ثَلَاثَة: مُحَمَّد بن سُفْيَان بن مجاشع وَمُحَمّد بن أحيحة

بن الجلاح وَمُحَمّد بن حمْرَان بن وَسبق السُّهيْلي إِلَى هَذَا القَوْل أَبُو عبد الله بن خالويه فِي متاب لَيْسَ. وَهُوَ حصر مَرْدُود. وَقد جمعت أَسمَاء من تسمى بذلك فِي جُزْء مُفْرد فبلغوا نَحْو الْعشْرين لَكِن مَعَ تَكْرِير فِي بَعضهم وَوهم فِي بعض فتلخص مِنْهُ خَمْسَة عشر نفسا. وأشهرهم مُحَمَّد بن عدي بن ربيعَة التَّمِيمِي السَّعْدِيّ. وَقد سُئِلَ مُحَمَّد بن ربيعَة والسائل ابْنه قَالَ لَهُ: كَيفَ سماك أَبوك فِي الْجَاهِلِيَّة مُحَمَّدًا قَالَ: سَأَلت أبي عَمَّا سَأَلتنِي فَقَالَ: خرجت رَابِع أَرْبَعَة من بني تَمِيم أَنا أحدهم وسُفْيَان بن مجاشع وَيزِيد بن عَمْرو بن ربيعَة وَأُسَامَة بن مَالك بن حبيب بن العنبر نُرِيد ابْن جَفْنَة الغساني بِالشَّام فنزلنا على غَدِير دير فَأَشْرَف علينا الديراني فَقَالَ لنا: إِنَّه سيبعث مِنْكُم وشيكاً نَبِي فسارعوا إِلَيْهِ. فَقُلْنَا: مَا اسْمه قَالَ: مُحَمَّد.) فَلَمَّا انصرفنا ولد لكل منا ولد فَسَماهُ مُحَمَّدًا. وَقَالَ ابْن سعد عَن عَليّ بن مُحَمَّد عَن مسلمة بن محَارب عَن قَتَادَة بن السكن قَالَ: كَانَ فِي بني تَمِيم مُحَمَّد بن سُفْيَان بن مجاشع قيل لِأَبِيهِ: إِنَّه سَيكون نَبِي فِي الْعَرَب اسْمه مُحَمَّد فَسمى ابْنه مُحَمَّدًا. فَهَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَة لَيْسَ فِي السِّيَاق مَا يشْعر بِأَن فيهم من لَهُ صُحْبَة إِلَّا مُحَمَّد بن عدي. قَالَ ابْن سعد لما ذكره فِي الصَّحَابَة: عداده فِي أهل الْكُوفَة. وَذكر عَبْدَانِ الْمروزِي أَن مُحَمَّد بن أحيحة بن الجلاح أول من تسمى مُحَمَّدًا فِي الْجَاهِلِيَّة وَكَأَنَّهُ تلقى ذَلِك من قصَّة تبع لما حاصر الْمَدِينَة وَخرج إِلَيْهِ أحيحة الْمَذْكُور هُوَ والحبر الَّذِي كَانَ عِنْدهم بِيَثْرِب فَأخْبرهُ الحبر أَن هَذَا بلد نَبِي يبْعَث يُسمى مُحَمَّدًا. فَسمى ابْنه مُحَمَّدًا وَذكر البلاذري مِنْهُم مُحَمَّد بن غقبة بن أحيحة فَلَا أَدْرِي: أَهما وَاحِد نسب مرّة إِلَى أَبِيه وَمرَّة

إِلَى جده أم هما اثْنَان. . أَقُول: الصَّوَاب أَنَّهُمَا وَاحِد نسب مرّة إلة أَبِيه وَمرَّة إِلَى جده كَمَا تقدم بَيَانه. ثمَّ قَالَ ابْن حجر: وَمِنْهُم مُحَمَّد بن براءالبكري ذكره ابْن حبيب. وَضبط البلاذري أَبَاهُ فَقَالَ: مُحَمَّد بن بر بتَشْديد الرَّاء لَيْسَ بعْدهَا ألف بن طريف بن عتوارة بن عَامر بن لَيْث بن بكر بن عبد مَنَاة بن كنَانَة وَلِهَذَا نسبوه أَيْضا العتواري. وغفل ابْن دحْيَة فعد فيهم مُحَمَّد بن عتوارة وَهُوَ هُوَ نسب إِلَى جده الْأَعْلَى. وَمِنْهُم مُحَمَّد بن اليحمدي الْأَزْدِيّ ذكره المفجع الْبَصْرِيّ فِي كتاب المنقذ. وَمُحَمّد بن خولي الْهَمدَانِي. ذكره ابْن دُرَيْد. وَمِنْهُم مُحَمَّد بن حمْرَان بن أبي حمْرَان واسْمه ربيعَة بن مَالك الْجعْفِيّ الْمَعْرُوف بالشويعر ذكره المرزباني فَقَالَ: هُوَ أحد من سمي فِي الجاهلي مُحَمَّدًا وَله قصَّة مَعَ امْرِئ الْقَيْس. وَمِنْهُم مُحَمَّد بن خزاعي عَلْقَمَة بن حرابة السّلمِيّ من بني ذكْوَان ذكره ابْن سعد عَن عَليّ بن مُحَمَّد عَن سَلمَة بن الْفضل عَن مُحَمَّد بن إِسْحَاق قَالَ: سمي مُحَمَّد ين خزاعي طَمَعا فِي النُّبُوَّة. وَذكر الطَّبَرَانِيّ أَن أبيرهة الحبشي توجه وَأمره أَن يَغْزُو بني كنَانَة فَقَتَلُوهُ وَكَانَ ذَلِك من أَسبَاب

(فذلكم ذُو التَّاج منا مُحَمَّد ... ورايته فِي حومة الْمَوْت تخفق) وَمِنْهُم مُحَمَّد بن عمر بن مُغفل بِضَم أَوله وَسُكُون الْمُعْجَمَة وَكسر الْفَاء ثمَّ لَام وَهُوَ وَالِد هبيب بموحدتين مصغر وَهُوَ على شَرط الْمَذْكُورين فَإِن لوَلَده صُحْبَة. وَمَات هُوَ فِي الْجَاهِلِيَّة. وَمِنْهُم مُحَمَّد بن الْحَارِث بن حديج بن حويص ذكره أَبُو حَاتِم السجسْتانِي فِي كتاب المعمرين وَذكر لَهُ قصَّة مَعَ عمر وَقَالَ: إِنَّه أحد من تسمى مُحَمَّدًا فِي الْجَاهِلِيَّة. وَمِنْهُم مُحَمَّد) الْفُقيْمِي وَمُحَمّد الأسيدي ذكرهمَا ابْن سعد وَلم ينسبهما بِأَكْثَرَ من ذَلِك. . فَعرف بِهَذَا وَجه الرَّد على الْحصْر الَّذِي ذكره القَاضِي عِيَاض. وَعجب من السُّهيْلي كَيفَ لم يقف على مَا قَالَه القَاضِي مَعَ كَونه قَالَ قبله وَقد تحرر لنا من أسمائهم قدر الَّذِي ذكره القَاضِي عِيَاض مرَّتَيْنِ بل ثَلَاث مَرَّات فَإِنَّهُ ذكر فِي السِّتَّة الَّذين جزم بهم: مُحَمَّد بن مسلمة وَهُوَ غلط فَإِنَّهُ ولد بعد مِيلَاد النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ففضل لَهُ خَمْسَة. وَقد خلص لنا خَمْسَة عشر وَالله أعلم. انْتهى مَا قَالَ ابْن حجر. وَقَالَ زين الدَّين الْعِرَاقِيّ: قلت: عده أَعنِي عياضاً مُحَمَّد بن

مسلمة فِيهِ نظر من حَيْثُ أتنه ولد بعده بِعشر سِنِين وَلكنه صَحِيح من حَيْثُ أَنه لم يكن ظَهرت النُّبُوَّة وَالله أعلم. وَأنْشد بعده وَهُوَ (قَلما عرس حَتَّى هجته ... بالتباشير من الصُّبْح الأول) على أَن أَبَا عَليّ قَالَ: إِن قَلما قد تَجِيء بِمَعْنى إِثْبَات الشَّيْء الْقَلِيل كَمَا فِي هَذَا الْبَيْت وَالْكثير أَن تكون للنَّفْي الصّرْف. وَهَذَا كَلَام أبي عَليّ فِي الْإِيضَاح الشعري قَالَ: وَأما قَول لبيد: قَلما عرس حَتَّى هجته فَإِن قَوْلهم قَلما يسْتَعْمل على ضَرْبَيْنِ: أَحدهمَا: أَن يكون بِمَعْنى النَّفْي لَا يثبت بِهِ شَيْء وَالْآخر: أَن يكون خلاف كثر يثبت بِهِ شَيْء قَلِيل. فَمن الأول قَوْلهم: قَلما سرت حَتَّى أدخلها فتنصب الْفِعْل مَعَه بعد حَتَّى كَمَا تنصب فِي قَوْلك: مَا سرت حَتَّى أدخلها وَمِنْه: قَلما سرت فَأدْخلهَا فتنصب مَعَه الْفِعْل بعد الْفَاء كَمَا تفعل ذَلِك بِالنَّفْيِ وَمِنْه قلّ رجل جَاءَنِي إِلَّا زيد كَمَا تَقول: مَا جَاءَنِي إِلَّا زيد فَهَذَا فِي هَذِه الْمَوَاضِع بِمَنْزِلَة النَّفْي. وَلَو أردْت نفي كثر لجَاز الرّفْع فِي الْفِعْل بعد حَتَّى كَمَا تَقول: سرت قَلِيلا حَتَّى أدخلها. وَلَو أجري هَذَا الضَّرْب مجْرى الأول على معنى أَن الْقَلِيل لم يعتدّ بِهِ لقلته لَكَانَ ذَلِك قِيَاسا على كَلَامهم أَلا تراهم قَالُوا: مَا أَدْرِي أأذن أَو قَامَ فَجعل

الْفِعْل غير مُعْتَد بِهِ وَالْبَيْت مِمَّا قد ثَبت فِيهِ التَّعْرِيس وَلم بنفه ألبتّة يدلك على ذَلِك قَول ذِي الرّمّة: (زار الخيال لميّ هاجعاً لعبت ... بِهِ التنائف والمهرية النّجب) انْتهى. بَيَانه: أَن ذَا الرمّةّ أَرَادَ بالهاجع المعرس نَفسه. والهاجع: النَّائِم. ولعبت بِهِ: ترامت بِهِ بَلْدَة إِلَى بَلْدَة. والمهرية بِالْفَتْح: الْإِبِل المنسوبة إِلَى مهرَة وَهِي حَيّ بِالْيمن. والنّجب: جمع نجيب:) كرام الْإِبِل. والتعريس: الْإِقَامَة فِي آخر اللَّيْل. ومعرساً: صفة هاجعاً. أَي: زارني خيال ميّ وَأَنا معرّس نَائِم. وَجُمْلَة: فِي بَيَاض الصُّبْح وقعته صفة لقَوْله: معرساً. يُرِيد الْوَقْعَة الَّتِي ينامها عِنْد الصُّبْح لِأَن كل من سَار ليلته فَذَلِك وَقت إراحته ونومه. ويروى: وَسَائِر اللَّيْل. ومنجذب: خبر سَائِر أَي: مَاض. وَقَوله: إِلَّا ذَاك اسْتثِْنَاء للتعريس من السّير وَهَذَا وَجه الدَّلِيل. ويروى أَيْضا: فِي سَواد اللَّيْل. وَالتَّفْسِير فِي السّير وَاللَّيْل والسواد سَوَاء. وَهَذَا الشّعْر من قصيدة طَوِيلَة لذِي الرمة مطْلعهَا: مَا بَال عَيْنك مِنْهَا المَاء ينسكب وَهَذِه القصيدة أول ديوانه. وَاعْلَم أَن أَبَا عَليّ قد تكلم هُنَا على أقل وقلّ وقلما بِكَلَام جيد قد اخْتَصَرَهُ الشَّارِع الْمُحَقق أَحْبَبْت أَن أنقله هُنَا برمّته تتميماً للفائدة: قَالَ:

اعْلَم أَنهم قَالُوا: أقل رجل يَقُول ذَلِك وَأَقل امْرَأَة تَقول ذَلِك وَأَقل امْرَأتَيْنِ تقولان ذَلِك محملوا الصّفة فِيهَا على الْمُضَاف إِلَيْهِ أقل لَا على أقل. فَإِن قَالَ قَائِل: مَا مَوضِع تَقول ذَلِك وَتَقُولَانِ ذَلِك فَالْقَوْل فِيهِ: أَن مَوْضِعه جرّ على مَا عَلَيْهِ استعمالهم وَلَا يجوز أَن يكون مَوْضِعه رفعا لِأَنَّهُ لَو كَانَ رفعا لَكَانَ يَنْبَغِي أَن يكون مَحْمُولا على أقل إِمَّا أَن يكون وَصفا أَو خَبرا. فَإِن قلت: إِذا كَانَ أقل مُبْتَدأ فَمَا خَبره فَالْقَوْل فِيهِ: أَنه لَا يَخْلُو من أَن يكون مضمراً مَتْرُوك الْإِظْهَار والاستعمال كَمَا كَانَ خبر الِاسْم بعد لَوْلَا كَذَلِك. أَو يكون قد استغني عَن الْخَبَر بِالصّفةِ الْجَارِيَة على الْمُضَاف أقل إِلَيْهِ وَصَارَ أقل لَا خبر لَهُ لما فِيهِ من معنى النَّفْي كَمَا أَن قَلما فِي قَوْلهم: (قَلما ... وصال على طول الصدود يَدُوم) غير مُسْند إِلَى فَاعل لما فِيهِ من معنى النَّفْي فَكَمَا صَار قل غير مُسْند إِلَى فَاعل كَذَلِك أقل غير مُسْند إِلَى خبر لِأَن كل وَاحِد مِنْهُمَا قد جرى مجْرى صَاحبه أَلا ترى أَنهم قَالُوا قل رجل يَقُول ذَلِك إِلَّا وَيَد كَمَا قَالُوا: مَا رجل يَقُول ذَلِك إِلَّا زيد وَقَالُوا: أقل رجل يَقُول ذَلِك إِلَّا زيد فأبدلوا زيدا من أقل وأجروه مجْرى قل رجل يَقُول ذَلِك إِلَّا زيد أَلا ترى أَنه لم يُبدل من رجل الْمَجْرُور بل أجري مجْرى قل رجل فَأَما صفة الِاسْم الَّذِي يُضَاف إِلَيْهِ أقل فَإِنَّهُ يكون فعلا أَو ظرفا لِأَن الظّرْف كالفعل وَالْفَاعِل أَلا ترى أَنه فِي صلَة الْمَوْصُول كالفعل: فِي اسْتِقْلَال الْمَوْصُول) بِهِ وَقَالَ

أَبُو الْحسن: لَو قلت أقل رجل ذِي جمّة أَو نَحْو ذَلِك لم يحسن. قَالَ أَبُو عَليّ: وَإِنَّمَا امْتنع هَذَا لِأَن أقل قد أجري مجْرى حرف النَّفْي فَلم يظْهر لَهُ خبر كَمَا أَن قل جرى مجْرَاه فَلم يسند إِلَى فَاعل. فَإِذا علمت أَنه قد أجري مجْرى حرف النَّفْي بِمَا ذكرت وبأنهم قَالُوا: قل رجل يَقُول ذَلِك إِلَّا زيد كَانَ قَوْلهم: أقل رجل يَقُول ذَلِك أقل فِيهِ بِمَنْزِلَة حرف النَّفْي وحرف النَّفْي يَنْبَغِي أَن يدْخل على كَلَام تَامّ وَالْكَلَام التَّام الْفِعْل وَالْفَاعِل وَمَا حكمهمَا من الظروف وَلَيْسَ الْمُبْتَدَأ وَخَبره مِمَّا يجْرِي مجْرى الْفِعْل وَالْفَاعِل هُنَا. أَلا ترى أَن أَبَا الْحسن يَقُول: لَو قلت أقل رجل وَجهه حسن لم يحسن. فَدلَّ ذَلِك على أَنهم جعلُوا أقل بِمَنْزِلَة مَا وَمَا حَقّهَا أَن تَنْفِي فعل الْحَال فِي الأَصْل ويؤكد ذَلِك أَنه صفة وَالصّفة يَنْبَغِي أَن تكون مصاحبة للموصوف فَكَمَا لَا تدخل مَا فِي نفي الْفِعْل إِلَّا على فعل وفاعل كَذَلِك يَنْبَغِي أم يكون الْوَصْف الْوَاقِع بعد الِاسْم الْمُضَاف إِلَيْهِ أقل فعلا وفاعلاً أَو ظرفا لِأَن الظّرْف كالفعل. وَإِذا كَانَت كَذَلِك فَلَو أوقعت جملَة من ابْتِدَاء وَخبر بعده لم يحسن لِأَن مَا فِي الأَصْل لَا تنفيها إِنَّمَا تَنْفِي الْفِعْل وَلَو أوقعت صفة لَا معنى للْفِعْل فِيهَا نَحْو ذِي جمة وَمَا أشبههَا مِمَّا لَا يشابه الْفِعْل لم يجز. وَلَو أوقعت الصّفة المشابهة للْفِعْل نَحْو ضَارب وَصَالح لم يحسن فِي الْقيَاس أَيْضا أَلا ترى أَن هَذَا مَوضِع جملَة وَاسم الْفَاعِل لَا يسد مسد الْجُمْلَة وَلذَلِك لم تستقل الصِّلَة بِهِ وَاسم الْفَاعِل فِي صفة الِاسْم الْمَجْرُور بربّ أحسن مِنْهُ فِي صفة الِاسْم الْمُضَاف إِلَيْهِ أقل. لِأَن ربّ وَمَا انجر بِهِ من جملَة كَلَام أَلا ترى أَن الْفِعْل الَّذِي يتَعَلَّق بِهِ مُرَاد وَإِن كَانَ قد يتْرك من اللَّفْظ كَمَا أَن مَا يتَعَلَّق بِهِ الْكَاف من قَوْلك: الَّذِي كزيد كَذَلِك: فَإِذا كَانَت كَذَلِك كَانَت فضلَة والفضلة لَا تمْتَنع أَن تُوصَف بِالصِّفَاتِ الَّتِي لَا تناسب الْفِعْل وَالَّتِي تناسبه

وَلَيْسَ صفة الْمُضَاف إِلَيْهِ أقل كَذَلِك أَلا ترى أَن أقل بِمَنْزِلَة حرف النَّفْي كَمَا كَانَ قل كَذَلِك وَحكم حرف النَّفْي أَن يدْخل على جملَة. وَجه جَوَاز وصف الِاسْم الْمُضَاف إِلَيْهِ اقل بِصَالح وَنَحْوه هُوَ أَن هَذَا الضَّرْب قد أجري مجْرى الْجمل فِي غير هَذَا الْموضع ألاترى أَن سِيبَوَيْهٍ قد أجَاز حِكَايَة عَاقِلَة لَبِيبَة وَنَحْوهَا إِذا سمي بهَا فَجعله فِي ذَلِك بِمَنْزِلَة الْجمل حَيْثُ كَانَ فِي حكمهَا من حَيْثُ كَانَ حَدِيثا ومحدثاً عَنهُ وَقد) جرى هَذَا النَّحْو مجْرى الْفِعْل وَالْفَاعِل أَيْضا فِي الْأَسْمَاء الْمُسَمّى بهَا الْفِعْل فَكَذَلِك فِيمَا ذكرنَا. والأقيس فِيمَا يجرّ بربّ أَن يُوصف بِفعل وفاعل لِأَن أصل رب وَإِن كَانَ كَمَا ذكرنَا فقد صَار عِنْدهم بِمَنْزِلَة النَّفْي أَلا ترى أَنَّهَا لَا تقع إِلَّا صداراً كَمَا أَن النَّفْي كَذَلِك وَأَن الْمُفْرد بعد قل دلّ على أَكثر من وَاحِد وَهَذَا مِمَّا يخنص بِهِ النَّفْي وَنَحْوه فَإِذا كَانَ كَذَلِك صَار ذَلِك الْأَمر كالمرفوض وَصَارَ الحكم لهَذَا الَّذِي عَلَيْهِ الِاسْتِعْمَال الْآن. وَقد صَار كانفي بِمَا لزمَه بِمَا ذكرنَا كَمَا صَار أقل رجل بِمَنْزِلَة ذَلِك فَكَمَا أَن حكم صفة الْمُضَاف إِلَيْهِ أقل أَن يكون على مَا ذكرنَا كَذَلِك حكم مَا انجر بِرَبّ. وَمِمَّا يدل على أَن أقل منزل منزلَة النَّفْي امْتنَاع العوامل الدَّاخِلَة على الْمُبْتَدَأ من الدُّخُول عَلَيْهِ امتناعها من الدُّخُول على مَا لزمَه حرف النَّفْي. وَمِمَّا جرى مجْرى أقل رجل فِيمَا ذكرنَا قَوْلهم: خَطِيئَة يَوْم لَا أصيد فِيهِ أَلا ترى أَن الْكَلَام مَحْمُول على على مَا أضيف خَطِيئَة إِلَيْهِ كَمَا كَانَ مَحْمُولا على مَا أضيف أقل إِلَيْهِ وَلم يعد على خَطِيئَة مِمَّا بعده ذكر كَمَا لم يعد على أقل شَيْء مِمَّا بعده. وَقِيَاس خَطِيئَة أَن تمْتَنع العوامل الدَّاخِلَة على الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر من الدُّخُول عَلَيْهَا كَمَا امْتنعت من الدُّخُول على أقل لاتِّفَاقهمَا فِيمَا ذكرت

وَفِي الْمَعْنى أَلا ترى أَنه يُرِيد مَا يَوْم لَا أصيد فِيهِ إِلَّا الْخَطِيئَة فَصَارَ كَقَوْلِهِم أقل من جِهَة الْمَعْنى وَمن جِهَة حمل مَا بعْدهَا على مَا أضيف إِلَيْهِ من دونهَا. وَالْقِيَاس فِيهَا وَفِي أقل أَن يكون مَا جرى بعدهمَا من الْكَلَام قد سد مسد الْخَبَر وَصَارَ معنى أقل امْرَأتَيْنِ تقولان ذَلِك مَا امْرَأَتَانِ تقولان ذَلِك وَكَذَلِكَ خَطِيئَة فَحمل الْكَلَام على الْمَعْنى فَلم يحْتَج إِلَى إِضْمَار خبر كَمَا لم تحتج إِلَيْهِ فِي قَوْلك: أذاهب أَخَوَاك وَمَا أشبهه. انْتهى وَبَيت الشَّاهِد من قصيدة طَوِيلَة للبيد بن ربيعَة الصَّحَابِيّ عدَّة أبياتها خَمْسَة وَثَمَانُونَ بَيْتا وَلَا بُد من ذكر أَبْيَات مُتَّصِلَة بِهِ ليتضح مَعْنَاهُ وَهِي: (ومجود من صبابات الْكرَى ... عاطف النمرق صدق المبتذل) (قَالَ هجدنا فقد طَال السرى ... وقدرنا إِن خنى الدَّهْر غفل) (يَتَّقِي الأَرْض بدف شاسف ... وضلوع تَحت صلب قد نحل) (قَلما عرس حَتَّى هجته ... بالتباشير من الصُّبْح الأول) (يلمس الأحلاس فِي منزله ... بيدَيْهِ كاليهودي المصل)) (يتمارى فِي الَّذِي قلت لَهُ ... وَلَقَد يسمع قولي حيهل) (فوردنا قبل فراط القطا ... إِن من وردي تغليس النهل) قَوْله: ومجود من صبابات الخ الْوَاو وَاو رب والمجود: الَّذِي جاده النعاس وألح عَلَيْهِ حَتَّى أَخذه فَنَامَ من الْجُود بِالْفَتْح وَهُوَ الْمَطَر الغزير

يُقَال: أَرض مجودة أَي: مغيثة وجيدت الأَرْض: إِذا مطرَت جوداً. وَقَالَ أَعْرَابِي: المجود: الَّذِي قد جاده الْعَطش أَي: غَلبه كَذَا فِي شرح أبي الْحسن الطوسي. وَهَذَا لَا يُنَاسب قَوْله: صبابات الْكرَى فَإِن الْكرَى النّوم وصبابته بَقِيَّته. والجيد مَا ذكره صَاحب الْقَامُوس: من أَن الْجواد كغراب: النعاس وجاده الْهوى: شاقه وغلبه وَقَوله: عاطف النمرق صفة مجود وَالْإِضَافَة لفظية يُرِيد: عطف نمرقته وثناها فَنَامَ. والنمرقة مُثَلّثَة النُّون: الوسادة والطنفسة فَوق الرحل وَهِي المرادة هُنَا والطنفسة مُثَلّثَة الطَّاء وَالْفَاء وبكسر الطَّاء وَفتح الْفَاء وَبِالْعَكْسِ: الْبسَاط. وَقَوله: صدق المبتذل بِفَتْح الصَّاد أَي: جلد قوي لَا يُغير عِنْد ابتذاله نَفسه وَلَا يسْقط وَلَا يجوز أَن يُقَال صدق المبتذل إِلَّا إِذا امتهن وَوجد صَادِق المهنة يُوجد عِنْده مَا يحب وَيُرَاد. وَفِي الْقَامُوس: الصدْق: الصلب المستوي من الرماح وَالرِّجَال والكامل من كل شَيْء وَهِي صَدَقَة. والمبتذل: مصدر بِمَعْنى الابتذال وَهُوَ ضد الصيانة يُقَال: سيف صدق المبتذل أَي: ماضي الضريبة. وَقَوله: قَالَ هجدنا الخ قَالَ: هُوَ مُتَعَلق رب. والتهجيد من الأضداد. يُقَال: هجده إِذا نَومه أَي: دَعْنَا ننام وَهُوَ المُرَاد هُنَا وهجده: إِذا أيقظه. وَالْفَاء للتَّعْلِيل. والسرى بِالضَّمِّ: سير عَامَّة اللَّيْل. وَقَوله: وقدرنا أَي: وقدرنا على وُرُود المَاء وَذَلِكَ إِذا قربوا مِنْهُ. وَفِي الْقَامُوس ة بَيْننَا لَيْلَة قادرة: هينة السّير لَا تَعب فِيهَا. والخنى بِفَتْح الْمُعْجَمَة وَالْقصر: الآفة وَالْفساد أَي: إِن غفل عَنَّا فَسَاد الدَّهْر فَلم يعقنا. وَقيل: قَدرنَا أَي: على التهجيد وَقيل: على السّير. وَقَوله: يَتَّقِي الأَرْض الخ أخبر عَن صَاحبه النعسان بِأَنَّهُ يَتَّقِي الأَرْض أَي: يتجافى عَنْهَا. والدف بِفَتْح الدَّال: الْجنب. وَرُوِيَ:

يَتَّقِي الرّيح. والشاسف بِتَقْدِيم الْمُعْجَمَة على الْمُهْملَة: الْيَابِس ضمراً وهزالاً وَقد شسف كنصر وَضرب وكرم شسوفاً وَيكسر: إِذا يبس وَنحل جِسْمه كمنع وَعلم وَنصر وكرم نحولاً: ذهب من مرض أَو سفر. وَقَوله: قَلما عرّس الخ مَا الْمُتَّصِلَة بقلّ كَافَّة لَهَا عَن طلب الْفَاعِل وجاعلة إِيَّاهَا بِمَنْزِلَة مَا النافية فِي الْأَغْلَب وَهنا لإِثْبَات الْقلَّة كَمَا تقدم وَمَا تتصل بِأَفْعَال ثَلَاثَة فتكفها عَن طلب الْفَاعِل وَهِي) قَلما وطالما وَكثر مَا وَيَنْبَغِي أَن تتصل بالأولين كِتَابَة. والتعريس: النُّزُول فِي آخر اللَّيْل للاستراحة وَالنَّوْم وَمثله الإعراس. وهجته: أيقظته من النّوم وهاج يهيج يَجِيء لَازِما ومتعدياً يُقَال هاج: إِذا ثار وهجته: إِذا أثرته. وَحَتَّى هُنَا حرف جر بِمَعْنى إِلَّا الاستثنائية أَي: مَا عرس إِلَّا أيقظته أَي: نَام قَلِيلا ثمَّ أيقظته وَأكْثر دُخُولهَا على الْمُضَارع كَقَوْلِه: (لَيْسَ الْعَطاء من الفضول سماحة ... حَتَّى تجود وَمَا لديك قَلِيل) وَقَوله: بالتباشير أَي: بظهورها والتباشير: أَوَائِل الصُّبْح وَهُوَ جمع تبشير وَلَا يسْتَعْمل إِلَّا جمعا قَالَ فِي الْقَامُوس: التباشير الْبُشْرَى وأوائل الصُّبْح وكل شَيْء وطرائق على الأَرْض من آثَار الرِّيَاح وآثار بِجنب الدَّابَّة من الدبر والبواكر من النّخل وألوان النّخل أول مَا ترطب. انْتهى. ولكونه مُشْتَركا بَين هَذِه الْمعَانِي بَين المُرَاد بقوله: من الصُّبْح. والأول صفة التباشير وَهُوَ بِضَم الْهمزَة وَفتح الْوَاو جمع أولى مؤنث

الأول كالكبر جمع كبرى. وَقد جَاءَ هَذَا المصراع الثَّانِي فِي شعر النَّابِغَة الْجَعْدِي وَهُوَ: (وشمول قهوة باكرتها ... فِي التباشير من الصُّبْح الأول) والنابغة وَإِن كَانَ عصري لبيد إِلَّا أَنه أسن مِنْهُ كَمَا بَيناهُ فِي ترجمتها وَقد عيب هَذَا الْبَيْت على النَّابِغَة قَالَ صَاحب تَهْذِيب الطَّبْع: وَأما الأبيات المستكرهة الْأَلْفَاظ المتفاوتة النسج القبيحة الْعبارَة الَّتِي يجب الِاحْتِرَاز مِنْهَا كَقَوْل النَّابِغَة الْجَعْدِي: (وشمول قهوة باكرتها ... فِي التباشير من الصُّبْح الأول) يُرِيد بالتباشير الأول من الصُّبْح. وعابه المرزباني أَيْضا فِي كِتَابه الموشح. وَقَوله: يلمس الأحلاس فَاعل يلمس ضمير المجود. واللمس: الطّلب وَفعله من بَابي قتل وَضرب. والأحلاس: جمع حلْس بِالْكَسْرِ وَهُوَ كسَاء رَقِيق يكون على ظهر الْبَعِير تَحت رَحْله. أَي: يطْلبهَا بيدَيْهِ وَهُوَ لَا يعقل من غَلَبَة النعاس. وَقَوله: كاليهودي المصل قَالَ الطوسي فِي شَرحه كَأَنَّهُ يَهُودِيّ يُصَلِّي فِي جَانب يسْجد على جَبينه. هَذَا كَلَامه. واليهودي يسْجد على شقّ وَجهه وأصل ذَلِك أَنهم لما نتق الْجَبَل فَوْقهم قيل لَهُم: إِمَّا أَن تسجدوا وَإِمَّا أَن يلقى عَلَيْكُم فسجدوا على شقّ وَاحِد مَخَافَة أَن يسْقط عَلَيْهِم الْجَبَل فَصَارَ عِنْدهم سنة إِلَى الْيَوْم. وَقَوله: يتمارى فِي الَّذِي قلت لَهُ الخ)

هَذَا الْبَيْت أوردهُ الشَّارِح فِي اسْم الْفِعْل وَهُنَاكَ يشْرَح إِن شَاءَ الله تَعَالَى. التماري فِي الشَّيْء والامتراء فِيهِ: المجادلة وَالشَّكّ فِيهِ يُقَال: ماريت الرجل أماريه مراء وممارة: إِذا جادلته والمرية: الشَّك. قَالَ الطوسي: يَقُول: قَالَ لَهُ الصُّبْح والنجاء قد أَصبَحت وَنَحْو هَذَا من الْكَلَام. وحيهل: أَي: أسْرع وَأعجل. قَالَ السَّيِّد المرتضى فِي أَمَالِيهِ: غرر الْفَوَائِد ودرر القلائد: قد قَالَ النَّاس فِي وصف قلَّة النّوم. ومواصلة السرى والإدلاج وشعث السارين فَأَكْثرُوا فَمن أحسن مَا قيل فِي ذَلِك قَول لبيد. وَأنْشد هَذِه الأبيات الْخَمْسَة وَأورد لَهَا نَظَائِر جَيِّدَة. وَقَوله: فوردنا قبل فرّاط القطا الخ القطا: مَشْهُور بالتبكير والسبق إِلَى المَاء. وفرّاط القطا: أوائلها وَهُوَ جمع فارط يُقَال: فرطت الْقَوْم أفرطهم فرطا من بَاب نصر أَي: سبقتهم إِلَى المَاء. وَقَوله: إِن من وردي الخ أَي: من عادتي. والتغليس: السّير بِغَلَس وَهُوَ ظلمَة آخر اللَّيْل يُقَال: غلسنا المَاء أَي: وردناه بِغَلَس. والنهل: الشربة الأولى والعلل: الشربة الثَّانِيَة. قَالَ الطوسي: قَالَ وترجمة لبيد تقدّمت فِي الشَّاهِد الثَّانِي وَالْعِشْرين بعد الْمِائَة ومطلع هَذِه القصيدة: (إِن تقوى رَبنَا خير نفل ... وبإذن الله ريثي والعجل) (أَحْمد الله فَلَا ند لَهُ ... بيدَيْهِ الْخَيْر مَا شَاءَ فعل) ...

(من هداه سبل الْخَيْر اهْتَدَى ... ناعم البال وَمن شَاءَ أضلّ) قَوْله: خير نفل هَذِه رِوَايَة الْأَصْمَعِي وروى أَبُو عُبَيْدَة: خير النَّفْل وَالنَّفْل: الْفضل والعطية كَذَا قَالَ الطوسي: وَاسْتشْهدَ صَاحب الْكَشَّاف بِهَذَا الْبَيْت فِي سُورَة الْأَنْفَال على أَن النَّفْل بِالتَّحْرِيكِ الْغَنِيمَة. وَأَصله الزِّيَادَة وَلِهَذَا يُقَال هَذَا نفل أَي: فضل وَزِيَادَة وَمِنْه النَّافِلَة فِي الصَّلَاة. والريث مصدر رثت أريث: إِذا أَبْطَأت. قَالَ السَّيِّد المرتضى فِي أَمَالِيهِ: وَمِمَّنْ قيل أَنه على مَذْهَب الْجَبْر من الْمَشْهُورين لبيد بن ربيعَة العامري وَاسْتدلَّ بقوله: (إِن تقوى رَبنَا خير نفل ... وبإذن الله ريثي والعجل) (من هداه سبل الْخَيْر اهْتَدَى ... ناعم البال وَمن شَاءَ أضلّ) وَإِن كَانَ لَا طَرِيق إِلَى نسب الْجَبْر إِلَى مَذْهَب لبيد إِلَّا هَذَانِ البيتان فَلَيْسَ فيهمَا دلَالَة على) ذَلِك. وَأما قَوْله: وبإذن الله ريثي والعجل فَيحْتَمل أَن يُرِيد بِعِلْمِهِ كَمَا يتَأَوَّل عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى: وَمَا هم بضارين بِهِ من أحد إِلَّا بِإِذن الله أَي: بِعِلْمِهِ. وَإِن قيل فِي هَذِه الْآيَة أَنه أَرَادَ: بِتَخْلِيَتِهِ وتمكينه وَإِن كَانَ لَا شَاهد لذَلِك فِي اللُّغَة أمكن مثله فِي قَول لبيد. وَأما قَوْله: من هداه سبل الْخَيْر الخ فَيحْتَمل أَن يكون مصروفاً إِلَى بعض الْوُجُوه الَّتِي يتَأَوَّل عَلَيْهَا الضلال وَالْهدى الْمَذْكُورَان فِي الْقُرْآن مِمَّا يَلِيق بِالْعَدْلِ وَلَا يَقْتَضِي الْإِجْبَار اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يكون مَذْهَب لبيد فِي الْإِجْبَار مَعْرُوفا بِغَيْر هَذِه الأبيات فَلَا يتَأَوَّل لَهُ هَذَا التَّأْوِيل بل يحمل على مُرَاده على مُوَافقَة الْمَعْرُوف من مذْهبه. انْتهى كَلَامه.

وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد التَّاسِع وَالْعشْرُونَ بعد الْمِائَتَيْنِ وَمَا اغتره الشيب إِلَّا اغْتِرَارًا على أَن مَا بعد إِلَّا مفعول مُطلق مُؤَكد للْفِعْل قبله. وَوجه الشَّارِح الْمُحَقق صِحَة التفريغ فِي الْمَفْعُول الْمُطلق الْمُؤَكّد. وَقَوله: إِن ابْن يعِيش قَالَ: أَصله وَمَا اغتره اغْتِرَارًا إِلَّا الشيب فَقدم وَأخر. فَهَذَا القَوْل إِنَّمَا هُوَ لأبي عَليّ الْفَارِسِي وَابْن يعِيش مَسْبُوق بِهِ. قَالَ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي: قَالَ الْفَارِسِي: إِن إِلَّا قد تُوضَع فِي غير موضعهَا مثل: إِن نظن إِلَّا ظنا. وَقَوله: لِأَن الِاسْتِثْنَاء المفرغ لَا يكون فِي الْمَفْعُول الْمُطلق التوكيدي لعدم الْفَائِدَة فِيهِ. وَأجِيب: بَان الْمصدر فِي الْآيَة وَالْبَيْت نَوْعي على حذف الصّفة أَي: إِلَّا ظنا ضَعِيفا وَإِلَّا اغْتِرَارًا ضَعِيفا. انْتهى. وَكَذَا قَالَ الْخفاف الإشبيلي فِي شرح الْجمل قَالَ: وَهَذَا عِنْدِي أَن تكون إِلَّا فِي موضعهَا وَيكون مِمَّا حذف فِيهِ الصّفة لفهم الْمَعْنى كَأَنَّهُ قَالَ: إِن نظن إِلَّا ظنا ضَعِيفا وَمَا اغتره الشيب إِلَّا اغْتِرَارًا بَينا. وَهَذَا أولى لِأَنَّهُ قد ثَبت حذف الصّفة وَلم يثبت وضع إِلَّا فِي غير موضعهَا. وَهَذَا جَوَاب ثَان لَكِن جَوَاب الشَّارِح الْمُحَقق أدق. وَهَذَا المصراع عجز وصدره:

أحل لَهُ الشيب أثقاله وَأحل أنزل والإحلال: الْإِنْزَال. والأثقال: جمع ثقل بِفتْحَتَيْنِ وَهُوَ مَتَاع الْمُسَافِر وحشمه. وَالْبَيْت من قصيدة للأعشى مَيْمُون وَقد تقدّمت تَرْجَمته فِي الشَّاهِد الثَّالِث وَالْعِشْرين من أَوَائِل) الْكتاب. وَهَذَا مطلع القصيدة: (أأزمعت من آل ليلى ابتكارا ... وشطت على ذِي هوى أَن تزارا) وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد الثَّلَاثُونَ بعد الْمِائَتَيْنِ على أَن الْفراء يُجِيز النصب على الِاسْتِثْنَاء المفرغ نظرا إِلَى الْمُقدر واستدلالاً بِهَذَا الْبَيْت. فَإِن الْمُسْتَثْنى مِنْهُ مَحْذُوف تَقْدِيره: وَمَالِي نُوق إِلَّا ثمانيا. ورده الشَّارِح الْمُحَقق بِمَا ذكره. أَقُول: هَذَا الْبَيْت من قصيدة نونية طَوِيلَة عدتهَا ثَلَاثَة وَسَبْعُونَ بَيْتا لعروة بن حزَام العذري. وَالْبَيْت قد تحرف على من اسْتشْهد بِهِ وَرِوَايَته هَكَذَا: (يكلفني عمي ثَمَانِينَ بكرَة ... وَمَا لي يَا عفراء غير ثَمَان) وَرُوِيَ أَيْضا: (يكلفني عمي ثَمَانِينَ نَاقَة ... وَمَا لي والرحمن غير ثَمَان)

وعَلى هَذَا فالاستثناء على الطَّرِيقَة المألوفة. وَهَذِه القصيدة ثَابِتَة فِي ديوانه أقل مِمَّا ذكرنَا وعدتها على مَا فِيهِ ثَلَاثَة وَثَلَاثُونَ بَيْتا وأوردها بِالْعدَدِ الأول القالي فِي آخر ذيل أَمَالِيهِ وَفِي أول نوادره. وَقد ترجمنا عُرْوَة بن حزَام مَعَ عفراء العذريين وَذكرنَا حكايتهما مفصلة فِي الشَّاهِد السَّادِس وَالتسْعين بعد الْمِائَة. وَالْقَصِيدَة غرامية فَلَا بَأْس بإيرادها لانسجامها ورقتها وَأَخذهَا بِمَجَامِع الْقُلُوب. قَالَ القالي فِي الذيل وَفِي النَّوَادِر. قَالَ أَبُو بكر: وقصيدة عُرْوَة النونية يخْتَلف النَّاس فِي أَبْيَات مِنْهَا ويتفقون على بَعْضهَا فَأول الأبيات الْمجمع عَلَيْهَا وَمَا يتلوها مِمَّا لَا يخْتَلف فِيهِ أَنْشدني جَمِيعه أبي رَحِمَهُ اللَّهُ عَن أَحْمد بن عبيد وَغَيره وَعبد الله بن خلف الدَّلال عَن أبي عبد الله السدُوسِي وَأَبُو الْحسن بن برَاء عَن الزبير بن بكار وَأَلْفَاظهمْ مختلطة بَعْضهَا بِبَعْض: (خليليّ من عليا هِلَال بن عَامر ... بِصَنْعَاء عوجا الْيَوْم وانتظراني) (وَلَا تزهدا فِي الْأجر عِنْدِي وأجملا ... فإنكما بِي الْيَوْم مبتليان) (ألم تعلما أَن لَيْسَ بالمرخ كُله ... أَخ وصديق صَالح فذراني)

. (أَفِي كل يَوْم أَنْت رام بلادها ... بعينين إنساناهما غرقان) (أَلا فاحملاني بَارك الله فيكما ... إِلَى حَاضر الروحاء ثمَّ دَعَاني)) (على جسرة الأصلاب نَاجِية السرى ... تقطّع عرض البيد بالوخدان) (ألمّا على عفراء إنَّكُمَا غَدا ... لشحط النَّوَى والبين معترفان) (فيا واشيي عفرا دَعَاني ونظرة ... تقرّ بهَا عَيْنَايَ ثمّ كلاني) (أغرّكما مني قَمِيص لبسته ... جَدِيد وبردا يمنة زهياني) (مَتى ترفعا عني الْقَمِيص تبيّنا ... بِي الضّر من عفراء يَا فتيَان) (وتعترفا لَحْمًا قَلِيلا وأعظما ... دقاقاً وَقَلْبًا دَائِم الخفقان) (على كَبِدِي من حب عفراء قرحَة ... وعيناي من وجد بهَا تكفان) قَالَ أَبُو بكر: قَالَ بعض الْبَصرِيين: ذكّر المعرض لِأَنَّهُ أَرَادَ: وعفراء عني الشَّخْص المعرض. وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ: ذكره بِنَاء على التَّشْبِيه أَي: وعفراء عني مثل المعرض كَمَا تَقول الْعَرَب: عبد الله الشَّمْس منيرة يُرِيدُونَ مثل الشَّمْس فِي حَال إنارتها. (فيا لَيْت كل اثْنَيْنِ بَينهمَا هوى ... من النَّاس والأنعام يَلْتَقِيَانِ) (فَيَقْضِي حبيب من حبيب لبانة ... ويرعاهما رَبِّي فَلَا يريان) ويروى: فيسترهما رَبِّي على أَن الأَصْل يسترهما فسكّن الرَّاء لِكَثْرَة الحركات. ...

(هوى نَاقَتي خَلْفي وقدامي الْهوى ... وَإِنِّي وَإِيَّاهَا لمختلفان) (هواي أَمَامِي لَيْسَ خَلْفي معرّج ... وشوق قلوصي فِي الغدوّ يمَان) (هواي عراقي وَتثني زمامها ... لبرق إِذا لَاحَ النُّجُوم يمَان) (مَتى تجمعي شوقي وشوقك تظلعي ... وَمَا لَك بالعبء الثقيل يدان) (يَقُول لي الْأَصْحَاب إِذْ يعذلونني ... أشوق عراقي وَأَنت يمَان) (وَلَيْسَ يمَان للعراق بِصَاحِب ... عَسى فِي صروف الدَّهْر يَلْتَقِيَانِ) (تحملت من عفراء مَا لَيْسَ لي بِهِ ... وَلَا للجبال الراسيات يدان) (كَأَن قطاة علّقت بجناحها ... على كَبِدِي من شدَّة الخفقان) (فَقَالَا: نعم نشفى من الدَّاء كُله ... وقاما مَعَ العوّاد يبتدران) (فَمَا تركا من رقية يعلمانها ... وَلَا سلوة إِلَّا وَقد سقياني) (وَلَا شفيا الدَّاء الَّذِي بِي كُله ... وَمَا ذخْرا نصحاً وَمَا ألواني) (فَقَالَا: شفاك الله وَالله مَا لنا ... بِمَا ضمّنت مِنْك الضلوع يدان)) (فرحت من العراف تسْقط عَمَّتي ... عَن الرَّأْس مَا ألتاثها ببناني) (معي صاحبا صدق إِذا ملت مَيْلَة ... وَكَانَ بدفي نضوتي عدلاني) (فيا عمّ يَا ذَا الْغدر لَا زلت مبتلىً ... حليفاً لهمّ لَازم وهوان) (غدرت وَكَانَ الْغدر مِنْك سجية ... فألزمت قلبِي دَائِم الخفقان) ...

(وأورثتني غمّاً وكرباً وحسرةً ... وأورثت عَيْني دَائِم الهملان) (فَلَا زلت ذَا شوق إِلَى من هويته ... وقلبك مقسوم بِكُل مَكَان) (وَإِنِّي لأهوى الْحَشْر إِذْ قيل إِنَّنِي ... وعفراء يَوْم الْحَشْر ملتقيان) (أَلا يَا غرابي دمنة الدَّار بيّنا ... أَبَا لهجر من عفراء تنتحبان) (فَإِن كَانَ حَقًا مَا تقولان فاذهبا ... بلحمي إِلَى وكريكما فكلاني) (كلاني أكلا لم ير النَّاس مثله ... ولاتهضما جنبيّ وازدرداني) (أَلا لعن الله الوشاة وَقَوْلهمْ ... فُلَانَة أمست خلّة لفُلَان) (إِذا مَا جلسنا مَجْلِسا نستلذه ... تواشوا بِنَا حَتَّى أملّ مَكَاني) (تكنّفني الواشون من كل جَانب ... وَلَو كَانَ واش وَاحِد لكفاني) (وَلَو كَانَ واش بِالْيَمَامَةِ دَاره ... أحاذره من شؤمه لأتاني) (يكلفني عمي ثَمَانِينَ بكرَة ... وَمَا لي والرحمن غير ثَمَان) (فيا لَيْت محيانا جَمِيعًا وليتنا ... إِذا نَحن متْنا ضمّنا كفنان) (وَيَا لَيْت أنّا الدَّهْر فِي غير رِيبَة ... خليّان نرعى القفر مؤتلفان) (فو الله مَا حدثت سرك صاحباً ... أَخا لي وَلَا فاهت بِهِ الشفتان) (سوى أنني قد قلت يَوْمًا لصاحبي ... ضحى وقلوصانا بِنَا تخدان) (ضحيّا ومسّتنا جنوب ضَعِيفَة ... نسيم لريّاها بِنَا خفقان) ...

(تحملت زفرات الضُّحَى فأطقتها ... وَمَا لي بزفرات العشيّ يدان) (فيا عمّ لَا أسقيت من ذِي قرَابَة ... بِلَالًا فقد زلّت بك القدمان) (ومنيتني عفراء حَتَّى رجوتها ... وشاع الَّذِي منّيت كل مَكَان) (فو الله لَوْلَا حب عفراء مَا التقى ... عَليّ رواقا بَيْتك الخلقان) (رواقان خفاقان لَا خير فيهمَا ... إِذا هبّت الْأَرْوَاح يصطفقان)) (وَلم أتبع الأظعان فِي رونق الضُّحَى ... ورحلي على نهّاضة الخديان) (لعفراء إِذْ فِي الدَّهْر وَالنَّاس غرَّة ... وَإِذ خلقانا بالصبا يسران) (لأدنو من بَيْضَاء خفاقة الحشا ... بنية ذِي قاذورة شنآن) (كَأَن وشاحيها إِذا مَا ارتدتهما ... وَقَامَت عناناً مهرَة سلسان) (يعضّ بأبدان لَهَا ملتقاهما ... ومثناهما رخوان يضطربان) (وتحتهما حقفان قد ضربتهما ... قطار من الجوزاء ملتبدان) (أعفراء كم من زفرَة قد أذقتني ... وحزن ألجّ الْعين فِي الهملان) ...

(وعينان مَا أوفيت نشزاً فتنظرا ... بمأقيهما إِلَّا هما تكفان) (فَهَل حَادِيًا عفراءإن خفت فوتهاعليّ إِذا ناديتمرعويان ... ضروبان للتالي القطوف إِذا ونى) (فَمَا لَكمَا من حاديين رميتما ... بحميّ وطاعون أَلا تقفان) (وَمَا لَكمَا من حاديين كسيتما ... سرابيل مغلاة من القطران) (فويلي على عفراء ويلاً كَأَنَّهُ ... على الكبد والأحشاء حرّ سِنَان) قَالَ أَبُو بكر: أَخْبرنِي أبي عَن الطوسيّ قَالَ: أَرَادَ بقوله: ملتقى نعم وألالا شفتيها لِأَن الْكَلِمَتَيْنِ فِي الشفتين تلتقيان. وَرُوِيَ: (أَلا حبّذا من حب عفراء ملتقى ... نعام وبرك حَيْثُ يَلْتَقِيَانِ) وَقيل: هما موضعان. (لَو أَن أَشد النَّاس وجدا وَمثله ... من الْجِنّ بعد الْإِنْس يَلْتَقِيَانِ) (فيشتكيان الوجد ثمّت أشتكي ... لأضعف وجدي فَوق مَا يجدان) (فقد تَرَكتنِي مَا أعي لمحدّث ... حَدِيثا وَإِن نَاجَيْته ونجاني) (ة وَقد تركت عفراء قلبِي كَأَنَّهُ ... جنَاح غراب دَائِم الخفقان)

وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد الْحَادِي وَالثَّلَاثُونَ بعد الْمِائَتَيْنِ (مهامهاً وخروقاً لَا أنيس بهَا ... إِلَّا الضوابح والأصداء والبوما) على ان النصب فِيهِ قَلِيل كَقَوْلِه: لَا أحد فِيهَا إِلَّا زيدا. وَفِيه أَن الْبَيْت من الِاسْتِثْنَاء المقطع فَإِن الضوابح وَمَا بعده لَيست من جنس الأنيس بِخِلَاف الْمِثَال فَإِنَّهُ اسْتثِْنَاء مُتَّصِل. وَالْبَيْت قد أنْشدهُ الفرّاء للنصب على الِانْقِطَاع كَمَا نَقله السَّيِّد المرتضى فِي أَمَالِيهِ عِنْد الْكَلَام على قَول النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: لَا يَمُوت لمُؤْمِن ثَلَاثَة من الْأَوْلَاد فتمسّه الناء إِلَّا تَحِلَّة الْقسم قَالَ: الِاسْتِثْنَاء مُنْقَطع كَأَنَّهُ قَالَ: فَتَمَسهُ الناء لَكِن تَحِلَّة الْيَمين أَي: لَكِن وُرُود النَّار لَا بدّ مِنْهُ فَجرى مجْرى قَول الْعَرَب: سَار النَّاس إِلَّا الأثقال وَأنْشد الفرّاء: مهامهاً وخروقاً لَا أنيس بهَا وَهَذَا الْبَيْت آخر أَبْيَات عدتهَا أحد عشر بَيْتا للأسود بن يعفر وَهِي فِي آخر المفضليات: (قد أصبح الْحَبل من أَسمَاء مصروما ... بعد ائتلاف وَحب كَانَ مكتوما) (واستبدلت محلّة مني وَقد علمت ... أَن لن أَبيت بوادي الْخَسْف مذموما) ...

(عفّ صَلِيب إِذا مَا جلبة أزمت ... من خير قَوْمك مَوْجُودا ومعدوما) (لما رَأَتْ أَن شيب الرَّأْس شامله ... بعد الشَّبَاب وَكَانَ الشيب مسؤوما) (صدّت وَقَالَت: أرى شيباً تفرّعه ... إِن الشَّبَاب الَّذِي يَعْلُو الجراثيما) (كَأَن ريقتها بعد الْكرَى اغتبقت ... صرفا تخيرها الحانون خرطوما) (سلافة الدّن مَرْفُوعا نصائبه ... مقلد الفغو وَالريحَان ملثوما) (وَقد ثوى نصف حول أشهراً جدداً ... بِبَاب أفّان يبتار السلاليما) (وسمحة الْمَشْي شملال قطعت بهَا ... أَرضًا يحار بهَا الهادون ديموما) مهامها وخروقاً لَا أنيس بهَا قَوْله: قد أصبح الْحَبل هُوَ الْوَصْل. والمصروم: الْمَقْطُوع. وَقَوله: واستبدلت خلة الخ الْخلَّة: الْخَلِيل وَهُوَ فِي الأَصْل مصدر وَلِهَذَا يكون للْوَاحِد وَالْجمع والمؤنث. قَالَ الْأَصْمَعِي: الْخَسْف: الذل وَأَصله أَن تبيت الدَّابَّة على غير علف ثمَّ أطلق على من أَقَامَ على ذل. وَقَوله: عفّ صَلِيب. إِلَى آخِره الصَّلِيب: الْجلد على المصائب الصبور على النوائب. والجلبة) بِضَم الْجِيم وبالموحدة: الْقَحْط. وَرُوِيَ: إِذا مَا أزمة أزمت والأزمة: الشدَّة وأزمت: اشتدت من بَاب ضرب وأصل الأزم العض بالأسنان يَقُول: أَنا صبور على النوائب فِي الجدب حَيْثُ لَا يقوم أحد بِحَق ينوبه لشدَّة الزَّمَان. والْمَوْجُود: الْحَيّ والمعدوم: الْمَيِّت. وَقَوله: وَكَانَ الشيب مسؤوماً قَالَ الضَّبِّيّ: مسؤوم: مملول مفعول من سئمته سآمة إِذا مللته. وَقَوله: أرى شيباً تفرعه قَالَ الضَّبِّيّ: تفرّعه أَي: ثار فِي فروعه وَفرع كل شَيْء: أَعْلَاهُ. والجرثومة بِالضَّمِّ: أصل الشَّجَرَة تجمع إِلَيْهَا الرِّيَاح

التُّرَاب. يُرِيد: أَن الشَّبَاب يَعْلُو ويرتفع مَا لَا يقدر عَلَيْهِ الشُّيُوخ وَإِنَّمَا هَذَا مثل. وَقَوله: كَأَن ريقتها الخ اغتبقت من الغبوق وَهُوَ شرب العشيّ. وَالصرْف: مَا لم يمزج. والحانون: جمع حَان بِالْمُهْمَلَةِ وَهُوَ الخمّار. والخرطوم: أول مَا قَالَ الْأَصْمَعِي: إِنَّمَا خص الغبوق لِأَنَّهُ أقرب من نومها قَالَ: وَإِنَّمَا خص الحانين لأَنهم أبْصر بِالْخمرِ من غَيرهم. وَقَوله: سلافة الدّنّ الخ قَالَ الضّبّي: أَرَادَ بالمرفوع نصائبه الإبريق يُقَلّد الريحان. ونصائبه: قوائمه. والغفو بِفَتْح الْفَاء وَسُكُون الْغَيْن الْمُعْجَمَة: ضرب من النبت يكون طيبا وَقد قيل إِنَّه الحنّاء وَهُوَ الفاغية. وَقَالَ أَحْمد: نصائبه مَا انتصب عَلَيْهِ الدن من أَسْفَله وَهُوَ شَيْء محدد دَقِيق يَجْعَل لَهُ ذَلِك ليرْفَع الدّنّ للريح وَالشَّمْس. بقول: قلّد الريحان وَهَذَا مثل يَقُول من طيب رَائِحَته كَأَنَّهُ قلد الريحان والمسك وَلذَلِك ذكر الغفو يُرِيد ريح الريحان. ويروى: الريحان نصبا وخفضاً. وَقَوله: وَقد ثوى نصف حول الخ بَاب أفان بِفَتْح الْهمزَة وَتَشْديد الْفَاء: مَوضِع. ويبتار: يختبر ويمتحن. والسلاليم: مَا يتَّصل بِهِ إِلَى حَاجته. وَرُوِيَ: يبْتَاع. وَالْمعْنَى: يصونها فِي مَكَان مُرْتَفع. وَأنكر أَحْمد مَا قَالَ الضَّبِّيّ فِي الإبريق وَقَالَ: لم يذكر الإبريق بعد وَإِنَّمَا ثوى نصف حول ليَشْتَرِي الْخمر أَي: فَهُوَ يطْلبهَا لم يشترها بعد وَكَيف يَجْعَلهَا فِي الأباريق وَإِنَّمَا هُوَ يبتار: يصعد سلما بعد سلم لِأَنَّهَا وضعت على السطوح لبروز الشَّمْس وَالرِّيح. وَقَوله: حَتَّى تنَاولهَا الخ قَالَ الضَّبِّيّ الصَّهْبَاء من عِنَب أَبيض والصافية: الْخَالِصَة. والتجار: جمع تَاجر وهم تجار الْخمر. والتراجيم: خدم من خدم

الخمارين وَيُقَال: يُرِيد التراجمة لِأَن وَقَوله: وسمحة الْمَشْي الْوَاو وَاو رب. والسمحة: السهلة. والديموم: القفر الَّتِي لَا مَاء فِيهَا وَلَا علم. والشملال: السريعة. وَقَوله: مهامهاً. . الخ هُوَ بدل من قَوْله: أَرضًا فِي الْبَيْت السَّابِق. والمهمه: القفر. والأنيس: من) يؤنس بِهِ وَإِلَيْهِ. والضوابح: جمع ضابح بالضاد الْمُعْجَمَة وبالموحدة والحاء الْمُهْملَة وَهُوَ الثَّعْلَب والضباح بِالضَّمِّ: صَوته. والأصداء: جمع صدى وَهُوَ ذكر البوم. والخروق: جمع خرق بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَآخره قَاف وَهِي الفلاة الَّتِي تنخرق فِيهَا الرِّيَاح. وترجمة الْأسود بن يعفر تقدّمت فِي الشَّاهِد الرَّابِع وَالسِّتِّينَ. وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد الثَّانِي وَالثَّلَاثُونَ بعد الْمِائَتَيْنِ وَهُوَ من شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ: وَلَا أَمر للمعصي إِلَّا مضيعا هَذَا عجز. وصدره: أَمرتكُم أَمْرِي بمنعرج اللوى لما تقدم قبله. وَقَوله: وَقَالَ الْخَلِيل: مضيعاً حَال الخ بِهَذَا يسْقط قَول

الأعلم حَيْثُ قَالَ فِي شرح شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ: الشَّاهِد فِيهِ نصب مضيع على الْحَال من الْأَمر وَهُوَ حَال من النكرَة وَفِيه ضعف لِأَن أصل الْحَال أَن يكون للمعرفة انْتهى. وَأَقُول: إِن جعل حَالا من الضَّمِير المستقر فِي قَوْله: للمعصي فَإِنَّهُ خبر لَا النافية فَلَا يرد عَلَيْهِ مَا ذكر. وَقَالَ النّحاس: وَيجوز أَن يكون حَالا للمضمر التَّقْدِير: إِلَّا أمرا فِي حَال تضييعه فَهُوَ حَال من نكرَة. أَقُول: هَذَا التَّقْدِير يَقْتَضِي أَن يكون مضيعاً صفة لَا حَالا. وَقَالَ الأعلم: وَيجوز نَصبه على الِاسْتِثْنَاء وَالتَّقْدِير: إِلَّا أمرا مضيعاً. وَفِيه قبح لوضع الصّفة مَوضِع الْمَوْصُوف. أَقُول: لَا قبح فَإِن الْمَوْصُوف كثيرا مَا يحذف لقَرِينَة.

وَقَالَ ابْن الْأَنْبَارِي فِي شرح المفضليات: الآستثناء مُنْقَطع وَلَو رفع فِي غير هَذَا الْموضع لجَاز بجعله خَبرا للا. أَقُول: يجب حِينَئِذٍ أَن يُقَال وَلَا أمرا للمعصي بِالتَّنْوِينِ إِلَّا هَذَا مَذْهَب البغداديين. وَهَذَا الْبَيْت من أَبْيَات للكلحية العريني وَقد شرحناها وَذكرنَا موردها مفصلا وترجمناه فِي) وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد الثَّالِث وَالثَّلَاثُونَ بعد الْمِائَتَيْنِ ...

(رَأَيْت النَّاس مَا حاشا قُريْشًا ... فَإنَّا نَحن أفضلهم فعالا) على أَن الْأَخْفَش روى حاشا مَوْصُولَة بِمَا المصدرية. قَالَ ابْن عقيل فِي شرح التسهيل: وسيبويه منع من دُخُول مَا على حاشا قَالَ: لَو قلت أَتَوْنِي مَا حاشا زيدا لم يكن كلَاما. وَأَجَازَهُ بَعضهم على قلَّة. . وَأَخْطَأ الْعَيْنِيّ حَيْثُ زعم أَن مَا هُنَا نَافِيَة فَإِن مُرَاد الشَّاعِر تَفْضِيل قومه على مَا عدا قُريْشًا لَا تَفْضِيل قومه على قُرَيْش أَيْضا. وَقِيَاسه على قَول النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: أُسَامَة أحب النَّاس إِلَيّ مَا حاشا فَاطِمَة. فِي أَن مَا نَافِيَة كَمَا قَالَ صَاحب الْمُغنِي يردهُ أَنه صرح أَن مَا فِي الْبَيْت مَصْدَرِيَّة فَإِنَّهُ قَالَ: وتوهم ابْن مَالك أَن مَا فِي الحَدِيث مَا المصدرية وحاشا الاستثنائية فاستدل بِهِ على أَنه قد يُقَال قَامَ الْقَوْم مَا حاشا زيدا كَمَا قَالَ رَأَيْت النَّاس مَا حاشا قُريْشًا. . الْبَيْت انْتهى كَلَام الْمُغنِي. وَرَأَيْت: من الرُّؤْيَة القلبية تطلب مفعولين وَالثَّانِي هُنَا مَحْذُوف تَقْدِيره دُوننَا أَو الْجُمْلَة هِيَ الْمَفْعُول الثَّانِي وَالْفَاء زَائِدَة كَمَا قَالَ الدحاميني وَزعم: الْعَيْنِيّ وَتَبعهُ السُّيُوطِيّ فِي شَوَاهِد الْمُغنِي: أَن رَأَيْت من الرَّأْي وَلِهَذَا اكْتفى بمفعول وَاحِد. وَهَذَا لَا معنى لَهُ هُنَا. فَتَأمل. وَرُوِيَ أَيْضا: فَأَما النَّاس مَا حاشا قُريْشًا فالفاء فِي المصراع الثَّانِي فَاء الْجَواب. والفعال: بِفَتْح الْفَاء قَالَ ابْن الشجري فِي أَمَالِيهِ: هُوَ كل فعل حسن: من حلم أَو سخاء أَو إصْلَاح بَين النَّاس أَو نَحْو ذَلِك. فَإِن كسرت فاؤه صلح لما حسن من الْأَفْعَال وَمَا لم يحسن. وَهَذَا الْبَيْت قَالَ العييني وَتَبعهُ السُّيُوطِيّ: إِنَّه للأخطل من قصيدة. وَقد راجعت ديوانه مرَّتَيْنِ وَلم أَجِدهُ فِيهِ وَرَأَيْت فِيهِ أبياتاً على هَذَا الْوَزْن يهجو بهَا جَرِيرًا ويفتخر بقَوْمه فِيهَا وَلَيْسَ فِيهَا هَذَا الْبَيْت وَأول تِلْكَ الأبيات: (لقد جاريت يَا ابْن أبي جرير ... عذوماً لَيْسَ ينظرك المطالا) وَالله أعلم بِحَقِيقَة الْحَال. وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد الرَّابِع وَالثَّلَاثُونَ بعد الْمِائَتَيْنِ وَهُوَ من شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ: (سُبْحَانَهُ ثمَّ سبحاناً نَعُوذ بِهِ ... وَقَبلنَا سبح الجودي والجمد) على أَن سُبْحَانَ الله فِيهِ بِمَعْنى سبحاناً. يُرِيد: أَن سُبْحَانَ غير علم لمجيئه نكرَة كَمَا هُنَا ومعرفاً بِالْإِضَافَة وباللام كَمَا بَينه فِي بَاب الْعلم. وَيَأْتِي الْكَلَام عَلَيْهِ إِن شَاءَ الله. وأنشده سِيبَوَيْهٍ على أَن تنكيره وتنوينه ضَرُورَة وَالْمَعْرُوف فِيهِ أَن يُضَاف أَو يَجْعَل مُفردا معرفَة كَقَوْلِه: سُبْحَانَ من عَلْقَمَة الفاخر

وَهَذَا الْبَيْت من أَبْيَات لورقة بن نَوْفَل قَالَهَا لكفار مَكَّة حِين رَآهُمْ يُعَذبُونَ بِلَالًا على إِسْلَامه وَهِي: (لقد نصحت لأقوام وَقلت لَهُم: ... أَنا النذير فَلَا يغرركم أحد) (لَا تعبدن إِلَهًا غير خالقكم ... فَإِن دعيتم فَقولُوا: دونه حدد) (سُبْحَانَ ذِي الْعَرْش لَا شَيْء يعادله ... رب الْبَريَّة فَرد وَاحِد صَمد) (سُبْحَانَهُ ثمَّ سبحاناً نَعُوذ بِهِ ... وَقَبلنَا سبح الجودي والجمد) (مسخر كل من تَحت السَّمَاء لَهُ ... لَا يَنْبَغِي أَن يناوي ملكه أحد) (لم تغن عَن هُرْمُز يَوْمًا خزائنه ... والخلد قد حاولت عَاد فَمَا خلدوا) (وَلَا سُلَيْمَان إِذْ دَان الشعوب لَهُ ... الْجِنّ وَالْإِنْس تجْرِي بَينهَا الْبرد) (لَا شَيْء مِمَّا ترى تبقى بشاشته ... يبْقى الْإِلَه ويودي المَال وَالْولد) قَوْله: دونه حدد بِفَتْح الْحَاء وَالدَّال الْمُهْمَلَتَيْنِ قَالَ صَاحب الصِّحَاح: دونه حدد أَي: منع. وَأنْشد هَذَا الْبَيْت. وَهُوَ من الْحَد بِمَعْنى الْمَنْع أَي: قُولُوا: نَحن نمْنَع أَنْفُسنَا من عبَادَة إِلَه غير الله. . وَقَوله: نَعُوذ بِهِ أَي: كلما رَأينَا أحدا يعبد غير الله عذنا برحمته وسبّحناه حَتَّى يعصمنا من الضلال وروى الرياشيّ: نعود لَهُ بِالدَّال الْمُهْملَة وَاللَّام أَي: نعاوده مرّة بعد أُخْرَى. والجوديّ: جبل بالموصل وَقيل بالجزيرة كَذَا ورد فِي التَّفْسِير قَالَ أَبُو عبيد فِي المعجم: رُوِيَ أَن السَّفِينَة اسْتَقَلت بهم فِي الْيَوْم الْعَاشِر من

رَجَب واستقرت على الجودي يَوْم عَاشُورَاء من المحرّم.) وروى سعيد عَن قَتَادَة أَن الْبَيْت بني من خَمْسَة أجبل: من طور سيناء وطور زيتا ولبنان والجوديّ وحراء. والجمد بِضَم الْجِيم وَالْمِيم وتخفف الْمِيم أَيْضا بِالسُّكُونِ. قَالَ أَبُو عبيد: هُوَ جبل تِلْقَاء أسنمة قَالَ نصيب: (وَعَن شمائلهم أنقاء أسنمة ... وَعَن يمينهم الأنقاء والجمد) وَقَالَ فِي أسنمة: بِفَتْح الْألف وَسُكُون السِّين وَضم النُّون وَكسرهَا مَعًا وَقَالَ عمَارَة بن عقيل: هِيَ أسنمة بِضَم الْهمزَة وَالنُّون وَقَالَ: هِيَ رَملَة أصفل الدهناء على طَرِيق فلج وَأَنت مصعد إِلَى مَكَّة وَهُوَ نقاً محدّد طَوِيل كَأَنَّهُ سَنَام انْتهى. وَرُوِيَ أَيْضا: وَقبل سبّحه الجوديّ. . الخ بضمّ لَام قبل. . وَقَوله: لَا يَنْبَغِي أَن يناوي الخ أَي: يعادي وناواه: عَادَاهُ وَأَصله الْهَمْز لِأَنَّهُ من النوء وَهُوَ النهوض. وَرُوِيَ: أَن يساوى أَي: لَا يعادله. وَقَوله: وَلَا سُلَيْمَان إِذْ دَان الخ دَان بِمَعْنى ذلّ وأطاع. والشعوب: جمع شعب بِفَتْح فَسُكُون وَهُوَ مَا تشعّب أَي: تفرّق من قبائل الْعَرَب والعجم وبيّنه هُنَا بقوله: الْجِنّ وَالْإِنْس وَضمير بَينهَا للشعوب. وَالْبرد بِضَمَّتَيْنِ. جمع بريد وَهُوَ الرَّسُول. وَقَوله: ويودي المَال الخ يُقَال أودى الشَّيْء أَي: هلك فَهُوَ مود.

ورقة بن نَوْفَل يعدّ من الصَّحَابَة: وَقد ألّف أَبُو الْحسن برهَان الدَّين إِبْرَاهِيم البقاعيّ الشَّافِعِي تأليفاً فِي إِيمَان ورقة بِالنَّبِيِّ وصحبته لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وَلَقَد أَجَاد فِي جمعه وشدد الْإِنْكَار على من أنكر صحبته وَجمع فِيهِ الْأَخْبَار الَّتِي نقلت عَن ورقة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه بالتصريح بإيمانه بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وسروره بنبوته وَالْأَخْبَار الشاهدة لَهُ بِأَنَّهُ فِي الْجنَّة وَمَا نَقله الْعلمَاء من الْأَحَادِيث فِي حَقه وَمَا ذَكرُوهُ فِي كتبهمْ المصنفة فِي أَسمَاء الصَّحَابَة وَسمي تأليفه: بذل النصح والشفقة للتعريف بِصُحْبَة السَّيِّد ورقة وَقَالَ فِي تَرْجَمته: هُوَ ورقة بن نَوْفَل بن أَسد بن عبد الْعُزَّى بن قصيّ يجْتَمع مَعَ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فِي جدّ جده. قَالَ الزبير بن بكار: كَانَ ورقة قد كره عبَادَة الْأَوْثَان وَطلب الدَّين فِي الْآفَاق وَقَرَأَ الْكتب وَكَانَت خَدِيجَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها تسأله عَن أَمر النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فَيَقُول لَهَا: مَا أرَاهُ إِلَّا نَبِي هَذِه المة الَّذِي بشر بِهِ مُوسَى وَعِيسَى. وَقَالَ ابْن كثير: قَالَ ابْن إِسْحَاق: وَكَانَت خَدِيجَة بنت خويلد بن أَسد بن عبد الْعُزَّى ذكرت) لورقة وَكَانَ ابْن عَمها وَكَانَ نَصْرَانِيّا قد تتبع الْكتب وَعلم من علم النَّاس مَا ذكر لَهَا غلامها يَعْنِي ميسرَة من أَمر الراهب يَعْنِي الَّذِي قَالَ لما نزل مُحَمَّد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ تَحت شَجَرَة قريبَة من الراهب فِي السفرة الَّتِي سافرها لِخَدِيجَة إِلَى الشَّام: مَا نزل تَحت هَذِه الشَّجَرَة إِلَّا نَبِي وَمَا كَانَ ميسرَة يرى مِنْهُ إِذْ كَانَ الْملكَانِ يظلانه فَقَالَ ورقة: إِن كَانَ هَذَا حَقًا يَا خَدِيجَة إِن مُحَمَّدًا لنَبِيّ هَذِه الْأمة وَقد عرفت أَنه كَائِن لهَذِهِ الْأمة نَبِي ينْتَظر هَذَا زَمَانه. قَالَ: فَجعل ورقة يستبطئ الْأَمر وَيَقُول: حَتَّى مَتى وَقَالَ فِي ذَلِك: ...

(لججت وَكنت فِي الذكرى لجوجاً ... لهمّ طالما بعث النشيجا) (وَوصف من خَدِيجَة بعد وصف ... فقد طَال انتظاري يَا خديجا) (بِبَطن المكتين على رجائي ... حَدِيثك إِن أرى مِنْهُ خُرُوجًا) (بِمَا خبرتنا من قَول قسّ ... من الرهبان أكره أَن يعوجا) (بِأَن مُحَمَّدًا سيسود يَوْمًا ... ويخصم من يكون لَهُ حجيجا) (فَيلقى من يحاربه خساراً ... ويلقى من يسالمه فلوجا) (فيا لَيْتَني إِذا مَا كَانَ ذاكم ... شهِدت وَكنت أَوَّلهمْ ولوجا) (أرجّي بِالَّذِي كَرهُوا جَمِيعًا ... إِلَى ذِي الْعَرْش إِن سفلوا عروجا) (وَهل أَمر السفاهة غير كفر ... بِمن يخْتَار من سمك البروجا) (فَإِن يبقوا وأبق تكن أُمُور ... يضج الْكَافِرُونَ لَهَا ضَجِيجًا) (وَإِن أهلك فَكل فَتى سيلقى ... من الأقدار متلفة خُرُوجًا) وَمَات ورقة فِي فَتْرَة الْوَحْي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قبل نزُول الْفَرَائِض وَالْأَحْكَام.

وَقَالَ الزبير فِي كتاب نسب قُرَيْش: ورقة بن نَوْفَل لم يعقب وَقَالَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: لَا تسبوا ورقة فَإِنِّي رَأَيْته فِي ثِيَاب بيض. وَهُوَ الَّذِي يَقُول: (ارْفَعْ ضعيفك لَا يحر بك ضعفه ... يَوْمًا فَتُدْرِكهُ العواقب قد نما) (يجْزِيك أَو يثني عَلَيْك وَإِن من ... أثنى عَلَيْك بِمَا فعلت كمن جزى) ومرّ ببلال بن رَبَاح رَضِيَ اللَّهُ عَنْه وَهُوَ يعذب برمضاء مَكَّة فَيَقُول: أحد أحد فَوقف عَلَيْهِ فَقَالَ: أحد أحد وَالله يَا بِلَال ونهاهم عَنهُ فَلم ينْتَهوا فَقَالَ: وَالله لَئِن قَتَلْتُمُوهُ لأتخذنّ قَبره حنانا وَقَالَ:) الأبيات الَّتِي شرحناها وفيهَا بَيت الشَّاهِد. وَقد نسب هَذِه الأبيات إِلَى ورقة السُّهيْلي أَيْضا وَكَذَا الْحَافِظ أَبُو الرّبيع الكلاعيّ فِي سيرته. وَقَالَ السُّهيْلي: قَوْله: حنانا أَي: لأتخذنّ قَبره منسكاً ومترحما والحنان: الرَّحْمَة. وَقد وَقع بَيت الشَّاهِد فِي كتاب س غير معزوّ إِلَى وَاحِد وَاخْتلف شرّاح شواهده فأكثرهم قَالَ: إِنَّهَا لأمية بن أبي الصَّلْت وَقَالَ بَعضهم: إِنَّهَا لزيد بن عَمْرو بن نفَيْل. وَالصَّوَاب مَا قدمْنَاهُ.

وَحَاصِل مَا ذكره البقاعيّ فِي شَأْن ورقة بن نَوْفَل: أَنه مِمَّن وحّد الله فِي الْجَاهِلِيَّة فَخَالف قُريْشًا وَسَائِر الْعَرَب فِي عبَادَة الْأَوْثَان وَسَائِر أَنْوَاع الْإِشْرَاك وَعرف بعقله الصَّحِيح أَنهم أخطؤوا دين أَبِيهِم إِبْرَاهِيم الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام ووحّد الله تَعَالَى واجتهد فِي تطلب الحنيفية دين إِبْرَاهِيم ليعرف أحب الْوُجُوه إِلَى الله تَعَالَى فِي الْعِبَادَة. فَلم يكتف بِمَا هداه إِلَيْهِ عقله بل ضرب فِي الأَرْض ليَأْخُذ علمه عَن أهل الْعلم بكتب الله الْمنزلَة من عِنْده الضابطة للأديان فأداه سُؤَاله أهل الذّكر الَّذين أَمر الله بسؤالهم إِلَى أَن اتبع الدَّين الَّذِي أوجبه الله فِي ذَلِك الزَّمَان وَهُوَ النَّاسِخ لشريعة مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام: دين النَّصْرَانِيَّة وَلم يتبعهُم فِي التبديل بل فِي التَّوْحِيد وَصَارَ يبْحَث عَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ الَّذِي بشر بِهِ مُوسَى وَعِيسَى عَلَيْهِمَا السَّلَام. فَلَمَّا أخْبرته ابْنة عمّه الصدّيقة الْكُبْرَى خَدِيجَة رضوَان الله عَلَيْهَا بِمَا رَأَتْ وأخبرت بِهِ فِي شَأْن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ من المخايل: بإظلال الْغَمَام وَنَحْوهَا ترجى أَن يكون هُوَ المبشر بِهِ وَقَالَ فِي ذَلِك أشعاراً يتشوق فِيهَا غَايَة التشوق إِلَى إنجاز الْأَمر الْمَوْعُود لينخلع من النَّصْرَانِيَّة إِلَى دينه لِأَنَّهُ كَانَ قَالَ لزيد بن عَمْرو بن نفَيْل لما قَالَ لَهُم الْعلمَاء: إِن أحب الدَّين إِلَى الله دين هَذَا المبشر بِهِ: أَنا أستمر على نصرانيتي إِلَى أَن يَأْتِي هَذَا النَّبِي فَلَمَّا حقق الله الْأَمر وأوقع الإرهاصات: بِالسَّلَامِ من الْأَشْجَار والأحجار على النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وبمناداة إسْرَافيل عَلَيْهِ السَّلَام للنَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ مَعَ الاستتار مِنْهُ وَخَافَ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ من ذَلِك فَاشْتَدَّ خَوفه فَنقل ذَلِك إِلَى ورقة بن نَوْفَل رَضِيَ اللَّهُ عَنْه اشْتَدَّ سروره بذلك وثبته وَشد قلبه وشجعه. فَلَمَّا بدا لَهُ الْأَمر بفراغ نوبَة إسْرَافيل وَأَتَاهُ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام وَفعل مَا أمره الله بِهِ: من شقّ صَدره

الشريف وَغسل قلبه وإيداعه الْحِكْمَة وَالرَّحْمَة وَمَا شَاءَ الله وتبدّى لَهُ جِبْرِيل وَأنزل عَلَيْهِ بعض الْقُرْآن وَأخْبرهُ بِهِ قفّ شعر ورقة) وَسبح الله وقدّسه وَعظم سروره بذلك وَشهد أَنه أَتَاهُ الناموس الْأَكْبَر الَّذِي كَانَ يَأْتِي الْأَنْبِيَاء قبله عَلَيْهِم السَّلَام وَشهد أَنه الَّذِي أنزل عَلَيْهِ كَلَام الله وَشهد أَنه نَبِي هَذِه الْأمة وَتمنى أَن يعِيش إِلَى أَن يُجَاهد مَعَه. هَذَا مَعَ مَا لَهُ بِالنَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ وزوجه الصدّيقة خَدِيجَة وَمن شعره: (أتبكر أم أَنْت العشية رائح ... وَفِي الصَّدْر من إضمارك الْحزن قَادِح) (لفرقة قوم لَا أحب فراقهم ... كَأَنَّك عَنْهُم بعد يَوْمَيْنِ نازح) (وأخبار صدق خبّرت عَن مُحَمَّد ... يخبّرها عَنهُ إِذا غَابَ نَاصح) (فتاك الَّذِي وجّهت يَا خير حرَّة ... بغور وبالنجدين حَيْثُ الصحاصح) (إِلَى سوق بصرى فِي الركاب الَّتِي غَدَتْ ... وهنّ من الْأَحْمَال قعص دوالح) (يخبّرنا عَن كل حبر بِعِلْمِهِ ... وللحق أَبْوَاب لَهُنَّ مفاتح) (بِأَن ابْن عبد الله أَحْمد مُرْسل ... إِلَى كل من ضمت عَلَيْهِ الأباطح) (وظني بِهِ أَن سَوف يبْعَث صَادِقا ... كَمَا أرسل العبدان: هود وَصَالح) ...

(ومُوسَى وَإِبْرَاهِيم حَتَّى يرى لَهُ ... بهاء ومنشور من الذّكر وَاضح) (ويتبعه حَيا لؤيّ بن غَالب ... شبابهم والأشيبون الجحاجح) (فَإِن أبق حَتَّى يدْرك النَّاس أمره ... فَإِنِّي بِهِ مُسْتَبْشِرٍ الودّ فارح) (وَإِلَّا فَإِنِّي يَا خَدِيجَة فاعلمي ... عَن أَرْضك فِي الأَرْض العريضة سائح) وَمن شعره أَيْضا: (وَجِبْرِيل يَأْتِيهِ وميكال فاعلمي ... من الله وَحي يشْرَح الصَّدْر منزل) (يفوز بِهِ من فَازَ فِيهَا بتوبة ... ويشقى بِهِ العاتي الغرير المضلّل) (فريقان مِنْهُم فرقة فِي جنانه ... وَأُخْرَى بأجواز الْجَحِيم تغلّل) (فسبحان من تهوى الرِّيَاح بأَمْره ... وَمن هُوَ فِي الْأَيَّام مَا شَاءَ يفعل) (وَمن عَرْشه فَوق السَّمَاوَات كلهَا ... وأقضاؤه فِي خلقه لَا تبدّل) وَمن شعره أَيْضا: (يَا للرِّجَال وَصرف الدَّهْر وَالْقدر ... وَمَا لشَيْء قَضَاهُ الله من غير) (جَاءَت خَدِيجَة تَدعُونِي لأخبرها ... وَمَا لنا بخفي الْغَيْب من خبر)) (جَاءَت لتسألني عَنهُ لأخبرها ... أمرا أرَاهُ سَيَأْتِي النَّاس من أخر) (فخبّرتني بِأَمْر قد سَمِعت بِهِ ... فِيمَا مضى ن قديم الدَّهْر وَالْعصر) (بِأَن أَحْمد يَأْتِيهِ فيخبره ... جِبْرِيل أَنَّك مَبْعُوث إِلَى الْبشر) (فَقلت علّ الَّذِي ترجين يُنجزهُ ... لَك الْإِلَه فرجّي الْخَيْر وانتظري) ...

(وأرسليه إِلَيْنَا كي نسائله ... عَن أمره مَا يرى فِي النّوم والسهر) (فَقَالَ حِين أَتَانَا منطقاً عجبا ... يقفّ مِنْهُ أعالي الْجلد وَالشعر) (ثمَّ اسْتمرّ فكاد الْخَوْف يذعرني ... مِمَّا يسلّم مَا حَولي من الشّجر) (فَقلت: ظَنِّي وَمَا أَدْرِي أيصدقني ... أَن سَوف يبْعَث يَتْلُو منزل السُّور) (وسوف أبليك إِن أعلنت دعوتهم ... من الْجِهَاد بِلَا منّ وَلَا كدر) وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد الْخَامِس وَالثَّلَاثُونَ بعد الْمِائَتَيْنِ وَهُوَ من شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ: سُبْحَانَ من عَلْقَمَة الفاخر هَذَا عجز وصدره: أَقُول لمّا جَاءَنِي فخره على أَن ترك تَنْوِين سُبْحَانَ لَيْسَ لِأَنَّهُ غير منصرف للعلمية وَزِيَادَة الْألف وَالنُّون بل لأجل بَقَائِهِ على صُورَة الْمُضَاف لما غلب اسْتِعْمَاله مُضَافا وَالْأَصْل سُبْحَانَ الله فَحذف الْمُضَاف إِلَيْهِ للضَّرُورَة. وَهَذَا ردّ على سِيبَوَيْهٍ وَمن تبعه فِي زَعمه أَن سُبْحَانَ علم غبر منصرف. وَيَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى بَقِيَّة الْكَلَام عَلَيْهِ فِي بَاب الْعلم. قَالَ الرَّاغِب: قَوْله: سُبْحَانَ من عَلْقَمَة الفاخر تَقْدِيره: سُبْحَانَ عَلْقَمَة على التهكم فَزَاد فِيهِ من ردّاً إِلَى أَصله وَقيل: أَرَادَ سُبْحَانَ الله من أجل عَلْقَمَة فَحذف الْمُضَاف إِلَيْهِ اه.

أَقُول: وَالْوَجْه الأول ضَعِيف لُغَة وصناعة: أما الأول فَلِأَن الْعَرَب لَا يستعملونه إِلَّا مُضَافا إِلَى الله وَلم يسمع إِضَافَته إِلَى غَيره وَأما صناعَة فَلِأَن من لَا تزاد فِي الْوَاجِب عِنْد الْبَصرِيين وَسُبْحَان فِي الْبَيْت للتعجب وَمن دَاخِلَة على المتعجب مِنْهُ وَالْأَصْل فِيهِ أَن يسبح الله تَعَالَى) عِنْد رُؤْيَة العجيب من صنائعه ثمَّ كثر حَتَّى اسْتعْمل فِي كل متعجب مِنْهُ. قَالَ بَعضهم: يسْتَلْزم التَّنْزِيه التَّعَجُّب من بعد مَا نزّه عَنهُ من المنزه فَكَأَنَّهُ قيل ماأبعده مِنْهُ فقد يقْصد بِهِ التَّنْزِيه أصلا والتعجب تبعا كَمَا فِي سُبْحَانَ الَّذِي أسرى بِعَبْدِهِ وَقد يقْصد بِهِ التَّعَجُّب وَيجْعَل تنزيهه تَعَالَى ذَرِيعَة لَهُ فيسبح الله عِنْد رُؤْيَة العجيب من صنائعه. ثمَّ كثر حَتَّى اسْتعْمل عِنْد كل تعجب من شَيْء كَمَا فِي: سُبْحَانَكَ هَذَا بهتان عَظِيم اه. وَالْمعْنَى أعجب من عَلْقَمَة إِذْ فاخر عَامر بن الطُّفَيْل. وَهَذَا الْبَيْت من قصيدة لأعشى مَيْمُون قبحه الله تَعَالَى هجا بهَا عَلْقَمَة بن علاثة الصَّحَابِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه ومدح ابْن عَمه عَامِرًا الْمَذْكُور لَعنه الله تَعَالَى وغلّبه عَلَيْهِ فِي الْفَخر. وَسبب هَذِه القصيدة أَن عَلْقَمَة بن علاثة الصَّحَابِيّ نافر ابْن عَمه عَامر بن الطُّفَيْل عَدو الله والمنافرة: المحاكمة فِي الْحسب والشرف فهاب حكام الْعَرَب أَن يحكموا بَينهمَا بِشَيْء كَمَا تقدم فِي الشَّاهِد السَّادِس وَالْعِشْرين ثمَّ أَن الْأَعْشَى مدح الْأسود الْعَنسِي فَأعْطَاهُ خَمْسمِائَة مِثْقَال ذَهَبا وَخَمْسمِائة

حللاً وعنبراً فَخرج فَلَمَّا مرّ بِبِلَاد بني عَامر وهم قوم عَلْقَمَة وعامر خافهم على مَا مَعَه فَأتى عَلْقَمَة بن علاثة فَقَالَ لَهُ: أجرني قَالَ: قد أجرتك من الْجِنّ وَالْإِنْس قَالَ الْأَعْشَى: وَمن الْمَوْت قَالَ: لَا. فَأتى عَامر بن الطُّفَيْل فَقَالَ لَهُ: أجرني قَالَ: قد أجرتك من الْجِنّ وَالْإِنْس قَالَ الْأَعْشَى: وَمن الْمَوْت قَالَ عَامر: وَمن الْمَوْت أَيْضا قَالَ: وَكَيف تجيرني من الْمَوْت قَالَ: إِن مت فِي جواري بعثت إِلَى أهلك الدِّيَة قَالَ: الْآن علمت أَنَّك قد أجرتني فحرّضه عَامر على تنفيره على عَلْقَمَة فغلّبه عَلَيْهِ بقصائد فَلَمَّا سمع نذر لَيَقْتُلَنهُ إِن ظفر بِهِ فَقَالَ الْأَعْشَى هَذِه القصيدة. ومطلعها: (شاقك من قتلة أطلالها ... بالشط فالجزع إِلَى حاجر) (لَو أسندت مَيتا إِلَى نحرها ... عَاشَ وَلم ينْقل إِلَى قابر) (حَتَّى يَقُول النَّاس مِمَّا رَأَوْا ... يَا عجبا للْمَيت الناشر) (دعها فقد أعذرت فِي ذكرهَا ... وَاذْكُر خنى عَلْقَمَة الخائر) (يحلف بِاللَّه: لَئِن جَاءَهُ ... عنّي نباً من سامع خابر) (ليجعلني ضحكة بعْدهَا ... خدعت يَا علقم من ناذر)) إِلَى أَن قَالَ: ...

(إِن الَّذِي فِيهِ تماريتما ... بيّن للسامع والناظر) (مَا جعل الجدّ الظنون الَّذِي ... جنّب صوب اللجب الماطر) (مثل الفراتي إِذا مَا جرى ... يقذف بالبوصيّ والماهر) (أَقُول لمّا جَاءَنِي فخره ... سُبْحَانَ من عَلْقَمَة الفاخر) (علقم لَا تسفه وَلَا تجعلن ... عرضك للوارد والصادر) (وَأول الحكم على وَجهه ... لَيْسَ قضائي بالهوى الجائر) (حكّمتموه فَقضى بَيْنكُم ... أَبْلَج مثل الْقَمَر الباهر) (لَا يَأْخُذ الرِّشْوَة فِي حكمه ... وَلَا يُبَالِي غبن الخاسر) (سدت بني الْأَحْوَص لَا تعدهم ... وعامر سَاد بني عَامر) (قد قلت شعري فَمضى فيكما ... فاعترف المنفور للنافر) وَهِي قصيدة طَوِيلَة: وَمِنْهَا: وَسَيَأْتِي شَرحه مَعَ أَبْيَات فِي بَاب أفعل التَّفْضِيل. وَقد نهى النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ عَن رِوَايَة هَذِه القصيدة وَلِهَذَا لم أذكرها كلهَا. قَالَ السُّيُوطِيّ فِي شرح شَوَاهِد الْمُغنِي. وعلقمة بن علاثة صحابيّ قدم على رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وَهُوَ شيخ فَأسلم وَبَايع وروى حَدِيثا وَاحِدًا. أخرج

ابْن مَنْدَه وَابْن عَسَاكِر من طَرِيق الْأَعْمَش عَن أبي صَالح قَالَ: حَدثنِي عَلْقَمَة بن علاثة قَالَ: أكلت مَعَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ رؤوساً. وَاسْتَعْملهُ عمر بن الْخطاب على حوران فَمَاتَ بهَا. وَأخرج أَبُو نعيم والخطيب وَابْن عَسَاكِر عَن مُحَمَّد بن مسلمة قَالَ: كنت عِنْد النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وَعِنْده حسان فَقَالَ: يَا حسان أنشدنا من شعر الْجَاهِلِيَّة مَا عَفا الله لنا فِيهِ فأنشده حسان قصيدة الْأَعْشَى فِي عَلْقَمَة بن علاثة: (علقم مَا أَنْت إِلَى عَامر ... الناقض الأوتار والواتر) فَقَالَ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: يَا حسان لَا تنشدني مثل هَذَا بعد الْيَوْم فَقَالَ حسان: يَا رَسُول الله مَا يَمْنعنِي من رجل مُشْرك هُوَ عِنْد قَيْصر أَن أذكر هجاء لَهُ فَقَالَ: يَا حسان إِنِّي ذكرت عِنْد قَيْصر وَعِنْده أَبُو سُفْيَان بن حَرْب وعلقمة بن علاثة فَأَما أَبُو سُفْيَان فَلم يتْرك فيّ) وَأما عَلْقَمَة فَحسن القَوْل وَإنَّهُ لَا يشْكر الله من لَا يشْكر النَّاس. فَقَالَ حسان: يَا رَسُول الله وَقَالَ وَكِيع فِي الْغرَر عَن الزُّهْرِيّ: قَالَ: رخّص رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فِي الْأَشْعَار كلهَا إِلَّا هَاتين الْكَلِمَتَيْنِ: الَّتِي قَالَ أُميَّة بن أبي الصَّلْت فِي أهل بدر: (مَاذَا ببدر فالعقنقل ... من مرازبة جحاجح) وَالَّتِي قَالَ الْأَعْشَى فِي عَلْقَمَة بن علاثة:

شاقك من قتلة أطلالها. انْتهى مَا رَوَاهُ السُّيُوطِيّ. قَالَ شَارِح ديوَان الْأَعْشَى مُحَمَّد بن حبيب وَكَذَلِكَ ابْن قُتَيْبَة فِي كتاب الشُّعَرَاء: إِن عَلْقَمَة بن علاثة لما نذر بِدَم الْأَعْشَى جعل لَهُ على كل طَرِيق رصداً فاتفق أَن الْأَعْشَى خرج يُرِيد وَجها وَمَعَهُ دَلِيل فَأَخْطَأَ بِهِ الطَّرِيق فَأَلْقَاهُ على ديار بني عَامر بن صعصعة فَأَخذه رَهْط عَلْقَمَة بن علاثة فَأتوهُ بِهِ فَقَالَ لَهُ عَلْقَمَة: الْحَمد لله الَّذِي أمكنني مِنْك فَقَالَ الْأَعْشَى: (أعلقم قد صيّرتني الْأُمُور ... إِلَيْك وَمَا أَنْت لي منقص) (فَهَب لي ذُنُوبِي فدتك النُّفُوس ... وَلَا زلت تنمو وَلَا تنقص) فَقَالَ قوم عَلْقَمَة: يَا عَلْقَمَة: اقتله وَأَرِحْنَا مِنْهُ وَالْعرب من شرّ لِسَانه فَقَالَ عَلْقَمَة: إذاّ تَطْلُبُوا بدمه وَلَا يغسل عني مَا قَالَه وَلَا يعرف فضلي عِنْد الْقُدْرَة فَأمر بِهِ فحلّ وثَاقه وَألقى عَلَيْهِ حلَّة وَحمله على نَاقَة وَأحسن عطاءه وَقَالَ: انج حَيْثُ شِئْت وَأخرج مَعَه من بني كلاب من يبلغهُ مأمنه فَقَالَ الْأَعْشَى بعد ذَلِك: (علقم يَا خير بني عَامر ... للضيف والصاحب والزائر) (والضاحك السن على همّة ... والغافر العثرة للعاثر

) وترجمة عَلْقَمَة بن علاثة تقدّمت فِي الشَّاهِد السَّادِس وَالْعِشْرين وترجمة عَامر بن الطُّفَيْل فِي الشَّاهِد الثَّامِن وَالسِّتِّينَ بعد الْمِائَة. وقتلة: اسْم امْرَأَة. والشط: جَانب النَّهر وَمَوْضِع. والخنى: الْفُحْش. والخاتر: الغادر. وَقَوله: مَا جعل الجدّ الخ مَا نَافِيَة. والجدّ بِضَم الْجِيم: الْبِئْر الْقَدِيمَة الَّتِي لَا يدرى أفيها مَاء أم لَا. والصوب: الْمَطَر. واللجب بِفَتْح اللَّام وَكسر الْجِيم: السَّحَاب والفراتي يَعْنِي الْفُرَات الْمَعْرُوف أَو المَاء الْمَعْرُوف. والبوصيّ بِضَم الْمُوَحدَة: ضرب من السفن. والماهر السابح. يُرِيد أَن الْبِئْر الَّتِي) بهَا مَاء لَيست كالبحر الَّذِي تجْرِي فِيهِ السفن وَغَيرهَا. وَجُمْلَة سُبْحَانَ من عَلْقَمَة الفاخر مقول القَوْل. والفاخر بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة. والمنفور: الْمَفْضُول. والنافر: الْفَاضِل. وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد السَّادِس وَالثَّلَاثُونَ بعد الْمِائَتَيْنِ هَذَا عجز وصدره: وَلَا أرى فَاعِلا فِي النَّاس يُشبههُ على أَن الْمبرد اسْتدلَّ بِهِ على فعلية حاشى بتصرفه. قَالَ ابْن الْأَنْبَارِي فِي مسَائِل الْخلاف: ذهب الْكُوفِيُّونَ إِلَى أَن حاشا

فِي الِاسْتِثْنَاء فعل مَاض وَذهب بَعضهم إِلَى أَنه اسْتعْمل اسْتِعْمَال الأدوات وَذهب البصريون إِلَى انه حرف جر وَذهب أَبُو الْعَبَّاس الْمبرد إِلَى أَنه يكون فعلا وَيكون حرفا. أما الْكُوفِيُّونَ فاحتجوا على فعليته بِالتَّصَرُّفِ كَقَوْل النَّابِغَة: (وَمَا أحاشي من الأقوام من أحد) وَبِأَن لَام الْخَفْض تتَعَلَّق بِهِ قَالَ تَعَالَى: حاش لله وحرف الْجَرّ إِنَّمَا يتَعَلَّق بِالْفِعْلِ لَا بالحرف وَبِأَن الْحَذف يلْحقهُ فَإِنَّهُم قَالُوا فِي حاشا لله: حاش لله. وَاسْتدلَّ البصريون على حرفيته بأنّ لَا يُقَال مَا حاشا زيدا كَمَا يُقَال مَا خلا زيدا وَمَا عدا عمرا وَبِأَن نون الْوِقَايَة لَا تلْحقهُ فَلَا يُقَال حاشاني وَلَو كَانَ فعلا لقيل. وَأَجَابُوا عَن قَول الْكُوفِيّين بِالتَّصَرُّفِ بِأَن أحاشي مَأْخُوذ من لفظ حائى وَلَيْسَ متصرفاً مِنْهُ كَمَا يُقَال: بسمل وَهَلل وحمدل وسبحل وحوقل: إِذا قَالَ بِسم الله وَلَا إِلَه إِلَّا الله وَالْحَمْد لله وَسُبْحَان الله وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَكَذَلِكَ يُقَال: لبّي إِذا وَقَوْلهمْ: إِن لَام الْجَرّ تتَعَلَّق بِهِ قُلْنَا: لَا نسلّم فَإِنَّهَا زَائِدَة لَا تتَعَلَّق بِشَيْء. وَأما قَوْله تَعَالَى: حاش لله فَلَيْسَ لَهُم فِيهِ حجَّة فَإِن حاش فِيهِ لَيست للإستثناء وَإِنَّمَا هِيَ للتنزيه. وَقَوْلهمْ: لحقه الْحَذف قُلْنَا: جَوَابه من وَجْهَيْن: أَحدهمَا أَن الأَصْل حاش لله وَالْألف فِي حاشا حدثت زيادتها وَالثَّانِي أَن الْحَرْف يدْخلهُ الْحَذف كثيرا كربّ وَإِن يلحقهما التَّخْفِيف وكقولك: سَوْ أفعل فِي سَوف أفعل وَيُقَال: فِيهِ سف أفعل أَيْضا اه كَلَامه مُخْتَصرا.

وَبِهَذَا وبكلام الشَّارِح الْمُحَقق يرد على ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي قَوْله أَن أحد أوجه حاشا أَن تكون فعلا مُتَعَدِّيا متصرفاً تَقول: حَاشِيَته بِمَعْنى استثنيته وَدَلِيل تصرّفه قَوْله:) وَلَا أحاشي من الأقوام من أحد وَهَذَا الْبَيْت من قصيدة طَوِيلَة للنابغة الذبياني مدح بهَا النُّعْمَان بن الْمُنْذر ملك الْحيرَة وَقد تقدم شرح أَبْيَات مِنْهَا فِي الشَّاهِد التَّاسِع والثمانين بعد الْمِائَة. وَقَبله: (فَتلك تبلغني النُّعْمَان إِن لَهُ ... فضلا على النَّاس فِي الْأَدْنَى وَفِي الْبعد) (وَلَا أرى فَاعِلا فِي النَّاس يُشبههُ ... وَلَا أحاشي من الأقوام من أحد) (إِلَّا سُلَيْمَان إِذْ قَالَ الْإِلَه لَهُ ... قُم فِي الْبَريَّة فاحددها عَن الفند) وَقَوله: فَتلك تبلغني الْإِشَارَة إِلَى النَّاقة الَّتِي وصفهَا فِي أَبْيَات شرحت هُنَاكَ. وَقَوله: وَلَا أحاشي أَي: لَا أستثني أحدا مِمَّن يفعل الْخَيْر فَأَقُول حاشا فلَان. وَمن زَائِدَة وَأحد مفعول ... وَقَوله: إِلَّا سُلَيْمَان هَذَا اسْتثِْنَاء من قَوْله: من أحد أَو بدل من مَوضِع أحد وَالْمرَاد بِهِ سُلَيْمَان بن دَاوُد عَلَيْهِمَا السَّلَام وَإِذ تعليلية. وَقَوله: إِذْ قَالَ الْإِلَه لَهُ الخ يُرِيد لكَونه نَبيا إِذْ الْخطاب إِنَّمَا يكون مَعَ الْأَنْبِيَاء إِنَّمَا خص بِالذكر من الْأَنْبِيَاء سُلَيْمَان لِأَنَّهُ كَانَ لَهُ الْملك مَعَ النُّبُوَّة. يُرِيد: لَا يُشبههُ أحد مِمَّن أُوتِيَ الْملك إِلَّا سُلَيْمَان النَّبِي. وَقَوله: فاحددها أَي: امْنَعْ الْبَريَّة والحدّ: الْمَنْع وَرجل مَحْدُود: مَمْنُوع والحداد: السجان لِأَنَّهُ يمْنَع. والفند بِفَتْح الْفَاء وَالنُّون: خطأ الرَّأْي والصنيع وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الفند: الظُّلم.

وترجمة النَّابِغَة تقدّمت فِي الشَّاهِد الرَّابِع بعد الْمِائَة. وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد السَّابِع وَالثَّلَاثِينَ بعد الْمِائَتَيْنِ وَهُوَ من شَوَاهِد س: لم يمْنَع الشّرْب مِنْهَا غير أَن نطقت هَذَا صدر الْبَيْت وأنشده بِتَمَامِهِ فِي بَاب الظروف وَتَمَامه: على أَن غير إِذا أضيفت إِلَى إِن أَو أَن الْمُشَدّدَة فَلَا خلاف فِي جَوَاز بنائها على الْفَتْح. . فَإِن قلت: أَن حرف والحرف لَا يُضَاف إِلَيْهِ قلت: قَالَ ابْن هِشَام فِي حَوَاشِي الألفية: إِنَّهُم جعلُوا مَا يلاقي الْمُضَاف من الْمُضَاف إِلَيْهِ كَأَنَّهُ الْمُضَاف إِلَيْهِ وَنَظِيره تَعْلِيل الزَّمَخْشَرِيّ الْبناء فِي يَوْم لَا تملك بِإِضَافَة يَوْم إِلَى لَا والحروف مَبْنِيَّة مَعَ علمنَا بِأَن أحدا لَا يتخيل الْإِضَافَة إِلَى الْحَرْف. وَجعل بَعضهم الْمُضَاف إِلَيْهِ مَجْمُوع أَن نطقت حمامة أَي: جُمْلَتهَا. قَالَ الدماميني فِي شرح الْمُغنِي المزج: سَأَلَ بعض النَّاس كَيفَ أضيفت غير لمبني مَعَ ان هَذَا الْمُضَاف إِلَيْهِ فِي تَقْدِير مُعرب

وَهُوَ النُّطْق فَلم تضف فِي الْحَقِيقَة إِلَّا لمعرب فَقلت: المعرب إِنَّمَا هُوَ الِاسْم الَّذِي يؤول بِهِ وَأما الْحَرْف المصدري وصلته فمبني أَلا تراهم يَقُولُونَ: الْمَجْمُوع فِي مَوضِع كَذَا ... إِلَى آخر مَا بيّنه. وَظَاهره جَوَاز بِنَاء غير عِنْد إضافتها إِلَى أحد اللَّفْظَيْنِ من المبنيات لَا غير. وَقد عمّم سِيبَوَيْهٍ وَغَيره فِي إضافتها إِلَى كل مَبْنِيّ قَالَ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي فِي غير أَنه يجوز بناؤها على الْفَتْح إِذا أضيفت لمبني كَقَوْلِه: لم يمْنَع الشّرْب مِنْهَا غير أَن نطقت وَقَوله: (لذ بقيس حِين يَأْبَى غَيره ... تلفه بحراً مفيضاً خَيره) وَذَلِكَ فِي الْبَيْت الأول أقوى لِأَنَّهُ انْضَمَّ إِلَى الْإِبْهَام وَالْإِضَافَة لمبني تضمن غير معنى إِلَّا وَقَالَ فِي الْأُمُور الَّتِي يكتسبها الِاسْم بِالْإِضَافَة من الْبَاب الرَّابِع: إِن الْبناء يكون فِي ثَلَاثَة أَبْوَاب: أَحدهَا: أَن يكون الْمُضَاف مُبْهما كَغَيْر وَمثل وَدون. الثَّانِي: ان يكون الْمُضَاف زَمَانا مُبْهما والمضاف إِلَيْهِ إِذْ نَحْو وَمن خزي يَوْمئِذٍ. الثَّالِث: أَن يكون الْمُضَاف زَمَانا مُبْهما والمضاف إِلَيْهِ فعل مَبْنِيّ سَوَاء كَانَ الْبناء أَصْلِيًّا كَقَوْلِه: على حِين عاتبت المشيب أَو عارضاً كَقَوْلِه:) على حِين يستصبين وَكَذَلِكَ يجوز الْبناء إِذا كَانَ الْمُضَاف إِلَيْهِ فعلا معرباً أَو جملَة إسمية على الصَّحِيح اه. وَقد بَين الشَّارِح الْمُحَقق عِلّة الْبناء فِي الظروف وَفِي الْإِضَافَة. وَقد ذهب الْكُوفِيُّونَ إِلَى جَوَاز بِنَاء غير فِي كل مَوضِع يحسن فِيهِ إِلَّا سَوَاء أضيفت إِلَى مُتَمَكن أَو غير مُتَمَكن. وَقد بسط الْكَلَام ابْن الْأَنْبَارِي فِي مسَائِل الْخلاف على مَذْهَبهم وَذكر مَا ردّ بِهِ البصريون عَلَيْهِم مفصلا وَمن أحب الِاطِّلَاع عَلَيْهِ فَلْينْظر هُنَاكَ. وَهَذَا الْبَيْت من قصيدة لأبي قيس بن الأسلت. وَقَبله: (تعطيك مشياً وإرقالاً ودأدأة ... إِذا تسربلت الآكام بالآل) (تردي الإكام إِذا صرّت جنادبها ... مِنْهَا بصلب وقاح الْبَطن عمّال) لم يمْنَع الشّرْب مِنْهَا غير أَن نطقت قَوْله: ارعويت أَي: رجعت. والوجناء: النَّاقة الشَّدِيدَة وَقيل الْعَظِيمَة الوجنتين. والشملال بِالْكَسْرِ: الْخَفِيفَة السريعة. وَضمير فِيهَا للدَّار. يُرِيد: أَنه طَال وُقُوفه على دَار حبيبته وَلَيْسَ فِيهَا أحد. والإرقال: مصدر أرقلت النَّاقة: إِذا أسرعت وَكَذَلِكَ الدأدأة مصدر دأدأت بِمَعْنَاهُ وهما نوع من الْعَدو. وَقَوله: إِذا تسربلت الخ الظّرْف مُتَعَلق بقوله تعطيك يُرِيد: وَقت اشتداد الْحر فِي الظهيرة لِأَن الآكام وَهِي الْجبَال إِنَّمَا تتسربل بالآل وَهُوَ السراب عِنْد الظهيرة. والسربال: الْقَمِيص وتسربل أَي: لبس سربالاً والآكام فَاعله وَهُوَ جمع أكم بِضَمَّتَيْنِ كأعناق جمع عنق وَهُوَ جمع إكام بِالْكَسْرِ مثل كتب جمع كتاب والإكام أَيْضا جمع أكم بِفتْحَتَيْنِ مثل جبال جمع جبل وأكم أَيْضا جمع أكمة بِفَتَحَات. يَقُول:

إِنَّهَا نشيطة فِي الْعَدو وَقت الهاجرة. وَقَوله: تردي الإكام الخ من ردى الْفرس بِالْفَتْح يردي ردياً وردياناً: إِذا رجم الأَرْض رجماً بَين الْعَدو وَالْمَشْي الشَّديد. والإكام بِالْكَسْرِ: جمع أكم بِفتْحَتَيْنِ كَمَا تقدم والأكمة: الْجَبَل الصَّغِير. وَإِذا مُتَعَلق بقوله تردي. وصرّت: صوتت. وَالْجَنَادِب: جمع جُنْدُب وَهُوَ نوع من الْجَرَاد يصوّت عِنْد اشتداد الهاجرة. وَقَوله: بصلب أَي: بخفّ صلب سديد. والوقاح بِالْفَتْح هُوَ الصلب وَمِنْه الوقاحة لصلابة الْوَجْه. يُرِيد: ان خفها ظَهره وبطنه صلب. وعمال بِالْفَتْح مُبَالغَة عَامل وَهُوَ المطبوع على) الْعَمَل. وَقَوله: لم يمْنَع الشّرْب مِنْهُ ... الخ ضمير مِنْهَا رَاجع للوجناء وَالشرب مفعول يمْنَع وَغير فَاعله لكنه بني على الْفَتْح جَوَازًا لِإِضَافَتِهِ إِلَى مَبْنِيّ. وَرُوِيَ الرّفْع أَيْضا. ونطقت: صوتت وصدحت عبر عَنهُ بالنطق مجَازًا. وفيّ: بِمَعْنى على. وَذَات بِالْجَرِّ صفة لغصون لَا بِالرَّفْع صفة لحمامة كَمَا وهم ابْن الْمُسْتَوْفى فِي شرح شَوَاهِد الْمفصل. والأوقال: جمع وَقل بِفَتْح الْوَاو وَسُكُون الْقَاف قَالَ الدينَوَرِي فِي كتاب النَّبَات: قَالَ أَبُو عبد الله الزبير بن بكار: الْمقل إِذا كَانَ رطبا لم يدْرك فَهُوَ البهش فَإِذا يبس فَهُوَ الوقل والدوم: شجر الْمقل. وَأنْشد هَذَا الْبَيْت اه. وَبِهَذَا التَّفْسِير قد أصَاب المحزّ وطبّق الْمفصل وَبِه يضمحل التعسف الَّذِي ارْتَكَبهُ شرَّاح الشواهد. قَالَ ابْن السيرافي فِي شرح شَوَاهِد إصْلَاح الْمنطق: يُرِيد لم يمْنَعهَا أَن تشرب إِلَّا أَنَّهَا صوتت حمامة فنفرت. يُرِيد: أَنَّهَا حَدِيدَة النَّفس يخامرها فزع وذعر لحدة نَفسهَا. وَذَلِكَ وَأَبُو قيس بن الأسلت قَالَ صَاحب الأغاني: لم يَقع إليّ اسْمه.

والأسلت لقب أَبِيه واسْمه عَامر بن جشم بن وَائِل بن زيد بن قيس بن عمَارَة بن مرّة بن مَالك بن الْأَوْس. . وَهُوَ شَاعِر من شعراء الْجَاهِلِيَّة. وَكَانَت الْأَوْس قد أسندت إِلَيْهِ حربها يَوْم بُعَاث وَجَعَلته رَئِيسا عَلَيْهَا فَكفى وساد. وَأسلم عقبَة بن أبي قيس وَاسْتشْهدَ يَوْم الْقَادِسِيَّة. وَكَانَ يزِيد بن مرداس السّلمِيّ قتل قيس بن أبي قيس فِي بعض حروبهم فَطَلَبه بثأره هَارُون بن النُّعْمَان بن الأسلت حَتَّى تمكّن من يزِيد بن مرداس فَقتله بقيس وَهُوَ ابْن عَمه ولقيس يَقُول أَبوهُ أَبُو قيس بن الأسلت: (أَقيس إِن هَلَكت وانت حيّ ... فَلَا تعدم مُوَاصلَة الْفَقِير) وَقَالَ هِشَام بن الْكَلْبِيّ: كَانَت الْأَوْس قد أسندوا أَمرهم فِي يَوْم بُعَاث إِلَى أبي قيس بن الأسلت فَقَامَ فِي حربهم وآثرها على كل أَمر حَتَّى شحب وَتغَير ولبث أشهراً لَا يقرب امْرَأَته ثمَّ إِنَّه جَاءَ لَيْلَة فدقّ على امْرَأَته ففتحت لَهُ فَأَهوى إِلَيْهَا بِيَدِهِ فَدَفَعته وأنكرته فَقَالَ: أَنا أَبُو قيس فَقَالَت: وَالله مَا عرفتك حَتَّى تَكَلَّمت فَقَالَ فِي ذَلِك أَبُو قيس القصيدة الَّتِي أَولهَا: (قَالَت وَلم تقصد لقيل الخنى ... مهلا فقد أبلغت أسماعي) (استنكرت لوناً لَهُ شاحباً ... وَالْحَرب غول ذَات أوجاع) ...

(من يذقْ الْحَرْب يجد طعمها ... مرّاً وتتركه بجعجاع) (أسعى على جلّ بني مَالك ... كل امْرِئ فِي شَأْنه ساعي)) (لَا نألم الْقَتْل ونجزي بِهِ ال ... أَعدَاء كيل الصَّاع بالصاع) اه. كَلَام الأغاني. وَقَالَ ابْن حجر فِي الْإِصَابَة: أَبُو قيس بن الأسلت اسْمه صيفيّ وَقيل: الْحَارِث وَقيل: عبد الله وَقيل: صرمة وَقيل غير ذَلِك. . وَاخْتلف فِي إِسْلَامه. فَقَالَ أَبُو عبيد الْقَاسِم بن سَلام فِي تَرْجَمَة وَلَده عقبَة بن أبي قيس: كَانَ أَبُو قيس يحض قومه على الْإِسْلَام وَذَلِكَ بعد أَن اجْتمع بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وَسمع كَلَامه. وَكَانَ يتألّه فِي الْجَاهِلِيَّة وَيَدعِي الحنيفية وَكَانَ يَقُول: لَيْسَ أحد على دين إِبْرَاهِيم إِلَّا أَنا وَزيد بن عَمْرو بن نفَيْل. وَكَانَ يذكر صفة النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وَأَنه يُهَاجر إِلَى يثرب. وَشهد وقْعَة بُعَاث وَهُوَ يَوْم لِلْأَوْسِ على الْخَزْرَج وَكَانَت قبل الْهِجْرَة بِخمْس سِنِين. وَزَعَمُوا أَنه لما حَضَره الْمَوْت أرسل إِلَيْهِ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يَقُول لَهُ: قل لَا إِلَه إِلَّا الله أشفع لَك بهَا فَسمع يَقُول ذَلِك وَقيل: قَالَ: وَالله لَا أسلم إِلَى سنة فَمَاتَ قبل الْحول على رَأس عشرَة أشهر من الْهِجْرَة بشهرين. وَقد جَاءَ عَن ابْن إِسْحَق: أَنه هرب إِلَى مَكَّة فَأَقَامَ بهَا مَعَ قُرَيْش إِلَى عَام الْفَتْح اه. بِاخْتِصَار.

روى صَاحب الأغاني بِسَنَدِهِ إِلَى الْمبرد قَالَ: قَالَ لي صَالح بن حسان: أَنْشدني بَيْتا خفراً فِي امْرَأَة خفرة شريفة فَقُلْنَا: قَول حَاتِم: (يضيء لَهَا الْبَيْت الظليل خصاصه ... إِذا هِيَ يَوْمًا حاولت أَن تبسما) فَقَالَ: هَذِه من الْأَصْنَام أُرِيد أحسن من هَذَا قُلْنَا: قَول الْأَعْشَى: (كَأَن مشيتهَا من بَيت جارتها ... مرّ السحابة: لَا ريث وَلَا عجل) فَقَالَ: هَذِه خرّاجة ولاجة قُلْنَا: بَيت ذِي الرمة: (تنوء بأخراها فلأياً قِيَامهَا ... وتمشي الهوينى من قريب فتبهر) فَقَالَ: لَيْسَ هَذَا مِمَّا أردْت إِنَّمَا وصف هَذِه بالسمن وَثقل الْبدن فَقُلْنَا: مَا عندنَا شَيْء. فَقَالَ: قَول أبي قيس بن الأسلت: (ويكرمها جاراتها فيزرنها ... وتعتلّ عَن إتيانهن فَتعذر) (وَلَيْسَ لَهَا أَن تستهين بجارة ... وَلكنهَا منهنّ تحيا وتخفر) ثمَّ قَالَ: أنشدوني أحسن بَيت وصفت بِهِ الثريا: قُلْنَا: بَيت ابْن الزبير الأسديّ:) (وَقد لَاحَ فِي الْغَوْر الثريا كَأَنَّمَا ... بِهِ راية بَيْضَاء تخفق لِلطَّعْنِ) قَالَ: أُرِيد أحسن من هَذَا قُلْنَا: بَيت امْرِئ الْقَيْس: قَالَ: أُرِيد أحسن من هَذَا قُلْنَا: بَين ابْن الطثرية

(تتمة)

: (إِذا مَا الثريا فِي السَّمَاء كَأَنَّهَا ... جمان وَهِي من سلكه فتسرّعا) قَالَ: أُرِيد أحسن من هَذَا قُلْنَا: مَا عندنَا شَيْء قَالَ: قَول أبي قيس بن الأسلت: (وَقد لَاحَ فِي الصُّبْح الثريا لمن رأى ... كعنقود ملاّحيّة حِين نوّرا) قَالَ: فَحكم لَهُ عَلَيْهِم فِي هذَيْن الْمَعْنيين بالتقدم. انْتهى. وَهَذَا الْبَيْت الْأَخير من أَبْيَات علم الْمعَانِي ولأجله أوردت هَذِه الْحِكَايَة. 3 - (تَتِمَّة:) الْبَيْت الشَّاهِد كَونه لِابْنِ الأسلت هُوَ مَا ذكره أَبُو حنيفَة الدينَوَرِي فِي كتاب النَّبَات وَهُوَ من معرفَة الْأَشْعَار أديب غير مُنَازع فِيهَا. وَقد نسبه الزَّمَخْشَرِيّ فِي الأجاجي إِلَى الشماخ وَقد راجعت ديوانه فَلم أَجِدهُ فِيهِ. وَنسبه بعض شرَّاح شَوَاهِد كتاب سِيبَوَيْهٍ لرجل من كنَانَة. وَنسبه بعض فضلاء الْعَجم فِي شرح أَبْيَات الْمفصل تبعا للزمخشري فِي شرح أَبْيَات الْكتاب لأبي قيس بن رِفَاعَة الْأنْصَارِيّ. أَقُول: لم يُوجد فِي كتب الصَّحَابَة من يُقَال لَهُ أَبُو قيس بن رِفَاعَة وَإِنَّمَا الْمَوْجُود قيس بن رِفَاعَة وَهُوَ وَاحِد أَو اثْنَان. قَالَ ابْن حجر فِي الْإِصَابَة فِي الْقسم الأول: قيس بن رِفَاعَة الوَاقِفِي من بني وَاقِف

بن امْرِئ الْقَيْس بن مَالك بن الْأَوْس الْأنْصَارِيّ. ذكره المرزباني فِي مُعْجم الشُّعَرَاء وَقَالَ: أسلم وَكَانَ أَعور وَأنْشد لَهُ: (أَنا النذير لكم مني مجاهرة ... كي لَا نلام على نهي وإنذار) (من يصل نَارِي بِلَا ذَنْب وَلَا ترة ... يصل بِنَار كريم غير غدار) (وَصَاحب الْوتر لَيْسَ الدَّهْر يُدْرِكهُ ... عِنْدِي وَإِنِّي لدرّاك لأوتاري) ثمَّ قَالَ ابْن حجر: قيس بن رِفَاعَة بن الهميس بن عَامر بن عانس بن نمير الْأنْصَارِيّ ذكره الْعَدوي وَقَالَ: كَانَ شَاعِرًا وَأدْركَ الْإِسْلَام فَأسلم. وَذكره ابْن الْأَثِير فَقَالَ: كَانَ من شعراء الْعَرَب. قلت: يحتملأن يكون الَّذِي قبله. انْتهى. قلت: كَيفَ يكون هُوَ الَّذِي قبله مَعَ اخْتِلَاف النسبين وَالظَّاهِر أَنَّهُمَا اثْنَان. وَالله أعلم.) وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد الثَّامِن وَالثَّلَاثُونَ بعد الْمِائَتَيْنِ (غير أَنِّي قد أستعين على اله ... مّ إِذا خفّ بالثويّ النَّجَاء) على أَن غيراً يجوز أَن تكون مَبْنِيَّة على الْفَتْح إضافتها إِلَى أَن الْمُشَدّدَة وَيجوز أَن تكون مَنْصُوبَة

وَهَذَا الْبَيْت من قصيدة الْحَارِث بن حلّزة الْيَشْكُرِي وَهِي سابعة المعلّقات السَّبْعَة وأولها: (آذنتنا ببينها أَسمَاء ... ربّ ثاو يملّ مِنْهُ الثواء) (آذنتنا ببينها ثمَّ ولّت ... لَيْت شعري مَتى يكون اللِّقَاء) (بعد عهد لَهَا ببرقة شمّا ... ء فأدنى ديارها الخلصاء) (لَا أرى من عهِدت فِيهَا فأبكى الي ... وم دلهاً وَمَا يردّ الْبكاء) (وبعينيك أوقدت هِنْد النا ... ر أصيلاً تلوي بهَا العلياء) (أوقدتها بَين العقيق وشخصي ... ن بِعُود كَمَا يلوح الضياء) (فتنوّرت نارها من بعيد ... بخزاز هَيْهَات مِنْك الصلاء) (غير أَنِّي قد أستعين على اله ... مّ إِذا خفّ بالثوي النَّجَاء) (بزفوف كَأَنَّهَا هقلة أ ... مّ رئال دوية سقفاء) قَوْله: آذنتنا أَي: أعلمتنا. والبين: الْفِرَاق. وَأَسْمَاء: حبيبته. والثاوي: الْمُقِيم يُقَال: ثوى يثوي ثواء وثواية: إِذا قَامَ وروى جمَاعَة من اللغويين أثوى بِمَعْنَاهُ وأنكرها الْأَصْمَعِي. ويملّ بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول من الْملَل وَهُوَ الضجر والسأم. وَهَذَا المصراع الثَّانِي من قبيل إرْسَال الْمثل. وَقَوله: بعد عهد لَهَا الخ البرقة بِالضَّمِّ: رابية فِيهَا حِجَارَة يخلطها

رمل وطين وشماء: اسْم أكمة. وَأدنى: أقرب. والخلصاء: مَوضِع أَيْضا يَقُول: عزمت على فراقنا بعد أَن لقيتها ببرقة شمّاء والخلصاء هِيَ أقرب ديارها إِلَيْنَا. ثمَّ اورد بَيْتَيْنِ آخَرين فيهمَا أسامي أَمَاكِن معطوفة على الخلصاء لَا فَائِدَة فِي إيرادها. وَقَوله: لَا أرى من عهِدت الخ دلهاً أَي: بَاطِلا وَهُوَ مفعول مُطلق وَقيل: هُوَ من قَوْلهم دلّهني أَي: حيّرني فَهُوَ تَمْيِيز. يَقُول: لَا أرى فِي هَذِه الْمَوَاضِع من عهِدت وَهِي أَسمَاء فَأَنا أبْكِي الْيَوْم بكاء بَاطِلا اَوْ ذَاهِب الْعقل. وَمَا استفهامية للإنكار أَي: لَا يردّ الْبكاء شَيْئا على صَاحبه. يَعْنِي: لما خلّت هَذِه الْمَوَاضِع مِنْهَا بَكَيْت جزعاً لفراقها مَعَ علمي أَنه لَا فَائِدَة فِي الْبكاء.) وَرُوِيَ أَيْضا: (لَا أرى من عهِدت فِيهَا فأبكي ... أهل ودّي وَمَا يردّ الْبكاء) أَي: فَأَنا أبْكِي أهل مودتي شوقاً إِلَيْهِم حِين نظرت إِلَى مَنَازِلهمْ الخالية وَرُوِيَ أَيْضا: وَمَا يحير الْبكاء من أحاره بِالْمُهْمَلَةِ أَي: رجعه. وَقَوله: وبعينيك أوقدت الخ أَي: وَترى بِعَيْنَيْك أَو بمرأى عَيْنَيْك يُقَال: هُوَ مني بمرأى ومسمع أَي: حَيْثُ أرَاهُ وأسمعه. وَالْمعْنَى: أوقدت النَّار ترَاهَا لقربها مِنْك. وَهِنْد مِمَّن كَانَت تواصله بِتِلْكَ الْمنَازل. وَأَصِيلا: ظرف بِمَعْنى الْعشي وَرُوِيَ بدله أخيراً أَي: فِي آخر عَهْدك بهَا. يَقُول: والعلياء بِالْفَتْح: مَا ارْتَفع من الأَرْض وَإِنَّمَا يُرِيد الْعَالِيَة وَهِي أَرض الْحجاز وَمَا والاها من بِلَاد قيس. وَيُقَال: قد ألوت الأَرْض بالنَّار تلوي بهَا إلواء أَي: رفعتها وَكَذَلِكَ النَّاقة: ألوت: إِذا رفعت ذنبها فلوّحت بِهِ.

وَقَوله: أوقدتها بَين العقيق الخ العقيق وشخصان قَالَ الْأَخْفَش: شخصان: أكمة لَهَا قرنان ناتئان وهما الشعبتان. وَالْعود هُوَ عود البخور. وَأَرَادَ بالضياء ضِيَاء الْفجْر وَقيل ضِيَاء السراج. وَقَوله: فتنوّرت نارها الخ يُقَال: تنورت النَّار: إِذا نظرتها بِاللَّيْلِ لتعلم: أقريبة هِيَ أم بعيدَة أكثيرة أم قَليلَة وخزاز بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة والزاءين المعجمتين: مَوضِع. وَقَوله: هَيْهَات الخ يَقُول: رَأَيْت نارها فطمعت أَن تكون قريبَة وتأملتها فَإِذا هِيَ بعيدَة بخزار فَلَمَّا يئست مِنْهَا قلت: هَيْهَات أخبر أَنه رَآهَا بالعلياء ثمَّ أخبر أَنه رَآهَا بَين العقيق وشخصين ثمَّ بخزاز وَهُوَ جبل. والصلاء: مصدر صلا النَّار وَصلي بالنَّار يصلى صلاء. إِذا ناله حرهَا. وَقَوله: غير أَنِّي قد أستعين. . الخ بِنَقْل حَرَكَة الْهمزَة إِلَى دَال قد وخف فلَان للمضي إِذا تحرّك لذَلِك يُقَال: خف يخف خفَّة. والثوي مُبَالغَة ثاو أَي: مُقيم. والنجاء بِفَتْح النُّون وَالْجِيم: الْمُضِيّ يُقَال: مِنْهُ نجا ينجو نجاءً ونجواً. وَالْبَاء للتعدية. أَي: إِذا اضْطر الْمُقِيم للسَّفر وأقلقه السّير والمضي لعظم الْخطب وَشدَّة الْخَوْف. وَبِهَذَا الْبَيْت خرج من صفة النِّسَاء وَصَارَ إِلَى صفة نَاقَته على طَريقَة الِاسْتِثْنَاء الْمُنْقَطع من قَوْله فتنورت أَو من قَوْله وَمَا يرد الْبكاء أَي: وَمَا يرد على بُكَائِي بعد أَن تَبَاعَدت عني فاهتممت) بذلك لكني أستعين على همي بِهَذِهِ النَّاقة الْآتِي وصفهَا فِيمَا بعد. فَغير الِاسْتِثْنَاء الْمُنْقَطع وفتحتها إِمَّا حَرَكَة إِعْرَاب وَإِمَّا فَتْحة بِنَاء بنيت لإضافتها إِلَى مَبْنِيّ فَتكون حِينَئِذٍ فِي مَحل نصب.

وَقَوله: بزفوف كَأَنَّهَا الخ الْبَاء مُتَعَلقَة بأستعين. والزفوف بِفَتْح الزَّاي الْمُعْجَمَة وبفاءين أَرَادَ بِهِ النَّاقة السريعة من الزفيف وَهُوَ السرعة وَأكْثر مَا يسْتَعْمل فِي النعام. شبّه نَاقَته فِي وطاءتها وسرعتها بنعامة تزفّ والزفيف مثل الدفيف وَذَلِكَ أَن النعامة إِذا عدت نشرت جناحيها وَرفعت ذنبها ومرّت على الأَرْض أخفّ من الرّيح وَرُبمَا ارْتَفَعت من الأَرْض لخفتها. والزفيف للنعام والدفيف للطير يُقَال: زفّ النعام يزف زفاً وزفيفاً ودفّ الطير يدفّ دفّاً ودفيفاً. والهقلة بِكَسْر الْهَاء وَسُكُون الْقَاف: أُنْثَى النعام والهقل ذكره. والرئال بِكَسْر الرَّاء المهماة فَعَدهَا همزَة مَفْتُوحَة: جمع رأل بِفَتْح الرَّاء وَسُكُون الْهمزَة وَهُوَ ولد النعام. والدويّة بتَشْديد الْوَاو منسوبة إِلَى الدوّ وَهِي الأَرْض الْبَعِيدَة الواسعة وَهُوَ صفة أمّ وَكَذَلِكَ سقفاء من السّقف بفاء بعد قَاف وَهُوَ طول فِي انحناء وَالذكر أَسْقُف. يَقُول: أستعين على إِزَالَة همي بِنَاقَة مسرعة مكأنها فِي إسراعها نعَامَة لَهَا أَوْلَاد طَوِيلَة منحنية لَا تفارق المفاوز. وَقد تقدّمت تَرْجَمَة الْحَارِث بن حلّزة مَعَ شرح أَبْيَات من هَذِه الْمُعَلقَة فِي الشَّاهِد الثَّامِن وَالْأَرْبَعِينَ فِي بَاب التَّنَازُع. وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد التَّاسِع وَالثَّلَاثُونَ بعد الْمِائَتَيْنِ وَهُوَ من شَوَاهِد س: (أنيخت فَأَلْقَت بَلْدَة فَوق بَلْدَة ... قَلِيل بهَا الْأَصْوَات إِلَّا بغامها)

. على أَن إِلَّا صفة للأصوات وَهِي وَإِن كَانَت معرفَة بلام الْجِنْس فَهِيَ شَبيهَة بالمنكر. وَلما كَانَت إِلَّا الوصفية فِي صُورَة الْحَرْف الاستثنائي نقل إعرابها الَّذِي تستحقه إِلَى مَا بعْدهَا فَرفع بغامها إِنَّمَا هُوَ بطرِيق النَّقْل من إِلَّا إِلَيْهِ. وَالْمعْنَى: أَن صَوتا غير بغام النَّاقة قَلِيل فِي تِلْكَ الْبَلدة وَأما بغامها فَهُوَ كثير. قَالَ الشَّارِح الْمُحَقق: وَيجوز فِي الْبَيْت أَن تكون إِلَّا للإستثناء وَمَا بعْدهَا بَدَلا من الْأَصْوَات لن فِي قَلِيل معنى النَّفْي. وَالْمعْنَى على هَذَا: مَا فِي تِلْكَ الْبَلدة من جنس الْأَصْوَات إِلَّا بغامها بِخِلَاف الْمَعْنى الأول فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَن يكون فِيهَا صَوت غير البغام لكنه قَلِيل بِالنِّسْبَةِ إِلَى البغام. قَالَ: وَمذهب سِيبَوَيْهٍ جَوَاز وُقُوع إِلَّا صفة مَعَ صِحَة الِاسْتِثْنَاء. نسب ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي هَذَا الْجَوَاز إِلَى جماعات من النَّحْوِيين ثمَّ قَالَ: وَقد يُقَال إِنَّه مُخَالف لمثال سِيبَوَيْهٍ: لَو كَانَ مَعنا رجل إِلَّا زيد لغلبنا وَلقَوْله تَعَالَى: لَو كَانَ فيهمَا آلِهَة إِلَّا الله لفسدتا قَالَ: فَلَا يجوز فِي إِلَّا هَذِه أَن تكون للإستثناء من جِهَة الْمَعْنى إِذْ التَّقْدِير حِينَئِذٍ: لَو كَانَ فيهمَا آلِهَة لَيْسَ فيهم الله لفسدتا وَذَلِكَ يَقْتَضِي بمفهومه أَنه لَو كَانَ فيهمَا آلِهَة فيهم الله لم يفسدا وَلَيْسَ ذَلِك المُرَاد. وَلَا من جِهَة اللَّفْظ لِأَن آلِهَة جمع منكّر فِي الْإِثْبَات فَلَا عُمُوم لَهُ فَلَا يَصح الِاسْتِثْنَاء مِنْهُ لَو قلت قَامَ رجل إِلَّا زيد لم يَصح اتِّفَاقًا. انْتهى. وَهَذَا الْبَيْت من قصيدة لذِي الرمة وَقَبله: (أَلا خيّلت ميّ وَقد نَام صحبتي ... فَمَا نفّر التهويم إِلَّا سلامها) (طروقاً وجلب الرحل مشدودة بِهِ ... سفينة برّ تَحت خدي زمامها)

. (أنيخت فَأَلْقَت بَلْدَة فَوق بَلْدَة ... قَلِيل بهَا الْأَصْوَات إِلَّا بغامها) قَوْله: أَلا خيلت مي الخ خيلت أَي: رَأينَا مِنْهَا خيالاً جَاءَ فِي الْمَنَام. وميّ: اسْم محبوبته. وَجُمْلَة قد نَام الخ حَالية. والتهويم: مَفْعُوله مصدر هوّم الرجل: إِذا هزّ رَأسه من النعاس. وسلامها: فَاعل نفر يَقُول: نفر نومنا حِين سلّم الخيال علينا. وَقَوله: طروقاً الخ الطروق: مصدر طرق أَي: أَتَى لَيْلًا وَهُوَ من بَاب قعد. يُرِيد: خيلت) طروقاً. وجلب الرحل: بِكَسْر الْجِيم وَضمّهَا: عيدانه وخشبه وَهُوَ مُبْتَدأ ومشدودة خَبره وسفينة نَائِب فَاعل الْخَبَر وَبِه أَي: بالجلب. وَأَرَادَ بسفينة البرّ النَّاقة. وزمامها مُبْتَدأ وَتَحْت خدّي خَبره. وَالْجُمْلَة: صفة سفينة يُرِيد: أَنه كَانَ نزل عَن نَاقَته آخر اللَّيْل وَجعل زمامها تَحت خَدّه ونام. وَقَوله: أنيخت فَأَلْقَت. الخ هُوَ مَجْهُول أنختها أَي: أبركتها. والبلدة الأولى: الصَّدْر وَالثَّانيَِة: الأَرْض. أَي: أبركت فَأَلْقَت صدرها على الأَرْض. وَالضَّمِير فِي أنيخت وَأَلْقَتْ وبغامها رَاجع إِلَى سفينة برّ المُرَاد بهَا النَّاقة. وقَلِيل بالجرّ صفة سَبَبِيَّة للبلدة الثَّانِيَة. والأصوات: فَاعل قَلِيل والرابط ضمير بهَا. وَيجوز رفع قَلِيل على انه خبر الْأَصْوَات وَالْجُمْلَة صفة. والبغام: بموحدة مَضْمُومَة بعْدهَا غين مُعْجمَة قَالَ صَاحب الصِّحَاح: بغام الظبية: صَوتهَا وَكَذَلِكَ بغام النَّاقة: صَوت لَا تفصح بِهِ وَقَوله: يَمَانِية فِي وثبها الخ بِالتَّخْفِيفِ أَي: هَذِه النَّاقة منسوبة إِلَى الْيمن.

والوثب بِالْمُثَلثَةِ وثب وثباً ووثوباً: إِذا ظفر. والعجرفية: الْجفَاء وركوب الرَّأْس وَهُوَ أَن يسير سيراً مختلطاً. وإطلاها: خاصرتاها مثنى إطل بِكَسْر الْهمزَة. وأودى: ذهب وَهلك. يَقُول: هِيَ فِي ضمرها هَكَذَا شَدِيدَة فَكيف تكون قبل الضمر وترجمة ذِي الرمّة تقدّمت فِي الشَّاهِد الثَّامِن من أَوَائِل الْكتاب. وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد الْأَرْبَعُونَ بعد الْمِائَتَيْنِ وَهُوَ من شَوَاهِد س: (وكل أَخ مفارقه أَخُوهُ ... لعمر أَبِيك إِلَّا الفرقدان) على أَن إِلَّا صفة لكل مَعَ صِحَة جعلهَا أَدَاة اسْتثِْنَاء وَنصب الفرقدين على الِاسْتِثْنَاء كَمَا هُوَ الشَّرْط فِي وَصفِيَّة إِلَّا. قَالَ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي: وَالْوَصْف هُنَا مُخَصص فَإِن مَا بعد إِلَّا مُطَابق لما قبلهَا لِأَن الْمَعْنى: كل أَخَوَيْنِ غير هذَيْن الكوكبين متفارقان. وَلَيْسَ إِلَّا استثنائية وَإِلَّا لقَالَ: إِلَّا الفرقدين بِالنّصب لِأَنَّهُ بعد كَلَام تَامّ مُوجب كَمَا هُوَ الظَّاهِر مَعَ كَونه لمستغرق وَهُوَ كل أَخ كَمَا نصب الشَّاعِر فِي هَذَا الْبَيْت وَهُوَ من أَبْيَات مَذْكُورَة فِي مُخْتَار أشعار الْقَبَائِل لأبي تَمام صَاحب الحماسة لأسعد الذهلي وَهُوَ: (وكل أَخ مفارقه أَخُوهُ ... لشحط الدَّار إِلَّا ابْني شمام)

قَالَ أَبُو عبيد الْقَاسِم فِي أَمْثَاله: ابْني شمام هُنَا: جبلان. وَهُوَ بِفَتْح الشين الْمُعْجَمَة وَكسر الْمِيم كحذام. وَفِي المرصع لِابْنِ الْأَثِير: ابْنا شمام جبلان فِي دَار بني تَمِيم مِمَّا يَلِي دَار عَمْرو بن كلاب وَقيل: شمام هُوَ جبل. وابناه: رأساه وَأنْشد الْخَلِيل: (وإنكما على غير اللَّيَالِي ... لأبقى من فروع ابْني شمام اه) وَقَالَ حَمْزَة الْأَصْبَهَانِيّ فِي أَمْثَاله الَّتِي جَاءَت على أفعل: ابْنا شمام: هضبتان فِي أصل جبل يُقَال لَهُ: شمام. وَعند ابْن الْحَاجِب فِي الْبَيْت الشَّاهِد شذوذ من ثَلَاثَة أوجه: أَحدهمَا: أَنه اشْترط فِي وُقُوع إِلَّا صفة تعذر الِاسْتِثْنَاء وَهنا يَصح لَو نَصبه. وَثَانِيهمَا: وصف الْمُضَاف وَالْمَشْهُور وصف الْمُضَاف إِلَيْهِ. وثالثهما: الْفَصْل بَين الصّفة والموصوف بالْخبر وَهُوَ قَلِيل. قَالَ صَاحب المقتبس: وَفِي الْبَيْت تَخْرِيج يتَرَاءَى لي غير بعيد عَن الصَّوَاب وَهُوَ أَن يَجْعَل قَوْله: مفارقه أَخُوهُ: صفة لكل وصاغ ذَلِك لكَونه نكرَة إِذْ أضافته لفظية ثمَّ يَجْعَل إِلَّا الفرقدان خباً للمبتدأ الْمَوْصُوف وَلَا يخرج جعلهَا خَبرا عَن الوصفية لِأَن الْخَبَر أَيْضا صفة حَقِيقِيَّة.) فَتكون إِلَّا فِي قَوْله تَعَالَى: إِلَّا الله لفسدتا صفة نحوية. وَفِي الْبَيْت صفة معنوية وَبِهَذَا الْوَجْه يخرج الْكَلَام عَن تخَلّل الْخَبَر بَين الصّفة والموصوف. وَتَقْدِير الْبَيْت على مَا ذكرت: وكل أَخ مفارق أَخَاهُ مُغَاير للفرقدين أَي: لَيْسَ على صفتهما لِأَنَّهُمَا لَا يفترقان مُنْذُ كَانَا. انْتهى. ورده السَّيِّد عبد الله فِي شرح اللب بقوله: وَلَا يجوز أَن يَجْعَل مفارقه صفة

وَإِلَّا الفرقدان خَبرا حَتَّى يتَخَلَّص من هَذِه الفسادات كَمَا قيل لفساد الْمَعْنى. وَوَجهه أَن المُرَاد الحكم من على كل أَخ بِأَنَّهُ مفارق أَخَاهُ فِي الدُّنْيَا سوى الفرقدين فَإِنَّهُمَا لَا يفترقان إِلَّا عِنْد فنَاء الدُّنْيَا وَلَيْسَ الْمَعْنى على مَا ذكره فَإِنَّهُ يَقْتَضِي مَفْهُومه: أَن كل أَخ لَا يُفَارق أَخَاهُ مثل الفرقدين فِي اجْتِمَاع الشمل. وَلَيْسَ فِي الدُّنْيَا أَخَوان لَا يفترقان. فَتَأمل. وَفِي الْبَيْت تخاريج أخر: إِحْدَاهمَا للكوفيين نَقله عَنْهُم ابْن الْأَنْبَارِي فِي مسَائِل الْخلاف: أَن إِلَّا هُنَا بِمَعْنى الْوَاو وَهِي تَأتي بِمَعْنَاهُ كثيرا كَقَوْلِه تَعَالَى: لِئَلَّا يكون للنَّاس عَلَيْكُم حجَّة إِلَّا الَّذين ظلمُوا أَي: وَلَا الَّذين ظلمُوا لَا تكون لَهُم أَيْضا حجَّة وَقَوله تَعَالَى: لَا يحب الله الْجَهْر بالسوء من القَوْل إِلَّا من ظلم أَي: وَمن ظلم لَا يحب أَيْضا الْجَهْر بالسوء مِنْهُ وَكَذَا قَالَ السَّيِّد المرتضى فِي أَمَالِيهِ فِي أحد أوجه إِلَّا فِي قَوْله تَعَالَى: خَالِدين فِيهَا مَا دَامَت السَّمَوَات وَالْأَرْض إِلَّا مَا شَاءَ رَبك إِن إِلَّا بِمَعْنى الْوَاو وَأورد هَذَا الْبَيْت وَغَيره شَاهدا لمجيء إِلَّا بِمَعْنى الْوَاو وَأجَاب البصريون أَن إِلَّا فِي الْبَيْت بِمَعْنى غير وَفِي الْآيَات للاستثناء الْمُنْقَطع. ثَانِيهَا مَا ذهب إِلَيْهِ الْكسَائي. أَن أَصله إِلَّا أَن يكون الفرقدان وَقد رد سِيبَوَيْهٍ هَذَا القَوْل كَمَا بَينه الشَّرْح الْمُحَقق. قَالَ أَبُو عَليّ فِي الْإِيضَاح الشعري: أنْشد سِيبَوَيْهٍ هَذَا الْبَيْت

وَقَالَ: لَا يجوز أَن يكون قَوْله: إِلَّا الفرقدان على تَقْدِير إِلَّا أَن يكون الفرقدان. وَإِنَّمَا لم يجز هَذَا لِأَنَّك لَا تحذف الْمَوْصُول وَتَدَع الصِّلَة لِأَن الصِّلَة تذكر للتخصيص والإيضاح للموصول فَإِذا حذفت الْمَوْصُول لم يجز حذفه وذكرك مَا يكون إيضاحاً لَهُ. وَنَظِير ذَلِك أَجْمَعُونَ فِي التوكيد لَا يجوز أَن تذكره وتحذف الْمُؤَكّد. فَإِن قلت: لم لَا يكون كالصفة والموصوف فِي جَوَاز حذف الْمَوْصُوف وَذكر الصّفة وَكَذَلِكَ تحذف الْمَوْصُول وتذكر الصِّلَة قلت: لم يكن فِي هَذَا كالوصف إِذا كَانَ مُفردا أَلا ترى أَن الْوَصْف إِذا كَانَ مُفردا كَانَ) كالموصوف فِي الْإِفْرَاد وَإِذا كَانَ مثله جَازَ وُقُوعه مواقع الْمَوْصُوف من حَيْثُ كَانَ مُفردا مثله مَعَ استقباح لذَلِك. فَأَما الصِّلَة فَلَا تقع مواقع الْمُفْرد من حَيْثُ كَانَت جملا كَمَا لم يجز أَن تبدل الْجمل من الْمُفْرد من حَيْثُ كَانَ الْبَدَل فِي تَقْدِير تَكْرِير الْعَامِل وَالْعَامِل فِي الْمُفْرد لَا يعْمل فِي لفظ الْجُمْلَة فَكَذَلِك لَا يجوز أَن تحذف الْمَوْصُول وتقيم الصِّلَة مقَامه. فَإِن قلت: هلاّ جَازَ حذفهَا كَمَا جَازَ حذف الصلات وإبقاء الموصولة كَقَوْلِه: بعد اللتيا وَالَّتِي قلت: إبْقَاء الْمَوْصُول وَحذف الصِّلَة أشبه من عكس ذَلِك لِأَن الْمَوْصُول مُفْرد وَلَيْسَ كالصلة الَّتِي هِيَ جملَة فَكَذَلِك جَاءَ فِي الشّعْر وَلم يمْتَنع كَمَا لَا يمْتَنع أَن يذكر الْمُؤَكّد وَلَا يذكر التَّأْكِيد. وَلَو ذكرت أَجْمَعُونَ وَنَحْوه وَلم تذكر الْمُؤَكّد لم يجز. انْتهى كَلَام أبي عَليّ ولكثرة فَوَائده نَقَلْنَاهُ برمّته. ثالثهما مَا نَقله بعض شرّاح أَبْيَات الْمفصل من فضلاء الْعَجم وَهُوَ أَن إِلَّا هُنَا بِمَعْنى حَتَّى وَالْمعْنَى: كل أَخ مفارقه أَخُوهُ حَتَّى إِن الفرقدين مَعَ

شدَّة اجْتِمَاعهمَا وَكَثْرَة مصاحبتهما يفرق كل وَاحِد مِنْهُمَا عَن صَاحبه فَمَا ظَنك بِغَيْرِهِمَا قَالَ: وعَلى هَذَا تكون إِلَّا مستعملة اسْتِعْمَال حَتَّى للمناسبة بَين الِاسْتِثْنَاء والغاية وَيكون ذَلِك كَقَوْلِهِم: مَاتَ النَّاس حَتَّى الْأَنْبِيَاء. هَذَا كَلَامه وَلَيْسَ الْمَعْنى على مَا زَعمه وَفِيه تعسف أَيْضا. رَابِعهَا: مَا ذكره ابْن الْأَنْبَارِي فِي مسَائِل الْخلاف: أَن إِلَّا هُنَا للاستثناء الْمُنْقَطع قَالَ: أَرَادَ لَكِن الفرقدان فَإِنَّهُمَا لَا يفترقان على زعمهم فِي بَقَاء هَذِه الْأَشْيَاء. هُوَ غير متبادر مِنْهُ وَهُوَ كَقَوْل الأعلم فِي شرح أَبْيَات الْكتاب: وَهَذَا على مَذْهَب الْجَاهِلِيَّة مَعَ أَن قَائِل هَذَا الْبَيْت صَحَابِيّ كَمَا سَيَأْتِي. وسبقهما الْمبرد فِي الْكَامِل فَإِنَّهُ بعد أَن نسب الْبَيْت لعَمْرو بن معد يكرب اعتذر عَنهُ فَقَالَ: وَهَذَا الْبَيْت قَالَه قبل أَن يسلم. ثمَّ أورد عقبه بَيت أبي الْعَتَاهِيَة دَلِيلا على مَا فهمه بقوله: وَقَالَ اسماعيل بن الْقَاسِم: (وَلم أر مَا يَدُوم لَهُ اجْتِمَاع ... سيفترق اجْتِمَاع الفرقدين) وَنحن نقُول: محمل هَذَا الْبَيْت أَنَّهُمَا يفترقان عِنْد قيام السَّاعَة. وَلكُل وجهة. والفرقدان: نجمان قريبان من القطب لَا يُفَارق أَحدهمَا الآخر. وَبَقِي فِي الْبَيْت احْتِمَال وَجه آخر لم أر من ذكره وَهُوَ أَن تكون إِلَّا للاستثناء والفرقدان) مَنْصُوب بعد تَمام الْكَلَام الْمُوجب لكنه بفتحة مقدرَة على الْألف على لُغَة من يلْزم الْمثنى الْألف فِي الْأَحْوَال الثَّلَاثَة وَهِي لُغَة بني الْحَارِث بن كَعْب. وَالله أعلم.

وَقَوله: وكل أَخ مفارقه أَخُوهُ قَالَ الفاليّ فِي شرح اللّبَاب: يحْتَمل وُجُوهًا من الْإِعْرَاب: أَحدهَا: أَن يكون كل مُبْتَدأ ومفارقه خَبره وَأَخُوهُ فَاعل مفارقه. وَالثَّانِي: أَن يكون كل مُبْتَدأ ومفارقه مُبْتَدأ ثَانِيًا وَأَخُوهُ خَبره والحملة خبر الأول. الثَّالِث: أَن يكون كل مُبْتَدأ وَأَخُوهُ مُبْتَدأ ثَانِيًا ومفارقه خبر الْمُقدم وَالْجُمْلَة خبر الأول. الرَّابِع: أَن يكون كل مُبْتَدأ ومفارقه بَدَلا مِنْهُ وَأَخُوهُ خبر كلّ أَي: مفارق كل أَخ أَخُوهُ. الْخَامِس: ان يكون مفارقه بَدَلا من كل وَأَخُوهُ مُبْتَدأ وكل أَخ مفارقه خبر مقدم انْتهى. وَقَوله: لعمر أَبِيك مُبْتَدأ خَبره مَحْذُوف تَقْدِيره: قسمي. وَالْجُمْلَة مُعْتَرضَة. وَهَذَا الْبَيْت جَاءَ فِي شعرين لصحابيين: أَحدهمَا: عَمْرو بن معد يكرب انشده الجاحظ فِي الْبَيَان والتبيين لَهُ وَكَذَا نسبه إِلَيْهِ المبرّد فِي الْكَامِل وَصَاحب جمهرة الْأَشْعَار وَغَيرهم وَتَقَدَّمت تَرْجَمته فِي الشَّاهِد الرَّابِع وَالْخمسين بعد الْمِائَة. الثَّانِي حضرمي بن عَامر الْأَسدي: قَالَ الْآمِدِيّ فِي المؤتلف والمختلف: هُوَ حضرمي بن عَامر بن مجمّع بن موعلة بن هِشَام بن ضَب بن كَعْب بن الْقَيْن بن مَالك بن ثَعْلَبَة بن دودان بن أَسد. وَهُوَ شَاعِر فَارس سيد وَله فِي كتاب بني أَسد أشعار وأخبار حسان وَهُوَ الْقَائِل: (أَلا عجبت عميرَة أمس لمّا ... رَأَتْ شيب الذؤابة قد علاني)

. إِلَى أَن قَالَ: (وَذي فخم عزفت النَّفس عَنهُ ... حذار الشامتين وَقد شجاني) (قطعت قرينتي عَنهُ فأغنى ... غناهُ فَلم أرَاهُ وَلم يراني) (وكل قرينَة قرنت بِأُخْرَى ... وَلَو ضنت بهَا ستفرّقان) (وكل أَخ مُفَارقَة أَخُوهُ ... لعر أَبِيك أَلا الفرقدان) (وكل إجَابَتِي إِيَّاه أَنِّي ... عطفت عَلَيْهِ خوّار الْعَنَان اه) والذؤابة: الْخصْلَة من الشّعْر. والفخم: بِفَتْح الْفَاء وَسُكُون الْخَاء الْمُعْجَمَة: التعظم والاستعلاء وَمثله الفخيمة بِالتَّصْغِيرِ. وعزفت بِالْعينِ الْمُهْملَة وَالزَّاي وَالْفَاء أَي: صرفت. وحذار: مفعول) لأَجله لقَوْله عزفت. وَجُمْلَة وَقد شجاني أَي: أحزنني حَالية. وَقَوله: قطعت قرينتي هُوَ جَوَاب ربّ المقدّرة فِي قَوْله: وَذي فخم. وَمَعْنَاهُ كل نفس مقرونة بِأُخْرَى ستفارقها. وضنّت: بخلت. وَقَوله: وكل إجَابَتِي كلّ: فعل مَاض من الكلال. ويروى: وَكَانَ إجَابَتِي إِيَّاه. وحضرمي بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الضَّاد الْمُعْجَمَة وَبعد الرَّاء مِيم مَكْسُورَة بعْدهَا يَاء مُشَدّدَة. ومجمّع بِوَزْن اسْم الْفَاعِل من جمع تجميعاً. وموألة بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الْوَاو وَبعدهَا همزَة مَفْتُوحَة قَالَ فِي الْقَامُوس: وَبَنُو موألة

كمسعدة: بطن وَهُوَ مفعلة اسْم مَكَان من وأل إِلَيْهِ يئل بِمَعْنى لَجأ وخلص والموئل: الملجأ. وَضَبطه ابْن حجر فِي الْإِصَابَة مولة بِفَتَحَات وَأورد حمام بدل هِشَام وَأورد بَاقِي النّسَب كَمَا ذكرنَا وَقَالَ: ذكره ابْن شاهين وَغَيره فِي الصَّحَابَة. وروى أَبُو يعلى وَابْن نَافِع من طَرِيق مَحْفُوظ بن عَلْقَمَة عَن حضرمي بن عَامر الْأَسدي وَكَانَت لَهُ صُحْبَة أَن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قَالَ: إِذا بَال أحدكُم فَلَا يسْتَقْبل الرّيح وَلَا يستنجي بِيَمِينِهِ قَالَ السُّيُوطِيّ فِي شرح شَوَاهِد الْمُغنِي: وَلم أَقف لحضرمي على رِوَايَة غير هَذَا الحَدِيث. قَالَ ابْن حجر: وروى ابْن شاهين من طَرِيق الْمَدَائِنِي عَن جمَاعَة أَنهم قَالُوا: وَفد بَنو أَسد بن خُزَيْمَة وَفِيهِمْ حضرمي بن عَامر وَضِرَار بن الْأَزْوَر وَسَلَمَة وَقَتَادَة وَأَبُو مكعت. فَذكر الحَدِيث فِي قصَّة إسْلَامهمْ وَكتب لَهُم رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ كتابا. قَالَ: فتعلّم حضرمي بن عَامر سُورَة عبس وَتَوَلَّى فَزَاد فِيهَا: وَهُوَ الَّذِي أنعم على الحبلى فَأخْرج مِنْهَا نسمَة تسْعَى فَقَالَ لَهُ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: لَا تزد فِيهَا. وَأخرجه من طَرِيق منْجَاب بن الْحَارِث من طرق ذكر فِيهَا أَن السُّورَة سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى: وروى عمر بن شبّة بِإِسْنَاد صَحِيح إِلَى أبي وَائِل قَالَ: وَفد بَنو أَسد فَقَالَ لَهُم النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: من أَنْتُم قَالُوا: نَحن بَنو الزنية أحلاس الْخَيل قَالَ: بل أَنْتُم بَنو الرشدة فَقَالُوا: لَا نَدع اسْم أَبينَا وَذكر قصَّة طَوِيلَة. وَقَالَ المرزباني فِي مُعْجَمه: كَانَ حضرمي يكنى أَبَا كدام وَلما سَأَلَهُ

عمر بن الْخطاب عَن شعره فِي حَرْب الْأَعَاجِم أنْشدهُ أبياتاً حَسَنَة فِي ذَلِك. وروى أَبُو عليّ القاليّ من طَرِيق ابْن الْكَلْبِيّ قَالَ: كَانَ حضرمي بن عَامر عَاشر عشرَة من إخْوَته) فماتوا فورثهم فَقَالَ فِيهِ ابْن عَم لَهُ يُقَال لَهُ جُزْء بن مَالك: يَا حضرمي ورثت تِسْعَة إخْوَة فَأَصْبَحت نَاعِمًا فَقَالَ حضرمي من أَبْيَات: (إِن كنت قاولتني بهَا كذبا ... جُزْء فلاقيت مثلهَا عجلا) فَجَلَسَ جُزْء على شَفير بِئْر هُوَ وَإِخْوَته وهم أَيْضا تِسْعَة فانخسفت بهم فَلم ينج غير جُزْء فَبلغ ذَلِك حضرمي بن عَامر فَقَالَ: كلمة وَافَقت قدرا وأبقت حقدا انْتهى مَا أوردهُ ابْن حجر فِي الْإِصَابَة. وَهَذَا الْبَيْت الَّذِي نَقله عَن أبي القاليّ هُوَ أحد أَبْيَات ثَلَاثَة أوردهَا ابْن السَّيِّد البطليوسي فِي شرح شَوَاهِد أدب الْكَاتِب وَهِي: (يزْعم جُزْء وَلم يقل جللا ... أَنِّي تروّحت نَاعِمًا جذلا) (أفرح أَن أرزأ الْكِرَام وَأَن ... أورث ذوداً شصائصاً نبْلًا) وجزء بِفَتْح الْجِيم وَسُكُون الزَّاي وثالثه همزَة وهومنادى فِي الْبَيْت الثَّانِي. والجلل هُنَا بِمَعْنى الحقير وَيَأْتِي بِمَعْنى الْعَظِيم أَيْضا وَهُوَ من الأضداد.

(تتمة)

وتروّح بِالْحَاء الْمُهْملَة: صَار ذَا رَاحَة. وناعم: وصف من النَّعيم وَهُوَ الْخَفْض والدّعة وَالْمَال. وجذلان بِمَعْنى فرحان من الجذل بِفتْحَتَيْنِ وَهُوَ الْفَرح. وأزننتني: اتهمتني يُقَال: زننته وأزننته بِكَذَا: إِذا اتهمته بِهِ ونسبته إِلَيْهِ. وَقَوله: أفرح أَرَادَ أأفرح على معنى التَّقْرِير وَالْإِنْكَار فَترك ذكر الْهمزَة وَهُوَ يريدها حِين فهم مَا أَرَادَ وَهَذَا قَبِيح وَإِنَّمَا يحسن حذفهَا مَعَ أم. وَقد أوردهُ صَاحب الْكَشَّاف فِي تَفْسِيره دَلِيلا على حذف همزَة الِاسْتِفْهَام. والرزء برَاء مَضْمُومَة وزاي سَاكِنة بعْدهَا همزَة قَالَ صَاحب الْقَامُوس: رزأه مَاله كجعله وَعَمله رزْاً بِالضَّمِّ: أصَاب مِنْهُ شَيْئا. فالمفعول الثَّانِي فِي الْبَيْت مَحْذُوف أَي: أرزأ الْكِرَام مَالهم. وأورث بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول. والذود من الْإِبِل: دون الْعشْرَة وَأكْثر مَا يسْتَعْمل فِي الْإِنَاث. والشصائص الَّتِي لَا ألبان لَهَا الْوَاحِد شصوص بِفَتْح الْمُعْجَمَة وإهمال الصادين يُقَال: شصّت النَّاقة وأشصت. والنبل بِفَتْح النُّون وَالْمُوَحَّدَة: الصغار قَالَ فِي الْقَامُوس: والنبل محركة: عِظَام الْحِجَارَة والمدر 3 - (تَتِمَّة:) أورد الْآمِدِيّ فِي المؤتلف والمختلف اثْنَيْنِ من الشُّعَرَاء مِمَّن اسْمه حضرمي أَحدهمَا هَذَا) الصَّحَابِيّ. وَالثَّانِي حضرمي بن الفلندح بِفَتْح الْفَاء وَاللَّام وَسُكُون النُّون وَفتح الدَّال وَآخره حاء مُهْملَة قَالَ: هُوَ أَخُو بني حرَام بن عَوْف المشجعي. وَبَنُو مشجعَة بن تيم بن النمر بن وبرة أَخُو كلب بن وبرة شَاعِر وَهُوَ الْقَائِل: ...

(إِذا نفحت من نَحْو أَرْضك نفحة ... ريَاح الصِّبَا يَا قيل طَابَ نسيمها) (كَأَنَّك فِي الجلباب شمس نقيّة ... تجوّب عَنْهَا يَوْم دجن غيومها) انْتهى. وَقيل مرخّم قيلة بِالْقَافِ اسْم امْرَأَة وَلَا أعرف هَل هُوَ إسلامي أَو لَا. وَالله أعلم. وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد الْحَادِي وَالْأَرْبَعُونَ بعد الْمِائَتَيْنِ (وَلم يبْق سوى الْعدوان دنّاهم كَمَا دانوا ... صفحنا عَن بني ذهل) (عَسى الْأَيَّام أَن يرجع ... ن قوما كَالَّذي كَانُوا) (فَلَمَّا صرّح الشَّرّ ... فأمسى وَهُوَ عُرْيَان) (وَلم يبْق سوى العدوا ... ن دنّاهم كَمَا دانوا) ...

(مشينا مشْيَة اللَّيْث ... غَدا وَاللَّيْث غَضْبَان) (بِضَرْب فِيهِ توهين ... وتخضيع وإقران) (وَطعن كفم الزقّ ... غَدا والزقّ ملآن) (وَبَعض الْحلم عِنْد الجه ... ل للذلة إذعان) وَفِي الشَّرّ نجاة حَيّ ن لَا ينجيك إِحْسَان) الصفح: الْعَفو وَحَقِيقَته أعرضنا عَنْهُم وأوليناهم صفحة عنقنا. وَرُوِيَ: عَن بني هِنْد وَهِي هِنْد بنت مرّ بن أدّ أُخْت تَمِيم. وَقَوله: عَسى الْأَيَّام الخ قَالَ المرزوقيّ: لَا يجوز أَن يكون الَّذِي بِمَعْنى الَّذين لِأَن الْمَوْصُول والصلة يصير صفة لقوم آخَرين كالقوم الْمَذْكُورين بل التَّقْدِير: أَن يرددن دأب الْقَوْم كَائِنا كالدأب الَّذِي كَانُوا عَلَيْهِ. وَفِي هَذَا الْوَجْه يجوز أَن يكون الَّذِي للْجِنْس كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَالَّذِي جَاءَ بِالصّدقِ وَصدق بِهِ ثمَّ قَالَ: أُولَئِكَ. والفصل بَين هَذَا الْوَجْه وَالْوَجْه الأول أَنه أمّل فِي الْوَجْه الأول أَنهم إِذا عفوا عَنْهُم أدّبتهم الْأَيَّام وردّت أَحْوَالهم كأحوالهم فِيمَا مضى: فِي الِاتِّفَاق والتوادّ وَفِي الْوَجْه الثَّانِي أمّل أَن ترجع الْأَيَّام أنفسهم إِذا صفحوا عَنْهُم كَمَا عهِدت: سَلامَة صُدُور وكرم عهود انْتهى. وَمعنى يرجعن: يرددن من بَاب فعل وفعلته يُقَال: رَجَعَ فلَان رُجُوعا ومرجعاً ورجعاناً ورجعته رجعا والعائد مَحْذُوف أَي: كَالَّذي كانوه وَهُوَ خبر كَانَ.

وَهَذَا الْبَيْت أوردهُ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي على ان بَعضهم اسْتدلَّ بِهِ على أَن الْمعرفَة إِذا أُعِيدَت نكرَة كَانَت عينهَا على الْقَاعِدَة الْمَشْهُورَة. وصرّح بِمَعْنى انْكَشَفَ وَيَأْتِي أَيْضا متعدّياً بِمَعْنى كشفه. وَجُمْلَة وَهُوَ عُرْيَان خبر أَمْسَى وَذكر الْعُرْيَان مثل لظُهُور الشرّ. وَرُوِيَ: فأضحى وَهُوَ عُرْيَان وَهَذِه احسن لِأَن الشَّيْء فِي الضُّحَى وَقَوله: وَلم يبْق سوى الْعدوان مَعْطُوف على قَوْله صرّح. وَقَوله: دنّاهم. . الخ جَوَاب لما. والعدوان: الظُّلم الصَّرِيح. وَالدّين: الْجَزَاء. وَأورد الْبَيْضَاوِيّ هَذَا الْبَيْت فِي قَوْله تَعَالَى: مَالك يَوْم الدَّين على أَن الدَّين الْجَزَاء. وَالْمعْنَى: لما أصرّوا على الْبَغي وأبوا أَن يدعوا الظُّلم وَلم يبْق إِلَّا أَن نقاتلهم ونعتدي عَلَيْهِم كَمَا اعتدوا علينا جازيناهم بفعلهم الْقَبِيح كَمَا ابتدؤونا بِهِ. وَإِطْلَاق المجازاة على فعلهم مشاكلة على حد قَوْله تَعَالَى: فَمن اعْتدى عَلَيْكُم فاعتدوا عَلَيْهِ. وَقَوله: مشينا مشْيَة الخ هَذَا تَفْصِيل لما أجمله فِي قَوْله دنّاهم وَتَفْسِير لكيفية المجازاة. وكرّر اللَّيْث وَلم يَأْتِ بِهِ مضمراً تفخيماً وتعظيماً. وَالْمعْنَى: مشينا إِلَيْهِم مشْيَة الْأسد ابتكر وَهُوَ جَائِع. وكنى عَن الْجُوع بِالْغَضَبِ لِأَنَّهُ يَصْحَبهُ. وَغدا بِمُعْجَمَة فمهملة وَلَا يجوز بمهملتين لِأَن اللَّيْث لَا يكون مَاشِيا عادياً فِي حَال. فَإِن قيل: اجْعَلْهُ من الْعدوان قلت: اللَّيْث لَا يمشي فِي حَال عدوانه وَإِنَّمَا يشدّ شدّاً وَيجوز على رِوَايَة) شددنا شدَّة اللَّيْث على أَنه من الْعدوان.

وَقَوله: بِضَرْب فِيهِ توهين الخ الْبَاء تتَعَلَّق بمشينا. والتوهين: التَّضْعِيف. والإقران: مُوَاصلَة لَا فتور فِيهَا. وَرُوِيَ: والتأييم: جعل الْمَرْأَة أيّماً والأيّم هِيَ الَّتِي قتل زَوجهَا أَو مَاتَ. والإرنان من الرنين والبكاء يُقَال: رنّ وأرنّ. وَقَوله: وَطعن كفم الزقّ الخ غذا بمعجمتين بِمَعْنى سَالَ يُقَال: غذا يغذو غذواً وَالِاسْم الْغذَاء أَي: وَطعن فِي اتساعه وَخُرُوج الدَّم مِنْهُ كفم الزق إِذا سَالَ بِمَا فِيهِ وَهُوَ مَمْلُوء. وَجُمْلَة إِذا مَعَ ضَمِيره بِتَقْدِير قد حَالية. وَقَوله: وَبَعض الْحلم الخ الإذعان: الانقياد يُقَال: أذعن لكذا: إِذا انْقَادَ لَهُ وأذعن بِكَذَا: إِذا أقرّ بِهِ. اعتذر فِي هَذَا الْبَيْت عَن تَركهم التحلم مَعَ الأقرباء بِأَنَّهُ كَانَ يُفْضِي إِلَى الذل. وَقَوله: وَفِي الشَّرّ نجاة الخ أَرَادَ فِي دفع الشَّرّ وَيجوز أَن يُرِيد وَفِي عمل الشَّرّ نجاة كانه يُرِيد: وَفِي الْإِسَاءَة مخلص إِذا لم يخلّصك الْإِحْسَان. والفند الزمّاني اسْمه شهل بن شَيبَان بن ربيعَة بن زمّان الْحَنَفِيّ. فَهُوَ مَنْسُوب إِلَى جد أَبِيه. وشهل بالشين وَلَيْسَ فِي الْعَرَب شهل بِالْمُعْجَمَةِ إِلَّا هُوَ وشهل بن أَنْمَار من قَبيلَة بجيلة. وزمّان بِكَسْر الزَّاي وَتَشْديد الْمِيم هُوَ إِمَّا فعلان من زممت أَو فعّال من الزَّمن. والفند بِكَسْر الْفَاء وَسُكُون النُّون: الْقطعَة من الْجَبَل وَإِنَّمَا لقّب بِهِ لِأَن بكر بن وَائِل بعثوا إِلَى بني حنيفَة فِي حَرْب البسوس لينصروهم فأمدّوهم بِهِ وَكَتَبُوا إِلَيْهِم: قد بعثنَا إِلَيْكُم بثلثمائة فَارس فَلَمَّا أَتَى بكرا وَهُوَ مسنّ قَالُوا: وَمَا

يُغني هَذَا العشبة قَالَ: أَو مَا ترْضونَ أَن أكون لكم فنداً تأوون إِلَيْهِ فلقب بِهِ ... والعشبة بِفَتَحَات الْعين الْمُهْملَة والشين الْمُعْجَمَة وَالتَّاء الْمُوَحدَة: الشَّيْخ الْكَبِير وَيُقَال: العشمة بِالْمِيم بدل الْمُوَحدَة كَذَا فِي إِعْرَاب الحماسة لِابْنِ جنّي. وَفِي الأغاني: كَانَ الفند أحد فرسَان ربيعَة الْمَشْهُورين الْمَعْدُودين شهد حَرْب بكر وتغلب وَقد قَارب الْمِائَة سنة فأبلى بلَاء حسنا. وَإِنَّمَا لقّب فنداً لِأَن بكر بن وَائِل بعثوا إِلَى بني حنيفَة يستنصرونهم. وَذكر الْحِكَايَة الَّتِي ذَكرنَاهَا ثمَّ قَالَ: فوجّهوا إِلَيْهِم بالفند الزمّاني فِي سبعين رجلا وَكَتَبُوا إِلَيْهِ: إِنَّا قد بعثنَا إِلَيْكُم ألف رجل. وانشد بعده وَهُوَ) الشَّاهِد الثَّانِي وَالْأَرْبَعُونَ بعد الْمِائَتَيْنِ (تجانف عَن جو الْيَمَامَة نَاقَتي ... وَمَا عدلت عَن أَهلهَا لسوائكا) على أَن خُرُوج سَوَاء عَن الظَّرْفِيَّة شَاذ خَاص بالشعر وَإِذا خرجت كَانَت بِمَعْنى غير. وَقد استفتى بَعضهم من جملَة أسئلة أَرْبَعَة: هَل تكون سَوَاء بِمَعْنى غير فَأَجَابَهُ أَبُو نزار الملقب بِملك النُّحَاة بِأَنَّهُ قد نَص على أَنَّهَا لَا تَأتي إِلَّا ظرف مَكَان وَأَن اسْتِعْمَالهَا اسْما متصرفاً بِوُجُوه الْإِعْرَاب بِمَعْنى غير خطأ. وَنقل ابْن الشجري فِي أَمَالِيهِ صُورَة الاستفتاء الأسئلة الْأَرْبَعَة وَمَا أجَاب

بِهِ أَبُو نزار وَجَوَاب الإِمَام أبي مَنْصُور الجواليقي واستجهل أَبَا نزار وذمّه وخطّأه تبعا للجواليقي وَأصَاب هُوَ أَيْضا عَن الأسئلة وَقَالَ فِي سوى: وَأما سوى فَإِن الْعَرَب استعملتها اسْتثِْنَاء وَهِي فِي ذَلِك مَنْصُوبَة على الظّرْف بِدلَالَة أَن النصب يظْهر فِيهَا إِذا مدّت فَإِذا قلت أَتَانِي الْقَوْم سواءك فكأنك قلت مَكَانك. واستدلّ الْأَخْفَش على أَنَّهَا ظرف بوصلهم الِاسْم النَّاقِص بهَا فِي نَحْو: أَتَانِي الَّذِي سواك. والكوفيون يرَوْنَ اسْتِعْمَالهَا بِمَعْنى غير. وَأَقُول: إِدْخَال الجارّ عَلَيْهَا فِي قَول الْأَعْشَى: وَمَا قصدت من أَهلهَا لسوائكا يُخرجهَا عَن الظَّرْفِيَّة. وَإِنَّمَا استجازت الْعَرَب ذَلِك فِيهَا تَشْبِيها لَهَا بِغَيْر من حَيْثُ استعملوها اسْتثِْنَاء. وعَلى تشبيهها بِغَيْر قَالَ أَبُو الطّيب: (أَرض لَهَا شرف سواهَا مثلهَا ... لَو كَانَ مثلك فِي سواهَا يُوجد) رفع سوى الأولى بِالِابْتِدَاءِ وخفض الثَّانِيَة بفي فأخرجهما من الظَّرْفِيَّة. فَمن خطّأه فقد خطّأ الْأَعْشَى فِي قَوْله: لسوائكا وَمن خطأ الْأَعْشَى فِي لغته الَّتِي جبل عَلَيْهَا وشعره يستشهد بِهِ فِي كتاب الله تَعَالَى فقد شهد على نَفسه بِأَنَّهُ مَدْخُول الْعقل ضَارب فِي غمرة الْجَهْل. وَمن الْعجب أَن هَذَا الْجَاهِل يقدم على تخطئة سلف النَّحْوِيين وخلفهم وتخطئة الشُّعَرَاء الجاهليين والمخضرمين والإسلاميين وَلَا يُؤثر عَنهُ انه قَرَأَ مصنفاً فِي النَّحْو إِلَّا مُقَدّمَة من تأليف عبد القاهر الْجِرْجَانِيّ قيل: إِنَّهَا لَا تبلغ أَن تكون فِي عشر

أوراق وَقيل إِنَّه لَا يملك من كتب النَّحْو واللغة مَا مِقْدَاره عشر أوراق وَهُوَ مَعَ ذَلِك يردّ بقحّته على الْخَلِيل وسيبويه إِنَّهَا لوصمة اتسم بهَا زَمَاننَا هَذَا لَا يبعد عارها وَلَا يَنْقَضِي شنارها.) وَإِنَّمَا طلب بتلفيق هَذِه الأهواس أَن تسطّر فَتْوَى فَيثبت خطّه فِيهَا مَعَ خطّ غَيره. فَيُقَال: أجَاب أَبُو نزار بِكَذَا وَأجَاب غَيره بِكَذَا وَقد أدْرك لعمر الله مَطْلُوبه وَبلغ مَقْصُوده وَلَوْلَا إِيجَاب حق من أوجبت حَقه والتزمت وفاقه واحترمت خطابه لصنت خطي ولفظي عَن مجاورة خطه وَلَفظه: انْتهى كَلَام ابْن الشجري. واجاب الجواليقي بقوله: وَأما سوى فَلم يَخْتَلِفُوا فِي أَنَّهَا تكون بِمَعْنى غير تَقول: رَأَيْت سواك أَي: غَيْرك. وَحكى ذَلِك أَبُو عبيد عَن أبي عُبَيْدَة. وَقَالَ الْأَعْشَى: (وَمَا قصدت من أَهلهَا لسوائكا) أَي: لغيرك وَهِي أَيْضا غير ظرف وَتَقْدِير الْخَلِيل لَهَا بالظرف فِي الِاسْتِثْنَاء بِمَعْنى مَكَان وَبدل لَا يُخرجهَا عَن ان تكون بِمَعْنى غير. وفيهَا لُغَات: إِذا فتحت مدّت لَا غير وَإِذا ضمت قصرت لَا غير وَإِذا كسرت جَازَ الْمَدّ وَالْقصر أَكثر. وَمَا يحمل الْمُتَكَلّم بالْقَوْل الهراء إِلَّا فشوّ الْجَهْل. انْتهى. وَقد حكى ابْن الْأَنْبَارِي فِي مسَائِل الْخلاف مَذْهَب الْبَصرِيين والكوفيين مفضّلاً فَلَا بَأْس بإيراده مُجملا. قَالَ: ذهب الْكُوفِيُّونَ إِلَى أَن

سَوَاء تكون اسْما وَتَكون ظرفا وَاحْتَجُّوا على أَنَّهَا تكون اسْما بِمَنْزِلَة غير وَلَا تلْزم الظَّرْفِيَّة انهم يدْخلُونَ عَلَيْهَا حرف الْخَفْض قَالَ المرّار بن سَلامَة العجليّ: (وَلَا ينْطق الْفَحْشَاء من كَانَ مِنْهُم ... إِذا جَلَسُوا منا وَلَا من سوائنا) وَقَالَ الآخر: وَمَا قصدت من أَهلهَا لسوائكا وَقَالَ أَبُو دواد: (وكل من ظن أَن الْمَوْت مخطئه ... مجلل بِسَوَاء الْحق مَكْذُوب) وَقَالَ الآخر: (أكرّ على الكتيبة لَا أُبَالِي ... أفيها كَانَ حتفي أم سواهَا) وَرُوِيَ عَن بعض الْعَرَب أَنه قَالَ: أَتَانِي سواؤك فَرفع. وَذهب البصريون إِلَى أَنَّهَا لَا تكون إِلَّا ظرفا وَاحْتَجُّوا بِأَنَّهَا مَا اسْتعْملت فِي اخْتِيَار الْكَلَام إِلَّا ظرفا قَالُوا: مَرَرْت بِالَّذِي سواك. فوقوعها صلَة يدلّ على ظرفيتها بِخِلَاف غير. وَقَوْلهمْ: مَرَرْت بِرَجُل سواك أَي: بِرَجُل مَكَانك) أَي: يُغني غناءك ويسدّ مسدك. وَالَّذِي يدل على تغاير سوى وَغير ان سوى لَا تُضَاف إِلَّا إِلَى معرفَة نَحْو مَرَرْت بِرَجُل سواك وَسوى الْعَاقِل وَلَو قلت: سوى عَاقل لم يجز وَلَو قلت غير عَاقل جَازَ. وَيدل على ظرفية سوى أَن الْعَامِل يتعداها قَالَ لبيد: (وابذل سوام المَال إِ ... ن سواءها دهماً وجونا)

فنصب سواءها على الظّرْف ودهماً بِأَن. . وَأَجَابُوا عَن الأبيات بِأَنَّهُ إِنَّمَا جَازَ ذَلِك لضَرُورَة الشّعْر وَعِنْدنَا يجوز خُرُوجهَا عَن الظَّرْفِيَّة فِي ضَرُورَة الشّعْر وَلم يَقع الْخلاف فِي حَال الضَّرُورَة وَإِنَّمَا استعملوها بِمَنْزِلَة غير فِي الضَّرُورَة لِأَنَّهَا فِي مَعْنَاهَا وَلَيْسَ شَيْء يضطرون إِلَيْهِ إِلَّا ويحاولون لَهُ وَجها. وَأما رِوَايَة: أَتَانِي سواؤك فرواية تفرّد بهَا الفرّاء عَن أبي ثروان وَهِي رِوَايَة شَاذَّة غَرِيبَة فَلَا يكون فِيهَا حجَّة. انْتهى. وَالْبَيْت الشَّاهِد من قصيدة للأعشى مَيْمُون مدح بهَا هَوْذَة بن عَليّ بن ثُمَامَة الْحَنَفِيّ ومطلعها: (أحيّتك تيّاً أم تركت بدائكا ... وَكَانَت قتولاً للرِّجَال كذلكا) (وأقصرت عَن ذكرى البطالة وَالصبَا ... وَكَانَ سَفِيها ضلّة من ضلالكا) (وَقَامَت تريني بعد مَا نَام صحبتي ... بَيَاض ثناياها وأسود حالكا) ثمَّ وصف الْفقر والفاقة فِي أَبْيَات. . إِلَى أَن قَالَ: (إِلَى هَوْذَة الوهّاب أهديث مدحتي ... أرجّي نوالاً فَاضلا من عطائكا) (تجانف عَن جوّ الْيَمَامَة نَاقَتي ... وَمَا عَمَدت من أَهلهَا لسوائكا) (ألمّت بِأَقْوَام فعافت حياضهم ... قلوصي وَكَانَ الشّرْب فِيهَا بمائكا) (فَلَمَّا أَتَت آطام جوّ وَأَهله ... أنيخت فَأَلْقَت رَحلهَا بفنائكا)

. (سَمِعت برحب الباع والجود والندى ... فألقيت دلوي فاستقت برشائكا) (وَمَا ذَاك إِلَّا أَن كفيك بالندى ... يجودان بالإعطاء قبل سؤالكا) (فَتى يحمل الأعباء لَو كَانَ غَيره ... من النَّاس لم ينْهض بهَا متماسكا) (وَأَنت الَّذِي عودتني أَن تريشني ... وانت الَّذِي آويتني فِي ظلالكا) (وَإنَّك فِيمَا نابني بِي مولع ... بِخَير وَإِنِّي مولع بثنائكا) (وجدت عليّاً بانياً فورثته ... وطلقاً وشيبان الْجواد ومالكا) (وَلم يسع فِي العلياء سعيك ماجد ... وَلَا ذُو إِنَّا فِي الحيّ مثل إنائكا)) (وَفِي كل عَام أَنْت جاشم رحْلَة ... تشدّ لأقصاها عزيم عزائكا) قَوْله: أحيّتك الْهمزَة للآستفهام والتحية مَعْرُوفَة. وتيّاً بِفَتْح الْمُثَنَّاة الْفَوْقِيَّة وَتَشْديد الْمُثَنَّاة التَّحْتِيَّة الظَّاهِر أَنه اسْم محبوبته وَقد تغزل بهَا فِي أَكثر قصائده كَقَوْلِه: (تذكرت تياً وأترابها ... وَقد أخلفت بعض ميعادها) وَقَوله: (عرفت الْيَوْم من تيّا مقَاما ... بجوّ اَوْ عرفت لَهَا خياما) وَقيل: إِنَّهَا اسْم إِشَارَة بِمَعْنى هَذِه. وَأَرَادَ بالأسود الحالك شعرهَا. وَقَوله: تجانف عَن جوّ. . الخ أَصله تتجانف بتاءين من الجنف وَهُوَ الْميل. وجوّ بِفَتْح الْجِيم وَتَشْديد الْوَاو: اسْم الْيَمَامَة فِي الْجَاهِلِيَّة حَتَّى سَمَّاهَا الْحِمْيَرِي لما قتل الْمَرْأَة الَّتِي تسمى الْيَمَامَة باسمها وَقَالَ الْملك الْحِمْيَرِي: ...

(وَقُلْنَا فسموها الْيَمَامَة باسمها ... وسرنا وَقُلْنَا لَا نُرِيد إقامه) وَقَالَ الْأَعْشَى فِي مدح الحنفيّ أَيْضا وَهُوَ صَاحب الْيَمَامَة ويذمّ الْحَارِث بن وَعلة: (وَإِن امْرأ قد زرته بعد هَذِه ... بجوّ لخير مِنْك نفسا ووالدا) كَذَا فِي مُعْجم مَا استعجم للبكري. وَرُوِيَ: عَن جلّ الْيَمَامَة وَفِي الرِّوَايَتَيْنِ حذف مُضَاف فَالْأول عَن أهل جو الْيَمَامَة وَالثَّانِي عَن جلّ أهل الْيَمَامَة أَي: مُعظم أَهلهَا. يَعْنِي: أَنه لم يقْصد سواهُ من أهل الْيَمَامَة. وَضمير أَهلهَا لليمامة. وَجعل الْميل عَن غير هَوْذَة إِلَى هَوْذَة فعل النَّاقة وَإِنَّمَا هُوَ فعل صَاحبهَا. وَاللَّام فِي لسوائكا بِمَعْنى إِلَى غَيْرك. قَالَ صَاحب التَّصْحِيف: قَالَ أَبُو عبيد: لَا يكون سَوَاء وَسوى اسْما هُوَ صفة وَقَالَ فِي قَوْله: وَمَا قصدت من أَهلهَا لسوائكا قَالَ الزجّاج: سَوَاء زيد وَعَمْرو فِي معنى ذَوا سَوَاء وَسَوَاء عِنْده مصدرن وَإِنَّمَا هُوَ لمَكَان سوائكا. انْتهى. وَقَالَ ابْن ولاد فِي الْمَقْصُور والممدود: سوى بِمَعْنى غير مكسور الأول مَقْصُور يكْتب بِالْيَاءِ وَقد يفتح أَوله فيمد وَمَعْنَاهُ معنى المكسور قَالَ الْأَعْشَى بِفَتْح وَمد: وَمَا قصدت من أَهلهَا لسوائكا وَقَوله: وجدت عليا بانياً الخ عَليّ أَبوهُ وطلق وشيبان وَمَالك

أَعْمَامه. وَقَوله: لما ضَاعَ فِيهَا) من قُرُوء نسائكا يَعْنِي الْغَزْوَة الَّتِي شغلته عَن وَطْء نِسَائِهِ فِي الطُّهْر. وَهَذِه القصيدة تشبه أشعار الْمُحدثين والمولّدين فِي الرقة والانسجام وَلِهَذَا أوردنا أَكْثَرهَا. وترجمة الْأَعْشَى تقدّمت فِي الشَّاهِد الثَّالِث وَالْعِشْرين من أَوَائِل الْكتاب. وَأنْشد بعده وَهُوَ خالط من سلمى خياشيم وفا على ان أَصله وفاها فَحذف الْمُضَاف إِلَيْهِ. قَالَ أَبُو عَليّ فِي إِيضَاح الشّعْر: اعْلَم أَن أَبَا الْحسن الْأَخْفَش قَالَ فِي قَول الراجز: خالط من سلمى خياشيم وفا إِن التَّقْدِير: وفاها فَحذف الْمُضَاف إِلَيْهِ. وَكَذَلِكَ قَالَ فِي قَوْله: لَيْسَ غير: إِن التَّقْدِير لَيْسَ غَيره. وَحكى بَعضهم أَن من النَّاس من قد لحّنه. والتلحين لَيْسَ بِشَيْء لاحْتِمَاله مَا قَالَ أَبُو الْحسن وَفِيه قَول آخر: انه جَاءَ على قَول من لم يُبدل من التَّنْوِين الْألف فِي النصب وَلَكِن جعل النصب فِي عدم إِبْدَال التَّنْوِين ألفا كالجر وَالرَّفْع كَمَا جعلُوا النصب فِي نَحْو:

كفى بالنأي من أَسمَاء كَاف مثل الْجَرّ وَالرَّفْع. وَكَذَلِكَ جعل النصب مثلهمَا فِي نَحْو قَوْله: وآخذ من كل حَيّ عصم أَي: عصماً. وَهَذِه اللُّغَة وَإِن لم يحكها سِيبَوَيْهٍ فقد حَكَاهَا أَبُو الْحسن وَغَيره. ووجهها من الْقيَاس مَا أعلمتك. فَإِذا جَازَ أَن يقدر على هَذِه اللُّغَة قدرناه عَلَيْهَا وَكَانَت الْألف فِي الْكَلِمَة الَّتِي هِيَ بدل من عين الْفِعْل وَجَاز ذَلِك لِأَنَّهُ لَيْسَ يبْقى الِاسْم المتمكن على حرف. أَلا ترى أَن الْألف منقلبة عَن الْعين فَصَارَ فِي ذَلِك كالأسماء الَّتِي لما أَمن إِلْحَاق التَّنْوِين بهَا جَازَ أَن تبقى على حرفين أَحدهمَا حرف لين: كَقَوْلِه: ذُو الَّتِي فِي معنى الَّذِي وَذَا وتا وَنَحْو ذَلِك مِمَّا جَاءَ على حرفين أَحدهمَا حرف لين لما لم يكن مِمَّا يلْحقهُ التَّنْوِين. فَكَذَلِك خياشيم وفا لَا يمْتَنع أَن يكون على حرفين أَحدهمَا حرف لين على الْوَجْه الَّذِي ذَكرْنَاهُ. انْتهى. وَبسط هَذَا الْكَلَام فِي التَّذْكِرَة القصريّة وَأطَال وأطاب فِي الْمسَائِل العسكرية. وَهَذَا الْبَيْت من أرجوزة للعجّاج مطْلعهَا:) (يَا صَاح مَا هاج الْعُيُون الذرفا ... من طلل أَمْسَى يحاكي المصحفا) (رسومه وَالْمذهب المزخرفا ... جرّت عَلَيْهِ الرّيح حَتَّى قد عَفا) وَالْبَيْت الأول من شَوَاهِد شُرُوح الألفية فِي التَّنْوِين إِلَى أَن قَالَ: ...

(خالط من سلمى خياشيم وفا ... صهباء خرطوماً عقارا قرقفا) والخياشيم: جمع خيشوم وَهُوَ أقْصَى الْأنف. والصهباء: فَاعل خالط وَهِي الْخمر سميت بِهِ للونها وَهُوَ الصهبة وَهِي الشقرة. والخرطوم: السلافة فِي الأساس: وَشرب الخرطوم أَي: السلافة لِأَنَّهَا أول مَا ينعصر. وَالْعَقار بِالضَّمِّ: الْخمر. سميت بذلك لِأَنَّهَا عاقرت الْعقل على قَول. يصف طيب نكهتها كَأَن فِيهَا خمرًا. وَإِنَّمَا جمع الخياشيم بِاعْتِبَار أَجْزَائِهِ وأطرافه. وَحَيْثُ كَانَ الأَصْل فاها فَحذف الْمُضَاف إِلَيْهِ يَنْبَغِي أَن يكون خياشيم كَذَلِك أَيْضا أَي: خياشيمها وفاها. وترجمة العجاج تقدّمت فِي الشَّاهِد الْحَادِي وَالْعِشْرين من أَوَائِل الْكتاب. وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد الرَّابِع وَالْأَرْبَعُونَ بعد الْمِائَتَيْنِ وَلَا سِيمَا يَوْمًا بدارة جلجل على أَنه رُوِيَ بِنصب يَوْم بعد لَا سِيمَا. وَقد ذكر الشَّارِح الْمُحَقق مَا قيل فِي تَوْجِيهه. وَهَذَا عجز وصدره: أَلا رب يَوْم صَالح لَك مِنْهُمَا

وسي بِمَعْنى مثل وَأَصله سيو وَقَالَ ابْن جني: سوى من سويته فتسوى فَلَمَّا اجْتمع حرفا الْعلَّة وَسبق أَحدهمَا بِالسُّكُونِ قلبت الْوَاو يَاء وأدغمت فِي الْيَاء. وَيجوز فِي الِاسْم الَّذِي بعْدهَا الْجَرّ وَالرَّفْع مُطلقًا وَالنّصب أَيْضا إِذا كَانَ نكرَة وَقد رُوِيَ بِهن فِي قَوْله: وَلَا سِيمَا يَوْم. والجر أرجحها وَهُوَ على الْإِضَافَة وَمَا إِمَّا زَائِدَة وَإِمَّا نكرَة غير مَوْصُوفَة وَيَوْم بدل مِنْهَا. وَالرَّفْع على أَنه خبر لمبتدأ مَحْذُوف وَالْجُمْلَة صلَة مَا إِن كَانَت مَوْصُولَة أَو صفتهَا إِن كَانَت نكرَة مَوْصُوفَة تَقْدِيره: لَا مثل الَّذِي هُوَ يَوْم أَو لَا مثل شَيْء هُوَ يَوْم. وسي فِي الْوَجْهَيْنِ نكرَة لِأَنَّهُ بِمَعْنى مثل فَلَا يتعرف فِي الْإِضَافَة لتوغله فِي الْإِبْهَام وَلِهَذَا جَازَ دُخُول لَا الَّتِي لنفي الْجِنْس. وَضعف الرّفْع بِحَذْف الْعَائِد الْمَرْفُوع مَعَ عدم الطول فِي نَحْو لَا سِيمَا) زيد وَأما فِي الْبَيْت فقد طَالَتْ الصِّلَة أَو الصّفة بالجار وَالْمَجْرُور بعد يَوْم فَإِنَّهُ صفته وبإطلاق مَا على من يعقل. كَذَا قَالَ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي وَفِيه: أَنه لَا مَانع من الْإِطْلَاق قَالَ تَعَالَى: وَالسَّمَاء وَمَا بناها. وَالْأَرْض وَمَا طحاها. وَنَفس وَمَا سواهَا وَلِهَذَا لم يتَعَرَّض لَهُ الشَّارِح الْمُحَقق. وعَلى الْجَرّ وَالرَّفْع ففتحة سي إِعْرَاب لِأَنَّهُ مُضَاف فَيكون اسْم لَا وَالْخَبَر مَحْذُوف أَي: لنا. قَالَ ابْن هِشَام: وَعند الْأَخْفَش مَا خبر للا. وَيلْزمهُ قطع سي عَن الْإِضَافَة من غير عوض. قيل: وَكَون خبر لَا معرفَة. وَجَوَابه

أَنه يقدر مَا نكرَة مَوْصُوفَة أَو يكون قد رَجَعَ إِلَى قَول سِيبَوَيْهٍ فِي لَا رجل قَائِم: إِن ارْتِفَاع الْخَبَر بِمَا كَانَ مرتفعاً بِهِ لَا بِلَا النافية. وَفِي الهتيات للفارسي: إِذا قيل: قَامُوا لَا سِيمَا زيد فَلَا مُهْملَة وسي حَال أَي: قَامُوا غير مماثلين لزيد فِي الْقيام. وَيَردهُ صِحَة دُخُول الْوَاو وَهِي لَا تدخل على الْحَال المفردة وَعدم تكْرَار لَا وَأما من نصب فقد تكلفوا لتوجيهه: فَقيل: إِنَّه تَمْيِيز ثمَّ قيل: مَا نكرَة تَامَّة مخفوضة بِالْإِضَافَة وَكَأَنَّهُ قيل: وَلَا مثل شَيْء ثمَّ جِيءَ بالتمييز. ففتحة سي إِعْرَاب أَيْضا. وَقَالَ الْفَارِسِي: مَا حرف كَاف لسي عَن اللإضافة فَأَشْبَهت اللإضافة فِي: على التمرة مثلهَا زبداً. ففتحتها على هَذَا بِنَاء. وَقيل: مَنْصُوب بإضمار فعل أَي: أَعنِي يَوْمًا. وَقد بَينه الشَّارِح الْمُحَقق. وَقيل: على الِاسْتِثْنَاء. وَقيل مَنْصُوب على الظّرْف وَيكون صلَة لَهَا. كَذَا فِي شرح اللب. وَأما انتصاب الْمعرفَة نَحْو: وَلَا سِيمَا زيدا فقد مَنعه الْجُمْهُور وَقَالَ ابْن الدهان: لَا أعرف لَهُ وَجها. وَقد وَجهه الشَّارِح الْمُحَقق بِأَنَّهُ تَمْيِيز. وَقَالَ ابْن هِشَام: وَوَجهه بَعضهم بِأَن مَا كَافَّة وَأَن لَا تنزلت منزلَة إِلَّا فِي الِاسْتِثْنَاء ورد بِأَن الْمُسْتَثْنى مخرج وَمَا بعْدهَا دَاخل من بَاب الأولى. وَأجِيب بِأَنَّهُ مخرج مِمَّا أفهمهُ الْكَلَام السَّابِق من مساواته لما قبلهَا. وعَلى هَذَا فَيكون اسْتثِْنَاء مُنْقَطِعًا انْتهى. وَأورد أَيْضا على جعلهَا للاستثناء بِأَنَّهَا لَو كَانَت بِمَعْنى إِلَّا لما جَازَ دُخُول الْوَاو العاطفة عَلَيْهِ كَمَا لَا يجوز دخولعا على إِلَّا وَاجِب بَان الْمَعْنى لَا سِيمَا

خُصُوصا فَكَأَنَّهُ قَالَ: وخصوصاً فَكَأَنَّهُ قَالَ: أَي: فأخص هَذَا الْيَوْم من سَائِر الْأَيَّام خُصُوصا لكَونه أبلغ فِي الخطوة مِنْهَا فَهُوَ فِي الْمَعْنى مُقَدّر بِفعل ينصبه. وَإِنَّمَا أطلق عَلَيْهِ أَنه بِمَنْزِلَة إِلَّا نظرا إِلَى الْمَعْنى لِأَن الِاسْتِثْنَاء أَيْضا تَخْصِيص. وَإِنَّمَا أَدخل الْوَاو نظرا إِلَى الْمَعْنى أَنه مُقَدّر بجملة أَي: وأخص هَذَا الْيَوْم لِأَنَّهُ لَيْسَ) مثل الْأَيَّام الصَّالِحَة بل هُوَ أفضل. كَذَا فِي شرح اللّبَاب. وَقد جعلهَا الشَّارِح وَاو الِاعْتِرَاض وَبَين الْمَعْنى ثمَّ ذكر ان قَوْلهم: وَلَا سِيمَا قد تحذف واوها وَقد تخفف ياؤها كَقَوْلِه: (فه بِالْعُقُودِ وبالأيمان لَا سِيمَا ... عقد وَفَاء من أعظم الْقرب) لَكِن قَالَ ثَعْلَب: من اسْتَعْملهُ على خلاف مَا جَاءَ فِي قَوْله: وَلَا سِيمَا يَوْم بدارة جلجل فَهُوَ مُخطئ. تَتِمَّة: فِي شرح التسهيل: قد يَقع بعد مَا ظرف نَحْو: يُعجبنِي الِاعْتِكَاف لَا سِيمَا عِنْد الْكَعْبَة قَالَ: (يسرّ الْكَرِيم الْحَمد لَا سِيمَا لَدَى ... شَهَادَة من فِي خَيره يتقلّب) وَقد تقع جملَة فعلية كَقَوْلِه: (فق النَّاس ف يالخير لَا سِيمَا ... ينيلك من ذِي الْجلَال الرِّضَا) وَالْغَالِب وَصلهَا بالاسمية. وَقَالَ الْمرَادِي: إِنَّه وَقع بعْدهَا الْجُمْلَة الشّرطِيَّة فَمَا كَافَّة بِنَاء على أَن الشّرطِيَّة لَا تكون صلَة للموصول. وَفِيه كَلَام فِي شُرُوح الْكَشَّاف. وَهَذَا كَمَا حكى الْجَوْهَرِي: فلَان يكرمني لَا سِيمَا إِن زرته.

وَلَا يَصح جعل مَا زَائِدَة لِأَنَّهُ يلْزم إِضَافَة سيّ إِلَى الْجُمْلَة الشّرطِيَّة وَلَا يُضَاف إِلَى الْجمل إِلَّا أَسمَاء الزَّمَان. وَقد يَقع بعْدهَا جملَة مقترنة بِالْوَاو فعلية كَمَا وَقع فِي عبارَة الْكَشَّاف: لَا سِيمَا وَقد كَانَ كَذَا واسمية كَمَا فِي قَول صَاحب المواقف: لَا سِيمَا والهمم قَاصِرَة. وَفِي شرح التسهيل: إِنَّه تركيب غير عَرَبِيّ وَكَلَام الشَّارِح يُخَالِفهُ. وَفِي شرح المواقف أَن قَوْله: والهمم قَاصِرَة مؤوّل بالظرف نظرا إِلَى قرب الْحَال من ظرف الزَّمَان فصحّ وُقُوعهَا صلَة لما. وَهَذَا من قبيل الْميل إِلَى الْمَعْنى والإعراض عَن ظَاهر اللَّفْظ أَي: لَا مثل انتفائه فِي زمَان قُصُور الهمم. وَهَذَا لَا يرضاه نحويّ كَيفَ وَالْجُمْلَة الحالية فِي مَحل النصب والصلة لَا مَحل لَهَا. وَهَذَا الْبَيْت من معلقَة امْرِئ الْقَيْس الْمَشْهُورَة. وَهَذِه أَبْيَات مِنْهَا: (وَإِن شفائي عِبْرَة لَو سفحتها ... فَهَل عِنْد رسم دارس من معوّل) (كدأبك من أم الْحُوَيْرِث قبلهَا ... وجارتها أمّ الربَاب بمأسل) (إِذا قامتا تضوّع الْمسك مِنْهُمَا ... نسيم الصِّبَا جَاءَت بريّا القرنفل)) (فاضت دموع الْعين مني صبَابَة ... على النَّحْر حَتَّى بلّ دمعي محملي) (أَلا ربّ يَوْم صَالح لَك مِنْهُمَا ... وَلَا سِيمَا يَوْمًا بدارة جلجل) (فظلّ العذارى يرتمين بلحمها ... وشحم كهدّاب الدمقس المفتل)

. (وَيَوْم دخلت الخدر خدر عنيزة ... فَقَالَت: لَك الويلات إِنَّك مرجلي) (تَقول وَقد مَال الغبيط بِنَا مَعًا: ... عقرت بَعِيري يَا امْرأ الْقَيْس فَانْزِل) (فَقلت لَهَا: سيري وأرخي زمامه ... ولاتبعديني من جناك المعلّل) البيتان الْأَوَّلَانِ قد تقدم شرحهما فِي بَاب الْحَال فِي الشَّاهِد التَّاسِع وَالتسْعين بعد الْمِائَة. وَقَوله: إِذا قامتا الخ ضمير الْمثنى لأم الْحُوَيْرِث وَأم الربَاب. وتضوع: فاح مُتَفَرقًا. والمسك يذكّر وَيُؤَنث وَكَذَلِكَ العنبر وَمن أنّثه ذهب بِهِ إِلَى معنى الرّيح وَرَوَاهُ تضوع الْمسك على أَنه فعل مضارع أَصله تتضوع بتاءين. وَنصب نسيم الصِّبَا لِأَنَّهُ قَامَ مقَام نعت لمصدر مَحْذُوف قَالَ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي فِي بَيَان كَيْفيَّة التَّقْدِير: إِنَّه إِذا استدعي الْكَلَام تَقْدِير مَوْصُوف وَصفَة مُضَافَة مثلا فَلَا يقدر أَن ذَلِك حذف دفْعَة وَاحِدَة بل على التدريج نَحْو: تضوع الْمسك مِنْهُمَا نسيم الصِّبَا أَي: تضوعاً مثل تضوع نسيم الصِّبَا أَي تضوعا مثل تضوع نسيم الصِّبَا. انْتهى. وَأورد صَاحب تَحْرِير التحبير هَذَا الْبَيْت فِي بَاب الاتساع وَهُوَ أَن يَأْتِي الشَّاعِر بِبَيْت يَتَّسِع فِيهِ التَّأْوِيل على قدر قوى النَّاظر فِيهِ وبحسب مَا تحتمله أَلْفَاظه: فَإِن هَذَا الْبَيْت اتَّسع النقاد فِي تَأْوِيله: فَمن قَائِل: تضوع الْمسك مِنْهُمَا تضوع نسيم الصِّبَا وَهَذِه هُوَ الْوَجْه عِنْدِي وَمن

والريّا: الرَّائِحَة الطّيبَة لَا غير. وَجُمْلَة جَاءَت الخ بِتَقْدِير قد حَال من الصِّبَا. ونسيم الصِّبَا هبوبها بِضعْف. قَالَ الدينَوَرِي فِي كتاب النَّبَات: القرنفل أَجود مَا يُؤْتى بِهِ من بِلَاد الصين. وَقد كثر مَجِيء الشّعْر بِوَصْف طيبه. . وَأنْشد هذاالبيت ثمَّ قَالَ: وَقَالُوا: قد أَخطَأ امْرُؤ الْقَيْس فَإِنَّهُ لَا يُقَال تضوع الْمسك حَتَّى كَأَنَّهُ ريّا القرنفل إِنَّمَا كَانَ يَنْبَغِي أَن يَقُول: تضوع القرنفل حَتَّى كَأَنَّهُ ريا الْمسك. انْتهى. وَقد تبعه الإِمَام الباقلاني فِي كتاب إعجاز الْقُرْآن قَالَ: وَفِيه خلل لِأَنَّهُ بعد أَن شبّه عرفهَا بالمسك شبّه ذَلِك بنسيم القرنفل. وَذكر ذَلِك بعد الْمسك نقص. وَكَذَلِكَ قَوْله: إِذا قامتا تضوّع الْمسك مِنْهُمَا. وَلَو أَرَادَ أَن يجوّد أَفَادَ أَن بهما طيبا على كل حَال. فَأَما فِي حَال الْقيام فَقَط فَذَلِك تَقْصِير. وَقَوله: نسيم الصِّبَا فِي تَقْدِير الْمُنْقَطع عَن المصراع الأول. انْتهى.) والعيبان الأخيران ليسَا كَمَا زَعمه فَتَأمل. وَقَوله: فَفَاضَتْ دموع الْعين الخ فاضت: سَالَتْ. والصبابة: رقة الشوق ونصبها على أَنَّهَا مفعول لَهُ. والمحمل بِكَسْر الأول: السّير الَّذِي يحمل بِهِ السَّيْف قَالَ شرَّاح الْمُعَلقَة: وَمِمَّا يسْأَل عَنهُ هُنَا أَن يُقَال: كَيفَ يبلّ الدمع محمله وَإِنَّمَا الْمحمل على عَاتِقه فَيُقَال: قد يكون مِنْهُ على صَدره فَإِذا بَكَى وَجرى عَلَيْهِ الدمع ابتلّ وَقَالَ الإِمَام الباقلاني: قَوْله:

مني استعانة ضَعِيفَة عِنْد وَقَوله: على النَّحْر حَشْو آخر لِأَن قَوْله: بلّ دمعي محملي يُغني عَنهُ. ثمَّ قَوْله: حَتَّى بلّ دمعي الخ إِعَادَة ذكر الدمع حَشْو آخر وَكَانَ يَكْفِيهِ أَن يَقُول: حَتَّى بلّت محملي. فَاحْتَاجَ لإِقَامَة الْوَزْن إِلَى هَذَا كُله. ثمَّ تَقْدِيره أَنه قد أفرط فِي إفَاضَة الدمع حَتَّى بلّ محمله تَفْرِيط مِنْهُ وتقصير وَلَو كَانَ أبدع لَكَانَ يَقُول: حَتَّى بلّ دمعي مغانيهم وعراصهم. ويشبّه أَن يكون غَرَضه إِقَامَة الْوَزْن والقافية لِأَن الدمع يبعد أَن يبلّ الْمحمل وَإِنَّمَا يقطر من الْوَاقِف والقاعد على الأَرْض. أَو على الذيل. وَإِن بلّه فلقلته وَأَنه لَا يقطر. وَأَنت تَجِد فِي شعر الْمُتَأَخِّرين مَا هُوَ أحسن من هَذَا الْبَيْت انْتهى. وَقَوله: أَلا ربّ يَوْم صَالح. . الخ ربّ هُنَا للتكثير ومنهما أَي: من أمّ الْحُوَيْرِث وأمّ الربَاب. وَرُوِيَ: أَلا ربّ يَوْم لَك مِنْهُنَّ صَالح أَي: من النِّسَاء وَفِيه الْكَفّ وَهُوَ حذف النُّون من مفاعيلن. وَالْمعْنَى: أَلا رب يَوْم لَك مِنْهُنَّ سرُور وغبطة بوصال النِّسَاء وعيش ناعم مَعَهُنَّ. وَقَوله: وَلَا سِيمَا الخ أَي: وَلَيْسَ يَوْم من تِلْكَ الْأَيَّام مثل يَوْم دارة جلجل فَإِن هَذَا الْيَوْم كَانَ أحسن الْأَيَّام وأفضلها. يُرِيد: التَّعَجُّب من فضل هَذَا الْيَوْم. ودارة جلجل بِضَم الجيمين: اسْم غَدِير قَالَ الْبكْرِيّ فِي مُعْجم

مَا استعجم: قَالَ أَبُو قَالَ الإِمَام الباقلاّني: وَهَذَا الْبَيْت خَال من المحاسن والبديع خاو من الْمَعْنى وَلَيْسَ لَهُ لفظ يروق وَلَا معنى يروع من طباع السوقة فَلَا يرعك تهويله باسم مَوضِع غَرِيب. وَقَوله: وَيَوْم عقرت الخ يَوْم مَعْطُوف على يَوْم فِي قَوْله: وَلَا سِيمَا يَوْم لكنه بني على الفتحة لِإِضَافَتِهِ إِلَى مَبْنِيّ أَو هُوَ مَنْصُوب بِتَقْدِير: اذكر. والعقر: الضَّرْب بِالسَّيْفِ على قَوَائِم الْبَعِير وَرُبمَا قيل عقره: إِذا نَحره. والعذارى: الْبَنَات الْأَبْكَار. والرحل: كل شَيْء يعدّ للرحيل: من وعَاء للمتاع ومركب للبعير وحلس ورسن. والمتحمّل: اسْم مفعول أَي: الْمَحْمُول.) وَأورد ابْن هِشَام هَذَا الْبَيْت فِي الْمُغنِي على أَن لَام للعذارى للتَّعْلِيل. وَقَوله: فيا عجبا الْألف بدل من الْيَاء فَإِنَّهَا تبدل فِي النداء إِلَيْهَا جَوَازًا. وَيُقَال: كَيفَ يجوز أَن يُنَادى الْعجب وَهُوَ مِمَّا لَا يُجيب وَلَا يفهم فَالْجَوَاب: أَن الْعَرَب إِذا أَرَادَت أَن تعظم أَمر الْخَبَر جعلته نِدَاء. قَالَ سِيبَوَيْهٍ: إِذا قلت يَا عجبا كَأَنَّك قلت: تعال يَا عجب فَإِن هَذَا من إبانك. فَهَذَا أبلغ من قَوْلك تعجبت. وَالْمعْنَى: انتبهوا للعجب كَذَا فِي شُرُوح الْمُعَلقَة. وَقَالَ الإِمَام الباقلاّني: قَالَ بعض الأدباء: قَوْله يَا عجبا يعجّبهم من سفهه فِي سبابه من نَحره نَاقَته لهنّ. وَإِنَّمَا أَرَادَ أَلا يكون الْكَلَام من هَذَا المصراع مُنْقَطِعًا عَن الأول وَأَرَادَ أَن يكون الْكَلَام ملائماً لَهُ. وَهَذَا

الَّذِي ذكره بعيد وَهُوَ مُنْقَطع عَن الأول وَظَاهر أَنه يتعجب من تحمّل العذارى رَحْله. وَلَيْسَ فِي هَذَا تعجّب كَبِير وَلَا فِي نحر النَّاقة لَهُنَّ تعجب. وَإِن كَانَ يَعْنِي بِهِ أَنَّهُنَّ حملن رَحْله وَأَن بَعضهنَّ حَملته فَعبر عَن نَفسه برحله فَهَذَا قَلِيلا يشبه أَن يكون عجبا. لَكِن الْكَلَام لَا يدلّ عَلَيْهِ. وَلَو سلم الْبَيْت من الْعَيْب لم يكن فِيهِ شَيْء غَرِيب وَلَا معنى بديع أَكثر من سفاهته مَعَ قلَّة مَعْنَاهُ وتقارب أمره ومشاكلته طبع الْمُتَأَخِّرين. وَمن أول القصيدة لم يمرّ لَهُ بَيت رائع وَكَلَام رائق. وَقَوله: فظل العذارى الخ يرتمين: يناول بَعضهنَّ بَعْضًا. والهدّاب بِالضَّمِّ وَالتَّشْدِيد هُوَ الهدب وَهُوَ طرف الثَّوْب الَّذِي لم يتم نسجه. والمقس: الْحَرِير الْأَبْيَض وَيُقَال لَهُ القز. قَالَ الإِمَام الباقلاني: هَذَا الْبَيْت يعدونه حسنا ويعدون التَّشْبِيه مليحاً وَاقعا. وَفِيه شَيْء: وَذَلِكَ انه عرّف اللَّحْم ونكّر الشَّحْم فَلَا يعلم أَنه وصف شحمها وَذكر تَشْبِيه أَحدهمَا بِشَيْء وَاقع وَعجز عَن تَشْبِيه الْقِسْمَة الأولى فمرّت مُرْسلَة وَهَذَا نقص فِي الصَّنْعَة وَعجز عَن إِعْطَاء الْكَلَام حَقه. وَفِيه شَيْء آخر من جِهَة الْمَعْنى: وَهُوَ أَنه وصف طَعَامه لضيوفه بالجودة وَهَذَا قد يعاب وَقد يُقَال: إِن الْعَرَب تفتخر بذلك وَلَا ترَاهُ عَيْبا وَإِنَّمَا الْفرس هم الَّذين يرَوْنَ هَذَا عَيْبا شنيعاً. وَأما تَشْبِيه الشَّحْم بالدمقس فشيء يَقع للعامة وَيجْرِي على ألسنتهم

فَلَيْسَ بِشَيْء قد سبق إِلَيْهِ. وَإِنَّمَا زَاد المفتل للقافية وَهَذَا مُفِيد. وَمَعَ ذَلِك فلست أعلم الْعَامَّة تذكر هَذِه الزِّيَادَة. وَفِيه شَيْء آخر: وَهُوَ أَن تبجحه بِمَا أطْعم الأحباب مَذْمُوم وَإِن سوغ التبجح بِمَا أطْعم الأضياف إِلَّا أَن يُورد الْكَلَام مورد المجون على طرائق أبي نواس فِي المزاح والمداعبة.) وَقَوله: وَيَوْم دخلت الخ هُوَ مَعْطُوف على يَوْم عقرت. والخدر بِالْكَسْرِ: الهودج هُنَا. وخدر عنيزة بدل مِنْهُ. وعنيزة بِالتَّصْغِيرِ: لقب ابْنة عَمه فَاطِمَة. وَفِيه ردّ على من زعم أَنه لم يسمع تلقيب الْإِنَاث. وَأنْشد ابْن هِشَام هَذَا الْبَيْت فِي بحث النُّون من الْمُغنِي على ان التَّنْوِين اللَّاحِق لعنيزة تَنْوِين الضَّرُورَة وَهُوَ التَّنْوِين اللَّاحِق لما لَا ينْصَرف. وَقَوله: مرجلي: اسْم فَاعل من أرجلته إِذا صيّرته رَاجِلا وَرجل الرجل يرجل من بَاب علم: إِذا صَار رَاجِلا. وَقَوله: لَك الويلات فِيهِ قَولَانِ: أَحدهمَا: ان يكون دُعَاء مِنْهَا عَلَيْهِ إِذْ كَانَت تخَاف عَلَيْهِ أَن يعقر بَعِيرهَا. وَالثَّانِي: أَن يكون دُعَاء مِنْهَا لَهُ على الْحَقِيقَة كَمَا تَقول الْعَرَب للرجل إِذا رمى فأجاد: قَاتله الله مَا أرماه وَحَقِيقَة مثل هَذَا أَنه يجْرِي مجْرى الْمَدْح وَالثنَاء. وَقَالَ الإِمَام الباقلاني: دخلت الخدر خدر عميزة ذكره تكريراً لإِقَامَة الْوَزْن لَا فَائِدَة فِيهِ غَيره وَلَا ملاحة وَلَا رونق. وَقَوله: فَقَالَت لَك الخ الْكَلَام مؤنث من كَلَام النِّسَاء نَقله من جِهَته إِلَى شعره وَلَيْسَ فِيهِ غير هَذَا. انْتهى.

وَقَوله: تَقول وَقد مَال الخ الغبيط بِفَتْح الْمُعْجَمَة: الهودج بِعَيْنِه وَقيل: قتب الهودج وَقيل: مركب من مراكب النِّسَاء. وعقرت هُنَا بِمَعْنى جرحت ظَهره قَالَ الإِمَام الباقلاني: كرر قَوْله سَابِقًا بقوله: تَقول وَقد مَال الخ وَلَا فَائِدَة فِيهِ غير تَقْدِير الْوَزْن وَإِلَّا فحكاية قَوْلهَا الأول كَاف. وَهُوَ فِي النّظم قَبِيح لِأَنَّهُ ذكر مرّة فَقَالَت وَمرَّة تَقول فِي معنى وَاحِد وَفصل خَفِيف. وَفِي المصراع الثَّانِي أَيْضا تَأْنِيث من كلامهن. انْتهى. طعنه الأول غير وَارِد لِأَنَّهُ من بَاب الإطناب بَسطه ثَانِيًا للتلذذ والإيضاح. وَقَوله ثَانِيًا تَقول غير معيب لِأَنَّهُ من حِكَايَة الْحَال الْمَاضِيَة وَقد عدّ حسنا. ثمَّ قَالَ الباقلاني: وَذكر أَبُو عُبَيْدَة أَنه قَالَ: عقرت بَعِيري وَلم يقل نَاقَتي لأَنهم يحملون النِّسَاء على ذُكُور الْإِبِل لِأَنَّهَا أقوى. وَفِيه نظر لِأَن الْأَظْهر أَن الْبَعِير اسْم للذّكر وَالْأُنْثَى. وَاحْتَاجَ إِلَى ذكر الْبَعِير لإِقَامَة الْوَزْن. وَقَوله: فَقلت لَهَا سيري الخ جناها: مَا اجتنى مِنْهَا من الْقبل. والمعلل: الملهى الَّذِي يعلله ويتشفى بِهِ. وَرُوِيَ بِفَتْح اللَّام أَي: الَّذِي علل بالطيب أَي طيّب مرّة بعد مرّة من الْعِلَل بِفتْحَتَيْنِ وَهُوَ الشّرْب الثَّانِي. وَمعنى الْبَيْت: أَنه تهاون بِأَمْر الْجمل فِي حَاجته فَأمرهَا أَن تخلّي زمامه وَلَا تبالي بِمَا أَصَابَهُ. قَالَ الباقلاني: هَذَا الْبَيْت قريب النسج لَيْسَ لَهُ معنى بديع وَلَا لفظ شرِيف)

وَالْمرَاد بِالْيَوْمِ فِي هَذِه الْمَوَاضِع مُطلق الْوَقْت وَالزَّمَان وَإِلَّا فَجَمِيع هَذِه الْأُمُور قد صدرت فِي يَوْم وَاحِد كَمَا يعرف من خبر يَوْم دارة جلجل وَقد رَوَاهُ ابْن الْأَنْبَارِي فِي شرح الْمُعَلقَة قَالَ: كَانَ من حَدِيثه على مَا حدّث ابْن رألان عَن أبي شفقل راوية أبي فراس همام بن غَالب الفرزدق أَنه قَالَ: لم أر أروى من الفرزدق لأخبار امْرِئ الْقَيْس وأشعاره وَخَرجْنَا يَوْمًا إِلَى المربد بعقب طشّ قد وَقع واتصل بِهِ خبر نسْوَة أَشْرَاف قد خرجن إِلَى متنزه لَهُنَّ قَالَ: سر بِنَا حَتَّى قرب من مجتمعهن فخلفني وَصَارَ إلَيْهِنَّ فَلَمَّا رأينه قُلْنَ: قد علمنَا أَنا لن نفوتك. فَلم يزل يَوْمه الأطول يحدثهن ويفاكههن وينشدهن إِلَى ان ولّى النَّهَار ثمَّ انْصَرف إليّ فَقَالَ: سر بِنَا. فَلم أر يَوْمًا قطّ أشبه بِيَوْم دارة جلجل من يَوْمنَا هَذَا ثمَّ أنشأ يحدّث حَدِيث يَوْم دارة جلجل. فَقَالَ: حَدثنِي الثِّقَة أَن حَيّ امْرِئ الْقَيْس تحملوا وَهُوَ يَوْمئِذٍ شَاب حَدِيث السن يهوى ابْنة عَم لَهُ يُقَال لَهَا: فَاطِمَة ويكنة عَنْهَا بعنيزة وتخلف النِّسَاء وفيهن فَاطِمَة وارتحل امْرُؤ الْقَيْس لَا يرى الْحَيّ مسيره إِلَى أَن نأى عَن الْحَيّ فأخفى شخصه بِقرب غَدِير يعرف بدارة جلجل وَقَالَ لمن كَانَ مَعَه: سيمرّ النِّسَاء بالغدير فَلَا بُد أَن يتبردن فِيهِ. وأمعن الْحَيّ فِي الْمسير وارتحل النِّسَاء بعدهمْ فمررن على الغدير وَلَا يدرين أَن وراءهن أحدا فنزلن وَعند الغدير شَجَرَة

فأنخن إبلهن إِلَى تِلْكَ الشَّجَرَة ونزعن ثيابهن فدخلن الغدير وَجَاء امْرُؤ الْقَيْس فَأخذ ثيابهن وَقَالَ: لَا تَأْخُذ امراة مِنْكُن ثِيَابهَا حَتَّى تخرج كَمَا هِيَ فناشدنه الله وطلبن إِلَيْهِ حَتَّى طَال يومهن وخشين أَن يفوتهن الْمنزل فَجعلْنَ يخْرجن وَاحِدَة وَاحِدَة حَتَّى بلغ إِلَى فَاطِمَة فرآها واستمتع بِالنّظرِ إِلَيْهَا ثمَّ قُلْنَ لَهُ: قد أتعبتنا فاجلس فَجَلَسَ ينشدهن ويحدثهن وَيشْرب من شراب مَعَه فَقَالَت إِحْدَاهُنَّ: أطعمنَا لَحْمًا. فَقَامَ إِلَى مطيّته فنحرها وأطعمهن من لَحمهَا وَشرب حَتَّى انتشى. حَتَّى إِذا أَرَادوا الرواح قَالَت امْرَأَة مِنْهُنَّ: أتدعن امْرأ الْقَيْس يهْلك فَقَالَت فَاطِمَة: فككن رَحْله واحملنه معكن وَأَنا أحملهُ معي فِي هودجي ففعلن فَجعل يمِيل رَأسه إِلَيْهَا فيقبلها وَجعل هودجها يمِيل بهَا وَهِي تنادي بِهِ وَتقول: قد عقرت بَعِيري فَانْزِل حَتَّى إِذا بلغ قَرِيبا من الْحَيّ كمن فِي غمض من الأَرْض. وَسَار النِّسَاء حَتَّى لحقن برحالهن. انْتهى. وروى ابْن عبد ربه فِي العقد الفريد نَحوا من هَذَا مَعَ بعض مُخَالفَة. وَنَصه. قَالَ الفرزدق: أَصَابَنَا بِالْبَصْرَةِ لَيْلًا مطر جود فَلَمَّا أَصبَحت ركبت بغلتي وسرت إِلَى المربد فَإِذا أَنا بآثار) دوابّ فاتبعت الْأَثر حَتَّى انْتَهَيْت إِلَى بغال عَلَيْهَا رحال مَوْقُوفَة على غَدِير فأسرعت إِلَى الغدير فَإِذا فِيهِ نسْوَة مستنقعات فِي المَاء فَقلت: لم أر كَالْيَوْمِ أشبه بِيَوْم دارة جلجل وانصرفت مستحيياً فنادينني: يَا صَاحب البغلة ارْجع نَسْأَلك عَن شَيْء. فَرَجَعت إلَيْهِنَّ فقعدن فِي المَاء إِلَى حلوقهن ثمَّ قُلْنَ: بِاللَّه لمّ أخبرتنا مَا كَانَ من حَدِيث دارة جلجل قلت: حَدثنِي جدي وَأَنا يَوْمئِذٍ

غُلَام حَافظ أَن امْرأ الْقَيْس كَانَ عَاشِقًا لابنَة عَمه فَاطِمَة وَيُقَال لَهَا عنيزة وَأَنه طلبَهَا زَمَانا فَلم يصل إِلَيْهَا حَتَّى كَانَ يَوْم الغدير وَهُوَ يَوْم دارة جلجل: وَذَلِكَ أَن الْحَيّ تحملوا فَتقدم الرِّجَال وتخلف الخدم والثقل فَلَمَّا رأى ذَلِك امْرُؤ الْقَيْس تخلف بعد مَا سَار مَعَ رجال قومه غلوة فكمن فِي غامض حَتَّى مر بِهِ النِّسَاء وفيهن عنيزة فَلَمَّا وردن الغدير قُلْنَ: لَو نزانا فاغتسلنا فِي هَذَا الغدير فَذهب عَنَّا بعض الكلال فنزلن فِي الغدير ونحين العبيد ثمَّ تجرّدن فوقفن فِيهِ فأتاهن امْرُؤ الْقَيْس فَأخذ ثيابهن فجمعها وَقعد عَلَيْهَا وَقَالَ: وَالله لَا أعطي جَارِيَة مِنْكُن ثوبها وَلَو قعدت فِي الغدير يَوْمهَا حَتَّى تخرج متجردة فتأخذ ثوبها فأبين ذَلِك عَلَيْهِ حَتَّى تَعَالَى النَّهَار وخشين أَن يقصّرن عَن الْمنزل الَّذِي يردنه فخرجن جَمِيعًا غير عنيزة فناشدته الله أَن يطْرَح ثوبهان فَأبى فَخرجت فَنظر إِلَيْهَا مقبلة ومدبرة وأقبلن عَلَيْهِ فَقُلْنَ لَهُ: إِنَّك عذبتنا وحبستنا وأجعتنا. قَالَ: فَإِن نحرت لكنّ نَاقَتي أتأكلن معي قُلْنَ: نعم فَجرد سَيْفه فعرقبها ونحرها ثمَّ كشطها وَجمع الخدم حطباً كثيرا فأجّجن نَارا عَظِيمَة فَجعل يقطع أطايبها ويلقي على الْجَمْر ويأكلن وَيَأْكُل مَعَهُنَّ وَيشْرب من فضلَة خمر كَانَت مَعَه ويغنيهن وينبذ إِلَى العبيد من الكباب فَلَمَّا أَرَادوا الرحيل قَالَت إِحْدَاهُنَّ: أَنا أحمل طنفسته وَقَالَت الْأُخْرَى: أَنا أحمل رَحْله وأنساعه. فتقسمن مَتَاعه وزاده وَبقيت عنيزة لم تحمل شَيْئا فَقَالَ لَهَا:

يَا ابْنة الْكِرَام لَا بدّ أَن تحمليني مَعَك فَإِنِّي لَا أُطِيق الْمَشْي فَحَملته على غارب بَعِيرهَا فَكَانَ يجنح إِلَيْهَا فَيدْخل رَأسه فِي خدرها فيقبلها فَإِذا امْتنعت مَال هودجها فَتَقول: عقرت بَعِيري فَانْزِل. . وَكَانَ الفرزدق أروى النَّاس لأخبار امْرِئ الْقَيْس وأشعاره وَذَلِكَ أَن امْرأ الْقَيْس رأى من أَبِيه جفوة فلحق بِعَمِّهِ شُرَحْبِيل بن الْحَارِث وَكَانَ مسترضعاً فِي بني دارم فَأَقَامَ فيهم. وهم رَهْط الفرزدق. انْتهى. وَقد روى أَيْضا خبر هَذَا الْيَوْم أَبُو زَكَرِيَّا يحيى بن عَليّ الْخَطِيب التبريزي فِي شرح هَذِه الْمُعَلقَة) على وَجه مُجمل. وترجمة امْرِئ الْقَيْس تقدّمت فِي الشَّاهِد التَّاسِع وَالْأَرْبَعِينَ. وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد الْخَامِس وَالْأَرْبَعُونَ بعد الْمِائَتَيْنِ (فَأَنت طَلَاق ... وَالطَّلَاق أليّة ثَلَاثًا وَمن يخرق أعق وأظلم) على أَن الْوَاو فِي قَوْله: وَالطَّلَاق ألية اعتراضية وَالْجُمْلَة اعْتِرَاض للتقوية والتسديد بَين قَوْله: فَأَنت والأليّة: الْيَمين. أَرَادَ أَن الطَّلَاق يلْزم الْمُطلق كَمَا يلْزم الْوَفَاء

بمضمون الْيَمين. وَالرِّوَايَة الصَّحِيحَة: وَالطَّلَاق عَزِيمَة وَوَقع فِي أَكثر النّسخ المصراع الأول فَقَط اكْتِفَاء بشهرة الشّعْر. وَقد نقل السعد كَلَام الشَّارِح هُنَا فِي بحث الْجُمْلَة الحالية من المطوّل قَالَ الفناري فِي حَاشِيَته: قَوْله: فَأَنت طَالِق وَالطَّلَاق ألية آخِره: بهاء الْمَرْء ينجو من شباك الطوامث. الشباك: الحبائل. والطوامث: الحيّض من طمثت الْمَرْأَة: حَاضَت. وَفِي وَقع هَذِه الْجُمْلَة متوسطة بَين أَجزَاء كَلَام وَاحِد كَمَا هُوَ الظَّاهِر من كَلَامه نوع خَفَاء إِذْ الظَّاهِر أَن قَوْله: بهَا الْمَرْء الخ كَلَام مُسْتَقل. وَقيل: آخر المصراع الْمَذْكُور: ثَلَاثًا وَمن يخرق أعق وأظلم لَكِن الرِّوَايَة فِي هَذَا الْبَيْت عَزِيمَة مَكَان أليّ. وَلَعَلَّ فِيهِ رِوَايَة اخرى لم أطلع عَلَيْهَا. انْتهى. وَقَالَ بَعضهم: هَذَا الِاعْتِرَاض على مَذْهَب الزَّمَخْشَرِيّ فَإِن الِاعْتِرَاض عِنْده مَا يساق لنكتة سوى رفع الْإِبْهَام. وَيكون لَا محلّ لَهَا. وَهَذَا الْبَيْت مَبْنِيّ على مَسْأَلَة فقهية. وأوّل من تكلم عَلَيْهِ الإِمَام مُحَمَّد بن الْحسن أَو الْكسَائي على اخْتِلَاف سَيذكرُ. وَنقل ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي الْجَواب وَبحث فِيهِ وَزَاد ثمَّ تكلم عَلَيْهِ السَّيِّد معِين الدَّين الإيجي فِي رِسَالَة أفردها وَزَاد على ابْن هِشَام فِيمَا استنبطه. وكل مِنْهُمَا لم ير مَا كتبه عَلَيْهِ أَبُو عَليّ الْفَارِسِي فِي الْمسَائِل القصرية وَقد تنبّه لما قَالَاه وردّه فَيَنْبَغِي أَن نورد كَلَام كل مِنْهُم على حِدة لَكِن نقدم ابْتِدَاء ذكر السَّائِل والمجيب أَولا فَنَقُول:

قَالَ أَبُو عَليّ الْفَارِسِي: حَدثنَا الشَّيْخ أَبُو الْحسن الْكَرْخِي عَن يحيى بن الْحَرِيش الرقي قَالَ:) أَرْسلنِي الْكسَائي إِلَى مُحَمَّد بن الْحسن أسأله عَن الْجَواب فِي هَذِه الأبيات: (إِن ترفقي يَا هِنْد فالرفق أَيمن ... وَإِن تخرقي يَا هِنْد فالخرق أشأم) (فَأَنت طَلَاق وَالطَّلَاق عَزِيمَة ... ثَلَاثًا وَمن يجني أعق وأظلم) (فبيني بهَا أَن كنت غير رَفِيقَة ... فَمَا لامرئ بعد الثَّلَاث مقدم) قا ل: فَأتيت مُحَمَّد بن الْحسن بالأبيات فَقَالَ: إِن نصب الثَّلَاث فَهِيَ ثَلَاث تَطْلِيقَات وَإِن رفع الثَّلَاث فَهِيَ وَاحِدَة كَأَنَّهُ أَرَادَ أَن يخبر أَن عَزِيمَة الطَّلَاق ثَلَاث. قَالَ: فَرَجَعت إِلَى الْكسَائي فَأَخْبَرته بقول مُحَمَّد فتعجب من فطنته. انْتهى. وَهَذَا هُوَ المسطور فِي كتب الْحَنَفِيَّة كالمبسوط وَشرح الْكَنْز للزيلعي لَكِن ذكرُوا أَن رَسُول الْكسَائي إِلَى مُحَمَّد هُوَ ابْن سَمَّاعَة. وَلَا مُخَالفَة لجَوَاز أَن يَكُونَا ذَهَبا مَعًا برسالة الْكسَائي وكل وَقَالَ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي: كتب الرشيد لَيْلَة إِلَى القَاضِي أبي يُوسُف صَاحب أبي حنيفَة يسْأَله عَن قَول الْقَائِل وَأنْشد الأبيات فَقَالَ: مَاذَا يلْزمه إِذا رفع الثَّلَاث وَإِذا نصبها قَالَ أَبُو يُوسُف: فَقلت: هَذِه مَسْأَلَة نحوية فقهية وَلَا آمن الْخَطَأ إِن قلت فِيهَا برأيي. فَأتيت الْكسَائي وَهُوَ فِي فرَاشه فَسَأَلته فَقَالَ: إِن رفع ثَلَاثًا طلقت وَاحِدَة لِأَنَّهُ قَالَ أَنْت طَالِق ثمَّ أخبر أَن الطَّلَاق التَّام ثَلَاث وَإِن نصبها طلقت ثَلَاثًا لِأَن مَعْنَاهُ: أَنْت طَالِق ثَلَاثًا

وَمَا بَينهمَا جملَة مُعْتَرضَة. فَكتبت بذلك إِلَى الرشيد فَأرْسل إِلَيّ بجوائز فوجّهت بهَا إِلَى الْكسَائي. انْتهى مُلَخصا. هَذَا كَلَامه. وَقَالَ السَّيِّد معِين الدَّين: قد وجدت فِي كتاب من كتب النَّحْو أَن الْمَسْأَلَة قد وَقعت بَين الإِمَام مُحَمَّد وَالْكسَائِيّ بِحَضْرَة الرشيد فَقَالَ الْكسَائي: أَنْت يَا مُحَمَّد تزْعم أَن الماهر فِي علم يُمكن أَن يستنبط من الْعُلُوم وَأَنت ماهر فِي الْفِقْه فاستنبط من هَذَا الْبَيْت. فَقَالَ: فِي نصب الْعَزِيمَة وَرفع الثَّلَاث طَلْقَة وَفِي رَفعهَا وَنصب الثَّلَاث ثَلَاث. فَقَالَ الْكسَائي: أصبت وَالْقَوْل مَا قلت. انْتهى. والرفق من بَاب قتل: خلاف الْخرق والعنف وخرق خرقاً من بَاب فَرح: إذغ عمل شَيْئا فَلم يرفق فِيهِ فَهُوَ أخرق وَهِي خرقاء وَالِاسْم الْخرق بِالضَّمِّ. وأيمن وصف بِمَعْنى ذِي يمن وبركة لَا والعزيمة قَالَ الْكرْمَانِي فِي شرح البُخَارِيّ: هِيَ فِي الأَصْل عقد الْقلب على الشَّيْء اسْتعْمل لكل أَمر محتوم. وَفِي الِاصْطِلَاح: ضد الرُّخْصَة. وَفعله من بَاب ضرب يُقَال: عزم على الشَّيْء) وعزمه عزماً بِمَعْنى عقد ضَمِيره على فعله. وَقَالَ النَّوَوِيّ: حَقِيقَة الْعَزْم حُدُوث رَأْي وخاطر فِي الذِّهْن لم يكن. والعزم وَالنِّيَّة متقاربان يُقَام أَحدهمَا مقَام الآخر. ويجني مضارع جنى على قومه جِنَايَة: أذْنب ذَنبا يُؤَاخذ بِهِ. وروى الْجَمَاعَة: وَمن يخرق فَقَالَ ابْن يعِيش: من شَرْطِيَّة. ورد عَلَيْهِ الدماميني بِأَنَّهُ يلْزمه حذف الْفَاء والمبتدأ من جملَة الْجَزَاء وَالتَّقْدِير: فَهُوَ أعق وأظلم وَلَيْسَ هَذَا بمتعين لجَوَاز أَن تكون مَوْصُولَة

وتسكين الْقَاف للتَّخْفِيف كَقِرَاءَة أبي عَمْرو: وَمَا يشعركم. بِإِسْكَان الرَّاء. وأعق خبر من الموصولة فَلَا حذف وَلَا ضَرُورَة وَلَا قبح. انْتهى. وَالَّذِي ذكره الجعبري: أَن وَجه الإسكان فِيهِ طلب التَّخْفِيف عِنْد اجْتِمَاع ثَلَاث حركات ثقال من نوع وَاحِد أَو نَوْعَيْنِ. ويخرق لَيْسَ مِنْهُمَا. وَأما التسكين فِي قَوْله: فاليوم أشْرب غير مستحقب فقد قيل أَنه للضَّرُورَة. . وَقَوله: أعق من العقوق وَهُوَ ضد الْبر. وَقَوله: فبيني بهَا الخ هِيَ أَمر من الْبَيْنُونَة وَهِي الْفِرَاق وَضمير بهَا للثلاث أَي: كوني ذَات طَلَاق بَائِن بِهَذِهِ التطليقات الثَّلَاث لكونك غير رَفِيقَة. فَأن مَفْتُوحَة الْهمزَة مُقَدّر قبلهَا لَام الْعلَّة. ومقدم: مصدر ميمي أَي: لَيْسَ لأحد تقدم إِلَى الْعشْرَة والألفة بعد إِيقَاع الثَّلَاث. كَذَا قَالَ الدماميني. وَأَجَازَ بَعضهم أَن يكون مقدم بِمَعْنى مهر مقدم أَي: لَيْسَ لَهُ بعد الثَّلَاث مهر يقدمهُ لمطلقته ثَلَاثًا إِلَّا بعد زوج آخر. فَيكون اسْم مفعول. هَذَا كَلَامه. وَأما مَا بَحثه ابْن هِشَام بعد الْجَواب الْمَذْكُور فَهَذَا نَصه: أَقُول: إِن الصَّوَاب أَن كلا من الرّفْع وَالنّصب مُحْتَمل لوُقُوع الثَّلَاث ولوقوع الْوَاحِدَة: أما الرّفْع فَلِأَن أل فِي الطَّلَاق إِمَّا لمجاز الْجِنْس وَإِمَّا للْعهد الذكري أَي: وَهَذَا الطَّلَاق الْمَذْكُور عَزِيمَة ثَلَاث. فعلى العهدية تقع الثَّلَاث وعَلى الجنسية تقع

وَاحِدَة. وَأما النصب فَلِأَنَّهُ مُحْتَمل لِأَن يكون على الْمَفْعُول الْمُطلق وَحِينَئِذٍ يَقْتَضِي وُقُوع الثَّلَاث إِذْ الْمَعْنى: فَأَنت طَالِق ثَلَاثًا ثمَّ اعْترض بَينهمَا بقوله وَالطَّلَاق عَزِيمَة وَلِأَن يكون حَالا من الضَّمِير الْمُسْتَتر فِي عَزِيمَة وَحِينَئِذٍ لَا يلْزم وُقُوع الثَّلَاث لِأَن الْمَعْنى: وَالطَّلَاق عَزِيمَة إِذا كَانَ ثَلَاثًا فَإِنَّمَا يَقع مَا نَوَاه. هَذَا مَا يَقْتَضِيهِ اللَّفْظ مَعَ قطع النّظر عَمَّا بعده فَإِنَّهُ يعين الثَّلَاث. انْتهى كَلَامه. وَقَالَ الفناري فِي حَاشِيَة المطول: قد انتصر جدنا شمس الدَّين الفناري للكسائي وَأبي يُوسُف حَيْثُ قَالَ: وَلقَائِل أَن يَقُول: إِنَّمَا لم يعْتَبر الْكسَائي وَأَبُو يُوسُف حِين ارْتِفَاع الثَّلَاث كَون اللَّام) للْعهد لِأَن ثَلَاث وعزيمة لَا يَصح أَن يَكُونَا خبرين عَن الطَّلَاق الْمَعْهُود فَإِن الطَّلَاق رخصَة وَلَيْسَ بعزيمة. وَكَذَا حِين انتصاب الثَّلَاث لايصح أَن يكون ثَلَاثًا حَالا من ضمير عَزِيمَة لما قُلْنَا. فَلم يتَعَيَّن أَيْضا قَالَ اللَّهُمَّ إِلَّا أَن تحمل الْعَزِيمَة على الْمَعْنى اللّغَوِيّ. وَالْعرْف أملك. وَفِيه بحث: أما أَولا فَلِأَنَّهُ لَا دخل فِي لُزُوم الْمَحْذُور الْمَذْكُور لجعل اللَّام للْعهد إِذْ منشؤه عدم اجْتِمَاع الثَّلَاث والعزيمة وَهَذَا الِاجْتِمَاع لَازم على تَقْدِير الْحمل على مجَاز الْجِنْس اللَّهُمَّ إِلَّا أَنِّي يُرَاد الْحمل على الْجِنْس الْمُطلق وَيجْعَل الْإِخْبَار بالعزيمة وَالثَّلَاث بِالنّظرِ إِلَى أَنْوَاع الطَّلَاق. وَأما ثَانِيًا: فالأملك فِي مثله هُوَ الْعرف الْعَام فَالظَّاهِر أَن الْمَعْنى: الطَّلَاق الَّذِي ذكرت لَيْسَ بلغو وَلَا لعب بل هُوَ معزوم عَلَيْهِ. نعم الْكَلَام على تَقْدِير جعل ثَلَاثًا حَالا من الْمُسْتَتر فِي عَزِيمَة مُحْتَمل لوُقُوع الثَّلَاث بِأَن يكون الْمَعْنى وَالطَّلَاق الَّذِي ذكرته إِذْ كَانَ ثَلَاثًا. فَتَأمل. انْتهى.

ونازعه الدماميني فِي الْأَخير فَقَالَ: الْكَلَام مُحْتَمل لوُقُوع الثَّلَاث على تَقْدِير الْحَال أَيْضا بِأَن تجْعَل أل للْعهد الذكري كَمَا تقدم لَهُ فِي أحد وَجْهي الرّفْع. كَأَن قَالَ: وَالطَّلَاق الَّذِي ذكرت معزوم عَلَيْهِ حَال كَونه ثَلَاثًا. وَلَا يقدر حِينَئِذٍ إذاكان بل إِذْ كَانَ. وَأما كَلَام السَّيِّد معِين الدَّين فَإِنَّهُ قَالَ: الشّعْر يحتما اثْنَي عشروجهاً لِأَن اللَّام إِمَّا للْجِنْس وغما للْعهد وعزيمة إِمَّا مَرْفُوع وَإِمَّا مَنْصُوب وَثَلَاث إِمَّا مَرْفُوع وَإِمَّا مَنْصُوب على الْحَال أَو على الْمَفْعُول الْمُطلق فَخرج من ضرب أَرْبَعَة فِي ثَلَاثَة: اثْنَا عشر لَكِن أَرْبَعَة مِنْهَا تركيب بَاطِل. أما الثَّمَانِية فعلى تَقْدِير أم اللَّام للْجِنْس إِمَّا أَن يكون عَزِيمَة وَثَلَاث مرفوعين فَيلْزمهُ على مَا قَالَ ابْن هِشَام وَاحِدَة وَالظَّاهِر أَنه يلْزمه ثَلَاث إِذْ لَيْسَ الطَّلَاق عِنْده إِلَّا عَزِيمَة ثَلَاث وطلاقه فَرد مِمَّا ادَّعَاهُ. وَإِمَّا أَن يكون عَزِيمَة مَنْصُوبًا وَثَلَاث مَرْفُوعا فَيلْزمهُ وَاحِدَة وَهُوَ أحد وَجْهي الإِمَام مُحَمَّد وَفِيه أَن ذَا الْحَال مُبْتَدأ. وَإِمَّا أَن يكون عَزِيمَة مَرْفُوعا وَثَلَاث حَالا من الْمُسْتَتر فِي عَزِيمَة يلْزمه وَاحِدَة وَهُوَ وَجه ثَان لِابْنِ هِشَام وَللْإِمَام لَكِن فِي كَلَام الإِمَام إِبْهَام لِأَنَّهُ يحْتَمل أَن يكون ثَلَاث مَفْعُولا مُطلقًا وَحِينَئِذٍ يلْزمه ثَلَاث وَإِمَّا أَن يكون عَزِيمَة مَرْفُوعا وَثَلَاث مَفْعُولا مُطلقًا فَيلْزمهُ ثَلَاث وَهُوَ ثَالِث وُجُوه ابْن هِشَام. فَهَذِهِ وُجُوه أَرْبَعَة. وعَلى تَقْدِير أَن اللَّام للْعهد إِمَّا أَن يكون عَزِيمَة وَثَلَاث مرفوعين كَأَنَّهُ قَالَ: فَأَنت طَلَاق وَهَذَا الطَّلَاق عَزِيمَة ثَلَاث فَيلْزمهُ ثَلَاث وَهُوَ رَابِع وُجُوه ابْن هِشَام. وَإِمَّا أَن يكون عَزِيمَة مَنْصُوبًا) وَثَلَاث مَرْفُوعا فَيلْزمهُ ثَلَاث.

وَإِمَّا أَن يكون عَزِيمَة مَرْفُوعا وَثَلَاث مَنْصُوبًا حَالا من الْمُسْتَتر فَيلْزمهُ ثَلَاث. وَإِمَّا أَن يكون عَزِيمَة مَرْفُوعا وَثَلَاث مَفْعُولا مُطلقًا فَيلْزمهُ ثَلَاث. فَهَذِهِ أَرْبَعَة أُخْرَى فَتكون ثَمَانِيَة. واما الْأَرْبَعَة الَّتِي فَسدتْ لأجل الْإِعْرَاب فَهِيَ: بِتَقْدِير أَن اللَّام للْجِنْس إِمَّا أَن يكون عَزِيمَة مَنْصُوبًا وَثَلَاث حَالا من الْمُسْتَتر أَو مَفْعُولا مُطلقًا. وَبِتَقْدِير أَن اللَّام للْعهد إِمَّا ان يكون عَزِيمَة مَنْصُوبًا وَثَلَاث حَالا من الْمُسْتَتر أَو مَفْعُولا مُطلقًا. وعَلى الْوَجْهَيْنِ وَهُوَ أَنه حَال يلْزمه وَاحِدَة وعَلى الْوَجْهَيْنِ الآخرين يلْزمه ثَلَاث. هَذَا كَلَامه. وَقد كتب ابْن قَاسم الْعَبَّادِيّ على مَوَاضِع من هَذ الرسَالَة فَكتب عِنْد قَوْله: الشّعْر يحْتَمل اثْنَي عشر وَجها: لَا بُد على سَائِر التقادير فِي وُقُوع أصل الطَّلَاق عِنْد الشَّافِعِيَّة من النِّيَّة كَمَا هُوَ ظَاهر لِأَن أَنْت طَلَاق من الْكِنَايَات عِنْدهم. وَكتب عِنْد قَوْله: وَالظَّاهِر أَنه يلْزمه ثَلَاث: قد يمْنَع من هَذَا الظَّاهِر عِنْد الشَّافِعِيَّة أَن: أَنْت طَلَاق كِنَايَة عِنْدهم وَشرط تَأْثِير الْكِنَايَة فِي أصل الْوُقُوع وَالْعدَد النِّيَّة وَلَا يقوم مقَام النِّيَّة مَا اقْترن بِالْكِنَايَةِ مِمَّا يدل على الْوُقُوع أَو الْعدة من الْقَرَائِن وَلِهَذَا صَرَّحُوا بِعَدَمِ الْوُقُوع بقوله أَنْت بَائِن بينونة مُحرمَة وَلَا تحلين لأي أبدا إِذا لم ينْو. وَحِينَئِذٍ فَالْقِيَاس فِي قَول الشَّاعِر: فَأَنت طَلَاق عدم الْوُقُوع رَأْسا إِن لم ينْو. فَإِن نوى الطَّلَاق الثَّلَاث وَقع الثَّلَاث وَإِن نوى أصل الطَّلَاق فَقَط فَالْقِيَاس وُقُوع وَاحِدَة. وَقَوله: وَالطَّلَاق عَزِيمَة ثَلَاث على تَقْدِير رفع عَزِيمَة وَثَلَاث

وَكَون أل فِي الطَّلَاق للْجِنْس لَا يصلح لتقييد الطَّلَاق الَّذِي أوقعه بِالثلَاثِ لِأَنَّهُ إِن أَرَادَ أَن جنس الطَّلَاق لَيْسَ إِلَّا الثَّلَاث فَهُوَ غير صَحِيح إِذْ الْجِنْس مَوْجُود فِي الْوَاحِدَة والثنتين أَيْضا وغن أَرَادَ أَن الْجِنْس قد يكون فِي الثَّلَاث فَهَذَا لَا يَقْتَضِي تَقْيِيد هَذَا الطَّلَاق الْوَاقِع بِالثلَاثِ فَلْيتَأَمَّل. وَمَا ذَكرْنَاهُ لَا يُنَافِيهِ قَول الرَّوْض: فَإِن قَالَ أَنْت بَائِن ثَلَاثًا وَنوى الطَّلَاق الثَّلَاث وقعن أَي: الثَّلَاث. انْتهى. لِأَنَّهُ قيد الْبَيْنُونَة الَّتِي نوى بهَا الطَّلَاق بِالثلَاثِ وَمَا ذكر لَا تَقْيِيد فِيهِ وَلَا ارتباط فِيهِ للثلاث بِالطَّلَاق الَّذِي أوقعه. فليتامل. وَكتب عِنْد قَوْله: وطلاقه فَرد مِمَّا ادَّعَاهُ قد يُقَال: مَا ادَّعَاهُ لَيْسَ بِصَحِيح بِظَاهِرِهِ إِذْ جنس) الطَّلَاق لَا ينْحَصر فِي الثَّلَاث فَلَا يلْزم ان يكون طَلَاقه فَردا من جنس الثَّلَاث نعم إِن قصد ذَلِك بِأَن قصد طَلَاقا من أَفْرَاد الثَّلَاث فمسلّم فليتامل. . وَكتب عِنْد قَوْله: وَفِيه أَن ذَا الْحَال مُبْتَدأ: قد يُقَال هَذَا لَا يرد لِأَن المُرَاد ان هَذَا التَّقْدِير وَالْحمل يَقْتَضِي هَذَا الحكم وَأما أَن هَذَا التَّقْدِير ضَعِيف فشيء آخر لَا يُنَافِي ذَلِك. . وَكتب عِنْد قَوْله: وَحِينَئِذٍ يلْزمه ثَلَاث: هَذَا ظَاهر إِن أُرِيد الْمَفْعُول الْمُطلق من طَالِق لَا من الطَّلَاق. وَكتب شَيخنَا الشهاي الخفاجي عِنْد بَيَانه للأربعة الَّتِي فَسدتْ لأجل الْإِعْرَاب: وَمَا ادَّعَاهُ من بطلَان الْوُجُوه الْأَرْبَعَة إِذا رفع الطَّلَاق وَنصب عَزِيمَة وَثَلَاث على الحالية أَو المفعولية غير مُسلم هَذَا مَا وقفت عَلَيْهِ مِمَّا كتب على هَذَا الشّعْر. وَكَلَامهم دائر على ان ثَلَاثًا إِمَّا مفعول مُطلق لطلاق الْمُنكر أَو الْمُعَرّف وَإِمَّا حَال من الضَّمِير الْمُسْتَتر.

وَمنع الكلّ أَبُو عَليّ فِي الْمسَائِل القصرية وَمنع كَونه تمييزاً أَيْضا وعيّن أَن يكون ثَلَاثًا مَفْعُولا مُطلقًا إِمَّا لعزيمة أَو لطلقت محذوفاً وَإِمَّا ظرف لعزيمة. وحقق أَن مفَاد الْبَيْت الطَّلَاق الثَّلَاث لَا غير وهَذَا كَلَامه: قَوْله: (فَأَنت طَلَاق وَالطَّلَاق عَزِيمَة ... ثَلَاث) لَا يَخْلُو إِذا نصبت ثَلَاثًا أَن يكون مُتَعَلقا بِطَلَاق أَو غَيره فَلَا يجوز أَن يكون مُتَعَلقا بِطَلَاق لِأَنَّهُ إِن كَانَ مُتَعَلقا بِهِ لم يخل من أَن يكون طَلَاق الأول أَو الثَّانِي فَلَا يجوز أَن يكون مُتَعَلقا بِطَلَاق الأول لِأَن الطَّلَاق مصدر فَلَا يجوز ان يتَعَلَّق بِهِ شَيْء بعد الْعَطف عَلَيْهِ وَلَا يجوز ان ينصب ثَلَاث بِطَلَاق الثَّانِي لِأَنَّهُ قد أخبر عَنهُ للفصل. فَإِذا بَطل الْوَجْهَانِ جَمِيعًا ثَبت أَنه مُتَعَلق بِغَيْرِهِ: فَيجوز ان يكون مُتَعَلقا بعزيمة أَي: أعزم ثَلَاثًا وَلم يحْتَج إِلَى ذكر الْفَاعِل لِأَن مَا تقدم من قَوْله: فَأَنت طَلَاق قد دلّ على الْفَاعِل أَلا ترى أَن مَعْنَاهُ: أَنْت ذَات طَلَاق اي: ذَات طَلَاقي أَي: قد طَلقتك. فَلَا فصل بَين انت ذَات طَلَاقي وَبَين قد: طَلقتك لما أضفت الْمصدر إِلَى الْفَاعِل اسْتَغْنَيْت عَن إِظْهَار الْمَفْعُول لجري ذكره فِي الْكَلَام فحذفته كَمَا اسْتَغْنَيْت من ذكر الْمَفْعُول فِي قَوْله: والحافظين فروجهم والحافظات فَلم يحْتَج إِلَى ذكر الْفَاعِل فِي عَزِيمَة إِذْ كَانَ مصدرا كالنذير والنكير وكما لم يحْتَج إِلَيْهِ فِي قَوْله تَعَالَى: اَوْ إطْعَام فِي يَوْم ذِي مسبغة يَتِيما لتقدم ذكره فَلذَلِك لم يحْتَج إِلَى ذكر الْفَاعِل فِي عَزِيمَة فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ: أَنْت طَلَاق وَالطَّلَاق عزيمتي ثَلَاثًا أَي: أعزمه) ثَلَاث. فَيكون ثَلَاثًا

الْمَنْصُوب مُتَعَلقا بعزيمة أَو يكون تعلقه بِهِ على جِهَة الظّرْف كَأَنَّهُ قَالَ: أعزم ثَلَاث مَرَّات أَو ثَلَاث تَطْلِيقَات فَإِذا كَانَ كَذَلِك وَقع ثَلَاثًا تَطْلِيقَات لتَعلق الثَّلَاث بِمَا ذَكرْنَاهُ وَلَا يجوز ان يكون أقلّ من ذَلِك لتَعَلُّقه بالعزيمة. وَالْأَشْبَه فِيمَن نصب ثَلَاثًا أَن يكون الطَّلَاق الثَّانِي الْمُعَرّف بِاللَّامِ يُرَاد بِهِ الطَّلَاق المنكور الَّذِي تقدم ذكره أَي: ذَلِك الطَّلَاق عزمته أَي: عزمت عَلَيْهِ ثَلَاثًا. فَإِذا كَانَ كَذَلِك لم يتَّجه إِلَّا إِلَى الْإِيقَاع للثلاث. وَأما إِذا رفع ثَلَاثًا أمكن أَن يكون المُرَاد: الطَّلَاق عَزِيمَة ثَلَاث أَي: جنس الطَّلَاق ذُو عَزِيمَة ثَلَاث وَأمكن أَن يكون طَلَاقي ذُو عَزِيمَة ثَلَاث. فَإِذا امكن أَن يكون المُرَاد بِهِ طَلَاقه خَاصَّة وَأمكن أَن يكون غير طَلَاقه وَلَكِن جنس الطَّلَاق لم يُوقع بِهِ شيءاً حَتَّى يتَيَقَّن ذَلِك بِإِقْرَار من الْمُطلق أَنه أَرَادَ ذَلِك فَأَما إِذا لم يقْتَرن إِلَى هَذَا اللَّفْظ الَّذِي يحْتَمل الطَّلَاق الْخَاص وَالطَّلَاق الْعَام شَيْء يدلّ بِهِ أَنه يُرِيد بِهِ طَلَاقه خَاصَّة لم نوقعه. وَالْأَشْبَه فِي قَوْلهم: وَاحِدَة وَاثْنَتَانِ وَثَلَاث فِي الطَّلَاق وإيصالهم إِيَّاه بِهن أَن يكون مرَارًا فينتصب على أَنه ظرف من الزَّمَان يُقَوي ذَلِك قَوْله تَعَالَى: الطَّلَاق مَرَّتَانِ وَالْمعْنَى: الطَّلَاق فِي مرَّتَيْنِ إِلَّا أَنه اتَّسع فِيهِ فأقيم مقَام الْخَبَر كَمَا أقيم ظرف الزَّمَان مقَام الْفَاعِل فِي قَوْلهم: سير عَلَيْهِ طوران وسير عَلَيْهِ مَرَّتَانِ وشهران فَكَذَلِك قَوْله مَرَّتَانِ. وَإِذا كَانَ كَذَلِك كَانَ قَوْلهم: أَنْت طَالِق وَاحِدَة كانك قلت: أَنْت طَالِق مرّة وَأَنت طَالِق ثِنْتَيْنِ أَي: مرَّتَيْنِ. وَكَذَلِكَ ثَلَاثًا. فَيكون ذَلِك ظرفا من الزَّمَان. وَيجوز فِيمَن نصب ثَلَاثًا فِي الْبَيْت أَن لَا يحملهُ على عَزِيمَة وَلَكِن يحملهُ على فعل مُضْمر كَأَنَّهُ لما لم يجز أَن يحملهُ على طَلَاق الأول وَلَا على طَلَاق الثَّانِي وَكَانَ الْمَعْنى وَالْمرَاد أَن يكون يكون الثَّلَاث مَحْمُولا

على الطَّلَاق أضمر طلقت. ودلّ عَلَيْهِ مَا تقدم من ذكر الطَّلَاق فَكَأَنَّهُ قَالَ: طَلقتك ثَلَاثًا. فَأَما حمل الثَّلَاث على التَّفْسِير فِي قَوْلهم: أَنْت طَالِق ثَلَاثًا فَلَيْسَ ذَلِك من مَوَاضِع التَّفْسِير أَلا ترى أَن التَّفْسِير جَمِيع مَا كَانَ منتصباً مِنْهُ فقد نَص النحويون على جَوَاز إِدْخَال من فِيهِ وَأَن مِنْهُ مَا يردّ إِلَى الْجمع وَمِنْه مَا يقر على الْوَاحِد كَقَوْلِهِم: عشرُون من الدَّرَاهِم وَللَّه دره من رجل. وَلَا يجوز ذَلِك فِي هَذَا أَلا ترى انه لَا يَسْتَقِيم: انت طَالِق من وَاحِد وَلَا من الْعدَد وَلَا مَا أشبه ذَلِك فَإِذا كَانَ كَذَلِك لم يكن تَفْسِيرا. وَأَيْضًا فَإِن التَّفْسِير لَا يجوز أَن يكون مُعَرفا والتعريف فِي هَذَا غير مُمْتَنع تَقول: انت طَالِق) الثَّلَاث وَأَنت طَالِق الثِّنْتَيْنِ اَوْ الطلقتين. فَإِذا كَانَ كَذَلِك كَانَ ظرفا والظرف يكون تَارَة معرفَة وَتارَة نكرَة. وَقد تَقول: أَنْت طَالِق من ثَلَاث مَا شِئْت فَيكون مَا شِئْت معرفَة كانك قلت: الَّذِي شئته فَيكون معرفَة. وَلَو كَانَ تَفْسِيرا لم تقع الْمعرفَة فِي هَذَا الْموضع. وَلَا يجوز أَن ينْتَصب على أَنه حَال لِأَنَّهُ لَو كَانَ حَالا لم يجز أَن يَقع خَبرا للأبتداء فِي قَوْله: الطَّلَاق مَرَّتَانِ كَمَا لَا يكون الْحَال خَبرا للمبتدأ. وَلَو قلت: قُمْت خَلفك فَنصبت خَلفك على تَقْدِير الْحَال أَي: قُمْت ثَابتا فِيهِ لم يجز الْإِخْبَار عَنهُ لِأَن الْحَال لَا يكون خبر مُبْتَدأ. فَإِن قلت: يكون قَوْله: وَالطَّلَاق عَزِيمَة اعتراضاً بَين الصِّلَة والموصول وَتحمل ثَلَاثًا على الطَّلَاق الأول قيل: لَا يجوز أَن تحمله على الِاعْتِرَاض.

كَمَا أَن قَوْله: وأقرضوا الله قرضا حسنا فِي قَوْلنَا اعْتِرَاض الا ترى أَن ذَلِك اعْتِرَاض بَين الْخَبَر والمخبر عَنهُ وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: قل إِن الْهدى هدى الله اعْتِرَاض بَين الْمَفْعُول الَّذِي هُوَ أَن يُؤْتى أحد. وَلَا يعْتَرض بَين الطَّلَاق وَثَلَاث لِأَنَّهُ لَا مثل لَهُ يشبه بِهِ. هَذَا كُله كَلَام أبي عليّ وَقد حذفنا مِنْهُ بعض مَا يسْتَغْنى عَنهُ. وَفِي مَنعه الِاعْتِرَاض رد على كمل الْجُزْء الثَّالِث ويليه الْجُزْء الرَّابِع وأوله بَاب خبر كَانَ وَأَخَوَاتهَا وَالْحَمْد لله وَحده

عبس فَقتله. وإنّما مدح حيًّ ذبيان لتحملهم الدِّيات إصلاحاً لذات الْبَين. وَضمير كَانَ وطوى لحصين بن ضَمْضَم. والكشح الخاصرة يُقَال: طوى كشحه عَن فعلةٍ إِذا أضمرها فِي نَفسه. والمستكنّة: المستترة أَي: أضمر على غدرة مستترة لأنّه كَانَ قد أضمر قتل ورد بن حَابِس فإنّه كَانَ قتل أَخَاهُ هرم بن ضَمْضَم. وَقَوله: فَلَا هُوَ أبداها. . الخ الْمَعْنى: فَلم يظهرها وَلم يتقدّم فِيهَا قبل مَكَانهَا. ويروى: وَلم يتجمجم

بجيمين أَي: لم يتنهنه عمّا أَرَادَ مّما كتم. وَتَكون لَا مَعَ الْمَاضِي بِمَنْزِلَة لم مَعَ الْمُضَارع فِي الْمَعْنى كَقَوْلِه تَعَالَى: فَلَا اقتحم الْعقبَة أَي: لم يقتحمها. وَقَالَ أميّة بن أبي الصّلت: الرجز (إِن تغْفر اللهمّ تغْفر جمّا ... وأيّ عبدٍ لَك لَا ألمّا) أَي: لم يلمّ بالذنب. وَقَوله: وَكَانَ طوى هُوَ عِنْد المبّرد بإضمار قد أَي: قد طوى. قَالَ: لأنّ كَانَ فعل مَاض فَلَا يخبر عَنهُ إلاّ باسم أَو بِمَا ضارعه. قَالَ: وَلَا يجوز كَانَ زيد قَامَ) لأنّ زيد قَامَ يُغْنِيك عَن كَانَ. وَخَالفهُ أَصْحَابه فَقَالُوا: الْمَاضِي قد ضارع الِاسْم أَيْضا فَهُوَ يَقع خباً لَكَانَ كَمَا يَقع الِاسْم وَالْفِعْل الْمُسْتَقْبل وأمّا قَوْلك كَانَ زيد قَامَ فإنّما جِيءَ بكان لتؤكّد أَن الْفِعْل لما مضى. وَقد تقدّم فِي الشَّاهِد السَّادِس وَالْخمسين بعد الْمِائَة أول بَاب الِاشْتِغَال شرح هذَيْن الْبَيْتَيْنِ مَعَ أبياتٍ كَثِيرَة من هَذِه الْمُعَلقَة وَذكرنَا سَبَب نظمها بِمَا لَا مزِيد عَلَيْهِ إِن شَاءَ الله تَعَالَى. وَيقدم أَيْضا تَرْجَمَة زُهَيْر بن أبي سلمى فِي الشَّاهِد الثَّامِن وَالثَّلَاثِينَ بعد الْمِائَة.

(الشاهد السابع والأربعون بعد المائتين)

وَأنْشد بعده وَهُوَ 3 - (الشَّاهِد السَّابِع وَالْأَرْبَعُونَ بعد الْمِائَتَيْنِ) الْبَسِيط (أضحت خلاءً وأضحى أَهلهَا احتملوا ... أخنى عَلَيْهَا الَّذِي أخنى على لبد) على أنّ خبر أضحى يجوز أَن يكون فعلا مَاضِيا بِدُونِ قد فأهلها اسْم أضحى وَجُمْلَة احتملوا فِي مَحل نصب على أَنَّهَا خبر أضحى وَلَا تقدّر قد كَمَا ذهب إِلَيْهِ ابْن مَالك خلافًا للمبرّد كَمَا تقدّم بَيَانه. وَهَذَا الْبَيْت من قصيدةً للنّابغة الذُّبيانيّ مدح بهَا النُّعْمَان بن الْمُنْذر وَاعْتذر إِلَيْهِ مِمَّا بلغه عَنهُ وَهِي من الاعتذاريّات وَقد ألحقوها لجودتها بالمعلقات السَّبع. وَهَذَا أوّلها: (يَا دَار ميّة بالعلياء فالسّند ... أقوت وَطَالَ عَلَيْهَا سالف الْأَبَد ) (وقفت فِيهَا اصيلاً كي أسائلها ... عيّت جَوَابا وَمَا بالرّبع من أحد) (إلاّ أواريّ لأياً مَا أبيّنها ... والنؤي كالحوض بالمظلومة الْجلد) (ردّت عَلَيْهِ أقاصيه ولبّده ... ضرب الوليدة بالمسحاة فِي الثّأد) أضحت خلاءً أَهلهَا احتملوا ... ... ... ... الْبَيْت قَوْله: يَا دَار ميّة الخ قَالَ الأصبهانيّ فِي الأغاني: قَالَ الأصمعيّ: يُرِيد يَا أهل دَار ميّة. وَقَالَ الْقُرَّاء: نَادَى الديار لَا أَهلهَا أسفا عَلَيْهَا

وتشوّقاً إِلَيْهَا. وَقَالَ: أقوت وَلم يقل أقويت لأنّ من شَأْن الْعَرَب أَن يخاطبوا الشَّيْء ثمَّ يَتْرُكُوهُ ويكنون عَنهُ. هـ. العلياء بِالْفَتْح وَالْمدّ: الْمَكَان الْمُرْتَفع من الأَرْض. قَالَ ابْن السكّيت: قَالَ بالعلياء فجَاء بِالْيَاءِ لأنّه بناها على عليت بِالْكَسْرِ. والسّند: سَنَد الْوَادي فِي الْجَبَل وَهُوَ ارتفاعه حَيْثُ يسند) فِيهِ أَي: يصعد. وأقوت: خلت من أَهلهَا. والسالف: الْمَاضِي. والْأَبَد: الدّهر. وَيَأْتِي الْكَلَام على هَذَا الْبَيْت إِن شَاءَ الله تَعَالَى بِأَكْثَرَ من هَذَا فِي الْفَاء من حُرُوف الْعَطف. قَوْله: وقفت فِيهَا الخ الْأَصِيل مَا بعد الظّهر إِلَى الْغُرُوب وَرُوِيَ أصيلاناً مصغر أصلان وَهُوَ جمع الْكَثْرَة إِذا صغر ردّ إِلَى مفرده. وَرُوِيَ: وقفت فِيهَا طَويلا أَي: وقوفاً طَويلا. وَقَوله: عيّت يُقَال: عييت بِالْأَمر إِذا لم تعرف وَجهه. وجواباً قيل مَنْصُوب على الْمصدر أَي: عيّت أَن تجيب وَمَا بهَا أحدٌ. والرّبع: الْمنزل فِي الرّبيع ثمَّ كثر حتّى قيل كل منزل ربع. وَقَوله: إلاّ أواريّ بِالنّصب لأنّه اسْتثِْنَاء مُنْقَطع. والنّؤي مَعْطُوف عَلَيْهِ. وَرُوِيَ: إلاّ أواريّ بِالرَّفْع على أنّه بدل من مَوضِع قَوْله: من أحد الْوَاقِع فَاعِلا للظرف والأواريّ هِيَ الأواخيّ جمع آريّ وآخيّة بِالْمدِّ وَالتَّشْدِيد فيهمَا. والآريّ: محبس الدّابة والآخية قِطْعَة من حَبل يدْفن طرفاه فِي الأَرْض وَفِيه عصيّة أَو حجر فتظهر مِنْهُ مثل عُرْوَة تشدّ إِلَيْهِ الدّابّة وَقد

تسمى الآخية آرياً وفعلهما آريت الدابّة وأخيّتها بتَشْديد الثَّانِي. واللأي بِفَتْح اللَّام وَسُكُون الْهمزَة: البطء يُقَال: فعل كَذَا بعد لأي أَي: بعد شدّة لأياً والتأى أَي: أَبْطَأَ إبطاءً. وَالْمعْنَى: بعد بطء تعرّفتها. والنّؤي بِضَم النُّون وَسُكُون الْهمزَة: حفيرة حول الخباء وَالْبَيْت يَجْعَل ترابها حاجزاً حولهما لئلاّ يصل إِلَيْهِمَا مَاء الْمَطَر. والمظلومة: الأَرْض الَّتِي قد حفر فِيهَا فِي غير مَوضِع الْحفر. والْجلد بِفَتْح الْجِيم وَاللَّام: الأَرْض الغليظة الصّلبة من غير حِجَارَة وإنّما قصد إِلَى الْجلد لأنّ الْحفر فِيهَا يصعب فَيكون ذَلِك أشبه شيءٍ بالنؤي. قَالَ ابْن السّكّيت: إنّما قَالَ بالمظلومة لأَنهم مرّوا فِي تربةٍ فَحَفَرُوا فِيهَا حوضاً وَلَيْسَت بِموضع حَوْض فَجعل الشَّيْء فِي غير مَوْضِعه. وَهَذَا الْبَيْت يَأْتِي الْكَلَام عَلَيْهِ أَيْضا إِن شَاءَ الله فِي خبر مَا وَلَا. وَقَوله: ردّت عَلَيْهِ أقاصيه الخ أقاصيه نَائِب فَاعل ردّت وَالضَّمِير للنّؤي. والأقاصي: الْأَطْرَاف وَمَا بعد مِنْهُ أَي: والأقصى على الْأَدْنَى ليرتبع. ولبّدة: سكّنه أَي: سكنّه حفر وَقَوله: خلّت سَبِيل أتيّ الخ الأتيّ: السّيل الَّذِي يَأْتِي وَيُقَال للنهر الصَّغِير. يَقُول: لما انسدّ سَبِيل السّيل سهّلت لَهُ طَرِيقا حتّى جرى أَي: تركت الْأمة سَبِيل المَاء فِي الأتيّ ورفعته أَي: قدّمت الْحفر إِلَى مَوضِع السّجفين أوصلته إِلَيْهِمَا. وَلَيْسَ الترفيع هُنَا من ارْتِفَاع العلوّ بل هُوَ من) قَوْلهم: ارْتَفع الْقَوْم إِلَى السُّلْطَان. والسّجفان: ستران رقيقان يكونَانِ فِي مقدّم الْبَيْت. والنّضد بِفَتْح النُّون وَالضَّاد الْمُعْجَمَة: مَا نضد من مَتَاع الْبَيْت.

وَقَوله: أضحت خلاء الخ أَي: أضحت الدَّار. والْخَلَاء بِالْفَتْح وَالْمدّ: الْمَكَان الَّذِي لَا شَيْء بِهِ. واحتملوا: حمّلوا جمَالهمْ وَارْتَحَلُوا. قَالَ فِي الصِّحَاح: وأخنى عَلَيْهِ الدّهر: أَتَى عَلَيْهِ وأهلكه. وَمِنْه قَول النّابغة: أخنى عَلَيْهَا الَّذِي أخنى على لبد ولبد: آخر نسور لُقْمَان بن عَاد وَهُوَ منصرف لأنّه لَيْسَ بمعدول وَفِي الْمثل: أعمر من لبد. قَالَ الزّمخشريّ: وَهُوَ نسر لُقْمَان العاديّ سمّاه لبداً مُعْتَقدًا فِيهِ أَنه أبدٌ فَلَا يَمُوت وَلَا يذهب ويزعمون أَنه حِين كبر قَالَ لَهُ: انهض لبد فَأَنت نسر الْأَبَد. قَالَ فِي الصِّحَاح: وتزعم الْعَرَب أنّ لُقْمَان هُوَ الَّذِي بعثته عادٌ فِي وفدها إِلَى الْحرم يَسْتَسْقِي لَهَا فَلَمَّا أهلكوا خيّر لُقْمَان بَين بَقَاء سَبْعَة أنسرٍ كلما هلك نسر خلف بعده نسر فَاخْتَارَ أضحت خلاءً وأضحى أَهلهَا احتملوا ... الْبَيْت ولقمان هُوَ مِمَّن آمن بهودٍ عَلَيْهِ السَّلَام وَهلك قومه لكفرهم بِهِ عَلَيْهِ السَّلَام فأهلكهم الله تَعَالَى بالرّيح سبع لَيَال وَثَمَانِية أيّام حسوما فَلم تدع مِنْهُم أحدا وَسلم هودٌ وَمن آمن مَعَه. وَأرْسلت عَلَيْهِم يَوْم الْأَرْبَعَاء فَلم تدر الْأَرْبَعَاء وعَلى الأَرْض مِنْهُم حيّ. وَأما لُقْمَان الْمَذْكُور فِي الْقُرْآن فَهُوَ غَيره قَالَ صَاحب الكشّاف: هُوَ

(الشاهد الثامن والأربعون بعد المائتين)

لُقْمَان بن باعوراء ابْن أُخْت أيّوب أَو ابْن خَالَته وَقيل: كَانَ يُفْتِي قبل مبعث دَاوُد فلمّا بعث قطع الْفَتْوَى فَقيل لَهُ فَقَالَ: أَلا أكتفي إِذا كفيت وَقيل: كَانَ قَاضِيا فِي بني إِسْرَائِيل. وَأكْثر الْأَقَاوِيل أَنه كَانَ حكيماً وَلم يكن نَبيا. - وَعَن ابْن عبّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما: لُقْمَان لم يكن نَبيا وَلَا ملكا وَلَكِن كَانَ رَاعيا أسود فرزقه الله الْعتْق وَرَضي قَوْله ووصيّته فقصّ أمره فِي الْقُرْآن ليتمسّكوا بوصيته. وَقَالَ عِكْرِمَة والشّعبي: كَانَ نبيّا. وَقيل: خيّر بَين النّبوّة وَالْحكمَة. وَعَن ابْن المسّيب: كَانَ أسود من سودان مصر خياطاً. وَعَن مُجَاهِد: كَانَ عبدا أسود غليظ الشّفتين متشقق الْقَدَمَيْنِ. وَقيل: كَانَ نجاراً وَقيل كَانَ رَاعيا وَقيل: كَانَ يختطب لموالاة كل يَوْم حزمة. هـ. وَهُوَ مُتَأَخّر عَن لُقْمَان العاديّ لِأَن هوداً متقدمٌ على أَيُّوب وَدَاوُد يُقَال للعاديّ: لُقْمَان) وانشد بعده وَهُوَ 3 - (الشَّاهِد الثَّامِن وَالْأَرْبَعُونَ بعد الْمِائَتَيْنِ) وَهُوَ من شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ:

الْبَسِيط (قد قيل ذَلِك إِن حقّا وَإِن كذبا ... فَمَا اعتذارك من شَيْء إِذا قيلا) على أنّ كَانَ تحذف مَعَ اسْمهَا بعد إِن الشرطيّة أَي: إِن كَانَ ذَلِك حَقًا وَإِن كَانَ كذبا جعله صَاحب اللّبَاب من قبيل: النّاس مجزيّون بأعمالهم: إِن خيرا فَخير وَإِن شرّاً فشرّ فِي الْوُجُوه الْأَرْبَعَة. - قَالَ شَارِحه الفالي: يجوز فِيهِ أَرْبَعَة أوجه: رفعهما ونصبهما وَرفع الأوّل وَنصب الثَّانِي وَبِالْعَكْسِ. وَتَقْدِير الرّفْع فيهمَا: إِن وَقع حقٌ وَإِن وَقع كذبٌ أَو إِن كَانَ فِيهِ أَي: فِي الْمَقُول حقّ وَإِن كَانَ فِيهِ كذب. ونصبهما على أنّهما خبر كَانَ وَالتَّقْدِير: إِن كَانَ الْمَقُول حَقًا وَإِن كَانَ الْمَقُول كذبا وَأما رفع أَحدهمَا وَنصب الآخر فَيظْهر من بَيَان نصبهما ورفعهما. وإنّما قَالَ: مِنْهُ لِأَن الْوُجُوه الْأَرْبَعَة كَانَت فِي الشَّرْط وَالْجَزَاء وَهُوَ إِن خيرا فَخير وَفِي الْبَيْت الْوُجُوه فِي الشَّرْطَيْنِ وهما إِن حَقًا وَإِن كذبا. وَهَذَا الْبَيْت من قصيدةٍ للنّعمان بن الْمُنْذر أوّلها: (شرّد برحلك عنّي حَيْثُ شِئْت وَلَا ... تكْثر عليّ ودع عَنْك الأقاويلا) (فقد رميت بداءٍ لست غاسله ... مَا جاور السّيل أهل الشّام والنّيلا) (فَمَا انتفاؤك مِنْهُ مَا قطعت ... هوج المطيّ بِهِ أكناف شمليلا) (قد قيل ذَلِك إِن حَقًا وَإِن كذبا ... فَمَا اعتذارك من شيءٍ إِذا قيلا) (فَالْحق بِحَيْثُ رَأَيْت الأَرْض وَاسِعَة ... وانشر بهَا الطّرف إِن عرضا وَإِن طولا)

قَوْله: شرّد برحلك أَي: أبعده وارتحل عني. وَقَوله: فقد رميت رُوِيَ بدله: فقد ذكرت بِهِ والرّكب حامله وَضمير بِهِ وحامله للبرص الْمَذْكُور. وَقَوله: شمليلا قَالَ البكريّ فِي مُعْجم مَا استعجم: هُوَ بِكَسْر أَوله وَإِسْكَان ثَانِيه بعده لَام مَكْسُورَة على وزن فعليل بلد وانشد هَذَا الْبَيْت. وَمن الْعَجَائِب تَفْسِير العينيّ إيّاه بالناقة الْخَفِيفَة وكأنّه يكْتب من غير أَن يتصورّ الْمَعْنى. وَالسَّبَب فِي هَذِه الأبيات هُوَ مَا رَوَاهُ الْحسن الطوسيّ فِي شرح ديوَان لبيد والمفضّل بن سَلمَة) فِي الفاخر وَابْن خلف فِي شرح أَبْيَات سِيبَوَيْهٍ وَقد تدَاخل كَلَام كل مِنْهُم فِي الآخر أنّ وَفد بني عَامر مِنْهُم طفيل بن مَالك وعامر بن مَالك أَتَوا النُّعْمَان بن الْمُنْذر أول مَا ملك فِي أُسَارَى من بني عَامر يشترونهم مِنْهُ وَمَعَهُمْ نَاس من بني جَعْفَر وَمَعَهُمْ لبيدٌ وَهُوَ غلامٌ صَغِير فخلّفوه فِي رحالهم ودخلوا على النّعمان فوجدوا عِنْده الرّبيع بن زِيَاد العبسيّ وَكَانَ نديم النّعمان قد غلب على حَدِيثه ومجلسه فَجعل الرّبيع يهزأ يهم ويسخر مِنْهُم لعداوة غطفان وهوازن فغاظهم ذَلِك فَرَجَعُوا بِحَال سيّئة فَقَالَ لَهُم لبيد: إنّكم تنطلقون بِحَال حَسَنَة ثمَّ ترجعون وَقد ذهب ذَاك وَتغَير. قَالُوا: خَالك وَكَانَت أمّ لبيد عبسيّة كلّما أقبل علينا بِوَجْهِهِ صدّه عنّا بِلِسَان بليغ مُطَاع. فَقَالَ لَهُم لبيد: فَمَا يمنعكم من معارضته قَالُوا: لحسن مَنْزِلَته عِنْد النُّعْمَان. قَالَ: فَانْطَلقُوا بِي مَعكُمْ. فأزمعوا أَن يذهبوا بِهِ وحلقوا رَأسه وألبسوه حلّةً وَغدا مَعَهم فَانْتَهوا إِلَى النُّعْمَان وربيع مَعَه وهما يأكلان طَعَاما وَقيل تَمرا وزبداً فَقَالَ لبيد: أَبيت اللَّعْن وَإِن رَأَيْت أَن تَأذن لي فِي الْكَلَام. فَأذن لَهُ فَأَنْشد:

الرجز (مهلا أَبيت اللّعن لَا تَأْكُل مَعَه ... إنّ استه من برص ملمّعه) (وإنّه يدْخل فِيهَا إصبعه ... يدخلهَا حتّى يواري أشجعه) كَأَنَّمَا يطْلب شَيْئا ضيّعه وَسَيَأْتِي شرح هَذِه الأبيات إِن شَاءَ الله تَعَالَى فِي ربّ من حُرُوف الجرّ. فَرفع النّعمان يَده وأفّف وَقَالَ: كفّ وَيلك يَا ربيع إِنِّي أحسبك كَمَا ذكر. فَقَالَ الرّبيع: إنّ الْغُلَام لَكَاذِب. فَترك النّعمان مؤاكلته وَقَالَ: عد إِلَى قَوْمك. فَمضى الرّبيع لوقته وتجرّد وأحضر من شَاهد بدنه وَأَنه لَيْسَ فِيهِ سوء وَلحق بأَهْله وَأرْسل إِلَى النُّعْمَان بِأَبْيَات مِنْهَا: الْبَسِيط (لَئِن رحلت ركابي لَا إِلَى سعةٍ ... مَا مثلهَا سعةٌ عرضا وَلَا طولا) (وَلَو جمعت بني لخمٍ بأسرتها ... لم يعدلُوا ريشةً من ريش قتميلا) وروى: شمويلا فَأَجَابَهُ النّعمان: (شرّد برحلك عنّي حَيْثُ شِئْت وَلَا ... تكْثر عليّ ودع عَنْك الأقاويلا) الأبيات: والنّعمان بن الْمُنْذر هُوَ آخر مُلُوك الْحيرَة تقدّمت تَرْجَمته فِي الشَّاهِد الْخَامِس وَالْخمسين بعد) الْمِائَة. وأمّا الرّبيع فَهُوَ الرّبيع بن زِيَاد العبسيّ قَالَ الزّمخشريّ فِي مستقصى الْأَمْثَال: أَنْجَب من بنت الخرشب هِيَ فَاطِمَة الأنماريّة ولدت لزياد

(الشاهد التاسع والأربعون بعد المائتين)

العبسيّ الكملة: ربيعاً الْكَامِل وَعمارَة الوهّاب وَقيس الْحفاظ وَأنس الفوارس. وَقيل لَهَا: أيّ بنيك أفضل فَقَالَت: ربيع بل عمَارَة بل قيس بل أنس ثكلتهم إِن كنت وَأنْشد بعده وَهُوَ 3 - (الشَّاهِد التَّاسِع وَالْأَرْبَعُونَ بعد الْمِائَتَيْنِ) وَهُوَ من شَوَاهِد س: الْبَسِيط (أَبَا خراشة أمّا أَنْت ذَا نفر ... فإنّ قومِي لم تأكلهم الضّبع) على أَن أصل أما أَنْت: لِأَن كنت. كَمَا شَرحه الشَّارِح الْمُحَقق وبيّن مختاره وَسَيَأْتِي فِي الشَّاهِد الَّذِي يَلِيهِ ذكر من وَافقه. وَهَذَا الْبَيْت وَنَحْوه اخْتلف فِي تَخْرِيجه أهل البلدين قَالَ أَبُو عليّ فِي البغداديات: قَالَ سِيبَوَيْهٍ: سَأَلته يَعْنِي الْخَلِيل عَن قَوْله: أما أَنْت مُنْطَلقًا أَنطلق مَعَك فَرفع وَهُوَ قَول أبي عَمْرو حدّثنا بِهِ يُونُس يُرِيد أنّه رفع أَنطلق وَلم يجزمه على أنّه جَزَاء. وَحكى أَبُو عمر الجرميّ عَن الأصمعيّ

فِيمَا أظنّ المجازاة بأمّا الْمَفْتُوحَة الْهمزَة وَزعم أنّه لم يحكه غَيره. وَهَذَا الَّذِي حَكَاهُ أَبُو عمر يقويّه الَّذِي ذكرنَا وَهُوَ: أَبَا خراشة أمّا أَنْت ذَا نفرٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْبَيْت مَا يحمل عَلَيْهِ أَن فَيتَعَلَّق بِهِ كَمَا أَنَّهَا فِي قَوْلهم أما أَنْت مُنْطَلقًا أَنطلق مَعَك فَإِن قلت: يكون مُتَعَلقا بِفعل مُضْمر يفسّره مَا بعده فَالْجَوَاب مَا يكون تَفْسِيرا لَا يعْطف بِهِ على المفسّر أَلا ترى أنّك تَقول: إِن زيدا ضَربته وَلَا يجوز إِن زيدا فضربته فَإِذا لم يجز كَانَت الْفَاء فِي فإنّ قومِي جَوَاب شَرط وَأَنت مُرْتَفع بِفعل مُضْمر. فَإِن قلت: قد تزاد الْفَاء كَمَا حكى أَبُو الْحسن: أَخُوك فَوجدَ فاحملها فِي الْبَيْت على هَذَا ليصحّ إِضْمَار الْفِعْل المفسّر وَفِي حمل الْبَيْت عَلَيْهِ تقويةٌ لما ذهب إِلَيْهِ سِيبَوَيْهٍ من أَن أمّا فِي الْبَيْت إنّما هِيَ أَن الناصبة ضمّت إِلَيْهَا مَا إلاّ أَن القَوْل بزيادتها لَيْسَ من مذهبي هـ. وَقَالَ ابْن الْحَاجِب فِي اماليه: دُخُول الْفَاء هُنَا فِي الْمَعْنى كدخولها فِي جَوَاب الشَّرْط لأنّ قَوْلك) لِأَن كنت مُنْطَلقًا انْطَلَقت بِمَعْنى قَوْلك: إِن كنت مُنْطَلقًا انْطَلَقت لِأَن الأول سببٌ للثَّانِي فِي الْمَعْنى فلمّا كَانَ كَذَلِك دخلت دلَالَة على السّبييّة كَمَا تدخل فِي جَوَاب الشَّرْط فَلهَذَا الْمَعْنى جَاءَت الْفَاء بعد الشَّرْط المحقّق وَالتَّعْلِيل وَهِي لَهما جَمِيعًا فِي الْمَعْنى. هـ. وَقَالَ ابْن خلف: قَالَ عليّ بن عبد الرّحمن: عِنْدِي فِيهِ وجهٌ آخر وَهُوَ أَن تجْعَل الْفَاء جَوَابا لما دلّ عَلَيْهِ حرف النّداء المقدّر من التَّنْبِيه

والإيقاظ كأنّه قَالَ: تنبّه وتيقظ. فإنّ قومِي لم تأكلهم الضبّع. وَفِيه نظر. وَقَالَ بعض فضلاء الْعَجم فِي شرح أَبْيَات الْمفصل: الْفَاء لتعليل لم أذلّ المقدّر وَالْمعْنَى: وَيجوز أَن أَن تكون الْفَاء جَزَاء الشَّرْط فِي قَوْله: أمّا أَنْت بِنَاء على مَذْهَب الكوفييّن: من أنّ أصل أَن فِي هَذَا إِن الْمَكْسُورَة الَّتِي للجزاء وأنّها إنّما تفتح إِذا دخلت عَلَيْهَا مَا لَيْلهَا الِاسْم. ويجيزون أمّا زيد قَائِما أقِم مَعَه بِفَتْح الْهمزَة هـ. وَقَالَ عليّ بن عبد الرّحمن: وَفِي الْبَيْت عِنْدِي حذف يقوم من بقّيته الدّلالة عَلَيْهِ وَهُوَ بطرت أَو بغيت أَو فخرت وَبِه يتَعَلَّق الجارّ ثمّ اسْتَأْنف فَقَالَ: إِن قومِي الخ. وَقَوله: أَبَا خراشة بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة منادى بِحَذْف حرف النّداء المقدّر. وَأَبُو خراشة كنيةٌ واسْمه خفاف بن ندبة بضمّ الْخَاء الْمُعْجَمَة وَتَخْفِيف الْفَاء. وندبة بِفَتْح النُّون وَسُكُون الدَّال بعْدهَا موحّدة وَهِي اسْم أمّه اشْتهر بهَا. وخفاف صحابيّ شهد فتح مكّة مَعَ النّبي صلّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَعَهُ لِوَاء بني سليم وَشهد حنيناً والطائف أَيْضا وَهُوَ مِمَّن ثَبت على إِسْلَامه فِي الرّدّة وَهُوَ أحد فرسَان قيس وشعرائها. وَكَانَ أسود حالكاً وَهُوَ أحد أغربة

الْعَرَب الثَّلَاثَة وَهُوَ ابْن عمّ الخنساء الصّحابيّة الشّاعرة وَتَأْتِي لَهُ تَرْجَمَة أبسط ممّا هُنَا فِي مَحَله إِن شَاءَ الله تَعَالَى. وأَنْت اسْم لَكَانَ المحذوفة وذَا نفر خَبَرهَا. وَعند ابْن جنّي هما معمولان لما الْوَاقِعَة عوضا من الْفِعْل ومصلحة للّفظ لتزول مُبَاشرَة أَن الِاسْم وَهَذِه عِبَارَته فِي الخصائص: فَإِن قلت: بِمَ ارْتَفع وانتصب: أَنْت مُنْطَلقًا قيل بِمَا لِأَنَّهَا عَاقَبت الْفِعْل الرافع النّاصب فَعمِلت عمله من الرّفْع والنّصب وَهَذِه طَريقَة أبي عليّ وجلّة أَصْحَابنَا من قبل أنّ الشَّيْء إِذا عاقب الشَّيْء ولي من الْأَمر مَا كَانَ الْمَحْذُوف يَلِيهِ من ذَلِك الظّرْف إِذا تعلّق بالمحذوف فإنّه يتضمّن الضَّمِير الَّذِي كَانَ فِيهِ وَيعْمل مَا كَانَ يعمله: من نَصبه الْحَال والظرف وعَلى ذَلِك صَار قَوْله: فَاه إِلَى فيّ من) قَوْله: كَلمته فَاه إِلَى فيّ ضَامِنا للضمير الَّذِي كَانَ فِي جاعلاً لّما عاقبه. هـ. قَالَ ابْن خلف: وعَلى هَذَا يلغز فَيُقَال: هَل تعرف مَا فِي كَلَام الْعَرَب رَافِعَة للاسم وناصبه للْخَبَر وَلَيْسَت بالنافية الَّتِي يعملها أهل الْحجاز بل هِيَ موجبةٌ لَا نَافِيَة.

وروى أَبُو خَليفَة الدّينوريّ فِي كتاب النَّبَات وَتَبعهُ ابْن دُرَيْد فِي الجمهرة: أَبَا خراشة أما كنت ذَا نفرٍ وَعَلَيْهَا فَلَا شَاهد فِي الْبَيْت وَمَا زَائِدَة. وَهَذِه الرِّوَايَة تؤيّد قَول الكوفييّن الْقَائِلين إِن الْمَفْتُوحَة شرطيّة يجازى بهَا. وَمن الغرائب مَا نَقله صَاحب نفحات الأرج فِي شرح أَبْيَات الْحجَج عَن الأصمعيّ أنّ الْعَرَب تجازي بأنت فَتَقول: مَا أَنْت منطلق أَنطلق مَعَك. وَهَذَا نَادِر وَلَا يعْتَبر فَإِن المجازاة لَا تقع إلاّ على الْفِعْل وأمّا الْأَسْمَاء فإنّها لَا يصحّ عَلَيْهَا المجازاة. كَذَا فِي شرح أَبْيَات الموشح. والنَّفر قَالَ الفرّاء: نفر الرجل: رهطه وَيُقَال لعدّة من الرّجال من ثَلَاثَة إِلَى عشرَة وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُور. والضّبع قَالَ حَمْزَة الْأَصْبَهَانِيّ فِي أَمْثَاله الَّتِي على وزن أفعل عِنْد قَوْله: أفسد من الضّبع: إِنَّهَا إِذا وَقعت فِي الْغنم عاثت وَلم تكتف بِمَا يَكْتَفِي بِهِ الذِّئْب. وَمن إفسادها وإسرافها فِيهِ استعارت الْعَرَب اسْمهَا للسّنة المجدبة فَقَالُوا: أكلتنا الضبع. وَقَالَ ابْن الأعرابيّ: لَيْسَ يُرِيدُونَ بالضّبع السّنة وإنّما هُوَ أنّ النَّاس إِذا أجدبوا ضعفوا عَن الِانْتِصَار وَسَقَطت قواهم فعاثت فيهم الضباع والذّئاب فأكلتهم وَمِنْه قَوْله: أَبَا خراشة أما أَنْت ذَا نفر ... ... ... ... الْبَيْت

أَي: إنّ قومِي لَيْسُوا بضعافٍ تعيث فيهم الضباع والذئاب. وَإِذا اجْتمع الذّئب والضبع فِي الْغنم سلمت الْغنم وَمِنْه قَوْلهم اللهمّ ذئباً وضبعاً أَي: اجمعهما فِي الْغنم لأنّ كلاًّ مِنْهُمَا يمْنَع صَاحبه هـ. وَهَذَا الْبَيْت من أَبْيَات للعبّاس بن مرداس السّلميّ لَا للهذليّ كَمَا زعم بعض شرّاح أَبْيَات الْمفصل. وَبعده: (السّلم تَأْخُذ مِنْهَا مَا رضيت بِهِ ... وَالْحَرب يَكْفِيك من أنفاسها جرع) وَهَذَا الْبَيْت اسْتشْهد بِهِ الْبَيْضَاوِيّ عِنْد قَوْله تَعَالَى: ادخُلُوا فِي السّلم كَافَّة على أنّ السّلم) تؤنث كالحرب. قَالَ صَاحب الصِّحَاح: السّلم الصُّلْح تفتح وتكسر وتذكّر وتؤنث. وَكَذَلِكَ اسْتشْهد بن ابْن السّكّيت فِي إصْلَاح الْمنطق قَالَ التّبريزيّ فِي أيضاح الْإِصْلَاح: الجرع: جمع جرعة: وَهِي ملْء الْفَم. يُخبرهُ أنّ السّلم هُوَ فِيهَا وداع ينَال من مطالبه مَا يُرِيد فَإِذا جَاءَت الْحَرْب قطعته عَن لذاته وشغلته بِنَفسِهِ هـ.

(الشاهد الخمسون بعد المائتين)

وَهَذَا تحريضٌ على الصُّلْح وتثبيط على الْحَرْب. وَأَرَادَ بأنفاسها أوائلها ومن فِي الْمَوْضِعَيْنِ ابتدائية. وَالْعَبَّاس بن مرداس صحابيّ أسلم قبل فتح مَكَّة بِيَسِير وَهُوَ مِمَّن حرّم الْخمر على نَفسه فِي الْجَاهِلِيَّة وَقد تقدّمت تَرْجَمته فِي الشَّاهِد السَّابِع عشر من أَوَائِل الْكتاب. وَأنْشد بعده وَهُوَ 3 - (الشَّاهِد الْخَمْسُونَ بعد الْمِائَتَيْنِ) الْبَسِيط (إمّا أَقمت وأمّا أَنْت مرتحلاً ... فَالله يكلأ مَا تَأتي وَمَا تدر) على أَنه يدل لصِحَّة قَول الْكُوفِيّين: كَون أَن الْمَفْتُوحَة الْهمزَة أَدَاة شَرط مَجِيء الْفَاء فِي جوابها مَعَ عطف أما أَنْت على إِمَّا أَقمت بِكَسْر الْهمزَة. قد صوّب ابْن هِشَام أَيْضا فِي الْمُغنِي رَأْي الْكُوفِيّين كَمَا صوّب الشَّارِح المحقّق واستدلّ لَهُم بِعَين مَا اسْتدلَّ بِهِ الشَّارِح وَهَذَا من توَافق الخاطر كَمَا يُقَال قد يَقع الْحَافِر مَوضِع الْحَافِر. وَهَذِه عِبَارَته:

ويرجح مَذْهَب الكوفييّن عِنْدِي أُمُور: أَحدهَا توارد إِن الْمَفْتُوحَة والمكسورة على المحلّ الْوَاحِد وَالْأَصْل التوافق وَقُرِئَ بِالْوَجْهَيْنِ فِي قَوْله تَعَالَى: أَن تضلّ إِحْدَاهمَا ولَا يجر مِنْكُم شنآن قوم أَن صدوكم أفنضرب عَنْكُم الذّكر صفحاً أَن كُنْتُم قوما مسرفين. وَرُوِيَ بِالْوَجْهَيْنِ قَوْله: الطَّوِيل الثَّانِي مَجِيء الْفَاء بعْدهَا كثيرا كَقَوْلِه: أَبَا خراشة أما أَنْت ذَا نفر ... ... ... ... . . الْبَيْت الثَّالِث عطفها على أَن الْمَكْسُورَة فِي قَوْله: إِمَّا أَقمت وَأما أَنْت مرتجلا ... ... ... ... . الْبَيْت) الرِّوَايَة بِكَسْر إِن الأولى وَفتح الثَّانِيَة. فَلَو كَانَت الْمَفْتُوحَة مصدريّة لزم عطف الْمُفْرد على الْجُمْلَة. وتعسّف ابْن الْحَاجِب فِي تَوْجِيه ذَلِك فَقَالَ: لما معنى قَوْلك إِن جئتني أكرمتك وقولك أكرمك لإتيانك إيّاي وَاحِدًا صحّ عطف التَّعْلِيل على الشَّرْط فِي الْبَيْت. وَكَذَلِكَ تَقول: إِن جئتني وأحسنت

إليّ أكرمتك ثمَّ تَقول: إِن جئتني ولإحسانك إليّ أكرمتك وَتجْعَل الْجَواب لَهما هـ. وَمَا أظنّ أنّ الْعَرَب فاهت بذلك يَوْمًا. انْتهى كَلَام ابْن هِشَام. وَكَلَام ابْن الْحَاجِب الَّذِي نَقله هُوَ فِي الْإِيضَاح شرح الْمفصل وَقد اختصر كَلَامه وَهَذِه عِبَارَته: وَقد رُوِيَ قَوْله: إمّا أَقمت وَأما أَنْت مرتحلا ... ... ... ... الْبَيْت بِكَسْر الأول وَفتح الثَّانِي: أمّا كسر الأوّل فلأنّه شَرط فَوَجَبَ كَسره وَدخُول مَا عَلَيْهِ كدخولها فِي قَوْلك: أمّا أَنْت مُنْطَلقًا. وَقد تقدّم ذكره. وَقَوله: فَالله يكلأ مَا تَأتي الخ فجواب الشَّرْط معلّل بقوله: أمّا أَنْت مرتحلا. وصحّ أَن يكون لَهما جَمِيعًا من حَيْثُ كَانَ الشَّرْط والعلّة فِي معنى وَاحِد أَلا ترى أَن قَوْلك إِن أتيتني أكرمتك. بِمَعْنى قَوْلك: أكرمتك لأجل إتيانك فَإِذا ثَبت أنّ الشَّرْط والتّعليل بِمَعْنى واحدٍ صحّ أَن تعطف أَحدهمَا على الآخر وَتجْعَل الْجَواب لَهما جَمِيعًا فِي الْمَعْنى فَصَارَ مثل قَوْلك: إِن أكرمتني وأحسنت إليّ أكرمتك وإلاّ أنّه وضع مَوضِع أَحْسَنت إليّ لفظ التَّعْلِيل فَصَارَ كَأَنَّك قلت: إِن أكرمتني فلأجل إتيانك فَأَنا أكرمك. وَذَلِكَ سَائِغ. هَذَا كَلَامه. وَقد ناقش الدّمامينيّ كَلَام ابْن هِشَام فِي الأدلّة الثَّلَاثَة بالتعسّف كَمَا لَا يخفى على من تامله. والكلاءة بِالْفَتْح والمدّ: الْحِفْظ ومَا مَوْصُولَة والعائد مَحْذُوف أَي: مَا تَأتيه وَمَا تذره. وتذر بِمَعْنى تتْرك وَقد أماتوا ماضيه ومصدره وَاسم فَاعله وَاسم مَفْعُوله كيدع. وَهَذَا الْبَيْت مَعَ استفاضته فِي كتب النَّحْو لم أظفر بقائله وَلَا بتتمته وَالله أعلم بِهِ.

(الشاهد الحادي والخمسون بعد المائتين)

وانشد بعده وَهُوَ 3 - (الشَّاهِد الْحَادِي وَالْخَمْسُونَ بعد الْمِائَتَيْنِ) وَهُوَ من شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ: الطَّوِيل (وَمن عضةٍ مَا ينبتن شكيرها) على أَن زِيَادَة مَا للتَّأْكِيد بِمَنْزِلَة اللَّام ولأجلها جَازَ تَأْكِيد الْفِعْل بالنُّون. وَسَيَأْتِي نقل كَلَام سِيبَوَيْهٍ فِي آخر الشَّاهِد السَّابِع وَالْأَرْبَعِينَ بعد التسْعمائَة فِي نون التوكيد. قَالَ الصاغانيّ تبعا لصَاحب وَغَيره: الشكير: مَا ينْبت حول الشَّجَرَة من أَصْلهَا قَالَ: (إِذا مَاتَ مِنْهُم ميتٌ سرق ابْنه ... وَمن عضةٍ مَا ينبتنّ شكيرها) يُرِيد أنّ الابْن يشبه أَبَاهُ فَمن رأى هَذَا ظَنّه فَكَأَن الابْن مَسْرُوق. وَفِي فعله يُقَال: شكرت الشَّجَرَة تشكراً من بَاب فَرح أَي: خرج مِنْهَا الشّكير. وَهَذَا التَّفْسِير مَنْقُول من تَهْذِيب الْأَزْهَرِي. وَأورد الزمخشريّ المصراع الثَّانِي فِي أَمْثَاله وَقَالَ: والعضة بِالْهَاءِ وَالتَّاء جَمِيعًا. والشكير: الْوَرق. وَكَذَلِكَ اقْتصر ابْن هِشَام فِي حَوَاشِي التسهيل عَلَيْهِ لكنّه قَالَ: هَذَا

(الشاهد الثاني والخمسون بعد المائتين)

مثلٌ لمن أظهر خلاف مَا أبطن. والعضة: شَجَرَة وشكيرها: شَوْكهَا وَقيل صغَار وَرقهَا. يَعْنِي أنّ كبار الْوَرق إنّما تنْبت من صغارها أَي: مَا ظهر من الصغار يدلُّ على الْكِبَار هـ. وَهَذَا التَّفْسِير مَبْنِيّ على قطع النّظر عَن المصراع الأوّل. وَقَوله: سرق ابْنه اخْتلف فِي ضَبطه فالجمهور على أنّه بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول بِتَقْدِير سرق مِنْهُ وَضَبطه الْخَطِيب التّبريزيّ بِالْبِنَاءِ للْفَاعِل على تَقْدِير سرق ابْنه صورته وشمائله. وَضَبطه بَعضهم: شرف ابْنه بِالْمُعْجَمَةِ وَالْفَاء وَالْبناء للمعلوم من الشّرف وَهُوَ الْمجد وَلَا يخفى ركاكته. والعضة: وَاحِدَة العضاه عضاهة وعضهة بِكَسْر فَسُكُون وعضة بِحَذْف الْهَاء الْأَصْلِيَّة كَمَا حذف من الشّفة هـ. وعَلى هَذَا فالعضة فِي الْمثل بِالتَّاءِ لَا بِالْهَاءِ. وروى الْأسود أَبُو مُحَمَّد الأعرابيّ هَذَا الْبَيْت فِي كتاب السّلة والسّرقة على مَا تقدّم وَقَالَ: وَمثل آخر: (وَمن عضةٍ مَا ينبتنّ شكيرها ... قَدِيما ويقتطّ الزّناد من الزّند) وَلم يُورد شرّاح أَبْيَات سِيبَوَيْهٍ هَذَا المصراع فِي شواهده.) وَأنْشد بعده وَهُوَ 3 - (الشَّاهِد الثَّانِي وَالْخَمْسُونَ بعد الْمِائَتَيْنِ) وَهُوَ من شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ:

الرجز من لد شولاً فَإلَى إتلائها على أنّ كَانَ قد تحذف بعد لد كَمَا هُنَا وَالتَّقْدِير: من لد كَانَت شولاً. قد ذكر الشَّارِح فِي الظروف أنّ لدن بِجَمِيعِ لغاتها مَعْنَاهَا أوّل غَايَة زمَان أَو مَكَان وقلّما يفارقها من فَإِذا أضيفت إِلَى الْجُمْلَة تمحّضت للزمان لأنّ ظروف الْمَكَان لَا يُضَاف مِنْهَا إِلَى الْجُمْلَة إلاّ حَيْثُ. وَيجوز تصدير الْجُمْلَة بحرفٍ مصدريّ لما لم يتمحّض لدن فِي الأَصْل للزمان فنصب هُنَا شولاً لأنّه أَرَادَ الزّمان ولد إنّما يُضَاف إِلَى مَا بعده من زمَان يتَّصل بِهِ أَو مَكَان إِذا اقترنت بِهِ إِلَى والشّول لَا يكون زَمَانا وَلَا مَكَانا فَلَمَّا لم يجز أَن يُضَاف لد إِلَيْهَا نصبها على أنّها خير لَكَانَ المقدّرة. والشّول بِفَتْح الشين الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْوَاو: اسْم جمع شَائِلَة بالناء وَهِي النَّاقة الَّتِي ارْتَفع لَبنهَا وجفّ ضرْعهَا وأتى عَلَيْهَا من نتاجها سَبْعَة أشهر وَثَمَانِية. وَاسم كَانَ المقدّرة ضمير النوق فِي كلامٍ تقدّم قبله وأضمرت كَانَ هُنَا لوقوعها فِي مثله كثيرا وحذفت نون لدن لِكَثْرَة الِاسْتِعْمَال. وَقيل شولاً هُنَا مصدر شالت النَّاقة بذنبها أَي: رفعته للضّراب فَهِيَ شائل بِغَيْر تَاء وَالْجمع شوّل كراكع وَركع فَيكون التَّقْدِير: من لدن شالت شولاً فَلَيْسَ فِيهِ حذف كَانَ مَعَ اسْمهَا بل هُوَ من بَاب حذف عَامل الْمصدر المؤكّد. والمصادر تسْتَعْمل فِي معنى الْأَزْمِنَة كجئتك صَلَاة الْعَصْر. قَالَ أَبُو عليّ: الْأَشْبَه أَن يكون الْمصدر فِي نَحْو هَذَا على فعلان فَلذَلِك لم يقوّه سِيبَوَيْهٍ قَالَ ابْن هِشَام فِي شرح شواهده: وَقد يرجّح كَونه من بَاب حذف

عَامل الْمصدر الْمُؤَكّد وردّ بِأَنَّهُ من لد شولٍ بالخفض وَلَا يُقَال من لد النّوق فَإلَى إتلائها. وَيُجَاب بِأَن التَّقْدِير من لدن شولان شول أَو زمَان شول أَو كَون شول فَحذف الْمُضَاف. وَالتَّقْدِير الْأَخير أولى ليتّحد الْمَعْنى فِي الرِّوَايَتَيْنِ وَلَكِن يحْتَاج على هَذَا التَّقْدِير إِلَى الْخَبَر أَي:) مَوْجُودَة. فَإِن قدّر الْكَوْن مصدر كَانَ التامّة لم يحْتَج إِلَى ذَلِك وَلَكِن لَا يَقع التَّوْفِيق بَين الرِّوَايَتَيْنِ فِي التَّقْدِير. وَقد يرجّح الثَّانِي بِرِوَايَة الْجرْمِي من لد شولا بِغَيْر تَنْوِين على أنّ أَصله شولاء بِالْمدِّ وَمن الْغَرِيب أنّ بَعضهم زعم أَن انتصاب شولاً بعد لد على التَّمْيِيز أَو التَّشْبِيه بالمفعول بِهِ كانتصاب غدْوَة بعْدهَا فِي قَوْلهم لدن غدوةٌ وَأَنه لَا تَقْدِير فِي هَذَا الْبَيْت. وَهَذَا مَرْدُود باتفاقهم على اخْتِصَاص هَذَا الحكم بغدوة وَأَنه لم يسمع غدْوَة مَعَ حذف النُّون من لدن هـ. وَتَقْدِير الشَّارِح المحقّق كَانَ بِدُونِ أنّ المصدرية هُوَ الصّواب خلافًا لسيبويه فإنّه قَالَ: التَّقْدِير من لد أَن كَانَت شولاً. قَالَ ابْن الدهّان: الْحَامِل لَهُ على هَذَا التَّقْدِير أنّ لدن لَا تُضَاف عِنْده إِلَى الْجمل وردّ هَذَا الْحَامِل بِلُزُوم أَن يقدّر سِيبَوَيْهٍ أَن فِي قَوْله: الطَّوِيل لدن شبّ حتّى شَاب سود الذّوائب وَنَحْوه وَهُوَ كثير وَذَلِكَ بعيد. وَاخْتلف فب تَقْدِير سِيبَوَيْهٍ: قَالَ الشاطبيّ فِي شرح الألفيّة فَقيل هُوَ

تقديرٌ معنوي لَا إعرابيّ لأنّ شولاً يصير على ذَلِك التَّقْدِير من صلَة أَن والموصول لَا يحذف وَيبقى بعض الصِّلَة نصّ عَلَيْهِ سِيبَوَيْهٍ فِي بَاب الِاسْتِثْنَاء فِي قَوْله: إلاّ الفرقدان وإنّما التَّقْدِير: من لد كَانَت أَي: من لد كَونهَا شولاً لِأَن الْجُمْلَة تقدّر بِالْمَصْدَرِ إِذا أضيف إِلَيْهَا الظّرْف. هَذَا مَأْخَذ ابْن خروف وَابْن الضّائع وَابْن عُصْفُور وَهُوَ رَأْي النَّاظِم. وَظَاهر السّيرافيّ وَجَمَاعَة أنّه تقديرٌ إعرابيٌّ لأنّه قدّرها بِأَن كَمَا قدّرها سِيبَوَيْهٍ: من لد أَن كَانَت شولاً. قَالَ: والمصادر تسْتَعْمل فِي معنى الْأَزْمِنَة نَحْو مقدم الْحَاج وَخِلَافَة المقتدر وَصَلَاة الْعَصْر. وَهَذَا رَأْي الشّلوبين وَابْن أبي غَالب قَالَ ابْن مَالك: وَعِنْدِي أَن تَقْدِير أَن مُسْتَغْنى عَنْهَا كَمَا يسْتَغْنى عَنْهَا بعد مذ هـ. وَفِي القَوْل الثَّانِي نظر فإنّ الْإِشْكَال باقٍ بِحَالهِ وَلم يجيبوا عَنهُ. فتأمّل. وَقَوله: فَإلَى إتلائها بِكَسْر الْهمزَة هُوَ مصدر أتلت النَّاقة إِذا تَلَاهَا وَلَدهَا أَي: تبعها فَهِيَ متلية وَالْولد تلو بِكَسْر فَسُكُون وَالْأُنْثَى تلوة وَالْجمع أتلاء بِالْفَتْح. وَهَذَا الْبَيْت من الرجز المشطّر وَهُوَ من الشواهد الْخمسين الَّتِي لَا يعرف قَائِلهَا وَلَا تتمتها. وَالله أعلم.)

(المنصوب بلا التي لنفي الجنس)

(الْمَنْصُوب بِلَا الَّتِي لنفي الْجِنْس) أنْشد فِيهِ وَهُوَ 3 - (الشَّاهِد الثَّالِث وَالْخَمْسُونَ بعد الْمِائَتَيْنِ) : الْبَسِيط (أودى الشّباب الَّذِي مجدٌ عواقبه فِيهِ نلذُّ وَلَا لذّات للشّيب) على أَن جمع الْمُؤَنَّث السَّالِم يبْنى على الْفَتْح مَعَ لَا بِدُونِ تَنْوِين كلذّات فِي الْبَيْت فإنّه مبنيّ مَعَ لَا على الْفَتْح وَرَوَاهُ شرّاح الألفيّة بِالْفَتْح وَالْكَسْر كَمَا يجوز مثله فِي الْجمع الْمُؤَنَّث السَّالِم المبنيّ مَعَ لَا. وَهَذَا الْبَيْت من قصيدة لِسَلَامَةِ بن جندل السّعديّ عدّتها اثْنَان وَثَلَاثُونَ بَيْتا وَهِي مسطورة فِي المفضّليّات أوّلها: (أودى الشّباب حميدا ذُو التّعاجيب ... أودى وَذَلِكَ شأؤٌ غير مَطْلُوب) (ولى حثيثاً وَهَذَا الشّيب يَطْلُبهُ ... لَو كَانَ يُدْرِكهُ ركض اليعاقيب) أودى الشّباب الَّذِي مجدٌ عواقبه ... ... ... ... . الْبَيْت قَوْله: أودى أَي: ذهب واضمحلّ وحميدا حالٌ من الشَّبَاب أَي: مَحْمُودًا. وكرّر أودى للتَّأْكِيد وَالْمرَاد بِهِ التحسّر والتفجع لَا الْإِخْبَار المجرّد. قَالَ ابْن الانباريّ: التعاجب الْعجب يُقَال: إنّه جمع لَا وَاحِد لَهُ. وروى: ذُو الْأَعَاجِيب جمع أعجوبة وَالْمعْنَى: كَانَ الشَّبَاب كثير الْعجب يعجب الناظرين إِلَيْهِ ويروقهم. وَاسم الْإِشَارَة لمصدر أودى. والشّأو مَهْمُوز الْوسط:

الطّلق. يُقَال: جرى الْفرس شأواً أَو شأوين أَي: طلقاً أَو طلقين وَيَأْتِي بِمَعْنى السّبق أَيْضا يُقَال شأوته أَي: سبقته. يَقُول: وَذَلِكَ الإبداء شأوه سَابق قد مضى لَا يدْرك وَلَا يطْلب. وروى بدل أودى ولّى. وَقَوله: ولّى حثيثاً الخ أَي: ذهب الشَّبَاب وَأدبر حثيثاً سَرِيعا. وَجَوَاب لَو مَحْذُوف أَي: لطلبته وَلكنه لَا يدْرك. واليعاقيب جمع يَعْقُوب وَهُوَ ذكر الحجل وخصّ اليعقوب لسرعته. قَالَ ابْن الأنباريّ: وَقَالَ عمَارَة: اليعاقيب يعْنى بِهِ ذَوَات الْعقب من الْخَيل. والْعقب أَن يَجِيء جريٌ بعد جري. وروى أَبُو عَمْرو: ركض اليعاقيب بِالنّصب. يَقُول: لَو أدْرك طَالب الشَّبَاب شبابه بركضٍ) كركض اليعاقيب لطلبه وَلَكِن الشَّبَاب إِذا ولّى لم يدْرك. وَيُقَال: إِن مَعْنَاهُ ولّى الشَّبَاب حثيثاً ركض اليعاقيب وَهَذَا الشّيب يتبعهُ. ويروى: جري اليعاقيب. وَقَوله: أودى الشَّبَاب. . الخ قَالَ ابْن الأنباريّ: يَقُول: ذهب الشَّبَاب الَّذِي إِذا تعقبت أُمُوره وجد فِي عواقبه الْخَيْر إمّا بغزو أَو رحْلَة أَو وفادة إِلَى ملك. وعواقبه: أواخره. وَقَالَ أَحْمد: قَوْله مجدٌ عواقبه أَي: آخر الشَّبَاب مَحْمُود ممجّد إِذا حلّ الشيب وَذكر الشَّبَاب فَحَمدَ الشَّبَاب لذمّه وَالْمجد: كرم الْفِعْل وَكَثْرَة الْعَطاء. يُقَال فِي مثل: فِي كلّ شجر نارٌ واستمجد المرخ والعفار أَي: كثرت ناراهما. وإنّما يمجد الرّجل بِفِعْلِهِ وإنّما يُمكنهُ الفعال وَهُوَ شابُّ قويٌّ نشيط. - وَقَوله: فِيهِ نلدّ بِفَتْح اللَّام أَي: إنّما تكون اللّذاذة والطّيب فِي الشَّبَاب وَالْجُمْلَة اسْتِئْنَاف بيانيّ. والشّيب بِالْكَسْرِ: جمع أشيب وَهُوَ الَّذِي ابيضّت لحيته يُرِيد لَيْسَ فِي الشّيب مَا ينْتَفع بِهِ إنّما فِيهِ الْهَرم والعلل. وإنّما جمع اللّذّة

لِأَنَّهُ أَرَادَ أَنْوَاع اللّذائذ. وَرُوِيَ أَيْضا: ذَاك الشَّبَاب الَّذِي مجدٌ عواقبه. وَلم يرو أحدٌ إنّ الشّباب بدل أودى فِيمَا رَأينَا. وَزعم ابْن هِشَام فِي شرح شواهده أَن الرِّوَايَة بإنّ وَأَن ابْن النَّاظِم حرّفه فَرَوَاهُ أودى الشّباب قَالَ: وَلَوْلَا أنّ لبقي قَوْله فِيهِ نلذ غير مُرْتَبِط بِشَيْء. وَهَذَا كَمَا ترى عسفٌ فِي الرِّوَايَة وتخطئة للمصيب. وَقَوله: يَوْمَانِ يَوْم الخ قَالَ ابْن الأنباريّ عَن الرستميّ: فسّر العواقب بقوله: يَوْمَانِ وَبِمَا بعده فِي الْبَيْتَيْنِ فَقَالَ: يومٌ فِي الْمجَالِس خَطِيبًا وَيَوْم سير إِلَى الأعذاء وَالْكَبِير يعجز عَن هَذَا. والمقامة بِالْفَتْح: الْمجْلس وروى أَبُو عَمْرو بِالضَّمِّ بِمَعْنى الأغقامة. والأندية: الأفنية. والنديّ والنّادي: الْمجْلس. قَالَ أَحْمد: أَرَادَ بِهِ اللهو والتنعّم وتأويب: صفة سير وَهُوَ السّرعة فِي السّير والإمعان فِيهِ يُقَال: أوّب الرجل فِي سَفَره تأويباً إِذا أمعن. وَقَالَ أَحْمد: أوّب: وصل اللَّيْل بِالنَّهَارِ مَعَ الإمعان. وَفِي هَذِه القصيدة أَبْيَات من شَوَاهِد أدب الْكَاتِب وَغَيره. وسَلامَة هَذَا قَالَ يَعْقُوب بن السّكّيت: هُوَ سَلامَة بن جندل بن عبد عَمْرو بن عبيد بن الْحَارِث بن مقاعس بن عَمْرو بن كَعْب بن سعد بن زيد مَنَاة بن تَمِيم قَالَ: وَكَانَ من فرسَان الْعَرَب الْمَعْدُودين وأشدّائهم الْمَذْكُورين هـ.) وَقَالَ ابْن قُتَيْبَة فِي كتاب الشُّعَرَاء: سَلامَة بن جندل جاهليّ قديم وَهُوَ من فرسَان تَمِيم الْمَعْدُودين وَأَخُوهُ أَحْمَر بن جندل من الشُّعَرَاء والفرسان

(الشاهد الرابع والخمسون بعد المائتين)

وَكَانَ عَمْرو بن كُلْثُوم أغار على حيٍّ من بني سعد بن زيد مَنَاة فَأصَاب فيهم وَكَانَ فِيمَن أصَاب الْأَحْمَر بن جندل. وَكَانَ سَلامَة أحد نعّات الْخَيل وأجود شعره قصيدته الَّتِي أوّلها: (أودى الشّباب حميدا ذُو التّعاجيب ... أودى وَذَلِكَ شأوٌ غير مَطْلُوب) وَأنْشد بعده وَهُوَ 3 - (الشَّاهِد الرَّابِع وَالْخَمْسُونَ بعد الْمِائَتَيْنِ) الْبَسِيط (لَو لم تكن غطفانٌ لَا ذنُوب لَهَا ... إِذن للام ذَوُو أحسابها عمرا) على أنّ لَا هُنَا زَائِدَة مَعَ أنّ النكرَة بعْدهَا مبينَة مَعهَا على الْفَتْح. قَالَ ابْن عُصْفُور فِي المقرّب: أنْشد أَبُو الْحسن الْأَخْفَش: لَو لم تكن غطفان ... ... ... ... ... ... الْبَيْت وَالْمعْنَى لَهَا ذنُوب إليّ. وَعمل لَا الزَّائِدَة شاذّ. وَقد تكلّم أَبُو عليّ الفارسيّ فِي الْمسَائِل المنثورة على هَذَا الْبَيْت بِكَلَام فِيهِ قلاقة وَهُوَ قَوْله: يعْتَرض فِي هَذَا الْبَيْت معترضٌ فَيَقُول: الْكَلَام إِيجَاب وَمَعْنَاهَا أنّ لغطفان ذنوباً فَكَانَ الْكَلَام إِيجَابا ولَا لَا تدخل على الْإِيجَاب. فَوجه مَا قَالَه أَنه لم يرد هَذَا وإنّما أَرَادَ بقوله لَا ذنُوب لَهَا أنّ

الْكَلَام الأوّل قد تمّ وتقضّى فَأتى بِالْجُمْلَةِ الثَّانِيَة وَهِي الْجحْد فَجَعلهَا خَبرا للنكرة حَيْثُ كَانَت جملَة. وَمثل ذَلِك فِي الْجحْد قد قَالَت الْعَرَب: كَانَ زيد يقوم أَبوهُ فقد جعل يقوم أَبوهُ جملَة فِي مَوضِع الْخَبَر وَإِن كَانَ جحداً فَكَذَلِك جَازَ لَهُ أَن يَجْعَل النَّفْي فِي مَوضِع خبر الْإِيجَاب وَإِن كَانَ إِيجَابا. وَلَا يلْزم تَأْوِيل من تأوّل هَذَا فَقَالَ: إِن الْمَعْنى ذَلِك لأنّه وَجه من الْقيَاس وَهُوَ مَا ذكرنَا فَلَا يلْزمه التَّأْوِيل لِأَن أَيْضا ينساع على ذَلِك فَيجْعَل إِيجَابا لأنّ الْإِيجَاب وَالنَّفْي جَمِيعًا إخبارٌ فلك أَن تجْعَل كل وَاحِد خَبرا عَن الآخر من حَيْثُ كَانَ ذَلِك فِي الْجحْد. هَذَا كَلَامه. وَهَذَا الْبَيْت من قصيدة للفرزدق هجا بهَا عمر بن هُبَيْرَة الفرازيّ أوّلها: (يَا أَيهَا النابح العاوي لشقوته ... إِلَيْك أخْبرك عمّا تجْهَل الخبرا)) لَو لم تكن غطفان ... ... ... ... ... . . الْبَيْت إِلَى أَن قَالَ: (جهز فَإنَّك ممتازٌ ومنتجعٌ ... إِلَى فَزَارَة عيرًا تحمل الكمرا) (إنّ الفزاريّ مَا يشفيه من قرمٍ ... أطايب العير حتّى ينهش الذّكرا) (إنّ الفزاريّ لَو يعمى فيطعمه ... أير الْحمار طَبِيب أَبْرَأ البصرا) النابح والعاوي من نبح الْكَلْب وعوى بِمَعْنى صوّت. وإِلَيْك اسْم فعل وأصل مَعْنَاهُ: ضمّ رحلك وثقلك إِلَيْك واذهب عني. وأخْبرك جزم فِي جَوَابه وَالْخَبَر مفعول أخْبرك وعمّا

وَقَوله: لَو لم تكن غطفان الخ لَا من حَيْثُ الْمَعْنى زَائِدَة وَاصل الْكَلَام لَو لم تكن ذنوبٌ لغطفان وَجُمْلَة لَا ذنُوب لَهَا خبر الْكَوْن. وغطفان أَبُو قَبيلَة مَمْنُوع من الصّرْف للعلميّة وَالزِّيَادَة وَصَرفه هُنَا للضَّرُورَة. وَهُوَ غطفان بن سعد بن قيس بن عيلان وَهُوَ الجدّ الْأَعْلَى لفزارة لأنّ فَزَارَة هُوَ فَزَارَة بن ذبيان بن بغيض بن ريث بن غطفان. وفزارة اسْمه عَمْرو ضربه أخٌ لَهُ ففزره فسمّي فَزَارَة. وَأَرَادَ بالذّنب الْإِسَاءَة أَي: لَو كَانَت غطفان غير مسيئة إليّ للام أَشْرَافهَا عمر ابْن هُبَيْرَة فِي تعرّضه إليّ ومنعوه عنّي. وَعمر عَامل من عمّال سُلَيْمَان بن عبد الْملك من بني أميّة. وَقَوله: إِذن للام الخ جَوَاب لَو الشرطيّة وَكَثِيرًا مَا يصدّر جوابها بِإِذن وَاللَّام للتَّأْكِيد واللّوم التعنيف. وروى أَيْضا: إليّ لَام ذَوُو أحسابها عمرا وذَوُو فَاعل لَام جمع ذُو بِمَعْنى صَاحب. والأحساب: جمع حسب وَهُوَ مَا يعد من المآثر وَهُوَ مصدر حسب على وزن كرم. قَالَ ابْن السّكّيت: الْحسب وَالْكَرم يكونَانِ فِي الْإِنْسَان وَإِن لم يكن لِآبَائِهِ شرف. وَرجل حسيب: كريم بِنَفسِهِ. قَالَ: وأمّا الْمجد والشرف فَلَا يُوصف بهما الشَّخْص إلاّ إِذا كَانَ فِيهِ وَفِي آبَائِهِ. وَقَالَ الأزهريّ: الْحسب الشّرف الثَّابِت لَهُ ولآبائه. وعمر مفعول لَام وَالْألف للإطلاق. وَقَوله: جهّز فَإنَّك الخ الممتار: اسْم فَاعل من امتار الْميرَة لنَفسِهِ بِالْكَسْرِ وَهِي الطَّعَام. ومارهم ميراً من بَاب بَاعَ إِذا أَتَاهُم بالميرة. ومنتجع بِمَعْنى منتفع وَأَصله من انتجع الْقَوْم إِذا) ذَهَبُوا لطلب الْكلأ فِي مَوْضِعه

وَإِلَى مُتَعَلقَة بجهّز وعيرًا مفعول جهّز وَهُوَ بِكَسْر الْمُهْملَة: الْقَافِلَة قَالُوا: وَاصل العير الْإِبِل الَّتِي تحمل الْميرَة ثمَّ غلب على كل قافلة: والكمر بِفَتْح الْكَاف وَالْمِيم: جمع كمرة. قَالَ صَاحب الْمِصْبَاح الكمرة الْحَشَفَة وزنا ومعنّى وربّما أطلقت الكمرة على جملَة الذّكر مجَازًا. وَالْقَرْمُ بِفتْحَتَيْنِ مصدر قرم اللّحم من بَاب فَرح إِذا اشتدّت شَهْوَته لَهُ. ومن للتَّعْلِيل وأطايب: فَاعل يشفيه جمع أطيب. والعير بِفَتْح الْمُهْملَة: الْحمار الوحشي. وحتّى بِمَعْنى إلاّ. والنّهس مصدر نهست اللّحم من بَابي ضرب ونفع إِذا أَخَذته بمقدّم الْأَسْنَان وَالْمَعْرُوف بِالسِّين الْمُهْملَة وَرُوِيَ بِالْمُعْجَمَةِ أَيْضا. وَبَنُو فَزَارَة يرْمونَ بِأَكْل أير الْحمار وبسرقة الْجَار وبنيك الْإِبِل كَمَا قَالَ سَالم بن دارة: الرجز وسرق الْجَار ونيك البعران والجردان بِضَم الْجِيم: وعَاء قضيب الْحمار. وَسَيَأْتِي إِن شَاءَ الله شرح هَذَا مفصلا فِي بَاب الْمثنى. وترجمة الفرزدق قد تقدّمت فِي الشَّاهِد الثَّلَاثِينَ.

(الشاهد الخامس والخمسون بعد المائتين)

وَأنْشد بعده وَهُوَ 3 - (الشَّاهِد الْخَامِس وَالْخَمْسُونَ بعد الْمِائَتَيْنِ) وَهُوَ من شَوَاهِد س: الطَّوِيل (بَكت جزعاً واسترجعت ثمّ آذَنت ... ركائبها أَن لَا إِلَيْنَا رُجُوعهَا) على أَن لَا يجوز عدم تكريرها مَعَ المفصول عِنْد المبّرد وَابْن كيسَان كَمَا فِي الْبَيْت وَعند غَيرهمَا شاذّ. وَقد أنْشدهُ سِيبَوَيْهٍ وَمن تبعه على عدم تَكْرِير لَا مَعَ الْمعرفَة وَهُوَ الْوَجْه. قَالَ أَبُو عليّ فِي الْمسَائِل المنثورة: إِذا كَانَ بعد لَا معرفَة ارْتَفَعت الْمعرفَة بِالِابْتِدَاءِ وَهُوَ قَوْلك: لَا أَبوك فيرتفع بِالِابْتِدَاءِ وَيكون خَبره مضمراً وَتَكون لَا جَوَابا كأنّه قَالَ: هَل أبي فَقَالَ: لَا أَبوك. فنفى أَن يكون أَبَاهُ. وَأما قَول الشَّاعِر: بَكت جزعاً واسترجعت. الْبَيْت فَرفع رُجُوعهَا بِالِابْتِدَاءِ وأضمر الْخَبَر كأنّه قَالَ: مَوْجُود أَو وَاقع وَجعل إِلَيْنَا تبييناً مثل قَوْله سُبْحَانَهُ إنّي لَكمَا لمن النّاصحين هـ. وَزعم صدر الأفاضل فِي التحبير كَمَا نَقله عَنهُ بعض فضلاء الْعَجم فِي شرح أَبْيَات المفصّل وبعضٌ آخر فِي شرح أَبْيَات الموشح أنّ لَا هُنَا لَيست بالنافية للْجِنْس إنّما هِيَ الَّتِي تدخل على الْفِعْل الْمُضَارع. ورُجُوعهَا مَرْفُوع على أَنه فَاعل فعل مُضْمر تَقْدِيره ألاّ ترى أنّه لَو لم

تضمر فِيهِ الْوُقُوع للَزِمَ التناقص وَهَذَا لأنّ الإيذان يَقْتَضِي ألاّ يكون الرُّجُوع فِي الْحَال متحققاً كَمَا يُقَال: هَذِه الْعَارِضَة تؤذن بالاستسقاء إِذا لم يكن وَاقعا وَلَو لم يضمر الْفِعْل فِيهِ لاقتضت لَا أَن يكون انتقاء الرُّجُوع فِي الْحَال متحقّقاً هـ. وَلَا يخفى أَن هَذَا لَيْسَ من الْمَوَاضِع الَّتِي يحذف فِيهَا الْفِعْل وَيبقى الْفَاعِل. ويندفع مَا عدّه تناقصاً بِجعْل خبر رُجُوعهَا اسْم فَاعل من الْوُقُوع. فتأمّل. وَقَوله: بَكت جزعاً هُوَ مفعول مُطلق نوعيُّ أَي بكاء جزع وَيجوز أَن يكون مَفْعُولا لأَجله. وروى: قَضَت وطراً واسترجعت وَفِي الاسترجاع هُنَا قَولَانِ: أَحدهمَا: أنّه من الاسترجاع عِنْد الْمُصِيبَة وَهُوَ قَول إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون. وَثَانِيهمَا: أَنه طلب الرّجوع من الرّحيل لكَرَاهَة فِرَاق الأحبّة. وَقَوله: ثمَّ آذَنت الخ ركائبها فَاعل آذَنت جمع ركوبة وَهِي الرَّاحِلَة الَّتِي تركب. وآذَنت بِمَعْنى أشعرت وأعلمت. جعل تهيؤ الْإِبِل للرّكوب عَلَيْهَا كأنّه إعلامٌ مِنْهَا بالفراق. وَفِي إِسْنَاد) الإيذان للرّكائب دون الحبيبة أمرٌ لطيف لَا يخفى حسنه. وَقَالَ بَعضهم: فِيهِ حذف مُضَاف أَي: وَقَوله: أَن لَا إِلَيْنَا الخ أَن هُنَا مفسّرة للإيذان وَهِي الْوَاقِعَة بعد جملَة فِيهَا معنى القَوْل دون حُرُوفه. وَقَالَ شرّاح أَبْيَات المفصّل إنّما هِيَ المخفّفة من الثَّقِيلَة قَالُوا: وَالْأَصْل بِأَنَّهُ وَالضَّمِير للشأن.

(الشاهد السادس والخمسون بعد المائتين)

وَالْبَيْت ظَاهره إخبارٌ وَمَعْنَاهُ: تأسف وتحسّر. وَهُوَ من أَبْيَات سِيبَوَيْهٍ الْخمسين الَّتِي لَا يعرف قَائِلهَا. وَالله أعلم. وَأنْشد بعده وَهُوَ 3 - (الشَّاهِد السَّادِس وَالْخَمْسُونَ بعد الْمِائَتَيْنِ) وَهُوَ من شَوَاهِد س: الطَّوِيل (وَأَنت امرؤٌ منّا خلقت لغيرنا ... حياتك لَا نفعٌ وموتك فاجعُ) على أنّ لَا يجوز عدم تكريرها مَعَ المنكّر غير المفصول مَعَ إلغائها عِنْد المبرّد وَابْن كيسَان وَعند غَيرهمَا شاذّ. قَالَ الأعلم: وسوّغ الْإِفْرَاد هُنَا أنّ مَا بعده يقوم مقَام التكرير فِي الْمَعْنى لأنّ قَوْله وموتك فاجع دلّ على أنّ حَيَاته لَا تضرّ. يَقُول: هُوَ منّا فِي النّسَب إلاّ أَن نَفعه لغيرنا فحياته لَا تنفعنا لعدم مشاركته لنا وَمَوته يفجعنا لأنّه أَحَدنَا هـ. وَقَوله: لَا نفعٌ هُوَ مُبْتَدأ وَخَبره مَحْذُوف أَي: فِيهَا وَالْجُمْلَة خبر قَوْله حياتك. وَأكْثر الرِّوَايَة على إِسْقَاط الْوَاو أوّله على أَنه مخروم وَهُوَ الصَّوَاب لأنّه لم يتقدمه شَيْء حَتَّى تكون الْوَاو عاطفة.

وَهَذَا الْبَيْت نسبه شرّاح أَبْيَات الْكتاب لرجل من بني سلول وَنسبه العسكريّ فِي كتاب وَزَاد الحصريّ بعده بَيْتَيْنِ وهما: الطَّوِيل (وَأَنت على مَا كَانَ مِنْك ابْن حرّةٍ ... أبيٌّ لما يرضى بِهِ الْخصم مَانع) (وفيك خصالٌ صالحاتٌ يشينها ... لديك جفاءٌ عِنْده الودُّ ضائع) قَوْله: وَأَنت على مَا كَانَ الخ أَي: أَنْت مَعَ مَا كَانَ مِنْك إِلَيْنَا من سوء الْمُعَامَلَة ابْن حرّة أبيّ ذُو حميّة مَانع لما يرضى بِهِ الْخصم. قَالَ بعض فضلاء العجمى فِي شرح أَبْيَات المفصّل: الْمَقُول فِيهِ هَذَا الشّعْر هُوَ الحضنين بن) الْمُنْذر وقائله الضحّاك بن هنام هـ. وَضبط العسكريّ ابْن هنّام بِفَتْح الْهَاء وَالنُّون المشدّدة وَقد وَقع فِي بعض كتب الْأَدَب مُصحفا بهمّام بِالْمِيم بدل النُّون. وشذّ ياقوت الحمويّ فنسبه فِي محتضر جمهرة الْأَنْسَاب إِلَى جنف بن مَالك ابْن الْحَارِث بن ثَعْلَبَة وَيَنْتَهِي نسبه إِلَى قضاعة إِحْدَى قبائل الْيمن.

وَضبط العسكري فِي كتاب التَّصْحِيف الْمُتَعَلّق بِعلم الحَدِيث الحضين بن الْمُنْذر بقوله: حضين الْحَاء مَضْمُومَة غير مُعْجمَة وَالضَّاد مُعْجمَة مَفْتُوحَة وَنون هُوَ حضين ابْن الْمُنْذر أَبُو ساسان الرّقاشيّ من سَادَات ربيعَة وَكَانَ صَاحب راية أَمِير الْمُؤمنِينَ عليّ يَوْم صفيّن وَفِيه (لمن رايةٌ سَوْدَاء يخْفق ظلّها ... إِذا قيل قدّمها حضين تقدّما) ثمَّ ولاّه إصطخر وَكَانَ يبخل وَفِيه يَقُول زِيَاد الْأَعْجَم: الطَّوِيل (يسدّ حضينٌ بَابه خشيَة الْقرى ... بإصطخر والشّاة السّمين بدرهم) وَفِيه يَقُول الضحّاك بن هنّام: الطَّوِيل (وَأَنت امرؤٌ منّا خلقت لغيرنا ... حياتك لَا نفعٌ وموتك فاجع) وروى الحَدِيث عَن عُثْمَان وعليّ وَعَن مجاشع بن مَسْعُود وَالْمُهَاجِر بن قنفذ. وروى عَنهُ الْحسن وَعبد الله بن الداناج وَعبد الْعَزِيز بن معمر وعليّ بن سُوَيْد بن منجوف. وَلَا أعرف من يسمّى حضيناً بالضاد الْمُعْجَمَة غَيره وَغير من ينْسب إِلَيْهِ من وَلَده. وَمن أَوْلَاده: يحيى بن حضين وساسان بن حضين وعياض بن حضين. وَفِي يحيى يَقُول الفرزدق: مجزوء الرمل (واصرف الكأس عَن الْفَا ... تَرَ يحيى بن حضين) انْتهى مَا أوردهُ العسكريّ.

(الشاهد السابع والخمسون بعد المائتين)

وَأنْشد بعده: (من صدّ عَن نيرانها ... فَأَنا ابْن قيس لَا براح) على أَن لَا هُنَا بمهنى لَيْسَ وَلِهَذَا لم تكرّر. قَالَ الشَّارِح المحقّق: قد تقدّم أَنه لم يثبت عمل لَا عمل لَيْسَ. وَهَذَا مُخَالف لقَوْل أبي عليّ فِي الْمسَائِل المنثورة إنّ لَا فِي هَذَا الْبَيْت أُرِيد بهَا لَيْسَ وَالْخَبَر) مَحْذُوف أَي: لنا وَكَذَلِكَ قَوْله فِي الْجَحِيم حِين لَا مستصرخ أَرَادَ لنا اه. وَهَذَا الْبَيْت قد تقدّم الْكَلَام عَلَيْهِ فِي الشَّاهِد الْحَادِي والثمانين فِي اسْم مَا وَلَا المشبهتين بليس. وَأنْشد بعده وَهُوَ 3 - (الشَّاهِد السَّابِع وَالْخَمْسُونَ بعد الْمِائَتَيْنِ) وَهُوَ من أَبْيَات سِيبَوَيْهٍ: الْبَسِيط (تَرَكتنِي حِين لَا مالٍ أعيش بِهِ ... وَحين جنّ زمَان النّاس أَو كَلْبا) على أنّ عدم تكرّر لَا فِي مثل هَذَا شَاذ. وأنشده س على إِضَافَة حِين إِلَى المَال وإلغاء لَا وزيادتها فِي اللَّفْظ. وَهَذِه عبارَة س: اعْلَم أنّ لَا قد تكون فِي بعض الْمَوَاضِع هِيَ والمضاف إِلَيْهِ بِمَنْزِلَة اسْم وَاحِد وَذَلِكَ قَوْلهم: أَخَذته بِلَا ذَنْب وغضبت من لَا شَيْء وَذَهَبت بِلَا عتاد وَالْمعْنَى ذهبت بِغَيْر عتاد. وَتقول إِذا قللّت الشَّيْء: مَا كَانَ

إلاّ كلاشيء وإنّك وَلَا شَيْئا سواءٌ. وَمن هَذَا النَّحْو قَول الشَّاعِر: تَرَكتنِي حِين لَا مَال أعيش بِهِ ... ... ... ... الْبَيْت انْتهى وجوّز أَبُو عليّ الفارسيّ فِي الْمسَائِل المنثورة الحركات الثَّلَاث فِي مَال قَالَ: الجرّ على الْإِضَافَة وَالرَّفْع على أَن تضيف حِين إِلَى الْجمل ولَا عاملة عمل لَيْسَ وَالنّصب تَجْعَلهُ كَمَا كَانَ مَبْنِيا وو جنّ بِضَم الْجِيم من الْجُنُون يُقَال: أجنّه الله بِالْألف فجنّ بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول فَهُوَ مَجْنُون. وكَلْبا الْكَلْب: مصدر كلب كَلْبا فَهُوَ كلبٌ من بَاب تَعب وَهُوَ داءٌ يشبه الْجُنُون يَأْخُذهُ فيعقر النَّاس. وَيُقَال لمن يعقره كلب أَيْضا. وكلب الزَّمَان: شدّته: وَضرب الْجُنُون وَالْكَلب مثلا لشدّة الزّمان. وَهَذَا الْبَيْت من قصيدةٍ لأبي الطُّفَيْل عَامر بن وائلة الصحابيّ رثى بهَا ابْنه طفيلاً. وَهَذِه أَبْيَات مِنْهَا: (خلّى طفيلٌ عليّ الهمّ فانشعبا ... وهدّ ذَلِك ركني هدّةً عجبا) (وَابْني سميّة لَا أنساهما أبدا ... فِيمَن نسيت وكلّ كَانَ لي وصبا) (فاملك عزاءك إِن رزءّ نكبت بِهِ ... فَلَنْ يردّ بكاء الْمَرْء مَا ذَهَبا) (وَلَيْسَ يشفي حَزينًا من تذكره ... إلاّ الْبكاء إِذا مَا ناح وانتحبا) (فَإِن سلكت سَبِيلا كنت سالكها ... وَلَا محَالة أَن يَأْتِي الَّذِي كتبا)) (فَمَا لفظتك من ريّ وَلَا شبعٍ ... وَلَا ظللت بباقي الْعَيْش مرتقبا)

فارقتني حِين لَا مَال أعيش بِهِ ... ... ... . . الْبَيْت روى الأصبهانيّ بِسَنَدِهِ فِي الأغاني أنّ أَبَا الطّفيل دعيّ إِلَى مأدبة فغنّت فِيهَا قينة بِهَذَا الشّعْر فَبكى أَبُو الطُّفَيْل حتّى كَاد يَمُوت. وَفِي رِوَايَة أُخْرَى: فَجعل ينشج وَيَقُول: هاه هاه طفيل وَأَرَادَ بِابْني سميّة عبّاداً وَعبيد الله ابْني زِيَاد بن سميّة. والوصب: الْمَرَض. والعزاء بالمدّ: الصَّبْر. وَقَوله: فَمَا لفظتك من ريّ الخ مَا رميتك فِي الْقَبْر لأجل أكلك وشربك بخلا. وأَبُو الطُّفَيْل هُوَ عَامر بن وائلة بن عبد الله بن عُمَيْر بن جَابر بن حميس ابْن جديّ بن سعد بن لَيْث بن بكر بن عبد مَنَاة بن كنَانَة بن خُزَيْمَة بن مدركة بن الياس بن مُضر بن نزار. وغلبت عَلَيْهِ كنيته. ومولده عَام أحد وَأدْركَ من حَيَاة النبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ثَمَانِي سِنِين وَمَات سنة مائَة وَهُوَ آخر من مَاتَ مّمن رأى النبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ. وَقد رُوِيَ عَنهُ نَحْو أَرْبَعَة أَحَادِيث وَكَانَ محبّاً فِي عَليّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما وَكَانَ من أَصْحَابه فِي مُشَاهدَة وَكَانَ ثِقَة مَأْمُونا يعْتَرف بِفضل الشَّيْخَيْنِ إلاّ أنّه كَانَ يقدّم عليّاً. توفّي سنة مائَة من الْهِجْرَة. وَلما قتل عَليّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه انْصَرف إِلَى مكّة فَأَقَامَ بهَا حَتَّى مَاتَ وَقيل أَقَامَ بِالْكُوفَةِ وَمَات بهَا والأوّل أصحّ. وَقد ذكره ابْن أبي خَيْثَمَة فِي شعراء الصّحابة. وَكَانَ فَاضلا عَاقِلا حَاضر

الْجَواب فصيحاً. وَكَانَ يتشيّع فِي عليّ ويفضله وَهُوَ شَاعِر محسن وَهُوَ الْقَائِل: الطَّوِيل (أيدعونني شَيخا وَقد عِشْت حقبةً ... وهنّ من الْأزْوَاج نحوي نوازع) (وَمَا شَاب رَأْسِي من سِنِين تَتَابَعَت ... عليّ وَلَكِن شيبتني الوقائع) وَقَالَ صَاحب الأغاني: كَانَ أَبُو الطُّفَيْل مَعَ أَمِير الْمُؤمنِينَ عليّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه وروى عَنهُ. وَكَانَ من وُجُوه شيعته وَله مِنْهُ محلٌّ خَاص يسْتَغْنى بشهرته عَن ذكره. ثمَّ خرج طَالبا بِدَم الْحُسَيْن رَضِيَ اللَّهُ عَنْه مَعَ الْمُخْتَار بن أبي عبيد وَكَانَ مَعَه حتّى قتل الْمُخْتَار. ولّما استقام لمعاوية أمره لم يكن شَيْء أحبّ إِلَيْهِ من لِقَاء أبي الطُّفَيْل فَلم يزل يكاتبه ويلطف لَهُ حتّى أَتَاهُ فَلَمَّا قدم عَلَيْهِ جعل يكلّمه وَدخل عَلَيْهِ عَمْرو بن الْعَاصِ وَمَعَهُ نفر فَقَالَ لَهُم مُعَاوِيَة: أما تعرفُون هَذَا هَذَا فَارس صفيّن وشاعرها خَلِيل أبي الْحسن. ثمَّ أنْشد من شعره.) قَالُوا: نعم هُوَ أفحش شَاعِر وألأم جَلِيسا فَقَالَ مُعَاوِيَة: يَا أَبَا الطُّفَيْل أتعرفهم قَالَ: مَا أعرفهم بِخَير وَلَا أبعدهم من شرّ ثمَّ قَالَ لَهُ مُعَاوِيَة: مَا بلغ من حبّك لعليّ قَالَ: حبّ أمّ مُوسَى لمُوسَى قَالَ: فَمَا بلغ من بكائك عَلَيْهِ قَالَ: بكاء الْعَجُوز الثّكلى والشّيخ الرّقوب وَإِلَى الله أَشْكُو التَّقْصِير قَالَ مُعَاوِيَة: لكنّ أَصْحَابِي هَؤُلَاءِ لَو كَانُوا سئلوا عنّي مَا قَالُوا فيّ مَا قلت فِي صَاحبك. قَالُوا: إِذا وَالله مَا نقُول الْبَاطِل فَقَالَ لَهُم مُعَاوِيَة: لَا وَالله وَلَا الحقّ تَقولُونَ. ولّما رَجَعَ محمّد بن الْحَنَفِيَّة من الشَّام حَبسه ابْن الزّبير فِي سجن عَارِم

فَخرج إِلَيْهِ جَيش من الْكُوفَة عَلَيْهِم أَبُو الطُّفَيْل حتّى أَتَوا السجْن فكسروه وأخرجوه وَكتب ابْن الزبير إِلَى أَخِيه مُصعب أَن يسيّر نسَاء كلّ من خرج لذَلِك فَأخْرج مُصعب مَعَ النِّسَاء أمّ الطُّفَيْل امْرَأَة أبي الطُّفَيْل وابناً لَهُ صَغِيرا يُقَال لَهُ يحيى فَقَالَ فِي ذَلِك: المتقارب (إِن يَك سيّرها مُصعب ... فإنّي إِلَى مُصعب مذنب) (أَقُود الكتيبة مستلئما ... كأنّي أَخُو عرّة أجرب) (عليّ دلاصٌ تخيّرتها ... وَفِي الكفّ ذُو رونق مقضب) (فَلَو أنّ يحيى بِهِ قوةٌ ... فيغزو مَعَ الْقَوْم أَو يركب) (ولكنّ يحيى كفرخ العقا ... ب فِي الوكر مستضعفٌ أزغب) وَلما دخل عبد الله بن صَفْوَان على عبد الله بن الزّبير بِمَكَّة. قَالَ: أَصبَحت كَمَا قَالَ الشَّاعِر: (فَإِن تصبك من الأيّام جائحةٌ ... لَا أبك مِنْك على دنيا وَلَا دين) قَالَ: وَمَا ذَاك يَا أعرج قَالَ: هَذَا عبد الله بن عَبَّاس يفقه النَّاس وَعبيد الله أَخُوهُ يطعم النَّاس فَمَا بقيّا لَك. فأحفظه ذَلِك فَأرْسل صَاحب شرطته عبد الله بن مُطِيع فَقَالَ انْطلق إِلَى ابْني عبّاس فَقل لَهما: أعمدتما إِلَى راية ترابيّة قد وَضعهَا الله فنصبتماها بدّدا عنّي جموعكما وَمن ضوى إلَيْكُمَا من ضلاّل أهل الْعرَاق وإلاّ فعلت وَفعلت فَقَالَ لَهُ ابْن عبّاس: قل لِابْنِ الزّبير:

(الشاهد الثامن والخمسون بعد المائتين)

يَقُول لَك ابْن عبّاس: ثكلتك أمّك وَالله مَا يأتينا من النّاس إلاّ رجلَانِ: طَالب فقه أَو طَالب (لَا درّ درُّ اللّيالي كَيفَ تضحكنا ... مِنْهَا خطوبٌ أَعَاجِيب وتبكينا) (وَمثل مَا تحدث الأيّام من غيرٍ ... يَا بن الزّبير عَن الدّنيا تسلّينا) (كنّا نجيء ابْن عبّاس فيقبسنا ... علما ويكسبنا أجرا ويهدينا) (وَلَا يزَال عبيد الله مترعةً ... جفانه مطعماً ضيفاً ومسكينا)) (فالبرّ والدّين والدّنيا بدارهما ... ننال مِنْهَا الَّذِي نبغي إِذا شينا) (إنّ النّبي هُوَ النّور الَّذِي كشفت ... بِهِ عمايات باقينا وماضينا) (ورهطه عصمةٌ فِي ديننَا وَلَهُم ... فضلٌ علينا وحقّ وَاجِب فِينَا) (ولستفاعلمهأولادنا بهم رحما ... يَا ابْن الزّبير وَلَا أولى بِهِ دينا) (فقيم تمنعهم منّا وتمنعنا ... مِنْهُم وتؤذيهم فِينَا وتؤذينا) (لن يُؤْتِي الله من أخزى ببعضهم ... فِي الدّين عزّاً وَلَا فِي الأَرْض تمكينا) وَأنْشد بعده وَهُوَ 3 - (الشَّاهِد الثَّامِن وَالْخَمْسُونَ بعد الْمِائَتَيْنِ) وَهُوَ من شَوَاهِد س:

الرجز (حنّت قلوصي حِين لَا حِين محن) على أنّ الشَّاعِر أضَاف حِين الأول إِلَى الْجُمْلَة كَمَا تَقول: حِين لَا رجل فِي الدَّار أَي: حِين لَا حِين حنينٌ حَاصِل. قَالَ الأعلم: الشَّاهِد فِيهِ نصب حِين بِلَا التبرئة وَإِضَافَة حِين إِلَى الْجُمْلَة وَخبر لَا مَحْذُوف وَالتَّقْدِير حِين لَا حِين محنٍّ لَهَا أَي: حنّت فِي غير وَقت الحنين. وَلَو جررت الْحِين على إِلْغَاء لَا جَازَ. والقلوص: النّاقة الشّابة بِمَنْزِلَة الْجَارِيَة من الأناسيّ. وحنينها: صَوتهَا شوقاً إِلَى أَصْحَابهَا. وَالْمعْنَى أنّها حنّت إِلَيْهَا على بعدٍ مِنْهَا وَلَا سَبِيل لَهَا إِلَيْهَا. انْتهى. وقدّر ابْن الشجريّ الْخَبَر لنا بالنُّون وَالصَّوَاب مَا قبله. وجوّز أَبُو عَليّ فِي الْمسَائِل المنثورة الحركات الثَّلَاث فِي حِين الثَّانِي: النصب على إِعْمَال لَا عمل إنّ وَالرَّفْع على إعمالها عمل لَيْسَ والجرّ على إلغائها وَإِضَافَة حِين الأوّل إِلَى الثَّانِي. وَقَالَ أَبُو عليّ فِي التَّذْكِرَة القصرية لَا يقدّر للا هَذِه فِي رِوَايَة النصب خبر فَإِنَّهُ قَالَ عِنْد الْكَلَام على قَوْلهم: أَلا مَاء بَارِد: قَالَ المازنيّ: يرفع بَارِد على أَنه خبر وَيجوز على قِيَاس قَوْله أَن يرْتَفع لأنّه صفة مَاء ويضمر الْخَبَر. وَيجوز نَصبه على قَوْله أَيْضا على أَنه صفة وَالْخَبَر مُضْمر وَيجوز على قِيَاس سِيبَوَيْهٍ وَمن عدا الْمَازِني أَلا مَاء بَارِد بِلَا تَنْوِين إلاّ أنّك لَا تضمر لَهَا خَبرا

لِأَنَّهَا مَعَ معمولها الْآن بِمَنْزِلَة اللَّفْظَة الْوَاحِدَة كَقَوْلِهِم: جِئْت بِلَا مَال وغضبت من لَا شَيْء أَي: بفتحهما فَلَا يلزمك إِضْمَار الْخَبَر) فِي هَذِه الْمَسْأَلَة. وَمثله قَوْله: حنّت قلوصي حِين لَا حِين محن أضَاف حِين إِلَيْهِمَا كَمَا تضيفه إِلَى الْمُفْرد. وَقد يحْتَمل هَذَا عِنْدِي أَن يكون إِضَافَة إِلَى جملَة وَالْخَبَر مَحْذُوف كَمَا يُضَاف أَسمَاء الزَّمَان إِلَى الْجمل وَذَلِكَ لأنّ حنت مَاض فحين بِمَعْنى إِذْ وَهِي مِمَّا يُضَاف إِلَى الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر. فَأَما قَوْله حِين لَا حِين فَالثَّانِي غير الأوّل لأنّ الْحِين يَقع على الْكَبِير واليسير من الزَّمَان قَالَ: الطَّوِيل تطلقه حينا وحيناً تراجع وَلَا زَائِدَة وَلَا تكون غير زَائِدَة لما فِي ذَلِك من النَّقْض. وَقَالُوا فِي قَوْله تَعَالَى: تُؤْتى أكلهَا كلّ حِين: ستّة أشهر فَيكون على هَذَا حِين حِين من إِضَافَة الْبَعْض إِلَى الكلّ نَحْو: حَلقَة فضّة وَعِيد السّنة وسبت الْأُسْبُوع فَلَا يكون إِضَافَة الشَّيْء إِلَى نَفسه. وَمثله قَول الفرزدق: الوافر (وَلَوْلَا يَوْم يومٍ مَا أردنَا ... جزاءك والقروض لَهَا جَزَاء) فيومٌ الأوّل وضح النّهار وَالثَّانِي البرهة كَالَّتِي فِي قَوْله: وَمن يولهم يَوْمئِذٍ دبره وَالْأَمر يَوْمئِذٍ لله. وَأنْشد أَبُو عَمْرو:

(الشاهد التاسع والخمسون بعد المائتين)

مجزوء الْكَامِل (حبّذا العرصات يَوْمًا ... فِي ليالٍ مقمرات) فَقَالَ يَوْمًا فِي لَيَال أَرَادَ المرّة دون العاقب لِليْل. انْتهى. وَهَذَا الْبَيْت من أَبْيَات سِيبَوَيْهٍ الْخمسين الَّتِي لَا يعرف قَائِلهَا وَلَا تَتِمَّة لَهَا. وَالله أعلم بِحَقِيقَة الْحَال. وَأنْشد بعده وَهُوَ 3 - (الشَّاهِد التَّاسِع وَالْخَمْسُونَ بعد الْمِائَتَيْنِ) وَهُوَ من أَبْيَات سِيبَوَيْهٍ: الْبَسِيط (مَا بَال جهلك بعد الْحلم والدّين ... وَقد علاك مشيبٌ حِين لَا حِين) على أنّ الأولى أَن تكون لَا فِيهِ زَائِدَة لفظا وَمعنى. قَالَ سِيبَوَيْهٍ: إنّما أَرَادَ حِين حِين وَلَا بِمَنْزِلَة مَا إِذا ألغيت. قَالَ الأعلم: وإنّما أضَاف الْحِين إِلَى الْحِين لأنّه قدر أَحدهمَا بِمَعْنى التَّوْقِيت فَكَأَنَّهُ قَالَ: حِين وَقت حُدُوثه ووجوبه هَذَا تَفْسِير سِيبَوَيْهٍ. وَيجوز أَن يكون الْمَعْنى: مَا بَال جهلك بعد الْحلم وَالدّين حِين لَا حِين جهلٍ وصبا فَتكون لَا لَغوا فِي اللَّفْظ دون الْمَعْنى انْتهى. وَلم يتنبّه ابْن الشّجريّ فِي أَمَالِيهِ لمراد سِيبَوَيْهٍ بعد نقل عِبَارَته ففهم

أنّ لَا زَائِدَة لفظا فَقَط فَقَالَ: حِين الأوّل مُضَاف إِلَى الثَّانِي وفصلت لَا بَين الْخَافِض والمخفوض كفصلهما فِي جِئْت بِلَا شَيْء كَأَنَّهُ قَالَ: حِين لَا حِين لَهو فِيهِ وَلعب أَو نَحْو ذَلِك من الْإِضْمَار لأنّ المشيب يمْنَع من اللَّهْو واللعب. هَذَا كَلَامه وَقد أوردهُ فِي معرض الشَّرْح لكَلَام سِيبَوَيْهٍ. وَقد طبّق المفصّل أَبُو عليّ الفارسيّ فِي الْحجَّة فِي الْكَلَام على آخر سُورَة الْفَاتِحَة قَالَ: لَا فِيهِ زَائِدَة وَالتَّقْدِير: وَقد علاك مشيبٌ حِين حِين وإنّما كَانَت زَائِدَة لأنّك إِن قلت: علاك مشيبٌ حينا فقد أثبتّ حينا علاهُ فِيهِ المشيب. فَلَو جعلت لَا غير زَائِدَة لوَجَبَ أَن تكون نَافِيَة على حدّها فِي قَوْلهم: جِئْت بِلَا مَال فنفيت مَا أثبت من حَيْثُ كَانَ النَّفْي بِلَا عَاما منتظماً لجَمِيع الْجِنْس فلمّا لم يستقم حمله على النَّفْي للتدافع الْعَارِض فِي ذَلِك حكمت بزيادتها فَصَارَ التَّقْدِير: حِين حِين. وَهَذِه الْإِضَافَة من بَاب حَلقَة فضَّة: لأنّ الْحِين يَقع على الزَّمَان الْقَلِيل كالساعة وَنَحْوهَا يدلّ على ذَلِك قَوْله: تطلقه حينا وحيناً تراجع وَيَقَع على الزَّمَان الطَّوِيل كَقَوْلِه تَعَالَى: هَل أُتِي على الْإِنْسَان حِين من الدّهر وعَلى مَا هُوَ أقصر من ذَلِك كَقَوْلِه تَعَالَى: تُؤْتى أكلهَا كل حينٍ فَصَارَ حِين حِين كَقَوْل الآخر: (وَلَوْلَا يَوْم يومٍ مَا أردنَا ... جزاءك والقروض لَهَا جَزَاء)

وَلَيْسَ هَذَا كَقَوْلِه:) حنّت قلوصي حِين لَا حِين محن لأنّه فِي قَوْله لَا حِين محن نافٍ حينا مَخْصُوصًا لَا يَنْتَفِي بنفيه جَمِيع الأحيان كَمَا كَانَ يَنْتَفِي بِالنَّفْيِ العامّ جَمِيعهَا فَلم يلْزم أَن تكون لَا زَائِدَة فِي هَذَا الْبَيْت كَمَا لزم لزيادتها فِي حِين لَا حِين. فَهَذَا الْحَرْف يدْخل فِي النّكرة على وَجْهَيْن: أَحدهمَا أَن يكون زَائِدا كَمَا مرّ فِي بَيت جرير وَالْآخر أَن يكون غير زَائِد. فَإِذا لم يكن زَائِدا كَانَ على ضَرْبَيْنِ: أَحدهمَا: أَن تكون لَا مَعَ الِاسْم بِمَنْزِلَة اسْم وَاحِد نَحْو خَمْسَة عشر ونَحْو غضِبت من لَا شَيْء فَلَا مَعَ الِاسْم المنكور فِي مَوضِع جرّ بِمَنْزِلَة خَمْسَة عشر وَلَا يَنْبَغِي أَن يكون من هَذَا الْبَاب قَوْله: حنّت قلوصي حِين لَا حِين محن لِأَن حِين هُنَا مَنْصُوب نصبا صَحِيحا لِإِضَافَتِهِ وَلَا يجوز بِنَاء الْمُضَاف مَعَ لَا كَمَا جَازَ بِنَاء الْمُفْرد مَعهَا وإنّما حِين فِي الْبَيْت مُضَافَة إِلَى جملَة كَمَا أَنَّهَا فِي قَوْله تَعَالَى: حِين لَا يكفون عَن وُجُوههم النّار إلاّ أنّ الْخَبَر مَحْذُوف وَخبر لَا يحذف كثيرا. وَنَظِير هَذَا فِي حذف الْخَبَر من الْجُمْلَة الْمُضَاف إِلَيْهَا ظرف الزَّمَان قَوْلهم: كَانَ هَذَا إِذْ ذَاك. والآخر أَن لَا تعْمل فِي اللَّفْظ وَيُرَاد بهَا معنى النَّفْي فَتكون صورتهَا صُورَة الزِّيَادَة وَمعنى النَّفْي فِيهِ مَعَ هَذَا صَحِيح كَقَوْل النَّابِغَة:

الْبَسِيط وَقَالَ الشمّاخ: الوافر (إِذا مَا أدلجت وصفت يداها ... لَهَا إدلاج لَيْلَة لَا هجوع) وَقَالَ رؤبة: الرجز وَقد عرفت حِين لَا اعْتِرَاف وَبَيت الْكتاب. تَرَكتنِي حِين لَا مالٍ أعيش بِهِ الْبَيْت وَهَذَا الْوَجْه عكس مَا جَاءَ فِيمَا أنْشدهُ أَبُو الْحسن من قَول الشَّاعِر: (لَو لم تكن غطفان لَا ذنُوب لَهَا ... إليّ لامت ذَوُو أحسابها عمرا) أَلا ترى أنّ لَا فِي الْمَعْنى زَائِدَة وَقد عملت وَفِي قَوْله: لَيْلَة لَا هجوع وبابه معنى النَّفْي فِيهِ صحيحٌ وَلم تعْمل انْتهى كَلَام أبي عليّ.)

(الشاهد الستون بعد المائتين)

وَهَذَا الْبَيْت مطلع قصيدة لجرير بن الخطفى هجا بهَا الفرزدق وَبعده: الْبَسِيط (للغانيات وصالٌ لست قاطعه ... على مواعيد من خلفٍ وتلوين) (إنّي لأرهب تَصْدِيق الوشاة بِنَا ... وَأَن يَقُول غويّ للنّوى بيني) (مَاذَا يهيجك من دارٍ تباكرها ... أَرْوَاح مخترق هوج الأفانين) وَجَرِير قد تقدّمت تَرْجَمته فِي الشَّاهِد الرَّابِع من أول الْكتاب وَالْخطاب لنَفسِهِ. وَقد الْتزم الْإِتْيَان بِالْحَال بعد مَا بَال فجملة وَقد علاك مشيبٌ حَال والظرف الأول مُتَعَلق بجهلك وَالثَّانِي مُتَعَلق بقوله علاك. وَأنْشد بعده وَهُوَ 3 - (الشَّاهِد الستّون بعد الْمِائَتَيْنِ) الرجز (فِي بِئْر لَا حور سرى وَمَا شعر) على أنّ لَا فِيهِ زَائِدَة لفظا وَمعنى أوّل من قَالَ بزيادتها فِي هَذَا الْبَيْت أَبُو عُبَيْدَة وَتَبعهُ جمَاعَة مِنْهُم ابْن دُرَيْد فِي الجمهرة قَالَ فِيهَا: وَمن أمثالهم: حورٌ فِي محارة يضْرب للرجل الَّذِي لَا يعرف وَجه أمره وَأنْشد هَذَا الْبَيْت وَقَالَ: لَا هُنَا لَغْو. وَمِنْهُم أَبُو مَنْصُور الأزهريّ فِي التَّهْذِيب إلاّ أنّه قَالَ: حور أَصله حؤور مَهْمُوز فخفّفه الشَّاعِر بِحَذْف الْهمزَة.

وَمِنْهُم صَاحب الصِّحَاح قَالَ فِيهِ: حَار يحور حوراً وحؤوراً: رَجَعَ. يُقَال حَار بَعْدَمَا كار ونعوذ بِاللَّه من الْحور بعد الكور أَي: من النُّقْصَان بعد الزِّيَادَة. وَكَذَلِكَ الْحور بِالضَّمِّ. وَفِي الْمثل حورٌ فِي محارةٍ: أَي: نُقْصَان يضْرب للرجل إِذا كَانَ أمره يدبر. والْحور أَيْضا: الِاسْم من قَوْلك طحنت الطّاحنة فَمَا أحارت شَيْئا أَي: مَا ردّت شَيْئا من الدّقيق. والحور أَيْضا: الهلكة. فِي بِئْر لَا جورٍ سرى وَمَا شعر وَلَا زَائِدَة. وَمِنْهُم صَاحب الْعباب وَنقل كَلَام الصِّحَاح برمتّه وَزَاد فِي الْمثل قَوْلهم: حور فِي محارة هَذَا خلاف مَا روى ابْن الأعرابيّ أنّه بِفَتْح الْحَاء قَالَ ابْن الأعرابيّ: يُقَال: فلانٌ حور فِي محارة هَكَذَا سمعته بِفَتْح الْحَاء يضْرب مثلا للشَّيْء الَّذِي لَا يصلح أَو كَانَ صَالحا ففسد.) وَمِنْهُم الزّمخشريّ فِي تَفْسِيره وَفِي مفصله قَالَ: لَا فِي سُورَة الْقِيَامَة فِي قَوْله تَعَالَى: لَا أقسم زَائِدَة كَمَا زيدت فِي هَذَا الْبَيْت. وَمِنْهُم ابْن الشجريّ فِي أَمَالِيهِ قَالَ: وَمِمَّا زيدت فِيهِ قَول العجّاج: فِي بِئْر لَا حور سرى وَمَا شعر مَعْنَاهُ فِي بِئْر حورٍ أَي: فِي بِئْر هَلَاك. وَذهب جمَاعَة إِلَى أنّ لَا هُنَا نَافِيَة لَا زَائِدَة أوّلهم الفرّاء قَالَ فِي آخر سُورَة الْفَاتِحَة من تَفْسِيره: إِذا كَانَت غير فِي معنى سوى لم يجز أَن تكرّ عَلَيْهَا لَا أَلا ترى أنّه لَا يجوز عِنْدِي سوى عبد الله وَلَا زيد. وَقد قَالَ

بعض من لَا يعرف العربيّة إنّ معنى غير فِي الْحَمد معنى سوى وإنّ لَا صلّة فِي الْكَلَام فِي بِئْر لَا حورٍ سرى وَمَا شعر وَهَذَا غير جَائِز لِأَن الْمَعْنى وَقع على مَا لَا يتبيّن فِيهِ عمله فَهُوَ جحدٌ مَحْض وإنّما يجوز أَن تجْعَل لَا صلَة إِذا اتّصلت بجحد قبلهَا وَأَرَادَ فِي بِئْر لَا حور فَلَا هِيَ الصَّحِيحَة فِي الْجحْد لأنّه أَرَادَ فِي بِئْر مَاء لَا يحير عَلَيْهِ شَيْئا كَأَنَّك قلت إِلَى غير رشد توجّه وَمَا درى وَالْعرب تَقول: طّحنت الطّاحنة فَمَا أحارت شَيْئا أَي: لم يتبيّن لَهَا أثر عمل. انْتهى. وَتَبعهُ ابْن الأعرابيّ فِي نوادره. وَمِنْهُم ابْن جنّي قَالَ فِي الخصائص قَالَ ابْن الأعرابيّ فِي قَوْله: فِي بئرٍ لَا حورٍ سرى وَمَا شعر أَرَادَ حؤور أَي: فِي بِئْر لَا حؤور وَلَا رُجُوع قَالَ: فأسكنت الْوَاو الأولى وحذقت لسكونها وَسُكُون الثَّانِيَة بعْدهَا. وَرَأَيْت فِي شرح شَوَاهِد الموشّح والمفصّل قَالَ صدر الأفاضل: الْحور هُنَا: جمع حائر من حَار إِذا هلك. وَنَظِيره على مَا حَكَاهُ الغوريّ قُتل: جمع قَاتل وبُزل جمع بازل وقُرح جمع قارح. وَيحْتَمل أَن يكون اسْم جمع حائر أَي هُلّك وَقيل هِيَ بِئْر سكنها الجنّ. انْتهى. وَهَذَا الْبَيْت من أرجوزة طَوِيلَة للعجّاج وَهِي نَحْو مِائَتي بَيت مدح بهَا

عمر بن عبيد الله بن معمر وَكَانَ عبد الْملك بن مَرْوَان قد وجّهه لقِتَال أبي فديك الحروريّ فأوقع بِهِ وبأصحابه ومطلعها: الرجز) (قد جبر الدّين الْإِلَه فجبر ... وعوّر الرّحمن من ولّى العور) (فَالْحَمْد لله الَّذِي أعْطى الشّبر ... موَالِي الحقّ أَن الْمولى شكر) إِلَى أَن قَالَ: (وَاخْتَارَ فِي الدّين الحروريّ البطر ... فِي بِئْر لَا حورٍ سرى وَمَا شعر) بإفكه حتّى رأى الصبّح جشر الْجَبْر: أَن تغني الرجل من فقره أَو تصلح عظمه من كسر يُقَال: جبر الْعظم جبرا وجبر الْعظم بِنَفسِهِ جبوراً أَي: انجبر وَقد جَمعهمَا العجّاج. وعوّر بِفَتْح الْمُهْملَة وَتَشْديد الْوَاو أَي: أفسد الله من ولاّه الْفساد. والشّبر: بِفَتْح الشين الْمُعْجَمَة والموحّدة الْخَيْر ويروى الحبر: بِفَتْح الْمُهْملَة والموحّدة وَهُوَ السرُور. وموالي الْخَيْر بِفَتْح الْمِيم يُرِيد العبيد وَهُوَ مفعول ثَان لأعطى وَرُوِيَ موَالِي بِضَم الْمِيم فَيكون من صفة الله ونصبه على الْمَدْح. والْمولى بِالْفَتْح: العَبْد. والحروريّ أَرَادَ بِهِ أَبَا فديك بِالتَّصْغِيرِ الخارجيّ. قَالَ فِي الصِّحَاح: وحروراء: اسْم قَرْيَة يمد وَيقصر نسبت إِلَيْهَا الحرورية من الْخَوَارِج كَانَ أوّل وَقَوله: بإفكه الخ الْبَاء سَبَبِيَّة مُتَعَلقَة بقوله سرى والْإِفْك الْكَذِب مَأْخُوذ من أفكته إِذا صرفته. وكلّ أمرٍ صرف عَن وَجهه فقد أفك. وجشر الصبّح بِالْجِيم والشين الْمُعْجَمَة يجشر جشوراً إِذا انْفَلق وأضاء. وروى:

حتّى إِذا الصبّح جشر وملخّص هَذِه القصّة كَمَا فِي نِهَايَة الأرب فِي فنون الْأَدَب للنّويريّ أنّ أَبَا فديك وَهُوَ من الْخَوَارِج واسْمه عبد الله بن ثَوْر بن قيس بن ثَعْلَبَة بن تغلب غلب على الْبَحْرين فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين من الْهِجْرَة فَبعث خَالِد بن عبد الله القسريّ أَمِير الْبَصْرَة أَخَاهُ أُميَّة بن عبد الله فِي جندٍ كثيف فَهَزَمَهُ أَبُو فديك وَأخذ جاريةٍ لَهُ فاتّخذها لنَفسِهِ فَكتب خَالِد إِلَى عبد الْملك بذلك فَأمر عبد الْملك عمر بن عبيد الله بن معمر أَن ينْدب النّاس مَعَ أهل الْكُوفَة وَالْبَصْرَة ويسير إِلَى قِتَاله فَانْتدبَ عشرَة آلَاف وَسَار بهم. وَجعل أهل الْكُوفَة على الميمنة وَعَلَيْهِم محمّد بن مُوسَى بن طَلْحَة بن عبيد الله وَأهل الْبَصْرَة على الميسرة وَعَلَيْهِم عمر بن مُوسَى بن عبيد الله بن معمر وَهُوَ ابْن أخي عمر وَجعل خيله فِي) الْقلب وَسَارُوا حتّى انْتَهوا إِلَى الْبَحْرين فاصطفّوا لِلْقِتَالِ. فَحمل أَبُو فديك وَأَصْحَابه حَملَة رجل واحدٍ فكشفوا ميسرَة عمر حتّى أبعدوا إلاّ الْمُغيرَة بن المهلّب وفرسان النَّاس فإنّهم مالوا إِلَى صفّ أهل الْكُوفَة بالميمنة ثمَّ رَجَعَ أهل الميسرة وقاتلوا واشتدّ قِتَالهمْ حتّى دخلُوا عَسْكَر الْخَوَارِج وَحمل أهل الميمنة حتّى استباحوا عَسْكَر الْخَوَارِج وَقتلُوا أَبَا فديك وحصروا أَصْحَابه حتّى نزلُوا على الحكم فَقتل مِنْهُم نَحْو ستّة آلَاف وَأسر ثَمَانمِائَة. ووجدوا جَارِيَة أميّة بن عبد الله حُبْلَى من أبي فديك وعادوا إِلَى الْبَصْرَة وَذَلِكَ فِي سنة ثَلَاث وَسبعين من الْهِجْرَة اه. وَبِمَا ذكرنَا يطبّق الْمفصل ويصاب المحزّ. ولّما لم يقف شرّاح الشواهد على مَا مرّ قَالُوا بالتخمين وَرَجَمُوا بالظنون مِنْهُم بعض فضلاء الْعَجم قَالَ فِي شرح أَبْيَات الْمفصل وَتَبعهُ فِي شرح شَوَاهِد

الموشّح: قيل يصف فَاسِقًا أَو كَافِرًا. وَالْمعْنَى على الأوّل أنّ الْفَاسِق سرى بأفكه وأباطيله فِي بِئْر الْمهْلكَة من الْمعاصِي وَمَا علم لفرط غفلته إِذا صَار فِيهَا حتّى إِذا انْفَلق الصّبح وأضاء الحقّ وانكشف ظلمات الشّبه واطلع علم مُعَاينَة لَكِن لم يَنْفَعهُ ذَلِك الْعلم. وعَلى الثَّانِي: أَن الْكَافِر سرى بإفكه وبطلانه فِي ورطة الْهَلَاك من كفره وَمَا شعر بذلك لإعراضه عَن الْآخِرَة حتّى إِذا قَامَت الْقِيَامَة علم أَنه كَانَ خابطاً فِي ظلمات الْكفْر وَلكنه لَا خوّاض فِي المهالك سالك فِي مسالك الجنّ. وَهَذَا مّما تتمدّح بِهِ الْعَرَب وأشعارهم ناطقة بذلك. وَمعنى قَوْله: بإفكه أَنه يكذب نَفسه إِذا حدّثها بِشَيْء وَلَا يصدقها فِيهِ وَيَقُول لَهَا: إِن الشَّيْء الَّذِي تطلبينه بعيد لتزداد جدّاً فِي طلبه وَلَا تتوانى فِيهِ ولذاك قَالَ لبيد: الرمل (اكذب النّفس إِذا حدّثتها ... إنّ صدق النّفس يزري بالأمل) وَالْمعْنَى: سَار لَيْلًا هَذَا الرجل لجرأته وجلادته فِي مهاوي الْهَلَاك أَو فِي الْمَوَاضِع الخالية الَّتِي يسكنهَا الجنّ حتّى أَضَاء الصبّح وَمَا شعر بِهِ ذَلِك الَّذِي ألْقى بِيَدِهِ فِي المهالك وَهُوَ غافل عَن ذَلِك لعدم مبالاته. وَهَذَا الْمَعْنى أشبه بِمذهب الْعَرَب. هَذَا كَلَامه. وترجمة العجّاج تقدّمت فِي الشَّاهِد الْحَادِي وَالْعِشْرين من أَوَائِل الْكتاب.

(الشاهد الحادي والستون بعد المائتين)

وَأنْشد بعده وَهُوَ 3 - (الشَّاهِد الْحَادِي وَالسِّتُّونَ بعد الْمِائَتَيْنِ) وَهُوَ من شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ: الرجز (لَا هثيم اللّيلة للمطيّ) على أَن لَا النافية للْجِنْس لَا تدخل على الْعلم وَهَذَا مؤوّل إمّا بِتَقْدِير مُضَاف وَهُوَ مثل وإمّا بِتَأْوِيل الْعلم باسم الْجِنْس. وَقد بيّنهما الشَّارِح المحقّق. وَقد أوردهُ صَاحب الكشّاف عِنْد قَوْله تَعَالَى: فَلَنْ يقبل من أحدهم ملْء الأَرْض ذَهَبا على أنّه على تَقْدِير مثل ملْء الأَرْض فَحذف مثل كَمَا حذفت من لَا هَيْثَم اللّيلة. قَالَ الْفَاضِل اليمنيّ: وَقد اعْترض هَذَا بِوَجْهَيْنِ: أَحدهمَا: الْتزم الْعَرَب تجرّد الِاسْم الْمُسْتَعْمل عَن الْألف وَاللَّام وَلم يجوّزوا قَضِيَّة وَلَا أَبَا الْحسن كَمَا جوّزوا وَلَا أَبَا حسن وَلَو كَانَت إِضَافَة مثل منوّية لم يحْتَج إِلَى ذَلِك. وَالثَّانِي: إِخْبَار الْعَرَب عَن الْمُسْتَعْمل ذَلِك الِاسْتِعْمَال بِمثل كَقَوْل الشَّاعِر: الطَّوِيل (تبْكي على زيدٍ وَلَا زيد مثله ... بريءٌ من الحمّى سليم الجوانح) أَقُول: لَا يضر هَذَا الِالْتِزَام فإنّه واردٌ على أحد الجائزين فإنّ أل

للمح الأَصْل وَالْغَالِب عدم ذكرهَا مَعَ أنّها عَلامَة لفظيّة للتعريف. وتعريف العلميّة وَإِن كَانَ أقوى مِنْهَا إلاّ أنّه معنوي فَلَو وجدت مَعَ لَا لَكَانَ الْقبْح ظَاهرا. ثمَّ رَأَيْت فِي تذكرة أبي حيّان مَا نصّه: قَالَ الفرّاء من قَالَ قضيّة وَلَا أَبَا حسن لَهَا لَا يَقُول وَلَا أَبَا الْحسن لَهَا بِالْألف وَاللَّام لأنّها تمحّض التَّعْرِيف فِي ذَا الْمَعْنى وَتبطل مَذْهَب التنكير. وَقَالَ: إنّما أجزنا لَا عبد الله لَك بِالنّصب لأنّه حرف مُسْتَعْمل يُقَال لكلّ أحد عبد الله وَلَا نجيز لَا عبد الرَّحْمَن وَلَا عبد الرَّحِيم لِأَن اسْتِعْمَال لم يلْزم هذَيْن كلزومه الأول. وَكَانَ الْكسَائي يقيس عبد الرَّحْمَن وَعبد الْعَزِيز على عبد الله وَمَا لذَلِك صحّة اه. وَأما جعله بِتَأْوِيل اسْم الْجِنْس فقد قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَقَالُوا قَضِيَّة وَلَا أَبَا حسن لَهَا قَالَ الْخَلِيل: نجعله نكرَة. فَقلت: كَيفَ يكون هَذَا وإنّما أَرَادوا عليّاً عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ: لأنّه لَا يجوز لَك أَن تعْمل لَا إلاّ فِي نكرَة فَإِذا جعلت أَبَا حسن نكرَة حسن لَك أَن تعْمل لَا وَعلم الْمُخَاطب أنّه قد دخل فِي هَؤُلَاءِ المنكورين. وهَيْثَم اسْم رجل كَانَ حسن الحداء لِلْإِبِلِ وَقيل كَانَ جيّد الرّعية والسياق يدلّ للأوّل كَمَا) يظْهر. وَكَذَلِكَ قَالَ بعض شرّاح أَبْيَات المفصّل: المُرَاد هَيْثَم بن الأشتر وَكَانَ مَشْهُورا بَين الْعَرَب بِحسن الصَّوْت فِي حدائه الْإِبِل وَكَانَ أعرف أهل زَمَانه بِالْبَيْدَاءِ والفلوات وسوق الْإِبِل. وللمطيّ خبر لَا وَهُوَ ظرف مُسْتَقر عَامل فِي اللّيلة وَبعده: وَلَا فَتى مثل ابْن خبيري

ّ قَالَ الصّاغانيّ فِي الْعباب: ذكر مثل هُنَا يعيّن أَن يكون مَا قبله بِتَقْدِير لَا مثل هَيْثَم وَابْن خبيريّ: قَالَ ابْن الكلبيّ فِي جمهرة نسب عذرة: فَمن بني ضبيس جميل بن عبد الله بن معمر بن الْحَارِث بن خبيريّ بن ظبْيَان اه. وَجَمِيل هَذَا هُوَ صَاحب بثينة الْمَشْهُور وَهُوَ المُرَاد بِابْن خبيريّ: فَيكون نسب إِلَى أحد أجداده. ومدحه بالفتوّة لأنّه كَانَ شجيعاً يحمي أدبار المطيّ من الْأَعْدَاء. وَقَالَ بَعضهم: المُرَاد بِابْن خبيريّ عليّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه وَالْإِضَافَة للملابسة. وَهَذَا لَا أصل لَهُ. وَقيل: أَرَادَ بِهِ مرْحَبًا وَهُوَ الَّذِي بارزه عليّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه يَوْم خَيْبَر فَقتله. وَهَذَا الشَّاهِد من أَبْيَات سِيبَوَيْهٍ الْخمسين الَّتِي لم يعيّن قَائِلهَا. وَقد أورد هذَيْن الْبَيْتَيْنِ أَبُو عبيد فِي الْغَرِيب المصنّف مَعَ أَبْيَات قبلهمَا وَهِي: الرجز (قد حشّها اللّيل بعصلبيّ ... مهَاجر لَيْسَ بأعرابيّ) (أروع خرّاج من الدّوّيّ ... عمرّسٍ كالمرس الملويّ) قَالَ الصاغانيّ فِي الْعباب: العصلبيّ بِفَتْح الْعين وَسُكُون الصَّاد الْمُهْمَلَتَيْنِ: الشَّديد الْبَاقِي على الْمَشْي وَالْعَمَل. وَأنْشد الأبيات على الفرّاء فِي نوادره لبَعض بني دبير بِضَم الدَّال وَفتح الْمُوَحدَة مُصَغرًا وَهِي قَبيلَة من بني أَسد. وَقَالَ شَارِح شَوَاهِد الْغَرِيب ابْن السّيرافيّ: يُقَال حشّ النّار يحشّها حشّاً إِذا بَالغ فِي إيقادها وإحمائها. وَإِنَّمَا يُرِيد أنّ الْإِبِل قد رميت بِرَجُل

عصلبيّ يسْرع سوقها وَلَا يَدعهَا تفتر كَمَا تحشّ النّار. وحشّ بحاء مُهْملَة وشين مُعْجمَة. ويروى: قد لفّها اللّيل أَي: اللَّيْل جعل هَذَا الرّجل ملتفاً بهَا. وإنّما نسب الْفِعْل إِلَى اللّيل لأنّ اللَّيْل حمله على الجدّ فِي السّير. وَجعله مُهَاجرا وَالْمُهَاجِر الَّذِي هَاجر إِلَى الْأَمْصَار من الْبَادِيَة فَأَقَامَ بهَا وَصَارَ من أَهلهَا) ليَكُون سيره أشدّ. وخصّ المُهَاجر لأنّه من أهل الْمصر الَّذِي يَقْصِدهُ فَلهُ بِالْمِصْرِ مَا يَدعُوهُ إِلَى إسراع السّير وَيجوز أَن يكون خصّ المُهَاجر لأنّه أعلم بالأمور من الأعرابيّ وَأبْصر بِمَا يحْتَاج إِلَيْهِ. والأروع: الْحَدِيد الْفُؤَاد. والدّوّيّ: جمع دوّيّة يُرِيد أنّه ذُو هِدَايَة وبصر بِقطع الفلوات وَالْخُرُوج مِنْهَا. والعمرّس: الشَّديد بِفَتْح الْعين وَالْمِيم وَتَشْديد الرَّاء وبالسين المهملات. والدّوّيّ بتَشْديد الْوَاو وَالْيَاء قَالَ فِي الصِّحَاح: الدوّ والدوّيّ: الْمَفَازَة وَكَذَلِكَ الدوّيّة لأنّها مفازة مثلهَا فنسبت إِلَيْهَا كَقَوْلِهِم دهرٌ دوّار ودوّاريّ. وَعرف بِهَذَا السّياق أنّه مدحٌ لهيثم فِي جودة حدائه المنشط لِلْإِبِلِ فِي سَيرهَا وأنّه لَا يقوم أحدٌ مقلمه وَلَا يسدّ مسدّه فِي حدائها. وَظهر مِنْهُ أَيْضا أَن المُرَاد لَا مثل هَيْثَم لَا تَأْوِيله باسم الْجِنْس لشهرته فِي صفة الحداء فتأمّل. وَزعم بعض فضلاء الْعَجم فِي شرح أَبْيَات المفصّل أنّ هَذَا الْكَلَام تأسّف وتحسرّ عَلَيْهِمَا. وكأنّه فهم أَنَّهُمَا مَاتَا وَالشعر مرثية فيهمَا. أَو هما غائبان عَن المطيّ فِي تِلْكَ اللّيلة.

(الشاهد الثاني والستون بعد المائتين)

تَتِمَّة قَالَ أَبُو حيّان فِي تَذكرته: قَالَ الكسائيّ فِي قَول الْعَرَب لَا أَبَا حَمْزَة لَك: أَبَا حَمْزَة نكرَة وَلم ينصب حَمْزَة لِأَنَّهُ معرفَة. لكنّهم قدّروا أنّه آخر الِاسْم الْمَنْصُوب بِلَا فنصب الآخر كَمَا تفتح اللَّام فِي لَا رجل. وَقَالَ: سَمِعت الْعَرَب تَقول: لَا أَبَا زيد لَك وَلَا أَبَا مُحَمَّد عنْدك فعلّة نصبهم مُحَمَّدًا وزيداً أنّهم جعلُوا أَبَا مُحَمَّد وَأَبا زيد اسْما وَاحِدًا وألزموا آخِره نصب النّكرة. انْتهى. وَأنْشد بعده وَهُوَ 3 - (الشَّاهِد الثَّانِي والستّون بعد الْمِائَتَيْنِ) وَهُوَ من شَوَاهِد س: الوافر (أرى الْحَاجَات عِنْد أبي خبيب ... نكدن وَلَا أميّة فِي الْبِلَاد) على أَن التَّقْدِير إمّا: وَلَا أَمْثَال أميّة فِي الْبِلَاد وإمّا: وَلَا أجواد فِي الْبِلَاد لأنّ بني أميّة قد اشتهروا بالجود. فأوّل الْعلم باسم الْجِنْس لشهرته بِصفة الْجُود. وَهَذَا الْبَيْت من أَبْيَات لعبد الله بن الزّبير الأسديّ قَالَهَا فِي عبد الله بن الزّبير بن العوّام وَكَانَ شَدِيد الْبُخْل قَالَ الحصريّ فِي زهر الْآدَاب

قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: وَفد عبد الله بن الزّبير الأسديّ على عبد الله بن الزّبير بن العوّام فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إنّ بيني وَبَيْنك رحما من قبل فُلَانَة الكاهليّة وَهِي عمّتنا وَقد ولدتكم فَقَالَ ابْن الزّبير: هَذَا كَمَا وصفت وَإِن فَكرت فِي هَذَا وجدت النّاس كلّهم يرجعُونَ إِلَى أَب وَاحِد وَإِلَى أمّ وَاحِدَة. فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إنّ نفقتي قد ذهبت. قَالَ: مَا كنت ضمنت لأهْلك أنّها تكفيك إِلَى أَن ترجع إِلَيْهِم. قَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إنّ نَاقَتي قد نقبت ودبرت. قَالَ لَهُ: أنجد بهَا يبرد خفّها وارقعها بسبتٍ واخصفها بهلبٍ وسر عَلَيْهَا البردين تصحّ. قَالَ: إنّما جئْتُك مستحملاً وَلم آتِك مستوصفاً فلعن الله نَاقَة حَملتنِي إِلَيْك قَالَ ابْن الزّبير: إنّ وراكبها. فَخرج وَهُوَ يَقُول: (أرى الْحَاجَات عِنْد أبي خبيبٍ ... نكدن وَلَا أميّة فِي الْبِلَاد) (من الأعياص أَو من آل حربٍ ... أغر كغرّة الْفرس الْجواد) (وَمَالِي حِين أقطع ذَات عرقٍ ... إِلَى ابْن الكاهليّة من معاد) (وَقلت لصحبتي: أدنوا ركابي ... أُفَارِق بطن مَكَّة فِي سَواد) فَبلغ شعره هَذَا عبد الله بن الزّبير فَقَالَ: لَو أعلم أنّ لي أمّاً أخسّ

من عمّته الكاهليّة لنسبتي إِلَيْهَا. وَكَانَ ابْن الزّبير يكنى أَبَا بكر وَأَبا خبيب. قَالَ الصّوليّ: أَخذ المعتصم من مُحَمَّد بن عبد الْملك الزيات فرسا أَشهب كَانَ عِنْده مكيناً وكَانَ بِهِ ضنيناً فَقَالَ يرثيه: الْكَامِل (قَالُوا جزعت فَقلت إنّ مُصِيبَة ... جلت رزيّتها وضاق الْمَذْهَب) قَالَ أَبُو بكر الصّوليّ: هَكَذَا أنشدنيه ابْن المعتز على أنّ إنّ بِمَعْنى نعم وَأنْشد النّحويون: الْكَامِل) (قَالُوا كَبرت فَقلت إنّ وربّما ... ذكر الْكَبِير شبابه فتطرّبا) وَكَذَا نقل السّيوطيّ فِي تَارِيخ الْخُلَفَاء. وَهَذِه الْحِكَايَة عَن تَارِيخ ابْن عَسَاكِر من طَرِيق أبي عُبَيْدَة. وَقَوله: إنّ نَاقَتي قد نقبت فِي الصِّحَاح: ونقب الْبَعِير بِالْكَسْرِ: إِذا رقت أخفافه. ودبر الْبَعِير بِالْكَسْرِ وأدبره القتب إِذا جرحه وَهِي الدّبرة بِفَتَحَات. وأنجد إِذا أَخذ فِي بِلَاد نجد. وَهُوَ من بِلَاد الْعَرَب وَهُوَ خلاف الْغَوْر وتهامة وكلّ مَا ارْتَفع من تهَامَة إِلَى أَرض الْعرَاق فَهُوَ نجد. ونجد مَوْصُوف بالبرد. والسّبت بِكَسْر السِّين وَسُكُون الْمُوَحدَة: جُلُود الْبَقر المدبوغة بالقرظ تحذى مِنْهُ النِّعَال السّبتيّة. والهلب بِضَم الْهَاء: شعر الْخِنْزِير الَّذِي يخرز بِهِ الْوَاحِد هلبة وَكَذَلِكَ مَا غلظ من شعر الذَّنب وَغَيره. والبردان

: العصران وَكَذَلِكَ الأبردان وهما الْغَدَاة والعشيّ وَيُقَال ظلاّهما. ومستحملاً أَي: طَالبا أَن تحملنِي على دَابَّة. وَأَبُو خبيب بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة وَفتح الْمُوَحدَة الأولى كنية عبد الله بن الزّبير كني بأكبر أَوْلَاده قَالَ الثعالبيّ فِي لطائف المعارف: كَانَ لَهُ ثَلَاث كنى: أَبُو خبيب وَأَبُو بكر وَأَبُو عبد الرَّحْمَن وَكَانَ إِذا هجي كني بِأبي خبيب. ونكدن من نكد نكداً من بَاب تَعب فَهُوَ نكد إِذا تعسّر. ونكد الْعَيْش نكداً إِذا اشتدّ. وأميّة: أَبُو قَبيلَة من قُرَيْش وهما أميّتان: الْأَكْبَر والأصغر ابْنا عبد شمس بن عبد منَاف أَوْلَاد علّة فَمن أميّة الْكُبْرَى أَبُو سُفْيَان بن حَرْب والعنابس والأعياص. وأميّة الصُّغْرَى هم ثَلَاثَة إخْوَة لأمٍّ اسْمهَا عبلة يُقَال لَهُم العبلات بِالتَّحْرِيكِ. والأعياص بإهمال الأوّل وَالْآخر هم من قُرَيْش أَوْلَاد أميّة ابْن عبد شمس الْأَكْبَر وهم أَرْبَعَة: الْعَاصِ وَأَبُو الْعَاصِ والعيص وَأَبُو الْعيص. وذَات عرق بِالْكَسْرِ: مِيقَات أهل الْعرَاق وَهُوَ من مكّة نَحْو مرحلَتَيْنِ وَيُقَال هُوَ من نجد الْحجاز. والصّحبة أَرَادَ بِهِ الْأَصْحَاب وَهُوَ فِي الأَصْل مصدر. وادنوا بِفَتْح الْهمزَة: أَمر مُسْند لجَماعَة الذُّكُور من الإدناء وركابي: إبلي. وأفارق مجزوم فِي جَوَاب الْأَمر. وَعبد الله بن الزّبير بِفَتْح الزَّاي وَكسر الْمُوَحدَة قد تقدّمت تَرْجَمته فِي الشَّاهِد الرَّابِع وَالْعِشْرين بعد الْمِائَة.

وروى الاصبهاني فِي الأغاني هَذِه الأبيات لعبد الله بن فضَالة بن شريك ابْن سُلَيْمَان بن خويلد وأنهى نسبه إِلَى أَسد بن خُزَيْمَة بن مدركة بن إلْيَاس بن مُضر.) قَالَ: وَعبد الله بن فضَالة هُوَ الْوَافِد على ابْن الزّبير وَالْقَائِل لَهُ: إنّ نَاقَتي قد نقبت وَذكر الْقِصَّة بِعَينهَا إِلَى قَوْله فَقَالَ لَهُ ابْن الزّبير: إنّ وراكبها. فَانْصَرف وَهُوَ يَقُول: (أَقُول لغلمتي شدّوا ركابي ... أجاوز بطن مرّ فِي سَواد) (فَمَالِي حِين أقطع ذَات عرق ... إِلَى ابْن الكاهليّة من معاد) (وكل معّبد قد أعلمته ... مناسمهنّ طلاّع النّجاد) أرى الْحَاجَات عِنْد ابي خبيب ... ... ... الْبَيْتَيْنِ ثمَّ قَالَ الأصبهانيّ: وَذكر ابْن حبيب أنّ هَذَا الشّعْر لِأَبِيهِ فضَالة مَعَ ابْن الزّبير وَزَاد فِيهَا: (شَكَوْت إِلَيْهِ أَن نقبت قلوصي ... فردّ جَوَاب مشدّود الصّفاد) (يضنّ بِنَاقَة ويروم ملكا ... محالٌ ذاكم غير السّداد) (وليت إِمَارَة وبخلت لمّا ... وليتهم بملكٍ مُسْتَفَاد) (فَإِن وليت أميّة أبدلوكم ... بكلّ سميدعٍ واري الزّناد) (من الأعياص أَو من آل حربٍ ... أغرّ كغرّة الْفرس الْجواد) (إِذا لم ألقهم بمنّى فإنّي ... بجوّ لَا يهشّ لَهُ فُؤَادِي) ...

(سيدنيني لَهُم نصّ المطايا ... وَتَعْلِيق الأداوى والمزاد) (وَظهر معبّد قد أعلمته ... مناسمهنّ طلاّع النّجاد) مَعَ أَبْيَات ثَلَاثَة آخر. قَالَ ابْن حبيب: فلمّا ولي عبد الْملك بعث إِلَى فضَالة يَطْلُبهُ فَوَجَدَهُ قد مَاتَ فَأمر لوَرثَته بِمِائَة نَاقَة تحمّل أوقارها برّاً وَتَمْرًا. قَالَ: والكاهليّة الَّتِي ذكرهَا هِيَ بنت جبيرَة من بني كَاهِل بن اسد وَهِي أم خويلد بن اسد بن وَزعم بعض فضلاء الْعَجم فِي شرح أَبْيَات المفصّل أنّ الكاهليّة هِيَ أم عبد الله بن الزّبير وَهَذَا لَا أصل لَهُ. وَزعم أَيْضا أَن ابْن الزّبير صَاحب هَذِه الأبيات اسْمه عبد الله بن فضَالة وَنَقله عَن صدر الأفاضل. وَقَوله: أَقُول لغلمتي هُوَ بِكَسْر الْمُعْجَمَة: جمع غُلَام. وبطن مرّ بِفَتْح الْمِيم: مَوضِع بِقرب مكّة شرّفها الله. وَقَوله: فِي سَواد أَي: فِي ظلام اللّيل. ونصّ المطايا: مصدر مُضَاف إِلَى مَفْعُوله من نصصت الدّابّة: استحثثها واستخرجت مَا عِنْدهَا من السّير. والأداوى بِفَتْح الْوَاو: جمع إداوة بِالْكَسْرِ وَهِي المطهرة. والمزاد بِالْفَتْح: جمع مزادة وَهِي شطر الرّواية) وَالْقِيَاس كسر الْمِيم لأنّها آلَة يستقى فِيهَا وَهِي مفعلة من الزّاد لأنّه يتزوّد فِيهَا المَاء. وَالطَّرِيق المعبّد من التعبيد وَهُوَ التذليل. والمناسم: جمع منسم كمجلس: طرف خفّ الْإِبِل. وطلاّع حَال من ضمير المطايا جمع طالعة. والنّجاد بِكَسْر النُّون بعْدهَا جِيم: جمع نجد ككلب وكلاب وَهُوَ مَا ارْتَفع من الأَرْض. والصّفاد بِكَسْر الصَّاد: مَا يوثق بِهِ الْأَسير من قدٍّ وَقيد وغلّ أَي: أجابني بِجَوَاب عَاجز مقيّد لَا يقدر على شَيْء. والسّميدع بِفَتْح السِّين: السّيد الَّذِي يسهل الْوُصُول إِلَيْهِ. وجوّ بِفَتْح الْجِيم وَتَشْديد الْوَاو: اسْم مَوضِع.

(الشاهد الثالث والستون بعد المائتين)

وفضَالة بن شريك الْأَسدي بِفَتْح الْفَاء أوردهُ ابْن حجر فِي الْإِصَابَة من المخضرمين الَّذين أدركوا النبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وَلم يعلم اجْتِمَاعهم بِهِ. وَأنْشد بعده وَهُوَ 3 - (الشَّاهِد الثَّالِث وَالسِّتُّونَ بعد الْمِائَتَيْنِ) وَهُوَ من شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ: الطَّوِيل (فَلَا أَب وابنا مثل مَرْوَان وَابْنه) هَذَا صدرٌ وعجزه: إِذا هُوَ بالمجد ارتدى وتأزّرا على أنّه عطف الابْن بِالنّصب على لفظ اسْم لَا الْمَبْنِيّ وَيجوز رفع الْمَعْطُوف بِاعْتِبَار محلٌ لَا وَاسْمهَا فإنّهما فِي محلّ رفع على الِابْتِدَاء. وإنّما جَازَ الرّفْع لأنّ لَا إِذا لم تتكرّر فِي الْمَعْطُوف وَجب فتح الأول وَجَاز فِي الثَّانِي النصب وَالرَّفْع. قَالَ أَبُو عليّ فِي الْمسَائِل البصرية: مثل يحْتَمل أَن يكون صفة وَأَن يكون خَبرا. فَإِن جعلته صفة احْتمل أَمريْن: يجوز أَن تنصبه على اللَّفْظ لأنّ اللَّفْظ مَنْصُوب فتحمله عَلَيْهِ وَإِن حَملته على الْموضع هُنَا كَانَ أقبح مِنْهُ فِي غير هَذَا الْموضع وَذَاكَ أنّك لما عطفت بِالنّصب فقد أنبأت أنّه مَنْصُوب فَإِذا رفعته بعد ذَلِك كَانَ قبيحاً لأنّك كأنّك حكمت بِرَفْعِهِ بعد مَا حكمت وَهَذَا عِنْدِي أقبح من أَن تحمل الْأَسْمَاء المبهمة على الْمَعْنى ثمَّ ترجع إِلَى اللَّفْظ لأنّ الِاسْم كَمَا يعلم مِنْهُ الْإِفْرَاد فقد يعلم مِنْهُ الْجمع فَتكون دلَالَته على ذَا كدلالته على ذَا وَلَا يعلم من الرّفْع النصب وَلَا من النّصب الرّفْع

فَلهَذَا يستحسن حمل الصّفة هُنَا على اللَّفْظ. فَإِن قلت: فصفة) أيّ الاسمين هُوَ فإنّا لَا نقُول صفة أَحدهمَا وَلَكِن صفتهما جَمِيعًا أَلا ترى أنّه قد أضيف إِلَى مَرْوَان وَعطف ابْن عَلَيْهِ فكأنّه قَالَ مثلهمَا أَلا ترى أنّ الْعَطف بِالْوَاو نَظِير التَّثْنِيَة فَكَمَا أنّ مثلهم فِي قَوْله تَعَالَى: إنّكم إِذا مثلهم خبر عَن جَمِيع الْأَسْمَاء حَيْثُ كَانَ مُضَافا إِلَى ضمير الْجمع كَذَلِك يكون مثل وَصفا للاسمين جَمِيعًا وتضمر الْخَبَر إِذا جعلته صفة. فَإِن جعلت مثلا الْخَبَر رفعت لَا غير وَلم تضمر شَيْئا وَمثل ذَلِك: الْبَسِيط وَلَا كريم من الْولدَان مصبوح وَقد يَسْتَقِيم أَن تَجْعَلهُ هُنَا وَصفا على الْموضع وتضمر وَلَا يقبح من حَيْثُ قبح فِي قَوْله: فَلَا أَب وابنا. فَأَما: إِذا هُوَ بالمجد ارتدى فالعامل فِي إِذا أضمرت. انْتهى كَلَام أبي عَليّ. وَقَالَ ابْن هِشَام فِي شرح شواهده: وروى ابْن الأنباريّ: إِذا مَا ارتدى بالمجد ثمَّ تأزّرا وَرِوَايَة سِيبَوَيْهٍ أولى لِأَن الائتزار قبل الارتداء. وَالْوَاو لَا تَرْتِيب فِيهَا بِخِلَاف ثمّ والْمجد: العزّ والشرّف وَرجل ماجد: كريم شرِيف. وارتدى: لبس الرِّدَاء. وتأزّر: لبس الْإِزَار: الثّوب الَّذِي يستر النّصْف

(الشاهد الرابع والستون بعد المائتين)

الْأَسْفَل والرِّدَاء: مَا يستر النّصْف الْأَعْلَى. قَالَ الأعلم: مدح مَرْوَان بن الحكم وَابْنه عبد الْملك بن مَرْوَان وجعلهما لشهرة مجدهما كاللابسين لَهُ المرتديين بِهِ وَجعل الْخَبَر على أَحدهمَا وَهُوَ يعنيهما اختصاراً لعلم السَّامع اه. وَلَقَد كذب الشَّاعِر فِي هَذَا الْمَدْح فإنّ النبيّ صلّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فِي حقّ مَرْوَان: الوزغ بن الوزغ. وَهَذَا الْبَيْت من أَبْيَات سِيبَوَيْهٍ الْخمسين الَّتِي لَا يعرف لَهَا قَائِل. وَقَالَ ابْن هِشَام فِي شواهده: إنّه لرجل من عبد مَنَاة بن كنَانَة وَالله أعلم. وَأنْشد بعده وَهُوَ 3 - (الشَّاهِد الرَّابِع وَالسِّتُّونَ بعد الْمِائَتَيْنِ) وَهُوَ من شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ: الْبَسِيط (أَلا طعان إِلَّا فرسَان عاديةٍ ... إلاّ تجشّؤكم حول التنانير) على أَن لَا إِذا تقدمها همزَة الِاسْتِفْهَام تعْمل كعملها مُجَرّدَة مِنْهَا. قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَاعْلَم أنّ لَا فِي الِاسْتِفْهَام تعْمل فِيهَا بعْدهَا كَمَا تعْمل فِيهِ إِذا كَانَت فِي الْخَبَر فَمن ذَلِك قَوْله: أَلا طعان. . الْبَيْت. وَقَالَ ابْن هِشَام فِي المعني أَلا تَأتي للتوبيخ وَالْإِنْكَار كَقَوْلِه: أَلا طعان أَلا فرسَان ... الْبَيْت

وللتمني كَقَوْلِه: الطَّوِيل (أَلا عمر ولّى مستطاعٌ رُجُوعه ... فيرأب مَا أثأت يَد الغفلات) وَلِهَذَا نصب يرأب لأنّه جَوَاب تمنّ مقرون بِالْفَاءِ. وللاستفهام عَن النَّفْي كَقَوْلِه: الْبَسِيط أَلا اصطبار لسلمى أم لَهَا جلدٌ وَفِي هَذَا الْبَيْت ردٌّ على من أنكر وجود هَذَا الْقسم وَهُوَ الشّلوبين. وَهَذِه الْأَقْسَام الثَّلَاثَة مختصّة بِالدُّخُولِ على الْجُمْلَة الاسميّة وتعمل عمل لَا التبرئة وَلَكِن تختصّ الَّتِي للتمنّي بِأَنَّهَا لَا خبر لَهَا لفظا وَلَا تَقْديرا بِأَنَّهَا لَا يجوز مُرَاعَاة محلّها مَعَ اسْمهَا وبأنّها لَا يجوز إلغاؤها وَلَو تَكَرَّرت. أمّا الأوّل فلأنّها بِمَعْنى أتمنّى وأتمنّى لَا خبر لَهُ وأمّا الأخيران فلأنّهما بِمَنْزِلَة لَيْت. وَهَذَا كلّه قَول سِيبَوَيْهٍ وَمن وَافقه اه. بِاخْتِصَار. وَزعم الزجاجيّ فِي الْجمل أنّ أَلا فِي هَذَا الْبَيْت للتمنّي. وَلَيْسَ كَذَلِك لأنّ الْبَيْت من الهجو وَلَو كَانَ تمنّياً لما كَانَ ذمّاً. وَهَذَا الْبَيْت من أَبْيَات لحسّان بن ثَابت الصّحابيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه هجا بهَا بني الْحَارِث بن كَعْب المذحجيّ جعلهم أهل أكل وَشرب لَا أهل غَارة وَحرب يَقُول: لَا خيل تَعدونَ بهَا على الأقران وَلَا طعان لكم فِي نحور الشّجعان إلاّ الْأكل والجشاء عِنْد التنانير فَلَيْسَ لكم رغبةٌ فِي طلب الْمَعَالِي وإنّما فعلكم فعل الْبَهَائِم. كَمَا قَالَ الآخر:

الْكَامِل (إنّي رَأَيْت من المكارم حسبكم ... أَن تلبسوا حرّ الثّياب وتشبعوا)) (فَإِذا تذوكرت المكارم مرّةً ... فِي مجْلِس أَنْتُم فتقنّعوا) وَزعم اللّخميّ فِي شرح أَبْيَات الْجمل أنّ الِاسْتِفْهَام هُنَا للتقرير قَالَ: قرّرهم على مَا علم من أَمرهم. فَيكون الْمُقَرّر النَّفْي وَمَا بعده. وطعان: مصدر طَاعن بالرّمح. والفرسان: جمع فَارس. وعَادِية بِالْمُهْمَلَةِ وَالنّصب: صفة لفرسان وَقيل حَال مِنْهُ وَالْخَبَر مَحْذُوف أَي: لكم وَهُوَ من عدا عَلَيْهِ بِمَعْنى اعْتدى والمصدر الْعدوان. وَالْعرب تتمدّح بِهِ بِاعْتِبَار مَا يلْزمه من الشجَاعَة. وَقيل: هُوَ من الْعَدو أَي: الجري وَقيل هُوَ بِالْمُعْجَمَةِ من الغدوّ وَهُوَ التبكير لأنّ الْعَرَب تبكر للغارة وَالْحَرب. قَالَ النحّاس: وَعند أبي الْحسن الأول هُوَ الْأَحْسَن لأنّ العادية تكون بِالْغَدَاةِ وَغَيرهَا. وَرُوِيَ بِالرَّفْع على الرِّوَايَتَيْنِ على أنّه صفة لفرسان على الْموضع وَقيل خبر. وَقَوله: إلاّ تجشّؤكم بِالنّصب على الِاسْتِثْنَاء الْمُنْقَطع قيل: وَيجوز رَفعه على الْبَدَل من مَوضِع أَلا طعان على لُغَة تَمِيم. قَالَ النحّاس: هَذَا غلط وَالصَّوَاب عِنْد أبي الْحسن النصب. والتجشّؤ: خُرُوج نفسٍ من الْفَم ينشأ من امتلاء الْمعدة يُقَال: تجشّأ تجشّؤاً وتجشئة مَهْمُوز وَالِاسْم الجشاء بِضَم الْجِيم وَفتح الشين. قَالَ الأصمعيّ: وَيُقَال الجشاء على فعال كأنّه من بَاب العطاس والسعال. قَالَ اللّخميّ: وَرُوِيَ: إلاّ تحشؤكم بِالْحَاء الْمُهْملَة مَأْخُوذ من المحشأ وَهُوَ الكساء الغليظ الَّذِي والمحشأ على

وزن مفعل وَالْجمع المحاشئ بِالْهَمْز على وزن مفاعل. والتّنانير: جمع تنّور وَهُوَ مَا يخبز فِيهِ الْخبز. والأبيات هَذِه برمتّها: الْبَسِيط (حَار بن كعبٍ أَلا أَحْلَام تزجركم ... عنّا وَأَنْتُم من الْجوف الجماخير) (لَا عيب بالقوم من طولٍ وَلَا عظمٍ ... جسم البغال وأحلام العصافير) (كأنّهم قصبٌ جوفٌ مكاسره ... مثقّب فِيهِ أَرْوَاح الأعاصير) (دعوا التّخاجؤ وامشوا مشْيَة سجحا ... إنّ الرِّجَال أولو عصبٍ وتذكير) (لَا ينفع الطّول من نوك الْقُلُوب وَلَا ... يهدي الْإِلَه سَبِيل المعشر البور) (إنّي سأنصر عرضي من سراتكم ... إنّ الحماس نسيٌّ غير مَذْكُور) (ألفى أَبَاهُ وألفى جدّه حبسا ... بمعزلٍ عَن معالي الْمجد وَالْخَيْر)) أَلا طعان أَلا فرسَان عاديةٍ ... ... ... ... . الْبَيْت كَذَا فِي شرح أَبْيَات الْجمل لِابْنِ السَّيِّد وَغَيره من رِوَايَة مُحَمَّد بن حبيب لديوان حسّان. وَقَوله: حَار بن كَعْب هُوَ مرخّم حَارِث وَبِه اسْتشْهد الزّجاجيّ فِي جمله. والأحلام: الْعُقُول جمع حلم بِالْكَسْرِ. والْجوف بِضَم الْجِيم: جمع أجوف وَهُوَ الْخَالِي الْجوف. والجماخير: جمع جمخور بِضَم الْجِيم وَالْخَاء الْمُعْجَمَة بَينهمَا مِيم سَاكِنة هُوَ الْعَظِيم الْجِسْم الخوّار. وَقَوله: لَا عيب

بالقوم رُوِيَ أَيْضا: لَا بَأْس بالقوم. يُرِيد أنّ أجسامهم لَا تعاب وَهِي طَوِيلَة عَظِيمَة ولكنّها كأجسام البغال لَا عقول لَهَا. هَكَذَا رَوَاهُ النَّاس وَرَوَاهُ الزمخشريّ: جسم الْجمال وأحلام الخ عِنْد قَوْله تَعَالَى: حَتَّى يلج الْجمل فِي سمّ الْخياط على أنّ الْجمل مثلٌ فِي عظم الجرم وَهَذَا مثل قَول بَعضهم: الوافر (وَقد عظم الْبَعِير بِغَيْر لبٍّ ... فَلم يسْتَغْن بالعظم الْبَعِير) وَقَالَ آخر: الطَّوِيل (فأحلامهم حلم العصافير دقةً ... وأجسامهم جسم الجمائل أَو أجفى) وَهَذَانِ البيتان أوردهما سِيبَوَيْهٍ على رفع الْجِسْم والأحلام على إِضْمَار مُبْتَدأ لما أَرَادَ من تَفْسِير أَحْوَالهم دون الْقَصْد إِلَى الذَّم. وَالتَّقْدِير أجسامهم أجسام البغال وأحلامهم أَحْلَام العصافير: عظما وحقارة. وَيجوز أَن يُرِيد لَا أَحْلَام لَهُم كَمَا أنّ العصفور لَا حلم لَهُ وَلَو قصد بِهِ الذمّ فنصبه بإضمار فعل لجَاز. قَالَ ابْن خلف: ذكر سِيبَوَيْهٍ هَذَا الشّعْر بعد أَبْيَات أنشدها وَذكر فِيهَا أَسمَاء قد نصبت على وَقَوله: وَلم يرد أَن يَجعله شتماً يُرِيد أنّه لم يَجعله شتماً من طَرِيق اللَّفْظ إنّما هُوَ شتمٌ من طَرِيق الْمَعْنى وَهُوَ أغْلظ من كثير من الشتم. وأفرد الْجِسْم وَهُوَ يُرِيد الْجمع ضَرُورَة كَقَوْلِه: الرجز فِي حلقكم عظمٌ وَقد شجينا

وَقَوله: كَأَنَّهُمْ قصب الخ هُوَ جمع قَصَبَة والْجوف جمع أجوف كَمَا مرّ. ومكاسره مُبْتَدأ جمع مكسر أَي: محلّ الْكسر ومثقب خَبره والْأَرْوَاح: جمع ريح. والتخاجؤ بعد الْمُثَنَّاة الْفَوْقِيَّة خاء مُعْجمَة وَبعدهَا جِيم بعْدهَا همزَة هُوَ مشي فِيهِ تبختر. والمشية السّجح) بِضَم السِّين الْمُهْملَة وَالْجِيم بعْدهَا حاء مُهْملَة: السّهلة الْحَسَنَة. وأولو عصب: أَصْحَاب شدّة خلق يُقَال: رجل معصوب الْخلق أَي: مدمجه. والتذكير: كَونهم على خلقَة الذُّكُور. والنّوك بِضَم النُّون: الحماقة. والبور: جمع بائر وَهُوَ الْهَالِك. والحماس بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة بعْدهَا مِيم فرقة من بني الْحَارِث بن كَعْب. والنّسيّ: المنسيّ الخامل الذّكر. وَقَوله: حبسا بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول من الْحَبْس. والْمجد: الشّرف. والْخَيْر بِكَسْر الْمُعْجَمَة: الْكَرم. وَسبب هجو حسّان بني الْحَارِث أنّ النّجاشيّ وَهُوَ من رَهْط الْحَارِث بن كَعْب هجا بني (لَسْتُم بني النّجّار أكفاء مثلنَا ... فأبعد بكم عنّا هُنَالك أبعد) (فَإِن شِئْتُم نافرتكم عَن أبيكم ... إِلَى من أردتم من تهامٍ ومنجد) قَالَ السّكريّ فِي ديوَان حسّان: ذكرُوا أنّ الْأَنْصَار اجْتَمعُوا فِي مجْلِس فتذاكروا هجاء النّجاشيّ إيّاهم فَقَالُوا: من لَهُ فَقَالَ الْحَارِث بن معَاذ بن عفراء: حسّان لَهُ. فأعظم ذَلِك الْقَوْم فتوجّه نَحوه وَالْقَوْم كلّهم معظمٌ لذَلِك فلمّا دخل عَلَيْهِ كلّمه فَقَالَ: أَيْن أَنْتُم هم ابْني عبد الرَّحْمَن قَالَ: إيّاك أردنَا قد قاوله عبد الرَّحْمَن فَلم يصنع شَيْئا. فَوَثَبَ وَقَالَ: كن وَرَاء

الْبَاب واحفظ مَا ألقِي. فضربته زافرة الْبَاب فشجتّه على حَاجِبه فَقَالَ: بِسم الله ثمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ اخلف فيّ رَسُولك الْيَوْم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قَالَ الْحَارِث: فَعرفت حِين قَالَهَا ليغلبنّه. فَدخل وَهُوَ يَقُول: الْكَامِل (أبني الحماس أَلَيْسَ مِنْكُم ماجدٌ ... إنّ الْمُرُوءَة فِي الحماس قَلِيل) (يَا ويل أمّكم وويل أبيكم ... ويلاً تردّد فِيكُم وعويل) إِلَى أَن قَالَ: فاللؤم حلّ على الحماس فَمَا لَهُم كهلٌ يسود وَلَا فَتى بهْلُول ثمَّ مكث طَويلا فِي الْبَاب يَقُول: وَالله مَا بلغت مَا أُرِيد. ثمَّ ألْقى عليّ: حَار بن كعبٍ أَلا أَحْلَام ثمَّ قَالَ لِلْحَارِثِ: اُكْتُبْهَا صكوكا فَأَلْقِهَا إِلَى غلْمَان الكتّاب قَالَ الْحَارِث: فَفعلت فَمَا مرّ بِنَا بضع وَخَمْسُونَ لَيْلَة حتّى طرقت بَنو عبد المدان حسّان بالنّجاشيّ موثقًا فَقَالَ حسّان لبنته: نَادِي بِأَبْيَات أَطَم حسّان ليأتيك قَوْمك فيحضروا. فَلم يبْق أحدٌ إلاّ جَاءَ وَمَعَهُ السّلاح. فَلَمَّا اجْتمع النّاس وضع لَهُ مِنْبَر وَنزل وَفِي يَده مخصرة فَقَامَ عبد الله بن عبد المدان فَقَالَ: يَا) ابْن الفريعة جئْنَاك بِابْن أَخِيك فاحكم فِيهِ بِرَأْيِك فَأتى بالنّجاشيّ فأجلس بَين يَدَيْهِ وَاعْتذر الْقَوْم فَقَالَ حسّان لابنته: هَاتِي البقيّة

الَّتِي بقيت من جَائِزَة مُعَاوِيَة. فَأَتَتْهُ بِمِائَة دِينَار إلاّ دينارين فَقَالَ: دُونك هَذِه يَا ابْن أخي. وَحمله على بغلةٍ لعبد الرَّحْمَن فَقَالَ لَهُ ابْن الديّان: كنّا نفتخر على النّاس بالعظم والطّول فأفسدته علينا. قَالَ: كلاّ أَلَيْسَ أَنا الَّذِي أَقُول: الوافر (وَقد كنّا نقُول إِذا رَأينَا ... لذِي جسمٍ يعدّ وَذي بَيَان) (كَأَنَّك أيّها الْمُعْطى بَيَانا ... وجسماً من بني عبد المدان) انْتهى مَا أوردهُ السكّريّ. وَعبد المدان: هُوَ ابْن الديّان بن قطن بن زِيَاد بن الْحَارِث بن مَالك بن ربيعَة بن مَالك بن كَعْب بن الْحَارِث بن كَعْب بن عَمْرو بن عِلّة بِضَم الْمُهْملَة وخفّة اللَّام ابْن جلد بِفَتْح الْجِيم وَسُكُون اللَّام ابْن مَالك بن أدد. وترجمة حسّان بن ثَابت تقدّمت فِي الشَّاهِد الْحَادِي وَالثَّلَاثِينَ. والنَّجَاشِيّ اسْمه قيس بن عَمْرو من رَهْط الْحَارِث بن كَعْب وَكَانَ فِيمَا رُوِيَ ضَعِيف الدَّين: ذكر أَنه شرب الْخمر فِي رَمَضَان وَثَبت خَبره عِنْد عليّ عَلَيْهِ السَّلَام فجلده مائَة سوطٍ فلمّا رَآهُ قد زَاد على الثَّمَانِينَ صَاح بِهِ: مَا هَذِه العلاوة يَا أَبَا الْحسن فَقَالَ عليّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: لجراءتك على الله فِي رَمَضَان. قَالَ ابْن هِشَام اللّخميّ فِي شرح أَبْيَات الْجمل: رُوِيَ أنّه لما هاجى

النّجاشيّ عبد الرَّحْمَن بن حسّان أَعَانَهُ أَبوهُ بالشعر الْمَذْكُور. وَرُوِيَ من طَرِيق أُخْرَى أنّه لما مَضَت مدّة لمهاجاة عبد الرَّحْمَن بن حسان للنّجاشيّ علم بذلك أَبوهُ حسّان فَقَالَ لَهُ: يَا عبد الرَّحْمَن أَرِنِي مَا جرى بَيْنك وَبَين الْحَارِثِيّ. فأنشده لنَفسِهِ وللحارثيّ فَقَالَ لَهُ: يَا عبد الرَّحْمَن إنّي أرَاهُ قد أكلك فَهَل تحبّ أَن أعينك قَالَ: نعم يَا أَبَت. فَقَالَ حسّان الأبيات الْمَذْكُورَة. ثمَّ ذكر بقيّة القصّة من كتاف النّجاشيّ وعفو حسّان عَنهُ. وَالله أعلم أيّ ذَلِك كَانَ. تَتِمَّة كَون الْبَيْت الشَّاهِد لحسّان هُوَ مَا رَوَاهُ السكّريّ وَغَيره من جملَة الأبيات الْمَذْكُورَة إلاّ ابْن السيرفيّ والزّمخشريّ فإنّه رَوَاهُ فِي شرح أَبْيَات سِيبَوَيْهٍ من قصيدة لخداش بن زُهَيْر يُخَاطب بهَا) بعض بني تَمِيم من أجل مسابقةٍ كَانَت بَينهم وَبَين كرز ابْن ربيعَة وَهُوَ من رَهْط خِدَاش وأوّل القصيدة: الْبَسِيط (أبلغ أَبَا كنف إمّا عرضت لَهُ ... والأبجرين ووهباً وَابْن مَنْظُور) (أَلا طعان أَلا فرسَان عاديةٍ ... إلاّ تجشّؤكم حول التنانير) (ثمَّ احضرونا إِذا مَا احمر أَعيننَا ... فِي كلّ يَوْم يزِيل الْهَام مَذْكُور) (تلقوا فوارس لَا ميلًا وَلَا عزلا ... وَلَا هلابيج روّاثين فِي الدّور) (تلقوا أسيداً وعمراً وَابْن عمّهما ... وَرْقَاء فِي النّفر الشّعث المغاوير)

. (من آل كرز غَدَاة الروّع قد عرفُوا ... عِنْد الْقِتَال إِلَى ركنٍ ومحبور) (يحدون أقرانهم فِي كلّ معتركٍ ... طَعنا وَضَربا كشقٍّ بالمناشير) وَهِي قصيدة تزيد على عشْرين بَيْتا أوردهَا أَبُو مُحَمَّد الأعرابيّ فِي فرحة الأديب وَقَالَ: كَانَ من قصّة هَذَا الشّعْر أنّ أوّل مَا هاج بَين قُرَيْش وَبَين بني عَامر ابْن صعصعة أَن كرز بن ربيعَة بن عَمْرو بن عَامر بن ربيعَة بن عَامر بن صعصعة رَاهن أسيداً وعمراً وَعبد الله بني العرقة من بني تيم بن غَالب وهم تيمٌ الأدرم على فرسٍ لَهُم يُقَال لَهُ الْبَرْق والسّبق ثَلَاثُونَ نَاقَة. وَجعلُوا المدى والمضمار إِلَى كرز فَجعل المدى مَا بَين السّجسج إِلَى ذَات الفلج وَحمل كرز على فرسه المجالد بن زُهَيْر بن ربيعَة بن عَمْرو بن عَامر فجَاء سَابِقًا وَهلك الْبَرْق فَأخذ السّبق وَنَاشَدُوهُ فِي ردّه فَأبى فلبثوا قَرِيبا من سنتَيْن ثمَّ ركب بَنو العرقة فَلَقوا أسيد بن مَالك وَعَمْرو بن مَالك وَعُثْمَان بن أسيد من بني عَامر بن ربيعَة بِأَسْفَل العقيق فِي إبل لَهُم فِيهَا بكرَة يُقَال لَهَا الْعِنَب عشراء فطردوا الْإِبِل فَاسْتَقْبلهَا عُثْمَان بن أسيد ينفر بِثَوْبِهِ وَبعث أمة نَحْو أَبِيه وَعَمه مغوثاً فَركب أَبوهُ فرسا كَبِيرَة وَركب

عمّه بنتهَا فرسا صعبة. فلمّا لحق بالقوم قَالَ عَمْرو بن مَالك: أعلمونا من أَنْتُم قَالُوا: قُرَيْش قَالُوا: وأيّهم قَالُوا: بَنو العرقة. قَالُوا: فَهَل كَانَ منا حدث قَالُوا: لَا إلاّ يَوْم الْبَرْق فَقَالَ لَهُم: احْبِسُوا الْعِنَب احْبِسُوا الْعِنَب احْبِسُوا اللّقحة لقحة من لَا يغدر فَقَالَ لَهُم عَمْرو: لَا وَالله لَا ترْضع مِنْهَا قادماً وَلَا آخرا قَالَ: إنّا لَا نرضع الْإِبِل وَلَكِن نحتلبها. وَحمل عَلَيْهِ فَقتله وَحمل أسيد بن مَالك على أسيد بن العرقة فَقتله فَقَالَ فِي ذَلِك: الرجز (إنّي كَذَاك اضْرِب الكميّ ... وَلم يكن يشقى بِي السّميّ)) فَذَلِك يَوْم الْعِنَب. وَقَالَ خِدَاش بن زُهَيْر فِي ذَلِك: المتقارب (كَذَاك الزّمان وتصريفه ... وَتلك فوارس يَوْم الْعِنَب) ثمَّ وَقع بَينهم بعد ذَلِك التغاور والقتال فَقَالَ فِي ذَلِك خِدَاش بن زُهَيْر القصيدة الَّتِي مِنْهَا: أَلا طعان أَلا فرسَان عَادِية الْبَيْت وخداش بن زُهَيْر شَاعِر جاهليّ وَقيل مخضرم كَمَا يَأْتِي فِي الشَّاهِد الرَّابِع وَالْعِشْرين بعد الْخَمْسمِائَةِ.

(الشاهد الخامس والستون بعد المائتين)

وَأنْشد بعده وَهُوَ 3 - (الشَّاهِد الْخَامِس وَالسِّتُّونَ بعد الْمِائَتَيْنِ) الْبَسِيط (أَلا سَبِيل إِلَى خمر فأشربها ... أم لَا سَبِيل إِلَى نصر بن حجّاج) على أَن أَلا فِيهِ لِلتَّمَنِّي. وَلِهَذَا سمّيت قائلة هَذَا الْبَيْت المتمنّية وَضرب بهَا الْمثل فَقيل: أصبّ من المتمنية وَضرب بِهِ الْمثل أَيْضا فَقيل أدنف من المتمني كَمَا يَجِيء شَرحه. قَالَ ابْن برّيّ فِي شرح أَبْيَات الْإِيضَاح للفارسي: وَقَبله: (يَا لَيْت شعري عَن نَفسِي أزاهقةٌ ... منّي وَلم أقض مَا فِيهَا من الْحَاج) وأنشده الفارسيّ على أَن خبر لَيْت مَحْذُوف. قَالَ ابْن برّيّ: وَالْبَيْت لفريعة بنت همّام وتعرف بالذلفاء وَهِي أمّ الحجّاج. انْتهى. وَقَالَ حَمْزَة الأصبهانيّ فِي الدّرّة الفاخرة: وَأما قَوْلهم أصبّ من المتمنية فإنّ هَذَا الْمثل من أَمْثَال أهل الْمَدِينَة سَار فِي صدر الْإِسْلَام. والمتمنية: امْرَأَة مَدِينَة عشقت فَتى من بني سليم يُقَال لَهُ نصر بن الحجّاج بن علاط وَكَانَ أحسن أهل زَمَانه صُورَة فضنيت من أَجله ودنفت فَقَالَ أَحْمد بن أعنم فِي الْفتُوح كَانَ السَّبَب فِي ذَلِك: أنّ امْرَأَة من أهل الْمَدِينَة يُقَال لَهَا الذّلفاء هويت نصر بن الحجّاج فَأرْسلت إِلَيْهِ ودعته إِلَى نَفسهَا فزجرها وَلم يُوَافِقهَا فَبينا عمر

ذَات لَيْلَة يعسّ فِي بعض سِكَك الْمَدِينَة إِذْ سمع نشيد شعرٍ من دَار فَوقف يسمع فَإِذا الذّلفاء تَقول: أَلا سَبِيل إِلَى خمر فأشربها الْبَيْت فَلَمَّا سمع عمر الشّعْر أَمر الذلفاء فأخرجت من منزلهَا فحسبها فَعلمت الذّلفاء أنّه قد سَمعهَا) وَهِي تنشد الشّعْر فَكَأَنَّهَا أنفت على نَفسهَا أَن يُعَاقِبهَا فَكتبت إِلَيْهِ: قل للْإِمَام الَّذِي تخشى بوادره الأبيات الْآتِيَة فَلَمَّا نظر عمر فِي الأبيات أطلقها من الْحَبْس وَأرْسل إِلَى نصر فحلق جمّته ونفاه إِلَى الْبَصْرَة. قَالَ حَمْزَة الْأَصْبَهَانِيّ: قَالَ النسّابون: هَذِه المتمنية هِيَ الفريعة بنت همّام أم الحجّاج بن يُوسُف الثّقفيّ وَكَانَت حِين عشقت نصرا تَحت الْمُغيرَة بن شُعْبَة وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِك بِحَدِيث رَوَوْهُ وَهُوَ أنّ الحجّاج حضر مجْلِس عبد الْملك يَوْمًا وَعُرْوَة بن الزّبير يحدّثه وَيَقُول: قَالَ أَبُو بكر كَذَا وَسمعت أَبَا بكر يَقُول كَذَا يَعْنِي أَخَاهُ عبد الله بن الزّبير فَقَالَ لَهُ الحجّاج: عِنْد أَمِير الْمُؤمنِينَ تكنّي أَخَاك الْمُنَافِق لَا أمّ لَك فَقَالَ لَهُ عُرْوَة: يَا ابْن المتمنية أَلِي تَقول لَا أمّ لَك وَأَنا ابْن إِحْدَى عَجَائِز الجنّة: صفيّة

كَذَا قَالَ ابْن الْأَثِير فِي المرصّع: ابْن المتمنية هُوَ الحجّاج بن يُوسُف الثّقفيّ من قَول أمّه: أَلا سَبِيل إِلَى خمرٍ فاشربها ... ... ... ... . الْبَيْت وَقد ذكر خَبَرهَا مَعَ نصر جماعةٌ مِنْهُم الجاحظ فِي كتاب المحاسن والمساوي وَأَبُو الْقَاسِم الزجاجيّ فِي أَمَالِيهِ الْوُسْطَى وَأَبُو الْحسن عَليّ بن مُحَمَّد الْمَدَائِنِي فِي كتاب المغرّبين وَحَمْزَة الأصبهانيّ فِي أَمْثَاله والسهيليّ فِي الرّوض الْأنف وَإِسْمَاعِيل بن هبة الله الموصليّ فِي كتاب غَايَة السّائل إِلَى معرفَة الْأَوَائِل وَقد جمعت بَين مَا اتَّفقُوا عَلَيْهِ وَبَين مَا انفردوا بِهِ. وَقَالُوا: أوّل من عسّ باللّيل فِي الْإِسْلَام عمر بن الْخطاب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه فَبينا يعسّ لَيْلَة سمع امْرَأَة تَقول: (أَلا سَبِيل إِلَى خمرٍ فأشربها ... أم لَا سَبِيل إِلَى نصر بن حجّاج) (إِلَى فَتى ماجد الْأَخْلَاق ذِي كرمٍ ... سهل المحيّا كريمٍ غير فجفاج) كَذَا رَوَاهُمَا الجاحظ. وَرُوِيَ الْمَدَائِنِي الْبَيْت الثَّانِي مَعَ بَيْتَيْنِ آخَرين لرجل من ولد الحجّاج بن علاط وهما: (تنمية أعراق صدق حِين تنسبه ... ذِي نجداتٍ عَن المكروب فرّاج) ...

(سامي النّواظر من بهزٍ لَهُ كرمٌ ... تضيء سنته فِي الحالك الدّاجي) (إِلَى فَتى ماجد الأعراق مقتبلٍ ... تضيء صورته فِي الحالك الدّاجي) (نعم الْفَتى فِي سَواد اللّيل نصرته ... ليائس أَو لملهوفٍ ومحتاج)) وَزَاد المدائنيّ: (يَا منية لم أرب فِيهَا بضائرةٍ ... والنّاس من صَادِق فِيهَا وَمن داجي) ثمَّ قَالَ: وَقَالَ قومٌ: هَذَا الشّعْر مَصْنُوع إلاّ الْبَيْت الأول. فَقَالَ عمر: من هَذِه المتمنية فلزمها هَذَا الِاسْم واستلبه نسَاء الْمَدِينَة فضربن بِهِ الْمثل وقلن: أصب من المتمنية. وَقَالَ الزجاجيّ: د لما أنشدت: أَلا سَبِيل إِلَى خمر فاشربها ... ... ... ... الْبَيْت قَالَت لَهَا امْرَأَة مَعهَا: من نصر بن حجّاج قَالَت: رجلٌ وددت أنّه معي فِي ليلةٍ من ليَالِي الخريف فِي اطول لَيْلَة من ليَالِي الشتَاء وَلَيْسَ مَعنا أحد فَدَعَا بهَا عمر فضربها بالدّرة ضرباتٍ ثمَّ سَأَلَ عَنْهَا فَلم يخبر عَنْهَا إلاّ بِخَير

فَلَمَّا كَانَ من الْغَد أرسل إِلَى نصر بن حجّاج فَأحْضرهُ وَله شَعْرَة فَقَالَ: إنّه ليتمثّل بك ويغني بك وَأمر بشعرته فحلقت ثمَّ رَاح إلأيه بالعشيّ فَرَآهُ فِي الحلاق أحسن مِنْهُ الشّعر فَقَالَ: لَا تساكنّي فِي بَلْدَة فاختر أيّ الْبلدَانِ شِئْت فَكتبت الْمَرْأَة إِلَى عمر: الْبَسِيط (قل للْإِمَام الَّذِي تخشى بوادره ... مَالِي وللخمّر أَو نصر بن حجّاج) (إنّي عنيت أَبَا حَفْص بِغَيْرِهِمَا ... شرب الحليب وطرف قَاصِر ساجي) (لَا تجْعَل الظّنّ حقّاً أَو تيقّنه ... إِنَّا السَّبِيل سَبِيل الْخَائِف الرّاجي) (إِن الْهوى زمه التَّقْوَى فخّيسه ... حتّى أقرّ بإلجام وإسراج) فَبعث إِلَيْهَا عمر: لم يبلغنَا عَنْك إلاّ خير وَقَالَ حَمْزَة: فَلَمَّا أصبح عمر أحضر المتمنى فَلَمَّا رَآهُ بهره جماله فَقَالَ لَهُ: أَنْت تتمنّاك الغانيات فِي خدورهنّ لَا أمّ لَك أما وَالله لأزيلنّ عَنْك الْجمال ثمَّ دَعَا بحجّام فحلق جمّته ثمَّ تأمّله فَقَالَ: أَنْت محلوقاً أحسن فَقَالَ: وأيّ ذَنْب لي فِي ذَلِك فَقَالَ: صدقت الذَّنب لي إِذا تركتك فِي دَار الْهِجْرَة. ثمَّ أركبه جملا وسيرّه إِلَى الْبَصْرَة وَكتب بِهِ إِلَى مجاشع بن مَسْعُود السّلميّ: بأنّي قد سيّرت المتمنى نصر بن حجّاج السّلميّ إِلَى الْبَصْرَة.) وكما قَالُوا بِالْمَدِينَةِ: أصبّ من المتمنية قَالُوا بِالْبَصْرَةِ: أدنف من المتمنى

وَذَلِكَ أَن نصر بن حجّاج لما ورد الْبَصْرَة أَخذ النّاس يسْأَلُون عَنهُ وَيَقُولُونَ: أَيْن المتمنى الَّذِي سيّره عمر فغلب هَذَا الِاسْم عَلَيْهِ بِالْبَصْرَةِ كَمَا غلب ذَلِك الِاسْم على عاشقته بِالْمَدِينَةِ. وَمن حَدِيث هَذَا الْمثل الثَّانِي: أنّ نصرا لما نزل الْبَصْرَة أنزلهُ مجاشع بن مَسْعُود منزله من أجل قرَابَته وأخدمه امْرَأَته شميلة وَكَانَت أجمل امرأةٍ بِالْبَصْرَةِ فعلقته وعلقها وخفي على كلّ وَاحِد مِنْهُمَا خبر الآخر لملازمة مجاشع لضيفه وَكَانَ مجاشعٌ أميّاً ونصرٌ وشميلة كاتبين فعيل صَبر نصر فَكتب على الأَرْض بِحَضْرَة مجاشع: إنّي أحببتك حبّاً لَو كَانَ فَوْقك لأظلّك أَو تَحْتك لأقلك. فَوَقَعت تَحْتَهُ غير محتشمة: وَأَنا كَذَلِك. فَقَالَ مجاشع لَهَا: مَا الَّذِي كتب فَقَالَت: كتب كم تحلب ناقتكم. فَقَالَ: وَمَا الَّذِي كتبت قَالَت: كتبت وَأَنا. فَقَالَ مجاشع: مَا هَذَا لهَذَا بطبق فَقَالَت: أصدقك إنّه كتب كم تغلّ أَرْضكُم. فَقَالَ مجاشع مَا بَين كَلَامه وجوابك هَذَا أَيْضا قرَابَة ثمَّ كفأ على الْكِتَابَة جَفْنَة ودعا بِغُلَام من الكتّاب فقرأه عَلَيْهِ فَالْتَفت إِلَى نصر فَقَالَ: يَا ابْن عمّ مَا سيّرك عمر إِلَى خير قُم فإنّ وَرَاءَك أوسع لَك. فَنَهَضَ مستحيياً وَعدل إِلَى منزل بعض السّلمييّن وَوَقع لجنبه وضني من حبّ شميلة ودنف حتّى صَار رَحْمَة وانتشر خَبره فَضرب نسَاء الْبَصْرَة بِهِ الْمثل فَقُلْنَ: أدنف من

المتمنّى. ثمَّ إنّ مجاشعاً وقف على خبر علّة نصر فَدخل عَلَيْهِ عَائِدًا فلحقته رقّة لما رأى بِهِ من الدّنف فَرجع إِلَى بَيته وَقَالَ لشميلة: عزمت عَلَيْك لّما أخذت خبْزًا فلبكته بِسمن ثمّ بادرت بِهِ إِلَى نصر. فبادرت بِهِ إِلَيْهِ فَلم يكن بِهِ نهوض فضمّته إِلَى صدرها وَجعلت تلقمه بِيَدِهَا فَعَادَت قواه وبرأ كَأَن لم تكن بِهِ قلبه فَقَالَ بعض عوّاده: قَاتل الله الْأَعْشَى حَيْثُ قَالَ: السَّرِيع (لَو أسندت مَيتا إِلَى نحرها ... عَاشَ وَلم ينْقل إِلَى قابر) فلمّا فارقته عاوده النّكس وَلم يزل يتردّد فِي علّته حتّى مَاتَ مِنْهَا. كَذَا قَالَ حَمْزَة وَصَاحب الْأَوَائِل. وَقَالَ المدائنيّ: إِن عمر لما أخرج نصرا من الْمَدِينَة إِلَى الْبَصْرَة قَالَ نصر: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أعلمهم أنّك إنّما أخرجتني لهَذَا الشّعر لَا لغيره. وَرُوِيَ عَن قَتَادَة أَن نصرا لما أَتَى الْبَصْرَة دخل مجاشع بن مَسْعُود عَائِدًا لَهُ وَعِنْده شميلة بنت جُنَادَة بن أبي أزيهر فَجرى بَينهمَا كلامٌ وَلم يفهم مِنْهُ مجاشع إلاّ كلمة وَاحِدَة من نصر: قَالَ: وَأَنا.) فَلَمَّا خرج نصرٌ قَالَ لَهَا: مَا قَالَ لَك قَالَت: قَالَ لي: كم لبن ناقتكم هَذِه فَأَخْبَرته قَالَ: مَا هَذَا جَوَاب كَلَامه وَأرْسل إِلَى نصر فَسَأَلَهُ وَأعظم عَلَيْهِ فَقَالَ: قَالَت لي إنّي أحبّك حبّاً شَدِيدا لَو كَانَ فَوْقك لأظلّك وَلَو كَانَ تَحْتك لأقلّك فَقلت: وَأَنا. قَالَ: فَأنْزل لَك عَنْهَا قَالَ: أذكّرك الله أَن يبلغ هَذَا مَعَ مَا فعل بِي وَأما حَدِيث العامّة فَيَقُولُونَ: كتبت لَهُ فِي الأَرْض هَذَا الْكَلَام فَقَالَ

: وأمّا الزّجّاج فإنّه قَالَ بعد مَا قَرَأَ خطّها: ثمَّ الْتفت إِلَيْهِ فَقَالَ: يَا أخي إِن يكن الطّلاق ثَلَاثًا فَهِيَ طالقٌ ألفا فَقَالَ: وَهِي طالقٌ إِن جمعني وإيّاها بيتٌ أبدا ثمّ ارتحل إِلَى فَارس. وَقَالَ فِي امْرَأَة مجاشع: كَانَت امْرَأَته يُقَال لَهَا خضراء بني سليم وَكَانَت من أجمل النِّسَاء. وَهِي أوّل من لبس الشّفوف. وَحكى السّهيليّ فِي الرَّوْض الْأنف هَذِه الْحِكَايَة على خلاف مَا تقدّم قَالَ: الحجّاج بن علاط وَهُوَ وَالِد نصر الَّذِي حلق عمر رَأسه ونفاه من الْمَدِينَة فَأتى الشَّام فَنزل على أبي الْأَعْوَر السّلميّ فهويته امْرَأَته وهويها وفطن أَبُو الْأَعْوَر لذَلِك بسببٍ يطول ذكره فابتنى لَهُ قبّة فِي أقْصَى الحيّ فَكَانَ بهَا فاشتدّ ضناه بِالْمَرْأَةِ حتّى مَاتَ كلفاً بهَا وسميّ المضنى وَضربت بِهِ الْأَمْثَال. وَذكر الأصبهانيّ فِي كتاب الْأَمْثَال لَهُ خَبره بِطُولِهِ. انْتهى. قَالَ المدائنيّ وَصَاحب الْأَوَائِل: وَبعد أَن أَقَامَ نصرٌ بِالْبَصْرَةِ حولا كتب إِلَى عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: الطَّوِيل (لعمري لَئِن سيّرتني أَو حرمتني ... وَمَا نلْت ذَنبا إنّ ذَا لحرام) (وَمَالِي ذنبٌ غير ظنٍّ ظننته ... وَفِي بعض تَصْدِيق الظّنون أثام) (ظَنَنْت بِي الظّنّ الَّذِي لَيْسَ بعده ... بقاءٌ وَمَالِي فِي النّديّ كَلَام) (وأصبحت منفيّاً على غير ريبةٍ ... وَقد كَانَ لي بالمكّتين مقَام) (ويمنعني ممّا تظنّ تكرّمي ... وآباء صدقٍ سالفون كرام) ...

(ويمنعها ممّا تمنّت صَلَاحهَا ... وَطول قيامٍ لَيْلهَا وَصِيَام) (فهاتان حالانا فَهَل أَنْت راجعي ... وَقد جبّ منّي كاهلٌ وسنام) قَالَ الجاحظ: ردّه عمر بعد هَذِه الأبيات لما وصف لَهُ من عفّته. وَقَالَ صَاحب الْأَوَائِل: فَلَمَّا وصلت الأبيات إِلَى عمر وَنظر فِيهَا كتب إِلَى أبي مُوسَى الأشعريّ) وَأمره بالوصاة بِهِ إِن أحبّ أَن يُقيم بِالْبَصْرَةِ وَإِن أحبّ الرّجوع إِلَى الْمَدِينَة فَذَاك إِلَيْهِ. قَالَ: فَاخْتَارَ الْفَتى الْمقَام بِالْبَصْرَةِ فَلم يزل مُقيما بهَا إِلَى أَن خرج أَبُو مُوسَى إِلَى محاربة أهل الأهواز فَخرج مَعَه نصر بن حجّاج فِي الْجَيْش وَحضر مَعَه فتح تستر. انْتهى. وروى الزجّاجيّ فِي أَمَالِيهِ أَن نصرا أرسل هَذِه الأبيات إِلَى عمر حِين نَفَاهُ إِلَى الْبَصْرَة فَبعث إِلَيْهِ عمر: أَن لَا رَجْعَة. فارتحل إِلَى الْبَصْرَة فَنزل على مجاشع إِلَى آخر الْحِكَايَة. هَذَا مَا طلّعت عَلَيْهِ وَلَا يخفى مَا فِيهِ من جَمِيع الْجِهَات حَتَّى فِي الْبَيْت الشَّاهِد فَالرِّوَايَة الْمُتَقَدّمَة هِيَ رِوَايَة الجاحظ وَحَمْزَة الأصبهانيّ والسّهيليّ. (هَل من سبيلٍ إِلَى خمرٍ فأشربها ... أم من سبيلٍ إِلَى نصر بن حجّاج) وروى صَاحب الْأَوَائِل: (هَل من سبيلٍ إِلَى خمر فأشربها ... أم هَل سبيلٌ إِلَى نصر بن حجّاج)

وَهَاتَانِ الرّوايتان لَا يناسبان تَسْمِيَة الْمَرْأَة بالمتمنّية وَتَسْمِيَة نصر بالمتمنّى. وروى الزّجاجيّ المصراع هَكَذَا: أم هَل سَبِيل إِلَى نصر بن حجّاج وَرَوَاهُ أَبُو عليّ الفارسيّ فِي إِيضَاح الشّعْر عَن أبي عُبَيْدَة: أَو لَا سَبِيل إِلَى نصر بن حجّاج على أنّ أَو بِمَعْنى الْوَاو. قَالَ: تمنّتهما جَمِيعًا وَجعله مثل أَو فِي قَوْله: (وَكَانَ سيّان ألاّ يسرحوا عنماً ... أَو يسرحوه بهَا واغبرّت السّوح) وأشربها مَنْصُوب بِأَن مضمرة بعد الْفَاء فِي جَوَاب التّمنّي. وَأنْشد بعده: الوافر (أَلا رجلا جزاه الله خيرا ... يدلّ على محصّلةٍ تبيت) على أنّ يُونُس قَالَ: أَصله أَلا رجل فنوّن للضَّرُورَة وَألا عِنْده فِيهِ للتّمنّي. وَعند الْخَلِيل لَيست للتمنّي وإنّما هِيَ للتحضيض ورجلاً مَنْصُوب بِفعل مَحْذُوف تَقْدِيره: ألآ ترونني رجلا بِضَم تَاء ترونني. وَقد تقدم شرح هَذَا الْبَيْت مفصّلاً فِي الشَّاهِد الثَّالِث وَالسِّتِّينَ بعد

(الشاهد السادس والستون بعد المائتين)

الْمِائَة. وَفِي هَذَا الْبَيْت تضمين لِأَن خبر تبيت فِي بَيت بعده وَهُوَ:) (ترجّل لمّتي وتقمّ بَيْتِي ... وأعطيها الإتاوة إِن رضيت) وَأنْشد بعده وَهُوَ 3 - (الشَّاهِد السَّادِس وَالسِّتُّونَ بعد الْمِائَتَيْنِ) وَهُوَ من شَوَاهِد س: الْبَسِيط (ويلمّها فِي هَوَاء الجوّ طالبةً ... وَلَا كَهَذا الَّذِي فِي الأَرْض مَطْلُوب) على أنّ قَوْله: مَطْلُوب عطف بَيَان لاسم لَا الْمُضَاف: فَإِن الْكَاف اسمٌ مُضَاف لاسم الْإِشَارَة فِي مَحل نصب بِلَا على أَنه اسْمهَا وَقد تبعه الْبَيَان بِالرَّفْع بِاعْتِبَار أنّ لَا مَعَ اسْمهَا فِي محلّ رفع على الِابْتِدَاء وَالْخَبَر مَحْذُوف أَي: مَوْجُود وَنَحْوه. وَيجوز أَن يكون مَطْلُوب صفة اسْم لَا وَلَا يضرّ إِضَافَة الْكَاف إِلَى اسْم الْإِشَارَة فَإِنَّهَا بِمَعْنى مثل وَهِي لَا تتعرّف بِالْإِضَافَة إِلَى الْمعرفَة. هَذَا محصّل مَا قَالَه الشَّارِح الْمُحَقق. وَفِيه أنّهم قَالُوا: إنّ الْبَيَان يكون فِي الجوامد وَالصّفة تكون فِي المشتقّات فَكيف لَا يكون فرق بَين الْبَيَان وَالْوَصْف. وَقد أورد سِيبَوَيْهٍ هَذَا الْبَيْت من بَاب الْوَصْف لَا غير. قَالَ الأعلم: الشَّاهِد فِيهِ رفع مَطْلُوب حملا على مَوضِع الْكَاف لأنّها فِي تَأْوِيل مثل

وموضعها مَوضِع رفع وَهُوَ بِمَنْزِلَة لَا كزيد رجل. وَنقل ابْن السراج فِي الْأُصُول عَن سِيبَوَيْهٍ أنّ اسْم لَا فِي مثل هَذَا مَحْذُوف وَالْكَاف حرف وَهَذَا كَلَامه: وَتقول لَا كزيد رجلٌ لأنّ الآخر هُوَ الأوّل ولأنّ زيدا رجل وَصَارَ لَا كزيد كأنّك قلت: لَا أحد كزيد ثمَّ قلت رجل كَمَا تَقول لَا مَال لَهُ قَلِيل وَلَا كثير على الْموضع. وَقَالَ امْرُؤ الْقَيْس: ويلمّها فِي هَوَاء الجوّ طالبة ... ... ... . . الْبَيْت كَأَنَّهُ قَالَ: وَلَا شَيْء كَهَذا وَرفع على الْموضع وَإِن شِئْت نصبت على التَّفْسِير كَأَنَّهُ قَالَ: لَا اُحْدُ كزيد رجلا. قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَنَظِير لَا كزيد فِي حذفهم الِاسْم قَوْلهم: لَا عَلَيْك وَإِنَّمَا يُرِيدُونَ لَا بَأْس عَلَيْك وَلَا شَيْء عَلَيْك وَلكنه حذف لِكَثْرَة استعمالهم إِيَّاه. انْتهى. وَاعْلَم أنّه يجوز أَن يكون مَطْلُوب مُبْتَدأ مُؤَخرا واسمٍ لَا بِمَعْنى لَيْسَ والظرف قبله الْخَبَر. قَالَ النّحاس فِي شرح أَبْيَات الْكتاب نَاقِلا عَن أبي الْحسن الْأَخْفَش: هَذَا هُوَ الْجيد.) وَقَوله: ويلمّها. الخ هَذَا فِي صُورَة الدُّعَاء على الشَّيْء وَالْمرَاد بِهِ التَّعَجُّب وَالضَّمِير الْمُؤَنَّث مفسّر بالتمييز أَعنِي طالبةً المُرَاد بهَا الْعقَاب وَهُوَ تَمْيِيز عَن النِّسْبَة الْحَاصِلَة بِالْإِضَافَة وَقد أوضحها الشَّارِح الْمُحَقق فِي بَاب التَّمْيِيز. وَمعنى الْكَلَام: مَا أشدّ طيران هَذِه الْعقَاب فِي هَوَاء وويل إِذا أضيفت فَالْوَجْه النصب كَقَوْلِك ويل زيد لَكِنَّهَا هُنَا مَضْمُومَة اللَّام أَو مَكْسُورَة وَالْأَصْل ويلٌ لأمّها. قد تقدم شرح جَمِيع هَذَا مفصّلاً فِي الشَّاهِد الْحَادِي عشر وَالثَّانِي عشر

بعد الْمِائَتَيْنِ. وَهَذِه رِوَايَة النُّحَاة وَأما الثَّابِت فِي ديوَان امْرِئ الْقَيْس فهوّ: لَا كَالَّتِي فِي هَوَاء الجوّ طالبة الْبَيْت والْهَوَاء: الشَّيْء الْخَالِي والجوّ: مَا بَين السَّمَاء وَالْأَرْض فَهُوَ من قبيلٍ إِضَافَة الصّفة إلأى موصوفها. وَأَرَادَ بالمطلوب الذِّئْب فَإِنَّهُ وصف عقَابا تبِعت ذئباً لتصيده فتعجّب مِنْهَا فِي شدّة طلبَهَا وتعجّب من الذِّئْب أَيْضا فِي سرعته وشدّة هربه مِنْهَا. وَهَذَا الْبَيْت من قصيدة لامرئ الْقَيْس وَهِي: الْبَسِيط (الْخَيْر مَا طلعت شمسٌ وَمَا غربت ... مطلبٌ بنواصي الْخَيل معصوب) (قد أشهد الْغَارة الشّعواء تحملنِي ... جرداء معروقة اللّحيين سرحوب) (كأنّها حِين فاض المَاء وَاخْتلفت ... صقعاء لَاحَ لَهَا بالسّرحة الذّيب) (فَأَبْصَرت شخصه من دون مرقبةٍ ... وَدون موقعها مِنْهُ شناخيب) (فَأَقْبَلت نَحوه فِي الرّيح كاسرةً ... يحثّها من هَوَاء الجوّ تصويب) (كالدّلو بتّت عراها وَهِي مثقلةً ... إِذْ خانها وذمٌ مِنْهَا وتكريب) (لَا كَالَّتِي فِي هَوَاء الجوّ طالبةً ... وَلَا كَهَذا الَّذِي فِي الأَرْض مَطْلُوب) ...

(كالبرق والرّيح مرٌّ مِنْهُمَا عجبٌ ... مَا فِي اجتهادٍ عَن الإسراح تغبيب) (فَأَدْرَكته فنالته مخالبها ... فانسلّ من تحتهَا والدّفّ مثقوب) وَقَوله: الْخَيْر مَا طلعت الخ الْخَيْر مُبْتَدأ ومطّلب خَبره ووزنه مفتعل من الطّلب فأبدل وأدغم: ومَا مَصْدَرِيَّة ظرفية. ومعصوب خبر بعد خبر بِمَعْنى مشدود وَالْبَاء مُتَعَلقَة بِمَا قبلهَا أَو بِمَا بعْدهَا ويضمر لأَحَدهمَا فَهُوَ من التجاذب كَقَوْلِه تَعَالَى: تَثْرِيب عَلَيْكُم الْيَوْم يغْفر الله لكم. وَهَذَا يشبه الحَدِيث وَهُوَ: الْخَيل معقودٌ بنواصيها الْخَيْر إِلَى يَوْم الْقِيَامَة.) وَقَوله: قد اشْهَدْ الْغَارة الخ وقد هُنَا للتكثير وأشهد: أحضر. والشّعواء بِالْعينِ الْمُهْملَة: المتفرقة الفاشية. والجرداء: الْفرس القصيرة الشّعْر. ومَعْرُوفَة اللحيين أَي: قَليلَة لحم اللّحيين بِفَتْح اللَّام وهما العظمان اللَّذَان ينْبت عَلَيْهِمَا الْأَسْنَان. والسرحوب بِضَم الْمُهْمَلَتَيْنِ: الطَّوِيلَة الظّهْر السريعة. وَهَذَا الوصفان مدحٌ فِي الْخَيل. وَقَوله: كَأَنَّهَا حِين فاض الضَّمِير للْفرس أَي: كَأَنَّهَا حِين عرقت فأملأ عرقها. وَاخْتلفت أَي: استقت مَاء يُرِيد كأنّها استقت مَاء من شدّة عرقها أَو مَعْنَاهُ تردّدت هُنَا وَهنا فإنّ الِاخْتِلَاف وصقعاء خبر كأنّها وَهِي الْعقَاب بَيْضَاء الرَّأْس قَالَ فِي الصِّحَاح: والأصقع من الْخَيل وَالطير وَغَيرهمَا: الَّذِي فِي وسط رَأسه بَيَاض يُقَال: عقابٌ صقعاء وَالِاسْم الصّقعة انْتهى. ولَاحَ: ظهر. والسّرحة: شَجَرَة. وَقيل مَوضِع يَقُول: كَانَت الْعقَاب واقفه تبصر صيدا فلاح لَهَا الذِّئْب. وَقَوله: فَأَبْصَرت شخصه الخ المرقبة بِالْفَتْح: الْموضع العالي الَّذِي

يرقب فِيهِ العدوّ. وموقع الْعقَاب الْموضع الَّذِي هِيَ واقفة عَلَيْهِ. والشّناخيب: رُؤُوس الْجبَال أَي: بَين موقعها من الذِّئْب وَبَينه رُؤُوس جبال عالية. وَقَوله: فَأَقْبَلت نَحوه الخ أَي: نَحْو الذِّئْب. وكسر الطَّائِر: إِذا صفّ جناحيه. والتصويب: الانصباب. وَقَوله: صبّت عَلَيْهِ الخ الْأُمَم بِفتْحَتَيْنِ: الْقرب يُقَال: أخذت ذَلِك من أُمَم. والأشقين: جمع أَشْقَى. وَهَذَا المصراع من إرْسَال الْمثل. وَقَوله: كالدلو بتّت عراها الخ شبّه هويّ الْعقَاب بِسُرْعَة هويّ الدّلو الملأى إِذا انْقَطع حبلها. وبتّت قطعت من البتّ. والعرا: جمع عُرْوَة. والوذم بِفَتْح الْوَاو والذال الْمُعْجَمَة: السيور الَّتِي بَين آذان الدَّلْو وأطراف العراقيّ وَهِي العيدان المصلّبة تشدّ من أَسْفَل الدّلو إِلَى قدر ذِرَاع أَو ذراعين من حَبل الدَّلْو مِمَّا يَلِي الدّلو فَإِن انْقَطع حبلها تعلّقت بالوذم. والتكّريب: شدّ الكرب بِفتْحَتَيْنِ وَهُوَ الْحَبل الَّذِي يشدّ فِي وسط العراقيّ ثمّ يثنّى ثمَّ يثلّث ليَكُون هُوَ الَّذِي يَلِي المَاء فَلَا يعفن الْحَبل الْكَبِير. وَقَوله: لَا كَالَّتِي فِي هَوَاء الجوّ طالبة الخ قَالَ ابْن رَشِيق فِي الْعُمْدَة: هَذَا الْبَيْت عِنْد دعبل أشعر بَيت قالته الْعَرَب وَبِه قدّمه على الشُّعَرَاء.) وَقَوله: كالبرق وَالرِّيح الخ يَقُول: إنّ الْعقَاب وَالذِّئْب مرّهما وسرعتهما كالبرق وَالرِّيح. والتغبيب: الفتور وَالتَّقْصِير يُقَال: غبّب فلَان فِي الْحَاجة إِذا لم يُبَالغ فِيهَا وَهُوَ من الغبّ بالغين الْمُعْجَمَة بعْدهَا مُوَحدَة. وَقَوله: فَأَدْرَكته فنالته الخ وانسلّ أَي: انفلت والدّفّ بِفَتْح الدَّال

(الشاهد السابع والستون بعد المائتين)

وَتَشْديد الْفَاء: الْجنب يَعْنِي أفلت الذِّئْب من الْعقَاب وَنَجَا لَكِن ثقبت جنبه. وترجمة امْرِئ الْقَيْس قد تقدّمت فِي الشَّاهِد التَّاسِع وَالْأَرْبَعِينَ. وَأنْشد بعده وَهُوَ 3 - (الشَّاهِد السَّابِع وَالسِّتُّونَ بعد الْمِائَتَيْنِ) وَهُوَ من شَوَاهِد س: الْكَامِل (لَا كالعشيّة زَائِرًا ومزورا) على أنّ زَائِرًا قيل مَنْصُوب على تَقْدِير فعل أَي: لَا أرى كعشية الْيَوْم زَائِرًا. وَإِنَّمَا لم يَجْعَل الْكَاف اسْما ل لَا مُضَافا إِلَى العشيّة وَيكون زَائِرًا عطف بَيَان للكاف تبعه على اللَّفْظ أَو صفة على طرز الْبَيْت الَّذِي قبله لأنّ الزّائر غير العشية فَلَمَّا كَانَ الثَّانِي غير الأوّل لعدم صحّة الْحمل جعلت لَا نَافِيَة للْفِعْل المقدّر دون كَونهَا نَافِيَة للْجِنْس. وَصَاحب هَذَا القيل هُوَ سِيبَوَيْهٍ وَهَذَا نصّه: وَأما قَول جرير: لَا كالعشيّة زَائِرًا ومزورا فَلَا يكون إلاّ نصبا من قبل أنّ العشيّة لَيست بالزائر وَإِنَّمَا أَرَادَ لَا أرى كالعشيّة زَائِرًا كَمَا تَقول مَا رَأَيْت كَالْيَوْمِ رجلا فكاليوم مثل قَوْلك فِي الْيَوْم لأنّ الْكَاف لَيست باسم. وَفِيه معنى التعجّب كَمَا قَالَ تالله رجلا

وَسُبْحَان الله رجلا إنّما أَرَادَ تالله مَا رَأَيْت رجلا وَسُبْحَان الله مَا رَأَيْت رجلا لكنه يتْرك إِظْهَار الْفِعْل اسْتغْنَاء لأنّ الْمُخَاطب يعلم أنّ هَذَا الْموضع إنّما يضمر فِيهِ هَذَا الْفِعْل لِكَثْرَة استعمالهم إيّاه انْتهى. قَالَ الأعلم: اصله لَا أرى زَائِرًا ومزوراً كزائر العشيّة ومزورها فَحذف اختصاراً للْعلم كَمَا قَالُوا: مَا رَأَيْت كَالْيَوْمِ رجلا أَي: كَرجل أرَاهُ الْيَوْم. وَلَا تجيزن فِي هَذَا رفع الزائر لأنّه غير العشيّة وَلَيْسَ بِمَنْزِلَة لَا كزيد رجل لأنّ زيدا من الرِّجَال انْتهى.) وَقد نقل أَبُو الْعَبَّاس ثَعْلَب فِي أَمَالِيهِ قَاعِدَة لحذف الْفِعْل مَعَ الظّرْف الزمانيّ قَالَ: حكى الكسائيّ نزلنَا الْمنزل الَّذِي البارحة والمنزل الَّذِي آنِفا والمنزل الَّذِي أمس. فَيَقُولُونَ فِي كلّ وَقت شاهدوه من قرب ويحذفون الْفِعْل وَحده كأنّهم يَقُولُونَ: نزلنَا الْمنزل الَّذِي نزلنَا أمس وَالَّذِي نزلناه الْيَوْم اكتفوا بِالْوَقْتِ من الْفِعْل إِذْ كَانَ الْوَقْت يدّل على الْفِعْل وَهُوَ قريب. وَلَا يَقُولُونَ الَّذِي يَوْم الْخَمِيس وَلَا الَّذِي يَوْم الْجُمُعَة. وَكَذَا يَقُولُونَ: لَا كَالْيَوْمِ رجلا. وَلَا كالعشيّة رجلا وَلَا كالسّاعة رجلا فيحذفون مَعَ الْأَوْقَات الَّتِي هم فِيهَا. وأباه الفرّاء مَعَ الْعلم. وَهُوَ جَائِز وَأنْشد: لَا كالعشية زَائِرًا ومزورا وكلّ مَا كَانَ فِيهِ الْوَقْت فَجَائِز أَن يكون بِحَذْف الْفِعْل مَعَه لأنّ الْوَقْت الْقَرِيب يدل على فعل لقُرْبه. انْتهى.

وَقد قدّر أَبُو عليّ الفارسيّ فِي الْمسَائِل المنثورة فعلين قَالَ: نصب زَائِرًا لأنّ الْفِعْل مقدّر فَكَأَن تَقْدِيره: لَا أرى زَائِرًا ومزوراً لَهُ كَرجل أرَاهُ العشيّة. فنصبه على الْفِعْل وَحذف ذَلِك لما فِي الْكَلَام من الدّلالة عَلَيْهِ. وَيجوز الرّفْع هَاهُنَا وَهُوَ قَبِيح لأنّ الزّائر لَيْسَ هُوَ العشية وَيجوز رَفعه كأنّك أردْت كصاحب العشيّة فحذفت صاحباً وَجعلت العشيّة إِذا رفعتهما دلَالَة على مَا حذفت. هَذَا وَقد اعْترض عَلَيْهِم الشَّارِح المحقّق فِي إخراجهم لَا هَذِه عَن الْبَاب مَعَ قَوْلهم إنّ الأَصْل كزائر العشيّة بِتَقْدِير الْمُضَاف قَالَ: مَعَ تقديرهم هَذَا صَار الآخر هُوَ الأَصْل الأوّل كَمَا فِي قَوْلك: لَا كالعشيّة عشيّةٌ وعشيّةً فَيجوز أَن يكون زَائِرًا تَابعا على اللَّفْظ. وَهَذَا حقّ لَا يَنْبَغِي الْعُدُول عَنهُ وأل فِي العشيّة للْعهد الحضوريّ كَقَوْلِه تَعَالَى: الْيَوْم أكملت لكم دينكُمْ والعشيّة قَالَ ابْن الأنباريّ: مؤنّثة وربّما دكّرتها الْعَرَب على معنى العشيّ. وَقَالَ بَعضهم: العشيّة وَاحِدَة جمعا عشيّ والعشيّ قيل: مَا بَين الزَّوَال إِلَى الْغُرُوب وَمِنْه يُقَال لِلظهْرِ وَالْعصر صلاتا العشيّ وَقيل هُوَ آخر النَّهَار وَقيل من الزّوال إِلَى الصبّاح وَقيل العشيّ

وَهَذَا المصراع عجز وصدره: يَا صاحبيّ دنا الصبّاح فسيرا وَالْبَيْت من قصيدة لجرير بن الخطفى يهجو بهَا الأخطل النّصرانيّ مطْلعهَا: الْكَامِل) (صرم الخليط تباينا وبكوراً ... وحسبت بَينهم عَلَيْك يَسِيرا) وفيهَا بيتان من شَوَاهِد الكشّاف أَحدهمَا: فِي سُورَة مَرْيَم وَهُوَ: (إنّي إِذا مضرٌ عليّ تحدّبت ... لاقيت مطلع الْجبَال وعورا) على أنّ اطّلع فِي قَوْله تَعَالَى: اطّلع الْغَيْب بِمَعْنى ارْتقى من قَوْلهم اطّلع الْجَبَل. ومطّلع الْجَبَل مصعده ومرتقاه. ووعور: جمع وعر وَهُوَ الْمَكَان الخشن الصعب ونصبه إِمَّا على أَنه مفعول لاقيت ومطّلع الْجبَال ظرف وَإِمَّا حَال من الْجبَال على أنّ المطّلع مصدر أَو حَال من المطّلع بِتَقْدِير تعدّده إِضَافَته إِلَى متعدّد. وَرُوِيَ وعورا بِفَتْح الْوَاو: بِمَعْنى أَنه من الْفَخر بمَكَان لَا ينَال. والثَّانِي: فِي الْمَلَائِكَة وَهُوَ: (مشق الهواجر فِي القلاص مَعَ السّرى ... حتّى ذهبن كلاكلاً وصدورا) أوردهُ عِنْد قَوْله تَعَالَى: فَلَا تذْهب نَفسك عَلَيْهِم حسرات. وَالرِّوَايَة الْمَعْرُوفَة:

وَكَذَا أنْشدهُ سِيبَوَيْهٍ قَالَ الأعلم: الشَّاهِد فِي نصب كلاكلاً بقوله ذهبن نصب التَّمْيِيز لَا نصب التَّشْبِيه بالظرف. وَعبر سِيبَوَيْهٍ عَمَّا أَرَادَ من نصب هَذَا وَنَحْوه على التّمييز بِذكرِهِ الْحَال لما بَين التّمييز وَالْحَال من الْمُنَاسبَة بوقوعهما نكرتين بعد تَمام الْكَلَام وتبيينهما للشَّيْء الْمَقْصُود من النَّوْع تَقول ذهب زيد ظهرا وصدراً وتغيّر وَجها وجسماً تُرِيدُ ذهب ظَهره وصدره وتغيّر وَجهه وجسمه. فعبّر سِيبَوَيْهٍ عَن التّمييز بِالْحَال. وعَلى هَذَا يجرى سَائِر الأبيات انْتهى. والْمُشْتَقّ: الترقيق والإهزال. والهواجر: جمع هاجرة وَهِي نصف النَّهَار وَقت اشتداد الحرّ. والسّرى: سير اللَّيْل. ومن فِي الرِّوَايَة الثَّانِيَة بِمَعْنى مَعَ. والكلاكل: جمع كلكل كجعفر وَهُوَ الصّدر وَعطف عَلَيْهِ الصَّدْر للتفسير أَو أَنه أَرَادَ بالكلكل أَعلَى الصَّدْر. وصف رواحل أنضاها دؤوب السّير فِي الهواجر وَاللَّيْل حتّى ذهب لُحُوم صدرها. وترجمة جرير قد تقدّمت فِي الشَّاهِد الرَّابِع فِي أوّل الْكتاب. وَأنْشد بعده: يَا تيم تيم عديٍّ وَهُوَ قِطْعَة من بَيت هُوَ:

(الشاهد الثامن والستون بعد المائتين)

الْبَسِيط) وَقد تقدّم شَرحه مفصّلاً فِي الشَّاهِد الثَّانِي وَالثَّلَاثِينَ بعد الْمِائَة. وَأنْشد بعده وَهُوَ 3 - (الشَّاهِد الثَّامِن وَالسِّتُّونَ بعد الْمِائَتَيْنِ) الطَّوِيل (وَقد مَاتَ شمّاخ وَمَات مزرّدٌ ... وأيّ كريمٍ لَا أَبَاك مخلّد) على أَن إِضَافَة أَبَا إِلَى الضَّمِير بِدُونِ اللَّام شاذّة لَا يُقَاس عَلَيْهَا. قَالَ ابْن السرّاج فِي الْأُصُول: والشاعر قد يضطّرّ فيحذف اللَّام ويضيف قَالَ الشَّاعِر: الوافر (أَبَا لمَوْت الَّذِي لَا بدّ أنّي ... ملاقٍ لَا أَبَاك تخوّفيني) وَقَالَ الآخر: (وَقد مَاتَ شمّاخٌ وَمَات مزرّدٌ ... وأيّ كريمٍ لَا أَبَاك مخلّد) وَكَذَا أنشدهما الْمبرد فِي الْكَامِل. قَالَ أَبُو عليّ فِي التَّذْكِرَة قَالَ أَبُو عُثْمَان: لم يَجِيء فِي بَاب النَّفْي مثل لَا أَبَاك مُضَافا بِغَيْر لَام إلاّ هَذَا وَحده. وَأنْشد الْبَيْتَيْنِ. وَلَا يخفى أَن هَذَا الْبَيْت من قصيدةٍ عينيّة لمسكين الدّارميّ وَلَيْسَ فِيهَا الضَّرُورَة.

وأيّ كريم لَا أَبَا لَك يمْنَع وَهِي قصيدة أورد فِيهَا شعراء كلّ مِنْهُم نسب قَبره إِلَى بَلَده ومسقط رَأسه وَذكر حَال الشُّعَرَاء المتقدّمين وأنّهم ذَهَبُوا وَلم يبْق مِنْهُم أحدٌ يصغّر أَمر الدُّنْيَا ويحقّره. وَهَذِه أَبْيَات مِنْهَا: الطَّوِيل (وَلست بأحيا من رجالٍ رَأَيْتهمْ ... لكلّ امْرِئ يَوْمًا حمامٌ ومصرع) (دَعَا ضابئاً دَاعِي المنايا فَجَاءَهُ ... وَلما دعوا باسم ابْن دارة أسمعوا) (وحصنٌ بصحراء الثّويّة بَيته ... أَلا إنّما الدّنيا متاعٌ يمتّع) (وَأَوْس بن مغراء القريعيّ قد ثوى ... لَهُ فَوق أبياتالرّياحيّ مَضْجَع) (ونابغة الجعديّ بالرّمل بَيته ... عَلَيْهِ صفيحٌ من رخامٍ مرصّع) (وَمَا رجعت من حميريّ عصابةٌ ... إِلَى ابْن وثيلٍ نَفسه حِين تنْزع) (أرى ابْن جعيلٍ بالجزيرة بَيته ... وَقد ترك الدّنيا وَمَا كَانَ يجمع)) (بِنَجْرَان أوصال النّجاشيّ أَصبَحت ... تلوذ بِهِ طيرٌ عكوفٌ ووقّع) (وَقد مَاتَ شمّاخٌ وَمَات مرزّدٌ ... وأيّ عَزِيز لَا أَبَا لَك يمْنَع) (أُولَئِكَ قومٌ قد مضوا لسبيلهم ... كَمَا مَاتَ لُقْمَان بن عادٍ وتبّع) قَوْله: ونابغة الجعديّ الخ هَذَا الْبَيْت من شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ وَأَرَادَ بالرمل رمل بني جعدة وَهِي رمالٌ وَرَاء الفلج من طَرِيق الْبَصْرَة إِلَى مكّة. وَابْن

وثيل هُوَ سحيم ابْن وثيل بن حميريّ. وَكَعب بن جعيل دفن بِجَزِيرَة ابْن عمر لأنّها بِلَاد بني تغلب وَدفن النّجاشيّ بِنَجْرَان لأنّه من الْيمن بِلَاد بني الْحَارِث بن كَعْب. وَقَوله: وَفد مَاتَ شمّاخ وَمَات مزرّد هما أَخَوان لأَب وأمّ وصحابيان وشاعران. وَقد تقدّمت تَرْجَمَة الشمّاخ فِي الشَّاهِد الْحَادِي وَالتسْعين بعد الْمِائَة. واسْمه معقل بن ضرار والمزرّد اسْمه يزِيد بن ضرار وإنّما سمّي مزرّداً بقوله: الطَّوِيل. (فَقلت تزرّدها عبيد فإنّني ... لدرد الموَالِي فِي السّنين مزرّدٌ) وَلَهُمَا أَخ آخر شقيقهما وَهُوَ جُزْء بن ضرار بِفَتْح الْجِيم وَسُكُون الزَّاي بعْدهَا همزَة. وَمَات الشمّاخ وجزءٌ متهاجرين. وَسبب ذَلِك على مَا روى الكلبيّ أنّ الشمّاخ كَانَ يهوى امْرَأَة من قومه يُقَال لَهَا كلبة بنت جوّال وَكَانَ يتحدّث إِلَيْهَا وَيَقُول فِيهَا الشّعْر فَخَطَبَهَا فأجابته وهمّت أَن تتزوجه ثمَّ خرج إِلَى سفرٍ لَهُ فتزوّجها أَخُوهُ جُزْء فآلى الشمّاخ أَن لَا يكلمهُ أبدا وهجاه بقصيدته الَّتِي يَقُول فِيهَا:

الطَّوِيل (لنا صاحبٌ قد خَان من أجل نظرةٍ ... سقيم فؤاد حبّ كلبة شاغلة) وَقَوله: لَا أَبَا لَك جملَة اعتراضيّة بَين أيّ عَزِيز وَهُوَ مَوْصُوف وَبَين يمْنَع وَهُوَ صفة لأيّ. وَكَذَلِكَ يخلّد ومخلّد على تِلْكَ الرِّوَايَة. قَالَ المبرّد فِي الْكَامِل: لَا أَبَا لَك هِيَ كلمة فِيهَا جفَاء وغلظة وَالْعرب تستعملها عِنْد الْحَث على أَخذ الحقّ والإغراء وربّما استعملتها الجفاة من الْأَعْرَاب عِنْد الْمَسْأَلَة والطلب فَيَقُول الْقَائِل للأمير والخليفة: انْظُر فِي أَمر رعيّتك لَا أَبَا لَك. وَسمع سُلَيْمَان بن عبد الْملك رجلا من الْأَعْرَاب فِي سنة مُجْدِبَة يَقُول: الرجز (ربّ الْعباد مَا لنا وَمَا لكا ... قد كنت تسقينا فَمَا بدا لكا) أنزل علينا الْغَيْث لَا أَبَا لكا) فَأخْرجهُ سُلَيْمَان أحسن مخرج. فَقَالَ: أشهد أنّه لَا أَبَا لَهُ وَلَا ولد وَلَا صَاحِبَة وَأشْهد أَن الْخلق جَمِيعًا عباده وَهُوَ الْأَحَد الصَّمد. وَقَالَ رجلٌ من بني عَامر بن صعصعة أبعد من هَذِه الْكَلِمَة لبَعض قومه: الْكَامِل (أبني عقيلٍ لَا أَبَا لأبيكم ... أبيّ وأيّ بني كلابٍ أكْرم) اه. وَقَالَ ابْن هِشَام فِي شرح بَانَتْ سعاد عِنْد قَوْله: الْبَسِيط اعْلَم أنّ قَوْلهم: لَا أَبَا لَهُ كلامٌ يسْتَعْمل كِنَايَة عَن الْمَدْح والذمّ وَوجه

الأوّل أَن يُرَاد نفي النّظير الممدوح بِنَفْي أَبِيه وَوجه الثَّانِي أَن يُرَاد أنّه مَجْهُول النّسَب. والمعنيان محتملان هُنَا أمّا الثَّانِي فَوَاضِح لأنّهم لما لم يغنوا عَنهُ شَيْئا أَمرهم بتخلية سَبيله ذامّاً لَهُم وأمّا الأوّل فعلى وَجه الِاسْتِهْزَاء انْتهى. وَزَاد عَلَيْهِ شارحها البغداديّ قَالَ: تَقول الْعَرَب لَا أَبَا لَك وَلَا أَب لَك يسْتَعْمل فِي التفجّع والتعجّب وَيُقَال فِي الْمَدْح والذم وربّما قَالُوا لَا أَبَاك وَهُوَ نَادِر. وأمّا لَا أمّ لَك فَلَا يُقَال إلاّ فِي الذّم وَحده دلّ على ذَلِك استقراء كَلَام الْعَرَب. وَقَالَ ابْن جنّي فِي الخصائص: إِن قلت إنّ الْألف فِي لَا أَبَا لَك تؤذن بِالْإِضَافَة والتعريف وَاللَّام تؤذن بِالْفَضْلِ والتنكير فقد جمعت على الشَّيْء الْوَاحِد فِي الْوَقْت الْوَاحِد مَعْنيين ضدّين وهما التَّعْرِيف والتنكير. وَهَذَا كَمَا ترى متدافعان قلت: الْفرق وَاضح فإنّه كَلَام جرى مجْرى الْمثل فإنّك لَا تَنْفِي فِي الْحَقِيقَة أَبَاهُ وَإِنَّمَا تخرجه مخرج الدُّعَاء عَلَيْهِ أَي: أَنْت عِنْدِي مّمن يستحقّ أَن يدعى عَلَيْهِ بفقد أَبِيه. كَذَا فسّره أَبُو عليّ وَكَذَلِكَ هُوَ لمتأمّله أَلا ترى أَنه قد أنْشد توكيداً لما رَآهُ من هَذَا الْمَعْنى فِيهِ قَوْله: الطَّوِيل وتترك أُخْرَى فردةً لَا أَخا لَهَا وَلم يقل لَا أُخْت لَهَا وَلَكِن لّما جرى هَذَا الْكَلَام على أَفْوَاههم لَا أَبَا لَك وَلَا أَخا لَك قيل مَعَ المؤنّث على حدّ مَا يكون عَلَيْهِ مَعَ المذكّر

فَجرى نَحوا من قَوْلهم لكلّ أحدٍ: من ذكر وَأُنْثَى واثنين واثنتين وَجَمَاعَة: الصّيف ضيّعت اللَّبن على الأنيث لأنّه كَذَا جرى أوّله. وَأما قَوْله: (أَبَا لمَوْت الَّذِي لَا بدّ أنّي ... ملاقٍ لَا أَبَاك تخوّفيني)) فقد قَالَ شَارِح أبي عليّ الفارسيّ: هُوَ لأبي حيّة النّميريّ قَالَه أَبُو عَمْرو قَالَ: جلبه أَبُو عليّ شَاهدا على حذف هَذِه اللَّام ضَرُورَة فثبوت الْألف فِي أَبَا دَلِيل الْإِضَافَة والتعريف وَوُجُود اللَّام دَلِيل الْفَصْل والتنكير. حذف لَام الجرّ وَهُوَ يريدها وَلَوْلَا أنّها فِي حكم الثّابت فِي اللَّفْظ لما عملت لَا لأنّها لَا تعْمل إلاّ فِي نكرَة. فأمّا دلَالَة الْألف فِيهِ وَحذف النُّون من نَحْو لَا يَدي بهَا لَك على إِرَادَة الْإِضَافَة فلأنّ وجود الْعَمَل مانعٌ فِيهَا من اللَّفْظ فضعف اقْتِضَاء الْمَعْنى مَعَ وجود الْمَانِع اللفظيّ. فإنّ هَذَا مثلٌ لم يقْصد بِهِ نفي الْأَب وإنّما قصد بِهِ الذمّ. وَكَذَلِكَ لَا يَدي لَك إنّما المُرَاد لَا طَاقَة لَك بهَا. وَهُوَ قِيَاس من النّحويين على قَوْلهم لَا أَبَا لَك. وَفِي الْكتاب: لَا أَبَا فَاعْلَم لَك وَفِيه دَلِيل على أنّه لَيْسَ بمضاف. وَيجوز أَن تكون الْألف لَام الْكَلِمَة كَمَا قَالَ: الرجز فأمّا قَوْله تخوّفيني فإنّه أَرَادَ تخوفينني فَحذف إِحْدَى النونين: فَقيل حذف الأولى كَمَا حذف الْإِعْرَاب فِي قَول امْرِئ الْقَيْس:

السَّرِيع فاليوم أشْرب غير مستحقبٍ وَقَالَ المبّرد حذف الثَّانِيَة وَهُوَ أولى لأنّها إِنَّمَا زيدت مَعَ الْيَاء لتقي الْفِعْل من الكسرة وَالْأولَى عَلامَة الرّفْع انْتهى كَلَامه. وَإِذا كَانَ الْأَمر كَذَلِك علم أنّ قَوْلهم لَا أَبَا لَك إنّما فِيهِ تعادي ظَاهره واجتماع صُورَتي الْفَصْل والوصل والتعريف والتنكير لفظا لَا معنى ... . وَنحن إنّما عَقدنَا فَسَاد الْأَمر وصلاحه على الْمَعْنى كَأَن يكون الشَّيْء الْوَاحِد فِي الْوَقْت الْوَاحِد قَلِيلا كثيرا. هَذَا مَا لَا يدّعيه مدّع. ويؤكد عنْدك خُرُوجه مخرج الْمثل كثرته فِي الشّعْر وأنّه يُقَال لمن لَهُ أَب وَلمن لَيْسَ لَهُ أَب. وَهُوَ دُعَاء فِي الْمَعْنى لَا محَالة وَإِن كَانَ فِي اللَّفْظ خَبرا وَلَو كَانَ دُعَاء مصرّحاً وأمراً مغنيّاً لما جَازَ أَن يُقَال لمن لَا أَب لَهُ لأنّه إِذا كَانَ لَا أَب لَهُ لم يجز أَن يدعى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ فِيهِ لَا محَالة فَيعلم أنّه لَا حَقِيقَة لمعناه مُطَابقَة للفظه وإنّه لَا حَقِيقَة لمعناه مُطَابقَة للفظه وإنّما هِيَ خَارِجَة مخرج الْمثل قَالَ عنترة: الْكَامِل (فاقني حياءك لَا أَبَا لَك واعلمي ... أنّي امرؤٌ سأموت إِن لم أقتل) ...

(ألق الصّحيفة لَا أَبَا لَك إنّه ... يخْشَى عَلَيْك من الحباء النّقرس) وَقَالَ:) (أَبَا لمَوْت الَّذِي لَا بدّ أنّي ... ملاقٍ لَا أَبَاك تخوّفيني) أَرَادَ: لَا أَبَا لَك فَحذف اللَّام. وَقَالَ جرير: يَا تيم تيم عديّ لَا أَبَا لكم وَهَذَا أقوى دَلِيل على كَونه مثلا لَا حَقِيقَة. أَلا ترى أَنه لَا يجوز أَن يكون لتيم كلّها أبٌ وَاحِد وَلَكِن مَعْنَاهُ كلّكم أهل للدّعاء عَلَيْهِ والإغلاظ لَهُ. وَقَالَ الحطيئة: الطَّوِيل (أقلّوا عَلَيْهِم لَا أَبَا لأبيكم ... من اللوم أَو سدّوا الْمَكَان الَّذِي سدوا) فَإِن قلت: فقد أثبت الحظيئة فِي هَذَا الْبَيْت مَا نفيته فِي الْبَيْت قبله فَجعل للْجَمَاعَة أَبَا وَاحِدًا وَأَنت قلت إنّه لَا يكون لجَماعَة تيم أبٌ وَاحِد. قيل: الْجَواب عَنهُ من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أنّه مثلٌ لَا يُرِيد حَقِيقَة الْأَب وإنّما غَرَضه الدّعاء مُرْسلا ففحّش بِذكر الْأَب. وَالْآخر: يجوز أَن يُرِيد بأبيكم الْجمع أَي: لَا أَبَا لآبائكم يُرِيد الدّعاء على آبَائِهِم من حَيْثُ

(الشاهد التاسع والستون بعد المائتين)

(فلمّا تبيّنّ أصواتنا ... بكين وفدّيننا بالأبينا) انْتهى كَلَامه بِاخْتِصَار. وَأنْشد بعده: يَا بؤس للْجَهْل ضرّاراً لأقوام هَذَا عجز وصدره: قَالَت بَنو عامرٍ خالوا بني أسدٍ وَقد تقدّم شَرحه مفصلا فِي الشَّاهِد الرَّابِع بعد الْمِائَة. وَأنْشد بعده وَهُوَ 3 - (الشَّاهِد التَّاسِع وَالسِّتُّونَ بعد الْمِائَتَيْنِ) وَهُوَ من شَوَاهِد س: الْبَسِيط (كَأَن أصوات من إيغالهنّ بِنَا ... أَوَاخِر الميس إنقاض الفراريج) على أنّه قد فصل لضَرُورَة الشّعْر بالظرف بَين المتضايفين. وَالْأَصْل: كَأَن أصوات أَوَاخِر الميس من إيغالهنّ بِنَا إنقاض الفراريج.

فِي الْأُصُول لبن السرّاج: وقبيح أَن تفصل بَين الجارّ وَالْمَجْرُور فَتَقول لَا أَخا هذَيْن الْيَوْمَيْنِ لَك. قَالَ سِيبَوَيْهٍ: هَذَا يجوز فِي ضَرُورَة الشّعْر لأنّ الشَّاعِر إِذا اضطّر فصل بَين الْمُضَاف إِلَيْهِ. وَأنْشد هَذَا الْبَيْت. ومن للتَّعْلِيل والإيغال: الإبعاد يُقَال أوغل فِي الأَرْض إِذا أبعد فِيهَا حَكَاهُ ابْن دُرَيْد قَالَ: وكل داخلٍ فِي شيءٍ دُخُول مستعجل فقد أوغل فِيهِ. وَقَالَ الأصمعيّ فِي شرح هَذَا الْبَيْت: الإيغال: سرعَة الدُّخُول فِي الشَّيْء يُقَال أوغل فِي الْأَمر: إِذا دخل فِيهِ بِسُرْعَة. وَالضَّمِير لِلْإِبِلِ فِي بَيت قبله. والْأَوَاخِر: جمع آخِره بِوَزْن فَاعله وَهِي قَالَ ابْن حجر فِي فتح الْبَارِي: هُوَ بضمّ أَوله ثمَّ همزَة سَاكِنة وَأما الْخَاء فَجزم أَبُو عبيد بِكَسْرِهَا وجوّز الْفَتْح وَأنكر ابْن قُتَيْبَة الْفَتْح وَعكس ذَلِك ابْن مكّيّ فَقَالَ: لَا يُقَال مقدم ومؤخر بِالْكَسْرِ إلاّ فِي الْعين خَاصَّة وأمّا فِي غَيرهَا فَيُقَال بِالْفَتْح فَقَط. وَرَوَاهُ بَعضهم بِفَتْح الْهمزَة وَتَشْديد الْخَاء. انْتهى. وَقَالَ صَاحب الصِّحَاح: ومؤخر الْعين مثل مُؤمن: الَّذِي يَلِي الصّدغ ومقدمها: الَّذِي يَلِي الْأنف ومؤخرة الرحل أَيْضا لُغَة قَليلَة فِي آخِره الرحل وَهِي الَّتِي يسْتَند الرَّاكِب إِلَيْهَا. قَالَ يَعْقُوب: وَلَا تقل مؤخرّة انْتهى. والميس: بِفَتْح الْمِيم: شجر يتَّخذ مِنْهُ الرّحال

والأقتاب وَإِضَافَة الْأَوَاخِر إِلَيْهِ كإضافة خَاتم فضّة. والإنقاض: مصدر أنقضت الدّجاجة: إِذا صوّتت وَهُوَ بالنُّون وَالْقَاف وَالضَّاد الْمُعْجَمَة وَرُوِيَ بدله: أصوات الفراريج جمع فرّوجة وَهِي صغَار الدّجاج. يُرِيد أنّ رحالهم جدد وَقد طَال سيرهم فبعض الرحل يحكّ بَعْضًا فتصوّت مثل أصوات الفراريج من شدّة السّير واضطراب الرحل. وَهَذَا الْبَيْت من قصيدة لذِي الرّمّة. وَمن أَبْيَات هَذِه القصيدة قَوْله: الْبَسِيط) (وراكد الشّمس أجّاج نصبت لَهُ ... حواجب الْقَوْم بالمهريّة العوج) (تلوي الثّنايا بأحقيها حَوَاشِيه ... ليّ الملاء بِأَبْوَاب التّفاريج) أَي: ربّ يَوْم راكد الشّمس أَي: لَا تكَاد شمسه تَزُول من طوله. وَأَرَادَ بالأجّاج أنّ ذَلِك الْيَوْم لَهُ توهّج واشتعال كالأجّاج بِالضَّمِّ وَهُوَ اللهب. وَقَوله: نصبت لَهُ الخ أَي: استقبلته بحواجب الْقَوْم. والمهريّة الْإِبِل المنسوبة إِلَى مهرَة. والعوج الَّتِي ضمرت فاعوجّت. وَقَوله: إِذا تنَازع الخ إِذا ظرف لقَوْله نصبت أَي: ربّ يَوْم نصبت لَهُ حواجب الْقَوْم إِذا تنَازع الخ. وَأَخْطَأ من جعلهَا شرطيّة وَجعل جوابها الْبَيْت الَّذِي بعْدهَا. والجالان بِالْجِيم: جانبا بلدٍ مجهل. وقذف بِفَتْح الْقَاف والذال: الْبعيد. أَرَادَ أَن الجالين تنَازعا أَطْرَاف طَرِيق مطّرد بالحرّ أَي: كأنّه مَاء يَجِيء وَيذْهب يتبع بعضه بَعْضًا يَعْنِي السّراب فإنّه يطّرد كَالْمَاءِ ونسجه من الحرّ.

وَقَوله: تلوي الثّنايا فعل وفاعل ووحواشيه مفعول. والثّنايا: الطّرق فِي الْجبَال. والأحقى: جمع حقو بِفَتْح فَسُكُون: الْوسط وأصل الحقو الخصر وَمَوْضِع شدّ الْإِزَار وَالْبَاء بِمَعْنى على. والْحَوَاشِي: الْأَطْرَاف والنّواحي. وَالضَّمِير رَاجع إِلَى المطّرد المُرَاد بِهِ السّراب. وليّ الملاء: كطيّها وَهُوَ مصدر تشبيهي لقَوْله تلوي. والملاء بِالضَّمِّ والمدّ: الملحفة إِذا كَانَت والتفاريج كَمَا فِي الْعباب عَن ابْن الأعرابيّ: فتحات الْأَصَابِع وَاحِدهَا تفراج بِالْكَسْرِ وخروق الدّرابزين أَيْضا. وَأنْشد هَذَا الْبَيْت وَقَالَ: الثنايا الطّرق فِي الْجبَال. يَقُول: الثنايا تلوي حَوَاشِي السّراب أَي: بلغ السّراب أوساط الثّنايا. وحَوَاشِيه: أَطْرَافه قَالَ شَارِح الدِّيوَان: الثّنايا تلوي أَي: تلفّ حَوَاشِي السّراب بأوساطها كَمَا يلوى الملاء بالمصاريع وَقيل الدّرابزين: وَمَا سَمِعت أنّ الملاء يلوى بمصاريع الْأَبْوَاب انْتهى. وَجَوَابه أنّ مُرَاد الشَّاعِر أنّ الستائر تُوضَع وتربط على الدّرابزين وأبوابها للتجمّل كَمَا يَفْعَله الْأَغْنِيَاء. وَهَذَا الْبَيْت أوردهُ صَاحب الكشّاف عِنْد قَوْله تَعَالَى: يكور اللّيل على النّهار ويكوّر النّهار على اللّيل على تَشْبِيه كلّ مِنْهُمَا باللباس الَّذِي يكوّر ويلفّ على اللابس فإنّ أَحدهمَا لّما كَانَ غاشياً للْآخر أشبه اللبَاس الملفوف على لابسه فِي ستره إيّاه واشتماله عَلَيْهِ وتغطيّه بِهِ) كَمَا شبّه ذُو الرّمّة طيّ الهضاب حَوَاشِي السّراب بطيّ السّتائر بالأبواب.

وَقد أَخطَأ شَارِح شَوَاهِد التفسيرين فِي قَوْله: تلوي الثّنايا جَوَاب إِذا فِي الْبَيْت الَّذِي قبله. فَتَأمل. وترجمة ذِي الرّمّة قد تقدّمت فِي الشواهد الثَّامِن فِي أَوَائِل الْكتاب. أنْشد فِيهِ وَهُوَ الشَّاهِد السبعون بعد الْمِائَتَيْنِ وَهُوَ من شَوَاهِد س: الوافر (وَمَا إِن طبّنا جبنٌ وَلَكِن ... منايانا ودولة آخرينا) على أنّ مَا الحجازيّة إِذا زيد بعْدهَا إِن لَا تعْمل عمل لَيْسَ كَمَا فِي هَذَا الْبَيْت. قَالَ الأعلم: إِن كَافَّة لما عَن الْعَمَل كَمَا كفت مَا إِن عَن الْعَمَل. والطّبّ بِالْكَسْرِ هَاهُنَا بِمَعْنى العلّة والسبّب أَي: لم يكن سَبَب قتلنَا الْجُبْن وإنّما كَانَ مَا جرى بِهِ الْقدر من حُضُور الْمنية وانتقال الْحَال عنّا والدّولة. وَقَالَ فِي الصِّحَاح: تَقول مَا ذَلِك بطبّي أَي: دهري وعادتي. وانشد هَذَا الْبَيْت للكميت. وَهَذِه النِّسْبَة غير صَحِيحَة كَمَا يَأْتِي بَيَانه قَرِيبا. والْجُبْن: ضدّ الشّجاعة وَهُوَ مصدر جبن جبنا كقرب قرباً فَهُوَ جبانٌ أَي: ضَعِيف الْقلب. والجبن الْمَأْكُول فِيهِ ثَلَاث لُغَات أَجودهَا سُكُون

الْبَاء وَالثَّانيَِة ضمّ الْبَاء لِلِاتِّبَاعِ وَالثَّالِثَة وَهِي أقلّها التَّشْدِيد كَذَا فِي الْمِصْبَاح. والمنايا: جمع منيّة وَهِي الْمَوْت لأنّها مقدّرة مَأْخُوذَة من المنا بِوَزْن الْعَصَا وَهُوَ الْقدر يُقَال: مني لَهُ أَي: قدّر بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول فيهمَا. روى السيّد علم الْهدى المرتضى فِي أَمَالِيهِ أنّ مُسلما الخزاعيّ ثمّ المصطلقيّ قَالَ: شهِدت رَسُول الله صلّى الله عَلَيْهِ وسلّم وَقد أنْشدهُ منشد قَول سُوَيْد بن عَامر المصطلقي: الْبَسِيط (لَا تأمننّ وَإِن أمسيت فِي حرمٍ ... إنّ المنايا بكفّي كلّ إِنْسَان) (واسلك طريقك تمشي غير مختشعٍ ... حتّى يبيّن مَا يمني لَك الماني) (فكلّ ذِي صاحبٍ يَوْمًا يُفَارِقهُ ... وكلّ زادٍ وَإِن أبقيته فان) (وَالْخَيْر والشّرّ مقرونان فِي قرنٍ ... بكلّ ذَلِك يَأْتِيك الجديدان) فَقَالَ رَسُول الله صلّى الله عَلَيْهِ وسلّم: لَو أَدْرَكته لأسلم انْتهى.) وَأنْشد فِي الصِّحَاح لهَذَا الْمَعْنى قَوْله: حتّى تلاقي مَا يمني لَك الماني

وف يحواشيه: أوّله: (وَلَا تقولن لشيءٍ سرف أَفعلهُ ... حتّى تبيّن مَا يمني لَك الخ) قَالَ: وَالْبَيْت لأبي قلَابَة الهذليّ. وَالله أعلم. والدولة بِالْفَتْح: الْغَلَبَة فِي الْحَرْب وبالضم تكون فِي المَال وَقيل هما بِمَعْنى ودالت الأيّام تدول وروى ابْن هِشَام فِي السِّيرَة بدله: وطعمة آخرينا. وَفِيه مَعَ ذكر الْجُبْن مَا لَا يخفى. وَأورد ابْن قُتَيْبَة فِي تَرْجَمَة خفاف بن ندبة من كتاب الشُّعَرَاء قَوْله: الوافر (فَلم يَك طبّهم جبنٌ وَلَكِن ... رميناهم بثالثة الأثاقي) قَالَ: وَهَذَا مّما يسْأَل عَنهُ. أَقُول: ثَالِثَة الأثافيّ هِيَ الْجَبَل لأنّه يَجْعَل حجران إِلَى جنبه فَيكون الثَّالِث فَيَقُول: كَانُوا شجعاناً لَيْسَ فيهم جبن ولحكن رميناهم بداهية عَظِيمَة مثل الْجَبَل. وَقد روى أَبُو عُبَيْدَة الْبَيْت هَكَذَا: (فلمّا أَن أَبَوا إلاّ علينا ... رميناهم بثالثة الأثافي)

وَهَذَا الْبَيْت من أَبْيَات لفروة بن مسيك المراديّ رَوَاهَا أهل السّير كَابْن هِشَام والكلاعيّ وَغَيرهمَا وَهِي: (فَإِن نغلب فغلاّبون قدماً ... وَإِن نغلب فَغير مغلّبيبنا) (وَمَا إِن طبّنا جبنٌ وَلَكِن ... منايانا وطعمة آخرينا) (كَذَاك الدّهر دولته سجالٌ ... تكرّ صروفه حينا فحينا) (إِذا انقلبت بِهِ كرّات دهر ... فألقيت الألى غبطوا طحينا) (فَمن يغبط بريب الدّهر مِنْهُم ... يجد ريب الزّمان لَهُ خؤونا) (فَلَو خلد الْمُلُوك إِذن خلدنا ... وَلَو بَقِي الْكِرَام إِذن بَقينَا) (فأفنى ذَلِكُم سروات قومِي ... كَمَا أفنى الْقُرُون الأوّلينا)) قَوْله: فَغير مغلبينا المغلّب المغلوب مرَارًا. والسّجال بِالْكَسْرِ: مصدر ساجل بساجل بِمَعْنى ناوب قَالَ الميدانيّ فِي أَمْثَاله: المساجلة أَن تصنع مثل صَنِيع صَاحبك من جري أَو سقِِي وَأَصله من السّجل وَهِي الدّلو فِيهَا مَاء قلّ أَو كثر. وَحَقِيقَة السّجال المغالبة بالسّقي بالسّجل وَمِنْه المباراة والمفاخرة والمعارضة. وتكرّ: ترجع. والصّروف: الْحَوَادِث. والغضارة بِالْفَتْح: الْخَيْر وَالْخصب. وألفيت: وجدت. وغبطوا بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول من الْغِبْطَة اسْم من غبطته غبطاً من بَاب ضرب إِذا تمنّيت مثل مَا ناله من غير أَن تُرِيدُ زَوَاله عَنهُ لما أعْجبك مِنْهُ وَعظم عنْدك وريب الدّهر: مَا يحدث مِنْهُ. والخؤون بِفَتْح الْمُعْجَمَة: مُبَالغَة الخائن. وَقَوله: فأفنى ذَلِكُم الْإِشَارَة لكرّات الدّهر وحوادثه. والسّروات جمع شراة بِفَتْح السِّين

وفَرْوَة بن مسيك صحابيّ أسلم عَام الْفَتْح وَذَلِكَ أَنه لما افْتتح رَسُول الله صلّى الله عَلَيْهِ وسلّم مكّة ودانت لَهُ قُرَيْش عرفت الْعَرَب أنّهم لَا طَاقَة لَهُم بحربه فَدَخَلُوا فِي دين الله أَفْوَاجًا فَقدمت عَلَيْهِ وُفُود الْعَرَب. وَمِمَّنْ قدم فَرْوَة بن مسيك المراديّ قدم إِلَى الْمَدِينَة وَكَانَ رجلا لَهُ شرف فأنزله سعد بن عبَادَة عَلَيْهِ ثمَّ غَدا على رَسُول الله صلّى الله عَلَيْهِ وسلّم وَهُوَ جَالس فِي الْمجْلس فسلّم عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ: يَا رَسُول الله أَنا لمن ورائي من قومِي. قَالَ: ايْنَ نزلت يَا فَرْوَة قَالَ: على سعد بن عبَادَة. قَالَ: بَارك الله على سعد بن عبَادَة. وَكَانَ يحضر مجْلِس رَسُول الله صلّى الله عَلَيْهِ وسلّم ويتعلّم الْقُرْآن وفرائض الْإِسْلَام. وَكَانَ بَين مُرَاد وهمدان قبيل الْإِسْلَام وقعةٌ أَصَابَت فِيهَا هَمدَان من مُرَاد وَكَانَ يُقَال لذَلِك الْيَوْم يَوْم الرّزم فَقَالَ لَهُ رَسُول الله صلّى الله عَلَيْهِ وسلّم: يَا فَرْوَة هَل ساءك مَا أصَاب قَوْمك يَوْم الرّزم. قَالَ: يَا رَسُول الله من ذَا يُصِيب قومه مثل مَا أصب قومِي لَا يسوؤه فَقَالَ رَسُول الله صلّى الله عَلَيْهِ وسلّم: أما إنّ ذَلِك لم يزدْ قَوْمك فِي الْإِسْلَام إلاّ خيرا. وَفِي ذَلِك الْيَوْم قَالَ فَرْوَة هَذِه الأبيات. وَاسْتَعْملهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وسلّم على مُرَاد وزبيد ومذحج وَبعث مَعَه خَالِد بن سعيد بن العَاصِي على الصَّدَقَة وَكتب فِيهَا كتابا لَا يعدوه إِلَى غَيره وَكَانَ خالدٌ مَعَه فِي بِلَاده حتّى توفّي رَسُول الله صلّى الله عَلَيْهِ وسلّم. كَذَا فِي وَذكر الواقديّ أنّ عمر بن الْخطاب رَضِي اله عَنهُ اسْتَعْملهُ أَيْضا على

صدقَات مذْحج. وَذكر) غَيره أَنه انْتقل إِلَى الْكُوفَة فسكنها. وَأخرج ابْن سعد أنّ رَسُول الله صلّى الله عَلَيْهِ وسلّم أجَاز فَرْوَة باثنتي عشرَة أوقيّة وَحمله على بعير نجيب وَأَعْطَاهُ حلّة من نسج عمان. وفروة: بِفَتْح الْفَاء وَسُكُون الرَّاء بعْدهَا وَاو ومسيك: بِضَم الْمِيم وَفتح السِّين وَسُكُون الْيَاء وَمُرَاد: قَبيلَة بِالْيمن. فَإِن قلت: كَيفَ اعْترف بالانهزام مَعَ مَا فِيهِ من الْعَار قلت: هَذَا مَوْقُوف على سَماع قصتّه فَإِن أَصْحَاب الْمعَانِي لَا يقدرُونَ على فهم مثل هَذَا إِلَّا بقصّته. وَهِي كَمَا رَوَاهَا أَبُو مُحَمَّد الأعرابيّ فِي فرحة الأديب: أنّه كَانَ صنم مرادٍ فِي أَعلَى وأنعم وهما بطْنَان من مُرَاد فَقَالَت أشرافٌ من مُرَاد: مَا بَال آلِهَتنَا لَا تكون ف يعرانيننا فأرادوا انتزاع الْآلهَة مِنْهُم فَخَرجُوا مِنْهُم فَأتوا بني الْحَارِث فاستجاروا بهم وأ سلتن مُرَاد إِلَى بني الْحَارِث: أَن أخرجُوا إخوتنا من داركم وابعثوا إِلَيْنَا برجلَيْن مِنْكُم لنقتلهما بصاحبنا وَكَانَت مُرَاد تطلب بني الْحَارِث بِدَم فلمّا رأى الْحصين بن يزِيد بن قنان أنّ مرَادا قد ألحت فِي طلب أَصْحَابهم هابهم وهلم أَنه لَا طَاقَة لَهُ بهم. وَكَانَت مُرَاد إِذا قتل مِنْهُم رجلٌ قتلوا بِهِ رجلَيْنِ وَكَانُوا لَا يَأْخُذُونَ الدِّيَة إلاّ مضاعفة فَسَار حُصَيْن بن يزِيد وَهُوَ رَئِيس بني الْحَارِث إِلَى عُمَيْر ذِي

مرّان فَسَأَلَهُ أَن يركب مَعَه إِلَى أرحب فيصلح بَينه وَبينهمْ ويسألهم الْحلف على مُرَاد لِأَنَّهُ كَانَ بَينه وَبَين أرحب دِمَاء. فَركب مَعَه إِلَيْهِم فَأصْلح بَينهم وسألهم أَن ينصروه ويحالفوه على مُرَاد فَقَالَ الْحصين: يَا معشر أرحب إنّي لست بِأَسْعَد بِهَلَاك مرادٍ مِنْكُم وَكَانَت أرحب تغاور مرَادا قبل ذَلِك فحالفته أرحب وغدوا فَسَار حُصَيْن بن يزِيد ببني الْحَارِث وسارت الْبَادِيَة من هَمدَان وَعَلَيْهِم يزِيد بن ثُمَامَة الأرحبي الأصمّ. وَأَقْبَلت مُرَاد كأنّهم حرّة سَوْدَاء يدفّون دفيفاً وَعَلَيْهِم الْحَارِث بن ظبْيَان المثلّم وَكَانَ يكنى أَبَا قيس الأنعمي. فَاقْتَتلُوا بِموضع يُقَال لَهُ الرزم إِلَى جنب أياء قتالاً شَدِيدا فتضعضعت بَنو الْحَارِث وَأَقْبل عَلَيْهِم الْحصين فَقَالَ: يَا بني الْحَارِث وَالله لَئِن لم تضربوا وُجُوه مرادٍ بالسّيوف حتّى يخلوا لكم الْعَرَصَة لأتركنكم تنفلون فِي الْعَرَب) ثمَّ أقبل على بادية هَمدَان فَقَالَ: يَا معشر هَمدَان الصبّر الصَّبْر لَا تَقول مُرَاد إِنَّا لجأنا إِلَى عدد هَمدَان وعزّها فَلم يغنوا عنّا فاقتتل الْقَوْم قتالاً شَدِيدا فَقتل الْحصين وصبر الْفَرِيقَانِ جَمِيعًا فتهيأت بَنو الْحَارِث للفرار وتضعضعت أرحب وَقد كَانُوا أحضروا النِّسَاء مَعَهم فجعلوهن خلف ظُهُورهمْ فلمّا رَأَتْ أرحب النِّسَاء قد بَدَت خلاخيلها للفرار عَادوا لِلْقِتَالِ وَقَالُوا: لَا نفرّ حتّى يفرّ يَغُوث وصبروا للْقَوْم وَصَبَرت بَنو الْحَارِث مَعَهم فانهزمت مُرَاد واستذرع الْقَتْل فيهم وَسبوا نسءً من نِسَائِهِم فَأدْرك الْإِسْلَام وَهن فِي دور هَمدَان. وَقتل يومئذٍ المثلّم رَئِيس مُرَاد وعزيز وَقيس ونمران وسميّ المراديون. وَقتل فِي ذَلِك الْيَوْم الْحصين بن يزِيد الْحَارِثِيّ. قَالَ فِي ذَلِك يزِيد بن ثُمَامَة الأرحبي:

(الشاهد الحادي والسبعون بعد المائتين)

الطَّوِيل (لقد علم الحيّ المصبّح أنّني ... بِجنب أياء غير نكس مواكل) (تركت عَزِيزًا تحجل الطّير حوله ... وغشيّت قيسا حدّ أَبيض قاصل) (ونمران قد قضيت مِنْهُ حزازةً ... على حنقٍ يَوْم التفاف الْقَبَائِل) (عكبٌّ شفيت النّفس مِنْهُ وحارثٌ ... بنافذةٍ فِي صَدره ذِي عوامل) (وَأَرَدْت سميّاً فِي المكرّ رماحنا ... وصادف موتا عَاجلا غير آجل) وبهذه الْقِصَّة يعرف معنى قَوْله: وَذَلِكَ أَن مرَادا لم تدر عَلَيْهِم دَائِرَة قبل يَوْم الرّزم. وَأنْشد بعده وَهُوَ 3 - (الشَّاهِد الْحَادِي وَالسَّبْعُونَ بعد الْمِائَتَيْنِ) الْبَسِيط (بني غُدَانَة مَا إِن أَنْتُم ذَهَبا ... وَلَا صريفاً وَلَكِن أَنْتُم الخزف) على أَنه قد جَاءَت إِن بعد مَا غير كافّة. وَقد بيّنه الشَّارِح المحقّق. قَالَ ابْن هِشَام فِي شرح شواهده: النصب رِوَايَة يَعْقُوب بن السكّيت وَالرَّفْع رِوَايَة الْجُمْهُور على أنّ إِن كافّة لما عَن الْعَمَل. قَالَ: وَزعم الكوفيّون

(الشاهد الثاني والسبعون بعد المائتين)

على رِوَايَة النصب أنّ إِن نَافِيَة مُؤَكدَة لَا كافّة. ويلزمهم أَن لَا يبطل عَملهَا كَمَا لَا يبطل عَملهَا إِذا تكرّرت على الصّحيح بِدَلِيل قَوْله: الرجز (لَا ينْسك الأسى تأسّياً فَمَا ... مَا من حمامٍ أحدٌ معتصماً) وَمعنى هَذَا الْبَيْت: لَا ينْسك مَا أَصَابَك من الْحزن على من فقدته أَن تتأسّى بِمن سَبَقَك مّمن فقد أحبابه فَلَيْسَ أحدٌ مَمْنُوعًا من الْمَوْت. وَمن زعم أنّ مَا إِذا تكرّرت يبطل عَملهَا جعل منفيّ مَا الأولى محذوفاً أَي: فَمَا ينفعك الْحزن وَاسْتشْهدَ شرّاح الألفيّة بِهَذَا الْبَيْت على رِوَايَة رَفعه على أنّ إِن فِيهِ كافّة. وبني غُدَانَة منادى بِتَقْدِير يَا وغُدَانَة بِضَم الْغَيْن الْمُعْجَمَة: حيٌّ من يَرْبُوع من بني تَمِيم. والصّريف بِفَتْح الصَّاد وَالرَّاء الْمُهْمَلَتَيْنِ قَالَ ابْن السّكّيت: هُوَ الفضّة. وَأنْشد هَذَا الْبَيْت. والخزف بِفَتْح المعجمتين قَالَ ثَعْلَب فِي أَمَالِيهِ: هُوَ مَا عمل من طين وشوي بالنّار حتّى يكون فخاراً. وَأنْشد هَذَا الْبَيْت. وَلم أر من نسب هَذَا الْبَيْت لقائله مَعَ كَثْرَة الاستشهاد بِهِ فِي كتب النَّحْو واللّغة وَالله أعلم. وَأنْشد بعده وَهُوَ 3 - (الشَّاهِد الثَّانِي وَالسَّبْعُونَ بعد الْمِائَتَيْنِ) وَهُوَ من شَوَاهِد س:

الْبَسِيط (إلاّ أواريّ مَا إِن لَا أبينها) على أنّ الفرّاء أنْشدهُ بِالْجمعِ بَين ثَلَاثَة أحرف نَافِيَة وَالرِّوَايَة: لأياً مَا أبينها. هَذِه الرِّوَايَة أنشدها الفرّاء فِي تَفْسِيره المسمّى بمعاني الْقُرْآن فِي أَوَاخِر سُورَة يُونُس عِنْد قَوْله تَعَالَى: فلولا كَانَت قَرْيَة آمَنت فنفعها إيمَانهَا إلاّ قوم يُونُس. وَهَذَا نَص كَلَامه: فِي قِرَاءَة أبيّ فهلاّ لأنّ مَعْنَاهَا أنّهم لم يُؤمنُوا ثمَّ اسْتثْنى قوم يُونُس بِالنّصب على الِانْقِطَاع مِمَّا قبله أَلا ترى أنّ مَا بعد إلاّ فِي الْجحْد يتبع مَا قبلهَا فَتَقول: مَا قَامَ أحدٌ إلاّ أَبوك لأنّ الْأَب من الْأَحَد: فَإِذا قلت: مَا فِيهَا أحد إلاّ كَلْبا وَحِمَارًا نصبت لأنّها منقطعةٌ مِمَّا قبل إلاّ إِذْ لم يكن من شكله وَلَا جنسه: كَذَلِك كَانَ قوم يُونُس منقطعين من قوم غَيره من الْأَنْبِيَاء. وَلَو كَانَ الِاسْتِثْنَاء هَاهُنَا وَقع على طَائِفَة مِنْهُم لَكَانَ رفعا. وَقد يجوز الرّفْع كَمَا أنّ الْمُخْتَلف ف الْجِنْس قد يتبع فِيهِ مَا بعد إلاّ مَا قبل إلاّ كَمَا قَالَ الشَّاعِر: الرجز والنّصب فِي قَوْله تَعَالَى: مَا لَهُم بِهِ من علم إلاّ اتِّبَاع الظّنّ لَا ينْسب إِلَى الْعلم. وأنشدونا بَيت النَّابِغَة بِالنّصب: ... ... ... ... . .

وَمَا بِالربعِ من أحد إلاّ أواريّ مَا إِن أبيّنها ... ... ... ... قَالَ الفرّاء: جمع هَذَا الْبَيْت بَين ثَلَاثَة أحرفٍ من حُرُوف الْجحْد: لَا وَإِن وَمَا. وَالنّصب فِي هَذَا النَّوْع الْمُخْتَلف من كَلَام أهل الْحجاز والاتباع من كَلَام تَمِيم. انْتهى كَلَام الفرّاء. وَأَرَادَ اجتماعها على سَبِيل التوكيد لَا أنّ الثَّانِي نافٍ للنَّفْي فَيثبت وَالثَّالِث نافٍ للثَّانِي فينفى. وَقد أورد الفرّاء فِي تَفْسِيره الرِّوَايَة الَّتِي ذكرهَا الشَّارِح فِي أَوَاخِر سُورَة النِّسَاء عِنْد قَوْله تَعَالَى: لَا خير فِي كثير من نَجوَاهُمْ إلاّ من أَمر بصدقةٍ قَالَ: من فِي مَوضِع خفضٍ ونصبٍ: الْخَفْض إلاّ فِيمَن أَمر بِصَدقَة. والنّجوى هَاهُنَا رجال كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَإِذ هم نجوى وَمن جعل النّجوى فعلا كَمَا قَالَ تَعَالَى: مَا يكون من نجوى ثلاثةٍ فَمن حِينَئِذٍ فِي مَوضِع رفع. وَأما النّصب فَأن تجْعَل النّجوى فعلا فَإِذا استثنيت الشَّيْء من خِلَافه كَانَ الْوَجْه النصب كَمَا) ( ... ... ... ..... وَمَا بالربّع من أحد) (إلاّ أواريّ لأياً مَا أبنّيها ... والنّؤي كالحوض بالمظلومة الْجلد)

وَقد تكون فِي مَوضِع رفع وَإِن ردّت على خلَافهَا قَالَ الشَّاعِر: (وبلدةٍ لَيْسَ بهَا أنيس ... إلاّ اليعافير وإلاّ العيس) انْتهى. وإنّما سقنا كَلَامه فِي الْمَوْضِعَيْنِ برمّته للتبرّك وليعلم طرز تَفْسِيره فَإِنَّهُ لقدمه قلّما يطلع عَلَيْهِ أحد. وَقد أوردهُ الزّجّاجيّ بِهَذِهِ الرِّوَايَة أَيْضا فِي تَفْسِيره الْمَعْرُوف بمعاني الْقُرْآن فِي سُورَة الْبَقَرَة عِنْد قَوْله تَعَالَى: إِنَّكُم ظلمتم أَنفسكُم ياتّخاذكم الْعجل قَالَ: الظّلم فِي اللّغة: وضع الشَّيْء فِي غير مَوْضِعه الْعَرَب تَقول: من أشبه أَبَاهُ فَمَا ظلم مَعْنَاهُ لم يَقع الشّبَه غير موقعه وَيُقَال: ظلم فلَان سقاءه إِذا شرب وَسَقَى مِنْهُ قبل إِدْرَاكه وأراض مظلومة إِذا حفر فِيهَا وَلم يكن حفر فِيهَا قبل وَإِذا جَاءَ الْمَطَر يقربهَا ويتخطّاها. قَالَ النَّابِغَة: (إلاّ أورايّ لأياً مَا أبينّها ... والنّؤي كالحوض بالمظلومة الْجلد) وَأوردهُ الزّجّاج أَيْضا عِنْد قَوْله تَعَالَى: وَلَو أنّا كتبنَا عَلَيْهِم أَن اقْتُلُوا أَنفسكُم أَو اخْرُجُوا من دِيَاركُمْ. قَالَ: وَأما رفع إلاّ قليلٌ مِنْهُم فعلى الْبَدَل من الْوَاو وَالْمعْنَى مَا فعله إلاّ قَلِيل. وَالنّصب جَائِز فِي غير الْقُرْآن على معنى مَا فَعَلُوهُ أستثني قَلِيلا مِنْهُم. وعَلى مَا فسّرناه فِي نصب

الِاسْتِثْنَاء فَإِن كَانَ فِي النَّفْي نَوْعَانِ مُخْتَلِفَانِ فالاختيار النصب وَالْبدل جَائِز تَقول: مَا بِالدَّار أحدٌ إلاّ حمارا. قَالَ النَّابِغَة الذّبيانيّ: الْبَسِيط (وقفت فِيهَا أصيلالا أسائلها ... عيّت جَوَابا وَمَا بالربّع من أحد) إلاّ أواريّ لأيّا مَا أبنيها ... ... ... ... . . الخ فَقَالَ: مَا بالربّع من أحد أَي: مَا بِالربعِ أحدٌ إلاّ أواريّ. لأنّ الأواريّ لَيست من النَّاس. وَقد يجوز الرّفْع على الْبَدَل وَإِن كَانَ من غير جنس الأوّل كَمَا قَالَ الشَّاعِر: (وبلدةٍ لَيْسَ بهَا أنيس ... إلاّ اليعافير وإلاّ العيس)) فَجعل اليعافير والعيس بَدَلا من الأنيس. وَجَائِز أَن يكون جعل أنيس ذَلِك الْبَلَد اليعافير والعيس. انْتهى كَلَامه. وَقد رويا كِلَاهُمَا إلاّ الأواريّ معرّفاً ومنكراً. قَالَ أَبُو الْبَقَاء فِي شرح الْإِيضَاح حكى عبد القاهر عَن شَيْخه عبد الْوَارِث ابْن أُخْت أبي عليّ أَنه قَالَ: الجيّد أَن يرْوى إلاّ الأواريّ بِالْألف وَاللَّام ليَكُون الْفَتْح خَالِصا. وَإِذا نكّر جَازَ أَن يكون بَدَلا من أحد وَلَكِن لم يكسر لِأَنَّهُ غير منصرف انْتهى. وَقَوله: وَإِذا نكّر جَازَ أَن يكون بَدَلا من أحد هَذَا الْجَوَاز مَمْنُوع عِنْد الْبَصرِيين. وَقد بينّه ابْن السيّد فِي شرح الْجمل قَالَ: ويروى عَن الكسائيّ أنّه أجَاز خفض الأواريّ على الْبَدَل من لفظ أحد. وَهَذَا عِنْد البصرييّن خطأ لأنّه يصير التَّقْدِير: وَمَا بالربّع إلاّ من أورايّ فَتكون من زَائِدَة فِي الْوَاجِب. وَمن لَا تزاد إلاّ فِي النَّفْي. وَلَو أنّها من الَّتِي تدخل على الْمُوجب والمنفيّ لجَاز ذَلِك كَقَوْلِك: مَا أخذت من أحد إلاّ زيدٍ درهما.

وَهَذَا الْبَيْت من قصيدةٍ للنّابغة الذّبيانيّ مدح بهَا النّعمان بن الْمُنْذر وَاعْتذر إِلَيْهِ مِمَّا بلغه عَنهُ. وَهَذَا مطلع القصيدة: (يَا دَار ميّة بالعلياء فَالسَّنَد ... أقوت وَطَالَ عَلَيْهَا سالف الْأَبَد) (وقفت فِيهَا أصيلاناً أسائلها ... عيّت جَوَابا وَمَا بالربّع من أحد) إلاّ الأواريّ لأياً ... ... ... ... الْبَيْت وَقد تقدّم شرح أَبْيَات كَثِيرَة مِنْهَا فِي عدّة مَوَاضِع. وَقد أورد سِيبَوَيْهٍ هَذِه الأبيات الثَّلَاثَة قَالَ الأعلم: الشَّاهِد فِي قَوْله: إلاّ الأواريّ بِالنّصب على الِاسْتِثْنَاء الْمُنْقَطع لأنّها من غير جنس الأحدين. وَالرَّفْع جَائِز على الْبَدَل من الْموضع. وَالتَّقْدِير: وَمَا بالربّع أحد إلاّ الأواريّ. على أَن يَجْعَل من جنس الأحدين اتساعاً ومجازاً انْتهى. قَالَ ابْن السّيد: الرّفْع على الْبَدَل من مَوضِع من أحد. لأنّ من زَائِدَة وَأحد مرفوعٌ فِي الْمَعْنى وَإِن كَانَ مخفوضاً فِي اللَّفْظ وَلَيْسَت بِبَدَل من مَوضِع الجارّ وَحده. وَلَا من مَوضِع الْمَجْرُور وَحده ولكنّها بدل من موضعهما مَعًا. وَالْبَيْت الأوّل يَأْتِي شَرحه إِن شَاءَ الله فِي الْفَاء من حُرُوف الْعَطف. وَقَوله: وقفت فِيهَا الْبَيْتَيْنِ وصف أَن دَار ميّة خلت من أَهلهَا فَسَأَلَهَا توجّعاً تذكراً لمن حلّ) بهَا فَلم تجبه إِذْ لَا مُجيب بهَا وَلَا أحد فِيهَا إلاّ الأواريّ وَهِي محابس الْخَيل وَاحِدهَا آريّ وَهُوَ من تأرّيت

بِالْمَكَانِ: إِذا تحسّبت بِهِ. واللأي: البطء. وَالْمعْنَى: تبيّنتها بعد بطء لتغيّرها. والنّؤي: حاجز حول الخباء يدْفع عَنهُ المَاء ويبعده وَهُوَ من نأيت إِذا بعددت. وشبّهه فِي استدارته بالحوض. والمظلومة أَرض حفر فِيهَا الْحَوْض لغير إِقَامَة لأنّها فِي فلاة فظلمت بذلك وغنّما أَرَادَ أنّ حفر الْحَوْض لم يعمق فَذَلِك أشبه للنّؤي وَلذَلِك جعلهَا جلدا وَهِي الصّلبة. هَذَا مَا قَالَه الأعلم إِجْمَالا وَأما تَفْصِيلًا فَقَوله: أصيلاناً مَنْصُوب على الظّرْف وَفِيه ثَلَاثَة الثَّانِي: أنّه تَصْغِير أصلان وَهُوَ جمع أصيل كرغفان جمع رغيف. وردّه أَن جمع الْكَثْرَة لَا يصغّر إلاّ بردّه إِلَى الْمُفْرد. الثَّالِث: أنّه مصغّر اصلان أَيْضا لَكِن أصلاناً اسمٌ مُفْرد بِمَعْنى الْأَصِيل مثل التّكلان والغفران. حكى هذَيْن الْقَوْلَيْنِ شَارِح الدّيوان واللّخميّ. وروى أَيْضا: أصيلالا بإبدال النُّون لاماً. والأصيل: الْوَقْت بعد الْعَصْر إلأى الْمغرب. وروى أَيْضا: وقفت فِيهَا أصيلا كي أسائلها وروى أَيْضا: وقفت فِيهَا طَويلا كي أسائلها وَهُوَ إمّا بِتَقْدِير وقوفاً طَويلا وإمّا بِتَقْدِير وقتا طَويلا. وَقَوله: أسائلها الْجُمْلَة حَال: إمّا من تَاء وقفت فَهِيَ جَارِيَة على من هِيَ لَهُ وإمّا من ضمير فِيهَا فَتكون لغير من هِيَ لَهُ. وإنّما جَازَ الْوَجْهَانِ لأنّ فِي أسائلها ضميراً رَاجعا إِلَى السَّائِل وضميراً رَاجعا للمسؤول واستتر الضَّمِير مَعَ جَرَيَان الْحَال على غير من هِيَ لَهُ لأنّ الْفِعْل يسْتَتر فِيهِ ضمير الأجنبيّ وَغَيره لقوّته فِي الْإِضْمَار. فعلى

الأوّل تَقْدِيره مسائلها وعَلى الثَّانِي مسائلها أَنا بِإِظْهَار الضَّمِير. وَلَا يجوز أَن تكون الْجُمْلَة حَالا من الضميرين على حدّ لَقيته راكبين لاخْتِلَاف العاملين وَلما فِي ذَلِك من التناقص. كَذَا قَالَ ابْن السَّيِّد. وَقَوله: عيّت اسْتِئْنَاف بيانيٌّ وَقيل حَال بِتَقْدِير قد من ضمير الدَّار فِي أسائلها. يُقَال: عييت بِالْأَمر بِالْكَسْرِ: إِذا لم تعرف وَجهه وروى أَيْضا: أعيت بِالْألف أَي: عجزت. وجَوَابا: إمّا تَمْيِيز محوّل عَن الْفَاعِل أَي: عيّ جوابها ثمَّ اسند الْفِعْل إِلَى ضمير الدَّار.) وَهَذَا كَقَوْلِه: وقفت برسميها فعيّ جوابها وإمّا مَنْصُوب بِنَزْع الْخَافِض أَي: عيّت أَن تجيب جَوَابا. وَفِيه نظر ظَاهر. وَقَوله: وَمَا بالربّع الخ قَالَ ابْن السيّد جَعلتهَا لَا محلّ لَهَا من الْإِعْرَاب وَإِن شِئْت كَانَت حَالا من ضمير عيّت الْمُسْتَتر أَو من ضمير أسائلها وَيلْزم على هَذَا تَقْدِير ضمير صَاحب الْحَال أَي: وَمَا بالربّع مِنْهَا. وَعند الكوفيّين أل فِي الرّبع معاقبة للضمير أَي: وَمَا بربعها انْتهى. والربّع بِالْفَتْح: محلّة الْقَوْم ومنزلهم أَيْنَمَا كَانَ. والمربع كجعفر: منزلهم فِي الرّبيع خَاصَّة. وَلم يصب اللّخمي فِي قَوْله: الرّبع الْمنزل فِي الرّبيع

خاصّة ثمَّ كثر فِي كَلَامهم حتّى قيل لكل منزل ربع وَقَوله: من أحد من زَائِدَة وَأحد فَاعل الظّرْف. إلاّ الأورايّ لأياً مَا أبيّنها الأواريّ يُقَال لَهَا الأواخيّ أَيْضا وهما آريّةً وآخيّة بمدّ الْهمزَة وَتَشْديد الْيَاء فيهمَا وَهِي الَّتِي تحبس بهَا الْخَيل من وتد وحبل. واللأي قَالَ ابْن السيّد: هُوَ مصدر لم يسْتَعْمل مِنْهُ فعل إلاّ بِالزِّيَادَةِ يُقَال: التأى وَلَا يُقَال: لأى. والمظلومة فِيهَا أَقْوَال: قيل: هِيَ الأَرْض حفر فِيهَا وَلم يكن بهَا حفرٌ قبل ذَلِك وَقيل: هِيَ الَّتِي أَتَاهَا سيلٌ من أَرض أُخْرَى وَقيل: هِيَ أَرض مطرَت فِي غير وَقتهَا وَشعر النَّابِغَة يَقْتَضِي الأوّل. وَقَالَ ابْن السّكّيت: إنّما قيل بالمظلومة لإنّهم مرّوا فِي برّيّة فَحَفَرُوا فِيهَا حوضاً وَلَيْسَ بِموضع حفر فَجعلُوا الشَّيْء فِي غير مَوْضِعه. والْجلد بِفَتْح الْجِيم وَاللَّام: الأَرْض الصّلبة من غير حِجَارَة قَالَ ابْن السيّد: وخصّها بذلك لأنّها إِذا كَانَت صلبة تعذر الْحفر فِيهَا فَلم يعمق الْحفر فِيهَا فَهُوَ أولى لتشبيه النؤي بِهِ. وَفِي رِوَايَة: الأواريّ والنّؤي بِالرَّفْع على لُغَة تَمِيم بالإبدال من مَوضِع من أحد وَذَلِكَ على ثَلَاثَة أوجه: الأوّل: أنّه أَرَادَ مَا بالربّع إلاّ الأواريّ فَذكر من أحدٍ تَأْكِيدًا وكأنّه فِي التَّقْدِير: مَا بالربّع شَيْء أحدٌ وَلَا غَيره إلاّ الأواريّ. وَالْوَجْه الثَّانِي: أنّه جعل الأواريّ من جنس أحد على الْمجَاز كَمَا تَقول

تحيّته السّيف وَمَا أَنْت إلاّ أكلٌ وَشرب فَجعل التّحية السَّيْف وَجعله الْأكل وَالشرب مجَازًا.) وَالْوَجْه الثَّالِث: أنّه خلط من يعقل بِمَا لَا يعقل ثمَّ غلّب من يعقل فَقَالَ: وَمَا بالربّع من أحد وَهُوَ يُرِيد من يعقل وَمَا لَا يعقل ثمَّ أبدل الأواريّ من لفظٍ اشْتَمَل عَلَيْهِ وعَلى غَيره. وَالْقَوْلَان الأوّلان لسيبويه وَالثَّالِث للمازنيّ. وَقَوله: كالحوض قَالَ ابْن السيّد: يحْتَمل وَجْهَيْن: إنّ جعلت النّؤي مَرْفُوعا بِالِابْتِدَاءِ فالظرف خَبره وَإِن جعلته مَرْفُوعا بالْعَطْف على الأواريّ فالظرف حَال من النّؤي كم نصب النّؤي بالْعَطْف على الأواريّ وعامل الْحَال إِذا نصب النؤي معنى الِاسْتِثْنَاء وَإِذا رفع فَمَعْنَى الِاسْتِقْرَار فِي قَوْله بالربّع. وَقَوله: بالمظلومة حَال من الْحَوْض وَالْعَامِل مَا فِي الْكَاف من معنى التَّشْبِيه. فَإِن قلت: أيّ مَا هِيَ فِي قَوْله لأيا مَا أبينها قلت: هِيَ كَالَّتِي فِي قَوْله تَعَالَى: إنّ الله لَا يستحي أَن يضْرب مثلا مَا بعوضةٌ قَالَ صَاحب الكشّاف: وَمَا هَذِه إبهاميّة وَهِي الَّتِي إِذا اقترنت باسم نكرَة أبهمته إبهاماً وزادته شياعاً وعموماً كَقَوْلِك: أَعْطِنِي كتابا مَا تُرِيدُ أيّ كتاب كَانَ أَو صلَة للتَّأْكِيد كَالَّتِي فِي قَوْله تَعَالَى: فبمَا نقضهم ميثاقهم انْتهى. فَالْمَعْنى أنّ هَذَا الرّبع لخلوه من الْأَهْل

(الشاهد الثالث والسبعون بعد المائتين)

قد سفت الرّيح عَلَيْهِ التُّرَاب حتّى خفيت الأواريّ فِيهِ فَلَا تظهر للنَّاظِر بادئ بَدْء وإنّما يستبينها ببطء بعد التأمّل. فَإِن قلت: رِوَايَة الْفراء تناقص رِوَايَة الْجُمْهُور فإنّ رِوَايَته ذ ريحة فِي نفي استبانة الأواريّ وَحِينَئِذٍ لَا معنى لستثناء الأواريّذ. قلت: هِيَ بِتَقْدِير مَا أبينها بسرعةٍ بل ببطء فتطابق رِوَايَة الْجُمْهُور ويصحّ الِاسْتِثْنَاء. فَإِن قلت: هَل يصحّ مَا فِي رِوَايَة الْجُمْهُور نَافِيَة قلت: لَا لأنّ الْمَعْنى خينئذ أنّ الأواريّ لم أتبينّها ببطء بل بِسُرْعَة. وَهَذَا خلاف مُرَاد الشَّاعِر فتأمّل. وَفِي ذكر الأواريّ دلَالَة على أنّ أهل الرّبع ذَوُو عزّ وشجاعة لَا قتنائهم الْخَيل. وَالله أعلم. وترجمة النّابغة الذّبيانيّ قد تقدّمت فِي الشَّاهِد الرَّابِع بعد الْمِائَة. وَأنْشد بعده وَهُوَ 3 - (الشَّاهِد الثَّالِث وَالسَّبْعُونَ بعد الْمِائَتَيْنِ) الطَّوِيل (وَمَا الدّهر إِلَّا منجوناً بأَهْله ... وَمَا صَاحب الْحَاجَات إلاّ معذبا) على أَن يُونُس استدلّ بِهِ على إِعْمَال مَا مَعَ انْتِقَاض نَفيهَا ب إلاّ. وَأجِيب بِأَن الْمُضَاف مَحْذُوف من الأوّل أَي: يَدُور دوران منجنون ويَدُور خبر الْمُبْتَدَأ فَحذف هُوَ والمصدر وأقيم منجنون مقَام الْمصدر.

وأنّ الثَّانِي أَصله وَمَا صَاحب الْحَاجَات إلاّ يعذّب معذّباً أَي: تعذيباً ف يعذّب خبر الْمُبْتَدَأ فَحذف وَبَقِي مصدره. فَلَا عمل لما فِي الوضعين. وخرّجه صَاحب اللب على أنّه بِتَقْدِير: وَمَا الدّهر إلاّ يشبه منجنونا وَمَا صَاحب الْحَاجَات إلاّ يشبه معذباً فهما منصوبان بِالْفِعْلِ الْوَاقِع خَبرا ومعذّب على هَذَا اسْم مفعول وَهَذَا أقلّ كلفة. وَقَالَ شَارِح اللبّ السيّد عبد الله: وَيجوز أَن يكون أَي منجنونا مَنْصُوبًا على الْحَال وَالْخَبَر مَحْذُوف أَي: وَمَا الدّهر مَوْجُودا إلاّ مثل المنجنون لَا يستقرّ فِي حَاله. وعَلى هَذَا تكون عاملة قبل انتفاض نَفيهَا. وَكَذَا يكون التَّقْدِير فِي الثَّانِي أَي: وَمَا صَاحب الْحَاجَات مَوْجُودا إلاّ معذّباً. وَلَا تقدّر هُنَا مثل لأنّ الثَّانِي هُوَ الأوّل. وَقَالَ ابْن هِشَام فِي شرح شواهده: وجوّز ابْن بابشاذ أَن يكون الأَصْل: إلاّ كمنجنون ثمَّ حذف الجارّ فانتصب الْمَجْرُور. وَمن زعم أَن كَاف التَّشْبِيه لَا يتَعَلَّق بِشَيْء فَهَذَا التَّخْرِيج عِنْده بَاطِل إِذْ كَانَ حَقه أَن يرفع الْمَجْرُور بعد حذفهَا لأنّه كَانَ فِي محلّ رفع على الخبريّة لَا فِي مَوضِع رفع باستقرارٍ مقدّر فَإِذا ذهب الجارّ ظهر مَا كَانَ للمحلّ. انْتهى. وَعِنْدِي أَن يكون من قبيل تاويل من قَرَأَ: وَنحن عصبَة بِالنّصب أَي: نرى عصبَة. وَالظَّاهِر أَن هَذَا اسهل. وَرِوَايَة الْبَيْت كَذَا هِيَ الرِّوَايَة الْمَشْهُورَة وَرَوَاهُ ابْن جنّي فِي الْمُحْتَسب عِنْد قِرَاءَة ابْن مَسْعُود: إِن كلّ إلاّ ليوفينهم من سُورَة هود: ...

(أرى الدّهر إلاّ منجنوناً بأَهْله ... وَمَا طَالب الْحَاجَات إلاّ معلّلا) قَالَ: معنى هَذِه الْقِرَاءَة مَا كلّ إلاّ وَالله ليوفينهم كَقَوْلِك: مَا زيد إلاّ لأضربنه أَي: مَا زيد إلاّ مستحقٌ لن يُقَال فِيهِ هَذَا. وَيجوز فِيهِ وَجه ثَان: وَهُوَ أَن تكون إِن مخفّفة من الثَّقِيلَة وَتجْعَل إلاّ) زَائِدَة. وَقد جَاءَ عَنْهُم ذَلِك قَالَ: أَي: الدّهر منجنوناً بأَهْله يتقلّب بهم فَتَارَة يرفعهم وَتارَة يخفضهم. انْتهى. قَالَ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي: إنّما الْمَحْفُوظ: وَمَا الدّهر. ثمَّ إنّ ثبتَتْ رِوَايَته فيتخرج على أنّ أرى جوابٌ لقسم مقدّر وحذفت لَا كحذفها فِي: تالله تفتؤ تذكر ودلّ على ذَلِك الِاسْتِثْنَاء المفرغ. انْتهى. وَهَذَا الْبَيْت نسبه ابْن جنيّ فِي كتاب ذَا الْقد لبَعض الْعَرَب. والمنجنون: الدولاب الَّذِي يستقى وَهُوَ مؤنث. قَالَ ابْن جنيّ فِي شرح تصريف المازنيّ المسمّى بالمنصف: لَيْسَ منجنون من دوات الْخَمْسَة هَذَا محَال لأجل تَكْرِير النُّون وَإِنَّمَا هُوَ مثل حندقوق مُلْحق بعضر فوط. وَلَا يجوز أَن تكون الْمِيم زَائِدَة: لأنّا لَا نعلم فِي الْكَلَام مفعلولا وَلَا يجوز أَن تكون الْمِيم وَالنُّون جَمِيعًا زائدتين عِلّة أَن تكون الْكَلِمَة ثلاثية من

(الشاهد الرابع والسبعون بعد المائتين)

لفظ الجنّ من جِهَتَيْنِ. إِحْدَاهمَا: أَنَّك كنت تجمع فِي أول الْكَلِمَة زيادتين وَلَيْسَ الْكَلِمَة جَارِيَة على عفل مثل منطلق ومستخرج. وَالْأُخْرَى: أنّا لَا نعلم فِي الْكَلَام منفعولا فَيحمل هَذَا عَلَيْهِ. وَلَا يجوز أَيْضا أَن تكون النُّون وَحدهَا زَائِدَة: لِأَنَّهَا قد ثبتَتْ فِي الْجمع فِي قَوْلهم: مناجين وَلَو كَانَت زَائِدَة لقيل مجاجين فَإِذا لم يجز أَن تكون الْمِيم وَحدهَا زَائِدَة وَلَا النُّون وَحدهَا زَائِدَة وَلَا أَن يَكُونَا كلتاهما زائدتين لم يجز إلاّ أَن يَكُونَا أصلين وَتجْعَل النُّون لاماً مكرّرة وَتَكون الْكَلِمَة مثل حندقوق بعضر فوط. وَأنْشد بعده وَهُوَ 3 - (الشَّاهِد الرَّابِع وَالسَّبْعُونَ بعد الْمِائَتَيْنِ) وَهُوَ من شَوَاهِد س: الْبَسِيط (فَأَصْبحُوا قد أعَاد الله دولتهم ... إِذْ هم قريشٌ وَإِذ مَا مثلهم بشر) بِأَن سِيبَوَيْهٍ حكى أَن بعض النَّاس ينصب مثلهم خَبرا ل مَا وبشر اسْمهَا. وَهَذَا لَا يكَاد يعرف. وَقيل: إِن خبر مَا مَحْذُوف أَي: إِذْ مَا فِي الدُّنْيَا بشر وَمثلهمْ حَال من بشر وانتصابه عِنْد الكوفيّين على الظّرْف أَي: فِي مثل حَالهم وَفِي مثل مكانهم من الرّفْعَة. قَول سِيبَوَيْهٍ مَبْنِيّ على إِعْمَال مَا وَالْقَوْلَان بعده مبنيّان على إهمالها قَالَ

سِيبَوَيْهٍ: وَهَذَا لَا يكَاد يعرف كَمَا أنّ لات حِين مناص ك ذَلِك. وربّ شَيْء هَكَذَا. قَالَ السّيرافيّ: يَعْنِي أنّ نصب مثلهم بشر على تَقْدِيم الْخَبَر قَلِيل كَمَا أنّ لات حِين مناص بِالرَّفْع قَلِيل لَا يكَاد يعرف انْتهى. وَقَالَ أَبُو جَعْفَر النحّاس: يذهب سِيبَوَيْهٍ إِلَى أنّه نصب مثلهم على أنّه خبر وَإِن كَانَ مقدما فَكَأَنَّهُ يُجِيز مَا قَائِما زيد. أَقُول: كَيفَ ينصبونه مقدما قَالَ النحّاس: سَأَلت أَبَا إِسْحَاق عمّا قَالَه المبرّد فَقَالَ: إنّه لعمري من بني تَمِيم. وَلكنه مُسلم قد قَرَأَ الْقُرْآن وَقَرَأَ فِيهِ: مَا هنّ أمّهاتهم فَرجع إِلَى لُغَة من ينصب فَلَا معنى للتشنيع بِأَنَّهُ من بني تَمِيم. انْتهى. أَقُول: من نصب لَا ينصب مَعَ تقدّم الْخَبَر فَلَا يصحّ هَذَا جَوَابا. وَقيل: أَرَادَ الفرزدق أَن يتكلّم بلغَة الْحجاز فغلط وَهَذَا بَاطِل فَإِن العربيّ لَا يُمكن أَن يغلط لِسَانه وَإِنَّمَا الْجَائِز غلطه فِي الْمعَانِي. وَقَالَ الأعلم: وَالَّذِي حمله عَلَيْهِ سِيبَوَيْهٍ أصحّ عِنْدِي وَإِن كَانَ الفرزدق تميمياً: لأنّه أَرَادَ أَن يخلّص الْمَعْنى من الِاشْتِرَاك: وَذَلِكَ أَنه لَو قَالَ فِيهِ إِذْ مَا مثلهم بشر بِالرَّفْع لجَاز أَن يتوهّم أَنه من بَاب مَا مثلك أحدا إِذا نفيت عَنهُ الإنسانية والمروءة فَإِذا قَالَ: مَا مثلهم بشر بِالنّصب لم يتَوَهَّم ذَلِك وخلص الْمَعْنى للمدح دون توهّم الذمّ فتأمّله تَجدهُ صَحِيحا. وَالشعر مَوضِع ضَرُورَة

وَيحْتَمل فِيهِ وضع الشَّيْء فِي غير مَوْضِعه دون إِحْرَاز فَائِدَة فَكيف مَعَ وجود ذَلِك. وسيبويه مِمَّن يَأْخُذ بتصحيح الْمعَانِي وَإِن اخْتلفت الْأَلْفَاظ فَكَذَلِك وجّهه على هَذَا وَإِن كَانَ غَيره أقرب إِلَى الْقيَاس. انْتهى.) يُرِيد بتخليص الْمَدْح أَنَّك إِذا قلت مَا مثلك أحدا فنفيت الأحديّة احْتمل الْمَدْح والذمّ فَإِن قَالَ ابْن هِشَام فِي شرح شواهده: وَفِيه نظر فإنّ السِّيَاق يعيّن الْكَلَام للمدح. وَقَالَ فِي الردّ على الْمبرد أَحْمد بن مُحَمَّد بن ولاّد: إنّ الرّواة عَن الفرزدق وَغَيره من الشُّعَرَاء قد تغير الْبَيْت على لغتها. وترويه على مذاهبها مِمَّا يُوَافق لُغَة الشَّاعِر ويخالفها وَلذَلِك كثرت الرِّوَايَات فِي الْبَيْت الْوَاحِد. أَلا ترى أنّ سِيبَوَيْهٍ قد يستشهد ببيتٍ وَاحِد لوجوهٍ شتّى وإنّما ذَلِك على حيب مَا غيّرته الرّواة بلغاتها لِأَن لُغَة الرَّاوِي من الْعَرَب شاهدٌ كَمَا أنّ قَول الشَّاعِر شَاهد إِذا كَانَا فصيحين. فَمن ذَلِك مَا أنْشدهُ سِيبَوَيْهٍ: الطَّوِيل (بدا لي أنّي لست مدرك مَا مضى ... وَلَا سابقٍ شيئاٍ إِذا كَانَ جائيا)

وَرَوَاهُ أَيْضا: وَلَا سَابِقًا فِي مَوضِع آخر. وَكَذَلِكَ قَول الْأَعْوَر الشّنّيّ: المتقارب (فَلَيْسَ يآتيك منهيها ... وَلَا قاصرٌ عَنْك مأمورها) بِالرَّفْع والجر. وَهَذَا كثير جدا. انْتهى. وَفِيه أنّ بَيت الفرزدق لَيْسَ على لُغَة الْحجاز وَلَا على لُغَة تَمِيم وَغَيرهَا فَكيف يكون من قبيل لُغَة الرَّاوِي فتأمّل. وَالْقَوْل الأوّل من الْقَوْلَيْنِ هُوَ المازنيّ وَتَبعهُ المبرّد وَقَالَ: كأنّمثلهم صفةٌ لبشر فلمّا قدّم عَلَيْهِ صَار قَالَ السَّيِّد عبد الله فِي شرح اللب: وَفِيه نظر لأنّ الْحَال فضلَة يتمّ الْكَلَام بِدُونِهَا وَهَاهُنَا لَا يتمّ الْكَلَام بِدُونِ مثلهم فَلَا يكون حَالا. وردّه ابْن هِشَام أَيْضا فِي شرح شواهده بأنّ مَعَاني الْأَفْعَال لَا تعْمل مضمرة. والكوفّيون الْقَائِلُونَ بِنصب مثل على الظّرْف يَقُولُونَ: اصله مَا بشر فِي مكانٍ مثل مكانهم ثمَّ أنيبت الصّفة عَن الْمَوْصُوف والمضاف إِلَيْهِ عَن الْمُضَاف. قَالَ ابْن هِشَام: وردّ بأنّ الصّفة إنّما تخلف الْمَوْصُوف إِذا اختصّت بِجِنْسِهِ وَلِهَذَا جَازَ رَأَيْت كَاتبا وَامْتنع رَأَيْت طَويلا. وَبَقِي تَخْرِيج آخر لم يذكرهُ الشَّارِح الْمُحَقق وَهُوَ أنّ مثلهم خبر مَا التميميّة لَكِن بني مثل على الْفَتْح إِضَافَته إِلَى مبنّي فإنّ الْمُضَاف إِذا كَانَ مُبْهما كَغَيْر وَمثل وَدون واضيف إلأى مبنيّ بني كَقَوْلِه تَعَالَى: إنّه لحقٌّ

مثل مَا أَنكُمْ تنطقون فِيمَن فتح مثل أَو كَقِرَاءَة بَعضهم: أَن يُصِيبكُم مثل) مَا أصَاب بِالْفَتْح. وَهَذَا أقرب الْأَقْوَال. وَزعم ابْن مَالك أنّ ذَلِك لَا يكون فِي مثل لمخالفتها للمبهمات بِأَن تثنّى وَتجمع. وَقَوله: إِذْ هم قُرَيْش الخ إِذْ فِي الْمَوْضِعَيْنِ للتَّعْلِيل. وَبِه اسْتشْهد ابْن هِشَام فِي هَذَا الْبَيْت فِي الْمُغنِي. وَهَذَا الْبَيْت من قصيدة للفرزدق يمدح بهَا عمر بن عبد الْعَزِيز الْأمَوِي. وَهَذِه أَبْيَات مِنْهَا: الْبَسِيط (تَقول لمّا رأتني وَهِي طيّبةٌ ... على الْفراش وَمِنْهَا الدّلّ والخفر) (أصدر همومك لَا يقتلك واردها ... فكلّ واردةٍ يَوْمًا لَهَا صدر) إِلَى أَن قَالَ: (فعجنتها قبل الأخيار منزلَة ... والطّيّبي كلّ مَا التأثت بهَا الأزر) (إِذا رجا الركب تعريساً ذكرت لَهُم ... عَيْشًا يكون على الْأَيْدِي لَهُ دُرَر) (وَكَيف ترجون تغميضاً وأهلكهم ... بِحَيْثُ تلحس عَن أَوْلَادهَا الْبَقر) ...

(سِيرُوا فإنّ ابْن ليلى عَن أمامكم ... وبادروه فَإِن الْعرف يبتدر) إِلَى أَن قَالَ: (وَمَا أُعِيد لَهُم حتّى أتيتهم ... أزمان مَرْوَان إِذْ فِي وحشها غرر) (فَأَصْبحُوا قد أعَاد الله دولتهم ... إِذْ هم قريشٌ وَإِذ مَا مثلهم بشر) (وَلنْ يزَال إمامٌ مِنْهُم ملكٌ ... إِلَيْهِ يشخص فَوق الْمِنْبَر الْبَصَر) (إِن عاقبوا فالمنايا من عقوبتهم ... وَإِن عفوا فذوو الأحلام إِن قدرُوا) قَوْله: وَمِنْهَا الدلّ والخفر الدلّ بِفَتْح الدَّال: مصدر دلّت الْمَرْأَة من بَابي ضرب وتعب. وتدللّت تدلّلاً وَالِاسْم الدّلال وَهُوَ جرأتها فِي تكسر وتغنج كَأَنَّهَا مُخَالفَة وَلَيْسَ بهَا خلاف. كَذَا فِي الْمِصْبَاح. والخفر بِفَتْح الْمُعْجَمَة وَهُوَ شدّة الْحيَاء. وَقَوله: أصدر همومك أَي: اصرفها عَنْك يُقَال: صدر الْقَوْم وأصدرناهم إِذا صرفتهم. وَقَوله: فَكل وَارِدَة تَعْلِيل لقَوْله أصدر. وَقَوله: فعجتها قبل الأخيار الخ يُقَال: عجت النّاقة أعوجها: إِذا عطفت رَأسهَا بالزمام وَالضَّمِير للناقة.)

وَهَذَا الْبَيْت أوردهُ ابْن قَاسم فِي شرح الألفيّة على أنّ الطّيبي صفة مشبّهة مُضَافَة إِلَى مُضَاف وَقَوله: إِذا رجا الرّكب الخ التَّعْرِيس: النُّزُول فِي آخر اللَّيْل للاستراحة وَالنَّوْم. وَقَوله: بِحَيْثُ تلحس أَي: فِي مَوضِع لَا نَبَات بِهِ وَلَا مَاء. وَابْن ليلى هُوَ عمر بن عبد الْعَزِيز بن مَرْوَان بن الحكم بن أبي الْعَاصِ بن أميّة بن عبد شمس ابْن عبد منَاف. وليلى هِيَ أمّه وَهِي بنت عَاصِم بن عمر بن الْخطاب رضيّ الله عَنهُ. والْعرف بِالضَّمِّ: الْمَعْرُوف. وَقَوله: إِذْ فِي وحشها غرر الْغرَر بِالْكَسْرِ: جمع غرّة وَهِي الْغَفْلَة. يُرِيد أَن وحشها لَا يدعرها أحد فَهِيَ فِي غرّة من عيشها يُقَال: هُوَ فِي غرّة من الْعَيْش إِذا كَانَ فِي عَيْش لَيْسَ فِيهِ كدر وَلَا خوف. وأزمان: نَائِب فَاعل أُعِيد. وأتيتهم خطاب لعمر بن عبد الْعَزِيز. وَضمير وحشها للمدينة المنوّرة. قَالَ ابْن خلف: مدح الفرزدق بِهَذَا الشّعْر بن عبد الْعَزِيز. وَكَانَ قد ولي الْمَدِينَة. يَقُول: وَمَا أُعِيد لأهل الْمَدِينَة وَلمن بهَا من قُرَيْش أزمانٌ مثل أزمان مَرْوَان فِي الخصب والسّعة حَتَّى وليت أَأَنْت عَلَيْهِم فَعَاد لَهُم مثل مَا كَانُوا فِيهِ من الْخَيْر حِين كَانَ مَرْوَان والياً عَلَيْهِم فَأَصْبحُوا بولايتك عَلَيْهِم قد أعَاد الله نعمتهم عَلَيْهِم. وَقَالَ الأعلم: مدح بالشعر بني أميّة فَقَالَ: كَانَ ملك الْعَرَب فِي الْجَاهِلِيَّة

(الشاهد الخامس والسبعون بعد المائتين)

لغير قُرَيْش وَسَائِر مُضر وَكَانُوا أحقّ بِهِ لفضلهم على الْبُسْر فقد أَصْبحُوا وَالْإِسْلَام فيهم فَعَاد إِلَيْهِم مَا رَجَعَ عَن غَيرهم بِمَا كَانَ وَاجِبا لَهُم بفضلهم انْتهى. وَالْمعْنَى هُوَ الأوّل ويدلّ لَهُ قَوْله: قد أعَاد الله نعمتهم فإنّ نعمتهم كَانَت مُنْقَطِعَة بعزل مَرْوَان) وأعيدت أليهم بتولية عمر بن عبد الْعَزِيز عَلَيْهِم فإنّ الْعود رُجُوع الشَّيْء إِلَى الشَّيْء بعد انْفِصَاله عَنهُ. وأمّا قَوْله: فَعَاد إِلَيْهِم بعد مَا خرج عَن غَيرهم فَهَذَا انْتِقَال لَا عود. وَقَوله: قد أعَاد الله نعمتهم هَذِه الْجُمْلَة خبر صَار. وَالْعجب من العيبيّ فِي قَوْله صَار من الْأَفْعَال النَّاقِصَة وَجعله هَذِه الْجُمْلَة حَالا مَعَ أَنه لم يعيّن الْخَبَر. وَأنْشد بعده وَهُوَ 3 - (الشَّاهِد الْخَامِس وَالسَّبْعُونَ بعد الْمِائَتَيْنِ) الوافر (لَو أنّك يَا حُسَيْن خلقت حرّا ... وَمَا بالحرّ أَنْت وَلَا الخليق) على أَن فِيهِ دَلِيلا على جَوَاز تَقْدِيم الْخَبَر الْمَنْصُوب إِذْ الْبَاء لَا تدخل إلاّ على الْخَبَر الْمَنْصُوب. وعَلى هَذَا بني أَبُو عليّ والزمخشريّ امْتنَاع دُخُولهَا على مَا التميمية

وَأَجَازَهُ الْأَخْفَش. قَالَ أَبُو عليّ فِي إِيضَاح الشّعْر: أمّا مَا انشده بعض البغداديين: (أما وَالله عَالم كل غيبٍ ... وربّ الْحجر وَالْبَيْت الْعَتِيق) (لَو أنّك يَا حُسَيْن خلقت حرّا ... وَمَا بالحرّ أَنْت وَلَا الخليق) فإنّه يكون شَاهدا على مَا حَكَاهُ أَبُو عَمْرو فِي نصب خبر مَا مقدّما. وَمن دفع ذَلِك أمكن أَن يَقُول إِن الْبَاء دخلت على الْمُبْتَدَأ وَحمل مَا على أَنَّهَا مَا التميمية. ويقوى أَن مَا حجازيّة أنّ أَنْت أخصّ من الحرّ فَهُوَ أولى بِأَن يكون الِاسْم وَيكون الحرّ الْخَبَر. انْتهى. أَقُول: من يدْفع ذَلِك يَقُول: إنّ الْبَاء زيدت فِي خبر مَا التميمية وَلَا يذهب أَن مذخولها مُبْتَدأ. وَالصَّحِيح أنّها تزاد فِي خبر مَا على اللّغتين وَهُوَ ظاره كَلَام سِيبَوَيْهٍ فِي بَاب الِاسْتِثْنَاء فِي مَسْأَلَة مَا زيد بِشَيْء إلاّ شَيْء لَا يعبأ بِهِ. قَالَ الشاطبيّ فِي شرح الألفيّة: والأصحّ مَا ذهب إِلَيْهِ سِيبَوَيْهٍ من أوجه: أَحدهَا: أنّ بني تَمِيم يدْخلُونَهَا فغي الْخَبَر فَيَقُولُونَ: مَا زيد بقائم فَإِذا لم يدخلوها رفعوا. قَالَ ابْن خروف: إنّ بني تَمِيم يرفعون مَا بعْدهَا بِالِابْتِدَاءِ وَالْخَبَر ويدخلون الْبَاء فِي الْخَبَر لتأكيد النَّفْي. ثمَّ حكى عَن الفرّاء أنّه قَالَ: أنشدتني امرأةٌ.) (أما وَالله أَن لَو كنت حرّا ... وَمَا بالحرّ أَنْت وَلَا الْعَتِيق)

قَالَ: فأدخلت الْبَاء فِيمَا يَلِي مَا. فَإِن ألغيتها رفعت. انْتهى. وَقد أنْشد سِيبَوَيْهٍ للفرزدق وَهُوَ تميمي: الطَّوِيل (لعمرك مَا معن بتارك حقّه ... وَلَا منسئٌ معنٌ وَلَا متيسّر) وَهُوَ كثير فِي أشعارهم لمن بحث عَنهُ. وَالثَّانِي: أَن الْبَاء إِنَّمَا دخلت على الْخَبَر بعد مَا لكَونه منفيّاً لَا لكَونه خَبرا مَنْصُوبًا وَلذَلِك دخلت فِي خبر لم يكن وَلم يدْخل فِي خبر كنت. وَإِذا ثَبت أَن المسوّغ لدخولها إنّما هُوَ النَّفْي فَلَا فرق بَين منفي مَنْصُوب الْمحل ومنفيّ مَرْفُوع الْمحل. وَالثَّالِث: أنّه قد ثَبت دُخُول الْبَاء مَعَ إبِْطَال الْعَمَل وَمَعَ أداةٍ لَا عمل لَهَا الْبَتَّةَ نَحْو قَوْله: المتقارب. (لعمرك مَا إِن أَبُو مالكٍ ... بواهٍ وَلَا بضعيف قواه) وَأنْشد الفارسيّ فِي التّذكرة للفرزدق: الطَّوِيل (يَقُول إِذا اقلولى عَلَيْهَا وأقردت ... أَلا هَل أَخُو عيشٍ لذيذٍ بدائم) وإنّما دخلت بعد هَل لشبهها بِحرف النَّفْي فَدَخَلُوهَا بعد النَّفْي الْمَحْض وَهُوَ مَا التميميّة أحقّ. قَالَ ابْن مَالك: لِأَن شبه مَا بهَا أكمل من شبه هَل بهَا. ثمَّ ذكر مَا حكى الفرّاء عَن كثيرٍ من أهل نجد. أَنهم يجرّون الْخَبَر بَعْدَمَا بِالْبَاء وَإِذا أسقطوا الْبَاء رفعوا. قَالَ ابْن مَالك: وَهَذَا دَلِيل واضحٌ على أَن دُخُول

الْبَاء جارّة للْخَبَر بعد مَا لَا يلْزم مِنْهُ كَون الْخَبَر مَنْصُوب الْمحل بل جَازَ أَن يُقَال هُوَ مَنْصُوب المحلّ وَأَن يُقَال هُوَ مَرْفُوع المحلّ وَإِن كَانَ الْمُتَكَلّم بِهِ حجازياً فإنّ الحجازيّ قد يتَكَلَّم بِغَيْر لغته وَغَيره يتكلّم بلغته. إلاّ أنّ الظَّاهِر أنّ محلّ الْمَجْرُور نصبٌ إِن كَانَ الْمُتَكَلّم حجازياً ورفعٌ إِن كَانَ تميمياً أَو نجدياً. قَالَ: فَمن دُخُول اللُّغَة التميمية فِي الحجازية كسر هَاء الْغَائِب بعد كسرة أَو يَاء سَاكِنة وإدغام نَحْو: وَلَا يضارّ كاتبٌ وَلَا شهيدٌ وَرفع الله من قَوْله تَعَالَى: قل لَا يعلم من فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض الْغَيْب إلاّ الله لأنّ اللُّغَة الحجازيّة بِهِ وَفِيه بِالضَّمِّ وَلَا يضارر بالفكّ وإلاّ الله بِالنّصب لأنّ الِاسْتِثْنَاء مُنْقَطع. قَالَ: وَإِذا جَازَ للحجازيّ أَن يتَكَلَّم باللغة التميميّة جَازَ للتميميّ أَن يتَكَلَّم باللغة الحجازيّة بل) التميميّ بذلك أولى لوَجْهَيْنِ: أَحدهمَا: أنّ الحجازية أفْصح وانقياد غير الْأَفْصَح لموافقة الْأَفْصَح أَكثر وقوعاً من الْعَكْس. وَالثَّانِي: أنّ مُعظم الْقُرْآن حجازيّ والتميميّون متعبّدون بتلاوته كَمَا أنزل وَلذَلِك لَا يقْرَأ أحد مِنْهُم مَا هَذَا بشر إلاّ من جهل كَونه منزلا. هَذَا مَا قَالَه وَفِيه نظر لَا يَلِيق بِهَذَا الْموضع. انْتهى مَا أوردهُ الشّاطبي. وروى الفرّاء هَذَا الْبَيْت فِي تَفْسِيره كَذَا: (أما وَالله أَن لَو كنت حرّا ... وَمَا بالحرّ أَنْت وَلَا الْعَتِيق) أنْشدهُ فِي سُورَة الجنّ عِنْد قَوْله تَعَالَى: وَإِن استقاموا على الطّريقة.

قَالَ: قد اجْتمع الفرّاء على كسر إنّا فِي قَوْله تَعَالَى: فَقَالُوا إنّا سمعنَا قُرْآنًا عجيباً وَاخْتلفُوا فِيمَا بعد ذَلِك فقرؤوا: وَأَنا وإنّا إِلَى آخر السُّورَة فكسروا بَعْضًا وفتحوا بَعْضًا. فأمّا الَّذين فتحُوا كلّها فإنّهم ردّوا أنّ على قَوْله: فَآمَنا بِهِ وآمنا بكلّ ذَلِك ففتحت أنّ لوُقُوع الْإِيمَان ويقويّ النصب قَوْله تَعَالَى: وَأَن لَو استقاموا فَيَنْبَغِي لمن كسر أَن يحذف أَن من لَو لأنّ إنّ إِذا خفّفت لم تكن فِي حِكَايَة أَلا ترى أنّك تَقول: أَقُول لَو فعلت لفَعَلت وَلَا تدخل أَن. وَأما الَّذين كسروا كلّها فهم فِي ذَلِك يَقُولُونَ: وَأَن لَو استقاموا فكأنهم أضمروا يَمِينا مَعَ لَو وقطعوها عَن النسق فَقَالُوا: وَالله أَو لَو استقاموا. وَالْعرب تدخل أَن فِي هَذَا الْموضع مَعَ الْيَمين وتحذفها قَالَ الشَّاعِر: الطَّوِيل فأقسم لَو شَيْء أَتَانَا رَسُوله وأنشدني آخر: أما وَالله أَن لَو كنت حرّا ... ... ... . . الْبَيْت وَمن كسر كلّها وَنصب وأنّ الْمَسَاجِد لله خصّه بِالْوَحْي وَجعل وَأَن لَو مضمرة فِيهَا الْيَمين على مَا وصفت لَك. انْتهى. وَكَذَا أوردهُ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي فِي بحث أَن وَجعلهَا زَائِدَة قَالَ: وَمن مَوَاضِع زيادتها أَن تقع بَين لَو وَفعل الْقسم مَذْكُورا كَقَوْلِه:

فأقسم أَن لَو الْتَقَيْنَا وَأَنْتُم ... ... ... ... . أَو متروكاً كَقَوْلِه:) وَهَذَا قَول سِيبَوَيْهٍ وَغَيره. وَفِي مقرب ابْن عُصْفُور: أنّها فِي ذَلِك حرف جِيءَ بِهِ لربط الْجَواب بالقسم. ويبعده أنّ الْأَكْثَر تَركهَا والحروف الرابطة لَيست كَذَلِك انْتهى. ونقضه الدّمامينيّ بِاللَّامِ الدَّاخِلَة على الْجَواب المنفيّ كَقَوْلِك: الوافر وَلَو نعطى الْخِيَار لما افترقنا فإنّها حرف رابط وَالْأَكْثَر تَركهَا نَحْو: وَلَو شَاءَ ربّك مَا فَعَلُوهُ انْتهى. وأنشده المراديّ أَيْضا كَذَا فِي شرح الألفيّة شَاهدا على أنّ أَن رابط لجواب الْقسم. وَقَوله: أما وَالله عَالم كلّ غيب ... الخ

(الشاهد السادس والسبعون بعد المائتين)

أما بِالتَّخْفِيفِ حرف تبينه يستفتح بِهِ الْكَلَام وَجَوَاب الْقسم مَحْذُوف أَي: لقاومتك أَو فِي بيتٍ آخر. وَقَوله: لَو أنّك يقْرَأ بِنَقْل فَتحه الْألف من أنّك إِلَى وَاو لَو. والحرّ من الرِّجَال: الْكَرِيم الأَصْل الَّذِي خلص من الرّق مُطلقًا وساء كَانَ رّق الْعُبُودِيَّة أَو رّق النَّفس بِأَن تستخدمه فِي الرذّائل. والخليق: الجدير واللائق أَي: وَلَا أَنْت جدير بِأَن تكون حرّاً. والْعَتِيق على رِوَايَة الفرّاء وَغَيره هُوَ الْكَرِيم والأصيل. وَالَّذِي خلص من الرقّ عَتيق أَيْضا. ولذكره بِجنب الحرّ حسن وَهَذَانِ البتان لم أعرف قائلهما. وَقَالَ العينيّ فِي الْبَيْت الشَّاهِد: أنْشدهُ سِيبَوَيْهٍ وَلم يعزه إِلَى أحد. أَقُول: لم ينشده سِيبَوَيْهٍ وَلَا وَقع فِي كِتَابه. وَصَوَابه أنْشدهُ الفرّاء فإنّه أوّل من اسْتشْهد بِهِ. وَالله أعلم وَأنْشد بعده وَهُوَ 3 - (الشَّاهِد السَّادِس وَالسَّبْعُونَ بعد الْمِائَتَيْنِ) المتقارب (لعمرك مَا إِن أَبُو مَالك ... بوانٍ وَلَا بضعيف قواه) على أنّ الْبَاء تزاد بعد مَا النافية المكفوفة بإن اتِّفَاقًا. وَهَذَا يدلّ على أنّه لَا اخْتِصَاص لزِيَادَة الْبَاء فِي خبر مَا الحجازيّة. وَهَذَا الْبَيْت أول أبياتٍ للمتنخّل الهذليّ يرثي بهَا أَبَاهُ وَبعده: ...

(وَلَا بألدّ لَهُ نازعٌ ... يغاري أَخَاهُ إِذا مَا نَهَاهُ) (ولكنّه هيّنٌ ليّنٌ ... كعالية الرّمح عردٌ نساه) (إِذا سدته سدت مطواعةً ... وَمهما وكلت إِلَيْهِ كَفاهُ) (أَلا من يُنَادي أَبَا مالكٍ ... أَفِي أمرنَا هُوَ أم فِي سواهُ) (أَبُو مالكٍ قاصرٌ قفره ... على نَفسه ومشيعٌ غناهُ) وَقَوله: لعمرك مَا إِن الخ اللَّام لَام الِابْتِدَاء وفائدتها توكيد مَضْمُون الْجُمْلَة. وعمرك بِالْفَتْح بِمَعْنى حياتك مُبْتَدأ خَبره مَحْذُوف أَي: قسمي. وَجُمْلَة مَا إِن أَبُو مَالك الخ جَوَاب الْقسم وأَبُو مَالك هُوَ أَبُو الشَّاعِر. واسْمه عُوَيْمِر لأنّ المتنخّل اسْمه مَالك بن عُوَيْمِر كَمَا يَأْتِي قَرِيبا. وَلم يصب ابْن قُتَيْبَة فِي كتاب الشُّعَرَاء فِي زَعمه أَنه يرثي أَخَاهُ أَبَا مَالك عويمراً. وان: اسْم فَاعل من ونى فِي الْأَمر ونى وونياً من بَابي تَعب ووعد بِمَعْنى ضعف وفتر. وَرُوِيَ بدله واهٍ وَهُوَ أَيْضا اسْم فَاعل من وهى من بَاب وعد بِمَعْنى ضعف وَسقط. والقوى: جمع قوّة خلاف الضعْف قَالَ فِي الصِّحَاح: وَرجل شَدِيد القوى أَي: شَدِيد أسر الْخلق. يُرِيد أَن أَبَاهُ كَانَ جلدا شهماً لَا يكل أمره إِلَى أحد وَلَا يُؤَخِّرهُ لعَجزه إِلَى وَقت آخر. وَقَوله: وَلَا بألدّ الخ الألدّ: الشَّديد الْخُصُومَة من اللّدد بِفتْحَتَيْنِ وَهُوَ شدّة الْخُصُومَة. قَالَ السكّريّ فِي شرح أشعار هُذَيْل هُنَا وَتَبعهُ السيّد المرتضى فِي أَمَالِيهِ: وَمعنى لَهُ نازعٌ أَي: خلق سوء يَنْزعهُ من نَفسه يُرِيد أَنه من نزعت الشَّيْء من مَكَانَهُ من بَاب ضرب بِمَعْنى قلعته وَيجوز أَن يكون من قَوْلهم لعلّ لَهُ عرقاً نزع أَي: مَال بالشبه. وَيَقُولُونَ أَيْضا: الْعرق نزّاع.

وَنزع إِلَى أَبِيه وَنَحْوه فِي الشّبَه أَي: ذهب. وَهَذَا عِنْدِي أولى. وَقَوله: يغاري أَخَاهُ قَالَ السكّريّ وَتَبعهُ السيّد المرتضى: أَي: يلاحي ويشارّ من غاريت) بَين الشَّيْئَيْنِ إِذا واليت بَينهمَا. قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: وَهُوَ من غري بالشَّيْء يغرى بِهِ. أَقُول: كَونه من غري فلَان إِذا تَمَادى فِي غَضَبه أولى. وَرُوِيَ بدله: يعادي من العدواة ضدّ الصّداقة. وَهَذَا وَمَا قبله كِلَاهُمَا داخلان تَحت النَّفْي. وَقَوله: كعالية الرّمح الخ عالية الرمْح: مَا دخل فِي السنان إِلَى ثلثه وَمعنى: كَونه لينّا كعالية الرّمح أنّه إِذا دعِي أجَاب بسرعةٍ كعالية الرّمح فَإِنَّهُ إِذا هزّ الرّمح اضْطربَ وانهزّ للينه بِخِلَاف غَيره من الأخشاب فَإِنَّهُ لَا يَتَحَرَّك طرفها إِذا هزّت لصلابتها ويبسها. وَقَوله: عرد نساه العرد بِفَتْح الْعين وَسُكُون الرَّاء الْمُهْمَلَتَيْنِ: الشَّديد. وَالضَّمِير لأبي مَالك. والنّسا قَالَ الأصمعيّ: بِالْفَتْح مَقْصُور: عرق يخرج من الورك فيستبطن الفخذين ثمَّ يمرّ بالعرقوب حتّى يبلغ الْحَافِر فَإِذا سمنت الدابّة انفلقت فخذاها بلحمتين عظمتين وَجرى النّسا بَينهمَا واستبان. وَإِذا هزلت الدابّة اصطربت الفخذان وَمَاجَتْ الرّبلتان وخفي النّسا. وَإِذا قَالُوا: إنّه لشديد النّسا فإنّما يُرِيدُونَ بِهِ النّسا نَفسه كَذَا فِي الصِّحَاح. قَالَ السكّريّ: أَرَادَ غليظ مَوضِع النسا. وَقَوله: إِذا سدته سدت الخ قَالَ السيّد المرتضى: وَمعنى سدته من المساودة الَّتِي هِيَ المساررة والسّواد هُوَ السّرار كَأَنَّهُ قَالَ: إِذا ساررته طاوعك وساعدك. وَقَالَ قوم: هُوَ من وَقوم ينشدونه: إِذا سسته سست مطواعةً

وَلم أجد ذَلِك فِي رِوَايَة. انْتهى. وَهَذِه الرِّوَايَة أثبتها أَبُو تَمام صَاحب الحماسة فِي مُخْتَار أشعار الْقَبَائِل. وسته من سست الرعيّة سياسة. والمطواع: الْكثير الطوع أَي: الانقياد وَالتَّاء لتأكيد الْمُبَالغَة. وَاقْتصر السكّريّ على الْمَعْنى الثَّانِي فَقَالَ: يَقُول إِذا كَانَ لَك السؤدد عَلَيْهِ أطاعك وَلم يحسدك. وَمهما وكلت إِلَيْهِ أَي: مهما تركته وإيّاه كَفاهُ. انْتهى. والسّواد بِالْكَسْرِ كالسّرار وزنا وَمعنى. وَهَذَا الْبَيْت يَأْتِي شَرحه إِن شَاءَ الله فِي الجوازم. وَقَوله: أَفِي أمرنَا هُوَ الخ يَعْنِي غيبته عَنَّا ألنفعنا كَمَا كَانَ تعوّد أم لشَيْء آخر كالموت. وَهَذَا كَلَام المتولّه الَّذِي حصل لَهُ ذُهُول لعظم مَا) أَصَابَهُ. وَقَالَ السكّريّ: هَذَا مِنْهُ توجّع أَرَادَ من يُنَادي أَبَا مَالك فيسأله أمضى أم قد ذهب وَأمره يصير إِلَيْنَا أم يذهب وَقَالَ الباهليّ: أمرنَا أمره. وَقَوله: قَاصِر فقره على نَفسه هُوَ من الْقصر وَهُوَ الْحَبْس. والمشيع: من الإشاعة وَهِي الإذاعة. يُرِيد أنّه إِذا افْتقر أخْفى فقره وَإِذا أثرى أذاع غناهُ ليقصد من كلّ جِهَة وَهَذَا من شرف النَّفس. وَهَذِه الأبيات على هَذَا التَّرْتِيب للمتنخّل الهذليّ رَوَاهَا ابْن قُتَيْبَة فِي كتاب الشُّعَرَاء والسكّريّ فِي أشعار هُذَيْل والسيّد المرتضى فِي أَمَالِيهِ والأصبهانيّ فِي أغانيه. وروى أَبُو تّمام فِي مُخْتَار أشعار البائل الْبَيْت الشَّاهِد مَعَ بَيْتَيْنِ آخَرين لذِي الإصبع العدوانيّ هَكَذَا: ...

(وَمَا إِن أسيدٌ أَبُو مالكٌ ... بوانٍ وَلَا بضعيفٍ قواه) (ولكنّه هيّنٌ ليّنٌ ... كعالية الرّمح عردٌ نساه) (فَإِن سسته سست مطواعةً ... وَمهما وكلت إِلَيْهِ كَفاهُ) وَأسيد بِفَتْح الْهمزَة وَكسر السِّين الْمُهْملَة. والمتنخّل بِكَسْر الْخَاء الْمُشَدّدَة اسْم فَاعل من تنخّل يُقَال تنخّلته أيّ: تخيّرته كأنّك صفتيه من نخالته. والمتنخل لقبٌ واسْمه مَالك وَهُوَ جاهليّ. ونسبته: مَالك بن عُوَيْمِر بن عُثْمَان بن خُنَيْس بن عَادِية بن صعصعة بن كَعْب بن طابخة أَخُو بني لحيان بن هُذَيْل بن مدركه. شاعرٌ محسّن من شعراء هُذَيْل. قَالَ الآمديّ: والمتنخّل السّعديّ شَاعِر أَيْضا وَلم يَقع إليّ من شعره شيءٌ. وَاسْتشْهدَ (يَا زبرقان أَخا بني خلفٍ ... مَا أَنْت ويب أَبِيك وَالْفَخْر) وَمن شعر المتنخّل الهذليّ أنْشدهُ أَبُو عبيد البكريّ فِي شرح نَوَادِر القالي وَلَيْسَ مَوْجُودا فِي رِوَايَة السكّريّ: الْبَسِيط (لَا ينسئ الله منّا معشراً شهدُوا ... يَوْم الأميلح لَا عاشوا وَلَا مرحوا) ...

(عقّوا بسهمٍ فَلم يشْعر لَهُ أحدٌ ... ثمّ استفاؤوا وَقَالُوا حبذا الوضح) قَالَ البكريّ: هَذَا من شعر يهجو بِهِ نَاسا من قومه كَانُوا مَعَ أَبِيه حجّاجاً يَوْم قتل. وَقَوله: لَا ينسئ الله أَي: لَا يُؤَخر الله مَوْتهمْ من الْإِنْشَاء وَهُوَ التَّأْخِير.) قَالَ أَبُو العبّاس ثَعْلَب: التّعقية: سهم الِاعْتِذَار. قَالَ ابْن الأعرابيّ: أصل هَذَا أَن يقتل الرجل رجلا من قبيلته فيطلب الْقَاتِل بدمه فتجتمع جمَاعَة من الرؤساء إِلَى أَوْلِيَاء الْمَقْتُول بديةٍ مكملة ويسألونهم الْعَفو وَقبُول الدِّيَة فَإِن كَانَ أولياؤه ذَوي قوّة أَبَوا ذَلِك وإلاّ قَالُوا لَهُم: بَيْننَا وَبَين خالقنا علامةٌ لِلْأَمْرِ والنّهي فَيَقُول الْآخرُونَ: مَا علامتكم فَيَقُولُونَ: أَن نَأْخُذ سَهْما فنرمي بِهِ نَحْو السَّمَاء فَإِن رَجَعَ إِلَيْنَا مضرّجاً بِالدَّمِ فقد نهينَا عَن أَخذ الدِّيَة وَإِن رَجَعَ كَمَا صعد فقد أمرنَا بأخذها. وَحِينَئِذٍ مسحوا لحاهم وصالحوا على الدِّيَة. وَكَانَ مسح اللّحية عَلامَة للصّلح قَالَ الأسعر الْجعْفِيّ: قَالَ ابْن الأعرابيّ: مَا رَجَعَ ذَلِك السّهم قطّ إلاّ نقيّاً وَلَكنهُمْ يَعْتَذِرُونَ بِهِ عِنْد الجهّال انْتهى. وعقّوا بِضَم الْقَاف وَفتحهَا لأنّه جَاءَ من بَابَيْنِ فَإِنَّهُ يُقَال: عقّ بِالسَّهْمِ إِذا رمي بِهِ نَحْو السَّمَاء وَذَلِكَ السهْم يسمّى عقيقة بقافين وَيُقَال لَهُ أَيْضا: سهم

(الشاهد السابع والسبعون بعد المائتين)

الِاعْتِذَار. فعقّوا بِضَم الْقَاف. وَيُقَال: عقّى بسهمه تعقية: إِذا رَمَاه فِي الْهَوَاء. فعقّوا بِفَتْح الْقَاف. وَأنْشد بعده وَهُوَ 3 - (الشَّاهِد السَّابِع وَالسَّبْعُونَ بعد الْمِائَتَيْنِ) الوافر (نَدِمت على لِسَان كَانَ منّي ... فليت بأنّه فِي جَوف عكم) على أنّ الْبَاء قد تزاد بعد لَيْت كَمَا هُنَا. قَالَ أَبُو زيد فِي نوادره: الْبَاء زَائِدَة وَالْوَجْه فليت أنّه. قَالَ أَبُو عليّ فِي التَّذْكِرَة القصرية: وَجه زِيَادَة الْبَاء فِي اسْم لَيْت شبه لَيْت لنصبها ورفعها بِالْفِعْلِ وَالْفِعْل يصل تَارَة بِنَفسِهِ وَأُخْرَى بِالْبَاء قَالَ تَعَالَى: ألم يعلم بأنّ الله يرى ويعلمون أنّ الله هُوَ الحقّ الْمُبين. وَمثله فِي أَنه لما أشبه الْفِعْل عديّ تعديته تَارَة بِنَفسِهِ وَأُخْرَى بِحرف الْجَرّ يَا زيد وبالزيد. فَإِن قلت: فَهَل يكون على إِضْمَار اسْم لَيْت كَقَوْلِه: الطَّوِيل (أَلا لَيْت أنّي يَوْم تَدْنُو منيّتي ... شممت الَّذِي مَا بَين عَيْنَيْك والفم) فغن ذَلِك لَا يَسْتَقِيم لِئَلَّا يبتدأ بأنّ مَفْتُوحَة. وسدّ الظّرْف فِي خبر أنّ مسدّ خبر لَيْت كَمَا سدّ فِي قَوْلك علمت أَن زيدا فِي الدَّار مسدّ) الْمَفْعُول الثَّانِي. وَجَوَاز حذف الْخَبَر فِي لَيْت وأنّ وبابه بِوُقُوع الْجمل أَخْبَارًا لَهَا. انْتهى.

وَقَالَ فِي الْحجَّة عِنْد قَوْله تَعَالَى: ولكنّ الشّياطين كفرُوا من سُورَة الْبَقَرَة: فَأَما مَا أنْشدهُ أَبُو زيد: نَدِمت على لِسَان فَاتَ منّي الْبَيْت فَيحْتَمل أَمريْن: أَحدهمَا: أَن تكون الْبَاء زَائِدَة وَتَكون أنّ مَعَ الجارّ فِي مَوضِع نصب وَيكون مَا جرى فِي صلَة أنّ قد سدّ مسدّ خبر لَيْت كَمَا أنّها فِي ظَنَنْت أنّ زيدا منطلق كَذَلِك. وَيحْتَمل أَن الْهَاء مُرَادة وَدخلت الْبَاء على الْمُبْتَدَأ كَمَا دخلت فِي بحسبك أَن تفعل ذَلِك. وَلَا يمْتَنع هَذَا من حَيْثُ امْتنع الِابْتِدَاء بأنّ لمَكَان الْبَاء أَلا ترى أنّ أنّ قد وَقعت بعد لَوْلَا فِي نَحْو قَوْلك: لَوْلَا أنّك منطلق وَلم يجر ذَلِك الِامْتِنَاع مجْرى أنّك منطلق بَلغنِي لأنّ الْمَعْنى الَّذِي لَهُ لم يبتدأ بالمفتوحة مَعَ لَوْلَا مَعْدُوم. انْتهى كَلَامه. وروى شَارِح ديوَان الحطيئة: فليت بَيَانه فَلَا شَاهد فِيهِ. وَهَذَا الْبَيْت من أَبْيَات للحطيئة قَالَهَا لأبي سهم عود بن مَالك بن غَالب. وَهِي أَرْبَعَة أَبْيَات فِي ديوانه. (فيا ندمي على سهم بن عوذٍ ... ندامة مَا سفهت وضلّ حلمي) (نَدِمت ندامة الكسعيّ لمّا ... شريت رضَا بني سهمٍ برغميّ)

. (نَدِمت على لسانٍ فَاتَ منّي ... فليت بأنّه فِي جَوف عكم) (هنالكم تهدّمت الرّكايا ... وضمّنت الرّجا فهوت بذميّ) قَوْله: فيا ندمي قَالَ أَبُو عمر الْجرْمِي: أَرَادَ فيا ندامتاه فَحذف الْهَاء لما وصل الْكَلَام. ويروى: يَا ندمي بِإِسْقَاط الْفَاء. وندامة بِالنّصب وَمَا مصدريّة أَي: ندامة سفهى وَيشْهد لَهُ الرِّوَايَة الْأُخْرَى وَهِي ندامة أَن سفهت وَقد رَوَاهَا شَارِح ديوانه. والسّفه: طيشٌ وخفّة عقل. والْحلم بِالْكَسْرِ: الْعقل. والكسعيّ: رجلٌ جاهليّ كَانَت لَهُ قَوس رمى عَلَيْهَا باللّيل حميراً من الْوَحْش فظنّ أَنه أَخطَأ وَكَانَ قد أصَاب فَغَضب فَكَسرهَا فلمّا أصبح رأى الْحمير مجدلّةٌ فندم على كسر قوسه. فَضرب بِهِ الْمثل فَقيل: أندم من الكسعيّ و: نَدِمت ندامة الكسعيّ. وَشرح هَذَا الْمثل مفصّل فِي أَمْثَال حَمْزَة والميدانيّ والزمخشريّ.) وشريت هُنَا بِمَعْنى بِعْت. يَقُول: بِعْت رضاهم برغمٍ منّي. وَقَوله: نَدِمت على لِسَان الخ قَالَ شَارِح الدِّيوَان: اللِّسَان هَاهُنَا الْكَلَام فَيكون مجَازًا أطلق وَقَالَ ابْن الأنباريّ فِي شرح المفضّليات: اللِّسَان هَاهُنَا الرسَالَة أوردهُ نظيراً لمطلع قصيدة مرقش الْأَكْبَر: المتقارب (أَتَتْنِي لِسَان بني عامرٍ ... فَجلت أحاديثها عَن بصر)

وَقد تكلّم أَبُو عليّ فِي الْإِيضَاح الشعريّ على اللِّسَان بِكَلَام مَبْسُوط على قَول يزِيد بن الحكم: الطَّوِيل لسَانك لي أريٌ وعينك علقم وشرّك مبسوطٌ وخيرك ملتوي وَقد تقدم هَذَا الْبَيْت فِي قصيدته مشروحةً فِي الشَّاهِد الثَّمَانِينَ بعد الْمِائَة فَأَحْبَبْت أَن أوردهُ هُنَا لحسنه قَالَ: لَيْسَ يَخْلُو اللِّسَان من أحد الْمَعْنيين إمّا أَن يكون الْجَارِحَة أَو الَّتِي بِمَعْنى الْكَلَام كَقَوْلِه عزّ وجلّ: وَمَا أرسلنَا من رسولٍ إلاّ بِلِسَان قومه كأنّ الْمَعْنى: بلغتهم. وَمِمَّا يقويّ ذَلِك إِفْرَاد اللِّسَان حَيْثُ أُرِيد بِهِ الحارجة قَالَ عزّ وجلّ: وَاخْتِلَاف أَلْسِنَتكُم وألوانكم. وَأنْشد أَبُو زيد: نَدِمت على لسانٍ كَانَ منّي ... ... ... . . الْبَيْت فَبِهَذَا يعلم أَنه لَا يُرِيد بِهِ الحارجة لأنّ النّدم لَا يَقع على الْأَعْيَان إنّما يَقع على معانٍ فِيهَا. فَإِن قلت: فقد قَالَ: فليت بأنّه فِي جَوف عكم إنّما يكون الْعين. قيل: هَذَا اتّساع وإنّما أَرَادَ فليته كَانَ مطويّاً لم ينتشر كَمَا قَالَ أَوْس: الْبَسِيط (لَيْسَ الحَدِيث بنهى بينهنّ وَلَا ... سرّ يحدّثنه فِي الحيّ منشور) فَلَيْسَ المنشور هُنَا كَقَوْلِك نشرت الثَّوْب الَّذِي هُوَ خلاف طويته وغنّما يُرِيد إِنَّه لَا يذاع وَلَا يشاع فاتسع. وَكَذَلِكَ قَوْله:

الْبَسِيط إنّي أَتَانِي لسانٌ لَا أسرّ بِهِ انْتهى المُرَاد مِنْهُ. وتقدّم بقيّة هَذَا على بَيت ابْن الحكم هُنَاكَ. وَمُرَاد أبي عليّ بالاتساع الِاسْتِخْدَام فإنّ اللِّسَان) أُرِيد بِظَاهِرِهِ معنى وبضميره معنى آخر كَقَوْلِه: الوافر (إِذا نزل السّماء بِأَرْض قومٍ ... رعيناه وَإِن كَانُوا غضابا) وَكَانَ هُنَا تَامَّة بِمَعْنى حدث وَجرى ويروى بدله فَاتَ منّي. والعكم بِكَسْر الْمُهْملَة: الْعدْل وَقَالَ شَارِح الدِّيوَان: هُوَ مثل الجوالق. وَقَوله: هُنَا لكم الخ أَي: عِنْد ذَلِك القَوْل الَّذِي صدر منّي فِي حَقهم. والرّكايا: الْآبَار جمع قَالَ فِي الصِّحَاح: وكلّ شَيْء جعلته فِي فِي وعَاء فقد ضمنته إِيَّاه. والرّجا بِالْجِيم قَالَ شَارِح الدِّيوَان: هُوَ جَانب الْبِئْر من دَاخل وجولها بِالضَّمِّ: جوانبها من خَارج. والرّجا: النّاحية من كلّ شَيْء قَالَ أَبُو زيد: الرّجا هُنَا بِمَعْنى الأرجاء. يُرِيد أَنه مُفْرد معرّف بللام وَقع موقع الْجمع لأنّ الْبِئْر لَهَا نواح. يَقُول: عِنْدَمَا صدر منّي قولٌ فِي حَقهم كأنّ الْآبَار تهدّمت وَسَقَطت عليّ بِجَمِيعِ نَوَاحِيهَا بِسَبَب ذميّ. وروى بذمّ بالتنكير. قَالَ شَارِح ديوانه: أَي: بذمّ الرّكايا. وَقَالَ أَبُو عليّ فِي التَّذْكِرَة: يَقُول كَالَّذي حفر بِئْرا وَهُوَ حِين حفرهَا لم يقدّر أَنَّهَا تقع على فَسَاد فلمّا أَن حفرهَا وَقع على فَسَاد فبناها

على ذَلِك وتهدّم مَا بنى وَكَانَ قبل ذَلِك يأمل التَّمام لما يُرِيد. فَمثل هَذَا لّما أَن مدح على رَجَاء تَمام للمدح فأخلف فهوى بذّم. انْتهى. ثمَّ رَأَيْت ديوَان الحطيئة جمع أبي سعيد السكّريّ من رِوَايَة مُحَمَّد بن حبيب وَقبل هَذِه الأبيات قصيدةٌ فِي ذمّ بني سهم بن عوذ بن مَالك بن غَالب بن قطيعة بن عبس وهم بَنو عمّه مِنْهَا: الطَّوِيل (وَلَو وجدت سهمٌ على الغيّ ناصراً ... لقد حلبت فِيهِ زَمَانا وصرّت) (وَلَكِن سَهْما أفسدت دَار غالبٍ ... كَمَا أعدت الجرب الصّحاح فعّرت) قَالَ السكّريّ: كَانَ من حَدِيث هَذِه القصيدة أنّ بني مَالك بن غَالب وهم رَهْط الحطيئة وَبني سهم بن عوذ بن مَالك بن غَالب أَغَارُوا وَفِيهِمْ سمير المخزوميّ وَرَئِيسهمْ قدامَة بن عَلْقَمَة وَمَعَهُمْ المسّيب على هوَازن فَأَصَابُوا سبياً وإبلاً فَتَنَازَعَ المسيّب وسمير فِي الْإِبِل فَأَمَرته بِربع مِنْهَا فَأَخذه فَوَجَدَهُ بعد أَنْجَب بعير فِي النَّاس وَهُوَ الرّواح. ثمَّ إِن سميراً خرج بِنَفر من قومه حتّى أَتَوا الْإِبِل فأطردوها وَقَالَ الوليدة: أخيري مَوْلَاك أَنه قد ذهب بِالْإِبِلِ فَلَمَّا أَتَى المسيّب الْخَبَر ركب بِأَصْحَابِهِ فَالْتَقوا فَاقْتَتلُوا قتالاً شَدِيدا فَقتل مِنْهُم) أَرْبَعَة نفر وَذهب بهَا سمير. وَكَانَ قَالَ هَذِه الأبيات قبل أَن يذهب بهَا سميرً فَلَمَّا ذهب بهَا سمير نَدم الحطيئة مِمَّا قَالَ فَقَالَ: فيا ندمي على سهم بن عوذٍ الأبيات الْأَرْبَعَة

(الشاهد الثامن والسبعون بعد المائتين)

قَالَ السكّريّ: أَرَادَ بِاللِّسَانِ الشّعْر يُرِيد: وددت أنّ الشّعْر الَّذِي قلت فيهم كَانَ مخبوءاً فِي جوالق. والرّجا: مَا بَين رَأس الْبِئْر إِلَى أَسْفَلهَا فَجعله هَاهُنَا أَسْفَلهَا. وَقَوله: وضمنت الرّجا يُرِيد أنّها تهدّمت فَصَارَ أَعْلَاهَا فِي أَسْفَلهَا. فَلذَلِك جعل جعل أَسْفَلهَا تضمّن أَعْلَاهَا. وَهَذَا مثل. وهوت بذمّ: سَقَطت مذمومة انْتهى كَلَامه. وَأنْشد بعده وَهُوَ 3 - (الشَّاهِد الثَّامِن وَالسَّبْعُونَ بعد الْمِائَتَيْنِ) وَهُوَ من شَوَاهِد س: الطَّوِيل (مشائيم لَيْسُوا مصلحين عشيرة ... وَلَا ناعب إلاّ يبين غرابها) على أنّ ناعبٍ عطف بالجرّ على مصلحين الْمَنْصُوب على كَونه خبر لَيْسَ لتوهّم الْبَاء فإنّها تجوز زيادها فِي خبر لَيْسَ ويسمّى هَذَا فِي غير الْقُرْآن الْعَطف على التوهمّ وَفِي الْقُرْآن الْعَطف على الْمَعْنى. وأنشده سِيبَوَيْهٍ ف يموضعين بروايتين الأول أنْشدهُ وَلَا ناعباً بِالنّصب للْعَطْف على مصلحين اسْتشْهد بِهِ على نصب عشيرة بمصلحين لأنّ

النُّون فِيهِ بِمَنْزِلَة التَّنْوِين فِي واحده وَكِلَاهُمَا يمْنَع من الْإِضَافَة وَيُوجب نصب مَا بعده وَالثَّانِي بجرّ ناعب على توهّم الْبَاء فِي خبر لَيْسَ. وَلم يجز المبّرد إلاّ نصب ناعب قَالَ: لأنّ حرف الْجَرّ لَا يضمر. وَقد بيّن سِيبَوَيْهٍ ضعفه وَبعده مَعَ أَخذه لذَلِك عَن الْعَرَب سَمَاعا فَلَا معنى للردّ عَلَيْهِ. وَأوردهُ صَاحب الكشّاف نظيراً لقَوْله تَعَالَى: كَيفَ يهدي الله قوما كفرُوا بعد إِيمَانهم وشهدوا أنّ الرّسول حقّ قَالَ: شهدُوا مَعْطُوف على مَا فِي إِيمَانهم من معنى الْفِعْل فَهُوَ من قبيل عطف الْفِعْل على الْمصدر بِتَقْدِير أَن إِذْ الْمَعْنى بعد أَن آمنُوا وشهدوا كَمَا جرّ الشَّاعِر ناعباً بتوهّمك الْبَاء فِي خبر لَيْسَ. وَهَذَا الْبَيْت من قصيدةٍ عدّتها ستّة وَعِشْرُونَ بَيْتا للأخوص اليربوعيّ وَهَذِه أَبْيَات مِنْهَا) أنشدها الجاحظ فِي كتاب الْبَيَان: (وَلَيْسَ بيربوع إِلَى الْعقل حاجةٌ ... سوى دنس يسودّ مِنْهُ ثِيَابهَا) (فَكيف بنوكى مالكٍ إِن غفرتم ... لَهُم هَذِه أم كَيفَ بعد خطابها)

مشائيم لَيْسُوا مصلحين عشيرة ... ... ... ... الْبَيْت (فَإِن أَنْتُم لم تقتلُوا بأخيكم ... فكونوا غايا بالأكف عيابها) (سيخبر مَا أحدّثتم فِي أخيكم ... رفاقٌ من الْآفَاق شتّى إيابها) قَالَ أَبُو مُحَمَّد الْأسود الأعرابيّ فِي فرحة الأديب: هَذَا الشّعْر لقِتَال كَانَ بَين بني يَرْبُوع وَبَين بني دارم. فَأَرَادَ بقوله مشائيم بني دارم بن مَالك لَا بني يَرْبُوع. وَكَانَ من قصَّة هَذَا الشّعْر أنّ نَاسا من بني يَرْبُوع وَبني دارم اجْتَمعُوا على القرعاء فَقتل بَينهم رجلٌ من بني غُدَانَة يكنى أَبَا بدر فَقَالَت بَنو يَرْبُوع: وَالله لَا نَبْرَح حتّى ندرك ثَأْرنَا فَقَالَت بَنو فَقَالَت بَنو غُدَانَة: نَحن نَفْعل. فأخرجوا خمسين فَحَلَفُوا كلّهم إلاّ رجلا: أنّ الَّذِي قتل أَبَا بدرٍ عبيد بن زرْعَة فَقَالَ الْبَاقِي من الْخمسين: أَلَيْسَ تدفعون إِلَيْنَا عبيدا إِذا أَنا أكملت الْخمسين قَالُوا: لَا ولكنّا نديه لأنّا لَا نَدْرِي من قَتله. فَقَالَ الْبَاقِي عِنْد ذَلِك وَهُوَ أَبُو بيض الغدانيّ: وَالله لَا أكملهم أبدا وَلَا يفارقنا عبيد حتّى نَقْتُلهُ فَقَامَ ضرار بن الْقَعْقَاع بن معبد بن زُرَارَة وشيبان بن حَنْظَلَة بن بشر بن عَمْرو فكفلا بعبيد فَدَفَعته بَنو غُدَانَة إِلَيْهِمَا فَلَمَّا جنّهم اللّيل قَالَ ضرار وشيبان لِعبيد: انْطلق حَيْثُ شِئْت. وغدت بَنو غُدَانَة على بني دارم فَقَالُوا لَهُم: إنّ صَاحبكُم قد هرب وَلَكِن هَذِه وَلَكِن هَذِه الدّية فاقبلوها من إخوتكم وَلَا تَطْلُبُوا غير ذَلِك فتكونوا كجادع أَنفه وَلَو علمنَا مَكَان صَاحبكُم

قصدنا إِلَيْهِ. فلمّا سمعهم الأخوص يذكرُونَ الدِّيَة قَالَ: دَعونِي أتكلّم يَا أَبَا خَوْلَة. فَقَالَ هَذِه الأبيات من قصيدة. قَوْله: وَلَيْسَ بيربوع إِلَى الْعقل الخ يَقُول: إنّ الْعقل لَا يَنْفَعهُمْ بل يضرّهم ويكسبهم عاراً. ونوكى: بِالْفَتْح جمع أنوك كأحمق وحمقى وزنا وَمعنى أَي: كَيفَ الْعشْرَة مَعَهم. ويروى بدل خطابها سبابها بِالْكَسْرِ: مصدر سابّه أَي: شاتمه. ومشائيم: جمع مشؤوم كمقصور قَالَ فِي الصِّحَاح وَقد شأم فلَان قومه يشأمهم فَهُوَ شائم: إِذا جرّ عَلَيْهِم الشؤم وَقد شئم عَلَيْهِم فَهُوَ مشؤوم: إِذا صَار شؤماً عَلَيْهِم وَقوم مشائيم.) وَقَالَ السَّيِّد المرتضى رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: إنّ الْعَرَب لَا تعرف هَذَا وإنّما هُوَ من كَلَام أهل الْأَمْصَار. وإنّما تسميّ الْعَرَب من لحقه الشّؤم مشؤوماً كَمَا فِي قَول عَلْقَمَة بن عَبدة: الْبَسِيط (وَمن تعرّض للغربان يزجرها ... على سَلَامَته لَا بدّ مشؤوم) وعشيرة الرجل: بَنو أَبِيه الأدنون. قَالَ الأعلم: نسبهم إِلَى الشؤم وقلّة الصّلاح وَالْخَيْر فَيَقُول: لَا يصلحون أَمر الْعَشِيرَة إِذا فسد مَا بَينهم وَلَا يأتمرون بِخَير فغرابهم لَا ينعب إلاّ بالتشتيت والفراق. وَهَذَا مثل للتعصّم مِنْهُم والتشؤّم. والنّعيب بِالْعينِ الْمُهْملَة: صَوت الْغُرَاب ومدّه عُنُقه عِنْد ذَلِك وَمِنْه يُقَال نَاقَة نعوب: إِذا مدّت عُنُقهَا فِي السّير. وَقَالَ ابْن

السيرافيّ فِي شرح شَوَاهِد إصْلَاح الْمنطق: يُقَال نعب الْغُرَاب: إِذا صَاح. وهم يتشاءمون بِصَوْت الْغُرَاب. وإنّما ذكر هَذَا على طَرِيق الْمثل وَإِن لم يكن غراب كَمَا يُقَال فلَان مشؤوم الطَّائِر وَيُقَال طَائِر الله لَا طائرك. انْتهى. وَقَالَ ابْن خلف: وَقَوْلهمْ: أشأم من غراب الْبَين فإنّما لزمَه هَذَا الِاسْم لأنّ الْغُرَاب إِذا بَان أهل الدَّار لنجعةٍ وَقع فِي مَوَاضِع بُيُوتهم يتلمس مَا يَأْكُلهُ فتشاءموا بِهِ وتطيّروا مِنْهُ إِذْ كَانَ لَا يعتري مَنَازِلهمْ إلاّ إِذا بانوا فسمّوه غراب الْبَين. ثمَّ كَرهُوا إِطْلَاق ذَلِك الِاسْم مَخَافَة الزّجر والطيرة فَعَلمُوا أنّه نَافِذ الْبَصَر صافي الْعين حَتَّى قَالُوا: أصفي من عين الْغُرَاب كَمَا قَالُوا: أصفى من عين الديك فسمّوه الْأَعْوَر كِنَايَة كَمَا كنّوا عَن الْأَعْمَى فسمّوه أَبَا بَصِير وكما سمّوا الملدوغ سليما والفيافي مفاوز. وَهَذَا كثير. وَمن أجل تشاؤمهم بالغراب اشتقوا من اسْمه الغربة والاغتراب والغريب. وَلَيْسَ فِي الأَرْض شَيْء مّما يتشاءمون بِهِ إلاّ الْغُرَاب عِنْدهم أنكد مِنْهُ. وَذكر بعض أَصْحَاب الْمعَانِي أَن نعيب الْغُرَاب يتطيّر مِنْهُ ونغيقه يتفاؤل بِهِ وَأنْشد قَول جرير الْكَامِل (إنّ الْغُرَاب بِمَا كرهت مولعٌ ... بنوى الأحبّة دَائِم التّشحاج) (لَيْت الْغُرَاب غَدَاة ينعب دائباً ... كَانَ الْغُرَاب مقطّع الْأَوْدَاج)) ثمَّ أنْشد فِي النّغيق: الوافر (تركت الطّير عاكفةً عَلَيْهِ ... وللغربان من شبعٍ نغيق) قَالَ: وَيُقَال نغق الْغُرَاب إِذا قَالَ: غيق غيق. فَيُقَال نغق بِخَير. ونعب نعيباً. إِذا قَالَ غاق غاق. فَيُقَال عِنْدهَا نعب ببين. قَالَ: وَمِنْهُم من يَقُول نغق ببين وَأنْشد فِي ذَلِك:

الْبَسِيط أبقى فراقهم فِي المقلتين قذىً أَمْسَى بِذَاكَ غراب الْبَين قد نغقا قَالَ: وَبَعض الْعَرَب قد يتيمنّ بالغراب فَيُقَال: هم فِي خيرٍ لَا يطار غؤابه أَي: يَقع الْغُرَاب فَلَا ينفّر لِكَثْرَة مَا عِنْدهم فلولا تيمنّهم بِهِ لكانوا ينفّرونه. وَقَالَ الدافعون لهَذَا القَوْل: الْغُرَاب فِي هَذَا الْمثل السوَاد وَاحْتَجُّوا بقول النَّابِغَة: الْكَامِل (ولرهط حرّاب وزيدٍ سورةٌ ... فِي الْمجد لَيْسَ غرابها بمطار) أَي: من عرض لَهُم لم يُمكنهُ أَن ينفّر سوادهم لعزّهم وكثؤتهم. وَقَوله: فكونوا بَغَايَا الخ البغايا جمع بغيّ يُقَال: بَغت الْمَرْأَة بغاء بِالْكَسْرِ وَالْمدّ أَي: زنت فَهِيَ بغيٌّ. والعياب بِكَسْر الْمُهْملَة: جمع عَيْبَة بِفَتْحِهَا وَهِي مَا يَجْعَل فِيهِ الثِّيَاب. وَقَوله: سيخبر مَا أحدثتم الخ المآب: الْمرجع أَي: إِذا رجعت الرفاق تفرّقت فِي كل وَجه وانتشر فيهم قبح صنيعكم وَنَقله من سَمعه إِلَى من لم يسمعهُ. والأخوص بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة يُقَال: رجل أخوص بيّن الخوص أَي: غائر الْعَينَيْنِ وَقد خوص بِالْكَسْرِ وَأما الْأَحْوَص بِالْحَاء الْمُهْملَة فَلَيْسَ هَذَا وَكَثِيرًا مَا يصحف بِهِ. والحوص: ضيق فِي

قَالَ الآمديّ فِي المؤتلف والمختلف: الأخوص بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة اسْمه زيد ابْن عَمْرو بن قيس بن عتّاب بن هرميّ بن ريَاح بن يَرْبُوع بن حَنْظَلَة بن مَالك بن زيد مَنَاة بن تَمِيم شَاعِر فَارس. وَهُوَ الْقَائِل: الطَّوِيل (وَكنت إِذا مَا بَاب ملكٍ قرعته ... قرعت بآباءٍ ذَوي شرفٍ ضخم) (بأبناء عتّابٍ وَكَانَ أبوهم ... إِلَى الشّرف الْأَعْلَى بآبائه ينمي) (وهم ملكوا الْأَمْلَاك آل محرّقٍ ... وَزَادُوا أَبَا قَابُوس رغماً على زعم) (وقادوا بكرةٍ من شهَاب وحاجبٍ ... رُؤُوس معدّ فِي الأزمّة والخطم) (أَنا ابْن الَّذِي سَاد الْمُلُوك حَيَاته ... وساس الْأُمُور بالمروءة والحلم) (وكنّا إِذا قومٌ رمينَا صفاتهم ... تركنَا صدوعاً بالصّفاة الَّتِي نرمي)) (حمينا حمى الْأسد الَّتِي لشبولها ... تجرّ من الأقران لَحْمًا على لحم) (وَنرعى حمى الأقوام غير محرّمٍ ... علينا وَلَا يرْعَى حمانا الَّذِي نحمي) وَله فِي كتاب بني يَرْبُوع أشعارٌ جِيَاد مِمَّا تنخلّته من قبائلهم. انْتهى. وَكتب أَبُو مُحَمَّد بن عبد الله ابْن برّيّ النّحوي فِي هامشه أنّ صَاحب المؤتلف والمختلف لم يذكر الأخوص الريَاحي وَهُوَ قيس بن زيد بن عَمْرو بن عتاب ابْن ريَاح. قَالَ: مشائيم لَيْسُوا مصلحين عشيرةً ... ... ... . . الْبَيْت

وَفِيه أَن الأخوص الرّياحيّ نسب تَارَة إِلَى جدّه الْأَدْنَى وَهُوَ ريَاح وَتارَة إِلَى جدّه الْأَعْلَى وَهُوَ يَرْبُوع. وقدّم ابْن برّيّ بعض الْأَسْمَاء على بَعْضهَا وَالصَّوَاب مَا أثْبته الآمديّ. وَيُؤَيِّدهُ مَا قَالَه ياقوت فِي مُخْتَصر جمهرة الْأَنْسَاب فإنّه لما ذكر أَوْلَاد هرميّ ابْن ريَاح قَالَ: وَمِنْهُم عتّأب بن هرميّ بن ريَاح وَهُوَ ردف النّعمان وَالْمُنْذر أَبِيه. وَمن وَلَده الأخوص الرّياحيّ إسلامي. وَالله أعلم. ثمَّ رَأَيْت فِي ضالّة الأديب لأبي مُحَمَّد الأعرابيّ شعرًا لَهُ يتَعَلَّق بِإِبِل الصَّدَقَة فَعلم أنّه إسلاميّ وَهُوَ معاصر لسحيم بن وثيل. وانشد بعده: الوافر (معاري إنّنا فَأَسْجِحْ ... فلسنا بالجبال وَلَا الحديدا) على أنّ قَوْله الحديدا مَعْطُوف على مَحل قَوْله بالجبال فإنّه ف يمحل نصبٍ لأنّه خبر لَيْسَ وَالْبَاء زَائِدَة. ومعاوي: منادى مرخّم مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان.

وَقد تقدّم شَرحه مفصّلاً فِي الشَّاهِد التَّاسِع وَالسَّبْعُونَ بعد الْمِائَتَيْنِ: المنسرج (إِن هُوَ مستولياً على أحد ... إلاّ على أَضْعَف المجانين) على أَن الْمبرد أجَاز إِعْمَال إِن النافية عمل لَيْسَ وَاسْتشْهدَ بِهَذَا الْبَيْت: فَهُوَ اسْمهَا ومستولياً خَبَرهَا. وَإِن كَمَا النافية الحجازية فِي الحكم لَا تخْتَص فِي الْعَمَل بنكرةٍ دون معرفَة بل تعْمل فيهمَا. قَالَ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي: أجَاز الكسائيّ والمبرّد إِعْمَال إِن عمل لَيْسَ وَقَرَأَ سعيد بن جُبَير:) وَسمع من أهل الْعَالِيَة: إِن أحدٌ خيرا من أحد إلاّ بالعافية. وإنّ ذَلِك نافعك ولَا ضارّك. انْتهى. وَقَالَ فِي شرح شواهده: كَذَا خرّج ابْن جنّي قِرَاءَة سعيد بن جُبَير فظنّ أَبُو حيّان أَن تخريجها على ذَلِك يُوقع فِي تناقص الْقِرَاءَتَيْن فإنّ الْجَمَاعَة يقرؤون بتَشْديد النُّون وَفتحهَا وَرفع عباد وأمثالكم وَذَلِكَ إِثْبَات وَقِرَاءَة سعيد على هَذَا التَّخْرِيج نفيٌ. فخرّجها على أنّها الْمُؤَكّدَة خفّفت ونصبت الجزأين كَقَوْلِه:

الطَّوِيل وَلم يثبت الْأَكْثَرُونَ إعمالها النصب فِي الجزأين وتأوّلوا مَا أوهم ذَلِك. ثمَّ إِن الْقَائِلين بِهِ لم يذكروه إلاّ مَعَ التَّشْدِيد لَا مَعَ التَّخْفِيف. ثمّ إنّ التناقص الَّذِي توهّمه مَدْفُوع لأنّهم أمثالهم فِي أَنهم مخلوقون وَلَيْسوا أمثالهم فِي الْحَيَاة والنطق. وَقِرَاءَة سعيد على هَذَا التَّخْرِيج أقوى فِي التشنيع عَلَيْهِم من قِرَاءَة الْجَمَاعَة ويؤيدها مَا بعْدهَا من قَوْله تَعَالَى: ألهم أرجل يَمْشُونَ بهَا ... الأبيات. انْتهى. وَقَالَ ابْن الشجريّ فِي أَمَالِيهِ: إِذا كَانَت إِن نَافِيَة فسيبويه لَا يرى فِيهَا إلاّ رفع الْخَبَر. وإنّما حكم بِالرَّفْع لأنّها حرف جحد يحدث معنى فِي الِاسْم وَالْفِعْل كألف الِاسْتِفْهَام وكما لم تعْمل مَا التميميّة وَهُوَ رفاقٌ للْقِيَاس. وَلما خَالف بعض الْعَرَب الْقيَاس فأعملوا مَا لم يكن لنا أَن نتعدّى الْقيَاس فِي غير مَا وَغير سِيبَوَيْهٍ أعمل إِن على تشبيهها بليس كَمَا اسْتحْسنَ ذلم ف يما واحتجّ بِأَنَّهُ لَا فرق بَين إِن وَمَا فِي الْمَعْنى إِذْ هما لنفي مَا فِي الْحَال وَتَقَع بعدهمَا جملَة الِابْتِدَاء كَمَا تقع بعد لَيْسَ. وَأنْشد: (إِن هُوَ مستولياً على أحدٍ ... إلاّ على حزبه الملاعين) وَهُوَ قَول الكسائيّ والمبرّد. وَوَافَقَ الفرّاء فِي قَوْله سِيبَوَيْهٍ. انْتهى. إِلَّا على حزبه المناحيس

(الشاهد الثمانون بعد المائتين)

قَالَ ابْن هِشَام: وَفِي الْبَيْت شَاهد على مَسْأَلَة أُخْرَى وَهِي أَن انتفاض النَّفْي بعد الْخَبَر لَا يقْدَح فِي الْعَمَل.) وَمثله فِي ذَلِك قَول الآخر: الطَّوِيل (إِن الْمَرْء مَيتا بِانْقِضَاء حَيَاته ... وَلَكِن بِأَن يَبْغِي فيخذلا) وَهَذَا الشَّاهِد مَعَ كَثْرَة دورانه فِي كتب النَّحْو لم يعلم لَهُ قَائِل. وَالله أعلم. وَأنْشد بعده وَهُوَ 3 - (الشَّاهِد الثَّمَانُونَ بعد الْمِائَتَيْنِ) الطَّوِيل (ولات سَاعَة مندم) على أنّ الفرّاء قَالَ: لَا يختصّ عمل لات بِلَفْظ الْحِين بل تكون مَعَ الْأَوْقَات كلّها. وَأنْشد هَذَا الشّعْر. أَقُول: لعلّ الفرّاء قَالَ مَا نَقله الشَّارِح الْمُحَقق عَنهُ فِي غير تَفْسِيره وَأما فِي تَفْسِيره فإنّه لم يتَعَرَّض لهَذَا وَلَا لغيره أَيْضا. وَرُوِيَ هَذَا الشّعْر على أنّ لات فِيهِ حرف جرّ وَهَذِه عِبَارَته فِي سُورَة ص عِنْد تَفْسِير قَوْله تَعَالَى: فَنَادوا ولات حِين مناص: يَقُول لَيْسَ حِين فرار. والنوص: التّأخر. وَمن الْعَرَب من يضيف لات فيخفض أنشدوني: ولات سَاعَة مندم وَلَا أحفظ صَدره. وَالْكَلَام أَن ينصب بهَا فِي معنى لَيْسَ لأنشدوني المفضّل:

الوافر فَهَذَا نصب. وَأنْشد بَعضهم: الْخَفِيف (طلبُوا صلحنا ولات أوانٍ ... فأجبنا أَن لَيْسَ حِين بَقَاء) فخفض أوانٍ. فَهَذَا خفض. انْتهى كَلَام الفرّاء. فَظهر من كَلَامه أنّه لَيْسَ فِيهِ تَقْيِيد مَعْمُول لات بِزَمَان وَلَا غَيره. وَقد نقل عَنهُ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي تبعا لأبي حيّان فِي الارتشاف خلاف مَا نَقله الشَّارِح الْمُحَقق قَالَ: اخْتلف فِي معمولها: فنصّ الفرّاء على أَنَّهَا لَا تعْمل إلاّ فِي لفظ الْحِين وَهُوَ ظَاهر قَول سِيبَوَيْهٍ وَذهب الفارسيّ وَجَمَاعَة إِلَى أَنَّهَا تعملفي الْحِين وَفِيمَا رادفه. ثمَّ قَالَ بعد هَذَا: زعم الفرّاء أنّ لات تسْتَعْمل حرف جارّاً لأسماء الزَّمَان خَاصَّة. قَالَ الدمامينيّ: بَين نقل ابْن هِشَام وَنقل الرضيّ عَن الفرّاء تخَالف. فَإِن قلت: هلا حملت نقل) الرّضي عَن الفرّاء: أَنَّهَا تكون مَعَ الْأَوْقَات على مَا إِذا كَانَت عاملة للجرّ كَمَا نَقله المُصَنّف هُنَا وحملت حِكَايَة كَلَام المُصَنّف أوّلاً أَنَّهَا لَا تعْمل إلاّ فِي لفظ الْحِين على مَا إِذا كَانَت عاملة عمل لَيْسَ فَلَا يكون بَين النقلين تعَارض. قلت: لَا لأنّ الرضيّ لما ذكر عَنهُ أنّها تعْمل فِي الْأَوْقَات أنْشد: ولات سَاعَة مندم

أَقُول: قد وَقع هَذَا الشّعْر فِي كَلَام الشَّارِح الْمُحَقق مُجملا لَا يعلم هَا هُوَ مَنْصُوب أَو مجرور وَبَان لَك من نقلنا لكَلَام الفرّاء أنّ الرِّوَايَة عَنهُ عَن الْعَرَب الجرّ فَكيف تكون الرِّوَايَة فِيهِ النصب نعم رُوِيَ النصب عَن غير الفرّاء وَبِه أوردهُ ابْن النَّاظِم وَابْن عقيل فِي شرح الألفية فَتكون سَاعَة خبر لات وَاسْمهَا مَحْذُوف. وَيجوز الرّفْع بقلّة على أَنَّهَا اسْم لات وَالْخَبَر مَحْذُوف فيقدّر فِي الأوّل: ولات سَاعَة لَك سَاعَة مندم أَو ولات السَّاعَة سَاعَة مندم. وَقدر الشَّارِح المحقّق فِي الى ية أَي: لات الْحِين حِين مناص. فَإِن قلت: إنّهم قَالُوا لات لَا تعْمل إلاّ فِي اسْم زمَان منكّر فَكَانَ الظَّاهِر فِي الْبَيْت التَّقْدِير الأوّل وَفِي الْآيَة نَحْو مَا قدّره الشاطبيّ وَهُوَ ولات حِين ينادون فِيهِ حِين مناص. قلت: إنّهم قَالُوا مِنْهُم ابْن هِشَام فِي المغنيّ: إِن لات لاتعمل فِي معرفَة ظَاهِرَة فمفهومة أَنَّهَا أتعْمل فِي معرفَة مقدّرة. وَنقل نَاظر الْجَيْش فِي شرح التسهيل عَن شرح الكافية لِابْنِ مَالك: لَا بدّ من تَقْدِير الْمَحْذُوف معرفَة لأنّ المُرَاد نفي كَون الْحِين الْحَاضِر حينا ينوصون فِيهِ أَي: يهربون أَو يتأخّرون وَلَيْسَ المُرَاد نفي جنس حِين المناص وَلذَلِك كَانَ رفع الْحِين الْمَوْجُود شاذّاً لأنّه محوج إِلَى تكلّف مُقَدّر يَسْتَقِيم بِهِ الْمَعْنى مثل أَن يُقَال مَعْنَاهُ لَيْسَ حِين مناص مَوْجُودا لَهُم عِنْد تناديهم ونزول مَا بهم بِهِ الْمَعْنى مثل أَن يُقَال مَعْنَاهُ لَيْسَ حِين مناص مَوْجُودا لَهُم عِنْد تناديهم ونزول مَا بهم إِذْ قد كَانَ لَهُم قبل ذَلِك حِين مناص فَلَا يصحّ نفي جنسه مُطلقًا بل مقيّداً. وَقَول الشَّارِح الْمُحَقق وتعمل عمل لَيْسَ بكسع التَّاء أَي: بلحاقها للات وتبعها إيّاها. قَالَ الصاغانيّ فِي الْعباب فِي فصل الْكَاف من بَاب الْهمزَة: كسأ الْقَوْم وكسعهم: إِذا تَبِعَهُمْ. وَهَذِه عبارَة مألوفة للنحاة قَدِيما وحديثاً. قَالَ

ابْن مَالك فِي التسهيل هُنَا: وتكسع بِالتَّاءِ فتختصّ بالحين أَو مرادفه.) وَقَول الشاطبيّ: كسعت بِالتَّاءِ أَي: ضرب فِي عجزها بهَا فِيهِ تكلّف للمناسبة. وَكَذَلِكَ قَول شَارِح اللّبَاب: يُقَال كسعت فلَانا: إِذا ضربت دبره بِيَدِك أَو بصدر قدمك. أَو من كسعت النَّاقة إِذا ضربت خلفهَا بِالْمَاءِ الْبَارِد ليترادّ اللَّبن فِي ضرْعهَا. انْتهى. ويقدّر فِي السَّاعَة نَحْو لات سَاعَة مندم سَاعَة لَك. وقدّر الشَّارِح الْمُحَقق فِي الْآيَة تبعا لأبي عليّ فِي الْمسَائِل المنثورة أَي: لات حِين مناص حَاصِلا. وَفِيه أَنهم قَالُوا: إنّ عمل لات مختصٌّ بالحين اسْما وخبراً. قَالَ ابْن مَالك: الرجز فَالظَّاهِر نَحْو مَا قدّره الشاطبيّ أَي: ولات حِين مناص حينا ينادون فِيهِ. وَقد جَاءَ عمل لات فِي غير الْحِين شذوذاً فِي قَول الحماسيّ: الْكَامِل (لهفي عَلَيْك للهفةٍ من خائفٍ ... يَبْغِي جوارك حِين لات مجير) وَلَا يَنْبَغِي حمل الْآيَة على هَذَا. فَإِن قلت: اجْعَل حَاصِلا صفة زمَان مَحْذُوف أَي: حينا حَاصِلا وَنَحْوه قلت: شَرط هَذَا اخْتِصَاص الصّفة بالموصوف وَمَا هُنَا لَيْسَ كَذَلِك. ثمَّ قَالَ الشَّارِح المحق: وَلَا يجوز أَن يُقَال بإضمار اسْمهَا لأنّ الْحُرُوف لَا يضمر فِيهَا.

أَقُول: يُرِيد الردّ على المُصَنّف فِي الْإِيضَاح فإنّه عبّر هُنَاكَ بالإضمار دون الْحَذف. وَهَذَا شَيْء قد سبقه سِيبَوَيْهٍ فِيهِ فَإِنَّهُ كثيرا مَا يُطلق لفظ الأغضمار على الْحَذف. وَكَذَلِكَ فعل صَاحب اللبّ قَالَ: وَاسم لات حِين مَحْذُوف أَو مُضْمر لجريها مجْرى الْفِعْل فِي إِلْحَاق التَّاء عِنْد الْخَلِيل وسيبويه. وَقَالَ السَّيِّد شَارِحه: فإنّه لما ألحقت التَّاء صَارَت شَبيهَة بليس صُورَة وَمعنى فَحسن إِضْمَار الِاسْم فِيهَا كَمَا فِي لَيْسَ. وَحمل ابْن خروف كَلَام سِيبَوَيْهٍ على التجوزّ لَا على حَقِيقَة الْإِضْمَار بِنَاء على أنّها عِنْده فَالْأول فِيهِ أَرْبَعَة مَذَاهِب: أَحدهَا: أَنَّهَا كلمة وَاحِدَة فعل مَاض وَفِيه قَولَانِ: أَحدهمَا أنّها فِي الأاصل بِمَعْنى نقص من قَوْله تَعَالَى: لَا يلتكم من أَعمالكُم شَيْئا فَإِنَّهُ يُقَال لات يليت كَمَا يُقَال ألت يألت وَقد قرئَ بهما ثمَّ اسْتعْملت للنَّفْي كَمَا أنّ قلّ كَذَلِك قَالَه أَبُو ذرّ الخشنيّ فِي شرح كتاب سِيبَوَيْهٍ نَقله) عَنهُ أَبُو حَيَّان فِي الارتشاف وَابْن هِشَام فِي الْمُغنِي وَالْقَوْل الثانيّ: أنّ أَصْلهَا لَيْسَ أبدلت سينها تَاء كَمَا قَالُوا ستّ وَالْأَصْل سدس بِدَلِيل التصغير على سديس والتكسير على أَسْدَاس فَصَارَت لَيْت ثمَّ انقلبت الْيَاء أافتً لتحركها فِي الأَصْل وانفتاح مَا قبلهَا إِذْ أَصْلهَا عِنْدهم لَيْسَ بِكَسْر الْيَاء فَصَارَت لات فلمّا تَغَيَّرت اخْتصّت بالحين.

وَالْمذهب الثَّانِي أنّها كلمتان: لَا النافية وَالتَّاء لتأنيث اللَّفْظ كَمَا شَرحه الشَّارِح الْمُحَقق وَهَذَا مَذْهَب الْجُمْهُور. والثَّالِث أنّها حرف مستقلّ لَيْسَ أَصْلهَا لَيْسَ وَلَا لَا نَقله الشاطبيّ فِي شرح الألفيّة. الرَّابِع أنّها كلمة وَبَعض كلمة وَذَلِكَ أنّها لَا النافية وَالتَّاء زَائِدَة فِي أول الْحِين. وَنسب هَذَا إِلَى أبي عبيد وَابْن الطّراوة. قَالَ ابْن هِشَام فِي المعني: واستدلّ أَبُو عبيد بأنّه وجدهَا فِي الإِمَام وَهُوَ مصحف عُثْمَان بن عفّان مختلطة بِحِين فِي الخطّ. وَلَا دَلِيل فِيهِ فِي الخطّ من أَشْيَاء خارجةٍ عَن الْقيَاس. وَيشْهد لِلْجُمْهُورِ أَنه يُوقف عَلَيْهَا بِالتَّاءِ وَالْهَاء ورسمت مُنْفَصِلَة من الْحِين وَأَن التَّاء قد تكسر على أصل حَرَكَة التقاء الساكنين. وَهُوَ معنى قَول الزمخشريّ: وَقُرِئَ بِالْكَسْرِ على الْبناء كجير. انْتهى. وَلَو كَانَ فعلا مَاضِيا لم يكن للكسر وَجه. وَأما الِاخْتِلَاف فِي عَملهَا فَفِيهِ أَرْبَعَة مَذَاهِب أَيْضا: أَحدهَا أنّه لَا تعْمل شَيْئا فَإِن وَليهَا مَرْفُوع فمبتدأ حذف خَبره أَو مَنْصُوب فمفعول بِفعل مَحْذُوف وَهُوَ قَول الْأَخْفَش وَالتَّقْدِير عِنْده فِي الْآيَة: لَا أرى حِين مناص وعَلى قِرَاءَة الرّفْع وَلَا حِين مناص كَائِن لَهُم. الثَّانِي: أَنَّهَا تعْمل لَا التبرئة وَهُوَ عمل إنّ. وَهَذَا قولٌ آخر للأخفش والكوفيّين. الثَّالِث: أنّها حرف جرّ عِنْد الفرّاء على مَا نقل عَنهُ.

الرَّابِع: أنّها تعْمل عمل لَيْسَ وَهُوَ قَول الْجُمْهُور. قَالَ أَبُو حيّان فِي الارتشاف: والعطف على خبر لات عِنْد من أعملها إِعْمَال لَيْسَ كالعطف على خبر مَا الحجازية لات حِين جزع ولات حِين طيش ولات حِين قلق بل حِين صَبر تنصب فِي الأولى وترفع فِي الثَّانِيَة كَمَا كَانَ فِي مَا) وَلَا النافية. ثمَّ قَالَ: وَقد جَاءَت لات غير مُضَاف إِلَيْهَا حِين وَلَا مَذْكُور بعْدهَا حِين وَلَا مَا رادفة فِي قَول الأافوة الأوديّ: الرمل (ترك النّاس لنا أَكْنَافهم ... وتولّوا لات لم يغن الْفِرَار) قَالَ نَاظر الْجَيْش فِي شرح التسهيل: وَهَذَا يدلّ على أَن لات لَا تعْمل وإنّما هِيَ فِي هَذَا الْبَيْت حرف نفي مُؤَكد بِحرف النَّفْي الَّذِي هُوَ لم. وَلَو كَانَت عاملةً لم يجز حذف الجزأين بعْدهَا كَمَا لَا يحذفان بعد مَا وَلَا العاملتين عمل لَيْسَ. وَالْبَيْت الشَّاهِد الَّذِي قَالَ الفرّاء لَا احفظ صَدره رَوَاهُ مَعَ صَدره ابْن السكّيت فِي كتاب الأضداد وَهُوَ: (ولتعرفنّ خلائقاً مشمولةً ... ولتندمنّ ولات سَاعَة مندم) قَالَ فِيهِ قَالَ ابْن الأعرابيّ: يُقَال: أَخْلَاق مشمولة أَي: مشؤومة وأخلاق سوء. وَأنْشد: ولتعرفنّ خلائقاً مشمولةً ... ... ... ... الْبَيْت وَيُقَال أَيْضا رجل مشمول الْخَلَائق أَي: كريم الْأَخْلَاق. قَالَ: وَأنْشد أَبُو عَمْرو لرجل من بني

(الشاهد الحادي والثمانون بعد المائتين)

(كَأَن لم أعش يَوْمًا بصبهاء لذّةٍ ... وَلم أند مشمولاً خلائقه مثلي) .. . انْتهى وأند بالنُّون قَالَ أَبُو حنيفَة الدّينوري فِي كتاب النَّبَات: ناديت الرجل مثل نادمت وَهُوَ المجالسة وَلم أند: لم أجالس. والنادي مِنْهُ هُوَ الْمجْلس. وَأنْشد هَذَا الْبَيْت. وَزعم الشاطبيّ أنّ هَذَا الْبَيْت برمتّه رَوَاهُ الْفراء عَن المفضّل. وَهَذَا لَا أصل لَهُ وَإِنَّمَا الَّذِي رَوَاهُ عَن المفضّل الْبَيْت الَّذِي بعده كَمَا هُوَ ظَاهر من نقل عبارَة الفرّاء. وَرَأَيْت ابْن عقيل وَغَيره ذكر للبيت الشَّاهِد رِوَايَة غير مَا نَقَلْنَاهُ جعله صَدرا وتمّمه بعجز كَذَا: الْكَامِل (نَدم الْبُغَاة ولات سَاعَة مندمٍ ... وَالْبَغي مرتع مبتغيه وخيم) وَقَالَ: هُوَ لرجل من طَيئ أَي: ولات السَّاعَة سَاعَة مندم. وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُور المتداوال فِي كتب النَّحْو. وَقَالَ العينيّ: قَائِله مُحَمَّد بن عيس بن طَلْحَة بن عبيد الله التيميّ وَيُقَال مهلهل ابْن مَالك) الكنانيّ. وَالله أعلم بِحَقِيقَة الْحَال. وانشد بعده وَهُوَ 3 - (الشَّاهِد الْحَادِي وَالثَّمَانُونَ بعد الْمِائَتَيْنِ) الْكَامِل (العاطفون تحين مَا من عاطف ... والمطعمون زمَان أَيْن الْمطعم) على أنّ أَبَا عبيد زعم أنّ التَّاء فِي قَوْلهم لات حِين مناص من تَمام حِين

كَمَا فِي هَذَا الْبَيْت. وَمثله لصَاحب اللب وَغَيره قَالَ: وَعَن أبي عبيد: تحين لُغَة فِي حِين وَلَا لنفي الْجِنْس. أَقُول: إنّ أَبَا عبيد لم يذهب إِلَى هَذَا وَإِنَّمَا هُوَ قَول للأموي نَقله عَنهُ فِي كِتَابه فِي اللُّغَة الْمَشْهُور بالغريب المُصَنّف وَهَذِه عِبَارَته فِيهِ: وَقَالَ الْأَحْمَر: تالآن فِي معنى الْآن وأنشدنا: الْخَفِيف (نوّلي قبل نأي دَاري جمانا ... وصلينا كَمَا زعمت تالآنا) وَكَذَلِكَ قَالَ الأمويّ وَأنْشد لأبي وجزة: (العاطفون تحين مَا من عاطفٍ ... والمفضلون يدا إِذا مَا أنعموا) قَالَ: وإنّما هُوَ حِين قَالَ: وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: ولات حِين مناص مَعْنَاهُ لَا حِين مناص. انْتهى كَلَامه. فَعلم بِهِ أنّ القَوْل بِكَوْن لات حِين هُوَ لَا تحين وَالتَّاء زَائِدَة إنّما هُوَ قَول

الأمويّ لَا أبي عبيد وَإِن اشْتهر النَّقْل عَنهُ. وَقد ردّه الشَّارِح المحقّق وَلم يبين موقع التَّاء فِي هَذَا الْبَيْت. وَقد رَأَيْت فِي تَخْرِيجه وَجْهَيْن: أَحدهمَا: ذكره ابْن جنّي فِي سرّ الصِّنَاعَة وَسَبقه ابْن السيرافيّ فِي شرح شَوَاهِد الْغَرِيب المُصَنّف وَأَبُو عليّ فِي الْمسَائِل المنثورة: وَهُوَ أنّها فِي الأَصْل هَاء السكت لاحقة لقَوْله العاطفون اضطرّ الشَّاعِر إِلَى تحريكها فأبدلها تَاء وَفتحهَا. قَالَ ابْن جنّي: أَرَادَ أَن يجريه فِي الْوَصْل على حدّ مَا يكون عَلَيْهِ فِي الْوَقْف وَذَلِكَ أَنه يُقَال فِي الْوَقْف هَؤُلَاءِ مسلمونه وضاربونه فتلحق الْهَاء لبَيَان حَرَكَة النُّون كَمَا أنشدوا: الرجز (أهكذا يَا طيب تفعلونه ... أعللاً وَنحن منهلونه) فَصَارَ التَّقْدِير العاطفونه ثمَّ إنّه شبه هَاء الْوَقْف بهاء التَّأْنِيث فَلَمَّا احْتَاجَ إِقَامَة الْوَزْن إلأى حَرَكَة الْهَاء قَلبهَا بتاء كَمَا تَقول فِي الْوَقْف: هَذَا طلحه فَإِذا وصلت صَارَت الْهَاء تَاء فَقلت) هَذَا طلحتنا. وعَلى هَذَا قَالَ العاطفونه. وَيُونُس بصحّة هَذَا قَول الرّاجز: الرجز (من بعد مَا وَبعد مت ... صَارَت نفوس الْقَوْم عِنْد الغلصمت) أَرَادَ: وَبعد مَا فأبدل الْألف فِي التَّقْدِير هَاء فَصَارَت بِعَدَمِهِ ثمَّ إنّه أبدل الْهَاء تَاء لتوافق بقيّة القوافي الَّتِي يَليهَا وشجّعه شبه الْهَاء الْمقدرَة فِي قَوْله وبعدمه بهاء التَّأْنِيث فِي طَلْحَة وَحَمْزَة وَلما كَانَ يراهم قد يَقُولُونَ فِي الْوَقْف: هَذَا

طلحت وحمزت قَالَ هُوَ أياً وبعدمت فأبدل الْهَاء المبدلة من الْألف تَاء. وَلَيْسَ شَيْء مِمَّا يضطرون إِلَيْهِ إلاّ وهم يحاولون بِهِ وَجها. فَإِذا جَازَ أَن تشبه هَاء وبعدمه بتاء الائيث حَتَّى يُقَال فِيهَا وبعدمت جَازَ أَيْضا أَن تشبه هَاء العاطفونه بهاء التَّأْنِيث فَيُقَال العاطفونت وَفتحت التَّاء كَمَا فتحت فِي آخر ربّت وثمّت. انْتهى مُخْتَصرا. قَالَ ابْن السيرافيّ: وَيجوز أَن ينشد العاطفونه بِإِسْكَان الْهَاء فَيكون قد أضمر وَجعل مستفعلن فِي مَوضِع متفاعلن. وأظنّ أنّ الرّواة غيّروه وحرّكوه طلبا لِأَن يكون الْجُزْء تَاما على الأَصْل. انْتهى. وَالْوَجْه الثَّانِي ذكره ابْن مَالك فِي التسهيل وَتَبعهُ شَارِح اللبّ: وَهُوَ أَن التَّاء بقيّة لات فحذفت لَا وَبقيت التَّاء. قَالَ: وَقد يُضَاف إِلَى لات حِين لفظا أَو تَقْديرا وربّما اسْتغنى مَعَ التَّقْدِير عَن لَا بِالتَّاءِ. ومثّل ابْن عقيل للأوّل بقوله: الوافر أَي: أذيتي ومثّل للثَّانِي بقوله: الوافر (تذكّر حبّ ليلى لات حنيناً ... وَأمسى الشّيب قد قطع القرينا) أَي: حِين لات حِين تذكر. ومثّل للثَّالِث بقوله: العاطفون تحين مَا من عاطفٍ ... ... ... . . الْبَيْت أَي: حِين لات حِين مَا من عاطف فَحذف حِين وَلَا. هَذَا كَلَامهمَا وَلَا يخفى تعسّفه. وَتَخْرِيج هَذَا الْبَيْت على زِيَادَة التَّاء أسهل وَأَقل كلفة من هذَيْن التخريجين وَإِن كَانَ لَا يطّرد زِيَادَة التَّاء فِي كل مَوضِع فِيهِ لَا. وَهَذِه التَّاء زيادتها غير مطّردة) وَغير لَازِمَة. وَقد سمع زيادتها مَعَ لفظ

الْآن أَيْضا قَالَ أَبُو زيد فِي نوادره: سَمِعت من يَقُول حَسبك تالآن يُرِيد الْآن. وَقَالَ ابْن الْأَحْمَر: (نولّي قبل نأي دَاري جمانا ... وصلينا كَمَا زعمت تالآنا) أَي: كَمَا زعمت الْآن. ونوّلي: أَمر من النّوال وَهُوَ الْقبْلَة. وجمانا : منادى مرخّم جمانة بِضَم وَهَذَا الْبَيْت الشَّاهِد من قصيدةٍ لأبي وجزة السّعديّ مدح بهَا آل الزّبير بن العوّام لكنه مركب من مصراعي بَيْتَيْنِ وَقع فِي صِحَاح الجوهريّ هَكَذَا فَتَبِعَهُ الشَّارِح الْمُحَقق وَغَيره. وَالَّذِي فِي ديوانه كَذَا: الْكَامِل (وَإِلَى ذرا آل الزّبير بفضلهم ... نعم الذّرا فِي النّائبات لنا هم) (العاطفون تحين مَا من عاطفٍ ... والمسبغون يدا إِذا مَا انعموا) (واللاحقون دفانهم قمع الذّرا ... والمطعمون زمَان أَيْن الْمطعم) (والمانعون من الهضيمة جارهم ... والحاملون إِذا الْعَشِيرَة تغرم) والذّرا بِالْفَتْح: كلّ مَا استترت بِهِ يُقَال: أَنا فِي ظلّ فلَان وَفِي ذراه أَي: فِي كنفه وستره. والنائبات: شَدَائِد الدّهر وحوادثه. وَفِي وَاللَّام متعلقان بالذّرا لأنّه بِمَعْنى الملتجأ. وهم هُوَ الْمَخْصُوص بالمدح. والْعَطف: الشَّفَقَة والتحنّن. وتحين ظرف للعاطفون وَالتَّاء زَائِدَة أَو أنّها مُتَّصِلَة بِمَا قبلهَا على أنّها هَاء السكت كَمَا بيّناه وعَلى هذَيْن الْقَوْلَيْنِ مَا نَافِيَة وَحين مُضَافَة إِلَى الْجُمْلَة المنفيّة فَإِن من زَائِدَة. وعاطف مُبْتَدأ خَبره مَحْذُوف أَي: يُوجد وَنَحْوه أَو أَنه بقيّة لات وحِين خَبَرهَا وَاسْمهَا مَحْذُوف كَمَا قَالَ ابْن مَالك. وَفِيه غرابةٌ حَيْثُ يحذف الْعَامِل وَيبقى مِنْهُ حرف وَينظر على هَذَا فِي حِين هَل

هِيَ مُضَافَة إِلَى الْجُمْلَة المنفيّة أَو أنّ مَا لَيست نَافِيَة فَإِن كَانَت نَافِيَة انْتقض النَّفْي الأوّل بهَا. وَهَذَا غير مُرَاد الشَّاعِر. وَإِن كَانَت غير نَافِيَة فَينْظر من أَي أَنْوَاع مَا هِيَ. وَبِالْجُمْلَةِ: كَون التَّاء بقيّة لات يشكل عَلَيْهِ معنى الْبَيْت وَإِعْرَابه وَلَا دَاعِي إِلَى هَذَا كُله. وَقَالَ نَاظر الْجَيْش: وَتَخْرِيج الْبَيْت على مَا ذكره المصنّف لَا يتعقّل لأنّه يكون الْمَعْنى هم العاطفون وَقت لَيْسَ الْحِين حِين لَيْسَ ثمّ عاطف.) وروى صَاحب الْغَرِيب المصنّف: المفضلون بدل المسبغون من الإفضال وَهُوَ الإنعام والجيّد هُوَ الأوّل. والْيَد: النِّعْمَة. يَقُول: هم يعطفون على من سَأَلَهُمْ وَاحْتَاجَ إِلَيْهِم إِذا اشتدت الْأَحْوَال وأجدب الزَّمَان وَلم يجد المسترفد رافداً وَإِذا أنعموا أوسعوا على الْمُنعم عَلَيْهِ إفضالاً ونائلاً. وَقَوله: اللاحقون الخ أَي: والمتبعون يُقَال: لحقته وَلَحِقت بِهِ من بَاب تَعب لحَاقًا بِالْفَتْح إِذا تَبعته وأدركته وألحقته بِالْألف مثله ولحقه الثّمن لُحُوقا: لزمَه فاللحوق: اللُّزُوم واللّحاق: الْإِدْرَاك. كَذَا فِي الْمِصْبَاح. والجفان بِالْكَسْرِ: جمع جَفْنَة بِالْفَتْح وَهِي الْقَصعَة الْكَبِيرَة للطعام. والقمع بِفَتْح الْقَاف والذّرا بِالضَّمِّ: جمع ذرْوَة بِضَم الذَّال وَكسرهَا: أَعلَى السنام إنّما خصّة لأنّه أطيب لحم الْإِبِل عِنْدهم. وزمَان ظرف للمطعمون وَهُوَ مُضَاف للجملة بعده لَكِن بِتَقْدِير مُضَاف أَي: زمَان سُؤال أَيْن الْمطعم. وَرَوَاهُ الأمويّ على مَا نَقله أَبُو عبيد فِي الْغَرِيب المصنّف: والمطعمون زمَان مَا من مطعم

فَيكون فِي الْبَيْت على هَذِه الرِّوَايَة إقواء. مدحهم بأنّهم يطْعمُون الْفُقَرَاء أطيب اللَّحْم فِي أيّام الْقَحْط والجدب وَفِي الزَّمَان الَّذِي يتسلءل النَّاس عَن الكرماء المطعمين للطعام. وَقَوله: المانعون الخ الهضمية: الْمظْلمَة فَعَلَيهِ بِمَعْنى فاعلة من هضمت الشَّيْء إِذا كَسرته. والحاملون: من حمل الدّية. يَقُول: إِن وزّعت دِيَة قَتِيل على عشيرته حملهَا عَنْهُم وَدفعهَا من مَاله. وتركيب بَيت من بَيْتَيْنِ وَنَحْوه فِي الاستشهاد شَائِع عِنْد المصنّفين يَفْعَلُونَهُ قصدا إِمَّا لأنّ الْمَعْنى مُتَفَرقًا يكون فِي أَبْيَات وإمّا لأنّ فِي أحد المصراعين قلاقة معنى أَو لُغَة فيحتضرونه بِأخذ مصراعين مِنْهُ كَمَا فعل ابْن الشجريّ وَابْن هِشَام فِي الْمُغنِي فِي قَوْله: الطَّوِيل (وناهدة الثّديين قلت لَهَا اتّكي ... فَقَالَت على اسْم الله أَمرك طَاعَة) وَالْأَصْل هَكَذَا: الطَّوِيل (وناهدة الثّديين قلت لَهَا اتّكي ... على الرّمل من جنباته لم توسّد)) (فَقَالَت على اسْم الله أَمرك طاعةٌ ... وَإِن كنت قد كلّفت مَا لم أعوّد) فَأخذ مِنْهُمَا مصراعين وَلم يتَنَبَّه لهَذَا أحد من شرّاح الْمُغنِي. وكما فعل الزمخشريّ فِي المفصّل وَغَيره كَابْن هِشَام فِي الْمُغنِي فِي قَوْله:

الْكَامِل (حاشا أَبَا ثَوْبَان إنّ لَهُ ... ضنّاً على الملحاة والشّتم) وَهُوَ من قصيدة مسطورة ف يالمفضليات وَالْأَصْل: (حاشا أَبُو ثَوْبَان إنّ أَبَا ... ثَوْبَان لَيْسَ ببكمةٍ فدم) (عَمْرو بن عبد الله إنّ بِهِ ... ضنّاً على الملحاة والشّتم) وأَبُو وجزة هُوَ بِفَتْح الْوَاو وَسُكُون الْجِيم بعْدهَا زَاي مُعْجمَة يُقَال رجل وجز أَي: سريع الْحَرَكَة وَامْرَأَة وجزة. وَأَبُو وجزة اسْمه يزِيد بن عبيد وَقيل ابْن أبي عبيد. وَهُوَ شَاعِر ومحدث ومقرئ كَذَا قَالَ الصاغانيّ فِي الْعباب. وَقَالَ ابْن قُتَيْبَة فِي كتاب الشُّعَرَاء: هُوَ من بني سعد بن بكر بن هوَازن أظآر النّبيّ صلى الله عَلَيْهِ وسلّم وَكَانَ شَاعِرًا مجيداً وَهُوَ الَّذِي روى الْخَبَر فِي استسقاء عمر بن الخطّاب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: وتوفّي بِالْمَدِينَةِ سنة ثَلَاثِينَ وَمِائَة وَهُوَ أوّل من شّبب بِعَجُوزٍ. أَقُول: أَبُو وجزة إنّما هُوَ من بني سليم بِالتَّصْغِيرِ وإنّما نَشأ فِي بني سعد فغلب عَلَيْهِ نسبهم. وَقَالَ صَاحب التَّقْرِيب والتهذيب: أَبُو وجزة السَّعْدِيّ المدنيّ الشَّاعِر ثِقَة وَذكره ابْن سعد فِي الطَّبَقَة الرَّابِعَة من التَّابِعين ثمَّ ذكر مشايخه وتلاميذه.

(الشاهد الثاني والثمانون بعد المائتين)

وَأنْشد بعده وَهُوَ 3 - (الشَّاهِد الثَّانِي وَالثَّمَانُونَ بعد الْمِائَتَيْنِ) الْخَفِيف (طابوا صلحنا ولات أَوَان ... فأجبنا أَن لَيْسَ حِين بَقَاء) على أَن أَصله عِنْد المبرّد والسيرافيّ: ولات أَوَان طلبُوا فحذفت الْجُمْلَة وَبني أَوَان على السّكُون أَو على الْكسر ثمَّ أبدل التَّنْوِين من الْمُضَاف إِلَيْهِ كَمَا فِي يَوْمئِذٍ. قَالَ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي: قرئَ ولات حِين مناصٍ بخفض الجين فَزعم الفرّاء أَن لات تسْتَعْمل حرفا جارّاً لأسماء الزَّمَان خَاصَّة وَأنْشد: طلبُوا صلحنا ولات أوانٍ وَأجِيب عَن الْبَيْت بجوابين: أَحدهمَا: على إِضْمَار من الاستغراقيّة. وَنَظِيره فِي بَقَاء عمل الجارّ مَعَ حذفه وزيادته قَوْله: الوافر أَلا رجلٍ جزاه الله خيرا

وَالثَّانِي: أَن الأَصْل: ولات أَوَان صلح ثمَّ بنى الْمُضَاف لقطعه عَن الْإِضَافَة وَكَانَ بِنَاؤُه على الْكسر لشبهه بنزال وزنا ولأنّه قدّر بناءه على السّكُون ثمَّ كسر على أصل التقاء الساكنين كأمس ونوّن للضَّرُورَة وَقَالَ الزمخشريّ: للتعويض كيومئذ. وَلَو كَانَ كَمَا زعم لأعرب لِأَن الْعِوَض ينزّل منزلَة المعوّض مِنْهُ. وَعَن الْقِرَاءَة بِالْجَوَابِ الأوّل وَهُوَ وَاضح وَبِالثَّانِي وتوجيهه: أنّ الأَصْل حِين مناصهعم ثمَّ نزّل قطع الْمُضَاف إِلَيْهِ من مناص منزلَة قطعه من حِين لاّتحاد الْمُضَاف والمضاف إِلَيْهِ قَالَه الزمخشريّ. وَجعل التَّنْوِين عوضا من الْمُضَاف إِلَيْهِ ثمَّ بنى إِضَافَته إِلَى غير مُتَمَكن. انْتهى. وَالْأولَى أَن يُقَال: إنّ التَّنْزِيل الْمَذْكُور اقْتضى بِمَاء الْحِين ابْتِدَاء وإنّ المناص مُعرب وَإِن كَانَ قد قطع عَن الْإِضَافَة بِالْحَقِيقَةِ لكنه لَيْسَ بِزَمَان فَهُوَ ككل وَبَعض. انْتهى كَلَام ابْن هِشَام. أَقُول: تَقْدِير الْمُضَاف إِلَيْهِ جملَة هُوَ الْمُنَاسب لتشبيه أَوَان بيومئذ فِي الْبناء وغي كَون التَّنْوِين بَدَلا من الْمُضَاف إِلَيْهِ وَأما تَقْدِيره مُفردا ثمَّ تَعْلِيل بنائِهِ بِقطعِهِ عَن الْإِضَافَة كَمَا صنع ابْن هِشَام تبعا لغيره فَفِيهِ أنّ مَا ذكره مُخْتَصّ بالظروف النّسبيّة وَيكون بناؤها حِينَئِذٍ على الضمّ وَأما أَوَان فإنّه ظرف متصرف كَمَا يَأْتِي قَرِيبا وَلَيْسَ مضموماً كقبل وَبعد.) وَيجوز أَن يقدّر الْمُضَاف إِلَيْهِ ولات أَوَان نصطلح فإنّ المنفيّ فِي الْحَقِيقَة هُوَ أَوَان الصُّلْح أَو يقدّر جملَة اسمية أَي: ولات أَوَان صلحنا مُمكن فأوان خبر لات وَهُوَ مَنْصُوب لفظا أَو مَبْنِيّ على الفتحة إِضَافَته إِلَى مبنيّ وَاسْمهَا مَحْذُوف أَي: ولات الأوان.

قَالَ أَبُو عليّ فِي الْمسَائِل المنثورة: قَالَ أَبُو العبّاس المبّرد: أَوَان هُنَا مَبْنِيَّة لأنّ أَوَان تُضَاف إِلَى الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر فكأنك حذفت مِنْهُ الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر فنونّت ليعلم أنّك قد اقتطعت الْإِضَافَة مِنْهُ. وَلم يرتض ابْن جنّي فِي الخصائص كَون التَّنْوِين عوضا عَن الْجُمْلَة كيومئذ وفرّق بَينهمَا بِأَن إِذْ ظرف نَاقص وَأَوَان ظرف متصرّف. قَالَ: وتأوّل أَبُو العبّاس المبرّد قَول الشَّاعِر: طلبُوا صلحنا ولات أوانٍ ... ... ... ... ... الْبَيْت على أَنه حذف الْمُضَاف إِلَيْهِ أَوَان فعوض التَّنْوِين عَنهُ على حد قَول الْجَمَاعَة فِي تَنْوِين إِذْ. وَهَذَا لَيْسَ بالسهل وَذَلِكَ أنّ التَّنْوِين فِي نَحْو هَذَا إنّما دخل فِيمَا لَا يُضَاف إِلَى الْوَاحِد أَي: الْمُفْرد وَأما أَوَان فمعرب ويضاف إِلَى الْوَاحِد كَقَوْلِه: الطَّوِيل (فَهَذَا أَوَان الْعرض حيّ ذبابه ... زنانيره والأزرق المتلمس) وَقد كسّروه على آوانه وتكسيرهم إيّاه يبعده عَن الْبناء لأنّه أخذٌ بِهِ فِي شقّ التصريف والتصرّف. وَكَذَا قَالَ فِي سرّ الصِّنَاعَة: ذهب أَبُو العبّاس إِلَى أَن كسرة أَوَان لَيست إِعْرَاب وَلَا هِيَ علما للجرّ وَلَا أنّ التَّنْوِين الَّذِي بعْدهَا هُوَ التَّابِع لحركات الْإِعْرَاب وَإِنَّمَا تَقْدِيره عِنْده أنّ أَوَان بِمَنْزِلَة إِذْ فِي أنّ حكمه أَن يُضَاف إِلَى الْجُمْلَة نَحْو قَوْلك: جئْتُك أَوَان قَامَ زيد وَأَوَان الْحجَّاج أَمِير

أَي: إِذْ ذَاك كَذَلِك فلمّا حذف الْمُضَاف إِلَيْهِ أَوَان عوّض من الْمُضَاف إِلَيْهِ تنويناً. وَالنُّون عِنْده كَانَت فِي التَّقْدِير سَاكِنة كسكون ذال إِذْ فلمّا لقيها التَّنْوِين سَاكِنا كسرت النُّون لالتقاء الساكنين. فَهَذَا شرح هَذِه الْكَلِمَة وَقَوله هَذَا غير مرضيّ لأنّ أواناً قد يُضَاف إِلَى الْآحَاد نَحْو قَوْله: ارجز هَذَا أَوَان الشدّ فاشتدّي زيم وَقَوله: فَهَذَا أَوَان الْعرض وَغير ذَلِك. فَإِن قيل: فَإِذا كَانَ الْأَمر كَذَلِك فهلاّ حركوا النُّون فِي يَوْمئِذٍ وَأَوَان لسكونها وَسُكُون) الذَّال وَالنُّون قبله وَلم يحرّكوهما لذَلِك دونه فَالْجَوَاب: أنّهم لَو فعلوا ذَلِك لوَجَبَ أَن يَقُولُوا إِذن فَيُشبه التَّنْوِين الزَّائِد النُّون الأصيّلة. وايضاً فَلَو فعلوا ذَلِك فِي إِذْ لما أمكنهم أَن يفعلوه فِي اوان لأنّهم لَو آثروا إسكان النُّون لما قدرُوا على ذَلِك لأنّ الْألف سَاكِنة قبلهَا وَكَانَ يلْزمهُم من ذَلِك أَن يكسروا النُّون لسكونها وَسُكُون فَإِن قيل: فلعلّ على هَذَا كسرهم النُّون من أَوَان إنّما هُوَ لسكونها وَسُكُون الْألف قبلهَا دون أَن يكون كسرهم ذال إِذْ لسكونها وَسُكُون التَّنْوِين بعْدهَا. فعلى هَذَا يَنْبَغِي أَن يحمل كسر النُّون من أَوَان لِئَلَّا يخْتَلف الْبَاب

وَلِأَن أَوَان أَيْضا لم ينْطق بِهِ قبل لحاق التَّنْوِين لنونه فيقدّر مكسور النُّون لسكونها وَسُكُون الْألف قبلهَا وإنّما حذف مِنْهُ الْمُضَاف إِلَيْهِ وعوّض مِنْهُ التَّنْوِين عقيب ذَلِك فَلم يُوجد لَهُ زمن يلفظ بِهِ بِلَا تَنْوِين فَيلْزم الْقَضَاء بِأَن نونه إنّما كسرت لكَون الْألف قبلهَا فاعرف ذَلِك من مَذْهَب أبي العبّاس. وأمّا الْجَمَاعَة غَيره وَغير أبي الْحسن فعندهم أنّ أَوَان مجرورة بلات وأنّ ذَلِك لُغَة شاذّة. وروينا عَن قطرب قَالَ: قِرَاءَة عِيسَى: ولات حِين مناصٍ بِالْجَرِّ. انْتهى كَلَامه. وَهَذَا حقّ لَا شُبْهَة فِيهِ فَالْوَجْه كَون لات فِيهِ حرف جرّ كَمَا نَقله الفرّاء فِي قَوْله: ولات سَاعَة. وَفِي هَذَا الْبَيْت أَيْضا. وَكَذَلِكَ نَقله أَبُو عليّ فِي الْمسَائِل عَن أبي عمر الْجرْمِي. وَاسْتَشْكَلَهُ أَبُو عليّ بأنّ حُرُوف الجرّ لَا بدّ أَن تتعلّق بِشَيْء ولات هُنَا لَا تتَعَلَّق بِشَيْء كَمَا بيّنه الشَّارِح وَجَوَابه: أنّ لنا حُرُوف جرّ لَا تتَعَلَّق بِشَيْء مِنْهَا لَوْلَا فِي نَحْو قَوْله: لولاي ولولاه فَلْيَكُن هَذَا مِنْهَا. وَقَول ابْن هِشَام: وَزعم الفرّاء أَن لات تجرّ أَسمَاء الزّمان خَاصَّة تقدم النّقل عَنهُ قبل هَذَا وَقَوله: وَأجِيب عَن الْبَيْت بجوابين: أَحدهمَا: على إِضْمَار من الخ هَذَا الْجَواب فَاسد لأنّ تَقْدِير من يَقْتَضِي أَن لَا يكون لَهَا مَعْمُول وَإِذا لم يكن لَهَا مَعْمُول اقْتضى كَونهَا غير عاملة. وَالْجَوَاب إنّما هُوَ لبَيَان عَملهَا.

وَمن الْغَرِيب قَول أبي حيّان على مَا نَقله السّمين فِي إعرابه: إِن من المقدّرة ومجرورها موضعهما رفع على أَنَّهُمَا اسْم لات. قَالَ: كَمَا تَقول لَيْسَ من رجل قَائِما وَالْخَبَر مَحْذُوف. هَذَا كَلَامه. وَقَوله: وَعَن الْقِرَاءَة بِالْجَوَابِ الأوّل. وَهَذَا الْجَواب لَا يصحّ هُنَا أَيْضا لما بيّنّاه.) وَقَوله: وتوجيهه أنّ الأَصْل حِين مناصهم الخ وَهَذَا الأَصْل لَا يصحّ لأنّ مَعْمُول لات لَا يجوز إِضَافَته إلاّ إِلَى نكرَة. وَدَعوى أَن الْمُضَاف وَهُوَ حِين اكْتسب الْبناء من الْمُضَاف إِلَيْهِ فَفِيهَا أنّ شَرط اكْتِسَاب الْبناء بِالْإِضَافَة فِي مثله أَن يكون الْمُضَاف زَمَانا مُبْهما والمضاف إِلَيْهِ إِمَّا إِذْ أَو فعل أَو جملَة اسمية وماص لَيْسَ وَاحِدًا مِنْهَا. ثمَّ إنّ الْبناء إنّما سمع فِيمَا ذكرنَا على الْفَتْح لَا على الْكسر. وَنقل السّمين فِي إعرابه عَن الْأَخْفَش أنّه خرّج الْبَيْت على حذف مُضَاف أَي: ولات حِين أَوَان فَبَقيَ الْمُضَاف إِلَيْهِ مجروراً بعد حذف الْمُضَاف. وردّ عَلَيْهِ مكّي بأنّه كَانَ يَنْبَغِي أأن يقوم وَأجَاب عَنهُ السّمين بِأَن بَقَاء مثله على الجرّ قَلِيل وَمِنْه قِرَاءَة من قَرَأَ: وَالله يُرِيد الْآخِرَة بجرّ الى خرة. أَقُول: تَقْدِير هَذَا الْمُضَاف لَا قرينَة تدلّ عَلَيْهِ وَإِن صحّ إِضَافَة حِين إِلَى أَوَان بِجعْل الْحِين عَاما والأوان خاصّاً بِحمْلِهِ على أَوَان الصُّلْح. ثمَّ قَالَ السمين: وَقَالَ الزجّاج: الأَصْل ولات أواننا فَحذف الْمُضَاف إِلَيْهِ

فَوَجَبَ ألاّ يعرب وكسره لالتقاء الساكنين. قَالَ أَبُو حيّان: وَمِنْه أَخذ الزَّمَخْشَرِيّ قَوْله أَصله وَلَا أَوَان صلح. أَقُول: عبارَة الزّجاج فِي تَفْسِيره: وَمن خفض جعلهَا مبنيّة مَكْسُورَة لالتقاء السّاكنين كَمَا قَالُوا فدَاء لَك فبنوه على الْكسر. وَلما قَالَ ولات أَوَان جعله على معنى لَيْسَ حِين أواننا فلمّا حذف الْمُضَاف إِلَيْهِ بنى على الْوَقْف ثمَّ كسر لالتقاء الساكنين. وَالْكَسْر شاذّ شَبيه بالْخَطَأ عِنْد البصريّين. انْتهى. وَهَذَا الْبَيْت من قصيدة لأبي زبيدٍ الطّائيّ النّصرانيّ. سَببهَا مَا حَكَاهُ أَبُو عَمْرو الشيبانيّ وَابْن الأعرابيّ قَالَا: نزل رجلٌ من بني شَيبَان اسْمه المكاء برجلٍ من طيّئ فأضافه وسقاه فلمّا سكر وثب إِلَيْهِ الشّيبانيّ بِالسَّيْفِ فَقتله وَخرج هَارِبا. وافتخر بَنو شَيبَان بذلك فَقَالَ أَبُو زبيد هَذِه القصيدة. وَهَذِه أَبْيَات مِنْهَا: الْخَفِيف (ولعمري لعارها كَانَ أدنى ... لكم من تقى وَحسن وَفَاء) (ظلّ ضيفاً أخوكم لأخينا ... فِي صبوحٍ ونعمةٍ وشواء) (لم يهب حُرْمَة النّديموحقت ... يَا لقومي للسّوءة السّواء) (فاصدقوني وَقد خبرتم وَقد ثا ... بت إِلَيْكُم جوائب الأنباء)) (هَل علمْتُم من معشرٍ سافهونا ... ثمّ عاشوا صفحاً ذَوي غلواء) (كم أزالت رماحنا من قتيلٍ ... قاتلونا بنكبة وشقاء) (بعثوا حربنا إِلَيْهِم وَكَانُوا ... فِي مقامٍ لَو أبصروا ورخاء) (ثمّ لمّا تشذّرت وأنافت ... وتصلوا مِنْهَا كريه الصّلاء)

. (طلبُوا صلحنا ولات أوانٍ ... فأجبنا أَن لَيْسَ حِين بَقَاء) (ولعمري لقد لقوا أهل بأسٍ ... يصدقون الطّعان عِنْد اللّقاء) (وَلَقَد قَاتلُوا فَمَا جبن القو ... م عَن الْأُمَّهَات وَالْأَبْنَاء) إِلَى أَن قَالَ: (فاصدقوني أسوقةٌ أم ملوكٌ ... أَنْتُم والملوك أهل عَلَاء) (أبديءٌ أَن تقتلُوا إِذْ قتلتم ... أم لكم بسطةٌ على الْأَكفاء) (فلحا الله طَالب الصّلح منّا ... مَا اطاف المبسّ بالدّهناء) (إننا معشرٌ شَمَائِلنَا الصّب ... ر وَدفع الأسى بِحسن العزاء) (وَلنَا فَوق كلّ مجدٍ لواءٌ ... فاضلٌ فِي التّمام كلّ لِوَاء) (فَإِذا مَا اسْتَطَعْتُم فاقتلونا ... من يصب يرتهن بِغَيْر فدَاء) المكّاء بِضَم الْمِيم وَتَشْديد الْكَاف: اسْم الشيبانيّ الْقَاتِل. وعارها: عَار الضّربة. وَقَوله: لم يهب حُرْمَة النّديم الخ أوردهُ صَاحب الكشّاف عِنْد قَوْله تَعَالَى: كَيفَ يواري سوءة أَخِيه على أنّ السوءة مَا يقبح كشفه. والسّوءة السّواء على وزن اللَّيْلَة الليلاء: الحصلة القبيحة. ويهب: من الهيبة وَالْخَوْف. وَالْمعْنَى: أَنه لم يعظم حُرْمَة الصاحب وحقّت تِلْكَ الْحُرْمَة بِأَن تهاب. ثمَّ نَادَى قومه ليعجّبهم من النّظر إِلَى هَذِه الفضيحة الَّتِي هِيَ هتك حُرْمَة النديم. وَرُوِيَ: وَلَكِن بدل قَوْله: وحقّت.

وَقد وَقع الْعَجز شَاهدا فِي الكشّاف قَالَ الطّيبيّ: إنّي لم أظفر بصدره وَلَا بقائله. وجوائب الأنباء: جمع جائبة من الْجَواب وَهُوَ الْقطع. قَالَ فِي الصِّحَاح: يُقَال هَل جَاءَكُم جائبة خبر أَي: خبر يجوب الأَرْض من بلد إِلَى بلد. وَقَوله: سافهونا من السّفه وَهُوَ ضدّ الْحلم. وصفحاً: غعراضاً مِنْهُم. وذَوي حَال من) الْوَاو فِي عاشوا. والغلواء بِضَم الْمُعْجَمَة: النشاط ومرح الشَّبَاب. وَقَوله: لَو أبصروا لَو للتمنّي. ورخاء: مَعْطُوف على مقَام. وتشذّرت بالشين والذال المعجمتين قَالَ فِي الصِّحَاح: يُقَال: تشذّر فلَان: إِذا تهيّأ لِلْقِتَالِ وتشذّر الْقَوْم فِي الْحَرْب: أَي تطاولوا. وأنافت: زَادَت. وتصلّوا: من صلي بالنَّار صلّى من بَاب تَعب: وجد حرّها. والصّلاء كتاب: حرّ النَّار. وَقَوله: طلبُوا صلحنا الخ هُوَ جَوَاب لّما. وَمن الْعَجَائِب قَول العينيّ: طلبُوا فعل وفاعله مستتر فِيهِ ولات أَوَان فِي مَحل الْحَال من الصُّلْح. وَقَوله: فأجبنا مَعْطُوف على طلبُوا وَأَن مصدريّة يُقَال: أَجَابَهُ بِكَذَا. وَقَالَ السيوطيّ: هِيَ تفسيريّة. وحِين خبر لَيْسَ أَي: لَيْسَ الْحِين حِين بَقَاء. والْبَقَاء: اسْم من قَوْلهم أبقيت على فلَان إبْقَاء: إِذا رَحمته وتلطّفت بِهِ. وَالْمَشْهُور أنّ الِاسْم مِنْهُ البقيا بِالضَّمِّ والبقوى بِالْفَتْح. وَقَالَ العينيّ وَتَبعهُ السّيوطيّ: الْمَعْنى بَقَاء الصُّلْح. وَقَوله: أبديءٌ الْهمزَة للاستفهام الإنكاريّ وبديء بِالْهَمْز كبديع وزنا وَمعنى. وتقتلُوا بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول وقتلتم بِالْبِنَاءِ للْفَاعِل.

وَقَوله: فلحا الله أَي: قبح الله. وَقَوله: مَا أطاف الخ مَا: مَصْدَرِيَّة ظرفيّة. وأطاف وَطَاف بِمَعْنى دَار حول الشَّيْء. والمبسّ: حاديّ الْإِبِل وَهُوَ فِي الأَصْل اسْم فَاعل من أبسست الْإِبِل: إِذا زجرتها. والدهناء: مَوضِع فِي بِلَاد بني تَمِيم. ويصب ويرتهن كِلَاهُمَا بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول. وأَبُو زبيد اسْمه الْمُنْذر بن حَرْمَلَة من طَيئ. قَالَ أَبُو حَاتِم فِي كتاب المعمرين وَابْن قُتَيْبَة فِي كتاب الشُّعَرَاء وَغَيرهمَا: عَاشَ أَبُو زبيد مائَة وَخمسين سنة وَكَانَ نصرانيّاً غَيره. وَكَانَ عُثْمَان بن عفّان يقرّبه ويدنيّ مَجْلِسه. وَكَانَ مغرىً بِوَصْف الْأسد بعبارات

مهولة تزعج السّامع حتّى كأنّه يُشَاهد الْأسد فِي حُضُوره فَقَالَ لَهُ عُثْمَان رَضِيَ اللَّهُ عَنْه يَوْمًا: إنّي لأحسبك جَبَانًا. فَقَالَ: كلا يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ وَلَكِن رَأَيْت مِنْهُ منْظرًا وَشهِدت مِنْهُ مشهداً لَا يبرح ذكره يتردّد ويتجدّد فِي قلبِي. ثمّ وصف مَا شَاهد مِنْهُ وَنقل كَلَامه برمتّه صَاحب الأغاني إِلَى أَن قَالَ لَهُ عُثْمَان رَضِي الله) عَنهُ: اسْكُتْ قطع الله لسَانك قد أرعبت قُلُوب الْمُؤمنِينَ. وَقَالَ الطبريّ: كَانَ أَبُو زيد فِي الْجَاهِلِيَّة مُقيما فِي أَخْوَاله بني تغلب بالجزيرة وَفِي الْإِسْلَام مُنْقَطِعًا إِلَى الْوَلِيد بن عقبَة بن أبي معيط فِي ولَايَة الجزيرة وَولَايَة الْكُوفَة وَلم يزل بِهِ الْوَلِيد حتّى أسلم وَحسن إِسْلَامه. هَذَا كَلَامه وَهُوَ خلاف مَا قَالَ الْعلمَاء: أنّه مَاتَ على نصرانيّته. قَالَ صَاحب الأغاني: ولّما وَفد أَبُو زبيد إِلَى الْوَلِيد بن عقبَة أَيَّام ولَايَته الْكُوفَة أنزلهُ دَار عقيل بن أبي طَالب على بَاب الْمَسْجِد فاستوهبها مِنْهُ فَوَهَبَهَا لَهُ فَكَانَ ذَلِك أوّل مَا طعن بِهِ على الْوَلِيد لأنّ أَبَا زبيد كَانَ يخرج مِنْهَا إِلَى الْوَلِيد فيسمر عِنْده وَيشْرب مَعَه ويشقّ الْجَامِع وَهُوَ سَكرَان فَلَمَّا شهد على الْوَلِيد بِشرب الْخمر عَزله عُثْمَان عَن الْكُوفَة وحدّه فِي الْخمر. وَقَالَ ابْن قُتَيْبَة: وَلما اعتزل الْوَلِيد بن عقبَة عليّاً وَمُعَاوِيَة صَار إِلَى الرّقة وَكَانَ أَبُو زبيد ينادمه. وَقَالَ صَاحب الأغاني: وَمَات الْوَلِيد قبل أبي زبيد فمرّ أَبُو زبيد بقبره فَوقف ثمَّ قَالَ:

الْكَامِل. (يَا هاجري إِذْ جِئْت زائرة ... مَا كَانَ من عاداتك الهجر) (يَا صَاحب الْقَبْر السّلام على ... من حَال دون لِقَائِه الْقَبْر) ثمَّ انْصَرف. وَكَانَ يَجِيء إِلَى قَبره فيشرب عِنْده ويصبّ الشَّرَاب على قَبره ويبكي. وَبَقِي أَبُو زبيد إِلَى أَيَّام مُعَاوِيَة. قَالَ أَبُو حَاتِم وَغَيره: كَانَ يَجْعَل لَهُ فِي كل يَوْم أحد طعامٌ كثير ويهيأ لَهُ شرابٌ كثير وَيذْهب أَصْحَابه يتفرقون فِي الْبيعَة ويحملنه النِّسَاء فيضعه فِي ذَلِك الْمجْلس فيشرب والنّصارى حوله فَجَاءَهُ الْمَوْت فَقَالَ: الطَّوِيل (إِذا جعل الْمَرْء الَّذِي كَانَ حازماً ... يحلّ بِهِ حلّ الحوار وَيحمل) (فَلَيْسَ لَهُ فِي الْعَيْش خير يُريدهُ ... وتكفينه مَيتا أعفّ وأجمل) (أَتَانِي رَسُول الْمَوْت يَا مرْحَبًا بِهِ ... لآتيه وسوف وَالله أفعل) ثمَّ مَاتَ فَجَاءَهُ اصحابه فوجدوه مَيتا فَدفن على البليخ وَهُوَ مَوضِع إِلَى جَانب قبر الْوَلِيد بن عقبَة. وَفِي ذَلِك يَقُول أَشْجَع السّلميّ وَقد مرّ بقبرهما: الوافر (مَرَرْت على عِظَام أبي زبيدٍ ... وَقد لاحت ببلقعة صلود)

(الشاهد الثالث والثمانون بعد المائتين)

. (وَكَانَ لَهُ الوليدج نديم صدقٍ ... فنادم قَبره قبر الْوَلِيد) وَأنْشد بعده: أَلا رجلٍ على أنّ رجلا مجرور بِمن المقدّرة. وَهُوَ قِطْعَة من بَيت وَهُوَ: (أَلا رجلٍ جزاه الله خيرا ... يدلّ على محصّلةٍ تبيت) وَذكر الشَّارِح المحقّق هُنَاكَ أَن رجل يرْوى أَلا رجلا وبالرفع وبالجرّ. وَأنْشد بعده وَهُوَ 3 - (الشَّاهِد الثَّالِث وَالثَّمَانُونَ بعد الْمِائَتَيْنِ) الْكَامِل (حنّت نوار ولات هنّا حنّت ... وبدا الَّذِي كَانَت نوار أجنّت) على أنّ هنّا فِي الأَصْل للمكان استعير للزمان وَهُوَ مُضَاف إِلَى الْجُمْلَة الفعلية وَهُوَ حنت. يُرِيد أَن لات مَعَ هنّا عاملة عمل لَيْسَ أَيْضا لَا مُهْملَة وإلاّ لما احْتَاجَ إِلَى هَذَا التَّأْوِيل فِي هنّا. وَاعْلَم أنّ هنّا بِفَتْح الْهَاء وَكسرهَا مَعَ تَشْدِيد النُّون ححاهما السيرافيّ وَقَالَ: الْكسر رَدِيء. وَوهم العينيّ هُنَا فضبط الْهَاء بِالضَّمِّ وَتَبعهُ السيوطيّ فِي شرح شَوَاهِد الْمُغنِي. وَهِي عِنْد أهل اللُّغَة قاطبة اسْم إِشَارَة

للقريب وَعند ابْن مَالك للبعيد. قَالَ صَاحب الصِّحَاح: هنّا بِالْفَتْح وَالتَّشْدِيد مَعْنَاهُ هَاهُنَا وهنّاك أَي: هُنَاكَ. قَالَ: الرجز (لمّا رَأَيْت محمليها هنّا ... محدّرين كدت أَن أجنّا) وَمِنْه قَوْلهم: تجمعُوا من هنّا وَمن هنّا أَي: من هَاهُنَا وَمن هَاهُنَا. انْتهى. وَمن لَازم اسْم الْإِشَارَة التَّعْرِيف وَعدم إِضَافَته إِلَى شَيْء وَقد ورد فِي الشّعْر كثيرا لات هنّا فالتزم أَبُو عليّ الفارسيّ وَتَبعهُ ابْن مَالك إهمال لات لأنّها لَا يصحّ إعمالها فِي معرفَة وَمَكَان وَقَالا: إِذا دخلت لات على هنّا كَانَت مُهْملَة وَكَانَت هنّا مَنْصُوبَة على الظّرْف فِي مَوضِع رفع على الْخَبَر لمبتدأ بعْدهَا سَوَاء كَانَ اسْما نَحْو: الْخَفِيف لات هنّا ذكرى جبيرَة وَأورد عَلَيْهِ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي وَفِي شرح شواهده أنّ فِيهِ الْجمع بَين معموليها وَإِخْرَاج هنّا) عَن الظرفيّة وإعمال لات فِي معرفَة ظَاهِرَة وَفِي غير الزَّمَان وَهُوَ جملَة النائبة عَن الْمُضَاف وَحذف الْمُضَاف إِلَى جملَة. انْتهى. وَذهب بعض شرّاح المفصّل إِلَى أنّ هنّا خبر لات وَاسْمهَا مَحْذُوف وأنّ هنّا بِمَعْنى الْحِين وَالتَّقْدِير لَيْسَ الْحِين حِين حنينها. وَهَذَا مُرَاد الشَّارِح المحقّق: فَقَوله: إنّ هنّا فِي الأَصْل للمكان استعير للزمان قصد بِهِ الردّ على أبي عليّ وَمن تبعه بأنّ هنّا لَيست على أَصْلهَا

حتّى يلْزم الْمَحْذُور بل قد استعيرت للزمان فَهِيَ ظرف بِمَعْنى حِين وَكَانَ أَصْلهَا الْإِشَارَة للمكان فتوسّع فِيهَا فَجعلت مجرّدة للزمان. وَالْمعْنَى فِي جَمِيع مَا ورد شَاهد لَهُ فتيقى لات على مَا عهد لَهَا من الْعَمَل عِنْد سِيبَوَيْهٍ وَمن وَقَوله: وَهُوَ مُضَاف إِلَى الْجُمْلَة أَرَادَ بِهِ الردّ على ابْن عُصْفُور: بأنّ هنّا خبر لات لَا اسْمهَا وأنّها مُضَافَة إِلَى الْجُمْلَة بعْدهَا لَا أنّ الْجُمْلَة خبر لات بِتَقْدِير مُضَاف. وَالشَّارِح المحقّق قد أَخذ كَلَامه هَذَا من الْإِيضَاح لِابْنِ الْحَاجِب فإنّه قَالَ فِي فصل إِضَافَة أَسمَاء الزَّمَان إِلَى الْجمل: هنّا فِي قَوْله: لولات هنّا حنّت الْبَيْت مَحْمُول على الزَّمَان لأمور: أَحدهَا: أنّ لَا الَّتِي لنفي الْجِنْس المكسوعة بالتّاء لَا تدخل إلاّ على الأحيان. وَالثَّانِي: أنّ الْمَعْنى إِنْكَار الحنين بعد الْكبر وَذَلِكَ إنّما ينحقّق بِالزَّمَانِ لَا بِالْمَكَانِ. وَالثَّالِث: أنّه لَو جعل للمكان لم يصحّ إِضَافَته إِلَى الْفِعْل إِذْ لم يضف من أَسمَاء الْمَكَان إِلَى الْأَفْعَال إلاّ الظروف غير المتمكنة كحيث. انْتهى. وَقد ذهب ابْن الخبّاز أَيْضا فِي النِّهَايَة إِلَى هنّا مضافةٌ إِلَى الْجُمْلَة بعْدهَا. نَقله عَنهُ ابْن هِشَام فِي شرح شواهده وردّه بِأَن اسْم الْإِشَارَة لَا يُضَاف. وَهَذَا الردّ غير متّجه فإنّ من يَجْعَلهَا مُضَافَة إِلَى الْجُمْلَة كالزمخشري

فِي المفصّل لم يقل إنّها اسْم إِشَارَة مُضَافَة إِلَى الْجُمْلَة إِذْ من الْقَوَاعِد أنّ أَسمَاء الْإِشَارَة لَا تصحّ إضافتها إِلَى شَيْء وإنّما هِيَ عِنْده مجردّة لِمَعْنى الْحِين. وَبِمَا ذكرنَا يسْقط أَيْضا توقّف الدّمامينيّ فِي شرح التسهيل عِنْدَمَا نقل كَلَام الشَّارِح هُنَاكَ وَقَالَ: قَوْله: وَهُوَ مُضَاف إِلَى الْجُمْلَة إِن كَانَ مَعَ الْتِزَام أَنه اسْم إِشَارَة فمشكل لِأَنَّهُ لَا يُضَاف وَإِن كَانَ مَعَ ادّعاء التجرّد عَنْهَا فَيحْتَاج إِلَى نقل هـ. وَمِنْه تعلم فَسَاد كَلَام الشاطبيّ أَيْضا وَجعله هنّا اسْم إِشَارَة للزمان مَعَ إِعْمَال لات فإنّه قَالَ:) فَإِن قيل من شَرط لات عَملهَا فِي زمَان منكّر. وَقَوْلهمْ ولات هنّا حنّت وَنَحْوه هنّا فِيهِ معرفَة وَهِي إِشَارَة للمكان. . فَالْجَوَاب أنّ هنّا لَا تختصّ بِالْإِشَارَةِ إِلَى الْمَكَان بل قد يُرَاد بهَا الزَّمَان وَمن ذَلِك هَذِه الْمَوَاضِع فإنّ مَعْنَاهَا الْإِشَارَة إِلَى الزَّمَان أَي: ذكرى جبيرَة لَيْسَ فِي هَذَا الزَّمَان وحنينها لَيْسَ فِي هَذَا الْوَقْت. وأمّا عَملهَا فِي الْمعرفَة فإنّها عِنْد ابْن مَالك غير عاملة فِي هَذِه الْمَوَاضِع هـ. فغن قلت: كَيفَ الْتزم الشَّارِح المحقّق أَن يُضَاف هنّا إِلَى الْجُمْلَة وَقد وَقع بعْدهَا الْمُفْرد فِي قَول الْأَعْشَى: الْخَفِيف (لات هنّا ذكرى جبيرَة أم من ... جَاءَ مِنْهَا بطائف الْأَهْوَال) وَفِي قَول الطّرمّاح: الْخَفِيف (لات هنّا ذكرى بلهنية الدّه ... ر وأنّي لذِي السّنين المواضي)

قلت: ذكرى مفعول مُطلق عَامله مَحْذُوف أَي: لات هنّا أذكر ذكرى جبيرَة فالجملة محذوفة والحنين: الشوق ونراع النَّفس إِلَى الشَّيْء. وَالتَّاء من حنّت وأجنّت مَكْسُورَة للوزن. ونوار: فَاعل حنّت مبنيّ على الْكسر فِي لُغَة الْجُمْهُور وَعند تَمِيم مُعرب لَا ينْصَرف وَهُوَ من أَسمَاء النِّسَاء مَأْخُوذ من نارت الْمَرْأَة تنور: إِذا نفرت من الرِّيبَة وَجمع نوار بِالضَّمِّ. وَجُمْلَة ولات هنّا حنّت حَال من نوار. قَالَ ابْن هِشَام: وَتَكون حَالا إِذا وَقعت بعد الْوَاو. وبدا بِمَعْنى ظهر. ونوار الثَّانِي قد وضع مَوضِع الضَّمِير. وأجنّت بِالْجِيم: أخفت وسترت. وَبعد هَذَا الْبَيْت بَيت ثانٍ لَا ثَالِث لَهُ وَهُوَ: الْكَامِل (لما رَأَتْ مَاء السّلى مشروباً ... والفرث يعصر فِي الْإِنَاء أرنّت) والسّلى بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَالْقصر هِيَ الْجلْدَة الرقيقة الَّتِي يكون الْوَلَد فِيهَا من الْمَوَاشِي وَهِي المشميمة لَهُ. والفرث بِالْفَتْح: السّرجين مَا دَامَ فِي الكرش. وأرنّت من الرّنّة وَهُوَ الصَّوْت يُقَال: رنّت ترنّ رنيناً وأرنّت إرناناً: إِذا صاحت. وإنّما صاحت نوار وبكت لأنّها تيقنت فِي تِلْكَ الْمَفَازَة الْهَلَاك حَيْثُ لَا مَاء إلاّ مَا يعصر من فرث الْإِبِل وَمَا يخرج من المشيمة من بطونها. وَهَذَانِ البيتان اخْتلف فِي قائلهما:) فَقيل: شبيب بن جعيل التغلبيّ وَهُوَ جاهليّ. وَإِلَيْهِ ذهب الْآمِدِيّ فِي المؤتلف والمختلف قَالَ: وشبيب هَذَا كَانَ بَنو قُتَيْبَة الباهليّون

أسروه فِي حَرْب كَانَت بَينهم وَبَين بني تغلب فَقَالَ شبيب هذَيْن الْبَيْتَيْنِ لما رأى أمّه نوار أرنّت وَهِي بنت عَمْرو بن كُلْثُوم. وَقيل: هُوَ حجل بن نَضْلَة وَهُوَ جاهليّ أَيْضا. وَهُوَ قَول أبي عبيد وَتَبعهُ ابْن قُتَيْبَة فِي كتاب الشُّعَرَاء وَأَبُو عليّ فِي الْمسَائِل البصرية قَالُوا: قالهما فِي نوار بنت عَمْرو بن كُلْثُوم لما أسرها يَوْم طلح فَركب بهَا الفلاة خوفًا من أَن يلْحق. وَالله أعلم. وَمِنْه تعرف أنّه لَا وَجه لقَوْل ابْن الْحَاجِب المتقدّم هنّا: إنّ معنى الْبَيْت إِنْكَار الحنين بعد الْكبر وَذَلِكَ إنّما يتحقّق بِالزَّمَانِ لَا بِالْمَكَانِ. قَالَ ابْن قُتَيْبَة والآمدي: قد نقص حرف من فاضلة الْبَيْت الثَّانِي وَبَعض النَّاس يسمّون هَذَا إقواء لأنّه نقص من عروضه قوّة وَكَانَ يَسْتَوِي الْبَيْت بِأَن يَقُول متشرّباً. يُقَال أقوى فلَان الْحَبل: إِذا جعل إِحْدَى قواه أغْلظ من الْأُخْرَى. وَالْمَشْهُور أنّ الأغقواء كَمَا قَالَ أَبُو عَمْرو بن الْعَلَاء وَهُوَ اخْتِلَاف الْإِعْرَاب فِي القوافي: وَذَلِكَ أَن تكون قافية مَرْفُوعَة واخرى مجرورة. وَبَعض النَّاس يسمّي هَذَا الِاخْتِلَاف الإكفاء هـ.

وجعيل بِضَم الْجِيم وَفتح الْعين الْمُهْملَة. والتّغلبيّ بِالْمُثَنَّاةِ من فَوق بعْدهَا غين مُعْجمَة. وعَمْرو بن كُلْثُوم هُوَ صَاحب الْمُعَلقَة إِحْدَى المعلقات السَّبع وَقد تقدّمت تَرْجَمته. وحجل بِفَتْح الْمُهْملَة وَسُكُون الْجِيم. ونَضْلَة بِفَتْح النُّون وَسُكُون الضَّاد الْمُعْجَمَة. تَتِمَّة قَالَ بعض فضلاء الْعَجم فِي شرح شَوَاهِد المفصّل عِنْد شرح هَذَا الْبَيْت: نوار اسْم لابنَة عبد شمس وَكَانَت قد عشقت ملكا فهمّ الْملك بِأَن يُوقع بِعَبْد شمس فشعرت نوار بذلك وآذنت أَبَاهَا فَقَالَ رجل من أقربائها: حنّت نوار أَي: اشتاقت إِلَى من تحبه وَلَيْسَ الْوَقْت وَقت الحنين والاشتياق إِلَيْهِ لظُهُور الْعَدَاوَة بَيْننَا وَظهر الَّذِي كَانَت هَذِه الْمَرْأَة أجنّته وسترته من الاشتياق. هَذَا كَلَامه وَهُوَ خطأ فَاحش وَمَا قَالَه شرحٌ لمثل: وَهُوَ حنّت ولات هنت وإنّي لَك مقروع.

وَقد خبط خبط عشواء أَيْضا فِي بَيَانه كَمَا يعلم وَجهه مِمَّا سَيَأْتِي. وَهَذَا الْمثل أوردهُ الجوهريّ فِي مَادَّة لَيْت وَفِي مَادَّة هنن وَزعم أَنه شعر وَلَيْسَ كَذَلِك وَغنما) هُوَ نثر. قَالَ: يُقَال: هنّ يهنّ هنيناً أَي: حنّ. وَذكره أَبُو عبيد فِي مِثَاله وَالرِّوَايَة عِنْده حنّت ولات هنّت إِلَى آخِره قَالَ: يضْرب مثلا لمن يتهم فِي حَدِيثه وَلَا يصدق. وأوّل من قَالَه مَازِن بن مَالك بن عَمْرو بن تَمِيم لابنَة اخيه الهيجمانة بنت العنبر ابْن عَمْرو بن تَمِيم حِين أخْبرت أَبَاهَا أنّ عبد شمس بن سعد بن زيد مَنَاة يُرِيد أَن يُغير عَلَيْهِم فاتّهمها مَازِن لِأَن عبد شمس كَانَ يهواها وَكَانَت تهواه فَقَالَ مَازِن هَذِه الْمقَالة. انْتهى كَلَامه. وَأوردهُ صَاحب اللّبَاب للردّ على أبي عبيد فِي زَعمه أنّ تَاء لَا تحين من الْحِين. قَالَ شَارِحه الفالي: وَجه الِاسْتِدْلَال أنّ التَّاء دخلت مَعَ لَا على هنّت فَلَيْسَ جُزْءا من الْحِين وهنّت بِمَعْنى حنّت ومقروع: لقب عبد شمس بن سعد وَفِيه يَقُول مَازِن بن مَالك فِي الهيجمانة بنت العنبر بن تَمِيم. حنّت ولات هنّت وأنّي لَك مقروع وَهُوَ مثل وَأَصله أنّ الهيجمانة بنت الهنبر كَانَت تعشق عبد شمس وَكَانَ يلقّب بمقروع فَأَرَادَ أَن يُغير على قَبيلَة الهيجمانة وَعلمت بذلك فَأخْبرت أَبَاهَا فَقَالَ مَازِن: حنّت ولات هنّت أَي: اشتاقت وَلَيْسَ وَقت اشتياقها. ثمّ رَجَعَ من الْغَيْبَة إِلَى الْخطاب فَقَالَ: وأنّي لَك مقروع أَي: من أَيْن تظفرين بِهِ. يضْرب لمن يحنّ إِلَى مَطْلُوبه قبل أَوَانه. انْتهى.

(الشاهد الرابع والثمانون بعد المائتين)

وَفِي هَذَا الْمثل شيءٌ لم يتنبّه لَهُ وَهُوَ أنّ لات فِيهِ لَا اسْم لَهَا وَلَا خبر لأنّها دخلت على فعل مَاض فَتكون مُهْملَة كَمَا تقدّم. وَقَول صَاحب الْقَامُوس تبعا لصَاحب الْعباب: لَا تكون لات إلاّ مَعَ حِين وَقد تحذف وَهِي مُرَادة كَقَوْلِه: حنّت ولات هنّت وأنّي لَك مقروع فَإِن أَرَادَ أنّ الزَّمَان الْمَحْذُوف معمولها فَهَذَا غير صَحِيح لأنّه لَا يجوز حذف معمولي لات كَمَا لَا يجوز جَمعهمَا. وَإِن أَرَادَ أنّها مُهْملَة وأنّ الزَّمَان لَا بدّ مِنْهُ لتصحيح اسْتِعْمَالهَا فَغير صَحِيح أَيْضا لأنّها إِذا أهملت ذخلت على غير الزَّمَان أَيْضا كَمَا تقدّم بَيت الأفوه الأوديّ عَن أبي حيّان. وَالله تَعَالَى أعلم. وَأنْشد بعده وَهُوَ 3 - (الشَّاهِد الرَّابِع وَالثَّمَانُونَ بعد الْمِائَتَيْنِ) الطَّوِيل (أَفِي أثر الأظعان عَيْنك تلمح ... نعم لات هنّا إنّ قَلْبك متيح) على أنّ هنّا فِيهِ ظرف زمَان مَقْطُوع عَن الْإِضَافَة وَالْأَصْل لات هنّا تلمح فَحذف تلمح لدلَالَة مَا قبله عَلَيْهِ فهنّا فِي مَوضِع نصب على أنّه خبر لات هنّا ذكرى جبيرَة حذفت الْجُمْلَة وَبَقِي أَثَرهَا كَمَا تقدم بَيَانه فِي الْبَيْت الَّذِي قبل هَذَا.

فَإِن قلت: لَو كَانَ هنّا مَقْطُوعَة عَن الْإِضَافَة كَمَا زعم الشَّارِح المحقّق لوَجَبَ أَن يلْحقهَا التَّنْوِين عوضا من الْمُضَاف إِلَيْهِ الجمليّ كَمَا قَالَ هُوَ فِي بَاب الْإِضَافَة: إنّ الظروف الَّتِي فِيهَا معنى النِّسْبَة كقبل وَبعد إِن قطعت عَن الْإِضَافَة بنيت على الضَّم وَإِن كَانَت غير ذَلِك وَجب إِبْدَال التَّنْوِين عوضا من الْمُضَاف إِلَيْهِ كإذ وَأَوَان. وَقَالَ فِي شرح بَيت لات أَوَان قبل هَذَا: وَلَا يعوّض التَّنْوِين فِي المبنيات من الْمُضَاف إِلَيْهِ إلاّ إِذا كَانَ جملَة. فَإِن قلت: أيّ ضَرُورَة إِلَى ادّعاء حذف الْجُمْلَة الْمُضَاف إِلَيْهَا هنّا مَعَ أَنه لم يقل بِهِ أحد وَلَا ابْن الْحَاجِب. قلت: لّما حقّق أَن هنّا قد تجردت لظرف الزَّمَان كَانَ الظّرْف لَا بدّ لَهُ من مظروف وَالنَّفْي فِي الْحَقِيقَة متوجّه إِلَيْهِ وَلَوْلَا اعْتِبَاره لما كَانَ معنى لقولنا لات هنّا إِذْ لَا فَائِدَة فِي نفي الظّرْف. وَهَذَا الْمَحْذُوف ملحوظ أَيْضا عِنْد من جعل هنّا إِشَارَة للمكان فإنّه لَا يتم الْمَعْنى بِدُونِهِ إِذْ لَا بدّ للْإِشَارَة من مشار إِلَيْهِ فَيكون المنفيّ فِي الْحَقِيقَة هُوَ الْمشَار إِلَيْهِ. هَذَا مَا أمكنني أَن أفهم فِي كَلَامه فِي لات هنّا وَللَّه درّه مَا ادق نظره وألطف فكره وَفَوق كلّ ذِي علم عليم. وَالله أعلم. وَهَذَا الْبَيْت مطلع قصيدةٍ لِلرَّاعِي عدّتها سَبْعَة وَخَمْسُونَ بَيْتا مدح بهَا بشر بن مَرْوَان المروانيّ. وَبعده: (ظغائن مينافٍ إِذا ملّ بَلْدَة ... أَقَامَ الرّكاب باكرٌ مترّوح) فَقَوله: أَفِي أثر الأظعان الْهمزَة للاستفهام وَفِي متعلّق بقوله تلمح وقدّم لِأَنَّهُ هُوَ المستفهم عَنهُ.)

قَالَ ابْن الْأَثِير فِي النِّهَايَة: الظّعينة الْمَرْأَة وَاصل الظّعينة الرّاحلة الَّتِي ترحل ويظعن عَلَيْهَا أَي: يسَار وَقيل للْمَرْأَة ظَعِينَة لأنّها تظّعن مَعَ الزَّوْج حَيْثُمَا ظعن أَو لأنّها تحمل على الرَّاحِلَة إِذا ظعنت وَقيل الظعينة الْمَرْأَة فِي الهودج ثمّ قيل للهودج بِلَا امْرَأَة ظَعِينَة وَجَمعهَا ظعن وظعائن وأظعان وظعن يظعن ظعناً بِالتَّحْرِيكِ: إِذا سَار. انْتهى. واللّمح: الإبصار الْخَفِيف قَالَ صَاحب الصِّحَاح: لمحه وألمحه إِذا أبصره بِنَظَر خَفِيف. ونعم: إِعْلَام للمستفهم السَّائِل. والمتيح بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون المثنّاة الفوقيّة وَفتح المثنّاة التحتيّة قَالَ ابْن حبيب فِي شرح ديوَان جران الْعود: المتيح الَّذِي يَأْخُذ فِي كلّ جِهَة وَهُوَ مفعل كأنّه أتيح لَهُ إتاحة أَي: قدّر. وَقَالَ ابْن دُرَيْد فِي الجمهرة رجل متيح: إِذا كَانَ قلبه يمِيل إِلَى كلّ شَيْء. وَكِلَاهُمَا أنْشد هَذَا الْبَيْت. والميناف بِكَسْر الْمِيم بعْدهَا يَاء أَصْلهَا الْهَمْز قَالَ فِي الْعباب رجل مثناف أَي: سَائِر فِي أول النَّهَار وَقَالَ الأصمعيّ: رجل مئناف: يرْعَى مَاله أنف الْكلأ يُقَال: أنفت الْإِبِل أنفًا: إِذا وطِئت كلأ أنفًا بِضَم الْألف وَالنُّون أَي: عشياً لم يرع وَلم يدس بالأرجل. والْبَلدة: الأَرْض. وأَقَامَهُ من مَوْضِعه: خلاف أقعده. والرّكاب: الْإِبِل الَّتِي يسَار عَلَيْهَا وَمعنى الْبَيْت أَن الشَّاعِر خَاطب نَفسه لما رَآهَا ملتفتة إِلَى حبائبها ناظرةً إلأى آثارها بعد الرحيل فاستفهمها بِهَذَا الْكَلَام ثمَّ أجَاب جَازِمًا بأنّ عينهَا ناظرة إِلَى أثرهنّ. وسفّهها فِي هَذَا الْفِعْل بِأَن اللمح لَيْسَ صادراً فِي وقته لأنّ صاحبهن مُلْتَزم أسفار ومقتحم أخطار شَأْنه الذّهاب وَعدم الإياب فَلَا يَنْبَغِي لَهَا أَن تكتسب من النظرة شَدَائِد الْحَسْرَة.

وَقَوله: إنّ قَلْبك متيح اسْتِئْنَاف بيانيّ وَقع جَوَابا لسؤال عَن سببٍ خَاص نَشأ من الْجُمْلَة المنفية كَأَن نَفسه قَالَت لَهُ: هَل أَنا فِي هَذَا الْفِعْل متيح فأجابها بِالْجُمْلَةِ الْمُؤَكّدَة. وَقَوله: ظعائن ميناف أَي: هنّ ظعائن وَالْجُمْلَة الشّرطِيَّة صفة لميناف. وَجُمْلَة: أَقَامَ الخ جَوَاب إِذا. وباكرٌ فَاعل أَقَامَ أَي: سائق باكر مترّوح: أَي شَأْنه سوق الْإِبِل بِالْغَدَاةِ والرّواح. فَإِن قلت: كَيفَ يرتبط الجدواب بِالشّرطِ مَعَ خلّوه عَن ضمير الميناف قلت: هُوَ بِتَقْدِير أَقَامَ الركاب بأَمْره. ثمَّ وصف رحيل الميناف ونزوله ومنازله فِي أَبْيَات كَثِيرَة.) ونرجمة الرَّاعِي قد تقدّمت فِي الشَّاهِد الثَّالِث والثمانين بعد الْمِائَة. بَاب المجرورات الْإِضَافَة أنْشد فِيهَا: على أنّ ذَا اللَّام فِي أصل الْوَضع لوَاحِد معِين وَقد يسْتَعْمل بِلَا إِشَارَة إِلَى معيّن كالئيم فإنّ المُرَاد مِنْهُ لئيم من اللؤماء أيّ لئيمٍ كَانَ.

(الشاهد الخامس والثمانون بعد المائتين)

وَتَمَامه: فمضيت ثمّت قلت لَا يعنيني وَقد تقدّم الْكَلَام عَلَيْهِ فِي الشَّاهِد الْخَامِس وَالْخمسين. وَأنْشد بعده: الطَّوِيل (علا زيدنا يبوم النّقا رَأس زيدكم ... بأبيض ماضي الشّفرتين يماني) على أنّ الْعلم إِذا أضيف نكّر بجعله وَاحِدًا من جملَة من سمّي بذلك اللَّفْظ كزيد فإنّه معرفَة بالعلميّة ولّما أضيف نكّر واكتسب التَّعْرِيف من الْإِضَافَة. وَقد تقدّم الْكَلَام عَلَيْهِ أَيْضا فِي الشَّاهِد الثَّامِن عشر بعد الْمِائَة. وَأنْشد بعده وَهُوَ 3 - (الشَّاهِد الْخَامِس وَالثَّمَانُونَ بعد الْمِائَتَيْنِ) : الْكَامِل (إِن قلت خيرا قَالَ شرّاً غَيره) على أنّ السّرّاج نقض بِهِ مَا قَالَه ابْن السّريّ وَهُوَ أَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن السّريّ الشّهير بالزجّاج من أَن غير إِذا أضيفت إِلَى معرّف لَهُ ضدّ وَاحِد تعرّفت كَقَوْلِك: عَلَيْك بالحركة غير السّكُون. وَوجه النّقض: أنّ غيراً فِي الْبَيْت قد اضيفت إِلَى ضمير الْخَيْر وَهُوَ ضدّ الشَّرّ وَلم تتعرّف بِدَلِيل وُقُوعهَا صفة لقَوْله شرّاً.

وَنقض عَلَيْهِ أَيْضا بقوله تَعَالَى: نعمل صَالحا غير الَّذِي كنّا نعمل. وَأجَاب الشَّارِح المحقّق بأنّ غيراً فيهمَا بدل لَا صفة وَيجوز أَن تكون صفة على الْأَكْثَر الْأَغْلَب وَهُوَ عدم تعرّفها بالمضاف إِلَيْهِ. هَذَا كَلَامه وَمَا نسبه إِلَيْهِمَا لم أره فِي كَلَامهمَا. أما ابْن السّريّ فَهَذِهِ عِبَارَته فِي تَفْسِير الْفَاتِحَة: وَقَوله تَعَالَى: غير المغضوب عَلَيْهِم فيخفض على ضَرْبَيْنِ: على الْبَدَل من الَّذين كأنّه قَالَ: صِرَاط غير المغضوب عَلَيْهِم ويستقيم أَن يكون غير المغضوب عَلَيْهِم من صفة للنكرة تَقول مَرَرْت برجلٍ غَيْرك فغيرك صفة لرجل كأنّك قلت: مَرَرْت بِرَجُل آخر. وَيصْلح أَن يكون مَعْنَاهُ مَرَرْت برجلليس بك وأنّما وَقع هَهُنَا صفة للَّذين لأنّ الَّذين هَهُنَا لَيْسَ بمقصود قصدهم فَهُوَ بِمَنْزِلَة قَوْلك إنّي لأمرّ بِالرجلِ مثلك فَأكْرمه. انْتهى كَلَامه. فَعلم مِنْهُ أَن وُقُوع غير صفة للَّذين لتأويل الَّذين بِمَا يقرب بِهِ من النكرَة وَهُوَ كَون المعرّف الجنسي قَرِيبا من النكرَة لَا لكَونهَا وَقعت بَين ضدّين كَمَا نقل عَنهُ الشَّارِح المحقّق. وَأما ابْن السرّاج فقد قَالَ فِي بَاب الْإِضَافَة من الْأُصُول: وأمّا مثل وَغير وَسوى فإنهنّ إِذا أضفن إِلَى المعارف لم يتعرّفن لأنّك إِذا قلت مثل زيد فَمثله كثير: واحدٌ فِي طوله وَآخر فِي علمه وَآخر فِي صناعته وَآخر فِي حسنه. وَهَذَا يكَاد يكون بِلَا نِهَايَة. وَكَذَلِكَ غير إِذا قلت غير زيد فَهُوَ غير زيد.

فَهَذَا وَمَا أشبهه لَا يتعرّف بِالْإِضَافَة. فَإِن أردْت مثل زيد الْمَعْرُوف بشبه زيد كَانَ معرفَة. انْتهى. فَلَيْسَ فِيهِ ردّ وَلَا شعر.) وَقد نسب ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي إلأى ابْن السرّاج مَا نسبه الشَّارِح المحقّق إِلَى ابْن السريّ. (إنّ امْرأ مَوْلَاهُ أدنا دَاره ... فِيمَا ألمّ وشرّه لَك بَادِي) (إِن قلت خيرا قَالَ شرّاص غَيره ... أَو قلت شرّاً مُدَّة بمداد) (فلئن أَقمت لأظعننّ لبلدةٍ ... وَلَئِن ظعنت لأرسين أوتادي) (كَانَ التفرّق بَيْننَا عَن مئرةٍ ... فَاذْهَبْ إِلَيْك فقد شفيت فُؤَادِي) وَقَوله: إِن امْرأ مَوْلَاهُ الخ وَالْمولى هُنَا يجوز أَن يكون ابْن العمّ وَأَن يكون النَّاصِر وَأَن يكون الْجَار وأدنا بِمَعْنى أَضْعَف وأذلّ وَمن الدناءة فسهّل. وفِي للسببيّة وألمّ من اللّمم وَهُوَ مقاربة الذَّنب. وبَادِي: ظَاهر. ومَوْلَاهُ مُبْتَدأ وأدنا خَبره وَالْجُمْلَة صفة لاسم إنّ وخبرها الْجُمْلَة الشرطيّة وَهُوَ قَوْله: إِن قلت خيرا الخ. وَقلت فِي الْمَوْضِعَيْنِ بِفَتْح التَّاء. وَقَوله: مدّه الخ أَي: زَاده بِزِيَادَة مُتَّصِلَة. وَقَوله: فلئن أَقمت الخ هَذَا التفاف من الْغَيْبَة إِلَى الْخطاب. وَقَوله: لأرسين النُّون الْخَفِيفَة للتَّأْكِيد. والإرساء: الْإِثْبَات يُقَال رسا الشَّيْء يرسو:

(الشاهد السادس والثمانون بعد المائتين)

إِذا ثَبت وأرساه: أثْبته. وَأَرَادَ بأوتاده أوتاد الْخَيْمَة. وإرساؤها كِنَايَة عَن الْإِقَامَة. والمئرة بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون الْهمزَة هِيَ العدواة قَالَ أَبُو زيد: مأرت بَين الْقَوْم مأراً وماءرت وَالْأسود بن يعفر شَاعِر جاهليّ تقدّمت تَرْجَمته فِي الشَّاهِد الرَّابِع وَالسِّتِّينَ. وَأنْشد بعده وَهُوَ 3 - (الشَّاهِد السَّادِس وَالثَّمَانُونَ بعد الْمِائَتَيْنِ) الطَّوِيل (أماويّ إنّي ربّ وَاحِد أمّه ... أجرت فَلَا قتلٌ عَلَيْهِ وَلَا أسر) على أَن وَاحِد أمّه نكرَة لَا يتعرّف بِالْإِضَافَة وَإِن أضيف إِلَى الْمعرفَة لتوغله فِي الْإِبْهَام إِذْ لَا ينْحَصر بِالنِّسْبَةِ إِلَى مُضَاف إِلَيْهِ معيّن إِذْ بعد الْإِضَافَة لَا يتعيّن الْمُضَاف أَيْضا فِيهِ نَظِير غَيْرك وَمثلك وَلذَلِك وَقع مجروراً لربّ. وَالشَّارِح المحقّق نسب جعله مُنْكرا إِلَى بعض الْعَرَب واستدلّ لَهُ بِدُخُول ربّ عَلَيْهِ فإنّها لَا تدخل إلاّ على نكرَة. وَغَيره نسب التنكير إِلَى بعض النّحاة ويؤيّده قَول ابْن الأنباريّ فِي الزَّاهِر: إنّ الفرّاء وهشاماً قَالَا:

نَسِيج وَحده وعيير وَحده وَوَاحِد أمّه نكرات. وَالدَّلِيل على هَذَا أنّ الْعَرَب تَقول: ربّ نَسِيج وَحده قد رَأَيْت وربّ وَاحِد أمّه قد أجرت. واحتجّ هشتامٌ بقول حَاتِم: أماويّ إنّي ربّ وَاحِد أمّه ... ... ... . . الْبَيْت قَالَ شَارِح اللّبَاب وَغَيره: وَالْأَكْثَر أَن يكون معرفَة على قِيَاس الْإِضَافَة إِلَى المعارف وأمّا وُرُوده نكرَة فنادر إنّما جَاءَ فِي الشّعْر. وَقَول الشَّارِح المحقّق: وَلَيْسَ العلّة فِي تنكيرهما مَا قَالَ بَعضهم إنّ وَاحِد مُضَاف إِلَى أمّ إِلَى آخِره هُوَ كَلَام عبد القاهر الجرجانيّ قَالَ: وَالضَّمِير الْمُتَّصِل بِبَطن وأمّ لَا يجوز أَن يعود إِلَى نفس وَاحِد وَعبد لأنّ الْمُضَاف يكْتَسب من الْمُضَاف إِلَيْهِ التَّعْرِيف فَإِذا كَانَ تَعْرِيف أمّ بإضافتها إِلَى ضمير الْوَاحِد كَانَ التمَاس تَعْرِيف الْوَاحِد مِنْهَا محالاً وَكَانَ بِمَنْزِلَة تَعْرِيف الشَّيْء بِنَفسِهِ فَوَجَبَ أَن يعود الضَّمِير إِلَى شَيْء غير عبد وَوَاحِد يجوز أَن تَقول: زيد عبد بَطْنه فَيكون تَعْرِيف عبد بِغَيْر ضَمِيره. قَالَ: فإّذا قلت جَاءَنِي وَاحِد أمّه وَعبد بَطْنه جَازَ أَن يكون معرفَة بِأَن يتقدّم الذّكر كَأَنَّك قلت جَاءَنِي الْكَامِل النَّبِيل الَّذِي عَرفته. وَإِذا جعل نكرَة فعلى أَنه يُوصف بِهِ نكرَة محذوفة كَمَا فِي الْبَيْت كأنّه قَالَ إنسانٌ وَاحِد أمّه بِمَنْزِلَة قَوْلك: ربّ إِنْسَان عَزِيز معظّم لأنّ ربّ لَا تدخل على المعارف. انْتهى كَلَامه. وَقَوله: أماويّ الخ الْهمزَة للنداء وماويّ منادى مرخّم ماويّة وَهِي زَوْجَة حَاتِم.) والماويّة فِي اللُّغَة: الْمرْآة الَّتِي يرى فِيهَا الْوَجْه كأنّها منسوبة إِلَى المَاء فإنّ النِّسْبَة إِلَى المَاء مائيّ وماويّ. وربّ هُنَا لإنشاء

التكثير وَالْعَامِل فِي محلّ مجرورها أجرت بِالْجِيم وَالرَّاء الْمُهْملَة بِمَعْنى أمّنته مِمَّا يخَاف يُقَال: استجاره أَي: طلب مِنْهُ أَن يحفظه فأجاره. وروى بدله: أخذت قَالَ الزمخشريّ فِي أَمْثَاله عِنْد قَوْله أَجود من حَاتِم: كَانَ إِذا قَاتل غلب وَإِذا غنم أنهب وَإِذا غنم أنهب وَإِذا سُئِلَ وهب وَإِذا ضرب بالقدح سبق وَإِذا أسر أطلق وَإِذا أثرى أنْفق. وَكَانَ أقسم بِاللَّه لَا يقتل وَاحِد أمّه. انْتهى. وروى صَاحب اللّبَاب المصراع الثَّانِي هَكَذَا: قتلت فَلَا غرم عليّ وَلَا جدل من جدل عَلَيْهِ: إِذا صال عَلَيْهِ بالظّلم. وَلَيْسَ كَذَلِك فإنّ الْبَيْت من قصيدة رائيّة وَهِي: (أماويّ قد طَال التّجنّب والهجر ... وَقد عذرتني فِي طلابكم عذر) (أماويّ إنّ المَال غادٍ ورائحٌ ... وَيبقى من المَال الْأَحَادِيث والذّكر) (أماويّ إنّي لَا اقول لسائلي ... إِذا جَاءَ يَوْمًا حلّ فِي مالنا النّزر) (أماويّ إمّا مانعٌ فمبيّنٌ ... وإمّا عطاءٌ لَا ينهنهه الزّجر) (أماويّ مَا يُغني الثّراء عَن الْفَتى ... إِذا حشرجت يَوْمًا وضاق بهَا الصّدر)

(تري أنّ مَا انفقت لم يَك ضائري ... وأنّ يَدي ممّا بخلت بِهِ صفر) (أماويّ إنّي ربّ وَاحِد أمّه ... أخذت فَلَا قتلٌ عَلَيْهِ وَلَا أسر) (وَقد علم الأقوام لَو أنّ حاتماً ... أَرَادَ ثراء المَال كَانَ لَهُ وفر) (أماويّ إنّ المَال مالٌ بذلته ... فأوّله شكرٌ وَآخره ذكر) (وإنّي لَا آلو بِمَالي صَنِيعَة ... فأوّله زادٌ وَآخره دخر) (يفكّ بِهِ العاني ويؤكل طيّباً ... وَمَا إِن يعريّه القداح وَلَا الْقَمَر) (وَلَا أظلم ابْن العمّ إِن كَانَ إخوتي ... شُهُودًا وَقد اودى بإخوته الدّهر) (غنينا زَمَانا بالتّصعلك والغنى ... وكلاّ سقاناه بكأسيهما الدّهر) (فَمَا زادنا بأواً على ذِي قرابةٍ ... غنانا وَلَا ازرى بأحسابنا الْفقر) (وَمَا ضرّ جاراً يَا ابْنة الْقَوْم فاعلمي ... يجاورني أَن لَا يكون لَهُ ستر) (بعينيّ عَن جارات قومِي غفلةٌ ... وَفِي السّمع منّي عَن أحاديثها وقر)) قَوْله: وَقد عذرتني الخ عذرته فِيمَا صنع من بَاب ضرب: رفعت عَنهُ اللوم فَهُوَ مَعْذُور أَي: غير ملوم. وَالِاسْم الْعذر بِالضَّمِّ. وَقَوله: حلّ فِي مالنا النزر أَي: القلّة. ونهنهه: كفّه وَمنعه. وَقَوله: إِذا حشرجت يَوْمًا الخ أورد صَاحب الكشّاف هَذَا الْبَيْت عِنْد تَفْسِير قَوْله تَعَالَى: كلا إِذا بلغت التّراقي على إِضْمَار النَّفس قبل الذّكر لذلالة الْكَلَام عَلَيْهِ كَمَا أضمرها الشَّاعِر فِي حشرجت. والحشرجة أَوله مُهْملَة وَآخره جِيم: الغرغرة عِنْد الْمَوْت وتردّد النَّفس. والصّدى: مَا يبْقى من الْمَيِّت فِي قَبره قَالَه الْمبرد فِي الْكَامِل عِنْد قَول النّمر بن تولب الصحابيّ:

الطَّوِيل (أعاذل إِن يصبح صداي بقفرةٍ ... بَعيدا نآني صَاحِبي وقريبي) (تري أنّ مَا ابقيت لم أك ربّه ... وأنّ الَّذِي أنفقت كَانَ نَصِيبي) وَقَوله: لَا آلو أَي: لَا أقصّر. والعاني: الْأَسير. وَقَوله: وَمَا إِن يعرّيه أَي: يفنيه. والقداح: قداح الميسر. والْقَمَر بِالْفَتْح: المقامرة. وَقَوله: غنينا غَنِي كفرح: عَاشَ وغنى بِالْمَكَانِ: أَقَامَ بِهِ. والبأو بِالْمُوَحَّدَةِ وَسُكُون الْهمزَة الْكبر وَالْفَخْر يُقَال: بأوت على الْقَوْم أبأى باواً. وَسبب هَذِه القصيدة هُوَ مَا رَوَاهُ الزجاجيّ فِي أَمَالِيهِ الْوُسْطَى قَالَ:: أخبنا ابْن دُرَيْد قَالَ: أَخْبرنِي عبد الرَّحْمَن عَن عَمه وابو حَاتِم عَن أبي عبيد قَالَا: كَانَت امرأةٌ من الْعَرَب من بَنَات مُلُوك الْيمن ذَات جمال وَكَمَال وَحسب وَمَال فآلت أَن لَا تزوّج نَفسهَا إلاّ من كريم وَلَئِن خطبهَا لئيم لتجدعنّ أَنفه فتحاماها النَّاس حتّى انتدب لَهَا زيد الْخَيل وحاتم بن عبد الله وَأَوْس بن حَارِثَة بن لأم الطائيّون فارتحلوا إِلَيْهَا فلمّا دخلُوا عَلَيْهَا قَالَت: مرْحَبًا بكم مَا كُنْتُم زوّاراً فَمَا الَّذِي جَاءَ بكم قَالُوا: جِئْنَا زوّاراً خطّاباً قَالَت: أكفاء كرام. فأنزلتهم وفرّقت بَينهم وأسبغت لَهُم الْقرى وزادت فِيهِ فَلَمَّا كَانَ فِي الْيَوْم الثَّانِي بعثت بعض حواريها مُتَنَكِّرَة فِي زِيّ سَائِلَة تتعرّض لَهُم فَدفع إِلَيْهَا زيد وأوسٌ شطر مَا حمل إِلَى كلّ واحدٍ مِنْهُمَا فلمّا صَارَت

إِلَى رجل حاتمٍ دفع إِلَيْهَا جَمِيع مَا كَانَ من نَفَقَته وَحمل مَعهَا جَمِيع مَا حمل إِلَيْهِ فلمّا كَانَ فِي الْيَوْم الثَّالِث دخلُوا عَلَيْهَا فَقَالَت: ليصف كلّ وَاحِد) مِنْكُم نَفسه فِي شعره فابتدر زيد وانشأ يَقُول: الْبَسِيط (هلاّ سَأَلت بني ذبيان مَا حسبي ... عِنْد الطّعان إِذا مَا احمرّت الحدق) (وَجَاءَت الْخَيل محمرّاً بوادرها ... بِالْمَاءِ يسفح من لبّاتها العلق) (وَالْخَيْل تعلم أنّي كنت فالاسها ... يَوْم الأكسّ بِهِ من نجدة روق) (وَالْجَار يعلم أنّي لست خاذله ... إِن نَاب دهرٌ لعظم الْجَار معترق) (هَذَا الثّناء فَإِن ترضي فراضيةٌ ... أَو تسخطي فَإلَى من تعطف الْعُنُق) وَقَالَ أَوْس بن حَارِثَة: إنّك لتعلمين أنّا أكْرم أحساباً وَأشهر أفعالاً من أَن نصف أَنْفُسنَا لَك أَنا الَّذِي يَقُول فِيهِ الشَّاعِر: الوافر (إِلَى أَوْس بن حَارِثَة بن لأمٍ ... ليقضي حَاجَتي وَلَقَد قَضَاهَا) (فَمَا وطئ الْحَصَى مثل ابْن سعدى ... وَلَا لبس النّعال وَلَا احتذاها) وَأَنا الَّذِي عقّت عقيقته وأعتقت عَن كلّ شعرةٍ فِيهَا عَنهُ نسمَة. ثمَّ أنشأ يَقُول: الطَّوِيل (فَإِن تنكحي ماويّة الْخَيْر حاتماً ... فَمَا مثله فِينَا وَلَا فِي الْأَعَاجِم) ...

(فَتى لَا يزَال الدّهر أكبر همّه ... فكاك أسيرٍ أَو مَعُونَة غارو) (وَإِن تنكحي زيدا ففارس قومه ... إِذا الْحَرْب يَوْمًا أقعدت كلّ قَائِم) (وَصَاحب نَبهَان الَّذِي يتّقى بِهِ ... شذا الْأَمر عِنْد الْمُعظم المتفاقم) (وَإِن تنكحيني تنكحي غير فَاجر ... وَلَا جارفٍ جرف الْعَشِيرَة هَادِم) (وَلَا متّقٍ يَوْمًا إِذا الْحَرْب شمّرت ... بأنفسها نَفسِي كَفعل الأشائم) (وَإِن طَارق الأاضياف لَاذَ برحله ... وجدت ابْن سعدى للقرى غير عاتم) (فَأَي فَتى أهْدى لَك الله فاقبلي ... فإنّا كرامٌ من رُؤُوس أكارم) أماويّ قد طَال التّجنّب والهجر وَقد عذرتني فِي طلابكم عذر إِلَى أَن انْتهى إِلَى آخر القصيدة وَهِي مَشْهُورَة فَقَالَت: أما انت يَا زيد فقد وترت الْعَرَب وبقاؤك مَعَ الحرّة قَلِيل. وأمّا أَنْت يَا أَوْس فَرجل ذُو ضرائر وَالدُّخُول عليهنّ شَدِيد. وأمّا أَنْت يَا حَاتِم فمرضيّ الْخَلَائق مَحْمُود الشيم كريم النَّفس وَقد زوّجتك نَفسِي. هـ مَا رَوَاهُ الزجلجيّ.) وَقد روى صَاحب الأغاني هَذَا الْخَبَر على غير هَذَا قَالَ: إِن مُعَاوِيَة تَذَاكَرُوا عِنْده مُلُوك الْعَرَب حتّى دكروا الزّبّاء وماويّة فَقَالَ مُعَاوِيَة: إنّي لأحبّ أَن أسمع حَدِيث ماوية وحاتم فَقَالَ رجل من الْقَوْم: أَفلا أحدّثك بِهِ فَقَالَ مُعَاوِيَة: بلَى. فَقَالَ: إِن ماوية كَانَت ملكة وَكَانَت تتَزَوَّج من ارادت وإنّها بعثت يَوْمًا غلماناً لَهَا وأمرتهم أَن يأتوها بأوسم من يجدونه من الْحيرَة فجاؤوا بحاتم فأكرمته وَبعد ان رَحل عَنْهَا دَعَتْهُ نَفسه إِلَيْهَا فَأَتَاهَا يخطبها

فَوجدَ عِنْدهَا النَّابِغَة ورجلاً من الأنصارمن النبيت فَقَالَت: انقلبوا إِلَى رحالكُمْ وَليقل كلّ مِنْكُم شعرًا يذكر فِيهِ فعاله ومنصبه فإنّي أَتزوّج أكْرمكُم واشعركم. فانصرفوا فَنحر كلّ وَاحِد مِنْهُم جزوراً ولبست ماويّة ثيابًا لأمةٍ لَهَا فأعقبتهم فَأَتَت النّبيتيّ فاستطعمته من جزوره فأطعمها ثيل جزوره أَي: وعَاء قضيبه فاخذته ثمَّ أَتَت نَابِغَة بني ذبيان فاستطعمته فأطعمها ذَنْب جمله فَأَخَذته ثمَّ أَتَت حاتماً وَقد نصب قدره فاستطعمته فَقَالَ لَهَا: قريّ حَتَّى أُعْطِيك مَا تنتفعين بِهِ. فَأَعْطَاهَا من الْعَجز والسّنام وَمثلهَا من المخدّش وَهُوَ عِنْد الحارك ثمَّ انصرفت فَأرْسل إِلَيْهَا كلّ واحدٍ ظهر جمله وَأهْدى حَاتِم إِلَى جاراتها مثل مَا أهْدى إِلَيْهَا. وصبّحوها فاستنشدتهم فأنشدها النّبيتيّ: الْبَسِيط (هلاّ سَأَلت النّبيتيين مَا حسبي ... عِنْد الشّتاء إِذا مَا هبّت الرّيح) وَبعده أَبْيَات ثَلَاثَة. ثمَّ قَالَت: أنشدنا يَا نَابِغَة فأنشدها: الْبَسِيط (هلاّ سَأَلت بني ذبيان مَا حسبي ... إِذا الدّخان تغشّى الأشمط البرما) وَبعده بيتان ثمَّ قَالَت: يَا أَخا طّيئ أنشدنا. فأنشدها: (أماويّ قد طَال التّجنّب والهجر ... وَقد عذرتني فِي طلابكم الْعذر) إِلَى آخر القصيدة. فلمّا فرغ حاتمٌ من إنشاده دعت بالغداء وَكَانَت قد أمرت إماءها أَن يقدّمن إِلَى كلّ رجل مَا كَانَ أطعمها فقدّمن إِلَيْهِم مَا كَانَت أمرتهنّ أَن يقدّمنه فنكّس النّبيتيّ والنابغة رأسيهما فَلَمَّا نظر حَاتِم ذَلِك رمى بِالَّذِي قدّمته إِلَيْهِمَا وأطعمهما مّما قدّم إِلَيْهِ فتسلّلا مِنْهَا.

(الشاهد السابع والثمانون بعد المائتين)

وَقَالَت: إنّ حاتماً أكْرمكُم وأشعركم. فَلَمَّا خرجا قَالَت: يَا حَاتِم خلّ سَبِيل امْرَأَتك فَأبى فزودته. فَلَمَّا انْصَرف عَنْهَا مَاتَت امْرَأَته فَعَاد إِلَيْهَا فتزوّجها فَولدت لَهُ عديّاً. وَقد كَانَ عديّ) أسلم وَحسن إِسْلَامه هـ مُخْتَصرا. والصّحيح أَن عديّاً من امْرَأَته نوار لَا من ماويّة. وَالله أعلم. وترجمة حَاتِم الطّائيّ قد تقدّمت فِي الشَّاهِد التَّاسِع وَالسبْعين بعد الْمِائَة. وأنشده بعده: وَلَقَد أمرّ على اللَّئِيم يسبّني تَمَامه: فمضيت ثّمت قلت لَا يغنيني وَقد تقدّم قَرِيبا. وَأنْشد بعده هُوَ 3 - (الشَّاهِد السَّابِع وَالثَّمَانُونَ بعد الْمِائَتَيْنِ) وَهُوَ من شَوَاهِد س: الْكَامِل (لمّا أَتَى خبر الزّبير تواضعت ... سور الْمَدِينَة وَالْجِبَال الخشّع) على أنّ سوراً اكْتسب التَّأْنِيث من الْمَدِينَة وَلِهَذَا أنث لَهُ الْفِعْل. قَالَ الأعلم فِي شرح شَوَاهِد س: إنّ السّور وَإِن كَانَ بعض الْمَدِينَة

لَا يسمّى مَدِينَة كَمَا يسمّى بعض السنين سنة وَلَكِن الاتساع فِيهِ مُتَمَكن لأنّ معنى تواضعت الْمَدِينَة وتواضع سور الْمَدِينَة مُتَقَارب. وَذهب أَبُو عُبَيْدَة معمر بن المثنّى إِلَى أنّ السّور جمع سُورَة وَهِي كلّ مَا علا وَبهَا سمّي سور الْمَدِينَة سوراً. وعَلى هَذَا لَا شَاهد فِي الْبَيْت. قَالَ السيرافيّ: وَالْجِبَال الخشّع مُبْتَدأ وخبرٌ عِنْد بَعضهم أَي: وَصَارَت الْجبَال خاشعة متضائلة لأنّه لَا مدح فِي قَوْلنَا تواضعت الْجبَال المتضائلة بل تواضعت الْجبَال الشامخة لكنّه وصفهَا بِمَا آلت إِلَيْهِ. وَقَالَ بَعضهم: هُوَ مَعْطُوف على سور الْمَدِينَة والخشّع صفة لَهُ وَلم يرد أنّها كَانَت خشّعاً قبل بل هِيَ خشّع لمَوْته الْآن. وَأَرَادَ: لما أَتَى خبر قتل الزّبير وتواضعت وَقعت إِلَى الأَرْض. والخشّع: الَّتِي قد لطئت بِالْأَرْضِ.) وَهَذَا الْبَيْت من قصيدة لجرير عدّتها مائَة وَعِشْرُونَ بَيْتا هجا بهَا الفرزدق وعدّد فِيهَا معايبه مِنْهَا أنّ ابْن جرمور المجاشعيّ وَهُوَ من رَهْط الفرزدق قتل الزّبير بن العوّام غيلَة بعد انْصِرَافه من وقْعَة الْجمل فَهُوَ ينسبهم إِلَى أنّهم غدروا بِهِ لأنّهم لم يدفعوا عَنهُ. يَقُول: لّما وافى خبر قتل الزّبير إِلَى مَدِينَة الرَّسُول صلّى الله عَلَيْهِ وسلّم تواضعت هِيَ وجبالها وخشعت حرناً لَهُ. وَهَذَا مثل وإنّما يُرِيد أَهلهَا. وَقبل هَذَا الْبَيْت: الْكَامِل (إنّ الرّزيّة من تضمّن قَبره ... وَادي السّباع لكلّ جنبٍ مصرع) وَبعده: (وَبكى الزّبير بَنَاته فِي مأتمٍ ... مَاذَا يردّ بكاء من لَا يسمع) ووادي السبَاع على أَرْبَعَة فراسخ من الْبَصْرَة. ثمَّ إنّ ابْن جرموز قدم على أَمِير الْمُؤمنِينَ عَليّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه وهنأه بِالْفَتْح وَأخْبرهُ بقتْله ال. ّبير

(الشاهد الثامن والثمانون بعد المائتين)

فَقَالَ لَهُ عليّ: أبشر بالنَّار سَمِعت رَسُول وَفِي ذَلِك قَالَ ابْن جرموز: المتقارب (أتيت عليّاً بِرَأْس الزّبير ... وَقد كنت أحسبها زلفه) (فبشّر بالنّار فِي قَتله ... فبئس بِشَارَة ذِي التّحفه) ثمَّ إِن ابْن جرموز جَاءَ إِلَى مُصعب بن الزّبير وَكَانَ والياً على الْعرَاق من قبل أَخِيه عبد الله فَقَالَ: اقتلني بالزّبير فَكتب فِي ذَلِك إِلَى أَخِيه فَكتب إِلَيْهِ عبد الله: أَنا لَا أَقتلهُ بالزّبير وَلَا بشسع نَعله. فَلم يقْتله وَمضى ابْن جرموز من عِنْد مُصعب. وقصّة مقتل الزّبير مفصّلة فِي التّواريخ. وترجمة جرير قد تقدّمت فِي الشَّاهِد الرَّابِع من أول الْكتاب. وَأنْشد بعده وَهُوَ 3 - (الشَّاهِد الثَّامِن وَالثَّمَانُونَ بعد الْمِائَتَيْنِ) وَهُوَ من شَوَاهِد س: الوافر (إِذا بعض السنين تعرّقتنا ... كفى الْأَيْتَام فقد أبي الْيَتِيم) لما تقدّم قبله وَهُوَ أنّ بَعْضًا اكْتسب التَّأْنِيث مّما بعده بِالْإِضَافَة وَلِهَذَا قَالَ تقرّقتنا بالتأنيث. قَالَ ابْن جنّي فِي سرّ الصِّنَاعَة عِنْدَمَا أنْشد قَول الشَّاعِر:

الْبَسِيط سَائل بني أسدٍ مَا هَذِه الصّوت إنّما أنّثه لأنّه أَرَادَ الاستغائة. وَهَذَا من قَبِيح الضَّرُورَة أَعنِي تانيث المذكّر لأنّ التَّذْكِير هُوَ الأَصْل بِدلَالَة أنّ الشَّيْء مذكّر وَهُوَ يَقع على المذكّر والمؤنث فَعلمت بِهَذَا عُمُوم التَّذْكِير وأنّه هُوَ الأَصْل الَّذِي لَا ينكسر. وَنَظِير هَذَا فِي الشذوذ قَوْله وَهُوَ من أَبْيَات الْكتاب: إِذا بعض السّنين تعرّقتنا ... ... ... . . الْبَيْت وَهَذَا أسهل من تَأْنِيث الصّوت قَلِيلا لأنّ بعض السنين سنة وَهِي مُؤَنّثَة وَهِي من لفظ وَزَاد المبّرد فِي الْكَامِل على هَذَا الْوَجْه وَجها آخر فَقَالَ: قَوْله: إِذا بعض السّنين تعرّقتنا يفسّر على وَجْهَيْن: أَن يكون ذهب إِلَى أنّ بعض السّنين يؤنّث لأنّه سنة وسنون. والأجود أَن يكون الْخَبَر فِي الْمَعْنى عَن الْمُضَاف إِلَيْهِ فأقحم الْمُضَاف إِلَيْهِ توكيداً لأنّه غير خارجٍ من الْمَعْنى. وَفِي كتاب الله عَزَّ وَجَلَّ ّ: فظلت أَعْنَاقهم لَهَا خاضعين والخضوع بيّن فِي الْأَعْنَاق

فَأخْبر عَنْهُم فأقحم الْأَعْنَاق توكيداً وَكَانَ أَبُو زيد الأنصاريّ يَقُول: أَعْنَاقهم: جَمَاعَتهمْ والأوّل قَول عامّة النّحويّين. انْتهى المُرَاد مِنْهُ. وبغض: فَاعل فعل مَحْذُوف يفسّره تعرّقتنا الْمَذْكُور يُقَال تعرقت الْعظم: إِذا أكلت مَا عَلَيْهِ من اللّحم. يُرِيد أَنَّهَا أذهبت أَمْوَالنَا ومواشينا. والسّنة هُنَا: الْقَحْط والجدب: ضدّ الخصب والرّخاء. وكفى بِمَعْنى أغْنى يتعدّى إِلَى مفعولين أوّلهما الْأَيْتَام وَثَانِيهمَا فقد ومصدره الْكِفَايَة قَالَ) تَعَالَى: وَكفى الله الْمُؤمنِينَ الْقِتَال أَي: كفى الْأَيْتَام فقد آبَائِهِم لأنّه أنْفق عَلَيْهِم واعطاهم مَا وَأَرَادَ أَن يَقُول: كفى الْأَيْتَام فقد أبائهم فَلم يُمكنهُ فَقَالَ: فقد أبي الْيَتِيم لأنّه ذكر الْأَيْتَام أوّلاً ولكنّه أفرد حملا على الْمَعْنى لأنّ الْأَيْتَام هُنَا اسْم جنس فواحدها يَنُوب مناب جمعهَا وَبِالْعَكْسِ. وَكَانَ الْمقَام مقَام الْإِضْمَار فَأتى بِالِاسْمِ الظَّاهِر. وَهَذَا الْبَيْت من قصيدة لجرير مدح بهَا هِشَام بن عبد الْملك بن مَرْوَان. (وَأَنت إِذا نظرت إِلَى هشامٍ ... عرفت نجار منتخبٍ كريم) (يرى للْمُسلمين عَلَيْهِ حقّاً ... كَفعل الْوَالِد الرؤف الرّحيم) (إِذا بعض السّنين تعرّقتنا ... كفى الْأَيْتَام فقد أبي الْيَتِيم) والنجار بِكَسْر النُّون وَبعدهَا جِيم: الأَصْل. وَقَوله: يرى للْمُسلمين عَلَيْهِ حقّاً لَهُ مثله فِي قَوْله أَيْضا: الطَّوِيل (وإنّي لأَسْتَحي أخي أَن أرى لَهُ ... عليّ من الحقّ الَّذِي لَا يرى ليا)

. قَالَ المبّرد فِي الْكَامِل: هَذَا بَيت يحملهُ النَّاس على خلاف مَعْنَاهُ وإنّما تَأْوِيله إنّي لأَسْتَحي أخي أَن يكون لَهُ عليّ فضلٌ وَلَا يكون لي عَلَيْهِ فضلٌ ومنّي إِلَيْهِ مُكَافَأَة فأستحي أَن أرى لَهُ عليّ حقّاً بِمَا فعل إليّ وَلَا أفعل إِلَيْهِ مَا يكون لي بِهِ عَلَيْهِ حقّ. وَهَذَا من مَذَاهِب الْكِرَام. وَأما قَول عَائِد الْكَلْب الزّبيريّ لعبد الله ابْن حسن بن حسن بن عليّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم: (لَهُ حقّ وَلَيْسَ عَلَيْهِ حقّ ... وَمهما قَالَ الْحسن الْجَمِيل) (وَقد كَانَ الرّسول يرى حقوقاً ... عَلَيْهِ لغيره وَهُوَ الرّسول) فإنّه ذكره بقلّة الْإِنْصَاف فَقَالَ: يرى لَهُ حقّاً على الناسولا يرى لَهُم عَلَيْهِ حَقًا من أجل نسبه بالرّسول صلّى الله عَلَيْهِ وسلّم. وَقد قيل لعليّ بن الْحُسَيْن بن عليّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم: مَا بالك إِذا سَافَرت كتمت نسبك أهل الرّفقة

(الشاهد التاسع والثمانون بعد المائتين)

فَقَالَ: أكره أَن آخذ برَسُول الله صلّى الله عَلَيْهِ وسلّم مَا لَا أعطي مثله. وأنشده بعده وَهُوَ 3 - (الشَّاهِد التَّاسِع وَالثَّمَانُونَ بعد الْمِائَتَيْنِ) وَهُوَ من شَوَاهِد س: الرجز (مرّ اللَّيَالِي أسرعت فِي نقضي ... أخذن بَعْضِي وتركن بَعْضِي) إِلَى أنّ مرّ اكْتسب التَّأْنِيث من الْمُضَاف إِلَيْهِ وَلِهَذَا قَالَ: أخذن. وسيبويه جعل محلّ الشَّاهِد أسرعت فَفِي الْبَيْت قد اكْتسب المذكّر فِيهِ التَّأْنِيث بِوَجْهَيْنِ: أَحدهمَا: التَّأْنِيث فَقَط وَهُوَ بِالنّظرِ إِلَى قَوْله أسرعت. وَثَانِيهمَا: التَّأْنِيث والجمعيّة وَهُوَ بِالنّظرِ إِلَى قَوْله أخذن وَكَانَ الْمُنَاسب للشَّارِح المحقّق أَن يضمّ هَذَا الْبَيْت الَّذِي بعده أَو يُوَافق سِيبَوَيْهٍ وَمن تبعه. ويروى: طول اللّيالي قَالَ ابْن خلف: الشَّاهِد فِيهِ أنّه قَالَ: أسرعت فأنّث الضَّمِير الَّذِي هُوَ فَاعل أسرعت. وَيجب أَن يكون مذكراً لأنذه يَنْبَغِي أَن يعود إِلَى الْمُبْتَدَأ والمبتدأ مذكّر وَهُوَ الطّول. وإنّما أنّثه لأنّه أضَاف الطّول إِلَى اللّيالي وَلَيْسَ الطّول شَيْئا غَيرهَا فأخلص الْخَبَر لليالي دون الطّول. فقد بَان

وَهَذَا ناظرٌ إِلَى الْوَجْه الثَّانِي من وَجْهي كَلَام المبّرد الْمَنْقُول عَنهُ فِي الْبَيْت السَّابِق. وَقَالَ أَبُو عليّ الفارسيّ فِي التّكرة القصريّة: قَول ذِي الرّمّة: الطَّوِيل (مشين كَمَا اهتزّت رماحٌ تسفهت ... أعاليها مرّ الرّياح النّواسم) أحسن من قَوْله: طول اللّيالي أسرعت فِي نقضي لأنّ الرّيح لَا تكون ريحًا إلاّ بمرورها ومدافعة الْهَوَاء بعضه بَعْضًا فَحسن أَن تجْعَل هِيَ هُوَ. وَلَيْسَ طول اللّيالي كَذَلِك لأنّ اللّيل قد يكون لَيْلًا وإنم لم يكن طَويلا. انْتهى. وَفِيه نظر: فإنذه لَيْسَ مُرَاد الشَّاعِر أنّ اللَّيَالِي الطّوال دون الْقصار أسرعت فِي نقضه وإنّما يُرِيد تكْرَار الزّمان لياليه وأيّامه طَالَتْ اللّيالي أَو قصرت وَالزَّمَان لَا يَنْفَكّ عَن التّكرار كَمَا لَا تنفكّ الرّيح عَن الهبوب والمرور. وَهَذَا لَازم فتأمّل. وَرُوِيَ الْبَيْت: إنّ اللّيالي أسرعت وَرَوَاهُ الجاحظ أَيْضا فِي الْبَيَان:) أرى اللّيالي أسرعت وروى المصراع الثَّانِي هَكَذَا أَيْضا:

نقضن كلّي ونقضن بَعْضِي والنَّقْض: هدم الْبناء حجرا فحجرا وَهَذَانِ البيتان من أجوزة للأغلب العجليّ ذكرهمَا أَبُو حَاتِم فِي كتاب المعمّرين وَأورد بعدهمَا: (حنين طولي وحنين عرضي ... أقعدنني من بعد طول نهضي) وَكَانَ الْأَغْلَب العجليّ مّمن عمّر عمرا طَويلا فِي الجاهليّة وَالْإِسْلَام. اسْلَمْ وَاسْتشْهدَ بوقعة نهاوند. وَقد تقدّمت تَرْجَمته فِي الشَّاهِد الْحَادِي وَالْعِشْرين بعد الْمِائَة. وَزعم أَبُو مُحَمَّد الأعربيّ فِي فرحة الأديب انّ هَذَا الرجز لَيْسَ للأغلب وإنّما هُوَ من شوارد الرّجز لَا يعرف قَائِله. وَمن حفظ حجّةٌ على من لم يحفظ. وَقد رَوَاهُ للأغلب صَاحب الأغاني أَيْضا قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَهُوَ كَذَا: الرجز (أَصبَحت لَا يحمل بَعْضِي بَعْضِي ... منفّهً أروح مثل النّقض) (مرّ اللّيالي أسرعت فِي نقضي ... طوين طولي وطوين عرضي)

(الشاهد التسعون بعد المائتين)

. وَأنْشد بعده وَهُوَ 3 - (الشَّاهِد التِّسْعُونَ بعد الْمِائَتَيْنِ) الوافر (وَمَا حبّ الدّيار شغفن قلبِي ... وَلَكِن حبّ من سكن الدّيارا) على أنّ الْمُضَاف وَهُوَ حبّ اكْتسب التَّأْنِيث والجمعيّة بإضافته إِلَى الديار وَهُوَ جمع دارٍ وَهُوَ مؤنث سماعيّ. وَهَذَا وَاضح. وَقد يكْتَسب الْمُضَاف الجمعية فَقَط كَقَوْلِه: الطَّوِيل (وَكم ذدت عنّي من تحامل حادثٍ ... وَسورَة أيّام حززن إِلَى اللّحم) فسورة اكْتسبت الجمعيّة من إضافتها إِلَى أيّام وَلِهَذَا أُعِيد الضَّمِير من حززن جَمِيعًا. وَالْفرق بَينه وَبَين مَا حبّ الديار شغفن أنّ هَذَا اكْتسب التانيث بِصفتِهِ أَعنِي الجمعيّة فَلم يتمحض لِاكْتِسَابِ الجمعية كَمَا فِي: وَسورَة أَيَّام حززن. وَبَقِي أَشْيَاء لم يذكرهَا الشَّارِح المحقّق مِمَّا تكسبه الْإِضَافَة مِنْهَا تذكير المؤنّث عكس مَا ذكره كَقَوْلِه: الْبَسِيط وَمِنْهَا الظرفيّة نَحْو قَوْله تَعَالَى: تُؤْتى أكلهَا كلّ حِين. وَمِنْهَا

المصدرية نَحْو قَوْله تَعَالَى: وَسَيعْلَمُ الَّذين ظلمُوا أيّ منقلبٍ يَنْقَلِبُون. فأيّ: مفعول مُطلق ناصبه يَنْقَلِبُون وَيعلم معلّق عَن الْعَمَل معلّق عَن الْعَمَل بالاستفهام. وَمِنْهَا وجوب التصدّر نَحْو: غُلَام من عنْدك وَنَحْو صَبِيحَة أيّ يَوْم سفرك وَنَحْو: غُلَام أيّهم أكرمت وَنَحْو: غُلَام أيّهم أَنْت أفضل وَالْبَيْت الشَّاهِد لجنون بني عَامر. وَقَبله: (أمرّ على الدّيار ديار ليلى ... أقبل ذَا الْجِدَار وَذَا الجدارا) وهما بيتان لَا ثَالِث لَهما. رُوِيَ أنّه كَانَ إِذا اشْتَدَّ شوقه إِلَى ليلى يمرّ على آثَار الْمنَازل الَّتِي كَانَت تسكنها فَتَارَة يقبّلها وَتارَة يلصق بَطْنه بكثبان الرّمل ويتقلّب فِي حافاتها وَتارَة يبكي وينشد هذَيْن الْبَيْتَيْنِ. والديّار: الْمنَازل قَالَ الكرمانيّ فِي شرح شَوَاهِد الموشّح: قَالَ أَبُو حَاتِم: الدّيار: العساكر والخيام لَا الْبُنيان والعمران وإنّ الدّار الْعمرَان والبنيان وَعَلِيهِ قَوْله تَعَالَى فِي سُورَة هود: فَأَصْبحُوا فِي دِيَارهمْ جاثمين أَي: فِي عساكرهم وخيامهم وَفِي سُورَة الْأَعْرَاف وَالْعَنْكَبُوت:) قَالَ مُحَمَّد بن جَعْفَر فِي كتاب دارات الْعَرَب: اعْلَم أنّهم

يَقُولُونَ لدار الردل الَّتِي سكنها دارة ويجمعونها دارات ودور وديار. وَذَا اسْم إِشَارَة. وشغف الْهوى قبله شغفاً من بَاب نفع وَالِاسْم الشّغف بِفتْحَتَيْنِ: بلغ شغافة بِالْفَتْح وَهُوَ غشاؤه. والْمَجْنُون: اسْمه قيس بن معَاذ وَيُقَال قيس بن الملّوح أحد بني جعدة ابْن كَعْب بن ربيعَة بن عَامر بن صعصعة وَيُقَال بل هُوَ من بني عقيل بِالتَّصْغِيرِ ابْن كَعْب بن ربيعَة. وَهُوَ من أشعر النَّاس على أنّهم قد نسبوا إِلَيْهِ شعرًا كثيرا رَقِيقا يشبه شعره كَقَوْل أبي صَخْر الهذليّ: الطَّوِيل (فيا هجر ليلى قد بلغت بِهِ المدى ... وزدت على مَا لم يكن بلغ الهجر) (وَيَا حبّها زِدْنِي جوىً كلّ ليلةٍ ... وَيَا سلوة العشّاق موعدك الْحَشْر) وَقَالَ الجاحظ: مَا ترك النَّاس شعرًا مَجْهُولا لقَائِل فِيهِ ذكر ليلى إلاّ نسبوه إِلَى الْمَجْنُون وَلَا فِيهِ لبنى إلاّ نسبوه لقيس بن ذريح. وَفِي الأغاني: اخْتلف فِي وجوده: فَذهب قومٌ إِلَى أَنه مستعار لَا حَقِيقَة لَهُ وَلَيْسَ لَهُ فِي بني عَامر أصل وَلَا نسب. وَقَالَ الأصمعيّ: رجلَانِ مَا عرفا فِي الدُّنْيَا إلاّ بِالِاسْمِ: مَجْنُون بني عَامر وَابْن القرّيّة وإنّما وضعهما الروَاة. قيل لَهُ: فَمن قَالَ هَذِه الْأَشْعَار المنسوبة إِلَيْهِ قَالَ فَتى من بني مَرْوَان كَانَ يهوى امْرَأَة مِنْهُم فَقَالَ فِيهَا الشّعْر وَخَافَ الظُّهُور فنسبه إِلَى الْمَجْنُون وَعمل لَهُ أَخْبَارًا وأضاف إِلَيْهَا ذَلِك فَحَمله النَّاس وَزَادُوا فِيهِ.

وَقَالَ الذهبيّ فِي تَارِيخ الْإِسْلَام انكر بعض النَّاس ليلى وَالْمَجْنُون وَهَذَا دفعٌ بالصدر فَلَيْسَ من لَا يعلم حجّة على من يعلم وَلَا الْمُثبت كالنافي. وعَلى القَوْل بِوُجُودِهِ اخْتلف فِي اسْمه: فَقيل مهْدي وَقيل قيس بن معَاذ وَقيل غير ذَلِك. والأصحّ أنّه قيس بن الملّوح بن مُزَاحم بن قيس بن عديّ بن ربيعَة بن جعدة بن كَعْب ابْن ربيعَة) بن عَامر بن صعصعة وصاحبته ليلى بنت مهديّ أم مَالك العامريّة. قَالَ ابْن قُتَيْبَة: وَكَانَ الْمَجْنُون وليلى صاحبته يرعيان البهم وهما صبيّان فعلقها علاقَة الصبيّ وَقَالَ: الطَّوِيل (تعلّقت ليلى وَهِي غرّ صَغِيرَة ... وَلم يبد للأتراب من ثديها حجم) ثمَّ نَشأ وَكَانَ يجلس مَعهَا ويتحدّث فِي نَاس من قومه وَكَانَ ظريفاً جميلاً رِوَايَة للشعر حُلْو الحَدِيث فَكَانَت تعرض عَنهُ وَتقبل بِالْحَدِيثِ على غَيره حتّى شقّ ذَلِك عَلَيْهِ وعرفته فَقَالَت: الوافر (كِلَانَا مظهر للنّاس بغضاً ... وكلّ عِنْد صَاحبه مكين) (تبلّغنا الْعُيُون بِمَا رَأينَا ... وَفِي القلبين ثمَّ هوى دَفِين) ثمَّ تَمَادى بِهِ الْأَمر حتّى ذهب عقله وهام مَعَ الْوَحْش وَصَارَ لَا يلبس

ثوبا إلاّ خرّقه وَلَا يعقل إلاّ أَن تذكر لَهُ ليلى فَإِذا ذكرت عقل واجاب عَن كلّ مَا يسْأَل عَنهُ. ثمَّ إنّ قوم ليلى شكوا مِنْهُ للسُّلْطَان فأهدر دَمه وترحّل قَومهَا من تِلْكَ النَّاحِيَة فَأَشْرَف فَرَأى دِيَارهمْ بَلَاقِع فقصد منزلهَا وألصق صَدره بِهِ وَجعل يمرّغ خديّه على التُّرَاب وَيَقُول الْأَشْعَار. ثمَّ إنّ أَبَاهُ قيّده فَجعل يَأْكُل لحم ذِرَاعَيْهِ وَيضْرب نَفسه ويعض لِسَانه وشفتيه فَأَطْلقهُ. وَرُوِيَ أنّ نَوْفَل بن مساحق لّما جَاءَ ساعياً على صدقَات بني عَامر رأى الْمَجْنُون يلْعَب بالتّراب وَهُوَ عُرْيَان فَقَالَ لغلام لَهُ: خُذ ثوبا وألقه عَلَيْهِ. فَقَالُوا لَهُ: أَلا تعرفه قَالَ: لَا. قَالُوا: هَذَا الْمَجْنُون قيس بن الملّوح كلّمه فَجعل يجِيبه بِغَيْر مَا يسْأَله عَنهُ فَقَالُوا لَهُ: إِن أردْت أَن يكلّمك كلَاما صَحِيحا فاذكر لَهُ ليلى. فَقَالَ: أتحبّ ليلى فَأقبل عَلَيْهِ يحدّثه عَنْهَا وينشده شعره فِيهَا فَقَالَ لَهُ: أتحبّ أَن أزوّجكما قَالَ: وَتفعل ذَاك قَالَ: نعم اخْرُج معي حتّى أقدم بك على قَومهَا فأخطبها لَك. فارتحل مَعَه ودعا لَهُ بكسوة فلبسها وَرَاح مَعَه كأصحّ أَصْحَابه فلمّا قرب من قَومهَا تلقّوه بالسّلاح وَقَالُوا: وَالله يَا ابْن مساحق لَا يدْخل الْمَجْنُون لنا بَيْتا أَو نقْتل عَن آخِرنَا وَقد أهْدر لنا السّلطان دَمه فَأقبل بهم وَأدبر فَأَبَوا عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ: انْصَرف. فَقَالَ: أَيْن مَا وعدت قَالَ: رجوعك بالخيبة أَهْون عليّ من سفك الدّماء.) ثمَّ هام على وَجهه فِي الفلوات وَأنس بالوحوش فَكَانَ لَا يَأْكُل إلاّ مَا تنْبت الأَرْض من الْبُقُول وَلَا يشرب إلاّ مَعَ الظّباء وَطَالَ شعر جسده وَرَأسه وألفته

الوحوش وَكَانَ يهيم حتّى يبلغ حُدُود الشَّام فَإِذا ثاب عقله سَأَلَ عَن نجد فَيُقَال: وانى نجد فيدلّونه على طَرِيق نجد فيتوجّه نَحوه. وَكَانَ بأَهْله يأتونه بالطّعام وَالشرَاب فربّما أكل مِنْهُ. وَفِي بعض الأيّام أَتَوْهُ بالطعّام فَلم يروه فَانْطَلقُوا يفتشونه فرأوه ملقىً بَين الْأَحْجَار مَيتا فاحتملوه إِلَى الحيّ فغسّلوه ودفنوه وَكثر بكاء النِّسَاء عَلَيْهِ. وَكَانَ فِي مدّة ابْن الزّبير. وَكَانَت ليلى تحبّه أَيْضا محبّة شَدِيدَة. حكى ابْن قُتَيْبَة قَالَ: خرج رجلٌ من بني مرّة إِلَى نَاحيَة الشَّام والحجاز مِمَّا يَلِي تيماء والسراة بِأَرْض نجد بغية لَهُ فَإِذا هُوَ بخيمة قد رفعت لَهُ عظيمةٍ وَقد أَصَابَهُ الْمَطَر فَعدل إِلَيْهَا فتنحنح فَإِذا أمرٌ كثير عَظِيم فَقَالَت: سلوا هَذَا الرّاكب من أَيْن أقبل فَقَالَ: من نَاحيَة نجد. فَقَالَت: يَا عبد الله وأيّ بِلَاد نجد وطِئت قَالَ: كلّها. قَالَت: فِيمَن نزلت مِنْهُم قَالَ: بني عَامر. فتنفست الصّعداء ثمَّ قَالَت: بأيّ بني عَامر قَالَ: ببني الْحَرِيش. قَالَت: فَهَل سَمِعت بِذكر فَتى مِنْهُم يُقَال لَهُ قيسٌ ويلقب بالمجنون قَالَ: إِي وَالله قد أَتَيْته فرأيته يهيم مَعَ الوجش وَلَا يعقل شَيْئا حتّى تذكر لَهُ ليلى فيبكي وينشد أشعاراً يَقُولهَا فِيهَا. فَرفعت السّتر بيني وَبَينهَا فَإِذا شقّة قمرٍ لم تَرَ عَيْني مثلهَا قطّ فَلم تزل تبْكي وتنتحب حتّى ظَنَنْت أنّ قَلبهَا قد تصدّع فَقلت: يَا أمة الله اتّقي الله فو الله مَا قلت بَأْسا فَمَكثت طَويلا على تِلْكَ الْحَال من الْبكاء والنحيب ثمَّ قَالَت: الطَّوِيل (أَلا لَيْت شعري والخطوب كثيرةٌ ... مَتى رَحل قيسٍ مستقلٌّ فراجع) (بنفسي من لَا يسْتَقلّ برحله ... وَمن هُوَ إِن لم يحفظ الله ضائع)

(الشاهد الحادي والتسعون بعد المائتين)

ثمَّ بَكت حتّى غشي عَلَيْهَا فلمّا أفاقت قلت: من أَنْت يَا أمة الله قَالَ: أَنا ليلى المشؤومة عَلَيْهِ غير المواسية لَهُ. قَالَ: فو الله مَا رَأَيْت مثل حزنها عَلَيْهِ وَلَا مثل جزعها. وَلَا مثل وجدهَا. وَأنْشد بعده: يَا سَارِق اللّيلة أهل الدّار) قد تقدّم الْكَلَام عَلَيْهِ فِي الشَّاهِد الرَّابِع وَالسبْعين بعد الْمِائَة. وَأنْشد بعده وَهُوَ 3 - (الشَّاهِد الْحَادِي وَالتِّسْعُونَ بعد الْمِائَتَيْنِ) وَهُوَ من شَوَاهِد س: الرجز (ربّ ابْن عمّ لسليمى مشمعل ... طبّاخ سَاعَات الْكرَى زَاد الكسل) على أنّ سَاعَات كَانَ فِي الأَصْل مَفْعُولا فِيهِ فاتّسع فِيهِ فَألْحق بالمفعول بِهِ واضيف إِلَيْهِ طبّاخ. فكسرة التَّاء من سَاعَات كسرة جرّ وَزَاد الكسل مَنْصُوب على أنّه مفعول طبّاخ لأنّه مُعْتَمد على موصوفه. قَالَ الأعلم: الشَّاهِد فِيهِ إِضَافَة طبّاخ إِلَى سَاعَات على تشبيهها

بالمفعول بِهِ لَا على أنّها ظرف وَلَا تجوز الْإِضَافَة إِلَيْهَا وَهِي ظرف لأنّ الظّرْف يقدّر فِيهِ حرف الْوِعَاء وَهُوَ فِي وَالْإِضَافَة إِلَى الْحَرْف غير جَائِزَة وَإِنَّمَا يُضَاف إِلَى الِاسْم. وَلما أضَاف الطبّاخ إِلَى السَّاعَات اتّساعاً ومجازاً عدّاه إِلَى الزَّاد لأنّه الْمَفْعُول بِهِ فِي الْحَقِيقَة. انْتهى. وَقَول ثَعْلَب فِي أَمَالِيهِ: إِضَافَة طبّاخ إِلَى سَاعَات لَا تجوز إلاّ فِي الشّعْر مَمْنُوع. وَقَالَ ابْن برّيّ فِي شرح أَبْيَات الْإِيضَاح لأبي عليّ: لَا بُد أَن تقدّر السَّاعَات تنزّلت منزلَة الْمَفْعُول بِهِ حَتَّى كَأَنَّهَا مطبوخة عَن كَانَ الطبّخ فِي الْمَعْنى إنّما هُوَ للزاد كَمَا تصير اللّيلة فِي قَوْله: يَا سَارِق اللّيلة أهل الدّار بِمَنْزِلَة الْمَفْعُول حتّى كأنّها مسروقة. وَلما خفض سَاعَات بِإِضَافَة طبّاخ إِلَيْهَا انتصب زَاد على الْمَفْعُول بِهِ لأنّه الْمَطْبُوخ فِي الْحَقِيقَة. وَمن خفض زَاد الكسل قدّر السَّاعَات ظرفا فاصلاً بَين الْمُضَاف والمضاف إِلَيْهِ على قَوْلهم فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: يَا سَارِق اللّيلة أهل الدّار انْتهى كَلَامه. وَأوردهُ الفرّاء فِي تَفْسِيره عِنْد قَوْله تَعَالَى: فَلَا تحسبنّ الله مخلف وعده رسله قَالَ: اضيفت مخلف إِلَى الْوَعْد ونصبت الرُّسُل على التَّأْوِيل. وَإِذا كَانَ الْفِعْل يَقع على شَيْئَيْنِ مُخْتَلفين مثل) كسوتك الثَّوْب

وأدخلتك الدَّار تبدأ بغضافة الْفِعْل إِلَى الرجل فَتَقول: هُوَ كاسي عبد الله ثوبا ومدخله الدَّار وَيجوز هُوَ كاسي الثَّوْب عبد الله ومدخل الدَّار زيدا جَازَ ذَلِك لأنّ الْفِعْل قد يَأْخُذ الدَّار كأخذه عبد الله. (ترى الثّور فِيهَا مدْخل الظّلّ رَأسه ... وسائره بادٍ إِلَى الشّمس أجمع) فأضاف مدْخل إِلَى الظلّ وَكَانَ الْوَجْه أَن يضيف مدْخل إِلَى الرَّأْس. وَمثله: ربّ ابْن عمّ لسليمى مشمعلّ ... . الخ وَمثله قَول الآخر: يَا سَارِق اللّيلة أهل الدّار يُرِيد: يَا سَارِق أهل الدّار اللّيلة فأضاف سَارِقا إِلَى اللّيلة وَنصب أهل الدَّار. وَكَانَ بعض النَّحْوِيين ينصب اللَّيْلَة ويخفض أهل الدَّار. انْتهى المُرَاد مِنْهُ. وَقَالَ ابْن الشجريّ فِي أَمَالِيهِ وَغَيره: وَرُوِيَ بجرّ زَاد أَيْضا على أنّ طباخاً قد أضيف إِلَيْهِ وَفصل بَينهمَا الظّرْف وَهُوَ سَاعَات فَتكون الكسرة فِيهِ نائبة عَن الفتحة وَهُوَ مَنْصُوب لَا مجرور. قَالَ: وَمثل هَذَا جَائِز فِي الشّعْر كَقَوْلِه: يَا سَارِق اللّيلة أهل الدّار

يُرِيد: يَا سَارِق أهل الدَّار اللَّيْلَة. انْتهى. وَقَالَ ابْن خلف: وَيجوز أَن يكون زَاد الكسل بدل اشْتِمَال من مَوضِع سَاعَات أَلا ترى أَن الزّاد تبيينٌ لما يطْبخ فِي السَّاعَات وَهِي مُشْتَمِلَة على الزَّاد وَغَيره ويجوة أَيْضا نصب زَاد بِفعل دلّ عَلَيْهِ طبّاخ أَي: يطْبخ زَاد الكسل. هَذَا كَلَامه فتأمّله. وَقَوله: مشمعل صفة لمجرور ربّ بعد وَصفه بقوله لسليمى. والمشمعلّ: الجادّ فِي الْأَمر الْخَفِيف فِي جَمِيع مَا أَخذ فِيهِ من الْعَمَل وَهُوَ مشدّد اللَّام إلاّ أنّه سكّنها للشعر. قَالَ المبّرد فِي الْكَامِل: أَمر مُصعب بن الزّبير رجلا من بني أَسد بن خُزَيْمَة يقتل مرّة بن محكان السعديّ فَقَالَ مرّة: الطَّوِيل (بني أسدٍ إِن تقتلوني تَحَارَبُوا ... تميماً إِذا الْحَرْب الْعوَان اشمعلت)) (وَلست وَإِن كَانَت إليّ حَبِيبَة ... بباكٍ على الدّنيا إِذا مَا تولت) قَالَ المبّرد: واشمعلت: ثارت فأسرعت. وَأنْشد: ربّ ابْن عمّ لسليمى مشمعل وطبّاخ صفة ثَالِثَة لمجرور ربّ. والْكرَى: النعاس. والكسل بِفَتْح الْكَاف وَكسر السِّين بِمَعْنى الكسلان إلاّ أنّ فِي كسلان مُبَالغَة لَيست فِي الكسل وَهُوَ المتثاقل المتواني. يَقُول: إِذا كسل أَصْحَابه عَن طبخ الزَّاد

عِنْد نزولهم آخر اللَّيْل وَغَلَبَة النعاس عَلَيْهِم كفاهم ذَلِك وشمّر فِي خدمتهم. وَصفَة بالنشاط والمضيّ فِي الْأُمُور وَقت كسل أَصْحَابه وفتورهم. وَالْعرب تفتخر بِمثل هَذَا. وروى الْمبرد فِي الْكَامِل هَذَا الرجز كَذَا: الرجز (ربّ ابْن عمّ لسليمى مشمعل ... أروع فِي السّفر وَفِي الحيّ غزل) طبّاخ سَاعَات ... . . إِلَى آخِره والأروع: السَّيِّد الَّذِي يروعك عَظمته وعزّته. والسّفر: جمع سَافر كصحب جمع صَاحب يُقَال: سفرت أَي: خرجت إِلَى السّفر فَأَنا سَافر وَقوم سفر. وغزل بِفَتْح الْغَيْن وَكسر الزَّاي المعجمتين يُقَال: رجلٌ غزل: أَي صَاحب غزل وَهُوَ محادثة النِّسَاء ومراودتهنّ. وَهَذَا الْإِعْرَاب هُوَ مُقْتَضى هَذِه الرِّوَايَة وَسَتَأْتِي الرِّوَايَة الْأَصْلِيَّة. وَقد نسب الْمبرد هَذَا الرجز إِلَى الشمّاخ بن ضرار وَهُوَ من رجز لجبّار بن جُزْء أخي الشمّاخ يتَعَلَّق بعمّه الشمّاخ. وَهَذَا مدحٌ فِيهِ. وَهُوَ من جملَة أوجازٍ لجَماعَة لَهَا حكايةٌ مسطورة فِي آخر ديوَان الشمّاخ محصّلها: أنّ الشمّاخ أقبل من مصر وَمَعَهُ أَوْلَاد إخْوَته فِي نَاس من قومه

مِنْهُم جُنْدُب بن عَمْرو وَكَانَ الشمّاخ وَأَصْحَابه يبغضونه لأنّه كَانَ يتحدّث إِلَى امْرَأَة الشمّاخ حتّى إِذا كَانُوا قَرِيبا من تيماء على رَأس مَاء يُقَال لَهُ ثجر بِفَتْح الْمُثَلَّثَة وَسُكُون الْجِيم قَالَ الشمّاخ لحسن بن مزرد: انْزِلْ أحد بالقوم وَكَانُوا كَذَلِك يَفْعَلُونَ: ينزل الرجل فيسوق بِأَصْحَابِهِ ويرتجز بهم وَأمره أَن يعرّض بِامْرَأَة جُنْدُب فَقَالَ: الرجز (خَلِيل خودٍ غرّها شبابه ... إِلَى آخر الرّجز)) فَنزل جُنْدُب وحدا بالقوم وعرّض بامراة الشمّاخ وَكَانَت أمّ صبيّ وَاسْمهَا سليمى فَقَالَ: الرجز طيف خيالٍ من سليمى هائجي إِلَى أَن قَالَ: الرجز (يَا لَيْتَني غير حارج ... قبل الرّواح ذَات لون باهج) (أمّ صبيّ قد حبا أَو دارج ... غرثى الوشاح كزّة الدّمالج) فَغَضب الشمّاخ لما عرّض بامرأته فَنزل وسَاق بالقوم ورجز رجزين عرّض فيهمَا بِامْرَأَة جُنْدُب إِلَى أَن نزل وحدا جمَاعَة من طرف هَذَا وَجَمَاعَة من قبل ذَاك وكلّ رجل يتعصب لصَاحبه إِلَى أَن تواثبوا بِالسُّيُوفِ. وَكَانَ مَعَهم رجل من بني أَسد فاقتحم بَينهم فَقَالَ: يَا قوم نهشت نهشت فَلم يزَالُوا يسقونه السّمن واللّبن حتّى لهوا عَن قِتَالهمْ فَأَصْبحُوا وَقد سكنوا.

وَهَذَا رجز جبّار ابْن أخي الشمّاخ بِتَمَامِهِ: قَالَت سليمى لست بالحادي المدل مَا لَك لَا تملك أعضاد الْإِبِل المدل: الَّذِي أدلّ بقوةٍ على شدّة السّير. يَقُول: مَالك تتخلف عَن الْإِبِل لَا تكون عِنْد أعضادها. وَهَذَا خطاب لجندب بِأَنَّهُ ضَعِيف لَا جلد لَهُ. ربّ ابْن عمّ لسليمى مشمعل يُحِبهُ الْقَوْم وتشناه الْإِبِل أَرَادَ بِابْن العمّ زَوجهَا الشمّاخ. ويحبّه الْقَوْم لِأَنَّهُ يعينهم ويخدمهم مساعدة. وتشنؤه الْإِبِل: أَي تبْغضهُ لأنّه يَسُوقهَا سوقاً عنيفاً بالحداء. ويحبّه: جَوَاب ربّ الْعَامِل فِي مَحل مجرورها. فِي الشّول وشواشٌ وَفِي الحيّ رفل طبّاخ سَاعَات الْكرَى زَاد الكسل أحوس وسط الْقَوْم بالرّمح الخطل الشّول بِالْفَتْح: الْإِبِل الَّتِي شوّلت أَلْبَانهَا أَي: رفعته. والوشواش بمعجمتين: الْخَفِيف المتسرّع.) يُرِيد أَنه خَفِيف جلد فِي السّفر يخدمنها ويراعيها وَفِي الْإِقَامَة فِي الحيّ متنعم متحملّ. والجملتان اسميتان وَقد رُوِيَ بدل هَذَا الْبَيْت مَا نَقَلْنَاهُ عَن المبّرد. وَقَوله: طبّاخ بِالرَّفْع خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي: هُوَ طبّاخ كَمَا هُوَ الظَّاهِر من السيّاق بِخِلَاف مَا تقدّم.

وَفِي طبّاخ مُبَالغَة دون طابخ. والأحوس بمهملتين: الرجل الشَّديد الَّذِي لَا يبرح عِنْد الْقِتَال. والخطّل بِفَتْح الْخَاء وَكسر الطَّاء الطَّوِيل جدا فَوق الْقدر. (عاذلتي أُبْقِي قَلِيلا من عذل ... وَإِن تقولي هَالك أقل أجل) عاذلتي: منادى. والعذل: اللوم. وَمن متعلّقة بِمَحْذُوف. وهَالك أَي: أَنْت هَالك. وأجل: بِمَعْنى نعم. (قربت عنساً خلقت خلق الْجمل ... لَا تَشْتَكِي مَا لقِيت من الْعَمَل) قربت بالتكلم وَالْبناء للْفَاعِل. والعنس بالنُّون: النَّاقة الصّلبة. مولع يقرو صريماً قد نقل يُرِيد: أَن نَاقَته ضمرت فاسترخت نسوعها أَي: سيورها. ونهل السّوط بدفّيها أَي: بجنبيها. وعلّ أَي: ضربت بِالسَّوْطِ مرّة بعد مرّة. والمولّع بِصِيغَة اسْم الْمَفْعُول: الثور الوحشيّ شبّه نَاقَته فِي حَال كلالها وتعبها بالثور الوحشيّ فِي حَال مَا رأى الصياد وَقد أَمْسَى اللَّيْل عَلَيْهِ فَهُوَ يسْرع أشدّ مَا يُمكن. ويقرو بِالْقَافِ يُقَال: قروت الْبِلَاد قرواً وقريتها واستقريتها: إِذا تتبعتها تخرج من أَرض إِلَى أَرض. والصّريم: الْقَاطِع يُرِيد رَفِيقه الَّذِي صرمه وَنقل رجله عَنهُ فسبقه.

(صبّ عَلَيْهِ قانصٌ لمّا غفل ... والشّمس كالمرآة فِي كفّ الأشل) مقلدات القدّ يقرونَ الدّعل قانص: فَاعل صبّ أَي: أرسل قانصٌ على الثور لّما غفل كلاباً. وَجُمْلَة: وَالشَّمْس كالمرآة حَال إمّا من قانص أَو من فَاعل غفل أَو من ضمير عَلَيْهِ وهما ضمير الثور يُرِيد فِي حَالَة أنّ الشَّمْس قد تنكبت للمغيب. والأشلّ: الَّذِي يَبِسَتْ يَده فَلَا يمْسِكهَا إلاّ منكّسة. والمقلدات بِصِيغَة اسْم الْمَفْعُول يُرِيد كلاباً عَلَيْهَا قلائد من السيّور وَهُوَ مفعول صبّ.) وَلم يزدْ العبّاسيّ شَارِح شَوَاهِد التَّلْخِيص على قَوْله: اخْتلف فِي قَائِل هَذَا الْبَيْت فَقيل للشمّاخ وَقيل لِأَخِيهِ وَقيل لأبي النّجم وَقيل لِابْنِ المعتز. وجبّار قَائِل هَذَا الرجز هُوَ بِفَتْح الْجِيم وَالْبَاء الموحّدة وَمَعْنَاهُ ذُو الجبرية وَالْعَظَمَة يُقَال: قوم فيهم جبرية بِفَتْح الْبَاء أَي: عَظمَة وَكبر. وَنسبه تقدّم فِي تَرْجَمَة عمّه الشمّاخ فِي الشَّاهِد الْحَادِي وَالتسْعين بعد الْمِائَة.

(الشاهد الثاني والتسعون بعد المائتين)

وَأنْشد بعده وَهُوَ 3 - (الشَّاهِد الثَّانِي وَالتِّسْعُونَ بعد الْمِائَتَيْنِ) وَهُوَ من شَوَاهِد س: الطَّوِيل (ضروبٌ بنصل السّيف سوق سمانها) هَذَا صدر وعجزه: إِذا عدموا زاداً فَإنَّك عَاقِر على أنّ أبنية الْمُبَالغَة لكَونهَا للاستمرار لَا لأحد الْأَزْمِنَة عملت. ف ضروب مُبَالغَة ضَارب وَقد عمل النصب فِي سوق على المفعولية. قَالَ ابْن ولاّد: سَأَلت أَبَا إِسْحَاق الزجّاج: لم صَار ضروبٌ وَنَحْوه يعْمل وَهُوَ بِمَنْزِلَة مَا استقرّ وَثَبت وضاربٌ لَا يعْمل إِذا كَانَ كَذَلِك فَقَالَ: لِأَنَّك تُرِيدُ أنّها حَالَة مُلَازمَة هُوَ فِيهَا وَلست تُرِيدُ أَنه أفعل مرّة وَاحِدَة وانقضى الْفِعْل كَمَا تُرِيدُ فِي ضَارب فَإِذا قلت: هَذَا ضروبٌ رُؤُوس الرِّجَال فَإِنَّمَا هِيَ حَال كَانَ فِيهَا فَنحْن نحكيها. قَالَ ابْن عُصْفُور: هَذَا هُوَ الصَّحِيح وَالدَّلِيل على صحّته قَول أبي طَالب: ضروب بنصل السّيف الخ لأنّه مدح بِهِ أَبَا أميّة بن الْمُغيرَة بِمَا ثَبت لَهُ واستقرّ وَحكى الْحَال الَّتِي كَانَ فِيهَا من عقر الْإِبِل إِذا عدم الزَّاد. وَلَو أَرَادَ المضيّ الْمَحْض وَلم يرد حِكَايَة حَاله لما سَاغَ الْإِتْيَان بإذا لأنّها للمستقبل.

قَالَ ابْن السَّيِّد فِي شرح أَبْيَات الْجمل: نصل شفرته أَي: حدّه الَّذِي يقطع بِهِ فَلذَلِك أَضَافَهُ) إِلَى السَّيْف كلّه نصلاً. وسوق: جمع سَاق. والسّمان: جمع سَمِينَة. وَالضَّمِير لِلْإِبِلِ. وعقر الْبَعِير بِالسَّيْفِ عقراً: ضرب قوائمه. لَا يُطلق الْعقر فِي غير القوائم. وَكَانُوا يعقرون النَّاقة إِذا أَرَادوا نحرها: إمّا لتبرك فَيكون أسهل لنحرها أَو ليعاجل الرجل ذَلِك فَلَا تَمنعهُ نَفسه من عقرهَا فَيكون قد عاجلها لئلاّ تَأمره بِغَيْر مَا فِي نَفسه. وضروب: خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي: هُوَ ضروب. فَقَوله: فإنّك عَاقِر الْتِفَات. قَالَ بَعضهم: وَلَو قدّر أَنْت ضروب لَكَانَ الِالْتِفَات مَعْدُوما فِيهِ وَيكون إنّك عَاقِر على مُقْتَضى الظَّاهِر. وَإِذا شرطيّة تجزم فِي الشّعْر. وَجُمْلَة عدموا شَرطهَا فِي محلّ جزم وَهِي الْعَامِل فِي إِذا وَالْجُمْلَة المقرونة بِالْفَاءِ جوابها. وَلَا يجوز أَن يكون عَاقِر عَاملا فِي إِذا لأنّ مَا بعد إنّ لَا يعْمل فِيمَا قبلهَا لأنّها حرف والحرف لَا يتقدّم معموله وَلَا مَعْمُول معموله عَلَيْهِ. وَقيل إِذا هُنَا شرطيّة غير جازمة. قَالَ ابْن هِشَام فِي المعني: وَفِي ناصبها مذهبان: أَحدهمَا: أنّه شَرطهَا وَهُوَ قَول المحقّقين فَتكون بِمَنْزِلَة مَتى وحيثما وأيّان. وَقَول أبي الْبَقَاء إنّه مَرْدُود بأنّ الْمُضَاف إِلَيْهِ لَا يعْمل فِي الْمُضَاف غير وَارِد لأنّ إِذا عِنْد هَؤُلَاءِ غير مُضَافَة كَمَا يَقُوله الْجَمِيع إِذا جزمت كَقَوْلِه: الْكَامِل وَإِذا تصبك خصاصةٌ فتجملّ

وَالثَّانِي: أَنه مَا فِي جوابها من فعل أَو شبهه وَهُوَ قَول الْأَكْثَرين. انْتهى. وعَلى هَذَا اقْتصر اللّخميّ فِي شرح أَبْيَات الْجمل فَقَالَ: الْعَامِل فِي إِذا فعل مَحْذُوف دلّ عَلَيْهِ عَاقِر وَالتَّقْدِير: إِذا عدموا زاداً عقرت. وَلَا يجوز أَن يعْمل فِي إِذا عَاقِر لأنّه لَا يعْمل مَا بعد إنّ فِيمَا قبلهَا. وَالْعجب من العينيّ هُنَا فإنّه بعد أَن ذهب إِلَى أنّها شرطيّة جازمة قَالَ: وَالْعَامِل فِيهَا فعل مَحْذُوف دلّ عَلَيْهِ عَاقِر أَي: عقرت. وَلَا يخفى تعسّفه. وَقيل إِذا ظرفيّة وَلَيْسَت شرطيّة وعاملها ضروب. وَهَذَا رَكِيك والأوّل هُوَ البليغ. وَهَذَا الْبَيْت من قصيدةٍ لأبي طالبٍ عمّ النّبيّ صلّى الله عَلَيْهِ وسلّم رثى بهَا أَبَا أميّة بن الْمُغيرَة بن عبد الله بن عمر بن مَخْزُوم وَكَانَ ختنه فَخرج تَاجِرًا إِلَى الشَّام فَمَاتَ بِموضع يُقَال لَهُ: سرو) سحيم فرثاه أَبُو طَالب بِهَذِهِ القصيدة. كَذَا فِي شُرُوح أَبْيَات سِيبَوَيْهٍ وأبيات الْجمل وَغَيرهَا إلاّ أنّ فِي بعض نسخ مَا ذكرنَا سقطا من الْكتاب وَهُوَ أَنهم حذفوا الْمُضَاف من أبي أميّة وَالصَّوَاب إثْبَاته كَمَا يَأْتِي بَيَانه. وَغلظ بَعضهم فَزعم أنّها مدحٌ فِي مُسَافر بن أبي عَمْرو. وأفحش من هَذَا القَوْل قَول ابْن الشجريّ فِي أَمَالِيهِ إنّها مدحٌ فِي النّبيّ صلّى الله عَلَيْهِ وسلّم. وَالْقَصِيدَة هَذِه:

الطَّوِيل (كأنّ فِرَاشِي فَوْقه نَار موقدٍ ... من اللّيل أَو فَوق الْفراش السّواجر) (على خير حافٍ من قُرَيْش وناعلٍ ... إِذا الْخَيْر يُرْجَى أَو إِذا الشّرّ حَاضر) (أَلا إنّ زَاد الرّكب غير مدافعٍ ... بسرو سحيمٍ غيّبته الْمَقَابِر) (بسرو سحيم عارفٌ ومناكرٌ ... وَفَارِس غاراتٍ خطيبٌ وياسر) (تنادوا بِأَن لَا سيّد الحيّ فيهم ... وَقد فجع الحيّان كعبٌ وعامر) (وَكَانَ إِذا يَأْتِي من الشَّام قَافِلًا ... تقدّمه تسْعَى إِلَيْنَا البشائر) (فَيُصْبِح أهل الله بيضًا كأنّما ... كستهم حبيراً ريدةٌ ومعافر) (ترى دَاره لَا يبرح الدّهر عِنْدهَا ... مجعجعة كومٌ سمانٌ وباقر) (إِذا أكلت يَوْمًا أَتَى الْغَد مثلهَا ... زواهق زهمٌ أَو محاضٌ بهازر) (ضروبٌ بنصل السّيف سوق سمانها ... إِذا عدموا زاداً فإنّك عَاقِر) (فإلاّ يكن لحمٌ غريضٌ فإنّه ... تكبّ على أفواههنّ الغرائر) (فيا لَك من ناعٍ حبيت بألّةٍ ... شراعيّةٍ تصفرّ مِنْهَا الأظافر) الغائر: من غَار المَاء فِي الأَرْض غوراً: ذهب فِيهَا. والشؤون: جمع شَأْن وَهُوَ عرق ينحدر من الرَّأْس إِلَى الْحَاجِب ثمَّ إِلَى الْعين وَمِنْه تَجِيء الدُّمُوع. والأعاور: جمع أَعور من عورت الْعين من بَاب تَعب: نقصت أَو غارت. والسّواجر: جمع ساجر بِكَسْر الْجِيم وَهُوَ الْموضع الَّذِي يَأْتِي عَلَيْهِ السّيل فيملؤه. يُرِيد كَثْرَة الدُّمُوع.

وَقَوله: أَلا إنّ زَاد الرّكب الخ زَاد الركب: لقب أبي أميّة قَالَ الزّبير بن بكّار فِي أَنْسَاب قُرَيْش: كَانَ أزواد الرّكب من قُرَيْش ثَلَاثَة: أحدهم: مُسَافر بن أبي عَمْرو بن أميّة بن عبد شمس.) وثانيهم: زَمعَة بن الْأسود بن الْمطلب بن أَسد بن عبد العزّى. وثالثهم: أَبُو أميّة بن الْمُغيرَة بن عبد الله بن عمر بن مَخْزُوم. وإنّما قيل لَهُم أزواد الرّكب لأَنهم كَانُوا إِذا سافروا لم يتزوّد مَعَهم أحد. وسحيم بضمّ السِّين وَفتح الْحَاء الْمُهْمَلَتَيْنِ: مَوضِع وسروه: أَعْلَاهُ. كَذَا قَالَ ابْن السَّيِّد وَغَيره. وَلَيْسَ هَذَا اللَّفْظ فِي مُعْجم مَا استعجم وَلَا فِي مُعْجم الْبلدَانِ. وَالْمَوْجُود فِي الأول سخيم بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة على وَزنه قَالَ: هُوَ مخلاف بن مخاليف الْيمن تنْسب إِلَيْهِ الْخُمُور الجيدّة. وَقَالَ فِي مَادَّة سرو: والسّرو ارْتِفَاع وهبوط بَين حزن وَسَهل وسرو حمير أَعلَى بِلَاد حمير. وَقَوله: بسرو سحيم عَارِف الخ عَارِف مُبْتَدأ والظرف قبله خَبره وَمَا بعده مَعْطُوف على عَارِف وَحذف حرف الْعَطف من خطيب ضَرُورَة. والْعَارِف من عرف على الْقَوْم يعرف من بَاب قتل عرافة بِالْكَسْرِ فَهُوَ عَارِف أَي: مدبّر أَمرهم وقائم بسياستهم. ومناكر: اسْم فَاعل من ناكرة أَي: قَاتله. وخطيب الْقَوْم هُوَ الْمُتَكَلّم عَنْهُم. والياسر: اللاعب بقداح الميسر

وَهُوَ قمار الْعَرَب وتسمّى الأزلام. وَكَانَ الميسر منقبةٌ فِي الجاهليّة يَلْعَبُونَ بِهِ فِي أيّام الجدب والقحط وَكَانَ الْغَالِب يفرق مَا اخذه على الْفُقَرَاء. والقافل: الرّاجع من السّفر. والبشائر: جمع بِشَارَة. وَأَرَادَ بِأَهْل الله قُريْشًا وَكَانَت الْعَرَب تسمّيهم أهل الله لكَوْنهم أَرْبَاب مكّة. وبيض: جمع أَبيض وَالْبَيَاض لعزّته عِنْد الْعَرَب لغَلَبَة السمرَة عَلَيْهِم يستعيرونه لحسن الْحَال والجودة. والحبير بِفَتْح الْمُهْملَة وَكسر الْمُوَحدَة: ثِيَاب ناعمة كَانَت تصنع بِالْيمن. وريدة بِفَتْح الرَّاء وَسُكُون الْمُثَنَّاة التَّحْتِيَّة: بَلْدَة من بِلَاد الْيمن. ومعافر بِفَتْح الْمِيم وَكسر الْفَاء وَبَينهمَا عين مُهْملَة: حيّ من هَمدَان فِي الْيمن إِلَيْهِم تنْسب الثِّيَاب المعافريّة. وَقَوله: مجعجعة اسْم فَاعل من جعجعت الْإِبِل إِذا صوّتت والجعجعة : أصواتها إِذا اجْتمعت وَهِي حَال من كوم جمع كوماء كصحراء وَهِي النَّاقة الْعَظِيمَة السنام. وَقَالَ ابْن السَّيِّد وَغَيره من شرّاح الشواهد: المجعجعة المصروعة وَعَلِيهِ فَهِيَ اسْم مفعول. وَمن الْعَجَائِب قَول العينيّ هُنَا: مجعجعة من الجعجعة وَهِي صَوت الرَّحَى. والباقر: اسْم لجَماعَة) الْبَقر كالجامل لجَماعَة الْجمال. وَقَوله: إِذا أكلت يَوْمًا. . الخ الْغَد مَنْصُوب على الظرفيّة وَهُوَ الْيَوْم الَّذِي يَلِي يَوْمك. ومثلهَا: حَال من زواهق وَهِي جمع زاهقة وَهِي السّمينة. والزّهم: الكثيرات الشَّحْم جمع زهمة بِفَتْح فَكسر وَكِلَاهُمَا بالزاي الْمُعْجَمَة. والْمَخَاض: الْحَوَامِل من الْإِبِل وَاحِدهَا خلفة من غير لَفظهَا. والبهازر: جمع بهزرة كحيدرة وَهِي الْعَظِيمَة الْجِسْم.

وَقَوله: ضروبٌ بنصل السَّيْف الخ السِّيَاق والسباق يمْنَع أَن يكون تَقْدِيره أَنْت ضروب كَمَا زَعمه بَعضهم. والْغَرِيض بإعجام الطَّرفَيْنِ: الطريّ من اللَّحْم. وتكبّ: تصبّ. والغرائر: جمع غرارة وَهِي الْعدْل يكون فِيهَا الدَّقِيق وَالْحِنْطَة وغسيرهما. وَقَوله: فيا لَك من ناع الخ هَذَا تعجبّ. والنّاعي: الَّذِي يخبر بِمَوْت الْإِنْسَان. وحبيت: خصصت من الحباء وَهُوَ العطّية. والألّة بِفَتْح الْهمزَة وَاللَّام الْمُشَدّدَة وَهِي الحربة. وشراعيّة بِالْكَسْرِ لَا بِالضَّمِّ كَمَا ضَبطه العينيّ. قَالَ صَاحب الصِّحَاح: ورمح شراعيّ أَي: وَقَالَ ابْن السَّيِّد وَتَبعهُ ابْن خلف: الشّراعيّة الَّتِي قد أشرعت للطّعن أَي: صوّبت وسدّدت. وَقَوله: تصفر مِنْهَا الخ أَي: تَمُوت مِنْهَا لأنّ الْمَيِّت يصفرّ ظفره دعاءٌ على من أخبر بِمَوْت أبي أميّة بِالْقَتْلِ. وأَبُو أميّة اسْمه كنيته تقدم ذكر نسبه قَرِيبا مَاتَ فِي الجاهليّة وَكَانَ زوج أُخْت أبي طَالب وَهِي عَاتِكَة بنت عبد المطلّب بن هَاشم عمّه النّبيّ صلّى الله عَلَيْهِ وسلّم. قَالَ الزّبير بن بكّار فِي أَنْسَاب قُرَيْش: كَانَ عِنْد أبي أُميَّة بن الْمُغيرَة ابْن عبد الله بن عمر بن مَخْزُوم أَربع عواتك: عَاتِكَة بنت عبد الْمطلب وَهِي أمّ زُهَيْر وَعبد الله وَهُوَ الَّذِي قَالَ للنّبيّ صلّى الله عَلَيْهِ وسلّم:

لن نؤمن لَك حَتَّى تفجر لنا من الأَرْض ينبوعا وَقَرِيبَة الْكُبْرَى وعاتكة بنت جذل الطّعان وَهِي أم أمّ سَلمَة وَالْمُهَاجِر. وعاتكة بنت عتبَة بن ربيعَة وَهِي أم قريبَة الصُّغْرَى. وعاتكة التميميّة وَهِي بنت قيس بن سعد بن زَمعَة بن نهشل بن دارم وَهِي أم أبي الحكم درج وأمّ مَسْعُود قتل يَوْم بدر كَافِرًا وَرَبِيعَة وهشامٍ الْأَكْبَر وصفيّة. وَكَانَ زُهَيْر بن أبي أميّة من رجال قُرَيْش وَكَانَ عبد الله بن أبي أميّة شَدِيد الْخلاف على الْمُسلمين ثمَّ خرج مُهَاجرا من مكّة يُرِيد النّبيّ صلّى الله عَلَيْهِ وسلّم فَلَقِيَهُ بالطّلوب بَين السّقيا) وَالْعَرج هُوَ وَأَبُو سُفْيَان بن الْحَارِث بن عبد الْمطلب فَأَعْرض عَنْهُمَا رَسُول الله صلّى الله عَلَيْهِ فَقَالَ عليّ بن أبي طَالب لأبي سُفْيَان بن الْحَارِث: ائْتِ رَسُول صلّى الله عَلَيْهِ وسلّم من قبل وَجهه وَقل لَهُ مَا قَالَ إخْوَة يُوسُف ليوسف: تا لله لقد آثرك الله علينا وَإِن كنّا لخاطئين فإنّه لَا يُرْضِي أَن يكون أحد أحسن مِنْهُ قولا. فَفعل ذَلِك أَبُو سُفْيَان فَقَالَ لَهُ رَسُول الله صلّى الله عَلَيْهِ وسلّم: لَا تَثْرِيب عَلَيْكُم الْيَوْم يغْفر الله لكم وَهُوَ أرْحم الرّاحمين وَقبل مِنْهُمَا وأسلما. وَهُوَ أَخُو أمّ سَلمَة لأَبِيهَا وَشهد مَعَ رَسُول الله صلّى الله عَلَيْهِ وسلّم فتح مكّة وحنين. وَقتل يَوْم الطَّائِف شَهِيدا. وَقتل هِشَام بن أبي أميّة يَوْم أحد كَافِرًا.

وَأسلم المُهَاجر وَزُهَيْر. وَولد زُهَيْر معبدًا وَقتل يَوْم الْجمل وَعبد الله بن زُهَيْر. وَولدت قريبَة الْكُبْرَى لزمعة بن الْأسود بن الْمطلب بن أَسد بن عبد العزّى. وَولدت قريبَة الصُّغْرَى عبد الله وأمّ حَكِيم ابْني عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر الصدّيق رَضِيَ اللَّهُ عَنْه. وترجمة أبي طَالب عمّ النّبيّ صلّى الله عَلَيْهِ وسلّم تقدّمت فِي الشَّاهِد الْحَادِي وَالتسْعين. وَأنْشد بعده: الطَّوِيل بمنجردٍ قيد الأوابد هيكل على أنّ قيدا بِمَعْنى مقيّد فإضافته إِلَى الأوابد لفظيّة لم تكسبه تعريفاً وَلِهَذَا وَقع نعتاً لمنجرد. وَهَذَا عجز وصدره: أَي: أخرج غدْوَة للصيّد والوكنة: عشّ الطَّائِر الَّذِي يبيض فِيهِ. والمنجرد من الْخَيل: الْمَاضِي فِي السّير. والأوابد: جمع آبدة بالمدّ وَهِي الوحوش يُرِيد أنّ هَذَا الْفرس من سرعته يلْحق الوحوش فَيصير لَهَا بِمَنْزِلَة الْقَيْد.

وَهَذَا الْبَيْت من معلّقة امْرِئ الْقَيْس تقدّم شَرحه وَالْكَلَام على قيد الأوابد بلاغة وإعراباً فِي الشَّاهِد الْخَامِس والثمانين بعد الْمِائَة. وَأنْشد بعده: يَا سَارِق اللّيلة أهل الدّار على أنّ إِضَافَة سَارِق إِلَى اللّيلة بِمَعْنى فِي أَي: يَا سَارِقا فِي اللّيلة. وَقد تقدّم الْكَلَام على هَذَا فِي الشَّاهِد الثَّالِث وَالتِّسْعُونَ بعد الْمِائَتَيْنِ الطَّوِيل) (لِحَافِي لِحَاف الضيّف وَالْبرد برده) على أنّ أل فِي الْبرد عِنْد الكوفيّين عوض من الْمُضَاف إِلَيْهِ وَالتَّقْدِير: ويردي برده. وَهُوَ الْمُنَاسب لقَوْله: لِحَافِي لِحَاف الضّيف. وَهَذَا صَدره وعجزه: وَلم يلهني عَنهُ غزالٌ مقنّع وَبعده: (أحدّثه إنّ الحَدِيث من الْقرى ... وَتعلم نَفسِي أنّه سَوف يهجع)

وَهَذَانِ البيتان أوردهما أَبُو تّمام فِي بَاب الأضياف من الحماسة لمسكين الدّارميّ إلاّ أنّه روى المصراع الشَّاهِد: لِحَافِي لِحَاف الضّيف وَالْبَيْت بَيته. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ جَمِيع من سَيذكرُ من رُوَاته مِنْهُم ابْن الْأَثِير فِي الْمثل السائر وَقَالَ: الغزال اسْتِعَارَة للْمَرْأَة الْحَسْنَاء. وَمِنْهُم السيّد المرتضى فِي أَمَالِيهِ وَقَالَ: وَمعنى أحدثه إِن الحَدِيث من الْقرى أَي: أَصْبِر على حَدِيثه وَأعلم أنّه سَوف ينَام وَلَا أضجر بمحادثته فَأَكُون قد محقت قراي. والْحَدِيث الْحسن من تَمام الْقرى. وَقَالَ التبريزيّ: أَي تعلم نَفسِي وَقت هجوعه فَلَا أكلّمه. يُرِيد أنّه يحدثه بعد الْإِطْعَام كأنّه يسامره حتّى تطيب نَفسه فَإِذا رَآهُ يمِيل إِلَى النّوم خلاّه. وَلم أقعد إِلَيْهِ أسائله قلت: هَذَا إِشَارَة إِلَى ابْتِدَاء النُّزُول وَذَلِكَ وَقت الِاشْتِغَال بالضيافة وَهَذَا يُرِيد بحَديثه بعد الْإِطْعَام. وَمِنْهُم الأعلم الشنتمريّ فِي حماسته إلاّ أنّه روى المصراع الْأَخير: وتكلأ عَيْني عينه حِين يهجع

وتكلأ: تحرس والكلاءة: الحراسة وَالْحِفْظ. وَالْعين الأوّل حاسّة الْبَصَر وَالثَّانِي بِمَعْنى الذَّات. وَمِنْهُم أَبُو زيد فِي نوادره وَمِنْهُم الجاحظ فِي الْبَيَان والتبيين إلاّ أَنَّهُمَا زادا على الْبَيْتَيْنِ قبلهمَا) بَيْتَيْنِ آخَرين وهما: (أرى كلّ ريحٍ تسكن مرّةً ... وكلّ سماءٍ ذَات درّ ستقلع) (فَإنَّك والأضياف فِي بردةٍ مَعًا ... إِذا مَا تبض الشّمس سَاعَة تنْزع) لِحَافِي لِحَاف الضّيف ... ... ... ... ... . . الْبَيْتَيْنِ قَالَ أَبُو زيد: تبضّ أَي: تجْرِي إِلَى الْمغرب أَي: أَمرهم لَازم لَك كأنّك أَنْت وهم فِي بردة. وَهُوَ بالضاد الْمُعْجَمَة قَالَ صَاحب الصِّحَاح: وبضّ المَاء بيضّ بضيضاً أَي: سَالَ قَلِيلا قَلِيلا. وتنْزع: تذْهب من نزع إِلَى كَا: إِذا مَال إِلَيْهِ وَذهب. وَأَرَادَ بالسماء السَّحَاب. والدّرّ الْقطر. والإقلاع: الكفّ عَن الشَّيْء يُقَال: أقلع عمّا كَانَ عَلَيْهِ. وَالْكَاف من قَوْله فإنّك الخ مَكْسُورَة لأنّه خطاب مَعَ امْرَأَته. وَقَوله: وَلم يلهني أَي: لم يشغلني. والمقنّع: اسْم مفعول الَّذِي ألبس الْمقنع والمقنعة بِالْكَسْرِ وهما مَا تقنّع بِهِ الْمَرْأَة رَأسهَا أَي: تغطّية. والقناع أوسع من المقنعة. وإنّما لم يقل المقنّعة بالتأنيث لأنّه جرى على لفظ الغزال.

وكلّهم روى هَذَا الشّعْر لمسكين الدّارميّ وَقد تقدّمت تَرْجَمته فِي الشَّاهِد السَّابِع وَالسِّتِّينَ بعد الْمِائَة إلاّ الجاحظ والأعلم الشنتمريّ فَإِنَّهُمَا نسباه إِلَى كَعْب ابْن سعد الغنويّ. وَنسبه التبريزيّ إِلَى عتبَة بن بجير وَبَعض شرّاح الحماسة. وَقد انْفَرد ابْن الشّجريّ بنسبته إِلَى عتبَة بن مِسْكين الدّارميّ فإنّه قَالَ: محادثة الضَّيْف من دَلَائِل الْكَرم وَقد مدحوا بذلك وتمدحوا بِهِ: فَمن الْمَدْح قَول الشمّاخ يمدح عبد الله بن جَعْفَر: الرجز (إنّك يَا ابْن جَعْفَر نعم الْفَتى ... وَنعم مأوى طَارق إِذا أَتَى) (وربّ ضيفٍ طرق الحيّ سرى ... صَادف زاداً وحديثاً مَا اشْتهى) وَمن التمدّح قَول عتبَة بن مِسْكين الدّارميّ: لِحَافِي لِحَاف الضيّف وَالْبَيْت بَيته ... ... ... . . الْبَيْتَيْنِ وَقَوله: وربّ ضيف هُوَ بِفَتْح الرَّاء وضمّ الْبَاء عطف على نعم. وَقد نسب ابْن الشّجريّ الدارميّ إِلَى الْبُخْل فإنّه قَالَ قبل دينك الْبَيْتَيْنِ. وَمن شعره الَّذِي استدلّ بِهِ على بخله قَوْله يذكر ضيفاً نزل بِهِ: الطَّوِيل) (أَتَى يخبط الظّلماء واللّيل دامسٌ ... يسائل عَن غير الَّذِي هُوَ آمل)

(الشاهد الرابع والتسعون بعد المائتين)

. (فَقلت لَهَا قومِي إِلَيْهِ فيسّري ... طَعَاما فإنّ الضّيف لَا بدّ نَازل) (يَقُول وَقد ألْقى مراسيه للقرى ... أبن لي مَا الحجّاج بالنّاس فَاعل) (فَقلت لعمري مَا لهَذَا طرقتنا ... فَكل ودع الحجّاج مَا أَنْت آكل) (أَتَانَا وَلم يعدله سُبْحَانَ وائلٍ ... بَيَانا وعلماً بِالَّذِي هُوَ قَائِل) (فَمَا زَالَ عَنهُ اللّقم حتّى كأنّه ... من العي لمّا أَن تكلم بَاقِل) قَوْله: ألْقى مراسيه أَي: ألْقى أثقاله وَثَبت كلّ الثَّبَات. وسؤاله عَن الحجّاج هُوَ الَّذِي عناه بقوله: يسائل عَن غير الَّذِي هُوَ آمل. وطرقتنا: أَتَيْتنَا لَيْلًا. وَقَوله: فَمَا زَالَ عَنهُ اللّقم الخ أَرَادَ أنّه امْتَلَأَ من الطَّعَام حتّى كسبته الكظّة العيّ كَقَوْلِهِم: البطنة تذْهب الفطنة. ولّما بدأه الضَّيْف بِالْحَدِيثِ وَسَأَلَهُ عَن الحجّاج طلبا للاستئناس قطع عَلَيْهِ كَلَامه بقوله: مَا لهَذَا طرقتنا فَكل ودع الْحجَّاج. وَهَذَا مِنْهُ نهايةٌ فِي الْبُخْل لأنّ محادثة الضّيف من دَلَائِل الْكَرم. انْتهى كَلَام ابْن الشّجريّ. وَأنْشد بعده وَهُوَ 3 - (الشَّاهِد الرَّابِع وَالتِّسْعُونَ بعد الْمِائَتَيْنِ) وَهُوَ من شَوَاهِد س:

الْكَامِل (الْوَاهِب الْمِائَة الهجان وعبدها ... عوذا تزجّي خلفهَا أطفالها) على أَنه قد يَجْعَل ضمير المعرّف بِاللَّامِ فِي التَّابِع مثل المعرّف بِاللَّامِ فإنّ قَوْله: عَبدهَا بالجرّ مَعْطُوف على الْمِائَة وَهُوَ مُضَاف إِلَى مَا لَيْسَ فِيهِ أل. واغتفر هَذَا لكَونه تَابعا وَالتَّابِع يجوز فِيهِ مَا لَا يجوز فِي الْمَتْبُوع. قَالَ أَبُو بكر بن السرّاج فِي بَاب الْعَطف: وَمِمَّا جَاءَ فِي الْعَطف لَا يجوز فِي الأوّل قَول الْعَرَب: كلّ شَاة وسخليها بدرهم وَلَو جعلت السّخلة تلِي كلّ لم يستقم. وَمن كَلَام الْعَرَب: هَذَا الضَّارِب الرجل وزيدٍ وَلَو كَانَ زيد يَلِي الضَّارِب لم يكن جرّ. وينشدون هَذَا الْبَيْت جرّاً. الْوَاهِب الْمِائَة الهجان وعبدها وَكَانَ أَبُو العبّاس المبّرد يفرق بَين عَبدهَا وَزيد يَقُول: إنّ الضَّمِير فِي عَبدهَا هُوَ الْمِائَة فَكَأَنَّهُ قَالَ: وَعبد الْمِائَة وَلَا يستحسن ذَلِك فِي زيد وَلَا يُجِيزهُ. وَأَجَازَهُ سِيبَوَيْهٍ والمازنيّ وَلَا أعلمهم قاسوه إلاّ على هَذَا الْبَيْت. وَقَالَ المازنيّ: إنّه من كَلَام الْعَرَب. وَالَّذِي قَالَه أَبُو العبّاس أولى وَأحسن. انْتهى. وَقَالَ الأعلم: قد غلط سِيبَوَيْهٍ فِي استشهاده بِهَذَا لأنّ العَبْد مُضَاف إِلَى ضمير الْمِائَة وضميرها بمنزلتها وَهَذَا جَائِز بِإِجْمَاع وَلَيْسَ مثل الضَّارِب الرجل وَعبد الله لِأَن عبد الله علم كالفرد لم يضف إِلَى ضمير الأوّل فَيكون بِمَنْزِلَتِهِ. وإنّما احتجّ سِيبَوَيْهٍ بِهَذَا بعد أَن صحّ عِنْده بِالْقِيَاسِ جَوَاز الجرّ فِي الِاسْم الْمَعْطُوف. وَأنْشد الْبَيْت ليري ضربا من الْمِثَال فِي الِاسْم الْمَعْطُوف. لأنّه حجّة لَهُ لَا أنّه لَيْسَ يجور فِيهِ غَيره. هَذَا كَلَامه.

وَمعنى الْبَيْت أنّ هَذَا الممدوح يهب الْمِائَة من الْإِبِل الْكَرِيمَة ويهب راعيها أَيْضا وَهُوَ المُرَاد من العَبْد. وخصّ الهجان لِأَنَّهُ أكرمها. والهجان: الْبيض قَالَ الجوهريّ: هُوَ من الْإِبِل الْأَبْيَض يَسْتَوِي فِيهِ الْمُذكر والمؤنث وَالْجمع وَقَالَ الأصمعيّ: الهجان: الْكِرَام وأصل الهجان الْبيَاض وَهِي تكون للْوَاحِد وَالْجمع وربّما جمع هجائن كَمَا قَالُوا شمال وشمائل.) وَقَالَ شَارِح ديوَان الْأَعْشَى: العوذ: الحديثات النِّتَاج قبل أَن توفى خمس عشرَة لَيْلَة ثمَّ هِيَ مطفل بعده. وَقَالَ ابْن خلف: هِيَ الحديثة النِّتَاج كَانَ مَعهَا ولد أَو لم يكن. قَالَ الأعلم: وسمّيت عائذاً لأنّ وَلَدهَا يعوذ بهَا لصغره وَبني على فَاعل لأنّه على نِيَّة النّسَب لَا على مَا يُوجب التصريف كَمَا قَالُوا عيشة راضية. وتزجيّ: بالزاي الْمُعْجَمَة وَالْجِيم أَي: تَسوق والتّزجية: السّوق وَمثله الإزجاء. وَرُوِيَ بدله: ترشّح والترشيح: التربية يَعْنِي إِذا تخلّفت أَوْلَادهَا وقفت وحنّت حتّى يلْحق أَوْلَادهَا بهَا فتعذّيها وَكَذَلِكَ التزجية. وَقيل إنّما تكون التزجية من بَين يَديهَا. وفاعل تزجّي ضمير العوذ وَالْجُمْلَة صفة لَهَا وأطفالها مفعول تزجيّ. وَهَذَا الْبَيْت من قصيدة للأعشى مَيْمُون وَقد تقدّمت تَرْجَمته فِي الشَّاهِد

الثَّالِث وَالْعِشْرين فِي أَوَائِل الْكتاب وَقد اسْتعْمل هَذَا الْمَعْنى فِي شعره كثيرا مِنْهَا قَوْله: الْكَامِل (الْوَاهِب الْمِائَة الهجان وعبدها ... قطناً تشبّهها النّخيل المكرعا) الْقطن والقطين: أَتبَاع الْملك وَهُوَ حَال من العَبْد. وتشبّهها بِالْخِطَابِ. والمكرع بِوَزْن اسْم وَمِنْهَا قَوْله: المتقارب (هُوَ الْوَاهِب الْمِائَة المصطفا ... ة إمّا مخاضاً وإمّا عشارا) وَقَالَ أَيْضا فِي قصيدة نونية: المتقارب (هُوَ الْوَاهِب الْمِائَة المصطفا ... ة كالنخل زيّنها بالرّجن) والرّجن بِفَتْح الرَّاء الْمُهْملَة وبالجيم قَالَ فِي الصِّحَاح: قَالَ الفرّاء: رجنت الْإِبِل ورجنت أَيْضا بِالْكَسْرِ وَهِي راجنة وَقد رجنتها أَنا وأرجنتها: إِذا حبستها لتعلفها وَلم تسرّحها. وَقد سبق الْأَعْشَى فِي هَذَا الْمَعْنى إمّا بشر بن أبي خازم وإمّا أَوْس بن حجر فَإِنَّهُمَا متعاصران وَكَانَا قبله: قَالَ الأوّل يمدح عَمْرو بن أم أنَاس:

الْكَامِل (والمانح الْمِائَة المعكاء يشفعها ... يَوْم النّضار بِأُخْرَى غير مجهود) والمعكاء بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة بعْدهَا كَاف قَالَ ابْن الأنباريّ فِي الْمَقْصُود) والممدود: يُقَال أعطَاهُ مائَة معكاء: إِذا أعطَاهُ مائَة من الْإِبِل سماناً غلاظاً. وَأنْشد هَذَا الْبَيْت. وَتلك القصيدة يمدح بهَا الْأَعْشَى قيس بن معد يكرب الكنديّ. وَهَذَا مطْلعهَا: الْكَامِل (رحلت سميّة غدْوَة أجمالها ... غَضبى عَلَيْك فَمَا تَقول بدا لَهَا) (هَذَا النّهار بدا لَهَا من همّها ... مَا بالها باللّيل زَالَ زَوَالهَا) ثمَّ قَالَ: (وسبيئةٍ ممّا تعتّق بابلٌ ... كَدم الذّبيح سلبتها جريالها) (وغريبةٍ تَأتي الْمُلُوك حكيمةٍ ... قد قلتهَا ليقال من ذَا قَالَهَا) ثمَّ وصف نَاقَته فَقَالَ مُخَاطبا لَهَا: (وَلَقَد نزلت بِخَير من وطئ الْحَصَى ... قيسٍ فَأثْبت نعلها وقبالها) (مَا النّيل أصبح زاحراً من مدّه ... جَادَتْ لَهُ ريح الصبّا فَجرى لَهَا) ...

(زيدا بمصرٍ يَوْم يسْقِي أَهلهَا ... وَغدا تفجّره النّبيط خلالها) (يَوْمًا بأغزر نائلاً مِنْهُ إِذا ... نفس الْبَخِيل تجهّمت سؤالها) الْوَاهِب الْمِائَة الهجان وعبدها ... ... ... . . الْبَيْت (والقارح الأحوى وكلّ طمرّةٍ ... مَا عَن تنَال يَد الطَّوِيل قذالها) وَقَالَ فِي آخر القصيدة: (وَإِذا تَجِيء كتيبةٌ ملمومةٌ ... خرساء يخْشَى الذّائدون نهالها) (كنت المقدّم غير لابس جنةٍ ... بالسّيف تضرب معلما أبطالها) (وَعرفت أنّ النَّفس تلقى حتفها ... مَا شَاءَ خَالِقهَا المليك قضى لَهَا) وَقَوله: هَذَا النَّهَار بدا لَهَا الخ قَالَ أَبُو عليّ فِي الْإِيضَاح الشعريّ رَوَاهُ أَبُو الْحسن: هَذَا النّهار بِالنّصب وَكَذَلِكَ رَوَاهُ أَبُو عَمْرو الشّيبانيّ فأمّا من رفع النَّهَار فَجعله وَصفا لهَذَا وَحذف الرَّاجِع من خبر الْمُبْتَدَأ كَأَنَّهُ قَالَ: هَذَا النَّهَار بدا لَهَا فِيهِ. فأمّا فَاعل بدا فَيكون ضمير الْمصدر أَي: بدا البداء وَقَوله: من همّها حَال من هَذَا الْفَاعِل وَيجوز على قَول الْأَخْفَش بِزِيَادَة من فِي الْوَاجِب أَن يكون مجرورها فَاعل بدا. وَمن استجاز حذف الْفَاعِل مّمن خَالف سِيبَوَيْهٍ أجَاز أَن يكون من همّها صفة للْفَاعِل الْمَحْذُوف كَأَنَّهُ قَالَ: بدا لَهَا بداءٌ من همّها. وَمن نصب النَّهَار فَفِيهِ وَجْهَان:) أَحدهمَا: أَن يكون على حدّ زيدا مَرَرْت بِهِ. وَالْآخر: أَن يكون ظرفا لبدا كَأَنَّهُ قَالَ: بدا لَهَا البداء من همّها

فِي هَذَا النَّهَار. وَيجوز أَن يكون قَوْله: هَذَا فِيمَن نصب النَّهَار إِشَارَة إِلَى الارتحال كَأَنَّهُ لّما قَالَ: رحلت قَالَ: هَذَا الارتحال بدا لَهَا النَّهَار فَيكون فِي بدا ذكر يعود إِلَى الْمُبْتَدَأ الَّذِي هُوَ هَذَا. وَكَانَ الْمَعْنى عَلَيْهِ لأنّ الْمَعْنى هَذَا الارتحال والمفارقة قد بدا لَهَا فِي النَّهَار فَمَا بالها بِاللَّيْلِ يعتادنا خيالها هلاّ فارقتنا بِاللَّيْلِ كَمَا فارقتنا بِالنَّهَارِ. فأمّا فَاعل زَالَ فِيمَن نصب زَوَالهَا فَجَائِز أَن يكون الهمّ لأنّ ذكره قد تقدّم كَأَنَّهُ قَالَ: زَالَ وَقد حُكيَ هَذَا القَوْل عَن أبي عَمْرو الشيبانيّ. وَيجوز أَن يكون الْفَاعِل اسْم الله تَعَالَى كَأَنَّهُ قَالَ: زَالَ الله زَوَالهَا. من قَوْله زلته فَلم يزل وعَلى هَذَا قَول ذِي الرّمّة: الطَّوِيل (وبيضاء لَا تنحاش منّا وأمّها ... إِذا مَا رأتنا زيل منّا زويلها) انْتهى كَلَام أبي عليّ وَكَأَنَّهُ لم يطّلع على مَا للْعُلَمَاء بالشعر فِي هَذَا الْبَيْت. وَقد جمعه حَمْزَة بن الْحسن فِي كتاب التّنبيه على حُدُوث التَّصْحِيف قَالَ: قَوْله: هَذَا النَّهَار بدا قَالَ الْأَخْفَش: النَّهَار ظرف أَي: فِي هَذَا النَّهَار. وَقَوله: من همّها مَا بالها بِاللَّيْلِ قَالَ بَعضهم: يَقُول: هَذَا الارتحال الَّذِي يرى لنا من همّها فِي النَّهَار فَمَا بالها بِاللَّيْلِ إِذا نمنا ألمّ بِنَا خيالها. وَقَالَ آخر: يَقُول: هَذَا الهمّ بدا لَهَا نَهَارا والهمّ مَا همّت بِهِ من مُفَارقَته وصرمه. وَقَالَ آخر: هِيَ بِالنَّهَارِ تخَاف الْعُيُون وتراقب الوشاة فَمَا بالها بِاللَّيْلِ أَيْضا بِمثل تِلْكَ الْحَال لَا تزورني وَقد زَالَ عَنْهَا مَا تحاذر. وَقَالَ آخر: إنّما ردّه على آخر الْبَيْت الأول وَهُوَ قَوْله: فَمَا تَقول بدا لَهَا ثمَّ قَالَ مُفَسرًا

لذَلِك: بدا لَهَا أَن همّت بصرمي نَهَارا فَمَا بالها بِاللَّيْلِ أَي: مَا لنا وَلها بِاللَّيْلِ لسنا ننامه شوقاً إِلَيْهَا وذكراً لَهَا. وَقَوله: زَالَ زَوَالهَا قَالَ الْأَصْمَعِي: هُوَ دُعَاء على الْمَرْأَة أَي: هَذِه الْمَرْأَة لَا أكاد أَرَاهَا بِالنَّهَارِ فَإِذا جَاءَ اللَّيْل إِذْ أَتَانِي خيالها فَمَا بالها ثمَّ دَعَا عَلَيْهَا فَقَالَ: زَالَ زَوَالهَا وَمَعْنَاهُ لَا زَالَ همّها يَزُول زَوَالهَا أَي: يَزُول مَعهَا أَرَادَ أنّه لَا يفارقها. وَقَالَ بَعضهم: هَذَا دُعَاء على الهمّ وَمَعْنَاهُ زَالَ الهمّ مَعهَا حَيْثُ زَالَت. وَقَالَ أَبُو عَمْرو: هِيَ كلمة يدعى بهَا فَتَركهَا على حَالهَا.) وَقَالَ بَعضهم: هُوَ دُعَاء على الخيال وَمَعْنَاهُ أذهب الله خيالها عنّي كَمَا ذهبت هِيَ فَأَسْتَرِيح. وَقَالَ الْأَخْفَش: هُوَ دُعَاء على اللَّيْل وَمَعْنَاهُ أَزَال الله اللَّيْل الَّذِي نقاسي فِيهِ مِنْهُ مَا نقاسيه مَعَ صرمها لنا نَهَارا كَمَا زَالَت سميّة. وَهَذَا كَمَا تَقول: هلك فلَان أَي: أهلكه الله. وَقَالَ الْأَخْفَش: قَالَ بَعضهم: زَالَ هُنَا بِمَعْنى أَزَال وَهِي لُغَة قوم من الْعَرَب تَقول: زلت الرجل عَن مقَامه بِمَعْنى أزلته وَعَلِيهِ قَول ذِي الرّمّة: الطَّوِيل زيل مِنْهَا زويلها فَكَأَنَّهُ قَالَ: مَا بَال هَذَا اللَّيْل أزالها. ويحكى هَذَا القَوْل بِعَيْنِه عَن أبي عُبَيْدَة. وَقَالَ الأصمعيّ فِي بعض

الحكايات عَنهُ: هَذَا مقلوب يجب أَن يَقُول زَالَت زَوَاله أَي: زَوَال النَّهَار ثمّ قلب الْكَلَام كَمَا قَالَ الشَّاعِر: ( ... ... ... ... . كَمَا ... كَانَ الزناء فَرِيضَة الرَّجْم) وَقَالَ بَعضهم: هُوَ خيرٌ لَيْسَ بِدُعَاء وَمَعْنَاهُ مَا بَال حظّنا من سميّة بِاللَّيْلِ قد أزل كَمَا زَالَت وإنّما يُرِيد تَأَخّر الخيال عَنهُ الَّذِي كَانَ يقوم مقَامهَا فيستريح إِلَيْهِ. وعلّة تأخرّ الخيال عَنهُ أَنه سهر لفراقها فَلم ينم فيبصره. قَالَ: وَقد يجوز أَن يكون دُعَاء على اللَّيْل إِذْ فَاتَهُ حظّه فِيهِ مِنْهَا. وَقَالَ أَبُو عَمْرو: أَنا أرويه: زَالَ زَوَالهَا بِالرَّفْع وَإِن كَانَ إقواء وعَلى هَذَا يكون دُعَاء على الْمَرْأَة بِالْهَلَاكِ وَأَن تذْهب من الدّنيا والأعشى شَاعِر أفحل من أَن يُقَوي. وَقَالَ بَعضهم: هُوَ دعاءٌ مِنْهُ لسميّة لَا عَلَيْهَا زَالَ مَا تهمّ بِهِ من صرمنا فِي النّهار وَاللَّيْل كَمَا زَالَت هِيَ أَي: زَالَ عنّا همّها بذلك. وَقَالَ بَعضهم: هُوَ إِخْبَار عَن اللَّيْل وَفِيه تَقْدِير قد أَي: قد زَالَ زَوَالهَا أَي: كأنّ اللَّيْل الَّذِي كَانَ لنا مِنْهَا قد زَالَ وَهَذَا كَمَا تَقول: مَالِي مَعَ فلَان ليلٌ وَلَا نَهَار وَإِنَّمَا تَعْنِي مَالِي حظّ من اللَّيْل وَلَا النّهار وَلست تَعْنِي أنّ هُنَاكَ نَهَارا وَلَا لَيْلًا. انْتهى مَا أوردهُ حَمْزَة. وَقَوله: وسبيئة مّما تعتّق بابل الخ السّبيئة: الْخمر فَعَلَيهِ بِمَعْنى من سبأت الْخمر سّبئاً: إِذا اشْتَرَيْتهَا لتشربها وَالِاسْم السّباء بِالْكَسْرِ على فعال والسّبّاء: الخمّار وزنا وَمعنى. والجريال بِكَسْر الْجِيم وَبعد الرَّاء

مثنّاة تحتيّة. قَالَ الجواليقي فِي المعرّبات: هُوَ صبغ أَحْمَر وَيُقَال: جَرَيَان بالنُّون وَقيل هُوَ مَاء الذَّهَب) وَذهب الأصمعيّ أنّه رومي مُعرب وَرُوِيَ لي عَن الْأَصْمَعِي عَن شُعْبَة عَن سماك بن حَرْب عَن يُونُس بن متّى راوية الْأَعْشَى قَالَ: قلت للأعشى: مَا معنى قَوْلك: سلبتها جريالها قَالَ: شربتها حَمْرَاء وبلتها بَيْضَاء فسلبتها لَوْنهَا. يَقُول: لما شربتها نقلّت لَوْنهَا إِلَى وَجْهي فَصَارَت حمرتها فِيهِ. وَهَذَا الْمَعْنى أَرَادَ أَبُو نواس بقوله: الْبَسِيط أجدته حمرتها فِي الْعين والخدّ وربّما سميّت الْخمر جريالاً. انْتهى كَلَامه. وَقَوله: وغريبةٍ تَأتي الْمُلُوك حكيمةٍ أَي: ربّ قصيدة غَرِيبَة فِي أسلوبها محكمَة. وَقَوله: وَلَقَد نزلت الخ قَالَ شَارِح الدِّيوَان ابْن حبيب: يجوز ضم التَّاء بالتكلم وَكسرهَا بخطاب النَّاقة وَالْمرَاد لقد نزلت برجلي فَأثْبت نعلها أَي: قضى حوائجي. وتجهمت: بِمَعْنى استثقلت. وَقَوله: والقارح الأحوى الخ هُوَ بالجرّ عطف على الْمِائَة الهجان. والقارح: مَا جَاوز خمس سِنِين من ذَوَات الْحَافِر. والأحوى: مَا خالط لَونه لون آخر إِذا كَانَ كميتاً مثل صدأ الْحَدِيد وَقيل حَمْزَة يخالطها سَواد. والطمّرة بكسرتين وَتَشْديد الرَّاء: المستفز للوثب.

(الشاهد الخامس والتسعون بعد المائتين)

وَقَوله: وَإِذا تَجِيء كَتِيبَة الخ الكتيبة: الْجَيْش والخرساء: الَّتِي لَا يسمع فِيهَا قعقعة سلَاح من كَثْرَة الدروع وملمومة: مَجْمُوعَة. والجنّة بِالضَّمِّ الْوِقَايَة. يُرِيد أَنه يهجم فِي الْحَرْب على الْإِبْطَال غير مكترث بِلبْس وقاية من السِّلَاح. وَهَذَا غَايَة فِي التهورّ. وَأنْشد بعده وَهُوَ 3 - (الشَّاهِد الْخَامِس وَالتِّسْعُونَ بعد الْمِائَتَيْنِ) الْبَسِيط (وَلَيْسَ حاملني إلاّ ابْن حمّال) على أنّه قيل النُّون فِي حاملني هُوَ نون التَّنْوِين وَقيل نون وقاية وَكِلَاهُمَا شاذّ وَقبل الرِّوَايَة يحملني لَا حاملني. وَهَذَا عجز وصدره: أَلا فَتى من بني ذبيان يحملني وَهُوَ من أَبْيَات لم أرها إلاّ فِي كَامِل المبّرد قَالَ فِيهِ: أنشدنا أَبُو محلّم السّعديّ: (لطلْحَة بن حبيبٍ حِين تسأله ... أندى وَأكْرم من فند بن هطّال) (وَبَيت طَلْحَة فِي عزّ ومكرمةٍ ... وَبَيت فندٍ إِلَى ربقٍ وأحمال) (أَلا فَتى من بني ذبيان يحملني ... وَلَيْسَ يحملني إلاّ ابْن حمّال) (فَقلت: طَلْحَة أولى من عَمَدت لَهُ ... وَجئْت أَمْشِي إِلَيْهِ مشي مختال) قَوْله: إِلَى ربق وأحمال أَرَادَ جمع حمل على الْقيَاس كَمَا تَقول فِي جمع بَاب فعل: جمل وأجمال وصنم وأصنام.

وَقَوله: أَلا فَتى من بني ذبيان يحملني يَعْنِي ذبيان بن بغيض بن ريث بن غطفان بن سعد بن قيس بن عيلان بن مُضر. وَأنْشد بَعضهم: وَلَيْسَ حاملني إلاّ ابْن حمّال وَهَذَا لَا يجوز فِي الْكَلَام لأنّه إِذا نوّن الِاسْم لم يتّصل بِهِ الْمُضمر لأنّ الْمُضمر لَا يقوم بِنَفسِهِ وإنّما يَقع معاقباً للتنوين. تَقول: هَذَا ضاربٌ زيدا غَدا وَهَذَا ضاربك غَدا وَلَا يَقع التَّنْوِين هَاهُنَا لِأَنَّهُ لَو وَقع لَا نفصل الْمُضمر. وعَلى هَذَا قَول الله عزّ وجلّ: إنّا منجّوك وَأهْلك. وَقد روى سِيبَوَيْهٍ بَيْتَيْنِ محمولين على الضَّرُورَة وَكِلَاهُمَا مَصْنُوع وَلَيْسَ أحد من النَّحْوِيين المتقنين يُجِيز مثل هَذَا فِي الضَّرُورَة لما ذكرت لَك من انْفِصَال الْكِنَايَة والبيتان اللَّذَان رَوَاهُمَا سِيبَوَيْهٍ: الطَّوِيل (هم الْقَائِلُونَ الْخَيْر والآمرونه ... إِذا مَا خَشوا يَوْمًا من الْأَمر مُعظما)) وَأنْشد: الطَّوِيل وإنّما جَازَ أَن تبيّن الجركة إِذا وقفت فِي نون الِاثْنَيْنِ وَالْجمع لِأَنَّهُ لَا يلتبس بالمضمر تَقول: هما رجلانه وهم ضاربونه إِذا وقفت لِأَنَّهُ

لَا يلتبس بالمضمر إِذْ كَانَ لَا يَقع هَذَا الْموقع وَلَا يجوز أَن تَقول: ضَربته وَأَنت تُرِيدُ ضربت وَالْهَاء لبَيَان الْحَرَكَة لأنّ الْمَفْعُول يَقع فِي هَذَا الْموضع فَيكون لبساً. فأمّا قواهم: ارمه واغزه فلتلحق الْهَاء لبَيَان الْحَرَكَة فإنّما جَازَ ذَلِك لما حذفت من أصل الْفِعْل وَلَا يكون فِي غير الْمَحْذُوف. وَقَوله: فِي رَأس ذياله يَعْنِي فرسا انثى أَو حصاناً. والذّيال: الطَّوِيل الذَّنب. وإنّما يحمد مِنْهُ طول شعر الذَّنب وَقصر العسيب فَأَما الطَّوِيل العسيب فمذموم. هـ كَلَام المبّرد. قَالَ ابْن السَّيِّد فِيمَا كتبه على الْكَامِل: لَيْسَ مَا أصّل بِصَحِيح وَلَا لَازم قد قَالُوا: ضربتنه وهلمّه يُرِيدُونَ: ضربتنّ وهلمّ وَالْمَفْعُول يَقع هَاهُنَا. وَمَا ذكرته مَذْكُور فِي كتاب سِيبَوَيْهٍ. وَأنْشد: يَا أَيهَا النَّاس أَلا هلمّه وَالْمَفْعُول يَقع هَذَا الْموقع. وَقَوله لطلْحَة بن حبيب اللَّام للابتداء وَطَلْحَة مُبْتَدأ واندى خَبره. وَالسُّؤَال: استدعاء معرفةٍ فاستدعاء الْمعرفَة جوابها بِاللِّسَانِ وتنوب عَنهُ الْيَد فاليد خَليفَة عَنهُ بِالْكِتَابَةِ أَو الْإِشَارَة. ويتعدّى لاثْنَيْنِ ثَانِيهمَا بِنَفسِهِ تَارَة وبحرف الجرّ أُخْرَى وَهُوَ عَن وتنوب عَنْهَا الْبَاء.

واستدعاء المَال جَوَابه بِالْيَدِ وتنوب عَنهُ اللِّسَان بوعدٍ أَو ردّ ويتعدّى بِنَفسِهِ أَو بِمن قَالَ تَعَالَى: وَإِذا سألتموهنّ مَتَاعا وَقَالَ: واسئلوا الله من فَضله. كَذَا فِي مُفْرَدَات الْقُرْآن للسمين. وأندى: أفعل تَفْضِيل من النّدى وَهُوَ السّخاء. وفند بِكَسْر الْفَاء وَسُكُون النُّون: اسْم رجل. والرّبق بِكَسْر الرَّاء وَسُكُون الْمُوَحدَة: حَبل فِيهِ عدّة يشدّ بِهِ البهم كلّ عروةٍ ربقة بِالْكَسْرِ وَالْفَتْح وَالْجمع كعنب. والبهم بِفَتْح الْمُوَحدَة وَسُكُون الْهَاء: ولد الضَّأْن والمعز وَالْبَقر وَقيل صغَار الْإِبِل. والْأَحْمَال: جمع حمل بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَالْمِيم: الخروف وَقيل هُوَ الْجذع أَي: الشابّ من اولاد الضّأن فَمَا دونه. جعل بَيت طَلْحَة مظروفاً فِي العزّ والمكرمة وَبَيت فندٍ منتهياً إِلَى مَا ذكر وَأَرَادَ أنّ الْبَيْت الأوّل) مَمْلُوء بِالْخَيْلِ وَبهَا يكون العزّ وَالْبَيْت الثَّانِي بَيت ذلّ وهوان لأنّ اقتناء الخرفان عِنْدهم يدلّ على الْفقر والضعف وأنّ بَيتهمْ إنّما هُوَ مربط للبهائم. وَقَوله: أَلا فَتى من بني ذبيان الخ أَلا هُنَا للعرض والتخصيص وفَتى: مَنْصُوب بِفعل يفسّره يحملني أَو مَنْصُوب بِمَحْذُوف أَي: أَلا ترونني فَتى هَذِه صفته كَمَا قَالَ الْخَلِيل فِي قَوْله: وَلَا يجوز أَن تكون لِلتَّمَنِّي فَيكون فَتى مَبْنِيا مَعهَا على الْفَتْح لوُجُود الْخَبَر

(الشاهد السادس والتسعون بعد المائتين)

وَهُوَ يحملني فإنّ الَّتِي للتمنيّ لَا خبر لَهَا لفظا وَلَا تَقْديرا وَالْمعْنَى أَيْضا لَا يساعد فِي جعلهَا للتوبيخ أَو للاستفهام عَن النَّفْي فإنّه بعيد. وَلَا معنى لجعلها هُنَا للتّنْبِيه. ويحملني: من حمله: إِذا أعطَاهُ دابّةً تحمله. وحمّال هُنَا مُبَالغَة حَامِل بِالْمَعْنَى الْمَذْكُور. وحاملني فِيمَن رَوَاهُ خب لَيْسَ مقدّم وَمَا بعد إلاّ اسْمهَا وعَلى رِوَايَة لَيْسَ يحملني اسْمهَا ضمير الشَّأْن. وَقَوله: فَقلت التَّاء مَضْمُومَة. وعمدت: قصدت. وَقَوله: مُسْتَيْقنًا أنّ حبلي الخ هُوَ حَال من فَاعل أَمْشِي. ويعلقه: مضارع أعلق حبله إِذا امكنه أَن يعلق حبله ويربطه بِهِ. وعسيب الذَّنب: منبته من الْجلد والعظم. وَالْمَعْرُوف أنّه لَا يُقَال ذيّال إلاّ أَن يكون مَعَ طول الذَّنب طَويلا فِي نَفسه فَإِن كَانَ طَوِيل الذَّنب فَقَط فَهُوَ ذائل. ومخلّم السعديّ بِضَم الْمِيم وَفتح الْحَاء الْمُهْملَة وَكسر اللَّام المشدّدة. وَأنْشد بعده وَهُوَ 3 - (الشَّاهِد السَّادِس وَالتِّسْعُونَ بعد الْمِائَتَيْنِ) وَهُوَ من أَبْيَات س: الطَّوِيل (هم الفاعلون الْخَيْر والآمرونه ... إِذا مَا خَشوا من مُحدث الْأَمر مُعظما) على أنّه قد جمع فِي قَوْله الآمرونه النُّون وَالضَّمِير ضَرُورَة وَصَوَابه والآمروه بِحَذْف نون الْجمع للإضافة فإنّ حكم الضَّمِير أَن يُعَاقب النُّون والتنوين لأنّه بمنزلتها فِي الضعْف والاتصال فَهُوَ معاقب لَهما إِذْ كَانَ الْمظهر مَعَ قوّته وانفصاله يعاقبهما.

قَالَ أَبُو جَعْفَر النحّاس: هَذَا خطأ عِنْد المبّرد لأنّ الْمَجْرُور لَا يقوم بِنَفسِهِ وَلَا ينْطق بِهِ وَحده فَإِذا أَتَى بالتننوين فقد فصل مَا لَا ينْفَصل وَجمع بَين زائدين. وَهَذَا لَا يلْزم سِيبَوَيْهٍ مِنْهُ غلط لأنّه قد قَالَ نصّاً: وَزَعَمُوا أنّه مَصْنُوع. فَهُوَ عِنْده مَصْنُوع لَا يجوز فَكيف يلْزمه مِنْهُ غلط. انْتهى. وَلَا يبعد أَن يكون من بَاب الْحَذف والإيصال وَالْأَصْل والآمرون بِهِ فحذفت الْبَاء واتّصل الضَّمِير بِهِ فإنّ أَمر يتعدّى إِلَى الْمَأْمُور بِنَفسِهِ وَإِلَى الْمَأْمُور بِهِ بِالْبَاء يُقَال: أَمرته بِكَذَا. والمأمور هُنَا مَحْذُوف أَي: الآمرون النَّاس بِالْخَيرِ فَيكون الضَّمِير مَنْصُوبًا لَا مجروراً. يَقُول: هَؤُلَاءِ يَفْعَلُونَ الْخَيْر ويأمرون بِهِ فِي وَقت خشيتهم الْأَمر الْعَظِيم من حوادث الدّهر فَلَا يمنعهُم خوف الضَّرَر عَن الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ. وَقد رَوَاهُ المبّرد فِيمَا سبق النَّقْل عَنهُ بِمَا يقرب مِمَّا هُنَا. وَرُوِيَ فِي المفصّل وَغَيره: (هم الآمرون الْخَيْر والفاعلونه ... إِذا مَا خَشوا من حَادث الدّهر مُعظما) والْمُعظم: اسْم مفعول وَهُوَ الْأَمر الَّذِي يعظم دَفعه. وَقد روى الجوهريّ فِي هَاء السكت المصراع الثَّانِي كَذَا: إِذا مَا خَشوا من مُعظم الْأَمر مفظعا وَهُوَ اسْم فَاعل من أفظع الْأَمر إفظاعاً وَمثله من فظع الْأَمر فظاعة: إِذا جَاوز الحدّ فِي الْقبْح. وخَشوا بضمّ الشين وَأَصله خشيوا بِكَسْرِهَا فحذفت الكسرة ونقلت ضمّة الْيَاء إِلَيْهَا ثمَّ حذفت الْيَاء الساكنين.

(الشاهد السابع والتسعون بعد المائتين)

وَأنْشد بعده وَهُوَ 3 - (الشَّاهِد السَّابِع وَالتِّسْعُونَ بعد الْمِائَتَيْنِ) وَهُوَ من أَبْيَات س: الطَّوِيل (وَلم يرتفق والنّاس محتضرونه ... جَمِيعًا وأيدي المعتفين رواهقه) لما تقدّم قبله وَهُوَ أنّه قد جمع النُّون وَالضَّمِير فِي قَوْله: محتضرونه ضَرُورَة. وَالْكَلَام فِيهِ كَمَا تقدّم فِي الَّذِي قبله فَمن جعل الْهَاء ضميراً جعلهَا ضمير الممدوح وَمن جعلهَا للسكت فإنّه احْتَاجَ إِلَى تحريكها. وَفِيه أنّ حضر واحتضر إِن كَانَ مَعْنَاهُ ضدّ غَابَ فَهُوَ لَازم وَغير هَذَا مردٌ هُنَا. وَإِن كَانَ بِمَعْنى شهد فَهُوَ متعدّ وَهَذَا هُوَ المُرَاد. يُقَال: حضرت القَاضِي أَي: شهدته. وَفِي الْقَامُوس: حضر كنصر وَعلم حضوراً وحضارة: ضدّ غَابَ كاحتضر وتحضّر وَيَتَعَدَّى يُقَال وتحضّره. انْتهى. وعَلى هَذَا فَالضَّمِير مَنْصُوب على المفعولية لَا أنّه مُضَاف إِلَيْهِ. ومحتضرون عَامل النصب فِيهِ لوُجُود شَرط عمل النصب وَهُوَ جمع محتضر. والارتفاق: الاتكاء على الْمرْفق أَي: لم يشْتَغل عَن قَضَاء حوائج النَّاس. وَيحْتَمل أنّ الْمَعْنى لم يرتفق بِمَالِه أَي: لم يبذله بالرفق بل جَار عَلَيْهِ بالجود. والمعتقون: الَّذين يأْتونَ يطْلبُونَ الْمَعْرُوف وَالْإِحْسَان يُقَال عفوته أَي: أَتَيْته أطلب معروفه. والرّواهق: جمع راهقة من رهقه من بَاب تَعب إِذا غشيه وَأَتَاهُ.

(الشاهد الثامن والتسعون بعد المائتين)

ورهقه بِمَعْنى أدْركهُ وَقرب مِنْهُ أَيْضا. وَالْهَاء يجوز أَن تكون ضميراً وَأَن تكون للسكت. وَهَذَا الْبَيْت أَيْضا مَصْنُوع. وَأنْشد بعده وَهُوَ 3 - (الشَّاهِد الثَّامِن وَالتِّسْعُونَ بعد الْمِائَتَيْنِ) وَهُوَ من شَوَاهِد س: المنسرح (الحافظو عَورَة الْعَشِيرَة) على أنّ الضَّمِير بعد الْوَصْف ذِي اللَّام المثنّى وَالْمَجْمُوع يحْتَمل عِنْد سِيبَوَيْهٍ أَن يكون مجروراً على الْإِضَافَة أَو مَنْصُوبًا كَمَا ورد الظَّاهِر مَنْصُوبًا بعده. قَالَ ابْن السرّاج فِي الْأُصُول: وَقد أَجَازُوا: رَأَيْت الضاربي زيدا وَلَيْسَ ذَلِك بِحسن وإنّها جَوَاز ذَلِك على أنّك أردْت النُّون فحذفتها لطول الِاسْم كَمَا تَقول: الَّذِي ضربت زيد فتحذف الْهَاء من ضَربته وَأَنت تريدها. وَحذف النُّون من الضّاربين والضّاربين مَعَ الإعمال قَبِيح قَالَ الشَّاعِر: (الحافظو عَورَة الْعَشِيرَة ل ... يَأْتِيهم من وَرَائِنَا نطف) وَلَو جرّوا لَكَانَ الجيّد الصَّوَاب هـ. وَقَالَ ابْن خلف: الشَّاهِد فِيهِ أنّه حذف النُّون من الحافظون وَنصب عَورَة الْعَشِيرَة بِمَا فِي الصِّلَة فَكَأَنَّهُ قَالَ: الَّذين حفظوا عَورَة الْعَشِيرَة. وَلم يحذفها للإضافة إنّما حذفهَا تَخْفِيفًا مَعَ مَا فِيهِ الْألف وَاللَّام.

وَقَالَ ابْن جنّي: حذفوا النُّون تَشْبِيها لهَذِهِ الْأَسْمَاء المتمكّنة غير الموصولة بالأسماء الموصولة لأنّها فِي معنى الموصولة. قَالَ أَبُو عليّ: وَالْأَكْثَر الجرّ وَقَرَأَ بضعهم: والمقيمي الصّلاة بِنصب الصّلاة وَحكى أَبُو الْحسن عَن أبي السماك: وَاعْلَمُوا أَنكُمْ غير معجزي الله وَلَيْسَت فِيهِ ألف لَام حتّى يشبّه بالذين. وَقَرَأَ بَعضهم أَيْضا: إنّكم لذائقوا الْعَذَاب الْأَلِيم بِالنّصب. وَقَرَأَ عمَارَة بن عقيل: وَلَا اللّيل سَابق النّهار بِنصب النَّهَار. وَالْأَشْبَه فِي هَذَا أَن يكون حذف التَّنْوِين لالتقاء الساكنين. وَرُوِيَ: الحافظو عَورَة الْعَشِيرَة بجرّ الْعَوْرَة على أنّ الحافظو مُضَاف فَيكون سُقُوط النُّون للإضافة. وَقَوله: الحافظو صَوَابه والحافظو بِالْوَاو فإنّه مَعْطُوف على خبر مُبْتَدأ فِي بَيت قبله كَمَا سَيَأْتِي. وَبِه يسْقط قَول ابْن خلف: الحافظو مَرْفُوع بِالِابْتِدَاءِ أَو على الْخَبَر وَهُوَ مدح كأنّه قَالَ: هم الحافطون عَورَة الْعَشِيرَة فَحذف الْمُبْتَدَأ أَو الحافظو عَورَة الْعَشِيرَة هم فَحذف الْخَبَر. هَذَا كَلَامه وَلَا يَنْبَغِي أَن يكْتب قبل أَنِّي يقف على السّياق

والسّباق. ثمَّ بعد فصل أنّ الْمُبْتَدَأ) يحذف فِي خَمْسَة مَوَاضِع وَالْخَبَر يحذف فِي اثْنَي عشر موضعا ثمَّ أَخذ فِي بَيَان أل الموصولة وأل والْعَوْرَة: الْمَكَان الَّذِي يخَاف مِنْهُ العدوّ. وَقَالَ ثَعْلَب: كلّ مخوف عَورَة. وَقَالَ كرَاع: عَورَة الرجل فِي الْحَرْب ظَهره. والْعَشِيرَة: الْقَبِيلَة وَلَا وَاحِد لَهَا من لَفظهَا وَالْجمع عشيرات وعشائر. كَذَا فِي الْمِصْبَاح. وَلَا يُنَاسِبه قَول العينيّ هُنَا: وعشيرة الرّجل: الَّذين يعاشرونه. والنّطف بِفَتْح النُّون والطاء الْمُهْملَة قَالَ صَاحب الْعباب: قَالَ الفرّاء: النطف الْعَيْب وَقَالَ اللَّيْث: النطف: التلطّخ بِالْعَيْبِ. وَرُوِيَ بدله الوكف بِفَتْح لواو وَالْكَاف أَيْضا قَالَ صَاحب الْعباب: هُوَ الْعَيْب وَالْإِثْم. انشد هَذَا الْبَيْت. وَهَذَا الْمَعْنى الثَّانِي أوردهُ أَبُو عبيد فِي الْغَرِيب المُصَنّف قَالَ: وكف وكفاً من بَاب فَرح. وَقد ردّه عَلَيْهِ أَبُو الْقَاسِم عليّ بن حَمْزَة البصريّ فِي كتاب التَّنْبِيهَات على أغلاط الرّواة بأنّ الوكف إنّما هُوَ الْعَيْب. وانشد هَذَا الْبَيْت. وَكَذَلِكَ قَالَ ابْن قُتَيْبَة فِي أدب الْكَاتِب وَأنْشد هَذَا الْبَيْت. قَالَ ابْن السَّيِّد فِي شرح أَبْيَات الْجمل وأبيات أدب الْكَاتِب وَتَبعهُ ابْن هِشَام اللّخميّ فِي شرح أَبْيَات الْجمل: الْمَعْنى نَحن نَحْفَظ عَورَة عشيرتنا فَلَا يَأْتِيهم من وَرَائِنَا شَيْء يعابون بِهِ: من تَضْييع ثغرهم وَقلة رعايته. هَذَا على رِوَايَة: من وَرَائِنَا. وَمن روى: من ورائهم أخرج الضَّمِير مخرج الْغَيْبَة على لفظ الْألف وَاللَّام لأنّ معنى الحافظو عَورَة: نَحن الَّذين يحفظون كَمَا تَقول أَنا الَّذِي قَامَ فَتخرج الضَّمِير مخرج الْغَيْبَة وَإِن كنت

تَعْنِي نَفسك لِأَن مَعْنَاهُ أَنا الرجل الَّذِي قَامَ. وَقد يَقُولُونَ أَنا الَّذِي قُمْت. فعلى هَذَا رِوَايَة من روى: من وَرَائِنَا. انْتهى. وَقَالَ ابْن خلف: قَوْله: من وَرَائِنَا أَي: من غيبنا فكنى بوراء عَن ذَلِك فامتدح بحفظهم عَورَة قَومهمْ بِظهْر الْغَيْب وأمنهم من ناحيتهم كلّ نقض وعيب. وَيجوز أَن يَعْنِي من وَرَاء حفظنا إيَّاهُم وذّبنا عَن حماهم فَحذف الْمُضَاف الَّذِي هُوَ حفظ واقام الْمُضَاف إِلَيْهِ مقَامه. وَمن روى: من ورائهم فَالْمَعْنى فِيهِ أوضح وَحمل الضَّمِير على الْعَشِيرَة أرجح. وَهَذَا الْبَيْت من قصيدة لعَمْرو بن امْرِئ الْقَيْس الخزرجيّ وَهِي هَذِه: (يَا مَال والسيّد المعمّم قد ... يطْرَأ فِي بعض رَأْيه السّرف)) (خَالَفت فِي الرَّأْي كلّ ذِي فَخر ... والحقّ يَا مَال غير مَا تصف) (يَا مَال والحقّ قد قنعت بِهِ ... فالحقّ فِيهِ لأمرنا نصف) (لَا ترفع العَبْد فَوق سنته ... والحقّ نوفي بِهِ ونعترف) (إنّ بجيراً مولّى لقومكم ... يَا مَال والحقّ عِنْده فقفوا) (نَحن بِمَا عندنَا وَأَنت بِمَا ... عنْدك راضٍ والرّأي مُخْتَلف)

(نَحن المكيثون حَيْثُ نحمد بَال ... مكث وَنحن المصالت الْأنف) (والحافظو عَورَة الْعَشِيرَة لَا ... يَأْتِيهم من وَرَائِنَا وكف) (وَالله لَا تزِدْه كتيبتنا ... أَسد عرينٍ مقيدها الغرف) (إِذا مشينا فِي الفارسين كَمَا ... تمشي جمالٌ مصاعبٌ قطف) (نمشي إِلَى الْمَوْت من حفائظنا ... مشياً ذريعاً وحكمنا نصف) (إِن سميراً أَبَت عشيرته ... أَن يعرفوا فَوق مَا بِهِ نصف) (أَو تصدر الْخَيل وَهِي جافلةٌ ... تَحت هَواهَا جماجمٌ خفف) (أَو تجرعوا الغيظ مَا بدا لكم ... فهارشوا الْحَرْب حِين تَنْصَرِف) (إنّي لأنمى إِذا انتميت إِلَى ... عزٍّ منيع وقومنا شرف) (بيضٌ جعادٌ كأنّ أَعينهم ... يكحلها فِي الْمَلَاحِم السّدف) قَوْله: يَا مَال هُوَ منادى مرخّم مَالك بن العجلان. والعمامة عِنْد الْعَرَب لَا يلبسهَا إِلَّا الْأَشْرَاف والعمائم تيجان الْعَرَب. وطرأ الشَّيْء يطْرَأ طرآنا مَهْمُوز أَي: حصل بَغْتَة. والسّرف بِفتْحَتَيْنِ: اسْم الْإِسْرَاف وَهُوَ مصدر أسرف إسرافاً إِذا جَاوز الْقَصْد. والْفَخر بِفتْحَتَيْنِ:: لُغَة فِي الْفَخر بِسُكُون الْخَاء وَهُوَ الافتخار وعدّ الْقَدِيم. والنّصف: الْعدْل والاستقامة. والسّنّة: الطَّرِيقَة. وبجير بِضَم الْمُوَحدَة وَفتح الْجِيم.

وتكف: مضارع ركف وكفاً من بَاب فَرح: إِذا جَار عدل عَن الحقّ. وَقَوله: نَحن بِمَا عندنَا الخ هَذَا من وَشَاهد النُّحَاة والمعانيّين حذف فِيهِ خبر نَحن أَي: رضوَان بِدلَالَة خبر الْمُبْتَدَأ الثَّانِي وَهُوَ أَنْت رَاض بِمَا عنْدك. وَقَوله: نَحن المكيثون جمع مكيث فعيل من الْمكْث وَهُوَ الِانْتِظَار واللّبث أَرَادَ بِهِ هُنَا الصبّر والرّزانة يُقَال: رجلٌ مكيث أَي: رزين. والْمكْث بِالْفَتْح الْمصدر وبالضم وَالْكَسْر الِاسْم.) وَقَوله: والحافظو عَورَة الخ. هُوَ معظوف على المصالت أَي: نَحن نَحْفَظ عشيرتنا من أَن يصيبهم مَا يعانون بِهِ. وَقَوله: لَا تزدهي كتيبتنا الخ تزدهي: تستخفّ. والكتيبة من الجيوش: مَا جمع فَلم ينتشر. وَهُوَ مفعول وَالْفَاعِل أسدّ. والعرين بِفَتْح الْعين وَكسر الرَّاء المهعملتين: الغابة والأجمة وَهِي مسكن الْأسد. وأضاف الْأسد إِلَيْهَا لأنّها أشدّ مَا تكون وَهِي فِي الغابة وَلَا يقدر أحد أَن يهجم عَلَيْهَا. والغرف بِضَمَّتَيْنِ: جمع غريف بالغين الْمُعْجَمَة وَهِي الغابة والأجمة أَيْضا. وَقَوله: إِذا مشينا فِي الفارسين أَي: بَينهم. والمصاعب بِفَتْح الْمِيم: جمع مُصعب بضَمهَا وَفتح ثالثه هُوَ الْفَحْل الشَّديد يُقَال: أصعبت الجيل فَهُوَ مُصعب إِذا تركته فَلم تركبه. وقطف بِضَمَّتَيْنِ: جمع قطوف

بِفَتْح الْقَاف: البطيء يُقَال: قطفت الدايّة من بَاب قتل إِذا مشت مَعَ تقَارب الخطو. وَقَوله: من حفائظنا: جمع حفيظة وَهِي الحميّة وَالْغَضَب. والذّريع بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة: السَّرِيع. وَقَوله: أَو تصدر الْخَيل الخ أَو هُنَا بِمَعْنى إِلَى. وخفف بِضَمَّتَيْنِ: جمع خَفِيف. والهراش: مصدر هارش وَهُوَ التحريش وتحريك الْفِتْنَة. وَقَوله: إنّي لأنمى إِذا انتميت الأوّل بِالْبِنَاءِ للْمَجْهُول يُقَال: نميت الرجل إِلَى أَبِيه نميّاً: إِذا نسبته إِلَيْهِ وانْتهى هُوَ: انتسب. وشرف بِضَمَّتَيْنِ أَي: أَشْرَاف. وَقَوله: بيض جعاد الخ الْبيض قَالَ ابْن السَّيِّد فِي شرح سقط الزّند: الْعَرَب تمدح السَّادة بالبياض من اللَّوْن وإنّما يُرِيدُونَ النَّقَاء من الْعُيُوب وربّما أَرَادوا بِهِ طلاقة الْوَجْه لأنّ الْعَرَب والجعاد: جمع جعد بِفَتْح الْجِيم وَيكون الْعين الْمُهْملَة وَهُوَ الْكَرِيم من الرِّجَال. والْمَلَاحِم: جمع ملحمة بِالْفَتْح: الْقِتَال. والسّدف بِفَتْح السِّين وَالدَّال هِيَ الظلّمة فِي لُغَة نجد والضوء فِي لُغَة غَيرهم يَقُول: سَواد أَعينهم فِي الْمَلَاحِم باقٍ لأنّهم أنجادٌ لَا تبرق أَعينهم من الْفَزع فيغيب سوادها.)

وَكَانَ السَّبَب فِي القصيدة: أنّه كَانَ لمَالِك بن العجلان مولى يُقَال لَهُ بجير جلس مَعَ نفر من الْأَوْس من بني عَمْرو بن عَوْف فتفاخروا فَذكر بجيرٌ مَالك بن العجلان ففضّله على قومه وَكَانَ سيّد الحيّين فِي زَمَانه: الْأَوْس والخزرج فَغَضب جماعةٌ من كَلَام بجير وَعدا عَلَيْهِ رجلٌ من الْأَوْس يُقَال لَهُ سمير من زيد بن مَالك أحد بني عَمْرو بن عَوْف فَقتله فَبعث مَالك إِلَى بني عَمْرو بن عَوْف: أَن ابْعَثُوا إليّ بسمير حَتَّى أَقتلهُ بمولاي وإلاّ جرّ ذَلِك الْحَرْب بَيْننَا. فبعثوا إِلَيْهِ: إنّا نعطيك الرِّضَا فَخذ منا عقله. فَقَالَ: لَا آخذ إلاّ دِيَة الصّريح وَهِي عشرٌ من الْإِبِل: ضعف دِيَة الْمولى وَهِي خمس فَقَالُوا: إنّ هَذَا مِنْك استذلالٌ لنا وبغيٌ علينا فَأبى مالكٌ إلاّ أَخذ دِيَة الصّريح فَوَقَعت الْحَرْب بَينهم فَاقْتَتلُوا قتالاً شَدِيدا حَتَّى نَالَ بعض الْقَوْم من بعض. ثمَّ إنّ رجلا من الْأَوْس نَادَى: يَا مَالك نشدتك الله والرّحم أَن تجْعَل بَيْننَا حكما من قَوْمك فارعوى مالكٌ وحكّموا عَمْرو بن امْرِئ الْقَيْس صَاحب القصيدة الَّتِي ذَكرنَاهَا فَقضى لمَالِك بن العجلان بدية الْمولى فَأبى مَالك وآذن بِالْحَرْبِ فخذلته بَنو الْحَارِث لردّة قَضَاء عَمْرو. وَأنْشد يَقُول: المنسرج (إنّ سميراً أرى عشيرته ... قد حدبوا دونه وَقد أنفوا) (إِن يكن الظّنّ صادقي ببني النّ ... جّار لَا يطعموا الَّذِي علفوا) (لَا يسلمونا لمعشر أبدا ... مَا دَامَ منّا بِبَطْنِهَا شرف) ...

(لَكِن مواليّ قد بدا لَهُم ... رأيٌ سوى مَا لديّ أَو ضعفوا) (بَين بني جحجبى وَبَين بني ... زيدٍ فأنّى لجاريّ التّلف) (يَمْشُونَ بالبيض والدّروع كَمَا ... تمشي جمالٌ مصاعبٌ قطف) (كَمَا تمشّى الْأسود فِي رهج ال ... موت إِلَيْهِ وكلّهم لهف) وَقَالَ بعده عَمْرو بن امْرِئ الْقَيْس قصيدته الَّتِي شرحناها. وَقَالَ دِرْهَم بن زيد أَخُو سمير: المنسرح (يَا قوم لَا تقتلُوا سميراً فإنّ ... الْقَتْل فِيهِ الْبَوَار والأسف) (لَا تقتلوه ترنّ نسوتكم ... على كريمٍ ويفزع السّلف) (يَا مَال والحقّ إِن قنعت بِهِ ... فِينَا وفيّ لأمرنا نصف)) (إنّ بجيراً عبدٌ فَخذ ثمنا ... والحقّ نوفي بِهِ ونعترف) (ثمّ اعلمن إِن أردْت ظلم بني ... زيدٍ فإنّا وَمن لَهُ الْحلف) (لنصبحن داركم بِذِي لجبٍ ... يكون لَهُ من أَمَانه عزف) (الْبيض حصنٌ لَهُم إِذا فزعوا ... وسابغاتٌ كأنّها النّطف)

(وَالْبيض قد فللت مضاربها ... بهَا نفوس الكماة تختطف) (كَأَنَّهَا فِي الأكف إِذْ لمعت ... وميض برقٍ وينكشف) وَقَالَ قيس بن الخطيم من قصيدةٍ يجِيبه وَلم يحضر الْوَقْعَة وَلَا كَانَ فِي عصرها: المنسرح (أبلغ بني جحجبى وقومهم ... خطمة أنّا وَرَاءَهُمْ أنف) (وأنّنا دون مَا يسومهم ال ... أَعدَاء من ضيم خطةٍ نكف) (نفلي بحدّ الصّفيح هامهم ... وفلينا هامهم بهَا عنف) وَبعد هَذَا سِتَّة أَبْيَات: فردّ عَلَيْهِ حسان بن ثَابت شَاعِر النّبيّ صلّى الله عَلَيْهِ وسلّم وَهَذَا من تِلْكَ القصيدة: المنسرح (دع ذَا وعدّ القريض فِي نفرٍ ... يرجون مدحي ومدحي الشّرف) (إِن سميراً عبدٌ طَغى سفهاً ... ساعده أعبدٌ لَهُم نطف) ثمَّ إنّهم تهيؤوا للحرب وتقاتلوا قتالاً شَدِيدا ومشت الْحَرْب بَين الْأَوْس والخزرج عشْرين سنة فِي أَمر سمير. فَلَمَّا طَالَتْ الْحَرْب وكادت الْعَرَب يَأْكُل بَعْضهَا بَعْضًا أرْسلُوا إِلَى مالكٍ أَن يحكموا بَينهم ثَابت بن الْمُنْذر أَبَا حسّان فأجابهم إِلَى ذَلِك فاتوه وَقَالُوا: قد حكّمناك بَيْننَا. قَالَ: لَا حَاجَة لي فِي ذَلِك.

قَالُوا: وَلم قَالَ: أَخَاف أَن تردّوا حكمي كَمَا رددتم حكم عَمْرو بن امْرِئ الْقَيْس. فَأَعْطوهُ عهودهم: أَن لَا يردّون مَا حكم بِهِ فَحكم أَن يودى حَلِيف مَالك دِيَة الصّريح ثمَّ تكون السّنّة فيهم على مَا كَانَت بِهِ: الصّريح على دِيَته والحليف على دِيَته وَأَن يعدّوا الْقَتْلَى الَّتِي أَصَابَت بَعضهم من بعض فيقابل الْبَعْض بِالْبَعْضِ ثمَّ تُعْطى الدِّيَة لمن كَانَ لَهُ فضلٌ فِي الْقَتْلَى من الْفَرِيقَيْنِ. فرضوا بذلك ففضلت الْأَوْس على الْخَزْرَج بِثَلَاثَة نفر فودتهم الْأَوْس واصطلحوا. . وَقيل: الْخَمْسَة المكملة لدية الصّريح أَعْطَاهَا ثابتٌ من عِنْده حِين أَبَت عَلَيْهِ الْأَوْس أَن تُؤدِّي أَكثر من خمس وأبى مَالك أَن يقبل أقلّ من عشر إطفاءً لنائرتهم ولمّا لشعثهم.) وَقَول مَالك: بَين بني جحجبى الخ بحاء سَاكِنة بَين جيمين مفتوحتين: حيّ من الْأَوْس وَكَذَلِكَ بَنو بدر. والاستفهام للإنكار. وَقَول قيس بن الخطيم: أبلغ بني جحجبى وقومهم إِلَى آخِره خطمة بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَسُكُون الطَّاء وَبعدهَا مِيم هُوَ عبد الله بن جشم بن مَالك بن الْأَوْس قيل لَهُ لأنّه ضرب رجلا بِسَيْفِهِ على خطمه أَي: أَنفه فسميّ خطمة. وجحجبى وخطمة: حيّان لقبيلة قيس بن الخطيم لأنّه أوسيّ. والسّوم: التَّكْلِيف. والخطّة بِالضَّمِّ: الشَّأْن وَالْأَمر الْعَظِيم. ونكف بِضَمَّتَيْنِ: جمع ناكف من نكفت من كَذَا أَي: استنكفه وأنفت مِنْهُ. وَعرف من إيرادنا لهَذِهِ القصائد مَا وَقع من التَّخْلِيط بَين هَذِه القصائد

(الشاهد التاسع والتسعون بعد المائتين)

كَمَا فعل ابْن السيّد واللّخميّ فِي شرح أَبْيَات الْجمل وتبعهما العينيّ والعبّاسيّ فِي شرح أَبْيَات التَّلْخِيص. فَإِنَّهُم جعلُوا مَا نقلنا من شعر قيس بن الخطيم مطلع القصيدة ثمَّ أوردوا فِيهَا الْبَيْت الشَّاهِد وَهُوَ: الحافظو عَورَة الْعَشِيرَة وَالشَّاهِد الثَّانِي وَهُوَ: نَحن بِمَا عندنَا وَأَنت بِمَا عنْدك راضٍ وَالْحَال أنّ هذَيْن الْبَيْتَيْنِ من قصيدة عَمْرو بن امْرِئ الْقَيْس. ثمَّ اخْتلف النَّاس فِي نِسْبَة الْبَيْت الشَّاهِد أَعنِي: الحافظو عَورَة الْعَشِيرَة فنسبه التّبريزيّ فِي شرح إصْلَاح الْمنطق والجواليقيّ فِي شرح أدب الْكَاتِب وَابْن برّيّ فِي حَوَاشِي صِحَاح الجوهريّ إِلَى عَمْرو من امْرِئ الْقَيْس كَمَا نسبناه نَحن. وَنسبه ابْن السيرافيّ فِي شرح أَبْيَات الْإِصْلَاح لشريح بن عمروان من بني قُرَيْظَة قَالَ: وَيُقَال: إنّه لمَالِك بن العجلان الخزرجيّ. وَنسبه ابْن السَّيِّد فِي شرح أَبْيَات الْجمل وَفِي شرح أبيادت أدب الْكَاتِب وَابْن هِشَام اللّخميّ فِي شرح أَبْيَات الْجمل وَعلي بن حَمْزَة فِي أغلاط الرّواة والعباسيّ فِي شرح أَبْيَات التَّلْخِيص لقيس بن الخطيم. وَالْعجب من العينيّ أَنه نقل عَن اللّخميّ أنّه لعَمْرو بن امْرِئ الْقَيْس. وَالله أعلم. وَأنْشد بعده وَهُوَ 3 - (الشَّاهِد التَّاسِع وَالتِّسْعُونَ بعد الْمِائَتَيْنِ) وَهُوَ من شَوَاهِد س:

الوافر (أَنا ابْن التّارك الْبكْرِيّ بشرا) هَذَا صدر وعجزه: عَلَيْهِ الطّير ترقبه وقوعا على أنّه عِنْد الْمبرد لَا يتبع مجرور ذِي اللَّام إلاّ مَا يُمكن وُقُوعه موقع متبوعه: فبشر عِنْده مَنْصُوب لَا غير للْحَمْل على محلّ البكريّ. أنْشدهُ سِيبَوَيْهٍ بجرّ بشر على أنّه بدل أَو عطف بَيَان للفظ البكريّ وَإِن لم يكن فِي بشر الْألف وَاللَّام. وَجَاز ذَلِك عِنْده لبعده عَن الِاسْم الْمُضَاف ولأنّه تَابع وَالتَّابِع يجوز فِيهِ مَا لَا يجوز فِي الْمَتْبُوع. وغّلطه المبّرد وَقَالَ: الرِّوَايَة بِنصب بشر. وَاحْتج بأنّه إنّما جَازَ أَنا ابْن التارك البكريّ تَشْبِيها بالضارب الرجل فَلَمَّا جِئْت ببشر وَجَعَلته بَدَلا صَار مثل أَنا الضَّارِب زيدا الَّذِي لَا يجوز فِيهِ قَالَ الزّجّاج: الَّذِي ذهب إِلَيْهِ سِيبَوَيْهٍ أَن بشرا عطف الْبَيَان الَّذِي يقوم مقَام الصّفة يجوز فِيهَا مَا لَا يجوز فِي الْمَوْصُوف: تَقول يَا زيد الظريف وَلَا يجوز يَا الظريف وَكَذَا أَقُول الضَّارِب الرجل زيدٍ وَلَا أَقُول الضَّارِب زيد. قَالَ النّحاس: وَقد قَالَ المبّرد فِي الْكتاب الَّذِي سمّاه الشَّرْح: القَوْل فِي ذَلِك أَن قَوْله: أَنا ابْن التارك البكريّ بشرٍ عطف بَيَان وَلَا يكون بَدَلا لأنّ عطف الْبَيَان يجْرِي مجْرى النَّعْت سَوَاء ألاّ ترى بَيَان فِي بَاب النداء تَقول: يَا هَذَا زيدٌ وَإِن شِئْت زيدا على عطف الْبَيَان فيهمَا. وَإِن أردْت الْبَدَل قلت زيد. فَهَذَا وَاضح جدا لأنّك أزلت هَذَا وَجعلت

زيدا مَكَانَهُ منادى. انْتهى. وَهَذَا من الْمبرد رُجُوع إِلَى رِوَايَة سِيبَوَيْهٍ وَإِن كَانَ خَالفه فِي شَيْء آخر. وَقد أوردهُ شرّاح ألفيّة ابْن مَالك بجرّ بشر على أنّه عطف بَيَان للبكريّ لَا بدل لِأَنَّهُ فِي حكم تنحية الْمُبدل مِنْهُ وحلوله محلّه. والتارك إِن كَانَ من التّرك الَّذِي بِمَعْنى الْجعل والتصيير فَهُوَ متعدّ لمفعولين: الأول قد وَقع مُضَافا إِلَيْهِ وَالثَّانِي هُوَ جملَة عَلَيْهِ الطّير من الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر. وَإِن كَانَ من التّرْك الَّذِي بِمَعْنى التَّخْلِيَة فَهُوَ متعدّ لمفعول وَاحِد وَهُوَ الْمُضَاف إِلَيْهِ فَيكون الظّرْف أَعنِي عَلَيْهِ حَالا من الْبكْرِيّ) وَالطير فَاعل الظّرْف أَو الطير مُبْتَدأ وَعَلِيهِ الْخَبَر وَالْجُمْلَة حَال مِنْهُ وَجُمْلَة ترقبه حَال من وأعربه الشَّارِح فِي عطف الْبَيَان فَقَالَ: عَلَيْهِ الطير ثَانِي مفعولي التارك إِن جَعَلْنَاهُ بِمَعْنى المصيّر وإلاّ فَهُوَ حَال. وَقَوله: ترقبه حَال من الطّير إِن كَانَ فَاعِلا لعليه وَإِن كَانَ مُبْتَدأ فَهُوَ حَال من الضَّمِير المستكن فِي عَلَيْهِ. انْتهى. وَمعنى ترقبه أَي: تنْتَظر انزهاق روحه لأنّ الطّير لَا يَقع على الْقَتِيل وَبِه رَمق فَفِيهِ حذف مُضَاف. وَقَوله: وقوعاً فِيهِ أعاريب: أَجودهَا أَنه مفعول لَهُ أَي: تنْتَظر ازهاق روحه للوقوع عَلَيْهِ. وَقَالَ الأعلم وَتَبعهُ ابْن خلف إِنَّه حَال من الضَّمِير فِي ترقبه. وَلَو رفع على الْخَبَر لجَاز. وقوعٌ عِنْده جمع وَاقع وَهُوَ ضدّ الطّائر. وَهَذِه الحاليّة لَا تصحّ من جِهَة الْمَعْنى لأنهّ لَا معنى للانتظار بعد الْوُقُوع على الْمَيِّت. وَلَو جعله حَالا من الطّير كَمَا قَالَه بَعضهم لَكَانَ صَحِيحا وَكَانَ حِينَئِذٍ فِيهِ بيانٌ لقَوْله عَلَيْهِ الطير. وَقَالَ ابْن يعِيش: وقوعاً جمع وَاقع وَهُوَ إِمَّا من الضَّمِير المستكنّ فِي عَلَيْهِ وَإِمَّا من الْمُضمر الْمَرْفُوع فِي ترقبه. وَقَالَ ابْن المستوفي فِي شرح أَبْيَات الْمفصل: وَيجوز أَن يكون مصدرا فِي مَوضِع

الْحَال. وَلم يعيّن صَاحب الْحَال. وَقَالَ بعض فضلاء الْعَجم فِي إِعْرَاب أَبْيَات الْمفصل: وَلَا يبعد أَن يَجْعَل وقوعاً مصدرا وَيكون مَنْصُوبًا على الْبَدَل من الضَّمِير الرَّاجِع إِلَى بشر فِي ترقبه لأنّه فِي معنى وقوعاً عَلَيْهِ فيتخصص نوع اخْتِصَاص وَيكون من بَاب بدل الاشتمال. هَذَا كَلَامه وَهُوَ جيّد إلاّ أنّ فِيهِ حذف الضَّمِير. وَقَالَ العينيّ: قَوْله: الطير مُبْتَدأ وَالْجُمْلَة أَعنِي قَوْله ترقبه خَبره وَقد وَقعت حَالا عَن البكريّ وَقَوله: عَلَيْهِ يتَعَلَّق بقوله وقوعاً. وَلَا يخفى مَا فِي تَعْبِيره من الاختلال وكأنّه لم يبلغهُ منع تقدّم مَعْمُول الْمصدر مَعَ هَذَا الْفضل الْكثير. وَهَذَا الْبَيْت للمرّار بن سعيد الفقعسيّ. وَبعده: (علاهُ بضربةٍ بعثت بليلٍ ... نوائحه وأرخصت البضوعا) (وقاد الْخَيل عَائِدَة لكلبٍ ... ترى لوجيفها رهجاً سَرِيعا) ) (عَجِيب لقائين صهٍ لقومٍ ... علاهم يفرع الشّرف الرّفيعا) بعثت أَي: نبهت من النّوم يُقَال: بَعثه أَي: أهبّه أَي: أيقظه. والنوائح: جمع نائحة من ناحت الْمَرْأَة على الْمَيِّت نوحًا إِذا بَكت عَلَيْهِ مَعَ صُرَاخ. والبضوع إمّا جمع بضعَة بِفَتْح الْمُوَحدَة وَسُكُون الضَّاد الْمُعْجَمَة وَهِي الْقطعَة من اللَّحْم وإمّا جمع بضع بضمّ فَسُكُون يُطلق وَرُوِيَ بدله: البضيعا بِفَتْح فَكسر وَهِي اللَّحْم. والوجيف بِالْجِيم: مصدر وجف الْفرس إِذا عدا وأوجفته إِذا أعديته وَهُوَ الْعُنُق فِي السّير بِفتْحَتَيْنِ. والرّهج: الْغُبَار. وصهٍ أَي: اسْكُتْ سكُوتًا مَا. ويفرع بِالْفَاءِ وَالْعين الْمُهْملَة بِمَعْنى يَعْلُو يُقَال: فرعت الْجَبَل إِذا صعدته. قَالَ ابْن السيرافيّ فِي شرح شَوَاهِد س: بشر فِي قَوْله: أَنا ابْن التارك البكريّ بشر هُوَ بشر بن عَمْرو بن مرْثَد

وَقَتله رجلٌ من بني أَسد ففخر المرّار بقتْله. وَبشر هُوَ من بني بكر بن وَائِل. وأرخصت البضوعا أَي: أرخصت الضَّرْبَة اللَّحْم على الطير. والبضوع: جمع بضعَة ويروى البضيعا وَهُوَ اللَّحْم. وَزعم بعض الروَاة أَنه يُرِيد بالبضوع بضوع نِسَائِهِ أَي: نكاحهنّ يَقُول: لما قَتَلُوهُ سبوا نساءة فنكحوهنّ بِلَا مهر. والبضوع: النِّكَاح. وَالتَّفْسِير الأوّل أعجب إليّ. قَالَ أَبُو مُحَمَّد الأعرابيّ الْأسود فِي فرحة الأديب وَقد تقدّمت تَرْجَمته فِي أوّل الْكتاب: مَا أَكثر مَا يرجّح ابْن السيرافيّ الرَّدِيء على الجيّد والزائف على الْجَائِز وَذَلِكَ أَنه مَال إِلَى القَوْل بِأَن البضوع هُنَا اللَّحْم ولعمري أنّها لَو كَانَت لُحُوم المعزى وَالْإِبِل لجَاز أَن يَقع عَلَيْهَا الرّخص والغلاء وَهَذِه غباوة تَامَّة. وَالصَّوَاب لّما قَتَلُوهُ عرضوا نِسَاءَهُ للسّباء لِأَنَّهُ لم يبْق لهنّ من يحميهنّ ويذود عنهنّ. ثمَّ إنّه لم يذكر قَاتل بشر من أيّ قبائل بني أَسد كَانَ وَإِذا لم يعرف حَقِيقَة هَذَا وَلم يدر لأيّ شَيْء افتخر المرّار بذلك. وقاتله سبع بن الحسحاس الفقعسيّ وَرَئِيس الْجَيْش بني أَسد ذَلِك الْيَوْم خَالِد بن نصلة الفقعسيّ وَهَذَا جدّ المرّار بن سعيد بن حبيب بن خَالِد بن نَضْلَة. انْتهى وَمن الْعَجَائِب قَول العينيّ: أَرَادَ ببشر بن عَمْرو وَكَانَ قد جرح وَلم يعلم جارحه يَقُول: أَنا ابْن الَّذِي ترك بشرا بِحَيْثُ تنْتَظر الطُّيُور أَن تقع عَلَيْهِ إِذا مَاتَ هَذَا كَلَامه. وليت شعري كَيفَ يفتخر الشَّاعِر بقتيل جهل قَاتله فَإِن قلت: فعلى قَول الْأسود الأعرابيّ) قَاتله سبع بن الحسحاس كَيفَ افتخر المرّار بِهِ مَعَ أَنه لَيْسَ بأب من آبَائِهِ وَلَا مّمن ينتسب إِلَيْهِ قلت: افتخاره بجده خَالِد بن نَضْلَة فَإِنَّهُ كَانَ أَمِير الْجَيْش وسبعٌ الْمَذْكُور كَانَ من أَفْرَاد عسكره ومأموراً لَهُ وَالْفِعْل لسبع وَالِاسْم لخَالِد.

قَالَ أَبُو مُحَمَّد الأعرابيّ: وَكَانَ من حَدِيث هَذَا الْيَوْم وَهُوَ يَوْم قلاب: أنّ حيّا من بني الْحَارِث بن ثَعْلَبَة بن دودان غزوا وَعَلَيْهِم خالدٌ جدّ المرّار الْمَذْكُور فَاعْترضَ بشر بن عَمْرو لآثارهم فَلَمَّا وصل إِلَيْهِم قَالَ: عَلَيْكُم الْقَوْم. قَالَ ابْنه: إنّ فِي بني الْحَارِث بن ثَعْلَبَة بني فقعس وَإِن تلقهم تلق الْقِتَال. فَقَالَ: اسْكُتْ فإنّ وَجهك شَبيه بِوَجْه أمّك عِنْد الْبناء فلمّا الْتَقَوْا هزم جَيش بشر فاتّبعه الْخَيل حتّى توالى فِي إثره ثَلَاثَة فوارس فَكَانَ أوّلهم سبع بن الحسحاس وأوسطهم عميلة بن المقتبس الوالبيّ وَآخرهمْ خَالِد بن نَضْلَة فأدركت نبل الوالبيّ الْأَوْسَط فرس بشر ابْن عَمْرو برميّة عقرته ولحقه سبعٌ فاعتنقه وَجَاء خَالِد وَقَالَ: يَا سبع لَا تقتله فإنّا لَا نطلبه بِدَم وَعِنْده مَال كثير وَهُوَ سيد من هُوَ مِنْهُ. وأتتهم الْخَيل فكلّما مرّ بِهِ رجلٌ أمره بقتْله فيزجر عَنهُ خَالِد. ثمّ إنّ رجلا همّ أَن يوجّه إِلَيْهِ السّنان فنشر خالدٌ على رُكْبَتَيْهِ وَقَالَ: اجْتنب أسيري فَغَضب سبع أَن يدّعيه خَالِد فَدفع سبعٌ ف ينْحَر بشر فَوَقع مُسْتَلْقِيا فَأخذ برجلة ثمَّ أتبع السَّيْف فرج الدّرع حتّى خَاضَ بِهِ كبده فَقَالَ بشر: أجيروا سراويلي فإنّي لم أستعن. وَعمد إِلَى فرسه فاقتاده. انْتهى. والمرّار بِفَتْح الْمِيم وَتَشْديد الرَّاء الْمُهْملَة الأولى ينْسب تَارَة إِلَى فقعس وَهُوَ أحد آبَائِهِ الْأَقْرَبين وَتارَة إِلَى أَسد بن خُزَيْمَة بن مدركة بن إلْيَاس بن مُضر وَهُوَ جدّه الْأَعْلَى.

وَهَذِه نسبته من المؤتلف والمختلف للآمذي: المرّار بن سعيد بن حبيب ابْن خَالِد بن نَضْلَة بن الأشتر بن جحوان بِتَقْدِيم الْجِيم الْمَفْتُوحَة على الْحَاء الْمُهْملَة الساكنة بن قفعس بن طريف الشَّاعِر الْمَشْهُور. والمرّار بن سعيد من شعراء الدولة الأموية وَقد أدْرك الدولة العبّاسيّة. قَالَ ابْن قُتَيْبَة فِي كتاب الشُّعَرَاء: كَانَ المرّار بن سعيد الأسديّ يهاجي الْمسَاوِر بن هِنْد وَكَانَ قَصِيرا مفرط الْقصر ضئيلاً. تَتِمَّة) هَذَا الْمَعْنى أَعنِي تتبّع الطّير للجيش الْغَازِي للأعداء حتّى تتَنَاوَل من الْقَتْلَى متداولٌ بَين الشُّعَرَاء قَدِيما وحديثاً وأوّل من جَاءَ بِهِ الأفواه الأوديّ فِي قَوْله: الرمل (وَترى الطّير على آثارنا ... رَأْي عينٍ ثِقَة أَن ستمار) أَي: تَأْخُذ الْميرَة من لُحُوم الْقَتْلَى. وَأَخذه النّابغة الذّيبانيّ فَقَالَ: الطَّوِيل (إِذا مَا غزا بالجيش حلّق فَوْقهم ... عصائب طيرٍ تهتدي بعصائب) (جوانح قد أيقنّ أنّ قبيله ... إِذا مَا التقى الجيشان أوّل غَالب) (لهنّ عَلَيْهِم عادةٌ قد عرفنها ... إِذا عرض الخطيّ فَوق الكواثب)

. والكاثبة من الْفرس: حَيْثُ تقع يَد الْفَارِس. وأخذهالحطيئة فَقَالَ: الطَّوِيل (ترى عافيات الطّير قد وثقت لَهَا ... بشبعٍ من السّخل الْعتاق مَنَازِله) وَأَخذه مُسلم بن الْوَلِيد فَقَالَ: الْبَسِيط ثمَّ تبعه أَبُو نواس وَإِن كَانَ فِي عصره: (تتأيّا الطّير غدوته ... ثِقَة بالشّبع من جزره) ثمَّ أَخذه أَبُو تَمام فَقَالَ: طالطويل (وَقد ظلّلت عقبان راياته ضحى ... بعقبان طيرٍ فِي الدّماء نواهل) (أَقَامَت مَعَ الرّايات حتّى كأنّها ... من الْجَيْش إلاّ أنّها لم تقَاتل) وكلّهم قصرّ عَن النَّابِغَة لأنّه زَاد فِي الْمَعْنى فَأحْسن التَّرْكِيب ودلّ على أنّ الطير إنّما أكلت أَعدَاء الممدوح وَكَلَامهم مُحْتَمل وإنّ كَانَ أَبُو تَمام قد زَاد فِي الْمَعْنى. على أنّ الطّير إِذا شبعت مَا تسْأَل: أيّ القبيلتين الْغَالِب وَقد أحسن المتنبيّ فِي قَوْله: الطَّوِيل (لَهُ عسكرا خيلٍ وطيرٍِإذا رمى ... بهَا عسكراً لم تبْق إلاّ جماحمه) وَقَالَ أَبُو عَامر: الطَّوِيل (وَتَدْرِي كماة الطّير أنّ كماته ... إِذا لقِيت صيد الكماة سِبَاع)

. (وَتَطير جياعاً فَوْقه وتردّها ... ظباه إِلَى الأوكار وَهِي شباع) وَقد أَخذ هَذَا الْمَعْنى مَرْوَان بن أبي الْجنُوب فَقَالَ يمدح المعتصم: الْبَسِيط (عوارفاً أنّه فِي كلّ معتركٍ ... لَا يغمد السّيف حتّى يكثر الجزرا)) فَأَخذه بكر بن النّطاح فَقَالَ: مجزوء الْكَامِل (وَترى السّباع من الجوا ... رح فَوق عسكرنا جوانح) (ثِقَة بِأَنا لَا نزا ... نمير ساغبها الدّبائح) وَأَخذه ابْن جهور فَقَالَ: الْبَسِيط (ترى جوارح طير الجوّ فَوْقهم ... بَين الأسنّة والرّايات تختفق) وَأَخذه آخر فَقَالَ: الطَّوِيل وَلست ترى الطّير الحوائم وقّعا من الأَرْض إلاّ حَيْثُ كَانَ مواقعا وَمِنْه قَول الْكُمَيْت بن مَعْرُوف: الوافر (وَقد سترت أسنّته المواضي ... حديّا الجوّ والرّخم السّغاب) وَمِنْه قَول ابْن قيس الرّقيّات: الْبَسِيط (وَالطير إِن سَار سَارَتْ فَوق موكبه ... عوارفاً أنّه يَسْطُو فيقريها)

. وَأَخذه عبّاس الْخياط فَقَالَ: السَّرِيع (يَا مطعم الطّير لُحُوم العدا ... فكلّها تثني على بأسه) إِذا حوّمت فَوق الرّماح نسوره أطار إِلَيْهَا الضّرب مَا تنرقّب وأبدع من هَذَا كلّه قَول المتنبيّ: الْبَسِيط (يطْمع الطّير فيهم طول أكلهم ... حتّى تكَاد على أحيائهم تقع) وَقد جَاءَ امْرُؤ الْقَيْس بِهَذَا الْمَعْنى بِوَجْه آخر فَقَالَ: الطَّوِيل (إِذا مَا ركبنَا قَالَ ولدان أهلنا ... تَعَالَوْا إِلَى أَن يأتنا الصّيد نحطب) يَقُول: قد وثقوا بصيد هَذَا الْفرس فهم يهيؤون لمجيء صَيْده الْحَطب. وَأَخذه حميد بن ثَوْر الهلاليّ الصّحابيّ فَقَالَ فِي صفة الذّئب: الطَّوِيل (ينَام بِإِحْدَى مقلتيه ويتّقي ... بِأُخْرَى المنايا فَهُوَ يقظان هاجع) (إِذا مَا إِذا يَوْمًا رَأَيْت غيابةً ... من الطّير ينظرن الَّذِي هُوَ صانع) زأخذه ابْن المعتز بِلَفْظ امْرِئ الْقَيْس فَقَالَ: الرجز قد وثق الْقَوْم لَهُ بِمَا طلب فَهُوَ إِذا جلّى لصيدٍ واضطرب عرّوا سكاكينهم من الْقرب)

(الشاهد الموفى ثلاثمائة)

وَأنْشد بعده وَهُوَ 3 - (الشَّاهِد الموفى ثَلَاثمِائَة) وَهُوَ من شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ: الطَّوِيل (أَقَامَت على ربعيهما جارتا صفا ... كميتا الأعالي حونتا مصطلاهما) على أنّ الصّفة المشبهة قد تُضَاف إِلَى ظاهرٍ مُضَاف إِلَى ضمير صَاحبهَا. يَنْبَغِي أَن تشرح أَولا أَلْفَاظه اللغويّة حَتَّى يظْهر مَا يَنْبَنِي عَلَيْهِ من الْمَسْأَلَة النحوية فَنَقُول: هَذَا الْبَيْت للشمّاخ بن ضرار وَقد تقدّمت تَرْجَمته فِي الشَّاهِد الْحَادِي وَالتسْعين بعد الْمِائَة وَقيل هَذَا بَيت. وَهُوَ مطلع القصيدة: (أَمن دمنتين عرّس الرّكب فيهمَا ... بحقل الرّخامى قد أَنى لبلاهما) وَقد أوردهما مَعًا سِيبَوَيْهٍ فِي كِتَابه وبعدهما: (وإرث رمادٍ كالحمامة مائلٍ ... ونؤيان فِي مظلومتين كداهما) (أَقَامَا لليلى والرّباب وزالتا ... بِذَات السّلام قد عَفا طللاهما) قَوْله: امن دمنتين الْجَار متعلّق بِمَحْذُوف تَقْدِيره أتحزن أَو أتجرع من دمنتين رأيتهما فتذكرت من كَانَ يحلّ بهما. والاستفهام تقريريّ وَالْخطاب لنَفسِهِ. ذكر فِي هَذِه الأبيات أَنه رأى منَازِل حبائبه وَأَنه لم يبْق فِيهَا غير الأثافي والرماد والنؤي. والدّمنة بِالْكَسْرِ: الْموضع الَّذِي أثّر فِيهِ

النَّاس بنزولهم وغقامتهم فِيهِ. والتَّعْرِيس: نزُول الْمُسَافِرين فِي آخر اللَّيْل قَلِيلا للاستراحة ثمَّ يرتحلون. وَرُوِيَ بدله: عرّج الرّكب والتعريج: أَن يعطفوا رواحلهم فِي الْموضع ويقفوا فِيهِ. والرّكب: ركاب الْإِبِل جمع رَاكب. والحقل بِفَتْح الْمُهْملَة وَسُكُون الْقَاف: القراح الصّلب وَهِي المزرعة الَّتِي لَيْسَ عَلَيْهَا بِنَاء وَلَا شجر. والرّخامى بِضَم الرَّاء بعْدهَا خاء مُعْجمَة وَآخره ألف مَقْصُورَة وَهُوَ شجر مثل الضال وَهُوَ السّدر البرّيّ. وبحقل الرّخامى حَال من الضَّمِير فِي فيهمَا. وأَنى بالنُّون فعل مَاض بِمَعْنى حَان. والبلى بِكَسْر الْمُوَحدَة: الفناء والذّهاب بالمرّة وَاللَّام زَائِدَة أَي: قد حَان بلاهما. وَقد روى كثيرٌ بدلهما: قد عَفا طللاهما وَهَذَا غير صَوَاب لِأَنَّهُ يتكررّ مَعَ مَا بعده:) وَقَوله: أَقَامَت على ربعيهما الخ أَي: بعد ارتحال أهلهما. والرّبع: الدَّار والمنزل. وَضمير المثنّى للدمنتين خلافًا للسَّيِّد المرتضى فِي أَمَالِيهِ فإنّه قَالَ: يَعْنِي بربعيهما منزلي الأمرأتين اللَّتَيْنِ ذكرهمَا مَعَ أَنه لم يقدّم ذكرهمَا بل أخرهما كَمَا رَأَيْت. وجارتا: فَاعل أَقَامَت وَهُوَ مُضَاف. والصّفا بِفَتْح الصَّاد الْمُهْملَة وَالْفَاء: الصخر الأملس وَاحِدَة صفاة وَهُوَ مُضَاف إِلَيْهِ. قَالَ السيّد المرتضى فِي أَمَالِيهِ: وَيَعْنِي بجارتا صفا الأثفيّتين لأنّهما مقطوعتان من الصّفا الَّذِي هُوَ الصخر. وَيُمكن فِي قَوْله: جارتا صفا وجهٌ آخر هُوَ أحسن من هَذَا وَهُوَ أنّ الأثقيّتين توضعان قَرِيبا قَرِيبا من الْجَبَل لتَكون حِجَارَة الْجَبَل ثَالِثَة لَهما وممسكةً للقدر مَعَهُمَا وَلِهَذَا تَقول الْعَرَب: رَمَاه بثالثة الأثافي أَي: بالصخرة أَو الْجَبَل انْتهى.

وعَلى هَذَا الْأَخير اقْتصر ابْن السيرافيّ فِي شرح أَبْيَات سِيبَوَيْهٍ

وَتَبعهُ الْجَمَاعَة قَالَ: الصّفا هُوَ الْجَبَل فِي هَذَا الْموضع وجارتاه: صخرتان تجعلان تَحت الْقدر وهما الأثفيّتان اللَّتَان تقربان من الْجَبَل فَيقوم الْجَبَل مقَام صَخْرَة ثَالِثَة تكون تَحت الْقدر وَمُقْتَضى الْمَعْنى أنّ فِي كلّ من الرّبعين جارتا صفا لَا أنّ فِي مَجْمُوع الربعين جارتا صفا. وَقَوله: كميتا الأعالي. . الخ هُوَ صفة جارتا صفا وَهُوَ تركيب إضافيّ مثله وَهُوَ مثنّى كميت بِالتَّصْغِيرِ من الكمتة وَهِي الْحمرَة الشَّدِيدَة المائلة إلأى السوَاد. واراد بالأعالي أعالي الجارتين قَالَ الأعلم: يَعْنِي أنّ الأعالي من الأثفيّتين لم تسود لبعدها عَن مُبَاشرَة النَّار فَهِيَ على لون الْجَبَل. وَكَذَلِكَ قَالَ السَّيِّد المرتضى: شبّه أعلاهما بلون الْكُمَيْت وَهُوَ لون الْحجر نَفسه لِأَن النّار لم تصل إِلَيْهِ فتسوّده. وَقَالَ ابْن السيرافيّ وَتَبعهُ من بعده: يُرِيد أنّ أعالي الأثافي ظهر فِيهَا لون الكمتة من ارْتِفَاع النّار إِلَيْهَا. وَقَوله: جونتا مصطلاهما نعتٌ ثَان لقَوْله: جارتا صفا وَهُوَ تركيب إضافيّ أَيْضا وَلَيْسَ بمرادٍ هُنَا. وَمن الْغَرِيب قَول النحّاس: إنّ الجون هُنَا هُوَ الْأَبْيَض. والمصطلى: اسْم مَكَان الصّلاء أَي: الاحتراق بالنّار فَيكون المصطلى مَوضِع إحراق النَّار.) يُرِيد أَن أسافل الأثافي قد اسودّت من إيقاد النّار بَينهَا. وَالضَّمِير المثنّى فِي مصطلاهما عِنْد سِيبَوَيْهٍ لقَوْله جارتا صفا وَعند المبّرد للأعالي كَمَا يَأْتِي بيانهما. وَزعم بعض فضلاء الْعَجم فِي شَوَاهِد المفصّل أنّ الكمتة هُنَا السّواد. وَهَذَا غير صَوَاب. وَقَوله: وإرث رماد الخ هُوَ مَعْطُوف على فَاعل أَقَامَت. وإرث كلّ شَيْء: أَصله وَهُوَ بِالْكَسْرِ وَآخره ثاء مُثَلّثَة. والحمامة هُنَا: القطاة. شبّه لون الرّماد بريش القطاة. وماثل: قَالَ شَارِح الدِّيوَان: والمظلومة: الأَرْض الغليظة الَّتِي يحْفر فِيهَا فِي غير مَوضِع حفر. والكدية بِالضَّمِّ: الأَرْض الغليظة الَّتِي ظلمت كداها أَي: حفر فِيهَا فِي غير مَوضِع حفر. وَقَوله: أَقَامَا لليلى الخ قَالَ شَارِح الدِّيوَان: أَي: هَذَانِ الطللان أَقَامَا بعد أهلهما. أَشَارَ إِلَى أنّ اللَّام فِي لليلى بِمَعْنى بعد. وذَات السَّلَام: مَوضِع. وعَفا: تغيّر. والطّلل قَالَ الأعلم: هُوَ مَا شخص من عَلَامَات الدَّار وأشرف كالأثفية والوتد وَنَحْوهمَا وَإِن لم يكن لَهُ شخص كأئر الرماد وملاعب الغلمان فَهُوَ رسم. وَقَوله: كأنّها عزالي الخ هُوَ جمع عزلاء بِفَتْح مهملةٍ وَسُكُون مُعْجمَة وَهِي فَم الْقرْبَة ومصبّ المَاء من المزادة. والشّعيبان: المزادتان قَالَ أَبُو عبيد: الشّعيب والمزادة وَالرِّوَايَة والسّطحية شيءٌ وَاحِد. والمخلف: المستقي. والكلى: الرّقاع الَّتِي تكون فِي المزادة وأحدها كُلية. هَذَا. وَأما محلّ الشَّاهِد قَوْله: جونتا مصطلاهما فَإِنَّهُ أضَاف جونتا إِلَى مصطلاهما. قَالَ السيرافيّ: جونتا مثنّى وَهُوَ بِمَنْزِلَة حسنتا وَقد أضيفا إِلَى مصطلاهما ومصطلاهما يعود إِلَى جارتا صفا وَمعنى جارتا صفا الأثافيّ والصفا هُوَ الْجَبَل وَإِنَّمَا يبْنى فِي أصل الْجَبَل فِي موضِعين مَا يوضع عَلَيْهِ الْقدر وَيكون الْجَبَل هُوَ الثَّالِث فالبناء فِي موضِعين هما جارتا صفا. وَقَوله: كميتا الأعاللي يَعْنِي أنّ الأعالي من مَوضِع الأثافيّ لم تسود لأنّ الدّخان لم يصل

إِلَيْهَا فَهِيَ على لون الْجَبَل وَجعل الْأَعْلَى من الْجَبَل أعالي الجارتين. وجونتا مصطلاهما يَعْنِي مسودّتا المصطلى يَعْنِي الجارتين مسودّتا المصطلى وَهُوَ مَوضِع الْوقُود. وَقد أنكر هَذَا على سِيبَوَيْهٍ وخرّد للبيت مَا يخرج بِهِ عَن: حسن وَجهه وحسنة وَجههَا قَالَ: وَذَلِكَ أنّه لَا خلاف بَين النّحويين أنّ قَوْلنَا زيد حسن وَجه الْأَخ جيّد بَالغ وأنّه يجوز أَن يكنى عَن الْأَخ فَنَقُول زيد حسن وَجه الْأَخ جميل وَجهه فالهاء تعود إِلَى الْأَخ لَا إلأى زيد فكأنا قُلْنَا زيد حسن وَجه الْأَخ. جميل وَجه الْأَخ.) قَالَ: فعلى هَذَا قَوْله كميتا الأعالي جونتا مصطلاهما كَأَنَّهُ قَالَ جونتا مصطلى الأعالي فَالضَّمِير فِي الصطلى يعود إِلَى الأعالي لَا إِلَى الجارتين فَيصير بِمَنْزِلَة قَوْلك: الهندان حسنتا الْوُجُوه مليحتا خدودهما. فَإِن أردْت بالضمير فِي خدودهما الْوُجُوه كَانَ كلَاما مُسْتَقِيمًا كأنّك قلت حسنتا الْوُجُوه مليحتا خدود الْوُجُوه. فَإِن أردْت بالضمير الهندين فَالْمَسْأَلَة فَاسِدَة فَكَذَلِك جونتا مصطلاهما إِن أردْت بالضمير الأعالي فَهُوَ صَحِيح وَإِن أردْت بالضمير الجارتين فَهُوَ رَدِيء لأنّه مثل قَوْلك هِنْد حَسَنَة وَجههَا. قَالَ: فَإِن قَالَ قَائِل: فَإِذا كَانَ الضَّمِير فِي مصطلاهما يعود إِلَى الأعالي فَلم يثنّى والأعالي جمع قيل لَهُ: الأعالي فِي معنى الأعليين فردّ الضَّمِير إِلَى الأَصْل. (مَتى مَا تلقني فردين ترجف ... روانف أليتيك وتستطارا) فردّ تستطار إِلَى رانفتين لِأَن روانف فِي معنى رانفتين. وعَلى هَذَا يجوز

أَن تَقول الهندان حسنتا الْوُجُوه جميلتا خدودهنّ لأنّ الْوُجُوه فِي معنى الْوَجْهَيْنِ فكأنّك قلت: جميلتا خدود الْوَجْهَيْنِ. قَالَ أَبُو بكر بن ناهض القرطبيّ: هَذَا التَّأْوِيل حسن فِي إِعَادَة الضَّمِير الَّذِي فِي مصطلاهما إِلَى الأعالي لَوْلَا مَا يدْخل الْبَيْتَيْنِ من فَسَاد الْمَعْنى وَذَلِكَ أنّك إِذا قلت: كميتا الأعالي جونتا مصطلاهما إنّ مَعْنَاهُ اسودّت الجارتان واصطلى أعاليهما كَمَا أَن معنى قَوْلك الهندان حسنتا الْوُجُوه مليحتا خدودهما إنّما الْمَعْنى حسنت وُجُوههمَا وملحت خدودهما فَكَذَلِك يجب أَن يكون مصطلاهما إِذا أُعِيد الضَّمِير إِلَى الأعالي أَن يكون قد اصطلت الأعالي وَإِذا اصطلت الأعالي فقد اسودّت وَهُوَ بِخَير أنّهما لم يسودّا لأنّهما لم يصل الدّخان إِلَيْهِمَا. وَالدَّلِيل على ذَلِك أنّه وصف الأعالي بالكمته وَلم يصفها بالسّواد كَمَا وصف الجارتين فَلَا يشبه هَذَا قَوْلك الهندان حسنتا الْوَجْه مليحتا خدودهما لأنّ كلّ واحدٍ من هذَيْن الضميرين قدج ارْتَفع بِفِعْلِهِ وَكَذَلِكَ يجب أَن يرفع ضمير الأعالي بِفِعْلِهِ فَيكون على هَذَا الأعالي قد اصطلت بالنّار وَهَذَا خلاف مَا أَرَادَ الشَّاعِر لِأَنَّهُ ذكر أَنه لم يصطل مِنْهَا غير الجارتين وأنّ الأعالي لم يصل إِلَيْهَا الدُّخان. فَهَذَا خلاف مَا نظره النحويون وقاسوه. فَلَا بدّ من الذّهاب فِي معنى الْبَيْت إِلَى مَا ذهب إِلَيْهِ سِيبَوَيْهٍ من أنّ الضَّمِير فِي مصطلاهما يعود على الجارتين. انْتهى. وَقد ردّ مَا ذهب إِلَيْهِ المبّرد ابْن جنّي أَيْضا بِوَجْه غير هَذَا قَالَ فِي بَاب الْحمل على الْمَعْنى من) الخصائص: اعْلَم أنّ الْعَرَب إِذا حملت على الْمَعْنى لم تكد تراجع اللَّفْظ كَقَوْلِك شكرت من أَحْسنُوا إليّ على فعله. وَلَو قلت

شكرت من أحسن إِلَيّ على فعلهم جَازَ وَلِهَذَا ضعف عندنَا أَن يكون هما من مصطلاهما فِي قَوْله: كميتا الأعالي جونتا مصطلاهما عَائِدًا على الأعالي فِي الْمَعْنى إِذا كَانَا فاعلين اثْنَيْنِ لأنّه مَوضِع قد ترك فِيهِ لفظ التَّثْنِيَة حملا على الْمَعْنى لأنّه جعل كلّ جِهَة مِنْهُمَا أَعلَى كَقَوْلِهِم: شابت مُفَارقَة وَهَذَا بعيرٌ ذُو عثانين وَنَحْو ذَلِك. أَو لأنّ الأعليين شَيْئَانِ من شَيْئَيْنِ فَإِذا كَانَ قد انْصَرف عَن اللَّفْظ إِلَى غَيره ضعفت معاودته إيّاه لأنّه انتكاث وتراجع فَجرى ذَلِك مجْرى إدغام الملحق وتوكيد مَا حذف. على أنّه قد جَاءَ مِنْهُ شَيْء قَالَ: الطَّوِيل رُؤُوس كبيريهنّ ينتطحان وَأما قَوْله: الْبَسِيط (كِلَاهُمَا حِين جدّ الجري بَينهمَا ... قد أقلعا وكلا أنفيهما رابي) فَلَيْسَ من هَذَا الْبَاب وَإِن كَانَ قد عَاد من بعد التَّثْنِيَة إِلَى الْإِفْرَاد وَذَلِكَ أَنه لم يقل كِلَاهُمَا قد أقلعا وَأَنْفه رابٍ فَيكون مَا أنكرناه لكنه قد أعَاد كلا أُخْرَى غير الأولى فعاملها على لَفظهَا. وَلم يقبح ذَلِك لأنّه قد فرغ من حَدِيث الأولى ثمَّ اسْتَأْنف من بعْدهَا أُخْرَى وَلم يَجْعَل الضميرين عائدين إِلَى كلا واحدةٍ. وَهَذَا كَقَوْلِك: من يقومُونَ أكْرمهم وَمن يقْعد أضربه. وَلَا يحسن وَمِنْهُم من يستمع إِلَيْك حتّى إِذا خَرجُوا من

عنْدك لما ذَكرْنَاهُ. وَهَذَا وَاضح فاعرفه. انْتهى. وَهَذَا مَأْخُوذ من كَلَام أبي عليّ فِي الْمسَائِل البغداديات وَقد بسط القَوْل على هَذَا الْبَيْت فَلَا بَأْس بإبراد كَلَامه قَالَ: فَأَما قَوْله: جونتا مصطلاهما فقد قدّره سِيبَوَيْهٍ تَقْدِير حَسَنَة وَجههَا وَجعل قِيَاسه كقياسه وَكَانَ حكمه عِنْده إِن أجراد على الأَصْل دون الْحَذف أَن يَقُول: جارتا صفا جونٌ مصطلاهما فيجرى جونٌ على الجارتين فيرتفع بجريه عَلَيْهِمَا لأنّهما مرفوعتان ثمَّ يرْتَفع المصطلى بجون وَيعود ضمير التَّثْنِيَة على الجارتين فَيكون كَقَوْلِك: الهندانحسنٌ ثوبهما وَهِنْد حسنٌ وَجههَا. وَإِن أجراه على الْحَذف دون الأَصْل أَن يَقُول: أَقَامَت على ربيعيهما جارتا صفا جونتا المصطليات فِيمَن قَالَ الهندان حسنتا الْوُجُوه وفيمن قَالَ صفا رحليهما جونتا المصطلين) فَيصير كَقَوْلِك الهندان حسنتا الثَّوْبَيْنِ. فَلم يَسْتَعْمِلهُ على الْإِتْمَام وَالْأَصْل وَلَا على الِاخْتِصَار والحذف وَلَكِن جعله كَقَوْلِك: هَذِه امْرَأَة حَسَنَة وَجههَا فثنّى الجونة وهما وَصفا الجارتين وأضافه مثنّى إِلَى المصطلى وَهُوَ هما فِي الْمَعْنى إلاّ أنّه وضع الْوَاحِد مَوضِع الْجمع فِيمَن قَالَ: حسان الْوُجُوه وَمَوْضِع التَّثْنِيَة فِيمَن قَالَ: صفا رحليهما وَهُوَ المصطلى أَلا ترى أنّ لكل وَاحِدَة من الجارتين مصطلى. وَإِن وجّهته على أنّ المصطلى يكون جَمِيع ذَلِك وَأحد لم يضع وَاحِدًا مَوضِع جمع ثمَّ أضَاف مصطلى

إِلَى ضمير الجارتين كَمَا أضَاف الْوَجْه فِي قَوْله هَذِه امْرَأَة حَسَنَة وَجههَا إلأى ضمير الْمَرْأَة بعد إِضَافَة حسن الَّذِي هُوَ الْوَجْه فِي الْمَعْنى إِلَى الْوَجْه. فعلى هَذَا وضع سِيبَوَيْهٍ هَذَا الْبَيْت. وَقد يحْتَمل غير مَا تأوّله وَهُوَ مَا ذكره بَعضهم: من أنّ الشَّاعِر إنّما ردّ الضَّمِير المثنّى فِي قَوْله مصطلاهما إِلَى الأعالي لِأَنَّهُ فِي الْحَقِيقَة اثْنَان. وَهَذَا مثل قَوْله: الطَّوِيل (رَأَتْ جبلا فَوق الْجبَال إِذا الْتَقت ... رُؤُوس كبيريهنّ ينتطحان) وَلست أعرف من قَائِل هَذَا القَوْل إلاّ أنّه لَيْسَ بممتنع. وَيخرج الْكَلَام بِهِ من أَن يكون على قَوْلك: هِنْد حَسَنَة وَجههَا لأنّ الضَّمِير المثنّى على هَذَا فِي قَوْله مصطلاهما لَيْسَ يرجع إِلَى الجارتين إنّما يرجع إِلَى الأعالي لأنّ الأعالي وَإِن كَانَ مجموعاً فِي اللَّفْظ فَهُوَ اثْنَان فِي الْمَعْنى فَحَمله على ذَلِك فَكَأَنَّهُ قَالَ جونتا مصطلاهما الأعالي. وَإِذا كَانَ كَذَلِك لم يكن على حَسَنَة وَجههَا لِأَن الجونة لم تضف إِلَى اسْم يتّصل بِهِ ضمير يعود من الِاسْم الَّذِي بعد الصّفة فِي قَوْلك هِنْد حَسَنَة وَجههَا ضميرٌ يعود إِلَى هِنْد لكَون الضَّمِير الْعَائِد إِلَى الجارتين محذوفاً كَمَا أنّ الضَّمِير من هِنْد حَسَنَة الْوَجْه ودعد حَسَنَة وَجه الْأَب مَحْذُوف فَلذَلِك أنّث جونة من قَوْله جونتا مصطلاهما كَمَا أنّث حَسَنَة فِي قَوْلك هِنْد حَسَنَة الْوَجْه لِأَنَّهُ لم يعد فِيهِ إِلَى هِنْد ضمير. وَقِيَاس هَذَا إِذا رفع الِاسْم بِالصّفةِ وَلم تصف الصّفة إِلَى مَا هُوَ فاعلها فِي الْمَعْنى كحسنٌ وجهٌ حسنٌ الْوَجْه أَن يُقَال جارتا صفا جونٌ مصطلاهما أعاليهما أَو أعلييهما فمصطلاهما فِي مَوضِع رفع مثل قَوْلك هَاتَانِ امْرَأَتَانِ حسنٌ غُلَام أبويهما. وعيب هَذَا القَوْل الَّذِي قَالَه هَذَا الْقَائِل هُوَ أنّ التَّثْنِيَة حملت على أنّها جمع وَذَلِكَ بعيد لأَنا وجدناهم يجْعَلُونَ الِاثْنَيْنِ على لفظ) الْجمع فِي نَحْو

قَوْله عزّ وجلّ: إِذْ تسوّروا الْمِحْرَاب وقد صغت قُلُوبكُمَا وبابه وَلم نرهم يجْعَلُونَ لفظ التَّثْنِيَة للْجمع. إلاّ أنّه لَا يمْتَنع ذَلِك فِي هَذَا الْموضع لأنّ الْمَجْمُوع الَّذِي هُوَ قَوْلنَا: الأعالي هُنَا اثْنَان فِي الْحَقِيقَة فَحَمله على الْمَعْنى أَو اسْتعْمل اللغتين فِي نَحْو هَذَا جَمِيعًا فَحمل الأوّل على قَوْله: فقد صنعت قُلُوبكُمَا وَالثَّانِي على صفا رحليهما. وَلَيْسَ ذَلِك بِحسن لأنّ الرَّاجِع أَن يكون على لفظ المرجوع إِلَيْهِ أحسن إلاّ أَن ذَلِك لَا يمْتَنع. فَفِي هَذَا التَّأْوِيل تَخْلِيص للشعر من عيب وإدخاله فِي عيب آخر. انْتهى كَلَام أبي عليّ. وَمثله لِابْنِ السّرّاج فِي الْأُصُول قَالَ: وَقد حكى سِيبَوَيْهٍ أنّ بَعضهم يَقُول زيد حسن وَجهه شبهوه بِحسن الْوَجْه واحتجّ بقوله جونتا مصطلاهما فَجعل المصطلى هَاهُنَا فِي مَوضِع خفض وَالْهَاء وَالْمِيم رَاجِعَة إِلَى الِاثْنَيْنِ وهما جارتا صفا. وَكَانَ حقّه أَن يَقُول جونتا المصطلين. وَقَالَ غَيره: لَيْسَ الْمَعْنى على هَذَا وَالْهَاء وَالْمِيم ترجع إِلَى الأعالي وَإِن كَانَت جمعا لأنّ مَعْنَاهُمَا معنى اثْنَيْنِ وإنّما جمعت لأنّها من اثْنَيْنِ كَمَا قَالَ: الرجز ظهراهما مثل ظُهُور التّرسين. فَكَانَ معنى الشّعْر مصطلى الأعالي. وَنَظِير هَذَا: هِنْد فارهة العَبْد حَسَنَة وَجهه. تُرِيدُ حَسَنَة وَجه العَبْد. وَلَو قلت حَسَنَة وَجههَا كنت قد أضفت الشَّيْء إِلَى نَفسه. وسيبويه إنّما ذكر هَذَا الْبَيْت على ضَرُورَة الشَّاعِر والغلط عِنْدِي. ثمَّ قَالَ فِي آخر الْكتاب فِي ذكر مَا جَاءَ كالشاذّ الَّذِي لَا يُقَاس عَلَيْهِ: وَهُوَ سَبْعَة مِنْهُ تَغْيِير وَجه الْأَعْرَاب للقافية تَشْبِيها بِمَا يجوز: قَالَ: ومّما يقرب من

(الشاهد الحادي بعد الثلاثمائة)

هَذَا قَوْله جونتا مصطلاهما وَإِنَّمَا الْكَلَام المصطلين فردّه إِلَى الأَصْل فِي الْمَعْنى لأنّك إِذا قلت: مَرَرْت بِرَجُل حسن الْوَجْه فَمَعْنَاه حسن وَجهه فَإِذا ثنيتقلت مَرَرْت برجلَيْن حسني الْوَجْه فَإِن رَددته إِلَى أَصله قلت برجلَيْن حسن وُجُوههمَا. فَإِذا قلت وُجُوههمَا لم يكن فِي حسن ذكرٌ مّما قبله وَإِذا أتيت بِالْألف وَاللَّام وأضفت الصّفة إِلَيْهَا كَانَ فِي الصّفة ذكر الْمَوْصُوف. فَكَانَ حق هَذَا الشَّاعِر لّما قَالَ مصطلاهما أَن يوحّد الصّفة فَيَقُول: جون مصطلاهما. انْتهى. فقد بَان لَك مِمَّا نقلنا عَنْهُم وهم أَرْبَاب النَّقْد فِي هَذَا الْعلم أَن الرادّ عى سِيبَوَيْهٍ لَيْسَ المبّرد لَا سيّما أَبُو عليّ فَإِنَّهُ قَالَ: لَا أعرف قَائِل هَذَا القَوْل. وَالشَّارِح الْمُحَقق قَالَ هُوَ المبّرد. وَفَوق كلّ) ذِي علمك عليم. وَالله أعلم. وَقد تكلّم على هَذَا الْبَيْت فِي بَاب الصّفة المشبّهة أَيْضا وَقَالَ: كَلَام المبّرد تكلّف وَالظَّاهِر مَعَ سِيبَوَيْهٍ. وَأنْشد بعده وَهُوَ 3 - (الشَّاهِد الْحَادِي بعد الثلاثمائة) الطَّوِيل (رحيب قطاب الجيب مِنْهَا رقيقةٌ ... بجسّ النّدامى بضة المتجردّ) على أنّ إِضَافَة رحيب إِلَى قطاب فِي حكم إِضَافَة جونتا إِلَى مصطلاهما فِي الْقبْح. قَالَ السيرافيّ: وَمِمَّا يدْخل فِي هَذَا النَّحْو قَول طرفَة: رحيب قطاب الجيب الْبَيْت وَهَذِه الْإِضَافَة رَدِيئَة بِمَنْزِلَة حَسَنَة وَجههَا وَذَلِكَ أنّ الأَصْل وَهُوَ الإنشاد الصَّحِيح: رحيب قطاب الجيب بتنوين رحيب فقطاب يرْتَفع برحيب وَضمير مِنْهَا يعود إِلَى الأوّل فَإِذا أضفنا

رحيب فقد خلا مِنْهُ الضَّمِير الْعَائِد فَلَا معنى لمنها على مَا بيّنّا فِي حَسَنَة الْوَجْه وَكَذَلِكَ لَا يحسن أَن تَقول زيد حسن الْعين مِنْهُ. انْتهى. وَهَذَا الْبَيْت من معلقَة طرفَة بن العَبْد وَقَبله: (نداماي بيضٌ كَالنُّجُومِ وقينةٌ ... تروح علينا بَين بردٍ ومجسد) رحيب قطاب الجيب مِنْهَا ... ... ... ... . الْبَيْت (إِذا رجعت فِي صَوتهَا خلت صَوتهَا ... تجاوب أظآرٍ على ربعٍ ردي) (وَمَا زَالَ تشرابي الْخُمُور ولذّتي ... وبيعي وإنفاقي طريفي ومتلدي) (إِلَى أَن تحامتني الْعَشِيرَة كلّها ... وأفردت إِفْرَاد الْبَعِير المعبّد) (رَأَيْت بني غبراء لَا ينكرونني ... وَلَا أهل هذاك الطّرف الممدّد) قَوْله: نداماي بيضٌ الخ النّدامى: الْأَصْحَاب يُقَال: فلانٌ نديم فلَان إِذا شَاربه وفلانة نديمة فلَان. وَيُقَال ذَلِك أَيْضا إِذا صَاحبه وحدّثه وَإِن لم يَكُونُوا على شراب. قَالَ أَبُو جَعْفَر: سمّي النّديم نديماً لندامة جذيمة الأبرش حِين قتل مَالِكًا وعقيلاً ابْني فارج اللَّذين أَتَيَا هـ بِعَمْرو ابْن أُخْته فَسَأَلَاهُ أَن يكون فِي سمره فَوجدَ عَلَيْهِمَا فَقَتَلَهُمَا وَنَدم فسمّي كل مشارب نديماً. وواحدهم ندمانٌ ونديم وَالْمَرْأَة ندمانة ونديمة وَيُقَال من النّدم ندمان) وندمى. وَقَوله: بيض كَالنُّجُومِ أَي: هم ساداتٌ مشاهير كَالنُّجُومِ. وَقَوله: وقينة مَعْطُوف على بيض. والْقَيْنَة: المغنّية وكلّ أمة قينة وَإِنَّمَا قيل لَهَا قينة لِأَنَّهَا تعْمل بِيَدَيْهَا مَعَ غنائها. وَالْعرب تَقول لكّل من يصنع بيدَيْهِ شَيْئا قين. وَمعنى تروح علينا تجيئنا عشيّاً. وروى: تروح إِلَيْنَا. والْبرد: ثوب وشيٍ. ومجسد هُوَ بِضَم الْمِيم وَسُكُون الْجِيم وَفتح السِّين

قَالَ الأعلم فِي شرح المعلّقة: المجسد: الْمَصْبُوغ بالزعفران المشبع. والجساد بِالْفَتْح: الزَّعْفَرَان. وَقَالَ ابْن السكّيت فِي شرح ديوانه: المجسد: الثَّوْب الَّذِي يَلِي الْجَسَد وَهُوَ الشّعار. وَالْمعْنَى على الأول تَأْتِينَا بالعشيّ تَارَة وَعَلَيْهَا بردٌ ومرّةٌ وَعَلَيْهَا ثوب مصبوغ بالزعفران. وَالْمعْنَى على الثَّانِي تَأْتِينَا وَعَلَيْهَا هَذَانِ الثوبان. وَقَوله: رحيب قطاب الجيب الخ رُوِيَ بِإِضَافَة رحيب إِلَى قطاب وتقدّم بَيَان ضعفه وَرُوِيَ تَنْوِين رحيب وَرفع قطاب وَهُوَ الإنشاد الثَّابِت الصَّحِيح فَيكون رحيب صفة سَبَبِيَّة لقينة فَيكون الرحب وَصفا للقينة فِي اللَّفْظ ووصفاً لقطاب الجيب فِي الْمَعْنى لِأَن الْمَعْنى رحب قطاب جيبها أَي: اتّسع. وَضمير مِنْهَا للقينة. وقطاب الجيب بِالْكَسْرِ: مجتمعه حَيْثُ قطب أَي: جمع وَهُوَ مخرج الرَّأْس من الثَّوْب. والرّحيب: الْوَاسِع وإنّما وصف قطاب جيبها بالسّعة لأنّها كَانَت توسّعه ليبدو صدرها فَينْظر إِلَيْهِ ويتلذّذ بِهِ. وَلَيْسَ الْمَعْنى أنّ عُنُقهَا وَاسع فَيحْتَاج إلأى أَن يكون جيبها وَاسِعًا كَمَا توهمه أَبُو جَعْفَر النَّحْوِيّ والخطيب التّبريزيّ فإنّ هَذَا الْوَصْف ذمّ. وَقَوله: رَفِيقَة بفاء وقاف من الرِّفْق وَهُوَ اللين والملاءمة. وَرُوِيَ رقيقَة بقافين من الرّقة وَهُوَ ضدّ الغلظة. والجسّ بِفَتْح الْجِيم: اللَّمْس أَي: لمس أوتار اللَّهْو. أَي: استمرت على الجسّ فَهِيَ رَفِيقَة بِهِ حاذقة. وَقيل جسّ النّدامى مَا طلبُوا من غنائها وَقيل جسّ الّدامى هُوَ أَن يجسّوا بِأَيْدِيهِم فيلمسوها تلذّذاً كَمَا فسّرنا أوّلاً كَمَا قَالَ الْأَعْشَى: الطَّوِيل لجسّ النّامى فِي يَد الدّرع مفتق

وَكَانَت الْقَيْنَة يفتق فتيقٌ فِي كمّها إِلَى الْإِبِط فَإِذا أَرَادَ الرجل أَن يلمس مِنْهَا شَيْئا أَدخل يَده فلمس. والدّرع: قَمِيص الْمَرْأَة ويَده: كمّه.) وروى: لجسّ النّدامى بِاللَّامِ مَوضِع الْبَاء. والبضّة بِفَتْح الْمُوَحدَة وَتَشْديد الضَّاد الْمُعْجَمَة: الْبَيْضَاء الناعمة الْبدن الرقيقة الْجلد. والمتجرّد على صِيغَة اسْم الْمَفْعُول: مَا سترد الثّياب من الْجَسَد. يَقُول: هِيَ بضّة الْجِسْم على التجرّد من ثِيَابهَا وَالنَّظَر وَقَوله: إِذا نَحن قُلْنَا الخ أسمعينا أَي: غنّينا. وانبرت اعترضت وَأخذت فِيمَا طلبنا من غنائها. ورسلها بِالْكَسْرِ بِمَعْنى هينتها ورفقها ومهلها. ومطروفة بِالْفَاءِ: الفاترة الطّرف أَي: كَأَن عينهَا طرفت فَهِيَ سَاكِنة. وَقيل إنّ مَعْنَاهُ تحدّ النّظر بطرفها. وَهَذَا لَيْسَ بشيءٍ. وَرُوِيَ: مطروقة بِالْقَافِ وَمَعْنَاهُ كسترخية ليّنة. وَهُوَ حَال من فَاعل انبرت. وَلم تشدّد وَقَوله: إِذا رجّعت فِي صَوتهَا التّرجيع: ترديد الصَّوْت. والأظآر: جمع ظئر وَهِي الَّتِي لَهَا ولد. وربع بضمّ الرَّاء وَفتح الموحّدة: ولد النَّاقة. وردي فعل مَاض من الرّدى وَهُوَ الْهَلَاك. يَقُول: إِذا طرّبت فِي صَوتهَا وردّدت نغماتها حسبت صَوتهَا أصوات نوقٍ تحنّ لهلاك وَلَدهَا. شبّه صَوتهَا بصوتهنّ فِي التحزين. وَيجوز أَن يكون الأظآر النِّسَاء وَالرّبع مستعاراً لولد الْإِنْسَان فشبّه صَوتهَا فِي التحزين والترقيق بِأَصْوَات النوادب والنّوائح على صبيّ هَالك. وَهَذَا الْبَيْت قلّما يُوجد فِي هَذِه القصيدة. وَقَوله: وَمَا زَالَ تشربي الخ التّشراب: الشّرْب وَهُوَ للتكثير. والطريف والطارف: مَا اكْتَسبهُ الْإِنْسَان من المَال. والمتلد بِصِيغَة اسْم

(الشاهد الثاني بعد الثلاثمائة)

الْمَفْعُول وَكَذَا التالد والتليد: المَال الْقَدِيم الَّذِي وَرثهُ عَن آبَائِهِ. وَمَعْنَاهُ المتولّد وَالتَّاء بدل الْوَاو. وَقَوله: إِلَى أَن تحامتني الخ أَي: تَرَكتنِي. والْعَشِيرَة: أهل بَيت الرجل والقبيلة. والمعبّد بزنة اسْم الْمَفْعُول: الأجرب وَقيل هُوَ المهنوء الَّذِي سقط وبره فأفرد عَن الْإِبِل أَي: تركت ولذّاتي. وَقَوله: رَأَيْت بني غبراء غبراء: الأَرْض وَبَنُو غبراء الْفُقَرَاء وَيدخل فيهم الأضياف. وَأهل مَعْطُوف على الْوَاو فِي ينكروني. والطّراف بِالْكَسْرِ: بِنَا من أَدَم يكون للأغنياء. والممدّد: الْمَنْصُوب. يَقُول: إِن هجرني الْأَقَارِب وصلتني الأباعد الْفُقَرَاء والأغنياء فالفقراء لإنعامي عَلَيْهِم وَقد تقدّم شرح أَبْيَات من هَذِه القصيدة. وترجمة طرفَة تقدّمت فِي الشَّاهِد الثَّانِي وَالْخمسين بعد الْمِائَة. وَأنْشد بعده وَهُوَ 3 - (الشَّاهِد الثَّانِي بعد الثلاثمائة) الطَّوِيل (إِلَيْكُم ذَوي آل النّبيّ تطلّعت ... نوازع من قلبِي ظماءٌ وألبب) على أنّ إِضَافَة ذَوي آل النَّبِي من إِضَافَة المسمّى إِلَى الِاسْم أَي: يَا أَصْحَاب هَذَا الِاسْم. أَرَادَ بِهَذَا الردّ على من زعم أنّ ذَا فِي مثله وَكَذَا فِي الأبيات الْآتِيَة زَائِد.

وَهَذَا كلّه ملخّص من كَلَام ابْن جنّي فِي الخصائص وَغَيره وَإِن كَانَ مَوْجُودا فِي المفصّل وشروحه. وجوّزأبو عليّ فِي الْإِيضَاح الشعريّ أَن يكون ذُو زَائِدا وَأَن يكون على جعل الِاسْم المسمّى على الاتساع لمصاحبته لَهُ وَكَثْرَة الملابسة. قَالَ ابْن جنّي فِي الْمُحْتَسب عِنْد قِرَاءَة ابْن مَسْعُود من سُورَة يُوسُف وَفَوق كلّ ذِي عالمٍ عليمٌ: تحْتَمل هَذِه الْقِرَاءَة ثَلَاثَة أوجه: أَحدهَا: أَن تكون من بَاب إِضَافَة المسمّى إِلَى الِاسْم أَي: فَوق كل شخص يُسمى عَالما أَو يُقَال (إِلَيْكُم ذَوي آل النّبيّ تطلّعت ... نوازع من نَفسِي ظماءٌ وألبب) أَي: إِلَيْكُم يَا آل النّبيّ أَي: يَا أَصْحَاب هَذَا الِاسْم الَّذِي هُوَ آل النَّبِي. وَعَلِيهِ قَول الْأَعْشَى: الْبَسِيط (فكذّبوها بِمَا قَالَت فصبّحهم ... ذُو آل حسّان يزجي الْمَوْت والشرّعا) أَي: صبّحهم الْجَيْش الَّذِي يُقَال لَهُ آل حسّان. وَهُوَ بابٌ وَاسع قد تقصّيناه فِي كتاب الخصائص. وَالْوَجْه الثَّانِي: أَن يكون عَالم مصدرا كالفالج وَالْبَاطِل.

وَالثَّالِث: أَن يكون على مَذْهَب من يعْتَقد زِيَادَة ذِي. انْتهى مُخْتَصرا. وَقد ذكر ابْن جنّي هَذِه الْإِضَافَة فِي أَكثر قَالَ فِي إِعْرَاب الحماسة عِنْد قَول طفيل الغنويّ: الطَّوِيل (وَمَا أَنا بالمستنكر الْبَين إنّني ... بِذِي لطف الْجِيرَان قدماً مفجّع) هَذَا من بَاب إِضَافَة المسمّى إِلَى اسْمه أَي: إنّني بالشيّ المسمّى بلطف الْجِيرَان. وَمثله بَيت الشمّاخ: الوافر) وأدرج درج ذِي شطنٍ وَمثله بَيت الْكُمَيْت: إِلَيْكُم ذَوي آل النَّبِي. . الْبَيْت أَي: يَا أَصْحَاب هَذَا الِاسْم واصحابه هم آل النبيّ صلّى عَلَيْهِ وَسلم فَكَأَنَّهُ قَالَ: إِلَيْكُم يَا آل النّبيّ وَأَمْثَاله كَثِيرَة جدا قد ذَكرنَاهَا فِي غير مَوضِع. وَمن ذهب إِلَى زِيَادَة ذِي وَذَات فِي هَذَا الْموضع ذهب إِلَى زيادتها فِي بَيت طفيل هَذَا أَيْضا وَمَعْنَاهُ فِي التَّأْويلَيْنِ جَمِيعًا أنّني بلطف الْجِيرَان أَي: بوصلهم مفجّع. وَقَالَ أَيْضا فِي أَوَاخِر إِعْرَاب الحماسة عِنْد قَول الشَّاعِر: الطَّوِيل (فَلَمَّا رَآنِي أبْصر الشّخص أشخصاً ... قَرِيبا وَذَا الشّخص الْبعيد أَقَاربه)

قَرِيبا إِن شِئْت ظرف أَي: من قريب وَإِن شِئْت حَال أَي: أبصره مقارباً أشخصاً مَعْنَاهُ أبصره وَأَنا قريب مِنْهُ أشخصاً. وَقَوله: وَذَا الشّحص الْبعيد من بَاب إِضَافَة المسمّى إِلَى اسْمه كَقَوْل الشماخ. . وَقَول الْأَعْشَى. . وَقَول الْكُمَيْت. . وَأنْشد الأبيات الثَّلَاثَة ثمَّ قَالَ: وَمعنى أَقَاربه أَي: أظنّه قَرِيبا. وَلَو جرّ الْبعيد هُنَا لم يجز لأنّ الشَّخْص فِي هَذَا الْبَيْت اسمٌ لَا مسمّى. وَلَو قلت سمّيته بزيد الظريف على هَذَا لم يجز لأنّ الظّرْف لَا تُوصَف بِهِ الْأَسْمَاء. ثمَّ قَالَ: وَقد دَعَا خَفَاء هَذَا الْموضع أَقْوَامًا إِلَى أَن ذَهَبُوا إِلَى زِيَادَة ذِي وَذَا فِي هَذِه الْمَوَاضِع وإنّما ذَلِك بعدٌ عَن إِدْرَاك هَذَا الْموضع. انْتهى. وَزَاد فِي الخصائص على مَا ذَكرْنَاهُ أنّ أَبَا عَليّ حدّثه أنّ أَحْمد بن إِبْرَاهِيم أستاذ ثَعْلَب روى عَنْهُم: هَذَا ذُو زيد أَي: هَذَا صَاحب هَذَا الِاسْم الَّذِي هُوَ زيد. وَقد عقد لهَذَا بَابا فِي الخصائص وَهُوَ بَاب إِضَافَة الِاسْم إِلَى المسمّى والمسمّي إِلَى الِاسْم وَأطَال الْكَلَام فِيهِ وأطاب وَقَالَ: هَذَا مَوضِع كَانَ يعتاده أَبُو عليّ ويألفه ويرتاح لاستعماله وَهُوَ فصلٌ من العربيّة

غَرِيب وقلّ من يعتاده أَو ينظر فِيهِ وَقد ذكرته لتراه فتتنبّه على مَا هُوَ فِي مَعْنَاهُ إِن شَاءَ الله تَعَالَى. ثمَّ قَالَ: وَفِيه دَلِيل يدلّ على فَسَاد من ذهب إِلَى أنّ الِاسْم هُوَ المسمّى وَلَو كَانَ إيّاه لم تجز إِضَافَة واحدٍ مِنْهُمَا إِلَى صَاحبه لأنّ الشَّيْء لَا يُضَاف إِلَى نَفسه. قيل لأنّ الْغَرَض من الْإِضَافَة) إنّما هُوَ التَّعْرِيف والتخصيص وَالشَّيْء إنّما يعرّفه غَيره لأنّه لَو كَانَت نَفسه تعرّفه لما احْتَاجَ أبدا إِلَى أَن يعرّف بِغَيْرِهِ لأنّ نَفسه فِي حَالي تَعْرِيفه وتنكيره وَاحِدَة وموجودة غير مفتقدة. وَلَو كَانَت نَفسه هِيَ المعرّفة لَهُ أَيْضا لما احْتَاجَ إِلَى اضافته إِلَيْهَا لأنّه لَيْسَ فِيهَا إلآ مَا فِيهِ فَكَانَ يلْزم الِاكْتِفَاء بِهِ عَن إِضَافَته إِلَيْهَا فَلهَذَا لم يَأْتِ عَنْهُم نَحْو هَذَا غُلَامه ومررت بِصَاحِبِهِ والمظهر هُوَ الْمُضمر الْمُضَاف إِلَيْهِ هَذَا مَعَ فَسَاده فِي الْمَعْنى لأنّ الْإِنْسَان لَا يكون أَخا نَفسه وَلَا صَاحبهَا. فَإِن قلت: فقد تَقول مَرَرْت بزيدٍ نَفسه وَهَذَا نفس الحقّ يَعْنِي أنّه هُوَ الحقّ لَا غَيره. قيل: لَيْسَ الثَّانِي هُوَ مَا أضيف إِلَيْهِ من الْمظهر وإنّما النَّفس هُنَا بِمَعْنى خَالص الشَّيْء وَحَقِيقَته وَالْعرب تحلّ نفس الشَّيْء من الشَّيْء محلّ الْبَعْض من الكلّ وَلِهَذَا حكوا عَن أنفسهم مراجعتهم إيّاها وخطابها لَهُم وَأَكْثرُوا من ذكر التردّد بَينهَا وَبينهمْ. أَلا ترى إِلَى قَوْله:

الْبَسِيط (أَقُول للنّفس تأساءً وتعزيةً ... إِحْدَى يديّ أصابتني وَلم ترد) وَقَوله: الرجز (قَالَت لَهُ النّفس تقدّم راشدا ... إنّك لَا ترجع إلاّ حامدا) وأمثال هَذَا كثير جدا وَجَمِيع هَذَا يدلّ على أنّ نفس الشَّيْء عِنْدهم غير الشَّيْء. فَإِن قلت: فقد تَقول هَذَا أَخُو غُلَامه وَهَذِه جَارِيَة بنتهَا فتعرّف الأول بِمَا أضيف إِلَى ضَمِيره وَالَّذِي أضيف إِلَى ضَمِيره إنّما تعرّف بذلك الضَّمِير وَنَفس الْمُضَاف الأول متعرّف بالمضاف إِلَى ضَمِيره وَقد ترى على هَذَا أنّ التَّعْرِيف الَّذِي استقرّ فِي جَارِيَة من قَوْلك هَذِه جَارِيَة بنتهَا إنّما أَتَاهَا من قبل ضميرها وضميرها هُوَ هِيَ فقد آل الْأَمر إِذا إِلَى أنّ الشَّيْء قد يعرّف نَفسه وَهَذَا خلاف مَا ركبته وَأعْطيت يدك بِهِ. قيل: كَيفَ تصرّفت الْحَال فالجارية إنّما تعرّفت بالبنت الَّتِي هِيَ غَيرهَا وَهَذَا شَرط التَّعْرِيف من جِهَة الْإِضَافَة فَأَما ذَلِك الْمُضَاف إِلَيْهِ أمضاف هُوَ أم غير مُضَاف فَغير قَادِح. والتعريف الَّذِي أَفَادَهُ ضمير الأول لم يعرّف الأول وَإِنَّمَا عرّف مَا عرّف الأوّل وَالَّذِي عرّف الأول غير الأوّل فقد استمرت الصّفة وَسَقَطت الْمُعَارضَة. ويؤكذ ذَلِك أَيْضا أنّ الْإِضَافَة فِي الْكَلَام على ضَرْبَيْنِ:) أَحدهمَا: ضمّ الِاسْم إِلَى اسمٍ هُوَ غَيره بِمَعْنى اللَّام نَحْو غُلَام زيد. وَالْآخر: ضمّ اسْم إلأى اسْم هُوَ بعضه بِمَعْنى من نَحْو هَذَا ثوب خزٌ. وَكِلَاهُمَا لَيْسَ الثَّانِي فِيهِ بالأوّل. واستمرار هَذَا عِنْدهم يدلّ على أَن الْمُضَاف لَيْسَ بالمضاف إِلَيْهِ الْبَتَّةَ انْتهى.

وَقَول الْكُمَيْت: ذَوي آل النَّبِي هُوَ منادى حذف مِنْهُ حرف النداء أَي: يَا أَصْحَاب هَذَا الِاسْم. وَفِيه من التفخيم مَا لَيْسَ فِي قَوْلك يَا آل النَّبِي لِأَنَّهُ قد جعلهم تشوّفت وَبِه يتعلّق قَوْله إِلَيْكُم. وقدّمه للحصر أَي: أَنا مشتاق إِلَيْكُم لَا إِلَى غَيْركُمْ. ونوزاع: جمع نازعة من نزعت النَّفس إِلَى الشَّيْء أَي: اشتاقت إِلَيْهِ وَمثله نازعت نزوعاً ونزاعاً بِالْكَسْرِ. وَهَذَا كَقَوْلِهِم: جنّ والظّماء: العطاش يُقَال: ظمئ ظمأ بِالْهَمْز كعطش عطشاً وزنا وَمعنى فَهُوَ ظمآن وَهِي ظمأى مثل عطشان وعطشى وَالْجمع ظماء كسهام. وَوصف النوازع بالظماء للْمُبَالَغَة فِي قوّتها وشدّتها. وألبب: جمع لبّ بضمّ وَهُوَ الْعقل وَهُوَ شاذّ وَالْقِيَاس ألبٌّ بِالْإِدْغَامِ وَهُوَ مَعْطُوف على نوازع. وَهَذَا الْبَيْت من قصيدة طَوِيلَة للكميت بن زيد وَقد تقدّمت تَرْجَمته فِي الشَّاهِد السَّادِس عشر من أَوَائِل الْكتاب مدح بهَا آل بَيت النَّبِي صلّى الله عَلَيْهِ وسلّم وَهِي إِحْدَى القصائد الهاشميّات وَهِي من جيّد شعره. وَقد اسْتشْهد النّحاة بِأَبْيَات من هَذِه القصيدة وَهَذَا مطْلعهَا مَعَ جملَة أَبْيَات مِنْهَا: الطَّوِيل (طربت وَمَا شوقاً إِلَى الْبيض أطرب ... وَلَا لعباً منّي وَذُو الشّيب يلْعَب) (وَلم تلهني دارٌ وَلَا رسم منزل ... وَلم يتطرّبني بنانٌ مخضّب) (وَلَا السّانحات البارحات عشيّةً ... أمرّ سليم الْقرن أم مرّ أعضب) ...

(وَلَكِن إِلَى أهل الْفَضَائِل والنّهى ... وَخير بني حوّاء وَالْخَيْر يطْلب) (إِلَى النّفر الْبيض الَّذين بحبّهم ... إِلَى الله فِيمَا نابني أتقرّب) (بني هاشمٍ رَهْط النّبيّ وإنّني ... بهم وَلَهُم أرْضى مرَارًا وأغضب) (بأيّ كتابٍ أم بأيّة سنّةٍ ... ترى حبّهم عاراً عليّ وتحسب) (وَمَالِي إلاّ آل أَحْمد شيعةٌ ... وَمَالِي إلاّ مشعب الحقّ مشعب) (وَمن غَيرهم أرْضى لنَفْسي شيعَة ... وَمن بعدهمْ لَا من أجلّ وأرحب) (إِلَيْكُم ذَوي آل النّبيّ تطلّعت ... توازع من قلبِي ظماءٌ وألبب)) (وجدنَا لكم فِي آل حَامِيم آيَة ... تأوّلها منّا تقيٌّ ومعرب) (فإنّي على الْأَمر الَّذِي تكرهونه ... بِقَوْلِي وفعلي مَا اسْتَطَعْت لأجنب) (يشيرون بِالْأَيْدِي إليّ وَقَوْلهمْ ... أَلا خَابَ هَذَا والمشيرون خيّب) (فطائفةٌ قد أكفرتني بحبّهم ... وَطَائِفَة قَالُوا: مسيءٌ ومذنب) (يعيبونني من غيّهم وضلالهم ... على حبّكم بل يسخرون وأعجب) (وَقَالُوا ترابيّ هَوَاهُ وَدينه ... بذلك أدعى فيهم وألقّب) (فَلَا زلت فيهم حَيْثُ يتّهمونني ... وَلَا زلت فِي أشياعهم أتقلّب) (ألم ترني فِي حبّ آل محمّدٍ ... أروح وأغدر خَائفًا أترقّب) (كَأَنِّي جانٍ محدثٌ وكأنّما ... بهم يتّقي من خشيَة العرّ أجرب) (على أيّ جرمٍ أم بأيّة سيرةٍ ... أعنّف فِي تقريظهم واؤنّب)

. روى الأصبهانيّ فِي الأغاني بِسَنَدِهِ إِلَى مُحَمَّد بن عَليّ النَّوْفَلِي عَن أَبِيه أَنه قَالَ: الْكُمَيْت بن زيد الشَّاعِر كَانَ أوّل مَا قَالَ القصائد الهاشّميات فسترها ثمَّ أَتَى الفرزدق بن غَالب فَقَالَ لَهُ: يَا أَبَا فراس إنّك شيخ مُضر وشاعرها وَأَنا ابْن أَخِيك الْكُمَيْت بن زيد الأسديّ. قَالَ لَهُ: صدقت أَنْت ابْن أخي فَمَا حَاجَتك قَالَ: نفث على لساني فَقلت شعرًا فَأَحْبَبْت أَن أعرضه عَلَيْك فَإِن كَانَ حسنا أَمرتنِي بإذاعته وَإِن كَانَ قبيحاً أَمرتنِي بستره وَكنت أولى من ستره عليّ. فَقَالَ لَهُ الفرزدق: أمّا عقلك فحسنٌ وإنّي لأرجو أَن يكون شعرك على قدر عقلك فأنشدني مَا قلت. فأنشده: طربت وَمَا شوقاً إِلَى الْبيض أطرب قَالَ: فَقَالَ لي: فِيمَا تطرب يَا ابْن أخي فَقَالَ: وَلَا لعباً منّي وَذُو الشيب يلْعَب قَالَ: بلَى يَا ابْن أخي فالعب فإنّك فِي أَوَان اللّعب. فَقَالَ: وَلم يلهني دارٌ وَلَا رسم منزلٍ الْبَيْت قَالَ: فَمَا يطربك يَا ابْن أخي فَقَالَ: فَقَالَ: أجل لَا تتطيّر. فَقَالَ:) وَلَكِن إِلَى أهل الْفَضَائِل والنّهى الْبَيْت

فَقَالَ: وَمن هَؤُلَاءِ وَيحك فَقَالَ: إِلَى النّفر الْبيض الَّذين بحبّهم الْبَيْت فَقَالَ: أرحني وَيحك من هَؤُلَاءِ فَقَالَ: بني هَاشم رَهْط النّبيّ فإنّني الْبَيْت فَقَالَ لَهُ الفرزدق: أذع أذع يَا ابْن أخي أَنْت وَالله أشعر من مضى وأشعر من بَقِي. وَعَن عِكْرِمَة الضّبي عَن أَبِيه قَالَ: أدْركْت النَّاس بِالْكُوفَةِ من لم يرو: طربت وَمَا شوقاً إِلَى الْبيض أطرب فَلَيْسَ بشيعيّ. وَمن لم يرو: ذكر الْقلب إلفه المهجورا فَلَيْسَ بأمويّ. وَمن لم يرو: هلاّ عرفت منازلاً بالأبرق فَلَيْسَ بمهلبيّ. قَوْله: طربت وَمَا شوقاً الخ اسْتشْهد بِهِ أَبُو حيّان على تَقْدِيم الْمَفْعُول لَهُ على عَامله ردّاً على من منع ذَلِك فإنّ شوقاً مفعول لَهُ مقدّم على عَامله وَهُوَ أطرب. وَاسْتشْهدَ بِهِ ابْن هِشَام أَيْضا فِي الْمُغنِي على أنّ همزَة الِاسْتِفْهَام لكَونهَا أصلا جَازَ حذفهَا سَوَاء كَانَت مَعَ أم لَا فإنّه أَرَادَ فإنّه أَرَادَ: أَو ذُو الشيب

يلْعَب والاستفهام إنكاريّ. وَقَالَ شَارِح السَّبع الهاشميّات: ذُو الشيب خبر وَلَيْسَ باستفهام وَالْمعْنَى لم أطرب شوقاً إِلَى الْبيض وَلَا طربت لعباً منّي وَأَنا ذُو الشيب وَقد يلْعَب ذُو الشيب ويطرب وَإِن كَانَ قبيحاً بِهِ ولكنّ طربي إِلَى أهل الْفَضَائِل والنّهى. وَقَوله: وَلَا أَنا مّمن يزْجر الطير الخ همّه فَاعل يزْجر وَالطير مَفْعُوله. قَالَ ابْن الْأَثِير فِي النِّهَايَة: الزّجر للطير هُوَ التّيمن والتشاؤم بهَا والتفاؤل بطيرانها كالسانح والبارح وَهُوَ نوع من الكهانة والعيافة. انْتهى. وَقَالَ ابْن رَشِيق فِي الْعُمْدَة: الْغُرَاب أعظم مَا يتطيّرون بِهِ ويتشاءمون بالثور الأعضب وَهُوَ المكسور الْقرن. والسانح مَا ولاّك ميامنه والبارح مَا ولاّك مياسره واهل نجد تتيمّن بالأوّل) وتتشاءم بِالثَّانِي وَأهل الْعَالِيَة على عكس هَذَا. وَأنْشد الْبَيْتَيْنِ. وَفِي السانحات جوّز الْأَخْفَش النصب للْعَطْف على الطير. وَقَوله: ترى حبّهم عاراً الخ اسْتشْهد بِعْ ابْن هِشَام فِي شرح الألفيّة على جَوَاز حذف مفعولي بَاب ظنّ للدّليل. وَقَوله: وَمَالِي إلاّ آل أَحْمد الخ اسْتشْهد بِهِ النّحاة مِنْهُم صَاحب الْجمل على تَقْدِيم الْمُسْتَثْنى على الْمُسْتَثْنى مِنْهُ. والمشعب: الطَّرِيق يَقُول:

مَالِي مَذْهَب إلاّ طَرِيق الحقّ الَّذِي هُوَ حبّ آل النبيّ وتفضيلهم صلّى الله عَلَيْهِ وسلّم. وَقَوله: وجدنَا لكم الخ آل حم اسْم للسّور السَّبع الَّتِي أَولهَا حم وَيُقَال لَهَا أَيْضا الحواميم وَأَرَادَ الْآيَة الَّتِي فِي حمعسق: قل لَا أسئلكم عَلَيْهِ أجرا إلاّ المودّة فِي الْقُرْبَى يَقُول: من تأوّل هَذِه الْآيَة لم يَسعهُ إلاّ التشيّع فِي آل النبيّ صلّى الله عَلَيْهِ وسلّم وإبداء المودّة لَهُم على تقيّةٍ كَانَت أَو غير تقيّة. وَقَوله: تقيٌّ ومعرب قَالَ الجوهريّ: أعرب بحجتّه إِذا أفْصح بهَا وَلم يتّق أحدا. وَأنْشد هَذَا الْبَيْت ثمَّ قَالَ: يَعْنِي المفصح بالتّفضيل والساكت عَنهُ للتّقيّة. وَهَذَا الْبَيْت من شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ أوردهُ شَاهدا لترك صرف حَامِيم لكَونه وَافق بِنَاء مَا لَا ينْصَرف من الأعجمية نَحْو قابيل وهابيل. قَالَ الأعلم: جعل حَامِيم اسْما للكلمة ثمَّ أضَاف السُّور إِلَيْهَا كإضافة النّسَب إِلَى قرَابَة كَمَا وَقَوله: ألم ترني فِي حبّ آل مُحَمَّد الخ قَالَ السيوطيّ فِي شرح أَبْيَات الْمُغنِي: أخرج ابْن عَسَاكِر عَن مُحَمَّد بن سهل قَالَ: قَالَ الْكُمَيْت: رَأَيْت رَسُول الله صلّى الله عَلَيْهِ وسلّم فِي الْمَنَام وَأَنا مختفٍ فَقَالَ لي: ممّ خوفك فَقلت: يَا رَسُول الله من بني أميّة. ثمَّ أنشدته: ألم ترني من حبّ آل محمدٍ الْبَيْت

فَقَالَ لي صلّى الله عَلَيْهِ وسلّم: أظهر فقد أمنّك الله فِي الدّنيا وَالْآخِرَة. وَفِي الأغاني للأصبهاني بِسَنَدِهِ إِلَى إِبْرَاهِيم بن سعيد الأسديّ عَن أَبِيه قَالَ: رَأَيْت النّبيّ صلّى) الله عَلَيْهِ وسلّم فِي الْمَنَام فَقَالَ لي: من أيّ النَّاس أَنْت قلت: من الْعَرَب. قَالَ: من أيّ الْعَرَب قلت: من بني أَسد. قَالَ: من أَسد بن خُزَيْمَة قلت: نعم. قَالَ: أهلاليٌّ أَنْت قلت: نعم. قَالَ: أتعرف الْكُمَيْت بن زيد قلت: يَا رَسُول الله عمّي وَمن قبيلتي. قَالَ: أتحفظ من شعره شَيْئا قلت: نعم قَالَ: أَنْشدني: طربت وَمَا شوقاً إِلَى الْبيض أطرب فَأَنْشَدته حَتَّى بلغت إِلَى قَوْله: فَمَا لي إلاّ آل أَحْمد شيعةٌ الْبَيْت فَقَالَ لي: إِذا أَصبَحت فاقرأ عَلَيْهِ السّلام وَقل لَهُ: قد غفر الله لَك بِهَذِهِ القصيدة. وروى أَيْضا بِسَنَدِهِ إِلَى دعبل بن عليّ الخزاعيّ قَالَ: رَأَيْت النّبيّ صلّى الله عَلَيْهِ وسلّم فِي النّوم فَقَالَ لي: مَالك وللكميت بِمَ زيد فَقلت: يَا رَسُول الله مَا بيني وَبَينه إلاّ كَمَا بَين الشُّعَرَاء. فَقَالَ لي: لَا تفعل أَلَيْسَ هُوَ الْقَائِل: (فَلَا زلت فيهم حَيْثُ يتهمونني ... وَلَا زلت فِي أشياعهم أتقلّب) فإنّ الله قد غفر لَهُ بِهَذَا الْبَيْت. فانتهيت عَن الْكُمَيْت بعْدهَا.

(الشاهد الثالث بعد الثلاثمائة)

وروى أَيْضا بِسَنَدِهِ إِلَى نصر بن مُزَاحم المنقريّ أَنه رأى النّبيّ صلّى الله عَلَيْهِ وسلّم فِي النّوم وَبَين يَدَيْهِ رجلٌ ينشده: الْخَفِيف من لقلبٍ متيّمٍ مستهام قَالَ: فَسَأَلت عَنهُ فَقيل لي: هَذَا الْكُمَيْت بن زيد الأسديّ. قَالَ: فَجعل النّبيّ صلّى الله عَلَيْهِ وسلّم يَقُول: جَزَاك الله خيرا. وَأثْنى عَلَيْهِ. وَأنْشد بعده وَهُوَ 3 - (الشَّاهِد الثَّالِث بعد الثلاثمائة) الوافر (أَلا قبح الْإِلَه بني زيادٍ ... وحيّ أَبِيهِم قبح الْحمار) على أنّ لفظ حيّ من حيّ زيدٍ يسْتَعْمل فِي التَّأْكِيد بِمَعْنى ذَاته وعينه وَإِن كَانَ مَيتا بعد أَن كَانَ بِمَعْنى ضدّ الميّت كَمَا شَرحه الشَّارِح. وَكَأَنَّهُ فهم أنّ مَا بعد حيّ فِي الْبَيْتَيْنِ ميّت فَبنى كَلَامه هَذَا عَلَيْهِ وإلاّ فَلم يقل بِهِ أحدٌ بل صرّح ابْن السّكيت فِي كتاب المذكّر والمؤّنث بِأَن مثل هَذَا لَا يُقَال إلاّ والمضاف إِلَيْهِ حيّ مَوْجُود غير معدو م وَأنْشد هذَيْن الْبَيْتَيْنِ بعينهما وَجعل لفظ حيّ مِمَّا يَقع على المذكّر والمؤنّث لَكِن إِذا كَانَ الْمُضَاف إِلَيْهِ مؤنّثاً فَلَا بدّ من تَأْنِيث فعله. قَالَ: رَأَيْت الْعَرَب قد أفردت مِمَّا يَقع

على الْمُذكر والمؤنث شَيْئا لَا يكادون يذكرُونَ فعله وَلَفظه الْمُذكر. من ذَلِك قَوْلك: أَتَيْتُك وحيّ فُلَانَة شاهجة وحيّك وحيّ زيد قَائِم. وَلم أسمع وَحي فُلَانَة شاهدٌ أَي: بتذكير شَاهد وَذَلِكَ أَنهم إنّما قصدُوا بالْخبر عَن فُلَانَة إِذا كَانَت حيّة غير ميتَة. انْتهى. وَمثله لِابْنِ جنّي فِي الْمُحْتَسب عِنْد إنشاده هَذَا الْبَيْت قَالَ: أَي وقبح أباهم الحيّ الَّذِي يُقَال لَهُ أبوهم. وَمِنْه قَول الآخر: الْبَسِيط وحيّ بكرٍ طعنّا طعنةً بحرا أَي: الْإِنْسَان الحيّ الَّذِي يسمّى بقَوْلهمْ بكر. وَقَالَ فِي الخصائص أَي: والشخص المسمّى بكرا طَعنا. فحيّ هَاهُنَا مُذَكّر حيّة أَي: وشخص بكر الحيّ طَعنا. وَمثله قَول الآخر: الْكَامِل يَا قرّ إنّ أَبَاك حيّ خويلدٍ ... ... الْبَيْت أَي: إنّ أَبَاك الشَّخْص الحيّ خويلداً. وَكَذَلِكَ قَول الآخر:) أَلا قبح الْإِلَه بني زِيَاد ... ... الْبَيْت أَي: أباهم الشَّخْص الحيّ. وَقَالَ: وَلَيْسَ الحيّ هُنَا هُوَ الَّذِي يُرَاد بِهِ الْقَبِيلَة كَقَوْلِك حيّ تَمِيم وقبيلة بكر إنّما هُوَ كَقَوْلِك: هَذَا رجلٌ حيٌّ وَامْرَأَة حيّة.

وَجعل ابْني جنّي هَذِه الْإِضَافَة من إِضَافَة المسمّى إِلَى اسْمه وبيّنها كَمَا رَأَيْت. وَخَالفهُ الشَّارِح المحقّق فَجَعلهَا من إِضَافَة العامّ إِلَى الخاصّ. وَمن حكم بِزِيَادَة حيّ كصاحب اللبّ جعل الْإِضَافَة من قبيل إِضَافَة الملغى إِلَى الْمُعْتَبر كَمَا قَالَ ابْن عقيل فِي شرح التسهيل. ومّمن ارتضى الزِّيَادَة الزمخشريّ فِي المفصّل فَإِنَّهُ قَالَ: قَالُوا: إنّ الِاسْم مقحمٌ دُخُوله وَخُرُوجه سَوَاء وَقد حُكيَ عَنْهُم حيّ فُلَانَة شاهدٌ بِدُونِ تَأْنِيث الْخَبَر. وتقدّم طعن ابْن السّكيت فِيهِ لَكِن يرد عَلَيْهِ مَا أنْشدهُ أَبُو عَليّ فِي الْإِيضَاح الشعريّ من قَول الشَّاعِر: لَو أنّ حَيّ الغانيات وحشا وَمن الْعجب قَول شَارِحه المظفّري: لفظ حيّ زَائِد وَمَعْنَاهُ الشَّخْص فكأنك قلت: هَذَا الشَّخْص زيد فَكَمَا أنّ لفظ شخص زَائِد فَكَذَلِك لفظ حيّ. وَقَوله بعد هَذَا: قيل وَلَا يُضَاف لفظ حيّ إلاّ بعد موت الْمُضَاف إِلَيْهِ صَوَابه إلاّ قبل موت الْمُضَاف إِلَيْهِ. وَمِمَّا ورد عَن الْعَرَب من إِضَافَة حيّ إِلَيْهِ مَا قَالَه الشَّارِح قبل هَذَا الْبَيْت بصفحةٍ قالهنّ حيّ قَالَ المظفري: يَعْنِي سمع الْأَخْفَش أعرابيّاً أنْشد أبياتاً فَقيل لَهُ: من قَالَ هَذِه الأبيات فَقَالَ: قالهن حيّ رَبَاح بِزِيَادَة حيّ أَي: قالهنّ رَبَاح. انْتهى. ورباح بِكَسْر الرَّاء بعْدهَا بَاء مُوَحدَة.

وَهُوَ مَأْخُوذ من الْإِيضَاح الشعري لأبي عَليّ قَالَ: حكى أَبُو الْحسن الْأَخْفَش فِي أَبْيَات أَنه سمع من يَقُول فِيهَا: قالهنّ حيّ رَبَاح. وَأنْشد: الوافر (أَبُو بَحر أشدّ النّاس منّاً ... علينا بعد حيّ أبي الْمُغيرَة) وَقَوله: أَلا قبح الْإِلَه الخ هَذَا الْبَيْت من جملَة أَبْيَات ليزِيد بن ربيعَة بن مفرّغ الحميريّ. أَلا هُنَا كلمة يستفتح بهَا الْكَلَام وَمَعْنَاهَا تَنْبِيه الْمُخَاطب لسَمَاع مَا يَأْتِي بعْدهَا وَجُمْلَة قبح الْإِلَه دعائيّة يُقَال قبحه الله يقبحه بِفَتْح الْمُوَحدَة فيهمَا أَي: نّحاه عَن الْخَيْر. وَفِي التَّنْزِيل: هم من المقبوحين أَي: المبعدين عَن الْفَوْز. والمصدر الْقبْح بِفَتْح الْقَاف وَالِاسْم) الْقبْح بضمّها يُقَال: قبحاً لَهُ وقبحاً. والإله تقدّم أَنه لَا يجمع بَين أل وهمزة إِلَه إلاّ على القلّة لكَون أل فِي الله بَدَلا من همزَة إِلَه. وزِيَاد هُوَ زِيَاد بن سميّة وَهِي جاريةٌ لِلْحَارِثِ بن كلدة الطّبيب الثّقفيّ كَانَ زوّجها بعبدٍ لَهُ روميّ اسْمه عبيد فَولدت لَهُ زياداً على فرَاشه. وَكَانَ أَبُو سُفْيَان سَافر فِي الْجَاهِلِيَّة إِلَى الطَّائِف قبل أَن يسلم فواقعها بِوَاسِطَة أبي مَرْيَم الخمّار فَيُقَال إنّها علقت مِنْهُ بِزِيَاد. ثمَّ إنّ مُعَاوِيَة أحضر من شهد لزيادٍ بِالنّسَبِ واستلحقه بِأبي سُفْيَان فَقيل زِيَاد بن أَبِيه أَي: ابْن أبي مُعَاوِيَة. وَيُقَال لَهُ أَيْضا زِيَاد بن سميّة نِسْبَة إِلَى أمه. وَهَذِه أول وَاقعَة خولفت فِيهَا الشَّرِيعَة المطهّرة عَلَانيَة لصريح قَوْله صلّى الله عَلَيْهِ وسلّم: الْوَلَد للْفراش

وللعاهر الْحجر. وَأعظم النَّاس ذَلِك وأنكروه خُصُوصا بني أميّة لكَونه ابْن عبدٍ روميّ صَار من بني أُميَّة. وَقيل فِيهِ أشعارٌ مِنْهَا قَول يزِيد صَاحب الْبَيْت الشَّاهِد: الوافر (ألآ أبلغ مُعَاوِيَة بن حربٍ ... مغلغلة من الرجل الْيَمَانِيّ) (أتغضب أَن يُقَال أَبوك عفٌّ ... وترضى أَن يُقَال أَبوك زاني) (فَأشْهد إنّ رَحِمك من زيادٍ ... كرحم الْفِيل من ولد الأتان) (وَأشْهد أنّها ولدت زياداً ... وصخرٌ من سميّة غير داني) وقصة الِاسْتِلْحَاق مفصّلة فِي التواريخ. قَالَ أَبُو عبيد البكريّ فِي شرح أمالي القالي: كتاب المثالب لأبي عُبَيْدَة أَصله لزياد بن أَبِيه فإنّه لّما ادّعى أَبَا سُفْيَان أَبَا علم أنّ الْعَرَب لَا تقرّ لَهُ بذلك مَعَ علمهمْ بِنِسْبَة فَعمل كتاب المثالب وألصق بالعرب كلّ عيب وعار وباطل وإفك وبهت. انْتهى. وَبَنُو زيادٍ الْمَشْهُور مِنْهُم: عبّاد ولي سجستان وَمَا والاها وَمِنْهُم عبيد الله بن زِيَاد الشقيّ الْخَبيث قَاتل الْحُسَيْن بن عَليّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما.

وَقَوله: وحيّ أَبِيهِم مَعْطُوف على بني أَي: وقبح الله أباهم زياداً. وَقَوله: قبح الْحمار هُوَ بِفَتْح الْقَاف مصدر تشبيهيّ أَي: قبحهم الله قبحاً مثل قبح الْحمار. وإنّما ذكر الْحمار لأنّه مثلٌ فِي المذلّة والاستهانة بِهِ ولأنّ صَوته أنكر الْأَصْوَات وأبشعها. ويزِيد شَاعِر إسلاميّ من شعراء الدولة الأمويّة وَهُوَ أَبُو عُثْمَان يزِيد ابْن ربيعَة بن مفرّغ بن ذِي الْعَشِيرَة بن الْحَارِث وَيَنْتَهِي نسبه إِلَى زيد بن يحصب الحميريّ.) وَقَالَ ابْن قُتَيْبَة فِي كتاب الشُّعَرَاء: هُوَ يزِيد بن ربيعَة بن مفرغ الحميريّ حَلِيف لقريش وَيُقَال إنّه كَانَ عبدا للضحاك بن يَغُوث الهلاليّ فأنعم عَلَيْهِ. انْتهى. ومفرّغ بِكَسْر الرَّاء المشدّدة: لقب جده سمّي بِهِ لأنّه رَاهن على شرب سقاء لبن فشربه حتّى فرّغه فسمّي مفرّغاً. وَقَالَ النوفليّ: كَانَ حدّاداً بِالْيمن فَعمل قفلاً لامرأةٍ وَشرط عَلَيْهَا عِنْد فَرَاغه مِنْهُ أَن تجيئه بكرش من لبن فَفعلت فَشرب مِنْهُ وَوَضعه فَقَالَت: ردّ عليّ الكرش فَقَالَ: مَا عِنْدِي مَا أفرّغه فِيهِ. قَالَت: لَا بدّ من ذَلِك. ففرّغه فِي جَوْفه فَقَالَت: إنّك لمفرّغ. فَعرف بِهِ. وَكَانَ السَّبَب فِي هجو زِيَاد وَبَينه هُوَ مَا رَوَاهُ الأصبهانيّ فِي الأغاني أنّ سعيد بن عُثْمَان بن عَفَّان لما ولي خُرَاسَان استصحب ابْن مفرّغ فَلم يَصْحَبهُ وَصَحب عبّاد بن زِيَاد فَقَالَ لَهُ سعيد بن عُثْمَان: أما إِذْ أَبيت صحبتي واخترت عبّاداً عليّ فاحفظ مَا أوصيك بِهِ: إنّ عباداً رجلٌ لئيم فإيّاك والدّالة عَلَيْهِ وَإِن دعَاك إِلَيْهَا من نَفسه فإنّها خدعةٌ مِنْهُ لَك عَن نَفسك وأقلل

زيارته فإنّه طرفٌ ملول وَلَا تفاخره وَإِن فاخرك فإنّه لَا يحْتَمل لَك مَا كنت أحتمله. ثمَّ دَعَا سعيدٌ بِمَال فَدفعهُ إِلَيْهِ وَقَالَ: اسْتَعِنْ بِهَذَا على سفرك فَإِن صلح لَك مَكَانك من عبّاد وإلاّ فمكانك عِنْدِي ممهّد. ثمَّ سَار سعيد من خُرَاسَان وَلما بلغ عبيد الله بن زِيَاد صُحْبَة ابْن مفرّغ أَخَاهُ عباداً شقّ عَلَيْهِ فَلَمَّا سَار عبّاد إِلَى سجستان أَمِيرا عَلَيْهَا شيّعه عبيد الله وشيّعه النَّاس فَلَمَّا أَرَادَ عبيد الله أَن يودّع أَخَاهُ دَعَا ابْن مفرّغ فَقَالَ لَهُ: إنّك سَأَلت أخي عباداً أَن تصحبه فأجابك إِلَى ذَلِك وَقد شقّ عليّ فَقَالَ ابْن مفرّغ: وَلم أصلحك الله فَقَالَ: لأنّ الشَّاعِر لَا يقنعه من النَّاس مَا يقنع بَعضهم من بعض لِأَنَّهُ يظنّ فَيجْعَل الظنّ يَقِينا وَلَا يعْذر فِي بعض الْعذر وإنّ عبّاداً يقدم على أَرض حربٍ فيشتغل بحروبه وخراجه عَنْك فَلَا تعذره فتكسبنا عاراً وشرّاً فَقَالَ: لست كَمَا ظنّ الْأَمِير وإنّ لمعروفه عِنْدِي شكرا كثيرا وإنّ عِنْدِي إِن أغفل أَمْرِي عذرا ممهّداً. قَالَ: لَا وَلَكِن تضمن لي إِن أَبْطَأَ عَنْك مَا تحبّه أَلا تعجل عَلَيْهِ حتّى تكْتب إليّ. قَالَ: ثمَّ لإنّ عبّاداً لما قدم سجستان اشْتغل بحروبه فاستبطأه ابْن مفرّغ وَلم يكْتب إِلَى عبيد الله كَمَا ضمن لَهُ وَلَكِن بسط لِسَانه وهجاه وَكَانَ عبّادٌ عَظِيم اللِّحْيَة فسارا ابْن مفرّغ يَوْمًا مَعَ عبّاد فَدخلت الرّيح فِيهَا فنفشتها فَضَحِك ابْن مفرّغ وَقَالَ لرجل من لخم كَانَ إِلَى جَانِبه: الوافر (أَلا لَيْت اللّحى كَانَت حشيشاً ... فنعلفها دَوَاب المسلمينا))

فسعى بِهِ اللّخميّ إِلَى عبّاد فَغَضب من ذَلِك وَقَالَ: لَا تجمل عُقُوبَته فِي هَذِه السَّاعَة مَعَ صحبته لي وَمَا أؤخرّها إلاّ لأشفي نَفسِي مِنْهُ فإنّه كَانَ يقوم ويشتم أبي فِي عدّة مَوَاطِن. وَبلغ الْخَبَر ابْن مفرّغ فَقَالَ: إنّي لأجد ريح الْمَوْت عِنْد عبّاد ثمَّ دخل عَلَيْهِ فَقَالَ: أَيهَا الْأَمِير إِنِّي كنت مَعَ سعيد بن عُثْمَان وَقد بلغك رَأْيه فيّ وَرَأَيْت جميل أَثَره عليّ وَإِنِّي اخْتَرْتُك عَلَيْهِ فَلم أحظ مِنْك بطائل وإنّي أُرِيد أَن تَأذن لي فِي الرُّجُوع. فَقَالَ لَهُ: إنّي اخْتَرْتُك كَمَا اخترتني واستصحبتك حِين سَأَلتنِي فقد أعجلتني عَن بُلُوغ محبّتي فِيك وَقد طلبت الْإِذْن لترجع إِلَى قَوْمك فتفضحني عِنْدهم وَأَنت على الْإِذْن قادرٌ بعد أَن أَقْْضِي حقّك فَأَقَامَ وَبلغ عبّاداً أنّه يسبّه وينال من عرضه. وأجرى عبّادٌ الْخَيل يَوْمًا فجَاء سَابِقًا فَقَالَ ابْن مفرّغ: الرجز (سبق عبّادٌ وصلّت لحيته ... وَكَانَ خرّازاً تجود فربته) قَالَ المدائنيّ: لنا بلغ عبّاداً هَذَا الشّعْر دَعَا بِهِ والمجلس حافل فَقَالَ لَهُ: أَنْشدني هجاء أَبِيك الَّذِي هجي بِهِ. فَقَالَ: أيّها الْأَمِير مَا كلّف أحدٌ قطٌّ مثل مِمَّا كلّفتني بِهِ فَأمر غُلَاما عجميّاً أَن يصبّ على رَأسه السَّوْط إِن لم ينشد فأنشده أبياتاً هجى بهَا أَبوهُ أوّلها: الْكَامِل (قبح الْإِلَه وَلَا أقبّح غَيره ... وَجه الْحمار ربيعَة بن مفرّغ)

. وَجعل عبّاد يتضاحك بِهِ فَخرج ابْن مفرّغ وَهُوَ يَقُول: وَالله لَا يذهب شتم شَيْخي بَاطِلا. فَطلب عَلَيْهِ الْعِلَل ودسّ إِلَى قوم كَانَ لَهُم عَلَيْهِ ديوَان أَن يقتضوا مَالهم عَلَيْهِ فَفَعَلُوا فحبسه وضربه وَأمر بِبيع سلاحه وخيله وأثاثه وقسّم ثمنهَا بَين غُرَمَائه ثمَّ بعث إِلَيْهِ أَن بِعني الأراكة وبرداً وَكَانَت الأراكة قينة لِابْنِ المفرّغ وبردٌ غُلَامه ربّاهما وَكَانَ شَدِيد الضنّ بهما فَبعث إِلَيْهِ ابْن مفرّغ: أيبيع الْمَرْء نَفسه أَو لده فأضرّ بِهِ عبّاد حتّى أخذهما مِنْهُ وَقيل اشتراهما رجلٌ من أهل خُرَاسَان فَلَمَّا دخلا منزلَة قَالَ لَهُ برد وَكَانَ داهية أدبياً: أَتَدْرِي مَا شربت قَالَ: نعم شريتك وَهَذِه الْجَارِيَة. قَالَ: لَا وَالله مَا اشْتريت إلاّ الْعَار والدّمار وفضيحة الْأَبَد فجزع الرجل وَقَالَ: كَيفَ ذَلِك وَيلك قَالَ: نَحن ليزِيد بن المفرّغ وَمَا أصاره وَالله إِلَى هَذِه الْحَال إلاّ لِسَانه وشرّه أفتراه يهجو عبّاداً وَهُوَ أَمِير سجستان وأخاه عبيد الله وَهُوَ أَمِير العراقيّين وعمّه مُعَاوِيَة وَهُوَ الْخَلِيفَة ويمسك لِسَانه عَنْك وَقد ابتعتني وَأَنا مثل وَلَده وَهَذِه الْجَارِيَة وَهِي نَفسه فَقَالَ: أشهد أنّكما لَهُ إِن شئتما امضيا إِلَيْهِ وَإِن شئتما تَكُونَا لَهُ عِنْدِي.

قَالَ: فَاكْتُبْ إِلَيْهِ) بذلك. فَكتب إِلَيْهِ بذلك فَكتب إِلَيْهِ ابْن مفرّغ يشْكر فعله ويسأله أَن يَكُونَا عِنْده حتّى يفرّج الله عَنهُ. وَفِي بيعهمَا قَالَ وَذكر تَركه سعيد بن عُثْمَان: مجزوء الْكَامِل (أصرمت حبلك من أَمَامه ... من بعد أيّامٍ برامه) (ورمقتها فَوَجَدتهَا ... كالضّلع لَيْسَ لَهَا استقامه) (لهفي على الرّأي الَّذِي ... كَانَت عواقبه ندامه) (تركي سعيداً ذَا النّدى ... وَالْبَيْت ترفعه الدّعامه) (ليثاً إِذا شهد الوغى ... ترك الْهوى وَمضى أَمَامه) (فتحت سمر قندٌ لَهُ ... فَبنى بعرصتها خيامه) (وتبعت عبد بني علا ... ج تِلْكَ أَشْرَاط القيامه) (جَاءَت بِهِ حبشيّةٌ ... سكّاء تحسبها نعامه) (من نسْوَة سود الوجو ... هـ ترى عليهنّ الدّمامه) (وشريت بردا لَيْتَني ... من بعد بردٍ كنت هامه) (فالرّيح تبْكي شجوها ... والبرق يلمع فِي الغمامه) (وَالْعَبْد يقرع بالعصا ... والحرّ تكفيه الملامه) وَقَوله: وشريت بردا الْبَيْت اسْتشْهد بِهِ صَاحب الكشّاف عِنْد قَوْله

تَعَالَى: الَّذين يشرون الْحَيَاة الدّنيا بِالآخِرَة على أنّ الشِّرَاء يَأْتِي بِمَعْنى البيع فَهُوَ من الأضداد. والهامة: أثنى الصّدى وَهُوَ ذكر البوم. وَفِي مروج الذَّهَب للمسعوديّ: من الْعَرَب من يزْعم أنّ النّفس طَائِر ينبسط فِي الْجِسْم فَإِذا مَاتَ الْإِنْسَان أَو قتل لم يزل يطِيف بِهِ مستوحشاً يصدح على قَبره ويزعمون أنّ هَذَا الطَّائِر يكون صَغِيرا ثمَّ يكبر حتّى يكون كضرب من البوم وَهُوَ أبدا مستوحش وَيُوجد فِي الديار المعطلّة ومصارع الْقَتْلَى والقبور وأنّها لم تزل عِنْد ولد الْمَيِّت ومخلّفه لتعلم مَا يكون بعده فنخبره. وَقَالَ أَيْضا فِي بيعهمَا: الْبَسِيط (شريت بردا وَقد ملّكت صفقته ... لما تطلّبت فِي بيعي لَهُ رشدا) (يَا برد مَا مسّنا دهرٌ أضرّ بِنَا ... من قبل هَذَا وَلَا بعنا لَهُ ولدا)) (أمّا أراكه كَانَت من محارمنا ... عَيْشًا لذيذاً وَكَانَت جنّة رغدا) (لَوْلَا الدّواعي وَلَوْلَا مَا تعرّض لي ... من الْحَوَادِث مَا فارقتها أبدا) ثمَّ إنّ ابْن مفرّغ علم أَنه إِن أَقَامَ فِي الْحَبْس على ذمّ عبّاد لم يَزْدَدْ إلاّ شرّاً فَجعل يَقُول للنَّاس إِذا سُئِلَ عَن حَبسه: أَنا رجلٌ أدّبه أميره ليقيم من أوده. . فَلَمَّا بلغ ذَلِك عبّاداً رقّ لَهُ فَأَطْلقهُ فهرب حتّى أَتَى الْبَصْرَة ثمَّ الشَّام وَجعل يتنقل فِي الْبِلَاد ويهجو بني زِيَاد ويتأسّف على تَركه صُحْبَة سعيد فَمن ذَلِك قَوْله: الْخَفِيف (إِن تركي ندى سعيد بن عثما ... ن فَتى الْجُود ناصري وعديدي) (واتّباعي أَخا الضّرعة واللّؤ ... م لنقصٌ وفوت شأو بعيد) ...

(قلت واللّيل مطبق بعراه ... لَيْتَني متّ قبل ترك سعيد) ثمَّ إنّه هجا بني زِيَاد حتّى مَلأ مِنْهُ الْبِلَاد وتغنّى بِهِ أهل الْبَصْرَة فَطَلَبه عبيد الله طلبا شَدِيدا وَكتب إِلَى مُعَاوِيَة وَقيل إِلَى يزِيد إنّ ابْن مفرّغ هجا زياداً وبنيه بِمَا هتكه فِي قبه وفضح بنيه طول الدَّهْر وتعدّى ذَلِك إلأى أبي سُفْيَان فقذفه بالزّنى وسبّ وَلَده وهرب إِلَى الْبَصْرَة وطلبته حتّى لفظته الأَرْض فلجأ إِلَى الشَّام يتمضّغ لحومنا ويهتك أعراضنا وَقد بعثت إِلَيْك بِمَا هجانا بِهِ لتنتصف لما مِنْهُ. فهرب ابْن مفرّغ من الشَّام إِلَى الْبَصْرَة فأجاره الْمُنْذر بن الْجَارُود وَكَانَت بنت الْمُنْذر تَحت عبيد الله وَكَانَ الْمُنْذر من أكْرم النّاس عَلَيْهِ فاغترّ بذلك فَبلغ عبيد الله أَن الْمُنْذر قد أجاره فَبعث عبيد الله إِلَى الْمُنْذر فَلَمَّا دخل عَلَيْهِ بعث عبيد الله بالشّرط فكبسوا دَاره وأتوه بِابْن مفرّغ فَلَمَّا رَآهُ الْجَارُود قَامَ إِلَى عبيد اللع فَقَالَ لَهُ: أذكّرك الله أَيهَا الْأَمِير لَا تخفر جواري فَإِنِّي قد أجرته فَقَالَ عبيد الله: يمدحك ويمدح آباءك وَقد هجاني وهجا أبي ثمَّ تجيره عليّ وَالله لَا يكون ذَلِك أبدا فَغَضب الْمُنْذر وَخرج. وَأَقْبل عبيد الله على ابْن مفرّغ فَقَالَ: بئْسَمَا صَحِبت بِهِ عبّاداً فَقَالَ: بئْسَمَا صحبني عباد اخترته على سعيد وأنفقت على صحبته جَمِيع مَا ملكته وظننت أنّه لَا يَخْلُو من عقل زيادٍ وحلم مُعَاوِيَة وسماحة قُرَيْش فَعدل عَن ظنّي كلّه ثمَّ عاملني بكلّ قَبِيح. من حبس وَغرم وَضرب وَشتم فَكنت كمن شام برقاً خلّباً فِي سَحَاب جهامٍ فأراق مَاء طَمَعا فَمَاتَ عطشاً وَمَا هربت من أَخِيك إلاّ لما خفت أَن يجْرِي فيّ مَا ينْدَم عَلَيْهِ وَهَا أَنا بَين يَديك فَاصْنَعْ

فيّ مَا) شِئْت فَأمر بحبسه وَكتب إلأى مُعَاوِيَة أَن يَأْذَن لَهُ فِي قَتله فَكتب إِلَيْهِ: إيّاك وَقَتله وَلَكِن تنَاوله بِمَا ينكله ويشدّ سلطانك عَلَيْهِ وَلَا تبلغ نَفسه فإنّ لَهُ عشيرة هم جندي وبطانتي وَلَا يرضون بقتْله إلاّ بالقود مِنْك فاحذر ذَلِك وَاعْلَم أنّ الْجد منّي وَمِنْهُم وأنّك مرتهنٌ بِنَفسِهِ وَلَك فِي دون تلفهَا مندوحةٌ تشفي من الغيظ. فلمّا ورد الْكتاب أَمر بِابْن مفرّغ فسقي نبيذاً حلواً مخلوطاً بالشبرم والتربد فأسهل بَطْنه وطيف بِهِ على بعير فِي أزقّة الْبَصْرَة وأسواقها وَقرن بهرّة وخنزير وَجعل يسلح وَالصبيان يتبعونه ويصيحون عَلَيْهِ وألّح مَا يخرج مِنْهُ حتّى أضعفه فَسقط فَقيل لِعبيد الله: إنّا لَا نَأْمَن أَن يَمُوت. فَأمر بِهِ فَغسل فلمّا غسل قَالَ: الْخَفِيف (يغسل المَاء مَا فعلت وَقَوْلِي ... راسخٌ مِنْك فِي الْعِظَام البوالي) ثمَّ ردّه إِلَى الْحَبْس. وَقيل لِعبيد الله: كَيفَ اخْتَرْت لَهُ هَذِه الْعقُوبَة قَالَ: لأنّه سلح علينا فَأَحْبَبْت أَن تسلح عَلَيْهِ الخنزيرة والهرّة. ثمَّ إِن عبيد الله أرْسلهُ إِلَى أَخِيه بسجستان ووكلّ بِهِ رجَالًا وَكَانَ لّما هرب من عبّاد هجاه وَكتب هجاءه على حيطان الْخَانَات فَأمر عبيد الله الموكلين بِهِ أَن يلزموه بمحو مَا كتبه على الجيطان بأطافيره فَكَانَ يفعل ذَلِك حتّى ذهبت أظافيره فَكَانَ يمحو بعظام أَصَابِعه. وَأمرهمْ أَيْضا أَن لَا يَتْرُكُوهُ يصليّ إلاّ إِلَى قبْلَة النّصارى إِلَى أَن يسلموه إِلَى عبّاد فحبسه وضيّق عَلَيْهِ فَلَمَّا طَال حَبسه اسْتَأْجر رَسُولا إِلَى دمشق وَقَالَ بِهِ: إِذا كَانَ يَوْم الْجُمُعَة فقف على درج جَامع دمشق ثمَّ أنْشد هَذِه الأبيات بأرفع مَا يمنك من صوتٍ وَهِي:

الْبَسِيط (أبلغ لديك بني قحطان قاطبةً ... عضّت بأير أَبِيهَا سادة الْيمن) (أضحى دعيّ زيادٍ فقع فرقرةٍ ... يَا للعجائب يلهو بِابْن ذِي يزن) (قومة افَقولُوا: أَمِير الْمُؤمنِينَ لنا ... حقٌ عَلَيْك ومنٌّ لَيْسَ كالمنن) (فَاكْفُفْ دعيّ زيادٍ عَن أكارمنا ... مَاذَا تزيد على الأحقاد والإحن) فَفعل الرّسول مَا أَمر بِهِ فحميت اليمانية غضبوا لَهُ ودخلوا إِلَى مُعَاوِيَة فَسَأَلُوهُ فِيهِ فدافعهم عَنهُ فَقَامُوا غضاباً والشرّ يلمع فِي وُجُوههم فَعرف ذَلِك مُعَاوِيَة مِنْهُم فوهبه لَهُم ووجّه رجلا من بني أَسد يُقَال لَهُ خمخام بريداً إِلَى عبّاد وَكتب لَهُ عهدا وَأمره أَن يبْدَأ بِالْحَبْسِ فَيخرج ابْن مفرّغٍ مِنْهُ ويطلقه قبل أَن يعلم عبّاد فيمَ قدم فيغتاله فَفعل ذَلِك فَلَمَّا خرج من الْحَبْس قرّبت) بغلةٌ من بغال الْبَرِيد فركبها فَقَالَ: الطَّوِيل (عدس مَا لعبّادعليك إمارةٌ ... أمنت وَهَذَا تحملين طليق) وَهُوَ من جملَة أَبْيَات تَأتي إِن شَاءَ الله تَعَالَى فِي الْمَوْصُول عِنْد إنشاد هَذَا الْبَيْت هُنَاكَ فَلَمَّا دخل على مُعَاوِيَة بَكَى وَقَالَ: ركب منّي مَا لم يركب من مسلمٍ قطّ على غير حدثٍ فِي الْإِسْلَام وَلَا خلع يدٍ من طَاعَة. فَقَالَ لَهُ: أَلَسْت الْقَائِل: ...

(الشاهد الرابع بعد الثلاثمائة)

(أَلا أبلغ مُعَاوِيَة بن حَرْب ... مغلغلة من الرجل الْيَمَانِيّ) الأبيات الْمُتَقَدّمَة. فَقَالَ: لَا وَالَّذِي عظّم حقّك مَا قلتهَا وَلَقَد بَلغنِي أنّ عبد الرَّحْمَن بن الحكم قَالَهَا ونسبها إليّ. قَالَ: أفلم تقل كَذَا وَكَذَا. . وسرد أشعاره ثمَّ قَالَ: اذْهَبْ فقد عَفَوْت عَن جرمك فاسكن أيّ أَرض شِئْت. فَاخْتَارَ الْموصل ثمَّ ارْتَاحَ إلأى الْبَصْرَة فَقَدمهَا فَدخل على عبيد الله فَاعْتَذر إِلَيْهِ وَسَأَلَهُ الصّفح والأمان فأمنّه فَأَقَامَ بهَا مدّة ثمَّ دخل عَلَيْهِ فَقَالَ: أصلح الله الْأَمِير إِنِّي قد ظَنَنْت أنّ نَفسك لَا تطيب لي بِخَير أبدا ولي أعداءٌ وَلَا آمن سَعْيهمْ عليّ بِالْبَاطِلِ وَقد رَأَيْت أَن أتباعد. فَقَالَ لَهُ: إِلَى أَيْن شِئْت فَقَالَ: كرمان. فَكتب لَهُ إِلَى شريك بن الْأَعْوَر وَهُوَ عَلَيْهَا بجائزة وَقَطِيعَة فشخص إِلَيْهَا وَأقَام بهَا إِلَى أَن مَاتَ فِي سنة تسع وَسِتِّينَ فِي طاعون الجارف أَيَّام مُصعب بن الزّبير. هَذَا مَا لّخصته من الأغاني وَهُوَ كشذرة من عقد نحر أَو قَطْرَة من قَامُوس بَحر. وَأنْشد بعده وَهُوَ 3 - (الشَّاهِد الرَّابِع بعد الثلاثمائة) وَهُوَ من شَوَاهِد المفصّل: الْكَامِل (يَا قرّ إنّ أَبَاك حيّ خويلد ... قد كنت خائفة على الإحماق) لما تقدّم قبله. وَذهب أَبُو عليّ فِي الْإِيضَاح الشّعريّ عِنْد ذكره هَذِه الشواهد إِلَى أنّ لفظ حيّ زَائِد لَا غير وَتَبعهُ الزمخشريّ فِي المفصّل والبيضاوي فِي اللبّ وتعقبّه شَارِحه الشيّد عبد الله بأنّه غير زَائِد من

حَيْثُ الْمَعْنى فإنّه يُفِيد نوعا من تحقير مَا أضيف إِلَيْهِ حيّ كأنّه يَقُول: هَذَا شخصٌ لَيْسَ سوى أنّه حيّ وشبحٌ مَا فِيهِ سوى أنّه حسّاس. انْتهى. وَلَا يخفى أَن هَذِه النّكتة قَاصِرَة على هَذَا الْبَيْت لَا تتمشّى لَهُ فِي غَيره. وقرّ بِضَم الْقَاف: مرخّم قرّة. وحيّ خويلد: بدلٌ أَو عطف بَيَان من أَبَاك. وَجُمْلَة قد كنت خائفه خبر إنّ. والإحماق: مصدر أَحمَق الرجل: إِذا ولد لَهُ ولدٌ أَحمَق وَكَذَا أحمقت الْمَرْأَة وأمّا حمق بِدُونِ ألف فَهُوَ من الْحمق بِالضَّمِّ وَهُوَ فسادٌ فِي الْعقل وَهُوَ من بَاب تَعب وَوَصفه حمقٌ بِكَسْر الْمِيم وَأما أَحمَق فَفعله حمق بالضمّ وَالْأُنْثَى حمقى. وعَلى مُتَعَلقَة بخائفه يُقَال: خفته وَالْمعْنَى إنّني كنت أرى من أَبِيك مخايل تدلّ على أنّه يلد ولدا أَحمَق وَقد تحقّق بولادته إيّاك. وَمثل هَذَا أبلغ من أَن يَقُول لَهُ: أَنْت أَحمَق لأنّ ذَلِك يشْعر بتحقّق ذَلِك فِيهِ أَي: كَانَ مَعْرُوفا من أَبِيك قبل أَن يلدك. فَهَذَا أبلغ من دَعْوَى الْحمق فِيهِ الْآن. وَإِدْرَاك مثل هَذِه الْمعَانِي لَا يكَاد يحصل بالتعبير وَإِنَّمَا هُوَ أمرٌ فِي الْغَالِب يدْرك بالقوّة الَّتِي جعلهَا الله تَعَالَى فِي أهل هَذَا اللِّسَان. كَذَا فيأمالي ابْن الْحَاجِب. وَهَذَا الْبَيْت نسبه أَبُو زيد فِي نوادره إِلَى جبّار بن سلمى بن مَالك قَالَ: وَهُوَ جاهليّ. وَأورد بعده: ...

(وكأنّ حَيا قبلكُمْ لم يشْربُوا ... فِيهَا بأقلبةٍ أجنّ زعاق) هَذَا الحيّ بِمَعْنى الْقَبِيلَة. وأقلبة جمع قليب بِمَعْنى الْبِئْر قَالَ الرياشيّ: هَذَا يدلّ على تذكير القليب لأنّه قَالَ أقلبة وَالْجمع قلب وَلَكِن جَاءَ بِهِ على رغيف وأرغفه للْجمع الْقَلِيل. انْتهى. وَالْبَاء بِمَعْنى من. وأجنّ فعلٌ مَاض وَالنُّون الْأَخِيرَة فَاعله تعود على أقلبة لما سكن لَهَا لَام الْفِعْل أدمغت فِيهَا يُقَال: أجن المَاء ياجن بِضَم الْجِيم وَكسرهَا. إِذا تغيّر. وَضمير فِيهَا للمنيّة. وَضرب القليب مثلا لَهَا. وَقد يكون القليب الْقَبْر قَالَه ابْن برّيّ فِي شرح أَبْيَات إِيضَاح) الفارسيّ. والزّعاق بِضَم الزَّاي بعْدهَا عين مُهْملَة: المَاء المرّ الغليظ لَا يُطَاق شربه من وحبّار بِفَتْح الْجِيم وَتَشْديد الموحّدة وَآخره رَاء مُهْملَة. وَقد أوردهُ الآمديّ فِي المؤتلف والمختلف وَقَالَ: هُوَ جبّار بن سلمى بن مَالك من بني عَامر بن صعصعة. وَأنْشد لَهُ المفضّل فِي المقطّعات: الوافر (وَمَا للعين لَا تبْكي بجيراً ... إِذا افترّت عَن الرّمح اليدان) (وَمَا للعين لَا تبْكي بجيراً ... وَلَو أَنِّي نعيت لَهُ بكاني) وَذكر ثَلَاثَة من الشُّعَرَاء يوافقونه فِي اسْمه أحدهم: جبّار بن مَالك بن حمَار بن شمخ بن فَزَارَة.

(الشاهد الخامس بعد الثلاثمائة)

وثانيهم: جبّار بن عَمْرو الطّائي قَاتل عنترة العبسيّ وهما جاهليّان أَيْضا. وثالثهم: جبّار بن جُزْء بن ضرار وَهُوَ ابْن أخي الشّمّاخ وَهَذَا إسلاميٌّ ابْن صحابيّ. وَأنْشد بعده وَهُوَ 3 - (الشَّاهِد الْخَامِس بعد الثلاثمائة) الطَّوِيل (إِلَى الْحول ثمّ اسْم السّلام عَلَيْكُمَا ... وَمن يبك حولاّ كَامِلا فقد اعتذر) على أنّ لفظ اسْم مقحم عِنْد بعض النُّحَاة. قَالَ ابْن جنّي فِي الخصائص: هَذَا قَول أبي عُبَيْدَة وَكَذَلِكَ قَالَ فِي بِسم الله وَنحن نحمل الْكَلَام على أنّ فِيهِ محذوفاً. قَالَ أَبُو عليّ: وإنّما هُوَ على حدّ حذف الْمُضَاف أَي: ثمَّ معنى السَّلَام عَلَيْكُمَا وَاسم معنى السَّلَام هُوَ السَّلَام وَكَأَنَّهُ قَالَ: ثمّ السَّلَام عَلَيْكُمَا. فَالْمَعْنى لعمري مَا قَالَه أَبُو عُبَيْدَة لكنّه من غير الطَّرِيق الَّتِي أَتَاهُ هُوَ مِنْهَا أَلا ترَاهُ هُوَ اعْتقد زِيَادَة شَيْء واعتقدنا نَحن نُقْصَان شَيْء. انْتهى. وَقَالَ ابْن السَّيِّد البطليوسيّ فِي تأليف ألّفه فِي الِاسْم: تَقْدِيره ثمّ مسمّى السّلام عَلَيْكُمَا أَي: ثمَّ الشَّيْء المسمّى سَلاما عَلَيْكُمَا فالاسم هُوَ المسمّى

بِعَيْنِه وهما ينواردان على معنى وَاحِد. وَذهب أَبُو عُبَيْدَة إِلَى أَن لفظ اسْم هُنَا مقحم. وَعند أبي عليّ فِيهِ مُضَاف مَحْذُوف وَتَقْدِيره وردّ عَلَيْهِ الإِمَام السّهيليّ فِي كِتَابه الْمُعْتَبر فَقَالَ: هَذَا جوابٌ لَا يقوم على سَاق وَلَا يكَاد يفهم لما فِيهِ من الاستغلاق. وَقد تكلّف فِي هَذَا التَّأْلِيف وتعسّف وَمن ألّف فقد استهدف. وَالْأَحْسَن أَن يُقَال: لم يرد الشَّاعِر إِيقَاع التَّسْلِيم عَلَيْهَا لحينه وإنّما أَرَادَهُ بعد الْحول. فَلَو قَالَ: ثمَّ) السّلام عَلَيْكُمَا لَكَانَ مسلّماً فِي وقته الَّذِي نطق بِهِ فِي الْبَيْت فَلَمَّا ذكر الِاسْم الَّذِي هُوَ عبارَة عَن اللَّفْظ أَي: إِنَّمَا لفظ بِالتَّسْلِيمِ بعد الْحول وَذَلِكَ السّلام دعاءٌ فَلَا يتقيّد بِالزَّمَانِ الْمُسْتَقْبل وإنّما هُوَ لحينه فَلَا يُقَال: بعد الْجُمُعَة اللَّهُمَّ ارْحَمْ زيدا وَإِنَّمَا يُقَال: اغْفِر لي بعد الْمَوْت وَبعد ظرف للمغفرة وَالدُّعَاء وَاقع لحينه. فَإِن أردْت أَن تجْعَل الْوَقْت ظرفا للدّعاء صرّحت بِلَفْظ فَقلت: بعد الْجُمُعَة أَدْعُو بِكَذَا وألفظه وَنَحْوه لأنّ الظّروف إنّما تقيّد بهَا الْأَحْدَاث الْوَاقِعَة خَبرا أَو أمرأً أَو نهيا وَأما غَيرهَا من الْمعَانِي كالعقود وَالْقسم والدّعاء وَالتَّمَنِّي والاستفهام فإنّها وَاقعَة لحين النُّطْق بهَا. فَإِذا قَالَ: بعد بعد الْحول وَالله لأخرين فقد انْعَقَد الْيَمين حِين ينْطق بِهِ وَلَا يَنْفَعهُ أَن يَقُول: أردْت أَن لَا أوقع الْيَمين إلاّ بعد الْحول فإنّه لَو أَرَادَ ذَلِك قَالَ: بعد الْحول أَحْلف أَو ألفظ بِالْيَمِينِ. فأمّا الْأَمر وَالنَّهْي وَالْخَبَر فإنّما تقيّدت بالظروف لأنّ الظروف فِي الْحَقِيقَة إنّما يَقع فِيهَا الْفِعْل الْمَأْمُور بِهِ أَو الْمخبر بِهِ دون الْأَمر وَالْخَبَر فإنّهما واقعان لحين النُّطْق بهما فَإِذا قلت: اضْرِب قلو أنّ لبيداً قَالَ: إِلَى الْحول ثمّ

السّلام عَلَيْكُمَا كَانَ مُسلما لحينه وَقد أَرَادَ إنيّ لَا ألفظ بِالتَّسْلِيمِ والوداع إلاّ بعد الْحول وَلذَا ذكر الِاسْم الَّذِي هُوَ اللَّفْظ ليَكُون بعد الْحول ظرفا. انْتهى كَلَام السُّهيْلي. وَالْمرَاد من قَوْله: ثمّ اسْم السّلام عَلَيْكُمَا الْكِنَايَة عَن الْأَمر بترك مَا كَانَ أَمرهمَا بِهِ وَهُوَ سَلام توديع. وأتى بثمّ لأنّها للتراخي والمهلة. وَقد تعسّف قومٌ لإِخْرَاج الِاسْم عَن الزِّيَادَة بِجعْل السَّلَام اسْم الله تَعَالَى ثمَّ اخْتلفُوا فَقَالَ بَعضهم: عَلَيْكُمَا اسْم فعل أَي: الزما اسْم الله واتركا ذكري. وَفِيه أنّ تَقْدِيم اسْم العفل لَا يجوز إلاّ عِنْد الكسائيّ على أنّ الرِّوَايَة رفع اسمٍ لَا نَصبه. وَقَالَ جماعةٌ مِنْهُم شَارِح اللبّ: إنّ الْمَعْنى ثمَّ حفظ الله عَلَيْكُمَا كَمَا يُقَال للشَّيْء المعجب: اسْم الله عَلَيْك تعويذاً لَهُ من السوء. فَفِي ذكر الِاسْم تفخيم وصيانة للمسمّى عَن الذّكر. وَقَالَ الشّلوبين فِي حَاشِيَة المفصّل: أجَاب بَعضهم بأنّ السّلام هُنَا اسمٌ من أَسمَاء الله تَعَالَى والسّلام عبارةٌ من التَّحِيَّة وَهَذَا هُوَ الَّذِي أَرَادَ وَلكنه شرّفه بِأَن أَضَافَهُ إِلَى الله تَعَالَى لأنّه أبلغ فِي التَّحِيَّة كَأَنَّهُ يَقُول: لَو وجدت سَلاما أشرف من هَذَا لحيّيتكم بِهِ ولكنّي لَا أَجِدهُ لِأَنَّهُ اسْم السَّلَام. هَذَا كَلَامه. وَقَالَ بعض فضلاء الْعَجم فِي شرح أَبْيَات المفصّل: قَوْله ثمَّ اسْم السَّلَام عَلَيْكُمَا أَي: حفظ) الله عَلَيْكُمَا وَالِاسْم مقحم وثمّ تسْتَعْمل فِي معنى التّرْك والإعراض. هَذَا كَلَامه وَلَا يخفى مَا فِيهِ من الْخبط الظَّاهِر. وَهَذَا الْبَيْت من أَبْيَات للبيد بن ربيعَة بن عَامر الصّحابيّ وَقد تقدّمت

تَرْجَمته فِي الشَّاهِد الثَّانِي وَالْعِشْرين بعد الْمِائَة. رُوِيَ أنّه لما حَضرته الْوَفَاة قَالَ لَا بنتيه: (تمنّى ابنتاي أَن يعِيش أَبوهُمَا ... وَهَا أَنا إلاّ من ربيعَة أَو مُضر) (فقوما وقولا بِالَّذِي تعلمانه ... وَلَا تخمشا وَجها وَلَا تحلقا شعر) (وقولا: هُوَ الْمَرْء الَّذِي لَا صديقه ... أضاع وَلَا خَان الْخَلِيل وَلَا غدر) إِلَى الْحول ثمّ اسْم السّلام عَلَيْكُمَا ... ... ... ... الْبَيْت وَبعد وَفَاته كَانَتَا تلبسان ثيابهما فِي كلّ يَوْم وتأتيان مجْلِس جَعْفَر بن كلاب قبيلته فترثيانه وَلَا تعولان فأقامتا على ذَلِك حولا كَامِلا ثمَّ انصرفنا. وَقَوله: تمنّى ابنتاي هُوَ مضارع وَأَصله تتمنّى بتاءين. وَزعم بَعضهم أنّه فعل مَاض وَلَو كَانَ كَمَا زعم لقَالَ تمنت وَلَا مُوجب لحمله على الضَّرُورَة. وَقَوله: وَهل أَنا الخ أَي: جَمِيع آبَائِي من ربيعَة أَو مُضر قد مَاتُوا وَلم يسلم أحدٌ مِنْهُم من وَقَالَ بعض فضلاء الْعَجم فِي أَبْيَات المفصّل مَعْنَاهُ: وَمَا أَنا إلاّ من الْكِرَام الْأَشْرَاف وَمن كَانَ مِنْهُم لَا يعِيش طَويلا لأنّ الْكِرَام قَليلَة الْأَعْمَار وَهَذَا كَلَامه وَلَيْسَ هَذَا معنى الشّعْر ويكذّبه أَن لبيداً من المعمّرين كَمَا تقدم فِي تَرْجَمته. وَقَوله: فقوما الْفَاء فصيحةٌ لأنّ الْمَعْنى إِذا ثَبت أَنِّي ربيعَة أموات كَمَا مَاتُوا فقوما بعد موتِي للعزاء وقولا فِي الرثاء مَا تعلمانه من الصِّفَات الحميدة وابكيا إِن أردتما وَلَا تخمشا بأظافير كَمَا وَلَا تحلقا شعركما. ويقدّر ابكيا لقَوْله وَلَا تخمشا الخ وَذَلِكَ أنّ خَمش الْوَجْه وَحلق الشّعْر لَا يكون إلاّ مَعَ

الْبكاء والبكاء مُبَاح مَا لم يكن فِيهِ خَمش الْوَجْه وَحلق الشّعْر وَلَطم خدّ. وَقَوله: لَا صديقه مفعول مقدم لقَوْله أضاع ومفعول غذر مَحْذُوف وَهُوَ ضمير الْخَلِيل أَو أنّ غذر منّزل منزلَة اللَّازِم أَي: لم يحصل مِنْهُ غدرٌ لأحد. وَقَوله: إِلَى الْحول متعلّق بقوله: قوما أَي: امتثلا مَا قلت لَكمَا إِلَى الْحول وإنّما قَالَ إِلَى الْحول) لأنّ الزَّمَان ساعاتٌ وأيامٌ وجمعٌ وشهورٌ وسنون والسّنون هِيَ النِّهَايَة فالحول وَالسّنة مدّة هِيَ نِهَايَة الزَّمَان فِي التَّقْسِيم إِلَى أَجْزَائِهِ. وَيُمكن أَن يكون ذَلِك لما رُوِيَ فِي بعض الْآثَار: أَن أَرْوَاح الْمَوْتَى لَا تَنْقَطِع من التردّد إِلَى مَنَازِلهمْ فِي الدُّنْيَا إِلَى سنة كَامِلَة فكأنّه إنّما أَمرهمَا بِمَا ذكر من الذّكر والدّعاء وَغير ذَلِك ليشاهد ذَلِك مِنْهُمَا وَلذَلِك قَالَ: وَمن يبك جولاً الخ. وَقَالَ بَعضهم: إنّما وقّت بالحول لأنّه مدّة عزاء الْجَاهِلِيَّة وَهَذَا لَا يصحّ هُنَا لِأَنَّهُ قَائِله صحابيّ واعتذر بِمَعْنى أعذر أَي: صَار ذَا عذر كَذَا فِي الصِّحَاح. وَالْخطاب فِي قَوْله: عَلَيْكُمَا لابنتيه كَمَا تقدّم وَمِنْه يعلم غَفلَة بعض شرّاح المفصّل فِي قَوْله: الْمَعْنى بَكَيْت عَلَيْكُمَا أَيهَا الخليلان ثمَّ السَّلَام عَلَيْكُمَا يَعْنِي تركت الْبكاء فإنّ من يبكي حولا فقد مضى حقّ الْخَلِيل. وعجيبٌ من صَاحب الْكَشْف فِي سُورَة الْمُؤمن قَوْله: إنّ لبيداً قَالَ ذَلِك يرثي أَخَاهُ لأمّه وَهُوَ أَرْبَد وَابْن عَمه عَامر بن الطُّفَيْل لما أصابهما مَا أصابهما بدعوة من النَّبِي صلّى الله عَلَيْهِ وَسلم.

(الشاهد السادس بعد الثلاثمائة)

تَتِمَّة رَأَيْت فِي التَّذْكِرَة الحمدونية أنّ الْحسن ابْن الْحسن بن عليّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم لما مَاتَ قَامَت زَوجته بنت الْحُسَيْن على قَبره سنة ثمَّ رفعت الْفسْطَاط وأنشدت: إِلَى الْحول ثمنّ السّلام عَلَيْكُمَا ... ... ... الْبَيْت فَسمع صوتٌ من جَانب الْقَبْر: أهلٌ وجدوا مَا طلبُوا وَسمع من الْجَانِب الآخر: بل يئسوا فانقلبوا. وَمثل هَذَا مَا رَوَاهُ ان الزّجاجيّ فِي أَمَالِيهِ الْوُسْطَى بِسَنَدِهِ عَن إِسْمَاعِيل بن يسَار قَالَ: مَاتَ ابنٌ لأرطاة بن سهيّة المرّيّ فَلَزِمَ قَبره حولا يَأْتِيهِ بِالْغَدَاةِ فيقف عَلَيْهِ فَيَقُول: أَي عَمْرو هَل أَنْت رائحٌ معي إِن أَقمت عنْدك إِلَى العشيّ ثمَّ يَأْتِيهِ بالمساء فَيَقُول مثل ذَلِك فَلَمَّا كَانَ بعد الْحول أنشأ متمثّلاً: الطَّوِيل إِلَى الْحول ثمَّ اسْم السّلام عَلَيْكُمَا ... ... . . الْبَيْت وَأنْشد بعد هَذَا أبياتاً جيّدة فِي هَذَا الْبَاب رَوَاهَا الزجّاجيّ. وَأنْشد بعده وَهُوَ 3 - (الشَّاهِد السَّادِس بعد الثلاثمائة) وَهُوَ من أَبْيَات المفصّل أَيْضا:

الطَّوِيل (تداعين باسم الشّيب فِي متثلّم ... جوانبه من بصرة وَسَلام) لما تقدّم قبله: من أنّ اسْما مقحمٌ. قَالَ الشّلوبين فِي حَاشِيَته على المفصّل: ردّ هَذَا بعض الْمُتَأَخِّرين وَقَالَ: لَو كَانَ الْبَيْت على إقحام الِاسْم لقَالَ باسم شيب والشاعر إنّما قَالَ باسم الشّيب بِالْألف وَاللَّام وَلَفْظهمَا غير مَوْجُود فِي صَوت الْإِبِل فإنّما أَرَادَ تداعين بِصَوْت يشبه فِي اللَّفْظ اسْم الشيب أَعنِي جمع أشيب. انْتهى. أَقُول: وجود أل لَا يضرّ فإنّها زيدت فِي الْحِكَايَة لَا أنّها من المحكيّ على أنّ الصّاغانيّ قَالَ فِي الْعباب: الشّيب حِكَايَة أصوات مشافر الْإِبِل عِنْد الشّرْب. وَأورد هَذَا الْبَيْت. وَالنُّون فِي تداعين ضمير القلص أَي: النوق الشوابّ. والْمُتَثَلِّم: بِكَسْر اللَّام المشدّدة وَهُوَ المتهدّم والمتكسّر أَرَادَ الْحَوْض المتثلّم. وَجُمْلَة جوانبه من بصرة صفة المتثلّم. والْبَصْرَة بِفَتْح الْمُوَحدَة: حِجَارَة رخوة فِيهَا بَيَاض وَقيل تضرب إِلَى السوَاد. والسّلام بِكَسْر السِّين الْمُهْملَة: وَهَذَا الْبَيْت من قصيدةٍ لذِي الرّمّة تقدّم شرح بَعْضهَا مَعَ هَذَا الْبَيْت فِي الشَّاهِد الثَّامِن فِي أَوَائِل الْكتاب. وَقد وصف إبِلا وارداتٍ على حَوْض متهدّم فشربن المَاء فَيَقُول: دَعَا بعض الْإِبِل بَعْضًا إِلَى الشّرْب بِصَوْت مشافرها عِنْد شرب المَاء من ذَلِك الْحَوْض أَي: إِذا سمع كلٌّ مِنْهَا صَوت

(الشاهد السابع بعد الثلاثمائة)

تجرّع المَاء من الآخر ازْدَادَ رلاغبةً فِي الشّرب فَكَانَ ذَلِك كأنّه دعاءٌ إِلَى الشّرْب. وَأنْشد بعد وَهُوَ 3 - (الشَّاهِد السَّابِع بعد الثلاثمائة) الْبَسِيط (لاينعش الطّرف إلاّ مَا تخونه ... دَاع يُنَادِيه باسم المَاء مبغوم) على أنّ اسْما مقحم. قَالَ ابْن الْحَاجِب فِي شرح المفصّل: النداء إنّما هُوَ بِاللَّفْظِ فَلَو حمل الِاسْم على اللَّفْظ لختلّ الْمَعْنى. وَالَّذِي يَجْعَل الِاسْم المسمّى فِي قَوْله ثمّ اسْم السَّلَام عَلَيْكُمَا يَجعله من بَاب ذَات يَوْم ويتأول قَوْله باسم المَاء على أَن المُرَاد بمسمّى هَذَا اللَّفْظ ويجعله دَالا على قَوْلك مَاء وَهُوَ حِكَايَة بغام الظّبية. ويقوّي ذَلِك اسْتِعْمَاله اسْتِعْمَال رجل وَفرس بِإِدْخَال اللامعليه وخفضته وإضافته وَلَوْلَا تَقْدِيره اسْما لذَلِك لم يجرهذا المجرى. انْتهى. قَالَ ابْن جنّي فِي الخصائص: ذهب أَبُو عُبَيْدَة إِلَى زِيَادَة الِاسْم فِي قَوْله ثمَّ اسْم السَّلَام عَلَيْكُمَا وَفِي قَوْله باسم المَاء مبغوم وَنحن نقُول إِن فِيهِ محذوفاً أَي: اسْم معنى السَّلَام ... إِلَى آخر مَا نَقَلْنَاهُ عَنهُ قبل هَذَا. وَزِيَادَة الِاسْم هُنَا لَا تتّجه لأنّ الدّاعي هُنَا هُوَ الظبية وإنّما دعت وَلَدهَا بقولِهَا: مَاء مَاء فَلَو كَانَ على إقحام الِاسْم لقالت باسم مَاء مَاء وَالْمَاء بِالْألف وَاللَّام لَيْسَ إلاّ المَاء المشروب فَكيف يُرِيد حِكَايَة صَوتهَا ولكنّ الشَّاعِر

ألغز حَيْثُ أوقع الِاشْتِرَاك بَين لفظ المَاء وصوتها كَأَنَّهُ اللَّفْظ المعبّر بِهِ عَن المَاء المشروب. كَذَا فِي حَاشِيَة المفصّل للشّلوبين. وَهَذَا كلّه مَأْخُوذ من كَلَام أبي عليّ فِي إِيضَاح الشّعْر قَالَ: فَإِن قيل إنّ هَذَا من قبيل غاق يَعْنِي الصَّوْت فَكيف ألحق لَام التَّعْرِيف وَقَالَ آخر: ونادى بهَا ماءٍ إِذا ثار ثورةً على الْقيَاس فَالْقَوْل فِيهِ أَن قَوْله باسم المَاء إِن شِئْت قلت إنّ تَقْدِيره يُنَادِيه بِالْمَاءِ وَالِاسْم دُخُوله وَخُرُوجه سَوَاء كَقَوْلِه: ثمّ ام السَّلَام عَلَيْكُمَا. وإ شِئْت جعلت الِاسْم المسمّى على الإتباع لمصاحبته لَهُ وَكَثْرَة الملابسة. وَإِن شِئْت قلت: إنّ التَّقْدِير يُنَادِيه باسم معنى المَاء فَحذف الْمُضَاف وَاسم معنى المَاء هُوَ المَاء فَيكون التَّقْدِير باسم مَاء وَتَكون أل فِيهِ زَائِدَة لأنّها لم تلْحق هَذَا الْقَبِيل أَلا ترى أنّهم لم يلحقوه غاق وصه وَنَحْوه. انْتهى كَلَامه مُخْتَصرا. وَالْبَيْت من قصيدة لذِي الرّمّة تغزّل فِيهَا بمحبوبته خرقاء ومطلعها:) (أأن توهّمت من خرقاء منزلَة ... مَاء الصبّابة من عَيْنَيْك مسجوم) وَقبل الْبَيْت الشَّاهِد: (كأنّها أمّ ساجي الطّرف أخذلها ... مستودعٌ خمر الوعساء مرخوم) (كَأَنَّهُ بالضّحى يرْمى الصّعيد بِهِ ... دبّابةٌ فِي عِظَام الرّأس خرطوم) لَا ينعش الطّرف ... ... ... ... ... ... الْبَيْت

وَقَوله: كَأَنَّهَا أَي: كأنّ خرقاء أمّ غزال ساجٍ طرفه والسّاجي: السَّاكِن للحداثة. وأخذلها أَي: خلّفها عَن قطيعها فأقامت عَلَيْهِ فخذلت هِيَ بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول وَهِي خاذل وَهُوَ خاذل. والْمُسْتَوْدع فَاعل أخذلها وَهُوَ اسْم مفعول أَرَادَ بِهِ الغزال يَقُول: استودعته أمّه خمر الوعساء خوفًا عَلَيْهِ. والوعساء: الأَرْض الليّنة لَا يبلغ تربها أَن يكون رملاً. وَيُقَال الوعساء رابيةٌ من رمل. والْخمر بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَالْمِيم: الشّجر السَّاتِر. ومرخوم بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة أَي: مَحْبُوب يُقَال: ألْقى عَلَيْهِ رخمته وَإِن عَلَيْهِ الرَّحْمَة بِالتَّحْرِيكِ أَي: محبّة. وَقَوله: كأنّه أَي: كأنّ الغزال فِي وَقت الضّحى سَكرَان رَمَاه على الصَّعِيد الْخمر. والصَّعِيد: الأَرْض. والدبّابة: الْخمر وَإِنَّمَا شبّه الغزال فِي ضعفه وَغَلَبَة النعاس عَلَيْهِ وفتور عِظَامه بالسّكران الَّذِي غلبت عَلَيْهِ الْخمر. وَقَوله: لَا ينعش الطّرف الخ فَاعل ينعش ضمير ساجي الطّرف وَهُوَ الغزال والطرف مَفْعُوله ونعش كرفع معنى ووزناً ومضارعهما مقتوح الْعين. وَرُوِيَ أَيْضا: لَا يرفع الطّرف: يصفه بِكَثْرَة النّوم لأنّه يغلب على الطِّفْل لرطوبة مزاجه. يَقُول: لَا يرفع طرفه وَلَا جفن عينه من شدّة نعاسه إلاّ أَن تَأتي إِلَيْهِ أمّه فَيسمع حسّها أَو صَوتهَا فَعِنْدَ ذَلِك ينتعش وَيقوم. والتخوّن: التعهد يُقَال للحمّى: تتخوّن فلَانا أَي: تتعهده وأصل التخوّن التنقصّ وَيُقَال: تخوّنني فلانٌ حقّي إِذا تنقّصك. قَالَ الجوهريّ: يَقُول: الغزال ناعس لَا يرفع طرفه إِلَّا أَن تَجِيء أمّه وَهِي المتعهدة لَهُ وَيُقَال: إلاّ مَا تنقّصه نَومه دُعَاء أمّه لَهُ. وتخوّنه فعل مَاض فَاعله داعٍ المُرَاد بِهِ أمّه. وَأَخْطَأ المظفريّ فِي شرح المفصا حَيْثُ قَالَ: تخوّنه فعل مضارع حذف مِنْهُ التَّاء وداع بدل من الضَّمِير فِي تخوّنه وَهِي الظّبية. انْتهى.

(الشاهد الثامن بعد الثلاثمائة)

أَشَارَ بِهَذَا إِلَى أنّه صفة داعٍ بِمَعْنى أنّه يجِيبه وَلَده بِمَاء مَاء أَيْضا. وَقيل هُوَ خير مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي: دعاؤه مبغوم فَلم يذكرهُ اكْتِفَاء بِمَا فِي دَاع من الدُّعَاء وَمَعْنَاهُ دُعَاء ذَلِك الدَّاعِي بغامٌ غير مَفْهُوم. وَقيل فَاعل يُنَادِيه. وَهَذَانِ الْقَوْلَانِ تعسّف. ويناديه صفة لداع قدم الْوَصْف الجمليّ على الْوَصْف الْمُفْرد. وَقيل يُنَادِيه حَال من داعٍ وَفِيه نظر لأنّه يلْزم الْفَصْل بَين الصّفة والموصوف. وَقد تقدّمت تَرْجَمَة ذِي الرّمّة فِي الشَّاهِد الثَّامِن فِي اوائل الْكتاب. وَأنْشد بعده وَهُوَ 3 - (الشَّاهِد الثَّامِن بعد الثلاثمائة) وَهُوَ من شَوَاهِد المفصّل: الوافر (ذعرت بِهِ القطا ونفيت عَنهُ ... مقَام الذّئب كالرّجل اللّعين) على أَن لفظ مقَام مقحم وَإِلَيْهِ ذهب الزمخشريّ فِي المفصّل

والبيضاويّ فِي اللبّ قَالَ شَارِحه السَّيِّد عبد الله: وَفِيه نظر لأنّه يُفِيد تَأْكِيد نفي الذِّئْب لأنّه إِذا نفى مَوضِع قِيَامه فقد نَفَاهُ قطعا. وَفِي قَوْله تَعَالَى: وَلمن خَافَ مقَام ربّه رعبٌ لَا يفِيدهُ لَو لم يذكر الْمقَام. انْتهى. وَهَذَا هُوَ أجَاب بِهِ الشَّارِح المحقّق وَإِلَيْهِ ذهب صَاحب الكشّاف فِي حم السَّجْدَة عِنْد قَوْله تَعَالَى: ونأى بجانبه على أنّه يوضع الْجَانِب مَوضِع النَّفس فَإِنَّهُ ينزّل جَانب الشَّيْء ومكانه وجهته منزلَة وجهته منزلَة نَفسه فَيُقَال: حَضْرَة فلَان ومجلسه وكتبت إِلَى جَانِبه وجهته وَالْمرَاد نَفسه وَمِنْه مقَام الذِّئْب وَهُوَ لبذئب نَفسه. وسبقهم إِلَى هَذَا ابْن قُتَيْبَة فِي أَبْيَات الْمعَانِي فَإِنَّهُ قَالَ: مقَام الذِّئْب أَرَادَ الذِّئْب نَفسه أَي: وَهَذَا الْبَيْت من قصيدة عدّتها أَرْبَعَة وَثَلَاثُونَ بَيْتا للشمّاخ بن ضرار وَقد تقدّمت تَرْجَمته فِي الشَّاهِد الْحَادِي وَالتسْعين بعد الْمِائَة مدح بهَا عرابة بن أَوْس. وَلَيْسَ لذِي الرمة كَمَا زعم الْعَلامَة) الشّيرازيّ فِي سُورَة الرَّحْمَن وَتَبعهُ الْفَاضِل اليمني. وَهَذَا بعد مطْلعهَا: (وماءٍ قد وَردت لوصل أروى ... عَلَيْهِ الطّير كالورق اللّجين) (ذعرت بِهِ القطا ونفيت عَنهُ ... مقَام الذّئب كالرّجل اللّعين)

إِلَى أَن قَالَ مُخَاطبا لناقته: (إِذا بلّغتني وحملت رحلي ... عرابة فاشرقي بِدَم الوتين) (رَأَيْت عرابة الأوسيّ يسمو ... إِلَى الْخيرَات مُنْقَطع القرين) (أَفَادَ سماحةً وَأفَاد مجداً ... فَلَيْسَ كجامدٍ لحزٍ ضنين) (إِذا مَا ريةٌ رفعت لمجدٍ ... تلقّاها عرابة بِالْيَمِينِ) (فَنعم المرتجى ركدت إِلَيْهِ ... رحى حيزومها كرحى الطّحين) (إِذا ضربت على العلات حطت ... إِلَيْك حطاط هاديةٍ شنون) (توائل من مصكٍِّ أنصبته ... حوالب أسهريّه بالذّنين) (مَتى ينل القطاة يَرك عَلَيْهَا ... بحنو الرّأس معترض الجبين) (طوت أحشاء مرتجةٍ لوقتٍ ... على مشجٍ سلالته مهين) إِلَى أَن قَالَ: (إِلَيْك بعثت رَاحِلَتي تشكّى ... هزالًا بعد مقحدها السّمين) (إِذا بَركت على شرفٍ وَأَلْقَتْ ... عسيب جِرَانهَا كعصا الهجين) (إِذا الأرطى توسّد أبرديه ... خدود جوازئٍ بالرّمل عين) (كأنّ محاز لحييها حصاه ... جنابا جلد أجرب ذِي غُضُون) وَهَذَا الْمِقْدَار نصف القصيدة وإنّما سقناه لِأَن فِيهِ شَوَاهِد. وَقَوله: وَمَاء قد وَردت الخ الْوَاو وَاو ربّ وجوابها قَوْله الْآتِي: ذعرت. وأروى: اسْم الْمَرْأَة. واللّجين بِفَتْح اللَّام وَكسر الْجِيم قَالَ شَارِح

ديوانه هُنَا: اللجين الَّذِي قد ركب بعضه بَعْضًا فتلجّن كَمَا يتلجّن الخطميّ ويتلزج. وَيُقَال: اللجين: المبلول من الْوَرق وَغَيره تَقول لجنته إِذا بللته. انْتهى. وَقَالَ أَبُو عليّ الفارسيّ فِي الْإِيضَاح الشعريّ: أما الطير فيرتفع بلظرف بِلَا خلاف وَأما قَوْله: كالورق اللّجين فإنّه يحْتَمل ضَرْبَيْنِ:) أَحدهمَا: أَن يكون حَالا من الطير وَالْآخر: أَن يكون وَصفا للْمَاء تَقْدِيره: وَمَاء كالورق اللجين وَمثل قَوْله: وَمَاء كالورق اللجين فِي الْمَعْنى قَول عَلْقَمَة: الطَّوِيل (فأوردته مَاء حَماما كأنّه ... من الأجن حنّاءٌ مَعًا وصبيب) فَكَمَا شبّه خثورة المَاء لتقادم عَهده بالواردة بالحنّاء كَذَلِك شبّه الشمّاخ بالورق اللجين. وَقَوله: عَلَيْهِ الطير على هَذَا قد حذف مِنْهُ الْمُضَاف. وَمثل ذَلِك قَول الهذليّ: المتقارب (تجيل الْحباب بأنفاسها ... وتجلو سبيخ جفال النّسال) السبيخ: مَا نسل من ريش الطير. وَقَالَ الْأَعْشَى: الْخَفِيف (وقليب أجنٍ كأنّ من الرّ ... يش بأرجائه سُقُوط نصال) وَإِن جعلت كالورق اللجين حَالا للطير صَار فِيهِ ضَمِيره وَيكون معنى عَلَيْهِ الطير أنّ الطير اتَّخذت فِيهِ الأوكار لخلائه وَكَثْرَتهَا عَلَيْهِ وَقلة من يردهُ

فالطير لكثرتها عَلَيْهِ وتكابسها فِيهِ كالورق اللجين. وَمثل ذَلِك فِي الْمَعْنى قَول الرَّاعِي: الوافر (بدلوٍ غير مكربةٍ أَصَابَت ... حَماما فِي جوانبه فطَارَا) كأنّه استقى بسقرةٍ فَلذَلِك لم تكن مكربة وَالطير قد اتَّخذت فِيهِ الأوكار للخلاء. فَقَوله: كالورق اللجين مثل قَوْلك صائداً بِهِ وصائد بِهِ بعد قَوْلك: مَرَرْت بِرَجُل مَعَه صقر. فَجَعَلته مرّة حَالا من الْهَاء فِي مَعَه وَأُخْرَى صفة لرجل. انْتهى. وَقَالَ شرّاح أَبْيَات المفصّل: اللجين: السَّاقِط من ورق الشجرعند الضَّرْب بالعصا. قَالُوا: الْمَعْنى اجْتمعت على ذَلِك الطير شَبيهَة بالورق السَّاقِط من الشّجر فِي اصفراره لأنّه فِي القفر فَلَا يردهُ واردٌ من النَّاس. وَقَوله: ذعرت بِهِ القطا الخ يُرِيد أنّه جَاءَ إِلَى متنكراً. وذعرت: خوّفت ونفرّت. ونفيت: طردت وأبعدت. وَالْبَاء بِمَعْنى فِي وخصّ الذِّئْب والقطا لأنّ القطا أهْدى الطير وَالذِّئْب أهْدى السبَاع وهما السابقان إِلَى المَاء. قَالَ شَارِح الدِّيوَان: أَي: ذعرت القطا بذلك المَاء ونفيت عَن ذَلِك المَاء مقَام الذِّئْب أَي: وَردت المَاء فَوجدت الذِّئْب عَلَيْهِ فنحّيته عَنهُ أَرَادَ مقَام الذِّئْب كَالرّجلِ اللعين المنفيّ المقصى.) انْتهى. فاللعين على هَذَا بِمَعْنى الطّريد وَهُوَ وصف للرجل وَهُوَ مَا ذهب إِلَيْهِ ابْن قُتَيْبَة فِي أَبْيَات الْمعَانِي قَالَ: اللعين المطرود وَهُوَ الَّذِي خلعه أَهله لِكَثْرَة جناياته. وَقَالَ بعض فضلاء الْعَجم

فِي شرح أَبْيَات المفصّل: اللعين: المطرود الَّذِي يلعنه كلّ أحد وَلَا يؤويه أَي: هَذَا الذِّئْب خليعٌ لَا مأوى لَهُ كَالرّجلِ اللعين. وَقَالَ صَاحب الصِّحَاح: الرجل اللّعين: شَيْء ينصب فِي وسط الزّرع يستطرد بِهِ الوحوش. وانشد هَذَا الْبَيْت. وَقد أغرب أَبُو عبيد الْبكْرِيّ فِي شرح أمالي القالي بقوله: كَانَ الرجل فِي الْجَاهِلِيَّة إِذا غدر وأخفر الذِّمَّة جعل لَهُ مثالٌ من طين وَنصب وَقيل: أَلا إنّ فلَانا قد غدر فالعنوه كَمَا قَالَ الشَّاعِر: الْكَامِل (فلنقتلنّ بخالدٍ سرواتكم ... ولنجعلنّ لظالمٍ تمثالا) فالرجل اللعين هُوَ هَذَا التمثال. هَذَا كَلَامه. فَلْينْظر على هَذَا مَا معنى الْبَيْت. وَكَذَلِكَ فِي قَول أبي عُبَيْدَة خفاءٌ حَيْثُ قَالَ: إنّما يُرِيد مقَام الذِّئْب اللعين كَالرّجلِ نَقله عَنهُ ابْن قُتَيْبَة: فِي أَبْيَات الْمعَانِي وَأَبُو عليّ: فِي الْمسَائِل البصرية. وَقَوله: إِذا بلغتني وحملت رحلي الْبَيْت قَالَ المبّرد فِي الْكَامِل: قد أحسن كلّ الْإِحْسَان فِي هَذَا الْبَيْت يَقُول: لست أحتاج إِلَى أَن أرحل

إِلَى غَيره. وَقد عَابَ بعض الروَاة قَوْله: فاشرقي بِدَم الوتين وَقَالَ: كَانَ يَنْبَغِي أَن ينظر لَهَا مَعَ استغنائه عَنْهَا. وتقدّم نقل مَا اعْترض النَّاس عَلَيْهِ فِي هَذَا الْبَيْت بِسوء مكافأته لناقته فِي الشَّاهِد السِّتين بعد الْمِائَة. وَقَوله: أَفَادَ سماحة الخ قَالَ الجوهريّ: أفدت المَال: أَعْطيته غَيْرِي وأفدته: استفدته. والجامد بِالْجِيم الْيَابِس كِنَايَة عَن الشحّ. واللّحز بِفَتْح اللَّام وَكسر الْحَاء الْمُهْملَة وَآخره زاء مُعْجمَة هُوَ الْبَخِيل الضيّق الْخلق والضّنين: الْبَخِيل. وَقَوله: تلقّاها عرابة بِالْيَمِينِ قَالَ شَارِح الدِّيوَان: الْيَمين القوّة قَالَ الله تَعَالَى: لأخذنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ. وَقَالَ بَعضهم: بِيَمِينِهِ لَا بِشمَالِهِ. وَالْيَمِين عِنْدهم أَحْمد بن الْيُسْرَى. وَقَالَ المبّرد فِي الْكَامِل: قَالَ أَصْحَاب الْمعَانِي: معنلاه بِالْقُوَّةِ. وَقَالُوا مثل ذلم فِي قَوْله تَعَالَى: والسّموات مطويّات بِيَمِينِهِ. قَالَ المبّرد: وَكَانَ هَذَا الشّعْر ارْتِفَاع عرابة بن أَوْس.) وَسبب الشّعْر أنّ عرابة قد من سفر فَجَمعه والشمّاخ الطَّرِيق فتحادثا فَقَالَ لَهُ عرابة: مَا الَّذِي أقدمك الْمَدِينَة قَالَ: قدمت لأمتار مِنْهَا فَمَلَأ لَهُ عرابة رواحله برّاً وَتَمْرًا وأتحفه بِغَيْر ذَلِك فَقَالَ الشّماخ هَذَا الشّعْر.

وَقَالَ مُعَاوِيَة لعرابة بن أَوْس: بِمَ سدت قَوْمك قَالَ: لست بسيّدهم ولكنّي رجلٌ مِنْهُم. فعزم عَلَيْهِ فَقَالَ: أَعْطَيْت فِي نائبتهم وحملت عَن سفيههم وشددت على يَدي حليمهم فَمن فعل مِنْهُم مثل فعلي فَهُوَ مثلي وَمن قصّر عَنهُ فَأَنا أفضل مِنْهُ وَمن تجاوزني فَهُوَ أفضل منّي. وَقَوله: فَنعم المرتجى الخ الْمَخْصُوص بالمدح مَحْذُوف أَي: عرابة. وركدت إِلَيْهِ أَي: بَركت عِنْد عرابة وَيُقَال دَامَ سَيرهَا إِلَيْهِ والراكد: الْقَائِم. الْبَعِير. وَالْإِبِل تُوصَف بصغر الكركرة وشبّه رحى حيزومها برحى الطّحين فِي الصّلابة لَا فِي الْعظم فَإِنَّهُ عيب. وَقَوله: إِذا ضربت على العلاّت الخ يَقُول: إِذا ضربت على مَا كَانَ بهَا من عِلّة حطت إِلَيْك أَي: اعتمدت عَلَيْك اعْتِمَاد هاديةٍ أَي: أتان مُتَقَدّمَة. والشّنون بِفَتْح الشين الْمُعْجَمَة وضمّ النُّون بَين السمين والمهزول. وَقَوله: توائل من مصكّ الخ توائل تفَاعل من وأل بِمَعْنى نجا أَي: تنجو وتهرب تِلْكَ الأتان من مصكّ أَي: حمَار شَدِيد بِكَسْر الْمِيم وَفتح الصَّاد الْمُهْملَة وَالْكَاف مُشَدّدَة. وأنصبته: من النّصب وَهُوَ التَّعَب. وحوالب فَاعل أنصبته وَهِي مَا تحلّب وسال من أَنفه وَذكره أَي: ذكره يذنّ بِمَاء ظَهره فهما حوالب أسهريه لشدّة شبقه. والذّنين بِفَتْح الذَّال الْمُعْجَمَة ونونين الشَّيْء الَّذِي يسيل وَيجْرِي وَقد ذنّ يذنّ ذنيناً إِذا سَالَ وَجرى. وَقَالَ

أَبُو عُبَيْدَة: حوالب أسهريه هما عرقا الذّكر اللَّذَان يظهران إِذا أنعظ. وَيُقَال الأسهران: عرقان فِي أصل الْقَفَا يجْرِي فيهمَا المَاء حتّى يبلغ الذّكر. وَيُقَال: اللذنين: الذّكر. كَذَا قَالَ شَارِح الدِّيوَان. وَقَوله: مَتى ينل القطاة الخ أَي: مَتى ينل الْحمار قطاة الأتان وَهُوَ مَوضِع الرّدف يَرك ليها أَي: يتورّك عَلَيْهَا. وحنو الرَّأْس بِكَسْر الْمُهْملَة: جَانب الرَّأْس. وفوقه: معترض الجبين أَي: جَبينه فِي نَاحيَة من شدّة نشاطه. وَقَوله: شجّ بالرّيق أَي: غصّ ذَلِك الْحمار بريقه إِذْ حرمت عَلَيْهِ وَذَلِكَ أنّها حاملٌ وَهِي) مُحصنَة الْفرج يَعْنِي الأتان. والواسقة: الحاملة. والْجَنِين: الْوَلَد فِي بَطنهَا. فَلَيْسَ فِي الأَرْض أُنْثَى تحمل فَتمكن الْفَحْل مَا خلا الْمَرْأَة. وَقَوله: طوت أحشاء الخ أَي: هَذِه الأتان ضمّت أحشاء مرتجة أَرَادَ رَحمهَا أَي: أغلقت رَحمهَا على مَاء الْفَحْل. والمشج بِفَتْح الْمِيم وَكسر الشين: مَاء الْفَحْل مَعَ الدَّم وَقيل مَاء الْفَحْل والأتان جَمِيعًا يختلطان. وسلالته أَي: مَاؤُهُ وَهُوَ فَاعل مشج وَيُقَال: السلالة الْوَلَد وَهُوَ الرَّقِيق. ومهين: ضَعِيف وَهُوَ صفة مشج. كَذَا قَالَ شَارِح الدِّيوَان. وَهَذَا الْبَيْت أوردهُ صَاحب الكشّاف عَنهُ قَوْله تَعَالَى: أمشاجٍ نبتليه على أنّه يُقَال: مشجٌ كَمَا يُقَال أمشاج وَكِلَاهُمَا مُفْرد. قَالَ شَارِح شَوَاهِد التفسيرين خضرٌ الموصليّ: يجوز أَن يكون سلالته مُبْتَدأ وَخَبره مهين وَإِنَّمَا لم تؤنئ إمّا لأنّه فعيل بِمَعْنى مفعول أَبُو بِمَعْنى فَاعل لكنه حمل عَلَيْهِ أَو لأنّ المُرَاد شَيْء مهين.

وَقد غفل عَن القوافي مَعَ أنّه أورد القصيدة فإنّها مجرورة فمهين مجرور لَا مَرْفُوع حتّى يَصح أَن يَقع خبر الْمُبْتَدَأ. وَالْمعْنَى أنّ هَذِه الأتان أطبقت رَحمهَا إِلَى وَقت الْولادَة على النّطفة فَلَا تمكّن الْحمار مِنْهَا فَهِيَ تهرب مِنْهُ تهرب مِنْهُ بأشدّ مَا يكون فناقة الشّماخ تشبه هَذِه الأتان فِي الْإِسْرَاع للتوجّه إِلَى هَذَا الممدوح. وَقَوله: إِلَيْك بعثت الخ المقحد بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الْقَاف وَكسر الْحَاء الْمُهْملَة: السّنام. وَقَوله: إِذا بَركت على شرف الخ الشّرف بِفتْحَتَيْنِ: الْموضع العالي. والعسيب هُنَا: عظم الْعُنُق وَيَأْتِي بِمَعْنى عظم الذَّنب. والجران بِكَسْر الْجِيم: بَاطِن الْعُنُق وَهُوَ الَّذِي يمسّ الأَرْض عِنْد مدّ عُنُقه عَلَيْهَا. وشبّه العسيب بَعْضًا الهجين لخفّته وَطوله. وخصّ الهجين لأنّ العبيد كَانُوا يرعون الْإِبِل ويستجدون الْعَصَا. وَجَوَاب إِذا هُوَ قَوْله: كَأَن محاز لحييها الْبَيْت الْآتِي. وَقَوله: إِذا الأرطى توسّد الخ هَذَا الْبَيْت من أَبْيَات أدب الْكَاتِب لِابْنِ قُتَيْبَة. والأرطى: شجرٌ من أَشجَار الْبَادِيَة تدبغ بِهِ الْجُلُود وَهُوَ مفعول لفعل مَحْذُوف أَي: إِذا توسّد الأرطى. وأبرديه بدل اشْتِمَال من الأرطى. وَمعنى توسّد أبرديه اتخذهما كالوسادة. والأبردان الظل والفيء سميّا بذلك لبردهما. والأبردان أَيْضا: الْغَدَاة والعشي. وخدود فَاعل توسّد. والجوازئ: الظباء. وبقر الْوَحْش سميّت جوازئ لأنّها اجتزأت بِأَكْل النبت الْأَخْضَر عَن المَاء) أَي: اكتفت بِهِ واستغنت عَن شرب المَاء. والْعين الواسعات الْعُيُون جمع عيناء. وَالْمعْنَى أنّ الوحوش تتَّخذ كناسين عَن جَانِبي الشّجر تستتر فيهمَا من حرّ الشّمس فترقد قبل زَوَال الشَّمْس فِي الكناس

الغربي فَإِذا زَالَت الشَّمْس إِلَى نَاحيَة الْمغرب وتحول الظلّ فَصَارَ فَيْئا زَالَت عَن الكناس الغربيّ ورقدت فِي الكناس الشرقيّ. وَالْمعْنَى أَنه قطع الفلاة فِي الهاجرة حِين تفرّ الوحوش من حرّ الشَّمْس. يمدح نَفسه بذلك وَيُوجب على الممدوح رِعَايَة حقّه. فَقَوله: إِذا الأرطى ظرف لقَوْله بعثت فِي الْبَيْت السَّابِق وَلَيْسَ شرطيّة حتّى يقدّر لَهَا جَزَاء خلافًا لِابْنِ السَّيِّد. وَقَوله: كَأَن محاز لحييها الخ هَذَا جَوَاب إِذا الأولى. أخبر أَنَّهَا تطأطئ رَأسهَا من الذُّبَاب فتلزقه بالحصى فتدفع الْحَصَى بلحييها. فَأخْبر أنّ تِلْكَ الأَرْض الَّتِي دفعت الْحَصَى عَنْهَا كَأَنَّهَا جلد أجرب لم يبْق عَلَيْهِ من الْوَبر إلاّ الْقَلِيل. يَقُول: تقع مَعِيبَة فتمد جِرَانهَا فتفحص التُّرَاب والحصى فَكَأَن ذَلِك الفحص جناباً بِكَسْر الْجِيم أَي: ناحيتا جلدٍ أجرب. وَضمير حصاه للرمل. وَقد ذكر أَبُو الْفرج الأصبهانيّ فِي الأغاني حِكَايَة مستظرفة لقَوْله إِذا الأرطى توسّد أبرديه عَن المدائنيّ أنّ عبد الْملك بن مَرْوَان نصب الموائد يطعم النَّاس فَجَلَسَ رجلٌ من أهل الْعرَاق على بعض الموائد فَنظر إِلَيْهِ خادمٌ لعبد الْملك فَأنكرهُ فَقَالَ: أعراقيٌّ أَنْت فَقَالَ: نعم فَقَالَ: بل أَنْت جاسوس قَالَ: لَا قَالَ: بلَى. قَالَ: وَيحك دَعْنِي أتهنأ طَعَام أمبر الْمُؤمنِينَ وَلَا تنغّصه عليّ. ثمّ إِن عبد الْملك أقبل يطوف على الموائد فَوقف على تِلْكَ الْمَائِدَة فَقَالَ: من الْقَائِل:

(الشاهد التاسع بعد الثلاثمائة)

إِذا الأرطى توسّد أبرديه وَمَا مَعْنَاهُ وَمن أجَاب فِيهِ أجزناه. فَقَالَ العراقيّ للخادم: أتحبّ أَن أشرح لَك ذَلِك قَالَ: نعم فَقَالَ هَذَا الْبَيْت يَقُوله عديّ بن زيد فِي صفة البطّيخ الرمسي. فَنَهَضَ الْخَادِم مَسْرُورا إلأى عبد الْملك فَأخْبرهُ فَضَحِك عبد الْملك حتّى سقط فَقَالَ لَهُ الْخَادِم: أَخْطَأت يَا مولَايَ أم أصبت فَقَالَ: بل أَخْطَأت. فَقَالَ: هَذَا العراقيّ لقّنني إِيَّاه. فَقَالَ: أيّ الرِّجَال هُوَ فَأرَاهُ إِيَّاه. فَقَالَ: أَأَنْت لقنته هَذَا فَقَالَ: نعم. فَقَالَ: صَوَابا لقّنته أم خطأ فَقَالَ فَقَالَ: بل خطأ. فَقَالَ: وَلم قَالَ: لِأَنِّي كنت متحرماً بمائدتك فَقَالَ لي كَيْت وَكَيْت وَأَرَدْت أَن أكفّه عنّي) وأضحكك مِنْهُ. فَقَالَ لَهُ عبد الْملك: فَكيف الصَّوَاب فَقَالَ: هَذَا الْبَيْت يَقُوله الشمّاخ بن ضرار فِي صفة الْبَقر الوحشيّة الَّتِي جزأت بالرّطب عَن المَاء فَقَالَ: صدقت وَأمر لَهُ بجائزة ثمَّ وَأنْشد بعده وَهُوَ 3 - (الشَّاهِد التَّاسِع بعد الثلاثمائة) الطَّوِيل (فَقلت انجوا عَنْهَا نجا الْجلد إنّه ... سيرضيكما مِنْهَا سنامٌ وغاربه)

. على أنّ الفرّاء يُجِيز إِضَافَة الشَّيْء إِلَى نَفسه إِذا اخْتلف اللفظان كَمَا فِي الْبَيْت فإنّ النّجاء وَالْجَلد مُتَرَادِفَانِ وَقد تضايقا. وَهُوَ معنى قَول المراديّ فِي شرح الألفيّة: نجا الْجلد من إِضَافَة المؤكّد إِلَى الكؤكد قَالَ صَاحب الصِّحَاح: النّجا مقصورٌ من قَوْلك: نجوت جلد الْبَعِير عَنهُ وأنجيته إِذا سلخته. قَالَ الشَّاعِر يُخَاطب ضيفين طرقاة: (فَقلت انجوا عَنْهَا نجا الْجلد ... إنّه ... ... ... الْبَيْت) قَالَ الفرّاء: أضَاف النّجا إِلَى الْجلد لأنّ الْعَرَب تضيف الشَّيْء إِلَى نَفسه إِذا اخْتلف اللفظان كَقَوْلِك: عين الْيَقِين ولدار الْآخِرَة. وَالْجَلد نجاً مَقْصُور أَيْضا. انْتهى. وَقَالَ القالي فِي الْمَقْصُور والممدود: والنّجا مَا سلخته عَن الشَّاة وَالْبَعِير يكْتب بِالْألف لأنّه من نجا ينجو. وَأنْشد هَذَا الْبَيْت عَن الفرّاء عَن أبي الجرّاح. فَيكون أَصله نجو بِالتَّحْرِيكِ قلبت الْوَاو ألفا لتحرّكها وانفتاح مَا قبلهَا. قَالَ الزّجاجيّ فِي تَفْسِيره عِنْد قَوْله تَعَالَى: لَا خير فِي كثير من نَجوَاهُمْ: معنى النّجوى فِي الْكَلَام مَا تنفرد بِهِ الْجَمَاعَة أَو الِاثْنَان سرّاً كَانَ أَو ظَاهرا وَمعنى نجوت الشَّيْء فِي اللُّغَة خلّصته وألقيته يُقَال نجوت الْجلد: إِذا أَلقيته عَن الْبَعِير وَغَيره وَأنْشد هَذَا الْبَيْت. وَقَالَ أَبُو الْقَاسِم عليّ بن حَمْزَة البصريّ فِي التَّنْبِيهَات على أغلاط الروَاة: لَا يُقَال فِي الْإِبِل سلخت وإنّما يُقَال فِيهَا خاصّة نجوت وجلّدت.

قَالَ أَبُو زيا: نجوت جلد الْبَعِير وجلّدت الْبَعِير تجليداً وَلَا تَقول سلخت إلاّ لعنقه فَإِنَّهُم يَقُولُونَ ذَلِك فِيهِ دون سَائِر الْجَسَد. وَقَالَ ابْن السيرافيّ فِي شرح أَبْيَات إصْلَاح الْمنطق: يُرِيد قشّرا عَنْهَا لَحمهَا وشحمها كَمَا يقشّر) الْجلد فَإِنَّهَا سَمِينَة. وغاربها: مَا بَين السّنام والعنق. وَيُؤْخَذ من هَذَا التَّفْسِير أَن النجا هُنَا اسْم مصدر بِمَعْنى النجو منصوبٌ على أنّه مفعول مُطلق وَلَيْسَ اسْما للجلد. فَلَا يكون كَمَا قَالَه الفرّاء. فتأمّل. وَرَأَيْت فِي حَاشِيَة الصِّحَاح لِابْنِ بريّ نِسْبَة هَذَا الْبَيْت لعيد الرَّحْمَن بن حسّان بن ثَابت وَنقل العينيّ عَن الْعباب للصاغاني أنّه لأبي الْغمر الكلابيّ وَقد نزل عِنْده ضيفان فَنحر لَهما نَاقَة فَقَالَا: إنّها مَهْزُولَة. فَقَالَ: معتذراً لَهما: فَقلت انجوا الخ. قَالَ: وَقَبله بيتان آخرَانِ وهما: (وَردت وَأَهلي بَين قوّ وفردةٍ ... على مجزر تأوى إِلَيْهِ ثعالبه) (فصادفت خيري كاهلٍ فاجآ بهَا ... يشفّان لَحْمًا بَان مِنْهُ أطايبه)

(الشاهد العاشر بعد الثلاثمائة)

وَقد فتشت الْعباب فَلم أظفر فِيهِ بِشَيْء مِمَّا قَالَه وَالله أعلم بِحَقِيقَة الْحَال. وقوّ بِفَتْح الْقَاف وَتَشْديد الْوَاو هُوَ وادٍ بالعقيق عقيق بني عقيل. وفردة بِفَتْح الْفَاء وَسُكُون الرَّاء بعْدهَا دَال ماءٌ من مياه نجدٍ لجرم. كَذَا فِي مُعْجم البكريّ. ومجزر بِكَسْر الزَّاي مَوضِع الجزر. وكَاهِل: أَبُو قَبيلَة وَهُوَ كَاهِل بن أَسد بن خُزَيْمَة. وفاجأ: أَي أَتَى بَغْتَة. ويشفّان: من شفّه الهمّ يشفّه بِالضَّمِّ أَي: هزله أَي: اللَّحْم الَّذِي ظهر مِنْهُ أطايبه قَالَا إِنَّه مهزول. وَأنْشد بعده وَهُوَ 3 - (الشَّاهِد الْعَاشِر بعد الثلاثمائة) : الْخَفِيف (ملكٌ أضلع البريّة لَا يو ... جد فِيهَا لما لَدَيْهِ كفاء) على أنّ إِضَافَة أفعل التَّفْضِيل عِنْد أبي بكر بن السرّاج وَمن تبعه لفظّية لَا تفِيد تعريفاً بِدَلِيل هَذَا الْبَيْت فإنّ أضلع البريّة وَقع نعتاً لملك وَهُوَ نكرَة فَلَو كَانَت تفِيد التَّعْرِيف لما صحّ وُقُوعه نعتاً لنكرة. قَالَ أَبُو عليّ فِي التَّذْكِرَة القصرّية: قَالَ أَبُو بكر فِي أفعل النَّاس نَحْو أشرف النَّاس وَأفضل الْقَوْم: إنّ هَذِه الْإِضَافَة فِي تَقْدِير الِانْفِصَال لأنّ مَا تضيفه من هَذَا الْقَبِيل يَنْبَغِي أَن يكون بعض مَا يُضَاف إِلَيْهِ بِدلَالَة امْتنَاع زيد أفضل الْحمير فَيجب أَن يقدّر الِانْفِصَال وإلاّ لم يجز لِئَلَّا تضيف الشَّيْء إِلَى نَفسه. فَإِن قلت: فإنّ مَا يقدّر فِيهِ الِانْفِصَال نجد فِيهِ معنى الْفِعْل نَحْو ضَارب

وَلَيْسَ فِي أفعل معنى الْفِعْل قيل: هَذَا وإنّ قصّر عَن فَاعل فَإِن فِيهِ معنى الْفِعْل لنصبه الظّرْف فِي بَيت أَوْس: أحْوج سَاعَة ووصوله تَارَة بالحرف وَأُخْرَى بِنَفسِهِ نَحْو أعلم بِمن وأعلم من وَهَذَا مِمَّا يختصّ بِالْفِعْلِ. فَإِن قلت: إِذا قدّرت فِيهِ الِانْفِصَال اقتصرت بِهِ على النكرَة كضارب زيد. قَالَ: فَتَبَارَكَ الله أحسن الْخَالِقِينَ. فَالْجَوَاب عِنْدِي نعم وَذَلِكَ قَوْله: ملك أضلع البريّة الْبَيْت. وَأما قَوْله: أحسن الْخَالِقِينَ فَيكون مَقْطُوعًا أَي: هُوَ أحسن الْخَالِقِينَ لأنّه مَوضِع ثَنَاء. انْتهى. وَهَذَا الْبَيْت من معلّقة الْحَارِث بن حلّزة وَهِي سابعة المعلّقات السَّبْعَة وَقد تقدّم جَانب مِنْهَا مَعَ تَرْجَمته فِي الشَّاهِد الثَّامِن وَالْأَرْبَعِينَ وَقطعَة فِي الشَّاهِد الثَّامِن وَالثَّلَاثِينَ بعد الْمِائَتَيْنِ ونقلنا فِي الْمَوْضِعَيْنِ سَبَب نظمه لهَذِهِ الْمُعَلقَة وَفِي الشَّاهِد الثَّامِن والثمانين بعد الْمِائَة أَيْضا. وَقبل الْبَيْت الشَّاهِد: (فملكنا بذلك النّاس حتّى ... ملك الْمُنْذر بن مَاء السّماء) ...

(وَهُوَ الرّبّ والشّهيد على يو ... م الحيارين وَالْبَلَاء بلَاء) ملكٌ أضلع البريّة ... ... ... . . الْبَيْت وَقَوله: فملكنا بذلك فِي هَذَا الْبَيْت إقواء فإنّه مجرور القافية. وَقيل هَذَا الْبَيْت منحول إِلَيْهِ) لَيْسَ من القصيدة. وَقَوله: بذلك يَعْنِي بالعزّ والامتناع وبالحروب الَّتِي كَانَ الغلب لنا فِيهَا دللّنا النَّاس حتّى ملك الْمُنْذر بن مَاء السَّمَاء. وَقَوله: وَهُوَ الربّ الخ الربّ عَنى بِهِ الْمُنْذر بن مَاء السَّمَاء. والربّ فِي هَذَا الْموضع: السَّيِّد. والشَّهِيد الْحَاضِر. والحياران: بلدٌ وَهُوَ بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة بعْدهَا مثّناة تحتيّة. يخبر أنّ الْمُنْذر كَانَ شهد يَوْم الحيارين. فإنّ الْمُنْذر غزا أهل الحيارين وَمَعَهُ بَنو يشْكر فأبلوا بلَاء حسنا وَكَانَ الْبلَاء فِي ذَلِك الْيَوْم بلَاء عَظِيما. وَقَوله: ملك أضلع الخ خبرٌ آخر لقَوْله هُوَ فَيكون مشاركاً للرب ف يالخبريّة فإنّ الْأَخْبَار يجوز أَن يَأْتِي بَعْضهَا بالْعَطْف وَبَعضهَا بِدُونِهِ كَمَا هُنَا. وأضلع البريّة أَي: أشدّ الْبَريَّة إضطلاعا لما يحمّل أَي: هُوَ أحمل النَّاس لما يحمل من أَمر وَنهي وَعَطَاء وَغير ذَلِك. وَقَوله: لَا يُوجد فِيهَا الخ مَعْنَاهُ لَيْسَ فِي الْبَريَّة أحدٌ يُكَافِئهُ وَلَا يَسْتَطِيع أَن يصنع مثل مَا يصنع من الْخَيْر. والكفاء بِالْكَسْرِ: الْمثل والنظير يُقَال: فلَان كفاءٌ لفُلَان أَي: كفءٌ لَهُ وَنَظِير. وَرُوِيَ: ملك أضرع البريّة على

(الشاهد الحادي عشر بعد الثلاثمائة)

أنّه فعل مَاض أَي: أذلّ الْبَريَّة زقهرها فَمَا يُوجد فيهم من يُسَاوِيه فِي معاليه وَحِينَئِذٍ لَا شَاهد فِي الْبَيْت. وَأنْشد بعده وَهُوَ 3 - (الشَّاهِد الْحَادِي عشر بعد الثلاثمائة) الطَّوِيل (وَلم أر قوما مثلنَا خير قَومهمْ ... أقلّ بِهِ منّا على قَومهمْ فخرا) لما تقدّم قبله فإنّه وصف النكرَة وَهِي قوما بِخَير وَهُوَ بِمَعْنى التَّفْضِيل وَلَو كَانَت الْإِضَافَة معنوية للتعريف لما وَقع صفة للنكرة. قَالَ الشّلوبين فِي حَاشِيَة المفصّل: هَذَا إِذا جعلت خيرا للتفضيل فإنّ جعلت خيرا فيهمَا من الْخَيْر الَّذِي هُوَ ضدّ الشرّ لم يكن من هَذَا الْبَاب. وجوّز شرّاح الحماسة أَن يكون خير قَومهمْ بَدَلا أَيْضا من قوما لَكِن قَالَ ابْن جنّي فِي إِعْرَاب الحماسة: فِي هَذَا الْبَيْت شاهدٌ لجَوَاز: مَرَرْت بِرَجُل أكْرم أَصْحَابه على أَصْحَابه على الصّفة لأنّها هُنَا أظهر من الْبَدَل وَالْهَاء فِي بِهِ ضمير الْخَيْر الَّذِي دلّ عَلَيْهِ قَوْله: خي قَومهمْ وَلَيْسَ الثَّانِي هُوَ الأوّل لأنّ خيرا الأوّل صفة وَالثَّانِي المقدّر مصدر كَقَوْلِك: أَنا أوثر الْخَيْر وأكره الشَّرّ فدلّت الصّفة على الْمصدر. (إِذا نهي السّفيه جرى إِلَيْهِ ... وَخَالف والسّفيه إِلَى خلاف) انْتهى

وَقَوله: أقل بِالنّصب مفعول ثَان لقَوْله: لم أر. وفخراً تَمْيِيز. وَتَقْدِير الْبَيْت: لم أر خير قومٍ مثلنَا أقلّ بذلك فخراً منّا على قَومنَا. وَالْمعْنَى إنّا لَا نبغي على قَومنَا وَلَا نتكبّر عَلَيْهِم بل نعدّهم أمثالنا ونظراءنا فنباسطهم ونوازنهم قولا بقول وفعلاً بِفعل. وَهَذَا الْبَيْت أول أَبْيَات ثلاثةٍ مَذْكُورَة فِي الحماسة لَكِن جَمِيع النّسخ والشروح تَجْتَمِع على إِسْقَاط الْوَاو من قَوْله: وَلم أر قوما على أَنه مخروم. والبيتان اللَّذَان بعدهمَا: (وَمَا تزدهينا الْكِبْرِيَاء عَلَيْهِم ... إِذا كلّمونا أَن نكلّمهم نزرا) (وَنحن بَنو مَاء السّماء فَلَا نرى ... لأنفسنا من دون مملكةٍ قصرا) زهاه وأزهاه بِمَعْنى تكبّر والزّهو: الْكبر وَالْفَخْر. ونزراً أَي: قَلِيلا وَهُوَ مفعول مُطلق أَي: كلَاما قَلِيلا وَالْمعْنَى لَا يستخفنا الْكبر إِلَى أَن نتعلّى عَلَيْهِم ونقلّل الْكَلَام مَعَهم ترفعاً عَن مساواتهم بل نباسطهم ونكاشرهم فِي القَوْل وَالسُّؤَال إيناساً لَهُم وتسكيناً مِنْهُم.) قَالَ بعض الْأَنْصَار: الوافر (أَنا ابْن مزيقيا عَمْرو وجدّي ... أَبوهُ عامرٌ مَاء السّماء)

(الشاهد الثاني عشر بعد الثلاثمائة)

وَمَاء السَّمَاء أَيْضا: لقب أمّ الْمُنْذر بن امْرِئ الْقَيْس بن عَمْرو بن عديّ بن ربيعَة بن نصر اللّخميّ. وَهِي ابْنة عَوْف بن جشم من النّمر بن قاسط. وسمّيت بذلك لجمالها وَقيل لولدها بَنو مَاء السَّمَاء وهم مُلُوك الْعرَاق. وَقَالَ زُهَيْر بن جناب: الوافر (ولازمت الْمُلُوك من أل نصرٍ ... وبعدهم بني مَاء السّماء) انْتهى فَالظَّاهِر أنّ المُرَاد هُنَا هُوَ الأوّل لأنّ قَائِل الأبيات أَنْصَارِي وَهُوَ زِيَادَة بن زيد الْحَارِثِيّ من بني الْحَارِث بن سعد أَخُو عذرة. وَقَالَ أَبُو رياش: هُوَ زِيَادَة بن زيد من سعد هذيم بن لَيْث بن سود بن أسلم بن الحاف بن وزِيَادَة شَاعِر إسلاميّ فِي الدولة الأموية قَتله ابْن عَمه هدبة بن خشرم. وَيَأْتِي إِن شَاءَ الله سَبَب قَتله عِنْد ذكر هدبة. وَأنْشد بعده وَهُوَ 3 - (الشَّاهِد الثَّانِي عشر بعد الثلاثمائة) وَهُوَ من شَوَاهِد س:

الوافر (فأيّي مَا وأيّك كَانَ شرا ... فقيد إِلَى المقامة لَا يَرَاهَا) على أَن هَذَا ضَرُورَة وَالْقِيَاس الْمُسْتَعْمل: فأيّناكان شرّاً من صَاحبه. ومَا زَائِدَة للتوكيد وأيّي مُبْتَدأ وأيّك مَعْطُوف عَلَيْهِ وَاسم كَانَ ضمير أَي: أيّنا وشرّاً خَبره وَالْجُمْلَة خبر الْمُبْتَدَأ وقيد مَجْهُول قاد الْأَعْمَى. وَجِيء بِالْفَاءِ لأنّه دُعَاء فَهُوَ كالأمر. والمقامة بِضَم الْمِيم وَفتحهَا: الْمجْلس وَجُمْلَة لَا يَرَاهَا حالٌ من ضمير قيد. يَدْعُو على الشرّ مِنْهُمَا أَي: من كَانَ منّا شرّاً أعماه الله فِي الدّنيا فَلَا يبصر حَتَّى يُقَاد إِلَى مَجْلِسه. وَقَالَ شَارِح اللّبَاب: أَي: قيد إِلَى مَوَاضِع إِقَامَة النَّاس وجمعهم فِي العرصات لَا يَرَاهَا أَي: قيد أعمى لَا يرى المقامة. انْتهى. وَحمل الدّعاء على الْآخِرَة لَا على الدُّنْيَا غير جيّد. وَهَذَا من الْمُعَامَلَة بالإنصاف. وَهَذَا الْبَيْت من جملَة أبياتٍ للعبّاس بن مرداس السّلميّ قَالَهَا لخفاف بن ندبة فِي أمرٍ شجر (أَلا من مبلغٌ عنّي خفافاً ... ألو كَا بَيت أهلك مُنْتَهَاهَا) (أَنا الرّجل الَّذِي حدّثت عَنهُ ... إِذا الخفرت لن تستر براها) (أشدّ على الكتيبة لَا أُبَالِي ... أفيها كَانَ حتفي أم سواهَا) (فأيّي مَا وأيّك كَانَ شرّاً ... فقيد إِلَى المقامة لَا يَرَاهَا) (وَلَا ولدت لَهُ أبدا حصانٌ ... وَخَالف مَا يُرِيد إِذا بغاها) (ولي نفسٌ تتوق إِلَى الْمَعَالِي ... ستتلف أَو أبلّغها مناها)

وخفاف بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة وَتَخْفِيف الْفَاء كغراب واشتهر بِالْإِضَافَة إِلَى أمه وَهِي ندبة بِفَتْح النُّون وَسُكُون الدَّال بعْدهَا بَاء موحّدة. وَهُوَ من أَصْحَاب رَسُول الله صلّى الله عَلَيْهِ وسلّم كالعبّاس بن مرداس. وتقدّمت تَرْجَمَة العبّاس فِي الشَّاهِد السَّابِع عشر من أَوَائِل الْكتاب أما تَرْجَمَة خفاف بن ندبة فستأتي إِن شَاءَ الله تَعَالَى فِي بَاب اسْم الْإِشَارَة. وألوك بِفَتْح الْهمزَة وَضم اللَّام: الرسَالَة وَمِنْهَا الْمَلَائِكَة. وحدّثت بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول وَالْخطاب. والخفرات: النِّسَاء الحيّيات بِفَتْح الْخَاء وَكسر الْفَاء وَالْفِعْل من بَاب تَعب. والبرا: جمعه بره) بِضَم الْبَاء الموحّدة فيهمَا وَهِي كلّ حَلقَة من سوار وقرط وخلخال وَالْمرَاد هُنَا الْأَخير. وَعدم ستر الخلاخيل للنِّسَاء إنّما يكون عِنْد هروبهن من السبيّ والنهب. وإِذا ظرف إمّا لقَوْله حدّثت أَو لقَوْله أشدّ على الكتيبة. وَمثل هَذَا يُسمى التجاذب. وَقَوله: أَشد على الكتيبة وَقيل: لم يقل فِي الشجَاعَة أبلغ من هَذَا الْبَيْت. والكتيبة: الْجَيْش. والحتف: الْهَلَاك. وَقَوله: فقيد إِلَى المقامة رُوِيَ أَيْضا: فسيق إِلَى المقامة من السّوق. وَقَوله: ولاولذت لَهُ الخ هَذَا دعاءٌ عَلَيْهِ بِقطع نَسْله والخصان بِالْفَتْح: الْمَرْأَة العفيفة. وتتوق تاقت نَفسه إِلَى الشَّيْء اشتاقته ونازعت إِلَيْهِ وَتلف الشَّيْء من بَاب فَرح إِذا هلك.

(الشاهد الثالث عشر بعد الثلاثمائة)

وأنشده بعده وَهُوَ 3 - (الشَّاهِد الثَّالِث عشر بعد الثلاثمائة) الرجز (أظلمي وأظلمه) على أنّه ضَرُورَة وَالْقِيَاس أظلمنا. وَهُوَ قِطْعَة من رجز رَوَاهُ أَبُو عَليّ فِي إِيضَاح الشّعْر عَن أَحْمد بن يحيى الشهير بثعلب وَهُوَ: (يَا ربّ مُوسَى أظلمي وأظلمه ... فاصبب عَلَيْهِ ملكا لَا يرحمه) قَالَ: مَعْنَاهُ أظلمنا كَقَوْلِه: أخزى الله الْكَاذِب منّي وَمِنْه أَي: منّا فَالْمَعْنى أظلمنا فاصبب عَلَيْهِ. وَهَذَا يدلّ على جَوَاز ارْتِفَاع زيد بِالِابْتِدَاءِ فِي نَحْو زيد فَاضْرِبْهُ إِن جعلت الْفَاء زَائِدَة على مَا يرَاهُ أَبُو الْحسن. فَإِن قلت: أضمر الْمُبْتَدَأ كَمَا أضمرت فِي قَوْلك: خولان فانكح فَتَاتهمْ فَإِن ذَلِك لَا يسهل لأنّه للمتكلم فَكَمَا لَا يتّجه: هَذَا أَنا على إِرَادَة إِشَارَة الْمُتَكَلّم إلأى نَفسه من غير أَن ينزله منزلَة الْغَائِب كَذَلِك لَا يحسن إِضْمَار هَذَا هُنَا. فَإِن قلت: إِن أظلمنا على لفظ الْغَيْبَة فَلَيْسَ مثل هَذَا أَنا فَإِنَّهُ وَإِن كَانَ كَذَلِك فَالْمُرَاد بِهِ بعض الْمُتَكَلِّمين وَلَا يمْنَع ذَلِك أَلا ترى أَنهم قَالُوا يَا تَمِيم كلّهم فَحَمَلُوهُ على الْغَيْبَة لما كَانَ اللَّفْظ لَهُ وَإِن كَانَ المُرَاد بِهِ الْمُخَاطب. وَإِن جعلت الْمُضمر فِي علمك كَأَنَّك قلت قد أظلمنا فِي عهلمك كَانَ مُسْتَقِيمًا. انْتهى.)

(الشاهد الرابع عشر بعد الثلاثمائة)

وَرَوَاهُ ابْن عقيل فِي شرح التسهيل هَكَذَا: سلّط عَلَيْهِ ملكا لَا يرحمه وربّ منادى مُضَاف إِلَى مُوسَى وَضمير أظلمه الْغَائِب رَاجع إِلَى مُوسَى هَذَا وَهُوَ خصم صَاحب هَذَا الرجز. وَكَلَام أبي عَليّ مبنيّ على رفع أظلمي واظلمه بِالِابْتِدَاءِ وَالْخَبَر الْجُمْلَة الدهائية وَيجوز نصبهما على الِاشْتِغَال. وَأنْشد بعده وَهُوَ 3 - (الشَّاهِد الرَّابِع عشر بعد الثلاثمائة) الطَّوِيل (فَهَل لكم فِيهَا إليّ فإنّني ... طَبِيب بِمَا أعيا النّطاسيّ حذيما) على أَن فِيهِ حذف مُضَاف أَي: ابْن حذيم فَحذف الْمُضَاف وأقيم الْمُضَاف إِلَيْهِ مقَامه لِأَنَّهُ علم أَنه الْعَالم بالطبّ وَالْمَشْهُور بِهِ لَا حذيم فإنّه ورد فِي الْأَمْثَال: أطبّ من ابْن حذيم. قَالَ الزمخشريّ فِي المستقصى: هُوَ رجلٌ كَانَ من أطباء الْعَرَب. وَأنْشد هَذَا الْبَيْت وَقَالَ: أَرَادَ ابْن حذيم. انْتهى. قَالَ أَبُو الندى: ابْن حذيم رجلٌ من تيم الرّباب كَانَ أطبّ الْعَرَب وَكَانَ أطبّ من الْحَارِث بن كلدة.

وَأورد صَاحب الْكَشَّاف هَذَا الْبَيْت عِنْد قَوْله تَعَالَى: شهر رَمَضَان الَّذِي أنزل فِيهِ الْقُرْآن على أنّ التَّسْمِيَة واقعةٌ على الْمُضَاف والمضاف إِلَيْهِ جَمِيعًا. وأمّا مَا يرد من نَحْو قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ: من صَامَ رَمَضَان إِيمَانًا واحتساباً غفر لَهُ وتقدّم وَقد خَالف كَلَامه هُنَا فِي المفصّل فَإِنَّهُ قَالَ فِيهِ: إِذا أمنُوا الإلباس حذفوا الْمُضَاف. وَقد جَاءَ اللّبس فِي الشّعْر قَالَ ذُو الرّمّة: الطَّوِيل (عشيّة فرّ الحارثيّون بَعْدَمَا ... قضى نحبه فِي ملتقى الْقَوْم هوير) وَقَالَ: بِمَا أعيا النّطاسيّ حذيما أَي: ابْن هوبر وَابْن حذيم. وَهُوَ فِي قَوْله هَذَا تابعٌ لأبي عَليّ فِي إِيضَاح الشّعْر فَإِنَّهُ قَالَ: قد) جَاءَ فِي الشّعْر أبياتٌ فِيهَا حذف مُضَاف مَعَ أنّه يؤديّ حذفه إِلَى الإلباس مثل بِمَا ذكر وَبِقَوْلِهِ: الْكَامِل (أرضٌ تخيّرها لطيب مقليها ... كَعْب بن مامة وَابْن أمّ دَاوُد) هُوَ أَبُو الشَّاعِر واسْمه جَارِيَة وَالتَّقْدِير ابْن أمّ أبي دَاوُد فَحذف الْأَب. وَالصَّوَاب مَا فِي الكشّاف من أنّه لَا إلباس فِيهِ فإنّ الإلباس وَعَدَمه إنّما يكون بِالنِّسْبَةِ إلأى الْمُخَاطب الَّذِي يلقِي المتكلّم كَلَامه إِلَيْهِ لَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى أمثالنا فَإِنَّهُ وَإِن كَانَ عندنَا من قبيل الإلباس مفهومٌ وَاضح عِنْد الْمُخَاطب بِهِ فِي ذَلِك الْعَصْر.

ويؤيّد مَا ذكرنَا قَول ابْن جنّي فِي الخصائص: أَلا ترى أنّ الشَّاعِر لما فهم عَنهُ مَا أَرَادَ بقوله قَالَ (صبّحن من كاظمة الخصّ الخرب ... يحملن عبّاس بن عبد المطّلب) وإنّما أَرَادَ عبد الله بن عبّاس. وَلَو يكن على الثِّقَة بفهم ذَلِك لم يجد بدّاً من الْبَيَان. وعَلى ذَلِك قَول الآخر: طبيبٌ بمتا أعيا النّطاسيّ حذيما أَرَادَ: ابْن حذيم. انْتهى. زحذف الصلتان العبديّ أَكثر من هَذَا فِي محاكمته بَين جرير والفرزدق فِي قَوْله: الطَّوِيل أرى الخطفى بذّ الفرزدق شعره ولكنّ خيرا من كلابٍ مجاشع فَإِنَّهُ أَرَادَ: أرى جرير بن عطيّة بن الخطفى. وَجَاز هَذَا لكَونه مَعْلُوما عِنْد الْمُخَاطب. وَقد أنكر الخوارزميّ كَون هَذَا من بَاب الْحَذف قَالَ: إنّما هُوَ من بَاب تعدّي اللقب من الْأَب إِلَى الابْن كَمَا فِي قَوْله: الطَّوِيل كراجي النّدى وَالْعرْف عِنْد المذلّق

أَي: ابْن المذلّق. هَذَا وَقد قَالَ يَعْقُوب بن السكّيت فِي شرح هَذَا الْبَيْت من ديوَان أَوْس بن حجر: حذيم رجلٌ من تيم الرّباب وَكَانَ متطّبباً عَالما. هَذَا كَلَامه فَعنده أنّ الطَّبِيب هُوَ حذيم لَا ابْن حذيم. وَتَبعهُ على هَذَا صَاحب الْقَامُوس فَلَا حذف فِيهِ وَلَا شَاهد على مَا وذها الْبَيْت من أَبْيَات لأوس بن حجر قَالَهَا لبني الْحَارِث بن سدوس بن شَيبَان وهم أهل الْقرْيَة بِالْيَمَامَةِ حَيْثُ اقتسموا معزاه. وَقيل اقتسمها بَنو حنيفَة وَبَنُو سحيم وَكَانَ أَوْس بن حجر أغرى عَلَيْهِم عَمْرو بن الْمُنْذر بن مَاء السَّمَاء ثمَّ جاور فيهم فَاقْتَسمُوهُ معزاه.) وَهَذَا مطْلعهَا: (فَإِن يأتكم منّي هجاءٌ فإنّما ... حباكم بِهِ منّي جميل بن أرقما) ثمَّ بعد أَرْبَعَة أَبْيَات: فَهَل لكم فِيهَا إليّ فإنّني ... ... ... ... الْبَيْت (فأخرجكم من ثوب شَمْطَاء عاركٍ ... مشهّرةٍ بلّت أسافله دَمًا) (وَلَو كَانَ جارٌ مِنْكُم فِي عشيرتي ... إِذا لرأوا للْجَار حقّاً ومحرما) (وَلَو كَانَ حَولي من تَمِيم عصابةٌ ... لما كَانَ مَالِي فِيكُم متقسّما) (أَلا تَتَّقُون الله إِذْ تعلفونها ... رضيخ النّوى والعضّ حولا مجرّما) (وأعجبكم فِيهَا أغرّ مسهّرٌ ... تلادٌ إِذْ نَام الرّبيض تغمغما) وَهَذَا آخر الأبيات. قَوْله: فإنّما حباكم الخ حباكم بِهِ أَي: وصلكم بالهجاء.

وَقَوله: فَهَل لكم فِيهَا الخ قَالَ المفضّل بن سَلمَة فِي الفاخر وَابْن الأنباريّ فِي الزَّاهِر: وروى ابْن السكّيت: فإنّني بَصِير بدل طَبِيب. والْبَصِير: الْعلم وَقد بصر بِالضَّمِّ بصارة والتبصّر: التأمّل والتعرّف. وأعياه الشَّيْء نتعدّي عييت بأَمْري إِذا لم تهتد لوجهه. والنّطاسيّ مَفْعُوله وحذيم بدل من النطاسي. وفاعل أعيا ضمير مَا الموصولة الْوَاقِعَة على الدَّاء. أَي: إنّني طبيبٌ حاذق بالداء الَّذِي أعجز الْأَطِبَّاء فِي مداواته وعلاجه. والنّطاسيّ بِكَسْر النُّون قَالَ ابْن السّكيت: الْعَالم الشَّديد النّظر فِي الْأُمُور. قَالَ أَبُو عبيد: ويروى: النّطاسيّ بِفَتْح النُّون. قَالَ الجوهريّ: التنطّس الْمُبَالغَة فِي التطّهر وكلّ من أدقّ النّظر فِي الْأُمُور واستقصى علمهَا فَهُوَ متنطّس. وَمِنْه قيل للمتطّبب نطّيس كفسيق ونطاسيّ بِكَسْر النُّون وَفتحهَا. وَقَوله: فَهَل لكم بضمّ الْمِيم وَهُوَ خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي: هَل لكم ميل. وَقَوله: فِيهَا الضَّمِير للمعزى. وَفِيه حذف مُضَاف أَي: فَهَل لكم ميلٌ فِي ردّ المعزى إليّ. وَقَوله: فأخرجكم من ثوب شَمْطَاء الخ الشمطاء: الْمَرْأَة الَّتِي فِي رَأسهَا شمط بِالتَّحْرِيكِ وَهُوَ بَيَاض شعر الرَّأْس يخالطه سَواد وَالرجل أشمط. والعارك: الْحَائِض. ومشّهرة: اسْم مفعول من شهّرته تشهيراً والشهّرة: وضوح الْأَمر يَقُول: هَل لكم فِي ردّ معزاي فأخرجكم من سبّةٍ شنعاء تلطخ أعراضكم وتدنّسها كَمَا تدنس الْحَائِض ثوبها بِالدَّمِ فأغسلها عَنْكُم. وَهَذَا)

وَقد خبط جَمِيع من تكلم على هَذَا الشَّاهِد حَيْثُ لم ير السّياق والسّباق فَقَالَ شَارِح شَوَاهِد التفسيرين: الْمَعْنى هَل لكم علمٌ بحالي مِنْكُم فإنّني بصيرٌ بِمَا أعجز الطَّبِيب الْمَشْهُور. وَقَالَ المظفّري فِي شرح المفصّل: أَي هَل لكم طريقٌ فِي مداواة مَا بِي فإنّي أرى من الدَّاء مَا أعيا الطَّبِيب عَن مداواته. وَقد قَارب بعض فضلاء الْعَجم فِي شرح أَبْيَات المفصّل بقوله: وَالْمعْنَى هَل لكم فِي هَذِه الْحَادِثَة حاجةٌ إليّ لأشفيكم بِرَأْي فِيهَا فإنّني طبيبٌ عَالم بِالَّذِي عجز عَنهُ هَذَا الحاذق الْعَالم بالطب وَلم يهتد إِلَيْهِ. وَقَوله: ألآ تَتَّقُون الله الخ يَقُول: لَوْلَا أنّك سرقتها لأيّ شَيْء تعلفها يَقُول: فردّها وَلَا تعلفها. والرضيح بالضاد وَالْخَاء المعجمتين: المدقوق رضحت الْحَصَا والنوى كسّرته. والعضّ بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَتَشْديد الضَّاد الْمُعْجَمَة قَالَ ابْن السّكيت: هُوَ القتّ وَقَالَ الجوهريّ: علف أهل الْأَمْصَار مثل الْكسْب والنّوى المرضوح. والمجرّم بِالْجِيم على وزن اسْم الْمَفْعُول: التَّام والكامل. وَقَوله: وأعجبكم فِيهَا أغرّ الخ قَالَ ابْن السّكيت الأغرّ: الْأَبْيَض. والتلاد: الْقَدِيم من المَال. والرّبيض هَاهُنَا الْغنم. وَقَوله: تغمغما يَعْنِي هَذَا الْأَغَر والغمغمة هبابه أَي: لَا ينَام

تَتِمَّة قَالَ ابْن الْأَثِير فِي المرصّع: ابْن حذيم شَاعِر فِي قديم الدَّهْر يُقَال إنّه كَانَ طَبِيبا حاذقاً يضْرب بِهِ الْمثل فِي الطبّ فَيُقَال: أطبّ بالكيّ من ابْن حذيم وسمّاه أوسٌ حذيماً يَعْنِي أنّه حذف لفظ ابْن فَقَالَ: عليمٌ بِمَا أعيا النطاسيّ حذيماً وَيُقَال ابْن حذام أَيْضا وإنّه أوّل من بَكَى من الشُّعَرَاء فِي الديار وَهُوَ الَّذِي سمّاه امْرُؤ الْقَيْس فِي قَوْله: الْكَامِل (عوجا على الطّلل الْمُحِيل لعلّنا ... نبكي الدّيار كَمَا بَكَى ابْن حذام) وَابْن خذام بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة أشهر وَقيل هما اثْنَان. وَقَالَ فِي الْخَاء الْمُعْجَمَة: ابْن خذام هُوَ الْمَذْكُور فِي حرف الْحَاء على اخْتِلَاف الرِّوَايَتَيْنِ فَمنهمْ من جعله إيّاه وَمِنْهُم من جعلهمااثنين. وَيُقَال: إِن هَذَا الْبَيْت الَّذِي فِي قصيدة امْرِئ الْقَيْس لَهُ وَهُوَ: الطَّوِيل) (كأنّي غَدَاة الْبَين حِين تحمّلوا ... لَدَى سمُرَات الحيّ ناقف حنظل) وَيُقَال: للخمّار ابْن خذام. وخذام من أَسمَاء الْخمر. هَذَا كَلَامه. أَقُول: جَمِيع من ذكر ابْن حذام الشَّاعِر لم يقل إِنَّه هُوَ ابْن حذيم الطَّبِيب. وَقد اخْتلف فِي ضبط اسْمه فَالَّذِي رَوَاهُ الْآمِدِيّ ابْن خذام بمعجمتين قَالَ: من يُقَال لَهُ ابْن خذام مِنْهُم ابْن خذام الَّذِي ذكره امْرُؤ الْقَيْس فِي شعره وَهُوَ أحد من بَكَى الديار قبل امْرِئ الْقَيْس ودرس شعره. قَالَ امْرُؤ الْقَيْس: ...

(عوجا على الطّلل الْمُحِيل لأنّنا ... نبكي الدّيار كَمَا بكة ابْن خذام) قَوْله: لأنّنا يُرِيد لعلّنا ذكر ذَلِك أَبُو عُبَيْدَة وَقَالَ: قَالَ لنا أَبُو الوثيق مّمن ابْن خذام فَقُلْنَا: مَا نعرفه. فَقَالَ: رَجَوْت أَن يكن علمه بالأمصار فَقُلْنَا: مَا سمعنَا بِهِ فَقَالَ: بلَى قد ذكره امْرُؤ الْقَيْس وَبكى على الديار قبله فَقَالَ: كأنّي غَدَاة الْبَين يَوْم تحمّلوا ... ... ... الْبَيْت انْتهى وَقَالَ ابْن رَشِيق فِي الْعُمْدَة: الَّذِي أعرف أَن ابْن خذام بذال مُعْجمَة وحاء غير مُعْجمَة كَمَا روى الجاحظ وَغَيره. انْتهى. وَضَبطه بَعضهم ابْن حمام بحاء مهملو مَضْمُومَة بعْدهَا مِيم غير مشدّدة واسْمه امْرُؤ الْقَيْس. قَالَ الْآمِدِيّ عِنْد ذكر المسمّين بامرئ الْقَيْس وَمِنْهُم امْرُؤ الْقَيْس بن حمام ثمَّ ذكر نسبه وَقَالَ: وَالَّذِي أدْركهُ الروَاة من شعره قَلِيل جدا. وَكَانَ امْرُؤ الْقَيْس هَارِبا فَقَالَ مهلهل: الْكَامِل فِي قصّة مَذْكُورَة فِي أَخْبَار زُهَيْر بن جناب. وَبِهَذَا الْبَيْت قيل لمهلهل مهلهل. وَبَعض الروَاة يروي بَيت امْرِئ الْقَيْس بن حجر: (عوجا على الطّلل الْمُحِيل لعلّنا ... نبكي الدّيار كَمَا بَكَى ابْن حمام) يَعْنِي امْرأ الْقَيْس هَذَا ويروي ابْن خذام. انْتهى. وَمثله للعسكريّ فِي كتاب التَّصْحِيف قَالَ: وَمِنْهُم امْرُؤ الْقَيْس

بن حمام ابْن عُبَيْدَة بن هُبل بن أخي زُهَيْر بن جناب بن هُبل. وَيَزْعُم بَعضهم أنّه الَّذِي عَنى امْرُؤ الْقَيْس بقوله: نبكي الديار كَمَا بَكَى ابْن خذام وَكَانَ يَغْزُو مَعَ مهلهل وإياه أَرَادَ مهلهلٌ بقوله:) لما توغّل فِي الْكلاب هجينهم ... ... ... . الْبَيْت فالهجين هُوَ امْرُؤ الْقَيْس بن حمام. وَجَابِر وصنبل: رجلَانِ من بني تغلب. انْتهى. قَالَ ابْن رَشِيق فِي الْعُمْدَة: ويروى: لّما توفّل فِي الكراع شريدهم قَالَ السكريّ: يَعْنِي بالهجين امْرأ الْقَيْس بن حمام وَكَانَ مهلهل تبعه يَوْم الْكلاب ففاته ابْن حمام بعد أَن تنَاوله مهلهلٌ بِالرُّمْحِ وَكَانَ ابْن حمام أغار على بني تغلب مَعَ زُهَيْر بن جناب فَقتل جَابِرا هَذَا مَا اطَّلَعت عَلَيْهِ. وَقَول امْرِئ الْقَيْس بن حجر: عوجا على الطّلل الْمُحِيل الْبَيْت هُوَ من قصيدة لَهُ اسْتشْهد بِهِ صَاحب الكشّاف عِنْد قَوْله تَعَالَى: وَمَا يشعركم أنّها إِذا جَاءَت لَا يُؤمنُونَ بِفَتْح الْهمزَة فِي قِرَاءَة أهل الْمَدِينَة بِمَعْنى لعلّ كَمَا أنّ لأنّنا فِي الْبَيْت بِمَعْنى لعلّنا. قَالَ ابْن رَشِيق فِي الهمدة: يرْوى فِي الْبَيْت لأنّنا بِمَعْنى لعلّنا وَهِي لُغَة امْرِئ الْقَيْس فِيمَا زعم بعض المؤلفين وَالَّذِي كنت أعرف: لعنّنا بِالْعينِ ونونين.

والْمُحِيل: الَّذِي أَتَى عَلَيْهِ الْحول. وعوجا أَمر من عجت الْبَعِير أعوجه عوجا ومعاجاً: إِذا عطفت رَأسه بالزمام. وأَوْس بن حجر بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَالْجِيم شَاعِر من شعراء تَمِيم فِي الْجَاهِلِيَّة. وَفِي أَسمَاء نسبه اخْتِلَاف فَلِذَا تركنَا نسبه. قَالَ ابْن قُتَيْبَة فِي كتاب الشُّعَرَاء: كَانَ أوسٌ فَحل مُضر حتّى نَشأ النَّابِغَة وزهيرٌ فأحملاه. وَقيل لعَمْرو بن معاذٍ وَكَانَ بَصيرًا بالشعر: من أشعر النَّاس فَقَالَ: أَوْس قيل: ثمَّ من قَالَ: أَبُو ذُؤَيْب. وَكَانَ أوسٌ عَاقِلا فِي شعره كثير الْوَصْف لمكارم الْأَخْلَاق وَهُوَ من اوصفهم للحمير وَالسِّلَاح زلا سيّما للقوس وَسبق إِلَى دَقِيق الْمعَانِي وَإِلَى أَمْثَال كَثِيرَة. انْتهى. وَقَالَ صَاحب الأغاني: كَانَ أَوْس هَذَا من شعراء الْجَاهِلِيَّة وفحولها وكر أَبُو عُبَيْدَة أَنه من الطَّبَقَة الثَّالِثَة وقرنه بالحطيئة والنابغة الْجَعْدِي. وَتَمِيم تقدم أَوْسًا على سَائِر شعراء الْعَرَب. وَقَالَ الأصمعيّ: أوسٌ أشعر من زُهَيْر إلاّ أنّ النَّابِغَة طأطأ مِنْهُ.) وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: كَانَ أَوْس غزلاً مغرماً بِالنسَاء فَخرج فِي سفر حتّى إِذا كَانَ بِأَرْض بني أَسد بَين شرج وناظرة فَبَيْنَمَا هُوَ يسير ظلاماً إِذْ جالت بِهِ نَاقَته فصرعته فاندقّت فَخذه فَبَاتَ مَكَانَهُ وَمَا زَالَ يقاسي كلّ عَظِيم بِاللَّيْلِ ويستغيث فَلَا يغاث حتّى إِذا أصبح إِذا جواري الحيّ يجتنبن الكمأة وَغَيرهَا من نَبَات الأَرْض وَالنَّاسِي فِي ربيع: فبيناهنّ كَذَلِك إِذْ بصرن بناقته تجول وَقد علق زمامها بشجرة وأبصرنه ملقىً ففرغن مِنْهُ فهربن فَدَعَا جَارِيَة منهنّ فَقَالَ لَهَا: من أَنْت قَالَت: أَنا حليمة بنت فضَالة بن كلدة. وَكَانَت أصغرهنّ فَأَعْطَاهَا حجرا وَقَالَ: اذهبي إِلَى

أَبِيك فَقولِي لَهُ: ابْن هَذَا يُقْرِئك السَّلَام وَيَقُول لَك: أدركني فإنّي فِي حَالَة عَظِيمَة فَأَتَت أَبَاهَا وقصّت عَلَيْهِ القصّة وأعطته الْحجر فَقَالَ: يَا بنية لقد أتيت أَبَاك بمدح طَوِيل أَو هجاء طَوِيل. ثمّ احْتمل هُوَ وأَهله إِلَى الْموضع الَّذِي فِيهِ أوسٌ وَسَأَلَهُ عَن حَاله فَأخْبرهُ الْخَبَر فَأَتَاهُ بِمن جبر كَسره وَلم يزل مُقيما عِنْده وبنته تخدمه إِلَى أَن برأَ فمدحه أَوْس بقصائد عديدة ورثاه أَيْضا بعد مَوته. وَكَانَ أوسٌ إِذا جلس فِي مجْلِس قومه قَالَ: مَا لأحد عليّ منّه أعظم من منّه أبي دليجة. وَكَانَ أَبُو دليجة كنية فضَالة بن كلدة. وكلدة بِفَتْح الْكَاف وَاللَّام وَهِي فِي اللُّغَة الأَرْض الغليظة. وَذكره ابْن قُتَيْبَة فِي بَاب الْأَسْمَاء المنقولة من أدب الْكَاتِب. وَمن شعر أَوْس قَوْله: الطَّوِيل (يَا رَاكِبًا إمّا عرضت فبلّغن ... يزِيد بن عبد الله مَا أَنا قَائِل) (بآيه أنّي لم أخنك وإنّه ... سوى الحقّ مهما ينْطق النّاس بَاطِل) (فقومك لَا تجْهَل عَلَيْهِم وَلَا تكن ... لَهُم هرشاً تغتابهم وتقاتل) (وَمَا ينْهض الْبَازِي بِغَيْر جنَاحه ... وَلَا يحمل الماشين إلاّ الْحَوَامِل) (وَلَا سَابق إلاّ بساق سليمةٍ ... وَلَا باطشٌ مَا لم تعنه الأنامل) (إِذا أَنْت لم تعرض عَن الْجَهْل والخنى ... أصبت حَلِيمًا أَو أَصَابَك جَاهِل) الهراش: أشدّ الْقِتَال مثل مهارشة الْكلاب. وَأَرَادَ بالحوامل الأرجل.

(الشاهد الخامس عشر بعد الثلاثمائة)

وَمَا حب الدّيار شغفن قلبِي تَمَامه:) وَلَكِن حبّ من سكن الدّيارا هُوَ لقيسٍ مَجْنُون بني عَامر. وَتقدم الْكَلَام عَلَيْهِ فِي الشَّاهِد التسعين بعد الْمِائَتَيْنِ. وَأنْشد بعده وَهُوَ 3 - (الشَّاهِد الْخَامِس عشر بعد الثلاثمائة) الْكَامِل (يسقون من ورد البريص عَلَيْهِم ... بردى يصفّق بالرّحيق السّلسل) على أنّه قد يقوم الْمُضَاف إِلَيْهِ مقَام الْمُضَاف فِي التَّذْكِير لأنّه أَرَادَ: مَاء بردى. وَلَو لم يقم مقَامه فِي التَّذْكِير لوَجَبَ أَن يُقَال تصفّق بِالتَّاءِ للتأنيث لأنّ بردى من صِيغ الْمُؤَنَّث وَهُوَ نهر دمشق. قَالَ أَبُو عبيد الْبكْرِيّ: هُوَ من الْبرد سمّي بذلك لبرد مَائه. وَأوردهُ صَاحب الكشّاف عِنْد قَوْله تَعَالَى: يجْعَلُونَ أَصَابِعهم فِي آذانهم على أَن الْوَاو فِي يجْعَلُونَ ضمير أَصْحَاب الصّيب وَإِن كَانَ محذوفاً لبَقَاء مَعْنَاهُ كَمَا أرجع الشَّاعِر ضمير يصفق إِلَى مَاء بردى مَعَ أنّه غير مَذْكُور وَلِهَذَا ذكّر يصفّق.

قَالَ ابْن الْمُسْتَوْفى: لَو قَالَ قَائِل: إنّه أعَاد الضَّمِير مذكّراً على الْمَعْنى لأنّ بردى نهر لوجد مساغاً. وروى صَاحب الأغاني: وَعَلِيهِ لَا شَاهد فِيهِ. والبريص قَالَ أَبُو عبيد البكريّ فِي مُعْجم مَا استعجم وَتَبعهُ الصَّاغَانِي فِي الْعباب: هُوَ بِفَتْح الموحّدة وَآخر صَاد مُهْملَة: مَوضِع بِأَرْض دمشق. وَزَاد الجواليقيّ فِي المعرّبات: وَلَيْسَ بالعربيّ الصَّحِيح وَقد تَكَلَّمت بِهِ الْعَرَب وَأَحْسبهُ روميّ الأَصْل. وَأنْشد هَذَا الْبَيْت. وَلم أر من أهل اللُّغَة من ضَبطه بالضاد الْمُعْجَمَة. وَقد اخْتلف شرّاح المفصّل فِي ضَبطه وَمَعْنَاهُ فَقَالَ ابْن يعِيش: هُوَ بالصَّاد الْمُهْملَة نهر يتشعّب من بردى وَهُوَ نهر دمشق كالصّراة من الْفُرَات. وزلدمشق أَنهَار أَرْبَعَة كلّها من بردى. وَقَالَ المظفريّ: هُوَ بالضاد الْمُعْجَمَة وادٍ فِي ديار الْعَرَب والبريص بالصَّاد الْمُهْملَة: اسْم نهر وَقيل اسْم مَوضِع بِدِمَشْق. وَقَالَ ابْن الْمُسْتَوْفى: هُوَ بالضاد الْمُهْملَة. قَالَ المفسّرون: هُوَ مَأْخُوذ من البرض أَرَادَ الْموضع) المبيّض المجصصّ. ويروى بالضاد الْمُعْجَمَة: فعيل من البرص وَهُوَ المَاء الْقَلِيل. وَرِوَايَة الْمُهْملَة أَكثر وأجود. وَقَالُوا: هُوَ اسْم نهر. وكرّر البريص فِي هَذِه القصيدة فَقَالَ: ...

(فعلوت من أَرض البريص عَلَيْهِم ... حتّى نزلت بمنزلٍِ لم يوغل) فدلّ على أنّه مَوضِع بِعَيْنِه لَا مَا ذهب إِلَيْهِ من فسّره قبل. قَالَ أَبُو دُرَيْد: والبريص مَوضِع وَقَالَ بَعضهم: هُوَ مَوضِع فِيهِ أنهارٌ كَثِيرَة وَهُوَ بِالْمُهْمَلَةِ. وَأنْشد: الوافر (أهان الْعَام مَا عيّر تمونا ... شواء المسمنات مَه الخبيض) (فَمَا لحم الْغُرَاب لنا بزادٍ ... وَلَا سرطان أَنهَار البريص) وفاعل يسقون وَهُوَ الْوَاو ضمير عائدٌ على أَوْلَاد جَفْنَة فِي بَيت قبله كَمَا يَأْتِي وَمن مَفْعُوله. قَالَ العصام فِي حَاشِيَة القَاضِي: وتعديه الْوُرُود بعلى لتضمّنه معنى النُّزُول وإلاّ قالورود المتعدّي بعلى بِمَعْنى الْوُصُول لَا يعدّى بِنَفسِهِ. وَالْبَاء فِي قَوْله بالرحيق للمصاحبة أَي: ممزوجاً بِالْخمرِ الصافية السائغة. ويصفّق بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول والتصفيق: التَّحْوِيل من إِنَاء إِلَى إِنَاء ليصفّى وَحَقِيقَته التَّحْوِيل من صفق إِلَى صفق أَي: من نَاحيَة إِلَى نَاحيَة. وَالْبَاء فِي بالرحيق مُتَعَلق بِمَحْذُوف أَي: يمزج بالرحيق وَهُوَ الصافي من الْخمر. وَقَالَ صَاحب الكشّاف فِي المطففين: الرَّحِيق: صفوة الْخمر وَلِهَذَا فسّر بِالشرابِ الْخَالِص الَّذِي لَا غشّ فِيهِ. والسلسال: السهل الانحدار السائغ الشَّرَاب. قَالَ ابْن حَاجِب فِي أَمَالِيهِ: يجوز أَن يكون المُرَاد مدح مَاء بردى وتفضيله على غَيره. وَمعنى يصفّق يمزج يُقَال صفّقته إِذا مزجته. والرَّحِيق: الْخمر. والسلسل: السهل أَي: كَأَنَّهُ ممزوج

وَيجوز أَن يكون المُرَاد مدح هَؤُلَاءِ الْقَوْم بِالْكَرمِ وأنّهم لَا يسقون المَاء إلاّ ممزوجاً بِالْخمرِ لسعتهم وكرمهم وتعظيم من يرد عَلَيْهِم. انْتهى. وَالظَّاهِر أنّ المُرَاد هُوَ الثَّانِي لَا الأوّل للسياق والسّباق. وَلَيْسَ معنى التصفيق مَا ذكره وَالصَّوَاب مَا ذكره بعض فضلاء الْعَجم فِي شرح أَبْيَات المفصّل من أَنه يصفهم بالجود على من يرد عَلَيْهِم فيسقونه مَاء مصفّى ممزوجاً بِالْخمرِ الصافية السائغة فِي الْحلق. وَحمل هَذَا الْكَلَام على الْقلب أظهر يُرِيد: يسقون من يرد عَلَيْهِم الرَّحِيق السلسل يصفّق ببردى أَي: بِمَائِهَا. انْتهى.) وَهَذَا الْبَيْت من قصيدة لحسّان بن ثَابت الصّحابيّ وَقد تقدّمت تَرْجَمته فيالشاهد الْحَادِي وَالثَّلَاثِينَ مدح بهَا آل جَفْنَة مُلُوك الشَّام. وَهَذِه قِطْعَة مِنْهَا بعد المطلع بِثَلَاثَة أَبْيَات: (لله درّ عصابةٍ نادمتهم ... يَوْمًا بجلّق فِي الزَّمَان الأوّل) (أَوْلَاد جَفْنَة حول قبر أَبِيهِم ... قبر ابْن مَارِيَة الْكَرِيم الْمفضل) (يغشون حتّى مَا تهرّ كلابهم ... لَا يسْأَلُون عَن السّواد الْمقبل) يسقون من ورد ... ... ... ... ... . . الْبَيْت (يسقون درياق الرّحيق وَلم تكن ... تدعى ولائدهم لنقف الحنظل) (فَلَبثت أزماناً طوَالًا فيهم ... ثمّ ادّكرت كأنّني لم أفعل) إِلَى أَن قَالَ بعد بَيْتَيْنِ: (وَلَقَد شربت الْخمر فِي حانوتها ... صهباء صافيةٌ كطعم الفلفل) ...

(يسْعَى عليّ بكأسها متنطّفٌ ... فيعلّني مِنْهَا وَإِن مِنْهَا وَإِن لم أنهل) (إنّ الَّتِي ناولتني فرددتها ... قتلت قتلت فهاتها لم تقتل) (كلتاهما حلب الْعصير فعاطني ... بزجاجةٍ أرخاهما للمفصل) (بزجاجةٍ رقصت بمل فِي قعرها ... رقص القلوص براكبٍ مستعجل) الْعِصَابَة: الْجَمَاعَة من النَّاس. وجلّق: بِكَسْر الْجِيم وَاللَّام أَيْضا. قَالَ الجواليقي فِي المعربات: يُرَاد بِهِ دمشق وَقيل مَوضِع بِقرب دمشق وَقيل إِنَّه صُورَة امْرَأَة كَانَ المَاء يخرج من فِيهَا فِي قَرْيَة من قرى دمشق وَهُوَ أعجميّ مُعرب وَقد جَاءَ فِي الشّعْر الفصيح. وَأنْشد هَذَا الْبَيْت. وَقَوله: أَوْلَاد جَفْنَة الخ بالجرّ بدل من عِصَابَة وَيجوز رَفعه. وجَفْنَة بِفَتْح الْجِيم هُوَ أَبُو مُلُوك الشَّام وَهُوَ جَفْنَة بن عَمْرو مزيقياء بن عَامر بن حَارِثَة بن امْرِئ الْقَيْس بن ثَعْلَبَة بن مازنٍ الغسانيّ. وَأما جبلة بن الْأَيْهَم فَهُوَ ابْن ماوية لأنّه ابْن الْأَيْهَم بن جبلة بن الْحَارِث الْأَعْرَج. وَأَرَادَ باولاد جَفْنَة أَوْلَاد الْحَارِث الْأَعْرَج بن مَارِيَة وهم: النُّعْمَان وَالْمُنْذر والمنيذر وجبلة وَأَبُو شمر. وَهَؤُلَاء كلّهم مُلُوك وهم أعمام جبلة بن الْأَيْهَم. كَذَا فِي مُخْتَصر أَنْسَاب الْعَرَب لياقوت الحمويّ. قَالَ السيّد الجرجانيّ فِي شرح الْمِفْتَاح: ترك تَفْضِيلهمْ احْتِرَازًا عَن تَقْدِيم بَعضهم على بعض.) ثمَّ قَوْله وَعَن التَّصْرِيح بأسامي الْإِنَاث الدَّاخِلَة فيهم فِيهِ نظر فَإِن ذكر نسَاء الْمُلُوك لَا يعْهَد عِنْد ذكر الْمُلُوك. وَقَوله: إنّ مَارِيَة

هِيَ أمّ جَفْنَة غير صَوَاب وإنّما هِيَ أم الْحَارِث الْأَعْرَج. ومارية قَالَ جُمْهُور النسّابين: هِيَ مَارِيَة بنت ظَالِم بن وهب بن الْحَارِث بن مُعَاوِيَة بن ثَوْر بن مرتع الكندية. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة وَابْن السّكيت: هِيَ مَارِيَة بنت أَرقم بن ثَعْلَبَة بن عَمْرو بن جَفْنَة فَتكون على هَذَا غسّانية وَهِي أُخْت هِنْد امْرَأَة حجر وَالِد امْرِئ الْقَيْس صَاحب المعلّقة وَلَيْسَت أمه. ومارية هِيَ الَّتِي تضرب الْمثل بقرطيها فَيُقَال: خُذْهُ وَلَو بقرطيّ مَارِيَة يضْرب للترغيب فِي الشَّيْء وَإِيجَاب الْحِرْص عَلَيْهِ أَي: لَا يقوتنّك على كلّ حَال وَإِن كنت تحْتَاج فِي إحرازه إِلَى بذل النفائس. قَالَ الزمخشريّ فِي أَمْثَاله: هِيَ أول عَرَبِيَّة تقرّطت وَسَار ذكر قرطيها فِي الْعَرَب وَكَانَا نفيسي الْقيمَة وَقيل إنّهما قوّما بِأَرْبَعِينَ ألف دِينَار وَقيل كَانَ فيهمَا درّتان كبيض الْحمام لم ير مثلهمَا وَقيل هِيَ من الْيمن أَهْدَت قرطيها إِلَى الْبَيْت. انْتهى. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد الأعرابيّ: هِيَ ذَات القرطين لدرّتين كأنّهما بيضتا نعَامَة أَو حمامة. وَأَرَادَ بقوله: حول قبر أَبِيهِم أنّهم مُلُوك ذَوُو حاضرةٍ ومستقرّ لَيْسُوا أَصْحَاب رحْلَة وانتجاع. سُئِلَ الأصمعيّ بأنّه مَا أَرَادَ حسان بِهِ وَأي مدح لَهُم فِي كَونهم عِنْد قبر أَبِيهِم فَقَالَ: إنّهم مُلُوك حُلُول فِي مَوضِع وَاحِد وهم أهل مدر وَلَيْسوا بِأَهْل عمد. وَقَالَ غَيره: مَعْنَاهُ أنّهم آمنون لَا يبرحون وَلَا يخَافُونَ كَمَا تخَاف الْعَرَب وهم مخصبون لَا ينتجعون

قَالَ السّيد المرتضى فِي أَمَالِيهِ: هَذَا من الِاخْتِصَار الَّذِي لَيْسَ فِيهِ حذف. أَرَادَ أنّهم أعزّاء مقيمون بدار مملكتهم لَا ينتجعون كالأعراب. فاختصر هذاالمبسوط فِي قَوْله: حول قبر أَبِيهِم. قَالَ: والاختصار غير الْحَذف وقومٌ يظنون أنّهما وَاحِد وَلَيْسَ كَذَلِك لأنّ الْحَذف يتعلّق بالألفاظ: وَهُوَ أَن تَأتي بِلَفْظ يَقْتَضِي غَيره ويتعلّق بِهِ وَلَا يستقلّ بِنَفسِهِ وَيكون فِي الْمَوْجُود دلالةٌ على الْمَحْذُوف فَيقْتَصر عَلَيْهِ طلبا للاختصار. والاختصار يرجع إِلَى الْمعَانِي: وَهُوَ أَن تَأتي بلفظٍ مفيدٍ لمعان كَثِيرَة لَو عبّر عَنْهَا بِغَيْرِهِ لاحتيج إِلَى أَكثر من ذَلِك اللَّفْظ. فَلَا حذف إلاّ وَهُوَ اختصارٌ وَلَيْسَ كلّ اخْتِصَار حذفا. انْتهى كَلَامه. وأدرج ابْن رَشِيق فِي الْعُمْدَة هَذَا النَّوْع فِي بَاب الْإِشَارَة قَالَ: وَالْإِشَارَة من غرائب الشّعْر) وملحه وبلاغةٌ عجيبةٌ تدلّ على بعد المرمى وفرط الْقُدْرَة وَلَيْسَ يَأْتِي بهَا إلاّ الشَّاعِر المبرّز والحاذق الماهر وَهِي فِي كلّ نوعٍ من الْكَلَام لمحةٌ دالّةٌ واختصار وتلويج يعرف مُجملا وَمَعْنَاهُ بعيد من ظَاهر لَفظه. وَقَوله: يغشون حتّى مَا تهرّ كلابهم الخ بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول أَي: يتردّد إِلَيْهِم من غشيه: إِذا جَاءَهُ. وهرّ الْكَلْب يهرّ من بَاب ضرب هريراً: إِذا صوّت وَهُوَ دون النّباح. يَعْنِي أنّ مَنَازِلهمْ لَا تَخْلُو من الأضياف والفقراء فكلابهم لَا تهرّ على من يقْصد مَنَازِلهمْ لاعتيادها بِكَثْرَة التردّد إِلَيْهَا من الأضياف وَغَيرهم وَقَوله: لَا يسْأَلُون الخ أَي: هم فِي سَعَة لَا يسْأَلُون كم نزل

بهم من النَّاس وَلَا يهولهم الْجمع الْكثير وَهُوَ السّواد إِذا قصدُوا نحوهم. وَهَذَا الْبَيْت اسْتشْهد بِهِ سِيبَوَيْهٍ وَابْن هِشَام فِي الْمُغنِي على أنّ حتّى فِيهِ ابتدائية ألأي: حرف يبتدأ بعده الْجُمْلَة اسميّة أَو فعلية. وَقَالَ أَبُو عليّ فِي التَّذْكِرَة القصرية: اعْلَم أنّ يغشون للْحَال الْمَاضِي أَعنِي أنّه حِكَايَة لما مضى من الْحَال لَوْلَا تقديرك لَهُ بِالْحَال مَا صحّ الرّفْع لأنّ الرّفْع لَا يكون إلاّ وَالْفِعْل وَاقع. ويغشون لَا يكون إلاّ للْحَال أَو للآتي فَلَو قدّرته للآتي لم يصحّ الرّفْع إِذْ لَا يكون الرّفْع إلاّ وَمَا قبله وَاقع من عَادَتهم أنّهم يغشون حتّى لَا تهرّ كلابهم أَي: لَا يزالون يغشون. انْتهى. وَقَوله: يسقون درياق الرّحيق الخ يسقون بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول قَالَ شَارِح الدِّيوَان السكريّ: الدّرياق: خَالص الْخمر وجيّده سبّهه بالدّرياق الشافي. والولائد: جمع وليدة وَهِي الْخَادِم. والنّقف: اسْتِخْرَاج مَا فِي الحنظل. يَقُول: هم ملوكٌ تجتني ولائدهم الحنظل وَلَا تنتقفه. وَقَوله: يسْعَى على بكأسها الخ المتنطّف: المقرّط والنّطفة بِفَتَحَات: القرط. ويروى: متنطّق وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ منطقةٌ. وعلّة: سقَاهُ سقيا بعد سقِِي. والنّهل هُنَا: الْعَطش. وَقَالَ السكريّ: يَقُول: يسقينيها على كلّ حالٍ عطشت أَو لم أعطش.

وَقَوله: إنّ الَّتِي ناولتني فرددتها قتلت بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول أَي: مزجت بِالْمَاءِ وَالْجُمْلَة خبر إنّ. وَقَوله: قتلت هَذَا أَيْضا بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول لكنّه مُسْند إِلَى ضميرالمتكلم وَالْجُمْلَة اعتراضية. وَقَوله: كلتاهما الخ أَرَادَ كلتا الممزوجة وَالصرْف حلب الْعِنَب فناولتي أشدّهما إرخاء وَهِي الصّرف الَّتِي طلبَهَا مِنْهُ فِي قَوْله لم تقتل. وهاتها بِكَسْر التَّاء أمرٌ من هاتى يهاتي مهاتاة. والْحَلب بِفتْحَتَيْنِ بِمَعْنى المحلوب كالنقص بِمَعْنى المقنوص.) قَالَ ابْن الشجريّ فِي أَمَالِيهِ: قَالَ أَبُو الْفرج عَليّ بن الْحُسَيْن الْأَصْبَهَانِيّ صَاحب كتاب الأغاني حَدِيثا رَفعه إِلَى أبي ظبْيَان الحمّاني قَالَ:

اجْتمعت جماعةٌ من الحيّ على شرابٍ فتغنّى أحدهم بقول حسّان: إنّ الَّتِي ناولتني فَردَّتهَا الْبَيْت وَقَوله: كلتاهما حلب الْعصير الْبَيْت فَقَالَ رجلٌ مِنْهُم: كَيفَ ذكر واحدةٌ بقوله إنّ الَّتِي ناولتني فرددتها ثمَّ قَالَ كلتاهما فَجَعلهَا اثْنَتَيْنِ قَالَ أَبُو ظبْيَان: فَلم يقل أحدٌ من الْجَمَاعَة جَوَابا فَحلف رجلٌ مِنْهُم بِالطَّلَاق ثَلَاثًا إِن بَات وَلم يسْأَل القَاضِي عبد الله بن الْحسن عَن تَفْسِير هَذَا الشّعْر قَالَ: فَسقط فِي أَيْدِينَا ليمينه ثمَّ اجْتَمَعنَا على قصد عبيد الله. فحدّثنا بعض أَصْحَابنَا السعديّين قَالَ: فيمّمناه نتخطّى إِلَيْهِ الْأَحْيَاء فصادفناه فِي مسجدٍ يُصَلِّي بَين العشاءين فلمّا سمع حسّناً أوجز فِي صلَاته. ثمَّ أقبل علينا فَقَالَ: مَا حَاجَتكُمْ فبدر رجلٌ منا كَانَ أحسننا بقيّة فَقَالَ: نَحن أعزّ الله القَاضِي قومٌ نَزَعْنَا إِلَيْك من طَرِيق الْبَصْرَة فِي حَاجَة مهمّة فِيهَا بعض الشَّيْء فَإِن أَذِنت لنا قُلْنَا. فَقَالَ: قُولُوا. فَذكر يَمِين الرجل والشّعر. فَقَالَ: أمّا قَوْله: إنّ الَّتِي ناولتني فإنّه يَعْنِي الْخمر. وَقَوله: قتلت أَرَادَ مزجت بِالْمَاءِ. وَقَوله: كلتاهما حلب الْعصير يَعْنِي الْخمر ومزاجها فالخمر

عصير الْعِنَب وَالْمَاء عصير السَّحَاب قَالَ الله تَعَالَى: وأنزلنا من المعصرات مَاء تجّاجاً. انصرفوا إِذا شِئْتُم. وَأَقُول: إنّ هَذَا التَّأْوِيل يمْنَع مِنْهُ ثَلَاثَة أَشْيَاء: أَحدهَا: أنّه قَالَ كلتاهما وكلتا مَوْضُوعَة لمؤنثين وَالْمَاء لمذكر والمذكر أبدا يغلّب على التَّأْنِيث كتغليب الْقَمَر على الشَّمْس فِي قَول الفرزدق:) لنا قمراها والنّجوم الطّوالع. أَرَادَ: لنا شمسها وقمرها. وَلَيْسَ للْمَاء اسْم مؤنث فَيحمل على الْمَعْنى كَمَا قَالُوا: أَتَتْهُ كتابي فاحتقرها لأنّ الْكتاب فِي الْمَعْنى صحيفَة. وَالثَّانِي: أنّه قَالَ: أرخاهما للمفصل وأفعل هَذَا مَوْضُوع لمشتركين فِي معنى وَأَحَدهمَا يزِيد على الآخر فِي الْوَصْف بِهِ وَالْمَاء لَا يُشَارك فِي إرخاء الْمفصل. وَالثَّالِث: أنّه قَالَ فِي الْحِكَايَة: فالخمر عصير الْعِنَب وَقَول حسّان حلب الْعصير يمْنَع من هَذَا لأنّه إِذا كَانَ الْعصير الْخمر والحلب هُوَ الْخمر فقد أضيت الْخمر إِلَى نَفسهَا وَالشَّيْء لَا يُضَاف إِلَى نَفسه. وَالْقَوْل فِي هَذَا عِنْدِي: أَنه أَرَادَ كلتا الخمرين: الصّرْف والممزوجة حلب الْعِنَب فناولني أشدّهما إرخاء للمفصل. وفرّق اللغويون بَين الْمفصل والمفصل فَقَالُوا: الْمفصل بِكَسْر الْمِيم وَفتح

الصَّاد اللِّسَان وَهُوَ بِفَتْح الْمِيم وَكسر الصَّاد وَاحِد مفاصل الْعِظَام وَهُوَ فِي بَيت حسان يحْتَمل الْوَجْهَيْنِ. انْتهى كَلَام ابْن الشجري. وَأما حَدِيث حسان بن ثَابت مَعَ جبلة بن الْأَيْهَم وَكَيْفِيَّة إِسْلَام جبلة وارتداده فقد أوردهُ صَاحب الأغاني مفصّلاً وَهَا أَنا أوردهُ مُجملا: روى بِسَنَدِهِ إِلَى يُوسُف بن الْمَاجشون عَن أَبِيه قَالَ: قَالَ حسّان بن ثَابت: أتيت جبلة بن الْأَيْهَم الغسّاني وقد مدحته فَأذن لي فَجَلَست بَين يَدَيْهِ وَعَن يَمِينه رجلٌ لَهُ ضفيرتان وَعَن يسَاره رجلٌ لَا أعرفهُ فَقَالَ: أتعرف هذَيْن فَقلت: أمّا هَذَا فأعرفه وَهُوَ النَّابِغَة الذبيانيّ وَأما هَذَا فَلَا أعرفهُ. قَالَ: هُوَ عَلْقَمَة بن عَبدة فَإِن شِئْت استشدتهما وَسمعت مِنْهُمَا ثمَّ إِن شِئْت أَن تنشد بعدهمَا أنشدت وَإِن شِئْت أَن تسكت سكتّ. قلت: فَذَاك. فأنشده النَّابِغَة: الطَّوِيل (كليني لهمّ يَا أُمَيْمَة ناصب ... وليلٍ أقاسيه بطيء الْكَوَاكِب) قَالَ: فَذهب نصفي. ثمَّ قَالَ لعلقمة: أنْشد. فَأَنْشد: الطَّوِيل (طحا بك قلبٌ فِي الحسان طروب ... بعيد الشّباب عصر حَان مشيب) فَذهب نصفي الآخر فَقَالَ لي: أَنْت أعلم الْآن إِن شِئْت سكتّ وَإِن شِئْت أنشدت.) فتشدّدت وأنشدت: (لله درّ عصابةٍ نادمتها ... يَوْمًا بجلّق فِي الزّمان الأوّل) (أَبنَاء جَفْنَة عِنْد قبر أَبِيهِم ... قبر ابْن مَارِيَة الْجواد الْمفضل) (يسقون من ورد البريص عَلَيْهِم ... كأساً تصفّق بالرّحيق السّلسل)

. (يغشون حتّى مَا تهرّ كلابهم ... لَا يسْأَلُون عَن السّواد الْمقبل) (بيض الْوُجُوه كريمةٌ أحسابهم ... شمّ الأنوف من الطّراز الأوّل) فَقَالَ لي: ادن ادن لعمري مَا انت بدونهما. ثمّ أَمر لي بثلثمائة دِينَار وَعشرَة أقمصه لَهَا جيبٌ وَاحِد وَقَالَ: هَذَا لَك عندنَا فِي كلّ عَام. وَذكر أَبُو عَمْرو الشّيبانيّ هَذِه القصّة لحسّان مَعَ عَمْرو بن الْحَارِث الْأَعْرَج وأتى بالقصّة أتمّ من هَذِه الرِّوَايَة قَالَ أَبُو عَمْرو: قَالَ حسّان بن ثَابت: قدمت على عَمْرو بن الْحَارِث فاعتاض الْوُصُول إِلَيْهِ فَقلت للحاجب بعد مدّة: إِن أَذِنت لي عَلَيْهِ وإلاّ هجوت الْيمن كلّها. ثمَّ انقلبت عَنْكُم فَأذن لي فَدخلت فَوجدت عِنْده النَّابِغَة وعلقمة بن عَبدة فَقَالَ لي: يَا ابْن الفريعة قد عرفت نسبك فِي غسّان فَارْجِع فَإِنِّي باعثٌ إِلَيْك بصلَة سنيّة وَلَا تحْتَاج إِلَى الشّعْر فَإِنِّي أَخَاف عَلَيْك هذَيْن السّبْعين أَن يفضحاك فضيحتك فَضِيحَتِي وَأَنت وَالله لَا تحسن أَن تَقول: الطَّوِيل (رقاق النّعال طّيبٌ حجراتهم ... يحيّون بالرّيحان يَوْم السّباسب) فأبيت وَقلت: لَا بدّ مِنْهُ فَقَالَ: ذَاك إِلَى عمّيك. فَقلت لَهما: بحقّ الْملك إلاّ مَا قدّمتماني عَلَيْكُمَا فَقَالَ: قد فعلنَا. فأنشأت أَقُول: (أَبنَاء جَفْنَة عِنْد قبر أَبِيهِم ... قبر ابْن مَارِيَة الْكَرِيم الْمفضل)

الأبيات فَلم يزل عَمْرو بن الْحَارِث يزحل عَن مَجْلِسه سُرُورًا حتّى شاطر الْبَيْت وَهُوَ يَقُول: هَذَا وَأَبِيك الشّعْر لَا مَا يعلّلاني بِهِ مُنْذُ الْيَوْم هَذِه وَالله البتّارة الَّتِي قد بترت المدائح أَحْسَنت يَا ابْن الفريعة هَات لَهُ يَا غُلَام ألف دِينَار مرجوحة. فَأعْطيت ذَلِك ثمَّ قَالَ: لَك عليّ كلّ وَقَالَ أَبُو عَمْرو الشّيبانيّ: لّما أسلم جبلة بن الْأَيْهَم الغسّانيّ وَكَانَ من مُلُوك آل جَفْنَة كتب إلأى عمر يَسْتَأْذِنهُ فِي الْقدوم عَلَيْهِ فَأذن لَهُ فَخرج إِلَيْهِ فِي خمسمائةٍ من أهل بَيته من عكّ وغسّان حَتَّى إِذا كَانَ على مرحلَتَيْنِ كتب إلأى عمر يُعلمهُ بقدومه فسرّ عمر رضوَان الله عَلَيْهِ بذلك) وَأمر النَّاس باستقباله وَبعث إِلَيْهِ بأنزلٍ وَأمر جبلة مِائَتي رجل من أَصْحَابه فلبسوا الديباج وَالْحَرِير. وركبوا الْخَيل معقودةً أذنابها وألبسوها قلائد الذَّهَب والفضّة وَلبس جبلة تاجه وَفِيه قرطا مَارِيَة وَهِي جدّته وَدخل الْمَدِينَة فَلم يبْق بهَا بكر وَلَا عانسٌ إلاّ خرجت تنظر إِلَيْهِ وَإِلَى زيّه فَلَمَّا انْتهى إِلَى عمر رحّب بِهِ وألطفه وَأدنى مَجْلِسه ثمَّ أَرَادَ عمر الحجّ فَخرج مَعَه جبلة يَده فهشم أنف الفرازيّ فاستعدى عَلَيْهِ عمر فيعث إلأى جبلة فَأَتَاهُ فَقَالَ: مَا هَذَا قَالَ: نعم يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِنَّه تعمّد حلّ إزَارِي لَوْلَا حُرْمَة الْكَعْبَة لضَرَبْت عُنُقه بالسّيف

قَالَ عمر قد أَقرَرت إمّا أَن ترضي الرجل وإمّا أقدته. قَالَ جبلة: تصنع مَاذَا قَالَ: آمُر بهشم أَنْفك قَالَ: وَكَيف ذَلِك هُوَ سوقة وَأَنا ملك قَالَ: إنّ الْإِسْلَام جمعك وإياه فَلَيْسَ تفضله إلاّ بالتّقى والعافية قَالَ جبلة: قد ظَنَنْت أَنِّي أكون فِي الْإِسْلَام أعزّ منّي فِي الجاهليّة. قَالَ عمر: دع عَنْك هَذَا فإنّك إِن لم ترض الرجل أقدته مِنْك قَالَ: إِذن أتنصّر قَالَ: إِن تنصّرت ضربت عُنُقك فَلَمَّا رأى جبلة الجدّ من عمر قَالَ: أَنا نَاظر فِي هَذَا لَيْلَتي هَذِه. وَقد اجْتمع بِبَاب عمر من حيّ هَذَا وحيّ هَذَا خلق كثيرٌ حتّى كَادَت أَن تكون فتْنَة فَلَمَّا أَمْسوا أذن لَهُ عمر بالانصراف حتّى إِذا نَام النَّاس تحمّل جبلة مَعَ جماعته إِلَى الشَّام فَأَصْبَحت مَكَّة مِنْهُم بَلَاقِع. فَلَمَّا انْتهى إِلَى الشَّام تحمّل فِي خمسمائةٍ من قومه حتّى أَتَى القسطنطينيّة فَدخل إِلَى هِرقل فتنصّر هُوَ وَقَومه فسرّ هِرقل بذلك جدّاً وطنّ أنّه فتحٌ من القتوح واقعده حَيْثُ شَاءَ وَجعله من محدّثيه وسمّاره. ثمَّ إنّ عمر بدا لَهُ أَن يكْتب إِلَى هِرقل يَدعُوهُ إِلَى الْإِسْلَام ووجّه إِلَيْهِ رَسُولا وَهُوَ جثّامة بن مساحق الكنانيّ فَلَمَّا انْتهى إِلَيْهِ أجَاب إِلَى كل شَيْء سوى الْإِسْلَام فَلَمَّا أَرَادَ الرَّسُول الِانْصِرَاف قَالَ لَهُ هِرقل: هَل رَأَيْت ابْن عمّك هَذَا الَّذِي جَاءَنَا رَاغِبًا فِي ديننَا قلت: لَا. قَالَ: فالقه. قَالَ: فتوجّهت إِلَيْهِ فَلَمَّا انْتَهَيْت إِلَى بَابه رَأَيْت من الْبَهْجَة وَالْحسن والستور مَا لم أر مثله بِبَاب هِرقل فَلَمَّا أدخلت عَلَيْهِ إِذا هُوَ فِي بهو عَظِيم وَفِيه من التصاوير مَا لَا أحسن وَصفه وَإِذا هُوَ جَالس على سريرٍ من قَوَارِير قوائمه

أَرْبَعَة أسدٍ من ذهب وَقد أَمر بمجلسه فَاسْتقْبل بِهِ وَجه الشَّمْس فَمَا بَين يَدَيْهِ من آنِية الذَّهَب وَالْفِضَّة تلوح فَمَا رَأَيْت أحسن مِنْهُ فلمّا سلّمت) عَلَيْهِ ردّ السَّلَام ورحبّ بِي الطفني ولامني على تركي النُّزُول عِنْده ثمَّ أقعدني على سَرِير لم ادر مَا هُوَ فتبينته فَإِذا هُوَ كرسيٌّ من ذهب فانحدرت عَنهُ فَقَالَ: مَالك فَقلت: إِن رَسُول الله صلّى الله عَلَيْهِ وسلّم نهى عَن هَذَا. فَقَالَ جبلة أَيْضا مثل قولي فِي النَّبِي صلّى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين ذكرته وصلّى عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ: يَا هَذَا إنّك إِذا طهّرت قَلْبك لم يضرّك مَا لبسته وَلَا مَا جَلَست عَلَيْهِ. ثمَّ سَأَلَني عَن النَّاس وألحف فِي السُّؤَال عَن عمر ثمَّ جعل يفكّر حتّى عرفت الْحزن فِي وَجهه فَقلت لَهُ: مَا يمنعك من الرُّجُوع إِلَى قَوْمك وَالْإِسْلَام. فَقَالَ: أبعد الَّذِي قد كَانَ قلت: قد ارتدّ الْأَشْعَث بن قيس عَن الْإِسْلَام زمنعهم الزّكاة وضربهم بِالسَّيْفِ ثمَّ رَجَعَ إِلَى الْإِسْلَام. فتحدّثنا مليّاً ثمَّ أَوْمَأ إِلَى غُلَام على رَأسه فولّى يحضر فَمَا كَانَ إلاّ هينهة حَتَّى أَقبلت الأخونة فوصعت وَجِيء بخوان من ذهب فَوضع أَمَامِي فاستعفيت فَوضع أَمَامِي خوان من خلنج وجامات قَوَارِير وأديرت الْخمر فاستعفيت مِنْهَا فَلَمَّا فَرغْنَا دَعَا بكأس من ذهب فَشرب مِنْهُ خمْسا ثمَّ أَوْمَأ إِلَى غُلَام فولّى يحضر فَمَا شَعرت إلاّ بِعشر جوارٍ يتكسّرن فِي الْحلِيّ وَالْحلَل فَقعدَ خمسٌ عَن يَمِينه وَخمْس عَن شِمَاله ثمَّ سَمِعت وسوسةٍ من ورائي فَإِذا أَنا بعشرٍ أفضل من الأول عليهنّ الوشي والحلي فَقعدَ خمسٌ عَن يَمِينه وَخمْس عَن شِمَاله. ثمَّ أَقبلت جاريةٌ على رَأسهَا طَائِر أَبيض كَأَنَّهُ لؤلؤة مؤدّب وَفِي يَدهَا الْيُمْنَى جَام فِيهِ مسك وَعَنْبَر قد خلطا وَفِي الْيُسْرَى جَام فِيهِ مَاء

ورد فَأَلْقَت الطَّائِر فِي مَاء الْورْد فتمعّك فِيهِ بَين جناحيه وظهره وبطنه ثمَّ أخرجته فألقته فِي جَام الْمسك والعنبر فتمعّك فيهمَا حَتَّى لم يدع فِيهِ شَيْئا ثمَّ نفّرته فطار فَسقط على رَأس جبلة ثمَّ رَفْرَف ونفض ريشه فَمَا بَقِي عَلَيْهِ شَيْء إلاّ سقط على جبلة ثمَّ قَالَ للجواري: أطربني فخفقن بعيدانهنّ يعنيّن: (لله درّ عصابةٍ نادمتهم ... يَوْمًا بجلّق فِي الزّمان الأوّل) الأبيات فاستهلّ واستبشر وطرب ثمَّ قَالَ: زدنني. فاندفعن يغنّين: الْخَفِيف (لمن الدّار أقفرن بمعان ... بَين شاطي اليرموك فالصّمّان) إِلَى آخر القصيدة. فَقَالَ: أتعرف هَذِه الْمنَازل قلت: لَا. قَالَ: هَذِه مَنَازلنَا فِي ملكنا بِأَكْنَافِ دمشق وَهَذَا شعر ابْن الفريعة حسّان بن ثَابت شَاعِر رَسُول الله صلّى الله عَلَيْهِ وسلّم. قلت: أما إنّه مضرور) الْبَصَر كَبِير السنّ قَالَ: يَا جَارِيَة هَاتِي. فَأَتَتْهُ بِخَمْسِمِائَة دِينَار وَخَمْسَة أَثوَاب ديباج فَقَالَ: ادْفَعْ هَذِه إِلَى حسّان. ثمَّ روادني على مثلهَا فأبيت فَبكى ثمَّ قَالَ لجواريه: أبكينني. فعوضن عيدانهنّ ثمَّ أنشأن يقلن: الطَّوِيل (تكنّفني فِيهَا لجاجٌ ونخوةٌ ... وَكنت كمن بَاعَ الصّحيحة بالعور.) (فيا لَيْت أمّي لم تلدني وليتني ... رجعت إِلَى القَوْل الَّذِي قَالَه عمر) ...

(وَيَا لَيْتَني أرعى الْمَخَاض بفقرةٍ ... وَكنت أَسِيرًا فِي ربيعَة أَو مُضر) (وَيَا لَيْت لي بالشّام أدنى معيشةٍ ... أجالس قومِي ذَاهِب السّمع والْبَصَر) ثمَّ بَكَى وبكيت مَعَه حتّى نظرت إِلَى دُمُوعه تجول على لحيته كَأَنَّهَا اللُّؤْلُؤ ثمَّ سلّمت عَلَيْهِ وانصرفت فَلَمَّا قدمت على عمر سَأَلَني عَن هِرقل وَعَن جبلة فقصصت عَلَيْهِ القصّة فَقَالَ: أبعده الله تعجّل فانيةً اشْتَرَاهَا بباقية فَهَل سرّح مَعَك شَيْئا قلت: سرّح إِلَى حسان خَمْسمِائَة دِينَار وَخَمْسَة أَثوَاب ديباج. فَقَالَ: هَاتِهَا. وَبعث إِلَى حسان فَأقبل يَقُودهُ قائده حتّى دنا فسلّم وَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إنّي لأجد أَرْوَاح آل جَفْنَة فَقَالَ عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: قد نزع الله تَعَالَى لَك مِنْهُ على رغم أَنفه طوأتاك بمعونته. فَأَخذهَا وَانْصَرف وَهُوَ يَقُول: الْكَامِل (إنّ ابْن جَفْنَة من بقيّة معشرٍ ... لم يغذهم آباؤهم باللّوم) (لم ينسني بالشّام إِذْ هُوَ ربّها ... كلاّ وَلَا منتصّراً بالرّوم) (يُعْطي الجزيل وَلَا يرَاهُ عِنْده ... إلاّ كبعض عطيّة المذموم) ثمَّ قَالَ للرسول: مَا لَك جبلة قَالَ: قَالَ لي: إِن وجدته حيّاً فادفعها إِلَيْهِ وَإِن وجدته مَيتا فاطرح الثّياب على قَبره وابتع بِهَذِهِ الدَّنَانِير بدناً فانحرها على قَبره. فَقَالَ حسّان: ليتك وَالله وجدتني مَيتا فَفعلت ذَلِك بِي انْتهى كَلَام الأغاني. وروى هَذِه الْقِصَّة ابْن عبد ربه فِي العقد على هَذَا النمط وَزَاد فِيهَا عِنْد قَوْله:

قد ارتدّ الْأَشْعَث بن قيس عَن الْإِسْلَام ثمَّ رَجَعَ وَقبل مِنْهُ. قَالَ جبلة: ذَرْنِي من هَذَا إِن كنت تضمين لي ان يزوّجني عمر بنته ويولّيني بعده الْأَمر رجعت إِلَى الْإِسْلَام. قَالَ: فضمنت لَهُ التَّزْوِيج وَلم أضمن الإمرة. وَقَالَ فِي آخر الْقِصَّة: فَلَمَّا قدمت على عمر أخْبرته خبر جبلة وَمَا دَعوته إِلَيْهِ من الْإِسْلَام) وَالشّرط الَّذِي اشترطته فَقَالَ لي عمر: هلاّ ضمنت لَهُ الإمرة أَيْضا فَإِذا أَفَاء الله بِهِ إِلَى الْإِسْلَام قضى عَلَيْهِ بِحكمِهِ عَزَّ وَجَلَّ ّ. قَالَ: ثمَّ جهّزني عمر إِلَى قَيْصر وَأَمرَنِي أَن أضمن لجبلة مَا اشْترط بِهِ. فَلَمَّا قدمت الْقُسْطَنْطِينِيَّة وجدت النَّاس منصوفين من جنَازَته فَعلمت أَن الشّقاء غلب عَلَيْهِ فِي أمّ الْكتاب. انْتهى. وروى صَاحب الأغاني عَن ابْن الْكَلْبِيّ: أنّ الفزاريّ لما وطئ إِزَار جبلة فلطم الفزاريّ جبلة كَمَا لطمه جبلة وثب عَلَيْهِ غسّان فهشّموا أَنفه وَأتوا بِهِ عمر. ثمَّ ذكر بَاقِي الْخَبَر كَمَا ذكر.

وروى الزّبير بن بكّار: أنّ جبلة قدم على عمر فِي ألفٍ من أهل بَيته فَأسلم وَجرى بَينه وَبَين رجل من أهل الْمَدِينَة كَلَام فسبّ المدنيّ فردّ عَلَيْهِ فَلَطَمَهُ جبلة فَلَطَمَهُ المدنيّ فَوَثَبَ عَلَيْهِ أَصْحَاب جبلة فَقَالَ: دَعوه حتّى أسأَل صَاحبه وَأنْظر مَا عِنْده. فجَاء إِلَى عمر فَأخْبر فَقَالَ: إنّك فعلت بِهِ فعلا فَفعل بك مثله. قَالَ: أَو لَيْسَ عنْدك من الْأَمر إلاّ مَا أرى قَالَ: لَا فَمَا عنْدك من الْأَمر يَا جبلة قَالَ: من سبّنا ضَرَبْنَاهُ وَمن ضربنا قَتَلْنَاهُ قَالَ: إنّما أنزل الْقُرْآن بِالْقصاصِ فعضب وَخرج بِمن مَعَه وَدخل أَرض الرّوم فتنصّر ثمَّ نَدم فَقَالَ: تنصّرت الْأَشْرَاف من عَار لطمةٍ وَذكر الأبيات الْمَاضِيَة. ثمَّ روى صَاحب الأغاني بِسَنَدِهِ عَن عبد الله بن مسْعدَة الفزاريّ قَالَ: وجّهني مُعَاوِيَة إِلَى ملك الرّوم فَدخلت عَلَيْهِ وَعِنْده رجل على سَرِير من ذهب فكلّمني بِالْعَرَبِيَّةِ فَقلت: من أَنْت يَا عبد الله قَالَ أَنا رجل غلب الشَّقَاء أَنا جبلة بن الْأَيْهَم الغسّاني إِذا صرت إِلَى منزلي فالقني. فلمّا انْصَرف أتينه فألقينه على شرابه وَعِنْده فينتان تغّنيانه بِشعر حسّان بن ثَابت فلمّا فرغتا من غنائهما أقبل عليّ فَقَالَ: مَا فعل حسان بن ثَابت قلت: شيخ كَبِير قد عمي فَدَعَا بِأَلف دِينَار فَقَالَ: ادفعها إِلَى حسان. ثمَّ قَالَ: أَتَرَى صَاحبك يَفِي لي إِن خرجت إِلَيْهِ قلت: قل مَا شِئْت أعرضه عَلَيْهِ. قَالَ: يعطيني الثنيّة فإنّها كَانَت مَنَازلنَا وَعشْرين

(الشاهد السادس عشر بعد الثلاثمائة)

قَرْيَة من الغوطة مِنْهَا داريّا وسكّاء ويفرض لجماعتنا وَيحسن جوائزنا. فَقلت: أبلّغه. فلمّا قدمت على مُعَاوِيَة أخْبرته الْخَبَر فَقَالَ: وددت أنّك أَجَبْته إِلَى مَا سَأَلَ. وَكتب إِلَيْهِ بعطاء ذَلِك فَوَجَدَهُ قد مَاتَ. وَأنْشد بعده وَهُوَ 3 - (الشَّاهِد السَّادِس عشر بعد الثلاثمائة) وَهُوَ من أَبْيَات المفصّل وَغَيره: الطَّوِيل (وَقد جَعَلتني من حزيمة إصبعا) على أنّ فِيهِ حذف ثَلَاث كَلِمَات متضايفات أَي: ذَا مِقْدَار مَسَافَة أصْبع الأولى تَقْدِير مضافين أَي: ذَا مَسَافَة إِصْبَع فإنّ الْمسَافَة مَعْنَاهَا الْبعد. والْمِقْدَار لَا حَاجَة إِلَيْهِ. كَذَا قد رجماعةٌ مِنْهُم أَبُو عليّ فِي الْإِيضَاح الشعري وَمِنْهُم ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي. وَهَذَا عجر وصدره: فَأدْرك إبْقَاء العرادة ظلعها وَهُوَ من جملَة أبياتٍ للكلحبة العريني تقدّم شرحها وترجمته فِي الشَّاهِد الْحَادِي وَالسِّتِّينَ. وأوّل الأبيات: (فَإِن تنج مِنْهَا يَا حزيم بن طارقٍ ... فقد تركت مَا خلف ظهرك بلقعا)

يَقُول: إِن تنج يَا حزيمة من فرسي فَلم تفلت إلاّ نَفسك وَقد استبيح مَالك وكا كنت حويته وعنمته فَلم تدع لَك هَذِه الْفرس شَيْئا. وَسبب هَذِه الأبيات: أنّ بني تغلب وَكَانَ رئيسهم خُزَيْمَة بن طَارق أغار على بني مَالك بن حَنْظَلَة من بني يَرْبُوع فاستاق حريمة بن طَارق إبل بني يَرْبُوع وَلما أَتَى الصّريخ إِلَى بني يَرْبُوع ركبُوا فِي إثره فهزموه واستنقذوا مِنْهُ مَا كَانَ أَخذه واسر حريمة. وَهَذَا الْبَيْت يشْهد بانفلات حزيمة وَشعر جريرٍ يشْهد بأسره وَهُوَ قَوْله: قدنا حزيمة قد علمْتُم عنْوَة وَيجمع بَينهمَا بأنّ حزيمة بعد أَن نجا من الكلحبة أسره غَيره. وَضمير مِنْهَا رَاجع إلأى فرس الكلحبة. وحزيم بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَكسر الزاء الْمُعْجَمَة: مرخمٌ حزيمة كَمَا فِي الْبَيْت الآخر. والبلقع: الْفقر الْخَالِي. والْإِبْقَاء: مَا تبقيه الْفرس من الْعَدو إِذْ من عتاق الْخَيل مَا لَا تُعْطِي مَا عِنْدهَا من الْعَدو بل وَقَوله: فَأدْرك إبْقَاء العرادة بِفَتْح الْعين وَالرَّاء وَالدَّال المهملات: اسْم فرس الكلحبة. تبقي مِنْهُ شَيْئا إِلَى وَقت الْحَاجة يُرِيد أَنَّهَا شربت المَاء فقطعها عَن غبقائها ففاته حزيمة وظلعها:) فَاعل أدْرك وإبقاء: مَفْعُوله. والظّلع فِي الْإِبِل بِمَنْزِلَة العرج الْيَسِير وَلَا يكون فِي ذِي الْحَافِر إلاّ يَقُول: تبِعت حزيمة فِي هربه

فَلَمَّا قربت مِنْهُ أصَاب فرسي عرجٌ فتخلفت عَنهُ وَلَوْلَا عرجها لما أسره غَيْرِي. وَجُمْلَة وَقد جَعَلتني الخ حَالية. وَأَخْطَأ المظفريّ فِي شرح المفصّل حَيْثُ لم يقف على منشأ الْبَيْت فَزعم أنّ حزيمة اسْم قَبيلَة وَقَالَ فِي مَعْنَاهُ: أدْرك الظّلع غبقاء هَذَا الْفرس أَي: بقاءها وثباتها فِي السّير يَعْنِي كَانَت ثَابِتَة فِي السّير فعرجت فِي حالةٍ لم يبْق بيني وَبَين قبيلتي إلاّ قدر إِصْبَع. هَذَا كَلَامه وَكَانَ السُّكُوت أجمل بِهِ لَو كَانَ يعقل وَقَالَ الْعَيْنِيّ: كَانَت فرس الكلحبة مجروحة فقصّرت لما قرب من حزيمة ففاته. وَهَذَا لم يقلهُ أحد وإنّما اعتذر الكلحبة لعرج فرسه وانفلات حزيمة بقوله: (ونادى مُنَادِي الحيّ أَن قد أتيتم ... وَقد شربت مَاء المزادة أجمعا) يَقُول: أَتَى الصّريخ وَقد شربت فرسي ملْء الْحَوْض مَاء. وخيل الْعَرَب إِذا علمت أَنه يغار عَلَيْهَا وَكَانَت عطاشاً فَمِنْهَا مَا يشرب بعض الشّرْب وَبَعضهَا لَا يشرب أَلْبَتَّة لما قد جرّبت من الشدّة الَّتِي تلقى إِذا شربت المَاء وحورب عَلَيْهَا. وَجُمْلَة وَقد شربت حَال أَي: أتيتم فِي هَذِه الْحَال. كَذَا قَالَ ابْن الأنباريّ فِي شرح المفضّليات. فَعلم من هَذَا أنّ سَبَب عرج فرسه من إفراط شرب المَاء لَا من الْجرْح. وَالله أعلم. ...

(يَا من رأى عارضاً أسر بِهِ ... بَين ذراعي وجبهة الْأسد) على أنّ أَصله: بَين ذراعي الْأسد وجبهة الْأسد. فَحذف الْمُضَاف إِلَيْهِ الأوّل على نيّة لَفظه. وَلِهَذَا لم بَين الْمُضَاف وَلم ينوّن. ومن: منادى وَقيل المنادى مَحْذُوف وَمن استفهامية. والرؤية بصريّة. والْعَارِض: السّحاب الَّذِي يعْتَرض الْأُفق. وَجُمْلَة أسرّ بِهِ بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول صفة لعَارض. والذراعان والْجَبْهَة: من منَازِل الْقَمَر. وَعند الْعَرَب أَن السَّحَاب الَّذِي ينشأ بِنَوْء من منَازِل الْأسد يكون مطره غزيراً فَلذَلِك يسرّ بِهِ. قَالَ الأعلم فِي شرح شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ: وصف عَارض سحابٍ اعْترض بَين نوء الذِّرَاع ونوء الْجَبْهَة وهما من أنواء الْأسد وأواؤه أَحْمد الأنواء. وَذكر الذراعين والنوء إنّما هُوَ لِلذِّرَاعِ المقبوضة مِنْهُمَا لاشْتِرَاكهمَا فِي اعضاء الْأسد.) وتقدّم شرح هَذَا الْبَيْت وَهُوَ للفرزدق بأبسط من هَذَا فِي الشَّاهِد السَّادِس وَالثَّلَاثِينَ بعد الْمِائَة. وَأنْشد بعده: مجزوء الْكَامِل (إلاّ علالة أَو بدا ... هة سابحٍ نهد الجزارة)

قَالَ أَبُو عَليّ فِي التَّذْكِرَة القصريّة: لَيْسَ من اعْترض فِي قَوْله: إلاّ علالة أَو بداهة قارح بأنّ الْمُضَاف إِلَيْهِ مَحْذُوف بدافع أَن يكون بِمَنْزِلَة مَا شبّهه بِهِ من قَوْله: لله درّ الْيَوْم من لامها لِأَنَّهُ قد ولي الْمُضَاف إِلَيْهِ وَإِذا وليه غَيره فِي اللَّفْظ فقد وَقع الْفَصْل بِهِ بَينهمَا كَمَا وَقع الْفَصْل بَينهمَا فِي اللَّفْظ فِي قَوْله: لله درّ الْيَوْم. وَإِذا كَانَ كَذَلِك فقد ساواه فِي الْقبْح للفصل الْوَاقِع بَينهمَا وَزَاد عَلَيْهِ فِيهِ أنّ الْمُضَاف هُنَا مَحْذُوف وَللَّه درّ الْيَوْم مَذْكُور فَلَا يَخْلُو الْأَمر من أَن يكون أَرَادَ الْمُضَاف إِلَيْهِ فَحَذفهُ لدلَالَة الثَّانِي عَلَيْهِ أَو أَرَادَ غضافته إِلَى الْمَذْكُور فِي اللَّفْظ وَفصل بَينهمَا بالمعطوف. وَكَيف كَانَت القصّة فالفصل حاصلٌ بَين الْمُضَاف والمضاف إِلَيْهِ. وَاعْترض بِأَن قَالَ: لَو كَانَ على تَقْدِير الْإِضَافَة إِلَى قارح الظَّاهِر لَكَانَ إلاّ علالة أَو بداهة قارحٍ. ولَا يلْزم لِأَنَّهُ يجوز أَن يكون: إلاّ علالة قارح أَو بداهة قارح فَيظْهر الْمُضَاف إِلَيْهِ مَوضِع الْإِضْمَار فتحذفه من اللَّفْظ كَمَا جَازَ عِنْد خَالف سِيبَوَيْهٍ بِأَن يدكر علالة وَهُوَ يُرِيد الْإِضَافَة فيحذف الْمُضَاف. وَله أَن يَقُول: إنّ تقديري الْحَذف أسوغ ولأنيّ أحذفه بعد أَن قد جرى ذكره وَحذف مَا جرى ذكره أسوغ لتقدّم الدّلَالَة عَلَيْهِ. انْتهى كَلَام أبي عَليّ.

(الشاهد السابع عشر بعد الثلاثمائة)

وَقَبله: وَهُنَاكَ يكذب ظنكم أَن لَا اجْتِمَاع وَلَا زياره يَقُول: إِذا غزوناكم علمْتُم أَن ظنّكم بأنّنا لَا نغزوكم كذب وَهُوَ زعمكم أننا لَا نَجْتَمِع وَلَا نزوركم بِالْخَيْلِ غازين. وَقَوله: إلاّ علالة اسْتثِْنَاء مُنْقَطع من قَوْله لَا اجْتِمَاع أَي: لَكِن نزوركم بِالْخَيْلِ. والعلالة: بِضَم الْمُهْملَة: بقيّة جري الْفرس. والبداهة بِضَم الْمُوَحدَة: أول جري الْفرس وأَو للإضراب. وَرُوِيَ بِتَقْدِيم بداهة على علالة فأو على هَذَا لأحد الشَّيْئَيْنِ. والسابح: الْفرس الَّذِي) يدحو الأَرْض بيدَيْهِ فِي الْعَدو. والنّهد: الْمُرْتَفع. والجزارة بِضَم الْجِيم: الرَّأْس وَالْيَدَانِ وَالرجلَانِ. يُرِيد أَن فِي عُنُقه وقوائمه طول وارتفاعاً. وَهَذَا مدحٌ فِي الْخَيل. وَأنْشد بعده وَهُوَ 3 - (الشَّاهِد السَّابِع عشر بعد الثلاثمائة) وَهُوَ من شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ: السَّرِيع (لمّا رَأَتْ ساتيدما استعبرتلله درّ الْيَوْم من لامها

. قد سَأَلتنِي بنت عَمْرو عَن ال) لمّا رَأَتْ ساتيدما استعبرت ... ... ... ... الْبَيْت (تذكرت أَرضًا بهَا أَهلهَا ... أخوالها فِيهَا وأعمامها) قَالَ أَبُو مُحَمَّد الْأسود الأعرابيّ فِي فرحة الأديب: قَالَ أَبُو النّدى: سَبَب بكائها أَنَّهَا لما فَارَقت بِلَاد قَومهَا إلأى بِلَاد الرّوم بَكت ونَدِمت على ذَلِك. وإنّما أَرَادَ عَمْرو بن قميئة بِهَذِهِ الأبيات نَفسه لَا بنته فكنّى عَن نَفسه بهَا. وساتيدما: جبل بَين ميّا فارقين وسعرت. وَكَانَ عَمْرو بن قميئة قَالَ هَذَا لما خرج مَعَ امْرِئ الْقَيْس إِلَى ملك الرّوم. انْتهى. وتنكر: تجْهَل أنكرته إنكاراً: خلاف عَرفته ونكرته مِثَال تعبت كَذَلِك غير أنّه لَا يتَصَرَّف. كَذَا فِي الْمِصْبَاح. والْأَعْلَام: الْجبَال

وَيجوز أَن يُرِيد بهَا الْمنَار المنصوبة على الطَّرِيق ليستدلّ بهَا من يسْلك الطَّرِيق. يُرِيد: أَنَّهَا سَأَلته عَن الْمَكَان الَّذِي صَارَت فِيهِ وَهِي لَا تعرفه لما انكرته) استخبرته عَن اسْمه. واستعيرت: بَكت من وَحْشَة الغربة ولبعدها من أَرَاضِي أَهلهَا. وَالْعرب تَقول: لله درّ فلَان إِذا دعوا لَهُ وَقيل: إنّهم يُرِيدُونَ لله عمله أَي: جعل الله عنله فِي الْأَشْيَاء الْحَسَنَة اليت يرضاها. وإنّما دَعَا للائمها بِالْخَيرِ نكايةً بهَا لأنّها فَارَقت أَهلهَا بِحسن اخْتِيَارهَا فَيكون هَذَا تسفيهاً لَهَا وَقَالَ الأعلم: وصف امْرَأَة نظرت إِلَى ساتيدما وَهُوَ جبلٌ بعيدٌ من ديارها فتذكرت بلادها فاستعبرت شرقاً إِلَيْهَا ثمَّ قَالَ: لله درّ من لامها الْيَوْم على استعبارها وشوقها إنكاراً على لائمها لأنّها استعبرت بحقّ فَلَا يَنْبَغِي أَن تلام. هَذَا كَلَامه. وَلَيْسَ هَذَا معنى الشّعْر فتأمّل. وذكلك لم يصب بعض فضلاء الْعَجم فِي شرح أَبْيَات المفصّل فِي قَوْله: قد سَأَلتنِي هَذِه الْمَرْأَة عَن الْأَرْضين الَّتِي كَانَ بهَا أَهلهَا إِذْ أنْكرت جبالها أَو أعلامها المنصوبة فِيهَا وَلم تعرفها لتقادم الْعَهْد بهَا أَو لتغيّرها لّما رَأَتْ هَذَا الْجَبَل بَكت لِأَنَّهُ كَانَ منزل أَهلهَا. ثمَّ قَالَ: لله درّ من لامها على الْبكاء وقبّحه عِنْدهَا لتمتنع عَنهُ. انْتهى كَلَامه. وَهَذَا كَلَام من لم يصل إِلَى العنقود. وَقَوله: تذكّرت أَرضًا بهَا أَهلهَا قد اسْتشْهد سِيبَوَيْهٍ بِهَذَا الْبَيْت أَيْضا على أنّ قَوْله: أخوالها فِيهَا وأعمامها مَنْصُوب بِفعل مُضْمر وَهُوَ

تذكّرت. وَهَذَا جَائِز عَنْهُم بِإِجْمَاع لأنّ الْكَلَام قد تمّ فِي قَوْله: تذكّرت أَرضًا بهَا أَهلهَا ثمَّ حمل مَا بعده على معنى التذكّر. وَأَجَازَ بعض فضلاء الْعَجم فِي شرح أَبْيَات المفصّل أَن يكون قَوْله: أخوالها بَدَلا من أَرضًا بدل الاشتمال. وَقَوله: بهَا أَهلهَا الظّرْف لقَوْله أَرضًا وَأَهْلهَا فَاعل الظّرْف وَيجوز أَن يكون مُبْتَدأ والظرف قبله خَبره وَالْجُمْلَة هـ يالصفة. وَالْكَلَام على ساتيدما قد أَجَاد فِيهِ ياقوت الْحَمَوِيّ فِي مُعْجم الْبلدَانِ قَالَ: ساتيدما بعد الْألف تَاء مثناة من فَوق مَكْسُورَة وياء مثنّاة من تَحت ودال مُهْملَة مَفْتُوحَة وَمِيم وَألف مَقْصُورَة أَصله مهمل فِي الِاسْتِعْمَال فِي كَلَام الْعَرَب فإمّا أَن يكون مرتجلاً عَرَبيا لأنّهم قد اكثروا من ذكره فِي شعرهم وإمّا أَن يكون أعدجمياً. قَالَ العمرانيّ: هُوَ جبلٌ بِالْهِنْدِ لَا يعْدم ثلجه أبدا. وأنشدوا: المتقارب (أبرد من ثلج ساتيدما ... وَأكْثر مَاء من العكرش) وَقَالَ غَيره: سمّي بذلك لِأَنَّهُ لَيْسَ من يَوْم إلاّ ويسفك فِيهِ دم كأنّه اسمان جعلا وَاحِدًا: ساتي) دَمًا. وِسَادِي وساتي بِمَعْنى وَهُوَ من سدى الثّوب فَكَأَن الدِّمَاء تسدى فِيهِ كَمَا يسدى الثَّوْب. وَقد مدّه البحتريّ فَقَالَ: الطَّوِيل (ولمّا أسفرت فِي جلولى دِيَارهمْ ... فَلَا الظّهر من ساتيدماء وَلَا اللّحف)

قَالَ أبوعبيد البكريّ فِي مُعْجم مَا استعجم: رَأَيْت البحتريّ قد مدّه فَلَا أعلم أضرورة أم لُغَة والبحتريّ شَدِيد التوقيّ فِي شعره من اللّحن والضّرورة. ثمَّ قَالَ ياقوت: وَقد حذف يزِيد بن مفرّغ ميمه فَقَالَ: الوافر فدير سوى فساتيدا فبصرى قلت: وَهَذَا يدل على أَن هَذَا الْجَبَل لَيْسَ بِالْهِنْدِ وإنّما العمرانيّ وهم. وَذكر غَيره أنّ ساتيدما هُوَ الْجَبَل الْمُحِيط بِالْأَرْضِ مِنْهُ جبل بارمّا وَهُوَ الْجَبَل الْمَعْرُوف بجبل حمرين وَمَا يتّصل بِهِ قرب الْموصل والجزيرة وَتلك النواحي. وَهُوَ أقرب إِلَى الصِّحَّة. وَالله أعلم. وَقَالَ أَبُو بكر الصّوليّ فِي شرح قَول أبي نواس: المنسرح (وَيَوْم ساتيدما ضربنا بني ال ... أصفر وَالْمَوْت فِي كتائبها) قَالَ: ساتيدما: نره أقرب أرزن وَكَانَ كسْرَى وجّه إِيَاس بن قبيصَة الطَّائِي لقِتَال الرّوم بساتيدما فَهَزَمَهُمْ فافتخر بذلك وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح. وَقَوله: فِي بِلَاد الْهِنْد خطأ فَاحش. وَقد ذكر الكسرويّ فِيمَا أورد فِي خبر دجلة عَن المرزباني عَنهُ فَذكر نَهرا بَين آمد وميّاً فارقين ثمَّ قَالَ: ينصبّ إِلَيْهِ وَادي ساتيدما وَهُوَ خَارج من درب الْكلاب بعد أَن ينصبّ إِلَى وَادي ساتيدما وَادي الزُّور الْآخِذ من الكلك وَهُوَ مَوضِع ابْن بقراط البطريق من ظَاهر أرمينيا. قَالَ: وينصبّ أَيْضا من وَادي ساتيدما نهر ميّا فارقين وَهَذَا كُله مخرجه من بِلَاد الرّوم فَأَيْنَ هُوَ الْهِنْد ياللعجب وَقَول عمروبن قميئة:

لّما رَأَتْ ساتيدما استعبرت يدل على ذَلِك لِأَنَّهُ قَالَه فِي طَرِيقه إِلَى ملك الرّوم حَيْثُ سَار مَعَ امْرِئ الْقَيْس. انْتهى كَلَام وَقَالَ البكريّ فِي مُعْجم مَا استعجم: ساتيدما: جبل متّصل من بَحر الرّوم إِلَى بَحر الْهِنْد وَلَيْسَ يَأْتِي يومٌ من الدَّهْر إلاّ سفك عَلَيْهِ دم فَلذَلِك سمّي ساتيدما. وَكَانَ قَيْصر قد غزا كسْرَى وأتى بِلَاده على غرّة فاحتال لَهُ حتّى انْصَرف عَنهُ وَاتبعهُ كسْرَى فِي جُنُوده فأدركه بساتيدما فَانْهَزَمُوا مرعوبين من غير قتال فَقَتلهُمْ قتل الْكلاب وَنَجَا قَيْصر وَلم يكد. وَفِي شعر) أبي النَّجْم ساتيدما: قصر من قُصُور السوَاد قَالَ أَبُو النَّجْم يذكر سكر خالدٍ القسريّ لدجلة: الزّجر (فَلم يجئها الْمَرْء حَتَّى أحكما ... سكرا لَهَا أعظم من ساتيدما) انْتهى. وَلَا يخفى أَنه لَيْسَ فِي قَول أبي النَّجْم مَا يعيّن كَونه قصراً وَلَا مَانع من أَن يحمل على معنى الْجَبَل. ومّما يرد بِهِ على العمرانيّ فِي قَوْله: إِنَّه جبل بِالْهِنْدِ لَا يعْدم ثلجه أَن الْهِنْد بِلَاد حارّة لَا يُوجد فِيهَا الثَّلج. وَالله أعلم. وعَمْرو بن قميئة على وزن فعيلة مؤنّث قميء على وزن فعيل مَهْمُوز اللَّام من قمؤ الرجل بِضَم الْمِيم قمأ بسكونها وقماءة بِفَتْحِهَا وَالْمدّ أَي: صَار قميئاً وَهُوَ الصَّغِير الذَّلِيل.

قَالَ ابْن قُتَيْبَة فِي كتاب الشُّعَرَاء: عَمْرو بن قميئة من قيس بن ثَعْلَبَة بن مَالك رَهْط طرفَة بن العَبْد وَهُوَ قديمٌ جاهليّ كَانَ مَعَ حجر أبي امْرِئ الْقَيْس فَلَمَّا خرج امْرُؤ الْقَيْس إِلَى الرّوم (بَكَى صَاحِبي لّما رأى الدّرب دونه ... وأيقن أّا لَا حقان بقيصرا) (فَقلت لَهُ: لَا تبك عَيْنك إنّما ... نحاول ملكا أَو نموت فنعذوا) ثمَّ قَالَ ابْن قُتَيْبَة: وَفِي عبد الْقَيْس عَمْرو بن قميئة الضبعِي. وَأورد الْآمِدِيّ فِي المؤتلف والمختلف ثَلَاثَة من الشُّعَرَاء يُقَال لَهُم ابْن قميئة أوّلهم هَذَا قَالَ: هوعمرو بن قميئة بن ذريح بن سعد بن مَالك بن ضبيعة بن قيس بن ثَعْلَبَة الشَّاعِر الْمَشْهُور دخل بِلَاد الرّوم مَعَ امْرِئ الْقَيْس بن حجر فَهَلَك فَقيل لَهُ عمروٌ الضائع. وَالثَّانِي هُوَ جميل بن عبد الله بن قميئة الشَّاعِر العذريّ أحد بني ظبْيَان بن حنّ وحنّ ابْن عذرة وَلم يكن جميل يعرف إلاّ بِابْن قميئة. وَالثَّالِث ربيعَة بن قميئة الصّعبي أحد بني صَعب بن تيم بن أَنْمَار بن ميسر بن عميرَة بن أَسد بن ربيعَة بن نزار شَاعِر لَهُ فِي كتاب عبد الْقَيْس القصيدة الَّتِي أَولهَا: الطَّوِيل (لمن دمنٌ قفرٌ كأنّ رسومها ... على الْحول جفن الفارسيّ المزخرف)

(الشاهد الثامن عشر بعد الثلاثمائة)

وَأنْشد بعده الْبَسِيط (كأنّ أصوات من إيغالهنّ بِنَا ... أَوَاخِر الميس إنقاض الفراريج) على أنّ الظّرْف قد فصل بَين المتضايقين لضَرُورَة الشّعْر وَالْأَصْل: كأنّ أصوات أَوَاخِر الميس. والإيغال: الإبعاد يُقَال أوغل فِي الأَرْض: إِذا أبعد فِيهَا. وَالضَّمِير لِلْإِبِلِ. والْأَوَاخِر: جمع) آخِرَة الرحل بِوَزْن فاعلة وَهُوَ الْعود الَّذِي فِي آخر الرحل يسْتَند إِلَيْهِ الرَّاكِب. والميس: بِفَتْح الْمِيم: شجرٌ يتَّخذ مِنْهُ الرّحال والأقتاب. وَإِضَافَة الْأَوَاخِر إِلَيْهِ كإضافة خَاتم فضّة. والإنقاض مصدر أنقضت الدَّجَاجَة: إِذا صوّتت وَهُوَ بالنُّون وَالْقَاف وَالضَّاد الْمُعْجَمَة. والفراريج: جمع فرّوج وَهِي صغَار الدّجاج. يُرِيد أنّ رحالهم جديدةٌ وَقد طَال سيرهم فبعض الرحل يحكّ بَعْضًا فَيحصل مثل أصوات الفراريج من اضْطِرَاب الرّحال لشدَّة السّير. وَهَذَا الْبَيْت من قصيدة لذِي الرمّة تقدم الْكَلَام عَلَيْهِ فِي الشَّاهِد التَّاسِع وَالسِّتِّينَ بعد الْمِائَتَيْنِ. وَأنْشد بعده وَهُوَ 3 - (الشَّاهِد الثَّامِن عشر بعد الثلاثمائة) الطَّوِيل (تمرّ على مَا تستمرّ وَقد شفت ... غلائل عبد الْقَيْس مِنْهَا صدروها) على أنّ الْفَصْل بَين المتضايقين بِغَيْر الظّرْف نَادِر كَمَا هُنَا وَالْأَصْل: وَقد شفت غلائل صدروها عبد الْقَيْس مِنْهَا ففصل بَين الْمُضَاف والمضاف إِلَيْهِ بالفاعل وبالجارّ وَالْمَجْرُور. وَالْفَاعِل وَهُوَ عبد الْقَيْس فِي نِيَّة التَّقْدِيم على الْمَفْعُول وَهُوَ غلائل صدروها لأنّ فِيهِ ضمير الْفَاعِل. وعبد الْقَيْس: قَبيلَة. والغلائل: جمع غليلة وَهُوَ الضغن والحقد. وشفت: مجَاز من شفى الله الْمَرِيض. إِذا أذهب عَنهُ مَا يشكو. وتمر: من الْمُرُور. وتستمر: من الِاسْتِمْرَار. وَهَذَا الْبَيْت مَصْنُوع وقائله مَجْهُول كَذَا فِي كتاب الْإِنْصَاف فِي مسَائِل الْخلاف لأبي البركات عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد الشهير بِابْن الأنباريّ. وَقَالَ ابْن السَّيِّد فِي أَبْيَات الْمعَانِي: هَذَا الْبَيْت أنْشدهُ الْأَخْفَش وتوجيه إعرابه أَنه فصل بَين الْمُضَاف والمضاف

إِلَيْهِ بِمَا لَيْسَ بظرف وَهُوَ أفحش مَا جَاءَ فِي الشّعْر ودعت إِلَيْهِ ضَرُورَة وَتَقْدِير الْكَلَام: وَقد شفت غلائل صدورها. والغلائل: جمع غليلة مثل عَظِيمَة وعظائم وكريمة وكرائم. وَقَالَ أَبُو الْحسن الْأَخْفَش: إِن كَانَ الشّعْر لم يوثق بعربيّته فَيجوز أَن يكون أخرج غلائل غير مُضَافَة وقدّر فِيهَا التَّنْوِين لأنّها لَا تَنْصَرِف ثمَّ جَاءَ بالصدرو مجرورة على نيّة إِعَادَتهَا كَمَا قَالَ) الآخر: الْخَفِيف (رحم الله أعظما دفنوها ... بسجستان طَلْحَة الطّلحات) أَي: أعظم طَلْحَة الطّلحات. فَكَذَلِك هُنَا يُرِيد غلائل عبد الْقَيْس مِنْهَا غلائل صدورها وَقد حذف الثَّانِي اجتزاءً بالأوّل. وَهَذَا التَّأْوِيل حسن لأنّه مخرج الْكَلَام وَفِيه ضعف من حَيْثُ إِضْمَار الْجَار. انْتهى.

(الشاهد التاسع عشر بعد الثلاثمائة)

وَأنْشد بعده وَهُوَ 3 - (الشَّاهِد التَّاسِع عشر بعد الثلاثمائة) مجزوء الْكَامِل (فزججتها بمزجّة ... زجّ القلوص أبي مزاده) على أنّه فصل بَين الْمُضَاف وَهُوَ زجّ وَبَين الْمُضَاف إِلَيْهِ وَهُوَ أبي مزاده بالمفعول وَهُوَ القلوص. يُقَال زججته زجّاً: إِذا طعنته بالزّجّ بِضَم الزاء وَهِي الحديدة الَّتِي فِي أَسْفَل الرمْح. وزجّ القلوص مفعول مُطلق أَي: زجّاً مثل زجّ. والقلوص بِفَتْح الْقَاف: النَّاقة الشَّابَّة. وأَبُو مزاده: كنية رجل قَالَ صَاحب الصِّحَاح المزجّ بِكَسْر الْمِيم: رمح قصير كالمزراق قَالَ ابْن خلف: هَذَا الْبَيْت يرْوى لبَعض المدنيّين المولّدين وَقيل هُوَ لبَعض المؤنّثين مِمَّن لَا يحْتَج بِشعرِهِ. ومزجّه يرْوى بِفَتْح الْمِيم وَهُوَ مَوضِع الزّجّ يَعْنِي أنّه زجّ رَاحِلَته لتسرع كَمَا يفعل أَبُو مزادة بالقلوص. وَيجوز أَن تكون الْمِيم مَكْسُورَة فَيكون الْمَعْنى فزّججتها يَعْنِي النَّاقة أَو غَيرهَا أَي: رميتها بِشَيْء فِي طرفه زجّ كالحربة والمزجة مَا يزجّ بِهِ. وَأَرَادَ كزجّ أبي مزادة بالقلوص أَي: كَمَا يزجّها. انْتهى. وَقَول العينيّ: الْأَظْهر أَن الضَّمِير ف يزججتها يرجع إِلَى الْمَرْأَة لأنّه يخبر أَنه زجّ امْرَأَته بالمزجّة كَمَا زجّ أَبُو مزادة القلوص كَلَام يحْتَاج فِي تَصْدِيقه إِلَى وَحي. وَقد انعكس عَلَيْهِ الضَّبْط فِي مزجّه فَقَالَ: هِيَ بِكَسْر الْمِيم وَالنَّاس يلحنون فِيهَا فيفتحون ميمها. وَقد أنْشد ثَعْلَب فِي أَمَالِيهِ الثَّالِثَة هَذَا الْبَيْت كَذَا: ...

(فزججتها متمكّناً ... زجّ الصّعاب أَبُو مزاده)) وَأنْشد بَعضهم: زجّ الصّعاب أبي مزاده أَرَادَ: زجّ أبي مزادة الصّعاب ثمَّ اعْترض بالصّعاب اه. فَلَا شَاهد فِي الْبَيْت على رِوَايَته الأولى. والصّعاب: جمع صَعب وَهُوَ نقيض الذلّول. وَهَذَا الْبَيْت لم يعْتَمد عَلَيْهِ متقنو كتاب سِيبَوَيْهٍ حَتَّى قَالَ السيرافيّ: لم يُثبتهُ أحدٌ من أهل الرِّوَايَة وَهُوَ من زيادات أبي الْحسن الْأَخْفَش فِي حَوَاشِي كتاب سِيبَوَيْهٍ فَأدْخلهُ بعض النّسّاخ فِي بعض النّسخ حتّى شَرحه الأعلم وَابْن خلف فِي جملَة أبياته. والأخفش هَذَا هُوَ أَبُو الْحسن سعيد بن مسْعدَة صَاحب سِيبَوَيْهٍ لَا الْأَخْفَش أَبُو الخطّاب فإنّه شيخ سِيبَوَيْهٍ. قَالَ الزمخشريّ فِي مفصّله وَمَا يَقع فِي بعض نسخ الْكتاب من قَوْله: فزججتها بمزجة الْبَيْت: فسيبويه بَرِيء من عهدته. أَرَادَ أَن سِيبَوَيْهٍ لم يُورد هَذَا الْبَيْت فِي كِتَابه بل زَاده غَيره فِي كِتَابه. وإنّما برّأ سِيبَوَيْهٍ من هَذَا لأنّ سِيبَوَيْهٍ لَا يرى الْفَصْل بِغَيْر الظّرْف وَإِذا كَانَ هَذَا مذْهبه فَكيف يُورد بَيْتا على خلاف مذْهبه. وَمِنْه يظْهر لَك سُقُوط قَول الجعبريّ فِي شرح الشاطبيّة فَإِنَّهُ بعد أَن زعم أَن الْبَيْت من أَبْيَات الْكتاب قَالَ: فَإِن قلت: فَمَا معنى قَول المفصّل: بَرِيء من عهدته قلت: مَعْنَاهُ من عُهْدَة هَذِه الرِّوَايَة لأنّه يرويهِ: زجّ القلوص أَبُو مزاده بجرّ القلوص بِالْإِضَافَة وَرفع أَبُو مزاده فَاعل الْمصدر. هَذَا كَلَامه.

ثمَّ قَوْله: إِن هَذَا الْبَيْت أنْشدهُ الْأَخْفَش والفرّاء أَقُول: نقل الفرّاء لهَذَا الْبَيْت لَيْسَ لتأييد قِرَاءَة ابْن عَامر الْآتِيَة وَإِنَّمَا نَقله لِلطَّعْنِ فِيهِ بِأَنَّهُ كَلَام من لَا يوثق بِهِ كَمَا يظره لَك من كَلَام الفرّاء الْآتِي. قَالَ ابْن جنّي فِي الخصائص: قد فصل بالمفعول بِهِ مَعَ قدرته أَن يَقُول: زجّ القلوص أَبُو مزاده. وَفِيه عِنْدِي دَلِيل على قوّة إِضَافَة الْمصدر إِلَى الْفَاعِل عِنْدهم وَأَنه فِي نُفُوسهم أقوى من إِضَافَته إِلَى الْمَفْعُول. أَلا ترَاهُ ارْتكب هَاهُنَا الضَّرُورَة مَعَ تمكنّه من ترك ارتكابها لَا لشَيْء غير الرَّغْبَة فِي إِضَافَة الْمصدر إِلَى الْفَاعِل دون الْمَفْعُول. وَهَذَا فِي النثر وَحَال السّعة صعبٌ جدّاً لَا سيّما والمفصول بِهِ مفعول لَا ظرف اه.) وَبِقَوْلِهِ: لَا لشَيْء غير الرَّغْبَة الخ يعلم أنّ قَول العينيّ: إنّ قَائِله لَيْسَ لَهُ عذر فِي هَذَا لاّ مسّ الضَّرُورَة لإِقَامَة الْوَزْن صادرٌ من غير رويّة وفكر. وَنقل جمَاعَة عَن ابْن جنّي فِي تَوْجِيهه: أنّه يقدّر فِي الأول مُضَاف إِلَيْهِ وَفِي الثَّانِي مُضَاف وَالتَّقْدِير: زجّ أبي مزاده القلوص قلُوص أبي مزادة على أَن يكون قلُوص بَدَلا من القوص وتعسّفه ظَاهر. وَنقل ابْن الْمُسْتَوْفى عَن الزمخشريّ فِي حَوَاشِيه أنّه قَالَ: الْوَجْه أَن يجرّ القلوص وَيجْعَل أبي مزادة بعده مجروراً بمضاف مَحْذُوف تَقْدِيره: قلُوص أبي مزادة كَمَا فِي: المتقارب ونارٍ توقّد باللّيل نَارا اه.

وَقد نقل الْخلاف ابْن الأنباريّ فِي هَذِه الْمَسْأَلَة فِي كِتَابه الْإِنْصَاف فِي مسَائِل الْخلاف فَقَالَ: ذهب الكوفيّون إِلَى أنّه يجوز الْفَصْل بَين الْمُضَاف والمضاف إِلَيْهِ بِغَيْر الظّرْف وحرف الْخَفْض لضَرُورَة الشّعْر وَذهب البصريّون إِلَى أنّه لَا يجوز ذَلِك بِغَيْرِهِمَا. أما الكوفيّون فاحتجوا بِأَن فزججتها بمزجةٍ ... ... ... . الْبَيْت وَقَالَ الآخر: تمرّ على مَا تستمرّ وَقد شفت ... ... ... . الْبَيْت وَقَالَ الآخر: الطَّوِيل (يطفن بحوزيّ المراتع لم يرع ... بواديه من قرع القسيّ الكنائن) وَالتَّقْدِير من قرع الكنائن القسيّ. وَقَالَ: المنسرح (وأصبحت بعد خطّ بهجتها ... كأنّ قفراً رسومها قَلما) وَالتَّقْدِير بعد بهجتها ففصل بَين الْمُضَاف الَّذِي هُوَ بعد والمضاف إِلَيْهِ الَّذِي هُوَ بهجتها بِالْفِعْلِ الَّذِي هُوَ خطّ. وَتَقْدِير الْبَيْت: فَأَصْبَحت قفراً بعد بهجتها كَأَن قَلما خطّ رسومها. وَقد حكى الكسائيّ عَن الْعَرَب: هَذَا غُلَام

وَالله زيدٍ. وَحكى أَبُو عُبَيْدَة سَمَاعا عَن الْعَرَب: إنّ الشَّاة لتجترّ فَتسمع صَوت وَالله ربّها. وَإِذا جَاءَ هَذَا فِي الْكَلَام فَفِي الشّعْر أولى. وأمّا البصريون فاحتجوا بِأَن قَالُوا إنّما قُلْنَا لَا يحوز ذَلِك لأنّالمضاف والمضاف إِلَيْهِ بِمَنْزِلَة شَيْء وَاحِد فَلَا يجوز أَن يفصل بَينهمَا. وإنّما جَازَ الْفَصْل بالظرف وحرف الجرّ كَمَا قَالَ ابْن قميئة: وَقَالَ أَبُو حيّة النميريّ: الوافر) (كَمَا خطّ الْكتاب بكفّ يَوْمًا ... يهوديّ يُقَارب أَو يزِيل) وَقَالَ ذُو الرمّة: كَأَن أصوات من إيغالهنّ بِنَا لآنّ الظّرْف وحرف الْجَرّ يتّسع فيهمَا مَا لَا يَتَّسِع فِي غَيرهمَا. وأمّا الْجَواب عَن كَلِمَات الكوفيّين: أما قَوْله: فزججته بمزجّة الْبَيْت فيروى لبض المدنيّين المولّدين فَلَا يكون فِيهِ حجّة. وَأما سَائِر مَا أنشدوه فَهُوَ مَعَ قلّته لَا يعرف قَائِله فَلَا يجوز الِاحْتِجَاج بِهِ. وَأما مَا حَكَاهُ الكسائيّ وَأَبُو عُبَيْدَة فإنّما جَاءَ فِي الْيَمين لِأَنَّهَا تدخل فِي أَحْبَارهم للتوكيد فكأنهم لما جازوا بهَا موضعهَا استدركوا ذَلِك بِوَضْع الْيَمين حَيْثُ أدركوا من الْكَلَام.

وَالَّذِي يدلّ على صحّة هَذَا أَنا أجمعنا وإيّاكم على أنّه لم يَجِيء الْفَصْل بِغَيْر الْيَمين فِي اخْتِيَار الْكَلَام. وَأما قِرَاءَة ابْن عَامر فَلَا يسوغ لكم الِاحْتِجَاج بهَا لأنّكم لَا تَقولُونَ بموجبها لأنّ الْإِجْمَاع واقعٌ على امْتنَاع الْفَصْل بالمفعول فِي غير ضَرُورَة الشّعْر وَالْقُرْآن لَيْسَ فِيهِ ضَرُورَة. وَإِذا وَقع الغجماع على امْتنَاع الْفَصْل بَينهمَا فِي حَالَة الِاخْتِيَار سقط الِاحْتِجَاج بهَا على حَالَة والبصريون يذهبون إِلَى أَن هَذِه الْقِرَاءَة وهم من الْقَارئ. إِذْ لَو كَانَت صَحِيحَة لَكَانَ من أفْصح الْكَلَام وَفِي وُقُوع الْإِجْمَاع على خِلَافه دليلٌ على أنّه وهمٌ فِي الْقِرَاءَة. وإنّما دَعَا ابْن عَامر إِلَى هَذِه الْقِرَاءَة أنّه رأى فِي مصاحف أهل الشَّام شركائهم مَكْتُوبًا بِالْيَاءِ وَوجه إِثْبَات الْيَاء جرّ شركائهم على الْبَدَل من أَوْلَادهم وَجعل الْأَوْلَاد هم الشُّرَكَاء لأنّ أَوْلَاد النَّاس شُرَكَاء آبَائِهِم فِي احوالهم وَأَمْوَالهمْ. وَهَذَا تَخْرِيج خطّ مصحف أهل الشَّام. فأمّا قِرَاءَة ابْن عَامر فَلَا وَجه لَهَا فِي الْقيَاس ومصاحف أهل الْحجاز وَالْعراق شركاؤهم بِالْوَاو فدلّ على صحّ مَا ذَهَبْنَا إِلَيْهِ وَالله أعلم. انْتهى كَلَام ابْن الأنباريّ. وَفِيه أَمْرَانِ: الأول: أنّ نسبه جَوَاز الْفَصْل فِي الشّعْر بِنَحْوِ الْمَفْعُول إِلَى الكوفيّين لم يعْتَرف بِهِ الفرّاء وَهُوَ من أجلّ أَئِمَّة الكوفيّين قَالَ فِي تَفْسِيره الْمَعْرُوف بعاني الْقُرْآن: فِي سُورَة الأانعام عِنْد قفراءة ابْن عَامر مَا نَصه: وَفِي بعض مصاحف أهل الشَّام شركائهم فَإِن تكن مثبتة عَن الأوّلين فَيَنْبَغِي أَن يقْرَأ زيّن أَي: بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول وَيكون اللشركاء هم الْأَوْلَاد لأنّهم مِنْهُم فِي النّسَب وَالْمِيرَاث.) فَإِن كَانُوا يقرؤون زيّن أَي:

بِالْبِنَاءِ للْفَاعِل فلست أعرف جِهَتهَا إلاّ أَن يَكُونُوا آخذين بلغَة قومٍ يَقُولُونَ: أتيتها عشاياً ثمَّ يَقُولُونَ فِي تَثْنِيَة الْحَمْرَاء حمريان. فَهَذَا وَجه أَن يَكُونُوا قَالُوا: زيّن لكثير من الْمُشْركين قتل أَوْلَادهم شركايهم. وَإِن شِئْت جعلت زيّن إِذا فَتحته فعلا لإبليس ثمَّ تخْفض الشُّرَكَاء بإتباع الْأَوْلَاد. وَلَيْسَ قَول من قَالَ إنّما أَرَادوا مثل قَول الشَّاعِر: (فزججتها متمكّناً ... زجّ القلوص أبي مزاده) بِشَيْء. وَهَذَا مِمَّا كَانَ يَقُوله نحويّو أهل الْحجاز وَلم نجد مثله فِي الْعَرَبيَّة. انْتهى. وَقَالَ أَيْضا فِي سُورَة إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام: وَلَيْسَ قَول من قَالَ: مخلف وعده رسله بِشَيْء وَلَا: زيّن لكثير من الْمُشْركين قتل أَوْلَادهم شركائهم بِشَيْء. قَالَ الفرّاء: هَذَا بَاطِل ونحويّو أهل الْمَدِينَة ينشدون قَوْله: زجّ القلوص أبي يمزاده وَالصَّوَاب: زجّ القلوص أَبُو مزاده انْتهى الْأَمر الثَّانِي: أنّ ابْن خلف فِي شرح أَبْيَات الْكتاب وَأَبا شامة فِي شرح الشاطبيّة وَتَبعهُ فِي شرحها بعده الجعبريّ والسمين فِي إِعْرَاب الْقُرْآن نقلوا عَن الْإِنْصَاف لِابْنِ الأنباريّ مَا يُؤَيّد قِرَاءَة ابْن عَامر.

قَالَ ابْن خلف: قد احتجّ ابْن الأنباريّ فِي كتاب الْإِنْصَاف عَن الكسائيّ عَن الْعَرَب: هُوَ غُلَام إِن شَاءَ الله أَخِيك ففصل بِالْجُمْلَةِ الشرطيّة. وَقَالَ السّمين: قَالَ ابْن الأنباريّ: هَذِه قِرَاءَة صَحِيحَة وَإِذا كَانَت الْعَرَب قد فصلت بَيت المتضايفين بِالْجُمْلَةِ فِي قَوْلهم: هُوَ غُلَام إِن شَاءَ الله أَخِيك فَأن تفصل بالمفرد أسهل. هَذَا كَلَامهم أَنْت ترى هَذَا النَّقْل لَا أصل لَهُ وإنّما نقل ابْن الأنباريّ عَن الكسائيّ عَن الْعَرَب هُوَ قَوْلهم: هَذَا غُلَام وَالله زيد. وَلَيْسَ فِي كَلَامه أَيْضا مَا يُؤَيّد الْقِرَاءَة وإنّما هُوَ طاعنّ فِيهَا تبعا للزمخشريّ وَغَيره. وَكنت أَظن أنّ صَاحب الكشّاف مَسْبُوق بِابْن الأنباريّ فراجعت ترجمتهما فَرَأَيْت الْأَمر بِالْعَكْسِ فإنّ الزمخشريّ توفيّ يَوْم عَرَفَة سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة وَابْن الأنباريّ مَاتَ لَيْلَة) الْجُمُعَة تَاسِع شعْبَان سنة سبع وَسبعين وَخَمْسمِائة وَهُوَ تلميذ الجواليقي صَاحب المعرّبات وَابْن الشجريّ صَاحب الأمالي والزمخشريّ من أَقْرَان ابْن الشجريّ فَابْن الأنباريّ مُتَأَخّر عَن الزمخشريّ بِأَرْبَع طَبَقَات. والزمخشريّ فِي طعنه على هَذِه الْقِرَاءَة مسبوقٌ ايضاً بالفرّاء فَكَانَ يَنْبَغِي الردّ على الفرّاء فإنّه هُوَ الَّذِي فتح ابْتِدَاء بَاب الْقدح على قِرَاءَة ابْن عَامر. قَالَ السّمين: قِرَاءَة ابْن عَامر متواترة صَحِيحَة وَقد تجرأ كثير من النَّاس على قَارِئهَا بِمَا لَا يَنْبَغِي وَهُوَ أَعلَى القرّء السَّبْعَة سنداً واقدمهم هِجْرَة وإنّما

ذكرنَا هَذَا تَنْبِيها على خطأ من ردّ قِرَاءَته وَنسبه إِلَى لحن أَو اتِّبَاع مجرّد المرسوم. وَقَالَ أَبُو عليّ الفارسيّ: هَذَا قَبِيح قَلِيل الِاسْتِعْمَال وَلَو عدل عَنْهَا كَانَ أولى لأَنهم لم يفصلوا بَين المتضايقين بالظرف فِي الْكَلَام مَعَ اتساعهم فِي الظروف وَإِنَّمَا أجازوه فِي الشّعْر. وَقَالَ أَبُو عبيد: لَا أحب قِرَاءَة ابْن عَامر لما فِيهَا من الاستكراه وَالْقِرَاءَة عندنَا هِيَ الأولى لصحتها فِي الْعَرَبيَّة مَعَ إِجْمَاع أهل المصرين بالعراق عَلَيْهَا. وَقَالَ الزمخشريّ وأساء فِي عِبَارَته: وَأما قِرَاءَة ابْن عَامر فشيءٌ لَو كَانَ فِي مَكَان الضَّرُورَة لَكَانَ سمجاً مردوداً كَمَا سمج وردّ: زجّ القلوص أبي مزده فَكيف بِهِ فِي الْكَلَام المنثور فَكيف بِهِ فِي الْقُرْآن المعجمز بِحسن نطمه وجزالته. وَالَّذِي حمله على ذَلِك أنّه رأى فِي بعض الْمَصَاحِف شركائهم مكتوباُ بِالْيَاءِ. وَلَو قَرَأَ بجرّ الْأَوْلَاد والشركاء لِأَن الْأَوْلَاد شركاؤهم فِي أَمْوَالهم لوجد فِي ذَلِك مندوحة عَن هَذَا الارتكاب. وَهَذِه الْأَقْوَال كلّها لَا يَنْبَغِي أَن يلْتَفت إِلَيْهَا لأنّها طعنٌ فِي الْمُتَوَاتر وَإِن كَانَت صادرة عَن ائمة أكَابِر. وَأَيْضًا فقد انتصر لَهَا من يقابلهم وَجَاء فِي الحَدِيث: هَل أَنْتُم تاركو لي صَاحِبي. وَقَالَ ابْن جنّي فِي الخصائص بَاب مَا يرد عَن العربيّ مُخَالفا لِلْجُمْهُورِ: إِذا اتّفق شَيْء من ذَلِك العربيّ وَفِيمَا جَاءَ بِهِ فَإِن كَانَ فصيحاً وَكَانَ مَا جَاءَ بِهِ يقبله الْقيَاس فَيحسن الظَّن بِهِ لأنّه يُمكن أَن يكون قد وَقع إِلَيْهِ ذَلِك من لُغَة قديمَة قد طَال عهدها وَرُوِيَ عَن عمر بن الْخطاب أَنه قَالَ:

كَانَ الشّعْر علم قوم لم يكن لَهُم علم أصحّ مِنْهُ فِي الْإِسْلَام. فجَاء الْإِسْلَام فتشاغلت عَنهُ الْعَرَب بِالْجِهَادِ ولهت عَن الشّعْر وَرِوَايَته فَلَمَّا كثر الْإِسْلَام وَجَاءَت الْفتُوح واطمأنت الْعَرَب بالأمصار راجعوا رِوَايَة الشّعْر فَلم يؤولوا إِلَى ديوَان مدوّن ط لَا كتاب مَكْتُوب وألفو ذَلِك وَقد هلك من هلك فحفظوا أقلّ ذَلِك وَذهب عَنْهُم كَثِيره.) فَإِذا كَانَ الْأَمر كَذَلِك لم يقطع على الفصيح يسمع مِنْهُ مَا يُخَالف الْجُمْهُور بالْخَطَأ إِذا كَانَ الْقيَاس يعضده. وَقَالَ ابْن ذكْوَان: سَأَلَني الكسائيّ عَن هَذَا الْحَرْف وَمَا بلغه من قراءتنا فرأيته كَأَنَّهُ أعجبه وَنزع بِهَذَا الْبَيْت: نفي الدّراهيم تنقاد الصّياريف بِنصب الدراهيم وجرّ تنقاد. وأمّا ورد فِي النّظم من الْفَصْل بَين المتضايقين بالظرف وَبِغَيْرِهِ فكثير. ثمَّ بعد أَن سرد غَالب مَا ورد فِي الشّعْر قَالَ: وَإِذا قد عرفت هَذَا قِرَاءَة ابْن عَامر صحيحةٌ من حَيْثُ اللُّغَة كَمَا هِيَ صَحِيحَة من حَيْثُ النَّقْل فَلَا الْتِفَات إلأى قَول من قَالَ: إنّه اعْتمد على الرَّسْم لأنّه لم يُوجد فِيهِ إلاّ كِتَابَة شركائهم بِالْيَاءِ وَهَذَا وَإِن كَانَ كَافِيا فِي الدّلَالَة على جر شركائهم فَلَيْسَ فِيهِ مَا يدلّ على نصب أَوْلَادهم إِذْ الْمُصحف مهمل من شكل ونقط فَلم يبْق بِهِ حجّة فِي نصب الْأَوْلَاد إلاّ النَّقْل الْمَحْض. وَقَالَ أَبُو شامة: وَلَا بعد فِيمَا استبعده أهل النَّحْو من جِهَة الْمَعْنى وَذَلِكَ

(الشاهد العشرون بعد الثلاثمائة)

أنّه قد عهد تقدّم الْمَفْعُول على الْفَاعِل الْمَرْفُوع لفظا فاستمرّت لَهُ هَذِه الْمرتبَة مَعَ الْفَاعِل تَقْديرا فَإِن الْمصدر لَو كَانَ منوّناً لجَاز تَقْدِيم الْمَفْعُول على فَاعله نَحْو أعجبني ضرب عمرا زيد فَكَذَا فِي الْإِضَافَة. وَقد ثَبت جَوَاز الْفَصْل بَين حرف الجرّ ومجروره مَعَ شدَّة الِاتِّصَال بَينهمَا أَكثر من شدته بَين المتضايفين كَقَوْلِه تَعَالَى: فبمَا نقضهم ميثاقهم فبمَا رحمةٍ وَالْمَفْعُول المقدّم هُوَ فِي غير مَوْضِعه معنى فَكَأَنَّهُ مُؤخر لفظا. وَلَا الْتِفَات إِلَى قَول من زعم أَنه لم يَأْتِ فِي الْكَلَام المنثور مثله. لأنّه نافٍ وَمن أسْند هَذِه الْقِرَاءَة مثبتٌ وَالْإِثْبَات مرجّح على النَّفْي بِإِجْمَاع. وَلَو نقل إِلَى هَذَا الزاعم عَن بعض الْعَرَب أَنه اسْتَعْملهُ فِي النثر لرجع إِلَيْهِ فماباله لَا يَكْتَفِي بناقل الْقِرَاءَة من التَّابِعين عَن الصَّحَابَة هَذَا زبدة مَا أوردهُ السّمين وَمثله كَلَام الجعبريّ فِي شرح الشاطبيّة وَالله أعلم. وَأنْشد بعده وَهُوَ 3 - (الشَّاهِد الْعشْرُونَ بعد الثلاثمائة) وَهُوَ من أَبْيَات سِيبَوَيْهٍ:

الْبَسِيط (تَنْفِي يداها الْحَصَى فِي كلّ هاجرة ... نفي الدّراهيم تنقاد الصّياريف) على أنّفيه الْفَصْل بالمفعول أَيْضا بَين المتضايفين فَإِن أَصله: نفي تنقاد الصياريف الدراهيم ففصل بالمفعول وَهُوَ الدراهيم بَين المتضايفين. وَإِضَافَة نفي إِلَى تنقاد من إِضَافَة الْمصدر إِلَى فَاعله. وَرُوِيَ أَيْضا بغضافة نفي إِلَى الدراهيم وَرفع تنقاد فَيكون من إِضَافَة الْمصدر. وعَلى هَذِه الرِّوَايَة أنْشدهُ ابْن النَّاظِم وَابْن عقيل فِي شرح الألفيّة. قَالَ العينيّ: وَفِي شرح الْكتاب: وَيجوز نصب التّنقاد وَرفع الدراهيم فِي الْعَمَل على الْقلب من حَيْثُ أَمن اللّبْس يَعْنِي أنّه رُوِيَ بجرّ الدراهيم بِإِضَافَة نفي إِلَيْهِ وَنصب تنقاد فَيكون من قبيل إِضَافَة الْمصدر إِلَى فَاعله على تَقْدِير الْقلب بِجعْل الْفَاعِل مَفْعُولا وَالْمَفْعُول فَاعِلا. وَأوردهُ سِيبَوَيْهٍ فِي اوائل كِتَابه فِي بَاب مَا يحْتَمل الشّعْر قَالَ: وربّما مدّوا فَقَالُوا: مساجيد نفي الدَّنَانِير تنقاد الصّياريف وينشد: نفي الدراهيم. انْتهى كَلَامه ومحلّ الشَّاهِد فِيهِ عِنْد أبي جَعْفَر النّحاس الدَّنَانِير والدراهيم قَالَ: من روى الدنابير فَلَا ضَرُورَة عِنْده فِيهِ لأنّ الأَصْل فِي دِينَار دنّار فَلَمَّا جمعت رَددته إِلَى أَصله فَقلت دَنَانِير. وَمن روى الدراهيم فَذكر أَبُو الْحسن بن كيسَان أَنه قد قيل فِي بعض اللُّغَات درهام قَالَ: فَيكون هَذَا على تَصْحِيح الْجمع. قَالَ: أَو يكون على أَنه زَاده للمد. قَالَ: وَيكون على الْوَجْه الَّذِي قَالَ سِيبَوَيْهٍ أنّه بنى الْجمع على غير لفظ الْوَاحِد كَمَا أّ قَوْلهم: مذاكير لَيْسَ على لفظ ذكر إِنَّمَا هُوَ على لفظ مذكار وَهُوَ جمع لذكر على غير بِنَاء واحده.

قَالَ: وَلم يُنكر أَن يكون الْجمع على غير بِنَاء الْوَاحِد فَلذَلِك زَاد الْيَاء فِي دراهيم. وَقَالَ لي عَليّ بن سُلَيْمَان: وَاحِد الصياريف صيرف وَكَانَ يجب أَن يَقُول صيارف انْتهى كَلَامه. وَعند الشنتمري الشَّاهِد فِي الصياريف قَالَ: زَاد الْيَاء فِي الصياريف صرورة تَشْبِيها لَهَا بِمَا جمع فِي الْكَلَام على غير وَاحِد نَحْو ذكر ومذاكير وسمح ومساميح. وَلم يتَعَرَّض للدراهيم وَالدَّنَانِير.) وَقد جمع ابْن خلف بَينهمَا فَقَالَ: الشَّاهِد فِيهِ على زِيَادَة الْيَاء فِي جمع الدَّرَاهِم والصيارف. أَقُول: الظَّاهِر كَلَام الأعلم لَا غير وَرُوِيَ الدَّرَاهِم بِلَا يَاء وجميعهم لم يتَعَرَّضُوا إِعْرَاب الدراهيم والتنقاد. والنَّفْي بالنُّون وَالْفَاء قَالَ صَاحب الْمُحكم: كلّ مَا رَددته فقد نفيته ونفيت الدَّرَاهِم: أثرتها للانتقاد. وَأنْشد هَذَا الْبَيْت. ويداها: فَاعل تَنْفِي وَالضَّمِير لناقة الفرزدق. والْحَصَى: مفعول. والهاجرة: وَقت اشتداد الحرّ فِي وَقت الظّهْر. ونفي الدراهيم: مفعول مُطلق تشبيهي وَالْأَصْل تَنْفِي يداها الْحَصَى نفيا كنفي الدراهيم. والتنقاد: بِالْفَتْح من نقد الدَّرَاهِم وَهُوَ التَّمْيِيز بَين جيّدها ورديئها. والصّيارف: مجرور لفظا بِالْإِضَافَة مَرْفُوع محلاّ لأنّه فَاعل تنقاد. قَالَ الأعلم: وصف الفرزدق نَاقَته بِسُرْعَة السّير فِي الهواجر فَيَقُول: إِن يَديهَا لشدّة وقعها يَفِ الْحَصَى ينفيانه فيقرع بعضه بَعْضًا وَيسمع لَهُ صليل كصليل الدَّنَانِير إِذا انتقدها الصّيرفيّ فنفى رديئها عَن جيّدها وخصّ الهاجرة لتعذّر السّير فِيهَا.

(الشاهد الحادي والعشرون بعد الثلاثمائة)

وَقَالَ ابْن خلف: وصف رَاحِلَته بالنشاط وَسُرْعَة السّير فِي الهواجر حِين تكلّ المطيّة وتضعف القوى مِنْهَا تكون هـ يينشيطة قويّة إِذا أَصَابَت مناسمها الْحَصَى انتقى من تَحت مناسمها كَمَا تنتقي الدَّرَاهِم من يَد الصيرفيّ إِذا نقدها باصابعه. شبّه خُرُوج الْحَصَى من تَحت مناسمها وترجمة الفرزدق فِي الشَّاهِد الثَّلَاثِينَ من أَوَائِل الْكتاب. وَأنْشد بعده وَهُوَ 3 - (الشَّاهِد الْحَادِي وَالْعشْرُونَ بعد الثلاثمائة) الرجز (يَا ابْن الزّبير طالما عصيكا ... وطالما عنّيتنا إليكا) لنضربن بسيفنا قفيكا على أنّه جَاءَ فِي الشّعْر قلب الْألف يَاء مَعَ الْإِضَافَة إِلَى كَاف الضَّمِير فِي قَوْله: فقيكا وَالْأَصْل قفاكا فأبدلت الْألف يَاء. وَإِنَّمَا كَانَ سَبِيل هَذَا الشّعْر لِأَنَّهُ لَيْسَ مَعَ يَاء الْمُتَكَلّم فَإِنَّهَا تقلب مَعَه يَاء نثراً ونظماً عِنْد هُذَيْل. وإنّما قيد بكاف الضَّمِير لأنّ السماع جَاءَ مَعَه. وَظَاهر كَلَام أبي عَليّ فِي الْمسَائِل العسكرية لَا يختصّ هَذَا بالشعر فَإِنَّهُ قَالَ:

وأمّا إِبْدَال الْيَاء من الْألف فِي قفا فِي الْإِضَافَة فإنّما أبدل كَمَا أبدلت الْألف مِنْهَا فِيمَن قَالَ: رَأَيْت هَذَانِ أَي: للتقارض. وَقَالُوا أَيْضا: عَلَيْك وَإِلَيْك وَقد اطّرد هَذَا فِي بعض اللُّغَات نَحْو: هويّ ونويّ وقفيّ فأبدلت الْيَاء من ألف هواي ونواي وقفاي كَمَا أبدلت الْألف مِنْهَا فِي: حاحيت وعاعيت حَيْثُ أُرِيد إِزَالَة التَّضْعِيف فِيهِ. كَمَا أُرِيد من نَظِيره من الْوَاو وَهُوَ: ضوضيت وقوقيت. هَذَا كَلَامه. وَأما عصيكا فأصله عصيت قَالَ ابْن جنّي فِي سرّ الصِّنَاعَة: أبدل الْكَاف من التَّاء لِأَنَّهَا أُخْتهَا فِي الهمس وَكَانَ سحيم إِذا أنْشد شعرًا قَالَ: أحسنك وَالله يُرِيد أَحْسَنت. انْتهى. وَقد تقدّم الْكَلَام فِي هَذَا الْكتاب فِي تَرْجَمته سحيم أنّه كَانَ حبشيّاً وَكَانَ فِي لِسَانه لكنة. وَقَالَ أَبُو عَليّ فِي الْمسَائِل العسكرية: قَالَ أَبُو الْحسن الْأَخْفَش: إِن شِئْت قلت أبدل من التَّاء الْكَاف لاجتماعها مَعهَا فِي الهمس وَإِن شِئْت قلت أوقع الْكَاف موقعها وَإِن كَانَ فِي أَكثر الِاسْتِعْمَال للْمَفْعُول لَا للْفَاعِل لإِقَامَة القافية أَلا تراهم يَقُولُونَ: رَأَيْتُك أَنْت ومررت بِهِ هُوَ فَيجْعَل عَلَامَات الضَّمِير المختصّ بهَا بعض الْأَنْوَاع فِي أَكثر الْأَمر موقع الآخر. وَمن ثمّ جَاءَ: لولاك. وإنّما ذَلِك لأّ الِاسْم لَا يصاغ معرباً وإنّما يسْتَحق الْإِعْرَاب بالعامل. انْتهى. قَالَ ابْن هِشَام فِي المعني: لَيْسَ هَذَا من اسْتِعَارَة ضمير النصب مَكَان

(الشاهد الثاني والعشرون بعد الثلاثمائة)

ضمير الرّفْع كَمَا زعم الْأَخْفَش وَابْن مَالك وإنّما الْكَاف بدل من التَّاء بَدَلا تصريفيّاً. وَهَذَا الشّعْر من مشطور السَّرِيع هَكَذَا أوردهُ أَبُو زيد فِي نوادره وَنسبه لراجز من حمير.) وَتَبعهُ صَاحب الصِّحَاح فِي مَادَّة السِّين الْمُهْملَة. وأمّا الزّجاجيّ فإنّه رَوَاهُ يَفِ آخر أَمَالِيهِ الْكُبْرَى على خلاف هَذِه الرِّوَايَة فَقَالَ: بَاب التَّاء وَالْكَاف فِي المكنّي يُقَال: مَا فعلت وَمَا فعلك قَالَ الراجز: (ياابن الزّبير طالما عصيكا ... وطالما عنّيكنا إليكا) لنضربن بسيفنا قفيكا يُرِيد عصيتنا وعنيتنا. فروى: عنيكنا بدل التَّاء كافاً مثل عصيكا. وعنينا إِلَيْك بِمَعْنى أتعبتنا بِالْمَسِيرِ إِلَيْك. وَالنُّون الْخَفِيفَة فِي قَوْله: لنضربن نون التوكيد. وَأَرَادَ بِابْن الزّبير عبد الله بن الزّبير حواريّ رَسُول الله صلّى اله عَلَيْهِ وَسلم. وَأنْشد بعده وَهُوَ 3 - (الشَّاهِد الثَّانِي وَالْعشْرُونَ بعد الثلاثمائة) الرجز (قَالَ لَهَا: هَل لَك ياتا فيّ) على أنّ كسر يَاء الْمُتَكَلّم من نَحْو فيّ لُغَة بني يَرْبُوع لكنّه عِنْد

النُّحَاة ضَعِيف كَقِرَاءَة حَمْزَة: مَا أَنْتُم بمصرخي. وَهَذَا الشّعْر من أرجوزة للأغلب العجليّ وَهُوَ شَاعِر حاهليٌّ أسلاميّ أسلم وَهَاجَر ثمَّ اسْتشْهد فِي وقْعَة نهاوند. وَقد تقدّمت تَرْجَمته فِي الشَّاهِد الْحَادِي وَالْعِشْرين بعد الْمِائَة. وأوّل هَذِه الأرجوزة: (أقبل فِي ثوبٍ معافريّ ... بَين اخْتِلَاط اللّيل والعشيّ) إِلَى أَن قَالَ: (ماضٍ إِذا همّ بالمضيّ ... قَالَ لَهَا هَل تِلْكَ ياتا فيّ) قَالَ فِي الصِّحَاح: معافر بِفَتْح الْمِيم: حيّ من هَمدَان وإليهم تنْسب الثِّيَاب المعافريّة وَهُوَ باللعين الْمُهْملَة. والْمَاضِي: الَّذِي لَا يتوانى وَلَا يكسل فِي أمرٍ همّ بِهِ. وَقَوله: قَالَ لَهَا الخ الضَّمِير عَائِد على امْرَأَة تقدّم ذكرهَا. ويَا حرف نِدَاء وتا بالثناة الفوقيّة منادى وَهُوَ اسْم إِشَارَة يشار بِهِ إِلَى الْمُؤَنَّث. ولَك بِكَسْر الْكَاف والجارّ وَالْمَجْرُور) خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف وَهُوَ مُتَعَلق قَوْله فيّ. يَقُول: قَالَ لَهَا ذَلِك الرجل الْمَاضِي: يَا هَذِه الْمَرْأَة: هَل لَك رغبةٌ فيّ قَالَت لَهُ: لست بالمرضيّ فَيكون لي رَغْبَة فِيك. وَاعْلَم أنّ الفرّاء والزجّاج وَغَيرهمَا قد أَنْكَرُوا هَذِه الْقِرَاءَة وَالشعر. أمّا الفرّاء فقد قَالَ: فِي تَفْسِيره: الْيَاء من مضرخيّ منصوبةٌ لأنّ الْيَاء

من المتكلّم تسكن إِذا تحرّك مَا قبلهَا وتنصب إِرَادَة الْهَاء كَمَا قرئَ: لكم دينكُمْ ولي دين بِنصب الْيَاء وجزمها. فَإِذا سكن مَا قبلهَا ردّت إِلَى الْفَتْح الَّذِي كَانَ لَهَا فالياء من مصرخيّ سَاكِنة وَالْيَاء بعْدهَا من المتكلّم سَاكِنة فحركت إِلَى حركةٍ قد كَانَت لَهَا. فَهَذَا مطّرد فِي الْكَلَام. وَقد خفض الْيَاء من مصرخيّ الْأَعْمَش وَيحيى بن وثاب جَمِيعًا حدّثني الْقَاسِم ابْن معن عَن الْأَعْمَش عَن يحيى أَنه خفض الْيَاء ولعلها من وهم القرّاء طبقَة يحيى لإإنه قلّ من سلم مِنْهُم من الْوَهم ولعلّه ظنّ الْبَاء من بمصرخيّ خافضة للحرف كُله وَالْيَاء من الْمُتَكَلّم خَارِجَة من ذَلِك. ومّما نرى أنّهم وهموا فِيهِ قَوْلهم: نولة مَا تولّى ونصله جهنّم وظّنوا وَالله أعلم أنّ الْجَزْم فِي الْهَاء وَالْهَاء فِي مَوضِع نصب وَقد انجزم الْفِعْل بِسُقُوط الْيَاء مِنْهُ. ومّما وهموا فِيهِ قَوْله: وَمَا تنزلت بِهِ الشياطون حَدثنِي منْدَل بن عَليّ العنزيّ عَن الْأَعْمَش قَالَ: كنت عِنْد إِبْرَاهِيم وَطَلْحَة بن مصرّف يقْرَأ: قَالَ لمن حوله أَلا تستعمون بِنصب اللَّام من حوله فَقَالَ لي إِبْرَاهِيم: مَا تزَال تَأْتِينَا بِحرف أشنع إِنَّمَا هِيَ: لمن حوله بخفض اللَّام. قَالَ: قلت: لَا إنّما هِيَ حوله فَقَالَ إِبْرَاهِيم: يَا طَلْحَة كَيفَ تَقول قَالَ: كَمَا قلت.

قَالَ الْأَعْمَش قلت: لحنتما لَا أجالسكما الْيَوْم. قَالَ الفرّاء: وَقد سَمِعت بعض الْعَرَب ينشد: (قَالَ لَهَا: هَل لَك ياتا فيّ ... قَالَت لَهُ: مَا أَنْت بالمرضيّ) فخفض الْيَاء من فيّ: فَإِن يَك ذَلِك صَحِيحا فَهُوَ مِمَّا يلتقي من الساكنين فيخفض الآخر مِنْهُمَا وَإِن كَانَ لَهُ أصل فِي الْفَتْح أَلا ترى أَنهم يَقُولُونَ: لم أره مذ الْيَوْم وَالرَّفْع فِي الذَّال هُوَ الْوَجْه لِأَنَّهُ أصل حَرَكَة مُنْذُ والخفض جَائِز. فَكَذَلِك الْيَاء من مصرخيّ خفضت وَلها أصلٌ فِي النصب. انْتهى كَلَام الفرّاء. وَأما الزّجاج فقد قَالَ فِي تَفْسِيره: قَرَأَ حَمْزَة وَالْأَعْمَش بمصرخيّ بِكَسْر الْيَاء وَهَذِه عِنْد جَمِيع النَّحْوِيين رَدِيئَة مرذولة وَلَا وَجه لَهَا إلاّ وجيه ضَعِيف ذكره بعض النحويّين وَذَلِكَ أنّ يَاء وَمن أجَاز بمصرخيّ بِالْكَسْرِ لزمَه أَن يَقُول: هَذِه عصاي أتؤكأ عَلَيْهَا. وَأَجَازَ الفرّاء على) وجهٍ ضَعِيف الْكسر لِأَن أصل التقاء الساكنين بِالْكَسْرِ وَأنْشد: قَالَ لَهَا هَل لَك ياتا فيّ الخ وَهَذَا الشّعْر مّما لَا يلْتَفت إِلَيْهِ وَعمل مثل هَذَا أسهل وَلَيْسَ يعرف قَائِل هَذَا الشّعْر من الْعَرَب وَلَا هُوَ مّما يحْتَج بِهِ فِي كتاب الله تَعَالَى. انْتهى كَلَام الزجّاج.

وَنقل أَبُو شامة فِي شرح الشاطبيّة عَن ابْن النّحاس: أنّ الْأَخْفَش سعيداً قَالَ: مَا سَمِعت هَذَا من أحد من الْعَرَب وَلَا من أحد من النَّحْوِيين. قَالَ أَبُو جَعْفَر: قد صَار هَذَا بِإِجْمَاع وَلَا يجوز وَلَا يَنْبَغِي أَن يحمل كتاب الله على الشذوذ. قَالَ أَبُو نصر بن القشيريّ فِي تَفْسِيره: مَا ثَبت بالتواتر عَن النَّبِي صلّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَا يجوز أَن يُقَال هُوَ خطأ أَو قَبِيح ورديء بل فِي الْقُرْآن فصيح وَفِيه مَا هُوَ أفْصح فَلَعَلَّ هَؤُلَاءِ أَرَادوا أنّ غير هَذَا الَّذِي قَرَأَ حَمْزَة أفْصح. قَالَ أَبُو شامة: قلت: يُسْتَفَاد من كَلَام أهل اللُّغَة أنّ هَذِه لُغَة وَإِن شذّت وقلّ اسْتِعْمَالهَا. قَالَ أَبُو عليّ: قَالَ الفرّاء فِي كِتَابه التصريف: زعم الْقَاسِم بن معن أنّه صَوَاب قَالَ: وَكَانَ ثِقَة بَصيرًا وَزعم أنّه لُغَة بني يَرْبُوع. ثمّ بعد أَن نقل أَبُو شامة بَعْضًا من كَلَام الفرّاء والزّجاج قَالَ: قلت: لَيْسَ بِمَجْهُول فقد نسبه غَيره إِلَى الْأَغْلَب العجليّ الراجز ورأيته أَنا فِي أوّلأ ديوانه. وَانْظُر إِلَى الفرّاء كَيفَ يتَوَقَّف فِي صِحَة مَا أسْندهُ وَهَذِه اللُّغَة باقيةٌ فِي أَفْوَاه النَّاس إِلَى الْيَوْم يَقُول الْقَائِل: مَا فيّ أفعل كَذَا. وَفِي شرح الشَّيْخ: قَالَ حُسَيْن الجعفيّ: سَأَلت أَبَا عَمْرو بن الْعَلَاء بن كسر الْيَاء فَأَجَازَهُ. وَهَذِه الْحِكَايَة تروى على وجود ذكرهَا ابْن مُجَاهِد فِي كتاب الياءات من طرق قَالَ: قَالَ خَلاد حدّثنا حُسَيْن الجعفيّ قَالَ: وَقلت لأبي عَمْرو بن الْعَلَاء: إِن أَصْحَاب النَّحْو يلحّنوننا فِيهَا. فَقَالَ: هِيَ جَائِزَة أَيْضا لَا نبالي إِلَى اسفل حركتها أَو إِلَى فَوق. ثمَّ ذكر بَقِيَّة الطّرق. وَاعْلَم أَن عُلَمَاء العربيّة قد وجّهوا قِرَاءَة حَمْزَة بِوُجُوه: أَحدهَا: مَا ذكره الشَّارِح المحقّق وَهُوَ أَن يَاء الْإِضَافَة سشبّهت بهاء الضَّمِير الَّتِي توصل بواوٍ إِذا كَانَت مَضْمُومَة وبياء إِذا كَانَت مَكْسُورَة وتكسر بعد الْكسر وَالْيَاء الساكنة. وَوجه المشابهة: أنّ الْيَاء ضمير كالهاء كِلَاهُمَا على حرف وَاحِد يشْتَرك فِي لَفظه النصب والجر. وَقد وَقع قبل الْيَاء هُنَا يَاء سَاكِنة فَكسرت كَمَا تكسر الْهَاء فِي عَلَيْهِ. وَبَنُو يَرْبُوع يصلونها بياء كَمَا) يصل ابْن كثير نَحْو عَلَيْهِ بياء وَحَمْزَة كسر هَذِه الْيَاء من غير صلَة لأنّ الصِّلَة لَيست من مذْهبه. وَهَذَا التَّوْجِيه هُوَ الَّذِي اعْتمد عَلَيْهِ أَبُو عليّ فِي الحجّة قَالَ: وَجه ذَلِك من الْقيَاس أَن الْيَاء لَيست تَخْلُو من أَن تكون فِي مَوضِع نصب أَو جر فالياء فِي النصب والجرّ كالهاء فيهمَا وكالكاف فِي أكرمتك وَهَذَا لَك فَكَمَا أَن الْهَاء قد لحقتها الزِّيَادَة فِي هَذَا لَهُ وضربه وَلحق الْكَاف أَيْضا الزِّيَادَة فِي قَول من قَالَ: أعطيتكاه وأعطيتكيه فِيمَا حَكَاهُ سِيبَوَيْهٍ وهما أخنا الْيَاء كَذَلِك ألْحقُوا الْيَاء كَذَلِك ألْحقُوا الْيَاء الزِّيَادَة من المدّ فَقَالُوا: فيّ ثمَّ حذفت الْيَاء الزَّائِدَة على الْيَاء كَمَا حذفت الزِّيَادَة من الْهَاء فِي قَول من قَالَ: لَهُ أرقان وَزعم أَبُو الْحسن أنّها لُغَة. قلت: نقل الواحديّ فِي تَفْسِيره الْوَسِيط عَن قطرب أَنه زعم أَن هَذَا لُغَة فِي بني يَرْبُوع يزِيدُونَ على يَاء الْإِضَافَة يَاء نَحْو: هَل لَك ياتا فيّ وَكَانَ الأَصْل بمصرخيّ ثمّ حذفت الْيَاء الزَّائِدَة وأقرّت الكسرة على مَا كَانَت عَلَيْهِ. انْتهى. وَقَول أبي عَليّ: لَهُ أرقان هُوَ قِطْعَة من بَيت وَهُوَ:

الطَّوِيل فبتّ لَدَى الْبَيْت الْعَتِيق أربغه ومطواي مشتاقان لَهُ أرقان وَيَأْتِي شَرحه إِن شَاءَ الله تَعَالَى فِي بَاب الضمائر. وَقَالَ أَبُو شامة: لَيْسَ التَّمْثِيل بقوله: لَهُ أرقان مطابقاً لمقصوده فإنّ الْهَاء سَاكِنة حذفت حركتها مَعَ حذف طلتها وَلَيْسَ مُرَاده إلاّ حذف الصِّلَة فَقَط. فَالْأولى لَو كَانَ مثل بِنَحْوِ: عَلَيْهِ وَفِيه. ثمَّ قَالَ أَبُو عَليّ: وكما حذفت الزيادةٌ من الْكَاف فَقيل أعطيتكه كَذَلِك حذفت الْيَاء اللاحقة للياء على هَذِه اللُّغَة وَإِن كَانَ غَيرهَا أفشى مِنْهَا وعضدة من الْقيَاس مَا ذكرنَا. لم يجز لقَائِل أَن يَقُول إِن الْقِرَاءَة بذلك لحنٌ لِاسْتِقَامَةِ ذَلِك فِي السماع وَالْقِيَاس وَمَا كَانَ كَذَلِك لَا يكون لحناً. الْوَجْه الثَّانِي أَن يكون الْكسر فِي بمصرخيّ لأجل التقاء الساكنين وَهَذَا هُوَ الْوَجْه الَّذِي نبّه عَلَيْهِ الفرّاء أوّلاً وَتَبعهُ فِيهِ النَّاس قَالَ الزمخشريّ: كَأَنَّهُ قدّر يَاء الْإِضَافَة سَاكِنة ولكنّه غير صَحِيح لِأَن يَاء الْإِضَافَة لَا تكون إلاّ مَفْتُوحَة حَيْثُ قبلهَا ألف فِي عصاي فَمَا بالها وَقبلهَا يَاء. ومّمن تبع الفرّاء ابْن جنّي فِي الْمُحْتَسب فِي سُورَة طه قَالَ: قَرَأَ الْحسن وَأَبُو عَمْرو بخلافٍ عَنْهُمَا: هِيَ عصاي بِكَسْر الْيَاء وَكسرهَا فِي نَحْو هَذَا ضَعِيف استقالاً للكسرة فِيهَا وهرباً) إِلَى الفتحة كهداي وبشراي إلاّ أنّ للكسر وَجها مَا وَذَلِكَ أَنه قد قَرَأَ حَمْزَة وَمَا أَنْتُم بمصرخيّ وَكسر الْيَاء لالتقاء الساكنين مَعَ أنّ قبلهَا كسرة وياء والفتحة وَالْألف

فِي عصاي أخفّ من الكسرة وَالْيَاء فِي مصرخيّ. وروينا عَن قطرب وجماعةٍ من أَصْحَابنَا: قَالَ لَهَا هَل لَك ياتا فيّ أَرَادَ: فيّ ثمَّ أشْبع الكسرة للإطلاق وَأَنْشَأَ عَنْهَا يَاء نَحْو منزلي وحوملي. وروينا عَنهُ أَيْضا: (عليّ لعَمْرو نعمةٌ بعد نعمةٍ ... لوالده لَيست بِذَات عقارب) وروينا عَنهُ أَيْضا: الرجز (إنّ بنيّ صبيةٌ صيفيّون ... أَفْلح من كَانَ لَهُ ربعيون اه.) الْوَجْه الثَّالِث: أنّ الْكسر فِي بمصرخيّ للإتباع للكسرة الَّتِي بعْدهَا وَهِي كسر همزَة إنّي كَمَا قَرَأَ بَعضهم: الْحَمد لله بِكَسْر الدَّال اتبَاعا لكسر اللَّام بعْدهَا. قَالَ أَبُو شامة: وَهَذِه الْأَوْجه الثَّلَاثَة كلهَا ضَعِيفَة. وَالله أعلم. وَأنْشد بعده: خالط من سلمى خياشم وفا تقدّم شَرحه فِي الشَّاهِد الثَّالِث وَالْأَرْبَعِينَ بعد الْمِائَتَيْنِ من بَاب الِاسْتِثْنَاء.

وَمَا وَجه بِهِ الشَّارِح هُنَا من الْوَجْهَيْنِ هما لأبي عليّ فِي الْإِيضَاح الشعريّ وتقدّم نقلهما عَنهُ هُنَاكَ بأبسط مّما هُنَا فَليرْجع إِلَيْهِ. وَقَالَ فِي البغداديّات أجْرى الشَّاعِر فِي فَم الْإِفْرَاد مجْرى الْإِضَافَة فِي الضَّرُورَة وَذَلِكَ قَوْله: خاشيم وفا فَحكم ألأف فا أَن تكون بَدَلا من التَّنْوِين والمنقلبة من الْعين سَقَطت لالتقاء الساكنين لِأَنَّهُ السَّاكِن الأوّل وَبَقِي الِاسْم على حرف وَاحِد. وَجَاز هَذَا فِي الشّعْر للضَّرُورَة قَالَ المبّرد: وَقد لّحن كثيرٌ من النَّاس العجّاج فِي قَوْله: خياشيم وفا. قَالَ: وَلَيْسَ هُوَ عِنْدِي بلاحن لِأَنَّهُ حَيْثُ اضْطر أَتَى بِهِ فِي قافيةٍ غير مُلْحقَة مَعهَا التَّنْوِين. وَالْقَوْل عِنْدِي فِيهِ مَا قدّمته: من أنّه أجراه فِي الْإِفْرَاد مجْرَاه فِي الْإِضَافَة فَلَا يصلح تلحينه وَنحن نجد مساغاً إِلَى تجويزه وَنحن نرى فِي كَلَامهم نَظِيره من استعمالهم فِي الشّعْر مَا لايجوز مَعَ سواهُ كَقَوْلِهِم: ولضفادي جمّه نقانق أَي: لضفادع جمّه فَكَذَلِك يجوز فِيهِ اسْتِعْمَال الِاسْم على حرف وَاحِد وَإِن لم يسغْ فِي الْكَلَام.) فأمّا قَول المبّرد: وَمن كَانَ يرى تَنْوِين القوافي لم ينوّن هَذَا فَلَيْسَ فِي هَذَا عِنْده شيءٌ منع من تنوينه عِنْد من ينوّن. وَيفْسد مَا ذكره من أنّ من نوّن القوافي لم ينوّن هَذَا أنّ من ينوّن القافية يلْزمه تَنْوِين هَذَا الِاسْم لكَونه فِي مَوضِع النصب وَقد أجَاز المبّرد فِي غير هَذَا

(الشاهد الثالث والعشرون بعد الثلاثمائة)

الموع أَن يكون الِاسْم الْمظهر على حرف مُفْرد. هَذَا كَلَامه وَمِنْه تعلم أنّ نقل الشَّارِح المحقّق عَن أبي عليّ خلاف مذْهبه. وَأنْشد بعده وَهُوَ 3 - (الشَّاهِد الثَّالِث وَالْعشْرُونَ بعد الثلاثمائة) الوافر (كفي بالنّأي من أَسمَاء كَافِي) على أنّ الْوَقْف على الْمَنْصُوب بِالسُّكُونِ لُغَة فَإِن كَافِيا مفعول مُطلق وَهُوَ مصدر مؤكّد لقَوْله كفى وَكَانَ الْقيَاس أَن يَقُول كَافِيا بِالنّصب لكنّه حذف تنوينه ووقف عَلَيْهِ بِالسُّكُونِ والمنصوب حقّه أَن يُبدل تنوينه ألفا. وكَاف من المصادر الَّتِي جَاءَت على وزن اسْم الْفَاعِل قَالَ المرزوقيّ فِي شرح الفصيح: يُرِيد كفى النأي من أَسمَاء كفايةُ وَهُوَ اسْم فَاعل وضع مَوضِع الْمصدر كَقَوْلِهِم: قُم قَائِما وعوفي عَافِيَة وفلج فالجاً. وَكَانَ يجب أَن يَقُول كَافِيا لكنّه حذف الفتحة كَمَا تحذف الضمّة والكسرة. انْتهى. وَكَذَلِكَ الزمخشريّ أوردهُ فِي المفصّل فِي المصادر الَّتِي جَاءَت على صِيغَة اسْم الْفَاعِل. والنأي: الْبعد وَهُوَ فَاعل كفى وَالْبَاء زَائِدَة فِي الْفَاعِل كَقَوْلِه تَعَالَى:

كفى بِاللَّه شَهِيدا. وَهَذَا صدر وعجزه: وَلَيْسَ لنأيها إِذْ طَال شافي وَهَذَا الْبَيْت مطلع قصيدةٍ لبشر بن أبي خازم مدح بهَا أَوْس بن حَارِثَة بن لأم لّما خلّى سَبيله من الْأسر وَالْقَتْل. وشاف: اسْم لَيْسَ. ولنأيها: متعلّق بِهِ وَالْخَبَر مَحْذُوف أَي: عِنْدِي أَو مَوْجُود. وفاعل طَال ضمير النأي. وإِذْ تعليليّة متعلّقة بشاف. وَجُمْلَة وَلَيْسَ لنأيها الخ معطوفة على مَا قبلهَا أَي: يَكْفِينِي بعْدهَا بلَاء فَلَا حَاجَة إِلَى بلاءٍ آخر إِذْ هُوَ الْغَايَة وَلَا شِفَاء لي من مرض بعْدهَا مَعَ طوله. وَيجوز أَن تكون الْوَاو للْحَال.) وَقَالَ معمر بن المثنّى شَارِح ديوَان بشر وَهُوَ عِنْدِي بخطّه وَهُوَ خطٌّ كوفيٌّ: الْمَعْنى لَا يُصِيبنِي بعد هَذَا شيءٌ النَّاشِئ من بعْدهَا. ويروى أَيْضا: وَلَيْسَ لسقمها أَي: السّقم الَّذِي حصل لي مِنْهَا. هَذَا كَلَامه وَلَيْسَ وَرَاء عبّادان قَرْيَة. وروى شرّاح المفصّل المصراع الثَّانِي كَذَا: وَلَيْسَ لحبّها إِذْ طَال شافي

قَالَ شَارِح أبياته وَهُوَ بعض فضلاء الْعَجم: قَوْله: لحبّها مفعول شافي وَالْخَبَر مَحْذُوف أَي: وَرَوَاهُ المظفّريّ فِي شَرحه: ولَيْسَ بحبّها بالموحّدة وَقَالَ: أَي لَيْسَ حبّها شافياً إِذْ طَال يَعْنِي يحصل الشِّفَاء من وَصلهَا لَا بحبّها. وبشر بن أبي خازم بِكَسْر الموحّدة وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة وخازم بِالْخَاءِ وَالزَّاي المعجمتين. قَالَ ابْن قُتَيْبَة فِي كتاب الشُّعَرَاء: بشر بن أبي خازم هُوَ من بني أَسد جاهليّ قديم وَشهد حَرْب أَسد وطيّئ وَشهد هُوَ وَابْنه نوفلٌ الْحلف بَينهمَا. قَالَ أَبُو عَمْرو بن الْعَلَاء: فحلان من فحول الجاهليّة كَانَا يقويان: بشر بن أبي خازم والنابغة الذبيانيّ: فأمّا النَّابِغَة فَدخل يثرب فغنّي بِشعرِهِ فَفطن فَلم يعد للإقواء. وَأما بشر فَقَالَ لَهُ أَخُوهُ سوَادَة: إنّك لتقوي قَالَ: وَمَا الإقواء قَالَ: قَوْلك: الوافر (ألم تَرَ أنّ طول الدّهر يسلي ... وَيُنْسِي مثل مَا نسيت جذام) ثمَّ قلت: (وَكَانُوا قَومنَا فبغوا علينا ... فسقناهم إِلَى الْبَلَد الشّآم) فَلم يعد للإقواء. اه. وَأوردهُ محمّد بن حبيب فِي كتاب أَسمَاء من قتل من الشُّعَرَاء فَقَالَ: وَمِنْهُم بشر بن أبي خازم الأسديّ وَكَانَ أغار فِي مقنبٍ من قومه على الْأَبْنَاء

من بني صعصعة بن مُعَاوِيَة وكلّ بني صعصعة إلاّ عَامر بن صعصعة يدعونَ الْأَبْنَاء وهم: وائله ومازن وسلول فَلَمَّا جالت الْخَيل مرّ بشرٌ بغلامٍ من بني وائلة فَقَالَ لَهُ بشر: استأسر. فَقَالَ لَهُ الوائلي: لتذهبن أَو لأرشقنك بسهمٍ من كِنَانَتِي: فَأبى بشرٌ إلاّ أسره فَرَمَاهُ بِسَهْم على ثندوته فاعتنق بشرٌ فرسه وَأخذ الْغُلَام فأوثقه فلمّا كَانَ فِي اللَّيْل أطلقهُ بشرٌ من وثَاقه وخلّى) سَبيله وَقَالَ: أعلم قَوْمك أنّك قتلت بشرا. وَهُوَ قَوْله: الوافر (وإنّ الوائليّ أصَاب قلبِي ... بسهمٍ لم يكن نكساً لغابا) فِي شعر طَوِيل اه. وَكَانَ بشر أوّلاً يهجو أَوْس بن حَارِثَة بن لأم وَكَانَ أوسٌ نذر لَئِن ظفر بِهِ ليحرّقنه فَلَمَّا تمكّن أطلقهُ وَأحسن إِلَيْهِ فمدحه. وَهَذِه القصيدة الفائيّة أول القصائد الَّتِي مدحه بهَا. وَلما لم يكن فِيهَا شَيْء من الشواهد سوى المطلع اكتفينا بِهِ وَمَا زِدْنَا عَلَيْهِ شَيْئا. وعدّتها اربعة وَعِشْرُونَ بَيْتا. وأوسٌ هَذَا مّمن يضْرب بِهِ الْمثل فِي الْكَرم والجود يُقَال لَهُ ابْن سعدى قَالَ جرير: الوافر (وَمَا كَعْب بن مامة وَابْن سعدى ... بأجود مِنْك يَا عمر الجودا) وَسبب هجاء بش لأوس هُوَ مَا حَكَاهُ أَبُو الْعَبَّاس المبّرد فِي الْكَامِل قَالَ: أَوْس بن حَارِثَة بن لأم الظائيّ كَانَ سيداً مقدّماً وَفد ههو وحاتم بن عبد الله الطَّائِي على عَمْرو بن هندٍ وَأَبوهُ الْمُنْذر بن الْمُنْذر بن مَاء السَّمَاء فَدَعَا أَوْسًا

فَقَالَ: أَأَنْت أفضل أم حَاتِم فَقَالَ: أَبيت اللّعن لَو ملكني حاتمٌ وَوَلَدي ولحمتي لوهبنا فِي غذاةٍ وَاحِدَة ثمَّ دَعَا حاتماً فَقَالَ: أَأَنْت أفضل أم أَوْس فَقَالَ: أَبيت اللّعن إنّما ذكرت بأوس ولأحد وَلَده أفضل منّي. وَكَانَ النُّعْمَان بن الْمُنْذر دَعَا بحلّةٍ وَعِنْده وُفُود الْعَرَب من كلّ حيّ فَقَالَ: احضروا فِي غدٍ فإي ملبسٌ هَذِه الحلّة أكْرمكُم. فَحَضَرَ الْقَوْم جَمِيعًا إلاّ أَوْسًا فَقيل لَهُ: لم تتخلّف فَقَالَ: إِن كَانَ المُرَاد غَيْرِي فأجمل الْأَشْيَاء أَلا أكون حَاضرا وإ كنت المُرَاد فسأطلب وَيعرف مَكَاني فَلَمَّا جلس النُّعْمَان لم ير أَوْسًا فَقَالَ: اذْهَبُوا إِلَى أَوْس فَقولُوا لَهُ: احضر آمنا مِمَّا خفت. فَحَضَرَ فألبسه الحلّة فحسده قومٌ من أَهله فَقَالُوا للحطيئة: اهجه وَلَك ثلثمِائة نَاقَة. فَقَالَ الحطيئة: كَيفَ أهجو رجلا لَا أرى فِي بَيْتِي أثاثاً وَلَا مَالا إلاّ من عِنْده ثمَّ قَالَ: الْبَسِيط (كَيفَ الهجاء وَمَا تنفكّ صالحةٌ ... من آلأ لأم بِظهْر الْغَيْب تَأتِينِي) فَقَالَ لَهُ بشر بن أبي خازم أحد بني أَسد بن خُزَيْمَة: أَنا أهجو

لكم. فَأخذ الأغبل وَفعل فَأَغَارَ أَوْس عَلَيْهَا فاكتسحها فَجعل لَا يستجير حيّاً إلاّ قَالَ قد أجرتك إلآّ من أَوْس. وَكَانَ فِي هجائه قد ذكر أمّه فَأتي بِهِ فَدخل أوسٌ على أمّه فَقَالَ: قد أَتَيْنَا ببشرٍ الهاجي لَك ولي فَمَا تَرين فِيهِ قَالَت: أَو تطيعني فِيهِ قَالَ: نعم. قَالَت: أرى أَن تردّ عَلَيْهِ مَاله وَتَعْفُو عَنهُ وتحبوه وأفعل مثل ذَلِك فَإِنَّهُ لَا يغسل هجاءه إلاّ مدحه فَخرج فَقَالَ: إنّ أمّي سعدى الَّتِي) كنت تهجوها قد أمرت فِيك بِكَذَا وَكَذَا فَقَالَ: لَا جرم وَالله لَا مدحت حتّى أَمُوت أحدا غَيْرك. فَفِيهِ يَقُول: الوافر (إِلَى أَوْس بن حَارِثَة بن لأمٍ ... ليقضي حَاجَتي فِيمَن قَضَاهَا) (فَمَا وطئ الثّرى مثل ابْن سعدى ... وَلَا لبس النّعال وَلَا احتذاها) هَذَا مَا أروده المبّرد وَلم يذكر كَيفَ تمكّن مِنْهُ أَوْس. وَقد حَكَاهُ معمر بن المثنّى فِي شَرحه قَالَ: إنّ بشر بن أبي خازم غزا طيئاً ثمَّ بني نَبهَان فجرح فأثقل جراحه وَهُوَ يَوْمئِذٍ بحمى أحدٍ أَصْحَابه وإنّما كَانَ فِي بني والبة فأسرته بَنو نَبهَان فخبؤوه كَرَاهِيَة أَن يبلغ أَوْسًا فَسمع أوسٌ أَنه عِنْدهم فَقَالَ: وَالله لَا يكون بيني وَبينهمْ خير أبدا أَو يَدْفَعُوهُ ثمَّ أَعْطَاهُم مِائَتي بعير وَأَخذه مِنْهُم فجَاء بِهِ وأوقد لَهُ نَارا ليحرّقه وَقَالَ بعض بني أَسد: لم تكن نَار ولكنّه أدخلهُ فِي جلد بعير حِين سلخه وَيُقَال جلد كَبْش ثمَّ تَركه حتّى جفّ عَلَيْهِ فَصَارَ فِيهِ كَأَنَّهُ العصفور فَبلغ ذَلِك سعدى بنت حُصَيْن الطائيّة وَهِي سيّدة فَخرجت إِلَيْهِ فَقَالَت:

(الشاهد الرابع والعشرون بعد الثلاثمائة)

مَا تُرِيدُ أَن تصنع فَقَالَ: أحرق هَذَا الي شَتمنَا. فَقَالَت: قبح الله قوما يسوّدونك أَو يقبسون من رَأْيك وَالله لكأنّما أخذت بِهِ أما تعلم مَنْزِلَته فِي قومه خلّ سَبيله وأكرمه فَإِنَّهُ لَا يغسل عَنْك مَا صنع غَيره. فحبسه عِنْده وداوى جرحه وكتمه مَا يُرِيد أَن يصنع بِهِ وَقَالَ: ابْعَثْ إِلَى قَوْمك يفدونك فَإِنِّي قد اشتريتك بِمِائَتي بعير. فَأرْسل بشرٌ إِلَى قومه فهيّؤوا لَهُ الْفِدَاء وبادرهم أوسٌ فَأحْسن كسوته وَحمله على نجيبه الَّذِي كَانَ يركبه وَسَار مَعَه حتّى إِذا بلغ أدنى أَرض غطفان جعل بشرٌ يمدح أَوْسًا وَأهل بَيته. بمَكَان كلّ قصيدة هجاهم بهَا قصيدة فهجاهم بخمسٍ ومدحهم بِخمْس. وَقد قيل: إِن بني نَبهَان لم تأسر بشرا قطّ إنّما أسره النُّعْمَان بن جبلة بن واثل بن جلاح الْكَلْبِيّ وَكَانَ عِنْد جبلة بنت عبيد بن لأم فَولدت مِنْهُ عَوْف بن جبلة فَبعث إِلَيْهِ أَوْس بن حَارِثَة يتقرّب بِهَذِهِ الْقَرَابَة فَبعث ببشر إِلَيْهِ فَكَانَ من أمره مَا كَانَ. هَذِه حكايته وَقد نقلتها من خطّه الكوفيّ. وَأنْشد بعده وَهُوَ 3 - (الشَّاهِد الرَّابِع وَالْعشْرُونَ بعد الثلاثمائة) المتقارب (وآخذ من كلّ حيّ عصم) هَذَا عَجزه وصدره: إِلَى الْمَرْء قيسٍ أطيل السّرى

على أَنه وقف على الْمَنْصُوب المنوّن بِالسُّكُونِ وَلم يُبدل تنوينه ألفا كَالَّذي قبله. والاستشهاد بِهَذَا الْبَيْت كثيرٌ فِي مؤلفات أبي عليّ وتلميذه ابْن جنّي. وَكَانَ الْقيَاس أَن يَقُول: عصماً لِأَنَّهُ مفعول آخذ وَهُوَ جمع عِصَام ككتب جمع كتاب. قَالَ ابْن جنّي فِي الْمُبْهِج وَهُوَ شرح أَسمَاء شعراء الحماسة لأبي تَمام: عِصَام الْقرْبَة: وكاؤها وعصامها أَيْضا: عروتها. وَأنْشد هَذَا الْبَيْت وَقَالَ: هُوَ جمع عِصَام يَعْنِي عهدا يبلغ بِهِ ويعزّ بِهِ. فقضيته أنّه بِضَمَّتَيْنِ. وَاسْتشْهدَ بِهِ ابْن هِشَام صَاحب السِّيرَة النَّبَوِيَّة على أَن عصماً فِيهِ بكسرة ففتحة جمع عصمَة فَإِنَّهُ قَالَ عِنْد تَفْسِير قَوْله تَعَالَى: وَلَا تمسّكوا بعصن الكوافر: وَاحِدَة العصم عصمَة وَهِي الْحَبل وَالسَّبَب. ثمَّ أنْشد هَذَا الْبَيْت. وَهُوَ من قصيدة للأعشى مَيْمُون مدح بهَا قيس بن معد يكرب مطْلعهَا: (أتهجر غانيةً أم تلم ... أم الْحَبل واهٍ بهَا منجدم) (أم الصّبر أحجى فإنّ أمرا ... سينفعه علمه إِن علم) إِلَى أَن قَالَ: (ويهماء تعزف جناحها ... مناهلها آجنات سدم) (قطعت برسامةٍ جسرةٍ ... عذافرةٍ كالفنيق القطم) ...

(تفرّج للمرء من همّه ... ويشفى عليا الْفُؤَاد السّقم) (إِلَى الْمَرْء قيسٍ أطيل السّرى ... وآخذ من كلّ حيّ عصم) (فكم دون بابك من معشرٍ ... خفاف الحلوم عداةٍ غشم) (إِذا أَنا حيّيت لم يرجِعوا ... تحيّتهم وهم غير صم) إِلَى أَن قَالَ:) (وَلم يود من كنت تسْعَى لَهُ ... كَمَا قيل فِي الْحَرْب أودى درم) (تَقول ابْنَتي حِين جدّ الرّحيل ... أرانا سَوَاء وَمن قد يتم) (فيا أبتا لَا تزل عندنَا ... فإنّا نَخَاف بِأَن نخترم) (فَلَا رمت يَا أبتا عندنَا ... فإنّا بِخَير إِذا لم ترم) (نرانا إِذا أضمرتك البلا ... د نجفى وَيقطع منّا الرّحم) الغانية: الْجَارِيَة الَّتِي استغنت بزوجها وَقد تكون الَّتِي استغنت بحسنها. والْإِلْمَام: النُّزُول وَأَرَادَ بِهِ هُنَا الزِّيَارَة والمواصلة. والْحَبل: الْوَصْل. ووهى الْحَبل وَنَحْوه: تشقّق واسترخى. والانجذام بِالْجِيم والذال الْمُعْجَمَة: الِانْقِطَاع. وأحجى: أليق من الحجا وَهُوَ الْعقل. واليهماء بِفَتْح الْمُثَنَّاة التحتيّة: الفلاة الَّتِي لَا يهتدى إِلَى الطَّرِيق فِيهَا. وتعزف: تصوّت وَهُوَ بِالْعينِ الْمُهْملَة وَالزَّاي الْمُعْجَمَة. والجنّان بِكَسْر الْجِيم:

جمع جانٌ وَهُوَ أَبُو الجنّ. والمنهل: المورد وَهُوَ عين مَاء ترده الْإِبِل. والآجن: المَاء المتغيّر الطّعْم واللون. والسّدم بِضَم السِّين وَالدَّال الْمُهْمَلَتَيْنِ فِي الصِّحَاح: ركيّة سدم وسدم مثل عسر وعسر: إِذا ادّفنت. وَقَوله: قطعت جَوَاب ربّ المقدّرة فِي قَوْله: ويهماء وَهُوَ الْعَامِل فِي مَحَله. والرسّامة: النَّاقة الَّتِي تُؤثر فِي الأَرْض من شدّة الْوَطْء. والجسرة بِفَتْح الْجِيم: النَّاقة القوية الشَّدِيدَة وَمثلهَا العذافرة بِضَم الْعين الْمُهْملَة. والفنيق بِفَتْح الْفَاء وَكسر النُّون: الْفَحْل الْعَظِيم الْخلق. والقطم بِفَتْح الْقَاف وَكسر الطَّاء: وصفٌ من قطم الْفَحْل بِالْكَسْرِ أَي: اهتاج وَأَرَادَ الضراب وَهُوَ فِي هَذِه الْحَالة أقوى مَا يكون. والهمّ: الغمّ. والفؤاد فَاعل يشقى. والسّقم بِفتْحَتَيْنِ مَفْعُوله. وَقَوله: إِلَى الْمَرْء قيس الخ أل فِي الْمَرْء لاستغراق خَصَائِص الْأَفْرَاد نَحْو زيد الرجل أَي: الْكَامِل فِي هَذِه الصّفة. وَقيس بدل من الْمَرْء. والسّرى بِالضَّمِّ: جمع سَرِيَّة يُقَال: سرينا سَرِيَّة من اللَّيْل وسرية بِالضَّمِّ وَالْفَتْح. قَالَ أَبُو زيد: وَيكون السّرى أول اللَّيْل وأوسطه وَآخره. وَهَذِه طَريقَة المتقدّمين فِي التَّخَلُّص إِلَى المديح وَهُوَ أَنهم يصفونَ الفياقي وقطعها بسير النوق وحكاية مَا يعانون فِي أسفارهم إِلَى ممدوحهم. وَقَوله: وآخذ من كلّ الخ مَعْطُوف على أطيل السرى. وَإِنَّمَا كَانَ يَأْخُذ من كلّ قبيلةٍ عهدا إِلَى قبيلةٍ أُخْرَى لِأَن لَهُ فِي كلّ حيّ أَعدَاء مِمَّن هجاهم أَو مِمَّن يكره ممدوحه فيخشى الْقَتْل أَو غَيره) فَيَأْخُذ عهدا ليصل بالسّلامة إِلَى ممدوحه فَذكر لَهُ مَا تجشّمه من المشاق فِي الْمسير إِلَيْهِ ليجزل لَهُ العطايا. وَقد ذكر الْأَعْدَاء بقوله: فكم دون بابك من معشر ... الخ

وخفاف: جمع خَفِيف ككرام جمع كريم. والحلوم: جمع حلم بِالْكَسْرِ وَهُوَ الأناة أَرَادَ وَقَوله: وَلم يود من كنت الخ أودى فلَان أَي: هلك فَهُوَ مودٍ. ودرم بِفَتْح الدَّال وَكسر الرَّاء قَالَ فِي الصِّحَاح: اسْم رجل من بني شَيبَان قتل فَلم يدْرك بثأره وَقَالَ المؤرخ: فقد كَمَا فقد الفارظ العنزيّ. وَفِي ديوَان الْأَعْشَى: إِنَّه درم من دبّ بن مرّة بن ذهل بن شَيبَان كَانَ النُّعْمَان يَطْلُبهُ فظفروا بِهِ فَمَاتَ فِي أَيْديهم قبل أَن يصلوا بِهِ إِلَى النُّعْمَان فَقيل أودى درم فَذَهَبت مثلا. وَرُوِيَ: كَمَا قيل فِي الحيّ أودى درم قَالَ العسكريّ فِي التَّصْحِيف: اجْتمع رُوَاة بَغْدَاد على أنّ درم مَفْتُوح الدَّال مكسور الرَّاء إلآّ ابْن الروميّ الشَّاعِر فإنّه ذكر أَن رِوَايَته درم بِكَسْر الدَّال وَفتح الرَّاء وَكَانَ يغزوه إِلَى محمّد بن حبيب. وإنّما احْتَاجَ إِلَى أَن يَجعله هَكَذَا فِي شعر لَهُ هرباً من التَّوْجِيه فقد كَانَ ابْتِدَاء قصيدته:

أفيضا دَمًا إنّ الرّزايا لَهَا قيم فبناها على فتح مَا قبل الرويّ ثمَّ قَالَ: فطاحت جباراً مثل صَاحبهَا درم وأنشدها عليّ هَكَذَا فَأنْكر ذَلِك عَلَيْهِ أَبُو الْعَبَّاس ثَعْلَب. ودرمٌ هَذَا مَشْهُور عِنْد النسّابين وَهُوَ درم دبّ بن مرّة بن ذهل بن شَيبَان. إِنَّمَا قَالُوا: أودى درم لِأَنَّهُ قتل فَلم يود وَلم يثأر بِهِ وَقَالَ قَائِل: أودى درم فَضرب مثلا. وَقَوله: أرانا سَوَاء الخ أَي: نرى أنسفنا مثل الْأَيْتَام سَوَاء. وَقد يتم بِالْكَسْرِ ييتم بِالْفَتْح يتماً بِالضَّمِّ وَالْفَتْح وَسُكُون التَّاء فيهمَا. واخترتهم الدَّهْر وتخرمهم: أَي اقتطعهم واستأصلهم. ونخترم بِضَم النُّون. وَقَوله: فَلَا رمت الخ رام من مَكَانَهُ يريم: إِذا برح وَزَالَ. ونرانا بِضَم النُّون من الرُّؤْيَة بِمَعْنى الظنّ. ونجفى بِضَم النُّون من الجفوة أَي: نعامل بهَا.)

(الشاهد الخامس والعشرون بعد الثلاثمائة)

وَأنْشد بعده وَهُوَ 3 - (الشَّاهِد الْخَامِس وَالْعشْرُونَ بعد الثلاثمائة) الراجز (كالحوت لَا يرويهِ شيءٌ يلقمه ... يصبح ظمآن وَفِي الْبَحْر فَمه) على أَنه قد يُقَال فِي غير الْأَفْصَح فمي وفم زيد فِي جَمِيع حالات الْإِضَافَة. وَهَذَا ظَاهر فإثبات الْمِيم عِنْد الْإِضَافَة فصيح ويدلّ لَهُ الحَدِيث: لخلوف فَم الصّائم. وَلَا الْتِفَات إِلَى قَول أبي عَليّ فِي البغداديات: قد اضْطر الشَّاعِر فأبدل من الْعين الْمِيم فِي الْإِضَافَة كَمَا أبدلها مِنْهَا فِي الْإِفْرَاد فَقَالَ: وَفِي الْبَحْر فَمه. وَهَذَا الْإِبْدَال فِي الْكَلَام إِنَّمَا هُوَ فِي الْإِفْرَاد دون الْإِضَافَة فَأجرى الْإِضَافَة مجْرى الْمُفْرد فِي الشّعْر للضَّرُورَة. هَذَا كَلَامه. ويلقمه: مضارع لقمت اللّقمة لقماً من بَاب طرب: إِذا بلغتهَا وَكَذَلِكَ التقمتها وتلقّمتها: إِذا ابتلعتها. وَرُوِيَ بدله: يلهمه وَهُوَ بِمَعْنَاهُ يُقَال: لهمه لَهما من بَاب طرب أَيْضا. إِذا ابتلعته. وظمآن بِالنّصب خبر يصبح. وَجُمْلَة: وَفِي الْبَحْر فَمه حَال من الضَّمِير الْمُسْتَتر يَفِ ظمآن. قَالَ حَمْزَة الْأَصْبَهَانِيّ فِي الدرّة الفاخرة: أظمأ من حوت مثلٌ يَزْعمُونَ دَعْوَى بِلَا بينةٍ أَنه يعطش وَفِي الْبَحْر فَمه واحتجّوا بقول الشَّاعِر: كالحوت لَا يرويهِ شَيْء الخ. وينقضون هَذَا بقَوْلهمْ: أروى من حوت فَإِذا سئلوا عَن علّة قَوْلهم قَالُوا: لأنّه لَا يُفَارق المَاء. انْتهى.

وَلم يزدْ الزمخشريّ فِي المستقصى فِي شرح هَذَا الْمثل على قَوْله: يَزْعمُونَ أَنه يعطش فِي الْبَحْر قَالَ: كالحوت لَا يرويهِ شَيْء الخ. وَقد نقل الكرمانيّ كَلَام الدرّة فِي شرح شَوَاهِد الخبيصيّ ثمَّ قَالَ: يُمكن تَصْحِيح المثلين حَقِيقَة وَهُوَ أَن الْحُوت لَا يشرب مَاء الْبَحْر مَا أمكنه لملوحته فَهُوَ إِذن ظمآن. ولكثرة صبره على الْعَطش مَعَ وجود المَاء كَأَنَّهُ ريّان إِذْ لَوْلَا أَنه كَذَلِك لشرب المَاء. وَجَاز أَن يكون قلّة شربه لخوف غرقه بوصول المَاء إِلَى جَوْفه متجاوز الحدّ. هَذَا كَلَامه وَلَا يَنْبَغِي لَهُ تسطير مثل هَذَا. وَالْوَجْه أَن يُقَال: لوُجُوده فِي المَاء إِنَّمَا ضرب الْمثل بربّه وَلعدم طاقته على مُفَارقَة المَاء قيل: أظمأ من حوت. كأنّ ملازمته للْمَاء إِنَّمَا هِيَ لشدّة ظمئه. وَقَالَ صَاحب حَيَاة الْحَيَوَان: هَذَا الْبَيْت مثل يضْرب لمن عَاشَ بَخِيلًا شَرها.) وَهُوَ من رجز طَوِيل لرؤبة بن العجّاج عدّته أَرْبَعمِائَة وَخَمْسَة وَثَلَاثُونَ بَيْتا مدح بِهِ أَبَا العبّاس السفّاح أول الْخُلَفَاء العباسيّة. قلت لزيرٍ لم تصله مريمه وَذكر فِي أَوَاخِر فقره وشدّة حَاجته إِلَيْهِ. وَهَذِه قِطْعَة مِنْهُ: جَاءَك عودٌ خندقيٌّ قشعمه الْعود بِالْفَتْح: المسنّ الْقَدِيم وَأَصله فِي الْإِبِل عَنى بِهِ نَفسه. وخندف:

امْرَأَة الياس بن مُضر. وَأَرَادَ بِكَوْنِهِ خندقياً أَنه عدنانيٌّ لَا قحطاني. والقشعم: الْكَبِير. عَلَيْهِ من لبد الزّمان هلدمه لبد الزّمان بِكَسْر اللَّام وَسُكُون الْمُوَحدَة: جفونه ووسخه. وهلدمه: مَا تراكم بعضه على بعض وَقَالَ بَعضهم: خلقانه. وَهُوَ بِكَسْر الْهَاء وَالدَّال وَسُكُون اللَّام بَينهمَا. موجّب عاري الضّلوع حرضمه الموجّب بِكَسْر الْجِيم وَرُوِيَ بِفَتْحِهَا: الَّذِي يَأْكُل فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة مرّةً يُقَال: فلَان يَأْكُل وحبةً وَقد وجبّ نَفسه توجيباً: إِذا عوّدها ذَلِك: أَرَادَ: إِنَّنِي لَا أُصِيب من الْقُوت فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة إلاّ مرّة. والحرضم بِكَسْر الْمُهْملَة وَالضَّاد الْمُعْجَمَة بَينهمَا رَاء مُهْملَة: المهزول كَذَا فِي شرح ديوانه. لم يلق للجشب إدَامًا يأدمه الجشب بِفَتْح الْجِيم وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة: ضيق الْعَيْش. فِي الصِّحَاح: طَعَام جشب مَا زَالَ يرجوك لحقّ يزعمه على التنّائي ويراك حلمه التمّائي: التباعد. والْحلم بِضَمَّتَيْنِ: مَا يرَاهُ النَّائِم. والأاسناد مجازيّ أَي: يراك فِي حلمه.

قد طالما جنّ إِلَيْك أهيمه أهيمه: عقله وفؤاده. إيّاك لم يُخطئ بِهِ ترسّمه الترسّم بالراء: التفرّس من افراسة. كالحوت لَا يرويهِ شيءٌ يلهمه شبّه نَفسه بالحوت أَي: هُوَ كالحوت.) يصبح ظمآن وغي الْبَحْر فَمه من عطشٍ لوّحه مسلهمه لوحه: غَيره من لوّحته أَي: غيّرته وَمن لوّحت الشَّيْء بالنَّار: أحميته. والمسلهم: المغيّر. أَطَالَ ظمئاً وجباك مقدمه الجبا بِكَسْر الْجِيم بعْدهَا مُوَحدَة: المَاء الْمَجْمُوع لِلْإِبِلِ وَهُوَ بِالْقصرِ. ومقدمه: مورده. الرّواء بِالْفَتْح والمدّ: المَاء العذب. وأطغمه أَي: أَكْثَره وَهُوَ بالغين الْمُعْجَمَة. قد كَانَ جمّاً شاؤه ونعمه أخبر عَن نَفسه بأنّه قبل الْيَوْم كثير الْغنم وَالْإِبِل. فعضّه دهرٌ مذفٌ محطمه والدّهر أحبى لَا يزَال ألمه

الأحبى: الشَّديد الحابي الضلوع أَي: المشرف المنتفخ الجنبين من الغيظ. أفنى الْقُرُون وَهُوَ بَاقٍ أونمه أَي: حوادثه وَهُوَ بالزاء الْمُعْجَمَة وَالنُّون. بِذَاكَ بادت عَاده وإرمه بادت: هَلَكت. وعَاد وإرم: فبيلتان. وَهَذَا آخر الرجز. وترجمة رؤبة قد تقدّمت فِي الشَّاهِد الْخَامِس من أَوَائِل الْكتاب. وَقد خطي الأصمعيّ عِنْد هَارُون الرشيد بروايته لهَذَا الرجز. روى السيّد المرتضى فِي أَمَالِيهِ: الدّرر وَالْغرر بِسَنَدِهِ إِلَى الأصمعيّ أَنه قَالَ: تصرّفت بِي الْأَسْبَاب على بَاب الرشيد مؤمّلاً للظفر بِهِ والوصول إِلَيْهِ حَتَّى إنّي صرت لبَعض حرسه خديناً فإنّي فِي بعض ليلةٍ قد نثرت السَّعَادَة والتوفيق فِيهَا الأرق بَين أجفان الرشيد إِذْ خرج خادمٌ فَقَالَ: أما بالحضرة أحدٌ يحسن الشّعْر فَقلت: الله أكبر ربّ قيدٍ مضيّق قد حلّه التَّيْسِير فَقَالَ لي الْخَادِم: ادخل فلعلّها أَن تكون لَيْلَة يغْرس فِي صباحها الْغنى إِن فزت بالخطوة عِنْد أَمِير الْمُؤمنِينَ. فَدخلت

فواجهت الرّشيد فِي مَجْلِسه وَالْفضل بن يحيى إِلَى جَانِبه فَوقف بِي الْخَادِم حَيْثُ يسمع التَّسْلِيم فَسلمت فردّ عليّ السَّلَام ثمَّ قَالَ: يَا غُلَام أرحه ليفرح روعه إِن كَانَ وجد) للرّوعة حسّاً فدنوت قَلِيلا ثمّ قلت: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إضاءة مجدك وبهاء كرمك مجيران لمن نظر إِلَيْك من اعْتِرَاض أذيّة فَقَالَ: ادن. فدنوت فَقَالَ: أشاعرٌ أم راوية لكلّ ذِي جدّ وهزل بعد أَن يكون محسناً فَقَالَ: تا لله مَا رَأَيْت ادّعاء أعظم من هَذَا فَقلت: أَنا على الميدان فَأطلق من عناني يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فَقَالَ: قد أنصف القارة من راماها ثمَّ قَالَ: مَا الْمَعْنى فِي هَذِه الْكَلِمَة بديئاً فَقلت: فِيهَا قَولَانِ: القارة هِيَ الحرّة من الأَرْض وَزَعَمت الرّواة أنّ القارة كَانَت رُمَاة للتبابعة وَالْملك إِذْ ذَاك أَبُو حسّان فواقف عسكره وعسكر السّغد فَخرج فارسٌ من السّغد ثد وضع سَهْمه فِي كبد قوسه فَقَالَ: أَيْن رُمَاة الْعَرَب فَقَالَت الْعَرَب: وَقد أنصف القارة من راماها. ثمَّ قَالَ: أرتوي لرؤية بن العجّاج والعجّاج شَيْئا فَقلت: هما شَاهِدَانِ لم بالقوافي وَإِن غيّبا عَن بَصرك بالأشخاص. فَأخْرج من ثني فرشه رقْعَة ثمَّ قَالَ: أَنْشدني: الراجز أرّقني طَارق همّ أرّقا فمضيت فِيهَا مضيّ الْجواد فِي سنَن ميدانه تهدر بهَا أشداقي فلمّا

صرت إِلَى مديحه لبني أُميَّة ثنيت لساني إِلَى امتداحه لأبي الْعَبَّاس فِي قَوْله: قلت لزيرٍ لم تصله مريمه فَلَمَّا رَآنِي قد عدلت من أرجوزة إِلَى غَيرهَا قَالَ: أعن حيرةٍ أم عَن عمد قلت: عَن عمد تركت كذبه إِلَى صدقه فِيمَا وصف بِهِ جدّك من مجده فَقَالَ الْفضل: أَحْسَنت بَارك الله فِيك مثلك يؤهلّ لمثل هَذَا الْمجْلس فَلَمَّا أتيت على آخرهَا قَالَ لي الرشيد: أتروي كلمة عديّ بن الرّقاع: عرف الدّيار توهّماً فاعتادها قلت: نعم. قَالَ: هَات. فمضيت فِيهَا حتّى إِذا صرت إِلَى وصف الْجمل قَالَ لي الْفضل: ناشدتك الله أَن تقطع علينا مَا أمتعنا بِهِ من السهر فِي ليلتنا هَذِه بِصفة جمل أجرب فَقَالَ لَهُ الرشيد: اسْكُتْ فالإبل هِيَ الَّتِي أخرجتك من دَارك واستلب تَاج ملكك ثمَّ مَاتَت وعملت جلودها سياطاً ضربت بهَا أَنْت وقومك فَقَالَ الْفضل: لقد عوقبت على غير ذَنْب وَالْحَمْد لله فَقَالَ الرشيد: أَخْطَأت الْحَمد لله على النّعم وَلَو قلت: وَأَسْتَغْفِر الله كنتمصيباً. ثمَّ قَالَ لي: امْضِ فِي أَمرك. فَأَنْشَدته حتّى إِذا بلغت إِلَى قَوْله:) تزجى أغنّ كأنّ إبرة روقه اسْتَوَى جَالِسا ثمَّ قَالَ: أتحفظ فِي هَذَا ذكرا قلت: نعم ذكرت

الروَاة أنّ الفرزدق قَالَ: كنت فِي الْمجْلس وَجَرِير إِلَى جَانِبي فَلَمَّا ابْتَدَأَ عديّ فِي قصيدته قلت لجرير مسيرًا إِلَيْهِ هَلُمَّ نسخر من هَذَا الشاميّ. فَلَمَّا ذقنا كَلَامه يئسنا مِنْهُ فلمّأ قَالَ: تزجى أغنّ كأنّ إبرة روقه وعديّ كالمستريح قَالَ جرير: أما ترَاهُ يستلب بهَا مثلا فَقَالَ الفرزدق: يَا لكع إنّه يَقُول: قلم أصَاب من الدّواة مدادها فَقَالَ عديّ: قلم أصَاب من الدّواة مدادها فَقَالَ جرر: أَكَانَ سَمعك مخبوءاً فِي صَدره فَقَالَ لَهُ: اسْكُتْ شغلني سبّك عَن جيّد الْكَلَام فلمّا بلغ إِلَى قَوْله: الْكَامِل قَالَ الرشيد: مَا ترَاهُ قَالَ حِين أنْشدهُ هَذَا الْبَيْت قلت: قَالَ: كَذَاك أَرَادَ الله. فَقَالَ الرشيد: مَا كَانَ فِي جلالته ليقول هَذَا أَحْسبهُ قَالَ: مَا شَاءَ قلت: وَكَذَا جَاءَت الرِّوَايَة. فَلَمَّا أتيت على آخرهَا قَالَ: أتروي لذِي الرمّة شَيْئا قلت الْأَكْثَر. قَالَ: فَمَا أَرَادَ بقوله:

(الشاهد السادس والعشرون بعد الثلاثمائة)

الطَّوِيل (ممرٌّ أمرّت فتله أسديّةٌ ... ذراعيّة حلاّلةٌ بالمصانع) قلت: وصف حمَار وَحش أسمنه بقل روضةٍ تواشجت أُصُوله وتشابكت فروعه من مطر سحابةٍ كَانَت بِنَوْء الْأسد ثمَّ فِي الذِّرَاع من ذَلِك. فَقَالَ الرشيد: أرح فقد وجدناك ممتعاً وعرفناك محسناً. ثمَّ قَالَ: أجد ملالة ونهض فَأخذ الْخَادِم يصلح عقب النّعل فِي رجله وَكَانَت عربيّة فَقَالَ الرشيد: عقرتني يَا غُلَام فَقَالَ الْفضل: قَاتل الله الْأَعَاجِم أما إنّها لَو كَانَت سنديّةً لما احتجت إِلَى هَذِه الْكَلِمَة. فَقَالَ الرشيد: هَذِه نَعْلي ونعل آبَائِي كم تعَارض فَلَا تتْرك من جوابٍ ممضّ ثمَّ قَالَ: يَا غُلَام يُؤمر صالحٌ الْخَادِم بتعجيل ثَلَاثِينَ ألف دِرْهَم على هَذَا الرجل فِي ليلته هَذِه وَلَا يجب فِي المستأنف. فَقَالَ الْفضل: لَوْلَا أنّه مجْلِس أَمِير الْمُؤمنِينَ وَلَا يَأْمر فِيهِ غَيره لأمرت لَك بِمثل مَا أَمر لَك وَقد) أمرت لَك بِهِ إلاّ ألف دِرْهَم فتلّقى الْخَادِم صباحاً. قَالَ الأصمعيّ: فَمَا صلّيت من غدٍ إلاّ وَفِي منزلي تسعةٌ وَخَمْسُونَ ألف دِرْهَم. وَأنْشد بعده وَهُوَ 3 - (الشَّاهِد السَّادِس وَالْعشْرُونَ بعد الثلاثمائة) وَهُوَ من شَوَاهِد س:

الطَّوِيل (هما نفثا فِي فيّ من فمويهما ... على النّابح العاوي أشدّ رجام) على أنّه جمع بَين الْبَدَل والمبدل مِنْهُ وهما الْمِيم وَالْوَاو. وتكلف بَعضهم معتذراً بِأَن قَالَ: الْمِيم بدل من الْهَاء الَّتِي هِيَ اللَّام قدّمت على الْعين. وَتَقْدِير القَوْل الأول كَمَا فِي البغدادّيات لأبي عَليّ أهـ أضَاف الْفَم مبدلاً من عينهَا الْمِيم للضَّرُورَة كَقَوْل الآخر: وَفِي الْبَحْر فَمه ثمَّ أَتَى بِالْوَاو الَّتِي هِيَ عين وَالْمِيم عوض مِنْهُ فَيكون جمعا بَين الْبَدَل والمبدل مِنْهُ للضَّرُورَة. وَقد وجدنَا هَذَا الْجمع فِي مذاهبهم قَالَ الشَّاعِر: أَقُول يَا اللهمّ يَا اللهمّا فَجمع بَين حرف التبيه وَبَين الميمين اللَّتَيْنِ هما هوضان مِنْهُ فَيكون قد اجْتمع فِيهِ على هَذَا الْوَجْه ضرورتان: إِحْدَاهمَا إِضَافَة فَم بِالْمِيم وَحكمه أَن لَا يُضَاف بهَا وَثَانِيهمَا جمعه بَين الْبَدَل والمبدل مِنْهُ. أَقُول: إِضَافَة فَم بِالْمِيم فصيح وَلَيْسَ بضروروة وتقدّم الردّ عَلَيْهِ بِحَدِيث: لخلوف فَم الصّائم. وَأما القَوْل الثَّانِي فَهُوَ يشبه أَن يكون مَذْهَب سِيبَوَيْهٍ فإنّه قَالَ فِي بَاب

النِّسْبَة واسْمه عِنْد بَاب الْإِضَافَة مَا نصّه: وَأما فَم فقد ذهب من أَصله حرفان لأنّه كَانَ أَصله فوه فأبدلوا الْمِيم مَكَان الْوَاو فَهَذِهِ الْمِيم بِمَنْزِلَة الْعين نَحْو مِيم ذمّ ثبتَتْ فِي الِاسْم فَمن ترك دم على حَاله إِذا أضيف ترك فَم على حَاله وَمن ردّ إِلَى دم اللَّام ردّ إِلَى فَم الْعين فَجَعلهَا مَكَان اللَّام كَمَا جعلُوا الْمِيم مَكَان الْعين فِي فَم. قَالَ الشَّاعِر:) هما نفثا فِي فيّ من فمويهما وَقَالُوا: فموان. قَالَ فمان فَهُوَ بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ قَالَ: فمويّ وَإِن شَاءَ قَالَ: فميّ. وَمن قَالَ: فموان قَالَ: فمويّ على كل حَال. هَذَا كَلَام سِيبَوَيْهٍ وَبِه يظْهر خطأ الأعلم فِي شرح شواهده حَيْثُ قَالَ: الشَّاهِد فِي قَوْله فمويه مَا وَجمعه بَين الْوَاو وَالْمِيم الَّتِي هِيَ بدل مِنْهَا فِي فمّ. وَمثل هَذَا لَا يعرف لأنّ الْمِيم إِذا كَانَت بَدَلا من الْوَاو فَلَا يَنْبَغِي أَن يجمع بَينهمَا. وَقد غلط الفرزدق فِي هَذَا وَجعل من قَوْله إِذْ أسنّ وَاخْتَلَطَ عقله. وَيحْتَمل أَن يكون لّما رأى فَمَا على حرفين توهّمه مِمَّا حذفت لمه من ذَوَات الاعتلال كيد وَدم فردّ مَا توهّمه محذوفاُ مِنْهُ. انْتهى كَلَامه. وَقَوله: وَمثل هَذَا لَا يعرف تقدم عَن أبي عليّ أَنه مَعْرُوف فِي قَوْلهم: يَا اللهمّ. وَقَوله: وَقد غلط الفرزدق فِي هَذَا الخ فِيهِ أنّه لَا يجوز أَن يتوهمّ فِي البدويّ أَنه يغلط ف ينطقه ويلحن فَإِنَّهُ لَا يطاوعه لِسَانه وَإِن تعمّده كَمَا قيل فالعرب معصومون عَن لحن اللِّسَان. نعم يجوز أَن يغلطوا فِي الْمعَانِي.

وَقَوله: وَيحْتَمل أَن يكون لّما رأى فَمَا على حرفين الخ كَأَنَّهُ حِين كتب هَذَا الْكَلَام لم ينظر إِلَى كَلَام سِيبَوَيْهٍ. وَقد نقل أَبُو عَليّ فِي البغداديّات وَجها آخر فِي تَوْجِيه فمويهما مَعَ أَنه لم ينْقل فِيهَا مَذْهَب سِيبَوَيْهٍ قَالَ: وأمّا الفرزدق فمويهما فَإِنَّهُ قيل إنّه أبدل من الْعين الَّذِي هُوَ واوٌ الْمِيم كَمَا تبدل مِنْهُ فِي الْإِفْرَاد ثمَّ أبدل من الْهَاء الَّتِي هِيَ لالمٌ الْوَاو. وَبدل الْوَاو من الْهَاء غير بعيد وَيدل على سوغ ذَلِك أَنَّهُمَا يعتقبان الْكَلِمَة الْوَاحِدَة كَقَوْلِك عضة فإنّ لمه قد يحكم عَلَيْهَا بِأَنَّهَا هَاء لقَولهم عضاه وَقد يحكم عَلَيْهَا أَنَّهَا وَاو لقَولهم عضوات. وَذهب ابْن جنّي فِي سرّ الصِّنَاعَة إِلَى أنّ فمويهما مثنّى فَمَا بِالْقصرِ قَالَ فِي قَول الشَّاعِر: يَا حبّذا عينا سليمى والفما يجوز أَن يكون الفما فِي مَوضِع رفع وَهُوَ اسمٌ مَقْصُور بِمَنْزِلَة عَصا وَعَلِيهِ جَاءَ بَيت الفرزدق: هما نفثا فِي فيّ من فمويهما) فاعرفه. انْتهى. وَقَوله: هما نفثا ضمير التَّثْنِيَة راجعٌ إِلَى إِبْلِيس وَابْنه كَمَا يَأْتِي. ونفثا: أَي: ألقيا على لساني من نفث الله الشَّيْء فِي الْقلب: ألقاهز وأصل نفث بِمَعْنى بزق وَمِنْهُم من يَقُول: إِذا بزق وَلَا ريق مَعَه. وَنَفث فِي الْعقْدَة عِنْد الرّقية وَهُوَ البزاق الْيَسِير. ونفثه نفثاً أَيْضا: إِذا سحره. وَرُوِيَ

أَيْضا: هما تفلا من تفل تفلاً من بَابي ضرب وَقتل من البزاق يُقَال: بزق ثمَّ تفل. والنابح: أَرَادَ بِهِ من يتعرّض للهجو والسبّ من الشُّعَرَاء وَأَصله فِي الْكَلْب. وَمثله العاوي بِالْعينِ الْمُهْملَة. والرّجام: مصدر راجمه بِالْحِجَارَةِ أَي: راماه. وراجم فلانٌ عَن قومه: إِذا دَافع عَنْهُم جعل الهجاء كالمراجمة لجعله الهاجي كَالْكَلْبِ النابح. وكأنّ الأعلم لم يقف على مَا قبل هَذَا الْبَيْت وَلِهَذَا ظنّ أنّ ضمير التَّثْنِيَة لشاعرين من قومه نزع فِي الشّعْر إِلَيْهِمَا. وَهَذَا الْبَيْت آخر قصيدةٍ للفرزدق قَالَهَا آخر عمره تَائِبًا إِلَى الله عَزَّ وَجَلَّ ّ ممّا فرط مِنْهُ من مهاجاته النَّاس وَقذف الْمُحْصنَات وذمّ فِيهَا إِبْلِيس لَا غوائه إيّاه فِي شبابه. وَهَذِه أَبْيَات مِنْهَا: الطَّوِيل (أم ترني عَاهَدت ربّي وإنّني ... لبين رتاجٍ قَائِما ومقام) (على حلفةٍ لَا أشتم الدّهر مُسلما ... وَلَا خَارِجا من فيّ زور كَلَام) (وأصبحت أسعى فِي فكاك قلادةٍ ... رهينة أوزارٍ عليّ عِظَام) (وَلم انتبه حتّى أحاطت خطيئتي ... ورائي ودقّت للأمور عِظَامِي) (أطعتك يَا إِبْلِيس سبعين حجّةً ... فلمّا انْتهى شيبي وتمّ تمامي) (فزعت إِلَى ربّي وأيقنت أنّني ... ملاقٍ لأيّام الْمنون حمامي) (أَلا طالما قد بتّ يوضع نَاقَتي ... أَبُو الجنّ إبليسٌ بِغَيْر خطام) (يظلّ يمنّيني على الرّحل واركاً ... يكون ورائي مرّةً وأمامي) (يبشّرني أَن لَا أَمُوت وأنّه ... سيخلدني فِي جنّةٍ وَسَلام) ...

(فلمّا تلاقى فَوْقه الموج طامياً ... نكصت وَلم تحتل لَهُ بمرام) (ألم تأت أهل الْحجر وَالْحجر أَهله ... بأنعم عيشٍ فِي بيُوت رُخَام) (وآدَم قد أخرجته وَهُوَ ساكنٌ ... وَزَوجته من خير دَار مقَام) (وَأَقْسَمت يَا إِبْلِيس أنّك ناصحٌ ... لَهُ وَلها إقسام غير أثام)) (وَكم من قُرُون قد أطاعوك أَصْبحُوا ... أَحَادِيث كَانُوا فِي ظلال غمام) (وَمَا أَنْت يَا إِبْلِيس بِالْمَرْءِ ابْتغِي ... رِضَاهُ وَلَا يقتادني بزمام) (سأجريك من سوءات مَا كنت سقتني ... إِلَيْهِ جروحاً فِيك ذَات كَلَام) (تعيّرها فِي النّار والنّار تلتقي ... عَلَيْك بزقّومٍ لَهَا وضرام) (وإنّ ابْن إِبْلِيس وإبليس ألبنا ... لَهُم بِعَذَاب النَّاس كلّ غُلَام) هما نفثا فِي فيّ من فمويهما ... ... ... ... ... الْبَيْت وَقَوله: ألم ترني عَاهَدت رَبِّي الْبَيْتَيْنِ هما من شَوَاهِد الْكَشَّاف وَمُغْنِي اللبيب وَيَأْتِي إِن شَاءَ الله شرحهما فِي محلّه. وَقَوله: وَإِن ابْن إِبْلِيس الخ ألبنا: سقيا اللَّبن يُرِيد أَن إِبْلِيس وَابْنه سقيا كلّ غُلَام من الشُّعَرَاء هجاء وكلاماً خبيثاً. ثمَّ إنّ الفرزدق سامحه الله وَغفر ذَنبه بعد هَذَا نقض تَوْبَته وَرجع إِلَى

وَكَانَ السَّبَب فِي نقض التَّوْبَة هُوَ مَا حَكَاهُ شَارِح النقائض: أَن الفرزدق لما حجّ عَاهَدَ الله بَين الْبَاب وَالْمقَام أَن لَا يهجو أحداًِ أبدا. وَأَن يقيّد نَفسه حَتَّى يحفظ الْقُرْآن فَلَمَّا قدم الْبَصْرَة قيّد نَفسه وَقَالَ: (ألم ترني عَاهَدت ربّي وإنّني ... لبين رتاجٍ قَائِما ومقام) الأبيات. ثمَّ إِن جَرِيرًا والبعيث هجواه وَبلغ نسَاء بني مجاشع فحش جرير بهنّ فأيتن الفرزدق وَهُوَ مُقَيّد فَقُلْنَ: قبح الله قيدك وَقد هتك جريرٌ عورات نِسَائِك فلحيت شَاعِر قوم فأغضبه ففك قَيده وَقَالَ وَهُوَ من قصيدة: الطَّوِيل (لعمري لَئِن قيّدت نَفسِي لطالما ... سعيت وأوضعت المطيّة فِي الْجَهْل) (ثَلَاثِينَ عَاما مَا أرى من عمايةٍ ... إِذا برقتْ أَن لَا أشدّ لَهَا رحلي) (أَتَتْنِي أَحَادِيث البعيث ودونه ... زرود فشامات الشّقيق من الرّمل) (فَقلت أظنّ ابْن الخبيثة أنني ... شغلت عَن الرّامي الكنانة بالنّبل) (فَإِن يَك قيدي كَانَ نذرا نذرته ... فَمَا بِي عَن أَحْسَاب قومِي من شغل) (أَنا الضّامن الرّأعي عَلَيْهِم وإنّما ... يدافع عَن أحسابهم أَنا أَو مثلي) قَوْله: أَوضعت المطيّة أَي: دفعتها فِي السّير. والعماية بِالْفَتْح: الْجَهْل وَالصبَا.

(الشاهد السابع والعشرون بعد الثلاثمائة)

يَقُول: إِنَّمَا أَرَادَ جريرٌ بِهِجَاء البعيث غَيره كَمَا صنع رامي الكنانة بصاحبها: وَذَلِكَ أَن رجلا) من بني فَزَارَة ورجلاً من بني أَسد كَانَا راميين فَالْتَقَيَا وَمَعَ الفزاريّ كنانةٌ وَمَعَ الأسديّ كنَانَة رثّةٌ فَقَالَ الأسديّ للفزاريّ: أَنا أرمى أَو أَنْت فَقَالَ الفزاريّ: أَنا أرمى مِنْك فَقَالَ لَهُ الأسديّ: فإنّي أنصبت كِنَانَتِي وتنصب كنانتك حتّى نرمي فيهمَا فنصب الأسديّ كِنَانَته فَجعل الفزاريّ يرميها فيقرطس حتّى أنفذ سهامه كلّها كلّ ذَلِك يُصِيبهَا وَلَا يخطئها فَلَمَّا رأى الأسديّ أنّ سِهَام الفزاريّ نفذت قَالَ: انصب لي كنانتك حتّى أرميها. فَرمى فسدّد السهْم نَحوه حتّى قَتله فَضَربهُ الفرزدق مثلا يَعْنِي أنّ جَرِيرًا يهجو البعيث وَهُوَ يعرّض بالفرزدق. وَقَوله: أَنا الضَّامِن الرَّاعِي عَلَيْهِم عَلَيْهِم الخ هَذَا الْبَيْت من شَوَاهِد النُّحَاة والبيانيّين وَرُوِيَ صَدره بِغَيْر هَذَا أَيْضا. وترجمة الفرزدق قد تقدّمت فِي الشَّاهِد الثَّلَاثِينَ. وَأنْشد بعده وَهُوَ 3 - (الشَّاهِد السَّابِع وَالْعشْرُونَ بعد الثلاثمائة) وَهُوَ من شَوَاهِد المفصّل وَغَيره:

الْكَامِل وأبيّ مَالك ذُو الْمجَاز بدار هَذَا عجزٌ وصدره: قدرٌ حلّك ذَا الْمجَاز وَقد أرى على أنّ أبيّ عِنْد المبّرد مفردٌ ردّ لامه فِي الْإِضَافَة إِلَى الْيَاء كَمَا ردّت فِي الْإِضَافَة إِلَى غَيرهَا فَيكون أَصله أَبَوي قلبت الْوَاو يَاء وأدغمت فِيهَا عملا بالقاعدة حَيْثُ اجْتمعَا وَكَانَ أوّلهما سَاكِنا وأبدلت الضمّة كسرة لئلاّ تعود الْوَاو. وَكَلَام المبّرد وَإِن كَانَ مُوَافقا للْقِيَاس إلاّ أنّه لم يقم عَلَيْهِ دَلِيل قَاطع. قَالَ الزمخشريّ فِي المفصّل: وَقد أجَاز المبّرد أبي وأخيّ وَأنْشد: وأبيّ مَالك ذُو الْمجَاز بدار وصحّة محمله على الْجمع فِي قَوْله: تدفع ذَلِك. يُرِيد أَن أبيّ جَاءَ على لفظ الْجمع وَلَا قرينَة مخلّصة لللإفراد فتعارض الاحتمالان فَحمل على لفظ الْجمع وَسقط الِاحْتِجَاج بِهِ فِي محلّ الْخلاف فَيكون أَصله على هَذَا أبين حذفت) النُّون عِنْد الْإِضَافَة فأدغمت الْيَاء الَّتِي هِيَ يَاء الْجمع فِي يَاء المتكلّم. فوزن أبي فعي لَا فعلي. وعَلى هَذَا حمل ابْن جنّي وَغَيره قِرَاءَة من قَرَأَ: نعْبد إلهك وإله أَبِيك إِبْرَاهِيم وإسمعيل وَإِسْحَق ليَكُون فِي مُقَابلَة آبَائِك فِي الْقِرَاءَة الآخرى.

قَالَ أَبُو عَليّ فِي الْإِيضَاح الشعريّ: وَمن زعم أَن قَول الشَّاعِر: وأبيّ مَالك ذُو الْمجَاز بدار إنّما ردّ الْوَاو الَّتِي هِيَ لَام الغعل فِي الْإِضَافَة إِلَى الْيَاء كَمَا ردّه مَعَ الْكَاف وَالْهَاء فِي نَحْو أَبوك وَأَبوهُ فَلَيْسَ بمصيب وَذَلِكَ أنّ هَذَا الْموضع لّما كَانَ يلْزمه الإعلال بِالْقَلْبِ وَقد استمرّ فِيهِ الْقلب وأمضي ذَلِك فِيهِ فَلم يرد فِيهِ مَا كَانَ يلْزمه الإعلال وإنّ أبيّ مثل عشريّ. انْتهى. واحتجّ ابْن الشجريّ فِي أَمَالِيهِ بِمثل هَذَا. وَقد عزا ثَعْلَب فِي أَمَالِيهِ الْعَاشِرَة إِلَى الْفراء مَا عزاهُ الزمخشريّ وَابْن الشّجريّ إِلَى المبّرد من كَون أبي مُفردا رد إِلَيْهِ لَام فعله. وَهَذِه عبارَة ثَعْلَب: الْفراء يَقُول: من أتمّ الْأَب فَقَالَ: هَذَا أَبوك أبيّ فَاعْلَم ثقيلٌ وَهُوَ الِاخْتِيَار. وَأنْشد: الوافر فَلَا وأبيّ لَا آتِيك حتّى ينسّى الواله الصّبّ الحنينا وَقَالَ: أنْشد الكسائيّ برنبويه قَرْيَة من قرى الْجَبَل قبل أَن يَمُوت:

(قدرٌ أحلك ذَا النّجيل وَقد أرى ... وأبيّ مَالك ذُو النّجيل بدار) (إلاّ كداركم بِذِي بقر الْحمى ... هَيْهَات ذُو بقرٍ من المزدار) انْتهى. وَقَوله: قدرٌ مُبْتَدأ وَجُمْلَة أحلّك الخ خَبره. وَهُوَ كَقَوْلِهِم: شرٌّ أهرّ ذَا نَاب أَي: مَا أحلّك ذَا الْمجَاز إلاّ قدر. وَأوردهُ ابْن هِشَام فِي مسوّغات الِابْتِدَاء بالنكرة من الْبَاب الرَّابِع من الْمُغنِي على أنّ المسوّغ للابتداء بِهِ صفة محذوفة كَقَوْلِهِم: شرّ أهرّ ذَا نَاب أَي: قدرٌ لَا يغالب وشرّ أيّ شَرّ. والْقدر: قَضَاء الله وَحكمه. وأحلك بِمَعْنى أنزلك متعديّ حلّ بِالْمَكَانِ حلولاً: إِذا نزل وَهُوَ متعدّ إِلَى مفعولين أَولهمَا الْكَاف وَثَانِيهمَا ذَا الْمجَاز والهمزة للتصيير أَي: صيّرك حَالا بِذِي الْمجَاز.) وَعند الأزرقيّ من طَرِيق هِشَام بن الكلبيّ أنّها كَانَت لهذيل على فَرسَخ من عَرَفَة. وَوَقع فِي شرح الكرمانيّ أنّها كَانَت بمنى. وَلَيْسَ بِشَيْء لما رَوَاهُ الطّبرانيّ عَن مُجَاهِد. أَنهم كَانُوا لَا يبيعون وَلَا يبتاعون فِي الْجَاهِلِيَّة بِعَرَفَة وَلَا بمنى. انْتهى.

والكرمانيّ فِي هَذَا تَابع لصَاحب الصِّحَاح فإنّه قَالَ فِيهِ: ذُو الْمجَاز مَوضِع بمنى كَانَ بِهِ سوقٌ فِي الْجَاهِلِيَّة. وَتَبعهُ أَيْضا وذُو النجيل فِي رِوَايَة ثَعْلَب بضمّ النُّون وَفتح الْجِيم كَذَا رَأَيْته مضبوطاً فِي نشخة صَحِيحَة قديمَة من أَمَالِيهِ عَلَيْهَا خطوط الأئمّة. قَالَ ابْن الْأَثِير فِي المرصّع: ذُو الّجيل بِضَم النُّون وَفتح الْجِيم: مَوضِع من أَعْرَاض الْمَدِينَة وينبع اه. وَرُوِيَ أَيْضا: ذُو النّجيل بِضَم النُّون وَفتح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَهُوَ مناسبٌ أَيْضا قَالَ ابْن الْأَثِير فِي المرصّع: هُوَ عين قرب الْمَدِينَة وَأُخْرَى قرب مكّة وَمَوْضِع دوين حضوموت. وكلا هذَيْن اللَّفْظَيْنِ غير مَوْجُود فِي مُعْجم مَا استعجم للبكريّ. وَقَوله: وَقد أرى قد للتحقيق وأرى بِمَعْنى أعلم معلّق عَن الْعَمَل بِمَا النافية وَالْجُمْلَة بعْدهَا سادّة مسدٌ المفعولين. وَقَوله: وأبيّ الْوَاو للقسم وَجُمْلَة الْقسم مُعْتَرضَة بَين أرى وحرّفه بَعضهم فَرَوَاهُ: وَلَا أرى بِلَا النافية مَوضِع قد وَزعم أنّ الْجُمْلَة المنفيّة جَوَاب الْقسم وأنّ مفعولي أرى محذوفان تَقْدِيره: لَا أَرَاك أَهلا لذِي الْمجَاز. وَقيل: لَا دعائيّة. هَذَا كَلَامه. وَلم يرو هَذِه الرِّوَايَة أحدٌ وَالثَّابِت فِي رِوَايَة ثَعْلَب وَغَيره من شُرُوح المفصّل هُوَ مَا قدّمناه وَلَيْسَ الْمَعْنى أَيْضا على مَا أعربه فتأمّل. وَقَالَ بَعضهم: ارى بالمبنيّ للْمَفْعُول بِمَعْنى أظنّ وبكسر الْكَاف من أحلك ولَك وَكِلَاهُمَا لَا أصل لَهُ.

وَقَوله: مَا لَك ذُو الْمجَاز الخ وَذُو الْمجَاز: فَاعل لَك لاعتماده على النَّفْي أَو هُوَ مُبْتَدأ وَلَك خَبره وَعَلَيْهِمَا فَقَوله بدار حالٌ صَاحبهَا ذُو الْمجَاز على الأوّل وضميره الْمُسْتَتر فِي لَك على الثَّانِي أَو قَوْله بدار خبر الْمُبْتَدَأ وَلَك كَانَ فِي الأَصْل صفة لدار فلمّا قدّم صَار حَالا. خَاطب نَفسه وَقَالَ: قدر الله وقضاؤه أحلّك هَذَا الْموضع وَقد أعلم أنّه لَيْسَ لَك هَذَا الْموضع بمنزلٍ تقيم) فِيهِ بل ترتحل عَنهُ وَأقسم على ذَلِك بِأبي. وَقَوله: إلاّ كداركم صفة لموصوف مَحْذُوف أَي: إلاّ دَار كداركم أَو الْكَاف زَائِدَة. وذُو بقر بِفَتْح الْمُوَحدَة وَالْقَاف قريةٌ فِي ديار بني أَسد وَقَالَ أَبُو حَاتِم عَن الأصمعيّ: هُوَ قاعٌ يقري المَاء وَقَالَ يَعْقُوب: هُوَ وادٍ فَوق الرّبدة انْتهى. وَالْمرَاد هُوَ الْأَخير بِدَلِيل إِضَافَته إِلَى الْحمى فإنّ الرّبذة كَانَت حمى خَارج الْمَدِينَة المنّورة. قَالَ أَبُو عبيد: الرّبذة بِفَتْح أوّله والموحّدة وبالذال الْمُعْجَمَة هِيَ الَّتِي جعلهَا عمر حمى لإبل الصَّدَقَة وَكَانَ حماه الَّذِي أحماه بريداً فِي بريد ثمَّ زَادَت الْوُلَاة فِي الْحمى أضعافاً ثمَّ أبيحت الأحماء فِي أيّام المهديّ العباسيّ فَلم يحمها أحدٌ بعد ذَلِك. إِلَى أَن قَالَ: ثمّ الْجبَال الَّتِي تلِي القهب عَن يَمِين المصعد إِلَى مكّة جبلٌ أسود يدعى أسود الْبرم بَينه وَبَين الرّبذة عشرُون ميلًا وَهُوَ فِي أَرض

بني سليم وَأقرب الْمِيَاه من أسود الْبرم حفائر حفرهَا المهديّ على ميلين مِنْهُ تدعى ذَا بقر وَقد ذكرهَا مؤرخ السّلميّ فَقَالَ: قدرٌ أحلّك ذَا النّجيل وَقد أرى ... ... ... . . الْبَيْتَيْنِ وأنشدهما على رِوَايَة ثَعْلَب فِي أَمَالِيهِ. والمزدار: اسْم فَاعل من ازدار: افتعل من الزِّيَارَة. وَأَرَادَ الشَّاعِر بِهِ نَفسه استبعد أَن يزور أرضه. وروى أَبُو عبيد فِي المعجم الزّوّار جمع زائر. وَقَائِل هذَيْن الْبَيْتَيْنِ مؤرخ السّلميّ كَمَا قَالَ أَبُو عبيد فِي المعجم وَهُوَ شاعرٌ إسلاميّ من شعراء الدولة الأمويّة: ومؤرج بِضَم الْمِيم وَفتح الْهمزَة وَتَشْديد الرَّاء الْمَكْسُورَة وَآخره جِيم وَهُوَ اسْم فَاعل من أرّجت بَين الْقَوْم تأريجاً: إِذا هيّجت الشرّ بَينهم. والسّلميّ بِضَم السِّين وَفتح اللَّام نِسْبَة إِلَى سليم بن منصوزر مصغّراً وَهُوَ أَبُو قَبيلَة. تَتِمَّة قَالَ ابْن حجر فِي شرح البخاريّ: أسواق الْعَرَب فِي الجاهليّة أَرْبَعَة: ذُو الْمجَاز وعطاظ ومجنّة وحباشة. أما ذُو الْمجَاز فقد تقدّم نَقله عَنهُ. وأمّا عكاظ بِضَم أَوله فَعَن ابْن إِسْحَاق: أنّها فِيمَا بَين نَخْلَة والطائف إِلَى بلد يُقَال لَهَا الفتق) بضمّ الْفَاء والمثنّاة بعْدهَا قَاف. وَعَن ابْن الكلبيّ: كَانَت بِأَسْفَل مكّة على بريدٍ مِنْهَا غربيّ الْبَيْضَاء وَكَانَت لكنانة.

وَأما حُبَاشَة بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الموحّدة وَبعد الألفشين مُعْجمَة فَكَانَت فِي ديار بارق نَحْو قنونا بِفَتْح الْقَاف وبضمّ النُّون الْخَفِيفَة وَبعد النُّون ألف مَقْصُورَة من مكّة إِلَى جِهَة الْيمن على ستّ مراحل. وَقد ذكر فِي الحَدِيث الثَّلَاث الأول وإنّما لم تذكر حُبَاشَة فِي الحَدِيث لأنّها لم تكن من مواسم الحجّ. وإنّما كَانَت تُقَام فِي شهر رَجَب. قَالَ الفاكهيّ: وَلم تزل هَذِه الْأَسْوَاق قَائِمَة فِي الْإِسْلَام إِلَى أَن كَانَ أول مَا ترك مِنْهَا سوق عكاظ فِي زمن الْخَوَارِج سنة تسع وَعشْرين وَمِائَة وَآخر مَا ترك مِنْهَا سوق حُبَاشَة فِي زمن دَاوُد بن عِيسَى بن وسى العبّاسيّ فِي سنة سبع وَتِسْعين وَمِائَة ثمَّ أسْند عَن ابْن الكلبيّ: أنّ كلّ شريفٍ إنّما كَانَ يحضر سوق بَلْدَة إلاّ سوق عكاظ فإنّهم كَانُوا ينتوافون بهَا من كلّ جِهَة فَكَانَت أعظم تِلْكَ الْأَسْوَاق. وَقد ذكرهَا فِي أَحَادِيث مِنْهَا حَدِيث ابْن عبّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما: انْطلق النّبيّ صلّى الله عَلَيْهِ وسلّم فِي طائفةٍ من أَصْحَابه عَامِدين إِلَى سوق عكاظ الحَدِيث فِي قصّة الجنّ. وروى الزّبير بن بكّار فِي كتاب النّسَب أَنَّهَا كَانَت تُقَام صبح هلتال ذِي الْقعدَة إِلَى أَن تمْضِي عشرُون يَوْمًا. قَالَ: ثمَّ تقوم سوق مجنّة عشرَة أَيَّام إِلَى هِلَال ذِي الحجّة ثمَّ تقوم سوق ذِي الْمجَاز ثَمَانِيَة أَيَّام ثمَّ يتوجهون إِلَى منى بِالْحَجِّ. وَفِي حَدِيث جَابر: أنّ النّبيّ صلّى الله عَلَيْهِ وسلّم لبث عشر سِنِين يتبع النَّاس فِي مَنَازِلهمْ فِي الْمَوْسِم بمجنّة وعكاظ يبلّغ رسالات ربه. انْتهى مَا أوردهُ ابْن حجر. وَفِيه: أنّ أسواق أَكثر من الْعَرَب أَكثر من هَذَا جمعهَا صَاحب قبائل الْعَرَب قَالَ: دومة الجندل كَانَت تقوم أوّل يَوْم من ربيع الأول إِلَى النّصْف مِنْهُ وَكَانَت الْمُبَايعَة فِي إِلْقَاء الْحِجَارَة على السّلعة فَمن أَعْجَبته ألْقى حجرا فَتركت لَهُ. والمشّقر تقوم من أوّل يَوْم من جُمَادَى الْآخِرَة وَكَانَ بيعهم بالملامسة والإيماء والهمهمة خوف الْحلف وَالْكذب. ثمَّ صحار بِضَم الصَّاد الْمُهْملَة تقوم لعشر يمضين من رَجَب خَمْسَة أَيَّام ثمَّ الشّحر بِالْكَسْرِ يقوم فِي النّصْف من شعْبَان وَكَانَ بيعهم فِيهِ بِالْحِجَارَةِ أَيْضا. ثمَّ صنعاء فِي النّصْف من شهر ومضان إِلَى آخِره.) ثمَّ سوق حَضرمَوْت فِي النّصْف من ذِي الْقعدَة. ثمَّ عكاظ فِي هَذَا الْيَوْم بِأَعْلَى نجد قريب من عَرَفَات. وعكاظ من أعظم أسواق الْعَرَب وَكَانَ يَأْتِيهَا قريشٌ بِأَعْلَى نجد قريب من عَرَفَات. وعكاظ من اعظم أسواق الْعَرَب وَكَانَ يَأْتِيهَا قريشٌ وهوازن وغَطَفَان وسليم الْأَحَابِيش وَعقيل والمصطلق وَطَوَائِف من الْعَرَب إِلَى آخر ذِي الْقعدَة فَإِذا أهلّ ذُو الحجّة أَتَوا ذَا الْمجَاز وَهُوَ قريب من عكاظ فتقوم سوقه إِلَى التَّرويَة ثمَّ يصيرون إِلَى منى وَتقوم سوق نطاة بِخَيْبَر وسوق حجر بِفَتْح الْمُهْملَة وَسُكُون الْجِيم يَوْم عَاشُورَاء إِلَى آخر الْمحرم. هَذَا مَا أوردهُ صَاحب قبائل الْعَرَب.

(الشاهد الثامن والعشرون بعد الثلاثمائة)

وَأنْشد بعده وَهُوَ 3 - (الشَّاهِد الثَّامِن وَالْعشْرُونَ بعد الثلاثمائة) وَهُوَ من شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ: المتقارب (فلمّا تبيّنّ أصواتنا ... بكين وفدّيننا بالأبينا) على أَن الْأَب يجمع على الأبين عِلّة حدّ جمع الْمُذكر السَّالِم كَمَا فِي هَذَا الْبَيْت.

قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَسَأَلته يَعْنِي الْخَلِيل عَن أَب فَقَالَ: إِن ألحقت فِيهِ النُّون وَالزِّيَادَة الَّتِي قبلهَا قلت أبون وَكَذَلِكَ أَخ تَقول أخون لَا تغيّر الْبناء إلاّ أَن تحدث اللعرب شَيْئا كَمَا يَقُولُونَ دمون وَلَا تغيّر بِنَاء الْأَب عَن حَال الحرفين لأنّه بني عَلَيْهِ إلاّ أَن تحدث الْعَرَب شَيْئا كَمَا بنوه على غير بِنَاء الحرفين. وَقَالَ الشَّاعِر: فلمّا تبيّنّ أصواتنا ... ... ... الْبَيْت أنشدناه من نثق بِهِ وَزعم أَنه جاهليّ. وَإِن شِئْت كسّرت فَقلت: آبَاء وآخاء. انْتهى نصّ سِيبَوَيْهٍ. وَأورد ابْن جنّي فِي الْمُحْتَسب بعد هَذَا الْبَيْت عِنْد قِرَاءَة ابْن عبّا وَالْحسن: وإِلَه أَبِيك على (ألم تَرَ أنّي بعد همّ هممته ... لفرقة حرّ من أبين كرام) وَقَول آخر: فَهُوَ يفدّى بالأبين وَالْخَال قَالَ الأعلم: جمع أَب جمع صسلامة غريبٌ إِذْ حقّه للأعلام وَالصِّفَات الْجَارِيَة على فعلهَا كمسلمين.)

وَقَوله: تبّينّ بِمَعْنى تعرّفن وَبِه رُوِيَ أَيْضا. أَي: لّما عرفن اصواتنا معرفَة بيّنه ووزنه تفعّلن. أدغمت النُّون الْأَصْلِيَّة فِي نون جمَاعَة النِّسَاء. وَقَوله: فدّيننا الخ أَي قُلْنَ: جعل الله آبَاءَنَا فدَاء لكم. قَالَ ابْن السيرافيّ فِي شرح أَبْيَات الْكتاب وَتَبعهُ من بعده من شرّاح الشواهد: الْبَيْت لزياد بن وَاصل. لّما عرفن أَصْوَاتهم ركبن إِلَيْهِم حتّى يستنقدوهنّ وفدّينهنّ بآبائهنّ. ويروى: فلمّا تبيّنّ أشباحنا جمع شبح. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد الأعرابيّ الغندجانيّ فِي فرحة الأديب: كذب ابْن السيرافيّ فِي تَفْسِير هَذَا وإنّما معنى الْبَيْت أنّ زياداً افتخر فِي أبياتٍ بآباء قومه وبأمهاتهم من بني عَامر وأنّهم قد أبلوا فِي حروبهم ومعاونتهم فَلَمَّا عَادوا إِلَى حللهم وَعند نِسَائِهِم وعرفن أَصْوَاتهم فدّينهم لأجل أنّهم أبلوا فِي الحروب. والأبيات تدلّ على صحّة هَذَا الْمَعْنى. وأولها وَهِي لزياد بن وَاصل السّلميّ: (هزتنا نسَاء بني عامرٍ ... فسمنا الرّجال هواناً مُبينًا) (وَنحن بنوهنّ يَوْم الصّفا ... ق إِذْ نقبل الْقَوْم وعثاً حزوناً) (بضربٍ كولغ ذُكُور الذّئا ... ب تسمع للهام فِيهِ رنينا)

(ورميٍ على كلّ عزّافةٍ ... تردّ الشّمال وَتُعْطِي اليمينا) (وكنّا مَعَ الْخَيل حتّى اسْتَوَت ... شباب الرّجال وسرّوا العيونا) (لمّا تبيّنّ أصواتنا ... رئمن وفدّيننا بالأبينا) انْتهى مَا أوردهُ أَبُو مُحَمَّد. ورئمن بِمَعْنى عطفن وحننّ من الحنين وَمَعْنَاهُ على رِوَايَة بكين أنّهنّ بكين فَرحا بسلامتهم وفدّينهم بآبائهنّ إشفاقاً عَلَيْهِم. وقولهه: عزتنا من عزوته إِلَى أَبِيه: إِذا نسبته إِلَيْهِ. أَرَادَ: نسبت نسَاء بني عَامر إِلَيْنَا وقلن نَحن مِنْكُم. وَقَوله: بِضَرْب الخ وَهُوَ متعلّق بسمنا يُقَال: ولغَ فِي الْإِنَاء ولغاً وولوغاً إِذا شرب مَا فِيهِ بأطراف لِسَانه. وَقَوله: تسمع صفة ضرب والهامة الرَّأْس وَضمير فِيهِ للضرب.) وَقَوله: وَرمي الخ هُوَ بالجرّ عطف على ضربٍ. والشّجاع الجهير الصَّوْت وَهُوَ صِيغَة مُبَالغَة من العزف بِالْعينِ الْمُهْملَة وَالزَّاي الْمُعْجَمَة وَالْفَاء وَهُوَ الصّوت. أَي: ورميٍ على كلّ شُجَاع صيّت يردّ الضَّرْب عَن شِمَاله وَيُعْطِيه عَن يَمِينه.

(الشاهد التاسع والعشرون بعد الثلاثمائة)

وزِيَاد بن وَاصل من شعراء بني سليم وَهُوَ جاهليّ كَمَا قَالَ سِيبَوَيْهٍ. وَالله أعلم. وَأنْشد بعده وَهُوَ 3 - (الشَّاهِد التَّاسِع وَالْعشْرُونَ بعد الثلاثمائة) الوافر (وَكنت لَهُ كشرّ بني الأخينا) على أَن أَخا يجمع على أخين جمع مُذَكّر سَالم كَمَا يجمع أَب على أبين. وَهَذَا عجر وصدره: وَكَانَ لنا فَزَارَة عمّ سوءٍ وَهَذَا الْبَيْت أوردهُ أَبُو زيد مُفردا فِي نوادره وَنسبه إِلَى عقيل بن علّفة المرّيّ وَقَالَ: أَرَادَ الْإِخْوَة. قَالَ ابْن الشجريّ فِي أَمَالِيهِ: وَأما قَول الآخر وَهُوَ من أَبْيَات الْكتاب: الوافر (فَقُلْنَا أَسْلمُوا إنّا أخوكم ... فقد بَرِئت من الإحن الصّدور)

فَقيل: إِنَّه وضع الْوَاحِد مَوضِع الْجمع وَقيل: إنّه جمع أَخ كجمع أَب على أبين وَحذف النُّون من أخون للإضافة. وَمن قَالَ الأبون والأخون قَالَ فِي التَّثْنِيَة الأبان والأخان فَلم يردّ اللَّام فِي التَّثْنِيَة أَقُول هَذَا الْبَيْت لَيْسَ من شَوَاهِد الْكتاب وَأورد الجاحظ فِي الْبَيَان والتبيين مَا قبل الْبَين الشَّاهِد قَالَ: وَقَالَ الآخر فِي إنجاب الأمّهات وَهُوَ يُخَاطب بني إخْوَته: الوافر (عفاريتاً عليّ وَأخذ مَالِي ... وعجزاً عَن أناسٍ آخرينا) (فهلاّ غير عمّكم ظلمتم ... إِذا مَا كُنْتُم متظلّمينا) (وَلَو كُنْتُم لمكسيةٍ أكاست ... وكيس الأمّ كيس للبنينا) (وَلَكِن أمّكم حمقت فجئتم ... غثاثاً مَا نرى فِيكُم سمينا) (وَكَانَ لنا فَزَارَة عمّ سوءٍ ... وَكنت لَهُ كشرّ بني الأخينا) وَقَوله: متظلّمينا فِي الصِّحَاح: تظلّمني فلَان أَي: ظَلَمَنِي مَالِي. وَقَوله: وَلَو كُنْتُم لمكسية الخ) هُوَ بِضَم الْمِيم وَسُكُون الْكَاف وَكسر التحتيّة هِيَ المراة الَّتِي تَلد أَوْلَادًا أكياساً. وأكاست الْمَرْأَة: ولدت ولدا كيّساً. قَالَ اصاحب الصِّحَاح: الْكيس: خلاف الْحمق وَالرجل كيّس مكّيس باسم الْمَفْعُول أَي: ظريف والكيسى بِالْكَسْرِ: نعت الْمَرْأَة الكيّسة وَهُوَ تَأْنِيث الأكيس وَكَذَلِكَ الكوسى بِالضَّمِّ وَقد كاس الْوَلَد يكيس كيساً. وأكيس

الرجل وأكاس إِذا ولد لَهُ أَوْلَاد أكياس وَأنْشد هَذَا الْبَيْت مَعَ مَا بعده. وروى المصراع الثَّانِي هَكَذَا: وَكَذَا أنشدهما الصاغانيّ فِي الْعباب وَنسبه إِلَى رَافع بن هريم. وَقد رجعت إِلَى ديوَان رَافع بن هريم فَلم أجد إِلَّا الْبَيْتَيْنِ الأوّلين وهما: عفاريت عليّ وَأخذ مَالِي ... ... ... . . الْبَيْت وَالْبَيْت الَّذِي بعده. وَلَيْسَ فه البيتان اللَّذَان أوردهما صَاحب الصِّحَاح والعباب منسوبين إِلَيْهِ. وَقَوله: ولكنّ أمّكم حمقت بِضَم الْمِيم أَي: صَارَت حمقاء. والغثاث: بِكَسْر الْمُعْجَمَة بعْدهَا مثلّثة: جمع عثيث بِمَعْنى المهزول ككرام جمع كريم. وفَزَارَة بِفَتْح الْفَاء وَالزَّاي الْمُعْجَمَة: أَبُو حيّ من غطفان هُوَ فَزَارَة ابْن ذبيان بن بغيض بن ريث بن غطفان. والسّوء بِالْفَتْح هُوَ المؤذي. فِي الْمِصْبَاح وَغَيره: هُوَ رجل سوء بِالْفَتْح وَالْإِضَافَة وَعمل سوء فَإِن عرّفت الأول قلت: الرجل السّوء وَالْعَمَل السّوء على النَّعْت. وَقَوله: وَكنت لَهُ الخ فِي أَكثر نسخ الشَّرْح وَكنت لَهُم بضمير الْجمع وَهُوَ خطأ وَالصَّوَاب الْإِفْرَاد وَهُوَ بالتكلّم لَا بِالْخِطَابِ. وإنّما قَالَ: كشرّ بِالْكَاف لَا بِدُونِهَا لِأَنَّهُ اراد مثل أشرّ بني إخوةٍ فِي الدُّنْيَا وَلم يرد أَنه مثل أشرّ بني إخْوَة فَزَارَة. وَالظَّاهِر أَن هَذَا الْبَيْت وَحده لعقيل بن علّفة وَهُوَ غير مُرْتَبِط بالأبيات الَّتِي أوردهَا الجاحظ قبله. وَتلك الأبيات البيتان الأوّلان مِنْهَا رأيتهما فِي ديوَان رَافع بن هريم من رِوَايَة أبي عَمْرو.

ورَافع هُوَ رَافع بن هريم بن عبد الله بن الْحَارِث بن عَاصِم بن عبيد بن ثَعْلَبَة بن يَرْبُوع. قَالَ أَبُو زيد فِي نموادره: هُوَ شَاعِر قديم أدْرك الْإِسْلَام وَأسلم وديوانه صَغِير وَهُوَ عِنْدِي وَعَلِيهِ خطّ أبي العبّاس ثَعْلَب إِمَام الكوفيّين وخطّ الْحسن بن الخشّاب الْبَغْدَادِيّ وَلَيْسَ فِيهِ من شَوَاهِد هَذَا الشَّرْح شَيْء. وهريم بِضَم الْهَاء وَفتح الرَّاء الْمُهْملَة. وَأما عقيل بن علّفة فَهُوَ شَاعِر فصيح مجيد من شعراء الدولة الأمويّة. وَعقيل بِفَتْح الْعين) وَكسر الْقَاف. وعلّفة بضمّ الْعين الْمُهْملَة وتشديج اللَّام الْمَفْتُوحَة بعْدهَا فَاء وَهُوَ علم مَنْقُول من وَاحِد العلّف وَهُوَ ثَمَر الطلّح. وَهُوَ عقيل بن علّفة بن الْحَارِث بن مُعَاوِيَة بن ضباب بن جَابر بن يَرْبُوع بن غيظ ابْن مرّة بن سعد بن ذبيان بن بغيض بن ريث بن غطفان بن سعد بن قيس عيلان بن مُضر. وأمّه عمْرَة بنت الْحَارِث بن عَوْف المرّيّ. وأمّها بنت بدر بن حصن بن حُذَيْفَة. قَالَ صَاحب الأغاني كَانَ عقيلٌ هَذَا جَافيا أهوج شَدِيد الْغيرَة والعجرفيّة وَهُوَ فِي بَيت شرفٍ فِي قومه من كلا طَرفَيْهِ. وَكَانَ لَا يرى أنّ لَهُ كفئاً وَكَانَت قُرَيْش ترغب فِي مصاهرته وتزوّج إِلَيْهِ من خلفائها وأشرافها

وخطب إِلَيْهِ عبد الْملك بن مَرْوَان بعض بَنَاته لبَعض وَلَده فَأَطْرَقَ سَاعَة ثمَّ قَالَ: إِن كَانَ وَلَا بدّ فجنبني هجناءك فَضَحِك عبد الْملك وَعجب من كبر وَدخل عُثْمَان بن حيّان وَهُوَ أَمِير الْمَدِينَة فَقَالَ لَهُ عُثْمَان: زوّجني بعض بناتك. فَقَالَ: أبكرةً من إبلي تَعْنِي فَقَالَ لَهُ عُثْمَان: أمجنونٌ أَنْت قَالَ: أيّ شيءٍ قلت لي قَالَ: قلت لَك: زوّجني ابْنَتك. فَقَالَ: إِن كنت تُرِيدُ بكررةً من إبلي فَنعم. فَأمر بِهِ فوجئت عُنُقه فَخرج وَهُوَ يَقُول: الطَّوِيل (لحا الله دهراً ذعذع المَال كلّه ... وسوّد أَبنَاء الْإِمَاء العوارك) وَكَانَ لَهُ جَار جهنيّ وَقيل سلامانيّ فَخَطب إِلَيْهِ ابْنَته فَغَضب عقيل وَأَخذه فكتّفه ودهن اسنه بشحم أَو زَيْت وَأَدْنَاهُ من قَرْيَة النَّمْل فَأكل خصيتيه حَتَّى ورم جسده ثمَّ حلّه وَقَالَ: يخْطب إليّ عبد الْملك فأردّه وتجترئ أَنْت عليّ فتخطب ابْنَتي وروى أنّ عمر بن عبد الْعَزِيز عَاتب رجلا من قُرَيْش أمّه أُخْت عقيل بن علّفة فَقَالَ لَهُ: قبحك الله لقد أشبهت خَالك فِي الْجفَاء فبلغت عقيلاً فَرَحل من الْبَادِيَة حتّى دخل على عمر فَقَالَ لَهُ: أما وجدت لِابْنِ عمّك شَيْئا تعيّره بِهِ إلاّ خؤولتي قبح الله شرّكما خالا فَقَالَ عمر: إِنَّك لأعرابيّ جافٍ أما لَو كنت تقدّمت إِلَيْك لأدّبتك وَالله مَا أَرَاك تقْرَأ شَيْئا من كتاب الله. فَقَالَ: بلَى إِنِّي لأقرأ. ثمَّ قَرَأَ: إِنَّا بعثنَا نوحًا إِلَى قومه فَقَالَ لَهُ عمر: ألم أقل إنّك لَا تقْرَأ فَقَالَ: ألم اقْرَأ فَقَالَ: إِن الله قَالَ: إِنَّا أرسلنَا نوحًا. فَقَالَ عقيل:

الطَّوِيل فَجعل الْقَوْم يَضْحَكُونَ من عجرفته ويعجبون. وَرُوِيَ أنّه قَرَأَ إِذا زلزلت الأَرْض حتّى بلغ آخرهَا فقدّم وَمن يعْمل مِثْقَال ذرة شرّاً يره) على: فَمن يعْمل مِثْقَال ذرّة خيراُ يره فَقَالَ لَهُ عمر: إنّ الله تَعَالَى قدّم الْخَيْر وَأَنت قدّمت الشرّ فَأَنْشد الْبَيْت. وَأوردهُ صَاحب الكشّاف فِي إِذا زلزلت لهَذِهِ الْحِكَايَة. وهرشى بِالْفَتْح وَالْقصر: ثنيّة فِي طَرِيق مكّة حرسهاالله قريبَة من الْجحْفَة يرى مِنْهَا الْبَحْر. وَهَذَا مثلٌ فِي التَّخْيِير. لاهرشى طَرِيقَانِ من سلك أيّهما شَاءَ أصَاب. وَضمير لهنّ لِلْإِبِلِ. وَالْمعْنَى يَا صاحبيّ سيرا فِي بطن هَذِه الثنيّة أَو قفاها أَي: أمامها أَو خلفهَا فإنّ كلا جانيها طريقٌ لِلْإِبِلِ. كَأَنَّهُ ظنّ أَن التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير فِي هَذَا الْمقَام لَا يضرّ وَهُوَ غفلّةٌ عَن المزايا القرآنية. وَقدم عقيلٌ الْمَدِينَة فَدخل الْمَسْجِد وَعَلِيهِ خفّان غليظان فَجعل يضْرب بِرجلِهِ فضحكوا مِنْهُ فَقَالَ: مَا يُضْحِككُمْ فَقَالَ لَهُ يحيى بن الحكم وَكَانَت ابْنة عقيل عِنْده وَكَانَ أَمِيرا على الْمَدِينَة إِنَّهُم يَضْحَكُونَ من خفيّك وضربك بِرِجْلَيْك وجفائك. فَقَالَ: لَا ولكنّهم يَضْحَكُونَ من إمارتك فإنّها أعجب من خفيّ.

(الشاهد الثلاثون بعد الثلاثمائة)

وَأنْشد بعده وَهُوَ 3 - (الشَّاهِد الثَّلَاثُونَ بعد الثلاثمائة) وَهُوَ من شَوَاهِد س: السَّرِيع (رحت وَفِي رجليك مَا فيهمَا ... وَقد بدا هنك من المئزر) على ان تسكين هن فِي الْإِضَافَة للضَّرُورَة وَلَيْسَ بلغَة. وَأوردهُ سِيبَوَيْهٍ فِي بَاب الإشباع فِي الجرّ وَالرَّفْع وَغير الإشباع قَالَ: وَقد يجوز أَن يسكنوا الْحَرْف الْمَجْرُور وَالْمَرْفُوع فِي الشّعْر شبّهوا ذَلِك بِكَسْر فَخذ حَيْثُ حذفوا فَقَالُوا فَخذ وبضمّة عضدٍ حَيْثُ حذفوا فَقَالُوا: عضد لأنّ الرّفْعَة ضمة والجرة كسرة ثمَّ أنْشد هَذَا الْبَيْت. وَمثله فِي الضَّرُورَة قَول جرير: الْبَسِيط (سِيرُوا بني العمّ فالأهوار منزلكم ... ونهر تيرى وَلَا تعرفكم الْعَرَب) وَمن أَبْيَات الْكتاب أَيْضا: السَّرِيع (فاليوم اشرب غير مستحقبٍ ... إِثْمًا من الله وَلَا واغل) قَالَ ابْن جنّي فِي الْمُحْتَسب: وَأما اعْتِرَاض أبي الْعَبَّاس الْمبرد هُنَا على الْكتاب فإنّما هُوَ على وَقَول أبي الْعَبَّاس: إنّما الرِّوَايَة فاليوم فَاشْرَبْ فَكَأَنَّهُ قَالَ لسيبويه: كذبت على الْعَرَب وَلم تسمع) مَا حكيته

عَنْهُم. وَإِذا بلغ الْأَمر هَذَا الحدّ من السَّرف فقد سَقَطت كلفة القَوْل مَعَه وَكَذَلِكَ إِنْكَاره عَلَيْهِ أَيْضا قَول الشَّاعِر: وَقد بدا هنك من المئزر فَقَالَ: أَنما الرِّوَايَة: وَقد بدا ذَاك من المئزر وَمَا أطيب الْعَرُوس لَوْلَا النّفقة. انْتهى. وَهَذَا الْبَيْت ثَالِث أبياتٍ للأقيشر الْأَسدي. وَقَالَ صَاحب الأغاني وَغَيره: سكر الأقيشر يَوْمًا فَسقط فبدت عَوْرَته وَامْرَأَته تنظر إِلَيْهِ فَضَحكت مِنْهُ وَأَقْبَلت عَلَيْهِ تلومه وَتقول لَهُ: أما تَسْتَحي يَا شيخ من أَن تبلغ بِنَفْسِك هَذِه الْحَالة فَرفع رَأسه إِلَيْهَا وَأَنْشَأَ يَقُول: السَّرِيع (تَقول: يَا شيخ أما تَسْتَحي ... من شربك الْخمر على المكبر) (فَقلت: لَو باكرت مشمولةً ... صبها كلون الْفرس الْأَشْقَر) (رحت وف يرجليك عقّالةٌ ... وَقد بدا هنك من المئزر) انْتهى. وَقَالَ بعض من كتب على شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ: مرّ سَكرَان بسكّة بني فَزَارَة فَجَلَسَ يريق المَاء ومرّ بِهِ نسوةٌ فَقَالَت امْرَأَة منهنّ: هَذَا نشوان قَلِيل الْحيَاء أما تَسْتَحي يَا شيخ من شربك الْخمر فَقَالَ ذَلِك. وَقَالَ ابْن الشّجريّ فِي أَمَالِيهِ: مرّ الفرزدق بامرأةٍ وَهُوَ سَكرَان يتواقع فسخرت مِنْهُ فَقَالَ هَذِه الأبيات. انْتهى وَالصَّوَاب الأول. وَقَوله: أما تَسْتَحي هُوَ شاهدٌ على أنّه يُقَال اسْتَحى أَن يضْرب

مثلا بياء وَاحِدَة وَرويت عَن ابْن كثير أَيْضا وَهِي لُغَة تَمِيم. قَالَ ابْن هِشَام فِي شرح بَانَتْ سعاد: وَالْأَصْل بياءين فنقلت حَرَكَة الْعين إِلَى الْفَاء فَالتقى ساكنان: فَقيل حذفت اللَّام فالوزن يستفع وَقيل حذفت الْعين فالوزن يستفل. وَرُوِيَ بدل الْخمر الراح وَهِي بمعناها. وَقَوله: على المكبر بِفَتْح الْمِيم وَكسر الموحّدة مصدر كبر يكبر من بَاب علم أَي: أسنّ والمصدر الْكبر بِكَسْر فَفتح والمكبر أَيْضا. قَالَ صِحَاح الصِّحَاح: يُقَال علاهُ المكبر بِكَسْر الْيَاء وَالِاسْم الكبرة بِفَتْح الْكَاف وَسُكُون الْبَاء) أَي: السن. وباكرت بِمَعْنى سارعت فِي البكرة. والمشمولة: الْخمر الْبَارِدَة تالطعم وَالْأَصْل فِي المشمولة الَّتِي ضربتها ريح الشمَال حتّى بردت يُقَال: غَدِير مشمول وَنَحْوه. وَيُقَال للخمر شُمُول أَيْضا لِأَنَّهَا تشْتَمل على عقل صَاحبهَا وَقيل لأنّ لَهَا عصفة كعصفة الرّيح الشمَال. والصّهبة: الشّقرة وَسميت الْخمر الصّبهاء للونها وَهِي ممدودوة وَقد قصرهَا للضَّرُورَة وَفِيه ردّ على الفرّاء إِذْ زعم أَنه لَا يقصر للضَّرُورَة إلاّ مَا مأخذه السماع وَلَا يجوز قصر الْمَمْدُود القياسي. وَقَوله: وَفِي رجليك مَا فيهمَا يُرِيد أَن فيهمَا اضطراباً واختلافاً. ورويّ: وَفِي رجليك عقالة وَهُوَ بضمّ الْعين وَتَشْديد الْقَاف: ظلع يَأْخُذ

فِي القوائم. وبدا بِمَعْنى ظهر. والهن: كِنَايَة عَن كلّ مَا يقبح ذكره وَأَرَادَ بِهِ هُنَا الْفرج. والمئزر هُوَ الْإِزَار كَقَوْلِهِم ملحف ولحاف. والأقشير: مصغر أقشر قَالَ صَاحب الصِّحَاح: رجل أقشر بيّن القشر بِالتَّحْرِيكِ أَي: شَدِيد الْحمرَة. قَالَ صَاحب الأغاني: الأقشير لقبٌ بِهِ لِأَنَّهُ كَانَ أَحْمَر الْوَجْه أقشر. واسْمه الْمُغيرَة بن عبد الله بن معرض بن عَمْرو بن أَسد بن خُزَيْمَة ويكنى أَبَا معرض بِضَم الْمِيم وَكسر الرَّاء الْخَفِيفَة. وَقَالَ ابْن قُتَيْبَة فِي كتاب الشُّعَرَاء: اسْمه الْمُغيرَة بن الْأسود بن وهب أحد بني أَسد بن خُزَيْمَة. قَالَ صَاحب الأغاني: وعمّر الأقيشر عمرا طَويلا. ولد فِي الجاهليّة وَكَانَ كوفيّاً خليعاً مَاجِنًا (يَا أيّها المبتغي حشّاً لِحَاجَتِهِ ... وَجه الأقيشر حشّ غير مَمْنُوع)

والحشّ بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الشين الْمُعْجَمَة: بَيت الْخَلَاء. قَالَ ابْن قُتَيْبَة: وَكَانَ يغْضب إِذا قيل لَهُ أقيشر فمرّ يَوْمًا بِقوم بني عبس فَقَالَ رجل مِنْهُم: يَا أقيشر فَسكت سَاعَة ثمَّ قَالَ: الوافر (أتدعوني الأقيشر ذَاك اسْمِي ... وأدعوك ابْن مطفئة السراج) (تنادي خدنها بِاللَّيْلِ سرّاً ... وربّ النَّاس يعلم مَا تناجي) فسمّي الرّجل ابْن مطفئة السرّاج وَولده ينسبون إِلَى ذَلِك إِلَى الْيَوْم. قَالَ صَاحب الأغاني: وَله حكاياتٌ فِي شرب الْخمر والافتراء على الخمّارين وَلم يسلم من هجوه أحد.) وَقد أطنب صَاحب الأغاني فِي قبائحه: مِنْهَا أَنه كَانَ لَهُ ابْن عمّ مُوسر فَكَانَ يسْأَله فيعطيه حتّى كثر ذَلِك عَلَيْهِ فَمَنعه فَقَالَ: إِلَى كم أُعْطِيك وَأَنت تنفقه فِي شرب الْخمر لَا وَالله لَا أُعْطِيك شَيْئا فَتَركه حتّى اجْتمع قومه فِي ناديهم وَهُوَ فيهم ثمَّ جَاءَ فَوقف عَلَيْهِم ثمَّ شكاه إِلَيْهِم وذمّه فَوَثَبَ إِلَيْهِ ابْن عمّه فَلَطَمَهُ فَأَنْشَأَ يَقُول: الطَّوِيل (سريعٌ إِلَى ابْن العمّ يلطم وَجهه ... وَلَيْسَ إِلَى دَاعِي النّدى بسريع) وَالْبَيْت الأول أوردهُ صَاحب تَلْخِيص الْمِفْتَاح شَاهدا لردّ الْعَجز على الصَّدْر.

وَمِنْهَا أنّه كَانَ عنّيناً لَا يَأْتِي النِّسَاء وَكَانَ يصف ضدّ ذَلِك من نَفسه فَجَلَسَ إِلَيْهِ يَوْمًا رجلٌ من قيس فأنشده الأقيشر: الْكَامِل (وَلَقَد أروح بمشرفٍ ذِي ميعةٍ ... عسر المكرّة مَاؤُهُ يتفصّد) (مرحٍ يطير من المرح لعابه ... ويكاد جلد إهابه يتقدّد) ثمَّ قَالَ للرجل: أتعرف الشّعْر قَالَ: نعم. قَالَ: مَا وصفت قَالَ: فرسا. قَالَ: أفكنت لَو رَأَيْته ركبته قَالَ: إِي وَالله وأمال عطفه فكشف الأقيشر عَن أيره وَقَالَ: هَذَا وصفت فَقُمْ واركبه. فَوَثَبَ الرجل عَن مَجْلِسه وَهُوَ يَقُول: قبحك الله من جليس وَذكره ابْن حجر فِي قسم المخضرمين من الْإِصَابَة وَأورد لَهُ هذَيْن الْبَيْتَيْنِ. وَمِنْهَا: أنّ عمّه الأقيشر قَالَت لَهُ يَوْمًا: اتَّقِ الله وقم فصلّ فَقَالَ: لَا أصلّي فَأَكْثَرت عَلَيْهِ فَقَالَ: قد أبرمتني فاختاري خصْلَة من خَصْلَتَيْنِ. إِمَّا أَن أصليّ وَلَا أتطهّر أَو أتطّهر وَلَا أصلّي قَالَت: قبحك الله فَإِن لم يكن غير هَذَا فصلّ بِلَا وضوء. فصلى بِلَا وضوء. وَمِنْهَا أَنه أَتَى إِلَى قيس بن مُحَمَّد بن الْأَشْعَث وَكَانَ ضريراً وناسكاً

فَسَأَلَهُ فَأعْطَاهُ ثلثمِائة دِرْهَم فَقَالَ: لَا أريدها جملَة وَلَكِن مر القمرهان أَن يعطيني فِي كلّ يومٍ ثَلَاثَة دَرَاهِم حتّى تنفذ. فَأمر بذلكن فَكَانَ يَأْخُذهَا فَجعل درهما لطعامه ودرهماً لشرابه ودرهما لدابّة تحمله إِلَى بيُوت الخمّارين فَلَمَّا نفدت الدّراهم أَتَاهُ الثَّانِيَة فَسَأَلَهُ فَأعْطَاهُ كالأولى وَعمل بهَا مثل ذَلِك. ثمَّ أَتَاهُ الثَّالِثَة فَأعْطَاهُ وَفعل مثل ذَلِك. وَأَتَاهُ الرَّابِعَة فَسَأَلَهُ فَقَالَ قيس: لَا أَبَا لَك كأنّك قد جعلته خراجاً علينا. فَانْصَرف وَهُوَ يَقُول: الطَّوِيل) (ألم تَرَ قيس الأكمة ابْن محمدٍ ... يَقُول وَلَا تَلقاهُ للخير يفعل) (رَأَيْتُك أعمى الْعين وَالْقلب ممسكاً ... وَمَا خير أعمى الْعين وَالْقلب يبخل) (فَلَو صمّ تمّت لعنة الله كلّها ... عَلَيْهِ وَمَا فِيهِ من الشّرّ أفضل) فَقَالَ قيس لَو نجا من الأقيشر لنجوت مِنْهُ وَمِنْهَا: أنّه تزوج بابنة عَم لَهُ يُقَال لَهَا الرّباب على أَرْبَعَة آلَاف دِرْهَم فَأتى قومه وسألهم فَلم يعطوه شَيْئا فَأتى ابْن رَأس الْبَغْل وَهُوَ دهقان الصّين وَكَانَ مجوسيّاً فَسَأَلَهُ فَأعْطَاهُ الصَدَاق كَامِلا فَقَالَ: المتقارب (كفاني المجوسيّ مهر الرّباب ... فدى للمجوسيّ خَالِي وَعم) (وإنّك سيد أهل الْجَحِيم ... إِذا مَا تردّيت فِيمَن ظلم) ...

(تجاور هامان فِي قعرها ... وَفرْعَوْن والمكتني بالحكم) فَقَالَ المجوسيّ: وَيحك. سَأَلت قَوْمك فَلم يعطوك شَيْئا وجئتني فأعطيك فجزيتني هَذَا القَوْل فَقَالَ: أوما ترْضى أَن جعلتك مَعَ الْمُلُوك وَفَوق أبي جهل وَمن شعره: السَّرِيع (يَا أَيهَا السَّائِل عمّا مضى ... من علم هَذَا الزّمن الذّاهب) (إِن كنت تبغي الْعلم وَأَهله ... أَو شَاهدا يخبر عَن غَائِب) (فَاعْتبر الأَرْض بأسمائها ... وَاعْتبر الصّاحب بالصّاحب) وَمن قصيدة لَهُ: الْبَسِيط (لَا تشربن أبدا رَاحا مشارقةً ... إلاّ مَعَ الغرّ أَبنَاء البطاريق) (أفنى تلادي وَمَا جمّعت من نشبٍ ... قرع القواقيز أَفْوَاه الأباريق) وَهَذَا الْبَيْت من أَبْيَات مُغنِي اللبيب فِي الْبَاب الْخَامِس. وَمن هَذِه القصيدة: (عَلَيْك كلّ فَتى سمحٍ خلائقه ... مَحْض الْعُرُوق كريم غير ممذوق)

وَكَانَ اللأقيشر مُولَعا بِهِجَاء عبد الله بن إِسْحَاق ومدح أَخِيه زكريّا فَقَالَ عبد الله لِغِلْمَانِهِ: أَلا تريجونا مِنْهُ فَانْطَلقُوا فَجمعُوا بعراً وقصباً بِظهْر الْكُوفَة وجعلوه فِي حقرة وَأَقْبل الأقيشر وَهُوَ سَكرَان من الْحيرَة على بغل رجلٍ مكار فأنزله عَن الْبَغْل وَعَاد فَأخذُوا الأقيشر فشدّوه ثمَّ) وضعوه فيتلك الحفرة وألهبوا النّار فِي الْقصب والبعر وَجعلت الرّيح تلفح وَجهه وجسمه بِتِلْكَ النَّار فَأصْبح ميّتاً وَلم يدر من قَتله. وَكَانَ ذَلِك فِي حُدُود الثَّمَانِينَ من الْهِجْرَة. تَتِمَّة ذكر الى مدي فِي المؤتلف والمختلف من اسْمه الأقيشر وَمِنْه اسْمه الأقيسر من الشُّعَرَاء. فالأقيشر هُوَ الْمُغيرَة بن عبد الله الأسديّ الشَّاعِر الْمَشْهُور وَصَاحب الشَّرَاب. والأقيسر هُوَ صَاحب لِوَاء بني أَسد حاهليّ. قَالَ ابْن حبيب: اسْمه عَامر بن طريف بن مَالك بن نصر وأنهى نسبه إِلَى دودان ابم اسد بنم خُزَيْمَة.

وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد 3 - (الْحَادِي وَالثَّلَاثُونَ بعد الثلاثمائة) الرجز (حَتَّى إِذا مَا خرجت من فمّه) على أنّ تَشْدِيد الْمِيم مَعَ ضمّ الْفَاء وَفتحهَا ضَرُورَة وَلَيْسَ بلغَة ابْن جنّي أَقُول: قَالَه ابْن جنّي فِي سرّ الصِّنَاعَة فِي حرف الْمِيم وَهَذِه عِبَارَته: اعْلَم أنّ الْمِيم حرف مجهور يكون أصلا وبدلاً وزائداً. فَالْأَصْل نَحْو مرس وَسمر ورسم. وَأما الْبَدَل فقد أبدلت من الْوَاو وَالنُّون وَالْبَاء وَاللَّام. أما إبدالها من الْوَاو فَقَوْلهم فَم وَأَصله فوه بِوَزْن سَوط فحذفت الْهَاء تَخْفِيفًا فَلَمَّا بَقِي على حرفين ثَانِيهمَا حرف لين كَرهُوا حذفه للتنوين فيجحفوا بِهِ فأبدلوا من الْوَاو ميماً للقرب لأنّهما شفهيّان وَفِي الْمِيم هواءفي الْفَم يضارع امتداد الْوَاو. ويدلّ أنّ فَم مَفْتُوح الْفَاء وجودك إِيَّاهَا مَفْتُوحَة فِي هَذَا اللَّفْظ وَهُوَ مَشْهُور. وأمّا مَا حكى فِيهَا أَبُو زيد وَغَيره من كسر الْفَاء وضمّها فضربٌ من التَّغْيِير لحق الْكَلِمَة لإعلالها بِحَذْف لامها وإبدال عينهَا. وأمّا قَول الآخر: الرجز (يَا ليتها قد خرجت من فمّه ... حتّى يعود الْملك فِي أسطمّه) يرْوى بضمّ الْفَاء وَفتحهَا فَالْقَوْل فِي تَشْدِيد الْمِيم عِنْدِي أَنه لَيْسَ ذَاك

بلغَة. أَلا ترى أنّك لَا تَجِد) لهَذِهِ المشدّدة الْمِيم تصرّفاً. إِنَّمَا التصرّف كلّه على: ف وه من ذَلِك قَوْله تَعَالَى: يَقُولُونَ بأفواههم. وَقَالَ الآخر: الوافر (فَلَا لغوٌ وَلَا تأثيم فِيهَا ... وَمَا فاهوا بُد أبدا مُقيم) وَقَالُوا: رجل مفوّه: إِذْ أَجَاد القَوْل لِأَنَّهُ يخرج من فِيهِ. وَقَالُوا: مَا تفوّهت بِهِ وَهُوَ تفعّلت. وَقَالُوا فِي جمع أفوه وَهُوَ الْكَبِير الْفَم: فوهٌ. وَلم نسمعهم قَالُوا: أفمام وَلَا رجل أفمّ كَمَا قَالُوا أَصمّ. فدلّ اجْتِمَاعهم على تصريف الْكَلِمَة بِالْفَاءِ وَالْوَاو وَالْهَاء على أنّ التشيديد لَا أصل لَهُ وَإِنَّمَا هوعارضٌ لحق الْكَلِمَة. فَإِن قَالَ قَائِل: فَإذْ ثَبت بِمَا ذكرته أَن التَّشْدِيد لَيْسَ من أصل الْكَلِمَة فَمن أَيْن أَتَاهَا وَمَا وَجه دُخُوله إِيَّاهَا فَالْجَوَاب: أَن أصل ذَلِك أَنهم ثقّلوا الْمِيم فِي الْوَقْف فَقَالُوا: هَذَا فَم كَمَا يَقُولُونَ هَذَا خَالِد وَهُوَ يَجْعَل ثمَّ إنّهم أجروا الْوَصْل مجْرى الْوَقْف فِيمَا حَكَاهُ سِيبَوَيْهٍ عَنْهُم من قَوْلهم ثلاثهر بعة وَكَقَوْلِه: الرجز ببازلٍ وجناء أَو عيهلّ

فَهَذَا وَجه تَشْدِيد الْمِيم عِنْدِي فَإِن قلت: إِذا كَانَ أصل فَم عنْدك فوه فَمَا تَقول فِي قَول الفرزدق: هما نفثا فِي فيّ من فمويهما وَإِذا كَانَت الْمِيم بَدَلا من الْوَاو فَكيف جَازَ لَهُ الْجمع بَينهمَا فَالْجَوَاب: أَن أيا عليّ حكى لنا عَن أبي بكر وَأبي إِسْحَاق أَنَّهُمَا ذَهَبا إِلَى أنّ الشَّاعِر جمع بَين الْعِوَض والمعوّ مِنْهُ لأنّالكلمة مجهورة منقوصة. وَأَجَازَ أَبُو عليّ أَيْضا فِيهِ وَجها آخر وَهُوَ أَن تكون الْوَاو فِي فمويهما لَا مَا فِي مَوضِع الْهَاء من الإفواه وَتَكون الْكَلِمَة يعتقب عَلَيْهَا لامان: هَاء مرّة وواو أُخْرَى فيجرى هَذَا مجْرى سنة وعضة. أَلا نراهما فِي قَول من قَالَ سنوات وأسنتوا ومساناة وعضوات واويّين وتجدهما فِي قَول من قَالَ سنة سنهاء وبعير عاضه عائيّين. وَإِذا ثَبت بِمَا قدّمناه أَن عين فَم فِي الأَصْل وَاو فَيَنْبَغِي أَن يقْضى بسكونها لأنّ السّكُون هُوَ الأَصْل.) فَإِن قلت: فهلاّ قضيت بحركة الْعين بجمعك إيّاه على أَفْوَاه نَحْو بَطل وابطال وَقدم وأقدام ورسن وأرسان فَالْجَوَاب: أَن فعلا مِمَّا عينه واوٌ بَابه أَيْضا أَفعَال كسوط وحوض وأحواض ففوهٌ لأنّ عينه واوٌ بِسَوْط أشبه مِنْهُ بقدم ورسن. فاعرف ذَلِك. انْتهى كَلَام ابْن جنّي بِاخْتِصَار قدر النّصْف.

وَقَول الشَّارِح: وَالْجمع أفمام. يُوهم أَنه مسموع وَقد نصّ ابْن جنّي وَصَاحب الصِّحَاح على أَنه لَا يُقَال ذَلِك. وَالْبَيْت من أجوزة للعجّاج وَقد تقدّمت تَرْجَمته فِي الشَّاهِد الْحَادِي وَالْعِشْرين من أَوَائِل الْكتاب. وَرِوَايَة الشَّارِح للبيت غير جَيِّدَة وَالصَّوَاب: يَا ليتها قد خرجت من فمّه كَمَا هُوَ فِي ديوانه. وَكَذَا رَوَاهُ ابْن السّكيت فِي إصْلَاح الْمنطق ز يَقُول: يَا ليتها قد خرجت من فمّه حتّى يعود الْملك إِلَى أَهله. وَيجوز أَن يكون أَرَادَ كلمة يتكلّم بهَا. وأسطمّ الشَّيْء: وَسطه وَقَالَ صَاحب الصِّحَاح: يُقَال فلانٌ فِي أسطمّة قومه أَي: فِي وَسطهمْ وأشرافهم. وأسطمّه الْحسب: وَسطه ومجتمعه والأطسمّة مثله على الْقلب. وَأنْشد بَيت العجّاج وَقَالَ: أَي فِي أَهله وحقّه وَالْجمع الأساطم. وَتَمِيم تَقول: اساتم تعاقب بَين الطَّاء وَالتَّاء فِيهِ وَأورد الْبَيْت فِي مَادَّة الْفَاء وَالْمِيم أَيْضا وَأنْشد بعده: (فَلَا أَعنِي بذلك أسفليكم ... ولكنّي أُرِيد بِهِ الذّوينا) على أنّ قَوْله الذّوين: فِيهِ شذوذان: أَحدهمَا قطعه عَن الْإِضَافَة وَثَانِيهمَا إِدْخَال اللَّام عَلَيْهِ.

وَهَذَا الْبَيْت للكميت بن زيد من قصيدةٍ هجا بهَا أهل الْيمن تعصّباً لمضر. يَقُول: لَا أَعنِي بهجوي إيّاكم اراذلكم وإنّما أَعنِي ملوككم كذي يزن ذِي جدن وَذي نواس وهم التبابعة. والأسفلون: جمع أَسْفَل خلاف الْأَعْلَى. واراد بالذّوين: الأذواء. وَقد تقدم شرح هَذَا الْبَيْت فِي الشَّاهِد السَّادِس عشر من أَوَائِل الْكتاب. تمّ بعون الله تَعَالَى وَحسن تيسيره الْجُزْء الرَّابِع من خزانَة الْأَدَب

التوابع

(التوابع) 3 - (النَّعْت) أنْشد فِيهِ: وَهُوَ الشَّاهِد الثَّانِي وَالثَّلَاثُونَ بعد الثلاثمائة وَهُوَ من أَبْيَات إِيضَاح أبي عَليّ الْفَارِسِي: الْبَسِيط (ربّاء شمّاء لَا يأوي لقلّتها ... إلاّ السّحاب وإلاّ الأوب والسّبل) على أَن الْمَوْصُوف قد يحذف فِي الْأَغْلَب مَعَ قرينَة دَالَّة عَلَيْهِ كَمَا فِي الْبَيْت. وَالتَّقْدِير: هُوَ رجل رباء هضبة شماء. فَحذف الْمَوْصُوف وأقيم الْوَصْف مقَامه فِي الْمَوْضِعَيْنِ فَإِن رباء فعال وَهُوَ وصف مُبَالغَة من قَوْلهم: هُوَ رباء لأَصْحَابه بِالْهَمْز ربأ يربأ من بَاب منع إِذا صَار ربيئة لَهُم أَي: ديدباناً. فِي الصِّحَاح: المربأة: المرقبة وَكَذَلِكَ المربأ والمرتبأ. وربأت الْقَوْم ربئاً وارتبأتهم أَي: رقبتهم وَذَلِكَ إِذا كنت لَهُم طَلِيعَة فَوق شرف أَي: مَوضِع مُرْتَفع. يُقَال: ربأ لنا فلَان وارتبأ إِذا

وَهُوَ فعيل وفعيلة. فالرباء وصف مُبَالغَة وَالْوَصْف لَا بُد لَهُ من مَوْصُوف. وَمن الْمَعْلُوم أَن الَّذِي يرقب الْأَعْدَاء لأَصْحَابه إِنَّمَا هُوَ الرجل فِي الْغَالِب. وَقيل: إِنَّه من ربأت الْجَبَل إِذا صعدته وعلوته فَيكون رباء شماء كَقَوْلِهِم: طلاع أنجد. وَهُوَ مُضَاف إِلَى شماء والشماء مجرور بالفتحة وَهُوَ مؤنث أَشمّ من الشمم وَهُوَ الِارْتفَاع. أَرَادَ هضبة شماء فَحذف الْمَوْصُوف بِدَلِيل الْقلَّة وَهِي رَأس الْجَبَل. والهضبة: الْجَبَل المنبسط على وَجه الأَرْض. وَمن الْمَعْلُوم أَيْضا أَن الَّتِي لَا يأوي إِلَى قلتهَا إِلَّا السَّحَاب والمطر لَا تكون إِلَّا هضبة. وَإِضَافَة رباء إِلَى شماء لفظية. وَقَالَ السكرِي فِي شرح أشعار هُذَيْل: إِن رباء من ربأت الْجَبَل إِذا صعدته وعلوته فَيكون مثل قَوْلهم: طلاع أنجد لمن هُوَ ركاب للصعاب من الْأُمُور. وَقَالَ ابْن يعِيش فِي شرح الْمفصل: الشَّاهِد فِي قَوْله رباء شماء وَالْمرَاد رجل رباء ربوة شماء أَو رابية شماء. وَهُوَ فعال من قَوْلك: ربوت الرابية إِذا علوتها. وَضعف الْعين للتكثير. والهمزة فِي) آخِره بدل من وَاو هِيَ لَام الْكَلِمَة كهمزة كسَاء وَلم ينونه لِأَنَّهُ مُضَاف إِلَى شماء. وشماء فعلاء من الشمم يُقَال: جبل أَشمّ ورابية شماء أَي: مُرْتَفعَة. أَقُول: لَيْسَ فِي هَذَا كثير فَائِدَة وَهُوَ مَعَ تكلفه يَدْفَعهُ قَوْله: لَا يأوي لقلتهَا إِلَّا السَّحَاب إِلَخ. فَتَأَمّله. وَحكى الأندلسي فِي شرح الْمفصل عَن الْخَوَارِزْمِيّ: قلَّة رباء وهضبة شماء لِأَن الرباء هِيَ الْعَالِيَة واشتقاقها من الرب لعلوه على المربوب. أَقُول: لَا وَجه لما ذهب إِلَيْهِ الْخَوَارِزْمِيّ فَإِن رباء من وصف الربيء لَا الْقلَّة كَمَا يَأْتِي وَهُوَ فعال لَا فعلاء.

وَقَالَ أَبُو الْبَقَاء فِي شرح الْإِيضَاح لأبي عَليّ: أنث رباء لما أَرَادَ بِهِ الربيئة وَهُوَ الْحَافِظ لأَصْحَابه فِي الْأَمْكِنَة الْعَالِيَة. أَقُول: هَذَا خطأ فَإِن رباء فعال لَا فعلاء. وَرَوَاهُ بَعضهم: زناء شماء بالزاي الْمُعْجَمَة وَالنُّون من زنأ فِي الْجَبَل يزناً زنئاً وزنوءاً بِمَعْنى صعد. وَهُوَ مَهْمُوز. وَقَالَ بَعضهم: إِن شماء اسْم هضبة وَهُوَ مَنْقُول من الصّفة إِلَى العلمية مثل حسن فَلَا شَاهد فِيهِ. أَقُول: كَون شماء اسْم هضبة ذكره أَبُو عبيد الْبكْرِيّ فِي مُعْجم مَا استعجم قَالَ: شماء على لفظ (بعد عهدٍ لنا ببرقة شمّا ... ء فأدنى ديارها الخلصاء) لَكِن الظَّاهِر هُنَا أَن المُرَاد بشماء اسْم جنس بِدَلِيل وَصفه بقوله: لَا يأوي لقلتهَا الخ. فَإِن قلت: أجعَل الْجُمْلَة حَالا من شماء لتعريفها. قلت: صَاحب الْبَيْت هذلي وشماء الهضبة الْمَعْرُوفَة فِي بِلَاد بني يشْكر مَعَ أَن مقَام الْمَدْح يَقْتَضِي أَنه يربأ كل جبل مَوْصُوف بِهَذَا الْوَصْف وَلَيْسَ فِي جعلهَا علما كثير مدح. وَقَوله: لَا يأوي لقلتهَا الخ هُوَ من أَوَى إِلَى منزله يأوي من بَاب ضرب أوياً بِمَعْنى أَقَامَ. وَالْمرَاد لَا يصل إِلَى قلتهَا. وروى السكرِي: لَا يدنو لقلتهَا. وَضمير قلتهَا لشماء. وَقلة الْجَبَل: وروى: لقنتها بالنُّون. والقنة هِيَ الْقلَّة.

وَقَوله: إِلَّا السَّحَاب هُوَ اسْتثِْنَاء مفرغ أَي: لَا يقرب إِلَى قلتهَا شَيْء إِلَّا السَّحَاب. وكر إِلَّا فِي) قَوْله وَإِلَّا الأوب للتوكيد. والأوب قَالَ السكرِي: هُوَ النَّحْل حِين تؤوب: ترجع. وَيُؤَيِّدهُ أَنه روى وَإِلَّا النوب بِضَم النُّون وَهُوَ النَّحْل وَهُوَ جمع نَائِب لِأَنَّهَا ترعى وتؤوب إِلَى مَكَانهَا أَي: ترجع وَقيل: هُوَ الرّيح ذكره الصَّاغَانِي فِي الْعباب. وَقَالَ الْخَوَارِزْمِيّ: هُوَ الْمَطَر لِأَنَّهُ بخار ارْتَفع من الأَرْض ثمَّ آب إِلَيْهَا أَي: رَجَعَ وَلذَلِك سمي رجعا فَسَموهُ أوباً ورجعاً تفاؤلاً ليرْجع ويؤوب. وَقيل لِأَن الله تَعَالَى يرجعه وقتا فوقتاً. وَإِلَيْهِ ذهب صَاحب الْكَشَّاف عِنْد قَوْله تَعَالَى: والسَّماءِ ذاتِ الرَّجْع وَأنْشد هَذَا الْبَيْت على أَن الْمَطَر تسمى رجعا كَمَا فِي الْآيَة وأوباً كَمَا فِي الْبَيْت تَسْمِيَة بمصدري رَجَعَ وآب. وَذَلِكَ أَن الْعَرَب كَانَت تزْعم أَن السَّحَاب يحمل المَاء من الْبَحْر ثمَّ يرجعه إِلَيْهِ. قَالَ صَاحب الْكَشْف: جعل صَاحب الْكَشَّاف الأوب والسبل بِمَعْنى الْمَطَر وَالْأولَى مَا قيل أَن الأوب النَّحْل لِأَنَّهَا تؤوب إِلَى محالها بَعْدَمَا خرجت للنجعة والسبل. بِفتْحَتَيْنِ: الْمَطَر المنسبل أَي: النَّازِل. قَالَ ابْن خلف فِي شرح أَبْيَات الْكتاب: السَّحَاب اسْم عَام للغيم وَالْمَاء ينسحب فِي الْأُفق أَي: ينجر نازلاً مَاؤُهُ وَغير نَازل. والسبل: الْمَطَر النَّازِل فَهُوَ إِذن أخص من السَّحَاب وَلذَلِك جَاءَ قَوْله تَعَالَى: فترى الودق يخرج من خلاله لما كَانَ الودق المَاء النَّازِل نَفسه.

وَهَذَا الْبَيْت آخر قصيدة عدتهَا عشرُون بَيْتا للمتنخل الْهُذلِيّ تقدّمت تَرْجَمته فِي الشَّاهِد السَّادِس وَالسبْعين بعد الْمِائَتَيْنِ رثى بهَا ابْنه أثيلة بِضَم الْهمزَة وَفتح الْمُثَلَّثَة. وَهَذَانِ البيتان قبله: (أَقُول لمّا أَتَانِي النّاعيان بِهِ ... لَا يبعد الرّمح ذُو النّصلين والرّجل) (رمحٌ لنا كَانَ لم يفلل ننوء بِهِ ... توفى بِهِ الْحَرْب والعزّاء والجلل) ربّاء شمّاء لَا يدنو لقلّتها ... ... ... ... ... . الْبَيْت قَوْله: الناعيان بِهِ فِي الصِّحَاح: الناعي الَّذِي يَأْتِي بِخَبَر الْمَوْت. قَالَ الْأَصْمَعِي: كَانَت الْعَرَب إِذا مَاتَ فيهم ميت لَهُ قدر ركب رَاكب فرسا وَجعل يسير فِي النَّاس وَيَقُول: نعاء فلَانا أَي: انعه واظهر خبر وَفَاته. وَهِي مَبْنِيَّة على الْكسر مثل نزال. وَقَوله: بِهِ أَي: بنعيه حذف الْمصدر لدلَالَة الناعيات عَلَيْهِ. والمصدر جَاءَ على نعي بِفَتْح فَسُكُون ونعي على وزن فعيل ونعيان بِضَم النُّون. وَالضَّمِير رَاجع إِلَى أثيلة الْمَقْتُول وَهُوَ ابْن المتنخل.) وَذَلِكَ أَنه كَانَ خرج مَعَ ابْن عَم لَهُ يُقَال ربيعَة بن الجحدر غازيين فأغارا على طوائف من فهم بن عَمْرو بن قيس عيلان فَقتل أثيلة وأفلت ربيعَة فَقَالَ المتنخل هَذِه القصيدة فِي رثاء ابْنه. وَقَوله: لَا يبعد الرمْح فَاعل يبعد يُقَال: بعد بعدا من بَاب فَرح فَرحا إِذا هلك. وَعَادَة الْعَرَب أَن تَقول عِنْد ذكر الْمَيِّت: لَا يبعد فلَان إِمَّا استعظاماً لمَوْته وَإِمَّا رَجَاء بَقَاء ذكره. وَيَأْتِي شرح

هَذَا مَبْسُوطا إِن شَاءَ الله بعد أَبْيَات. والنصل: حَدِيدَة الرمْح الَّذِي يطعن بِهِ وَهُوَ السنان وَيُقَال لحديدة السهْم وَالسيف والسكين أَيْضا. والحديدة الَّتِي يركز بهَا الرمْح فِي الأَرْض من الطّرف الْأَسْفَل يُقَال لَهَا الزج بِضَم الزَّاي الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الْجِيم. وَسمي الزج نصلاً بالتغليب فَقَالَ: النصلين وَإِنَّمَا غلب على الزج لِأَن الْعَمَل وَقَوله: وَالرجل أَرَادَ الرجل الْكَامِل فِي الشجَاعَة وَالْفِعْل وَهُوَ ابْنه وَقيل: أَرَادَ بِالرُّمْحِ ابْنه شبهه بِالرُّمْحِ الَّذِي لَهُ نصل وزج وَيُؤَيِّدهُ قَوْله رمح لنا أَي: هُوَ رمح لنا. وَضمير كَانَ رَاجع إِلَيْهِ وَجُمْلَة لم يغلل خَبَرهَا أَي: لم يكسر وَلم يثلم من الفل بِفَتْح الْفَاء وَهُوَ وَاحِد الفلول وَهِي كسور فِي الشَّيْء. وَقَوله: ننوء بِهِ أَي: ننهض بِهِ. يُقَال: ناء بِكَذَا أَي: نَهَضَ بِهِ مُثقلًا. وَقَوله: توفى بِهِ الْحَرْب أَي: تعلى بِهِ وتقهر. وَهُوَ بِالْفَاءِ وَرُوِيَ بِالْقَافِ أَيْضا من الْوِقَايَة. والعزاء بِفَتْح الْعين وَتَشْديد الزاء الْمُعْجَمَة: السّنة الشَّدِيدَة. والجلل بِضَم الْجِيم وَفتح اللَّام: جمع جلى وَهُوَ الْأَمر الْجَلِيل الْعَظِيم مثل كبرى وَكبر وصغرى وَصغر. وَفِي هَذَا القصيدة أَبْيَات من الشواهد فَيَنْبَغِي أَن نورد بقيتها مشروحة إِجْمَالا. وَهَذَا مطلع القصيدة: (مَا بَال عَيْنك أمست دمعها خضل ... كَمَا وهى سرب الأخراب منبزل)

هَذَا خطاب مَعَ نَفسه. وخضل: ندي. ووهى السقاء إِذا تخرق وَانْشَقَّ. والأخراب: جمع خربة بِالضَّمِّ وَهِي عُرْوَة المزادة وكل ثقب مستدير. وسرب بِفَتْح فَكسر: السَّائِل يُقَال: سربت المزادة من بَاب فَرح إِذا سَالَتْ. ومنبزل: منشق. وَقد أَخذ ذُو الرمة مطلع قصيدته من هَذَا (مَا بَال عَيْنك مِنْهَا المَاء ينسكب ... كَأَنَّهُ من كلى مفريّة سرب) والكلى: جمع كُلية بِالضَّمِّ وَهِي جليدة مستديرة تَحت عُرْوَة المزادة تخرز مَعَ الْأَدِيم. (لَا تفتأ اللَّيْل مَعَ دمعٍ بأربعةٍ ... كأنّ إنسانها بالصّاب مكتحل)) لَا تفتأ: لَا تزَال يُقَال: جَاءَنَا وَعَيناهُ بأَرْبعَة أَي: بأَرْبعَة مدامع أَو مسايل أَي: تسيل من نَوَاحِيهَا من المأقين واللحاظين. والصاب: شجر لَهُ لبن مر إِذا أصَاب لبنه الْعين حلبها. (تبْكي على رجلٍ لم تبل جدّته ... خلّى عَلَيْك فجاجاً بَينهَا خلل) لم تبل جدته: لم تستمتع بشبابه من الإبلاء. وَرُوِيَ لم تبل جدته من البلى وجدته فَاعل. وفجاجاً أَي: طرقاً. بَينهَا خلل أَي: فُرْجَة أَي: كَانَ يسدها. وَمعنى خلى تَركهَا. يُرِيد أَنه لم يمتع مِنْهُ كَمَا قَالَ ابْن أَحْمَر: الطَّوِيل (لبست أبي حتّى تملّيت بُرْهَة ... وبلّيت أعمامي وبلّيت خَالِيا) (فقد عجبت وَمَا بالدّهر من عجبٍ ... أَنى قتلت وَأَنت الحازم البطل)

أَي: كَيفَ قتلت مَعَ كونك شجاعاً حازماً. يَقُول: لَا تعجب من الدَّهْر فَإِن البطل يقتل فِيهِ والضعيف ينجو فِيهِ وَفِيه أُمُور مُخْتَلفَة. (ويلمّه رجلا تأبى بِهِ غيناً ... إِذا تجرّد لَا خالٌ وَلَا بخل) هَذَا الْبَيْت من شَوَاهِد أدب الْكَاتِب لِابْنِ قُتَيْبَة. قَوْله: ويلمه رجلا هَذَا مدح خرج بِلَفْظ الذَّم يرْوى بِكَسْر اللَّام وَضمّهَا. ورجلاً تَمْيِيز للضمير. وَقد تقدم الْكَلَام على هَذَا مُسْتَوفى فِي بَاب التَّمْيِيز. وتأبى مضارع أَبى بِمَعْنى تكره وَالْجُمْلَة صفة رجلا. والغبن بِفَتْح الْبَاء: الخديعة فِي الرَّأْي وَفعله من بَاب فَرح. وبسكونها: الخديعة فِي الشِّرَاء وَالْبيع وَفعله من بَاب ضرب. يَقُول: تأبى أَنْت أَن تقبل بِهِ نُقْصَانا. وَمعنى التجرد هَا هُنَا التشمر لِلْأَمْرِ وَالتَّأَهُّب لَهُ. وأصل ذَلِك أَن الْإِنْسَان يتجرد من ثِيَابه. يَقُول: إِذا حاول فعل أَمر أَو الدُّخُول فِي حَرْب فَصَارَ مثلا لكل من جد فِي الشَّيْء وَإِن لم يتجرد من ثِيَابه. يَقُول: إِذا أَتَيْته قَامَ مَعَك وتجرد وجد. وَقَوله: لَا خَال وَلَا بخل فِيهِ وَجْهَان: أَحدهمَا: الْخَال الاختيال والتكبر فخال مُبْتَدأ مَحْذُوف الْخَبَر أَي: لَا فِيهِ تكبر وَلَا بخل أَو هُوَ خبر بِتَقْدِير مُضَاف لمبتدأ مَحْذُوف أَي: لَا هُوَ ذُو خَال. وَثَانِيهمَا: الْخَال المتكبر ذكر الْمصدر وَأُرِيد الْوَصْف مُبَالغَة أَو هُوَ وصف وَأَصله خول فَانْقَلَبت الْوَاو الْمَكْسُورَة ألفا كَقَوْلِهِم رجل مَال وَيَوْم رَاح وأصلهما مول وروح. وَيُؤَيِّدهُ أَنه رُوِيَ وَلَا بخل بِكَسْر الْخَاء. فخال خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف اي: لَا هُوَ خَال

وَلَا ذُو بخل) (السّالك الثغرة الْيَقظَان كالئها ... مشي الهلوك عَلَيْهَا الخيعل الْفضل) أَي: هُوَ السالك. وَيجوز نَصبه على الْمَدْح أَي: أَعنِي السالك والثغرة بِالضَّمِّ والثغر بِمَعْنى وَاحِد وَهُوَ مَوضِع يخَاف دُخُول الْعَدو مِنْهُ. وكالئها: حافظها. والهلوك من النِّسَاء: الَّتِي تتهالك فِي مشيتهَا أَي: تتبختر وتتكسر وَقيل: هِيَ الْفَاجِرَة الَّتِي تتواقع على الرِّجَال. والخيعل بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة. قَالَ السكرِي: هُوَ ثوب يخاط أحد شقيه وَيتْرك الآخر. وَالْفضل هُوَ الخيعل لَيْسَ تَحْتَهُ إِزَار. وَقَالَ ابْن الشجري: الخيعل الْقَمِيص الَّذِي لَيْسَ لَهُ كمان وَقيل: وَلَا دخاريص لَهُ. وَيُقَال: امْرَأَة فضل بِضَمَّتَيْنِ إِذا كَانَ عَلَيْهَا قَمِيص ورداء وَلَيْسَ عَلَيْهَا إِزَار وَلَا سروايل. وَفِي الْعباب: الْمفضل وَالْفضل بِضَمَّتَيْنِ. وَفِي هَذَا عَن الْفراء كالخيعل تلبسها الْمَرْأَة فِي بَيتهَا وَالْمَرْأَة فضل بِضَمَّتَيْنِ إِذا لبسته. قَالَ الْأَعْشَى: الْبَسِيط (ومستجيبٍ تخال الصّنج يسمعهُ ... إِذا ترجّع فِيهِ الْقَيْنَة الْفضل) المستجيب: الْعود شبه صَوته بِصَوْت الصنج فَكَأَن الصنج دَعَاهُ. يَقُول: هُوَ الَّذِي من شَأْنه سلوك مَوضِع المخافة يمشي مُتَمَكنًا غير فروق وَلَا هيوب كمشي الْمَرْأَة المتبخترة الْفضل.

قَالَ ابْن الشجري فِي أَمَالِيهِ: الْوَجْه نصب الثغرة بالسالك كَقَوْلِك: الضَّارِب الرجل وَيجوز خفضها على التَّشْبِيه بالْحسنِ الْوَجْه. وَالْيَقظَان صفة الثغرة نصبتها أَو خفضتها وارتفع بِهِ كالئها وَجَاز ذَلِك لعود الضَّمِير على الْمَوْصُوف. وَقَوله: مشي الهلوك مَنْصُوب بِتَقْدِير: تمشي مشي الهلوك وَإِن شِئْت نصبته بالسالك لِأَن السالك يقطع الأَرْض بِالْمَشْيِ. انْتهى. وَقَالَ الْعَيْنِيّ: لَا يجوز نَصبه بالسالك لِأَنَّهُ مَوْصُوف باليقظان وَلَا تعْمل الصّفة بعد وصفهَا. أَقُول: هَذَا سَهْو مِنْهُ فَإِنَّهُ قَالَ الْيَقظَان صفة الثغرة كَمَا نقلنا. وَالْفضل نعت للهلوك على الْموضع لِأَنَّهَا فاعلة للمصدر الَّذِي أضيف إِلَيْهَا وَالتَّقْدِير تمشي كَمَا يمشي الهلوك الْفضل. وَبِه أنْشد ابْن النَّاظِم فِي شرح الألفية. وَزعم جمَاعَة أَنه مَرْفُوع على الْمُجَاورَة لِلْمَرْفُوعِ الَّذِي هُوَ الخيعل. وَهَذَا شَيْء لم يقل بِهِ أحد من الْمُحَقِّقين. وَسَيَأْتِي الْكَلَام عَلَيْهِ إِن شَاءَ الله تَعَالَى بأوسع) من هَذَا فِي آخر هَذَا الْبَاب. وعَلى تَفْسِير الْفراء والسكري للفضل بِكَوْن صفة للخيعل. وَقد تكلم أَبُو عَليّ فِي الْإِيضَاح الشعري على المصراع الأول بِغَيْر مَا ذكرنَا تمريناً للطَّالِب أحببنا ذكره هُنَا قَالَ: إِن نصبت كالئها لم يجز أَن تجعلها حَالا من السالك وَأَنت قد وَصفته باليقظان لِأَن حِينَئِذٍ تفصل بَين الصِّلَة والموصول وَلَكِن يجوز أَن تنصبه حَالا عَمَّا فِي يقظان كَأَنَّهُ يتيقظ فِي حَال حفظه إِيَّاهَا. وَيجوز إِذا نصبت كالئها أَيْضا أَن تَجْعَلهُ بَدَلا من الْيَقظَان. فَإِن قلت: أفيجوز إِذا نصبت كالئها أَن أجعَل الكالئ حَالا من الْمَوْصُول الَّذِي هُوَ السالك على أَن لَا أجعَل الْيَقظَان صفة للألف وَاللَّام

وَلَكِن أجعله صفة للثغرة فَلَا يلْزم حِينَئِذٍ إِذا جعلته حَالا أَن أكون قد فصلت بَين الصِّلَة والموصول. فَالْجَوَاب أَن وصف الثغرة باليقظان لَيْسَ بالسهل لِأَن الْيَقظَان من صفة الرجل دون الثغرة وَهُوَ مَعَ ذَلِك مُذَكّر والثغرة مؤنث. فَإِن قلت: فَهَل يجوز أَن أحمل على الاتساع فَأَقُول: ثغرة يقظان وَأَنا أُرِيد يتيقظ فِيهَا لشدَّة خوف السالك لَهَا كَمَا أَقُول: ليل نَائِم أُرِيد أَنه ينَام فِيهِ وأحمل التَّذْكِير على الْمَعْنى لِأَن الثغرة والثغر والموضع وَاحِد فِي الْمَعْنى فَالْجَوَاب: أَنَّك إِن حَملته على هَذَا لم يمْتَنع أَن يكون كالئها حَالا من اللَّام الَّتِي فِي السالك المنتصب. وَإِن جعلت الْيَقظَان على هَذَا الَّذِي ذكرته من الاتساع جَازَ أَيْضا فِي الكالئ أَن تَجْعَلهُ حَالا مِمَّا أَلا ترى أَنَّك إِذا جعلت الْيَقظَان وَصفا للثغرة وَلم تَجْعَلهُ صفة للام لم تتمّ الصِّلَة وَإِذا لم تتمّ وَلم يكن فِي الْكَلَام شَيْء يُؤذن بِتَمَامِهَا من صفة لَهَا أَو عطف عَلَيْهَا أَو تَأْكِيد يتبعهَا لم يمْتَنع أَن تجْعَل كالئها حَالا من الضَّمِير كَمَا وَصفنَا. فَإِن رفعت كالئها وَرفعت السالك جَازَ أَن يكون السالك ابْتِدَاء مثل الضَّارِب هنداً حافظها. فَإِن نصبت السالك وَرفعت كالئها كَانَ ارْتِفَاع كالئها باليقظان كَأَنَّهُ قَالَ: السالك الثغرة المتيقظ كالئها كَأَنَّهُ ثغر مخوف يحْتَاج حافظه أَن يكون متيقظاً حذرا لَا يغْفل وَلَا يدع التَّحَرُّز من شدَّة الْخَوْف فِيهَا. وَيجوز أَن ترفع الْيَقظَان وتنصب السالك وكالئها فَيكون الْيَقظَان بَدَلا من الذّكر الْعَائِد إِلَى) الْألف وَاللَّام فِي السالك فَيكون كالئها حَالا من السالك. انْتهى كَلَام أبي عَليّ. وَبعد خَمْسَة أَبْيَات قَالَ: (فَاذْهَبْ فأيّ فَتى فِي النّاس أحرزه ... من حتفه ظلمٌ دعجٌ وَلَا جبل)

. هَذَا الِاسْتِفْهَام مَعْنَاهُ النَّفْي وَلذَلِك عطف عَلَيْهِ قَوْله وَلَا جبل. وَبِهَذَا الْمَعْنى اسْتشْهد الْعلمَاء بِهَذَا الْبَيْت مِنْهُم الْفراء فِي تَفْسِيره عِنْد قَوْله تَعَالَى: وَمَا لنَا أنْ لَا نُقاتِل وَقَالَ: هَذَا الْبَيْت مِمَّا حمل على معنى هُوَ مُخَالف لصَاحبه فِي اللَّفْظ أَي: لَيْسَ يحرز وَمثله قَول الشَّاعِر: الطَّوِيل أَلا هَل أَخُو عيشٍ لذيذٍ بدائم أَي: مَا أَخُو عَيْش. وَمثله فِي قِرَاءَة عبد الله: كَيفَ يكون للْمُشْرِكين عهد عِنْد الله وَلَا ذمَّة أَي: لَيْسَ للْمُشْرِكين. وَقَالَ الْكسَائي: سَمِعت الْعَرَب تَقول: أَيْن كنت لتنجو مني أَي: مَا كنت لتنجو مني. وَذكر لَهُ نَظَائِر كَثِيرَة. وَلِهَذَا أَيْضا أوردهُ ابْن هِشَام فِي مُغنِي اللبيب فِي الْوَاو العاطفة. وأحرزه بِمَعْنى جعله فِي حرز يمْنَع من الْوُصُول إِلَيْهِ. وَمن حتفه مُتَعَلق بِهِ. والحتف: الْهَلَاك. وَالظُّلم بِضَم ففتحة: جمع ظلماء وَهِي اللَّيَالِي السود. والدعج: جمع دعجاء وَهِي الشَّدِيدَة السوَاد. وَالْعرب تسمي اللَّيْلَة الأولى من ليَالِي المحاق الثَّلَاثَة فِي آخر الشَّهْر دعجاء وَهِي لَيْلَة ثَمَانِيَة وَعشْرين وَالثَّانيَِة السرَار بِالْكَسْرِ

وَالثَّالِثَة الفلتة بِالْفَاءِ وَهِي لَيْلَة الثَّلَاثِينَ. والجبل بِالْجِيم وَالْمُوَحَّدَة وَرُوِيَ الْحِيَل بِكَسْر الْمُهْملَة جمع حِيلَة. وَأنْشد بعده الشَّاهِد الثَّالِث وَالثَّلَاثُونَ بعد الثلاثمائة (وذبيانيّةٍ أوصت بنيها ... بِأَن كذب القراطف والقروف) على أَن الْكَذِب مستهجنٌ عِنْدهم بِحَيْثُ إِذا قصدُوا الإغراء بِشَيْء قَالُوا: كذب عَلَيْك. أَي: عَلَيْكُم بهما فاغتنموهما. وَقد بَينه الشَّارِح الْمُحَقق فِي بَاب اسْم الْفِعْل بأوضح من هَذَا ونزيد هُنَاكَ مَا قيل فِيهِ إِن شَاءَ الله. قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ فِي الْفَائِق عَن أبي عَليّ: هَذِه كلمةٌ جرت مجْرى الْمثل فِي كَلَامهم وَلذَلِك لم تصرف ولزمت طَريقَة وَاحِدَة فِي كَونهَا فعلا مَاضِيا مُعَلّقا بالمخاطب لَيْسَ إِلَّا وَهِي فِي معنى الْأَمر كَقَوْلِهِم فِي الدُّعَاء: رَحِمك الله. وَالْمرَاد بِالْكَذِبِ التَّرْغِيب والبعث من قَول الْعَرَب: كَذبته نَفسه إِذا منته الْأَمَانِي وخيلت إِلَيْهِ الآمال مِمَّا لَا يكَاد يكون. وَذَلِكَ مَا يرغب الرجل فِي الْأُمُور ويبعثه على التَّعَرُّض لَهَا. انْتهى. وَمُضر تنصب بكذب وَأهل الْيمن ترفع بِهِ. قَالَ ابْن السّكيت: يرفعون المغري بِهِ وَمن نصب فعلى الْأَمر والإغراء.

وَأورد صَاحب الْكَشَّاف هَذَا الْبَيْت عِنْد قَوْله تَعَالَى: وَوَصيَّنَا الإنسانَ بِوَالديه حسْناً على أَن وصّى يجرى مجْرى أَمر معنى وتصرفاً. والقراطف: جمع قرطفٍ كجعفر وَهُوَ القطيفة أَي: كسَاء مخمل. والقروف: جمع قرف بِفَتْح فَسُكُون وَهُوَ وعاءٌ من جلد يدبغ بالقرفة بِالْكَسْرِ وَهُوَ قشور الرُّمَّان وَيجْعَل فِيهِ الْخلْع ويطبخ بتوابل فيفرغ فِيهِ. وَالْخلْع بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَسُكُون اللَّام: لحم يطْبخ بالتوابل ثمَّ يَجْعَل فِي القرف ويتزود بِهِ فِي الْأَسْفَار. وَالْوَاو وَاو رب. يَقُول: رب امْرَأَة ذبيانية أمرت بنيها أَن يستكثروا من نهب هذَيْن الشَّيْئَيْنِ إِن ظفروا بعدوهم وغنموا وَذَلِكَ لحاجتهم وَقلة مَالهم. كَذَا فِي أَبْيَات الْمعَانِي لِابْنِ قُتَيْبَة وَفِي نَوَادِر ابْن الْأَعرَابِي. وَهَذَا الْبَيْت من قصيدةٍ لمعقر الْبَارِقي مدح بهَا بني نمير وَذكر مَا فعلوا ببني ذبيان بشعب جبلة وَهُوَ يَوْم كَانَت فِيهِ وقْعَة بَين بني ذبيان وَبَين بني عَامر فظهرت بَنو عَامر على بني ذبيان فِي ذَلِك الْيَوْم. وَبعد هَذَا الْبَيْت:) (تجهّزهم بِمَا اسطاعت وَقَالَت ... بنيّ فكلّكم بطلٌ مسيف) (فأخلفنا مودّتها فقاظت ... ومأقي عينهَا حذلٌ نطوف) وَبني: منادى أَي: يَا بني وَالْفَاء فِي فكلكم فصيحة أَي: إِن تغزوا فكلكم الخ.

قَالَ ابْن قُتَيْبَة وَابْن الْأَعرَابِي: المسيف الَّذِي ذهب مَاله وَوَقع فِي إبِله السواف. يُقَال: أساف الرجل أَي: هلك مَاله. والسواف بِالْفَتْح وَقيل بِالضَّمِّ: مرض المَال وهلاكه. يُقَال: وَقع فِي المَال سواف أَي: موت. تَعْنِي أَن أَوْلَادهَا فُقَرَاء. تحرضهم على الْغَنِيمَة. وَقَوله: فأخلفنا مودتها الخ أَي: أخلفنا هَواهَا وخيبنا مأمولها. وقاظت أَي: أَقَامَت فِي القيظ وَهُوَ الصَّيف. والحذل بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَكسر الذَّال الْمُعْجَمَة: الموق الَّذِي فِيهِ بثر وَحُمرَة. والمأقي: لُغَة فِي الموق وَهُوَ طرف الْعين نَاحيَة الْأنف. ونطوف أَي: سَائل. يُقَال: نطف المَاء ينطف بِالضَّمِّ وَالْكَسْر إِذا سَالَ. ومعقر بِضَم الْمِيم وَفتح الْعين وَتَشْديد الْقَاف الْمَكْسُورَة وَهُوَ معقر بن أَوْس ابْن حمَار على لفظ وَاحِد الْحمير ابْن الْحَارِث بن حمَار بن شجنة بن مَازِن بن ثَعْلَبَة بن كنَانَة بن بارق وَهُوَ لقب واسْمه سعد. قَالَ صَاحب الْعباب: وبارق أَبُو قَبيلَة من الْيمن وَاسم بارق سعد بن عدي بن حَارِثَة بن عَمْرو مزيقيا بن عَامر مَاء السَّمَاء الْأَزْدِيّ. قيل: بارق فِي الأَصْل جبل بِالْيمن نزله بَنو عدي بن حَارِثَة فسموا بِهِ. وَكَانَ قوم معقر قد حالفوا بني نمير بن عَامر فِي الْجَاهِلِيَّة لدمٍ أَصَابُوهُ مِنْهُم وشهدوا يَوْم جبلة وَكَانَ معقر قد كف بَصَره وَكَانَ قبل ذَلِك

من فرسَان قومه وشعرائهم الْمَشْهُورين يَوْم جبلة وَكَانَ قبل الْإِسْلَام بتسع وَخمسين سنة قبل المولد الشريف النَّبَوِيّ بتسع عشرَة سنة. كَذَا فِي الأغاني للأصبهاني. وَأنْشد بعده الشَّاهِد الرَّابِع وَالثَّلَاثُونَ بعد الثلاثمائة الطَّوِيل (وليلٍ يَقُول النّاس من ظلماته ... سواءٌ صحيحات الْعُيُون وعورها) (كأنّ لنا مِنْهُ بُيُوتًا حَصِينَة ... مسوحاً أعاليها وساجاً كسورها) على أَن مسوحاً وساجاً نعتان لقَوْله: بُيُوتًا. وَصَحَّ النَّعْت بهما مَعَ أَن كلا مِنْهُمَا اسْم جَوْهَر أَي: جسم لتأويلهما بالمشتق. فَالْأول يؤول بسوداً وَالثَّانِي بكثيفاً. قَالَ ابْن مَالك: رفع الأعالي والكسور بمسوح وساج لإقامتهما مقَام سود. وَقَالَ السيرافي: ذهب بمسوح إِلَى سود وبساج إِلَى كثيف. انْتهى. وَأورد ابْن جني هَذَا الْبَيْت فِي إِعْرَاب الحماسة مَعَ نَظَائِر لَهُ ثمَّ قَالَ: وَهَذَا يدلك من مذهبها على أَنَّهَا إِذا نقلت شَيْئا من مَوْضِعه إِلَى مَوضِع آخر مكنته فِي الثَّانِي. أَلا ترى أَن هَذِه الْأَشْيَاء كلهَا أَسمَاء فِي أُصُولهَا وَلما

نقلتها إِلَى أَن وصفت بهَا مكنتها وَثبتت أقسامها فِيهِ حَتَّى رفعت بهَا الظَّاهِر وَحَتَّى أنثتها تَأْنِيث الصّفة وأجرتها على مَا قبلهَا جَرَيَان الصِّفَات على موصوفاتها. وَعكس ذَلِك مَا أخرج من الصّفة إِلَى الِاسْم فمكن فِيهِ نَحْو صَاحب ووالد. أَلا تراهم حموا كَلَامهم أَن يَقُولُوا فِيهِ: مَرَرْت بِإِنْسَان صَاحب حَتَّى صَار صَاحب بِمَنْزِلَة جَار وَغُلَام. انْتهى بِاخْتِصَار. والمسوح: جمع مسح بِالْكَسْرِ وَهُوَ البلاس بِكَسْر الْمُوَحدَة وَفتحهَا وَهُوَ فَارسي مُعرب أوردهُ الجواليقي فِي المعربات وَهُوَ ينسج من الشّعْر الْأسود. قَالَ صَاحب الصِّحَاح: وَأهل الْمَدِينَة يسمون الْمسْح بلاساً. وَمن دُعَائِهِمْ: أرانيك الله على البلس وَهِي غَرَائِر كبار من مسوح يَجْعَل فِيهَا التِّبْن فيشهر عَلَيْهَا من ينكل بِهِ وينادى عَلَيْهِ. والساج بِالْجِيم: ضرب من الشّجر لَا ينْبت إِلَّا بِالْهِنْدِ والزنج يجلب خشبه وَهُوَ أسود. وَإِلَيْهِ يُشِير تَفْسِير الشَّارِح لَهُ بالكثيف. والساج أَيْضا: الطيلسان الْأَخْضَر وَهُوَ ألوان مُتَقَارِبَة يُطلق كل مِنْهَا على الآخر. وَبِهَذَا الْمَعْنى فسر الساج هَا هُنَا. قَالَ غُلَام ثَعْلَب فِي كتاب الْيَوْم وَاللَّيْلَة: يُقَال: إِن أشعر مَا قيل فِي الظلمَة قَول مُضرس. وَأنْشد هذَيْن الْبَيْتَيْنِ. ثمَّ قَالَ: يُرِيد الطيلسان.) وَكَذَلِكَ قَالَ الشريف ضِيَاء الدَّين هبة الله عَليّ بن مُحَمَّد بن حَمْزَة الْحُسَيْنِي فِي الحماسة الَّتِي صنفها كحماسة أبي تَمام وَزَاد عَلَيْهِ أبواباً كَثِيرَة وَأورد

فِيهَا أشعاراً جَيِّدَة وَقد أَجَاد فِي الِاخْتِيَار والنقد عِنْدَمَا أورد هَذَا الشّعْر فِيهَا. وعَلى هَذَا يؤول الأول بسوداً كثيفة وَالثَّانِي بأسود لطيف. وَإِلَى هَذَا أَشَارَ الحصري فِي زهر الْآدَاب بَعْدَمَا أورد الْبَيْتَيْنِ بقوله: أَرَادَ أَن أَعْلَاهُ أَشد ظلاما من جوانبه. وَهَذَا معلومٌ حسا فَإِن الْإِنْسَان إِذا كَانَ قَائِما فِي الظلام لَا يكَاد يرى شَيْئا وَإِذا لطئ بِالْأَرْضِ فَرُبمَا رأى شَيْئا. والكسور: جمع كسر بِكَسْر الْكَاف وَهُوَ أَسْفَل شقة الْبَيْت الَّتِي تلِي الأَرْض من حَيْثُ يكسر جانباه من يَمِينك ويسارك. وَفِي جَمِيع نسخ الشَّرْح ستورها بدل كسورها وَالظَّاهِر أَنه تَحْرِيف من الْكتاب. والبيوت: جمع بَيت قَالَ ابْن الْأَنْبَارِي فِي شرح المفضليات: الْبَيْت عِنْد الْعَرَب هُوَ مَا يكون من صوف أَو شعر والخيمة لَا تكون إِلَّا من شجر. وَضمير أعاليها وكسورها رَاجع للبيوت. شبه اللَّيْل بِالْبُيُوتِ الحصينة للتحصين بهول الظلام فَإِنَّهُ لَا يقدر أحد أَن يهجم على أحد. وَقَوله: وليل يَقُول النَّاس الخ من التَّعْلِيل سَوَاء خبر مقدم وصحيحات مُبْتَدأ مُؤخر وَالْجُمْلَة مقول القَوْل أَي: الْعُيُون الصَّحِيحَة والعيون العور سَوَاء فِي عدم رُؤْيَة شَيْء لتكاثف الظلام. وَرُوِيَ: بصيرات الْعُيُون وَالْوَاو فِي وليل هِيَ وَاو رب وجوابها: تجاوزته فِي بيتٍ بعدهمَا وَهُوَ: (تجاوزته فِي ليلةٍ مدلهمّةٍ ... يُنَادي صداها نَاقَتي يستجيرها) كَأَنَّهُ أَرَادَ بليلة قِطْعَة مِنْهَا. والمدلهمة: الشَّدِيدَة السوَاد. وَرُوِيَ:

تجاوزته فِي همّة مشمعلّة أَي: سريعة. والصدى من طيور اللَّيْل وَهُوَ ذكر البوم وَإِنَّمَا استجار بناقته لتفاقم هول اللَّيْل فَأَرَادَ أَن يصحبها ليأمن. وَالْأَصْل يستجير بهَا فَحذف وَوصل. قَالَ الشريف صَاحب الحماسة: من أحسن مَا وصف بِهِ سَواد اللَّيْل هَذِه الأبيات. وَقبلهَا بيتان فِي وصف الْيَوْم وهما:) (ويومٍ من الشعري كأنّ ظباءه ... كواعب مقصورٌ عَلَيْهَا ستورها) (نصبت لَهُ وَجْهي وكلّفت حميه ... أفانين حرجوجٍ بطيءٍ فتورها) أَي: رب يَوْم من أَيَّام طُلُوع الشعري وَهُوَ الْكَوْكَب الَّذِي يطلع بعد الجوزاء وطلوعه فِي شدَّة الْحر. والكواعب: جمع كاعب وَهِي الْجَارِيَة الَّتِي يَبْدُو ثديها للنهود. وَقصرت السّتْر: أرخيته. شبه الظباء الكانسة من شدَّة الْحر بعذارى أرخي عَلَيْهِنَّ السّتْر لِئَلَّا يراهن أحد. ونصبت لَهُ أَي: لذَلِك الْيَوْم. وَنصب الشَّيْء: أَقَامَهُ وَهُوَ جَوَاب رب. وكلف يتَعَدَّى لمفعولين أَولهمَا حميه أَي: حمي ذَلِك الْيَوْم وَهُوَ مصدر حميت الشَّمْس وَالنَّار مثلا إِذا اشْتَدَّ حرهما. وَثَانِيهمَا أفانين وَهُوَ جمع أفنون بِالضَّمِّ وَهُوَ الجري الْمُخْتَلط من جري الْفرس والناقة. كَذَا فِي الْقَامُوس. والحرجوج بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وجيمين أَولهمَا مَضْمُومَة وَهِي النَّاقة السمينة وَقيل الشَّدِيدَة وَقيل الضامرة الوقادة الْقلب. وبطيء بِالْجَرِّ صفة سَبَبِيَّة لحرجوج وفتورها فَاعل بطيء وَالضَّمِير لحرجوج. والفتور: مصدر فتر من بَاب دخل إِذا ضعف وتعب.

وَهَذِه الأبيات لمضرس بن ربعي وَهُوَ بِكَسْر الرَّاء وَسُكُون الْمُوَحدَة الْأَسدي. وَهُوَ شَاعِر جاهلي وَهُوَ بِضَم الْمِيم وَكسر الرَّاء الْمُشَدّدَة فِي اللُّغَة الْأسد الَّذِي يمضغ لحم فريسته وَلَا يبتلعه. وَقد ضرس فريسته تضريساً إِذا فعل بهَا ذَلِك. وَقَالَ أَبُو عَمْرو: المضرس الَّذِي قد جرب الْأُمُور وَقيل: مُشْتَقّ من الضرس أَي: قد نبت لَهُ ضرس الْحلم. وَهَذَا نسبه من المؤتلف والمختلف للآمدي: مُضرس بن ربعي بِكَسْر الرَّاء وَسُكُون الْمُوَحدَة وَتَشْديد الْيَاء المكسور مَا قبلهَا ابْن لَقِيط بِفَتْح اللَّام بن خَالِد بن نَضْلَة بِفَتْح النُّون وَسُكُون الضَّاد الْمُعْجَمَة ابْن الأشتر بن جحوان بِفَتْح الْجِيم وَسُكُون الْحَاء الْمُهْملَة ابْن فقعس بن طريف بن عَمْرو بن قعين بِضَم الْقَاف ابْن الْحَارِث بن ثَعْلَبَة بن دودان بِضَم الدَّال ابْن أَسد بن خُزَيْمَة. وَهُوَ شَاعِر محسن مُتَمَكن وَهُوَ الْقَائِل: الطَّوِيل (فَلَا تهلكنّ النّفس لوماً وحسرةً ... على الشَّيْء سدّاه لغيرك قادره) (وَلَا تيأسن من صالحٍ أَن تناله ... وَإِن كَانَ بؤساً بَين أيدٍ تبادره) (وَمَا فَاتَ فَاتْرُكْهُ إِذا عزّ واصطبر ... على الدّهر إِن دارت عَلَيْك دوائره)) (فإنّك لَا تُعْطِي امْرأ حظّ غَيره ... وَلَا تعرف الشّقّ الَّذِي الْغَيْث ماطره) ورِبْعِي: مَنْسُوب إِلَى الرّبيع. وَأَرْبع الرجل إِذا ولد لَهُ ولد وَهُوَ شَاب.

وَولده ربعي. وأصاف فَهُوَ مصيف إِذا ولد لَهُ بَعْدَمَا كبر. وَولده صَيْفِي. قَالَ الراجز: الرجز (إنّ بنيّ صبيةٌ صيفيّون ... أَفْلح من كَانَ لَهُ ربعيّون) وَذكر الْآمِدِيّ شَاعِر آخر اسْمه مُضرس وَهُوَ مُضرس بن قرطة بن الْحَارِث أحد بني صبيح بن (وَأقسم لَوْلَا أَن تَقول عشيرتي ... صبا بسليمى وَهُوَ أشمط راجف) (لخفّت إِلَيْهَا من بعيدٍ مطيّتي ... وَلَو ضَاعَ من مَالِي تليدٌ وطارف) (ذكرت سليمى ذكرةً فكأنّما ... أصَاب بهَا إِنْسَان عَيْني طارف) (أَلا إنّما العينان للقلب رائدٌ ... فَمَا تألف العينان فالقلب آلف) وَلَيْسَ فِي الصَّحَابَة من اسْمه مُضرس إِلَّا مُضرس بن سُفْيَان بن خفاجة. كَذَا فِي الْإِصَابَة. وَأنْشد بعده: وَلَقَد أمرّ على اللّئيم يسبّني وَتَمَامه: فمضيت ثمّت قلت لَا يعنيني وَقد تقدم شَرحه مُسْتَوفى فِي الشَّاهِد الْخَامِس وَالْخمسين.

وَأنْشد بعده: جاؤوا بمذقٍ هَل رَأَيْت الذّئب قطّ وَهَذَا أَيْضا تقدم شَرحه مفصلا فِي الشَّاهِد السَّادِس وَالتسْعين. وَأنْشد بعده وَهُوَ من شَوَاهِد س: الْكَامِل (ونظرن من خلل السّتور بأعينٍ ... مرضى مخالطها السّقام صِحَاح) على أَن مخالطها بِالْجَرِّ صفة لأعين. قَالَ سِيبَوَيْهٍ: سمعنَا الْعَرَب تنشد هَذَا الْبَيْت جراً. وَمرَاده الرَّد على يُونُس فِي زَعمه أَن الْوَصْف إِذا كَانَ للاستقبال يجب رَفعه على الِابْتِدَاء وَلَا يجوز إتباعه لما قبله فَلَو كَانَ كَمَا زعم لرفع الْوَصْف فَدلَّ رِوَايَة الْجَرّ على جَوَاز مَا زَعمه.) وَنَصّ سِيبَوَيْهٍ: وَبَعْضهمْ يَجعله نصبا إِذا كَانَ وَاقعا ويجعله على كل حَال رفعا إِذا كَانَ غير وَاقع. هَذَا قَول يُونُس. وَكَلَام سِيبَوَيْهٍ هُنَا فِيهِ غموض وَقد لخصه الشَّارِح الْمُحَقق وَبَين الْمذَاهب الثَّلَاثَة بألطف عبارَة وَأظْهر بَيَان فَللَّه دره مَا أحسن استنباطه وأجود تَقْرِيره. وَهَذَا الْبَيْت من قصيدة لِابْنِ ميادة وَقَبله: (وارتشن حِين أردن أَن يرميننا ... نبْلًا بِلَا ريشٍ وَلَا بقداح) وَقَوله: وارتشن أَي: اتخذن ريشاً لسهامهن. وَهَذَا على طَرِيق الْمثل جعل أعينهن إِذا نظرن بِمَنْزِلَة السِّهَام الَّتِي يرْمى بهَا. ونبلاً إِمَّا مَنْصُوب بارتشن بِمَعْنى

رشن وَإِمَّا مَنْصُوب بإضمار رشن كَأَنَّهُ قَالَ: ارتشن فرشن نبْلًا تَقْدِيره اتخذن ريشاً فرشن بِهِ نبْلًا. والقداح: جمع قدح بِكَسْر الْقَاف وَسُكُون الدَّال وَهُوَ عود السهْم قبل أَن يوضع فِيهِ النصل والريش. - وروى: نبْلًا مقذذةً بِغَيْر قداح والمقذذة: السِّهَام الَّتِي لَهَا قُذَّة بِضَم الْقَاف وَتَشْديد الذَّال الْمُعْجَمَة وَهِي ريش السهْم. يُرِيد أَن السِّهَام الَّتِي أصلحنها ورمين بهَا لَيست بسهام من خشب وَإِنَّمَا هِيَ أعينهن إِذا نظرن بهَا إِلَى إِنْسَان. وخلل الستور بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة: الْفرج الَّتِي فِيهَا. وَأوردهُ الزّجاج فِي مَعَاني الْقُرْآن عِنْد قَوْله تَعَالَى: وَاتخذ الله إِبْرَاهِيم خَلِيلًا قَالَ: والخلل: كل فُرْجَة تقع فِي شَيْء فَإِن مَعْنَاهُ نظرن من الْفرج الَّتِي تقع فِي الستور. انْتهى. وَرُوِيَ: من خلل الْخُدُور جمع خدر بِالْكَسْرِ وَهُوَ السّتْر. وَجَارِيَة مخدرة إِذا ألزمت السّتْر. أَشَارَ إِلَى أَنَّهُنَّ مصونات لَا ينظرن إِلَّا من وَرَاء حجاب. والعيون المرضى: الَّتِي فِي طرفها فتور وَجعل ذَلِك الفتور والضعف الَّذِي فِي نظرها بِمَنْزِلَة السقام فِيهَا وَهِي صِحَاح فِي أَنْفسهَا لَا عِلّة فِيهَا. وَإِنَّمَا يفتر النّظر من رُطُوبَة الْجِسْم وَالنعْمَة والترفه. وصف نسَاء يصبن الْقُلُوب بفتور أعينهن وحسنهن فَجعل نظرهن كالسهام وَوصف عيونهن بِالْمرضِ لفتور جفونهن ثمَّ بَين أَن فتورها من غير عِلّة. فَقَوله: ونظرن مَعْطُوف على قَوْله وارتشن وَمن وَالْبَاء متعلقان بِهِ وَذكر لأجل وصفهَا الْمَذْكُور وَإِلَّا فالنظر

لَا يكون إِلَّا بِالْعينِ.) ومرضى: جمع مَرِيض وصف الْجمع بِالْجمعِ أَو جمع مَرِيضَة. والسقام فَاعل مخالط. والصحاح بِالْكَسْرِ: جمع صَحِيحَة وَهُوَ وصف ثَالِث. وَابْن ميادة شَاعِر إسلامي تقدّمت تَرْجَمته فِي الشَّاهِد التَّاسِع عشر من أَوَائِل الْكتاب. وَأنْشد بعده الشَّاهِد السَّادِس وَالثَّلَاثُونَ بعد الثلاثمائة وَهُوَ من شَوَاهِد س: الطَّوِيل (حمين العراقيب الْعَصَا وتركنه ... بِهِ نفسٌ عالٍ مخالطه بهر) على أَن مخالطه بِالرَّفْع صفة لنَفس وبهر فَاعله وَالْإِضَافَة لفظية والتنوين مُقَدّر لنِيَّة الِانْفِصَال كالبيت السَّابِق. قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَإِن ألغيت التَّنْوِين وَأَنت تُرِيدُ مَعْنَاهُ جرى مثله منوناً. وَيدل على ذَلِك أَنَّك تَقول مَرَرْت بِرَجُل ملازمك فتجر وَيكون صفة للنكرة بِمَنْزِلَتِهِ إِذا كَانَ منوناً. وَتقول: مَرَرْت بِرَجُل مخالطٍ بدنه أَو جسده دَاء فَإِن ألغيت التَّنْوِين جرى مجْرى الأول إِذا أردْت فَإِن قلت مَرَرْت بِرَجُل مخالط دَاء وَأَرَدْت معنى الأول جرى على الأول كَأَنَّك قلت: مَرَرْت بِرَجُل مخالط غياه دَاء. فَهَذَا تَمْثِيل وَإِن كَانَ يقبح فِي الْكَلَام. فَإِذا كَانَ يجْرِي عَلَيْهِ إِذا الْتبس بِغَيْرِهِ فَهُوَ

إِذا الْتبس بِهِ أَحْرَى أَن يجْرِي عَلَيْهِ. انْتهى. وَفِي الْبَيْت رد على يُونُس فِي زَعمه أَن الصّفة إِذا كَانَت للْحَال وَجب نصبها على الْحَال فَإِن الرِّوَايَة بِرَفْع مخالطه على الإتباع مَعَ أَنه للْحَال لَا للاستقبال. قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَأنْشد غَيره أَي: غير ابْن ميادة من الْعَرَب بَيْتا آخر فأجروه هَذَا المجرى وَهُوَ قَوْله: (حمين العراقيب الْعَصَا وتركنه) وَالْعَمَل الَّذِي لم يَقع وَالْوَاقِع الثَّابِت فِي هَذَا الْبَاب سَوَاء وَهُوَ الْقيَاس وَقَول الْعَرَب. انْتهى. وَظهر من هَذَا أَن قَول الشَّارِح الْمُحَقق: وَأنْشد غَيره دَاخل تَحت مقول قَول سِيبَوَيْهٍ وَإِن كَانَ ظَاهر الْعبارَة يُوهم أَن المنشد غير سِيبَوَيْهٍ. وَقَوله أَيْضا: وليونس أَن يحمل رَفعه على الِابْتِدَاء هُوَ تَخْرِيج الأعلم فِي شرح أَبْيَات الْكتاب. قَالَ: وَيجوز أَن يكون رفعهما على الِابْتِدَاء وَالْخَبَر.) وَقَول ابْن خلف وَلم ينصب مخالطه على الْحَال لِأَن المخالطة فاعلها البهر سَاقِط وَمَا الْمَانِع من كَونه حِينَئِذٍ حَالا سَبَبِيَّة والعراقيب والعصا مفعولان لحمين وتركنه مَعْطُوف على حمين بِمَعْنى فارقنه. وَجُمْلَة بِهِ نفس عَال الخ حَال من الْهَاء. والبهر بِالضَّمِّ: تتَابع النَّفس من التَّعَب. يَعْنِي أَنَّهُنَّ سرن سيراً شَدِيدا ففتن الْحَادِي فحمين عراقيبهن من ضربه بالعصا فَأَخذه البهر لشدَّة عدوه خلفهن. وَقَوله: حمين العراقيب جَوَاب إِذا فِي بَيت قبله وَهُوَ: (إِذا اتزر الْحَادِي الكميش وقوّمت ... سوالفها الرّكبان وَالْحلق الصّفر)

واتزر بِمَعْنى لبس الْإِزَار. وَالْحَادِي: سائق الْإِبِل. والكميش: السَّرِيع الْمَاضِي. وَقد كمش بِالضَّمِّ كماشة فَهُوَ كمش وكميش. وقومت: عدلت. والسوالف: جمع سالفة وَهِي الْإِبِل وَالْخَيْل: الهادية أَي: مَا تقدم من الْعُنُق وَهُوَ مفعول مقدم والركبان فَاعل مُؤخر وَالْحلق مَعْطُوف على الركْبَان وَهُوَ جمع حَلقَة بِالتَّحْرِيكِ أَيْضا وَأَرَادَ بهَا الْبرة وَهِي حَلقَة من نُحَاس تجْعَل فِي أنف الْإِبِل لتذليلها. والصفر: النّحاس بِضَم الصَّاد وَكسرهَا: وصف فِي هذَيْن الْبَيْتَيْنِ سرعَة الْإِبِل. وهما من قصيدة للأخطل وَهُوَ شَاعِر نَصْرَانِيّ من شعراء الدولة الأموية ومادحيهم. وَقد تقدّمت تَرْجَمته فِي الشَّاهِد الثَّامِن وَالسبْعين. الشَّاهِد السَّابِع وَالثَّلَاثُونَ بعد الثلاثمائة الطَّوِيل (قُولُوا لهَذَا الْمَرْء ذُو جَاءَ ساعياً ... هلمّ فإنّ المشرفيّ الْفَرَائِض) على أَن ذُو الطائية إِنَّمَا وَقعت وَصفا وَإِن كَانَت على حرفين لمشابهتها لذُو الْمَوْضُوعَة للوصف بأسماء الْأَجْنَاس. وَهَذَا الْبَيْت أول أَبْيَات ثَلَاثَة لقوال الطَّائِي أوردهَا أَبُو تَمام فِي الحماسة. والساعي: الْوَالِي على صَدَقَة الزَّكَاة. يُقَال: سعى الرجل على الصَّدَقَة يسْعَى سعياً: عمل فِي أَخذهَا من أَرْبَابهَا. وهلم: أقبل وتعال. المشرفي: بِفَتْح الْمِيم وَالرَّاء هُوَ السَّيْف نسب إِلَى المشارف وَهِي قرى كَانَت السيوف

تصنع فِيهَا. الْفَرَائِض جمع فَرِيضَة وَهِي الْأَسْنَان الَّتِي تصلح أَن تُؤْخَذ فِي الصَّدقَات. قَالَ صَاحب الصِّحَاح: الْفَرِيضَة مَا فرض فِي السَّائِمَة من الصَّدَقَة يُقَال: أفرضت الْمَاشِيَة أَي: وَجَبت فِيهَا الْفَرِيضَة وَذَلِكَ إِذا بلغت نِصَابا. يَقُول: أبلغا هَذَا الرجل الَّذِي جَاءَ لأخذ الصَّدقَات تعال فَإِن لَك عندنَا السَّيْف بَدَلا من الْفَرَائِض. قَالَ التبريزي: وَهَذَا مَأْخُوذ من الْمثل السائر: خُذ من جذع مَا أَعْطَاك. وجذع: رجل أَتَاهُ (وإنّ لنا حمضاً من الْمَوْت منقعاً ... وإنّك مختلّ فَهَل أَنْت حامض) أَي: وقولا لَهُ: إِن لنا حمضاً بِفَتْح الْمُهْملَة وَهُوَ من النَّبَات مَا لَهُ ملوحة ومرارة. والخلة بِضَم الْمُعْجَمَة: مَا كَانَ حلواً من النَّبَات. تَقول الْعَرَب: الْخلَّة خبز الْإِبِل والحمض فاكهتها وَيُقَال: لَحمهَا. وَمِنْه قَوْلهم للرجل إِذا جَاءَ متهدداً: أَنْت مختل فتحمض المختل: الَّذِي يرْعَى الْخلَّة. قَالَ التبريزي: وَمَا فِي الْبَيْت مثل يَقُول: قد مللت الْعَافِيَة والسلامة فَهَلُمَّ إِلَى الشَّرّ. والخلة مثل ضربه للحياة والحمض مثل ضربه للْمَوْت. يَقُول: إِن ضَاقَ صدرك من الْحَيَاة فَأَتَيْنَ مُصدقا فَإِنِّي أَقْتلك. والمنقع بزنة اسْم الْمَفْعُول: الثَّابِت. يُقَال: انقع لَهُ الشَّرّ حَتَّى يسأم أَي: أدمه. (أظنّك دون المَال ذُو جِئْت تبتغي ... ستلقاك بيضٌ للنّفوس قوابض) المَال: الْمَاشِيَة وَدون مُتَعَلق بأظنك لَا بجئت وَلَا بتبتغي لِأَن مَعْمُول

الصِّلَة لَا يتَقَدَّم على الْمَوْصُول وَذُو هُوَ الْمَفْعُول الثَّانِي للظن بِمَعْنى الَّذِي وَالْبيض: السيوف. أَرَادَ التهكم وَقد خلط) بِهِ التوعد والاستهانة وَلذَلِك قَالَ: أَظُنك. وتبتغي جملَة حَالية ومفعوله مَحْذُوف. وَالْمعْنَى أحسبك الَّذِي جَاءَ دون المَال تبتغي صدقاته سترى مَا أهيئ لَك من سويف تنتزع الْأَرْوَاح. وقوال الطَّائِي بِفَتْح الْقَاف وَتَشْديد الْوَاو: شَاعِر إسلامي فِي آخر الدولة الأموية وَقد أدْرك الدولة العباسية. وَقَالَ هَذِه الأبيات فِي مُصدق جَاءَ يطْلب مِنْهُم إبل الصَّدَقَة. وسببها هُوَ مَا رَوَاهُ أَبُو رياش فِي شرح الحماسة. وَقَالَ: كَانَ من خبر هَذِه الأبيات أَن معدان بن عبيد بن عدي بن عبد الله حدث أَنه تزوج امْرَأَة من بني بدر بن فَزَارَة قَالَ: وَكَانَ شباب من بني بدر يزوروننا فَأدْرك الثِّمَار فَاجْتمعُوا على نَبِيذ لَهُم مَعَ شباب منا فأسرع فيهم الشَّرَاب فَوَقع بَينهم كَلَام فَوَثَبَ غُلَام منا فَضرب شَابًّا من بني بدر فَشَجَّهُ فَمَاتَ مِنْهَا فَقلت للبدريين: لكم دِيَة صَاحبكُم. فَأَبَوا إِلَّا أَن يدْفع الطَّائِي إِلَيْهِم وأبيت أَن أفعل فَأتوا صَاحب الْمَدِينَة فِي ذَلِك وَكُنَّا قد منعنَا الصَّدَقَة حِين وَقعت الْفِتْنَة فَكتب أُميَّة بن عبد الله بن عَمْرو بن عُثْمَان ابْن عَفَّان عَامل صَدَقَة الحليفين: طَيئ وَأسد إِلَى مَرْوَان الْحمار آخر مُلُوك بني أُميَّة يُخبرهُ بمنعنا الصَّدَقَة وقتلنا الرجل فَكتب إِلَيْهِ: أَن سير إِلَيْهِم جَيْشًا. وَكتب إِلَيّ: أَن مكن الْبَدْرِيِّينَ من صَاحبهمْ وأد الصَّدَقَة وَإِلَّا فقد أمرت رَسُولي أَن يأتيني بك وَإِن أَبيت أَتَانِي برأسك ثمَّ وَالله لأبيلن الْخَيل فِي عرصاتك فَأمرت بِضَرْب عنق

الرَّسُول. فَقَالَ الرَّسُول: إِن الرَّسُول لَا يقتل وَإِنِّي لأسير فِيكُم يَا معشر طَيئ استحياء فَقلت: قد صدقت وخليت سَبيله وَقلت لَهُ: قل لمروان: آلَيْت تبيل الْخَيل فِي عرصاتي وبيني وَبَيْنك رمل عالج وعديد طَيئ حَولي والجبلان خلف ظَهْري فاجهد جهدك فَلَا أبقى الله عَلَيْك إِن أبقيت. وَكتب إِلَيْهِ: الوافر (أَلا من مبلغٌ مَرْوَان عنّي ... على مَا كَانَ من نأي المزار) (ألم تَرَ للخلافة كَيفَ ضَاعَت ... إِذا كَانَت بأبناء السّراري) (إِذا كَانَت بِذِي حمقٍ ترَاهُ ... إِذا مَا نَاب أمرٌ كالحمار)) وَكتب إِلَيْهِ غَالب بن الْحر الطَّائِي: الطَّوِيل (لقد قلت للرّكبان من آل هَاشم ... وَمن عبد شمس والقبائل تسمع) (قفوا أيّها الرّكبان حتّى تبيّنوا ... ويأتيكم الْأَمر الَّذِي لَيْسَ يدْفع) (وحتّى تروا أَيْن الإِمَام وتشعبوا ... عَصا الْملك إِذْ أَمْسَى وبالملك مضيع) (أرى ضَيْعَة لِلْمَالِ أَن لَا يضمّه ... إمامٌ وَلَا فِي أَهله المَال يودع) فَكتب إِلَى عبد الْوَاحِد بن منيع السَّعْدِيّ من سعد بن بكر وَإِلَى أُميَّة بن عبد الله ابْن عَمْرو بن عُثْمَان: أَن سر بِأَهْل الشَّام وَأهل الْمَدِينَة وَأهل الْبَوَادِي وَقيس وَغَيرهم إِلَى معدان حَتَّى تَأْخُذُوا مِنْهُ الصَّدَقَة وتقيدوا الْبَدْرِيِّينَ من صَاحبهمْ وأوطئوا الْخَيل بِلَاد طَيئ وائتوني بمعدان فَسَار أُميَّة فِي ثَلَاثِينَ ألفا من أهل الْمَدِينَة وَالشَّام والبوادي من قيس وَأسد وَبعث إِلَى كل

صَاحب ذحل ودمنة يطْلبهَا فِي طَيئ وَقدم على مقدمته رجلا يُقَال لَهُ: الحريز بن يزِيد بن حمل من الضباب وثارت قيس تطلب الثأر من طَيئ. قَالَ معدان: وَكنت فِي اثْنَي عشر ألفا فَلَمَّا انْتَهَيْت إِلَى عَسْكَر أُميَّة إِذا جبال الْحَدِيد وعسكر لَا يرى طرفاه فَرفع طَيئ النَّار على أجأ فَاجْتمعُوا فنحروا الجزر وَعمِلُوا من جلودها درقاً وطعموا من لحومها. فَقلت: يَا بني خيبري وَيَا معشر طَيئ هُوَ وَالله يومكم لبَقَاء الدَّهْر أَو لهلاك فَإِذا وَقع النبل عنْدكُمْ فقبح الله أجزع الْفَرِيقَيْنِ فصاففناهم فرموا بِالنَّبلِ ثمَّ شددنا عَلَيْهِم شدَّة رجل وَاحِد فَمَا كَانَ إِلَّا سيف أَو سيفان حَتَّى قتل الحريز وسرحان مولى قيس. واستحر الْقَتْل فِي قيس لأَنهم حاموا عَن الحريز وَكَانَ يَلِي الْمَعَادِن فَقتل من قيس ثلثمِائة وانهزموا أقبح هزيمَة وأسوأها فَأتيت بأمية أَسِيرًا فخليت سَبيله وأتيت بِجَارِيَة لَهُ فأحلقتها بِهِ إِلَى الْمَدِينَة وناديت أَن لَا يتبعوا مُدبرا وَلَا يجهزوا على جريح وَإِن الْكتاب الَّذِي كتبه مَرْوَان لفي أَيْدِينَا مَا نحسن أَن نقرأه وَجَدْنَاهُ فِي مَتَاعه حَتَّى قَرَأَهُ بعض فتياني فَإِذا فِيهِ: اقْتُل واسب. وَبِاللَّهِ لَو كنت علمت مَا فِي الْكتاب مَا أفلت مِنْهُم صبي فَكتب صَاحب الْمَدِينَة إِلَى مَرْوَان يُخبرهُ بِمَا صنعت طَيئ من قتل الحريز وسرحان وَأسر أُميَّة وَقتل ابْنه وَمَا لقِيت قيس وَمن أجَاب دَعوته. فَوجه مَرْوَان من عِنْده ابْن رَبَاح الغساني فِي عشرَة آلَاف فَكتب ابْن هُبَيْرَة إِلَى مَرْوَان بقتل ابْن ضبارة وفصول قَحْطَبَةَ مُتَوَجها من الرّيّ.) فَقَالَ: مَا تصنع

بشغل عشرَة آلَاف فِي قتال أَعْرَاب طَيئ فصرفهم إِلَى ابْن هُبَيْرَة. قَالَ معدان: وكتبت إِلَى قَحْطَبَةَ وَبعثت رَسُولا فوافقه بهمذان والجيش بنهاوند فَكتب إِلَيّ يسدد رايي ويصوب أَمْرِي ويخبر أَنه لَو قدم الْكُوفَة بعث إِلَيّ جنداً. ثمَّ كَانَ من أَمر قَحْطَبَةَ مَا كَانَ وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس السفاح فَقدمت إِلَيْهِ فِي مِائَتي رجل من طَيئ فَأمر لي بِعشْرين ألف دِرْهَم وخلعة وَأمر لِأَصْحَابِي بثلاثمائة ثَلَاثمِائَة وَخص قوما نَحوا من ثَلَاثِينَ رجلا بِخَمْسِمِائَة دِرْهَم لكل رجل ولعشرة مِنْهُم بِأَلف لكل رجل فوَاللَّه مَا رزأنا مَرْوَان وَلَا جنده وَلَا عماله شَاة وَلَا بَعِيرًا وَإِنَّا لأوّل من نقم عَلَيْهِ وَنصر آل مُحَمَّد حَتَّى انْتهى إِلَيْنَا صاحبنا قَحْطَبَةَ بن شبيب بن خَالِد بن معدان ولجأ إِلَيّ يَوْمئِذٍ فِرَارًا من الْحَرْب عبد الْعَزِيز بن أبي دهبل الْجَعْفَرِي وَكُنَّا أَخْوَاله فَقَالَ عبد الْعَزِيز يمدح معدان فِي قِطْعَة: الطَّوِيل وقيلت أشعاراً كَثِيرَة فِي تِلْكَ الْوَقْعَة أورد بَعْضهَا أَبُو تَمام فِي الحماسة. وَأنْشد بعده الشَّاهِد الثَّامِن وَالثَّلَاثُونَ بعد الثلاثمائة وَهُوَ من أَبْيَات سِيبَوَيْهٍ

: الطَّوِيل (وَلَا تجعلي ضيفيّ ضيفٌ مقرّبٌ ... وَآخر معزولٌ عَن الْبَيْت جَانب) على أَنه يجوز الْقطع إِلَى الرّفْع فِي خبر نواسخ الْمُبْتَدَأ فَإِن جعل هُنَا بِمَعْنى صير من نواسخ الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر ينصبهما على المفعولية وضيفي الْمَفْعُول الأول وَهُوَ فِي الأَصْل مُبْتَدأ وَهُوَ مثنى مُضَاف إِلَى يَاء الْمُتَكَلّم وضيف مقرب وَآخر بِتَقْدِير وضيف آخر كَانَا فِي الأَصْل منصوبين على أَنَّهُمَا مفعول ثَان لجعل وَفرق بَينهمَا بالْعَطْف لأجل وصف كل مِنْهُمَا بِصفة تغاير الآخر فقطعا من المفعولية إِلَى الْمُبْتَدَأ فَيكون الْخَبَر محذوفاً أَي: مِنْهَا ضيف مقرب ومنهما ضيف آخر الخ. أَو هما خبران لمَحْذُوف أَي: أَحدهمَا ضيف مقرب وَثَانِيهمَا ضيف آخر الخ. وَجُمْلَة الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر فِي مَحل نصب على أَنَّهُمَا الْمَفْعُول الثَّانِي لجعل. قَالَ سِيبَوَيْهٍ بعد إنشاده هَذَا الْبَيْت: وَالنّصب جيد كَمَا قَالَ الْجَعْدِي: الطَّوِيل (وَكَانَت قشيرٌ شامتاً بصديقها ... وَآخر مزرياً عَلَيْهِ وزاريا) قَالَ الْأَخْفَش: يَعْنِي النصب فِي ضيف على الْبَدَل وَرفع جَانب بِتَقْدِير: هُوَ جَانب. أَقُول: صَوَابه النصب على أَنه مفعول ثَان لَا على الْبَدَل وشامتاً فِي الْبَيْت نصب على أَنه خبر كَانَ. وَلم يَجْعَل الْكَلَام تبعيضاً وَلَو رفع شامتاً لَكَانَ التَّقْدِير: مِنْهُم شامت وَالْجُمْلَة حِينَئِذٍ) خبر كَانَ. هجا قشيراً وَهِي قَبيلَة من بني عَامر وَكَانَت بَينه وَبَينهَا مهاجاة فَجعل

مِنْهُم من يشمت بصديقه إِذْ نكب وَجعل بَعضهم يرزأ بَعْضًا للؤمهم واستطالة قويهم على ضعيفهم. وَبنى مزرياً على تَخْفيف الْهمزَة وَلَو بناه على الأَصْل لقَالَ: مرزوءاً. وجانب بِمَعْنى المجانب والمتنحي. وَالْبَيْت للعجير السَّلُولي خَاطب بِهِ امْرَأَته. يَقُول لَهَا: سوي بَين ضَيْفِي فِي التَّقْرِيب وَالْإِكْرَام وَلَا تكرمي بَعْضًا وتهيني بَعْضًا. والعجير بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَفتح الْجِيم كنيته أَبُو الفرزدق: وَقَالَ الْآمِدِيّ فِي المؤتلف والمختلف هُوَ مولى لبني هِلَال. وَيُقَال: هُوَ العجير بن عبد الله بن عُبَيْدَة بِفَتْح الْعين وَكسر الْمُوَحدَة ابْن كَعْب. وأنهى نسبه إِلَى مرّة بن صعصعة. قَالَ: وَهُوَ سلول. انْتهى. وَفِي الأغاني: العجير بن عبد الله بن عُبَيْدَة بن كَعْب وَيُقَال ابْن عُبَيْدَة بِضَم الْعين واسْمه عُمَيْر من بني سلول بن مرّة بن صعصعة أخي عَامر بن صعصعة. وَأم بني مرّة سلول بنت ذهل بن شَيبَان بن ثَعْلَبَة غلبت عَلَيْهِم وَبهَا يعْرفُونَ. ويكنى العجير أَبَا الفرزدق وَأَبا الْفِيل. شَاعِر من شعراء الدولة الأموية مقل إسلامي. انْتهى.

قَالَ ابْن السَّيِّد فِي شرح أَبْيَات الْجمل: عجير: اسْم مَنْقُول وَيحْتَمل أَن يكون مصغر عجر من قَوْلهم: عجر عُنُقه إِذا لواها وَيحْتَمل أَن يكون مُصَغرًا مرخماً من أعجر وَهُوَ الناتئ السُّرَّة. وَأما سلول فاسم مرتجل غير مَنْقُول. انْتهى. وَله خبر مَعَ بنت عَمه يَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى فِي بَاب الجوازم. وَأنْشد بعده الشَّاهِد التَّاسِع وَالثَّلَاثُونَ بعد الثلاثمائة وَهُوَ من أَبْيَات سِيبَوَيْهٍ: الطَّوِيل (فَأصْبح فِي حَيْثُ الْتَقَيْنَا شريدهم ... طليقٌ ومكتوف الْيَدَيْنِ ومزعف) لما تقدم فِي الْبَيْت الَّذِي قبله من أَنه يجوز الْقطع فِي الرّفْع فِي خبر النواسخ فَإِن أصبح هُنَا من أَخَوَات كَانَ وشريدهم اسْمهَا وَمَا بعده كَانَ فِي الأَصْل مَنْصُوبًا على أَنه خبر أصبح فَقطع عَن الخبرية وَرفع على أَنه مُبْتَدأ وَخَبره مَحْذُوف أَي: مِنْهُم طليق وَمِنْهُم مكتوف الخ أَو خبر لمبتدأ مَحْذُوف أَي: بعض الشريد طليق الخ. وَالْجُمْلَة فِي مَحل نصب على أَنَّهَا خبر أصبح وَيجوز أَيْضا فَإِن قلت: أَيجوزُ أَن يكون طليق مَقْطُوعًا عَن الحالية وَيكون خبر أصبح قَوْله: فِي حَيْثُ الْتَقَيْنَا قلت: لَا يجوز معنى فَإِن الْمَقْصُود تَقْسِيم الشريد وتبيين أَنْوَاعه بِمَا ذكر لَا أَنه ذكر فِي مَوضِع الالتقاء. والشريد وَاحِد يُؤَدِّي معنى الْجمع لِأَنَّهُ وَاقع على كل من شردته

الْحَرْب فَهُوَ يعم مَا ذكر. قَالَ الْأَخْفَش: يُرِيد أَصْبحُوا مِنْهُم قَتِيل وَمِنْهُم مكتوف لَا أَن الشريد وَحده اجْتمع فِيهِ مَا ذكره. وَقَالَ ابْن خلف: لَا يَصح أَن يكون فِي حَيْثُ الْتَقَيْنَا خبر أصبح. لِأَن ظرف الزَّمَان لَا يَصح أَن يكون خَبرا عَن الجثة. وَهَذَا سَهْو لِأَن حَيْثُ للمكان لَا للزمان. والشريد: الطريد. والطليق: الْأَسير الَّذِي أطلق عَنهُ إساره. والإسار بِالْكَسْرِ: الْقد وَمِنْه سمي الْأَسير لأَنهم كَانُوا يشدونه بالقد ثمَّ سمي كل أخيذ أَسِيرًا وَإِن لم يشد بِهِ. والمكتوف: من كتفت الرجل إِذا شددت يَدَيْهِ إِلَى خلف بالكتاف. قَالَ ابْن دُرَيْد: الكتاف بِالْكَسْرِ: حَبل يشد بِهِ وظيف الْبَعِير إِلَى كَتفيهِ. والمزعف بالزاي قَالَ الْأَصْمَعِي: أزعفته وأزدعفته إِذا أقعصته. يُقَال: ضربه فأقعصه أَي: قَتله مَكَانَهُ. وَقَالَ الخارزنجي: أزعفت عَلَيْهِ إِذا أجهزت عَلَيْهِ وتممت قَتله. وَقَالَ الأعلم: رَوَاهُ حَملَة الْكتاب مزعف بِكَسْر الْعين وَمَعْنَاهُ ذُو زعاف أَي: ذُو صرع وَقتل وَلَيْسَ بجار على الْفِعْل.) وَقَالَ ابْن خلف: وَرَوَاهُ غَيرهم بِفَتْح الْعين من أزعفه الْمَوْت إِذا قاربه وَهُوَ مَأْخُوذ من قَوْلهم: موت زعاف وذعاف اي: معجل. انْتهى. وَإِلَى هَذَا ذهب الشَّارِح الْمُحَقق. قَالَ الصَّاغَانِي فِي الْعباب: زعفه يزعفه زعفاً من بَاب منع أَي: قَتله مَكَانَهُ. وسم زعاف وذعاف بِضَم المعجمتين أَي: قَاتل. وَهَذَا الْبَيْت من قصيدة طَوِيلَة عدتهَا مائَة وَخَمْسَة وَعِشْرُونَ بَيْتا للفرزدق وَقد تقدّمت تَرْجَمته فِي الشَّاهِد الثَّلَاثِينَ من أَوَائِل الْكتاب. وَهِي قصيدة افتخارية هجا فِي آخرهَا. وَمِنْهَا وَهُوَ قبل الْبَيْت: ...

(وأضياف ليلٍ قد نقلنا قراهم ... إِلَيْنَا فأتلفنا المنايا وأتلفوا) (قريناهم المأثورة الْبيض قبلهَا ... يثجُ الْعُرُوق الأزانيّ المثقّف) فَأصْبح فِي حَيْثُ الْتَقَيْنَا شريدهم ... ... ... ... ... الْبَيْت قَالَ الصَّاغَانِي فِي مَادَّة تلف وَقد أورد هَذَا الْبَيْت: هَؤُلَاءِ غزي غزوهم. يَقُول: فجعلناهم تلفاً للمنايا. وجعلونا كَذَلِك أَي: وقعنا بهم فقتلناهم أَي: صادفنا المنايا متلفة وصادفوها كَذَلِك كَمَا تَقول: أَتَيْنَا فلَانا فأبخلناه وأجبناه أَي: صادفناه كَذَلِك. انْتهى. فالهمزة فِي أتلفنا للوجدان. وغزي فِي كَلَامه: جمع غاز مثل قاطن وقطين وحاج وحجيج. أَو هُوَ بِضَم الْغَيْن وَتَشْديد الزَّاي الْمَفْتُوحَة: جمع غاز أَيْضا كسابق وَسبق. وَقَوله: قريناهم المأثورة الخ يُقَال: قريت الضَّيْف قرى أَي: أَحْسَنت إِلَيْهِ. وَهَذَا من قبيل الِاسْتِعَارَة التهكمية. قَالَ صَاحب الصِّحَاح: الْمَأْثُور: السَّيْف الَّذِي يُقَال: إِنَّه من عمل الْجِنّ. قَالَ الْأَصْمَعِي: وَلَيْسَ من الْأَثر الَّذِي هُوَ الفرند. وَالْبيض: السيوف أَي: الْبيض المأثورة. ونجعت المَاء وَالدَّم بِالْجِيم إِذا سيلته فالعروق مفعول بِتَقْدِير مُضَاف أَي: دم الْعُرُوق. الأزاني فَاعل. قَالَ صَاحب الصِّحَاح: ذُو يزن ملك من مُلُوك حمير تنْسب إِلَيْهِ الرماح اليزنية يُقَال: رمح يَزْنِي وأزني ويزأني وأزأني. والمثقف: الْمعدل. والتثقيف: التَّعْدِيل. وَقَوله: قبلهَا أَي: قبل المأثورة الْبيض. يَقُول: طاعناهم بِالرِّمَاحِ قبل أَن جالدناهم بِالسُّيُوفِ.

وَفِي هَذِه القصيدة شَاهد آخر يَأْتِي شَرحه إِن شَاءَ الله تَعَالَى فِي بَاب الْعَطف. الشَّاهِد الْأَرْبَعُونَ بعد الثلاثمائة الوافر (كأنّ حمولهم لمّا استقلّت ... ثَلَاثَة أكلبٍ متطاردان) على أَن بَعضهم أجَاز وصف الْبَعْض دون بعض محتجّاً بِهَذَا الْبَيْت. لم أر هَذَا الْبَيْت إِلَّا فِي كتاب المعاياة للأخفش وَهُوَ على طَريقَة أَبْيَات الْمعَانِي. وَنَصه: قَالَ بَعضهم: إِن هَذَا شعر وضع على الْخَطَأ ليعلم الَّذِي يسْأَل عَنهُ كَيفَ فهم من يسْأَله. وَقَالَ بَعضهم: لَا وَلكنه وصف اثْنَيْنِ مِنْهَا وَأخْبر عَنْهُمَا بتطارد وَأَجَازَ مَرَرْت برجلَيْن صَالح وصف أحد الرجلَيْن وكف عَن الآخر ومررت بِثَلَاثَة رجال صالحين. وَلَا يَقُول هَذَا كل أحد. وَقد يحْتَملهُ الْقيَاس. انْتهى كَلَامه. وَيجوز أَن يقْرَأ متطاردان باسم الْفَاعِل وَأَن يقْرَأ يتطاردان بالمضارع. وعَلى كل مِنْهُمَا هُوَ وصف ثَلَاثَة لَكِن بإلغاء وَاحِد مِنْهَا. وَيُشبه هَذَا قَول جرير: الْبَسِيط (صَارَت حنيفَة أَثلَاثًا فثلثهم ... من العبيد وثلثٌ من مواليها) قَالَ ابْن السَّيِّد فِي شرح كَامِل الْمبرد: هَذَا مِمَّا عيب عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لم يذكر الثَّالِث. قَالَ الْآمِدِيّ: لما قَالَ جرير هَذَا الْبَيْت قيل لرجل من بني حنيفَة: من أَي الأثلاث أَنْت قَالَ: وَأَرَادَ جرير بِالثُّلثِ الْمَتْرُوك أَشْرَافهم وَترك الثَّالِث عمدا لِأَنَّهُ فِي مقَام

الذَّم لَا يثبت لَهُم أشرافاً صَرَاحَة. والحمول بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَالْمِيم هِيَ الْإِبِل الَّتِي عَلَيْهَا الهوادج كَذَا فِي الْعباب. واستقلت: ارْتَفَعت. واستقل الْقَوْم: ارتحلوا ومضوا. والتطارد والمطاردة أَن يحمل بَعضهم على بعض فِي الْحَرْب. وأكلب: جمع كلب جمع قلَّة. وَفِي هَذَا الْبَيْت مُبَالغَة من الهجو فَإِن الْإِبِل الَّتِي يعدونها عِنْدهم كَثِيرَة عدتهَا ثَلَاثَة لَا غير وَإِنَّهَا صَغِيرَة فِي الجثة جدا حَتَّى إِنَّهَا مَعَ مَا عَلَيْهَا فِي مِقْدَار جرم الْكلاب وَإِنَّهَا لَيْسَ عَلَيْهَا مَا يثقلها من الأثاث وَالْمَتَاع وَلذَلِك تطاردت لخفة مَا عَلَيْهَا وَإِن بَعْضهَا هزيل جدا لَا يقدر على الطراد. هَذَا مَا سنح لي وَالله أعلم. وَأنْشد بعده: المتقارب (ويأوي إِلَى نسوةٍ عطّلٍ ... وشعثاً مراضيع مثل السّعالي) على أَن الأعرف مَجِيء نعت النكرَة الْمَقْطُوع بِالْوَاو.) وَتقدم عَن الشَّارِح فِي الشَّاهِد الثَّالِث وَالْخمسين بعد الْمِائَة أَن شعثاً مَنْصُوب على الترحم. قَالَ سِيبَوَيْهٍ: كَأَنَّهُ حَيْثُ قَالَ نسْوَة عطل صرن عِنْده مِمَّن علم أَنَّهُنَّ شعث وَلكنه ذكر ذَلِك تشنيعاً لَهُنَّ وتشويهاً. قَالَ الْخَلِيل رَحِمَهُ اللَّهُ: كَأَنَّهُ قَالَ: وأذكرهن شعثاً إِلَّا أَن هَذَا فعل لَا يسْتَعْمل إِظْهَاره وَإِن شِئْت جررت على الصّفة. وَزعم يُونُس أَن ذَلِك أَكثر كَقَوْلِك: مَرَرْت بزيد أَخِيك وَصَاحِبك. انْتهى.

وفاعل يأوي ضمير الصياد أَي: يَأْتِي مَأْوَاه ومنزله إِلَى نسوةٍ بعد أَن ذهب إِلَى الصَّيْد فيجدهن فِي أَسْوَأ الْحَال. وعطل: جمع عاطل أَي: لَا شَيْء عِنْدهَا. والشعث: جمع شعثاء وَهِي المتغيرة من الْجُوع وَنَحْوه. وَتقدم شَرحه هُنَاكَ مفصلا فَليرْجع إِلَيْهِ. وَأنْشد بعده الشَّاهِد الْحَادِي وَالْأَرْبَعُونَ بعد الثلاثمائة وَهُوَ من شَوَاهِد س: الْكَامِل (لَا يبعدن قومِي الَّذين هم ... سمّ العداة وَآفَة الجزر) (النّازلين بكلّ معتركٍ ... والطّيّبون معاقد الأزر) على أَنه يجوز قطع نعت الْمعرفَة بِالْوَاو كَمَا يجوز قطع نعت النكرَة بهَا. فقولها: والطيبون نعت مَقْطُوع بِالْوَاو من قومِي للمدح والتعظيم بجعله خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي: هم الطيبون. وَإِنَّمَا حكم بِالْقطعِ مَعَ أَنه مَرْفُوع كالمنعوت وَهُوَ قومِي لقطع النازلين قبله لما ذكرنَا أَيْضا بجعله مَنْصُوبًا بِفعل مَحْذُوف تَقْدِيره أَعنِي أَو أمدح وَنَحْوهمَا. وَالْعرب إِذا رجعت عَن شَيْء لم تعد إِلَيْهِ. وَقَالَ ابْن السّكيت فِي أَبْيَات الْمعَانِي: قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: النازلين تَابع لقومي على الْمَعْنى لِأَن مَعْنَاهُ النصب كَأَنَّهُ قَالَ: لَا يبعد الله قومِي. قَالَ سِيبَوَيْهٍ: فِي بَاب مَا ينْتَصب على التَّعْظِيم والمدح: وَإِن شِئْت جعلته صفة فَجرى على الأول وَإِن شِئْت قطعته فابتدأته وَذَلِكَ قَول الله عَزَّ وَجَلَّ:

لكِن الرَّاسخون فِي العِلْمِ مِنهُمْ والُمؤْمنونَ يُؤْمِنُون بِمَا أُنزل إِلَيْك وَمَا أُنزِلَ مِنْ قبْلِكَ والمُقِيمينَ الصَّلاةَ والمُؤْتونَ الزّكاة. فَلَو كَانَ كُله) رفعا كَانَ جيدا. فَأَما المؤتون فَمَحْمُول على الِابْتِدَاء. وَقَالَ تَعَالَى: ولكنّ البرّ مَنْ آمَنَ باللَّهِ واليَوْمِ الآخِر والمَلائِكَةِ والكِتَابِ والنَّبِيِّينَ وَآتى المالَ على حُبِّه ذَوِي القُرْبَى واليَتَامَى والمَسَاكين إِلَى قَوْله: وحينَ الْبَأْس فَلَو رفع الصابرين على أول الْكَلَام كَانَ جيدا وَلَو ابْتَدَأَ فرفعه على الِابْتِدَاء كَانَ جيدا كَمَا ابتدأت: والمؤتون الزّكاة. وَنَظِير هَذَا من الشّعْر قَول الخرنق: لَا يبعدن قومِي الَّذِي هم الْبَيْتَيْنِ (وكلّ قومٍ أطاعوا أَمر مرشدهم ... إلاّ نميراً أطاعت أَمر غاويها) (الظّاعنين ولمّا يظعنوا أحدا ... والقائلون لمن دارٌ نخلّيها) وَزعم يُونُس أَن من الْعَرَب من يَقُول: النازلون بِكُل معترك والطيبين. وَمن الْعَرَب من يَقُول: الظاعنون والقائلين فنصبه كنصب الطيبن إِلَّا أَن هَذَا شتم لَهُم وذم كَمَا أَن الطيبين مدح لَهُم وتعظيم. وَإِن شِئْت أجريت هَذَا كُله على الِاسْم الأول وَإِن شِئْت ابتدأته جَمِيعًا فَكَانَ مَرْفُوعا على

الِابْتِدَاء. كل هَذَا جَائِز فِي هذَيْن الْبَيْتَيْنِ وَمَا أشبههما. انْتهى كَلَام سِيبَوَيْهٍ. وَقَالَ الزّجاج: اخْتلف النَّاس فِي إِعْرَاب المقيمين فَقَالَ بَعضهم: هُوَ نسق على مَا الْمَعْنى: يُؤمنُونَ بِمَا أنزل إِلَيْك وبالمقيمين الصَّلَاة أَي: يُؤمنُونَ بالنبيين المقيمين الصَّلَاة. وَقَالَ بَعضهم: نسق على الْهَاء وَالْمِيم الْمَعْنى: لَكِن الراسخون فِي الْعلم مِنْهُم وَمن المقيمين الصَّلَاة يُؤمنُونَ بِمَا أنزل إِلَيْك. وَهَذَا عِنْد النَّحْوِيين رَدِيء لَا ينسق بِالظَّاهِرِ على الْمُضمر إِلَّا فِي شعر. وَذهب بَعضهم إِلَى أَن هَذَا وهم من الْكَاتِب. وَقَالَ بَعضهم: فِي كتاب الله أَشْيَاء ستصلحها الْعَرَب بألسنتها. وَهَذَا القَوْل عِنْد أهل اللُّغَة بعيد جدا لِأَن الَّذين جمعُوا الْقُرْآن أَصْحَاب رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وهم أهل اللُّغَة وهم الْقدْوَة وهم الَّذين أَخَذُوهُ عَن رَسُول الله صلى وَهَذَا سَاقِط عَمَّن لَا يعلم بعدهمْ وساقط عَمَّن يعلم لأَنهم يقْتَدى بهم فَهَذَا مِمَّا لَا يَنْبَغِي أَن ينْسب إِلَيْهِم. وَالْقُرْآن مُحكم لَا لحن فِيهِ حَتَّى يتَكَلَّم الْعَرَب بأجود مِنْهُ فِي الْإِعْرَاب. ولسيبويه والخليل وَجَمِيع النَّحْوِيين فِي هَذَا بَاب يسمونه بَاب الْمَدْح قد بينوا صِحَة هَذَا وجودته. قَالَ النحويون: إِذا قلت مَرَرْت بزيد الْكَرِيم وَأَنت تُرِيدُ أَن تخلص زيدا من غَيره فالخفض هُوَ) الْكَلَام حَتَّى تعرف زيدا الْكَرِيم من زيد غير الْكَرِيم. وَإِذا أردْت الْمَدْح وَالثنَاء فَإِن شِئْت نصبت وَإِن شِئْت رفعت وَجَاءَنِي قَوْمك المطعمين فِي الْمحل والمغيثون فِي الشدائد على معنى أذكر المطعمين وهم المغيثون. وعَلى هَذَا الْآيَة لِأَنَّهُ لما قَالَ: بِمَا أنزل إِلَيْك وَمَا أنزل من قبلك علم أَنهم يُقِيمُونَ الصَّلَاة وَيُؤْتونَ الزَّكَاة فَقَالَ: والمقيمين الصَّلَاة والمؤتون الزَّكَاة

على معنى أذكر المقيمين وهم المؤتون. وأنشدوا بَيت خرنق بنت هفان: لَا يبعدن قومِي الَّذين هم الْبَيْتَيْنِ على معنى أذكر النازلين وهم الطيبون رَفعه ونصبه على الْمَدْح. وَبَعْضهمْ يرفع النازلين وَينصب الطيبين وَكله وَاحِد جَائِز حسن. انْتهى. وَقَالَ ابْن جني فِي الْمُحْتَسب: الْقطع لكَونه بِتَقْدِير الْجُمْلَة أبلغ من الإتباع لكَونه مُفردا. قَالَ فِي سُورَة فاطر: قَرَأَ الضَّحَّاك: الْحَمد للَّهِ فَطَرَ السّموات. وَهَذَا على الثَّنَاء على الله سُبْحَانَهُ وَذكر النِّعْمَة الَّتِي اسْتحق بهَا الْحَمد. وأفرد ذَلِك فِي الْجُمْلَة الَّتِي هِيَ جعل بِمَا فِيهَا من الضَّمِير فَكَانَ أذهب فِي معنى الثَّنَاء لِأَنَّهُ جملَة بعد جملَة وَكلما زَاد الإسهاب فِي الثَّنَاء أَو الذَّم كَانَ أبلغ. أَلا ترى إِلَى قَول خرنق: لَا يبعدن قومِي الَّذين هم الْبَيْتَيْنِ ويروى: النازلون والطيبون والنازلين والطيبون والنازلون والطيبين. وَالرَّفْع على هم وَالنّصب على أَعنِي فَلَمَّا اخْتلفت الْجمل كَانَ الْكَلَام أفانين وضروباً فَكَانَ أبلغ مِنْهُ إِذا ألزم شرحاً وَاحِدًا. فقولك: أثني على الله أَعْطَانَا فأغنى أبلغ من قَوْلك: أثني على الله المعطينا والمغنينا لِأَن مَعَك هُنَا جملَة وَاحِدَة وَهُنَاكَ ثَلَاث جمل. ويدلك على صِحَة هَذَا الْمَعْنى قِرَاءَة الْحسن:

جَاعل الْمَلَائِكَة بِالرَّفْع. فَهَذَا على قَوْلك: هُوَ جَاعل الْمَلَائِكَة. وَيشْهد بِهِ أَيْضا قِرَاءَة خُلَيْد بن نشيط: جعل الْمَلَائِكَة. قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: إِذا طَال الْكَلَام خَرجُوا من الرّفْع إِلَى النصب وَمن النصب إِلَى الرّفْع. يُرِيد مَا نَحن عَلَيْهِ لتختلف ضروبه وتتباين تراكيبه. هَذَا كَلَامه.) وَقد أوردهُ سِيبَوَيْهٍ فِي بَاب الصّفة المشبهة أَيْضا على أَن معاقد مَنْصُوب بقوله الطيبون على التَّشْبِيه بالمفعول بِهِ وَلَيْسَ مَفْعُولا بِهِ لِأَن عَامله غير متعدٍ وَلَا تمييزاً كَمَا زعم الْكُوفِيُّونَ لِأَنَّهُ معرفَة. فَإِن قيل: يكون تمييزاً من بَاب حسن الْوَجْه الْمَنوِي بِهِ الِانْفِصَال فَيكون نكرَة. أُجِيب بِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُ فِي شَيْء إِنَّمَا إِضَافَته من بَاب إِضَافَة المصادر أَو الْأَمْكِنَة إِلَى مَا بعْدهَا كقيام زيد ومقام عَمْرو فَإِن إضافتهما معنوية. وَقَوْلها: لَا يبعدن مَعْنَاهُ لَا يهلكن وَهُوَ دُعَاء جَاءَ بِلَفْظ النَّهْي. ويبعدن: فعل مُسْتَقْبل مَبْنِيّ مَعَ نون التوكيد الْخَفِيفَة وموضعه جزم بِلَا الدعائية وقومي فَاعله يُقَال: بعد يبعد من بَاب فَرح إِذا هلك. وَإِمَّا الَّذِي هُوَ ضد الْقرب فَهُوَ بعد يبعد بِضَم الْعين فيهمَا ومصدره الْبعد وَقد يسْتَعْمل فِي الْهَلَاك أَيْضا لتداخل معنييهما كَقَوْلِه تَعَالَى: أَلا بُعداً لمدين كَمَا بَعدتْ ثَمودُ. قَالَ اللَّخْمِيّ فِي شرح أَبْيَات الْجمل: وَاسم الْفَاعِل مِنْهُمَا جَمِيعًا بعيد اسْتَويَا فِيهِ كَمَا اسْتَويَا فِي الْمصدر تَقول بعد وَبعد بعدا وبعداً. وَقَالَ ابْن السَّيِّد فِي شرح أَبْيَات الْجمل: فَإِن قيل: كَيفَ دعت لقومها بِأَن لَا يهْلكُوا وهم قد

هَلَكُوا فَالْجَوَاب أَن الْعَرَب قد جرت عَادَتهم بِاسْتِعْمَال هَذِه اللَّفْظَة فِي الدُّعَاء للْمَيت وَلَهُم فِي ذَلِك غرضان: أَحدهمَا: أَنهم يُرِيدُونَ بِهِ استعظام موت الرجل الْجَلِيل وَكَأَنَّهُم لَا يصدقون بِمَوْتِهِ. وَقد بَين هَذَا الْمَعْنى النَّابِغَة الذبياني بقوله: الطَّوِيل (يَقُولُونَ حصنٌ ثمّ تأبى نُفُوسهم ... وَكَيف بحصنٍ وَالْجِبَال جنوح) (وَلم تلفظ الْمَوْتَى الْقُبُور وَلم تزل ... نُجُوم السّماء والأديم صَحِيح) يُرِيد أَنهم يَقُولُونَ: مَاتَ حصن ثمَّ يستعظمون أَن ينطقوا بذلك وَيَقُولُونَ: كَيفَ يجوز أَن يَمُوت وَالْجِبَال لم تنسف والنجوم لم تنكدر والقبور لم تخرج موتاها وجرم الْعَالم صَحِيح لم يحدث فِيهِ حَادث. وَالْغَرَض الثَّانِي أَنهم يُرِيدُونَ الدُّعَاء لَهُ بِأَن يبْقى ذكره وَلَا يذهب لِأَن بَقَاء ذكر الْإِنْسَان بعد مَوته بِمَنْزِلَة حَيَاته. أَلا ترى إِلَى قَول الشَّاعِر: الطَّوِيل (فَأَثْنوا علينا لَا أَبَا لأبيكم ... بأفعالنا إنّ الثّناء هُوَ الْخلد) ) وَقَالَ آخر يرثي يزِيد بن مزِيد الشَّيْبَانِيّ: الطَّوِيل وَقَالَ المتنبي وَأحسن: الْبَسِيط (ذكر الْفَتى عمره الثّاني وَحَاجته ... مَا فَاتَهُ وفضول الْعَيْش أشغال) وَقد بَين مَالك بن الريب الْمُزنِيّ مَا فِي هَذَا من الْمحَال من قصيدة تقدّمت: الطَّوِيل (يَقُولُونَ لَا تبعد وهم يدفنونني ... وَأَيْنَ مَكَان الْبعد إلاّ مكانيا)

. وَقَالَ الْفِرَار السّلمِيّ: الْكَامِل (مَا كَانَ يَنْفَعنِي مقَال نِسَائِهِم ... وَقتلت دون رِجَالهمْ لَا تبعد) وَقَوْلها: سم العداة الخ السم مَعْرُوف وسينه مُثَلّثَة. والعداة: الْأَعْدَاء جمع عَاد كقضاة جمع قَاض حكى أَبُو زيد: أشمت الله عاديك أَي: عَدوك. وَلَا يكون العداة جمع عَدو لِأَن عَدو فعول وفعول لَا يجمع على فعلة إِنَّمَا يجمع عَلَيْهِ فَاعل المعتل اللَّام. والأعداء جمع عَدو أجروا فعولًا مجْرى فعيل كشريف وأشراف. وَقد جمعُوا أَعدَاء على أعادي. والآفة: الْعلَّة. والجزر بِضَم فَسُكُون: جمع جزور وَالْأَصْل بِضَمَّتَيْنِ كرسول ورسل فسكن الثَّانِي تَخْفِيفًا. وَالْجَزُور هِيَ النَّاقة الَّتِي تنحر. فَإِن كَانَت من الْغنم فَهِيَ جزرة بِفتْحَتَيْنِ. وصفتهم أَولا بالشجاعة والنجدة وَأَنَّهُمْ يقتلُون أعداءهم كَمَا يقتلهُمْ السم. قَالَ ابْن السَّيِّد: فَإِن قيل: كَيفَ قَالَت الَّذين هم وَإِنَّمَا يَلِيق هَذَا بِمن هُوَ مَوْجُود وَإِنَّمَا كَانَ يَنْبَغِي أَن تَقول كَانُوا كَمَا قَالَ الآخر: الْكَامِل (كَانُوا على الْأَعْدَاء نَار محرّقٍ ... ولقومهم حرما من الأحرام) فَالْجَوَاب عَنهُ من وَجْهَيْن: أَحدهمَا أَن الْعَرَب كَانَت تضمن كَانَ اتكالاً على فهم السَّامع كَقَوْلِه تَعَالَى: واتَّبعُوا مَا تتلُوا الشّياطينُ على مُلْكِ سُلَيْمَان قَالَ الْكسَائي: أَرَادَ مَا كَانَت تتلو. وَثَانِيهمَا: أَنَّهَا إِذا دعت بِبَقَاء الذّكر بعد مَوْتهمْ صَارُوا كالموجودين وَكَانُوا موصوفين بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَهُ. وَقَوْلها النازلين الخ قَالَ ابْن خلف: يجوز فِي النازلين والطيبين

أَرْبَعَة أوجه: رفعهما ونصبهما وَرفع أَحدهمَا مَعَ نصب الآخر مقدما ومؤخراً على الْقطع غير أَنَّك إِن رفعتهما جَازَ أَن يَكُونَا نعتين لقومي فَيكون الرافع لَهما رَافع قومِي بِعَيْنِه وَالْكَلَام جملَة وَاحِدَة وَجَاز أَن يَكُونَا) مقطوعين فِي التَّقْدِير بإضمار مُبْتَدأ فيكونا جملتين والرافع والناصب المقدران لَا يجوز أَن يظْهر وَاحِد مِنْهُمَا لفظا إِنَّمَا يكون مُقَدرا أبدا منوياً وَامْتِنَاع إِظْهَاره إِشْعَار باتصاله بِمَا قبله وتشبيه بِهِ فَلَو ظهر أمكن أَن يكون جملَة قَائِمَة بِنَفسِهَا مُسْتَقلَّة وَلَيْسَ الْغَرَض ذَلِك. وَيجوز أَن يكون الطيبون مَعْطُوفًا على سم العداة وَآفَة الجزر وَأَن يكون على الضَّمِير فِي النازلين. وَيجوز الرّفْع على إِضْمَار مُبْتَدأ كَمَا ذكر فِي الْكتاب. وَلَا يجوز أَن يكون النازلون رفعا صفة لمجموع قومِي وسم العداة لاخْتِلَاف العاملين. فَإِن قيل: هَل الأقيس أَن يكون نعتاً لقومي أَو لسم العداة فَالْجَوَاب: لقومي لِأَنَّهُ مَحْض الِاسْم فَهُوَ أولى بِالْوَصْفِ من الصّفة. انْتهى. وَإِنَّمَا كَانَ سم صفة لتأويله بالقاتل. ثمَّ قَوْله: وَفِي نصب النازلين اخْتِلَاف فالزجاجي يذهب إِلَى أَنه نصب على إِضْمَار أَعنِي وعَلى قِيَاس قَول سِيبَوَيْهٍ نصب على الْمَدْح سَاقِط إِذْ لَا اخْتِلَاف معنى فَإِن هَذَا وَنَحْوه مَنْصُوب على الْمَدْح سَوَاء قدر أمدح أَو أَعنِي أَو نَحْوهمَا. وَالْبَاء فِي بِكُل ظرفية مُتَعَلقَة بالنازلين والمعترك وَكَذَلِكَ المعرك كجعفر والمعركة: مَوضِع الْقِتَال. وَهَذَا مُشْتَقّ من عركت الرحا الْحبّ

إِذا طحنته. أَرَادوا أَن مَوضِع الْقِتَال يطحن كَمَا تطحن الرحا مَا يحصل فِيهَا وَلذَلِك سموهُ رَحا. قَالَ عنترة: دارت على الْقَوْم رَحا طحون وَقد بَين ذَلِك زُهَيْر بن أبي سلمى بقوله: الطَّوِيل وَقَوْلها: النازلين بِكُل معترك يَعْنِي أَنهم ينزلون عَن الْخَيل عِنْد ضيق المعترك فيقاتلون على أَقْدَامهم وَفِي ذَلِك الْوَقْت يتداعون: نزال كَمَا قَالَ ربيعَة بن مقرومٍ الضَّبِّيّ: الْكَامِل (وَلَقَد شهِدت الْخَيل يَوْم طرادها ... بسليم أوظفة القوائم هيكل) (فدعوا نزال فَكنت أوّل نازلٍ ... وعلام أركبه إِذا لم أنزل) وَقَالَ ابْن السَّيِّد: النُّزُول فِي الْحَرْب على ضَرْبَيْنِ: أَحدهمَا مَا ذكر وَالثَّانِي فِي أول الْحَرْب وَهُوَ أَن ينزلُوا عَن إبلهم ويركبوا خيلهم. قَالَ اللَّخْمِيّ: وَإِنَّمَا ينزلون عَن الْإِبِل إِلَى الْخَيل فِي الغارات يقودون خيولهم ليريحوها ويركبون) إبلهم فَإِذا قربوا من عدوهم وأغاروا نزلُوا عَن إبلهم إِلَى خيلهم مَخَافَة أَن يتبعوا فيدركوا. وَزعم ابْن سَيّده فِي نزولهم إِنَّمَا هُوَ من الْإِبِل إِلَى الْخَيل. وَلَيْسَ كَذَلِك. وَفِي قَوْلهَا: النازلين الخ إِشَارَة إِلَى أَن حَالهم فِي الْقِتَال على الْخَيل كحالهم

فِي الْقِتَال على الْأَقْدَام وَأَنَّهُمْ لَا يكعون عَن النُّزُول إِذْ أَحْوَال النَّاس فِي ذَلِك مُخْتَلفَة وَلَا ينزل فِي ذَلِك الْموضع إِلَّا أهل الْبَأْس والشدة وَلذَلِك قَالَ مهلهل: الْخَفِيف (لم يطيقوا أَن ينزلُوا فنزلنا ... وأخو الْحَرْب من أطَاق النّزولا) وَقَوْلها: والطيبون أَرَادَت أَنهم أعفاء فِي فروجهم لِأَن الْعَرَب تكني بالشَّيْء عَمَّا يحويه أَو يشْتَمل تَقول: لَا يحلونَ أزرهم على مَا لَيْسَ لَهُم. قَالَ اللَّخْمِيّ: وَقَالَ ابْن خلف: إِذا وصفوا الرجل بِطَهَارَة الْإِزَار وطيبه فَهُوَ إِشَارَة وكناية عَن عفة الْفرج يُرَاد أَنه لَا يعْقد إزَاره على فرج زَانِيَة. وَكَذَلِكَ طَهَارَة الذيل. وَإِذا وصف بِطَهَارَة الْكمّ أَو الردن وهم الْكمّ بِعَيْنِه أَرَادوا أَنه لَا يسرق وَلَا يخون. وَإِذا وصفوه بِطَهَارَة الجيب أَرَادوا أَن قلبه لَا ينطوي على غش وَلَا مكر. وَقد يكنون عَن عفة الْفرج بِطيب الحجزة كَمَا قَالَ النَّابِغَة: الطَّوِيل رقاق النّعال طيّبٌ حجزاتهم والمعاقد إِمَّا جمع معقد بِكَسْر الْقَاف وَهُوَ مَوضِع العقد وَإِمَّا جمع معقد بِفَتْحِهَا وَهُوَ مصدر ميمي. قَالَ اللَّخْمِيّ: المعاقد الحجز. والحجزة بِضَم الْمُهْملَة وَسُكُون الْجِيم بعْدهَا زَاي مُعْجمَة وَهِي حَيْثُ يثنى طرف الْإِزَار فِي لوث الْإِزَار أَي: طيبه. وَحكى ابْن الْأَعرَابِي حزة بِضَم الْمُهْملَة وَتَشْديد الزاء كَمَا ينْطق بهَا الْعَامَّة. وَقيل: المعاقد للأزر والحجز للسراويلات. والحجز للعجم وملوك الْعَرَب كَمَا قَالَ النَّابِغَة والمعاقد للْعَرَب لِأَنَّهَا لَا تكَاد تلبس إِلَّا الأزر وَهُوَ جمع إِزَار وَسكن الزاء أَيْضا تَخْفِيفًا وَالْأَصْل ضمهَا والإزار

وَلبس السَّرَاوِيل عِنْد الْعَرَب نَادِر. يرْوى أَن أَعْرَابِيًا مر بسراويل ملقاةٍ فظنها قَمِيصًا فَأدْخل يَدَيْهِ فِي سَاقيهَا وَأدْخل رَأسه فَلم يجد منفذاً فَقَالَ: مَا أَظن هَذَا إِلَّا من قمص الشَّيَاطِين ثمَّ رَمَاهَا. وَهَذَانِ البيتان من قصيدة لخرنق بنت هفان رثت بهَا زَوجهَا بشر بن عَمْرو ابْن مرْثَد الضبعِي) وَابْنهَا عَلْقَمَة بن بشر وَأَخُوهُ حسان وشرحبيل وَمن قتل مَعَه من قومه وَكَانَ بشر غزا بني أَسد بن خُزَيْمَة هُوَ وَعَمْرو بن عبد الله بن الأشل وَكَانَا متساندين: بشر على بني مَالك وَبني عتاب بن ضبيعة وَعَمْرو على بني مَالك وَبني رهم. وَمعنى التساند والمساندة أَن يخرج كل رجل على حِدته وانفراده لَيْسَ لَهُم أَمِير يجمعهُمْ. فَأَغَارَ على بني أَسد فتقدمتهم بَنو أَسد إِلَى عقبَة يُقَال لَهَا: قلاب فَقتل بشر بن عَمْرو وَبَنوهُ وفر عَمْرو بن عبد الله بن الأشل فَسُمي ذَلِك الْيَوْم يَوْم قلاب. كَذَا قَالَ ابْن السَّيِّد وَاللَّخْمِيّ. وَبعد الْبَيْتَيْنِ: (قومٌ إِذا ركبُوا سَمِعت لَهُم ... لَغطا من التّأييه والزّجر) (فِي غير مَا فحشٍ يجاء بِهِ ... بمنائح المهرات وَالْمهْر) (إِن يشْربُوا يهبوا وَإِن يذروا ... يتواعظوا عَن منطق الهجر) (هَذَا ثنائي مَا بقيت عَلَيْهِم ... فَإِذا هَلَكت أجنّني قَبْرِي)

وَاسْتدلَّ بَعضهم بِهَذِهِ الأبيات على أَن مَا تقدم دُعَاء لمن بَقِي من قَومهَا أَي: لَا أبعد الله من قومِي كبعد من مضى مِنْهُم. وَيرد عَلَيْهِ قَوْلهَا فِي القصيدة: (لاقوا غَدَاة قلاب حتفهم ... سوق العتير يساق للعتر) واللغط بِفَتْح الْمُعْجَمَة وسكونها: الْأَصْوَات المختلطة. والتأييه: الدُّعَاء. يُقَال: أيهت بِالرجلِ إِذا دَعوته وأيهت بالفرس. وَفِي الحَدِيث: أَن ملك الْمَوْت سُئِلَ: كَيفَ تقبض الْأَرْوَاح فَقَالَ: أؤيه بهَا كَمَا يؤيه بِالْخَيْلِ فتجيء إِلَيّ. وَقَوْلها: فِي غير مَا فحش الخ مَا زَائِدَة. قَالَ ابْن السّكيت: تَقول: يزجرونها بعفاف من ألسنتهم لَا يذكرُونَ الْفُحْش فِي الزّجر. وَقَوْلها: إِن يشْربُوا يهبوا لَيْسَ بمدح تَامّ لِأَنَّهَا جعلت الْعلَّة فِي كرمهم شرب الْخمر. وَقد عيب على طرفَة قَوْله: الرمل (فَإِذا مَا شَرِبُوهَا وانتشوا ... وهبوا كلّ أمونٍ وطمر) وعيب على حسان قَوْله: الوافر وَقد قَالَ البحتري فِي هَذَا فَأحْسن: الطَّوِيل) (تكرّمت من قبل الكؤوس عَلَيْهِم ... فَمَا اسطعن أَن يحدثن فِيك تكرّما) وَأول من نطق بِهَذَا امْرُؤ الْقَيْس فِي قَوْله: الطَّوِيل (سماحة ذَا وبرّ ذَا ووفاء ذَا ... ونائل ذَا إِذا صَحا وَإِذا سكر)

. فَأخْبر أَنه جواد فِي الْحَالين جَمِيعًا: فِي حَال الصحو وَفِي حَال السكر. وَهَذَا هُوَ الْمَدْح التَّام. ثمَّ اتبعهُ زُهَيْر فَقَالَ: الطَّوِيل (أَخُو ثقةٍ لَا تتْلف الْخمر مَاله ... ولكنّه قد يهْلك المَال نائله) والهجر بِالضَّمِّ: الْكَلَام الْقَبِيح. وَقَوْلها: والخالطين نحيتهم الخ النحيت بِفَتْح النُّون وَكسر الْمُهْملَة: الخامل السَّاقِط الذّكر. والنضار بِضَم النُّون بعْدهَا ضاد مُعْجمَة: الْخَالِص النّسَب الْعَزِيز الشهير. يَقُول: إِنَّهُم خلطوا خاملهم برفيعهم وفقيرهم بغنيهم فاكتسبوا مِنْهُم الْغنى والخصال الحميدة فَلَيْسَ فيهم خامل وَلَا فَقير. وَمثله قَول زُهَيْر: الطَّوِيل (على مكثريهم حق من يعتريهم ... وَعند المقلّين السّماحة والبذل) وَالْعرُوض فِي هَذَا الْبَيْت على متفاعلن تَامَّة وَهِي فِي جَمِيع الأبيات على فعلن حذاء وَلَا يجوز ذَلِك. وَالشعر من الضَّرْب الرَّابِع من الْكَامِل. وَقَوْلها: فَإِذا هَلَكت الخ: أجنني: سترني. قَالَ ابْن السَّيِّد: كَلَام لَا فَائِدَة فِيهِ على ظَاهره وَالْمعْنَى فَإِذا هَلَكت قَامَ عُذْري فِي تركي الثَّنَاء عَلَيْهِم لهلاكي فَهُوَ مِمَّا وضع السَّبَب فِيهِ مَوضِع الْمُسَبّب. وَقَوْلها: لاقوا غَدَاة الخ الحتف: الْهَلَاك. وسوق مفعول مُطلق أَي: سيقوا إِلَى الحتف سوقاً كسوق العتير وَهُوَ بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَكسر الْمُثَنَّاة الْفَوْقِيَّة: مَا يذبح للأصنام فِي رَجَب فِي الْجَاهِلِيَّة تَعْظِيمًا لأصنامهم. والعتر بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة: ذبح العتيرة فَهُوَ مصدر.

وقلاب بِضَم الْقَاف وَتَخْفِيف اللَّام وَآخره بَاء مُوَحدَة قَالَ أَبُو عبيد الْبكْرِيّ فِي مُعْجم مَا استعجم: هُوَ جبل من محلّة بني أَسد على لَيْلَة. وَفِي عقبَة قلاب قتلت بَنو أَسد بشر بن عَمْرو زوج خرنق وَابْنهَا مِنْهُ عَلْقَمَة بن بشر فَقَالَت: الوافر (منت لَهُم بوائلة المنايا ... بِحرف قلاب للحين المسوق)) ثمَّ إِن بني ضبيعة أَصَابُوا بني أَسد بهرشى وأدركوا بثأرهم فَقَالَ وَائِل بن شُرَحْبِيل بن عَمْرو بن مرْثَد: الطَّوِيل انْتهى. ومنت أَصله منيت أَي: قدرت المنايا لَهُم فحذفت الْبَاء. وَهُوَ آخر بَيت من أَبْيَات وَهِي: (لَا وَأَبِيك آسى بعد بشرٍ ... على حيّ يَمُوت وَلَا صديق) (وَبعد الْخَيْر عَلْقَمَة بن بشرٍ ... إِذا مَا الْمَوْت كَانَ لَدَى الحلوق) (وَمَال بَنو ضبيعة بعد بشرٍ ... كَمَا مَال الْجُذُوع من الْحَرِيق) (فكم بقلاب من أوصال خرقٍ ... أخي ثقةٍ وجمجمةٍ فليق)

وآسى: أَحْزَن. وَلَا محذوفة أَي: وَأَبِيك لَا أَحْزَن بعد بشر. والحلوق جمع حلق وَهُوَ مجْرى الطَّعَام. وَمَال بَنو ضبيعة أَي: تساقطوا بعد بشر. والخرق بِكَسْر الْمُعْجَمَة من الفتيان: الظريف فِي سماحة ونجدة. وخرنق بِكَسْر الْخَاء الْمُعْجَمَة وَسُكُون الرَّاء الْمُهْملَة وَكسر النُّون بعْدهَا قَاف هِيَ امْرَأَة شاعرة جَاهِلِيَّة. قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: هِيَ خرنق بنت بدر بن هفان من بني سعد بن ضبيعة رَهْط الْأَعْشَى. كَذَا فِي الْعباب للصاغاني. وَفِي كتاب التَّصْحِيف للعسكري وشروح أَبْيَات الْكتاب والجمل: خرنق بنت هفان القيسية من بني قيس بن ثَعْلَبَة بن عكابة بن صَعب بن عَليّ بن بكر بن وَائِل بِحَذْف بدر. وَقَالُوا: هِيَ أُخْت طرفَة بن العَبْد لأمه. وَقَالَ يَعْقُوب ابْن السّكيت فِي أَبْيَات الْمعَانِي: هِيَ عمَّة طرفَة بن العَبْد. وَالله أعلم. وَقيس هُوَ رَهْط الْأَعْشَى أَيْضا وَإِلَيْهِ ينْسب فَيُقَال أعشى قيس. وخرنق من الْأَسْمَاء المنقولة لِأَن الخرنق فِي اللُّغَة ولد الأرنب. والخرنق أَيْضا: مصنعة المَاء وَهُوَ نَحْو الصهريج وَالنُّون أَصْلِيَّة. وَأما هفان بِفَتْح الْهَاء وَكسرهَا وَتَشْديد الْفَاء فَهُوَ اسْم مرتجل غير مَنْقُول مُشْتَقّ من الهفيف وَهُوَ سرعَة السّير.) وَأنْشد بعده الشَّاهِد الثَّانِي وَالْأَرْبَعُونَ بعد الثلاثمائة وَهُوَ من شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ: الطَّوِيل (وَمَا الدّهر إلاّ تارتان فمنهما ... أَمُوت وَأُخْرَى أَبْتَغِي الْعَيْش أكدح)

على أَن الْمَوْصُوف مَحْذُوف أَي: مِنْهُمَا تَارَة أَمُوت. هَكَذَا قدر سِيبَوَيْهٍ وَأوردهُ فِي بَاب حذف قَالَ: وَسَمعنَا بعض الْعَرَب الموثوق بهم يَقُول: مَا مِنْهُمَا مَاتَ حَتَّى رَأَيْته فِي حَال كَذَا وَإِنَّمَا يُرِيد: مَا مِنْهُمَا وَاحِد مَاتَ. انْتهى. وَأوردهُ الْفراء أَيْضا فِي تَفْسِيره عِنْد قَوْله تَعَالَى: وَمن آياتهِ يُرِيكم قَالَ: من أظهر أَن فَهِيَ فِي مَوضِع اسْم مَرْفُوع كَمَا قَالَ: وَمن آيَاته منامكم بِاللَّيْلِ فَإِذا حذفت أَن جعلت مؤدية عَن اسْم مَتْرُوك يكون الْفِعْل صلَة لَهُ كَقَوْل الشَّاعِر: وَمَا الدَّهْر إلاّ تارتان ... ... ... ... ... ... ... ... . الْبَيْت كَأَنَّهُ أَرَادَ: فمنهما سَاعَة أَمُوتهَا وَسَاعَة أعيشها وَكَذَلِكَ: وَمن آيَاته آيَة للبرق وَآيَة لكذا. وَإِن شِئْت يريكم من آيَاته الْبَرْق فَلَا تضمر أَن وَلَا غَيره. انْتهى. وَكَذَلِكَ أنْشدهُ الزّجاج فِي تَفْسِيره عِنْد قَوْله تَعَالَى: مِنَ الَّذين هَادُوا يُحرِّفونَ الكلمَ أَي: قوم يحرفُونَ كَهَذا الْبَيْت. وَالْمعْنَى مِنْهُمَا تَارَة أَمُوت فِيهَا فَحذف تَارَة وَأقَام الْجُمْلَة الَّتِي هِيَ صفتهَا نائبة عَنْهَا فَصَارَ: أَمُوت

فِيهَا فَحذف حرف الْجَرّ فَصَارَ التَّقْدِير: أَمُوتهَا ثمَّ حذف الضَّمِير فَصَارَ أَمُوت. وَمثله فِي الْحَذف من هَذَا الضَّرْب بل هُوَ أطول مِنْهُ: الرجز (تروّحي يَا خيرة الفسيل ... تروّحي أَجْدَر أَن تقيلي) أَصله: ائتي مَكَانا أَجْدَر بِأَن تقيلي فِيهِ فَحذف الْفِعْل الَّذِي هُوَ ائتي لدلَالَة تروحي عَلَيْهِ فَصَارَ مَكَانا أَجْدَر بِأَن تقيلي فِيهِ ثمَّ حذف الْمَوْصُوف الَّذِي هُوَ مَكَانا فَصَارَ تَقْدِيره أَجْدَر بِأَن تقيلي فِيهِ ثمَّ حذف الْبَاء أَيْضا تَخْفِيفًا فَصَارَ أَجْدَر أَن تقيلي فِيهِ. فَفِيهِ إِذن خَمْسَة أَعمال وَهِي حذف الْفِعْل الناصب ثمَّ حذف الْمَوْصُوف ثمَّ حذف الْبَاء ثمَّ حذف فِي ثمَّ حذف الْهَاء. وَهنا عمد سادس وَهُوَ أَن أَصله ائتي مَكَانا أَجْدَر بِأَن تقيلي فِيهِ من غَيره كَمَا تَقول: مَرَرْت بِرَجُل أحسن من فلَان وَأَنت أكْرم عَليّ من غَيْرك. انْتهى.) وَهَذَا الْبَيْت من قصيدة لتميم بن أبي بن مقبل وَهُوَ شَاعِر إسلامي تقدّمت تَرْجَمته فِي الشَّاهِد الثَّانِي وَالثَّلَاثِينَ من أَوَائِل الْكتاب. وَقَبله يصف الْقَحْط: (ألم تعلمي أَن لَا يذمّ فجاءتي ... دخيلي إِذا اغبرّ العضاه المجلّح) (وَأَن لَا ألوم النّفس فِيمَا أصابني ... وَأَن لَا أكاد بِالَّذِي كنت أفرح) ...

(وَمَا الْعَيْش إلاّ تارتان فمنهما ... أَمُوت وَأُخْرَى أَبْتَغِي الْعَيْش أكدح) (وكلتاهما قد خطّ لي فِي صحيفةٍ ... فَلَا الْعَيْش أَهْوى لي وَلَا الْمَوْت أروح) أَن فِي الْمَوَاضِع الثَّلَاثَة مُخَفّفَة من الثَّقِيلَة وَالْفِعْل بعْدهَا مَرْفُوع وفجاءتي مفعول مقدم. والفجاءة بِضَم الْفَاء وَالْمدّ: مصدر فجأه الْأَمر كضربه وفجئه كعلمه إِذا أَتَاهُ بَغْتَة. وَيُقَال أَيْضا فاجأه المر مفاجأة وفجاءً. ودخيلي أَي: ضَيْفِي فَاعل مُؤخر والدخيل: الضَّيْف إِذا حل بالقوم فأدخلوه. يَقُول: إِذا جَاءَنِي بَغْتَة ضيف فِي أَيَّام الْقَحْط فَلَا بُد من إطعامه وإكرامه وَلَا أَدَعهُ يذمني. واغبر: صَار بلون الغبرة. والعضاه بِكَسْر الْعين الْمُهْملَة بعْدهَا ضاد مُعْجمَة وَآخره هَاء: شجر عَظِيم شائك تَأْكُل الْمَاشِيَة ورقه. والمجلح بِالْجِيم قَالَ صَاحب الصِّحَاح: الْمَأْكُول وَمِنْه قَول ابْن مقبل: إِذا اغبرّ العضاه المجلّح وَهُوَ الَّذِي قد أكل حَتَّى لم يتْرك مِنْهُ شَيْء. والكدح: الْكسْب وَالسَّعْي وَجُمْلَة أكدح حَال مُؤَكدَة لعاملها وَهُوَ أَبْتَغِي وَتارَة المحذوفة مُبْتَدأ وَجُمْلَة أَمُوت صفتهَا والعائد إِلَى الْمَوْصُوف مَحْذُوف أَي: فِيهَا. ومنهما خبر مقدم وَأُخْرَى صفة مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي: تَارَة آخرى. وَلَيْسَ فِي هَذَا شَاهد. وَجُمْلَة أَبْتَغِي الْعَيْش خبر الْمُبْتَدَأ والعائد مَحْذُوف

أَيْضا أَي: فِيهَا. يَقُول: لَا رَاحَة فِي الدُّنْيَا لِأَن وَقتهَا قِسْمَانِ: إِمَّا موت وَهُوَ مَكْرُوه عِنْد النَّفس وَإِمَّا حَيَاة وَكلهَا سعي فِي الْمَعيشَة. الشَّاهِد الثَّالِث وَالْأَرْبَعُونَ بعد الثلاثمائة الطَّوِيل (وكلّمتها ثِنْتَيْنِ كَالْمَاءِ مِنْهُمَا ... وَأُخْرَى على لوح أحرّ من الْجَمْر) لما تقدم قبله أَعنِي أَن الْمَوْصُوف مَحْذُوف إِذا كَانَ بَعْضًا من مجرور بِمن سَوَاء تقدم الْمَجْرُور كَمَا مضى أَو تَأَخّر كَمَا هُنَا وَلِهَذَا كرر الشَّاهِد فَإِن التَّقْدِير: كلمتها كَلِمَتَيْنِ مِنْهُمَا كلمة كَالْمَاءِ وَكلمَة أُخْرَى أحر من الْجَمْر. وَتقدم الْمَجْرُور أكثري. وَهَذَا ثَالِث أَبْيَات ثَلَاثَة أوردهَا الجاحظ فِي كتاب الْبَيَان والتبيين وَهِي: (لقِيت البنة السّهميّ زَيْنَب عَن عفر ... وَنحن حرامٌ مسي عاشرة الْعشْر) (وإنّي وإيّاها لحتمٌ مبيتنا ... جَمِيعًا وسيرانا مغذٌّ وَذُو فتر) (فكلمتها ثِنْتَيْنِ كالثّلج مِنْهُمَا ... على اللّوح وَالْأُخْرَى أحرّ من الْجَمْر) السَّهْمِي: نِسْبَة إِلَى سهم بِفَتْح السن الْمُهْملَة: قَبيلَة من قُرَيْش وقبيلة فِي باهلة أَيْضا. وَزَيْنَب بدل من ابْنة وعفر بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الْفَاء وبضم الْفَاء أَيْضا. قَالَ الجاحظ: يُقَال مَا يَلْقَانَا إِلَّا عَن عفر أَي: بعد مُدَّة. وَكَذَلِكَ قَالَ القالي فِي أَمَالِيهِ: قَوْله عَن عفر: عَن بعد أَي: بعد حِين يُقَال: مَا أَلْقَاهُ إِلَّا عَن عفر أَي: بعد حِين. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ فِي مستقصى الْأَمْثَال: لَقيته عَن عفر أَي: بعد شهر وَنَحْوه وَالْأَصْل قلَّة الزِّيَارَة من تعفير الظبية وَلَدهَا وَهُوَ

أَن ترْضِعه ثمَّ تَدعه ثمَّ ترْضِعه ثمَّ تَدعه وَذَلِكَ إِذا أَرَادَت أَن تفطمه. وَعكس المأخذ صَاحب الصِّحَاح فَقَالَ: والتعفير فِي الْفِطَام أَن تمسح الْمَرْأَة ثديها بِشَيْء من التُّرَاب تنفيراً للصَّبِيّ. وَيُقَال هُوَ من قَوْلهم: لقِيت فلَانا من عفر بِالضَّمِّ أَي: بعد شهر وَنَحْوه لِأَنَّهَا ترْضِعه بعد الْيَوْم واليومين تبلو بذلك صبره. وَقَوله: وَنحن حرَام قَالَ القالي: أَي: محرومون. قَالَ صَاحب الصِّحَاح: وَرجل حرَام بِالْفَتْح أَي: محرم وَالْجمع حرم مثل قذال وقذل. انْتهى. وَإِنَّمَا لم يجمعه هُنَا لِأَنَّهُ فِي الأَصْل مصدر يَسْتَوِي فِيهِ الْجمع والتثنية والمفرد. وَجُمْلَة وَنحن حرَام حَال من الْفَاعِل وَالْمَفْعُول. وَقَوله: مسي عاشرة الخ مسي بِضَم الْمِيم وَسُكُون السِّين وَكسر الْمِيم) لُغَة: اسْم للمساء كالصبح اسْم للصباح وَلِهَذَا قَالَ الجاحظ أَي: وَقت الْمسَاء. وَهُوَ ظرف لقَوْله لقِيت. وعاشرة الْعشْر هُوَ الْيَوْم الْعَاشِر من ذِي الْحجَّة يُرِيد أَنه لقيها بِعَرَفَات عَشِيَّة عَرَفَة وَهِي مسي عاشرة الْعشْر. وَقَوله: لحتم مبيتنا الحتم بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة: اللَّازِم. يُرِيد إِن مبيت النَّاس بالمدلفة حتم لَا يتجاوزها أحد. وجميعاً حَال من الْمُضَاف إِلَيْهِ وَهُوَ ضمير الْمُتَكَلّم مَعَ الْغَيْر. وَقَوله وسيرانا الخ سيرا: مثنى سير حذفت نونه للإضافة ونا ضمير الْمُتَكَلّم مَعَ الْغَيْر. وَرُوِيَ: مسرانا بِالْإِفْرَادِ. قَالَ صَاحب الصِّحَاح: وسريت سرى ومسرى وأسريت بِمَعْنى إِذا سرت لَيْلًا. وَأما السّير فَلَا يخْتَص بِاللَّيْلِ. قَالَ صَاحب الصِّحَاح: سَار يسير سيراً ومسيراً يكون بِاللَّيْلِ وبالنهار وَيسْتَعْمل لَازِما ومتعدياً. ومغذ بالغين والذال المعجمتين

اسْم فَاعل من أغذ فِي السّير إغذاذاً. أَي: أسْرع فِيهِ وجد. والفتر بِفَتْح الْفَاء بِمَعْنى الفترة والفتور أَي: الانكسار والضعف. قَالَ القالي: أَي سير أَنا مسرع وسيرها ذُو فتور وَسُكُون لِأَنَّهَا يرفق بهَا. وَلم يرو القالي فِي أَمَالِيهِ إِلَّا هذَيْن الْبَيْتَيْنِ عَن أبي بكر بن دُرَيْد. وَقَوله: فكلمتها ثِنْتَيْنِ الخ الصَّوَاب رِوَايَة الجاحظ وَهِي كالثلج بدل كَالْمَاءِ. والمصراع الثَّانِي كَذَا: على اللَّوْح وَالْأُخْرَى أحرّ من الْجَمْر وَكَذَا رَوَاهُ الزَّمَخْشَرِيّ فِي المستقصى: واللوح بِفَتْح اللَّام وَآخره حاء مُهْملَة: الْعَطش. قَالَ وعَلى بِمَعْنى مَعَ. يُرِيد: إِنِّي كلمتها كَلِمَتَيْنِ كَانَت إِحْدَاهمَا كالثلج مَعَ الْعَطش زَالَ بهَا مَا أجد من الْحَرَارَة وَكَانَت الْكَلِمَة الْأُخْرَى أحر من الْجَمْر فالتهب قلبِي من حَرَارَتهَا. قَالَ الحريري فِي درة الغواص: أَرَادَ بِالْكَلِمَةِ الأولى تَحِيَّة الْقدوم وبالأخرى سَلام الْوَدَاع. وَجعل الزَّمَخْشَرِيّ: أحر من الْجَمْر من الْأَمْثَال وَأنْشد لَهُ هَذَا الْبَيْت مَعَ الْبَيْت الأول عَن الجاحظ لَكِن روى المصراع الأول هَكَذَا: فَقَالَت لنا ثِنْتَيْنِ كالثلج مِنْهُمَا وَهَذَا أنسب بِمَا قَالَه الحريري. وَقَوله: ثِنْتَيْنِ مَنْصُوب على الْمَفْعُول الْمُطلق أَي: تكليمتين وَالْأُخْرَى

مُبْتَدأ بِتَقْدِير مَوْصُوف أَي:) والكلمة الْأُخْرَى وأحر من الْجَمْر خبر الْمُبْتَدَأ. وَهَذِه الأبيات نَسَبهَا الجاحظ والقالي والحريري إِلَى أبي العميثل عبد الله بن خَالِد. والعميثل بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَالْمِيم وَسُكُون الْمُثَنَّاة التَّحْتِيَّة وَفتح الثَّاء الْمُثَلَّثَة. والعميثل فِي اللُّغَة يَأْتِي لمعان مِنْهَا الْأسد الضخم وَالسَّيِّد الْكَرِيم. وَأنْشد بعده الشَّاهِد الرَّابِع وَالْأَرْبَعُونَ بعد الثلاثمائة (لَو قلت مَا فِي قَومهَا لم تيثم ... يفضلها فِي حسب وميسم) على أَن جملَة يفضلها صفة لموصوف مَحْذُوف هُوَ بعض الْمَجْرُور بفي. قَالَ سِيبَوَيْهٍ: يُرِيد مَا فِي قَومهَا أحد يفضلها كَمَا قَالُوا لَو أَن زيدا هَا هُنَا وَإِنَّمَا يُرِيدُونَ لَكَانَ كَذَا. انْتهى. وأنشده الْفراء فِي تَفْسِيره عِنْد قَوْله تَعَالَى: من الَّذين هادوا يحرفُونَ الْكَلم على أحد وَجْهَيْن وَذَلِكَ من كَلَام الْعَرَب أَن يضمروا من فِي مُبْتَدأ الْكَلَام بِمن فَيَقُولُونَ منا يَقُول ذَاك وَمنا لَا يَقُوله وَذَلِكَ أَن من بعض لما هِيَ مِنْهُ فَلذَلِك أدَّت عَن الْمَعْنى الْمَتْرُوك. قَالَ الله تَعَالَى: وَمَا مِنَّا إلاَّ لَهُ مَقَامٌ مَعْلوم وَقَالَ: وإنْ مِنْكُم إلاَّ

وَارِدُها. وَلَا يجوز إِضْمَار من فِي شَيْء من الصِّفَات إِلَّا على هَذَا الَّذِي نبأنك بِهِ. وَقد قَالَهَا الشَّاعِر فِي فِي وَلست أشتهيها قَالَ: (لَو قلت مَا فِي قَومهَا لم تأثم ... يفضلها فِي حسبٍ وميسم) ويروى أَيْضا: تيثم لُغَة. وَإِنَّمَا جَازَ ذَلِك فِي فِي لِأَنَّك تَجِد معنى من أَنه بعض مَا أضيفت إِلَيْهِ. أَلا ترى أَنَّك تَقول فِينَا الصالحون وَفينَا دون ذَلِك فكأنك: قلت منا. وَلَا يجوز أَن تَقول فِي الدَّار يَقُول ذَاك وَأَنت تُرِيدُ فِي الدَّار من يَقُول إِنَّمَا يجوز إِذا أضيفت فِي إِلَى جنس الْمَتْرُوك. انْتهى كَلَامه. وَأَرَادَ بِمن المضمرة النكرَة الموصوفة لَا الموصولة فَإِنَّهَا لَا تحذف وَتبقى صلتها أَو أَنَّهَا هِيَ المرادة عِنْده فَإِنَّهُ كُوفِي والكوفيون يجوزون حذف الْمَوْصُول. وَقد بَين الضَّابِط فِي حذف الْمَوْصُوف مَعَ الْمَجْرُور بِمن وَفِي إِلَّا أَنه جعل الثَّانِي دون الأول وَوَافَقَهُ السيرافي فَقَالَ: أَكثر مَا يَأْتِي الْحَذف مَعَ من لِأَن من تدل على التَّبْعِيض. وَقد جَاءَ مثله مَعَ فِي وَلَيْسَ مثل من الْكَثْرَة. انْتهى.) وَقَوله: لم تيثم جَوَاب لَو الشّرطِيَّة أَي: لم تكذب فتأثم وَأَصله تأثم فَكسر التَّاء على لُغَة من يكسر حُرُوف المضارعة إِلَّا الْيَاء للكراهة وهم بَنو أَسد. قَالَ ابْن يعِيش: وَذَلِكَ إِذا كَانَ الْفِعْل على فعل نَحْو يعلم وَيسلم. انْتهى. وَقبل كسر التَّاء قلبت الْهمزَة ألفا وَبعد كسر التَّاء قلبت الْألف يَاء لانكسار مَا قبلهَا. وَقَوله: مَا فِي قَوْلهَا خبر لمبتدأ مَحْذُوف وَهُوَ الْمَوْصُوف بقوله يفضلها. وَقدره ابْن يعِيش بِإِنْسَان يفضلها وَالْجُمْلَة المنفية مقول القَوْل.

وَقَوله: فِي حسب مُتَعَلق بيفضلها. والحسب: مَا يعده الْإِنْسَان من مفاخره وَأَرَادَ بِهِ الشّرف النسبي وَهُوَ شرف الْآبَاء وَأَرَادَ بالميسم الشّرف الذاتي فَإِن الميسم الْحسن وَالْجمال من الوسم وَهُوَ الْحسن. وَهَذَا الْبَيْت من رجز لحكيم بن معية الربعِي. من بني ربيعَة بن مَالك بن زيد مَنَاة بن تَمِيم. وَهُوَ راجز إسلامي كَانَ فِي زمن العجاج وَحميد الأرقط. نسبه إِلَيْهِ سِيبَوَيْهٍ فِي مَوضِع آخر من كِتَابه. وَبعده: (عفيفة الجيب حرَام الْمحرم ... من آل قيس فِي النّصاب الأكرم) والنصاب وَكَذَا المنصب: الأَصْل. وَكَانَ يفضل الفرزدق على جرير فهجاه جرير لذَلِك. وَنسب ابْن يعِيش الْبَيْت الشَّاهِد للأسود الْحمانِي. وَالله أعلم. ومعية بِضَم الْمِيم وَفتح الْعين وَتَشْديد التَّحْتِيَّة: مصغر مُعَاوِيَة. والحماني بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الْمِيم: نِسْبَة إِلَى حمان. وَأنْشد بعده: الوافر (أَنا ابْن جلا وطلاّع الثّنايا ... مَتى أَضَع الْعِمَامَة تعرفوني) على أَن الِاسْم الْمَوْصُوف بِالْجُمْلَةِ لَا يحذف بِدُونِ من أَو فِي إِلَّا فِي الشّعْر كَمَا هُنَا فَإِن أَصله أَنا ابْن رجل جلا. فجلا فعل مَاض بِمَعْنى كشف الْأُمُور

أَو بِمَعْنى انْكَشَفَ أمره. وَفِيه ضمير يعود على الْمَوْصُوف الْمَحْذُوف لضَرُورَة الشّعْر. وَهَذَا على أحد التخريجين الْمَشْهُورين فِي هَذَا الْبَيْت. والتخريج الثَّانِي لسيبويه وَهُوَ أَن جلا مَعَ ضَمِيره الْمُسْتَتر جملَة محكية جعلت علما وَلَا شَاهد فِيهِ على هَذَا. وَلنَا عَلَيْهِ كَلَام أسلفناه فِي) الشَّاهِد الثَّامِن وَالثَّلَاثِينَ من أَوَائِل الْكتاب. وَأنْشد بعده الشَّاهِد الْخَامِس وَالْأَرْبَعُونَ بعد الثلاثمائة الرجز (مَالك عِنْدِي غير سهم وَحجر ... وَغير كبداء شَدِيدَة الْوتر) جَادَتْ بكفي كَانَ من أرمى الْبشر على أَن جملَة كَانَ مَعَ ضَمِيره الْمُسْتَتر صفة لموصوف مَحْذُوف ضَرُورَة أَي: بكفي رجل أَو إِنْسَان كَانَ. وَالْأولَى بكفي رام للقرينة. قَالَ ثَعْلَب فِي أَمَالِيهِ: لم أسمع من فِي مَوضِع الِاسْم إِلَّا فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع قَوْله: جَادَتْ بكفي كَانَ من أرمى الْبشر وَقَوله: أَلا ربّ مِنْهُم من يقوم بمالكا أَلا ربّ مِنْهُم دارعٌ وَهُوَ أشوس انْتهى. وَإِنَّمَا قَالَ لم أسمع لِأَن كَانَ فعل وَرب حرف وَلَا يليهما إِلَّا الْأَسْمَاء. وَبِهَذَا يسْتَدلّ على حرفية من التبعيضية لِأَن رب لَا تجر إِلَّا النكرَة.

وَأَقُول: لَوْلَا وُقُوع هَذَا الْمَوْصُوف مُضَافا إِلَيْهِ هُنَا لجَاز أَن يكون من قبيل: وكلمتها ثِنْتَيْنِ كَالْمَاءِ مِنْهُمَا وَقَالَ ابْن جني فِي الخصائص: رُوِيَ أَيْضا بِفَتْح مِيم من أَي: بكفي من هُوَ أرمى الْبشر وَكَانَ على هَذَا زَائِدَة. انْتهى. أَقُول: جعل من على هَذِه الرِّوَايَة نكرَة مَوْصُوفَة أولى من جعلهَا مَوْصُولَة. وَقَوله: مَالك عِنْدِي الخ لَك: ظرف مُسْتَقر وَغير: فَاعله وَعِنْدِي: مُتَعَلق بلك. وكبداء أَي: قَوس كبداء وَهِي الَّتِي يمْلَأ الْكَفّ مقبضها. وجادت أَي: أَحْسَنت. وَهَذِه رِوَايَة ثَعْلَب وَابْن جني وَغَيرهمَا وَوَقع فِي رِوَايَة ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي: ترمي بدل جدل جَادَتْ ويروى فِي بعض نسخ هَذَا الشَّرْح كَانَت وَهَذَا لَا يُنَاسب الْمَعْنى.) وَقَوله: بكفي مُتَعَلق بِمَحْذُوف على أَنه حَال وَهُوَ مثنى كف وحذفت النُّون للإضافة. وَأنْشد بعده الشَّاهِد السَّادِس وَالْأَرْبَعُونَ بعد الثلاثمائة من شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ:

الوافر (كأنّك من جمال بني أقيش ... يقعقع خلف رجلَيْهِ بشنّ) على أَن حذف الْمَوْصُوف هُنَا بِدُونِ أَن يكون بَعْضًا من مجرور بِمن أَو فِي لضروة الشّعْر وَالتَّقْدِير: كَأَنَّك جمل بني أقيش. وَهَذَا مِثَال لقِيَام الظروف مقَام الْمَوْصُوف لضَرُورَة الشّعْر والبيتان قبله لقِيَام الْجُمْلَة مقَامه كَذَلِك. وَقد أوردهُ ابْن النَّاظِم والمرادي فِي شرح الألفية كَمَا أوردهُ الشَّارِح الْمُحَقق. وَفِيه أَن الْبَيْت من الْقسم الأول وَهُوَ أَن الْمَوْصُوف بِالْجُمْلَةِ أَو الظّرْف إِذا كَانَ بَعْضًا من مجرور بِمن أَو فِي يجوز حذفه كثيرا. وَبَيَانه أَن الْمَوْصُوف يقدر هُنَا قبل يقعقع وَالْجُمْلَة صفة لَهُ أَي: كَأَنَّك جمل يقعقع وَهُوَ بعض من الْمَجْرُور بِمن وَيكون قَوْله من جمال بني أقيش حَالا من ضمير يقعقع الرَّاجِع إِلَى جمل الْمَحْذُوف. وَقد أوردهُ الزَّمَخْشَرِيّ فِي الْمفصل وَصَاحب اللّبَاب فِيمَا يجوز حذف الْمَوْصُوف مِنْهُ إِلَّا أَنَّهُمَا جعلاه خَبرا لَكَانَ كالشارح الْمُحَقق. وهما فِي ذَلِك تابعان لسيبويه فَإِنَّهُ قَالَ فِي بَاب حذف الْمُسْتَثْنى اسْتِخْفَافًا قَالَ: وَذَلِكَ قَوْلك لَيْسَ غير وَلَيْسَ إِلَّا كَأَنَّهُ قَالَ: لَيْسَ إِلَّا ذَاك وَلَيْسَ غير ذَاك وَلكنه حذفوا ذَلِك تَخْفِيفًا واكتفاءً بِعلم الْمُخَاطب مَا يعْنى. وَسَمعنَا بعض الْعَرَب الموثوق بهم يَقُول: مَا مِنْهُمَا مَاتَ حَتَّى رَأَيْته فيي حَال كَذَا وَإِنَّمَا يُرِيد مَا مِنْهُمَا وَاحِد مَاتَ. وَمثل ذَلِك قَوْله تَعَالَى جده: وإنْ من أهلِ الكِتاب إلاَّ لِيُؤْمِنَنَّ بهِ قَبْلَ مَوته وَمثل ذَلِك من الشّعْر: كأنّك من جمال بني أقيش

أَي: كَأَنَّك جمل من جمال بني أقيش. وَمثل ذَلِك قَوْله أَيْضا: لَو قلت مَا فِي قَومهَا لم تيثم) الْبَيْت. انْتهى. وَلَيْسَ فِي كَلَامهم مَا يشْعر كَونه من قبل الضَّرُورَة بل جعله الزَّمَخْشَرِيّ وَصَاحب اللّبَاب من قبل مَا إِذا ظهر أَمر الْمَوْصُوف ظهوراً يسْتَغْنى مَعَه عَن ذكره فَحِينَئِذٍ يجوز تَركه وَإِقَامَة الصّفة مقَامه. وَلم يذكر مَا ذكره الشَّارِح الْمُحَقق من جَوَاز حذفه كثيرا إِذا كَانَ بَعْضًا من مجرور بِمن أَو وَقَوله: بني أقيش بِضَم الْهمزَة وَفتح الْقَاف وَآخره شين مُعْجمَة. قَالَ أَبُو عَمْرو: هُوَ حَيّ من عكل وجمالهم ضِعَاف تنفر من كل شَيْء ترَاهُ. وَقَالَ ابْن الْكَلْبِيّ: بَنو أقيش: حَيّ من الْجِنّ وَإِنَّمَا أَرَادَ إِنَّك نفور وَلَيْسَ لَك مَعْقُود رَأْي. وَقَالَ الْأَصْمَعِي: جمال بني أقيش حوشية لَيست ينْتَفع بهَا فَيضْرب بنفارها الْمثل. وَرَأَيْت فِي جمهرة الْأَنْسَاب: أقيش بن منقر بن عبيد بن مقاعس بن عَمْرو ابْن كَعْب. وَأنْشد هَذَا الْبَيْت. وَقيل: بَنو أقيش فَخذ من أَشْجَع وَقيل: حَيّ من الْيمن. ويقعقع بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول. والقعقعة: تَحْرِيك الشَّيْء الْيَابِس الصلب. والشن بِالْفَتْح: الْقرْبَة البالية وَجَمعهَا شنان وتقعقعها يكون بِوَضْع الْحَصَا فِيهَا وتحريكها فَيسمع مِنْهَا صَوت وَهَذَا مِمَّا يزيدها نفوراً. وَقع مثله فِي شعر صَخْر بن حبناء يُخَاطب أَخَاهُ الْمُغيرَة: الوافر (تجنّيت الذّنوب عليّ جهلا ... لقد أولعت وَيحك بالتّجنّي) (كأنّك إِذْ جمعت المَال عيرٌ ... يقعقع خلف رجلَيْهِ بشنّ) وَمِنْه الْمثل: فلَان مَا يقعقع لَهُ بالشنان يضْرب لمن لَا يتضع لما ينزل بِهِ من حوادث الدَّهْر وَلَا يروعه مَا لَا حَقِيقَة لَهُ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ فِي المستقصى: يضْرب للرجل الشرس الصعب أَي: لَا يهدد وَلَا ينْزع. وَهَذَا الْبَيْت من قصيدة للنابغة الذبياني. قَالَ ابْن السيرافي فِي شرح أَبْيَات سِيبَوَيْهٍ: سَبَب هَذَا الشّعْر أَن بني عبس قتلوا رجلا من بني أَسد فقتلت بَنو أَسد رجلَيْنِ من بني عبس فَأَرَادَ عُيَيْنَة بن حصن الفرزاري أَن يعين بني عبس عَلَيْهِم وينقض الْحلف الَّذِي بَين بني ذبيان وَبَين بني أَسد فَقَالَ لَهُ النَّابِغَة: أتخذل بني أَسد وهم حلفاؤنا وناصرونا وَتعين بني عبس عَلَيْهِم. انْتهى. وَهَذِه أَبْيَات من القصيدة بعد ثَمَانِيَة أَبْيَات من أَولهَا: الوافر (أتخذل ناصري وتعزّعبساً ... أيربوع بن غيظِ للمعنّ) (كأنّك من جمال بني أقيش ... يقعقع خلف رجلَيْهِ بشنّ)

. (تكون نعَامَة طوراً وطوراً ... هويّ الرّيح تنسج كلّ فنّ) (إِذا حاولت فِي أَسد فجوراً ... فإنّي لست مِنْك وَلست منّي) (هم دِرْعِي الَّتِي استلأمت فِيهَا ... إِلَى يَوْم النّسار وهم مجنّي) (وهم وردوا الجفار على تميمٍ ... وهم أَصْحَاب يَوْم عكاظ إنّي) (شهِدت لَهُم مَوَاطِن صادقتٍ ... أتيتهم بنصح الصّدر منّي) (بكلّ مجرّبٍ كاللّيث يسمو ... على أوصال ذيّال رفنّ) (وَلَو أنّي أطعتك فِي أُمُور ... قرعت ندامةً من ذَاك سنّي)

وَقَوله: أتخذل ناصري وتعزّ عبساً هَذَا خطاب لعيينة بن حصن وَأَرَادَ بناصره بني أَسد. وَقَوله: أيربوع بن غيظ للمعنّ هَذَا خطاب آخر ليربوع بن غيظ بن مرّة بن عَوْف بن سعد بن ذبيان وَهُوَ من قوم النَّابِغَة والمعن بِكَسْر الْمِيم وَفتح الْعين الْمُهْملَة: الْمُعْتَرض فِي الْأُمُور وعنى بِهِ عُيَيْنَة بن حصن يُقَال: عَن يعن وَإنَّك لتعن فِي هَذَا الْأَمر أَي: تعرض فِيهِ. وَاللَّام فِي المعن مُتَعَلقَة بِمَحْذُوف أَي: تعجب يَا يَرْبُوع من هَذَا المتعرض. وَقَوله: كَأَنَّك من جمال الخ هَذَا خطاب لعيينة أَيْضا. يَقُول: أَنْت سريع الْغَضَب والنفور تنفر مِمَّا لَا يَنْبَغِي لعاقل أَن ينفر مِنْهُ. وَقيل مَعْنَاهُ إِنَّك جبان فِي الْحَرْب لَا تقدر على الطعان والضراب بل تنفر عَنْهَا كَمَا ينفر الْجمل عَن صَوت الشن وقعقعته. وَقَوله: تكون نعَامَة قَالَ أَبُو عَمْرو: يَقُول: تتخيل مرّة كَذَا وَمرَّة كَذَا. وَقَوله: هوي الرّيح يُرِيد طوراً تهوي هوي الرّيح. والفن: اللَّوْن وَالْجمع الْفُنُون. وَقَالَ الْأَصْمَعِي: وَقَوله: إِذا حاولت فِي أَسد فجوراً اسْتشْهد بِهِ الزَّمَخْشَرِيّ عِنْد قَوْله تَعَالَى: وربائبك اللاَّتي فِي جُحورِكُمْ مِنْ نِسَائكم.

وَقَوله: دِرْعِي الَّتِي الخ اللأمة بِالْهَمْزَةِ: الدرْع واستلأمتها: تحصنت فِيهَا. والمجن: الترس. والنسار بِكَسْر النُّون: اسْم مء لبني عَامر من بني تَمِيم وفهي وقْعَة كَانَت لأسد وغَطَفَان على) تَمِيم. وَقَوله: وردوا الجفار الْبَيْتَيْنِ فِي الْبَيْت التَّضْمِين وَهُوَ عيب وَهُوَ أَن يتَوَقَّف على الْبَيْت الثَّانِي فَأن خبر إِن هُوَ أول الْبَيْت الثَّانِي الجفار بِكَسْر الْجِيم: اسْم مَاء لبني تَمِيم بِنَجْد. وَقَوله: بِكُل مجرب كالليث الخ أَي: بِكُل بِشُجَاعٍ مجرب فِي الحروب. ورفن بِكَسْر الرَّاء الْمُهْملَة بعْدهَا فَاء قَالَ أَبُو عَمْرو: هُوَ السَّرِيع. وَالذَّيَّال: الطَّوِيل الذَّنب. والأوصال: المفاصل أَي: على أوصال فرس يذيل فِي مشيته سابغ الذَّنب. والنابغة الذبياني شَاعِر جاهلي قد تقدّمت تَرْجَمته فِي الشَّاهِد الرَّابِع بعد الْمِائَة. (وَالْمُؤمن العائذات الطّير يمسحها ... ركبان مكّة بَين الغيل والسّند) على أَن العائذات كَانَ فِي الأَصْل نعتاً لطير فَلَمَّا تقدم وَكَانَ صَالحا لمباشرة الْعَامِل أعرب بِمُقْتَضى الْعَامِل وَصَارَ المنعوت بَدَلا مِنْهُ فالطير بدل من العائذات وَهُوَ مَنْصُوب إِن كَانَ العائذات مَنْصُوبًا بالكسرة على أَنه مفعول بِهِ لِلْمُؤمنِ ومجرور إِن كَانَ العائذات مجروراً بِإِضَافَة الْمُؤمن إِلَيْهِ. وَالْأَصْل على الأول: وَالْمُؤمن الطير العائذات بِنصب الأول بالفتحة وَالثَّانِي بالكسرة. وعَلى الثَّانِي: وَالْمُؤمن الطير العائذات بجرهما بِالْكَسْرِ فَلَمَّا قدم النَّعْت أعرب بِحَسب الْعَامِل وصر المنعوت بَدَلا مِنْهُ. هَذَا مُحَصل كَلَام الشَّارِح الْمُحَقق وَهُوَ فِي هَذَا تَابع لأبي عَليّ فِي الْإِيضَاح الشعري وَهَذِه عِبَارَته: من كَانَت الكسرة عِنْده جرة على هَذَا الْحسن الْوَجْه جر الطير لِأَن العائذات مجرورة. وَمن كَانَت الكسرة عِنْده فِي مَوضِع نصب على قَوْلك: الضَّارِب الرجل نصب الطير وَالطير فِي هَذَا الْموضع بدل أَو عطف وَإِنَّمَا كَانَ حَده. وَالْمُؤمن

الطير العائذات أَو الطير العائذات فَقدم العائذات وَأخر الطير. وَالْمُؤمن هُوَ الله سُبْحَانَهُ وَهُوَ اسْم فَاعل من آمن كَمَا قَالَ: الَّذِي أطْعمهُم من جوع وآمنهم من خوف أَي: آمنهم من الْخَوْف لكَوْنهم فِي الْحرم وحلولهم فِيهِ. انْتهى. وَلم يرض الزَّمَخْشَرِيّ هَذَا فِي الْمفصل فِي بَاب الْإِضَافَة أَن العائذات كَانَ فِي الأَصْل الطير العائذات فَحذف الْمَوْصُوف وَجعل العائذات اسْما لَا صفة فَلَمَّا جعلت اسْما احْتَاجَت إِلَى تَبْيِين وَلَا يخفى أَن هَذَا تكلّف وَلِهَذَا أعرض عَنهُ الشَّارِح.) وَزعم بَعضهم أَن الطير بدل بعض من العائذات لِأَن العائذات عَام يَقع على الطير والوحش وَغَيرهمَا. وَهَذَا الْبَيْت من قصيدة للنابغة الذبياني وَهُوَ أحسن شعره وَلِهَذَا ألحقوها بالقصائد المعلقات مدح بهَا النُّعْمَان بن الْمُنْذر ملك الْحيرَة وتبرأ فِيهَا مِمَّا اتهمَ بِهِ عِنْد النُّعْمَان.

وَتقدم أَبْيَات مِنْهَا فِي بَاب الِاسْتِثْنَاء وَفِي خبر كَانَ وَفِي غَيرهمَا. وَهَذِه أَبْيَات مِنْهَا: (فَلَا لعمر الَّذِي قد زرته حجَجًا ... وَمَا هريق على الأنصاب من جَسَد) وَالْمُؤمن العائذات الطّير ... ... ... ... ... . الْبَيْت (مَا إِن أتيت بشيءٍ أَنْت تكرههُ ... إِذن فَلَا رفعت سَوْطِي إليّ يَدي) (إِذن فعاقبني ربّي معاقبةً ... قرّت بهَا عين من يَأْتِيك بِالْحَسَدِ) (هَذَا لأبرأ من قولٍ قذفت بِهِ ... طارت نوافذه حرّى على كَبِدِي) قَوْله: فَلَا لعمر الَّذِي الخ لَا الدَّاخِلَة على الْقسم قيل نَافِيَة منفيّها مَحْذُوف أَي: لَيْسَ الْأَمر كَمَا زَعَمُوا وَقيل: زَائِدَة تَوْطِئَة لنفي جَوَاب الْقسم وَعمر مُبْتَدأ مَحْذُوف الْخَبَر وجوبا أَي: قسمي. وحججاً: جمع حجَّة بِكَسْر الْمُهْملَة فيهمَا وَبعدهَا جِيم وَهِي السّنة. أقسم بِالْبَيْتِ الَّذِي زَارَهُ فِي سِنِين مُتعَدِّدَة وَهُوَ الْبَيْت الْحَرَام. وَقَوله: وَمَا هريق على الأنصاب هريق بِمَعْنى أريق وَالْهَاء بدل من الْهمزَة. والأنصاب: حِجَارَة كَانَت الْعَرَب فِي الْجَاهِلِيَّة تنصبها وتذبح عِنْدهَا. والجسد بِفَتْح الْجِيم هُوَ الدَّم. وَمَا مَعْطُوف على الَّذِي وَكَذَا قَوْله وَالْمُؤمن. وَزعم من لم يطلع على الْبَيْت الأول أَن الْوَاو وَاو الْقسم. والعائذات: مَا عاذ بِالْبَيْتِ من الطير قَالَ ثَعْلَب: أَرَادَ بالعائذات الْحمام لما عاذت بِمَكَّة والتجأت إِلَيْهَا حرم قَتلهَا وآمنها من أَن تضام. وَقد أغرب بَعضهم بقوله العائذات جمع عَائِذ وَهِي الحديثة النِّتَاج من الطُّيُور والبهائم وَهُوَ من عذت بالشَّيْء التجأت إِلَيْهِ لِأَن الْحَامِل إِذا ضربهَا الْمَخَاض عاذت. وَهُوَ فِي الأَصْل من بَاب الْكِنَايَة. انْتهى.

وَفِيه أَن العائذ الْمَعْنى الْمَذْكُور خَاص بالناقة.) وَالطير: جمع طَائِر مثل صحب وَصَاحب وَقد يَقع على الطير الْوَاحِد وَجمعه طيور وأطيار. وركبان: جمع ركب وَجُمْلَة: يمسحها ركبان مَكَّة حَال من الطير. والسند بِفتْحَتَيْنِ: مَا قابلك ورى أَبُو عُبَيْدَة الغيل بِكَسْر الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَقَالَ: هِيَ والسند أجمتان كَانَتَا بَين مَكَّة وَمنى. وأنكرها الْأَصْمَعِي وَقَالَ: إِنَّمَا الغيل بِالْفَتْح وَهُوَ مَاء وَإِنَّمَا يَعْنِي النَّابِغَة مَاء كَانَ يخرج من أبي قبيس. كَذَا فِي شرح ديوَان النَّابِغَة. وَلم يذكر أَبُو عبيد هَذَا فِي مُعْجم مَا استعجم. وَقَوله: مَا إِن أتيت بِشَيْء الخ هَذَا هُوَ جَوَاب الْقسم. وَاسْتشْهدَ بِهِ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي على أَن إِن تزاد بعد مَا النافية. يَقُول: مَا فعلت شَيْئا تكرههُ أَنْت وَإِلَّا فَلَا رفعت يَدي إِلَيّ سَوْطِي اي: شلت يَدي وَلم تقدر على رفع السَّوْط. وَقَوله: إِذن فعاقبني رَبِّي الخ هَذَا دُعَاء آخر على نَفسه. وَقَوله: هَذَا لأبرأ الخ أَي: هَذَا الْقسم لأجل أَن أَتَبرأ مِمَّا اتهمت بِهِ. والنوافذ تَمْثِيل من قَوْلهم: جرح نَافِذ. أَي: قَالُوا قولا صَار حره على كَبِدِي وشقيت بِهِ. وَأنْشد بعده: وليلٍ أقاسه بطيء الْكَوَاكِب على أَنه يجوز أَن تُوصَف النكرَة بِالْجُمْلَةِ قبل وصفهَا بالمفرد إِذا اجْتمعَا

كَمَا هُنَا فَإِن لَيْلًا قد وصف بجملة أقاسيه قبل وَصفه بقوله بطيء وَلَيْسَ مجروراً بالْعَطْف على هم فِي صدر الْبَيْت كليني لَهُم يَا أُمَيْمَة ناصب يَقُول: دعيني واتركيني لهَذَا الْهم المتعب ومقاساة اللَّيْل البطيء الْكَوَاكِب. وَهَذَا الْبَيْت مطلع قصيدة للنابغة الذبياني أَيْضا تقدم الْكَلَام عَلَيْهِ مفصلا فِي الشَّاهِد السَّابِع وَالثَّلَاثِينَ بعد الْمِائَة. وَأنْشد بعده الشَّاهِد الثَّامِن وَالْأَرْبَعُونَ بعد الثلاثمائة: الطَّوِيل (أَلا أيّها الطّير المربّة بالضّحى ... على خَالِد لقد وَقعت على لحم) على أَن الصّفة رُبمَا تنوى وَلم تذكر للْعلم بهَا كَمَا هُنَا. فَإِن التَّقْدِير على لحم أَي: لحم. وَأوردهُ فِي بَاب اسْم الْفِعْل أَيْضا على أَن التنكير فِي لحم للابهام أَن التفخيم. وَكَذَا أوردهُ فِي التفسيرين عِنْد قَوْله تَعَالَى: أولئكَ عَلَى هُدىً مِنْ رَبِّهم على تنكير هدى للتعظيم أَي: هدى عَظِيم كتنكير لحم فِي هَذَا الْبَيْت أَي: لحم عَظِيم. وَالْفرق بَينهمَا أَن الأول مَفْهُوم من اللَّفْظ الْمَحْذُوف وَالثَّانِي من الفحوى والمحوج إِلَى هَذَا استقامة الْمَعْنى ولولاه لَكَانَ لَغوا

لَا يُفِيد شَيْئا وَلِهَذَا اعْتبر سَوَاء كَانَ بِالطَّرِيقِ الأولى أم الثَّانِيَة. ولجوازهما قدر الشَّارِح الْمُحَقق هُنَا الْوَصْف واعتبره هُنَاكَ من التنكير لما فِيهِ من الْإِبْهَام الْمُقْتَضى للتفخيم والتعظيم. وَنقل عَن الزَّمَخْشَرِيّ أَنه كَانَ إِذا أنْشد هَذَا الْبَيْت يَقُول: مَا أفصحك من بَيت وَصدر الْبَيْت لم أره كَذَا إِلَّا فِي رِوَايَة الشَّارِح الْمُحَقق. وَالْبَيْت من شعر مَذْكُور فِي أشعار هُذَيْل ذكر فِي موضِعين مِنْهَا ذكر فِي الْموضع الأول سِتَّة أَبْيَات وَفِي الْموضع الثَّانِي اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ بَيْتا. أما الرِّوَايَة الأولى وَالشعر مَنْسُوب لأبي خرَاش فَهِيَ هَذِه: (إنّك لَو أَبْصرت مصبر خالدٍ ... بِجنب السّتار بَين أظلم فالحزم) (لأيقنت أنّ الْبكر لَيْسَ رزيّةً ... والنّاب لااضطمّت يداك على غنم) (تذكّرت شجواً ضافني بعد هجعةٍ ... على خالدٍ فالعين دائمة السّجم) (لعمر أبي الطّير المربّة بالضّحى ... على خَالِد لقد وَقعت على لحم) (كليه وربّي لَا تجيئين مثله ... غَدَاة أَصَابَته المنيّة بالرّدم) (وَلَا وَأبي لَا تَأْكُل الطير مثله ... طَوِيل النّجاد غير هار وَلَا هشم) قَوْله: إِنَّك لَو أَبْصرت هَذَا خطاب لعشيقة خَالِد بن زُهَيْر الْهُذلِيّ قتل بِسَبَبِهَا كَمَا يَأْتِي بَيَان قَتله. وخَالِد هُوَ ابْن أُخْت أبي ذُؤَيْب الْهُذلِيّ. والستار بِكَسْر السِّين الْمُهْملَة بعْدهَا مثناة فوقية وَآخره رَاء مُهْملَة قَالَ الْبكْرِيّ فِي مُعْجم مَا استعجم: هُوَ جبل مَعْرُوف بالحجاز. وَأنْشد هَذَا الْبَيْت.) وأظلم

على وزن أفعل التَّفْضِيل من الظُّلم قَالَ الْبكْرِيّ: هُوَ مَوضِع قريب من الستار. والحزم بِفَتْح الْمُهْملَة وَسُكُون الزَّاي الْمُعْجَمَة هُوَ مَوضِع يُقَال لَهُ: حزم بني عَوَالٍ. وَوُقُوع هَذِه الْفَاء بعد بَين قد شَرحه الشَّارِح الْمُحَقق فِي الْفَاء العاطفة. وَقَوله: لأيقنت أَن الْبكر هُوَ بِالْفَتْح الْجمل الشَّاب. والناب: النَّاقة المسنة. يَقُول: لَو رَأَيْت هَلَاك خَالِد لعَلِمت أَن ذهَاب الْبكر والناب ليسَا بمصيبة واستخففت مصابهما. وَقَوله: لَا اضطمت الخ هُوَ دُعَاء عَلَيْهَا وَهُوَ افتعلت من الضَّم أَي: لَا غنمت يداك بل خيبك الله إِذْ صرت تحزنين على هَذَا الْبكر. وَقَوله: تذكرت شجواً هُوَ بِضَم التَّاء. والشجو: الْحزن. وضافني: نزل بِي كالضيف. والهجعة: النومة. والسجم: السكب. وَقَوله: لعمر أبي الطير قَالَ السكرِي فِي شرح أشعار هُذَيْل: قَوْله لقد وَقعت على لحم: كَانَ مَمْنُوعًا. وَالطير مضبوط بالكسرة فِي نُسْخَتي وَهَذِه نُسْخَة قديمَة صَحِيحَة تَارِيخ كتَابَتهَا فِي سنة مِائَتَيْنِ بعد الْهِجْرَة وَعَلَيْهَا خطوط الْعلمَاء مِنْهُم ابْن فَارس صَاحب الْمُجْمل فِي اللُّغَة كتب لعمر مُبْتَدأ مَحْذُوف الْخَبَر أَي: قسمي وَقَوله: لقد وَقعت جَوَاب الْقسم وَهُوَ خطاب للطير على الِالْتِفَات. وروى لقد عكفن بدله من العكوف بالغيبة وَالنُّون ضمير الطير وَعَلِيهِ لَا الْتِفَات. وَأَرَادَ

بِأبي الطير الْوَاقِعَة على لَحْمه واستعظمها بالقسم بهَا لاستعظام لحم خَالِد الْعَظِيم فَفِيهِ تَعْظِيم للإقسام عَلَيْهِ بِنَفسِهِ كَمَا قَالَ أَبُو تَمام: وثناياك إنّها إغريض والمربة: اسْم فَاعل صفة للطير من أرب بِالْمَكَانِ إِذا أَقَامَ بِهِ. وَرُوِيَ فِي التفسيرين: فَلَا وَأبي الطير المربة بالضحى فَلَا رد لما يتَوَهَّم من تحقيره بِأَكْل الطير لَهُ وَقيل زَائِدَة. وَزعم بَعضهم أَن أبي بياء الْمُتَكَلّم وَالطير بِالرَّفْع. وَبَعض آخر لِأَن أبي أَصله أبين بِالْجمعِ حذفت نونه للإضافة. وَلَا يخفى ركاكته. وَقَالَ السعد فِي حَاشِيَة الْكَشَّاف: وَرُوِيَ بِرَفْع الطير على أَنه فَاعل فعل يفسره لقد عكفن. وَقَوله: كليه وربي أَمر للطير بِالْأَكْلِ يرغبها فِي أكلهَا إِيَّاه فَإِنَّهَا لَا تَجِيء إِلَى مثله وَلَا تظفر بِهِ. وَقَوله: وَلَا وَأبي لَا تَأْكُل الطير الخ هار أَصله هائر أَي: ضَعِيف سَاقِط فَقلب وَحذف) بالإعلال مثل شاكي السِّلَاح أَصله شائك. والهشم: الرخو الضَّعِيف.

وَأما الرِّوَايَة الثَّانِيَة بعد ثَمَانِي أوراق بعد هَذَا ونسبها الْأَخْفَش لخراش بن الْمَذْكُور. وَالْقَصِيدَة هَذِه: (أرقت لهمّ ضافني بعد هجعةٍ ... على خالدٍ فالعين دائمة السّجم) (إِذا ذكرته الْعين أغرفها البكا ... وتشرق من تهمالها الْعين بالدمّ) (فباتت تراعي النّجم عين مريضةٌ ... لما عالها واعتادها الْحزن بالسّقم) عالها: أثقلها وشق عَلَيْهَا. (وَمَا بعد أَن قد هدّني الْحزن هدّةً ... تضال لَهَا جسم ورقّ لَهَا عظمي) (وَأَن قد أصَاب الْعظم منّي مخامرٌ ... من الدّاء داءٌ مستكنٌّ على كلم) تضال بِمَعْنى صغر وَضعف وَأَصله بِالْهَمْزَةِ بعد الْألف فحذفها للضَّرُورَة. ومخامر: مخالط وملازم. والكلم بِالْفَتْح: الْجرْح. (وَأَن قد بدا منّي لما قد أصابني ... من الْحزن أنّي ساهم الْوَجْه ذُو همّ) (شَدِيد الأسى بَادِي الشّحوب كأنّني ... أَخُو جنّةٍ يعتاده الخبل فِي الْجِسْم) الساهم: الْمُتَغَيّر. الأسى: الْحزن. والشحوب: التَّغَيُّر. وجنة بِالْجِيم

هُوَ الْجِنّ. وَرُوِيَ حَيَّة بِمُهْملَة ومثناة تحتية يَعْنِي ملسوعاً. والخبل بِفَتْح الْمُعْجَمَة: فَسَاد الْجِسْم وَالْعقل. (يعود على ذِي الْجَهْل بالحلم والنّهى ... وَلم يَك فحّاشاً على الْجَار ذَا عذم) لَا يجتوي بِالْجِيم أَي: لَا يكره. والعذم بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الذَّال الْمُعْجَمَة. العض والوقيعة. (وَلم يَك فظّاً قَاطعا لقرابةٍ ... وَلَكِن وصُولا لِلْقَرَابَةِ ذَا رحم) (وَكنت إِذا ساجرت مِنْهُم مساجراً ... صفحت بفضلٍ فِي الْمُرُوءَة وَالْعلم) هَذَا خطاب لخَالِد. وساجرت بِالْجِيم بِمَعْنى عاشرت. والسجير: العشير والصاحب. (وَكنت إِذا مَا قلت شَيْئا فعلته ... وفتّ بِذَاكَ النّاس مُجْتَمع الحزم) (وَإِن تَكُ غالتك المنايا وصرفها ... فقد عِشْت مَحْمُود الْخَلَائق والحلم) (كريم سجيّات الْأُمُور محبّباً ... كثير فضول الكفّ لَيْسَ بِذِي وصم) (أشمّ كنصل السّيف يرتاح للنّدى ... بَعيدا من الْآفَات والخلق الوّخم))

(جمعت أموراً ينفذ الْمَرْء بَعْضهَا ... من الْحلم وَالْمَعْرُوف وَالْحسن الضّخم) الْمَرْء: مفعول ينفذ وَبَعضهَا فَاعله. يَقُول: بعض هَذِه الْأُمُور الَّتِي فِيك تجْعَل الْمَرْء نَافِذا فائقاً لَا يقدر على كسبها فَكيف كلهَا وَقد اجْتمعت فِيك. والمرء بِكَسْر الْمِيم فِي لُغَة هُذَيْل. رِوَايَة هَذَا الْبَيْت هُنَا كَذَا وَقعت وَقَالَ السكرِي هُنَا: أَرَادَ التَّعَجُّب أَي: أَي لحم وَقعت عَلَيْهِ. ويروى: (لقد قلت للطّير المربّة غدْوَة ... على خالدٍ لقد وَقعت على لحم) والمربة: المقيمة. انْتهى. (وَلحم امرئٍ لم تطعم الطّير مثله ... عَشِيَّة أَمْسَى لَا يبين من الْبكم) أَرَادَ الْبكم بِفتْحَتَيْنِ فَخفف. (فكلاّ وربّي لَا تعودي لمثله ... عَشِيَّة لاقته المنيّة بالرّدم) (فَلَا وَأبي لَا تَأْكُل الطّير مثله ... طَوِيل النّجاد غير هارٍ وَلَا هشم) (أبعدك أَرْجُو هَالكا لِحَيَاتِهِ ... لقد كنت أرجوه وَمَا عِشْت بالرّغم) (فوا الله لَا أنساك مَا عِشْت لَيْلَة ... ضفيٌّ من الإخوان وَالْولد الحتم)

. الضفي: فعول من ضفا يضفو إِذا كثر. والحتم: الْحق. (تطيف عَلَيْهِ الطّير وَهُوَ ملحّبٌ ... خلاف الْبيُوت وَهُوَ مُحْتَمل الصّرم) الملحب: بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة: المقطع. والصرم بِالْكَسْرِ: الْحَيّ. (لأيقنت أنّ النّاب لَيست رزيّةً ... وَلَا الْبكر لَا التفتّ يداك على غنم) هَذَا خطاب مَعَ الْمَرْأَة يَقُول: إِن الْمُصِيبَة قتل ذَاك لَيْسَ الْمُصِيبَة ناباً تصابين بهَا. ثمَّ دَعَا عَلَيْهَا: لَا رزق الله يَديك خيرا تلتلف عَلَيْهِ. (وأيقنت أنّ الْجُود مِنْهُ سجيّةٌ ... وَمَا عِشْت عَيْشًا مثل عيشك بِالْكَرمِ) (أَتَتْهُ المنايا وَهُوَ غضٌّ شبابه ... وَمَا للمنايا عَن حمى النّفس من عزم) مَا: نَافِيَة. وَالْكَرم بِالضَّمِّ: الْعِزَّة. والعزم هُنَا: الصَّبْر. (وكل امرئٍ يَوْمًا إِلَى الْمَوْت صائرٌ ... قضاءٌ إِذا مَا حَان يُؤْخَذ بالكظم)) (وَمَا أحدٌ حيٌّ تأخّر يَوْمه ... بأخلد ممّن صَار قبل إِلَى الرّجم) والكظم بِالْفَتْح: الْحلق وَقيل الْفَم وَقيل مخرج النَّفس وَأَصله بِفتْحَتَيْنِ فسكن ضَرُورَة. وَالرَّجم بِالْفَتْح: الْقَبْر وَأَصله أَيْضا بِفَتْح الْجِيم فسكن. (سَيَأْتِي على البَاقِينَ يومٌ كَمَا أَتَى ... على من مضى حتمٌ عَلَيْهِ من الحتم) (جزى الله خيرا خَالِدا من مكافئٍ ... على كلّ حالٍ من رخاءٍ وَمن أزم) (فلست بناسيه وَإِن طَال عَهده ... وَمَا بعده للعيش عِنْدِي من طعم)

وَهَذَا آخر القصيدة. والأزم: الشدَّة. وَإِنَّمَا سقتها بِتَمَامِهَا لحسنها وانسجامها وَلِأَن شرَّاح وروى قصَّة قَتله قَالَ: زَعَمُوا أَن رجلا من هُذَيْل كَانَ يُقَال لَهُ: وهب بن جَابر هوي امْرَأَة من هُذَيْل كَانَ يُقَال لَهَا أم عَمْرو فاصطاد يَوْمًا ظَبْيَة فَقَالَ يخاطبها: الوافر (فَمَا لَك يَا شَبيهَة أمّ عَمْرو ... إِذا عاينتنا لَا تأمنينا) (فعينك عينهَا إِذْ قُمْت وسنى ... وجيدك جيدها لَو تنطقينا) (وساقك حمشةٌ ولأمّ عَمْرو ... خدلّجةٌ تضيق بهَا البرينا) (ورأسك أزعرٌ ولأمّ عَمْرو ... غدائر ينعفرن وينثنينا) تضيق من الْإِضَافَة. والبرين: جمع برة وَهِي الخلخال. ثمَّ خلى سبيهَا فَبلغ ذَلِك أم عَمْرو فعطفت عَلَيْهِ فاستمكن مِنْهَا وَكَانَ رسولها إِلَيْهِ أَبَا ذُؤَيْب الشَّاعِر فَلَمَّا أَيفع أَبُو ذُؤَيْب وَكَانَ جميلاً رغبت فِيهِ واطرحت وهباً فَفَشَا أَمرهمَا فِي هُذَيْل وَقصر عَن بعض زيارتها وأخفى أمرهَا خشيَة أَن يرصد فيغتال. فَانْطَلق إِلَى ابْن أُخْت لَهُ يُقَال لَهُ: خَالِد بن زُهَيْر فَأخْبرهُ بِأَمْر أم عَمْرو وَقَالَ لَهُ: هَل لَك أَن تكون رَسُولي إِلَيْهَا وتعاهدني

على أَن لَا تغدرني. فَأعْطَاهُ خالدٌ مواثيقه وَاخْتلف بَينهمَا فَلم تلبث أَن عشقت خَالِدا وَتركت أَبَا ذُؤَيْب. وَكَانَ أَبُو ذُؤَيْب يُرْسل خَالِدا إِلَيْهَا فَينْطَلق فيتحدث إِلَيْهَا بِحَدِيث نَفسه فَإِذا انْصَرف قَالَ لأبي ذُؤَيْب: لم ألج إِلَيْهَا الخبا وَجدتهَا وسنى وَكَانَ ينْصَرف عَنْهَا مُلَطَّخًا بالطيب فارتاب أَبُو ذُؤَيْب من ذَلِك وَجعل يمس خَدّه ويشم ثَوْبه فيجد مِنْهُ ريح الطّيب وَأنكر ذَلِك خالدٌ من خَاله فَقَالَ خَالِد لأمه وَهِي أُخْت أبي ذُؤَيْب: الرجز (يَا قوم من لي وَأَبا ذُؤَيْب ... كنت إِذا أتوته من غيب)) (يشمّ خدّي ويشدّ ثوبي ... كأنّني أربته بريب) من أجل أَن يرميني بِغَيْب فَقَالَ لَهُ أَبُو ذُؤَيْب يَوْمًا: انْطلق إِلَيْهَا يَا خَالِد فَإِنِّي أُرِيد أَن آتيها السَّاعَة. فَانْطَلق خَالِد إِلَيْهَا فعانقها وَقضى مَا أَرَادَ من لهوه وضاجعها وَذهب بهما النّوم فجَاء أَبُو ذُؤَيْب بعد ذَلِك فَأخذ سَهْمَيْنِ من سهامه فوضعهما عِنْد رؤوسهما وأرجلهما ثمَّ انْصَرف فَلَمَّا انتبه خَالِد عرف السهمين فَأَعْرض عَن أبي ذُؤَيْب إِذْ عرف أَنه قد أَيقَن بغدره. وَأَقْبل أَبُو ذُؤَيْب على أم عَمْرو فَقَالَ: الطَّوِيل (تريدين كَيْمَا تجمعيني وخالداً ... وَهل يجمع السّيفان وَيحك فِي غمد) فَأَجَابَهُ خَالِد من شعر: (فَلَا تسخطن من سنّة أَنْت سرتها ... فأوّل راضٍ سيرةً من يسيرها) وَجرى بَينهمَا أشعار مَذْكُورَة فِي أشعار الهذليين. فَلَمَّا رأى وهب بن جَابر فَسَاد مَا بَينهمَا بعث ابْنه عَمْرو بن وهب فبذل لأم عَمْرو ذَات يَده فعطفها على نَفسه بالطمع وَكَانَ عَمْرو من أعظم شباب هُذَيْل واستمسكت

بِخَالِد لعشقها إِيَّاه فَكَانَ لخَالِد سرها ولعمرو علانيتها. فَبينا عَمْرو عِنْدهَا ذَات يَوْم إِذْ أَتَاهَا خَالِد وَهِي وَهُوَ على شرابهما فَقَامَ مستبطناً سَيْفه فولج عَلَيْهِمَا فَضرب رَأس عَمْرو ثمَّ خرج هَارِبا فَمر بِأبي ذُؤَيْب وَأبي خرَاش وَرَبِيعَة بن جحدر وهم يتصيدون فَقَالَ أَبُو ذُؤَيْب: مَا وَرَاءَك يَا خَالِد فَقَالَ: قتلت عمرا. قَالَ: قد أوقعتني فِي شَرّ طَوِيل عَلَيْك بالحزم فَبلغ الْخَبَر وهب بن جَابر فَركب وَركب مَعَه جَبَّار بن جَابر فِي رهطهما فَمروا بِأبي ذُؤَيْب وَأبي خرَاش وَرَبِيعَة بن جحدر فَسَأَلَهُمْ عَنهُ فَقَالُوا: لم نعلمهُ وَلَكِن هَل لَك فِي شِيَاه من الأروى قَالَ: مَا لي بِهن من حَاجَة ومضوا فِي طلب خَالِد حَتَّى لحقوه بجبل يُقَال لَهُ: أظلم فَقَتَلُوهُ فَبلغ ذَلِك أَبَا ذُؤَيْب وخراشاً وَرَبِيعَة ابْن جحدر فَعِنْدَ ذَلِك قَالَ ربيعَة من شعر: الطَّوِيل (فو الله لَا ألْقى كيومٍ لخالدٍ ... حَياتِي حتّى يَعْلُو الرّأس رامس) وَقَالَ أَبُو ذُؤَيْب يرثي خَالِدا: (لعمر أبي الطّير المربّة فِي الضّحى ... على خالدٍ لقد وَقعت على لحم) ثمَّ جمع أَبُو ذُؤَيْب رهطه فَاقْتَتلُوا قتالاً شَدِيدا فَقتل عُرْوَة بن جحدر وَنَجَا خرَاش بن أبي) جحدر فَعِنْدَ ذَلِك قَالَ أَبُو جحدر: الطَّوِيل (حمدت إلهي بعد عُرْوَة إِذْ نجا ... خراشٌ وَبَعض الشّرّ أَهْون من بعض) ثمَّ إِن الْقَوْم تحاجزوا والقتلى فِي أَصْحَاب أبي ذُؤَيْب أَكثر فطلبوا خويلداً وَهُوَ أَبُو خرَاش ابْن وائلة الْهُذلِيّ وَهُوَ فِي الحزم وَمَعَهُ امْرَأَته فَلَمَّا علم بأمرهم أَمر امْرَأَته أَن تسير أَمَامه وتقيم بمَكَان وَصفه لَهَا فَأَخْبرهَا

أَن قومه يطلبونه بذحل فَإِن أَبْطَأت عَلَيْك فانعيني لقَوْمك. فقصدوا خويلداً حَتَّى خرج عَلَيْهِم فتنكروا لَهُ ورحبوا بِهِ فَفطن لَهُم وَانْصَرف رَاجعا فَاتَّبعُوهُ فسبقهم ورموه بأسهم فَلم تصبه. فَهُوَ حَيْثُ يَقُول: الطَّوِيل (رفوني وَقَالُوا يَا خويلد لَا ترع ... فَقلت وَأنْكرت الْوُجُوه: هم هم) هَذَا مَا أوردهُ السكرِي فِي آخر أشعار الهذليين. وأوردنا الْقِصَّة هُنَا لِأَن فِيهَا أشعاراً فِيهَا شَوَاهِد إِذا جَاءَت فِيمَا سَيَأْتِي نحيل عَلَيْهَا. وَكَانَت هَذِه الْوَقْعَة قبل إِسْلَام أبي ذُؤَيْب وَأبي خرَاش. وَالله أعلم. وَأنْشد بعده الوافر (فإيّاكم وحيّة بطن وادٍ ... هموز النّاب لَيْسَ لكم بسيّ) على أَن سِيبَوَيْهٍ اسْتدلَّ بِهِ على جر الْجوَار ردا على الْخَلِيل فِي زَعمه أَنه لَا يجوز إِلَّا إِذا اتّفق الْمُضَاف والمضاف إِلَيْهِ فِي أُمُور ذكرهَا الشَّارِح الْمُحَقق: مِنْهَا اتِّفَاقهمَا فِي التَّذْكِير والتأنيث وَهَذَا الْبَيْت يرد عَلَيْهِ فَإِن هموز نعت الْحَيَّة المنصوبة. وجر لمجاورته لأحد المجرورين وَهُوَ بطن أَو وَاد. وعينه ابْن جني فِي شرح تصريف الْمَازِني فَقَالَ: جر هموز لمجاورته لواد مَعَ اخْتِلَاف الْمُضَاف والمضاف إِلَيْهِ تذكيراً وتأنيثاً فَإِن حَيَّة مؤنث وَمَا بعْدهَا مُذَكّر. وَفِيه أَن كلا من الْحَيَّة وَمَا بعْدهَا مُذَكّر.

أما الْحَيَّة فقد قَالَ صَاحب الصِّحَاح: الْحَيَّة للذّكر وَالْأُنْثَى وَإِنَّمَا دخله الْهَاء لِأَنَّهُ وَاحِد من جنس كبطة ودجاجة. وَفُلَان حَيَّة ذكر. على أَنه قد رُوِيَ عَن الْعَرَب: رَأَيْت حَيا على حَيَّة أَي: ذكرا على أُنْثَى. انْتهى.) أما الْبَطن فقد قَالَ صَاحب الصِّحَاح أَيْضا: الْبَطن خلاف الظّهْر وَهُوَ مُذَكّر وَحكى أَبُو حَاتِم عَن أبي عُبَيْدَة أَن تأنيثه لُغَة. انْتهى. وَأما الْوَادي فَهُوَ مُذَكّر لَا غير فَيجوز للخليل أَن يَدعِي توَافق الْمُضَاف والمضاف إِلَيْهِ تذكيراً بِجعْل الْحَيَّة للْوَاحِد الْمُذكر من الْجِنْس وَكَذَلِكَ هموز فَإِنَّهُ فعول يُوصف بِهِ الْمُذكر والمؤنث اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يَكْتَفِي س للتخالف بالتأنيث والتذكير اللفظيين. وَهَذَا سِيبَوَيْهٍ لم يستشهد بِهَذَا الْبَيْت وَإِنَّمَا اسْتشْهد بقول العجاج: الرجز كأنّ نسج العنكبوت المرمل وَوجه الِاسْتِدْلَال مِنْهُ أَن العنكبوت مؤنث والمرمل مُذَكّر لِأَنَّهُ وصف للنسج فقد اخْتلفَا تأنيثاً وتذكيراً. وللخليل أَن يمْنَع هَذَا أَيْضا فَإِن العنكبوت قد جَاءَ مذكراً أَيْضا نقل ذَلِك عَن الْعَرَب. وأنشدوا: الوافر (على هطّالهم مِنْهُم بيوتٌ ... كأنّ العنكبوت هُوَ ابتناها) وعَلى تَسْلِيم أَنَّهَا فِي الْبَيْت مُؤَنّثَة فَإِنَّهُ تَأْنِيث لَيْسَ بعلامة إِذْ لَيْسَ مؤنثاً بِالتَّاءِ وَلَا بِإِحْدَى الْأَلفَيْنِ الْمَقْصُورَة والممدودة فَأشبه التَّذْكِير إِذْ لم يظْهر فِيهِ من التنافر مَا يظْهر فِي التَّثْنِيَة. وَقد اسْتدلَّ لسيبويه بَعضهم بِقِرَاءَة يحيى بن وثاب والأمش: إِن الله

هُوَ الرَّزَّاق ذُو الْقُوَّة المتين بجر المتين ورد هَذَا أَيْضا بِاحْتِمَال أَن يكون المتين صفة للقوة لِأَنَّهَا فِي معنى السَّبَب فَذكر على الْمَعْنى فَلَا يكون من بَاب الْخَفْض على الْجوَار. وَهَذَا نَص سِيبَوَيْهٍ فِي بَاب النَّعْت: وَقَالَ الْخَلِيل رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يَقُولُونَ إِلَّا: هَذَانِ جحرا ضَب خربَان من قبل أَن الضَّب وَاحِد والجحر جحران وَإِنَّمَا يغلطون إِذا كَانَ الآخر بعدة الأول وَكَانَ مذكراً مثله أَو مؤنثاً. وَقَالُوا: هَذِه جحرة ضباب خربة لِأَن الضباب مُؤَنّثَة وَلِأَن الجحرة مُؤَنّثَة وَالْعدة وَاحِدَة فغلطوا. وَهَذَا قَول الْخَلِيل رَحِمَهُ اللَّهُ. وَلَا نرى هَذَا وَالْأول إِلَّا سَوَاء لِأَنَّهُ إِذا قَالَ: هَذَا جُحر ضَب متهدم فَفِيهِ من الْبَيَان أَنه لَيْسَ بالضب مثل مَا فِي التَّثْنِيَة من الْبَيَان أَنه لَيْسَ بالضب. قَالَ العجاج: كأنّ نسج العنكبوت المرمل والمرمل مُذَكّر وَالْعَنْكَبُوت مؤنث. هَذَا كَلَام سِيبَوَيْهٍ.) وَقَول الشَّارِح الْمُحَقق: وَقَالَ بعض الْبَصرِيين: إِن التَّقْدِير: هَذَا جُحر ضَب خرب جُحْره الخ هَذَا تَخْرِيج ابْن جني فِي الخصائص قَالَ فِيهِ: الأَصْل هَذَا جُحر ضَب خرب جُحْره حذف الْجُحر الْمُضَاف إِلَى الْهَاء وأقيمت الْهَاء مقَامه فارتفعت لِأَن الْمُضَاف الْمَحْذُوف كَانَ مَرْفُوعا فَلَمَّا ارْتَفَعت استتر الضَّمِير الْمَرْفُوع فِي نفس خرب فَجرى وَصفا على ضَب وَإِن كَانَ الخراب للجحر لَا للضب على تَقْدِير. وَقَالَ السيرافي: وَرَأَيْت بعض نَحْويي الْبَصرِيين قَالَ فِي هَذَا جُحر ضَب خرب قولا شرحته وقويته بِمَا احتمله من التقوية. وَالَّذِي قَالَه هَذَا النَّحْوِيّ أَن مَعْنَاهُ هَذَا جُحر ضَب خرب الْجُحر وَالَّذِي يقويه أَنا إِذا قُلْنَا خرب الْجُحر فَهُوَ من بَاب حسن الْوَجْه وَفِي خرب ضمير الْجُحر مَرْفُوع لِأَن التَّقْدِير كَانَ

خرب جُحْره. وَمثله مِمَّا قَالَه النحويون: مَرَرْت بِرَجُل حسن الْأَبَوَيْنِ لَا قبيحين وَالتَّقْدِير لَا قَبِيح الْأَبَوَيْنِ وَأَصله لَا قَبِيح أَبَوَاهُ ثمَّ جعل فِي قَبِيح ضمير الْأَبَوَيْنِ فَثنى لذَلِك وأجرى على الأول فخفض وَاكْتفى بضمير الْأَبَوَيْنِ وَلم يعد ظاهرهما لما تقدم من الذّكر. انْتهى. قَالَ أَبُو حَيَّان بعد أَن نقل قَوْلهمَا: ومذهبهما خطأ من غير مَا وَجه لِأَنَّهُ يلْزم أَن يكون الْجُحر مُخَصّصا بالضب والضب مُخَصص بخراب الْجُحر الْمُخَصّص بِالْإِضَافَة إِلَى الضَّب فتخصيص كل مِنْهُمَا مُتَوَقف على صَاحبه وَهُوَ فَاسد للدور وَلَا يُوجد ذَلِك فِي كَلَام الْعَرَب أَعنِي لَا يُوجد مَرَرْت بِوَجْه رجل حسن الْوَجْه وَلَا حسن وَجهه وَلِأَنَّهُ من حَيْثُ أجْرى الخرب صفة على الضَّب لزم إبراز الضَّمِير لِئَلَّا يلبس وَقد فرق سِيبَوَيْهٍ بَين حسن الْوَجْه وَحسن. وَلِأَن مَعْمُول هَذِه الصّفة لَا يتَصَرَّف فِيهِ بالحذف لضعف عَملهَا. فَأَما قَول الشَّاعِر: الطَّوِيل (ويضحك عرفان الدّروع جلودنا ... إِذا جَاءَ يومٌ مظلم الشّمس كاسف) فَلَا يُرِيد كاسف الشَّمْس فَيكون قد حذف مَعْمُول الصّفة وَإِن كَانَ قد ذهب إِلَيْهِ بَعضهم وَإِنَّمَا هُوَ عندنَا صفة لليوم نَفسه لِأَن الْكُسُوف يكون فِيهِ فَيكون نَحْو قَوْلهم: نهارك صَائِم وليلك قَائِم. وَلِأَن هَذِه الصّفة لَا يجوز نقل الضَّمِير إِلَيْهَا حَتَّى يَصح نسبتها إِلَى الْمَوْصُوف على طَرِيق الْحَقِيقَة. أَلا ترى أَنه لَا يَصح عندنَا مَرَرْت بِرَجُل حَائِض الْبِنْت لِأَن الْحيض لَا يكون للرجل. وَكَذَلِكَ الخرب لَا يكون للضب والمرمل لَا يكون للعنكبوت. وَكَذَلِكَ همز الناب لَا يكون) للوادي. وَالَّذِي يقطع بِبُطْلَان مَا ذَهَبا إِلَيْهِ قَول الشَّاعِر:

الْبَسِيط (يَا صَاح بلّغ ذَوي الْحَاجَات كلّهم ... أَن لَيْسَ وصلٌ إِذا انحلّت عرى الذّنب) وَقَول أبي ثروان فِي الْمفضل كَانَ وَالله من رجال الْعَرَب الْمَعْرُوف لَهُ ذَلِك بخفض الْمَعْرُوف على الْمُجَاورَة. وَفِي كَلَام أبي ثروان وَهُوَ مِمَّن تُؤْخَذ عَنهُ اللُّغَة والعربية رد على من يَقُول بِأَن الْجوَار لَا يكون إِلَّا مَعَ النكرَة فَإِن كلا من الْبَيْت وَمن كَلَام أبي ثروان لَا يُمكن فِيهِ أَن يكون تَابعا للمجرور الَّذِي قبله بِحَال. وتشبيه السيرافي الْمَسْأَلَة بِنَحْوِ قَول النَّحْوِيين: مَرَرْت بِرَجُل قَائِم أَبَوَاهُ لَا قَاعِدين تَشْبِيه غير صَحِيح. انْتهى كَلَام أبي حَيَّان. وَبَينه ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي بعد نقل كَلَامهمَا بِأَنَّهُ يلْزم استتار الضَّمِير مَعَ جَرَيَان الصّفة على غير من هِيَ لَهُ وَذَلِكَ لَا يجوز عِنْد الْبَصرِيين وَإِن أَمن اللّبْس. وَقَول السيرافي إِن هَذَا مثل: مَرَرْت بِرَجُل قَائِم أَبَوَاهُ لَا قَاعِدين مَرْدُود لِأَن ذَلِك إِنَّمَا يجوز فِي الْوَصْف الثَّانِي دون الأول. انْتهى. وَقَوله: وَلِأَن هَذِه الصّفة لَا يجوز نقل الضَّمِير إِلَيْهَا حَتَّى يَصح نسبتها إِلَى الْمَوْصُوف إِلَى آخِره هَذَا كَلَام السيرافي وَهُوَ معترف بِهِ فَإِنَّهُ قَالَ بعد مَا نَقَلْنَاهُ عَنهُ: وَلَا يشبه عِنْدِي: وحية بطن وَاد هموز الناب على هَذِه الْعلَّة لإنا إِذا خفضنا هموز الناب فَهُوَ مَحْمُول على وَاد أَو على بطن وَاد وَلَيْسَ هموز بمضاف إِلَى شَيْء إِضَافَته إِلَيْهِ تصححه فِي التَّقْدِير كَمَا كَانَ تَقْدِير إِضَافَة خرب الْجُحر توجب تَصْحِيح الْخَفْض. انْتهى.

وَقد بَين الشَّارِح الْمُحَقق إِضَافَة هموز إِلَى مَا يصحح إِضَافَته فِي التَّقْدِير وَشَرحه بِمَا لَا مزِيد عَلَيْهِ وَكَأَنَّهُ قصد بِهَذَا الْبَيَان الرَّد على السيرافي. وَاعْلَم أَن قَوْلهم: جُحر ضَب خرب مسموع فِيهِ الْجَرّ وَالرَّفْع وَالرَّفْع فِي كَلَامهم أَكثر. قَالَ أَبُو حَيَّان فِي تَذكرته: يَنْبَغِي أَن لَا تجوز مَسْأَلَة التَّثْنِيَة وَالْجمع لِأَن جر الْجوَار لم يسمع إِلَّا فِي الْمُفْرد خَاصَّة فَلَا يتَعَدَّى فِيهِ السماع. وَقد قَالَ الْفراء وَغَيره: لَا يخْفض بالجوار إِلَّا مَا استعملته الْعَرَب كَذَلِك والمسموع مِنْهُ مَا تقدم (فَجئْت إِلَيْهِ والرّماح تنوشه ... كوقع الصّياصي فِي النّسيج الممدّد) (فدافعت عَنهُ الْخَيل حتّى تبدّدت ... وحتّى علاني حالك اللّون أسود) وأسود نعت لحالك وجر لمجاورته الْمَجْرُور.) وَقَول آخر: الْبَسِيط (كأنّك ضربت قدّام أعينها ... قطناً بمستحصد الأوتار محلوج) ومحلوج نعت لقَوْله قطناً لكنه جر بالمجاورة. وَقَول ذِي الرمة: الْبَسِيط (تريك سنّة وجهٍ غير مقرفةٍ ... ملساء لَيْسَ بهَا خالٌ وَلَا ندب) وَغير: نعت لسنة المنصوبة وجر للمجاورة. وَرُوِيَ بِالنّصب أَيْضا. قَالَ الْفراء: قلت لأبي ثروان وَقد أَنْشدني هَذَا الْبَيْت بخفض غير: كَيفَ تَقول: تريك سنّة وَجه غير مقرفةٍ

قَالَ: تريك سنّة وجهٍ غير مقرفةٍ بِنصب غير. قلت لَهُ: فَأَنْشد بخفض غير فخفض غير فَأَعَدْت عَلَيْهِ القَوْل فَقَالَ: الَّذِي تَقول قيل: وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: اشتدَّتْ بِهِ الريحُ فِي يومٍ عاصفٍ لِأَن عاصف من صفة الرّيح لَا من صِفَات الْيَوْم. وَهَذَا القَوْل للفراء. قَالَ: لما جَاءَ العاصف بعد الْيَوْم أتبعته إِعْرَاب الْيَوْم وَذَلِكَ من كَلَام الْعَرَب أَن يتبعوا الْخَفْض الْخَفْض إِذا أشبهه. قَالَ أَبُو حَيَّان فِي تَذكرته: قد أولت هَذِه الْآيَة. أَقُول: أَولهَا الْفراء بتأويلين: أَولهمَا وَهُوَ جيد. قَالَ: جعل العصوف تَابعا لليوم فِي إعرابه وَإِنَّمَا العصوف للريح. وَذَلِكَ جَائِز على جِهَتَيْنِ: إِحْدَاهمَا: أَن العصوف وَإِن كَانَ للريح فَإِن الْيَوْم يُوصف بِهِ لِأَن الرّيح فِيهِ تكون فَجَاز أَن تَقول يَوْم عاصف كَمَا تَقول: يَوْم بَارِد وَيَوْم حَار. وَقد أَنْشدني بَعضهم: الرجز يَوْمَيْنِ غيمين وَيَوْما شمساً فوصف الْيَوْمَيْنِ بالغيمين وَإِنَّمَا يكون الْغَيْم فيهمَا. وَالْوَجْه الآخر: أَن تُرِيدُ فِي يَوْم عاصف الرّيح فتحذف الرّيح لِأَنَّهَا قد ذكرت فِي أول الْكَلِمَة كَقَوْلِه: إِذا جَاءَ يَوْم مظلم الشّمس كاسف

يُرِيد كاسف الشَّمْس. انْتهى.) وجر الْجوَار لم يسمع إِلَّا فِي النَّعْت على الْقلَّة. وَقد جَاءَ فِي التَّأْكِيد فِي بَيت على سَبِيل الندرة. قَالَ الْفراء فِي تَفْسِيره: أَنْشدني أَبُو الْجراح الْعقيلِيّ: (يَا صَاح بلّغ ذَوي الزّوجات كلّهم ... أَن لَيْسَ وصلٌ إِذا انْحَلَّت عرى الذّنب) فَاتبع كل خفض الزَّوْجَات وَهُوَ مَنْصُوب لِأَنَّهُ توكيد لِذَوي. انْتهى. وَزعم أَبُو حَيَّان فِي تَذكرته وَتَبعهُ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي أَن الْفراء سَأَلَ أَبَا الْجراح فَقَالَ: أَلَيْسَ الْمَعْنى ذَوي الزَّوْجَات كلهم فَقَالَ: بلَى الَّذِي تَقوله خير من الَّذِي نقُول. ثمَّ استنشده الْبَيْت فأنشده بخفض كلهم. انْتهى. وَالْفراء إِنَّمَا نقل هَذِه الْحِكَايَة فِي بَيت ذِي الرمة السَّابِق. وَهَذَا الْبَيْت لأبي الْغَرِيب. قَالَ أَبُو عبيد الْبكْرِيّ فِي شرح أمالي القالي: هُوَ أَعْرَابِي لَهُ شعر قَلِيل أدْرك الدولة الهاشمية. قَالَ أَبُو زِيَاد الْكلابِي: كَانَ أَبُو الْغَرِيب عندنَا شَيخا قد تزوج فَلم يولم فَاجْتَمَعْنَا على بَاب خبائه وصحنا: الرجز (أولم وَلَو بيربوع ... أَو لَو بقردٍ مجدوع)

قتلتنا من الْجُوع (يَا لَيْت شعري عَن أبي الْغَرِيب ... إِذْ بَات فِي مجاسدٍ وَطيب) (معانقاً للرّشأ الرّبيب ... أأحمد المحفار فِي القليب) أم كَانَ رخواً يَابِس الْقَضِيب فصاح إِلَيْنَا: يَابِس الْقَضِيب وَالله يَابِس الْقَضِيب وَأَنْشَأَ يَقُول: الْبَسِيط (سقيا لعهد خليلٍ كَانَ يأدم لي ... زادي وَيذْهب عَن زوجاتي الغضبا) (كَانَ الْخَلِيل فأضحى قد تخوّنه ... هَذَا الزّمان وتطعاني بِهِ الثّقبا) وَقَالَ: (يَا صَاح بلّغ ذَوي الزّوجات كلّهم ... أَن لَيْسَ وصلٌ إِذا استرخت عرى الّنب) انْتهى. وَأَرَادَ باسترخاء عرى الذَّنب استرخاء الذّكر. وَأما جر الْجوَار فِي الْعَطف فقد قَالَ أَبُو حَيَّان فِي تَذكرته: لم يَأْتِ فِي كَلَامهم وَلذَلِك ضعف) جدا قَول من حمل قَوْله تَعَالَى: وامْسَحُوا برؤُوسِكُمْ وأرجِلكم فِي قِرَاءَة من خفض على الْجوَار. وَالْفرق بَينه وَبَين النَّعْت كَون الِاسْم فِي بَاب النَّعْت تَابعا لما قبله من غير وساطة شَيْء فَهُوَ أَشد لَهُ مجاورة بِخِلَاف الْعَطف إِذْ قد فصل بَين الاسمين حرف الْعَطف وَجَاز

إِظْهَار الْعَامِل فِي بعض الْمَوَاضِع فبعدت الْمُجَاورَة. وَذهب بعض المتفقهة من أَصْحَابنَا الشَّافِعِيَّة إِلَى أَن الْإِعْرَاب على الْمُجَاورَة لُغَة ظَاهِرَة وَحمل على ذَلِك فِي الْعَطف الْآيَة الْكَرِيمَة وَقَوله تَعَالَى لم يَكُنِ الذينَ كَفَرُوا مِنْ أهْلِ الْكتاب والمُشْرِكينَ مُنْفَكِّين قَالَ: فخفض الْمُشْركين لمجاورة أهل الْكتاب. وَمَا ذهب إِلَيْهِ يُمكن تَأْوِيله على وَجه أحسن فَلَا حجَّة فِيهِ. انْتهى. وَقَالَ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي: وَقيل بِهِ فِي وحورٍ عين فِيمَن جرهما فَإِن الْعَطف على ولدانٌ مخلدون لَا على أكوابٍ وأباريق إِذْ لَيْسَ الْمَعْنى أَن الْولدَان يطوفون عَلَيْهِم بالحور. وَقيل الْعَطف على جنَّات وَكَأَنَّهُ قيل: المقربون فِي جنَّات وَفَاكِهَة وَلحم طير وحور. وَقيل على أكواب بِاعْتِبَار الْمَعْنى إِذْ معنى يطوف عَلَيْهِم ولدان مخلدون بأكواب ينعمون بأكواب. انْتهى. وَأما قَوْله فِي الْبَدَل فقد قَالَ أَبُو حَيَّان أَيْضا: لم يحفظ ذَلِك فِي كَلَامهم وَلَا خرج عَلَيْهِ أحد من عُلَمَائِنَا شَيْئا فِيمَا نعلم. وَسبب ذَلِك وَالله أعلم أَنه مَعْمُول لعامل آخر لَا لِلْعَامِلِ الأول على أصح المذهبين وَلذَلِك يجوز ذكره إِذا كَانَ حرف جر بِإِجْمَاع وَرُبمَا وَجب إِذا كَانَ الْعَامِل رَافعا أَو ناصباً. فَفِي جَوَاز إِظْهَاره خلاف فبعدت إِذْ ذَاك مُرَاعَاة الْمُجَاورَة وَنزل الْمُقدر الْمُمكن إِظْهَاره منزلَة الْمَوْجُود فَصَارَ من جملَة أُخْرَى. انْتهى. وَقد آن لنا أَن نرْجِع إِلَى الْبَيْت الشَّاهِد فَنَقُول: هُوَ من أَبْيَات للحطيئة

وَقد تقدّمت تَرْجَمته فِي الشَّاهِد التَّاسِع وَالْأَرْبَعِينَ بعد الْمِائَة مدح بهَا عدي بن فَزَارَة وعيينة بن حصن وَحُذَيْفَة بن بدر فَقَالَ بعد تِسْعَة أَبْيَات من الْغَزل: (فأبلغ عَامِرًا عنّي رَسُولا ... رِسَالَة ناصحٍ بكم حفيّ) (فإيّاكم وحيّة بطن وادٍ ... حَدِيد النّاب لَيْسَ لكم بسيّ) (فحلّوا بطن عقمة واتّقونا ... إِلَى نَجْرَان فِي بلدٍ رخيّ)) (فكم من دَار حيٍّ قد أَبَاحَتْ ... لقومهم رماح بني عديّ) (فَمَا إِن كَانَ عَن ودٍّ وَلَكِن ... أباحوها بصمّ السّمهريّ) وَبعد هَذَا خَمْسَة أَبْيَات أخر. وَقَوله: فأبلغ عَامِرًا الخ قَالَ أَبُو عَمْرو: يَعْنِي عَامر بن صعصعة وَهُوَ أَبُو قَبيلَة. وَالرَّسُول: الرسَالَة. انْتهى. فَيكون على هَذَا قَوْله رِسَالَة نَاصح بَدَلا من رَسُولا وأجود مِنْهُ أَن يكون رَسُولا حَالا من وَقَوله: فإياكم وحية الخ. إيَّاكُمْ محذر وحية محذر مِنْهُ وهما منصوبان بفعلين أَي: أبعدوا أَنفسكُم واحذروا الْحَيَّة. وَأَرَادَ الحطيئة بالحية نَفسه يَعْنِي أَنه يحمي ناحيته ويتقى مِنْهُ كَمَا يتقى من الْحَيَّة الحامية لبطن واديها الْمَانِعَة مِنْهُ. والوادي: المطمئن من الأَرْض. وَقَوله: حَدِيد الناب هَكَذَا وَقع فِي رِوَايَة ديوانه وَهَذَا لَا يدل على أَن المُرَاد بالحية الذّكر لِأَن حديداً فِي الأَصْل

مُسْند إِلَى الناب أَي: حَدِيد نابه. والناب من الْأَسْنَان مُذَكّر مَا دَامَ لَهُ هَذَا الِاسْم وَالْجمع أَنْيَاب وَهُوَ الَّذِي يَلِي الرباعيات. قَالَ ابْن سينا: وَلَا يجْتَمع فِي حَيَوَان نَاب وَقرن. كَذَا فِي الْمِصْبَاح. وَالْحَدِيد: الْقَاطِع وَرُوِيَ بِالنّصب إتباعاً للفظ الْحَيَّة وَالْمَشْهُور فِي رِوَايَة النَّحْوِيين هموز الناب بِالْجَرِّ على الْمُجَاورَة كَمَا تقدم. والهموز: فعول من الْهَمْز بِمَعْنى الغمز الضغط. وَقَوله: لَيْسَ لكم بسي هَذَا يدل على تذكير الْحَيَّة فَإِن ضمير لَيْسَ عَائِد إِلَى الْحَيَّة وَلَو أَرَادَ الْمُؤَنَّث لقَالَ لَيست. والسي بِكَسْر السِّين الْمُهْملَة: الْمثل أَي: لَا تستوون مَعَه بل هُوَ أشرف مِنْكُم. وَقَوله: فحلوا بطن عقمة الخ حلوا أَمر من الْحُلُول بِمَعْنى النُّزُول. وعقمة بِضَم الْعين وَسُكُون الْقَاف قَالَ أَبُو عبيد الْبكْرِيّ فِي المعجم: هُوَ مَوضِع مَا بَين ديار بني جَعْفَر بن كلاب وَبَين نَجْرَان. وَالْمعْنَى: اتقونا من هَا هُنَا إِلَى نَجْرَان. ونجران: مَدِينَة بالحجاز من شقّ الْيمن. ورخي: بعيد وَقيل وَاسع مخصب. وَقَوله: فكَمْ من دارِ حَيٍّ الخ حَيّ هُنَا بِمَعْنى الْقَبِيلَة. وأباحت: بِمَعْنى جعلته مُبَاحا. وَقَوله: فَمَا إنْ كَانَ عَن ودٍّ الخ يَقُول: لم ينزلُوا هَذِه الْمنَازل عَن مَوَدَّة بَينهم وَبَين هَؤُلَاءِ وَلَكِن أباحتها لَهُم رماحهم وَسُيُوفهمْ.) وَأما بَيت سِيبَوَيْهٍ وَهُوَ: 3 - (كأنّ نسج العنكبوت المرمل)

فَهُوَ للعجاج. وَبعده: (على ذرى قلاّمة المهدّل ... سبوب كتّانٍ بأيدي الغسّل) النسج: الْغَزل. والمرمل: المنسوج والمغزول. والذرى: الأعالي جمع ذرْوَة بِالْكَسْرِ. والقلام: بِضَم الْقَاف وَتَشْديد اللَّام: ضرب من النبت وَضمير قلامه رَاجع إِلَى المَاء فَإِنَّهُ فِي وص مَاء ورده. والمهدل: المدلى. والسبوب: جمع سبّ بِالْكَسْرِ كجذوع. والسب: ثوب من كتَّان أَبيض. وَالْغسْل: جمع غاسل وغاسلة. يَعْنِي أَن العنكبوت قد نسجت على القلام الَّذِي نبت حول المَاء. شبه مَا نسجت العنكبوت عَلَيْهِ بِثَوْب رَقِيق من الْكَتَّان. وَأنْشد بعده الشَّاهِد الْخَمْسُونَ بعد الثلاثمائة الطَّوِيل كَبِير أنَاس فِي بجاد مزمل على أَن قَوْله مزمل انجر لمجاورته ل أنَاس تَقْديرا لَا ل بجاد لتأخره عَن مزمل فِي الرُّتْبَة. فالمجاورة على قسمَيْنِ: ملاصقة حَقِيقِيَّة كَمَا فِي الْبَيْت السَّابِق وملاصقة تقديرية كَمَا فِي هَذَا الْبَيْت. وَفِيه رد على شرَّاح المعلقات وَمن تَبِعَهُمْ فَإِنَّهُم قَالُوا: جر مزملاً على الْجوَار ل بجاد وَحقه الرّفْع لِأَنَّهُ نعت لكبير.

وَمِمَّنْ تَبِعَهُمْ أَبُو حَيَّان قَالَ فِي تَذكرته: خفض مزملاً على الْجوَار للبجاد وَهُوَ فِي الْمَعْنى نعت للكبير تَغْلِيبًا للجوار. وَمِنْهُم ابْن هِشَام فِي بعض تعاليقه قَالَ: لما جاور المخفوض وَهُوَ البجاد خفض للمجاورة. وَلَا يخفى أَن الْمُجَاورَة رتبية كَانَت أَو لفظية كَافِيَة. وَمَا قَالَه الشَّارِح الْمُحَقق لَا دَاعِي لَهُ.) وَلم يَجْعَل أَبُو عَليّ هَذَا الْبَيْت من بَاب الْجَرّ على الْجوَار بل جعل مزملاً صفة حَقِيقِيَّة ل بجاد قَالَ: لِأَنَّهُ أَرَادَ مزمل فِيهِ ثمَّ حذف حرف الْجَرّ فارتفع الضَّمِير واستتر فِي اسْم الْمَفْعُول. انْتهى. وَقَالَ الْخَطِيب التبريزي فِي شرح المعلقات: وَفِي الْبَيْت وَجه آخر وَهُوَ أَن يكون على قَول من قَالَ كُسِيت جُبَّة زيدا فَيكون التَّقْدِير: فِي بجاد مزمله الكساء ثمَّ تحذف كَمَا تَقول: مَرَرْت بِرَجُل مكسوته جُبَّة ثمَّ تكني عَن الْجُبَّة فَتَقول: مَرَرْت بِرَجُل مكسوته ثمَّ تحذف الْهَاء فِي الشّعْر. هَذَا قَول بعض الْبَصرِيين. انْتهى. وَلَا يخفى تعسف هَذَا القَوْل. وَتَخْرِيج أبي عَليّ أقرب من هَذَا. والمصراع عجز وصدره: كأنّ ثبيراً فِي عرانين وبله وَالْبَيْت من معلقَة امْرِئ الْقَيْس الْمَشْهُورَة. وثبير: جبل بِمَكَّة.

والعرانين: الْأَوَائِل وَالْأَصْل فِي هَذَا أَن يُقَال للأنف: عرنين استعير لأوائل الْمَطَر لِأَن الأنوف تتقدم الْوُجُوه. والوبل: مصدر وبلت السَّمَاء وَبلا إِذْ أَتَت بالوابل وَهُوَ مَا عظم من الْقطر. وَضمير وبله رَاجع للسحاب فِي بَيت قبله. والبجاد بِالْجِيم بعد الْمُوَحدَة الْمَكْسُورَة وَهُوَ كسَاء مخطط من أكسية الْأَعْرَاب من وبر الْإِبِل وصوف الْغنم. والمزمل: اسْم مفعول بِمَعْنى الملفف. قَالَ الزوزني فِي شرح المعلقات: كَأَن ثبيراً فِي أَوَائِل مطر هَذَا السَّحَاب سيد أنَاس ملفف بكساء مخطط. شبه تغطيه بالغثاء بتغطي هَذَا الرجل بالكساء. انْتهى. وَنقل الْخَطِيب التبريزي عَن أبي نصر أَن امْرأ الْقَيْس شبه الْجَبَل وَقد غطاه المَاء والغثاء الَّذِي أحَاط بِهِ إِلَّا رَأسه بشيخ فِي كسَاء مخطط. وَذَلِكَ أَن رَأس الْجَبَل يضْرب إِلَى السوَاد وَالْمَاء حوله أَبيض. انْتهى. وَقَالَ أَبُو حنيفَة الدينَوَرِي فِي كتاب النَّبَات: شبه ثبيراً بِرَجُل مزمل بالثياب لِأَن الْمَطَر لما سح ستره. وروى الْمبرد فِي الْكَامِل تبعا للأصمعي: (كَأَن أَبَانَا فِي أفانين ودقه ... كَبِير أنَاس ... ... . . الخ) وَقَالَ: أبان: جبل. وهما أبانان: أبان الْأسود وَأَبَان الْأَبْيَض. وَقَوله: فِي أفانين ودقه يُرِيد ضروباً) قَوْله: كَبِير أنَاس الخ يُرِيد مزملاً بثيابه قَالَ تَعَالَى: يَا أيُّها المزَّمّل. قُمِ اللَّيل

وَهُوَ المتزمل وَالتَّاء مدغمة فِي الزَّاي. وَإِنَّمَا وصف امْرُؤ الْقَيْس الْغَيْث فَقَالَ قوم: أَرَادَ أَن الْمَطَر قد خنق الْجَبَل فَصَارَ لَهُ كاللباس على الشَّيْخ المتزمل. وَقَالَ آخَرُونَ: إِنَّمَا أَرَادَ مَا كَسَاه الْمَطَر من خضرَة النبت. وَكِلَاهُمَا حسن. وَذكر الودق لِأَن تِلْكَ الخضرة من عمله. انْتهى. تتمتان إِحْدَاهمَا: لم يذكر الشَّارِح الْمُحَقق الرّفْع على الْمُجَاورَة لِأَنَّهُ لم يثبت عِنْد الْمُحَقِّقين وَإِنَّمَا ذهب إِلَيْهِ بعض ضعفة النَّحْوِيين فِي قَوْله: الْبَسِيط (السّالك الثّغرة الْيَقظَان كالئها ... مشي الهلوك عَلَيْهَا الخيعل الْفضل) أَوَّلهمْ الْأَصْمَعِي ذكره عَليّ بن حَمْزَة الْبَصْرِيّ فِي كتاب التَّنْبِيهَات على أغلاط الروَاة قَالَ: سَأَلَ الرياشي الْأَصْمَعِي عَنهُ فَقَالَ: الْفضل من نعت الخيعل وَهُوَ مَرْفُوع وَأَصله أَن الْمَرْأَة الْفضل هِيَ الَّتِي تكون فِي ثوب وَاحِد فَجعل الخيعل فضلا لِأَنَّهُ لَا ثوب فَوْقه وَلَا تَحْتَهُ كَمَا يُقَال امْرَأَة فضل. قَالَ الرياشي: وَهَذَا مِمَّا أَخذ على الْأَصْمَعِي. ثمَّ رَجَعَ عَن هَذَا القَوْل وَقَالَ بعد: هُوَ من نعت الهلوك إِلَّا أَنه رَفعه على الْجوَار كَمَا قَالُوا: جُحر ضَب خرب. انْتهى. وَمِنْهُم ابْن قُتَيْبَة قَالَ فِي أَبْيَات الْمعَانِي: الثغرة والثغر سَوَاء وَهُوَ مَوضِع المخافة. والكالئ: الْحَافِظ. والخيعل: ثوب يخاط أحد جانبيه وَيتْرك الآخر. والهلوك: المتثنية المتكسرة. وَالْفضل من صفة الهلوك وَكَانَ يَنْبَغِي أَن يكون جراً وَلكنه رَفعه على الْجوَار للخيعل. وَمثله: كأنّ نسج العنكبوت المرمل

وَمثله جُحر ضَب خرب. مثله: كَبِير أناسٍ فِي بجادٍ مزمّل وَأَرَادَ أَنه آمن لَا يخَاف فَهُوَ يمشي على هينته. انْتهى. وَقد رد الْعلمَاء هَذَا القَوْل مِنْهُ ابْن الشجري فِي أَمَالِيهِ قَالَ: وَزعم بعض من لَا معرفَة لَهُم بحقائق الْإِعْرَاب بل لَا معرفَة لَهُم بجملة الْإِعْرَاب أَن ارْتِفَاع الْفضل على الْمُجَاورَة للمعرفة فارتكب خطأ فَاحِشا وَإِنَّمَا الْفضل نعت للهلوك على الْمَعْنى لِأَنَّهَا فاعلة من حَيْثُ أسْند) الْمصدر الَّذِي هُوَ الْمَشْي إِلَيْهَا كَقَوْلِك عجبت من ضرب زيد الطَّوِيل عمرا رفعت الطَّوِيل لِأَنَّهُ وصف لفاعل الضَّرْب وَإِن كَانَ مخفوضاً فِي اللَّفْظ. فَلَو قلت: عجبت من ضرب زيد الطَّوِيل عَمْرو فَنصبت الطَّوِيل لِأَنَّهُ نعت لزيد على مَعْنَاهُ من (قد كنت داينت بهَا حسّاناً ... مَخَافَة الإفلاس واللّيّانا) وَمثل رفع الْفضل على النَّعْت للهلوك رفع الْمَظْلُوم على النَّعْت للمعقب فِي قَول لبيد يصف الْحمار والأتان: الْكَامِل (يُوفي ويرتقب النّجاد كأنّه ... ذُو إربة كلّ المرام يروم) (حتّى تهجّر فِي الرّواح وهاجها ... طلب المعقّب حقّه الْمَظْلُوم) يُوفي أَي: يشرف. والنجاد: جمع نجد وَهُوَ الْمُرْتَفع. أَي: يشرف

على الْأَمَاكِن المرتفعة كالرقيب وَهُوَ الرجل الَّذِي يكون ربيئة الْقَوْم يربض على نشز متجسساً. والإربة: الْحَاجة. وَقَوله: حَتَّى تهجر فِي الرواح أَي: عجل رَوَاحه فراح فِي الهاجرة. وهاجها أَي: هاج الأتان وطردها وطلبها مثل طلب الْغَرِيم المعقب حَقه فالمعقب فَاعل الطّلب. وَنصب حَقه لِأَنَّهُ مفعول الطّلب. والمظلوم للمعقب على الْمَعْنى فرفعه لِأَن التَّقْدِير طلبَهَا مثل أَن طلب المعقب لمظلوم حَقه. والمعقب: الَّذِي يطْلب حَقه مرّة بعد مرّة. انْتهى. وَمِنْهُم أَبُو حَيَّان فِي تَذكرته قَالَ فِي أَولهَا: قَالَ بعض معاصرينا: أَكْثَرهم يعْتَقد الْجوَار مَخْصُوصًا بالمجرور وَقد جَاءَ فِي الْمَرْفُوع وَأنْشد: السالك الثغرة الْيَقظَان كالئها ... ... ... ... ... . . الْبَيْت قَالَ أَبُو حَيَّان: قلت: وَلَيْسَ الرّفْع كَمَا ذكر اتبَاعا للخيعل بل رَفعه على النَّعْت للهلوك على الْموضع لِأَن مَعْنَاهُ: كَمَا تمشي الهلوك الْفضل. وَعَلَيْهَا الخيعل حَال معمولة لتمشي أَو جملَة اعتراضية. انْتهى. وَالْيَقظَان بِالنّصب: صفة للثغرة. وكالئها فَاعل الْيَقظَان ومشي مفعول مُطلق أَي: مشياً كمشي الهلوك. وَالْفضل بِضَمَّتَيْنِ: الْمَرْأَة الَّتِي عَلَيْهَا قَمِيص ورداء وَلَيْسَ عَلَيْهَا إِزَار وَلَا سَرَاوِيل.

وَقَالَ الْفراء وَالْحسن السكرِي فِي الهذليات: الْفضل: ثوب كالخيعل تلبسه الْمَرْأَة فِي بَيتهَا. وعَلى هَذَا فَلَا مجاورة وَلَا إتباع على الْمحل. يَقُول: هَذَا من شَأْنه سلوك مَوضِع المخافة مُتَمَكنًا غير خَائِف كمشي الْمَرْأَة المتبخترة الْفضل.) وَقد تقدم الْكَلَام على هَذَا الْبَيْت فِي حَملَة شرح قصيدته فِي الشَّاهِد الثَّانِي وَالثَّلَاثِينَ بعد الثلاثمائة. ثانيتهما: قد ضرب الْمثل بخفض مزمل فِي كَون الشريف يعاشر دنيئاً فيسفل بعشرته. قَالَ الْأمين الْمحلي: الطَّوِيل (عَلَيْك بأرباب الصّدور فَمن غَدا ... مُضَافا لأرباب الصّدور تصدّراً) (وإيّاك أَن ترْضى صحابة نَاقص ... فتنحطّ قدرا من علاك وتحقرا) وَأورد ابْن هِشَام هَذَا الشّعْر فِي مُغنِي اللبيب فِي الْأُمُور الَّتِي يكتسبها الِاسْم بِالْإِضَافَة. مِنْهَا: وجوب التصدر وَمِمَّا لَهُ الصدارة كَلِمَات الِاسْتِفْهَام يجب أَن تتصدر فِي جُمْلَتهَا فَإِذا أضيف إِلَيْهَا اسْم وَجب تصدره أَيْضا وحيئذ لَا يعْمل مَا قبله فِيهِ وَلِهَذَا وَجب الرّفْع فِي قَوْلك: علمت أَبُو من زيد. وَإِلَيْهِ الْإِشَارَة بقوله: فَرفع أَبُو من. وَالْإِشَارَة بقوله: ثمَّ خفض مزمل إِلَى بَيت امْرِئ الْقَيْس الَّذِي شرحناه. وَقَوله: مغرياً رَاجع إِلَى قَوْله أَولا عَلَيْك بأرباب الصُّدُور وَقَوله: ومحذراً رَاجع إِلَى قَوْله ثَانِيًا: وَإِيَّاك أَن ترضي صحابة نَاقص.

فَإِن قيل: قَوْله: يبين قولي الخ لَا يَصح أَن يكون خَبرا عَن مَجْمُوع قَوْله: فَرفع أَبُو من ثمَّ خفض مزمل إِذْ لم يقل يبينان. وَلَا عَن أَحدهمَا لاشتمال الْجُمْلَة على قيد لَا يَصح تعلقه بِكُل مِنْهُمَا. وَذَلِكَ أَن رفع أَبُو من لَا يبين قَوْله مغرياً ومحذراً وَإِنَّمَا يبين قَوْله مغرياً وَكَذَا الثَّانِي. أُجِيب بِأَن قَوْله: يبين قولي فَقَط هُوَ خبر الأول وَخبر الثَّانِي مَحْذُوف وَأَن قَوْله مغرياً ومحذرا قيدان للمحذوف وَالتَّقْدِير فَرفع أَبُو من يبين قولي وخفض مزمل كَذَلِك هما يبينان قولي مغرياً ومحذرا. وَمثل هَذَا الشّعْر قَول ابْن حزم الظَّاهِرِيّ: الطَّوِيل (تجنّب صديقا مثل مَا وَاحْذَرْ الَّذِي ... يكون كعمرو بَين عربٍ وأعجم) قَالَ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي فِي المبحث الَّذِي تقدم ذكره: مُرَاده بِمَا الْكِنَايَة عَن الرجل النَّاقِص كنقص مَا الموصولة. وبعمرو الْكِنَايَة عَن المتزيد الْآخِذ مَا لَيْسَ لَهُ كأخذ عَمْرو الْوَاو فِي الْخط. وَقَالَ فِي موقد الأذهان وموقظ الْوَسْنَان وَهِي رِسَالَة لَهُ بعد أَن ذكر أَنه سُئِلَ عَن الأبيات: يُرِيد بِالصديقِ الَّذِي كعمرو المستكثر بِمَا لَيْسَ لَهُ فَإِن عمرا قد أَخذ الْوَاو فِي الْخط فِي الرّفْع والجر وَلَيْسَ دَاخِلَة فِي هجائه وَمن ثمَّ نسب الشُّعَرَاء إلحقها لَهُ إِلَى الظُّلم.) قَالَ الشَّاعِر: الْخَفِيف (أيّها المدّعي سليما سفاهاً ... لست مِنْهَا وَلَا قلامة ظفر) (إنّما أَنْت من سليم كواو ... ألحقت فِي الهجاء ظلما بِعَمْرو)

وَأما الْمشَار إِلَيْهِ بِمَا فَهُوَ الصّديق النَّاقِص وَذَلِكَ على أَنه يُرِيد مَا الموصولة فَإِنَّهَا مفتقرة إِلَى صلَة وعائد وَمَا الاستفهامية فَإِنَّهُ تنقص حرفا إِذا دخل عَلَيْهَا الْجَار. وَهَذَا أحسن من قَوْله فِي الْمُغنِي كنقص مَا الموصولة لِأَن مَا النَّاقِصَة أَعم من الموصولة لشمولها الاستفهامية. وَأما الموصوفة فَهِيَ كالموصولة. وَأما الشَّاهِد الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ ابْن حزم فَهُوَ قَول الْأَعْشَى مَيْمُون من قصيدة: الطَّوِيل (وتشرق بالْقَوْل الَّذِي قد أذعته ... كَمَا شَرقَتْ صدر الْقَنَاة من الدّم) وَبَيَانه أَن الْفِعْل إِنَّمَا تلْحقهُ التَّاء إِذا كَانَ الْفَاعِل مؤنثاً وَلَا يجوز قَالَت زيد فَكَانَ يَنْبَغِي أَن لَا يجوز كَمَا شَرقَتْ لِأَن الصَّدْر مُذَكّر لكنه لما أَضَافَهُ للقناة سرى مِنْهَا التَّأْنِيث إِلَيْهِ. وَعكس ذَلِك قَوْله: الْبَسِيط (إنارة الْعقل مكسوفٌ بطوع هوى ... وعقل عاصي الْهوى يزْدَاد تنويرا) فَكَانَ يَنْبَغِي أَن يَقُول مكسوفة لِأَن الإنارة مُؤَنّثَة وَلكنه لما أضافها إِلَى الْعقل سرى إِلَيْهَا مِنْهُ التَّذْكِير. والمين الْمحلي من الْفُضَلَاء المصرية لَهُ تَأْلِيفَات فِي علم الْعرُوض. والمحلة: كورة بِمصْر الْقَاهِرَة.

(باب العطف)

3 - (بَاب الْعَطف) أنْشد فِي أَوله: المتقارب (إِلَى الْملك القرم وَابْن الْهمام ... وَلَيْث الكتيبة فِي المزدحم) على أَن الصِّفَات يعْطف بَعْضهَا على بعض كَمَا هُنَا. وَقد تقدم الْكَلَام عَلَيْهِ فِي الشَّاهِد الْخَامِس وَالسبْعين فِي بَاب الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر. وَأنْشد بعده السَّرِيع (يَا لهف زيّابة لِلْحَارِثِ ال ... صّابح فالغانم فالآيب) على أَن الصّفة يعْطف بَعْضهَا على بعض كَمَا هُنَا فَإِن الغانم مَعْطُوف على الصابح والآيب مَعْطُوف على الغانم. وَأَشَارَ بالبيتين إِلَى أَن عطف الصِّفَات يجوز بِالْوَاو إِن قصد الْجمع وبالفاء إِن قصد التعقيب. قَالَ الْخَطِيب التبريزي فِي شرح الحماسة: لما كَانَت هَذِه الصِّفَات متراخية حسن إِدْخَال فَاء الْعَطف لِأَن الصابح قبل الغانم والغانم أَمَام الآيب. ويقبح أَن تدخل الْفَاء إِذا كَانَت الصِّفَات مجتمعة فِي الْمَوْصُوف فَلَا يحسن أَن يُقَال عجبت من فلَان الْأَزْرَق الْعين فالأشم الْأنف فالشديد الساعد إِلَّا على وَجه يبعد لِأَن زرقة الْعين وشمم الْأنف وَشدَّة الساعد قد اجْتَمعْنَ فِي الْمَوْصُوف. انْتهى. وَالصَّوَاب أَن يُقَال متعاقبة بدل متراخية فَإِن التَّعَاقُب هُنَا كالتعاقب

فِي قَوْلك: تزوج زيد فولد لَهُ وَكَذَلِكَ كل شَيْء بِحَسب حُصُوله وَإِن كَانَ فِيهِ تراخ. وَقَالَ ابْن جني فِي إِعْرَاب الحماسة: أَرَادَ: الَّذِي يصبح الْعَدو بالغارة فيغنم فيؤوب سالما فعطف الْمَوْصُول على الْمَوْصُول وهما جَمِيعًا لموصوف وَاحِد. وَالشَّيْء لَا يعْطف على نَفسه من حَيْثُ كَانَ الْعَطف نَظِير التَّثْنِيَة فِي الْمَعْنى فَكَمَا لَا يكون الْوَاحِد اثْنَيْنِ وليجوزن أَن يكون مَا فَوق ذَلِك إِلَى مَا لَا غَايَة لَهُ كَثْرَة. وَعلة جَوَاز ذَلِك قُوَّة اتِّصَال الْمَوْصُول بصلته حَتَّى إِنَّه إِذا أُرِيد عطف بعض صلته على بعض جِيءَ بِهِ هُوَ مَعْطُوف فِي اللَّفْظ على نَفسه. وَمثله قَول الله تبَارك وَتَعَالَى: الَّذِي هُوَ يطعمني ويسقين. وَإِذا مَرضت فَهُوَ يشفين إِلَى آخر الْآيَة. وَهَذَا كُله صفة مَوْصُوف وَاحِد وَهُوَ الْقَدِيم) عز اسْمه. وَقد تقصيت هَذَا فِي كتاب المعرب وَهُوَ تَفْسِير قوافي أبي الْحسن. فَأَما قَول الله تَعَالَى: والعادياتِ ضَبْحاً. فالمورِياتِ قَدْحاً. فالمُغِيرَاتِ صُبْحاً فقد يُمكن أَن يكون مِمَّا نَحن فِيهِ وَقد يُمكن أَن تكون العاديات غير الموريات والمغيرات غَيرهمَا فَيكون عطف مَوْصُوف على مَوْصُوف آخر حَقِيقَة لَا مجَازًا كَقَوْلِك: مَرَرْت بالضاحك فالباكي إِذا مَرَرْت بِاثْنَيْنِ أَحدهمَا ضَاحِك وَالْآخر باك. انْتهى. وَأورد الزَّمَخْشَرِيّ هَذَا الْبَيْت وَالَّذِي قبله عِنْد قَوْله تَعَالَى: والذينَ

يُؤمنُونَ بمَا أنزلَ إِلَيْك من سُورَة الْبَقَرَة وَفِي توسّط العاطف بَينه وَبَين قَوْله تَعَالَى قبله: الذينَ يُؤمنون بالغَيب فَإِنَّهُمَا وَاحِد كَمَا توَسط بَين الصِّفَات فِي الْبَيْتَيْنِ. وَعطف الصِّفَات على الصِّفَات كثير بِنَاء على تغاير المفهومات وَإِن كَانَت متحدة بِالذَّاتِ. وَقد يكون الْعَطف بِالْوَاو كَمَا فِي الْآيَة وَالْبَيْت الأول وَقد يكون بِالْفَاءِ كَمَا تقدم بَيَانه. قَالَ صَاحب الْكَشَّاف فِي أول الصافات وَنَقله ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي: للفاء مَعَ الصِّفَات ثَلَاثَة أَحْوَال: أَحدهَا أَن تدل على ترَتّب مَعَانِيهَا فِي الْوُجُود كَقَوْلِه: يَا لهف زيابة الْبَيْت أَي: الَّذِي صبح فغنم فآب. وَالثَّانِي: أَن تدل على ترتبها فِي التَّفَاوُت من بعض الْوُجُوه نَحْو قَوْلك: خُذ الْأَكْمَل فَالْأَفْضَل واعمل الْأَحْسَن فالأجمل. وَالثَّالِث: أَن تدل على ترَتّب موصوفاتها فِي ذَلِك نَحْو: رحم الله المحلقين فالمقصرين. انْتهى. قَالَ الْفَاضِل اليمني: وَالْقِسْمَة الصَّحِيحَة تَقْتَضِي أَرْبَعَة لِأَنَّهُ كَمَا جَازَ فِي الصِّفَات الدّلَالَة على تَرْتِيب مَعَانِيهَا فِي الْوُجُود كَذَلِك يجوز فِي الموصوفات كَمَا تَقول: حل الْمُتَمَتّع فالقارن فالمفرد. وَهَذَا الْبَيْت أول أَبْيَات ثَلَاثَة لِابْنِ زيابة مَذْكُورَة فِي الحماسة وَبعده: (والله لَو لاقيته خَالِيا ... لآب سيفانا مَعَ الْغَالِب) (أَنا ابْن زيّابة إِن تدعني ... آتِك والظّنّ على الْكَاذِب)

قَالَ الْجَوْهَرِي: يَا لهف فلَان: كلمة يتحسر بهَا على مَا فَاتَ. ولهف: منادى مُضَاف أَي: يَا لهف احضر.) وزيابة بِفَتْح الزَّاي الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الْمُثَنَّاة التَّحْتِيَّة وَبعد الْألف بَاء مُوَحدَة: اسْم أم الشَّاعِر. وَمثل هَذَا الْبَيْت فِي تلهيف الْأُم والتحسر على الْفَائِت قَول النَّابِغَة الذبياني: الْكَامِل (يَا لهف أمّي بعد أسرة جعول ... أَن لَا ألاقيهم ورهط عرار) وَزعم ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي أَن زيابة أَبُو الشَّاعِر وَلم أره لغيره. وَقَالَ: أَرَادَ يَا لهف أبي على الْحَارِث أَن لَا أكون لَقيته فَقتلته. وَذَلِكَ لِأَنَّهُ يُرِيد يَا لهف نَفسِي. وَفِيه أَنه يَصح أَن يكون اللهف من أمه وَأَبِيهِ فَلَا حَاجَة إِلَى إِقَامَة غَيره مقَام نَفسه. وَاللَّام فِي لِلْحَارِثِ للتَّعْلِيل أَي: يَا لهف أُمِّي من أجل الْحَارِث بن همام الشَّيْبَانِيّ. وَجعلهَا ابْن هِشَام بِمَعْنى على. قَالَ أَمِين الدَّين الطبرسي فِي شرح الحماسة: يجوز أَن يكون أورد هَذَا الْكَلَام على الْحَقِيقَة فلهف لما رأى من نجاحه فِي غَزَوَاته وسلامته فِي مآبه. وَيجوز أَن يكون أوردهُ على طَرِيق الِاسْتِهْزَاء فوصفه بِهَذِهِ الصِّفَات وَالْأَمر بِخِلَافِهِ. وَالْأَشْهر أَن يُوصف الرجل بِمَا هُوَ متصف بضده تهكماً بِهِ وسخرية. وَهَذَا من أَشد سباب الْعَرَب يَقُول الرجل لغيره: يَا عَاقل أَو يَا حَلِيم إِذا استجهله. وَنَحْوه قَوْله تَعَالَى: ذقْ إنَّكَ أنتَ العزيزُ الْكَرِيم. انْتهى.

وَحمل أَبُو عبيد النمري فِي شرح الحماسة هَذَا الْكَلَام على ظَاهره فَقَالَ: يَقُول: يصبح أعداءه بالغارة فيغنم ويؤوب فوصفه بِالْفَتْكِ وَالظفر وَحسن الْعَاقِبَة. وَهَذَا بَين وَاضح. ورد عَلَيْهِ أَبُو مُحَمَّد الْأَعرَابِي الْأسود فَقَالَ: هَذَا مَوضِع الْمثل: أَخْطَأت استك الحفرة كَيفَ يذكرهُ بِالْفَتْكِ وَالظفر وَهُوَ أعدى عَدو لَهُ وَإِنَّمَا الْمَعْنى أَنه لهف أمه وَهِي زيابة أَن لَا يلْحقهُ فِي بعض غاراته فيقتله أَو يأسره. انْتهى. وَمِنْه تعلم أَن قَول ابْن هِشَام: يَا لهف أبي عَليّ الْحَارِث إِذْ صبح قومِي بالغارة غير جيد من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: تَفْسِير زيابة بِالْأَبِ وَالثَّانِي: تَقْيِيد صبح بقوله قومِي. وَقد ذهب إِلَيْهِ أَبُو عبيد الْبكْرِيّ فِي شرح أمالي القالي فَقَالَ: تأسف أَن صبحهمْ فغنم وآب سالما. والصابح: الَّذِي يصبح الْقَوْم بالغارة. والْحَارث هَذَا هُوَ الْحَارِث بن همام بن مرّة بن ذهل بن شَيبَان. وَإِنَّمَا قَالَ ابْن زيابة فِيهِ هَذَا الشّعْر جَوَابا عَن شعر لَهُ فِيهِ. وَهَذَا شعر الْحَارِث بن همام: السَّرِيع) (أيا ابْن زيّابة إِن تلقني ... لَا تلقني فِي النّعم العازب) العازب: الْبعيد. يُرِيد: إِنَّك لَا تراني راعي إبل. وَالْمعْنَى: إِنَّمَا صَاحب فرس ورمح أغير على الْأَعْدَاء وأحارب من يَبْتَغِي حَرْبِيّ. ويشتد: من الشد وَهُوَ الْعَدو. والأجرد: الْفرس الْقصير الشّعْر: وَالْبركَة بِكَسْر الْمُوَحدَة: الصَّدْر أَي: مُتَقَدم مشرفه. كالراكب أَي: إشرافه إشراف الرَّاكِب لَا المركوب. وأيا: حرف نِدَاء وَابْن زيابة: منادى.

وَقَوله: وَالله لَو لاقيته خَالِيا الخ يَقُول: لَو لاقيته لقتلته أَو قتلني وَرجع السيفان مَعَ الْغَالِب. وَفِي هَذَا الْكَلَام وصف لنَفسِهِ بالشجاعة وَقلة مبالاته بِالْمَوْتِ وإنصاف للمحارب. وَقَوله: إِن تدعني الخ هَذَا يحْتَمل وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَنَّك إِن دعوتني علمت حَقِيقَة مَا أَقُول فادعني واخلص من الظَّن لِأَنَّك لَا تظن بِي الْعَجز عَن لقائك. وَالظَّن من شَأْن الْكَاذِب مثل مَا يُقَال: الْقيام بِهَذَا الْأَمر على فلَان أَي: هُوَ الَّذِي يَقع بِهِ. وَالْآخر: أَن يكون معنى قَوْله وَالظَّن على الْكَاذِب أَي: يكون عوناً عَلَيْهِ مَعَ الْأَعْدَاء كَمَا تَقول: رَأْيك عَلَيْك أَي: إِنَّك تسيئه فَيكون كالمتظاهر عَلَيْك. هَذَا كَلَام الْخَطِيب التبريزي. وَقَالَ الطبرسي: قَوْله وَالظَّن على الْكَاذِب جرى مجْرى الْأَمْثَال وَمَعْنَاهُ قَول لبيد: الرمل (واكذب النّفس إِذا حدّثتها ... إنّ صدق النّفس يزري بالأمل) وَالْمعْنَى كل منا يحدث صَاحبه بكذبها ثمَّ الظَّن على من لَا يتَحَقَّق أَصله. وَيجوز أَن يُرِيد: أَنا الْمَشْهُور الْمَعْرُوف إِن تدعني لمبارزتك أَجَبْتُك فَإِن كنت تظن غير هَذَا فظنك عَلَيْك لِأَنَّك تكذب نَفسك فِيمَا تتوهمه من قعودي عَنْك ونكولي عَن الْإِقْدَام عَلَيْك. وَيجوز أَن يُرِيد: إِن ظَنَنْت أَن تكون الْغَالِب فظنك عَلَيْك لِأَنَّك تكذب نَفسك. وَابْن زيابة شَاعِر من شعراء الْجَاهِلِيَّة وَاخْتلف فِي اسْمه فَقَالَ أَبُو رياش فِي شرح الحماسة: هُوَ عَمْرو بن لأي أحد بني تيم اللات بن ثَعْلَبَة وَهُوَ فَارس مجلز.

وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد الْأَعرَابِي والمرزباني: اسْمه سَلمَة بن ذهل. وَقَالَ أَبُو عبيد الْبكْرِيّ فِي شرح أمالي القالي اسْمه عَمْرو بن الْحَارِث بن همام أحد بني تيم اللات بن ثَعْلَبَة. وزيابة اسْم مرتجل للْعلم قَالَ ابْن جني فِي الْمُبْهِج: هُوَ فعالة أَو فيعالة أَو فوعالة من لفظ) الأزيب وَهُوَ النشاط. انْتهى. قَالَ صَاحب الصِّحَاح عَن ابْن السّكيت: الأزيب على أفعل: النشاط وَيُؤَنث يُقَال: مر فلَان وَله أزيب مُنكرَة إِذا مر مرا سَرِيعا من النشاط. والأزيب: الدعني. والأزيب: الْعَدَاوَة. والأزيب: النكباء الَّتِي تجْرِي بَين الصِّبَا والجنوب. وَقَالَ أَبُو زيد: أَخَذَنِي من فلَان الأزيب وَهُوَ وَأَخْطَأ مُحَمَّد بن دَاوُد الْجراح فِي ضَبطه ابْن زيابة بباءين موحدتين خفيفتين قَالَ: وَهِي فَأْرَة صماء يشبه بهَا الْجَاهِل. قَالَ ابْن حلزة: مجزوء الْكَامِل (وهم زبابٌ حائر ... لَا تسمع الآذان رعدا) وشعره يرد عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يَسْتَقِيم على مَا قَالَ. نَقله عَنهُ أَبُو عبيد الْبكْرِيّ. واللأي بِفَتْح اللَّام وَسُكُون الْهمزَة بِمَعْنى البطء. وتيم بِمَعْنى عبد. وَاللات صنم. ومجلز بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون الْجِيم وَفتح اللَّام وَآخره زَاي مُعْجمَة: اسْم فرسه وَهُوَ من الجلز وَهُوَ الفتل الشَّديد.

وَلابْن زيابة شعر جيد أورد مِنْهُ الْمبرد فِي الْكَامِل هَذِه الأبيات وَأَبُو تَمام فِي الحماسة: السَّرِيع (مَا لددٍ مَا لددٍ مَاله ... يبكي وَقد أَنْعَمت مَا باله) (مَالِي أرَاهُ مطرقاً سامياً ... ذَا سنةٍ يوعد أَخْوَاله) (وَذَاكَ مِنْهُ خلقٌ عادةٌ ... أَن يفعل الْأَمر الَّذِي قَالَه) (إنّ ابْن بَيْضَاء وَترك النّدى ... كَالْعَبْدِ إِذْ قيّد أجماله) (آلَيْت لَا أدفن قَتْلَاكُمْ ... فدخّنوا الْمَرْء وسرباله) (والرّمح لَا أملأ كفّي بِهِ ... واللّبد لَا أتبع تزواله) قَالَ المبردك قَوْله مَا لدد يَعْنِي رجلا. ودد فِي الأَصْل هُوَ اللَّهْو قَالَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: لست من دَد وَلَا دَد مني وَقد يكون فِي غير هَذَا الْموضع مأخوذاً من الْعَادة. وَقَوله: أَنْعَمت مَا باله. مَا زَائِدَة والبال هُنَا: الْحَال. وَقَوله: مطرقاً سامياً السَّامِي: الرافع رَأسه يُقَال: سما يسمو إِذا ارْتَفع. والمطرق: السَّاكِت المفكر المنكس رَأسه فَإِنَّمَا أَرَادَ سامياً بِنَفسِهِ. وَقَوله: ذَا سنّ يَقُول: كَأَنَّهُ لطول إطراقه فِي نعسة. انْتهى.) قَالَ ابْن السَّيِّد فِيمَا كتبه على الْكَامِل حكى الزجاجي أَن المطرق من هُوَ بذيء فِي أَفعاله وَيطْلب معالي الْأُمُور. وَقَالَ غَيره: المطرق الخامل الذّكر أَي: هُوَ خامل فِي الْحَقِيقَة وَهُوَ يتكبر فِي نَفسه. وَقَوله: ذَا سنة يُرِيد أَن وعيده لَا حَقِيقَة لَهُ فَكَأَنَّهُ يرَاهُ فِي النّوم. انْتهى كَلَام ابْن السَّيِّد.

وروى أَبُو تَمام المصراع الأول: (نبئت عمرا غارزاً رَأسه ... ذَا سنة ... ... ... . . الخ) قَالَ الْخَطِيب التبريزي: نبئ وأنبأ مُتَعَدٍّ إِلَى ثَلَاثَة مفاعيل أَولهَا نَائِب الْفَاعِل وَهُوَ تَاء الْمُتَكَلّم وَرَأسه مَنْصُوب بغارزاً بِمَعْنى مدخلًا رَأسه وَمِنْه الغرز بالإبرة. وغرز الرَّأْس: كِنَايَة عَن الْجَهْل والذهاب عَمَّا عَلَيْهِ وَله من التحفظ. وَالسّنة بِالْكَسْرِ: النعاس. يَقُول: كَأَنَّهُ وَسنَان قد تغير عقله فَهُوَ يوعد من لَا يحب أَن يوعده وَجُمْلَة يوعد: حَال. وروى: فِي سنة بِفَتْح السِّين أَي: فِي جَدب وقحط. وَقَوله: وَذَاكَ مِنْهُ خلق عَادَة روى بدله أَبُو تَمام: وَتلك مِنْهُ غير مَأْمُونَة. قَالَ الْخَطِيب: أَي: تِلْكَ الْخصْلَة لَا يُؤمن وُقُوعهَا من عَمْرو وَهُوَ فعله لما يَقُوله. وَهَذَا تهكم. وَأَن يفعل مَوْضِعه رفع على الْبَدَل من قَوْله: وَتلك مِنْهُ. وَقَوله: كَالْعَبْدِ إِذْ قيد أجماله قَالَ الْمبرد: يُرِيد غير أَنه مكترث لِاكْتِسَابِ الْمجد وَالْفضل وَذَلِكَ أَن العَبْد الرَّاعِي إِذا قيد أجماله لف رَأسه ونام نَاحيَة. وَهَذَا شبية بقوله: الْبَسِيط واقعد فإنّك أَنْت الطّاعم الكاسي

وَهَذَا الْبَيْت سَاقِط فِي رِوَايَة أبي تَمام. قَالَ الْخَطِيب: قَالَ النمري: وفيهَا: إنّك يَا عَمْرو وَترك العدى قَالَ ابْن السّكيت: يَقُول: أَنْت كَالْعَبْدِ اقْتصر على مَوضِع يرْعَى فِيهِ وَلَا يعزب بإبله. وَعِنْدِي أَنه يَقُول: وبخلك وحبسك مَالك كَالْعَبْدِ قيد أجماله فَلَا يبرحه مِنْهَا بعير. وَكَذَلِكَ أَنْت قيدت مَالك فَلَا يبرحك مِنْهُ شَيْء. قَالَ أَبُو مُحَمَّد الْأَعرَابِي: هَذَا مَوضِع الْمثل: الوافر (فَلَا يدْرِي نضيرٌ من دحاها ... وَمن هُوَ سَاكن الْعَرْش الرّفيع) أخبرنَا أَبُو الندى قَالَ: هَذَا الْبَيْت من المختل الْقَدِيم وَالصَّوَاب:) (إنّي وحوّاء وَترك النّدى ... كَالْعَبْدِ إِذْ قيّد أجماله) قَالَ: حَوَّاء فرسه. وَمَعْنَاهُ إِنِّي مَتى أترك الْغَزْو على ظهر حَوَّاء واغتنام الْأَمْوَال وتفريقها على الزائرين والسائلين لم يبْق لي هم لِأَن أَكثر همي فِي ذَلِك وَكنت مثل العَبْد إِذا شبعت إبِله فأراحها وقيدها فِي مراحها لم يبْق لَهُ هم حِينَئِذٍ. يَقُول: همي فِي الْغَزْو واغتنام الْأَمْوَال وبذلها. انْتهى.

وَقَوله: فدخنوا الْمَرْء وسرباله. قَالَ الْمبرد: يروي أَنه طعن فَارِسًا مِنْهُم فأحدث فَقَالَ: نظفوه فَإِنِّي لَا أدفن الْقَتِيل مِنْكُم إِلَّا طَاهِرا. وَقَوله: والدرع لَا أبغي بهَا نثرة قَالَ الْمبرد: النثرة: الدرْع السابغة. يَقُول: دِرْعِي هَذِه تكفيني. وَقَوله: كل امْرِئ مستودع مَاله قَالَ الْمبرد: أَي: مسترهن بأجله وَهُوَ كَقَوْل الْأَعْشَى: الْكَامِل (كنت المقدّم غير لابس جنّةٍ ... بالسّيف تضرب معلما أبطالها) انْتهى. وَقَالَ الإِمَام أَبُو الْوَلِيد فِيمَا كتبه على الْكَامِل: لَيْسَ هَذَا بِالْمَعْنَى لِأَن الاستيداع غير الاسترهان وَالْمَال غير الْأَجَل وَإِنَّمَا الْمَعْنى مَال الْإِنْسَان وَدِيعَة مرتجعة وعارية مُؤَدَّاة كَمَا قَالَ لبيد: الطَّوِيل (وَمَا المَال والأهلون إلاّ وَدِيعَة ... وَلَا بدّ يَوْمًا أَن ترد الودائع) ويروى: والدّرع لَا أبغي بهَا ثروةً وَهَذَا الرِّوَايَة تدل على معنى بَيت لبيد وَلَا يجوز مَعهَا تَأْوِيل الْمبرد. انْتهى. وَهَذِه رِوَايَة شرَّاح الحماسة. قَالَ الْخَطِيب: أَي: دِرْعِي مَالِي الَّذِي أدخره. وَهَذَا كَقَوْل الآخر:

الطَّوِيل (وَمَالِي مَال غير درعٍ حصينةٍ ... وأبيض من مَاء الْحَدِيد صقيل) وَيحْتَمل أَنه لَا يَبِيعهَا فَيَأْخُذ الْعِوَض عَنْهَا فيثرى بِهِ. وَقَوله: كل امْرِئ الخ يُرِيد احتفاظه بالدرع وَأَن كل إِنْسَان يحفظ مَاله فَهُوَ عِنْده كَالْوَدِيعَةِ الَّتِي قد لزم حفظهَا. وَيحْتَمل أَن يُرِيد تَعْزِيَة نَفسه إِذْ لَا مَال لَهُ فَيَقُول: كل امْرِئ مستودع مَاله أَي: أَنه سيسترد مِنْهُ كَمَا تسترد الْوَدِيعَة. وَيجوز أَن تكون مَا بِمَعْنى الَّذِي فَيكون الْمَعْنى كل امْرِئ وَلَا يمْتَنع أَن يكون أَشَارَ بِمَا إِلَى مَا يقتنى من أَعْرَاض الدُّنْيَا. ويروى: مستودع بِكَسْر الدَّال) وَالْمعْنَى أَن مَا يجمعه الْمَرْء ويكسبه إِذا جَاءَ محتوم الْقَضَاء يتْركهُ لغيره لَا محَالة فَلم أَرغب فِيهِ وأزهد فِي اكْتِسَاب المحامد. ويروى: والدرع لَا أبغي بهَا نثرة وَهِي الواسعة. وَالْمعْنَى إِنِّي أكتفي من الدرْع بِبدنِهِ. انْتهى كَلَام الْخَطِيب. وَقَوله: وَالرمْح لَا أملأ كفّي بِهِ قَالَ الْمبرد: يتَأَوَّل على وَجْهَيْن: أَحدهمَا أَن الرمْح لَا يمْلَأ كفي وَحده أَنا أقَاتل بِالرُّمْحِ وبالسيف وبالقوس وَغير ذَلِك. وَالْقَوْل الآخر: إِنِّي لَا أملأ بِهِ كفي إِنَّمَا أختلس بِهِ اختلاساً كَمَا قَالَ: الْكَامِل (ومدجّج سبقت يداي لَهُ ... تَحت الْغُبَار بطعنةٍ خلس) وَقَوله: واللّبد لَا أتبع تزواله

يَقُول: إِن انحل الحزام فَمَال اللبد لم أمل مَعَه أَي: إِنِّي فَارس ثَابت على ظُهُور الْخَيل. انْتهى. وأوضح مِنْهُ قَوْله الطبرسي: يجوز أَن يكون الْمَعْنى أَي: لَا أقتصر من تعَاطِي أَنْوَاع السِّلَاح على الرمْح فَقَط وَلَكِنِّي أجمع فِي الِاسْتِعْمَال بَينهَا وَهَذَا كَمَا يُقَال: مَلأ كَفه من كَذَا فَلَيْسَ فِيهِ مَوضِع لغيره. وَيجوز أَن يكون الْمَعْنى إِنِّي أسْتَعْمل رُمْحِي بأطراف أَصَابِع الْيَد لحذقي واقتداري وَلَا آخذه بِجَمِيعِ كفي. وَقَوله: واللبد لَا أتبع الخ يُرِيد: ألزم دَابَّتي فَإِن مَال اللبد لم أمل مَعَه. يصف نَفسه بالفروسية ويعرض بِأَن أضداد هَذِه الْأَوْصَاف مجتمعة فِي خَصمه. وَأنْشد بعده الشَّاهِد الثَّانِي وَالْخَمْسُونَ بعد الثلاثمائة الوافر (وَلست بنازل إلاّ ألّمت ... برحلي أَو خيالتها الكذوب) على أَن قَوْله: خيالتها مَعْطُوف على الضَّمِير الْمُسْتَتر فِي ألمت وَجَاز مَعَ عدم تَأْكِيد الْمُسْتَتر بمنفصل لوُجُود الْفَصْل قبل حرف الْعَطف وَهُوَ قَوْله: برحلي. قَالَ ابْن جني فِي إِعْرَاب الحماسة: عطف على الضَّمِير الْمَرْفُوع الْمُتَّصِل بِغَيْر تَأْكِيد وَلَو أكد فَقَالَ: ألمت هِيَ لَكَانَ أحسن غير أَن الْكَلَام طَال بقوله برحلي فناب طوله عَن التَّأْكِيد كَمَا أَن قَوْله الله سُبْحَانَهُ: مَا أشْرَكْنا وَلَا آباؤُنا لما طَال الْكَلَام فِيهِ بِلَا وَإِن كَانَت بعد

الْوَاو حسن الْكَلَام بِطُولِهَا. انْتهى. وَهَذَا الْبَيْت أول أَبْيَات ثَلَاثَة مَذْكُورَة فِي الحماسة. وَبعده: (فقد جعلت قلُوص بني سهيلٍ ... من الأكوار مرتعها قريب) (كأنّ لَهَا برحل الْقَوْم بوّا ... وَمَا إِن طبّها إلاّ اللّغوب) قَوْله: وَلست بنازل مفعول نَازل مَحْذُوف أَي: منزلا أَو مَكَانا. والإلمام: زِيَارَة لَا لبث مَعهَا أَو هُوَ من ألم الرجل بالقوم إلماماً بِمَعْنى أَتَاهُم فَنزل بهم. وفاعل ألمت ضمير الحبيبة. والرحل: كل شَيْء يعد للرحيل من وعَاء للمتاع. والخيالة: الطيف يُقَال: خيال وخيالة كَمَا يُقَال: مَكَان ومكانة. والكذوب: صفة خيالة وَإِنَّمَا لم يؤنثه لِأَن فعولًا يَسْتَوِي فِيهِ الْمُذكر والمؤنث. وَجعلهَا كذوباً لِأَنَّهَا تخيل إِلَيْهِ فِي النّوم مَا لَا يحِق. وَقَالَ المرزوقي: وَجعلهَا كذوباً لما لم يُحَقّق قَوْلهَا وفعلها. يَقُول: لَا أنزل محلا إِلَّا رَأَيْت هَذِه الْمَرْأَة ملحمة برحلي اي: متصورة لي بِهَذِهِ الصُّورَة تشوقاً مني وَهَذَا فِي حَال الْيَقَظَة أَو رَأَيْت خيالها الْكَاذِب الَّذِي لَا حَقِيقَة لَهُ وَهَذَا فِي حَال النّوم. (أآخر شيءٍ أَنْت فِي كلّ هجعةٍ ... وَأول شيءٍ أَنْت عِنْد هبوبي) لِأَن هَذَا فِي حَال دون حَال وَذَاكَ الدَّهْر كُله.

وَقد جعلت قلُوص الخ جعلت هُنَا بِمَعْنى طفقت وَأَقْبَلت وَأَخْطَأ الْعَيْنِيّ فِي قَوْله إِن جعلت هُنَا بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول وقلوص اسْمهَا وَهِي النَّاقة الشَّابَّة. وَجُمْلَة مرتعها قريب فِي مَحل نصب خَبَرهَا) وَمن الأكوار مُتَعَلق بقريب. واستعيرت الاسمية مَوضِع الفعلية لِأَن المُرَاد: وَقد جعلت هَذِه القلوص يقرب مرتعها من الأكوار. وَقد أوردهُ الشَّارِح الْمُحَقق فِي آخر أَفعَال المقاربة وَيَأْتِي بَيَانه هُنَاكَ إِن شَاءَ الله تَعَالَى. وَقَالَ المرزوقي: ومرتها قريب فِي مَوضِع الْحَال. يَقُول: أَقبلت قلُوص هذَيْن الرجلَيْن قريبَة المرتع من رحالهم قَصِيرَة المسرح فِي رَوَاحهمْ لِأَنَّهُ لما لحقها من الكلال والإعياء لم تقدر على التباعد فِي المرعى. انْتهى. وَقد شَرحه قَول الآخر وأبلغ فَقَالَ: الرجز (من الكلال لَا يذقن عوداً ... لَا عقلا تبغي وَلَا قيودا) والأكوار: جمع كور بِالضَّمِّ وَهُوَ الرحل بأداته. أَي: إِذا سرحت لم تبعد فِي المرعى لشدَّة كلالها. وَزعم الدماميني فِي الْحَاشِيَة الْهِنْدِيَّة وَتَبعهُ غَيره أَنه يَصح أَن يكون أكوار هُنَا جمع كور بِالْفَتْح وَهِي الْجَمَاعَة الْكَثِيرَة من الْإِبِل. وَهَذَا وَإِن كَانَ صَحِيحا فِي نَفسه إِلَّا أَنه لَا يُنَاسب الْمقَام. فَتَأمل. وَقَوله: كَأَن لَهَا برحل الخ. قَالَ المرزوقي: يَقُول: كَأَن لهَذِهِ النَّاقة ولدا برحل الْقَوْم تتعطف عَلَيْهِ وَلَا تتباعد عَنهُ وَمَا داؤها إِلَّا الإعياء. والطب

بِالْكَسْرِ أَصله الْعلم وَالْمرَاد بِهِ هُنَا الَّذِي يعلم وَيعرف. والبو أَصله جلد فصيل يحشى تبناً لتدر الْأُم عَلَيْهِ. انْتهى. وَقَالَ شَارِح آخر: قَوْله: وَمَا إِن طبها قَالَ أَبُو الندى: أَي مَا شَأْنهَا وداؤها. وَقَالَ غَيره: الطِّبّ هَا هُنَا السقم وَمِنْه آخر الطِّبّ الكي: وَأكْثر مَا يسْتَعْمل ذَلِك فِي السحر وَمِنْه رجل مطبوب. واللغوب: الإعياء وَقد لغب لغوباً كدخل دُخُولا ولغب لغباً كفرح فَرحا. انْتهى. وَهَذِه الأبيات أوردهَا أَبُو تَمام فِي بَاب الحماسة مَعَ أَنه لَا تعلق لَهَا بهَا بِوَجْه فَإِن الْبَيْت الأول من بَاب النسيب والبيتان الأخيران من بَاب الْوَصْف وَهُوَ نعت النَّاقة بِشدَّة التَّعَب وَهَذَا بمعزل عَن الحماسة. وَلم أر من تنبه لهَذَا من شراحه وَلم أر أَيْضا مِنْهُم من نَسَبهَا إِلَى قَائِلهَا. وَرَأَيْت الصغاني نَسَبهَا فِي مَادَّة الخيال من الْعباب إِلَى رجل من بني بحتر ابْن عتود بِضَم الْمُوَحدَة وَسُكُون الْمُهْملَة وَضم الْمُثَنَّاة الْفَوْقِيَّة. وعتود بِفَتْح الْمُهْملَة بعْدهَا مثناة فوقية مَضْمُومَة وَآخره دَال. الحافظو عَورَة الْعَشِيرَة) على أَن أَصله الحافظون عَورَة الْعَشِيرَة فحذفت النُّون طلبا للاختصار لِأَن الصِّلَة قد طَالَتْ. وعورة مَنْصُوب بِهِ. وَرُوِيَ أَيْضا بجرها بِالْإِضَافَة. وَهَذَا صدؤ من بَيت وَهُوَ: (الحافظو عَورَة الْعَشِيرَة لَا ... يَأْتِيهم من وَرَائِنَا وكف)

والوكف: الْعَيْب وَالْإِثْم. أَي: نَحن نَحْفَظ عَورَة عشيرتنا فَلَا يَأْتِيهم من وَرَائِنَا شَيْء يعابون بِهِ من تَضْييع ثغرهم وَقلة رعايته. وَقد تقدم الْكَلَام عَلَيْهِ مُسْتَوفى فِي الشَّاهِد الثَّامِن وَالتسْعين بعد الْمِائَتَيْنِ. وَأنْشد بعده الشَّاهِد الثَّالِث وَالْخَمْسُونَ بعد الثلاثمائة وَهُوَ من شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ: الْبَسِيط (فاليوم قرّبت تهجونا وتشتمنا ... فَاذْهَبْ فَمَا بك والأيّام من عجب) على أَن حرف الْجَرّ قد يتْرك ضورة عِنْد الْبَصرِيين أَي: مَا بك وبالأيام عجب. قَالَ سِيبَوَيْهٍ قبل أَن ينشد هَذَا الْبَيْت: وَمِمَّا يقبح أَن يُشْرك الْمظهر عَلامَة الْمُضمر الْمَجْرُور وَذَلِكَ قَوْلك: مَرَرْت بك وَزيد وَهَذَا أَبوك وَعَمْرو فكرهوا أَن يُشْرك الْمظهر مضمراً دَاخِلا فِيمَا قبله لِأَن هَذِه الْعَلامَة الدَّاخِلَة فِيمَا قبلهَا جمعت أَنَّهَا لَا يتَكَلَّم بهَا إِلَّا مُعْتَمدَة على مَا قبلهَا وَأَنَّهَا بدل من اللَّفْظ بِالتَّنْوِينِ فَصَارَت عِنْدهم بِمَنْزِلَة التَّنْوِين فَلَمَّا ضعفت عِنْدهم كَرهُوا أَن يتبعوها الِاسْم وَلم يجز أَن يتبعوها إِيَّاه. إِلَى أَن قَالَ: وَقد يجوز فِي الشّعْر. وَأنْشد هَذَا الْبَيْت وبيتاً آخر. انْتهى. وأوضح مِنْهُ قَول ابْن السراج فِي الْأُصُول: وَأما المخفوض فَلَا يجوز أَن يعْطف عَلَيْهِ الظَّاهِر لَا يجوز أَن تَقول: مَرَرْت بك وَزيد لِأَن الْمَجْرُور لَيْسَ

لَهُ اسْم مُنْفَصِل فيتقدم ويتأخر كَمَا للمنصوب وكل اسْم مَعْطُوف عَلَيْهِ فَهُوَ يجوز أَن يُؤَخر وَيقدم الآخر عَلَيْهِ فَلَمَّا خَالف الْمَجْرُور سَائِر الْأَسْمَاء لم يجز أَن يعْطف عَلَيْهِ. وَقد حكى أَنه جَاءَ فِي الشّعْر: فَاذْهَبْ فَمَا بك وَالْأَيَّام من عجب انْتهى وَوَافَقَ الْكُوفِيّين يُونُس والأخفش وقطرب والشلويين وَابْن مَالك.) وَهَذِه الْمَسْأَلَة أوردهَا ابْن الْأَنْبَارِي فِي مسَائِل الْخلاف بأدلة الْفَرِيقَيْنِ قَالَ: الحتج الْكُوفِيُّونَ على جَوَازهَا بمجيئها فِي التَّنْزِيل قَالَ تَعَالَى: واتّقوا الله الَّذين تَساءَلُون بهِ والأرحامِ بالخفض وَهِي قِرَاءَة حَمْزَة وَغَيره. وَقَالَ تَعَالَى: ويَسْتَفْتونَك فِي النِّسَاء قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فيهنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُم فَمَا عطف على ضمير فِيهِنَّ. وَقَالَ تَعَالَى: لكِن الرّاسخُون فِي العِلْمِ منهُمْ والمُؤمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أنزلَ إليكَ وَمَا أنزلَ مِنْ قبلك والمقِيمين الصّلاة فالمقيمين عطف على الْكَاف فِي إِلَيْك أَو على الْكَاف فِي قبلك. وَقَالَ تَعَالَى:

وجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعَايشَ ومَنْ لَسْتم لهُ برازقين فَمن عطف على ضمير لكم. وَقَالَ الشَّاعِر: الْبَسِيط فَاذْهَبْ فَمَا بك والأيّام من عجب وَقَالَ الآخر: الوافر (أكرّ على الكتيبة لَا أُبَالِي ... أفيها كَانَ حتفي أم سواهَا) أَي: أم فِي سواهَا. وَقَالَ آخر: الطَّوِيل (نعلّق فِي مثل السّواري سُيُوفنَا ... وَمَا بَينهَا والكعب غوطٌ نقانف) أَي: بَين السيوف وَبَين كَعْب الرجل. وَقَالَ آخر: الْكَامِل أَي: عَنْهُم وَعَن أبي نعيم. ثمَّ قَالَ: وَالْجَوَاب عَن الأول من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَن الْأَرْحَام مجرور بواو الْقسم لَا بالْعَطْف وَجَوَاب الْقسم إِن الله كَانَ عَلَيْكُم رقيبا. وَثَانِيهمَا: أَنَّهَا مجرورة بباء مقدرَة حذفت لدلَالَة الأولى. وَأما الْجَواب عَن الثَّانِي فَمن وَجْهَيْن أَيْضا: أَحدهمَا: أَن مَا مَعْطُوف على الله أَي: الله يفتيكم فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُم يفتيكم فِيهِنَّ وَهُوَ الْقُرْآن.

وَثَانِيهمَا مَعْطُوف على النِّسَاء من قَوْله: يستفتونك فِي النِّسَاء. وَأما الْجَواب عَن الثَّالِث فَمن وَجْهَيْن أَيْضا: أَحدهمَا: أَن المقيمين مَنْصُوب على الْمَدْح وَذَلِكَ أَن الْعَرَب تنصب على الْمَدْح عِنْد ترك) الْعَطف وَقد تستنأنف فَترفع. وَثَانِيهمَا: أَنه مَعْطُوف على مَا من قَوْله: بِمَا أنزل إِلَيْك أَي: يُؤمنُونَ بِمَا أنزل إِلَيْك وبالمقيمين. على أَنه قد رُوِيَ عَن عَائِشَة أَنَّهَا سُئِلت عَن هَذَا الْموضع فَقَالَت: هَذَا من خطأ الْكَاتِب. وَرُوِيَ عَن بعض ولد عُثْمَان أَنه سُئِلَ عَنهُ فَقَالَ: إِن الْكَاتِب لما كتب: وَمَا أنزل من قبلك قَالَ: مَا أكتب فَقيل لَهُ: اكْتُبْ والمقيمين الصَّلَاة يَعْنِي أَن المملي أعمل قَوْله اكْتُبْ فِي المقيمين على وَأما الْجَواب عَن الرَّابِع فَإِن الْمَسْجِد الْحَرَام مجرور بالْعَطْف على سَبِيل الله لَا بالْعَطْف على بِهِ لِأَن إِضَافَة الصد عَنهُ أَكثر اسْتِعْمَالا من إِضَافَة الْكفْر بِهِ. أَلا ترى أَنهم يَقُولُونَ: صددته عَن الْمَسْجِد الْحَرَام وَلَا يكادون يَقُولُونَ: كفرت بِالْمَسْجِدِ الْحَرَام. وَأما الْجَواب عَن الْخَامِس فَإِن من عطف على معايش أَي: جعلنَا لكم فِيهَا المعايش وَالْعَبِيد وَالْإِمَاء. وَأما قَول الشَّاعِر: فَاذْهَبْ فَمَا بك وَالْأَيَّام فَلَا حجَّة فِيهِ أَيْضا لِأَنَّهُ مجرور على الْقسم لَا بالْعَطْف على الْكَاف. وَأما قَول الآخر: أفيها كَانَ حتفي أم سواهَا

فَإِن سواهَا مَنْصُوب على الظّرْف لَا أَنَّهَا مجرورة بالْعَطْف. وَأما قَوْله: وَمَا بَينهَا والكعب فالكعب مجرور بِإِضَافَة بَين إِلَيْهِ محذوفاً لَا بالْعَطْف حذف بَين الثَّانِيَة لدلَالَة الأولى عَلَيْهِ. هَذَا مَا أوردهُ ابْن الْأَنْبَارِي وَلَا يخفى مَا فِي غالبه من التعسف. وَقد أنكر النُّحَاة قِرَاءَة حَمْزَة بجر الْأَرْحَام وَهِي قِرَاءَة مُجَاهِد وَالنَّخَعِيّ وَقَتَادَة وَأبي رزين ويجبيى بن وثاب وَالْأَعْمَش وَأبي صَالح أَيْضا. قَالَ الْفراء فِي مَعَاني الْقُرْآن: حَدثنِي شريك بن عبد الله عَن الْأَعْمَش عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ أَنه خفض الْأَرْحَام فَقَالَ: هُوَ كَقَوْلِهِم بِاللَّه وَالرحم وَفِيه قبح لِأَن الْعَرَب لَا ترد مخفوضاً على مخفوض وَقد كني عَنهُ وَإِنَّمَا يجوز هَذَا فِي الشّعْر لضيقه.) وَقد بَالغ الزّجاج فِي تَفْسِيره فِي إِنْكَار هَذِه الْقِرَاءَة فَقَالَ: الْقِرَاءَة الجيدة نصب الْأَرْحَام وَالْمعْنَى وَاتَّقوا الْأَرْحَام أَن تقطعوها فَأَما الْخَفْض فِي الْأَرْحَام فخطأ فِي الْعَرَبيَّة لَا يجوز إِلَّا فِي اضطرار شعر. وَخطأ أَيْضا فِي أَمر الدَّين عَظِيم

لِأَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قَالَ: لَا تحلفُوا بِآبَائِكُمْ فَكيف يكون تساءلون بِاللَّه وبالرحم على ذَا وَرَأَيْت إِسْمَاعِيل بن إِسْحَاق يُنكر هَذَا وَيذْهب إِلَى أَن الْحلف بِغَيْر الله أَمر عَظِيم فَإِن ذَلِك خَاص بِاللَّه عَزَّ وَجَلَّ. فَأَما الْعَرَبيَّة فإجماع النَّحْوِيين أَنه يقبح أَن ينسق باسم ظَاهر على اسْم مُضْمر فِي حَال الْخَفْض إِلَّا بِإِظْهَار الْخَافِض. فَقَالَ بَعضهم: لِأَن المخفوض حرف مُتَّصِل غير مُنْفَصِل فَكَأَنَّهُ كالتنوين فِي الِاسْم فقبح أَن يعْطف باسم يقوم بِنَفسِهِ على اسْم لَا يقوم بِنَفسِهِ. وَقد فسر الْمَازِني هَذَا تَفْسِيرا مقنعا فَقَالَ: الثَّانِي فِي الْعَطف شريك الأول فَإِن كَانَ الأول يصلح أَن يكون شَرِيكا للثَّانِي وَإِلَّا لم يصلح أَن يكون الثَّانِي شَرِيكا لَهُ. قَالَ: فَكَمَا لَا تَقول: مَرَرْت بزيد وَبِك كَذَلِك لَا تَقول: مَرَرْت بك وَزيد وَقد جَاءَ فِي الشّعْر. أنْشد سِيبَوَيْهٍ: فَاذْهَبْ فَمَا بك وَالْأَيَّام من عجب انْتهى وَتعقبه أَبُو شامة فِي شرح الشاطبية بَعْدَمَا نقل عبارَة الزّجاج بقوله: قلت: هَاتَانِ العلتان منقوضتان بالضمير الْمَنْصُوب وَقد جَازَ الْعَطف عَلَيْهِ فالمجرور كَذَلِك. انْتهى. أَقُول: قد فرق الشَّارِح الْمُحَقق بَينهمَا بِأَن اتِّصَال الْمُضمر الْمَجْرُور بجاره أَشد من اتِّصَال الْفَاعِل الْمُتَّصِل والمضمر الْمَنْصُوب الْمُتَّصِل لَيْسَ كالجزء معنى كَمَا بَينه فَالْقِيَاس مَمْنُوع. ثمَّ قَالَ أَبُو شامة: وَأما إِنْكَار هَذِه الْقِرَاءَة من جِهَة الْمَعْنى لأجل أَنَّهَا سُؤال بالرحم فَهُوَ حلف وَقد نهي عَن الْحلف بِغَيْر الله تَعَالَى فَجَوَابه أَن هَذَا حِكَايَة مَا كَانُوا عَلَيْهِ فحضهم على صلَة الرَّحِم ونهاهم عَن قطعهَا ونبههم

على أَنَّهَا بلغ من حرمتهَا عِنْدهم أَنهم يتساءلون بهَا. وَحسن حذف الْبَاء هُنَا أَن موضعهَا مَعْلُوم فَإِنَّهُ قد كثر على ألسنتهم قَوْلهم: سَأَلتك بِاللَّه وبالرحم أَقُول: أول كَلَامه يدْفع آخِره فَإِن أَوله اقْتضى أَن الْوَاو للقسم السؤالي. وَقد رد الشَّارِح هَذَا بِأَن قسم السُّؤَال لَا يكون إِلَّا مَعَ الْبَاء وَأَن آخِره اقْتضى أَنَّهَا للْعَطْف والجر بِالْبَاء الْمقدرَة. وَفِيه انتزاع فَتَأمل.) ثمَّ قَالَ أَبُو شامة فِي تَعْلِيل قِرَاءَة حَمْزَة أَنَّهَا على الْقسم وَجَوَابه إِن الله كَانَ عَلَيْكُم رقيباً: أقسم سُبْحَانَهُ بذلك كَمَا أقسم بِمَا شَاءَ من مخلوقاته من نَحْو: والتينِ والزيتونِ. وَهَذَا الْوَجْه وَإِن كَانَ لَا مطْعن عَلَيْهِ من جِهَة الْعَرَبيَّة فَهُوَ بعيدن لِأَن قِرَاءَة النصب وَقِرَاءَة ابْن مَسْعُود وبالأرحام بِالْبَاء مصرحتان بالوصاة بالأرحام. وَأما رد بعض أَئِمَّة الْعَرَبيَّة ذَلِك فقد قَالَ الْقشيرِي فِي تَفْسِيره: لَعَلَّهُم أَرَادوا أَنه صَحِيح فصيح وَإِن كَانَ غَيره أفْصح فَإنَّا لَا ندعي أَن كل الْقرَاءَات على أفْصح الدَّرَجَات فِي الفصاحة. وَإِن أَرَادوا غير هَذَا فَلَا يُقَلّد فِيهِ أَئِمَّة اللُّغَة والنحو فَإِن الْقرَاءَات الَّتِي قَرَأَ بهَا الْأَئِمَّة ثبتَتْ عَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ. وَهَذَا كَلَام حسن صَحِيح. انْتهى. وَالْبَيْت من أَبْيَات سِيبَوَيْهٍ الْخمسين الَّتِي لم يعرف لَهَا قَائِل. وَقَوله: فاليوم قربت الخ قَالَ الأعلم: معنى قربت وَأخذت وَاحِد يُقَال: قربت تفعل كَذَا اي: جعلت تَفْعَلهُ. وَالْمعْنَى: هجوك لنا من عجائب الدَّهْر فقد كثرت فَلَا يتعجب مِنْهَا. انْتهى. فاليوم أنشأت تهجونا الخ

فجملة تهجونا خبر قرب وَالتَّاء اسْمهَا. وَزعم الْعَيْنِيّ وَتَبعهُ غَيره أَن قربت هُنَا بِالتَّشْدِيدِ بِمَعْنى قربت بِالتَّخْفِيفِ أَي: دَنَوْت وَجُمْلَة تهجونا حَال وَيُقَال: قربت هُنَا من أَفعَال المقاربة فَحِينَئِذٍ تكون الْجُمْلَة خَبرا. هَذَا كَلَامه. قَالَ شَارِح شَوَاهِد الموشح: يرْوى: قربت مَعْرُوفا ومجهولاً. فعلى الأولى مَعْنَاهُ: الْيَوْم قربت هجاءنا أَي: أدنيته وَيجوز أَن يكون مَعْنَاهُ الْإِسْرَاع أَي: أسرعت فِي الهجاء. وَجُمْلَة تهجونا حَالية أَي: قربت هاجياً. وعَلى الثَّانِي يُرِيد أَنَّك كنت مَهْجُورًا مُبْعدًا فاليوم قربت تهجونا وَلَيْسَ هَذَا جَزَاء الْإِحْسَان والتقريب وَقَوله: فَاذْهَبْ أَمر تهديد وتحذير. انْتهى. وَهَذَا نَاشِئ عَن عدم الِاطِّلَاع وَلَا يَنْبَغِي تسويد الْوَرق بِمثلِهِ. وَقَوله: فَاذْهَبْ قَالَ الْعَيْنِيّ: هُوَ جَوَاب شَرط مَحْذُوف وَالتَّقْدِير فَإِن فعلت ذَلِك فَاذْهَبْ فَإِن ذَلِك لَيْسَ بعجب من مثلك وَمن مثل هَذِه الْأَيَّام. انْتهى. وَقَالَ ابْن جني فِي إِعْرَاب الحماسة عِنْد قَول الشَّاعِر: المتقارب (فَإِن كنت سيّدنا سدتنا ... وَإِن كنت للخال فَاذْهَبْ فَخَل)) أَرَادَ ب اذْهَبْ توكيداً كَمَا تَقول: أَخذ يتحدث وَجعل يَقُول وَأَنت تُرِيدُ حَدِيثه. وَكَذَلِكَ قَامَ يَشْتمنِي قَالَ حسان: على مَا قَامَ يَشْتمنِي لئيم

أَي: علام يَشْتمنِي. وَعَلِيهِ بَيت الْكتاب: فاليوم قرّبت تهجونا ... ... ... ... ... ... ... الْبَيْت أَي: فَمَا بك عجب. واذهب توكيد للْكَلَام وتمكين لَهُ. وَمثله قَوْله: الرجز (من دون أَن تلتقي الأركاب ... وَيقْعد الأير لَهُ لعاب) وَلَيْسَ هُنَاكَ قيام وَلَا قعُود وَلَا ذهَاب وَلَكِن هَذِه استراحات من الْعَرَب وتطريحات مِنْهَا فِي القَوْل. انْتهى. وَأنْشد بعده: الْوَاهِب الْمِائَة الهجان وعبدها على أَن عطف قَوْله وعبدها بِالْجَرِّ على الْمِائَة ضَعِيف. وَوجه الضعْف أَن اسْم الْفَاعِل المقرون بألأ الْمُضَاف يلْزم أَن يكون الْمُضَاف إِلَيْهِ مُعَرفا بهَا أَيْضا لمشابهته لِلْحسنِ الْوَجْه فَإِذا عطف على الْمُضَاف إِلَيْهِ شَيْء لزم أَيْضا أَن يكون مُعَرفا بهَا لِأَن الْمَعْطُوف فِي حكم الْمَعْطُوف عَلَيْهِ. وَإِنَّمَا جَازَ هُنَا عطف عَبدهَا مَعَ خلوه من أل على الْمِائَة لكَونه مُضَافا إِلَى ضمير الْمُعَرّف بأل وَالتَّقْدِير وَعبد الْمِائَة ولكونه تَابعا وَالتَّابِع يجوز فِيهِ مَا لَا يجوز فِي متبوعه. وَقد تقدم شرح هَذَا مُسْتَوفى مَعَ القصيدة الَّتِي هَذَا المصراع مِنْهَا فِي الشَّاهِد الرَّابِع وَالتسْعين بعد الْمِائَتَيْنِ. وَأنْشد بعده الشَّاهِد الرَّابِع وَالْخَمْسُونَ بعد الثلاثمائة الطَّوِيل (أتعرف أم لَا رسم دارٍ معطّلا ... من الْعَام يَغْشَاهُ وَمن عَام أوّلا) (قطارٌ وتاراتٍ خريقٌ كأنّها ... مضلّة بوّ فِي رعيلٍ تعجّلا)

على أَن الشَّاعِر قد فصل بالظرف وَهُوَ تارات بَين العاطف وَهُوَ الْوَاو وَبَين الْمَعْطُوف وَهُوَ خريق وَالْأَصْل: قطار وخريق تارات. وَهَذَانِ البيتان من أَبْيَات خَمْسَة للقحيف العقيي مَذْكُورَة فِي أَوَاخِر نَوَادِر أبي زيد وَلم أرها إِلَّا فِيهَا. وَقَوله: أتعرف أم لَا الخ رسم: مفعول تعرف. وَمَعْنَاهُ الْأَثر. ومعطلا: صفة رسم أَي: خَالِيا من الأنيس والسكان. وَمن الْعَام مُتَعَلق بمعطلا وَمن عَام أَولا مَعْطُوف عَلَيْهِ. وَالْعَام: الْحول. قَالَ ابْن الجواليقي: وَلَا تفرق عوام النَّاس بَين الْعَام وَالسّنة ويجعلونهما بِمَعْنى فَيَقُولُونَ لمن سَافر فِي وَقت من السّنة أَي وَقت كَانَ إِلَى مثله عَام وَهُوَ غلط وَالصَّوَاب مَا أخْبرت بِهِ عَن أَحْمد بن يحيى أَنه قَالَ: السّنة من أَي يَوْم عددته إِلَى مثله وَالْعَام لَا يكون إِلَّا شتاء وصيفاً. وَفِي التَّهْذِيب أَيْضا: الْعَام حول يَأْتِي على شتوة وصيفة. وعَلى هَذَا فالعام أخص من السّنة وَلَيْسَ كل سنة عَاما. وَإِذا عددت من يَوْم إِلَى مثله فَهُوَ سنة وَقد يكون فِيهِ نصف الصَّيف وَنصف الشتَاء. وَالْعَام لَا يكون إِلَّا صيفاً وشتاء متواليين. وَاللَّام فِيهِ للْعهد الحضوري أَي: هَذَا الْعَام وعام أول هُوَ الْحول السَّابِق. وَأول لَهُ استعمالان: أَحدهمَا: بِمَعْنى سَابق ومتقدم وَيصرف على هَذَا. وَثَانِيهمَا: بِمَعْنى أسبق وَلَا ينْصَرف على هَذَا. قَالَ صَاحب الْمِصْبَاح: وَتقول عَام أول إِن جعلته صفة لم تصرفه لوزن الْفِعْل وَالصّفة وَإِن لم تَجْعَلهُ صفة صرفته. انْتهى. وَألف آخِره للإطلاق وَمن التفضيلية محذوفة أَي: من عَام أول من هَذَا الْعَام.

وَقَالَ أَبُو الْحسن عَليّ بن سُلَيْمَان الْأَخْفَش فِيمَا كتبه على نَوَادِر أبي زيد: قَوْله وَمن عَام أَولا يُرِيد من عَام زمَان أول أَو دهر أول فَأَقَامَ الصّفة مقَام الْمَوْصُوف. قَالَ أَبُو عُبَيْدَة فِي قَوْله تَعَالَى: تَرمِيهمْ بحجارةٍ مِنْ سِجِّيلٍ. قَالَ: أَرَادَ وَالله أعلم: من شَدِيد.) وَلم يزدْ على هَذَا وَتَقْدِيره عِنْد أهل الْعَرَبيَّة: من رام شَدِيد. انْتهى. وَلَا يخفى تعسفه. ويغشاه من غشيه من بَاب تَعب بِمَعْنى أاه وَالِاسْم الغشيان. وَالَّذِي رَوَاهُ أَبُو زيد يمحاه بدل يَغْشَاهُ. قَالَ أَبُو الْحسن الْأَخْفَش: تَقول الْعَرَب: محا يمحو ويمحا وَقد جَاءَ يمحي وَهُوَ شَاذ قَلِيل. يَقُول بَعضهم: محيت كَمَا يَقُول الْآخرُونَ محوت. وَمن قَالَ يمحا فَإِنَّمَا يفتح لِأَن الْحَاء من حُرُوف الْحلق. انْتهى. وقطار فَاعل يَغْشَاهُ أَو يمحاه وَجُمْلَة الْفِعْل وَالْفَاعِل فِي مَحل نصب على الْحَال من رسم وَلَا يجوز أَن يكون حَالا من دَار لتذكير الضَّمِير فِي يغشى وقطار بِكَسْر الْقَاف: جمع قطر بِمَعْنى الْمَطَر. وَهَذَا عيب فِي الشّعْر عِنْد الْخَلِيل ويسميه المضمن وَهُوَ أَن يكون تَمام الْمَعْنى فِي الْبَيْت الثَّانِي. وتارات مَنْصُوب على الظّرْف ليغشى وَهُوَ جمع تَارَة بِمَعْنى مرّة. وخريق مَعْطُوف على قطار قَالَ صَاحب الْعباب: الخريق الرّيح الْبَارِدَة الشَّدِيدَة الهبوب. وَضمير كَأَنَّهَا للخريق. ومضلة: اسْم فَاعل من أضللته بِالْألف بِمَعْنى فقدته وأضعته. قَالَ الْأَزْهَرِي: وأضللت الشَّيْء بِالْألف إِذا ضَاعَ مِنْك فَلم تعرف مَوْضِعه كالدابة والناقة وَمَا أشبههما. فَإِن أَخْطَأت مَوضِع الشَّيْء الثَّابِت كَالدَّارِ قلت: ضللته وضللته. ومضلة صفة مَوْصُوف مَحْذُوف أَي: نَاقَة مضلة. والبو: جلد الحوار أَي: ولد النَّاقة يحشى إِذا مَاتَ فتعطف عَلَيْهِ النَّاقة فتدر. والرعيل بالراء وَالْعين الْمُهْمَلَتَيْنِ: الْجَمَاعَة من الْخَيل. وتعجل: فعل مَاض بِمَعْنى أسْرع وفاعله ضمير الرعيل وَجُمْلَة كَأَنَّهَا مضلة الخ حَال من خريق. شبه الرّيح الْعَاصِفَة فِي رسم الدَّار بِنَاقَة أضاعت ولدا فِي جمع خيل أسْرع وَمضى فَهِيَ والهة تُرِيدُ اللحاق إِلَيْهِ فتسرع بأشد مَا يُمكنهَا. والقحيف بِضَم الْقَاف وَفتح الْحَاء الْمُهْملَة

وَآخره فَاء. والعقيلي بِضَم الْعين وَفتح الْقَاف هُوَ شَاعِر جاهلي. وَتقدم ذكره فِي الشَّاهِد الثَّالِث وَالْخمسين بعد الثلاثمائة. وَأنْشد بعده الشَّاهِد الْخَامِس وَالْخَمْسُونَ بعد الثلاثمائة الْبَسِيط على أَن أَو هُنَا بِمَعْنى الْوَاو وَإِنَّمَا احْتِيجَ إِلَى جعل أَو بِمَعْنى الْوَاو لِأَن سَوَاء وسيين يطلبان شَيْئَيْنِ فَلَو جعلت أَو لأحد الشَّيْئَيْنِ لَكَانَ الْمَعْنى سيان أَحدهمَا. وَهَذَا كَلَام مُسْتَحِيل.

قَالَ أَبُو عَليّ فِي إِيضَاح الشّعْر: وَالَّذِي حسن ذَلِك للشاعر أَنه يرى جَالس الْحسن أَو ابْن سِيرِين فيستقيم لَهُ أَن يجالسهما جَمِيعًا. وكل الْخبز أَو التَّمْر فَيجوز لَهُ أَن يجمعهما فِي الْأكل. فَلَمَّا جرت مجْرى الْوَاو فِي هَذِه الْمَوَاضِع استجاز أَن يستعملها بعد سي. وَلم نعلم ذَلِك جَاءَ فِي سَوَاء وَقِيَاسه قِيَاس سيان. انْتهى. وَبَين ابْن جني سره فِي بَاب تدريج اللُّغَة من الخصائص قَالَ: وَذَلِكَ أَي تدريج اللُّغَة أَن يشبه شَيْء شَيْئا من مَوضِع فيمضي حكمه على حكم الأول ثمَّ يرقى مِنْهُ إِلَى غَيره. فَمن ذَلِك قَوْلهم: جَالس الْحسن أَو ابْن سِيرِين. فَلَو جالسهما جَمِيعًا لَكَانَ مصيباً مُطيعًا لَا مُخَالفا وَإِن كَانَت أَو إِنَّمَا هِيَ فِي أصل وَضعهَا لأحد الشَّيْئَيْنِ. وَإِنَّمَا جَازَ ذَلِك فِي هَذَا الْموضع لَا لشَيْء رَجَعَ إِلَى نفس أَو بل لقَرِينَة انضمت من جِهَة الْمَعْنى إِلَى أَو. وَذَلِكَ لِأَنَّهُ قد عرف أَنه إِنَّمَا رغب فِي مجالسة الْحسن لما لمجالسته فِي ذَلِك من الْحَظ. وَهَذِه الْحَال مَوْجُودَة فِي مجالسة ابْن سِيرِين أَيْضا فَكَأَنَّهُ قَالَ: جَالس هَذَا الضَّرْب من النَّاس. وعَلى ذَلِك جرى النَّهْي فِي هَذَا الطرز من القَوْل فِي قَوْله تَعَالَى: وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَو كَفُوراً فَكَأَنَّهُ وَالله أعلم قَالَ: لَا تُطِع هَذَا الضَّرْب من النَّاس ثمَّ إِنَّه لما رأى أَو فِي هَذَا الْموضع قد جرت مجْرى الْوَاو تدرج من ذَلِك إِلَى غَيره فأجراها مجْرى الْوَاو فِي مَوضِع عَار من هَذِه الْقَرِينَة الَّتِي سوغته اسْتِعْمَال أَو فِي معنى الْوَاو. أَلا ترَاهُ كَيفَ قَالَ: فَكَانَ سيّان أَن لَا يسرحوا نعما ... ... ... ... ... . . الْبَيْت وَسَوَاء سيان لَا يسْتَعْمل إِلَّا بِالْوَاو. انْتهى.

وَقد أَخذ هَذَا من كَلَام أَبُو عَليّ فِي التَّذْكِرَة القصرية قَالَ: إِنَّمَا جَازَ أَو مَعَ سيان اتساعاً وَذَلِكَ أَنهم لما رَأَوْا أَن أَو يجمع بهَا مَا قبلهَا وَمَا بعْدهَا كَمَا جمع بِالْوَاو وَإِن كَانَ الْمَعْنى مُخْتَلفا شبهوه بهَا فَعَطَفُوا بهَا فِي هَذَا الْموضع كَمَا يعْطف بِالْوَاو. وَكَذَلِكَ الْعلم بِأَن هَذَا الْموضع يَقْتَضِي اثْنَيْنِ) فَصَاعِدا وَلَا يقْتَصر فِيهِ على أحد الاسمين. انْتهى. وسيان: مثنى سي بِالْكَسْرِ بِمَعْنى مثل وَأَصله سوي لِأَنَّهُ من السوَاء والسوية فَقلب وأدغم عملا بالقاعدة. قَالَ ابْن يسعون: كَانَ يَنْبَغِي أَن يَقُول سيين لِأَن الْمعرفَة أولى بِأَن تكون اسْم كَانَ وَكَأَنَّهُ كره اجْتِمَاع ثَلَاث ياءات فَعدل إِلَى الْألف أَو قدر فِي كَانَ ضمير الشَّأْن وَرَفعه على الْخَبَر لِأَن الْمُبْتَدَأ وَقَالَ أَبُو عَليّ فِي إِيضَاح الشّعْر: إِمَّا أَن يكون أضمر فِي كَانَ الحَدِيث أَو الْأَمر فَيكون سيان خبر الاسمين اللَّذين هما: أَن لَا يسرحوا نعما أَو يسرحوه أَو يكون جعل سيان الْمُبْتَدَأ وَإِن كَانَ نكرَة وَأدْخل كَانَ على قَوْله سيان. وَالْوَجْه الأول أشبه. انْتهى. قَالَ الدماميني فِي الْحَاشِيَة الْهِنْدِيَّة: وَلقَائِل أَن يَقُول: الْإِخْبَار عَن الْمعرفَة بالنكرة مغتفر فِي الضَّرُورَة. على أَن ابْن مَالك قَالَ بِجَوَازِهِ مُطلقًا. وسرحت الْإِبِل سرحاً من بَاب نفع وسروحاً أَيْضا: رعت بِنَفسِهَا وسرحتها يتَعَدَّى وَلَا يتَعَدَّى. وَهُوَ هُنَا مُتَعَدٍّ. وَالنعَم: المَال الرَّاعِي وَهُوَ جمع لَا وَاحِد لَهُ من لَفظه وَأكْثر مَا يَقع على الْإِبِل. قَالَ أَبُو عبيد: النعم: الْجمال فَقَط وتؤنث وتذكر وَجمعه نعْمَان كحمل وحملان وأنعام

أَيْضا. وَقيل: النعم: الْإِبِل خَاصَّة. والأنعام: ذَوَات الْخُف والظلف وَهِي الْإِبِل وَالْبَقر وَالْغنم. وَقيل: تطلق الْأَنْعَام على هَذِه الثَّلَاثَة فَإِذا انْفَرَدت الْإِبِل فَهِيَ نعم وَإِن انْفَرَدت الْبَقر وَالْغنم لم تسم نعما. كَذَا فِي الْمِصْبَاح. وَضمير بهَا قَالَ ابْن يسعون: للسّنة المجدبة الَّتِي دلّت الْحَال عَلَيْهَا. وَيحْتَمل أَن يُرِيد الْبقْعَة الَّتِي وصفهَا بالجدب. وَالْبَاء بِمَعْنى فِي. واغبرت اسودت فِي عين من يَرَاهَا أَو كثر فِيهَا الْغُبَار لعدم الأمطار. وَرُوِيَ بدله: وابيضت. والسوح: جمع ساحة وَهِي قَالَ ابْن الشجري فِي أَمَالِيهِ: وصف سنة ذَات جَدب فرعي النعم وَترك رعيها سَوَاء. قَالَ أَبُو عَليّ فِي إِيضَاح الشّعْر: زعم أَبُو عَمْرو أَن الْأَصْمَعِي أنشدهم هَذَا الْبَيْت لرجل من هُذَيْل. وَجَمِيع النَّحْوِيين رووا هَذَا الْبَيْت كَذَا وَقد رَأَيْته مُلَفقًا من بَيْتَيْنِ فِي قصيدة لأبي ذُؤَيْب الْهُذلِيّ وهما: (وَقَالَ راعيهم سيّان سيركم ... وَأَن تُقِيمُوا بِهِ واغبرّت السّوح) (وَكَانَ مثلين أَن لَا يسرحوا نعما ... حَيْثُ استرادت مَوَاشِيهمْ وتسريح)) وعَلى هَذَا لَا شَاهد فِيهِ. وَالْقَصِيدَة مرثية رثى بهَا أَبُو ذُؤَيْب صديقا لَهُ قتل فِي وقْعَة. وَهَذِه أَبْيَات مِنْهَا من المطلع: (نَام الخليّ وبتّ اللّيل مشتجراً ... كأنّ عَيْني فِيهَا الصّاب مَذْبُوح) (لمّا ذكرت أَخا العمقى تأوّبني ... همّي وأفرد ظَهْري الْأَغْلَب الشّيح) (المانح الْأدم كالمرو الصّلاب إِذا ... مَا حارد الخور واجتثّ المجاليح) (وزفّت الشّول من برد العشيّ كَمَا ... زفّ النّعام إِلَى حفّانه الرّوح)

وَقَالَ ماشيهم سيّان سيركم ... ... ... ... ... ... ... . . الْبَيْتَيْنِ (واعصوصبت بكرا من حرجفٍ وَلها ... وسط الدّيار رذيّاتٌ مرازيح) (لَا يكرمون كريمات الْمَخَاض وَأَن ... ساهم عقائلها جوعٌ وترزيح) قَوْله: نَام الخلي الخ قَالَ السكرِي فِي شرح أشعار هُذَيْل: الخلي: الَّذِي لَا هم لَهُ. والمشتجر: الَّذِي قد وضع حنكه على يَده أَو فَمه عِنْد الْهم. والصاب: نبت إِذا شقّ يخرج من ورقه كاللبن يحرق الْعين. ومذبوح: مشقوق. وذبحه: شقَّه. وَقَوله: لما ذكرت أَخا العمقى الخ العمقى بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَكسرهَا وبالقصر: أَرض قتل بهَا هَذَا الرجل المرثي. وتأوبني: أَتَانِي لَيْلًا. وأفرد ظَهْري أَي: كَانَ يمْنَع ظَهْري من الْعَدو. والأغلب: الْأسد الغليظ الرَّقَبَة يُقَال: رجل شيح ومشيح إِذا كَانَ جلدا. يَقُول: خلاني للأعداء. وَقَوله: المانح الْأدم الخ مَا أوردناه من الأبيات أوردهُ أَبُو حنيفَة الدينَوَرِي فِي كتاب النَّبَات وَقَالَ: وَمِمَّا وصف بن الْمحل قَول أبي ذُؤَيْب ومدح رجلا ببذل مَاله فِيهِ. قَالَ السكرِي: المانح هُوَ أَن يدْفع الْأدم كالعارية يشرب لَبنهَا سنة. كالمرو فِي صلابتها. والمرو: الْحِجَارَة الْبيض. والخور: الغزار الرقَاق وَلَيْسَ بسمان. وحارد: ذهب أَلْبَانهَا وَهِي من المحاردة. والمجاليح: اللواتي يدررن فِي القر والجهد والواحدة مجالح.

وَقَالَ الدينَوَرِي: المحاردة: انْقِطَاع اللَّبن. والمجاليح: الصَّبْر من النوق على الجدب الْبَاقِيَة الألبان وَقَوله: وزفت الشول الخ الزفيف: مشي سريع فِي تقَارب الخطو. والشول: الَّتِي شالت أَلْبَانهَا وَخفت بطونها من أَوْلَادهَا وأتى على نتاجها سَبْعَة أشهر أَو ثَمَانِيَة. والحفان بِفَتْح الْمُهْملَة وَتَشْديد الْفَاء: صغَار النعام. وَالروح: نعت النعام وَهُوَ جمع أروح وروحاء وصف من الرّوح) وَقَوله: وَقَالَ راعيهم سيان الخ وروى السكرِي: وَقَالَ ماشيهم أَيْضا. وَقَالَ يُرِيد اغبرت ساحات مَا حَولهمْ من الجدب وماشيهم يُرِيد ماشي الْحَيّ والممشي: صَاحبهَا. قَالَ الْبَاهِلِيّ: زَعَمُوا أَن ماشيهم فِي معنى ممشيهم أَي: صَاحب الْمَاشِيَة يُقَال: أمشى الرجل. أَي: سَوَاء سيركم إِن سِرْتُمْ وَإِن أقمتم فَأنْتم فِي جَدب. وروى الدينَوَرِي: وَقَالَ رائدهم سيان سيركم الخ. وَقَوله: وَكَانَ مثلين الخ هَذَا على الْقيَاس بِنصب مثلين قَالَ السكرِي: أَرَادَ: أَن لَا يسرحوا وتسريحهم سَوَاء. وَمعنى أَن لَا يسرحوا: أَن لَا يرعوا. واسترادت مَوَاشِيهمْ أَي: ترود وتطلب المرعى أَي: فَهُوَ جَدب رعوا أم لم يرعوا.

وَقَوله: واعصوصبت بكرا الخ. قَالَ الدينَوَرِي: اعصوصبت: اجْتمعت من الْبرد يَتَّقِي بَعْضهَا والحرجف بِتَقْدِيم الْمُهْملَة الْمَفْتُوحَة على الْجِيم: الرّيح الْبَارِدَة الْيَابِسَة. والرذية: الهزيلة الساقطة وَكَذَلِكَ المرازيح وَهِي الَّتِي رزحت فَلَا حراك لَهَا. وَلم يقل السكرِي فِي هَذَا الْبَيْت شَيْئا. وَقَوله: أما ألات الذرى الخ. قَالَ السكرِي: ألات الذرى: ذَوَات الأسنمة. ف عاصبة أَي: قد عصبت واستدارت لَا تَبْرَح. والأقاديح: جمع قداح أَي: تجول القداح بَين مناقيها وَهُوَ أَن يضْرب عَلَيْهَا بِالْقداحِ. يَقُول: يخْتَار منقياتها أَي: سمانها للعقر. وَقَوله: لَا يكرمون كريمات الخ. قَالَ السكرِي: يَقُول: ينحرون كريمات الْمَخَاض وَهِي الْحَوَامِل فَهِيَ أنفس عِنْدهم إِذا نحروها. وعقائلها: كرائمها أَي: أنساهم الْجُوع والترزيح وَهِي الرزاح الَّتِي قد قَامَت من الهزال وَسَقَطت. وترجمة أبي ذُؤَيْب الْهُذلِيّ تقدّمت فِي الشَّاهِد السَّابِع وَالسِّتِّينَ. وَهُوَ شَاعِر إسلامي. وَأنْشد بعده الشَّاهِد السَّادِس وَالْخَمْسُونَ بعد الثلاثمائة الرجز (بَات يعشّيها بعضب باتر ... يقْصد فِي أسوقها وجائر) وَأوردهُ الْفراء والزجاج فِي تفسيرهما عِنْد قَوْله تَعَالَى: ويُكلِّمُ الناسَ فِي المَهْدِ على أَن جملَة يكلم معطوفة على وجيهاً. قَالَ الزّجاج وَجَائِز أَن يعْطف بِلَفْظ يفعل على فَاعل لمضارعة يفعل فَاعِلا أَي: قَاصد فِي أسؤقها وجائر.

وَأوردهُ الْفراء فِي سُورَة الْأَنْبِيَاء أَيْضا عِنْد قَوْله تَعَالَى: لاهِيَةً قُلُوبُهُم. وَكَذَلِكَ اسْتشْهد بِهِ أَبُو عَليّ فِي إِيضَاح الشّعْر وَابْن الشجري فِي أَمَالِيهِ وَلم ينْسبهُ أحد مِنْهُم إِلَى قَائِله وَلم أر لَهُ تَتِمَّة. وَهُوَ بيتان من الرجز المسدس. وَقَوله: بَات يعشيها الخ بَات من أَخَوَات كَانَ اسْمهَا مستتر فِيهَا وَجُمْلَة يعشيها فِي مَوضِع نصب على أَنَّهَا الْخَبَر أَي: يطْعمهَا الْعشَاء بِالْفَتْح وَهُوَ الطَّعَام الَّذِي يُؤْكَل وَقت الْعشَاء بِالْكَسْرِ. وَرَأَيْت فِي أمالي ابْن الشجري فِي نُسْخَة صَحِيحَة قد صححها أَبُو الْيمن الْكِنْدِيّ وَغَيره وَعَلَيْهَا خطوط الْعلمَاء وإجازاتهم: بَات يغشيها بالغين الْمُعْجَمَة من الغشاء كالغطاء بِكَسْر أَولهمَا وزنا وَمعنى أَي: يشملها ويعمها. وَضمير الْمُؤَنَّث لِلْإِبِلِ وَهُوَ فِي وصف كريم بَادر يعقر إبِله لضيوفه. وَزعم الْعَيْنِيّ أَن الضَّمِير للْمَرْأَة الَّتِي عاقبها زَوجهَا بِالسَّيْفِ. وَلَا يخفى أَن هَذَا غير مُنَاسِب

وَرَوَاهُ الْفراء فِي تَفْسِيره بت أعشيها بالتكلم. والعضب بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الضَّاد الْمُعْجَمَة: السَّيْف وَهُوَ فِي الأَصْل صفة بِمَعْنى قَاطع عضبه بِمَعْنى قطعه وَالْيَاء مُتَعَلقَة ب يعشيها وَهَذَا من بَاب: عتابه السَّيْف وتحيته الضَّرْب. وباتر: صفة أولى لعضب وَجُمْلَة يقْصد صفة ثَانِيَة لَهُ وجائر صفة ثَالِثَة وَهُوَ بِمَعْنى قَاطع من بتره بتراً من بَاب قتل إِذا قطعه على غير تَمام. ويقصد: مضارع قصد فِي الْأَمر من بَاب ضرب أَي: توَسط وَلم يُجَاوز الْحَد. وَفِي مُتَعَلّقه بيقصد. وأسؤق: جمع قلَّة لساق وَهِي مَا بَين الرّكْبَة والقدم. وجائر من جَار فِي حكمه إِذا ظلم.) فَإِن قلت: عقره الْإِبِل إِمَّا قصد وَإِمَّا جور فَكيف وصف بهما قلت: هُوَ على التَّوْزِيع أَي: يقْصد فِي أسؤق إبل تسْتَحقّ الْعقر كالنيب ويجور فِي أسؤق إبل لَا تسْتَحقّ الْعقر كالحوامل وَذَوَات الفصال. وجائر فِي الْحَقِيقَة مَعْطُوف على جملَة يقْصد الْوَاقِعَة صفة ثَانِيَة لعضب كَقَوْل راجز آخر: الرجز أمّ صبيٍّ قد حبا ودارج وفاعله ضمير العضب. وَزعم الْعَيْنِيّ أَن الضَّمِير عَائِد على مَا عَاد عَلَيْهِ ضمير بَات وَأَن الْجُمْلَة حَال. وَهَذَا فَاسد لِأَنَّهُ لَو كَانَ كَمَا زعم لنصب جَائِر لِأَنَّهُ مَعْطُوف عَلَيْهِ وَلَا جَائِز

أَن يكون مَنْصُوبًا أَو مَرْفُوعا لِأَن الشّعْر من الرجز الَّذِي يجب توَافق قوافيه. وَيدل لما قُلْنَا رِوَايَة الْفراء: (بتّ أعشّيها بعضبٍ باتر ... يقْصد فِي أسوقها وجائر) والقافيتان مضبوطتان بضبط الْقَلَم بِالْجَرِّ فِي نسخ صَحِيحَة مقروءة وَعَلَيْهَا خطوط الْعلمَاء مِنْهَا تَفْسِير الْفراء والزجاج وَمِنْهَا إِيضَاح الشّعْر بِخَط ابْن جني وَمِنْهَا أمالي ابْن الشجري كَمَا ذكرنَا. وَلَو رفع باتر على أَنه نعت مَقْطُوع من النكرَة غير المخصصة لرفع جَائِر. وَفِيه مَا لَا يخفى. وَكَذَلِكَ لَا يجوز أَن يكون جملَة يقْصد خَبرا ثَانِيًا لبات أَو بَدَلا من يعشيها لما ذكرنَا. وَلم يذكر الشَّارِح الْمُحَقق شَرط عطف الِاسْم على الْفِعْل مضارعاً أَو مَاضِيا وَعَكسه. وَقد بَينه ابْن الشجري فِي أَمَالِيهِ فِي فصل عقده لَهُ فَلَا بَأْس بإيراده قَالَ: عطف اسْم الْفَاعِل على مَا يفعل وَعطف يفعل على اسْم الْفَاعِل جَائِز لما بَينهمَا من المضارعة الَّتِي اسْتحق بهَا يفعل الْإِعْرَاب وَاسْتحق بهَا اسْم الْفَاعِل الإعمال وَذَلِكَ جَرَيَان اسْم الْفَاعِل على يفعل. وَنقل يفعل من الشياع إِلَى الْخُصُوص بالحرف الْمُخَصّص كنقل الِاسْم من التنكير إِلَى التَّعْرِيف بالحرف الْمُعَرّف فَلذَلِك جَازَ عطف كل وَاحِد مِنْهُمَا على صَاحبه وَذَلِكَ إِذا جَازَ وُقُوعه فِي مَوْضِعه كَقَوْلِك: زيد يتحدث وضاحك وَزيد ضَاحِك ويتحدث لِأَن كل وَاحِد مِنْهُمَا يَقع خَبرا للمبتدأ. وَكَذَلِكَ مَرَرْت بِرَجُل ضَاحِك يتحدث وبرجل يتحدث وضاحك لِأَن يفعل مِمَّا يُوصف بِهِ النكرات. فَمن عطف الِاسْم على الْفِعْل قَول الراجز: (بَات يغشّيها بعضبٍ باتر ... يقْصد فِي أسؤقها وجائر) فَإِن قلت: سيتحدث زيد وضاحك لم يجز لِأَن ضَاحِكا لَا يَقع موقع يتحدث

من حَيْثُ لَا) يَلِي الِاسْم السِّين. وَكَذَلِكَ: مَرَرْت بجالس ويتحدث لَا يجوز لِأَن حرف الْجَرّ لَا يَلِيهِ الْفِعْل. فَإِن عطفت اسْم الْفَاعِل على فعل لم يجز لِأَنَّهُ لَا مضارعة بَينهمَا. فَإِن قربت فعل إِلَى الْحَال بقد جَازَ عطف اسْم الْفَاعِل عَلَيْهِ كَقَوْل الراجز: أمّ صبيٍّ قد حبا ودارج فَإِن كَانَ اسْم الْفَاعِل بِمَعْنى فعل جَازَ عطف الْمَاضِي عَلَيْهِ كَقَوْلِه تَعَالَى: إنَّ المصدِّقين والمصَّدِّقات وأقرَضُوا اللَّه لِأَن التَّقْدِير إِن الَّذين تصدقوا واللاتي تصدقن. وَأنْشد بعده الشَّاهِد السَّابِع وَالْخَمْسُونَ بعد الثلاثمائة الطَّوِيل على أَنه تجوز الْمُخَالفَة فِي الْإِعْرَاب إِذا عرف المُرَاد كَمَا هُنَا فَإِن قَوْله مجلف مَعْطُوف على قَوْله مسحتاً وهما متخالفان نصبا ورفعاً. قَالَ أَبُو بكر مُحَمَّد بن عبد الْملك التاريخي فِي تَارِيخ النُّحَاة فِي تَرْجَمَة عبد الله ابْن أبي إِسْحَاق النَّحْوِيّ الْحَضْرَمِيّ: قَالَ ابْن سَلام: وَحدثنَا يُونُس قَالَ: قَالَ ابْن أبي إِسْحَاق فِي بَيت الفرزدق إِلَّا مسحتاً أَو مجلف قَالَ: للرفع وَجه وَكَانَ أَبُو عَمْرو وَيُونُس لَا يعرفان للرفع وَجها. قلت ليونس: لَعَلَّ الفرزدق

قَالَهَا على النصب وَلم يأبه للقافية. قَالَ: لَا كَانَ ينشدها على الرّفْع وأنشدنيها رؤبة على الرّفْع. انْتهى. وَهَذَا الْبَيْت صَعب الْإِعْرَاب. قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: هَذَا بَيت لَا تزَال الركب تصطك فِي تَسْوِيَة إعرابه. وَقَالَ ابْن قُتَيْبَة فِي كتاب الشُّعَرَاء: رفع الفرزدق آخر الْبَيْت ضَرُورَة وأتعب أهل الْإِعْرَاب فِي طلب الْحِيلَة فَقَالُوا وَأَكْثرُوا وَلم يَأْتُوا فِيهِ بِشَيْء يُرْضِي. وَمن ذَا يخفى عَلَيْهِ من أهل النّظر أَن كل مَا أَتَوا بِهِ من الْعِلَل احتيال وتمويه وَقد سَأَلَ بَعضهم الفرزدق عَن رَفعه هَذَا الْبَيْت فشتمه وَقَالَ: عَليّ أَن أَقُول وَعَلَيْكُم أَن تحتجوا. انْتهى. وَقَالَ الْفراء فِي تَفْسِيره: حَدثنِي أَبُو جَعْفَر الرُّؤَاسِي عَن أبي عَمْرو بن الْعَلَاء قَالَ: مر الفرزدق عزفت بأعشاشٍ وَمَا كدت تعزف حَتَّى انْتهى إِلَى هَذَا الْبَيْت فَقَالَ عبد الله: علام رفعت مجلف فَقَالَ لَهُ الفرزدق: على مَا) يسوءك. وَفِي تذكرة أبي حَيَّان من النِّهَايَة قَالَ عبد الله بن أبي إِسْحَاق للفرزدق: بِمَ رفعت أَو مجلف فَقَالَ: بِمَا يسوءك وينوءك علينا أَن نقُول وَعَلَيْكُم أَن تتأولوا. ثمَّ قَالَ الفرزدق: الطَّوِيل (فَلَو كَانَ عبد الله مولى هجوته ... ولكنّ عبد الله مولى مواليا) فَقَالَ لَهُ عبد الله: أردْت أَن تهجوني فلحنت أَيْضا. والفرزدق مشغوف فِي شعره بالإعراب الْمُشكل المحوج إِلَى التقديرات الْعسرَة بالتقديم وَالتَّأْخِير

المخل بالمعاني. وَسمعت شَيخنَا يَقُول: إِنِّي لأعجب من إِبْرَاهِيم بن هِشَام المَخْزُومِي حِين فهم قَول الفرزدق: الطَّوِيل (وَمَا مثله فِي النّاس إلاّ مملّكاً ... أَبُو أمّه حيٌّ أَبوهُ يُقَارِبه) وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد بن الخشاب فِي كِتَابه الْمَوْضُوع لجوابه الْمسَائِل السِّت الْإسْكَنْدَريَّة: إِن أَبَا حَاتِم السجسْتانِي قَالَ: لَيْسَ الفرزدق أَهلا لِأَن يستشهد بِشعرِهِ على كتاب الله لما فِيهِ من التعجرف. وَقَالَ ابْن الخشاب أَيْضا: لم يجر فِي سنَن الفرزدق من تعجرفه فِي شعره بالتقديم وَالتَّأْخِير المخل بمعانيه وَالتَّقْدِير الْمُشكل إِلَّا المتنبي وَلذَلِك مَال إِلَيْهِ أَبُو عَليّ وَابْن جني لِأَنَّهُ مِمَّا يُوَافق صناعتهما. وَلَا ينفع المتنبي شَهَادَة أبي عَليّ لَهُ بالشعر لِأَن أَبَا عَليّ مُعرب لَا نقاد وَإِنَّمَا تَنْفَعهُ شَهَادَة مثل العسكريين وَأبي الْقَاسِم الْآمِدِيّ فَإِنَّهُم أَئِمَّة يقْتَدى بهم فِي نقد الْإِعْرَاب. انْتهى مَا أوردهُ أَبُو حَيَّان. وَقد تكلّف لَهُ الْعلمَاء عدَّة توجيهات ذكر الشَّارِح الْمُحَقق مِنْهَا ثَلَاثَة أوجه وَالثَّلَاثَة مَبْنِيَّة على رِوَايَة لم يدع بِفَتْح الدَّال وعَلى رِوَايَة نصب مسحت. أما الأول فَهُوَ للخليل بن أَحْمد وَقَالَ: هُوَ على الْمَعْنى كَأَنَّهُ قَالَ: لم يبْق من المَال إِلَّا مسحت لِأَن معنى لم يبْق وَلم يدع وَاحِد وَاحْتَاجَ إِلَى الرّفْع فَحَمله على شَيْء فِي مَعْنَاهُ. قَالَ أَبُو عَليّ فِي إِيضَاح الشّعْر: نصب مسحت بيدع بِمَعْنى التّرْك وَحمل مجلف بعده على الْمَعْنى لِأَن معنى لم يدع من المَال إِلَّا مسحتاً تَقْدِيره: وَلم يبْق من المَال إِلَّا مسحت فَحمل مجلف بعده على ذَلِك. وَمثل ذَلِك فِي الْحمل على الْمَعْنى من أَبْيَات الْكتاب قَوْله:

الْكَامِل) (بادت وغيّر آيهنّ مَعَ البلى ... إلاّ رواكد جمرهنّ هباء) لِأَن معنى بادت إِلَّا رواكد مَعْنَاهُ بهَا رواكد فَحمل مشججاً على ذَلِك فَكَذَلِك قَوْله لم يدع من المَال إِلَّا مسحتاً مَعْنَاهُ بَقِي مسحت. قَالَ أَبُو عَمْرو: هَذَا قَول الْخَلِيل وَلَيْسَ الْبَيْت فِي الْكتاب فَلَا أَدْرِي أسمعهُ عَنهُ أم قاسه. انْتهى. ومحصله أَن مجلفاً مَرْفُوع بِفعل مَحْذُوف دلّ عَلَيْهِ: لم يدع. وَإِلَيْهِ ذهب ابْن جني فِي الْمُحْتَسب فِي سُورَة: وَالضُّحَى قَالَ: إِنَّه لما قَالَ لم يدع من المَال إِلَّا مسحتاً دلّ على أَنه قد بَقِي فأضمر مَا يدل عَلَيْهِ فَكَأَنَّهُ قَالَ: وَبَقِي مجلف. وَأما الثَّانِي فَهُوَ لثعلب قَالَ فِي أَمَالِيهِ نصب مسحت بِوُقُوع يدع عَلَيْهِ وَقد وليه الْفِعْل وَلم يل مجلفاً فاستؤنف بِهِ فَرفع وَالتَّقْدِير: هُوَ مجلف. انْتهى. وَقَول الشَّارِح الْمُحَقق إِن أَو فِي هَذَا الْوَجْه للإضراب بِمَعْنى بل لَا يُنَاسب الْمَعْنى وَإِنَّمَا يُنَاسب لَو كَانَ مسحتاً بعد أَو فَهِيَ هُنَا لعطف جملَة على مُفْرد وَمَعْنَاهَا أحد الشَّيْئَيْنِ. وَأما الثَّالِث فَهُوَ لأبي عَليّ الْفَارِسِي فِي التَّذْكِرَة قَالَ: مجلف مَعْطُوف على عض وَهُوَ مصدر جَاءَ على صِيغَة الْمَفْعُول قَالَ تَعَالَى: ومزَّقْنَاهُمْ كلَّ مُمزَّقٍ كَأَنَّهُ قَالَ: وعض زمَان أَو تجليف.

وَبَقِي غير مَا ذكره الشَّارِح تَوْجِيه الْفراء قَالَ: إِن مجلفاً مَرْفُوع الِابْتِدَاء وَخَبره مَحْذُوف كَأَنَّهُ قَالَ: أَو مجلف كَذَلِك. نسبه إِلَيْهِ ابْن السَّيِّد فِي شرح أَبْيَات الْجمل وَكَذَلِكَ نسبه إِلَيْهِ عَليّ بن حَمْزَة الْبَصْرِيّ فِي كتاب التَّنْبِيهَات على أغلاط الروَاة وَنَصه: قَالَ الْفراء: وَمن روى مسحتاً أَرَادَ لم يدع فِيهِ عض الزَّمَان إِلَّا مسحتاً أَو مجلف بَقِي فرفعه على هَذَا الْإِضْمَار. قَالَ الْكسَائي: هَذَا كَمَا تَقول: ضربت زيدا وَعَمْرو كَأَنَّهُ يرفعهُ بِفعل مُضْمر أَي: وَعَمْرو مَضْرُوب أَو وَعَمْرو كَذَلِك. انْتهى. وَقد ذهب إِلَى هَذَا ابْن الْأَنْبَارِي أَيْضا فِي مسَائِل الْخلاف قَالَ ابْن السَّيِّد فِي شرح أَبْيَات الْمعَانِي: فَيكون هَذَا من عطف جملَة اسمية على جملَة فعلية كَمَا تَقول: رَأَيْت زيدا وَعَمْرو مر بِي أَيْضا. وَبَقِي أَيْضا تَوْجِيه الْكسَائي وَهُوَ أَن مجلفاً مَعْطُوف على الضَّمِير الْمُسْتَتر فِي مسحت. قَالَ ابْن السَّيِّد فِي شرح أَبْيَات الْجمل: حكى هِشَام هَذَا التَّوْجِيه عَن الْكسَائي. هَذَا مَا اطَّلَعت عَلَيْهِ من تَوْجِيه هَذِه الرِّوَايَة وَهِي الرِّوَايَة الْمَشْهُورَة. وَقد أوردهَا صَاحب) الْكَشَّاف فِي سروة طه. وَفِيه رِوَايَات أخر: إِحْدَاهَا: إِلَّا مسحت أَو مجلف برفعهما. قَالَ عَليّ بن حَمْزَة فِي كتاب التَّنْبِيهَات: رَوَاهُ أَبُو جَعْفَر بن حبيب فِي كتاب النقائض بِرَفْع الاسمين. قَالَ ابْن الْأَعرَابِي وَالْفراء: حُرُوف الِاسْتِثْنَاء تَجِيء بِمَعْنى قَلِيل من

كثير فَجعل إِلَّا معلقَة بِأَن يكون فأضمرها ونواها وَرفع مسحت على هَذَا الْمَعْنى أَرَادَ إِلَّا أَن يكون مسحت أَو مجلف فرفعه بيكون المضمرة وَإِلَّا تدل على تعلقهَا بِأَن يكون كَقَوْلِك: مَا أَتَانِي أحد إِلَّا زيد وَإِلَّا أَن يكون زيد. وَمثله لشبيب بن البرصاء: الطَّوِيل (وَلَا خير فِي العيدان إلاّ صلابها ... وَلَا ناهضات الطّير إلاّ صقورها) أَرَادَ: وَلَا خير فِي العيدان إِلَّا أَن يكون صلابها وَإِلَّا أَن يكون صقورها. انْتهى. وَهَذَا التَّوْجِيه مَرْدُود فَإِن الْمَوْصُول لَا يحذف مَعَ بعض الصِّلَة وَيبقى بَعْضهَا. وَالصَّوَاب تَوْجِيه صَاحب الْكَشَّاف فَإِنَّهُ اسْتشْهد بِهِ على قِرَاءَة أبي وَالْأَعْمَش فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيل بِالرَّفْع مَعَ كَونه اسْتثِْنَاء من كَلَام مُوجب حملا لَهُ على الْمَعْنى فَإِن قَوْله: فَشَرِبُوا مِنْهُ فِي معنى فَلم يطيعوه إِلَّا قَلِيل فرفعه كرفع الشَّاعِر مسحتاً ومجلفاً مَعَ كَونه اسْتثِْنَاء مفرغاً فِي موقع الْمَفْعُول بِهِ لِأَنَّهُ فِي الْمَعْنى وَاقع موقع الْفَاعِل لِأَن لم يدع فِي معنى لم يبْق. وَالْأَحْسَن مَا ذهب إِلَيْهِ الطوسي نَقله عَنهُ صَاحب التَّنْبِيهَات قَالَ: أَرَادَ لم يدع من الدعة. وَنقل ابْن الْأَنْبَارِي أَيْضا فِي شرح المفضليات عَن أبي عَمْرو أَنه قَالَ: لم يدع من الدعة والسكون يُقَال: رجل وادع إِذا كَانَ سَاكِنا فَيكون على هَذَا مسحت فَاعل ليَدع. ...

(وعضّ زمَان يَا ابْن مَرْوَان مَا بِهِ ... من المَال إلاّ مسحتٌ أَو مجلّف) بِرَفْع الاسمين أَيْضا حَكَاهُ عَنهُ عَليّ بن حَمْزَة صَاحب التَّنْبِيهَات. وَقَالَ الْفراء فِي تَفْسِيره: قيل لي إِن بعض الروَاة يَقُول: مَا بِهِ من المَال إِلَّا مسحت أَو مجلف فَقلت: لَيْسَ هَذَا بِشَيْء. انْتهى. وَعِنْدِي أَن هَذِه أحسن الرِّوَايَات وأصحها. وثالث الرِّوَايَات الْأُخَر: لم يدع من المَال إِلَّا مسحت بِكَسْر دَال يدع وَرفع الاسمين أَيْضا وَقد نَسَبهَا صَاحب التَّنْبِيهَات إِلَى أبي عُبَيْدَة وَابْن الْأَنْبَارِي فِي شرح المفضليات إِلَى عِيسَى بن عمر) عِنْد قَول سُوَيْد بن أبي كَاهِل الْيَشْكُرِي من قصيدة: الرمل (أرّق الْعين خيالٌ لم يدع ... من سليمى ففؤادي منتزع) قَالَ: يدع بِمَعْنى يقر وَيمْكث. وَإِلَيْهِ ذهب ابْن جني فِي بَاب الاطراد والشذوذ من الخصائص قَالَ فِيهِ: وَمن ذَلِك امتناعك من وذر وودع لأَنهم لم يقولوهما. فَأَما قَول أبي الْأسود: الرمل (لَيْت شعري من خليلي مَا الَّذِي ... غاله فِي الحبّ حتّى ودعه) فشاذ وَكَذَلِكَ قِرَاءَة بَعضهم: مَا ودعم رَبك وَمَا قلى. فَأَما قَوْلهم ودع الشَّيْء يدع إِذا سكن فاتدع فمسموع مُتبع وَعَلِيهِ بَيت الفرزدق فَمَعْنَى لم يدع بِكَسْر الدَّال أَي: لم يتدع وَلم يثبت. وَالْجُمْلَة بعد زمَان فِي مَوضِع جر لكَونهَا صفة لَهُ والعائد مِنْهَا إِلَيْهِ مَحْذُوف للْعلم بموضعه وَتَقْدِيره: لم يدع فِيهِ أَو لأَجله من المَال إِلَّا مسحت أَو مجلف فيرتفع بِهِ مسحت ومجلف

عطف عَلَيْهِ. وَهَذَا أَمر ظَاهر لَيْسَ فِيهِ من الِاعْتِذَار والاعتلال مَا فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى. ويحكى عَن مُعَاوِيَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَنه قَالَ: خير الْمجَالِس مَا سَافر إِلَيْهِ الْبَصَر واتدع فِيهِ الْبدن. انْتهى. وَقَالَ فِي سُورَة الضُّحَى من الْمُحْتَسب: قَرَأَ: مَا وَدعك خَفِيفَة النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وَعُرْوَة بن الزبير. وَهَذِه قَليلَة الِاسْتِعْمَال. قَالَ سِيبَوَيْهٍ: استغنوا عَن وذر وودع بقَوْلهمْ ترك. على أَنَّهَا قد جَاءَت فِي شعر أبي الْأسود. وَأما لم يدع فِي بَيت الفرزدق بِكَسْر الدَّال فَهُوَ من الاتداع كَقَوْلِك: قد استراح وودع فَهُوَ وادع من تَعبه. والمسحت على هَذِه الرِّوَايَة مَرْفُوع بِفِعْلِهِ ومجلف مَعْطُوف عَلَيْهِ. وَهَذَا مَا لَا نظر فِيهِ لوضوحه. ورابع الرِّوَايَات الْأُخَر لم يدع بِضَم الْيَاء وَفتح الدَّال مَعَ رفع الاسمين أَيْضا ذكرهَا ابْن جني فِي الْمُحْتَسب ونقلها عَنهُ ابْن السَّيِّد وَاللَّخْمِيّ فِي شرح أَبْيَات الْجمل وَلم ينسبها أحدهم إِلَى راو. قَالَ ابْن جني: وَأما رِوَايَة يدع بِضَم الْيَاء وَفتح الدَّال فقياسه يودع كَقَوْلِه تَعَالَى: لم يَلِدْ وَلم يُولَدْ وَمثله يوضع وَالْحَدِيد يُوقع أَي: يطْرق من قَوْلهم وَقعت الحديدة أَي: طرقتها. قَالُوا: إِلَّا أَن هَذَا الْحَرْف كَأَنَّهُ لِكَثْرَة اسْتِعْمَاله جَاءَ شاذاً فحذفت واوه تَخْفِيفًا فَقيل لم يدع أَي: لم يتْرك. والمسحت والمجلف جَمِيعًا مرفوعان أَيْضا كَمَا يجب. انْتهى. وَهَذَا مَا وقفت عَلَيْهِ من رِوَايَات هَذَا الْبَيْت. وَالله أعلم. وَقَوله: وعض زمَان هُوَ مَرْفُوع بالْعَطْف على هموم المنى فِي بَيت قبله وَهُوَ:)

(إِلَيْك أَمِير الْمُؤمنِينَ رمت بِنَا ... هموم المنى والهوجل المتعسّف) أَرَادَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ. وَابْن مَرْوَان: عبد الْملك بن مَرْوَان. شكا إِلَيْهِ مَا فعل بِهِ الزَّمَان من تَفْرِيق أَمْوَاله وتغيير أَحْوَاله. والهوجل: الفلاة الَّتِي لَا أَعْلَام فِيهَا يهتدى بهَا. والمتعسف: الَّتِي يسَار فِيهَا بِلَا دَلِيل. وعض الزَّمَان: شدته. قَالَ اللَّخْمِيّ فِي شرح أَبْيَات الْجمل: قَالَ الْخَلِيل بن أَحْمد: العض كُله بالضاد إِلَّا عظ الزَّمَان وَالْحَرب. وَقَالَ ابْن سراج العظ الْمجَازِي بالظاء والحقيقي بالضاد. وَهَذَا كَقَوْل الْخَلِيل. وَقيل إِن العض كُله بالضاد مجازياً كَانَ أَو حَقِيقِيًّا. انْتهى. والمجلف بِالْجِيم الَّذِي ذهب معظمه وَبَقِي مِنْهُ شَيْء يسير. والمسحت المستأصل الَّذِي لم يبْق مِنْهُ بَقِيَّة. قَالَ الْفراء فِي سُورَة طه فِي قَوْله تَعَالَى: فيُسحِتَكم: سحت أَكثر وَهُوَ الاستئصال. وَقَالَ مثله الزّجاج فِي سُورَة الْمَائِدَة وَأنْشد الْبَيْت أَيْضا. وَقَالَ صَاحب الصِّحَاح: مَال مسحوت ومسحت أَي: مَذْهَب. وَأنْشد هَذَا الْبَيْت أَيْضا وَمِنْه أَخذ الشَّارِح. وَمثل هَذَا الْبَيْت مَا أوردهُ أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن الْحُسَيْن اليمني تلميذ ابْن ولاد فِي طَبَقَات النَّحْوِيين فِي تَرْجَمَة أبي الْفضل الرياشي بِسَنَدِهِ عَن أبي الْفضل قَالَ: وَقع رجل بِأمة لرجل فَولدت فَحلف سَيِّدهَا أَن لَا يعتقهُ فَقَالَ الَّذِي وَقع فِي الْجَارِيَة:

الطَّوِيل (تحلّل جَزَاك الله خيرا أما ترى ... تخاذل إخْوَانِي وقلّة ماليا) (وعضّ زمَان لم تدع جفواته ... من المَال إلاّ جلّةً وعناصيا) (تألّ على مَا فِي يَديك كأنّما ... رَأَيْت ابْن ذِي الجدّين عنْدك عانيا) انْتهى. التَّحْلِيل فِي الْيَمين: أَن يحلف ثمَّ يَسْتَثْنِي اسْتثِْنَاء مُتَّصِلا. والجلة بِكَسْر الْجِيم من الْإِبِل: المسان وَهُوَ جمع جليل كصبي وصبية. والعناصي بِفَتْح الْمُهْملَة قَالَ صَاحب الصِّحَاح: مَا بَقِي من مَاله إِلَّا عناص وَذَلِكَ إِذا ذهب معظمه وَبَقِي نبذ مِنْهُ. وتأل فعل أَمر يُقَال: تألى على كَذَا أَي: أقسم عَلَيْهِ. والعاني: الْأَسير. والبيتان من قصيدة طَوِيلَة للفرزدق تزيد على مائَة بَيت لَيْسَ فِيهَا مديح غير هذَيْن الْبَيْتَيْنِ) وَمَا قبلهمَا من أول القصيدة نسيب وَمَا بعدهمَا عدَّة أَبْيَات فِي كلال الْإِبِل. وَشَرحهَا الشريف المرتضى قدس سره فِي أَمَالِيهِ غرر الْفَوَائِد ودرر القلائد. وَمَا بعْدهَا إِلَى آخر القصيدة افتخار بآبائه على جرير. وفيهَا شَاهد يَأْتِي شَرحه مَعَ أَبْيَات مِنْهَا إِن شَاءَ الله تَعَالَى فِي بَاب الْفِعْل. وَمضى بَيت مِنْهَا فِي بَاب النَّعْت. وَتَقَدَّمت تَرْجَمَة الفرزدق فِي الشَّاهِد الثَّلَاثِينَ.

(باب التوكيد)

3 - (بَاب التوكيد) أنْشد فِيهِ الشَّاهِد الثَّامِن وَالْخَمْسُونَ بعد الثلاثمائة: الرجز (أقسم بِاللَّه أَبُو حَفْص عمر) على أَنه رُبمَا دلّ على عطف الْبَيَان بعض متبوعاته مَعَ قلَّة الِاشْتِرَاك كَأبي حَفْص وَهُوَ المتبوه وَقد أوردهُ فِي بَاب عطف الْبَيَان وَشَرحه هُنَاكَ. وَهُوَ أول رجز قَالَه أَعْرَابِي لعمر بن الْخطاب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه. وَسَببه مَا رَوَاهُ المحدثون عَن أبي رَافع أَن أَعْرَابِيًا أَتَى عمر فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِن أَهلِي بعيد وَإِنِّي على نَاقَة دبراء نقباء فَاحْمِلْنِي. فَقَالَ عمر: كذبت وَالله مَا بهَا نقب وَلَا دبر فَانْطَلق الأعربي فَحل نَاقَته ثمَّ اسْتقْبل الْبَطْحَاء وَجعل يَقُول وَهُوَ يمشي خلف نَاقَته: (أقسم بالله أَبُو حفصٍ عمر ... مَا إِن بهَا من نقبٍ وَلَا دبر) اغْفِر لَهُ اللهمّ إِن كَانَ فجر ويروى: مَا مَسهَا من نقب. وَعمر بن الْخطاب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه مقبل من أَعلَى الْوَادي فَجعل إِذا قَالَ: اغْفِر لَهُ اللهمّ إِن كَانَ فجر قَالَ: اللَّهُمَّ صدق حَتَّى التقيا فَأخذ بِيَدِهِ فَقَالَ: ضع عَن راحلتك.

فَوضع فَإِذا هِيَ كَمَا قَالَ فَحَمله على بعير وزوده وكساه. وَرُوِيَ هَذَا الْأَثر بِأَلْفَاظ مُخْتَلفَة.) وَهَذَا الْمِقْدَار من الرجز هُوَ الْمَشْهُور وَفِي رِوَايَة الْأَصْمَعِي أَزِيد من هَذَا قَالَ أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن الْحُسَيْن اليمني فِي طَبَقَات النَّحْوِيين فِي تَرْجَمَة الْأَصْمَعِي أخبرنَا ابْن مطرف قَالَ: أخبرنَا ابْن دُرَيْد قَالَ: أخبرنَا عبد الرَّحْمَن عَن عَمه الْأَصْمَعِي قَالَ: وقف أَعْرَابِي بَين يَدي عمر بن الْخطاب فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أبدع بِي وأدمت بِي رَاحِلَتي ودبر ظهرهَا ونقب خفها فَقَالَ لَهُ عمر: وَالله مَا أَظُنك أنقبت وَلَا أحفيت فَخرج الرجل ثمَّ خرج عمر. قَالَ: وَالرجل يَقُول: (أقسم بالله أَبُو حفصٍ عمر ... مَا مسّها من نقبٍ وَلَا دبر) (حقّاً وَلَا أجهدها طول السّفر ... والله لَو أَبْصرت نضوى يَا عمر) (وَمَا بهَا عمرك من سوء الْأَثر ... عددتني كَابْن سبيلٍ قد حضر) فرق لَهُ عمر وَأمر لَهُ بِبَعِير وَنَفَقَة. انْتهى. والدبراء من دبر ظهر الدَّابَّة من بَاب فَرح إِذا جرح من الرحل والقتب. وأدبرت الْبَعِير فدبر وَأدبر الرجل إِذا دبر بعيره فَهُوَ مُدبر. والنقباء من نقب الْبَعِير من بَاب فَرح أَيْضا إِذا رق خفه. وأنقب الرجل إِذا نقب بعيره. وَقَوله: فَاحْمِلْنِي أَي: أَعْطِنِي حَملَة وَهِي بِالْفَتْح مَا يحمل عَلَيْهِ النَّاس من الدَّوَابّ كالركوبة.

وَقَوله: أقسم بِاللَّه أَبُو حَفْص عمر عمر أَبُو حَفْص: فَاعل أقسم بِمَعْنى حلف وَهُوَ كنية عمر. وَقَوله: مَا إِن بهَا إِن زَائِدَة. وَقَوله: إِن كَانَ فجر قَالَ ابْن الْأَنْبَارِي فِي الزَّاهِر الْفَاجِر فِي كَلَام الْعَرَب: الْعَادِل المائل عَن الْخَيْر وَإِنَّمَا قيل للكذاب فَاجر لِأَنَّهُ مَال عَن الصدْق. وَأنْشد هَذَا الشّعْر. وَقَوله: ضع عَن راحلتك أَي: ارْفَعْ عَنْهَا قتبها. وَقَوله فِي رِوَايَة الْأَصْمَعِي: أبدع بِي بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول أَي: انْقَطع بِي لكلال رَاحِلَتي فَكَأَن رَاحِلَته جَاءَت ببدعة. وَقَوله: مَا أظنتك أنقبت وَلَا أحفيت كِلَاهُمَا بِالْبِنَاءِ للْفَاعِل يُقَال: أحفى الرجل إِذا حفيت دَابَّته أَي: رق خفها وحافرها من كَثْرَة الْمَشْي. والنضو بِكَسْر النُّون وَسُكُون الْمُعْجَمَة: المهزول. وَقَوله: عمرك مُبْتَدأ وَخَبره مَحْذُوف أَي: قسمي وَالْجُمْلَة مُعْتَرضَة وَهِي بِفَتْح الْعين. وَهَذَا الرجز نسبه ابْن حجر فِي الْإِصَابَة إِلَى عبد الله بن كيسبة بِفَتْح الْكَاف وَسُكُون الْمُثَنَّاة التَّحْتِيَّة وَفتح الْمُهْملَة بعْدهَا بَاء مُوَحدَة النَّهْدِيّ. ذكره المرزباني فِي مُعْجم الشُّعَرَاء قَالَ: وكيسبة) أمه وَيُقَال اسْمه عَمْرو. وَهُوَ الْقَائِل لعمر بن الْخطاب واستحمله فَلم يحملهُ: أقسم بالله أَبُو حفصٍ عمر الأبيات الثَّلَاثَة. وَكَانَ نظر إِلَى رَاحِلَته لما ذكر أَنَّهَا أعجفت فَقَالَ: وَالله مَا بهَا من عِلّة فَرد عَلَيْهِ فعلان بِالدرةِ وهرب وَهُوَ يَقُول ذَلِك فَلَمَّا سمع

عمر آخر كَلَامه حمله وَأَعْطَاهُ. وَله قصَّة مَعَ أبي مُوسَى فِي فتح تستر. وَقيل بِأَن كنيته أَبُو كيسبة وَإِن عمر سَمعه ينشدها فاستحلفه أَنه مَا عرف بمكانه فَحلف فَحَمله. انْتهى. وَقد ذكره فِي قسم المخضرمين الَّذين أدركوا النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وَلم يروه. وَزعم ابْن يعِيش فِي شرح الْمفصل أَن الرجز لرؤبة بن العجاج. وَهَذَا لَا أصل لَهُ فَإِن رؤبة مَاتَ فِي سنة خمس وَأَرْبَعين وَمِائَة وَلم يعده أحد من التَّابِعين فضلا عَن المخضرمين. وَالله أعلم. وَأنْشد بعده: الوافر (فَلَا والله لَا يلفى لما بِي ... وَلَا للما بهم أبدا دَوَاء) على أَنه ضَرُورَة حَيْثُ أكد اللَّام الأولى بِاللَّامِ الثَّانِيَة بِدُونِ ذكر مجرور الأولى وَالْقِيَاس لما لما بِي. وَهَذَا الْبَيْت قد تقدم شَرحه مَعَ قصيدته وسببها مُسْتَوفى فِي الشَّاهِد الرَّابِع وَالثَّلَاثِينَ بعد الْمِائَة. وَأنْشد بعده: وصالياتٍ ككما يؤثفين لما تقدم قبله وَمضى الْكَلَام عَلَيْهِ مفصلا فِي الشَّاهِد الْخَامِس وَالثَّلَاثِينَ بعد الْمِائَة.

الشَّاهِد التَّاسِع وَالْخَمْسُونَ بعد الثلاثمائة: الطَّوِيل (فَأَيْنَ إِلَى أَيْن النّجاء ببغلتي ... أَتَاك أَتَاك اللاّحقوك احْبِسْ احْبِسْ) على أَن الْمُسْتَقْبل يجوز تكريره بِلَا فصل. وَالظَّاهِر أَن المُرَاد أَنه من تَكْرِير الْمُفْردَات لَا الْجمل وَهُوَ الظَّاهِر أَيْضا من كَلَام ابْن جني فِي إِعْرَاب الحماسة قَالَ: أول الْبَيْت توكيد الِاسْتِفْهَام وَفِي الثَّانِي توكيد الْخَبَر وَفِي آخِره توكيد الْأَمر. وَقَالَ ابْن الشجري فِي أَمَالِيهِ: هَذَا الْبَيْت فِيهِ تَكْرِير ثَلَاث جمل أَرَادَ إِلَى أَيْن تذْهب إِلَى أَيْن تذْهب أَتَاك أَتَاك اللاحقوك احْبِسْ احْبِسْ وَهَذَا يُقَوي مَا ذهب إِلَيْهِ الْكسَائي من حذف الْفَاعِل فِي بَاب إِعْمَال الْفِعْلَيْنِ. ألآ ترَاهُ لَو أضمر الْفَاعِل. وَلم يحذفه لقَالَ: أتوك أَتَاك اللاحقوك أَو أَتَاك أتوك. انْتهى. وَالصَّحِيح أَن الثَّلَاثَة من توكيد الْمُفْردَات. أما الأول فَأَيْنَ مجرورة بإلى المحذوفة الْمَدْلُول عَلَيْهَا بالمذكورة وَهُوَ خبر مقدم وَإِلَى أَيْن توكيده والنجاء مُبْتَدأ مُؤخر وَهُوَ مصدر نجا ينجو نجاء إِذا أسْرع وَسبق. وَزعم الْعَيْنِيّ أَن إِلَى أَيْن هُوَ الْخَبَر وَأَن أَيْن ظرف لمَحْذُوف أَي: أَيْن تذْهب. وَهَذَا غَنِي عَن وَأما الثَّانِي فَإِن اللاحقوك وَهُوَ جمع مُذَكّر سَالم مُضَاف للكاف وحذفت

نونه للإضافة فَاعل لأتاك الأول وأتاك الثَّانِي تَأْكِيد لَهُ. وَلما كَانَ الأول مُتَّصِلا بِهِ ضمير الْمَفْعُول اتَّصل بِالثَّانِي ليُوَافق الأول. وَقد اخْتلف النحويون فِي نَحْو قَامَ قَامَ زيد فَقيل: زيد فَاعل الأول فَقَط وَأما الثَّانِي فَإِنَّهُ يحْتَاج لفاعل لِأَنَّهُ لم يُؤْت بِهِ للإسناد وَإِنَّمَا أُتِي بِهِ لمُجَرّد التَّأْكِيد. وَقيل فاعلهما وَلَا يلْزم مِنْهُ اجْتِمَاع العاملين على مَعْمُول وَاحِد لِأَن لَفْظهمَا ومعناهما وَاحِد فكأنهما عَامل وَاحِد. وَقيل فَاعل أَحدهمَا وفاعل الآخر ضمير مَحْذُوف على أَنَّهُمَا تنازعاه. وَقد رده ابْن النَّاظِم وَابْن هِشَام فِي شرح الألفية لِأَنَّهُ لَيْسَ هَذَا من مَوَاضِع حذف الْفَاعِل وَلَو كَانَ من التَّنَازُع لقيل: أتوك أَتَاك أَو أَتَاك أتوك. وَأما الثَّالِث فَإِن الْأَمر الثَّانِي توكيد لِلْأَمْرِ الأول وتوكيد الضَّمِير للضمير بالتبعية ضَرُورَة إِذْ لَا يُمكن انفكاكه عَن المر. وَيجوز أَن يكون توكيداً مَقْصُودا فَيكون من قبيل توكيد الْجمل.) وَزعم الْعَيْنِيّ أَن مفعول احْبِسْ تَقْدِيره نَفسك. وَهَذَا لَا يُنَاسب الْمقَام. وَالظَّاهِر أَنه: بغلتي لوُجُود الْقَرِينَة. وَهَذَا الْبَيْت مَعَ شهرته لم يعلم لَهُ قَائِل وَلَا تَتِمَّة وَالله أعلم. الشَّاهِد السِّتُّونَ بعد الثلاثمائة: الْكَامِل (لَا لَا أبوح بحبّ بثنة إنّها ... أخذت عليّ مواثقاً وعهودا) لما تقدم قبله. وَهَذَا فِي الْحَرْف وَمَا قبله فِي تَكْرِير الِاسْم وَالْفِعْل. وأبوح: مضارع باح الشَّيْء بوحاً من بَاب قَالَ بِمَعْنى ظهر وَيَتَعَدَّى

بالحرف فَيُقَال: باح بِهِ صَاحبه وبالهمزة أَيْضا فَيُقَال: أَبَاحَهُ. بثنة بِفَتْح الْمُوَحدَة وَسُكُون الْمُثَلَّثَة بعْدهَا نون: اسْم محبوبة جميل بن معمر العذري وَالْمَشْهُور بثينة بِالتَّصْغِيرِ وَهِي مجرورة بالفتحة لِأَنَّهَا لَا تَنْصَرِف. وَزعم الْعَيْنِيّ أَنَّهَا فِي مَحل الْجَرّ. وَقَوله: إِنَّهَا بِالْكَسْرِ اسْتِئْنَاف بياني. ومواثق: جمع موثق وَهُوَ الْعَهْد. وَأما المواثيق فَهُوَ جمع مِيثَاق وَرُبمَا قيل مياثيق على لفظ الْوَاحِد. وَالْبَيْت من قصيدة لجميل العذري وَقد تقدّمت تَرْجَمته فِي الشَّاهِد الثَّانِي وَالسِّتِّينَ. وَأنْشد بعده الشَّاهِد الْحَادِي وَالسِّتُّونَ بعد الثلاثمائة وَهُوَ من شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ: الرجز على أَن الْمُسْتَقْبل يجوز تكريره للتَّأْكِيد مَعَ فاصل كَمَا جَازَ بِدُونِهِ. وتراك: اسْم فعل أَمر بِمَعْنى اترك. وَله أوردهُ سِيبَوَيْهٍ. وَهُوَ مُتَعَدٍّ إِلَى الضَّمِير نَصبه على المفعولية. وَلما لم يتَقَدَّم مرجعه فسره بالتمييز الْمَجْرُور بِمن المبنية. قَالَ أَبُو عُبَيْدَة فِي أَمَالِيهِ كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّة إِذا غنموا الْغَنِيمَة فلحقها أَرْبَابهَا قَالُوا للسائقين: تراكها من إبل تراكها

أَي: خلوا عَنْهَا. فَيَقُول السائقون: أما ترى الْمَوْت على أوراكها أَي: مآخيرها أَي: إِنَّا نحميها. وَبَعْضهمْ يَقُول: مناعها من إبل مناعها فيجاب بقَوْلهمْ: أما ترى الْمَوْت لَدَى أرباعها يعنون أفتاءها. انْتهى. وَقَالَ يَعْقُوب بن السّكيت: أغير على إبل قوم من الْعَرَب فلحق أَصْحَاب الْإِبِل فَجعلُوا لَا يدنو مِنْهَا أحد إِلَّا قَتَلُوهُ فَقَالَ الَّذين أَغَارُوا على الْإِبِل: (تراكها من إبل تراكها ... أما ترى الْمَوْت لَدَى أرباعها) فَقَالَ أَصْحَاب الْإِبِل: (مناعها من إبل مناعها ... أما ترى الْمَوْت لَدَى أرباعها) وَفِي أمالي ابْن الشجري: وَقَالَ آخر: (تراكها من إبل تراكها ... أما ترى الْمَوْت لَدَى أوراكها) أَرَادَ أَن أوراكها من شدَّة السّير كَأَنَّهَا فِي استرخائها قد شارفت الْمَوْت. وَمثله قَول الآخر: (مناعها من إبل مناعها ... أما ترى الْمَوْت لَدَى أرباعها))

الأرباع: جمع الرّبع وَهُوَ ولد النَّاقة الَّتِي تلده فِي الرّبيع. والهبع: الَّذِي تلده فِي أول الصَّيف وَجمعه أهباع كرطب وأرطاب. انْتهى. وَقَوله: أَرَادَ أَن أوراكها من شدَّة السّير الخ لَا وَجه لَهُ وَكَأَنَّهُ لم يقف على مَا قدمنَا. وَقَالَ ابْن خلف: هَذَا قَول طفيل بن يزِيد الْحَارِثِيّ حِين أغارت كِنْدَة على نعمه فلحقهم وَهُوَ يَقُول: أما ترى الْمَوْت الخ ويروى: دراكها من إبلٍ دراكها ويروى: قد لحق الْمَوْت على أوراكها وَحمل على فَحل الْإِبِل فعقره فاستدارت النعم حوله وَلَحِقت بِهِ بَنو الْحَارِث ابْن كَعْب فاستنقذوا مَاله وهزمت كِنْدَة. قَالَ سِيبَوَيْهٍ: فَهَذَا اسْم لقَوْله: اتركها أَي: هِيَ محمية من أَن يغار عَلَيْهَا فاتركها وانج بِنَفْسِك. وَقَوله: أرباعها الأرباع: جمع ربع وَهُوَ ولد النَّاقة. وَأَوْلَاد الْإِبِل تتبعها. والقتال يشْتَد إِذا لحق الْإِبِل أَصْحَابهَا وَإِنَّمَا يَقع الْقِتَال عِنْد مآخيرها لِأَن الَّذين أَغَارُوا عَلَيْهَا يطردونها ويسوقونها وأصحابها يمنعونهم من ذَلِك. وَهُوَ مثل قَول الآخر: أما ترى الْمَوْت لَدَى أوراكها وَيجوز أَن يُرِيد بالأرباع جمع ربع بِالْفَتْح وَهُوَ الْمنزل يَعْنِي أَنهم اقْتَتَلُوا فِي الْمَوَاضِع الَّتِي فِيهَا الْإِبِل. انْتهى.

وَلم يذكر الْآمِدِيّ فِي المؤتلف والمختلف هَذَا مَعَ أَنه أورد خَمْسَة مِمَّن اسمهم طفيل. وَأنْشد بعده الشَّاهِد الثَّانِي وَالسِّتُّونَ بعد الثلاثمائة الرجز (أقبلن من ثهلان أَو وَادي خيم ... على قلاصٍ مثل خيطان السّلم) على أَن الأندلسي جوز أَن يُقَال فِي جمع الْمُذكر الْعَاقِل المكسر الرِّجَال كُلهنَّ مستدلاً بِهَذَا الْبَيْت. وَلم يظْهر لي وَجهه وَكَأن وَجه الِاسْتِدْلَال أَن نون أقبلن ضمير الْعُقَلَاء الذُّكُور أَي: الرِّجَال أَو الركب أَو نَحْوهمَا وَإِنَّمَا أنث لتأويله بِالْجَمَاعَة. وَالدَّلِيل على أَن مرجع الضَّمِير مَا ذكر قَوْله بعد: الرجز حتّى أنخناها على بَاب الحكم فَدلَّ مَا بعد الْكَلَام على مَا قبله. وَفِيه أَنه لَا يجب أَن يتحدا وَيجوز أَن تكون النُّون ضمير النسْوَة أَو أَن أَصله أَقبلنَا فحذفت الْألف ضَرُورَة فَيكون من بَاب التقارض. وَهَذِه الْمَسْأَلَة لم أرها إِلَّا هُنَا عَن الأندلسي. وَقد راجعت شُرُوح التسهيل وارتشاف الضَّرْب فَلم أر فِيهَا أَن النُّون تعود على الْجمع المكسر للعاقل بتأويله بِالْجَمَاعَة. بحوران يعصرن السّليط أَقَاربه

سَوَاء أجعلت النُّون حرفا أم ضميراً. وَيَأْتِي شَرحه بعد هَذَا فِي الشَّاهِد السَّادِس وَالسبْعين بعد الثلاثمائة. وَهَذَا أول رجز لجرير بن الخطفى أورد الْمبرد بَعْضًا مِنْهُ فِي الْكَامِل وَفِي الاعتنان. قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: أخبرنَا أَيُّوب بن كسيب بن عَطاء بن الخطفى قَالَ: قدم جرير فِي إمرة الحكم بن أَيُّوب الثَّقَفِيّ الْبَصْرَة وَكَانَ الحكم ابْن عَم الْحجَّاج وعامله. قَالَ: وَأَنا مَعَه وَكَانَ أَيُّوب بن كسيب لَا يُفَارِقهُ ومدح الحكم فَقَالَ: (أقبلن من ثهلان أَو وَادي خيم ... على قلاصٍ مثل خيطان السّلم) (حتّى أنخناها إِلَى بَاب الحكم ... خَليفَة الحجّاج غير المتّهم) فِي ضئضئ الْمجد وبحبوح الْكَرم فأعجب بِهِ الحكم بن أَيُّوب ووجده باقعة. قَالَ: فَكتب إِلَى الْحجَّاج: إِنَّه قدم عَليّ أَعْرَابِي شَيْطَان من أشعر النَّاس وأفصحهم وَوَصفه لَهُ. قَالَ: فَكتب الْحجَّاج أَن يسرحه إِلَيْهِ حِين يقْرَأ كِتَابه. قَالَ: فَلَمَّا قدم الْكتاب أمرنَا الحكم فشخصنا حَتَّى قدمنَا على الْحجَّاج وامتدحه جرير) بكلمته الَّتِي يَقُول فِيهَا:

الطَّوِيل قَالَ: وَأما مسحل بن كسيب أَخُو أَيُّوب فَحَدثني أَن أول كلمة امتدحه بهَا كَلمته الَّتِي يَقُول فِيهَا: الْكَامِل (من سدّ مطّلع النّفاق عَلَيْكُم ... أم من يصول كصولة الحجّاج) (أم من يغار على النّساء عشيّةً ... إِذْ لَا يثقن بغيرة الْأزْوَاج) قَالَ: فَأمر لَهُ الْحجَّاج بأَرْبعَة آلَاف دِرْهَم وَكسَاء حلَّة صفراء وأنزلنا فِي دَار ضيافته. انْتهى. وَزَاد فِي الْكَامِل أَن جَرِيرًا لما دخل على الْحجَّاج قَالَ لَهُ: بَلغنِي أَنَّك ذُو بديهة فَقل لي فِي هَذِه لجارية قَائِمَة على رَأسه فَقَالَ جرير: مَا لي أَن أَقُول فِيهَا حَتَّى أتأملها وَمَالِي أَن أتأمل جَارِيَة الْأَمِير فَقَالَ: بلَى فتأملها واسألها. فَقَالَ لَهَا: مَا اسْمك يَا جَارِيَة فَأَمْسَكت فَقَالَ لَهَا الْحجَّاج: خبريه يَا لخناء. فَقَالَت: أُمَامَة. فَقَالَ جرير: الْكَامِل (ودّع أُمَامَة حِين حَان رحيل ... إنّ الْوَدَاع لمن تحبّ قَلِيل) (مثل الْكَثِيب تمايلت أعطافه ... فالرّيح تجبر مَتنه وتميل) (هذي الْقُلُوب صوادياً تيّمتها ... وَأرى الشّفاء وَمَا إِلَيْهِ سَبِيل) فَقَالَ الْحجَّاج: قد جعل الله لَك السَّبِيل إِلَيْهَا خُذْهَا هِيَ لَك. فَضرب بِيَدِهِ إِلَى يَدهَا فتمنعت عَلَيْهِ فَقَالَ:

الْكَامِل فاستضحك الحجّاج وَأمر بتجهيزها مَعَه إِلَى الْيَمَامَة. وخبرت أَنَّهَا كَانَت من أهل الرّيّ وَكَانَ إخوتها أحراراً فَاتَّبعُوهُ فَأَعْطوهُ بهَا حَتَّى بلغُوا عشْرين ألفا فَلم يفعل. وَفِي ذَلِك يَقُول: الطَّوِيل (إِذا عرضوا عشْرين ألفا تعرّضت ... لأمّ حكيمٍ حاجةٌ هِيَ مَا هيا) (لقد زِدْت أهل الرّيّ عِنْدِي مودّةً ... وحبّبت أضعافاً إليّ المواليا) فأولدها حكيماً وبلالاً وحرزة بني جرير. انْتهى. وثهلان: بِفَتْح الْمُثَلَّثَة: جبل بِالْيمن وَقَالَ حَمْزَة الْأَصْبَهَانِيّ: هُوَ جبل بِالْعَالِيَةِ. وأصل الثهل الانبساط على الأَرْض. ولضخم هَذَا الْجَبَل تضرب بِهِ الْعَرَب الْمثل فِي الثّقل فَتَقول: أثقل من ثهلان. وخيم بِكَسْر الْخَاء الْمُعْجَمَة: جبل. قَالَ صَاحب الأغاني: ثهلان جبل كَانَ لباهلة ثمَّ غلبت عَلَيْهِ نمير. وخيم: جبل يناوحه من) طرفه الْأَقْصَى فِيمَا بَين رُكْنه الْأَقْصَى وَبَين مطلع الشَّمْس بِهِ مَاء ونخل. انْتهى. وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُور وَالَّذِي فِي ديوانه وَرَوَاهُ أَبُو عبيد الْبكْرِيّ فِي المعجم: أقبلن من جَنْبي فتاخ وإضم

وَقَالَ: فتاخ بِكَسْر الْفَاء بعْدهَا مثناة فوقية وَآخره خاء مُعْجمَة: مَوضِع. وَقَالَ الهجري: فتاخ بأطراف الدهناء مِمَّا يَلِي الْيَمَامَة. وإضم بِكَسْر الْهمزَة: وَاد دون الْمَدِينَة وَقيل جبل. والقلاص: جمع قلُوص وَهِي النَّاقة الشَّابَّة. وخيطان جمع خوط بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة وَهُوَ الْغُصْن. وروى الزَّمَخْشَرِيّ فِي مستقصى الْأَمْثَال: مثل أَغْصَان السّلم. أَرَادَ أَن القلاص هزلت من شدَّة السّفر حَتَّى صَارَت كأغصان السّلم فِي الدقة والضمر. وَزَاد أَبُو عبيد الْبكْرِيّ بعد هَذَا فِي شرح أمالي القالي: (قد طويت بطونها على الْأدم ... إِذا قطعن علما بدا علم) (فهنّ بحثا كمضلاّت الخدم ... حتّى تناهين إِلَى بَاب الحكم) الْعلم: الْجَبَل. قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ فِي مستقصى الْأَمْثَال. قَوْله: إِذا قطعن علما بدا علم مثل يضْرب لمن يفرغ من أَمر فَيعرض لَهُ آخر. وَقَوله: فهن بحثا أَي: يبحثن بحثا بمناسمهن الأَرْض كَمَا يبْحَث المضلات خلاخيلهن فِي التُّرَاب. والخدم: جمع خدمَة بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَفتح الدَّال الْمُهْملَة هُوَ الخلخال. والضئضئ بِكَسْر الضادين المعجمتين والهمزة الأولى بَينهمَا سَاكِنة: الأَصْل وَالْجِنْس. والبحبوح بِضَم الباءين والحاء الْمُهْملَة الأولى بَينهمَا سَاكِنة: الْوسط. وَقد أورد صَاحب الأغاني حِكَايَة جرير مَعَ الْحجَّاج على غير هَذَا النمط وَأطَال وَزَاد الأبيات.

وترجمة جرير قد تقدّمت فِي الشَّاهِد الرَّابِع فِي أول الْكتاب. وَأنْشد بعده الشَّاهِد الثَّالِث وَالسِّتُّونَ بعد الثلاثمائة الرجز (يَا لَيْتَني كنت صبيّاً مُرْضعًا ... تحملنِي الذّلفاء حولا أكتعا) على أَن الْكُوفِيّين اسْتشْهدُوا بِهِ على جَوَاز توكيد النكرَة المؤقتة الْمَعْلُومَة الْمِقْدَار وَهُوَ حول بِمَعْنى الْعَام. قَالَ صَاحب الْمِصْبَاح: حَال حولا من بَاب قَالَ إِذا مضى. وَمِنْه قيل للعام حول وَإِن لم يمض لِأَنَّهُ سَيكون حولا تَسْمِيَة بِالْمَصْدَرِ. وَفِيه شَاهد آخر وَهُوَ التَّأْكِيد ب أَكْتَع غير مَسْبُوق بأجمع. وَبعده بَيت آخر وَهُوَ: (إِذا بَكَيْت قبّلتني أَرْبعا ... إِذن ظللت الدّهر أبْكِي أجمعا) وَفِيه أَيْضا شَاهِدَانِ: أَحدهمَا: التَّأْكِيد بأجمع غير مَسْبُوق بِكُل. وَثَانِيهمَا: الْفَصْل بَين الْمُؤَكّد قَالَ ابْن عبد ربه فِي العقد الفريد: نظر أَعْرَابِي إِلَى امْرَأَة حسناء وَمَعَهَا صبي يبكي فَكلما بَكَى قبلته فَأَنْشَأَ يَقُول هَذَا الرجز. وَقَوله: يَا لَيْتَني الخ يَا حرف تَنْبِيه ومرضع اسْم مفعول من أَرْضَعَتْه إرضاعاً. وَجُمْلَة: تحملنِي الذلفاء صفة ثَانِيَة. وَيجوز أَن تكون حَالا من ضمير مرضع وَيجوز أَن تكون خَبرا ثَانِيًا لَكُنْت. والذلفاء بِفَتْح الذَّال الْمُعْجَمَة وَبعد اللَّام الساكنة فَاء: وصف مؤنث أذلف من الذلف وَهُوَ صغر الْأنف واستواء الأرنبة. وَيحْتَمل أَنه اسْم امْرَأَة مَنْقُول من هَذَا.

وأكتع قَالَ صَاحب الصِّحَاح: يُقَال إِنَّه مَأْخُوذ من قَوْلهم: أَتَى عَلَيْهِ حول كتيع أَي: تَامّ. وَقَوله: أَرْبعا أَي: تقبيلاً أَرْبعا. وظللت بِكَسْر اللَّام وظل بِمَعْنى اسْتمرّ من أَخَوَات كَانَ التَّاء اسْمهَا وَجُمْلَة أبكى فِي مَوضِع نصب خَبَرهَا والدهر ظرف لأبكي. وَجُمْلَة إِذن ظللت الخ جَوَاب لشرط مَحْذُوف أَي: إِن حصل مَا تمنيته استمررت فِي الْبكاء حَتَّى تستمر الذلفاء تحملنِي وتقبلني كلما بَكَيْت. وَزعم الْعَيْنِيّ أَن التَّقْدِير: إِن لم يكن الْأَمر كَذَا إِذن ظللت الخ. وَلَا يخفى أَن هَذَا عكس مُرَاد الشَّاعِر. وَأنْشد بعده: الرجز لما تقدم قبله:) قَالَ ابْن جني فِي إِعْرَاب الحماسة: هَذَا شَاذ وَإِن لم يكن مصنوعاً فوجهه عِنْدِي أَن أجمع هَذِه لَيست الَّتِي تسْتَعْمل للتَّأْكِيد أَعنِي الَّتِي مؤنثها جَمْعَاء وَلَكِن الَّتِي فِي قَوْلك: أخذت المَاء بأجمعه وأمعه بِفَتْح الْمِيم وَضمّهَا أَي: بكليته فدخلو الْعَامِل عَلَيْهَا ومباشرته إِيَّاهَا يدل على أَنَّهَا لَيست التابعة للتوكيد فَذَلِك قَوْله: يَوْمًا أجمعا أَي: يَوْمًا بأجمعه ثمَّ حذف حرف الْجَرّ ثمَّ أبدل الْهَاء ألفا فَصَارَ أجمعا. انْتهى. وَقَالَ الْعَيْنِيّ: الرِّوَايَة الصَّحِيحَة: قد صرّت البكرة يَوْمًا أجمع على أَن يَوْمًا من غير تَنْوِين وَأَصله يومي فالألف منقلبة عَن يَاء الْمُتَكَلّم فأجمع توكيد للمعرفة.

أَقُول: إِن كَانَ يومي ظرفا فَلم لم ينصب أجمع وَإِن كَانَ غير ذَلِك فَمَا هُوَ مَعَ أَن مَا قبله عِنْده: إنّا إِذا خطّافنا تقعقعا وَهَذَا من الرجز الَّذِي لَا يجوز اخْتِلَاف قوافيه. وَهَذَا التَّوْجِيه تعسفه ظَاهر ككلام ابْن جني. وَقد اسْتدلَّ الْكُوفِيُّونَ بِأَبْيَات أخر مِنْهَا قَوْله: الْبَسِيط وَمِنْهَا قَوْله: الوافر ثلاثٌ كلّهنّ قتلت عمدا وَمِنْهَا قَوْله: الرجز (إِذا الْقعُود كرّ فِيهَا حفدا ... يَوْمًا جَدِيدا كلّه مطّردا) وَمِنْهَا قَوْله: المتقارب (زحرت بِهِ لَيْلَة كلّها ... فَجئْت بِهِ مودناً خنفقيقاً) قَالَ ابْن الْأَنْبَارِي فِي مسَائِل الْخلاف: أجَاب البصريون عَن هَذِه الأبيات بِأَن الرِّوَايَة فِي الأول يَا لَيْت عدَّة حَولي بِالْإِضَافَة إِلَى الْيَاء. وَعَن الثَّانِي بِأَن كُلهنَّ بدل من ثَلَاث أَو جملَة كُلهنَّ قتلت خبر عَن الثَّلَاث. وَعَن الثَّالِث بِأَن كُله بِالرَّفْع لتوكيد الضَّمِير فِي جَدِيد. وَأما قد صرت البكرة يَوْمًا أجمعا فمجهول. لَا يعرف قَائِله. هَذَا كَلَامه وَهُوَ مَبْنِيّ على الطعْن فِي روايتهم وَهَذَا لَا يجوز لأَنهم ثِقَات. ثمَّ قَالَ: وَأما قَول الْكُوفِيّين بِأَن الْيَوْم مُؤَقّت فَيجوز أَن تقعد بعضه

وَاللَّيْلَة مُؤَقَّتَة فَيجوز أَن) تقوم بَعْضهَا فَإِذا أكدت صَحَّ معنى التَّأْكِيد. قُلْنَا: هَذَا لَا يَسْتَقِيم فَإِن الْيَوْم وَإِن كَانَ مؤقتاً إِلَّا أَنه لم يخرج عَن كَونه نكرَة شائعة وتأكيدها بالمعرفة لَا يجوز لِأَن تَأْكِيد مَا لَا يعرف لَا فَائِدَة أَقُول: ادعاؤه عدم الاسْتقَامَة مَمْنُوع وَالْفرق ظَاهر فَإِن التَّأْكِيد بِاعْتِبَار أَجزَاء الْيَوْم وَاللَّيْلَة ليشْمل جَمِيعهَا والشيوع بِاعْتِبَار جنس الْيَوْم وَاللَّيْلَة فَأَيْنَ هَذَا من ذَاك. وَقد أَشَارَ الشَّارِح الْمُحَقق إِلَى مَا ذكرنَا وَالله أعلم. وَقد تقدم شرح هَذَا الْبَيْت فِي الشَّاهِد الْخَامِس وَالْعِشْرين من أَوَائِل الْكتاب. وَأنْشد بعده الشَّاهِد الرَّابِع وَالسِّتُّونَ بعد الثلاثمائة الطَّوِيل (أولاك بَنو خيرٍ وشرٍّ كليهمَا ... جَمِيعًا ومعروفٍ ألمّ ومنكر) على أَن حمل كليهمَا فِيهِ على الْبَدَل عِنْد أهل المصرين أولى لِأَن خيرا وشراً ليسَا بمؤقتين. قَالَ ابْن جني فِي إِعْرَاب الحماسة: الْوَجْه فِي قَوْله: بَنو خير وَشر كليهمَا أَن لَا يكون كليهمَا تَأْكِيدًا لَكِن يكون بَدَلا من خير وَشر حَتَّى كَأَنَّهُ قَالَ: بَنو كل خير وَشر فقد يُضَاف إِلَى الْمُفْرد الْمَعْطُوف عَلَيْهِ مثله بِالْوَاو فِي ضَرُورَة الشّعْر كَمَا قَالَ: الطَّوِيل (كلا السّيف والسّاق الَّتِي ضربت بِهِ ... على دهشٍ أَلْقَاهُ بِاثْنَيْنِ صَاحبه)

وَإِنَّمَا جَازَ ذَلِك من حَيْثُ كَانَ مَا عطف بِالْوَاو بِمَنْزِلَة مَا جمع فِي لَفْظَة وَاحِدَة. أَلا تراك تَقول: زيد وَعَمْرو أَخَوَاك فَإِن أخْبرت عَنْهُمَا جَمِيعًا قلت: اللَّذَان هما أَخَوَاك زيد وَعَمْرو فتأتي بضميرهما جُزْءا وَاحِدًا وَكَانَ أَحدهمَا على صَاحبه مَعْطُوفًا. وَكَذَلِكَ: زيد وَعَمْرو مَرَرْت بهما. انْتهى. وَهَذَا الْبَيْت آخر أبياتٍ أَرْبَعَة لمسافع بن حُذَيْفَة الْعَبْسِي مَذْكُورَة فِي بَاب المراثي من الحماسة وَهِي: (أبعد بني عمروٍ أسرّ بمقبلٍ ... من الْعَيْش أَو آسى على إِثْر مُدبر) (وَلَيْسَ وَرَاء الشَّيْء شيءٌ يردّه ... عَلَيْك إِذا ولّى سوى الصّبر فاصبر) (سلامٌ بني عَمْرو على حَيْثُ هامكم ... جمال النّديّ والقنا والسّنوّر) أولاك بَنو خير ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... . . الْبَيْت) قَوْله: أبعد بني عَمْرو الخ الْهمزَة للاستفهام الإنكاري وَأسر بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول من السرُور ومقبل بِمَعْنى آتٍ ومدبر بِمَعْنى ذَاهِب وآسى: مضارع أسي من بَاب تَعب بِمَعْنى حزن. وَقَوله: سوى الصَّبْر اسْتثِْنَاء مُنْقَطع لِأَن الصَّبْر لَيْسَ من الشَّيْء الرَّاد الْفَائِت فِي شَيْء. يَقُول: أأسر بعيش مقبل أَو زمن مساعد بعد أَن فجعت بهؤلاء أَو أَحْزَن فِي إِثْر فَائت أَو أجزع لتولي مُدبر وَلَيْسَ وَرَاء الشَّيْء الْفَائِت شَيْء يردهُ عَلَيْك فَالْأولى أَن تتمسك بِالصبرِ وتعتصم وَقَوله: سَلام بني عَمْرو الخ سَلام مُبْتَدأ وَجَاز الِابْتِدَاء بِهِ لتَضَمّنه الدُّعَاء. وَخَبره قَوْله: على حَيْثُ هامكم. قَالَ ابْن جني فِي إِعْرَاب الحماسة هامكم مُبْتَدأ مَحْذُوف الْخَبَر من جملَة مجرورة الْموضع بِإِضَافَة حَيْثُ إِلَيْهَا أَي:

حَيْثُ هامكم متصورة أَي: مَوْجُودَة. وَمثله قَوْلهم: جئْتُك إِذْ ذَاك أَي: إِذْ ذَاك كَذَاك فَحذف الْخَبَر من الْجُمْلَة المجرورة الْموضع بِإِضَافَة إِذْ إِلَيْهَا. انْتهى. وَذكر الْهَام على عَادَة الْعَرَب فِي زعمهم أَن عِظَام الْمَوْتَى تصير هاماً تطير. وَبني عَمْرو: منادىً بِحرف النداء الْمَحْذُوف. وجمال الندي مَنْصُوب على الْمَدْح. وَقَالَ ابْن جني: نصب جمال الندي لِأَنَّهُ بدل من بني عَمْرو. والندي بتَشْديد الْيَاء: الْمجْلس لُغَة فِي النادي. وَقَالَ ابْن جني: لَام الندي وَاو لِأَنَّهُ فعيل من الندوة وَهِي مَوضِع جُلُوس النادي والندي. انْتهى. والقنا: جمع قناة وَهِي الرمْح. والسنور بِفَتْح السِّين وَالنُّون وَالْوَاو الْمُشَدّدَة: لبوس من قد كالدرع. يَعْنِي أَنهم جمال الْمجَالِس يَوْم الْجمع وزين السِّلَاح غَدَاة الروع. وَقَوله: أولاك الخ هُوَ مُبْتَدأ لُغَة فِي أُولَئِكَ وَبَنُو خبر الْمُبْتَدَأ. أَرَادَ أَنهم ملازمون لفعل الْخَيْر وَالشَّر مَعَ الأصدقاء والأعداء كَمَا يُقَال: فلَان أَخُو الْحَرْب. وجميعا: حَال مُؤَكدَة لصَاحِبهَا. وَقَوله: مَعْرُوف هُوَ بِالْجَرِّ مَعْطُوف على خير وَكَذَلِكَ مُنكر. وَالْمَعْرُوف: الْجَمِيل الظَّاهِر وضده الْمُنكر فهما أخص من الْخَيْر وَالشَّر فَإِن الْخَيْر قد يكون ظَاهره شرا كالدواء المر. وَالشَّر قد يكون ظَاهره خيرا كهوى النَّفس. وألم بِمَعْنى نزل وَعرض وَالْجُمْلَة صفة مَعْرُوف وَمثله مُقَدّر بعد مُنكر. ومسافعل بِضَم الْمِيم وَكسر الْفَاء ابْن حُذَيْفَة بِالتَّصْغِيرِ الْعَبْسِي بِالْبَاء الْمُوَحدَة وَهُوَ شَاعِر فَارس من شعراء الْجَاهِلِيَّة.)

البدل

3 - (الْبَدَل) أنْشد فِيهِ الشَّاهِد الْخَامِس وَالسِّتُّونَ بعد الثلاثمائة وَهُوَ من شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ: الْبَسِيط (يَا ميّ إِن تفقدي قوما ولدتهم ... أَو تخلسيهم فإنّ الدّهر خلاّس) (عمروٌ وَعبد منافٍ وَالَّذِي عهِدت ... بِبَطن عرعر: آبي الظّلم عبّاس) على أَن قَوْله: عَمْرو وَعبد منَاف وَالَّذِي بدل مَقْطُوع من قوماص. قَالَ ابْن خلف: الشَّاهِد فِيهِ رفع عَمْرو وَمَا بعده بِالِابْتِدَاءِ كَأَنَّهُ قَالَ: مِنْهُم أَو من الْقَوْم الَّذين فقدوا أَو يكون خبر مُبْتَدأ كَأَنَّهُ قَالَ: بَعضهم. وَلَو نصبت على الْبَدَل من الْقَوْم لجَاز. وعباس بدل من آبي وآبي بدل من الَّذِي وَلَو أبدلت فسد الْكَلَام لأَنا إِذا نصبنا وَجب أَن ينصب الَّذِي هُوَ بدل مِنْهُ فَكُنَّا نقُول: عباساً. وَقَوله: تخلسيهم بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول أَي: يؤخذون مِنْك بَغْتَة فَإِن الدَّهْر من شَأْنه أَن يُؤْخَذ فِيهِ الشَّيْء بَغْتَة. وعرعر: مَكَان. ويروى: بِبَطن مَكَّة. وَأَرَادَ بِعَمْرو عَمْرو بن عبد منَاف بن قصي وَهُوَ هَاشم بن عبد منَاف وَسمي هاشماً لهشمه الثَّرِيد لِقَوْمِهِ فِي مجاعةٍ أَصَابَتْهُم. وَالْعَبَّاس هُوَ ابْن عبد الْمطلب وَإِنَّمَا قَالَ ولدتهم لما بَين هُذَيْل وقريش من

الْقَرَابَة فِي النّسَب وَالدَّار لأَنهم كلهم من ولد مدركة بن الياس بن مُضر. وَقَوله: وَالَّذِي عهِدت الضَّمِير يرجع إِلَى مي وَعدل عَن خطابها وَأخْبر عَنْهَا بِاللَّفْظِ الَّذِي يكون للْغَائِب أَرَادَ الَّذِي عهِدت فَلم يستقم لَهُ. ومي: مرخم مية. وَهَذَانِ البيتان مطلعا قصيدة لأبي ذُؤَيْب الْهُذلِيّ عدتهَا خَمْسَة عشر بَيْتا أوردهَا أَبُو سعيد السكرِي فِي أشعار الهذليين وبعدهما: (يَا ميّ إنّ سِبَاع الأَرْض هالكةٌ ... والغفر والأدم والآرام والنّاس) الغفر بِضَم الْغَيْن وَسُكُون الْفَاء: ولد الوعل وَنقل شَارِح شَوَاهِد الْمفصل عَن صَاحب المقتبس أَنه القفز بِالْقَافِ وَالْفَاء وَالزَّاي الْمُعْجَمَة وَهُوَ جمع أقفز وَهُوَ من الْخَيل المحجل من يَدَيْهِ لَا رجلَيْهِ. وَهَذَا تَحْرِيف قطعا. وَنقل أَيْضا عَن صَاحب الإقليد أَنه العفر بِعَين مُهْملَة وَهُوَ جمع أعفر وَهُوَ الْأَبْيَض. وَلَيْسَ) بشديد. وظبية عفراء يَعْلُو بياضها حمرَة وَهِي قصار الْأَعْنَاق. والأدم بِالضَّمِّ من الظباء: بيض تعلوهن خطوط فِيهِنَّ غبرة تسكن الْجبَال يُقَال: ظَبْيَة أدماء وظبي آدم. والآرام: الظباء الْبيض الْخَالِصَة الْبيَاض الْوَاحِد رئم بِالْهَمْز وَهِي تسكن الرمل. (تالله لَا يعجز الأيّام مبتركٌ ... فِي حومة الْمَوْت رزّامٌ وفرّاس) لَا يعجز: لَا يغلب. والمبترك: الْأسد من ابتركه إِذا صرعه وَجعله تَحت بكره وَهُوَ الصَّدْر. وَأغْرب الْكرْمَانِي فِي شرح شَوَاهِد الموشح وَرَوَاهُ المنتزك بالنُّون وَالزَّاي الْمُعْجَمَة أَي: الَّذِي لَهُ نيزك أَي: رمح قصير

كَأَنَّهُ فَارسي مُعرب. وحومة الْمَوْت: الْموضع الَّذِي يَدُور فِيهِ الْمَوْت لَا يبرح مِنْهُ والرزام بِتَقْدِيم الْمُهْملَة: الصراع يُقَال: رزم بِهِ إِذا صرعه. والفراس: الَّذِي يدق الْأَعْنَاق وَمِنْه فريسة الْأسد لِأَنَّهُ يدق عُنُقهَا. (يحمي الصّريمة أحدان الرّجال لَهُ ... صيدٌ ومستمعٌ باللّيل هجّاس) قَالَ السكرِي: الصريمة هَا هُنَا: مَوضِع. وأحدان الرِّجَال: مَا انْفَرد من الرِّجَال. وَقَالَ غَيره: الصريمة: رَملَة فِيهَا شجر حماها من أَن يدخلهَا أحد خوفًا مِنْهُ. وأحدان الرِّجَال: الَّذين يَقُول أحدهم: أَنا الَّذِي لَا نَظِير لي فِي الشجَاعَة والبأس. يَقُول: هَذَا الْأسد يصيد هَؤُلَاءِ الَّذين يدلون بالشجاعة. وَهَذَانِ البيتان أَيْضا اسْتشْهد بهما سِيبَوَيْهٍ على جري الصِّفَات على مَا قبلهَا مَعَ مَا فِيهَا من معنى التَّعْظِيم وَلَو نصب لجَاز. هجاس: يهجس. وروى بدله: هماس من الهمس. قَالَ النّحاس: هماس: دقاق للرقاب مكسر لَهَا. قَالَ ابْن خلف: وأحدان الرِّجَال يرْوى بِالرَّفْع وَالنّصب فَمن رفع قَالَ: أحدان مُبْتَدأ وصيد خَبره وَمن نصب جعله مفعول يحمي كَأَنَّهُ قَالَ: يحمي الصريمة من أحدان الرِّجَال ف صيد على هَذَا مُبْتَدأ وَله خَبره. ومستمع وروى بدله: مجترئ: خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي: وَهُوَ مستمع أَو هُوَ مَعْطُوف على رزام وَهُوَ الْوَجْه الَّذِي رَوَاهُ سِيبَوَيْهٍ وَالشَّاهِد على أَنه عطف هماس. قَالَ النّحاس: وَيجوز نصب مجترئ على أَعنِي. (يَا ميّ لَا يعجز الأيّام ذُو حيدٍ ... بمشمخرٍّ بِهِ الظّيّان والآس)

روى صَدره صَاحب الْمفصل: على أَن اللَّام فِي لله هُنَا للقسم والتعجب مَعًا. وَتَبعهُ صَاحب الْمُغنِي. وَرَوَاهُ صَاحب الْجمل) تالله يبْقى بِالْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّة. قَالَ ابْن السَّيِّد: ويروى بِالْبَاء الْمُوَحدَة وَكِلَاهُمَا قسم فِيهِ معنى التَّعَجُّب. وَقَالَ اللَّخْمِيّ: وَرِوَايَة سِيبَوَيْهٍ لله بِاللَّامِ. وَقَوله: يبْقى جَوَاب الْقسم بِتَقْدِير لَا النافية وَيَعْنِي بقوله ذُو حيد الوعل. قَالَ الْمبرد: الحيد بِفتْحَتَيْنِ: الروغان والفرار. وَالْمَشْهُور حيد بِكَسْر الْمُهْملَة وَفتح الْمُثَنَّاة التَّحْتِيَّة جمع حيدة كحيض جمع حَيْضَة. وَهَذِه رِوَايَة ثَعْلَب والسكري. قَالَ اللَّخْمِيّ: قَوْله ذُو حيد يرْوى بِفَتْح الْحَاء وَكسرهَا فَمن رَوَاهُ بِالْفَتْح فَهُوَ اعوجاج يكون فِي قرن الوعل وَقيل: إِنَّه مصدر من حاد يحيد حيداً وَأَصله السّكُون فَلَمَّا اضْطر حرك الْيَاء وَمَعْنَاهُ الروغان. وَقيل: هُوَ جمع حيدة وَهِي الْعقْدَة الَّتِي تكون فِي قرنه. وَقيل: الحيد الْقُوَّة. وَمن روى حيدا بِالْكَسْرِ فَهِيَ نتوءات والواحدة حيدة. ويروى: ذُو جيد بِالْجِيم وَهُوَ جنَاح مائل من الْجَبَل وَقيل: يَعْنِي بِهِ الظبي. والوعل: التيس الْجبلي وَيُقَال للْأُنْثَى: أروية بِضَم الْهمزَة وَتَشْديد الْيَاء وَرُبمَا قَالُوا وَعلة. انْتهى. وَزعم الدماميني فِي الْحَاشِيَة الْهِنْدِيَّة أَن حيدا بِكَسْر الْحَاء جمع حيدة بِفَتْحِهَا كبدر جمع بدرة وَهِي الْحَرْف الناتئ فِي عرض الْجَبَل لَا فِي أَعْلَاهُ. هَذَا كَلَامه وَهَذَا غير مُنَاسِب للمقام. والمشمخر: الْجَبَل الطَّوِيل وَقيل: العالي. وَالْبَاء بِمَعْنى فِي. والظيان بِفَتْح الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الْمُثَنَّاة التَّحْتِيَّة: ياسمين الْبر وَقيل الرُّمَّان الْجبلي. والآس قَالَ ابْن السَّيِّد: هُوَ الريحان وَقيل الآس: أثر النَّحْل إِذا مرت فَسقط مِنْهَا بعض نقط من الْعَسَل حَكَاهُ الشَّيْبَانِيّ. وَقَالَ صَاحب كتاب الْعين: هُوَ شَيْء من الْعَسَل. وأوضحه ابْن المستوفي فِي شرح شَوَاهِد

الْمفصل فَقَالَ: هُوَ نقط من الْعَسَل تقع من النَّحْل على الْحِجَارَة فيستدلون بِتِلْكَ النقط على مَوَاضِع النَّحْل. وَقَالَ اللَّخْمِيّ: الآس هُنَا بَقِيَّة الْعَسَل فِي مَوضِع النَّحْل كَمَا سمي بَقِيَّة التَّمْر فِي الجلة قوساً وَبَاقِي السّمن فِي النحي كَعْبًا وَقَالُوا للقطعة من الأقط ثَوْر. والآس فِي غير هَذَا: المشموم. قَالَ ابْن دُرَيْد: وَهُوَ دخيل فِي كَلَام الْعَرَب إِلَّا أَنهم قد تكلمُوا بِهِ. وَقَوله: على الْأَيَّام حَال على حذف مُضَاف أَي: على تعاقب الْأَيَّام أَو على مرورها أَي: لَا يبْقى ذُو حيد وَالْأَيَّام متعاقبة عَلَيْهِ. وَقَوله: بمشمخر صفة لذِي حيد. وَكَذَلِكَ قَوْله بِهِ صفة) لمشمخر. والظيان فَاعل بِهِ. وَوَقع فِي رِوَايَة سِيبَوَيْهٍ تركيب مصراعين من بَيْتَيْنِ هَكَذَا: (يَا ميّ لَا يعجز الأيّام ذُو حيدٍ ... فِي حومة الْمَوْت رزّام وفرّاس) قَالَ السيرافي: وَقع فِي الْبَيْت الأول من هذَيْن غلط من كتاب سِيبَوَيْهٍ لِأَن قَوْله: ذُو حيد: وعل ورزام وفراس: أَسد وَالصَّوَاب الَّذِي حَملته الروَاة: (يَا ميّ لَا يعجز الأيّام ذُو حيدٍ ... بمشمخرٍّ بِهِ الظّيّان والآس) وَالْقَصِيدَة لأبي ذُؤَيْب الْهُذلِيّ كَمَا ذكرنَا وَقد أثبتها لَهُ السكرِي فِي أشعار الهذليين وَتَقَدَّمت تَرْجَمته فِي الشَّاهِد السَّابِع وَالسِّتِّينَ. وَوَقع هَذَا الشّعْر فِي كتاب سِيبَوَيْهٍ معزواً لمَالِك بن خَالِد الخناعي بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة وَتَخْفِيف النُّون: بطن من هُذَيْل وَهُوَ خناعة بن سعد بن هُذَيْل بن مدركة ابْن إلْيَاس بن مُضر. وَقَالَ اللَّخْمِيّ: وَبَعْضهمْ روى هَذَا الشّعْر لأمية بن أبي عَائِذ الْهُذلِيّ.

وأنشده الزَّمَخْشَرِيّ فِي الْمفصل لعبد منَاف الْهُذلِيّ. وَقَالَ ابْن السَّيِّد: وَرُوِيَ للفضل بن عَبَّاس بن عتبَة بن أبي لَهب. وَقَالَ ابْن المستوفي فِي شرح شَوَاهِد الْمفصل: وَرَوَاهُ أَبُو الْحسن الْأَخْفَش لأبي زبيد الطَّائِي. وَالله أعلم. وَأنْشد بعده: أقسم بالله أَبُو حَفْص عمر وَأنْشد بعده الشَّاهِد السَّادِس وَالسِّتُّونَ بعد الثلاثمائة الوافر (فَلَا وَأَبِيك خيرٍ مِنْك أنّي ... ليؤذيني التّحمحم والصّهيل) على أَن خير بِالْجَرِّ بدل من أَبِيك بِتَقْدِير الْمَوْصُوف أَي: رجل خير مِنْك وَهَذَا الْبَدَل بدل كل من كل. وَمَعَ اعْتِبَار الْمَوْصُوف يكون الْإِبْدَال جَارِيا على الْقَاعِدَة وَهِي أَنه إِذا كَانَ الْبَدَل نكرَة من معرفَة يجب وصفهَا كَقَوْلِه: بالناصية. نَاصِيَة كَاذِبَة. وَهَذَا على رِوَايَة الْجَرّ. وَفِيه رِوَايَة أُخْرَى وَهِي رفع خير قَالَ أَبُو الْحسن الْأَخْفَش فِي شرح نَوَادِر أبي زيد. وَمن روى خير مِنْك بِالرَّفْع فَكَأَنَّهُ قَالَ: هُوَ خير مِنْك. وَهَذَا الْبَيْت من أَبْيَات سَبْعَة لشمير بن الْحَارِث الضَّبِّيّ رَوَاهَا أَبُو زيد

فِي نوادره. وَهِي فِي رِوَايَة ابْن الْأَعرَابِي خَمْسَة بِحَذْف الثَّالِث وَالسَّابِع. وَهَذِه رِوَايَة أبي زيد: (دَعَوْت الله حتّى خفت أَن لَا ... يكون الله يسمع مَا أَقُول) (ليحملني على فرسٍ فإنّي ... ضَعِيف الْمَشْي للأدنى حمول) (ينعّم بَال عَيْني أَن أرَاهُ ... أَمَام الْبَيْت محجره أسيل) (فَإِن فزعوا فزعت وَإِن يعودوا ... فراضٍ مَشْيه عتدٌ رجيل) (فَلَا وَأَبِيك خيرٌ مِنْك إنّي ... ليؤذيني التّحمحم والصّهيل) (وَلست بنأنأٍ لمّا الْتَقَيْنَا ... تهيّبني الْكَرِيمَة والأفيل) قَالَ أَبُو حَاتِم: يسمع أَي: يُجيب وَمِنْه: سمع الله لمن حَمده. وَقَوله: ليحملني عِلّة لَدَعَوْت. وَقَوله: ضَعِيف الْمَشْي رَوَاهُ أَبُو حَاتِم ضَعِيف الْمَتْن وحمول: خير ثَان لإن. وَقَوله: أحب الْخَيل إِن لامت عَلَيْهِ هُوَ مثل قَوْلك: أقوم إِن قَامَ زيد. ولامت من اللوم فَاعله ضمير امْرَأَته وَنَحْوهَا. قَالَ أَبُو عَليّ: أَي: لامت على حَبسه وَفِي لامت ضمير فاعلة أضمرت لدلَالَة الْحَال عَلَيْهِ. انْتهى وَفِيه شَاهد وَهُوَ رُجُوع الضَّمِير الْمُذكر على الْخَيل. وَقَوله: إناث الْخَيل هُوَ خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي: الَّذِي أحب أَو مَا أحب إناث الْخَيل. وَقَوله: الذّكر الطَّوِيل أَي: طَوِيل الظّهْر. وَقَوله: ينعم الخ من التنعم وَهُوَ الترفه يُقَال: نعمه تنعيماً أَي: رفهه وفاعله قَوْله أَن أرَاهُ) وَالْهَاء ضمير الذّكر الطَّوِيل. وروى ابْن الْأَعرَابِي فِي

نوادره ينعم بَال نَفسِي. وَعَلِيهِ فالبال بِمَعْنى الخاطر وَالْقلب. وَجُمْلَة: محجره أسيل: حَال مِنْهُ. والمحجر كمجلس بِتَقْدِيم الْحَاء على الْجِيم: مَا حول الْعين أَرَادَ أَسْفَل الْعين وَهُوَ الخد لِأَنَّهُ يُقَال أسيل الخد إِذا كَانَ لين الخد طويله. وكل مسترسل أسيل أَيْضا. وَقَوله: فَإِن فزعوا فزعت الْفَزع الإغاثة والنصر. ويعودوا فِي رِوَايَة أبي زيد بِالْعينِ وَفِي رِوَايَة ابْن الْأَعرَابِي بِالْقَافِ. وَقَوله: فراض مَشْيه رُوِيَ بِرَفْع مَشْيه على أَنه مُبْتَدأ أول وراض خَبره أَي: ذُو رضَا كَقَوْلِه: عيشة راضية وليل نَائِم. وَرُوِيَ بِنصب مَشْيه براض فراض خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي: فَأَنا رَاض مَشْيه. كَذَا قَالَ الْأَخْفَش فِيمَا كتبه على نَوَادِر أبي زيد. وَفرس عتد بِفتْحَتَيْنِ وبفتح فَكسر: الْمعد للجري. قَالَ ابْن السّكيت: هُوَ الشَّديد التَّام الْخلق. والرجيل بِالْجِيم هُوَ من الْخَيل الَّذِي لَا يحفى وَقيل الَّذِي لَا يعرق. وروى ابْن الْأَعرَابِي فِي نوادره: (فَإِن فزعوا فزعت وَإِن يقودوا ... فراضٍ مَشْيه حسنٌ جميل) وعَلى هَذَا تَقْدِيره: فَأَنا رَاض ومشيه: مُبْتَدأ وَحسن: خَبره. وَقَوله: فَلَا وَأَبِيك خير مِنْك الْكَاف فِي أَبِيك ومنك مَكْسُورَة خطاب للْمَرْأَة الَّتِي لامته على حب الْخَيل على طَرِيق الِالْتِفَات من الْغَيْبَة إِلَى الْخطاب وَلَا نفي لما زعمته وَالْوَاو للقسم. وَجُمْلَة: إِنِّي ليؤذيني الخ جَوَاب الْقسم. وَاخْتلفُوا فِي مَعْنَاهُ فَقَالَ أَبُو الْفضل: قَوْله: وَيُؤْذِينِي أَي: يغمني وَلَيْسَ هُوَ لي فِي ملك. وَقَالَ أَبُو حَاتِم والفارسي: أَي ليؤذيني فقد التحمحم. وَفِي هَذَا

حذف مُضَاف وَرَوَاهُ ابْن الْأَعرَابِي فِي نوادره: وَتَبعهُ ابْن دُرَيْد ليؤذينني بنونين قَالَ: يؤذينني أَي: يُعجبنِي من أَذِنت لَهُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّد الْأسود الْأَعرَابِي فِيمَا كتبه على نَوَادِر ابْن الْأَعرَابِي وَسَماهُ ضَالَّة الأديب: وَصَوَابه ليؤذيني التحمحم من الْإِيذَاء أَي: فقدان التحمحم فَحذف. والتحمحم: صَوت الْفرس إِذا طلب الْعلف. يُقَال: حمحم الْفرس وتحمحم. وصهيل الْفرس:) صَوته مُطلقًا فَهُوَ من عطف الْعَام على الْخَاص. وَقَوله: وَلست بنأنأ الخ النأنأ بنونين وهمزتين على وزن جَعْفَر هُوَ الضَّعِيف من الرِّجَال. يُقَال: نأنأ فِي رَأْيه نأنأة إِذا ضعف فِيهِ. وَقَوله: تهيبني أَصله بتاءين مضارع تهيبه أَي: هابه وَفِيه قلب أَي: لَا أهاب الْكَرِيمَة من الْإِبِل أَن أعقرها للضيف وَلَا يتعاظمني ذَلِك. والأفيل قَالَ أَبُو زيد: هُوَ الأفتاء من الْإِبِل. وَقَالَ وَفِي الْعباب: الأفيل: ابْن الْمَخَاض وَابْن الليون وَالْأُنْثَى أفيلة فَإِذا ارْتَفع عَن ذَلِك فَلَيْسَ بأفيل. وروى بدل الْكَرِيمَة الكريهة وَهِي الْحَرْب. قَالَ الْأَخْفَش فِيمَا كتبه على نَوَادِر أبي زيد: الَّذِي أخْتَار رِوَايَة تهيبني الْكَرِيمَة يَقُول: لَا يهيبني كَبِير مَالِي وَلَا صغيره إِذا ورد ضيف عَليّ. والأفيل: الصَّغِير هَكَذَا حفظي وَلَيْسَ لَهُ وَقت مَحْدُود. وَمن روى الكريهة يَقُول: أَنا أقَاتل وأعقر للأضياف الأفيل. وَلَا أَدْرِي لم خص الْفِيل دون غَيره. انْتهى. وشمير بِضَم الشين الْمُعْجَمَة وَفتح الْمِيم وَآخره رَاء مُهْملَة وَهَكَذَا ضَبطه أَبُو زيد. وَقَالَ الْأَخْفَش فِيمَا كتبه عَلَيْهِ: الَّذِي فِي حفظي سمير بِالسِّين الْمُهْملَة. وَكَذَا ضَبطه الصَّاغَانِي فِي الْعباب بِالْمُهْمَلَةِ وَقَالَ: وَهُوَ شَاعِر جاهلي. وَالله أعلم.

وَأنْشد بعده: العائذات الطير وَهُوَ قِطْعَة من بَيت للنابغة الذبياني وَهُوَ: الْبَسِيط (وَالْمُؤمن العائذات الطّير يمسحها ... ركبان مكّة بَين الغيل والسّند) وَقد تقدم شَرحه فِي الشَّاهِد السَّابِع وَالْأَرْبَعِينَ بعد الثلاثمائة. أَنا ابْن التّارك البكريّ بشرٍ وَتَمَامه: عَلَيْهِ الطّير ترقبه وقوعا وَتقدم شَرحه هَذَا أَيْضا فِي الشَّاهِد التَّاسِع وَالتسْعين بعد الْمِائَتَيْنِ. وَأنْشد بعده الشَّاهِد السَّابِع وَالسِّتُّونَ بعد الثلاثمائة الْبَسِيط (إنّا وجدنَا بني جلاّن كلّهم ... كساعد الضّب لَا طولٍ وَلَا قصر) على أَنه يجوز ترك وصف النكرَة المبدلة من الْمعرفَة إِذا اسْتُفِيدَ من الْبَدَل مَا لَيْسَ فِي الْمُبدل مِنْهُ كَمَا هُنَا فَإِن قَوْله: طول الْمَنْفِيّ بدل من ساعد الضَّب وَمعنى الطول وَمَا عطف عَلَيْهِ مَوْجُود فِي ساعد الضَّب. وَفِيه شَاهد آخر وَهُوَ إِبْدَال النكرَة من الْمعرفَة والنكرة بِغَيْر لفظ الْمعرفَة. قَالَ ابْن جني فِي إِعْرَاب الحماسة عِنْد قَول الماسي: الْكَامِل (نهل الزّمان وعلّ غير مصرّد ... من آل عتّابٍ وَآل الْأسود)

غير أَنه أعَاد الْعَامِل مَعَه وَهُوَ الْجَار. وَبِهَذَا استدللنا على أَن الْبَدَل من جملَة غير الْجُمْلَة الَّتِي مِنْهَا الْمُبدل. وَهُوَ كثير فِي الْقُرْآن وَالشعر. وَأكْثر مَا يُعَاد الْعَامِل مَعَ الْبَدَل إِذا كَانَ الْعَامِل جاراً من حَيْثُ صَار الْجَار مَعَ مَا جَرّه بِمَنْزِلَة الْجُزْء الْوَاحِد. نعم وأبد النكرَة من الْمعرفَة والنكرة بِغَيْر لفظ الْمعرفَة. وَهَذَا شَيْء يأباه البغداديون وَيَقُولُونَ: لَا تبدل النكرَة من الْمعرفَة حَتَّى يَكُونَا من لفظ وَاحِد نَحْو قَوْله تَعَالَى: بالناصية. نَاصِيَة كَاذِبَة خاطئة. ورد ذَلِك أَبُو الْحسن بِمَا أنْشدهُ من قَول الشَّاعِر: إنّا وجدنَا بني جلاّن كلّهم ... ... ... ... ... ... . الْبَيْت وَمثله مَا أنْشدهُ أَبُو زيد: فَلَا وَأَبِيك خيرٌ مِنْك إنّي ... ... ... ... ... ... الْبَيْت انْتهى. وَإِنَّمَا أَوله الشَّارِح الْمُحَقق بقوله: أَي لَا ذِي طول وَلَا ذِي قصر ليَصِح جعله بدل كل من كل إِذْ لَوْلَا التَّأْوِيل لكانا متغايرين. وَإِنَّمَا لم يجعف لَا طول بِأحد التأويلات الثَّلَاثَة صفة كَقَوْلِه أَبِيك لتخالف الْمَوْصُوف وَالصّفة فيهمَا تعريفاً وتنكيراً فَلَو كَانَ مُعَرفا لَكَانَ صفة كَمَا فِي قَول أبي (فَلَا وَأَبِيك الْخَيْر لَا تجدينه ... جميل الْغنى وَلَا صبوراً على الْعَدَم)

. يَقُول: إِن تزوجت زوجا لَا تجدينه متعففاً وَلَا يصبر على الْعَدَم بِالضَّمِّ أَي: الْفقر.) وجلان بِكَسْر الْجِيم وَتَشْديد اللَّام علم لَا ينْصَرف. قَالَ الْأَصْمَعِي فِي شرح هَذَا الْبَيْت من شعر ذِي الرمة: الْبَسِيط (وبالشّمائل من جلاّن مقتنصٌ ... رذل الثّياب خفيّ الشّخص منزرب) الشَّمَائِل: جمع شمال. وجلان: قَبيلَة من عنزة وهم رُمَاة. ورذل الثِّيَاب: خلقهَا. وخفي الشَّخْص بِمَعْنى ضئيل الشَّخْص خلقَة. والمنزرب: الدَّاخِل فِي الزرب وَهُوَ قترة الصَّائِد. يُقَال: انزرب إِذا دخل. انْتهى. وعنزة حَيَّان أَحدهمَا عنزة بن أَسد بن ربيعَة بن نزار. وَثَانِيهمَا: عنزة بن عَمْرو بن عَوْف بن عدي بن عَمْرو بن مَازِن بن الأزد. وَلَا أعرف عنزة الْمَنْسُوب إِلَيْهَا جلان أَي العنزتين. وَقَوله: كلهم تَأْكِيد لبني جلان لَا لجلان. وَقَوله: كساعد الضَّب. الساعد: ذِرَاع الْيَد. والضب ساعد جَمِيع أَفْرَاده على مِقْدَار معِين خلقَة لَا يزِيد ساعد فَرد من أَفْرَاده طولا على ساعد فَرد آخر وَكَذَلِكَ لَا ينقص عَن ساعد فَرد آخر بِخِلَاف سَائِر الْحَيَوَانَات فَإِن بَين ساعد أفرادها تَفَاوتا فِي الطول وَالْقصر بِحَسب الجثة. وَهَذَا يَنْبَغِي أَن يكون من الْأَمْثَال فِي الْأَشْيَاء

المتساوية كَقَوْلِهِم: هم كأسنان الْمشْط لكني لم أره فِي كتب الْأَمْثَال. أَرَادَ أَن جلان متساوون فِي فَضِيلَة رشق السِّهَام لَا يرْتَفع أحدهم على الآخر فِيهَا وَلَا ينحط عَنهُ. وَهَذَا الْبَيْت لم أَقف على قَائِله. وَالله أعلم. وَأنْشد بعده: فَلَا وَأَبِيك خيرٍ مِنْك الْبَيْت السَّابِق ذكره آنِفا لما تقدم فِي الْبَيْت قبله. لَكِن قدم الشَّارِح الْمُحَقق أَنه بِتَقْدِير رجل خير مِنْك فالبدل إِنَّمَا هُوَ النكرَة الموصوفة غَايَته أَنه حذف الْمَوْصُوف وَبقيت صفته. وَيُمكن أَن يُقَال: مَا تقدم لأجل جمود الْبَدَل لَا لأجل وصف النكرَة المبدلة فَإِن اشْتِرَاط الْوَصْف مَذْهَب الْكُوفِيّين. قَالَ السمين عِنْد قَول صَاحب الْكَشَّاف فِي قَوْله تَعَالَى: نَاصِيَة كَاذِبَة: جَازَ إِبْدَال النكرَة من الْمعرفَة لِأَنَّهَا وصفت فاستقلت بفائدة. قلت: هَذَا مَذْهَب الْكُوفِيّين لَا يجيزون إِبْدَال نكرَة من غَيرهَا إِلَّا بِشَرْط وصفهَا أَو كَونهَا بِلَفْظ الأول. وَمذهب الْبَصرِيين: لَا يشْتَرط شَيْء.) وأنشدوا: انْتهى وَقَالَ ابْن عقيل فِي شرح التسهيل: وَلم يشْتَرط البصريون فِي إِبْدَال الْمعرفَة من النكرَة والنكرة من الْمعرفَة اتِّحَاد لفظ وَلَا وجود وصف. وَنقل ابْن مَالك عَن الْكُوفِيّين أَنهم لَا يبدلون النكرَة من الْمعرفَة إِلَّا إِن كَانَت من لفظ الأول وَنسب هَذَا بعض النَّحْوِيين لنحاة بَغْدَاد. وَنقل عَن الْكُوفِيّين

أَيْضا أَنهم لَا يَفْعَلُونَ ذَلِك وَعَكسه إِلَّا بِالشّرطِ الْمَذْكُور. وَكَلَام الْكُوفِيّين على خلاف هَذَا. قَالَ الْكسَائي وَالْفراء فِي قتال فِيهِ إِنَّه على نِيَّة عَن وَصرح ب عَن فِي قِرَاءَة عبد الله. وَأَجَازَ الْفراء فِي هرون أخي كَونه مترجماً لوزيراً. قَالَ: فَيكون نصا للتكرير. وَنقل أَيْضا عَن الْكُوفِيّين والبغداديين اشْتِرَاط وصف النكرَة المبدلة من الْمعرفَة وتابعهم السُّهيْلي وَابْن أبي الرّبيع. وَنقل عَن بعض الْكُوفِيّين فِي إِبْدَال النكرَة المبدلة من النكرَة اشْتِرَاط وصف المبدلة. وَيدل للبصريين حدائق وأعنابا وَقَوله: الطَّوِيل (فَأَلْقَت قناعاً دونه الشّمس واتّقت ... بِأَحْسَن موصولين كفٍّ ومعصم) وَقَوله: فَلَا وَأَبِيك خيرٍ مِنْك ... ... ... ... ... ... ... . الْبَيْت وَأنْشد بعده: الطَّوِيل لِحَافِي لِحَاف الضّيف وَالْبرد برده هَذَا صدر بَيت وعجزه: وَلم يلهني عَنهُ غزالٌ مقنّع على أَن اللَّام قد تنوب عَن الضَّمِير كَمَا هُنَا فَإِن الأَصْل وبردي برده. وَتقدم شرح هَذَا الْبَيْت فِي الشَّاهِد الثَّالِث وَالتسْعين بعد الْمِائَتَيْنِ.

وَأنْشد بعده الشَّاهِد الثَّامِن وَالسِّتُّونَ بعد الثلاثمائة الرجز (أوعدني بالسّجن والأداهم ... رجْلي ورجلي شثنة المناسم) على أَن قَوْله: رجْلي بدل بعض من يَاء الْمُتَكَلّم فِي أوعدني. هَذَا هُوَ الظَّاهِر. وَعَلِيهِ اقْتصر الْفراء فِي تَفْسِيره عِنْد قَوْله تَعَالَى: للَّذين اتَّقَوْا عِنْدَ ربِّهمْ جَنَّاتٌ. واستشكلت الْبَدَلِيَّة بِأَن الرجل لَا توعد بالسجن. وَأجِيب بِأَنَّهَا لما كَانَت سَببا للدخول ناسب وَفِيه وُجُوه ثَلَاثَة: أَحدهَا: مَا قَالَه ابْن السَّيِّد فِي شرح أَبْيَات أدب الْكَاتِب وَهُوَ أَنه يجوز أَن يكون رجْلي مَفْعُولا ثَانِيًا حذف مِنْهُ حرف الْجَرّ اختصاراً كَأَنَّهُ أَرَادَ: لرجلي. وَثَانِيها: مَا قَالَه أَبُو حَيَّان فِي تَذكرته وَمن خطه نقلت وَهُوَ أَن يكون رجْلي منادىً على طَرِيق الِاسْتِهْزَاء بالموعد. ثَالِثهَا: مَا نَقله ابْن السيرافي فِي شرح أَبْيَات إصْلَاح الْمنطق عَن بَعضهم وَهُوَ أَن تكون الأداهم معطوفةً على السجْن ورجلي معطوفة على ضمير الْمُتَكَلّم أَي: أوعدني بالسجن وأوعد رجْلي بالأداهم كَمَا تَقول: ضَرَبَنِي

بالعصا وَالسَّوْط ظَهْري تُرِيدُ ضَرَبَنِي بالعصا وَضرب ظَهْري بِالسَّوْطِ وَيكون على هَذَا من بَاب عطف معمولين على معمولي عاملين مُخْتَلفين. ورجلي الثَّانِيَة مُبْتَدأ شثنة خَبَرهَا وأتى بهَا ظَاهِرَة غير مضمرة تَعْظِيمًا لأمرها وإشادةً بذكرها أَو لِأَنَّهَا وَقعت فِي جمله ثَانِيَة. وَالْوَاو للْحَال وَرُوِيَ فرجلي بِالْفَاءِ على السَّبَبِيَّة. والشثنة: الغليظة الخشنة يُقَال: فِي صفة الْأسد: شثن البراثن. قَالَ الْعَيْنِيّ: وَيجوز أَن يكون بِتَقْدِيم النُّون على الْمُثَلَّثَة من شنست مشافر الْبَعِير أَي: غلظت من أكل الشوك. والمناسم: جمع منسم كمجلس وَهُوَ طرف خف الْبَعِير استعاره للْإنْسَان. وَقَالَ ابْن السيرافي: المنسم: أَسْفَل خف الْبَعِير وَلَا يسْتَعْمل لغيره إِلَّا فِي ضَرُورَة شعر. وأرد بالمناسم هُنَا بَاطِن رجلَيْهِ. يَقُول: رجْلي غَلِيظَة لَا تألم لجعلها فِي الْقَيْد. هَذَا كَلَامه وَهَذِه الْإِرَادَة غير ظَاهِرَة. والأداهم: جمع أدهم وَهُوَ الْقَيْد. والسجن بِالْكَسْرِ: اسْم للمحبس والمصدر بِالْفَتْح. يُقَال: سجنته سجناً من بَاب قتل. وأوعده بِكَذَا بِمَعْنى هدده بِهِ.) قَالَ الْخَطِيب التبريزي فِي شرح إصْلَاح الْمنطق: قَالَ الْفراء: يُقَال وعدته خيرا ووعدته شرا بِإِسْقَاط الْألف فَإِذا أسقطوا الْخَيْر وَالشَّر قَالُوا فِي الْخَيْر وعدته وَفِي الشَّرّ أوعدته. فالوعد وَالْعدة فِي الْخَيْر والإيعاد والوعيد فِي الشَّرّ. فَإِذا قَالُوا أوعدته بِكَذَا أثبتوا الْألف مَعَ الْبَاء. وَأنْشد: أوعدني بالسّجن والأداهم ... ... ... ... ... . الْبَيْت انْتهى وَقَالَ ثَعْلَب فِي أَمَالِيهِ: يُقَال: وعدته خيرا وشراً وَإِذا لم يذكر الْخَيْر وَلَا الشَّرّ قيل فِي معنى الْخَيْر وعدته وَفِي الشَّرّ وعدته وَفِي بعض اللُّغَات أوعدته بِالشَّرِّ. وَأنْشد هَذَا الْبَيْت.

وَفِيه مُخَالفَة للفراء فِيمَا إِذا لم يذكر الْمَوْعُود بِهِ فَإِنَّهُ إِذا أُرِيد الْمَكْرُوه زيدت الْألف. وثعلب سَاوَى بَين مَا إِذا أُرِيد الْخَبَر أَو الْمَكْرُوه فِي أَنه يُقَال بِلَا ألف. قَالَ فِي الفصيح: وعدت قَالَ الإِمَام المرزوقي فِي شرح الفصيح: وعدته خيرا وشراً. فَإِن أطلقت وَلم تقيد قلت فِي الْخَيْر وعدت وَعدا وعدة وموعداً وموعدة. والميعاد: الْوَقْت والموضع. وَفِي الشَّرّ أوعدته إيعاداً ووعيداً. هَذَا هُوَ الصَّحِيح. وَقَوله: فَإِذا لم تذكر الشَّرّ قلت أوعدته بِكَذَا قَالَ أَبُو إِسْحَاق الزّجاج: قلت لثعلب: قَوْلك بِكَذَا ينقص مَا أصلته لِأَن وعد بِإِطْلَاقِهِ ضَمَان فِي الْخَيْر وأوعد ضَمَان فِي الشَّرّ وَلَا حَاجَة إِلَى بِكَذَا. قَالَ أَبُو عَليّ: وَيُمكن أَن يُقَال فِي جَوَابه بِكَذَا إِشَارَة إِلَى نوع مِمَّا يتوعد بِهِ وَإِذا كَانَ الْقَصْد إِلَى التنويع احْتِيجَ إِلَيْهِ أَلا ترى قَوْله: أوعدني بالسّجن والأداهم وَقَول الآخر: أتوعدني بقومك يَا ابْن سعدى وَالْمُنكر أَن يُقَال: أوعدني بِالشَّرِّ. فاعلمه. انْتهى. وَهَذَا الشّعْر بيتان من الرجز المسدس. قَالَ ابْن السَّيِّد: لَا أعلم قَائِله. وَقَالَ ياقوت فِي حَاشِيَة الصِّحَاح وَتَبعهُ الْعَيْنِيّ: قَائِله العديل بن الفرخ وَهُوَ شَاعِر إسلامي فِي الدولة المروانية وَهُوَ بِضَم

قَالَ ابْن قُتَيْبَة فِي كتاب الشُّعَرَاء: العديل بن الفرخ لقبه الْعباب بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَتَشْديد) الْمُوَحدَة الأولى. والعباب: اسْم كَلْبه. وَهُوَ من رَهْط أبي النَّجْم الْعجلِيّ وَكَانَ هجا الْحجَّاج وهرب مِنْهُ إِلَى قَيْصر ملك الرّوم فَبعث إِلَيْهِ: لترسلن بِهِ أَو لأجهزن إِلَيْك خيلاً يكون أَولهَا عنْدك وَآخِرهَا عِنْدِي فَبعث بِهِ إِلَيْهِ فَلَمَّا مثل بَين يَدَيْهِ قَالَ: أَنْت الْقَائِل: الطَّوِيل (وَدون يَد الحجّاج من أَن تنالني ... بساطٌ بأيدي النّاعجات عريض) (مهامه أشباهٌ كأنّ سرابها ... ملاءٌ بأيدي الغانيات رحيض) فَقَالَ: أَنا الْقَائِل: الطَّوِيل (فَلَو كنت فِي سلمى أجا وشعابها ... لَكَانَ لحجّاج عليّ دَلِيل) (خَلِيل أَمِير الْمُؤمنِينَ وسيفه ... لكلّ إمامٍ مصطفىً وخليل) (بنى قبّة الْإِسْلَام حتّى كأنّما ... هدى النّاس من بعد الضّلال رَسُول) فَعَفَا عَنهُ وَأطْلقهُ. وَأنْشد بعده الشَّاهِد التَّاسِع وَالسِّتُّونَ بعد الثلاثمائة وَهُوَ من شَوَاهِد س: الوافر على أَن قَوْله حلمي بدل اشْتِمَال من الْيَاء فِي: ألفيتني. قَالَ ابْن جني فِي إِعْرَاب الحماسة: إِنَّمَا يجوز الْبَدَل من ضمير الْمُتَكَلّم

وَضمير الْمُخَاطب إِذا كَانَ بدل الْبَعْض أَو بدل الاشتمال نَحْو قَوْلك: عجبت مِنْك عقلك وضربتك رَأسك. وَمن أَبْيَات الْكتاب: ذَرِينِي إنّ أَمرك لن يطاعا ... ... ... ... . . الْبَيْت ف حلمي: بدل من ني. وَلَو قلت: قُمْت زيد أَو مَرَرْت بِي جَعْفَر أَو كلمتك أَبُو عبد الله على الْبَدَل لم يجز من حَيْثُ كَانَ ضمير الْمُتَكَلّم والمخاطب غَايَة فِي الِاخْتِصَاص فَبَطل الْبَدَل لِأَن فِيهِ ضربا من الْبَيَان وَقد اسْتغنى الْمُضمر بتعرفه. انْتهى. وَكَذَلِكَ الْفراء فِي تَفْسِيره عِنْد قَوْله تَعَالَى: مثلُ الَّذين كَفَروا بربِّهم أعمالُهمْ كَرمادٍ. الْحلم: مَنْصُوب بالإلفاء على التكرير يَعْنِي الْبَدَل وَلَو رَفعه كَانَ صَوَابا. وَأوردهُ أَيْضا عِنْد قَوْله تَعَالَى: ويومَ الْقِيَامَة تَريَ الذينَ كَذَبُوا على اللَّهِ وجوهُهم مسودَّة. وَتَبعهُ الزّجاج فِيهَا وَنسبه إِلَى عدي بن زيد قَالَ فِي الْآيَة: ترفع وُجُوههم ومسودة لِأَن الْفِعْل قد) وضع على الَّذين ثمَّ جَاءَ بعد الَّذين اسْم لَهُ فعل فَرَفَعته بِفِعْلِهِ وَكَانَ فِيهِ معنى نصب. وَكَذَلِكَ فافعل بِكُل اسْم أوقعت عَلَيْهِ الظَّن والرأي وَمَا أشبههما فارفع مَا يَأْتِي بعده من الْأَسْمَاء إِذا كَانَ أفاعيلها بعْدهَا كَقَوْلِك: رَأَيْت عبد الله أمره مُسْتَقِيم. فَإِن قدمت الاسْتقَامَة نصبتها وَرفعت الِاسْم فَقلت: رَأَيْت عبد الله مُسْتَقِيمًا أمره. وَلَو نصبت الثَّلَاثَة فِي

الْمَسْأَلَة الأولى على التكرير كَانَ جَائِزا فَتَقول: رَأَيْت عبد الله أمره مُسْتَقِيمًا. وَقَالَ عدي بن زيد: ذَرِينِي إنّ أَمرك لن يطاعا ... ... ... ... . الْبَيْت فنصب الْحلم والمضاع على التكرير. وَمثله: مَا للجمال مشيها وئيدا فخفض الْجمال وَالْمَشْي على التكرير. فَلَو قَرَأَ قَارِئ: وُجُوههم مسودةً على هَذَا لَكَانَ صَوَابا. انْتهى. وَقَوله: ذَرِينِي خطاب لامْرَأَته أَي: اتركيني ودعيني. وَجُمْلَة: إِن حكمك الخ مستأنفة للتَّعْلِيل. وروى سِيبَوَيْهٍ: إِن أَمرك وَهُوَ بِمَعْنَاهُ. وَجُمْلَة: مَا ألفيتني الخ معطوفة على الْجُمْلَة المستأنفة. وروى الْعَيْنِيّ: وَلَا ألفيتني. وألفى بِمَعْنى وجد من أَخَوَات ظن تنصب مفعولين وَالتَّاء الْمَكْسُورَة فاعلها وَالنُّون نون الْوِقَايَة وَالْيَاء مفعول وحلمي بدل من الْيَاء. وتساهل النّحاس فِي شرح أَبْيَات سِيبَوَيْهٍ وَتَبعهُ ابْن السَّيِّد فِي أَبْيَات الْمعَانِي فَقَالَا: حلمي بدل من النُّون وَالْيَاء. وَمن الْعَجَائِب قَول الْعَيْنِيّ: حلمي بدل من النُّون وَكَأَنَّهُ أَرَادَ أَن يتبع النّحاس فَيسْقط من قلمه أَو من قلم النَّاسِخ عطف الْيَاء على النُّون. والحلم بِالْكَسْرِ: الْعقل. يَقُول لَهَا: ذَرِينِي من عذلك فَإِنِّي لَا أطيع أَمرك وَلَا وجدتني سَفِيها مضيع الْحلم وعقلي يَأْمُرنِي بِإِتْلَاف مَالِي فِي اكْتِسَاب الْحَمد. ومضاعا مفعول ثَانِي لألفى وَهُوَ اسْم مفعول من الإضاعة وَلَا يَصح أَن يكون كَمَا زعم بَعضهم.

وَنقل الْعَيْنِيّ عَن تذكرة أبي حَيَّان بِأَنَّهُ يجوز حلمي مضاع بِالرَّفْع على الِابْتِدَاء وَالْخَبَر وَالْجُمْلَة مفعول ثَان. وَفِيه أَن هَذَا الْبَيْت من قصيدة قوافيها مَنْصُوبَة. قَالَ ابْن السَّيِّد: لَا يجوز رفعهما لِأَن القوافي كلهَا مَنْصُوبَة. وَالْبَيْت نسبه سِيبَوَيْهٍ لرجل من خثعم أَو بجيلة. وَتَبعهُ ابْن السراج فِي أُصُوله. وَعَزاهُ الْفراء) والزجاج إِلَى عدي بن زيد الْعَبَّادِيّ وَهُوَ الصَّحِيح. وَكَذَلِكَ قَالَ صَاحب الحماسة البصرية وَأورد من القصيدة بعده هَذِه الأبيات: (أَلا تِلْكَ الثّعالب قد تعاوت ... عليّ وحالفت عرجاً ضباعا) (فَإِن لم تندموا فثكلت عمرا ... وَهَاجَرت المروّق والسّماعا) (وَلَا ملكت يداي عنان طرفٍ ... وَلَا أَبْصرت من شمسٍ شعاعا) قَوْله: تعاوت تفاعلت من العواء وَهُوَ صياح الْكَلْب وَالذِّئْب والثعلب. وَأَرَادَ بالثعالب الَّذين لاموه على جوده حسداً ولؤماً. والثعلب سبع جبان مستضعف ذُو مكر وخديعة وَلكنه لفرط الْمَكْر وَالْحِيلَة والخبث والخديعة يجْرِي مَعَ كبار السبَاع. قَالَ الجاحظ: وَمن أَشد سلَاح الثَّعْلَب الروغان وَفِي الْمثل: أروغ من ثَعْلَب. والروغان بِالتَّحْرِيكِ: مصدر راغ الثَّعْلَب

يروغ روغاً وروغاناً أَي: ذهب يمنة ويسرة فِي سرعةٍ خديعة فَهُوَ لَا يسْتَقرّ فِي جِهَة. وحالفت بِالْحَاء الْمُهْملَة أَي: عَاهَدت يُقَال: تحَالفا أَي: تعاهدا وتعاقدا على أَن يكون أَمرهمَا وَاحِدًا فِي النُّصْرَة والحماية. وَبَينهمَا حلف بِالْكَسْرِ أَي: عهد. والحليف: الْمعَاهد. وضباعاً: مفعول حالفت. وعرجا كَانَ فِي الأَصْل صفة لضباعاً فَلَمَّا تقدم صَار حَالا مِنْهُ. أَي: عَاهَدت تِلْكَ الثعالب من هُوَ أَسْوَأ حَالا مِنْهَا. والضباع بِالْكَسْرِ: جمع ضبع وَهِي يضْرب بهَا الْمثل فِي حمقها فَيُقَال: أَحمَق من ضبع. قَالَ صَاحب الْمِصْبَاح: الضبع بِضَم الْبَاء فِي لُغَة قيس وبسكونها فِي لُغَة تَمِيم وَهِي أُنْثَى وَقيل: يَقع على الذّكر وَالْأُنْثَى وَرُبمَا قيل فِي الْأُنْثَى ضبعة كَمَا قيل سبع وَسَبْعَة بِالسُّكُونِ مَعَ الْهَاء للتَّخْفِيف. وَالذكر ضبعان وَالْجمع ضباعين مثل سرحان وسراحين. وَيجمع الضبع بِضَم الْبَاء وَالْعَرج: جمع عرجاء كصفر جمع صفراء. والضبع تُوصَف بالعرج وَلَيْسَ بعرجاء وَإِنَّمَا يخيل ذَلِك للنَّاظِر. وَسبب ذَلِك التخيل لدونة فِي مفاصلها وَزِيَادَة رُطُوبَة فِي الْجَانِب الْأَيْمن على الْأَيْسَر مِنْهَا. كَذَا فِي حَيَاة الْحَيَوَان للدميري. وَمن الغرائب قَول الْعَيْنِيّ هُنَا: قَوْله: تعاوت من عواء الْكَلْب. وَقَوله: ضباعاً جمع ضبع وَهُوَ الْحَيَوَان الْمَعْرُوف وَهَذَا الْجمع للذّكر وَالْأُنْثَى مثل سِبَاع وَسبع. وَقَوله: عرجاً بِفَتْح الْعين وَكسر الرَّاء صفة للضباع قدمت عَلَيْهِ للضَّرُورَة. وتوصف الضباع) بالعرج كَمَا تُوصَف بالخمع. وَالْعَرج أَيْضا يُقَال: للقطيع من الْإِبِل نَحْو الثَّمَانِينَ أَو الْمِائَة وَالْخمسين. فعلى هَذَا يكون قَوْله ضباعاً بِالْكَسْرِ:

جمع ضابع إِذا كَانَت شَدِيدَة الجري. هَذَا كَلَامه بِحُرُوفِهِ. وَأي فَائِدَة فِي تسطيره وَلَا يُزَاد الطَّالِب مِنْهُ إِلَّا جَهَالَة. وَقَوله: فَإِن لم تندموا الخ هَذَا الْتِفَات من الْغَيْبَة إِلَى الْخطاب. وَأَرَادَ بالندم الرُّجُوع عَن لؤمه فَإِن النَّدَم لَازمه. وَجُمْلَة ثكلت دعائية. وَعَمْرو: ابْنه. وَهَاجَرت بِمَعْنى قاطعت من الهجر بِالْفَتْح أَي: التّرْك. والمروق أَرَادَ: بِهِ الْخمر. يُقَال: خمر مروق. وَالسَّمَاع أَرَادَ بِهِ آلَة الطَّرب وَاللَّهْو. والطرف بِالْكَسْرِ: الْكَرِيم من الْخَيل. والخطة بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة: الْحَالة والخصلة وَهُوَ مفعول مقدم لكلفت. وذراعاً: تَمْيِيز محول عَن الْفَاعِل. ورحب الذِّرَاع واسعها. وبسطها: طولهَا. وضيق الذِّرَاع والذرع قصرهَا. وَوَجهه أَن الْقصير الذِّرَاع لَا ينَال مَا يَنَالهُ الطَّوِيل الذِّرَاع وَلَا يُطيق طاقته فَضرب الَّذِي سَقَطت قوته دون بُلُوغ الْأَمر والاقتدار عَلَيْهِ. وَبِالْعَكْسِ طول الذِّرَاع وبسطها. وَقد تقدّمت تَرْجَمَة عدي بن زيد مفصلة فِي الشَّاهِد السِّتين. وَهُوَ شَاعِر جاهلي. والعبادي بِكَسْر الْعين وَتَخْفِيف الْمُوَحدَة نِسْبَة إِلَى عباد وهم قبائل شَتَّى من الْعَرَب اجْتَمعُوا على النَّصْرَانِيَّة بِالْحيرَةِ. وَزعم الْجَوْهَرِي أَنه بِالْفَتْح. وَالصَّوَاب مَا ذكرنَا. وَأنْشد بعده الشَّاهِد السبعون بعد الثلاثمائة وَهُوَ من شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ:

الْكَامِل (وكأنّه لهق السّراة كأنّه ... مَا حاجبيه معيّنٌ بسواد) على أَنه قد يعْتَبر الأول فِي اللَّفْظ دون الثَّانِي أَي: يعْتَبر الْمُبدل مِنْهُ فِي اللَّفْظ دون الْبَدَل فَإِن قَوْله حاجبيه بدل من ضمير كَأَنَّهُ. وَقَالَ أَبُو عَليّ فِي إِيضَاح الشّعْر قَوْله حاجبيه بدل من الضَّمِير وَمَا لَا تكون إِلَّا زَائِدَة وَقد روعي الضَّمِير الْمُبدل مِنْهُ فِي اللَّفْظ بِجعْل معِين مُفردا ول روعي الَّذِي هُوَ حاجبيه لقيل معينان بالتثنية. وَقد يُقَال: إِن الحاجبين لما لزم أَحدهمَا الآخر صَار الْإِخْبَار عَنْهُمَا كالإخبار عَن الشَّيْء الْوَاحِد وَكَذَا حَال مَا هُوَ مثنى فِي الْبدن يجوز إِفْرَاد خَبره وَصفته على الْمَعْنى وتثنيته على اللَّفْظ كَقَوْلِه: الهزج (لمن زحلوقةٌ زلّ ... لَهَا العينان تنهلّ) فَأخْبر عَن الْعَينَيْنِ بِمَا يكون خَبرا عَن الْوَاحِد. وَعَلِيهِ قَول المتنبي: الطَّوِيل (حشاي على جمرٍ ذكيّ من الْهوى ... وعيناي فِي روضٍ من الْحسن ترتع) وَقَالَ آخر: الْكَامِل وكأنّ بالعينين حبّ قرنفلٍ أَو سنبلاً كحلت بِهِ فانهلت وَكَانَ الظَّاهِر أَن يَقُول: كحلتا فأفرد لِأَنَّهُمَا لَا يفترقان. وَيجوز عكس هَذَا فيخبر عَن الْوَاحِد مِنْهُمَا بالتثنية كَقَوْلِه: المتقارب (وعينٌ لَهَا حدرةٌ بدرةٌ ... وشقّت مآقيهما من آخر)

وَمِنْه قَول الآخر على وَجه: الوافر (تسائل بِابْن أَحْمَر من رَآهُ ... أعارت عينه أم لم تعارا) فَمَا استفهم عَن الْوَاحِدَة عطف بالاثنتين فِي قَوْله: أم لم تعارا. وَقيل: معِين مصدر كممزق وَإِذا أخبر بِالْمَصْدَرِ كَانَ موحداً. هَذَا وسيبويه إِنَّمَا أورد الْبَيْت للبدل وَلم يذكر مَا اعْتَبرهُ الشَّارِح الْمُحَقق. وَهَذِه عِبَارَته: وَإِن شِئْت قلت: ضرب عبد الله ظَهره ومطر قَوْمك سهلهم على قَوْلك: رَأَيْت الْقَوْم أَكْثَرهم) وَرَأَيْت عمرا شخصه كَمَا قَالَ: وكأنّه لهق السّراة ... ... ... ... . . الْبَيْت انْتهى. وَيجوز أَن يكون هَذَا من قبيل بدل الْبَعْض. وَمَا ذكره الشَّارِح الْمُحَقق هُوَ كَلَام أبي عَليّ فِي إِيضَاح الشّعْر قَالَ فِي مَوضِع آخر مِنْهُ: قد جَاءَ الْحمل على الْمُبدل مِنْهُ. قَالَ: وكأنّه لهق السّراة ... ... ... ... . . الْبَيْت فَجعل الْخَبَر فِيهِ عَن الْمُبدل مِنْهُ دون الْبَدَل. وَقَوله: وَكَأَنَّهُ لهق الخ رَوَاهُ سِيبَوَيْهٍ فَكَأَنَّهُ بِالْفَاءِ. قَالَ الأعلم: وصف الشَّاعِر ثوراً وحشياً سبه بِهِ بعيره فِي حِدته ونشاطه فَيَقُول: كَأَنَّهُ ثَوْر لهق السراة أَي: أَبيض أَعلَى الظّهْر أسفع الْخَدين كَأَنَّمَا عين بسواد. وَكَذَلِكَ بقر الْوَحْش بيض كلهَا إِلَّا سفعة فِي خدودها ومغابنها وأكارعها. انْتهى.

وَقَالَ ابْن خلف: اللهق: الْبيَاض. والسراة: أَعلَى الشَّيْء. وثور الْوَحْش يُوصف بِأَنَّهُ لهق السراة. وَقيل: إِنَّه يصف جملا وسيره وسرعته وَشبهه بثور وَحش فِي سرعته. وَالْجُمْلَة الَّتِي هِيَ: كَأَنَّهُ مَا حاجبيه الخ وصف للثور. وترتيب الْكَلَام: كَأَن هَذَا الْجمل ثَوْر لهق السراة كَأَن هَذَا الثور حاجبيه معِين بسواد يَعْنِي أَن مَا حول حاجبيه وَعَيْنَيْهِ أسود. والعينة: مَا حول الْعَينَيْنِ كَأَنَّهُ قَالَ: مسود الْعينَة. انْتهى. وَفِي الْعباب: قَالَ اللَّيْث: اللهق بِالتَّحْرِيكِ: الْأَبْيَض لَيْسَ بِذِي بريق كاليقق إِنَّمَا هُوَ نعت فِي الثَّوْب والشيب. وَالْبَعِير الأعيس لهق وَالْأُنْثَى لهقة وَالْجمع لهقات ولهاق. ولهق الشَّيْء لهقاً مثل سحق سحقاً ولهق لهقاً مثل أرق أرقاً إِذا كَانَ شَدِيد الْبيَاض. انْتهى. يُرِيد أَنه جَاءَ من بَابي فتح فتحا وَفَرح فَرحا. والسراة بِفَتْح السِّين قَالَ صَاحب الصِّحَاح: وسراة كل شَيْء: ظَهره ووسطه. والمعين: بزنة اسْم الْمَفْعُول وَلم يزدْ صَاحب الصحاج على قَوْله الْمعِين ثَوْر. وَفِي الْقَامُوس: والمعين كمعظم: ثَوْر بَين عَيْنَيْهِ سَواد وَهُوَ مُشْتَقّ من الْعينَة بِالْكَسْرِ وَهِي مصدر عين عينا من بَاب فَرح وعينة إِذا عظم سَواد عينه فِي سَعَة. والعينة أَيْضا من النعجة: مَا حول عينيها.) وَهَذَا الْبَيْت من أَبْيَات سِيبَوَيْهٍ الْخمسين الَّتِي لم يعرف لَهَا قَائِل. وَأنْشد بعده الشَّاهِد الْحَادِي وَالسَّبْعُونَ بعد الثلاثمائة الْكَامِل (إنّ السّيوف غدوّها ورواحها ... تركت هوَازن مثل قرن الأعضب)

لما تقدم قبله فَإِن قَوْله غدوها بدل من السيوف. قَالَ الْمبرد فِي الْكَامِل: هُوَ بدل اشْتِمَال وَقد روعي الْمُبدل مِنْهُ فِي اللَّفْظ بإرجاع الضَّمِير إِلَيْهِ من الْخَبَر وَلم يراع الْبَدَل وَلَو روعي لقيل: تركا بالتثنية. وَهَذَا أَيْضا كَلَام أبي عَليّ فِي إِيضَاح الشّعْر فَإِنَّهُ أورد هَذَا الْبَيْت مَعَ الْبَيْت الَّذِي قبله لما ذكر. وَفِيه أَن يحْتَمل أَن نصب غدوها على الظّرْف كخفوق النَّجْم وَكَأَنَّهُ قَالَ: إِن السيوف وَقت غدوها ورواحها. وهوازن: أَبُو قَبيلَة وَهُوَ هوَازن بن مَنْصُور بن عِكْرِمَة بن خصفة بن قيس ابْن عيلان بن مُضر. والأعضب بإهمال الْعين. قَالَ صَاحب الْعباب: العضباء: الشَّاة الْمَكْسُورَة الْقرن الدَّاخِل وَهُوَ المشاش. وَيُقَال: هِيَ الَّتِي انْكَسَرَ أحد قرنيها وَقد عضبت بِالْكَسْرِ وكبش أعضب بَين الْبَعْض. وَأنْشد هَذَا الْبَيْت. وَهُوَ من قصيدة للأخطل عدتهَا سِتَّة عشر بَيْتا. مدح بهَا الْعَبَّاس بن مُحَمَّد بن عبد الله بن الْعَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه فَأعْطَاهُ ألف دِينَار وَكَانَ يُقَال لَهُ الْمَذْهَب لجماله. رُوِيَ أَنه خرج على فرس لَهُ وَعَلِيهِ مطرف خَز فَأَشْرَفت امْرَأَة فَنَظَرت إِلَيْهِ فَقَالَت: مَا أحسن هَذَا فتقطر بِهِ فرسه فَمَاتَ. وَهَذَا مطلع القصيدة: (بَان الشّباب وربّما علّلته ... بالغانيات وبالشّراب الأصهب) (وَلَقَد شربت الْخمر فِي حانوتها ... ولعبت بالقينات عفّ الملعب)

وَقَالَ فِي مدحه: (لذّ تقبّله النّعيم كأنّما ... مسحت ترائبه بماءٍ مَذْهَب)) (ينظرن من خلل السّتور إِذا بدا ... نظر الهجان إِلَى الفنيق المصعب) (خضل الكياس إِذا تنشّى لم تكن ... خلفا مواعده كبرق الخلّب) (وَإِذا تعوورت الزّجاجة لم يكن ... عِنْد الشّراب بفاحش متقطّب) اللذ بِالْفَتْح: المتلذذ. وتقبله النَّعيم إِذا استبان عَلَيْهِ. والربرب: جمَاعَة النِّسَاء. والهجان من الْإِبِل: كرامها وبيضها. والفنيق: الْفَحْل الْمَتْرُوك لَا يركب وَلَا يحمل عَلَيْهِ. والخضل: الندي والكياس. والتعاور: التداول. وَبعد هَذَا اقتضب الْكَلَام فَقَالَ: إنّ السّيوف غدوّها ورواحها ... ... ... ... . . الْبَيْت وَبعده: (وتركن عمّك من غنيّ ممسكاً ... بِإِزَاءِ منخرق كجحر الثّعلب) (وتركن فلّ بني سليمٍ تَابعا ... لبني ضبينة كاتّباع التّولب) (ألقوا البرين بني سليمٍ إنّها ... شانت وإنّ حزازها لم يذهب) ...

(وَلَقَد علمت بأنّها إِذْ علّقت ... سمة الذّليل بكلّ أنفٍ مغضب) (وَالْخَيْل تعدو بالكماة كأنّها ... أَسد الغياطل من فوارس تغلب) وَقَوله: وتركن عمك من غَنِي الخ غَنِي: قَبيلَة. قَالَ شَارِح ديوانه السكرِي: هَذَا مثل يَقُول: لَا شَيْء بِأَيْدِيهِم كَأَنَّهُمْ تمسكوا بحوض صَغِير قد ذهب مَاءَهُ. وإزاء الْحَوْض: مَوضِع مصب الدَّلْو فِي مقدمه فَيُوضَع هُنَاكَ جُحر يصب عَلَيْهِ المَاء أَو عباءة لِئَلَّا يثور الطين فَيفْسد المَاء ويكدر. وَقَوله: وتركن فل بني سليم الفل بِالْفَتْح: المنهزمون. وسليم بِالتَّصْغِيرِ. وضبينة بِفَتْح الْمُعْجَمَة وَكسر الْمُوَحدَة وَقبل الْهَاء نون هِيَ أم سعد مَنَاة بن غامد بن الأزد غلبت على نسب وَلَدهَا. قَالَه السكرِي. وَقَوله: ألقوا البرين الخ ألقوا: أَمر من الْإِلْقَاء. والبرين: جمع برة بِضَم الْمُوَحدَة وَهِي مَا يخزم بِهِ الْأنف. وَبني سليم: منادى. وَذَلِكَ أَن امْرَأَة من سليم خزمت أنفها لما قتل عُمَيْر بن الْحباب وَحلفت أَن لَا تنزعها حَتَّى تدْرك بثأره. والغياطل: جمع غيطل وَهُوَ الشّجر الْكثير الملتف. وتغلب: قَبيلَة الأخطل. افتخر بفوارس) قومه. وترجمته تقدّمت فِي الشَّاهِد الثَّامِن وَالسبْعين.

وَأنْشد بعده وَهُوَ من شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ: الرجز (إنّ عليّ الله أَن تبَايعا ... تُؤْخَذ كرها أَو تَجِيء طَائِعا) على أَن الْفِعْل قد يُبدل من الْفِعْل إِذا كَانَ الثَّانِي رَاجِح الْبَيَان على الأول كَمَا فِي الْبَيْت. فتؤخذ بدل من تبَايع وتجيء: مَعْطُوف على تُؤْخَذ. وَهَذَا الْبَدَل أبين من الْمُبدل مِنْهُ وَالْبدل فِي الْحَقِيقَة إِنَّمَا هُوَ مَجْمُوع الْمَعْطُوف والمعطوف عَلَيْهِ إِذْ لَا تكون الْمُبَايعَة إِلَّا على أحد الْوَجْهَيْنِ من إِكْرَاه أَو طَاعَة. وَهُوَ كَقَوْلِهِم: الرُّمَّان حُلْو حامض وَإِن كَانَ يُقَال بِاعْتِبَار اللَّفْظ إِن تَجِيء مَعْطُوف على تُؤْخَذ كَمَا يُقَال فِي مثل ذَلِك من الْخَبَر وَالْحَال. وَالْآيَة قبل الْبَيْت من بدل الْكل قَالَ الْخَلِيل: لِأَن مضاعفة الْعَذَاب هِيَ لَقِي الأثام. وَالظَّاهِر أَن بدل الْفِعْل من الْفِعْل عِنْد الشَّارِح الْمُحَقق إِنَّمَا يكون فِي بدل الْكل وَهُوَ مَذْهَب السيرافي قَالَ: لَا يُبدل الْفِعْل إِلَّا من شَيْء هُوَ فِي مَعْنَاهُ لِأَنَّهُ لَا يَتَبَعَّض وَلَا يكون فِيهِ اشْتِمَال فتؤخذ كرها أَو تَجِيء طَائِعا هُوَ معنى الْمُبَايعَة لِأَنَّهَا تقع على أَحدهمَا. وَقد يظْهر من كَلَام سِيبَوَيْهٍ فِي بَاب مَا يرْتَفع بَين الجزمين. وَقد جوز الْمُتَأَخّرُونَ الأبدال الْأَرْبَعَة فِي الْفِعْل مِنْهُم الشاطبي فِي شرح

الألفية قَالَ: يتَصَوَّر فِي بدل الْفِعْل من الْفِعْل مَا تصور فِي بدل الِاسْم من الِاسْم فقد يكون فِيهِ بدل الْكل من الْكل مَتى تأتنا تلمم بِنَا فِي دِيَارنَا وَقد يكون فِيهِ بدل الْبَعْض كَقَوْلِك: إِن تصل تسْجد لله يَرْحَمك. وَبدل الاشتمال أَيْضا وَمِنْه قَوْله: إنّ على الله أَن تبَايعا ... ... ... ... . الْبَيْت لِأَن الْأَخْذ كرها والمجيء طَوْعًا من صِفَات الْمُبَايعَة. وَظَاهر كَلَام سِيبَوَيْهٍ يَقْتَضِي أَنه أنْشدهُ شَاهدا على بدل الاشتمال لِأَنَّهُ أَتَى بِهِ مَعَ قَول الآخر: الطَّوِيل فَمَا كَانَ قيسٌ هلكه هلك واحدٍ وَقَول الآخر:) وَمَا ألفيتني حلمي مضاعا وَذَلِكَ فِي بَاب من أَبْوَاب بدل الْبَعْض والاشتمال. وَإِذا ثَبت بدل الْبَعْض ثَبت بدل الاشتمال: لِأَنَّهُ مشبه بِهِ إِذْ عدوا وصف الشَّيْء كالجزء مِنْهُ. وَقد يكون فِيهِ بدل الإضراب والغلط نَحْو إِن تطعم زيدا تكسه أكرمك. وَقد سَأَلَ سِيبَوَيْهٍ الْخَلِيل عَن قَوْلك: إِن تأتنا تسألنا نعطك بجزم تسألنا. فَقَالَ: هَذَا يجوز على أَن يكون مثل الأول لِأَن الأول الْفِعْل الآخر تَفْسِير لَهُ

وَهُوَ هُوَ. يَعْنِي مَا قَالَ: وَلكنه يجوز على الْغَلَط وَالنِّسْيَان ثمَّ يتدارك. وَقَالَ بعد: فَلَو قلت إِن تأتني آتِك أقل ذَلِك. كَانَ غير جَائِز لِأَن القَوْل لَيْسَ بالإتيان إِلَّا أَن تجيزه على مَا جَازَ عَلَيْهِ تسألنا. فَهَذَا نَص لجَوَاز بدل الْغَلَط وَالنِّسْيَان. وَجَوَاز بدل الإضراب أولى. انْتهى كَلَام الشاطبي. فَإِن قلت: بدل الاشتمال وَالْبَعْض لَا بُد لَهما من ضمير فَكيف الْحَال على قَول الشاطبي قلت: لَا يُمكن الضَّمِير هُنَا لظُهُور أَن ذَاك خَاص بالأسماء لتعذر عود الضَّمِير على الْأَفْعَال. كَذَا فِي شرح التَّوْضِيح للشَّيْخ خَالِد. وَقَول الشَّارِح الْمُحَقق: إِذا كَانَ الثَّانِي رَاجِح الْبَيَان مثله فِي التسهيل قَالَ: ويبدل فعل من فعل مُوَافق فِي الْمَعْنى مَعَ زِيَادَة بَيَان. انْتهى. ولي يعْتَبر غَيرهمَا هَذَا الْقَيْد. وَلم يتَعَرَّض لَهُ أصلا أَبُو حَيَّان فِي الارتشاف. قيل: وَالْحق عدم اعْتِبَاره. وَأما اعْتِبَار الْمُوَافقَة فِي الْمَعْنى فقد اعتبروه مِنْهُمَا بن معطي قَالَ: وأبدلوا الْفِعْل من الْفِعْل إِذا كَانَ بِمَعْنَاهُ. قَالَ ابْن الخباز: إِنَّمَا يكون ذَلِك إِذا ترادف اللفظان كَقَوْلِك من يَأْتِ يمش إِلَيّ ُأكَلِّمهُ ... انْتهى. وَهَذَا عِنْد الشَّارِح الْمُحَقق من بَاب التوكيد كَمَا صرح بِهِ هُنَا. وَقَوله: إِنَّمَا يكون فِي ترادف اللَّفْظَيْنِ مَمْنُوع. وَهنا فَائِدَة حَسَنَة ذكرهَا ابْن هِشَام فِي حَوَاشِي الألفية وَهِي أَنه يَنْبَغِي أَن يشْتَرط لإبدال الْفِعْل من الْفِعْل مَا اشْترط لعطف الْفِعْل وَهُوَ الِاتِّحَاد فِي

الزَّمَان فَقَط دون الِاتِّحَاد فِي النَّوْع حَتَّى يجوز: إِن جئتني تمش إِلَيّ أكرمك. انْتهى. وَاعْلَم أَن إِبْدَال الْفِعْل من الْفِعْل هُوَ إِبْدَال مُفْرد من مُفْرد بِدَلِيل ظُهُور النصب كَمَا فِي الشَّاهِد وَظُهُور الْجَزْم كَمَا فِي الْآيَة.) وَزعم ابْن السَّيِّد فِي أَبْيَات الْمعَانِي وَتَبعهُ ابْن خلف والعيني والحفيد فِي حَاشِيَة الْمُخْتَصر أَن هَذَا من إِبْدَال جملَة من جملَة. وَهُوَ سَهْو. قَالَ الشَّيْخ خَالِد فِي شرح التَّوْضِيح: وَالْفرق بَين بدل الْفِعْل وَحده الْجُمْلَة أَن الْفِعْل يتبع مَا قبله فِي إعرابه لفظا أَو تَقْديرا وَالْجُمْلَة تتبع مَا قبلهَا محلا إِن كَانَ لَهُ مَحل. وَإِلَّا فإطلاق التّبعِيَّة عَلَيْهَا مجَاز إِذْ التَّابِع كل ثَان أعرب بإعراب سابقه الْحَاصِل والمتجدد. انْتهى. وَقَضِيَّة هَذَا: أَنه لَا يتَصَوَّر فِي الْفِعْل الْمَرْفُوع أَن يكون بَدَلا من فعل مَرْفُوع وَذَلِكَ لِأَن سَبَب الْإِعْرَاب متوفر فِيهِ مَعَ قطع النّظر عَن التّبعِيَّة وَهُوَ تجرده عَن الناصب والجازم فرفعه لتجرده لَا لكَونه تَابعا لغيره فَكيف يكون بَدَلا مَعَ انْتِفَاء التّبعِيَّة لانْتِفَاء الْإِعْرَاب بإعراب سابقه. وَهَكَذَا يُقَال فِي الْعَطف: لَا يتَصَوَّر عطف الْفِعْل الْمَرْفُوع على مثله. وَمِمَّا يشكل فِي الْبَدَل قَول الْبَيْضَاوِيّ وَغَيره: إِن يتزكى فِي سُورَة اللَّيْل بدل من قَوْله: يُؤْتِي مَاله لِأَن يُؤْتِي مَرْفُوع لتجرده فَلم يعرب بإعراب سابقه. وَأجَاب بَعضهم بِأَن المُرَاد أَن الْبَدَل جملَة يتزكى من جملَة يُؤْتِي مَاله. وَهَذَا لَا يدْفع الْإِشْكَال عَن كَلَام الْبَيْضَاوِيّ لَا عَن ظَاهر كَلَامهم أَن الْفِعْل يُبدل من الْفِعْل وعمومه شَامِل للْفِعْل الْمَرْفُوع. وَجزم السَّيِّد عِيسَى الصفوي بِأَنَّهُ لَا يكون مضارع مَرْفُوع تَابعا لمضارع

مَرْفُوع وَأجَاب عَمَّا أورد على الْبَيْضَاوِيّ بِأَن المُرَاد كل ثَان أعرب بإعراب سابقه وَلم يكن معرباً لمقتض للإعراب غير التّبعِيَّة. قيل: قد يُقَال لَا مَانع من كَون الْمُضَارع عِنْد التّبعِيَّة مَرْفُوعا بالتبعية وَإِن كَانَ فِيهِ مُقْتَض آخر للرفع وَهُوَ التجرد بِنَاء على جَوَاز تعدد السَّبَب. وَفِيه نظر فَإِنَّهُم قَالُوا: الْعَامِل بِمَنْزِلَة الْمُؤثر الْحَقِيقِيّ وَلَا يجْتَمع مؤثران على أثر. وَسكت الشَّارِح الْمُحَقق عَن إِبْدَال الْجُمْلَة من الْجُمْلَة وَعَن إِبْدَال الْجُمْلَة من الْمُفْرد وَعَكسه. أما الأول فقد قَالَ الشَّيْخ خَالِد: تبدل الْجُمْلَة من الْجُمْلَة بدل بعض واشتمال وَغلط وَلَا تبدل بدل كل نَحْو: قعدت جَلَست فِي دَار زيد فَإِنَّهُ توكيد. أما بدل الْبَعْض فنحو قَوْله تَعَالَى: أمدكم بِمَا تعلمُونَ. أمدكم بأنعام وبنين فجملة أمدكم الثَّانِيَة أخص من الأولى بِاعْتِبَار متعلقيهما فَتكون دَاخِلَة فِي الأولى.) وَأما بدل الاشتمال فكقوله: الطَّوِيل أَقُول لَهُ ارحل لَا تقيمنّ عندنَا فَقَوله: تقيمن عندنَا بدل اشْتِمَال من ارحل لما بَينهمَا من الملابسة اللزومية وَلَيْسَ توكيداً لَهُ لاخْتِلَاف لفظيهما وَلَا بدل بعض لعدم دُخُوله فِي الأول وَلَا بدل كل لعدم الِاعْتِدَاد بِهِ وَلَا غلط لوُقُوعه فِي الفصيح. وَأما بدل الْغَلَط فنحو: قُم اقعد.

وَأما إِبْدَال الْجُمْلَة من الْمُفْرد فقد أورد لَهُ ابْن هِشَام فِي شرح الألفية قَول الفرزدق: الطَّوِيل (إِلَى الله أَشْكُو بِالْمَدِينَةِ حَاجَة ... وبالشّام أُخْرَى كَيفَ يَلْتَقِيَانِ) قَالَ أبدل كَيفَ يلتقاين وَهُوَ جملَة مستأنفة نبه بهَا على سَبَب الشكوى وَهُوَ استبعاد مَا بَين الحاجتين. وَأما عكس هَذَا وَهُوَ إِبْدَال مُفْرد من جملَة فقد قَالَ أَبُو حَيَّان فِي الْبَحْر فِي قَوْله تَعَالَى: وَلم يجعَلْ لَهُ عِوَجاً قَيِّماً قَالَ: قيمًا بدل من جملَة لم يَجْعَل لَهُ عوجا لِأَنَّهَا فِي معنى الْمُفْرد أَي: جعله وَقَالَ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي فِي بحث كَيفَ: إِن جملَة كَيفَ خلقت بدل من الْإِبِل بدل اشْتِمَال وَالْمعْنَى إِلَى الْإِبِل كَيْفيَّة خلقهَا. وَمثله: ألم تَرَ إِلَى ربِّك كَيفَ مدَّ الظِّلَّ وكل جملَة فِيهَا كَيفَ فَهِيَ بدل من اسْم مُفْرد. وَقَالَ السُّيُوطِيّ فِي الهمع: إِن بدل الْجُمْلَة من الْمُفْرد بدل اشْتِمَال. وَبَقِي إِبْدَال الْفِعْل من اسْم يُشبههُ وَبِالْعَكْسِ وإبدال الْحَرْف من مثله. أما الأول فقد قَالَ ابْن هِشَام فِي حَوَاشِي الألفية: يَنْبَغِي أَن يجوز إِبْدَال الِاسْم من الْفِعْل وَبِالْعَكْسِ كَمَا جَازَ الْعَطف نَحْو: زيد متق يخَاف الله أَو يخَاف الله متق. انْتهى.

وَالظَّاهِر أَن يخَاف الله اسئناف بياني أَو الْبَدَل هُوَ الْجُمْلَة لَا الْفِعْل وَحده فِي الأول ومتق خبر بعد خبر فِي الثَّانِي وَالتَّقوى غير الْخَوْف فَإِن الْوِقَايَة فرط الصيانة. وَأما الثَّانِي فقد ذكره سِيبَوَيْهٍ وَجعل مِنْهُ: أَيَعِدُكُمْ أنَّكمْ إِذا مِتُّمْ وكُنتم تُراباً وعظاما أنَّكُمْ مُخْرَجون فجلع أَن الثَّانِيَة بَدَلا من الأولى لَا توكيداً كَمَا قَالَ غَيره. وَقَوله: إِن عَليّ الله الخ قَالَ ابْن خروف فِي شرح الْكتاب: الله مَنْصُوب على الْقسم وَيجوز أَن يكون اسْم إِن وَالْخَبَر الْجَار وَالْمَجْرُور وَأَن مفعول من أَجله. وَأنْشد يحيى: الطَّوِيل) (وإنّ عليّ الله لَا تحملونني ... على خطّةٍ إلاّ انْطَلَقت أَسِيرهَا) فلز حذفت إِن لَقلت: عَليّ عهد الله لأضربنك. قَالَ الْفراء: وَيجوز عَليّ الله أَن أضربك. انْتهى. وَقَالَ ابْن خلف: هَذَا الشَّاعِر حلف على مخاطبه بِاللَّه أَنه لَا بُد لَهُ من أَن يُبَايع فَلَمَّا حذف حرف الْقسم نصب الِاسْم وَأَن تبَايع: اسْم إِن وَعلي خبر إِن وَالْقسم معترض بَين الِاسْم وَالْخَبَر. وَنقل الْعَيْنِيّ عَن بعض شرَّاح الْكتاب أَن عَليّ مُتَعَلق باستقرار مَحْذُوف فِي مَوضِع خبر إِن كَأَنَّهُ قَالَ: وَجب عَليّ الْيَمين بِاللَّه لِأَن هَذَا الْكَلَام قسم وَأَن تبَايعا يتَعَلَّق بعلي أَعنِي بِمَا فِيهِ من معنى الِاسْتِقْرَار. انْتهى. وَهَذَا التَّعَلُّق غير ظَاهر. والمبايعة: بِمَعْنى الْبيعَة وَالطَّاعَة للسُّلْطَان. وأصل الْبيعَة الصَّفْقَة على

إِيجَاب البيع. وأيمان الْبيعَة هِيَ الَّتِي رتبها الْحجَّاج مُشْتَمِلَة على أُمُور مُغَلّظَة من طَلَاق وَعتق وَصَوْم وَنَحْو ذَلِك. وَتُؤْخَذ بدل من تبَايع كَمَا تقدم. قَالَ السيرافي: النصب فِي هَذِه الأبيات على الْبَدَل جيد وَلَو رفع على الِابْتِدَاء لَكَانَ أَكثر وَأعرف فَيَقُول: هلكه هلك وَاحِد وَمَا ألفيتني حلمي مضاع وَتَكون الْجُمْلَة فِي مَوضِع الْحَال وَتُؤْخَذ كرها أَو تَجِيء طَائِعا على معنى أَنْت تُؤْخَذ كرها فَيكون أَنْت تُؤْخَذ فِي مَوضِع الْحَال. انْتهى. وَهَذَا كَقَوْلِه: الطَّوِيل (مَتى تأته تعشو إِلَى ضوء ناره ... تَجِد خير نارٍ عِنْدهَا خير موقد) رفع تعشو بَين المجزومين أَعنِي الشَّرْط وَالْجَزَاء لِأَنَّهُ قصد بِهِ الْحَال أَي: مَتى تأته عاشياً أَي: نَاظرا إِلَى ضوء ناره. وَكَذَلِكَ كل مَا وَقع بَين مجزومين. وَعَلِيهِ قِرَاءَة: يَرِثنِي وَيَرِث من آل يَعْقُوب بِالرَّفْع لم يَجعله جَوَابا وَإِنَّمَا جعله وَصفا أَي: وَارِثا من يَعْقُوب. فتدبره فَإِنَّهُ كثير. كَذَا فِي أَبْيَات الْمعَانِي لِابْنِ السَّيِّد. وَقَوله: كرها مفعول مُطلق أَي: تُؤْخَذ أخذا كرها. وَيجوز أَن يكون حَالا بتأويله باسم الْفَاعِل. وَهُوَ الْمُنَاسب لقَوْله: طَائِعا فَإِنَّهُ حَال. ) وَهَذَا الْبَيْت قَلما خلا عَنهُ كتاب نحوي وَمَعَ شهرته لَا يعلم قَائِله وَهُوَ من أَبْيَات سِيبَوَيْهٍ الْخمسين الَّتِي لم يعرف قَائِلهَا. وَالله أعلم.

وَأنْشد بعده الشَّاهِد الثَّالِث وَالسَّبْعُونَ بعد الثلاثمائة (وَكنت كذي رجلَيْنِ رجلٌ صحيحةٌ ... ورجلٌ رمى فِيهَا الزّمان فشلّت) على أَنه يرْوى رجل بِالْجَرِّ على أَنه بدل مَعَ أُخْرَى مفصل من رجلَيْنِ. ويروى بِالرَّفْع على أَنه بدل مَقْطُوع. أنْشدهُ سِيبَوَيْهٍ فِي بَاب مجْرى النَّعْت على المنعوت وَالْبدل على الْمُبدل مِنْهُ قَالَ: وَمثل مَا يَجِيء فِي هَذَا الْبَاب على الِابْتِدَاء وعَلى الصّفة وَالْبدل قَوْله جلّ وَعز: قَد كَانَ لَكُمْ آيةٌ فِي فِئَتَينَ التَقتا فئةٌ تقاتلُ فِي سَبيل اللَّه وَأُخْرَى كَافِرةٌ. وَمن النَّاس من يجر والجر على وَجْهَيْن: على الصّفة وعَلى الْبَدَل. وَمِنْه قَول كثير عزة: وَكنت كذي رجلَيْنِ رجل صَحِيحَة ... ... ... ... . الْبَيْت وَقَوله: وَمثل مَا يَجِيء فِي هَذَا الْبَاب الخ يُرِيد أَنه يرفع على أَنه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف وَالتَّقْدِير: إِحْدَاهمَا فِئَة تقَاتل الخ. وَالْجُمْلَة صفة لفئتين. وَقَوله: وَمن النَّاس من يجر الخ يُرِيد أَن فِئَة بدل من فئتين. وَالصّفة جَائِزَة كَمَا تَقول: سررت برجلَيْن قَائِم وقاعد. وَإِنَّمَا جعل فِئَة صفة لفئتين لِأَن فِئَة مَوْصُوفَة فَكَانَ اعْتِمَاد الصّفة فِي فئتين على صفة فِئَة كَمَا تَقول: مَرَرْت برجلَيْن رجل صَادِق وَرجل كَاذِب. وَقَول كثير: وَرجل على رِوَايَة الرّفْع إِمَّا خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف تَقْدِيره

هما رجل صَحِيحَة وَرجل أُخْرَى أَو تَقْدِيره إِحْدَاهمَا رجل صَحِيحَة وَالْأُخْرَى رجل. فَالْكَلَام على الأول جملَة وَاحِدَة وعَلى الثَّانِي جملتان. وَإِمَّا مُبْتَدأ مَحْذُوف الْخَبَر وَالتَّقْدِير: مِنْهُمَا رجل صَحِيحَة ومنهما رجل فَالْكَلَام جملتان. وَقَالَ الْعَيْنِيّ: وَيجوز نصب رجل فِي الْمَوْضِعَيْنِ على إِضْمَار أَعنِي. وعَلى رِوَايَة جر رجل يكون على الْإِبْدَال من رجلَيْنِ بدل نكرَة من نكرَة. وَجه أوردهُ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي والمرادي فِي شرح الألفية. وَإِنَّمَا أبدل لأجل الصّفة وَهُوَ وصف الرجل الأولى بصحيحة وَالثَّانيَِة بجملة رمى.) وَلما كَانَ الْمُبدل مِنْهُ مثنى وَجب الْإِتْيَان باسمين. وَيعرف نَحْو هَذَا الْإِبْدَال بِبَدَل الْمفصل من الْمُجْمل لِأَنَّهُ أجمل أَولا ثمَّ فصل ثَانِيًا. وَجُمْلَة رمى الخ صفة لرجل الثَّانِيَة. ومفعول رمى مَحْذُوف تَقْدِيره: رمى فِيهَا الزَّمَان دَاء فشلت. وشلت: أَصله سللت تشل شللاً من بَاب فَرح. والشلل: آفَة تصيب الْيَد أَو الرجل فتيبس مِنْهَا وَقيل تسترخي. يُقَال: سلت يَده وأشلها الله. وَقبل هَذَا الْبَيْت: (وكنّا سلكنا فِي صعودٍ من الْهوى ... فلمّا توافينا ثبتّ وزلّت) (أُرِيد الثّواء عِنْدهَا وأظنّها ... إِذا مَا أطلنا عِنْدهَا الْمكْث ملّت) (فليت قلوصي عِنْد عزّة قيّدت ... بِجعْل ضعيفٍ عزّ مِنْهَا فضلّت) (وغودر فِي الحيّ المقيمين رَحلهَا ... وَكَانَ لَهَا باغٍ سواي فبلّت) الصعُود بِالْفَتْح: خلاف الهبوط. والثواء بِالْفَتْح: الْإِقَامَة. وَعز مِنْهُ بِمَعْنى غَلبه وَقَوي عَلَيْهِ. وَفِي الْعباب: قَالَ الْفراء: يُقَال بلت مطيته على وَجههَا إِذا هَمت ضَالَّة. وَأنْشد هَذَا الْبَيْت وَهُوَ بِالْبَاء الْمُوَحدَة.

وَاخْتلف أَصْحَاب الْمعَانِي فِي معنى الْبَيْت الشَّاهِد فَقَالَ الأعلم: تمنى أَن تشل إِحْدَى رجلَيْهِ وَهُوَ عِنْدهَا وَتضِل نَاقَته فَلَا يرحل عَنْهَا فَيكون قَوْله: وَكنت كذي رجلَيْنِ الخ مَعْطُوفًا على قَوْله: قيدت ليدْخل فِي التَّمَنِّي. وَقَالَ ابْن سَيّده: لما خانته عزة الْعَهْد فزلت عَن عَهده وَثَبت هُوَ على عهدها صَار كذي رجلَيْنِ رجل صَحِيحَة وَهُوَ ثباته على عهدها وَأُخْرَى مَرِيضَة وَهُوَ زللها عَن عَهده. وَقَالَ عبد الدَّائِم: معنى الْبَيْت أَنه بَين خوف ورجاء وَقرب وثناء كَمَا قَالَ المتنبي: الطَّوِيل (وَأحلى الْهوى مَا شكّ فِي الْوَصْل ربّه ... وَفِي الهجر فَهُوَ الدّهر يَرْجُو ويتّقي) وَقَالَ غَيرهم: تمنى أَن تضيع قلوصه فَيبقى فِي حَيّ عزة فَيكون بِبَقَائِهِ فِي حيها كذي رجل حكى هَذِه الْأَقْوَال اللَّخْمِيّ وَقَالَ: وَهَذَا القَوْل الْأَخير هُوَ الْمُخْتَار الْمعول عَلَيْهِ وَهُوَ الَّذِي يدل عَلَيْهِ مَا قبل الْبَيْت وَهُوَ اخْتِيَار الْأُسْتَاذ أبي عبد الله بن أبي الْعَافِيَة. وَقد أَخذ كثير هَذَا الْبَيْت من النَّجَاشِيّ وَهُوَ قَوْله:

الطَّوِيل (وَكنت كذي رجلَيْنِ رجل صحيحةٍ ... ورجلٍ رمت فِيهَا يَد الْحدثَان)) (فأمّا الَّتِي صحّت فأزد شنوءةٍ ... وأمّا الَّتِي شلّت فأزد عمان) وَقد أوردهُ ابْن رَشِيق فِي الْعُمْدَة فِي السرقات الشعرية وَسَماهُ الاهتدام. قَالَ: فَأخذ كثير الْقسم الأول واهتدم بَاقِي الْبَيْت فجَاء بِالْمَعْنَى فِي غير اللَّفْظ. وَهَذِه القصيدة كلهَا نسيب بعزة وَهِي من منتخبات قصائده وَالْتزم فِيهَا مَا لَا يلْزم الشَّاعِر وَذَلِكَ اللَّام قبل حرف الروي اقتداراً فِي الْكَلَام وَقُوَّة فِي الصِّنَاعَة وَمَا خرم ذَلِك إِلَّا فِي بَيت وَاحِد هُوَ: (فَمَا أنصفت أمّا النّساء فبغّضت ... إليّ وأمّا بالنّوال فضنّت) وَهِي قصيدة. وَهَذَا مطْلعهَا مَعَ جملَة أَبْيَات مِنْهَا وَقعت شَوَاهِد للنحويين: (خليليّ هَذَا ربع عزّة فاعقلا ... قلوصيكما ثمّ ابكيا حَيْثُ حلّت) (وَمَا كنت أَدْرِي قبل عزّة مَا البكا ... وَلَا موجعات الْقلب حتّى تولّت) (وإنّي وتهيامي بعزّة بعد مَا ... تخلّيت فِيمَا بَيْننَا وتخلّت) (لكالمبتغي ظلّ الغمامة كلّما ... تبوّا مِنْهَا للمقيل اضمحلّت) (يكلّفها الغيران شتمي وَمَا بهَا ... هواني وَلَكِن للحليل استذلّت) (هَنِيئًا مريئاً غير داءٍ مخامرٍ ... لعزّة من أعراضنا مَا استحلّت) (أسيئي بِنَا أَو أحسني لَا ملومةً ... لدينا وَلَا مقليّة إِن تقلّت) وَقَوله: وَمَا كنت أَدْرِي قبل عزة الخ اسْتشْهد بِهِ ابْن هِشَام فِي

شرح الألفية على نصب موجعات عطفا على مَحل مفعول أَدْرِي الْمُعَلق بِمَا الاستفهامية لِأَن الْمُعَلق أبطل عمله لفظا لَا محلا. وَقَالَ فِي مُغنِي اللبيب: فَائِدَة الحكم على مَحل الْجُمْلَة فِي التَّعْلِيق بِالنّصب ظُهُور ذَلِك فِي التَّابِع فَتَقول: عرفت من زيد وَغير ذَلِك من أُمُوره. وَاسْتدلَّ ابْن عُصْفُور بِنصب موجعات من هَذَا الْبَيْت. وَلَك أَن تَدعِي أَن الْبكاء مفعول وَأَن مَا زَائِدَة أَو أَن الْوَاو للْحَال وموجعات اسْم لَا أَي وَمَا كنت أَدْرِي قبل عزة وَالْحَالة أَنه لَا موجعات للقلب مَوْجُودَة مَا البكا. انْتهى. وَقَوله: وَإِنِّي وتهيامي بعزة الخ التهيام بِالْفَتْح: مُبَالغَة الهيام بِالضَّمِّ وَهُوَ كالجنون من الْعِشْق. قَالَ ابْن جني فِي سر الصِّنَاعَة: سَأَلت أَبَا عَليّ عَن قَول كثير: وَإِنِّي وتهيامي بعزة الْبَيْت وَجعل) الْجُمْلَة اعتراضاً بَين اسْم إِن وخبرها لِأَن فِيهَا ضربا من التسديد للْكَلَام. وَيحْتَمل أَن تكون الْوَاو للقسم فالباء على هَذَا مُتَعَلقَة بتهيامي. وَعرضت هَذَا على أبي عَليّ فَقبله. انْتهى. وَقد نقل ابْن هِشَام مَا حكيته عَنْهُمَا فِي الْجُمْلَة المعترضة من الْمُغنِي. وَقَوله: هَنِيئًا مريئاً غير دَاء الخ أوردهُ صَاحب الْكَشَّاف عِنْد قَوْله تَعَالَى: كلوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا كُنتمُ تَعْملُون على أَن الْبَاء زَائِدَة وَمَا: فَاعل هَنِيئًا وَهُوَ صفة اسْتعْملت اسْتِعْمَال الْمصدر الْقَائِم مقَام الْفِعْل كَأَنَّهُ قَالَ: هنأكم الْأكل وَالشرب. وهنيئاً لعزة مَا استحلت من أعراضنا. الهنيء والمريء صفتان من هنؤ الطَّعَام ومرؤ كشرف إِذا كَانَ سائغاً لَا تنغيص فِيهِ. والمخامر: المخالط.

وَقَوله: أسيئي بِنَا أَو أحسني الخ هَذَا الْتِفَات من الْغَيْبَة إِلَى الْخطاب. وَأوردهُ صَاحب الْكَشَّاف أَيْضا عِنْد قَوْله تَعَالَى: أَنْفقُوا طَوْعاً أَو كَرْهاً لن يُتقبَّل مِنْكُم على تَسَاوِي الإنفاقين فِي عدم الْقبُول كَمَا سَاوَى كثير بَين الْإِحْسَان والإساءة فِي عدم اللوم. والنكتة فِي مثل ذَلِك إِظْهَار نفي تفَاوت الْحَال بتفاوت فعل الْمُخَاطب كَأَنَّهُ يأمرها بذلك لتحقيق أَنه على الْعَهْد. ومقلية بِمَعْنى مبغضة من القلي وَهُوَ البغض. وَقَوله: إِن تقلت الْتِفَات وروى صَاحب الأغاني بِسَنَدِهِ عَن هَيْثَم بن عدي قَالَ: سَأَلَ عبد الْملك بن مَرْوَان كثيرا عَن أعجب خبر لَهُ مَعَ عزة فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ حججْت سنة وَحج زوج عزة مَعهَا وَلم يعلم أَحَدنَا بِصَاحِبِهِ فَلَمَّا كُنَّا بِبَعْض الطَّرِيق أمرهَا زَوجهَا بابتياع سمن تصلح بِهِ طَعَاما لرفقته فَجعلت تَدور الْخيام خيمة خيمة حَتَّى دخلت إِلَيّ وَهِي لَا تعلم أَنَّهَا خَيْمَتي وَكنت أبري سَهْما فَلَمَّا رَأَيْتهَا جعلت أبري لحمي وَأنْظر حَتَّى بريت ذراعي وَأَنا لَا أعلم بِهِ وَالدَّم يجْرِي فَلَمَّا علمت ذَلِك دخلت إِلَيّ فَأَمْسَكت يَدي وَجعلت تمسح الدَّم بثوبها وَكَانَ عِنْدِي نحي سمن فَحَلَفت لتأخذنه. فَأَخَذته وَجَاءَت زَوجهَا فَلَمَّا رأى الدَّم سَأَلَهَا عَن خَبره فكاتمته حَتَّى حلف عَلَيْهَا لتصدقنه. فصدقته فضربها وَحلف عَلَيْهَا لتشتمني فِي وَجْهي فوقفت عَليّ وَهُوَ مَعهَا وَقَالَت لي وَهِي تبْكي: يَا ابْن الزَّانِيَة ثمَّ انصرفا وَذَلِكَ حَيْثُ أَقُول: يكلّفها الغيران شتمي وَمَا بهَا

الأبيات الثَّلَاثَة.) وروى صَاحب الأغاني أَيْضا قَالَ: وقفت على جمَاعَة تكلمُوا فِي وَفِي جميل: أَيّنَا أصدق عشقاً وهم لَا يعرفونني ففضول جميلاً فَقلت لَهُم: قد ظلمتم كثيرا كَيفَ يكون جميل أصدق (رمى الله فِي جفني بثينة بالقذى ... وَفِي الغرّ من أنيابها بالقوادح) وَكثير حِين أَتَاهُ مَا يكره من عزة قَالَ: هَنِيئًا مريئاً غير دَاء مخامر ... ... ... ... . الْبَيْت وَهَذِه القصيدة جَيِّدَة فَلَا بَأْس بإيرادها على رِوَايَة أبي عَليّ القالي فِي أَمَالِيهِ قَالَ: قَرَأت هَذِه القصيدة على أبي بكر بن دُرَيْد فِي شعر كثير وَهِي من منتخبات كثير وأولها: (خليليّ هَذَا ربع عزّة فاعقلا ... قلوصيكما ثمّ ابكيا حَيْثُ حلّت) (ومسّا تُرَابا كَانَ قد مسّ جلدهَا ... وبيتاً وظلاّ حَيْثُ باتت وظلّت) (وَلَا تيأسا أَن يمحو الله عنكما ... ذنوباً إِذا صلّيتما حَيْثُ صلّت) (وَمَا كنت أَدْرِي قبل عزّة مَا البكا ... وَلَا موجعات الْقلب حتّى تولّت) (وَقد حَلَفت جهداً بِمَا نحرت لَهُ ... قريشٌ غَدَاة المأزمين وصلّت) ...

(أناديك مَا حجّ الحجيج وكبّرت ... بفيفا غزالٍ رفقةٌ وأهلّت) (وَكَانَت لقطع الْعَهْد بيني وَبَينهَا ... كُنَّا ذرةٍ نذرا فأوفت وحلّت) ويروى: وفت فأحلت (فَقلت لَهَا يَا عزّ كلّ مصيبةٍ ... إِذا وطّنت يَوْمًا لَهَا النّفس ذلّت) (كأنّي أنادي صَخْرَة حِين أَعرَضت ... من الصّمّ لَو تمشي بهَا العصم زلّت) (صفوحاً فَمَا تلقاك إلاّ بخيلةً ... فَمن ملّ مِنْهَا ذَلِك الْوَصْل ملّت) (أَبَاحَتْ حمى لم يرعه النّاس قبلهَا ... وحلّت تلاعاً لم تكن قبل حلّت) (فليت قلوصي عِنْد عزّة قيّدت ... بقيدٍ ضعيقٍ فرّ مِنْهَا فضلّت) (وغودر فِي الحيّ المقيمين رَحلهَا ... وَكَانَ لَهَا باغٍ سواي فبلّت) (وَكنت كذي رجلَيْنِ فِي رجلٍ صحيحةٍ ... ورجلٍ رمى فِيهَا الزّمان فشلّت) (وَكنت كذات الظّلع لمّا تحاملت ... على ظلعها بعد العثار استقلّت) (أُرِيد الثّواء عِنْدهَا وأظنّها ... إِذا مَا أطلنا عِنْدهَا الْمكْث ملّت) (فَمَا أنصفت أمّا النّساء فبغّضت ... إِلَيْنَا وأمّا بالنّوال فضنّت)

(يكلّفها الغيران شتمي وَمَا بهَا ... هواني وَلَكِن للمليك استذلّت) (هَنِيئًا مريئاً غير داءٍ مخامرٍ ... لعزّة من أعراضنا مَا استحلّت) قَالَ أَبُو عَليّ: قي لكثير: أَنْت أشعر أم جميل فَقَالَ: بل أَنا. فَقيل لَهُ: أَتَقول هَذَا وَأَنت راويته قَالَ جميل الَّذِي يَقُول: وَأَنا أَقُول: هَنِيئًا مريئاً غير داءٍ مخامر ... ... ... ... . الْبَيْت (ووالله مَا قاربت إلاّ تَبَاعَدت ... بصرمٍ وَلَا أكثرت إلاّ أقلّت) (فَإِن تكن العتبى فأهلاً ومرحباً ... وحقّت لَهَا العتبى لدينا وقلّت) (وَإِن تكن الْأُخْرَى فإنّ وَرَاءَنَا ... منادح لَو سَارَتْ بهَا العيس كلّت) (خليليّ إنّ الحاجبيّة طلّحت ... قلوصيكما وناقتي قد أكلّت) (فَلَا يبعدن وصلٌ لعزّة أَصبَحت ... بعاقبةٍ أَسبَابه قد تولّت) (أسيئي بِنَا أَو أحسني لَا ملومةً ... لدينا وَلَا مقليّةً إِن تقلّت) (وَلَكِن أنيلي واذكري من مودّةٍ ... لنا خلّةً كَانَت لديك فضلّت) ...

(وإنّي وَإِن صدّت لمثنٍ وصادقٌ ... عَلَيْهَا بِمَا كَانَت إِلَيْنَا أزلّت) (فَمَا أَنا بالدّاعي لعزّة بالجوى ... وَلَا شامتٌ إِن نعل عزّة زلّت) (فَلَا يحْسب الواشون أنّ صبابتي ... بعزّة كَانَت غمرةً فتجلّت) (فَأَصْبَحت قد أبللت من دنفٍ بهَا ... كَمَا أدنفت هيماء ثمّ استبلّت) (ووالله ثمّ الله مَا حلّ قبلهَا ... وَلَا بعْدهَا من خلّةٍ حَيْثُ حلّت) (فأضحت بِأَعْلَى شاهقٍ من فُؤَاده ... فَلَا الْقلب يسلاها وَلَا الْعين ملّت) (فيا عجبا للقلب كَيفَ اعترافه ... وللنّفس لمّا وطّنت كَيفَ ذلّت) (وإنّي وتهيامي بعزّة بعد مَا ... تخلّيت ممّا بَيْننَا وتخلّت) (لكالمرتجي ظلّ الغمامة كلّما ... تبوّأ مِنْهَا للمقيل اضمحلّت) (كأنّي وإيّاها سَحَابَة ممحلٍ ... رجاها فلمّا جاوزته استهلّت) قَالَ أَبُو عَليّ: المأزمان: عَرَفَة والمزدلفة. وأناديك: أحادثك مَأْخُوذ من الندي والنادي جَمِيعًا) وَهُوَ الْمجْلس. وميعة كل شَيْء: أَوله. والصفوح: المعرضة. وبلت: ذهبت. قَالَ أَبُو عَليّ: مَا أعرف بلت ذهبت إِلَّا فِي تَفْسِير هَذَا الْبَيْت. وَلَا العتبى: الإعتاب يُقَال: عَاتَبَنِي فلَان فأعتبته إِذا نزعت عَمَّا عاتبك عَلَيْهِ والعتبى الِاسْم والإعتاب الْمصدر. وَقَوله: طلحت الطلح: المعيي الَّذِي قد سقط من الإعياء. وطلت: هدرت. وأزلت: اصطنعت. وَيُقَال: بل من مَرضه وأبل واستبل إِذا برأَ. واعترافه: اصطباره يُقَال: نزلت بِهِ مُصِيبَة فَوجدَ عروفاً أَي: صبوراً. والعارف: الصابر. هَذَا مَا أوردهُ أَبُو عَليّ القالي.

وروى السُّيُوطِيّ: فِي شرح شَوَاهِد مُغنِي اللبيب عَن أبي الْحسن بن طَبَاطَبَا فِي كتاب عيار الشّعْر أَن الْعلمَاء قَالُوا: لَو أَن كثيرا جعل قَوْله: فِي وصف حَرْب لَكَانَ أشعر النَّاس. وَلَو جعل قَوْله أسيئي بِنَا أَو أحسني الْبَيْت فِي وصف الدُّنْيَا كَانَ أشعر النَّاس. وَكثير بِضَم الْكَاف وَفتح الْمُثَلَّثَة وَكسر الْبَاء الْمُشَدّدَة التَّحْتِيَّة. وَهُوَ كثير ابْن عبد الرَّحْمَن بن أبي جُمُعَة بن الْأسود بن عَامر. وَقَالَ اللَّخْمِيّ: هُوَ كثير بن أبي جُمُعَة. وَهُوَ خزاعي وَأَبُو خُزَاعَة الصَّلْت بن النَّضر بن كنَانَة. وَفِي ذَلِك يَقُول كثير: الطَّوِيل (أَلَيْسَ أبي بالنّضر أم لَيْسَ وَالِدي ... لكلّ نجيبٍ من خُزَاعَة أزهرا) فحقق كثير أَنه من قُرَيْش. وَقيل إِنَّه أزدي من قحطان. وَهُوَ شَاعِر حجازي من شعراء الدولة الأموية ويكنى أَبَا صَخْر واشتهر بِكَثِير عزة بِالْإِضَافَة إِلَى عزة وَهِي محبوبته وغالب شعره تشبيب بهَا. وَعزة بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَتَشْديد الزَّاي. والعزة فِي اللُّغَة: بنت الظبية وَبهَا سميت. وَهِي كَمَا قَالَ ابْن الْكَلْبِيّ: عزة بنت حميل بِضَم الْمُهْملَة ابْن حَفْص بِفَتْحِهَا من بني حَاجِب بن غفار بِكَسْر الْمُعْجَمَة وخفة الْفَاء وكنيتها أم عَمْرو الضمرية نِسْبَة إِلَى قَبيلَة ضَمرَة. وَكَثِيرًا مَا يُطلق عَلَيْهَا الحاجبية نِسْبَة إِلَى جدها الْأَعْلَى كَقَوْلِه فِي هَذِه القصيدة:

الطَّوِيل وَمن الغرائب تَفْسِير الْعَيْنِيّ للحاجبية هُنَا بالرمل الطَّوِيل. وَهُوَ غَفلَة عَن نَسَبهَا. قَالَ ابْن قُتَيْبَة فِي كتاب الشُّعَرَاء: بعثت عَائِشَة بنت طَلْحَة بن عبيد الله إِلَى كثير فَقَالَت لَهُ: يَا ابْن أبي جُمُعَة مَا الَّذِي يَدْعُوك إِلَى مَا تَقول من الشّعْر فِي عزة وَلَيْسَت على مَا تصف من) الْجمال لَو شِئْت صرفت ذَلِك إِلَى من هُوَ أولى بِهِ مِنْهَا أَنا أَو مثلي فَأَنا أشرف وأوصل من عزة وَإِنَّمَا أَرَادَت تجربته بذلك فَقَالَ: الطَّوِيل (إِذا وصفلتنا خلةٌ كي تزيلها ... أَبينَا وَقُلْنَا: الحاجبيّة أوّل) (لَهَا مهلٌ لَا يُسْتَطَاع دراكه ... وسابقةٌ ملحبّ لَا تتحوّل) (سنوليك عرفا إِن أردْت وصالنا ... وَنحن لتِلْك الحاجبيّة أوصل) فَقَالَت عَائِشَة: وَالله لقد سميتني لَك خلة وَمَا أَنا لَك وَعرضت عَليّ وصالك وَمَا أُرِيد هلا قلت كَمَا قَالَ جميل: الْكَامِل (يَا ربّ عارضةٍ علينا وَصلهَا ... بالجدّ تخلطه بقول الهازل) (فأجبتها بالرّفق بعد تستّرٍ ... حبّي بثينة عَن وصالك شاغلي) (لَو كَانَ فِي قلبِي كَقدْر قلامةٍ ... وصلتك كتبي أَو أتتك رسائلي) وروى القالي فِي أَمَالِيهِ عَن الْعُتْبِي قَالَ: دخلت عزة على عبد الْملك بن مَرْوَان فَقَالَ لَهَا: أَنْت (وَقد زعمت أنّي تغيّرت بعْدهَا ... وَمن ذَا الَّذِي يَا عزّ لَا يتغيّر)

قَالَت: لَا أروي هَذَا وَلَكِنِّي أروي قَوْله: الطَّوِيل (كأنّي أنادي صَخْرَة حِين أَعرَضت ... من الصّمّ لَو تمشي بهَا العصم زلّت) (صفوحاً فَمَا تلقاك إلاّ بخيلةً ... فَمن ملّ مِنْهَا ذَلِك الْوَصْل ملّت) وروى ابْن قُتَيْبَة فِي كتاب الشُّعَرَاء إِن عَائِشَة بنت طَلْحَة قَالَت لعزة: أَرَأَيْت قَول كثير: الطَّوِيل (قضى كلّ ذِي دينٍ فوفّى غَرِيمه ... وعزّة ممطولٌ معّنى غريمها) مَا كَانَ ذَلِك الدَّين قَالَت: وعدته قبْلَة فتحرجت مِنْهَا. فَقَالَت: اقضيها وَعلي إثمها. قَالَ صَاحب الأغاني: كَانَ ابْن إِسْحَاق يَقُول: كثير أشعر أهل الْإِسْلَام وَكَانَت لَهُ منزلَة عِنْد قُرَيْش وَقدر وَكَانَ عبد الْملك معجباً بِشعرِهِ. وَقَالَ الجُمَحِي: كَانَ لكثير فِي النسيب نصيب وافر وَجَمِيل مقدم عَلَيْهِ وعَلى أَصْحَاب النسيب جَمِيعًا فِي النسيب وَكَانَ لَهُ من فنون الشّعْر مَا لَيْسَ لجميل وَكَانَ راوية جميل. وَإِنَّمَا صغر اسْمه لشدَّة قصره وحقارته. وَقَالَ الوقاصي: رَأَيْت كثيرا يطوف بِالْبَيْتِ فَمن حَدثَك أَنه يزِيد على ثَلَاثَة أشبار فَلَا تصدقه وَكَانَ إِذا دخل على عبد الْملك أَو أَخِيه عبد الْعَزِيز يَقُول: طأطئ رَأسك لَا يُصِيبهُ السّقف)

(قصير قميصٍ فاحشٌ عِنْد بَيته ... يعضّ القراد باسته وَهُوَ قَائِم) وروى صَاحب الأغاني عَن طَلْحَة بن عبيد الله قَالَ: مَا رَأَيْت أَحمَق من كثير دخلت عَلَيْهِ يَوْمًا فِي نفر من قُرَيْش وَهُوَ مَرِيض وَكُنَّا كثيرا مَا نهزأ بِهِ وَكَانَ يتشيع تشيعاً قبيحاً فَقلت لَهُ: كَيفَ تجدك يَا أَبَا صَخْر قَالَ: أجدني ذَاهِبًا. قلت: كلا. قَالَ: فَهَل سَمِعت النَّاس يَقُولُونَ فِي شَيْئا قلت: نعم يتحدثون بأنك الدَّجَّال. قَالَ: أما لَئِن قلت ذَاك فَإِنِّي لأجد فِي عَيْني هَذِه ضعفا مُنْذُ أَيَّام. فَقَالَ لَهُ مُحَمَّد بن عَليّ: تزْعم أَنَّك من شِيعَتِنَا وتمدح آل مَرْوَان قَالَ: إِنَّمَا أسخر مِنْهُم وأجعلهم حيات وعقارب وآخذ أَمْوَالهم. وَكَانَت وَفَاته فِي خلَافَة يزِيد بن عبد الْملك بِالْمَدِينَةِ المنورة على ساكنها أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام. قَالَ جوَيْرِية بن أَسمَاء: مَاتَ كثير وَعِكْرِمَة مولى بن عَبَّاس فِي يَوْم وَاحِد فَقَالَ النَّاس: الْيَوْم مَاتَ أفقه النَّاس وأشعر النَّاس وَلم يتَخَلَّف رجل وَلَا امْرَأَة عَن جنازتيهما وَذَلِكَ فِي سنة خمس أَو سبع وَمِائَة وغلبت النِّسَاء على جَنَازَة كثير يبكينه. وَيُقَال: أَنه لما حَضرته الْوَفَاة قَالَ: الوافر (بَرِئت إِلَى الْإِلَه من ابْن أروى ... وَمن دين الْخَوَارِج أجمعينا) (وَمن عمرٍ بَرِئت وَمن عتيقٍ ... غَدَاة دعِي أَمِير المؤمنينا) قَالَ ابْن السَّيِّد فِي شرح أَبْيَات الْجمل: هَذَا الشّعْر من حماقته ورفضه. وَابْن أروى هُوَ عُثْمَان بن عَفَّان رَضِيَ اللَّهُ عَنْه. وَقد أطنب الْأَصْبَهَانِيّ فِي الأغاني فِي تَرْجَمته.

(عطف البيان)

3 - (عطف الْبَيَان) أنْشد فِيهِ: أقسم بالله أَبُو حَفْص عمر تقدم الْكَلَام عَلَيْهِ فِي الشَّاهِد الثَّامِن وَالْخمسين بعد الثلاثمائة. وَأنْشد بعده: أَنا ابْن التّارك البكريّ بشرٌ تقدم أَيْضا مَا يتَعَلَّق بِهِ فِي الشَّاهِد التَّاسِع وَالتسْعين بعد الْمِائَتَيْنِ. وَالله أعلم.

المبنيات

(المبنيات) 3 - (الْمُضمر) أنْشد فِيهِ: تَمَامه: والمرء عِنْد الرّشا إِن يلقها ذيب وَتقدم الْكَلَام عَلَيْهِ فِي الشَّاهِد الثَّانِي والثمانين. وَأنْشد بعده: الشَّاهِد الرَّابِع وَالسَّبْعُونَ بعد الثلاثمائة الوافر إِذا زجر السّفيه جرى إِلَيْهِ تَمَامه: وَخَالف والسّفيه إِلَى خلاف على أَن الضَّمِير فِي إِلَيْهِ رَاجع على الْمصدر الْمَدْلُول عَلَيْهِ بِالْوَصْفِ أَي: إِلَى السَّفه. وَهَذَا الْبَيْت أوردهُ الْفراء فِي تَفْسِيره عِنْد قَوْله تَعَالَى: ولكنَّ البرَّ من آمنَ بالله فِي تَوْجِيه صِحَة الْخَبَر عَن الْمُبْتَدَأ فِيهِ قَالَ: من كَلَام الْعَرَب

قَوْلهم: إِنَّمَا الْبر الصَّادِق الَّذِي يصل رَحمَه ويخفي صدقته فَيجْعَل الِاسْم خيرا للْفَاعِل وَالْفِعْل خَبرا للاسم لِأَنَّهُ أَمر مَعْرُوف الْمَعْنى. فَأَما الْفِعْل الَّذِي جعل خَبرا للاسم فَقَوله تَعَالَى: وَلَا تَحسَبَنّ الذينَ يَبخلونَ بِمَا آتَاهُم اللَّهُ مِنْ فَضْلهِ هُوَ خيرا لَهُم فَهُوَ كِنَايَة عَن الْبُخْل. فَهَذَا لمن جعل الَّذين فِي مَوضِع نصب وَقرأَهَا تحسبن بِالتَّاءِ من فَوق وَمن قَرَأَ بِالْيَاءِ من تَحت جعل الَّذين فِي مَوضِع رفع وَجعل عماداً للبخل الْمُضمر فَاكْتفى بِمَا ظهر فِي يَبْخلُونَ من ذكر الْبُخْل. وَمثله فِي الْكَلَام: الْبَسِيط (هم الْمُلُوك وَأَبْنَاء الْمُلُوك لَهُم ... والآخذون بِهِ والسّاسة الأول) وَقَوله: بِهِ يُرِيد بِالْملكِ. وَقَالَ الآخر: إِذا نهي السّفيه جرى إِلَيْهِ الْبَيْت يُرِيد إِلَى السَّفه. انْتهى. وأنشده ثَعْلَب أَيْضا فِي أَمَالِيهِ وَقَالَ: أَي: جرى إِلَى السَّفه. وَاكْتفى بِالْفِعْلِ من الْمصدر. وَأوردهُ ابْن جني أَيْضا فِي إِعْرَاب الحماسة عِنْد قَوْله: الطَّوِيل (وَلم أر قوما مثلنَا خير قَومهمْ ... أقلّ بِهِ منّا على قَومهمْ فخرا) وَتقدم الْكَلَام عَلَيْهِ فِي الشَّاهِد الْحَادِي عشر بعد الثلاثمائة. وَأوردهُ فِي الْمُحْتَسب أَيْضا عِنْد قِرَاءَة الْأَعْمَش: وَمن يرد ثَوَاب

الدُّنْيَا يؤته مِنْهَا وَمن يرد ثَوَاب الْآخِرَة يؤته مِنْهَا وسيجزى الشَّاكِرِينَ بِالْيَاءِ فيهمَا. قَالَ: أضمر الْفَاعِل لدلَالَة الْحَال عَلَيْهِ إِذا زجر السّفيه جرى إِلَيْهِ ... ... ... ... . . الْبَيْت) أَقُول: هَذَا لَيْسَ من قبيل إِضْمَار الْفَاعِل فِي قِرَاءَة الْأَعْمَش كَمَا هُوَ ظَاهر. وَقَوله بعد هَذَا وكما أضمر الْمصدر مجروراً أَعنِي الْهَاء فِي إِلَيْهِ يَعْنِي إِلَى السَّفه. كَذَلِك أَيْضا أضمره مَرْفُوعا بِفِعْلِهِ لم أفهم معنى قَوْله أضمره مَرْفُوعا بِفِعْلِهِ وفاعل جرى وَخَالف ضمير السَّفه. وَأوردهُ ابْن الشجري أَيْضا عِنْد شرح قَول الشَّاعِر: الوافر (وَمن يَك بادياً ويكن أَخَاهُ ... أَبَا الضّحاك ينتسج الشّمالا) قَالَ: الْهَاء فِي قَوْله أَخَاهُ عَائِدَة إِلَى البدو الَّذِي هُوَ ضد الْحَضَر يُقَال: بدا فلَان يَبْدُو بدواً إِذا حل فِي البدو دلّ على عود الْهَاء إِلَى البدو قَوْله بادياً كَمَا دلّ السَّفِيه على السَّفه فأضمره الْقَائِل: إِذا نهي السّفيه جرى إِلَيْهِ ... ... ... ... . . الْبَيْت وَمثله قَول الْقطَامِي: هم الْمُلُوك وَأَبْنَاء الْمُلُوك لَهُم الْبَيْت الْمَذْكُور. ثمَّ ذكر كَلَام الْفراء من غير أَن يعزوه إِلَيْهِ. ثمَّ قَالَ وَمثل ذَلِك قَوْله تَعَالَى: وإنْ تَشكرُوا يَرضهُ لكُمْ أَي: يرض الشُّكْر.

وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: الذينَ قالَ لَهُم النَّاسُ إنَّ النَّاسَ قد قَالَ: وَقَوله: أَبَا الضَّحَّاك نصب على النداء فَكَأَنَّهُ قَالَ: وَمن يَك بادياً ويكن أَخا البدو: يَا أَبَا الضَّحَّاك. وَجعله أَخا البدو كَقَوْلِك: يَا أَخا الْعَرَب وَيَا أَخا الْحَضَر. وَإِنَّمَا قَالَ: وَمن يَك بادياً ثمَّ قَالَ: ويكن أَخا البدو لِأَنَّهُ قد يحل فِي البدو من لَيْسَ من أهل البدو فَسُمي بادياً مَا دَامَ مُقيما فِي البدو. وَالشمَال: هُنَا وعَاء كالكيس يَجْعَل فِيهِ ضرع الشَّاة يحفظ بِهِ. يُقَال: شملت الشَّاة أَي: جعلت لَهَا شمالاً. وينتسج: يفتعل من قَوْلك: نسجت الثَّوْب. فَالْمَعْنى: من يكن من أهل البدو يمارس مَا يحْتَاج إِلَيْهِ الْغنم. انْتهى مُخْتَصرا. وَقَوله: إِذا زجر هُوَ بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول وَرَوَاهُ الْجَمَاعَة: إِذا نهي مثله. ومتعلق النَّهْي عَام مَحْذُوف أَي: عَن أَي شَيْء كَانَ. وَقَوله: وَخَالف مَفْعُوله مَحْذُوف أَي: خَالف زاجره. وَقَوله: وَالسَّفِيه إِلَى خلاف جملَة تذييلية أَي: شَأْن السَّفِيه الْميل إِلَى مُخَالفَة الناصح. وَهَذَا الْبَيْت لم يعزه الْفراء إِلَى أحد. وَالله أعلم. وَأنْشد بعده الشَّاهِد الْخَامِس وَالسَّبْعُونَ بعد الثلاثمائة الوافر (وَلَو أنّ الأطبّا كَانَ حَولي ... وَكَانَ مَعَ الأطبّاء الأساة) وَلَو أَن الْأَطِبَّاء كَانُوا حَولي فحذفت الْوَاو ضَرُورَة وَبقيت الضمة دَلِيلا عَلَيْهَا.

وَأوردهُ الْفراء فِي تَفْسِيره عِنْد قَوْله تَعَالَى فِي سُورَة الْبَقَرَة: فَلَا تخشَوْهُمْ واخشَوْنِي ولأتمَّ نِعمتي عَليكمْ قَالَ: وَقَوله: واخشوني أَثْبَتَت فِيهَا الْيَاء وَلم تثبت فِي غَيرهَا وكل ذَلِك صَوَاب. وَإِنَّمَا استجازوا حذف الْيَاء لِأَن كسرة النُّون تدل عَلَيْهَا وَلَيْسَت الْعَرَب تهاب حذف الْيَاء من آخر الْكَلَام إِذا كَانَ مَا قبلهَا مكسوراً. من ذَلِك: أكرمن وأهانن فِي سُورَة الْفجْر. وَقَوله: أتمدُّوننِ بمالٍ. وَمن غير النُّون: المناد والداع وَهُوَ كثير يكْتَفى من الْيَاء بكسرة مَا قبلهَا وَمن الْوَاو بضمة مَا قبلهَا مثل قَوْله سَندْعُ الزَّبانِية ويَدْعُ الإنسانُ وَمَا أشبهه. وَقد تسْقط الْعَرَب الْوَاو وَهِي وَاو جمع اكْتِفَاء بالضمة قبلهَا فَقَالُوا فِي ضربوا: قد ضرب وَفِي قَالُوا: قد قَالَ. وَهِي فِي هوَازن وعليا قيس أَنْشدني بَعضهم:

الوافر إِذا مَا شَاءَ ضرّوا من أَرَادوا وأنشدني الْكسَائي: الْبَسِيط كأنّهم بجناحي طائرٍ طَار وأنشدني بَعضهم: وَتفعل ذَلِك فِي يَاء التَّأْنِيث من تَحت كَقَوْل عنترة: الْكَامِل (إنّ العدوّ لَهُم إِلَيْك وسيلةٌ ... إِن يأخذوك تكحّلي وتخضّب) يحذفون الْيَاء وَهِي دَلِيل على الْأُنْثَى اكْتِفَاء بِالْكَسْرِ. انْتهى. وَظَاهر كَلَامه أَن هَذَا لُغَة لَا ضَرُورَة. وَأوردهُ صَاحب الْكَشَّاف أَيْضا فِي سُورَة الْمُؤمنِينَ شَاهدا لقِرَاءَة من قَرَأَ: قد أَفْلح بِضَم الْحَاء اجتزاء بالضمة عَن الْوَاو وَالْأَصْل قد أفلحوا على لُغَة أكلوني البراغيث. وَنقل ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي فِي الْجِهَة الرَّابِعَة من الْكتاب الْخَامِس عَن

التبريزي فِي قِرَاءَة يحيى بن يعمر: على الَّذِي أحسن بِالرَّفْع أَن أَصله أَحْسنُوا فحذفت الْوَاو اجتزاءً عَنْهَا بالضمة كَمَا قَالَ:) إِذا شَاءَ مَا ضرّوا من أَرَادوا الْبَيْت ثمَّ قَالَ: وحذفت الْوَاو. وَإِطْلَاق الَّذِي على الْجَمَاعَة لَيْسَ بالسهل وَالْأولَى قَول الْجَمَاعَة إِنَّه بِتَقْدِير مُبْتَدأ أَي: هُوَ أحسن. وَأما قَول بَعضهم فِي قِرَاءَة ابْن مُحَيْصِن: لمن أَرَادَ أَن يتم الرضَاعَة إِن الأَصْل أَن يتموا بِالْجمعِ فَحسن لِأَن الْجمع على معنى من. وَلَكِن أظهر مِنْهُ قَول الْجَمَاعَة: إِنَّه جَاءَ على إهمال أَن الناصبة. انْتهى مُخْتَصرا. وَهَذَا الْكَلَام أَيْضا يدل على أَنه غير ضَرُورَة. وَفِي الْبَيْت شَاهد آخر وَهُوَ قصر الْمَمْدُود وَبِه أوردهُ ثَعْلَب فِي أَمَالِيهِ قَالَ: قصر الْأَطِبَّاء فِي أول الْبَيْت وَمد فِي آخِره وَأَصله الْمَدّ. وَأما قَوْله: كَانَ حَولي فَإِنَّهُ اكْتفى بالضمة عَن وَاو الْجمع. هَذِه عِبَارَته. وَأوردهُ ابْن الْأَنْبَارِي أَيْضا فِي مسَائِل الْخلاف فِي موضِعين بِالْوَجْهَيْنِ ذكره فِي الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة وَالسبْعين فِي مَسْأَلَة فعل الْأَمر هَل هُوَ مُعرب أَو مَبْنِيّ

على أَن الِاكْتِفَاء بالضمة ضَرُورَة. وَأوردهُ فِي الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة عشرَة بعد الْمِائَة فِي الْمَقْصُور والممدود على قصر الأطبا لضَرُورَة الشّعْر. قَالَ: وَالْقِيَاس يُوجب مده لِأَن الأَصْل فِي طَبِيب أَن يجمع على طيباء كشريف وشرفاء إِلَّا أَنه اجْتمع حرفان متحركان من جنس وَاحِد فاستثقلوا اجْتِمَاعهمَا فنقلوه من فعلاء إِلَى أفعلاء فَصَارَ أطبباء فاستثقلوا أَيْضا اجْتِمَاع حرفين متحركين من جنس وَاحِد فنقلوا كسرة الْبَاء إِلَى الطَّاء وأدغموا. وَأَطْنَبَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَبَين حجج الْفَرِيقَيْنِ وَجَاء بِمَا يجلو الْعين ويمحو عَن الْقلب الرين. وروى بعد الْبَيْت الشَّاهِد بَيْتا ثَانِيًا وَالرِّوَايَة عِنْده هَكَذَا: (فَلَو أنّ الأطبّا كَانَ حَولي ... وَكَانَ مَعَ الأطبّاء الشّفاة) والطب بِالْكَسْرِ فِي اللُّغَة: الحذق. والطبيب: الحاذق. والأساة: جمع آس كقضاة جمع قَاض. قَالَ فِي الصِّحَاح: الآسي: الطَّبِيب. وَكَذَلِكَ الشفاة جمع شاف. وَقَوله: إِذن مَا أذهبوا جَوَاب لَو. وَرِوَايَة الْعَيْنِيّ تَقْدِيم الأساة فِي قافية الْبَيْت الأول وَتَأْخِير الشفاة فِي قافية الْبَيْت الثَّانِي. وَلم يعزهما الْفراء فَمن بعده إِلَى أحد. وَالله أعلم.) وَأنْشد بعده الشَّاهِد السَّادِس وَالسَّبْعُونَ بعد الثلاثمائة وَهُوَ من شَوَاهِد س:

الطَّوِيل (بحوران يعصرن السّليط أَقَاربه) على أَنه جَاءَ على لُغَة أكلوني البراغيث. قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَاعْلَم أَن من الْعَرَب من يَقُول: ضربوني قَوْمك وضرباني أَخَوَاك فشبهوا هَذَا بِالتَّاءِ الَّتِي يظهرونها فِي قَالَت فُلَانَة وَكَأَنَّهُم أَرَادوا أَن يجْعَلُوا للْجمع عَلامَة كَمَا جعلُوا للمؤنث وَهِي قَليلَة. (وَلَكِن ديافيٌّ أَبوهُ وأمّه ... بحوران يعصرن السّليط أَقَاربه) انْتهى. ف أَقَاربه فَاعل يعصر وَالنُّون عَلامَة لكَون الْفَاعِل جمعا كتاء التَّأْنِيث. قَالَ ابْن هِشَام فِي شرح شواهده: إِنَّمَا قَالَ يعصرن لِأَنَّهُ شبههم بِالنسَاء لأَنهم لَا شجاعة لَهُم والخدمة والتبذل فِي الْعَرَب إِنَّمَا هُوَ للنِّسَاء وَإِمَّا الرِّجَال فشغلهم بالحروب. وَقيل شبهه بِبَعِير ديافي ثمَّ أقبل يصف أقَارِب الْبَعِير وأقاربه جمال. فَلذَلِك جَاءَ بالنُّون. انْتهى. أَقُول: الْوَجْه الثَّانِي بعيد لَا قرينَة لَهُ ويزيده بعدا يعصرن السليط. قَالَ ابْن خلف: وَفِي رفع أَقَاربه أوجه أخر: أَحدهَا: يجوز أَن يكون مُبْتَدأ ويعصرن خبر مقدم عَلَيْهِ وَهَذَا سَائِغ عِنْد أهل الْبَصْرَة كَمَا قَالُوا: مَرَرْت بِهِ الْمِسْكِين يُرِيدُونَ: الْمِسْكِين مَرَرْت بِهِ. قَالَ أَبُو عَليّ: وَفِيه مَعَ هَذَا قبح لِأَن الْخَبَر جملَة وَلَيْسَ بمفرد فَلَا يَنْبَغِي أَن يجوز فِيهِ مَا جَازَ فِي الأَصْل الَّذِي هُوَ الْمُفْرد. وَأهل الْكُوفَة لَا يجيزون مثل هَذَا. وَيحْتَمل أَن يكون رفعا بحوران وَيكون بحوران صفة لديافي ويعصرن حَالا من الْأَقَارِب. وَيجوز أَن يكون بَدَلا من النُّون كَمَا قيل فِي: وأسَرُّوا النَّجْوَى الَّذين ظَلَمُوا. وَيجوز أَن يكون خبر مُبْتَدأ مُضْمر

وَالْجُمْلَة جَوَاب لسؤال مُقَدّر كَأَنَّهُ لما قيل بحوران يعصرن السليط فَقيل: من أَقُول: هَذِه الْوُجُوه الْأَرْبَعَة مَبْنِيَّة على أَن النُّون ضمير وَهَذِه النُّون فِي الْبَيْت سَوَاء كَانَت حرفا أم اسْما تدل على صِحَة مَا نَقله الشَّارِح الْمُحَقق فِي بَاب التوكيد عَن الأندلسي من جَوَاز رُجُوع ضمير جمَاعَة الْمُؤَنَّث إِلَى الْجمع المكسر الْعَاقِل فَكَانَ يَنْبَغِي أَن يسْتَدلّ بِهَذَا الْبَيْت دون الْبَيْت) الْمُتَقَدّم لخفائه كَمَا تقدم. وَقَوله: ديافي خبر لمبتدأ مَحْذُوف تَقْدِيره: لَكِن أَنْت ديافي يدل عَلَيْهِ قَوْله فِيمَا قبله: لَو كنت ضبياً أَو هُوَ ديافي: لقَوْله فَلَو كَانَ ضبياً كَمَا يَأْتِي. وَهُوَ مَنْسُوب إِلَى دياف بِكَسْر الدَّال بعْدهَا مثناة تحتية وَآخره فَاء. قَالَ صَاحب الْعباب: دياف من قرى الشَّام وَأَهْلهَا نبط الشَّام وتنسب الْإِبِل إِلَيْهَا وَالسُّيُوف. وَإِذا عرضوا بِرَجُل أَنه نبطي نسبوه إِلَيْهَا. قَالَ: وَلَكِن ديافيٌّ أَبوهُ وَأمه الْبَيْت وَهَذَا يدل على أَن ديافاً بِالشَّام لَا بالجزيرة كَمَا قيل لِأَن حوران من رساتيق دمشق. وَكَذَا قَالَ الْحسن السكرِي فِي شرح ديوانه: وَقَالَ جرير: الرجز (إنّ سليطاً كاسمه سليط ... لَوْلَا بَنو عمروٍ وعمرٌ عيط)

. أَرَادَ: عَمْرو بن يَرْبُوع وهم حلفاء بني سليط. وَقَالَ الأخطل: الطَّوِيل (كأنّ بَنَات المَاء فِي حجراته ... أَبَارِيق أَهْدَتْهَا ديافٌ لصرخدا) انْتهى. وَلم يُورد أَبُو عبيد الْبكْرِيّ دياف فِي مُعْجم مَا استعجم. وَأَبوهُ مَرْفُوع بديافي لِأَنَّهُ خبر سببي. وأتى بضمير الْغَيْبَة لِأَن التَّقْدِير أَنْت رجل ديافي أَبوهُ. وَأمه مَعْطُوف عَلَيْهِ. وَقَوله: بحوران مُتَعَلق ب يعصرن وَجُمْلَة: يعصرن صفة لديافي وَضمير أَقَاربه رَاجع عَلَيْهِ. هَذَا هُوَ الظَّاهِر. وَذكر ابْن خلف أوجهاً متعسفة فِي إِعْرَاب كل لَفْظَة من هَذَا الْبَيْت لَا فَائِدَة فِي نقلهَا. ويعصرن بِكَسْر الصَّاد. قَالَ صَاحب الْمِصْبَاح: عصرت الْعِنَب وَنَحْوه عصراً من بَاب ضرب: استخرجت مَاءَهُ وَأَرَادَ هُنَا يستخرجن السليط بِفَتْح السِّين وَكسر اللَّام. قَالَ الصَّاغَانِي فِي الْعباب: السليط الزَّيْت عِنْد عَامَّة الْعَرَب وَعند أهل الْيمن دهن السمسم. وَقَالَ ابْن دُرَيْد وَابْن فَارس: السليط بلغَة أهل الْيمن وبلغة من سواهُم: دهن السمسم: أَقُول:) الْأَمر على خِلَافه فَإِنِّي سَمِعت أهل مَكَّة حرسها الله تَعَالَى وَأهل تهَامَة واليمن يسمون دهن السمسم: السليط. انْتهى.

وَقَالَ ابْن خلف: السليط الشيرج وَهُوَ هُنَا الزَّيْت لِأَن حوران من مدن الشَّام وَأَهْلهَا نبط فَهِيَ بعصر الزَّيْت أشهر مِنْهَا بعصر الشيرج. وَقد يجوز أَن يكون الشيرج لِأَنَّهُ يعصر بِالشَّام كَمَا يعصر الزَّيْت. وَالدَّلِيل على أَن السليط يَقع على الزَّيْت قَول النَّابِغَة الْجَعْدِي: المتقارب (أَضَاءَت لنا النّار وَجها أغ ... رّ ملتبساً بالفؤاد التباسا) (يضيء كضوء سراج السّلي ... ط لم يَجْعَل الله فِيهِ نُحَاسا) والنحاس: الدُّخان وَذَلِكَ مَعْدُوم فِي الزَّيْت وَأما الشيرج فكثير الدُّخان. هجاه بذلك إِذْ جعله من أهل الْقرى المستخدمين لإِقَامَة عيشهم ونفاه عَمَّا عَلَيْهِ الْعَرَب من الانتجاع وَالْحَرب. وَالْبَيْت من أَبْيَات للفرزدق وَهِي: الطَّوِيل (ستعلم يَا عَمْرو بن عفرى من الَّذِي ... يلام إِذا مَا الْأَمر عيّت عواقبه) (فَلَو كنت ضبّيّاً صفحت وَلَو سرت ... على قدمي حيّاته وعقاربه) (وَلَكِن ديافيٌّ أَبوهُ وأمّه ... بحوران يعصرن السّليط أَقَاربه) (ولمّا رأى الدّهنا رمته حبالها ... وَقَالَت ديافيٌّ مَعَ الشَّام جَانِبه) ...

(تضنّ بِمَال الباهليّ كأنّما ... تضنّ على المَال الَّذِي أَنْت كاسبه) (وإنّ امْرأ يغتابني لم أَطَأ لَهُ ... حريماً وَلَا تنهاه عنّي تجاربه) (كمحتطبٍ يَوْمًا أساود هضبةٍ ... أَتَاهُ بهَا فِي ظلمَة اللّيل حاطبه) (أحين التقى ناباي وابيضّ مسحلي ... وأطرق إطراق الكرا من أحاربه) روى صَاحب الأغاني بِسَنَدِهِ عَن مُحَمَّد بن سَلام قَالَ: أَتَى الفرزدق عبد الله بن مُسلم الْبَاهِلِيّ فَسَأَلَهُ فثقل عَلَيْهِ الْكثير وخشيه فِي الْقَلِيل وَعِنْده عَمْرو بن عفراء الضَّبِّيّ راوية الفرزدق وَقد كَانَ هجاه جرير لروايته للفرزدق فِي قَوْله: الطَّوِيل (ونبّئت جوّاباً وسكناً يسبّني ... وَعَمْرو بن عفرى لاسلامٌ على عَمْرو) فَقَالَ ابْن عفراء الضَّبِّيّ: لَا يهولنك أمره. فَقَالَ: وَكَيف ذَاك قَالَ: أَنا أرضيه عَنْك بِدُونِ مَا كَانَ هم لَهُ بِهِ. فَأعْطَاهُ ثلثمِائة دِرْهَم فَبلغ الفرزدق صَنِيع عَمْرو فَقَالَ هَذِه الأبيات. قَالَ: فَأَتَاهُ ابْن عفراء فِي نَادِي قومه فَقَالَ لَهُ: اجهد جهدك هَل هُوَ إِلَّا هَذَا وَالله لَا أدع لَك) مساءةً إِلَّا أتيتها وَلَا تَأْمُرنِي بِشَيْء إِلَّا اجتنبته وَلَا تنهاني عَن شَيْء إِلَّا ركبته. قَالَ: فَاشْهَدُوا أَنِّي أنهاه أَن ينيك أمه. فَضَحِك الْقَوْم وخجل ابْن عفراء. وروى أَيْضا بعد هَذَا فِي مَوضِع آخر عَن يُونُس النَّحْوِيّ قَالَ:

مدح الفرزدق عَمْرو بن مُسلم الْبَاهِلِيّ فَأمر لَهُ بثلثمائة دِرْهَم وَكَانَ عَمْرو بن عفراء الضَّبِّيّ صديقا لعَمْرو فلامه وَقَالَ: أتعطي الفرزدق ثلثمِائة دِرْهَم وَإِنَّمَا كَانَ يَكْفِيهِ أَن تعطيه عشْرين درهما فَبلغ ذَلِك الفرزدق فَقَالَ: الطَّوِيل (نهيت ابْن عفرى أَن يعفّر أمّه ... كعفر السّلى إِذْ جرّدته ثعالبه) (وإنّ امْرأ يغتابني لم أَطَأ لَهُ ... حريما فَلَا تنهاه عنّي أَقَاربه) (كمحتطبٍ لَيْلًا أساود هضبةٍ ... أَتَاهُ بهَا فِي ظلمَة اللّيل حاطبه) (ألمّا اسْتَوَى ناباي وابيضّ مسحلي ... وأطرق إطراق الكرا من أحاربه) (فَلَو كَانَ ضبّيّاً صفحت وَلَو سرت ... على قدمي حيّاته وعقاربه) (وَلَكِن ديافيٌّ أَبوهُ وَأمه ... بحوران يعصرن. . الْبَيْت انْتهى) وَقَالَ ابْن خلف وَصَاحب الْعباب: سَبَب هَذَا الشّعْر أَن عَمْرو بن عفراء الضَّبِّيّ قَالَ لعبد الله بن مُسلم الْبَاهِلِيّ: وَقد أعْطى الفرزدق خلعة وَحمله على دَابَّة وَأمر لَهُ بِأَلف دِرْهَم فَقَالَ لَهُ عَمْرو بن عفراء: مَا يصنع الفرزدق بِهَذَا الَّذِي أَعْطيته إِنَّمَا يَكْفِي الفرزدق ثَلَاثُونَ درهما يَزْنِي بِعشْرَة وَيَأْكُل بِعشْرَة وَيشْرب بِعشْرَة. فهجاه الفرزدق بِهَذَا. انْتهى. وَقَوله: ستعلم يَا عَمْرو الخ هَذَا تهديد وعفراء بِالْمدِّ قصر ضَرُورَة فَكتب بِالْيَاءِ وَهِي أمه. وعي: بِمَعْنى لم يهتد لوجهه.

وَقَوله: فَلَو كنت ضبياً الخ نَفَاهُ عَن قبيلته لكَونه سكن الْقرى وَلم يكن على طَريقَة الْعَرَب. وَقَوله: وَلما رأى الدهنا الخ الدهنا يمد وَيقصر وَهُوَ مَوضِع بِبِلَاد تَمِيم. وحبالها: أَسبَابهَا. وديافي بِتَقْدِير هُوَ ديافي وَجُمْلَة: مَعَ الشَّام جَانِبه صفة لَهُ وَجَوَاب لما مَحْذُوف وَالتَّقْدِير سكن الشَّام وَنَحْوه. وَقَالَ الْحسن السكرِي: الْوَاو هُنَا مقحمة فِي وَقَالَت: لَا مَوضِع لَهَا أَرَادَ قَالَت. انْتهى. وَقَوله: فَإِن تغْضب الدهنا هَذَا وَجه رمي الدهنا لَهُ فَإِنَّهُ سوقي يتاجر بالزيت. والدهنا لَا) تقبل من هُوَ كَذَا. وَقَوله: تضن أَي: تبخل. وَقَوله: كمحتطب يَوْمًا الخ هُوَ خبر إِن فِي قَوْله وَإِن امْرأ وَهُوَ الَّذِي يجمع الْحَطب. والأساود: جمع أسود وَهُوَ الْعَظِيم من الْحَيَّات وَفِيه سَواد. والهضبة: الْجَبَل المنبسط على وَجه الأَرْض أَشَارَ إِلَى الْمثل الْمَشْهُور لمن يتَكَلَّم بالغث والسمين: حَاطِب ليل لِأَنَّهُ لَا يبصر مَا يجمع فِي حبله رُبمَا يجمع فِي حطبه حَيَّة يكون هَلَاكه بهَا. وَقَوله: أحين التقى ناباي الخ التقاء النابين واستواؤهما كِنَايَة عَن بُلُوغ الأشد. والمسحل: بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون السِّين وَفتح الْحَاء الْمُهْمَلَتَيْنِ: عَارض الرجل أَي: صفحة خَدّه. وأطرق أَي: أرْخى عَيْنَيْهِ ينظر إِلَى الأَرْض. والكرا لُغَة فِي الكروان. يَقُول: أيؤذيني فِي وَقت شدتي وَحين تهابني أقراني وأطرقوا مني كإطراق الكروان. والاستفهام إنكاري. وَقَوله: نهيت ابْن عفري أَن يعفر أمه الخ التعفير: التمريغ فِي التُّرَاب.

والسلى بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَالْقصر هُوَ الْجلْدَة الرقيقة الَّتِي يكون فِيهَا الْوَلَد من الْمَوَاشِي. وَأنْشد بعده الشَّاهِد السَّابِع وَالسَّبْعُونَ بعد الثلاثمائة: الرجز (إِن كنت أَدْرِي فعليّ بدنه ... من كَثْرَة التّخليط أنّي من أَنه) على أَنه قد يبين فتح أَنا فِي الْوَقْف بهاء السكت كَمَا فِي آخر القافية فِي هَذَا الْبَيْت. قَالَ ابْن جني فِي سر الصِّنَاعَة: فَأَما قَوْلهم فِي الْوَقْف على أَن فعلت: أَنا وَأَنه فَالْوَجْه أَن تكون الْهَاء فِي أَنه بَدَلا من الْألف فِي أَنا لِأَن الْأَكْثَر فِي الِاسْتِعْمَال إِنَّمَا هُوَ أَنا بِأَلف وَالْهَاء قَليلَة جدا فَهِيَ بدل من الْألف. وَيجوز أَن تكون الْهَاء أَيْضا فِي أَنه ألحقت لبَيَان الْحَرَكَة كَمَا ألحقت الْألف وَلَا تكون بَدَلا مِنْهَا بل قَائِمَة بِنَفسِهَا كَالَّتِي فِي قَوْله تَعَالَى: كتابِيَهْ وحِسَابِيهْ وسُلطَانِيَهْ ومَالِيَهْ وماهيَهْ. انْتهى. والبدنة قَالَ صَاحب الْمِصْبَاح: قَالُوا هِيَ نَاقَة أَبُو بقرة. وَزَاد الْأَزْهَرِي أَو بعير ذكر. قَالَ: لَا تقع الْبَدنَة على الشَّاة. وَقَالَ بعض الْأَئِمَّة: الْبَدنَة هِيَ: الْإِبِل خَاصَّة وَإِنَّمَا ألحقت الْبَقَرَة بِالْإِبِلِ بِالسنةِ. وَقَوله: من كَثْرَة مُتَعَلق بِالْفِعْلِ الْمَنْفِيّ ضمنا أَي: مَا أَدْرِي من كَثْرَة التَّخْلِيط. قَالَ صَاحب الصِّحَاح: والتخليط فِي الْأَمر: الْإِفْسَاد فِيهِ. وَقَوله: أَنِّي بِفَتْح الْهمزَة. وَقَوله: من أَنه من عِنْد سِيبَوَيْهٍ مُبْتَدأ وَأَنه خبر وَعند غَيره بِالْعَكْسِ وَالْجُمْلَة فِي

مَحل رفع خبر أَنِّي من أَنه فِي مَحل نصب سَاد مسد مفعولي أَدْرِي. وَهَذَا الْبَيْت لم أَقف لَهُ على أثر. وَالله أعلم. وَأنْشد بعده الشَّاهِد الثَّامِن وَالسَّبْعُونَ بعد الثلاثمائة الوافر (أَنا سيف الْعَشِيرَة فاعرفوني ... حميدا قد تذرّيت السّناما) قَالَ ابْن جني فِي شرح تصريف الْمَازِني أما الْألف فِي أَنا فِي الْوَقْف فزائدة لَيست بِأَصْل. وَلم نقض بذلك فِيهَا من جِهَة الِاشْتِقَاق. هَذَا محَال فِي الْأَسْمَاء المضمرة لِأَنَّهَا مَبْنِيَّة كالحروف وَلَكِن قضينا بزيادتها من حَيْثُ كَانَ الْوَصْل يزيلها ويذهبها كَمَا يذهب الْهَاء الَّتِي تلْحق لبَيَان الْحَرَكَة فِي الْوَقْف. أَلا ترى أَنَّك تَقول فِي الْوَصْل: أَن زيد كَمَا قَالَ تَعَالَى: إنِّي انا ربَّك تكْتب بِأَلف بعد النُّون وَلَيْسَت الْألف فِي اللَّفْظ وَإِنَّمَا كتبت على الْوَقْف فَصَارَ سُقُوط الْألف فِي الْوَصْل كسقوط الْهَاء الَّتِي تلْحق فِي الْوَقْف لبَيَان الْحَرَكَة فِي الْوَصْل وبينت الفتحة بِالْألف كَمَا بيّنت بِالْهَاءِ لِأَن الْهَاء ماورة للألف. وَقد قَالُوا فِي الْوَقْف: أَنه فبينوا الفتحة بِالْهَاءِ كَمَا بينوها بِالْألف وكلتاهما سَاقِطَة فِي الْوَصْل. فَأَما قَول الشَّاعِر: انا سيف الْعَشِيرَة فاعرفوني ... ... ... ... الْبَيْت

فَإِنَّمَا أجراه فِي الْوَصْل على حد مَا كَانَ عَلَيْهِ فِي الْوَقْف. وَقد أجرت الْعَرَب كثيرا من ألفاظها فِي الْوَصْل على حد مَا تكون عَلَيْهِ فِي الْوَقْف وَأكْثر مَا يَجِيء ذَلِك فِي ضَرُورَة الشّعْر. انْتهى. وحميداً بدل من يَاء اعرفوني لبَيَان الِاسْم أَو هُوَ مَنْصُوب على الْمَدْح. قَالَ أَبُو بكر الْخفاف فِي شرح الْجمل: قَالَ الزّجاج: حميدا بدل من الْيَاء وَهَذَا لَا حجَّة فِيهِ لاحْتِمَال أَن يكون مَنْصُوبًا بإضمار فعل على الْمَدْح كَأَنَّهُ قَالَ: فاعرفوني مَشْهُورا. وأناب قَوْله حميدا مناب قَوْله مَشْهُورا لكَونه علما. وَحميد يرْوى مُصَغرًا ومكبراً. وَأنْشد صَاحب الصِّحَاح بدله جَمِيعًا. وتذريت السنام بِمَعْنى علوته من الذرْوَة والذروة بِالْكَسْرِ وَالضَّم وَهُوَ أَعلَى السنام. وَحَقِيقَة تذريت السنام عَلَوْت ذروته. وَنسب ياقوت هَذَا الْبَيْت فِي حَاشِيَة الصِّحَاح إِلَى حميد بن بَحْدَل شَاعِر. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: بَحْدَل الرجل إِذا مَالَتْ لثته أَي: لحم أَسْنَانه. وَقَالَ الْأَزْهَرِي: البحدلة الخفة فِي السَّعْي. قَالَ: وَسمعت أَعْرَابِيًا يَقُول لصَاحب لَهُ: بَحْدَل بجدك. يَأْمُرهُ بالسرعة فِي) الْمَشْي. انْتهى. وَحميد مُضَاف إِلَى جده لِأَنَّهُ حميد بن حُرَيْث بن بَحْدَل من بني كلب بن وبرة وَيَنْتَهِي نسبه إِلَى قضاعة. وَحميد شَاعِر إسلامي وَكَانَت عمته مَيْسُونُ بنت بَحْدَل أم يزِيد بن مُعَاوِيَة. وَكَانَ ابْن عَمه حسان بن مَالك بن بَحْدَل سيد كلب فِي زَمَانه وَهُوَ

الَّذِي بَايع مَرْوَان بن الحكم يَوْم المرج وَكَانَ ولاه يزِيد بن مُعَاوِيَة على فلسطين والأردن. وَأَخُوهُ مسعد بن مَالك بن بَحْدَل على قنسرين فَلَمَّا مَاتَ يزِيد بن مُعَاوِيَة وثب زفر بن الْحَارِث على سعيد فَأخْرجهُ مِنْهَا وَبَايع لِابْنِ الزبير ثمَّ خرج عُمَيْر بن الْحباب مغيراً على بني كلب بِالْقَتْلِ والنهب فَلَمَّا رَأَتْ كلب مَا لَقِي أَصْحَابهم اجْتَمعُوا إِلَى حميد بن حُرَيْث بن بَحْدَل فَقتل حميد بني فَزَارَة قتلا ذريعاً. والقصة مفصلة فِي تَرْجَمَة عويف القوافي فِي الأغاني. وَأنْشد بعده الشَّاهِد التَّاسِع وَالسَّبْعُونَ بعد الثلاثمائة وَهُوَ من أَبْيَات الْمفصل: الْبَسِيط (فَقلت أَهِي سرت أم عادني حلم) هَذَا عجز وصدره: فَقُمْت للطّيف مرتاعاً فأرّقني على أَن هَاء هِيَ قد تسكن بعد همزَة الِاسْتِفْهَام. وَفِي التسهيل مَا يَقْتَضِي أَنه قَلِيل وَفِي شرح مُصَنفه أَنه لم يجِئ إِلَّا فِي الشّعْر. وَقَالَ ابْن جني فِي إِعْرَاب الحماسة: أسكن أول أَهِي لاتصال حرف

الِاسْتِفْهَام بِهِ وأجراها فِي ذَلِك مجْرى الْمُتَّصِل فَصَارَ أَهِي كعلم وأجرى همزَة الِاسْتِفْهَام مجْرى وَاو الْعَطف وفائه وَلَام الِابْتِدَاء. نَحْو قَوْله تَعَالَى: وهْوَ الله وَقَوله: فَهْوَ جَزَاؤه وقولك: وَهِي قَامَت وفهي جالسة وَإِن الله لَهو السَّمِيع الْعَلِيم. غير أَن هَذَا الإسكان مَعَ همزَة الِاسْتِفْهَام أَضْعَف مِنْهُ مَعَ مَا ذَكرْنَاهُ وَمن حَيْثُ كَانَ الْفَصْل بَينهمَا وَبَين المستفهم عَنهُ جَائِزا نَحْو قَوْلك: أَزِيد قَامَ وأزيداً ضربت وَلَيْسَ كَذَلِك وَاو الْعَطف وفاؤه وَلَا لَام الِابْتِدَاء لَا يجوز الْفَصْل بَين شَيْء مِنْهُنَّ وَبَين مَا وصلن بِهِ.) فَأَما فصل الظّرْف فِي نَحْو: إِن زيدا لفي الدَّار قَائِم فمغتفر لكثرته فِي الْكَلَام أَلا ترَاهَا فِي هَذَا الْبَيْت مَفْصُولًا بَينهَا وَبَين مَا هِيَ سُؤال عَنهُ من اللَّفْظ. وَهَذَا الِاتِّصَال أَو ضِدّه من الِانْفِصَال إِنَّمَا هُوَ شَيْء رَاجع إِلَى مَوْجُود اللَّفْظ لَا إِلَى محصول الْمَعْنى انْتهى. وَهَذَا الْبَيْت من قصيدة مسطورة فِي الحماسة عدتهَا ثَلَاثَة وَأَرْبَعُونَ بَيْتا للمرار الْعَدوي وَقَبله: (زارت رويقه شعثاً بعد مَا هجعوا ... لَدَى نواحل فِي أرساغها الخدم) فَقُمْت للزّور مرتاعاً وأرّقني ... ... ... ... ... ... . الْبَيْت ...

(وَكَانَ عهدي بهَا وَالْمَشْي يبهظها ... من الْقَرِيب وَمِنْهَا النّوم والسّأم) (وبالتّكاليف تَأتي بَيت جارتها ... تمشي الهوينى وَمَا يَبْدُو لَهَا قدم) (رويق إنّي وَمن حجّ الحجيج لَهُ ... وَمَا أهلّ بجنبي نَخْلَة الْحرم) (لم ينسني ذكركُمْ مذ لم ألاقكم ... عيشٌ سلوت بِهِ عَنْكُم وَلَا قدم) (وَلم يشاركك عِنْدِي بعد غانيةٌ ... لَا وَالَّذِي أَصبَحت عِنْدِي لَهُ نعم) قَوْله: زارت رويقة يَقُول: زار خيال رويقة قوما شعثاً أَي: غبراً بَعْدَمَا نَامُوا عِنْد إبل ضوامر شدت فِي إرساغها سيور الْقَيْد لشدَّة سَيرهَا وتأثير الكلال فِيهَا. وَقَوله: فَقُمْت للطيف الخ الطيف: الخيال الطَّائِف فِي النّوم. وَرُوِيَ: فَقُمْت للزور وَهُوَ مصدر بِمَعْنى الزائر يَسْتَوِي فِيهِ الْوَاحِد وَالْجمع والمذكر والمؤنث. والمرتاع: الْخَائِف الْفَزع. وَقد أنْشدهُ صَاحب الْمفصل لما ذكره الشَّارِح الْمُحَقق. وأنشده ابْن النَّاظِم وَابْن هِشَام فِي شرح الألفية على أَن أم الْمُتَّصِلَة وَقعت بَين جملتين فعليتين فِي معنى المفردين وَالتَّقْدِير فَقلت: أسارت هِيَ أم عادني حلمها أَي: أَي هذَيْن. وأنشده ابْن هِشَام فِي موضِعين من الْمُغنِي. الأول فِي أم قَالَ: إِن أم المعادلة لهمزة الِاسْتِفْهَام تقع بَين مفردين

وَهُوَ الْغَالِب وَبَين جملتين ليستا فِي تَأْوِيل المفردين وتكونان أَيْضا اسميتين وفعليتين كَهَذا الْبَيْت. قَالَ: وَذَلِكَ على الْأَرْجَح فِي هِيَ من أَنَّهَا فَاعل بِمَحْذُوف تفسره سرت. وَالثَّانِي فِي أول الْبَاب الثَّانِي قَالَ: وَتَقْدِير الفعلية فِي أَهِي أَكثر رجحاناً من تقديرها فِي: أبشر يهدوننا لمعادلتها الفعلية. قَالَ ابْن الْحَاجِب فِي أمالي الْمفصل: يُرِيد: أَنِّي قُمْت من أجل الطيف منتبهاً مذعوراً للقائه) وأرقني لما لم يحصل اجْتِمَاع مُحَقّق ثمَّ ارتبت لعدم الِاجْتِمَاع هَل كَانَ على التَّحْقِيق أم كَانَ ذَلِك فِي الْمَنَام. وَيجوز أَن يُرِيد: فَقُمْت للطيف وَأَنا فِي النّوم إجلالاً فِي حَال كوني مذعوراً لاستعظامها وأرقني ذَلِك لما انْتَبَهت فَلم أجد شَيْئا محققاً ثمَّ من فرط صبابته شكّ أَهِي فِي التَّحْقِيق سرت أم كَانَ ذَلِك حلماً على عَادَتهم فِي مبالغتهم كَقَوْلِه: الطَّوِيل آأنت أم أمّ سَالم انْتهى. قَالَ الدماميني بعد أَن نقل هَذَا فِي الْحَاشِيَة الْهِنْدِيَّة: حَاصله احْتِمَال كَون الْقيام فِي الْيَقَظَة أَو فِي الْمَنَام وَأما الشَّك فِي الِاجْتِمَاع هَل كَانَ فِي النّوم أَو فِي الْيَقَظَة فثابت على كل من الِاحْتِمَالَيْنِ. وَقَوله: وَكَانَ عهدي بهَا الخ يَقُول: كَيفَ يجوز مجيئها وَقد عهدتها.

يبهظها أَي: يعييها قطع الْمسَافَة الْقَرِيبَة وَالْغَالِب عَلَيْهَا طلب الرَّاحَة بِالنَّوْمِ. وَنصب الهوينى على الْمصدر أَي: تمشي مشياً هيناً. والهوينى: تَصْغِير الهونى مؤنث الأهون. وَقَوله: وَمَا يَبْدُو لَهَا قدم أَي: تجر أذيالها. وَقَوله: بيض ترائبها جمع تريبة وَهُوَ أعالي الصَّدْر. ومرفق أدرم إِذا لم يكن لَهُ حجم لاكتنازه بِاللَّحْمِ والخلق بِالْفَتْح: الْخلقَة. والعمم بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَالْمِيم: الطول. وَقَوله: رويق إِنِّي الخ هُوَ منادى مرخم رويقة. ونخلة: مَوضِع قرب مَكَّة قَالَ صَاحب مُعْجم مَا استعجم: نَخْلَة على لفظ وَاحِدَة النّخل: مَوضِع على لَيْلَة من مَكَّة وَهِي الَّتِي تنْسب إِلَيْهَا بطن نَخْلَة وَهِي الَّتِي ورد فِيهَا الحَدِيث لَيْلَة الْجِنّ. انْتهى. وَزعم الْعَيْنِيّ أَنه مَوضِع قرب الْمَدِينَة. وَحرم بِضَمَّتَيْنِ: جمع حرَام كسحب جمع سَحَاب بِمَعْنى الْمحرم. وَرُوِيَ أَيْضا: وَمَا حج الحجيج. قَالَ ابْن جني فِي إِعْرَاب الحماسة: مَا هُنَا يحْتَمل أَن تكون عبارَة عَن الله تَعَالَى وَأَرَادَ فِي مَا الثَّانِيَة لَهُ غير أَنه حذفهَا. وَيجوز أَن تكون مَصْدَرِيَّة فَتكون الْهَاء فِي لَهُ لله تَعَالَى وَإِن لم يجر لَهُ ذكر لِأَنَّهُ قد جرى ذكر الْحَج فدلت الطَّاعَة على المطاع سُبْحَانَهُ فَكَأَنَّهُ قَالَ: إِنِّي وَحج الحجيج لله. ويؤكد ذَلِك أَنه لم يعد مَعَ الثَّانِيَة لَهُ لِأَنَّهُ غير مُحْتَاج إِلَيْهَا من حَيْثُ كَانَ مصدرا.) وَيجوز أَن تكون عبارَة عَن الْبَيْت فأقسم بِهِ فَحِينَئِذٍ يحْتَمل الْهَاء فِي لَهُ أَن تكون

للبيت على أَن اللَّام بِمَعْنى إِلَى وَأَن تكون لله أَي: وَالْبَيْت الَّذِي حجه الحجيج لطاعة الله. وَقَوله: لم ينسني الخ هُوَ مضارع أنسى وذكركم: مفعول مقدم وعيش: فَاعل مُؤخر وَقدم بِكَسْر الْقَاف مَعْطُوف على عَيْش. قَالَ ابْن جني: هَذَا الْبَيْت جَوَاب الْقسم وَأجَاب بلم وحرفا الْجَواب فِي النَّفْي إِنَّمَا هما: مَا وَلَا لَكِن اضْطر فَشبه لم بِمَا كَمَا اضْطر إِلَى ذَلِك الْأَعْشَى فِي قَوْله: المتقارب أجدّك لم تغتمض ليلةٌ فاعرف ذَلِك فَإِنَّهُ لطيف. وَمن أَوَاخِر القصيدة: (بل لَيْت شعري مَتى أغدو تعارضني ... جرداء سابحةٌ أَو سابح قدم) (نَحْو الأميلح من سمنان مبتكراً ... بفتيةٍ فيهم المرّار وَالْحكم) بل للإضراب عَمَّا قبله. وتعارضني أَي: أقودها فتسبقني من سلاسة قيادها. والجرداء: الْفرس القصيرة الشّعْر وَهُوَ مَحْمُود فِي الْخَيل. وسابحة: كَأَنَّهَا تسبح فِي سَيرهَا وجريها. وَقدم بِضَم الْقَاف وَالدَّال بِمَعْنى مُتَقَدم يُوصف بِهِ الْمُذكر والمؤنث. وَنَحْو ظرف مُتَعَلق ب أغدو والأميلح: اسْم مَاء. وسمنان بِفَتْح السِّين: ديار الشَّاعِر. والفتية: جمع فَتى. والمرار وَالْحكم: رجلَانِ. وَهَذَا الْبَيْت أول شَاهد وَقع فِي شرح الشافية للشَّارِح الْمُحَقق قَالَ فِيهِ: وَكَذَا سمنان

إِمَّا أَن يكون مُكَرر اللَّام للإلحاق بزلزال أَو يكون زيد فِيهِ الْألف وَالنُّون لَا للتكرير بل كَمَا زيدا فِي سلمَان. وَلَا دَلِيل فِي هَذَا الْبَيْت يمْنَع صرف سمنان على كَونه فعلان لجَوَاز كَونه فعلالا. وَامْتِنَاع صرفه لتأويله بِالْأَرْضِ والبقعة لِأَنَّهُ اسْم مَوضِع. انْتهى. قَالَ أَبُو عبيد فِي مُعْجم مَا استعجم: الأميلح بِضَم أَوله وَبِالْحَاءِ الْمُهْملَة كَأَنَّهُ مصغر أَمْلَح: مَوضِع. وَلم يقل: إِنَّه مَاء. وَقَالَ فِي سمنان: بِفَتْح أَوله وَإِسْكَان ثَانِيه على وزن فعلان: مَدِينَة بَين الرّيّ ونيسابور. وسمنان بِضَم السِّين: جبل فِي ديار بني أَسد وَقَالَ أَبُو حَاتِم: فِي ديار بني تَمِيم. اه.) وَهَذَا ضبط مُخَالف لسَائِر الروَاة. وَأول هَذِه القصيدة فِي ذمّ صنعاء الْيمن ومدح بَلَده وَقَومه. وَهَذَا أَولهَا: الْبَسِيط (لَا حبّذا أَنْت يَا صنعاء من بلدٍ ... وَلَا شعوب هوى منّي وَلَا نقم) (إِذا سقى الله أَرضًا صوب غاديةٍ ... فَلَا سقاهنّ إلاّ النّار تضطرم) (وحبّذا حِين تمسي الرّيح بَارِدَة ... وَادي أشيّ وفتيانٌ بِهِ هضم) إِلَى أَن قَالَ: (هم البحور عَطاء حِين تَسْأَلهُمْ ... وَفِي اللّقاء إِذا تلقى بهم بهم) (وهم إِذا الْخَيل جالوا فِي كواثبها ... فوارس الْخَيل لَا ميلٌ وَلَا قزم) (لم ألق بعدهمْ حيّاً فَأخْبرهُم ... إلاّ يزيدهم حبّاً إليّ هم)

شعوب بِفَتْح الشين وَكَذَلِكَ نقم بِضَم النُّون وَالْقَاف: مَوضِع بِالْيمن وَهُوَ جبل صنعاء الشَّرْقِي. وعنس بِفَتْح الْمُهْملَة وَسُكُون النُّون وَقدم بِضَم الْقَاف وَالدَّال: حَيَّان من الْيمن. وأشي بِضَم الْألف وَفتح الشين الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الْيَاء قَالَ أَبُو عبيد: هُوَ وَاد وجبل فِي بِلَاد العدوية من بني تَمِيم. وَقَالَ عمر بن شبة: أشي بلد قريب من الْيَمَامَة. وَأنْشد هَذَا الْبَيْت. وهضم بِضَمَّتَيْنِ: جمع هضوم وَهُوَ الَّذِي ينْفق فِي الشتَاء أَي: حبذا هم فِي برد الشتَاء إِذا اشْتَدَّ الزَّمَان لأَنهم يطْعمُون فِيهِ. والبهم بِضَم فَفتح: جمع بهمة بِضَم فَسُكُون وَهُوَ الشجاع الَّذِي لَا يدرى من أَيْن يُؤْتى من شدَّة وَقَوله: وهم إِذا الْخَيل أَرَادَ بِالْخَيْلِ فرسانها كَقَوْلِهِم: يَا خيل الله ارْكَبِي. وجالوا أَي: وَثبُوا يُقَال: جال فِي ظهر دَابَّته إِذا ركبهَا. لَا ميل: لَا مائلون عَن وُجُوه الْأَعْدَاء جمع أميل وَقيل هُوَ الَّذِي لَا يثبت على ظهر الدَّابَّة وَهُوَ عطف على فوارس وَيجوز أَن يكون خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف كَأَنَّهُ قَالَ: لَا هم ميل. وقزم بِفَتْح الْقَاف وَالزَّاي: رذال النَّاس وسفلتهم يُطلق على الْوَاحِد وَالْجمع وَالذكر وَالْأُنْثَى لِأَنَّهُ فِي الأَصْل مصدر بِمَعْنى الدناءة والقماءة. والكواثب: جمع كاثبة بموحدة بعد مُثَلّثَة وَهِي فِي عرف الْفرس الْمُتَقَدّم من قربوس السرج حَيْثُ يَقع عَلَيْهِ يَد الْفَارِس. كَذَا فِي شرح الحماسة.) وَأورد صَاحب الْكَشَّاف هَذَا الْبَيْت فِي سُورَة الْأَعْرَاف على أَن الْخَبَر فِي قَوْله تَعَالَى: يَمُدُّونهمْ فِي الغيّ جَار على غير مَا هُوَ لَهُ كَمَا فِي الْبَيْت فَإِن الْخَيل

مُبْتَدأ وجالوا خَبره مُسْند إِلَى ضمير الْقَوْم. وَفِيه كَلَام طَوِيل. وَقَوله: لم ألق بعدهمْ الخ الْحَيّ: الْقَبِيلَة. وخبرت الشَّيْء أخبرهُ من بَاب قتل خَبرا بِالضَّمِّ بِمَعْنى عَلمته. وانتصب أخْبرهُم فِي جَوَاب النَّفْي. وهم الْخَيْر فَاعل يزِيد فصل ضَرُورَة. وَالْمعْنَى: لم ألق بعد فِرَاق قومِي حَيا من الْأَحْيَاء فَأخْبرهُم إِلَّا ازدادوا فِي عَيْني إِذا قستهم بِمن وروى ابْن قُتَيْبَة الصَّدْر فِي كتاب الشُّعَرَاء والأصبهاني فِي الأغاني: وَمَا أصَاحب من قومٍ فأذكرهم وَزعم أَبُو حَيَّان أَن الرِّوَايَة كَذَا من تَحْرِيف ابْن مَالك. هَذَا قُصُور مِنْهُ. وَيجوز رفع فأذكرهم عطفا على أصَاحب. وَالذكر هُنَا قلبِي بِمَعْنى التَّذْكِير فَإِن الْمَعْنى إِنِّي إِذا صاحبت قوما فتذكرت قومِي ازددت محبَّة فيهم لفضل قومِي عَلَيْهِم. هَذَا الْبَيْت أوردهُ ابْن النَّاظِم وَابْن هِشَام فِي شرح الألفية لما ذكرنَا من فصل الضَّمِير الْمَرْفُوع ضَرُورَة. قَالَ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي: ادّعى ابْن مَالك أَن الأَصْل يزِيدُونَ أنفسهم ثمَّ صَار يزيدونهم ثمَّ فصل ضمير الْفَاعِل للضَّرُورَة وأخره عَن ضمير الْمَفْعُول. وحامله على ذَلِك ظَنّه أَن الضميرين لمسمى وَاحِد وَلَيْسَ كَذَلِك. قَالَ فِي شرح شواهده وَزعم بعض من فسر الضَّرُورَة بِمَا لَيْسَ للشاعر عَنهُ مندوحة أَن هَذَا لَيْسَ بضرورة لتمكن قَائِله من أَن يَقُول إِلَّا يزيدونهم حبا إِلَيّ هم وَيكون الضَّمِير الْمُنْفَصِل توكيداً للْفَاعِل. ورده ابْن مَالك بِأَنَّهُ يَقْتَضِي كَون الْفَاعِل وَالْمَفْعُول ضميرين متصلين لمسمى وَاحِد وَإِنَّمَا يجوز ذَلِك فِي بَاب ظن. وَهَذَا

سَهْو لِأَن مُسَمّى الضميرين مُخْتَلِفَانِ إِذْ ضمير الْفَاعِل لِقَوْمِهِ وَضمير وَيحْتَمل عِنْدِي أَن يكون فَاعل يزِيد ضمير الذّكر وَيكون هم الْمُنْفَصِل توكيداً لَهُم الْمُتَّصِل. اه. كَلَام ابْن هِشَام. وَقد أَخذ مُسلم بن الْوَلِيد معنى بَيت المرار فَقَالَ: الوافر (ويرجعني إِلَيْك إِذا نأت بِي ... دياري عَنْك تجربة الرّجال) والمرا: شَاعِر إسلامي فِي الدولة الأموية من معاصري الفرزدق وَجَرِير. وَهُوَ بِفَتْح الْمِيم) وَتَشْديد الرَّاء. قَالَ ابْن قُتَيْبَة فِي كِتَابَة الشُّعَرَاء: المرار الْعَدوي هُوَ ابْن منقذ من صدي ابْن مَالك بن حَنْظَلَة. وَأم صدي بِالتَّصْغِيرِ من جلّ بن عدي فَيُقَال لَهُ ولولده بَنو العدوية.

وَقَالَ لَهُم عَوْف بن الْقَعْقَاع: يَا بني العدوية أَنْتُم أوسع بني مَالك أجوافاً وَأَقلهمْ أشرافاً. والمرار هُوَ الْقَائِل: (وَمَا اصاحب من قومٍ فأذكرهم ... إلاّ يزيدهم حبّاً إليّ هم) وَأنْشد مَعَه أبياتاً أخر من هَذِه القصيدة. قَالَ: وَفِيه وَفِي قومه يَقُول جرير: الطَّوِيل (إِن كُنْتُم جربى فعندي شفاؤكم ... وللجنّ إِن كَانَ اعتراك جُنُون) ...

(وَمَا أَنْت يَا مرّار يَا زبد استها ... بأوّل من يشقى بِنَا ويحين) وَقد رفع الْآمِدِيّ نسبه فِي المؤتلف والمختلف فَقَالَ: هُوَ المرار بن منقذ بن عَمْرو بن عبد الله بن وَاسم المرار هَذَا زِيَاد بن منقذ قَالَه الحصري فِي زهر الْآدَاب وَإِلَى اسْمه نسب الشّعْر. وَفِي الحماسة قَالَ شرَّاح الحماسة: هُوَ لزياد بن منقذ وَهُوَ أحد بني العدوية من تَمِيم وَلم يقل غير هَذِه القصيدة وَلم يقل أحد مثلهَا. وَكَانَ قد أَتَى الْيمن فَنزع إِلَى وَطنه بِبَطن الرمة. قَالَ أَبُو الْعَلَاء: الرمة: وَاد بِنَجْد يُقَال بتَشْديد الْمِيم وتخفيفها اه. وصحفه بَعضهم وَتَبعهُ الْعَيْنِيّ فَقَالَ: بِبَطن الرمث بِالْمُثَلثَةِ. وَقد نسب الحصري أَيْضا هَذَا الشّعْر للمرار قَالَ: أنْشد أَبُو عُبَيْدَة لزياد بن منقذ الْحَنْظَلِي وَهُوَ المرار الْعَدوي نسب إِلَى أمه العدوية وَهِي فكيهة بنت تَمِيم ابْن الدئل بن جلّ بن عدي بن عبد مَنَاة بن أد بن طابخة فَولدت لمَالِك بن حَنْظَلَة عديا ويربوعاً. فَهَؤُلَاءِ من وَلَده يُقَال لَهُم بَنو العدوية. وَكَانَ زِيَاد نزل بِصَنْعَاء فاجتواها ومنزله فِي نجد فَقَالَ فِي ذَلِك قصيدةً يَقُول فِيهَا وَذكر قومه: (لم ألق بعدهمْ حيّاً فَأخْبرهُم ... إِلَّا يزيدهم حبّاً إليّ هم) وَأرَاهُ أول من استثار هَذَا الْمَعْنى. وَكَانَ ابْن عَرَادَة السَّعْدِيّ مَعَ سلم بن زِيَاد بخراسان وَكَانَ مكرماً لَهُ وَابْن عَرَادَة يتجنى عَلَيْهِ إِلَى أَن تَركه وَصَحب غَيره فَلم يحمده. فَرجع إِلَى سلم وفال: الطَّوِيل (رجعت إِلَيْهِ بعد تجريب غَيره ... فَكَانَ كبرءٍ بعد طولٍ من السّقم) وَمِنْه قَول أبي الْعَتَاهِيَة فِي جَعْفَر بن الْمَنْصُور الْمَعْرُوف بِابْن الكردية وَهُوَ جَعْفَر الْأَصْغَر:) الطَّوِيل (جزى الله عنّي جعفراً بوفائه ... وأضعف إضعافاً لَهُ بجزائه) (بلوت رجَالًا بعده فِي إخائهم ... فَمَا ازددت إلاّ رَغْبَة فِي إخائه) وَمِنْه أَيْضا لكنه فِي الهجو لبَعْضهِم: الوافر (ذممتك أوّلاً حتّى إِذا مَا ... بلوت سواك عَاد الذّمّ حمدا) (وَلم أحمدك من خيرٍ وَلَكِن ... رَأَيْت سواك شرّاً مِنْك جدّا) (كمضطرٍّ تحامى أكل ميتٍ ... فلمّا اضطرّ عَاد إِلَيْهِ شدّا) قَالَ الصولي: وَآخر من أَتَى بِهَذَا الْمَعْنى أَحْمد بن أبي طَاهِر: الوافر (بلوت النّاس فِي شرقٍ وغربٍ ... وميّزت الْكِرَام من اللّئام) ...

(فردّني ابتلاي إِلَى عليّ ب ... ن يحيى بعد تجريب الْأَنَام) وَعِنْدِي فِي هَذَا الْمَعْنى مقاطيع جَيِّدَة لَوْلَا خشيَة السأم لسردتها. وَزعم أَبُو تَمام فِي الحماسة أَن القصيدة الَّتِي مِنْهَا الْبَيْت الشَّاهِد لزياد بن حمل بن سعيد بن وَأَخْطَأ أَبُو عبيد الْبكْرِيّ فِي مُعْجم مَا استعجم فِي زَعمه أَن زِيَاد بن حمل هُوَ المرار الْعَدوي. وَزعم الْأَصْفَهَانِي فِي الأغاني والخالديان فِي شرح ديوَان مُسلم بن الْوَلِيد أَن هَذِه القصيدة للمرار بن سعيد الفقعسي. وَالله أعلم. وَالصَّوَاب أَنَّهَا لزياد بن منقذ الْعَدوي. قَالَه ياقوت فِي مُعْجم الْبلدَانِ قَالَ: والمرار وَالْحكم أَخَوان. تَتِمَّة ذكر الْآمِدِيّ فِي المؤتلف والمختلف من يُقَال لَهُ المرار سِتَّة. أَوَّلهمْ المرار الفقعسي. وَسَتَأْتِي تَرْجَمته إِن شَاءَ الله فِي الْكَاف من حُرُوف الْجَرّ. ثانيهم: المرار بن منقذ وَتَقَدَّمت تَرْجَمته هُنَا. ثالثهم: المرار بن سَلامَة الْعجلِيّ وَهُوَ إسلامي. رابعهم: المرار بن بشير السدُوسِي. خامسهم: المرار الْكَلْبِيّ. سادسهم: المرار بن معَاذ الجرشِي.)

وَأنْشد بعده وَهُوَ من شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ: الطَّوِيل (فبيناه يشري رَحْله قَالَ قائلٌ: ... لمن جملٌ رخو الملاط نجيب) على أَن وَاو وَهُوَ قد يحذف ضَرُورَة كَمَا هُنَا فَإِن الأَصْل فَبينا هُوَ يشري. قَالَ سِيبَوَيْهٍ: فِي بَاب مَا يحْتَمل الشّعْر: اعْلَم أَنه يجوز فِي الشّعْر مَا لَا يجوز فِي الْكَلَام. إِلَى أَن قَالَ: وَلَيْسَ شَيْء يضطرون إِلَيْهِ إِلَّا هم يحاولون بِهِ وَجها. وَمَا يجوز فِي الشّعْر أَكثر من أَن أذكرهُ لَك هَا هُنَا لِأَن هَذَا مَوضِع جمل. قَالَ أَبُو الْحسن: سَمِعت من الْعَرَب قَول العجير السَّلُولي: فبيناه يشري رَحْله قَالَ قَائِل ... ... ... ... . الْبَيْت قَالَ الأعلم: اراد بَينا هُوَ فسكن الْوَاو ثمَّ حذفهَا ضَرُورَة فَادْخُلْ ضَرُورَة على ضَرُورَة تَشْبِيها للواو الْأَصْلِيَّة بواو الصِّلَة فِي نَحْو مِنْهُ وَعنهُ. وَزعم ابْن الْأَنْبَارِي فِي ترك صرف مَا ينْصَرف من مسَائِل الْخلاف: أَن الْوَاو حذفت متحركة. قَالَ: إِذا جَازَ حذف الْوَاو المتحركة للضَّرُورَة من فبيناه يشري فَلِأَن يجوز حذف التَّنْوِين للضَّرُورَة من بَاب الأولى لِأَن الْوَاو من هُوَ متحركة والتنوين سَاكن وَلَا خلاف أَن حذف

وَبَين ظرف لما وصل بِالْألف إشباعاً للفتحة جَازَ إِضَافَته إِلَى الْجمل وَحدث فِيهِ معنى زَائِد وَذَلِكَ ظرف الزَّمَان كَمَا حدث فِي مَعَ لما أشبعت فتحتها وَحدث بعْدهَا ألف من قَوْلهم مَعًا. وَهُوَ مُبْتَدأ وَجُمْلَة: يشري خَبره وَالْمَجْمُوع فِي مَحل جر بِإِضَافَة بَينا إِلَيْهَا. وَإِنَّمَا جَازَ هَذَا على تَقْدِير حذف الْمُضَاف وَإِقَامَة الْمُضَاف إِلَيْهِ مقَامه وَالتَّقْدِير فَبينا أَوْقَات هُوَ شار رَحْله فَإِنَّهُ يَقُول. وَبينا عِنْد سِيبَوَيْهٍ لَا تقع إِلَّا للمفاجأة وَلَا تقع إِلَّا فِي صدر الْجُمْلَة جعلوها بِمَنْزِلَة الظروف المبهمة الَّتِي تقع فِي صُدُور الْجمل فَإِذا أضفتها إِلَى الْجُمْلَة الَّتِي بعْدهَا جِئْت بِالْفِعْلِ الَّذِي عمل فِيهَا نَحْو قَوْلك: بَينا زيد قَائِم جَاءَ عَمْرو. وَأما الْأَصْمَعِي فَإِنَّهُ يَقُول: إِضَافَة بَينا إِلَى الْمصدر الْمُفْرد جَائِزَة ويروى لأبي ذُؤَيْب: الْكَامِل بَينا تعنّقه الكماة وروغه بجر تعنقه.) وَقَالَ ابْن قُتَيْبَة: سَأَلت الرياشي عَن هَذِه الْمَسْأَلَة فَقَالَ: إِذا ولي لَفْظَة بَينا الِاسْم الْعلم رفعت فَقلت: بَينا زيد قَائِم جَاءَ عَمْرو. وَإِن وَليهَا الْمصدر فالأجود الْجَرّ. وَقوم من النَّحْوِيين لَا يجيزون إِضَافَته إِلَى الْمصدر الْمُفْرد وَلَا إِلَى غير مصدر ويمضون على الأَصْل. ويشري: هُنَا بِمَعْنى يَبِيع وَهُوَ من الأضداد. والرحل: كل شَيْء يعد للرحيل من وعَاء للمتاع ومركب للبعير وحلس ورسن. والملاط بِكَسْر الْمِيم: الْجنب. رخو الملاط: سهله وأملسه. كَذَا قَالَ القالي. وَقَالَ

ابْن خلف: الملاط: مقدم السنام وَقيل جَانِبه. وهما ملاطان: العضدان وَقيل الإبطان. وَقَوله: رخو إِشَارَة إِلَى عظمه واتساعه. قَالَ الأعلم: وصف بَعِيرًا ضل عَن صَاحبه فيئس مِنْهُ وَجعل يَبِيع رَحْله فَبينا هُوَ كَذَلِك سمع منادياً يبشر بِهِ. وَإِنَّمَا وصف مَا ورد عَلَيْهِ من السرُور بعد الأسف والحزن. والملاط: مَا ولي الْعَضُد من الْجنب وَيُقَال للعضدين: ابْنا ملاط. وَوصف برخاوته لِأَن ذَلِك أَشد لتجافي عضديه عَن كركرته وَأبْعد لَهُ من أَن يُصِيبهُ ناكت أَو ماسح أَو حَاز أَو ضَب. وَهَذِه كلهَا أَعْرَاض وآفات تلْحقهُ إِذا حك بعضده كركرته. اه. والنجيب: الْجيد الْأَصِيل وَالصَّوَاب بدله ذَلُول فَإِن القصيدة لامية. قَالَ ابْن خلف: وَهَذَا الْبَيْت قد وَقع صَدره فِي أَكثر نسخ كتاب سِيبَوَيْهٍ وأنشده أَبُو الْحسن الْأَخْفَش: رخو الملاط نجيب بِالْبَاء وأنشده أَيْضا فِي كتاب القوافي كَذَا وَقَالَ: سَمِعت الْبَاء مَعَ اللَّام وَالْمِيم وَالرَّاء كل هَذَا فِي قصيدة وَاحِدَة وَهِي: (أَلا قد أرى إِن لم تكن أمّ مَالك ... بِملك يَدي أنّ الْبَقَاء قَلِيل) (خليليّ سيرا واتركا الرّحل إنّني ... بمهلكةٍ والعاقبات تَدور) ...

(فبيناه يشري رَحْله قَالَ قائلٌ ... لمن جملٌ رخو الملاط نجيب) قَالَ: وَالَّذِي أنْشدهُ أَعْرَابِي فصيح لَا يحتشم من إنشادها وَقَالَ أَبُو الْفَتْح بن جني: هَكَذَا أنْشدهُ أَبُو الْحسن وَهُوَ بعيد لِأَن حكم الْحُرُوف الْمُخْتَلفَة فِي الروي أَن يتقارب مخرجها كَمَا أنْشد سِيبَوَيْهٍ فِي كتاب القوافي. وَالَّذِي وجد فِي شعر العجير السَّلُولي: (فباتت هموم الصّدر شتّى يعدنه ... كَمَا عيد شلوٌ بالعراء قَتِيل) (فبيناه يشري رَحْله قَالَ قائلٌ ... لمن جملٌ رخو الملاط ذَلُول)) (محلّى بأطواقٍ عتاقٍ كأنّها ... بقايا لجينٍ جرسهنّ صليل) اه. وَقَالَ صَاحب الْعباب: الْبَيْت للعجير السَّلُولي ويروى للمخلب الْهِلَالِي وَهُوَ مَوْجُود فِي أشعارهما. والقطعة لامية وَوَقع فِي كتاب سِيبَوَيْهٍ نجيب بدل ذَلُول وَتَبعهُ النُّحَاة على التحريف. وَهِي قِطْعَة غراء. اه. قَالَ الْأسود أَبُو مُحَمَّد الْأَعرَابِي فِي ضَالَّة الأديب: قَالَ أَبُو الندى: القصيدة للمخلب الْهِلَالِي وَلَيْسَ فِي الأَرْض بدوي إِلَّا وَهُوَ يحفظها وأولها: (وجدت بهَا وجد الَّذِي ضلّ نضوه ... بمكّة يَوْمًا والرّفاق نزُول) (بغى مَا بغى حتّى أَتَى اللّيل دونه ... وريحٌ تعلّى بالتّراب جفول) (أَتَى صَاحِبيهِ بَعْدَمَا ضلّ سَعْيه ... بِحَيْثُ تلاقت عامرٌ وسلول) (فَقَالَ: احملا رحلي ورحليكما مَعًا ... فَقَالَا لَهُ: كلّ السّفاه تَقول) (فَقَالَ: احملاني واتركا الرّحل إنّه ... بمهلكةٍ والعاقبات تدول) ...

(فَقَالَا: معَاذ الله واستربعتهما ... ورحليهما عيرانةٌ وذمول) (شكا من خليليه الْجفَاء ونقده ... إِذا قَامَ يستام الرّكاب قَلِيل) (فباتت هموم النّفس شتّى يعدنه ... كَمَا عيد شلوٌ بالعراء قَتِيل) (فبيناه يشري رَحْله قَالَ قَائِل: ... لمن جملٌ رخو الملاط ذَلُول) (محلّى بأطواقٍ عتاقٍ تزينه ... أهلّة جنّ بينهنّ فُصُول) (فهلّل حينا ثمّ رَاح بنضوه ... وَقد حَان من شمس النّهار أفول) (فَمَا تمّ قرن الشّمس حتّى أناخه ... بقرنٍ وللمستعجلات زليل) (فلمّا طوى الشّخصين وازورّ مِنْهُمَا ... ووطّنه بالنّقر وَهُوَ ذَلُول) (فقاما يجرّان الثّياب كِلَاهُمَا ... لما قد أسرّا بالخليل قبيل) وَقد سلك العجير السَّلُولي طَريقَة المخلب الْهِلَالِي وأدرج مَعَاني قطعته فِي شعره فَقَالَ: الطَّوِيل (أَلا قد أرى إِن لم تكن أمّ خَالِد ... بِملك يَدي أنّ الْبَقَاء قَلِيل) (وَأَن لَيْسَ لي فِي سَائِر النّاس رغبةٌ ... وَلَا مِنْهُم لي مَا عداك خَلِيل)

(وَمَا وجد النّهديّ وجدا وجدته ... عَلَيْهَا وَلَا العذريّ ذَاك جميل)) (وَلَا عروةٌ إِذْ مَاتَ وجدا وحسرةً ... بعفراء لمّا أَن أجدّ رحيل) (وَلَا وجد ملقٍ رَحْله ضلّ نضوه ... بمكّة أَمْسَى والرّفاق نزُول) (سعى مَا سعى حتّى أَتَى اللَّيْل دونه ... وريحٌ تلهّى بالتّراب جفول) وسَاق هَذَا المساق حَتَّى قَالَ بعد سَبْعَة أَبْيَات: (فبيناه يشري رَحْله قَالَ قائلٌ ... لمن جملٌ رسل الملاط طَوِيل) كَذَا فِي شعر العجير رسل الملاط طَوِيل فَعلم أَن السَّبق للمخلب الْهِلَالِي. شبه الشَّاعِر حَاله فِي هوى امْرَأَة يُحِبهَا وَشدَّة وجده بهَا بوجد هَذَا الرجل الَّذِي ضل بعيره وفارقه أَصْحَابه فباتت هموم هَذَا الرجل شَتَّى تذْهب عَنهُ حينا فيسكنن وتجيئه جيناً فَيَعُود إِلَيْهِ الْأَلَم ويأتيه كَمَا يَأْتِي العوائد إِلَى الْمَرِيض وَإِلَى الْقَتِيل ينظرنه فَبينا هُوَ يَبِيع رَحل جمله الَّذِي ضل مِنْهُ سمع من يعرف الْجمل ليَرُدهُ على صَاحبه. والشلو بِالْكَسْرِ: الْعُضْو. والعراء بِالْفَتْح: الفضاء. والأطواق: جمع طوق. وَالْعتاق: الحسان. والجرس: الصَّوْت. والصليل: صَوت فِيهِ شدَّة مثل صَوت الْحَدِيد وَالْفِضَّة وَمَا أشبههما. والنضو بِالْكَسْرِ: الْبَعِير المهزول. وَالرِّيح الجفول: الَّتِي تلقى التُّرَاب شَيْئا على شَيْء. والسفاه بِالْفَتْح: مصدر سفه فلَان سفاهة وسفاها. وتدول بِمَعْنى تَدور. يُقَال: دالت الْأَيَّام تدول مثل

دارت تَدور وزنا وَمعنى. واستام: افتعل من السّوم يُقَال: سَام المُشْتَرِي السّلْعَة واستامها إِذا طلب بيعهَا. والركاب: الْإِبِل وَهُوَ مفعول وَقَلِيل: خبر الْمُبْتَدَأ الَّذِي هُوَ نَقده أَي: دَرَاهِمه. وَقرن الثَّانِي: مَوضِع. وزليل: مصدر زل بالزاي إِذا مر مرا سَرِيعا. والعجير السَّلُولي بِضَم الْعين وَفتح الْجِيم قَالَ ابْن السَّيِّد فِي شرح أَبْيَات الْجمل: هُوَ مَنْسُوب إِلَى بني عجير وَهُوَ حَيّ من أَحيَاء الْعَرَب. أَقُول: العجير لقب وَلَيْسَ فِيهِ نِسْبَة. على أَن الصَّاغَانِي قَالَ فِي الْعباب: بَنو عجْرَة قَبيلَة من الْعَرَب. وَلَيْسَ فِيهِ بَنو عجير. والعجير يحْتَمل أَن يكون مصغر عجر مصدر عجر عُنُقه إِذا لواها ومصغر عجر بِفتْحَتَيْنِ مصدر عجر بِالْكَسْرِ أَي: غلظ وَسمن. وَيحْتَمل أَن يكون مصدر ترخيم أعجر يُقَال: كيس أعجر أَي: ممتلئ وفحل أعجر أَي: ضخم. قَالَ اللَّخْمِيّ فِي شرح أَبْيَات الْجمل: اسْم العجير عُمَيْر بِالتَّصْغِيرِ بن عبد الله بن عُبَيْدَة. بِفَتْح) الْعين وَكسر الْمُوَحدَة وَقيل ابْن عُبَيْدَة بضَمهَا. وَهُوَ من بني سلول بن مرّة بن صعصعة أخي عَامر بن صعصعة. وَأم بني مرّة سلول بنت ذهل بن شَيبَان بن ثَعْلَبَة غلبت عَلَيْهِم وَبهَا يعْرفُونَ. ويكنى العجير أَبَا الفرزدق وَأَبا الْفِيل. وَهُوَ شَاعِر إسلامي من شعراء الدولة الأموية. اه. وَقَالَ الْآمِدِيّ فِي المؤتلف والمختلف: أَبُو الفرزدق فَهُوَ ال عجير السَّلُولي مولى لبني هِلَال وَيُقَال: هُوَ العجير بن عبد الله بن عُبَيْدَة بن كَعْب بن عَائِشَة بن ضبيط بن رفيع بن جَابر بن عَمْرو بن مرّة بن صعصعة وهم سلول اه. وسلول اسْم مرتجل غير مَنْقُول. وَتَقَدَّمت تَرْجَمته فِي الشَّاهِد الثَّامِن وَالثَّلَاثِينَ بعد الثلاثمائة.

وَأما المخلب فَهُوَ بِضَم الْمِيم وَفتح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَتَشْديد اللَّام الْمَفْتُوحَة اسْم مَنْقُول. قَالَ صَاحب الْعباب: يُقَال ثوب مخلب إِذا كَانَت نقوشه كمخالب الطير وَقيل هُوَ الْكثير الوشي من الثِّيَاب. وكرسي مخلب: مَعْمُول بالليف. وخلب التَّنور: طينه. وَهَذَا الشَّاعِر لم أَقف على نسبه وَلَا على شَيْء من أَثَره. وَالله أعلم. دارٌ لسعدى إذه من هواكا على أَن الأَصْل إِذْ هِيَ فحذفت الْيَاء ضَرُورَة. قَالَ القالي فِي شرح اللّبَاب أَوله: هَل تعرف الدَّار على تبراكا وَهُوَ بِكَسْر التَّاء مَوضِع. وَفِي هَذَا رد على الْكُوفِيّين فِي زعمهم أَن الضَّمِير فِي هُوَ وَهِي إِنَّمَا هُوَ الْهَاء وَالْوَاو وَالْيَاء زائدتان. قَالَ ابْن الْأَنْبَارِي فِي مسَائِل الْخلاف: ذهب الْكُوفِيُّونَ إِلَى أَن الِاسْم من هُوَ وَهِي الْهَاء وَحدهَا. وَذهب البصريون إِلَى أَن الْهَاء وَالْوَاو من هُوَ وَالْهَاء وَالْيَاء من هِيَ هما الِاسْم بمجموعهما. أما الْكُوفِيُّونَ فاحتجوا بِأَن قَالُوا: الدَّلِيل على أَن الِاسْم هُوَ الْهَاء أَن الْوَاو وَالْيَاء يحذفان فِي التَّثْنِيَة نَحْو: هما وَلَو كَانَت أصلا لما حذفت. وَالَّذِي يدل عَلَيْهِ أَنَّهُمَا يحذفان فِي الْإِفْرَاد وَتبقى الْهَاء قَوْله:)

فبيناه يشري رَحْله ... ... ... ... . . الْبَيْت وَقَالَ الآخر: الْبَسِيط وَقَالَ الآخر: الرجز (إذاه سيم الْخلف آلى بقسم ... بالله لَا يَأْخُذ إلاّ مَا احتكم) وَقَالَ الآخر: دارٌ لسعدى إذه من هواكا فَدلَّ على أَن الِاسْم هُوَ الْهَاء وَحدهَا. وَإِنَّمَا زادوا الْوَاو وَالْيَاء تكثيراً للاسم كَرَاهِيَة أَن يبْقى على حرف وَاحِد. وَأما البصريون فاحتجوا بِأَن قَالُوا: الدَّلِيل على أَن الْوَاو وَالْيَاء أصل أَنه ضمير مُنْفَصِل وَالضَّمِير الْمُنْفَصِل لَا يجوز أَن يبْنى على حرف لِأَنَّهُ لَا بُد من الِابْتِدَاء بِحرف وَالْوَقْف على حرف فَلَو كَانَ الِاسْم هُوَ الْهَاء لَكَانَ يُؤَدِّي أَن يكون الْحَرْف الْوَاحِد سَاكِنا متحركاً وَهُوَ محَال. وَأما قَوْلهم إِن الْوَاو وَالْيَاء يحذفان فِي التَّثْنِيَة. قُلْنَا: إِن هما لَيْسَ تَثْنِيَة وَإِنَّمَا هِيَ صِيغَة مرتجلة للتثنية كأنتما. وَأما مَا أنشدوه من الأبيات فَإِنَّمَا حذفت الْوَاو وَالْيَاء لضَرُورَة الشّعْر كَقَوْل الشَّاعِر: الطَّوِيل (فلست بآتيه وَلَا أستطيعه ... ولاك اسْقِنِي إِن كَانَ ماؤك ذَا فضل) أَرَادَ: وَلَكِن اسْقِنِي فحذفت النُّون للضَّرُورَة. وَأما قَوْلهم: زادوا الْوَاو

وَالْيَاء تكثيراً للاسم كَمَا زادوا الْوَاو فِي ضربتهو قُلْنَا: هَذَا فَاسد لِأَن هُوَ ضمير مُنْفَصِل وَالْهَاء ضمير مُتَّصِل وَقد بَينا أَن الْمُنْفَصِل لَا يجوز أَن يكون على حرف بِخِلَاف الْمُتَّصِل لِأَنَّهُ لَا يقوم بنفسهِ فَلَا يجب فِيهِ مَا وَجب فِي الْمُنْفَصِل وَالْوَاو فِي ضربتهو لَازِمَة السّكُون بِخِلَاف وَاو هُوَ فَإِنَّهَا جَائِزَة السّكُون وَلَو كَانَا بِمَنْزِلَة لوَجَبَ أَن يسوى بَينهمَا فِي الحكم. وَالله أعلم. وَأنْشد بعده الشَّاهِد الْحَادِي وَالثَّمَانُونَ بعد الثلاثمائة الطَّوِيل (وإنّ لساني شهدةٌ يهتدى بهَا ... وهوّ على من صبّه الله علقم) على أَن هَمدَان تشدد وَاو هُوَ كَمَا فِي الْبَيْت وياء هِيَ وَلم يمثل لَهُ. وَهُوَ فِي هَذَا الْبَيْت: الْبَسِيط (والنّفس مَا أمرت بالعنف آبيةٌ ... وهيّ إِن أمرت باللّطف تأتمر) وهمدان بِفَتْح الْهَاء وَسُكُون الْمِيم وَالدَّال مُهْملَة: قَبيلَة من الْيمن وَهُوَ لقب واسْمه أوسلة بن ربيعَة بن لحيان بن مَالك بن زيد بن كهلان. وهمدان وصف من الهمدة وَهِي السكتة. وهمدت أَصْوَاتهم: سكتت. وشهدة بِضَم الشين: الْعَسَل بشمعه. قَالَ ابْن هِشَام فِي شرح شواهده: هَذَا الْبَيْت أوردهُ الْفَارِسِي فِي التَّذْكِرَة عَن قطرب والبغداديين وَفِيه أَرْبَعَة شَوَاهِد: أَحدهَا تَشْدِيد وَاو هُوَ. الثَّانِي: تَعْلِيق الْجَار بالجامد لتأويله بالمشتق وَذَلِكَ لِأَن قَوْله هُوَ علقم مُبْتَدأ وَخبر والعلقم هُوَ الحنظل وَهُوَ نبت كريه الطّعْم وَلَيْسَ المُرَاد هُنَا بل المُرَاد شَدِيد أَو صَعب فَلذَلِك علق بِهِ على الْمَذْكُورَة. وَنَظِيره قَوْله:

مخلع الْبَسِيط كلّ فؤادٍ عَلَيْك أمّ فعلق على بِأم لتأويله إِيَّاهَا بمشتق. وعَلى هَذَا فَفِي علقم ضمير كَمَا فِي قَوْلك: زيد أَسد إِذْ أولته بِقَوْلِك شُجَاع إِلَّا إِذا أردْت التَّشْبِيه. وَمن تعلق الظّرْف بالجامد لما فِيهِ من معنى الْفِعْل قَوْله: الطَّوِيل (تركت بِنَا لوحاً وَلَو شِئْت جادنا ... بعيد الْكرَى ثلجٌ بكرمان نَاصح) (منعت شِفَاء النّفس ممّن تركته ... بِهِ كالجوى مِمَّا تجن الْجَوَارِح) لوحا بِفَتْح أَوله أَي: عطشا يُقَال: لَاحَ يلوح أَي: عَطش. وبعيد: مُتَعَلق ب ثلج لما فِيهِ من معنى بَارِد وَإِذا كَانَ رِيقهَا بَارِدًا فِي وَقت تغيره من نومها فَمَا ظَنك بِهِ فِي غير ذَلِك. وكرمان الثَّالِث: جَوَاز تَقْدِيم مَعْمُول الجامد المؤول بالمشتق إِذا كَانَ ظرفا. وَنَظِيره فِي ذَلِك أَيْضا فِي تحمل الضَّمِير قَوْله:) كلّ فؤادٍ عَلَيْك أمّ الرَّابِع: جَوَاز حذف الْعَائِد الْمَجْرُور بالحرف مَعَ اخْتِلَاف الْمُتَعَلّق إِذْ التَّقْدِير وَهُوَ علقم على من صبه الله عَلَيْهِ. فعلى الْمَذْكُورَة مُتَعَلقَة بعلقم والمحذوفة مُتَعَلقَة بصبه. وبهذين الْوَجْهَيْنِ الْأَخيرينِ أوردهُ فِي مُغنِي اللبيب.

وَأنْشد بعده الشَّاهِد الثَّانِي وَالثَّمَانُونَ بعد الثلاثمائة مجزوء الوافر (رميتيه فأقصدت ... وَمَا أَخْطَأت الرّمية) على أَن أَبَا عَليّ قَالَ: تلْحق الْيَاء تَاء الْمُؤَنَّث مَعَ الْهَاء. قَالَ أَبُو عَليّ فِي الْحجَّة فِي تَوْجِيه قِرَاءَة حَمْزَة: وَمَا أَنْتُم بمصرخي: بِكَسْر الْيَاء الْمُشَدّدَة من سُورَة إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام: وَالْأَكْثَر أَن يُقَال رميته بِكَسْر التَّاء دون يَاء كَمَا قَالَ أقصدت بِدُونِ يَاء. وأقصدت: بِمَعْنى قتلت. قَالَ صَاحب الصِّحَاح: وأقصد السهْم أَي: أصَاب فَقتل مَكَانَهُ. وأقصدته حَيَّة: قتلته. (فَإِن كنت قد أقصدتني أَو رميتني ... بسهميك فالرّامي يصيد وَلَا يدْرِي) أَي: وَلَا يخْتل. انْتهى. وَهَذِه رِوَايَة أبي عَليّ فِي كِتَابه الهاذور. وَرَوَاهُ فِي الْحجَّة: رميته فأصمت. قَالَ صَاحب الصِّحَاح: وأصميت الصَّيْد إِذا رميته فَقتلته وَأَنت ترَاهُ. وَقد صمى الصَّيْد يصمي كرمى يَرْمِي إِذا مَاتَ وَأَنت ترَاهُ. والرمية: فَاعل أَخْطَأت وَسكن آخِره للقافية. وروى: وَمَا أَخْطَأت فِي الرّمية

بِالْخِطَابِ أَيْضا. وَبعده: (بسهمين مليحين ... أعارتكيهما الظّبية) وأعارتكيهما مثل رميتيه بِزِيَادَة الْيَاء من إشباع الكسرة. كَذَا أنْشد الْبَيْتَيْنِ أَبُو حَيَّان فِي تَذكرته عَن أبي الْفَتْح بن جني. وَأنْشد بعده الشَّاهِد الثَّالِث وَالثَّمَانُونَ بعد الثلاثمائة الطَّوِيل على أَن بني عقيل وَبَين كلاب يجوزون تسكين الْهَاء كَمَا فِي قَوْله لَهُ بِسُكُون الْهَاء. وَالَّذِي نَقله ابْن السراج فِي الْأُصُول وَابْن جني فِي الخصائص والمحتسب وَغَيرهمَا أَن تسكين الْهَاء لُغَة لأزد السراة. وَجعله ابْن السراج من قبيل الضَّرُورَة عِنْدهم. قَالَ: وَقد جَاءَ فِي الشّعْر حذف الْوَاو وَالْيَاء الزَّائِدَة فِي الْوَصْل مَعَ الْحَرَكَة كَمَا هِيَ فِي الْوَقْف سَوَاء. قَالَ رجل من أَزْد السراة: فظلت لَدَى الْبَيْت الْعَتِيق أخيله ... ... ... ... . الْبَيْت وَكَذَلِكَ يشْعر كَلَام أبي عَليّ فِي الْمسَائِل العسكرية حَيْثُ قَالَ: هَذَا من إِجْرَاء الْوَصْل مجْرى الْوَقْف. وَأما قَوْله: الْبَسِيط مَا حجّ ربّه فِي الدّنيا وَلَا اعتمرا

فَهَذَا خَارج عَن حد الْموقف والوصل جَمِيعًا وَالصَّوَاب أَنه لُغَة لَا ضَرُورَة وَإِلَيْهِ ذهب ابْن جني فِي موضِعين من الخصائص قَالَ فِي الْموضع الأول وَهُوَ بَاب تعَارض السماع وَالْقِيَاس: وَمِمَّا ضعف فِي الْقيَاس والاستعمال جَمِيعًا بَيت الْكتاب: الوافر (لَهُ زجلٌ كأنّه صَوت حادٍ ... إِذا طلب الوسيقة أَو زمير) فَقَوله: كَأَنَّهُ خلس بِحَذْف الْوَاو وتبقية الضمة ضَعِيف فِي الْقيَاس قَلِيل فِي الِاسْتِعْمَال. وَوجه ضعف قِيَاسه أَنه لَيْسَ على حد الْوَصْل وَلَا على حد الْوَقْف وَذَلِكَ أَن الْوَصْل يجب أَن تتمكن فِيهِ واوه كَمَا تمكنت فِي قَوْله أول الْبَيْت: لَهُ زجل وَالْوَقْف يجب أَن تحذف الْوَاو والضمة فِيهِ جَمِيعًا وتسكن الْهَاء فضم الْهَاء بِغَيْر وَاو منزلَة بَين منزلتي الْوَصْل وَالْوَقْف. وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق فِي نَحْو هَذَا: إِنَّه أجري فِي الْوَصْل مجْرى الْوَقْف. وَلَيْسَ الْأَمر كَذَلِك لما بَيناهُ لَكِن مَا أجْرى من نَحْو هَذَا فِي الْوَصْل على حد الْوَقْف قَول الآخر: فظلت لَدَى الْبَيْت الْعَتِيق أخيله ... ... ... ... . الْبَيْت على أَن أَبَا الْحسن حكى أَن سُكُون الْهَاء فِي نَحْو هَذَا لُغَة لأزد السراة. وَمثل هَذَا الْبَيْت مَا روينَاهُ عَن قطرب قَول الشَّاعِر: الْبَسِيط) (وأشرب المَاء مَا بِي نَحوه عَطش ... إلاّ لأنّ عيونه سيل واديها) اه.

وَقَالَ مثله فِي سُورَة الْأَعْرَاف من الْمُحْتَسب. وَقَالَ فِي الْموضع الثَّانِي وَهُوَ بَاب الفصيح: يجْتَمع فِي الْكَلَام الفصيح لُغَتَانِ فَصَاعِدا من ذَلِك قَوْله: فظلت لَدَى الْبَيْت الخ فهذان لُغَتَانِ أَعنِي إِثْبَات الْوَاو فِي أخيله وتسكين الْهَاء فِي قَوْله: لَهُ لِأَن أَبَا الْحسن زعم أَنَّهَا لُغَة لأزد السراة. وَإِذا كَانَ كَذَلِك فهما لُغَتَانِ. وَلَيْسَ إسكان الْهَاء فِي لَهُ عَن حذف لحق بِصِيغَة الْكَلِمَة لَكِن ذَلِك لُغَة. وَأما قَول الشماخ: لَهُ زجل كأنّه صَوت حادٍ ... ... ... ... . . الْبَيْت فَلَيْسَ هَذَا لغتين لأَنا لَا نعلم رِوَايَة حذف هَذِه الْوَاو وإبقاء الضمة. قبلهَا فَيَنْبَغِي أَن يكون ذَلِك ضَرُورَة وصنعة لَا مذهبا وَلَا لُغَة. انْتهى. تَتِمَّة ذكر الشَّارِح الْمُحَقق حذف وَاو الصِّلَة ويائها وَلم يذكر حذف الْألف من نَحْو رَأَيْتهَا. قَالَ ابْن جني فِي سر الصِّنَاعَة: أما الْألف فِي نَحْو: رَأَيْتهَا فزيدت علما للتأنيث. وَمن حذف الْوَاو من نَحْو: كَأَنَّهُ صَوت حاد وَمن نَحْو: لَهُ أرقان لم يقل فِي نَحْو: رَأَيْتهَا وَنظرت إِلَيْهَا إِلَّا بِإِثْبَات الْألف وَذَلِكَ لخفة الْألف وَثقل الْوَاو. إِلَّا أَنا روينَا عَن قطرب بَيْتا حذفت فِيهِ هَذِه الْألف تَشْبِيها بِالْوَاو وَالْيَاء لما بَينهمَا وَبَينهَا من النِّسْبَة. وَهُوَ قَوْله: الْبَسِيط (أعلقت بالذّئب حبلاً ثمّ قلت لَهُ ... الْحق بأهلك واسمل أيّها الذّيب)

يُرِيد: تبيعها فَحذف الْألف. وَهَذَا شَاذ. انْتهى. وَقَوله: فَبت بَات من أَخَوَات كَانَ التَّاء اسْمهَا وَجُمْلَة: أريغه خَبَرهَا. وَبَات يفعل كَذَا مَعْنَاهُ اخْتِصَاص ذَلِك الْفِعْل بِاللَّيْلِ كَمَا اخْتصَّ الْفِعْل بِالنَّهَارِ فِي نَحْو: ظلّ يفعل كَذَا وَمِنْه تعرف ضعف الرِّوَايَة الْأُخْرَى وَهِي فظلت لَدَى الْبَيْت بِفَتْح الظَّاء وَأَصله ظللت بلامين فَخفف بِحَذْف إِحْدَى اللامين. وَهِي من أَخَوَات كَانَ أَيْضا. قَالَ الْخَلِيل: لَا تَقول الْعَرَب ظلّ إِلَّا لعمل يكون بِالنَّهَارِ. ولدى: بِمَعْنى عِنْد. وَالْبَيْت الْعَتِيق:) مَكَّة شرفها الله تَعَالَى. والعتيق: الشريف والأصيل أَو لِأَنَّهُ عتق من الطوفان. وروى: الْبَيْت الْحَرَام بِمَعْنى الْمَمْنُوع من بَاب إِطْلَاق الْمصدر وَإِرَادَة اسْم الْمَفْعُول. يُقَال: الْبَيْت الْحَرَام وَالْمَسْجِد الْحَرَام. والبلد الْحَرَام أَي: لَا يحل انتهاكه. وأريغه: بِمَعْنى أطلبه يُقَال: أرغت الصَّيْد. وماذا تريغ أَي: مَاذَا تُرِيدُ وَهُوَ بالراء الْمُهْملَة والغين الْمُعْجَمَة. وَيُقَال: أريغوني إراغتكم أَي: اطلبوني طلبتكم. قَالَ خَالِد بن جَعْفَر بن كلاب فِي فرسه حذفة: الوافر (أريغوني إراغتكم فإنّي ... وحذفة كالشّجا تَحت الوريد) وَقَالَ عبيد بن الأبرص يرد على امْرِئ الْقَيْس: الوافر وَقَالَ زُهَيْر بن أبي سلمى فِي ابْنه سَالم: الطَّوِيل (يديرونني عَن سالمٍ وأريغه ... وجلدة بَين الْعين وَالْأنف سَالم) وَهَذَا المصراع الثَّانِي أَرَادَ عبد الْملك فِي جَوَابه عَن كتاب الْحجَّاج: أَنْت

عِنْدِي كسالم: وَقد أَخطَأ صَاحب الصِّحَاح خطأ فَاحِشا فِي قَوْله: يُقَال للجلدة الَّتِي بَين الْعين وَالْأنف سَالم. وَأَخْطَأ ابْن خلف أَيْضا فِي شرح أَبْيَات سِيبَوَيْهٍ فِي نِسْبَة هَذَا الْبَيْت لعبد الله ابْن عمر قَالَه فِي ابْنه سَالم وَالصَّوَاب أَنه تمثل بِهِ لَا أَنه قَالَه. وَأَخْطَأ صَاحب الْعباب أَيْضا فِي زَعمه أَن هَذَا الْبَيْت لدارة أبي سَالم وَالصَّوَاب أَنه تمثل بِهِ أَيْضا فَإِن الْبَيْت من أَبْيَات لزهير بن أبي سلمى ثَابِتَة فِي ديوانه. قَالَ شَارِح ديوانه: كَانَ لزهير ابْن يُقَال لَهُ سَالم جميل الْوَجْه حسن الشّعْر وَبعث إِلَيْهِ رجل ببردين فلبسهما الْفَتى وَركب فرسا لَهُ جيدا وَهُوَ بِمَاء يُقَال لَهَا النتاءة بِضَم النُّون بعْدهَا مثناة فوقية بعْدهَا ألف ممدودة مَاء لَغَنِيّ فَمر بِامْرَأَة من الْعَرَب فَقَالَت: مَا رَأَيْت كَالْيَوْمِ رجلا وَلَا بردين وَلَا فرسا فَعَثَرَتْ بِهِ الْفرس فاندقت عُنُقه وعنق الْفرس وَانْشَقَّ البردان فَقَالَ زُهَيْر يرثي ابْنه سالما: (رَأَتْ رجلا لَاقَى من الْعَيْش غِبْطَة ... وأخطأه فِيهَا الْأُمُور العظائم) (فَأصْبح محبوراً ينظّر حوله ... بمغبطةٍ لَو أنّ ذَلِك دَائِم) (وَعِنْدِي من الأيّام مَا لَيْسَ عِنْده ... فَقلت تعلّم أنّما أَنْت حالم) ...

(لعلّك يَوْمًا أَن تراعي بفاجع ... كَمَا راعني يَوْم النّتاءة سَالم)) (يديرنني عَن سالمٍ وأريغه ... وجلدة بَين الْعين وَالْأنف سَالم) انْتهى. وروى جمَاعَة بدل أريغه: أخيله بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة يُقَال: أخلت السحابة وأخيلتها إِذا رَأَيْتهَا مخيلةً للمطر بِضَم الْمِيم أَي: تخيل من رَآهَا أَنَّهَا ممطرة. وَهُوَ من خَال أَي: ظن. ومخيلة أَيْضا أَي: مَوضِع لِأَن يخال فِيهَا الْمَطَر. كَذَا قَالَ المعري فِي شرح ديوَان البحتري. وَأنْشد هَذَا الْبَيْت. وروى صَاحب الأغاني وَعلي بن حَمْزَة الْبَصْرِيّ بدله: أشيمه يُقَال: شام الْبَرْق إِذا نظر إِلَيْهِ أَي: إِلَى سحابته أَيْن تمطر. وَالْهَاء فِي الرِّوَايَات الثَّلَاث ضمير الْبَرْق فِي بَيت قبله. وَقَوله: ومطواي هُوَ مثنى مطو حذفت نونه عِنْد الْإِضَافَة إِلَى يَاء الْمُتَكَلّم. قَالَ عَليّ بن حَمْزَة الْبَصْرِيّ فِي كتاب التَّنْبِيهَات على أغلاط الروَاة: المطو بِكَسْر الْمِيم وَضمّهَا: الصاحب. وَأنْشد هَذَا الْبَيْت وَقَول الشَّاعِر: الطَّوِيل (علام تَقول الأسعدان كِلَاهُمَا ... ومطوهما كبشٌ بِذرْوَةِ معبر) (ناديت مطوي وَقد مَال النّهار بهم ... وعبرة الْعين جارٍ دمعها سجم)

وَقَالَ رجل من أَزْد السراة يصف برقاً: الطَّوِيل (فظلت لَدَى الْبَيْت الْعَتِيق أخيله ... ومطواي مشتاقان لَهُ أرقان) أَي: صَاحِبَايَ. انْتهى. وَقَوله: مشتاقان خبر مطواي. وَكَذَلِكَ أرقان وَضمير لَهُ للبرق أَيْضا. وروى صَاحب الأغاني وَمُحَمّد بن حَمْزَة الْعلوِي فِي حماسته: ومطواي من شوقٍ لَهُ أرقان وَعَلِيهِ لَا شَاهد فِيهِ فأرقان خبر مطواي وَمن تعليلية مُتَعَلقَة بأرقان وَهُوَ مثنى أرق بِكَسْر الرَّاء وَهُوَ وصف من الأرق بِفَتْحِهَا بِمَعْنى السهر. وَهَذَا الْبَيْت من قصيدة ليعلى الْأَحول الْأَزْدِيّ مطْلعهَا فِي رِوَايَة أبي عَمْرو الشَّيْبَانِيّ: (أويحكما يَا واشيي أمّ معمرٍ ... بِمن وَإِلَى من جئتما تشيان) (بِمن لَو أرَاهُ عانياً لفديته ... وَمن لَو رَآنِي عانياً لفداني) (ارقت لبرقٍ دونه شدوان ... يمانٍ وأهوى الْبَرْق كلّ يمَان) (فبتّ لَدَى الْبَيْت الْحَرَام أشيمه ... ومطواي من شوقٍ لَهُ أرقان)) إِلَى أَن قَالَ بعد أَرْبَعَة أَبْيَات: (أَلا لَيْت حاجات اللّواتي حبستني ... لَدَى نافعٍ قضّين مُنْذُ زمَان) ...

(وَمَا بِي بغضٌ للبلاد وَلَا قلّى ... ولكنّ شوقاً فِي سواهُ دَعَاني) (فليت القلاص الْأدم قد وخدت بِنَا ... بوادٍ يمَان فِي رَبًّا ومحان) (بوادٍ يمَان ينْبت السّدر صَدره ... وأسفله بالمرخ والشّبهان) (يدافعنا من جانبيه كِلَاهُمَا ... غريفان من طرفائه هدبان) (وليت لنا بالجوز واللّوز غيلَة ... جناها لنا من بطن حلية جاني) (وليت لنا بالدّيك مكّاء روضةٍ ... على فننٍ من بطن حلية داني) (وليت لنا من مَاء زَمْزَم شربةً ... مبرّدة باتت على طهيان) الواشي: النمام وشى يشي وشياً. والعاني: الْأَسير. وشدوان بِفَتْح الشين الْمُعْجَمَة وَالدَّال قَالَ أَبُو عبيد فِي المعجم: هُوَ مَوضِع ذكره أَبُو بكر. وَنَافِع: وَالِي مَكَّة كَانَ حبس الشَّاعِر. والقلاص: جمع قلُوص وَهِي النَّاقة الشَّابَّة. والأدم: جمع أدماء. والأدمة فِي الْإِبِل: الْبيَاض الشَّديد. ووخدت: أسرعت. وَربا: جمع ربوة. ومحان: جمع محنية: بِفَتْح الْمِيم وَكسر النُّون والمرخ: شجر سريع الوري. والشبهان بِفَتْح الشين الْمُعْجَمَة وَضم الْمُوَحدَة وَفتحهَا: شجر شائك وَقيل: هُوَ النمام من الرياحين. والغريف بالغين الْمُعْجَمَة: الشّجر الْكثير الملتف أَي شجر كَانَ. والهدب بِفَتْح فَكسر: الشّجر الَّذِي لَهُ هدب بِفتْحَتَيْنِ وَهُوَ كل ورق لَيْسَ لَهُ عرض كورق الأثل والطرفاء والسرو.

والغيلة بِكَسْر الْغَيْن الْمُعْجَمَة: ثَمَرَة الْأَرَاك الرّطبَة. تمنى أَن يَأْكُل الغيلة بدل الْجَوْز واللوز. وَحلية: بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون اللَّام بعْدهَا مثناة تحتية قَالَ أَبُو عبيد فِي المعجم: أجمة بِالْيمن مَعْرُوفَة وَهِي مأسدة. وَقَوله: وليت لنا بالديك أَي: بدل الديك. وطهيان بِفَتْح الطَّاء وَالْهَاء والمثناة التَّحْتِيَّة وَهُوَ جبل. يُرِيد أَيْضا بَدَلا من مَاء زَمْزَم. وَهَذَا الْبَيْت يَأْتِي شَرحه إِن شَاءَ الله تَعَالَى فِي حُرُوف الْجَرّ فِي الشَّاهِد الْخَامِس وَالسبْعين بعد السبعمائة.) ويعلى الْأَزْدِيّ بِفَتْح الْمُثَنَّاة التَّحْتِيَّة وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة وَاللَّام بعْدهَا ألف مَقْصُورَة. قَالَ الْأَصْبَهَانِيّ فِي الأغاني: يعلى الْأَحول الْأَزْدِيّ هُوَ ابْن مُسلم ابْن أبي قيس أحد بني يشْكر بن عَمْرو بن رالان. ورالان هُوَ يشْكر. ويشكر لقب لقب بِهِ ابْن عمرَان بن عَمْرو بن عدي بن حَارِثَة بن لوذان بن كَهْف الظلام هَكَذَا وجدته بِخَط الْمبرد ابْن ثَعْلَبَة بن عَمْرو بن عَامر. شَاعِر إسلامي لص من شعراء الدولة الأموية. وَقَالَ هَذِه القصيدة وَهُوَ مَحْبُوس بِمَكَّة عِنْد نَافِع بن عَلْقَمَة الْكِنَانِي فِي خلَافَة عبد الْملك بن مَرْوَان. قَالَ أَبُو عَمْرو الشَّيْبَانِيّ: كَانَ يعلى الْأَحول الْأَزْدِيّ لصاً فاتكاً وَكَانَ خليعاً يجمع صعاليك الأزد وخلعاءهم فيغير بهم على أَحيَاء الْعَرَب وَيقطع الطَّرِيق على السابلة فشكيي إِلَى نَافِع بن عَلْقَمَة بن محرث الْكِنَانِي ثمَّ الْفُقيْمِي وَهُوَ

خَال مَرْوَان بن عبد الْملك وَكَانَ وَالِي مَكَّة فَأخذ بِهِ عشيرته الأزديين فَلم يَنْفَعهُ ذَلِك وَاجْتمعَ إِلَيْهَا شُيُوخ الْحَيّ فعرفوه أَنه خليع قد تبرؤوا مِنْهُ وَمن جرائره إِلَى الْعَرَب وَأَنه لَو أَخذ بِهِ سَائِر الأزد مَا وضع يَده فِي أَيْديهم. فَلم يقبل ذَلِك مِنْهُم وألزمهم إِحْضَاره وَضم إِلَيْهِم شرطا يطلبونه إِذا طرق الْحَيّ يجيئونه بِهِ فَلَمَّا اشْتَدَّ عَلَيْهِم فِي أمره طلبوه حَتَّى وجدوه فَأتوهُ بِهِ فقيده وأودعه الْحَبْس فَقَالَ فِي محبسه هَذِه القصيدة. كَذَا قَالَ الْمبرد وَعَمْرو بن أبي عَمْرو الشَّيْبَانِيّ عَن أَبِيه. قَالَ الشَّيْبَانِيّ: وَيُقَال إِنَّهَا لعَمْرو بن أبي عمَارَة الْأَزْدِيّ من بني خُنَيْس. وَيُقَال إِنَّهَا لجواس بن حَيَّان من أَزْد عمان. وَالله أعلم. الشَّاهِد الرَّابِع وَالثَّمَانُونَ بعد الثلاثمائة الْبَسِيط (وَمَا نبالي إِذا مَا كنت جارتنا ... أَن لَا يجاورنا إلاّك ديّار) على أَن وُقُوع الضَّمِير الْمُتَّصِل بعد إِلَّا شَاذ وَالْقِيَاس وُقُوعه بعْدهَا مُنْفَصِلا نَحْو: أَن لَا يجاورنا إِلَّا إياك ديار. وَإِنَّمَا اسْتحق النصب لِأَنَّهُ اسْتثِْنَاء مقدم على الْمُسْتَثْنى مِنْهُ وَهُوَ ديار. وَإِنَّمَا اسْتحق الْفَصْل مَعَ أَنه مَعْمُول ل إِلَّا على الصَّحِيح لِأَن نَحْو: مَا لقِيت

إِلَّا إياك مَعْمُول للْفِعْل بالِاتِّفَاقِ فَلَا يَصح اتِّصَاله بِغَيْر عَامله ثمَّ حمل عَلَيْهِ غير المفرغ ليجريا على سنَن وَاحِد. وَإِنَّمَا سهل وَصله فِي الضَّرُورَة لثَلَاثَة أُمُور: أَحدهَا: أَن الأَصْل فِي الضَّمِير الِاتِّصَال. الثَّانِي: أَن الأَصْل فِي الْحَرْف الناصب للضمير أَن يتَّصل بِهِ نَحْو: إِنَّك ولعلك. الثَّالِث: أجْرى إِلَّا مجْرى غير أُخْتهَا فأجريت مجْراهَا فِي الْوَصْف بهَا. وَزعم ابْن مَالك فِي شرح التسهيل أَن الْفَصْل فِي الْبَيْت لَيْسَ بضرورة لتمكن الشَّاعِر من أَن يَقُول: وَإِذا فتح هَذَا الْبَاب لم يبْق فِي الْوُجُود ضَرُورَة وَإِنَّمَا الضَّرُورَة عبارَة عَمَّا أَتَى فِي الشّعْر على خلاف مَا عَلَيْهِ النثر كَذَا قَالَ ابْن هِشَام فِي شرح شواهده. وَهَذَا الْبَيْت أنْشدهُ الْفراء فِي تَفْسِيره وَلم يعزه إِلَى أحد. قَالَ شَارِح اللب: وَرِوَايَة الْبَصرِيين: أَن لَا يجاورنا حاشاك ديّار قَالَ صَاحب الْكَشَّاف: ديار من الْأَسْمَاء المستعملة فِي النَّفْي الْعَام يُقَال: مَا فِي الديار ديار وديور كقيام وقيوم. وَهُوَ فيعال من الدّور أَو من

الدَّار أَصله ديوار فَفعل بِهِ مَا فعل بِأَصْل سيد وَلَو كَانَ فعالاً لَكَانَ دوار. وَقَالَ ابْن الْحَاجِب فِي أمالي الْمفصل: مَعْنَاهُ إِذا حصلت مجاورتك فانتفاء مجاورة كل أحد مغتفرة غير مبال بهَا لِأَن مجاورتك هِيَ الْمَقْصُودَة دون جَمِيع المجاورات. وَأَن لَا يجاورنا فِي مَوضِع مفعول إِمَّا على تَقْدِير حذف حرف جر كَقَوْلِك: مَا باليت بزيد أَو على التَّعَدِّي بِنَفسِهِ كَقَوْلِك: مَا باليت زيدا. وديار فَاعل ل يجاورنا. انْتهى.) وَقَول الْعَيْنِيّ إِلَّا هُنَا بِمَعْنى غير فَاسد يظْهر بِالتَّأَمُّلِ. وَهَذَا الْبَيْت قَلما خلا عَنهُ كتاب نحوي. وَالله أعلم بقائله. وَأنْشد بعده وَهُوَ من شَوَاهِد س: الهزج كأنّا يَوْم قرّى إنّما نقْتل إيّانا على أَن إيانا فصل من عَامله لوُقُوعه بعد معنى إِلَّا وَهُوَ شَاذ. قَالَ سِيبَوَيْهٍ فِي بَاب من أَبْوَاب الْمُضمر: هَذَا بَاب مَا يجوز فِي الشّعْر من أيا وَلَا يجوز فِي الْكَلَام. فَمن ذَلِك قَول حميد الأرقط: إِلَيْك حتّى بلغت إيّاكا وَقَالَ الآخر لبَعض اللُّصُوص: كأنّا يَوْم قرّى إنّما نقْتل إيّانا انْتهى.

قَالَ الأعلم: الشَّاهِد فِي وضع إيانا مَوضِع الضَّمِير الْمُتَّصِل فِي نقتلنا وَفِي وضع إياك مَوضِع الْكَاف ضَرُورَة. وَقَالَ الزّجاج: أَرَادَ بلغتك إياك فَحذف الْكَاف ضَرُورَة. وَهَذَا التَّقْدِير لَيْسَ بِشَيْء لِأَنَّهُ حذف الْمُؤَكّد وَترك التوكيد مؤكداً لغير مَوْجُود فَلم يخرج من الضَّرُورَة إِلَّا إِلَى أقبح مِنْهَا. وَالْمعْنَى: سَارَتْ هَذِه النَّاقة إِلَيْك حَتَّى بلغتك. انْتهى. أتتك عنسٌ تقطع الأراكا والعنس بِسُكُون النُّون: النَّاقة الشَّدِيدَة أَي: تقطع الْأَرَاضِي الَّتِي هِيَ منابت للأراك. وَكَانَ حق الْكَلَام فِي الْبَيْت الشَّاهِد أَن يَقُول نقْتل أَنْفُسنَا لِأَن الْفِعْل لَا يتَعَدَّى فَاعله إِلَى ضَمِيره إِلَّا أَن يكون من أَفعَال الْقُلُوب لَا تَقول: ضربتني وَلَا أضربني وَلَا ضربتك بِفَتْح التَّاء وَلَا زيد ضربه على إِعَادَة الضَّمِير إِلَى زيد وَلَكِن تَقول: ضربت نَفسِي وَضربت نَفسك وَزيد ضرب نَفسه. وَإِنَّمَا تجنبوا تعدِي الْفِعْل إِلَى ضمير فَاعله كَرَاهَة أَن يكون الْفَاعِل مَفْعُولا فِي اللَّفْظ فاستعملوا فِي مَوضِع الضَّمِير النَّفس نزلوها منزلَة الْأَجْنَبِيّ واستجازوا ذَلِك فِي أَفعَال الْعلم وَالظَّن الدَّاخِلَة) على جملَة الِابْتِدَاء فَقَالُوا: حسبتني فِي الدَّار وَلم يَأْتِ هَذَا فِي غير هَذَا الْبَاب إِلَّا فِي فعلين قَالُوا: عدمتني وفقدتني. وَلما لم يُمكن هَذَا الشَّاعِر أَن يَقُول: نقْتل أَنْفُسنَا وَلَا نقتلنا وضع إيانا مَوضِع نَا وَحسن ذَلِك قَلِيلا أَن اسْتِعْمَال الْمُتَّصِل هَا هُنَا قَبِيح أَيْضا وَأَن الضَّمِير الْمُنْفَصِل أشبه بِالظَّاهِرِ الْمُتَّصِل ف إيانا أشبه بِأَنْفُسِنَا من نَا. وَلَكِن أقبح مِنْهُ قَول حميد: إِلَيْك حتّى بلغت إيّاكا

وَالْبَيْت من أَبْيَات لذِي الإصبع العدواني وَهِي: (لَقينَا مِنْهُم جمعا ... فأوفى الْجمع مَا كَانَا) (كأنّا يَوْم قرّى ... إنّما نقْتل إيّانا) (قتلنَا مِنْهُم كلّ ... فَتى أَبيض حسّانا) (يرى يرفل فِي بردين ... من أبراد نجرانا) كَذَا فِي أمالي ابْن الشجري. وَلم يرو ابْن الْأَعرَابِي فِي أَمَالِيهِ الْبَيْت الأول وَأنْشد بعد نَجْرَان: (إِذا يسرح ضأناً م ... ائةً أتبعهَا ضانا) وَقَوله: فأوفى الْجمع الخ هُوَ فعل مَاض من الْوَفَاء وَيجوز أَن يُرِيد فأوفى بِمَا كَانَ عَلَيْهِ فَحذف وأوصل. وَيجوز أَن يُرِيد فوفى الْجمع الَّذِي لقيناه مَا كَانَ عَلَيْهِ أَن يَفْعَله من الْإِقْدَام على قتالنا. وَقَوله: كأنا يَوْم قرى الخ بِضَم الْقَاف وَتَشْديد الرَّاء الْمُهْملَة بعْدهَا ألف مَقْصُورَة. قَالَ أَبُو عبيد الْبكْرِيّ وَيَاقُوت فِي معجمهما: قرى: مَوضِع فِي بِلَاد بني الْحَارِث بن كَعْب. وَزَاد أَبُو عبيد: وَقَالَ أَبُو حنيفَة الدينَوَرِي: قرى: ماءة قريبَة من تبَالَة وتبالة بِفَتْح الْمُثَنَّاة الْفَوْقِيَّة بعْدهَا بَاء مُوَحدَة بعْدهَا لَام على وزن فعالة: بلد وَهِي الَّتِي يضْرب بهَا الْمثل فَيُقَال: أَهْون من تبَالَة على الْحجَّاج أَبُو الْيَقظَان: هِيَ أول عمل وليه الْحجَّاج وَهِي بَلْدَة صَغِيرَة من الْيمن فَلَمَّا قرب مِنْهَا قَالَ للدليل: أَيْن هِيَ قَالَ: تسترها عَنْك هَذِه الأكمة. قَالَ: أَهْون عَليّ بِعَمَل بَلْدَة تسترها عني أكمة وكر رَاجعا.

قَالَ ابْن الشجري: وَمعنى قَوْله كأنا نقْتل إيانا تَشْبِيه المقتولين بِنَفسِهِ وَقَومه فِي الْحسن والسيادة فَلذَلِك وَصفه بِمَا بعده أَي: هم سادة يلبسُونَ أبراد الْيمن فكأننا بقتلنا إيَّاهُم قتلنَا أَنْفُسنَا.) انْتهى. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: أَي: لَا يَنْبَغِي أَن نقْتل مِنْهُم لنفاستهم وَلَكِن ألجئونا إِلَى ذَلِك. وَقَالَ الأعلم: وصف قوما أوقعوا ببني عمهم فكأنهم بِقَتْلِهِم قاتلون أنفسهم. وَقَوله: كل فَتى أَبيض حسانا هم بِضَم الْحَاء وَتَشْديد السِّين: وصف بِمَعْنى الْكثير الْحسن كالطوال بِمَعْنى المفرط فِي الطول والكبار بِمَعْنى المفرط فِي الْكبر. وَالْبَيَاض هُنَا: نقاء الْعرض عَن كل مَا يعاب بِهِ. وَهَذَا الْبَيْت أوردهُ سِيبَوَيْهٍ فِي بَاب مَا لَا يكون الِاسْم فِيهِ إِلَّا نكرَة قَالَ: حَدثنِي أَبُو الْخطاب أَنه سمع من يوثق بعربيته من الْعَرَب ينشد هَذَا الْبَيْت: (قتلنَا مِنْهُم كلّ ... فَتى أَبيض حسّانا) ف أَبيض وَحسان منصوبان على أَنَّهُمَا نعتان. وَيجوز عِنْدِي أَن يَكُونَا صفتين لفتى وفتحتهما نائبة عَن الكسرة لِأَنَّهُمَا ممنوعان من الصّرْف. وَتبع ابْن الشجري سِيبَوَيْهٍ فَقَالَ: نصب حسانا على الْوَصْف ل كل وَلَو كَانَ فِي نثر لجَاز حسانين وَصفا لكل على مَعْنَاهَا لِأَن لَفظهَا وَاحِد وَمَعْنَاهَا جمع. قَالَ: يُقَال حَسَنَة وَحسن فَإِذا بالغوا فِي الْحسن قَالُوا: حسان وحسانة مخففان فَإِذا أَرَادوا النِّهَايَة فِيهِ قَالُوا: حسان وحسانة مشددان.

وَقَوله: يرى يرفل الخ الأول بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول يُقَال: رفل فلَان فِي ثَوْبه وَذَلِكَ إِذا طَال الثَّوْب على لابسه وجره فِي مَشْيه ويفعلون ذَلِك تكبراً. ونجران: بلد بِالْيمن ينسج فِيهَا البرود الجيدة. وَذُو الإصبع العدواني: شَاعِر معمر من شعراء الْجَاهِلِيَّة. قَالَ أَبُو حَاتِم فِي كتاب المعمرين: عَاشَ ذُو الإصبع وَهُوَ حرثان بن محرث من عدوان بن عَمْرو بن قيس عيلان ثلثمِائة سنة وَقَالَ: الْبَسِيط (أَصبَحت شَيخا أرى الشخصين أَرْبَعَة ... والشّخص شَخْصَيْنِ لمّا مسّني الْكبر) (لَا أسمع الصّوت حتّى أستدير لَهُ ... لَيْلًا وَإِن هُوَ ناغاني بِهِ الْقَمَر) وَإِنَّمَا قَالَ لَيْلًا لِأَن الْأَصْوَات هادئة فَإِذا لم يسمع بِاللَّيْلِ والأصوات سَاكِنة كَانَ من أَن يسمع بِالنَّهَارِ مَعَ ضجة النَّاس ولغطهم أبعد. وَإِنَّمَا قيل لَهُ ذُو الإصبع لِأَنَّهُ كَانَت لَهُ فِي رجله إِصْبَع زَائِدَة.) وَقَالَ ابْن قُتَيْبَة فِي كتاب الشُّعَرَاء: ذُو الإصبع حرثان بن عَمْرو من عدوان بن عَمْرو بن قيس عيلان وَكَانَ جاهلياً. وَسمي ذَا الإصبع لِأَن حَيَّة نهشت إصبعه فقطعها. انْتهى. وَقَالَ ابْن الْأَنْبَارِي فِي شرح المفضليات: نسبه أَحْمد بن عبيد وَغَيره. فَقَالُوا: هُوَ حرثان بن الْحَارِث. والأصمعي يَقُول: ابْن السموءل بن محرث بن شَبابَة بن ربيعَة بن هُبَيْرَة بن ثَعْلَبَة بن الظرب بن عَمْرو بن عياذ بن يشْكر بن عدوان وَهُوَ الْحَرْث بن عَمْرو بن سعد بن قيس بن عيلان بن مُضر بن نزار. وَإِنَّمَا سمي ذَا الإصبع لِأَن أفعلى نهشت إِبْهَام رجله فقطعها. وَيُقَال: إِنَّه كَانَت لَهُ إِصْبَع زَائِدَة. انْتهى. وَقَالَ علم الْهدى السَّيِّد المرتضى فِي أَمَالِيهِ غرر الْفَوَائِد ودد القلائد: وَمن المعمرين ذُو الإصبع العدواني واسْمه حرثان بن محرث بن

الْحَارِث بن ربيعَة بن وهب ابْن ثَعْلَبَة بن ظرب بن عَمْرو بن عياذ بن يشْكر بن عدوان وَهُوَ الْحَارِث بن عَمْرو ابْن قيس بن عيلان بن مُضر. وَإِنَّمَا سمي الْحَارِث عدوان لِأَنَّهُ عدا عَليّ أَخِيه فهم فَقتله. وَقيل: بل فَقَأَ عينه. وَقيل: إِن اسْم ذِي الإصبع محرث بن حرثان وَقيل حرثان بن حويرث وَقيل حرثان بن حَارِثَة. وَيُقَال: إِنَّه عَاشَ مائَة وَسبعين سنة. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: إِنَّه عَاشَ ثلثمِائة سنة. وَهُوَ أحد حكام الْعَرَب فِي الْجَاهِلِيَّة. ثمَّ أورد السَّيِّد جملا من أَحْوَاله إِلَى أَن أورد هَذِه الْحِكَايَة. وأوردها الزجاجي أَيْضا فِي أَمَالِيهِ الصُّغْرَى بسندهما إِلَى سعيد بن خَالِد الجدلي أَنه قَالَ: لما قدم عبد الْملك بن مَرْوَان الْكُوفَة بعد قتل مُصعب بن الزبير دَعَا النَّاس إِلَى فرائضهم فأتيناه فَقَالَ: مِمَّن الْقَوْم فَقُلْنَا: من جديلة. فَقَالَ: جديلة عدوان قُلْنَا: نعم. فتمثل عبد الْملك:

الهزج (عذير الحيّ من عدوا ... ن كَانُوا حيّة الأَرْض) (بغى بَعضهم بَعْضًا ... فَلم يرعوا على بعض) (وَمِنْهُم كَانَت السّاد ... ات والموفون بالقرض) ثمَّ أقبل على رجل كُنَّا قدمْنَاهُ أمامنا جسيم وسيم فَقَالَ: أَيّكُم يَقُول هَذَا الشّعْر فَقَالَ: لَا أَدْرِي. فَقلت من خَلفه: يَقُوله ذُو الإصبع. فتركني وَأَقْبل على ذَلِك الجسيم فَقَالَ: وَمَا كَانَ اسْم ذِي الإصبع فَقَالَ: لَا أَدْرِي. فَقلت أَنا من خَلفه: اسْمه حرثان. فَأقبل عَلَيْهِ وَتَرَكَنِي. فَقَالَ: لم سمي ذَا الإصبع فَقَالَ: لَا أَدْرِي. فَقلت أَنا من خَلفه: نهشته حَيَّة على إصبعه.) فَأقبل عَلَيْهِ وَتَرَكَنِي. فَقَالَ: من أَيّكُم كَانَ فَقَالَ: لَا أَدْرِي. فَقلت أَنا من خَلفه: من بني نَاجٍ. فَأقبل على الجسيم فَقَالَ: كم عطاؤك فَقَالَ: سَبْعمِائة دِرْهَم. ثمَّ أقبل عَليّ فَقَالَ: كم عطاؤك فَقلت: أَرْبَعمِائَة دِرْهَم. فَقَالَ لكَاتبه حط من عَطاء هَذَا ثلثمِائة وزدها فِي عَطاء هَذَا. فرحت وعطائي سَبْعمِائة وعطاؤه أَرْبَعمِائَة. اه. وَأورد لَهُ من شعره قَوْله: الطَّوِيل (أكاشر ذَا الضّغن المبيّن مِنْهُم ... وأضحك حتّى يَبْدُو النّاب أجمع) (وأهدنه بالْقَوْل هدناً وَلَو يرى ... سريرة مَا أُخْفِي لبان يفزّع)

. وَمعنى أهدنه أسْكنهُ. وَمِنْه قَوْله: الوافر (إِذا مَا الدّهر جرّ على أناسٍ ... شراشره أَنَاخَ بآخرينا) (فَقل للشّامتين بِنَا أفيقوا ... سيلقى الشّامتون كَمَا لَقينَا) وَمعنى الشراشرة هُنَا الثّقل. يُقَال: ألْقى عَليّ شراشره وجراميزه أَي: ثقله. وَمن قَوْله أَيْضا: الْكَامِل (ذهب الَّذين إِذا رأوني مُقبلا ... هشّوا إليّ ورحّبوا بالمقبل) (وهم الَّذين إِذا حملت حمالَة ... ولقيتهم فكأنّني لم أحمل) وحرثان بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الرَّاء بعْدهَا ثاء مُثَلّثَة. ومحرث بِكَسْر الرَّاء الْمُشَدّدَة على زنة اسْم الْفَاعِل. وعدوان بِفَتْح الْعين وَسُكُون الدَّال الْمُهْمَلَتَيْنِ. والسموءل بِفَتْح السِّين وَالْمِيم وَسُكُون الْوَاو بعْدهَا همزَة مَفْتُوحَة وَلَام. وشبابة بِفَتْح الشين الْمُعْجَمَة بعْدهَا موحدتان خفيفتان. وعياذ بِكَسْر الْعين الْمُهْملَة بعْدهَا مثناة تحتية وَآخره ذال مُعْجمَة. والظرب بِفَتْح الظَّاء الْمُعْجَمَة وَكسر الرَّاء المشالة. وَفهم بِفَتْح الْفَاء وَسُكُون الْهَاء وثالثه مِيم وَهُوَ أَخُو عدوان. وَأنْشد بعده: تراكها من إبلٍ تراكها وَتقدم شَرحه مُسْتَوفى فِي الشَّاهِد الْحَادِي وَالسِّتِّينَ بعد الثلاثمائة:

وَأنْشد بعده) الشَّاهِد السَّادِس وَالثَّمَانُونَ بعد الثلاثمائة: الْبَسِيط ضمنت إيّاهم الأَرْض هَذَا قِطْعَة من بَيت وَهُوَ: على أَن فصل الضَّمِير ضَرُورَة وَالْقِيَاس ضمنتهم الأَرْض. كَذَا أنْشدهُ ابْن الشجري فِي أَمَالِيهِ وَقَالَ: وَمثله فِي الْقبْح ضمير الرّفْع. قَالَ طرفَة: الْكَامِل (أصرمت حَبل الْوَصْل بل صرموا ... يَا صَاح بل قطع الْوِصَال هم) وأنشده شرَّاح الألفية وَابْن هِشَام فِي شواهده أَيْضا بِتَقْدِيم الْبَاعِث على الْوَارِث. والأنسب الرِّوَايَة الأولى. وَالْبَاء فِي قَوْله بالوارث مُتَعَلقَة بحلفت فِي بَيت مُتَقَدم وَهُوَ: (إنّي حَلَفت وَلم أَحْلف على فندٍ ... فنَاء بيتٍ من السّاعين معمور) وَقَوله: وَلم أَحْلف على فند الْجُمْلَة حَال من التَّاء فِي حَلَفت. والفند بِفَتْح الْفَاء وَالنُّون: الْكَذِب. وفناء الْبَيْت: ساحته وَهُوَ بِكَسْر الْفَاء بعْدهَا نون وَهُوَ ظرف لقَوْله حَلَفت. وَأَرَادَ بِالْبَيْتِ بَيت الله الْحَرَام زَاده الله شرفاً. وَمن مُتَعَلقَة ب معمور. والساعين: الَّذين يسعون إِلَيْهِ من جَمِيع الْبِلَاد. ومعمور صفة لبيت.

وَالْوَارِث والباعث: اسمان من أَسمَاء الله الْحسنى أقسم بهما. وَالْوَارِث: الَّذِي يرجع إِلَيْهِ الْأَمْلَاك بعد فنَاء الْملاك. والباعث: هُوَ الَّذِي يبْعَث الْخلق أَي: يحييهم بعد الْمَوْت يَوْم الْقِيَامَة. وضمنت: بِكَسْر الْمِيم بِمَعْنى تَضَمَّنت عَلَيْهِم أَي: اشْتَمَلت عَلَيْهِم أَو بِمَعْنى كفلت كَأَنَّهَا والدهر: الزَّمَان. ودهر الدهارير: الزَّمَان السالف وَقيل أول الْأَزْمِنَة السالفة. وَإِذا قيل دهر دهارير بِالصّفةِ فَمَعْنَاه شَدِيد كَمَا يُقَال: لَيْلَة ليلاء. قَالَ ابْن هِشَام: والأموات إِمَّا مَنْصُوب بالوارث على أَن الوصفين تنازعاه وأعمل الثَّانِي وَالْأول لَا ضمير فِيهِ وَإِمَّا مخفوض بِإِضَافَة الأول أَو الثَّانِي على حد قَوْله: المنسرح بَين ذراعي وجبهة الْأسد وَأما قَوْله: قد ضمنت إيَّاهُم الأَرْض فَهُوَ إِمَّا حَال من الْأَمْوَات أَو وصف لَهَا لِأَن أل فِيهَا للْجِنْس.) وَالْبَيْت من قصيدة للفرزدق يمدح بهَا يزِيد بن عبد الْملك ويهجو يزِيد بن الْمُهلب: وَقَبله: (يَا خير حيٍّ وَقت نعلٌ لَهُ قدماً ... وميّتٍ بعد رسل الله مقبور) ...

(إنّي حَلَفت وَلم أَحْلف على فندٍ ... فنَاء بيتٍ من السّاعين معمور) (فِي أكبر الحجّ حافٍ غير منتعلٍ ... من حالفٍ محرمٍ بالحجّ مصبور) (بالباعث الْوَارِث الْأَمْوَات قد ضمنت ... إيّاهم الأَرْض فِي دهر الدّهارير) (إِذا يثورون أَفْوَاجًا كأنّهم ... جَراد ريحٍ من الأجداث منشور) (فَأَنت إِن لم تكن إيّاه صَاحبه ... مَعَ الشّهيدين والصّدّيق فِي السّور) والفند بِفَتْح الْفَاء وَالنُّون: الْكَذِب. والمصبور: الَّذِي صَبر نَفسه على أَفعَال الْحَج أَي: حَبسهَا. وَقَوله: إِذا يثورون مُتَعَلق بالباعث يُرِيد: كَأَنَّهُمْ جَراد نشرته الرّيح وفرقته. ومنشور كَانَ حَقه الرّفْع لِأَنَّهُ نعت لجراد وَلكنه خفضه على الْمُجَاورَة. وَقَوله: لَو لم يبشر بِهِ الخ هَذَا جَوَاب الْقسم وَفِيه مُبَالغَة فَاحِشَة. وترجمة الفرزدق تقدّمت فِي الشَّاهِد الثَّلَاثِينَ. وَأنْشد بعده الشَّاهِد السَّابِع وَالثَّمَانُونَ بعد الثلاثمائة

الطَّوِيل (وإنّ أمرأً أسرى إِلَيْك ودونه ... من الأَرْض موماةٌ وبيداء سملق) (لمحقوقةٌ أَن تستجيبي لصوته ... وَأَن تعلمي أَن المعان موفّق) على أَن الْكُوفِيّين أَجَازُوا ترك التَّأْكِيد بالمنفصل فِي الصّفة الْجَارِيَة على غير من هِيَ لَهُ إِن أَمن اللّبْس فَإِن قَوْله: لمحقوقة خبر عَن اسْم إِن وَهُوَ فِي الْمَعْنى للْمَرْأَة المخاطبة وَلم يقل لمحقوقة أَنْت. وَأَقُول: الظَّاهِر من كَلَام ابْن الشجري فِي أَمَالِيهِ وَمن كَلَام ابْن الْأَنْبَارِي فِي مسَائِل الْخلاف وَمن كَلَام غَيرهمَا أَن مَذْهَب الْكُوفِيّين جَوَاز ترك التَّأْكِيد مُطلقًا سَوَاء أَمن اللّبْس أم لَا. قَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: احْتج الْكُوفِيُّونَ لمذهبهم بالشعر الْمُتَقَدّم وَبِقَوْلِهِ: الوافر (ترى أرباقهم متقلّديها ... كَمَا صدئ الْحَدِيد على الكماة) وَلَو كَانَ إبراز الضَّمِير وَاجِبا لقَالَ متقلديها هم فَلَمَّا لم يبرز الضَّمِير دلّ على جَوَازه. وَأجَاب البصريون عَن هَذَا بِأَنَّهُ على حذف مُضَاف أَي: ترى أَصْحَاب أرباقهم متقلديها. وَعَن الأول بجوابين: أَحدهمَا: مَا نَقله ابْن الشجري عَن أبي عَليّ وَهُوَ أَنه لَيْسَ فِي قَوْله محقوقة ضمير لِأَنَّهُ مُسْند إِلَى الْمصدر الَّذِي هُوَ أَن تستجيبي فالتقدير لمحقوقة استجابتك فَجعل التَّأْنِيث فِي قَوْله لمحقوقة للاستجابة للْمَرْأَة حَتَّى إِنَّه لَو قَالَ: لمحقوق بالتذكير لجَاز لِأَن تَأْنِيث الاستجابة غير حَقِيقِيّ. وَحَاصِله أَن الْمصدر المؤول نَائِب الْفَاعِل لقَوْله محقوقة. وَإِلَى هَذَا ذهب ابْن هِشَام فِي شرح شواهده.

وَالْجَوَاب الثَّانِي مَا ذكره ابْن الْأَنْبَارِي بِأَن قَوْله أَن تستجيبي مُبْتَدأ مُؤخر ومحقوقة خبر مقدم وَالْجُمْلَة خبر اسْم إِن والرابط الضَّمِير فِي لصوته. وَيحْتَمل هذَيْن الجوابين مَا نَقله السكرِي فِي كتاب التَّصْحِيف قَالَ: أَخْبرنِي أبي قَالَ: أخبرنَا عسل بن ذكْوَان قَالَ: قَالَ أَبُو عُثْمَان الْمَازِني: سَأَلَني الْأَصْمَعِي لم أنث محقوقة قلت: لِأَنَّهُ مَوضِع مصدر مؤنث لِأَن مَعْنَاهُ استجابتك لصوته وَأَن تستجيبي هِيَ استجابتك. فَلم يرد عَليّ شَيْئا. اه. وَأجَاب صَاحب اللّبَاب بِأَن هَذَا لضَرُورَة الشّعْر وَلم يرتض الجوابين الْمَذْكُورين. قَالَ فِيمَا أملاه) على اللّبَاب: قَوْله لمحقوقة إِنَّمَا جرى على غير من هُوَ لَهُ لِأَن التَّقْدِير وَإِن امْرأ محقوقة بالاستجابة. لَا يُقَال جَازَ أَن يكون أَن تستجيبي فاعلى محقوقة أَو مُبْتَدأ خَبره محقوقة مقدما لِأَنَّهُ يُقَال: زيد حقيق بالاستجابة فيسند إِلَى الذَّات وَلَا يُقَال الاستجابة حَقِيقَة بزيد. وَلذَلِك يتَأَوَّل قَوْله تَعَالَى: حقيقٌ علَى أَن لَا أَقُول كَمَا هُوَ مَذْكُور فِي الْكَشَّاف. اه. وَأَجَازَ شَارِحه الفالي مَا مَنعه وَأجَاب عَمَّا أوردهُ فَقَالَ: وَيُمكن أَن

يُقَال إِن قَوْله أَن تستجيبي مُبْتَدأ مُؤخر ومحقوقة خبر مقدم وَالْجُمْلَة خبر إِن فقد جرت على من هِيَ لَهُ. ومحقوقة بِمَعْنى جديرة. يُقَال: أَنْت حقيق أَن تفعل كَذَا وَزيد حقيق بِهِ ومحقوق بِهِ أَي: خليق لَهُ. وَكَانَ حَقه أَن يسند إِلَى الذَّات فَيُقَال: زيد حقيق بالاستجابة لَا أَن الاستجابة حَقِيقَة بزيد. وَنَظِير ذَلِك مَا اسْتشْكل من قَوْله تَعَالَى: حَقيقٌ علَى أنْ لَا أقولَ على اللَّهِ إلاَّ الحقَّ فِيمَن قَرَأَ بِغَيْر وَتَأَول بتأويلات أَحدهَا: أَنه على الْقلب وَالثَّانِي: أَن مَا لزمك فقد لَزِمته. وَالثَّالِث: أَن المُرَاد حقيق على ترك القَوْل إِذْ أكون أَنا قَائِله وَلَا يرضى إِلَّا بمثلي ناطقاً بِهِ. اه. وَالْبَيْت الأول من هذَيْن الْبَيْتَيْنِ قد أنْشدهُ الشَّارِح فِي الشَّاهِد الرَّابِع بعد الْمِائَتَيْنِ من بَاب الْحَال وَتقدم الْكَلَام عَلَيْهِ مَعَ أَبْيَات من أول القصيدة هُنَاكَ. وَالْقَصِيدَة للأعشى مَيْمُون. وَقَبله: (وخرقٍ مجوفٍ قد قطعت بجسرةٍ ... إِذا خبّ آلٌ وَسطه يترقرق) (هِيَ الصّاحب الْأَدْنَى وبيني وَبَينهَا ... مجوفٌ علافيٌّ وقطعٌ ونمرق) (وتصبح من غبّ السّرى وكأنّما ... ألمّ بهَا من طائف الجنّ أولق) وإنّ امْرأ أسرى إِلَيْك ودونه ... ... ... ... ... ... . . الْبَيْتَيْنِ (وَكم دونه من حزنٍ قفٍّ ورحلةٍ ... وسهبٍ بِهِ مستوضح الْآل يَبْرق) ...

(وأصفر كالحنّاء ذاوٍ جمامه ... مَتى مَا يذقه فارط الْقَوْم يبصق) (بِهِ تنفض الأحلاس فِي كلّ منزلٍ ... وتعقد أَطْرَاف الحبال وَتطلق) (وإنّ عتاق العيس سَوف يزوركم ... ثناءٌ على أعجازهنّ معلّق) قَوْله: وخرق بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة: الْفقر وَالْأَرْض تنخرق فِيهَا الرِّيَاح وَهُوَ مجرور بِرَبّ الْمقدرَة بعد الْوَاو. والجسرة بِفَتْح الْجِيم وَسُكُون السِّين الْمُهْملَة: النَّاقة القوية على السّير. وخب بِمَعْنى) خدع. والآل: السراب فِي أول النَّهَار ووسطه ويترقرق أَي: ينصب خَبره وَالْجُمْلَة صفة آل والعائد الضَّمِير. يُقَال: رقرق المَاء وَغَيره إِذا صبه رَقِيقا. والسراب هَكَذَا يرى للنَّاظِر إِلَيْهِ. وَقَوله: هِيَ الصاحب الخ الْأَدْنَى: الْأَقْرَب. والمجوف بِالْجِيم: الرحل. والعلافي مَنْسُوب إِلَى علاف بِكَسْر الْمُهْملَة وَهُوَ رجل من قضاعة كَانَ يعْمل الرّحال. وَالْقطع بِكَسْر الْقَاف: طنفسة أَي: بِسَاط يَجعله الرَّاكِب تَحْتَهُ ويغطي كَتِفي الْبَعِير. والنمرق: الوسادة وَهِي هُنَا وسَادَة فَوق الرحل. وَقَوله: وتصبح من غب الخ الغب بِالْكَسْرِ: عَاقِبَة الشَّيْء. وألم بِمَعْنى نزل وفاعله أولق وَهُوَ الْجُنُون. يُرِيد: أَنَّهَا شَدِيدَة جدا لَا يحصل لَهَا إعياء كَالْمَجْنُونِ. وَقَوله: وَإِن امْرأ أسرى الخ هَذَا انْتِقَال من وصف نَاقَته إِلَى خطاب امْرَأَة. وَأَرَادَ بِالْمَرْءِ نَفسه. وَأسرى: لُغَة فِي سرى. ودونه بِمَعْنى أَمَامه وقدامه.

والموماة بِفَتْح الْمِيم: الأَرْض الَّتِي لَا مَاء فِيهَا. والبيداء: القفر. والسملق: الأَرْض المستوية. وَهَذَا الْبَيْت رُوِيَ فِي ديوانه وَغَيره من كتب الْأَدَب كَذَا: فَالْمُرَاد من الْمَرْء ممدوحه وَالْخطاب لناقته الْمَذْكُورَة. وَكَانَ ممدوحه أهداها لَهُ فَالْكَلَام على هَذِه الرِّوَايَة من أَوله إِلَى هُنَا خطاب لناقته. وَمِنْه يظْهر أَن الْمُنَاسب فِي الرِّوَايَة الأولى أَيْضا كَون المُرَاد بِالْمَرْءِ ممدوحه وَالْخطاب لناقته وَأَن أسرى بِمَعْنى حمل على السرى وَإِلَى بِمَعْنى على ليَكُون الْكَلَام على وتيرة وَاحِد. وفياف: جمع فيفاء وَهِي الفلاة. وتنوفات: جمع تنوفة وَهِي القفر واليهماء بِفَتْح الْمُثَنَّاة التَّحْتِيَّة: الأَرْض الَّتِي لَا يهتدى فِيهَا. وَرُوِيَ: خيفق بدل سملق بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْمُثَنَّاة التَّحْتِيَّة وَفتح الْفَاء وَهِي الفلاة الواسعة. وَقَوله: أَن المعان موفق كِلَاهُمَا اسْم مفعول من الْإِعَانَة والتوفيق. قَالَ السَّيِّد المرتضى فِي أَمَالِيهِ: فِيهِ قلب يُرِيد أَن الْمُوفق معَان. وَقَالَ المرزباني فِي الموشح: يَنْبَغِي للشاعر أَن يتفقد مصراع كل بَيت حَتَّى يشاكل مَا قبله فقد جَاءَ من أشعار القدماء مَا تخْتَلف مصاريعه كَقَوْل الْأَعْشَى: وَأَن تعلمي أَن المعان موفّق

غير مشاكل لما قبله. وَكَذَلِكَ قَالَ صَاحب تَهْذِيب الطَّبْع.) وَقَوله: وَكم دونه الخ الضَّمِير للمرء. والحزن بِالْفَتْح: الأَرْض الوعرة. والقف بِضَم الْقَاف: مَا وَقَوله: وأصفر كالحناء يَعْنِي مَاء أصفر كالحناء. وذاو: متغير. والجمام بِكَسْر الْجِيم: جمع جم بِفَتْحِهَا وَهُوَ المَاء الْكثير وفارط الْقَوْم بِالْفَاءِ هُوَ الَّذِي يتقدمهم إِلَى الْورْد لإِصْلَاح الْحَوْض والدلاء. يُقَال: فرط الْقَوْم يفرطهم فرطا إِذا تقدمهم لما ذكرنَا. وَإِنَّمَا يبصق عِنْد ذوقه لمرارة المَاء وتغيره. وَقَوله: بِهِ تنفض الخ الحلس بِكَسْر الْمُهْملَة: كسَاء على ظهر الْبَعِير تَحت البرذعة ويبسط فِي الْبَيْت تَحت حر الثِّيَاب. وَإِنَّمَا تنفض للرحيل. وَقَوله: وَإِن عتاق العيس الخ هَذَا الْمَعْنى أول من اخترعه الْأَعْشَى وَأَخذه من جَاءَ بعده. قَالَ الْقطَامِي: الْكَامِل (لأعلّقنّ على المطيّ قصائداً ... أذر الرّواة بهَا طويلي الْمنطق) وَقَالَ نصيب: الطَّوِيل (فعاجوا فَأَثْنوا بِالَّذِي أَنْت أَهله ... وَلَو سكتوا أثنت عَلَيْك الحقائب)

وَمن هُنَا أَخذ أَبُو الْعَتَاهِيَة قَوْله: الْكَامِل (فَإِذا وردن بِنَا وردن خفائفاً ... وَإِذا صدرن بِنَا صدرن ثقالا) وَقَوله: وَلَا بُد من جَار الخ الْجَار لَهُ معَان وَالْمرَاد هُنَا المجير وَيُقَال أَيْضا للمستجير وللحليف وللناصر وللمجاور الَّذِي أجرته من أَن يظلم. والسكي بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَتَشْديد الْكَاف وَالْيَاء وَهُوَ المسمار وَيُقَال لَهُ السك أَيْضا بِدُونِ الْيَاء. والفيتق بِفَتْح الْفَاء وَسُكُون الْمُثَنَّاة التَّحْتِيَّة وَفتح الْمُثَنَّاة الْفَوْقِيَّة: النجار والحداد. وترجمة الْأَعْشَى تقدّمت فِي الشَّاهِد الثَّالِث وَالْعِشْرين من أَوَائِل الْكتاب. وَأنْشد بعده الشَّاهِد الثَّامِن وَالثَّمَانُونَ بعد الثلاثمائة الوافر (فَلَا تطمع أَبيت اللّعن فِيهَا ... ومنعكها بشيءٍ يُسْتَطَاع) على أَن مَا بعد الضَّمِير الْمَجْرُور إِذا كَانَ أنقص تعريفاً جَازَ فِيهِ الِانْفِصَال والاتصال فَإِنَّهُ كَمَا جَازَ منعكها يجوز مَنعك إِيَّاهَا. وكاف الْمُخَاطب محلهَا الْجَرّ بِإِضَافَة الْمصدر إِلَيْهَا وَهُوَ الْمَنْع وَضمير الْغَائِب أنقص تعريفاً من ضمير الْمُخَاطب. قَالَ ابْن هِشَام فِي شواهده: هَذَا مِمَّا اتّفق على أَن فَصله أرجح. وَأوردهُ ابْن النَّاظِم والمرادي فِي شرح الألفية على أَن هَذَا أَعنِي وصل ثَانِي ضميرين عاملهما اسْم وَاحِد ضَعِيف وَالْقِيَاس ومنعك إِيَّاهَا. كَذَا نقل

الْعَيْنِيّ عَنْهُمَا هَذَا. وَالْمَنْقُول فِي اللُّغَة أَن منع مِمَّا يتَعَدَّى إِلَى الْمَفْعُول الثَّانِي تَارَة بِنَفسِهِ وَتارَة بِحرف الْجَرّ يُقَال: منعتك كَذَا أَو منعتك عَن كَذَا أَو من كَذَا. فَفِي تَصْوِير الْفَصْل يَنْبَغِي أَن يُقيد الْمَفْعُول الثَّانِي بِحرف الْجَرّ. وفاعل الْمصدر هُنَا مَحْذُوف أَي: منعيك عَنْهَا. وَالْهَاء ضمير رَاجع لسكاب وَهُوَ اسْم فرس. وَالْبَاء فِي قَوْله: بِشَيْء زَائِدَة فِي خبر الْمُبْتَدَأ الَّذِي هُوَ منعكها. وَبِه اسْتشْهد ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي. قَالَ ابْن جني فِي إِعْرَاب الحماسة: قد جَاءَ زِيَادَة الْبَاء فِي الْخَبَر أَلا ترى إِلَى قَول أبي الْحسن فِي قَول الله تَعَالَى: جزاءٌ سيِّئةٍ بِمِثْلِهَا إِن تَقْدِيره جَزَاء سَيِّئَة سَيِّئَة مثلهَا اعْتِبَارا لقَوْله عز اسْمه: وجَزاء سَيئةٍ سَيِّئةٌ مثلُها فَكَأَنَّهُ قَالَ: ومنعكها شَيْء يُسْتَطَاع أَي: أَمر مطاق غير باهظ وَلَا معجز أَي: فاله عَنْهَا وَلَا تعلق فكرك بهَا. وَيجوز وَجه آخر وَهُوَ أَن يُرِيد: ومنعكها بِمَعْنى من الْمعَانِي مِمَّا يُسْتَطَاع وَذَلِكَ الْمَعْنى إِمَّا غَلَبَة ومعازة وَإِمَّا بِفِدَاء نفديها بِهِ مِنْك أَو غير ذَلِك فَيكون الْمَعْنى قَرِيبا من الأول إِلَّا أَنه أَلين جانباً مِنْهُ. فالباء على هَذَا مُتَعَلقَة بِنَفس الْمَنْع. وَيجوز أَيْضا أَن تعلق بيستطاع أَي: يُسْتَطَاع بِمَعْنى من وَهَذَا الْبَيْت آخر أَبْيَات أَرْبَعَة أوردهَا أَبُو تَمام فِي الحماسة. ونسبها إِلَى رجل من بني تَمِيم وَقد طلب مِنْهُ ملك من الْمُلُوك فرسا يُقَال لَهَا سكاب فَمَنعه إِيَّاهَا وَقَالَ: ...

(أَبيت اللّعن إنّ سكاب علقٌ ... نفيسٌ لَا يعار وَلَا يُبَاع)) (مفدّاةٌ مكرّمةٌ علينا ... يجاع لَهَا الْعِيَال وَلَا تجاع) (سليلة سابقين تناجلاها ... إِذا نسبا يضمّهما الكراع) فَلَا تطمع أَبيت اللّعن فِيهَا ... ... ... ... . الْبَيْت وكفّي تستقلّ بِحمْل سَيفي وَبِي ممّن تهضّمني امْتنَاع (وحولي من بني قحفان شيبٌ ... وشبّانٌ إِلَى الهيجا سراع) (إِذا فزعوا فَأَمرهمْ جميعٌ ... وَإِن لاقوا فأيديهم شُعَاع) وَقَوله: أَبيت اللَّعْن الخ أَي: أَبيت الْأَمر الَّذِي تلعن عَلَيْهِ إِذا فعلته. قَالَ المرزوقي فِي شرح الحماسة: أَبيت اللَّعْن: تَحِيَّة كَانَ يستعطف بِهِ الْمُلُوك وأصل اللَّعْن الطَّرْد. قَالَ الشَّاعِر: مجزوء الْكَامِل (ولكلّ مَا نَالَ الْفَتى ... قد نلته إلاّ التّحيّة) يَعْنِي إِلَّا أَن يُقَال لي: أَبيت اللَّعْن لِأَنَّهُ تَحِيَّة الْمُلُوك وَكَأَنَّهُ قَالَ: نلْت كل شَيْء إِلَّا الْملك. وأصل اللَّعْن: الطَّرْد. وسكاب: فرس إِذا أعربته منعته الصّرْف لِأَنَّهُ علم فلحصول التَّعْرِيف فِيهِ والتأنيث مَعَ كَثْرَة الْحُرُوف يمْنَع الصّرْف والشاعر تميمي وَهَذِه لُغَة قومه. وَإِذا بنيته على الْكسر أجريته مجْرى حذام لِأَنَّهُ مؤنث معدول معرفَة. فلمشابهته هَذِه الْأَوْصَاف دراك ونزال بني وَهَذِه اللُّغَة

حجازية. واشتقاق سكاب من سكبت إِذا صببت. وَيُقَال فِي صفة الْفرس بَحر وسكب. وَقَوله: علق نَفِيس أَي: مَال يبخل بِهِ وَهَذَا كَمَا يُقَال هُوَ علق مضنة بِالْكَسْرِ. يَقُول: إِن فرسي نَفِيس لَا يبْذل للإعارة وَلَا يعرض للْبيع. وَقَوله: مفداة مكرمَة الخ يَقُول: هِيَ لعزتها على أَرْبَابهَا تفدى بِالْآبَاءِ والأمهات وتؤثر تكريماً لَهَا على الْعِيَال عِنْد الإضاقة والإقتار فيجوع الْعِيَال وَلَا تجوع هَذِه. وَقَوله: سليلة الخ يَقُول: هِيَ ولد فرسين سابقين إِذا نسبا ضم مناسبهما الكراع وَهُوَ بِالضَّمِّ فَحل كريم مَعْرُوف. وأصل الكراع أنف يتَقَدَّم من الْجَبَل فَسُمي هَذَا الْفَحْل بِهِ لعظمه. وسليلة ألحق الْهَاء بهَا وَإِن كَانَ فعيل فِي معنى مفعول لِأَنَّهُ جعل اسْما كَمَا تَقول هِيَ قتيلة بني فلَان. وَمعنى سل نزع. وَيُقَال: نجلا ولدهما وتناجلاه بِمَعْنى وَاحِد وَمِنْه النجل بِمَعْنى الْوَلَد: (وفيهَا عزّةٌ من غير نفرٍ ... نحيّدها إِذْ حرّ القراع)) وَقَوله: وفيهَا عزّة الخ نحيّدها: بِالْحَاء الْمُهْملَة أَي: نَجْعَلهَا حائدة. وحرّ بالمهملتين أَي: اشتدّ. والقراع: مصدر قارعه أَي: ضاربه. وَقَوله: فَلَا تطمع الخ قَالَ المرزوقي: يَقُول: ارْفَعْ طمعك فِي تَحْصِيل هَذِه

الْفرس أَبيت أَن تَأتي مَا تسْتَحقّ بِهِ اللَّعْن ودفعك عَنْهَا يقدر عَلَيْهِ بِوَجْه مَا وبحيلة مَا. وَالْمعْنَى إِنِّي لَا أسعفك بهَا أَن استوهبتها مَا وجدت إِلَى الرَّد طَرِيقا فَلَا تطمع مَا دَامَت لي هَذِه الْحَالة. وَقَوله: وكفي تستقل الخ يُقَال: تهضم حَقه أَي: ظلمه. وقحفان بِضَم الْقَاف وَسُكُون الْحَاء الْمُهْملَة بعْدهَا فَاء. والشيب بِالْكَسْرِ: جمع أشيب وَهُوَ الَّذِي حصل لَهُ الشيب. وَقَوله: إِذا فزعوا الخ الشعاع بِفَتْح الشين: المتفرق. يَقُول: إِن فزعوا من أمرٍ فكلمتهم وَاحِدَة وَإِذا لاقوا الْعَدو فأيديهم مُتَفَرِّقَة عَلَيْهِ بالطعن وَالضَّرْب. وَعبيدَة بن ربيعَة: مصغر عَبدة بالتأنيث وَهُوَ شَاعِر فَارس جاهلي. وَأنْشد بعده الشَّاهِد التَّاسِع وَالثَّمَانُونَ بعد الثلاثمائة وَهُوَ من شَوَاهِد س: الطَّوِيل على أَن الضَّمِير الثَّانِي إِذا كَانَ مُسَاوِيا للْأولِ شَذَّ وَصله كَمَا هُنَا فَإِنَّهُ جمع بَين ضميري الْغَيْبَة فِي الِاتِّصَال وَكَانَ الْقيَاس لضغمهما إِيَّاهَا. قَالَ سِيبَوَيْهٍ فِي بَاب إِضْمَار المفعولين: إِذا ذكرت مفعولين كِلَاهُمَا غَائِب قلت أعطاهوها وأعطاهاه جَازَ وَهُوَ عَرَبِيّ وَلَا عَلَيْك بِأَيِّهِمَا بدأت من

قبل أَنَّهُمَا كِلَاهُمَا غَائِب. وَهَذَا أَيْضا لَيْسَ بالكثير فِي كَلَامهم وَالْكثير فِي كَلَامهم أعطَاهُ إِيَّاهَا. على أَن الشَّاعِر قَالَ: وَقد جعلت نَفسِي تطيب لضغمةٍ ... ... ... ... . الْبَيْت اه. قَالَ النّحاس والأعلم: إِنَّمَا كَانَ وَجه الْكَلَام لضغمهما إِيَّاهَا لِأَن الْمصدر لم يستحكم فِي الْعَمَل والإضمار استحكام الْفِعْل. وَجعل هُنَا من أَفعَال الشُّرُوع وَنَفْسِي اسْمهَا وَجُمْلَة تطيب خَبَرهَا. والضغمة بِفَتْح الضَّاد) وَسُكُون الْغَيْن المعجمتين: العضة. وَقد اخْتلف النَّاس فِي معنى هَذَا الْبَيْت وأصوب من تكلم عَلَيْهِ ابْن الشجري فِي أَمَالِيهِ فِي موضِعين مِنْهَا وَتَبعهُ صَاحب اللّبَاب فِي تَعْلِيقه على اللّبَاب قَالَ: يَقُول: جعلت نَفسِي تطيب لِأَن وصف ضغمة بِالْجُمْلَةِ والمصدر الَّذِي هُوَ الضغم مُضَاف إِلَى الْمَفْعُول وفاعله مَحْذُوف التَّقْدِير: لضغمي إيَّاهُمَا. وَالْهَاء الَّتِي فِي قَوْله لضغمهماها عَائِدَة إِلَى الضغمة فانتصابها إِذن انتصاب الْمصدر مثلهَا فِي قَوْله تَعَالَى: إنّ هَذَا لمكرٌ مكرتموه فِي الْمَدِينَة وأضاف الناب إِلَى ضمير الضغمة لِأَن الضغم إِنَّمَا هُوَ بالناب. وَاللَّام فِي قَوْله لضغمهماها مُتَعَلقَة بيقرع أَي: يقرع عظمهما نابي لضغمي إيَّاهُمَا ضغمة وَاحِدَة. اه. وعَلى هَذَا الضغمتان والقرع والناب جَمِيعهَا للمتكلم وَاللَّام الأولى مُتَعَلقَة بقوله تطيب. وَيَنْبَغِي أَن نورد الأبيات الَّتِي مِنْهَا هَذَا الْبَيْت وسببها حَتَّى يَتَّضِح الْمَعْنى وَيَزُول الْإِشْكَال فَإِن غَالب من تكلم عَلَيْهِ لم يقف على مَا ذكرنَا.

قَالَ أَبُو مُحَمَّد الْأسود الْأَعرَابِي فِي ضَالَّة الأديب وَهُوَ مَا كتبه على نَوَادِر ابْن الْأَعرَابِي: إِن مغلس بن لَقِيط وَهُوَ من ولد معبد بن نَضْلَة كَانَ رجلا كَرِيمًا حَلِيمًا شريفاً وَكَانَ لَهُ إخْوَة ثَلَاثَة: أحدهم أطيط بِالتَّصْغِيرِ وَكَانَ أطيط بِهِ باراً والآخران وهما مدرك وَمرَّة مماظين فَلَمَّا مَاتَ أطيط أظهرا لَهُ الْعَدَاوَة فَقَالَ: الطَّوِيل (قرينين كالذّئبين يبتدرانني ... وشرّ صحابات الرّجال ذئابها) (وَإِن رَأيا لي غرّةً أغريا بهَا ... أعاديّ والأعداء كلبى كلابها) (إِذا رأياني قد نجوت تلمّسا ... لرجلي مغوّاةً هياماً ترابها) (وأعرضت أستبقيهما ثمّ لَا أرى ... حلومهما إلاّ وشيكاً ذهابها) (لعلّ جوازي الله يجزين مِنْهُمَا ... ومرّ اللّيالي صرفهَا وانقلابها) (فيشمت بالمرأين مرءٌ تخطّيا ... إِلَيْهِ قراباتٍ شَدِيدا حجابها) (وَقد جعلت نَفسِي تطيب لضغمةٍ ... أعضّهما مَا يقرع الْعظم نابها) (وَلَا مثل يومٍ عِنْد سعد بن نوفلٍ ... بفرتاج إِذْ توفّي عليّ هضابها)) (لأجعل مَا لم يَجْعَل الله لامرئٍ ... وأكتب أَمْوَالًا عداءً كتابها) (خرجت خُرُوج الثّور قد عصبت بِهِ ... سلوقيّة الْأَنْسَاب خضعٌ رقابها)

(حبست بغمّى غمرةٍ فتركتها ... وَقد أترك الغمّى إِذا ضَاقَ بَابهَا) ثمَّ رثى أطيطاً فَقَالَ: (ذكرت أطيطاً والأداوى كأنّها ... كلىً من أديمٍ يستشنّ هزومها) (لعمري لقد خلّيتني ومواطناً ... تشيب النّواصي لَو أَتَاك يقينها) انْتهى مَا أوردهُ أَبُو مُحَمَّد. وَقَوله: وَالدُّنْيَا قَلِيل عتابها أَرَادَ أَن عتاب الدُّنْيَا غير نَافِع فمعاتبها غير مستكثر مِنْهُ. وَقَوله: قرينين كالذئبين شبههما بالذئبين لِأَن الذئاب أَخبث السبَاع. وَقَوله: وَإِن رَأيا لي غرَّة الخ روى بدله: إِذا رَأيا لي غَفلَة أسّدا لَهَا أَي: أفسدا قُلُوب أعادي حَتَّى جعلا أَخْلَاقهم كأخلاق الْأسود. والكلبى: جمع كلب كزمنى جمع زمن. وَقَوله: إِذا رأياني قد نجوت الخ تلمسا أَلفه ضمير الِاثْنَيْنِ والمغواة بِضَم الْمِيم وَفتح الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الْوَاو: حُفْرَة كالزبية. يُقَال: من حفر مغواةً وَقع فِيهَا. والهيام بِفَتْح الْهَاء لَا بِكَسْرِهَا كَمَا زَعمه الْعَيْنِيّ بعْدهَا مثناة تحتية: الرمل الَّذِي لَا يتماسك أَن يسيل من الْيَد للينه. وَنقل الْعَيْنِيّ عَن أبي عَليّ فِي التَّذْكِرَة أَن الرِّوَايَة عِنْده هيالى ترابها قَالَ: وَهَذَا يدل على

أَن التُّرَاب جمع ترب وَلَو كَانَ مُفردا لقَالَ: هائل ترابها. قَالَ صَاحب الْعين: الهائل: الرمل الَّذِي لَا يثبت. وَضرب هَذَا مثلا لِكَثْرَة معرفتهما بِالشَّرِّ والتحيل فِي جلب أَنْوَاع الضَّرَر. وفرتاج بِفَتْح الْفَاء: مَوضِع. والغمرة بِالْفَتْح: الشدَّة والغمى بِفَتْح الْمُعْجَمَة وَضمّهَا: الغامة أَي: المهمة الملتبسة. وروى السيرافي بعد قَوْله هياماً ترابها: (فلولا رجائي أَن تؤوبا وَلَا أرى ... عقولكما إلاّ شَدِيدا ذهابها) (سقيتكما قبل التفرّق شربةً ... يمرّ على باغي الظّلام شرابها) وَقد جعلت نَفسِي تطيب ... ... ... ... ... . . الْبَيْت) والظلام بِالْكَسْرِ: جمع ظلم بِالضَّمِّ. وَقد أنْشد الْبَيْت الشَّاهِد أَبُو الْحسن عَليّ بن عِيسَى الربعِي هَكَذَا: (فقد جعلت نَفسِي تهمّ بضغمةٍ ... على علّ غيظٍ يقصم الْعظم نابها) والعل بِفَتْح الْمُهْملَة: التكرر. والقصم بِالْقَافِ: كسر مَعَ فصل. وعَلى هَذَا لَا شَاهد فِيهِ وَالْمَشْهُور الرِّوَايَة الأولى. وَقد اخْتلف الْعلمَاء فِي مَعْنَاهُ فَقَالَ الْخَوَارِزْمِيّ: الضغمة: العضة ولضغمهماها بدل من قَوْله لضغمة وَالضَّمِير الأول لسَبْعين وَأما الثَّانِي فلضغمة وَالضَّمِير فِي نابها لضغمة. يَقُول: لِكَثْرَة مَا ابْتليت بِهِ من المحن قد طابت نَفسِي أَن يعضني سبعان ناباهما يضربان الْعظم. وقرع الناب الْعظم كِنَايَة عَن الصَّوْت. هَذَا كَلَامه. وَقَالَ الأعلم: هَذَا الشَّاعِر وصف شدَّة أَصَابَهُ بهَا رجلَانِ فَيَقُول: قد جعلت نَفسِي تطيب لإصابتهما بِمثل الشدَّة الَّتِي أصاباني بهَا.

وَضرب الضغمة مثلا ثمَّ وصف الضغمة فَقَالَ: يقرع الْعظم نابها فَجعل لَهَا ناباً على السعَة. وَالْمعْنَى: يصل الناب فِيهَا إِلَى الْعظم فيقرعه. اه. وَقَالَ الأندلسي فِي شرح الْمفصل: قيل إِن معنى الْبَيْت أَن نَفسه طابت لإصابة الشدَّة من أجل أَن هذَيْن القاصدين لَهُ بالشدة أصابتهما مثلهَا. وَفِي الْبَيْت إِشْكَال فَإِن الضغم عبارَة عَن الشدَّة فَإِذا قدرت إضافتها إِلَى الْمَفْعُول وَهُوَ الظَّاهِر وَجب أَن يكون ضميرها فَاعِلا فِي الْمَعْنى فَلَا يَسْتَقِيم لوَجْهَيْنِ: أَحدهمَا: أَنَّهَا لَيست من ضمائر الرّفْع. وَالْآخر: أَن ضمائر الرّفْع لَا تَأتي بعد ضمير الْمَفْعُول فَالْوَجْه أَن يُقَال إِن الضغم بِمَعْنى الْإِصَابَة أضيف إِلَى الْفَاعِل الَّذِي هُوَ ضمير التَّثْنِيَة ثمَّ ذكر بعد ذَلِك الْمَفْعُول فَكَأَنَّهُ قَالَ: لإصابة هَذِه الشدَّة الَّتِي عبر عَنْهَا بالضغمة أَولا. هَذَا كَلَامه. وَنقل ابْن المستوفي عَن حَوَاشِي الْمفصل أَنه قَالَ فِي الْحَوَاشِي: هما عائدان للأسد والضبع وَقيل للأسد وَالذِّئْب وَهَا للضغمة. وَوجدت فِي مَوضِع آخر من الْحَوَاشِي قَالَ: الضَّمِير الأول يرجع إِلَى الذِّئْب والضبع وَالثَّانِي إِلَى النَّفس. وَهَذَا أشبه من الأول إِلَّا أَنه مَعَ وجود مَا يعود إِلَيْهِ ضمير الِاثْنَيْنِ من قَوْله قرينين كالذئبين لَا وَالَّذِي أرَاهُ أَن معنى الْبَيْت إِن نَفسِي قد طابت أَن تصيبها ضغمة بِهَذِهِ الصّفة لأجل ضغمهما

إِيَّاهَا إِذْ ليسَا من نظرائي وأشكالي. فَيكون مَوضِع لَام لضغمهماها نصب على أَنه مفعول لَهُ) وَمَوْضِع هما رفع بالفاعلية وَمَوْضِع هَا نصب بالمفعولية. هَذَا كَلَامه. وَقَالَ ابْن الْحَاجِب فِي أَمَالِيهِ وَنَقله شَارِح اللّبَاب: يَقُول: طابت نَفسِي للشدة الَّتِي أصابتني لوُقُوع القاصد لي بهَا فِي أعظم مِنْهَا. والضغمة عبارَة عَن الشدَّة وهما اثْنَان قصداه بِسوء فوقعا فِي مثل مَا طلباه لَهُ. وَجعل من أَفعَال المقاربة ولضغمة مَعْمُول لتطيب إِعْمَال الْفِعْل فِي مفعوليه وَلَيْسَت بِمَعْنى الْمَفْعُول من أَجله لِأَنَّهُ لم يرد أَنَّهَا طابت لأجل الضغمة وَإِنَّمَا طابت بهَا. وَالتَّعْلِيل هُوَ قَوْله لضغمهماها أَي: طابت نَفسِي لما أصابني من الشدَّة لإصابة من قصدني بِمِثْلِهَا. والضغمة: العضة فكنى بهَا عَن الْمُصِيبَة. وَيُقَال: ضغم الشدَّة وضغمته. وَجَاء الْبَيْت على الْوَجْهَيْنِ فَقَوله لضغمة من قَوْلهم عضته الشدَّة لقَوْله يقرع الْعظم نابها. وَقَوله: لضغمهماها من قَوْلهم: عضضت الشدَّة لِأَن الْفَاعِل هَا هُنَا ضمير من أَصَابَهَا وَضمير الْمَفْعُول ضميرها أَي: لضغمهما إِيَّاهَا فَهِيَ معضوضة لَا عاضة لمجيئها مفعولةً لَا فاعلة. وَيجوز أَن يكون الموضعان من ضغمت الشدَّة لَا ضغمتني وَيكون قَوْله: يقرع الْعظم نابها مُبَالغَة وَمَوْضِع استشهاده مَجِيء الضميرين الغائبين متصلين وَلَيْسَ أَحدهمَا فَاعِلا وهما: ضمير الفاعلين وَهُوَ قَوْله: هما وَضمير الضغمة وَهُوَ قَوْلك: هَا. وَهُوَ شَاذ وَالْقِيَاس فِي مثله ضغمهما إِيَّاهَا كَرَاهَة اجْتِمَاع ضمائر الغائبين البارزة من

جنس وَاحِد بِخِلَاف مَا لَو اخْتلفَا. وَالضَّمِير الأول فِي مَوضِع خفض بِالْإِضَافَة وَهُوَ فَاعل فِي الْمَعْنى وَالضَّمِير الثَّانِي فِي مَوضِع نصب على المفعولية بِالْمَصْدَرِ أَي: لِأَن ضغماها. ويقرع الْعظم نابها فِي مَوضِع صفة إِمَّا لضغمة الأولى وَفصل للضَّرُورَة بالجار وَالْمَجْرُور الَّذِي هُوَ لضغمهماها ويضعف لأجل الْفَصْل بَين الصّفة والموصوف بالأجنبي وَهُوَ غير سَائِغ. وَإِمَّا فِي مَوضِع صفة لِمَعْنى قَوْلك هَا إِذْ مَعْنَاهُ لضغمهما مثلهَا إِذْ الأولى لم تصب هذَيْن وَإِنَّمَا أصابهما مثلهَا فَهُوَ فِي الْمَعْنى مُرَاد. وَمثل نكرَة وَإِن أضيفت إِلَى الْمعرفَة فَجَاز أَن تُوصَف بِالْجُمْلَةِ. وَيجوز أَن يكون يقرع الْعظم نابها جملَة مستأنفة لتبيين أَمر الضغمة فِي الْمَوْضِعَيْنِ جَمِيعًا فَلَا مَوضِع لَهَا من الْإِعْرَاب لِأَنَّهَا لم تقع موقع مُفْرد. وَمَا يتَوَهَّم من أَن لضغمهماها مُضَاف إِلَى الْمَفْعُول وَهَا فِي الْمَعْنى فَاعل فَيُؤَدِّي إِلَى أَنه أضَاف) إِلَى الْمَفْعُول وأتى بعده بالفاعل بِصِيغَة ضمير الْمَنْصُوب مندفع بِمَا تقدم من أَنه لم يرد أَن الشدَّة عضت وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنَّهُمَا عضا الشدَّة إِذْ لَا يَسْتَقِيم أَن يُضَاف الْمصدر إِلَى الْمَفْعُول وَيُؤْتى بالفاعل بِصِيغَة ضمير الْمَنْصُوب بِاتِّفَاق فَوَجَبَ حمله على مَا ذَكرْنَاهُ دفعا لما يلْزم مِمَّا أجمع على امْتِنَاعه. اه كَلَامه. وَهَذَا كُله مَبْنِيّ على خلاف التَّحْقِيق ومنشؤه عدم الِاطِّلَاع على الأبيات وسببها وَكَذَلِكَ قَول بعض فضلاء الْعَجم فِي شرح شَوَاهِد الْمفصل أَن قَوْله لضغمهماها بدل من قَوْله لضغمة. وَالضَّمِير الأول فِي لضغمهماها للسبعين. وَأما الثَّانِي فَقَالَ صَاحب التحبير والإيضاح لضغمة. وَوَافَقَهُمَا

فِي ذَلِك صَاحب الإقليد والموصل. وَقَالَ صَاحب المقتبس: هُوَ لنَفْسي. وَتَابعه فِي ذَلِك صَاحب المقاليد. وَقَوله: لضغمهماها مصدر مُضَاف إِلَى الْفَاعِل على الْوَجْهَيْنِ إِلَّا أَن الْمَفْعُول فِي الْوَجْه الأول يكون محذوفاً وَهُوَ النَّفس وَفِي الثَّانِي يكون مَذْكُورا. هَذَا كَلَامه. وَأغْرب من هَذَا كُله قَول شَارِح اللب السَّيِّد عبد الله لضغمة مفعول تطيب على أَنه مفعول بِهِ لَا مفعول لَهُ. وَقَوله: لضغمهماها هُوَ الْمَفْعُول لَهُ. أَي: جعلت تطيب لضغمة سبع يقرع الْعظم نَاب تِلْكَ الضغمة لضغمة هذَيْن السّبْعين النَّفس. وَالْمرَاد بِهِ أَن ضغمة سبع وَاحِد أَهْون من ضغمة وَقد لخص ابْن هِشَام فِي شرح شواهده هَذِه الْأَقْوَال فَقَالَ: وَفِي معنى الْبَيْت وتوجيهه أوجه: أَحدهَا: أَن الضغمة الأولى لَهُ وَالثَّانيَِة لَهما أَي: نَفسه طابت لِأَن يُوقع بهما مُصِيبَة عَظِيمَة لأجل ضغمهما إِيَّاه مثلهَا. وَاللَّام من لضغمة تتَعَلَّق بتطيب وَهِي لَام التَّعْدِيَة وَاللَّام من لضغمهما مُتَعَلق بضغمة أَو بجعلت أَو بتطيب وَهِي لَام الْعلَّة. وَضمير التَّثْنِيَة فَاعل وَضمير الْمُؤَنَّث مفعول مُطلق. وَالْمعْنَى

لضغمهما إيَّايَ ضغمةً مثلهَا فَحذف الْمَفْعُول بِهِ والموصوف وأناب عَنهُ صفته ثمَّ حذف الْمُضَاف وأناب عَنهُ الْمُضَاف إِلَيْهِ وَوَصله شذوذاً. الثَّانِي: أَن يكون الْمَعْنى كَذَلِك لَكِن يكون ضمير الْمُؤَنَّث عَائِدًا على الصّفة الْمُتَقَدّمَة فِي اللَّفْظ وَالْمرَاد غَيرهَا على حد قَوْلهم: عِنْدِي دِرْهَم وَنصفه. الثَّالِث: أَن الضغمتين كلتيهما من فعل الْمُتَكَلّم أَي: جعلت نَفسِي لأجل إيذائهما لي تطيب لإيقاع) ضغمة بهما يقرع الْعظم نابها لشدَّة ضغمهما إِيَّاهَا فَحذف المضافين: الشدَّة المضافة إِلَى الضغمتين وياء الْمُتَكَلّم الْمُضَاف إِلَيْهَا الضغمتان وَهِي فَاعل الْمصدر. فَاللَّام الأولى مُتَعَلقَة بتطيب وَالثَّانيَِة مُتَعَلقَة بيقرع. الرَّابِع: أَن الضغمتين للمتكلم وَأَن الثَّانِيَة على تَقْدِير يَاء الْمُتَكَلّم كَمَا تقدم وَلَكِن الثَّانِيَة بدل من الْخَامِس: أَن الضغمة الأولى لأَجْنَبِيّ وَالثَّانيَِة لَهما أَي: تطيب لِأَن يضغمني ضاغم ضغمةً يقرع الْعظم نابها لضغمهما إيَّايَ مثلهَا كَمَا تَقول: طابت نَفسِي بِالْمَوْتِ لما نالني من أَذَى فلَان. وَاللَّام الأولى للتعدية وَالثَّانيَِة للتَّعْلِيل. وراجح الْأَوْجه الثَّالِث لِأَن السيرافي روى: تهم بضغمة عَليّ على غيظ وَلِأَن بَعضهم روى: لغضمة أعضهماها. وَضمير نابها رَاجع للضغمة إِمَّا على أَنه جعل لَهَا ناباً على الاتساع وَالْمرَاد صَاحبهَا أَو على أَن التَّقْدِير نَاب صَاحبهَا ثمَّ حذف الْمُضَاف. اه.

وَقَالَ ابْن يسعون فِي شرح شَوَاهِد الْإِيضَاح: اسْتشْهد بِهِ أَبُو عَليّ على وُقُوع الضَّمِير الْمُتَّصِل موقع الْمُنْفَصِل لِأَن مَجِيء الضَّمِير الْمُنْفَصِل مَعَ الْمصدر أحسن والمصدر هُوَ لضغمهما وَهُوَ مُضَاف إِلَى هما وهما فِي الْمَعْنى فاعلان وَالْمَفْعُول المضغوم مَحْذُوف. وَلَو ذكره مَعَ هَا الْمُتَّصِلَة العائدة على ضغمة لقَالَ: لضغمهماها إيَّايَ. وَلَو أَتَى بضمير الضغمة مُنْفَصِلا على الْوَجْه الْأَحْسَن لقَالَ: لضغمهما إيَّايَ إِيَّاهَا فَكَانَ يتَقَدَّم لوَجْهَيْنِ: أَحدهمَا: لِأَنَّهُ ضمير الْمُخَاطب وَهُوَ أولى بالتقدم من ضمير الْغَائِب. وَالْوَجْه الثَّانِي أَن إيَّايَ ضمير الْمَفْعُول بِهِ وَإِيَّاهَا ضمير الْمصدر وَهِي فضلَة مُسْتَغْنى بِمَا هُوَ آكِد مِنْهَا وَكَانَ الأَصْل لضغمهما إيَّايَ مثلهَا أَي: مثل تِلْكَ الضغمة فَحذف الْمُضَاف وَأقَام وَحذف الْمَفْعُول مَعَ الْمصدر إِذا كَانَ مَعَه الْفَاعِل كثير كَمَا قد يحذف مَعَه الْفَاعِل أَيْضا. هَذَا مَا وقفت عَلَيْهِ. ومغلس بن لَقِيط: شَاعِر من شعراء الْجَاهِلِيَّة وَهُوَ بِضَم الْمِيم وَفتح الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَكسر اللَّام الْمُشَدّدَة. ولقيط بِفَتْح اللَّام وَكسر الْقَاف ومعبد بِفَتْح الْمِيم الْمُوَحدَة وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة. وَكَون الشّعْر لمغلس بن لَقِيط الْمَذْكُور هُوَ مَا قَالَه الأعلم. قَالَ: وَاسم هَذَا الشَّاعِر مغلس بن لَقِيط الْأَسدي وَالرجلَانِ من قومه وهما مدرك وَمرَّة. وَكَذَا قَالَ السيرافي لكنه قَالَ: هُوَ لمغلس بن لَقِيط الْأَسدي من ولد معبد

ابْن نَضْلَة يُعَاتب) فِيهِ مدرك بن حصن وَمرَّة بن عداء وَيذكر أَخَاهُ أطيط بن لَقِيط. وَقَالَ الْعَيْنِيّ: هُوَ الْمُغلس بن لَقِيط بن حبيب بن خَالِد بن نَضْلَة الْأَسدي جاهلي هُوَ وأخواه بعثر وَنَافِع ابْنا لَقِيط شعراء وَهُوَ من قصيدة هائية يرثي فِيهَا أَخَاهُ أطيطاً ويشتكي من قرينين لَهُ يؤذيانه. وَقيل: هما ابْنا أَخِيه وهما مدرك وَمرَّة. اه. وَنسب ابْن الشجري فِي أَمَالِيهِ وَتَبعهُ شَارِح اللّبَاب هَذَا الشّعْر إِلَى لَقِيط بن مرّة قَالَ: رثى فِيهِ أَخَاهُ أطيطاً وهجا مرّة بن عداء ومدرك بن حصن الأسديين. وَقَالَ ابْن هِشَام فِي شرح شواهده: هُوَ لمغلس بن لَقِيط السَّعْدِيّ لَا الْأَسدي وَكَانَ لَهُ ثَلَاثَة أخوة: مرّة ومدرك وأطيط وَكَانَ أبرهم بِهِ فَمَاتَ وَأظْهر الأخوان عداوته وآذياه فَقَالَ يرثيه ويشتكي من أَخَوَيْهِ وَقيل: هما ابْنا أَخِيه الْمَذْكُور وَقيل: أجنبيان. هَذَا مَا وقفت عَلَيْهِ وَالله أعلم بِحَقِيقَة الْحَال. وَأنْشد بعده الشَّاهِد التِّسْعُونَ بعد الثلاثمائة الطَّوِيل (لَئِن كَانَ إيّاه لقد حَال بَعدنَا ... عَن الْعَهْد وَالْإِنْسَان قد يتغيّر) على أَن الْمُخْتَار فِي خبر كَانَ وَأَخَوَاتهَا إِذا كَانَ ضميراً الِانْفِصَال كَمَا هُنَا لِأَنَّهُ خبر وَالْأَصْل فِي الْخَبَر الِانْفِصَال.

وَقَالَ بدر الدَّين فِي شرح ألفيه وَالِده: الصَّحِيح اخْتِيَار الِاتِّصَال لكثرته فِي النّظم والنثر الفصيح. وَهَذَا الْبَيْت من قصيدة لعمر بن أبي ربيعَة وَقَبله: (ألكني إِلَيْهَا بالسّلام فإنّه ... يشهّر إلمامي بهَا وينكّر) (بِآيَة مَا قَالَت غَدَاة لقيتها ... بمدفع أكنان: أَهَذا المشهّر) (أَهَذا الَّذِي أطريت ذكرا فَلم أكن ... وعيشك أنساه إِلَى يَوْم أقبر) (فَقَالَت: نعم لَا شكّ غيّر لَونه ... سرى اللّيل يحيي نصّه والتّهجّر) لَئِن كَانَ إيّاه لقد حَال بَعدنَا ... ... ... ... ... . . الْبَيْت قَوْله: ألكني أَي: كن رَسُولي وَتحمل رسالتي إِلَيْهَا.) وَقَوله: قفي أَمر من الْوُقُوف والآمرة هِيَ نعم محبوبة الشَّاعِر. وَأَسْمَاء: صَاحِبَة نعم. وَأَسْمَاء: منادىً بِحرف النداء الْمَحْذُوف. وَرُوِيَ أَيْضا: قفي فانظري يَا أسم وَهُوَ مرخم أَسمَاء. وَهَذَا على طَرِيقَته فَإِنَّهُ كثيرا مَا يتغزل بِنَفسِهِ زعماً مِنْهُ أَن المخدرات يعشقنه لحسنه وجماله وَقد عيب عَلَيْهِ. وَالْهَاء فِي تعرفينه ضمير الشَّاعِر وَهُوَ عمر كَمَا أَن المغيري عبارَة عَنهُ. قَالَ الْخَوَارِزْمِيّ: المغيري مَنْسُوب إِلَى الْمُغيرَة بن عبد الله بن عمر بن مَخْزُوم وَهُوَ من أجداده. وَقَوله: وعيشك أنساه الْوَاو للقسم وَالْجُمْلَة مُعْتَرضَة بَين لم أكن وَبَين خَبره وَهُوَ جملَة أنسا

هـ وسرى اللَّيْل فَاعل غير والتهجر مَعْطُوف عَلَيْهِ وَهُوَ السّير فِي الهاجرة. ويحيي مضارع مَعْلُوم من الْإِحْيَاء وفاعله ضمير المغيري وَنَصه مَفْعُوله. وَقَوله: قفي فانظري إِلَى آخر الْبَيْتَيْنِ من مقول قَالَت. وَزعم بعض فضلاء الْعَجم فِي شرح أَبْيَات الْمفصل أَن الْبَيْتَيْنِ من مقول الشَّاعِر فَإِنَّهُ قَالَ: وَالْمعْنَى قلت لحبيبتي أَسمَاء قفي يَا أَسمَاء فانظري وتأملي هَل تعرفين هَذَا الرجل الَّذِي ترينه يُرِيد بِهِ نَفسه. وَلما قَالَ ذَلِك توهمته فَقَالَت متعجبة متفكرة لفرط تغيره: الَّذِي ترَاهُ عمر المغيري الَّذِي كَانَ يذكر عندنَا وَالله لَئِن كَانَ المغيري إِيَّاه لقد حَال وَتغَير عَمَّا عهدناه فَإِنَّهُ عهدناه شَابًّا وَقد كبر وعهدناه ناضراً طرياً وَقد حَال عَن ذَلِك ثمَّ قَالَ تَسْلِيَة لَهُ: وَالْإِنْسَان قد يتَغَيَّر عَن حَال إِلَى حَال فَلَا تحزن. وَيجوز أَن يكون هَذَا مقول الشَّاعِر قَالَ ذَلِك نفيا لتعجبها مِمَّا استعظمته من تغيره بعْدهَا. أَي: إِن الْإِنْسَان يتَغَيَّر فَلَا تتعجبي. اه. وَفِيه مَا لَا يخفى. وَقَوله: لَئِن كَانَ الخ اللَّام موطئة للقسم وَاسم كَانَ ضمير المغيري وإياه خَبَرهَا وَجُمْلَة لقد حَال الخ جَوَاب الْقسم الْمَحْذُوف وَقد سد مسد جَوَاب الشَّرْط. وَحَال بِمَعْنى تغير من قَوْلهم: حَالَتْ الْقوس أَي: انقلبت عَن حَالهَا الَّتِي عمرت عَلَيْهَا وَحصل فِي قالبها اعوجاج. وبعدنا: مُتَعَلق بِحَال. وَكَذَلِكَ قَوْله: عَن الْعَهْد أَي: عَمَّا عهدنا من شبابه وجماله. وَجُمْلَة وَالْإِنْسَان قد يتَغَيَّر حَالية. وَمثله قَول كثير عزة: الطَّوِيل (وَقد زعمت أنّي تغيّرت بعْدهَا ... وَمن ذَا الَّذِي يَا عزّ لَا يتغيّر)

وَهَذِه القصيدة عدَّة أبياتها ثَمَانُون بَيْتا أوردهَا القالي فِي أَمَالِيهِ وَمُحَمّد بن الْمُبَارك بن مُحَمَّد بن) مَيْمُون فِي مُنْتَهى الطّلب من أشعار الْعَرَب. وَقد أنْشد الْمبرد أبياتاً مِنْهَا فِي الْكَامِل وَقَالَ: يرْوى من غير وَجه أَن ابْن الْأَزْرَق أَتَى ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه يَوْمًا فَجعل يسْأَله حَتَّى أمله فَجعل ابْن عَبَّاس يظْهر الضجر وطلع عمر بن عبد الله بن أبي ربيعَة على ابْن عَبَّاس وَهُوَ يَوْمئِذٍ غُلَام فَسلم وَجلسَ فَقَالَ لَهُ ابْن عَبَّاس: أَلا تنشدنا شَيْئا من شعرك فأنشده: الطَّوِيل (أَمن آل نعمٍ أَنْت غادٍ فمبكر ... غَدَاة غدٍ أم رائحٌ فمهجّر) حَتَّى أتمهَا وَهِي ثَمَانُون بَيْتا فَقَالَ لَهُ ابْن الْأَزْرَق: لله أَنْت يَا ابْن عَبَّاس أنضرب إِلَيْك أكباد الْإِبِل نَسْأَلك عَن الدَّين فتعرض ويأتيك غُلَام من قُرَيْش فينشدك سفهاً فتسمعه فَقَالَ: تالله مَا سَمِعت سفهاً. فَقَالَ ابْن الْأَزْرَق: أما أنْشدك: الطَّوِيل (رَأَتْ رجلا أَيّمَا إِذا الشّمس عارضت ... فيخزى وأمّا بالعشيّ فيخسر) فَقَالَ: مَا هَكَذَا قَالَ: إِنَّمَا قَالَ: فيضحى وَأما بالعشيّ فيخصر

قَالَ: أَو تحفظ الَّذِي قَالَ قَالَ: وَالله مَا سَمعتهَا إِلَّا سَاعَتِي هَذِه وَلَو شِئْت أَن أردهَا لرددتها قَالَ: فارددها. فأنشده إِيَّاهَا. وروى الزبيريون أَن نَافِعًا قَالَ لَهُ: مَا رَأَيْت أروى مِنْك قطّ فَقَالَ ابْن عَبَّاس: مَا رَأَيْت أروى من عمر وَلَا أعلم من عَليّ. انْتهى كَلَام الْمبرد. وَفِي هَذِه القصيدة أَبْيَات شَوَاهِد فِي هَذَا الشَّرْح وَغَيره لَا بَأْس بإيرادها هُنَا. وَهِي هَذِه: (أَمن آل نعمٍ أَنْت غادٍ فمبكر ... غَدَاة غدٍ أم رائحٌ فمهجّر) (بحاجة نفسٍ لم تقل فِي جوابها ... فتبلغ عذرا والمقالة تعذر) (نهيم إِلَى نعمٍ فَلَا الشّمل جامعٌ ... وَلَا الْحَبل موصولٌ وَلَا الْقلب مقصر) (وَلَا قرب نعمٍ إِذْ دنت لَك نافعٌ ... وَلَا نأيها يسلي وَلَا أَنْت تصبر) (وَأُخْرَى أَتَت من دون نعم وَمثلهَا ... نهى ذَا النّهى لَو ترعوي أَو تفكّر) (إِذا زرت نعما لم يزل ذُو قرابةٍ ... لَهَا كلّما لاقيتها يتنمّر) (عزيزٌ عَلَيْهِ إِن ألمّ ببيتها ... مسرٌّ لي الشّحناء للبغض مظهر) ...

(ألكني إِلَيْهَا بالسّلام فإنّه ... يشهّر إلمامي بهَا وينكّر) (على إنّها قَالَت غَدَاة لقيتها ... بمدفع أكنانٍ: أَهَذا المشهّر)) (قفي فانظري يَا أسم هَل تعرفينه ... أَهَذا المغيريّ الَّذِي كَانَ يذكر) (أَهَذا الَّذِي أطريت نعتاً فَلم أكن ... وعيشك أنساه إِلَى يَوْم أقبر) (فَقَالَت: نعم لَا شكّ غيّر لَونه ... سرى اللّيل يحيي نصّه والتّهجّر) (رَأَتْ رجلا أمّا غذى الشّمس عارضت ... فيضحى وأمّا بالعشيّ فيخصر) (أَخا سفرٍ جوّاب أرضٍ تقاذفت ... بِهِ فلواتٌ فَهُوَ أَشْعَث أغبر) (قليلٌ على ظهر المطيّة ظلّه ... سوى مَا نفى عَنهُ الرّداء المحبّر) (وأعجبها من عيشها ظلّ غرفةٍ ... وريّان ملتفّ الحدائق أَنْضَرُ) (ووالٍ كفاها كلّ شيءٍ يهمّها ... فَلَيْسَتْ لشيءٍ آخر اللّيل تسهر) (وَلَيْلَة ذِي دوران جشّمني السّرى ... وَقد يجشم الهول المحبّ المغرّر) (فبتّ رقيباً للرّفاق على شفاً ... أراقب مِنْهُم من يطوف وَأنْظر) (إِلَيْهِم مَتى يستأخذ النّوم فيهم ... ولي مجلسٌ لَوْلَا اللّبانة أوعر) (وباتت قلوصي بالعراء ورحلها ... لطارق ليلٍ أَو لمن جَاءَ معور) ...

(فبتّ أُنَاجِي النّفس أَيْن خباؤها ... وأنّي لما تَأتي من الْأَمر مصدر) (فدلّ عَلَيْهَا الْقلب نارٌ عرفتها ... بهَا وَهوى الحبّ الَّذِي كَانَ يظْهر) (فلمّا فقدت الصّوت مِنْهُم وأطفئت ... مصابيح شبّت بالعشاء وأنور) (وَغَابَ قميرٌ كنت أَهْوى غيوبه ... وروّح رعيانٌ ونوّم سمّر) (فحيّيت إِذْ فاجأتها فتولّهت ... وكادت بمرفوع التّحيّة تجْهر) (فَقَالَت وعضّت بالبنان فضحتني ... وَأَنت امرؤٌ ميسور أَمرك أعْسر) (أريتك إِذْ هنّا عَلَيْك ألم تخف ... رقيباً وحولي من عدوّك حضّر) (فَقلت كَذَاك الحبّ قد يحمل الْفَتى ... على الهول حتّى يستقاد فينحر) (فو الله مَا أَدْرِي أتعجيل حاجةٍ ... سرت بك أم قد نَام من كنت تحذر) (فَقلت لَهَا بل قادني الحبّ والهوى ... إِلَيْك وَمَا نفسٌ من النّاس تشعر) (فَقَالَت وَقد لانت وأفرخ روعها ... كلاك بحفظٍ ربّك المتكبّر) (فَأَنت أَبَا الخطّاب غير منازعٍ ... عليّ أميرٌ مَا مكثت مؤمّر) ...

(فبتّ قرير الْعين أَعْطَيْت حَاجَتي ... أقبّل فاها فِي الْخَلَاء فَأكْثر)) (فيا لَك من ليلٍ تقاصر طوله ... وَمَا كَانَ ليلِي قبل ذَلِك يقصر) (ويالك من ملهىً هُنَاكَ ومجلسٍ ... لنا لم يكدّره علينا مكدّر) (يمجّ ذكيّ الْمسك مِنْهَا مفلّجٌ ... نقيّ الثّنايا ذُو غروبٍ مؤشّر) (يرفّ إِذا تفترّ عَنهُ كأنّه ... حَصى بردٍ أَو أقحوانٌ منوّر) (وترنو بعينيها إليّ كَمَا رنا ... إِلَى ظبيةٍ وسط الخميلة جؤذر) (أشارت بأنّ الحيّ قد حَان مِنْهُم ... هبوبٌ وَلَكِن موعدٌ لَك عزور) (فَمَا راعني إلاّ منادٍ تحمّلوا ... وَقد شقّ معروفٌ من الصّبح أشقر) (فلمّا رَأَتْ من قد تنوّر مِنْهُم ... وأيقاظهم قَالَت أشر كَيفَ تَأمر) (فَقلت: أباديهم فإمّا أفوتهم ... وإمّا ينَال السّيف ثأراً فيثأر) (فَقَالَت أتحقيقٌ لما قَالَ كاشحٌ ... علينا وتصديقٌ لما كَانَ يُؤثر) (فَإِن كَانَ مَا لَا بدّ مِنْهُ فَغَيره ... من الْأَمر أدنى للخفاء وأستر) (أقصّ على أختيّ بَدْء حديثنا ... وَمَا بِي من أَن تعلما متأخّر) (لعلّهما أَن تبغيا لَك مخرجا ... وَأَن ترحبا سرباً بِمَا كنت أحْصر) (فَقَامَتْ كئيباً لَيْسَ فِي وَجههَا دمٌ ... من الْحزن تذري عِبْرَة تتحدّر) ...

(فَقَالَت لأختيها أعينا على فَتى ... أَتَى زَائِرًا وَالْأَمر لِلْأَمْرِ يقدر) (فأقبلتا فارتاعتا ثمّ قَالَتَا ... أقلّي عَلَيْك اللّوم فالخطب أيسر) (فَقَالَت لَهَا الصّغرى سأعطيه مطرفي ... ودرعي وَهَذَا الْبرد إِن كَانَ يحذر) (يقوم فَيَمْشِي بَيْننَا متنكّراً ... فَلَا سرّنا يفشو وَلَا هُوَ يظْهر) (فَكَانَ مجنّي دون من كنت أتّقي ... ثَلَاث شخوصٍ كاعبان ومعصر) (وقلن أَهَذا دأبك الدّهر سادراً ... أما تَسْتَحي أَو ترعوي أَو تفكّر) (إِذا جِئْت فامنح طرف عَيْنك غَيرنَا ... لكَي يحسبوا أنّ الْهوى حَيْثُ تنظر) (على أنّني يَا نعم قد قلت قولةً ... لَهَا وَالْعتاق الأرحبيّات تزجر) (هَنِيئًا لبعل العامريّة نشرها ال ... لذيذ وريّاها الَّذِي أتذكّر) (فَقُمْت إِلَى حرفٍ تخوّن نيّها ... سرى اللّيل حتّى لَحمهَا يتحسّر) (وحبسي على الْحَاجَات حتّى كأنّها ... بقيّة لوحٍ أَو شجارٌ مؤسّر)) (وماءٍ بموماةٍ قليلٍ أنيسه ... بسابس لم يحدث بهَا الصيّف محْضر) (بِهِ مبتنىً للعنكبوت كأنّه ... على شرف الأرجاء خامٌ منشّر) (وَردت وَمَا أَدْرِي أما بعد موردي ... من اللّيل أم مَا قد مضى مِنْهُ أَكثر) ...

(فطافت بِهِ مغلاة أرضٍ تخالها ... إِذا التفتت مَجْنُونَة حِين تنظر) (تنازعني حرصاً على المَاء رَأسهَا ... وَمن دون مَا تهوى قليبٌ معوّر) (محاولةٌ للورد لَوْلَا زمامها ... وجذبي لَهَا كَادَت مرَارًا تكسّر) (فلمّا رَأَيْت الضّرّ مِنْهَا وأنّني ... ببلدة أرضٍ لَيْسَ فِيهَا معصّر) (قصرت لَهَا من جَانب الْحَوْض منشأ ... صَغِيرا كقيد الشّبر أَو هُوَ أَصْغَر) (وَلَا دلو إلاّ الْقَعْب كَانَ رشاءه ... إِلَى المَاء نسعٌ والجديل المضفّر) (فسافت وَمَا عافت وَمَا صدّ شربهَا ... عَن الرّيّ مطروقٌ من المَاء أكدر) هَذَا آخر القصيدة. وَقد شرح الْعَيْنِيّ ألفاظها اللُّغَوِيَّة إِجْمَالا. وَقَوله: رَأَتْ رجلا أما إِذا الشَّمْس عارضت الْبَيْت أوردهُ الشَّارِح الْمُحَقق فِي حُرُوف الشَّرْط من أَوَاخِر الْكتاب وَيَأْتِي إِن شَاءَ الله شَرحه هُنَاكَ. وَقَوله: فَكَانَ مجني دون من كنت أتقي. الْبَيْت أوردهُ أَيْضا فِي بَاب الْعدَد. وَقَوله: إِذا جِئْت فامنح طرف عَيْنك غَيرنَا الْبَيْت أوردهُ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي فِي حرف الْكَاف بِرِوَايَة: كَمَا يحسبوا.

وَعمر بن ربيعَة قد تقدّمت تَرْجَمته فِي الشَّاهِد السَّابِع والثمانين من أَوَائِل الْكتاب. وَأنْشد بعده الشَّاهِد الْحَادِي وَالتِّسْعُونَ بعد الثلاثمائة وَهُوَ من شَوَاهِد س: مجزوء الرمل (لَيْت هَذَا اللّيل شهرٌ ... لَا نرى فِيهِ عريبا) (لَيْسَ إيّاي وإيّا ... ك وَلَا نخشى رقيبا) لما تقدم قبله من أَن الْفَصْل هُوَ الْمُخْتَار فِي خبر ان وَأَخَوَاتهَا كَمَا قَالَ لَيْسَ إيَّايَ وَلَو وصل لقَالَ ليسني. قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَمثل ذَلِك كَانَ إِيَّاه لِأَن كانه قَليلَة لَا تَقول: كانني وليسني وَلَا كانك فَصَارَت غيا هَا هُنَا بمنزلتها فِي ضربي إياك. قَالَ الشَّاعِر: لَيْت هَذَا اللَّيْل شهر الخ وَبَلغنِي عَن الْعَرَب الموثوق بهم أَنهم يَقُولُونَ: ليسني وَكَذَلِكَ كانني. اه. قَالَ الأعلم: الشَّاهِد فِي إِتْيَانه بالضمير بعد لَيْسَ مُنْفَصِلا ولوقوعه موقع خَبَرهَا وَالْخَبَر مُنْفَصِل من الْمخبر عَنهُ فَكَانَ الِاخْتِيَار فصل الضَّمِير إِذا وَقع موقعه. واتصاله بليس جَائِز لِأَنَّهَا فعل وَإِن لم تقو قُوَّة الْفِعْل الصَّحِيح. وَلَيْسَ

فِي هَذَا الْبَيْت تحْتَمل تقديرين: أَحدهمَا أَن تكون فِي مَوضِع الْوَصْف للاسم قبلهَا كَأَنَّهُ قَالَ: لَا نرى فِيهِ عَرَبيا غَيْرِي وَغَيْرك. وَالتَّقْدِير الآخر: أَن تكون اسْتثِْنَاء بمنزله غلا. وعريب بِمَعْنى أحد وَهُوَ بِمَعْنى مُعرب أَي: لَا نرى فِيهِ متكلماً يخبر عَنَّا ويعرب عَن حَالنَا. اه. وَقَوله: لَيْت هَذَا اللَّيْل شهر قَالَ أَبُو الْقَاسِم سعيد الفارقي فِيمَا كتبه فِي تَفْسِير الْمسَائِل المشكلة فِي أول المقتضب للمبرد: وَقد رُوِيَ فِي شهر الرّفْع وَالنّصب جَمِيعًا وَهُوَ عِنْدِي أشبه بِمَعْنى الْبَيْت. وَكِلَاهُمَا حسن. وَقد قضينا هَذَا فِي كتَابنَا تَفْسِير أَبْيَات كتاب سِيبَوَيْهٍ. اه. وَلم يظْهر لي وَجه النصب. ونرى من رُؤْيَة الْعين. وعريب من الْأَلْفَاظ الْمُلَازمَة للنَّفْي وَاسم لَيْسَ ضمير مستتر رَاجع إِلَى عريب وإياي خَبَرهَا بِتَقْدِير مُضَاف أَي: لَيْسَ عريب غَيْرِي وَغَيْرك فَحذف غير وانفصل الضَّمِير وَقَامَ مقَامه فِي النصب. تمنى أَن تطول ليلته بِمِقْدَار شهر.) وَجُمْلَة لَا نرى فِيهِ خبر ثَان لليت. وَجُمْلَة لَا نخشى رقيباً مَعْطُوف عَلَيْهِ والرابط مَحْذُوف أَي: فِيهِ. وَيجوز أَن يكون جملَة لَا نرى صفة لشهر. وَقَالَ بعض فضلاء الْعَجم فِي شرح أَبْيَات الْمفصل: يَقُول لحبيبته: لَيْت هَذَا اللَّيْل الَّذِي نَجْتَمِع فِيهِ طَوِيل كالشهر لَا نبصر فِيهِ أحدا لَيْسَ إيَّايَ

وَإِيَّاك أَي: لَيْسَ فِيهِ غَيْرِي وَغَيْرك أحد. وَهُوَ اسْتثِْنَاء لنَفسِهِ كَمَا قَالَ إلاك لَا نحاف فِيهِ رقيباً. وَهَذَا الشّعْر نسبه خدمَة كتاب سِيبَوَيْهٍ إِلَى عمر بن أبي ربيعَة الْمَذْكُور آنِفا. وَنسبه صَاحب الأغاني وَتَبعهُ صَاحب الصِّحَاح إِلَى العرجي وَهُوَ عبد الله بن عمر ابْن عَمْرو بن عُثْمَان بن عَفَّان. نسب إِلَى العرج وَهُوَ من نواحي مَكَّة لِأَنَّهُ ولد بهَا وَقيل بل كَانَ لَهُ بهَا مَال وَكَانَ يُقيم هُنَاكَ. وَالله أعلم. وَتَقَدَّمت تَرْجَمَة العرجي فِي الشَّاهِد السَّادِس من أَوَائِل الْكتاب. وَأنْشد بعده الشَّاهِد الثَّانِي وَالتِّسْعُونَ بعد الثلاثمائة الرجز (عددت قومِي كعديد الطّيس ... إِذْ ذهب الْقَوْم الْكِرَام ليسي) على أَنه جَاءَ مُتَّصِلا. قَالَ الزنجاني: هَذَا الشّعْر أنْشدهُ السيرافي وَفِيه شذوذ من وَجْهَيْن: الأول: أَنه أَتَى بِخَبَر لَيْسَ مُتَّصِلا. وَالثَّانِي: أَنه أسقط نون الْوِقَايَة وَحقه أَن يُقَال: ليسني. اه. وأنشده شرَّاح الألفية على أَن حذف نون الْوِقَايَة مِنْهُ ضَرُورَة. وَكَذَلِكَ حكم ابْن هِشَام بِأَنَّهُ ضَرُورَة فِي قد وَفِي النُّون من الْمُغنِي وَقَالَ فِي شرح شواهده: وَالَّذِي سهل ذَلِك مَعَ الِاضْطِرَار أُمُور

أَحدهَا: أَن الْفِعْل الجامد يشبه الْأَسْمَاء فجَاء ليسي كَمَا تَقول: غلامي وَأخي وَمن ثمَّ جَازَ: إِن زيدا ليسي يقوم كَمَا جَازَ لقائم وَلَا يجوز إِن زيدا لقام وَجَاز أَيْضا نَحْو: وَأَن لَيْسَ للْإنْسَان إِلَّا مَا سعى كَمَا جَازَ: علمت أَن زيدا قَائِم وَلَا يجوز: علمت أَن قَامَ وَلَا أَن يقوم. وَالثَّانِي: أَن لَيْسَ هُنَا للاستثناء فَحق الضَّمِير بعْدهَا الِانْفِصَال وَإِنَّمَا وَصله للضَّرُورَة كَقَوْل الآخر: الْبَسِيط) أَن لَا يجاورنا إلاّك ديّار وَالنُّون ممتنعة مَعَ الْفَصْل فَتَركهَا مَعَ الْوَصْل التفاتاً إِلَى الأَصْل. الثَّالِث: أَن ليسي بِمَعْنى غَيْرِي وَلَا نون مَعَ غير. اه. وَاسم لَيْسَ هُنَا ضمير اسْم الْفَاعِل الْمَفْهُوم من ذهب وَالتَّقْدِير: لَيْسَ هُوَ إيَّايَ أَي: لَيْسَ الذَّاهِب إيَّايَ. وَقَالَ شَارِح أَبْيَات الموشح: اسْم لَيْسَ لمضمر يرجع إِلَى الْكَرِيم الْمُسْتَفَاد من الْكِرَام. وَفِيه مَا لَا يخفى. وَقَالَ ابْن المستوفي فِي شرح أَبْيَات الْمفصل: كَذَا أنْشد الْعلمَاء هَذَا الْبَيْت. ويروى: عهدي بقومي كعديد الطّيس وَهُوَ الصَّحِيح. وَكَذَا أنْشدهُ الْخَلِيل فِي كتاب الْعين فِي مَادَّة طيس لرؤبة وَقَالَ: الطيس: الْعدَد الْكثير. وَأنْشد الْبَيْتَيْنِ لرؤبة. وَاخْتلفُوا فِي تَفْسِير الطيس فَقَالَ بَعضهم: هُوَ كل مَا على وَجه الأَرْض من خلق الْأَنَام. وَقَالَ بَعضهم: بل هُوَ كل خلق كثير النَّسْل نَحْو النَّمْل والذباب والهوام.

وَقَالَ غَيره: الطيس: الْكثير من الرمل وَالْمَاء وَغَيرهمَا. وَأَرَادَ بِهِ رؤبة هُنَا الرمل. اه. وَكَذَلِكَ أنْشدهُ ابْن الْأَعرَابِي فِي نوادره: عهِدت قومِي. وَرَوَاهُ بعض فضلاء الْعَجم فِي شرح أَبْيَات الْمفصل: عهدي بِقوم. وَقَالَ: أَرَادَ بِقوم الْمُنكر قومه بِدَلِيل رِوَايَة قومِي وَاللَّام فِي الْقَوْم إِشَارَة إِلَيْهِم وَهَذَا من بَاب وضع الظَّاهِر مَوضِع الْمُضمر وَالْأَصْل: إِذْ ذَهَبُوا. وَفَائِدَته التَّوَصُّل إِلَى وَصفهم بِالْكَرمِ. وَقَوله: عهدي بِقوم مُبْتَدأ خَبره مَحْذُوف وَهُوَ حَاصِل. وَقَوله: ليسي اسْتثِْنَاء لنَفسِهِ من الْقَوْم الْكِرَام الذاهبين. يفتخر بقَوْمه ويتحسر على ذهابهم فَيَقُول: عهدي بقومي الْكِرَام الكثيرين مثل كَثْرَة الرمل حَاصِل إِذْ ذَهَبُوا إِلَّا إيَّايَ. فَإِنِّي بقيت بعدهمْ خلفا عَنْهُم. وَلَا يبعد أَن يُرِيد قوما غير كرام فَيكون الْمَعْنى: أرى قوما كثيرا غير كرام إِذْ ذهب الْكِرَام غَيْرِي. اه. كَلَامه. وَهَذَا الْمَعْنى هُوَ الظَّاهِر دون الأول وَهُوَ معنى قَول الْعَيْنِيّ: وَالْمعْنَى عددت قومِي وَكَانُوا بِعَدَد) الرمل وَمَعَ تِلْكَ الْكَثْرَة مَا فيهم كريم غَيْرِي. وَعَلِيهِ فَيكون الْعَامِل فِي إِذْ: عددت أَو عهِدت أَو عهدي على الرِّوَايَات. وَقَالَ شَارِح أَبْيَات الموشح: قَوْله: كعديد الطيس حَال من قومِي. وَقَوله: إِذْ ذهب ظرف ليسي. يَقُول: عهدي بقومي الْكِرَام الكثيرين مثل كَثْرَة الرمل حَاصِل وَلَيْسَ فيهم الْآن كريم غَيْرِي إِذْ ذهب الْقَوْم الْكِرَام وَبقيت بعدهمْ خلفا عَنْهُم. هَذَا كَلَامه فَتَأَمّله. وَقَالَ الْعَيْنِيّ: عديد الطيس: صفة مصدر مَحْذُوف تَقْدِيره عدا كعدد الطيس. والعديد بِمَعْنى الْعدَد. يُقَال: هم عديد الْحَصَى وَالثَّرَى فِي الْكَثْرَة.

وترجمة رؤبة تقدّمت فِي الشَّاهِد الْخَامِس من أَوَائِل الْكتاب. وَأنْشد بعده الشَّاهِد الثَّالِث وَالتِّسْعُونَ بعد الثلاثمائة وَهُوَ من شَوَاهِد س: الطَّوِيل (فَإِن لَا يكنها أَو تكنه فإنّه ... أَخُوهَا غذته أمّه بلبانها) لما تقدم قبله من وصل الضَّمِير الْمَنْصُوب بكان وَالْقِيَاس فَإِن لَا يكن إِيَّاهَا أَو تكن إِيَّاه. وأنشده سِيبَوَيْهٍ فِي أَوَائِل كِتَابه فِي بَاب الْفِعْل الَّذِي يتَعَدَّى اسْم الْفَاعِل إِلَى اسْم الْمَفْعُول وَاسم الْفَاعِل وَالْمَفْعُول فِيهِ لشَيْء وَاحِد قَالَ فِيهِ: وَتقول: كُنَّا هم كَمَا تَقول: ضربناهم وَتقول إِذا لم نكنهم فَمن ذَا يكونهم كَمَا تَقول: إِذا لم نضربهم فَمن يَضْرِبهُمْ. قَالَ أَبُو الْأسود الدؤَلِي: فإلاّ يكنها أَو تكنه فإنّه ... ... ... ... . . الْبَيْت قَالَ الأعلم: أَرَادَ سِيبَوَيْهٍ أَن كَانَ لتصرفها تجْرِي مجْرى الْأَفْعَال الْحَقِيقَة فِي عَملهَا فيتصل بهَا ضمير خَبَرهَا اتِّصَال ضمير الْمَفْعُول بِالْفِعْلِ الْحَقِيقِيّ فِي نَحْو ضَربته وضربني وَمَا أشبهه. اه. وَقبل هَذَا الْبَيْت: (دع الْخمر تشربها الغواة فإنّني ... رَأَيْت أخاها مجزئاً لمكانها)

قَالَ شرَّاح أَبْيَات سِيبَوَيْهٍ وشراح أَبْيَات أدب الْكَاتِب: سَبَب هَذَا الشّعْر أَن مولى لأبي الْأسود الدؤَلِي كَانَ يحمل تِجَارَة إِلَى الأهواز وَكَانَ إِذا مضى إِلَيْهَا تنَاول شَيْئا من الشَّرَاب فاضطرب أَمر البضاعة فَقَالَ أَبُو الْأسود هَذَا الشّعْر ينهاه عَن شرب الْخمر. فاسم يكنها ضمير الْأَخ وَهَا) ضمير الْخمر وَهُوَ خبر يكن وَاسم تكنه ضمير الْخمر وَالْهَاء ضمير الْأَخ وَهُوَ خبر تكن. وَأَرَادَ بأخي الْخمر الزَّبِيب. يَقُول: دع الْخمر وَلَا تشربها فَإِنِّي رَأَيْت الزَّبِيب الَّذِي هُوَ أَخُوهَا وَمن شجرتها مغنياً لمكانها وَقَائِمًا مقَامهَا فإلا يكن الزَّبِيب الْخمر أَو تكن الْخمر الزَّبِيب فَإِن الزَّبِيب أَخُو الْخمر غذته أمه بلبانها يَعْنِي أَن الزَّبِيب شرب من عروق الكرمة كَمَا شرب الْعِنَب الَّذِي عصر خمرًا. وَلَيْسَ ثمَّة لبان وَإِنَّمَا هُوَ اسْتِعَارَة. كَذَا قَالَ جمَاعَة مِنْهُم الجواليقي قَالَ فِي شرح أَبْيَات أدب الْكَاتِب: نَهَاهُ عَن شرب الْخمر وَقَالَ لَهُ: إِن الزَّبِيب يقوم مقَامهَا. فَإِن لم تكن الْخمر نَفسهَا من الزَّبِيب فَهِيَ أُخْته اغتذتا من شَجَرَة وَاحِدَة. وَمِنْهُم ابْن الأنبار فِي مسَائِل الْخلاف قَالَ: أَرَادَ بقوله أخاها الزَّبِيب وَجعله أَخا الْخمر لِأَنَّهُمَا من شَجَرَة وَاحِدَة. وَمِنْهُم ابْن هِشَام فِي شرح شواهده قَالَ: زعم مولى أبي الْأسود أَنه يشرب الْخمر لحرارتها فَأمره بِأَكْل الزَّبِيب فَإِنَّهُ أَخُوهَا أَي: ارتضع مَعهَا من ثدي وَاحِد أَي: إِنَّه شرب من عروق الكرمة كَمَا شرب الْعِنَب الَّذِي هُوَ أَصْلهَا. وَقَالَ جمَاعَة: أَرَادَ بأخي الْخمر نَبِيذ الزَّبِيب مِنْهُم الأعلم قَالَ: وصف نَبِيذ الزَّبِيب وَأطْلقهُ على مَذْهَب الْعِرَاقِيّين فِي الأنبذة وحث على شربه وَترك الْخمر

بِعَينهَا للْإِجْمَاع على تَحْرِيمهَا. وَجعل الزَّبِيب أصلا للخمر لِأَن أَصلهمَا الكرمة واستعار اللبان لما ذكره من الْأُخوة. وَمِنْهُم ابْن السَّيِّد ف شرح أَبْيَات أدب الْكَاتِب قَالَ: يَعْنِي بأخيها نَبِيذ الزَّبِيب. يَقُول: إِن لم يكن الزَّبِيب الْخمر أَو تكن الْخمر الزَّبِيب فَإِنَّهُمَا أَخَوان غذيا بِلَبن وَاحِد يَنُوب أَحدهمَا مناب الآخر. وَمِنْهُم صَاحب فرائد القلائد. قَالَ: إِن أخاها نَبِيذ الزَّبِيب يُرِيد بِهِ المَاء الَّذِي نبذ بزبيب ليصير حلواً من غير أَن تشوبه حُرْمَة فَإِنَّهُ أَخُوهَا إِلَّا أَنه حَلَال وَهِي حرَام. وَقد أنْشدهُ الزّجاج فِي تَفْسِيره عِنْد قَوْله تَعَالَى: يَسْأَلُونَك عَن الْخمر وَالْميسر قَالَ: الْخمر الْمجمع عَلَيْهِ وَقِيَاس كل مَا عمل عَملهَا أَن يُقَال لَهُ خمر وَأَن يكون فِي التَّحْرِيم بمنزلتها لِأَن إِجْمَاع الْعلمَاء أَن الْقمَار كُله حرَام وَإِنَّمَا ذكر الميسر من بَينه. وَجعل كُله حَرَامًا قِيَاسا على الميسر وَالْميسر إِنَّمَا كَانَ قماراً فِي الجزر خَاصَّة.) فَكَذَلِك كل مَا كَانَ كَالْخمرِ فَهُوَ بِمَنْزِلَتِهِ وَتَأْويل الْخمر فِي اللُّغَة أَنه مَا ستر على الْعقل يُقَال: لكل مَا ستر الْإِنْسَان من شجر وَغَيره خمر بِالتَّحْرِيكِ. وَمَا ستره من شجر خَاصَّة ضراً مَقْصُور. يُقَال: دخل فِي خمار النَّاس أَي: فِي الْكثير الَّذِي يسْتَتر فيهم. وخمار الْمَرْأَة قناعها وَإِنَّمَا قيل لَهُ خمار لِأَنَّهُ يغطيها. والخمرة بِالضَّمِّ: الَّتِي يسْجد عَلَيْهَا إِنَّمَا سميت بذلك لِأَنَّهَا

تستر الْوَجْه عَن الأَرْض. وَقيل للعجين: قد اختمر لِأَن فطورته قد غطاها الْخمر أَعنِي الاختمار. يُقَال: قد أخمرت الْعَجِين وخمرته وفطرته فَهَذَا كُله يدل على أَن كل مُسكر خمر وكل مُسكر مخالط الْعقل ومغط عَلَيْهِ. وَلَيْسَ يَقُول أحد للشار إِلَّا مخمور من كل مُسكر وَبِه خمار. فَهَذَا بَين وَاضح. وَقد لبس على أبي الْأسود الدؤَلِي فَقيل لَهُ: إِن هَذَا الْمُسكر الَّذِي سموهُ بِغَيْر الْخمر حَلَال فَظن أَن ذَلِك كَمَا قيل ثمَّ رده طبعه إِلَى أَن حكم بِأَنَّهُمَا وَاحِد فَقَالَ: دع الْخمر يشْربهَا الغواة ... ... ... ... ... . . الْبَيْتَيْنِ وَمَا ذكره خلاف الْمَعْنى الَّذِي ذكره الْجَمَاعَة. وَقد وَافقه فِي هَذَا الْمَعْنى أَبُو الْقَاسِم عبد الرَّحْمَن السَّعْدِيّ الأندلسي وَتُوفِّي بِمصْر فِي سنة خمس وَخمسين وَخَمْسمِائة فِي كتاب مساوي الْخمْرَة وَهُوَ كتاب ضخم وَهُوَ عِنْدِي فِي جلدين قَالَ فِيهِ: وَقد حرم الْخمر والقمار والزنى على نَفسه فِي الْجَاهِلِيَّة عفيف بن معد يكرب الْكِنْدِيّ بقوله: الوافر (وَقَالَت لي: هلمّ إِلَى التّصابي ... فَقلت عففت عمّا تعلمينا) (وودّعت القداح وَقد أَرَانِي ... لَهَا فِي الدّهر مشغوفاً رهينا) (وحرّمت الْخُمُور عليّ حتّى ... أكون بقعر ملحودٍ رهينا) أَنْت ترى كَيفَ تفهم مَا فِي الْقمَار من الْمُشَاركَة للزنى وَالْخمر فِي سوء

الذّكر. وَلَا ننس قَوْله: وَحرمت الْخمر فَأتى بهَا بِلَفْظ الْجمع إِشَارَة إِلَى اخْتِلَاف أجناسها كَالْخمرِ المتخذة من مَاء الْعِنَب ونبيذ الزَّبِيب وَالتَّمْر وَالشعِير وَالْحِنْطَة وَالْعَسَل وأمثال هَذِه إِذْ الْكل خمرو مُخْتَلفَة الألوان والطعوم والأمزجة. وَقد قَالَ ابْن شبْرمَة منبهاً على اشْتِرَاك هَذِه كلهَا فِي الْمَعْنى: (يَا أخلاّء إنّما الْخمر ذيب ... وَأَبُو جعدة الطّلاء الْمُرِيب) (ونبيذ الزّبيب مَا اشتدّ مِنْهُ ... فَهُوَ للخمر والطّلاء نسيب)) وَقَالَ عبيد بن الأبرص: المتقارب (وَقَالُوا هِيَ الْخمر تكنى الطّلاء ... كَمَا الذّئب يكنى أَبَا جعدة) وَقد قَالَ أَبُو الْأسود الدئلي: دع الْخمر يشْربهَا الغواة ... ... ... ... ... ... . الْبَيْت فَقيل لَهُ: فنبيذ الزَّبِيب فَقَالَ: (فإلاّ يكنها أَو تكنه فإنّه ... أَخُوهَا غذته أمّه بلبانها) اه. وَقَوله: دع الْخمر أَي: اترك. والغواة: جمع غاو وَهُوَ الضال. وَقَوله: مجزئاً قَالَ ابْن الْأَنْبَارِي فِي

وَقَوله: فإلا يكنها الخ الْفَاء للتفريع وَالتَّفْسِير وَإِن شَرْطِيَّة وَلَا نَافِيَة وتكنه مَعْطُوف على تكنها فَهُوَ منفي أَيْضا وَجُمْلَة: فَإِنَّهُ أَخُوهَا جَوَاب الشَّرْط وَجُمْلَة: غذته أمه الخ لَا مَحل لَهَا من الْإِعْرَاب لِأَنَّهَا مفسرة للأخوة كَقَوْلِه تَعَالَى: إنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللَّهِ كَمثل آدمَ خَلَقه مِنْ تُراب وَقَالَ الْعَيْنِيّ: هِيَ خبر بعد خبر وَيجوز أَن تكون حَالا من الْهَاء فِي أَخُوهَا وَالْعَامِل فِيهَا إِن. هَذَا كَلَامه. واللبان بِكَسْر اللَّام قَالَ الأعلم: هُوَ للآدميين وَاللَّبن لغَيرهم وَقد يكون جمع لبن فِي هَذَا الْموضع. اه. قَالَ ابْن السّكيت: يُقَال هُوَ أَخُوهُ بلبان أمه وَلَا يُقَال: بِلَبن أمه إِنَّمَا اللَّبن الَّذِي يشرب. قَالَ الْكُمَيْت يمدح مخلد بن يزِيد: الرجز (ترى النّدى ومخلداً حليفين ... كَانَا مَعًا فِي مهده رضيعين) تنَازعا فِيهِ لبان الثّديين وَقَالَ الحريري فِي درة الغواص: اللبان: مصدر لِابْنِهِ. قَالَ ابْن بري فِي حَاشِيَته عَلَيْهِ: اللبان مصدر لِابْنِهِ أَي: شَاركهُ فِي اللَّبن لَيْسَ بِإِجْمَاع بل الْأَكْثَر على جَوَاز غير ذَلِك. قَالَ بَعضهم: اللبان بِمَعْنى اللَّبن إِلَّا أَنه مَخْصُوص بالآدمي وَأما اللَّبن فعام فِي الْآدَمِيّ وَغَيره. وَقَالَ آخَرُونَ: اللبان جمع لبن. فمما جَاءَ فِيهِ اللبان للمشاركة فِي اللَّبن قَوْلهم: هُوَ أَخُوهُ بلبان أمه. كَذَا فسره يَعْقُوب أَي: هُوَ أَخُوهُ لمشاركته فِي الرَّضَاع. وَعَلِيهِ قَول الْكُمَيْت

الْمَذْكُور. وَقَالَ أَبُو سهل الْهَرَوِيّ: لبان هُنَا جمع لبن وعَلى قَول غَيره هُوَ لُغَة فِي اللَّبن. وَكَذَلِكَ بَيت أبي) الْأسود الدؤَلِي. اه كَلَامه. وترجمة أبي الْأسود قد تقدّمت فِي الشَّاهِد الْأَرْبَعين. وَأنْشد بعده الشَّاهِد الرَّابِع وَالتِّسْعُونَ بعد الثلاثمائة السَّرِيع لولاك فِي ذَا الْعَام لم أحجج على أَنه يجوز وُرُود الضَّمِير الْمُشْتَرك بَين النصب والجر على قلَّة بعد لَوْلَا. وَلَوْلَا حرف جر عِنْد سِيبَوَيْهٍ كَمَا ذكره الشَّارِح وَيَأْتِي نَص كَلَامه فِي الْبَيْت الَّذِي بعد هَذَا. وأنشده الزَّمَخْشَرِيّ فِي سُورَة ص مستشهداً بِهِ على أَن لات تجر الأحيان كَمَا أَن لَوْلَا تجر الضمائر. وَهُوَ عجز وصدره: وَبعده: (أَنْت إِلَى مكّة أخرجتني ... وَلَو تركت الحجّ لم أخرج) وَرُوِيَ: حبّاً وَلَوْلَا أَنْت لم أخرجه وهما من شعر عمر بن أبي ربيعَة. وأومت: أشارت. وَالْكَاف فِي

لولاك مَفْتُوحَة كَمَا أَن التَّاء من أَنْت كَذَلِك. خاطبته حبيبته ومنت عَلَيْهِ بتحمل المشاق لأَجله. وَزعم الْخَطِيب التبريزي فِي شرح ديوَان أبي تَمام أَن الْبَيْت الشَّاهِد للعرجي الْمَذْكُور آنِفا. وَلم يُوجد فِي ديوانه وَالَّذِي رَوَاهُ الْعلمَاء أَنه لعمر بن أبي ربيعَة وَهُوَ مَوْجُود فِي شعره. وَسبب توهمه: أَن للعرجي أبياتاً على هَذَا النمط رَوَاهَا الزجاجي فِي أَمَالِيهِ الْوُسْطَى بِسَنَدِهِ إِلَى إِسْحَاق بن سعد بن عَمْرو بن سعيد بن الْعَاصِ قَالَ: كَانَ العرجي وَهُوَ عبد الله بن عمر بن عَمْرو بن عُثْمَان بن عَفَّان يشبب بِامْرَأَة مُحَمَّد ابْن هِشَام. وَقَالَ غَيره: إِنَّه يشبب بامرأته الحارثية: السَّرِيع (عوجي علينا ربّة الهودج ... إنّك إِن لَا تفعلي تحرجي) (أيسر مَا قَالَ محبٌّ لَدَى ... بَين حبيب قَوْله عرّج) ) (من حيّكم بنتم وَلم ينصرم ... وجد فُؤَادِي الهائم المنضج) (فَمَا استطاعت غير أَن أَوْمَأت ... بِطرف عَيْني شادنٍ أدعج) (تذود بالبرد لَهَا عِبْرَة ... جَاءَت بهَا الْعين وَلم تنشج

) (مَخَافَة الواشين أَن يفطنوا ... بشأنها والكاشح المزعج) (أَقُول لمّا فَاتَنِي مِنْهُم ... مَا كنت من وصلهم أرتجي) (إنّي أتيحت لي يمانيّةٌ ... إِحْدَى بني الْحَارِث من مذْحج) (نمكث حولا كَامِلا كلّه ... لَا نَلْتَقِي إلاّ على مَنْهَج) (فِي الحجّ إِن حجّت وماذا منى ... وَأَهله إِن هِيَ لم تحجج) فَقَالَ عَطاء: الْكثير الطّيب يَا خَبِيث. وروى أَيْضا صَاحب الأغاني بِسَنَدِهِ أَن مِمَّا قَالَ العرجي فِي الجيداء أم مُحَمَّد بن هِشَام المَخْزُومِي وَهِي من بني الْحَارِث بن كَعْب: عوجي علينا ربّة الهودج الأبيات الْأَرْبَعَة. فَلَمَّا سمع الْبَيْت الْأَخير عَطاء بن أبي رَبَاح قَالَ: الْخَيْر وَالله كُله فِي منى وَأَهله حجت أم لم قَالَ: وَلَقي ابْن سريح عَطاء فِي منى وَهُوَ رَاكب على بغلته فَقَالَ لَهُ: سَأَلتك بِاللَّه إِلَّا وقفت لي حَتَّى أسمعك شَيْئا. قَالَ: وَيحك دَعْنِي فَإِنِّي عجل فَقَالَ: امْرَأَتي طَالِق إِن لم تقف مُخْتَارًا للوقوف لأمسكن بلجام بغلتك ثمَّ لَا أفارقها وَلَو قطعت يَدي حَتَّى أغنيك وَأَرْفَع صوتي. فَقَالَ: هَات وَعجل فغناه: فِي الحجّ إِن حجّت وماذا منى ... ... ... ... ... الْبَيْت

فَقَالَ: الْخَيْر وَالله كُله فِي منى وَأَهله لَا سِيمَا وَقد غيبها الله عَن مشاعره خل سبي البغلة. اه. وَقَوله: نَلْبَث حولا كَامِلا كُله الْبَيْت هُوَ من شَوَاهِد الْكُوفِيّين استدلوا بِهِ على جَوَاز توكيد النكرَة المحدودة. وَقد نَقله عَنْهُم ابْن هِشَام فِي مُغنِي اللبيب ولأجله أوردت هَذِه الأبيات. وترجمة عمر بن أبي ربيعَة تقدّمت فِي الشَّاهِد السَّابِع والثمانين. وَأنْشد بعده) الشَّاهِد الْخَامِس وَالتِّسْعُونَ بعد الثلاثمائة وَهُوَ من شَوَاهِد س: الطَّوِيل (وَكم موطنٍ لولاي طحت كَمَا هوى ... بأجرامه من قلّة النّيق منهوي) لما تقدم قبله قَالَ سِيبَوَيْهٍ فِي بَاب مَا يكون مضمراً فِيهِ الِاسْم متحولاً عَن حَاله إِذا أظهر بعده وَذَلِكَ لولاك ولولاي إِذا أمضر فِيهِ الِاسْم جر وَإِذا أظهر رفع. وَلَو جَاءَت عَلامَة الْإِضْمَار على الْقيَاس لَقلت: لَوْلَا أَنْت كَمَا قَالَ الله تَعَالَى: لَوْلَا أَنْتُم لكُنَّا مُؤمنين وَلَكنهُمْ جَعَلُوهُ مجروراً.

وَالدَّلِيل على ذَلِك أَن الْيَاء وَالْكَاف لَا تَكُونَانِ عَلامَة مُضْمر مَرْفُوع قَالَ يزِيد بن الحكم: وَكم موطنٍ لولاي طحت ... ... ... ... ... . الْبَيْت وَهَذَا قَول الْخَلِيل وَيُونُس. وَأما قَوْلهم: عساك فالكاف مَنْصُوبَة. قَالَ الراجز: يَا أبتا علّك أَو عساكا وَالدَّلِيل على أَنَّهَا مَنْصُوبَة إِنَّك إِذا عنيت نَفسك كَانَ علامتك ني قَالَ عمرَان بن حطَّان: الوافر (ولي نفسٌ أَقُول لَهَا إِذا مَا ... تنازعني لعلّي أَو عساني) فَلَو كَانَت الْكَاف مجرورةً لقَالَ: عساي وَلَكنهُمْ جعلوها بِمَنْزِلَة لَعَلَّ فِي هَذَا الْموضع. فهذان الحرفان لَهما فِي الْإِضْمَار هَذَا الْحَال كَمَا كَانَ ل لدن حَال مَعَ غدْوَة لَيست مَعَ غَيرهَا وكما أَن لات إِذا لم تعملها فِي الأحيان لم تعملها فِيمَا سواهَا فَهِيَ مَعهَا بِمَنْزِلَة لَيْسَ فَإِذا جاوزتها لَيْسَ ورأي أبي الْحسن أَن الْكَاف فِي لولاك فِي مَوضِع رفع على غير قِيَاس كَمَا قَالُوا: مَا أَنا كَانَت وَلَا أَنْت كأنا وَهَذَانِ علم الرّفْع كَذَلِك عساني. وَلَا يَسْتَقِيم أَن تَقول: وَافق الرّفْع الْجَرّ فِي لولاي كَمَا وَافقه النصب إِذْ قلت مَعَك وضربك لِأَنَّك إِذا أضفت إِلَى نَفسك فالجر مفارق للنصب فِي هَذِه الْأَشْيَاء. وَلَا تقل وَافق الرّفْع النصب فِي عساني كَمَا وَافق النصب الْجَرّ فِي

ضربك ومعك لِأَنَّهُمَا إِذا أضفت إِلَى نَفسك اخْتلفَا. وَزعم نَاس أَن مَوضِع الْيَاء فِي لولاي وني فِي عساني فِي مَوضِع رفع جعلُوا لولاي مُوَافقَة للجر وني مُوَافقَة للنصب كَمَا اتّفق النصب والجر فِي الْهَاء وَالْكَاف وَهَذَا وَجه رَدِيء لما ذكرت ولأنك لَا يَنْبَغِي أَن تكسر الْبَاب وَهُوَ مطرد وَأَنت تَجِد لَهُ نَظَائِر.) وَقد يُوَجه الشَّيْء على الشَّيْء الْبعيد إِذا لم يُوجد لَهُ غَيره. وَرُبمَا وَقع ذَلِك فِي كَلَامهم وَقد بَين بعض ذَلِك وستراه فِيمَا يسْتَقْبل إِن شَاءَ الله. هَذَا نَص سِيبَوَيْهٍ برمتِهِ. قَالَ الأعلم: الشَّاهِد فِي هَذَا الْبَيْت إتْيَان ضمير الْخَفْض بعد لَوْلَا الَّتِي يَليهَا الْمُبْتَدَأ وَلما كَانَ مبتدؤها مَحْذُوف الْخَبَر أشبه الْمَجْرُور لانفراده والمضمر لَا يتَبَيَّن فِيهِ الْإِعْرَاب فَوَقع مجروره موقع مرفوعه وَالْأَكْثَر لَوْلَا أَنْت كَالظَّاهِرِ. ورد هَذَا الْمبرد وسفه قَائِله تحاملاً مِنْهُ وتعسفاً. اه. وَقد رَأَيْت كَلَام الْمبرد فِي الْكَامِل فَإِنَّهُ بعد أَن نقل كَلَام سِيبَوَيْهٍ قَالَ: وَالَّذِي أَقُول أَن هَذَا خطأ وَلَا يصلح إِلَّا أَن تَقول لَوْلَا أَنْت كَمَا قَالَ تَعَالَى: لَوْلَا أنتُمْ لكُنَّا مُؤمنين. وَمن خَالَفنَا يزْعم أَن الَّذِي قُلْنَاهُ أَجود وَيَدعِي الْوَجْه الآخر فيجيزه على بعده. اه. وَقد فصل ابْن الشجري فِي أَمَالِيهِ الْأَقْوَال فَقَالَ فِي وُقُوع الْمُضمر بعد لَوْلَا الَّتِي يرْتَفع الِاسْم بعْدهَا بِالِابْتِدَاءِ: وللنحويين فِي ذَلِك ثَلَاثَة مَذَاهِب: فَذهب سِيبَوَيْهٍ أَن يرى إِيقَاع الْمُنْفَصِل الْمَرْفُوع بعْدهَا هُوَ الْوَجْه كَقَوْلِك: لَوْلَا أَنْت فعلت كَذَا. وَلَا يمْتَنع من إجَازَة اسْتِعْمَال الْمُتَّصِل بعْدهَا كَقَوْلِك:

لولاي ولولاك ولولاه وَيحكم بِأَن الْمُتَّصِل بعْدهَا مجرور بهَا فَيجْعَل لَهَا مَعَ الْمُضمر حكما يُخَالف حكمهَا مَعَ الْمظهر. وَمذهب الْأَخْفَش أَن الضَّمِير الْمُتَّصِل بعْدهَا مستعار للرفع فَيحكم بِأَن مَوْضِعه رفع بِالِابْتِدَاءِ وَإِن كَانَ بِلَفْظ الْمُضمر الْمَنْصُوب أَو الْمَجْرُور. فَيجْعَل حكمهَا مَعَ الْمُضمر مُوَافقا حكمهَا مَعَ الْمظهر. وَمذهب الْمبرد أَنه لَا يجوز أَن يَليهَا من الْمُضْمرَات إِلَّا الْمُنْفَصِل الْمَرْفُوع. وَاحْتج بِأَنَّهُ لم يَأْتِ فِي الْقُرْآن غير ذَلِك. وَدفع الِاحْتِجَاج بِهَذَا الْبَيْت وَقَالَ: إِن فِي هَذِه القصيدة شذوذاً فِي مَوَاضِع وخروجاً عَن الْقيَاس فَلَا معرج على هَذَا الْبَيْت. وَأَقُول: إِن الْحَرْف الشاذ أَو الحرفين أَو الثَّلَاثَة إِذا وَقع ذَلِك فِي قصيدة من الشّعْر الْقَدِيم لم يكن قادحاً فِي قَائِلهَا وَلَا دافعاً للاحتجاج بِشعرِهِ. وَقد جَاءَ فِي شعر لأعرابي: لولاك فِي ذَا الْعَام لم أحجج وللمحتج لسيبويه أَن يَقُول: إِنَّه لما رأى الضَّمِير فِي لولاي وَنَحْوه خَارِجا عَن حيّز ضمائر الرّفْع) وَلَيْسَت لَوْلَا من الْحُرُوف المضارعة للْفِعْل فتعمل النصب كحروف النداء ألحقها بحروف الْجَرّ. وَحجَّة الْأَخْفَش أَن الْعَرَب قد استعارت ضمير الرّفْع الْمُنْفَصِل فِي قَوْلهم: لقيتك أَنْت وَكَذَلِكَ استعاروه للجر فِي قَوْلهم: مَرَرْت بك أَنْت أكدوا الْمَنْصُوب وَالْمَجْرُور بالمرفوع. وأشذ مِنْهُ إيقاعهم إِيَّاه بعد حرف الْجَرّ فِي قَوْلهم: أَنا كَأَنْت وَأَنت كأنا. فَكَمَا استعاروا الْمَرْفُوع للنصب والجر كَذَلِك استعاروا الْمَنْصُوب للرفع فِي قَوْلهم: لولاي ولولاك ولولاه. اه. وَقد نسب ابْن الْأَنْبَارِي فِي مسَائِل الْخلاف مَذْهَب الْأَخْفَش إِلَى

الْكُوفِيّين وَذكر حجج الْفَرِيقَيْنِ وَصحح مَذْهَب الْكُوفِيّين ورد كَلَام سِيبَوَيْهٍ بِأَن قَوْله إِن الْيَاء وَالْكَاف لَا يكونَانِ عَلامَة مَرْفُوع غير مُسلم فَإِنَّهُ يجوز أَن يستعار لِلْمَرْفُوعِ عَلامَة المخفوض كَمَا يستعار لَهُ عَلامَة الْمَنْصُوب فِي نَحْو عساك. ثمَّ قَالَ: وَالَّذِي يدل على أَن لَوْلَا لَيْسَ بِحرف خفض أَنه لَو كَانَ كَذَلِك لوَجَبَ أَن وَقَول الْبَصرِيين إِنَّه قد يكون الْحَرْف فِي مَوضِع مُبْتَدأ لَا يتَعَلَّق بِشَيْء قُلْنَا: الأَصْل فِي حُرُوف الْخَفْض أَن يجوز الِابْتِدَاء بهَا وَأَن تقع فِي مَوضِع مُفِيد وَإِنَّمَا جَاءَ ذَلِك نَادرا فِي قَوْلهم: بحسبك زيد وَمَا جَاءَنِي من أحد لِأَن الْحَرْف فِي نِيَّة الاطراح إِذْ لَا فَائِدَة لَهُ بِخِلَاف لَوْلَا فَإِنَّهُ حرف جَاءَ لِمَعْنى وَلَيْسَ بزائد. أَلا ترى أَنَّك لَو حذفتها لبطل ذَلِك الْمَعْنى الَّذِي دخلت من أَجله بِخِلَاف الْبَاء وَمن. فَبَان الْفرق بَينهمَا. انْتهى كَلَامه. وَمَا نسبه ابْن الْأَنْبَارِي للكوفيين نسبه النّحاس فِي شرح أَبْيَات سِيبَوَيْهٍ للفراء قَالَ: مَذْهَب سِيبَوَيْهٍ عِنْد الْمبرد خطأ لِأَن الْمُضمر يعقب الْمظهر فَلَا يجوز أَن نقُول الْمظهر مَرْفُوعا والمضمر مجروراً. وَأَبُو الْعَبَّاس الْمبرد لَا يُجِيز لولاك ولولاه وَإِنَّمَا يَقُول لَوْلَا أَنْت. قَالَ أَبُو الْعَبَّاس: وَحدثت أَن أَبَا عَمْرو اجْتهد فِي طلب مثل لولاك ولولاي بَيْتا يصدقهُ أَو كلَاما مأثوراً عَن الْعَرَب فَلم يجده. قَالَ أَبُو الْعَبَّاس: وَهُوَ مَدْفُوع لم يَأْتِ عَن ثِقَة وَيزِيد بن الحكم لَيْسَ بالفصيح. وَكَذَلِكَ عِنْده قَول الآخر: لولاك هَذَا الْعَام لم أحجج قَالَ: إِذا نظرت إِلَى القصيدة رَأَيْت الْخَطَأ فِيهَا فاشياً. وَقَول سعيد

الْأَخْفَش فِي لولاك: وَافق ضمير الْخَفْض فِي لولاي لَيْسَ هَذَا القَوْل بِشَيْء وَلَا يجوز هَذَا. وَقَالَ الْفراء: لولاي ولولاك) الْمُضمر فِي مَوضِع رفع كَمَا تَقول لَوْلَا أَنَّك وَلَوْلَا أَنْت. قَالَ: فَإِنَّمَا دعاهم أَن يَقُولُوا هَذَا لأَنهم يَجدونَ المكني يَسْتَوِي لَفظه فِي الْخَفْض وَالنّصب وَالرَّفْع فَيُقَال: ضربنا وَمر بِنَا وقمنا فَلَمَّا كَانَ كَذَلِك استجازوا أَن تكون الْكَفّ فِي مَوضِع أَنْت رفعا إِذْ كَانَ إِعْرَاب المكني بالدلالات لَا بالحركات. قَالَ أَبُو الْحسن بن كيسَان: الْوَجْه لَوْلَا أَنْت وَلَا يجوز أَن يكون الْمُضمر خلاف الْمظهر فِي الْإِعْرَاب وَهُوَ بدل مِنْهُ وموضوع مَوْضِعه وَلَكِن المكني مستغن عَن دلَالَته بالحرف الَّذِي يُوجب فِيهِ الرّفْع وَلَا يَقع مَنْصُوب وَلَا مخفوض وَاكْتفى بِدلَالَة الْحَرْف مندلالة المكني وَكَانَ حرف أخصر من حُرُوف. قَالَ وَهَذَا الَّذِي اخترته هُوَ مَذْهَب الْفراء. ثمَّ قَالَ النّحاس: وَأما أَبُو إِسْحَاق فَجرى على عاداته فِي الِاحْتِجَاج عَن سِيبَوَيْهٍ والتصحيح عَنهُ فَقَالَ إِن خبر الْمُبْتَدَأ الَّذِي بعد لَوْلَا لَا يظْهر فَأَشْبَهت لَوْلَا حُرُوف الْجَرّ لوقعوع اسْم بعْدهَا وَكَانَ الْمُضمر لَا يتَبَيَّن فِيهِ إِعْرَاب فَجعل مَوضِع الْمَجْرُور. وَهَذَا احتجاج لطيف لم نر أحدا يحسن مثل هَذَا. وَزَاد عَلَيْهِ هَذَا أَنه احْتج بقول رُؤْيَة وَهُوَ لولاكما قد خرجت نفساهما انْتهى مَا أورد النّحاس مُخْتَصرا.

قَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: وَأما إِنْكَار أبي الْعَبَّاس الْمبرد جَوَازه فَلَا وَجه لَهُ لِأَنَّهُ قد جَاءَ كثيراُ فِي كَلَامهم وأشعارهم. قَالَ الشَّاعِر: وَأَنت امرؤٌ لولاي طحت كَمَا هوى ... ... ... ... . . الْبَيْت وَقَالَ الآخر: الطَّوِيل (أتطمع فِينَا من أراق دماءنا ... ولولاك لم يعرض لأحسابنا حسن) وَقَالَ بعض الْعَرَب: لولاك هَذَا الْعَام لم أحجج وَأما مَجِيء الضَّمِير الْمُنْفَصِل بعده فَلَا خلاف أَنه أَكثر وأفصح وَعدم مَجِيء الضَّمِير الْمُتَّصِل فِي التَّنْزِيل لَا يدل على عدم جَوَازه. وَقد أنْشد الْمبرد فِي الْكَامِل فِي الْموضع الَّذِي نقلنا مِنْهُ آنِفا بَيْتا فِي وقْعَة للخوارج وَهُوَ:) (ويومٌ بجيّ تلافيته ... ولولاك لاصطلم الْعَسْكَر)

والموطن قَالَ صَاحب الصِّحَاح: هُوَ المشهد من مشَاهد الْحَرْب. وَقد اسْتشْهد صَاحب الْكَشَّاف بِهَذَا الْبَيْت عِنْد قَوْله تَعَالَى: لقد نَصَرَكُمْ اللهُ فِي مَوَاطِنَ كَثيرةٍ على أَن المُرَاد بالمواطن مَوَاقِف الحروب كَمَا فِي الْبَيْت. وَلَوْلَا هُنَا عِنْد سِيبَوَيْهٍ حرف الْجَرّ لَا يتَعَلَّق بِشَيْء. وَعند غَيره الْيَاء مُبْتَدأ استعير لفظ غير الْمَرْفُوع لِلْمَرْفُوعِ وَخَبره مَحْذُوف تَقْدِيره حَاضر. وَجُمْلَة: طحت فِي مَوضِع النَّعْت لموطن والرابط مَحْذُوف تَقْدِيره فِيهِ وَهُوَ قد سد مسد جَوَاب لَوْلَا عِنْد من يَجْعَلهَا على بَابهَا وَتَكون مُعْتَرضَة بَين النَّعْت والمنعوت. قَالَ ابْن الشجري: وَالْجُمْلَة الَّتِي هِيَ لولاي طحت محلهَا جر على النَّعْت لموطن والعائد مَحْذُوف. انْتهى. وَهَذَا بِاعْتِبَار مَذْهَب سِيبَوَيْهٍ. وطاح يطوح ويطيح أَيْضا بِمَعْنى هلك وَسقط وَكَذَلِكَ إِذا تاه فِي الأَرْض. وَقَوله: كَمَا هوى الخ مفعول مُطلق لطحت من غير لَفظه أَي: طحت طيحاً كهوي السَّاقِط فَمَا مَصْدَرِيَّة وَقيل: كَافَّة. وَهوى بِالْفَتْح يهوي بِالْكَسْرِ هوياً بِضَم فَكسر فتشديد أَي: سقط إِلَى أَسْفَل. والأجرام: جمع جرم بِالْكَسْرِ وَهُوَ الْجَسَد. قَالَ الْمبرد: فِي الْكَامِل بعد إنشاده هَذَا الْبَيْت: جرم الْإِنْسَان: خلقه. والنيق: أَعلَى الْجَبَل. وَهَذَا مثل: شابت مفارقه كَأَنَّهُ جعل أعضاءه أجراماً توسعاً. وَقد زل قلم ابْن الشجري فَقَالَ: بأجرامه أَي: بذنوبه جمع جرم.

ويروى: بإجرامه مصدر أجرم يُقَال: جرم وأجرم لُغَتَانِ إِذا أذْنب. وأجرم لُغَة الْقُرْآن. انْتهى. وَلَا يخفى أَن جعل الأجرام جمع جرم بِالضَّمِّ وَتَفْسِيره بالذنب لَا وَجه لَهُ هُنَا. والنيق بِكَسْر النُّون: أرفع الْجَبَل. وقلته: مَا استدق من رَأسه. ومنهوي: سَاقِط وَهُوَ فَاعل هوى. وَنقل عَن الْمبرد الطعْن فِي هَذِه أَيْضا قَالَ: انفعل لَا يَجِيء مُطَاوع فعل إِلَّا حَيْثُ يكون علاج وتأثير.) وَقَالَ ابْن جني فِي شرح تصريف الْمَازِني: اعْلَم أَن انفعل إِنَّمَا أَصله من الثَّلَاثَة ثمَّ تلحقها الزيادتان نَحْو قطعته فَانْقَطع وَلَا يكَاد يكون فعل مِنْهُ إِلَّا مُتَعَدِّيا حَتَّى تمكن المطاوعة والانفعال. وَقد جَاءَ فعل مِنْهُ غير مُتَعَدٍّ وَهُوَ: وَكم موطن لولاي طحت الْبَيْت. فَإِنَّمَا هَذِه مُطَاوع هوى إِذا سقط وَهُوَ غير مُتَعَدٍّ كَمَا ترى. وَقد جَاءَ فِي هَذِه القصيدة وَهُوَ من قصيدة طَوِيلَة ليزِيد بن الحكم يُعَاتب بهَا ابْن عَمه وَقيل أَخَاهُ. وَقد تقدّمت مشروحة فِي الشَّاهِد الثَّمَانِينَ بعد الْمِائَة.

وَهَذَا الْبَيْت مَعَ شهرته لم يعرفهُ شَارِح شَوَاهِد التفسيرين خضر الْموصِلِي حَتَّى إِنَّه قَالَ: هُوَ بَيت لم يعزه أحد إِلَى قَائِله. وَأنْشد بعده الشَّاهِد السَّادِس وَالتِّسْعُونَ بعد الثلاثمائة الطَّوِيل لعلّك يَوْمًا أَن تلمّ ملمّةٌ على أَنه قد يَجِيء خبر لَعَلَّ مضارعاً مَقْرُونا ب أَن حملا لَهَا على عَسى. قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ فِي الْمفصل: قد جَاءَ فِي الشّعْر: (لعلّك يَوْمًا أَن تلمّ ملمّةٌ ... علك من اللاّئي يدعنك أجدعا) قِيَاسا على عَسى. وَقَالَ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي: ويقترن خبر لَعَلَّ بِأَن كثيرا حملا على عَسى. كَقَوْلِه: لعلّك يَوْمًا أَن تلمّ ملمّةٌ (فقولا لَهَا قولا رَقِيقا لَعَلَّهَا ... سترحمني من زفرةٍ وعويل) انْتهى. فَلم يَخُصُّهُ بالشعر. وَأما كَثْرَة الاقتران بِأَن فَهُوَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى اقترانه بِحرف التَّنْفِيس وَأما بِالنِّسْبَةِ إِلَى التجرد فَهُوَ قَلِيل قطعا. وَيُؤَيِّدهُ أَن الْمبرد قَالَ فِي الْكَامِل عِنْد إنشاده هَذَا الْبَيْت: إِن التجرد من أَن هُوَ الْجيد والاقتران بهَا غير جيد. فَلم يُقَيِّدهُ بالشعر.

وَقَالَ بَعضهم: الْخَبَر فِي هَذَا الْبَيْت مَحْذُوف تَقْدِيره: لَعَلَّك معد لِأَن تلم ملمة أَو نَحوه.) قَالَ الْخَطِيب التبريزي فِي شرح المفضليات قَوْله: لعلّك يَوْمًا أَن تلمّ الخ أَظُنك أَن ألم بك ملمة مِمَّن الملمات الَّتِي تتركك ذليلاً مجدوع الْأنف وَالْأُذن. وَخبر لَعَلَّ مَحْذُوف مَعَ حرف الْجَرّ من أَن تلم وَيكون تَقْدِير الْكَلَام ومعنا: لَعَلَّك لأرجوك لِأَن تلم بك ملمة. قَالَ سِيبَوَيْهٍ: لَعَلَّ طمع وإشفاق يُرِيد أَنه يكون للأمرين جَمِيعًا. فَإِذا كَانَ هَذَا الْمَعْنى فَكَأَنَّهُ يَرْجُو الشَّرّ لَهُ ويطمع فِيهِ. انْتهى. وَهَذَا الْبَيْت من قصيدة لمتمم بن نُوَيْرَة الصَّحَابِيّ رثى بهَا أَخَاهُ مَالك بن نُوَيْرَة لما قَتله خَالِد بن الْوَلِيد بتهمة الرِّدَّة. وَقد تقدم الْكَلَام على قصَّة قَتله مَعَ شرح أَبْيَات من هَذِه القصيدة فِي الشَّاهِد السَّادِس والثمانين. وَهَذِه أَبْيَات قبل الْبَيْت الْمَذْكُور: (ألم تأت أَخْبَار المحلّ سراتكم ... فيغضب مِنْكُم كلّ من كَانَ موجعا) (بمشمته إِذْ صَادف الحتف مَالِكًا ... ومشهده مَا قد رأى ثمّ ضيّعا) (أآثرت هدماً بَالِيًا وسويّةً ... وَجئْت بهَا تعدو بريداً مقزّعا)

. (فَلَا تفرحن يَوْمًا بِنَفْسِك إنّني ... أرى الْمَوْت وقّاعاً على من تشجّعا) لعلّك يَوْمًا أَن تلمّ ملمّة ... ... ... ... . الْبَيْت (نعيت أمرأً لَو كَانَ لحمك عِنْده ... لآواه مجموعاً لَهُ أَو ممزّعا) (فَلَا يهنئ الواشين مقتل مالكٍ ... فقد آب شانيه إياباً فودّعا) وَهَذَا آخر القصيدة. وَقَوله: ألم تأت أَخْبَار الْمحل الخ هُوَ بِضَم الْمِيم وَكسر الْحَاء الْمُهْملَة وَهُوَ رجل من بني ثَعْلَبَة مر بِمَالك مقتولاً فنعاه كَأَنَّهُ شامت بِهِ فذمه متمم. وَقَالَ ابْن الْأَنْبَارِي فِي شَرحه: الْمحل بن قدامَة مر بِمَالك فَلم يواره. والسراة: الْأَشْرَاف. وَرُوِيَ: فيغضب مِنْهُم وَمِنْهَا أَي: من الْأَخْبَار. وَقَوله: بمشمته مُتَعَلق بموجعاً وَهُوَ مصدر شمت بِهِ شماتة ومشمتاً. ويروى: أَن صَادف الحتف مَالك وَرفع الحتف أَجود من نَصبه. ومشهده مَعْطُوف على مشمته والضمائر كلهَا للمحل.) وَقَوله: أآثرت اسْتِفْهَام توبيخي وَالْخطاب للمحل. وَالْهدم بِالْكَسْرِ: الثَّوْب الْخلق. والبالي: الفاني. والسوية بِفَتْح الْمُهْملَة وَكسر الْوَاو: كسَاء محشو بثمام أَو نَحوه يَجْعَل على ظهر الْإِبِل كالحلقة لأجل السنام.

قَالَ أَبُو جَعْفَر: أعطي الْمحل سلب مَالك ففرح بِهِ وَأَقْبل رَاجعا. وقزع الرجل بِالْقَافِ وَالزَّاي الْمُعْجَمَة إِذا أسْرع فِي سيره. وقزع الْقَوْم رَسُولا إِذا أرْسلُوا أَرَادَ: إِنَّك تسْعَى بِخَبَرِهِ مسرعاً كمجيء الْبَرِيد. وَقَوله: فَلَا تفرحن يَوْمًا الخ هَذَا دُعَاء عَلَيْهِ أَي: لَا فرحت بِنَفْسِك. وَقَوله: وقاعاً على من تشجعا أَي: لَا يفلت من الْمَوْت أحد. يَقُول: آثرت الثِّيَاب وَجئْت تعدو بشيراً تري النَّاس أَنَّك قد فزعت لمقتله وَإِنَّمَا ذَاك شماتة مِنْك وسرور بِهِ. وَقَوله: لَعَلَّك يَوْمًا الخ الْإِلْمَام: النُّزُول. والملمة: البلية النَّازِلَة. والأجداع: الْمَقْطُوع الْأنف وَالْأُذن وَيسْتَعْمل فِي الذَّلِيل وَهُوَ المُرَاد هُنَا. يَقُول: إيها الشامت لَا تكن فحاً بِمَوْت أخي عَسى أَن تنزل عَلَيْك بلية من البليات اللَّاتِي يتركنك ذليلاً خاضعاً. وَقَوله: نعيت امْرأ الخ النعي: الْإِخْبَار بِالْمَوْتِ. والممزع: الممزق والمفرق. يَقُول: لَو كنت أَنْت الْقَتِيل لآوى لحمك بدفنه سَوَاء كَانَ مجموعاً أَو ممزقاً. وَقَوله: فَلَا يهنئ الواشين الخ هَذَا دُعَاء عَلَيْهِم فِي صُورَة النَّهْي.

وَأنْشد بعده الشَّاهِد السَّابِع وَالتِّسْعُونَ بعد الثلاثمائة وَهُوَ من شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ: الوافر (ولي نفسٌ أَقُول لَهَا إِذا مَا ... تنازعني لعلّي أَو عساني) على أَن سِيبَوَيْهٍ اسْتدلَّ على كَون الضَّمِير وَهُوَ الْيَاء مَنْصُوبًا بلحوق نون الْوِقَايَة فِي عساني. قد تقدم نَص سِيبَوَيْهٍ قبل هَذَا ببيتين. قَالَ النّحاس: قَالَ سِيبَوَيْهٍ فِي قولهك عساك: الْكَاف مَنْصُوبَة. وَاسْتدلَّ على ذَلِك بقَوْلهمْ: عساني وَلَو كَانَت الْكَاف مجرورة لقَالَ عساي. قَالَ: وَلَكنهُمْ جعلوها بِمَنْزِلَة لَعَلَّ فِي هَذَا الْموضع. قَالَ: فهذان الحرفان لَهما فِي الْإِضْمَار هَذَا الْحَال كَمَا كَانَ ل لدن مَعَ غدْوَة حَال لَيست مَعَ غَيرهَا. قَالَ مُحَمَّد بن يزِيد الْمبرد: هَذَا غلط مِنْهُ يَعْنِي جعله عَسى بِمَنْزِلَة لَعَلَّ. قَالَ: لِأَن أَفعَال الرَّجَاء لَا تعْمل فِي الْمُضمر إِلَّا كَمَا تعْمل فِي الْمظهر. قَالَ: تَقْدِيره عندنَا أَن الْمَفْعُول مقدم وَالْفَاعِل مُضْمر كَأَنَّهُ قَالَ عساك الْخَيْر وَالشَّر. وَأَرَادَ الْمبرد أَن عَسى ككان لِأَنَّهُمَا فعلان. وَذهب أَبُو إِسْحَاق إِلَى صِحَة قَول سِيبَوَيْهٍ وَاحْتج لَهُ بِأَن عَسى لَيْسَ بِفعل حَقِيقِيّ بل هُوَ شيبَة بلعل. وَوجدت بخطي عَن أبي إِسْحَاق: يجوز أَن يكون الضَّمِير فِي مَوضِع نصب بعسى فِي عساك وَالْمَرْفُوع مَحْذُوف أَي: عَسى الْأَمر إياك. وَلَيْسَ هَذَا بناقض لما أَخَذته عَنهُ لِأَنَّهُ قَالَ: يجوز. فَذَاك عِنْده الأَصْل وَأَجَازَ قَول الْمبرد. انْتهى.

وَزعم الْأَخْفَش تبعا ليونس أَن عَسى بَاقِيَة على عَملهَا عمل كَانَ وَلَكِن استعير ضمير النصب مَكَان ضمير الرّفْع. قَالَ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي: وَيَردهُ أَمْرَانِ: أَحدهمَا: أَن إنابة ضمير عَن ضمير إِنَّمَا ثَبت فِي الْمُنْفَصِل نَحْو مَا أَنا كَأَنْت لَا أَنْت كأنا. وَالثَّانِي: أَن الْخَبَر قد ظهر مَرْفُوعا فِي قَوْله: الطَّوِيل انْتهى. وَهَذَا الْبَيْت لعمران بن حطَّان الْخَارِجِي. وَقَبله: الوافر (وَمن يقْصد لأهل الحقّ مِنْهُم ... فإنّي أتّقيه كَمَا اتّقاني)) (عليّ بِذَاكَ أَن أحميه حقّاً ... وأرعاه بِذَاكَ كَمَا رعاني) يُقَال: قصدته وقصدت إِلَيْهِ. وَضمير مِنْهُم للخوارج. وَمن للْبَيَان. جعل الْخَوَارِج بِزَعْمِهِ أهل حق. أَي: من قصد لأهل الْحق من الْخَوَارِج بمكروه فَإِنِّي أدافعه وأحاربه واتقيه كَمَا يتقيني. وَقَوله: ولي نفس تنازعني الخ يَقُول: إِذا نازعتني نَفسِي فيحملها على مَا هُوَ أصلح لَهَا أَقُول لَهَا: طاوعيني لَعَلَّ أجد المُرَاد وَالظفر أَو قلت لَهَا لعَلي أفعل هَذَا الَّذِي تَدعُونِي إِلَيْهِ. فَإِذا قلت لَهَا هَذَا القَوْل طاوعتني. وَعمْرَان بن حطَّان هُوَ على مَا فِي الجمهرة: عمرَان بن حطَّان بن ظبْيَان ابْن شعل بن مُعَاوِيَة بن الْحَارِث بن سدوس بن شَيبَان بن ذهل بن ثَعْلَبَة بن عكابة بن صَعب بن عَليّ بن بكر بن وَائِل السدُوسِي الْبَصْرِيّ التَّابِعِيّ الْمَشْهُور أحد رُؤُوس الْخَوَارِج من القعدية بِفتْحَتَيْنِ وهم الَّذِي يرَوْنَ الْخُرُوج ويحسنونه لغَيرهم وَلَا يباشرون بِأَنْفسِهِم الْقِتَال. وَقيل: القعدية لَا يرَوْنَ الْحَرْب وَإِن كَانُوا يزينونه.

وَفِي الأغاني إِنَّمَا صَار حطَّان من الْقعدَة لِأَن عمره طَال وَكبر وَعجز عَن الْحَرْب وحضورها فاقتصر على الدعْوَة والتحريض بِلِسَانِهِ. وَكَانَ أَولا مشمراً لطلب الْعلم والْحَدِيث ثمَّ بلي بذلك الْمَذْهَب فضل وَهلك لَعنه الله. وَقد أدْرك صَدرا من الصَّحَابَة وروى عَنْهُم وروى عَنهُ أَصْحَاب الحَدِيث. قَالَ ابْن حجر فِي الْإِصَابَة: وَقد أخرج لَهُ البُخَارِيّ وَأَبُو دَاوُد وَاعْتذر عَنهُ بِأَنَّهُ إِنَّمَا خرج عَنهُ مَا حدث بِهِ قبل أَن يبتدع. وَاعْتذر أَبُو دَاوُد عَن التَّخْرِيج بِأَن الْخَوَارِج أصح أهل الْأَهْوَاء حَدِيثا عَن قَتَادَة. وَكَانَ عمرَان لَا يتهم فِي الحَدِيث. وَكَانَ سَبَب ابتلائه أَنه تزوج امْرَأَة مِنْهُم فكلموه فِيهَا فَقَالَ: سأردها عَن مذهبها. فأضلته. وَفِي الْإِصَابَة أَنَّهَا كَانَت بنت عَمه بلغه أَنَّهَا دخلت فِي رَأْي الْخَوَارِج فَأَرَادَ أَن يردهَا عَن ذَلِك فَصَرَفته إِلَى مذهبها. وَذكر الْمَدَائِنِي أَنَّهَا كَانَت ذَات جمال وَكَانَ دميماً قبيحاً فَقَالَت لَهُ مرّة: أَنا وَأَنت فِي الْجنَّة. قَالَ: من أَيْن علمت ذَلِك. قَالَت: لِأَنَّك أَعْطَيْت مثلي فَشَكَرت وابتليت بمثلك فَصَبَرت. والشاكر والصابر فِي الْجنَّة.) وَمن شعره فِي مدح عبد الرَّحْمَن بن ملجم الْمرَادِي قبحهما الله تَعَالَى قَاتل أَمِير الْمُؤمنِينَ وقائد الغر المحجلين زوج البتول وصهر الرَّسُول رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: الْبَسِيط (لله درّ المراديّ الَّذِي سفكت ... كفّاه مهجة شرّ الْخلق إنْسَانا) (أَمْسَى عشيّة غشّاه بضربته ... معطىً مناه من الآثام عُريَانا) (يَا ضَرْبَة من تقيّ مَا أَرَادَ بهَا ... إلاّ ليبلغ من ذِي الْعَرْش رضوانا) (إنّي لأذكره حينا فأحسبه ... أوفى البريّة عِنْد الله ميزانا)

قَالَ أَبُو مُحَمَّد بن حزم: إنّ ابْن ملجم عِنْد الْخَوَارِج النصرية أفضل أهل الأَرْض لِأَنَّهُ خلص روح اللاهوت من ظلمَة الْجَسَد وكدره وَعند الشِّيعَة أَنه أَشْقَى الْخلق فِي الْآخِرَة. انْتهى. وَقد أَجَابَهُ من القدماء بكر بن حَمَّاد التاهرتي من أهل القيروان وأجابه عَنْهَا السَّيِّد الْحِمْيَرِي الشيعي وَهِي: الْبَسِيط (قل لِابْنِ ملجم والأقدار غالبةٌ ... هدمت وَيلك لِلْإِسْلَامِ أركانا) (قتلت أفضل من يمشي على قدمٍ ... وأوّل النّاس إسلاماً وإيمانا) (وَأعلم النّاس بِالْإِيمَان ثمّ بِمَا ... سنّ الرّسول لنا شرعا وتبيانا) (صهر الرّسول ومولاه وناصره ... أضحت مناقبه نورا وبرهانا) (وَكَانَ فِي الْحَرْب سَيْفا مَاضِيا ذكرا ... ليثاً إِذا لقى الأقران أقرانا) (ذكرت قَاتله والدّمع منحدرٌ ... فَقلت سُبْحَانَ ربّ الْعَرْش سبحانا) (إنّي لأحسبه مَا كَانَ من بشر ... يخْشَى الْمعَاد وَلَكِن كَانَ شَيْطَانا) (أَشْقَى مرادٍ إِذا عدّت قبائلها ... وأخسر النّاس عِنْد الله ميزانا) (كعاقر النّاقة الأولى الَّتِي جلبت ... على ثمودٍ بِأَرْض الْحجر خسرانا) (قد كَانَ يُخْبِرهُمْ أَن سَوف يخضبها ... قبل المنيّة أزماناً وأزمانا) ...

(فَلَا عَفا الله عَنهُ مَا تحمّله ... وَلَا سقى قبر عمرَان بن حطّانا) (لقَوْله فِي شقيّ ظلّ مجترماً ... ونال مَا ناله ظلما وعدوانا) (يَا ضَرْبَة من تقيّ مَا أَرَادَ بهَا ... إلاّ ليبلغ من ذِي الْعَرْش رضوانا) (بل ضربةٌ من غويّ أوردته لظى ... فَسَوف يلقى بهَا الرّحمن غضبانا) (كأنّه لم يرد قصدا بضربته ... إلاّ ليصلى عَذَاب الْخلد نيرانا)) قَالَ ابْن السُّبْكِيّ فِي طَبَقَات الشَّافِعِيَّة: لقد أحسن وأجاد بكر بن حَمَّاد فِي معارضته فَرضِي لاله عَنهُ وأرضاه وأخزى الله عمرَان بن حطَّان وقبحه ولعنه مَا أجرأه على الله قَالَ: وَقَالَ القَاضِي أَبُو الطّيب الطَّبَرِيّ: الْبَسِيط (إنّي لأذكره يَوْمًا فألعنه ... دينا وألعن عمرَان بن حطّانا) (عَلَيْك ثمّ عَلَيْهِ من جماعتنا ... لعائنٌ كثرت سرّاً وإعلانا) (فأنتما من كلاب النّار جَاءَ بِهِ ... نصّ الشّريعة إعلاناً وتبيانا) وَقد أجَاب أَيْضا الإِمَام طَاهِر بن مُحَمَّد الأسفرائني فِي كتاب الْملَل والنحل الْمُسَمّى بالتبصير فِي الدَّين: الْبَسِيط (كذبت وأيم الَّذِي حجّ الحجيج لَهُ ... وَقد ركبت ضلالا مِنْك بهتانا) (لتلقينّ بهَا نَارا مؤجّجة ... يَوْم الْقِيَامَة لَا زلفى ورضوانا) ...

(تبّت يَدَاهُ لقد خابت وَقد خسرت ... وَصَارَ أبخس من فِي الْحَشْر ميزانا) (هَذَا جوابي فِي ذَا النّذل مرتجلاً ... أَرْجُو بِذَاكَ من الرّحمن غفرانا) وَنقل الإِمَام الباقلاني أَن السَّيِّد الْحِمْيَرِي نقضهَا عَلَيْهِ بقوله: الْبَسِيط (لَا درّ المراديّ الَّذِي سفكت ... كفّاه مهجة خير الْخلق إنْسَانا) (أصبح ممّا تعاطاه بضربته ... ممّا عَلَيْهِ ذَوُو الْإِسْلَام عُريَانا) (أبكى السّماء لبابٍ كَانَ يعمره ... مِنْهَا وحنّت عَلَيْهِ الأَرْض تحتانا) (طوراً أَقُول ابْن ملعونين ملتقطٌ ... من نسل إِبْلِيس لَا بل كَانَ شَيْطَانا) (عبدٌ تحمّل إثماّ لَو تحمّله ... ثهلان طرفَة عينٍ هدّ ثهلانا) انْتهى مَا أوردهُ ابْن السُّبْكِيّ. وَنقل الذَّهَبِيّ فِي تَارِيخ الْإِسْلَام أَن شعر عمرَان بن حطَّان الْمَذْكُور لما بلغ عبد الْملك بن مَرْوَان أَدْرَكته الحمية وَنذر دَمه وَوضع عَلَيْهِ الْعُيُون

واجتهد الْحجَّاج فِي أَخذه وَقيل: لما اشْتهر بمذهبه أَرَادَهُ الْحجَّاج ليَقْتُلهُ فهرب فَلم يزل ينْتَقل من حَيّ إِلَى حَيّ إِلَى أَن مَاتَ فِي تواريه فِي سنة أَربع وَثَمَانِينَ. قَالَ الْمبرد فِي الْكَامِل: وَكَانَ من حَدِيث عمرَان حطَّان فِيمَا حَدثنِي الْعَبَّاس بن الْفرج الرياشي عَن مُحَمَّد بن سَلام أَنه لما أطرده الْحجَّاج كَانَ ينْتَقل فِي الْقَبَائِل فَكَانَ إِذا نزل فِي حَيّ انتسب) نسبا يقرب مِنْهُ فَفِي ذَلِك يَقُول: الوافر (نزلنَا فِي بني سعد بن زيد ... وَفِي عكّ وعامر وعوبثان) (وَفِي لخمٍ وَفِي أدد بن عَمْرو ... وَفِي بكرٍ وحيّ بني الغدان) ثمَّ خرج حَتَّى نزل عِنْد روح بن زنباع الجذامي وَكَانَ روح يقري الأضياف وَكَانَ مسامراً لعبد الْملك بن مَرْوَان أثيراً عِنْده فانتمى لَهُ من الأزد. وَكَانَ روح بن زنباع لَا يسمع شعرًا نَادرا وَلَا حَدِيثا غَرِيبا عِنْد عبد الْملك فَيسْأَل عَنهُ عمرَان فَذكر ذَلِك لعبد الْملك فَقَالَ: إِن لي جاراً من الأزد مَا أسمع من أَمِير الْمُؤمنِينَ خَبرا وَلَا شعرًا إِلَّا عرفه وَزَاد فِيهِ. فَقَالَ: خبرني بِبَعْض أخباره. فخبره وأنشده فَقَالَ: إِن اللُّغَة عدنانية

وَإِنِّي لأحسبه عمرَان بن حطَّان. حَتَّى تَذَاكَرُوا لَيْلَة قَول عمرَان بن حطَّان يمدح ابْن ملجم لَعنه الله: (يَا ضَرْبَة من تقيّ مَا أَرَادَ بهَا ... إلاّ ليبلغ من ذِي الْعَرْش رضوانا) (إنّ لأذكره حينا فأحسبه ... أوفى البريّة عِنْد الله ميزانا) فَلم يدر عبد الْملك لمن هُوَ. فَرجع روح فَسَأَلَ عمرَان بن حطَّان عَنهُ فَقَالَ عمرَان: هَذَا يَقُوله عمرَان بن حطَّان يمدح بِهِ عبد الرَّحْمَن بن ملجم قَاتل عَليّ بن أبي طَالب رَحْمَة الله عَلَيْهِ فَرجع روح إِلَى عبد الْملك فَأخْبرهُ فَقَالَ لَهُ عبد الْملك: ضيفك عمرَان بن حطَّان اذْهَبْ فجئني بِهِ. فَرجع إِلَيْهِ فَقَالَ: إِن أَمِير الْمُؤمنِينَ قد أحب أَن يراك. فَقَالَ عمرَان: قد أردْت أَن أَسأَلك هَذَا فَاسْتَحْيَيْت مِنْك فَامْضِ فَإِنِّي بالأثر. فَرجع روح إِلَى عبد الْملك فخبره فَقَالَ لَهُ عبد الْملك: أما إِنَّك سترجع فَلَا تَجدهُ. فَرجع فَوجدَ عمرَان قد احْتمل وَخلف رقْعَة فِيهَا: الْبَسِيط (يَا روح كم من أخي مثوى نزلت بِهِ ... قد ظنّ ظنّك من لخمٍ وغسّان) (قد كنت جَارك حولا مَا تروّعني ... فِيهِ روائع من إنسٍ وَمن جَان) ...

حتّى أردْت بِي الْعُظْمَى فأدركني ... مَا أدْرك النّاس من خوف ابْن مَرْوَان) (فاعذر أَخَاك ابْن زنباعٍ فإنّ لَهُ ... فِي النّائبات خطوباً ذَات ألوان) (يَوْمًا يمانٍ إِذا لاقيت ذَا يمنٍ ... وَإِن لقِيت معدّيّاً فعدناني) (لَو كنت مُسْتَغْفِرًا يَوْمًا لطاغيةٍ ... كنت المقدّم فِي سرّي وإعلاني)) (لَكِن أَبَت لي آياتٌ مطهّرةٌ ... عِنْد الْولَايَة فِي طه وَعمْرَان) ثمَّ ارتحل حَتَّى نزل بزفر بن الْحَارِث الْكلابِي أحد بَين عَمْرو بن كلاب وانتسب لَهُ أوزاعياً. وَكَانَ عمرَان يُطِيل الصَّلَاة وَكَانَ غلْمَان من بني عَامر يَضْحَكُونَ مِنْهُ فَأَتَاهُ رجل يَوْمًا مِمَّن رَآهُ عِنْد روح بن زنباع فَسلم عَلَيْهِ فَدَعَاهُ زفر. فَقَالَ: من هَذَا فَقَالَ: رجل من الأزد رَأَيْته ضيفاً لروح بن زنباع. فَقَالَ لَهُ زفر: يَا هَذَا أزدياً مرّة وأوزاعياً مرّة إِن كنت خَائفًا آمناك وَإِن كنت فَقِيرا جبرناك. فَلَمَّا أَمْسَى خلف فِي منزله رقْعَة وهرب فِيهَا: الْبَسِيط (إنّ الَّتِي أَصبَحت يعيا بهَا زفر ... أعيت عياءً على روح بن زنباع)

. (حتّى إِذا انْقَطَعت عنّي وسائله ... كفّ السّؤال وَلم يولع بإهلاع) (فَاكْفُفْ كَمَا كفّ عنّي إنّني رجلٌ ... إمّا صميمٌ وإمّا فقعة القاع) (واكفف لسَانك عَن لومي ومسألتي ... مَاذَا تُرِيدُ إِلَى شيخٍ لأوزاع) (أمّا الصّلاة فإنّي لست تاركها ... كلّ امْرِئ للَّذي يعْنى بِهِ ساعي) (أكْرم بِروح بن زنباعٍ وأسرته ... قومٌ دَعَا أوّليهم للعلا دَاع) (جاورتهم سنة فِيمَا أسرّ بِهِ ... عرضي صحيحٌ ونومي غير تهجاع) (فاعمل فإنّك منعيّ بواحدةٍ ... حسب اللبيب بِهَذَا الشّيب من ناعي) ثمَّ ارتحل حَتَّى أَتَى عمان فَوَجَدَهُمْ يعظمون أَمر مرداس أبي بِلَال ويظهرونه فأظهر أمره فيهم فَبلغ ذَلِك الْحجَّاج فَكتب إِلَى عَامل عمان فِيهِ فهرب عمرَان حَتَّى أَتَى قوما من الأزد فَلم يزل فيهم حَتَّى مَاتَ. وَفِي نُزُوله بهم يَقُول

: الطَّوِيل (نزلنَا بِحَمْد الله فِي خير منزلٍ ... نسرّ بِمَا فِيهِ من الْأنس والخفر) (نزلنَا بِقوم يجمع الله شملهم ... وَلَيْسَ لَهُم أصلٌ سوى الْمجد يعتصر) (من الأزد إنّ الزد أكْرم معشرٍ ... يمانيةٍ طابوا إِذا نسب الْبشر) (أم الحيّ قحطان وتلكم سفاهةٌ ... كَمَا قَالَ لي روحٌ وَصَاحبه زفر) (وَمَا مِنْهُمَا إلاّ يسرّ بنسبةٍ ... تقرّبني مِنْهُ وَإِن كَانَ ذَا نفر)) (فَنحْن بَنو الْإِسْلَام والله واحدٌ ... وَأولى عباد الله بالله من شكر) وَكَانَ عمرَان رَأس القعدية من الصفرية وفقيههم وخطيبهم وشاعرهم. وَقَالَ: لما قتل أَبُو بِلَال وَهُوَ مرداس بن أدية وَهِي جدته وَأَبوهُ حدير وَهُوَ أحد بني ربيعَة بن حَنْظَلَة بن مَالك بن زيد مَنَاة بن تَمِيم: الوافر (لقد زَاد الْحَيَاة إليّ بغضاً ... وحبّاً لِلْخُرُوجِ أَبُو بِلَال) (أحاذر أَن أَمُوت على فِرَاشِي ... وَأَرْجُو الْمَوْت تَحت ذرا العوالي)

. (فَمن يَك همّه الدّنيا فإنّي ... لَهَا والله ربّ الْبَيْت قالي) وَفِيه يَقُول أَيْضا: الْبَسِيط (يَا عين بكّي لمرداسٍ ومصرعه ... يَا ربّ مرداس الحقني بمرداس) (تَرَكتنِي هائماً أبْكِي لمرزئتي ... فِي منزلٍ موحشٍ من بعد إيناس) (أنْكرت بعْدك مَا قد كنت أعرفهُ ... مَا النّاس بعْدك يَا مرداس بالنّاس) (إمّا شربت بكاسٍ دَار أوّلها ... على الْقُرُون فذاقوا جرعة الكاس) هَذَا مَا أوردهُ الْمبرد فِي الْكَامِل. وَقَالَ المرزباني: كَانَ عمرَان شَاعِرًا مفلقاً مكثراً. وَقَالَ الفرزدق: كَانَ عمرَان من أشعر النَّاس لِأَنَّهُ لَو أَرَادَ أَن يَقُول مثلنَا لقَالَ ولسنا نقدر أَن نقُول مثله. ويروى أَنه امْرَأَته قَالَت لَهُ يَوْمًا: أما زعمت أَنَّك لم تكذب فِي شعرك قطّ قَالَ: أوقع ذَلِك قَالَ: نعم ألم تقل: مجزوء الْكَامِل (فهناك مجرأة بن ثو ... رٍ كَانَ أَشْجَع من أسَامَه) أفيكون رجل أَشْجَع من أَسد قَالَ: أما رَأَيْت مجزأَة بن ثَوْر فتح مَدِينَة والأسد لَا يقدر على ذَلِك. وَرُوِيَ عَن قَتَادَة أَنه قَالَ: لَقِيَنِي عمرَان بن حطَّان فَقَالَ: يَا عمي احفظ عني هَذِه الأبيات: الْكَامِل (حتّى مَتى تسقى النّفوس بكأسها ... ريب الْمنون وَأَنت لاهٍ ترتع) (أفقد رضيت بِأَن تعلّل بالمنى ... وَإِلَى المنيّة كلّ يومٍ تدفع) ...

(أَحْلَام نومٍ أم كظلّ زائلٍ ... إنّ اللّبيب بِمِثْلِهَا لَا يخدع)) وَفِي تَارِيخ الْإِسْلَام للذهبي: أَن سُفْيَان الثَّوْريّ كَانَ يتَمَثَّل بِأَبْيَات عمرَان بن حطَّان هَذِه: الطَّوِيل (أَرَاهَا وَإِن كَانَت تحبّ فإنّها ... سَحَابَة صيفٍ عَن قليلٍ تقشّع) كركبٍ قضوا حاجاتهم وترحّلوا طريقهم بَادِي الغيابة مهيع وَمن شعره السائر: الْخَفِيف (أيّها المادح الْعباد ليُعْطى ... إنّ لله مَا بأيدي الْعباد) (فسل الله مَا طلبت إِلَيْهِم ... وارج فضل الْمُهَيْمِن العوّاد) وَمن شعره وَأوردهُ أَبُو زيد فِي النَّوَادِر وَقَالَ: إِنَّهَا قصيدة طَوِيلَة: الوافر (وَلَيْسَ لعيشنا هَذَا مهاهٌ ... وَلَيْسَت دَارنَا هاتا بدار) (وَإِن قُلْنَا لعلّ بهَا قراراً ... فَمَا فِيهَا لحيّ من قَرَار) (لنا إلاّ ليَالِي هيّناتٍ ... وبلغتنا بأيّام قصار) (أرانا لَا نملّ الْعَيْش فِيهَا ... وأولعنا بحرصٍ وانتظار) (وَلَا تبقى وَلَا نبقى عَلَيْهَا ... وَلَا فِي الْأَمر نَأْخُذ بِالْخِيَارِ) ...

(ولكنّا الْغَدَاة بَنو سبيلٍ ... على شرف ييسّر لانحدار) (كركبٍ نازلين على طريقٍ ... حثيثٍ رائحٌ مِنْهُم وساري) (وغادٍ إثرهم طَربا إِلَيْهِم ... حثيث السّير مؤتنف النّهار) والمهاه بهاءين وَفتح الْمِيم: الصفاء والرقة. والصفرية بِضَم الصَّاد وَسُكُون الْفَاء: جنس من الْخَوَارِج نسبوا إِلَى زِيَاد بن الْأَصْفَر رئيسهم. وَزعم قوم أَن الَّذِي نسبوا إِلَيْهِ هُوَ عبد الله بن الصفار وَأَن الصفرية بِكَسْر الصَّاد. كَذَا فِي الصِّحَاح. وَيُقَال للخوارج: الشراة بِالضَّمِّ الْوَاحِد شار سموا بذلك لقَولهم: إِنَّا شرينا أَنْفُسنَا فِي طَاعَة الله أَي: بعناها بِالْجنَّةِ حِين فارقنا الْأَئِمَّة الجائرة. يُقَال مِنْهُ: تشرى الرجل. وَقد أطنب الْمبرد فِي أَوَاخِر الْكَامِل فِي الْكَلَام على الْخَوَارِج وفرقهم ووقائعهم. وَمن أَرَادَ الِاطِّلَاع عَلَيْهِ فَليرْجع إِلَيْهِ. وَأنْشد بعده الشَّاهِد الثَّامِن وَالتِّسْعُونَ بعد الثلاثمائة وَهُوَ من شَوَاهِد س: الرجز يَا أبتا علّك أَو عساكا

على أَن الْكَاف خبر مَنْصُوب الْمحل وَاسم عَسى ضمير مستتر على أحد قولي الْمبرد. وَقد تقدم نَص سِيبَوَيْهٍ قبل هَذَا بِثَلَاثَة أَبْيَات. وَقد أنْشد أَبُو عَليّ فِي إِيضَاح الشّعْر هَذَا الْبَيْت وَالَّذِي قبله عَن سِيبَوَيْهٍ وَنقل عَنهُ أَن الْكَاف مَنْصُوبَة وَلَو كَانَت مجرورة لقَالَ عساي. قَالَ أَبُو عَليّ: وَجه ذَلِك أَن عَسى لما كَانَت فِي الْمَعْنى بِمَنْزِلَة لَعَلَّ وَلَعَلَّ وَعَسَى طمع وإشفاق فتقاربا أجري عَسى مجْرى لَعَلَّ إِذْ كَانَت غير متصرفة كَمَا أَن لَعَلَّ كَذَلِك فوافقتها فِي الْعَمَل حَيْثُ أشبهتها فِي الْمَعْنى والامتناع من التَّصَرُّف. فَإِن قلت: إِذا صَارَت بمنزلتها لهَذَا الشّبَه فَمَا الْمَرْفُوع بهَا وَهِي إِذا صَارَت بِمَنْزِلَة لَعَلَّ تَقْتَضِي مَرْفُوعا لَا محَالة لِأَنَّهُ لَا يكون الْمَنْصُوب فِي هَذَا النَّحْو بِلَا مَرْفُوع. قيل: إِن ذَلِك الْمَرْفُوع الَّذِي تَقْتَضِيه مَحْذُوف وَلم يمْتَنع أَن تحذفه وَإِن كَانَ الْفَاعِل لَا يحذف لِأَنَّهَا إِذا أشبهت لَعَلَّ جَازَ أَن تحذف خبر هَذِه الْحُرُوف من حَيْثُ كَانَ الْكَلَام فِي الأَصْل الِابْتِدَاء وَالْخَبَر فحذفت كَمَا تحذف أَخْبَار المبتدءات. وَكَذَلِكَ الْمَرْفُوع الَّذِي يَقْتَضِيهِ عَسى حذف على هَذَا الْحَد كَمَا حذف الْخَبَر من لَعَلَّ فِي قَوْله: علك أَو عساكا وَقَوله لعلّي أَو عساني وكما حذف فِي: المنسرح وكما حذف الْخَبَر فِي قَوْله سُبْحَانَهُ: إنَّ الذينَ كفرُوا ويصُدُّونَ عَنْ

سبيلِ اللَّه لَا كَمَا يحذف الْفَاعِل. وَيُقَوِّي ذَلِك أَنهم قَالُوا: عَسى الغوير أبؤساً فجعلوها بِمَنْزِلَة مَا يدْخل على الِابْتِدَاء وَالْخَبَر. وَمِمَّا يُقَوي حذف ذَلِك لهَذِهِ المشابهة وَأَن حذفه لَا يمْتَنع من حَيْثُ امْتنع حذف الْفَاعِل أَن لَيْسَ لما كَانَت غير متصرفة صَارَت عينهَا بِمَنْزِلَة لَيْت فِي السّكُون وَلم يكن فِي يائها الْكسر والسكون وَيكون ذَلِك الْمَحْذُوف غَائِبا كَأَنَّهُ عساك الْهَالِك أَو عساك هُوَ.) فَإِن قلت: فَإِن جَاءَ شَيْء بعد شَيْء من هَذِه الأبيات الَّتِي تشبه مَا ذكر من عساك تفعل ولعلي أَو عساني أخرج فَمَا يكون الْفَاعِل على قَوْله قيل: أما على مَا ذهب إِلَيْهِ من أَنه بِمَنْزِلَة لَعَلَّ فَلَا نظر فِيهِ وَيكون بِمَنْزِلَة لَعَلَّك تخرج وَالْقَوْل فِيهِ كالقول فِيهِ. وَأما على القَوْل الآخر الَّذِي رَأَيْنَاهُ غير مُمْتَنع فَهُوَ أشكل لِأَن الْفَاعِل لَا يكون جملَة. فَإِن شِئْت قلت: إِن الْفِعْل فِي مَوضِع رفع بِأَنَّهُ فَاعل وَكَأَنَّهُ أَرَادَ عساني أَن أخرج فَحذف أَن وَصَارَ الْفِعْل مَعَ ان المحذوفة فِي مَوضِع رفع بِأَنَّهُ فَاعل كَمَا كَانَ فِي مَوضِع رفع بِالِابْتِدَاءِ فِي قَوْلهم: تسمع بالمعيدي خير من أَن ترَاهُ وكقول أبي دواد: لَوْلَا تجاذبه قد هرب (وَمَا رَاعنا إلاّ يسير بشرطةٍ ... وعهدي بِهِ قينا يفشّ بكير)

فَكَمَا أَن هَذَا على حذف أَن وَتَقْدِيره: مَا رَاعنا إِلَّا سيره بشرطة كَذَلِك يكون فَاعل عَسى فِي نَحْو: عَسى يفعل إِنَّمَا هُوَ على: عَسى أَن يفعل كَقَوْلِه تَعَالَى: عَسى أَن تكرَهُوا شَيْئا فتحذف أَن وَهِي فِي حكم الثَّبَات. وَلَو قَالَ قَائِل إِن عَسى فِي عساني وعساك قد تضمن ضميراً مَرْفُوعا وَذَلِكَ الضَّمِير هُوَ الْفَاعِل وَالْكَاف وَالْيَاء فِي مَوضِع نصب على حد النصب فِي قَوْله: عَسى الغوير أبؤساً لَا على حد تشبيهه بلعل وَلَكِن على أصل هَذَا الْبَاب كَأَنَّهُ عداهُ إِلَى الْمُضمر على حد مَا عداهُ إِلَى الْمظهر الَّذِي هُوَ أبؤس كَانَ وَجها. فَأَما فاعلها فَإِنَّهُ لَا يَخْلُو من أحد أَمريْن: إِمَّا أَن يكون قد جرى لَهُ ذكر أَو لم يجر لَهُ ذكر. فَإِن كَانَ ذكره قد جرى فَلَا إِشْكَال فِي إضماره. وَإِن لم يجر لَهُ ذكر فَإِنَّمَا تضمره لدلَالَة الْحَال عَلَيْهِ كَمَا ذكر من قَوْلهم: إِذا كَانَ غَدا فأتنا فَكَذَلِك يكون إِضْمَار الْفَاعِل فِي عَسى وَتَكون على بَابهَا وَلَا تكون مشبهة بلعل. وَالْأول الَّذِي ذهب إِلَيْهِ كَأَنَّهُ إِلَى النَّفس أسبق. انْتهى كَلَام أبي عَليّ. وَقد اسْتشْهد لما ذكره الشَّارِح الْمُحَقق جمَاعَة مِنْهُم الزَّمَخْشَرِيّ فِي الْمفصل وَابْن هِشَام فِي أَحدهمَا مَا ذكره سِيبَوَيْهٍ من أَن فِيهِ تَنْوِين الترنم. قَالَ: وَأما نَاس كثير من بني تَمِيم فَإِنَّهُم يبدلون مَكَان الْمدَّة النُّون فِيمَا ينون وَفِيمَا لَا ينون لما لم يُرِيدُوا الترنم أبدلوا مَكَان الْمدَّة نوناً ولفظوا بِتمَام الْبناء وَمَا هُوَ مِنْهُ كَمَا فعل أهل الْحجاز ذَلِك بحروف الْمَدّ سمعناهم يَقُولُونَ للعجاج:)

يَا أبتا علّك أَو عساكن ثَانِيهمَا: مَا ذكره شَارِح اللّبَاب وَغَيره من أَن فِي يَا أبتا الْجمع بَين عوضين قَالَ فَإِن التَّاء عوض من يَاء الْمُتَكَلّم وَإِنَّمَا جَازَ الْألف دون يَاء الْمُتَكَلّم لِأَن التَّاء عوض من يَاء التَّكَلُّم فَيمْتَنع الْجمع بَين الْعِوَض والمعوض بِخِلَاف الْألف فَإِن غَايَته أَن يذكر عوضان وَهُوَ غير مُمْتَنع وَلَيْسَ فِيهِ الْجمع بَين الْعِوَض والمعوض كَمَا زعم الْعَيْنِيّ وَتَبعهُ السُّيُوطِيّ فِي شَوَاهِد الْمُغنِي. وَقد خطأ أَبُو مُحَمَّد الْأَعرَابِي الْأسود رِوَايَة يَا أبتا وَقَالَ: إِنَّمَا الرِّوَايَة تأنيا. وَهُوَ من التأني كَمَا يَجِيء بَيَانه. وَقد ذكر جَمِيع شرَّاح الشواهد أَن مَا قبله: الرجز تَقول بِنْتي قد أَنى إناكا وأنى: فعل مَاض بِمَعْنى قرب. والإنى بِكَسْر الْهمزَة وَالْقصر: الْوَقْت. قَالَ تَعَالَى: غَير ناظِرينَ إناه على أحد قوليه. وأنى إناك: حَان حينك أَي: حِين ارتحالك إِلَى سفر تطلب رزقا فسافر وعلك بِمَعْنى لَعَلَّك وَالْخَبَر مَحْذُوف. وَزعم الْعَيْنِيّ وَتَبعهُ السُّيُوطِيّ أَن أناك بِفَتْح الْهمزَة وَالْمدّ. قَالَ: أَصله أناءك والأناء على فعال اسْم من الْفِعْل الْمَذْكُور. وَقد نَازع أَبُو مُحَمَّد الْأَعرَابِي فِي كَون هَذَا مَا قبله وَقَالَ: هما من أرجوزتين. ورد ردا شنيعاً على ابْن السيرافي فَإِنَّهُ قَالَ فِي شرح أَبْيَات سِيبَوَيْهٍ: قَوْله يَا أبتا علك أَو عساكن قبله:

تَقول بِنْتي قد أَتَى إناكا وَفِي شعره: فاستعزم الله ودع عساكا وَقَوله: قد أَتَى إناكا أَي: مِمَّن تلتمس مِنْهُ مَالا تنفقه. وَقَوله: يَا أبتا علك أَو عساكا أَي: لَعَلَّك إِن سَافَرت أصبت مَا نحتاج إِلَيْهِ. وَقَوله: فاستعزم الله الخ أَي: استخره فِي الْعَزْم على الرحيل والنصر ودع قَوْلك: عساي لَا أفوز بِشَيْء إِذا سَافَرت وَيحصل بيَدي التَّعَب. قَالَ أَبُو مُحَمَّد الْأَعرَابِي فِي فرحة الأديب: خلط ابْن السيرافي هَا هُنَا من حَيْثُ أَن النَّوَى أشباه. وصحف فِي كلمة من الْبَيْت أَيْضا وَهُوَ قَوْله: يَا أبتا وَإِنَّمَا هُوَ: تأنّياً علّك أَو عساكا) فاستعزم الله ودع عساكا من أرجوزة وَقَوله: تأنّياً علّك أَو عساكا من أرجوزة أُخْرَى. فالتي فِيهَا فاستعزم الله هِيَ قَوْله يمدح بهَا الْحَارِث بن سليم الهُجَيْمِي يَقُول فِيهَا: (تَقول بِنْتي قد أَنى إناكا ... فاستعزم الله ودع عساكا) (وَيدْرك الْحَاجة مختطاكا ... قد كَانَ يطوي الأَرْض مرتقاكا

) (تخشى وترجى وَيرى سناكا ... فَقلت إنّي عائكٌ معاكا) (غيثاً وَلَا أنتجع الأراكا ... فابلغ بني أميّة الأملاكا) (بالشّام والخليفة الملاّكا ... وبخراسان فَأَيْنَ ذاكا) (منّي وَلَا قدرَة لي بذاكا ... أَو سر لكرمان تَجِد أخاكا) (إنّ بهَا الْحَارِث إِن لاقاكا ... أجدى بسيبٍ لم يكن ركاكا) والأرجوزة الْأُخْرَى يمدح فِيهَا إِبْرَاهِيم بن عَرَبِيّ وَهِي: (لمّا وضعت الكور والوراكا ... عَن صلبٍ ملاحكٍ لحاكا) (تصفير أَيدي الْعرس المداكا ... تأنّياً علّك أَو عساكا) (يسْأَل إِبْرَاهِيم مَا ألهاكا ... من سنتَيْن أتتا دراكا) (تلتحيان الطّلح والأراكا ... لم تدعا نعلا وَلَا شراكا) هَذَا مَا أوردهُ وَالله أعلم بِالصَّوَابِ: وَالْأَكْثَرُونَ على أَن هَذَا الرجز لرؤبة بن العجاج لَا للعجاج. وَقد تقدم ترجمتهما فِي أَوَائِل الْكتاب.

وَأنْشد بعده الشَّاهِد التَّاسِع وَالتِّسْعُونَ بعد الثلاثمائة الْكَامِل (هَل تبلّغنّي دارها شدنيّةٌ ... لعنت بمحروم الشّراب مصرّم) على أَن النُّون الأولى فِي تبلغني نون التوكيد الْخَفِيفَة وَالنُّون الثَّانِيَة نون الْوِقَايَة. وَهَذَا الْبَيْت من معلقَة عنترة بن شَدَّاد الْعَبْسِي. وَقَبله: (تمسي وتصبح فَوق ظهر حشيّةٍ ... وأبيت فَوق سراة أدهم ملجم) (وحشيّتي سرجٌ على عبل الشّوى ... نهدٍ مراكله نبيل المحزم) هَل تبلغنّي دارها شدنيّةٌ ... ... ... ... ... . الْبَيْت قَوْله: تمسي وتصبح الضَّمِير الْمُؤَنَّث لحبيبته وَهِي عبلة. والحشية: الْفراش المحشو. والسراة بِفَتْح السِّين: أَعلَى كل شَيْء وَأَرَادَ بِهِ هُنَا ظهر فرسه. يَقُول: تمسي وتصبح فَوق فرَاش وطيء وأبيت أَنا فَوق ظهر فرس أدهم ملجم. يَعْنِي أَنَّهَا تتنعم وَأَنا أقاسي شَدَائِد الْأَسْفَار والحروب. وَقَوله: وحشيتي سرج مُبْتَدأ وَخبر. يُرِيد أَن مستوطئ بسرج الْفرس كَمَا يستوطئ غَيره الحشية والاضطجاع عَلَيْهَا. ثمَّ وصف الْفرس بأوصاف محمودة وَهِي غلظ القوائم وانتفاخ الجنبين وسمنها والعبل بِالْفَتْح: الغليظ. والشوى بِالْفَتْح: القوائم جمع شواة أَي: على فرس غليظ القوائم

وَالْعِظَام كثير العصب. والنهد بِفَتْح النُّون: الضخم المشرف. والمراكل جمع مركل كجعفر وَهُوَ الْموضع الَّذِي يُصِيب رجل الْفَارِس من الجنبين إِذا اسْتَوَى على السرج. والنبيل: الْعَظِيم. والمحزم: مَوضِع الحزام. وَقَوله: هَل تبلغني الخ استبعد الْوُصُول إِلَيْهَا لشدَّة بعْدهَا فاستفهم عَنهُ. وأبلغه الْمنزل إِذا أوصله إِلَيْهِ. ودارها أَي: دَار عبلة. وشدنية: نَاقَة منسوبة إِلَى شدن بِفتْحَتَيْنِ وَهُوَ حَيّ بِالْيمن وَقيل: أَرض فِيهِ. وَقَوله: لعنت بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول قَالَ التبريزي فِي شرح الْمُعَلقَة: دَعَا عَلَيْهَا بِانْقِطَاع لَبنهَا أَي: بِأَن يحرم ضرْعهَا اللَّبن فَيكون أقوى لَهَا وأسمن وأصبر على معاناة شَدَائِد الْأَسْفَار لِأَن كَثْرَة الْحمل وَقَوله: بمحروم الشَّرَاب أَي: بضرع مَمْنُوع شرابه. وأصل حرم منع. وَقيل: بمحروم الشَّرَاب أَي: فِي محروم الشَّرَاب. وَقَالَ خَالِد بن كُلْثُوم: لعنت: نحيت عَن الْإِبِل لما علم أَنَّهَا معقومة فَجعلت للرُّكُوب الَّذِي لَا يصلح لَهُ إِلَّا مثلهَا. والمصرم: الَّذِي أصَاب أخلافه شَيْء فَقَطعه من صرار أَو) غَيره. وَقَالَ أَبُو جَعْفَر: المصرم: الَّذِي يلوى رَأس خَلفه حَتَّى يَنْقَطِع لبنه. وَهُوَ هُنَا مثل لاكي يُرِيد: أَنَّهَا معقومة وَلَا لبن لَهَا. انْتهى. وَقَالَ الأعلم فِي: شرح الْأَشْعَار السِّتَّة: قَوْله لعنت أَي: سبت بضرعها كَمَا يُقَال: لَعنه الله مَا أدهاه وَمَا أشعره. وَإِنَّمَا يُرِيد أَن ضرْعهَا قد حرم اللَّبن

فَذَلِك أوفر لقوتها وأصلب لَهَا فتلعن ويدعى عَلَيْهَا على طَرِيق التَّعَجُّب من قوتها. والمصرم: الْمَقْطُوع اللَّبن. وَقيل معنى لعنت أَنه دَعَا عَلَيْهَا بِأَن ضرْعهَا يكون مَقْطُوع اللَّبن إِذْ كَانَ أقوى لَهَا. وَالْمعْنَى الأول أحسن وأبلغ. انْتهى. وَقَوله: خطارة غب الخ هُوَ صفة لشدنية. والخطارة: الَّتِي تخطر بذنبها يمنةً ويسرة لنشاطها. والسرى: سير اللَّيْل وغب الشَّيْء: بعده. يَقُول: هِيَ خطارة بعد السرى فَكيف بهَا إِذا لم تسر والزيافة: الَّتِي تزيف فِي سَيرهَا كَمَا تزيف الْحَمَامَة تسرع. وَقَوله: تقص الإكام أَي: تكسرها بأخفافها لشدَّة وَطئهَا وَسُرْعَة سَيرهَا. يُقَال: وقص يقص بِالْقَافِ وَالصَّاد الْمُهْملَة. ويروى: تطس بِمَعْنَاهُ. يُقَال: وطس يطس إِذا كسر. والإكام بِالْكَسْرِ: جمع أكم بِفتْحَتَيْنِ كجبال جمع جبل وَهُوَ مَا ارْتَفع من الأَرْض. والميثم: الشَّديد الْوَطْء. يُقَال: وَثمّ الأَرْض يثمها بِالْمُثَلثَةِ إِذا وَطئهَا وطئا. وَقَوله: بِذَات خف أَي: بقوائم ذَات أَخْفَاف. وَقد تقدم فِي الشَّاهِد الثَّانِي عشر من أَوَائِل الْكتاب شرح أَبْيَات من هَذِه القصيدة مَعَ تَرْجَمَة عنترة. وَأنْشد بعده الشَّاهِد الموفي الأربعمائة وَهُوَ من شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ: الوافر (ترَاهُ كالثّغام يعلّ مسكاً ... يسوء الفاليات إِذا فليني)

. على أَنه قد جَاءَ حذف نون الْوِقَايَة مَعَ نون الضَّمِير للضَّرُورَة كَمَا هُنَا. وَالْأَصْل: إِذا فلينني بنونين. قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَإِذا كَانَ فعل الْجَمِيع مَرْفُوعا ثمَّ أدخلت فِيهِ النُّون الْخَفِيفَة أَو الثَّقِيلَة حذفت نون وَتقول: هَل تفعلن ذَاك بِحَذْف نون الرّفْع لِأَنَّك ضاعفت النُّون وهم يستثقلون التَّضْعِيف فحذفوها إِذْ كَانَت تحذف وهم فِي هَذَا الْموضع أَشد استثقالاً للنونات وَقد حذفوها فِيمَا هُوَ أَشد من ذَا بلغنَا أَن بعض الْقُرَّاء قَالَ: تحاجوني وَكَانَ يقْرَأ: فَبِمَ تبشروني خَفِيف وَهِي قِرَاءَة أهل الْمَدِينَة وَذَلِكَ لأَنهم استثقلوا التَّضْعِيف. قَالَ عَمْرو بن معد يكرب: (ترَاهُ كالثّغام يعلّ مسكاً ... يسوء الفاليات إِذا فليني) يُرِيد: إِذا فلينني. انْتهى. قَالَ الأعلم: الشَّاهِد فِي حذف النُّون فِي قَوْله فليني كَرَاهَة لِاجْتِمَاع النونين وحذفت نون الْيَاء دون جمَاعَة النسْوَة لِأَنَّهَا زَائِدَة لغير معنى. انْتهى. وَهَذَا مُوَافق لما قَالَه الشَّارِح. وَأخذ ابْن مَالك بِظَاهِر كَلَام سِيبَوَيْهٍ فِي التسهيل أَن الْمَحْذُوف هُنَا نون النسْوَة وَقَالَ: هُوَ مَذْهَب سِيبَوَيْهٍ. وَوَجهه فِي شَرحه بِأَنَّهُم حَافظُوا على بَقَاء نون الْوِقَايَة مُطلقًا لما كَانَ للْفِعْل بهَا صون ووقاية.

وَالْبَيْت من أَبْيَات ثَمَانِيَة لعَمْرو بن معد يكرب قَالَهَا فِي امْرَأَة لِأَبِيهِ تزَوجهَا بعده فِي الْجَاهِلِيَّة. (تَقول حليلتي لما قلتني ... شرائج بَين كدريٍّ وجون) (ترَاهُ كالثّغام يعلّ مسكاً ... يسوء الفاليات إِذا فليني) (فزينك فِي شريطك أمّ عَمْرو ... وسابغةٌ وَذُو النّونين زيني) (فَلَو شمّرن ثمّ عدون رهواً ... بكلّ مدجّجٍ لعرفت لوني) (إِذا مَا قلت إنّ عليّ دينا ... بطعنة فارسٍ قضّيت ديني)) (لقعقعة اللّجام بِرَأْس طرفٍ ... أحبّ إليّ من أَن تنكحيني) (أَخَاف إِذا هبطن بِنَا خباراً ... وجدّ الرّكض أَن لَا تحمليني) (فلولا إخوتي وبنيّ مِنْهَا ... مَلَأت لَهَا بِذِي شطبٍ يَمِيني) الحليلة: الزَّوْجَة. وقلتني من القلى وَهُوَ البغض. وشرائج خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي: شعرك شرائج. وَالْجُمْلَة مقول القَوْل. وشرائج: جمع شريج بِفَتْح الشين الْمُعْجَمَة وَآخره جِيم: الضَّرْب وَالنَّوْع. قَالَ ابْن دُرَيْد فِي الجمهرة: كل لونين مُخْتَلفين هما شريجان. وَأنْشد هَذَا الْبَيْت. وَقَوله: بَين كدري وجون أَي: بعض الشرائج كدري أَي: أغبر وَبَعضهَا جون. والكدري: مَنْسُوب إِلَى الكدرة. وجون بِضَم الْجِيم: جمع جونة وَهُوَ مصدر الجون بِالْفَتْح وَهُوَ من وَقَوله: ترَاهُ كالثغام الخ الضَّمِير الْمُسْتَتر للحليلة وَالضَّمِير البارز الْمَنْصُوب لشعر الرَّأْس الْمَفْهُوم مِمَّا قبله. وَرَوَاهُ الْفراء وَابْن دُرَيْد: رَأَتْهُ

بالماضي وَهُوَ من رُؤْيَة الْعين. وكالثغام حَال من الْهَاء وَكَذَلِكَ قَوْله يعل. والثغام بِفَتْح الْمُثَلَّثَة والغين الْمُعْجَمَة قَالَ الأعلم: هُوَ نبت لَهُ نور أَبيض يشبه بِهِ الشيب. وَقَالَ صَاحب الصِّحَاح: هُوَ نبت يكون فِي الْجَبَل يبيض إِذا يبس يُقَال لَهُ بِالْفَارِسِيَّةِ: درمنه إسبيذ يشبه بِهِ الشيب الْوَاحِدَة ثغامة. وعللته مَاء عللاً من بَاب طلب: سقيته السقية الثَّانِيَة. وعل هُوَ يعل من بَاب ضرب إِذا شرب. قَالَ الأعلم: وَمعنى يعل يطيب شَيْئا بعد شَيْء. وأصل الْعِلَل الشّرْب بعد الشّرْب. وَهَذَا غير مُنَاسِب فَإِنَّهُ هُنَا مُتَعَدٍّ إِلَى مفعولين: أَحدهمَا: نَائِب الْفَاعِل وَهُوَ الضَّمِير الْمُسْتَتر الْعَائِد إِلَى مَا عَاد إِلَيْهِ الْهَاء من ترَاهُ وَالثَّانِي مسكاً. وَقَوله: يسوء الفاليات فَاعله ضمير الشّعْر والفاليات مَفْعُوله وَهُوَ اسْتِئْنَاف وَهُوَ دَلِيل جَوَاب إِذا. والفالية هِيَ الَّتِي تفلي الشّعْر أَي: تخرج الْقمل مِنْهُ. وَقَوله: فزينك فِي شريطك الخ هَذَا خطاب لَهَا. وَأم عَمْرو: منادى. والزين: نقيض الشين مصدر زانه بِمَعْنى زينه إِذا جعل لَهُ زِينَة. والشريط قَالَ جَامع ديوانه: هُوَ العيبة الصَّغِيرَة. والعيبة بِالْفَتْح مَا تجْعَل فِيهِ الثِّيَاب.) وَقَوله: وسابغة خبر مقدم. وزيني مُبْتَدأ مُؤخر. والسابغة: الدرْع الواسعة الطَّوِيلَة. وَذُو النونين: السَّيْف وَالنُّون شفرته. وَقَوله: فَلَو شمرن ثمَّ عدون الخ يَعْنِي النِّسَاء الفاليات. وشمر إزَاره تشميراً: رَفعه. والرهو: السّير السهل مصدر رها يرهو فِي السّير أَي: رفق. والمدجج بجيمين على صِيغَة اسْم الْمَفْعُول هُوَ اللابس آلَة الْحَرْب وَالسِّلَاح.

وَقَوله: إِذا مَا قلت الخ هُوَ بِضَم التَّاء فِي الْمَوْضِعَيْنِ والطرف بِالْكَسْرِ: الْفرس الْجواد. والخبار بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة بعْدهَا مُوَحدَة: الأَرْض الرخوة. وَذُو شطب هُوَ السَّيْف. وشطب السَّيْف: طرائقه الَّتِي فِي مَتنه الْوَاحِدَة شطبة. وترجمة عَمْرو بن معد يكرب تقدّمت فِي الشَّاهِد الرَّابِع وَالْخمسين بعد الْمِائَة. وَهُوَ من الصَّحَابَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم. وَأنْشد بعده الشَّاهِد الْحَادِي بعد الأربعمائة (كمنية جابرٍ إِذْ قَالَ ليتي ... أصادفه وأفقد جلّ مَالِي) على أَن حذف نون الْوِقَايَة من ليتي ضَرُورَة عِنْد سِيبَوَيْهٍ. قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَقد قَالَت الشُّعَرَاء ليتي إِذا اضطروا كَأَنَّهُمْ شبهوه بِالِاسْمِ حَيْثُ قَالُوا: الضاربي والمضمر مَنْصُوب. قَالَ زيد الْخَيل: (كمنية جابرٍ إِذْ قَالَ ليتي ... أصادفه وأتلف بعض مَالِي) انْتهى. وَهَذَا من أَبْيَات لزيد الْخَيل رَضِيَ اللَّهُ عَنْه وأولها: (تمنّى مزيدٌ زيدا فلاقى ... أَخا ثقةٍ إِذا اخْتلف العوالي)

كمنية جابرٍ إِذْ قَالَ ليتي ... ... ... ... ... . . الْبَيْت وَقد اقْتصر عَلَيْهِمَا أَبُو زيد فِي نوادره. وبعدهما: (تلاقينا فَمَا كنّا سَوَاء ... وَلَكِن خرّ عَن حالٍ لحَال)) (وَلَوْلَا قَوْله يَا زيد قدني ... لقد قَامَت نُوَيْرَة بالمآلي) وَقَوله: تمنى مزِيد الخ مزِيد بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الزاء الْمُعْجَمَة بعْدهَا مثناة تحتية قَالَ ابْن السيرافي وَغَيره: هُوَ رجل من بني أَسد كَانَ يتَمَنَّى أَن يلقى زيد الْخَيل فَلَقِيَهُ زيد الْخَيل فطعنه فهرب مِنْهُ. وَقَوله: أَخا ثِقَة أَي: صَاحب وثوق بشجاعته وَصَبره فِي الْحَرْب. والعوالي: جمع عالية والعالية من الرمْح: مَا يَلِي الْموضع الَّذِي يركب فِيهِ السنان. يَعْنِي وَقت اخْتِلَاف الرماح ومجيئها وذهابها للطعان. وَقَوله: كمنية جَابر الخ هُوَ فِي مَوضِع الْمَفْعُول الْمُطلق أَي: تمنى مزِيد تمنياً كتمني جَابر. والمنية بِالضَّمِّ: اسْم لِلتَّمَنِّي وَفِي الأَصْل الشَّيْء الَّذِي يتَمَنَّى. وَإِنَّمَا قَالَ: تمنى مزِيد زيدا وَلم يقل: تمناني مزِيد للتهويل والتفخيم فَإِن زيدا قد اشْتهر بالشجاعة فَلَو أَتَى بالضمير لفات هَذَا. وَجَابِر: رجل من غطفان تمنى أَن يلقى زيدا حَتَّى صبحه زيد فَقَالَت لَهُ امْرَأَته: كنت تتمنى زيدا فعندك فَالْتَقَيَا فاختلفا طعنتين وهما دارعان فاندق رمح جَابر وَلم يغن شَيْئا وطعنه زيد بِرُمْح لَهُ كَانَ على كَعْب من كعابه ضبة من حَدِيد فَانْقَلَبَ ظهرا لبطن وانكسر ظَهره فَقَالَت امْرَأَته وَهِي ترفعه منكسراً ظَهره: كنت تتمنى زيدا فلاقيت أَخا ثِقَة. وَمعنى الْبَيْتَيْنِ أَن مزيداً تمنى أَن

يلقى زيدا كَمَا تمنى جَابر وَكِلَاهُمَا لَقِي مِنْهُ مَا يكره. (أَلا أبلغ الأقياس قيس بن نوفلٍ ... وَقيس بن أهبانٍ وَقيس بن جَابر) قَالَ: قيس بن جَابر هُوَ الَّذِي يَقُول فِيهِ زيد: كمنية جابرٍ إِذْ قَالَ ليتي فَسَماهُ باسم أَبِيه كَمَا قَالَ الآخر: الرجز يحملن عبّاس بن عبد المطّلب وَإِنَّمَا يُرِيد عبد الله بن عَبَّاس. انْتهى. وروى أَبُو جَعْفَر أَحْمد بن مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل: كمنية حائن بالنُّون أَي: هَالك وَالْمرَاد بِهِ جَابر الْمَذْكُور. وَقَوله: وأفقد جلّ مَالِي فقد يفقد من بَاب ضرب بِمَعْنى عدم. وروى بدله: وأتلف من الْإِتْلَاف. وَجل الشَّيْء معظمه. وَهَذِه رِوَايَة الْجَوْهَرِي وروى غَيره:) بعض مَالِي. قَالَ الْعَيْنِيّ: وَالْأول أحسن. وَمن زعم أَن بَعْضًا يرد بِمَعْنى كل وَخرج عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى: يُصِبْكُم بعضُ الَّذِي يَعِدُكم قَول الْأَعْشَى: الْبَسِيط (قد يدْرك المتمنّي بعض حَاجته ... وَقد يكون مَعَ المستعجل الزّلل)

صَحَّ عِنْده حمل رِوَايَة الْجَمَاعَة على ذَلِك فَيكون أبلغ من رِوَايَة الْجَوْهَرِي. إِلَّا أَن هَذَا القَوْل مَرْدُود. انْتهى. وَإِذ ظرف عَامله منية وَجُمْلَة: أصادفه خبر لَيْت. وأفقد مَنْصُوب بإضمار أَن فَإِنَّهَا تضمر بعد وَاو الْمَعِيَّة الْوَاقِعَة بعد التَّمَنِّي. قَالَ بعض فضلاء الْعَجم فِي شرح أَبْيَات الْمفصل: قَالَ صدر الأفاضل: وأفقد بِالنّصب كَمَا لَو كَانَ مَكَان الْوَاو الْفَاء كَأَنَّهُ قَالَ: لَيْتَني أصادف زيدا وَأَن أفقد بعض مَالِي أَي: يجْتَمع هَذَا مَعَ فقدان بعض المَال. وَقَالَ الْعَيْنِيّ: أفقد بِالرَّفْع جملَة فعلية عطف على أصادفه. كَذَا قيل وَفِيه نظر لِأَنَّهُ يلْزم أَن يكون فقد بعض مَاله متمنى وَلَيْسَ كَذَاك وَالصَّحِيح أَنه مَرْفُوع على أَنه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف تَقْدِيره: وَأَنا أفقد بعض مَالِي وَتَكون الْوَاو للْحَال. انْتهى. أَقُول: لَا مَانع على الْوَجْه الأول من جعل الْوَاو للمعية. ثمَّ قَالَ: وَيُقَال أفقد مَنْصُوب لِأَنَّهُ جَوَاب التَّمَنِّي. وَهَذَا لَا يتمشى إِلَّا إِذا قرئَ بِالْفَاءِ فأفقد. انْتهى. أَقُول: كَأَنَّهُ لم يطْرق أُذُنه أَن الْمُضَارع ينصب بإضمار أَن بعد وَاو الْمَعِيَّة كَمَا ينصب بعد فَاء (وَقل لمن يدّعي فِي الْعلم فلسفةً ... حفظت شَيْئا وَغَابَتْ عَنْك اشياء)

ثمَّ قَالَ: وَلَكِن يجوز نَصبه بإضمار أَن. أَقُول: كَأَن هَذَا الْإِضْمَار عِنْده من الْقسم السماعي الَّذِي لم يطرد. وَفِيمَا قُلْنَا غنية عَن هَذَا. فَتَأمل. وَقَوله: تلاقينا فَمَا كُنَّا سَوَاء الخ خر بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة: سقط. وَالْحَال بِالْحَاء الْمُهْملَة: مَوضِع اللبد من ظهر الْفرس وَالْحَال الثَّانِيَة: الْوَقْت الْحَاضِر. أَي: سقط عَن ظهر الْفرس بطعن فِي الْحَال. وَقَوله: وَلَوْلَا قَوْله أَي: لَوْلَا قَول جَابر. وقدني: اسْم فعل بِمَعْنى حسبي. ونويرة بِضَم النُّون:) امْرَأَة جَابر. قَالَ بعض فضلاء الْعَجم فِي شرح أَبْيَات الْمفصل: والمآلي: جمع مئلاة وَهِي الْخِرْقَة الَّتِي تكون مَعَ النائحة تَأْخُذ بهَا الدمع أَي: لَوْلَا قَول جَابر حسبي يَا زيد من الطعْن قَامَت امْرَأَته ملتبسةً بالخرق. تنوح عَلَيْهِ وتبكي أَي: قتلته. وَقَوله: بمطرد المهزة أَرَادَ بِهِ الرمْح فَإِنَّهُ إِذا هز بِالْيَدِ يطرد. والخلال بِكَسْر الْخَاء الْمُعْجَمَة: الْعود الَّذِي يَتَخَلَّل بِهِ وَرُبمَا يخل بِهِ الثَّوْب أَيْضا. أَرَادَ أَن الرمْح كَانَ سنانه دَقِيقًا مثل الْخلال. وَزيد الْخَيل هُوَ كَمَا قَالَ صَاحب الِاسْتِيعَاب: زيد بن مهلهل بن زيد ابْن منْهب الطَّائِي قدم على رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فِي وَفد طَيئ

سنة تسع فَأسلم وَسَماهُ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ زيد الْخَيْر وَقَالَ لَهُ: مَا وصف لي أحد فِي الْجَاهِلِيَّة فرأيته فِي الْإِسْلَام إِلَّا رَأَيْته دون الصّفة غَيْرك. وأقطع لَهُ أَرضين فِي ناحيته. ويكنى أَبَا مكنف وَكَانَ لَهُ ابْنَانِ مكنف وحريث وَقيل: حَارِث. أسلما وصحبا النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وشهدا قتال الرِّدَّة مَعَ خَالِد بن الْوَلِيد. وَكَانَ زيد الْخَيل شَاعِرًا محسنا خَطِيبًا لسنا شجاعاً بهمةً كَرِيمًا. وَكَانَ بَينه وَبَين كَعْب بن زُهَيْر هجاء لِأَن كَعْبًا اتهمه بِأخذ فرس لَهُ. قيل: مَاتَ زيد الْخَيل مُنْصَرفه من عِنْد النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ محموماً فَلَمَّا وصل إِلَى بَلَده مَاتَ. وَقيل بل مَاتَ فِي آخر خلَافَة عمر. وَكَانَ قبل إِسْلَامه قد أسر عَامر بن الطُّفَيْل وجز ناصيته. هَذَا مَا أوردهُ صَاحب الِاسْتِيعَاب. وَقيل لَهُ زيد الْخَيل لخمسة أَفْرَاس كَانَت لَهُ. وَكَانَ طَويلا جسيماً مَوْصُوفا بطول الْجِسْم وَحسن الْقَامَة وَكَانَ يركب الْفرس الْعَظِيم الطَّوِيل فتخط رِجْلَاهُ فِي الأَرْض كَأَنَّهُ رَاكب حمارا. وَأنْشد بعده الرمل (أيّها السّائل عَنْهُم وعنّي ... لست من قيسٍ وَلَا قيس منّي)

على أَن حذف النُّون ضَرُورَة عِنْد سِيبَوَيْهٍ وَالْقِيَاس: عني ومني بتَشْديد النُّون فيهمَا. قَالَ ابْن هِشَام فِي شرح شواهده: إِذا جرت الْيَاء بِمن أَو عَن وَجَبت النُّون حفظا للسكون لِأَنَّهُ) الأَصْل فِيمَا يبنون. وَقد يتْرك فِي الضَّرُورَة. قَالَ: أيّها السّائل عَنْهُم وعنّي ... ... ... ... ... . . الْبَيْت وَفِي النَّفس من هَذَا الْبَيْت شَيْء لأَنا لم نَعْرِف لَهُ قَائِلا وَلَا نظيراً لِاجْتِمَاع الْحَذف فِي الحرفين. وَلذَلِك نسبه ابْن النَّاظِم إِلَى بعض النَّحْوِيين وَلم ينْسبهُ إِلَى الْعَرَب. وَفِي التُّحْفَة: لم يجِئ الْحَذف إِلَّا فِي بيتٍ لَا يعرف قَائِله. اه. وَوَقع فِيهِ قيس فِي مَوضِع الضَّمِير مرَّتَيْنِ. وارتفاع الثَّانِي بِالِابْتِدَاءِ لِأَن لَا لَا تعْمل إِلَّا فِي النكرات. انْتهى كَلَام ابْن هِشَام. وَقيس فِي الْمَوْضِعَيْنِ غير منصرف للعلمية والتأنيث الْمَعْنَوِيّ لِأَنَّهُ بِمَعْنى الْقَبِيلَة. وَهُوَ أَبُو قَبيلَة من مُضر وَيُقَال لَهُ: قيس عيلان واسْمه النَّاس بن مُضر بن نزار بِهَمْزَة وصل وَنون وَهُوَ أَخُو إلْيَاس قَالَ ابْن الْكَلْبِيّ فِي الجمهرة: إِنَّمَا عيلان عبد لمضر حضن النَّاس ورباه فغلب عَلَيْهِ وَنسب إِلَيْهِ. وَقَالَ صَاحب الْقَامُوس: وَقيس عيلان تركيب إضافي لِأَن عيلان اسْم فرس قيس لَا اسْم أَبِيه كَمَا ظَنّه بعض النَّاس. اه. يُقَال: تقيس فلَان إِذا تشبه بهم أَو تمسك مِنْهُم بِسَبَب إِمَّا بِحلف أَو جوَار أَو وَلَاء. قَالَ رؤبة: الرجز وَقيس عيلان وَمن تقيّسا

وَقَالَ الجواليقي فِي شرح أدب الْكَاتِب: قيس عيلان بن مُضر وَيُقَال قيس ابْن عيلان واسْمه النَّاس بالنُّون وَأَخُوهُ إلْيَاس بِالْيَاءِ. وَكَانَ النَّاس بالنُّون متلافاً وَكَانَ إِذا نفد مَا عِنْده أَتَى أَخَاهُ إلْيَاس بالتحية فيناصفه أَحْيَانًا ويؤيسه أَحْيَانًا فَلَمَّا طَال ذَلِك عَلَيْهِ وَأَتَاهُ كَمَا كَانَ يَأْتِيهِ قَالَ لَهُ إلْيَاس: غلبت عَلَيْك الْعيلَة فَأَنت عيلان فَسُمي لذَلِك عيلان وَجَهل النَّاس. وَمن قَالَ قيس بن عيلان فَإِن عيلان كَانَ عبدا لمضر حضن ابْنه النَّاس فغلب على نسبته. اه. وَقد تقدم هَذَا الْكَلَام فِي الشَّاهِد الْخَامِس عشر من أَوَائِل الْكتاب. والقبيلة المنسوبة إِلَى قيس هِيَ خصفة بن قيس بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَالصَّاد الْمُهْملَة وَالْفَاء. وَأنْشد بعده) الشَّاهِد الثَّالِث بعد الأربعمائة وَهُوَ من شَوَاهِد س: الرجز (قدني من نصر الخبيبين قدي ... لَيْسَ الإِمَام بالشّحيح الملحد) على أَن هَذَا ضَرُورَة وَالْقِيَاس قدني بالنُّون. قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَسَأَلته رَحِمَهُ اللَّهُ يَعْنِي الْخَلِيل بن أَحْمد عَن قَوْلهم قطني ومني وعني ولدني مَا بالهم جعلُوا عَلامَة الْمَجْرُور هَا هُنَا كعلامة الْمَنْصُوب فَقَالَ:

إِنَّه لَيْسَ من حرف تلْحقهُ يَاء الْإِضَافَة إِلَّا كَانَ متحركاً مكسوراً وَلم يُرِيدُوا أَن يحركوا الطَّاء وَلَا النونات لِأَنَّهَا لَا تذكر أبدا إِلَّا وَقبلهَا حرف متحرك مكسور وَكَانَت النُّون أولى لِأَن من كَلَامهم أَن تكون النُّون وَالْيَاء عَلامَة الْمُتَكَلّم فجاؤوا بالنُّون لِأَنَّهَا إِذا كَانَت مَعَ الْيَاء لم تخرج هَذِه الْعَلامَة من عَلَامَات الْإِضْمَار وكرهوا إِن يجيئوا بِحرف غير النُّون فيخرجوا من عَلَامَات الْإِضْمَار. وَإِنَّمَا حملهمْ على أَن لم يحركوا الطَّاء والنونات كَرَاهِيَة أَن يشبه الْأَسْمَاء نَحْو: يَد وَهن. وَأما مَا يُحَرك آخِره فنحو مَعَ ولد كتحريك أَوَاخِر هَذِه الْأَسْمَاء لِأَنَّهُ إِذا تحرّك آخِره فقد صَار كأواخر الْأَسْمَاء فَمن ثمَّ لم يجعلوها بمنزلتها فَمن ذَلِك معي وَلَدي فِي مَعَ ولد وَقد جَاءَ فِي الشّعْر قدي. قدني من نصر الخبيبين قدي لما اضْطر شبهه بحسبي وهني لِأَن مَا بعد حسب وَهن مجرور كَمَا أَن مَا بعد قطّ مجرور فَجعلُوا عَلامَة الْإِضْمَار فيهمَا سَوَاء كَمَا قَالَ: ليتي حَيْثُ اضْطر. انْتهى كَلَام سِيبَوَيْهٍ. ورده صَاحب الْكَشَّاف والبيضاوي عِنْد قَوْله تَعَالَى: قَدْ بَلَغْت مِنْ لَدُنِي عُذْراً على قِرَاءَة نَافِع بتحريك نون لدن والاكتفاء بهَا عَن نون الْوِقَايَة كَمَا فِي: قدني من نصر الخبيبين قدي

وَعند ابْن مَالك نون الْوِقَايَة فِي قدني وقطني غير لَازِمَة بل يجوز ذكرهَا وحذفها. وَاسْتشْهدَ لقط بِمَا رُوِيَ فِي الحَدِيث من قَوْله: قطي قطي بعزتك يرْوى بِسُكُون الطَّاء وبكسرها مَعَ الْيَاء وبدونها. وَقَالَ فِي الألفية: الرجز (وَفِي لدنّي لدني قلّ وَفِي ... قدني وقطني الْحَذف أَيْضا قد يَفِي) قَالَ الشاطبي: قَوْله قل دَلِيل على أَن هَذَا جَائِز عِنْده فِي الْكَلَام لَا مُخْتَصّ بالشعر. وَهَذَا دأبه فِي) النّظم إِنَّمَا يعبر بِلَفْظ الْقلَّة عَمَّا جَاءَ فِي النثر. وَهُوَ ثَابت بِقِرَاءَة نَافِع وَأبي بكر. وَنبهَ بذلك على مُخَالفَة ظَاهر كَلَام سِيبَوَيْهٍ. قَالَ فِي شرح التسهيل: وَزعم سِيبَوَيْهٍ أَن عدم لحاقها من الضرورات. وَلَيْسَ كَذَلِك بل هُوَ جَائِز فِي الْكَلَام الفصيح كَقِرَاءَة نَافِع: قد بلغت من لدني عذرا بِالتَّخْفِيفِ. ثمَّ قَالَ الشاطبي: وَقَوله: وَفِي قدني وقطني الْحَذف أَيْضا قد يَفِي يُرِيد أَن حذف نون الْوِقَايَة فيهمَا قد يَأْتِي. وإتيانه بقد يَفِي إِشْعَار بِأَنَّهُ مسموع فِي الْكَلَام بل قد يكثر كَثْرَة مَا إِذْ معنى يَفِي يكثر أَي: إِنَّه يكثر فِي السماع فَلَا يكون معدوداً فِي الشواذ وَلَا فِي الضرائر. وَهَذَا تنكيت مِنْهُ على سِيبَوَيْهٍ وَمن قَالَ بقوله: أَن عدم اللحاق يخْتَص بالشع. اه. وَقد تبعه ابْن هِشَام فِي شرح شواهده قَالَ: إِذا جرت الْيَاء بلدن أَو قطّ أَو قد فالغالب إِثْبَات النُّون حفظا للسكون وَقد يتْرك. دَلِيله فِي لدن قَوْله

تَعَالَى: قد بلَغْتَ من لدني عُذْراً قرئَ مخففاً ومشدداً. وَأما قَول سِيبَوَيْهٍ: إِن ترك النُّون مَعَ لدن ضَرُورَة فمردود بِالْقِرَاءَةِ وَلَا يُقَال إِنَّهَا جَاءَت على من يَقُول لد وَتَكون النُّون للوقاية لِأَنَّهُ لَا وَجه حِينَئِذٍ لدُخُول النُّون إِذْ لَا سُكُون فيحفظ. وَدَلِيله فِي قد قَوْله: قدني من نصر الخبيبين قدي وَفِي هَذَا نظر وَاضح. وَقد أغرب الْجَوْهَرِي فِي زَعمه أَن لحاق النُّون لقدني على خلاف الْقيَاس. قَالَ: فَأَما قَوْلهم قدك بِمَعْنى حَسبك فَهُوَ اسْم تَقول: قدي وقدني أَيْضا بالنُّون على غير قِيَاس لِأَن هَذِه النُّون إِنَّمَا تزاد فِي الْأَفْعَال. وَاضح الْبطلَان. وَقَالَ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي: قد الاسمية على وَجْهَيْن: اسْم مرادف لحسب وَالْغَالِب فِيهَا الْبناء يُقَال: قد زيد دِرْهَم وقدني بالنُّون حرصاً على السّكُون. وتعرب بقلة يُقَال: قد زيد دِرْهَم بِالرَّفْع كَمَا يُقَال حَسبه دِرْهَم بِالرَّفْع وقدي بِغَيْر نون كَمَا يُقَال حسبي. وَالْوَجْه الثَّانِي: اسْم فعل مرادفة ليكفي يُقَال: قد زيدا دِرْهَم وقدني دِرْهَم كَمَا يُقَال: يَكْفِي زيدا دِرْهَم ويكفيني دِرْهَم.) وَقَوله: قدني من نصر الخبيبين قدي يحْتَمل قد الأولى أَن تكون مرادفة لحسب على لُغَة الْبناء وَأَن تكون اسْم فعل. وَأما الثَّانِيَة فتحتمل الأول وَهُوَ وَاضح وَالثَّانِي على أَن النُّون حذفت ضَرُورَة وَيحْتَمل أَنه اسْم

فعل لم يذكر مَفْعُوله فالياء للإطلاق وَالْكَسْر للساكنين اه. وَفِيه أُمُور: أَحدهَا: قَالَ الدماميني: لَو كَانَت مرادفة ليكفي لكَانَتْ فعلا وَاللَّازِم بَاطِل وَلَا أَدْرِي لم جعلهَا بِمَعْنى الْمُضَارع مَعَ أَن مَجِيء اسْم الْفِعْل بِمَعْنَاهُ فِيهِ كَلَام وَابْن الْحَاجِب يأباه. وَقد صرح ابْن قَاسم أَنَّهَا بِمَعْنى كفى. اه. وَالصَّوَاب مَا قَالَه الشَّارِح فِي بَاب اسْم الْفِعْل أَن معنى قدك اكتف وَمعنى قدني لأكتف. فَيكون الأول أمرا للمخاطب وَالثَّانِي أمرا للمتكلم نَفسه. وَهَذَا كَلَام فِي غَايَة الوضوح. ثَانِيهَا: إِذا كَانَت قد فِي الْمَوْضِعَيْنِ بِمَعْنى يَكْفِي فَأَيْنَ فاعلها ثَالِثهَا: يرد على قَوْله إِن الْيَاء للإطلاق والكسرة للساكنين قَول شَارِحه الدماميني: إِن حرف الْإِطْلَاق حرف مد يتَوَلَّد من إشباع حَرَكَة الروي فَلَا وجود لَهُ إِلَّا بعد تَحْرِيك الروي فَإِذن لم يلتق ساكنان. اه. وَقد أعَاد ابْن هِشَام هَذَا الْكَلَام فِي شرح شواهده فَقَالَ: الشَّاهِد فِي قَوْله قدني بإلحاق النُّون. وَأما قدي فَقَالَ الشَّارِح يَعْنِي ابْن النَّاظِم وَغَيره: إِنَّه شَاهد على ترك النُّون. وَلَيْسَ كَمَا قَالُوا لجَوَاز أَن يكون أَصله قد ثمَّ ألحق يَاء للقافية وَكسر الدَّال للساكنين. وَإِنَّمَا شَاهد الْحَذف قَوْله: الطَّوِيل قدي الْآن من وجدٍ على هَالك قدي

وَلَا يخفى فَسَاد قَوْله ثمَّ ألحق يَاء للقافية فَإِنَّهَا دالية لَا يائية. وَقَوله: من نصر الخبيبين من مُتَعَلقَة ب قدني لِأَنَّهُ بِمَعْنى لأكتف كَمَا حَقَّقَهُ الشَّارِح فِي بَاب اسْم الْفِعْل. وَذهب بَعضهم إِلَى أَن قدني مُبْتَدأ بِمَعْنى حسبي وَالْجَار وَالْمَجْرُور خَبره وَأَن الْمَعْنى حسبي من نصْرَة هذَيْن الرجلَيْن أَي: لَا أنصرهما بعد. قَالَ ابْن هِشَام فِي شرح شواهده: وَيجوز أَن يكون النَّصْر هُنَا بِمَعْنى الْعَطِيَّة كَقَوْل بعض السُّؤَال: من ينصرني ينصره الله وَخرج عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى: مَنْ كَانَ يظنُّ أنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّه وعَلى هَذَا) فالإضافة للْفَاعِل: ويرجح الأول أَنه لم يفرد أَبَا خبيب بِالذكر وَإِنَّمَا يكون الْعَطاء غَالِبا من ولي الْأَمر. اه. والخبيبين قيل مثنى خبيب وَقيل: جمع خبيب. فعلى الأول الْبَاء الثَّانِيَة مَفْتُوحَة وعَلى الثَّانِي مَكْسُورَة. وخبيب بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة وَفتح الْمُوَحدَة: مصغر خب. وخبيب هُوَ ابْن عبد الله بن الزبير. وَكَانَ عبد الله يكنى بِأبي خبيب. قَالَ بعض فضلاء الْعَجم فِي شحر شَوَاهِد الْمفصل: وكنيته الْمَشْهُورَة أَبُو بكر وَكَانُوا إِذا أَرَادوا ذمه كنوه بِأبي خبيب. وَفِي حَاشِيَته: لَعَلَّه للإشعار بِكَوْنِهِ مَنْقُولًا من مصغر الخب بِالْكَسْرِ وَهُوَ الرجل الخداع. وَقَالَ ابْن المستوفي فِي شرح أَبْيَات الْمفصل: أَرَادَ بالخبيبين مثنى عبد الله ومصعباً ابْن الزبير. وَخَالف مَا جَاءَ للْعَرَب من نَحوه مثل العمرين يُرِيدُونَ أَبَا بكر

وَعمر للخفة والقمرين للشمس وَالْقَمَر لتغليب الْمُذكر لِأَن عبد الله بن الزبير يكنى أَبَا خبيب باسم وَلَده وَأَبا بكر فَإِذا ذموه قَالُوا أَبُو خبيب. قَالَ فضَالة بن شريك: الوافر (أرى الْحَاجَات عِنْد أبي خبيبٍ ... نكدن وَلَا أميّة بالبلاد) فعلى مَا ذكره الشَّاعِر يَنْبَغِي أَن يُرِيد بِهِ خبيباً وَاحِد إخْوَته من بني عبد الله بن الزبير وهم: حَمْزَة وثابت وَعباد وَقيس وعامر ومُوسَى. اه. وَلَا يخفى أَن هَذِه الْإِرَادَة غير مُنَاسبَة لما سَيَجِيءُ. وَأورد الْمبرد هَذَا الْبَيْت عِنْد ذكر الْخَوَارِج وَقَالَ: يُرِيد خبيباً وَمن مَعَه. وَقَالَ الإِمَام أَبُو الْوَلِيد الوقشي فِي حَاشِيَته على الْكَامِل: هَذَا خطأ إِنَّمَا يُرِيد أَبَا خبيب وَهُوَ عبد الله بن الزبير. وأنشده الْمبرد فِي أَوَائِل الْكَامِل أَيْضا وَقَالَ: أَرَادَ عبد الله ومصعباً ابْني الزبير وَإِنَّمَا أَبُو خبيب عبد الله. وَكتب أَبُو الْوَلِيد فِي حَاشِيَته هُنَا أَيْضا: أنْشدهُ فِي ذكر الْخَوَارِج: الخبيبيين جمعا وَقَالَ: يُرِيد خبيباً وَمن مَعَه كَقِرَاءَة

من قَرَأَ: سَلام على الياسين قَالَ: فَإِنَّمَا يُرِيد إلْيَاس وَمن كَانَ مَعَه على دينه. كَذَا وَقع هُنَا يُرِيد خبيباً وَإِنَّمَا هُوَ يُرِيد أَبَا خبيب على كنيته الْأُخْرَى الْمَشْهُورَة ذَهَابًا إِلَى نِسْبَة الخب إِلَيْهِ. اه.) وَنقل ابْن المستوفي عِنْد شرح قَوْله: بَصِير بِمَا أعيا النّطاسيّ حذيما وَالْأَصْل ابْن حذيم. عَن الْخَوَارِزْمِيّ: أَن هَذَا لَيْسَ من بَاب الْحَذف إِنَّمَا هُوَ من بَاب تعدِي اللقب من الْأَب إِلَى الابْن كَمَا فِي قَوْله: الطَّوِيل كراجي النّدى وَالْعرْف عِنْد المذلّق أَي: ابْن المذلق أَلا ترى أَنه يُقَال: أفلس من ابْن المذلق. وَمِنْه: قدني من نصر الخبيبين قدي وَنقل ابْن هِشَام فِي شرح الشواهد عَن ابْن السَّيِّد فِيمَا كتبه على الْكَامِل رد رِوَايَة التَّثْنِيَة بِأَن الشَّاعِر قَالَ هَذَا الشّعْر عِنْد حِصَار طَارق وَمصْعَب مَاتَ قبل ذَلِك بسنين اه. وَلم أر لِابْنِ السَّيِّد شَيْئا من شَرحه على هَذَا الْبَيْت فِي الْمَوْضِعَيْنِ من الْكَامِل. وَذكر الْعَيْنِيّ للتثنية وَجْهَيْن: أَحدهمَا أَن المُرَاد عبد الله وَأَخُوهُ مُصعب.

وَثَانِيهمَا: أَن المُرَاد عبد الله وَابْنه خبيب الْمَذْكُور. وعَلى هَذَا الثَّانِي لَا يرد الرَّد الْمَذْكُور عَن ابْن السَّيِّد. وَرَوَاهُ جمَاعَة بِفَظٍّ الْجمع وَمِنْهُم أَبُو زيد فِي نوادره قَالَ: أَرَادَ الخبيبيين فَحذف يَاء النِّسْبَة وَأورد لَهُ نَظَائِر. وَمِنْهُم يَعْقُوب بن السّكيت فِي إصْلَاح الْمنطق قَالَ ابْن السيرافي فِي شرح شواهده: الخبيبين جمع يُرِيد بِهِ عبد الله بن الزبير وَأَصْحَابه وجعلهم كَأَن كل رجل مِنْهُم خبيب. وَمثل هَذَا يفعل كثيرا يَقُولُونَ الأشعرون إِذا نسبوا إِلَى الْأَشْعر كَأَنَّهُمْ جمعُوا رجَالًا كل اسْم رجل مِنْهُم أشعر وَإِنَّمَا أشعر الَّذِي أضيفوا إِلَيْهِ فَصَارَ الخبيبين فِي مَوضِع الخبيبيين والأشعرون فِي مَوضِع الْأَشْعَرِيين فحذفوا يَاء النِّسْبَة وَجعلُوا الِاسْم كَأَنَّهُ لكل وَاحِد من المنسوبين. اه. وَمِنْهُم أَبُو عُبَيْدَة نَقله عَنهُ أَبُو الْحسن الْأَخْفَش فِيمَا كتبه على نَوَادِر أبي زيد. وَمِنْهُم أَبُو جَعْفَر النّحاس فِي تَفْسِير الْقُرْآن قَالَ: إِنَّمَا يُرِيد أَبَا خبيب عبد الله ابْن الزبير فَجَمعه على أَنه من كَانَ مَعَه على مذْهبه دَاخل فِيهِ. وَمِنْهُم ابْن جني فِي الْمُحْتَسب فِي سُورَة الصافات عِنْد قِرَاءَة ابْن مُحَيْصِن: وَإِن الياس بِغَيْر همز سَلام على الياسين بِغَيْر همز. قَالَ: فَأَما الياس مَوْصُول الْألف فَإِن الِاسْم مِنْهُ ياس بِمَنْزِلَة بَاب) وَدَار ثمَّ لحقه لَام التَّعْرِيف. والياسين على هَذَا كَأَنَّهُ على إِرَادَة يَاء النّسَب كَأَن الياسيين كَمَا

حكى عَنْهُم صَاحب الْكتاب: الأشعرون والنميرون يُرِيد الْأَشْعَرِيين والنمريين. وروينا عَن قطرب عَنْهُم: هَؤُلَاءِ زيدون منسوبون إِلَى زيد بِغَيْر يَاء النِّسْبَة. وَقَالَ أَبُو عَمْرو: هلك اليزيدون يُرِيد: ثَلَاثَة يزيديين. وَقد يجوز أَن يكون جعل كل وَاحِد مِنْهُم من أهل الياس ياساً فَقَالَ الياسين كَقَوْلِه: قدني من نصر الخبيبين قدي يُرِيد أَبَا خبيب وَأَصْحَابه كَأَنَّهُ جعل كل وَاحِد مِنْهُم خبيباً. اه. يفهم صَنِيعه أَنه إِذا جعل كل وَاحِد مِنْهُم خبيباً لَا يكون على تَقْدِير يَاء النِّسْبَة وَإِذا كَانَ على تقديرها يُرَاد أَصْحَاب أبي خبيب فَقَط وَلَا يدْخل أَبُو خبيب فيهم. كَمَا قَالَ أَبُو مُحَمَّد التوزي: من أنْشدهُ بِالْجمعِ يُرِيد أَصْحَاب ابْن الزبير كَمَا يُقَال المهالبة. وَحقه الخبيبيين بِالتَّشْدِيدِ وَلكنه حذف يَاء النِّسْبَة نَقله عَنهُ صَاحب كتاب التفسح فِي اللُّغَة. وَإِلَيْهِ ذهب ابْن هِشَام فِي شرح شواهده قَالَ: يرْوى الخبيبين مثنى على إِرَادَة عبد الله وأخيه مُصعب ويروى على الْجمع على إِرَادَة عبد الله وَمن على رَأْيه وَكِلَاهُمَا تَغْلِيب. وَيحْتَمل على الْجمع أَن يُرِيد مُجَرّد أَصْحَاب عبد الله على أَن الأَصْل الخبيبيين ثمَّ حذفت الْيَاء وَهَذَا خلاف مَا تقدم عَن ابْن السيرافي وَخلاف قَول أبي عَليّ فِي الْإِيضَاح الشعري قَالَ: من أنْشدهُ على الْجمع أَرَادَ الخبيبيين وَنسب إِلَى

أبي خبيب يُريدهُ وَيُرِيد شيعته. وعَلى هَذَا قِرَاءَة من قَرَأَ: سَلام على الياسين أَرَادَ النّسَب إِلَى الياس. وَمن أنْشد على التَّثْنِيَة أَرَادَ عبد الله ومصعباً فثناهما كَمَا قَالُوا: العجاجان. اه. وَيُؤَيّد كَلَام ابْن جني وَمن تبعه صَنِيع الْمبرد فِي الْكَامِل قَالَ عِنْد ذكر الْخَوَارِج: بَاب للنسب وَهُوَ أَن يُسمى كل وَاحِد مِنْهُم باسم الْأَب إِذا كَانُوا إِلَيْهِ ينسبون. وَنَظِيره المهالبة والمسامعة والمناذرة وَيَقُولُونَ: جَاءَنِي النميرون والأشعرون جعل كل وَاحِد مِنْهُم نميراً وأشعر. فَهَذَا يتَّصل فِي الْقَبَائِل. وَقد تنْسب الْجَمَاعَة إِلَى الْوَاحِد على رَأْي أودين فَيكون لَهُ مثل نسب الْولادَة كَمَا قلت: أزرقي لمن كَانَ على رَأْي ابْن الْأَزْرَق كَمَا تَقول تميمي وقيسي لمن وَلَده تَمِيم وَقيس. وَمن قَرَأَ: سَلام على الياسين فَإِنَّمَا يُرِيد الياس عَلَيْهِ السَّلَام وَمن كَانَ على دينه كَمَا قَالَ:) قدني من نصر الخبيبيين قدي يُرِيد أَبَا خبيب وَمن مَعَه. اه. وَقَوله: قدي تَأْكِيد للْأولِ. وَلَيْسَ الإِمَام الخ أَرَادَ بِالْإِمَامِ الْخَلِيفَة وَعرض بِعَبْد الله بن الزبير فَإِنَّهُ كَانَ بَخِيلًا. وَالشح: الْبُخْل. وشح يشح من بَاب قتل وَفِي لُغَة من بَابي ضرب وتعب فَهُوَ شحيح من

قوم أشحاء. والملحد قَالَ صَاحب الْمِصْبَاح: من ألحد فِي الْحرم بِالْألف إِذا اسْتحلَّ حرمته وانتهكها. وألحد إلحاداً: جادل ومارى. ولحد بِلَا ألف بِمَعْنى جَار وظلم. والبيتان من أرجوزة لحميد الأرقط. قَالَ ابْن المستوفي: ويروى: لَيْسَ أَمِيري بالظلوم الملحد وَلم أر الْبَيْت الأول فِي ديوانه. وأولها: الرجز (لَيْسَ الإِمَام بالشّحيح الملحد ... وَلَا بوبرٍ بالحجاز مقرد) (إِن ير بِالْأَرْضِ الفضاء يصطد ... وينجحر فالجحر شرّ محكد) وَهِي أَرْبَعَة أَبْيَات. اه. وَكَذَلِكَ أورد الأبيات القالي فِي أَمَالِيهِ وَلم يُورد بَيت قدني. وَأورد أَبُو عبيد الْبكْرِيّ فِي شرح أمالي القالي أبياتاً ثَلَاثَة قبلهَا قَالَ: يمدح الْحجَّاج وَهِي: الرجز ...

(أَو تردي حَوْض أبي محمّد ... لَيْسَ الْأَمِير بالشّحيح الملحد) إِلَى آخر الأبيات وَقَالَ: هَذَا تَعْرِيض بِابْن الزبير فِي قَوْله: بالشحيح الملحد يُرِيد أَنه ألحد فِي الْحرم. وَفِي قَوْله: وَلَا بوبر بالحجاز مقرد. والوبر بِفَتْح الْوَاو وَسُكُون الْمُوَحدَة وَآخره رَاء مُهْملَة: دويبة مثل السنور طحلاء اللَّوْن حَسَنَة الْعَينَيْنِ لَا ذَنْب لَهَا تُوجد فِي الْبيُوت. والمقرد: اللاصق من جزع أَو ذل. وَقَوله: حَتَّى تحسري وتلهدي يُقَال: لهد الْبَعِير يلهد إِذا عض الْحمل غاربه وسنامه حَتَّى يؤلمه. انْتهى.) وَقَوله: قلت لعنسي الخ العنس بِفَتْح الْعين وَسُكُون النُّون: النَّاقة الصلبة وعجلى: مؤنث عجلَان. وتعتدي من الْعَدو. وتحسري: مضارع حسر بِالْفَتْح يحسر بِالْكَسْرِ حسوراً إِذا أعيا. وتلهدي يُقَال: لهد الْبَعِير يلهد إِذا عض الْحمل غاربه وسنامه حَتَّى يؤلمه. ولهده الْحمل أَي: أثقله. قَالَ الْأَصْمَعِي: لهد الْقَوْم دوابهم: أجهدوها وأتعبوها. وَقَوله: أَو تردي الخ أَو بِمَعْنى إِلَى أَو إِلَّا. وتردي من الْورْد مَنْصُوب بِحَذْف النُّون بِأَن مضمرة وَقَوله وَلَا بوبر الخ قَالَ ابْن الْأَثِير فِي النِّهَايَة: الْوَبر بِسُكُون الْبَاء: دويبة على قدر السنور غبراء أَو بَيْضَاء حَسَنَة الْعَينَيْنِ شَدِيدَة الْحيَاء

حجازية وَالْأُنْثَى وبرة. وَيُشبه بهَا تحقيراً. اه. وَضَبطه الْعَيْنِيّ وَتَبعهُ السُّيُوطِيّ فِي شرح شَوَاهِد الْمُغنِي بِفَتْح الْوَاو وَسُكُون التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَفِي آخِره نون بِمَعْنى واتن. يَعْنِي: وَلَا بدائم ثَابت بِأَرْض الْحجاز. وَيُقَال للْمَاء الْمعِين الدَّائِم الَّذِي لَا يذهب: واتن وَكَذَلِكَ بِمَعْنَاهُ واثن بِالْمُثَلثَةِ. هَذَا كَلَامه. وَهَذَا تَحْرِيف مِنْهُ قطعا ومقرد: اسْم فَاعل من أقرد بِالْقَافِ بِمَعْنى ذل وخضع وَقَالَ الْجَوْهَرِي: أقرد أَي: سكن وتماوت. وروى: مُفْرد بِالْفَاءِ على أَنه اسْم مفعول من أفردته إِذا عزلته. وَقَوله: إِن ير يَوْمًا الخ الْجُمْلَة الشّرطِيَّة صفة لوبر ونائب الْفَاعِل فِي ير ضمير الْوَبر. والفضاء بِالْفَاءِ. ويصطد بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول. وَقَوله: وينجحر الخ قَالَ صَاحب الصِّحَاح: الْجُحر بِضَم الْجِيم: وَاحِد الجحرة والأجحار. وأجحرته أَي: ألجأته إِلَى أَن دخل جُحْره فانجحر. وفاعل ينجحر ضمير الْوَبر أَيْضا. والمحكد بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الْحَاء الْمُهْملَة وَكسر الْكَاف: الأَصْل وَيُقَال لَهُ المحتد أَيْضا بِكَسْر الْمُثَنَّاة الْفَوْقِيَّة. وَحميد الأرقط: شَاعِر إسلامي من شعراء الدولة الأموية وَهُوَ معاصر الْحجَّاج. وَهُوَ حميد بن مَالك بن ربعي بن مخاشن بن قيس بن نَضْلَة بن أحيم ابْن بَهْدَلَة بن عَوْف بن كَعْب بن سعد بن زيد مَنَاة بن تَمِيم. وَقيل: هُوَ أحد بني ربيعَة بن مَالك بن زيد مَنَاة بن تَمِيم وهم ربيعَة الْجُوع. وَسمي الأرقط لآثار كَانَت بِوَجْهِهِ. والرقط النقط. والرقطة: سَواد يشوبه نقط. والأرقط من الْغنم: مثل) الأبغث. والأرقط: النمر.

وَلم أر تَرْجَمَة حميد هَذَا فِي كتاب الشُّعَرَاء لِابْنِ قُتَيْبَة وَلَا فِي المؤتلف والمختلف للآمدي وَلَا فِي الأغاني فِيمَا يحضرني مِنْهُ. وَإِنَّمَا نقلت تَرْجَمته من الْأَنْسَاب. وَقيل قَائِل الشّعْر الْمَذْكُور أَبُو بجلة قَالَه ابْن يعِيش فِي شرح الْمفصل وَلَا أعرف هَذَا. وَالله أعلم. وَأنْشد بعده: إِذْ ذهب الْقَوْم الْكِرَام ليسي وأوله: عددت قومِي كعديد الطّيس وَأنْشد بعده: وَلَيْسَ حاملني إِلَّا ابْن حمّال أَوله: أَلا فَتى من بني ذبيان يحملني وَتقدم شَرحه فِي الشَّاهِد الْخَامِس وَالتسْعين بعد الْمِائَتَيْنِ من بَاب الْإِضَافَة.

وَأنْشد بعده الشَّاهِد الرَّابِع بعد الأربعمائة: الوافر (وكائن بالأباطح من صديقٍ ... يراني لَو أصبت هُوَ المصابا) على أَن رُبمَا وَقع ضمير الْفَصْل بِلَفْظ الْغَيْبَة بعد حَاضر لقِيَامه مقَام مُضَاف غَائِب أَي: يرى مصابي هُوَ الْمُصَاب. بَيَانه: أَن هُوَ فصل وَقع بعد ضمير الْحَاضِر أَي: الْمُتَكَلّم فَكَانَ حَقه فِي الظَّاهِر أَن يَقُول: يراني أَنا الْمُصَاب لِأَن ضمير الْفَصْل يجب أَن يكون وفْق مَا قبله فِي الْغَيْبَة وَالْخطاب التَّكَلُّم لِأَن فِيهِ نوعا من التوكيد تَقول: علمت زيدا هُوَ المنطلق وعلمتك أَنْت المنطلق وعلمتني أَنا المنطلق. وَحِينَئِذٍ يتَوَجَّه عَلَيْهِ سؤالان: أَحدهمَا: كَيفَ وَقع ضمير الْغَيْبَة بعد ضمير الْمُتَكَلّم وَحقّ الْفَصْل أَن يكون وفقاً لما قبله وَثَانِيهمَا: أَن الْمَفْعُول الثَّانِي فِي بَاب علم يجب أَن يكون مُوَافقا للْمَفْعُول الأول فِي الماصدق فَكيف يَصح حمل الْمُصَاب الَّذِي هُوَ بِمَعْنى الْمُصِيبَة على الْيَاء فِي يراني وَأجَاب الشَّارِح الْمُحَقق عَنْهُمَا بِمَا ذكره وَهُوَ أَن الضَّمِير الْحَاضِر وَهُوَ الْيَاء قَائِم مقَام الْمُضَاف الْغَائِب أَي: يرى مصابي هُوَ الْمُصَاب. وَالْمعْنَى يرى مصابي هُوَ الْمُصَاب الْعَظِيم وَيسْقط بِهَذَا الْجَواب السؤالان. وَوجه قيام الْيَاء مقَام الْمُضَاف أَن مفعول يرى فِي الْحَقِيقَة هُوَ الْمُضَاف الْمَحْذُوف وَالْيَاء مُضَاف إِلَيْهِ فَلَمَّا حذف الْمُضَاف قَامَ الْيَاء الْمَجْرُور محلا مقَام

ذَلِك الْمُضَاف الْمَنْصُوب على المفعولية فالفصل مُطَابق للمحذوف لَا للقائم مقَامه. وَإِنَّمَا وصف الْمُضَاف بالغائب لِأَنَّهُ اسْم ظاه وَهُوَ فِي حكم الْغَائِب وَلِهَذَا يعود ضمير الْغَيْبَة إِلَيْهِ. والمصاب على هَذَا مصدر ميمي كَقَوْلِهِم: جبر الله مصابك أَي: مصيبتك. وَإِنَّمَا وصف الْمُصَاب بالعظيم لتحصل الْفَائِدَة وَمثله فِي حذف الصّفة: الْآن جِئْت بِالْحَقِّ أَي: بالواضح وَإِلَّا لكفروا بِمَفْهُوم الظّرْف إِذْ يكون الْمَعْنى: وَقبل الْآن لم يجِئ بِالْحَقِّ فَيكون إنكاراً لما جَاءَ بِهِ أَولا. وَيجوز أَن لَا تقدر الصّفة ويكتفي بالفائدة الْحَاصِلَة من الْحصْر وَالْمعْنَى لَو أصبت يرى مصيبتي هِيَ الْمُصِيبَة وَلَا يعد غَيرهَا مُصِيبَة وَذَلِكَ من تَأَكد صداقته لَا يكترث بمصيبة غَيْرِي وَلَا يهتم لَهَا.) ولصحة الْمَعْنى هُنَا لم يقدر الشَّارِح الْمُحَقق الصّفة. فَللَّه دره مَا أدق نظره وَهَذَا الَّذِي ذكره فِي هَذَا الْبَيْت أحد تخريجين لأبي عَليّ الْفَارِسِي ذكرهمَا فِي إِيضَاح الشّعْر قَالَ: يجوز أَن يكون التَّقْدِير فِي يراني يرى مصابي أَي: مصيبتي وَمَا نزل بِي الْمُصَاب كَقَوْلِك: أَنْت أَنْت ومصيبتي الْمُصِيبَة. أَي: مَا عداهُ جلل هَين فَيكون هُوَ فصلا بَين الْمُضَاف الْمُقدر وَبَين الظَّاهِر. وَاقْتصر على هَذَا التَّخْرِيج ابْن الشجري فِي أَمَالِيهِ ثمَّ قَالَ: وَلَو أَنه قَالَ: يرَاهُ لَو أصبت هُوَ المصابا فَأَعَادَ الْهَاء من يرَاهُ إِلَى الصّديق وَالْمعْنَى يرى نَفسه كَمَا جَاءَ فِي التَّنْزِيل: إنَّ الْإِنْسَان ليَطْغَى أنْ رآهُ استَغْنى لسقط الِاعْتِرَاض وَاسْتغْنى عَن تَقْدِير الْمُضَاف ولكان الْمُصَاب اسْم مفعول من قَوْلك:

أُصِيب زيد فَهُوَ مصاب. وَلَكِن الْمَرْوِيّ: يراني. انْتهى. أَقُول: لم يرو الْأَخْفَش فِي كتاب المعاياة إِلَّا: يرَاهُ لَو أصبت هُوَ المصابا بِالْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّة وَضمير الْغَائِب. وَقَالَ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي: ويروى: يرَاهُ أَي: يرى نَفسه وتراه بالخطا وَلَا إِشْكَال حِينَئِذٍ وَلَا تَقْدِير. والمصاب حِينَئِذٍ اسْم مفعول لَا مصدر. وَلم يطلع على هَاتين الرِّوَايَتَيْنِ بَعضهم فَقَالَ: وَلَو أَنه قَالَ يرَاهُ لَكَانَ حسنا أَي: يرى الصّديق نَفسه مصاباً إِذا أصبت. اه. والتخريج الآخر الَّذِي ذكره أَبُو عَليّ: أَن يكون تَأْكِيدًا لمستتر فِي يراني لَا فصلا. قَالَ: مَوضِع هُوَ رفع لكَونه تَأْكِيدًا للضمير الَّذِي فِي يراني لِأَن هُوَ للْغَائِب وَالْمَفْعُول الأول فِي يراني للمتكلم والفصل إِنَّمَا يكون الأول فِي الْمَعْنى كَقَوْلِه سُبْحَانَهُ: أَنا أقلُّ مِنْكَ مَالا وولَداً. أَلا ترى أَن أَنا هُوَ الْمَفْعُول الأول الْمعبر عَنهُ بني. وَالْمعْنَى: يراني هُوَ المصابا أَي: يراني للصداقة الْمُصَاب لغلظ مصيبتي عَلَيْهِ للصداقة وَلَيْسَ كالعدو أَو الْأَجْنَبِيّ الَّذِي لَا يهمه ذَاك. اه. فالمصاب على هَذَا اسْم مفعلو لَا مصدر. وَبَقِي تَخْرِيج ثَالِث نَقله ابْن هِشَام عَن بَعضهم فِي الْمُغنِي وَهُوَ أَن يَجْعَل هُوَ فصلا للياء. وَوَجهه بِأَنَّهُ لما كَانَ عِنْد صديقه بِمَنْزِلَة نَفسه حَتَّى كَانَ إِذا أُصِيب كَأَن صديقه قد أُصِيب فَجعل ضمير الصّديق بِمَنْزِلَة ضَمِيره لِأَنَّهُ نَفسه فِي الْمَعْنى. اه. وَزعم ابْن الْحَاجِب فِي أَمَالِيهِ أَن الرِّوَايَة: لَو أُصِيب هُوَ المصابا

وَقَالَ: شَرط الْفَصْل أَن يَأْتِي على طبق الْخَبَر فَكَانَ يَنْبَغِي أَن يكون أَنا لِأَن الْمُصَاب مفعول ثَان ليراني وَالْمَفْعُول الأول الْيَاء) وَهِي للمتكلم وَالْمَفْعُول الثَّانِي هُوَ الأول فِي الْمَعْنى فَكَانَ يجب أَن يكون الْفَاصِل على الْقيَاس أَنا. وَوَجهه أَنه لَيْسَ على الْفَصْل بل هُوَ تَأْكِيد للضمير الْمُسْتَتر فِي يراني أَو للضمير فِي أُصِيب. وَأما إِن قدر لَو أصبت لم يستقم الْمَعْنى إِذْ تَقْدِيره يراني مصاباً إِذا أصابتني مُصِيبَة. وَلَا يخبر بِمثل ذَلِك عَاقل إِذْ لَا يتَوَهَّم خِلَافه. اه. فالمصاب الْمَذْكُور عِنْده اسْم مفعول لَا مصدر. وَقد خَفِي هَذَا على ابْن هِشَام فَقَالَ فِي الْمُغنِي بعد نقل كَلَامه. وعَلى مَا قدمْنَاهُ من تَقْدِير الصّفة لَا يتَّجه الِاعْتِرَاض. قَالَ الدماميني فِي الْحَاشِيَة الْهِنْدِيَّة: الصّفة الَّتِي أَشَارَ إِلَيْهَا إِنَّمَا قدرهَا على جعل الْمُصَاب مصدرا لَا اسْم مفعول وَكَلَام ابْن الْحَاجِب فِيمَا إِذا كَانَ الْمُصَاب اسْم مفعول لَا مصدرا وَلذَلِك جعله مَفْعُولا ثَانِيًا ليرى وَالْمَفْعُول الأول هُوَ الْيَاء وَلَوْلَا ذَلِك لما صَحَّ بِحَسب الظَّاهِر. والاعتراض الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ ابْن الْحَاجِب غير مُتَّجه مَعَ الْإِعْرَاض عَن تَقْدِير الصّفة وَذَلِكَ لِأَن مبناه على أَن يكون مصاباً اسْم مفعول نكرَة وَالْوَاقِع فِي الْبَيْت لَيْسَ نكرَة بل هُوَ معرف بأل والحصر مُسْتَفَاد من التَّرْكِيب كَقَوْلِك: زيد هُوَ الْفَاضِل لَا غَيره. وَكَذَا الْمَعْنى فِي الْبَيْت أَي: لَو أصبت رَآنِي الْمُصَاب بِمَعْنى أَنه لَا يرى الْمُصَاب إِلَّا إيَّايَ دون غَيْرِي كَأَنَّهُ لعظم مَكَانَهُ عِنْده وَشدَّة صداقته لَهُ تتلاشى عِنْده مصائب غير صديقه فَلَا يرى غَيره مصابا وَلَا يرى الْمُصَاب إِلَّا إِيَّاه مُبَالغَة. فَالْمَعْنى صَحِيح مُتَّجه كَمَا رَأَيْت بِدُونِ تَقْدِير صفة. اه.

وَقَوله: لَو أصبت جملَة مُعْتَرضَة بَين مفعولي يرى وَجَوَاب لَو مَحْذُوف يدل عَلَيْهِ مَا قبله ويراني بِمَعْنى يعلمني وفاعله ضمير صديق وَالْجُمْلَة خبر كَائِن. وبالأباطح كَانَ فِي الأَصْل صفة لصديق فَلَمَّا قدم عَلَيْهِ صَار حَالا مِنْهُ. وَمن صديق تَمْيِيز لكائن وتمييزها مجرور ب من فِي الْغَالِب. وكائن هُنَا خبرية لإِفَادَة التكثير ككم الخبرية. وَرَوَاهُ الْأَخْفَش فِي المعاياة: وَكم لي فِي الأباطح من صديق وَأوردهُ الزّجاج فِي تَفْسِيره عِنْد قَوْله تَعَالَى: وكائن من نبيٍّ قُتِلَ مَعَهُ ربِّيُّون كثيرٌ. قَالَ: وكائن على وزن فَاعل وَأكْثر مَا جَاءَ الشّعْر على هَذِه اللُّغَة. ثمَّ أنْشد هَذَا الْبَيْت مَعَ أَبْيَات أخر.) والأباطح: جمع أبطح وَهُوَ مسيل وَاسع للْمَاء فِيهِ دقاق الْحَصَى. وَهَذَا الْبَيْت من قصيدة لجرير بن الخطفى مدح بهَا الْحجَّاج بن يُوسُف الثَّقَفِيّ. وَبعده: وَمِنْهَا: (إِذا سعر الْخَلِيفَة نَار حربٍ ... رأى الحجّاج أثقبها شهابا)

ومطلع القصيدة: (سئمت من المواصلة العتابا ... وَأمسى الشّيب قد ورث الشّبابا) وَمعنى وراثة الشيب الشَّبَاب حُلُوله مَحَله فَإِن الْوَارِث يحل مَحل الْمَوْرُوث. وترجمة جرير قد تقدّمت فِي الشَّاهِد الرَّابِع من أَوَائِل الْكتاب. وَأنْشد بعده الشَّاهِد الْخَامِس بعد الأربعمائة: الطَّوِيل هُوَ الْبَيْت حتّى مَا تأنّى الحزائق تَمَامه: وَيَا قلب حتّى أَنْت ممّن أُفَارِق على أَنه قد يخبر عَن ضمير الْأَمر المستبهم تَقْديرا بالمفرد كَمَا أخبر ب الْبَين. هُنَا عَن هُوَ كَأَنَّهُ قيل: أَي شَيْء وَقع من المصائب فَقَالَ: هُوَ الْبَيْت. وَقَوله: حَتَّى مَا تأنى مَبْنِيّ على مَا يفهم من استعظام أَمر الْبَين الْمُسْتَفَاد من الضَّمِير أَي: ارتقي أَمر الْبَين فِي الصعوبة حَتَّى لَا تتأنى جماعات الْإِبِل أَيْضا. وَفِي هَذَا رد على الواحدي فِي زَعمه أَن هَذَا الضَّمِير من قبيل مَا فسر بجملة. وَهَذِه عِبَارَته: هُوَ كِنَايَة عَن الْبَين يسمون مَا كَانَ من مثل هَذَا الْإِضْمَار على شريطة التَّفْسِير كَقَوْلِه تَعَالَى: قُلْ هُوَ اللهُ أحَد

وَقَوله تَعَالَى: فإنَّها لَا تَعْمَى الْأَبْصَار وَقَول الشَّاعِر: هِيَ النَّفس مَا حملتها تتحمَّلُ وَمثله كثير. اه.) وَقَالَ الْمُبَارك بن المستوفي فِي النظام: قَالَ أَبُو الْقَاسِم عبد الْوَاحِد بن عَليّ: يَقُول: الْحق والشأن هُوَ الْفِرَاق لَا الِاجْتِمَاع كَأَنَّهُ نظر فِيهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: الَّذِي خلقَ الموتَ والحياةَ فَقدم الْمَوْت لِأَن الِانْتِهَاء إِلَيْهِ والأمور بخواتمها. وَهَذَا تَفْسِير بعيد من معنى الْبَيْت وَتَقْدِير ضمير الشَّأْن بِمَا قدره بِهِ يغاير مَا قدره النحويون. اه. وتأنى أَصله تتأنى بتاءين مضارع من التأني وَهُوَ التلبث والخزائق: جمع حزيق بِالْحَاء الْمُهْملَة قَالَ صَاحب الْقَامُوس: الحزيق والحزيقة والحزاقة: الْجَمَاعَة وَالْجمع الحزائق. وَالظَّاهِر أَنه بِمَعْنى الْجَمَاعَة مُطلقًا لَا بِمَعْنى جمَاعَة الْإِبِل كَمَا صرح بِهِ الشَّارِح. وَيدل لما قُلْنَا كَلَام شراحه. قَالَ ابْن جني: تأنى تمكث. والحزائق: جمع حزيق وَهُوَ الْجَمَاعَة. وَقَالَ أَبُو الْيمن الْكِنْدِيّ: أَي هَذَا الَّذِي تشتكيه هُوَ الْبَين حَتَّى لَا مكث للجماعات فِي التَّفَرُّق بل لَهَا إسراع وعجلة. ثمَّ الْتفت إِلَى خطاب قلبه أَي: أَنْت أَيْضا مَعَ علقتك فِي الْمُوجبَة لقربك أَنْت مفارق. وَحَتَّى فِي الْمَوْضِعَيْنِ ابتدائية. وَأَشَارَ إِلَيْهِ ابْن جني بقوله: مَعْنَاهُ يفارقني كل وَاحِد حَتَّى أَنْت مفارقي كَمَا قَالَ الفرزدق:

الطَّوِيل فيا عبجاً حتّى كليبٌ تسبّني أَي: يسبني كل أحد حَتَّى كُلَيْب تسبني. قَالَ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي: حَتَّى الابتدائية حرف يبتدأ بعده الْجمل أَي: يسْتَأْنف. فَيدْخل على الْجُمْلَة الاسمية والفعلية قَالَ الفرزدق: فيا عجبا حتّى كُلَيْب تسبّني وَلَا بُد من تَقْدِير مَحْذُوف قبل حَتَّى من هَذَا الْبَيْت يكون مَا بعد حَتَّى غَايَة لَهُ أَي: فواعجبا يسبني النَّاس حَتَّى كُلَيْب تسبني. اه. قَالَ الواحدي: وَمعنى الْبَيْت: هُوَ الْبَين الَّذِي فرق كل شَيْء حَتَّى لَا يتمهل وَلَا يتأنى الْجَمَاعَات أَن يتفرقوا إِذا جرى حكم الْبَين فيهم. ثمَّ خَاطب قلبه: وَأَنت أَيْضا على مَالك من علائق الْقرب مِمَّن أفارقه يَعْنِي: الْأَحِبَّة إِذا فارقوني ذهب الْقلب مَعَهم ففارقني وفارقته. اه. وَهَذَا الْبَيْت مطلع قصيدة لأبي الطّيب المتنبي مدح بهَا الْحُسَيْن بن إِسْحَاق التنوخي.) وترجمة المتنبي تقدّمت فِي الشَّاهِد الْوَاحِد وَالْأَرْبَعِينَ بعد الْمِائَة. وَأنْشد بعده الشَّاهِد السَّادِس بعد الأربعمائة وَهُوَ من شَوَاهِد الْمفصل:

الطَّوِيل (على أنّها تعفوا الكلوم وإنّما ... نوكّل بالأدنى وَإِن جلذ مَا يمْضِي) على أَن الضَّمِير فِي أَنَّهَا ضمير الْقِصَّة. فِي التسهيل وَشَرحه لِابْنِ عقيل: وإفراده لَازم لِأَن مفسره مَضْمُون الْجُمْلَة. وَهُوَ مُفْرد. وَكَذَا تذكيره. وَالْمَنْقُول عَن الْبَصرِيين جَوَاز التَّأْنِيث لإِرَادَة الْقِصَّة وَعَن الْكُوفِيّين الْمَنْع مَا لم يَله مؤنث نَحْو: إِنَّهَا جاريتاك ذاهبتان وَإِنَّهَا نساؤك ذاهبات أَو مُذَكّر شبه بِهِ مؤنث نَحْو: إِنَّهَا قمر جاريتك أَو فعل بعلامة تَأْنِيث كَقَوْلِه تَعَالَى: فإنَّها لَا تَعمَى الْأَبْصَار. فيرجح تأنيثه بِاعْتِبَار الْقِصَّة على تذكيره بِاعْتِبَار الشَّأْن. فَيجوز فِي هَذِه الْمسَائِل الثلالث: التَّذْكِير والتأنيث لَكِن الرَّاجِح التَّأْنِيث لِأَن فِيهِ مشاكلةً تحسن اللَّفْظ وَلَا يخْتَلف الْمَعْنى بذلك إِذْ الْقِصَّة والشأن بِمَعْنى وَاحِد. اه. وَتَعْفُو هُنَا فعل لَازم بِمَعْنى تدرس وتبرأ. والكلوم فَاعله جمع كلم وَهُوَ الْجرْح والحزة وَالْجُمْلَة خبر ضمير الشَّأْن. وَلم يحْتَج إِلَى رابط لِأَنَّهَا نفس الْمُبْتَدَأ فِي الْمَعْنى. اه. وَالْبَيْت من أَبْيَات لأبي خرَاش الْهُذلِيّ أوردهَا السكرِي فِي أشعار الهذليين وَكَذَلِكَ الْمبرد فِي الْكَامِل وَأَبُو تَمام فِي أول بَاب المراثي من الحماسة. وَكَذَلِكَ الْأَصْبَهَانِيّ أوردهَا فِي الأغاني والقالي فِي أَمَالِيهِ وَهِي:

الطَّوِيل (حمدت إلهي بعد عُرْوَة إِذْ نجا ... خراشٌ وَبَعض الشّرّ أَهْون من بعض) (فوالله مَا أنسى قَتِيلا رزئته ... بِجَانِب قوسى مَا مشيت على الأَرْض) (على أنّها تَعْفُو الكلوم وإنّما ... نوكّل بالأدنى وَإِن جلّ مَا يمْضِي) (وَلم أدر من ألْقى عَلَيْهِ رِدَاءَهُ ... على أنّه قد سلّ عَن ماجدٍ مَحْض) (ولكنّه قد نازعته مجاوعٌ ... على أنّه ذُو مرّة صَادِق النّهض) عُرْوَة: أَخُو أبي خرَاش وخراش: ابْنه. وَأَخْطَأ بعض فضلاء الْعَجم فِي شرح أَبْيَات الْمفصل) وَتَبعهُ شَارِح أَبْيَات الموشح فِي زَعمه أَن عُرْوَة ابْن الشَّاعِر. وخراش بالراء لَا بِالدَّال. وَأَبُو خرَاش اسْمه خويلد بن مرّة وَتَقَدَّمت تَرْجَمته فِي الشَّاهِد الثَّانِي وَالسبْعين. وَكَانَ لأبي خرَاش تِسْعَة إخْوَة مِنْهُم عُرْوَة بن مرّة وَزُهَيْر بن مرّة.

قَالَ الْمبرد فِي الْكَامِل: جاور عُرْوَة بن مرّة أَخُو أبي خرَاش الْهُذلِيّ ثمالة من الأزد فَجَلَسَ يَوْمًا بِفنَاء بَيته آمنا لَا يخَاف شَيْئا فاستدبره رجل مِنْهُم بِسَهْم من بني بِلَال فقصم صلبه فَفِي ذَلِك يَقُول أَبُو خرَاش: (لعن الْإِلَه وُجُوه قومٍ رضّعٍ ... غدروا بِعُرْوَة من بني بلاّل) وأسرت ثمالة خرَاش بن أبي خرَاش فَكَانَ فيهم مُقيما فَدَعَا آسره رجلا مِنْهُم للمنادمة فَرَأى ابْن أبي خرَاش موثقًا فِي الْقد فأمهل حَتَّى قَامَ الآسر لحَاجَة فَقَالَ المدعة لِابْنِ أبي خرَاش: من أَنْت قَالَ: أَنا ابْن أبي خرَاش. فَقَالَ: كَيفَ دليلاك قَالَ: قطاة. قَالَ: فَقُمْ فاجلس ورائي. وَألقى عَلَيْهِ رِدَاءَهُ وَرجع صَاحبه فَلَمَّا رأى ذَلِك أصلت لَهُ السَّيْف فَقَالَ: أسيري فنثر المجير كِنَانَته وَقَالَ: وَالله لأرمينك إِن رمته فَإِنِّي قد أجرته فخلى عَنهُ فجَاء إِلَى أَبِيه فَقَالَ لَهُ: من أجارك فَقَالَ: وَالله مَا أعرفهُ. فَقَالَ أَبُو خرَاش: حمدت إلهي بعد عُرْوَة إِذْ نجا الأبيات. وتزعم الروَاة أَنَّهَا لَا تعرف رجلا مدح من لَا يعرف غير أبي خرَاش. وَقَوله: وُجُوه قوم رضع هُوَ جمَاعَة راضع وَقوم يَقُولُونَ: هُوَ توكيد للئيم

كَمَا يَقُولُونَ جَائِع نائع. وَقوم يَقُولُونَ: الراضع: الَّذِي يرتضع من الضَّرع لِئَلَّا يسمع الضَّيْف وَالْجَار الْحَلب مِنْهُ. وَقَوله: كَيفَ دليلاك فَهُوَ كَثْرَة الدّلَالَة. والفعيلي إِنَّمَا يسْتَعْمل فِي الْكَثْرَة. اه. وَقَالَ صَاحب الأغاني: خرج زُهَيْر بن مرّة أَخُو أبي خرَاش مُعْتَمِرًا حَتَّى ورد ذَات الأقير من نعْمَان فَبينا هُوَ يسْقِي إبِلا لَهُ إِذْ ورد عَلَيْهِ قوم من ثمالة فَقَتَلُوهُ فغزاهم أَبُو خرَاش وَقتل مِنْهُم أهل دارين أَي: حلتين من ثمالة ثمَّ إِن عُرْوَة وخراشاً خرجا مغيرين على بطنيني من ثمالة يُقَال لَهما: بَنو رزام وَبَنُو بِلَال بتَشْديد اللَّام الأولى فظفر بهما الثماليون فَأَما بَنو رزام فنهوا عَن) قَتلهمَا وأبت بَنو بِلَال عَن قَتلهمَا حَتَّى كَاد يكون بَينهم شَرّ فَألْقى رجل مِنْهُم ثَوْبه على خرَاش وانحرف الْقَوْم بعد قَتلهمْ عُرْوَة إِلَى الرجل وَكَانُوا سلموه إِلَيْهِ فَقَالُوا: أَيْن خرَاش فَقَالَ: أفلت مني فَذهب. فسعى الْقَوْم فِي أَثَره فَأَعْجَزَهُمْ فَقَالَ أَبُو خرَاش فِي ذَلِك يرثي أَخَاهُ عُرْوَة وَيذكر خلاص ابْنه خرَاش: حمدت إلهي بعد عُرْوَة إِذْ نجا ... ... ... ... الأبيات اه. وَذكر التبريزي فِي شرح الحماسة بعد نقل هذَيْن الْقَوْلَيْنِ عَن الْمبرد أَيْضا أَن ملقي الرِّدَاء كَانَ مجتازاً بِعُرْوَة فَرَآهُ بَادِي الْعَوْرَة مصروعاً

فَفعل بِهِ ذَلِك. قَالَ التبريزي: قد رُوِيَ فِيمَا حُكيَ عَن الْأَصْمَعِي وَأبي عُبَيْدَة أَنَّهُمَا قَالَا: لَا نَعْرِف من مدح من لَا يعرفهُ غير أبي خرَاش. وَقد سلك من شعراء الْإِسْلَام مسلكه أَبُو نواس فِي أَبْيَات أَولهَا: الطَّوِيل (وَدَار ندامى عطّلوها وأدلجوا ... بهَا أثرٌ مِنْهُم جديدٌ ودارس) (مساحب من جرّ الزّقاق على الثّرى ... وأضغاث ريحانٍ جنيّ ويابس) (وَلم أدر من هم غير مَا شهِدت لَهُم ... بشرقيّ ساباط الدّيار البسابس) وَقَوله: حمدت إلهي بعد عُرْوَة الخ قَالَ ابْن جني فِي إِعْرَاب الحماسة: إِذْ بدل من بعد عُرْوَة وَالْمعْنَى: أشكر الله بعد مَا اتّفق من قتل عُرْوَة على تخلص خرَاش وَبَعض الشَّرّ أخف من الْبَعْض كَأَنَّهُ تصور قَتلهمَا جَمِيعًا لَو اتّفق فَرَأى قتل أَحدهمَا أَهْون. قَالَ ابْن جني فِي إِعْرَاب الحماسة وَأَخذه التبريزي فِي شرحها: فَإِن قيل: لَيْسَ فِي الشَّرّ هَين وأفعل هَذَا يسْتَعْمل فِي مشتركين فِي صفة زَاد أَحدهمَا على الآخر فَكيف يجوز هَذَا وَلَا هَين فِي الشَّرّ وَجَوَابه أَن هَذَا كَلَام مَحْمُول على مَعْنَاهُ دون لَفظه وَذَلِكَ أَنه إِن كَانَ هُنَاكَ حَال تهون الشَّرّ من صَبر عَلَيْهِ أَو احتساب أَو طلب ذكر أَو ثَوَاب فَإِنَّهُ أَيْضا مَرَاتِب وَلَيْسَ بجار على سنَن وَاحِد. وَقَالَ التبريزي: قلت إِن للشر مَرَاتِب ودرجات فَإِذا جِئْت إِلَى آحادها

وَقد تصورت جملها ورتب الْآحَاد فِيهَا وجدت كل نوع مِنْهَا بمضامته للْغَيْر لَهُ حَال فِي الخفة والثقل. وَإِذا كَانَ كَذَلِك فَلَا يمْنَع أَن يُوصف مِنْهُ شَيْء بِأَنَّهُ أهوَ من غَيره.) وَقَوله: فو الله مَا أنسى الخ رَوَاهُ الْقَارِي: فو الله لَا أنسى. وقوسى بِالْقَافِ وَالْقصر قَالَ الْمبرد فِي الْكَامِل: وَهُوَ بلد تحله ثمالة بالسراة. وَقَالَ القالي فِي الْمَقْصُور والممدود وَتَبعهُ أَبُو عبيد فِي مُعْجم مَا استعجم: هُوَ مَوضِع بِبِلَاد هُذَيْل وَفِيه قتل عُرْوَة. وَأنْشد هَذَا الْبَيْت. وَأَخْطَأ أَبُو عبيد فِي قَوْله: عُرْوَة أَخُو أبي كَبِير. وَقَالَ أَبُو عبيد أَيْضا فِي شرح أمالي القالي: إِن قوسى رَوَاهُ أَبُو عَليّ القالي بِفَتْح الْقَاف وَغَيره يَأْبَى إِلَّا ضمهَا. وَقَالَ فِي مُعْجم مَا استعجم بِفَتْح أَوله وضمه مَعًا. وَقَالَ ياقوت فِي مُعْجم الْبلدَانِ: إِن قوسى بِفَتْح الْقَاف وَسُكُون الْوَاو وسين مُهْملَة ثمَّ ألف مَقْصُورَة تكْتب يَاء: بلد بالسراة وَبِه قتل عُرْوَة أَخُو أبي خرَاش الْهُذلِيّ وَنَجَا وَلَده. ورزئته بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول أَي: أصبت بِهِ. قَالَ المرزوقي وَتَبعهُ التبريزي: تعلق الْبَاء من قَوْله بِجَانِب بقتيلاً كَأَنَّهُ قَالَ: مَا أنسى قَتِيلا على الأَرْض بِجَانِب قوسى رزئته ورزئته وبجانب جَمِيعًا صفة للقتيل وَقد دخله بعض الِاخْتِصَاص بذكرهما. اه. فَأَرَادَ بالتعلق التَّعَلُّق الْمَعْنَوِيّ وَهُوَ كَونه صفة كَمَا صرح بِهِ فِي آخر الْكَلَام.

وَقد غفل عَنهُ الدماميني فِي الْحَاشِيَة الْهِنْدِيَّة فَقَالَ: قَالَ المرزوقي فِي الْبَاء من قَوْله بِجَانِب: يتَعَلَّق بقتيلاً. الظَّاهِر أَنه لَا يَعْنِي قَتِيلا الْمَذْكُور لِأَن وَصفه مَانع من إعماله وَإِنَّمَا يَعْنِي قَتِيلا محذوفاً. أَي: رزئته حَالَة كَونه قَتِيلا بِجَانِب قوسى. هَذَا كَلَامه. وَقَوله: مَا مشيت على الأَرْض قَالَ ابْن جني فِي إِعْرَاب الحماسة وَأَخذه التبريزي: مَا مَعَ الْفِعْل فِي تَقْدِير مصدر وَحذف اسْم الزَّمَان مَعَه كَأَنَّهُ قَالَ: مُدَّة مشي على الأَرْض وَإِن أمش على وَفِي الْكَلَام نِيَّة الشَّرْط وَالْجَزَاء. كَأَنَّهُ قَالَ: لَا أنسى قَتِيلا رزئته إِن مشيت على الأَرْض. وَمَعْنَاهُ إِن بقيت حَيا. فَلذَلِك وَقع الْمَاضِي فِيهِ فِي مَوضِع الْمُسْتَقْبل لِأَن مَا مشيت على الأَرْض فِي مَوضِع مَا أَمْشِي على الأَرْض. وَقَوله: على أَنَّهَا تَعْفُو الكلوم الخ قَالَ التبريزي: هَذَا يجْرِي مجْرى الِاعْتِذَار مِنْهُ والاستدراك على نَفسه فِيمَا أطلقهُ من قَوْله: لَا أنسى قَتِيلا رزئته. وَالضَّمِير للقصة وَخبر إِن الْجُمْلَة بعْدهَا. وَلَو قَالَ على أَنه لجَاز وَكَانَ الضَّمِير للشأن. وَيَعْنِي بالكلم الحزة عِنْد ابْتِدَاء الفجيعة. اه. وَتَعْفُو: تنمحي وَتذهب وتبرأ من عَفا الْمنزل يعْفُو عفوا وعفواً وعفاء بِالْفَتْح وَالْمدّ بِمَعْنى درس) وانمحى. وَيَأْتِي مُتَعَدِّيا يُقَال: عفته الرّيح بِمَعْنى محته وَلَيْسَ بِمُرَاد هُنَا. وَقَوله: نوكل بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول يرْوى بالنُّون وبالمثناة التَّحْتِيَّة من وكلته بِأَمْر كَذَا توكيلاً إِذا فوضته إِلَيْهِ أَي: ألزمته بِهِ إلزاماً. والأدنى: الْأَقْرَب أَي: الرزي الْأَقْرَب. قَالَ الْقَارِي: يَقُول: إِنَّمَا نحزن على الْأَقْرَب

فَالْأَقْرَب وَمن مضى نسيناه وَلَو عظم مَا مضى. وَمثله: السَّرِيع (حَادث مَا مني يعولك وَال ... أقدم تنساه وَإِن هُوَ جلّ) انْتهى. وَقد ألم بِهَذَا الْبَيْت أَبُو بكر بن دُرَيْد من قصيدة أوردهَا القالي فِي ذيل ماليه: (بلَى غير أنّ الْقلب ينكوه الأسى ال ... ملمّ وَإِن جلّ الجوى المتقدّم) وضد هَذَا قَول هِشَام فِي أَخَوَيْهِ: أوفى وغيلان ذِي الرمة: الطَّوِيل (تعزّيت عَن أوفى بغيلان بعده ... عزاءً وجفن الْعين ملآن مترع) (وَلم ينسني أوفى المصيبات بعده ... ولكنّ نكء الْقرح بالقرح أوجع) قَالَ التبريزي: مَوضِع على أَنَّهَا نصب على الْحَال وَالْعَامِل فِيهِ مَا أنسى. وَهَذَا كَمَا تَقول: مَا أترك حق فلَان على ظلع لي كَأَن التَّقْدِير:

أؤديه ظالعاً. فعلى هَذَا يَجِيء: مَا أنسى قَتِيلا رزئته على عفاء الكلوم أَي: أذكرهُ عافياً جرحى كَسَائِر الْجراح. اه. قَالَ ابْن الْحَاجِب فِي أَمَالِيهِ على أَبْيَات الْمفصل: إِن على هَذِه تقع فِي شعر الْعَرَب وَكَلَامهم كثيرا وَالْمعْنَى فِيهَا اسْتِدْرَاك وإضراب عَن الأول. أَلا ترى أَنَّك إِذا قلت: لَا يدْخل فلَان الْجنَّة لسوء صَنِيعه على أَنه لَا ييأس من رَحْمَة الله كَانَ استدراكاً لما تقدم وإضراباً عَن تَحْقِيقه. وَكَذَلِكَ قَوْله فِي الْبَيْت الَّذِي قبله: فو الله مَا أنسى قَتِيلا رزئته ثمَّ قَالَ: على أَنَّهَا تَعْفُو الكلوم. لِأَن الْمَعْنى: على أَن الْعَادة نِسْيَان المصائب إِذا تطاولت والحزن على مَا كَانَ من الْمُصَاب قريب الْعَهْد وَهَذَا إضراب واستدراك لما تقدم من قَوْله: أنسى. وَكَذَلِكَ قَوْله وَهُوَ أَيْضا فِي الحماسة: الطَّوِيل) (وَقد زَعَمُوا أنّ المحبّ إِذا دنا ... يملّ وأنّ النّأي يشفي من الوجد) (بكلّ تداوينا فَلم يشف مَا بِنَا ... على أنّ قرب الدّار خيرٌ من الْبعد) (على أنّ قرب الدّار لَيْسَ بنافعٍ ... إِذا كَانَ من تهواه لَيْسَ بِذِي ودّ)

فَقَوله: بِكُل تداوينا فَلم يشف مَا بِنَا ثمَّ قَالَ: على أَن قرب الدَّار خير من الْبعد كالإضراب عَن الأول لِأَن الْمَعْنى: فَلم يحصل لنا شِفَاء أصلا وَإِذا كَانَ قرب الدَّار خيرا فِي الْمَعْنى المُرَاد فَفِيهِ شِفَاء أَو بعض شِفَاء أصلا. وَكَذَلِكَ قَوْله: على أَن قرب الدَّار خير من الْبعد فاستدرك أَنه لَا يكون خيرا إِلَّا مَعَ الود فَأبْطل الْعُمُوم الْمُتَقَدّم فِي قَوْله قرب الدَّار خير من الْبعد. هَذَا مَعْنَاهَا وَأما تعلقهَا على الْوَجْه الإعرابي فَيحْتَمل أَمريْن: أَحدهمَا: أَن تتَعَلَّق بِالْفِعْلِ الْمُتَقَدّم قبلهَا كَمَا تعلّقت حاشا الاستثنائية بِمَا قبلهَا لكَونهَا أوصلت معنى مَا قبلهَا إِلَى مَا بعْدهَا على وَجه الإضراب والإخراج. وَأظْهر مِنْهُ أَن يُقَال: إِنَّهَا فِي مَوضِع خبر مَحْذُوف الْمُبْتَدَأ كَأَنَّهُ قيل: وَالتَّحْقِيق على أَن الْأَمر كَذَا. فتعلقها بِمَحْذُوف كَمَا يتَعَلَّق كل خبر جَار ومجرور لِأَن الْجُمْلَة الأولى وَقعت عَن غير تَحْقِيق ثمَّ جِيءَ بِمَا هُوَ التَّحْقِيق فِيهَا وَحذف الْمُبْتَدَأ لوضوح الْمَعْنى. اه. وَقد لخص ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي هَذَا الْكَلَام فِي على. وَالْعجب من ابْن هِشَام فَإِنَّهُ ذكر فِي شرح شواهده مَا قَالَه التبريزي من كَون على أَنَّهَا تَعْفُو حَال وعامله لَا أنسى وغفل عَن كَلَام الْمُغنِي هَذَا. وَالَّذِي رَوَاهُ أَبُو بكر الْقَارِي فِي أشعار الهذليين والمبرد فيي الْكَامِل وَأَبُو عَليّ القالي فِي أَمَالِيهِ وَابْن جني فِي الْمُحْتَسب: بلَى إِنَّهَا تَعْفُو الكلوم وَإِنَّمَا.

قَالَ أَبُو عبيد الْبكْرِيّ فِيمَا كتبه على أمالي القالي: هَذَا رُجُوع من قَوْله الأول إِلَى مَا هُوَ أصح. وَقَالَ ابْن جني عِنْد تَوْجِيه قِرَاءَة الْأَعْرَج وَغَيره: يَا حسره على الْعباد من سُورَة يس سَاكِنة الْهَاء: قَالُوا فِي تَفْسِير قَوْله تَعَالَى: لَا يؤاخذْكم اللَّه باللَّغْوِ فِي أيمانِكُم: هُوَ كَقَوْلِك: لَا وَالله وبلى وَالله. فَأَيْنَ سرعَة اللَّفْظ بِذكر اسْم الله تَعَالَى هُنَا من التثبت فِيهِ والإشباع لَهُ والمماطلة عَلَيْهِ من قَول فو الله لَا أنسى قَتِيلا رزئته) الْبَيْت. أَفلا ترى إِلَى تنطعك هَذِه اللَّفْظَة فِي النُّطْق هُنَا بهَا وتمطيك لإشباع معنى الْقسم عَلَيْهَا. وَكَذَلِكَ أَيْضا قد ترى إِلَى إطالة الصَّوْت بقوله من بعده: بلَى إنّها تَعْفُو الكلوم ... ... ... ... الْبَيْت أَفلا ترَاهُ لما أكذب نَفسه وتدارك مَا كَانَ أفرط فِيهِ لَفظه أَطَالَ الْإِقَامَة على قَوْله بلَى رُجُوعا إِلَى الْحق عِنْده وانتكائاً عَمَّا كَانَ عقد عَلَيْهِ يَمِينه. فَأَيْنَ قَوْله هُنَا فو الله وَقَوله بلَى مِنْهُمَا فِي قَوْله: لَا وَالله وبلى وَالله. وَعَلِيهِ قَوْله تَعَالَى: وَلَكِن يؤاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّتم الْأَيْمَان أَي: وكدتموها وحققتموها. انْتهى كَلَامه.

وَقَوله: وَلم أدر من ألْقى عَلَيْهِ رِدَاءَهُ الخ قَالَ ابْن جني: فِي إِعْرَاب الحماسة: من هُنَا اسْتِفْهَام وخبرها ألْقى. وَيجوز أَن تكون مَوْصُولَة فَتكون مَنْصُوبَة الْموضع بأدري على حد قَوْلك: مَا دَريت بِهِ ثمَّ تحذف حرف الْجَرّ. وَلَا يحسن أَن تكون نكرَة وَألقى صفة لَهَا لِأَنَّهُ يصير الْمَعْنى لم أدر إنْسَانا ألْقى عَلَيْهِ رِدَاءَهُ. وَهَذَا رُبمَا أوهم أَنه لم يلق أحد مِنْهُم رِدَاءَهُ. وَالْأَمر بضد ذَلِك. اه. وَقَوله: على أَنه قد سل قَالَ التبريزي: مَوضِع على نصب على الْحَال كَأَنَّهُ قَالَ: لَا أدريه مسلولاً عَن ماجد مَحْض. وروى فِي الحماسة: سوى أَنه وَهُوَ اسْتثِْنَاء مُنْقَطع وَالْمعْنَى لَا أعرف اسْمه وَنسبه لكنه ولد كريم بِمَا ظهر من فعله. قَالَ الْقَارِي: لما صرع خرَاش ألْقى عَلَيْهِ رجل ثِيَابه فواراه وشغلوا بقتل عُرْوَة فنجا خرَاش. وَالرجل الَّذِي ألْقى عَلَيْهِ ثَوْبه من أَزْد شنُوءَة فَقَالَ: لَا أَدْرِي من ألْقى عَلَيْهِ ثِيَابه وَلكنه سل عَن ماجد مَحْض يَعْنِي الرِّدَاء. والماجد الْمَحْض أَي: خَالص النّسَب هُوَ الَّذِي ألْقى عَلَيْهِ ثَوْبه. اه. فالمسلول على هَذَا هُوَ الرِّدَاء لَا الْوَالِد كَمَا قَالَ التبريزي. وَقَالَ أَبُو عبيد الْبكْرِيّ فَمَا كتبه على أمالي القالي: فِي هَذَا الْبَيْت ثَلَاثَة أَقْوَال: قَالَ قوم: إِن عُرْوَة لما قتل ألْقى عَلَيْهِ رِدَاءَهُ رجل من الْقَوْم فَكَفنهُ بِهِ. وَقَالَ آخَرُونَ: بل الَّذِي ألْقى عَلَيْهِ الرجل هُوَ خرَاش وَذَلِكَ

أَن رجلا من ثمالة ألْقى عَلَيْهِ رِدَاءَهُ ليخفى عَلَيْهِم وَقد شغل الْقَوْم بقتل عُرْوَة فَقَالَ: اهرب. وَعطف الْقَوْم عَلَيْهِ فَلم يروه. وَقيل: بل) ألْقى رجل على خرَاش رِدَاءَهُ إِجَارَة لَهُ وَكَذَلِكَ كَانُوا يَفْعَلُونَ. وَهَذَا مثل قَول بَعضهم يذكر رجلا من عَلَيْهِ: الطَّوِيل انْتهى. وَقد تقدم هَذَا الْأَخير عَن الْمبرد. وَقَوله: وَلم يَك مثلوج الْفُؤَاد الخ قَالَ الْقَارِي: أَي: لم يكن مثلوج الْفُؤَاد ضعيفه أَي: بَارِد الْفُؤَاد. والمثلوج: الْبَارِد. يُقَال: للرجل إِذا لم يكن ذَا رَأْي وحزم: مَا أبرد فُؤَاده وَمَا أخلاه من ذَاك. وَقَالَ التبريزي: كَأَنَّهُ أصَاب فُؤَاده ثلج فبردت حرارته. والمهبج بِفَتْح الْمُوَحدَة الْمُشَدّدَة بعْدهَا جِيم قَالَ الْقَارِي: هُوَ المثقل الْكثير اللَّحْم المنتفخ الْوَجْه. وَقَالَ التبريزي: هُوَ المرهل اللَّحْم الْمُتَغَيّر اللَّوْن. والربيلة بِفَتْح الرَّاء الْمُهْملَة بعْدهَا مُوَحدَة قَالَ الْقَارِي: يُقَال إِنَّهَا النِّعْمَة وَالْخصب. وَإنَّهُ لربل اللَّحْم إِذا كَانَ رطب اللَّحْم. وَلَيْسَ عِنْدِي كَمَا قَالُوا لبيت سمعته وَهُوَ:

الطَّوِيل (ربلنا على الأعدا لنبتغي البوا ... وَلَا من وترنا يستقاد وتير) ف الربيلة: الْكَثْرَة والشدة. يُقَال: رل بَنو فلَان إِذا كَثُرُوا. والوتير: الموتور. والبواء: أَن يقتل الرجل بِالرجلِ. اه. وَقَالَ التبريزي: الربيلة: الرُّطُوبَة وَالسمن. يُقَال: رجل ربل. وَمعنى الشّعْر أَنه رَجَعَ إِلَى صفة عُرْوَة فَقَالَ: كَانَ ذكي الْفُؤَاد شهماً لم يكن مِمَّن ضيع شبابه فِي صَلَاح الْبدن. وَهَذَا أولى لشيئين: أَحدهمَا: قَوْله وَلم يَك لِأَنَّهُ يدل ظَاهره على أَنه نعت فَائت. وَالْآخر: وَصفه بأوصاف لَا يُوصف بهَا من لَا يعرف. وَلَا يعدل عَن هَذَا الْوَجْه وَإِن كَانَ قد ذكر أَنه من صِفَات الَّذِي أنجى خراشاً. اه. والخفض: الدعة والراحة. وَقَوله: وَلكنه قد نازعته الخ قَالَ التبريزي: ويروى: وَلكنه قد لوحته مخامص. ولوحته: غيرته. والمخامص: جمع مَخْمَصَة وَهِي خلاء الْبَطن من الطَّعَام جوعا. والمجاوع مثل المخامص وَإِنَّمَا أثرت فِيهِ المجاوع لِأَنَّهُ إِذا سَافر آثر صَحبه على نَفسه بزاده ويجوع. وَقَوله: صَادِق النهض يَعْنِي النهوض للمكارم والعلا لَا يكذب فِيهَا إِذا نَهَضَ لَهَا.

هَذَا مَا أوردهُ صَاحب الحماسة وَغَيره وَزَاد أَبُو بكر الْقَارِي والمبرد فِي الْكَامِل بعد هَذَا) بَيْتَيْنِ وهما: (كأنّهم يشّبّثون بطائرٍ ... خَفِيف المشاش عظمه غير ذِي نحض) قَالَ الْقَارِي: يَقُول: هَؤُلَاءِ الَّذين يعدون خلف خرَاش كَأَنَّهُمْ يتعلقون بطائر خَفِيف المشاش أَي: لَيْسَ بِكَثِير اللَّحْم. يُقَال لكل مَا استخف وخف: إِنَّه لخفيف المشاش بِضَم الْمِيم. والطائر: الْعقَاب. ثمَّ قَالَ: عظمه غير ذِي نحض أَي: هُوَ خَفِيف لَيْسَ بمثقل. والنحض: اللَّحْم. اه. وروى الْمبرد: كَأَنَّهُمْ يسعون فِي إِثْر طَائِر. وَهَذَا الْبَيْت يُؤَيّد مَا اخْتَارَهُ التبريزي من أَن الْكَلَام فِي وصف خرَاش. (يُبَادر جنح اللّيل فَهُوَ مهابذٌ ... يحثّ الْجنَاح بالتّبسّط وَالْقَبْض) قَالَ الْقَارِي: فَهُوَ مهابذ يَعْنِي الطَّائِر والمهابذ: السَّرِيع فَهُوَ جاد نَاجٍ. وَأَصله من مر يهذب إهذاباً وَلكنه قلب. وَالْقَبْض: أَن يقبض جناحيه. وَقَالَ لي الْأَصْمَعِي: سَمِعت ابْن أبي طرفَة ينشد مهابذ وَإِنَّمَا أَرَادَ مهاذب فقلبه فَقَالَ: مهابذ. يُقَال: مر يهذب إهذاباً إِذا عدا عدوا شَدِيدا. وَقد سَمِعت غَيره يَقُول مهابذ أَي: جاد. اه. قَالَ الْمبرد: وَقَوله فَهُوَ مهابذ يَقُول: مُجْتَهد. وهذيل فِيهَا سعي شَدِيد وَفِي جمَاعَة من الْقَبَائِل الَّتِي تحل بِأَكْنَافِ الْحجاز.

وَأنْشد بعده: الْخَفِيف (إنّ من يدْخل الْكَنِيسَة يَوْمًا ... يلق فِيهَا جآذراً وظباء) على أَن اسْم إِن ضمير شَأْن مَحْذُوف وَالْجُمْلَة بعْدهَا خَبَرهَا وَإِنَّمَا لم يَجْعَل من اسْمهَا لِأَنَّهَا شَرْطِيَّة بِدَلِيل جزمها الْفِعْلَيْنِ وَالشّرط لَهُ الصَّدْر فِي جملَته فَلَا يعْمل فِيهِ مَا قبله. وَقد تقدم الْكَلَام على هَذَا الْبَيْت فِي الشَّاهِد الثَّامِن وَالسبْعين. الشَّاهِد السَّابِع بعد الأربعمائة وَهُوَ من شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ: الْخَفِيف (إنّ من لَام فِي بني بنت حسّا ... ن ألمه وأعصه فِي الخطوب) على أَن اسْم إِن ضمير شَأْن مَحْذُوف. قَالَ سِيبَوَيْهٍ فِي بَاب مَا يكون فِيهِ الْأَسْمَاء الَّتِي يجازى بهَا بِمَنْزِلَة الَّذِي وَذَلِكَ قَوْلك: إِن من يأتيني آتيه وَكَانَ من يأتيني آتيه وَلَيْسَ من يأتيني آتيه. وَإِنَّمَا أذهبت الْجَزَاء هُنَا لِأَنَّك اعملت كَانَ وَإِن وَلم يسغْ لَك أَن تدع كَانَ وإشباهه معلقَة لَا تعملها فِي شَيْء فَلَمَّا أعملتهن ذهب الْجَزَاء وَلم يكن من موَاضعه. أَلا ترى أَنَّك لَو جِئْت بإن وَمَتى تُرِيدُ إِن إِن وَإِن مَتى

كَانَ محالاً. وَإِن شغلت هَذِه الْحُرُوف بِشَيْء جازيت. فَمن ذَلِك قَوْله: إِنَّه من يأتنا نأته وَقَالَ جلّ وَعز: إِنَّه مَنْ يأتِ ربَّهُ مُجْرِماً فإنَّ لَهُ جَهَنَّم وَكنت من يأتني آته. وَتقول: كَانَ من يأتنا نعطه وَلَيْسَ من يأتنا نعطه إِذا أضمرت الِاسْم فِي كَانَ أَو فِي لَيْسَ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ بِمَنْزِلَة لست وَكنت. فَإِن لم تضمر فَالْكَلَام على مَا وصفتا وَقد جَاءَ فِي الشّعْر: إِن من قَالَ الْأَعْشَى: إنّ من لَام فِي بني بنت حسّان ... ... ... ... ... ... الْبَيْت فَزعم الْخَلِيل أَنه إِنَّمَا جازى حَيْثُ أضمر الْهَاء فَأَرَادَ إِنَّه. وَلَو لم يرد الْهَاء كَانَ محالاً. اه. فَعلم أَن حذف اسْم إِن فِي هَذَا مَخْصُوص بِالضَّرُورَةِ. وَكَذَلِكَ قَالَ الأعلم: الشَّاهِد فِي جعل من للجزاء مَعَ إِضْمَار مَنْصُوب إِن ضَرُورَة. وَقَالَ النّحاس: يقدره سِيبَوَيْهٍ على حذف الْهَاء وَهُوَ قَبِيح. وَفِيمَا كتبته عَن أبي إِسْحَاق: لم يجز إِن من يأتني آته من جِهَتَيْنِ لِأَن من إِذا كَانَت شرطا واستفهاماً لم يعْمل فِيهَا مَا قبلهَا وَلِأَن تقديرها تَقْدِير إِن فِي المجازاة فَكَمَا لَا يجوز: إِن إِن تأتنا نكرمك كَذَا لَا يجوز هَذَا. فَإِذا جَاءَ فِي الشّعْر فعلى إِضْمَار الْهَاء. وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس فِي الشَّرْح: وَأَجَازَ الزيَادي: إِن من يأتنا نأته على غير ضمير فِي أَن. وَهَذَا لَا يجوز لِامْتِنَاع الْجَزَاء من أَن يعْمل فِيهِ مَا قبله. اه.)

وَلَام: فَاعله ضمير من الشّرطِيَّة وَالْجُمْلَة فِي مَحل جزم لِأَنَّهُ شَرط وألمه مجزوم وَالْأَصْل ألومه فحذفت الْوَاو للساكن وَهُوَ جَزَاء الشَّرْط وَالْهَاء ضمير من. وأعصه مَعْطُوف على ألمه وَأَصله أعصيه فحذفت الْيَاء لما ذكرنَا فِي ألمه. والخطوب: جمع خطب وَهُوَ الْأَمر والشأن. من يلمني على بني بنت حسّان الخ وَعَلِيهِ لَا شَاهد فِيهِ. وَهُوَ من قصيدة لَهُ مدح بهَا قيسا أَبَا الْأَشْعَث بن قيس الْكِنْدِيّ. وأولها: (من ديارٍ هضبٌ كهضب القليب ... فاض مَاء الشؤون فيض الْغُرُوب) (أخلفتني بهَا قتيلة ميعا ... دي وَكَانَت للوعد غير كذوب) إِلَى أَن قَالَ: (من يلمني على بني بنت حسّا ... ن ألمه وأعصه فِي الخطوب) (إنّ قيسا قيس الفعال أَبَا الأش ... عث أمست أعداؤه لشعوب) ...

(ذاكم الْمَاجِد الْجواد أَبُو الأش ... عث أهل النّدى وَأهل السّيوب) (كلّ عامٍ يمدّني بجمومٍ ... عِنْد ترك الْعَنَان أَو بنجيب) (تِلْكَ خيلي مِنْهُ وَتلك ركابي ... هنّ صفرٌ أَوْلَادهَا كالزّبيب) قَوْله: من ديار الخ من تعليلية. والهضب الأول: الْمَطَر يُقَال: هضبتهم السَّمَاء أَي: مطرتهم. وهضب القليب: مَاء لبني قنفذ من بني سليم. كَذَا قَالَ الْبكْرِيّ فِي مُعْجم مَا استعجم. وَهُوَ فِي والقليب: الْبِئْر لِأَنَّهُ قلب ترابها. والشؤون: جمع شَأْن وَهُوَ مجْرى الدمع فِي الْعين. والغروب: جمع غرب بِفَتْح الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْمُهْملَة: الدَّلْو الْعَظِيمَة. وَقتيلَة بِالتَّصْغِيرِ: اسْم امْرَأَة. وَقَوله: بني بنت حسان وَحسان أحد تبابعة الْيمن. وَقَوله: إِن قيسا الخ هُوَ قيس بن معد يكرب الْكِنْدِيّ مَاتَ فِي الْجَاهِلِيَّة وَقد تقدّمت تَرْجَمته فِي الشَّاهِد الثَّانِي بعد الْمِائَتَيْنِ وَكَانَ يكنى بِابْنِهِ الْأَشْعَث.

والأشعث اسْمه معد يكرب كَانَ أبدا أَشْعَث الرَّأْس فَسُمي الْأَشْعَث. وَهُوَ من الصَّحَابَة وَفد على النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ سنة عشر وَأسلم وَكَانَ شريفاً مُطَاعًا جواداً شجاعاً. وَهُوَ أول من مشت الرِّجَال فِي خدمته وَهُوَ رَاكب.) وَكَانَ من أَصْحَاب عَليّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه فِي وقْعَة صفّين وَقد قَاتل قتالاً شَدِيدا حَتَّى هجم على أَصْحَاب مُعَاوِيَة ودفعهم عَن مَاء الْفُرَات وَأَخذه مِنْهُم بعد أَن منع مِنْهُ أَصْحَاب عَليّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه بليلة. وَصلى عَلَيْهِ الْحسن بن عَليّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما وَله من الْعُمر ثَلَاث وَسِتُّونَ سنة. والفعال بِفَتْح الْفَاء: الْكَرم والجود. وشعوب بِالْفَتْح: علم للمنية. والسيوب: جمع سيب بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَسُكُون الْمُثَنَّاة التَّحْتِيَّة وَهُوَ الْعَطاء. يمدني من الْإِمْدَاد. والجموم بِفَتْح الْجِيم: الْفرس الْكثير الجري. وَقَوله: عِنْد ترك الْعَنَان أَي: عِنْد تَركك تحريكه فِي الجري يعطيك مَا عِنْده من الجري عفوا. والنجيب: الْجمل الْكَرِيم. وَقَوله: تِلْكَ خيلي مِنْهُ أَي: من قيس. والركاب: الْإِبِل لَا وَاحِد لَهُ من لَفظه وَإِنَّمَا يعبر عَن وَاحِد بالراحلة. وصفر: جمع أصفر بِمَعْنى أسود. وَقد اسْتشْهد بِهِ الْبَيْضَاوِيّ عِنْد تَفْسِير قَوْله تَعَالَى: صفراءُ فاقعٌ لَوْنهَا من سُورَة الْبَقَرَة. قَالَ: عَن الْحسن الْبَصْرِيّ: صفراء: سَوْدَاء شَدِيدَة السوَاد وَبِه فسر قَوْله تَعَالَى: جِمالاتٌ صُفْر. وَقَالَ الْأَعْشَى: تِلْكَ خيلي مِنْهُ وَتلك ركابي ... ... ... ... ... . . الْبَيْت

وَلَعَلَّه عبر بالصفرة عَن السوَاد لِأَنَّهَا من مقدماته أَو لِأَن سَواد الْإِبِل يعلوه صفرَة. وَفِيه نظر لِأَن الصُّفْرَة بِهَذَا الْمَعْنى لَا تؤكد بالفقوع. انْتهى. وَهَذَا اعْتِرَاض على تَفْسِير الصُّفْرَة فِي الْآيَة بِالسَّوَادِ. وَأما الْبَيْت فَسكت عَنهُ. وَاعْتَرضهُ صَاحب الْكَشْف من وَجْهَيْن: الأول أَن الزَّبِيب الْغَالِب عِنْد الْعَرَب الطَّائِفِي وَهُوَ إِلَى الصُّفْرَة أقرب مِنْهُ إِلَى الْحمرَة. وَالثَّانِي جَوَاز أَن يُرَاد: هن صفر وَأَوْلَادهَا سود. وَأجِيب عَن الأول بِأَن تَشْبِيه الشَّيْء بالزبيب صَار علما فِي الْوَصْف بِالسَّوَادِ فِي لِسَان وَعَن الثَّانِي بِأَن الظَّاهِر من الْعبارَة كَون أَوْلَادهَا فَاعِلا لصفر أَو كَون هن صفر جملَة وَأَوْلَادهَا كالزبيب أُخْرَى فبعيد لَا يتَبَادَر إِلَى الْفَهم السَّلِيم. وترجمة الْأَعْشَى قد تقدّمت فِي الشَّاهِد الثَّالِث وَالْعِشْرين من أَوَائِل الْكتاب. وَأنْشد بعده الشَّاهِد الثَّامِن بعد الأربعمائة وَهُوَ من أَبْيَات الْمفصل:

الطَّوِيل فَلَو أنّك فِي يَوْم الرّخاء سَأَلتنِي تَمَامه: طَلَاقك لم أبخل وَأَنت صديق على أَن إِعْمَال أَن المخففة فِي الضَّمِير البارز شَاذ. وَفِيه شذوذ آخر وَهُوَ كَون الضَّمِير غير ضمير الشَّأْن لأَنهم قَالُوا: إِن أَن إِذا خففت وَجب أَن يكون اسْمهَا ضميراً غَائِبا وَأَن يكون ضمير شَأْن. قَالَ سِيبَوَيْهٍ فِي الْبَاب السَّابِق بعد قَول الْأَعْشَى: الْبَسِيط (فِي فتيةٍ كسيوف الْهِنْد قد علمُوا ... أَن هالكٌ كلّ من يحفى وينتعل) يُرِيد معنى الْهَاء وَلَا يُخَفف أَن إِلَّا عَلَيْهِ كَمَا قَالَ: قد علمت أَن لَا يَقُول أَي: أَنه لَا يَقُول وَقَالَ تَعَالَى: أفَلا يَرَوْنَ ألاَّ يرجعُ إِلَيْهِم قولا وَلَيْسَ هَذَا بِقَوي فِي الْكَلَام كقوة أَن لَا يَقُول لِأَن لَا عوض من ذهَاب الْعَلامَة. أَلا ترى أَنهم لَا يكادون يَتَكَلَّمُونَ بِغَيْر الْهَاء فَيَقُولُونَ قد علمت أَن عبد الله منطلق. انْتهى. وَقَالَ الْفراء فِي تَفْسِيره من سُورَة الْحجر عِنْد الْكَلَام على حذف نون الْوِقَايَة: وَقد خففت الْعَرَب النُّون من أَن الناصبة ثمَّ أنفذوا لَهَا عَملهَا وَهِي أَشد من ذَا. قَالَ الشَّاعِر:

الطَّوِيل (فَلَو أَنَّك فِي يَوْم الرّخاء سَأَلتنِي ... فراقك لم أبخل وَأَنت صديق) (فَمَا ردّ تزويجٌ عَلَيْهِ شهادةٌ ... وَلَا ردّ من بعد الْحرار عَتيق) وَقَالَ الآخر: المتقارب (وَقد علم الضّيف والمرملون ... إِذا اغبرّ أفقٌ وهبّت شمالا) (بأنك ربيعٌ وغيثٌ مريعٌ ... وقدماً هُنَاكَ تكون الثّمالا) انْتهى. وَظَاهره أَنَّهَا تعْمل مُطلقًا كالمثقلة. وَنقل ابْن المستوفي عَنهُ فِي شرح أَبْيَات الْمفصل لم يسمع من الْعَرَب تَخْفيف أَن وإعمالها إِلَّا مَعَ المكني لِأَنَّهُ لَا يتَبَيَّن فِيهِ الْإِعْرَاب فَأَما مَعَ الظَّاهِر فَلَا. وَلَكِن وَمِنْه تعلم أَن نقل ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي عَن الْكُوفِيّين أَنهم زَعَمُوا أَنَّهَا إِذا خففت لَا تعْمل شَيْئا) غير صَحِيح. وتحريره أَن اسْمهَا إِذا كَانَ ظَاهرا لَا تعْمل شَيْئا. وَالْبَيْت خطاب لزوجته فِي طلبَهَا الطَّلَاق وَيُرِيد بِيَوْم الرخَاء قبل إحكام عقد النِّكَاح بِدَلِيل الْبَيْت الثَّانِي

وَبِه يسْقط قَول الدماميني فِي الْحَاشِيَة الْهِنْدِيَّة على الْمُغنِي: إِن الشَّاعِر خَاطب امْرَأَته واصفاً نَفسه بالجود. وَقَوله: فِي يَوْم الرخَاء من التتميم. وَكَذَا قَوْله: وَأَنت صديق لوُقُوع كل مِنْهُمَا فِي كَلَام لَا يُفِيد خلاف الْمَقْصُود مُفِيدا لنكتة وَهِي الْمُبَالغَة فِي الاتصاف بالجود. وَيحْتَمل أَن يكون مُرَاده وصف نَفسه بمحبته هَذِه الْمَرْأَة وَأَنه قد يُؤثر مَا تختاره هِيَ على مَا يختاره هُوَ حرصاً على رِضَاهَا وَحُصُول مرادها. انْتهى. وَتَبعهُ الْعَيْنِيّ فَقَالَ: إِنَّه يصف نَفسه بالجود حَتَّى لَو سَأَلَهُ الحبيب الْفِرَاق مَعَ حبه لأجابه إِلَى ذَلِك وَإِن كَانَ فِي الدعة والراحة كَرَاهَة رد السَّائِل. وَإِنَّمَا خص يَوْم الرخَاء لِأَن الْإِنْسَان رُبمَا يُفَارق الأحباب فِي يَوْم الشدَّة. هَذَا كَلَامه. وَزعم بَعضهم أَن الْخطاب لمذكر وروى: فراقك بدل: طَلَاقك. وَهَذَا كُله نَاشِئ من عدم الِاطِّلَاع على الْبَيْت الثَّانِي. وَيَوْم الرخَاء مُتَعَلق بسألتني وطلاقك مَفْعُوله الثَّانِي وَالْجُمْلَة خبر أَن المخففة وَلم أبخل جَوَاب لَو وَجُمْلَة: أَنْت صديق حَال من ضمير أبخل. فَإِن قلت: كَانَ الْوَاجِب أَن يَقُول: وَأَنت صديقَة قلت: قَالَ الشَّارِح الْمُحَقق فِي شرح الشافية عِنْد الْكَلَام على جمع الصّفة جمع تكسير: وَقد جَاءَ شَيْء من فعيل بِمَعْنى فَاعل مستوياً فِيهِ الْمُذكر والمؤنث حملا على فعيل بِمَعْنى مفعول نَحْو: جَدِيد وسديس وريح خريق وَرَحْمَة الله قريب. وَيلْزم ذَلِك فِي سديس وخريق. انْتهى. وَقَالَ صَاحب الْعباب: قد يُقَال للْوَاحِد وَالْجمع والمؤنث قَالَ الله تَعَالَى: أَو صديقكم أَي: أصدقائكم. وَقَالَ:

الطَّوِيل (نصبن الْهوى ثمّ ارتمين قُلُوبنَا ... بأعين أعداءٍ وهنّ صديق) وَأنْشد اللَّيْث: الطَّوِيل) (إِذْ النّاس ناسٌ والزّمان بعزّةٍ ... وَإِذ أمّ عمّارٍ صديقٌ مساعف) انْتهى. والبيتان أنشدهما الْفراء وَلم يعزهما لأحد.

(اسم الإشارة)

3 - (اسْم الْإِشَارَة) أنْشد فِيهِ الشَّاهِد التَّاسِع بعد الأربعمائة وَهُوَ من أَبْيَات الْمفصل: الْكَامِل (ذمّ الْمنَازل بعد منزلَة اللّوى ... والعيش بعد أُولَئِكَ الأيّام) على أَن أولاء يشار بِهِ إِلَى جمع عَاقِلا كَانَ أَو غَيره كَمَا فِي الْبَيْت فَإِن أولاء أُشير بِهِ إِلَى الْأَيَّام وَهُوَ جمع لغير من يعقل. وَكَذَا قَوْله تَعَالَى: إنَّ السَّمعَ والبَصَر والفُؤَادَ كُلُّ أولئكَ كَانَ عنهُ مسؤُولا. قَالَ ابْن هِشَام فِي شرح الشواهد: ويروى الأقوام بدل الْأَيَّام فَلَا شَاهد فِيهِ. وَزعم ابْن عَطِيَّة أَن هَذِه الرِّوَايَة هِيَ الصَّوَاب وَأَن الطَّبَرِيّ غلط إِذْ أنْشدهُ الْأَيَّام وَأَن الزّجاج تبعه فِي هَذَا الْغَلَط. انْتهى. قلت: رَوَاهُ مُحَمَّد بن حبيب فِي النقائض وَمُحَمّد بن الْمُبَارك فِي مُنْتَهى الطّلب من أشعار الْعَرَب: الأقوام كَمَا قَالَ ابْن عَطِيَّة.

ومطلعها: (سرت الهموم فبتن غير نيام ... وأخو الهموم يروم كلّ مرام) ذمّ الْمنَازل بعد منزلَة اللّوى ... ... ... ... الْبَيْت وَقَالَ بعد بَيْتَيْنِ: (فَإِذا وقفت على الْمنَازل باللّوى ... فاضت دموعي غير ذَات نظام) (طرقتك صائدة الْقُلُوب وَلَيْسَ ذَا ... حِين الزّيارة فارجعي بِسَلام) (تجْرِي السّواك على أغرّ كأنّه ... بردٌ تحدّر من متون غمام) (لَوْلَا مراقبة الْعُيُون أريننا ... مقل المها وسوالف الآرام) ثمَّ بعد أَن تغزل بِأَبْيَات شرع فِي هجو الفرزدق فَقَالَ:) (إنّ ابْن آكِلَة النّخالة قد جنى ... حَربًا عَلَيْهِ ثَقيلَة الأجرام) (خلق الفرزدق سوءةً فِي مَالك ... ولخلف ضبّة كَانَ شرّ غُلَام) ...

(مهلا فرزدق إنّ قَوْمك فيهم ... خور الْقُلُوب وخفّة الأحلام) (الظّاعنون على الْعَمى بجميعهم ... النّازلون بشرّ دَار مقَام) (لَو غَيْركُمْ علق الزّبير بحبله ... أدّى الْجوَار إِلَى بني العوّام) وَبعده بيتان هما آخر القصيدة. وَقَوله: ذمّ الْمنَازل الخ قَالَ ابْن هِشَام: الْأَرْجَح فِيهِ كسر الْمِيم الَّذِي هُوَ وَاجِب إِذا فك الْإِدْغَام على لُغَة الْحجاز ودونه الْفَتْح للتَّخْفِيف وَهُوَ لُغَة بني أَسد وَالضَّم ضَعِيف وَوَجهه إِرَادَة الِاتِّبَاع. والمنازل: جمع منزلَة أَو منزلَة. فَهُوَ كالمساجد والمحامد. وَهَذَا أولى لقَوْله منزلَة اللوى. وَبعد إِمَّا حَال من الْمنَازل أَو ظرف. والعيش عطف على الْمنَازل. وَالْأَيَّام صفة لاسم الْإِشَارَة أَو عطف بَيَان. وَقَوله: طرقتك صائدة الخ هَذَا الْتِفَات من التَّكَلُّم إِلَى الْخطاب. والطروق: الْإِتْيَان لَيْلًا. قَالَ ابْن هِشَام: قد عيب عَلَيْهِ طرد خيال محبوبته. وَأجِيب بِأَنَّهُ طرقه فِي حَال السّفر فأشفق عَلَيْهِ من الْخطر. وَقَوله: تجْرِي السوالك على أغر أَي: على ثغر أغر.

وَقَوله: لَوْلَا مراقبة الْعُيُون أَي: الرقباء جمع عين وَهُوَ الجاسوس. وَقَوله: إِن ابْن آكِلَة النحالة يَعْنِي البعيث. وَأَرَادَ بآكلة النخالة الْخِنْزِير والبعيث شَاعِر من بَين مجاشع. والجرم بِكَسْر الْجِيم: الْجَسَد يُقَال: رَمَاه بأجرامه أَي: بجسده. وَالْخلف بِسُكُون اللَّام: الرَّدِيء من النَّاس وَغَيرهم وَبِفَتْحِهَا: الْجيد من النَّاس وَمن كل شَيْء. وَقَوله: الظاعنون الخ مَعْنَاهُ: أَنهم يركبون مَا لَا ينالون غَايَته وينزلون شَرّ الْبِقَاع لنذالتهم لَا يمكنون من مَوضِع جيد. وَقَوله: لَو غَيْركُمْ علق الزبير الخ الْحَبل هُنَا: الذِّمَّة. والجوار: الْمُجَاورَة والذمة. وعلق الشَّيْء بِكَذَا من بَاب تَعب وَتعلق بِهِ إِذا نشب بِهِ واستمسك. يُرِيد أَن قوم الفرزدق غدروا بالزبير بن الْعَوام فَقَتَلُوهُ. يَقُول: لَو كَانَ فِي ذمَّة غَيْركُمْ لَأَدَّى ذمَّته إِلَى بني الْعَوام وَلم يغدر بِهِ.) وَمُلَخَّص سَبَب قَتله أَن الزبير لما جَاءَ مَعَ عَائِشَة فِي وقْعَة الْجمل ذكره عَليّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه بقول النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ: إِنَّك ستحاربه وَأَنت ظَالِم لَهُ فَاسْتَرْجع وَقَالَ: أذكرتني شَيْئا أنسانيه الدَّهْر. ثمَّ فَارق المعركة آخِذا طَرِيق مَكَّة فَنزل على قوم من بني تَمِيم فَقَامَ إِلَيْهِ عَمْرو ابْن جرموز الْمُجَاشِعِي فأضافه ثمَّ قَالَ لَهُ: يَا أَبَا عبد الله حَدثنِي عَن خِصَال أَسأَلك عَنْهَا. قَالَ: هَات. قَالَ: خذلك عُثْمَان وبيعتك عليا وإخراجك أم الْمُؤمنِينَ وصلاتك خلف ابْنك ورجوعك عَن هَذِه الْحَرْب. فَظن بِي كل شَيْء إِلَّا الْجُبْن. فَانْصَرف وَهُوَ يَقُول: وَا لهفي على ابْن صَفِيَّة أضرمها نَارا ثمَّ أَرَادَ أَن يلْحق بأَهْله قتلني الله إِن لم أَقتلهُ.

ثمَّ رَجَعَ إِلَيْهِ كالمستنصح. قَالَ: يَا أَبَا عبد الله دون أهلك فيافي فَخذ نجيبي هَذَا وخل فرسك ودرعك فَإِنَّهُمَا شَاهِدَانِ عَلَيْك بِمَا تكره. وَلم يزل بِهِ حَتَّى ترك عِنْده فرسه وَدِرْعه وَخرج مَعَه إِلَى وَادي السبَاع وَأرَاهُ أَنه يُرِيد مسايرته ومؤانسته فَقتله غيلَة وَهُوَ يُصَلِّي وأتى بِسَيْفِهِ إِلَى أَمِير الْمُؤمنِينَ وَأخْبرهُ بقتْله فبشره عَليّ بالنَّار. ثمَّ خرج ابْن جرموز على عَليّ مَعَ أهل النهروان فَقتل مَعَ من قتل هُنَاكَ. وَهَذَا الْبَيْت أوردهُ الْمبرد فِي الْكَامِل إِلَّا أَنه رَوَاهُ بِنصب غَيْركُمْ قَالَ: تصب بِفعل مُضْمر يفسره مَا بعده لِأَنَّهَا للْفِعْل. وَهُوَ فِي التَّمْثِيل: لَو علق الزبير غَيْركُمْ. انْتهى. وَأوردهُ أَيْضا أَبُو بكر بن السراج فِي الْأُصُول فِي بَاب أَن الْمَفْتُوحَة قَالَ: إِن الْأَسْمَاء تقع بعد لَو على تَقْدِير تَقْدِيم الْفِعْل الَّذِي بعْدهَا. فمما وَليهَا من الْأَسْمَاء قَول الله عَزَّ وَجَلَّ: لَو أَنْتُم تملِكُون وَقَالَ جرير: لَو غَيْركُمْ علق الزّبير بحبله الْبَيْت. انْتهى. وَالظَّاهِر أَن الرِّوَايَة عِنْده بِالرَّفْع وَهُوَ الصَّحِيح لِأَن علق لَا يتَعَدَّى إِلَى مفعول صَرِيح. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ ابْن هِشَام فِي مُغنِي اللبيب عِنْد الْكَلَام على لَو غَيْركُمْ

بِالرَّفْع. وَيرد عَلَيْهِ أَن هَذَا لَا يَصح لِأَن الْمُتَعَلّق بالحبل الزبير لَا غَيْركُمْ. وَقد يُوَجه بِأَن التَّعَلُّق من الطَّرفَيْنِ: من الزبير بنزوله عِنْدهم وَمن الْغَيْر بِحِفْظ الذمام. وَفِيه تعسف وَالظَّاهِر أَن هَذَا مِمَّا حذف فِيهِ كَانَ الشأنية كَقَوْلِه: الْبَسِيط) لَو فِي طهيّة أحلامٌ لما عرضوا وَجُمْلَة غَيْركُمْ علق الزبير بحبله من الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر خبر كَانَ الشانية المحذوفة. أَو يكون غَيْركُمْ اسْم كَانَ المحذوفة النَّاقِصَة وَجُمْلَة علق الزبير فِي مَحل نصب على أَنه خَبَرهَا. وَإِنَّمَا أطنبت فِي شرح هَذَا الْبَيْت لِأَنِّي لم أر أحدا وَفِي حَقه من الشُّرَّاح حَتَّى إِن الدماميني مَعَ جلالته مَا فهم مَعْنَاهُ قَالَ فِي الْحَاشِيَة الْهِنْدِيَّة على الْمُغنِي: وَالَّذِي يظْهر أَن غَرَض الشَّاعِر ذمّ مخاطبيه بِأَنَّهُم لَا قُوَّة لَهُم يحكمون بهَا من التجأ إِلَى جوارهم. يَقُول: لَو تمسك الزبير بِذِمَّة غَيْركُمْ لم يلْتَفت إِلَى جوَار قومه واستمسك بهؤلاء الَّذين استجار بهم لكَوْنهم من الحماية لَهُ بِحَيْثُ يفوقون عصبَة قومه. يَعْنِي: وَأما أَنْتُم فلستم بِهَذِهِ المثابة فَلَا يعْتد الزبير باعتصامكم بل هُوَ مستمسك بجوار قومه لَا يرد عَلَيْهِم لافتقاره إِلَيْهِ وضعفكم. هَذَا كَلَامه على الْبَيْت بحذافيره وَلَا يخفى أَن هَذَا لَا مساس لَهُ بِالْبَيْتِ ومنشوء عدم الِاطِّلَاع وَقَوله: كَانَ الْعَنَان على أَبِيك محرما الخ أَرَادَ عنان الْفرس. والكير: كور الْحداد. يُرِيد أَنهم لَيْسُوا بفرسان وَأَن أَبَاهُ قين أَي: حداد. وَقد عَارضه الفرزدق بقصيدة مِنْهَا هَذِه الأبيات:

الْكَامِل (قَالَ ابْن صانعة الزّروب لِقَوْمِهِ ... لَا أَسْتَطِيع رواسي الْأَعْلَام) (قَالَت تجاوبه المراغة أمّه ... قد رمت ويل أَبِيك غير مرام) (وَوجدت قَوْمك فقؤوا من لؤمهم ... عَيْنَيْك عِنْد مَكَارِم الأقوام) (صغر دلاؤءهم فَمَا ملؤوا بهَا ... حوضاً وَلَا شهدُوا غَدَاة زحام) (أشبهت أمّك إِذْ تعاض دارماً ... بأدقّةٍ متقاعسين لئام) (وحسبت بَحر بني كليبٍ مصدرا ... فغرقت حِين وَقعت فِي القمقام) (فِي لجّةٍ غمرت أَبَاك بحورها ... فِي الجاهليّة كَانَ وَالْإِسْلَام) إِلَى هُنَا كَلَام أم جرير لَهُ. وَمن هُنَا شرع يفتخر فَقَالَ: (إنّ الأقارع والحتات وغالباً ... وَأَبا هنيدة دافعوا لمقامي) ...

(بمناكبٍ سبقت أَبَاك صدورها ... ومآثرٍ لمتوّجين كرام) (إنّي وجدت أبي بنى لي بَيته ... فِي دوحى الرؤساء والحكّام)) (منّا الَّذِي جمع الْمُلُوك وَبينهمْ ... حربٌ يشبّ وقودها بضرام) (خَالِي الَّذِي ترك النّجيع برمحه ... يَوْم النّقا شرقاً على بسطَام) (وَأبي صعصعة بن ليلى غالبٌ ... غلب الْمُلُوك ورهطه أعمامي) وَيَأْتِي إِن شَاءَ الله شرح جَمِيع هَذَا عِنْد الْكَلَام على قَوْله: فِي لجّة غمرت أَبَاك بحورها فَإِنَّهُ من شَوَاهِد هَذَا الْكتاب فِي بَاب الْأَفْعَال النَّاقِصَة. وَأنْشد بعده الشَّاهِد الْعَاشِر بعد الأربعمائة الوافر (تجلّد لَا يقل هَؤُلَاءِ هَذَا ... بَكَى لمّا بَكَى أسفا وغيظا)

على أَن هَؤُلَاءِ بِفَتْح الْهَاء وَسُكُون الْوَاو مخفف هَؤُلَاءِ بِحَذْف ألف هَا وقلب همزَة أولاء واواً. وَقَالَ ابْن جني فِي الخاطريات: الأَصْل هَؤُلَاءِ فحذفت الْألف ثمَّ شبه هؤل بعضد فسكن ثمَّ أبدل الْهمزَة واواً وَإِن كَانَت سَاكِنة بعد فَتْحة تَنْبِيها على حركتها الْأَصْلِيَّة. وَمثله فِي المعتل قَول بَعضهم فِي بئس: بيس بياء سَاكِنة بعد الْبَاء. وأسهل من ذَلِك أَن يُقَال: أبدل الْهمزَة من هَؤُلَاءِ واوا على غير قِيَاس ثمَّ استثقلت الضمة على الْوَاو فأسكنت فحذفت الْألف لالتقاء الساكنين. وَقَالَ الشلوبين فِي حَاشِيَته على الْمفصل: كثر هَؤُلَاءِ فِي كَلَامهم حَتَّى خففوه فَقَالُوا هولاء. قَالَ الشَّاعِر: الوافر (تجلّد لَا يقل هولاء هَذَا ... بكلا لمّا بَكَى أسفا عليكا) فالقافية فِي رِوَايَة الشلوبين كَافِيَة. وَلم أدر أَي الرِّوَايَتَيْنِ صَحِيحَة لِأَنِّي لم أَقف على شَيْء بِأَكْثَرَ من هَذَا. وَالله أعلم. وتجلد: فعل أَمر من الجلادة وَهُوَ التحفظ من الْجزع. ويقل مجزوم بِلَا الناهية. وَأنْشد بعده الشَّاهِد الْحَادِي عشر بعد الأربعمائة الطَّوِيل (فَقلت لَهُ والرّمح يأطر مَتنه ... تأمّل خفافاً إنّني أَنا ذلكا)

على أَن الْإِشَارَة فِيهِ من بَاب عَظمَة الْمشَار إِلَيْهِ أَي: أَنا ذَلِك الْفَارِس الَّذِي سَمِعت بِهِ. نزل بعد دَرَجَته ورفعة مَحَله منزلَة بعد الْمسَافَة. وَكَذَا القَوْل فِي قَوْله عَزَّ وَجَلَّ: آلم ذَلِك الكتابُ. وَقَالَ الْمبرد فِي الْكَامِل نقلا عَن ابْن عَبَّاس وَتَبعهُ ابْن الْأَنْبَارِي فِي مسَائِل الْخلاف قَالَا: قد يَأْتِي اسْم الْإِشَارَة الْبعيد بِمَعْنى الْقَرِيب كَمَا يكون ذَلِك بِمَعْنى هَذَا. قَالَ تَعَالَى: آلم ذَلِك الكتابُ. وَقَالَ خفاف بن ندبة. تأمّل خفافاً إنّني أَنا ذلكا أَي: هَذَا. وَأقرهُ أَبُو الْوَلِيد الْقرشِي فِي شرح الْكَامِل وَقَالَ: وَأقرب متأوّلاً من ذَا وَذَاكَ فِي قَول خفاف وَأولى بالتأويل أَن يُرِيد أَي: أَنا خفاف فكنى عَنهُ بقوله أَنا ذَلِك كَمَا يَقُول لَك الْقَائِل: أَنْت زيد فَتَقول لَهُ: أَنا ذَلِك الَّذِي تُرِيدُ. انْتهى. وَالْبَيْت من أَبْيَات لخفاف بن ندبة الصَّحَابِيّ وَهِي: (فَإِن تَكُ خيلي قد أُصِيب عميدها ... فإنّي على عمدٍ تيمّمت هَالكا) (نصبت لَهُ علوى وَقد خام صحبتي ... لأبني مجداً أَو لأثأر هَالكا) (لدن ذرّ قرن الشّمس حتّى رَأَيْتهمْ ... سرَاعًا على خيل تؤمّ المسالكا) (فلمّا رَأَيْت الْقَوْم لَا ودّ بَينهم ... شريجين شتّى مِنْهُم ومواشكا) (تيمّمت كَبْش الْقَوْم لمّا رَأَيْته ... وجانبت شبّان الرّجال الصّعالكا) ...

(فجادت لَهُ يمنى يديّ بطعنةٍ ... كست متنتيه أسود اللّون حالكا) (أَنا الْفَارِس الحامي حَقِيقَة وَالِدي ... بِهِ تدْرك الأوتار قدماً كذلكا) قَوْله: إِن تَكُ خيلي الخ أَرَادَ بِالْخَيْلِ هُنَا الفرسان. والعميد: السَّيِّد الَّذِي يعمد أَي: يقْصد أَي: إِن قتل سيد الفرسان. وروى: صميمها والصميم: الشريف والخالص. وَأَرَادَ بِهَذَا السَّيِّد الَّذِي قتل ابْن عَمه وَهُوَ مُعَاوِيَة بن عَمْرو بن الشريد وَهُوَ أَخُو صَخْر والخنساء الصحابية الشاعرة. وتيممت: قصدت. وَمَالك هُوَ ابْن حمَار. وَهُوَ سيد بني شمخ بن فَزَارَة.) وَكَانَ من خَبره أَن خفاف بن ندبة غزا مَعَ مُعَاوِيَة بن عَمْرو مرّة وفزارة فَعمد ابْنا حَرْمَلَة: دُرَيْد وهَاشِم المريان عمد مُعَاوِيَة فاستطرد لَهُ أَحدهمَا فَحمل عَلَيْهِ مُعَاوِيَة فطعنه فِي عضده وَحمل الآخر على مُعَاوِيَة فطعنه مُتَمَكنًا فَلَمَّا تنادوا: قتل مُعَاوِيَة قَالَ خفاف: قتلني الله إِن بَرحت مَكَاني حَتَّى أثأر بِهِ فَحمل على مَالك الْمَذْكُور فطعنه فَقتله. وَإِنَّمَا تيَمّمه لِأَنَّهُ عدل مُعَاوِيَة. وَقَوله: نصبت لَهُ علوى الخ ويروى: وقفت لَهُ علوى وَهُوَ بِفَتْح الْمُهْملَة وَسُكُون اللَّام وبالقصر: اسْم فرس خفاف أوردهُ القالي فِي

الْمَقْصُور والممدود. وخام بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة بِمَعْنى ارْتَدَّ. يُقَال: أخام الرجل يَده عَن الطَّعَام إِذا رفع يَده عَنهُ. والصحبة: مصدر صَحبه يَصْحَبهُ. وَأَرَادَ بِهِ الْأَصْحَاب. وَالْمجد: الشّرف. وأثأر هَالكا أَي: آخذ بثأر هَالك يَعْنِي مُعَاوِيَة. وَقَوله: لدن ذرّ قرن الخ يُقَال: ذَر قرن الشَّمْس ذروراً بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة من بَاب قعد: طلعت. وقرنها: أول مَا يظْهر مِنْهَا. ولدن: ظرف لقَوْله نصبت لَهُ علوى. وَقَوله: شريجين: مثنى شريج بِفَتْح الشين الْمُعْجَمَة وَكسر الرَّاء وَآخره جِيم حَال من الْقَوْم أَي: صنفين. وشتى ومواشكا: يدل من شريجين. وشتى: جمع شتيت كجرحى جمع جريح. ومواشك: اسْم فَاعل بِمَعْنى مسرع. يَعْنِي رَأَيْت الْقَوْم قسمَيْنِ: فريق مِنْهُم رَجَعَ وتشتت عَن مُعَاوِيَة قبل قَتله كَمَا يَأْتِي فِي خبر مَقْتَله وفريق هارب مسرع بعد قَتله. وَقَوله: تيممت كَبْش الخ هُوَ جَوَاب لما. وكبش الْقَوْم: رئيسهم وسيدهم. وَإِنَّمَا جَانب الشَّبَاب وَلم يقتل مِنْهُم لأَنهم لَيْسُوا بكفء لمعاوية. والصعالك: جمع صعلوك وَالْقِيَاس الصعاليك وهم الْفُقَرَاء. وَقَوله: فجادت لَهُ أَي: لمَالِك. والمتنة: مثل الْمَتْن كَمَا جَاءَ بِهِ فِي الْبَيْت بعده. قَالَ ابْن فَارس: المتنان: مكتنفا الصلب من العصب وَاللَّحم. ومتنت الرجل متْنا من بَابي وضر وَقتل إِذا ضربت مَتنه. وَأَرَادَ بأسود اللَّوْن الدَّم. والحالك: الشَّديد السوَاد.

وَقَوله: وَقلت لَهُ الخ مَعْطُوف على جَادَتْ والعاطف هُوَ الْوَاو لَا الْفَاء كَمَا فِي الشَّرْح. وَالضَّمِير لمَالِك وَجُمْلَة وَالرمْح يأطر مَتنه: حَال من الْهَاء وَحَملَة تَأمل خفافاً مقول القَوْل. ويأطر: يحنو ويثني. يُقَال: أطره أطراً من بَاب ضرب إِذا عطفه وَمِنْه إطار المنخل. وَمَتنه مفعول يأطر أَي:) يعْطف ظهر مَالك. وَتَأمل فعل أَمر خطاب لمَالِك من تَأَمَّلت الشَّيْء إِذا تدبرته وَهُوَ إعادتك النّظر فِيهِ مرّة بعد أُخْرَى حَتَّى تعرفه. وخفاف بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة وفاءين كغراب: اسْم الشَّاعِر. وَإِنَّمَا قَالَ لَهُ ذَلِك ليعرفه أَنه هُوَ الَّذِي قَتله. روى الْأَخْفَش فِي شرح ديوَان الخنساء أَن خفافاً لما قَالَ لَهُ ذَلِك قَالَ مَالك: أَنْت ابْن ندبة يُرِيد أَنْت ابْن جَارِيَة سَوْدَاء يعيره بذلك. وَقَوله: إِنَّنِي أَنا ذَلِك اسْتِئْنَاف بياني كَأَنَّهُ قَالَ لَهُ: هَل أَنْت مِمَّا يتَأَمَّل إِنَّمَا أَنْت ابْن ندبة فَقَالَ لَهُ: إِنَّنِي أَنا ذَلِك الشجاع الَّذِي سَمِعت بِهِ. وَأَنا إِمَّا تَأْكِيد للياء كَمَا تقدم وَجهه فِي الشَّرْح فِي بَابه وَإِمَّا مُبْتَدأ خَبره لَك وَالْجُمْلَة خبر إِنَّنِي وَالْألف فِي ذَلِك للإطلاق وَكَذَلِكَ فِي جَمِيع هَذِه القوافي. وَقَوله: أَنا الْفَارِس الخ اسْتِئْنَاف نحوي وَهُوَ ابْتِدَاء كَلَام لَا علاقَة لَهُ بِمَا قبله معنى ابْتَدَأَ بِهِ وَحَقِيقَة وَالِده هُنَا: أَخذ ثأر ابْن أَخِيه لِأَنَّهُ يحِق على وَالِده أَن يَأْخُذ ثأر مُعَاوِيَة. قَالَ عَامر بن الطُّفَيْل قَاتله الله: الطَّوِيل (لقد علمت عليا هوَازن أنّني ... أَنا الْفَارِس الحامي حَقِيقَة جَعْفَر)

وجعفر هَذَا أَبُو جده لِأَنَّهُ عَامر بن الطُّفَيْل بن مَالك بن جَعْفَر بن كلاب. وَقَوله: بِهِ تدْرك الأوتار الخ أَي: إِنَّمَا تدْرك الأوتار بالحمي بِالدَّال عَلَيْهِ الحامي لَا بِغَيْرِهِ. أَو الضَّمِير رَاجع للحامي يُقَال: حميت الْمَكَان من النَّاس حمياً من بَاب رمى وحمية بِالْكَسْرِ إِذا منعته عَنْهُم. والحماية اسْم مِنْهُ. وتدرك بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول. والأوتار: جمع وتر بِالْكَسْرِ وَهُوَ الثأر والذحل أَي: الحقد. وَقَوله: قدماً كَذَلِك أَي: كَذَلِك تدْرك الأوتار قدماً بِكَسْر الْقَاف. قَالَ صَاحب الصِّحَاح: يُقَال قدماً كَانَ كَذَا وَكَذَا وَهُوَ اسْم من الْقدَم جعل اسْما من أَسمَاء الزَّمَان. وروى صَاحب الأغاني كَذَا: (أَنا الْفَارِس الحامي الْحَقِيقَة وَالَّذِي ... بِهِ أدْرك الْأَبْطَال قدماً لذلكا) وَزَاد بعده وَهُوَ: (وَإِن ينج مِنْهَا هاشمٌ فبطعنةٍ ... كسته نجيعاً من دم الْجوف صائكا)) وخفاف بن ندبة هُوَ خفاف بن عُمَيْر بن الْحَارِث بن الشريج بن ريَاح ابْن يقظة بن عصية بن خفاف بن امْرِئ الْقَيْس بن بهثة بن سليم بن مَنْصُور بن عِكْرِمَة ابْن خصفة.

وخفاف بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة وَهُوَ بِمَعْنى الْخَفِيف يُقَال: رجل خفاف وخفيف بِمَعْنى كطوال وطويل. والخف بِالْكَسْرِ بِمَعْنى الْخَفِيف أَيْضا. وَعُمَيْر: مصغر عَمْرو. والشريد اسْمه عَمْرو. ورياح بِكَسْر الرَّاء بعْدهَا مثناة تحتية. ويقظة هُوَ ضد النّوم. وَعصيَّة: مصغر عَصا. وبهثة بِضَم الْمُوَحدَة وَسُكُون الْهَاء بعْدهَا ثاء مُثَلّثَة. وسليم بِالتَّصْغِيرِ. وَأما ندبة فَهُوَ اسْم أمه كَانَ سباها الْحَارِث بن الشريد حِين أغار على بني الْحَارِث بن كَعْب فَوَهَبَهَا لِابْنِهِ عُمَيْر فَولدت لَهُ خفافاً وَكَانَت امْرَأَة سَوْدَاء. كَذَا فِي الأغاني. وَقَالَ ابْن الْكَلْبِيّ فِي الْأَنْسَاب: ندبة هِيَ بنت الشَّيْطَان بن قنان بن سَلمَة ابْن وهب بن عبد الله بن ربيعَة بن كَعْب. انْتهى. وَقَالَ صَاحب الْعباب: ندبة هَذِه كَانَت سَوْدَاء حبشية وَهِي بِفَتْح النُّون وَسُكُون الدَّال بعْدهَا بَاء مُوَحدَة مَأْخُوذ من قَوْلهم: رجل ندب أَي: خَفِيف فِي الْحَاجة وَامْرَأَة ندبة. وَفرس ندب أَي: مَاض. وَندب مثل شجع شجاعة أَي: خف فِي الْعَمَل. وقنان بِفَتْح الْقَاف بعْدهَا نونان خفيفتان. وخفاف بن ندبة مخضرم أدْرك الْجَاهِلِيَّة وَالْإِسْلَام وَشهد فتح مَكَّة وَكَانَ مَعَه لِوَاء بني سليم واللواء الآخر مَعَ الْعَبَّاس بن مرداس. وَشهد حنيناً والطائف وَثَبت على إِسْلَامه فِي الرِّدَّة وَبَقِي إِلَى زمن عمر بن الْخطاب

وكنيته أَبُو خراشة. وَكَانَ فِي الْجَاهِلِيَّة يهاجي الْعَبَّاس بن مرداس وَله يَقُول الْعَبَّاس: الْبَسِيط (أَبَا خراشة أمّا كنت ذَا نفرٍ ... فإنّ قومِي لم تأكلهم الضّبع) وَتقدم الْكَلَام عَلَيْهِ. وخفاف هُوَ أحد فرسَان قيس وشعرائها الْمَذْكُورين. قَالَ الْأَصْمَعِي: خفاف ودريد بن الصمَّة أشعر الفرسان وَهُوَ أحد أغربة الْعَرَب أَي: سودانهم لِأَنَّهُ كَانَ أسود حالكاً وَهُوَ الْقَائِل: (كِلَانَا يسوّده قومه ... على ذَلِك النّسب المظلم) يَعْنِي: السودَان.) وأغربة الْعَرَب هم: عنترة بن شَدَّاد وسليك بن السلكة وَأَبُو عَمْرو بن الْحباب وخفاف بن ندبة وَهِشَام بن عقبَة بن أبي معيط. وَأما مُعَاوِيَة الْمَذْكُور فَهُوَ ابْن عمر خفاف وَهُوَ أَخُو الخنساء الصحابية وأخو صَخْر. وَقد قتل روى هِشَام عَن أَبِيه قَالَ: كَانَ عُمَيْر ابْن الْحَارِث بن الشريد يَأْخُذ بيد ابنيه صَخْر وَمُعَاوِيَة فِي الْمَوْسِم فَيَقُول: أَنا أَبُو خيري مُضر فَمن أنكر ذَلِك فليغير فَمَا يُغير ذَلِك عَلَيْهِ أحد. وَهَذَا خبر مقتل مُعَاوِيَة. روى صَاحب الأغاني عَن أبي عُبَيْدَة قَالَ: إِن مُعَاوِيَة وافى عكاظ فِي

موسم من مواسم الْعَرَب فَبَيْنَمَا هُوَ يمشي بسوق عكاظ إِذْ لَقِي أَسمَاء المرية وَكَانَت جميلَة وَزعم أَنَّهَا كَانَت بغياً فَدَعَاهَا إِلَى نَفسه فامتنعت عَلَيْهِ وَقَالَت: أما علمت أَنِّي عِنْد سيد الْعَرَب هَاشم بن حَرْمَلَة فأغضبته فَقَالَ: أما وَالله لأقارعنه عَنْك. قَالَت: شَأْنك وشأنه. فَرَجَعت إِلَى هَاشم فَأَخْبَرته بِمَا جرى فَقَالَ هَاشم: لَا نريم أَبْيَاتنَا حَتَّى نَنْظُر مَا يكون من جهده. قَالَ: فَلَمَّا خرج الشَّهْر الْحَرَام وتراجع النَّاس من عكاظ خرج مُعَاوِيَة غازياً يُرِيد بني مرّة وَبني فَزَارَة فِي فرسَان أَصْحَابه من سليم حَتَّى إِذا كَانَ بمَكَان يدعى الْحَوْزَة أَو الجوزة وَالشَّكّ من أبي عُبَيْدَة سنح لَهُ ظَبْي فتطير مِنْهُ وَرجع فِي أَصْحَابه فَبلغ ذَلِك هَاشم بن حَرْمَلَة فَقَالَ: مَا مَنعه من الْإِقْدَام إِلَّا الْجُبْن. قَالَ: فَلَمَّا كَانَ فِي السّنة الْمُقبلَة غزاهم حَتَّى إِذا كَانَ فِي ذَلِك الْمَكَان سنح لَهُ ظَبْي وغراب فتطير فَرجع وَمضى أَصْحَابه وتخلف فِي تِسْعَة عشر فَارِسًا مِنْهُم لَا يُرِيدُونَ قتالاً إِنَّمَا تخلف من عظم الْجَيْش رَاجعا إِلَى بِلَاده فَوَرَدُوا مَاء وَإِذا عَلَيْهِ بَيت شعر فصاحوا بأَهْله فَخرجت إِلَيْهِم امْرَأَة فَقَالُوا: مِمَّن أَنْت قَالَت: امْرَأَة من جُهَيْنَة أحلاف لبني سهم بن مرّة بن غطفان. فَوَرَدُوا المَاء فانسلت فَأَتَت هَاشم بن حَرْمَلَة فَأَخْبَرته أَنهم غير بعيد وعرفته بِعدَّتِهِمْ وَقَالَت: لَا أرى إِلَّا مُعَاوِيَة فِي الْقَوْم فَقَالَ: يَا لكاع أمعاوية فِي تِسْعَة عشر رجلا شبهت وأبطلت قَالَت: بل قلت الْحق وَإِن شِئْت لأصفهم لَك رجلا رجلا. قَالَ: هَاتِي. قَالَت: رَأَيْت فيهم شَابًّا عَظِيم الجمة جَبهته قد خرجت من تَحت مغفره

صبيح الْوَجْه عَظِيم الْبَطن على فرس غراء. قَالَ: نعم هَذِه صفة مُعَاوِيَة وفرسه السَّمَاء. قَالَت: وَرَأَيْت رجلا شَدِيد الأدمة شَاعِرًا ينشدهم. قَالَ: ذَلِك خفاف بن ندبة.) قَالَت: وَرَأَيْت رجلا لَيْسَ يبرح وَسطهمْ إِذا نادوه رفعوا لَهُ أَصْوَاتهم. قَالَ: ذَلِك عَبَّاس الْأَصَم. قَالَت: وَرَأَيْت رجلا طَويلا يكنونه أَبَا حبيب ورأيتهم أَشد شَيْء لَهُ توقيراً قَالَ: ذَاك نُبَيْشَة بن حبيب. قَالَت: وَرَأَيْت شَابًّا جميلاً لَهُ وفرة حنسة. قَالَ: ذَلِك الْعَبَّاس بن مرداس. قَالَت: وَرَأَيْت شَيخا لَهُ ضفيرتان فَسَمعته يَقُول لمعاوية: بِأبي أَنْت أطلت الْوُقُوف. قَالَ: ذَلِك قَالَ: فَنَادَى هَاشم فِي قومه وَخرج وَزعم أَن المري لم يخرج إِلَيْهِم إِلَّا فِي عدتهمْ من بني مرّة. قَالَ: فَلم يشْعر السلميون حَتَّى طلعوا عَلَيْهِم فثاروا إِلَيْهِم فلقوهم فَقَالَ لَهُم خفاف: لَا تنازلوهم رجلا رجلا فَإِن خيلهم تثبت للطراد وَتحمل ثقل السِّلَاح وخيلكم قد أنهكها الْغَزْو وأصابها الحفاء. قَالَ: فَاقْتَتلُوا سَاعَة فَانْفَرد هَاشم ودريد ابْنا حَرْمَلَة لمعاوية فاستطرد لَهُ أَحدهمَا فَشد مُعَاوِيَة عَلَيْهِ وشغله واغتره الآخر فطعنه فَقتله. وَاخْتلفُوا أَيهمَا استطرد لَهُ وَأيهمَا قَتله وَكَانَت بِالَّذِي استطرد لَهُ طعنة طعنه إِيَّاهَا مُعَاوِيَة وَيُقَال: هُوَ هَاشم

وَقَالَ آخَرُونَ: بل دُرَيْد أَخُو هَاشم. قَالَ: وَشد خفاف بن ندبة على مَالك بن حمَار سيد بني شمخ بن فَزَارَة فَقتله. وَلما دخل الشَّهْر الْحَرَام من السّنة الْمُقبلَة خرج صَخْر أَخُو مُعَاوِيَة حَتَّى أَتَى بني مرّة فَوقف على ابْني حَرْمَلَة فَإِذا أَحدهمَا بِهِ طعنة فِي عضده زعم خفاف فِي شعره أَنه هَاشم. فَقَالَ صَخْر: أيكما قتل أخي مُعَاوِيَة فسكتا فَلم يحيرا إِلَيْهِ شَيْئا. ثمَّ قَالَ الصَّحِيح للجريح: مَا لَك لَا تجيبه فَقَالَ: وقفت لَهُ فطعنني هَذِه الطعنة فِي عضدي وَشد أخي عَلَيْهِ فَقتله فأينا قتلت أدْركْت ثأرك إِلَّا أَنا لم نسلب أَخَاك. قَالَ: فَمَا فعلت فرسه السَّمَاء قَالَ: هَا هِيَ تِلْكَ خُذْهَا. فَأَخذهَا فَرجع فَلَمَّا كَانَ فِي الْعَام الْمقبل غزاهم صَخْر وَهُوَ على فرسه السَّمَاء فَقَالَ: أَخَاف أَن يعرفوني ويعرفوا غرَّة السَّمَاء فيتأهبوا. فحمم غرتها. فَلَمَّا أشرف على الْحَيّ رأوها فَقَالَت فتاة مِنْهُم: هَذِه وَالله السَّمَاء فَنظر هَاشم فَقَالَ: السَّمَاء غراء وَهَذِه بهيم فَلم يشعروا إِلَّا وَالْخَيْل عَلَيْهِم فَاقْتَتلُوا فَقتل صَخْر دريداً وَأصَاب) بني مرّة فَقَالَ: الْكَامِل (وَلَقَد قتلتكم ثَنَاء وموحداً ... وَتركت مرّة مثل أمس الْمُدبر) (وَلَقَد دفعت إِلَى دريدٍ طعنةً ... نجلاء تزغل مثل عطّ المنحر) تزغل: تخرج الدَّم قطعا قطعا. قَالَ: والزغلة: الدفعة الْوَاحِدَة من الدَّم وَالْبَوْل.

وَقَالَ صَخْر أَيْضا فِيمَن قتل من بني مرّة: الوافر (قتلت الخالدين بِهِ وبشراً ... وعمراً يَوْم حوزة وَابْن بشر) (وَمن شمخٍ قتلت رجال صدقٍ ... وَمن بدرٍ فقد أوفيت نذري) (ومرّة قد صبحناها المنايا ... فروّينا الأسنّة غير فَخر) (وَمن أفناء ثَعْلَبَة بن سعدٍ ... قتلت وَمَا أبيئهم بِوتْر) وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: ثمَّ إِن هَاشم بن حَرْمَلَة خرج غازياً فَلَمَّا كَانَ بِبِلَاد جشم بن بكر بن هوَازن نزل منزلا وَأخذ صفنا وخلا لِحَاجَتِهِ بَين شجر وَرَأى غفلته قيس بن الأمرار الْجُشَمِي فَتَبِعَهُ وَقَالَ: هَذَا قَاتل مُعَاوِيَة لَا نجت نَفسِي إِن نجا فَلَمَّا قعد لِحَاجَتِهِ تكمن لَهُ بَين الشّجر حَتَّى إِذا كَانَ خَلفه أرسل عَلَيْهِ معبلةً فَقتله. فَقَالَت الخنساء فِي ذَلِك: الوافر (فدَاء الْفَارِس الجشميّ نَفسِي ... وأفديه بِمن لي من حميم) ...

(خصصت بهَا أَخا الأمرار قيسا ... فَتى فِي بَيت مكرمةٍ كريم) (أفدّيه بكلّ بني سليمٍ ... بظاعنهم وبالأنس الْمُقِيم) (كَمَا من هاشمٍ أَقرَرت عَيْني ... وَكَانَت لَا تنام وَلَا تنيم) انْتهى كَلَام الأغاني. وروى الْأَخْفَش فِي ديوَان الخنساء عَن ابْن الْأَعرَابِي أَن قيسا كَانَ رجلا رَاعيا فَأَغَارَ عَلَيْهِ هَاشم بن حَرْمَلَة فَأَخذهُم وَقَالَ: أتيتكم بِهَذَا الرَّاعِي وغنمه. فاغتفله الرَّاعِي فَرَمَاهُ فَقتله. وللخنساء مراث كَثِيرَة فِي أَخِيهَا مُعَاوِيَة وصخر. وَالسَّمَاء الَّتِي هِيَ اسْم فرس مُعَاوِيَة هِيَ بِلَفْظ السَّمَاء خلاف الأَرْض. وَقد روى ابْن عبد ربه فِي العقد الفريد عَن أبي عُبَيْدَة أَيْضا خبر مقتل مُعَاوِيَة على غير هَذَا الْوَجْه الَّذِي نَقَلْنَاهُ عَن الأغاني تَرَكْنَاهُ لطوله وَمن أَرَادَ الِاطِّلَاع عَلَيْهِ فلينظره فِي بَاب أَيَّام الْعَرَب) من العقد الفريد. وَالله أعلم. وَأنْشد بعده الشَّاهِد الثَّانِي عشر بعد الأربعمائة وَهُوَ من شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ:

الْبَسِيط تعلّمن هَا لعمر الله ذَا قسما هَذَا صدر وعجزه: فاقدر بذرعك وَانْظُر أَيْن تنسلك على أَن الْفَصْل بَين هَا وَبَين ذَا بِغَيْر إِن وأخواته كالقسم قَلِيل كَمَا هُنَا. قَالَ سِيبَوَيْهٍ فِي بَاب مَا يكون مَا قبل الْمَحْلُوف بِهِ عوضا من اللَّفْظ بِالْوَاو: قَوْلك إِي هَا الله ذَا يثبت ألفها لِأَن الَّذِي بعْدهَا مدغم. وَمن الْعَرَب من يَقُول إِي هَا الله ذَا فيحذف الْألف الَّتِي بعد الْهَاء وَلَا يكون فِي الْمقسم هَا هُنَا إِلَّا الْجَرّ لِأَن قَوْلهم هَا صَار عوضا من اللَّفْظ بِالْوَاو فحذفت تَخْفِيفًا على اللِّسَان. وَأما قَوْلهم ذَا فَزعم الْخَلِيل أَنه الْمَحْلُوف عَلَيْهِ كَأَنَّهُ قَالَ: إِي وَالله لِلْأَمْرِ هَذَا فَحذف الْأَمر لِكَثْرَة استعمالهم هَذَا فِي كَلَامهم وَقدم هَا كَمَا قدم قوم هَا هُوَ ذَا وَهَا أَنا ذَا. وَهَذَا قَول الْخَلِيل. وَقَالَ زُهَيْر: تعلّمن هَا لعمر الله ذَا قسما ... ... ... ... ... ... الْبَيْت انْتهى. قَالَ النّحاس: قَالَ الْخَلِيل فِي ذَا: إِنَّه الْمَحْلُوف عَلَيْهِ فَكَأَنَّهُ قَالَ: إِي وَالله الْأَمر هَذَا فَحذف الْأَمر وَقدم هَا كَمَا قدم قوم هَا هُوَ ذَا. وَعند غَيره أَن الْمَعْنى: هَذَا مَا أقسم بِهِ. وقسماً مصدر فِي الْقَوْلَيْنِ وَمَا قبله يدل على الْفِعْل. انْتهى. وَقَالَ الأعلم: الشَّاهِد فِيهِ تَقْدِيم هَا الَّتِي للتّنْبِيه على ذَا وَقد حَال بَينهمَا بقوله لعمر الله. وَالْمعْنَى: لعمر الله هَذَا مَا أقسم بِهِ وَنصب قسما على الْمصدر

الْمُؤَكّد لما قبله لِأَن مَعْنَاهُ أقسم فَكَأَنَّهُ قَالَ: أقسم لعمر الله قسما. وَمعنى تعلمن اعْلَم وَلَا يسْتَعْمل إِلَّا فِي الْأَمر. وَقَالَ أَيْضا فِي شرح الْأَشْعَار السِّتَّة قَوْله: تعلمن أَي: اعْلَم وَهَا تَنْبِيه. وَأَرَادَ: هَذَا مَا أقسم) بِهِ. فَفرق بَين ذَا وَهَا بقوله لعمر الله وَنصب قسما على الْمصدر الْمُؤَكّد بِهِ معنى الْيَمين. وَقَالَ شَارِح ديوَان زُهَيْر صعُودًا وَكَانَ ضَعِيفا فِي النَّحْو: وَقَوله تعلمنها أَي: اعلمها وَالْمعْنَى تعلمن هَذَا وصل هَا بالنُّون من تعلمن وَفرق بَين هَا وَذَا وَنصب قسما بتَعَلُّم يُرِيد: يَا هَذَا كَمَا تَقول: اعْلَم زيد أَنِّي زائرك أَي: يَا زيد. قَالَ الْأَصْمَعِي: وَقد رويت ذَا قسم فَذا حِينَئِذٍ نصب على الْحَال وَهِي ذُو الَّتِي تتصرف وتصرفها فِي الْإِعْرَاب نَحْو ذُو مَال وَذَا ثوب وَذي قوم. وَبَعْضهمْ يَقُول: تعلمنها لعمر الله ذَا ثمَّ ينصب قسما على كلامين كَأَنَّهُ قَالَ: تعلم قسما فاقصد بذرعك أَي: اعرف قدرك. هَذَا كَلَامه. وَكله خلاف الصَّوَاب وَإِنَّمَا نَقَلْنَاهُ للتعجب. وَقَوله: فاقدر بذرعك الخ قَالَ الأعلم فِي شرح الْأَشْعَار السِّتَّة: أَي قدر لخطوك. والذرع: قدر الخطو. وَهَذَا مثل وَالْمعْنَى لَا تكلّف مَا لَا تطِيق مني يتوعده بذلك. كَذَلِك قَوْله: وَانْظُر أَيْن تنسلك. والانسلاك: الدُّخُول فِي الْأَمر وَأَصله من سلوك الطَّرِيق. وَالْمعْنَى لَا تدخل نَفسك فِيمَا لَا يَعْنِيك وَلَا يجدي عَلَيْك. اه.

وَالْأَحْسَن أَن يكون: اقدر من قدرت قدرا من بَابي ضرب وَقتل وَقدرته تَقْديرا بِمَعْنى. وَالِاسْم الْقدر بِفتْحَتَيْنِ ومفعوله مَحْذُوف تَقْدِيره: فاقدر خطوك بذرعك. وذرع الْإِنْسَان: طاقته الَّتِي يبلغهَا. وروى: فاقصد بذرعك من قصد فِي الْأَمر قصدا من بَاب ضرب إِذا توَسط وَطلب الْأسد وَلم يُجَاوز الْحَد. فالباء بِمَعْنى فِي. والذرع: بِمَعْنى الطَّاقَة أَيْضا. وَالْبَيْت من قصيدة لزهير بن أبي سلمى عدتهَا ثَلَاثَة وَثَلَاثُونَ بَيْتا قَالَ الْأَصْمَعِي: لَيْسَ فِي الأَرْض قصيدة على الْكَاف أَجود من قصيدة زُهَيْر الَّتِي مطْلعهَا: الْبَسِيط (بَان الخليط وَلم يأووا لمن تركُوا ... وزوّدوك اشتياقاً أيّةً سلكوا) وَمن قصيدة أَوْس بن حجر الَّتِي أَولهَا: الْبَسِيط (زعمتم أنّ غولاً والرّجام لنا ... ومنعجاً فاذكروا وَالْأَمر مُشْتَرك) وَهَذِه القصيدة هدد بهَا زُهَيْر الْحَارِث بن وَرْقَاء أَخا بني الصيداء بن عَمْرو بن قعين الْأَسدي فَإِنَّهُ كَانَ أغار على طَائِفَة من بني سليم بن مَنْصُور فَأصَاب سبياً ثمَّ انْصَرف رَاجعا فَوجدَ غُلَاما لزهير حَبَشِيًّا يُقَال لَهُ: يسَار فِي إبل لزهير وَهُوَ آمن فِي نَاحيَة أَرضهم فَسَأَلَهُ: لمن أَنْت) قَالَ: لزهير بن أبي سلمى. فاستاقه وَهُوَ لَا يحرم ذَلِك عَلَيْهِ لحلف أَسد وغَطَفَان فَبلغ ذَلِك زهيراً فَبعث إِلَيْهِ أَن رد مَا أخذت. فَأبى فَقَالَ زُهَيْر فِي ذَلِك هَذِه القصيدة يهدده

بِأَنَّهُ يهجوه إِن لم يُرْسل مَا أَخذه. وَهَذَا أول الْكَلَام مَعَه بعد التغزل: (فَلَنْ يَقُولُوا بحبلٍ واهنٍ خلق ... لَو كَانَ قَوْمك فِي أَسبَابه هَلَكُوا) (يَا حَار لَا أرمين مِنْكُم بداهيةٍ ... لم يلقها سوقةٌ قبلي وَلَا ملك) (ارْدُدْ يساراً وَلَا تعنف عَلَيْهِ وَلَا ... تمعك بعرضك إنّ الغادر المعك) (وَلَا تكونن كأقوامٍ عَلَّمْتهمْ ... يلوون مَا عِنْدهم حتّى إِذا نهكوا) (طابت نُفُوسهم عَن حقّ خصمهم ... مَخَافَة الشّرّ فارتدّوا لما تركُوا) تعلّمن هَا لعمر الله ذَا قسما ... ... ... ... ... ... الْبَيْت (لَئِن حللت بجوٍّ فِي بني أسدٍ ... فِي دين عَمْرو وحالت بَيْننَا فدك) (ليأتينّك منّي منطقٌ قذعٌ ... باقٍ كَمَا دنّس القبطيّة الودك) هَذَا آخر القصيدة: قَوْله: هلا سَأَلت بني الصيداء الخ بَنو الصيداء: قوم من بني أَسد وهم

رَهْط الْحَارِث بن وَرْقَاء. وَأي مَنْصُوب بأمتسك. وَالْحَبل: الْعَهْد والميثاق. قَالَ صعوداء: إِنَّمَا يَعْنِي الْحلف الَّذِي بَين مزينة وغَطَفَان وصهره فِي بني الغدير. والواهن: الضَّعِيف. والخلق: بِفتْحَتَيْنِ: الذائب. وَجُمْلَة: لَو كَانَ قَوْمك الخ من الْمَقُول الْمَنْفِيّ. يَقُول: سلهم كَيفَ كنت أفعل لَو استجرت بهم فَإِنِّي كنت أستوثق وَلَا أتعلق إِلَّا بِحَبل متين. وَقَوله: لَو كَانَ قَوْمك الخ أَي: فِي أَسبَاب ذَلِك الْحَبل. يَقُول: هُوَ حَبل شَدِيد مُحكم فَمن تمسك بِهِ نجا وَلَيْسَ بِحَبل ضَعِيف من تعلق بأسبابه هلك. وَقَوله: يَا حَار الخ هُوَ مرخم الْحَارِث بن وَرْقَاء. وَلَا ناهية وأرمين بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول مُؤَكد بالنُّون الْخَفِيف. والسوقة: الرّعية. وَهَذَا الْبَيْت من شَوَاهِد علم الْعرُوض. وَقَوله: ارْدُدْ يساراً الخ هُوَ عبد زُهَيْر كَانَ الْحَارِث أسره. وتعنف بِضَم النُّون من العنف وَهُوَ فعل الشَّيْء على غير وَجهه والتجاوز فِيهِ. والمعك: المطل وماضيه ومضارعه بِفَتْح الْعين. والمعك بِكَسْر الْعين: الَّذِي يماطل. يَقُول: مَا تمطلني فمطلك غدر وَكلما مطلتني لحق ذَلِك) بعرضك. وَإِنَّمَا يتوعده بالهجو. وَقَوله: وَلَا تكونن كأقوام الخ يُقَال: لواه يلويه لياً ولياناً أَي: مطله. يمطلون بِمَا عَلَيْهِم من الدَّين. وَمعنى نهكوا شتموا وبولغ فِي هجائهم وَأَصله من نهكته الْحمى إِذا بلغت من جِسْمه وهزلته.

وَقَوله: فَارْتَدُّوا لما تركُوا أَي: لما أوذوا بالهجاء دفعُوا الْحق إِلَى صَاحبه وَارْتَدوا إِلَى عَطاء مَا كَانُوا تَرَكُوهُ ومنعوه من الْحق مَخَافَة من الشَّرّ وإبقاءً على عرضهمْ. وَقَوله: لَئِن حللت بجو الْبَيْتَيْنِ اللَّام الأولى موطئة وَالثَّانيَِة جَوَاب الْقسم. جو بِالْجِيم: اسْم وَاد. وَدين عَمْرو بِالْكَسْرِ: طَاعَته وسلطانه. وَعَمْرو هُوَ عَمْرو بن هِنْد ملك الْعَرَب. وفدك بِفَتْح والقذع بِفَتْح الْقَاف والذال الْمُعْجَمَة: اسْم بِمَعْنى السب البليغ. يُقَال: أقذع فلَان لفُلَان أَي: استقبله بِكَلَام قَبِيح. وباق أَي: يبْقى على الدَّهْر بجريانه على أَفْوَاه النَّاس. والقبطية بِضَم الْقَاف وَكسرهَا: ثِيَاب بيض تصنع بِالشَّام وَقد يَقع على كل ثوب أَبيض. والودك: الدسم. يَقُول: لَئِن نزلت بِحَيْثُ لَا أدركك ليردن عَلَيْك هجوي ولأدنسن بِهِ عرضك كَمَا يدنس الدسم الثِّيَاب الْبيض. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: فَلَمَّا أَتَت القصيدة الْحَارِث بن وَرْقَاء لم يلْتَفت إِلَيْهَا فَقَالَ زُهَيْر: الوافر (تعلّم أنّ شرّ النّاس حيٌّ ... يُنَادي فِي شعارهم يسَار) (وَلَوْلَا عسبه لرددتموه ... وشرّ منيحةٍ عسبٌ معار) (إِذا جمحت نِسَاؤُكُمْ إِلَيْهِ ... أشظّ كأنّه مسدٌ مغار) (يبربر حِين يعدو من بعيدٍ ... إِلَيْهَا وَهُوَ قبقابٌ قطار) (كطفلٍ ظلّ يهدج من بعيدٍ ... ضئيل الْجِسْم يعلوه انبهار) (إِذا أبزت بِهِ يَوْمًا أهلّت ... كَمَا تبزي الصّعائد والعشار) (فأبلغ إِن عرضت لَهُم رَسُولا ... بني الصّيداء إِن نفع الحوار) وَقَوله: تعلم أَن شَرّ النَّاس الخ الشعار: عَلامَة الْقَوْم فِي سفرهم وغزوهم وحربهم نَحْو: يَا أَفْلح وَيَا سَلامَة فَيصير كل قوم إِلَى داعيهم وَكَانَ شعار رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يَوْم حنين يَا أهل الْقُرْآن. فَلَمَّا انهزم النَّاس صَاح الْعَبَّاس: يَا أهل الْقُرْآن فَرجع النَّاس وَكَانَ الْفَتْح ويسار: عبد زُهَيْر.) والعسب: الضراب وَالْجِمَاع. يَقُول: لَوْلَا حَاجَة نِسَائِكُم إِلَيْهِ لرددتموه عَليّ. والمنيحة: الْعَارِية. وجمحت: مَالَتْ. وأشظ: قَامَ مَتَاعه وصلب وَاشْتَدَّ. والمسد: الْحَبل. والمغار: الشَّديد الفتل. يُقَال: أغرت الْحَبل أَي: فتلته محكماً. ويبربر: يصوت مثل بربرة الْفَحْل إِذا أَرَادَ النَّاقة والتيس إِذا أَرَادَ الشَّاة. والقبقاب: المصوت من القبقبة وَهِي هدير الْفَحْل. والقطار بِضَم الْقَاف: الْقَائِم المنتصب الرَّأْس يقطر إحليله من الشَّهْوَة. والهدجان: مقاربة الخطو فِي سرعَة والانبهار: علو النَّفس عِنْد التَّعَب. شبهه فِي عدوه على أَربع إِلَيْهَا عِنْد إِرَادَة الْفَاحِشَة وعلو نَفسه من الْحِرْص والشهوة بطفل صَغِير يحبو بَينهم لضَعْفه.

والإبزاء بِالْمُوَحَّدَةِ والزاء الْمُعْجَمَة من جَمِيع الْإِنَاث: أَن ترفع استها إِلَى الْفَحْل. وأهلت: رفعت صَوتهَا. والصعائد: جَمِيع صعُود وَهِي النَّاقة الَّتِي تخدج على سَبْعَة أشهر أَو ثَمَانِيَة فتعطف وَقيل: هِيَ الَّتِي مَاتَ وَلَدهَا فعطفت على وَلَدهَا الأول والعشار: جمع عشراء وَهِي الَّتِي أَتَى عَلَيْهَا مذ حملت عشرَة اشهر وَرُبمَا بَقِي الِاسْم عَلَيْهَا بعد ذَلِك. وَعَلِيهِ مخرج الْبَيْت لِأَنَّهُ شبه النِّسَاء فِي حاجتهن إِلَى الْجِمَاع وإبرازهن أعجازهن وإهلالهن عِنْد ذَلِك باحتياج الصعائد الَّتِي أَلْقَت أَوْلَادهَا لغير التَّمام والعشار الَّتِي ولدت ثمَّ حنت إِلَى الْفَحْل وَلذَلِك وَصفه بالبربرة والقبقبة وهما صَوت الْفَحْل وهديره عِنْد الضراب. والحوار بِكَسْر الْمُهْملَة: المحاورة والمجاوبة. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: فَلَمَّا بلغتهم الأبيات قَالُوا لِلْحَارِثِ بن وَرْقَاء: اقْتُل يساراً. فَأبى عَلَيْهِم وكساه وَأحسن إِلَيْهِ ورده مَعَ الْإِبِل إِلَى زُهَيْر فمدحه زُهَيْر بعد ذَلِك. وَلَوْلَا خوف الإطالة لأوردت جملَة مِمَّا قَالَ فِيهِ. وترجمة زُهَيْر تقدّمت فِي الشَّاهِد الثَّامِن وَالثَّلَاثِينَ بعد الْمِائَة. وَأنْشد بعده الشَّاهِد الثَّالِث عشر بعد الأربعمائة وَهُوَ من أَبْيَات الْمفصل:

الْبَسِيط هَا إنّ تا عذرةٌ إِن لم تكن نَفَعت هُوَ صدر وعجزه: على أَن الْفَصْل بَين هَا وَبَين تا بِغَيْر إِن وَأَخَوَاتهَا قَلِيل سَوَاء كَانَ الْفَاصِل قسما كَمَا تقدم أَو غَيره كَمَا هُنَا فَإِن الْفَاصِل هُنَا إِن. وتا: اسْم إِشَارَة لمؤنث بِمَعْنى هَذِه. وروى: هَا إِن ذِي عذرة. وروى أَبُو عُبَيْدَة: وَإِن هَا عذرة فَلَا شَاهد فِيهِ على رِوَايَته. وَهَذَا الْبَيْت آخر قصيدة للنابغة الذبياني مدح بهَا النُّعْمَان بن الْمُنْذر ملك الْحيرَة وَاعْتذر إِلَيْهِ فِيهَا مِمَّا افتري عَلَيْهِ. وَقد بَينا سَبَب اعتذاره فِي تَرْجَمته فِي الشَّاهِد الرَّابِع بعد الْمِائَة وَتقدم شرح أَبْيَات مِنْهَا. وَقَبله: (نبّئت أنّ أَبَا قَابُوس أوعدني ... وَلَا قَرَار على زأرٍ من الْأسد) هَا إنّ تا عذرة ... ... ... ... ... . . الْبَيْت نبئت بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول بِمَعْنى أخْبرت. وروى أنبئت. وَأَبُو قَابُوس: كنية النُّعْمَان بن الْمُنْذر. وقابوس مُعرب كاوس على وزن طَاوس: اسْم ملك من مُلُوك الْعَجم. وأوعد بِالْألف لَا يكون إِلَّا فِي الشَّرّ بِمَعْنى هددني

وزأر: مصدر زأر الْأسد بِالْهَمْز يزئر ويزأر زأراً إِذا صَوت بحنق. وَهَذَا تَمْثِيل لغضبه. وَقَوله: هَا إِن تا الخ هَا للتّنْبِيه وتا: اسْم إِشَارَة لما ذكره فِي قصيدته من يَمِينه على أَنه لم يَأْتِ بِشَيْء يكرههُ. وَهِي مُبْتَدأ خَبره عذرة. وَقَالَ بَعضهم: إِن عذرتي هَذِه عذرة. وَقَالَ الْخَطِيب التبريزي فِي شَرحه لهَذِهِ القصيدة: الْإِشَارَة للقصيدة أَي: إِن هَذِه القصيدة ذَات عذرة. والعذرة بِكَسْر الْعين اسْم للْعُذْر وَبِضَمِّهَا قَالَ صَاحب الصِّحَاح: يُقَال عذرته فِيمَا صنع أعذره عذرا وعذراً. وَالِاسْم المعذرة والعذرى. وَكَذَلِكَ الْعذرَة وَهِي مثل الرّكْبَة والجلسة. وَأنْشد هَذَا الْبَيْت. وَقَالَ صَاحب الْمِصْبَاح: عذرته فِيمَا صنع عذرا من بَاب ضرب: رفعت عَنهُ اللوم فَهُوَ) مَعْذُور أَي: غير ملوم. وَالِاسْم الْعذر وتضم الذَّال للإتباع وتسكن وَقَوله: إِن لم تكن نَفَعت روى أَيْضا: إِلَّا تكن نَفَعت. وَقَوله: إِن صَاحبهَا أَي: صَاحب الْعذرَة وَيَعْنِي بِهِ نَفسه. وتاه: الْإِنْسَان فِي الْمَفَازَة يتيه تيهاً: ضل عَن الطَّرِيق وتاه يتوه توهاً لُغَة. وَقد تيهته وتوهته وَمِنْه يستعار لمن رام أمرا فَلم يُصَادف الصَّوَاب فَيُقَال إِنَّه تائه. كَذَا فِي الْمِصْبَاح. والبلدك الْأَثر وَالْأَرْض وَقيل هُنَا بِمَعْنى الْمَفَازَة فَإِن من تحير فِي الْمَفَازَة يهْلك. وَقَالَ شَارِح ديوانه: مَعْنَاهُ لَا أُفَارِق بلدك مَا دمت ساخطاً عَليّ. وَالْمعْنَى عِنْدِي: إِن لم تقبل عُذْري وترضى عَليّ فَإِنِّي أختل حَتَّى إِنِّي أضلّ فِي الْبَلدة الَّتِي أَنا فِيهَا لما أَنا فِيهِ من عظم الدهشة الْحَاصِلَة لي من وعيدك. فَتَأمل.

وَأنْشد بعده الشَّاهِد الرَّابِع عشر بعد الأربعمائة وَهُوَ من شَوَاهِد س: الطَّوِيل (وَنحن اقْتَسَمْنَا المَال نِصْفَيْنِ بَيْننَا ... فَقلت لَهُم: هَذَا لَهَا هَا وَذَا ليا) على أَن الْفَصْل بِالْوَاو بَين هَا وَذَا قَلِيل وَالْأَصْل: وَهَذَا ليا. نقل بعض فضلاء الْعَجم فِي شرح أَبْيَات الْمفصل عَن صدر الأفاضل: إِنَّمَا جَازَ تَقْدِيم هَا على الْوَاو لِأَن هَا تبنبيه والتنبيه قد يدْخل على الْوَاو إِذا عطفت جملَة على أُخْرَى كَقَوْلِك: أَلا إِن زيدا خَارج أَلا وَإِن عمرا مُقيم. اه. قَالَ سِيبَوَيْهٍ فِي بَاب استعمالهم عَلامَة الْإِضْمَار الَّذِي لَا يُوقع موقع مَا يضمر فِي الْفِعْل قَالَ: وَكَذَلِكَ هَا أَنا ذَا وَهَا نَحن أولاء وَهَا هُوَ ذَاك وَهَا أَنْت ذَا وَهَا أَنْتُم أولاء وَهَا أنتن أولاء وَإِنَّمَا اسْتعْملت هَذِه الْحُرُوف هُنَا لِأَنَّك لَا تقدر على شَيْء من الْحُرُوف الَّتِي تكون عَلامَة فِي الْفِعْل وَلَا على الْإِضْمَار الَّذِي فِي فعل. وَزعم الْخَلِيل أَن هَا هُنَا هِيَ الَّتِي مَعَ ذَا إِذا قلت هَذَا وَإِنَّمَا أَرَادوا أَن يَقُولُوا: هَذَا أَنْت وَلَكنهُمْ جعلُوا أَنْت بَين هَا وَذَا وَأَرَادُوا أَن يَقُولُوا: أَنا هَذَا وَهَذَا أَنا فقدموا هَا وَصَارَت أَنا بَينهمَا. وَزعم أَبُو الْخطاب أَن الْعَرَب الموثوق بهم تَقول: أَنا هَذَا وَهَذَا أَنا. وَمثل مَا قَالَ الْخَلِيل فِي هَذَا قَول الشَّاعِر:) وَنحن اقْتَسَمْنَا المَال نِصْفَيْنِ بَيْننَا ... ... ... ... ... . . الْبَيْت

كَأَنَّهُ أَرَادَ أَن يَقُول: وَهَذَا لي فصير الْوَاو بَين هَا وَذَا. وَزعم أَن مثل ذَلِك: إِي هَا الله ذَا أَي: إِنَّمَا هُوَ هَذَا. وَقد تكون هَا فِي هَا أَنْت ذَا غير مُقَدّمَة وَلكنهَا تكون بمنزلتها فِي هَذَا. ويدلك على هَذَا قَوْله عَزَّ وَجَلَّ: هَا أَنْتُم هَؤُلَاءِ فَلَو كَانَت هَا هُنَا هِيَ الَّتِي تكون أَولا إِذا قلت هَؤُلَاءِ لم تعد هَا هَا هُنَا بعد أَنْتُم. وَحدثنَا يُونُس أَيْضا تَصْدِيقًا لقَوْل أبي الْخطاب أَن الْعَرَب تَقول: هَذَا أَنْت تَقول كَذَا وَكَذَا. لم يرد بقوله هَذَا أَنْت أَن يعرفهُ نَفسه كَأَنَّهُ يُرِيد أَن يُعلمهُ أَنه لَيْسَ غَيره. هَذَا محَال وَلكنه أَرَادَ أَن ينبهه كَأَنَّهُ قَالَ: الْحَاضِر عندنَا أَنْت إِذْ الْحَاضِر الْقَائِل كَذَا وَكَذَا أَنْت. وَإِن شِئْت لم تقدم هَا فِي هَذَا الْبَاب قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: ثمَّ أنتمْ هَؤُلَاءِ تَقتُلون أنفُسَكم. هَذَا نَص سِيبَوَيْهٍ ونقلناه بِطُولِهِ لِكَثْرَة فَوَائده. قَالَ الأعلم: الشَّاهِد فِي فَصله بَين هَا وَذَا بِالْوَاو وَنصب نِصْفَيْنِ على الْحَال. وَفِي هَذَا حجَّة لما أجَازه سِيبَوَيْهٍ من الْحَال فِي قَول ذِي الرمة: الطَّوِيل (ترى خلقهَا نصفٌ قناةٌ قويمةٌ ... ونصفٌ نقاً يرتجّ أَو يتمرمر) وَأطَال على الْمبرد فِي إبِْطَال جَوَازه فَإِنَّهُ قَالَ: سِيبَوَيْهٍ رفع نصف وَمَا بعده على الْقطع والابتداء وَلَو نصب على الْبَدَل أَو على الْحَال لجَاز.

وغلطه الْمبرد وَزعم أَن نصفا معرفَة لِأَنَّهُ فِي نِيَّة الْإِضَافَة فَكَأَنَّهُ قَالَ ترى خلفهَا نصفه كَذَا وَنصفه كَذَا. وَالْحجّة لسيبويه أَنه نكرَة وَإِن كَانَ متضمناً لِمَعْنى الْإِضَافَة وَلَيْسَ من بَاب كل وَبَعض لِأَن الْعَرَب قد أدخلت عَلَيْهِ الْألف وَاللَّام وثنته وَجمعته وَلَيْسَ شَيْء من ذَلِك فِي كل وَبَعض. وصف امْرَأَة فَجعل أَعْلَاهَا فِي اللطافة كالقناة وأسفلها فِي امتلائه كالنقا المرتج المتمرمر أَي: يجْرِي بعضه فِي بعض. انْتهى. وَمعنى الْبَيْت الشَّاهِد وَاضح. وَنسبه الأعلم إِلَى لبيد وَكَذَلِكَ نسبه الأندلسي فِي شرح الْمفصل إِلَيْهِ. وَأَنا لم أره فِي ديوانه. وَكَذَلِكَ قَالَ قبلي ابْن المستوفي فِي شرح أَبْيَات الْمفصل: إِنَّه لم يره فِي ديوانه. وَالله أعلم. وَأنْشد بعده: الْكَامِل هَذَا صدر وعجزه:) وبدا الَّذِي كَانَت نوار أجنّت على أَن هُنَا فِيهِ بِمَعْنى الزَّمَان أَي: لات حِين حنت فَهِيَ ظرف زمَان لأضافتها إِلَى الْجُمْلَة. قد تقدم الْكَلَام عَلَيْهِ مفصلا فِي الشَّاهِد الثَّالِث والثمانين بعد الْمِائَتَيْنِ. والحنين: نزاع النَّفس إِلَى شَيْء. ونوار اسْم امرأةٍ مَبْنِيّ على الْكسر فِي لُغَة الْجُمْهُور وَعند تَمِيم مُعرب لَا ينْصَرف. وأجنت بِالْجِيم بِمَعْنى أخفت وسترت وتاؤه وتاء حنت مكسورتان للوزن.

بَاب الْمَوْصُول أنْشد فِيهِ الشَّاهِد الْخَامِس عشر بعد الأربعمائة الطَّوِيل (وإنّي لراجٍ نظرةً قبل الَّتِي ... لعلّي وَإِن شطّت نَوَاهَا أزورها) على أَن جملَة لعَلي الخ صلَة الَّتِي بِتَقْدِير القَوْل أَي: الَّتِي أَقُول لعَلي أزورها. وَإِنَّمَا قدر أَقُول لِأَنَّهَا إنشائية لَا يَصح وُقُوعهَا صلَة فَقدر القَوْل لتَكون خبرية. وَيَنْبَغِي أَن يَقُول وَهَذَا تَخْرِيج أبي عَليّ الْفَارِسِي فِي التَّذْكِرَة القصرية قَالَ فِيهَا: قَول الفرزدق: وإنّي لراجٍ نظرةً قبل الَّتِي هُوَ على غير الظَّاهِر وتأويله الْحِكَايَة كَأَنَّهُ قَالَ: الَّتِي أَقُول فِيهَا هَذَا القَوْل. وإضمار القَوْل شَائِع كثير والحكاية مستعملة إِذا كَانَ عَلَيْهَا دَلِيل وَالدّلَالَة هُنَا قَائِمَة وَهِي أَن الصِّلَة إِيضَاح وَمَا عدا الْخَبَر لَا يُوضح. وَقَالَ أَيْضا فِي إِيضَاح الشّعْر: جَاءَ فِي هَذَا الْبَيْت للفرزدق الصِّلَة غير الْخَبَر والصلة لَا تكون إِلَّا خَبرا كَمَا أَن الصّفة كَذَلِك.

فَإِن قلت: فقد جَاءَ من الموصولة مَا وصل بِغَيْر الْخَبَر نَحْو مَا قَالُوهُ: كتبت إِلَيْهِ: أَن قُم وَبِأَن قُم قلت: ذَلِك وَإِن جَاءَ فِي أَن لَا يَسْتَقِيم فِي الَّذِي وَنَحْوه من الْأَسْمَاء لِأَن الَّذِي يَقْتَضِي الْإِيضَاح بصلته وَلَيْسَت أَن كَذَلِك. أَلا ترى أَنَّهَا حرف وَأَنه لَا يرجع إِلَيْهَا ذكر من الصِّلَة. وَهَذَا وَإِن جَاءَ فِي الْبَيْت فَإِن النَّحْوِيين يجْعَلُونَ لَعَلَّ ك لَيْت فِي أَن الْفَاء لَا تدخل على خَبَرهَا فَلَا يجيزون: لَعَلَّ الَّذِي فِي الدَّار فمنطلق كَمَا لَا يجيزكون ذَلِك فِي لَيْت.) فَإِن قلت: أحمل لَعَلَّ على الْمَعْنى لِأَنَّهُ طمع كَأَنَّهُ قَالَ: أطمع فِي زيارتها قيل لَك: فَصله أَيْضا بالتمني وَقل: الْمَعْنى الَّذِي أَتَمَنَّى وَصله بالاستفهام والنداء وَجَمِيع مَا لم يكن خَبرا وَقل: الْمَعْنى وَيجوز فِيهِ أَن تقدر قبل لعَلي فعلا وتحذفه لطول الْكَلَام فَيكون الصِّلَة الْفِعْل الَّذِي هُوَ أَقُول فِيهَا وَهُوَ خبر لَا إِشْكَال فِيهِ. وَحسن الْحَذف لطول الْكَلَام. اه. وَأوردهُ ابْن هِشَام فِي الْجُمْلَة المعترضة من الْبَاب الثَّانِي من الْمُغنِي على أَن جملَة: وَإِن شطت نَوَاهَا مُعْتَرضَة بَين لعَلي وَبَين أزورها. وصلَة الَّتِي قَول مَحْذُوف كَمَا ذكرنَا. وَذكره الْخفاف فِي شرح جمل الزجاجي على أَن أزورها صلَة الَّتِي وَفصل بَينهمَا بلعل وَإِن شطت على وَجه الِاعْتِرَاض وَيكون خبر لَعَلَّ

محذوفاً تَقْدِيره: لعَلي أبلغ ذَلِك. والفصل بَين الصِّلَة والموصول بجمل الِاعْتِرَاض جَائِز. قَالَ الشَّاعِر: الْكَامِل ذَاك الَّذِي وَأَبِيك يعرف مَالِكًا ففصل بالقسم بَين الصِّلَة والموصول. وَتَبعهُ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي فَقَالَ: ويحتم أَن هَذَا الْبَيْت من قبيل الِاعْتِرَاض بَين الْمَوْصُول وصلته على أَن تَقْدِير الصِّلَة أزورها وَيقدر خبر لعَلي محذوفاً أَي: لعَلي أفعل ذَلِك. وَهَذَا التَّخْرِيج مَأْخُوذ من كَلَام أبي عَليّ فِي إِيضَاح الشّعْر وَمَا ارتضى ظَاهره بل وَجهه فَقَالَ: فَإِن قلت: أَرَادَ بأزورها التَّقْدِيم كَأَنَّهُ قَالَ: الَّتِي أزورها قُلْنَا إِن ذَلِك لَا يَسْتَقِيم لِأَنَّهُ وَاقع وَالْوَجْه فِيهِ أَنه لما جرى أزورها خَبرا ل لَعَلَّ سد أزورها مسد الصِّلَة الَّتِي يجب أَن تكون خَبرا فَكَأَنَّهُ أَرَادَ الَّتِي أزورها فأغنى ذكر أزورها خَبرا ل لَعَلَّ عَن ذكره لَهَا قبل لَعَلَّ وَالْمعْنَى على التَّقْدِيم. وأشبه هَذَا قَوْلهم: لَو أَن زيدا جَاءَنِي فِي أَن الْفِعْل الْجَارِي فِي الصِّلَة سد مسد الْفِعْل الَّذِي يَقع قبل أَن بعد لَو وَلَوْلَا هَذَا الْفِعْل لم يجز. أَلا ترى أَنه لَا يجوز لَو مجيئك. فَكَذَلِك سد ذكره بعد لعَلي مسد ذكره قبل لعَلي. فَهَذَا وَجهه. وَلَا يَنْبَغِي أَن يُقَاس على هَذَا وَلَا يُؤْخَذ بِهِ وَكَأن الَّذِي حسن هَذَا طول الْكَلَام وَذكر الْخَبَر فِي الصِّلَة. وَقد رَأَيْت طول الصِّلَة يجوز فِيهِ مَا لَا يجوز إِذا لم تطل. اه.) وَلم يكْتب الدماميني وَلَا شَارِح شَوَاهِد الْمُغنِي على هَذَا الْبَيْت شَيْئا.

هَذَا. وَآخر الْبَيْت مغير عَن أَصله وَالرِّوَايَة الصَّحِيحَة: لعلّي وَإِن شقّت عليّ أنالها وَالْبَيْت من قصيدة لامية كَمَا يَأْتِي بَعْضهَا. وَحِينَئِذٍ يَأْتِي فِي أنالها مَا قيل فِي أزورها بل يتحتم إِضْمَار القَوْل. (وقاتلةٍ لي لم يُصِبْنِي سهامها ... رمتني على سوداءٍ قلبِي نبالها) (وإنّي لرامٍ رميةً قبل الَّتِي ... لعلّي وَإِن شقّت عليّ أنالها) (أَلا لَيْت حظّي من عليّة أنّني ... إِذا نمت لَا يسري إليّ خيالها) (فَلَا يلبث اللّيل الموكّل دونهَا ... عَلَيْهِ بتكرار اللّيالي زَوَالهَا) وَبعد هَذَا شرع فِي مدحه. وَقَوله: وقاتلة لي الخ هُوَ من الْقَتْل يَقُول: رب امْرَأَة قتلتني مَعَ أَنَّهَا لم تصبني بسهامها الْحَقِيقِيَّة لَكِنَّهَا رمت سويداء قلبِي بِنِبَالٍ عيونها فقتلتني. وَقَوله: رمتني جَوَاب رب. وَقَوله: وَإِنِّي لرام الخ يُقَال: رمى نظره نَحْو كَذَا أَي: توجه نَحوه وَرمى نَحوه رميةً إِذا قَصده قصدا. وَمِنْه الحَدِيث: لَيْسَ وَرَاء الله مرمىً أَي: مقصد ترامى إِلَيْهِ الآمال وَيُوجه نَحوه الرَّجَاء. وشطت من بَابي ضرب وَقتل. يُقَال: شطت الدَّار أَي: بَعدت. ونواها: فَاعل شطت.

والنوى مُؤَنّثَة لَا غير وَهِي الْوَجْه الَّذِي ينويه الْمُسَافِر من قرب أَو بعد. وَيجوز أَن يكون فَاعل شطت ضمير الَّتِي ونواها مَنْصُوب بِتَقْدِير فِي. هَذَا على الرِّوَايَة الأولى. وَأما شقَّتْ على الرِّوَايَة الثَّانِيَة ففاعله ضمير رمية من شقّ الْأَمر عَلَيْهِ إِذا اشْتَدَّ وَثقل عَلَيْهِ. وَمِنْه حَدِيث: لَوْلَا أَن أشق على أمتِي لأمرتهم بِالسِّوَاكِ عِنْد كل صَلَاة. وأنالها: مضارع نَالَ خيرا نيلاً أَي: أَصَابَهُ. وَقَوله: فَلَا يلبث اللَّيْل الخ قَالَ شَارِح ديوانه: يَقُول زَالَت فَذَهَبت فزوالها يهدي إِلَيّ خيالها كل لَيْلَة وزوالها لَا يحبس اللَّيْل عني فَلَا يلبث زَوَالهَا أَن يُعِيد خيالها. وَقَالَ الحرمازي: يَقُول: لَيْت حظي مِنْهَا أَن لَا يلبث اللَّيْل الْمُوكل على زَوَالهَا بالتكرار أَي: بكر) زَوَالهَا عَليّ اللَّيْل يَجْعَل اللَّيْلَة ليَالِي. وَهُوَ مثل قَوْله: الوافر (كأنّ اللّيل يحْبسهُ علينا ... ضرارٌ أَو يكرّ إِلَى نذور) أَي: كَأَنَّهُ يغور كلما كَاد يفنى. اه. وترجمة الفرزدق تقدّمت فِي الشَّاهِد الثَّلَاثِينَ. وَأنْشد بعده: الرجز جاؤوا بمذقٍ هَل رَأَيْت الذّئب قطّ على أَن الْجُمْلَة الاستفهامية وَقعت صفة ل مذق بِتَقْدِير: تَقول عِنْد رُؤْيَته: هَل رَأَيْت الخ.

(مَا زلت أسعى مَعَهم وأختبط ... حتّى إِذا جنّ الظّلام وَاخْتَلَطَ) جاؤوا بمذق الخ. يُقَال: خبطت فلَانا وأختبطته أَي: سَأَلته بِغَيْر وسيلةٍ مَا شكا قوما وَقَالَ: لم أزل طول النَّهَار أسعى مَعَهم وأسألهم شَيْئا حَتَّى إِذا أظلم اللَّيْل وَاخْتَلَطَ الظلام جاؤوني بِلَبن مخلوط بِمَاء كثير يضْرب لَونه لِكَثْرَة مَائه إِلَى لون الذِّئْب فَكل من رَآهُ يستفهم عَن رُؤْيَته الذِّئْب لِأَنَّهُ بلونه يحمل رائيه على السُّؤَال عَن الذِّئْب. وَإِنَّمَا قَالَ هَذَا لِأَن الذِّئْب مَوْصُوف بِالْوَرَقَةِ وَاللَّبن إِذا كثر مَاؤُهُ يصير أَوْرَق. والورقة بِالضَّمِّ: لون أَبيض يخالطه سَواد. وَقد تقدم الْكَلَام عَلَيْهِ مفصلا فِي الشَّاهِد السَّادِس وَالتسْعين. وَأنْشد بعده: الحافظو عَورَة الْعَشِيرَة هُوَ بعض بَيت أَصله: (الحافظو عَورَة الْعَشِيرَة لَا ... يَأْتِيهم من ورائهم وكف) على أَنه حذف بعض الصِّلَة تَخْفِيفًا وَهُوَ النُّون وَالْأَصْل الحافظون عَورَة الْعَشِيرَة. ف أل مَوْصُول اسْمِي بِمَعْنى الَّذين وَالْوَصْف الْمَجْمُوع صلته وَقد حذف بَعْضهَا وَهُوَ النُّون.

وَقد تقدم الْكَلَام عَلَيْهِ مفصلا فِي الشَّاهِد الثَّامِن وَالتسْعين بعد الْمِائَتَيْنِ من بَاب الْإِضَافَة. والعورة: الْمَكَان الَّذِي يخَاف مِنْهُ الْعَدو وَقَالَ ثَعْلَب: كل مخوف عَورَة. وَقَالَ كرَاع: عَورَة الرجل فِي الْحَرْب: ظَهره وَالْعشيرَة: الْقَبِيلَة.) والوكف بِفَتْح الْوَاو وَالْكَاف ويروى بدله نطف بِفَتْح النُّون والطاء الْمُهْملَة وَكِلَاهُمَا بِمَعْنى الْعَيْب أَي: يحفظون الْعَشِيرَة أَن يصيبهم مَا يعابون بِهِ وَلَا يضيعون مَا استحفظوا فَيلْحق الْعَشِيرَة عيب بذلك. وَأنْشد بعده الشَّاهِد السَّادِس عشر بعد الأربعمائة الطَّوِيل (بسودٍ نَوَاصِيهَا وحمرٍ أكفّها ... وصفرٍ تراقيها وبيضٍ خدودها) على أَن رُجُوع الضَّمِير من نَوَاصِيهَا على الْمَوْصُوف بسود الْمُقدر خَاص بِالضَّرُورَةِ وَالْقِيَاس: بنساء سود نَوَاصِيهَا. وَهَذَا على رِوَايَة الْبَيْت كَذَا وَأما على مَا سَيَأْتِي فمرجع الضَّمِير وصف مَذْكُور فِي بَيت قبله. ...

(لقد كنت جلدا قبل أَن توقد النّوى ... على كَبِدِي نَارا بطيئاً خمودها) (وَقد كنت أَرْجُو أَن تَمُوت صبابتي ... إِذا قدمت أيّامها وعهودها) (فقد جعلت فِي حبّة الْقلب والحشا ... عهاد الْهوى تولى بشوقٍ يُعِيدهَا) بسودٍ نَوَاصِيهَا ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... . . الْبَيْت (مخصّرة الأوساط زانت عقودها ... بِأَحْسَن ممّا زيّنتها عقودها) (يمنّيننا حتّى ترفّ قُلُوبنَا ... رفيف الخزامى بَات طلٌّ يجودها) قَالَ أَمِين الدَّين الطبرسي فِي شرح الحماسة تبعا للخطيب التبريزي: يَقُول: كنت حمولاً لحوادث الزَّمَان صبوراً عَلَيْهَا حَتَّى منيت بِفِرَاق الْأَحِبَّة وَكنت أَرْجُو أَن تسكن صبابتي وتنصرم إِذا مَال عَلَيْهَا الدَّهْر وتقادمت أَيَّامهَا أَي: أَيَّام الصبابة. والعهود: جمع عهد وَهُوَ اللِّقَاء هَا هُنَا والعهاد: جمع عهد وَهُوَ الْمَطَر فِي أول السّنة. وَرُوِيَ بِالنّصب وَالرَّفْع فالنصب على أَنه مفعول أول لجعلت وَتَوَلَّى بشوق فِي مَوضِع الْمَفْعُول الثَّانِي وَيُعِيدهَا صفة شوق. وَمعنى تولى: تمطر الْوَلِيّ وَالْوَلِيّ: المطرة الثَّانِيَة بعد الوسمي أَي: صيرت فِي حَبَّة الْقلب وأحشائه أمطار الْهوى تتجدد وتتبع بولِي من الشوق يردهَا كَمَا كَانَت.) وَالضَّمِير فِي يُعِيدهَا يرجع إِلَى عهاد. يُرِيد أَن الشوق لَا يَنْقَضِي. وَالرَّفْع على أَن يكون جعلت بِمَعْنى طفقت وَأَقْبَلت فَيكون غير مُتَعَدٍّ

ويرتفع عهاد الْهوى بِهِ. ويروى: يولي بِالْيَاءِ. وبعيدها بِالْبَاء فَاعل يولي أَي: فقد طفقت أَوَائِل هَواهَا يمطر أبعدها بشوق يجددها. وَالْبَاء فِي قَوْله: بسود يجوز أَن يتَعَلَّق بقوله: تَمُوت صبابتي وَيجوز أَن يتَعَلَّق بجعلت إِذا ارْتَفَعت عهاد الْهوى بِهِ. يُرِيد جعلت العهاد تفعل ذَلِك بِسَبَب نسَاء بِهَذِهِ الصِّفَات. مخصرة الأوساط أَي: دقيقة الخصور وقلائدهن تكتسب من التزين بِهن إِذا علقت عَلَيْهِنَّ أَكثر مِمَّا يكتسبن مِنْهَا إِذا تحلين بهَا اه. وَالْأَقْرَب أَن تتَعَلَّق الْبَاء فِي بسود بقوله: يُعِيدهَا وَهُوَ الْأَنْسَب من جِهَة الْمَعْنى. وَقَالَ الْخَطِيب التبريزي: وَإِنَّمَا جَازَ أَن يجمع حمر وسود وَغَيرهمَا وَإِن ارْتَفع مَا بعْدهَا بهَا لِأَن هَذِه الجموع لَهَا نَظَائِر فِي الْأَسْمَاء المفردة وَلَو كَانَت مَا لَا نَظِير لَهُ فِي الْوَاحِد لما جَازَ جمعه تَقول: مَرَرْت بِرِجَال ظراف آباؤهم وَلَو قلت: بِرِجَال ظريفين آباؤهم لم يجز. وَقَوله: يمنيننا يصف حسن مواعيدهن وتقريبهن أَمر الْوِصَال. حَتَّى ترف قُلُوبنَا أَي: تهتز نشاطاً وترتاح وتفرح. والخزامى بِضَم أَوله وَالْقصر: خيري الْبر. ورفيفها: اهتزازها. والطل: أثر الندى فِي الأَرْض من الْمَطَر. وَإِنَّمَا جعل الطل يجود جوداً لِأَنَّهُ يفعل فِي ري الخزامى ونعمتها مَا يفعل الْجُود فِي نَبَات الأَرْض. يُقَال: رف يرف إِذا اهتز نعْمَة ونضارة.

وَقد أورد هَذِه الأبيات بِأَكْثَرَ من هَذَا مَعَ بعض تَغْيِير السَّيِّد المرتضى فِي أَمَالِيهِ قَالَ: أخبرنَا أَبُو عبد الله المرزباني قَالَ: أنشدنا عَليّ بن سُلَيْمَان الْأَخْفَش قَالَ: أنشدنا أَحْمد بن يحيى ثَعْلَب للحسين بن مطير: الطَّوِيل (لقد كنت جلدا قبل أَن يُوقد الْهوى ... على كَبِدِي نَارا بطيئاً خمودها) (وَلَو تركت نَار الْهوى لتضرّمت ... ولكنّ شوقاً كلّ يومٍ يزيدها) (وَقد كنت أَرْجُو أَن تَمُوت صبابتي ... إِذا قدمت أيّامها وعهودها) (فقد جعلت فِي حبّة الْقلب والحشا ... عهاد الْهوى تلوي بشوقٍ يُعِيدهَا) (بمرتجّة الأرداف هيفٍ خصورها ... عذابٍ ثناياها عجافٍ قيودها) (وصفرٍ تراقيها وحمرٍ أكفّها ... وسودٍ نَوَاصِيهَا وبيضٍ خدودها)) (يمنّيننا حتّى ترفّ قُلُوبنَا ... رفيف الخزامى بَات طلٌّ يجودها) اه. وَكَذَا روى هَذِه الأبيات القالي فِي أَمَالِيهِ عَن ابْن دُرَيْد وَعَن ابْن الْأَعرَابِي. وَكتب الشريف المرتضى على قَوْله بمرتجة الأرداف ... . الْبَيْت يَعْنِي أَنَّهَا عجاف اللثات. وأصول الْأَسْنَان هِيَ قيودها. قَالَ أَبُو الْعَبَّاس ثَعْلَب: خفض عجاف لحن لِأَنَّهُ لَيْسَ من صفة النِّسَاء وسبيله أَن يكون نصبا لِأَنَّهُ حَال من الثنايا. اه. أَقُول: إِنَّمَا قَالَ ثَعْلَب ذَلِك لِأَن الضَّمِير فِي قيودها للثنايا وَهَذَا عجب مِنْهُ فَإِن بَاب جَرَيَان الصّفة على غير من هِيَ لَهُ وَاسع.

وَالْبَاء فِي قَوْله: بمرتجة مُتَعَلقَة بقوله: يُعِيدهَا وَيجوز أَن تتَعَلَّق بجعلت أَو بتموت. ومرتجة الأرداف هُوَ مرجع الضمائر الْآتِيَة بعده فَلَا يرد مَا أوردهُ الشَّارِح الْمُحَقق فِي الْبَيْت الشَّاهِد. وَقَوله: مخصرة الأوساط بِالْجَرِّ وَيجوز النصب وَالرَّفْع على الْمَدْح. وَكَذَلِكَ قَوْله: وصفر تراقيها وَالْبَيْت مَأْخُوذ من قَول مَالك بن أَسمَاء بن خَارِجَة: الْخَفِيف (وتزيدين أطيب الطّيب طيبا ... أَن تمسّيه أَيْن مثلك أَيّنَا) (وَإِذا الدّرّ زَان حسن وجوهٍ ... كَانَ للدّرّ حسن وَجهك زينا) وَقَوله: وصفر تراقيها بِالتَّنْوِينِ فِي الْمَوَاضِع الْأَرْبَعَة وتراقيها: فَاعل صفر وَكَذَلِكَ أكفها ونواصيها. والتراقي: جمع ترقوة وَهِي أعالي الصَّدْر. وصفهَا بالصفرة من الطّيب كالزعفران وَأَرَادَ بحمرة أكفها الخضاب. وَهَذَا الْبَيْت أوردهُ ابْن رَشِيق فِي الْعُمْدَة فِي بَاب الْمُطَابقَة قَالَ: أنْشد غير وَاحِد من الْعلمَاء: بسود نَوَاصِيهَا الْبَيْت. وَرَوَاهُ ابْن الْأَعرَابِي فِي نسق أَبْيَات: وصفر تراقيها وحمر أكفها ... إِلَخ. وَهَذِه الرِّوَايَة أشكل فِي الصَّنْعَة. وروى أَبُو تَمام فِي الحماسة للحسين بن مطير أَيْضا. وَيُشبه أَن يكون الْجَمِيع من قصيدة وَاحِدَة: (وَكنت أذود الْعين أَن ترد البكا ... فقد وَردت مَا كنت عَنهُ أذودها))

(خليليّ مَا بالعيش عيبٌ لَو انّنا ... وجدنَا لأيّام الصّبا من يُعِيدهَا) وروى أَبُو تَمام أَيْضا لغيره وَبَعض الروَاة يَرْوِيهَا لِابْنِ مطير أَيْضا: (ولي نظرةٌ بعد الصّدود من الجوى ... كنظرة ثَكْلَى قد أُصِيب وليدها) (هَل الله عافٍ عَن ذنوبٍ تسلّفت ... أم الله إِن لم يعف عَنْهَا معيدها) وحسين بن مطير هُوَ كَمَا قَالَ فِي الأغاني حُسَيْن بن مطير بن مكمل مولى لبني أَسد بن خُزَيْمَة ثمَّ لبني سعد بن مَالك بن ثَعْلَبَة بن دودان بن أَسد. وَكَانَ جده مكمل عبدا فَأعْتقهُ مَوْلَاهُ وحسين من مخضرمي الدولتين الأموية والعباسية. شَاعِر مُتَقَدم فِي القصيد وَالرجز فصيح قد مدح بني أُميَّة وَبني الْعَبَّاس وَكَانَ زيه وَكَلَامه يشبه مَذَاهِب الْأَعْرَاب وَأهل الْبَادِيَة ووفد على معن بن زَائِدَة لما ولي الْيمن فَلَمَّا دخل عَلَيْهِ أنْشدهُ:

الطَّوِيل (أَتَيْتُك إِذْ لم يبْق غَيْرك جابرٌ ... وَلَا واهبٌ يُعْطي اللهى والرّغائبا) فَقَالَ لَهُ معن: يَا أَخا بني أَسد لَيْسَ هَذَا بمدح إِنَّمَا الْمَدْح قَول نَهَار بن توسعة فِي مسمع بن مَالك بن مسمع: الْخَفِيف (قلّدته عرى الْأُمُور نزارٌ ... قبل أَن يهْلك السّراة البحور) قَالَ: وَأول هَذَا الشّعْر: الْخَفِيف (اظعني من هراة قد مرّ فِيهَا ... حججٌ مذ سكنتها وشهور) (اظعني نَحْو مسمعٍ تجديه ... نعم ذَا المنثني وَنعم المزور) (سَوف يَكْفِيك إِن نبت بك أرضٌ ... بخراسان إِذْ جفاك أَمِير) (من بني الْحصن عَامل بن بريحٍ ... لَا قَلِيل النّدى وَلَا منزور) (وَالَّذِي يفزع الكماة إِلَيْهِ ... حِين تدمى من الطّعان النّحور) (فَاصْطَنع يَا ابْن مالكٍ آل بكرٍ ... واجبر الْعظم إنّه مكسور)

(سلّ سيوفاً مُحدثا صقالها ... صاب على أعدائه وبالها) وَعند معن ذِي النّدى أَمْثَالهَا فاستحسنها وأجزل صلته. قَالَ الْمفضل الضَّبِّيّ: كنت يَوْمًا مُحْتَاجا إِلَى دِرْهَم وَعلي عشرَة آلَاف دِرْهَم إِذْ جَاءَنِي رَسُول الْمهْدي فَقَالَ: أجب أَمِير الْمُؤمنِينَ فتخوفته لِأَنِّي كنت خرجت عَلَيْهِ مَعَ إِبْرَاهِيم بن عبد الله بن) الْحسن فتطهرت ولبست ثَوْبَيْنِ نظيفين وصرت إِلَيْهِ. فَلَمَّا مثلت بَين يَدَيْهِ سلمت فَرد عَليّ وَأَمرَنِي بِالْجُلُوسِ فَلَمَّا سكن جأشي قَالَ لي: يَا مفضل أَي بَيت قالته الْعَرَب أَفْخَر فشككت سَاعَة ثمَّ قلت: بَيت الخنساء. وَكَانَ مُسْتَلْقِيا فَاسْتَوَى جَالِسا ثمَّ قَالَ: وَأي بَيت هُوَ قلت: قَوْلهَا: الْبَسِيط (وإنّ صخراً لتأتمّ الهداة بِهِ ... كأنّه علمٌ فِي رَأسه نَار) فَأَوْمأ إِلَى إِسْحَاق بن بزيع ثمَّ قَالَ: قد قلت لَهُ ذَلِك فَأبى. فَقلت: الصَّوَاب مَا قَالَه أَمِير الْمُؤمنِينَ. ثمَّ قَالَ: يَا مفضل أسهرني البارحة قَول ابْن مطير الْأَسدي: الطَّوِيل (وَقد تغدر الدّنيا فيضحي فقيرها ... غنيّاً ويغنى بعد بؤسٍ فقيرها) ثمَّ قَالَ: ألهذين الْبَيْتَيْنِ ثَالِث قلت: نعم يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ.

(وَكم قد رَأينَا من تغيّر عيشةٍ ... وَأُخْرَى صفا بعد اكدرار غديرها) وَكَانَ الْمهْدي رَقِيقا فاستعبر ثمَّ قَالَ: يَا مفضل كَيفَ حالك قلت: كَيفَ يكون حَال من هُوَ مَأْخُوذ بِعشْرَة آلَاف دِرْهَم فَأمر لي بِثَلَاثِينَ ألف دِرْهَم وَقَالَ: اقْضِ دينك واصلح شَأْنك فقبضتها وانصرفت. وَدخل ابْن مطير يَوْمًا على الْمهْدي فأنشده: الْبَسِيط (لَو يعبد النّاس يَا مهديّ أفضلهم ... مَا كَانَ فِي النّاس إلاّ أَنْت معبود) (أضحت يَمِينك من جودٍ مصوّرةً ... لَا بل يَمِينك مِنْهَا صوّر الْجُود) (من حسن وَجهك تبدو الأَرْض مشرقةً ... وَمن بنانك يجْرِي المَاء فِي الْعود) (لَو أنّ من نوره مِثْقَال خردلةٍ ... فِي السّود طرّاً إِذا لابيضّت السّود) فَأمر لَهُ لكل بَيت بِأَلف دِرْهَم. وَالْبَيْت الثَّالِث رَأَيْته مجروراً كَمَا هُوَ. وَمن قصيدة لَهُ فِي مدح الْمهْدي: الطَّوِيل (إِذا شَاهد القوّاد سَار أمامهم ... جريءٌ على مَا يتّقون وثوب) ...

(يعفّ ويستحيي إِذا كَانَ خَالِيا ... كَمَا عفّ واستحيا بِحَيْثُ رَقِيب) وَمن شعره الْمَشْهُور فِي رثاء معن بن زَائِدَة: الطَّوِيل) (ألمّا بمعنٍ ثمّ قولا لقبره ... سقيت الغوادي مربعًا ثمّ مربعًا) (أيا قبر معنٍ كنت أوّل حفرةٍ ... من الأَرْض خطّت للمكارم مضجعا) (أيا قبر معنٍ كَيفَ واريت جوده ... وَقد كَانَ مِنْهُ البرّ وَالْبَحْر مترعا) (بلَى قد وسعت الْجُود والجود ميتٌ ... وَلَو كَانَ حيّاً ضقت حتّى تصدّعا) (أَبى ذكر معنٍ أَن تَمُوت فعاله ... وَإِن كَانَ قد لَاقَى حَماما ومصرعا) هَذَا مَا انتخبته من الأغاني. وروى السَّيِّد المرتضى فِي أَمَالِيهِ بِسَنَدِهِ عَن مُحَمَّد بن حميد قَالَ: كُنَّا عِنْد الْأَصْمَعِي فأنشده رجل أَبْيَات دعبل: الْكَامِل (أَيْن الشّباب وأيّةً سلكا ... لَا أَيْن يطْلب ضلّ بل هلكا) ...

(لَا تعجبي يَا سلم من رجلٍ ... ضحك المشيب بِرَأْسِهِ فَبكى) (يَا سلم مَا بالشّيب منقصةٌ ... لَا سوقة يبْقى وَلَا ملكا) (قصر الغواية عَن هوى قمرٍ ... وجد السّبيل إِلَيْهِ مُشْتَركا) (لَا تأخذا بظلامتي أحدا ... قلبِي وطرفي فِي دمي اشْتَركَا) فاستحسنها كل من كَانَ حَاضرا فِي الْمجْلس وَأَكْثرُوا التَّعَجُّب من قَوْله: ضحك المشيب بِرَأْسِهِ فَبكى قَالَ الْأَصْمَعِي: إِنَّمَا أَخذ هَذَا من قَول ابْن مطير الْأَسدي: الْخَفِيف (أَيْن أهل القباب بالدّهناء ... أَيْن جيراننا على الأحساء) (جاورونا وَالْأَرْض ملبسةٌ نو ... ر الأقاحي تجاد بالأنواء) (كلّ يومٍ بأقحوانٍ جديدٍ ... تضحك الأَرْض من بكاء السّماء) (ذهبٌ حَيْثُ مَا ذَهَبْنَا ودرٌّ ... حَيْثُ درنا وفضّةٌ فِي الفضاء) وَقد أَخذه مُسلم فِي قَوْله: (مستعبرٌ يبكي على دمنةٍ ... وَرَأسه يضْحك مِنْهُ المشيب) قَالَ السَّيِّد المرتضى قدس الله روحه: وَلأبي الحجناء نصيب الْأَصْغَر مثل هَذَا الْمَعْنى: الْكَامِل (فَبكى الْغَمَام بِهِ فَأصْبح روضه ... جذلان يضْحك بالجميم ويزهر)

وَلابْن المعتز مثله: الطَّوِيل) (ألحّت عَلَيْهِ كلّ طخياء ديمةٍ ... إِذا مَا بَكت أجفانها ضحك الزذهر) (تبسّم المزن وانهلّت مدامعه ... فأضحك الرّوض جفن الضّاحك الباكي) (وغازل الشّمس نورٌ ظلّ يلحظها ... بِعَين مستعبرٍ بالدّمع ضحّاك) وَرُوِيَ عَن أبي الْعَبَّاس الْمبرد أَنه قَالَ: أَخذ ابْن مطير قَوْله: تضحك الأَرْض من بكاء السذماء من قَول دُكَيْن الراجز: الرجز (جنّ النّبات فِي ذراها وزكا ... وَضحك المزن بِهِ حتّى بَكَى) انْتهى مَا أوردهُ السَّيِّد فِي أَمَالِيهِ. وَهَذَا الْخَبَر الْمسند إِلَى الْأَصْمَعِي رَوَاهُ صَاحب الأغاني بِسَنَدِهِ إِلَى أبي الْمثنى أَحْمد بن يَعْقُوب ابْن أُخْت أبي بكر الْأَصَم وَإِنَّمَا اخترنا رِوَايَة السَّيِّد لِأَنَّهَا اشْتَمَلت على فَوَائِد. وَلم يحك صَاحب الأغاني فِي رِوَايَته إِلَّا قَوْله: لَا تعجبي يَا سلم من رجل ... ... ... ... ... . . الْبَيْت

مَعَ أَبْيَات ابْن مطير. وَأنْشد بعده الشَّاهِد السَّابِع عشر بعد الأربعمائة (وَقد يخرج اليربوع من نافقائه ... وَمن جُحْره بالشّيحة اليتقصّع) (يَقُول الخنى وَأبْغض الْعَجم ناطقاً ... إِلَى ربّنا صَوت الْحمار اليجدّع) على أَن أل الموصولة قد وصلت بالمضارع فِي ضَرُورَة الشّعْر كَمَا فِي اليتقصع واليجدع ببنائهما للْمَفْعُول. وهما من مَقْطُوعَة هِيَ سَبْعَة أَبْيَات لذِي الْخرق الطهوي قد شرحناها فِي أول شَاهد من شَوَاهِد الشَّرْح. وَالْبَيْت الثَّانِي هُوَ ثَانِي الأبيات وَالْأول هُوَ خَامِسهَا. وَكَأَنَّهُ نقل الْبَيْتَيْنِ من سر الصِّنَاعَة لِابْنِ جني فَإِنَّهُمَا كَذَا وَقعا فِيهِ وَالصَّوَاب أَيْضا فيستخرج اليربوع بِالْفَاءِ كَمَا مر. وَقد ذكر الشَّارِح الْمُحَقق هُنَا أَن حق الْإِعْرَاب فِي نَحْو الضَّارِب والمضروب إِنَّمَا هُوَ ل أل الموصولة لَكِن لما كَانَت فِي صُورَة الْحَرْف نقل إعرابها إِلَى صلتها عَارِية كَمَا فِي إِلَّا بِمَعْنى غير. وحقق أَن أَصلهمَا الضَّرْب وَالضَّرْب فكرهوا إِدْخَال اللَّام الاسمية المشابهة للحرفية لفظا وَمعنى على صُورَة الْفِعْل. فَظَاهر هَذَا الْكَلَام أَن إعرابها ينْقل أَيْضا إِلَى صلتها إِذا كَانَ فعلا لِأَن عِلّة

النَّقْل مَوْجُودَة بل وَلَو كَانَت الصِّلَة جملَة اسمية. وَعَلِيهِ فجملة: يجدع ويتقصع فِي مَحل جر على الوصفية للحمار. فَإِن قلت: أل مَبْنِيَّة وَالْبناء يُقَابل الْإِعْرَاب فَأَي إِعْرَاب نقل مِنْهَا إِلَى مَا بعْدهَا قلت: أَرَادَ أَنَّهَا فِي مَحل لَو كَانَ بدلهَا مُعرب لظهر إعرابه فإعرابها محلي. وَقد صرح ابْن هِشَام فِي تَذكرته أَن الْجُمْلَة الْوَاقِعَة صلَة لَا مَحل لَهَا من الْإِعْرَاب تطرد فِيمَا عدا نَحْو قَوْله: إنّي لَك الينذر من نيرانها فاصطل وَقَوله: من الْقَوْم الرّسول الله مِنْهُم لِأَنَّهَا فِي هَذِه حَالَة مَحل الْمُفْرد المعرب من قَوْلك: الضَّارِب والمضروب. وَبحث مثله الدماميني فِي شرح التسهيل فَقَالَ: أطْلقُوا القَوْل بِأَن جملَة الصِّلَة لَا مَحل لَهَا من الْإِعْرَاب وَيَنْبَغِي أَن يسْتَثْنى من ذَلِك الْجُمْلَة الَّتِي تقع صلَة ل أل لِأَنَّهَا وَاقعَة موقع الْمُفْرد.) وَتعقبه الشمني بِأَنا لَا نسلم أَن كل جملَة وَاقعَة موقع الْمُفْرد لَهَا مَحل من الْإِعْرَاب وَإِنَّمَا ذَلِك للواقعة موقع الْمُفْرد بِالْأَصَالَةِ وَالْوَاقِع بعد أل لَيْسَ مُفردا بطرِيق الْأَصَالَة لأَنهم قَالُوا: إِن صلَة أل فعل فِي صُورَة الِاسْم وَلِهَذَا يعْمل

بِمَعْنى الْمَاضِي وَلَو سلم فَإِنَّمَا ذَلِك للواقعة موقع الْمُفْرد الَّذِي لَهُ مَحل والمفرد الَّذِي هُوَ صلَة أل لَا مَحل لَهُ وَالْإِعْرَاب الَّذِي فِيهِ بطرِيق الْعَارِية من أل فَإِنَّهَا لما وعَلى هَذَا الْكَلَام أَيْضا يرد أَن عِلّة النَّقْل مَوْجُودَة. وَقد خطر لي بِتَوْفِيق الله تَعَالَى مَا أَرْجُو أَن يكون سديداً وَهُوَ أَن أل لما كَانَت مَبْنِيَّة وَكَانَ الْوَصْف بعْدهَا من جِنْسهَا وَهُوَ الاسمية وَكَانَ صَالحا لظُهُور الْإِعْرَاب فِيهِ حَيْثُ كَانَ غير مَشْغُول بإعراب عَامل من حَيْثُ كَونه صلَة وَكَانَ الْغَرَض ظُهُور إعرابها الْمحلي نقل إعرابها إِلَى الْوَصْف على سَبِيل الْعَارِية. وَفِي اليجدع لما كَانَ الْفِعْل مُخَالفا لَهَا فِي جِنْسهَا وَكَانَ مَشْغُولًا بإعراب عَامله وَهُوَ التجرد كَانَ غير صَالح لظُهُور إِعْرَاب آخر فِيهِ. وَلَو نقل إعرابها إِلَى الْجُمْلَة لما كَانَ يظْهر لَفظهَا لكَونه غير صَالح لَهُ. وَلَو نقلوه إِلَى محلهَا لنافى الْغَرَض وَكَانَ نقل إِعْرَاب مِمَّا لَا يظْهر فِيهِ إِلَى مَا لَا يظْهر فِيهِ وَهَذَا لَا وَجه لَهُ. فَظهر الْفرق بَين نقل إعرابها إِلَى الْوَصْف دون الْمُضَارع وَالْجُمْلَة. وَللَّه الْحَمد والْمنَّة وَالله أعلم بِالصَّوَابِ. وَأنْشد بعده الشَّاهِد الثَّامِن عشر بعد الأربعمائة (لعمري لأَنْت الْبَيْت أكْرم أَهله ... وأقعد فِي أفيائه بالأصائل)

على أَن الْكُوفِيّين جوزوا أَن يكون الِاسْم الجامد الْمُعَرّف بِاللَّامِ مَوْصُولا كَمَا قَالُوا فِي هَذَا: إِن التَّقْدِير لأَنْت الَّذِي أكْرم أَهله لكنه مَوْصُول غير مُبْهَم كَسَائِر الْأَسْمَاء الموصولة. وَعند الْبَصرِيين اللَّام غير مَقْصُود قَصده والمضارع صفة لَهُ. وَفِيه أُمُور: الأول: كَانَ يَنْبَغِي أَن يَقُول: لأَنْت الْبَيْت الَّذِي أكْرم أَهله فَإِن صَنِيعه يُوهم أَن الْبَيْت عِنْد الْكُوفِيّين بِمَعْنى الَّذِي وَهُوَ بَاطِل لم يقل بِهِ أحد وَإِنَّمَا الْمَوْصُول مَفْهُوم من اسْم الْجِنْس الْمُعَرّف بِاللَّامِ إِذا وَقع بعده فعل أَو ظرف أَو مجرور. الثَّانِي: قَوْله لكنه مَوْصُول غير مُبْهَم لم يَنْقُلهُ أحد عَنْهُم وَلَو كَانَ قَوْلهم لما رد بِهِ البصريون عَلَيْهِم كَمَا يَأْتِي. الثَّالِث: كَون الْجَواب عِنْد الْبَصرِيين بِجعْل اللَّام للْجِنْس وَالْجُمْلَة المضارعية صفة للبيت غير منحصر فِيهِ عِنْدهم كَمَا يَأْتِي أَيْضا. قَالَ ابْن الْأَنْبَارِي فِي مسَائِل الْخلاف: ذهب الْكُوفِيُّونَ إِلَى أَن الِاسْم الْمُعَرّف بِاللَّامِ يُوصل كَالَّذي وَاسْتَدَلُّوا بقوله: لعمري لأَنْت الْبَيْت أكْرم أَهله ورد البصريون عَلَيْهِم بِأَنَّهُ لَا يجوز ذَلِك لِأَن الِاسْم الظَّاهِر يدل على معنى مَخْصُوص فِي نَفسه وَلَيْسَ كَالَّذي لِأَنَّهُ لَا يدل على معنى مَخْصُوص إِلَّا بصلَة توضحه لِأَنَّهُ مُبْهَم وَإِذا لم يكن فِي مَعْنَاهُ فَلَا يجوز أَن يُقَام مقَامه.

وَأما الْبَيْت الْمَذْكُور فَلَا حجَّة لَهُم فِيهِ من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَن يكون الْبَيْت خبر الْمُبْتَدَأ الَّذِي هُوَ أَنْت وَأكْرم خَبرا آخر. وَالثَّانِي: أَن يكون الْبَيْت مُبْهما لَا يدل على مَعْهُود وأكر وَصفا لَهُ فَكَأَنَّهُ قَالَ: لأَنْت بَيت أكْرم أَهله كَمَا تَقول: إِنِّي لأمر بِالرجلِ غَيْرك وَمثلك وَخير مِنْك. انْتهى. وَاقْتصر الْخفاف فِي شرح الْجمل على الخبرية فَقَالَ: لَا حجَّة لَهُم فِيهِ لاحْتِمَال أَن يكون خَبرا ثَانِيًا لأَنْت وَيكون قَوْله: أَنْت الْبَيْت تَعْظِيمًا لَهُ أَي: الْبَيْت الْمُعظم بِمَنْزِلَة قَوْلك: أَنْت الرجل أَي: الرجل الْعَظِيم.) وَقَالَ ابْن السَّيِّد فِي شرح سقط الزند: أكْرم أَهله عِنْد الْكُوفِيّين صلَة للبيت وَعند الْبَصرِيين جملَة فِي مَوضِع الْحَال أَو فِي مَوضِع خبر مُبْتَدأ مُضْمر كَأَنَّهُ قَالَ: أَنا أكْرم أَهله وَلَو ظهر النصب فِي هَذِه الْحَال لَقلت: مكرماً أَهله أَنا لِأَنَّهَا تصير حَالا جرت على غير من هِيَ لَهُ فَيلْزم ظُهُور الْفَاعِل الْمُضمر وَالْعَامِل فِي هَذِه الْحَال مَا فِي قَوْله: لأَنْت الْبَيْت من معنى التَّعْظِيم كَمَا أَن الْعَامِل يَا جارتا مَا أَنْت جَاره مَا فِي قَوْله: مَا أَنْت من معنى التَّعْظِيم. انْتهى. وَأَجَازَ ابْن الْأَنْبَارِي أَن يكون أكْرم أَهله صلَة لموصول مَحْذُوف لَا للبيت كَأَنَّهُ قَالَ: لأَنْت الْبَيْت الَّذِي أكْرم أَهله لَكِن الْمَوْصُول حذف ضَرُورَة.

وَهَذَا الْوَجْه جَار على مَذْهَب الْكُوفِيّين إِذْ يجيزون حذف الْموصل دون صلته فِي غير ضَرُورَة وَهَذَا يأباه البصريون. قَالَ أَبُو عَليّ فِي إِيضَاح الشّعْر: لَا يجوز أَن تحذف الْمَوْصُول وَتَدَع الصِّلَة لِأَنَّهَا تذكر للتخصيص والإيضاح للموصول. وَنَظِيره: أَجْمَعُونَ فِي التوكيد لَا يجوز أَن تذكره وتحذف الْمُؤَكّد. فَإِن قلت: لم لَا يكون كالصفة والموصوف فِي جَوَاز حذف الْمَوْصُوف وَذكر الصّفة قيل: لم تكن الصِّلَة كالوصف إِذا كَانَ مُفردا أَلا ترى أَن الْوَصْف إِذا كَانَ مُفردا كَانَ كالموصوف فِي الْإِفْرَاد وَإِذا كَانَ مثله جَازَ وُقُوعه مواقع الْمَوْصُوف من حَيْثُ كَانَ مُفردا مثله مَعَ استقباح لذَلِك. فَأَما الصِّلَة فَلَا تقع مواقع الْمُفْرد من حَيْثُ كَانَت جملا كَمَا لم يجز أَن تبدل الْجُمْلَة من الْمُفْرد من حَيْثُ كَانَ الْبَدَل فِي تَقْدِير تَكْرِير الْعَامِل وَالْعَامِل فِي الْمُفْرد لَا يعْمل فِي لفظ الْجُمْلَة. فَأَما من تَأَول قَوْله: لعمري لأَنْت الْبَيْت أكْرم أَهله على تَقْدِير: لأَنْت الْبَيْت الَّذِي أكْرم أَهله وَحذف الْمَوْصُول فَلَيْسَ فِي الْبَيْت دلَالَة على هَذَا الَّذِي تَأَوَّلَه وَذَلِكَ أَنه يجوز أَن يكون أكْرم أَهله جملَة مستأنفة معطوفة على الأولى وَلم يحْتَج إِلَى حرف الْعَطف لما فِي الثَّانِيَة من ذكر مَا فِي الأولى كَقَوْلِه تَعَالَى: أُولَئِكَ أصحابُ النَّار هُم فِيهَا خالدُون. وَيجوز أَن يكون قَوْله: لأَنْت الْبَيْت على جِهَة التَّعْظِيم فَأجرى عَلَيْهِ اسْم الْجِنْس لهَذَا كَمَا تَقول: أَنْت الرجل تُرِيدُ بِهِ الْكَمَال وَالْجَلد فَكَذَلِك يكون المُرَاد بِالْبَيْتِ. أَلا ترى أَنهم قد يَقُولُونَ: لَهُ بَيت وَشرف: وَإِذا كَانَ كَذَلِك جَازَ أَن يكون أكْرم أَهله فِي مَوضِع) حَال مِمَّا فِي الْبَيْت من معنى الْفِعْل كَمَا أَن علما فِي قَوْلك: أَنْت الرجل علما وفهماً

ينْتَصب عَمَّا فِي الرجل من معنى الْكَمَال. وكما أَن جَارة فِي قَوْله: يَا جارتا مَا أَنْت جَاره ينْتَصب عَمَّا فِي مَا أَنْت من معنى التَّعْظِيم كَأَنَّهُ قَالَ: كملت فِي جال علمك وبذك غَيْرك. فَإِن قلت: فَهَل يجوز أَن يكون الْبَيْت بَدَلا من أَنْت وَيكون أكْرم فِي مَوضِع خبر الْمُبْتَدَأ كَأَنَّهُ قَالَ: إِذا أبدل الْبَيْت من أَنْت: أَنْت أكْرم أَهله أَو الْبَيْت أكْرم أَهله قلت: إِن قِيَاس قَول سِيبَوَيْهٍ عِنْدِي أَنه لَا يجوز هَذَا. أَلا ترى أَنه لم يجز فِي قَوْلهم: بِي الْمِسْكِين كَانَ الْأَمر بدل الْمِسْكِين من الْيَاء. وَإِنَّمَا لم يجز ذَلِك لِأَن الْبَدَل إِنَّمَا يذكر لضرب من التَّبْيِين فَإِذا لم يفد ذَلِك لم يستجز. والمتكلم فِي غَايَة التَّخْصِيص والتبيين فَلم يحْتَج لذَلِك فِيهِ إِلَى بدل وَإِذا كَانَ كَذَلِك فالمخاطب فِي هَذَا كالمتكلم. انْتهى كَلَام أبي عَليّ ولكثرة فَوَائده نَقَلْنَاهُ بجملته. وَقَوله: لعمري اللَّام للابتداء وعمري: مُبْتَدأ وَخَبره مَحْذُوف تَقْدِيره قسمي. أقسم بعمره. وَجُمْلَة: لأَنْت الْبَيْت الخ جَوَاب الْقسم. وَأكْرم فعل مضارع وَأَهله مفعول.

وَكتب بعض من عاصرناه فِي حَاشِيَته على شرح الْقطر للفاكهي: كَأَن الدَّاعِي للكوفيين على جعل الْبَيْت اسْما مَوْصُولا أَنه لَا يَصح الْإِخْبَار بِهِ عَن أَنْت على الظَّاهِر بجعله اسْما مُعَرفا بأل. وَيُمكن أَن يُجَاب بِأَنَّهُ على حذف مُضَاف أَي: أَنْت صَاحب الْبَيْت وَنَحْوه. وَقَوله: أكْرم فعل مضارع لِأَن الصِّلَة لَا تكون إِلَّا جملَة. فَمَا فِي بعض النّسخ من ضَبطه على صِيغَة أفعل التَّفْضِيل وإضافته إِلَى أَهله لَيْسَ كَمَا يَنْبَغِي. هَذَا كَلَامه. وَهُوَ من ضيق العطن وَعدم الِاطِّلَاع على الْمَعْنى فَإِن الْبَيْت مُسْتَعْمل فِي حَقِيقَته وَالْخطاب لَهُ فَإِن الشَّاعِر وَهُوَ أَبُو ذُؤَيْب الْهُذلِيّ. وَتَقَدَّمت تَرْجَمته فِي الشَّاهِد السَّابِع وَالسِّتِّينَ بعد أَن تغزل بِأَبْيَات خَاطب دَار حبيبته. قَالَ الإِمَام المرزوقي فِي شرح أشعار الهذليين: قَوْله: لعمري لأَنْت الْبَيْت الخ هَذَا رُجُوع من أبي ذُؤَيْب إِلَى ذكر الْبَيْت لتعظيم شَأْن أَهله. وَأَشَارَ بقوله: وأقعد فِي أفيائه إِلَى مَا كَانَ يَنَالهُ مِنْهُم فيدوم لذَلِك ملازمته لَهُ وحبه وإكرامه لسكانه. قَالَ: ويروى: وأجلس فِي أفيائه. وَلَا فضل بَين أقعد وأجلس فِي الْمَعْنى وَإِن كَانَ لكل مِنْهُمَا من) التَّصَرُّف مَا يستبد بِهِ دون صَاحبه. أَلا ترى أَنه لَا يُقَال مَعَ الْقيام إِلَّا الْقعُود وَأَنه يُقَال للزمن: هُوَ مقْعد وَبِه قعاد وَلَا يبْنى لَهُ من الْجُلُوس

مثل ذَلِك وَأَنه حُكيَ عَن أَعْرَابِي يصف رجلا: هُوَ كريم النّحاس جميل الْجلاس. وَيُقَال: فلَان الجليس بِمَعْنى النديم وهم جلساء الْملك. وَلم يكثر لهَذَا الْمَعْنى مثل هَذَا الْبناء من الْقعُود وَإِن كَانَ الْخَلِيل قد حكى: قعيد الرجل: جليسه. ونظائر هَذَا فِي اللُّغَة كَثِيرَة. وَالْبَيْت من قصيدة عدتهَا أَرْبَعَة وَعِشْرُونَ بَيْتا فَلَا بَأْس أَن تشرح فَإِن فِيهَا شَوَاهِد وَهِي هَذِه: الطَّوِيل (أساءلت رسما الدّار أم لم تسائل ... عَن السّكن أم عَن عَهده بالأوائل) (لمن طللٌ بالمنتضى غير حَائِل ... عَفا بعد عهدٍ من قطارٍ ووابل) (عَفا بعد عهد الحيّ مِنْهُم وَقد يرى ... بِهِ دعس آثَار ومبرك جامل) (وإنّ حَدِيثا مِنْك لَو تبذلينه ... جنى النّحل فِي ألبان عوذٍ مطافل) (مطافيل أبكارٍ حديثٍ نتاجها ... يشاب بماءٍ مثل مَاء المفاصل) ...

(رَآهَا الْفُؤَاد فاستضلّ ضلاله ... نيافاً من الْبيض الحسان العطابل) (فَإِن وصلت حَبل الصّفاء فدم لَهَا ... وَإِن صرمته فَانْصَرف عَن تجامل) لعمري لأَنْت الْبَيْت أكْرم أَهله ... ... ... ... الْبَيْت (وَمَا ضربٌ بَيْضَاء يأوي مليكها ... إِلَى طنفٍ أعيا براقٍ ونازل) (تهال الْعقَاب أَن تمرّ بريده ... وَتَرْمِي دروءٌ دونه بالأجادل) (تنمّى بهَا اليعسوب حتّى أقرّها ... إِلَى مألفٍ رحب المباءة عاسل) (فَلَو كَانَ حبلاً من ثَمَانِينَ قامةً ... وَتِسْعين باعاً نالها بالأنامل) (تدلّى عَلَيْهَا بالحبال موثّقاً ... شَدِيد الوصاة نابلٌ وَابْن نابل) (إِذا لسعته النّحل لم يرج لسعها ... وحالفها فِي بَيت نوبٍ عوامل) ...

(فحطّ عَلَيْهَا والضّلوع كَأَنَّهَا ... من الْخَوْف أَمْثَال السّهام النّواصل) (فشرّجها من نطفةٍ رجبيّةٍ ... سلاسلةٍ من ماءٍ لصبٍ سلاسل) (بماءٍ شنان زعزعت مَتنه الصّبا ... وجادت عَلَيْهِ ديمةٌ بعد وابل) (ويأشبني فِيهَا الألاء يلونها ... وَلَو علمُوا لم يأشبوني بطائل)) (وَلم أنّ مَا عِنْد ابْن بجرة عِنْدهَا ... من الْخمر لم تبلل لهاتي بناطل) (فَتلك الَّتِي لَا يبرح الْقلب حبّها ... وَلَا ذكرهَا مَا أرزمت أمّ حَائِل) (وحتّى يؤوب القارظان كِلَاهُمَا ... وينشر فِي الهلكي كليبٌ لِوَائِل) قَوْله: أساءلت رسم الدَّار الخ المساءلة: مفاعلة تكون من اثْنَيْنِ وَهَذَا اتساع على عَادَتهم. والسكن: جمع سَاكن مثل تَاجر وتجر. وَتَقْدِيره أساءلت رسم الدَّار عَن السكن أم عَن عَهده بالوائل أم لم تسائل إِذا جعلت عَن السكن مُتَعَلقَة بِالْفِعْلِ الأول. خَاطب نَفسه على طَرِيق التحزن والتوجع

فَقَالَ: أباحثت رسم الدَّار فَمَا وقفت عَلَيْهَا عَن أَخْبَار سكانها كَيفَ انتقلوا وَإِلَى ايْنَ صَارُوا أَو عَن مُدَّة عَهده بهم ومذ كم ارتحلوا وَمَتى سَارُوا أَو لَا. وَالسُّؤَال عَن السكن أنفسهم غير السُّؤَال عَن مُدَّة الْعَهْد بهم فَلهَذَا فرق. والأوائل هم السكن وَلَكِن فخم شَأْنهمْ بِأَن أعَاد اسمهم الظَّاهِر وَلم يقل عَن عَهده بهم ودعته القافية إِلَيْهِ أَيْضا. وَحسن ذَلِك لما لم يهجنه التكرير اخْتِلَافهمَا. وَيجوز أَن يُرِيد بالسكن الْوَحْش الَّتِي استبدلتها من قطانها قبل وَتلك الْحَالة من الدَّار مِمَّا يزِيد (يعزّ عليّ أَن يرى عوض الدّمى ... بحافاته هامٌ وبومٌ وهجرس) وَقَوله: لمن طلل الخ هَذَا وَجه آخر من التحزّن كَأَنَّهُ استنكر أَن تكون دَارهم بالحالة الَّتِي رَآهَا فَجعل سُؤَاله سُؤال من لَا يثبتها تَعْظِيمًا لِلْأَمْرِ. والمنتصي: ملتقى الواديين حَيْثُ يناصي أَحدهمَا صَاحبه. وَقَالَ الْبَاهِلِيّ: المنتصي: مَوضِع. وروى أَبُو عَمْرو: المنتضي بالضاد مُعْجمَة وَقَالَ: هُوَ مَوضِع. وَقَوله: غير حَائِل قَالَ الْبَاهِلِيّ: أَرَادَ عَفا بعد عهد من قطار ووابل وَلم يمر حول. وَالْمَشْهُور أَن يُقَال: أحَال الشَّيْء. إِذا أى عَلَيْهِ حول إِلَّا أَن بَعضهم حكى أَن حَال لُغَة فِيهِ. وَيجوز أَن يكون حَائِل بِمَعْنى متغير يُقَال: حَال الشَّيْء واحتال إِذا تغير كَأَنَّهُ كَانَ دارس الْبَعْض بَاقِي الْبَعْض فَلم يعد ذَلِك تغيراً كَامِلا وَمَتى كَانَت الرسوم بِهَذِهِ الصّفة ذكرت العهود أَشد وجددت الغموم أجد. وَلذَلِك تمنى بعض الشُّعَرَاء شُمُول الدُّرُوس عَلَيْهَا ليستريح مِنْهَا فَقَالَ: الوافر (أَلا لَيْت الْمنَازل قد بلينا ... فَلَا يرمين عَن شزن حَزينًا)

وَقَوله: بعد عهد يجوز أَن يريج بعد إِلْمَام وَيجوز أَن يكون مصدر عهِدت الرَّوْضَة إِذا أَتَى عَلَيْهَا الْعَهْد وَهُوَ كل مطر بعد مطر وَجمعه عهاد. وَقَوله: عَفا بعد عهد الْحَيّ الخ ابْتَدَأَ يبين كَيفَ عَفا وَالْمعْنَى: عَفا الطلل وَالْمَكَان بعد أَن كَانَ للحي فِيهِ عهد. والعهد: الْمنزل الَّذِي لَا يزالون إِذا بعدوا عَنهُ يرجعُونَ إِلَيْهِ كَأَنَّهُمْ تركُوا النُّزُول بِهِ وفارقوه فَعَفَا يُرِيد عَفا مِنْهُم بعد عَهدهم أَي: بعد أَن كَانُوا يعهدونه وَقد بَقِي من آثَارهم ومبارك إبلهم مَا يسْتَدلّ بِهِ على أَنه ربعهم. والدعس: شدَّة الْوَطْء. وَقَالَ أَبُو نصر: هُوَ تتَابع الْآثَار. والجامل: اسْم للْجمع يَقع على الذُّكُور وَالْإِنَاث كَالْإِبِلِ وَإِن كَانَ من لفظ الْجمل. وَقَوله: عَفا غير نؤي الخ عفت آثَار الدَّار وانمحت إِلَّا نؤياً لَا يستبان مِنْهَا وأقطاعاً من خوص الْمقل تمزقت لقدمها فتفرقت فِي الساحات وَكَثُرت بترديد الرِّيَاح لَهَا. . والنؤي: حاجز يمْنَع بِهِ السَّيْل عَن الْبَيْت والطفي واحدتها طفية. وَمعنى عَفا: درس. وعفت فِي المعاقل: كثرت. وَهَذَا من الأضداد يُقَال: عَفا الْمَكَان إِذا درس عفاءً وعفواً وعفته الرِّيَاح عفاء وعفواً. وَعَفا الشَّيْء عفوا: كثر وعفوته أَنا. والمعاقل: جمع المعقل وَهُوَ هَا هُنَا الْمنزل الَّذِي نزلوه وحفظوا مَا لَهُم فِيهِ. وَالْعقل: الْحِفْظ. وَقَوله: وَإِن حَدِيثا مِنْك الخ ترك وصف الدَّار ودروسها وَعطف إِلَى خطابها يغازلها. يَقُول: إِن حلاوة حَدِيثك لَو تفضلت بِهِ حلاوة الْعَسَل مشوباً

بِاللَّبنِ. والجنى أَصله الثَّمر المجتنى فاستعاره. والعوذ: الحديثات النِّتَاج وَاحِدهَا عَائِذ. ومطافل: جمع مطفل وَهِي الَّتِي مَعهَا طفلها. وَإِنَّمَا نكر قَوْله حَدِيثا مِنْك ليبين أَن موقع كَلَامهَا مِنْهُ على كل وَجه ذَلِك الْموقع. وَدلّ بقوله: لَو تبذلينه على تمنعها وَتعذر ذَلِك من جِهَتهَا. وَقَوله: مطافيل أبكار الخ مطافيل بدل من قَوْله عوذ مطافل وَأَشْبع فِي الْفَاء للزومها فَحدثت الْيَاء. والأبكار: الَّتِي وضعت بَطنا وَاحِدًا لِأَن ذَلِك أول نتاجها فَهِيَ أبكار وَأَوْلَادهَا أبكار ولبنها أطيب وأشهى فَلذَلِك خصّه وَجعله مزاجاً. ويشاب صفة لألبان أَي: مشوبة بِمَاء متناه فِي الصفاء. وَقيل فِي المفاصل إِنَّهَا الْمَوَاضِع الَّتِي ينْفَصل فِيهَا السهل من الْجَبَل حَيْثُ يكون الرضراض فَيَنْقَطِع المَاء بِهِ ويصفو إِذا جرى فِيهِ.) وَهَذَا قَول الْأَصْمَعِي وَأبي عَمْرو. وَاعْترض عَلَيْهِ فَقيل: هلا قَالَ بِمَاء من مياه المفاصل وَمَاله يُشبههُ بِهِ وَلَا يَجعله مِنْهُ فَقيل: هَذَا كَمَا يُقَال مثل فلَان لَا يفعل كَذَا وَالْمرَاد أَنه فِي نَفسه لَا يفعل لِأَنَّهُ أثبت لَهُ مثل يَنْتَفِي ذَلِك عَنهُ. أَلا ترى أَنه لَو جعل ذَلِك لنظيره لَكَانَ الْمَدْح لَا يعلق بِهِ وَقد علم أَن الْقَصْد إِلَى مدح. وعَلى هَذَا قد حمل قَوْله تَعَالَى: لَيْسَ كمثله شَيْء. وَقَالَ أَبُو نصر: أَرَادَ بالمفاصل مفاصل الْجَبَل حَيْثُ يقطر الوشل وَذَلِكَ أصفى من مياه المناقع والعيون. وَقيل: أَرَادَ يشاب بِمَاء كالدمع صفاء فالمفاصل شؤون الرَّأْس وَهِي تسمى مفاصل ومواصل والدمع مِنْهَا يخرج. وَهَذَا كَمَا يُقَال: جئْتُك بخمرة كَمَاء الْعين وأصفى من الدمع فالتشبيه حَاصِل فِي هَذَا الْوَجْه وَهُوَ عِنْدِي حسن وَالْمرَاد بِمَاء

الْعين الدمع لَا غير. وَقَالَ أَبُو سعيد: مَاء المفاصل الدَّم وَأَرَادَ بِالْمَاءِ الْخمر وَشبههَا بِهِ. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: مَاء المفاصل مَاء اللَّحْم الَّتِي شبه حمرته بحمرته. وعهدة هذَيْن الْقَوْلَيْنِ عَلَيْهِمَا. وَقَوله: رَآهَا الْفُؤَاد الخ أضَاف الرُّؤْيَة إِلَى الْفُؤَاد تَحْقِيقا لِلْأَمْرِ لِأَن الْعين رائد الْقلب فَكَأَنَّهَا أدْركْت بِالْعينِ أَولا ثمَّ تؤولت بالفكر فِي محاسنها ثَانِيًا فَتمكن الْحبّ بِإِعَادَة النّظر وَبسط الْفِكر. وَقَوله: فاستضل ضلاله قَالَ الْأَصْمَعِي: هُوَ كَمَا يُقَال: جن جُنُونه. وكشف هَذَا أَن للنَّفس شَهْوَة فِي المستحسنات قد تضل بهَا عِنْدهَا فتسمى تِلْكَ الشَّهْوَة ضلالا لكَونهَا سَببا فِيهِ ثمَّ إِذا غلب عَلَيْهَا شَيْء يستتبع تِلْكَ الشَّهْوَة قيل استضل ضلال فلَان أَي: طلب مِنْهُ أَن يضل فضل. وَقَالَ بَعضهم: أَرَادَ استزيد ضلاله أَي: زيد ضلاله ضلالا كَأَنَّهُ لما تفكر فِي محاسنها وَقَالَ الْأَخْفَش: هَذَا كَمَا يُقَال: خرجت خوارجه وَالْمعْنَى دواخله فسماها بِمَا آلت بِهِ فَكَذَلِك أَرَادَ استضل رشاده فَقَالَ: ضلاله لرجوعه إِلَيْهِ. وَمثله: الْبَسِيط يدعونَ حمساً وَلم يرتع لَهُم فزع أَي: لم يرتع أَمنهم. وَهَذَا كثير. وَقَوله: نيافاً نصب على الْحَال. والنياف: الطَّوِيلَة المشرفة وَمِنْه أناف على كَذَا أَي: أشرف. والعطابل: جمع عطبول بِحَذْف الزِّيَادَة مِنْهُ كَأَنَّهُ كَانَ عطبلاً وَهِي الطَّوِيلَة الْأَعْنَاق.) وَقَوله: فَإِن وصلت حَبل الخ يسْأَل عَن موقع هَذَا الْكَلَام مِمَّا قبله وَعَن زهده المسرف فِي هَذَا الْبَيْت بعد ضلاله المفرط فِي الْبَيْت الْمُتَقَدّم وَكَيف

وَجه التئامهما على تقاربهما وَهل يجوز أَن يتجلد فِي هَذَا ثمَّ يَقُول بعقبه: لعمري لأَنْت الْبَيْت أكْرم أَهله وَالْجَوَاب أَن هَذَا وفْق مَا تقدمه وَغير مُخَالف لَهُ لكنه أظهر الاستسلام لَهَا ولرأيها فَإِن وصلت حبله دَامَ على مصافاتها لَا يُشْرك أحدا فِي ودها وَإِن صرمت وده وقف عِنْد محدودها فِي الِانْصِرَاف ومرسومها لَا يسْتَعْمل مُنْكرا وَلَا يتعاطى رفثاً وَلَا هجراً. وَهَذَا من الْآدَاب المحمودة فِيمَا يجْرِي عَلَيْهِ المتحابان. وَيدل على مَا قُلْنَا إِن أَبَا ذُؤَيْب أَمر نَفسه بالدوام إِن رَأَتْ الْوَصْل والدوام على الْوَصْل زِيَادَة عَلَيْهِ وثبات فِيهِ وبالانصراف عَنْهَا على أجمله إِن رَأَتْ الصرم إِلَى أَن ترى غَيره. وَإِذا كَانَ الْأَمر كَذَلِك فَمَا أظهر زهداً فِيهَا. وَقَوله: وَمَا ضرب بَيْضَاء الخ عاود وصف الْمَرْأَة. وَالضَّرْب: الشهدة وَيُقَال: استضرب الْعَسَل إِذا خثر فصلب. وَهُوَ ضرب وضريب. وَالْعَسَل فِي لغتهم مُؤَنّثَة فَلذَلِك قَالَ بَيْضَاء. وَقَوله: يأوي مليكها أَرَادَ بِهِ اليعسوب وَهُوَ قَائِد النَّحْل وأضاف المليك إِلَى الْعَسَل توسعاً وَإِنَّمَا هُوَ مليك النَّحْل المعسلة. والطنف بِفَتْح الطَّاء وَضمّهَا: حيد نَادِر من الْجَبَل. وَالْمعْنَى: مَا عسل بَيْضَاء يأوي نحلهَا إِلَى أنف من الْجَبَل يعيي الراقي إِلَيْهِ والنازل مِنْهُ. وَقَوله: تهال الْعقَاب الخ قَالَ الْبَاهِلِيّ: الريد: شِمْرَاخ فِي الْجَبَل. وَقَالَ أَبُو نصر: الريد: مَا نتأ من الْجَبَل فَخرج مِنْهُ حرف. والدروء: جمع الدرء وَهُوَ الحيد يدْفع مَا يلاقيه. وَمِنْه تدارأ الرّجلَانِ إِذا تدافعا. وَقَالَ الْأَصْمَعِي: هُوَ الْأنف المعوج. وَالْمعْنَى: أَن ذَلِك الْجَبَل تهاب الْعقَاب من الْمُرُور بحرفه لإشرافه وعلوه واعوجاج أَطْرَافه وأنوفه.

وَقَوله: تنمى بهَا اليعسوب الخ ضمير بهَا للنحل وَلم يجر لَهَا ذكر لِأَنَّهُ يسْتَدلّ عَلَيْهَا بالقصة. يَعْنِي أَن اليعسوب يرْتَفع بالنحل حَتَّى يسكنهَا فِي مجمع لَهَا ألفته وَاسع ذِي عسل. وَإِنَّمَا قَالَ هَذَا لِأَن النَّحْل تتبع قائدها فتطير بطيرانه وَترجع بِرُجُوعِهِ. والمباءة: مرجع الْإِبِل ومبيتها الَّذِي تتبوأ فِيهِ وتأوي إِلَيْهِ فاستعاره هَا هُنَا. وَقَوله: أقرها إِلَى مألف عداهُ بإلى لِأَنَّهُ فِي معنى آواها وألجأها وهم يحملون النظير فِي التَّعْدِيَة) على النظير والنقيض على النقيض كثيرا. وَقَوله: فَلَو كَانَ حبلاً من ثَمَانِينَ الْبَيْتَيْنِ الضَّمِير الْمُؤَنَّث فِي نالها وَعَلَيْهَا للخلية المفهومة من الْمقَام وفاعل نالها. شَدِيد الوصاة وَجُمْلَة تدلى: حَال بِتَقْدِير قد وَالتَّقْدِير: نالها بالأنامل شَدِيد الوصاة نابل وَابْن نابل متدلياً عَلَيْهَا بالحبال. وَيكون موثقًا حَالا من الضَّمِير فِي تدلى. وَيجوز أَن تكون جملَة تدلى اعتراضاً بَين الْفِعْل وَالْفَاعِل وَيحسن الِاعْتِرَاض أَنه تَفْسِير لنيل المشتار للعسل كَيفَ كَانَ وعَلى أَي وَجه توصل. وروى تَقْدِيم بَيت تدلى عَلَيْهَا على بَيت فَلَو كَانَ حبلاً وَبِه يحسن الانتظام وَيصير قَوْله فَلَو كَانَ حبلاً من ثَمَانِينَ قامة وَاقعا فِي موقعه وبياناً لحذق المشتار وَحسن تَأتيه فِيمَا يعانيه حَتَّى لَا يمْتَنع عَلَيْهِ شاق منيع. وَعَلِيهِ يكون شَدِيد الوصاة فَاعل تدلى وموثقاً حَال. قَالَ الْأَصْمَعِي: أَرَادَ بشديد الوصاة الشَّديد الْحفاظ بِمَا أوصِي بِهِ. قَالَ أَبُو نصر: بَيَانه شَدِيد عِنْد الوصاة لَا يسترخي فِيهَا وَلَا يتجوز. وَقَوله: نابل وَابْن

نابل أَي: حاذق وَابْن حاذق يَعْنِي أَنه ورث صناعته عَن أسلافه ثمَّ نَشأ عَلَيْهَا وبرع فِيهَا. وَقَوله: فَلَو كَانَ حبلاً تَقْدِيره: لَو كَانَ الْحَبل الَّذِي تدلى بِهِ حبلاً طوله ثَمَانُون قامة وَتسْعُونَ باعاً. وَالْمعْنَى تدلى عَلَيْهَا وَلَو كَانَت أشق مِنْهَا مطلباً وَأبْعد منالاً لاحتال فِيهَا حَتَّى ينالها بِيَدِهِ. وَقَوله: إِذا لسعته النَّحْل الخ يرْوى: إِذا لسعته الدبر وَهُوَ كالنحل وزنا وَمعنى. يَقُول: إِذا لسعت النَّحْل هَذَا المشتار لم يخف لسعها وَلم يبال بهَا ولازمها فِي بَيتهَا حَتَّى قضى وطره من معسلها. وَمعنى لم يرج لم يخف من قَول الله تَعَالَى: إنّهم كَانُوا لَا يَرْجُونَ حِسَاباً. وكما وضعُوا الرَّجَاء مَوضِع الْخَوْف وضعُوا الْخَوْف مَوضِع الرَّجَاء. وَقَوله: وحالفها قَالَ الْأَصْمَعِي: أَي: صَار حليفها فِي بَيتهَا وَهِي نوب. وَلم يرد حالفها فِي بَيت غَيرهَا. وروى أَبُو عَمْرو: وخالفها بِالْخَاءِ مُعْجمَة. قَالَ: يُرِيد جَاءَ إِلَى عسلها من وَرَائِهَا لما سرحت فِي المراعي. والنوب: النَّحْل وَلَا وَاحِد لَهُ. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: هُوَ جمع نوبي سَموهَا بذلك لسوادها. وَقَالَ الْأَصْمَعِي: هُوَ جمع نَائِب كعائذ وعوذ. يُرِيد أَنَّهَا تخْتَلف وتجيء وَتذهب أَي: تنتاب المراعي ثمَّ تعود. وعوامل أَي:) وَقَوله: فحط عَلَيْهَا الخ يَقُول: انحدر المشتار على الخلية وَالْقلب يجب والحشاء تضطرب خوفًا مِمَّا يكابده فِي التدلي حَتَّى كَأَن ضلوعه سِهَام لَا نصال لَهَا رمي بهَا فطاشت وقلقت. والسهم الناصل: الَّذِي سقط نصله أَو قلق

يُقَال: نصلت السهْم إِذا ركبت عَلَيْهِ النصل وأنصلته فنصل إِذا نزعت نصله. وَقَوله: فشرجها من الخ أَي: جعل الْعَسَل شريجين أَي: خليطين بالمزاج الَّذِي صبه عَلَيْهَا وكل وَاحِد من الخليطين شريج. والنطفة: المَاء. وَإِنَّمَا نَسَبهَا إِلَى رَجَب لِأَن رَجَب وجمادى كَانَا فِي زمانهم من شهور الشتَاء. والسلاسلة بِالضَّمِّ: الَّتِي تتسلسل فِي الْحلق لصفائها وعذوبتها وسهولة صفاء مدخلها. وَجعلهَا من مَاء لصب بِكَسْر اللَّام وَهُوَ شقّ فِي الْجَبَل ليدل على أَنَّهَا من مَاء الْمَطَر وَأَنه تنقل فِي مضايق الطّرق وتقطع بمدارج الشقوق والنقر فتزيل الكدورة عَنهُ وتسلسل فِي جريه ومروره حَتَّى تناهى فِي مقره وربد بِالرِّيحِ فِي مستنقعه فَقَوله: سلاسل صفة لماء لصب وَأَرَادَ بِهِ رقته وَسُرْعَة مره فِي مجاريه من المسايل والمناقع. وَقَوله: بِمَاء شنان الخ رِوَايَة الْأَصْمَعِي بتنوين مَاء وإجراء شنان وَصفا لَهُ. قَالَ أَبُو نصر: وَهُوَ أحب إِلَيّ. والشنان بِضَم الْمُعْجَمَة: الْبَارِد ينشن من الْجَبَل انشناناً. وَمِنْه شن عَلَيْهِ الْغَارة. وروى أَبُو سعيد: بِمَاء شنان على الْإِضَافَة قَالَ: والشنان بِكَسْر الْمُعْجَمَة: جمع الشنة وَهِي الْقرْبَة الْخلق وَالْمَاء فِيهَا أبرد. وَقَوله: زعزعت مَتنه أَي: أَعْلَاهُ. وَقَوله: وجادت عَلَيْهِ الخ الْقَصْد فِيهِ إِلَى تَكْثِير المَاء حَتَّى يكون أصفى. وَقَوله: بأطيب من فِيهَا الخ هَذَا خبر مَا فِي قَوْله: وَمَا ضرب بَيْضَاء. وَإِذا جِئْت ظرف لطارقاً وَإِذا نَامَتْ ظرف لأشهى. وَالْمرَاد: وأشهى من فِيهَا إِذا نَامَتْ. والمشار إِلَيْهِ بإذا نَامَتْ غير الْمشَار إِلَيْهِ بإذا جِئْت يدلك

أَن الْوَقْت الَّذِي يَجِيء فِيهِ طَارق يجوز أَن يكون من أول اللَّيْل وَمن أوسطه وَآخره فَإِن الْوَقْت الَّذِي ينَام فِيهِ كلاب الأسافل يكون مَعْلُوما متميزاً عَن سَاعَات اللَّيْل. وَقد اخْتلف فِيهِ فَقَالَ بَعضهم: هُوَ أول الصُّبْح لِأَن الْكلاب إِذا تحرّك النَّاس تنام وتسكن وَمثله قَول أبي ذُؤَيْب فِي أُخْرَى: الوافر) (بأطيب من مقبّلها إِذا مَا ... دنا العيّوق واكتتم النّبوح) وَقيل الأسافل مُرَاد بِهِ أسافل الْحَيّ لِأَن مَوَاشِيهمْ لَا تبيت بل لَهَا مباءة على حِدة فرعاتها لَا ينامون إِلَّا آخر من ينَام لِأَن مِنْهُم من يربق وَمِنْهُم من يحلب وكلابهم تحرس مَعَهم فَلَا تنام إِلَّا وَقَالَ الْبَاهِلِيّ: الحواء يكون فِيهِ الْوُجُوه والأسافل يكون فِيهِ الرعاء. وَهَذَا كالبيان الأول. وَقَالَ أَبُو سعيد: الأسافل سفلَة النَّاس وَيَعْنِي بهم هُنَا الرُّعَاة وَلَيْسَ يُرَاد بِهِ أسافل الْبيُوت. وَقَالَ الْأَخْفَش: الرِّوَايَة كلاب المسافل يَعْنِي الْمَوَاضِع الَّتِي تسفل النَّاس فِيهَا. يُقَال: أتيت المسفل من مَكَّة وأتيت الْمُعَلَّى مِنْهَا وَهِي مسافلها ومعاليها وَالْمعْنَى على جَمِيع هَذِه الْوُجُوه أَن فمها أشهى مِمَّا وَصفه إِذا خلفت الأفواه وتغيرت. وَقَوله: ويأشبني فِيهَا الخ يأشبني: يلطخني ويقذفني. يُقَال: أشبه بِشَيْء إِذا قذفه بِهِ. والألاء: اسْم مَوْصُول بِمَعْنى الَّذين. وَعلم هُنَا بِمَعْنى عرف

يَقُول: لَو عرفُوا قصتي مَعهَا مَعَ تمنعها لم يَقُولُوا إِنِّي أصبت مِنْهَا طائلاً. والطائل: مَا لَهُ فضل وَقدر. وَرُوِيَ: بباطل وَالْمعْنَى: لتحرجوا من قذفي بِالْبَاطِلِ ويلونها: يقربونها. وَرُوِيَ: الألى لَا يلونها أَي: الغرباء دون أهل بَيتهَا. وَقَوله: وَلَو أَن مَا عِنْد الخ ابْن بجرة بِضَم الْمُوَحدَة وَسُكُون الْجِيم: خمار مَعْرُوف كَانَ بِالطَّائِف. والناطل هُنَا: جرعة من مَاء أَو لبن أَو نَبِيذ وَيَأْتِي بِمَعْنى الْمِكْيَال للخمر وَلَيْسَ مرَادا هُنَا. وأبلغ من هَذَا: الطَّوِيل وَقَوله: فَتلك الَّتِي لَا يبرح الخ مَا مَصْدَرِيَّة ظرفية وأرزمت بِتَقْدِيم الْمُهْملَة: حنت. والحائل: الْأُنْثَى من أَوْلَاد الْإِبِل. والسقب: الذّكر. وَالْمعْنَى: تِلْكَ الْمَرْأَة الَّتِي وصفتها هِيَ الَّتِي لَا يفارقني حبها وَذكرهَا أبدا. وَقَوله: حَتَّى يؤوب القارظان الخ الْمَعْنى: لَا يفارقني حبها حَتَّى يكون مَا لَا يكون. القارظان أَحدهمَا القارظ الْعَنزي وَهُوَ يذكر بن عنزة بن أَسد بن ربيعَة كَانَ يعشق ابْنَته فَاطِمَة خُزَيْمَة بن نهد فطلبها من أَبِيهَا فَلم يُزَوّجهَا ثمَّ خرج يذكر وَخُزَيْمَة يطلبان الْقرظ وَهُوَ ورق تدبغ بِهِ الْجُلُود الطائفية

وَمَرا بقليب فاستقيا فَسَقَطت الدَّلْو فَنزل يذكر ليخرجها فَلَمَّا صَار فِي الْبِئْر مَنعه الْحَبل وَقَالَ: زَوجنِي فَاطِمَة.) فَقَالَ: أما على هَذِه الْحَالة اقتساراً فَلَا أفعل وَلَكِن أخرجني حَتَّى أزَوجك. فَامْتنعَ وَجعل يسْأَله ويأبى حَتَّى هلك فِيهَا. والقارظ الثَّانِي: رجل من النمر بن قاسط خرج يَبْغِي قرظاً فأبعد فنهشته حَيَّة فَقتلته فَضرب الْمثل بِرُجُوعِهِ فِيمَا لَا يكون. قَالَ عمَارَة بن عقيل: الطَّوِيل (لأجزر لحمي كلب نَبهَان كَالَّذي ... دَعَا القاسطيّ حتفه وَهُوَ نازح) كَذَا ذكر الْمبرد أَن القاسطي أحد القارظين هَذَا لخصته من شرح أشعار الهذليين للْإِمَام المرزوقي. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ فِي مستقصى الْأَمْثَال: القارظ الثَّانِي: اسْمه هميم وَقيل عقبَة وَكَانَ من عنزة أَيْضا وَكَانَ يتصيد الوعول ويدبغ جلودها بالقرظ فَعرض لَهُ فِي بعض الْجبَال ثعبان فنفخه نفخة فَوَقع مِنْهَا مَيتا. انْتهى. وَأما الميداني فِي مجمع أَمْثَاله فقد قَالَ: القارظ الثَّانِي لَيْسَ لَهُ حَدِيث غير أَنه فقد فِي طلب الْقرظ واسْمه هميم. وَالله أعلم بِالصَّوَابِ. وَأنْشد بعده: وَلَقَد أمرّ على اللّئيم يسبّني

وَتقدم الْكَلَام عَلَيْهِ فِي الشَّاهِد الْخَامِس وَالْخمسين من بَاب الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر. وَأنْشد بعده الشَّاهِد التَّاسِع عشر بعد الأربعمائة: الوافر (وَلَيْسَ المَال فاعلمه بِمَال ... وَإِن أَغْنَاك إلاّ للذيّ) على أَن كسرة الْيَاء الْمُشَدّدَة من الَّذِي كسرة بِنَاء. والبيتان كَذَا رَوَاهُمَا ابْن الشجري فِي الْمجْلس الرَّابِع وَالسبْعين من أَمَالِيهِ. وَقَوله: بِمَال خبر لَيْسَ وَالْبَاء زَائِدَة وَجُمْلَة: فاعلمه مُعْتَرضَة وَكَذَلِكَ جملَة وَإِن أَغْنَاك مُعْتَرضَة وَإِن وصلية وَنقل شَارِح شَوَاهِد الموشح عَن بَعضهم أَنَّهَا نَافِيَة والمستثنى مِنْهُ مَحْذُوف تَقْدِيره لأحد. وَجُمْلَة: يُرِيد بفاعله الْمُسْتَتر صلَة الَّذِي. وروى بدله: ينَال بِهِ. ويصطفيه مَعْطُوف على يُرِيد. والْعَلَاء: بِفَتْح الْعين وَالْمدّ: مفعول يُرِيد وَهُوَ بِمَعْنى الرّفْعَة والشرف. ويصطفيه بِمَعْنى يختاره. وَقَوله: لأَقْرَب: مُتَعَلق بيصطفيه. وَإِضَافَة أقرب إِلَى أقربيه كَقَوْلِهِم: أعلم الأعلمين. والقصي: الْبعيد. يَقُول: لَيْسَ المَال فِي الْحَقِيقَة مَالا لأحد إِلَّا للَّذي يُرِيد بِسَبَبِهِ علو الدرجَة فِي الْمجد ويختاره للقريب والبعيد. وروى الْبَيْت الثَّانِي الْخفاف فِي شرح الْجمل كَذَا: ...

(تحوز بِهِ الْعَلَاء وتصطفيه ... لأَقْرَب أقربيك وللصّفيّ) بِالْخِطَابِ فِي الْمَوَاضِع الثَّلَاثَة. (وَلَيْسَ المَال فاعلمه بمالٍ ... من الأقوام إلاّ للذيّ) (يُرِيد بِهِ الْعَلَاء ويمتهنه ... لأَقْرَب أقربيه وللقصيّ) وَعَلَيْهَا فَجزم يمتهنه ضَرُورَة وَهُوَ من امتهنت الشَّيْء بِمَعْنى أهنته وحقرته. والبيتان لَا علم لي بقائلهما. وَالله أعلم. وَأنْشد بعده الشَّاهِد الْعشْرُونَ بعد الأربعمائة الرجز (واللّذ لَو شَاءَ لَكُنْت صخراً ... أَو جبلا أشمّ مشمخرّا) على أَن حذف الْيَاء من الَّذِي والاكتفاء بِكَسْر الذَّال لُغَة. والأشم من الشمم وَهُوَ الِارْتفَاع. والمشمخر: العالي المتطاول وَقيل الراسخ. وَهَذَا مَا رَوَاهُ الْخفاف وَغَيره وَرَوَاهُ ابْن الشجري فِي أَمَالِيهِ وَابْن الْأَنْبَارِي فِي مسَائِل الْخلاف: (واللّذ لَو شَاءَ لكَانَتْ برّاً ... أَو جبلا أصمّ مشمخرّا)

قَالَ شَارِح شَوَاهِد الموشح: ضمير كَانَت للدنيا أَو الأَرْض. وَالْبر: خلاف الْبَحْر. وَالْمعْنَى هُوَ الَّذِي لَو شَاءَ أَن يكون برا لَكَانَ برا وَلَو شَاءَ أَن يكون جبلا. انْتهى. وَلَا أعلم قَائِل هَذَا الْبَيْت أَيْضا وَعلمه عِنْد الله. نِهَايَة الْجُزْء الْخَامِس من تَقْسِيم محققه

وَأنْشد بعده الشَّاهِد الْحَادِي وَالْعشْرُونَ بعد الأربعمائة كاللذ تزبى زبيةً فاصطيدا على أَن حذف الْيَاء من الَّذِي وتسكين الذَّال لُغَة. قَالَ ابْن الْأَنْبَارِي فِي الْمَقْصُور والممدود: زبي وَجَمعهَا زبية وَهِي أَمَاكِن تحفر للأسد. أنْشد الْفراء: (فَكنت وَالْأَمر الَّذِي قد كيدا ... كاللذ تزبى زبيةً فاصطيدا) والزبى: أَمَاكِن مُرْتَفعَة يُقَال فِي الْمثل: قد بلغ المَاء الزبى. قَالَ العجاج: قد بلغ المَاء الزبى فَلَا غير وَقد أَخذه القالي فِي الْمَقْصُور والممدود وزاده. قَالَ: وَمن أمثالهم: قد بلغ السَّيْل الزبى يُقَال ذَلِك عِنْد شدَّة الْأَمر. وَمِنْه حَدِيث عُثْمَان: أما بعد فقد بلغ السَّيْل الزبى. وَيُقَال: إِن النَّمْل إِذا أحست بندى الأَرْض ترفعت إِلَى زباها خوفًا من السَّيْل فيستدل بذلك من فعلهَا على كَثْرَة الْمَطَر وخصب السّنة. قَالَ الْكُمَيْت

الطَّوِيل: انْتهى. وَقَالَ أَبُو فيد مؤرج بن عَمْرو السدُوسِي فِي أَمْثَاله: وَتقول الْعَرَب: قد بلغ السَّيْل الزبى وَهُوَ أَن يبلغ الْأَمر منتهاه. والزبية غير القترة. الزبية تحفر للأسد فيصاد فِيهَا وَهِي ركية بعيدَة) القعر إِذا وَقع فِيهَا لم يسْتَطع الْخُرُوج مِنْهَا لبعد قعرها يحفرونها ثمَّ يوضع عَلَيْهَا لحمٌ وَقد غموها بِمَا لَا يحملهُ فَإِذا أَتَى اللَّحْم انْهَدم غطاء الزبية. وَأما القترة والناموس والبرأة فَأَنَّهَا حفيرة يحتفرها القانص على موارد الْوَحْش ويطرح عَلَيْهَا الشّجر فَإِذا وَردت رمى من قريب. والزبية لَا يَسْتَطِيع أحدٌ نُزُولهَا لبعدها وَالرَّمْي فِيهَا أبعد من أَن يرى إِذا دَخلهَا شَيْء. حَدثنِي سعيد بن السماك بن حَرْب عَن أَبِيه عَن حَنش بن الْمُعْتَمِر قَالَ: أُتِي معَاذ بن جبل بِثَلَاثَة نفر قَتلهمْ أسدٌ فِي زبية. فَلم يدر كَيفَ يفتيهم فَسَأَلَ عَليّ بن أبي طَالب فَقَالَ: قصوا عَليّ خبركم. قَالُوا: صدنَا أسداً فِي زبية فَاجْتَمَعْنَا عَلَيْهِ فتدافع النَّاس عَلَيْهَا فرموا بِرَجُل فِيهَا فَتعلق الرجل بآخر وَتعلق الآخر بِرَجُل آخر فهوى فِيهَا ثَلَاثَتهمْ. فَقضى فِيهَا: أَن للْأولِ ربع الدِّيَة وَللثَّانِي النّصْف وللثالث الدِّيَة كلهَا. وروى الْبَيْت الأول ابْن ولاد فِي الْمَقْصُور والممدود: فظلت فِي الْأَمر الَّذِي قد كيدا

يَقُول: ظللت فِي شرٍّ من الَّذِي كدت فِي حَقه كَالَّذي عمل حُفْرَة ليصطاد فِيهَا فاصطيد وأخد. وَفِي هَذَا الْمَعْنى قَول النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: من حفر بِئْرا لِأَخِيهِ يُوشك أَن يَقع فِيهَا. وروى وَلَا تكونن من اللذ كيدا وَهُوَ ماضٍ مَجْهُول من الكيد. وتزبى: مَعْنَاهُ حفر زبية بِضَم الزَّاي الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْمُوَحدَة وَجَمعهَا زبىً. وَأما الرِّبَا بِضَم الرَّاء الْمُهْملَة فَجمع ربوة مُثَلّثَة الرَّاء وَهِي مَا ارْتَفع من الأَرْض. وَهَذَا من رجزٍ أوردهُ السكرِي فِي أشعار الهذليين لرجل من هُذَيْل وَهُوَ: (أريت إِن جَاءَت بِهِ أملودا ... مرجلاً ويلبس البرودا) أَي: إِن جَاءَت بِهِ ملكا أملوداً أملس. وَلَا ترى مَالا لَهُ معدودا أَي: لَا يعد مَاله من وجوده. (أقائلون أعجلي الشهودا ... فظلت فِي شرٍّ من اللذ كيدا) كاللذ تزبى صائداً فصيدا ويروى: فاصطيدا. وتزبى زبية: حفر زبية. يَقُول: أَرَأَيْت إِن ولدت هَذِه الْمَرْأَة رجلا هَذِه صفته أيقال لَهَا: أقيمي الْبَيِّنَة أَنَّك لم تَأتي بِهِ من غَيره.

هَذَا مَا أوردهُ السكرِي. وَيَأْتِي الْكَلَام عَلَيْهِ إِن شَاءَ الله تَعَالَى فِي نون التوكيد من آخر الْكتاب. وَأنْشد بعده) الشَّاهِد الثَّانِي وَالْعشْرُونَ بعد الأربعمائة (فَقل للت تلومك إِن نَفسِي ... أَرَاهَا لَا تعوذ بالتميم) على أَن الْيَاء حذفت من الَّتِي وَسكن تاؤها. هَذَا الْبَيْت أنْشدهُ ابْن الشجري فِي أَمَالِيهِ عَن الْفراء وَقَالَ: التميم: جمع تميمةٍ وَهِي التعويذ. وَأنْشد بعده الشَّاهِد الثَّالِث وَالْعشْرُونَ بعد الأربعمائة وَهُوَ من شَوَاهِد س الوافر: (أبني كليبٍ إِن عمي اللذا ... قتلا الْمُلُوك وفككا الأغلالا) على أَن حذف النُّون من قَوْله اللذا وَأَصله اللَّذَان تَخْفِيفًا لاستطالة الْمَوْصُول بالصلة. هَذَا قَول الْبَصرِيين. وَأما الْكُوفِيُّونَ فَحذف النُّون عِنْدهم لُغَة فِي إِثْبَاتهَا أَطَالَت الصِّلَة أم لم تطل. حَكَاهُ عَنْهُم ابْن الشجري فِي أَمَالِيهِ. قَالَ سِيبَوَيْهٍ: قَالَ رجلٌ من الْأَنْصَار المنسرح: (الحافظو عَورَة الْعَشِيرَة لَا ... يَأْتِيهم من وَرَائِنَا وكف) لم يحذف النُّون للإضافة وَلَا ليعاقب الِاسْم النُّون وَلَكِن حذفوها كَمَا حذفوها

من اللَّذين وَالَّذين حِين طَال الْكَلَام وَكَانَ الِاسْم الأول منتهاه الِاسْم الآخر. وَقَالَ الأخطل: أبني كُلَيْب إِن عمي اللذا الْبَيْت لِأَن مَعْنَاهُ الَّذين فعلوا يَعْنِي: الحافظو عَورَة الْعَشِيرَة وَهُوَ مَعَ الْمَفْعُول. بِمَنْزِلَة اسْم مُفْرد لم يعْمل (وإِن الَّذِي حانت بفلجٍ دِمَاؤُهُمْ ... هم الْقَوْم كل الْقَوْم يَا أم خَالِد) انْتهى. وَالْبَيْت من قصيدة للأخطل يفتخر بقَوْمه ويهجو جَرِيرًا. وَالْألف للنداء وَبَنُو كُلَيْب بن يَرْبُوع: رَهْط جرير. فَخر الأخطل على جرير بِمن اشْتهر من قومه من بني تغلب وساد كعمرو بن كُلْثُوم التغلبي قَاتل عَمْرو بن هندٍ ملك الْعَرَب وعصم أبي حَنش قَاتل شُرَحْبِيل بن عَمْرو بن حجر وَغَيرهم من سَادَات تغلب. والأغلال: جمع غل وَهُوَ طوقٌ من حَدِيد يَجْعَل فِي عنق الْأَسير وَقد يكون من قدٍّ وَعَلِيهِ شعر فيقمل على الْأَسير وَمِنْه قيل للْمَرْأَة السَّيئَة الْخلق: غلٍّ قملٌ بِفَتْح الْقَاف وَكسر الْمِيم أَي: ذُو قمل. أَي: إِن عميه يفكان الغل من عنق الأسراء وينجونهم من أسر أعدائهم قسراً عَلَيْهِم. قَالَ السكرِي فِي شرح ديوَان الأخطل: أحد عميه أَبُو حَنش عصم بن النُّعْمَان قَاتل

شُرَحْبِيل بن الْحَارِث بن عَمْرو بن آكل المرار يَوْم الْكلاب الأول. وَالْآخر دوكس بن الفدوكس بن مَالك بن جشم بن بكر بن حبيب بِالتَّصْغِيرِ. وَبعده:) (وأخوهما السفاح ظمأ خيله ... حَتَّى وردن جبا الْكلاب نهالا) الْكلاب بِضَم الْكَاف: اسْم ماءٍ فِيمَا بَين الْبَصْرَة والكوفة على بضع عشرَة لَيْلَة ومن الْيَمَامَة على سبع ليالٍ أَو نَحْوهَا. والجبا بِكَسْر الْجِيم بعْدهَا مُوَحدَة قَالَ السكرِي: السفاح اسْمه سَلمَة بن خَالِد بن برة الْقُنْفُذ وَهُوَ كَعْب بن زُهَيْر من بني تيم بن أُسَامَة بن بكر بن حبيب وَإِنَّمَا سمي السفاح لِأَنَّهُ لما دنا من الْكلاب عمد إِلَى مزاد أَصْحَابه فشققها وسفح ماءها وَقَالَ: لَا مَاء لكم إِلَّا مَاء الْقَوْم فَقَاتلُوا عَنهُ وَإِلَّا فموتوا عطاشا. انْتهى. وللعرب وقعتان على الْكلاب يُقَال لَهما: يَوْم الْكلاب الأول وَيَوْم الْكلاب الثَّانِي. وَقد تقدم شرح الْكلاب الثَّانِي فِي الشَّاهِد الْخَامِس وَالسِّتِّينَ وَهَذَا شرح الْيَوْم الأول بِاخْتِصَار. قَالَ الإِمَام العسكري فِي كتاب التَّصْحِيف: أما الْيَوْم الأول فَكَانَ فِي الْجَاهِلِيَّة لبني تغلب وَعَلَيْهِم سَلمَة بن الْحَارِث الْكِنْدِيّ وَمَعَهُمْ ناسٌ من بني تَمِيم قليلٌ وَفِيهِمْ سُفْيَان بن مجاشع. وَكَانَت تميمٌ يَوْمئِذٍ فرْقَتَيْن: فرقةٌ مَعَ تغلب وَفرْقَة مَعَ بكر بن وَائِل. فلقي سَلمَة بن الْحَارِث بن عَمْرو أَخَاهُ شُرَحْبِيل بن الْحَارِث وَمَعَ شُرَحْبِيل بكر بن وَائِل وَبَعض بني تَمِيم فَهزمَ أَصْحَاب شُرَحْبِيل وَقتل شُرَحْبِيل. قَالَ ابْن الْكَلْبِيّ: شُرَحْبِيل بن حَارِث الْكِنْدِيّ من ولد حجر آكل المرار: ملك بني تَمِيم وَسَلَمَة بن الْحَارِث ملك بني تغلب. انْتهى.

وَقد تجوز الأخطل فِي جعل أبي حنشٍ ودوكسٍ عميه مَعَ أَنَّهُمَا من أعمام آبَائِهِ كَمَا تجوز فِي جعل السفاح أَخا لَهما. وَالصَّوَاب مَا قَالَه ابْن قُتَيْبَة فِي تَرْجَمَة ابْن كُلْثُوم من كتاب الشُّعَرَاء: يَعْنِي بعميه عمرا وَمرَّة ابْني كُلْثُوم فَإِن عمرا قتل عَمْرو بن هِنْد وَمرَّة قتل الْمُنْذر بن النُّعْمَان بن الْمُنْذر. وَلذَلِك قَالَ الفرزدق لجرير: (مَا ضرّ تغلب وائلٍ أهجوتها ... أم بلت حَيْثُ تناطح البحران) انْتهى. وَنقل ابْن المستوفي عَن الْخَوَارِزْمِيّ أَنه قَالَ: فِي حَاشِيَة نُسْخَتي من الْمفصل: يَعْنِي بعميه ابْن هُبَيْرَة التغلبي والهذيل بن عمرَان الْأَصْغَر. قَالَ: سُئِلت كَيفَ يكونَانِ عميه وَأَحَدهمَا ابْن عمرَان وَالْآخر ابْن هُبَيْرَة أجبْت بِأَنَّهُ يحْتَمل أَن يكون أَحدهمَا عَمه وَالْآخر عَم أَبِيه أَو جده. وَكِلَاهُمَا يُسمى عَمَّا. انْتهى. وَقَالَ ابْن خلف: عماه أَبُو حَنش وَأَخُوهُ أَو رجل آخر من قومه غير أخي أبي حَنش. وَقيل: عَمه الآخر عَمْرو ابْن كُلْثُوم. انْتهى. وَأول القصيدة نسيبٌ وَهَذَا مطْلعهَا: (كذبتك عَيْنك أم رَأَيْت بواسطٍ ... غلس الظلام من الربَاب خيالا) ) (وتعرضت لَك بالأبالخ بَعْدَمَا ... قطعت بأبرق خلةً ووصالا) (وتغولت لتروعنا جنيةً ... والغانيات يرينك الأهوالا) ...

(يمددن من هفواتهن إِلَى الصِّبَا ... سَببا يصدن بِهِ الرِّجَال طوَالًا) (مَا إِن رَأَيْت كمكرهن إِذا جرى ... فِينَا وَلَا كحبالهن حِبَالًا) (المهديات لمن هوين مسَبَّة ... والمحسنات لمن قلين مقَالا) (يرعين عَهْدك مَا رأينك شَاهدا ... وَإِذا مذلت يصرن عَنْك مذالا) (وَإِذا وعدنك نائلاً أخلفنه ... وَوجدت عِنْد عداتهن مطالا) ثمَّ بعد أَرْبَعَة أَبْيَات من هَذَا النمط قَالَ: أبني كُلَيْب أَن عمي اللذا الْبَيْت وَذكر ثَلَاثَة أَيَّام أخر مِمَّا أوقع بَنو تغلب ببني تَمِيم وَهِي يَوْم الكحيل بِالتَّصْغِيرِ وَيَوْم الشرعبية وَيَوْم إراب. وَكَانَ السَّبَب فِي يَوْم الْكلاب أَن الْحَارِث بن عَمْرو الْكِنْدِيّ جد امْرِئ الْقَيْس الشَّاعِر ملك الْمدر والوبر أَرْبَعِينَ سنة وَقيل سِتِّينَ سنة وَقد كَانَ فرق بَينه فِي قبائل معدٍّ قبل مَوته فَجعل حجرا وَهُوَ أَبُو امْرِئ الْقَيْس فِي بني أَسد وكنانة وَكَانَ أسن وَلَده. وَجعل شُرَحْبِيل فِي بكر بن وَائِل وَبني حَنْظَلَة بن مَالك وَبني أسيد بن عَمْرو ابْن تَمِيم وَطَوَائِف من بني عَمْرو بن تَمِيم والرباب وَجعل ابْنه معدي كرب فِي قيس عيلان وَجعل سَلمَة وَهُوَ أَصْغَرهم فِي بني تغلب والنمر بن قاسط وَبني سعد بن زيد مَنَاة. فَلَمَّا هلك أَبُو هم الْحَارِث بن عَمْرو تشَتت أَمرهم وَتَفَرَّقَتْ كلمتهم

ومشت الرِّجَال بَينهم وتفاقم أَمرهم حَتَّى جمع كل واحدٍ مِنْهُم لصَاحبه الجموع وزحف إِلَيْهِ بالجيوش فَسَار شُرَحْبِيل فِيمَن مَعَه فَنزل الْكلاب وَأَقْبل أَخُوهُ سَلمَة فِيمَن مَعَه من بني تغلب وسعدٍ وَغَيرهمَا وَكَانَ على بني تغلب السفاح الْمَذْكُور فَالتقى الْقَوْم فَاقْتَتلُوا قتالاً شَدِيدا حَتَّى إِذا كَانَ فِي آخر النَّهَار خذلت بَنو حَنْظَلَة وَعَمْرو بن تَمِيم والرباب وَانْصَرف بَنو سعد وصبر ابْنا وَائِل: بكر وتغلب وَلَيْسَ مَعَهم أحدٌ غَيرهم حَتَّى غشيهم اللَّيْل فَنَادَى مُنَادِي شُرَحْبِيل: من أَتَانِي بِرَأْس سَلمَة فَلهُ مائَة من الْإِبِل. ونادى مُنَادِي سَلمَة كَذَلِك. وَلما انهزم بَنو حَنْظَلَة مَعَ من ذكرنَا خرج مَعَهم شُرَحْبِيل ولحقه ذُو السنينة كَانَت لَهُ سنٌّ زَائِدَة فَسُمي بذلك فَضَربهُ شُرَحْبِيل على ركبته فأطن رجله وَكَانَ ذُو السنينة أَخا أبي حَنش لأمه فَقَالَ ذُو السنينة: يَا أَبَا حَنش قتلني الرجل وَهلك سَاعَته. فَقَالَ أَبُو) حَنش: قتلني الله إِن لم أَقتلهُ فَحمل أَبُو حَنش على شُرَحْبِيل فأدركه والتفت إِلَيْهِ فَقَالَ: يَا أَبَا حَنش اللَّبن اللَّبن قَالَ: قد هرقت لَبَنًا كثيرا. فَقَالَ: يَا أَبَا حَنش أملكا بسوقة فَقَالَ: إِنَّه كَانَ ملكي. فطعنه فَأَلْقَاهُ فاحتز رَأسه فَبعث بِهِ مَعَ ابْن عَم لَهُ إِلَى سَلمَة فطرحه بَين يَدَيْهِ فَقَالَ سَلمَة: لَو كنت أَلقيته إِلْقَاء رَفِيقًا فَقَالَ: مَا صنع بِهِ وَهُوَ حيٌّ شرٌّ من هَذَا وَعرف الْقَوْم الندامة فِي وَجهه واجزع على أَخِيه فهرب أَبُو حَنش فَقَالَ سَلمَة: (أَلا أبلغ أَبَا حنشٍ رَسُولا ... فَمَا لَك أَن تَجِيء إِلَى الثَّوَاب) (تعلم أَن شَرّ النَّاس طراً ... قتيلٌ بَين أَحْجَار الْكلاب) فَأَجَابَهُ أَبُو حَنش: (أحاذر أَن أجيئك ثمَّ تحبو ... حباء أَبِيك يَوْم صنيبعات)

. (وَكَانَت غدرةً شنعاء نهفو ... تقلدها أَبوك إِلَى الْمَمَات) وَقَوله: كذبتك عَيْنك إِلَخ خطابٌ لنَفسِهِ وَفِيه حذف ألف الإستفهام أَي: أكذبتك. وَبِه اسْتشْهد بَعضهم. وَأوردهُ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي على أَن أَبَا عُبَيْدَة قَالَ: إِن أم تَأتي للإستفهام الْمُجَرّد عَن الإضراب وَقَالَ: إِن الْمَعْنى فِي الْبَيْت هَل رَأَيْت وَفِي تَفْسِير ابْن جرير عِنْد قَوْله تَعَالَى: أم تُرِيدُونَ أَن تسألوا رَسُولكُم قَالَ: أم هُنَا على الشَّك وَلكنه قَالَه ليقبح بِهِ صنيعهم كَقَوْل الأخطل: كذبتك عَيْنك الْبَيْت. والرباب: اسْم امْرَأَة. ووَاسِط هَذِه: قَرْيَة غربي الْفُرَات مُقَابل الرقة من أَعمال الجزيرة. والخابور: قرب قرقيسياء وَهِي من منَازِل بني تغلب وَلَيْسَت وَاسِط هُنَا وَاسِط الَّتِي بناها الْحجَّاج بَين الْبَصْرَة والكوفة خلافًا لشارح شَوَاهِد الْمُغنِي. نقل ياقوت فِي مُعْجم الْبلدَانِ عَن الْأسود أبي مُحَمَّد الغندجاني قَالَ: أَخْبرنِي أَبُو الندى قَالَ: للْعَرَب سَبْعَة أواسط: وَاسِط نجد وواسط الْحجاز وواسط الجزيرة. قَالَ الأخطل: كذبتك عَيْنك أم رَأَيْت بواسطٍ الْبَيْت وواسط الْيَمَامَة وواسط الْعرَاق وَهِي الَّتِي بناها الْحجَّاج فِي سنة أَربع وَثَمَانِينَ وَفرغ مِنْهَا فِي سِتّ وَثَمَانِينَ. قَالَ أَبُو الندى: وَقد أنسيت اثْنَتَيْنِ. ثمَّ قَالَ ياقوت: وواسط أَيْضا: قَرْيَة مشهورةٌ ببلخ وواسط: قَرْيَة بحلب

قرب بزاعة مَشْهُورَة عِنْدهم وبالقرب مِنْهَا قريةٌ يُقَال لَهَا الْكُوفَة. وواسط: قَرْيَة بدجيل على ثَلَاثَة فراسخ من بَغْدَاد. وواسط: قَرْيَة بالأندلس. وواسط: قريةٌ قرب مرزاباد حلَّة بني مزِيد من أَعمال بَغْدَاد يُقَال لَهَا وَاسِط مرزاباد. وواسط: قَرْيَة فِي شَرْقي) دجلة الْموصل بَينهمَا ميلان ذَات بساتين كَثِيرَة. وواسط: قَرْيَة بِالْيمن بسواحل زبيد. وواسط: مَوضِع فِي بِلَاد تَمِيم. وواسط من منَازِل بني قُشَيْر. وواسط: موضعٌ بَين العذيب والصفراء. وَغير ذَلِك. وَقَوله: وتعرضت لَك بالأبالخ هُوَ جمع بليخ بِفَتْح الْمُوَحدَة وَكسر اللَّام وَآخره خاء مُعْجمَة قَالَ أَبُو عبيد فِي مُعْجم مَا استعجم: البليخ: نهر الرقة والفرات وَبَينه وَبَين شط الْفُرَات لَيْلَة. وَجمعه بِاعْتِبَار أَجْزَائِهِ. وتغولت: تهولت. والغانية: الْمَرْأَة الَّتِي غنيت بجمالها عَن الزِّينَة. وهفواتهن: جهلهن. وَالسَّبَب: الْحَبل. والطول بِضَم الطَّاء بِمَعْنى الطَّوِيل صفة لسَبَب. ومذلت بِكَسْر الذَّال الْمُعْجَمَة. بِمَعْنى قلقت وضجرت ومذال بِكَسْر الْمِيم: جمع مذلة بِفَتْح فَسُكُون كعبلة وعبال وجعدة وجعاد بِمَعْنى قلقة ومتضجرة. والأخطل: شَاعِر نَصْرَانِيّ من شعراء الدولة الأموية وَتَقَدَّمت تَرْجَمته فِي الشَّاهِد الثَّامِن وَالسبْعين. وَقد نسب الزَّمَخْشَرِيّ فِي الْمفصل الْبَيْت الشَّاهِد للفرزدق وَنَقله الْعَيْنِيّ عَنهُ. وَهَذَا سهوٌ من قلم النَّاسِخ. وَالله أعلم.

وَأنْشد بعده الشَّاهِد الرَّابِع وَالْعشْرُونَ بعد الأربعمائة (هما اللتا لَو ولدت تَمِيم ... لقيل فخرٌ لَهُم صميم) على أَن نون اللَّتَان حذفت لاستطالة الْمَوْصُول بالصلة تَخْفِيفًا كالبيت الْمُتَقَدّم. قَالَ شرَّاح التسهيل: حذف النُّون من الَّذين واللذون واللتان: لُغَة بني الْحَارِث ابْن كَعْب وَبَعض بني ربيعَة. وأنشدوا هذَيْن الْبَيْتَيْنِ. وَالْعجب من ابْن مَالك بعد أَن قَالَ فِي التسهيل: إِنَّه يجوز حذف النُّون قَالَ فِي شَرحه: إِن حذف النُّون من هما اللتا ضَرُورَة. وهما مُبْتَدأ واللتا خَبره بِتَقْدِير مَوْصُوف أَي هما الْمَرْأَتَانِ اللَّتَان وَالْجُمْلَة الشّرطِيَّة مَعَ جوابها صلَة الْمَوْصُول والعائد مَحْذُوف لكَونه مَفْعُولا أَي: ولدتهما وَتَمِيم فَاعل ولدت وَهُوَ أَبُو قَبيلَة. والصميم: الْخَالِص النقي وَهُوَ صفةٌ للمبتدأ الَّذِي هُوَ فخرٌ وَلَهُم هُوَ الْخَبَر وَالْجُمْلَة مقول القَوْل. قَالَ ابْن الشجري: وَهَذَا الْبَيْت أنْشدهُ الْفراء. وَقَالَ الْعَيْنِيّ: هُوَ للأخطل. وَقد فتشت أَنا ديوانه فَلم أَجِدهُ فِيهِ. وَالله أعلم. وَأنْشد بعده الشَّاهِد الْخَامِس وَالْعشْرُونَ بعد الأربعمائة (قومِي اللذو بعكاظٍ طيروا شرراً ... من روس قَوْمك ضربا بالمصاقيل) على أَنه قد تحذف النُّون من اللذون.

وعكاظ بِضَم الْعين الْمُهْملَة وبالتنوين بِاعْتِبَار أَنه اسْم مَكَان. قَالَ أَبُو عبيد فِي مُعْجم مَا استعجم: عكاظ: صحراء مستوية لَا علم فِيهَا وَلَا جبل إِلَّا مَا كَانَ من الأنصاب الَّتِي كَانَت بهَا فِي الْجَاهِلِيَّة وَبهَا من دِمَاء الْإِبِل كالأرحاء الْعِظَام. وَكَانَت عكاظ ومجنة وَذُو الْمجَاز أسواقاً لمَكَّة فِي الْجَاهِلِيَّة. قَالَ مُحَمَّد بن حبيب: عكاظ بِأَعْلَى نجد قريبٌ من عَرَفَات. وَقَالَ غَيره: عكاظ وَرَاء قرن الْمنَازل بمرحلةٍ من طَرِيق صنعاء وَهِي من عمل الطَّائِف وعَلى بريدٍ مِنْهَا وأرضها لبني نصر واتخذت سوقاً بعد الْفِيل بِخمْس عشرَة سنة وَتركت عَام خرجت الحرورية بِمَكَّة مَعَ الْمُخْتَار بن عَوْف سنة تسع وَعشْرين وَمِائَة إِلَى هَلُمَّ جراً. قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: عكاظ فِيمَا بَين نَخْلَة والطائف وَكَانَ سوق عكاظ يقوم صبح هِلَال ذِي الْقعدَة عشْرين يَوْمًا وسوق مجنة تقوم عشرَة أَيَّام بعده وسوق ذِي الْمجَاز تقوم هِلَال ذِي الْحجَّة. ثمَّ قَالَ: وعكاظٌ مشتقٌ من قَوْلك: عكظت الرجل عكظاً إِذا قهرته بحجته لأَنهم كَانُوا يتعاكظون هُنَاكَ بالفخر. وَكَانَت بعكاظٍ وقائع مرّة بعد مرّة. وَذكر أَبُو عُبَيْدَة أَنه كَانَ بعكاظ أَرْبَعَة أَيَّام: يَوْم شمطة وَيَوْم العبلاء وَيَوْم شرب وَيَوْم الحريرة وَهِي كلهَا من عكاظ قَالَ: فشمطة من عكاظ هُوَ الْموضع الَّذِي نزلت فِيهِ قُرَيْش وحلفاؤها من بني كنَانَة

بعد يَوْم نَخْلَة وَهُوَ أول يَوْم اقْتَتَلُوا فِيهِ من أَيَّام الْفجار بحولٍ على مَا تواعدت عَلَيْهِ مَعَ هوزان وحلفائها من ثَقِيف وَغَيرهم فَكَانَ يَوْم شمطة لهوازن على كنَانَة وقريش وَلم يقتل من قُرَيْش أحدٌ يذكر واعتزلت بكر بن عبد مَنَاة بن كنَانَة إِلَى جبلٍ يُقَال لَهُ دخم فَلم يقتل مِنْهُم أحد. وَقَالَ خِدَاش بن زُهَيْر: (بِأَنا يَوْم شمطة قد أَقَمْنَا ... عَمُود الدَّين إِن لَهُ عمودا) ثمَّ التقى الْأَحْيَاء المذكورون على رَأس الْحول من يَوْم شمطة بالعبلاء إِلَى جنب عكاظ فَكَانَ لهوزان أَيْضا على قُرَيْش وكنانة. قَالَ خِدَاش بن زُهَيْر: (ألم يبلغكم أَنا جدعنا ... لَدَى العبلاء خندف بالقياد) (ضربناهم بِبَطن عكاظ حَتَّى ... توَلّوا طالعين من النجاد) ثمَّ الْتَقَوْا على رَأس الْحول وَهُوَ الْيَوْم الرَّابِع من يَوْم نَخْلَة بِشرب وشربٌ من عكاظ. وَلم يكن) بَينهم يومٌ أعظم مِنْهُ. فحافظت قُرَيْش وكنانة وَقد كَانَ تقدم لهوزان عَلَيْهِم يَوْمَانِ وَقيد أَبُو سُفْيَان وحربٌ ابْنا أُميَّة وَأَبُو سُفْيَان بن حَرْب أنفسهم وَقَالُوا: لَا يبرح منا رجلٌ مَكَانَهُ حَتَّى يَمُوت أَو يظفر فانهزمت هوَازن وَقيس كلهَا إِلَّا بني نصر فَإِنَّهَا صبرت مَعَ ثَقِيف. وَذَلِكَ أَن عكاظ بلدهم لَهُم فِيهِ نخل وأموال فَلم يغنوا شَيْئا ثمَّ انْهَزمُوا وَقتلت هوَازن يومئذٍ قتلا ذريعاً. قَالَ أُميَّة بن الأسكر الْكِنَانِي:

(أَلا سَائل هوان يَوْم لاقوا ... فوارس من كنَانَة معلمينا) (لَدَى شربٍ قد جاشوا وجشنا ... فأوعب فِي النفير بَنو أَبينَا) وَقَالَ: ثمَّ الْتَقَوْا على رَأس الْحول بالحريرة وَهِي حرةٌ إِلَى جنب عكاظ مِمَّا يَلِي مهب جنوبها فَكَانَ لهوازن على قُرَيْش وكنانة. والشرر بِفتْحَتَيْنِ هُوَ إِمَّا جمع شررة وَهُوَ مَا يتطاير من النَّار وَكَذَلِكَ الشرار والشرارة وَإِمَّا مصدر شررت يَا رجل بِفَتْح الرَّاء وَكسرهَا شرا وشرراً من الشَّرّ نقيض الْخَيْر. وَقَوله: من روس قَوْمك هُوَ بِحَذْف الْهمزَة من رُؤُوس. وَقَوله: ضربا إِمَّا مَنْصُوب بِنَزْع الْخَافِض أَي: بضربٍ وَإِمَّا مَنْصُوب بعاملٍ محذوفٍ حَال من الْوَاو فِي طيروا أَي: يضْربُونَ ضربا أَو ضاربين ضربا. والمصاقيل: جمع مصقول من الصقل وَهُوَ جلاء الْحَدِيد وتحديده أَي: جعله قَاطعا. أَرَادَ كل آلَة حديدٍ من السِّلَاح مثل السَّيْف والسنان. وَالْبَيْت لأمية بن الأسكر الْكِنَانِي. وَلم أَقف على مَا قبله وَلَا مَا بعده.

وَأُميَّة كَمَا قَالَ صَاحب الأغاني: أُميَّة بن حرثان بن الأسكر بن عبد الله بن سرابيل الْمَوْت بن زهرَة بن زبينة بن جندع بن لَيْث بن بكر بن عبد مَنَاة ابْن كنَانَة بن خُزَيْمَة بن مدركة بن إلْيَاس بن مُضر بن نزار. شاعرٌ فَارس مخضرم أدْرك الْجَاهِلِيَّة وَالْإِسْلَام. وَكَانَ من سَادَات قومه وفرسانهم وَله أيامٌ مأثورة مَذْكُورَة. وَابْنه كلاب بن أُميَّة أَيْضا أدْرك النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فَأسلم مَعَ أَبِيه ثمَّ هَاجر إِلَى النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ. وروى صَاحب الأغاني بِسَنَدِهِ إِلَى الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة بن الزبير قَالَ: هَاجر كلاب بن أُميَّة بن الأسكر إِلَى الْمَدِينَة فِي خلَافَة عمر بن الْخطاب فَأَقَامَ بهَا مُدَّة ثمَّ لَقِي ذَات يومٍ طَلْحَة بن عبيد الله وَالزُّبَيْر بن الْعَوام فَسَأَلَهُمَا: أَي الْأَعْمَال أفضل فِي الْإِسْلَام فَقَالَا: الْجِهَاد. فَسَأَلَ عمر فأغزاه فِي جَيش وَكَانَ أَبوهُ قد كبر وَضعف فَلَمَّا طَالَتْ غيبَة كلابٍ عَنهُ قَالَ:) (لمن شَيْخَانِ قد نشدا كلابا ... كتاب الله لَو قبل الكتابا) (أناديه فَيعرض فِي إباءٍ ... فَلَا وَأبي كلابٍ مَا أصابا) ...

(إِذا سجعت حمامة بطن وجٍّ ... إِلَى بيضاتها دعوا كلابا) (أَتَاهُ مهاجران تكنفاه ... فَفَارَقَ شَيْخه خطئاً وخابا) (تركت أَبَاك مرعشةً يَدَاهُ ... وأمك مَا تسيغ لَهَا شرابًا) (تمسح مهدة شفقاً عَلَيْهِ ... وتجنبه أباعرها الصعابا) (فَإنَّك وابتغاء الْأجر بعدِي ... كباغي المَاء يتبع السرابا) قَالَ: تجنبه وتجنبه وَاحِد من قَول الله تَعَالَى: واجنبني وَبني أَن نعْبد الْأَصْنَام. فبلغت أبياته عمر رَضِي الله فَلم يردد كلابا وَطَالَ مقَامه فأهتر أُميَّة وخلط جزعاً عَلَيْهِ ثمَّ أَتَاهُ يَوْمًا وَهُوَ فِي مَسْجِد رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وَحَوله الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَار. فَوقف عَلَيْهِ وَأَنْشَأَ يَقُول:

(فإمَّا كنت عاذلتي فردي ... كلاباً إِذْ توجه للعراق) (وَلم أقض اللبانة من كلابٍ ... غَدَاة غَدا وآذن بالفراق) (فَتى الفتيان فِي عسرٍ ويسرٍ ... شَدِيد الرُّكْن فِي يَوْم التلاقي) (فَلَا وَأَبِيك مَا باليت وجدي ... وَلَا شغفي عَلَيْك وَلَا اشتياقي) (وإبقائي عَلَيْك إِذا شتونا ... وضمك تَحت نحري واعتناقي) (فَلَو فلق الْفُؤَاد شَدِيد وجدٍ ... لَهُم سَواد قلبِي بانفلاق) (سأستعدي على الْفَارُوق رَبًّا ... لَهُ دفع الحجيج إِلَى بساق) (وأدعو الله مُجْتَهدا عَلَيْهِ ... بِبَطن الأخشبين إِلَى دفاق) ...

(إِن الْفَارُوق لم يردد كلاباً ... إِلَى شيخين هامهما زواقي) قَالَ: فَبكى عمر بكاء شَدِيدا وَكتب إِلَى سعد بن أبي وَقاص بِالْكُوفَةِ يَأْمُرهُ بإقفال كلاب بن أُميَّة إِلَى الْمَدِينَة فَلَمَّا دخل عَلَيْهِ قَالَ لَهُ: مَا بلغ من برك بأبيك قَالَ: كنت أوثره وأكفيه أمره وَكنت أعْتَمد إِذا أردْت أَن أحلب لَهُ لَبَنًا أغزر ناقةٍ فِي أبله وأسمنها فأريحها فأتركها حَتَّى تَسْتَقِر ثمَّ أغسل أخلافها حَتَّى تبرد ثمَّ أحلب لَهُ فأسقيه. فَبعث عمر إِلَى أُميَّة فجَاء يتهادى وَقد ضعف بَصَره وانحنى فَقَالَ لَهُ: كَيفَ أَنْت يَا أَبَا كلاب فَقَالَ: كَمَا ترى يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ.) قَالَ: فَهَل لَك من حَاجَة قَالَ: نعم أشتهي أَن أرى كلاباً فأشمه شمةً وأضمه ضمةً قبل أَن أَمُوت فَبكى عمر وَقَالَ: ستبلغ فِي هَذَا مَا تحب إِن شَاءَ الله ثمَّ أَمر كلاباً أَن يحتلب لِأَبِيهِ نَاقَة كَمَا كَانَ يفعل وَيبْعَث إِلَيْهِ بلبنها. فَفعل فَنَاوَلَهُ عمر الْإِنَاء وَقَالَ: دُونك هَذَا يَا أَبَا كلاب. فَلَمَّا أَخذه وَأَدْنَاهُ إِلَى فَمه قَالَ: لعمر الله يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِنِّي لأشم رَائِحَة يَدي كلاب من هَذَا الْإِنَاء. فَبكى عمر وَقَالَ لَهُ: هَذَا كلابٌ عنْدك حَاضر قد جئْنَاك بِهِ. فَوَثَبَ إِلَى إبنه فضمه إِلَيْهِ وَقَبله وَجعل عمر يبكي وَمن حَضَره وَقَالَ لكلاب: الزم أَبَوَيْك فَجَاهد فيهمَا مَا بقيا ثمَّ شَأْنك بِنَفْسِك بعدهمَا. وَأمر لَهُ بعطائه وَصَرفه إِلَى أَبِيه فَلم يزل مَعَه مُقيما حَتَّى مَاتَ أَبَوَاهُ. وَأخْبرنَا الْحسن بن عَليّ قَالَ: حَدثنَا الْحَارِث عَن الْمَدَائِنِي قَالَ: لما مَاتَ أُميَّة بن الأسكر عَاد ابْنه كلاب إِلَى الْبَصْرَة فَكَانَ يَغْزُو مَعَ الْمُسلمين مِنْهَا مغازيهم وَشهد فتوحاً كَثِيرَة. وَبَقِي إِلَى أَيَّام زِيَاد فولاه الأبلة فَسمع كلابٌ يَوْمًا عُثْمَان بن

أبي الْعَاصِ يحدث إِلَى دَاوُد نَبِي الله عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يجمع أَهله فِي السحر فَيَقُول: ادعوا ربكُم فَإِن فِي السحر سَاعَة لَا يَدْعُو فِيهَا عبدٌ مُؤمن إِلَّا غفر لَهُ إِلَّا أَن يكون عشاراً أَو عريفاً. فَلَمَّا سمع ذَلِك كلابٌ كتب إِلَى زيادٍ فاستعفاه من عمله فأعفاه. قَالَ الْمَدَائِنِي: وَلم يزل كلابٌ بِالْبَصْرَةِ حَتَّى مَاتَ. والمربعة الْمَعْرُوفَة بمربعة كلابٍ بِالْبَصْرَةِ منسوبة إِلَيْهِ. قَالَ: وَعمر أُميَّة بن الأسكر عمرا طَويلا حَتَّى خرف. وَكَذَلِكَ قَالَ أَبُو حَاتِم فِي كتاب المعمرين. وَلم يذكر مَا مِقْدَار عمره وَفِي أَي سنةٍ أسلم وَفِي أَي سنةٍ مَاتَ. وَالله أعلم. وَنقل صَاحب الأغاني عَن أبي عمرٍ والشَّيْبَانِيّ أَن كلاب بن أُميَّة هَاجر إِلَى النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فَقَالَ فِيهِ أَبوهُ شعرًا فَأمره النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بصلَة أَبِيه وملازمة طَاعَته. ثمَّ قَالَ: هَذَا خطأ من أبي عَمْرو وَإِنَّمَا أمره بذلك عمر. وَذكره ابْن حجر فِي قسم الصَّحَابَة ثمَّ قَالَ: إِنَّمَا لم أؤخره إِلَى المخضرمين لقَوْل أبي عمرٍ والشَّيْبَانِيّ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي بَقِيَّة الْأَخْبَار مَا يَنْفِيه فَهُوَ على الِاحْتِمَال وَلَا سِيمَا من رجل كناني من جيران قُرَيْش. اه. وَذكر الذَّهَبِيّ أُميَّة هَذَا فِي التَّجْرِيد وَقَالَ: فِي صحبته نظر. قَالَ ابْن حجر: الأسكر بِالسِّين الْمُهْملَة فِيمَا صَوبه الجياني. وَضَبطه ابْن عبد الْبر بِالْمُعْجَمَةِ.

تَتِمَّة الشَّاهِد الْمَشْهُور فِيمَا بَين النَّحْوِيين لقَولهم: اللذون هُوَ قَوْله: (نَحن اللذون صبحوا الصباحا ... يَوْم النخيل غَارة ملحاحا) قِطْعَة من أرجوزة أوردهَا أَبُو زيد فِي نوادره وَقَالَ: هِيَ لأبي حَرْب الأعلم من بني عقيل بِالتَّصْغِيرِ وَهُوَ شاعرٌ جاهلي. وبعدهما:) (نَحن قتلنَا الْملك الجحجاحا ... وَلم نَدع لسارحٍ مراحا) (وَلَا ديارًا أَو دَمًا مفاحا ... نَحن بَنو خويلدٍ صراحا) لَا كذب الْيَوْم وَلَا مراحا قَوْله: أَو دَمًا مفاحا أَو فِي معنى وَاو الْعَطف. والمفاح: المهراق. يُقَال: فاح دَمه وأفاح جَمِيعًا يفيح فيحاً ويفيح إفاحةً. لم يعرف الرياشي وَلَا أَبُو حَاتِم: أفاح. لَا كذب الْيَوْم وَلَا مراحا أَي: بِضَم الْمِيم قَالَ أَبُو حَاتِم: مراحا بِكَسْر الْمِيم وبالراء الْمُهْملَة وَهُوَ النشاط. قَالَ أَبُو زيد: أفحت دَمه ففاح يفيح فيحاناً. والجحجاح: السَّيِّد. هَذَا مَا فِي النَّوَادِر. والنخيل بِالتَّصْغِيرِ: عين ماءٍ قرب الْمَدِينَة على مشرفها الصَّلَاة وَالسَّلَام وموضعٌ من نواحي الشَّام. وَلم يذكر أَبُو عبيد فِي مُعْجم مَا استعجم هَذَا اللَّفْظ وَلَا ذَا النخيل وَهُوَ مَوضِع قرب مَكَّة وَمَوْضِع قرب حَضرمَوْت. قَالَه الصغاني فِي الْعباب.

وخلط الْعَيْنِيّ بَينهمَا فَقَالَ: نخيل: أَرْبَعَة مَوَاضِع. ثمَّ ذكر معنييهما. والغارة: اسمٌ من الإغارة على الْعَدو وملحاحاً صفة غَارة وَلم يؤنثه لعدم اعْتِبَار تَأْنِيث الْمصدر لِأَنَّهُ فِي تَأْوِيل أَن وَالْفِعْل وَهَذَا لَا يَتَّصِف بتأنيث أَو لِأَنَّهُ بِمَعْنى النِّسْبَة أَي: ذَات إلحاح كَقَوْلِه تَعَالَى: السَّمَاء منفطرٌ بِهِ أَي: ذَات انفطار. وَهُوَ من ألح الْمَطَر إِذا دَامَ. والسارح: المَال السائم. والمراح بِالضَّمِّ: اسْم مكانٍ من أراح إبِله إِذا ردهَا إِلَى المراح وَهُوَ حَيْثُ تأوي إِلَيْهِ الْإِبِل وَالْغنم بِاللَّيْلِ وَلَا يكون ذَلِك إِلَّا بعد الزَّوَال. وصراح بِالْكَسْرِ: جمع صَرِيح وَهُوَ الْخَالِص فِي النّسَب ككرامٍ جمع كريم. وروى الْعَيْنِيّ عَن الصَّاغَانِي فِي الْعباب أَن الرجز لليلى الأخيلية فِي قتل دهر الْجعْفِيّ وَأَن الرِّوَايَة كَذَا: (لَا كذب الْيَوْم وَلَا مراحا ... قومِي اللَّذين صبحوا الصباحا) (يَوْم النخيل غَارة ملحاحا ... مذْحج فاجتحناهم اجتياحا) فَلم نَدع لسارحٍ مراحا إِلَى آخر الأبيات. وَعَلَيْهَا لَا شَاهد فِيهِ. وأنواح: جمع نوح بِفَتْح النُّون. ومذحج بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة بعد الذَّال الْمُعْجَمَة

الساكنة: قبيلةٌ كَبِيرَة. فاجتحناهم من الإجتياح بِتَقْدِيم الْجِيم على الْحَاء الْمُهْملَة وَهُوَ الإهلاك والاستئصال. وصبحه بِمَعْنى أَتَاهُ صباحاً. وغارة مفعول لأَجله. وَقَالَ الْعَيْنِيّ وَيجوز أَن يكون حَالا من الْوَاو فِي صبحوا. وَقد فتشت هَذَا الرجز بِجَمِيعِ مواد أَلْفَاظه فِي الْعباب فَلم أرى لَهُ فِيهِ أثرا وَلم أدر من أَي مَادَّة نَقله. وَالله أعلم. وَأنْشد بعده) الشَّاهِد السَّادِس وَالْعشْرُونَ بعد الأربعمائة وَهُوَ من شَوَاهِد س: (وَإِن الَّذِي حانت بفلجٍ دِمَاؤُهُمْ ... هم الْقَوْم كل الْقَوْم يَا أم خَالِد) على أَن أَصله: وَإِن الَّذين وحذفت النُّون مِنْهُ تَخْفِيفًا. وَقد تقدم نَص سِيبَوَيْهٍ فِي هَذَا الْبَيْت عِنْد شرح قَوْله: أبني كُلَيْب إِن عمي اللذا الْبَيْت قبل هَذَا ببيتين. قَالَ الأعلم: الشَّاهِد فِيهِ حذف النُّون من اللَّذين اسْتِخْفَافًا وَالدَّلِيل على أَنه أراوبة الْجمع قَوْله دِمَاؤُهُمْ وَيجوز أَن يكون الَّذِي وَاحِدًا. يُؤَدِّي عَن الْجمع لإبهامه وَيكون الضَّمِير مَحْمُولا على الْمَعْنى فَيجمع كَمَا قَالَ جلّ وَعز: وَالَّذِي جَاءَ بِالصّدقِ وَصدق بِهِ أُولَئِكَ هم المتقون. رثى قوما قتلوا بفلج وَهُوَ موضعٌ بِعَيْنِه كَانَت فِيهِ وقْعَة. اه.

وَأوردهُ ابْن جني فِي الْمُحْتَسب عِنْد قِرَاءَة من قَرَأَ: والمقيمي الصَّلَاة بِالنّصب قَالَ: أَرَادَ المقيمين فَحذف النُّون تَخْفِيفًا. أَو شبه ذَلِك باللذين فِي قَوْله: فَإِن الَّذِي حانت بفلجٍ دِمَاؤُهُمْ الْبَيْت وَأوردهُ صَاحب الْكَشَّاف أَيْضا عِنْد قَوْله تَعَالَى: آلم ذَلِك الْكتاب على أَن السُّورَة الْمُسَمَّاة ب آلم هُوَ الْكتاب لكماله حَتَّى كَأَن مَا عداهُ من الْكتب بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ لَا يسْتَحق أَن يُسمى كتابا من بَاب حصر الْجِنْس فِي بعض أَفْرَاده على حد قَوْلك: زيد هُوَ الرجل أَي: الْكَامِل فِي الرجولية. وَلما كَانَ ذَلِك مستبعداً فِي الأوهام أَتَى بِمَا صرح بِهِ بحصر كل الْجِنْس فِي الْفَرد الْكَامِل فِي قَوْله: هم الْقَوْم كل الْقَوْم يَا أم خَالِد إِزَالَة لذَلِك الْوَهم. وَالْمعْنَى: إِن اللَّذين هَلَكُوا بِهَذَا الْموضع هم الْقَوْم وَالرِّجَال الكاملون فاعلمي ذَلِك وابكي عَلَيْهِم يَا أم خَالِد. قَالَ الواحدي: قَوْلهم يَا أم خَالِد وَيَا ابْنة الْقَوْم هُوَ من عَادَة الْعَرَب بِهَذَا الْخطاب للنِّسَاء لحثهن على الْبكاء. وكل الْقَوْم صفة للْقَوْم دلَالَة على كمالهم. وَبِه أوردهُ ابْن هِشَام فِي كل من الْمُغنِي. والحين بِالْفَتْح: الْهَلَاك. وحان الرجل: هلك. وأحانه الله أهلكه. ودماؤهم: فَاعل حانت. وَمعنى حانت دِمَاؤُهُمْ: لم يُؤْخَذ لَهُم بدية وَلَا قصاص. وفلج بِفَتْح الْفَاء وَسُكُون اللَّام وَآخره جِيم. قَالَ أَبُو عبيد فِي مُعْجم مَا استعجم: هُوَ موضعٌ فِي بِلَاد بني مَازِن وَهُوَ فِي طَرِيق الْبَصْرَة إِلَى مَكَّة وَفِيه منَازِل للحجاج. وَقَالَ الزّجاج: هُوَ مَاء لبني العنبر) وَمَا بَين الْحِيَل إِلَى

المجازة. وَقَالَ ياقوت فِي مُعْجم الْبلدَانِ: قَالَ أَبُو مَنْصُور: فلجٌ اسْم بلد وَمِنْه قيل لطريق يُؤْخَذ من طَرِيق الْبَصْرَة إِلَى الْيَمَامَة: طَرِيق فلج. وَأنْشد: وَإِن الَّذِي حانت بفلج دِمَاؤُهُمْ وَقَالَ غَيره: فلج وادٍ بَين الْبَصْرَة وَحمى ضرية من منَازِل عدي بن جُنْدُب بن العنبر بن عَمْرو بن تَمِيم من طَرِيق مَكَّة. وبطن وادٍ يفرق بَين الْحزن والصمان يسْلك مِنْهُ طَرِيق الْبَصْرَة إِلَى مَكَّة وَمِنْه إِلَى مَكَّة أربعٌ وَعِشْرُونَ مرحلة. وَهَذَا الْبَيْت أنْشدهُ الجاحظ فِي الْبَيَان والتبيين بِدُونِ وَاو مَعَ بَيْتَيْنِ بعده للأشهب بن رميلة وهما: (هم ساعد الدَّهْر الَّذِي يتقى بِهِ ... وَمَا خير كفٍّ لَا ينوء بساعد) (أسود شرى لاقت أسود خُفْيَة ... تساقوا على حردٍ دِمَاء الأساود) ...

(هم كَاهِل الدَّهْر الَّذِي يتقى بِهِ ... ومنكبه إِن كَانَ للدهر منْكب) وأنشده الْآمِدِيّ فِي المؤتلف والمختلف للأشهب بن رميلة أَيْضا مَعَ الْبَيْت الثَّانِي فَقَط وَهُوَ: هم ساعد الدَّهْر إِلَّا أَنه أنْشدهُ: فَإِن الَّذِي بِالْفَاءِ. وَقد أنْشد الأبيات الثَّلَاثَة أَحْمد بن أبي سهل بن عَاصِم الْحلْوانِي فِي كتاب أَسمَاء الشُّعَرَاء المنسوبين إِلَى أمهاتهم إِلَّا أَنه أنْشد الْبَيْت الأول كَذَا: إِن الَّتِي مارت بفلجٍ دِمَاؤُهُمْ وَعَلِيهِ لَا شَاهد فِيهِ وَمن خطه نقلت. فَيكون بِتَقْدِير: إِن الْجَمَاعَة الَّتِي مارت أَي: ساحت وَجَرت. يُقَال: مار الدَّم على وَجه الأَرْض. وينوء. بِمَعْنى ينْهض. وَفِي مُعْجم مَا استعجم: قَالَ الْأَصْمَعِي: الشرى: أَرض فِي جِهَة الْيمن وَهِي مأسدة. وَأنْشد هَذَا الْبَيْت. قَالَ أَبُو الْفَتْح: لَام الشرى ياءٌ لِأَنَّهَا مَجْهُولَة وَالْيَاء أغلب على اللَّام من الْوَاو. قَالَ: وَكَذَلِكَ رَأَيْته فِي الْخط الْعَتِيق مَكْتُوبًا بِالْيَاءِ. اه. وَقَالَ صَاحب الصِّحَاح: والشرى: طريقٌ فِي سلمى كَثِيرَة الْأسد. وخفية بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَكسر الْفَاء قَالَ صَاحب الصِّحَاح: قَوْلهم أسود خُفْيَة كَقَوْلِهِم: أسود غابة وهما مأسدتان. وَقَالَ صَاحب المعجم: خُفْيَة: اسْم غيضة ملتفة تتخذها الْأسد عريسة. كَذَا قَالَ الْخَلِيل وَأنْشد هَذَا الْبَيْت. وحرد بِفَتْح الْحَاء وَسُكُون الرَّاء الْمُهْمَلَتَيْنِ: مصدر حرد من بَاب

ضرب بِمَعْنى قصد وَبِمَعْنى غضب من بَاب فَرح أَيْضا. وَدِمَاء: مفعول تساقوا أَي: سقِِي كلٌّ مِنْهُمَا دم الأساود. وَهُوَ إِمَّا جمع أسود على أفعل وَهُوَ الْعَظِيم من الْحَيَّات وَفِيه سَواد. وَهُوَ اسمٌ لَهُ وَلَو كَانَ وَصفا لجمع على فعل بِالضَّمِّ. وَإِمَّا جمع أسود بِالضَّمِّ وَهُوَ جمع أَسد فَيكون) جمع الْجمع. وَالْمرَاد بالأساود الشجعان وَهُوَ عبارةٌ عَنْهُم وَعَن أخصامهم. وَقَالَ الْعَيْنِيّ وَتَبعهُ السُّيُوطِيّ: الأساود: جمع أَسْوِدَة وأسودةٌ: جمع سَواد والسواد: الشَّخْص وَأَرَادَ بالأساود شخوص الْمَوْتَى. وروى سمام بدل دِمَاء وَقَالَ: هُوَ جمع سمٍّ. فَالْمُنَاسِب على هَذِه الرِّوَايَة تَفْسِير الأساود بالحيات. وروى أَبُو تَمام الْبَيْت الشَّاهِد فِي كتاب مُخْتَار أشعار الْقَبَائِل آخر أبياتٍ خمسةٍ لحريث بن محفض وَهِي: (ألم تَرَ أَنِّي بعد عمرٍ وومالكٍ ... وَعُرْوَة وَابْن الهول لست بِخَالِد) (وَكَانُوا بني سَادَاتنَا فَكَأَنَّمَا ... تساقوا على لوحٍ دِمَاء الأساود) (وَمَا نَحن إِلَّا مثلهم غير أننا ... كمنتظرٍ ظمأً وَآخر وَارِد) هم ساعد الدَّهْر الَّذِي يتقى بهم وَمَا خير كفٍّ لَا تنوء بساعد فَإِن الألى حانت بفلجٍ دِمَاؤُهُمْ ... ... ... ... ... . . الْبَيْت والألى بِمَعْنى اللَّذين وعَلى هَذِه الرِّوَايَة أَيْضا لَا شَاهد فِيهِ.

واللوح بِفَتْح اللَّام وَسُكُون الْوَاو آخِره حاء مُهْملَة: الْعَطش. والظمء بِكَسْر الظَّاء المشالة وَسُكُون الْمِيم بعْدهَا همزَة: اسْم الزَّمَان الَّذِي يكون بَين الشربتين لِلْإِبِلِ من الظمأ بِفَتْح الْمِيم وَهُوَ الْعَطش. وَآخر: ضد أول مَعْطُوف على منتظر. أما الْأَشْهب بن رميلة فَهُوَ شاعرٌ إسلامي مخضرم أدْرك الْجَاهِلِيَّة وَالْإِسْلَام أسلم وَلم تعرف لَهُ صُحْبَة واجتماعٌ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وَلِهَذَا أوردهُ ابْن حجر فِي قسم المخضرمين من الْإِصَابَة. ورميلة: اسْم أمه وَهِي بِضَم الرَّاء الْمُهْملَة وَفتح الْمِيم. وَذكره المرزباني فِي مُعْجم الشُّعَرَاء فِي حرف الزاء الْمُعْجَمَة. قَالَ صَاحب الأغاني: هُوَ الْأَشْهب بن ثَوْر بن أبي حَارِثَة بن عبد المدان بن جندل بن نهشل بن دارم بن عَمْرو بن تَمِيم. وَفِي المؤتلف والمختلف وَفِي كتاب الشُّعَرَاء المنسوبين إِلَى أمهاتهم: الْمُنْذر بدل عبد المدان. وَفِي مُخْتَصر الجمهرة لياقوت ابْن عبد الْمُنْذر. وَالله أعلم. ورميلة أمه وَهِي أمةٌ لخَالِد بن مَالك بن ربيعي بن سلمى بن جندل الْمَذْكُور. قَالَ أَبُو عَمْرو: وَلَدهَا يَزْعمُونَ أَنَّهَا كَانَت سبية من سَبَايَا الْعَرَب فَولدت لثور ابْن أبي حَارِثَة أَرْبَعَة نفر وهم ربَاب وحجناء والأشهب وصويط. وَكَانُوا من أَشد أخوةٍ لِسَانا ويداً ومنعة للجانب فكثرت أَمْوَالهم فِي الْإِسْلَام. وَكَانَ أبوهم ثورٌ ابْتَاعَ رميلة فِي الْجَاهِلِيَّة وولدتهم فِي

الْجَاهِلِيَّة فعزو عزا كثيرا حَتَّى إِذا وردوا مَاء من مَاء الصمان حظروا على النَّاس مَا يريدونه مِنْهُ. وَكَانَت لرميلة قطيفةٌ حَمْرَاء فَكَانُوا يَأْخُذُونَ الهدب من تِلْكَ القطيفة) فيلقونه على المَاء أَي: قد سبقنَا إِلَى هَذَا فَلَا يردهُ أحدٌ لعزهم فَيَأْخُذُونَ من المَاء مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ. فَوَرَدُوا فِي بعض السنين مَاء من مَاء الصمان وَورد مَعَهم ناسٌ من بني قطن بن نهشل فأورد بَعضهم بعيره فأشرعه حوضاً قد حظروا عَلَيْهِ. وبلغهم ذَلِك فغضبوا فَاقْتَتلُوا فَضرب ربَاب بن رميلة رَأس بشير بن صبيح فَمَاتَ بشير فِي ليلته فَقتل ربَاب قودا وَلما أَرَادوا ضرب عُنُقه قَالُوا لَهُ: أوصنا. قَالَ لَهُم: دَعونِي أُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ. فصلى ثمَّ قَالَ: أما وَالله إِنِّي إِلَى رَبِّي لذُو حَاجَة وَمَا مَنَعَنِي أَن أَزِيد فِي صَلَاتي إِلَّا أَن تَقولُوا: خَافَ من الْمَوْت فليضربني مِنْكُم رجل شَدِيد الساعد حَدِيد السَّيْف. فدفعوه إِلَى ابْن خُزَيْمَة بن بشير فَضرب عُنُقه وَذَلِكَ فِي الْفِتْنَة بعد مقتل بن عَفَّان. ورثاه أَخُوهُ الْأَشْهب بقصائد. وَفِي كتاب الشُّعَرَاء المنسوبين إِلَى أمهاتهم ونقلته من خطّ مُؤَلفه: كَانَ الْأَشْهب يهاجي الفرزدق ولقيه يَوْمًا عِنْد بَاب عُثْمَان بن عَفَّان وَهُوَ يُرِيد أَن يجوز نهر أم عبد الله على قنطرة فاحتبسه الفرزدق عَلَيْهَا الفرزدق على فرس فَقَالَ الْأَشْهب: ...

(يَا عجبا هَل يركب الْقَيْن الْفرس ... وعرق الْقَيْن على الْخَيل نجس) (والقين لَا يصلح إِلَّا مَا جلس ... بالكلبتين والعلاة والقبس) ثمَّ إِن غَالِبا لما بلغه مَا قَالَ الْأَشْهب أَتَاهُ لَيْلًا فتعوذ مِنْهُ وَقَالَ: أتشتمنا من غير إحنةٍ فَأمْسك عَنَّا. فَقَالَ الْأَشْهب: هلا كَانَ هَذَا نَهَارا وَيُقَال: كَانَ الْأَشْهب ابْن رميلة يهجو غَالِبا أَبَا الفرزدق فَقَالَ الفرزدق: رُبمَا بَكَيْت من الْجزع أَن الْأَشْهب كَانَ يهجونا فَأُرِيد أَن أُجِيبهُ فَلَا يَتَأَتَّى لي الشّعْر ثمَّ فتح الله عَليّ فهجوته فغلبته وَسقط بعد ذَلِك. وَأما حُرَيْث بن محفض فَهُوَ شاعرٌ إسلاميٌ من شعراء الدولة الأموية. وحريث بِضَم الْحَاء وَفتح الرَّاء الْمُهْمَلَتَيْنِ وَآخره ثاء مُثَلّثَة. ومحفض بِضَم الْمِيم وَفتح الْحَاء الْمُهْملَة وَكسر الْفَاء المشدودة وَآخره ضاد مُعْجمَة وَهُوَ فِي الأَصْل اسْم فَاعل من حفضه تحفيضاً إِذا طَرحه خَلفه وَخَلفه وَرَاءه. وحفضه بِالتَّخْفِيفِ بِمَعْنى أَلْقَاهُ وَطَرحه من يَده كحفضه تحفيضاً. وحفض الْعود بِالتَّخْفِيفِ أَيْضا بِمَعْنى حناه وَعطفه. قَالَ الإِمَام أَبُو أَحْمد الْحسن بن عبد الله العسكري فِي كتاب التَّصْحِيف فِي بَاب مَا يشكل ويصحف من أَسمَاء الشُّعَرَاء: هَذَا بَاب صعبٌ لَا يكَاد يضبطه إِلَّا كثير الرِّوَايَة غزير الدِّرَايَة. وَقَالَ أَبُو الْحسن عَليّ بن

عَبدُوس الأرجاني وَكَانَ فَاضلا ومتقدماً وَقد نظر فِي كتابي هَذَا فَلَمَّا بلغ هَذَا الْبَاب قَالَ لي: كم عدَّة أَسمَاء الشُّعَرَاء الَّذين ذكرتهم فَقلت: مائةٌ ونيف.) فَقَالَ لي: إِنِّي لأعجب كَيفَ استتب لَك هَذَا فقد كُنَّا بِبَغْدَاد وَالْعُلَمَاء بهَا متوافرون وَذكر أَبَا إِسْحَاق الزّجاج وَأَبا مُوسَى الحامض وَأَبا مُحَمَّد الْأَنْبَارِي واليزيدي وَغَيرهم فاختلفنا فِي إسم شاعرٍ وَاحِد وَهُوَ حُرَيْث بن محفض وكتبنا أَربع قاعٍ إِلَى أربعةٍ من الْعلمَاء فَأجَاب كل واحدٍ مِنْهُم بِمَا يُخَالف الآخر فَقَالَ بَعضهم مخفض بِالْخَاءِ وَالضَّاد المعجمتين وَقَالَ آخر: ابْن محفض وَقَالَ آخر: ابْن محفض. فَقُلْنَا: لَيْسَ لهَذَا إِلَّا أَبُو بكر بن دُرَيْد. فقصدناه فِي منزله فعرفناه مَا جرى فَقَالَ ابْن دُرَيْد: أَيْن يذهب بكم هَذَا مَشْهُور هُوَ حُرَيْث بن محفض الْحَاء غير مُعْجمَة ومفتوحة وَالْفَاء مُشَدّدَة ومكسورة وَالضَّاد منقوطة. وَهُوَ من بني تَمِيم ثمَّ من بني مَازِن بن عَمْرو بن تَمِيم. وَهُوَ الْقَائِل: (ألم تَرَ قومِي إِن دعوا لملمةٍ ... أجابوا وَإِن أغضب على الْقَوْم يغضبوا) (هم حفظوا غيي كَمَا كنت حَافِظًا ... لقومي أُخْرَى مثلهَا إِن تغيبوا)

. (بَنو الْحَرْب لم تقعد بهم أمهاتهم ... وآباؤهم آبَاء صدقٍ فأنجبوا) وتمثل الْحجَّاج بِهَذِهِ الأبيات على الْمِنْبَر فَقَالَ: أَنْتُم يَا أهل الشَّام كَمَا قَالَ حُرَيْث بن محفض. قَالَ: أَنا وَالله حُرَيْث بن محفض. فَقَالَ: مَا حملك على أَن سابقتني قَالَ: لم أتمالك إِذْ تمثل الْأَمِير بشعري فأعلمته مَكَاني. ثمَّ قَالَ أَبُو الْحسن ابْن عَبدُوس: فَلم يفرج عَنَّا غَيره. انْتهى مَا أوردهُ العسكري. وَأنْشد بعده الشَّاهِد السَّابِع وَالْعشْرُونَ بعد الأربعمائة وبئري ذُو حفرت وَذُو طويت هَذَا عجز وصدره: على أَن ذُو اسْم مَوْصُول وَهُوَ هُنَا بِمَعْنى الَّتِي لِأَن الْبِئْر مُؤَنّثَة. قَالَ ابْن هِشَام فِي شرح الشواهد: وَزعم ابْن عُصْفُور أَن ذُو خَاصَّة بالمذكر وَأَن الْمُؤَنَّث يخْتَص بِذَات وَأَن الْبِئْر فِي الْبَيْت ذكرت على معنى القليب كَمَا قَالَ الْفَارِسِي فِي قَوْله: (يَا بئرنا بِئْر بني عدي ... لأنزحن قعرك بالدلي) حَتَّى تعودي أقطع الْوَلِيّ إِن التَّقْدِير: حَتَّى تعودي قلبياً أقطع فَحذف الْمَوْصُوف. وَفرق ابْن الضائع بَينهمَا بِأَن أقطع صفةٌ فَيحمل على الْفِعْل بِخِلَاف ذُو.

قَالَ: أَلا ترى أَن من قَالَ نفع الموعظة لَا يَقُول مُشِيرا إِلَيْهَا: هَذَا الموعظة. وَلِهَذَا قَالَ الْخَلِيل فِي: قَالَ هَذَا رحمةٌ من رب: إِنَّه إِشَارَة إِلَى الْقطر لَا إِلَى الرَّحْمَة. اه. وَالْبَيْت مشهورٌ. وَهُوَ من أَبْيَات خَمْسَة أوردهَا أَبُو تَمام فِي الحماسة لسنان ابْن الْفَحْل الطَّائِي وَهِي: (وَقَالُوا قد جننت فَقلت كلا ... وربي مَا جننت وَلَا انتشيت) (وَلَكِنِّي ظلمت فكدت أبْكِي ... من الظُّلم الْمُبين أَو بَكَيْت) (فَإِن المَاء مَاء أبي وجدي ... وبئري ذُو حفرت وَذُو طويت) (وقبلك رب خصمٍ قد تمالوا ... عَليّ فَمَا هلعت وَلَا دَعَوْت) قَالَ أَمِين الدَّين الطبرسي فِي شرح الحماسة: قد عيب على أبي تَمام إِيرَاده مثل هَذِه الأبيات فِي بَاب الحماسة والبكاء على الظُّلم ضعفٌ وَعجز وَالْوَجْه فِيهِ أَن بكاءه كَانَ لمطالبتهم مَا لَيْسَ لَهُم وَلَا سَبِيل لَهُ على الإعتساف. والمغالبة فعل أهل الْجَاهِلِيَّة إِذْ لَا يراقب دين وَلَا يرهب سُلْطَان وَيدل على ذَلِك مَا ذكره ابْن دريدٍ فِي سَببه: أَنه اخْتصم حَيَّان من

الْعَرَب إِلَى عبد الرَّحْمَن بن الضَّحَّاك وَهُوَ وَالِي الْمَدِينَة فِي ماءٍ من مِيَاههمْ وَعبد الرَّحْمَن مصاهرٌ لأحد الْحَيَّيْنِ فبرك شيخٌ بَين يَدَيْهِ من الْحَيّ الآخر وَقَالَ: أصلح الله الْأَمِير أَنا الَّذِي أَقُول: (إِلَى الرَّحْمَن ثمَّ إِلَى أَمِيري ... تعسفت المفاوز واشتكيت) (رجَالًا طالبوني ثمَّ لجوا ... وَلَو أَنِّي ظلمتهم انْتَهَيْت)) (رجوا فِي صهرهم أَن يغلبوني ... وبالرحمن صدق مَا ادعيت) وَقَالُوا قد جننت فَقلت كلا ... ... ... ... ... . . الأبيات الْخَمْسَة وَبعدهَا: (فأنصفني هداك الله مِنْهُم ... وَلَو كَانَ الْغَلَبَة لاكتفيت) وَقَالَ الْخَطِيب التبريزي فِي شَرحه: وَهَذَا ماءٌ لبني أم الْكَهْف من جرم طَيء ولبني هرم بن العشراء من فَزَارَة اخْتصم فِيهِ الْحَيَّانِ وهم مختلطون مجاورون. وَقَوله: وَلَو أَنِّي ظلمتهم انْتَهَيْت أَي: قلت أَنا ظَالِم ثمَّ امْتَنعُوا لكففت وَلم ألج. وَقَوله: وَقَالُوا: قد جننت مَعْطُوف على لجوا وجننت بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول وبالخطاب فِي الأول وبالتكلم فِي الثَّانِي. وكلا للزجر والردع. قَالَ الإِمَام المرزوقي: كَانَ الْوَاجِب أَن يَقُول: قَالُوا جننت أَو سكرت. فَاكْتفى بِذكر أَحدهمَا لِأَن النَّفْي الَّذِي يتعقب فِي الْجَواب ينظمهما. وَمثله قَول الآخر: ...

(فَمَا أَدْرِي إِذا يممت وَجها ... أُرِيد الْخَيْر أَيهمَا يليني) لِأَن المُرَاد أُرِيد الْخَيْر وأتجنب الشَّرّ فَاكْتفى بِذكر أَحدهمَا لِأَن مَا بعده يبينهما وَهُوَ: (الْخَيْر الَّذِي أَنا أبتغيه ... أم الشَّرّ الَّذِي هُوَ يبتغيني) أَرَادَ: إِنِّي لما أظهرت إنكاري وتشددت فِي إبائي قَالُوا: إِنَّه جن أَو سكر. فزجرتهم وَحلفت بِاللَّه نافياً مَا نسبت إِلَيْهِ. والإنتشاء والنشوة: السكر. ثمَّ أَخذ يبين كَيفَ استنكر مَا دفع إِلَيْهِ حَتَّى قيل فِيهِ مَا قيل كَقَوْلِه: وَلَكِنِّي ظلمت فكدت إِلَخ وَذكر الْبكاء ليري أنفته وامتعاضه وإنكاره لما أُرِيد ظلمه فِيهِ واغتياظه. فَأَما الْعَرَب فَإِنَّمَا تنْسب نَفسهَا إِلَى القساوة وَتعير من يبكي. قَالَ مهلهل: (يبكي علينا وَلَا نبكي على أحدٍ ... لنَحْنُ أغْلظ أكباداً من الْإِبِل) يَقُول: لَكِن عرض علينا ضيمٌ لم آلفه واستنزلت عَن حقٍّ لي طَال ملازمتي لَهُ فشارفت الْبكاء أَو بَكَيْت كل ذَلِك لاستنكافي مِمَّا أرادوني عَلَيْهِ. وَقَوله: فَإِن المَاء مَاء إِلَخ صرح بِمَا أُرِيد غصبه عَلَيْهِ فَقَالَ هُوَ

ماءٌ موروث عَن الأسلاف وَحمى مَعْرُوف لي سلمه النَّاس لي على مر الْأَيَّام وبئر توليت استحداثها وحفرها وطيها. وطي الْبِئْر: بناؤها بِالْحِجَارَةِ. وطويت الْبِئْر فَهُوَ طويٌّ. وَقَوله: وقبلك رب خصم إِلَخ الْخصم لكَونه فِي الأَصْل مصدرا يُطلق على الْمُفْرد) وَغَيره وَالذكر وَالْأُنْثَى بِلَفْظ وَاحِد. وَفِي لُغَة يُطَابق فِي التَّثْنِيَة وَالْجمع فَيجمع على خصوم وخصام. وخصم الرجل يخصم من بَاب تَعب إِذا أحكم الْخُصُوم فَهُوَ خصم وخصيم. وخاصمته فَخَصمته أخصمه من بَاب قتل إِذا غلبته فِي الْخُصُومَة. وتمالوا أَصله تمالؤوا بِهَمْزَة مَضْمُومَة بعد اللَّام الْمَفْتُوحَة يُقَال مالأه ممالأةً كفاعله مفاعلة بِمَعْنى عاونه معاونة. وتمالؤوا على الْأَمر: تعاونوا. وَقَالَ ابْن السّكيت: اجْتَمعُوا عَلَيْهِ. وهلع هلعاً من بَاب تَعب بِمَعْنى جزع فَهُوَ هلعٌ وهلوع مُبَالغَة وَقيل الْهَلَع: أفحش الْجزع. ودعوت بِمَعْنى قلت: يَا لفُلَان قَالَ الإِمَام المرزوقي: نبه على حسن ثباته فِي وَجه الْخُصُوم وتمرنه بمجادلتهم قَدِيما وحديثاً وتحككه لَهُم على احتفالٍ مِنْهُم على مناوأته سالفاً وآنفاً فَيَقُول: وَقد بليت قبلك بِقوم لدٍّ تألبوا عَليّ وتعاونوا فَلم أجزع لما منيت بهم جزعاً فَاحِشا وَلَا استنصرت عَلَيْهِم غَيْرِي. فَإِن قيل: كَيفَ قَالَ هلعت وَقد قَالَ: كدت أبْكِي من الظُّلم إِلَخ وَهل الْهَلَع إِلَّا الْبكاء والجزع قلت: إِن الْهَلَع هُوَ الْجزع الْفَاحِش الَّذِي يظْهر فِيهِ الخضوع والإنقياد فَهَذَا هُوَ الَّذِي زعم أَنه لَا يظْهر عَلَيْهِ. والبكاء الَّذِي ذكر أَنه شارفه إِنَّمَا كَانَ

على طَرِيق الاستنكاف وَإِذا كَانَ كَذَلِك فَإِنَّهُ لم يكن عَن تخشع وتذلل وَلَا انقيادٍ وَلَا استسلام. وَسلم الْكَلَام من التَّنَاقُض. وَقَالَ ابْن هِشَام فِي شرح الشواهد: وَهَذَا لَيْسَ تناقضاً لِأَنَّهُ على اخْتِلَاف وَقْتَيْنِ أَي: إِنَّه ذل جَانِبه بعد أَن كَانَ عَزِيزًا. وَهَذَا كَلَام الْخَطِيب التبريزي. وَنَظِيره أَبْيَات فَاطِمَة بنت الأجحم حِين ضعف جَانبهَا لمَوْت من كَانَ ينصرها وَهِي أبياتٌ حَسَنَة تمثلت بهَا سيدتنا فَاطِمَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها حِين قبض رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وَهِي: (قد كنت لي جبلا ألوذ بظله ... فتركتني أَمْشِي بأجرد ضاحي) (قد كنت ذَات حميةٍ مَا عِشْت لي ... أَمْشِي البرَاز وَكنت أَنْت جناحي) (فاليوم أخضع للذليل وأتقي ... مِنْهُ وأدفع ظالمي بالراحي) (وَإِذا دعت قمريةٌ شجناً لَهَا ... لَيْلًا على فننٍ دَعَوْت صباحي) وَقَوله: وَلَكِنِّي نصبت لَهُم إِلَخ الألة بِفَتْح الْهمزَة وَتَشْديد اللَّام:

الحربة وَالْجمع إلال كحربة وحراب. يَقُول: ولكنني صبرت لَهُم وانتصبت فِي وُجُوههم وَهَيَّأْت سلاحي لدفعهم وطردتهم عَن وردهم كَفعل الْفَارِس الذاب الْمَانِع حَتَّى خلصت عَن غصبهم حَقي وقريت المَاء من دونهم فِي حَوْضِي. يُقَال: قريت المَاء فِي الْحَوْض بِالْقَافِ أَي: جمعته وَاسم ذَلِك المَاء: قرى) بِكَسْر الْقَاف مَقْصُور. وَسنَان بن الْفَحْل: شَاعِر إسلاميٌّ فِي الدولة المروانية. وَهُوَ بِكَسْر السِّين بعْدهَا نونان. والفحل بِفَتْح الْفَاء وَسُكُون الْحَاء الْمُهْملَة. وَأما عبد الرَّحْمَن بن الضَّحَّاك فقد ذكره الفاسي فِي تَارِيخ مَكَّة المشرفة وَقَالَ: عبد الرَّحْمَن بن الضَّحَّاك بن قيس بن خَالِد بن وهب بن ثَعْلَبَة بن وائلة بن عَمْرو بن شَيبَان بن محَارب بن فهر بن مَالك الفِهري. قَالَ الزبير: ولاه يزِيد بن عبد الْملك الْمَدِينَة والموسم. وَذكر الطَّبَرِيّ أَن فِي سنة ثَلَاث وَمِائَة ضمت إِلَيْهِ مَكَّة مَعَ الْمَدِينَة وَأَنه عزل عَن مَكَّة وَالْمَدينَة فِي النّصْف من ربيع الأول سنة أَربع وَمِائَة بِعَبْد الْوَاحِد بن ربيع الْبَصْرِيّ. وَسبب عَزله أَنه كَانَ خطب فَاطِمَة بنت الْحُسَيْن رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما فامتنعت من قبُوله فألح عَلَيْهَا وتوعدها فشكته إِلَى يزِيد بن عبد الْملك فَبعث إِلَى عبد الْوَاحِد فولاه الْمَدِينَة وَأمره بِالْقَبْضِ على عبد الرَّحْمَن وَأخذ مَاله حَتَّى تَركه فِي جُبَّة صوفٍ بِالْمَدِينَةِ وَكَانَ قد بَاشر نِيَابَة الْمَدِينَة ثَلَاث سِنِين وأشهراً. وَكَانَ الزُّهْرِيّ قد أَشَارَ عَلَيْهِ بِرَأْي وَهُوَ أَنه يسْأَل الْعلمَاء إِذا أشكل عَلَيْهِ أمرٌ فَلم يفعل فَأَبْغضهُ النَّاس وذمه الشُّعَرَاء. وَهَذَا كَانَ آخر أمره. انْتهى.

وَإِنَّمَا ذكرت عبد الرَّحْمَن هَذَا ليعلم مِنْهُ عصر سِنَان بن الْفَحْل الطَّائِي فَإِنِّي لم أظفر لَهُ بترجمة وَلم أر (قولا لهَذَا الْمَرْء ذُو جَاءَ ساعياً ... هَلُمَّ فَإِن المشرفي الْفَرَائِض) على أَن ذُو بِمَعْنى الَّذِي. والساعي: الْوَالِي على صَدَقَة الزَّكَاة. وهلم: أقبل وتعال. والمشرفي: السَّيْف الْمَنْسُوب إِلَى المشارف وَهِي قرى للْعَرَب كَانَت السيوف تطبع بهَا. والفرائض: الْأَسْنَان الَّتِي تصلح لِأَن تُؤْخَذ فِي الزَّكَاة. يَقُول: أبلغا هَذَا الرجل الَّذِي جَاءَ ساعياً أَي: والياً للصدقات: هَلُمَّ فَإنَّك تُعْطى السَّيْف بَدَلا من فَرَائض الْإِبِل. وَهَذَا مثلٌ ضربه لهَذَا السَّاعِي مستهزئاً بِهِ ومتوعداً إِيَّاه. يَقُول: إِنَّك مللت الْعَافِيَة والسلامة فَهَلُمَّ إِلَى الْبلَاء وَالشَّر من هَذِه الْولَايَة. وَالْبَيْت أول أبياتٍ لقوالٍ الطَّائِي أوردهَا أَبُو تَمام فِي الحماسة. وَقد شرحناها مَعَ ذكره سَببهَا فِي الشَّاهِد السَّابِع وَالثَّلَاثِينَ بعد الثلثمائة من بَاب النَّعْت. وَأنْشد بعده الشَّاهِد الثَّامِن وَالْعشْرُونَ بعد الأربعمائة (عدس مَا لعبادٍ عَلَيْك إمارةٌ ... أمنت وَهَذَا تحملين طليق)

على أَن هَذَا عِنْد الْكُوفِيّين اسْم مَوْصُول بِمَعْنى الَّذِي أَي: الَّذِي تحملينه طليق. قَالَ الْفراء فِي تَفْسِيره عِنْد قَوْله تَعَالَى: ويسألونك مَاذَا يُنْفقُونَ: الْعَرَب قد تذْهب بِهَذَا وَذَا إِلَى معنى الَّذِي فَيَقُولُونَ: وَمن ذَا يَقُول ذَاك فِي معنى من الَّذِي يَقُول وأنشدوا: عدس مَا لعبادٍ عَلَيْك أَمارَة الْبَيْت كَأَنَّهُ قَالَ: وَالَّذِي تحملين طليق. انْتهى. قَالَ أَبُو على الْفَارِسِي فِي إِيضَاح الشّعْر: هَذَا الْبَيْت ينشده البغداديون ويستدلون بِهِ على أَن ذَا بِمَنْزِلَة الَّذِي وَأَنه يُوصل كَمَا يُوصل الَّذِي فيجعلون تحملين صلَة ل ذَا كَمَا يجعلونه صلَة للَّذي. وَعِنْدنَا يحْتَمل قَوْله تحملين وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَن يكون صفة لموصوف مَحْذُوف تَقْدِيره: وَهَذَا رجل تحملين فتحذف الْهَاء من الصّفة كَمَا حذفت فِي قَوْلك: النَّاس رجلَانِ: رجلٌ أكرمت ورجلٌ أهنت. وَكَقَوْلِه: وَمَا شيءٌ حميت بمستباح أَي: حميته. وَالْآخر: أَن يكون صفة لطليق فَقدمت فَصَارَ فِي مَوضِع نصب على الْحَال: فَإِذا احْتمل غير مَا تأولوه من الصِّلَة لم يكن على الحكم بِأَن ذَلِك والأسماء المبهمة توصل كَمَا يُوصل الَّذِي دليلٌ. وَكَذَلِكَ مَا اسْتشْهدُوا بِهِ من قَوْله تَعَالَى: وَمَا تِلْكَ بيمينك يَا مُوسَى وقالوه وتأولوه على أَن الْمَعْنى: وَمَا الَّتِي بيمينك وَلَا دلَالَة فِيهِ لِأَنَّهُ يُمكن أَن يكون

بيمينك فِي مَوضِع الْحَال وَالْعَامِل فِي الْحَال فِي الْمَوْضِعَيْنِ جَمِيعًا مَا فِي الِاسْم الْمُبْهم من معنى الْفِعْل. انْتهى. وَالِاحْتِمَال الأول ضَعِيف لِأَنَّهُ تخريجٌ على ضَرُورَة لِأَن حذف الْمَوْصُوف إِذا كَانَت صفته جملَة بِدُونِ أَن يكون بَعْضًا من مجرور ب من أَو فِي خاصٌ بِالضَّرُورَةِ أَو الشذوذ. وأضعف من هَذَا تَخْرِيج ابْن الْأَنْبَارِي فِي مسَائِل الْخلاف أَن جملَة تحملين صلةٌ لموصول مَحْذُوف تَقْدِيره: وَهَذَا الَّذِي تحملين. وَهَذَا لَا يَقُول بِهِ بصريٌّ لِأَنَّهُ لَا يرى أحدٌ مِنْهُم حذف الْمَوْصُول الاسمي وَبَقَاء صلته. والتخريج على الحالية هُوَ الْجيد وَلَا حَاجَة إِلَى اعْتِبَار كَونه فِي الأَصْل صفة فَلَمَّا قدم صَار حَالا لِأَن ذَاك انما يعْتَبر فِي الْأَحْوَال المفردة لَا فِي الْجمل نَحْو: لمية موحشاً طلل وادعاء أَن الْعَامِل فِي هَذِه الْحَال مَا فِي إسم الْإِشَارَة من معنى الْفِعْل غير جيد فَإِن جملَة تحملين) حَال من ضمير طليق فطليق هُوَ الْعَامِل فِي الْحَال وصاحبها. فَإِن قلت: نزل كَلَامه على أَن الْجُمْلَة حالٌ من إسم الْإِشَارَة فَيكون الْعَامِل معنى التَّنْبِيه. قلت: يأباه قَوْله: إِن تحملين مقدم من تَأْخِيره. فَتَأمل. وَالْبَيْت أول أبياتٍ ليزِيد بن ربيعَة بن مفرغ الْحِمْيَرِي خَاطب بهَا بغلة. وَبعده: (طليق الَّذِي نجى من الْحَبْس بَعْدَمَا ... تلاحم فِي دربٍ عَلَيْك مضيق) ...

(ذري وتناسي مَا لقِيت فَإِنَّهُ ... لكل أناسٍ خبطةٌ وحريق) (قضى لَك خمخامٌ بأرضك فالحقي ... بأهلك لايؤخذ عَلَيْك طَرِيق) (فيا بغلة شماء لَو كنت مادحاً ... مدحتك إِنِّي للكرام صديق) (لعمري لقد أنجاك من هوة الردى ... إمامٌ وحبلٌ للأنام وثيق) (سأشكر مَا أوليت من حسن نعمةٍ ... ومثلي بشكر المنعمين حقيق) وَقد تقدم سَبَب هَذِه الأبيات مَعَ تَرْجَمَة يزِيد هَذَا فِي الشَّاهِد الثَّالِث بعد الثلثمائة وَلَكِن يَنْبَغِي إِيرَاده هُنَا مُخْتَصرا لطول الْعَهْد. قَالَ ابْن قُتَيْبَة فِي كتاب الشُّعَرَاء: يزِيد هَذَا حليفٌ لقريش وَيُقَال: إِنَّه كَانَ عبدا للضحاك بن عبد عَوْف الْهِلَالِي فأنعم عَلَيْهِ وَلما ولي سعيد بن عُثْمَان ابْن عَفَّان خُرَاسَان استصحبه فَلم يَصْحَبهُ يزِيد وَصَحب زِيَاد بن أبي

سُفْيَان فَلم يحمده وأتى عباد بن زِيَاد فَكَانَ مَعَه. وَكَانَ عبادٌ طَوِيل اللِّحْيَة عريضها فَركب ذَات يومٍ وَابْن مفرغ مَعَه فِي موكبه فَهبت ريحٌ فنفشت لحيته فَقَالَ ابْن مفرغ: (أَلا لَيْت اللحى كَانَت حشيشاً ... فترعاها خُيُول المسلمينا) فَبلغ ذَلِك عباداً فحقد عَلَيْهِ وجفاه فَقَالَ ابْن مفرغ: (إِن تركي ندى سعيد بن عثما ... ن فَتى الْجُود ناصري وعديدي) (واتباعي أَخا الرضَاعَة واللؤ ... م لنقصٌ وفوت شأوٍ بعيد) (قلت وَاللَّيْل مطبقٌ بعراه ... لَيْتَني مت قبل ترك سعيد) فَأَخذه عبيد الله بن زِيَاد وحبسه وعذبه وسقاه التربد فِي النَّبِيذ وَحمله على بعير وَقرن بِهِ خنزيرةً وأمشاه بَطْنه مشياً شَدِيدا فَكَانَ يسيل مِنْهُ مَا يخرج على الخنزيرة فتصيح وَكلما صاحت قَالَ ابْن مفرغ

: وَسُميَّة: أم زِيَاد وَجعلهَا خنزيرة. فطيف بِهِ فِي أَزِقَّة الْبَصْرَة وَجعل النَّاس يَقُولُونَ: أَيْن جيست أَي: مَا هَذَا وَهُوَ يَقُول:) آب است نَبِيذ است عصارات زبيب است سميَّة روسبيد است وَهَذِه كَلِمَات بِالْفَارِسِيَّةِ أَي: هَذَا الَّذِي تَرَوْنَهُ إِنَّمَا هُوَ نبيذٌ وعصارة زبيب وَسُميَّة الْبَغي. يَعْنِي بهَا الخنزيرة. فَلَمَّا ألح عَلَيْهِ مَا يخرج مِنْهُ قيل لِعبيد الله: إِنَّه يَمُوت فَأمر بِهِ فَأنْزل واغتسل فَلَمَّا خرج من المَاء قَالَ: (يغسل المَاء مَا فعلت وَقَوْلِي ... راسخٌ مِنْك فِي الْعِظَام البوالي) ثمَّ دس عَلَيْهِ غرماءه يستعدون عَلَيْهِ فَأمر بِبيع مَا وجد لَهُ فِي إِعْطَاء غُرَمَائه فَكَانَ فِيمَا بيع لَهُ غُلَام يُقَال لَهُ برد وَكَانَ يعدل عِنْده وَلَده وجاريةٌ يُقَال لَهَا الأراكة. ففيهما يَقُول: (يَا برد مَا مسنا دهرٌ أضرّ بِنَا ... من قبل هَذَا وَلَا بعنا لَهُ ولدا) (أما الْأَرَاك فَكَانَت من محارمنا ... عَيْشًا لذيذاً وَكَانَت جنَّة رغدا) ...

(لَوْلَا الدَّاعِي وَلَوْلَا مَا تعرض لي ... من الْحَوَادِث مَا فارقتها أبدا) (وشريت بردا لَيْتَني ... من بعد بردٍ كنت هامه) (أَو بومةً تَدْعُو صدًى ... بَين المشقر واليمامه) (الرّيح تبْكي شجوه ... والبرق يلمع فِي الغمامه) ثمَّ إِن عبيد الله أَمر بِهِ فَحمل إِلَى سجستان إِلَى أَخِيه عباد بن زِيَاد وَكَانَ ابْن مفرغ كتب فِي حيطان الطّرق والمنازل والخانات هجاءهم فألزم محوه بأظافره حَتَّى فَسدتْ أنامله وَمنع أَن يُصَلِّي إِلَى الْكَعْبَة وألزمه أَن يُصَلِّي إِلَى قبْلَة النَّصَارَى فَلَمَّا وصل إِلَى عبادٍ حبس فَكَانَ يهجوهم فِي الْحَبْس. وَمِمَّا قَالَه فِيهِ: (إِن زياداً ونافعاً وَأَبا بك ... رة عِنْدِي من أعجب الْعجب) (إِن رجَالًا ثَلَاثَة خلقُوا ... من رحم أُنْثَى مخالفي النّسَب) (ذَا قرشيٌّ كَمَا يَقُول وَذَا ... مولى وَهَذَا بِزَعْمِهِ عَرَبِيّ) وَالثَّلَاثَة أَوْلَاد سميَّة. أما نَافِع فَهُوَ من الْحَارِث بن كلدة. وَأما أَبُو بكر وزيادٌ فهما من عبيدٍ الرُّومِي فَإِن الْحَارِث بعد أَن أولدها نَافِعًا زَوجهَا لِعبيد فزيادٌ ادّعى أَنه قرشي وَأَبُو بكرَة مولى لكَونه ابْن عبيد. وَأما نَافِع فَهُوَ عربيٌّ لكَونه ابْن الْحَارِث الثَّقَفِيّ. فَلَمَّا طَال حَبسه دخل) أهل الْيمن إِلَى مُعَاوِيَة فشفعوا فِيهِ وَوجه رجلا من بني أَسد يُقَال لَهُ خمخام وَقَالَ ابْن السَّيِّد: هُوَ

من بني راسب بريداً إِلَى عباد وَأمره أَن يبْدَأ بِالْحَبْسِ فَيخرج ابْن مفرغ مِنْهُ قبل أَن يعلم عبادٌ فيغتاله. فَفعل ذَلِك فَلَمَّا خرج من الْحَبْس قربت بغلةٌ من بغال الْبَرِيد فركبها وَقَالَ: عدس مَا لعبادٍ عَلَيْك إمارةٌ الأبيات وَتَمام الْقِصَّة هُنَاكَ. فَقَوله: عدس هُوَ زجرٌ للبغل أَي: إِنَّه زجرٌ لَهُ ليسرع. قَالَه الْجَوْهَرِي وَأنْشد هَذَا الْبَيْت. وَرُبمَا سموا الْبَغْل عدس بزجره. قَالَ الشَّاعِر: (إِذا حملت بزتي على عدس ... فَمَا أُبَالِي من غزا وَمن جلس) وَقَالَ الجاحظ: زعم أناسٌ أَن عدس اسْم لكل بغلة وذهبوا إِلَى قَول الشَّاعِر: (إِذا حملت بزتي على عدس ... على الَّتِي بَين الْحمار وَالْفرس) فَمَا أُبَالِي من غزا وَمن جلس وَرُوِيَ عَن الْخَلِيل أَن عدس كَانَ رجلا عنيفاً بالبغال أَيَّام سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام فَإِذا قيل لَهَا ذَلِك إنزجرت وأسرعت. وَهَذَا لَا يعرف فِي اللُّغَة. وَزعم ابْن قُتَيْبَة أَن الَّذِي رَكبه ابْن مفرغ فرس. قَالَ: فَبعث على الْبَرِيد من أطلقهُ فَبَدَأَ بِالْحَبْسِ فَأخْرجهُ فَلَمَّا قرب إِلَيْهِ فرسه قَالَ: عدس مَا لعباد الْبَيْت. وَهَذَا وهمٌ وَيدل لما قُلْنَا قَوْله: فِيمَا بغلة شماء ... ... ... ... ... . . الْبَيْت

وَأَن عدس خاصٌّ بزجر البغال. وَقَالَ بَعضهم: إِن عدس إسم بغلته. وَهَذَا غير صَحِيح أَيْضا لِأَنَّهَا لم تكن لَهُ وَإِنَّمَا هِيَ من بغال الْبَرِيد. وَقَوله: مَا لعبادٍ إِلَخ مَا نَافِيَة وَاللَّام مُتَعَلق بِمَحْذُوف وَعَلَيْك مُتَعَلق بالظرف وإمارة إِمَّا فَاعل لقَوْله لعباد وَإِمَّا مُبْتَدأ وَخَبره لعباد. وَجُمْلَة: أمنت مستأنفة بَيَانا للجملة المنفية. وَجُمْلَة: وَهَذَا تحملين طليق حالٌ من فَاعل أمنت أَي: أمنت فِي حَال كَون محمولك طليقاً. والطليق: الَّذِي أطلق من الإسار أَي: أمنت من حكم عباد. وَإِذا لم يكن لَهُ حكم على البغلة فَلِأَن لَا يكون عَلَيْهِ حكمٌ أولى. وَقَوله: وَهَذَا تحملين يَعْنِي بِالْإِشَارَةِ نَفسه. وَمن الْعجب قَول الْعَيْنِيّ هُنَا: إِن عدس منادى بِحرف نِدَاء مَحْذُوف وَبني على السّكُون لِأَنَّهُ فِي الأَصْل حِكَايَة صَوت. إِلَى أَن قَالَ: وإمارة مُبْتَدأ. وَعباد هُوَ أَخُو عبيد الله بن زِيَاد الَّذِي قَاتل الْحُسَيْن بن عَليّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما فِي كربلاء. وزيادٌ يُقَال لَهُ زِيَاد بن سميَّة وَهِي أمه بِضَم السِّين الْمُهْملَة وَفتح الْمِيم وَتَشْديد الْيَاء وَيُقَال لَهُ زِيَاد بن عبيد بِالتَّصْغِيرِ وَهُوَ أَبوهُ. وَيُقَال) لَهُ أَيْضا زِيَاد بن أَبِيه أَي: ابْن أبي مُعَاوِيَة لِأَن مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان جعله أَخا لنَفسِهِ واستلحقه بِأَبِيهِ. وَبَيَان ذَلِك كَمَا ذكره الْملك إِسْمَاعِيل الأيوبي صَاحب حماة فِي كِتَابه أَخْبَار الْبشر: أَنه لما دخلت سنة أَربع وَأَرْبَعين من الْهِجْرَة استلحق مُعَاوِيَة زِيَاد بن سميَّة وَكَانَت سميَّة جَارِيَة لِلْحَارِثِ بن كلدة الثَّقَفِيّ فَزَوجهَا بعبدٍ لَهُ رومي يُقَال لَهُ عبيد فَولدت سميَّة زياداً على فرَاشه فَهُوَ ولد عبيدٍ شرعا. وَكَانَ أَبُو سُفْيَان قد سَار فِي الْجَاهِلِيَّة إِلَى الطَّائِف فَنزل على إنسانٍ يَبِيع الْخمر يُقَال لَهُ أَبُو مَرْيَم أسلم بعد ذَلِك وَكَانَت لَهُ صُحْبَة فَقَالَ لَهُ أَبُو سُفْيَان: قد

اشْتهيت النِّسَاء فَقَالَ لَهُ أَبُو مَرْيَم: هَل لَك فِي سميَّة فَقَالَ أَبُو سُفْيَان: هَاتِهَا على طول ثدييها ودفر إبطيها فَأَتَاهُ بهَا فَوَقع عَلَيْهَا فَيُقَال إِنَّهَا علقت مِنْهُ بِزِيَاد فَوَضَعته فِي سنة الْهِجْرَة. وَنَشَأ زيادٌ فصيحاً ثمَّ لما كَانَ قَضِيَّة شَهَادَة الشُّهُود على الْمُغيرَة بالزنى وجلدهم وَمِنْهُم أَبُو بكرَة أَخُو زِيَاد لأمه وَامْتِنَاع زِيَاد عَن التَّصْرِيح كَمَا ذكرنَا اتخذ الْمُغيرَة بذلك لزياداً يدا. ثمَّ لما ولي عَليّ بن أبي طَالب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه الْخلَافَة اسْتعْمل زياداً على فَارس فَقَامَ بولايتها أحسن قيام. وَلما سلم الْحسن الْأَمر إِلَى مُعَاوِيَة امْتنع زيادٌ بِفَارِس وَلم يدْخل فِي طَاعَة مُعَاوِيَة وأهم مُعَاوِيَة أمره وَخَافَ أَن يَدْعُو إِلَى أحدٍ من بني هَاشم وَيُعِيد الْحَرْب وَكَانَ مُعَاوِيَة قد ولى الْمُغيرَة بن شُعْبَة الْكُوفَة فَقدم الْمُغيرَة على مُعَاوِيَة فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين فَشَكا إِلَيْهِ مُعَاوِيَة امْتنَاع زِيَاد بِفَارِس. فَقَالَ الْمُغيرَة: أتأذن لي فِي الْمسير إِلَيْهِ فَأذن لَهُ وَكتب مُعَاوِيَة لزيادٍ أَمَانًا فَتوجه الْمُغيرَة إِلَيْهِ لما بَينهمَا من الْمَوَدَّة وَمَا زَالَ عَلَيْهِ حَتَّى أحضرهُ إِلَى مُعَاوِيَة وَبَايَعَهُ وَكَانَ الْمُغيرَة يكرم زياداً ويعظمه من حِين كَانَ مِنْهُ فِي شَهَادَة الزِّنَى مَا كَانَ. فَلَمَّا كَانَت هَذِه السّنة سنة أَربع وَأَرْبَعين استلحق مُعَاوِيَة زياداً وأحضر النَّاس وَحضر من يشْهد لزيادٍ بِالنّسَبِ وَكَانَ مِمَّن حضر ذَلِك الْيَوْم أَبُو مَرْيَم الْخمار الَّذِي أحضر سميَّة إِلَى أبي سُفْيَان بِالطَّائِف فَشهد بِنسَب زيادٍ من أبي سُفْيَان وَقَالَ: إِنِّي رَأَيْت إسكتي سميَّة يقطران من مني أبي سُفْيَان. فَقَالَ زِيَاد: رويدك طلبت شَاهدا وَلم تطلب شتاماً. فاستلحقه مُعَاوِيَة. وَهَذِه أول وَاقعَة خولفت فِيهَا الشَّرِيعَة عَلَانيَة لصريح قَول النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: الْوَلَد للْفراش وللعاهر الْحجر. وَأعظم النَّاس ذَلِك وأنكروه

خُصُوصا بني أُميَّة لكَون زِيَاد بن عبيد الرُّومِي صَار من بني أُميَّة بن عبد شمس. وَقَالَ عبد الرَّحْمَن بن الحكم أَخُو مَرْوَان فِي ذَلِك: (أَلا أبلغ مُعَاوِيَة بن صخرٍ ... لقد ضَاقَتْ بِمَا تَأتي اليدان)) (أتغضب أَن يُقَال أَبوك عفٌّ ... وترضى أَن يُقَال أَبوك زاني) (وَأشْهد أَن رَحِمك من زيادٍ ... كرحم الْفِيل من ولد الأتان) ثمَّ ولى مُعَاوِيَة زياداً الْبَصْرَة وأضاف إِلَيْهِ خُرَاسَان وسجستان ثمَّ جمع لَهُ الْهِنْد والبحرين وعمان. ثمَّ دخلت سنة خمس وَأَرْبَعين فِيهَا قدم زيادٌ إِلَى الْبَصْرَة وسدد أَمر السلطنة وأكد الْملك لمعاوية وجرد السَّيْف وَأخذ بالظنة وعاقب على الشُّبْهَة فخافه النَّاس خوفًا شَدِيدا. وَكَانَ مُعَاوِيَة وعماله يدعونَ لعُثْمَان فِي الْخطْبَة يَوْم الْجُمُعَة ويسبون عليا. وَلما كَانَ الْمُغيرَة مُتَوَلِّي الْكُوفَة كَانَ يفعل ذَلِك وَكَانَ حجرٌ يقوم وَمَعَهُ جمَاعَة يردون عَلَيْهِ وَكَانَ الْمُغيرَة يتَجَاوَز عَنْهُم فَلَمَّا ولي زيادٌ ودعا لعُثْمَان وَسَب عليا قَامَ حجر وَقَالَ كَمَا كَانَ يَقُول من الثَّنَاء على عَليّ فَغَضب زيادٌ وأمسكه وأوثقه بالحديد وَثَلَاثَة عشر نَفرا مَعَهم وأرسلهم إِلَى مُعَاوِيَة فشفع فِي ستةٍ مِنْهُم عَشَائِرهمْ وَبَقِي ثَمَانِيَة مِنْهُم حجر فَقَتلهُمْ مُعَاوِيَة. وَكَانَ حجرٌ صحابياً من أعظم النَّاس دينا وَصَلَاة. وروى ابْن الْجَوْزِيّ بِإِسْنَادِهِ عَن الْحسن الْبَصْرِيّ أَنه قَالَ: أَربع خِصَال كن فِي مُعَاوِيَة لَو لم تكن فِيهِ إِلَّا واحدةٌ لكَانَتْ موبقة وَهِي: أَخذه الْخلَافَة بِالسَّيْفِ من غير

مشاورةٍ وَفِي النَّاس بقايا الصَّحَابَة وذوو الْفَضِيلَة. واستخلافه ابْنه يزِيد وَكَانَ سكيراً خميراً يلبس الْحَرِير وَيضْرب بالطنابير. وادعاؤه زياداً أَخا وَقد قَالَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: الْوَلَد للْفراش وللعاهرة الْحجر. وَقَتله حجر بن عديٍّ وَأَصْحَابه فيا ويلاً لَهُ من حجر وَأَصْحَاب حجر. وَرُوِيَ عَن الشَّافِعِي أَنه أسر إِلَى الرّبيع أَن لَا يقبل شَهَادَة أَرْبَعَة وهم: مُعَاوِيَة عَمْرو بن العَاصِي والمغيرة وَزِيَاد. وَأما قَضِيَّة الْمُغيرَة بن شُعْبَة فقد كَانَت فِي سنة سبع عشرَة وَهِي أَن الْمُغيرَة كَانَ عمر بن الْخطاب قد ولاه الْبَصْرَة وَكَانَ فِي قبالة الْعلية الَّتِي فِيهَا الْمُغيرَة بن شُعْبَة عليةٌ فِيهَا أَرْبَعَة وهم أَبُو بكرَة مولى النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وَأَخُوهُ لأمه زِيَاد ابْن أَبِيه وَنَافِع بن كلدة وشبل بن معبد فَرفعت الرّيح الكوة عَن الْعلية فنظروا إِلَى الْمُغيرَة وَهُوَ على أم جميل بنت الأرقم بن عَامر بن صعصعة وَكَانَت تغشى الْمُغيرَة فَكَتَبُوا بذلك فعزل الْمُغيرَة واستقدمه مَعَ الشُّهُود. فَلَمَّا قدم إِلَى عمر شهد أَبُو بكرَة ونافعٌ وشبلٍ على الْمُغيرَة بالزنى وَأما زِيَاد بن أَبِيه فَلم يفصح بِشَهَادَة الزِّنَى فَقَالَ: رَأَيْته جَالِسا بَين رجْلي امْرَأَة وَرَأَيْت رجلَيْنِ مرتفعتين ونفساً يَعْلُو واستاً تربو عَن ذكر وَلَا أعلم مَا وَرَاء ذَلِك. فَقَالَ عمر: هَل رَأَيْت الْميل فِي المكحلة فَقَالَ: لَا. فَقَالَ: هَل تعرف الْمَرْأَة قَالَ: وَلَكِن أشبههَا. فَأمر عمر بِالثَّلَاثَةِ الَّذين شهدُوا بالزنحها أَن) يحدوا حد الْقَذْف فجلدوا. وَكَانَ زيادٌ أَخا أبي بكرَة لأمه فَلم يكلمهُ أَبُو بكرَة بعْدهَا. انْتهى مَا نقلته عَن أَخْبَار الْبشر.

وَقَالَ أَبُو عبيد الْبكْرِيّ فِي شرح أمالي القالي: كتاب مثالب الْعَرَب أَصله لزياد بن أَبِيه فَإِنَّهُ لما ادّعى أَبَا سُفْيَان أَبَا علم أَن الْعَرَب لَا تقر لَهُ بذلك مَعَ علمهمْ بنسبه فَعمل كتاب المثالب والصق بالعرب كل عيبٍ وعار وباطل وإفك وبهت. ثمَّ ثنى على ذَلِك الْهَيْثَم بن عديٍّ وَكَانَ دعياً فَأَرَادَ أَن يعر أهل الشّرف تشفياً مِنْهُم. ثمَّ جدد ذَلِك أَبُو عُبَيْدَة معمر بن الْمثنى وَزَاد فِيهِ لِأَن أَصله كَانَ يَهُودِيّا أسلم جده على يَدي بعض آل أبي بكر فانتمى إِلَى وَلَاء تيم. ثمَّ نَشأ غيلَان الشعوبي الْوراق وَكَانَ زنديقاً ثنوياً لَا يشك فِيهِ فَعمل لطاهر ابْن الْحُسَيْن كتابا خَارِجا عَن الْإِسْلَام بَدَأَ فِيهِ بمثالب بني هَاشم وَذكر مناكحهم وأمهاتهم ثمَّ بطُون قُرَيْش ثمَّ سَائِر الْعَرَب وَنسب إِلَيْهِم كل كذب وزور وَوضع عَلَيْهِم كل إفْك وبهتان. وَوَصله عَلَيْهِ طاهرٌ بِثَلَاثِينَ ألفا. وَأما كتاب المثالب والمناقب الَّذِي بأيدي النَّاس الْيَوْم فَإِنَّمَا هُوَ للنضر بن شُمَيْل الْحِمْيَرِي وخَالِد بن سَلمَة المَخْزُومِي وَكَانَا أنسب أهل زمانهما أَمرهمَا هِشَام بن عبد الْملك أَن يبينا مثالب الْعَرَب ومناقبها وَقَالَ لَهما وَلمن ضم إِلَيْهِمَا: دعوا قُريْشًا بِمَا لَهَا وَمَا عَلَيْهَا. فَلَيْسَ لقرشيٍّ فِي ذَلِك الْكتاب ذكر. انْتهى. وَقَوله: طليق الَّذِي نجى إِلَخ الَّذِي نجاه من الْحَبْس هُوَ مُعَاوِيَة. والدرب بِالْفَتْح: بَاب السِّكَّة الْوَاسِع وَالْبَاب الْأَكْبَر. ومضيق: فَاعل تلاحم. وَقَوله: لكل أناسٍ خبطة إِلَخ الخبطة بِفَتْح الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْبَاء قَالَ صَاحب الْقَامُوس: الخبطة: الركمة تصيب من قبل الشتَاء والمطر الْوَاسِع. وَقَالَ: الركمة بِالضَّمِّ: الطين الْمَجْمُوع.

وَقَوله: قضى لَك خمخام بِفَتْح الخاءين المعجمتين. وروى ابْن قُتَيْبَة بحاءين مهملتين. وَيُؤْخَذ مجزوم بِلَا الناهية وَأَرَادَ بِهِ الدُّعَاء لَهَا بِأَن لَا تُؤْخَذ فِي طَرِيق وَهُوَ عَلَيْهَا. والشماء: الْعَالِيَة المرتفعة مؤنث الأشم. والهوة بِالضَّمِّ: الْموضع الهاوي. والردى: الْهَلَاك. وإمامٌ: فَاعل أنجاك. والطرق والطروق: الْإِتْيَان بِاللَّيْلِ وَأَرَادَ بِهِ مُطلق الْإِتْيَان. وَقَوله: (وشريت بردا لَيْتَني ... من بعد بردٍ كنت هامه) فِي الْقَامُوس: الهامه: طائرٌ من طير اللَّيْل وَهُوَ الصدى. وَقَالَ فِي صدى: والصدى: طائرٌ يطير بِاللَّيْلِ يقفز قفزاً. والمشقر كمعظمٍ: حصن قديم. واليمامة: بِلَاد الجو وأصل الْيَمَامَة اسْم امرأةٍ وَهِي جاريةٌ زرقاء وَكَانَت تبصر من مسيرَة ثَلَاثَة أَيَّام وَهِي مشهورةٌ سمي الجو باسمها. وَبهَا تنبأ مُسَيْلمَة الْكذَّاب وَهِي عَن مَكَّة سِتّ عشرَة مرحلةً من الْبَصْرَة وَعَن الْكُوفَة نَحْوهَا.) وَقَوله: شجوه مفعول لأَجله أَي: شجو برد. والشجو: الْحزن

أَي: لشجوها عَلَيْهِ. والبرق معطوفٌ على الرّيح أَي: والبرق يبكي أَيْضا. وَجُمْلَة يلمع إِلَخ حالٌ. قَالَ السَّيِّد المرتضى قدس سره فِي أَمَالِيهِ الْغرَر والدرر: عطف الْبَرْق على الرّيح ثمَّ أتبعه بقوله: يلمع فِي الغمامة كَأَنَّهُ قَالَ: والبرق أَيْضا يبكيه لامعاً فِي غمامه أَي: فِي حَال لمعانه. وَلَو لم يكن الْبَرْق مَعْطُوفًا على الرّيح فِي الْبكاء لم يكن للْكَلَام معنى وَلَا فَائِدَة. وَالْبَيْت الأول اسْتشْهد بِهِ صَاحب الْكَشَّاف عِنْد قَوْله تَعَالَى: الَّذين يشرون الْحَيَاة الدُّنْيَا بِالآخِرَة على أَن الشِّرَاء يَأْتِي بِمَعْنى البيع كَمَا فِي الْبَيْت يُقَال: شريت الشَّيْء أشريه شرى وَشِرَاء إِذا بِعته وَإِذا أَخَذته أَيْضا. فَهُوَ من الأضداد. وَقد عَن لي أَن أسوق القصيدة هُنَا فَإِنَّهَا جيدةٌ فِي بَابهَا. قَالَ: (أصرمت حبلك من أَمَامه ... من بعد أيامٍ برامه) (ورمقتها فَوَجَدتهَا ... كالضلع لَيْسَ لَهَا استقامه) (لهفي على الرَّأْي الَّذِي ... كَانَت عواقبه ندامه) (تركي سعيداً ذَا الندى ... وَالْبَيْت ترفعه الدعامه) (ليثاً إِذا شهد الوغى ... ترك الْهوى وَمضى أَمَامه) (كَانُوا صديقا قبل ذَا ... فألم دهرٌ ذُو عرامه)

. (وتبعت عبد بني علا ... جٍ تِلْكَ أَشْرَاط القيامه) (جَاءَت بِهِ حبشيةٌ ... سكاء تحسبها نعَامَة) (من نسوةٍ سود الوج ... هـ ترى عَلَيْهِنَّ الندامه) وشريت بردا لَيْتَني ... ... ... ... الْبَيْتَيْنِ وبعدهما: (وَالْعَبْد يقرع بالعصا ... وَالْحر تكفيه الملامه) (والهول يركبه الْفَتى ... حذر المخازي والملامه) وَقَوله: سكاء تحسبها نعامه قَالَ فِي الْعباب السكَك بِفتْحَتَيْنِ: صغر الْأذن وأذنٌ سكاء أَي: صَغِيرَة. يُقَال: كل سكاء تبيض وكل شرفاء تَلد. فالسكاء: الَّتِي لَا أذن ظَاهِرَة لَهَا. والشرفاء: الَّتِي لَهَا أذنٌ ظَاهِرَة. انْتهى. والنعام صَغِير الْأذن خلقه. وَأنْشد بعده الشَّاهِد التَّاسِع وَالْعشْرُونَ بعد الأربعمائة (فَقلت لَهُ: لَا وَالَّذِي حج حاتمٌ ... أخونك عهدا إِنَّنِي غير خوان) على أَنه بِتَقْدِير: حج حاتمٌ إِلَيْهِ فَحذف إِلَيْهِ. قَالَ أَبُو عَليّ فِي الْإِيضَاح الشعري: قَوْله: لَا وَالَّذِي حج حَاتِم يحْتَمل الَّذِي ضَرْبَيْنِ: إِن عَنى بِالَّذِي الْكَعْبَة فَذكر على إِرَادَة الْبَيْت كَمَا يَقُولُونَ: والكعبة وَالْبَيْت وَالْمَسْجِد فَالضَّمِير فِي حج مَحْذُوف لِأَن هَذَا

الْفِعْل متعدٍّ يدل على ذَلِك قَوْله: فَمن حج الْبَيْت أَو اعْتَمر. فَالْمَعْنى الَّذِي حجه حَاتِم. وَإِن عَنى بِالَّذِي الله سُبْحَانَهُ فالتقدير لَا وَالَّذِي حج لَهُ حَاتِم فَحذف من الصِّلَة. وَهَذَا النَّحْو من الْحَذف من الصلات قد جَاءَ فِي الشّعْر من ذَلِك قَوْله: (ناديت باسم ربيعَة بن مكدم ... إِن المنوه باسمه الموثوق) فَقَالَ: الموثوق وَحذف بِهِ. انْتهى. وَقَالَ ابْن جني فِي إِعْرَاب الحماسة: سَأَلَني أَبُو عَليّ مرّة عَن قَوْله: (فَقلت لَهُ لَا وَالَّذِي حج حَاتِم ... الْبَيْت) فَقلت لَهُ: يجوز أَن يكون أقسم بِاللَّه عَزَّ وَجَلَّ أَي: وَالله الَّذِي حج حَاتِم بَيته ثمَّ حذف الْمُضَاف فَصَارَ حجَّة ثمَّ حذف الضَّمِير على الْعَادة من الصِّلَة. وَيجوز أَن يكون الَّذِي مصدرا كَقَوْلِه تَعَالَى: الَّذِي يبشر الله عباده. وَهُوَ شَبيه بيتنا هَذَا. اه. أَرَادَ بِالْبَيْتِ الْمُشبه بِهِ الْبَيْت الَّذِي شَرحه وَهُوَ: (رويق إِنِّي وَمَا حج الحجيج لَهُ ... وَمَا أهل بجنبي نَخْلَة الْحرم) قَالَ: يحْتَمل مَا هُنَا أوجهاً: أَحدهَا أَن تكون عبارَة عَن الْقَدِيم سُبْحَانَهُ على مَا حَكَاهُ أَبُو زيد عَن الْعَرَب من قَوْله: سُبْحَانَ مَا سخركن لنا

وَسُبْحَان مَا سبح الرَّعْد بِحَمْدِهِ وَأَرَادَ: فِي مَا الثَّانِيَة لَهُ غير أَنه حذفهَا لطول الْكَلَام وَتقدم ذكرهَا مَعَ مَا فِي الأولى. وَيجوز أَيْضا أَن يكون مَا هُنَا مصدرا فَتكون الْهَاء فِي لَهُ لله تَعَالَى وَإِن لم يجر لَهُ ذكر لِأَنَّهُ قد جرى ذكر الْحَج فدلت الطَّاعَة على المطاع سُبْحَانَهُ فَكَأَنَّهُ قَالَ: إِنِّي وَحج الحجيج لله. ويؤكد ذَاك أَنه لم يعد مَعَ مَا الثَّانِيَة لَهُ لِأَنَّهُ غير مُحْتَاج إِلَيْهَا من حَيْثُ كَانَت مصدرا وَغير محتاجة إِلَى عَائِد وَقد تقدم لَهُ الأولى. وَيجوز أَيْضا أَن تكون مَا عبارَة عَن الْبَيْت فَيقسم بِالْبَيْتِ كَقَوْل زُهَيْر: (فأقسمت بِالْبَيْتِ الَّذِي طَاف حوله ... رجالٌ بنوه من قريشٍ وجرهم)) فَإِذا كَانَ الْأَمر كَذَلِك احتملت الْهَاء فِي لَهُ أَمريْن: أَحدهمَا: أَن تكون للبيت على أَن يكون لَهُ بِمَعْنى إِلَيْهِ كَقَوْلِه تَعَالَى: بِأَن رَبك أوحى لَهَا أَي: إِلَيْهَا. وَالْآخر أَن يكون لله تَعَالَى أَي: وَالْبَيْت الَّذِي حج الحجيج لطاعة الله. وسألني أَبُو عَليّ مرّة عَن قَوْله. إِلَى آخر مَا أوردناه أَولا. فَعلم أَن كَلَام الشَّارِح المحق هُوَ أحد تخريجي أبي عَليّ الْفَارِسِي على تَقْدِير حمل الَّذِي على الله. وَلم يرتضه ابْن جني على هَذَا التَّقْدِير بل جعله على تَأْوِيل: وَالله الَّذِي حج بَيته حَاتِم فَحذف بَيت أَولا ثمَّ الضَّمِير الْعَائِد تدريجاً. وَهَذَا أَقيس من كَلَام أبي عَليّ.

وَالْبَيْت أحد (مَرَرْت على دَار امْرِئ السوء عِنْده ... لُيُوث كعيدانٍ بحائط بُسْتَان) (ومررت على دَار امْرِئ الصدْق حوله ... مرابط أفراسٍ وملعب فتيَان) (فَقَالَ مجيباً وَالَّذِي حج حاتمٌ ... أخونك عهدا إِنَّنِي غير خوان) وَالسوء: بِفَتْح السِّين وَضمّهَا: مصدرٌ أَرَادَ بِهِ السَّيئ فَأطلق عَلَيْهِ مُبَالغَة. وَكَذَلِكَ الصدْق مصدر أطلق على الصَّادِق. وَيكون السوء والصدق فِي القَوْل وَالْفِعْل. والليوث: جمع لَيْث وَهُوَ الْأسد أَرَادَ بِهِ الشجعان. وَقَالَ الْجرْمِي: هُوَ جمع ليثة يُقَال: نَاقَة ليثة. انْتهى. وَفِي الْقَامُوس: الليثة من الْإِبِل: الشَّدِيدَة. والعيدان بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة: النّخل الطوَال قَالَ الْجَوْهَرِي: والعيدان بِالْفَتْح: الطوَال من النّخل الْوَاحِدَة عيدانة. هَذَا إِن كَانَ فعلان فَهُوَ من هَذَا الْبَاب فَإِن كَانَ فيعالاً فَهُوَ من بَاب النُّون. وَقَوله: بحائط بُسْتَان الْبَاء بِمَعْنى فِي. والحائط الْبُسْتَان والبستان فعلانٌ: الْجنَّة. قَالَ الْفراء: عربيٌّ. وَقَالَ بَعضهم: رومي مُعرب. فإضافة حَائِط إِلَى بُسْتَان بَيَانِيَّة.

وَقَوله: ومررت على دَار إِلَخ قَالَ الْجرْمِي: الْوَاو زَائِدَة فِي الْبَيْت كَأَنَّهُ عطف بَيْتا على بَيت. وفتيان: جمع فَتى. وَقَوله: أخونك عهدا الخون والخيانة: أَن يؤتمن الْإِنْسَان فَلَا ينصح بتعدى بِنَفسِهِ إِلَى مفعول واحدٍ تَارَة يُقَال: خَان الرجل الْأَمَانَة وَتارَة إِلَى الْمَفْعُول الثَّانِي بِنَفسِهِ وبحرف الْجَرّ يُقَال: خانه الْعَهْد وَفِي الْعَهْد. والعهد: الْوَصِيَّة والأمان والموثق والذمة. وَقَوله: فَقَالَ مجيباً فَاعل قَالَ ضمير امْرِئ الصدْق ومجيباً حَال مِنْهُ. وَقَوله وَالَّذِي الْوَاو للقسم وَالَّذِي مقسم بِهِ. وَحج حَاتِم صلَة الَّذِي والعائد مَحْذُوف كَمَا تقدم بَيَانه وَجُمْلَة: أخونك جَوَاب الْقسم بِتَقْدِير لَا النافية كَقَوْلِه تَعَالَى: تالله تفتؤ تذكر يُوسُف وَالْكَاف مفعول أول وَهِي مَفْتُوحَة لَا مَكْسُورَة وعهداً مفعول ثَان وَجُمْلَة: إِنَّنِي غير خوان اسْتِئْنَاف بياني. والأبيات لعريان بن سهلة الْجرْمِي وَهُوَ شَاعِر من شعراء الْجَاهِلِيَّة. كَذَا قَالَ أَبُو زيد فِي نوادره. والعريان بِضَم الْعين) وَسُكُون الرَّاء الْمُهْمَلَتَيْنِ بعدهمَا مثناة تحتية وَآخره نون. وسهلة بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَسُكُون الْهَاء بعْدهَا لَام وهاء تَأْنِيث. والجرمي: نِسْبَة إِلَى جرم بِفَتْح الْجِيم وَسُكُون الرَّاء الْمُهْملَة. وجرم: بطنٌ من قَبيلَة طَيء وبطن من قَبيلَة قضاعة أَيْضا. وَلَا أعلم إِلَى أَي هذَيْن البطنين. وَالله أعلم.

وَأنْشد بعده الشَّاهِد الثَّلَاثُونَ بعد الأربعمائة فَسلم على أَيهمْ أفضل هَذَا عجز وصدره: إِذا مَا لقِيت بني مالكٍ على أَن الْعَائِد الْوَاقِع مُبْتَدأ مَحْذُوف وَالتَّقْدِير: أَيهمْ هُوَ أفضل. وَفِيه رِوَايَتَانِ: على أَيهمْ بِالْبِنَاءِ على الضَّم وَبِه أوردهُ ابْن هِشَام فِي بحث أَي من الْمُغنِي. وعَلى أَيهمْ بإعرابه بِالْجَرِّ وَبِه أوردهُ أَيْضا فِي بحث جملَة الصِّلَة من الْبَاب الثَّانِي قَالَ: قرئَ: أَيهمْ أَشد بِالنّصب وَرُوِيَ: فَسلم على أَيهمْ أفضل بالخفض. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ بِالْوَجْهَيْنِ فِي شرح الشواهد. وَإِذا شَرْطِيَّة وَمَا زَائِدَة. وَجُمْلَة: فَسلم جَوَاب الشَّرْط. وَمَسْأَلَة أَي خلافية وَقد فصلها ابْن الْأَنْبَارِي فِي مسَائِل الْخلاف وَكَذَلِكَ الشَّارِح الْمُحَقق بعد الْإِخْبَار بِالَّذِي. وَالْبَيْت لم يبلغنِي قَائِله. وَقَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: حَكَاهُ أَبُو عَمْرو الشَّيْبَانِيّ بِضَم أَيهمْ عَن غَسَّان وَهُوَ أحد من تُؤْخَذ عَنهُ اللُّغَة من الْعَرَب. انْتهى. فغسان قَائِل الْبَيْت. وَزعم ابْن هِشَام أَنه لرجلٍ من غَسَّان. وَالله أعلم.

وَأنْشد بعده الشَّاهِد الْحَادِي وَالثَّلَاثُونَ بعد الأربعمائة أَنا الَّذِي سمتن أُمِّي حيدره على أَن يجوز أَن يُقَال: سمتني وَالْأَكْثَر سمته. وَظَاهر كَلَامه أَنه غير قَبِيح. وَكَذَلِكَ كَلَام صَاحب الْكَشَّاف وَبِه اسْتشْهد عِنْد قَوْله تَعَالَى: ولكنى رسولٌ من رب الْعَالمين أبلغكم رسالات رَبِّي على جَوَاز كَون أبلغكم صفة رَسُول الله لِأَن الرَّسُول وَقع خَبرا عَن ضمير الْمُتَكَلّم فِي لكني فَجَاز عود ضمير الْمُتَكَلّم عَلَيْهِ كَمَا وَقع الْمَوْصُول فِي الْبَيْت خَبرا عَن ضمير الْمُتَكَلّم مَعَ أَن حق الضَّمِير الْعَائِد إِلَى الْمَوْصُول الْغَيْبَة فَكَانَ مُقْتَضى الظَّاهِر فِي الْآيَة: يبلغكم وَفِي الْبَيْت: سمته. وَكَذَلِكَ ظَاهر كَلَام ابْن الشجري فِي أَمَالِيهِ فَإِنَّهُ تكلم على قَول المتنبي: قَالَ: رجلٌ خبر موطئ وَالْجُمْلَة بعده صفته والفائدة بهَا وَالْخَبَر الموطئ كالزيادة فِي الْكَلَام. فَلذَلِك عَاد الضميران وهما الْيَاء فِي

مخاطبتي وَلم ترني إِلَى الْيَاء فِي أنني وَلم يعودا على رجل لِأَن الْجُمْلَة فِي الْحَقِيقَة خبرٌ عَن أنني. وَنَظِيره عود الْيَاء إِلَى الَّذِي فِي قَول عَليّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: أَنا الَّذِي سمتن أُمِّي حيدره لما كَانَ الْمَعْنى الَّذِي هُوَ أَنا فِي الْمَعْنى وَلَيْسَ هَذَا مِمَّا يحمل على الضَّرُورَة لِأَنَّهُ وَقع فِي الْقُرْآن نَحْو: بل أَنْتُم قومٌ تجهلون. وَمِمَّا جَاءَ فِي الشّعْر لغير ضَرُورَة قَوْله: (أأكرم من ليلى عَليّ فتبتغي ... بِهِ الجاه أم كنت امْرأ لَا أطيعها) وَلم يقل يطيعها وفَاقا لامرئٍ. فَهَذَا دَلِيل على دَلِيل التَّنْزِيل فاعرف هَذَا وَقس عَلَيْهِ نَظَائِره. انْتهى. وَلَا يخفى أَن مبْنى كَلَامه على أَن الضَّرُورَة مَا لَيْسَ للشاعر عَنهُ مندوحة. وَالصَّحِيح أَنَّهَا مَا وَقع فِي الشّعْر سَوَاء كَانَ عَنهُ مندوحةٌ أم لَا. وصريح كَلَام الإِمَام المرزوقي أَنه قَبِيح مَرْدُود. قَالَ: كَانَ الْقيَاس أَن يَقُول سمته حَتَّى يكون فِي الصِّلَة مَا يعود إِلَى الْمَوْصُول لكنه لما كَانَ الْقَصْد فِي الْإِخْبَار عَن نَفسه وَكَانَ الآخر هُوَ الأول لم يبال برد الضَّمِير على الأول وَحمل الْكَلَام على الْمَعْنى لأمنه من الإلباس وَهُوَ مَعَ ذَلِك قَبِيح عِنْد النَّحْوِيين حَتَّى إِن الْمَازِني قَالَ: لَوْلَا اشتهار مورده وكثرته لرددته. انْتهى.

والحيدرة: الْأسد نقل الْحُسَيْن الميبذي فِي شرح ديوَان الإِمَام عَليّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه عَن الْحَافِظ إِسْمَاعِيل قَالَ: يرْوى أَن أم مرحب كَانَت كاهنة قَالَت لابنها: يَا بني إِنِّي خائفةٌ عَلَيْك رجلاٌ يُسَمِّي نَفسه فِي الْحَرْب حيدرة فَإِن سَمِعت ذَلِك فَلَا تبارزه. فَلَمَّا سمع الرجز أَرَادَ الرُّجُوع فمنعته الحمية الْجَاهِلِيَّة فَقتله عليٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه) والسياق مشعرٌ بِأَن عليا كَانَ سمع هَذَا فَلهَذَا قَالَ حيدرة. انْتهى. وَحمله الْجُمْهُور على غير هَذَا قَالَ ابْن قُتَيْبَة فِي غَرِيب الحَدِيث: سَأَلت بعض آل أبي طَالب عَن قَوْله: سمتن أُمِّي حيدره فَذكر أَن أم عَليّ فَاطِمَة بنت أَسد ولدت عليا وَأَبُو طَالب غَائِب فَسَمتْهُ أسداً باسم أَبِيهَا فَلَمَّا قدم أَبُو طَالب كره هَذَا الِاسْم وَسَماهُ عليا فَلَمَّا كَانَ يَوْم خَيْبَر ورجز عليٌّ ذكر الِاسْم الَّذِي سمته بِهِ أمه فَكَأَنَّهُ قَالَ: أَنا الْأسد. اه. وَمثله فِي صِحَاح الْجَوْهَرِي. وَقَالَ السُّهيْلي فِي الرَّوْض الْأنف. فِي قَول عَليّ: سمتن أُمِّي حيدره ثَلَاثَة أَقْوَال ذكرهَا قَاسم بن ثَابت. أَحدهَا: أَن اسْمه فِي الْكتب الْمُتَقَدّمَة أَسد والأسد هُوَ الحيدرة. الثَّانِي: أَن أمه فَاطِمَة بنت أَسد حِين وَلدته كَانَ أَبوهُ غَائِبا فَسَمتْهُ باسم أَبِيهَا أسداً فَقدم أَبوهُ فَسَماهُ عليا.

الثَّالِث: أَنه كَانَ لقب بصغره بحيدرة لِأَن الحيدرة الممتلئ لَحْمًا مَعَ عظم بطن وَكَذَلِكَ كَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه وَلذَلِك قَالَ بعض اللُّصُوص حِين فر من سجنه الَّذِي كَانَ يُسمى نَافِعًا وَقيل فِيهِ بِالْيَاءِ أَيْضا: (وَلَو أَنِّي مكثت لَهُم قَلِيلا ... لجروني إِلَى شيخٍ بطين) انْتهى. فعلى الْقَوْلَيْنِ الْأَوَّلين يكون من التَّعْبِير بالمترادف. قَالَ ابْن السَّيِّد البطليوسي فِي شرح أدب الْكتاب: أَرَادَ أَنا الَّذِي سمتني أُمِّي أسداً فَلم يُمكنهُ ذكر الْأسد من أجل القافية فَذكر حيدرة لِأَنَّهُ اسمٌ من أَسْمَائِهِ. وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِك لِأَن أمه لم تسمه حيدرة وَإِنَّمَا سمته أسداً. انْتهى. وَالْبَيْت من رجزٍ لعَلي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ يَوْم خَيْبَر. رُوِيَ أَن مرْحَبًا الْيَهُودِيّ خرج يَوْم خَيْبَر وَهُوَ يخْطر وَعَلِيهِ مغفرٌ يماني وحجرٌ قد ثقبه مثل الْبَيْضَة على رَأسه وَهُوَ يرتجز وَيَقُول: (قد علمت خَيْبَر أَنِّي مرحب ... شاكي السِّلَاح بطلٌ مجرب) إِذا الليوث أَقبلت تلهب فبرز لَهُ عليٌ عَلَيْهِ السَّلَام وَعَلِيهِ جبةٌ حَمْرَاء قد أخرج خملها وَهُوَ يَقُول: (أَنا الَّذِي سمتن أُمِّي حيدره ... ضرغام آجامٍ وليثٌ قسوره) ...

(عبل الذراعين شَدِيد القصره ... كليث غاباتٍ كريه المنظره) (أضْرب بِالسَّيْفِ رِقَاب الكفره ... أكيلهم بِالسَّيْفِ كيل السندره) وروى أَيْضا: أوفيهم بالصاع كيل السندره وَزَاد الْحُسَيْن الميبذي فِي رِوَايَته: (أضربكم ضربا يبين الفقره ... وأترك الْقرن بقاعٍ جزره) (أشفي صَدْرِي من رُؤُوس الكفره ... أقتل مِنْهُم سَبْعَة أَو عشره)) وَقد رُوِيَ أَبْيَات مرحب على غير مَا ذكرنَا وَهِي: (إِنَّا أناسٌ ولدتنا عبهره ... لباسنا الوشي وريط حبره) أَبنَاء حربٍ لَيْسَ فِينَا غدره

وَقَالَ: العبهرة: الْمَرْأَة الْحَسْنَاء. والوشي من الثِّيَاب مَعْرُوف. والريطة: الملاءة. والحبرة: الْبرد اليمني. وغدرة: جمع غادر. والجزرة بِفتْحَتَيْنِ: اللَّحْم الَّذِي تَأْكُله السبَاع وَالْجمع جزر يُقَال: تركوهم جزراً أَي: قتلوهم. اه. والسندرة: بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَسُكُون النُّون قَالَ السُّهيْلي: شجرةٌ يصنع مِنْهَا مكاييل عِظَام. وَقَالَ ابْن السَّيِّد البطليوسي: قَالَ ابْن قُتَيْبَة: فِي شرح الحَدِيث: السندرة شجرةٌ تعْمل مِنْهَا القسي والنبل فَيحْتَمل أَن يكون مكيالاً يتَّخذ من هَذِه الشَّجَرَة يُسمى باسمها كَمَا تسمى الْقوس نبعةً باسم الشَّجَرَة الَّتِي أخذت مِنْهَا. قَالَ: وَيحْتَمل أَن يكون امْرَأَة كَانَت تكيل وافياً أَو رجلا. وَذكر أَبُو عمر الْمُطَرز فِي كتاب الْيَاقُوت: أَن السندرة امْرَأَة. انْتهى. وَفِي الْعباب للصاغاني: السندرة: اسْم امرأةٍ كَانَت تبيع الْقَمْح وَتُوفِّي الْكَيْل. والسندري: مكيالٌ ضخم كالقنقل والجراف. وَقَالَ ثَعْلَب فِي قَول عَليّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: (أَنا الَّذِي سمتن أُمِّي حيدره ... كليث غاباتٍ كريه المنظره) (أكيلكم بِالسَّيْفِ كيل السندره ... أطعن بِالرُّمْحِ نحور الكفره) لم تخْتَلف الروَاة أَن هَذَا الرجز لَهُ وَاخْتلفُوا فِي السندرة فَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: هِيَ مكيال. أَي: أقتلكم قتلا وَاسِعًا كثيرا. وَقَالَ غَيره: هِيَ امرأةٌ كَانَت توفّي الْكَيْل. أَي: أقتلكم قتلا وافياً. انْتهى.

والضرغام وَاللَّيْث بِمَعْنى الْأسد. وَالْآجَام والغابات: جمع الأجمة والغابة وهما الشّجر الكثيف الملتف أَو الْقصب مثله يكونَانِ مأوى الْأسد إِشَارَة إِلَى فرط قوته ومنعة جَانِبه حَيْثُ لم يكتف بأجمةٍ بل حمى آجاماً وغابات. وَلَيْث الأول مُضَاف إِلَى قسورة والقسورة هُنَا أول اللَّيْل ذكر هَذَا الْمَعْنى صَاحب الْعباب. وَيَأْتِي بِمَعْنى الْأسد أَيْضا وَهُوَ من القس لِأَنَّهُ يَأْخُذ فريسته قهرا وَغَلَبَة وَيجوز على هَذَا أَن يقْرَأ بتنوين لَيْت فَيكون قسورة وَصفا لَهُ. والقصورة لُغَة فِي القسورة وَفَسرهُ شَارِح الدِّيوَان برامي السهْم وَفِي التَّنْزِيل: فرت من قسورةٍ. قيل من أَسد. وَقَالَ ابْن عَبَّاس: القسورة: ركز النَّاس وحسهم. وَقَالَ غَيره: هم الرُّمَاة الَّذين يتصيدونها. وَقَالَ: الْمَعْنى كَأَنَّهُمْ حمر نفرها من يقسرها برمي أَو صيد أَو غير ذَلِك. والعبل بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة مسكون الْمُوَحدَة: الضخم. والقصرة بِفَتْح الْقَاف وَالصَّاد الْمُهْملَة. أصل) الْعُنُق. وَرَوَاهُ أَبُو عَمْرو الشَّيْبَانِيّ: كليث غابات غليظ القصره وَأَخْطَأ شَارِح الدِّيوَان بتفسيره إِيَّاه بِأَصْل الْأذن. والفقرة بِكَسْر الْفَاء وَفتح الْقَاف: جمع فقرة بِسُكُون الْقَاف وَهِي خرزة الظّهْر. والفقارة بِالْفَتْح أَيْضا هِيَ خرزة الظّهْر. والقرن بِكَسْر الْقَاف وَسُكُون الرَّاء وَهُوَ المقاوم فِي قتال أَو علم أَو غَيرهمَا. وَقَول مرحب: شاكي السِّلَاح قَالَ صَاحب الْمِصْبَاح: الشَّوْكَة: شدَّة الْبَأْس وَالْقُوَّة فِي السِّلَاح. وشاك الرجل يشاك شوكاً من بَاب خَافَ: ظَهرت شوكته وحدته. وَهُوَ شائك السِّلَاح وشاكي السِّلَاح على الْقلب.

وَفِي سيرة ابْن سيد النَّاس أَن مرْحَبًا لما رجز: قد علمت خَيْبَر أَنِّي مرحب أَجَابَهُ كَعْب بن مَالك شَاعِر رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: (قد علمت خَيْبَر أَنِّي كَعْب ... مفرج الغما جريء صلب) فِي أَبْيَات. وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح فَإِن أجوبة الأرجاز فِي الْحَرْب إِنَّمَا هِيَ على القافية فَيكون رجز عَليّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه جَوَابا عَن قَول مرحب: إِنَّا أناسٌ ولدتنا عبهرة كَمَا رَوَاهُ حُسَيْن الميبذي. وَلم يذكر الشَّامي هَذَا فِي سيرته وَذكر فِي قتل مرحب رِوَايَات مُخْتَلفَة. وخيبر: اسْم ولايةٍ مشتملةٍ على حصون ومزارع ونخل كثير على ثَلَاثَة أيامٍ من الْمَدِينَة على يسَار الْحَاج الشَّامي سميت باسم أول من نزلها وَهُوَ خَيْبَر أَخُو يثرب ابْنا أخي عَاد. وَكَانَت غَزْوَة خَيْبَر فِي آخر السّنة السَّادِسَة من الْهِجْرَة قبل فتح مَكَّة شرفها الله تَعَالَى فَإِن فتحهَا كَانَ فِي سنة ثَمَان من الْهِجْرَة. وَاعْلَم أَن الْعلمَاء قد اخْتلفُوا فِي الشّعْر الْمَنْسُوب إِلَى عَليّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ الْمَازِني: إِنَّه لم يَصح أَنه عَلَيْهِ السَّلَام تكلم بشيٍ من الشّعْر غير هذَيْن الْبَيْتَيْنِ. وَصَوَّبَهُ الزَّمَخْشَرِيّ وهما: ...

(تلكم قُرَيْش تمناني لتقتلني ... فَلَا وَرَبك مَا بروا وَلَا ظفروا) (فَإِن هَلَكت فرهنٌ ذِمَّتِي لَهُم ... بِذَات ودقين لَا يعْفُو لَهَا أثر) كَذَا قَالَ صَاحب الْقَامُوس. وَفسّر ذَات ودقين بالداهية قَالَ: كَأَنَّهَا ذَات وَجْهَيْن. وودقين بِفَتْح الْوَاو وَسُكُون الدَّال وَفتح الْقَاف. وَيرد على الْمَازِني والزمخشري مَا نَقَلْنَاهُ آنِفا عَن ثَعْلَب من كَون) الروَاة لم يَخْتَلِفُوا فِي الرجز الَّذِي مِنْهُ الْبَيْت الشَّاهِد أَنه لَهُ عَلَيْهِ السَّلَام وَيُؤَيِّدهُ أَنه مذكورٌ فِي جَمِيع كتب السّير والمغازي. وَعلي بن أبي طَالب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه وكرم وَجهه قَالَ ابْن حجر قي الْإِصَابَة: هُوَ ابْن عَم النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وَأَبُو الْحسن وَأول النَّاس إسلاما فِي قَول الْكثير من أهل الْعلم ولد قبل الْبعْثَة بِعشر سِنِين على الصَّحِيح فربي فِي حجر النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وَلم يُفَارِقهُ وَشهد مَعَه الْمشَاهد إِلَّا غَزْوَة تَبُوك فَقَالَ لَهُ بِسَبَب تَأْخِيره لَهُ بِالْمَدِينَةِ: أَلا ترْضى أَن تكون مني بِمَنْزِلَة هَارُون من مُوسَى الحَدِيث. وزوجه بنته فَاطِمَة وَكَانَ اللِّوَاء بِيَدِهِ فِي أَكثر الْمشَاهد. وَلما آخى النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بَين أَصْحَابه قَالَ لَهُ: أَنْت أخي. ومناقبه كَثِيرَة حَتَّى قَالَ الإِمَام أَحْمد: لم ينْقل لأحدٍ من الصَّحَابَة مَا نقل لعَلي. وَقَالَ غَيره: وَكَانَ سَبَب ذَلِك تنقيص بني أُميَّة لَهُ فَكَانَ كل من كَانَ عِنْده علمٌ من مناقبه من الصَّحَابَة يبثه وَكلما أَرَادوا إخماده وهددوا

من حدث بمناقبه لَا يزْدَاد إِلَّا انتشاراً. وَمن خَصَائِص عَليّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَوْله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يَوْم خَيْبَر: لأدفعن الرَّايَة غَدا إِلَى رجلٍ يحب الله وَرَسُوله يفتح الله على يَدَيْهِ. فَلَمَّا أصبح صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ غدوا كلهم يَرْجُو أَن يعطاها فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: أَيْن عَليّ بن أبي طَالب فَقَالُوا يشتكي عَيْنَيْهِ. فَأتى بِهِ فبصق فِي عَيْنَيْهِ ودعا لَهُ وَأَعْطَاهُ الرَّايَة. أَخْرجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ. وَبَعثه لقِرَاءَة بَرَاءَة على قُرَيْش وَقَالَ: لَا يذهب إِلَّا رجلٌ مني وَأَنا مِنْهُ. وَقَالَ لبني عَمه: أَيّكُم يواليني فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة فَقَالَ عَليّ: أَنا. فَقَالَ: إِنَّه ولي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَأخذ رِدَاءَهُ فَوَضعه على عَليّ وَفَاطِمَة وَحسن وحسين وَقَالَ: إِنَّمَا يُرِيد الله ليذْهب عَنْكُم الرجس أهل الْبَيْت. وَلبس ثِيَابه ونام مَكَانَهُ. وَكَانَ الْمُشْركُونَ قصدُوا قتل النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فَلَمَّا أَصْبحُوا رَأَوْهُ قَالُوا: أَيْن صَاحبك وَقَالَ لَهُ فِي غَزْوَة تَبُوك: أَنْت مني بِمَنْزِلَة هرون من مُوسَى إِلَّا أَنَّك لست بِنَبِي أَي: لَا يَنْبَغِي أَن أذهب إِلَّا وَأَنت خليفتي. وَقَالَ لَهُ: أَنْت ولي كل مؤمنٍ بعدِي. وسد الْأَبْوَاب إِلَّا بَاب عليٍّ فَيدْخل الْمَسْجِد جنبا وَهُوَ طَرِيقه لَيْسَ لَهُ طريقٌ غَيره. وَقَالَ: من كنت مَوْلَاهُ فعليٌّ مَوْلَاهُ. وَأخرج التِّرْمِذِيّ بإسنادٍ قويٍّ عَن عمرَان بن حُصَيْن فِي قصةٍ قَالَ فِيهَا: قَالَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: مَا يُرِيدُونَ من عَليّ إِن عليا مني وَأَنا من عَليّ وَهُوَ ولي كل مُؤمن بعدِي.

وَاسْتشْهدَ فِي لَيْلَة التَّاسِع عشر من شهر رَمَضَان سنة أَرْبَعِينَ من الْهِجْرَة. وَمُدَّة خِلَافَته خمس سِنِين إِلَّا ثَلَاثَة اشهر وَنصف شهر. انْتهى كَلَام الْإِصَابَة مُخْتَصرا. ومناقبه العديدة وسيره الحميدة لَا يحتملها هَذَا الْمُخْتَصر. وَقد ألف) الْعلمَاء فِيهَا تآليف عديدة لَا تعد وَلَا تحصى. وَأنْشد بعده الشَّاهِد الثَّانِي وَالثَّلَاثُونَ بعد الأربعمائة القاتلي أَنْت أَنا وَهَذَا بعض بيتٍ وَضعه بعض النُّحَاة للتعليم كَمَا فِي سفر السَّعَادَة وَهُوَ: (كَيفَ يخفى عَنْك مَا حل بِنَا ... أَنا أَنْت القاتلي أَنْت أَنا) وَرُوِيَ أَيْضا: أَنا أَنْت الضاربي أَنْت أَنا وَاقْتصر الشَّارِح الْمُحَقق على هَذَا الْقدر لتَعلق غَرَضه بِهِ وَلم يُورِدهُ بِتَمَامِهِ لشهرته وَخطأ قَائِله فَإِنَّهُ كَانَ يجب أَن يَقُول: القاتله بِالْهَاءِ لَا بِالْيَاءِ ليَكُون التَّقْدِير: الَّذِي قتلته أَنا. لِأَن أل فِي الْقَاتِل اسْم مَوْصُول بِمَعْنى الَّذِي وَحقّ الْعَائِد أَن يكون بضمير الْغَائِب لَا بضمير الْمُتَكَلّم لِئَلَّا يصير الْإِخْبَار لَغوا إِذْ التَّقْدِير: الَّذِي قتلني فَيصير من قبيل الَّذِي ضربت أَنا. وَقد ذكر أَنه لَا يجوز الْحمل على الْمَعْنى. قَالَ ابْن السراج فِي

الْأُصُول: لَا يجوز الَّذِي ضربتك أَنْت وَلَا الَّذِي ضربتني أَنا. فَإِن قدمت نَفسك قبل الَّذِي قلت: أَنا الَّذِي ضربتك وَأَنا الَّذِي ضربتني. قَالَ أَبُو عُثْمَان الْمَازِني: وَلَوْلَا أَن هَذَا حُكيَ عَن الْعَرَب الموثوق بعربيتهم رددناه لفساده. وَمِمَّا جَاءَ فِي الشّعْر فِي صلَة الَّذِي مَحْمُولا على مَعْنَاهُ لَا لَفظه قَوْله: (وَأَنا الَّذِي قتلت بكرا بالقنا ... وَتركت تغلب غير ذَات سَنَام) وَلَو حمل على لَفظه لقَالَ قتل. وَلَيْسَ كل كَلَام يحْتَمل أَن يحمل على الْمَعْنى. انْتهى. وَقد جوزه أَبُو ذرٍّ مُصعب بن أبي بكر الْخُشَنِي حَكَاهُ عَنهُ أَبُو حَيَّان فِي الارتشاف قَالَ: يُجِيز عودة ضمير مطابقاً للْخَبَر فِي الْخطاب والتكلم بِحمْلِهِ على الْمَعْنى. قَالَ: ورد عَلَيْهِ بِأَنَّهُ يلْزم مِنْهُ أَن تكون فَائِدَة الْخَبَر حَاصِلَة فِي الْمُبْتَدَأ. وَذَلِكَ خطأ. وَقَالَ نَاظر الْجَيْش فِي شرح التسهيل: الْمُبْتَدَأ يخبر عَنهُ مظْهرا كَانَ أَو مضمراً بمتكلم أَو مُخَاطب أَو غَائِب فَيُقَال فِي الْإِخْبَار عَن هُوَ من قَوْلك: هُوَ قَائِم هُوَ وَفِي الْإِخْبَار عَنهُ إِذا كَانَ لمتكلم أَو مُخَاطب خلافٌ وَالأَصَح الْجَوَاز. وَالضَّمِير الَّذِي يأتى بِهِ خلفا يكون ضمير غيبَة. وَأَجَازَ الْكسَائي: الَّذِي أَنا قَائِم أَنا وَالَّذِي أَنْت قَائِم أَنْت. وَالْكسَائِيّ نظر إِلَى الْمَعْنى. وَلَا شكّ أَن هَذِه الْمَسْأَلَة نقلت إِلَى مسالة أَنْت الَّذِي قَامَ وَأَنا الَّذِي قَامَ حَيْثُ يجوز فِيهَا. أَنْت الَّذِي قُمْت وَأَنا الَّذِي قُمْت وَلَكِن شَرط مُرَاعَاة الْمَعْنى فِي هَذِه) الْمَسْأَلَة تقدم الضَّمِير على الِاسْم الْمَوْصُول فَلَو تقدم الْمَوْصُول على الضَّمِير لم يجز مُرَاعَاة الْمَعْنى إِلَّا عِنْد الْكسَائي وَمن ثمَّ أجَاز: الَّذِي أَنا قَائِم أَنا وَالَّذِي أَنْت قَائِم أَنْت. انْتهى.

وَإِذا وقفت على هَذَا علمت أَن مَا رده الشَّارِح الْمُحَقق وَأَبُو حَيَّان لَيْسَ بوجهٍ لِأَنَّهُ قولٌ لإِمَام الْكُوفِيّين وَغَيره فناظم الْبَيْت تابعٌ لَهما. غَايَته أَنه مخالفٌ لقَوْل الْجُمْهُور. وَقد أعرب هَذَا المصراع بِوَجْهَيْنِ أَبُو مُحَمَّد عبد الرَّحْمَن الشهير بإبن بري كَمَا نَقله عَنهُ صَاحب سفر السَّعَادَة قَالَ: أحد الْوَجْهَيْنِ أَن تجْعَل الْألف وَاللَّام ل أَنا وَالْفِعْل ل أَنْت. فَأَنا على هَذَا مُبْتَدأ وَأَنت مُبْتَدأ ثَان والقاتلي مُبْتَدأ ثَالِث لِأَنَّهُ غير أَنْت إِذا الْألف وَاللَّام لأَنا. والعائد على الْألف وَاللَّام الْيَاء فِي القاتلي لِأَنَّهَا أَنا فِي الْمَعْنى وَأَنت فَاعل بالقاتلي أبرز لما جرى الْوَصْف على غير من هُوَ لَهُ إِذْ الْألف وَاللَّام لأَنا وَالْفِعْل لأَنْت فَأَنا على هَذَا مُبْتَدأ وَأَنت مُبْتَدأ ثَان والقاتلي خبر أَنْت وَلَا يبرز الضَّمِير فِيهِ لِأَنَّهُ جرى على من هُوَ لَهُ وَيكون الْكَلَام قد تمّ عِنْد قَوْله القاتلي وَيكون أَنْت أَنا على طَرِيق الْمُطَابقَة للْأولِ ليَكُون آخر الْكَلَام دَالا وجارياً على أَوله. أَلا ترَاهُ قَالَ فِي أول الْكَلَام: أَنا أَنْت وَلِهَذَا قَالَ فِي آخِره: أَنْت أَنا أَي: كَيفَ أَشْكُو مَا حل بِي مِنْك وَأَنا أَنْت وَأَنت أَنا فَإِذا شكوتك فَكَأَنَّمَا أَشْكُو نَفسِي. قَالَ: وَلَو جعلت الْألف وَاللَّام وَالْفِعْل فِي هَذِه الْمَسْأَلَة لأَنا لَقلت: أَنا أَنْت القاتلك أَنا فَأَنا مُبْتَدأ وَأَنت مُبْتَدأ ثَان والقاتلك مُبْتَدأ ثَالِث لِأَنَّهُ غير أَنْت وَفِيه ضميرٌ يعود على الْألف وَاللَّام الَّتِي هِيَ أَنا فِي الْمَعْنى. وَلم يبرز الضَّمِير الَّذِي فِي القاتلك. والقاتلك وَخَبره خبر أَنْت وَأَنت وَخَبره خبر أَنا. اه. وَقد أورد أَبُو حَيَّان هَذَا الْبَيْت فِي تَذكرته وَاقْتصر فِي إعرابه على

الْوَجْه الأول من وَجْهي قَول ابْن بري قَالَ: أَنا الأول مُبْتَدأ وَأَنت الأول مُبْتَدأ ثَان وَالْألف وَاللَّام لأَنا وقاتلي لأَنْت. فقد جرى إسم الْفَاعِل صلَة على الْألف وَاللَّام الَّتِي هِيَ أَنا فأبرز ضَمِيره وَهُوَ أَنْت. فَأَنت يرْتَفع بِقَاتِلِي وَأَنا خبر عَن الْألف وَاللَّام وَهِي وَمَا بعْدهَا خبر عَن أَنْت الأول وَهُوَ وَمَا بعده خبر عَن أَنا الأول والعائد إِلَى أَنا الأول أَنا الثَّانِي وَالْيَاء فِي القاتلي عائدةٌ على الْألف وَاللَّام. انْتهى. وَقد أجَاب بِالْوَجْهِ الأول نظماً أَبُو بكر بن عمر بن إِبْرَاهِيم بن دعاس الْفَارِسِي فَإِنَّهُ سَأَلَهُ بَعضهم عَنهُ بقوله: (أَيهَا الْفَاضِل فِينَا أَفْتِنَا ... وأزل عَنَّا بفتواك العنا) (كَيفَ إِعْرَاب نحاة النَّحْو فِي: ... أَنا أَنْت الضاربي أَنْت أَنا) فَأَجَابَهُ بقوله:) (أَنا أَنْت الضاربي مُبْتَدأ ... فاعتبرها يَا إِمَامًا لسنا) (ثمَّ إِن الضاربي أَنْت أَنا ... خبرٌ عَن أَنْت مَا فِيهِ انثنا) (وَأَنا الْجُمْلَة عَنهُ خبرٌ ... وَهِي من أَنْت إِلَى أَنْت أَنا)

وَأَبُو بكر هَذَا كَانَ فَقِيها حنفياً أديباً شَاعِرًا نَالَ من إِمَام الْيمن المظفر حظوة حَتَّى اخْتصَّ بِهِ ثمَّ طرده لإدلال تكَرر مِنْهُ من تعز إِلَى زبيد فَمَاتَ بهَا فِي جُمَادَى الْآخِرَة سنة سبعٍ وَسِتِّينَ وسِتمِائَة. وَكَانَ أهل زبيد ينسبونه إِلَى سَرقَة الشّعْر وَيَقُولُونَ: إِذا حُوسِبَ الشُّعَرَاء يَوْم الْقِيَامَة يُؤْتى بِابْن دعاس فَيَقُول: هَذَا الْبَيْت لفلانٍ وَهَذَا المصراع لفُلَان وَهَذَا الْمَعْنى لفُلَان. فَيخرج بَرِيئًا. كَذَا فِي مُعْجم النَّحْوِيين للسيوطي. وَأما أَبُو مُحَمَّد ابْن بري فَهُوَ عبد الرَّحْمَن بن بري بن عبد الْجَبَّار الْمَقْدِسِي الْمصْرِيّ الشَّافِعِي النَّحْوِيّ اللّغَوِيّ كَانَ قيمًا بهما وبالشواهد ثِقَة. قَرَأَ عَلَيْهِ الْجُزُولِيّ. وصنف الرَّد على ابْن الخشاب فِي رده على الحريري فِي مقاماته وَكتاب الرَّد على درة الغواص للحريري وحواشي على صِحَاح الْجَوْهَرِي. قَالَ الصَّفَدِي: لم يكملها بل وصل إِلَى وقش وَهُوَ ربع الْكتاب فأكملها الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد البسطي. مَاتَ فِي لَيْلَة السبت السَّابِعَة وَالْعِشْرين من شَوَّال سنة ثِنْتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة. وأقرأ كتاب سِيبَوَيْهٍ وتصدر بِجَامِع عَمْرو. وَكَانَ مَعَ غزارة علمه ودقة فهمه ذَا غفلةٍ وبلاهة تحكى عَنهُ حكاياتٌ عَجِيبَة. كَذَا فِي مُعْجم النَّحْوِيين للسيوطي.

وبري بِفَتْح الْمُوَحدَة وَتَشْديد الرَّاء وَالْيَاء وَهَكَذَا ضَبطه ابْن حجر فِي مشتبه النِّسْبَة. وَأما مُصعب الْخُشَنِي فَهُوَ مُحَمَّد بن مَسْعُود الْخُشَنِي الأندلسي الجياني كَانَ أحد الْأَئِمَّة المتقنين وَأحد المعتمدين فِي الْفِقْه وَالْأَدب إِمَامًا فِي الْعَرَبيَّة جال الأندلس فِي طلب الْعلم. وروى عَن ابْن قرقول وَابْن بشكوال وَعبد الْحق الإشبيلي وَأَجَازَ لَهُ السلَفِي وَولي قَضَاء بَلَده. وَلم يكن فِي وقته أتم وقاراً وَلَا أحسن سمتاً مِنْهُ. وَاتَّفَقُوا على أَنه لم يكن فِي وقته أضبط مِنْهُ وَلَا أتقن فِي جَمِيع علومه حفظا وقلماً. وَكَانَ نقاداً للشعر مُطلق الْعَنَان فِي معرفَة أَخْبَار الْعَرَب وأيامها وَأَشْعَارهَا ولغاتها مُتَقَدما فِي كل ذَلِك. والخشني بِضَم الْخَاء وَفتح الشين المعجمتين وبالنون: نسبةٌ إِلَى خشين كقريش: قَرْيَة بالأندلس وقبيلة من قضاعة وَهُوَ خشين بن النمر بن وبرة بن تغلب بن عمرَان بن حلوان بن الحاف بن قضاعة. كَذَا فِي مُعْجم النَّحْوِيين للسيوطي.

وَأما صَاحب سفر السَّعَادَة فَهُوَ أَبُو الْحسن عَليّ بن مُحَمَّد بن عبد الصَّمد الْهَمدَانِي الملقب علم الدَّين السخاوي من سخى إِحْدَى بِلَاد مصر من إقليم الْمحلة. كَانَ فَقِيها شافعياً) إِمَامًا فِي الْقرَاءَات وَالتَّفْسِير والنحو. وصنف تصانيف كَثِيرَة مِنْهَا: شرح الشاطبية. وَتَفْسِير الْقُرْآن فِي أَرْبَعه مجلدات. وَشرح الْمفصل شرحين. وسفر السَّعَادَة وسفير الإفادة. وَشرح أحاجي الزَّمَخْشَرِيّ النحوية وَغير ذَلِك. وَكَانَ مولده سنة ثمانٍ أَو تسعٍ وَخمسين وَخَمْسمِائة وَمَات بِدِمَشْق لَيْلَة الْأَحَد ثَانِي عشر جُمَادَى الْآخِرَة سنة ثلاثٍ وَأَرْبَعين وسِتمِائَة بمنزله بالتربة الصالحية الشَّاهِد الثَّالِث وَالثَّلَاثُونَ بعد الأربعمائة (من النَّفر اللائي الَّذين إِذا اعتزوا ... وهاب الرِّجَال حَلقَة الْبَاب قعقعوا) على أَنه من بَاب التكرير اللَّفْظِيّ كَأَنَّهُ قَالَ: من النَّفر اللائي اللائي. على أَنه قد رَوَاهُ الروَاة: من النَّفر الشم الَّذين. قَالَ ابْن السراج فِي الْأُصُول: الْعَرَب لَا تجمع بَين الَّذِي وَالَّذِي وَلَا مَا كَانَ فِي معنى الَّذِي. وَأما ذَلِك فشيء قاسه النحويون ليتدرب بِهِ المتعلمون. وَكَذَا يَقُول البغداديون الَّذين على مَذْهَب الْكُوفِيّين يَقُولُونَ: إِنَّه لَيْسَ من كَلَام الْعَرَب ويذكرون أَنه إِذا اخْتلف جَازَ. وينشدون:

(من النَّفر اللائي الَّذين إِذا هم ... يهاب اللئام حلقه الْبَاب قعقعوا) قَالُوا: فَهَذَا جَاءَ على إِلْغَاء أَحدهمَا. وَهَذَا الْبَيْت قد رَوَاهُ الروَاة وَلم يجمعوا بَين اللائي واللذين. وَيَقُولُونَ على هَذَا: مَرَرْت بِالَّذِي ذُو قَالَ ذَاك على الإلغاء. وَهَذَا عِنْدِي أقبح لِأَن الَّذِي يَجْعَل ذُو فِي معنى الَّذِي: طَيء فَكيف يجمع بَين اللغتين. وَلَا يجيزون الَّذِي من قَامَ زيد على اللَّغْو ويحتجون بِأَن من تكون معرفَة ونكرة ويجيزون بِالَّذِي الْقَائِم أَبوهُ على أَن يَجْعَل الْألف وَاللَّام للَّذي وَمَا عَاد من الْأَب على الْألف وَاللَّام وبخفض الْقَائِم يتبع الَّذِي. وَهَذَا عندنَا غير جَائِز لِأَن الَّذِي لَا بُد لَهَا من صلَة توضحها فَمَتَى حذفت الصِّلَة فِي كَلَامهم فَإِنَّمَا ذَاك لِأَنَّهُ قد علم. وَإِذا حذفت الصِّلَة وَهِي الَّتِي توضحه وَلَا معنى لَهُ إِلَّا بهَا كَانَ حذف الصّفة أولى فَكيف تحذف الصِّلَة وتترك الصّفة. اه. وَجَمِيع مَا أوردهُ الشَّارِح الْمُحَقق هُنَا من مسَائِل الْإِخْبَار عَن الَّذِي فَهُوَ من الْأُصُول وَهِي بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا فِيهِ قَلِيل من كثير. وَقد أورد الْبَيْت الْفراء فِي سُورَة الذاريات من تَفْسِيره عِنْد قَوْله تَعَالَى: إِنَّه لحقٌّ مثل مَا تنطقون. قَالَ: قد يَقُول الْقَائِل: كَيفَ اجْتمعت مَا وَإِن وَقد يَكْتَفِي بِإِحْدَاهُمَا عَن الْأُخْرَى فوجهه أَن

الْعَرَب تجمع بَين الشَّيْئَيْنِ من الْأَسْمَاء والأدوات إِذا اخْتلف لَفْظهمَا. فَمن الْأَسْمَاء قَول الشَّاعِر: (من النَّفر اللائي الَّذين إِذا هم ... الْبَيْت)) فَجمع بَين اللائي وَالَّذين وَأَحَدهمَا يُجزئ من الآخر. انْتهى كَلَامه. وَأوردهُ أَبُو عَليّ أَيْضا فِي إِيضَاح الشّعْر فِي موضِعين قَالَ فِي الْموضع الأول: أعلم أَنه لَا يجوز أَن يكون الَّذين صلَة اللائي كَقَوْلِك: الَّذِي الَّذِي فِي دَاره زيدٌ عَمْرو لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي ظَاهر صلَة الَّذين مَا يرجع إِلَى اللائي. وَقد جَاءَ فِي التَّنْزِيل وصل الْمَوْصُول بالموصول على مَا يحمل النحويون عَلَيْهِ مسَائِل هَذَا الْبَاب. زَعَمُوا أَن بعض الْقُرَّاء قَرَأَ: فاستغاثه الَّذِي من شيعته. وَقَالَ فِي الْموضع الثَّانِي: فَأَما قَوْله من النَّفر اللائي الَّذين فَإِن اللائي وَإِن لم يعد عَلَيْهِ ذكرٌ من اللَّفْظ فَإِنَّهُ يجوز أَن يكون حذف الرَّاجِع من الصِّلَة كَأَنَّهُ قَالَ: اللائي هم الَّذين. وَيجوز أَن يكون حذف الصِّلَة لِأَن صلَة الْمَوْصُول بعده تدل (من اللواتي وَالَّتِي واللاتي ... زعمن أَنِّي كَبرت لداتي) فَلم يَأْتِ للموصولين الْأَوَّلين بصلَة. وَيجوز فِيهِ وجهٌ آخر وَهُوَ أَن البغداديين قد أَجَازُوا فِي هَذِه الموصولة من نَحْو الَّذين أَن يُوصف وَلَا يُوصل

كإجازة الْجَمِيع ذَلِك فِي من ومَا. وَقد أنْشد أَبُو عُثْمَان عَن الْأَصْمَعِي: (حَتَّى إِذا كَانَا هما اللَّذين ... مثل الجديلين المحملجين) واللاتي واللائي من الْأَسْمَاء الموصولة وهما يقعان على الْمُؤَنَّث وَلم نعلم اللَّاتِي اسْتعْملت فِي الْمُذكر. فَأَما اللائي فقد اسْتعْمل فِي الْمُذكر قَالَ: (ألما تعجبي وتري بطيطاً ... من اللائين فِي الحقب الخوالي) وَلَو كَانَ يخْتَص بالمؤنث لم يجمع بِالْوَاو وَالنُّون. وَيدل على تذكير اللائي أَيْضا قَوْله: من النَّفر اللائي الَّذين أَلا ترى أَنه جعله وَصفا للنفر والنفر مُذَكّر. وَأما هم فِي الْبَيْت فَإِنَّهُ يرْتَفع بمضمر يفسره قعقعوا وَالشّرط قعقعوا الْمُتَأَخر وَالتَّقْدِير: إِذا أظهرت الْمُضمر الَّذِي ارْتَفع عَلَيْهِ الضَّمِير: إِذا قعقعوا قعقعوا لِأَن الضَّمِير يتَّصل بِالْفِعْلِ الْمُضمر إِذا أظهرته وَلَا يجوز أَن يكون الشَّرْط يهاب لِأَنَّهُ لَا يجوز أَن يُفَسر مَا ارْتَفع عَلَيْهِ هم وَإِنَّمَا يفسره قَوْله قعقعوا. وَالتَّقْدِير: إِذا قعقعوا حَلقَة الْبَاب هاب اللئام دقها لأَنهم لَيْسُوا على ثِقَة من الْإِذْن لَهُم كَمَا يَثِق هَؤُلَاءِ النَّفر الرؤساء بِأَنَّهُم يُؤذن لَهُم. فقعقعوا وَإِن كَانَ مُؤَخرا فِي اللَّفْظ فَهُوَ مقدم فِي التَّقْدِير بِدلَالَة أَنه لَا يَخْلُو من أَن تجْعَل الشَّرْط إِذا يهاب أَو إِذا قعقعوا. فَلَا يجوز الأول لِأَنَّهُ لَا يُفَسر

مَا ارْتَفع عَلَيْهِ كَمَا يفسره قعقعوا. أَلا ترى أَنه مشتغل بِظَاهِر وَإِذا كَانَ كَذَلِك لم يجز من جِهَة اللَّفْظ إِن لم يمْتَنع من جِهَة الْمَعْنى أَن تَقول: إِذا هاب اللئام دق الْحلقَة دقها الْكِرَام. فَأَما صلَة الْمَوْصُول بإذا مَعَ أَن الَّذين) يعْنى بهم أَعْيَان وَلَا يجوز الَّذِي يَوْم الْجُمُعَة زيد كَمَا يجوز الَّذِي يَوْم الْجُمُعَة الْقِتَال فَإِن الْكَلَام مَحْمُول على الْمَعْنى كَأَنَّهُ قَالَ: الَّذين إِن قعقعوا يهاب اللئام فَلذَلِك جَازَ. وَهَذَا يدل على جَوَاز مَا أجَازه سِيبَوَيْهٍ من قَوْله: زيد إِذا أَتَانِي أضْرب وَأَنه لَا يكون بِمَنْزِلَة زيد يَوْم الْجُمُعَة وَلَا زيد غَدا. وعَلى هَذَا قَول أَوْس: (فقومي وأعدائي يظنون أنني ... مَتى أَحْدَثُوا أمثالهم أَتكَلّم) مَعَ أَنه لَا يجوز علمت أَن زيدا يَوْم الْجُمُعَة. فَأَما قَوْله: إِذا يهاب فجَاء بالمضارع بعد إِذا وَأكْثر مَا يَجِيء فِي الِاسْتِعْمَال الْمَاضِي فَإِن الأَصْل الْمُضَارع. أَلا ترى أَنه يُرَاد بِهِ الْآتِي فَإِذا جَاءَ بِهِ على الأَصْل كَانَ حسنا كَقَوْلِه: إِذا يراح اقشعر الكشح والعضد انْتهى كَلَام أبي عَليّ. وَقَوله: إِذا اعتزوا فِي رِوَايَة الشَّارِح الْمُحَقق بِمَعْنى إِذا انتسبوا. وروى أَيْضا: إِذا انتموا من الانتماء بِمَعْنى الانتساب. والشم بِالضَّمِّ: جمع أَشمّ وَهُوَ الَّذِي بِهِ شمم أَي: كبر ونخوةٌ وَأَصله ارْتِفَاع الْأنف وَهُوَ من صفة العظماء.

وَأورد هَذَا الْبَيْت بمفرده أَبُو عَليّ القالي فِي ذيل أَمَالِيهِ كَذَا: (من النَّفر الْبيض الَّذين إِذا انتموا ... وهاب اللئام ... إِلَخ) وَقَالَ: الْبيض: السَّادة الَّذين لَا عيب فيهم يقدمُونَ على أَبْوَاب الْمُلُوك بأحسابهم ومواضعهم وَكبر أنفسهم ويهابها اللئام لخمولهم وقصور هممهم. انْتهى. وَجَمِيع من روى هَذَا الْبَيْت رَوَاهُ: من النَّفر الْبيض الَّذين أَو من النَّفر الشم الَّذين. وَلم أر من رَوَاهُ: من النَّفر اللائي الَّذين إِلَّا النَّحْوِيين. والنفر: اسْم جمع يَقع على جماعةٍ من الرِّجَال خَاصَّة مَا بَين الثَّلَاثَة إِلَى الْعشْرَة. وَلَا وَاحِد لَهُ من لَفظهَا. كَذَا فِي النِّهَايَة. وَإِنَّمَا أطلقهُ الشَّاعِر هُنَا على الْكِرَام إِشَارَة إِلَى أَنهم ذَوُو عددٍ قَلِيل. واللئام: جمع لئيم وَهُوَ الشحيح والدنيء النَّفس والمهين. واللؤم: ضد الْكَرم. وروى بدله: الرِّجَال. وحلقة الْبَاب وحلقة الْقَوْم وهم الَّذين يَجْتَمعُونَ مستديرين كلتاهما بِسُكُون اللَّام. وَأما الْحلقَة بِفَتْح اللَّام فَهُوَ جمع حالق. وقعقعوا بِمَعْنى ضربوا الْحلقَة على الْبَاب لتصوت. والقعقعة: حِكَايَة صَوت الْحلقَة على الْبَاب وَنَحْوهَا. وَهَذَا الْبَيْت وَقع فِي شعرين: أَحدهمَا: مَا رَوَاهُ أَبُو سعيد السكرِي فِي كتاب اللُّصُوص قَالَ: أَخْبرنِي رفيع بن سَلمَة عَن أبي عُبَيْدَة وَقَالَ:

زعم النقري أَن أَبَا الربيس الثَّعْلَبِيّ من بني ثَعْلَبَة بن سعد بن ذبيان سرق نَاقَة كَانَ) عبد الرَّحْمَن بن جَعْفَر بن أبي طَالب صنعها وعلفها فسرقها أَبُو الربيس وَقَالَ: (هَل تبلغينها إِذا مَا طلبتها ... غَدا وانجلى عني الغطاء الْمقنع) (قَصِيرَة فضل النسعتين إِذا رمى ... بهَا الرَّعْلَة الأولى الزميل المزعزع) (مَطِيَّة بطالٍ لدن شب همه ... قمار الكعاب والطلاء المشعشع) (من النَّفر الْبيض الَّذين إِذا انتموا ... وهاب الرِّجَال حَلقَة الْبَاب قعقعوا) (إِذا النَّفر السود اليمانون نمنموا ... لَهُ حوك برديه أجادوا وأوسعوا) قَوْله: قَصِيرَة فضل النسعتين بِكَسْر النُّون. يُرِيد أَنَّهَا تستوفي نسوعها أَي سيورها لعظمها وسعة جوفها. والرعلة بِالْفَتْح: الْقطعَة الْمُتَقَدّمَة. والزميل: الردف. والمزعزع: الَّذِي يزعزعه السّير. قَالَ: فَلَمَّا قَالَ أَبُو الربيس هَذَا الشّعْر ومدح بِهِ صَاحب النَّاقة ادَّعَت فتيَان قُرَيْش كلهم النَّاقة وَإِنَّمَا كَانَت لعبد الله. قَالَ: فَعمد رجلٌ من الموَالِي إِلَى نجيبةٍ فصنعها

وعلفها وَجعلهَا فِي مَوَاضِع تِلْكَ النَّاقة رَجَاء أَن يسرقها أَبُو الربيس فيمدحه فَمر بهَا أَبُو الربيس فطردها وَقَالَ: قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: بل قَالَ هَذِه الجون المحرزي: (نجيبة عبدٍ دانها القت والنوى ... بِيَثْرِب حَتَّى نيها متظاهر) (فمثلك أَو خيرا تركت رذيةً ... تقلب عينهَا إِذا طَار طَائِر) دانها أَي: عودهَا من الدَّين بِالْكَسْرِ وَهُوَ الْعَادة. والني بِفَتْح النُّون وَتَشْديد الْيَاء: الشَّحْم. والقت بِفَتْح الْقَاف وَتَشْديد الْمُثَنَّاة الْفَوْقِيَّة: الفصفصة إِذا يَبِسَتْ. وَقَالَ الْأَزْهَرِي: حبٌّ بريٌّ لَا ينبته الْآدَمِيّ فَإِذا كَانَ عَام قحط وفقد أهل الْبَادِيَة مَا يقتاتون بِهِ من لبن وتمرٍ وَنَحْوه دقوه وطبخوه واجتزؤوا بِهِ على مَا فِيهِ من الخشونة. وَقَوله: سنامك مدمومٌ رَوَاهُ أَبُو عبيد: سنامك ملمومٌ أَي: مُجْتَمع. وَفطر نابه إِذا طلع. يَقُول: تقلب عينيها خوفًا من الطَّائِر يَقع على دبرهَا فيأكلها لِأَنَّهَا دبرت. رذية: قد أرذاها وأدبرها. وَفِي الصِّحَاح: الرذية: النَّاقة المهزولة من السّير. وَقَالَ أَبُو زيد: هِيَ المتروكة الَّتِي حسرها السّفر لَا تقدر أَن تلْحق بالركاب. وَالذكر رذيٌّ وَقد أرذيت نَاقَتي إِذا هزلتها وخلفتها وَقَوله: مَطِيَّة بطال إِلَخ يمدح عبد الله بن جَعْفَر. يَقُول: هِيَ

مَطِيَّة شُجَاع همه اقتناء الْمَعَالِي من يَوْم كبر وترعرع. والقمار: المقامرة. والكعاب بِالْكَسْرِ: جمع كَعْب. والطلاء بِالْكَسْرِ: الْخمر. والمشعشع: الممزوج بِالْمَاءِ. وَهَذَانِ مدحٌ عِنْد الْعَرَب. وَقَوله: من النَّفر الْبيض من ابتدائية أَو تبعيضية. يَقُول: ذَلِك البطال من النَّفر الْبيض. وَأما الشّعْر الثَّانِي) فقد رَوَاهُ جمَاعَة مِنْهُم الجاحظ رَوَاهُ فِي كتاب الْبَيَان والتبيين قَالَ: كَانَ أسيلم بن الْأَحْنَف الْأَسدي ذَا بَيَان وأدب وعقل وجاهٍ. وَهُوَ الَّذِي يَقُول فِيهِ الشَّاعِر: (من النَّفر الْبيض الَّذين إِذا انتموا ... وهاب اللئام حَلقَة الْبَاب قعقعوا) (جلا الأذفر الأحوى من الْمسك فرقه ... وَطيب الدهان رَأسه فَهُوَ أنزع) (إِذا النَّفر السود اليمانون حاولوا ... لَهُ حوك برديه أرقوا وأوسعوا) وَهَذَا الشّعْر من أشعار الْحِفْظ والمذاكرة. اه

وَقَالَ الْمبرد فِي الْكَامِل وَتَبعهُ صَاحب كتاب فَضَائِل الشّعْر: قَالَ عبد الْملك بن مَرْوَان لأسيلم بن الْأَحْنَف الْأَسدي: مَا أحسن مَا مدحت بِهِ فاستعفاه فَأبى أَن يعفيه وَهُوَ مَعَه على سريرٍ فَلَمَّا أَبى إِلَّا أَن يُخبرهُ قَالَ: هُوَ الْقَائِل: (أَلا أَيهَا الركب المخبون هَل لكم ... بِسَيِّد أهل الشَّام تحبوا وترجعوا) (من النَّفر الْبيض الَّذين إِذا اعتزوا ... وهاب الرِّجَال حَلقَة الْبَاب قعقعوا) (إِذا النَّفر السود اليمانون نمنموا ... لَهُ حوك برديه أجادوا وأوسعوا) (جلا الْمسك وَالْحمام وَالْبيض كالدمى ... وَفرق المداري رَأسه فَهُوَ أنزع) فَقَالَ لَهُ عبد الْملك: مَا قَالَ أَخُو الْأَوْس أحسن مِمَّا قيل لَك. اه. أَرَادَ بقول أخي الْأَوْس وَهُوَ أَبُو قيس بن الأسلت قَوْله: (قد حصت الْبَيْضَة رَأْسِي فَمَا ... أطْعم نوماً غير تهجاع) (أسعى على جلّ بني مالكٍ ... كل امرئٍ فِي شَأْنه ساعي)

وَاخْتلف فِي إِسْلَام ابْن الأسلت فَقَالَ العسكري: أدْرك النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وَلم يسلم. وَقَالَ المرزباني: كَانَ قد غضب من عبد الرَّحْمَن بن أبي فَحلف لَا يسلم شهرا فَمَاتَ قبل ذَلِك فزعموا أَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بعث إِلَيْهِ وَهُوَ يَمُوت: قل لَا إِلَه إِلَّا الله أشفع لَك يَوْم الْقِيَامَة فَسمع يَقُولهَا. وَهُوَ من سَادَات الْأَنْصَار وشعرائهم وفرسانهم. وَقد تقدّمت تَرْجَمته فِي الشَّاهِد السَّابِع وَالثَّلَاثِينَ بعد الْمِائَتَيْنِ. والمخبون: المسرعون ونمنموا: زخرفوا يُقَال: نمنم الشَّيْء نمنمةً إِذا رقشه وزخرفه وثوب منمنم أَي: موشى. وَالْبيض: النِّسَاء الحسان. والدمى: جمع دمية وَهِي الصُّورَة الْحَسَنَة. وَفرق المداري بِالرَّفْع عطفا على الْمسك. والمداري: الأمشاط. والأنزع: الَّذِي انحسر الشّعْر عَن جَانِبي جَبهته. والأصلع: الَّذِي انحسر الشّعْر عَن مقدم رَأسه. وَقَوله: قد حصت الْبَيْضَة رَأْسِي إِلَخ الْبَيْضَة بِالْفَتْح: مَا يلبس على الرَّأْس من الْحَدِيد فِي) الْحَرْب. وحصت الْبَيْضَة رَأسه بمهملتين أَي: قللت شعره. يُقَال: رجلٌ أحص بَين الحصص أَي: قَلِيل شعر الرَّأْس. وَقَالَ ابْن عبد ربه فِي العقد الفريد: قَالَ عبد الْملك بن مَرْوَان لأسيلم بن الْأَحْنَف الْأَسدي: مَا أحسن شيٍء مدحت بِهِ قَالَ: قَول الشَّاعِر. وروى مَا رَوَاهُ الجاحظ من الأبيات. ثمَّ قَالَ: وَقَالَ عبد الْملك: أحسن من هَذَا قَول أبي قيس بن الأسلت. وَأنْشد الْبَيْتَيْنِ.

وَقَالَ الزبير بن البكار فِي أَنْسَاب قُرَيْش وَتَبعهُ الدراقطني فِي كتاب الْمُخْتَلف والمؤتلف: إِن أَبَا (جميل الْمحيا وَاضح اللَّوْن لم يطَأ ... بحزنٍ وَلم تألم لَهُ النكب أصْبع) (من النَّفر الشم الَّذين إِذا انتدوا ... وهاب اللئام حَلقَة الْبَاب قعقعوا) (إِذا النَّفر الْأدم اليمانون نمنموا ... لَهُ حوك برديه أرقوا وأوسعوا) (جلا الْغسْل وَالْحمام وَالْبيض كالدمى ... وَطيب الدهان رَأسه فَهُوَ أصلع) والحزن بِفَتْح الْمُهْملَة وَسُكُون الْمُعْجَمَة: مَا غلظ من الأَرْض. والنكب مَنْصُوب بِنَزْع الْخَافِض أَي: بنكبٍ وَهُوَ مصدر نكب كِنَانَته نكباً إِذا كبها. يُرِيد أَنه رئيسٌ لَا يمشي وَلَا يحمل سلاحه بل يحملهُ خدمه. وانتدوا بِمَعْنى حَضَرُوا الندي وَهُوَ الْمجْلس. والأدم: جمع آدم بِمَعْنى الأسمر من الأدمة وَهِي السمرَة. وَالْغسْل بِالْكَسْرِ: مَا يغسل بِهِ الرَّأْس من خطمي وَغَيره. وَأَبُو الربيس: شاعرٌ إسلامي. قَالَ الْأَمِير أَبُو نصر بن مَاكُولَا: هُوَ بِضَم الرَّاء وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة بعْدهَا مثناة تحتية بعْدهَا سين مُهْملَة. وَهُوَ أَبُو الربيس الثَّعْلَبِيّ واسْمه عباد بن طهفة بِكَسْر الطَّاء.

وَلم يذكر صَاحب الجمهرة طهفة فِي نسبه وَإِنَّمَا قَالَ: أَبُو الربيس الشَّاعِر هُوَ عباد بن عَبَّاس بن عَوْف بن عبد الله بن أَسد بن ناشب بن سبد بِضَم فَفتح ابْن رزام بن مَازِن بن ثَعْلَبَة بن سعد بن ذبيان. وَأنْشد بعده: لَا أرى الْمَوْت يسْبق الْمَوْت شيءٌ نغص الْمَوْت ذَا الْغنى والفقيرا على أَن الظَّاهِر الْوَاقِع موقع الضَّمِير يُفِيد التفخيم وَالْأَصْل: لَا أرى الْمَوْت يسْبقهُ شَيْء فَلم يضمر للتفخيم. وَقد تقدم أَن الشَّارِح الْمُحَقق أوردهُ فِي الشَّاهِد السِّتين من بَاب الْمُبْتَدَأ أَن إِعَادَة الْمَوْت هُنَا ظَاهرا غير مُفِيد للتفخيم. وَقد ذَكرْنَاهُ هُنَاكَ مفصلا فَليرْجع إِلَيْهِ. وَأنْشد بعده: أَنا الَّذِي سمتن أُمِّي حيدره تقدم الْكَلَام عَلَيْهِ قَتله ببيتين. وَأنْشد بعده:) القاتلي أَنْت أَنا

هُوَ من بيتٍ وَهُوَ: (كَيفَ يخفى عَنْك مَا حل بِنَا ... أَنا أَنْت الضاربي أَنْت أَنا) وَتقدم الْكَلَام عَلَيْهِ قبله بِبَيْت. وَأنْشد بعده: (إِلَى الْملك القرم وَابْن الْهمام ... وَلَيْث الكتيبة والمزدحم) تقدم شَرحه فِي الشَّاهِد الْخَامِس وَالسبْعين. وَأنْشد بعده الشَّاهِد الرَّابِع وَالثَّلَاثُونَ بعد الأربعمائة وَهُوَ من شَوَاهِد س: على أَن مَا الاستفهامية يدخلهَا معنى التحقير كَمَا هُنَا وَكَذَلِكَ قَوْله ويب أَبِيك وَفِيه معنى التحقير والتصغير. وَهَذَا عجزٌ وصدره: يَا زبرقان أَخا بني خلفٍ وَاسْتشْهدَ بِالْبَيْتِ سِيبَوَيْهٍ على أَنه عطف الْفَخر على أَنْت مَعَ مَا فِيهِ من معنى مَعَ وَامْتِنَاع النصب إِذْ لَيْسَ قبله فعلٌ ينفذ إِلَيْهِ فينصبه. وَأوردهُ صَاحب الْكَشَّاف فِي آخر الْمَائِدَة من تَفْسِيره عِنْد قَوْله

تَعَالَى: ياعيسى بن مَرْيَم قَالَ: إِذا قلت يَا زيد أَخا تَمِيم أَو قلت: يَا زيد ابْن الرجل الصَّالح رفعت الأول ونصبت الثَّانِي كَمَا فِي الْبَيْت. أَلا أَنه روى المصراع الثَّانِي: مَا أَنْت ويل أَبِيك بِاللَّامِ. وَنقل بَعضهم عَنهُ أَنه قَالَ اصل ويل: وي زيد عَلَيْهَا لَام الْجَرّ فَأن كَانَ بعْدهَا مكنيٌّ فتحت لأمه كويلك وويله. وَأَن كَانَ ظَاهرا جَازَ فتح اللَّام وَكسرهَا. وَذكر أَنهم أنشدوا قَوْله: مَا أَنْت ويل أَبِيك وَالْفَخْر الْبَيْت بِكَسْر اللَّام وَفتحهَا فالكسر على الأَصْل وَالْفَتْح لجعلها مخلوطة بوي كَمَا قَالُوا: يَا لتيم ثمَّ كثرت فِي الْكَلَام فأدخلوا لاماً فَقَالُوا: ويلٌ لَك. قَالَ السيرافي: وَلَو كَانَ كَمَا قَالَ قَالُوا ويلٌ لَك بِالتَّنْوِينِ وَالضَّم فَأن قَالَ: توهموا أَنَّهَا أَصْلِيَّة فنونوها وَزَادُوا بعْدهَا لاماً فبعيدٌ جدا. وَقَالَ الصَّاغَانِي فِي الْعباب: ويب كلمةٌ مثل ويلٌ تَقول: ويبك وويب زيد وويب أَبِيك. وَزَاد أَبُو عَمْرو: ويباً لَهُ وويبٌ لَهُ وويبه وويب غَيره. وَزَاد الْفراء: ويبك وويب بك بِالْكَسْرِ فيهمَا. وَمعنى هَذِه الْكَلِمَة ألزمهُ الله ويلاً. نصب نصب المصادر. فَأن جِئْت بِاللَّامِ قلت: ويبٌ لزيد.) فالرفع على الِابْتِدَاء أجودٌ من النصب وَالنّصب مَعَ الْإِضَافَة أَجود من الرّفْع. وَقيل أَنهم قَالُوا ذَلِك لقبح اسْتِعْمَال الويل عِنْدهم. اه. وَقَوله: ويب أَبِيك مَعْنَاهُ ألزمك الله هَلَاك أَبِيك أَي: فقدته. وَهُوَ اعْتِرَاض بَين الْمَعْطُوف والمعطوف عَلَيْهِ. وَقَوله: يَا زبرقان إِلَخ الزبْرِقَان هُوَ صحابيٌّ. وَهُوَ الزبْرِقَان بن بدر

واسْمه حُصَيْن بِالتَّصْغِيرِ. وَقد تقدّمت تَرْجَمته فِي الشَّاهِد الرَّابِع وَالتسْعين بعد الْمِائَة. يُقَال: يَا أَخا الْعَرَب يُرَاد: يَا وَاحِدًا مِنْهُم جعله وَاحِدًا من قومه وقصده تحقيره وَقيل للِاحْتِرَاز عَن الزبْرِقَان الْفَزارِيّ. وَبَنُو خلف: رَهْط الزبْرِقَان بن بدر وخلفٌ جده الْأَعْلَى لِأَنَّهُ الزبْرِقَان بن بدر بن امْرِئ الْقَيْس بن خلف بن عَوْف بن كَعْب بن سعد بن زيد مَنَاة بن تَمِيم. وَالْبَيْت للمخبل السَّعْدِيّ وَهُوَ ابْن عَم الزبْرِقَان هجا بِهِ ابْن عَمه وَبعده: (هَل أَنْت إِلَّا فِي بني خلفٍ ... كالإسكتين علاهما البظر) والإسكتان بِكَسْر الْهمزَة: ناحيتا فرج الْمَرْأَة. والبظر بِفَتْح الْهمزَة: هنةٌ بَين شفري فرجهَا. وَامْرَأَة بظراء: لم تختن. شبه قومه وهم حوله بالإسكتين حول البظر وَشبه إِذا اجْتَمعُوا حوله بالبظر بَين الإسكتين. والمخبل بِفَتْح الْبَاء الْمُشَدّدَة فِي الأَصْل اسْم مفعول من خبله تخبيلاً أَي: أفسد عقله. وَرجل مخبل كَأَنَّهُ قطعت أَطْرَافه. واسْمه ربيع بن ربيعَة بن عَوْف بن قتال بن أنف النَّاقة: وقتال بِكَسْر الْقَاف بعْدهَا مثناة فوقية بعْدهَا لَام. كَذَا فِي مُخْتَصر أَنْسَاب الْكَلْبِيّ. وَقَالَ أَبُو عبيد الْبكْرِيّ فِي شرح أمالي القالي: المخبل لقبٌ وَهُوَ ربيعَة بن مَالك بن ربيعَة بن عَوْف أحد بني أنف النَّاقة واسْمه جَعْفَر بن

قريع بن عَوْف بن سعد بن زيد مَنَاة بن تَمِيم. هَذَا قَول ابْن حبيب ويكنى أَبَا زيد. وَهُوَ شَاعِر مخضرم فحلٌ وَهُوَ المُرَاد بقول الفرزدق: (وهب القصائد لي النوابغ إِذْ مضوا ... وَأَبُو يزِيد وَذُو القروح وجرول) انْتهى. ف النوابغ ثَمَانِيَة شعراء. وَأَبُو يزِيد: المخبل السَّعْدِيّ. وَذُو القروح: امْرُؤ الْقَيْس. وجرول: هُوَ الحطيئة. قَالَ صَاحب الأغاني: عمر المخبل فِي الْجَاهِلِيَّة وَالْإِسْلَام عمرا طَويلا وَأَحْسبهُ مَاتَ فِي خلَافَة عمر أَو عُثْمَان وَهُوَ شيخ كَبِير. قَالَ ابْن قُتَيْبَة فِي كتاب الشُّعَرَاء: هَاجر المخبل وَابْنه إِلَى الْبَصْرَة وَولده كثيرٌ بالأحساء وهم شعراء. وَكَانَ المخبل هجا الزبْرِقَان بن بدر وَذكر أُخْته خليدة ثمَّ مر بهَا بعد حينٍ وَقد أَصَابَهُ كسر وَهُوَ لَا يعرفهَا فآوته وجبرت كَسره فَلَمَّا عرفهَا قَالَ: (لقد ضل حلمي فِي خليدة ضلةً ... سأعتب نَفسِي بعْدهَا وَأَتُوب)) انْتهى. وَفِي الْإِصَابَة لِابْنِ حجر: قَالَ ابْن حبيب: خطب المخبل إِلَى الزبْرِقَان

أُخْته خليدة فَرده وَزوجهَا رجلا من بني جشم بن عَوْف فهجاه المخبل السَّعْدِيّ وَعَبدَة بن الطَّبِيب وَعَمْرو بن الْأَهْتَم وعلقمة ابْن عَبدة قبل أَن يسلمُوا وَقبل مبعث النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ. وَفِي الشُّعَرَاء من يُقَال لَهُ المخبل غير هَذَا ثَلَاثَة وهم المخبل الزُّهْرِيّ والمخبل الثمالِي وكعبٌ المخبل. وَقد أَخطَأ الْآمِدِيّ هُنَا فِي المؤتلف والمختلف فَزعم أَن الْبَيْت الشَّاهِد للمتنخل السَّعْدِيّ بِضَم الْمِيم وَفتح الْمُثَنَّاة الْفَوْقِيَّة بعْدهَا نون وَكسر الْخَاء الْمُعْجَمَة الْمُشَدّدَة وَقَالَ: لم يقم إِلَيّ من شعره شَيْء. وَاسْتشْهدَ الْكسَائي وَالْفراء بقوله: (يَا زبرقان أَخا بني خلفٍ ... مَا أَنْت ويب أَبِيك وَالْفَخْر) وَهَذَا تصحيفٌ مِنْهُ فِي اسْم الشَّاعِر. وَهُوَ تَارَة ينْسب إِلَى قريع وَتارَة إِلَى سعد. وَهَذَا سَبَب التَّصْحِيف وَمَا ذَكرْنَاهُ هُوَ الَّذِي قَالَه شرَّاح شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ والمفصل وَغَيرهمَا. وَأنْشد بعده الشَّاهِد الْخَامِس وَالثَّلَاثُونَ بعد الأربعمائة يَا سيداً مَا أَنْت من سيدٍ على أَن مَا الاستفهامية قد يدخلهَا معنى التَّعْظِيم كَمَا فِي الْبَيْت فَأَنَّهَا استفهامية تعجبية وَالْمَقْصُود التَّعْظِيم.

وَأوردهُ الْفراء فِي سُورَة يس من تَفْسِيره عِنْد قَوْله تَعَالَى: يَا حسرةً على الْعباد قَالَ: الْمَعْنى يَا لَهَا من حسرة على الْعباد. وَقَرَأَ بَعضهم: يَا حسرة الْعباد وَالْمعْنَى فِي الْعَرَبيَّة وَاحِد. وَالله أعلم. وَالْعرب إِذا دعت نكرَة مَوْصُولَة بِشَيْء آثرت النصب يَقُولُونَ: يَا رجلا كَرِيمًا أقبل وَيَا رَاكِبًا على الْبَعِير أقبل فَإِذا أفردوا رفعوا أَكثر مِمَّا ينصبون. أَنْشدني بَعضهم: (يَا سيداً مَا أَنْت من سيدٍ ... موطأ الْبَيْت رحيب الذِّرَاع) وَلَو رفعت النكرَة الموصولة بِالصّفةِ كَانَ صَوَابا وَقد قَالَت الْعَرَب: يَا دَار غَيرهَا البلى تغييرا اه. وَالْبَيْت من قصيدةً للسفاح بن بكير بن معدان الْيَرْبُوعي رثا بهَا يحي بن شَدَّاد ابْن ثَعْلَبَة بن بشر أحد بني ثَعْلَبَة بن يَرْبُوع. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: هِيَ لرجلٍ من بني قريع رثا بهَا يحي بن ميسرَة صَاحب مُصعب بن الزبير وَكَانَ وفى لَهُ حَتَّى قتل مَعَه. وَهَذِه أَبْيَات من أَولهَا: (صلى على يحي وأشياعه ... ربٌ غفورٌ وشفيعٌ مُطَاع))

(لما عصى أَصْحَابه مصعباً ... أدّى إِلَيْهِ الْكَيْل صَاعا بِصَاع) (يَا سيداً مَا أَنْت من سيدٍ ... موطأ الْبَيْت رحيب الذِّرَاع) (قَوَّال معروفٍ وفعاله ... وهاب مثنى أُمَّهَات الرباع) وَهَذِه قصيدة اخْتلفت الروَاة فِي عدَّة أبياتها فقد رَوَاهَا الضَّبِّيّ ثَلَاثَة عشر بَيْتا وَرَوَاهَا أَحْمد بن عبيد اثْنَي عشر بَيْتا مَعَ تغايرٍ فِي الأبيات. وَالرِّوَايَتَانِ مسطورتان فِي المفضليات وَشَرحهَا لِابْنِ الْأَنْبَارِي. وَقَوله: لما عصى أَصْحَابه مصعباً إِلَخ تقدم شَرحه فِي الشَّاهِد الْحَادِي وَالْأَرْبَعِينَ من أَوَائِل الْكتاب. وَرَوَاهُ أَحْمد بن عبيد: (لما جلا الخلان عَن مُصعب ... أدّى إِلَيْهِ الْقَرْض صَاعا بِصَاع)

قَوْله: يَا سيداً مَا أَنْت إِلَخ وروى صَدره الضَّبِّيّ: يَا فَارِسًا مَا أَنْت من فَارس وَمن سيدٍ وَمن فَارس: تَمْيِيز مجرور بِمن. وموطأ الْبَيْت يَعْنِي أَن بَيته مذلل للأضياف. والرحيب: الْوَاسِع. وَالْمعْنَى أَنه وَاسع البسيطة كثير الْعَطاء سهلٌ لَا حاجز دونه. وَلما كَانَ الذِّرَاع مَوضِع شدَّة الْإِنْسَان قيل فِي الْأَمر الَّذِي لَا طَاقَة للْإنْسَان بِهِ: ضَاقَ بِهَذِهِ الْأَمر ذِرَاع فلَان وذرع فلَان أَي: حيلته بذراعه. وتوسعوا فِي هَذَا حَتَّى قلبوه فَقَالُوا: فلانٌ رحب الذِّرَاع إِذا وصفوه باتساع الْمقدرَة. وَقَوله: قَوَّال مَعْرُوف وفعاله إِلَخ الْأَوْصَاف الثَّلَاثَة بِالْجَرِّ على الوصفية لسيدٍ أَو لفارس. وَالْمعْنَى أَنه لَا يَقُول إِلَّا فعل وَلَا يعد إِلَّا وفى وَلَا يخلف والرباع بِالْكَسْرِ: جمع ربع بِضَم فَفتح وَهُوَ مَا ينْتج فِي أول نتاج الْإِبِل. وَخص أُمَّهَات الرباع لِأَنَّهَا غزيرة. ومثنى عقار أمات الرباع الرتاع أَي هِيَ مترعة لسعة الرَّعْي عَلَيْهَا. اه. وَقَوله: يجمع حلماً إِلَخ الأناة بِالْفَتْح: التأني. وثمت مخصوصةٌ بعطف الْجمل. وينباع بِمَعْنى يثب ويسطو. والشجاع: الْحَيَّة.

والسفاح بن بكير تقدم فِي الشَّاهِد الْحَادِي وَالْأَرْبَعِينَ. وَأنْشد بعده الشَّاهِد الْحَادِي والأربعمائة (على مَا قَامَ يَشْتمنِي لئيمٌ ... كخنزيرٍ تمرغ فِي رماد) على أَن ثُبُوت الْألف فِي مَا الاستفهامية المجرورة فِي غير الْأَغْلَب مفهومة أَن إِثْبَاتهَا فِيهَا غَالب. وَيُوَافِقهُ قَول صَاحب الْكَشَّاف فِي سُورَة يس عِنْد قَوْله تَعَالَى: بِمَا غفر ليربي: طرح الْألف أَجود وَإِن كَانَ إِثْبَاتهَا جَائِزا. وَهَذَا معارضٌ لقَوْله فِي سُورَة الْأَعْرَاف عِنْد قَوْله تَعَالَى: قَالَ فبمَا أغويتني: قيل مَا للاستفهام وَإِثْبَات الْألف قليلٌ شاذٌّ. قَالَ الشَّارِح الْمُحَقق فِي شرح الشافية: وَبَعض الْعَرَب لَا يحذف الْألف من مَا الاستفهامية المجرورة كَقَوْلِه: (على مَا قَامَ يَشْتمنِي لئيمٌ ... الْبَيْت) فَهَذَا لَا يَقُول على مَه وَقفا بل يقف بِالْألف الَّتِي كَانَت فِي الْوَصْل وَالْأولَى حذف مَا الاستفهامية مجرورةً لما ذكرنَا فِي الموصولات. اه.

أَرَادَ أَنه ذكره فِي شرح الموصولات من شرح الكافية. وَإِذا ثَبت أَن هَذَا لُغَة لبَعض الْعَرَب لم يكن إِثْبَات الْألف نَادرا وَلَا ضَرُورَة كَمَا قيل فِي قَوْله تَعَالَى: عَم يتساءلون فِيمَن قَرَأَ عَمَّا بِالْألف. قَالَ الفالي فِي شرح اللّبَاب: الْكثير الشَّائِع حذف الْألف وَجَاء إِثْبَاتهَا فِي عَمَّا يتساءلون وَفِي قَوْله: على مَا قَامَ يَشْتمنِي الْبَيْت. وَقَالَ السمين: يجوز إِثْبَات الْألف فِي ضرورةٍ أَو فِي قَلِيل من الْكَلَام. وَقَالَ ابْن جني فِي الْمُحْتَسب: إِثْبَات الْألف أَضْعَف اللغتين. قَالَ ابْن السمين فِي سُورَة يس: الْمَشْهُور من مَذْهَب الْبَصرِيين وجوب حذف ألفها إِلَّا فِي ضَرُورَة. وَكَذَلِكَ قَالَ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي: يجب حذف ألف مَا الاستفهامية إِذا جرت وإبقاء الفتحة دَلِيلا عَلَيْهَا. وَرُبمَا تبِعت الفتحة الْألف فِي الْحَذف وَهُوَ مَخْصُوص بالشعر كَقَوْلِه: (يَا أَبَا السود لما خلفتني ... لهمومٍ طارقاتٍ وَذكر) ثمَّ قَالَ: وَأما قِرَاءَة عِكْرِمَة وَعِيسَى: عَمَّا يتساءلون فنادر. وَأما قَول حسان:

على مَا قَامَ يَشْتمنِي لئيم فضرورة. وَمثله قَول الآخر: (إِنَّا قتلنَا بقتلانا سراتكم ... أهل اللِّوَاء فَفِيمَا يكثر القيل) قَالَ الدماميني فِي الْحَاشِيَة الْهِنْدِيَّة: ادّعى المُصَنّف أَن إِثْبَات الْألف فِي الْبَيْتَيْنِ ضَرُورَة وَلقَائِل أَن يمْنَع ذَلِك بِنَاء على تَفْسِيرهَا بِمَا لَا مندوحة للشاعر عَنْهُن إِذْ الْوَزْن مَعَ حذف الْألف فِي كلٍّ) مِنْهُمَا مُسْتَقِيم. غَايَة الْأَمر يكون فِي بَيت حسان الْعقل وَفِي الآخر الخبن وكل مِنْهُمَا زحافٌ مغتفر. اه. وَقد عمم الشَّارِح الْمُحَقق فِي الْجَار لما سَوَاء كَانَ حرف جر أَو مُضَافا. وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُور. وَقَالَ اللبلي فِي شرح أدب الْكتاب: إِن كَانَ الْجَار اسْما مُتَمَكنًا لم يَفْعَلُوا ذَلِك أَي: لم يحذفوا الْألف. وَقَول الْعَرَب: مَجِيء م جِئْت وَمثل م أَنْت شَاذ وَإِنَّمَا جَاءَ مَعَ بعد وَعند لِأَنَّهُمَا غير متمكنين فألحقا بحروف الْجَرّ. اه. وَهَذَا قولٌ غَرِيب لم يقلهُ غَيره كَقَوْل ابْن قُتَيْبَة فِي أدب الْكتاب: إِن ألف مَا الموصولة لَا تحذف إِلَّا مَعَ شِئْت قَالَ: تَقول: ادْع بِمَا شِئْت وسل عَم شِئْت وخذه بِمَا شِئْت وَكن فيمَ شِئْت. إِذا أردْت معنى سل أَي: عَن أَي شَيْء شِئْت نقصت الْألف. وَإِن أردْت سل عَن الَّذِي أَحْبَبْت

أتممت الْألف إِلَّا مَعَ شِئْت خَاصَّة فَإِن الْعَرَب تنقص الْألف مِنْهَا خَاصَّة فَتَقول: ادْع بِمَ شِئْت فِي الْمَعْنيين جَمِيعًا. اه. وَالْمَشْهُور أَن ألفها يثبت مُطلقًا سَوَاء اسْتعْملت مَعَ شِئْت أَو غَيرهَا. وعَلى نَقله يلغز فَيُقَال: فِي أَي مَوضِع يجب حذف ألف مَا الموصولة المجرورة بِحرف جر وَهَذَا الْبَيْت من أَبْيَات دالية لحسان بن ثَابت الصَّحَابِيّ. وَقد حرف الروَاة قافيته فبعضهم رَوَاهُ: كخنزيرٍ تمرغ فِي دمان وَهُوَ ابْن جني فِي الْمُحْتَسب وَتَبعهُ جمَاعَة مِنْهُم ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي قَالَ: الدمَان كالرماد وزنا وَمعنى وَرَوَاهُ صَاحب اللّبَاب وشارحه الفالي: فِي الدهان بِالْهَاءِ بعد الدَّال. وَرَوَاهُ الْمرَادِي فِي شرح الألفية: فِي تُرَاب وَرَوَاهُ بَعضهم: فِي دمال بِاللَّامِ. وَهَذَا كُله خلاف الصَّوَاب: وَرِوَايَة السكرِي فِي ديوَان حسان: فَفِيمَ تَقول يَشْتمنِي لئيم إِلَخ وَعَلِيهِ لَا شَاهد فِيهِ. وَقَوله: على مَا قَامَ إِلَخ على تعليلية أَي: لأجل أَي شَيْء. وَنقل الْعَيْنِيّ عَن ابْن جني أَن لَفْظَة قَامَ هَا هُنَا زَائِدَة وَالتَّقْدِير مَا يَشْتمنِي. وَقَالَ ابْن يسعون: وَلَيْسَ كَذَلِك عِنْدِي لِأَنَّهَا مُقْتَضى النهوض بالشتم والتشمير لَهُ

وَالْجد فِيهِ. وَقَوله: كخنزير إِلَخ تعريضٌ بقبحه أَو كفره فَلذَلِك خص الْخِنْزِير لِأَنَّهُ مسخٌ قَبِيح المنظر سمج الْخلق أكال الْعذرَة. وَقَوله: تمرغ فِي رماد تتميمٌ لذمه لِأَنَّهُ يدلك نَفسه بِالشَّجَرِ ثمَّ يَأْتِي للطين والحمأة فيتلطخ بهما وَكلما تساقط مِنْهُ شَيْء عَاد فيهمَا فَيكون فِي أقبح منظر. قَالَ الجاحظ: وَالْعين تكره الْخِنْزِير جملَة دون سَائِر المسوخ لِأَن القرد وَإِن كَانَ مسيخاً فَهُوَ مستملح. والفيل عجيبٌ ظريفٌ نبيل بهي وَإِن كَانَ سمجاٌ قبيحاً. والأبيات قَالَهَا حسان فِي هجو بني عابدٍ بموحدة بعْدهَا دَال غير مُعْجمَة ابْن عبد الله بن عمر بن مَخْزُوم.) قَالَ البلاذري: لم يكن لَهُم هِجْرَة وَلَا سَابِقَة. قَالَ: وَقَالَ الْأَثْرَم عَن أبي حبيرة: قَالَ حسان هَذَا الشّعْر فِي رفيع بن صَيْفِي بن عَابِد وَقتل رفيع يَوْم بدرٍ كَافِرًا. ورفيع بِضَم الرَّاء وَفتح الْفَاء: مصغر رفع بِالْعينِ الْمُهْملَة. وَصَيْفِي بِفَتْح الصَّاد الْمُهْملَة وسمون الْمُثَنَّاة التَّحْتِيَّة وَكسر الْفَاء وَتَشْديد التَّحْتِيَّة. والأبيات هَذِه: (إِن تصلح فَإنَّك عابديٌّ ... وَصلح العابدي إِلَى فَسَاد) ...

(وَإِن تفْسد فَمَا ألفيت إِلَّا ... بَعيدا مَا علمت من السداد) (وتلقاه على مَا كَانَ فِيهِ ... من الهفوات أَو نوك الْفُؤَاد) (مُبين الغي لَا يعيا عَلَيْهِ ... ويعيا بعد عَن سبل الرشاد) (فَفِيمَ تَقول يَشْتمنِي لئيمٌ ... كخنزيرٍ تمرغ فِي رماد) (فَأشْهد أَن أمك م البغايا ... وَأَن أبك من شَرّ الْعباد) (فَلَنْ أَنْفك أهجو عابدياً ... طوال الدَّهْر مَا نَادَى الْمُنَادِي) (وَقد سَارَتْ قوافٍ باقياتٌ ... تناشدها الروَاة بِكُل وَاد) (فقبح عابدٌ وَبني أَبِيه ... فَإِن معادهم شَرّ الْمعَاد) وَهَذَا آخر الأبيات. وَقَوله: إِن تصلح إِلَخ فِيهِ خرم وَبَعْضهمْ يرويهِ: وَإِن تصلح فَلَا خرم. والسداد بِالْفَتْح: الرشد والاستقامة. والهفوات: السقطات. والنوك بِالضَّمِّ: الْحمق وَهُوَ نقصٌ فِي الْعقل وَأَرَادَ بِهِ البلادة وَعدم الاهتداء للمقصود وَلِهَذَا أَضَافَهُ إِلَى الْفُؤَاد وَهُوَ مَعْطُوف على الهفوات. وَقَوله: مُبين الغي بِالنّصب من حالٌ مفعول تَلقاهُ.

وَقَوله: فَفِيمَ تَقول رِوَايَة السكرِي بِالْخِطَابِ لمن يصلح الْخطاب مَعَه. وَقَوله: م البغايا أَصله من البغايا وَهُوَ لغةٌ فِي من. وَالْبَغي: الامرأة الْفَاجِرَة. وَقَوله: طوال الدَّهْر بِفَتْح الطَّاء بِمَعْنى طول الدَّهْر. وَقَوله: فقبح عابدٌ وَهُوَ بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول على الدُّعَاء. وَالْوَاو فِي قَوْله: وَبني أَبِيه وَاو الْمَعِيَّة وَبني أَبِيه مفعول مَعَه. وترجمة حسان تقدّمت فِي الشَّاهِد الْحَادِي وَالثَّلَاثِينَ. الْبَيْت الَّذِي أوردهُ صَاحب الْمُغنِي وَهُوَ: قتلنَا بقتلانا سراتكم أهل اللِّوَاء فَفِيمَا يكثر القيل لم يعرفهُ أحدٌ مِمَّن كتب على الْمُغنِي وَمَا قبل حرف الروي فِيهِ مثناة تحتية وَالْقَاف مَكْسُورَة. وَقد صحفه الْبَدْر الدماميني فضبطه بمثناة فوقية ثمَّ استشكله قَالَ: فِي كلامٌ من جِهَة الْعرض وَذَلِكَ أَن هَذَا من بَحر الْبَسِيط من عروضه الأولى وضربها الثَّانِي وَهُوَ الْمَقْطُوع كَانَ أَصله فاعلٌ) حذفت نونه وسكنت لامه فَصَارَ فعلن بِإِسْكَان الْعين فقد ذهب مِنْهُ زنة متحرك وَإِذا ذهب مِنْهُ ذَلِك وَجب أَن يكون مردفاً يُؤْتى قبل حرف الروي بِحرف لين كَمَا فِي شَاهد العروضيين: (قد أشهد الْغَارة الشعواء تحملنِي ... جرداء معروقة اللحيين سرحوب)

وَلَا يخفى أَن ضرب الْبَيْت الَّذِي نَحن فِيهِ وَهُوَ اللَّام الروي غير مردف فَفِيهِ مُخَالفَة لما قَرَّرَهُ العروضيون فِي أَمْثَاله. هَذَا كَلَامه وَهَذَا مَوضِع الْمثل الْمَشْهُور: زِنَاهُ فحده. وَالْبَيْت من قصيدةٍ لكعب بن مَالك شَاعِر رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ رَوَاهَا الكلَاعِي فِي سيرته قَالَ: أجَاب بهَا ابْن الزِّبَعْرَى وَعَمْرو بن العَاصِي عَن كَلِمَتَيْنِ افتخرا بهما بِيَوْم أحد وَهِي هَذِه: أبلغ قُريْشًا وَخير القَوْل أصدقه والصدق عِنْد ذَوي الْأَلْبَاب مَقْبُول (أَن قد قتلنَا بقتلانا سراتكم ... أهل اللِّوَاء فَفِيمَا يكثر القيل) (وَيَوْم بدرٍ لقيناكم لنا مددٌ ... فِيهِ مَعَ النَّصْر ميكالٌ وَجِبْرِيل) (إِن تقتلونا فدين الله فطرتنا ... وَالْقَتْل فِي الْحق عِنْد الله تَفْضِيل) (وَإِن تروا أمرنَا فِي رَأْيكُمْ سفهاً ... فرأي من خَالف الْإِسْلَام تضليل) (إِنَّا بَنو الْحَرْب نمريها وننتجها ... وَعِنْدنَا لِذَوي الأضغان تنكيل) ...

(إِن ينج منا ابْن حربٍ بعد مَا بلغت ... مِنْهُ التراقي وَأمر الله مفعول) (فقد أفادت لَهُ حكما وموعظةً ... لمن يكون لَهُ لبٌ ومعقول) (وَلَو هبطتم بِبَطن السَّيْل كافحكم ... ضربٌ بشاكلة الْبَطْحَاء ترعيل) (تلقاكم عصبٌ حول النَّبِي لَهُم ... مِمَّا يعدون فِي الهيجا سرابيل) (من جذم غَسَّان مسترخٍ حمائلهم ... لَا جبناء وَلَا ميلٌ معازيل) وَهِي قصيدةٌ طَوِيلَة جَيِّدَة سردها بِتَمَامِهَا وَبَين مُشكل لغاتها قَالَ: سراة الْقَوْم: خيارهم. والقيل وَالْقَوْل وَاحِد. والتنكيل: الزّجر المؤلم. وبطن السَّيْل: الْوَادي. وكافحكم: واجهكم. وشاكلة الْبَطْحَاء: طرفها. والترعيل: الضَّرْب السَّرِيع. والسرابيل: جمع سربال وَهُوَ الدرْع. وجذم بِكَسْر الْجِيم: الأَصْل. وغسان: قَبيلَة من الْأَنْصَار. والحمائل: حمائل السَّيْف. والجبناء: جمع جبان. والميل: جمع أميل وَهُوَ الَّذِي لَا ترس مَعَه. والمعازيل: الَّذِي لَا رماح مَعَهم.

وَأنْشد بعده الشَّاهِد السَّابِع وَالثَّلَاثُونَ بعد الأربعمائة وَهُوَ من شَوَاهِد س: (رُبمَا تكره النُّفُوس من الْأُم ... ر لَهُ فرجةٌ كحل العقال) على أَن مَا نكرةٌ مَوْصُوفَة بجملة تكره النُّفُوس. فَحكم على كَونهَا نكرَة بِدُخُول رب عَلَيْهَا وَحكم بِالْجُمْلَةِ صفة على قِيَاس نكرَة رب من أَنَّهَا مَوْضُوعَة لتقليل نوعٍ من جنس فَلَا بُد أَن يكون الْجِنْس مَوْصُوفا حَتَّى تحصل على النوعية. وَقد أوردهُ سِيبَوَيْهٍ فِي كِتَابه مرَّتَيْنِ لذَلِك قَالَ: رب لَا يكون بعْدهَا إِلَّا نكرَة. وأنشده. قَالَ الأعلم: اسْتشْهد بِهِ على أَن مَا نكرةٌ بِتَأْوِيل شَيْء وَلذَلِك دخلت عَلَيْهَا رب لِأَنَّهَا لَا تعْمل إِلَّا نكرَة. وَلَا تكون مَا هُنَا كَافَّة لِأَن فِي تكره ضميراً عَائِدًا عَلَيْهَا وَلَا يضمر إِلَّا الِاسْم. وَكَذَلِكَ الضَّمِير فِي لَهُ عائدٌ عَلَيْهَا. وَالْمعْنَى: رب شَيْء تكرههُ النُّفُوس من الْأُمُور الْحَادِثَة الشَّدِيدَة وَله فُرْجَة تعقب الضّيق والشدة كحل عقال الْمُقَيد. والفرجة بِالْفَتْح فِي الْأَمر وبالضم فِي الْحَائِط وَنَحْوه. اه. وَمثله فِي إِيضَاح الشّعْر لأبي عَليّ قَالَ فِيهِ: مَا اسمٌ منكور يدل على ذَلِك دُخُول رب عَلَيْهِ وَلَا يجوز أَن تكون كَافَّة كَالَّتِي فِي قَوْله تَعَالَى: رُبمَا

يود الَّذين كفرُوا لِأَن الذّكر قد عَاد إِلَيْهَا من قَوْله لَهُ فُرْجَة فَلَا يجوز مَعَ رُجُوع الذّكر أَن تكون حرفا فالهاء فِي قَوْله تكره مُرَادة وَالتَّقْدِير: تكرههُ النُّفُوس. وفرجةٌ مُرْتَفعَة بالظرف وَمَوْضِع الْجُمْلَة جر. اه. وَقَوله: وَمَوْضِع الْجُمْلَة جرٌ أَي: على الوصفية لِلْأَمْرِ وَلَا اعْتِبَار بلام التَّعْرِيف لِأَنَّهَا كَمَا قَالَ شَارِح الْمُحَقق للْجِنْس. وَفِي كَون الْجُمْلَة صفة نظر إِذْ الْوَصْف على كَلَامه إِنَّمَا هُوَ الْجَار وَالْمَجْرُور لَا غير لِأَنَّهُ جعل فُرْجَة فاعلهما. وَإِنَّمَا كَانَ يتَّجه لَو جعل فُرْجَة مُبْتَدأ والظرف قبله خَبره كَمَا هُوَ ظَاهر صَنِيع الشَّارِح الْمُحَقق فِي قَوْله: لَهُ فُرْجَة صفى الْأَمر. وَبِمَا سقَاهُ من قَول الأعلم وَأبي عَليّ علم ضعف قَول من ذهب إِلَى مَا فِي الْبَيْت: كافةٌ مهيئة لدُخُول رب على الْجمل كَمَا فِي الْآيَة. قَالَ ابْن الْحَاجِب فِي شرح الْمفصل: وَكَونهَا اسْما أولى لِأَن الضَّمِير الْعَائِد على الْمَوْصُوف حذفه سَائِغ وَمن الْأَمر تَبْيِين لَهُ. وَإِذا جعلت مَا مهيئة كَانَ قَوْله من الْأَمر وَاقعا موقع الْمَفْعُول بتقديره تكره النُّفُوس شَيْئا من الْأَمر. وَحذف الْمَوْصُوف وإبقاء الصّفة جاراً ومجروراً فِي مَوْضِعه قَلِيل. انْتهى. وَقد ناقشه الشَّارِح الْمُحَقق بعد نقل كَلَامه بِالْمَعْنَى بِأَنَّهُ لَا يلْزم من كَون

مَا مهيئة أَن يكون من الْأَمر وَاقعا موقع الْمَفْعُول حَتَّى يرد مَا ذكر لجَوَاز أحد أَمريْن: أَحدهمَا: يجوز بقوله أَن تكون من مُتَعَلقَة بنكرة وَهِي للتَّبْعِيض كَمَا فِي) أخذت من الدَّرَاهِم أَي: أخذت من الدَّرَاهِم شَيْئا. فَكَذَا مَعْنَاهُ تكره من الْأَمر شَيْئا. ثَانِيهمَا: تضمين تكره معنى تشمئز وتنقبض بِدَلِيل رِوَايَة سِيبَوَيْهٍ وَغَيره: رُبمَا تجزع النُّفُوس من الْأَمر فَإِن تجزع لازمٌ لَا يَقْتَضِي مَفْعُولا بِهِ. وَبَقِي وَجه ثَالِث وَهُوَ جَوَاز كَون من زَائِدَة عِنْد الْأَخْفَش والكوفيين. وَتبع ابْن الْحَاجِب شَارِح اللّبَاب الفالي قَالَ: لَا يتَعَيَّن كَون مَا مَوْصُوفَة إِذْ قيل إِنَّهَا كافةٌ مهيئة لدُخُول رب على الْجمل وَلَكِن الأولى جعلهَا مَوْصُوفَة لوَجْهَيْنِ: أَحدهمَا: أَنه حملٌ لرب على بَابه الْكثير وَهُوَ كَونهَا غير مَكْفُوفَة. وَالثَّانِي: أَن تكره لَا بُد لَهُ من مفعول حينئذٍ وَتَقْدِيره: شَيْئا من الْأَمر وَلَكِن حذف الْمَوْصُوف وَإِقَامَة الصّفة مقَامه ضَعِيف. اه. وَقَول الْخَوَارِزْمِيّ فِي التخمير: لَا يجوز قَول مَا كَافَّة لِئَلَّا تبقى من التبيينية لَا معنى لَهَا يمْنَع كَونهَا حينئذٍ تبيينية. وَيُجَاب بِأحد الْأَوْجه الثَّلَاثَة.

وَقَالَ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي: يجوز أَن تكون مَا كَافَّة وَالْمَفْعُول الْمَحْذُوف اسْما ظَاهرا أَي: قد تكره النُّفُوس من الْأَمر شَيْئا أَي: وَصفا فِيهِ. أَو الأَصْل من الْأُمُور أمرا وَفِي هَذَا إنابة الْمُفْرد عَن الْجمع. وَفِيه وَفِي الأول إنابة الصّفة غير المفردة عَن الْمَوْصُوف إِذْ الْجُمْلَة بعده صفة لَهُ. اه. وَقد أورد الْبَيْت فِي التفسيرين عِنْد قَوْله تَعَالَى: رُبمَا يود الَّذين كفرُوا على أَن بَعضهم قَالَ: مَوْصُوفَة بجملة يود كَمَا وصف مَا فِي الْبَيْت وَكَأَنَّهُ جعل الْعَائِد ضميراً مَنْصُوبًا أَي: يوده الَّذين كفرُوا. وَفِيه أَن مَفْعُوله مَضْمُون قَوْله تَعَالَى: لَو كَانُوا مُسلمين أَي: الْإِسْلَام أَو هُوَ الْمَفْعُول بِجعْل لَو مَصْدَرِيَّة. وَقَوله: لَهُ فُرْجَة قَالَ صَاحب الْمِصْبَاح: الفرجة بِالْفَتْح: مصدرٌ يكون فِي الْمعَانِي وَهِي الخلوص من شدَّة وَالضَّم فِيهَا لُغَة. قَالَ ابْن السّكيت: هُوَ لَك فُرْجَة وفرجة أَي: فرج. وَزَاد الْأَزْهَرِي فُرْجَة بِالْكَسْرِ. وَحكى الثَّلَاثَة صَاحب الْقَامُوس أَيْضا. وَقَوله: كحل العقال صفة فُرْجَة أَي: فُرْجَة سهلة سريعة كحل عقال الدَّابَّة. والعقال بِالْكَسْرِ: هُوَ الْحَبل الَّذِي يشد بِهِ يَد الدَّابَّة عِنْد البروك أَو الْوُقُوف ليمنعها من الذّهاب وَيكون ربطه كأنشوطة وَهِي عقد التكة حلهَا سهلٌ. وَقَالَ أَبُو عَليّ فِي إِيضَاح الشّعْر: مَوضِع الْكَاف من قَوْله كحل

العقال يجوز فِيهِ ضَرْبَان: أَحدهمَا أَن يكون نصبا وَالْآخر أَن يكون جراً: كَقَوْلِك: مَرَرْت برجلٍ مَعَه صقرٌ صائدٌ بِهِ. اه. وَأَرَادَ النصب على الحالية من الْمَجْرُور بِمن بعد وَصفه بقوله: لَهُ فُرْجَة. وَأَرَادَ الْخَفْض على الوصفية لِلْأَمْرِ بِجعْل اللَّام للْجِنْس بِدَلِيل التنظير. وَهَذَا بعيد والقريب أَن تكون صفة لفرجة وَهُوَ أحد وَجْهي مَا جوزه فِي الْحجَّة قَالَ مَوضِع الْكَاف يحْتَمل وَجْهَيْن: أَحدهمَا أَن تكون فِي مَوضِع نصب على الْحَال من لَهُ) وَالْآخر: أَن تكون فِي مَوضِع رفع صفة لفرجة. اه. وَأَرَادَ بقوله لَهُ ضمير الْأَمر الْمَجْرُور بِاللَّامِ. وَالْبَيْت الشَّاهِد قد وجد فِي أشعار جماعةٍ وَالْمَشْهُور أَنه لأمية بن أبي الصَّلْت من قصيدة طَوِيلَة عدتهَا تسعةٌ وسبعةٌ وَسَبْعُونَ بَيْتا ذكر فِيهَا شَيْئا من قصَص الْأَنْبِيَاء: دَاوُد وَسليمَان ونوح ومُوسَى. وَذكر قصَّة إِبْرَاهِيم وَإِسْحَاق عَلَيْهِمَا السَّلَام وَزعم أَنه هُوَ الذَّبِيح وَهُوَ قولٌ مشهورٌ للْعُلَمَاء. وَهَذِه أَبْيَات من القصيدة إِلَى الْبَيْت الشَّاهِد قَالَ: (يَا بني إِنِّي نذرتك لل ... هـ شحيطاً فاصبر فدى لَك خَالِي) (فَأجَاب الْغُلَام أَن قَالَ فِيهِ: ... كل شَيْء لله غير انتحال) (أبتي إِنَّنِي جزيتك بالل ... هـ تقياً بِهِ على كل حَال) ...

(فَاقْض مَا قد نذرت لله واكفف ... عَن دمي أَن يمسهُ سربالي) (وَاشْدُدْ الصفد أَن أحيد من الس ... كين حيد الْأَسير ذِي الأغلال) (إِنَّنِي آلم المحز وَإِنِّي ... لَا أمس الأذقان ذَات السبال) (وَله مديةٌ تخيل فِي اللح ... م هذامٌ جليةٌ كالهلال) (بَيْنَمَا يخلع السرابيل عَنهُ ... فكه ربه بكبش جلال) قَالَ: خُذْهُ وَأرْسل ابْنك إِنِّي للَّذي قد فعلتما غير قالي (والدٌ يَتَّقِي وَآخر مولو ... دٌ فطَارَا مِنْهُ بسمع معال) هَكَذَا رَوَاهُ جَامع ديوانه مُحَمَّد بن حبيب: من الشَّرّ بدلٌ من الْأَمر وَقَالَ: قَوْله: جزيتك بِاللَّه مَعْنَاهُ أطعمتك بِاللَّه. وَقَوله: غير انتحال أَي: غير كذبٍ وادعاءٍ بل هُوَ حقٌّ. والسربال: الْقَمِيص. والصفد: الْحَبل

الَّذِي يرْبط بِهِ. وَقَوله: أَن أحيد أَي: خشيَة أَن أحيد مضارع حاد عَنهُ أَي: مَال عَنهُ وَعدل. وَقَوله: لَا أمس الأذقان إِلَخ قَالَ مُحَمَّد بن حبيب: يَقُول: لم أمسس ذقني إِنِّي لَا أجزع وَلَا أمنعك. وذقن الْإِنْسَان: مجمع لحييْهِ وَأَصله فِي الْجمل يحمل الثقيل فَلَا يقدر على النهوض فيعتمد بذقنه على الأَرْض. والسبال: جمع سبة وَهِي عِنْد الْعَرَب مقدم اللِّحْيَة. وَقَوله: وَله مديةٌ هِيَ بِضَم الْمِيم: السكين. قَالَ مُحَمَّد بن حبيب: تخيل فِي اللَّحْم: تمْضِي فِيهِ من الْخُيَلَاء. وهذام بِضَم الْهَاء بعْدهَا ذال مُعْجمَة: القاطعة السريعة من الهذم وَهُوَ الْقطع وَالْأكل فِي سرعَة. قَالَ أَبُو عبيد: سيفٌ هذام أَي: قَاطع. وجلية: مجلوة. وكبش جلال بِضَم الْجِيم بِمَعْنى جليلٍ وعظيم. وَسمع بِالْكَسْرِ: الذّكر الْجَمِيل. يُقَال: ذهب سَمعه فِي النَّاس.) والمعال بِضَم الْمِيم: الْمُرْتَفع أَي: صَار لَهما شرفاً يذكران بِهِ. وَأُميَّة هَذَا شاعرٌ جاهلي تقدّمت تَرْجَمته فِي الشَّاهِد السَّادِس وَالثَّلَاثِينَ من أَوَائِل الْكتاب. وَوجد أَيْضا فِي قصيدةٍ رَوَاهَا الْأَصْمَعِي لأبي قيس الْيَهُودِيّ وَقيل: هِيَ لِابْنِ صرمة الْأنْصَارِيّ ومطلعها: (سبحوا للمليك كل صباحٍ ... طلعت شمسه وكل هِلَال)

وَقَالَ ابْن المستوفي فِي شرح الشواهد للمفصل: وجدت قَوْله رُبمَا تكره النُّفُوس من الْأَمر الْبَيْت فِي أبياتٍ لأبي قيس صرمة بن أبي أنس من بني عدي بن النجار وَوجد أَيْضا فِي أَبْيَات لحنيف بن عُمَيْر الْيَشْكُرِي قَالَهَا لما قتل مُحكم بن الطُّفَيْل يَوْم الْيَمَامَة وَهِي: (يَا سعاد الْفُؤَاد بنت أَثَال ... طَال ليلِي بفتنة الرِّجَال) (إِنَّهَا يَا سعاد من حدث الده ... ر عَلَيْكُم كفتنة الرِّجَال) (إِن دين الرَّسُول ديني وَفِي القو ... م رجالٌ على الْهدى أمثالي) (أهلك الْقَوْم مُحكم بن طفيل ... ورجالٌ لَيْسُوا لنا بِرِجَال) (رُبمَا تجزع النُّفُوس من الْأُم ... ر لَهُ فرجةٌ كحل العقال) وحنيف أدْرك الْجَاهِلِيَّة وَالْإِسْلَام وَلَا تعرف لَهُ صُحْبَة. وَقَالَ ابْن حجر فِي الْإِصَابَة: هُوَ مخضرم ذكره المزرباني وروى لَهُ هَذِه الأبيات عمر بن شبة وَوجد أَيْضا فِي أبياتٍ لأعرابي. وَهِي: (يَا قَلِيل العزاء فِي الْأَهْوَال ... وَكثير الهموم والأوجال)

. (اصبر النَّفس عِنْد كل ملمٍّ ... إِن فِي الصَّبْر حِيلَة الْمُحْتَال) (لَا تضيقن بالأمور فقد يَك ... شف غماؤها بِغَيْر احتيال) (قد يصاب الجبان فِي آخر الص ... ف وينجو مقارع الْأَبْطَال) وَرَوَاهَا صَاحب الحماسة البصرية لحنيف بن عُمَيْر الْمَذْكُور وَقيل أَنَّهَا لنهار ابْن أُخْت مُسَيْلمَة الْكذَّاب لَعنه الله. ونسبها الْعَيْنِيّ لأمية بن أبي الصَّلْت. وَهَذَا لَا أصل لَهُ. وَقَوله: يَا قَلِيل العزاء هُوَ بِالْفَتْح بِمَعْنى الصَّبْر والتجلد. وَقَوله: اصبر النَّفس أَي: احبسها. والملم: الْحَادِث من حوادث الدَّهْر وَهُوَ اسْم فَاعل من ألم إِذا نزل. وغماؤها: مبهمها ومشكلها وَهُوَ بالغين الْمُعْجَمَة يُقَال: أَمر غمةٌ أَي: مُبْهَم ملتبس. وَيُقَال: صمنا بالغمى بِفَتْح الْغَيْن وَضمّهَا وصمنا للغماء على فعلاء بِالْفَتْح وَالْمدّ إِذا غم الْهلَال على النَّاس وستره عَنهُ غيمٌ وَنَحْوه. وصحفه) الْعَيْنِيّ فَقَالَ: عماؤها بِالْعينِ الْمُهْملَة وَتَشْديد الْمِيم للضَّرُورَة. والعماء فِي اللُّغَة: السَّحَاب الرَّقِيق سمي بذلك لكَونه يعمي الْأَبْصَار عَن رُؤْيَة مَا وَرَاءه. وَأَرَادَ بهَا مَا يحول بَين النَّفس ومرادها. هَذَا كَلَامه.

قَالَ السُّيُوطِيّ فِي شرح شَوَاهِد الْمُغنِي: أخرج ابْن عَسَاكِر من طَرِيق الْأَصْمَعِي قَالَ: قَالَ أَبُو عَمْرو بن الْعَلَاء: هربت من الْحجَّاج فَسمِعت أَعْرَابِيًا ينشد: (يَا قَلِيل العزاء فِي الْأَهْوَال ... وَكثير الهموم والأوجال) إِلَى آخر الأبيات. فَقلت: مَا وَرَاءَك يَا أَعْرَابِي فَقَالَ: مَاتَ الْحجَّاج فَلم أدر بِأَيِّهِمَا أفرح: أبموت الْحجَّاج أم بقوله فُرْجَة لِأَنِّي كنت أطلب شَاهدا لاختياري الْقِرَاءَة فِي سُورَة الْبَقَرَة: إِلَّا من اغترف غرفَة بِالْفَتْح. انْتهى. وَقد رويت قصَّة أبي عَمْرو بن الْعَلَاء هَذِه على وجوهٍ مُخْتَلفَة مِنْهَا رِوَايَة الصَّاغَانِي فِي الْعباب قَالَ: قَالَ الْأَصْمَعِي: سَمِعت أَبَا عَمْرو بن الْعَلَاء وَكَانَ قد هرب من الْحجَّاج إِلَى الْيمن يَقُول: كنت مختفياً لَا أخرج بِالنَّهَارِ فطال عَليّ ذَلِك فَبينا أَنا قاعدٌ وَقت السحر مفكراً سَمِعت رجلا ينشد وَهُوَ مارٌّ: (رُبمَا تكره النُّفُوس من الْأُم ... ر لَهُ فرجةٌ كحل العقال) وَمر خَلفه رجلٌ يَقُول: مَاتَ الْحجَّاج قَالَ أَبُو عَمْرو: فَمَا أَدْرِي بِأَيِّهِمَا كنت أفرح أبموت الْحجَّاج أم بقوله: فُرْجَة بِفَتْح الْفَاء وَكُنَّا نقُوله بضَمهَا. اه.

وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ الدماميني فِي الْحَاشِيَة الْهِنْدِيَّة قَالَ: يحْكى عَن أبي عَمْرو بن الْعَلَاء أَنه كَانَ لَهُ غُلَام ماهر فِي الشّعْر فوشي بِهِ إِلَى الْحجَّاج فَطَلَبه ليشتريه مِنْهُ. قَالَ: فَلَمَّا دخلت عَلَيْهِ وكلمني فِيهِ قلت: إِنَّه مُدبر. فَلَمَّا خرجت قَالَ الواشي: كذب. فهربت إِلَى الْيمن خوفًا من شَره فَمَكثت هُنَاكَ وَأَنا إمامٌ يرجع إِلَيّ فِي الْمسَائِل عشر سِنِين فَخرجت ذَات يَوْم إِلَى ظَاهر الصَّحرَاء فَرَأَيْت أَعْرَابِيًا يَقُول لآخر: أَلا أُبَشِّرك قَالَ: بِلَا. قَالَ: مَاتَ الْحجَّاج فأنشده: (رُبمَا تكره النُّفُوس من الْأُم ... ر فُرْجَة كحل العقال) وأنشده بِفَتْح الْفَاء من فُرْجَة. قَالَ أَبُو عَمْرو: لَا أَدْرِي بِأَيّ الشَّيْئَيْنِ أفرح أبموت الْحجَّاج أم بقوله فُرْجَة بِفَتْح الْفَاء وَنحن نقُول فُرْجَة بضَمهَا وَهُوَ خطأ. وتطلبت ذَلِك زَمَانا فِي استعمالاتهم. قَالَ أَبُو عَمْرو: وَكنت بقوله: فُرْجَة أَشد مني فَرحا بقوله: مَاتَ الْحجَّاج. اه. كَذَا سَاق الْحِكَايَة. وَفِي قَوْله فِي آخرهَا: وَهُوَ خطأ نظرٌ لَا يخفى. وَالْمَشْهُور أَن سَبَب هروب أبي عَمْرو إِلَى الْيمن طلب الْحجَّاج مِنْهُ شَاهدا من كَلَام الْعَرَب لقرَاءَته: غرفَة بِالْفَتْح فَلَمَّا تعذر عَلَيْهِ هرب إِلَى) الْيمن. وَلم تحضرني الْآن هَذِه الرِّوَايَة. روى السَّيِّد المرتضى رَحِمَهُ اللَّهُ: فِي أَمَالِيهِ الْغرَر والدرر عَن

الصولي أَن منشداً أنْشد إِبْرَاهِيم بن الْعَبَّاس وَهُوَ فِي مَجْلِسه فِي ديوَان الضّيَاع: رُبمَا تكره النُّفُوس من الْأَمر الْبَيْت قَالَ: فَنكتَ بقلمه سَاعَة ثمَّ قَالَ: (ولرب نازلةٍ يضيق بهَا الْفَتى ... ذرعاً وَعند الله مِنْهَا الْمخْرج) (كملت فَلَمَّا استحكمت حلقاتها ... فرجت وَكَانَ يَظُنهَا لَا تفرج) فَعجب من جودة بديهته. اه. وَأنْشد بعده: لأمرٍ لَا يسود من يسود على أَن مَا هُنَا لإِفَادَة التَّعْظِيم. ويسود بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول أَي: يَجْعَل سيداً. وَهَذَا عجزٌ وصدره: وَقد تقدم الْكَلَام عَلَيْهِ فِي الشَّاهِد السّبْعين بعد الْمِائَة من بَاب الْمَفْعُول فِيهِ.

وَأنْشد بعده الشَّاهِد الثَّامِن وَالثَّلَاثُونَ بعد الأربعمائة (فَكفى بِنَا فضلا على من غَيرنَا ... حب النَّبِي محمدٍ إيانا) إِلَى أَن من نكرَة مَوْصُوفَة بمفرد وَهُوَ قَوْله: غَيرنَا. قَالَ سِيبَوَيْهٍ: قَالَ الْخَلِيل رَحِمَهُ اللَّهُ: إِن شِئْت جعلت من بِمَنْزِلَة إِنْسَان وَجعلت نَا بِمَنْزِلَة شَيْء نكرتين. وَزعم أَن هَذَا الْبَيْت مثل ذَلِك: (وكفا بِنَا فضلا على من غَيرنَا ... حب النَّبِي محمدٍ إيانا) وَكَذَا أوردهُ الْفراء فِي أول تَفْسِيره من سُورَة الْبَقَرَة. قَالَ الأعلم: الشَّاهِد فِيهِ حمل غير على من نعتاً لِأَنَّهَا نكرةٌ مُبْهمَة فوصفت بِمَا بعْدهَا وَصفا لَازِما يكون لَهَا كالصلة وَالتَّقْدِير: على قومٍ غَيرنَا. وَرفع غيرٍ جائزٌ على أَن تكون من مَوْصُولَة ويحذف الرَّاجِع عَلَيْهَا من الصِّلَة وَالتَّقْدِير: من هُوَ غَيرنَا. وَالْحب مُرْتَفع بكفى وَالْبَاء فِي بِنَا زَائِدَة مُؤَكدَة وَالْمعْنَى كفانا. اه. وَأوردهُ ابْن الشجري فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع من أَمَالِيهِ قَالَ فِي الْموضع الثَّانِي: رفع غير رِوَايَة.

وَقَالَ فِي الثَّالِث: وَإِن رفعت غير فَإِنَّهُ خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف تُرِيدُ من هُوَ غَيرنَا فَجعلت من مَوْصُولَة كَقِرَاءَة من قَرَأَ: تَمامًا على الَّذِي أحسن يُرِيد: هُوَ أحسن. وَقَالَ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي فِي بحث من: ويروى بِرَفْع غير فَيحْتَمل أَن من على حَالهَا وَيحْتَمل الموصولية. وَعَلَيْهِمَا فالتقدير: من هُوَ غَيرنَا وَالْجُمْلَة صفةٌ أَو صلَة. وَقَالَ الْكسَائي: من هُنَا زَائِدَة وغيرنا مجرور بعلى. نَقله الْعَيْنِيّ عَنهُ. وَأوردهُ ابْن) هِشَام فِي الْمُغنِي على أَن الْبَاء قد زيدت فِي مفعول كفى المتعدية لوَاحِد وَمِنْه الحَدِيث: كفى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَن يحدث بِكُل مَا سمع. وَقيل: إِنَّمَا هِيَ فِي الْبَيْت زائدةٌ فِي الْفَاعِل وَحب: بدل اشْتِمَال على الْمحل. اه. قَالَ الْمرَادِي: صَاحب هَذَا القيل ابْن أبي الْعَافِيَة. وعَلى هَذَا حمل بَعضهم قَول المتنبي: (كفى بجسمي نحولاً أنني رجلٌ ... لَوْلَا مخاطبتي إياك لم ترني) وَنقل ثَعْلَب فِي أَمَالِيهِ عَن الْمَازِني أَن زِيَادَة الْبَاء فِي قَوْله: فَكفى بِنَا شَاذ وَإِنَّمَا تدخل الْبَاء على الْفَاعِل. وَحب النَّبِي: فَاعل كفى ومحمدٍ عطف بَيَان للنَّبِي وَحب

مصدر مُضَاف إِلَى فَاعله وإيانا مَفْعُوله. وفضلاً: تَمْيِيز محول عَن الْفَاعِل وَالْأَصْل كفانا فضل حب النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ. وَقَالَ الدماميني: فضلا حَال وتنوينه للتفخيم أَي: كفانا حب النَّبِي حَالَة كَونه فضلا عَظِيما. وَلَا يَصح كَونه مَفْعُولا ثَانِيًا لكفى لفساد الْمَعْنى. انْتهى. وَرُوِيَ بعده: شرفاً وعَلى: مُتَعَلقَة بِهِ وهما بِمَعْنى المزية والفضيلة. وَهَذَا الْبَيْت لكعب بن مَالك شَاعِر رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وَقد تقدّمت تَرْجَمته فِي الشَّاهِد السَّادِس وَالسِّتِّينَ. وَنسب إِلَى حسان بن ثَابت رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَيْضا وَلم يُوجد فِي شعره. قَالَ ابْن هِشَام اللَّخْمِيّ فِي شرح شَوَاهِد الْجمل: وَقيل: هُوَ لعبد الله بن رَوَاحَة الْأنْصَارِيّ وَقيل: لبشير بن عبد الرَّحْمَن بن كَعْب بن مَالك. وَهُوَ مَعَ كَثْرَة وجوده فِي كتب النَّحْو لم يذكر أحدٌ مَا قبله إِلَّا السُّيُوطِيّ فِي شرح شَوَاهِد الْمُغنِي وَهُوَ: (نصروا نَبِيّهم بنصر وليه ... فَالله عز بنصره سمانا) يَعْنِي أَن الله عَزَّ وَجَلَّ سماهم الْأَنْصَار لأَنهم نصروا النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وَمن وَالَاهُ. وَالْبَاء فِي نصر وليه. بِمَعْنى مَعَ.

وَأنْشد بعده الشَّاهِد التَّاسِع وَالثَّلَاثُونَ بعد الأربعمائة (رب من أنضجت غيظاً صَدره ... قد تمنى لي موتا لم يطع) على أَن جملَة أنضجت فِي مَوضِع جر على أَنَّهَا صفة ل من لِأَنَّهَا نكرَة بِمَعْنى إِنْسَان بِدَلِيل دُخُول رب عَلَيْهَا. وَأوردهُ صَاحب الْكَشَّاف عِنْد قَوْله تَعَالَى: إِن كل من فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض إِلَّا آتِي الرَّحْمَن عبدا على أَن من فِيهَا نكرةٌ مَوْصُوفَة بالظرف لِأَنَّهَا وَقعت بعد كل كوقوعها بعد رب فِي الْبَيْت. قَالَ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي: زعم الْكسَائي أَن من لَا تكون نكرَة إِلَّا فِي مَوضِع يخص النكرات. ورد بقوله: فَكفى بِنَا فضلا على من غَيرنَا وَبقول الفرزدق: أَي: كشخص ممطورٍ بواديه لِأَن مجرور على وَالْكَاف لَا يجب أَن يكون نكرَة. وَقد خرج من فيهمَا على الزِّيَادَة وَذَلِكَ شيءٌ لم يثبت. وَرُوِيَ أَيْضا: (رُبمَا أنضجت غيظاً قلب من ... قد تمنى ... ... ... إِلَخ)

فَلَا شَاهد فِيهِ إِن كَانَت من مَوْصُولَة وَمَا حينئذٍ كَافَّة مهيئة لدُخُول رب على الْجُمْلَة. ومجرور رب هُنَا فِي مَحل رفع على الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر إِمَّا قد تمنى وَلم يطع خبر بعد خبر وَإِمَّا لم يطع وَجُمْلَة قد تمنى صفة ثَانِيَة. وإنضاج اللَّحْم: جعله بالطبخ أَو الشي مستوياً يُمكن أكله وَيحسن وَهُوَ هُنَا كِنَايَة عَن نِهَايَة الكمد الْحَاصِل للقلب أَو اسْتِعَارَة. شبه تحسير الْقلب وإكماده بإنضاج اللَّحْم الَّذِي يُؤْكَل. وغيظاً إِمَّا مفعول لأَجله أَي: أنضجت قلبه لأجل غيظي إِيَّاه وَإِمَّا تَمْيِيز عَن النِّسْبَة أَي: أنضج غيظي إِيَّاه قلبه وَهُوَ مصدر غاظه إِذا أغضبهُ. قَالَ ابْن السّكيت: وَلَا يُقَال أغاظه. وأثبته صَاحب الْقَامُوس قَالَ: يُقَال: غاظه وغيظه وأغاظه. وَرُوِيَ: قلبه مَوضِع صَدره المُرَاد بِهِ قلبه وَرُوِيَ أَيْضا: كبده. وَهَذَا الْبَيْت من قصيدةٍ طَوِيلَة عدتهَا مائَة بَيت وَثَمَانِية أبياتٍ لسويد بن أبي كَاهِل الْيَشْكُرِي مسطورةٍ فِي المفضليات مطْلعهَا: (بسطت رَابِعَة الْحَبل لنا ... فوصلنا الْحَبل مِنْهَا مَا اتَّسع) وَهَذِه أبياتٌ مِنْهَا بعد الشَّاهِد الْمَذْكُور. قَالَ ابْن قُتَيْبَة فِي تَرْجَمَة سُوَيْد من كتاب الشُّعَرَاء: كَانَ (رب من أنضجت غيظاً قلبه ... قد تمنى لي موتا لم يطع) (ويراني كالشجا فِي حلقه ... عسراً مخرجه مَا ينتزع))

(مزبدٌ يخْطر مَا لم يرني ... فَإِذا أسمعته صوتي انقمع) (قد كفاني الله مَا فِي نَفسه ... وَمَتى مَا يكف شَيْئا لم يضع) (لم يضرني غير أَن يحسدني ... فَهُوَ يزقو مثل مَا يزقو الضوع) (ويحييني إِذا لاقيته ... وَإِذا يَخْلُو لَهُ لحمي رتع) (كَيفَ يرجونا سقاطي بِمد مَا ... جلل الرَّأْس مشيبٌ وصلع) قَالَ ابْن الْأَنْبَارِي فِي شرح القصيدة: رُوِيَ أَيْضا: رُبمَا أنضجت غيظاً قلب من إِلَخ والشجى: الْغصَص وَنَحْوه. ومزبد: من أزبد. وأصل الْخطر فِي النَّاس: تَحْرِيك الْيَدَيْنِ فِي الْمَشْي والاختيال بهما. وانقمع: دخل بعضه فِي بعض. وَالْمعْنَى أَنه يتعظم إِذا لم يرني فَإِذا رَآنِي تضاءل. والضوع بِضَم الضَّاد: ذكر البوم. ويزقو: يَصِيح. ورتع: أكل. والسقاط: الفترة. يَقُول على طَرِيق التَّعَجُّب: كَيفَ يأملون فترتي وسقطي وَقد بلغت هَذِه السن. وسُويد هُوَ ابْن أبي كَاهِل واسْمه غطيف بن حَارِثَة بن حسل بن مَالك ابْن عبد سعد بن عدي بن جشم بن ذبيان (أَنا أَبُو سعدٍ إِذا اللَّيْل دجا ... دخلت فِي سرباله ثمَّ النجا) وَيُقَال اسْم وَالِده شبيب. وَهُوَ شاعرٌ مقدم مخضرم أدْرك الْجَاهِلِيَّة وَالْإِسْلَام. عده ابْن سلامٍ الجُمَحِي فِي الطَّبَقَة السَّادِسَة وقرنه بعنترة الْعَبْسِي. قَالَ أَبُو نصر أَحْمد بن حَاتِم: قَرَأت شعر سويدٍ على الْأَصْمَعِي فَلَمَّا بلغت قصيدته الَّتِي أَولهَا: ...

(بسطت رَابِعَة الْحَبل لنا ... فوصلنا الْحَبل مِنْهَا مَا اتَّسع) فَضلهَا الْأَصْمَعِي وَقَالَ: كَانَت الْعَرَب تفضلها وتقدمها وتعدها من حكمهَا وَكَانَت فِي الْجَاهِلِيَّة تسمى الْيَتِيمَة لما اشْتَمَلت عَلَيْهِ من الْأَمْثَال. وعاش سويدٌ فِي الْجَاهِلِيَّة دهراً وَعمر فِي الْإِسْلَام سِتِّينَ سنة بعد الْهِجْرَة إِلَى زمن الْحجَّاج. كَذَا فِي الْإِصَابَة. وَهُوَ من المعمرين وَلم يذكرهُ أَبُو حَاتِم فِي كتاب المعمرين. وَكَانَ زيادٌ الْأَعْجَم قد هجا بني يشْكر بقوله: (إِذا يشكريٌّ مس ثَوْبك ثَوْبه ... فَلَا تذكرن الله حَتَّى تطهرا) (فَلَو أَن من لؤمٍ تَمُوت قبيلةٌ ... إِذا لأمات اللؤم لَا شكّ يشكرا) فَأَتَت بَنو يشْكر سويداً ليهجو زياداً فأبا سويدٌ فَقَالَ زِيَاد:) (وأنبئتهم يستصرخون ابْن كاهلٍ ... وللؤم فيهم كاهلٌ وسنام) (دعيٌّ إِلَى ذبيان طوراً وَتارَة ... إِلَى يشكرٍ مَا فِي الْجَمِيع كرام) فَقَالَ لَهُم سُوَيْد: هَذَا مَا طلبتم لي وَكَانَ سويدٌ مغلباً. وَأما قَول زِيَاد الْأَعْجَم: دعيٌّ فَإِن أم سُوَيْد كَانَت امْرَأَة من بني غبر وَكَانَت قبل أبي كَاهِل عِنْد رجلٍ من بني ذبيان بن قيس فَمَاتَ عَنْهَا فَتَزَوجهَا أَبُو كَاهِل وَكَانَت فِيمَا

يُقَال حَامِلا فَلَمَّا وَلدته اسْتَلْحقهُ أَبُو كَاهِل وَسَماهُ سويداً وَكَانَ سويدٌ إِذا غضب على بني يشْكر انْتَمَى إِلَى بني ذبيان وَإِذا رَضِي عَنْهُم أَقَامَ على نسبه فيهم. وهاجى سويدٌ حَاضر بني سَلمَة الْعَنزي فطلبهما عبد الله بن عَامر فهربا من الْبَصْرَة. ثمَّ هاجى الْأَعْرَج أَخا بني حَمَّاد بن يشْكر فَأَخذهُمَا صَاحب الصَّدَقَة فِي أَيَّام ولَايَة عَامر بن مسعودٍ الجُمَحِي الْكُوفَة فحبسهما وَأمر أَن لَا يخرجَا من السجْن حَتَّى يؤديا مائَة من الْإِبِل ففك بَنو حَمَّاد صَاحبهمْ وَبَقِي سُوَيْد فخذله بَنو سعد وهم قومه فَلم يزل مَحْبُوسًا حَتَّى استوهبته عبسٌ وذبيان لمديحه لَهُم وانتمائه إِلَيْهِم وأطلقوه بِغَيْر فدَاء. وَحلف أَن لَا يعود. وَهَذِه أبياتٌ من قصيدةٍ انْتهى فِيهَا إِلَى ذبيان ومدحهم: (أَنا الْغَطَفَانِي ابْن ذبيان فابعدوا ... وللزنج أدنى مِنْكُم ويحابر) (أَبَت لي عبسٌ أَن أسام دنيةً ... وسعدٌ وذبيان الهجان وعامر) (وحيٌّ كرامٌ سادةٌ من هوازنٍ ... لَهُم فِي الملماة الأنوف الفواخر) الشَّاهِد الموفى الْأَرْبَعين بعد الأربعمائة ...

(آل الزبير سَنَام الْمجد قد علمت ... ذَاك الْعَشِيرَة والأثرون من عددا) على أَن من عِنْد الْكُوفِيّين حرف زَائِد أَي: والأثرون عددا. وَهِي عِنْد الْبَصرِيين مَوْصُوفَة أَي: والأثرون إنْسَانا معدودا. وَهَذَا الْجَواب أوردهُ الفالي فِي شرح اللّبَاب قَالَ: يَجْعَل عددا مصدرا بِمَعْنى الْمَفْعُول أَي: معدوداً فَتكون صفة مُفْردَة. ف من اسمٌ موصوفٌ بمفرد كَقَوْلِه: فَكفى بِنَا فضلا على من غَيرنَا وَيجوز أَن تكون مَوْصُوفَة بجملة محذوفة وَذَلِكَ أَن عددا: مفعول مُطلق وعامله مَحْذُوف تَقْدِيره: يعد عددا بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول. وَالْجُمْلَة صفة من أَي: إنْسَانا يعد عددا. وعَلى هَذَا الْجَواب اقْتصر صَاحب اللّبَاب وَابْن الشجري فِي أَمَالِيهِ قَالَ: زَاد الْكسَائي فِي مَعَاني من قسما آخر وَهُوَ أَنَّهَا قد جَاءَت صلَة يَعْنِي زَائِدَة وَأنْشد: والأثرون من عددا وَقَالَ غَيره: مَعْنَاهُ والأثرون من يعد عددا فَحذف الْفِعْل وَاكْتفى بِالْمَصْدَرِ مِنْهُ كَمَا تَقول: مَا أَنْت إِلَّا سيراً. ف من فِي هَذَا القَوْل نكرةٌ مَوْصُوفَة بِالْجُمْلَةِ المحذوفة فالتقدير: والأثرون إنْسَانا يعد. اه.

وَأجَاب بهما ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي فَقَالَ: عددا إِمَّا صفةٌ لمن على أَنه اسْم وضع مَوضِع الْمصدر وَهُوَ الْعد أَي: والأثرون قوما ذَوي عددٍ أَي: قوما معدودين. وَإِمَّا مَعْمُول ليعد محذوفاً صلَة أَو صفة لمن وَمن بدل من الأثرون. اه. وَإِنَّمَا نصبوا تَفْسِير من وَهُوَ قَوْلهم: إنْسَانا أَو قوما لِأَن من تَمْيِيز. وعَلى قَول الْكُوفِيّين من زائدةٌ وعدداً هُوَ التَّمْيِيز. وَفِي تخريجهم نظرٌ لَا تخفى سماجته مَعَ أَنه لَيْسَ فِيهِ كَبِير مدح فَإِن مُرَاد الشَّاعِر أَن آل الزبير سَنَام الْمجد وَالْأَكْثَر ون عددا فَإِن أتباعهم أَكثر من أَتبَاع غَيرهم عددا إِلَّا أَنهم يعدون عددا فَإِن من يعد قَلِيل والقلة لَا فَخر فِيهَا وَلَا مدح. وَجعل ابْن هِشَام من بَدَلا من الأثرون على تَقْدِير الْفِعْل لَا وَجه لَهُ إِذْ لَا فرق فِي الْمَعْنى بَين قَوْلنَا: قوما معدودين وَبَين قوما يعدون. فَتَأمل. وَنَقله كَونهمَا اسْما فِي حَال الزِّيَادَة يُخَالِفهُ صَرِيح نقل الشَّارِح الْمُحَقق وصريح كَلَام ابْن الشجري. وَتَخْرِيج الْكُوفِيّين خالٍ من التعسف مَعَ صِحَة مَعْنَاهُ ومتانة مغزاه. وَقَالَ الأندلسي فِي شرح الْمفصل: الرِّوَايَة عِنْد الْبَصرِيين: والأثرون مَا عددا وَزِيَادَة مَا جَائِزَة لَا اخْتِلَاف فِيهَا. وَقَوله: آل الزبير: مُبْتَدأ وسنام الْمجد: خَبره والأثرون مَعْطُوف على الْخَبَر وَجُمْلَة قد علمت ذَاك الْعَشِيرَة: اعتراضية لتقوية الْمَعْنى)

وتسديده وَذَاكَ مفعول علمت وَهُوَ إِشَارَة إِلَى كَونهم سَنَام الْمجد والأكثرين عددا. وَالْعشيرَة فَاعل علمت وروى بدله الْقَبَائِل أَي: قبائل الْعَرَب. وَعلم هُنَا متعدٍّ لمفعول وَاحِد لِأَنَّهُ بِمَعْنى عرف. وسنام الْمجد: أَعلَى الْمجد استعير من سَنَام الْإِبِل. والأثرون: جمع أثرى وَهُوَ أفعل تَفْضِيل من ثريت بك بِكَسْر الرَّاء أَي: كثرت بك. قَالَه فِي الصِّحَاح. وَهَذَا الْبَيْت مَعَ كَثْرَة دورانه فِي كتب النَّحْو لَا يعرف لَهُ قَائِل وَلَا تَتِمَّة. وَالله أعلم بِهِ. وَأنْشد بعده الشَّاهِد الْحَادِي وَالْأَرْبَعُونَ بعد الأربعمائة (يَا شَاة من قنصٍ لمن حلت بِهِ ... حرمت عَليّ وليتها لم تحرم) على أَن من عِنْد الْكُوفِيّين زَائِدَة. قَالَ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي: من هُنَا أَيْضا نكرَة مَوْصُوفَة بمفرد أَي: يَا شَاة إنسانٍ قنص على أَنه من الْوَصْف بِالْمَصْدَرِ للْمُبَالَغَة. يُرِيد أَن قنصاً مصدر بِمَعْنى الصَّيْد أُرِيد بِهِ اسْم الْفَاعِل أَي: يَا شَاة إِنْسَان قانص. وَأَرَادَ بالإنسان نَفسه. وَهَذَا تَخْرِيج جيد لَا مطْعن فِيهِ وَالْمَشْهُور فِيهِ كَمَا قَالَ الشَّارِح الْمُحَقق: يَا شَاة مَا قنصٍ بِزِيَادَة مَا وَهِي رِوَايَة شرَّاح المعلقات وَلم يرو أحد مِنْهُم الرِّوَايَة الأولى فَإِن الْبَيْت من معلقَة عنترة بن شَدَّاد الْعَبْسِي.

وَالشَّاة هُنَا كِنَايَة عَن الْمَرْأَة وَالْعرب تكني عَنْهَا بالنعجة أَيْضا. وَقد أوردهُ صَاحب الْكَشَّاف بِرِوَايَة مَا عِنْد قَوْله تَعَالَى: إِن هَذَا أخي لَهُ تسعٌ وَتسْعُونَ نعجةً على أَن النعجة استعيرت للْمَرْأَة كَمَا اسْتعَار عنترة للشاة فقنص على هَذِه الرِّوَايَة مصدرٌ بِمَعْنى الْمَفْعُول وَهُوَ مجرور بِإِضَافَة شَاة إِلَيْهِ. وَفِي زِيَادَة مَا وتنكير قنص مَا يدل على أَنَّهَا صيدٌ عَظِيم يغتبط بهَا من يحوزها أَي اغتباط فَيكون فِي قَوْله: حرمت عَليّ الدّلَالَة على التحزن التَّام على فَوَات تِلْكَ الْغَنِيمَة. قَالَ الْخَطِيب التبريزي فِي شرح هَذِه الْمُعَلقَة: قَوْله: لمن حلت أَي: لمن قدر عَلَيْهَا. وَقَوله: حرمت عَليّ مَعْنَاهُ هِيَ من قوم أَعدَاء. وَيدل على هَذَا قَوْله فِي القصيدة: علقتها عرضا وأقتل قَومهَا وَالْمعْنَى: أَنَّهَا لما كَانَت فِي أعدائي لم أصل إِلَيْهَا وامتنعت مني. وأصل الْحَرَام: الْمَمْنُوع. وَالْمعْنَى: أَنَّهَا حرمت عَليّ باشتباك الْحَرْب بيني وَبَين قبيلتها. وَقَوله: وليتها لم تحرم هُوَ تمنٍّ فِي بَقَاء الصُّلْح. وَقَالَ الْأَخْفَش: معنى حرمت عَليّ: أَي هِيَ جارتي وليتها لم تحرم: أَي ليتها لم تكن جَارة حَتَّى لَا يكون لَهَا حُرْمَة. وَقَالَ الزوزني فِي شَرحه: هِيَ امْرَأَة أَبِيه يَقُول: حرم عَليّ تزَوجهَا لتزوج أبي إِيَّاهَا وليتها لم يَتَزَوَّجهَا حَتَّى كَانَت تحل لي. اه.

أَقُول: لَا يَنْبَغِي أَن يذكر) هَذَا فَإِن التَّزَوُّج بِامْرَأَة الْأَب كَانَ جَائِزا فِي الْجَاهِلِيَّة وَيشْهد لَهُ الْقُرْآن. وشَاة بِالنّصب لِأَنَّهُ منادى مُضَاف عِنْد أبي جَعْفَر النَّحْوِيّ ومفعولٌ لفعل محذوفٍ مَعَ المنادى عِنْد الزوزني قَالَ: التَّقْدِير: يَا هَؤُلَاءِ اشْهَدُوا شَاة قنص لمن حلت لَهُ فتعجبوا من حسنها وجمالها فَإِنَّهَا قد حازت الْجمال. وَالْمعْنَى: هِيَ حسناء جميلَة. وترجمة عنترة قد تقدّمت فِي الشَّاهِد الثَّانِي عشر من أَوَائِل الْكتاب. وَقد أورد الْبَدْر الدماميني هُنَا أبياتاً قد ضمن فِيهَا الْبَيْت الشَّاهِد قَالَ: أَنْشدني شَيخنَا شمس الدَّين الغماري إجَازَة قَالَ: أَنْشدني أَبُو حَيَّان قَالَ: أنشدنا جَعْفَر بن الزبير قَالَ: أَنْشدني القَاضِي أَبُو حَفْص عمر بن عمر الفاسي لنَفسِهِ وَقد أهديت إِلَيْهِ جَارِيَة فَوَجَدَهَا ابْنة سريةٍ كَانَ تسراها فَردهَا وَكتب إِلَى مهديها: (يَا مهْدي الرشأ الَّذِي ألحاظه ... تركت فُؤَادِي نصب تِلْكَ الأسهم) (ريحانةٌ كل المنى فِي شمها ... لَوْلَا الْمُهَيْمِن وَاجْتنَاب الْمحرم) (مَا عَن قلى صرفت إِلَيْك وَإِنَّمَا ... صيد الغزالة لم يبح للْمحرمِ) (إِن الغزالة قد علمنَا سرها ... قبل المهاة وليتنا لم نعلم) (يَا وَيْح عنترةٍ يَقُول وشفه ... مَا شفني فشدا وَلم يتَكَلَّم) (يَا شَاة مَا قنصٍ لمن حلت لَهُ ... حرمت عَليّ وليتها لم تحرم) وأنشده بعده الشَّاهِد الثَّانِي وَالْأَرْبَعُونَ بعد الأربعمائة أَو تصبحي فِي الظاعن الْمولى

على أَن أل الموصولة المستعملة فِي الْجمع إِذا لم تصْحَب موصوفها يجوز مُرَاعَاة لَفظهَا كَمَا هُنَا إِذْ المُرَاد: فِي الظاعنين المولين. وَيجوز أَن يكون الْإِفْرَاد بِاعْتِبَار أَن موصوفها الْمُقدر مُفْرد اللَّفْظ أَي: فِي الْجمع الظاعن وَإِنَّمَا حمل أل فِي الوصفين على الْجمع لِأَن الْمَعْنى دلّ على أَن المُرَاد: إِن تصبحي رَاحِلَة مَعَ الظاعنين. وَلَيْسَ لإفرادهما معنى بِدُونِ مَا ذكره الشَّارِح الْمُحَقق. وَذهب أَبُو عَليّ الْفَارِسِي فِي الْمسَائِل البصرية إِلَى أَن الجمعية مستفادةٌ من كَون أل للْجِنْس لَا أَنَّهَا تدل عَلَيْهَا وضعا قَالَ: أنْشد الْمَازِني: أَو تصبحي فِي الظاعن الْمولي وَفَسرهُ بالظاعنين. وسألني أَبُو يَعْقُوب المارودي: إِذا حسن أَن تكون اللَّام للْجمع فِي الظاعنين دَالَّة على الْجمع فِيهِ على قَول الْمَازِني وَابْن السراج فَلم لَا يحسن ذَلِك فِي الظاعن مَعَ إِفْرَاد ظاعن كَمَا جَازَ مثل الَّذِي استوقد نَارا فَلَمَّا أَضَاءَت مَا حوله فَقلت لَهُ: الْفرق بَينهمَا أَن ذَلِك فِي الَّذِي اتساع وَأَنه لم يخل ذَلِك من دَلِيل يدل عَلَيْهِ ملفوظٍ بِهِ. أَلا ترى أَنه قَالَ: فَلَمَّا أَضَاءَت مَا حوله وَقَالَ: إِن الَّذِي حانت بفلج دِمَاؤُهُمْ وَاللَّام مَحْمُولَة على الَّذِي اتساعا فَلَا تحْتَمل من الاتساع مَا يحْتَملهُ الأَصْل. أَلا ترى أَن حملهَا على الَّذِي اتساعٌ فِيهَا حَتَّى قَالَ أَبُو عُثْمَان: لَيست بِمَعْنى الَّذِي وَلكنهَا دَالَّة على الَّذِي. وتوالي الاتساع مرفوض وَإِذا لم

يحسن أَن يَجْعَل بِمَنْزِلَة الَّذِي فِي هَذَا فَأن لَا تحسن تجْعَل بِمَنْزِلَة الَّذِي فِيهِ مَعَ تعريها من دَلِيل يدل عَلَيْهِ أولى وَإِن الَّذِي لَا يسوغ ذَلِك فِيهَا متعريةً من دَلِيل. اه. وَفِيه نظر من وَجْهَيْن: الأول: أَن قَوْله اللَّام مَحْمُولَة على الَّذِي اتساعاً ممنوعٌ فَإِنَّهَا مَوْضُوعَة لِمَعْنى الَّذِي وفرعيه بالاشتراك وَلَيْسَت مَحْمُولَة على الَّذِي. الثَّانِي: قَوْله وتوالي الاتساع مرفوضٌ مَمْنُوع أَيْضا فَإِن الْمجَاز وَهُوَ من الاتساع فِي اللُّغَة فَلَا يتجوز بِهِ إِلَى مجازين أَو أَكثر. وَكَذَلِكَ ذهب ابْن الشجري فِي أَمَالِيهِ إِلَى أَن الجمعية مستفادةٌ من لَام الْجِنْس قَالَ: والشكور من قَوْله تَعَالَى: وقليلٌ من عبَادي الشكُور اسْم جنس وَالْمعْنَى: وقليلون من عبَادي الشكورون. وَكَون اسْم الْجِنْس مشتقاً قَلِيل وَإِنَّمَا يغلب على أَسمَاء الْأَجْنَاس الجمود كالدينار وَالدِّرْهَم والقفيز والإردب. إِلَى) أَن قَالَ: وَمِمَّا جَاءَ من الْمُشْتَقّ يُرَاد بِهِ الْجِنْس: الْمُفْسد والمصلح فِي قَوْله تَعَالَى: وَالله يعلم الْمُفْسد من المصلح أَي: المفسدين من المصلحين. وَمِنْه قَول الراجز: أَو تصبحي فِي الظاعن الْمولي أَرَادَ: فِي الظاعنين المولين. وَقَول الأخيلية: ...

(كَأَن فَتى الفتيان تَوْبَة لم ينخ ... بنجدٍ وَلم يهْبط مَعَ المتغور) أَرَادَت: مَعَ المتغورين. اه. وَالْبَيْت من أرجوزةٍ أورد بَعْضهَا أَبُو زيد فِي نوادره وَهَذَا مِقْدَار مَا أوردهُ: (إِن تبخلي يَا جمل أَو تعتلي ... أَو تصبحي فِي الظاعن الْمولي) (كَأَن مهواها على الكلكل ... وموقعاً من ثفنات زل) موقع كفي راهبٍ يُصَلِّي وَأورد ابْن الْأَعرَابِي فِي نوادره أَيْضا هَذَا الْمِقْدَار وَزَاد عَلَيْهِ بعده وَهُوَ: فِي غبش الصُّبْح وَفِي التجلي وَقَالَ أَبُو زيد بعد إِيرَاده الأبيات: المغتل: الَّذِي اغتل جَوْفه من الشوق وَالْحب والحزن كغلة الْعَطش. والوجناء: الوثيرة القصيرة. والعيهل: الطَّوِيلَة. والزل: الملس. اه.

وَقَوله: إِن تبخلي هُوَ من الْبُخْل أَي: إِن تبخلي علينا بوصلك. وجمل بِضَم الْجِيم من أَسمَاء نسَاء الْعَرَب. وتعتلي من الاعتلاء وَهُوَ التمارض والتمسك بِحجَّة. والظاعن من ظعن من بَاب نفع إِذا ارتحل. والمولي من وليت عَنهُ إِذا أَعرَضت عَنهُ وَتركته. وتعتلي وتصبحي معطوفان على تبخلي وَلِهَذَا جزما بِحَذْف النُّون. وَقَوله: نسل جَوَاب الشَّرْط مجزوم بِحَذْف الْيَاء وأوله نون الْمُتَكَلّم من التسلية وَهُوَ إذهاب الْهم وَنَحْوه بالسلو. قَالَ أَبُو زيد: السلو: طيب نفس الإلف عَن إلفه. والوجد: الْغم والحزن. والهائم أَرَادَ بِهِ الشَّاعِر نَفسه وَهُوَ من هام إِذا خرج على وَجهه لَا يدْرِي أَيْن يتَوَجَّه إِن سلك طَرِيقا مسلوكاً فَإِن سلك طَرِيقا غير مسلوك فَهُوَ رَاكب التعاسيف. كَذَا فِي الْمِصْبَاح. والمغتل بالغين الْمُعْجَمَة من الْغلَّة بِالضَّمِّ وَهِي حرارة الْعَطش. وَفسّر المغتل صَاحب الصِّحَاح بشديد الْعَطش. وَقَوله: بيازل مُتَعَلق بِنَسْل والبيازل: الدَّاخِل فِي السّنة التَّاسِعَة من الْإِبِل ذكرا كَانَ أَو أُنْثَى وَالْمرَاد هُنَا الثَّانِي لقَوْله وجناء. وفسرها أَبُو زيد بالوثيرة بالثاء الْمُثَلَّثَة وَهِي الْكَثِيرَة اللَّحْم وَالَّتِي لَا تتعب راكبها. والمشهورة تَفْسِيرهَا بالناقة الشَّدِيدَة.) والعيهل: فسره أَبُو زيد بالطويلة وَقَالَ غَيره: هِيَ السريعة. قَالَ صَاحب الْعباب: العيهل والعيهلة: النَّاقة السريعة. قَالَ أَبُو حَاتِم: وَلَا يُقَال جمل عيهلٌّ وَتَشْديد اللَّام لضَرُورَة الشّعْر. اه. وَبِه يظْهر فَسَاد قَول السخاوي فِي سفر السَّعَادَة: إِن العيهل: النجيب من الْإِبِل وَالْأُنْثَى عيهلة. وَيرد عَلَيْهِ أَيْضا قَوْله وجناء.

وَقَوله: مهواها مصدر بِمَعْنى الْهَوِي والسقوط. والكلكل كجعفر: الصَّدْر وَتَشْديد اللَّام ضَرُورَة أَيْضا. وثفنات: جمع ثفنة بِفَتْح الْمُثَلَّثَة وَكسر الْفَاء بعْدهَا نون وَهُوَ مَا يَقع على الأَرْض من أَعْضَاء الْإِبِل إِذا استناخ وَغلظ كالركبتين وَغَيرهمَا. وَزَل بِالضَّمِّ جمع أزل وَهُوَ الْخَفِيف. وَفَسرهُ أَبُو زيد بملس. وَهُوَ غير مُنَاسِب إِذْ المُرَاد تَشْبِيه الْأَعْضَاء الخشنة الغليظة من النَّاقة بِكَثْرَة الاستناخة بكفي رَاهِب قد شثنت وخشنت من كَثْرَة اعْتِمَاده عَلَيْهِمَا فِي السُّجُود. وروى: رجْلي رَاهِب بدل كفي رَاهِب. والغبش بِفتْحَتَيْنِ: بَقِيَّة اللَّيْل. وَأَرَادَ بالتجلي النَّهَار. وَهَذِه أرجوزةٌ طَوِيلَة أورد مِنْهَا شرَّاح شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ جملَة وَكَذَلِكَ أَبُو عَليّ فِي الْمسَائِل العسكرية. وَقَوله: أوردهُ سِيبَوَيْهٍ فِي بَاب الْوَقْف لرجلٍ من بني أَسد على أَن تَضْعِيف الآخر فِي القافية ضَرُورَة. قَالَ الأعلم: الشَّاهِد فِيهِ تَشْدِيد عيهل فِي الْوَصْل ضَرُورَة وَإِنَّمَا يشدد فِي الْوَقْف ليعلم أَنه متحرك فِي الْوَصْل. قَالَ أَبُو عَليّ فِي الْمسَائِل العسكرية أما العيهل والكلكل فاستعمالهما بتحفيف فَقدر الْوَقْف عَلَيْهِ فضاعف إِرَادَة للْبَيَان. وَهَذَا يَنْبَغِي أَن يكون فِي الْوَقْف دون الْوَصْل لِأَن مَا يتَّصل بِهِ فِي الْوَصْل يبين الْحَرْف وحركته. فَمن ذَلِك من قَالَ فِي الْوَقْف: هَذَا خَالِد. فَإِذا وصل قَالَ: هَذَا خالدٌ كَمَا ترى.

ويضطر الشَّاعِر فَيجْرِي الْوَصْل بِهَذِهِ الإطلاقات فِي القوافي مجْرى الْوَقْف. وَقد جَاءَ ذَلِك فِي النصب أَيْضا. قَالَ: مثل الْحَرِيق وَافق القصبا وَهَذَا لَا يَنْبَغِي أَن يكون فِي السعَة. اه. وَهَذِه الأرجوزة نَسَبهَا السخاوي فِي سفر السَّعَادَة لمنظور بن مرْثَد الْأَسدي. قَالَ: وَقيل لغيره. وَنسبه الصَّاغَانِي فِي الْعباب لمنظور بن حَبَّة الْأَسدي وهما وَاحِد فَإِنَّمَا مرثداً أَبوهُ وحبة أمه فبعضهم ينْسبهُ إِلَى أَبِيه وَبَعْضهمْ إِلَى أمه. قَالَ الصَّاغَانِي فِي الْعباب: مَنْظُور بن حَبَّة راجزٌ من بني أَسد. وحبة أمه وَاسم أَبِيه مرْثَد بن فَرْوَة بن نَوْفَل بن نَضْلَة بن الأشتر بن جحوان بن طريف بن عَمْرو بن قعين. اه. وقعين: ابْن الْحَارِث بن ثَعْلَبَة بن دودان بن أَسد بن خُزَيْمَة. وَأنْشد بعده:) على أَن جملَة هَل رَأَيْت إِلَى آخرهَا صفةٌ لمذق بِتَقْدِير القَوْل. وَتقدم شَرحه مُسْتَوفى فِي الشَّاهِد السَّادِس وَالتسْعين.

وَأنْشد بعده الشَّاهِد الثَّالِث وَالْأَرْبَعُونَ بعد الأربعمائة وَهُوَ من شَوَاهِد س: (وَلَقَد أَبيت من الفتاة بمنزلٍ ... فأبيت لَا حرجٌ وَلَا محروم) على أَن لَا حرجٌ عِنْد الْخَلِيل مرفوعٌ على أَنه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف وَالْجُمْلَة محكية بقول مَحْذُوف أَي: أَبيت مقولاً فِي: هُوَ لَا حرجٌ وَلَا محروم. وَهَذَا من حِكَايَة الْجمل بِتَقْدِير الْمُبْتَدَأ وَلَا يَصح أَن يكون من حِكَايَة الْمُفْرد لِأَن حِكَايَة إعرابه إِنَّمَا تكون إِذا أُرِيد لَفظه نَحْو: قَالَ فلَان: زيدٌ إِذا تكلم بزيد مَرْفُوعا وَفِي غير هَذَا يجب نَصبه إِلَّا أَن يكون بِتَقْدِير شَيْء فنجب حِكَايَة إعرابه كَمَا هُنَا. وَهَذَا نَص سِيبَوَيْهٍ فِي الْمَسْأَلَة: وَزعم الْخَلِيل أَن أَيهمْ إِنَّمَا وَقع فِي قَوْلهم: اضْرِب أَيهمْ أفضل على أَنه حِكَايَة كَأَنَّهُ قَالَ: اضْرِب الَّذِي يُقَال لَهُ: أَيهمْ أفضل. وَشبه بقول الأخطل: وَلَقَد أَبيت من الفتاة بمنزلٍ ... ... ... ... . الْبَيْت قَالَ الأعلم: الشَّاهِد فِي رفع حرجٌ ومحروم وَكَانَ وَجه الْكَلَام نصبهما على الْحَال. وَوجه رفعهما عِنْد الْخَلِيل الْحمل على الْحِكَايَة وَالْمعْنَى: فأبيت كَالَّذي يُقَال لَهُ لَا حرجٌ وَلَا محروم. وَلَا يجوز: رَفعه حملا على مُبْتَدأ مُضْمر كَمَا لَا يجوز: كَانَ زيد لَا قَائِم وَلَا قَاعد على تَقْدِير: لَا هُوَ قَائِم وَلَا هُوَ

قَاعد لِأَنَّهُ لَيْسَ مَوضِع تبعيض وَلَا قطع فَلذَلِك حمله على الْحِكَايَة. اه. وَقَالَ النّحاس: قَالَ سِيبَوَيْهٍ: زعم الْخَلِيل أَن هَذَا لَيْسَ على إِضْمَار أَنا وَلَو كَانَ كَذَلِك لجَاز: كَانَ عبد الله لَا مُسلم وَلَا صَالح وَلكنه فِيمَا زعم الْخَلِيل: فأبيت كَالَّذي يُقَال لَهُ: لَا حرجٌ وَلَا محروم. وَإِنَّمَا فر الْخَلِيل من إِضْمَار أَنا وَإِن كَانَت قد تضمر فِي هَذَا الْموضع لِأَنَّهُ يلْزم عَلَيْهِ أَن يَقُول: كنت لَا خَارج وَلَا ذَاهِب. وَهَذَا قبيحٌ جدا فَجعله على الْحِكَايَة: فأبيت بِمَنْزِلَة الَّذِي يُقَال لَهُ: لَا حرجٌ وَلَا محروم أَي: إِنَّهَا لم تحرمني فَيُقَال لي محروم وَلم أتحرج من حضوري نعها فَيُقَال لي: حرج. وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق الزاج: هُوَ بِمَعْنى لَا حرجٌ وَلَا محروم فِي مَكَاني. فَإِذا لم يكن فِي مَكَانَهُ حرجاً وَلَا محروماً فَهُوَ لَا حرج وَلَا محروم. وَزعم الْجرْمِي أَنه على معنى فأبيت وَأَنا لَا حرجٌ وَلَا محروم. قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَقد زعم بَعضهم أَنه على النَّفْي كَأَنَّهُ قَالَ: فأبيت لَا حرج وَلَا محروم بِالْمَكَانِ الَّذِي أَنا فِيهِ. وَكَلَام أبي إِسْحَاق شرحٌ لهَذَا. قَالَ أَبُو الْحسن: فَيكون فِي الْمَكَان الَّذِي أَنا) فِيهِ خَبرا عَن حرج وَالْجُمْلَة خبر أَبيت. انْتهى كَلَام النّحاس. قَالَ السيرافي: وَهَذَا التَّفْسِير أسهل لِأَن الْمَحْذُوف خبر حرج وَهُوَ ظرف وَحذف الْخَبَر فِي النَّفْي كثير كَقَوْلِنَا: لَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه أَي: لنا. وَقَوله: وَلَقَد أَبيت قَالَ صَاحب الْمِصْبَاح: بَات لَهُ مَعْنيانِ: أَحدهمَا كَمَا نقل الْأَزْهَرِي عَن الْفراء: بَات الرجل إِذا سهر اللَّيْل كُله فِي

طاعةٍ أَو مَعْصِيّة. وَثَانِيهمَا: بِمَعْنى صَار يُقَال: بَات بِموضع كَذَا أَي: صَار بِهِ سَوَاء كَانَ فِي ليل أَو نَهَار. وَعَلِيهِ قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ: فَإِنَّهُ لَا يدْرِي أَيْن باتت يَده أَي: صَارَت ووصلت. اه. وَالْمُنَاسِب هُنَا الْمَعْنى الثَّانِي. وَالرِّوَايَة فِي ديوَان الأخطل: وَلَقَد أكون. والمستقبل هُنَا فِي مَوضِع الْمَاضِي لِأَنَّهُ يُرِيد أَن يخبر عَن حَاله فِيمَا مضى وَأكْثر مَا يَجِيء هَذَا فِيمَا علم مِنْهُ ذَلِك الْفِعْل خلقا وطبعاً وَقد تكَرر ذَلِك الْفِعْل مِنْهُ وَلَا يكون كَفعل فعله فِي الدَّهْر مرّة وَاحِدَة. والفتاة: الْجَارِيَة الشَّابَّة يُرِيد أَنه كَانَ فِي شبابه تحبه الفتيات ويبيت عِنْدهن بمنزلٍ يَعْنِي بِمَنْزِلَة جميلَة. والحرج بِفَتْح الْحَاء وَكسر الرَّاء: الْمضيق عَلَيْهِ. يَقُول: إِن مَوْضِعه لم يكن مضيقاً بِهِ وَلَا هُوَ محرومٌ من جِهَتهَا مَا يُريدهُ. وَقبل هَذَا الْبَيْت: (وَلَقَد يكن إِلَيّ صوراً مرّة ... أَيَّام لون غدائري يحموم) وَالنُّون فِي يكن ضمير النِّسَاء الغواني فِي بيتٍ قبله. والصور: جمع صائرة بِمَعْنى مائلة. والغدائر: الذوائب جمع غديرة. واليحموم: الْأسود. والبيتان من قصيدةٍ ذكر فِيهَا مَا كَانَ يَفْعَله أَيَّام الشَّبَاب ثمَّ توعد جَمِيعًا وَهُوَ رجلٌ من كلب بِأَنَّهُ إِن لم يمسك لِسَانه عَنهُ هجاه وهجا قبيلته. والأخطل شاعرٌ نصرانيٌّ من شعراء الدولة الأموية. وَقد تقدّمت تَرْجَمته فِي الشَّاهِد الثَّامِن

الشَّاهِد الرَّابِع وَالْأَرْبَعُونَ بعد الأربعمائة وَهُوَ من شَوَاهِد س: (دعِي مَاذَا علمت سأتقيه ... وَلَكِن بالمغيب نبئيني) على أَن ذَا هُنَا زَائِدَة بعد مَا الموصولة. وَهَذَا مخالفٌ لكَلَام سِيبَوَيْهٍ فيهمَا فَإِن مَا عِنْده فِي الْبَيْت استفهامية وذَا اسْم مركب مَعهَا جعلا بِمَنْزِلَة شَيْء وَاحِد. وَهَذَا نَص كَلَامه: وَأما إجراؤهم ذَا مَعَ مَا بِمَنْزِلَة اسْم وَاحِد فَهُوَ قَوْلك: مَاذَا رَأَيْت فَتَقول: خيرا كَأَنَّك قلت: مَا رَأَيْت فَلَو كَانَت ذَا لَغوا لما قَالَت الْعَرَب: عَمَّا ذَا تسْأَل ولقالوا: عَم ذَا تسْأَل وَلَكنهُمْ جعلُوا مَا وذَا اسْما وَاحِدًا كَمَا جعلُوا مَا وَإِن حرفا وَاحِدًا حِين قَالُوا: إِنَّمَا. وَمثل ذَلِك: كَأَنَّمَا وحيثما فِي الْجَزَاء وَلَو كَانَ ذَا بِمَنْزِلَة الَّذِي فِي ذَا الْموضع الْبَتَّةَ لَكَانَ الْوَجْه فِي مَاذَا رَأَيْت إِذا أَرَادَ الْجَواب أَن يَقُول: خير وَقَالَ الشَّاعِر: وَسَمعنَا بعض الْعَرَب يَقُوله: (دعِي مَاذَا علمت سأتقيه ... وَلَكِن بالمغيب نبئيني) ف الَّذِي لَا يجوز فِي هَذَا الْموضع وَمَا لَا يحسن أَن تلغيها. انْتهى كَلَامه. وَقَالَ أَبُو حَيَّان فِي تَذكرته: قَالَ بَعضهم: ذَا مَعَ مَا شيءٌ وَاحِد وَمَوْضِع مَاذَا نصب ب علمت وَهِي الاستفهامية على مَا حكى سِيبَوَيْهٍ. وَحكى السيرافي أَن مَاذَا فِي الْبَيْت بِمَعْنى الَّذِي وَعلمت صلَة وحذفت الْهَاء العائدة وماذا فِي مَوضِع نصب بدعي وَالتَّقْدِير: دعِي الَّذِي علمت فَإِنِّي

سأتقيه. وَهُوَ أصح معنى مِمَّا حكى سِيبَوَيْهٍ لِأَنَّهُ جعلهَا استفهامية مَنْصُوبَة بعلمت الْوَاقِع بعْدهَا وَهُوَ فاسدٌ من طَرِيق الْمَعْنى. وَيُمكن أَن يكون مَنْصُوبًا بإضمار فعل يدل عَلَيْهِ سأتقيه كَأَنَّهُ قَالَ: دعِي كل شَيْء سأتقي مَاذَا علمت سأتقيه. اه. وَقد خَفِي على الأعلم ظُهُور كَون مَا فِي الْبَيْت استفهامية فَزعم أَنَّهَا مَوْصُولَة قَالَ: الشَّاهِد فِيهِ جعل مَاذَا اسْما وَاحِدًا بِمَنْزِلَة الَّذِي وَالْمعْنَى دعِي الَّذِي عَلمته فَإِنِّي سأتقيه لعلمي مثل الَّذِي علمت وَلَكِن نبئيني بِمَا غَابَ عني وعنك مِمَّا يَأْتِي بِهِ الدَّهْر أَي: لَا تعذليني فِيمَا أبادر بِهِ الزَّمَان من إِتْلَاف مَالِي فِي وُجُوه الفتوة وَلَا تخوفيني الْفقر. اه. وَالْمَفْهُوم من تَقْرِيره أَن التَّاء من علمت مَكْسُورَة. قَالَ النّحاس: وَهِي رِوَايَة أبي الْحسن وَأما رِوَايَة أبي إِسْحَاق فَهِيَ بِضَم التَّاء. قَالَ النّحاس: ف إِذا هُنَا لَا تكون بِمَعْنى الَّذِي لِأَنَّهُ لَا يجوز دعِي مَا الَّذِي علمت. قَالَ أَبُو إِسْحَاق: لَا يكون ذَا هُنَا إِلَّا بِمَنْزِلَة اسْم مَعَ مَا وَذَلِكَ أَنَّهَا لَا تَخْلُو من إِحْدَى ثَلَاث جِهَات: إِمَّا أَن تكون مَا صلَة وَذَا بِمَعْنى الَّذِي وَهَذَا لَا يجوز) لِأَن ذَا لَا يكون بِمَعْنى الَّذِي إِلَّا مَعَ مَا وَمن الاستفهاميتين وَكَذَا اسْتعْملت. وَإِمَّا أَن يكون مَا بِمَعْنى الَّذِي وَذَا بِمَعْنى الَّذِي فَتكون مَا مفعولة وَذَا مُبْتَدأ وَعلمت صلَة وَيبقى الْمُبْتَدَأ بِلَا خبر. فَإِن قلت: أضمر هُوَ فكأنك قلت: دعِي الَّذِي هُوَ الَّذِي علمت. فَهَذَا قَبِيح. وَهَذَا الَّذِي قَالَ سِيبَوَيْهٍ وَالَّذِي لَا يجوز فِي هَذَا الْموضع لِئَلَّا يلْزم أَن تحذف هُوَ مُنْفَصِلَة. الثَّالِث: أَن تكون مَا مَعَ ذَا بِمَنْزِلَة اسْم وَاحِد. اه.

وَلَا يخفى أَنه لم يعين معنى مَاذَا بعد هَذَا الترديد هَل هِيَ اسْتِفْهَام أَو مَوْصُول. وَذهب ابْن عُصْفُور إِلَى أَن مَا استفهامية وذَا مَوْصُولَة وَقَالَ: لَا يكون مَاذَا مَفْعُولا لدعي لِأَن الِاسْتِفْهَام لَهُ الصَّدْر. وَلَا لعَلِمت لِأَنَّهُ لم يرد أَن يستفهم عَن معلومها مَا هُوَ. وَلَا لمَحْذُوف يفسره سأتقيه لِأَن علمت حينئذٍ لَا مَحل لَهُ. بل مَا اسْتِفْهَام مُبْتَدأ وَذَا مَوْصُول خبر وَعلمت صلَة وعلق دعِي عَن الْعَمَل بالاستفهام. اه. وَلَا يخفى أَن هَذَا مبنيٌّ على رِوَايَة كسر التَّاء من علمت وَأما على رِوَايَة ضمهَا فَلَا اسْتِفْهَام إِذْ الْمَعْنى: دعِي مَا عَلمته أَنا وخبريني مَا جهلته. وَأورد عَلَيْهِ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي بعد نقل كَلَامه أَن قَوْله لم يرد أَن يستفهمها عَن معلومها لازمٌ لَهُ إِذا جعل مَاذَا مُبْتَدأ وخبراً. ودعواه تَعْلِيق دعِي مردودةٌ لِأَنَّهَا لَيست من أَفعَال الْقُلُوب فَإِن قَالَ: إِنَّمَا أردْت أَنه قدر الْموقف على دعِي فاستأنف مَا بعده رده قَول الشَّاعِر: وَلَكِن فَإِنَّهَا لَا بُد أَن يُخَالف مَا بعْدهَا مَا قبلهَا والمخالف هُنَا دعِي فَالْمَعْنى دعِي كَذَا وَلَكِن افعلي كَذَا. وعَلى هَذَا فَلَا يَصح اسْتِئْنَاف مَا بعد دعِي لِأَنَّهُ لَا يُقَال من فِي الدَّار فإنني أكْرمه وَلَكِن أَخْبرنِي عَن كَذَا. اه. وَذهب أَبُو عَليّ فِي الْمسَائِل المنثورة إِلَى أَن مَاذَا بِمَعْنى شَيْء نكرَة. قَالَ: وَلَا يجوز أَن أجعَل ذَا فِي تَأْوِيل الَّذِي لِأَنَّهَا لم تجىء فِي تَأْوِيل الَّذِي إِلَّا فِي الِاسْتِفْهَام. وَهَا هُنَا لَيْسَ معنى اسْتِفْهَام وَلَكِن معنى مَا وذَا بِمَعْنى شَيْء فَيكون بِمَعْنى اسْم وَاحِد فَيكون تَقْدِيره: دعِي شَيْئا علمت وَيكون علمت

صفة لماذا. وَالشَّاهِد على هَذَا القَوْل أَن مَا وَذَا إِنَّمَا جَاءَت بِمَعْنى شَيْء وَاحِد فِي الِاسْتِفْهَام والاستفهام نكرَة وَهِي هَا هُنَا أَيْضا مُبْهمَة فحملتها على النكرَة الَّتِي جَاءَت فِي الِاسْتِفْهَام. اه. وَعلمت هُنَا بِمَعْنى عرفت وَلِهَذَا تعدى إِلَى مفعول وَاحِد. والنبأ: الْخَبَر. وَالْبَيْت من أَبْيَات سِيبَوَيْهٍ الْخمسين الَّتِي مَا عرف قَائِلهَا وَالله أعلم بِهِ. وَزعم الْعَيْنِيّ وَتَبعهُ السُّيُوطِيّ فِي شرح شَوَاهِد الْمُغنِي أَنه من قصيدة للمثقب الْعَبْدي مطْلعهَا: (أفاطم قبل بَيْنك متعيني ... ومنعك مَا سَأَلت كَأَن تبيني)) وَهَذَا لَا أصل لَهُ وَإِن كَانَ الروي وَالْوَزْن شَيْئا وَاحِدًا فَإِن قصيدة المثقب الْعَبْدي قد رَوَاهَا جماعةٌ مِنْهُم الْمفضل الضَّبِّيّ فِي المفضليات وَمِنْهُم أَبُو عَليّ القالي فِي أَمَالِيهِ وَفِي ذيل أَمَالِيهِ وَلم يُوجد الْبَيْت فِيهَا وَلم يعزه إِلَيْهِ أحدٌ من خدمَة كتاب سِيبَوَيْهٍ وهم أدرى بِهَذِهِ الْأُمُور. وَالله أعلم. وَأنْشد بعده الشَّاهِد الْخَامِس وَالْأَرْبَعُونَ بعد الأربعمائة وهم من شَوَاهِد س:

على أَن مَا مُبْتَدأ وذَا زَائِدَة وَجُمْلَة يحاول خبر الْمُبْتَدَأ والرابط مَحْذُوف أَي: يحاوله. وَهَذَا مخالفٌ لسيبويه وَمن تبعه فَإِن جعل ذَا هُنَا مَوْصُولَة وَهَذَا نَصه: أما إجراؤهم ذَا بِمَنْزِلَة الَّذِي فَهُوَ قَوْلهم: مَاذَا رَأَيْت فَيَقُول: متاعٌ حسن. وَقَالَ لبيد: أَلا تَسْأَلَانِ الْمَرْء مَاذَا يحاول ... ... ... ... . الْبَيْت قَالَ الأعلم وَابْن السيرافي: التَّقْدِير: مَا الَّذِي يحاول ف مَا: مُبْتَدأ وذَا خَبره ويحاول: صلَة ذَا كَأَنَّهُ قَالَ: أَي شَيْء الَّذِي يحاوله بِدَلِيل قَوْله: أنحبٌ. وَلَو كَانَ ذَا مَعَ مَا كشيء وَاحِد لَكَانَ مَاذَا مَنْصُوبًا بيحاول وَكَانَ مفسره الَّذِي هُوَ نحبٌ مَنْصُوبًا لِأَنَّهُ اسْتِفْهَام مُفَسّر للاستفهام الأول فَهُوَ على إعرابه ولوجب أَن يُقَال: أنحباً فَيقْضى أم ضلالا وباطلاً. اه. وَكَذَلِكَ قَالَ أَبُو عَليّ فِي إِيضَاح الشّعْر كَأَنَّهُ قَالَ: مَا الَّذِي يحاوله أألذي يحاوله نحبٌ أم ضلال وَلَو كَانَ ذَا مَعَ مَا فِي الْبَيْت اسْما وَاحِدًا كَمَا كَانَ فِي قَوْله تَعَالَى: مَاذَا أنزل ربكُم قَالُوا خيرا لَكَانَ النحب نصبا. اه. وَنقل النّحاس عَن ابْن كيسَان أَنه قَالَ هُنَا: إِن شِئْت جعلت مَا وذَا شَيْئا وَاحِدًا لِأَن مَا تكون لكل الْأَشْيَاء وذَا كَذَلِك فوافقتها فِي الْإِبْهَام فقرتنا. وَالَّذِي أخْتَار إِذا جعلا شَيْئا وَاحِدًا أَن يكون ذَا صفة لما. انْتهى.

وَكَذَلِكَ قَالَ الدماميني فِي الْحَاشِيَة الْهِنْدِيَّة: كَون ذَا مَوْصُولا لَا يتَعَيَّن لاحْتِمَال أَن يكون مَاذَا كُله اسْما وَاحِدًا مَرْفُوعا على أَنه مُبْتَدأ ويحاول خَبره والرابط مَحْذُوف أَي: يحاوله. وَمثله فِي الشّعْر جَائِز. ونحبٌ بدل من الْمُبْتَدَأ وَيحْتَمل أَن يكون مَاذَا كُله فِي مَحل نصب على أَنه مفعول يحاول ولَا ضمير محذوفاً. فَإِن قلت: يُبطلهُ رفع الْبَدَل. قلت: لَا يكون نحب حينئذٍ بَدَلا بل يكون خبر مُبْتَدأ مُضْمر. اه. أَقُول أما النصب فقد جوزه الْفراء فِي تَفْسِيره عِنْد قَوْله تَعَالَى: ويسألونك مَاذَا يُنْفقُونَ قل الْعَفو قَالَ: تجْعَل مَا فِي مَوضِع نصب وتوقع عَلَيْهَا يُنْفقُونَ وَلَا تنصبها بيسألونك. وَإِن شِئْت رفعتها من وَجْهَيْن: أَحدهمَا أَن تجْعَل ذَا اسْما) يرفع مَا كَأَنَّك قلت: مَا الَّذِي يُنْفقُونَ. وَالْعرب قد تذْهب بِهَذَا وَذَا إِلَى معنى الَّذِي. وَالرَّفْع الآخر: أَن تجْعَل كل اسْتِفْهَام أوقعت عَلَيْهِ فعلا بعده رفعا لَا يجوز تَقْدِيمه قبل الِاسْتِفْهَام فجعلوه بِمَنْزِلَة الَّذِي إِذْ لم يعْمل فِيهَا الْفِعْل الَّذِي بعْدهَا. فَإِذا نَوَيْت ذَلِك رفعت الْعَفو كَذَلِك كَمَا قَالَ الشَّاعِر: أَلا تَسْأَلَانِ الْمَرْء مَاذَا يحاول ... ... ... ... . الْبَيْت رفع النحب لِأَنَّهُ نوى أَن يَجْعَل مَا فِي مَوضِع رفع وَلَو قَالَ: أنحباً فَيقْضى أم ضلالا وباطلاً كَأَن أبين فِي كَلَام الْعَرَب وَأكْثر. اه. وَأما جعل نحبٌ خبر مُبْتَدأ فقد نَقله ابْن هِشَام اللَّخْمِيّ فِي شَوَاهِد

الْجمل وَقواهُ. قَالَ: نحب بدل من مَا وَقيل: إِن نحبا خبر مُبْتَدأ مُضْمر وَالتَّقْدِير: أهوَ نحب والمبتدأ وَالْخَبَر بدل من مَوضِع مَاذَا. وَهَذَا أقوى لِأَنَّهُ أبدل جملَة من جملَة لما كَانَت فِي مَعْنَاهَا. اه. وَمثله لِابْنِ السَّيِّد فِي شرح شَوَاهِد الْجمل قَالَ: من اعْتقد فِي نحب الْبَدَل فموضع مَا رفع على كل حَال وَمن اعْتقد أَن قَوْله أنحب مُرْتَفع على خبر مُبْتَدأ مُضْمر كَأَنَّهُ قَالَ: أهوَ نحب جَازَ أَن تكون مَا مَرْفُوعَة الْمحل وَجَاز أَن تكون مَنْصُوبَة الْموضع. اه. وَقَالَ ابْن المستوفي فِي شرح أَبْيَات الْمفصل: إِذا كَانَ ذَا بِمَعْنى الَّذِي فَفِيهِ وُجُوه: أَحدهمَا: أَن يكون خبر مَا وَأَن يكون بَدَلا مِنْهَا وَأَن يكون خَبرا لمبتدأ مَحْذُوف تَقْدِيره: مَا هُوَ الَّذِي يحاول. اه. أَقُول: أما الثَّانِي فَبَاطِل لِأَنَّهُ لَو كَانَ كَذَلِك لوَجَبَ أَن قترن مَعَ الْبَدَل اسْتِفْهَام كَمَا اقْترن بقوله: نحب على تَقْدِير كَونه بَدَلا من مَا. وَأما الثَّالِث فَلَا يجوز لعدم الْقَرِينَة على الْحَذف. وَبَقِي عَلَيْهِ أَن يَقُول: مَا خبر مقدم وذَا مُبْتَدأ مُؤخر كَمَا اخْتلفُوا فِي قَوْلهم: كم مَالك. وَقَوله: أَلا تَسْأَلَانِ إِلَخ أَلا: كلمة يستفتح بهَا الْكَلَام وَمَعْنَاهُ التَّنْبِيه. وتسألان خطابٌ لصاحبين لَهُ وَقيل: إِنَّمَا هُوَ خطابٌ لوَاحِد. وَزعم بَعضهم أَن الْعَرَب تخاطب الْوَاحِد بخطاب الِاثْنَيْنِ. وَحكي عَن بعض الفصحاء وَهُوَ الْحجَّاج: يَا حرسي اضربا عُنُقه وَزَعَمُوا أَن قَوْله تَعَالَى: ألقيا فِي جَهَنَّم كل كفارٍ عنيد أَنه خطاب للْملك. وَهَذَا شيءٌ يُنكره حذاق

الْبَصرِيين لِأَنَّهُ إِذا خَاطب الْوَاحِد بخطاب الِاثْنَيْنِ وَقع اللّبْس. وَذهب الْمبرد إِلَى أَن التَّثْنِيَة على التوكيد تُؤدِّي عَن معنى ألق ألق. وَخَالفهُ أَبُو إِسْحَاق بِأَنَّهُ فِي كُله خطابٌ لاثْنَيْنِ وَهُوَ الظَّاهِر هُنَا وَالسُّؤَال هُنَا بِمَعْنى الِاسْتِفْهَام يُقَال: سَأَلته عَن كَذَا فَهُوَ يتَعَدَّى إِلَى المسؤول مِنْهُ بِنَفسِهِ وَإِلَى المسؤول عَنهُ بِحرف عَن فجملة مَاذَا يحاول فِي مَوضِع الْمَفْعُول الثَّانِي الْمُقَيد ب عَن الْمُعَلق عَن الْعَمَل بالاستفهام. والمحاولة:) اسْتِعْمَال الْحِيلَة وَهِي الحذق فِي تَدْبِير الْأُمُور وَهُوَ تقليب الْفِكر حَتَّى يَهْتَدِي إِلَى الْمَقْصُود. وَالْحِيلَة أَصْلهَا حولة إِن قلبت الْوَاو يَاء لانكسار مَا قبلهَا. وَلَام الْمَرْء للْعهد الذهْنِي نَحْو: إِذْ هما فِي الْغَار. أَي: سلا الْإِنْسَان السَّاعِي فِي تَحْصِيل الدُّنْيَا. وَقيل اللَّام للْجِنْس لَا يَعْنِي امْرأ معينا. وَقَالَ ابْن المستوفي: يَعْنِي بِالْمَرْءِ نَفسه وَالنَّاس فِيهِ سَوَاء. والنحب: بِفَتْح النُّون وَسُكُون الْمُهْملَة هـ معَان المُرَاد هُنَا النّذر وَهُوَ مَا ينذره الْإِنْسَان على نَفسه وَيُوجب عَلَيْهَا فعله على كل حَال. يَقُول اسألوا هَذَا الْحَرِيص على الدُّنْيَا عَن هَذَا الَّذِي هُوَ فِيهِ أهوَ نذرٌ نَذره على نَفسه فَرَأى أَنه لابد من فعله أم هُوَ ضلال وباطل عَن أمره. وَقَوله: فَيقْضى رُوِيَ بِالْبِنَاءِ للْفَاعِل وبالبناء للْمَفْعُول وَعَلَيْهِمَا الْجُمْلَة خبر لمبتدأ مَحْذُوف أَي: هُوَ يقْضِي. وَهَذَا الْمُبْتَدَأ ضمير الْمَرْء على الرِّوَايَة الأولى وَضمير النحب على الرِّوَايَة الثَّانِيَة. وَالْفَاء هُنَا للاستئناف كَقَوْلِه: يُرِيد أَن يعربه فيعجمه وقصره بَعضهم على الرِّوَايَة الثَّانِيَة فَقَالَ: هُوَ فِي مَوضِع نصب على أَنه جَوَاب الِاسْتِفْهَام وَلَيْسَ بمعطوف على يحاول.

وَقد سَهَا الْعَيْنِيّ هُنَا سَهوا فَاحِشا فَزعم أَن جملَة يقْضِي فِي مَحل رفع صفة ل نحب. وَيجوز أَن تكون فِي مَحل نصب على تَقْدِير انتصاب النحب. اه. فَإِن الْفَاء مانعةٌ من الوصفية وَكَأَنَّهُ قاسها على وَاو اللصوق. وَالْبَيْت أول قصيدة للبيد العامري الصَّحَابِيّ وَتَقَدَّمت تَرْجَمته مَعَ شرح أبياتٍ مِنْهَا فِي الشَّاهِد الثَّالِث وَالْعِشْرين بعد الْمِائَة. وَأنْشد بعده الشَّاهِد السَّادِس وَالْأَرْبَعُونَ بعد الأربعمائة (وماذا عَسى الواشون أَن يتحدثوا ... سوى أَن يَقُولُوا: إِنَّنِي لَك عاشق) على أَن ذَا قيل إِنَّهَا زَائِدَة لَا مَوْصُولَة. وَذهب ابْن جني فِي إِعْرَاب الحماسة عِنْد قَول المعلوط السَّعْدِيّ: (غيضن من عبراتهن وقلن لي ... مَاذَا لقِيت من الْهوى ولقينا)

إِلَى أَن مَاذَا فِيهِ مركبة بِمَعْنى الْمصدر مُبْتَدأ أَي: تحديث وَجُمْلَة عَسى خَبره. وَلم يلْتَفت إِلَى إنشائيته لوروده فِي الْخَبَر إِمَّا لِأَنَّهُ بِتَقْدِير قَول مَحْذُوف كَمَا هُوَ مَذْهَب الْجُمْهُور وَإِمَّا بِدُونِهِ كَمَا هُوَ مَذْهَب الْبَعْض. وَهَذِه عِبَارَته: لَا سَبِيل إِلَى أَن تنصب مَاذَا على أَنَّهُمَا اسْم وَاحِد بيتحدثوا لِأَنَّهُ فِي صلَة أَن فيجرى هَذَا فِي امْتنَاع مَا بعد أَن من الْمَوْصُول إِلَيْهِ مجْرى ذكرٌ من قَوْلك: أذكرٌ أَن تَلد نَاقَتك أحب إِلَيْك أم أُنْثَى وماذا هُنَا بِمَعْنى الْمصدر فترفعه بِالِابْتِدَاءِ وتضمر لَهُ عَائِدًا كَقَوْلِك: أَي قيام عَسى زيد أَن يَقُول وَأَنت تُرِيدُ يقومه فتحذف الْهَاء وترفع الأول مُضْطَرّا إِلَى رَفعه إِذْ لَا سَبِيل إِلَى نَصبه. ويضعف أَن تكون ذَا بِمَنْزِلَة الَّذِي وَذَلِكَ لما تصير إِلَيْهِ مَا وصل الَّذِي بعسى. وَفِيه ذهابٌ عَن الْبَيَان والإيضاح بالصلة. فَإِن قلت: فقد قَالَ الفرزدق: (وَإِنِّي لرامٍ نظرةً قبل الَّتِي ... لعَلي وَإِن شطت نَوَاهَا أزورها) فَإِن أَبَا عليٍّ يتَأَوَّل هَذَا ويتناوله على الْحِكَايَة حَتَّى كَأَنَّهُ قَالَ: قبل الَّتِي يُقَال فِيهَا: لعَلي. وَبَاب الْحِكَايَة طريقٌ مهيع يتَقَبَّل فِيهِ كل تَأَول وَمَا أشبهه إِلَّا بالمنام أَو حَدِيث الْبَحْر الَّذِي انطوت النُّفُوس على تقبل مَا يعرض فِيهِ وَترك التناكر لشَيْء يرد عَنهُ. اه مُخْتَصرا.

وَالْبَيْت أوردهُ أَبُو تَمام فِي الحماسة وَبعده بيتٌ ثَان ونسبهما لجميل العذري وَهُوَ: (نعم صدق الواشون أَنْت كريمةٌ ... علينا وَإِن لم تصف مِنْك الْخَلَائق) يَقُول: الواشون لَا يقدرُونَ فِي وشايتهم على أَكثر مِمَّا أَن يَقُولُوا: إِنَّنِي لَك عاشق. ثمَّ أوجب بقوله: نعم. فَكَأَنَّهُ قَالَ: قد صدقُوا فِيمَا ادعوهُ أَنْت تكرمين علينا وَإِن لم نصادف من أخلاقك صفاء. والواشي: النمام الَّذِي يحسن الْكَلَام ويزوقه للإفساد بَين اثْنَيْنِ من الوشي وَهُوَ التزيين. وروى: وامق بدل عاشق وَهُوَ بِمَعْنَاهُ. وروى: حَبِيبَة إِلَيّ بدل كَرِيمَة علينا. وَهُوَ مُنَاسِب. وترجمة جميل العذري تقدّمت فِي الشَّاهِد الثَّانِي وَالسِّتِّينَ. وَقد روى صَاحب الأغاني هذَيْن الْبَيْتَيْنِ من جملَة أبياتٍ لمَجْنُون بني عَامر وَهُوَ قيس بن الملوح الْمَشْهُور بمجنون ليلى. روى بِسَنَدِهِ) عَن الْهَيْثَم بن عدي أَن رَهْط الْمَجْنُون اجتازوا فِي نجعةٍ لَهُم بحب ليلى فَرَأى أَبْيَات أَهلهَا وَلم يقدر على الْإِلْمَام بهم وَعدل أَهله إِلَى وجهة أُخْرَى فَقَالَ الْمَجْنُون: (لعمرك إِن الْبَيْت بالقبل الَّذِي ... مَرَرْت وَلم ألمم عَلَيْهِم لشائق) (كَأَنِّي إِذا لم ألق ليلى معلقٌ ... بسبين أهفو بَين سهلٍ وحالق) ...

(على أنني لَو شِئْت هَاجَتْ صبابتي ... عَليّ رسومٌ عي مِنْهَا المناطق) (لعمرك إِن الْحبّ يَا أم مَالك ... بقلبي يراني الله مِنْك للاصق) وماذا عَسى الواشون ... ... ... إِلَى آخر الْبَيْتَيْنِ وَكَذَلِكَ نسبهما ابْن نباتة الْمصْرِيّ فِي شرح رِسَالَة ابْن زيدون إِلَى الْمَجْنُون إِلَّا أَنه أورد بعدهمَا بَيْتَيْنِ آخَرين وهما: (كَأَن على أنيابها الْخمر شجها ... بِمَاء سحابٍ آخر اللَّيْل غابق) (وَمَا ذقته إِلَّا بعيني تفرساً ... كَمَا شيم فِي أَعلَى السحابة بارق) وترجمة الْمَجْنُون قد تقدّمت فِي الشَّاهِد التسعين بعد الْمِائَتَيْنِ. وَأنْشد بعده: (وَإِنِّي لرامٍ نظرةً قبل الَّتِي ... لعَلي وَإِن شطت نَوَاهَا أزورها) على أَن جملَة لعَلي إِلَخ مقولة بقول مَحْذُوف وَهُوَ الصِّلَة أَي: قبل الَّتِي أَقُول لعَلي إِلَخ. وَقد تقدم الْكَلَام عَلَيْهِ مفصلا فِي أول الْبَاب فِي الشَّاهِد الْخَامِس عشر بعد الأربعمائة.

وَأنْشد بعده الشَّاهِد السَّابِع وَالْأَرْبَعُونَ بعد الأربعمائة (من اللواتي وَالَّتِي واللاتي ... زعمن أَنِّي كَبرت لداتي) على أَن جملَة زعمن إِلَخ صلَة الْمَوْصُول الْأَخير وصلَة كلٍّ من الموصولين الْأَوَّلين محذوفة للدلالة عَلَيْهَا بصلَة الثَّالِث وَالتَّقْدِير: من اللواتي زعمن وَمن النِّسَاء الَّتِي زعمن. وَيجوز أَن تكون صلَة للموصولات الثَّلَاثَة لِاتِّحَاد مدلولها وَلَا يجوز أَن تكون صلَة للثَّانِي فَقَط هَذَا تَقْرِير كَلَام الشَّارِح الْمُحَقق وَأما غَيره فقد جعل الصِّلَة للموصول الْأَخير فَقَط وصلَة كلٍّ مِمَّا قبله محذوفة مِنْهُم ابْن الشجري فِي أَمَالِيهِ قَالَ: أنْشد الْمبرد فِي المقتضب: (بعد اللتيا واللتيا وَالَّتِي ... إِذا علتها أنفسٌ تردت) لم يَأْتِ للموصولين الْأَوَّلين بصلَة لِأَن صلَة الْمَوْصُول الثَّالِث دلّت على مَا أَرَادَ. وَمثله: من اللواتي وَالَّتِي واللاتي ... ... ... ... ... الْبَيْت) وصل اللَّاتِي وَحذف صلَة اللواتي وَالَّتِي للدلالة عَلَيْهَا.

وَمِمَّا حذف مِنْهُ صلَة موصولين فَلم يُؤْت فِيهِ بصلَة قَول سلمي بن ربيعَة السيدي: (وَلَقَد رأبت ثأى الْعَشِيرَة بَينهَا ... وكفيت جَانبهَا اللتيا وَالَّتِي) أَرَادَ اللتيا وَالَّتِي تَأتي على النُّفُوس لِأَن تَأْنِيث اللتيا وَالَّتِي هَا هُنَا إِنَّمَا هُوَ لتأنيث الداهية. أَلا ترى إِلَى قَوْله: بعد اللتيا واللتيا وَالَّتِي وتردت: تفعلت من الردى مصدر ردي يردى إِذا هلك أَو من التردي الَّذِي هُوَ السُّقُوط من علوٍّ. حذف الصِّلَة من هَذَا الضَّرْب من الموصولات إِنَّمَا هُوَ لتعظيم الْأَمر وتفخيمه. وَقد جَاءَ التصغير فِي كَلَامهم للتعظيم كَقَوْلِه: دويهيةٌ تصفر مِنْهَا الأنامل أَرَادَ بالدويهية الْمَوْت وَلَا داهية أعظم مِنْهَا فتحقير اللتيا هَا هُنَا للتعظيم. والرأب: الْإِصْلَاح. والثأى بِفَتْح الْمُثَلَّثَة والهمزة وَبعدهَا ألف تكْتب يَاء: الْفساد. والظرف مُتَعَلق بالثأى أَي: أصلحت مَا فسد بَينهَا. اه. وَإِنَّمَا نقلته هُنَا بِتَمَامِهِ لِأَنَّهُ كالشرح لما سَيَأْتِي قَرِيبا.

وَمِنْهُم أَبُو عَليّ قَالَ فِي إِيضَاح الشّعْر عِنْد قَول الشَّاعِر وَتقدم شَرحه: من النَّفر اللاء الَّذين إِذا هم ... ... ... . الْبَيْت الْمُتَقَدّم يجوز أَن يكون حذف صلَة الأول لِأَن صلَة الْمَوْصُول الَّذِي بعده تدل عَلَيْهَا كَقَوْل الآخر: من اللواتي وَالَّتِي واللاتي ... ... ... ... . الْبَيْت فَلم يَأْتِ للموصولين الْأَوَّلين بصلَة. اه. وَقَوله: من اللواتي حرف الْجَرّ مُتَعَلق بِمَا قبل الْبَيْت. واللواتي واللاتي كِلَاهُمَا جمع الَّتِي. وَكَبرت من الْكبر فِي السن وَقد كبر الرجل بِكَسْر الْبَاء يكبر بِفَتْحِهَا كبرا بِكَسْر الْكَاف وَفتح الْبَاء. وروى صَاحب الصِّحَاح: زَعمنَا أَن قد كَبرت لداتي ولداتي: جمع لِدَة ولدة الرجل: تربه الَّذِي ولد مَعَه قَرِيبا وَالْهَاء عوض من الْوَاو الذاهبة فِي أَوله لِأَنَّهُ من الْولادَة وَيجمع على لدوّنَ أَيْضا. والزعم يُطلق على القَوْل وَالظَّن قَالَ الْأَزْهَرِي: وَأكْثر مَا يكون الزَّعْم فِيمَا يشك فِيهِ وَلَا يتَحَقَّق. وَقَالَ بَعضهم: هُوَ كنايةٌ عَن الْكَذِب. وَقَالَ المرزوقي: أَكثر مَا يسْتَعْمل فِيمَا كَانَ بَاطِلا أَو فِيهِ ارتياب. وَالْبَيْت لَا أعرف مَا قبله وَلَا قَائِله مَعَ كَثْرَة وجوده فِي كتب النَّحْو. وَالله أعلم.

وَأنْشد بعده الشَّاهِد الثَّامِن وَالْأَرْبَعُونَ بعد الأربعمائة (فَإِن أدع اللواتي من أناسٍ ... أضاعوهن لَا أدع الذينا) قَالَ أَبُو عَليّ الْفَارِسِي فِي إِيضَاح الشّعْر: أنْشدهُ أَحْمد بن يحيى ثَعْلَب وَقَالَ: يَقُول: فَإِن أدع النساءاللاتي أَوْلَادهنَّ من رجال قد أضاعوا هَؤُلَاءِ النِّسَاء. أَي: لَا أهجو النِّسَاء وَلَكِن أهجو الرِّجَال الَّذين لم يمنعوهن. فعلى تَفْسِيره يَنْبَغِي أَن يكون الْمُبْتَدَأ مضمراً فِي الصِّلَة كَأَنَّهُ قَالَ: فَإِن أدع اللواتي أَوْلَادهنَّ من أنَاس أضاعوهن فَلَنْ يحموهن كَمَا تَحْمِي البعولة أزواجها فَلَا أدع الَّذين. وَالتَّقْدِير: إِن أدع هجو هَؤُلَاءِ النِّسَاء الضِّعَاف لَا أدع هجو الرِّجَال المضيعين وذمهم على فعلهم. فالمضاف مَحْذُوف فِي الْمَوْضِعَيْنِ. وَتَقْدِير حذف الْمُبْتَدَأ غير ممتنعٍ هُنَا وَقد حذف الْمُبْتَدَأ من الصِّلَة نَحْو قَول عدي: أَي: مَا هُوَ عواقبها فَحذف. وَكَذَلِكَ يُمكن أَن يكون قَوْله: أَلا ليتما هَذَا الْحمام لنا وَقد يَسْتَقِيم أَن تكون الصِّلَة من أنَاس فَتكون مُسْتَقلَّة. وَإِن لم تقدر حذف الْمُبْتَدَأ فَيكون التَّقْدِير على أحد أَمريْن: إِمَّا أَن يكون اللواتي من نسَاء أنَاس فَحذف الْمُضَاف أَو يكون اللواتي من أناسٍ على ظَاهره لَا تقدر فِيهِ

حذفا فَيكون معنى قَوْله من النِّسَاء هن من أنَاس على معنى أَنهم يقومُونَ بِهن وبالإنفاق عَلَيْهِنَّ. وَأما صلَة الَّذين فمحذوفٌ من اللَّفْظ للدلالة عَلَيْهَا فِيمَا جرى من ذكرهَا تَقْدِيره: الَّذين أضاعهن. اه. وَأوردهُ أَبُو عبيد الْقَاسِم بن سَلام فِي أَمْثَاله وَقَالَ: الَّذين هَا هُنَا لَا صلَة لَهَا. وَالْمعْنَى: إِن أدع ذكر النِّسَاء فَلَا أدع الَّذين يُرِيد الرِّجَال أَي: إِنِّي إِن تركت شتم النِّسَاء فَلَا أترك شتم الرِّجَال. اه. وَأوردهُ أَبُو بكر بن السراج أَيْضا فِي أُصُوله قَالَ: إِن الْكُوفِيّين يَقُولُونَ: إِن الْعَرَب إِذا جعلت الَّذِي وَالَّتِي لمجهولٍ مُذَكّر أَو مؤنث تَرَكُوهُ بِلَا صلَة نَحْو قَول الشَّاعِر: فَإِن أدع اللواتي من أناسٍ ... ... ... ... . . الْبَيْت وَلَا أدع جَوَاب الشَّرْط وَلِهَذَا جزم وكسرة الْعين لدفع التقاء الساكنين. وَهَذَا الْبَيْت من قصيدة طَوِيلَة للكميت بن زيد هجا بهَا قحطان أَعنِي قبائل الْيمن تعصباً لمضر. وَتقدم سَبَب هجوه لأهل الْيمن بِهَذِهِ القصيدة فِي الشَّاهِد الرَّابِع وَالْعِشْرين. وَتقدم أَيْضا بعضٌ من هَذِه القصيدة مَعَ

الشَّاهِد التَّاسِع وَالْأَرْبَعُونَ بعد الأربعمائة دويهية تصفر مِنْهَا الأنامل على أَن تَصْغِير دويهية للتعظيم فَإِنَّهُ أَرَادَ بهَا الْمَوْت وَلَا داهية أعظم مِنْهَا والتصغير غير مُنَاسِب لذكر الْمَوْت. وَالدَّلِيل على أَنه أَرَادَ بهَا الْمَوْت كَقَوْلِه: تصفر مِنْهَا الأنامل. وَالْمرَاد من الأنامل الْأَظْفَار فَإِن صفرتها لَا تكون إِلَّا بِالْمَوْتِ. وَقَالَ الطوسي فِي شرح ديوَان لبيد: إِذا مَاتَ الرجل أَو قتل اصْفَرَّتْ أنامله واسودت أظافره. وَلم يرتضه الشَّارِح الْمُحَقق فِي شرح الشافية فَإِنَّهُ قَالَ: قيل مَجِيء التصغير للتعظيم فَيكون من بَاب الْكِنَايَة يكنى بالصغر عَن بُلُوغ الْغَايَة فِي الْعظم لِأَن الشَّيْء إِذا جَاوز حَده جانس ضِدّه. وقريبٌ مِنْهُ قَول الشَّاعِر: (وكل أناسٍ سَوف تدخل بَينهم ... دويهيةٌ تصفر مِنْهَا الأنامل) ورد بِأَن تصغيرها على حسب احتقار النَّاس لَهَا وتهاونهم بهَا إِذْ المُرَاد بهَا الْمَوْت أَي: يجيئهم مَا يحتقرونه مَعَ أَنه عَظِيم فِي نَفسه تصفر مِنْهُ الأنامل. وَاسْتدلَّ أَيْضا بقوله: (فويق جبيلٍ سامق الرَّأْس لم تكن ... لتبلغه حَتَّى تكل متعملا)

. ورد بتجويز كَون المُرَاد دقة الْجَبَل وَإِن كَانَ طَويلا وَإِذا كَانَ كَذَا فَهُوَ أَشد لصعوده. اه. وَكَذَلِكَ الجاربردي لم يرتضه وأوله بِوَجْهَيْنِ: أَحدهمَا: أَن التصغير فِيهِ لتقليل الْمدَّة. وَثَانِيهمَا: بِأَن المُرَاد أَن أَصْغَر الْأَشْيَاء قد يفْسد الْأُمُور العظائم فحتف النُّفُوس قد يكون بِالْأَمر الصَّغِير الَّذِي لَا يؤبد بِهِ. وَقَالَ الفالي فِي شرح اللّبَاب: هَذَا على الْعَكْس كتسمية اللديغ سليما ونظائره إطلاقاً لاسم الضِّدّ على الضِّدّ. وَقد أوردهُ الْمرَادِي فِي شرح الألفية بِأَن الْكُوفِيّين استدلوا بِهِ على مَجِيء التصغير للتعظيم. وأنشده ابْن هِشَام فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع من الْمُغنِي فِي أم وَفِي رب وَفِي كل وَفِي حذف الصِّلَة من الْبَاب الْخَامِس. والداهية: مُصِيبَة الدَّهْر مُشْتَقَّة من الدهي بِفَتْح الدَّال وَسُكُون الْهَاء وَهُوَ النكر فَإِن كل أحد ينكرها وَلَا يقبلهَا. ودهاه الْأَمر يدهاه إِذا أَصَابَهُ بمكروه. وَرَوَاهُ ابْن دُرَيْد فِي الجمهرة: خويجية تصفر مِنْهَا الأنامل وَقَالَ: الخويجية: الداهية وَهِي بخاءين معجمتين: مصغر الخوخة بِالْفَتْح وَهِي الْبَاب الصَّغِير.

وَرَوَاهَا الطوسي أَيْضا عَن أبي عمرٍ ووَقَالَ: يَقُول: ينفتح عَلَيْهِم بابٌ يدْخل مِنْهُ الشَّرّ. وسوف: هُنَا للتحقيق والتأكيد. وَالْبَيْت من قصيدة للبيد بن ربيعَة الصَّحَابِيّ وَتَقَدَّمت تَرْجَمته مَعَ شرح أَبْيَات مِنْهَا فِي الشَّاهِد الثَّالِث وَالْعِشْرين بعد الْمِائَة. وَأنْشد بعده) الشَّاهِد الموفى الْخمسين بعد الأربعمائة قَول المتنبي: بئس اللَّيَالِي سهدت من طربي شوقاً إِلَى من يبيت يرقدها على أَنه يخرج بِحَذْف الْمَوْصُول وَالتَّقْدِير: بئس اللَّيَالِي الَّتِي سهدت قِيَاسا على تَخْرِيج الْكُوفِيّين قَوْله تَعَالَى: وَمَا منا إِلَّا لَهُ مقامٌ معلومٌ أَي: إِلَّا من لَهُ مقَام فَإِن الْمَوْصُول يجوز حذفه عِنْدهم. وَقد ارْتَضَاهُ الْمُحَقق. وَأَشَارَ إِلَيْهِ الواحدي فِي شَرحه بقوله: يُرِيد اللَّيَالِي الَّتِي لم ينم فِيهَا لما أَخذه من القلق وخفة الشوق إِلَى الحبيب الَّذِي كَانَ يرقد تِلْكَ اللَّيَالِي.

وخرجه ابْن الشجري فِي أَمَالِيهِ على حذف الْمَوْصُوف أَي: ليالٍ سهدت. وَهَذَا خَاص بالشعر لِأَن الْمَوْصُوف بِالْجُمْلَةِ أَو الظّرْف إِنَّمَا يجوز حذفه إِذا كَانَ بَعْضًا مِنْهُ مجرور ب من أَو فِي. قَالَ ابْن الشجري: وَمِمَّا أهمل مفسرو شعر أبي الطّيب المتنبي تعريبه قَوْله: بئس اللَّيَالِي سهدت من طربي ... ... ... ... . الْبَيْت يتَوَجَّه فِيهِ السُّؤَال عَن الْمَقْصُود فِيهِ بالذم وَمَا مَوضِع من طربي من الْإِعْرَاب وَمَا الَّذِي نصب شوقاً وَكم وَجها فِي نَصبه وَبِمَ يتَعَلَّق إِلَى وَكم حذفا فِي الْبَيْت فَأَما الْمَقْصُود بالذم فمحذوف وَهُوَ نكرةٌ مَوْصُوفَة ب سهدت والعائد إِلَيْهِ من صفته محذوفٌ أَيْضا فالتقدير: لَيَال سهدت فِيهَا. وَنَظِير هَذَا الْحَذف فِي قَوْله تَعَالَى: وَمن آيَاته يريكم الْبَرْق. التَّقْدِير: آيةٌ يريكم الْبَرْق فِيهَا. وَجَاء فِي الشّعْر حذف النكرَة المجرورة الموصوفة بِالْجُمْلَةِ فِي قَوْله: أَرَادَ: بكفي رجل فَحذف رجلا وَهُوَ ينويه. وقله: من طربي مفعول لَهُ وَمن بِمَعْنى اللَّام وشوقاً يحْتَمل أَن يكون مَفْعُولا من أَجله عمل فِيهِ طربي فَيكون الشوق عِلّة للطرب. والطرب عِلّة للسهاد. وَلَا يعْمل سهدت فِي شوقاً لِأَنَّهُ قد يتَعَدَّى إِلَى علةٍ فَلَا يتَعَدَّى إِلَى أُخْرَى إِلَّا بعاطف

كَقَوْلِك: سهدت طَربا وشوقاً. وَيحْتَمل أَن ينْتَصب شوقاً انتصاب الْمصدر كَأَنَّهُ قَالَ: شقَّتْ شوقاً أَو شاقني التَّذَكُّر شوقاً. وَشقت بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول كَقَوْل الْمَمْلُوك: قد بِعْت أَي: بَاعَنِي مالكي. فَأَما إِلَى فَالْوَجْه أَن تعلقهَا بالشوق لِأَنَّهُ أقرب الْمَذْكُورين إِلَيْهَا وَإِن شِئْت علقتها بالطرب وَذَلِكَ إِذا نصبت شوقاً بطربي. فَإِن نصبته على الْمصدر امْتنع تَعْلِيق إِلَى بطربي لِأَنَّك حينئذٍ تفصل شوقاً وَهُوَ أجنبيٌّ بَين الطَّرب وصلته. وَكَانَ الْوَجْه فِي يرقدها يرقد فِيهَا كَمَا) تَقول: يَوْم السبت خرجت فِيهِ وَلَا تَقول خرجته إِلَّا على التَّوَسُّع فِي الظّرْف تَجْعَلهُ مَفْعُولا بِهِ. فَفِي الْبَيْت أَرْبَعَة حذوف: الأول: حذف الْمَقْصُود بالذم وَهُوَ لَيَال. الثَّانِي: حذف فِي من سهدت فِيهَا فَصَارَ سهدتها. وَالثَّالِث: حذف الضَّمِير من سهدتها. وَالرَّابِع: حذف فِي من يرقدها. وَقد روى سهدتها طَربا. وَقد فرق بعض اللغويين بَين السهاد والسهر فَزعم أَن السهاد للعاشق واللديغ والسهر فِي كل شَيْء. وَأنْشد قَول النَّابِغَة: يسهد فِي ليل التَّمام سليمها وَبت كَمَا بَات السَّلِيم مسهدا

والطرب: خفةٌ تصيب الْإِنْسَان لشدَّة سرُور أَو حزن. اه. وَالْبَيْت من قصيدة للمتنبي قَالَهَا فِي صباه مدحاً فِي مُحَمَّد بن عبد الله الْعلوِي. وَهَذِه أَربع أَبْيَات من مطْلعهَا: (أَهلا بدارٍ سباك أغيدها ... أبعد مَا بَان عَنْك خردها) (ظلت بهَا تنطوي على كبدٍ ... نضيجةٍ فَوق خلبها يَدهَا) (يَا حاديي عيسها وأحسبني ... أوجد مَيتا قبيل أفقدها) (قفا قَلِيلا بهَا عَليّ فَلَا ... أقل من نظرةٍ أزودها) نصب أَهلا بمضمر تَقْدِيره: جعل الله تَعَالَى بِتِلْكَ الديار أَهلا. وَإِنَّمَا تكون مأهولةً إِذا سقيت الْغَيْث فينبت الْكلأ فَيَعُود إِلَيْهَا أَهلهَا. وَهُوَ فِي الْحَقِيقَة دعاءٌ لَهَا بالسقي. والأغيد: الناعم الْبدن وَأَرَادَ جَارِيَة وَذكر اللَّفْظ لِأَنَّهُ عَنى الشَّخْص. والخرد: جمع خريدة وَهِي الْبكر الَّتِي لم تمسس وَأبْعد مُبْتَدأ وخردها الْخَبَر أَي: أبعد شَيْء فارقك جواري هَذِه الدَّار. وَقَوله: ظلت بهَا تنطوي إِلَخ يُرِيد ظللت فَحذف إِحْدَى اللامين تَخْفِيفًا. يَقُول: ظللت بِتِلْكَ الديار تنثني على كبدك وَاضِعا يدك فَوق خلبها. والمحزون يفعل ذَلِك كثيرا لما يجد فِي كبده من حرارة الوجد يخَاف على كبده تَنْشَق كَمَا قَالَ الصمَّة الْقشيرِي:

والانطواء كالانثناء. والنضج لليد وَلَكِن جرى نعتاً للكبد لإضافة الْيَد إِلَيْهَا. وَجعل الْيَد نضيجة لِأَنَّهُ أدام وَضعهَا على الكبد فأنضجتها بِمَا فِيهَا من الْحَرَارَة وَلِهَذَا جَازَ إضافتها إِلَى الكبد. وَالْعرب تسمي الشَّيْء باسم غَيره إِذا طَالَتْ صحبته إِيَّاه كَقَوْلِهِم لفناء الدَّار: الْعذرَة. وَإِذا جَازَت هَذِه التَّسْمِيَة كَانَت الْإِضَافَة أَهْون فلطول وضع يَده على كبده أضافها إِلَيْهَا كَأَنَّهَا لَهَا لِأَنَّهَا لم تزل عَلَيْهَا. والخلب: غشاءٌ للكبد رَقِيق لازبٌ بهَا. وارتفع يَدهَا بنضيجة وَهُوَ) اسْم فَاعل يعْمل عمل الْفِعْل. وَيجوز أَن تكون نضيجة من صفة الكبد وَتمّ الْكَلَام ثمَّ وضع الْيَد على الكبد. كَذَا فِي شرح الواحدي. وَأورد ابْن هِشَام هَذَا الْبَيْت فِي الْبَاب الثَّالِث من الْمُغنِي وَقَالَ: يحْتَمل قَول المتنبي يذكر دَار المحبوب: ظلت بهَا تنطوي الْبَيْت أَن تكون الْيَد فِيهِ فاعلة بنضيجة أَو بالظرف أَو بِالِابْتِدَاءِ. وَالْأول أبلغ لِأَنَّهُ أَشد للحرارة. والخلب: زِيَادَة الكبد أَو حجاب الْقلب أَو مَا بَين الكبد وَالْقلب. أضَاف الْيَد إِلَى الكبد للملابسة بَينهمَا لِأَنَّهُمَا فِي الشَّخْص. اه. وَقَوله: يَا حاديي عيسها الْبَيْتَيْنِ قَالَ الواحدي: دع الحاديين ثمَّ ترك مَا دعاهما إِلَيْهِ حَتَّى ذكره فِي الْبَيْت الَّذِي بعده وَأخذ فِي كَلَام آخر. وتسمي الروَاة هَذَا الِالْتِفَات كَأَنَّهُ الْتفت إِلَى كلامٍ آخر. أَقُول: هَذَا اعتراضٌ وَلَيْسَ من الِالْتِفَات فِي شَيْء. وَأَرَادَ قبيل أَن أفقدها فَلَمَّا حذف أَن عَاد الْفِعْل إِلَى الرّفْع. وَقَالَ

للحاديين الَّذين يحدوان عيرها: احتباسها عَليّ زَمَانا قَلِيلا لأنظر إِلَيْهَا وأتزود مِنْهَا نظرة فَلَا أقل مِنْهَا. وَمن رفع أقل جعله بِمَنْزِلَة لَيْسَ. وَضمير بهَا يجوز أَن يعود إِلَى العيس وَإِلَى الْمَرْأَة. وقريبٌ من هَذَا فِي الْمَعْنى قَول ذِي الرمة: (وَإِن لم يكن إِلَّا تعلل ساعةٍ ... قليلٌ فَإِنِّي نافعٌ لي قليلها) وَأورد ابْن هِشَام هَذَا الْبَيْت فِي الْمُغنِي على أَن لَا فِيهِ نافيةٌ للْجِنْس عاملةٌ عَمَّا إِن. وَيجوز رفع أقل على أَن تكون عاملة عمل لَيْسَ. وترجمة المتنبي قد تقدّمت فِي الشَّاهِد الْحَادِي وَالْأَرْبَعِينَ بعد الْمِائَة. وَأنْشد بعده: (لعمري لأَنْت الْبَيْت أكْرم أَهله ... وأقعد فِي أفيائه والأصائل) على أَن فِيهِ حذف مَوْصُول عِنْد الْكُوفِيّين وَالتَّقْدِير: لأَنْت الْبَيْت الَّذِي أكْرم أَهله. وَتقدم الْكَلَام عَلَيْهِ فِي الشَّاهِد الثَّامِن عشر بعد الأربعمائة.

(باب الحكاية بمن وما وأي)

3 - (بَاب الْحِكَايَة بِمن ومَا وأَي) أنْشد فِيهِ الشَّاهِد الْحَادِي وَالْخَمْسُونَ بعد الأربعمائة وَهُوَ من شَوَاهِد س: (أَتَوا نَارِي فَقلت: منون أَنْتُم ... فَقَالُوا الْجِنّ قلت: عموا ظلاما) على أَن يُونُس يجوز الْحِكَايَة ب من وصلا كَمَا فِي الْبَيْت. قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَأما يُونُس فَإِنَّهُ يقيس مِنْهُ على أيةٍ فَيَقُول: منةٌ ومنةً ومنةٍ إِذْ قَالَ يَا فَتى. وَهَذَا بعيد وَإِنَّمَا يجوز على قَول شَاعِر قَالَه مرّة فِي شعر ثمَّ لَا يسمع بعد: أَتَوا نَارِي فَقلت: منون أَنْتُم ... ... ... ... . الْبَيْت وَزعم يُونُس أَنه سمع عَرَبيا يَقُول ضرب منٌ منا. وَهَذَا بعيد لَا تَتَكَلَّم بِهِ الْعَرَب وَلَا تستعمله نَاس كثير وَكَانَ يُونُس يَقُول: لَا يقبل هَذَا كل أحد فَإِنَّمَا يجوز منون يَا فَتى على هَذَا. انْتهى.

- قَالَ النّحاس: وَهَذَا عِنْد سِيبَوَيْهٍ رَدِيء لِأَن هَذِه الْعَلامَة إِنَّمَا تقع فِي الْوَقْف وَلَا تقع فِي الْوَصْل فَلَمَّا اضْطر أجراه فِي الْوَصْل على حَاله فِي الْوَقْف. وَأنْشد أَبُو الْحسن بن كيسَان: وَقَالَ: إِنَّمَا حكى كَيفَ كَانَ كَلَامه وَجَوَابه. انْتهى. وَهَذِه الرِّوَايَة هِيَ رِوَايَة أبي زيد فِي نوادره كَمَا يَأْتِي. فَفِي الرِّوَايَة الأولى شذوذان كَمَا فِي الْمفصل: إِلْحَاق الْعَلامَة فِي الدرج وتحريك النُّون. وَفِيه أَيْضا كَمَا قَالَ ابْن النَّاظِم فِي شرح الألفية أَنه حكى مِقْدَارًا غير مَذْكُور. وَفِي الثَّانِيَة شذوذٌ وَاحِد وَهُوَ تَحْرِيك النُّون. قَالَ ابْن جني فِي الخصائص: من رَوَاهُ: منون قَالُوا فَإِنَّهُ أجْرى الْوَصْل مجْرى الْوَقْف. فَإِن قلت: فَإِنَّهُ فِي الْوَقْف إِنَّمَا يكون منون سَاكن النُّون وَأَنت فِي الْبَيْت قد حركته. فَهَذَا إِذن لَيْسَ على نِيَّة الْوَقْف وَلَا على نِيَّة الْوَصْل. فَالْجَوَاب: أَنه إِنَّمَا أجراه فِي الْوَصْل على حَده فِي الْوَقْف فَلَمَّا أثبت الْوَاو وَالنُّون التقيا ساكنين فاضطر حينئذٍ إِلَى أَن حرك النُّون لإِقَامَة الْوَزْن. فَهَذِهِ الْحَرَكَة إِذن إِنَّمَا هِيَ حركةٌ مستحدثة لم تكن فِي الْوَقْف وَإِنَّمَا اضْطر إِلَيْهَا فِي الْوَصْل. وَأما من رَوَاهُ منون أَنْتُم فَأمره مُشكل. وَذَلِكَ أَنه شبه من ب أَي فَقَالَ: منون أَنْتُم على قَوْله: أيون أَنْتُم. فَكَمَا حمل هَا هُنَا أَحدهمَا على الآخر كَذَلِك جمع بَينهمَا فِي أَن جرد من الِاسْتِفْهَام كل مِنْهُمَا. أَلا ترى إِلَى حِكَايَة يُونُس عَنْهُم: ضرب منٌ منا كَقَوْلِك: ضربٌ رجلٌ رجلا. انْتهى.

وَقَوله: أَتَوا نَارِي فَقلت إِلَى آخِره الْفَاء عطفت جملَة قلت على أَتَوا. وَهِي) للتَّرْتِيب الذكري وَهُوَ عطف مفصل على مُجمل نَحْو: فأزلهما الشَّيْطَان عَنْهَا فأخرجهما مِمَّا كَانَا فِيهِ. وَجُمْلَة منون أَنْتُم من الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر محكية بالْقَوْل. ومنون إِمَّا مُبْتَدأ وَأَنْتُم خَبره أَو بِالْعَكْسِ. وَالْفَاء من فَقَالُوا عطفت مدخولها على قلت. وَالْجِنّ خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي: نَحن الْجِنّ. وَالْجُمْلَة محكية بقالوا. وَكَذَلِكَ على الرِّوَايَة الثَّانِيَة: فَقلت منون قَالُوا سراة الْجِنّ أَي: نَحن أَشْرَافهَا. وَهُوَ بِفَتْح السِّين جمع سري على مَا قيل بِمَعْنى الشريف. وَكَذَلِكَ منون على تَقْدِير منون أَنْتُم. قَالَ الْجَوْهَرِي: عموا صباحاً: كلمة تَحِيَّة. قَالَ ابْن السيرافي: وَإِنَّمَا قَالَ لَهُم: عموا ظلاماً لأَنهم جنٌّ وانتشارهم بِاللَّيْلِ فَنَاسَبَ أَن يذكر الظلام كَمَا يُقَال لبني آدم إِذا أَصْبحُوا: عموا صباحاً. قَالَ ابْن السَّيِّد فِي شرح أَبْيَات الْجمل: وَمعنى عموا انعموا يُقَال: عَم صباحاً بِكَسْر الْعين وَفتحهَا. وَيُقَال: وَعم يعم من بَاب وعد وومق. وَذهب قومٌ إِلَى أَن يعم محذوفة ينعم. وَقَالُوا: إِذا قيل عَم بِفَتْح الْعين فَهُوَ مَحْذُوف من انْعمْ المفتوح وَإِذا قيل عَم بِكَسْر الْعين فَهُوَ مَحْذُوف من ينعم المكسور الْعين. وَحكى يُونُس أَن أَبَا عَمْرو بن الْعَلَاء سَأَلَ عَن قَول عنترة: وَعمي صباحاً دَار عبلة واسلمي فَقَالَ هُوَ من نعم الْمَطَر إِذا كثر وَنعم الْبَحْر إِذا كثر زبده كَأَنَّهُ يَدْعُو لَهَا بالسقية وَكَثْرَة الْخَيْر.

وَقَالَ الْأَصْمَعِي وَالْفراء فِي قَوْلهم: عَم صباحاً: إِنَّمَا هُوَ دعاءٌ بالنعيم والأهل وَهَذَا هُوَ الْمَعْرُوف وَمَا حَكَاهُ يُونُس نَادِر غَرِيب. وظلاماً: ظرف أَي: انعموا فِي ظلامكم أَو تَمْيِيز وَالْأَصْل لينعم ظلامكم فحول إِلَى التَّمْيِيز. انْتهى. وَقَالَ ابْن الْحَاجِب فِي أَمَالِيهِ: ظلاماً تَمْيِيز أَي: نعم ظلامكم كَمَا تَقول: أحسن الله صباحك. وَلَا يحسن أَن يكون ظرفا إِذْ لَيْسَ المُرَاد أَنهم نعموا فِي ظلام وَلَا فِي صباح وَإِنَّمَا المُرَاد أَنه نعم صباحهم وَإِذا حسن صباحهم كَانَ فِي الْمَعْنى حسنهم. وَالْبَيْت من أَبْيَات أربعةٍ رَوَاهُ أَبُو زيد فِي نوادره ونسبها لشمير بن الْحَارِث الضَّبِّيّ مصغر شمر بِكَسْر الْمُعْجَمَة. قَالَ أَبُو الْحسن فِيمَا كتبه على نَوَادِر أبي زيد: سمير الْمَذْكُور بِالسِّين الْمُهْملَة. وَهِي هَذِه: (ونارٍ قد حضأت لَهَا بليلٍ ... بدارٍ لَا أُرِيد بهَا مقَاما) (سوى تَحْلِيل راحلةٍ وعينٍ ... أكالئها مَخَافَة أَن تناما) (أَتَوا نَارِي فَقلت: منون قَالُوا ... سراة الْجِنّ قلت: عموا ظلاما) (فَقلت: إِلَى الطَّعَام فَقَالَ مِنْهُم ... زعيمٌ: نحسد الْإِنْس الطعاما)) وَزَاد بعده غَيره بَيْتا آخر وَهُوَ: (لقد فضلْتُمْ بِالْأَكْلِ فِينَا ... وَلَكِن ذَاك يعقبكم سقاما)

. وَزَاد بَعضهم بعده: (أمط عَنَّا الطَّعَام فَإِن فِيهِ ... لآكله النقاصة والسقامة) قَالَ السكرِي فِيمَا كتبه هُنَا: حضأت أَي: أشعلت وَأوقدت يُقَال فِي تصريفها حضأت النَّار أحضؤها حضاً وَهُوَ بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالضَّاد الْمُعْجَمَة والهمزة. وَاللَّام فِي لَهَا زائدةٌ لِأَن حضأت مُتَعَدٍّ. وروى ابْن السَّيِّد وَغَيره: ونارٍ قد حضأت بعيد وهنٍ وَقَالَ: الوهن والموهن: نحوٌ من نصف اللَّيْل. وَالَّذِي ذكره الْأَصْمَعِي أَن الْوَهم هُوَ حِين يدبر اللَّيْل. وَهَذَا يدل لَهُ الِاشْتِقَاق. فالمجرور بواو رب فِي مَحل نصب على الْمَفْعُول بحضأت. وَقَوله: سوى تَحْلِيل رَاحِلَة قَالَ السكرِي: أَرَادَ: سوى راحلةٍ أَقمت فِيهَا بِقدر تَحِلَّة الْيَمين. وروى غَيره: سوى ترحيل رَاحِلَة قَالَ ابْن السَّيِّد: ترحيل الرَّاحِلَة: إِزَالَة الرحل عَن ظهرهَا. والرحل لِلْإِبِلِ كالسرج للخيل. وَالرَّاحِلَة: النَّاقة الَّتِي تتَّخذ للرُّكُوب وَالسّفر سميت بذلك لِأَنَّهَا ترحل براكبها. وأكالئها: أحرسها وأحفظها لِئَلَّا تنام. قَالَ ابْن السَّيِّد: وَكَانَ الْمفضل يروي: معير أكالئها بالراء بدل النُّون وَقَالَ: العير: إِنْسَان الْعين. قَالَ ابْن هِشَام اللَّخْمِيّ بعد هَذَا: وَهَذِه هِيَ الرِّوَايَة الصَّحِيحَة. وعير تؤنث على الْمَعْنى لِأَنَّهَا عين وتذكر. ومخافة مفعول لأَجله. وَقَوله: فَقلت إِلَى الطَّعَام إِلَى مُتَعَلقَة بِفعل مَحْذُوف أَي: هلموا إِلَيْهِ وَأوردهُ الزَّمَخْشَرِيّ فِي أول الْكَشَّاف على أَنه حذف مُتَعَلق الْجَار من

بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم كَمَا حذف مُتَعَلق إِلَى الطَّعَام وَهَذَا الْمَحْذُوف فِي حكم الْمَوْجُود وَالْمَجْمُوع محكي بالْقَوْل. وَقَول ابْن السَّيِّد: هَذَا الْفِعْل الْمَحْذُوف فِي حكم الظَّاهِر فَلذَلِك لم يكن لَهُ مَوضِع من الْإِعْرَاب لَا يظْهر لتعليله وجهٌ. وَقَالَ ابْن خروف: يجوز أَن تكون إِلَى اسْم فعل. وَجزم اللَّخْمِيّ بِأَن إِلَى هُنَا إغراء. وفسروا الزعيم بالرئيس وَالسَّيِّد. وَقَالَ بَعضهم: الزعيم بِمَعْنى الْقَائِل كَمَا تَقول: زعم زاعمٌ أَي: قَالَ قَائِل وَلَا معنى للسَّيِّد هُنَا. وزعيمٌ فَاعل. قَالَ: وروى بدل زعيم: فريق. وَمِنْهُم كَانَ فِي الأَصْل وَصفه فَلَمَّا قدم عَلَيْهِ صَار حَالا مِنْهُ. وَقَوله: نحسد إِلَخ يرْوى بالنُّون فالجملة مقول القَوْل. ويروى بِالْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّة فالجملة صفةٌ لزعيم فَيكون الْبَيْت الَّذِي بعده مقول القَوْل. والْأنس يرْوى بِفتْحَتَيْنِ وبكسرة فَسُكُون) ومعناهما الْبشر. قَالَ ابْن الْحَاجِب فِي أَمَالِيهِ: الطَّعَام: مفعول ثَان إِمَّا على تَقْدِير حرف خفض أَي: نحسد الْإِنْس على الطَّعَام. وَإِمَّا على أَنه متعدٍّ بِنَفسِهِ من أَصله. كَقَوْلِه: استغفرت الله الذَّنب وَمن الذَّنب. وَقَالَ اللَّخْمِيّ: الطَّعَام مفعول ثَان على إِسْقَاط حرف الْجَرّ أَي: نحسد الْإِنْس فِي الطَّعَام. وَقَالَ الأندلسي: الأولى تَقْدِيره بعلى: لِأَنَّهُ يُقَال: حَسَدْته على كَذَا. وَقد قَوْله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: لَا حسد إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ يجوز أَن يكون أَقَامَ بعض حُرُوف الصِّفَات مقَام الآخر. وَيُؤَيِّدهُ قَول الْجَوْهَرِي: حسدتك على الشَّيْء وحسدتك الشَّيْء بِمَعْنى.

وَقَوله: لقد فضلْتُمْ بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول وفِينَا بِمَعْنى علينا. وَقَوله: أمط عَنَّا إِلَخ أَي: أزله عَنَّا. والنقاصة بِالْفَتْح هُوَ مصدر كالنقص بالنُّون وَالْقَاف وَالصَّاد الْمُهْملَة. ذكر فِي أبياته أَن الْجِنّ طرقته وَقد أوقد نَارا لطعامه فَدَعَاهُمْ إِلَى الْأكل مِنْهُ فَلم يُجِيبُوهُ وَزَعَمُوا أَنهم يحسدون الْإِنْس فِي الْأكل وَأَنَّهُمْ فضلوا عَلَيْهِم بِأَكْل الطَّعَام وَلَكِن ذَلِك يعقبهم السقام. وَقَوله: لقد فضلْتُمْ بِالْأَكْلِ فِينَا ظَاهره أَن الْجِنّ لَا يَأْكُلُون وَلَا يشربون. وَقَالَ ابْن السيرافي: قَالَ زعيمهم: نحسد الْإِنْس على أكل الطَّعَام والالتذاذ وَلَيْسَ من شَأْننَا أَن نَأْكُل مَا يَأْكُلهُ الْإِنْس. وَقَالَ ابْن المستوفي: لم يرد أَن الْجِنّ لَا تَأْكُل وَلَا تشرب وَإِنَّمَا أَرَادَ أَن طَعَام الْإِنْس أفضل من طَعَام الْجِنّ. وَهَذَانِ الْقَوْلَانِ خلاف الظَّاهِر. وَيُؤَيّد مَا قُلْنَا قَول ابْن خروف فِي شرح أَبْيَات سِيبَوَيْهٍ: قَوْله: لقد فضلْتُمْ بِالْأَكْلِ فِينَا مخالفٌ للشَّرْع لِأَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قَالَ: إِن الْجِنّ تَأْكُل وتشرب. وَفِي آكام المرجان فِي أَحْكَام الجان لبدر الدَّين مُحَمَّد بن عبد الله الشبلي الْحَنَفِيّ الشَّامي وَقد صنفه كَمَا

قَالَ الصَّفَدِي فِي سنة سبع وَخمسين وَسَبْعمائة: وَقد اخْتلف الْعلمَاء فِي هَذِه الْمَسْأَلَة على ثَلَاثَة أَقْوَال: أَحدهَا: أَن جَمِيع الْجِنّ لَا يَأْكُلُون وَلَا يشربون. وَهَذَا قَول سَاقِط. ثَانِيهَا: أَن صنفا مِنْهُم يَأْكُلُون وَيَشْرَبُونَ وَصِنْفًا لَا يَأْكُلُون وَلَا يشربون. ثَالِثهَا: أَن جَمِيع الْجِنّ يَأْكُلُون وَيَشْرَبُونَ. فَقَالَ بَعضهم: أكلهم وشربهم تشممٌ واسترواح لَا مضغ وبلع. وَهَذَا لَا دَلِيل لَهُ. وَقَالَ آخَرُونَ: أكلهم وشربهم مضغ وبلع. وَيدل لهَذَا حَدِيث أُميَّة بن مخشي من رِوَايَة أبي دَاوُد: مَا زَالَ الشَّيْطَان يَأْكُل مَعَه فَلَمَّا ذكر الله تَعَالَى استقاء مَا فِي بَطْنه. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَن الْجِنّ سَأَلُوا رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ الزَّاد فَقَالَ: كل عظمٍ ذكر اسْم الله عَلَيْهِ يَقع فِي يَد أحدهم أوفر مَا يكون لَحْمًا وكل بعر علفٌ لدوابهم. وَفِي حَدِيث يزِيد بن جَابر قَالَ: مَا من أهل بَيت من الْمُسلمين إِلَّا وَفِي سقف بَيتهمْ من الْجِنّ من الْمُسلمين إِذا وضع غداؤهم نزلُوا فتغدوا مَعَهم وَإِذا وضع عشاؤهم نزلُوا) فَتَعَشَّوْا مَعَهم يدْفع الله بهم عَنْهُم.

وَالْجِنّ على مَرَاتِب قَالَ ابْن عبد الْبر: إِذا ذكرُوا الْجِنّ خَالِصا قَالُوا: جني. فَإِن أَرَادوا أَنه مِمَّن يسكن مَعَ النَّاس قَالُوا: عَامر وَالْجمع عمار. فَإِن كَانَ مِمَّا يعرض للصبيان قَالُوا: أَرْوَاح. فَإِن خبث ولؤم قَالُوا: شَيْطَان. فَإِن زَاد على ذَلِك فَهُوَ مارد. فَإِن زَاد على ذَلِك وَقَوي أمره قَالُوا: عفريت. وَقَالَ ابْن عقيل: الشَّيَاطِين: العصاة من الْجِنّ وهم ولد إِبْلِيس والمردة أعتاهم وأغواهم وهم أعوان إِبْلِيس. وَقَالَ الْجَوْهَرِي: كل عاتٍ متمرد من الْجِنّ وَالْإِنْس وَالدَّوَاب شَيْطَان. وَقَالَ ابْن دُرَيْد: الْجِنّ: خلاف الْإِنْس. وَيُقَال: جنه اللَّيْل وأجنه وأجن عَلَيْهِ وغطاه فِي معنى وَاحِد إِذا ستره. وكل شَيْء استتر عَنْك فقد جن عَنْك. وَبِه سميت الْجِنّ. وَكَانَ أهل الْجَاهِلِيَّة يسمون الْمَلَائِكَة جناً لاستتارهم عَن الْعُيُون. قَالُوا: والحن بِالْحَاء الْمُهْملَة زَعَمُوا أَنه ضربٌ من الْجِنّ . وَقَالَ أَبُو عمر الزَّاهِد: الْجِنّ: كلاب الْجِنّ وسفلتهم. والجان: أَبُو الْجِنّ. قَالَ السُّهيْلي فِي كتاب النتائج: وَمِمَّا قدم للفضل والشرف تَقْدِيم الْجِنّ على الْإِنْس فِي أَكثر الْمَوَاضِع لِأَن تشْتَمل على الْمَلَائِكَة وَغَيرهم مِمَّا اجتن عَن الْأَبْصَار. قَالَ تعال:

(وسخر من جن الملائك سَبْعَة ... قيَاما لَدَيْهِ يعْملُونَ بِلَا أجر) فَأَما قَوْله تَعَالَى: لم يطمثهن إنسٌ قبلهم وَلَا جانٌّ وَقَوله تَعَالَى: لَا يسْأَل عَن ذَنبه إنسٌ وَلَا جانٌّ وَقَوله تَعَالَى: وَأَنا ظننا أَن لن تَقول الْإِنْس وَالْجِنّ على الله كذبا فَإِن لفظ الْجِنّ هَا هُنَا لَا يتَنَاوَل الْمَلَائِكَة لنزاهتهم عَن الْعُيُوب فَلَمَّا لم يتناولهم عُمُوم اللَّفْظ لهَذِهِ الْقَرِينَة بَدَأَ بِلَفْظ الْإِنْس لفضلهم وكمالهم. وشمير بن الْحَارِث الضَّبِّيّ ناظم هَذِه الأبيات تقدم ذكره فِي الشَّاهِد السَّادِس وَالسِّتِّينَ بعد الثلثمائة. قد رُوِيَ الْبَيْت الشَّاهِد من قصيدة قافيتها حائية. قَالَ ابْن السَّيِّد فِي شرح أَبْيَات الْجمل للزجاجي: ذكر أَبُو الْقَاسِم مؤلف الْجمل أَن النَّاس يغلطون فِي هَذَا الشّعْر فيروونه: عموا صباحاً وَجعل دَلِيله الأبيات الميمية المنقولة عَن أبي زيد. وَلَقَد صدق فِيمَا حَكَاهُ وَلكنه أَخطَأ فِي تخطئة رِوَايَة من روى: عموا صباحاً لِأَن هَذَا الشّعْر الَّذِي أنكرهُ وَقع فِي كتاب خبر سد مأرب وَنسبه إِلَى جذع بن سِنَان الغساني فِي حكايةٍ طويلةٍ زعم أَنَّهَا جرت لَهُ مَعَ الْجِنّ. وكلا الشعرين أكذوبة من أكاذيب الْعَرَب لم تقع قطّ.

وَالشعر الَّذِي على قافية الْمِيم ينْسب إِلَى شمير بن الْحَارِث وينسب إِلَى تأبط شرا. وَأما الشّعْر الَّذِي على قافية الْحَاء فَلَا أعلم خلافًا فِي أَنه لجذع بن سِنَان وَهُوَ: (أَتَوا نَارِي فَقلت: منون أَنْتُم ... فَقَالُوا: الْجِنّ قلت: عموا صباحا)) (أتيتهم وللأقدار حتمٌ ... تلاقي الْمَرْء صبحاً أَو رواحا) (أتيتهم غَرِيبا مستضيفاً ... رَأَوْا قَتْلِي إِذا فعلوا جنَاحا) (أَتَوْنِي سافرين فَقلت: أَهلا ... رَأَيْت وُجُوههم وسماً صباحا) (نحرت لَهُم وَقلت: أَلا هلموا ... كلوا مِمَّا طهيت لكم سماحا) (أَتَانِي قاشرٌ وَبَنُو أَبِيه ... وَقد جن الدجى وَاللَّيْل لاحا) (فنازعني الزجاجة بعد وَهن ... مزجت لَهُم بهَا عسلاً وراحا) (وَحَذَّرَنِي أموراً سَوف تَأتي ... أهز لَهَا الصوارم والرماحا) ...

(سأمضي للَّذي قَالُوا بعزمٍ ... وَلَا أبغي لذلكم قداحا) (أَسَأْت الظَّن فِيهِ وَمن أساه ... بِكُل النَّاس قد لَاقَى نجاحا) (وَقد تَأتي إِلَى الْمَرْء المنايا ... بِأَبْوَاب الْأمان سدًى صراحا) (سيبقي حكم هَذَا الدَّهْر قوما ... وَيهْلك آخَرُونَ بِهِ ذباحا) (أثعلبة بن عمرٍ ولَيْسَ هَذَا ... أَوَان السّير فاعتد السلاحا) (ألم تعلم بِأَن الذل موتٌ ... يتيح لمن ألم بِهِ اجتياحا) (وَلَا يبْقى نعيم الدَّهْر إِلَّا ... لقرمٍ ماجدٍ صدق الكفاحا) قَالَ ابْن السَّيِّد: إِن قيل كَيفَ جَازَ أَن يَقُول لَهُم: عموا صباحا وهم فِي اللَّيْل. وَإِنَّمَا يَلِيق هَذَا الدُّعَاء بِمن يلقى فِي الصَّباح. فَالْجَوَاب من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَن الرجل إِذا قيل لَهُ: عَم صباحاً فَلَيْسَ المُرَاد أَن ينعم فِي الصَّباح دون الْمسَاء كَمَا أَنه إِذا قيل أرْغم الله أَنفه وَحيا الله وَجهه فَلَيْسَ المُرَاد الْأنف وَالْوَجْه دون سَائِر الْجِسْم. وَكَذَلِكَ إِذا قيل لَهُ: أَعلَى الله كعبك. وَإِنَّمَا هِيَ ألفاظٌ ظَاهرهَا الْخُصُوص وَمَعْنَاهَا الْعُمُوم. وَمثله قَول الْأَعْشَى:

الواطئين على صُدُور نعَالهمْ وَالْوَطْء لَا يكون على صُدُور النِّعَال دون سائرها. وَالْوَجْه الثَّانِي: أَن يكون معنى أنعم الله صباحك: أطلع الله عَلَيْك كل صباح بالنعيم لِأَن الصَّباح والظلام نَوْعَانِ وَالنَّوْع يُسمى بِهِ كل جُزْء مِنْهُ بِمَا يُسمى بِهِ جملَته. والشعب بِالْكَسْرِ: الطَّرِيق إِلَى الْجَبَل. ووسماً بِالضَّمِّ: جمع وسيم وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ سمة الْجمال. وَكَذَلِكَ الصَّباح بِالْكَسْرِ: جمع صبيحٍ. شبه بالصبح فِي إشراقه. وطهيت: طبخت يُقَال: طهيت اللَّحْم وطهوته فَأَنا طاهٍ. وَقَوله: لَا أبغي لذلكم) قداحاً أَي: لَا أطلب ضرب القداح لأَنهم كَانُوا إِذا أَرَادوا فعل أمرٍ ضربوا بِالْقداحِ فَإِن خرج الْقدح الْمَكْتُوب عَلَيْهِ: افْعَل فعل الْأَمر. وَإِن خرج الْقدح الْمَكْتُوب عَلَيْهِ: لَا تفعل لم يفعل الْأَمر. وَقَوله: أَسَأْت الظَّن فِيهِ يَقُول: أَسَأْت الظَّن بِضَرْب القداح والتعويل على مَا تَأمر بِهِ وتنهى عَنهُ وَعلمت أَن مَا أَمرتنِي بِهِ الْجِنّ أَحْرَى أَن يعول عَلَيْهِ. وَقَوله: سدًى صراحاً السدى: الْإِبِل الْمُهْملَة الَّتِي لَا يردهَا أحد. والصراح: الظَّاهِرَة. والذباح بِضَم الذَّال الْمُعْجَمَة بعْدهَا مُوَحدَة: نباتٌ يقتل من أكله وَمن رَوَاهُ بِكَسْر الذَّال جعله جمع ذبيح.

وَقَوله: يتيح أَي: يقدر ويجلب يُقَال: أتاح الله كَذَا أَي: قدره. وألم: نزل. والاجتياح بجيم بعْدهَا مثناة فوقية: الاستئصال. وَالْقَرْمُ بِفَتْح الْقَاف وَسُكُون الرَّاء: السَّيِّد وَأَصله الْفَحْل من الْإِبِل. والكفاح بِالْكَسْرِ: ملاقاة الْأَعْدَاء. انْتهى. وجذع بن سِنَان الغساني بِكَسْر الْجِيم وَسُكُون الذَّال الْمُعْجَمَة شاعرٌ جاهلي قديم. وغسان: قَبيلَة من الأزد من قحطان. وجذعٌ خرج مَعَ من خرج الأزد قبل سيل العرم وجاؤوا إِلَى الشَّام وَكَانَ ملكهَا إِذْ ذَاك سليح وهم من غَسَّان أَيْضا وَقيل من قضاعة. وَكَانُوا يؤدون لسليح عَن كل رجل دينارين فجَاء عَامل الْملك إِلَى جذع بن سنانٍ يطْلب الْخراج الَّذِي وَجب عَلَيْهِ فَدفع إِلَيْهِ سَيْفه رهنا فَقَالَ: أدخلهُ فِي حر أمك فَغَضب جذعٌ وقنعه بِهِ فَقيل: خُذ من جذعٍ مَا أَعْطَاك وسارت مثلا. تضرب فِي اغتنام مَا يجود بِهِ الْبَخِيل. وَقيل فِي سَبَب الْمثل غير هَذَا. وامتنعت غَسَّان من هَذَا الْخراج بعد ذَلِك وولوا الشَّام كَمَا تقدم شَرحه فِي مُلُوك بني جَفْنَة. وَفِي الْعباب للصاغاني أَن جذعاً هُوَ جذع بن عَمْرو وَهُوَ غلظ

أنْشد فِيهِ وَهُوَ الشَّاهِد الثَّانِي وَالْخَمْسُونَ بعد الأربعمائة فداءٍ لَك الأقوام هُوَ قِطْعَة من بَيت وَهُوَ: (مهلا فدَاء لَك الأقوام كلهم ... وَمَا أثمر من مالٍ وَمن ولد) على أَن فدَاء اسْم فعل مَنْقُول من الْمصدر. قَالَ صَاحب الصِّحَاح: الفدا إِذا كسر أَوله يمد وَيقصر وَإِذا فتح فَهُوَ مَقْصُور يُقَال: قُم فدى لَك أبي. وَمن الْعَرَب من يكسر فدَاء بِالتَّنْوِينِ إِذا جاور الْجَرّ خَاصَّة فَيَقُول: فداءٍ لَك لِأَنَّهُ نكرَة يُرِيدُونَ بِهِ معنى الدُّعَاء. وَأنْشد هَذَا الْبَيْت للنابغة عَن الْأَصْمَعِي. وَهَذَا التَّعْلِيل فِيهِ خَفَاء. والواضح قَول أبي عَليّ فِي الْمسَائِل المنثورة وَقد أنْشدهُ فِيهَا قَالَ: بني على الْكسر لِأَنَّهُ قد تضمن معنى الْحَرْف وَهُوَ لَام الْأَمر لِأَن التَّقْدِير: ليفدك الأقوام كلهم. فَلَمَّا كَانَ بِمَعْنَاهُ بني. وَبني على الْكسر لِأَنَّهُ وَقع لِلْأَمْرِ. وَالْأَمر إِذا حرك تحرّك إِلَى الْكسر. ونونوه لِأَنَّهُ نكرَة. انْتهى.

قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ فِي الْمفصل: وَمِنْه فداءٍ لَك بِالْكَسْرِ والتنوين أَي: ليفدك. وَأنْشد الْبَيْت. قَالَ ابْن المستوفي: قَوْله: وَمِنْه: يُرِيد مَا الْتزم فِيهِ التنكير كإيهاً فِي الْكَفّ وويهاً فِي الإغراء وواهاً فِي التَّعَجُّب. وعقبه بقوله: وَمِنْه فداءٍ يسْتَعْمل مكسوراً منوناً وَغير منون حملا على إيهٍ وإيه. ثمَّ نقل عَن الزَّمَخْشَرِيّ فِي حَوَاشِيه أَنه قَالَ: فداءٌ بِالرَّفْع على أَنه خبر الأقوام. وَفِدَاء بِالْكَسْرِ لما ذكرنَا. وَفِدَاء بِالنّصب على أَنه مصدر لفعله وَهُوَ ليفدك الأقوام مَعَ كسر فداءٍ بالفاعل أَيْضا لِأَنَّهُ أمرٌ لَهُم بِالْفِدَاءِ. يَعْنِي أَن الأقوام فَاعل فدَاء أَيْضا فِي حَالَة النصب لِأَنَّهُ فَاعل الْمصدر كَمَا أَنه فَاعله فِي حَالَة الْكسر والتنوين. وَذكر القواس فِي شرح ألفية ابْن معطي أَن فِيهِ لُغَات: فدى بِفَتْح الْفَاء وَضمّهَا على الْقصر وَكسرهَا مَعَ الْقصر وَالْمدّ. وروى أَبُو زيد فِي نوادره قَول الراجز: ويهاً فداءٍ لَك يَا فضاله بِالْكَسْرِ والتنوين. وَهَذَا لَا فَاعل لَهُ فِي اللَّفْظ وَإِنَّمَا الْفَاعِل مفهومٌ من الْمقَام أَي: ليفدك النَّاس وَنَحْوه. وويهاً: كلمة إغراء. وَقَوله: مهلا بِمَعْنى أمْهل وتأن. وَقَوله: وَمَا أثمر معطوفة على الأقوام وَهِي مَوْصُولَة والعائد مَحْذُوف أَي: أثمره. وأثمر: أجمع وَأصْلح. يُقَال: ثَمَر فلانٌ مَاله إِذا أصلحه وَجمعه. وَمن للْبَيَان. وَالْبَيْت من قصيدةٍ للنابغة الذبياني مدح بهَا النُّعْمَان بن الْمُنْذر وتنصل عَن مَا قَذَفُوهُ بِهِ حَتَّى خافه وهرب مِنْهُ إِلَى بني جَفْنَة مُلُوك الشَّام.

وَقد تقدم شرح) أبياتٍ كَثِيرَة مِنْهَا فِي بَاب الْحَال وَفِي بَاب خبر كَانَ وَفِي النَّعْت وَفِي الْبَدَل وَغير ذَلِك. وَبعد هَذَا الْبَيْت بيتٌ يُورِدهُ عُلَمَاء التصريف فِي كتبهمْ وَهُوَ: وَقَوله: لاتقذفني أَي: لَا تركبني بِمَا لَا أُطِيق وَلَا يقوم لَهُ أحد. والكفاء بِالْكَسْرِ: الْمثل. وتأثفك الْأَعْدَاء: اجْتَمعُوا حولك واحتوشوك فصاروا مِنْك مَوضِع الأثافي من الْقدر. وَقَوله: بالرفد بِكَسْر فَفتح: جمع رفدة بِكَسْر فَسُكُون أَي: يرفد بَعضهم بَعْضًا يتعاونون بالنمائم عَليّ ويسعون بِي عنْدك. يُقَال: رفد فلانٌ فلَانا يرفده رفداً إِذا أَعَانَهُ. وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد الثَّالِث وَالْخَمْسُونَ بعد الأربعمائة وَهُوَ من شَوَاهِد س: (كذب الْعَتِيق وَمَاء شنٍ بَارِدًا ... إِن كنت سائلتي غبوقاً فاذهبي) على أَن كذب فِي الأَصْل فعل وَقد صَار اسْم فعل أمرٍ بِمَعْنى الزم. لم أر من قَالَ من النَّحْوِيين وَغَيرهم أَن كذب اسْم فعلٍ. وَهَذَا شيىءٌ

انْفَرد بِهِ الشَّارِح الْمُحَقق. وَإِنَّمَا ذَكرُوهُ فِي جملَة الْأَفْعَال الَّتِي منعت التَّصَرُّف مِنْهُم ابْن مَالك فِي التسهيل. وَقَول الشَّارِح الْمُحَقق: إِذا رُوِيَ بِنصب الْعَتِيق تحقيقٌ لكَونه اسْم الْفِعْل فَإِن أَكثر اسْم الْفِعْل يكون بِمَعْنى الْأَمر كَمَا قَالَه الشَّارِح ففاعله مستترٌ فِيهِ وجوبا تَقْدِيره أَنْت والعتيق مَفْعُوله وَمَاء مَعْطُوف على الْعَتِيق وبارداً صفة مَاء. وَمَفْهُومه أَن الْعَتِيق إِذا رُوِيَ بِالرَّفْع لم يكن كذب اسْم فعل. وَلم يبين حكمه وَكَأَنَّهُ ترك شَرحه لشهرته بِمَعْنى الإغراء. وَفِيه أَن كذب سواءٌ نصب مَا بعده أَو رفع بِمَعْنى الإغراء كَمَا فِي الْأَمْثِلَة الْمَذْكُورَة فِي الشَّرْح فَجعله مَعَ الْمَنْصُوب دون الْمَرْفُوع اسْم فعل تحكمٌ لَا يظْهر لَهُ وَجه. على أَن النصب قد أنكرهُ جمَاعَة وعينوا الرّفْع مِنْهُم أَبُو بكر بن الْأَنْبَارِي فِي رِسَالَة شرح فِيهَا مَعَاني الْكَذِب على خَمْسَة أوجه قَالَ: كذب مَعْنَاهُ الإغراء ومطالبة الْمُخَاطب بِلُزُوم الشَّيْء الْمَذْكُور كَقَوْل الْعَرَب: كذب عَلَيْك الْعَسَل ويريدون كل الْعَسَل. وتلخيصه: أَخطَأ تَارِك الْعَسَل فغلب الْمُضَاف إِلَيْهِ على الْمُضَاف. قَالَ عمر بن الْخطاب: كذب عَلَيْكُم الْحَج كذب عَلَيْكُم الْعمرَة كذب عَلَيْكُم الْجِهَاد: ثَلَاثَة أسفار كذبن عَلَيْكُم مَعْنَاهُ الزموا الْحَج وَالْعمْرَة وَالْجهَاد. والمغرى بِهِ مَرْفُوع بكذب لَا يجوز نَصبه على الصِّحَّة لِأَن كذب فعل لَا بُد لَهُ من فَاعل وخبرٌ لَا بُد من مُحدث عَنهُ وَالْفِعْل وَالْفَاعِل كِلَاهُمَا تأويلهما الإغراء. وَمن زعم أَن الْحَج وَالْعمْرَة وَالْجهَاد فِي حَدِيث عمر حكمهن النصب لم يصب إِذْ قضى بالخلو عَن الْفَاعِل. وَقد حكى أَبُو عبيدٍ عَن) أبي عُبَيْدَة عَن أَعْرَابِي أَنه نظر إِلَى ناقةٍ نضوٍ لرجل فَقَالَ: كذب البزر والنوى. قَالَ أَبُو عبيد:

لم يسمع النصب مَعَ كذب فِي الإغراء إِلَّا فِي هَذَا الْحَرْف. قَالَ أَبُو بكر: وَهَذَا شاذٌ من القَوْل خارجٌ فِي النَّحْو عَن منهاج الْقيَاس ملحقٌ بالشواذ الَّتِي لَا يعول عَلَيْهَا وَلَا يُؤْخَذ بهَا. قَالَ الشَّاعِر: كذب الْعَتِيق وَمَاء شنٍّ باردٌ مَعْنَاهُ الزمي الْعَتِيق وَهَذَا المَاء وَلَا تطالبيني بِغَيْرِهِمَا. والعتيق مَرْفُوع لَا غير. انْتهى. وَمن الْغَرِيب قَول ابْن الْأَثِير فِي النِّهَايَة فِي حَدِيث عمر بِرَفْع الْحَج وَالْعمْرَة وَالْجهَاد مَعْنَاهُ الإغراء أَي: عَلَيْكُم بِهَذِهِ الْأَشْيَاء الثَّلَاثَة. وَكَانَ وَجهه النصب وَلكنه جَاءَ شاذاً مَرْفُوعا. انْتهى. وَقد نقل أَبُو حَيَّان كَلَام ابْن الْأَنْبَارِي فِي تَذكرته وَفِي شرح التسهيل وَزَاد فِيهِ بِأَن الَّذِي يدل على رفع الْأَسْمَاء بعد كذب أَنه يتَّصل بهَا الضَّمِير كَمَا جَاءَ فِي كَلَام عمر: ثَلَاثَة أسفار كذبن عَلَيْكُم. وَقَالَ الشَّاعِر: كذبت عَلَيْك وَلَا تزَال تقوفني مَعْنَاهُ عَلَيْك بِي: فَرفع التَّاء وَهِي مغرًى بهَا واتصلت بِالْفِعْلِ لِأَنَّهُ لَو تَأَخّر الْفَاعِل لَكَانَ مُنْفَصِلا وَلَيْسَ هَذَا من مَوَاضِع انْفِصَال الضَّمِير. انْتهى.

وَالصَّحِيح جَوَاز النصب لنقل الْعلمَاء أَنه لُغَة مُضر وَالرَّفْع لُغَة الْيمن. وَوَجهه مَعَ الرّفْع أَنه من قبيل مَا جَاءَ لفظ الْخَبَر فِيهِ بِمَعْنى الإغراء كَمَا قَالَ ابْن الشجري فِي أَمَالِيهِ كتؤمنون بِاللَّه بِمَعْنى أمنُوا بِاللَّه. ورَحِمَهُ اللَّهُ بِمَعْنى اللَّهُمَّ ارحمه وحسبك زيد بِمَعْنى اكتف بِهِ. وَوَجهه مَعَ النصب من بَاب سرَايَة الْمَعْنى إِلَى اللَّفْظ فَإِن المغرى بِهِ لما كَانَ مَفْعُولا فِي الْمَعْنى اتَّصَلت بِهِ عَلامَة النصب ليطابق اللَّفْظ الْمَعْنى. وَقَالَ عبد الدَّائِم بن مَرْزُوق القيرواني فِي كتاب حلى العلى فِي الْأَدَب: إِنَّه يرْوى الْعَتِيق بِالرَّفْع وَالنّصب وَمَعْنَاهُ عَلَيْك الْعَتِيق وَمَاء شن وَأَصله: كذب ذَاك عَلَيْك الْعَتِيق ثمَّ حذف عَلَيْك وناب كذب مَنَابه فَصَارَت الْعَرَب تغري بِهِ. وَقَالَ الأعلم فِي شرح مُخْتَار الشُّعَرَاء السِّتَّة عِنْد كَلَامه على هَذَا الْبَيْت: قولهّ: كذب الْعَتِيق أَي: عَلَيْك بِالتَّمْرِ. والعتيق: التَّمْر الْبَالِي. وَالْعرب تَقول: كَذبك التَّمْر وَاللَّبن أَي: عَلَيْك بهما. وَبَعض الْعَرَب ينصب وهم مُضر وَالرَّفْع لليمن. وأصل الْكَذِب الْإِمْكَان. وَقَول الرجل للرجل: كذبت أَي: أمكنت من نَفسك وضعفت فَلهَذَا اتَّسع فِيهِ وأغري بِهِ لِأَنَّهُ مَتى أغري بِشَيْء فقد جعل المغرى بِهِ مُمكنا مستطاعاً إِن رامه المغرى. انْتهى. قَالَ أَبُو حَيَّان فِي شرح التسهيل بعد نَقله لهَذَا الْكَلَام: وَإِذا نصبنا بَقِي كذب بِلَا فَاعل على ظَاهر اللَّفْظ) وَالَّتِي تَقْتَضِيه الْقَوَاعِد أَن هَذَا يكون من بَاب الإعمال فكذب يطْلب الِاسْم على أَنه فاعلٍ وَعَلَيْك

يَطْلُبهُ على أَنه مفعول فَإِذا رفعنَا الِاسْم بكذب كَانَ مفعول عَلَيْك محذوفا لفهم الْمَعْنى التَّقْدِير كذب عليكه الْحَج. وَإِنَّمَا الْتزم حذف الْمَفْعُول لِأَنَّهُ مَكَان اخْتِصَار ومحرف عَن أصل وَضعه فَجرى لذَلِك مجْرى الْأَمْثَال فِي كَونهَا يلْتَزم فِيهَا حالةٌ وَاحِدَة يتَصَرَّف فِيهَا وَإِذا نصبنا الِاسْم كَانَ الْفَاعِل مضمراً فِي كذب يفسره مَا بعده على رَأْي سِيبَوَيْهٍ ومحذوفاً على رَأْي الْكسَائي. وَقَالَ ابْن طريف فِي الْأَفْعَال: وَكذب عَلَيْك كَذَا أَي: عَلَيْك بِهِ مَعْنَاهُ الإغراء إِلَّا أَن الشَّيْء الَّذِي بعد عَلَيْك يَأْتِي مَرْفُوعا. انْتهى. وَقد بسط الْكَلَام على هَذِه الْكَلِمَة الزَّمَخْشَرِيّ فِي الْفَائِق فَلَا بَأْس بإيراده هُنَا وَإِن كَانَ فِيهِ طول. قَالَ فِي حَدِيث الْحجامَة: فَمن احْتجم فِي يَوْم الْخَمِيس والأحد كذباك أَي: عَلَيْك بهما. وَمِنْه حَدِيث عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: كذب عَلَيْكُم الْحَج الحَدِيث السَّابِق. وَعنهُ أَن رجلا أَتَاهُ يشكو إِلَيْهِ النقرس فَقَالَ: كذبتك الظهائر أَي: عَلَيْك الْمَشْي فِي حر الهواجر وابتذال النَّفس. وَعنهُ: أَن عَمْرو بن معد يكرب شكا إِلَيْهِ المعص. فَقَالَ: كذب عَلَيْك الْعَسَل يُرِيد العسلان. فَهَذِهِ كلمة مشكلة قد اضْطَرَبَتْ فِيهَا الْأَقَاوِيل حَتَّى قَالَ بعض أهل اللُّغَة: أظنها من الْكَلَام الَّذِي درج ودرج أَهله وَمن كَانَ يُعلمهُ. وَأَنا لَا أذكر من ذَلِك إِلَّا قَول من هجيراه التَّحْقِيق. قَالَ أَبُو عَليّ: الْكَذِب ضربٌ من القَوْل وَهُوَ نطق كَمَا أَن

القَوْل نطق. فَإِذا جَازَ فِي القَوْل الَّذِي الْكَذِب ضربٌ مِنْهُ أَن يَتَّسِع فِيهِ فَيجْعَل غير نطق على نَحْو قَوْله: قد قَالَت الأنساع للبطن الحقي جَازَ فِي الْكَذِب أَن يَجْعَل غير نطق على نَحْو قَوْله: كذب القراطف والقروف فَيكون ذَلِك انْتِفَاء لَهَا كَمَا أَنه إِذا أخبر عَن الشَّيْء على خلاف مَا هُوَ بِهِ كَانَ انْتِفَاء للصدق فِيهِ. وَكَذَلِكَ قَوْله: كذبت عَلَيْكُم أوعدوني مَعْنَاهُ لست لكم وَإِذا لم أكن لكم وَلم أعنكم كنت منابذاً لكم ومنتفيةً نصرتي عَنْكُم. وَفِي ذَلِك إغراء مِنْهُ لَهُم بِهِ. وَقَوله: كذب الْعَتِيق أَي: لَا وجود للعتيق وَهُوَ التَّمْر فاطلبيه وَإِذا لم تجدي التَّمْر فَكيف تجدين الغبوق. وَقَالَ بَعضهم فِي قَول الْأَعرَابِي وَقد نظر إِلَى جملٍ نضوٍ: كذب عَلَيْك القت والنوى وَرُوِيَ: البزر والنوى وَمَعْنَاهُ أَن القت والنوى ذكرا أَنَّك لَا تسمن بهما فقد كذبا عَلَيْك فَعَلَيْك بهما فَإنَّك تسمن بهما. وَقَالَ أَبُو عَليّ: فَأَما من نصب البزر فَإِن عَلَيْك فِيهِ لَا يتَعَلَّق بكذب وَلكنه

يكون اسْم فعل وَفِيه ضمير الْمُخَاطب وَأما كذب فَفِيهِ ضمير الْفَاعِل كَأَنَّهُ قَالَ: كذب السّمن أَي: انْتَفَى من بعيرك فأوجده بالبزر والنوى. فهما مَفْعُولا عَلَيْك وأضمر السّمن لدلَالَة) الْحَال عَلَيْهِ فِي مُشَاهدَة عَدمه. وَفِي الْمسَائِل القصريات: قَالَ أَبُو بكر فِي قَول من نصب الْحَج فَقَالَ كذب عَلَيْك الْحَج: إِنَّه كلامان كَأَنَّهُ قَالَ: كذب يَعْنِي رجلا ذمّ إِلَيْهِ الْحَج ثمَّ هيج الْمُخَاطب على الْحَج فَقَالَ: عَلَيْك الْحَج. هَذَا وَعِنْدِي قولٌ هُوَ القَوْل وَهُوَ أَنَّهَا كلمة جرت مجْرى الْمثل فِي كَلَامهم وَلذَلِك لم تصرف ولزمت طَريقَة وَاحِدَة فِي كَونهَا فعلا مَاضِيا مُعَلّقا بالمخاطب لَيْسَ إِلَّا وَهِي فِي معنى الْأَمر كَقَوْلِهِم فِي الدُّعَاء: رَحِمك الله وَالْمرَاد بِالْكَذِبِ التَّرْغِيب والبعث من قَول الْعَرَب كَذبته نَفسه إِذا منته الْأَمَانِي وخيلت إِلَيْهِ من الآمال مَا لَا يكَاد يكون وَذَلِكَ مَا يرغب الرجل فِي الْأُمُور ويبعثه على التَّعَرُّض لَهَا. وَيَقُولُونَ فِي عكس ذَلِك: صدقته إِذا ثبطته وخيلت إِلَيْهِ الْعَجز والنكد فِي الطّلب. وَمن ثمَّ قَالُوا للنَّفس: الكذوب. قَالَ أَبُو عَمْرو بن الْعَلَاء: يُقَال للرجل يتهدد الرجل ويتوعده ثمَّ يكذب ويكع: صدقته الكذوب وَأنْشد: (فَأقبل نحوي على قدرةٍ ... فَلَمَّا دنا صدقته الكذوب)

وَأنْشد الْفراء: أَي: نفوسه جعل لَهُ نفوساً لتفرق الرَّأْي وانتشاره. فَمَعْنَى قَوْله: كَذبك الْحَج: ليكذبك أَي: ينشطك وَيَبْعَثُك على فعله. وَأما كذب عَلَيْك الْحَج فَلهُ وَجْهَان: أَحدهمَا أَن يضمن معنى فعلٍ يتَعَدَّى بِحرف الاستعلاء أَو يكون على كلامين كَأَنَّهُ قَالَ: كذب الْحَج عَلَيْك الْحَج أَي: ليرغبك الْحَج وَهُوَ واجبٌ عَلَيْك. فأضمر فِي الأول لدلَالَة الثَّانِي عَلَيْهِ. وَمن نصب الْحَج فقد جعل عَلَيْك اسْم فعل كَمَا سبق وَفِي كذب ضمير الْحَج. انْتهى. وَالْبَيْت الشَّاهِد هُوَ من أبياتٍ سَبْعَة لعنترة صَاحب الْمُعَلقَة. وَرُوِيَ أَيْضا أَنه لخزز ابْن لوذان السدُوسِي. وَكِلَاهُمَا جاهليان. قَالَ الصَّاغَانِي: وَهُوَ مَوْجُود فِي ديوَان أشعارهما. وَهَذِه أَبْيَات عنترة خَاطب بهَا امْرَأَته وَكَانَت لَا تزَال تذكر خيله وتلومه فِي فرسٍ كَانَ يؤثره على سَائِر خيله ويسقيه اللَّبن: (لَا تذكري فرسي وَمَا أطعمته ... فَيكون جِلْدك مثل جلد الأجرب)

. (إِن الغبوق لَهُ وَأَنت مسوءةٌ ... فتأوهي مَا شِئْت ثمَّ تحوبي) (كذب الْعَتِيق وَمَاء شنٍّ باردٌ ... إِن كنت سائلتي غبوقاً فاذهبي) (إِن الرِّجَال لَهُم إِلَيْك وسيلةٌ ... إِن يأخذوك تكحلي وتخضبي) (وَيكون مركبك الْقعُود وحدجه ... وَابْن النعامة عِنْد ذَلِك مركبي) (وَأَنا امرؤٌ إِن يأخذوني عنْوَة ... أقرن إِلَى شَرّ الركاب وأجنب)) وَقَوله: مثل جلد الأجرب أَي: لَا تلوميني فِي إِيثَار فرسي فأبغضك وأهجر مضجعك وأتحاماك كَمَا يتحامى الأجرب من الْإِبِل وَيبعد عَنْهَا لِئَلَّا يعديها. وَقيل مَعْنَاهُ: أضربك فَيبقى أثر الضَّرْب عَلَيْك كالجرب. فَيكون تهددها بِالضَّرْبِ الْأَلِيم. وَقَوله: إِن الغبوق لَهُ إِلَخ الغبوق: شرب اللَّبن بالْعَشي: مَا بَين الزَّوَال إِلَى الْغُرُوب وَقيل: من الزَّوَال إِلَى الصَّباح. ومسوءة أَي: آتٍ إِلَيْك مَا يسوءك بإيثار فرسي عَلَيْك. والتأوه: التحزن وَأَن تَقول: آه توجعاً. والتحوب: التوجع وَيُقَال هُوَ الدُّعَاء على الشَّيْء.

وَقَوله: كذب الْعَتِيق إِلَخ الْعَتِيق هُوَ التَّمْر الْقَدِيم. قَالَ الدينَوَرِي فِي كتاب النَّبَات: يُقَال عتق وَعتق بِالْفَتْح وَالضَّم إِذا تقادم. والعتيق: اسْم للتمر علم. وَأنْشد هَذَا الْبَيْت. والشن: الْقرْبَة الْخلق وَالْمَاء يكون فِيهَا أبرد مِنْهُ فِي الْقرْبَة الجديدة. يَقُول: عَلَيْك بِالتَّمْرِ فكليه وَالْمَاء الْبَارِد فاشربيه ودعيني أوثر فرسي بِاللَّبنِ. وَإِن تعرضت لشرب اللَّبن فاذهبي. وَإِنَّمَا يتوعدها بِالطَّلَاق. وَقد أورد سِيبَوَيْهٍ هَذَا الْبَيْت فِي بَاب وُجُوه القوافي فِي الإنشاد على أَنه سمع من الْعَرَب من ينشده: إِن كنت سائلتي غبوقاً فَاذْهَبْ بِسُكُون الْبَاء لأَنهم لم يُرِيدُوا الترنم. وَقَوله: إِن الرِّجَال إِلَخ ويروى: إِن الْعَدو والوسيلة: الْقرْبَة وَقيل: الْمنزلَة الْقَرِيبَة. قَالَ الأعلم فِي شرح مُخْتَار شعر عنترة: هَذَا مِنْهُ وعيدٌ وتخويفٌ أَن تسبى فيستمتع الرِّجَال بهَا وَكَذَلِكَ قَالَ: تكحلي وتخضبي. وَالْمعْنَى: إِن أخذوك تكحلت وتخضبت لَهُم ليستمتعوا بك. وَقَالَ ابْن الشجري: أَن يأخذوك مَوْضِعه نصب بِتَقْدِير حذف الْخَافِض أَي: فِي أَن يأخذوك أَي: لَهُم قربَة إِلَيْك فِي أَخذهم إياك. قَذفهَا بإرادتها أَن تُؤْخَذ مسبية. هَذَا كَلَامه وَهَذَا تحريفٌ مِنْهُ فَإِن إِن شَرْطِيَّة لَا مَفْتُوحَة مَصْدَرِيَّة وَقد جزمت الشَّرْط وَالْجَزَاء. وَقد غفل عَنْهُمَا.

وَقَوله: وَيكون إِلَخ الْقعُود بِفَتْح الْقَاف: مَا اتخذ من الْإِبِل للرُّكُوب خَاصَّة. والحدج بِكَسْر المهمل وَآخره جِيم: مركبٌ من مراكب النِّسَاء. وروى بدله: رَحْله. وَابْن النعامة: اسْم فرسه. وَقيل: هُوَ الطَّرِيق وَقيل: هُوَ صدر الْقَوْم. يَقُول: إِن أخذوك حملت سبيةً على قعُود ونجوت أَنا على فرسي. وَالْمعْنَى على الثَّانِي وَالثَّالِث أَنه إِن أسر يمشي رَاجِلا مهاناً. وَقَوله: وَأَنا امْرُؤ إِلَخ الْعنَّة بِالْفَتْح: القسر والقهر. والركاب: الْإِبِل الَّتِي يحمل عَلَيْهَا الأثقال. وأقرن أَي: ألصق بهَا وَأَجْعَل مَقْرُونا إِلَيْهَا. وأجنب: أقاد. يَقُول: إِن أخذت عنْوَة قرنت إِلَى شَرّ الْإِبِل وجنبت كَمَا تجنب الدَّابَّة. وَقَوله: إِنِّي أحاذر إِلَخ الظعينة: الزَّوْجَة مَا دَامَت فِي) الهودج. والتلبب: التحزم أَي: تحزم للمحاربة. وَقيل: هُوَ الدُّخُول فِي السِّلَاح. وَقَوله: هَذَا غبارٌ يَعْنِي غُبَار الْخَيل عِنْد الْغَارة. والساطع: المستطير فِي السَّمَاء. وترجمة عنترة تقدّمت فِي الشَّاهِد الثَّانِي عشر أول الْكتاب. وترجمة ابْن لوذان تقدّمت أَيْضا فِي الشَّاهِد الْعشْرين بعد الْمِائَة. أصل الْكَذِب الْإِخْبَار على خلاف الْوَاقِع. قَالَ ابْن قُتَيْبَة: الْكَذِب يكون فِي الْمَاضِي وَالْخلف فِي الْمُسْتَقْبل. قَالَ ابْن السَّيِّد: هَذَا الْأَكْثَر

وَالْأَشْهر. وَقد جَاءَ الْكَذِب مُسْتَعْملا فِي الْمُسْتَقْبل. قَالَ تَعَالَى: ذَلِك وعدٌ غير مَكْذُوب. وَمن الْمجَاز حَدِيث: صدق الله وَكذب بطن أَخِيك. قَالَ صَاحب النِّهَايَة: اسْتعْمل الْكَذِب هَا هُنَا مجَازًا حَيْثُ هُوَ ضد الصدْق. وَالْكذب يخْتَص بالأقوال فَجعل بطن أَخِيه حَيْثُ لم ينجع فِيهِ الْعَسَل كَاذِبًا لِأَن الله تَعَالَى قَالَ: فِيهِ شفاءٌ للنَّاس. وَقد ألف أَبُو بكر بن الْأَنْبَارِي رِسَالَة فِي مَعَاني الْكَذِب قَالَ: الْكَذِب يَنْقَسِم على خَمْسَة أَقسَام: إِحْدَاهُنَّ: تَغْيِير الحاكي مَا يسمع وَقَوله مَا لَا يعلم نقلا وَرِوَايَة. وَهَذَا الْقسم هُوَ الَّذِي يؤثم ويهضم الْمُرُوءَة. الثَّانِي: أَن يَقُول قولا يشبه الْكَذِب. وَلَا يقْصد بِهِ إِلَّا الْحق وَمِنْه حَدِيث كذب إِبْرَاهِيم ثَلَاث كذبات فِي قَوْله: إِنِّي سقيم. وَفِي قَوْله: بل فعله كَبِيرهمْ هَذَا وَفِي قَوْله: سارة أُخْتِي أَي: قَالَ قولا يشبه الْكَذِب. وَهُوَ صادقٌ فِي الثَّلَاث لِأَن معنى إِنِّي سقيم: الْمَوْت فِي عنقِي وَمن الْمَوْت فِي عُنُقه سقيمٌ أبدا. وَقَوله: بل فعله كَبِيرهمْ هَذَا تَأْوِيله فعله الْكَبِير إِن كَانُوا ينطقون فَهُوَ فِي الْحَقِيقَة لَا يفعل كَمَا ينطقون أبدا. وَتَأْويل قَوْله: سارة أُخْتِي هِيَ أُخْتِي فِي ديني لَا فِي نسبي. الثَّالِث: بِمَعْنى الْخَطَأ نَحْو: أقدر أَن فلَانا فِي منزله السَّاعَة فَيُقَال

لقائله: صدقت وكذبت. فَتَأْوِيل صدقت أصبت وَمعنى كذبت أَخْطَأت. قَالَ ابْن الْأَثِير فِي النِّهَايَة: وَمِنْه حَدِيث صَلَاة الْوتر: كذب أَبُو مُحَمَّد أَي: أَخطَأ سَمَّاهُ كذبا لِأَنَّهُ شَبيه فِي كَونه ضد الصَّوَاب كَمَا أَن الْكَذِب ضد الصدْق وَإِن افْتَرقَا من حَيْثُ النِّيَّة وَالْقَصْد لِأَن الْكَاذِب يعلم أَن مَا يَقُوله كذب والمخطئ لَا يعلم. وَهَذَا الرجل لَيْسَ بمخبر وَإِنَّمَا قَالَه بِاجْتِهَاد أَدَّاهُ إِلَى أَن الْوتر وَاجِب. وَالِاجْتِهَاد لَا يدْخلهُ الْكَذِب وَإِنَّمَا يدْخلهُ الْخَطَأ. وَأَبُو مُحَمَّد: صحابيٌّ اسْمه مَسْعُود بن زيد. وَقد اسْتعْملت الْعَرَب الْكَذِب فِي مَوضِع الْخَطَأ. قَالَ الأخطل: (كذبتك عَيْنك أم رَأَيْت بواسطٍ ... غلس الظلام من الربَاب خيالا) انْتهى. الرَّابِع: البطول كذب الرجل بِمَعْنى بَطل عَلَيْهِ أمله وَمَا رجاه. قَالَ أَبُو دوادٍ الْإِيَادِي: (قلت لما ظهرا فِي قنةٍ ... كذب العير وَإِن كَانَ برح)) مَعْنَاهُ كذب العير أمله وَبَطل عَلَيْهِ مَا قدر لِأَنَّهُ كَانَ أمل السَّلامَة مني لما برح. وَتَفْسِير برح أَخذ من جِهَة شمَالي مَاضِيا على يَمِيني فَلَمَّا قلبت

عَلَيْهِ الرمْح وطعنته بَطل عَلَيْهِ مَا كَانَ أمل من التَّخَلُّص والسلامة. وَقد قيل فِي هَذَا الْبَيْت: (كَذبْتُمْ وَبَيت الله لَا تأخذونها ... مغالبةً مَا دَامَ للسيف قَائِم) إِن مَعْنَاهُ: كذبكم أَملكُم. وَمثله أَيْضا قَوْله: (كَذبْتُمْ وَبَيت الله لَا تنكحونها ... بني شَاب قرناها تصر وتحلب) (كَذبْتُمْ وَبَيت الله نبزي مُحَمَّدًا ... وَلما نطاعن دونه ونناضل) مَعْنَاهُ: بَطل عَلَيْكُم مَا أملتم. وَقَالَ بعض أهل اللُّغَة فِي قَول الله تَعَالَى: انْظُر كَيفَ كذبُوا على أنفسهم: انْظُر كَيفَ بَطل عَلَيْهِم أملهم لأَنهم لما قَالُوا: وَالله رَبنَا مَا كُنَّا مُشْرِكين رجوا أَن يَزُول عَنْهُم بِهَذَا القَوْل الْبلَاء وَلم يحلفوا على الَّذِي أَقْسمُوا عَلَيْهِ إِلَّا وَهُوَ فِي معتقدهم حق إِذْ كَانُوا فِي حَالَة مَا أَقْسمُوا على مَا قدروه فِي دَار الدُّنْيَا من أَن الشّرك غير شرك وَأَن الْكفْر هدى وإيمان.

وَمن كَانَت هَذِه سَبيله فَلَيْسَ كذبه إِلَّا من جِهَة بطول أمله. وَقد خُولِفَ هَذَا اللّغَوِيّ. انْتهى. وَمِنْه قَول سِيبَوَيْهٍ: وَهُوَ محالٌ كذب أَي: بَاطِل وفاسد قَالَه فِي الْكَلَام المختل وَهُوَ الَّذِي لَا تحصل فَائِدَته نَحْو: سَوف أشْرب مَاء الْبَحْر أمس وَقد شربت مَاء الْبَحْر غَدا. قَالَ أَبُو حَيَّان فِي تَذكرته: وَخَالفهُ فِيهِ أَصْحَابه: الْأَخْفَش والمازني والمبرد فَقَالُوا: هَذَا الْقسم محالٌ وَلَيْسَ كذب لِأَنَّهُ لَا يحصل لَهُ معنى. وَالْكذب سَبيله أَن يَقع لما يُخَاطب بِمَعْنَاهُ. قَالَ أَبُو بكر: وَقَول سِيبَوَيْهٍ عِنْدِي صَحِيح لِأَن الْكَذِب يَقع على الْفَاسِد من القَوْل كَمَا يَقع الصدْق على الصَّحِيح مِنْهُ. وجائزٌ عِنْدِي أَن يُقَال محالٌ لكل مَا لَا يحصل مَعْنَاهُ من الْخَطَأ وَالْكذب من حَيْثُ أَن تأميل الْمحَال فِي اللُّغَة المغير عَن الصَّوَاب المزال عَن طَرِيق الصِّحَّة. فَمن كذب وَأَخْطَأ فِي قَول يفهم عَنهُ فقد أحَال. انْتهى. قَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: وَمِمَّا يدل على أَن كذب بِمَعْنى أَخطَأ وَهُوَ مصحح لقَوْل سِيبَوَيْهٍ ومبطل لمَذْهَب مخالفيه: أَن عُرْوَة بن الزبير ذكر عِنْد عمر بن عبد الْعَزِيز مَا كَانَت عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها تخص بِهِ عبد الله بن الزبير من الْبر والأثرة والمحبة فَقَالَ لَهُ عمر: كذبت وبالحضرة عبيد الله بن عبد الله فَقَالَ: إِنِّي مَا كذبت وَإِن أكذب الْكَاذِبين لمن كذب الصَّادِقين. قَالَ أَبُو بكر: فَلَا يحمل هَذَا من قَول عمر بن عبد الْعَزِيز إِلَّا على أَنه أَرَادَ أَخْطَأت إِذْ الْمَعْنى الآخر يلْزم عمر كذبا فيأثم. وَجَوَاب عُرْوَة وَقع على غير الْمَعْنى الَّذِي قصد لَهُ عمر لِأَنَّهُ) حِين غضب حمل كذب على معنى قلت غير الْحق.

وَمثله قَول مُعَاوِيَة للنَّاس: كَيفَ ابْن زِيَاد فِيكُم قَالُوا: ظريفٌ على أَنه يلحن. قَالَ: فَذَاك أظرف لَهُ. أَرَادَ الْقَوْم بقَوْلهمْ يلحن: يُخطئ وَذهب مُعَاوِيَة إِلَى أَنهم أَرَادوا يلحن بِمَعْنى يفْطن ويصيب من قَول الْعَرَب: فلانٌ أَلحن بحجته من فلَان. وَقد حُكيَ عَن بعض أَصْحَاب رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أَنه حُكيَ لَهُ عَن صَحَابِيّ روايةٌ رَوَاهَا عَن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فَقَالَ: كذب يَعْنِي أَخطَأ. لَا مُحْتَمل لهَذَا غير التَّأْوِيل إِذْ هم معادن التَّقْوَى والورع وأرباب الصدْق وَالْفضل وَصفهم الله بِالصّدقِ بقوله: وينصرون الله وَرَسُوله أُولَئِكَ هم الصادقون. وَيُقَال: كذبت الرجل إِذا كَذبته فِيمَا هُوَ فِيهِ كَاذِب. وكذبته إِذا نسبته إِلَى الْكَذِب فِيمَا هُوَ صَادِق. قَالَ الله تَعَالَى: فَإِنَّهُم لَا يكذبُونَك أَرَادَ لَا يصححون عَلَيْك الْكَذِب وَإِن نسبوك إِلَيْهِ. قَالَ أَبُو بكر: وَقد أجبْت عَنْهَا بجوابٍ آخر فَإِنَّهُم لَا يكذبُونَك بقَوْلهمْ عِنْدَمَا ينسبونك إِلَى الْكَذِب بألسنتهم لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ كَانَ عِنْدهم علما فِي الصدْق قبل النُّبُوَّة وَبعدهَا وَلذَلِك كَانُوا يَدعُونَهُ: الْأمين. وأنشدنا أَحْمد بن يحيى لِابْنِ الدمينة: (حَلَفت لَهَا أَن قد وجدت من الْهوى ... أَخا الْمَوْت لَا بدعاً وَلَا متأشبا)

. (وَقد زعمت لي مَا فعلت فَكيف بِي ... إِذا كنت مَرْدُود الْمقَال مُكَذبا) أَرَادَ مَنْسُوبا إِلَى الْكَذِب فِيمَا أَنا فِيهِ محقٌّ صَادِق. وَالْمعْنَى الْخَامِس من الْمعَانِي كذب: الإغراء. وَقد تقدم الْكَلَام فِيهِ فِي أول الشَّاهِد. وَأنْشد بعده: (وذبيانيةٍ أوصت بنيها ... بِأَن كذب القراطف والقروف) على أَن كذب فِيهِ مستعملٌ فِي الإغراء والقراطف فَاعله وَالْمعْنَى على المفعولية أَي: عَلَيْكُم بالقراطف وبالقروف فاغنموهما. وَتقدم مَا يتَعَلَّق بكذب فِي الْبَيْت الَّذِي قبله: (تجهزهم بِمَا استطاعت وَقَالَت ... بني فكلكم بطلٌ مسيف) (فأخلفنا مودتها ففاظت ... ومأقي عينهَا حدرٌ نطوف) والأبيات من قصيدةٍ لمعقر الْبَارِقي وَكَانَ حليفاً لبني نمير ومدحهم فِيهَا وَذكر مَا فعلوا ببني ذبيان. وَقد تقدّمت تَرْجَمته مَعَ شرحها فِي الشَّاهِد الثَّالِث وَالثَّلَاثِينَ بعد الثلثمائة.

وَهَذَا شرحها بِاخْتِصَار. يَقُول: رب امْرَأَة ذبيانية أمرت بنيها أَن يكثروا من نهب هذَيْن الشَّيْئَيْنِ إِن ظفروا ببني نمير وَذَلِكَ لحاجتهم وَقلة مَالهم. والقراطف: جمع قرطف كجعفر وَهُوَ كسَاء مخمل.) والقروف: جمع قرف بِفَتْح الْقَاف وَسُكُون الرَّاء: وعَاء من جلد يدبغ بالقرفة بِالْكَسْرِ وَهِي قشور الرُّمَّان يَجْعَل فِيهِ الْخلْع بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَسُكُون اللَّام وَهُوَ لحم يطْبخ بالتوابل يوضع فِي القرف ويزود بِهِ فِي الْأَسْفَار. وَبني: منادى. والمسيف: الَّذِي قد هلك إبِله ومواشيه. يُقَال: أساف الرجل أَي: هَلَكت مواشيه بالسواف بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَضمّهَا وَهُوَ مرض الدَّوَابّ وطاعونها. يَعْنِي أَن أَوْلَادهَا فُقَرَاء قد هَلَكت مَوَاشِيهمْ. تحرضهم على الْغَنِيمَة. وَقَوله: فأخلفنا مودتها إِلَخ أَي: أخلفنا مأمولها. وفاظت: مَاتَت. والمأقي: لُغَة فِي الموق وَهُوَ طرف الْعين من نَاحيَة الْأنف. وحدر وصفٌ بِمَعْنى منحدر. ونطوف: سَائل يُقَال: نطف المَاء إِذا سَالَ. يَعْنِي مَاتَت وَهِي فِي هَذِه الْحَالة. وَأنْشد بعده الشَّاهِد الرَّابِع وَالْخَمْسُونَ بعد الأربعمائة (يَا أَيهَا المائح دلوي دونكا ... إِنِّي رَأَيْت النَّاس يحمدونكا)

على أَن مَعْمُول اسْم الْفِعْل يجوز تقدمه عَلَيْهِ كَمَا هُنَا فَإِن قَوْله: دلوي مفعول دونكا وَالْمعْنَى: خُذ دلوي وَمنعه البصريون فَجعلُوا دلوي مُبْتَدأ ودونك ظرفا لَا اسْم فعل أَي: دلوي قدامك فَخذهَا فدونك ظرف خبر الْمُبْتَدَأ. وَقد بَين الْفراء مَذْهَب الْكُوفِيّين فِي تَفْسِيره عِنْد قَوْله تَعَالَى: كتاب الله عَلَيْكُم من سُورَة النِّسَاء قَالَ: قَوْله: كتاب الله عَلَيْكُم كَقَوْلِك: كتابا من الله عَلَيْكُم. وَقد قَالَ بعض أهل النَّحْو: مَعْنَاهُ عَلَيْكُم كتاب الله. وَالْأول أشبه بِالصَّوَابِ. وقلما تَقول الْعَرَب: زيدا عَلَيْك أَو زيدا دُونك وَهُوَ جَائِز كَأَنَّهُ مَنْصُوب بِشَيْء مُضْمر قبله. وَقَالَ الشَّاعِر: يَا أَيهَا المائح دلوي دونكا الدَّلْو رفع كَقَوْلِك: زيد فَاضْرِبُوهُ: هَذَا زيدٌ فَاضْرِبُوهُ. وَالْعرب تَقول: اللَّيْل فبادروا. وتنصب الدَّلْو بمضمر فِي الخلفة كَأَنَّك قلت: دُونك دلوي دُونك. انْتهى. وَتعقبه الزّجاج فِي تَفْسِيره قَالَ فِي كتاب الله: مَنْصُوب على التوكيد مَحْمُول على الْمَعْنى لِأَن الْمَعْنى: حرمت عَلَيْكُم أُمَّهَاتكُم كتب الله عَلَيْكُم هَذَا كتابا. وَقد يجوز أَن يكون مَنْصُوبًا على جِهَة الْأَمر وَيكون عَلَيْكُم مُفَسرًا لَهُ فَيكون الْمَعْنى: الزموا كتاب الله عَلَيْكُم. وَلَا يجوز أَن سُكُون مَنْصُوبًا ب عَلَيْكُم لِأَن قَوْلك: عَلَيْك زيدا لَيْسَ لَهُ ناصب فِي اللَّفْظ متصرف فَيجوز تَقْدِيم منصوبه. وَقَول الشَّاعِر:

يَا أَيهَا المائح دلوي دونكا) يجوز أَن يكون دلوي فِي مَوضِع نصب بإضمار: خُذ دلوي وَلَا يجوز أَن يكون على: دُونك دلوي لما شرحنا. وَيجوز أَن يكون دلوي فِي مَوضِع رفع الْمَعْنى: هَذِه دلوي دُونك. انْتهى. وَقد أورد هَذِه الْمَسْأَلَة ابْن الْأَنْبَارِي فِي مسَائِل الْخلاف فَقَالَ: ذهب الْكُوفِيُّونَ إِلَى أَن عَلَيْك وعندك ودونك يجوز تَقْدِيم معمولاتها كَمَا فِي الْآيَة وَالْبَيْت وَلِأَنَّهَا قَامَت مقَام الْفِعْل فتعمل كعمله. وَمنعه البصريون وَالْفراء وَقَالُوا: إِن كتاب الله مَنْصُوب بكتب مُقَدرا وَإِن دلوي خبر مُبْتَدأ مُقَدّر أَو مَنْصُوب بِفعل مَحْذُوف كخذ يفسره دُونك لَا بدونك. وَأَجَابُوا عَن الثَّانِي بِأَن الْفِعْل متصرف فِي نَفسه فتصرف فِي عمله وَهَذِه الْأَلْفَاظ لَا تسْتَحقّ عملاٍ وَإِنَّمَا أعملت لقيامها مقَام الْفِعْل وَهِي غير متصرفة فِي نَفسهَا فَلَا تتصرف فِي عَملهَا فَلَا يقدم معمولها. انْتهى. وَقَوله: إِن الْفراء تبع الْبَصرِيين مُخَالف لنَصّ كَلَامه فَإِنَّهُ صرح بِجَوَاز عمله مُؤَخرا ومحذوفاً. وردهما الزّجاج وَجعل دلوي مَنْصُوبًا بِفعل مَحْذُوف يفسرهدونك. فدونك على هَذَا اسْم فعل قد حذف مَفْعُوله أَي: دونكه. وَيكون فِي جعله دلوي خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف دُونك ظرفا فِي مَوضِع الْحَال لَا اسْم فعل. وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ غير مَا وَجه بِهِ الشَّارِح الْمُحَقق وَإِنَّمَا حَكَاهُ عَن الْبَصرِيين لِأَنَّهُ تخريجٌ مُوَافق لقواعدهم. وَقد وَجه بِهِ أَيْضا ابْن هِشَام فِي: شرح الْقطر وَفِي الْمُغنِي.

وَقَول الشَّيْخ خَالِد فِي التَّصْرِيح: وَفِيه نظرٌ لِأَن الْمَعْنى لَيْسَ على الْخَيْر الْمَحْض حَتَّى يخبر عَن الدَّلْو بِكَوْنِهِ دونه لَا وجد لَهُ كَمَا قَالَ عبد الله الدنوشري: وَمَا الْمَانِع من أَن يكون خَبرا مَحْضا قصد بِهِ التَّنْبِيه على أَن الدَّلْو أَمَامه وَيكون الدَّال على الْأَمر بِأخذ الدَّلْو مُقَدرا. وَالتَّقْدِير: فتناوله. وَجوز ابْن مَالك أَن يكون دلوي مَنْصُوبًا بدونك مضمرة مدلولاً عَلَيْهَا بدونك الْمَذْكُورَة مُسْتَندا لقَوْل سِيبَوَيْهٍ فِي زيدا عَلَيْك: كَأَنَّك قلت: عَلَيْك زيدا. وَقد رده الزّجاج وَغَيره. قَالَ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي: شَرط الْحَذف أَلا يُؤَدِّي إِلَى اخْتِصَار الْمُخْتَصر فَلَا يحذف اسْم الْفَاعِل دون معموله لِأَنَّهُ اخْتِصَار للْفِعْل. وَأما قَول سيبوبه فِي: زيدا فاقتله وَفِي: شَأْنك وَالْحج وَقَوله: يَا أَيهَا المائح دلوي دونكا إِن التَّقْدِير: عَلَيْك زيدا وَعَلَيْك الْحَج ودونك دلوي فَقَالُوا: إِنَّمَا أَرَادَ تَفْسِير الْمَعْنى لَا الْإِعْرَاب وَإِنَّمَا التَّقْدِير: خُذ دلوي والزم زيدا والزم الْحَج. وَيجوز فِي دلوي أَن يكون مُبْتَدأ ودونك خَبره. انْتهى. وَظَاهره أَن الْبَيْت ذكره سِيبَوَيْهٍ فِي كِتَابه. وَلَيْسَ كَذَلِك فَإِنَّهُ لم يُورِدهُ فِي الْبَتَّةَ. وَلم يُورد) الدماميني هُنَا شَيْئا سوى مَا نَقله عَن الشَّارِح الْمُحَقق من أَنه لَا يجوز تقدم مَعْمُول اسْم الْفِعْل عَلَيْهِ. والمائح: فَاعل من الميح بِالْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّة والحاء الْمُهْملَة قَالَ صَاحب الصِّحَاح: المائح الَّذِي ينزل الْبِئْر فَيمْلَأ الدَّلْو وَذَلِكَ إِذا قل مَاؤُهَا وَالْجمع ماحةٌ وَقد ماح يميح. وَأنْشد هَذَا الْبَيْت. وَأما الماتح بِالْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّة

فَهُوَ الَّذِي يَسْتَقِي المَاء يُقَال: متح المَاء يمتحه متحاً من بَاب فتح إِذا نَزعه بالدلو. وبئر متوح للَّتِي يمد مِنْهَا باليدين على البكرة. والبيتان لراجز جاهلي من بني أسيد بن عَمْرو بن تَمِيم وَلَهُمَا قصَّة أوردهَا أَبُو رياش وَأَبُو عبد الله النمري وَأَبُو مُحَمَّد الْأسود الْأَعرَابِي فِي شروحهم لحماسة أبي تَمام. قَالَ أَبُو مُحَمَّد الْأسود: أمْلى علينا أَبُو الندى قَالَ: كَانَ وَائِل بن صريم الغبري ذَا منزلَة من الْمُلُوك وَمَكَان عِنْدهم وَكَانَ مفتوق اللِّسَان حلوه وَكَانَ جميلا فَبَعثه عَمْرو بن هِنْد اللَّخْمِيّ ساعياً على بني تَمِيم فاخذ الإتاوة مِنْهُم حَتَّى استوفى مَا عِنْدهم غير بني أسيد بن عَمْرو بن تَمِيم وَكَانُوا على طويلع فَأَتَاهُم فَنزل بهم وَجمع النعم وَالشَّاء فَأمر بإحصائه وَفِيمَا هُوَ قاعدٌ على بئرٍ أَتَاهُ شيخٌ مِنْهُم فحدثه فَغَفَلَ وَائِل فَدفعهُ الشَّيْخ فَوَقع فِي الْبِئْر فَاجْتمعُوا فَرَمَوْهُ بِالْحِجَارَةِ حَتَّى قَتَلُوهُ وهم يرتجزون وَيَقُولُونَ: (يَا أَيهَا المائح دلوي دونكا ... إِنِّي رَأَيْت النَّاس يحمدونكا) إِنَّمَا هَذَا هزءٌ بِهِ فَبلغ الْخَبَر أَخَاهُ باعث بن صريم فعقد لِوَاء ونادى فِي غبر فَسَارُوا وآلى أَن يقتلهُمْ على دم وَائِل حَتَّى يلقِي الدَّلْو فتمتلئ دَمًا فَقتل باعث مِنْهُم ثَمَانِينَ رجلا وَأسر عدَّة وَقدم رجلا مِنْهُم يُقَال لَهُ: قمامة فذبحه حَتَّى ألْقى دلوه فَخرجت ملأى دَمًا. وَلم يزل يُغير عَلَيْهِم زَمَانا وَقتل

مِنْهُم فَأكْثر حَتَّى أَن الْمَرْأَة من بني أسيد كَانَت تعثر فَتَقول: تعست غبر وَلَا لقِيت الظفر وَلَا سقيت الْمَطَر وعدمت النَّفر. وَقَالَ باعث فِي ذَلِك: (إِذْ أرسلوني مائحاً لدلائهم ... فملأتها حَتَّى الْعِرَاقِيّ بِالدَّمِ) انْتهى. والغبري: نِسْبَة إِلَى غبر بِضَم الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَفتح الْمُوَحدَة قَبيلَة. وَأسيد بِضَم الْهمزَة وَفتح السِّين وَتَشْديد الْيَاء الْمَكْسُورَة. وَقد أنشدتهما جاريةٌ من بني مَازِن وضمت إِلَيْهِمَا بَيْتَيْنِ آخَرين. وَقَالَ الصغاني فِي الْعباب فِي مَادَّة الميح وَنَقله الْعَيْنِيّ: وَمِنْه حَدِيث الْبَراء بن عَازِب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: أَتَى رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ على بئرٍ ذمةٍ فنزلناها سِتَّة ماحةً وَنزل فِيهَا نَاجِية بن جُنْدُب الْأَسْلَمِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه بِأَمْر رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فأدلت جاريةٌ من بني مَازِن دلوها وَقَالَت:) (يَا أَيهَا المائح دلوي دونكا ... إِنِّي رَأَيْت النَّاس يحمدونكا) (يثنون خيرا ويمجدونك ... خُذْهَا إِلَيْك اشغل بهَا يمينكا) فأجابها نَاجِية: (قد علمت جَارِيَة يمانيه ... أَنِّي أَنا المائح واسمي ناجيه)

. (وطعنةٍ ذَات رشاشٍ واهيه ... طعنتها تَحت صُدُور العاديه) انْتهى. وبئر ذمَّة بِالْوَصْفِ أَي: قَليلَة المَاء أَي: إِنَّهَا تذم لقلَّة مَائِهَا. والذميم: المَاء الْمَكْرُوه. ومازن: اسْم ثَلَاث قبائل فِي عدنان. وَهَذَا يُخَالِفهُ قَول نَاجِية: فَإِن أهل الْيمن كلهم من قحطان. وَأثْنى عَلَيْهِ خيراُ من الثَّنَاء وَهُوَ الْوَصْف الْجَمِيل فَعَلَيْك فِي الرجز مقدرَة. ويمجدونك: يذكرونك بالمجد وَهُوَ الْعِزّ والشرف وَالْكَرم. وشغل من بَاب نفع. وطعنة أَي: رب طعنة. ورشاش الطعنة بِالْفَتْح: الدَّم المتطاير مِنْهَا. وأرشت الطعنة بِالْألف: نفذت فأنهرت الدَّم. كَذَا فِي الْمِصْبَاح. وَزعم الشَّامي فِي السِّيرَة أَنه بِالْفَتْح جمع رش وَالْمرَاد بِهِ الْمَطَر الْقَلِيل. هَذَا كَلَامه. وواهية: صفة طعنة أَي: منشقة مسترخية. والعادية قَالَ الشَّامي: هم الَّذين يعدون: يسرعون الجري. وَأخذ الْعَيْنِيّ من ظَاهر نقل الصَّاغَانِي أَن الْبَيْتَيْنِ الْأَوَّلين لتِلْك الْجَارِيَة وَلَيْسَ كَذَلِك. وروى السُّيُوطِيّ فِي شَوَاهِد الْمُغنِي عَن الْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن ابْن إِسْحَاق قَالَ: زعمت أسلم أَن جَارِيَة من الْأَنْصَار أَقبلت بدلوها عَام الْحُدَيْبِيَة وَنَاجِيَة بن جُنْدُب الْأَسْلَمِيّ صَاحب بدن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فِي القليب يميح على النَّاس فَقَالَت. وَأنْشد الشعرين: خُذْهَا إِلَيْك اشغل بهَا يمينكا وَقَوله: جَارِيَة من الْأَنْصَار يُوَافقهُ قَوْله: جَارِيَة يَمَانِية فَإِن أصل الْأَنْصَار من الْيمن. وَكَذَا روى الشَّامي فِي السِّيرَة.

وَزعم ابْن الشجري فِي أَمَالِيهِ أَن الْبَيْتَيْنِ لرؤبة وَأَنه لم يستسق مَاء فِي الْحَقِيقَة وَإِنَّمَا طلب عَطاء. وَكِلَاهُمَا لَا أصل لَهُ كَمَا عرفت. وَالْبَيْت الَّذِي لرؤبة إِنَّمَا هُوَ هَذَا: أَي: كَأَن النَّاقة فِي السرعة دلوٌ ملأى وصلت إِلَى فَم الْبِئْر ثمَّ انْقَطع حبلها فهوت فِيهَا. والماتح هُنَا بِالْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّة هُوَ الَّذِي يَسْتَقِي على رَأس الْبِئْر. وَالْكرب بِفتْحَتَيْنِ: الْحَبل الَّذِي يشد على عرقوة الدَّلْو. وروى الزجاجي فِي أَمَالِيهِ قَالَ: حَدثنَا ابْن دُرَيْد قَالَ: أخبرنَا أَبُو حَاتِم قَالَ: أخبرنَا أَبُو عُبَيْدَة قَالَ: كتبت امرأةٌ من الْعَرَب إِلَى طَلْحَة الطلحات:) (يَا أَيهَا الماتح دلوي دونكا ... إِنِّي رَأَيْت النَّاس يحمدونكا) يثنون خيرا ويمجدونكا فَلَمَّا قَرَأَ طَلْحَة الْكتاب أحب أَن لَا يفْطن الرَّسُول فَقَالَ: مَا أيسر مَا سَأَلت إِنَّمَا سَأَلت جنبة. ثمَّ أَمر بجنبةٍ عَظِيمَة فقورت وملئت دَنَانِير وَكتب إِلَيْهَا: ...

(إِنَّا ملأناها تفيض فيضا ... فَلَنْ تخافي مَا حييت غيضا) خذي لَك الْجنب وعودي أَيْضا وغيضاً من غاض المَاء فِي الأَرْض إِذا غَار فِيهَا وانمحق. وَأنْشد بعده: (أَلا أَيهَا الطير المربة بالضحى ... على خالدٍ لقد وَقعت على لحم) على أَن تَنْوِين لحمٍ للإبهام والتفخيم أَي: لحم وَأي لحم. تقدم شَرحه مفصلا فِي الشَّاهِد الثَّامِن وَالْأَرْبَعِينَ بعد الثلثمائة من بَاب النَّعْت. وَأنْشد بعده: (وقفنا فَقُلْنَا إيه عَن أم سَالم ... وَمَا بَال تكليم الديار البلاقع) على أَن ابْن السّكيت والجوهري قَالَا: إِنَّمَا جَاءَ ذُو الرمة هُنَا ب إيه غير منون مَعَ أَنه موصولٌ بِمَا بعده لِأَنَّهُ نوى الْوَقْف.

هَذَا الْكَلَام نَقله الْجَوْهَرِي عَن ابْن السّكيت ثمَّ نقل عَن ابْن السّري الزّجاج أَنه قَالَ: إِذا قلت: إيه يَا رجل فَإِنَّمَا تَأمره بِأَن يزيدك من الحَدِيث الْمَعْهُود بَيْنكُمَا كَأَنَّك قلت: هَات الحَدِيث. فَإِن قلت: إيهٍ بِالتَّنْوِينِ فكأنك قلت: هَات حَدِيثا مَا لِأَن التَّنْوِين تنكير. وَذُو الرمة أَرَادَ التَّنْوِين فَتَركه للضَّرُورَة. انْتهى. وَإِنَّمَا كَانَ ترك التَّنْوِين ضَرُورَة لِأَنَّهُ أَرَادَ من الطلل أَن يُخبرهُ عَنْهَا أَي حديثٍ كَانَ وَلَيْسَ فِيهِ مَا يَقْتَضِي أَن يحدثه حَدِيثا معهوداً. كَذَا قيل وَفِيه أَنه إِنَّمَا طلب حَدِيثا مَخْصُوصًا وَهُوَ الحَدِيث عَن أم سَالم. وَبِه يسْقط قَول ثَعْلَب فِي أَمَالِيهِ: تَقول الْعَرَب: إيه بِالتَّنْوِينِ بِمَعْنى حَدثنَا. وَأما قَول ذِي الرمة فَإِنَّهُ ترك التَّنْوِين وَبنى على الْوَقْف وَمَعْنَاهُ إيه أَي: حَدثنَا. قَالَ ابْن جني فِي سر الصِّنَاعَة: تَنْوِين التنكير لَا يُوجد فِي معرفَة وَلَا إِلَّا تَابعا لحركات الْبناء وَذَلِكَ نَحْو: إيه فَإِذا نونت وَقلت: إيهٍ فكأنك قلت: استزادةً. وَإِذا قلت: إيه فكأنك قلت: الاستزادة. فَصَارَ التَّنْوِين علم التنكير وَتَركه علم التَّعْرِيف. قَالَ ذُو الرمة: وقفنا فَقُلْنَا إيه عَن أم سالمٍ فَكَأَنَّهُ قَالَ: الاستزادة. وَأما من أنكر هَذَا الْبَيْت على ذِي الرمة فَإِنَّمَا خَفِي عَلَيْهِ هَذَا الْموضع.

هَذَا كَلَامه. وَفِي شرح الصفار لسيبويه: وَأما إيه فَمَعْنَاه حدث أَو زد لَكِن هُوَ لَازم لَا يُقَال:) إيه كَذَا. قَالَ أَبُو حَيَّان: قد اسْتَعْملهُ بعض الشُّعَرَاء المولدين مُتَعَدِّيا فَقَالَ: إيهٍ أَحَادِيث نعمانٍ وساكنه وَقَالَ آخر: إيهٍ حَدِيثك عَن أخبارهم إيه وَالْبَيْت من قصيدة طَوِيلَة لذِي الرمة وَهَذَا مطْلعهَا: (خليلي عوجا عوجةً ناقتيكما ... على طللٍ بَين القلات وشارع) (بِهِ ملعبٌ من معصفاتٍ نسجنه ... كنسج الْيَمَانِيّ برده بالوشائع) وقفنا فَقُلْنَا إيهٍ ... ... ... ... . . الْبَيْت وَقَوله: عوجا عوجة يُقَال: عجت الْبَعِير أعوجه عوجا ومعاجاً إِذا عطفت رَأسه. وَالتَّاء فِي عوجةً للمرة. وناقتيكما: مفعول عوجا. والطلل:

مَا بَقِي فِي الدَّار من أثر الراحلين كالأثفية وَنَحْوهَا. والقلات بِكَسْر الْقَاف وَآخره مثناة وسارع بالمهملات: موضعان. وَقَوله: بِهِ ملعب إِلَخ المعصفة: الرّيح الشَّدِيدَة يُقَال: عصفت الرّيح وأعصفت. ونسجنه أَي: ذهبت عَلَيْهِ الرّيح وَجَاءَت كالنسج. والوشائع: جمع وشيعة من وشعت الْمَرْأَة الْغَزل على يَدهَا: خالفته. وتوشعت الْغنم فِي الْجَبَل أَي: اخْتلفت. وَقَوله: وقفنا فَقُلْنَا إِلَخ أَي: وقفنا عَلَيْهِ أَي الطلل. والعطف بِالْفَاءِ لَا بِالْوَاو كَمَا فِي الشَّرْح. قَالَ الْأَصْمَعِي: أَسَاءَ فِي قَوْله: إيه بِلَا تَنْوِين. والبال: الشَّأْن وَالْحَال. وَمَا: استفهامٌ إنكاريٌّ أَي: لَيْسَ من شَأْنهَا الْكَلَام. والديار البلاقع: الَّتِي ارتحل سكانها فَهِيَ خَالِيَة. طلب الحَدِيث من الطلل أَولا ليخبره عَن محبوبته أم سَالم وَهَذَا من فرط تحيره وتدلهه فِي استخباره مِمَّا لَا يعقل ثمَّ أَفَاق وَأنكر من نَفسه بِأَنَّهُ لَيْسَ من شَأْن الْأَمَاكِن الْإِخْبَار عَن السواكن. وترجمة ذِي الرمة تقدّمت فِي الشَّاهِد الثَّامِن فِي أول الْكتاب. وأنشده بعده الشَّاهِد السَّادِس وَالْخَمْسُونَ بعد الأربعمائة (تذر الجماجم ضاحياً هاماتها ... بله الأكف كَأَنَّهَا لم تخلق) على أَنه قد رُوِيَ الأكف بالحركات الثَّلَاث.

أول الْبَيْت: فترى الجماجم وَقَبله: (نصل السيوف إِذا قصرن بخطونا ... قدماً ونلحقها إِذا لم تلْحق) وَإِنَّمَا ينشدونه: تذر الجماجم ليعرى من التَّعَلُّق بِمَا قبله. والقدم بِضَمَّتَيْنِ: والقبل بِضَمَّتَيْنِ أَيْضا كَذَا فِي الْمِصْبَاح. وَقَالَ صَاحب الصِّحَاح: وَمضى قدماً بِضَم الدَّال: لم يعرج وَلم ينثن. وَيجوز أَن يكون بِكَسْر الْقَاف وَسُكُون الدَّال اسمٌ من الْقدَم أَي: جلاف الْحُدُوث وَهُوَ ظرف لقَوْله: نصل. قَالَ الجاحظ فِي كتاب الْبَيَان: إِن الْفَارِس رُبمَا زَاد فِي طول رمحه ليخبر عَن فضل قوته ويخبر عَن قصر سَيْفه ليخبر عَن فضل نجدته. وَأنْشد هَذَا الْبَيْت ونظائره. وَقَوله: فترى الجماجم إِلَخ الرُّؤْيَة بصرية: والجماجم: مفعول الرُّؤْيَة. وضاحياً: حَال سَبَبِيَّة من الجماجم وهاماتها: فَاعل ضاحياً وَهُوَ من ضحا يضحو: إِذا ظهر وبرز عَن مَحَله. والجماجم: جمع جمجمة قَالَ صَاحب الْمِصْبَاح: هِيَ عظم الرَّأْس الْمُشْتَمل على الدِّمَاغ وَرُبمَا عبر عَنْهَا عَن الْإِنْسَان فَيُقَال: خُذ من كل جمجمةٍ درهما كَمَا يُقَال: خُذ من كل رَأس بِهَذَا الْمَعْنى. وَقَالَ أَيْضا: الهامة من الشَّخْص: رَأسه. فَالْمُنَاسِب هُنَا أَن الجمجمة بِمَعْنى الْإِنْسَان. وَقد فرق الزّجاج فِي كتاب خلق الْإِنْسَان بَين الجمجمة والهامة فَقَالَ: عظم الرَّأْس الَّذِي فِيهِ الدِّمَاغ يُقَال لَهُ: الجمجمة والهامة: وسط الرَّأْس ومعظمه. وَزعم الدماميني فِي الشَّرْح المزج على المغنى أَنه يَصح أَن تكون الجماجم هُنَا الْقَبَائِل الَّتِي تجمع الْبُطُون فينسب إِلَيْهَا دونهم.

فَمَعْنَى: بله الأكف على رِوَايَة نصب الأكف: إِنَّك ترى رُؤُوس الرِّجَال أَي: بعض الرؤوس بارزة عَن محلهَا بِضَرْب السيوف كَأَنَّهَا لم تخلق على الْأَبدَان فدع ذكر الأكف فَإِن قطعهَا من الْأَيْدِي أَهْون بِالنِّسْبَةِ إِلَى الرؤوس. فبله على هَذَا: اسْم فعل. وعَلى الْجَرّ: إِنَّك ترى تطاير الرؤوس عَن الْأَبدَان فتركاً لذكر الأكف أَي: فاترك ذكرهَا تَارِكًا فَإِنَّهَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الرؤوس سهلة. فبله على هَذَا مصدرٌ مُضَاف. وعَلى الرّفْع: إِنَّك ترى الهامات ضاحية عَن الْأَبدَان فَكيف الأكف لَا تكون ضاحية عَن الْأَيْدِي يَعْنِي: إِذا جعلت السيوف الْأَبدَان بِلَا رُؤُوس فَلَا عجب أَن تتْرك الْأَيْدِي بِلَا أكف. فبله بِمَعْنى كَيفَ للاستفهام التعجبي. فبله الأكف على الأول وَالثَّالِث جملَة اسمية وفتحة بله بنائية. وعَلى الثَّانِي جملَة فعلية حذف صدرها والفتحة إعرابية. وَهِي بِالْمَعْنَى الأول) وَالثَّانِي مَأْخُوذَة من لفظ البله والتباله وَهِي من الْغَفْلَة لِأَن من غفل عَن شَيْء تَركه وَلم يسْأَل عَنهُ. وَكَذَلِكَ هُنَا أَي: لَا تسْأَل عَن الأكف إِذا كَانَت الجماجم ضاحيةً مقطعَة. كَذَا فِي الرَّوْض الْأنف لِلسُّهَيْلِي. قَالَ أَبُو عَليّ فِي إِيضَاح الشّعْر: قَالَ سِيبَوَيْهٍ: أما بله زيدٍ فبله هُنَا

بِمَنْزِلَة الْمصدر كَمَا تَقول: ضرب زيد. فَمن قَالَ بله زيدٍ جعله مصدرا. وَلَا يجوز أَن تضيف وَيكون مَعَ الْإِضَافَة اسْم الْفِعْل لِأَن هَذِه الْأَسْمَاء الَّتِي يُسمى بهَا الْأَفْعَال لَا تُضَاف. أَلا ترى أَنه قَالَ: جعلوها بِمَنْزِلَة النجاءك أَي: لم يضيفوها إِلَى الْمَفْعُول بِهِ كَمَا أضافوا أَسمَاء الفاعلين والمصدر إِلَيْهِ. فَهِيَ فِي قَوْله على ضَرْبَيْنِ: مرّة تجرى مجْرى الْأَسْمَاء الَّتِي تسمى بهَا الْأَفْعَال وَمرَّة تكون مصدرا. قَالَ أَبُو زيد: إِن فلَانا لَا يُطيق أَن يحمل الفهر من بلهٍ أَن يَأْتِي بالصخرة يَقُول: لَا يُطيق أَن يحمل الفهر فَمن بله أَن يَأْتِي بالصخرة فَكيف يُطيق أَن يحمل الصَّخْرَة. قَالَ: وَبَعض الْعَرَب يَقُول: من بهل أَن يحمل الصَّخْرَة فَقلب. وَأنْشد: فَمَا حَكَاهُ أَبُو زيد من دُخُول من عَلَيْهِ وَالْإِضَافَة وَالْقلب يدل على أَنه مصدر وَلَيْسَ باسم فعل لِأَن أَسمَاء الْفِعْل لَا تُضَاف وَلَا يدْخل عَلَيْهَا عوامل الْأَسْمَاء. أَلا ترى أَن أَبَا الْحسن يَقُول: إِن دُونك لَيْسَ ينْتَصب على انتصابه قبل. وَيُقَوِّي كَونه مصدرا أَن أَبَا عمرٍ والشَّيْبَانِيّ حكى: مَا بلهك لَا تفعل كَذَا أَي: مَا لَك. وَمن النَّاس من ينشده: بله الأكف بِالنّصب. فَهَذَا على هَذَا الإنشاد اسْم فعل كَأَنَّهُ قَالَ دع الأكف فَجَعلهَا اسْما لدع. وَالدّلَالَة على جَوَاز كَونهَا اسْما للْفِعْل كَمَا أجَاز سِيبَوَيْهٍ قَول الشَّاعِر: (يمشي القطوف إِذا غنى الحداة بِهِ ... مشي الْجواد فبله الجلة النجبا) فَأَما مَا يتَعَلَّق بِهِ من فِيمَا حَكَاهُ أَبُو زيد من قَوْله: فَمن بله فَهُوَ مَا ينْتَصب عَلَيْهِ بله فِي من جعله مصدرا وأضاف.

وَهَذَا خلاف مَا قَالَه الشَّارِح الْمُحَقق فَإِنَّهُ جعل بله فِيمَا حَكَاهُ أَبُو زيد بِمَعْنى كَيفَ. وَلم يتَعَرَّض أَبُو عَليّ فِي هَذَا الْكتاب بمجيء بله بِمَعْنى كَيفَ. وَنقل الشَّارِح عَنهُ لَعَلَّه من غير هَذَا الْكتاب. وَنقل عَنهُ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي: نقيض مَا نَقله الشَّارِح عَنهُ فَقَالَ: وإنكار أبي عليٍّ أَن يرْتَفع مَا بعْدهَا مردودٌ بحكاية أبي الْحسن وقطرب لَهُ. انْتهى. والقطوف من الدَّوَابّ وَغَيره: البطيء. والجلة بِكَسْر الْجِيم: جمع جليل كصبية جمع صبي وَهُوَ المسن من الْإِبِل. والنجب بِضَمَّتَيْنِ: جمع نجيب وَهُوَ الْأَصِيل الْكَرِيم. وَالْمعْنَى أَن البطيء يمشي كمشي الْجواد من الْخَيل مَعَ الحداء فدع الْإِبِل الْكِرَام فَإِنَّهَا مَعَ الحداء تسرع أَكثر من غَيرهَا. وَرَوَاهُ) صَاحب الصِّحَاح: مشي النجيبة بله الجلة النجبا وَنسبه إِلَى ابْن هرمة. وَقَالَ أَبُو حَيَّان فِي تَذكرته: هَذَا الَّذِي تَأَوَّلَه سِيبَوَيْهٍ فِي الْخَفْض من نِيَابَة بله عَن الْمصدر الْمُضَاف إِلَى المخفوض عِنْد الْكُوفِيّين على مَعْنيين: إِن كَانَ المخفوض بِتَأْوِيل مَرْفُوع وَتَقْدِير ضرب: ليضْرب زيدٌ فَالْكَلَام صَحِيح. وَإِن كَانَ تَقْدِير المخفوض النصب والتأويل اضْرِب زيدا فَالْكَلَام عِنْدهم خطأ لِأَن الْمصدر الَّذِي يتَعَدَّى فعله إِلَى الْمَفْعُول إِذا أفرد بواحدٍ أضيف إِلَيْهِ وَلم يذكر مَعَه غَيره فَلَا بُد من أَن يكون ذَلِك الْوَاحِد مَرْفُوعا لِأَن الْفِعْل لَا يَخْلُو من الْفَاعِل وَمَا يجرى مجْرَاه فَيُعْجِبنِي ركُوب الْفرس مَوضِع

الْفرس عِنْد الْكُوفِيّين رفع لَا غير لِأَن مَعْنَاهُ يُعْجِبك أَن يركب الْفرس. وَجَوَاز البصريون أَن يكون مَنْصُوبًا بِتَأْوِيل أَن يركب الْفرس أَي: يركب راكبٌ الْفرس. ورد الْكُوفِيُّونَ هَذَا وَاحْتَجُّوا بِأَن الْمصدر لَا يحْتَمل ضميراً من الْفَاعِل فَإِذا أضيف إِلَى الْفرس وَالْفرس مَنْصُوب بَقِي الرّكُوب بِلَا فَاعل لَهُ مظهر وَلَا مُضْمر وَفِي هَذَا فَسَاد التَّرْكِيب. وَقَالَ البصريون: عملت على الِاخْتِصَار وَمَعْرِفَة الْمُخَاطب بِأَن للرُّكُوب فَاعِلا وَإِن لم يكن مظْهرا وَلَا مضمراً. وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ: مَا وجدنَا فَاعِلا خلا الْفِعْل من إِظْهَاره مَعَه أَو إضماره فِيهِ وَمَا يصل إِلَى إِظْهَار الْفَاعِل وَلَا إضماره مَعَ الْمصدر إِذا انْفَرد وَاحِد. والمصدر على الْفِعْل مبنيٌّ فَمَا لم يعرف صِحَّته مَعَ الْفِعْل فَهُوَ سقيم مَعَ الْمصدر. انْتهى. والبيتان من قصيدة لكعب بن مَالك شَاعِر رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قَالَهَا فِي وقْعَة الْأَحْزَاب وأوردها أَصْحَاب السّير والمغازي فِي كتبهمْ وَهِي: (من سره ضربٌ يرعبل بعضه ... بَعْضًا كمعمعة الأباء المحرق) (فليأت مأسدةً تسن سيوفها ... بَين المذاد وَبَين جزع الخَنْدَق) (دربوا بِضَرْب المعلمين فأسلموا ... مهجات أنفسهم لرب الْمشرق) ...

(فِي عصبةٍ نصر الْإِلَه نبيه ... بهم وَكَانَ بِعَبْدِهِ ذَا مرفق) (فِي كل سابغةٍ تخط فضولها ... كالنهي هبت رِيحه المترقرق) (بَيْضَاء محكمةٍ كَأَن قتيرها ... حدق الجنادب ذَات شكٍّ موثق) (جدلاء يحفزها نجاد مهندٍ ... صافي الحديدة صارمٍ ذِي رونق) (تلكم مَعَ التَّقْوَى تكون لباسنا ... يَوْم الْهياج وكل ساعةٍ مُصدق)) (نصل السيوف إِذا قصرن بخطونا ... قدماً ونلحقها إِذا لم تلْحق) (فترى الجماجم ضاحياً هاماتها ... بله الأكف كَأَنَّهَا لم تخلق) (ونعد للأعداء كل مقلصٍ ... وردٍ ومحجول القوائم أبلق) (تردي بفرسان كَأَن كماتهم ... عِنْد الْهياج أسود طلٍّ ملثق)

. (صدقٍ يعاطون الكماة حتوفهم ... تَحت العماءة بالوشيج المزهق) (أَمر الْإِلَه بربطها لعَدوه ... فِي الْحَرْب إِن الله خير موفق) (لتَكون غيظاً لِلْعَدو وحيطا ... للدَّار إِن دلفت خُيُول النزق) (ويعيننا الله الْعَزِيز بقوةٍ ... مِنْهُ وَصدق الصَّبْر سَاعَة نَلْتَقِي) ونطيع أَمر نَبينَا ونجيبه وَإِذا دَعَا لكريهةٍ لم نسبق (وَمَتى يُنَادي للشدائد نأتها ... وَمَتى نرى الجومات فِيهَا نعنق) (من يتبع قَول النَّبِي فَإِنَّهُ ... فِينَا مُطَاع الْأَمر حق مُصدق) (فبذاك ينصرنا وَيظْهر عزنا ... ويصيبنا من نيل ذَاك بمرفق) (إِن الَّذين يكذبُون مُحَمَّدًا ... كفرُوا وَضَلُّوا عَن سَبِيل المتقي)

قَوْله: من سره ضرب إِلَخ رعبله: قطعه. والمعمعة قَالَ صَاحب الصِّحَاح: هُوَ صَوت الْحَرِيق فِي الْقصب وَنَحْوه وَصَوت الْأَبْطَال فِي الْحَرْب. وَأنْشد هَذَا الْبَيْت. والأباء: الْقصب واحدتها أباءة كسحابً وسحابة وَقيل أجمة الحلفاء والقصب خَاصَّة. كَذَا فِي الصِّحَاح. وَقَالَ السُّهيْلي فِي: الرَّوْض الْأنف: والهمزة الْأَخِيرَة بدل من يَاء قَالَه ابْن جني لِأَنَّهُ عِنْده من الإباية كَأَن الْقصب يَأْبَى على من أَرَادَهُ بمضغٍ أَو نَحوه. وَيشْهد لما قَالَه قَول الشَّاعِر: (يرَاهُ النَّاس أَخْضَر من بعيدٍ ... وتمنعه المرارة والإباء) والمحرق: اسْم مفعول. وَقَوله: فليأت مأسدة إِلَى آخِره هَذَا جَوَاب الشَّرْط. قَالَ السُّهيْلي: المأسدة: الأَرْض الْكَثِيرَة الْأسد وَكَذَلِكَ المسبعة: الأَرْض الْكَثِيرَة السبَاع. وَيجوز أَن يكون جمع أَسد كَمَا قَالُوا مشيخة ومعلجة. حكى سِيبَوَيْهٍ: مشيخة ومشيوخاء ومعلجة ومعلوجاء. قَوْله: تسن سيوفها قَالَ السُّهيْلي: نصب الْفَاء هُوَ الصَّحِيح عِنْد القَاضِي أبي الْوَلِيد وَوَقع فِي الأَصْل عِنْد أبي بَحر برفعها. وَمعنى الرِّوَايَة الأولى: تسن أَي: تصقل. وَمعنى الثَّانِيَة أَي: تسن للأبطال وَلمن بعْدهَا من الرِّجَال سنة الجرأة والإقدام. والمذاد قَالَ أَبُو عبيد الْبكْرِيّ فِي مُعْجم مَا) استعجم: هُوَ بِفَتْح الْمِيم بعْدهَا ذال مُعْجمَة وَالْآخر دَال مُهْملَة الْموضع الَّذِي حفر فِيهِ

رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ الخَنْدَق. وَقَالَ السُّيُوطِيّ فِي شَوَاهِد الْمُغنِي: هُوَ أَطَم بِالْمَدِينَةِ. وَقَالَ الشَّامي: هُوَ لبني حرَام غربي مَسَاجِد الْفَتْح سميت بِهِ النَّاحِيَة. والجزع بِكَسْر الْجِيم: منعطف الْوَادي. قَالَ الشَّامي: وَهُوَ هُنَا جَانب الخَنْدَق. وَالْخَنْدَق هُنَا هُوَ خَنْدَق الْمَدِينَة. وَقَوله: دربوا بِضَرْب إِلَخ قَالَ صَاحب الصِّحَاح: الدربة بِالضَّمِّ: عَادَة وجرأة على الْحَرْب وكل أَمر وَقد درب بالشَّيْء بِكَسْر الرَّاء إِذا اعتاده وضري بِهِ. والمعلمون بِضَم الْمِيم وَفتح اللَّام: الَّذين يعلمُونَ أنفسهم بعلامات فِي الْحَرْب يعْرفُونَ بهَا وهم الشجعان هُنَا. وَأَسْلمُوا: من أسلم أمره لله أَي: سلمه لَهُ. والمهجة هُنَا: الرّوح. وَأَرَادَ بِرَبّ الْمشرق رب الْمشرق وَالْمغْرب. وَقَوله: بِعَبْدِهِ ذَا مرفقٍ: مصدر كالرفق ضد العنف. قَالَ أَبُو زيد: رفق الله بك ورفق عَلَيْك رفقا ومرفقاً بِفَتْح الْمِيم وَكسر الْفَاء فِي الأول وَبِالْعَكْسِ فِي الثَّانِي. وَزَاد غَيره مرفقاً بِفَتْح الْمِيم وَالْفَاء حَكَاهُ الصَّاغَانِي فِي الْعباب. وَقَوله: فِي كل سابغة إِلَخ السابغة: الدرْع الواسعة وتخط بِالْبِنَاءِ للْفَاعِل. وفضولها: جمع فضل وَهُوَ الزَّائِد أَي: ينسحب ذيل الدرْع على الأَرْض لطولها. وَالنَّهْي بِفَتْح النُّون: الغدير وَأهل نجد يكسرون النُّون. والمترقرق بِالْجَرِّ صفة للنَّهْي وَمن ترقرق: إِذا تحرّك جَاءَ وَذهب. وَالرِّيح إِذا هبت على المَاء حصلت هَذِه الصّفة. وَزعم السُّيُوطِيّ أَنه بِمَعْنى اللامع. وَقَوله بَيْضَاء محكمَة إِلَخ الْبَيْضَاء: المجلوة. والقتير بِفَتْح

الْقَاف وَكسر الْمُثَنَّاة الْفَوْقِيَّة قَالَ صَاحب الصِّحَاح: رُؤُوس المسامير فِي الدروع شبهها بعيون الجندب وَهُوَ نوعٌ من الْجَرَاد فِي البريق واللمعان. وَالشَّكّ: مصدر شَككت الشَّيْء إِذا ضممته إِلَى غَيره وَمِنْه شكّ الْقَوْم بُيُوتهم إِذا جعلوها مصطفة مُتَقَارِبَة. وَهُوَ معنى قَول الشَّامي: الشَّك هُنَا: إحكام السرد وَهُوَ مُتَابعَة نسج حلق الدرْع وموالاته شَيْئا فَشَيْئًا حَتَّى يتناسق. والموثق: الْمُحكم الْمُثبت. وَقَوله: جدلاء يحفزها إِلَخ الجدلاء بِفَتْح الْجِيم: الدرْع المحكمة النسج. وَيُقَال: درع مجدولة أَيْضا من جدلت الْحَبل أجدله بِالضَّمِّ جدلاً أَي: فتلته فَتلا محكماً. ويحفزها أَي: يشمرها ويرفعها بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالْفَاء والزاء الْمُعْجَمَة. والنجاد: سيور السَّيْف. والمهند السَّيْف المطبوع من حَدِيد الْهِنْد. قَالَ السُّهيْلي: هَذَا كَقَوْل ابْن الأسلت فِي وصف الدرْع: (أحفزها عني بِذِي رونقٍ ... أَبيض مثل الْملح قطاع) وَذَلِكَ أَن الدرْع إِذا طَالَتْ فضولها حفزوها أَي: شمروها فربطوها بنجاد السَّيْف. وَقَالَ) غَيره: كَانَت الْعَرَب تعْمل فِي أغماد السيوف أشباه الكلاليب فَإِذا ثقلت الدرْع على لَابسهَا رفع ذيلها فعلقه بالكلاب الَّذِي فِي غمد السَّيْف ليخف عَلَيْهِ. وصارم: قَاطع. والرونق: جَوْهَر السَّيْف. وَقَوله: تلكم مَعَ التَّقْوَى إِلَخ الْإِشَارَة للدرع الموصوفة. قَالَ السُّهيْلي: هَذَا من أَجود الْكَلَام انتزعه من قَول الله تَعَالَى: ولباس التَّقْوَى

ذَلِك خيرٌ . وَمَوْضِع الإجادة أَنه جعله لِبَاس الدروع تبعا للباس التَّقْوَى لِأَن حرف مَعَ يُفِيد أَن مَا بعده هُوَ الْمَتْبُوع وَلَيْسَ بتابع. وَيَوْم الْهياج: يَوْم الْقِتَال. والمصدق كجعفر: الحملة الصادقة على الْعَدو يُقَال للرجل الشجاع وَالْفرس الْجواد: إِنَّه لذُو مُصدق أَي: صَادِق الحملة وصادق الجري كَأَنَّهُ ذُو صدق فِي وعد ذَلِك. وَقَوله: نصل السيوف إِلَخ قد نظم هَذَا الْمَعْنى كثيرا. قَالَ الْأَخْنَس بن شهَاب: وَقَالَ السموءل بن عادياء: (إِذا قصرت أسيافنا كَانَ وَصلهَا ... خطانا إِلَى أَعْدَائِنَا فتطول) وَقَالَ رجل من بني نمير: (وصلنا الرقَاق المرهفات بخطونا ... على الهول حَتَّى أمكنتنا الْمضَارب) وَقَالَ آخر: (إِذا الكماة تنحوا أَن يصيبهم ... حد الظبات وصلناها بِأَيْدِينَا)

وَقَالَ آخر: (الطاعنون فِي النحور والكلى ... شزراً ووصالو السيوف بالخطى) وَقَالَ آخر: (إِن لقيس عَادَة تعتادها ... سل السيوف وخطًى تزدادها) وَهَذَا كُله شعر جاهلي. وَقَالَ حميد بن ثَوْر الْهِلَالِي الصَّحَابِيّ: (وَوصل الخطى بِالسَّيْفِ وَالسيف بالخطى ... إِذا ظن أَن السَّيْف ذُو السَّيْف قَاصِر) وَله نَظَائِر أخر ستأتي إِن شَاءَ الله تَعَالَى فِي بَاب الظروف. وَقَوله: فترى الجماجم قد غَيره النحويون إِلَى قَوْلهم: تذر الجماجم وَتقدم شَرحه. قَالَ السُّهيْلي: خفض الأكف هُوَ الْوَجْه وَقد رُوِيَ بِالنّصب لِأَنَّهُ مفعول أَي: دع الأكف وبله كلمة مَعْنَاهَا دع وَهِي من المصادر المضافة إِلَى مَا بعْدهَا وَهِي من لفظ البله أَي: الْغَفْلَة لِأَن من غفل ترك وَلم يسْأَل عَنهُ وَكَذَلِكَ هَذَا أَي: لَا تسْأَل عَن الأكف إِذا كَانَت الجماجم ضاحيةً مقطعَة.

قَالَ الدماميني فِي الشَّرْح المزج على) الْمُغنِي: الجمجمة: عظم الرَّأْس الْمُشْتَمل على الدِّمَاغ والقبيلة تجمع الْبُطُون فينسب إِلَيْهَا دونهم. وَالْبَيْت محتملٌ لكل من الْمَعْنيين. وَالْمعْنَى على رِوَايَة رفع الأكف أَن تِلْكَ السيوف تتْرك قبائل الْعَرَب الْكَثِيرَة بارزة الرؤوس للأبصار كَأَنَّهَا لم تخلق فِي محالها من تِلْكَ الْأَجْسَام. أَو تتْرك تِلْكَ الْعِظَام المستورة مكشوفة ظَاهِرَة فَكيف الأكف. أَي: إِذا كَانَت حَالَة الرؤوس هَذِه مَعَ عزة الْوُصُول إِلَيْهَا فَكيف حَال الْأَيْدِي الَّتِي يتَوَصَّل إِلَيْهَا بسهولة. وعَلى رِوَايَة النصب: أَنَّهَا تتْرك الجماجم على تِلْكَ الْحَالة دع الأكف فَأمرهَا أيسر وأسهل. وعَلى رِوَايَة الْجَرّ: أَنَّهَا تتْرك الجماجم ترك الأكف مُنْفَصِلَة عَن محالها كَأَنَّهَا لم تخلق مُتَّصِلَة بهَا. وَقَالَ ابْن الملا فِي شَرحه على المعني: الجمجمة: القحف أَو الْعظم فِيهِ الدِّمَاغ وَالسَّيِّد والقبيلة الَّتِي تنْسب إِلَيْهَا الْبُطُون. وَمَتى أُرِيد بالجماجم الْقَبَائِل جَازَ أَن يُرَاد بالهامات رؤساؤها وبالأكف من دونهم من الكفاة. فَفِي الْقَامُوس: الهامة: رَأس كل شَيْء. وَرَئِيس الْقَوْم. وَالْمعْنَى على رِوَايَة الرّفْع أَن تِلْكَ السيوف تتْرك تِلْكَ الْعِظَام المستورة ظَاهِرَة فَكيف الأكف الْبَادِيَة أَي: إِذا كَانَت حَالَة الرؤوس هَذِه مَعَ عزة الْوُصُول إِلَيْهَا فَكيف الأكف الَّتِي يتَوَصَّل إِلَيْهَا بسهولة فَإِنَّهَا تدعها كَأَنَّهَا لم تخلق فِي محالها. وَلَا حَاجَة إِلَى دَعْوَى الْمجَاز فِي الأكف عَن الْأَيْدِي كَمَا يفهم من صَنِيع الشَّارِح. أَو تتْرك السادات من كل قَبيلَة أَو الْقَبَائِل من الْعَرَب بارزة الرؤوس للأبصار بإبانتها عَن محالها كَأَنَّهَا لم تخلق فِيهَا. أَو تتْرك الْقَبَائِل بارزاً

رؤوسها للْقَتْل أَي: مقتولة. وَأَرَادَ بالأكف من يتقوى بِهِ من فرسَان الْقَبَائِل. وعَلى النصب: أَنَّهَا تتْرك الجماجم على تِلْكَ الْحَالة دع الأكف فَإِن أمرهَا أيسر وأسهل. وعَلى الْجَرّ: أَنَّهَا تتركها ترك الأكف مُنْفَصِلَة عَن محالها كَأَنَّهَا لم تخلق مُتَّصِلَة بهَا. انْتهى. وَهَذَا كُله تكلّف وتوسيعٌ للدائرة. وَقَوله: نلقى الْعَدو إِلَخ الفخمة: الْجَيْش الْعَظِيم من الفخامة وَهِي الْعظم. وملمومة: مَجْمُوعَة. وَقَوله: كقصد رَأس الْمشرق قَالَ السُّهيْلي: الصَّحِيح مَا رَوَاهُ ابْن هِشَام عَن أبي زيد: كرأس قدس الْمشرق لِأَن قدس جبلٌ مَعْرُوف من نَاحيَة الْمشرق. انْتهى. وَظَاهره أَنه بِفَتْح الْمِيم. وَقَول الشَّامي الْمشرق نعت ل قدس بِمَعْنى جبل إِشَارَة إِلَى ضمة الْمِيم وَهُوَ اسْم فَاعل من الْإِشْرَاق. وَالظَّاهِر أَن هَذَا هُوَ الْجيد. قَالَ الْبكْرِيّ فِي مُعْجم مَا استعجم: الْقُدس بِضَم الْقَاف وَسُكُون الدَّال: من جبال تهَامَة وَهُوَ جبل العرج. قَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: قدس: مُؤَنّثَة لاتنصرف لِأَنَّهَا اسمٌ للجبل وَمَا حوله. وَقَالَ ياقوت فِي مُعْجم الْبلدَانِ: قدس: جبلٌ عَظِيم بِأَرْض نجد. قَالَ ابْن دُرَيْد: قدس أوارة: جبلٌ مَعْرُوف. وَأنْشد الْآمِدِيّ)

(وَنحن جلبنا يَوْم قدس أوارة ... قنابل خيلٍ تتْرك الجو أقتما) وَقَالَ الْأَزْهَرِي: قدس أوارة: جبلان لمزينة وهما معروفان بحذاء سقيا مزينة. وَقَالَ عرام: بالحجاز جبلان يُقَال لَهما القدسان: قدس الْأَبْيَض وَقدس الْأسود وهما عِنْد ورقان. أما الْأَبْيَض فَهُوَ جبلٌ شامخ بَين العرج والسقيا. والقدسان جَمِيعًا لمزينة. انْتهى. فَظهر بِهَذَا أَنه لَيْسَ جبلٌ فِي الْمشرق اسْمه قدس فَالصَّوَاب مَا قَالَه الشَّامي. وَقَوله: ونعد للأعداء نعد: نهيئ من الإعداد وَهُوَ التهيئة. والمقلص قَالَ صَاحب الصِّحَاح: فرس مقلص بِكَسْر اللَّام أَي: مشرف طَوِيل القوائم. والورد: الْفرس الَّذِي تضرب حمرته إِلَى الصُّفْرَة. والمحجول: الْفرس المحجل والتحجيل: بياضٌ فِي قَوَائِم الْفرس أَو فِي ثلاثٍ مِنْهَا أَو فِي رجلَيْهِ قل أَو كثر بعد أَن يُجَاوز الأرساغ وَلَا يُجَاوز الرُّكْبَتَيْنِ والعرقوبين لِأَنَّهَا مَوَاضِع الأحجال وَهِي الخلاخيل والقيود. وَلَا يكون التحجيل وَاقعا بيد أَو يدين مَا لم يكن مَعهَا رجلٌ أَو رجلَانِ. كَذَا فِي الْعباب للصاغاني. والأبلق: الْفرس الَّذِي فِيهِ البلق بِفتْحَتَيْنِ وَهُوَ سَواد وَبَيَاض. وَقَوله: تردي بفرسان إِلَخ قَالَ صَاحب الصِّحَاح: ردى الْفرس بِالْفَتْح يردي ردياً وردياناً: إِذا رجم الأَرْض رجماً بَين الْعَدو وَالْمَشْي الشَّديد.

والكماة: جمع كمي وَهُوَ الشجاع المتكمي فِي سلاحه لِأَنَّهُ كمى نَفسه أَي: سترهَا بالدرع. والبيضة. والطل: الْمَطَر الضَّعِيف. والملثق: اسْم فَاعل صفة لطل من اللثق بِفتْحَتَيْنِ قَالَ السُّهيْلي: واللثق: مَا يكون عَن الطل من زلقٍ وطين. والأسد أجوع مَا يكون وأجرأ فِي ذَلِك الْحِين. وَقَالَ صَاحب الْعباب: اللثق: الندى. قَالَ كَعْب بن زُهَيْر: (باتت لَهُ ليلةٌ جمٌّ أهاضبها ... وَبَات ينفض عَنهُ الطل واللثقا) وألثقه غَيره. قَالَ سَلمَة بن الخرشب: (خداريةٌ فتخاء ألثق ريشها ... سَحَابَة يومٍ ذِي أهاضيب ماطر) وَقَوله: صدقٌ يعاطون إِلَخ بِالرَّفْع صفة أسود وَهُوَ بِضَم الصَّاد جمع صدق بِفَتْحِهَا وَالدَّال سَاكِنة مَعهَا يُقَال رجلٌ صدق اللِّقَاء وَصدق النّظر إِذا مضى فيهمَا وَلم يثنه شَيْء. والصدق أَيْضا: الْكَامِل الْمَحْمُود من كل شَيْء. والصدق أَيْضا: الصلب من الرماح وَيُقَال المستوي. ويعاطون: يناولون. والكماة: الشجعان مفعول لأوّل وحتوفهم مفعول ثَان وَهُوَ جمع حتف وَهُوَ الْهَلَاك. والعماءة بِالْمدِّ كالسحابة وزنا وومعنى. قَالَ أَبُو زيد: العماء: السَّحَاب وَهُوَ شبه الدُّخان يركب رُؤُوس الْجبَال وَأَرَادَ بِهِ هُنَا الْغُبَار الثائر فِي المعركة.

وَرَوَاهُ الشَّامي: العماية) بِالْيَاءِ وَفَسرهُ بالسحاب وَلَيْسَ فِي الصِّحَاح إِلَّا مَا ذكرنَا. وَإِنَّمَا فِيهِ: عماية: جبلٌ من جبال هُذَيْل. والوشيج: الرماح وأصبه شجر الرماح. والمزهق: اسْم فَاعل الْمَذْهَب للأرواح. وَقَوله: لتَكون غيظاً لِلْعَدو وحيطا قَالَ الشَّامي: هُوَ جمع حَائِط اسْم فَاعل من حاط يحوط أَي: كلأه ورعاه. وَأَرَادَ بِالدَّار الْمَدِينَة المنورة. ودلفت: قربت. والنزق: الْأَعْدَاء وَهُوَ جمع نزق بفتحٍ فَكسر من نزق نزقاً كفرح فَرحا. والنزق: الخفة والطيش وَسُوء الْخلق. وَهَذَا أَصله. وَقَوله: وَإِذا دَعَا لكريهةٍ إِلَخ الكريهة من أَسمَاء الْحَرْب ونسبق بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول. والحومات: جمع حومة وَهُوَ مَوضِع الْقِتَال. ونعنق: نسرع. قَالَ فِي الْمِصْبَاح: الْعُنُق بِفتْحَتَيْنِ: ضربٌ من السّير فسيح سريع وَهُوَ اسمٌ من أعنق إعناقاً. وَقَوله: حق مُصدق بِفَتْح الدَّال الْمُشَدّدَة مصدر أَي: تَصْدِيقًا حق تَصْدِيق. وترجمة كَعْب بن مَالك الصَّحَابِيّ تقدّمت فِي الشَّاهِد السَّادِس وَالسِّتِّينَ. - وَأنْشد بعده الشَّاهِد السَّابِع وَالْخَمْسُونَ بعد الأربعمائة أعطيهم الْجهد مني بله مَا أسع

على أَن الْأَخْفَش أوردهُ فِي بَاب الِاسْتِثْنَاء قَالَ: بله فِيهِ حرف جر كعدا وخلا بِمَعْنى سوى. أوردهُ أَبُو عَليّ فِي إِيضَاح الشّعْر وَعقد ل بله بَابا قَالَ: هَذَا بَاب مَا يكون مرّة اسْما وَمرَّة مصدرا وَمرَّة حرف جر. قَالَ الشَّاعِر: (حمال أثقال أهل الود آونةً ... أعطيهم الْجهد مني بله مَا أسع) قَالَ أَبُو الْحسن الْأَخْفَش فِي بَاب من الِاسْتِثْنَاء: إِن بله حرف جر. قَالَ أَبُو عَليّ: وَوجه كَونه حرفا أَنه يُمكن أَن يُقَال أَنَّك إِن حَملته على أَنه اسْم فعل لم يجز لِأَن الْجمل الَّتِي تقع فِي الِاسْتِثْنَاء مثل لَا يكون زيدا وَلَيْسَ عمرا وَعدا خَالِدا فِيمَن جعله فعلا لَيْسَ شيءٌ مِنْهُ أمرا وَهَذَا يُرَاد بِهِ الْأَمر وَهُوَ اسمٌ للْفِعْل فَإِذا كَانَ كَذَلِك لم يجز لِأَنَّهُ لَا نَظِير لَهُ. فَإِن قلت: فَلم لَا تَجْعَلهُ الْمصدر لِأَن الْمصدر قد وَقع فِي الِاسْتِثْنَاء فِي قَوْلك: أَتَانِي الْقَوْم مَا عدا زيدا وَالتَّقْدِير: مجاوزتهم زيدا فَهُوَ مصدر. قلت: يُمكن أَن يُقَال إِن مَا زَائِدَة وَلَيْسَت الَّتِي للمصدر وَعدا إِذا قدرت زِيَادَة مَا كَانَ جملَة فَلَيْسَ فِي ذَلِك دلَالَة لاحْتِمَاله غير ذَلِك. والحروف قد وَقعت فِي الِاسْتِثْنَاء نَحْو: خلا وحاشا وَلَا وَجه لهَذِهِ الْكَلم إِلَّا أَن تكون حُرُوف جر فَإِذا كَانَ بله زيد هُنَا لَيْسَ يَخْلُو من أَن يكون اسْم فعل أَو مصدرا أَو حرفا وَلَيْسَ يجوز وُقُوع اسْم فعل هُنَا لما) قدمنَا وَلَا الْمصدر لِأَنَّهُ لم يَقع عَلَيْهِ دلَالَة من حَيْثُ جَازَ أَن تكون مَا زَائِدَة فِي مَا عدا كَانَ حرف جرٍ لِأَن حُرُوف الْجَرّ قد وَقعت فِي مَوضِع الِاسْتِثْنَاء. انْتهى كَلَامه. وَحَاصِله أَنه اسْتدلَّ ل بله بِكَوْنِهِ حرف اسْتثِْنَاء بِأَن اسْم الْفِعْل لم يَقع فِي

الِاسْتِثْنَاء فَكَذَلِك لم يكن مصدرا لِأَنَّهُ لَا يكون مصدرٌ إِلَّا حَيْثُ يكون اسْم فعل. ثمَّ اعْترض نَفسه بِمَا عدا زيدا وبابه فَقَالَ: يُمكن أَن تكون مَا زَائِدَة. قَالَ أَبُو حَيَّان فِي تَذكرته: قلت كزنها مَصْدَرِيَّة أولى وَبِه قَالَ سِيبَوَيْهٍ وَالْجَمَاعَة. وَقد حكى أَبُو عُبَيْدَة وَأَبُو الْحسن النصب بعْدهَا فِي الِاسْتِثْنَاء. انْتهى. وَيُرِيد أَبُو عَليّ أَنَّهَا لَيست فِي النصب حرفا لِأَنَّهَا قد جرت وَلَيْسَ فِي الِاسْتِثْنَاء مَا ينصب ويخفض إِلَّا وَهُوَ مُتَرَدّد بَين الحرفية والفعلية وَلَا يكون نصبها كنصب إِلَّا لهَذَا وَلِأَنَّهَا لَا يَقع بعْدهَا الْمَرْفُوع. كَذَلِك قَالَ أَبُو حَيَّان. يُرِيد أَنَّهَا لم تخرج عَن بَابهَا وَإِن دَخلهَا معنى الِاسْتِثْنَاء. فالخفض على أَنَّهَا مصدر وَالنّصب على أَنَّهَا اسْم فعل. وَقَالَ الدماميني فِي شَرحه المزج على الْمُغنِي: ذهب الْكُوفِيُّونَ والبغداديون إِلَى أَن بله ترد للاستثناء كَغَيْر. وَجُمْهُور الْبَصرِيين على أَنَّهَا لَا يسْتَثْنى بهَا. وَاسْتدلَّ ابْن عُصْفُور بأمرين: أَحدهمَا أَن مَا بعد بله لَا يكون من جنس مَا قبلهَا. أَلا ترى أَن الأكف فِي الْبَيْت لَيست من الجماجم. وَالثَّانِي: أَن الِاسْتِثْنَاء عبارةٌ عَن إِخْرَاج الثَّانِي مِمَّا دخل فِي الأول وَالْمعْنَى فِي بله لَيْسَ كَذَلِك. أَلا ترى أَن الأكف مَقْطُوعَة بِالسُّيُوفِ كالجماجم. وَفِيه نظر. أما الأول فلأنا لَا نسلم أَن كل اسْتثِْنَاء يكون مَا بعد الأداة فِيهِ من جنس مَا قبلهَا بِدَلِيل الْمُنْقَطع. وَأما الثَّانِي فلتحقق الْإِخْرَاج بِاعْتِبَار الْأَوْلَوِيَّة. انْتهى.

وَقد بسط القَوْل أَبُو حَيَّان فِي شرح التسهيل على هَذِه الْمَسْأَلَة فَلَا بَأْس بإيراده هُنَا. قَالَ: مَذْهَب جُمْهُور الْبَصرِيين: لَا يجوز فِيمَا بعْدهَا إِلَّا الْخَفْض. وَأَجَازَ الْكُوفِيُّونَ والبغداديون فِيهِ النصب على الِاسْتِثْنَاء نَحْو أكرمت العبيد بله الْأَحْرَار. وَإِنَّمَا جعلوها اسْتثِْنَاء لأَنهم رَأَوْا مَا بعْدهَا خَارِجا عَمَّا قبلهَا فِي الْوَصْف من حَيْثُ كَانَ مُرَتبا عَلَيْهِ لِأَن الْمَعْنى فِيهِ: إِن إكرامك الْأَحْرَار يزِيد على إكرامك العبيد. وَالصَّحِيح أَنَّهَا لَيست من أدوات الِاسْتِثْنَاء بِدَلِيل انْتِفَاء وُقُوع إِلَّا مَكَانهَا وَأَن مَا بعْدهَا لَا يكون إِلَّا من جنس مَا قبلهَا. وَيجوز دُخُول حرف الْعَطف عَلَيْهَا وَلم يتقدمها اسْتثِْنَاء. قَالَ شَيخنَا ابْن الضائع: وَمِمَّا يضعف إِدْخَال بله وَلَا سِيمَا فِي أدوات الِاسْتِثْنَاء أَنهم لم يَأْتُوا بحتى فِي الِاسْتِثْنَاء. أَلا ترى أَن قَوْلهم: قَامَ الْقَوْم حَتَّى زيد قد أخرج زيدٌ عَن الْقَوْم لصفةٍ اخْتصَّ بهَا فِي الْقيام لم تثبت لَهُم فَلَو كَانَ هَذَا الْمَعْنى حَقِيقَة فِي الِاسْتِثْنَاء للَزِمَ. وَلَا تذكر حَتَّى فِي أدوات الِاسْتِثْنَاء.) انْتهى. وَمَا ذهب إِلَيْهِ جُمْهُور الْبَصرِيين من أَنه لَا يجوز فِيمَا بعْدهَا النصب لَيْسَ بِصَحِيح بل النصب بعْدهَا محفوظٌ من الْعَرَب. قَالَ الشَّاعِر: مشي الْجواد فبله الجلة النجبا وَقَالَ جرير: (وَهل كنت يَا ابْن الْقَيْن فِي الدَّهْر مَالِكًا ... لغير بعيرٍ بله مهريةً نجبا)

وَقَالَ آخر: بله الأكف كَأَنَّهَا لم تخلق وَقد رُوِيَ الرّفْع أَيْضا بعد بله على معنى كَيفَ. ذكره قطرب وَأنْكرهُ أَبُو عَليّ. وَفِي مُخْتَصر الْعين: بله بِمَعْنى كَيفَ وَبِمَعْنى دع. فَأَما الْجَرّ بعْدهَا وَهُوَ الْمجمع على سَمَاعه فَذهب بعض الْكُوفِيّين إِلَى أَنَّهَا بِمَعْنى غير فَمَعْنَى بله الأكف غير الأكف فَيكون هَذَا اسْتثِْنَاء مُنْقَطِعًا. وَذهب الْفَارِسِي إِلَى أَنَّهَا مصدر لم ينْطق لَهُ بِفعل وَهُوَ مُضَاف وَهِي إضافةٌ من نصب. وَذهب الْأَخْفَش إِلَى أَنَّهَا حرف جر. وَأما النصب فَيكون على أَنه مفعول وبله مصدر مَوْضُوع مَوضِع الْفِعْل أَو اسْم الْفِعْل لَيْسَ من لفظ الْفِعْل. فَإِذا قلت: قَامَ الْقَوْم بله زيدا فكأنك قلت: تركا زيدا أَو دع زيدا. وَأما الرّفْع فعلى الِابْتِدَاء وبله بِمَعْنى كَيفَ فِي مَوضِع الْخَبَر. وَقَالَ ابْن عُصْفُور: إِذا قلت: قَامَ الْقَوْم بله زيدا إِنَّمَا مَعْنَاهُ عندنَا دع زيدا وَلَيْسَ الْمَعْنى إِلَّا زيدا. أَلا ترى أَن معنى بله الأكف دع الأكف. فَهَذِهِ صفتهَا وَلم يرد اسْتثِْنَاء الأكف من الجماجم. قَالَ شَيخنَا: هَذَا مناقضٌ لقَوْله: كَأَنَّهَا لم تخلق فَإِنَّمَا يُرِيد إِذا كَانَ فعلهَا فِي الجماجم كَذَا فالأكف أَحْرَى بذلك فَكَأَنَّهَا لم تكن قطّ فَيُقَال أَنَّهَا قطعتها. فَلَا بَين معنى لاسيما وبله. انْتهى. هَذَا مَا أوردهُ ابْن حَيَّان. وَقَول الشَّارِح الْمُحَقق: وَمِنْه بله مَا أطلعْتُم أَي: من الِاسْتِثْنَاء بجعله بله بِمَعْنى سوى. وَهُوَ قِطْعَة من حَدِيث أخرجه البُخَارِيّ فِي صَحِيحه عَن أبي هُرَيْرَة فِي تَفْسِير سُورَة السَّجْدَة وَهُوَ: يَقُول

الله تَعَالَى: أَعدَدْت لعبادي الصَّالِحين مَا لَا عينٌ رَأَتْ وَلَا أذنٌ سَمِعت وَلَا خطر على قلب بشر ذخْرا بله مَا أطلعْتُم عَلَيْهِ. ثمَّ قَرَأَ: فَلَا تعلم نفسٌ مَا أُخْفِي لَهُم من قُرَّة أعينٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يعْملُونَ. وأطلعتم ضَبطه الْقُسْطَلَانِيّ بِضَم الْهمزَة وَكسر اللَّام. قَالَ: وَلأبي الْوَقْت: أطلعتهم بِفَتْح الْهمزَة وَاللَّام وَزِيَادَة هَاء بعد التَّاء. وَأخرجه مُسلم أَيْضا عَن أبي هُرَيْرَة فِي كتاب الْجنَّة وَصفَة نعيمها وَأَهْلهَا من صَحِيحه وَلَفظه: قَالَ رَسُول الله صلى الله) عَلَيْهِ وَسلم: يَقُول الله عَزَّ وَجَلَّ: أَعدَدْت لعبادي الصَّالِحين مَا لَا عينٌ رَأَتْ وَلَا أذنٌ سَمِعت وَلَا خطر على قلب بشر ذخْرا بله مَا أطلعْتُم عَلَيْهِ ثمَّ قَرَأَ: فَلَا تعلم نفسٌ مَا أُخْفِي لَهُم من قُرَّة أعين انْتهى. وَفِي رِوَايَة مِنْهُ: بله مَا أطلعْتُم الله عَلَيْهِ. فَقَوْل الْقُسْطَلَانِيّ فِي شرح البُخَارِيّ: إِن هَذَا الحَدِيث من أَفْرَاد البُخَارِيّ سَهْو مَعَ أَن ابْن حجر قَالَ: فِي فتح الْبَارِي: أخرج مسلمٌ الحَدِيث كُله عَن أبي بكر بن أبي شيبَة. قَالَ النَّوَوِيّ فِي شرح مُسلم: بله مَعْنَاهَا: دع عَنْك مَا أطلعتكم عَلَيْهِ فَالَّذِي لم أطْلعكُم عَلَيْهِ أعظم. فَكَأَنَّهُ أضْرب عَنهُ اسْتِقْلَالا لَهُ فِي جنب مَا لم يطلع عَلَيْهِ. وَقيل مَعْنَاهَا غير وَقيل مَعْنَاهَا كَيفَ. وَقَالَ ابْن الْأَثِير فِي النِّهَايَة: بله اسْم فعل بِمَعْنى دع وَقد يوضع مَوضِع الْمصدر ويضاف. وَقَوله: مَا أطلعْتُم عَلَيْهِ يحْتَمل أَن يكون مَنْصُوب الْمحل ومجروره. انْتهى. وَرَوَاهُ أَبُو حَيَّان فِي تَذكرته: بله مَا قد أطلعتكم عَلَيْهِ وَقَالَ: يُرِيد فدع مَا أطلعتكم عَلَيْهِ وَكَيف مَا أطلعتكم. وَتقول الْعَرَب: إِنِّي لَا أركب الْخَيل فَكيف الْحمير يُرِيد: فدع ذكر الْحمير لَا تذكره. فَفِي هَذَا القَوْل دلالةٌ على مُوَافقَة كَيفَ معنى دع فِي هَذِه الْجِهَة. انْتهى.

وَوَقع فِي أَكثر نسخ البُخَارِيّ من بله مَا اطلعتم عَلَيْهِ بِزِيَادَة من . قَالَ الْقُسْطَلَانِيّ هِيَ رِوَايَة أبي ذَر وَأبي الْوَقْت والأصيلي وَابْن عَسَاكِر. قَالَ ابْن حجر: قَالَ الصَّاغَانِي: اتّفقت نسخ الصَّحِيح على من بله وَالصَّوَاب إِسْقَاط كلمة من. وَتعقب بِأَنَّهُ لَا يتَعَيَّن إِسْقَاطهَا إِلَّا إِذا فسرت بِمَعْنى دع وَأما إِذا فسرت بِمَعْنى من أجل أَو من غير أَو سوى فَلَا. وَقد بيّنت فِي عدَّة مصنفاتٍ خَارج الصَّحِيح بِإِثْبَات من. وَأخرجه سعيد بن مَنْصُور من طَرِيق ابْن مرْدَوَيْه أبي مُعَاوِيَة عَن الْأَعْمَش كَذَلِك. وَقد فسر الْخطابِيّ الْجَار وَالْمَجْرُور بقوله: كَأَنَّهُ يَقُول: دع مَا اطلعتم عَلَيْهِ فَإِنَّهُ سهل فِي جنب مَا ادخر لَهُم. وَهَذَا إِنَّمَا هُوَ لائقٌ بشرح بله بِغَيْر تقدم من عَلَيْهَا. وَأما إِذا تقدّمت من عَلَيْهَا فقد قيل: هِيَ بِمَعْنى كَيفَ وَيُقَال: أجل وَيُقَال بِمَعْنى غير أَو سوى وَقيل بِمَعْنى فضل. انْتهى. قَالَ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي: وَمن الْغَرِيب أَن فِي رِوَايَة البُخَارِيّ من بلهٍ قد اسْتعْملت معربةً مجرورة ب من وخارجةً عَن الْمعَانِي الثَّلَاثَة. وفسرها بَعضهم بِغَيْر وَهُوَ ظاهرٌ. وَبِهَذَا يتقوى من يعدها فِي أَلْفَاظ الِاسْتِثْنَاء. انْتهى. وَكَذَلِكَ قَالَ الْقُسْطَلَانِيّ: قد ثَبت جر بله بِمن فِي الْفَرْع الْمُعْتَمد الْمُقَابل على أصل اليونيني الْمُحَرر بِحَضْرَة إِمَام الْعَرَبيَّة أبي عبد الله بن مَالك. قَالَ الدماميني فِي شرح البُخَارِيّ: وَفِي شُرُوح الْمُغنِي: نَص ابْن التِّين على أَن بله ضبط بِالْفَتْح والجر وَكِلَاهُمَا مَعَ وجود من. فَأَما الْجَرّ فقد وَجهه ابْن هِشَام. وَأما تَوْجِيه الْفَتْح مَعَ) وجود من فقد قَالَ الرضي: إِذا كَانَ بله بِمَعْنى كَيفَ جَازَ أَن تدخله من وَعَلِيهِ تتخرج هَذِه الرِّوَايَة فَتكون بِمَعْنى كَيفَ الَّتِي يقْصد بهَا الاستبعاد. ومَا مَصْدَرِيَّة وَهِي مَعَ صلتها

فِي مَحل رفع على الِابْتِدَاء وَالْخَبَر من بله وَالضَّمِير من عَلَيْهِ عَائِد على الذخر أَي: كَيفَ وَمن أَيْن اطلاعكم على الذخر الَّذِي أعددته فَإِنَّهُ أمرٌ قَلما تتسع الْعُقُول لإدراكه والإحاطة بِهِ. انْتهى. وَمثله لِابْنِ حجر قَالَ: وَوَقع فِي الْمُغنِي لِابْنِ هِشَام أَن بله اسْتعْملت معربة مجرورة ب من وَأَنَّهَا بِمَعْنى غير وَلم يذكر سواهُ. وَفِيه نظر لِأَن ابْن التِّين حكى رِوَايَة من بله بِفَتْح الْهَاء مَعَ وجود من فعلى هَذَا فَهِيَ مَبْنِيَّة ومَا مَصْدَرِيَّة وَهِي وصلتها فِي مَوضِع رفع على الإبتداء وَالْخَبَر هُوَ الْجَار وَالْمَجْرُور الْمُتَقَدّم وَيكون المُرَاد ب بله كَيفَ الَّتِي يقْصد بهَا الاستبعاد. وَالْمعْنَى: من أَيْن اطلاعكم على هَذَا الْقدر الَّذِي تقصر عقول الْبشر عَن الْإِحَاطَة بِهِ. وَدخُول من على بله إِذا كَانَت بِهَذَا الْمَعْنى جَائِز كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ الشريف فِي شرح الحاجبية. وأوضح التوجيهات لخُصُوص سِيَاق حَدِيث الْبَاب أَنَّهَا بِمَعْنى غير. وَذَلِكَ بَين لما تَأمله. انْتهى. وَهَذَا الِاتِّفَاق من الدماميني وَابْن حجر غريبٌ يقل وُقُوع مثله فَإِنَّهُمَا وَإِن كَانَا متصاحبين لم ير كلٌّ مِنْهُمَا شرح الآخر على البُخَارِيّ. أَقُول: كسرة بله يحْتَمل أَن تكون كسرة بِنَاء وَيُؤَيِّدهُ مَا قَالَه أَبُو حَيَّان فِي الارتشاف بِأَنَّهُ سمع فِي بله فتح الْهَاء وَكسرهَا. وَالْبَيْت الشَّاهِد من قصيدةٍ لأبي زبيد الطَّائِي النَّصْرَانِي. وَقَبله وَهُوَ مطلع القصيدة: ...

(حمال أثقال أهل الود آونةً ... أعطيهم الْجهد مني بله مَا أسع) من استفهامية ومبلغٌ متعدٍّ إِلَى مفعولين يُقَال: أبلغته السَّلَام فقومنا مَفْعُوله الأول والنائين: جمع ناء اسْم فَاعل من النأي وَهُوَ الْبعد. وَإِذ ظرفٌ مَعْنَاهُ التَّعْلِيل مُتَعَلق بمبلغ. وشحطوا بِفَتْح الْحَاء يُقَال: شحط يشحط شحطاً من بَاب منع وشحوطاً وَهُوَ الْبعد. وشيق: مشتاق وَأَصله شيوق بِوَزْن فيعل. وولع بِكَسْر اللَّام: وصفٌ من ولع بِفَتْح اللَّام وَكسرهَا يلع بِفَتْحِهَا مَعَ سُقُوط الْوَاو ولعاً بِسُكُون اللَّام وَفتحهَا بِمَعْنى علق بِهِ من علاقَة الْحبّ. كَذَا فِي الْمِصْبَاح. وحمال: مُبَالغَة حَامِل خبر لمَحْذُوف أَي: هُوَ حمال. وأثقال: جمع ثقل بِفتْحَتَيْنِ وَهُوَ مَتَاع الْمُسَافِر. وآونة: جمع أَوَان بِمَعْنى الْحِين كأزمنة وزمان وَهُوَ ظرف لحمال أَي: حَملته فِي أزمانٍ كَثِيرَة. وَضمير أعطيهم لأهل الود وَجمعه بِاعْتِبَار مَعْنَاهُ. والجهد بِالْفَتْح: النِّهَايَة والغاية وَهُوَ مصدر جهد فِي الْأَمر جهداً من بَاب نفع إِذا طلب حَتَّى بلغ غَايَته فِي الطّلب. وَمِنْه اجْتهد فِي) الْأَمر أَي: بذل وَسعه وطاقته فِي طلبه ليبلغ مجهوده ويصل إِلَى نهايته. والجهد أَيْضا: الوسع والطاقة يفتح فِي لُغَة الْحجاز وَيضم فِي غَيره. وأسع: مضارع وسع يتَعَدَّى وَلَا يتَعَدَّى. يُقَال: وسع الْمَكَان الْقَوْم ووسع الْمَكَان أَي: اتَّسع. قَالَ النَّابِغَة: ...

(تسع الْبِلَاد إِذا أَتَيْتُك زَائِرًا ... وَإِذا هجرتك ضَاقَ عني مقعدي) وَالسعَة والوسع: الطَّاقَة وَالْجدّة أَيْضا. وَالْفِعْل وسع بِكَسْر السِّين يسع بِفَتْحِهَا وأصل الفتحة الكسرة وَلِهَذَا أسقطت الْوَاو لوقوعها بَين يَاء مَفْتُوحَة وكسرة ثمَّ فتحت بعد الْحَذف لمَكَان حرف الْحلق. فأسع إِن كَانَ مُتَعَدِّيا فَمَا مَوْصُولَة أَو مَوْصُوفَة والعائد مَحْذُوف أَي: أسعه. وَإِن كَانَ لَازِما بِمَعْنى اتَّسع فَمَا مَصْدَرِيَّة. فالجهد إِن كَانَ بِالْمَعْنَى الأول فالوسع بِالْمَعْنَى الثَّانِي وَبِالْعَكْسِ لِئَلَّا يتَكَرَّر. وَظهر من هَذَا التَّقْدِير أَن الِاسْتِثْنَاء لَا مساس لَهُ هُنَا وَإِنَّمَا الْمَعْنى على أحد الْأَوْجه الثَّلَاثَة فِي الْبَيْت السَّابِق. فَالْأول أَنِّي أعطيهم فَوق الوسع فتركاً للوسع أَو فدع الوسع أَي: ذكره أَو فَكيف الوسع لَا أعْطِيه فَتَأمل. وَأنْشد بعده: وقفنا فَقُلْنَا إيه عَن أم سالمٍ تقدم شَرحه قبل بَيْتَيْنِ مِنْهُ. وَأنْشد بعده: (مهلا فداءٍ لَك الأقوام كلهم ... وَمَا أثمر من مالٍ وَمن ولد) وَهَذَا أَيْضا تقدم شَرحه فِي أول الْبَاب.

وَأنْشد بعده الشَّاهِد الثَّامِن وَالْخَمْسُونَ بعد الأربعمائة (أَلا حييا ليلى وقولا لَهَا هلا ... فقد ركبت أمرا أغر محجلا) على أَن هلا فِيهِ اسْم فعل بِمَعْنى أسرعي. الْمَعْرُوف أَنَّهَا زجرٌ للدابة لتذهب فَتكون من أَسمَاء الصَّوْت كَمَا فسره هُوَ بِهَذَا فِي بَاب الصَّوْت. قَالَ صَاحب الصِّحَاح: هلا: زجرٌ للخيل أَي: توسعي وتنحي. قَالَ: وَأي جوادٍ لَا يُقَال لَهُ هلا وللناقة أَيْضا وَقَالَ: حَتَّى حدوناها بهيدٍ وهلا وهما زجران للناقة وَقد تسكن بهَا الْإِنَاث عِنْد دنو الْفَحْل مِنْهَا. قَالَ: أَلا حييا ليلى وقولا لَهَا هلا انْتهى. فقد عكس الشَّارِح كَمَا ترى فَفَسَّرَهَا بأسرعي دون اسكني. وَقَالَ ابْن الْأَثِير فِي النِّهَايَة فِي شرح حيهلا من حَدِيث ابْن مَسْعُود: إِذا ذكر الصالحون فَحَيَّهَلا بعمر قَالَ: أَي: أقبل بِهِ وأسرع وَهِي

كلمتان جعلتا كلمة وَاحِدَة فحي بِمَعْنى أقبل وهلا: بِمَعْنى اسكن عِنْد ذكره حَتَّى تنقصي فضائله. انْتهى. فَهَلا من حيهلا إِمَّا بِمَعْنى أسْرع وَإِمَّا بِمَعْنى اسكن لِأَنَّهَا تَأتي للمعنيين كَمَا قَالَ الشَّارِح. وَكَأَنَّهُ رَحِمَهُ اللَّهُ أَخذ كَلَامه من هُنَا لكنه لم ينعم النّظر. وَأوردهُ الزَّمَخْشَرِيّ فِي مفصله قَالَ: وَيسْتَعْمل حَيّ وَحده بِمَعْنى أقبل وهلا وَحده. وَأنْشد الْبَيْت. وَالْبَيْت أول أبياتٍ للنابغة الْجَعْدِي الصَّحَابِيّ هجا بهَا ليلى الأخيلية. وَبعده: (بريذينةٌ بل البراذين ثفرها ... وَقد شربت فِي أول الصَّيف أيلا) (وَقد أكلت بقلاً وخيماً نَبَاته ... وَقد نكحت شَرّ الأخايل أخيلا) (وَكَيف أهاجي شَاعِرًا رمحه استه ... خضيب البنان لَا يزَال مكحلا) وَقَوله: أَلا حييا أَي: ابلغاها تحيتي على طَرِيق الهزء والسخرية. وَرُوِيَ: أَلا أبلغا أَمر مخاطبين بالتبليغ أَو وَاحِدًا إِمَّا بِتَقْدِير الْألف مبدلة من

نون التوكيد الْخَفِيفَة. وَإِمَّا من قبيل خطاب الرجل صَاحبه بخطاب الِاثْنَيْنِ على عَادَتهم. وهلا هُوَ المحكي بالْقَوْل. وَقَوله: فقد ركبت إِلَخ أَرَادَ أَنَّهَا ركبت بِسَبَب التَّعَرُّض لي أمرا وَاضحا ظَاهرا لَا يخفى. وَهَذَا يُقَال فِي كل شَيْء ظاهرٍ عرف كَمَا يعرف الْفرس الْأَغَر المحجل. وَمِنْه قَول الشَّاعِر:) (وأيامنا معروفةٌ فِي عدونا ... لَهَا غررٌ معروفةٌ وحجول) وَرُوِيَ: لقد ركبت أيراً بِالْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّة بدل الْمِيم وَهُوَ تَحْرِيف من الْكتاب. وَقَوله: ذري عَنْك إِلَخ ذري: اتركي. وتهجاء بِالْفَتْح: مصدر لمبالغة الهجاء. وأذلقي أَي: أير أذلقي. والأذلق: السنان الْمسنون المحدد. قَالَ صَاحب الْعباب: ذلق السنان بِالْكَسْرِ يذلق ذلقاً أَي: صَار حديداً فَهُوَ ذلق وأسنةٌ ذلق. وَقَالَ الْعَيْنِيّ: أذلقي أَي: رجلٌ فصيح متقن. وَهَذَا لَا مُنَاسبَة لَهُ هُنَا. وَمثله لبَعض فضلاء الْعَجم فِي شرح أَبْيَات الْمفصل وَتَبعهُ الْكرْمَانِي فِي شرح أَبْيَات الموشح قَالَا: أذلقيٌّ أَي: فصيح يُقَال: فلانٌ ذلق اللِّسَان أَي: طليقه. والأذلقي مُبَالغَة. انْتهى.

وَرُوِيَ: أذلغي بدل أذلقي بذال وغين معجمتين بَينهمَا لَام. قَالَ صَاحب الْعباب: وَقَالَ للذّكر أذلغ وأذلغيٌّ ومذلغ بِكَسْر الْمِيم. والأذلغي: مَنْسُوب إِلَى بني أذلغ: قومٌ من بني عَامر يوصفون بِالنِّكَاحِ. قَالَ ابْن الْكَلْبِيّ: الأذلغ هُوَ عَوْف بن ربيعَة بن عبَادَة وَأمه من ثمالة. وَقَالَ الْأَزْهَرِي: الذّكر يُسمى أذلغ إِذا اتمهل فَصَارَت تومته مثل الشّفة المنقلبة. وَيُقَال: رجل أذلغ إِذا كَانَ غليظ الشفتين. وذلغ جَارِيَته إِذا جَامعهَا. انْتهى. والفيشل بِفَتْح الْفَاء: رَأس الذّكر وَمثله الفيشلة. كَذَا فِي الْعباب. وَقَالَ الْعَيْنِيّ: الفيشل: الذّكر الْعَظِيم الكمرة. وَلم أره بِهَذَا الْمَعْنى. وَقَوله: برذينة حك البراذين إِلَخ مصغر البروذنة. قَالَ المطرزي: البرذون: التركي من الْخَيل وَهُوَ خلاف العراب. وَقَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: البرذون يَقع على الذّكر وَالْأُنْثَى وَرُبمَا قَالُوا فِي الْأُنْثَى بروذنة كَذَا فِي الْمِصْبَاح. والثفر بِفَتْح الْمُثَلَّثَة وَسُكُون الْفَاء. قَالَ صَاحب الْمِصْبَاح: الثفر مثل فلسٍ للسباع وكل ذِي مخلب منزلَة الْفرج والحيا للناقة. وَرُبمَا استعير لغَيْرهَا. وَقَوله: وَقد شربت من آخر إِلَخ الأيل بِضَم الْهمزَة وَتَشْديد الْيَاء الْمَفْتُوحَة: جمع آيل كقارح وقرح والآيل: اللَّبن الخاثر. وَقيل اسْم جمع لَهُ يُقَال: آل اللَّبن يؤول أَولا إِذا خثر. وَأَرَادَ ألبانا أيلاً فَحذف الْمَوْصُوف. وَقيل: هُوَ أيل بِفَتْح الْهمزَة كسرهَا وَتَشْديد الْيَاء الْمَكْسُورَة وَهُوَ

الذّكر من الأوعال. وَالْأُنْثَى أَيْلَة وأروية. والأيل هُوَ ذُو الْقرن الأشعب مثل الثور الأهلي وَإِنَّمَا سمي أيلاً لِأَنَّهُ يؤول إِلَى الْجبَال يتحصن فِيهَا. قَالَ ابْن السَّيِّد فِي شرح أَبْيَات أدب الْكَاتِب: أَرَادَ لبن أيل فَحذف الْمُضَاف وَخَصه دون غَيره لِأَنَّهُ يهيج الغلمة. وَقَالَ صَاحب الْعباب: قَالَ شمر: هُوَ لبن الأيايل. قَالَ أَبُو الْهَيْثَم: هَذَا محالٌ وَمن أَيْن يُوجد ألبان الأيايل. وَقَالَ أَبُو نصر: هُوَ الْبَوْل الخاثر من أَبْوَال الأروى إِذا شربته الْمَرْأَة اغتلمت. وَهُوَ يغلم أَي: يُقَوي على النِّكَاح. وَقَوله: إِذا أكلت بقلاً وخيماً إِلَخ الوخيم: الثقيل.) ونكحت: تزوجت من بَاب ضرب. والأخايل: جمع أخيل قَالَ صَاحب الْعباب: بَنو الأخيل: حيٌّ من بني عقيل رَهْط ليلى الأخيلية. وَقَوْلها: (نَحن الأخايل مَا يزَال غلامنا ... حَتَّى يدب على الْعَصَا مَذْكُورا) وَإِنَّمَا جمعت الْقَبِيلَة باسم الأخيل بن مُعَاوِيَة الْعقيلِيّ. انْتهى . أَرَادَ أَنَّهَا تزوجت بأشر بني أخيل. وأخيل: صفة لشر لتأويله بمشؤوم فَإِن الأخيل هُوَ الشقراق وَالْعرب تتشاءم بِهِ. وَقَوله: وَكَيف أهاجي شَاعِرًا إِلَخ أَي: كَيفَ أهاجي امْرَأَة بِهَذِهِ الصِّفَات. والاستفهام إنكاريٌَ. أَي: لَا أهجو استنكافاً مِمَّن بِهَذِهِ الصّفة.

وَسبب هجو النَّابِغَة لليلى أَنه كَانَ يهاجي زَوجهَا سوار بن أوفى الْقشيرِي فاعترضت ليلى بَينهمَا فهجت النَّابِغَة بِشعر فهجاها بِهَذَا الشّعْر فهجته بقصيدةٍ مِنْهَا هَذِه الأبيات: (أنابغ إِن تنبغ بلؤمك لَا تَجِد ... للؤمك إِلَّا وسط جعدة مجعلا) (أعيرتني دَاء بأمك مثله ... وَأي حصان لَا يُقَال لَهَا: هلا) (تساور سواراً إِلَى الْمجد والعلا ... وَفِي ذِمَّتِي لَئِن فعلت ليفعلا) فغلبته وَلِهَذَا صَار النَّابِغَة معدوداً من المغلبين. هَذِه هُوَ الصَّحِيح فِي الرِّوَايَة كَمَا فِي الأغاني وَفِي شرح شَوَاهِد إصْلَاح الْمنطق لَا الْعَكْس كَمَا قَالَه ابْن هِشَام فِي شرح الشواهد وَتَبعهُ الْعَيْنِيّ وَغَيره. ثمَّ إِنَّهَا وفدت إِلَى الْحجَّاج بن يُوسُف فَأَعْطَاهَا مَا سَأَلت ثمَّ قَالَ لَهَا: أَلَك حَاجَة بعد هَذَا قَالَت: نعم تدفع إِلَيّ النَّابِغَة الْجَعْدِي. قَالَ: قد فعلت. فَلَمَّا بلغ النَّابِغَة فعل الْحجَّاج بِهِ خرج هَارِبا إِلَى عبد الْملك بن مَرْوَان عائذاً بِهِ فاتبعته إِلَى الشَّام فهرب إِلَى قُتَيْبَة بن مُسلم بخراسان فاتبعته بِكِتَاب الْحجَّاج إِلَيْهِ فَمَاتَتْ بقومس. وَقَالَ ابْن قُتَيْبَة: بساوة وقبرت هُنَاكَ.

وَقَوْلها: أنابغ إِلَخ الْهمزَة للنداء. ونابغ: مرخم نَابِغَة وَهُوَ لقبٌ وَالْهَاء للْمُبَالَغَة. يُقَال: نبغ الرجل إِذا لم يكن فِي إِرْث الشّعْر ثمَّ قَالَ وأجاد وَمِنْه سمي الشُّعَرَاء من النوابغ وهم ثَمَانِيَة. وَاسم الْجَعْدِي قيس بن عبد الله. وَقد تقدّمت تَرْجَمته فِي الشَّاهِد السَّادِس والثمانين بعد الْمِائَة. ونبغ يَنْبغ بِفَتْح الْبَاء فِي الْمَاضِي وبتثليثها فِي الْمُضَارع إِذا ظهر وَعلا. وَقَوْلها: وَلم تَكُ أَولا أَي: لم تكن أول من قَالَ شعرًا وَلَيْسَ لَك قدمٌ فِيهِ. والصني: مصغر صنو بِكَسْر الصَّاد الْمُهْملَة وَسُكُون النُّون وَهُوَ حسيٌ صَغِير لَا يردهُ أحد وَلَا يؤبه لَهُ يُقَال: هُوَ شقٌ فِي الْجَبَل. كَذَا فِي الصِّحَاح. وَقَالَ ابْن السَّيِّد فِي شرح أَبْيَات أدب الْكتاب: الصني: شعب ضيق بَين الْجبَال وَقيل: هُوَ الرماد) وَقيل: هُوَ الشَّيْء الحقير الَّذِي لَا يلْتَفت إِلَيْهِ. والحسي بِكَسْر الْحَاء وَسُكُون السِّين الْمُهْمَلَتَيْنِ وَهُوَ المَاء المتواري فِي الرمل. قَالَ ابْن السيرافي فِي شرح أَبْيَات إصْلَاح الْمنطق: لم تنبغ: لم تعل وَلم تذكر. والصني: الْحسي الصَّغِير تُرِيدُ أَنه بِمَنْزِلَة الْحسي كَهَذا المَاء الَّذِي بَين جبلين لَا يُريدهُ أحد. وجهلاً نعت لصني. والصد بِضَم الصَّاد وَفتحهَا وَيُقَال: سد بِالسِّين كَذَلِك هُوَ الْجَبَل. والمجعل: مصدرٌ ميمي. بِمَعْنى الْجعل أَي: لم تَجِد من يجعلك شريفاً إِلَّا قَوْمك. وَقَوْلها: أعيرتني دَاء أَي: أنسبتني إِلَى الْعَار وَهُوَ كل شَيْء يلْزم مِنْهُ عيبٌ أَو سبة يتَعَدَّى إِلَى الْمَفْعُول الثَّانِي بِنَفسِهِ كَمَا هُنَا. وبالباء أَيْضا. قَالَ المرزوقي فِي شرح الحماسة: الْمُخْتَار أَن يتَعَدَّى بِنَفسِهِ. والحصان

بِالْفَتْح: الْمَرْأَة العفيفة. وَرُوِيَ بدله: وَأي جواد وَهُوَ الْفرس الجيدة. وَقَوْلها: تساور سواراً إِلَخ تساور: توَاثب وتغالب. وسوار قَالَ ابْن قُتَيْبَة فِي كتاب الشُّعَرَاء: هُوَ سوار بن أوفى الْقشيرِي. وَكَانَ زَوجهَا. وصحفه بَعضهم وَرَوَاهُ: تسور سوار وَالصَّوَاب مَا روينَاهُ. وَهَذَا الْبَيْت أوردهُ سِيبَوَيْهٍ فِي كِتَابه على الْألف فِي ليفعلا أَصْلهَا نون التوكيد الْخَفِيفَة قلبت ألفا. وَاللَّام فِي لَئِن موطئة الْقسم وَاللَّام الثَّانِيَة فِي جَوَاب الْقسم الْمُقدر وَجُمْلَة: يفعلا جَوَاب الْقسم وَجَوَاب الشَّرْط مَحْذُوف وجوبا وَفِي ذِمَّتِي خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي: فِي ذِمَّتِي الْقيام بِمَا أدعيه لسوار من أَن يَغْلِبك وَالله لَئِن فعلت ليفعلن أَي: لَئِن واثبته ليواثبنك ويغلبنك. وَقَالَ أَبُو عَليّ فِي إِيضَاح الشّعْر قَوْله: وَفِي ذِمَّتِي قسم وَجَوَابه ليفعلن. فَإِن قلت: إِن فِي قَوْله: وَفِي ذِمَّتِي لَيْسَ بِكَلَام مُسْتَقل وَالْقسم إِنَّمَا هُوَ جملَة. قلت: أَنه أضمر فِي الظّرْف الْيَمين أَو الْقسم لدلَالَة الْحَال عَلَيْهِ كَمَا أضمر قي قَوْله سُبْحَانَهُ: ثمَّ بدا لَهُم الْفَاعِل وَصَارَ ليسجننه كالجواب لِأَن بدا بِمَنْزِلَة علم وَذَاكَ أَنه علمٌ. وَمن لم يرفع بالظرف فَيَنْبَغِي أَن يكون الْمُبْتَدَأ عِنْده محذوفاً. وَيبين ذَلِك قَوْلهم: عَليّ عهد الله لَأَفْعَلَنَّ. انْتهى. الْمُبْتَدَأ وجوبا إِذا كَانَ خَبره صَرِيحًا فِي الْقسم كَقَوْلِهِم: فِي ذِمَّتِي لَأَفْعَلَنَّ أَي: فِي ذِمَّتِي يَمِين.

وَأنْشد هَذَا الْبَيْت. وَإِنَّمَا عده صَرِيحًا لِأَنَّهُ اشْتهر اسْتِعْمَاله فِي الْقسم وَبِه يسْقط قَول من قَالَ كَمَا نَقله الْعَيْنِيّ: يحْتَمل أَن يكون: فِي ذِمَّتِي دينٌ أَو عهدٌ فَلَا يفهم الْقسم إِلَّا بِذكر الْمقسم بِهِ . وَأنْشد بعده: قدني من نصر الخبيبين قدي وَقد تقدم شَرحه مفصلا فِي الشَّاهِد الثَّالِث بعد الأربعمائة. وَأنْشد بعده الشَّاهِد التَّاسِع وَالْخَمْسُونَ بعد الأربعمائة (وَمَتى أهلك فَلَا أحفله ... بجلي الْآن من الْعَيْش بجل) على أَن بجل كَانَ فِي الأَصْل مصدرا بِمَعْنى الِاكْتِفَاء ثمَّ صَار اسْم فعل بِمَعْنى الْأَمر فَإِن اتَّصل بِهِ الْكَاف كَانَ مَعْنَاهُ اكتف أَمر مُخَاطب حَاضر. وَإِن اتَّصل بِهِ الْيَاء كَانَ مَعْنَاهُ لأكتف أَمر مُتَكَلم نَفسه كَمَا أَن قد وقطّ كَذَلِك. فَفِيهِ ضمير مستتر وجوبا تَقْدِيره فِي الأول: أَنْت وَفِي الثَّانِي أَنا. وَمثله فِي الْمفصل للزمخشري: أَن قدك وقطك بِمَعْنى اكتف وانته. وَلم يذكر مَعَهُمَا بجل

وَكَونهَا مَوْضُوعَة لهَذَا الْمَعْنى هُوَ الْمُتَبَادر الظَّاهِر من موارد اسْتِعْمَالهَا والمطرد فِي كل مَوضِع أَتَت فِيهِ. وَذهب ابْن مَالك فِي التسهيل إِلَى أَن الثَّلَاثَة موضوعةٌ لأكتفي فعلا مضارعاً للمتكلم. وَهُوَ قريبٌ مِمَّا قَالَاه. وَقَالَ أَبُو حَيَّان فِي الارتشاف: وَأما بجل فقد ذكرُوا أَنَّهَا اسْم فعل وَالْيَاء فِي مَوضِع نصب بِمَعْنى كفاني أَو يَكْفِينِي. وَإِذا لم تلْحق فَهِيَ بِمَعْنى حسب. وَاقْتصر الْمرَادِي فِي الجنى الداني وَابْن هِشَام فِي الْمُغنِي وَغَيرهمَا على أَنَّهَا مَوْضُوع ليكفي فعلا مضارعاَ غَائِبا. وَهَذَا يحْتَاج إِلَى فَاعل ظَاهر. وَلَا يَتَيَسَّر فِيهِ بجلي الْآن وَلَا فِي قَول طرفَة بن العَبْد. وَقد أوردهُ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي: أَلا بجلي من الشَّرَاب أَلا بجل لعدم وجوده. وَلما رَأَوْا أَن لَا فَاعل اضطروا إِلَى جعل بجل فِي الْبَيْتَيْنِ بِمَعْنى حسب وأثبتوا معنى ثَانِيًا لَهَا. وَلَا ضَرُورَة تَدْعُو إِلَيْهِ وَلِهَذَا لم يذكر الشَّارِح الْمُحَقق معنى حسب أصلا حسماً للانتشار من غير فَائِدَة. فَإِن قلت: إِن عُلَمَاء اللُّغَة الْمُتَقَدِّمين كالأزهري وَابْن دُرَيْد والجوهري وَغَيرهم إِنَّمَا قَالُوا: بجل بِمَعْنى حسب وَلم يتَعَرَّضُوا لمجيئها اسْم فعل فَمَا وَجهه قلت: هُوَ راجعٌ إِلَيْهِ وَإِنَّمَا عبروا بِحَسب لقرب الْمَعْنى تيسيراً للفهم. وهم يتساهلون فِي تَفْسِير بعض الْأَلْفَاظ.

وَلما كَانَ غَرَض النَّحْوِيين مُتَعَلقا بِأَحْكَام الْأَلْفَاظ دققوا النّظر فبينوا حَقِيقَتهَا وفسروها بِالْفِعْلِ وسموها اسْم فعل. وَلَا يَصح أَن تكون مَوْضُوعَة بِمَعْنى حسب لِأَن كلاًّ مِنْهُمَا لَا يسْتَعْمل اسْتِعْمَال الآخر. أما حسب فَإِنَّهَا اسمٌ مُعرب متصرف يَقع مُبْتَدأ وخبراً وَحَالا ومجروراً وَيدخل عَلَيْهَا العوامل اللفظية. وبجل إِلَى خلاف هَذَا وَإِثْبَات هَذِه الْأُمُور لَهَا دونه خرط القتاد. وَأما بجل فَإِن نون الْوِقَايَة تلحقها وَحسب لَا تلحقها وَلَا فِي الندرة. وَقد أَخذ ابْن مَالك بِظَاهِر كَلَام أهل اللُّغَة فَأثْبت مَجِيء بجل بِمَعْنى حسب. وَحسب لَيست اسْم فعل) لدُخُول العوامل عَلَيْهَا وَلم يصب من عدهَا من أَسمَاء الْأَفْعَال كالقواس فِي شرح ألفية ابْن معطي وَلَا يجب لحاق نون الْوِقَايَة لبجل مَعَ الْيَاء بل يجوز بمرجوحية. قَالَ الشَّارِح الْمُحَقق هُنَا: وَتجب نون الْوِقَايَة فِي قد وقطّ دون بجل فِي الْأَعْرَاف لِكَوْنِهِمَا على حرفين دونه. وَقَالَ فِي بَاب الْمُضمر: وَكَذَا الْحَذف فِي بجل أولى من الْإِثْبَات وَإِن كَانَ سَاكن الآخر مثل قد وقطّ لكَرَاهَة لَام سَاكِنة قبل النُّون وتعسر النُّطْق بهَا. وَمثله لِابْنِ هِشَام فِي الْمُغنِي: أَن لحاق النُّون لبجل إِذا كَانَ اسْم فعل نَادِر. وَكَذَا حَال جَمِيع أَسمَاء الْأَفْعَال يجوز إِلْحَاق نون الْوِقَايَة وَتركهَا. قَالَ الشَّارِح الْمُحَقق فِي بَاب الْمُضمر: يجوز إِلْحَاق نون الْوِقَايَة فِي أَسمَاء

الْأَفْعَال لأدائها معنى الْفِعْل وَيجوز تَركهَا أَيْضا لِأَنَّهَا لَيست أفعالاً فِي الأَصْل. حكى يُونُس: عليكني وَحكى الْفراء: مكانكني. انْتهى. وَكَذَا قَالَ الشاطبي فِي شرح الألفية: حكى سِيبَوَيْهٍ فِي أَسمَاء الْأَفْعَال عليكني وعليكي. بل يَنْبَغِي أَن يكون إِلْحَاق النُّون لاسم الْفِعْل كالفعل من كل وَجه فَكَمَا تَقول تراكها: تَقول تراكني وَفِي رويد: رويدني وَفِي هَلُمَّ الحجازية: هلمني. وَكَذَلِكَ سَائِر أَسمَاء الْأَفْعَال المتعدية. وَقد نَص ابْن مَالك فِي شرح التسهيل على جَوَاز إِلْحَاق النُّون فِي اسْم الْفِعْل مُطلقًا. انْتهى. وَزعم ابْن هِشَام فِي شرح الألفية وَفِي الْجَامِع الصَّغِير وَغَيرهمَا أَن لحاقها لاسم الْفِعْل وَاجِب. وحينئذٍ يرد عَلَيْهِ مَا استشكله الدماميني فِي شرح الْمُغنِي قَالَ: هَذَا مُشكل لِأَنَّهَا حَيْثُ تكون اسْم فعل بِمَعْنى يَكْفِي فالنون وَاجِبَة لَا نادرة. نعم إِذا كَانَت بِمَعْنى حسب جَازَ الْأَمْرَانِ إِلَّا أَن ترك النُّون أعرف من إِثْبَاتهَا فندور: بجلني بالنُّون إِنَّمَا هُوَ إِذا كَانَت بِمَعْنى حسب لَا بِمَعْنى يَكْفِي. هَذَا كَلَامه. وَتَابعه عَلَيْهِ الشمني وناقشه بِشَيْء لَا طائل تَحْتَهُ. وَقد لفق بَين كلاميهما ابْن الملا على عَادَته وَلم يَأْتِ بِشَيْء. وَقَول الشَّارِح الْمُحَقق: إِلَّا أَن الضَّمِير قد يحذف من بجل بِخِلَاف قد وقطّ يَعْنِي قد تسْتَعْمل مُجَرّدَة من إِلْحَاق ضمير الْمُتَكَلّم أَو الْمُخَاطب كَمَا فِي الْبَيْت فَإِن بجل الثَّانِيَة تَأْكِيد للأولى

أَلا بجلي من الشَّرَاب أَلا بجل وَكَذَلِكَ قَول بعض أهل الْبَصْرَة فِي يَوْم الْجمل: ردوا علينا شَيخنَا ثمَّ بجل يُرِيد: ثمَّ بجلكم أَي: كفوا وانتهوا. وَزعم الْعَيْنِيّ أَن بجل الثَّانِيَة حرفُ بِمَعْنى نعم وَمَعَ هَذَا فَهِيَ تَأْكِيد لبجل الأولى. وَفِيه أَن الْحَرْف لَا يُؤَكد الِاسْم لتغايرهما بالنوعية. وَقَول الشَّاعِر: وَمَتى أهلك إِلَخ مَتى: جازمة. وَأهْلك شَرط وَلِهَذَا جزم. وَجُمْلَة: لَا أحفله فِي مَحل جزم جَوَاب) الشَّرْط. وَهلك الشَّيْء من بَاب ضرب وَكَذَلِكَ حفل من بَاب ضرب. قَالَ صَاحب الْعباب: وحفلت كَذَا أَي: باليت بِهِ. وَيَتَعَدَّى بِالْبَاء أَيْضا وَهُوَ الْكثير. يُقَال: حفلت بفلان إِذا قُمْت بأَمْره وَلَا تحفل بأَمْره أَي: لَا تبال بِهِ وَلَا تهتم بِهِ. واحتفلت بِهِ: اهتممت بِهِ. وَضمير أحفله راجعٌ إِلَى الْهَلَاك الْمَفْهُوم من أهلك. وَهَذَا الْبَيْت من قصيدةٍ للبيد بن ربيعَة الصَّحَابِيّ ذكر فِيهَا أَيَّامه ومشاهده وَمَا جرى لَهُ عِنْد النُّعْمَان بن الْمُنْذر ملك الْحيرَة والتأسف على مَوته. إِلَى أَن قَالَ: فَمَتَى أهلك فَلَا أحفله الْبَيْت وَبعده:

ثمَّ رثى أَخَاهُ لأمه أَرْبَد لمَوْته بصاعقةٍ نزلت بِهِ بِدُعَاء النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ لِأَنَّهُ كَانَ جَاءَ مَعَ عَامر بن الطُّفَيْل قاتلهما الله للغدر بِالنَّبِيِّ صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم. وَهَذِه القصيدة قَالَهَا قبل إِسْلَامه. وَتقدم شرح أبياتٍ مِنْهَا فِي الشَّاهِد الثَّامِن وَالْعِشْرين بعد الْمِائَتَيْنِ. وترجمته تقدّمت أَيْضا فِي الشَّاهِد الثَّانِي وَالْعِشْرين بعد الْمِائَة. وَقَوله: من حَيَاة بدل من قَوْله: من الْعَيْش فِي الْبَيْت السَّابِق. وَأنْشد بعده الشَّاهِد السِّتُّونَ بعد الأربعمائة (أنشأت أسأله مَا بَال رفقته ... حَيّ الحمول فَإِن الركب قد ذَهَبا) على أَن حَيّ جَاءَ مُتَعَدِّيا بِمَعْنى: ائْتِ الحمول جمع حمل بِالْكَسْرِ. وَهَذِه رِوَايَة الْجَوْهَرِي فِي الصِّحَاح وَكَذَا رَوَاهُ خطاب بن يُوسُف فِي كتاب الترشيح وَقَالَ: أَخذ يسْأَل غُلَامه: مَا بَال الرّفْقَة وَأَيْنَ أخذت ثمَّ قَالَ لَهُ: حَيّ الحمول يَا غُلَام أَي: ائتها وحثها. انْتهى. نَقله عَنهُ أَبُو حَيَّان فِي التَّذْكِرَة.

وَقد روى الْبَيْت أَبُو عَليّ فِي كتاب إِيضَاح الشّعْر والسهيلي فِي الرَّوْض الْأنف هَكَذَا: (أنشأت أسأله عَن حَال رفقته ... فَقَالَ: حَيّ فَإِن الركب قد ذَهَبا) وَعَلِيهِ فَلَيْسَ بمتعد. وَرَوَاهُ الْأَخْفَش أَبُو الْحسن سعيد بن مسْعدَة الْمُجَاشِعِي فِي كتاب المعاياة: وَقَالَ: أَرَادَ بقوله: حيهل فنقصه. والرفقة بِضَم أَولهَا وتكسر. وَجعل الركب بِمَنْزِلَة الْوَاحِد. اه. أَي: بِالنّظرِ إِلَى قَوْله ذهب الْإِفْرَاد وَلَو كَانَ رَاعى مَعْنَاهُ لقَالَ: ذَهَبُوا. وَقَالَ ابْن أبي الرّبيع: حَيّ تسْتَعْمل مركبة وَغير مركبة. فَإِن كَانَت غير مركبة كَانَت بِمَنْزِلَة أقبل فتتعدى بعلى وَإِذا كَانَت مركبة كَانَت متعدية بِمَنْزِلَة ائْتِ. انْتهى. وَقَوله: أنشأت أَي: شرعت أسأَل غلامي كَيفَ أَخذ الركب. والبال: الْحَال والشأن. والرفقة قَالَ صَاحب الْمِصْبَاح: هِيَ الْجَمَاعَة ترافقهم فِي سفرك فَإِذا تفرقتم زَالَ اسْم الرّفْقَة. وَهِي بِضَم الرَّاء فِي

لُغَة تَمِيم وَالْجمع رفاق مثل برمة وبرام وبكسرها فِي لُغَة قيس وَالْجمع رفْقَة مثل سِدْرَة وَسدر. وَقَوله: حَيّ الحمول مقول لقَوْل مَحْذُوف أَي: فَقَالَ: حَيّ الحمول وَهُوَ مُصَرح بِهِ فِي رِوَايَة غير الْجَوْهَرِي. قَالَ صَاحب الْمِصْبَاح: وراكب الدَّابَّة جمعه ركب مثل صَاحب وَصَحب وركبان. انْتهى. وَقَالَ ابْن قُتَيْبَة فِي أدب الْكَاتِب: الركب: أَصْحَاب الْإِبِل وهم الْعشْرَة وَنَحْو ذَلِك. قَالَ ابْن السَّيِّد فِي الاقتضاب: هَذَا الَّذِي قَالَه ابْن قُتَيْبَة قَالَه غير وَاحِد. وَحكى يَعْقُوب عَن عمَارَة بن عقيل قَالَ: لَا أَقُول رَاكب إِلَّا لراكب الْبَعِير خَاصَّة وَأَقُول لغيره قارسٌ وبغال وحمار. وَيُقَوِّي هَذَا الَّذِي قَالَه قَول قريط الْعَنْبَري: (فليت لي بهم قوما إِذا ركبُوا ... شنوا الإغارة فُرْسَانًا وركبانا) وَالْقِيَاس يُوجب أَن هَذَا غلط وَالسَّمَاع يعضد ذَلِك. وَلَو قَالُوا إِن هَذَا هُوَ الْأَكْثَر فِي الِاسْتِعْمَال لَكَانَ لقَولهم وَجه. وَأما الْقطع على أَنه لَا يُقَال رَاكب وَلَا ركب إِلَّا لأَصْحَاب الْإِبِل خَاصَّة فَغير) صَحِيح لِأَنَّهُ لَا خلاف بَين اللغويين فِي أَنه قَالَ: ركبت الْفرس وَركبت الْبَغْل وَركبت الْحمار. وَاسم الْفَاعِل من ذَلِك رَاكب وَإِذا كثرت الْفِعْل قلت: ركاب وركوب. وَقد قَالَ الله تَعَالَى: وَالْخَيْل وَالْبِغَال وَالْحمير لتركبوها فأوقع الرّكُوب على الْجَمِيع. وَقَالَ امْرِئ الْقَيْس:

(إِذا ركبُوا الْخَيل واستلأموا ... تحرقت الأَرْض وَالْيَوْم قر) وَقَالَ زيد الْخَيل الطَّائِي: (وتركب يَوْم الروع فِيهَا فوارسٌ ... بصيرون فِي طعن الأباهر والكلى) وَهَذَا كثير فِي الشّعْر وَغَيره. وَقد قَالَ الله تَعَالَى: فرجالاً أَو ركباناً. وَهَذَا اللَّفْظ لَا يدل على تَخْصِيص شَيْء بِشَيْء بل اقترانه بقوله فرجالاً يدل على أَنه يَقع على كل مَا يقل على الأَرْض. وَنَحْوه قَول الراجز: (بنيته بعصبةٍ من ماليا ... أخْشَى ركيباً أَو رجيلاً عاديا) فَجعل الركب ضد الرجل وضد الرجل يدْخل فِيهِ رَاكب الْفرس وراكب الْحمار وَغَيرهمَا. وَقَول ابْن قُتَيْبَة أَيْضا: إِن الركب الْعشْرَة وَنَحْو ذَلِك غلطٌ آخر لِأَن الله تَعَالَى قَالَ: والركب أَسْفَل مِنْكُم يَعْنِي مُشْركي قُرَيْش يَوْم بدر وَكَانُوا تِسْعمائَة وَبضْعَة وَخمسين. وَالَّذِي قَالَه يَعْقُوب فِي

الركب هم الْعشْرَة فَمَا فَوْقهَا. وَهَذَا صحيحٌ وأظن أَن ابْن قُتَيْبَة أَرَادَ ذَلِك فغلط فِي النَّقْل. انْتهى. وَقبل الْبَيْت الشَّاهِد: (تعدو بِنَا شطر جمعٍ وَهِي عاقدةٌ ... قد قَارب العقد من إيفادها الحقبا) وتعدو أَي: النَّاقة من الْعَدو وَهُوَ مَا قَارب الهرولة وَهُوَ دون الجري. وبنا أَي: بِي وبغلامي فَإِنَّهُ كَانَ زميلي على النَّاقة. والشطر هُنَا بِمَعْنى الْجِهَة. وَجمع: اسْم الْمزْدَلِفَة. وَسميت بِهِ إِمَّا لِأَن النَّاس يَجْتَمعُونَ بهَا وَإِمَّا لِأَن آدم اجْتمع هُنَاكَ بحواء. والعاقدة: النَّاقة الَّتِي قد أقرَّت باللقاح لِأَنَّهَا تعقد بذنبها فَيعلم أَنَّهَا حملت. وَقيل: العاقدة: الَّتِي تضع عُنُقهَا على عجزها. والإيفاد: الْإِسْرَاع مصدر أوفد بِالْفَاءِ أَي: أسْرع. والحقب بِفَتْح الْمُهْملَة وَالْقَاف: حَبل يشد بِهِ الرحل إِلَى بطن الْبَعِير مِمَّا يَلِي ثيله أَي: ذكره كي لَا يجتذبه التصدير. تَقول مِنْهُ: أحقبت الْبَعِير. وَرُوِيَ أَيْضا: (تعدو بِنَا شطر جمعٍ وَهِي موفدةٌ ... قد قَارب الْغَرَض من إيفادها الحقبا) وموفدة: اسْم فَاعل بِمَعْنى مسرعة من الإيفاد الْمَذْكُور. وَالْغَرَض بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَسُكُون) الرَّاء الْمُهْملَة بعْدهَا ضاد مُعْجمَة وَيُقَال لَهُ: غرضة بِالضَّمِّ وَهُوَ التصدير وَهُوَ للرجل بِمَنْزِلَة الحزام للسرج والبطان للقتب. يَقُول: قد لوت عُنُقهَا وعسرت بذنبها

وتخامصت بِبَطْنِهَا فقري كل وَاحِد من الْغَرَض والحقب من صَاحبه وَذَلِكَ من شدَّة السّير. والبيتان من قصيدة لِابْنِ أَحْمَر. كَذَا أورد الْبَيْتَيْنِ السُّهيْلي فِي الرَّوْض الْأنف: قَالَ الْحَافِظ مغلطاي فِي حَاشِيَته عَلَيْهِ: وَفِيه نظر من حَيْثُ أَن الَّذِي فِي ديوَان ابْن أَحْمَر أَن ذَلِك الْبَيْت بعد قَوْله: (قَالُوا: عيينا فابدري وَقد زَعَمُوا ... أَن قد مضى مِنْهُم ركبٌ فقد نصبا) (إِمَّا الْجبَال وَإِمَّا ذُو الْمجَاز وإ ... مَا فِي منى سَوف تلقى مِنْهُم سَببا) (وافيت لمل أَتَانِي أَنَّهَا نزلت ... إِن الْمنَازل مِمَّا يجمع العجبا) (ثمَّ ارتمينا بقولٍ بَيْننَا دولٍ ... بَين الهباءين لَا جدا وَلَا لعباً) (فِي طمية النَّاس لم يشْعر بِنَا أحدٌ ... لما اغتنمنا جبال اللَّيْل والصخبا) (حَتَّى أتيت غلامي وَهُوَ ممسكها ... يَدْعُو يساراً وَقد جرعته غَضبا) أنشأت أسأله مَا بَال رفقته ... ... ... ... . الْبَيْت انْتهى.

وَهُوَ شاعرٌ إسلاميٌّ فِي الدولة الأموية. وهجا يزِيد بن مُعَاوِيَة فَأَرَادَ يزِيد أَن يَأْخُذهُ ففر مِنْهُ وَلم يقدر عَلَيْهِ. قَالَ الجواليقي فِي شرح أدب الْكتاب: هُوَ عَمْرو بن أَحْمَر من باهلة وَهُوَ أحد عوران قيس وَهُوَ خَمْسَة شعراء: تَمِيم بن أبي بن مقبل والراعي والشماخ وَابْن أَحْمَر وَحميد بن ثَوْر. وَقَالَ ابْن الشجري فِي أَمَالِيهِ: هُوَ عَمْرو بن أَحْمَر بن العمرد بن عَامر بن عبد شمس بن معن بن مَالك بن أعصر بن سعد بن قيس بن عيلان بن مُضر. وَكَانَ من شعراء الْجَاهِلِيَّة وَأدْركَ الْإِسْلَام. وَأورد الْآمِدِيّ فِي المؤتلف والمختلف من يُقَال لَهُ ابْن أَحْمَر أَرْبَعَة وَقَالَ: مِنْهُم عَمْرو بن أَحْمَر الْبَاهِلِيّ. قَالَ ابْن حبيب: هُوَ عَمْرو بن أَحْمَر بن العمرد بن عَامر بن عبد شمس بن عبد بن قُدَّام بن فراص بن معن الشَّاعِر الفصيح كَانَ يتَقَدَّم شعراء أهل زَمَانه. وَقد ذكرت حَاله وأشعاره مَعَ الشُّعَرَاء الْمَشْهُورين. انْتهى. وَأوردهُ ابْن حجر فِي قسم المخضرمين من الْإِصَابَة وَقَالَ: قَالَ المرزباني: هُوَ مخضرم أدْرك الْجَاهِلِيَّة وَالْإِسْلَام فَأسلم وغزا مغازي فِي الرّوم وَأُصِيب بِإِحْدَى عَيْنَيْهِ هُنَاكَ وَنزل الشَّام وَتُوفِّي على عهد عُثْمَان بعد أَن بلغ سنا عالية. وَقَالَ أَبُو الْفرج: كَانَ من شعراء الْجَاهِلِيَّة الْمَعْدُودين ثمَّ أسلم وَقَالَ فِي الْجَاهِلِيَّة وَالْإِسْلَام شعرًا كثيرا ومدح الْخُلَفَاء الَّذين أدركهم وَلم يلق أَبَا بكر ومدح عمر فَمن دونه إِلَى) عبد الْملك بن مَرْوَان.

وَهَذَا يُخَالف قَول المرزباني: إِنَّه فِي عهد عُثْمَان. وَأنْشد بعده الشَّاهِد الْحَادِي وَالسِّتُّونَ بعد الأربعمائة (يتمارى فِي الَّذِي قلت لَهُ ... وَلَقَد يسمع قولي حيهل) على أَن لبيداً سكن اللَّام للقافية فَلَا يجوز تسكين اللَّام فِي غير الْوَقْف. تبع الشَّارِح الْمُحَقق فِي هَذَا صَاحب الصِّحَاح فَإِنَّهُ قَالَ: وَأما حَيّ هلا بِلَا تَنْوِين فإمَّا تجوز فِي الْوَقْف وَأما فِي الإدراج فَإِنَّهَا لُغَة رَدِيئَة. وَأما قَول لبيد يذكر صاحباً لَهُ فِي السّفر كَانَ أمره بالرحيل: يتمارى فِي الَّذِي قلت لَهُ ... ... ... ... . . الْبَيْت فَإِنَّمَا سكنه للقافية. وَأَصله من كتاب الْأُصُول لِابْنِ السراج قَالَ: وَأما حيهل فَإِذا وقفت فَإِن شِئْت قلت: حيهل بِالسُّكُونِ وَإِن شِئْت قلت: حيهلا تقف على الْألف كَمَا وقفت فِي أَنا. انْتهى. وَتَبعهُ أَبُو عَليّ فِي إِيضَاح الشّعْر وَسَيَأْتِي كَلَامه. وَالصَّحِيح أَن تسكين اللَّام لغةٌ سَوَاء كَانَ فِي الْوَقْف أم فِي الدرج. قَالَ أَبُو حنيفَة الدينَوَرِي فِي كتاب النَّبَات: حيهل وحيهلا وَحي على يُقَال فِي الاستسراع والاستحثاث. وَقَالَ زَكَرِيَّا الْأَحْمَر: فِي حيهل ثَلَاث لُغَات:

يُقَال: حيهل بفلان بجزم اللَّام وحيهل بفلان بحركة اللَّام وحيهلاً بفلان بِالتَّنْوِينِ. وَقد يَقُولُونَ من غير هَل من ذَلِك: حَيّ على الصَّلَاة. انْتهى. فَهَل تكون لُغَة فِي هلا كَمَا قَالَ ابْن جني فِي الخصائص عِنْد الْكَلَام على هَلُمَّ. وَهُوَ: قَالَ الْفراء: أصل هَلُمَّ هَل زجر وحثٌ دخلت على أم كَأَنَّهَا كَانَت: هَل أم أَي: اعجل واقصد. وَأنكر أَبُو عَليّ عَلَيْهِ ذَلِك وَقَالَ: لَا مدْخل هُنَا للاستفهام. وَهَذَا عِنْدِي لَا يلْزم الْفراء لِأَنَّهُ لم يدع أَن هَل هُنَا حرف اسْتِفْهَام وَإِنَّمَا هِيَ عِنْده زجر وَهِي الَّتِي فِي قَوْله: وَلَقَد يسمع قولي حيهل قَالَ الْفراء: فألزمت الْهمزَة فِي أم التَّخْفِيف فَقيل: هَلُمَّ. انْتهى. وَقَالَ ابْن عُصْفُور: أَن حيهلا مركبة من حَيّ وهلا إِلَّا أَن ألف هلا تحذف فِي بعض اللُّغَات تَخْفِيفًا. وَهَذَا الْبَيْت من قصيدة طَوِيلَة للبيد بن ربيعَة الصَّحَابِيّ وَقد شرحناه مَعَ أَبْيَات قبله فِي الشَّاهِد الثَّامِن وَالْعِشْرين بعد الْمِائَتَيْنِ. والتماري: المجادلة وَمثله الامتراء وهما من المرية بِالْكَسْرِ وَهِي الشَّك وحيهل: بِمَعْنى أسْرع. وَقَول الشَّارِح الْمُحَقق: وَفِي الْكتاب الشعري لأبي عَليّ: حيهل بِكَسْر اللَّام وتنوينه أَرَادَ بِهِ كتاب إِيضَاح الشّعْر فَإِنَّهُ يعبر عَنهُ تَارَة بِالْأولِ وَتارَة بِالثَّانِي وَتارَة بِكِتَاب الشّعْر. وَهَذَا نَصه فِيهِ.

وَقد وصلوها بهل فَقَالُوا: حيهل. وَزعم أَبُو الْخطاب أَن بَعضهم يَقُول حَيّ هَل الصَّلَاة.) وَقَالَ أَبُو زيد: حَيّ هَل وَحي هَل وَحي هلا. وَالْقَوْل فِي حَيّ هلٍ أَن التَّنْوِين دخله للتنكير كَمَا دخل فِي صهٍ وَنَحْوهَا. وَكَأَنَّهُ قدر فِيهِ الإسكان كَأَنَّهُ قَالَ: حَيّ هَل على الْوَقْف كَمَا قَالَ لبيد: وَلَقَد يسمع قولي حيهل فَكسر اللَّام كَمَا كسر الذَّال فِي يَوْمئِذٍ. وَلَا يجوز أَن تكون حَرَكَة اللَّام للإضافة لِأَن هَذِه الْأَسْمَاء الَّتِي سميت بهَا الْأَفْعَال لَا تُضَاف أَلا ترى أَنه قَالَ: جعلوها بِمَنْزِلَة النجاك أَي: لم يضيفوها إِلَى الْمَفْعُول كَمَا أضافوا المصادر وَأَسْمَاء الفاعلين إِلَيْهِ. وَيجوز أَن يكون لما نكر حرك بِالْكَسْرِ ليَكُون على لفظ غَيره من أَمْثَاله من النكرات نَحْو صهٍ وإيهٍ وَلما جرى فِي كَلَامهم غير مُضَاف لإجرائهم إِيَّاه مجْرى الْفِعْل لنصبهم الْأَسْمَاء الْمَخْصُوصَة بعده لم يستجيزوا إضافتها إِلَى الْمَفْعُول بِهِ فَيكون مَا لم يَجْعَل بِمَنْزِلَة الْفِعْل على حد مَا جعل من هَذِه الْأَسْمَاء بِمَنْزِلَتِهِ. أَلا ترى أَن الْأَسْمَاء لم تجْعَل بِمَنْزِلَة الْفِعْل مُفْردَة حَتَّى يَنْضَم إِلَيْهَا جُزْء آخر وَإِن كَانَ فِيهَا ضمير لِأَن الضَّمِير الَّذِي فِي اسْم الْفَاعِل لما لم يظْهر فِي أَكثر أَحْوَاله صَار لَا حكم لَهُ فَإِذا لم يضيفوا هَذَا الْبَاب لِأَن إِضَافَته يخرج بهَا عَن الْحَد الَّذِي اسْتعْملت عَلَيْهِ علمت أَن الْكَاف فِي حيهلك للخطاب لَا لضمير الِاسْم. وَإِذا كَانَ كَذَلِك علمت أَن الْكَاف فِيهِ مثل الْهَاء فِي: ههناه وَهَؤُلَاء فِي أَنَّهَا لحقت الْألف لتبينها لما لم يلتبس بِالْإِضَافَة. فَكَذَلِك الْكَاف فِي حيهلك لحقت للخطاب حَيْثُ لم يجز لحاق الَّتِي تكون اسْما فِي هَذَا الْموضع كَمَا لم تلْحق الْهَاء الَّتِي لحقت فِي ههناه أفعاه وَنَحْوهَا. وَالضَّمِير الَّذِي فِي حيهل

يَنْبَغِي أَن يكون فِي مَجْمُوع الاسمين وَلَا يكون فِي كل وَاحِد مِنْهُمَا ضميرٌ كَمَا كَانَ فِي حَيّ على الصَّلَاة ضمير لِأَن الاسمين جعلا بِمَنْزِلَة اسْم وَاحِد كَمَا أَن خَمْسَة عشر بِمَنْزِلَة مائَة. فَكَمَا أَن خَمْسَة عشر حكمه حكم الْمُفْرد كَذَلِك حَيّ هَل حكمه حكم الْمُفْرد. وَإِذا كَانَ كَذَلِك كَانَ متضمناً ضميراً وَاحِدًا. ويدلك على ضم الْكَلِمَة الثَّانِيَة إِلَى الأولى قَول ابْن أَحْمَر: انْتهى. وَعلم من قَوْله: وَالضَّمِير الَّذِي فِي حيهل يَنْبَغِي أَن يكون فِي مَجْمُوع الاسمين أَن مَا نَقله الشَّارِح الْمُحَقق عَنهُ وَعَن أبي عَليّ حَالهمَا مَعَ التَّرْكِيب فِي احْتِمَال الضَّمِير كَحال حُلْو حامض إِلَى آخر مَا نَقله مخالفٌ لما هُنَا وَلَعَلَّه نَقله عَنهُ من كتابٍ آخر لَهُ. وَالله أعلم. وَنقل أَبُو حَيَّان فِي الارتشاف عَن النِّهَايَة لِابْنِ الخباز قيل: فِي حَيّ وهلا: ضميران لِأَنَّهُمَا فِي الأَصْل اسْما فعل) أَمر فَكل واحدٍ مِنْهُمَا يسْتَحق الضَّمِير وَقيل: فيهمَا ضميرٌ وَاحِد لِأَنَّهُمَا بالتركيب صَارا كالكلمة الْوَاحِدَة. وَيدل على ذَلِك أَن حَيّ وهَل لَا يتعديان فَلَمَّا ركبا تَعَديا فَدلَّ على أَن حكم الْإِفْرَاد قد زَالَ. وَقَوله: يومٌ كثيرٌ تناديه وحيهله أَضَافَهُ إِلَى الضَّمِير وأعربه. انْتهى.

وَحَاصِل مَا ذكر الشَّارِح من لُغَات حيهل ثَمَانِيَة: أَولهَا: حيهل بِحَذْف الْألف وإبقاء فتح اللَّام. قَالَ ابْن عُصْفُور فِي شرح إِيضَاح أبي عَليّ: إِذا وقفت عَلَيْهَا فِي هَذَا الْوَجْه جَازَ أَن تقف بِالسُّكُونِ وَأَن تقف بِالْألف لتبين حَرَكَة الْمَبْنِيّ فِي الْوَقْف. ثَانِيهَا: حيهل بِسُكُون الْهَاء وَفتح اللَّام بِلَا تَنْوِين. ثَالِثهَا: حيهلاً بِفَتْح الْهَاء والتنوين. رَابِعهَا: حيهلاً بِسُكُون الْهَاء والتنوين. وَلَا يَنْبَغِي أَن يعد الْمنون من اللُّغَات إِذْ التَّنْوِين فِي اسْم الْفِعْل للتنكير. وَإِذا كَانَ غير منون فَهُوَ معرفَة فَإِن الْمُجَرّد من التَّنْوِين غير الْمنون. قَالَ أَبُو حَيَّان فِي الارتشاف: وَلَا يكون الْمنون إِلَّا بِمَعْنى ائْتِ. وَيرد عَلَيْهِ: فَحَيَّهَلا بعمر فَإِنَّهُ بِمَعْنى أسْرع بِذكرِهِ. خَامِسهَا: حيهلا فِي الْوَقْف بِفَتْح الْهَاء وسمون الْألف وَحذف التَّنْوِين فيهمَا. وَقَالَ ابْن عُصْفُور: هَذِه اللُّغَة تكون فِي الْوَقْف والوصل. وَلم يُقيد كَونهَا رَدِيئَة فِي الْوَصْل كَمَا قيد الشَّارِح الْمُحَقق تبعا لصَاحب الصِّحَاح. وَقَالَ ابْن أبي الرّبيع: مِنْهُم من يَقُول: حيهلا فِي الْوَصْل وَالْوَقْف لِأَن

هلا صَوت أَو لِأَنَّهُ من إِجْرَاء الْوَصْل مجْرى الْوَقْف أَو لِأَن مِنْهُم من يَقُول حيهل بِالسُّكُونِ فِي الْوَصْل فَإِذا وقف وقف بِالْألف فَتكون الْألف عوضا من هَاء السكت كألف أَنا. وَكَذَلِكَ قَالَ أَبُو حَيَّان فِي الارتشاف: إِن حيهلا بِإِثْبَات الْألف تكون وصلا ووقفاً كَمَا قَالَ الشَّاعِر: بحيهلا يزجون كل مطيةٍ سادسها: حيهل بِسُكُون اللَّام فِي الْوَقْف. وَأطلق أَبُو حَيَّان تبعا لِابْنِ عُصْفُور سَوَاء كَانَ فِي الْوَقْف أم الْوَصْل. وَقَالَ الرَّاعِي فِي شرح الألفية ذكر سِيبَوَيْهٍ فِي حيهل ثَلَاث لُغَات: فتح اللَّام بِلَا تَنْوِين وَفتحهَا مَعَ التَّنْوِين وَفتحهَا مَعَ الإشباع. وَزَاد ابْن سَيّده تسكين اللَّام. قيل: وَمَا سمع مِنْهُ لَا حجَّة فِيهِ لاحْتِمَال أَن يكون للْوَقْف. انْتهى. وَفِيه مَا تقدم عَن كتاب النَّبَات. وَهَذَا نَص سِيبَوَيْهٍ: من الْعَرَب من يَقُول حيهل إِذا وصل وَإِذا وقف أثبت الْألف. وَمِنْهُم من لَا يثبت الْألف فِي الْوَقْف والوصل. انْتهى. سابعها: حيهلٍ بِكَسْر اللَّام والتنوين. وَظَاهره أَن الْهَاء فِي هَذِه اللُّغَة يجوز سكونها أَيْضا. ثامنها: حيهلك بِفَتْح اللَّام وإلحاق الْكَاف الَّتِي هِيَ حرف خطاب. وَلم) أعرف هَل يجْرِي مَعَ الْكَاف سُكُون الْهَاء أَيْضا أم لَا قَالَ ابْن عُصْفُور: وتستعمل فِي جَمِيع ذَلِك متعدية بِنَفسِهَا وبإلى وبعلى وبالباء. فَإِذا تعدت بِنَفسِهَا كَانَت بِمَعْنى ائْتِ وَإِذا تعدت بإلى

أَو بعلى كَانَت بِمَعْنى أقبل وَإِذا تعدت بِالْبَاء كَانَت بِمَعْنى جئ. انْتهى. وَقَول الشَّارِح الْمُحَقق: إِن الْبَاء للتعدية كذهبت بِهِ فِيهِ أَنهم ذكرُوا أَن بَاء التَّعْدِيَة فِي ذهبت بِهِ غير التَّعْدِيَة الْمَشْهُورَة وَذَلِكَ أَن مدخولها يكون فَاعِلا فِي الْمَعْنى كَقَوْلِه تَعَالَى: ذهب الله بنورهم أَي: جعله ذَاهِبًا فَهِيَ تَسَاوِي همزَة التَّعْدِيَة. وَهَذَا الْمَعْنى لَا يجْرِي هُنَا. وَقَول الشَّارِح الْمُحَقق: وَقد تركب حَيّ مَعَ هلا إِلَخ قَالَ ابْن عُصْفُور: إِذا ركبت حَيّ مَعَ هلا فالأكثر أَن تسْتَعْمل لاستحثاث الْعَاقِل تَغْلِيبًا لحي. وَمِنْهُم من يغلب هلا فيستعملها لاستحثاث غير الْعَاقِل وَذَلِكَ قَلِيل. وَقد يسْتَعْمل كل وَاحِدَة مِنْهُمَا على انفرادها فَإِذا اسْتعْملت حَيّ وَحدهَا كَانَت بِمَعْنى أقبل وَإِذا اسْتعْملت هلا على انفرادها كَانَت بِمَعْنى تقدم. وَحي خاصةٌ باستحثاث الْعَاقِل وهلا باستحثاث غير الْعَاقِل إِلَّا أَن ذَلِك قَلِيل. وَمن ذَلِك قَوْله: أَلا حييا ليلى وقولا لَهَا هلا انْتهى. وَقَالَ أَبُو حَيَّان فِي الارتشاف: وحيهل: مركبة من حَيّ وَمَعْنَاهَا أقبل وَمن هَل وهلا. قَالَ ابْن هِشَام: بِمَعْنى عجل وَقيل بِمَعْنى قر وَتقدم وَقيل إِنَّهَا صَوت الْإِبِل. انْتهى.

وَزعم الرَّاعِي فِي شرح الألفية أَن حيهل كلمة وَاحِدَة عِنْد الْجُمْهُور وَقيل مركبة. انْتهى. وَهَذَا خلاف الْمَنْقُول. قَالَ أَبُو حنيفَة الدينَوَرِي فِي كتاب النَّبَات: الحيهل: نبت من دق الحمض الْوَاحِدَة حيهلة سميت بذلك لسرعة نباتها. قَالَ حميد بن ثَوْر: دميث بِهِ الرمث والحيهل والرمث أَيْضا من الحمض. فَأَما أَبُو زِيَاد فَقَالَ: الحيهل فَخفف الْيَاء وسكنها فِيمَا بَلغنِي عَنهُ وَقَالَ: الحيهل ينْبت فِي السباخ وَإِذا أخصب النَّاس ومطروا هلك فَلَا يكَاد يرى مِنْهُ نبت فَإِذا أسنتوا وَذَهَبت المطار نبت فِي موَاضعه وَهُوَ دقاق قصفٌ لَيْسَ لَهَا خشب وَلَا حطب وَإِنَّمَا يَأْكُلهُ من الْإِبِل الْإِبِل الَّتِي عودوها إِيَّاه. يحبسونها فِيهِ حِين لَا تَجِد شَيْئا تَأْكُله وَرُبمَا قتل الْإِبِل فِي أول أمرهَا وَذَلِكَ إِذا أَكلته ثمَّ كظم عَلَيْهَا لَا تسلح فَإِذا سلحت نجت وَطَابَتْ بطونها. انْتهى بِاخْتِصَار. وَأنْشد بعده الشَّاهِد الثَّانِي وَالسِّتُّونَ بعد الأربعمائة وَهُوَ من شَوَاهِد س: ...

(فهيج الْحَيّ من كلبٍ فظل لَهُم ... يومٌ كثيرٌ تناديه وحيهله) على أَن ضمة اللَّام حَرَكَة إِعْرَاب وَهُوَ مُفْرد بِلَا ضمير. قَالَ سييبويه: وَأما حيهل الَّتِي لِلْأَمْرِ فَمن شَيْئَيْنِ يدلك على ذَلِك: حَيّ على الصَّلَاة. وَزعم أَبُو الْخطاب أَنه سمع من يَقُول: حَيّ هَل الصَّلَاة. وَالدَّلِيل على أَنَّهُمَا جعلا اسْما وَاحِدًا قَول الشَّاعِر: (وهيج الْحَيّ من دارٍ فظل لَهُم ... يومٌ كثيرٌ تناديه وحيهله) والقوافي مَرْفُوعَة. وأنشدناه هَكَذَا أعرابيٌّ من أفْصح النَّاس وَزعم أَنه شعر أَبِيه. انْتهى. قَالَ الأعلم: الشَّاهِد فِي قَوْله: حيهله وَإِعْرَابه بِالرَّفْع لِأَنَّهُ جعله وَإِن كَانَ مركبا من شَيْئَيْنِ اسْما للصوت بِمَنْزِلَة معديكرب فِي وُقُوعه اسْما للشَّخْص وَكَأَنَّهُ قَالَ: كثيرٌ تناديه وحثه ومبادرته لِأَن معنى قَوْلهم: حيهل: عجل وبادر وصف جَيْشًا سمع بِهِ وَخيف مِنْهُ فانتقل عَن الْمحل من أَجله وبودر بالانتقال قبل لحاقه. انْتهى. وَفِي شرح أَبْيَات الْمفصل لِابْنِ المستوفي: وَقَالَ السيرافي: زعم سِيبَوَيْهٍ أَن الشّعْر لرجلٍ من بني أبي بكر بن كلاب وَاحْتج بِهِ ليري أَنه من شَيْئَيْنِ إِذْ لَيْسَ فِي الْأَفْعَال والأسماء المفردة مثل هَذَا الْبناء. قَالَ ابْن السراج فِي حيهله: جعله اسْما وَاحِدًا كحضرموت وَلم يَأْمر أحدا بِشَيْء. قَالَ

سِيبَوَيْهٍ: والقوافي مَرْفُوعَة أَي: أَنه جعله بِمَنْزِلَة اسْم وَاحِد وَلَو لم يكن كَذَلِك لقَالَ وحيهله بِالْفَتْح. وَجَمِيع مَا يجْرِي هَذَا المجرى إِذا جعل علما أعرب. وَقَالُوا: إِذا قَالَ حيهلا تَركه على الْبناء مَعَ التَّسْمِيَة وَإِذا قَالَ حيهله أعربه كَمَا يعرب وبار إِذا سمي بِهِ. وَوَجَدته يرْوى لرجلٍ من بجيلة. انْتهى. وهيج بِمَعْنى فرق وفاعله ضمير الْجَيْش على مَا قَالَه الأعلم. والحي: الْقَبِيلَة مَفْعُوله. وَقَوله: من كلب هِيَ قَبيلَة. وَلم أره كَذَا إِلَّا هُنَا وَأما فِي كتاب سِيبَوَيْهٍ وَفِي الْمفصل وشروحهما فقد رَأَيْت بدله من دَار. قَالَ أَبُو عبيد فِي مُعْجم مَا استعجم: دَار معرفَة لَا تدخله الْألف وَاللَّام قَالَ ابْن دُرَيْد: هُوَ وادٍ قريبٌ من هجر مَعْرُوف. انْتهى. وظل: بِمَعْنى اسْتمرّ. ويومٌ: فَاعل ظلّ وتناديه: فَاعل كثير. والتنادي: تفَاعل مصدرٌ من نَادَى الْقَوْم بَعضهم بَعْضًا. وحيهله: مَعْطُوف عَلَيْهِ. وَقَالَ بعض فضلاء الْعَجم فِي شرح أَبْيَات الْمفصل: قيل فَاعل هيج غراب الْبَين وَقد ذكر قبل. وَيجوز أَن يكون هيج وظل متوجهين إِلَى يومٌ على التَّنَازُع. وظل لَهُم يَوْم من بَاب قَوْلهم: نَهَاره صَائِم لِأَن الظلول فِي الْحَقِيقَة) للْقَوْم لَا لليوم. وروى: فظللهم مَوْصُولا. وَمَعْنَاهُ دنا مِنْهُم يومٌ وَحَقِيقَته: ألْقى عَلَيْهِم ظله. انْتهى. وَالْبَيْت من أَبْيَات سِيبَوَيْهٍ الْخمسين الَّتِي مَا عرف قَائِلهَا. وَالله أعلم.

وَأنْشد بعده الشَّاهِد الثَّالِث وَالسِّتُّونَ بعد الأربعمائة وَهُوَ من شَوَاهِد س: (بحيهلا يزجون كل مطيةٍ ... أَمَام المطايا سَيرهَا المتقاذف) على أَن حيهلا بِلَا تَنْوِين محكيٌّ أُرِيد بِهِ لَفظه. قَالَ النّحاس: جعله بِمَنْزِلَة خَمْسَة عشر فَلذَلِك لم ينونه. وَقَالَ الأعلم: الشَّاهِد فِي قَوْله: بحيهلا فَتَركه على لَفظه محكياً. يَقُول: لجعلتهم يسوقون المطايا بقَوْلهمْ: حيهلا. وَمَعْنَاهُ الْأَمر على أَنَّهَا مُتَقَدّمَة فِي السّير متقاذفة عَلَيْهِ أَي: مترامية. وَجعل التقاذف للسير اتساعاً ومجازاً. انْتهى. قَالَ ابْن السيرافي: المتقاذف: الَّذِي يتبع بعضه بَعْضًا كَأَن كل سيرٍ تسيره هَذِه المطية يقذف بهَا إِلَى سيرٍ آخر. وَمثله قَول عمر بن أبي ربيعَة: (أَخُو سفرٍ جَوَاب أرضٍ تقاذفت ... بِهِ فلواتٌ فَهُوَ أَشْعَث أغبر) أَي: رمته فلاةٌ إِلَى أُخْرَى. وَقَالَ غَيره: إِن القذاف سرعَة السّير. وَفرس متقاذف: سريع الْعَدو. وَيجوز أَن يكون المتقاذف الَّذِي يَرْمِي بعضه بَعْضًا لسرعته. والإزجاء بالزاي الْمُعْجَمَة وَالْجِيم: السُّوق. والمطية: الدَّابَّة يُقَال لَهَا

لِأَنَّهَا تمطو فِي السّير أَي: تمتد. وأمام بِالْفَتْح قَالَ ابْن الْحَاجِب فِي أَمَالِيهِ: يُرِيد أَنهم مسرعون فِي السّير فهم يسوقون بِهَذَا الصَّوْت لتسرع فِي سَيرهَا. وَقَالَ: أَمَام المطايا لِأَنَّهُ إِذا سبقت الأولى تبعها مَا بعْدهَا بِخِلَاف سوق الْأَوَاخِر. وَقَالَ: سَيرهَا المتقاذف يَعْنِي أَنهم يسوقونها مَعَ كَون سَيرهَا متقاذفاً والتقاذف: الترامي فِي السّير وَإِذا سبق المتقاذف كَانَ سيره أبلغ مِمَّا كَانَ عَلَيْهِ. وأمام المطايا فِي مَوضِع وصف المطية وسيرها المتقاذف جملَة ابتدائية صفةٌ لِمَطِيَّةٍ وَالْجَار وَالْمَجْرُور مُتَعَلق بيزجون. انْتهى. وأجود من هَذَا أَن يكون سَيرهَا فَاعل الظّرْف لاعتماده على الْمَوْصُوف والمتقاذف صفة لسيرها. وَيجوز أَن يكون سَيرهَا المتقاذف مُبْتَدأ مَوْصُوفا والظرف قبله خَبره وَالْجُمْلَة صفة مَطِيَّة. وَالْبَيْت أنْشدهُ سِيبَوَيْهٍ للنابغة الْجَعْدِي الصَّحَابِيّ وَتَبعهُ عَلَيْهِ خدمَة كِتَابه. وَقد تقدّمت تَرْجَمته فِي الشَّاهِد السَّادِس والثمانين بعد الْمِائَة. وَنقل ابْن المستوفي فِي شرح أَبْيَات الْمفصل عَن السيرافي أَنه من قصيدةٍ لمزاحم ابْن الْحَارِث الْعقيلِيّ. وَأورد هَذِه الأبيات مِنْهَا: (ووجدي بهَا وجد المضل بعيره ... بِمَكَّة لم تعطف عَلَيْهِ العواصف)) (رأى من رفيقيه الْجفَاء وَفَاته ... بنشدانها المستعجلات الخوانف) (وَقَالُوا: تعرفها الْمنَازل من منى ... وَمَا كل من وافى منى أَنا عَارِف) الوجد: مَا يجده الْإِنْسَان من الْعِشْق. والمضل: اسْم فَاعل من أضلّهُ

وَجُمْلَة لم تعطف إِلَخ حَال من المضل. وَهَذَا غايةٌ فِي الْحيرَة. وَلم تعطف عَلَيْهِ العواطف: جمع عاطفة أَي: لم يرق عَلَيْهِ أحد وَلم يحملهُ على بعير من إبِله وَهُوَ جمع عاطفة. وَيُرَاد بهَا فِي الصداقة وَالرحم والمودة والصحبة وَمَا أشبه ذَلِك. وَرُوِيَ: نَخْلَة بدل مَكَّة وَهِي موضعٌ بِقرب مَكَّة وَعَلَيْهَا يُؤْخَذ الْحَاج بعد انْقِضَاء حجهم وَلذَلِك قَالَ: لم تعطف إِلَخ. لأَنهم آخذون فِي الِانْصِرَاف. أَي: إِنَّه وجد بمفارقته لَهَا كَمَا وجد الَّذِي ضل بعيره فِي هَذَا الْموضع. وَالْبَيْت من أَبْيَات سِيبَوَيْهٍ وَمحل الشَّاهِد فِيهِ أَنه جعل وجدي: مُبْتَدأ وَوجد المضل: خَبره لَا يَسْتَغْنِي عَنهُ فَلم يجز نَصبه على المصدرية. وَأَصله وجدي بهَا وجدٌ مثل وجد المضل بعيره. والخوانف: جمع خانفة وَهِي النَّاقة الَّتِي تخنف برأسها أَي: تميلها إِذا عدت. وَهِي بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة وَالنُّون وَالْفَاء. وَقَوله: وَقَالُوا تعرفها الْمنَازل إِلَخ قَالَ أَبُو عبيد الْبكْرِيّ فِي مُعْجم مَا استعجم: كَانُوا يسمون منى الْمنَازل وَأنْشد هَذَا الْبَيْت. ثمَّ قَالَ: وَيُقَال للرجل إِذا أَتَاهَا: نَازل. قَالَ عَامر بن الطُّفَيْل: (أنازلةٌ أَسمَاء أم غير نازلة ... أبيني لنا يَا أسم مَا أَنْت فَاعله) وَقَالَ غَيره: الْمنَازل من منى: حَيْثُ ينزلون أَيَّام رمي الْجمار.

وَالْبَيْت أوردهُ سِيبَوَيْهٍ فِي موضِعين من كِتَابه بِرَفْع كل على لُغَة الْحجاز. قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَإِن شِئْت حَملته على لَيْسَ يَعْنِي إِن شِئْت جعلت كل مَرْفُوعا بِمَا وَجعلت أَنا عَارِف فِي مَوضِع الْخَبَر وأضمرت فِي عارفٍ هَاء تعود إِلَى كل كَأَنَّك قلت: عارفه. ثمَّ قَالَ: وَإِن شِئْت حَملته على كُله لم أصنع. وَهَذَا أبعد الْوَجْهَيْنِ يَعْنِي: وَإِن شِئْت رفعت كل بِالِابْتِدَاءِ وَجعلت الْجُمْلَة فِي مَوضِع الْخَبَر كَذَلِك على لُغَة تَمِيم كَمَا قلت: كُله لم أصنع فَرفعت كل بِالِابْتِدَاءِ وأضمرت هَاء فِي أصنع. وَمعنى قَوْله: وَهَذَا أبعد الْوَجْهَيْنِ يَعْنِي رفع كل بِالِابْتِدَاءِ وَذَلِكَ لِأَن من يرفعهُ بِالِابْتِدَاءِ لَا يعْمل مَا فَإِذا لم يعملها أمكنه أَن يعْمل عَارِف فِي كل فَإِذا لم يعْمل فقد قبح إِذْ قد وجد السَّبِيل إِلَى الْمُخْتَار وَلَا ضَرُورَة تَدْعُو إِلَى غَيره. وَمن رفع كل ب مَا فَهُوَ لَا يجد السَّبِيل إِلَى إِعْمَال عَارِف فِي كل إِلَّا بِحَذْف مَا وحذفها يُغير الْمَعْنى. وَقَالَ النّحاس: وَيجوز أَن ينصب كلاًّ بعارف على أَنَّهَا تميمية. وَقَالَ ابْن خلف: هَذَا الْبَيْت رُوِيَ بِرَفْع كل ونصبه على جعل مَا تميمية وَإِبْطَال عَملهَا. وَنصب كل) بعارف. وأنشده الْفراء أَيْضا فِي تَفْسِيره مرَّتَيْنِ: الأولى عِنْد قَوْله تَعَالَى: يَسْأَلُونَك مَاذَا يُنْفقُونَ. قَالَ: أَنْشدني أَبُو ثروان: (وَقَالُوا تعرفها الْمنَازل من منى ... الْبَيْت)

رفعا. قَالَ: وَلم أسمع نصب كل. وَالثَّانيَِة عِنْد قَوْله تَعَالَى: وكل إِنْسَان ألزمناه طَائِره قَالَ: الْعَرَب فِي كل تخْتَار الرّفْع وَقع الْفِعْل على رَاجع الذّكر أَو لم يَقع. وأنشدوني فِيمَا لم يَقع الْفِعْل على راجعٍ ذكره: فَقَالُوا تعرفها الْمنَازل ... ... ... ... . . الْبَيْت فَلم يَقع عارفٌ على كل وَذَلِكَ أَن فِي كل تَأْوِيل: وَمَا من أحدٍ وافى منى أَنا عَارِف. وَلَو نصبت لَكَانَ صَوَابا وَمَا سمعته إِلَّا رفعا. وَقَالَ الآخر: (قد علقت أم الْخِيَار تَدعِي ... عَليّ ذَنبا كُله لم أصنع) رفعا. وأنشدنيه بعض بني أَسد نصبا. انْتهى. وأنشده ابنالناظم فِي شرح الألفية وَابْن هِشَام فِي شرحها وَفِي الْمُغنِي أَيْضا بِنصب كل على إبِْطَال مَا لإيلائها مَعْمُول الْخَبَر وَلَيْسَ ظرفا لِأَن كلا مَعْمُول لعارف. وَقَالَ ابْن هِشَام فِي شرح شواهده: ويروى كل بِالرَّفْع على أَنه اسْم مَا وَالْجُمْلَة من قَوْله: أَنا عَارِف خَبَرهَا والعائد مَحْذُوف أَي: عارفه. وَذَلِكَ

متسهلٌ إِذا كَانَ الْمخبر عَنهُ كلاًّ كَقِرَاءَة ابْن عَامر: وكلٌّ وعد الله الْحسنى وَكَقَوْلِه: ثلاثٌ كُلهنَّ قتلت عمدا وَقَول أبي النَّجْم: كُله لم أصنع وانتصاب الْمنزل على إِسْقَاط فِي توسعاً لَا على الظّرْف لِأَنَّهُ مُخْتَصّ. انْتهى. وَهَذَا ردٌّ على ابْن خلف فِي زَعمه أَنه مَنْصُوب على الظّرْف. وتعرفها أَي: أعرف منزلهَا بالسؤال عَنْهَا. قَالَ النّحاس: سَأَلنَا أَبُو إِسْحَاق الزّجاج عَن معنى هَذَا الْبَيْت فَقَالَ: الْإِنْسَان يسْأَل عَن الشَّيْء من يعرفهُ وَمن لَا يعرفهُ فَمَا معنى هَذَا الْبَيْت وَأجَاب فَقَالَ: هَذَا يذكر امْرَأَة يتعشقها فَلَيْسَ يسْأَل عَن خَبَرهَا إِلَّا من يعرفهُ ويعرفها. ومزاحم بن الْحَارِث شاعرٌ إسلاميٌّ من بني عقيل بن كَعْب بن ربيعَة بن عَامر بن صعصعة. قَالَ صَاحب الأغاني: وَقيل هُوَ مُزَاحم بن عَمْرو بن مروة بن الْحَارِث. وَهَذَا القَوْل أقرب عِنْدِي إِلَى الصَّوَاب. انْتهى. فَيكون الْحَارِث على هَذَا جد أَبِيه.) ثمَّ قَالَ: وَهُوَ شَاعِر بدويٌّ فصيح إسلامي كَانَ فِي زمن جرير والفرزدق وَكَانَ جريرٌ يصفه ويقرظه ويقدمه وَيَقُول: مَا من بَيْتَيْنِ كنت أحب

أَن أكون سبقت إِلَيْهِمَا غير بَيْتَيْنِ من قَول مُزَاحم الْعقيلِيّ وهما: (وددت على مَا كَانَ من سرف الْهوى ... وغي الْأَمَانِي أَن مَا شِئْت يفعل) (فترجع أيامٌ تقضت ولذةٌ ... تولت وَهل يثنى من الدَّهْر أول) وسرف الْهوى: خَطؤُهُ. وَمثله قَول جرير: مَا فِي عطائهم منٌّ وَلَا سرف أَرَادَ أَنهم يحفظون مَوَاضِع الصَّنَائِع لَا أَنه وَصفهم بالاقتصاد والتوسط فِي الْجُود. وَرُوِيَ أَن الفرزدق دخل على عبد الْملك بن مَرْوَان أَو بعض بنيه فَقَالَ لَهُ: يَا فرزدق أتعرف أحدا أشعر مِنْك قَالَ: لَا إِلَّا أَن غُلَاما من بني عقيل يركب أعجاز الْإِبِل وينعت الفلوات فيجيد ثمَّ جَاءَهُ جرير فَسَأَلَهُ عَن مثل مَا سَأَلَ عَنهُ الفرزدق فَأَجَابَهُ بجوابه فَلم يلبث أَن جَاءَهُ ذُو الرمة فَقَالَ لَهُ: لَا وَلَكِن غلامٌ من بني عقيل يُقَال لَهُ مُزَاحم يسكن الروضات يَقُول وحشياً من الشّعْر لَا يقدر على قَول مثله. فَقَالَ: أَنْشدني بعض مَا تحفظ من ذَلِك. فأنشده: ...

(خليلي عوجا بِي على الدَّار نسْأَل ... مَتى عهدها بالظاعن الْمُحْتَمل) (فعجت وعاجوا بَين بيداء مورت ... بهَا الرّيح جولان التُّرَاب المنخل) إِن لواً وَإِن ليتاً عناء هَذَا عجز وصدره: لَيْت شعري وَأَيْنَ مني لَيْت وَيَأْتِي شَرحه إِن شَاءَ الله فِي بَاب الْعلم. وَأنْشد بعده الشَّاهِد الرَّابِع وَالسِّتُّونَ بعد الأربعمائة (لشتان مَا بَين اليزيدين فِي الندى ... يزِيد سليمٍ والأغر بن حَاتِم) على أَنه قد يُقَال فِي غير الْأَكْثَر الْأَفْصَح: شتان مَا بَين زيدٍ وَعَمْرو كَمَا فِي الْبَيْت.

قَالَ أَبُو عَليّ فِي الْمسَائِل العسكرية: وَأما شتان فموضوع مَوضِع قَوْلك: افترق متباين وَهُوَ من قَوْله عَزَّ وَجَلَّ: إِن سعيكم لشتًى وأشتاتاً. وَهَذَا الْبَاب إِذا كَانَ كَذَلِك اقْتضى فاعلين فَصَاعِدا فَمن ثمَّ يُقَال: شتان زيدٌ وَعَمْرو. وعَلى هَذَا قَول الْأَعْشَى: (شتان مَا يومي على كورها ... وَيَوْم حَيَّان أخي جَابر) فأسنده إِلَى فاعلين معطوفٍ أَحدهمَا على الآخر. فَأَما قَوْلك: شتان مَا بَينهمَا فَالْقِيَاس لَا يمنعهُ إِذا جعلت مَا بِمَنْزِلَة الَّذِي وَجعلت بَين صلَة ل مَا لإبهامها قد تقع على الْكَثْرَة أَلا ترى قَوْله: يعْبدُونَ من دون الله مَا لَا يضرهم وَلَا يَنْفَعهُمْ. ثمَّ قَالَ: وَيَقُولُونَ فَعلمت أَن المُرَاد بِهِ جمع. وَكَذَلِكَ: مَا لَا يملك لَهُم رزقا ثمَّ قَالَ: وَلَا يَسْتَطِيعُونَ فَإِذا كَانَ كَذَلِك لم يمْتَنع فِي الْقيَاس. وَقد جَاءَ فِي الشّعْر: لشتان مَا بَين اليزيدين إِلَّا أَن الْأَصْمَعِي طعن فِي فصاحة هَذَا الشَّاعِر وَذهب إِلَى أَنه غير محتجٍّ بقوله. وَرَأَيْت أَبَا عَمْرو قد أنْشد هَذَا الْبَيْت على وَجه الْقبُول لَهُ والاستشهاد بِهِ. وَقد طعن الْأَصْمَعِي على غير شَاعِر قد احْتج بهم غَيره كذي الرمة والكميت فَيكون هَذَا أَيْضا مثلهم. انْتهى. وَمثله للْإِمَام المرزوقي فِي شرح فصيح ثَعْلَب قَالَ: شتان موضوعٌ

مَوضِع تشَتت وَإِذا قلت: شتان مَا هما ف مَا صلَة أكد بهَا الْكَلَام وهما فِي مَوضِع الْفَاعِل وَلَا يسْتَغْنى بِوَاحِد لِأَنَّهُ وضع لاثْنَيْنِ فَصَاعِدا كَمَا أَن تشَتت كَذَلِك. والعامة تَقول: شتان مَا بَين فلَان وَفُلَان وكثيرٌ من النَّاس يدفعونه حَتَّى خطأ جماعةٌ من النَّحْوِيين ربيعَة الرقي. وَله وَجه صَحِيح وَهُوَ أَن يكون مَا لأحوال اليزيدين وأوصافهما وَجعلت مَا بعده صلَة لَهُ فعرفته أَو صفة لَهُ فنكرته لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَصح دُخُول شتان وتشتت عَلَيْهِ. وَلَا يكون لواحدٍ. انْتهى. وَهَذَا مخالفٌ لصنيع الشَّارِح الْمُحَقق فَإِنَّهُ منع مَا أَن تكون مَوْصُولَة مَعَ تَفْسِير شتان بِمَا يطْلب فاعلين لِأَن بَين مَعَ الْأُمُور المعنوية تَقْتَضِي الْمُشَاركَة فِي شَيْئَيْنِ والمشاركة هُنَا لَا تصح. فَإِن مُشَاركَة اليزيدين فِي كلٍّ من خصلتي الْجُود وَالْبخل ضد مَقْصُود الشَّاعِر وَإِنَّمَا مُرَاده انْفِرَاد أَحدهمَا بالجود وَالْآخر بالبخل. وَيدل عَلَيْهِ قَوْله بعد: وَهَذَا مبنيٌّ على أَن فِي الْبَيْت حذف مَعْطُوف وَالتَّقْدِير: لشتان مَا بَين اليزيدين فِي الندى) وَالْبخل فَيكون من قبيل قَوْله تَعَالَى: سرابيل تقيكم الْحر أَي: وَالْبرد. فَإِن قلت: يجوز أَن يشتركا فِي الندى وَيكون أَحدهمَا فِي الطّرف الْأَعْلَى مِنْهُ وَالْآخر فِي الطّرف الْأَسْفَل فَلَا يكون فِيهِ حذف مَعْطُوف. قلت: هَذَا أَيْضا خلاف مَقْصُوده. فَإِنَّهُ يُرِيد أَن يثبت صفة الْجُود لأَحَدهمَا وَيثبت خلَافهَا للْآخر فَلَا اشْتِرَاك لَهما فِي أصل الْجُود. وَيدل عَلَيْهِ قَوْله أَيْضا: (يزِيد سليمٍ سَالم المَال والفتى ... أَخُو الأزد للأموال غير مسالم)

فَلَمَّا رأى الشَّارِح الْمُحَقق مَا ذكر من منع تَفْسِير شتان ب افترق حمل شتان على معنى بعد الطَّالِب لفاعلٍ وَاحِد وَهُوَ: إِمَّا مَا وَتَكون عبارَة إِمَّا عَن البون والمسافة. والبون: الْفضل والمزية وَهُوَ مصدر بانه يبونه بوناً إِذا فَضله. وَبَينهمَا بون أَي: بَين درجتيهما وَبَين اعتبارهما فِي الشّرف. وَأما إِذا كَانَا متباعدين بالجسم. فَيُقَال: بَينهمَا بَين بِالْيَاءِ. والمسافة: قطع الطَّرِيق مفعلة من السوف وَهُوَ الشم لِأَن الدَّلِيل يسوف تُرَاب الْموضع الَّذِي يسير فِيهِ فَإِن استافا رَائِحَة أَبْوَال الْإِبِل وأبعارها علم أَنه على جادةٍ وَإِلَّا فَلَا يُقَال: بَينهم مَسَافَة بعيدَة. وَمَا فِي الْحَقِيقَة على هذَيْن الْوَجْهَيْنِ مَوْصُولَة أَي: البون الَّذِي بَينهمَا أَو الْمسَافَة الَّتِي بَينهمَا. وَإِمَّا بَين هُوَ الْفَاعِل وَتَكون مَا زَائِدَة كَمَا قَرَّرَهُ الشَّارِح الْمُحَقق. وَيُؤَيِّدهُ وُرُود بَين بِالنّصب فَاعِلا لشتان بِدُونِ مَا. (وشتان بَيْنكُمَا فِي الندى ... وَفِي الْبَأْس وَالْخَيْر والمنظر) وَقَالَ آخر: (أخاطب جَهرا إِذْ لَهُنَّ تخافتٌ ... وشتان بَين الْجَهْر والمنطق الخفت) وَقَالَ جميل: (أُرِيد صَلَاحهَا وتريد قَتْلِي ... وشتى بَين قَتْلِي وَالصَّلَاح)

. أَصله شتان وحذفت النُّون ضَرُورَة. وعَلى هَذَا لَا يعْتَبر حذف مَعْطُوف كَمَا اعْتبر على غير تَوْجِيه الشَّارِح الْمُحَقق. وَيجوز رفع بَين إِذا لم يسبقها مَا وَقدمه صَاحب الْقَامُوس على النصب فَقَالَ: وشتان بَينهمَا وَينصب. وروى أَبُو زيد فِي نوادره قَول الشَّاعِر: (شتان بَينهمَا فِي كل منزلةٍ ... هَذَا يخَاف وَهَذَا يرتجى أبدا) بِرَفْع بَين. ثمَّ قَالَ: وَمن الْعَرَب من ينصب بَينهمَا كَقَوْلِه تَعَالَى: لقد تقطع بَيْنكُم. وَبَين: لفظ مُشْتَرك بَين الْمصدر والظرف وَهِي من الأضداد تكون للوصل وللفرقة. قَالَ فِي الْقَامُوس: الْبَين يكون فرقة ووصلاً واسماً وظرفاً مُتَمَكنًا. وَقَول الشَّارِح الْمُحَقق كَمَا هُوَ مَذْهَب الْأَخْفَش فِي) قَوْله تَعَالَى: يفصل بَيْنكُم بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول إِمَّا بتَشْديد الصَّاد وَهِي قِرَاءَة ابْن عَامر وَإِمَّا بتخفيفها وَهِي قِرَاءَة غَيره وَغير الْأَخَوَيْنِ وَعَاصِم. وَأما قِرَاءَة الْأَخَوَيْنِ فَهِيَ بِالْبِنَاءِ للمعلوم مَعَ تَشْدِيد الصَّاد. وَأما قِرَاءَة عَاصِم فَهِيَ كَذَلِك مَعَ تخفيفها. قَالَ السمين فِي الدّرّ المصون: من بناه للْمَفْعُول فالنائب إِمَّا ضمير الْمصدر أَو الظّرْف وَبني على الْفَتْح لِإِضَافَتِهِ إِلَى غير مُتَمَكن. أَو الظّرْف وَهُوَ باقٍ على نَصبه. انْتهى.

وَهَذَا الْأَخير هُوَ قَول الْأَخْفَش. وَاعْلَم أَن الشَّارِح الْمُحَقق مسبوقٌ بتوجيهه. أما الأول فقد قَالَ ابْن عُصْفُور فِي شرح الْإِيضَاح لأبي عَليّ: وَالَّذِي يُجِيز شتان مَا بَينهمَا يَجْعَل شتان بِمَنْزِلَة بعد فَكَمَا يجوز بعد مَا بَين زيد وَعَمْرو كَذَلِك يجوز: شتان مَا بَين زيد وَعَمْرو. وَمثله لِابْنِ السَّيِّد فِي شرح أدب الْكتاب. قَالَ: كَانَ ربيعَة عِنْد الْأَصْمَعِي مِمَّن لَا يحْتَج بِشعرِهِ. وَهَذَا غلط لِأَن شتان اسمٌ للْفِعْل يجْرِي مجْرَاه فِي الْعَمَل فَلَا فرق بَيت ارْتِفَاع مَا بِهِ فِي بَيت ربيعَة وارتفاع الْيَوْم فِي بَيت الْأَعْشَى كَمَا أَنَّك لَو قلت: بعد مَا بَين زيد وعمروٍ لجَاز بالِاتِّفَاقِ. وَكَذَلِكَ قَالَ اللبلي فِي شرح فصيح ثَعْلَب: شتان بِمَعْنى بعد وتفرق وَمَا بِمَعْنى الَّذِي فَاعل شتان وَبَين صلَة ل مَا. وَأما الثَّانِي فقد قَالَ أَبُو الْبَقَاء: إِن جعلت مَا: زَائِدَة وَبَين فَاعِلا وَهِي ظرفٌ لَا تكَاد الْعَرَب تستعملها كَذَلِك. وَإِن جَعلتهَا بِمَعْنى الَّذِي ضعف أيضاَ لِأَن الْمَعْنى يصير افترق الَّذِي بَين زيد وَعَمْرو. وَلَيْسَ المُرَاد ذَلِك بل المُرَاد افترق زيد وَعَمْرو. وَمن أجَازه قَالَ: إِن مُفَارقَة زيدٍ لعَمْرو لَيْسَ من جِهَة الْأَشْخَاص بل المُرَاد افتراقهما فِي الْأَخْلَاق وَالْأَحْوَال وَهُوَ المعني بِالَّذِي. انْتهى. وَقَوله: لَا تكَاد الْعَرَب تستعملها كَذَلِك غير مُسلم فَإِنَّهُ قد قَرَأَ

بِهِ فِي الْقُرْآن فِي عدَّة مَوَاضِع. وَكَلَامه وَإِن كَانَ على اعْتِبَار شتان بِمَعْنى مَا يَقْتَضِي فاعلين إِلَّا أَن المنزعين فِيهِ. وَأما إِنْكَار الْأَصْمَعِي شتان مَا بَينهمَا فقد قَالَ ابْن بري فِي حَاشِيَة الصِّحَاح: لَيْسَ بِشَيْء لِأَن ذَلِك قد جَاءَ فِي أشعار الْعَرَب وَقَالَ أَبُو الْأسود الدئلي: (وشتان مَا بيني وَبَيْنك أنني ... على كل حالٍ أستقيم وتظلع) وَمثله قَول البعيث: (وشتان مَا بيني وَبَين ابْن خالدٍ ... أُميَّة فِي الرزق الَّذِي يتقسم) وَقَالَ آخر: (وشتان مَا بيني وَبَين رعاتها ... إِذا صَرْصَر العصفور فِي الرطب الثعد) والثعد: بِفَتْح الْمُثَلَّثَة: مَا لَان من الْبُسْر. وَيُقَال: شتان بَينهمَا أَيْضا بِدُونِ مَا. وَتَقَدَّمت أبياته.)

وَقد تبع الْأَصْمَعِي فِي إِنْكَاره جماعةٌ مِنْهُم ابْن قُتَيْبَة فِي أدب الْكَاتِب قَالَ: يُقَال: شتان مَا هما بِنصب النُّون وَلَا يُقَال: شتان مَا بَينهمَا وَلَيْسَ قَوْله: لشتان مَا بَين اليزيدين فِي الندى بِحجَّة. وَمِنْهُم الْأَزْهَرِي فِي التَّهْذِيب قَالَ: قَول ربيعَة لَيْسَ بِحجَّة إِنَّمَا هُوَ مولد. وأبى الْأَصْمَعِي شتان مَا بَينهمَا. قَالَ أَبُو حَاتِم: فَأَنْشَدته قَول ربيعَة فَقَالَ: لَيْسَ بفصيح يلْتَفت إِلَيْهِ. وَقَول الشَّارِح الْمُحَقق: وموهمه شَيْئَانِ: أَحدهمَا لُغَة فِي شتان وَهِي كسر النُّون قَالَ الإِمَام المرزوقي فِي شرح فصيح ثَعْلَب: أَصْحَابنَا البصريون لَا يجيزونفيه إِلَّا الْفَتْح وَلَو كَانَ مثنى لجَاز تَأْخِيره فَقيل: زيد وعمرٌ وشتان بل كَانَ هُوَ الْوَجْه وَالتَّرْتِيب ولجاز أَن يقلب أَلفه فِي النصب والجر يَاء وَذَلِكَ لَا يعرف. أَلا ترى أَن قَوْلهم سيان زيدٌ وَعَمْرو لما كَانَ مثنى سيٍّ وَهُوَ الْمثل جَازَ جَمِيع ذَلِك فِيهِ. انْتهى. وَزعم ثَعْلَب فِي فصيحه أَن كسر النُّون هُوَ قَول الْفراء. وَنقل شَارِحه اللبلي عَن ابْن درسْتوَيْه أَن الْفراء إِنَّمَا ذهب إِلَى الْكسر لِأَن الْمَعْنى لما كَانَ للاثنين ظن أَن شتان مثنى فَكَسرهُ وَالْعرب كلهَا تفتحه وَالْكَسْر لَا يُجِيزهُ عَرَبِيّ. انْتهى. أَقُول: أَن الْفراء لم يذهب إِلَى أَن النُّون مَكْسُورَة لَا غير وشتان مثنى

شتٍّ وَإِنَّمَا حكى أَن كسر النُّون لغةٌ فِي فتحهَا. قَالَ فِي تَفْسِيره عِنْد قَوْله تَعَالَى: مَا هَذَا بشرا: أَنْشدني بَعضهم: (لشتان مَا أنوي وَيَنْوِي بَنو أبي ... جَمِيعًا فَمَا هَذَانِ مستويان) (تمنوا لي الْمَوْت الَّذِي يشعب الْفَتى ... وكل فَتى وَالْمَوْت يَلْتَقِيَانِ) قَالَ الْفراء: يُقَال شتان مَا أنوى بِنصب النُّون وخفضها هَذَا كَلَامه. وَكَذَا نقل الصَّاغَانِي فِي الْعباب عَنهُ أَن كسر النُّون لُغَة فِي فتحهَا وَلَيْسَ فِيمَا زَعمه ابْن درسْتوَيْه. وَبِه يسْقط ترديد أبي سهل الْهَرَوِيّ فِي شرح الفصيح حَيْثُ قَالَ: وَأما على قَول الْفراء فَإِنَّهُ يجوز أَن يكون كسر النُّون على أصل التقاء الساكنين وَيجوز أَن أَرَادَ تَثْنِيَة شت وَهُوَ المتفرق. انْتهى. وَزعم ابْن الْأَنْبَارِي فِي الزَّاهِر أَنه يجوز كسر النُّون فِي شتان مَا بَين أَخِيك وَأَبِيك قَالَ: لِأَنَّهَا رفعت اسْما وَاحِدًا. وَيجوز كسرهَا فِي غَيره وَهُوَ شتان أَخُوك وَأَبُوك وشتان مَا أَخُوك وَأَبُوك. قَالَ: يجوز فِي هَذَا كسر النُّون على أَنه ثنية شت. هَذَا كَلَامه وَفِيه مَا لَا يخفى.

قَالَ الشَّارِح الْمُحَقق: الثَّانِي: إِن الْمَرْفُوع بعده لَا يكون إِلَّا مثنى أَو مَا هُوَ بِمَعْنى الْمثنى إِلَخ أَقُول: قد ورد الْمَرْفُوع بعد شتان أَرْبَعَة قَالَ لَقِيط بن زُرَارَة:) (شتان هَذَا والعناق وَالنَّوْم ... وَالْمشْرَب الْبَارِد فِي ظلّ الدوم) وَهَذَا مِمَّا يرد على الْأَصْمَعِي وَيُؤَيّد قَول غَيره أَن شتان لَا يَكْتَفِي بِوَاحِد لِأَنَّهُ وضع لاثْنَيْنِ فَصَاعِدا. وَقد أجَاز ثعلبٌ مَا مَنعه الْأَصْمَعِي قَالَ فِي فصيحه: وَتقول: شتان زيدٌ وَعَمْرو وشتان مَا هما نون شتان مَفْتُوحَة. إِن شِئْت قلت شتان مَا بَينهمَا. وَالْفراء يخْفض نون شتان. انْتهى. ومحصل الْكَلَام فِيهَا أَن شتان يكون مرفوعها شَيْئَيْنِ اتِّفَاقًا وَأكْثر عِنْد غير الْأَصْمَعِي وَيكون مَعَهُمَا مَا الزَّائِدَة وبدونها. وَالصَّحِيح جَوَاز شتان مَا بَينهمَا خلافًا للأصمعي. وَلم يتَعَرَّض ابْن السراج فِي الْأُصُول لهَذَا. قَالَ: قَوْلك شتان زيد وعمرٌ ومَعْنَاهُ بعد مَا بَين زيدٍ وعمرٍ وجدا. وَهُوَ مَأْخُوذ من شت. والتشتيت: التبعيد مَا بَين الشَّيْئَيْنِ أَو الْأَشْيَاء فتقديره تبَاعد زيد وَعَمْرو. انْتهى. وَهِي عِنْد الشَّارِح قِسْمَانِ: أَحدهمَا: مَا ذكر من أَنه لَا بُد لَهَا من مرفوعين فَصَاعِدا. وَالثَّانِي: جَوَاز الِاكْتِفَاء بمرفوع وَاحِد. وَهُوَ فِي شتان مَا بَينهمَا لِكَوْنِهِمَا بِمَعْنى وَاحِد. وَبَقِي اسْتِعْمَالهَا مَعَ مَا الموصولة بفعلٍ وَلم يذكروه. وَهُوَ مَا أوردهُ

الْفراء فِي الشّعْر الْمَذْكُور وَهُوَ لشتان مَا أنوي. وَيَنْبَغِي أَن تقدر مَا الموصولة فِي الْفِعْل الثَّانِي ليَكُون مرفوعها شَيْئَيْنِ. وَهِي اسْم فعلٍ على الصَّحِيح. قَالَ ابْن عُصْفُور فِي شرح الْإِيضَاح: وَهُوَ سَاكن فِي الأَصْل إِلَّا أَنه حرك لالتقاء الساكنين وَكَانَت الْحَرَكَة فَتْحة إتباعاً لما قبلهَا وطلباً للخفة وَلِأَنَّهُ واقعٌ مَوْضُوع الْمَاضِي مبنيٌّ على الْفَتْح فَجعلت حركته كحركته. وَزعم المرزوقي والهروي فِي شرح الفصيح أَنَّهَا مصدر. قَالَ الأول: شتان مصدر لم يسْتَعْمل فعله. وَهُوَ مبنيٌّ على الْفَتْح لِأَنَّهُ مَوضِع فعل مَاض وزيدٌ: فَاعل لَهُ. وَقَالَ الثَّانِي: معنى شتان الْبعد المفرط بَين الشَّيْئَيْنِ وَهُوَ اسمٌ وضع مَوضِع الْفِعْل الْمَاضِي تَقْدِيره: شت زيد وعمرٌ وأَي: تشتتاً وتفرقاً جدا. وسبقهما الزّجاج كَمَا نقل الشَّارِح الْمُحَقق. قَالَ ابْن عُصْفُور: وَزعم الزّجاج أَنه مصدرٌ واقعٌ موقع الْفِعْل جَاءَ على فعلان فَخَالف أخواته فَبنِي لذَلِك فَإِن قيل: لنا فعلانٌ فِي المصادر قَالُوا: لوى يلوي لياناً وشنئته شنآناً. وَأَن لَو وضعت لياناً وشنآناً مَوضِع الْفِعْل لبقيا على إعرابهما وَلم يبنيا. فَالْجَوَاب: أَنَّهُمَا مصدران قد استعملا بعد فعلهمَا وتمكنا فَإِذا وَقعا موقع فعلهمَا بقيا على إعرابهما وَلَيْسَ كَذَلِك شتان لِأَنَّك لَا تَقول شت

يشت شتاتاً وَإِنَّمَا اسْتعْمل فِي أول أَحْوَاله مَوْضُوعا مَوضِع الْفِعْل الْمَبْنِيّ فَبنِي لذَلِك. انْتهى. قَالَ نَاظر الْجَيْش فِي شرح التسهيل: مُقْتَضى هَذَا الْجَواب أَن تبنى المصادر الْمُلْتَزم إِضْمَار ناصبها كسبحان الله ومعاذ الله. انْتهى. وَجوز) الْمَازِني تَنْوِين شتان قَالَ أَبُو عَليّ فِي التَّذْكِرَة القصرية: قَالَ أَبُو عُثْمَان: سُبْحَانَ وشتان يجوز تنوينهما اسْمَيْنِ كَانَا أَو فِي موضعهما. قَالَ أَبُو عَليّ: شتان إِذا كَانَ فِي مَوْضِعه فَهُوَ اسمٌ للْفِعْل وَهُوَ شت بِمَنْزِلَة صه فَإِن نونته فَهُوَ نكرَة وَإِن لم تنونه فَهُوَ معرفَة. فَإِن قيل: كَيفَ يجوز أَن يكون معرفَة وَهُوَ بِمَنْزِلَة شت وَكَذَلِكَ صه بِمَنْزِلَة اسْكُتْ واسكت وصه لَا يجوز أَن يَكُونَا معرفَة. قيل: لِأَنَّهُمَا اسمان للْفِعْل وليسا بِفعل. فَإِن نقلت شتان عَن أَن يكون اسْما للْفِعْل فَجَعَلته اسْما للتشتيت معرفَة وَصَارَ بِمَنْزِلَة: سُبْحَانَ من عَلْقَمَة الفاخر فِي أَنه اسمٌ للتنزيه معرفَة جَازَ. فَإِن نونته ونونت سُبْحَانَ هَذَا تنكر لأجل التَّنْوِين وَصَارَ بِمَنْزِلَة زيدٍ من الزيدين إِذا نكرت زيدا الْمعرفَة. ويضعف جعل هَذِه الْمعرفَة نكرَة لِأَن الْمَعْنى الملقب بسبحان وشتان شيءٌ وَاحِد لَا يَصح لَهُ أَن يكون أمثالٌ من جنسه هِيَ تَنْزِيه وتشتيت وَلَيْسَ كَذَلِك الملقب بزيد لِأَنَّهُ يَصح أَن يكون لَهُ أمثالٌ من جنسه فَيقدر زيدا من الزيدين يَصح فِي الْمَعْنى وَتَقْدِير سُبْحَانَ من أَمْثَاله لَا يَصح فِي الْمَعْنى. فَالْجَوَاب أَن هَذَا وَإِن لم يَصح فِي الْمَعْنى فَإِن تقديرهم لَهُ تَقْدِير مَا يَصح لَهُ فِي هَذَا الْمَعْنى

جائزٌ يدل على ذَلِك أَن من قَالَ: هَذَا ابْن عرس مُقبلا نزل الْجِنْس منزلَة شَيْء واحدٍ وَإِن كَانَ فِي الْحَقِيقَة أَشْيَاء ثمَّ قَالَ: هَذَا ابْن عرس مقبلٌ نزل مَا قد نزله منزلَة شَيْء وَاحِد منزلَة أَشْيَاء كَثِيرَة. فَهَذَا ابْن عرس مقبلٌ بِمَنْزِلَة زيد من الزيدين مُنْكرا من هَذَا ابْن عرس مُقبلا. وَنَظِير تلقيب الْمَعْنى بسبحان وشتان فِيمَن جعله لقباً للمعنى جعل النَّحْوِيين أفعل معرفَة فِي قَوْلهم: أفعل إِذا كَانَ وَصفا لَا ينْصَرف فيجعلون أفعل معرفَة لقباً للمعنى وَهُوَ هَذَا الْوَزْن. فَلم يخرج النحويون بتلقيبهم الْمعَانِي عَن كَلَام الْعَرَب لِأَنَّهَا قد لقبت الْمعَانِي كَمَا لقبت الْأَشْخَاص. وَنَظِير ذَلِك قَوْلهم: فَحملت برة فجار وبرة تلقيب الْمَعْنى فَلهَذَا لم يصرفهَا. انْتهى كَلَام أبي عَليّ ولنفاسته سقناه برمتِهِ. وَالْبَيْت الشَّاهِد من قصيدةٍ لِرَبِيعَة الرقي مدح فِيهَا يزِيد بن حَاتِم المهلبي. وَهَذِه أبياتٌ من أَولهَا: (لفت يَمِينا غير ذِي مثنويةٍ ... يَمِين امرئٍ آلى بهَا غير آثم) (لشتان مَا بَين اليزيدين فِي الندى ... يزِيد سليمٍ والأغر ابْن حَاتِم) (يزِيد سالمٍ سَالم المَال والفتى ... أَخُو الأزد للأموال غير مسالم))

(فَلَا يحْسب التمتام أَنِّي هجوته ... وَلَكِنِّي فضلت أهل المكارم) (فيا أَيهَا السَّاعِي الَّذِي لَيْسَ مدْركا ... بمسعاته سعي البحور الخضارم) (سعيت وَلم تدْرك نوال ابْن حاتمٍ ... لفك أسيرٍ وَاحْتِمَال العظائم) (كَفاك بِنَاء المكرمات ابْن حاتمٍ ... ونمت وَمَا الْأَزْدِيّ عَنْهَا بنائم) (فيا ابْن أسيد لَا تسام ابْن حَاتِم ... فتقرع إِن ساميته سنّ نادم) (هُوَ الْبَحْر إِن كلفت نَفسك خوضه ... تهالكت فِي أمواجه المتلاطم) (تمنيت مجداً فِي سليمٍ سفاهةً ... أماني حالٍ أَو أماني حالم) (أَلا إِنَّمَا آل الْمُهلب غرةٌ ... وَفِي الْحَرْب قاداتٌ لكم بالخزائم)

. (هم الْأنف والخرطوم وَالنَّاس بعدهمْ ... مناسم والخرطوم فَوق المناسم) (قضيت لكم آل الْمُهلب بالعلا ... وتفضيلكم حَقًا على كل حَاكم) (لكم شيمٌ لَيست لخلقٍ سواكم ... مناعيش دفاعون عَن كل جارم) وَقَوله: حَلَفت يميناٍ إِلَخ مثنوية: مصدر بِمَعْنى الِاسْتِثْنَاء فِي الْيَمين أَي: حَلَفت غير مستثن فِي يَمِيني. وَقَوله: غير ذِي مثنوية أَي: غير يَمِين ذِي مثنوية. وَهَذَا المصراع من شعرٍ للنابغة الذبياني وَتَمَامه: وَهُوَ من شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ وَقد شرحناه مَعَ قصيدته فِي الشَّاهِد الثَّالِث وَالْعِشْرين بعد الْمِائَتَيْنِ. وَقَوله: يَمِين امْرِئ إِلَخ مفعول مُطلق تشبيهي أَي: كيمين. وَالْيَمِين: الْقسم سمي بهَا لأَنهم إِذا تحالفوا ضرب كل امرئٍ مِنْهُم على يَمِين

صَاحبه. قَالَ صَاحب الْمِصْبَاح: وَيَمِين الْحلف أُنْثَى. قَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: وَلِهَذَا أعَاد الضَّمِير عَلَيْهَا من بهَا مؤنثاً. وآلى بِمَعْنى أقسم. وَقَوله: لشتان مَا بَين اليزيدين إِلَخ اللَّام فِي جَوَاب الْقسم وَمَا بعْدهَا جَوَابه. قيل: شتان مَا بَين اليزيدين صَار مثلا فِي ظُهُور الْفرق. والندى: السخاء والجود وَالْألف أَصْلهَا وَاو لِأَنَّهُ يُقَال ندوت. وَيُقَال: سنّ للنَّاس الندى فندوا بِفَتْح الدَّال. والأغر من الْغرَّة وَهُوَ بياضٌ فَوق الدِّرْهَم فِي جبهة الْفرس. يُقَال: فرسٌ أغر ومهرة غراء وَقد استعيرت للوضوح والشهرة. وَقَالَ فِي الْمِصْبَاح: ورجلٌ أغر: صبيحٌ أَو سيد قومه. أما يزِيد سليم فَهُوَ يزِيد بن أسيد بِضَم الْهمزَة وَفتح السِّين الْمُهْملَة وَيَنْتَهِي نسبه إِلَى بهثة بِضَم الْمُوَحدَة وَسُكُون الْهَاء بعْدهَا ثاء مُثَلّثَة ابْن سليم بِضَم السِّين ابْن مَنْصُور بن عِكْرِمَة بن خصفة بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَالصَّاد الْمُهْملَة ابْن قيس بن عيلان بن مُضر بن نزار) بن معد بن عدنان. وَأما يزِيد بن حَاتِم فَهُوَ يزِيد بن حَاتِم بن قبيصَة بن الْمُهلب بن أبي صفرَة وَيَنْتَهِي نسبه إِلَى الأزد وَهِي قَبيلَة عَظِيمَة بِالْيمن. وَهُوَ جد الْوَزير المهلبي. فَإِنَّهُ أَبُو مُحَمَّد الْحسن بن مُحَمَّد بن هَارُون بن إِبْرَاهِيم بن عبد الله بن يزِيد بن حَاتِم. وَمَات فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وثلثمائة. وَكَانَ السَّبَب فِي هَذِه القصيدة أَن ربيعَة قصد يزِيد بن أسيد وَهُوَ

يومئذٍ والٍ على أرمينية وَكَانَ قد وَليهَا زَمَانا طَويلا لأبي جَعْفَر الْمَنْصُور ثمَّ من بعده لوَلَده الْمهْدي. وَكَانَ يزِيد هَذَا من أَشْرَاف قيس وشجعانهم وَمن ذَوي الآراء الصائبة. ومدحه ربيعَة بشعرٍ أَجَاد فِيهِ فقصر يزِيد فِي حَقه. ومدح يزِيد بن حَاتِم فَبَالغ فِي الْإِحْسَان إِلَيْهِ فَقَالَ ربيعَة هَذِه القصيدة يفضل يزِيد بن حَاتِم على يزِيد بن أسيد. وَكَانَ فِي لِسَان يزِيد بن أسيد تمتمة فَعرض بذكرها: فَلَا يحْسب التمتام أَنِّي هجوته. كَذَا فِي تَارِيخ ابْن خلكان. قَالَ صَاحب الْمِصْبَاح: وتمتم الرجل تمتمةً إِذا تردد فِي التَّاء فَهُوَ تمْتَام بِالْفَتْح. وَقَالَ أَبُو زيد: هُوَ الَّذِي يَجْعَل فِي الْكَلَام وَلَا يفهمك. وَقَالَ ابْن عبد ربه فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع من العقد الفريد: مدح ربيعَة الرقي يزِيد بن أسيد السّلمِيّ فَلم يُعْطه شَيْئا ثمَّ عطف على يزِيد بن حَاتِم وَهُوَ وَالِي مصر ومدحه فتشاغل عَنهُ فِي بعض الْأُمُور واستبطأه ربيعَة فشخصمن مصر وَقَالَ: (أَرَانِي وَلَا كفران لله رَاجعا ... بخفي حنينٍ من نوال ابْن حَاتِم) فَبلغ قَوْله يزِيد بن حَاتِم فَأرْسل فِي طلبه فَلَمَّا دخل عَلَيْهِ قَالَ لَهُ: أَنْت الْقَائِل: أَرَانِي وَلَا كفران لله رَاجعا ... ... ... ... . الْبَيْت قَالَ: نعم قَالَ: هَل قلت غير هَذَا قَالَ: لَا. قَالَ: وَالله لترجعن

بخفي حنين مَمْلُوءَة ذَهَبا. فَأمر بخلع خفيه وَأَن تملئا دَنَانِير. ثمَّ قَالَ لَهُ: أصلح مَا أفسدت من قَوْلك. فَقَالَ فِيهِ لما عزل من مصر وَولي مَكَانَهُ يزِيد بن أسيد السّلمِيّ: (بَكَى أهل مصر بالدموع السواجم ... غَدَاة غَدا مِنْهَا الْأَغَر ابْن حَاتِم) وفيهَا يَقُول: (لشتان مَا بَين اليزيدين فِي الندى ... يزِيد سليمٍ والأغر ابْن حَاتِم) مَعَ أَبْيَات ثَلَاثَة بعده. وَكَانَ يزِيد بن حَاتِم جواداً سرياً مَقْصُودا ممدوحاً. قَصده جمَاعَة من الشُّعَرَاء فَأحْسن جوائزهم. قَالَ ابْن عبد ربه: كتب إِلَيْهِ رجلٌ من الْعلمَاء يستوصله فَبعث إِلَيْهِ ثَلَاثِينَ ألف دِرْهَم وَكتب إِلَيْهِ: أما بعد فقد بعثت إِلَيْك ثَلَاثِينَ ألفا لَا أَكْثَرهَا امتناناً وَلَا أقلهَا) تحقيراً وَلَا أستثنيك عَلَيْهَا ثَنَاء وَلَا أقطع لَك بهَا رَجَاء. وَالسَّلَام. وَقَالَ ابْن خلكان: ذكر ابْن جرير الطَّبَرِيّ فِي تَارِيخه أَن الْخَلِيفَة أَبَا جَعْفَر الْمَنْصُور عزل حميد بن قَحْطَبَةَ عَن ولَايَة مصر فولاها نَوْفَل بن

الْفُرَات ثمَّ عَزله وَولى يزِيد بن حَاتِم وَذَلِكَ فِي سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وَمِائَة. ثمَّ إِن الْمَنْصُور عَزله عَن مصر فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وَمِائَة وَجعل مَكَانَهُ مُحَمَّد بن سعيد. انْتهى. وَهَذَا لَا يُوَافق مَا قَالَه ابْن عبد ربه. وَقيل: تولى بعده عبد الله بن عبد الرَّحْمَن من قبل الْمَنْصُور. وَلم أر مَا قَالَه ابْن عبد ربه. ثمَّ قَالَ ابْن خلكان: وَقَالَ ابْن يُونُس فِي تَارِيخه: ولي يزيدٌ بن حَاتِم مصر فِي سنة أَربع وَأَرْبَعين وَمِائَة. وَزَاد غَيره: فِي منتصف ذِي الْقعدَة. ثمَّ إِن الْمَنْصُور خرج إِلَى الشَّام وَإِلَى زِيَارَة بَيت الْمُقَدّس فِي سنة أَربع وَخمسين وَمِائَة وَمن هُنَاكَ سير يزِيد بن حَاتِم إِلَى إفريقية لِحَرْب الْخَوَارِج الَّذين قتلوا عَامله عمر بن حَفْص وجهز مَعَه خمسين ألف مقَاتل وَاسْتقر والياً وَكَانَ وُصُوله إِلَيْهَا واستظهاره على الْخَوَارِج فِي سنة خمس وَخمسين. وَلما عقد الْمَنْصُور ليزِيد المهلبي على بِلَاد إفريقية وليزيد السّلمِيّ الْمَذْكُور على ديار مصر خرجا مَعًا وَكَانَ يزِيد المهلبي يقوم بكفاية الجيشين فَقَالَ ربيعَة الرقي: ...

(يزِيد الْخَيْر أَن يزِيد قومِي ... سميك لَا يجود كَمَا تجود) (تقود كتيبةٌ ويقود أُخْرَى ... فترزق من تقود وَمن يَقُود) وَقدم أشعب الْمَشْهُور فِي الطمع على يزِيد وَهُوَ بِمصْر فَجَلَسَ بمجلسه ودعا بغلامه فساره فَقَامَ أشعب فَقبل يَده فَقَالَ لَهُ يزِيد: لم فعلت هَذَا فَقَالَ: إِنِّي رَأَيْتُك تسارر غلامك فَظَنَنْت أَنَّك قد أمرت لي بِشَيْء فَضَحِك مِنْهُ وَقَالَ: مَا فعلت وَلَكِنِّي أفعل. وَوَصله وَأحسن إِلَيْهِ. وَقدم عَلَيْهِ بِمصْر أَبُو عبيد الله مُحَمَّد بن مُسلم الشهير بِابْن الْمولى وأنشده: (يَا وَاحِد الْعَرَب الَّذِي ... أضحى وَلَيْسَ لَهُ نَظِير) (لَو كَانَ مثلك آخرٌ ... مَا كَانَ فِي الدُّنْيَا فَقير) فَدَعَا يزِيد بخازنه. وَقَالَ: كم فِي بَيت مَالِي قَالَ: فِيهِ من الْعين وَالْوَرق مَا مبلغه عشرُون ألف دِينَار. فَقَالَ: ادفعها إِلَيْهِ. ثمَّ قَالَ: يَا أخي المعذرة إِلَى الله تَعَالَى وَإِلَيْك وَالله لَو أَن فِي ملكي غَيرهَا مَا ادخرته عَنْك. قَالَ الطرطوشي فِي كتاب سراج الْمُلُوك: قَالَ سَحْنُون:

كَانَ يزِيد بن حَاتِم يَقُول: وَالله مَا هبت شئياً قطّ هيبتي لرجلٍ ظلمته وَأَنا لَا أعلم وَلَيْسَ لَهُ نَاصِر إِلَّا الله تَعَالَى فَيَقُول: حَسبك الله الله بيني وَبَيْنك وَذكر أَبُو سعيد السَّمْعَانِيّ فِي كتاب الْأَنْسَاب أَن) المسهر التَّمِيمِي الشَّاعِر وَفد على يزِيد بن حَاتِم بإفريقية فأنشده: (إِلَيْك قَصرنَا النّصْف من صلواتنا ... مسيرَة شهرٍ ثمَّ شهرٍ نواصله) (فَلَا نَحن نخشى أَن يخيب رجاؤنا ... لديك وَلَكِن أهنأ الْبر عاجله) فَأمر يزِيد بِوَضْع الْعَطاء فِي جنده وَكَانَ مَعَه خَمْسُونَ ألف مرتزق فَقَالَ: من أحب أَن يسرني فليضع لزائري هَذَا من عطائه دِرْهَمَيْنِ. فَاجْتمع لَهُ مائَة ألف دِرْهَم وَضم يزِيد إِلَى ذَلِك مائَة ألف دِرْهَم أُخْرَى وَدفعهَا إِلَيْهِ. وَلما كَانَ يزِيد والياً بإفريقية كَانَ أَخُوهُ روح بن حَاتِم والياً فِي السَّنَد وَولي لخمسةٍ من الْخُلَفَاء: أبي الْعَبَّاس السفاح والمنصور وَالْمهْدِي وَالْهَادِي والرشيد فَقَالَ أهل إفريقية: مَا أبعد مَا بَين هذَيْن الْأَخَوَيْنِ فَإِن يزِيد هُنَا وأخاه روحاً فِي السَّنَد. فَلَمَّا توفّي يزِيد بإفريقية يَوْم الثُّلَاثَاء لِاثْنَتَيْ عشرَة لَيْلَة بقيت من شهر رَمَضَان سنة سبعين وَمِائَة وَكَانَ والياً فِيهَا خمس عشرَة سنة وَثَلَاثَة أشهر فاتفق أَن الرشيد عزل روحاً السَّنَد وسيره إِلَى مَوضِع أَخِيه يزِيد فَدخل إِلَى إفريقية فِي أول رَجَب سنة إِحْدَى وَسبعين وَمِائَة وَلم يزل والياً عَلَيْهَا إِلَى أَن توفّي بهَا لإحدى عشرَة لَيْلَة بقيت من شهر

رَمَضَان سنة أَربع وَسبعين وَمِائَة وَدفن فِي قبر أَخِيه يزِيد. فَعجب النَّاس من هَذَا الِاتِّفَاق بعد ذَلِك التباعد. قَالَ الصولي فِي كتاب الْأَنْوَاع: حَدثنَا أَبُو الْعَبَّاس مُحَمَّد الجبائي قَالَ: أنشدنا بكر الْمَازِني لِرَبِيعَة بن ثَابت الرقي يمدح يزِيد بن حَاتِم المهلبي ويهجو يزِيد ابْن أسيد السّلمِيّ: لشتان مَا بَين اليزيدين فِي الندى ... ... ... ... . . الْبَيْت وَبعده الأبيات الثَّلَاثَة. قَالَ: بلغ هَذَا الشّعْر أَبَا الشمقمق واسْمه مَرْوَان فَقَالَ يفضل يزِيد بن مزِيد الشَّيْبَانِيّ على يزِيد المهلبي: (لشتان مَا بَين اليزيدين فِي الندى ... إِذا عد فِي النَّاس المكارم وَالْحَمْد) (يزِيد بني شَيبَان أكْرم مِنْهُمَا ... وَإِن غضِبت قيس بن عيلان والأزد) انْتهى. وَيزِيد هَذَا هُوَ ابْن مزِيد بن زَائِدَة وَهُوَ ابْن أخي معن بن زَائِدَة الشَّيْبَانِيّ. وَكَانَ يزِيد هَذَا من الْأُمَرَاء الْمَشْهُورين والشجعان المعروفين وَكَانَ والياً بأرمينية فَعَزله عَنْهَا الرشيد سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وَمِائَة ثمَّ ولاه إِيَّاهَا وَضم إِلَيْهَا أذربيجان فِي سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ. وَهُوَ من الأجواد وَقد قَصده الشُّعَرَاء من سَائِر النواحي وأجاد صلَاتهم.

وَقد أَطَالَ تَرْجَمته ابْن خلكان. وَتُوفِّي سنة خمس وَثَمَانِينَ وَمِائَة ورثاه أَبُو الشمقمق وَمُسلم بن الْوَلِيد وَأَبُو مُحَمَّد عبد الله بن أَيُّوب) التَّيْمِيّ الْمَشْهُور وَغَيرهم. وَرَأَيْت فِي رسائل الصاحب بن عباد رِسَالَة مداعبة جمع فِيهَا نَظَائِر هَذَا الشّعْر وَهِي رِسَالَة جَيِّدَة أَحْبَبْت أَن أوردهَا هُنَا وَهِي: أَبُو الْفرج عباد بن المطهر أعزه الله يزْعم أَن الشَّيْخ الْأمين رَضِيَ اللَّهُ عَنْه سَمَّاهُ عبادا. وَالنَّاس يروون: (لشتان مَا بَين اليزيدين فِي الندى ... يزِيد سليمٍ والأغر بن حَاتِم) وَفِيهِمْ من لَا يعلم أَنه لِرَبِيعَة الرقي وَلَا أَن اليزيدين: يزِيد بن حَاتِم المهلبي وَهُوَ الممدوح وَيزِيد بن أسيد وَهُوَ المذموم. وكما لَا يدْرِي أَن الشّعْر بلغ أَبَا الشمقمق فَقَالَ: وَفضل عَلَيْهِمَا يزِيد بن مزِيد الشَّيْبَانِيّ: (لشتان مَا بَين اليزيدين فِي الندى ... إِذا عد فِي النَّاس المكارم وَالْحَمْد) (يزِيد بني شَيبَان أكْرم مِنْهُمَا ... وَإِن غضِبت قيس بن عيلان والأزد) وَقد قَالَ الآخر: (يزِيد الْخَيْر إِن يزِيد قومِي ... سميك لَا يزِيد كَمَا تزيد)

ويذكرني مولَايَ أَنه أنْشد كثيرا لأبي الهول الْحِمْيَرِي وَفِي الْفضل بن الْعَبَّاس والبرمكي: كَمَا سمعني أنْشد لبشار: (رَأَيْت السهيلين اسْتَوَى الْجُود فيهمَا ... على بعد ذَا من ذَاك فِي حكم حَاكم) (سُهَيْل بن عُثْمَان يجود بِمَالِه ... كَمَا جاد بالفعلى سُهَيْل بن سَالم) وَمن المبتذل فِي هَذَا: (شتان بَين محمدٍ ومحمدٍ ... حيٌّ أمات وميتٌ أحياني) والمحمدان: مُحَمَّد بن مَنْصُور بن زِيَاد وَمُحَمّد بن يحيى بن خَالِد. وَلَا أَحسب عباداً هَذَا يعد مَا قلته تَفْضِيلًا لعباد بن الْعَبَّاس عَلَيْهِ وَإِضَافَة لَهُ إِلَيْهِ وَلَا أَن يَقُول كَمَا قَالَ يُونُس بن حبيب: أَشد الهجاء الهجاء بالتفضيل. وَذَلِكَ كَمَا قَالَ صديق مولَايَ الْقَرِيب وَابْن عمته النسيب الفرزدق بن غَالب وَقد قيل لَهُ: انْزِلْ على أبي قطن قبيصَة فحسبه ابْن مخازق الْهِلَالِي فَإِذا هُوَ آخر لَا يحضرني نسبه وذم قراه وجواره فَقَالَ: ...

(سرت مَا سرت من لَيْلهَا ثمَّ وَافَقت ... أَبَا قطنٍ لَيْسَ الَّذِي لمخارق) (وَقد تلتقي الْأَسْمَاء فِي النَّاس والكنى ... كثيرا وَلَكِن لَا تلاقى الْخَلَائق) فَأَما التَّفْضِيل الَّذِي أَوْمَأت إِلَيْهِ فقد أعجبني مِنْهُ أَن الحطيئة قَالَ:) (فَلَمَّا أَن مدحت الْقَوْم قُلْتُمْ ... هجوت وَهل يحل لي الهجاء) حَتَّى زعم بَعضهم عَن الزبْرِقَان أَن هَذَا أوجع لَهُ من قَوْله: (دع المكارم لَا ترحل لبغيتها ... واقعد فَإنَّك أَنْت الطاعم الكاسي) وعَلى ذكر هَذَا الْبَيْت فَلَا أَدْرِي لم ترك مَا قيل قبله. فقد سبق الْأَعْشَى بقوله: (فَدَعْنَا وقوماً إِن هم عَمدُوا لنا ... أَبَا ثابتٍ واجلس فَإنَّك طاعم)

لست أَدْرِي أيد الله مولَايَ مَا هَذَا الوسواس الخناس الَّذِي يوسوس فِي صُدُور النَّاس. وَإِنَّمَا حضر هَذَا الْفَتى وَله حق الغربة وَأعظم بِهِ حَقًا ثمَّ حق الْأَدَب وَأكْرم بِهِ فخراً وَقد خدمني طفْلا والآن كهلاً وَهَاجَر إِلَيّ فتظاهرت حرماته لدي. وَهَذِه التَّسْمِيَة أَيْضا لَهَا ذمامٌ يرْعَى وذمار لَا ينسى وسألني أَن أخاطب مولَايَ فِي بَابه وأسيمه فِي مرعى جنابه وتصور لي الْأنس بمطاولة مولَايَ وحسبتني أناجيه عَن قرب كَمَا أَنا مكَاتبه عَن بعد فلج الطَّبْع والقلم وَحَضَرت هَذِه الأبيات والعبر ومولاي ولي مَا يوليه ويختصه بالجميل فِيهِ فقد كَانَ أَبُو عِيسَى النوشجاني عبد الْمَسِيح أنْشد وَالِدي: (وَإِن ائتلاف النَّفس أدنى قرَابَة ... لمن يَدعِي الْقُرْبَى إِذا كَانَ ظَالِما) انْتهى. وَقَوله: وَقد قَالَ الآخر: يزِيد الْخَيْر أَن يزِيد قومِي ... ... ... ... . . الْبَيْت هَذَا سهوٌ مِنْهُ فِي زَعمه أَنه لغير ربيعَة وَالصَّوَاب أَنه لَهُ كَمَا نَقَلْنَاهُ. وَقَوله: بمسعاته سعي البحور الخضارم المسعاة: مصدر ميمي وَهُوَ السَّعْي. والخضارم بِالْفَتْح: جمع خضرم بِكَسْر الْخَاء وَسُكُون الضَّاد المعجمتين وَكسر الرَّاء: الْوَاسِع الْكثير.

وَقَوله: بالحزائم جمع حزَام مستعار من حزم الدَّابَّة. أَرَادَ أَنهم متشمرون للحرب. وَقَوله: هم الْأنف والخرطوم هُوَ بِالضَّمِّ: الْأنف. وخرطوم الْقَوْم: سيدهم. والمناسم: جمع منسم بِفَتْح الْمِيم وَكسر السِّين وَهُوَ خف الْبَعِير. والملاحم: جمع ملحمة بِفَتْح الْمِيم والحاء وَهِي الْوَقْعَة الْعَظِيمَة فِي الْفِتْنَة. والمناعيش: جمع منعاش مُبَالغَة ناعش كمنحار مُبَالغَة ناحر من نعشه ينعشه بِفَتْح الْعين فيهمَا نعشاً بسكونها إِذا رَفعه من سقطته. والجارم: الكاسب الْفَقِير من جرم يجرم كضرب يضْرب. وَرَبِيعَة الرقي هُوَ أَبُو أُسَامَة ربيعَة بن ثَابت من موَالِي سليم. وَيدل عَلَيْهِ قَوْله: يزِيد الْخَيْر إِن يزِيد قومِي) وَقَالَ مُحَمَّد بن مُعَاوِيَة الْأَسدي: هُوَ من بني جذيمة بن مَالك بن نصر بن قعين. وَهُوَ شَاعِر مطبوع. قَالَ دعبل بن عَليّ الْخُزَاعِيّ: قلت لمروان بن أبي حَفْصَة: يَا أَبَا السمط من أشعركم جمَاعَة الْمُحدثين قَالَ: أشعرنا أسيرنا بَيْتا. قلت: من هُوَ قَالَ: الَّذِي يَقُول: ...

(لشتان مَا بَين اليزيدين فِي الندى ... يزِيد سليمٍ والأغر ابْن حَاتِم) والرقي: مَنْسُوب إِلَى رقة بِفَتْح الرَّاء وَتَشْديد الْقَاف وَهِي مَدِينَة ومعناهافي اللُّغَة كل أَرض إِلَى جَانب وادٍ ينبسط عَلَيْهَا المَاء أَيَّام الْمَدّ ثمَّ ينحسر عَنْهَا فَتكون جَيِّدَة النَّبَات وَالْجمع رقاق. قَالَ ياقوت فِي مُعْجم الْبلدَانِ: الرقة: مَدِينَة مَشْهُورَة على الْفُرَات بَينهَا وَبَين حران ثَلَاثَة أَيَّام معدودةٌ فِي بِلَاد الجزيرة لِأَنَّهَا من جَانب الْفُرَات الشَّرْقِي. وَيُقَال لَهَا الرقة البيضا وَهِي من الإقليم الرَّابِع. ووصفها ربيعَة الرقي بقوله: (حبذا الرقة دَارا وبلد ... بلدٌ ساكنه مِمَّن تود) (مَا رَأينَا بَلْدَة تعدلها ... لَا وَلَا أخبرنَا عَنْهَا أحد) (إِنَّهَا بريةٌ بحريةٌ ... سورها بحرٌ وسورٌ فِي الجدد) (يسمع الصلصل فِي أشجارها ... هدهد الْبر ومكاءٌ غرد) (لم تضمن بلدةٌ مَا ضمنت ... من جمالٍ فِي قريشٍ وَأسد) وَكَانَ بالجانب الغربي مَدِينَة أُخْرَى تعرف برقة وَاسِط كَانَ بهَا قصران لهشام ابْن عبد الْملك كَانَا على طَرِيق رصافة هِشَام. وأسفل من الرقة بفرسخ الرقة السَّوْدَاء: وَهِي قَرْيَة كَبِيرَة ذَات بساتين كَثِيرَة. والرقة أَيْضا:

الْبُسْتَان الْمُقَابل للتاج من دَار الْخلَافَة بِبَغْدَاد وَهِي بالجانب الغربي وَهُوَ عظيمٌ جدا جليل الْقدر. وَأَطْنَبَ ياقوت فِي وصفهَا. قد تقدم بيتان هما من شَوَاهِد (شتان مَا يومي على كورها ... وَيَوْم حَيَّان أخي جَابر) وَهُوَ من قصيدةٍ للأعشى مَيْمُون قد شرحنا بعض أبياتها فِي الشَّاهِد الْخَامِس وَالثَّلَاثِينَ بعد الْمِائَتَيْنِ. قَالَ ابْن السَّيِّد فِي شرح أَبْيَات أدب الْكتاب: حَيَّان وَجَابِر ابْنا عميرَة من بني حنيفَة وَكَانَ حَيَّان نديماً للأعشى. يَقُول: يومي على كور هَذِه النَّاقة بِالضَّمِّ وَهُوَ الرحل ويومي مَعَ حَيَّان أخي جَابر مُخْتَلِفَانِ لَا يستويان لِأَن أَحدهمَا يَوْم سفر وتعب وَالثَّانِي يَوْم لَهو وطرب. رُوِيَ أَن حَيَّان كَانَ سيداً أفضل من أَخِيه جَابر فَلَمَّا أَضَافَهُ إِلَى جَابر غضب وَقَالَ: عَرفتنِي بأخي وَجَعَلته أشهر مني وَالله لَا نادمتك أبدا فَقَالَ لَهُ الْأَعْشَى: اضطرتني القافية فَلم يعذرهُ.) انْتهى. وَقد غلط الأندلسي فِي شرح الْمفصل فَقَالَ: الْأَخ يُقَال لَهُ جَابر

يَقُول: كُنَّا نشرب مَعَ جَابر. وَهَذَا غلطٌ ظَاهر يلْزم مِنْهُ أَن يكون حَيَّان وَجَابِر مبينين للْأَخ. وَهَذَا محَال. وَقَالَ الْخَوَارِزْمِيّ: يَقُول: كُنَّا نشرب ونتنعم مَعَ جَابر وَكَانَ فِيمَا يُقَال ملكا يخْتَص بحيان لِأَنَّهُ نديمه. هَذَا كَلَامه. وَنَقله بعض فضلاء الْعَجم فِي أَبْيَات الْمفصل. وَهَذَا غير صَحِيح أَيْضا لِأَنَّهُ يصف حَيَّان وَيذكر عيشه مَعَه وَلم يكن يشرب مَعَ جَابر وَإِنَّمَا كَانَ نديمه حَيَّان. وَقد وَقع فِي شعر حسان نَظِير مَا وَقع للأعشى من تَعْرِيف الْمَشْهُور بالخامل قَالَ فِي رثاء جَعْفَر أخي عَليّ بن أبي طَالب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما: (بهاليل مِنْهُم جعفرٌ وَابْن أمه ... عليٌّ وَمِنْهُم أَحْمد المتخير) البهاليل: جمع بهْلُول بِالضَّمِّ وَهُوَ السَّيِّد الوضيء الْوَجْه الطَّوِيل الْقَامَة. والمتخير: الْمُنْتَخب. وَقَوله: مِنْهُم أَحْمد المتخير قد عابه بعض النَّاس لما أضَاف أَحْمد المتخير إِلَيْهِم وَلَيْسَ هَذَا بِعَيْب لِأَنَّهَا لَيست بِإِضَافَة تَعْرِيف وَإِنَّمَا هَذَا تعريفٌ لَهُم حَيْثُ كَانَ مِنْهُم. وَإِنَّمَا ظهر الْعَيْب فِي قَول أبي نواس من قصيدة مدح بهَا الْعَبَّاس بن عبيد الله بن أبي جَعْفَر الْمَنْصُور: ...

(كَيفَ لَا يدينك من أملٍ ... من رَسُول الله من نفره) لِأَنَّهُ ذكر وَاحِدًا وأضاف إِلَيْهِ فَصَارَ بِمَنْزِلَة مَا عيب على الْأَعْشَى. قَالَ السُّهيْلي فِي الرَّوْض الْأنف: وجدت فِي رسالةٍ لمهلهل بن يَمُوت بن المزرع قَالَ: قَالَ عَليّ بن الْأَصْغَر وَكَانَ من رُوَاة أبي نواس قَالَ: لما عمل أَبُو نواس: (أَيهَا المنتاب عَن عفره ... لست من ليلى وَلَا من سمره) أنشدنيها فَلَمَّا بلغ قَوْله: من رَسُول الله من نفره وَقع لي أَنه كلامٌ مستهجن فِي غير مَوْضِعه إِذا كَانَ حق رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أَن يُضَاف إِلَيْهِ وَلَا يُضَاف إِلَى أحد. فَقلت لَهُ: أعرفت عيب هَذَا الْبَيْت فَقَالَ: مَا يعِيبهُ إِلَّا جاهلٌ بِكَلَام الْعَرَب إِنَّمَا أردْت أَن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ من الْقَبِيل الَّذِي هَذَا الممدوح مِنْهُ أما سَمِعت قَول حسان بن ثَابت شَاعِر الْإِسْلَام: وَمِنْهُم أَحْمد المتخير وَأنْشد الْبَيْتَيْنِ. وَرَأَيْت هَذِه الْحِكَايَة فِي آخر ديوَان أبي نواس فِي الْبَاب الْخَامِس عشر أوردهَا حَمْزَة بن الْحسن الْأَصْفَهَانِي فِيمَا دونه من شعر أبي نواس. وَأما الثَّانِي فَهُوَ: (شتان هَذَا والعناق وَالنَّوْم ... وَالْمشْرَب الْبَارِد فِي ظلّ الدوم)) وَهُوَ للقيط بن زُرَارَة بن عدس بن تَمِيم ويكنى أَبَا دختنوس وَهِي بنته وَأَبا نهشلٍ أَيْضا وَأَخُوهُ حَاجِب بن زُرَارَة صَاحب الْقوس الَّتِي يُقَال لَهَا:

قَوس حَاجِب. أنْشدهُ الْمبرد فِي المقتضب وأنشده: وَالْمشْرَب الدَّائِم فِي الظل الدوم جعل الْمبرد الْمصدر فِي هَذَا الْموضع مَوضِع الْوَصْف أَي: الدَّائِم. وَأنْشد غَيره: فِي ظلّ الدوم على الْإِضَافَة. والدوم: شجر الْمقل. وَهَذِه رِوَايَة أبي عُبَيْدَة. قَالَ الْأَصْمَعِي: قد أحَال ابْن الحائك لِأَنَّهُ لَيْسَ بنجدٍ دومٌ وَإِنَّمَا الرِّوَايَة: فِي الظل الدوم أَي: الدَّائِم. قَالَ الْخَوَارِزْمِيّ: من أنكر على من روى ظلّ الدوم قَالَ: أَي الظل يكون للدوم وَهُوَ شجر الْمقل. وَلَا يخفى أَن الْمُنكر هُوَ الْأَصْمَعِي وَإِنَّمَا أنكرهُ لِأَن الدوم لَيْسَ مِمَّا ينْبت فِي بِلَاد الشَّاعِر لَا لما ذكره وَأما شجر الْمقل فَلهُ ظلٌّ قطعا. وَقَوله: شتان هَذَا اسْم الْإِشَارَة راجعٌ إِلَى الْأَمر الَّذِي استصعبه الشَّاعِر من الْحَال. والعناق: المعانقة. وَالْمعْنَى افترق هَذَا أَي: مَا أَنا فِيهِ من التَّعَب والمعانقة وَالنَّوْم والراحة وَالْمَاء العذب فِي ظلّ هَذَا الشّجر أَو فِي الظل الدَّائِم. وَقَبله: (يَا قوم قد حرقتموني باللوم ... وَلم أقَاتل عَامِرًا قبل الْيَوْم) وَقد أرخينا هُنَا عنان الْقَلَم فَجرى فِي ميدان الطروس فَأتى بِمَا يبهج النُّفُوس. وَقد بقيت أَشْيَاء تركناها خشيَة السَّآمَة واتقاء الْمَلَامَة كَالْكَلَامِ على تَثْنِيَة الْعلم فِي اليزيدين فَإِن ابْن جني قد حقق مَا يتَعَلَّق بِهِ فِي سر الصِّنَاعَة. وَإِن ظهر لنا موضعٌ يُنَاسِبه أوردناه فِيهِ إِن شَاءَ الله تَعَالَى.

وَأنْشد بعده الشَّاهِد الْخَامِس وَالسِّتُّونَ بعد الأربعمائة وَهُوَ من شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ: قَالَت لَهُ ريح الصِّبَا: قرقار على أَن الْأَكْثَرين قَالُوا: لم يَأْتِ اسْم فعل من الرباعي إِلَّا كلمتان إِحْدَاهمَا قرقار. قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَأما مَا جَاءَ معدولاً عَن حَده من بَنَات الْأَرْبَعَة فَقَوله: قَالَت لَهُ ريح الصِّبَا: قرقار فَإِنَّمَا يُرِيد بذلك قَالَت لَهُ: قرقر بالرعد يَا سَحَاب. وَكَذَلِكَ عرعار وَهِي بِمَنْزِلَة قرقار وَهِي لعبة وَإِنَّمَا هِيَ من عرعرت. ونظيرها من الثَّلَاثَة. خراج أَي: اخْرُجُوا وَهِي لعبة أَيْضا. انْتهى. قَالَ الأعلم: قرقار: اسْم لِقَوْلِك قرقر كَمَا أَن نزال اسْم لِقَوْلِك انْزِلْ. وَحقّ هَذَا المعدول أَن يكون فِي بَاب الثلاثي خَاصَّة فَهُوَ على طَرِيق الشذوذ وَالْخُرُوج عَن النَّظَائِر. وصف سحاباً هبت لَهُ ريح الصِّبَا فألقحته وهيجت رعده فَكَأَنَّهُ قَالَت لَهُ: قرقر بالرعد أَي: صَوت. والقرقرة: صَوت الْفَحْل من الْإِبِل. وَقد خُولِفَ سِيبَوَيْهٍ فِي حمل قرقار وعرعار على الْعدْل لخروجهما عَن الثلاثي الَّذِي هُوَ الْبَاب المطرد وَجعلا حِكَايَة للصوت المردد دون أَن يَكُونَا معدولين عَن شَيْء. انْتهى.

أَقُول: الْمُخَالف هُوَ الْمبرد قَالَ: غلط سِيبَوَيْهٍ وَلم يَأْتِ فِي الْأَرْبَعَة معدول إِنَّمَا أَتَى فِي الثلاثي وَحده. وقرقار وعرعار حِكَايَة صَوت نَحْو: غاق غاق. قَالَ السيرافي: وَالْقَوْل مَا ذهب إِلَيْهِ سِيبَوَيْهٍ لِأَن حِكَايَة الصَّوْت لَا يُخَالف فِيهَا أولٌ ثَانِيًا نَحْو: غاق غاق. وَقد يصرفون الْفِعْل من صَوت المكرر نَحْو: قرقرت من قار قار وعرعرت من عَار عَار يصيرون بِهِ إِلَى وزن الْفِعْل. فَلَمَّا خَالف اللَّفْظ الأول الثَّانِي علمنَا أَنه مَحْمُول على قرقر وعرعر لَا على حِكَايَة قار قار وعار عَار. انْتهى. وَقَالَ أَبُو حَيَّان فِي شرح التسهيل بعد مَا ذكر أَن الْمبرد غلطه: وَمِمَّا يُقَوي مَا ذهب إِلَيْهِ سِيبَوَيْهٍ وجود مثل قرقار اسْم فعل فِي غير الْأَمر وَحكى ابْن كيسَان أَنه يُقَال: همهام محمحام وهجهاج وبحباح أَي: لم يبْق شَيْء. وَأنْشد: انْتهى. وَلم يذكر صَاحب الصِّحَاح إِلَّا همهام عَن اللحياني قَالَ: سَمِعت أَعْرَابِيًا من بني عَامر يَقُول: إِذا قيل لنا: أُبْقِي عنْدكُمْ شَيْء نقُول: همهام أَي: لم يبْق شَيْء. وانشد هَذَا الشّعْر. وَزَاد الصَّاغَانِي فِي الْعباب على هَذِه الْأَلْفَاظ: دعداع وَقَالَ: قرقار بني على الْكسر وَهُوَ معدول وَالْعدْل فِي الرباعي عَزِيز كعرعار وهمهام وهجهاج وبحباح ودعداع. قَالَ أَبُو النَّجْم) يصف سحاباً: ...

(حَتَّى إِذا كَانَ على مطار ... يمناه واليسرى على الثرثار) (قَالَت لَهُ ريح الصِّبَا: قرقار ... تمري خلايا هزمٍ نثار) (بَين مشاييع لَهُ درار ... فشق أَنهَارًا إِلَى أَنهَار) ومطار بِنَجْد والثرثار بِبِلَاد الجزيرة. وَقَوله: قرقار أَي: قرقر بالرعد وصب ماءك وهات مَا عنْدك. وَمَعْنَاهُ ضَربته ريح الصِّبَا فدر لَهَا فَكَأَنَّهَا قَالَت لَهُ: صب ماءك. انْتهى. وَلم يُورد هُوَ من هَذِه الْأَلْفَاظ فِي كِتَابه إِلَّا بحباح بموحدتين ومهملتين قَالَ: قيل لبَعض بني عَامر أُبْقِي عنْدكُمْ شَيْء فَقَالَ: بحباح مَبْنِيا على الْكسر أَي: لم يبْق شَيْء. هَذَا كَلَامه. فَكَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَن لَا يذكر هَذِه الْأَلْفَاظ مَعَ قرقار لِئَلَّا يتَوَهَّم أَنَّهَا اسْم فعل أمرٍ معدول. وَلم يُورد الْجَوْهَرِي مَا أوردهُ مَعَ أَنه أَصله وَإِنَّمَا قَالَ: وَقَوْلهمْ قرقار بني على الْكسر وَهُوَ معدول وَلم يسمع الْعدْل من الرباعي إِلَّا فِي عرعار وقرقار. فَللَّه دره مَا أحسن صَنِيعه وَقَالَ الْأَصْمَعِي فِي كتاب الْإِبِل: قَالُوا قراقار وقرقار بِفَتْح الْقَاف كسرهَا وقرقر. وَأنْشد الْبَيْت. وَأوردهُ صَاحب الْكَشَّاف عِنْد قَوْله تَعَالَى: أَلَسْت بربكم قَالُوا بلَى على أَنه من بَاب التَّمْثِيل والتخييل كَمَا فِي الْبَيْت.

وَقَوله: حَتَّى إِذا كَانَ على مطار قَالَ أَبُو عبييد الْبكْرِيّ فِي مُعْجم مَا استعجم: مطار بِضَم الْمِيم: وادٍ قرب الطَّائِف. وَأنْشد هَذِه الأبيات. وَقَالَ: والثرثار بالجزيرة: ماءٌ مَعْرُوف وَقيل هُوَ قريب من تكريت. وَلم تخْتَلف الروَاة فِي هَذَا الْوَادي أَنه مطار بِضَم الْمِيم. فَأَما مطار بِفَتْحِهَا فموضع فِي ديار بني تَمِيم مؤنثٌ لَا ينْصَرف. وَقَالَ فِي الثَّنَاء الْمُثَلَّثَة: الثرثار: مَاء مَعْرُوف قبل تكريت. وَقَالَ الْهَمدَانِي: هُوَ نهرٌ يصب من الهرماس إِلَى دجلة. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: هُوَ بالجزيرة. وَاسم كَانَ يمناه وَالضَّمِير للسحاب. وعلى مطار يُرِيد أَنه سَحَاب عَظِيم طرفه الْأَيْمن على مطار وطرفه الْأَيْسَر على الثرثار. وَجُمْلَة قَالَت لَهُ إِلَخ جَوَاب إِذا. وتمري: مضارع مريت النَّاقة مرياً إِذا مسحت ضرْعهَا لتدر. وفاعله ضمير الرّيح. والخلايا: جمع خلية بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة: النَّاقة تعطف مَعَ أُخْرَى على ولدٍ واحدٍ فتدران عَلَيْهِ ويتخلى أهل الْبَيْت بواحدةٍ يحلبونها. وَهزمَ بِفَتْح الْهَاء وَكسر الزَّاي الْمُعْجَمَة يُقَال: غيثٌ هزم أَي: متبعق لَا يسْتَمْسك. ونثار: مُبَالغَة ناثر. وَبَين ظرفٌ للنثار. والمشاييع: جمع مشياع وَهُوَ الَّذِي يشيع السِّرّ استعير للسحاب الساكب. ودرار صفة لمشاييع وَهُوَ بِضَم الدَّال جمع دَار. يُقَال: نَاقَة دارٌّ بِدُونِ هَاء) ونوق درار مثل كَافِر وكفار أَي: كَثِيرَة الدّرّ وَهُوَ اللَّبن.

وَقَوله: فشق أَنهَارًا إِلَخ أَي: فشق مَاء ذَلِك السَّحَاب الأَرْض فصير فِيهَا أَنهَارًا جَارِيَة إِلَى أَنهَار. وَأنْشد الْجَوْهَرِي الْبَيْت الشَّاهِد من هَذَا الرجز مَعَ بيتٍ آخر مِنْهُ وَهُوَ: وَاخْتَلَطَ الْمَعْرُوف بالإنكار وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُور فِي كتب النَّحْو. يُرِيد: قَالَت الرّيح للسحاب: قرقر بالرعد. وَلما كَانَ إنْشَاء السَّحَاب بِسَبَب الرّيح صَار كَأَن الرّيح قَالَت لَهُ: قرقر بالرعد. والقرقرة: صَوت فَحل الْإِبِل. والقرقرة: الهدير. وبعيرٌ قرقار الهدير إِذا كَانَ صافي الصَّوْت فِي هديره. وَقَوله: وَاخْتَلَطَ الْمَعْرُوف أَي: من صَوت الرَّعْد بالمنكر مِنْهُ. وَقيل: أَرَادَ أَن السَّحَاب أصَاب كل مَكَان مِمَّا يعرف وينكر أَي: عَم الْأَرَاضِي كلهَا أَو مِمَّا كَانَ مَعْرُوفا بِأَن يمطر وَمَا كَانَ مُنْكرا إمطاره. قَالَ ابْن الْأَعرَابِي فِي نوادره: مطرَت مَطَرا شَدِيدا فأنكرت مَا تعرف من آثَار الديار ومعالمها. وَقيل الْمَعْرُوف: الْمَطَر وَالْإِنْكَار: الْبَرْق والسيل والصاعقة. شبه الرّيح بالآمر والسحاب بالمأمور وقرقار بالمأمور بِهِ لِأَن الرّيح هِيَ الَّتِي تنشأ السَّحَاب وتسوقه وَلِهَذَا جعلت الرّيح كَأَنَّهَا قائلة لَهُ. كل ذَلِك على سَبِيل التَّمْثِيل. وترجمة أبي النَّجْم الْعجلِيّ وَهُوَ راجز إسلامي قد تقدّمت

الشَّاهِد السَّادِس وَالسِّتُّونَ بعد الأربعمائة يَدْعُو وليدهم بهَا عرعار لما تقدم قبله. وَهَذَا عجزٌ وصدره: متكنفي جَنْبي عكاظ كليهمَا يَعْنِي: يُقِيمُونَ فِي كنفي جَنْبي عكاظ. والكنف: النَّاحِيَة. وَهُوَ جمع مُذَكّر سَالم حذفت نونه للإضافة وَالْإِضَافَة لفظية. وعكاظ: سوقٌ قريبَة من مَكَّة كَانَت فِي الْجَاهِلِيَّة تُقَام وَقد شرحناها فِيمَا مضى وَهِي غير مصروفة للعلمية والتأنيث. وكليهما تَأْكِيد لقَوْله جَنْبي. والوليد: الصَّبِي. وَضمير بهَا لعكاظ. عرعار: لعبة للصبيان إِذا خرج الصَّبِي من بَيته وَلم يجد أحدا يلاعبه رفع صَوته فَقَالَ: عرعار أَي: هلموا إِلَى العرعرة فَإِذا سمعُوا صَوته خَرجُوا ولعبوا مَعَه تِلْكَ اللعبة. قَالَ ابْن دُرَيْد فِي الجمهرة: سَمِعت عرعار الصّبيان إِذا سَمِعت اخْتِلَاط أَصْوَاتهم. وَقَالَ فِي الصِّحَاح: العرعرة: لعبة للصبيان. وعرعار بني على الْكسر وَهُوَ معدول عَن عرْعرة. وَالصَّحِيح كَمَا قَالَ الأعلم عرعار معدولة عَن قَوْلهم عرعر أَي: اجْتَمعُوا للعب كَمَا أَن خراج اسْم لعبةٍ لَهُم: معدول عَن قَوْلهم: اخْرُج. وَمعنى الْبَيْت أَنهم آمنون فِي إقامتهم هُنَاكَ لعزهم وكثرتهم

وصبيانهم يَلْعَبُونَ بِهَذِهِ اللعبة لبطرهم ورفاهيتهم. وَنَحْوه قَول حسان: أَي: لَا يرحلون عَنهُ لعزهم وغناهم بِخِلَاف غَيرهم لابد لَهُ من الرحلة للانتجاع. وَالْبَيْت آخر أبياتٍ تِسْعَة للنابغة الذبياني حذر بهَا عَمْرو بن الْمُنْذر بن مَاء السَّمَاء ملك الْحيرَة من أعدائه وهم قوم النَّابِغَة. أخبرهُ بِأَنَّهُم نزلُوا بعكاظ وهم كَثِيرُونَ ينتظرون وُقُوع الرّبيع فيرعونه ويحاربونه. وأولها: (من مبلغٌ عَمْرو بن هِنْد آيَة ... وَمن النَّصِيحَة كَثْرَة الْإِنْذَار) (لَا أعرفنك عارضاً لرماحنا ... فِي جف تغلب وَارِد الأمرار) الجف بِضَم الْجِيم: الْعدَد الْكثير وَالْجَمَاعَة من النَّاس وَمِنْه قيل لبكر وَتَمِيم: الجفان لكثرتهما. وتغلب: أَبُو قَبيلَة عَظِيمَة وَهُوَ تغلب بن وَائِل. والأمرار بِفَتْح الْهمزَة قَالَ صَاحب الصِّحَاح: هِيَ مياهٌ فِي الْبَادِيَة مرّة. وَأنْشد هَذَا الْبَيْت. (ومعلقون على الْجِيَاد حليها ... حَتَّى تصوب سماؤهم بقطار)

الْحلِيّ بِفَتْح الْمُهْملَة وَكسر اللَّام: مَا تعتلفه الْخَيل إِذا يبس وَإِذا كَانَ رطبا أَخْضَر فَهُوَ نصي.) وقطار بِالْكَسْرِ: جمع قطر. إِلَى أَن قَالَ: (فيهم بَنَات العسجدي ولاحقٍ ... ورقٌ مراكلها من الْمِضْمَار) عسجد ولاحق: فحلان من خيل غَنِي بن أعصر. والمركل كجعفر: مَوضِع عقب الْفَارِس. يَقُول: تضمر خيلهم بالركوب فتقرع أَعْقَابهم مَوَاضِع المراكل فيتحات شعرهَا ثمَّ ينْبت بعد ذَلِك شعر أسود. وَلِهَذَا قَالَ: ورق لِأَنَّهُ إِذا نبت خرج يضْرب إِلَى الغبرة وَهِي الورقة. (تشلى توابعها إِلَى ألافها ... خبب السبَاع الوله الْأَبْكَار) متكنفي جَنْبي عكاظ كليهمَا ... ... ... ... . الْبَيْت الإشلاء: الدُّعَاء أشليته: دَعوته. يَعْنِي يَدعِي تَوَابِع من أَوْلَادهَا وَمن خيل أُخْرَى إِلَى مَا ألفته. والوله: الَّتِي قد ولهت إِلَى أَوْلَادهَا. والأبكار: الَّتِي وضعت بَطنا وَتَكون الَّتِي لم تَلد قطّ. وَقَوله: متكنفي حَال من أَصْحَاب هَذِه الْخَيل. وَالْإِضَافَة لفظية وَلِهَذَا صحت الْحَال. وَلما بلغت هَذِه الأبيات عَمْرو بن هِنْد قَالَ: (أبلغ زياداً أَن قَوْمك حَاربُوا ... فانهض إِلَيْنَا إِن قدرت بجار)

. (نجزيك إنذاراً بِمَا أنذرتنا ... وَذكرت عطف الود والإصهار) وزيادٌ: اسْم النَّابِغَة. وَله قصيدةٌ على هَذَا الْوَزْن والروي مطْلعهَا: (نبئت زرْعَة والسفاهة كاسمها ... يهدي إِلَيّ غرائب الْأَشْعَار) وزرعة هُوَ ابْن عَمْرو بن خويلد أخي يزِيد بن عَمْرو بن الصَّعق الْكلابِي كَانَ هجاء للنابغة فَلَمَّا بلغ هجاؤه النَّابِغَة قَالَ هَذِه القصيدة يتوعده بالهجاء ومحاربته إِيَّاه مَعَ قومه ثمَّ وصف (جمعٌ يظل بِهِ الفضاء معضلاً ... يذر الإكام كأنهن صحاري) معضل اسْم فَاعل يَعْنِي غاصاً ضيقا. يُقَال: قد عضلت الْمَرْأَة بِوَلَدِهَا تعضيلاً إِذا تعسر عَلَيْهَا فنشب وَلم يخرج. وَلَيْسَ فِي هَذِه القصيدة الْبَيْت الشَّاهِد. وَزعم ابْن المستوفي فِي شرح أَبْيَات الْمفصل وَتَبعهُ جمَاعَة أَنه مِنْهَا. وَأورد مَعَه قَوْله: جمعٌ يظل بِهِ الفضاء معضلاً الْبَيْت مَعَ أَبْيَات أخر وَقَالَ: مدح بِهَذِهِ القصيدة بني غاضرة من بني أَسد.

وَلَيْسَ الْأَمر كَذَلِك كَمَا بَينا. وَسَيَأْتِي شرح بعض هَذِه القصيدة بعد شاهدٍ وَاحِد إِن شَاءَ الله تَعَالَى. وترجمة النَّابِغَة الذبياني قد تقدّمت فِي الشَّاهِد الرَّابِع بعد الْمِائَة. وَأنْشد بعده) الشَّاهِد السَّابِع وَالسِّتُّونَ بعد الأربعمائة وَهُوَ من شَوَاهِد س: (ولأنت أَشْجَع من أُسَامَة إِذْ ... دعيت نزال ولج فِي الذعر) على أَن عبد الْقَادِر اسْتدلَّ على تَأْنِيث فعال الأمري بِمَا هُنَا فَإِن نزال: نَائِب فَاعل دعيت وَلَوْلَا أَنَّهَا مُؤَنّثَة مَا ألحق عَلامَة التَّأْنِيث للْفِعْل الْمسند إِلَيْهَا. وَفِيه مَا أوردهُ الشَّارِح الْمُحَقق. وَعبد القاهر مَسْبُوق بِمَا قَالَه. قَالَ سِيبَوَيْهٍ فِي بَاب مَا جَاءَ معدولاً عَن حَده من الْمُؤَنَّث: وَيُقَال: نزال أَي: أنزل. وَأنْشد الْبَيْت ثمَّ قَالَ: فالحد فِي جَمِيع هَذَا: افْعَل وَلكنه معدول عَن حَده وحرك آخِره لِأَنَّهُ لَا يكون بعد الْألف حرف سَاكن وحرك بِالْكَسْرِ لِأَن الْكسر مِمَّا يؤنث بِهِ. وَإِنَّمَا الكسرة من الْيَاء. انْتهى. وَقَالَ ابْن السراج فِي الْأُصُول: اعْلَم أَنه لَا يبْنى على مِثَال فعال من

هَذَا الْبَاب على الْكسر إِلَّا وَهُوَ مؤنث معرفَة معدول عَن جِهَته وَإِنَّمَا بني على الْكسر لِأَن الْكسر مِمَّا يؤنث بِهِ تَقول للْمَرْأَة: أَنْت فعلت وَإنَّك فاعلة. وَكَانَ أصل هَذَا إِذا أردْت بِهِ الْأَمر السّكُون فحركته لالتقاء الساكنين فَجعلت الْحَرَكَة الكسرة للتأنيث وَذَلِكَ قَوْلك: نزالٍ وتراكٍ وَمَعْنَاهُ انْزِلْ واترك فهما معدولان عَن المتاركة والمنازلة. قَالَ الشَّاعِر تَصْدِيقًا لذَلِك: ( ... ... ... ... ... . إِذْ ... دعيت نزال ولج فِي الذعر) فَقَالَ: دعيت لما ذكرت لَك من التَّأْنِيث. انْتهى. وَهَكَذَا قَالَ خدمَة كتاب سِيبَوَيْهٍ. وشراح شَوَاهِد الْجمل وَغَيرهم. قَالَ الأعلم: الشَّاهِد فِي قَوْله: نزال وَهُوَ اسْم لقَوْله انْزِلْ وَدلّ على أَنه اسمٌ مؤنث دُخُول التَّاء فِي فعله وَهُوَ دعيت. وَإِنَّمَا أخبر عَنْهَا على طَرِيق الْحِكَايَة وَإِلَّا فالفعل وَمَا كَانَ اسْما لَهُ لَا يَنْبَغِي أَن يخبر عَنهُ. انْتهى. وَمثله فِي كَون نزال أُرِيد بِهِ لَفظه فَجعل نَائِب فَاعل قَول زيد الْخَيل الصَّحَابِيّ: (وَقد علمت سَلامَة أَن سَيفي ... كريهٌ كلما دعيت نزال) (فدعوا نزال فَكنت أول نازلٍ ... وعلام أركبه إِذا لم أنزل)

وَمعنى دُعَاء الْأَبْطَال بَعضهم بَعْضًا بِهَذِهِ الْكَلِمَة: أَن الْحَرْب إِذا اشتدت بهم وتزاحموا فَلم يُمكنهُم التطاعن بِالرِّمَاحِ تداعوا بالنزول عَن الْخَيل والتضارب بِالسُّيُوفِ. وَمعنى لج فِي الذعر: تتَابع النَّاس فِي الْفَزع وَهُوَ من اللجاج فِي الشَّيْء وَهُوَ التَّمَادِي فِيهِ. وَقد تقدم شرح النزال مفصلا فِي الشَّاهِد الْحَادِي وَالْأَرْبَعِينَ بعد الثلثمائة. وَالشَّارِح الْمُحَقق قد تبع صَاحب الصِّحَاح فِي) رِوَايَته الْبَيْت كَذَا فِي مَادَّة أسم وَهُوَ مركب من بَيْتَيْنِ فَإِن الْبَيْت الَّذِي فِيهِ دعيت نزال وَهُوَ لزهير بن أبي سلمى صَدره كَذَا: (ولنعم حَشْو الدرْع أَنْت إِذا ... دعيت نزال ولج فِي الذعر) وَقَوله: ولأنت أَشْجَع من أُسَامَة إِذْ إِنَّمَا هُوَ صدرٌ من بَيت للمسيب بن علس وعجزه: نقع الصُّرَاخ ولج فِي الذعر وَهَذَا لَيْسَ فِيهِ دعيت نزال. وَالْبَيْت الشَّاهِد كَمَا ذَكرْنَاهُ هُوَ رِوَايَة سِيبَوَيْهٍ وَسَائِر النَّحْوِيين. وَبَيت

الْمسيب ابْن علس على مَا رتبناه هُوَ رِوَايَة الجاحظ فِي كتاب الْبَيَان والتبيين. وَقد رَأَيْت الْبَيْتَيْنِ فِي ديوانيهما كَذَلِك. أما بَيت زُهَيْر فَهُوَ من قصيدةٍ مدح بهَا هرم بن سنانٍ المري. وَهَذِه أبياتٌ بعد ثَلَاثَة أَبْيَات من أَولهَا: (دع ذَا وعد القَوْل فِي هرمٍ ... خير البداة وَسيد الْحَضَر) (تالله قد علمت سراة بني ... ذبيان عَام الْحَبْس والأصر) (إِن نعم معترك الجياع إِذا ... خب السفير وسابئ الْخمر) (ولنعم حَشْو الدرْع أَنْت إِذا ... دعيت نزال ولج فِي الذعر) (ولنعم مأوى الْقَوْم قد علمُوا ... إِن عضهم جلٌّ من الْأَمر) (ولنعم كَافِي من كفيت وَمن ... تحمل لَهُ تحمل على ظهر) (حامي الذمار على مُحَافظَة ال ... جلى أَمِين مغيب الصَّدْر) (حدبٌ على الْمولى الضريك إِذا ... نابت عَلَيْهِ نَوَائِب الدَّهْر)

(عظمت دسيعته وفضله ... جز النواصي من بني بدر) (أَيَّام ذبيانٌ مراغمةٌ ... فِي حربها ودماؤها تجْرِي) (ومرهق النيرَان يطعم فِي ال ... لأواء غير ملعن الْقدر) (ويقيك مَا وقِي الأكارم من ... حوبٍ تسب بِهِ وَمن غدر) (متصرفٍ للمجد معترفٍ ... للنائبات يراح للذّكر) (جلدٍ يحث على الْجَمِيع إِذا ... كره الظنون جَوَامِع الْأَمر)) (ولأنت تفري مَا خلقت وبع ... ض الْقَوْم يخلق ثمَّ لَا يفري) (ولأنت أَشْجَع حِين تتجه ال ... أبطال من ليثٍ أبي أجر) ...

(يصطاد أحدان الرِّجَال فَمَا ... تنفك أجريه على ذخر) (والستر دون الفاحشات وَمَا ... يلقاك دون الْخَيْر من ستر) (أثني عَلَيْك بِمَا علمت وَمَا ... أسلفت فِي النجدات وَالذكر) قَوْله: وعد القَوْل فِي هرم وَهُوَ بِفَتْح الْهَاء وَكسر الرَّاء أحد الأجواد فِي الْجَاهِلِيَّة من بني مرّة. أَي: دع مَا أَنْت فِيهِ من وصف الديار وعد القَوْل أَي: اصرفه إِلَى مدح هرم. والبداة: جمع باد. والحضر: جمع حَاضر كصحب جمع صَاحب. وَقَوله: تالله قد علمت إِلَخ السراة: جمع سريٍّ وَهُوَ الْكَرِيم. وَالْحَبْس والأصر وَالْأَزَلُ بِفَتْح الْهمزَة وَاحِد وَهُوَ أَن يحدق الْعَدو بالقوم فيحبسوا أَمْوَالهم وَلَا يخرجوها إِلَى الرَّعْي خشيَة أَن يغار عَلَيْهَا. والأصر: الضّيق أَيْضا وَسُوء الْحَال. وَقَوله: أَن نعم معترك إِلَخ أَن بِفَتْح الْهمزَة مُخَفّفَة من الثَّقِيلَة مؤولة مَعَ مدخولها بمصدر سادة مسد مفعولي علمت. ومترك: فَاعل نعم والمخصوص مَحْذُوف وَهُوَ اسْم مَكَان أَي: نعم مَوضِع ازدحام الْفُقَرَاء أَنْت. وَأَصله فِي الْحَرْب فاستعاره هُنَا. وخب السفير أَي: أسْرع وطار مَعَ الرّيح. والسفير: مَا جف من الْوَرق وَسقط وَذَلِكَ فِي شدَّة الْبرد وقحط الزَّمَان.

وسابئ: معطوفٌ على مترك وَهُوَ مَهْمُوز الآخر اسْم فَاعل من سبأ الْخمر إِذا اشْتَرَاهَا وَإِنَّمَا وَصفه بسباء الْخمر فِي شدَّة الزَّمَان ليدل على كرمه وتناهي جوده فَلَا تَمنعهُ شدَّة الزَّمَان من إِنْفَاق مَاله. وَقَوله: ولنعم حَشْو الدرْع إِلَخ جعل لابس الدرْع حَشْوًا لَهَا لاشتمالها عَلَيْهِ كَمَا يشْتَمل الْإِنَاء على مَا فِيهِ. وَهُوَ الْعَامِل فِي إِذا لِأَنَّهُ بِمَعْنى لابس وَقيل: مُتَعَلق بنعم لما فِيهِ من معنى الثَّنَاء كَمَا فِيمَا قبله. والجل بِالضَّمِّ: الْحَادِث الْعَظِيم كالجلى. وَقَوله: على ظهر أَي: ظهر حمولٍ قوي. والذمار: مَا يجب عَلَيْهِ أَن يحميه من حرمه. والجلى: النائبة الجليلة وَجَمعهَا جلل وَقيل هُنَا بِمَعْنى: جمَاعَة الْعَشِيرَة. وَقَوله: أَمِين مغيب الصَّدْر أَي: لَا يضمر إِلَّا الْجَمِيل وَلَا ينطوي إِلَّا على الْوَفَاء وَالْخَيْر وَحفظ السِّرّ فَهُوَ مأمونٌ على مَا غَابَ فِي صَدره. والحدب: المتعطف المشفق. وَالْمولى: ابْن الْعم. والضريك: الْفَقِير والمحتاج. والدسيعة: الْعَطِيَّة الجزيلة. وجز الناصية تكون فِي الْأَسير إِذا أنعم عَلَيْهِ وَأطلق جزت ناصيته وَأخذت للافتخار. وراغمهم: نابذهم وهجرهم وعاداهم. وَقَوله: ومرهق النيرَان أَي: تغشى ناره يُقَال: رهقت) الرجل إِذا غَشيته وأحطت بِهِ والمشدد للتكثير. يصف أَنه يُوقد النَّار بِاللَّيْلِ للطبخ وإطعام النَّاس وليعشو إِلَيْهَا الضَّيْف والغريب. وَكَثْرَة النيرَان للإخبار عَن سَعَة مَعْرُوفَة. والأواء: شدَّة الزَّمَان والقحط. وَقَوله: غير ملعن الْقدر أَي: لَا يُؤْكَل مَا فِيهَا دون الضَّيْف وَالْجَار واليتيم والمسكين فَهُوَ مَحْمُود الْقدر لَا مذمومها. وأوقع اللَّعْن على الْقدر مجَازًا وَهُوَ يُرِيد صَاحبهَا.

وَقَوله: ويقيك مَا وقِي الأكارم إِلَخ وقِي بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول. وَالْحوب: الْإِثْم أَي: إِن الأكارم وقوا أَن يسبوا فيقيك ذَلِك أَنْت أَيْضا أَي: إِنَّه لَا يغدر وَلَا يسب فبأتي بإثم. وَرُوِيَ: مَا وقى الأكارم بِالْبِنَاءِ للْفَاعِل وَنصب الأكارم. وَقَوله: وَإِذا برزت بِهِ أَي: برزت إِلَيْهِ يَعْنِي: إِذا صرت إِلَيْهِ صرت إِلَى رجل وَاسع الْخلق طيب الْخَبَر. وَقَوله: متصرف للمجد إِلَخ أَي: يتَصَرَّف فِي كل بَاب من الْخَيْر لِاكْتِسَابِ الْمجد. والمعترف: الصابر أَي: يصبر لما نابه من الْأَمر ويحتمله. وَقَوله: يراح أَي: يخْش ويخف ويطرب لِأَن يفعل فعلا كَرِيمًا يذكر بِهِ ويمدح من أَجله. وَقَوله: جلد يحث إِلَخ أَي: قوي الْعَزْم مُجْتَهد فِيمَا ينفع الْعَشِيرَة من التآلف والاجتماع فَهُوَ يحث على ذَلِك وَيَدْعُو إِلَيْهِ إِذا كره الظنون الِاجْتِمَاع والتآلف لما يلْزمه عِنْد ذَلِك من الْمُشَاركَة والمواساة بِمَالِه وَنَفسه. والظنون: الَّذِي لَا يوثق بِمَا عِنْده لما علم من قلَّة خَيره. وجوامع الْأَمر: مَا يجمع النَّاس فِي شَأْنهمْ. وَقَوله: ولأنت تفري إِلَخ هَذَا مثلٌ ضربه. والخالق: الَّذِي يقدر الْأَدِيم ويهيئه لِأَن يقطعهُ ويخرزه. والفري: الْقطع. وَالْمعْنَى: إِنَّك إِذا تهيأت لأمرٍ مضيت لَهُ وأنفذته وَلم تعجز عَنهُ وَبَعض الْقَوْم يقدر الْأَمر ويتهيأ لَهُ ثمَّ لَا يعزم عَلَيْهِ وَلَا يمضيه عَجزا وَضعف همة. قَالَ ابْن قُتَيْبَة فِي أدب الْكتاب: فرى الْأَدِيم: قطعه على جِهَة الْإِصْلَاح وأفراه: قطعه على جِهَة الْإِفْسَاد. وَقَالَ

ابْن السَّيِّد: هَذَا قَول جُمْهُور اللغويين وَقد وجدنَا فرى مُسْتَعْملا فِي الْقطع على جِهَة الْإِفْسَاد قَالَ الشَّاعِر: (فرى نائبات الدَّهْر بيني وَبَينهَا ... وَصرف اللَّيَالِي مثل مَا فري الْبرد) وَحكى أَبُو عبيد فِي الْغَرِيب المُصَنّف عَن الْأَصْمَعِي: أفريت: شققت وفريت بِمَعْنى وفريت إِذا كنت تقطع للإصلاح. انْتهى. وَقَوله: ولأنت أَشْجَع إِلَخ تتجه: يواجه بَعضهم بَعْضًا فِي الْحَرْب. وَالْأَجْر ي جمع جرو مثل الْجِيم وَهُوَ ولد الْأسد وَغَيره. وَإِنَّمَا جعل اللَّيْث ذَا أَوْلَاد لِأَن ذَلِك أجرا لَهُ وأعدى على مَا يُريدهُ لاحتياج أَوْلَاده إِلَى مَا تتغذى بِهِ. وَقَوله: يصطاد أحدان إِلَخ جمع وَاحِد والهمزة بدل من وَاو أَي: يصطاد الرِّجَال وَاحِدًا بعد الآخر فَلَا يزَال عِنْده مَا) يدخره لما بعد الْيَوْم. وَمثله فِي وصف جروي أسدٍ: (مَا مر يومٌ إِلَّا وَعِنْدَهُمَا ... لحم رجالٍ أَو يولغان دَمًا) وَقَوله: والستر دون الفاحشات إِلَخ أَي: بَينه وَبَين الفاحشات سترٌ من الْحيَاء وتقى الله وَلَا ستر بَينه وَبَين الْخَيْر يَحْجُبهُ عَنهُ. وَحكي أَن عمر بن الْخطاب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه لما سَمعه قَالَ: ذَلِك رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ.

وَقَوله: أثني عَلَيْك إِلَخ أَي: بِمَا علمت من أَمرك وشاهدت من جودك. وَمَا أسلفت أَي: مَا قدمت فِي الشدائد. والنجدة: الشدَّة والبأس. وَالذكر: مَا يذكر بِهِ من الْفضل. وترجمة زُهَيْر بن أبي سلمى تقدّمت فِي الشَّاهِد الثَّامِن وَالثَّلَاثِينَ بعد الْمِائَة. وَأما بَيت الْمسيب بن علس فَهُوَ من قصيدةٍ أَيْضا مدح بهَا قيس بن معديكرب الْكِنْدِيّ تقدم شرح بَعْضهَا فِي الشَّاهِد الثَّانِي بعد الْمِائَتَيْنِ وَرويت لِابْنِ أُخْته الْأَعْشَى مَيْمُون وَهِي ثَابِتَة فِي ديوانه أَيْضا فَيكون الْمسيب بن علس خَال الْأَعْشَى. وَهَذِه أبياتٌ مِنْهَا: (وَإِلَيْك أعملت المطية من ... سهل الْعرَاق وَأَنت بالقفر) (أَنْت الرئيس إِذا هم نزلُوا ... وتوجهوا كالأسد والنمر) (أَو فَارس اليحموم يتبعهُم ... كالطلق يتبع لَيْلَة البهر) (ولأنت أَشْجَع من أُسَامَة إِذْ ... نقع الصُّرَاخ ولج فِي الذعر) ...

(وَأَنت أَجود بالعطاء من ال ... رَيَّان لما ضن بالقطر) (ولأنت أَحْيَا من مخباة ... عذراء تقطن جَانب الْكسر) (ولأنت أبين حِين تنطق من ... لُقْمَان لما عي بِالْأَمر) (لَو كنت من شيءٍ سوى بشرٍ ... كنت الْمنور لَيْلَة الْقدر) وَفَارِس اليحموم هُوَ النُّعْمَان بن الْمُنْذر ملك الْحيرَة. واليحموم: اسْم فرسه. والطلق: اللَّيْلَة الَّتِي لَا حر فِيهَا وَلَا برد. وَلَيْلَة البهر: لَيْلَة الْبَدْر حِين بهر النُّجُوم. وَفِي الْقَامُوس: أُسَامَة بِالضَّمِّ معرفَة: علم الْأسد. والأسامة لُغَة فِيهِ. والصراخ بِالضَّمِّ: الصَّوْت الشَّديد يكون للاستغاثة وَغَيرهَا. والريان قَالَ ياقوت فِي مُعْجم الْبلدَانِ: جبل بِبِلَاد طَيء لَا يزَال يسيل مِنْهُ المَاء وَضم بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول أَي: بخل. وتقطن بِالْقَافِ أَي: تسكن. وَالْكَسْر بِكَسْر الْكَاف: الشقة السُّفْلى من الخباء. ولقمان هُوَ كَمَا قَالَ الجاحظ فِي كتاب الْبَيَان والتبيين: هُوَ لُقْمَان ابْن عَاد الْأَكْبَر وَكَانَت الْعَرَب تعظم شَأْنه فِي النباهة وَالْقدر وَفِي الْعلم وَفِي الحكم وَفِي اللِّسَان وَفِي الْحلم. وَهُوَ غير) لُقْمَان الْمَذْكُور فِي الْقُرْآن.

وترجمة الْمسيب بن علس تقدّمت فِي الشَّاهِد الثَّامِن وَالثَّلَاثِينَ بعد الْمِائَة . وَأنْشد بعده الشَّاهِد الثَّامِن وَالسِّتُّونَ بعد الأربعمائة وَهُوَ من شَوَاهِد س: (أَنا اقْتَسَمْنَا خطتينا بَيْننَا ... فَحملت برة واحتملت فجار) على أَن فجار مصدر معرفَة مؤنث. قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَأما مَا جَاءَ اسْما للمصدر كَقَوْل النَّابِغَة: فَحملت برة واحتملت فجار (فَقَالَ: امكثي حَتَّى يسَار لَعَلَّنَا ... نحج مَعًا قَالَت: أعاماً وقابله) فَهِيَ معدولة عَن الميسرة فَأجرى هَذَا الْبَاب مجْرى الَّذِي قبله لِأَنَّهُ عدل كَمَا عدل وَلِأَنَّهُ مؤنث بِمَنْزِلَتِهِ. اه. قَالَ الأعلم: الشَّاهِد فِي فجار وَهُوَ اسْم للفجرة معدول عَن مؤنث

كَأَنَّهُ عدل عَن الفجرة بعد أَن سمي بهَا الْفُجُور كَمَا سمي الْبر: برة وَلَو عدلها لقَالَ: برار كَمَا قَالَ فجار. اه. قَالَ الشَّارِح الْمُحَقق: لم يقم لي إِلَى الْآن دليلٌ قَاطع على تَعْرِيفه وَلَا تأنيثه إِلَى آخر مَا حَقَّقَهُ وأجاد فِيهِ الْبَحْث ودققه. وَمثله لناظر الْجَيْش فِي شرح التسهيل قَالَ: وَمَا ذكره المُصَنّف من أَن مَا كَانَ من أَسمَاء الْأَفْعَال على فعال مَحْكُوم بتأنيثه كَأَنَّهُ أَمر مجمع عَلَيْهِ من النُّحَاة. وَهُوَ أَمر يُؤْخَذ تقليداً. وَقَالَ فِي بَاب منع الصّرْف أَيْضا: وَأما قَوْله وَكلهَا معدول عَن مؤنث فَهُوَ أَمر كالمجمع عَلَيْهِ عِنْد النُّحَاة وَلَكِن يتَعَيَّن التَّعَرُّض لبَيَان المعدول عَنهُ فِي كل من الْأَرْبَعَة الْمَذْكُورَة. أما الصّفة المختصة بالنداء فَالظَّاهِر أَن فساق معدولٌ عَن فاسقه لقصد الْمُبَالغَة فِي الذَّم. وَأما الصّفة الْجَارِيَة مجْرى الْأَعْلَام فَذكرُوا أَنَّهَا معدولة عَن صِفَات غلبت فاستعملت أَسمَاء كنابغة فِي قَوْله: ونابغة الْجَعْدِي فِي الرمل بَيته فنابغة: نعتٌ فِي الأَصْل إِلَّا أَنه غلب حَتَّى صَار اسْما. قَالُوا: وَكَذَلِكَ لَا يجوز أَن تتبع مَوْصُوفا. وَلَا يخفى أَن الْغَلَبَة لَا تكون عدلا لِأَن الْعدْل عبارَة عَن تَبْدِيل لفظ بِلَفْظ للدلالة على الْمُبَالغَة فِي ذَلِك الْمَعْنى الَّذِي أَفَادَهُ اللَّفْظ المعدول عَنهُ. وَلم يتَحَقَّق لي وَجه الْعدْل فِي هَذِه الْمَسْأَلَة. وَأما الْمصدر فَقَالُوا: هُوَ معدول عَن مصدر مؤنث معرفَة وَإِن كَانُوا لم

يستعملوا فِي كَلَامهم ذَلِك الْمصدر للمعرفة المؤنثة الَّذِي عدل عَنهُ. وَيفهم من هَذَا أَنه عدلٌ تقديريٌّ لَا تحقيقي. وَأما الْحَال فَقَالَ: إِنَّه عدلٌ عَن مصدر مؤنث معرفَة. وَقد فسر سِيبَوَيْهٍ بداد بقوله:) بداداً. وَلَيْسَ هَذَا بعدلٍ لِأَنَّهُ نكرَة وَإِنَّمَا هِيَ معدولة عَن البدة أَو المبادة وَهَذَا أَيْضا عدل تقديري. وَأما اسْم الْفِعْل فَلم يذكرُوا مَاذَا عدل مِنْهُ وَلم يتَحَقَّق لي وَجه الْعدْل فِيهِ. وَالْعجب أَنهم يجْعَلُونَ اسْم الْفِعْل أصلا فِي الْعدْل والتأنيث. وَمَا بَرحت أتطلب بَيَان مَا عدل عَنهُ نزال وَبَيَان كَونه مؤنثاً وَلم أَقف من كَلَامهم على مَا يُوضح لي ذَلِك. وَالَّذِي يظْهر أَن القَوْل بِالْعَدْلِ والتأنيث فِي نزال لَيْسَ على وَجه التَّحْقِيق بل على وَجه التَّقْدِير. وَقَالَ صَاحب الإفصاح: نزال عِنْد سِيبَوَيْهٍ علمٌ على الْمَعْنى كسبحان وَمثله حلاق وجماد فِي اسْم الْمنية وَالسّنة المجدبة. وَقد يكون هَذَا الْعدْل علما على الشَّخْص كحذام. وَيرى سِيبَوَيْهٍ أَن هَذِه الْأَشْيَاء بنيت حملا على نزال ونزال بني حملا على الْفِعْل. اه. وَيظْهر من كَلَامه أَن الْعدْل فِي هَذِه الْأُمُور إِنَّمَا هُوَ تقديريٌّ. وَأما قَوْله إِن نزال عِنْد سِيبَوَيْهٍ علم فَلم يَتَّضِح لي كَونه علما. انْتهى مَا أوردهُ نَاظر الْجَيْش بِاخْتِصَار. وَاسْتدلَّ ابْن السَّيِّد فِي شرح أَبْيَات الْجمل للتأنيث بشيئين ضعيفين قَالَ: أَرَادَ بفجار الغدرة. وَتسَمى الغدرة فجار كَمَا تسمى الْمَرْأَة حذام. فَإِن قلت: لما لم جعلته للغدرة المؤنثة دون أَن تَجْعَلهُ اسْما للغدر وَمَا دليلك على هَذِه الدَّعْوَى قُلْنَا: على ذَلِك دليلان: أَحدهمَا: أَن فعال

المعدول لَا يعدل إِلَّا عَن مؤنث أَلا ترَاهُ قد قَالَ دعيت نزال وَلَيْسَ هَذَا فِي بَيت زُهَيْر وَحده بل هُوَ مطرد فِي فعال حَيْثُمَا وَقعت. وَالثَّانِي: أَن النَّابِغَة سمى الْوَفَاء برة وَهُوَ يُرِيد الْبر وَكَذَلِكَ سمى الْغدر فجار وَهُوَ يُرِيد الْفُجُور. انْتهى. وَقَالَ اللَّخْمِيّ: فجار اسمٌ للفجور وَهُوَ معدول عَن مؤنث كَأَنَّهُ عدل عَن الفجرة وَهُوَ مصدر بعد أَن سمى بهَا الْفُجُور كَمَا سمى الْبر: برة. هَذَا مَذْهَب سِيبَوَيْهٍ وَحكى غَيره أَنه معدول عَن صفة غالبة وَدَلِيل ذَلِك أَنه قَالَ: فَحملت برة واحتملت فجار فَجَعلهَا نقيض برة وبرة صفة كَأَنَّهُ قَالَ: حملت الْخصْلَة الْبرة وحملت الْخصْلَة الْفَاجِرَة كَمَا تَقول: الْخصْلَة القبيحة والحسنة فهما صفتان. اه. وَهَذَا الَّذِي حَكَاهُ هُوَ مَذْهَب السيرافي كَمَا نَقله الشَّارِح عَنهُ. وَزَاد ابْن جني فِي الطنبور نَغمَة فَزعم أَن فجار معدولةٌ عَن فجرة علما بِدُونِ أل قَالَ فِي بَاب التَّفْسِير على الْمَعْنى دون اللَّفْظ من كتاب الخصائص: اعْلَم أَن هَذَا موضعٌ قد أتعب كثيرا من النَّاس واستهواهم ودعاهم من سوء الرَّأْي وَفَسَاد الِاعْتِقَاد إِلَى مَا مذلوا بِهِ وتتايعوا فِيهِ حَتَّى إِن أَكثر مَا ترى من هَذِه الآراء الْمُخْتَلفَة والأقوال المستشنعة إِنَّمَا دَعَا إِلَيْهَا) الْقَائِلين بهَا تعلقهم بظواهر هَذِه الْأَمَاكِن دون أَن يبحثوا عَن سر مَعَانِيهَا ومعاقد أغراضها. فَمن ذَلِك قَول سِيبَوَيْهٍ فِي بَيت النَّابِغَة: إِن فجار معدولةٌ عَن الفجرة وَإِنَّمَا غَرَضه إِنَّهَا معدولة عَن فجرة علما معرفَة على ذَا يدل هَذَا الْموضع. ويقويه وُرُود برة مَعَه فِي الْبَيْت وَهِي كَمَا ترى علم لكنه

فسر على الْمَعْنى دون اللَّفْظ. وسوغه أَنه لما أَرَادَ تَعْرِيف الْكَلِمَة المعدولة عَنْهَا مثل ذَلِك بِمَا يعرف بِاللَّامِ لِأَنَّهُ لفظ مُعْتَاد وَترك لفظ فجرة لِأَنَّهُ لَا يعْتَاد ذَلِك علما وَإِنَّمَا يعْتَاد نكرَة من جِنْسهَا نَحْو: فجرت فجرةً كَقَوْلِك: تجرت تجرةً. وَلَو عدلت برة على هَذَا الْحَد لوَجَبَ أَن يُقَال: برار كفجار. اه. وَقد أَخذ الشاطبي هَذَا الْكَلَام فزاده تنويراً فِي شرح الألفية عِنْد قَول ناظمها: (وَمثله برة للمبره ... كَذَا فجار علم للفجره) قَالَ: وَمن علم الْجِنْس للمعنى: فجار وَهُوَ علم الْفُجُور ومعدول عَن فجرة علما لَا عَن الفجرة فَإِنَّهُ من بَاب حذام المعدول عَن علم مثله. فَقَوْل سِيبَوَيْهٍ: إِن فجار معدولٌ عَن الفجرة تجوز. كَذَا قَالَ ابْن جني والمحققون. وأل فِي الفجرة فِي كَلَام النَّاظِم لَا إِشْكَال فِيهَا إِذْ لم يرد الْعلم كَمَا أَرَادَ سِيبَوَيْهٍ وَإِنَّمَا مُرَاده الْجِنْس الَّذِي هُوَ مُطلق الْفُجُور. وَمثل هذَيْن المثالين فينة فِي قَوْلهم: مَا أَلْقَاهُ إِلَّا فينةً أَي: فِي الندرة. قَالَ ابْن جني: هُوَ علم لهَذَا الْمَعْنى. وَمِنْه حَمَّاد للمحمدة ويسار للميسرة. وَأَشَارَ النَّاظِم بمثالي برة وفجار إِلَى بَيت النَّابِغَة. وَفِي عِبَارَته شيءٌ وَهُوَ أَن الفجرة هِيَ الْمرة الْوَاحِدَة من الْفُجُور وَمَعْلُوم أَن فجار لَيْسَ علما لجنس الْمرة الْوَاحِدَة فَإِن أهل اللُّغَة

لم ينقلوا إِلَّا أَنه علم للفجور الْمُطلق وَلَا يَصح أَن يُرِيد أَن فجار اسْم جنس للفجرة المعدول هُوَ عَنهُ إِذْ لم يَقُولُوا ذَلِك وَلَا يَصح فِي نَفسه. فَثَبت أَن قَوْله: فجار علم للفجرة مُشكل. وَالْجَوَاب أَن إِتْيَانه بالفجرة مقصودٌ لَهُ وَذَلِكَ أَن الْقَاعِدَة فِي فعال أَنه مؤنث ومعدولٌ عَن مؤنث. وَقد بَين ذَلِك سِيبَوَيْهٍ فِي أَبْوَاب مَا لَا ينْصَرف غَايَة الْبَيَان حَتَّى إِنَّه قدر مَا لم يسْتَعْمل مؤنثاً كَأَنَّهُ اسْتعْمل كَذَلِك ثمَّ جعل فعال معدولاً عَنهُ. وَإِذا كَانَ كَذَلِك فالاسم المعدول عَنهُ وَهُوَ الْعلم الْمُقدر اسْم لجنسٍ مؤنث إِذْ لَا بُد من مطابقته لَهُ فِي التَّأْنِيث وَلذَلِك قَالَ: وَمثله برة للمبرة وَلم يقل للبر وَنَحْوه. وَالْحَاصِل أَن النَّاظِم نبه بمثال الفجرة على أَن فعال علم لاسم الْجِنْس الْمُؤَنَّث فَإِن كَانَ مُسْتَعْملا فَذَاك وَإِلَّا قدر لَهُ اسْم مؤنث. وَهَذِه قاعدةٌ مَحل بَيَانهَا بَاب مَا لَا ينْصَرف. انْتهى كَلَامه بِاخْتِصَار يسير. وَهَذَا كُله لَا يدْفع مَا أوردهُ الشَّارِح الْمُحَقق. وَالْبَيْت من قصيدةٍ) للنابغة الذبياني هدد بهَا زرْعَة بن عَمْرو الْكلابِي وَكَانَ زُرَارَة لَقِي النَّابِغَة بعكاظ وَأَشَارَ عَلَيْهِ أَن يُشِير على قومه أَن يغدروا بني أَسد وينقضوا حلفهم فَأبى عَلَيْهِ النَّابِغَة وَجعل خطته الَّذِي التزمها من الْوَفَاء برة وخطة زرْعَة لما دَعَاهُ إِلَيْهِ من الْغدر وَنقض الْحلف فاجرة. وَبلغ النَّابِغَة أَن زرْعَة هجاه وتوعده فَقَالَ النَّابِغَة وَهَذَا أول القصيدة عِنْد أبي عَمْرو الشَّيْبَانِيّ والأصمعي: ...

(نبأت زرْعَة والسفاهة كاسمها ... يهدي إِلَيّ غرائب الْأَشْعَار) (فَحَلَفت يَا زرْعَة بن عمرٍ وإِنَّنِي ... مِمَّا يشق على الْعَدو ضراري) (أعلمت يَوْم عكاظ حِين لقيتني ... تَحت الْغُبَار فَمَا خططت غباري) (أَنا اقْتَسَمْنَا خطتينا بَيْننَا ... فَحملت برة واحتملت فجار) (فلتأتينك قصائدٌ وليدفعن ... ألفٌ إِلَيْك قوادم الأكوار) (رَهْط ابْن كوزٍ محقبو أدراعهم ... فيهم ورهط ربيعَة بن حذار) (ولرهط حرابٍ وقدٍّ سورةٌ ... فِي الْمجد لَيْسَ غرابها بمطار) (وَبَنُو قعينٍ لَا محَالة أَنهم ... آتوك غير مقلمي الأظافر) (سهكين من صدأ الْحَدِيد كَأَنَّهُمْ ... تَحت السنور جنَّة البقار) (وَبَنُو سواءة زائروك بوفدهم ... جيشٌ يقودهم أَبُو المظفار) ...

(وَبَنُو جذيمة حَيّ صدقٍ سادةٌ ... غلبوا على خبتٍ إِلَى تعشار) (جمعٌ يظل بِهِ الفضاء معضلاً ... يذر الإكام كأنهن صحار) وَقَالَ فِي آخرهَا: (حَولي بَنو دودان لَا يعصونني ... وَبَنُو بغيضٍ كلهم أَنْصَارِي) وَقَوله: نبئت زرْعَة إِلَخ بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول وَالتَّاء نَائِب فَاعل وزرعة مفعول ثَان وَجُمْلَة: يهدي إِلَخ فِي مَوضِع الْمَفْعُول الثَّالِث. وَقَوله: والسفاهة كاسمها اعْتِرَاض أَي: فعل السفاهة قَبِيح وَإِنَّمَا قَالَ هَذَا لِأَن السفاهة كَمَا تنكرهَا الْقُلُوب والعقول تمج الآذان اسْمهَا. فَإِن قلت: مَا اسْم السفاهة حَتَّى قَالَ: كاسمها قلت: أَرَادَ مَا سمي سفاهة. أَي: الْمُسَمّى بِهَذَا الِاسْم قبيحٌ كَمَا أَن الِاسْم الَّذِي هُوَ السَّفه قَبِيح إِلَّا أَنه لما لم يجد إِلَى الْعبارَة عَن الذَّات طَرِيقا إِلَّا باسمه قَالَ: والسفاهة كاسمها. كَذَا قَالَ الإِمَام المرزوقي. وَقَوله: يهدي إِلَيّ غرائب الْأَشْعَار إِلَخ يَعْنِي أَنه) غير مَشْهُور فالشعر من قبله غَرِيب إِذْ لَيْسَ من أربابه. قَوْله: فَحَلَفت يَا زرع إِلَخ جملَة: إِنَّنِي إِلَخ جَوَاب الْقسم والضرار

بِالْكَسْرِ: الدنو من الشَّيْء واللصوق بِهِ يَقُول: أَنا قويٌّ عَزِيز فالعدو يكره مجاورتي لَهُ. وَقَوله: أعلمت إِلَخ الِاسْتِفْهَام تقريريٌّ. وروى: أنسيت يَوْم وخططت بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة: شققت يُقَال: مَا خطّ غباره أَي: لم يدن مِنْهُ وَلم يتَعَلَّق بِهِ. وَقَوله: أَنا اقْتَسَمْنَا إِلَخ بِفَتْح همزَة أَنا لِأَنَّهَا مَعَ معموليها فِي تَأْوِيل مصدر سادٍّ مسد مفعولي علمت هَذِه وَرَايَة أبي عَمْرو. وروى الْأَصْمَعِي: يَوْم اخْتَلَفْنَا خطتينا وَابْن الْأَعرَابِي: يَوْم احتملنا. يَقُول: بررت أَنا وفجرت أَنْت. قَالَ شَارِح الدِّيوَان: قَوْله فجار يَعْنِي خطة فاجرة خرج مخرج حذام ورقاش. والخطة بِالضَّمِّ: الْحَالة والخصلة. قَالَ ابْن السَّيِّد فِي شرح أَبْيَات الْجمل: وَقَالَ فِي الْبر حملت وَفِي الْفُجُور احتملت لِأَن الْعَرَب إِذا اسْتعْملت فعل وافتعل بِزِيَادَة التَّاء كَانَ الَّذِي لَا زِيَادَة فِيهِ يصلح للقليل وَالْكثير وَالَّذِي فِيهِ الزِّيَادَة للكثير خَاصَّة نَحْو: قدر واقتدر وَكسب واكتسب. فَأَرَادَ أَن يهجو بِكَثْرَة غدره وإيثاره للفجور فَذكر اللَّفْظَة الَّتِي يُرَاد بهَا الْكثير ليَكُون أبلغ فِي الهجو. وَلَو قَالَ: حملت فجار لأمكن أَن لَا يكون غدر إِلَّا مرّة وَاحِدَة. وَأما الْأَفْعَال الَّتِي لَا تسْتَعْمل إِلَّا بِالتَّاءِ فخارجة عَن هَذَا الحكم لِأَنَّهَا تصلح لما قل وَلما كثر كَقَوْلِك: استويت على الشَّيْء واجتويت الْبَلَد إِذا كرهته واكتريت الدَّار. فَهَذَا لَا يُقَال فِيهِ إِنَّه للتكثير خَاصَّة لِأَنَّهُ لم يسْتَعْمل غير مزِيد.

وَقَوله: فلتأتينك قصائد إِلَخ هَذَا شروعٌ فِي تهديد زرْعَة. يَقُول: وَالله لأغيرن عَلَيْكُم بقصائد الهجو وَرِجَال الْحَرْب. وَرُوِيَ بِنصب ألف وَرفع قوادم. يَقُول: لتركبن إِلَيْك نَجَائِب تدفع إِلَيْك جَيْشًا. والكور بِالضَّمِّ: الرحل وقادمته: العودان اللَّذَان يجلس بَينهمَا الرَّاكِب. وَقَوله: رَهْط ابْن كوز إِلَخ أَي: هم رَهْط إِلَخ. وَابْن كوز وَرَبِيعَة بن حذار بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَكسرهَا هما من بني أَسد. وَقَوله: محقبو أدراعهم أَي: يجعلونها خَلفهم فِي مَوضِع الحقائب. والحقيبة: خرج صغيرٌ يربطه الرَّاكِب خَلفه. وَقَوله: ولرهط حرابٍ وَقد إِلَخ الأول بِفَتْح الْحَاء وَتَشْديد الرَّاء الْمُهْمَلَتَيْنِ وَالثَّانِي بِفَتْح الْقَاف وَتَشْديد الدَّال. قَالَ ابْن الْكَلْبِيّ وَابْن الْأَعرَابِي: هما من بني والبة ابْن الْحَارِث بن ثَعْلَبَة بن دودان بن أَسد. وَالسورَة بِالضَّمِّ: الْفَضِيلَة. وَهَذَا الْبَيْت اسْتشْهد بِهِ الزَّمَخْشَرِيّ والبيضاوي عِنْد قَوْله تَعَالَى: فَأتوا بسورةٍ من مثله على أَن السُّورَة: الرُّتْبَة. وَقَوله: لَيْسَ غرابها بمطار كِنَايَة عَن كَثْرَة الرَّهْط ودوام الْعِزّ لَهما. وَإِذا وصف الْمَكَان بِالْخصْبِ وَكَثْرَة الشّجر قيل: لَا يطار غرابه. يُرِيد أَن يَقع فِي الْمَكَان فيجد مَا يشْبع وَلَا يحْتَاج) أَن يتَحَوَّل عَنهُ. فَجعله مثلا للمجد أَي: مجدهم لَيْسَ بمنقلع. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: هُوَ فِي مَكَان مُرْتَفع لَا يُؤْذى من الْعِزّ. أَرَادَ أَنهم

أعزاء منعاء لَا يُوصل إِلَيْهِم. وَتَخْصِيص الْغُرَاب لِأَنَّهُ الْمثل فِي الحذر فَإِنَّهُ يطير بِأَدْنَى ريبةٍ. وَقَوله: وَبَنُو قعين إِلَخ هم من بني أَسد. وَقَوله: غير مقلمي إِلَخ يُرِيد إِنَّهُم آتوك غير مسالمين لَك وعداوتهم ظَاهِرَة وَإِنَّمَا يأتونك للمحاربة. وآتوك: جمع آتٍ. وَقَوله: سهكين من صدأ إِلَخ متلبسين برائحة الْحَدِيد المصدئ. يَعْنِي أَن السِّلَاح يصدأ عَلَيْهِم لطول لبسهم إِيَّاه. والسهكة: رَائِحَة الْحَدِيد المصدئ. والسنور: الدروع وَقيل: السِّلَاح كُله. والبقار بِالْمُوَحَّدَةِ وَالْقَاف الْمُشَدّدَة: موضعٌ برمل عالج قريبٌ من جبلي طَيئ تسكنه الْجِنّ. يَقُول: كَأَنَّهُمْ جنٌّ فِي شجاعتهم. وَقَوله: وَبَنُو سواءة بِضَم السِّين وَالْمدّ هم من بني أَسد أَيْضا. وَأَبُو المظفار هُوَ مَالك بن عَوْف من بني أَسد. وَقَوله: وَبَنُو جذيمة إِلَخ بِفَتْح الْجِيم وَكسر الذَّال الْمُعْجَمَة هُوَ من بني أَسد أَيْضا. وجذيمة هُوَ ابْن مَالك بن نصر بن قعين. وخبت بِفَتْح الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْمُوَحدَة: اسْم مَاء فِي ديار كِنْدَة. وتعشار بِكَسْر الْمُثَنَّاة الْفَوْقِيَّة وَبعد الْمُهْملَة شين مُعْجمَة: موضعٌ فِي بِلَاد بني تَمِيم وَقيل: جبلٌ فِي بني ضبة وَقَالَ الْخَلِيل: ماءٌ لبني ضبة فِي نجد. كَذَا فِي مُعْجم مَا استعجم. وَقَوله: وَالْقَوْم غاضرة إِلَخ غاضرة بإعجام الْأَوَّلين: قومٌ من بني أَسد

أَيْضا. يَقُول: لم يتحملوا ليهربوا إِنَّمَا أَرَادوا الْإِقَامَة والثبات فِي مَنَازِلهمْ. وَقَوله: جمع يظل بِهِ إِلَخ معضلاً بِفَتْح الضَّاد الْمُشَدّدَة. غاصاً ضيقا. وَقَوله: حَولي بَنو دودان هم من بني أَسد وَبَنُو بغيض هم رَهْط النَّابِغَة. وترجمة النَّابِغَة تقدّمت فِي الشَّاهِد الرَّابِع بعد الْمِائَة. وَأما الْبَيْت الَّذِي أوردهُ سِيبَوَيْهٍ بعد الْبَيْت الشَّاهِد فقد أوردهُ غفلاً غير مَنْسُوب وَلم يعزه شرَّاح أبياته وَقَالَ ابْن السَّيِّد لَا أعرف قَائِله. وعينه ابْن هِشَام اللَّخْمِيّ فَقَالَ: هُوَ لحميدٍ الأرقط يَقُول لزوجه وَكَانَت قد سَأَلته الْحَج وَكَانَ مقلاًّ فَقَالَ لَهَا: امكثي حَتَّى يرزقنا الله مَالا نحج بِهِ. فَقَالَت: مُنكرَة لقَوْله: أأمكث عَاما وقابله أَي: قَابل ذَلِك الْعَام. والقابل بِمَعْنى الْمقبل. وَهُوَ جارٍ على قبل. يُقَال: أقبل وَقبل وَأدبر ودبر. وَهُوَ ظرفٌ وَمثله: مَعًا وعاملهما مَحْذُوف دلّ عَلَيْهِ الْمَعْنى كَمَا قَدرنَا. والهمزة للإنكار. وَهُوَ من أبياتٍ ثَلَاثَة هِيَ: فَقلت امكثي حَتَّى يسَار ... ... ... ... ... . . الْبَيْت (لَعَلَّ ملمات الزَّمَان ستنجلي ... وعل إِلَه النَّاس يوليك نائله)

ويسار: اسْم لليسر معدول عَن الميسرة وَهِي الْغَنِيّ. وترجمة حميد الأرقط تقدّمت فِي) الشَّاهِد الثَّالِث بعد الأربعمائة. وَأنْشد بعده الشَّاهِد التَّاسِع وَالسِّتُّونَ بعد الأربعمائة وَهُوَ من شَوَاهِد س: (جماد لَهَا جماد وَلَا تقولي ... طوال الدَّهْر مَا ذكرت: حَمَّاد) على أَنهم قَالُوا: مَعْنَاهُ قولي لَهَا: جموداً وَلَا تقولي: حمداً بالتنكير والتذكير. وَهَذَا واردٌ على قَوْلهم إِن فعال معدولٌ عَن معرف مؤنث. وَمِمَّنْ قَالَ كَذَا ابْن السراج فِي الْأُصُول فَإِنَّهُ قَالَ بعد مَا أنْشد الْبَيْت: قَالَ سِيبَوَيْهٍ: يُرِيد قولي لَهَا: جموداً وَلَا تقولي لَهَا: حمداً. وَمِنْهُم ابْن الشجري قَالَ فِي أَمَالِيهِ: جماد: اسمٌ للجمود وَحَمَّاد: اسمٌ للحمد فِي هَذَا الْبَيْت. أَرَادَ قُولُوا لَهَا: جموداً وَلَا تَقولُوا لَهَا: حمداً. وَهَذَا لَا يرد عَلَيْهِم فَإِنَّهُم قَالُوا: لَا بُد من التَّعْرِيف والتأنيث فِي فعال بالمعاني الْأَرْبَعَة. وَقَوْلهمْ: مَعْنَاهُ جموداً وحمداً وَمَا أشبهه فَإِنَّمَا هُوَ تساهلٌ فِي التَّعْبِير عَنهُ.

وَكَذَلِكَ فعل سِيبَوَيْهٍ إِلَّا أَنه اعْتبر التَّأْنِيث فِي المعدول عَنهُ إِمَّا تَحْقِيقا أَو تَقْديرا قَالَ: وَأما مَا جَاءَ اسْما وَالْخَيْل تعدو بالصعيد بداد فَهَذَا بِمَنْزِلَة قَوْله: تعدو بدداً إِلَّا أَن هَذَا المعدول عَن حَده مؤنثاً. وَكَذَلِكَ لَا مساس وَالْعرب تَقول: أَنْت لَا مساس وَمَعْنَاهُ لَا تمسني وَلَا أمسك. وَدعنِي كفاف فَهَذَا معدولٌ عَن مؤنث وَإِن كَانُوا لم يستعملوا فِي كَلَامهم ذَلِك للمؤنث الَّذِي عدل عَنهُ بداد وَأَخَوَاتهَا. وَنَحْو ذَا فِي كَلَامهم. أَلا ترى أَنهم قَالُوا: ملامح ومشابه وليالٍ فجَاء جمعه على حد مَا لم يسْتَعْمل فِي الْكَلَام لَا يَقُولُونَ: ملمحة وَلَا ليلاة. وَنَحْو ذَلِك كثير قَالَ الشَّاعِر: جماد لَهَا جماد وَلَا تقولي ... ... ... ... ... الْبَيْت فَهَذَا بِمَنْزِلَة جموداً. وَلَا نقُول عدل عَن قَوْله جمداً لَهَا ولكنهما عدلا عَن مؤنث كبداد. انْتهى نَص سِيبَوَيْهٍ. فَعنده يجب فِيمَا لَو كَانَ من أَسمَاء الْأَجْنَاس غير مؤنث فَجعل لَهُ اسْم فعال أَن يقدر لَهُ التَّأْنِيث. وَقد قدر سِيبَوَيْهٍ فِي حضار وسفار أَنه اسْم الكوكبة والماءة وهما من علم الشَّخْص. وَقَالَ السيرافي فِي بداد: إِنَّه معدول عَن البدة أَو المبادة أَو غير ذَلِك يَعْنِي مِمَّا يقدر مؤنثاً يعْطى معنى ذَلِك الْمُذكر.

وَالْبَيْت من قصيدة للمتلمس أورد بَعْضهَا الشريف ضِيَاء الدَّين هبة الله عَليّ بن مُحَمَّد بن حَمْزَة الْحُسَيْنِي فِي حماسته وَهِي: (صبا من بعد سلوته فُؤَادِي ... وسمح للقرينة بانقياد)) (عقارا عتقت فِي الدن حَتَّى ... كَأَن حبابها حدق الْجَرَاد) (جماد لَهَا جماد وَلَا تقولن ... لَهَا يَوْمًا إِذا ذكرت حَمَّاد) هَذَا مَا أوردهُ الشريف. وَقَوله: صبا من بعد سلوته إِلَخ ماضي يصبو صبوةً أَي: مَال إِلَى الْجَهْل والفتوة. وسمح بمهملتين: بِمَعْنى ذل وفاعله ضمير الْفُؤَاد. وَيُقَال: أسمح بِالْألف أَيْضا. والقرينة: النَّفس وَمثله القرونة بِالْوَاو أَيْضا. يُقَال: أسمحت قرينته وقرونته وَكَذَلِكَ قرينه وقرونه بِدُونِ هَاء أَي: ذلت نَفسه وتابعته على الْأَمر. وَقَوله: كَأَنِّي شاربٌ يَوْم استبدوا إِلَخ أَي: مضوا برأيهم كَذَا قَالَ الشريف صَاحب الحماسة. وَهُوَ من استبد فلانٌ بِكَذَا أَي: انْفَرد بِهِ. وَالْوَاو ضمير تعود على قوم حبيبته. وَقَوله:

وحث بهم إِلَخ أَي: أسْرع بهم. وحادي فَاعل حث وَهُوَ سائق الْإِبِل بالحداء يُقَال: حدا بِالْإِبِلِ يَحْدُو حدواً أَي: حثها على السّير بالحداء كغراب وَهُوَ الْغناء لَهَا. وَقَوله: وَرَاء البيد قَالَ الشريف: أَي: حَال دونهم البيد وَهُوَ جمع بيداء وَهِي القفر والمفازة. وَقَوله: عقارا عتقت إِلَخ بِضَم الْعين مفعول شَارِب بِمَعْنى الْخمر. وَهَذَا الْبَيْت يشْهد للأصمعي فَإِنَّهُ قَالَ: إِن الْخمر إِنَّمَا سميت عقارا لطول مكثها فِي الدن. وَاحْتج بقَوْلهمْ: عَاقِر فلَان الشَّرَاب إِذا لزمَه وأدمنه. والحباب بِالْفَتْح: مَا ينتفخ من المَاء وَنَحْوه ويعلوه. قَالَ الدينَوَرِي فِي كتاب النَّبَات: يُقَال لما ينزو من الْخمر إِذا مزجت: الْحباب والفواقع. والجنادع: جنادب تكون فِي الْعشْر. فَشبه مَا ينزو مِنْهَا بالجنادب إِذا قمصت. وَأنْشد هَذَا الْبَيْت مَعَ الْبَيْت الْأَخير. وَقد شبه حباب الْخمر بعيون الْجَرَاد. وَقَوله: جماد لَهَا جماد إِلَخ بِالْجِيم: الجمود والكلمة الْأَخِيرَة حَمَّاد بِالْمُهْمَلَةِ: الْحَمد. قَالَ الأعلم: هما اسمان للجمود وَالْحَمْد معدولين عَن اسْمَيْنِ مؤنثين سميا بهما كالمجمدة والمحمدة. وَقَالَ صَاحب الصِّحَاح: يُقَال للبخيل جماد لَهُ. وَإِنَّمَا بني على الْكسر لِأَنَّهُ معدول عَن الْمصدر أَي: الجمود كَقَوْلِهِم: فجار أَي: الفجرة. وَهُوَ نقيض قَوْلهم: حَمَّاد بِالْمُهْمَلَةِ فِي الْمَدْح. وَأنْشد الأبيات الثَّلَاثَة الأخرة للمتلمس ثمَّ قَالَ: أَي قولي لَهَا جموداً وَلَا تقولي لَهَا حمداً وشكراً. اه. وَكَونه معدولاً عَن الْمصدر لَا يكون سَببا لبنائه. قَالَ الشريف صَاحب

الحماسة: الضَّمِير فِي لَهَا يعود على الْقَرِينَة. قَالَ جَامع شعره أَبُو الْحسن الْأَثْرَم: أَي: أجمد الله خَيرهَا يَقُول: قلله. يَعْنِي الْخمر. اه. وَمِنْه تعلم أَن الأعلم لم يصب فِي قَوْله: وصف امْرَأَة بالجمود وَالْبخل وَجعلهَا مُسْتَحقَّة للذم غير مستوجبة للحمد. هَذَا) كَلَامه. وَسَببه لم يطلع على الْبَيْت الأول. وَكَذَلِكَ لم يصب ابْن السَّيِّد فِي قَوْله: فِيمَا كتبه على كَامِل الْمبرد: دَعَا على عاذلته بِأَن يقل خَيرهَا. وَهُوَ مأخوذٌ من الأَرْض الجماد وَهِي الَّتِي لَا تنْبت شَيْئا. وَقيل إِنَّه دَعَا على بِلَاد هَذِه الْمَرْأَة بالجمود وَأَن لَا تنْبت شَيْئا. انْتهى. وَقَوله: وَلَا تقولي بياء المخاطبة. وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُور وَهُوَ محرف من نون التوكيد الْخَفِيفَة كَمَا رويناها عَن الشريف وَهِي الصَّوَاب فَإِنَّهُ خطابٌ لمذكر وَلم يتَقَدَّم ذكر أُنْثَى. وَيُؤَيِّدهُ مَا رَوَاهُ ابْن الشجري فِي أَمَالِيهِ: وَلَا تَقولُوا بِالْوَاو. وَقَوله: طوال الدَّهْر بِفَتْح الطَّاء ظرف لِلْقَوْلِ يُقَال: لَا ُأكَلِّمهُ طوال الدَّهْر وَطول الدَّهْر بِمَعْنى. وَمَا: مَصْدَرِيَّة ظرفية ونائب فَاعل ذكرت ضمير الْقَرِينَة وَحَمَّاد فِي مَوضِع نصب لِأَنَّهُ مقول القَوْل. وَهَذِه الأبيات الْأَرْبَعَة أول قصيدةٍ وَمَا أحسن هَذِه الأبيات مِنْهَا: (وَأعلم علم حقٍّ غير ظنٍّ ... وتقوى الله من خير العتاد) (لحفظ المَال خيرٌ من ضياعٍ ... وضربٍ فِي الْبِلَاد بِغَيْر زَاد) ...

(وَإِصْلَاح الْقَلِيل يزِيد فِيهِ ... وَلَا يبْقى الْكثير مَعَ الْفساد) وَقد ضمن الْبَيْت الْأَخير بَعضهم فِي الهجاء فَقَالَ: (يحصن زَاده عَن كل ضرسٍ ... وَيعْمل ضرسه فِي كل زَاد) (وَلَا يروي من الْأَشْعَار شَيْئا ... سوى بيتٍ لأبرهة الْإِيَادِي) (قَلِيل المَاء تصلحه فَيبقى ... وَلَا يبْقى الْكثير مَعَ الْفساد) وَقد أَخطَأ هَذَا الْقَائِل فِي نِسْبَة الْبَيْت إِلَى أَبْرَهَة من وَجْهَيْن. وَمثله لِابْنِ وَكِيع التنيسِي: (خيرٌ لَهُ من قَصده ... إخوانه مسترفدا) وَرُوِيَ أَن حاتماً الطَّائِي لما سمع قَول المتلمس قَالَ: مَا لَهُ قطع الله لِسَانه يحمل النَّاس على الْبُخْل هلا قَالَ: (وَمَا الْجُود يفني المَال قبل فنائه ... وَلَا الْبُخْل فِي مَال الْبَخِيل يزِيد) (فَلَا تلتمس فقرا بعيشٍ فَإِنَّهُ ... لكل غدٍ رزقٌ يعود جَدِيد) ...

(ألم ترى أَن المَال غادٍ ورائحٌ ... وَأَن الَّذِي يعطيك لَيْسَ يبيد) والمتلمس شاعرٌ جاهلي مفلقٌ مقل ذكره الجُمَحِي فِي الطَّبَقَة السَّابِعَة من شعراء الْجَاهِلِيَّة. قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: اتَّفقُوا على أَن أشعر المقلين فِي الْجَاهِلِيَّة ثَلَاثَة: الْمسيب بن علس وَالْحصين بن حمام) والمتلمس. وَاتَّفَقُوا على أَن المتلمس أشعرهم. والمتلمس اسْمه جرير وكنيته أَبُو عبد الله بن عبد الْمَسِيح بن عبد الله بن زيد بن دوفن بن حَرْب بن وهب بن جلى بن أحمس بن ضبيعة بن ربيعَة بن نزار بن معد بن عدنان. وَقيل: إِنَّه جرير بن عبد الْعُزَّى وَقيل: غير هَذَا. ودوفن بِفَتْح الدَّال وَسُكُون الْوَاو وَفتح الْفَاء بعْدهَا نون. وجلى بِضَم الْجِيم وَتَشْديد اللَّام بعْدهَا ألف مَقْصُورَة. وأحمس: أفعل من الحماسة. وضبيعة بِالتَّصْغِيرِ. وَسَيَأْتِي إِن شَاءَ الله وَجه تَسْمِيَته بالمتلمس فِي بَاب الْعلم. وَكَانَ المتلمس مَعَ ابْن أُخْته طرفَة بن العَبْد ينادم عَمْرو بن هِنْد ملك الْحيرَة ثمَّ إنَّهُمَا هجواه فَلَمَّا أشعر بهجوهما كره قَتلهمَا عِنْده فَكتب لَهما كتابين إِلَى عَامل الْبَحْرين يَأْمر بِقَتْلِهِمَا وَقَالَ لَهما: إِنِّي كتبت لَكمَا بصلَة فاذهبا لتقبضاها فَخَرَجَا حَتَّى إِذا كَانَا بِبَعْض الطَّرِيق إِذْ هما بشيخٍ على يسَار الطَّرِيق وَهُوَ يحدث وَيَأْكُل وَيقتل الْقمل فَقَالَ المتلمس: مَا رَأَيْت كَالْيَوْمِ شَيخا أَحمَق

فَقَالَ لَهُ الشَّيْخ: مَا رَأَيْت من حمقي أخرج الدَّاء وآكل الدَّوَاء وأقتل الْأَعْدَاء أَحمَق مني وَالله من يحمل حتفه بِيَدِهِ فاستراب الملتمس بقوله وطلع عَلَيْهِمَا غلامٌ من الْحيرَة فَقَالَ لَهُ الملتمس: تقْرَأ يَا غُلَام قَالَ: نعم. ففك الصَّحِيفَة وَدفعهَا إِلَيْهِ فَإِذا فِيهَا: أما بعد فَإِذا أَتَاك الملتمس فاقطع يَدَيْهِ وَرجلَيْهِ وادفنه حَيا فَقَالَ لطرفة: ادْفَعْ إِلَيْهِ بصحيفتك فَإِن فِيهَا مثل الَّذِي فِي صحيفتي فَقَالَ طرفَة: كلا لم يكن ليجترئ عَليّ فَإِن بني ثَعْلَبَة لَيْسُوا كبني ضبيعة. فقذف الملتمس صَحِيفَته فِي نهر الْحيرَة وهرب إِلَى بني جَفْنَة مُلُوك الشَّام وَذهب طرفَة إِلَى عَامل الْبَحْرين فَقتل هُنَاكَ كَمَا شرحناه مفصلا فِي تَرْجَمته فِي الشَّاهِد الثَّانِي وَالْخمسين بعد الْمِائَة. وَقَالَ المتلمس فِي ذَلِك يُخَاطب طرفَة: (من مبلغ الشُّعَرَاء عَن أخويهما ... خَبرا فتصدقهم بِذَاكَ الْأَنْفس) (أودى الَّذِي علق الصَّحِيفَة مِنْهُمَا ... وَنَجَا حذار حبائه الملتمس) (ألق الصَّحِيفَة لَا أَبَا لَك إِنَّه ... يخْشَى عَلَيْك من الحباء النقرس) والنقرس: دَاء فِي الرجل مَعْرُوف. وَصَارَت صحيفَة الملتمس مثلا يضْرب لمن يحصل لَهُ الضَّرَر من جِهَة النَّفْع. قَالَ الفرزدق: ...

(يَا مرو إِن مطيتي محبوسةٌ ... ترجو الحباء وربها لم ييأس) (وحبوتني بصحيفةٍ مختومةٍ ... يخْشَى عَليّ بهَا حباء النُّفُوس) (ألق الصَّحِيفَة يَا فرزدق لَا تكن ... نكداء مثل صحيفَة الملتمس)) وَالْبَيْت الأول من شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ وَاسْتشْهدَ بِهِ على ترخيم مَرْوَان بِحَذْف الْألف وَالنُّون لزيادتهما وَكَون الِاسْم ثلاثياً بعد حذفهما. وَأَرَادَ مَرْوَان بن الحكم. وَسبب هَذَا الشّعْر أَن الفرزدق قدم الْمَدِينَة مستجيراً بِسَعِيد بن العَاصِي من زِيَاد ابْن سميَّة فامتدح سعيداً ومروان عِنْده قَاعد فَقَالَ: (ترى الغر الجحاجح من قريشٍ ... إِذا مَا الْأَمر بالمكروه عالا) (قيَاما ينظرُونَ إِلَى سعيدٍ ... كَأَنَّهُمْ يرَوْنَ بِهِ هلالا) فَقَالَ لَهُ مَرْوَان: قعُودا يَا غُلَام. فَقَالَ: لَا وَالله يَا أَبَا عبد الْملك إِلَّا قيَاما. فأغضب مَرْوَان: وَكَانَ مُعَاوِيَة يعادل بَين مَرْوَان وَبَين سعيد فَلَمَّا ولي

مَرْوَان كتب للفرزدق كتابا إِلَى واليه بضريه أَن يُعَاقِبهُ إِذا جَاءَ وَقَالَ للفرزدق: إِنِّي قد كتبت لَك بِمِائَة دِينَار فَلَمَّا أَخذ الْكتاب وَانْصَرف (قل للفرزدق والسفاهة كاسمها ... إِن كنت تَارِك مَا أَمرتك فاجلس) (ودع الْمَدِينَة إِنَّهَا مرهوبةٌ ... واعمد لمَكَّة أَو لبيت الْمُقَدّس) فَفطن الفرزدق وأجابه بِهَذِهِ الأبيات فَكَانَ الفرزدق لَا يقرب مَرْوَان فِي خِلَافَته وَلَا عبد الْملك وَلَا الْوَلِيد. وَرُوِيَ من طريقٍ أُخْرَى: أَن مَرْوَان تقدم إِلَى الفرزدق أَن لَا يهجو أحدا وَكتب إِلَيْهِ الْبَيْتَيْنِ فَأَجَابَهُ الفرزدق بالأبيات. وَقَوله: فاجلس أَي: اذْهَبْ إِلَى الجلس بِفَتْح الْجِيم وَسُكُون اللَّام وَهُوَ نجد. يُقَال: جلس الرجل إِذا أَتَى نجداً. والحباء: الْعَطاء. وَجعل الرَّجَاء للناقة وَهُوَ يُرِيد نَفسه. وروى ابْن السَّيِّد فِي شرح أَبْيَات الْجمل هَذَا الْخَبَر على غير هَذَا الْوَجْه فَقَالَ: إِن الفرزدق كَانَ مُقيما بِالْمَدِينَةِ وَكَانَ أزنى النَّاس فَقَالَ شعرًا يَقُول فِيهِ: ...

(هما دلتان من ثَمَانِينَ قامةً ... كَمَا انقض بازٍ أقتم الريش كاسره) (فَلَمَّا اسْتَوَت رجلاي فِي الأَرْض قَالَتَا ... أحيٌّ يُرْجَى أم قتيلٌ نحاذره) (فَقلت: ارْفَعْ الْأَسْبَاب لَا يشعروا بِنَا ... وَأَقْبَلت فِي أعجاز ليلٍ أبادره) (أحاذر بوابين قد وكلا بِنَا ... وأسمر من ساجٍ تصل مسامره) فَعَيَّرَهُ جرير بذلك فِي شعر طَوِيل مِنْهُ: (لقد ولدت أم الفرزدق فَاجِرًا ... فَجَاءَت بوزوازٍ قصير القوائم) (تدليت تَزني من ثَمَانِينَ قامةً ... وَقصرت عَن بَاعَ الْعلَا والمكارم) (هُوَ الرجس يَا أهل الْمَدِينَة فاحذروا ... مدَاخِل رجسٍ بالخبائث عَالم)

(لقد كَانَ إِخْرَاج الفرزدق عَنْهُم ... طهُورا لما بَين الْمصلى وواقم) فَاجْتمع أَشْرَاف الْمَدِينَة إِلَى مَرْوَان بن الحكم وَكَانَ والياً بهَا فَقَالُوا: مَا يصلح أَن يُقَال مثل هَذَا الشّعْر بَين أَزوَاج النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وَقد أوجب عَلَيْهِ الْحَد فَقَالَ مَرْوَان: لست أحده وَلَكِن أكتب إِلَى من يحده. فَأمره مَرْوَان بِالْخرُوجِ من الْمَدِينَة وأجله ثَلَاثَة أَيَّام فَفِي ذَلِك قَالَ: (توعدني وأجلني ثَلَاثًا ... كَمَا وعدت لمهلكها ثَمُود) ثمَّ كتب لَهُ كتابا إِلَى عَامله يَأْمُرهُ فِيهِ بِأَن يحده ويسجنه وأوهمه أَن كتب لَهُ بجائزة. ثمَّ نَدم على مَا فعل فَوجه عَنهُ رجلا وَقَالَ لَهُ: أنْشدهُ هذَيْن الْبَيْتَيْنِ: قل للفرزدق والسفاهة كاسمها فَفطن الفرزدق لما أَرَادَ فَرمى الصَّحِيفَة وَقَالَ الأبيات الثَّلَاثَة وَخرج هَارِبا حَتَّى أُتِي سعيد بن العَاصِي وَعِنْده الْحسن وَالْحُسَيْن وَعبد الله بن جَعْفَر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم فَأخْبرهُم الْخَبَر فَأمر لَهُ كل واحدٍ مِنْهُم بِمِائَة دِينَار وراحلة وَتوجه إِلَى الْبَصْرَة. وَقيل لمروان: أَخْطَأت فِيمَا فعلت كَأَنَّك عرضت عرضك لشاعر مُضر فَوجه وَرَاءه رَسُوله وَمَعَهُ مائَة دِينَار وراحلةٌ خوفًا من هجائه.

وَلما هرب المتلمس إِلَى مُلُوك الشَّام هجى عَمْرو بن هِنْد بقصيدةٍ وحرض قوم طرفَة على الطّلب بدمه أَولهَا: (إِن الْعرَاق وَأَهله كَانُوا الْهوى ... فَإِذا نأى بِي ودهم فليبعد) إِلَى أَن قَالَ: (إِن الْخِيَانَة والمغالة والخنى ... والغدر تتركه ببلدة مُفسد) (ملكٌ يلاعب أمه وقطينها ... رخو المفاصل أيره كالمرود) (بِالْبَابِ يرصد كل طَالب حاجةٍ ... فَإِذا خلا فالمرء غير مُسَدّد) فَبلغ هَذَا الشّعْر عمرا فَحلف إِن وجده بالعراق ليَقْتُلهُ وَأَن لَا يطعمهُ حب الْعرَاق فَقَالَ المتلمس من قصيدة: (آلَيْت حب الْعرَاق الدَّهْر أطْعمهُ ... وَالْحب يَأْكُلهُ فِي الْقرْيَة السوس) (لم تدر بصرى بِمَا آلَيْت من قسمٍ ... وَلَا دمشق إِذا ديس الكراديس)

. وَالْبَيْت من شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ على أَن نصب حب على نزع الْخَافِض أَي: على حب الْعرَاق. وآليت بِالْخِطَابِ لعَمْرو بن هِنْد يُقَال لَهُ: حَلَفت لَا تتركني بالعراق وَلَا تطعمني من حبه وَالْحَال) أَن الْحبّ لَا يبْقى إِن أبقيته بل يسْرع إِلَيْهِ الْفساد ويأكله السوس فالبخل بِهِ قَبِيح. وَهَذَا على طَرِيق الِاسْتِهْزَاء بِهِ والسخرية. وَبصرى: مَدِينَة بِالشَّام. يَقُول: لَا تَدْرِي كَثْرَة الطَّعَام الَّذِي ببصرى وبدمشق. والكراديس: أكداس الطَّعَام. وَمن شعر المتلمس وَهُوَ من شَوَاهِد البديع: (وَلَا يُقيم على ضيمٍ يُرَاد بِهِ ... إِلَّا الأذلان: عير الْحَيّ والوتد) (هَذَا على الْخَسْف مربوطٌ برمتِهِ ... وَذَا يشج فَلَا يرثي لَهُ أحد) وَأنْشد بعده الشَّاهِد السبعون بعد الأربعمائة وَهُوَ من أَبْيَات الْمفصل: (أطلت فراطهم حَتَّى إِذا مَا ... قتلت سراتهم كَانَت قطاط) على أَن قطاط فِيهِ وصف مؤنث بِمَعْنى قاطةٍ أَي: كَافِيَة.

قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ فِي الْمفصل: أَي: كَانَت تِلْكَ الفعلة كَافِيَة لي وقاطة لثأري أَي: قَاطِعَة لَهُ. أَشَارَ إِلَى أَن اسْم كَانَ ضمير الفعلة المفهومة من قتلت سراتهم. وقطاط مَبْنِيَّة على الْكسر فِي مَحل نصب خبر كَانَ. قَالَ ابْن يعِيش فِي شَرحه: وقطاط معدولٌ عَن قاطة أَي: كَافِيَة يُقَال: قطاط بِمَعْنى حسبي من قَوْلهم: قطك دِرْهَم أَي: حَسبك مَأْخُوذ من القط وَهُوَ الْقطع كَأَن الْكِفَايَة قطعت عَن الِاسْتِمْرَار. انْتهى. وفراطهم بِكَسْر الْفَاء أَي: إمهالي إيَّاهُم فَهُوَ مصدر مُضَاف إِلَى الْمَفْعُول وَالْفَاعِل مَحْذُوف. قَالَ صدر الأفاضل: أَي: أطلت إمهالهم والتأني بهم. وَالصَّوَاب: فراطكم وسراتكم بِالْخِطَابِ كَمَا سَيَأْتِي. قَالَ ابْن السيرافي فِي شرح أَبْيَات الْغَرِيب المُصَنّف: الفراط هُوَ التَّقَدُّم. يَقُول: سبقت إِلَيْكُم بالتهدد والوعيد لتخرجوا من حَقي. والسراة بِالْفَتْح قَالَ أهل اللُّغَة قاطبة: هُوَ جمع سري بِمَعْنى الشريف. وَيرد عَلَيْهِم أَن فعيلاً لَا يجمع على فعلة بِالتَّحْرِيكِ لهَذَا قَالَ الشَّارِح الْمُحَقق فِي شرح الشافية: الظَّاهِر أَنه اسْم جمع لَا جمع. وَذهب السُّهيْلي فِي الرَّوْض الْأنف إِلَى أَنه مُفْرد لَا جمع وَلَا اسْم جمع قَالَ: لَا يَنْبَغِي أَن يُقَال فِي سراة الْقَوْم إِنَّه جمع سري لَا على الْقيَاس وَلَا على غير الْقيَاس إِنَّمَا هُوَ مثل كَاهِل الْقَوْم وسنامهم. وَالْعجب كَيفَ خَفِي هَذَا على النَّحْوِيين حَتَّى قلد الخالف مِنْهُم السالف فَقَالُوا: سراة جمع سري. وَيَا سُبْحَانَ الله كَيفَ يكون جمعا لَهُ وهم يَقُولُونَ: جمع سراة سروات مثل قطاة وقطوات. يُقَال: هَؤُلَاءِ من سروات النَّاس كَمَا تَقول: من رؤوسهم. وَلَو كَانَ السراة جمعا مَا جمع لِأَنَّهُ على وزن الفعلة وَمثل هَذَا الْبناء)

فِي الْمَجْمُوع لَا يجمع وَإِنَّمَا سري فعيل من السرو وَهُوَ الشّرف فَإِن جمع على لَفظه قيل: سريٌّ وأسرياء كغني وأغنياء وَلكنه قليلٌ وجوده وَقلة وجوده لَا تدفع الْقيَاس فِيهِ. وَقد حَكَاهُ سِيبَوَيْهٍ. انْتهى. والبين من أبياتٍ لعَمْرو بن معديكرب الصَّحَابِيّ قَالَهَا قبل إِسْلَامه لبني مَازِن من الأزد فَإِنَّهُم كَانُوا قتلوا أَخَاهُ عبد الله فَأخذ الدِّيَة مِنْهُم فَعَيَّرْته أُخْته كَبْشَة بِذَاكَ فغزاهم (تمنت مازنٌ جهلا خلاطي ... فذاقت مازنٌ طعم الخلاط) (أطلت فراطكم عَاما فعاماً ... وَدين الْمذْحِجِي إِلَى فراط) (أطلت فراطكم حَتَّى إِذا مَا ... قتلت سراتكم كَانَت قطاط) (غدرتم غدرةً وغدرت أُخْرَى ... فَمَا إِن بَيْننَا أبدا يعاط) (بطعنٍ كالحريق إِذا الْتَقَيْنَا ... وَضرب المشرفية فِي الغطاط) الخلاط: مصدر خالطه مُخَالطَة وخلاطاً. ومازن: هُوَ مَازِن بن زبيد وَأَرَادَ بِهِ الْقَبِيلَة. ودين بِالْفَتْح. ومذحج بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الذَّال الْمُعْجَمَة وَكسر الْحَاء الْمُهْملَة بعْدهَا جِيم: قَبيلَة كَبِيرَة من قبائل الْيمن تفرعت مِنْهَا قبائل

كَثِيرَة. قَالَ ابْن الْكَلْبِيّ فِي جمهرة الْأَنْسَاب: بَنو الْحَارِث بن كَعْب من مذْحج. والنخع من مذْحج وجنبٌ من مذْحج وصداء من مذْحج ورهاء من مذْحج وَسعد الْعَشِيرَة من مذْحج والبطون الْمَذْكُورَة مِنْهَا إِلَى زبيد. وَمُرَاد من مذْحج وعنس من مذْحج وطيئ من مذْحج. ومذحج: اسْم امرأةٍ وَهِي بنت ذِي منجشان كَانَت أمهَا ولدتها على أكمةٍ يُقَال لَهَا: مذْحج فلقبت بهَا. ويعاط بِفَتْح الْمُثَنَّاة التَّحْتِيَّة بعْدهَا عين مُهْملَة: كلمة إغراء على الْحَرْب أَي: احملوا. والغطاط بِضَم الْغَيْن الْمُعْجَمَة: أول الصُّبْح. كَذَا روى أَبُو عَليّ القالي هَذِه الأبيات الْخَمْسَة فِي نوادره. وَقد اخْتلف فِي رِوَايَة هَذَا الْخَبَر. قَالَ أَبُو عَليّ القالي فِي ذيل الأمالي: قَالَ: أَبُو محلم: حَدثنِي السكرِي قَالَ: حَدثنَا ابْن حبيب قَالَ: قَالَ هِشَام بن الْكَلْبِيّ: مر عبد الله بن معديكرب براعٍ للمحزم بن سَلمَة من بني مَالك بن مَازِن بن زبيد فاستسقاه لَبَنًا فَأبى واعتل عَلَيْهِ فشتمه فَقتله عبد الله فثارت بَنو مَازِن بِعَبْد الله فَقَتَلُوهُ فتوانى عَمْرو فِي الطّلب بدمه فأنشأت أُخْته تَقول أبياتاً فاحتمى عَمْرو عِنْد ذَلِك فثار فِي قومه بني عصم فأباد بني مَازِن وَقَالَ فِي ذَلِك:

تمنت مازنٌ جهلا خلاطي إِلَى آخر الأبيات الثَّلَاثَة الأول. وَلم ينشد الْبَيْتَيْنِ الْأَخيرينِ. وروى أَيْضا فِي نوادره أَن الْأَصْمَعِي) قَالَ: كَانَ بَين عَمْرو بن معديكرب وَبَين رجل من مُرَاد يُقَال لَهُ: أبيٌّ كلامٌ فتنازعا فِي الْقسم فَعجل عَمْرو وَكَانَت فِيهِ عجلة وَكَانَ عبد الله أَخُو عَمْرو رَئِيس قومه فَجَلَسَ مَعَ بني مَازِن رهطٍ من سعد الْعَشِيرَة وَكَانُوا فيهم فَقعدَ عبد الله يشرب ويسقيهم رجلٌ يُقَال لَهُ: المحزم من بني زبيد لَهُ مَال وَشرف. وَكَانَ عبدٌ من عبيد المحزم قَائِما يسْقِي الْقَوْم فَسَبهُ عبد الله فَضَربهُ فَقَامَ رجلٌ نشوان من بني مَازِن فَقتل عبد الله. فرأس عَمْرو بعد أَخِيه وَكَانَ غزا غَزْوَة فَأصَاب فِيهَا وَمَعَهُ أبيٌّ الْمرَادِي فَادّعى أَنه مساند عَمْرو فَأبى عَمْرو أَن يُعْطِيهِ فَلَمَّا رَجَعَ عمرٌ ومن غزاته جَاءَت بَنو مَازِن فَقَالُوا: قَتله رجلٌ منا سَيْفه وَنحن يدك عَلَيْهِ وعضدك وَإِنَّمَا قَتله وَهُوَ سَكرَان فنسألك بالرحم أَن تَأْخُذ الدِّيَة بعد ذَلِك مَا أَحْبَبْت فَأخذ عمرٌ والدِّيَة وزاده بعد ذَلِك أَشْيَاء كَثِيرَة فَغضِبت أختٌ لَهُ تسمى كَبْشَة وَكَانَت ناكحاً فِي بني الْحَارِث بن كَعْب فَقَالَت: (أرسل عبد الله إِذْ حَان يَوْمه ... إِلَى قومه أَن لَا تخلوا لَهُم دمي) ...

(وَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُم إفالاً وأبكرا ... وأترك فِي بيتٍ بصعدة مظلم) (ودع عَنْك عمرا إِن عمرا مسالمٌ ... وَهل بطن عمرٍ وغير شبر لمطعم) (فَإِن أَنْتُم لم تقتلُوا واتديتمو ... فَمَشَوْا بآذان النعام المصلم) (وَلَا تشْربُوا إِلَّا فضول نِسَائِكُم ... إِذا أنهلت أعقابهن من الدَّم) (جدعتم بِعَبْد الله سيد قومه ... بني مَازِن أَن سبّ ساقي المحزم) فَلَمَّا حِضْت كَبْشَة أخاها عمرا أكب بالغارة عَلَيْهِم وهم غَارونَ فأوجع فيهم. ثمَّ إِن بني مَازِن احتملوا فنزلوا فِي مَازِن بن مَالك بن عَمْرو بن تَمِيم فَقَالَ عَمْرو فِي ذَلِك: تمنت مازنٌ جهلا خلاطي الأبيات السِّتَّة. والمحزم بتَشْديد الزاء الْمَفْتُوحَة والحاء قبلهَا مُهْملَة. والمساندة: المعاضدة. وَخرج الْقَوْم متساندين أَي: على رايات شَتَّى أَي: وَلم يَكُونُوا تَحت راية أَمِير وَاحِد. وَقَوْلها: أرسل عبد الله أورد أَبُو تَمام هَذِه الأبيات إِلَّا الْبَيْت الْأَخير

فِي الحماسة: قَالَ التبريزي: إِنَّمَا تَكَلَّمت بِهِ على أَنه إِخْبَار عَمَّا فعله عبد الله وغرضها تحضيضهم على إِدْرَاك الثأر. وَقَوْلها: أَن لَا تخلوا من التَّخْلِيَة. وَهَذِه رِوَايَة القالي. وَرِوَايَة الحماسة: لَا تعقلوا لَهُم دمي. يُقَال: علقت فلَانا إِذا أَعْطَيْت دِيَته. وَالْمرَاد: لَا تَأْخُذُوا بدل دمي عقلا. وَرَوَاهُ ابْن الْأَعرَابِي: أَن لَا يغلوا لَهُم) دمي بِالْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّة والغين الْمُعْجَمَة وَقَالَ: الإغلال عِنْد الْعَرَب: ترك القصاب بعض اللَّحْم فِي الإهاب. والغلول: الْخِيَانَة فِي الْمغنم. والإفال: جمع أفيل وَهُوَ الصَّغِير من الْإِبِل وَكَذَا الأبكر وَهُوَ جمع بكر. قَالَ التبريزي: فَإِن قيل: لما ذكر الإفال والأبكر وَمَا يُؤَدِّي إِلَى الدِّيات لَا يكون مِنْهُمَا قلت: أَرَادَ تحقير الدِّيات كَمَا يُقَال فِي الرجل إِذا أَرَادَ تحقير أَمر خلعة فَازَ بهَا إِنْسَان إِنَّمَا أعطي فلانٌ خرقاً وَإِن كَانَت فاخرة. وَقَوْلها: وأترك فِي بَيت إِلَخ صعدة مخلافٌ من مخاليف الْيمن أَي: ناحيةٌ مِنْهَا. وَإِنَّمَا جعلت قَبره مظلماً لأَنهم كَانُوا يَزْعمُونَ أَن الْمَقْتُول إِذا ثأروا بِهِ أَضَاء قَبره فَإِن أهْدر دَمه أَو قبلت دِيَته يبْقى قَبره مظلماً. وَقَوْلها: وَهل بطن عَمْرو إِلَخ تزهيد فِي الدِّيَة كَمَا رُوِيَ فِي الْخَبَر: هَل بطن ابْن آدم إِلَّا شبر فِي شبر لما أُرِيد تزهيده فِي الدُّنْيَا. وَقَوْلها: أتديتمو أَي: قبلتمو الدِّيَة وَهُوَ افتعلتم يُقَال: وديته فاتدى. وَقَوْلها: فَمَشَوْا إِلَخ أَي: امشوا. وَضعف الْفِعْل للتكثير. وَمن روى بِضَم الْمِيم فَمَعْنَاه امسحوا بالمشوش بِفَتْح الْمِيم وَهُوَ منديل يمسح بِهِ الدسم. وَالْمعْنَى: إِن لم تقتلُوا قاتلي وقبلتم ديتي فامشوا أذلاء بآذان مجعدة كآذان النعام. وَوصف النعام بالمصلم تصغيراً لَهَا وَإِن كَانَت خلقَة. يَقُول:

كأنكم مِمَّا تعيرون لَيست لكم آذان تَسْمَعُونَ بهَا فامشوا بِغَيْر آذان. وَاخْتلف فِي النعام فَقيل: إِنَّهَا كلهَا صلم وَقيل غير ذَلِك. وَقَوْلها: وَلَا تشْربُوا إِلَّا فضول إِلَخ رَوَاهُ أَبُو تَمام: وَلَا تردوا وَإِذا ارتملت. قَالَ التبريزي: يُقَال ترمل وارتمل إِذا تلطخ بِالدَّمِ فَكَانَ من عَادَتهم إِذا وردوا الْمِيَاه أَن يتَقَدَّم الرِّجَال ثمَّ العضاريط والرعاة ثمَّ النِّسَاء فَكُن يغسلن أَنْفسهنَّ وثيابهن ويتطهرن آمنات مِمَّا يزعجهن فَمن تَأَخّر عَن المَاء حَتَّى تصدر النِّسَاء فَهُوَ الْغَايَة فِي الذل. وَجعلت النِّسَاء مرتملات بِدَم الْحيض تفظيعاً للشأن. وَقَالَ النمري: قَالَ أَبُو رياش: تَقول: إِذا قبلتم الدِّيَة فَلَا تأنفوا بعْدهَا من شَيْء كَمَا تأنف الْعَرَب واغشوا نساءكم وَهن حيض. والفضول هَا هُنَا: بقايا الْحيض وسمى الغشيان وردا مجَازًا. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد الْأَعرَابِي: مَعْنَاهُ لَا تردوا المواسم بعد أَخذ الدِّيَة إِلَّا وَأَعْرَاضكُمْ دنسة من الْعَار كأنكم نساءٌ حيض. وَهَذَا كَمَا قَالَ جرير: (لَا تَذكرُوا حلل الْمُلُوك فَإِنَّكُم ... بعد الزبير كحائضٍ لم تغسل) وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي بعد إِيرَاده هَذِه الأبيات: إِن المحزم بن سَلمَة أحد بني مَازِن بن زبيد قتل عبد الله بن معديكرب أَخا عَمْرو وَكَانَ عبد الله لطم عبدا للمحزم على شرابٍ فَجَاءَت بَنو مَازِن إِلَى عبد الله فَقَتَلُوهُ ورأسوا

عَلَيْهِم عَمْرو بن معديكرب فَلَمَّا حِضْت عمرا أكب على) بني مَازِن بِقَتْلِهِم وهم غَارونَ فَيُقَال: إِنَّهُم احتملوا فنزلوا فِي بني مَازِن بن عَمْرو فهم فيهم. وأنفذ عمرٌ وابْن أَخ لَهُ وَأَعْطَاهُ الصمصامة وَقَالَ: اقْتُل بهَا المحزم. فَمضى فَقتل المحزم وَابْن أَخ لَهُ ثمَّ انْصَرف إِلَى عَمْرو فَقَالَ لَهُ: مَا صنعت قَالَ: قتلت المحزم وَابْن أَخِيه فَقَالَ عَمْرو: كَيفَ أصنع ببني مَازِن وَقد قتلت سَيِّدهَا فَقَالَ الْغُلَام: أَعْطَيْتنِي الصمصامة وسميتني الْمِقْدَام ثمَّ أقتل وَاحِدًا فَمَا خبري إِذن قَالَ: فَرَحل عَمْرو فِي أَرْبَعِينَ من بني زبيد فَصَارَ فِي جرمٍ حَتَّى جَاءَ الْإِسْلَام وَهَاجَر. اه. وروى هَذَا الْخَبَر مفصلا الْأَصْفَهَانِي فِي الأغاني: قَالَ: كَانَ عبد الله بن معديكرب أَخُو عَمْرو رَئِيس زبيد فَجَلَسَ مَعَ بني مَازِن فَشرب فتغنى عِنْده حبشيٌّ وَهُوَ عبدٌ للمحزم أحد بني مَازِن فشبب بامرأةٍ من بني زبيد فَلَطَمَهُ عبد الله وَقَالَ لَهُ: أما كَفاك أَن تشرب مَعنا حَتَّى تشبب بِالنسَاء فَنَادَى الحبشي: يَا لمازن فَقَامُوا إِلَى عبد الله فَقَتَلُوهُ وَكَانَ الحبشي عبدا للمحزم فرئس عمرٌ ومَكَان أَخِيه. وَكَانَ عمرٌ وغزا هُوَ وأبيٌّ الْمرَادِي فَأَصَابُوا غَنَائِم فَادّعى أبي أَنه كَانَ مسانداً فَأبى عمرٌ وأَن يُعْطِيهِ شَيْئا فكره أبيٌّ أَن يكون بَينهم شرٌّ لحداثة قتل أَخِيه فَأمْسك عَنهُ. وَبلغ عمرا أَنه توعده فَقَالَ فِي ذَلِك قصيدةٍ مِنْهَا: (تمناني ليقتلني أبيٌّ ... وددت وأينما مني ودادي) ...

(إِذا للقيت عمك غير نكسٍ ... وَلَا متعلم قتل الوحاد) (أُرِيد حباءه وَيُرِيد قَتْلِي ... عذيرك من خَلِيلك من مُرَاد) وَكَانَ عَليّ بن أبي طَالب إِذا نظر إِلَى ابْن ملجم أنْشد: أُرِيد حباءه وَيُرِيد قَتْلِي ... ... ... ... . . الْبَيْت وَجَاءَت بَنو مَازِن إِلَى عَمْرو فَقَالُوا: إِن أَخَاك قَتله رجل منا سَيْفه وَهُوَ سَكرَان وَنحن يدك وعضدك فنسألك بالرحم إِلَّا أخذت منا الدِّيَة مَا أَحْبَبْت فهم عَمْرو بذلك وَقَالَ: إِحْدَى يَدي أصابتني وَلم ترد فَبلغ ذَلِك أُخْتا لعَمْرو يُقَال لَهَا كَبْشَة وَكَانَت ناكحاً فِي بني الْحَارِث بن كَعْب فغبت فَلَمَّا وافى النَّاس من الْمَوْسِم قَالَت شعرًا. وَأنْشد الأبيات السِّتَّة. فَقَالَ عَمْرو قصيدةً مِنْهَا: (أرقت وأمسيت لَا أرقد ... وساورني الموجع الْأسود) (وَبت لذكرى بني مازنٍ ... كَأَنِّي مرتفقٌ أَرْبَد)

. ثمَّ أكب عمرٌ وعلى بني مَازِن وهم غَارونَ بِقَتْلِهِم وَقَالَ فِي ذَلِك:) (خُذُوا حققاً مخطمةً صفايا ... وكيدي يَا محزم مَا أكيد) (قتلتم سادتي وتركتموني ... على أكتافكم عبءٌ جَدِيد) فَأَرَادَتْ بَنو مَازِن أَن يردوا عَلَيْهِم الدِّيَة لما آذنهم بِحَرب فَأبى عَمْرو. وَكَانَت بَنو مَازِن من أَعدَاء مذْحج وَكَانَ عبد الله أَخا كَبْشَة لأَبِيهَا وَأمّهَا دون عَمْرو وَكَانَ عمرٌ وقد هم بالكف عَنْهُم حِين قتل من قتل مِنْهُم فركبت كَبْشَة فِي نساءٍ من قَومهَا وَتركت عمرا أخاها وعيرته فأفحمته فأكب عَلَيْهِم أَيْضا بِالْقَتْلِ فَلَمَّا أَكثر فيهم الْقَتْل تفَرقُوا فلحقت بَنو مَازِن بِصَاحِبِهِمْ مَازِن بن تَمِيم وَلَحِقت نَاشِرَة ببني أَسد وهم رَهْط الصَّقْعَب بن الصحصح وَلَحِقت فالج بسليم ابْن مَنْصُور. وفالج وناشرة: ابْنا أَنْمَار بن مَازِن بن ربيعَة بن مُنَبّه بن صَعب بن سعد الْعَشِيرَة. وأمهما هِنْد بنت عدس بن يزِيد بن عبد الله بن دارم فَقَالَ كابية بن حرقوص بن مَازِن: (يَا لَيْتَني يَا لَيْتَني بالبلدة ... ردَّتْ عَليّ نجومها فارتدت) (من كَانَ أسْرع فِي تفرق فالجٍ ... فلبونه جربت مَعًا وأغدت) (هلا كناشرة الَّذِي ضيعتم ... كالغصن فِي غلوائه المتنبت)

. وَقَالَ عَمْرو فِي ذَلِك: تمنت مازنٌ جهلا خلاطي الأبيات السَّابِقَة إِلَّا الْبَيْت الْأَخير. وَتَقَدَّمت تَرْجَمَة عَمْرو بن معديكرب فِي الشَّاهِد الرَّابِع وَالْخمسين بعد الْمِائَة. وَأنْشد بعده وَهُوَ من شَوَاهِد س: وَالْخَيْل تعدو فِي الصَّعِيد بداد على أَن بداد وصفٌ مؤنث معدول عَن متبددة أَي: مُتَفَرِّقَة فَهُوَ حَال. وَهَذَا مخالفٌ لقَوْل سِيبَوَيْهٍ فَإِنَّهُ أنْشدهُ على أَن بداد فِيهِ معدولٌ عَن مصدر مؤنث لَا عَن وصف. قَالَ: هَذَا بِمَنْزِلَة قَوْله تعدوا بدداً. فَيكون الْمصدر مؤولاً بِالْحَال. قَالَ الأعلم: الشَّاهِد فِيهِ قَوْله بداد وَهُوَ اسمٌ للتبدد معدول عَن مؤنثٍ كَأَنَّهُ سمى التبدد بدةً ثمَّ عدلها إِلَى بداد كَمَا سمي الْبر: برة. انْتهى. وصنيع الشَّارِح أحسن فَإِن الْحَال نادرٌ وُقُوعهَا معرفَة. وَيَأْتِي: بداد اسْم فعل أَمر أَيْضا. وَأوردهُ الزَّمَخْشَرِيّ فِي فعال الأمري قَالَ:

وبداد أَي: ليَأْخُذ كلٌّ مِنْكُم قرنه. وَيُقَال أَيْضا: جَاءَت الْخَيل بداد أَي: متبددة. فَهِيَ مُشْتَركَة بَين الْأَمر والمصدر. قَالَ فِي الصِّحَاح: قَوْلهم فِي) الْحَرْب: يَا قوم بداد بداد أَي: ليَأْخُذ كل رجلٍ قرنه. يُقَال مِنْهُ تباد الْقَوْم يتبادون إِذا أخذُوا أقرانهم. وَبني لِأَنَّهُ واقعٌ موقع الْأَمر. وَيُقَال أَيْضا: لقوا بدادهم أَي: أعدادهم لكل رجلٍ رجلٌ. والبداد بِالْفَتْح: البرَاز. يُقَال: لَو كَانَ البداد مَا أطاقونا أَي: لَو بارزناهم رجلٌ وَرجل. وَقَوْلهمْ: جَاءَت الْخَيل بداد أَي: متبددة. وَبني أَيْضا على الْكسر لِأَنَّهُ معدول عَن الْمصدر وَهُوَ البدد. قَالَ: وتفرق الْقَوْم بداد أَي: متبددة. قَالَ حسان: (كُنَّا ثَمَانِيَة وَكَانُوا جحفلاً ... لجباً فشلوا بِالرِّمَاحِ بداد) وَإِنَّمَا بني للعدل والتأنيث وَالصّفة. انْتهى. ف بداد على هَذَا ثَلَاثَة أَقسَام. وَهُوَ تَابع فِي صَنِيعه. وَكَذَلِكَ تبعه ابْن الشجري فِي أَمَالِيهِ فَإِنَّهُ أورد الْبَيْت فِي قسم الْمصدر وَقَالَ: أَرَادَ بدداً. وَالْبَيْت من أبياتٍ لعوف بن الخرع التَّيْمِيّ يرد على لَقِيط بن

زُرَارَة فَإِنَّهُ كَانَ هجا عديا وتيماً وعيره عوفٌ بفراره عَن أَخِيه معبدٍ لما أسر. وَقَبله: (هلا كررت على ابْن أمك معبدٍ ... والعامري يَقُودهُ بصفاد) (وَذكرت من لبن المحلق شربةً ... وَالْخَيْل تعدو بالصعيد بداد) فِي الأغاني بِسَنَدِهِ أَن الْحَارِث بن ظَالِم المري لما قتل خَالِد بن جَعْفَر بن كلاب غدراً عِنْد النُّعْمَان بن الْمُنْذر بِالْحيرَةِ هرب فَأتى زُرَارَة بن عدس فَكَانَ عِنْده فَلم يزل فِي بني تَمِيم عِنْد زُرَارَة حَتَّى لحق بِقُرَيْش. فَخرجت بَنو عَامر إِلَى الْحَارِث بن ظَالِم حَيْثُ لَجأ إِلَى زُرَارَة فسارت بَنو عَامر نحوهم والتقوا برحرحان فَاقْتَتلُوا قتالاً شَدِيدا وَأسر يَوْمئِذٍ معبد بن زُرَارَة أسره عَامر بن مَالك واشترك فِي أسره طفيل بن مَالك وَرجل من غنيٍّ يُقَال لَهُ: أَبُو عميلة وَهُوَ عصمَة بن وهب وَكَانَ أَخا ابْن مَالك من الرَّضَاع. وَكَانَ معبد بن زُرَارَة كثير المَال فوفد لَقِيط بن زُرَارَة على عَامر بن مَالك فِي الشَّهْر الْحَرَام وَهُوَ رَجَب فَسَأَلَ عَامِرًا أَن يُطلق أَخَاهُ فَقَالَ عَامر: أما حصتي فقد وهبتها لَك وَلَكِن ارْض أخي وحليفي الَّذين اشْتَركَا فِيهِ. فَجعل لقيطٌ لكل واحدٍ مائةُ من الْإِبِل فرضيا وَأَتيا عَامِرًا فَأَخْبَرَاهُ فَقَالَ عامرٌ للقيط: دُونك أَخَاك فَأطلق عَنهُ. فَلَمَّا أطلقهُ فكر فِي نَفسه لَقِيط وَقَالَ: أعطيهم مِائَتَيْنِ من الْإِبِل وَتَكون

النِّعْمَة لَهُم لَا وَالله لَا أفعل ذَلِك وَرجع إِلَى عَامر فَقَالَ: إِن أبي زُرَارَة نَهَانَا أَن نزيد على دِيَة مُضر وَهِي مائَة إِن أَنْتُم رَضِيتُمْ أَعطيتكُم مائَة من الْإِبِل. فَقَالُوا: لَا حَاجَة لنا فِي ذَلِك.) فَانْصَرف لَقِيط فَقَالَ لَهُ معبد: مَالِي يخرجني من أَيْديهم فَأبى ذَلِك عَلَيْهِ لَقِيط وَقَالَ معبد لعامر: يَا عَامر أنْشدك الله لما خليت سبيلي فَإِنَّمَا يُرِيد ابْن الْحَمْرَاء أَن يَأْكُل مَالِي وَلم تكن أمه أم لَقِيط. فَقَالَ عَامر: أبعدك الله إِن لم يشفق عَلَيْك أَخُوك فَأَنا أَحَق أَن لَا أشْفق عَلَيْك. فعمدوا إِلَى معبد فذبحوا شَاة فألبسوه جلدهَا حاراً وشدوا عَلَيْهِ الْقد وبعثوا بِهِ إِلَى الطَّائِف فَلم يزل بهَا حَتَّى مَاتَ. فَقَالَ فِي ذَلِك عَوْف بن عَطِيَّة بن الخرع: (هلا كررت على ابْن أمك ... الْبَيْتَيْنِ) وَالْكر هُنَا: الرُّجُوع فِي حومة الْحَرْب لاستخلاص أَخِيه من الْحَرْب. واتفقت جَمِيع الرِّوَايَات على قَوْله ابْن أمك مَعَ أَنَّهُمَا من أَمِين. قَالَ ابْن حبيب فِي شرح النقائض: لَيست أمهما وَاحِدَة وَلَكِن أمهما أُمَّهَات فجمعهما. وَرَوَاهُ ابْن السَّيِّد فِيمَا كتبه على كَامِل الْمبرد: على أَخِيك معبدٍ. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد الْأَعرَابِي الْأسود فِي ضَالَّة الأديب: قد غلط ابْن الْأَعرَابِي من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَن الشّعْر لعوف بن الخرع وَهُوَ قد نسبه إِلَى ابْن كرَاع.

وَالثَّانِي: أَنه قَالَ: على ابْن أمك وَإِنَّمَا الرِّوَايَة على أَخِيك بِالتَّصْغِيرِ لِأَن معبدًا لم يكن لأم لَقِيط. وَقَوله: والعامري يَقُودهُ إِلَخ جملةٌ حَال من التَّاء فِي كررت. والصفاد بِالْكَسْرِ: جمع صفد بِفتْحَتَيْنِ وَهُوَ الْقَيْد. وَقَوله: وَذكرت من لبن إِلَخ الْجُمْلَة معطوفة على هلا كررت. والمحلق بتَشْديد اللَّام الْمَفْتُوحَة قَالَ صَاحب النقائض: المحلق سمة ابل بني زُرَارَة. وقالابن السَّيِّد فِيمَا كتبه على الْكَامِل: المحلق: إبلٌ موسومة بِالْحلقِ على وَجههَا. وَقَالَ ابْن الشجري فِي أَمَالِيهِ: أَي: من لبن النعم الَّذِي عَلَيْهِ وسومٌ كأمثال الْحلق. وَقَوله: وَالْخَيْل تعدوا الْجُمْلَة حَال من تَاء الْمُخَاطب فِي ذكرت. والصعيد: وَجه الأَرْض. وروى بدله: بالصفاح بِالْكَسْرِ. قَالَ ابْن السَّيِّد: وَهُوَ مَوضِع. قَالَ الأعلم: يَقُول هَذَا للقيط بن زُرَارَة التَّمِيمِي وَكَانَ قد انهزم فِي حربٍ أسر فِيهَا أَخُوهُ معبد بن زُرَارَة فَعَيَّرَهُ وَنسب إِلَيْهِ الْحِرْص على الطَّعَام وَالشرَاب وَأَن ذَلِك حمله على الانهزام وَأَرَادَ بالمحلق قطيع إبلٍ وسم بِمثل الْحلق من وسم النَّار. انْتهى. قَالَ ابْن قُتَيْبَة فِي أَبْيَات الْمعَانِي: قَالَ مقاس العائذي: (تذكرت الْخَيل الشّعير عَشِيَّة ... وَكُنَّا أُنَاسًا يعلفون الأياصرا)

. أَي: ذكرْتُمْ الْحبّ والقرى فانهزمتم وَرَجَعْتُمْ إِلَيْهَا وَنحن نعلف الْحَشِيش فَنحْن نسير لَا ننهزم وَلَا نبالي أَيْن كُنَّا. ونحوٌ مِنْهُ قَول عَوْف بن عَطِيَّة بن الخرع للقيط بن زُرَارَة: هلا كررت على ابْن أمك ... ... ... ... ... . . الْبَيْتَيْنِ) والمحلق: إبلٌ سماتها الْحلق. وبداد: مُتَفَرِّقَة. انْتهى. والأياصر: جمع أيصر وَهُوَ الْحَشِيش. وَهَذِه الْوَقْعَة يُقَال لَهَا: يَوْم رحرحان براءين وحاءين مهملات وَهُوَ جبل قرب عكاظ. وَقد شرح خبر هَذَا الْيَوْم شَارِح المناقضات شرحاً مفصلا قَالَ: قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: حَدثنِي أَبُو الوثيق أحد بني سلمى بن مَالك بن جَعْفَر بن كلاب قَالَ: لما التحف بَنو دارم على الْحَارِث بن ظَالِم لما قتل خَالِد بن جَعْفَر بن كلاب وأبى بَنو دارم أَن يسلموه أَو يخرجوه من عِنْدهم غزاهم ربيعَة بن الْأَحْوَص بن جَعْفَر بن كلاب بأفناء عَامر طَالبا بِدَم أَخِيه خَالِد بن جَعْفَر عِنْد الْحَارِث بن ظَالِم فقاتل فِي الْقَوْم فهزمت بَنو دارم وهرب معبد بن زُرَارَة. فَقَالَ رجلٌ من غَنِي لعامر والطفيل ابْني مَالك بن جَعْفَر بن كلاب: هَذَا رجل معلم بعمامة حَمْرَاء فِي رَأسه جرح رَأَيْته يسند فِي الهضبة أَي: يصعد وَكَانَ معبد قد طعن فصرع فَلَمَّا أجلت عَنهُ الْخَيل سَنَد فِي هضبةٍ من رحرحار وَهُوَ جبل فَقَالَ عَامر وَأَخُوهُ الطُّفَيْل للغنوي: اسند واحدره. فسند الغنوي فحدره عَلَيْهِمَا فَإِذا هُوَ معبد بن زُرَارَة. فأعطيا الغنوي عشْرين بكرَة وَصَارَ أسيرهما.

وَأما درواس بن هنيٍّ أحد بني زُرَارَة فَزعم أَن معبدًا كَانَ برحرحان متنحياً عَن قومه فِي عشراوات لَهُ فَأخْبر الْأَحْوَص بمكانه فاغتره فوفد لَقِيط بن زُرَارَة عَلَيْهِم فِي فدَاء أَخِيه فَقَالَ: لكم عِنْدِي مِائَتَا بعير. فَقَالُوا: إِنَّك يَا أَبَا نهشل سيد النَّاس وأخوك معبد سيد مُضر فَلَا نقبل فداءه مِنْك إِلَّا دِيَة مَالك. فَأبى أَن يزيدهم وَقَالَ: إِن أَبَانَا أوصانا أَن لَا نزيد بأسيرٍ منا على مِائَتي بعير فيحب النَّاس أَخذنَا. فَقَالَ معبد: وَالله لقد كنت أبْغض إخوتي إِلَيّ وفادةً عَليّ لَا تدعني وَيلك يَا لَقِيط فوَاللَّه إِن عدَّة نعمي لأكْثر من ألف بعير فافدني بِأَلف بعير من مَالِي فَأبى لَقِيط وَقَالَ: تصير سنة علينا. فَقَالَ معبد: وَيلك يَا لَقِيط لَا تدعني فَلَا تراني بعد الْيَوْم أبدا فَأبى لَقِيط ومناه أَن يغزوهم ويستنقذه ورحل عَن الْقَوْم فَمَا سقوا معبدًا المَاء حَتَّى هلك هزلا. وَقَالَ أَبُو الوثيق: لما أَبى لَقِيط أَن يتفادى معبدًا بِأَلف بعير ظنُّوا أَنه سيغزوهم فَقَالُوا: ضَعُوا معبدًا فِي حصن هوَازن. فَحَمَلُوهُ حَتَّى وضعوه بِالطَّائِف فَجعلُوا إِذا سقوه قراه لم يشرب وَضم بَين فقميه وَقَالَ: لَا أقبل قراكم وَأَنا فِي الْقد أسيركم فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِك عَمدُوا إِلَى عودٍ فأولجوه فِي فِيهِ وفتحوا فَاه ثمَّ أوجروه اللَّبن رَغْبَة فِي فدائه وكراهية أَن يهْلك. فَلم يزل كَذَلِك حَتَّى هلك فِي الْقد. فَلَمَّا هجا لقيطٌ عديا وتيماً قَالَ عَطِيَّة بن عَوْف التَّيْمِيّ يعيره أسر بني عَامر معبدًا وفراره عَنهُ:)

فَلَمَّا انْقَضتْ وقْعَة يَوْم رحرحان جمع لَقِيط بن زُرَارَة لبني عَامر وألب عَلَيْهِم. وَبَين يَوْم رحرحان وَيَوْم جبلة سنة وَكَانَ يَوْم جبلة قبل الْإِسْلَام بِخمْس وَأَرْبَعين سنة فِي قَول المكثر وَذَلِكَ عَام ولد النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ. وَفِي قَول المقلل: أَرْبَعِينَ سنة. انْتهى بِاخْتِصَار. وعَوْف بن خرع التَّيْمِيّ شَاعِر جاهلي وَهُوَ عَوْف بن عَطِيَّة بن الخرع وَاسم الخرع عَمْرو بن عَيْش بن وريقة بن عبد الله بن لؤَي بن عَمْرو بن الْحَارِث ابْن تيم بن عبد مَنَاة بن أد بن طابخة بن إلْيَاس بن مُضر بن نزار بن معد بن عدنان. كَذَا فِي جمهرة الْأَنْسَاب. فالخرع لقب جده وَهُوَ بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَكسر الرَّاء بعْدهَا عين. وَله ديوَان صَغِير وَهُوَ عِنْدِي. وَأنْشد بعده الشَّاهِد الثَّانِي وَالسَّبْعُونَ بعد الأربعمائة (قد كنت أحسبكم أسود خفيةٍ ... فَإِذا لصاف تبيض فِيهِ الْحمر) على أَن فعال فِي الْأَعْلَام الشخصية جَمِيع ألفاظها مُؤَنّثَة. وَأما لصاف هُنَا فَإِنَّمَا ذكره بإرجاع الضَّمِير عَلَيْهِ من فِيهِ لتأويله بالموضع وَهُوَ منزلٌ من منَازِل بني تَمِيم. وَرُوِيَ أَيْضا فِيهَا بتأنيث الضَّمِير فَلَا إِشْكَال حِينَئِذٍ.

أَقُول: الَّذِي رَوَاهُ: فِيهِ بضمير الْمُذكر هُوَ صَاحب الصِّحَاح والعباب. وَالَّذِي رَوَاهُ: فِيهَا بضمير الْمُؤَنَّث جمَاعَة كَثِيرَة مِنْهُم ابْن السّكيت فِي إصْلَاح الْمنطق والقالي فِي أَمَالِيهِ وَأَبُو مُحَمَّد الْأَعرَابِي فِي ضَالَّة الأديب وَأَبُو الْعَلَاء المعري فِي شرح ديوَان البحتري وَأَبُو عبيدٍ الْبكْرِيّ فِي مُعْجم مَا استعجم. قَالَ ابْن دُرَيْد فِي الجمهرة بعد إنشاده الْبَيْت: يخرج لصاف مخرج الْمُؤَنَّث فَتَقول: هَذِه لصاف وَرَأَيْت لصاف ومررت بلصاف فَهُوَ لَا ينْصَرف. وَكَانَ أَبُو عُبَيْدَة يَقُول: هَذَا لصاف مبنيٌّ على الْكسر أخرجه مخرج حذام وقطام. وَإِن رفعت فجيد وَإِن نصبت فَجَائِز. انْتهى. قَالَ الصَّاغَانِي فِي كتاب فعال: وَبَعْضهمْ يجريه مجْرى مَا ينْصَرف. وَقد صرفه الشَّاعِر فِي قَوْله: (إِن لصافاً لَا لصاف فاصبري ... الْبَيْت) ولصاف بِاللَّامِ وَالصَّاد الْمُهْملَة: اسْم ماءٍ فِي موضعٍ بَين مَكَّة والبصرى لبني يَرْبُوع من قَبيلَة تَمِيم. قَالَ أَبُو عبيدٍ فِي المعجم: قَالَ الْأَثْرَم: لصاف: مَاء لبني يَرْبُوع

وَكَانَت لصاف هِيَ وَمَا يَليهَا من الْمِيَاه والمواضع أَولا لإياد وفيهَا يَقُول عبد ناجر الْإِيَادِي: (إِن لصافاً لَا لصاف فاصبري ... إِذْ حقق الركْبَان موت الْمُنْذر) ثمَّ نزلتها بَنو تَمِيم فَصَارَت لَهُم. ولصاف مَوضِع رفعٍ على الِابْتِدَاء وَجُمْلَة تبيض إِلَخ خَبره.) والحمر بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الْمِيم الْمَفْتُوحَة: ضربٌ من الطير كالعصفور الْوَاحِدَة حمرَة وَقد تخفف الْمِيم فَيُقَال: حمر وَحُمرَة. أنْشد ابْن السّكيت لِابْنِ أَحْمَر: (إِن لَا تداركهم تصبح مَنَازِلهمْ ... قفراً تبيض على أرجائها الْحمر) كَذَا فِي الصِّحَاح وَأنْشد الْبَيْت. وَقَالَ أَبُو حَاتِم فِي كتاب الطير: الْحمر بِعظم العصفور وَتَكون كدراء ورقشاء. قَالَ أَبُو الْعَلَاء المعري فِي شرح ديوَان البحتري: يجوز أَن

يكون كلٌ من المشدد والمخفف لُغَة وَيجوز أَن يكون المخفف ضَرُورَة لِأَن إِحْدَى الميمين زَائِدَة. وَقد ذكر ابْن السّكيت المخفف فِي بَاب فعلة فَأوجب عَلَيْهِ ذَلِك أَن يكون يرى التَّخْفِيف أفْصح. وَمذهب سِيبَوَيْهٍ والخليل أَن الْمِيم الأولى هِيَ الزَّائِدَة وَمذهب غَيرهمَا أَن الثَّانِيَة هِيَ المزيدة. وكلا الْقَوْلَيْنِ لَهُ مساغ. قَالَ صَاحب الْعباب: وَابْن لِسَان الْحمرَة كوفيُّ نسابة واسْمه عبد الله بن حُصَيْن ابْن ربيعَة بن صعير بن كلاب. وحصين هُوَ لِسَان الْحمرَة. وقرأت فِي كتاب الفهرست لمُحَمد بن إِسْحَاق بن النديم بِخَطِّهِ: أَن اسْم ابْن لِسَان الْحمرَة وَرْقَاء بن الأسعر. انْتهى. وخفية بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَكسر الْفَاء بعْدهَا مثناة تحتية مُشَدّدَة قَالَ الْخَلِيل: هِيَ اسْم غيضة ملتفة تتخذها الْأسد عريناً. كَذَا فِي المعجم لأبي عبيد. يَقُول: كنت أحسبكم شجعاناً كأسود خُفْيَة فَإِذا أَنْتُم جبناء ضعفاء فَكَأَن أَرْضكُم لصاف يتَوَلَّد فِيهَا هَذَا الطير لَا الرِّجَال. وَالْبَيْت أول أبياتٍ لأبي المهوش الْأَسدي هجا بهَا نهشل بن حري أوردهَا أَبُو مُحَمَّد الْأَعرَابِي فِي ضَالَّة الأديب وَهِي: (قد كنت أحسبكم أسود خفيةٍ ... فَإِذا لصاف تبيض فِيهَا الْحمر)

(عضت تميمٌ جلد أير أَبِيهِم ... يَوْم الوقيط وعاونتها حضجر) (وكفاهم من أمّهم ذُو بنةٍ ... عبل المشافر ذُو قليلٍ أَسعر) (ذهبت فشيشة بالأباعر حولنا ... سرقاً فصب على فشيشة أفجر) (منعت حنيفَة واللهازم مِنْكُم ... قشر الْعرَاق وَمَا يلذ الحنجر) (وَإِذا تسرك من تميمٍ خلةٌ ... فَلَمَّا يسوؤك من تميمٍ أَكثر) (يَا نهشل بن أبي ضميرٍ إِنَّمَا ... من مثل سلح أَبِيك مَا تستقطر) (إِذْ كَانَ حريٌّ سقيط وليدةٍ ... بظراء يرْكض كاذتيها العهر) قَوْله: فترفعوا هدج إِلَخ استهزاءٌ بهم. وهدج الرئال مَنْصُوب بِنَزْع الْخَافِض أَي: عَن هدجه) وَهُوَ مصدر وَفعله من بَاب فَرح يُقَال: هدج الظليم إِذا مَشى فِي ارتعاش. والرئال: جمع رأل بِفَتْح الرَّاء وَسُكُون الْهمزَة وَهُوَ فرخ النعام. والهجيم بِالتَّصْغِيرِ والعنبر أَخَوان وهما ابْنا عَمْرو بن تَمِيم. وَأَرَادَ أولادهما فَإِن كلا مِنْهُمَا أَبُو قَبيلَة.

وَقَوله: عضت تَمِيم إِلَخ روى بدل تَمِيم أسيد مصغر أسود لَا ينْصَرف وَهُوَ أَخُو الهجيم والعنبر. وروى أَيْضا بدل جلد جذل بِكَسْر الْجِيم وَسُكُون الذَّال الْمُعْجَمَة وَهُوَ أصل الْحَطب الْعَظِيم. شبه أير أَبِيهِم بِهِ. وَهَذَا الْكَلَام سبٌّ وتذليل عِنْد الْعَرَب. وَأَرَادَ بتميم مَا تفرع مِنْهُ من الْقَبَائِل والبطون. وَيَوْم القيظ كَانَ فِي فتْنَة عُثْمَان بن عَفَّان وَهُوَ للهازم رئيسهم أبجر بن بجير على بني مَالك بن حَنْظَلَة. فَأَما بَنو عَمْرو بن تَمِيم فأنذرهم ناشب بن بشامة الْعَنْبَري فَدَخَلُوا الدهناء فنجوا. وَفِي هَذَا الْيَوْم أسر ضرار بن معبد بن زُرَارَة. وحضجر بِفَتْح الْمُهْملَة وَسُكُون الْمُعْجَمَة بعْدهَا جِيم وَهُوَ لقب العنبر. قَالَه أَبُو مُحَمَّد الْأَعرَابِي. والمعاونة كَانَت بالإنذار كَمَا ذكرنَا. وَقَوله: وكفاهم من أمّهم ضمير هم راجعٌ لأسيد والهجيم والعنبر وأمهم هِيَ أم خَارِجَة الْمَشْهُورَة بِالنِّكَاحِ يُقَال فِيهَا: أسْرع من نِكَاح أم خَارِجَة. كَانَت ذواقة إِذا ذاقت الرجل طلقته وَتَزَوَّجت غَيره. فَتزوّجت نيفاً وَأَرْبَعين زوجا ولدت فِي عَامَّة قبائل الْعَرَب. وَكَانَ الْخَاطِب يَأْتِيهَا فَيَقُول: خطب فَتَقول: نكح وَكَانَ أمرهَا إِلَيْهَا إِذا تزوجت إِن شَاءَت أَقَامَت وَإِن شَاءَت ذهبت فَيكون عَلامَة ارتضائها للزَّوْج أَن تصنع لَهُ طَعَاما كلما تصبح. وَكَانَ آخر أزواجها عَمْرو بن تَمِيم وَهُوَ المُرَاد بقوله ذُو بنة بِفَتْح الْمُوَحدَة وَتَشْديد النُّون وَهِي رَائِحَة بعر الظباء والرائحة أَيْضا. والعبل: الضخم. والمشفر بِالْكَسْرِ فِي الأَصْل: شفة الْبَعِير. والقليل بِالْقَافِ: دقة الجثة. والأسعر بِالسِّين وَالْعين الْمُهْمَلَتَيْنِ: الْقَلِيل اللَّحْم الظَّاهِر العصب. وَصفه بحقارة الجثة.

وَقَوله: ذهبت فشيشة بِالْفَاءِ والشين المعجم: لقبٌ لبَعض بني تَمِيم. وأبجر: رَئِيس اللهازم. وَقَوله: منعت حنيفَة واللهازم حنيفَة: أَبُو قَبيلَة وَهُوَ حنيفَة بن لجيم بن صَعب بن عَليّ بن بكر بن وَائِل. واللهازم: هِيَ تيم الله بن ثَعْلَبَة بن عكابة بن صَعب بن عَليّ الْمَذْكُور. واللهازم حلفاء بني عجل وَعجل أَخُو حنيفَة الْمَذْكُور. والقشر بِفَتْح الْقَاف وَكسر الشين وَهُوَ التَّمْر الْكثير القشور. والحنجر: الْحُلْقُوم. وَقَوله: وَإِذا تسرك إِلَخ الْخلَّة بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة هِيَ الْخصْلَة. وَقَوله: يَا نهشل إِلَخ هُوَ نهشل بن حري بن ضَمرَة وَهُوَ شقة ابْن ضَمرَة بن جَابر بن قطن بن نهشل بن دارم بن مَالك بن حَنْظَلَة بن مَالك بن زيد مَنَاة ابْن تَمِيم. وَضمير هُوَ مصغر ضَمرَة. والسلح: التغوط وَهُوَ مصدر سلح.) وَالسِّلَاح بِالضَّمِّ: اسْم النجو والعذرة. وتستقطر: تتبخر بالقطر بِالضَّمِّ وَهُوَ الْعود الَّذِي يبخر بِهِ. وَقَوله: إِذْ كَانَ حري بِفَتْح الْمُهْملَة وَتَشْديد الرَّاء وَالْيَاء وَهُوَ أَبُو نهشل المهجو. وسقيط بِمَعْنى السقط. والوليدة: الخادمة. والبظراء: الَّتِي لم تختن. ويركض: يُحَرك. والكاذتان: مَا نتأ من اللَّحْم فِي أعالي الْفَخْذ. والعهر: جمع عاهر وَهُوَ الزَّانِي. رمى أمه بِالْفُجُورِ.

ذكر الْمَدَائِنِي وَغَيره قَالَ: مر الفرزدق بمضرس بن ربعي الْأَسدي وَهُوَ ينشد بالمربد وَقد اجْتمع النَّاس حوله فَقَالَ: يَا أَخا بني فقعس كَيفَ تركت القنان قَالَ: تبيض فِيهِ الْحمر. قَالَ: أَرَادَ الفرزدق قَول نهشل بن حري: (ضمن القنان لفقعسٍ سوءاتها ... إِن القنان بفقعسٍ لمعمر) وَأَرَادَ مُضرس قَول أبي المهوش الْأَسدي: (قد كنت أحسبكم أسود خفيةٍ ... فَإِذا لصاف تبيض فِيهَا الْحمر) (عضت أسيد جذل أير أَبِيهِم ... يَوْم النسار وخصيتيه العنبر) نسبهم إِلَى الْجُبْن بقوله: فَإِذا لصاف تبيض إِلَخ ثمَّ أعضهم أير أَبِيهِم لفرارهم يَوْم النسار. وَقَالَ القالي فِي أَمَالِيهِ: حَدثنَا أَبُو بكر قَالَ: قيل للفرزدق: إِن هَا هُنَا أَعْرَابِيًا قَرِيبا

مِنْك ينشد شعرًا رَقِيقا. فَقَالَ: إِن هَذَا لقائف أَو لحائن فَأَتَاهُ فَقَالَ: مِمَّن الرجل قَالَ: من بني فقعس. قَالَ: كَيفَ تركت القنان قَالَ: تركته يُسَايِر لصاف. فَقلت: مَا أَرَادَ قَالَ: أَرَادَ الفرزدق قَول الشَّاعِر: ضمن القنان لفقعسٍ سوءاتها ... ... ... ... . . الْبَيْت وَأَرَادَ الفقعسي قَول الآخر: وَإِذا تسرك من تميمٍ خصلةٌ ... ... ... ... . . الْبَيْت قد كنت أحسبهم أسود خفيةٍ ... ... ... ... . . الْبَيْت (أكلت أسيد والهجيم ودارم ... أير الْحمار وخصيتيه العنبر) انْتهى. قَالَ أَبُو عبيد الْبكْرِيّ فِيمَا كتبه على أمالي القالي: الْبَيْت الْأَخير محول عَن وَجهه وَالْمَحْفُوظ فِيهِ: انْتهى. وَبَنُو تَمِيم لَا تعير بِأَكْل أير الْحمار وَإِنَّمَا تعير بِهِ بَنو فَزَارَة. وَقَوله: يُسَايِر لصاف من الْمحَال الَّذِي لَا يجوز إِلَّا إِذا سيرت الْجبَال فَكَانَت سراباً

والتعريض الْحسن هُوَ مَا نقلنا. انْتهى.) قلت: وَقد روى الْبَيْت الْمَذْكُور أَبُو مُحَمَّد الْأَعرَابِي كَمَا رَوَاهُ القالي وَهُوَ خطأ كَمَا بَينا. وقنان بِفَتْح الْقَاف ونونين: جبل فِي ديار بني فقعس. وَأَبُو مهوش الْأَسدي قَالَ ابْن الْكَلْبِيّ فِي جمهرة الْأَنْسَاب: هُوَ ربيعَة ابْن رِئَاب بن الأشتر بن حجوان بن فقعس بن طريف بن عَمْرو بن قعين بن الْحَارِث بن ثَعْلَبَة بن دودان بن أَسد بن خُزَيْمَة بن مدركة بن إلْيَاس بن مُضر. ومهوش بِكَسْر الْوَاو الْمُشَدّدَة بعْدهَا شين مُعْجمَة. وحوط بواو سَاكِنة بَين مهملتين. ورئاب برَاء مُهْملَة مَكْسُورَة بعْدهَا همزَة ممدودة. وحجوان بِفَتْح الْمُهْملَة وَسُكُون الْجِيم. وقعين بِضَم الْقَاف وَفتح الْعين. ودودان بِضَم الدَّال الْمُهْملَة الأولى. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد الْأَعرَابِي فِي ضَالَّة الأديب: اسْمه حوط بن رِئَاب. وَبِه تَرْجَمَة ابْن حجر فِي الْإِصَابَة فِي قسم المخضرمين الَّذين أدركوا النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وَلم يروه. قَالَ: حوط بن رِئَاب الْأَسدي الشَّاعِر ذكر أَبُو عبيد الْبكْرِيّ فِي شرح الأمالي أَنه مخضرم. وَهُوَ الْقَائِل: ...

(دَنَوْت للمجد والساعون قد بلغُوا ... جهد النُّفُوس وألقوا دونه الأزرا) فَظهر من هَذَا أَنه إسلامي. وَلم أر لَهُ فِي كتب تراجم الشُّعَرَاء ذكرا. وَالله أعلم.

(الأصوات)

(الْأَصْوَات) أنْشد فِيهِ: باسم المَاء وَهُوَ قِطْعَة من بَيت وَهُوَ: (لَا ينعش الطّرف إِلَّا مَا تخونه ... داعٍ يُنَادِيه باسم المَاء مبغوم) وَتقدم شَرحه مفصلا فِي الشَّاهِد السَّابِع بعد الثلثمائة. وَأنْشد بعده 3 - (الشَّاهِد الثَّالِث وَالسَّبْعُونَ بعد الأربعمائة) كَمَا رعت بالجوت وَهُوَ قِطْعَة من بَيت: (دعاهن ردفي فارعوين لصوته ... كَمَا رعت بالجوت الظماء الصواديا) على أَن بعض الْأَصْوَات قد يدْخلهُ أَدَاة التَّعْرِيف.

قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ فِي الْمفصل بعد مَا أنْشدهُ: هُوَ بِالْفَتْح محكياً مَعَ الْألف وَاللَّام. وَقَالَ ثَعْلَب فِي أَمَالِيهِ: يُقَال للبعير جوت جوت إِذا دَعوته إِلَى المَاء وَإِذا أدخلُوا الْألف وَاللَّام تركوها على حَالهَا. وَكَانَ أَبَا عمرٍ ويكسر التَّاء وَيَقُول: إِذا أدخلت عَلَيْهِ الْألف وَاللَّام ذهبت مِنْهُ الْحِكَايَة. وَجوز ابْن النَّاظِم فِي شرح الألفية الْوَجْهَيْنِ: الْجَرّ على الْإِعْرَاب وَالْفَتْح على الْحِكَايَة. قَالَ الصغاني فِي الْعباب: يُقَال إِلَى الْإِبِل: جوت بِفَتْح الْجِيم وَالتَّاء الْمُثَنَّاة إِذا دعيت إِلَى المَاء. وَحكى الْفراء: جوت بِفَتْح الأول وَكسر الآخر وضمه أَيْضا. فالجيم مَفْتُوحَة لَا غير. وَالتَّاء ورد فِيهَا الحركات الثَّلَاث. قَالَ صَاحب الْقَامُوس: جوت جوت مُثَلّثَة الآخر مَبْنِيَّة: دعاءٌ لِلْإِبِلِ إِلَى المَاء. وَقد جأوتها وجأيتها. أَو زجرٌ لَهَا. وَالِاسْم الجوات. وَأما حوب بِفَتْح الْهَاء الْمُهْملَة وَآخره بَاء مُوَحدَة فَهُوَ زجرٌ لِلْإِبِلِ وَلَيْسَ بمرادٍ هُنَا وباؤه مُثَلّثَة الحركات وَقد أَخذ مِنْهُ فعلٌ فَقيل: حوب فلَان بِالْإِبِلِ إِذا قَالَ فِي زجرها: حوب. وَالْبَيْت وَقع فِي شعري شاعرين: أَحدهمَا: فِي شعر عويف القوافي وَهُوَ الْمَشْهُور. وَاخْتلف فِي مَعْنَاهُ فَقيل: أَرَادَ بالردف تَابعه من الْجِنّ فَإِن القوافي إِذا تزاحمت فِي خاطره ووسوسته يَقُولُونَ: إِن لَهُ شَيْطَانا يوسوسه. فضمير دعاهن للقوافي أَي: دَعَا شيطاني القوافي فأجبنه وانثلن عَلَيْهِ. يَعْنِي

أَن الشّعْر أطاعه. والردف بِالْكَسْرِ فِي الأَصْل: المرتدف وَهُوَ الَّذِي يركب خلف الرَّاكِب. والارعواء: النُّزُوع عَن الْجَهْل وَحسن الرُّجُوع عَنهُ. ورعت بِالْخِطَابِ هُوَ من قَوْلهم: هَذِه شربةٌ رَاع بهَا فُؤَادِي أَي: برد بهَا غلَّة روعي بِالضَّمِّ وَهُوَ الْقلب أَو مَوضِع الْفَزع مِنْهُ أَو سوَاده. وَقيل: هُوَ من راعه بِمَعْنى أعجبه. والظماء: جمع ظمآن وظمآنةٍ من ظمئ كفرح أَي: عَطش أَو اشْتَدَّ عطشه. والصوادي: جمع صادية من الصدى وَهُوَ الْعَطش وَفعله من بَاب رَضِي. وَقيل: مَعْنَاهُ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُور: أَن رديفه لما دَعَا النِّسَاء اجْتَمعْنَ ورجعن عَمَّا كن عَلَيْهِ من الشّغل كَمَا لَو دَعَوْت إِلَى الشّرْب الْإِبِل فالتففن وتضاممن للشُّرْب. فضمير دعاهن رَاجع للنِّسَاء. وَلم أَقف على مَا قبل الْبَيْت حَتَّى أتحققه. وَالثَّانِي: وَقع فِي شعر سحيم عبد بني الحسحاس) هَكَذَا: وأوده ردفي فارعوين لصوته إِلَخ وأوده فعل مَاض قَالَ صَاحب الْقَامُوس: أوده بِالْإِبِلِ أَي: صَاح بهَا. وَيُوجد فِي بعض نسخ مجمع الْأَمْثَال للميداني عِنْد قَوْله: إِلَّا دهٍ فَلَا دهٍ قَالَ أَبُو السَّمْح: أَظُنهُ من الإيداء وَهُوَ الإهابة بِالْإِبِلِ. وَأنْشد هَذَا الْبَيْت. وَقد وَقع المصراع الأول صدر بَيت من قصيدة لمضرس بن ربعي وَهِي قصيدة مُخْتَلفَة الْمعَانِي وصف فِيهَا الْإِبِل ثمَّ قَالَ: ...

(دعاهن ردفي فارعوين لصوته ... وقلن لحاديهن هَل أَنْت ناظره) قَالَ الْأَصْمَعِي: دعاؤه: أَن يُغني ليعرفن صَوته وإنشاده فيحبسن عَلَيْهِ. وَمثله: (نادوا الَّذين تحملوا كي يربعوا ... كَيْمَا يودع عاشقٌ ويودعوا) وأضيف عويف إِلَى القوافي لقَوْله: وَيُشبه أَن يكون هَذَا الْبَيْت من قصيدة الْبَيْت الشَّاهِد. وعويف هُوَ عويف بن مُعَاوِيَة بن عقبَة بن ثَعْلَبَة بن حصن وَقيل: بن عقبَة بن عُيَيْنَة بن حصن بن حُذَيْفَة بن بدر بن عَمْرو بن جؤية بن لوذان بن ثَعْلَبَة ابْن عدي فَزَارَة بن ذبيان بن بغيض بن ريث بن غطفان بن سعد بن قيس بن عيلان بن مُضر بن نزار. وعويف القوافي شَاعِر مقلٌّ من شعراء الدولة الأموية من سَاكِني الْكُوفَة وبيته أحد البيوتات الْمُتَقَدّمَة الفاخرة فِي الْعَرَب. قَالَ أَبُو عُبَيْدَة حَدثنِي أَبُو عَمْرو بن الْعَلَاء أَن الْعَرَب كَانَت تعد البيوتات الْمَشْهُورَة بِالْكبرِ والشرف من الْقَبَائِل بعد بَيت هَاشم بِمَ عبد منَاف فِي قُرَيْش ثَلَاثَة بيوتات. وَمِنْهُم من يَقُول أَرْبَعَة. أَولهَا بَيت آل حُذَيْفَة بن بدر الْفَزارِيّ: بَيت قيسٍ. وَبَيت آل زُرَارَة بن عدس الدارميين: بَيت تَمِيم. وَبَيت آل الجدين بن عبد الله بن همام: بَيت شَيبَان. وَبَيت بني الديَّان من بني الْحَارِث بن كَعْب. بَيت الْيمن.

وَأما كِنْدَة فَلَا يعدون من أهل البيوتات إِنَّمَا كَانُوا ملوكاً. وروى صَاحب الأغاني بِسَنَدِهِ أَن عويف القوافي وقف على جرير بن عبد الله البَجلِيّ وَهُوَ فِي مَسْجده فَقَالَ: (أصب على بجيلة من شقاها ... هجائي حِين أدركني المشيب) فَقَالَ لَهُ جرير: أَلا أَشْتَرِي مِنْك أَعْرَاض بجيلة قَالَ: بلَى. قَالَ: قل. قَالَ: بِأَلف دِرْهَم وبرذون. فَأمر لَهُ بِمَا طلب فَقَالَ: فَقَالَ جرير: مَا أَرَاهُم نَجوا مِنْك بعد وروى بِسَنَدِهِ أَيْضا إِلَى أبي بردة الْأَشْعَرِيّ قَالَ: حضرت) مَعَ عمر بن عبد الْعَزِيز جَنَازَة فَلَمَّا انْصَرف انصرفت مَعَه وَعَلِيهِ عمامةٌ قد سدلها من خَلفه فَمَا علمت بِهِ حَتَّى اعْتَرَضَهُ رجل على بعير فصاح بِهِ: (أجبني أَبَا حفصٍ لقِيت مُحَمَّدًا ... على حَوْضه مُسْتَبْشِرًا ورآكا) فَقَالَ عمر بن عبد الْعَزِيز: لبيْك ووقف ووقف النَّاس مَعَه ثمَّ قَالَ لَهُ: فَمه فَقَالَ: ...

(فَأَنت امرؤٌ كلتا يَديك مفيدةٌ ... شمالك خيرٌ من يَمِين سواكا) قَالَ: ثمَّ مَه فَقَالَ: (بلغت مدى المجرين قبلك إِذا جروا ... وَلم يبلغ المجرون بعد مداكا) (فجداك لَا جدين أكْرم مِنْهُمَا ... هُنَاكَ تناهى الْمجد ثمَّ هناكا) فَقَالَ لَهُ عمر: أَرَاك شَاعِرًا مَا لَك عِنْدِي من حق. قَالَ: وَلَكِنِّي سائلٌ وَابْن سَبِيل وَذُو سهمة. فَالْتَفت عمر إِلَى قهرمانه فَقَالَ: أعْطه فضل نفقتي. فَقَالَ: وَإِذا هُوَ عويف القوافي الْفَزارِيّ. وَكَانَت أُخْت عويف القوافي تَحت عُيَيْنَة بن أَسمَاء بن خَارِجَة الْفَزارِيّ فَطلقهَا عُيَيْنَة فَكَانَ عويفٌ مراغماً لعيينة وَقَالَ: الْحرَّة لَا تطلق لغير مَا بَأْس. فَلَمَّا حبس الْحجَّاج عُيَيْنَة وَقَيده قَالَ عويف: (خبرٌ أَتَانِي من عُيَيْنَة موجعٌ ... ولمثله تتصدع الأكباد) (بلغ النُّفُوس بلاؤها فكأننا ... موتى وَفينَا الرّوح والأجساد) (سَاءَ الْأَقَارِب يَوْم ذَاك وَأَصْبحُوا ... بهجين قد سرت بِهِ الحساد) ...

(الشاهد الرابع والسبعون بعد الأربعمائة)

(يرجون عَثْرَة جدنا وَلَو أَنهم ... لَا يدْفَعُونَ بِنَا المكاره بادوا) (لما أَتَانِي عَن عُيَيْنَة أَنه ... عانٍ تظاهر فَوْقه الأقياد) (نخلت لَهُ نَفسِي النَّصِيحَة إِنَّه ... عِنْد الحفائظ تذْهب الأحقاد) (وَذكرت أَي فَتى يسد مَكَانَهُ ... بالرفد حِين تقاصر الأرفاد) (أَو من يهين لنا كرائم مَاله ... وَلنَا إِذا عدنا إِلَيْهِ معاد) وَأنْشد بعده 3 - (الشَّاهِد الرَّابِع وَالسَّبْعُونَ بعد الأربعمائة) (ترد بحيهلٍ وعاجٍ وَإِنَّمَا ... من العاج والحيهل جن جنونها) على أَن اسْم الصَّوْت إِذا قصد بِهِ لَفظه أعرب كَمَا فِي الْبَيْت فَإِن عاج وَهُوَ زجرٌ لِلْإِبِلِ لتسرع لما قصد لَفظه أعرب بِالْجَرِّ والتنوين أَولا وبالجر والتعريف ثَانِيًا. أَي: أَنَّهَا ترد بِمُجَرَّد ذكر هَذِه الْكَلِمَة وَهِي اسْم فعل كَمَا تقدم. وَأنْشد ثَعْلَب فِي أَمَالِيهِ بَيْتا فِيهِ حيهل مُعَرفا بِاللَّامِ وَنَقله ابْن بري فِي حَاشِيَة الصِّحَاح قَالَ: قد عرفت الْعَرَب حيهل كَقَوْلِه: ...

(وَقد غَدَوْت قبل رفع الحيهل ... أسوق نابين وناباً مِ الْإِبِل) قَالَ: والنابان: العجوزان. ومِ الْإِبِل أَصله: من الْإِبِل فحذفت مِنْهُ النُّون. وَالْبَيْت الشَّاهِد نسبع الشَّارِح الْمُحَقق لجهم بن الْعَبَّاس وَلم أره إِلَّا فِي شَرحه وَلَا أعرف جهماً من هُوَ. وَالله أعلم. وَأنْشد بعده: تداعين باسم الشيب فِي متثلم ٍ تقدم شَرحه مُسْتَوفى فِي الشَّاهِد الثَّامِن أول الْكتاب. وَأنْشد بعده: كَمَا رعت بالجوت الظماء الصواديا تقدم شَرحه قَرِيبا قبل هَذَا بِشَاهِد وَاحِد. وَأنْشد بعده: إِن لواً وَإِن ليتاً عناء على أَن الْكَلِمَة المبنية إِذا قصد لَفظهَا أعربت كَمَا أعربت لَو ولَيْت. وَسَيَأْتِي الْكَلَام عَلَيْهِ إِن شَاءَ الله فِي بَاب الْعلم. وَأنْشد بعده: (عدس مَا لعبادٍ عَلَيْك إمارةٌ ... نجوت وَهَذَا تحملين طليق)

(الشاهد الخامس والسبعون بعد الأربعمائة)

على أَن عدس فِيهِ زجرٌ للبغل. وَتقدم شَرحه مفصلا فِي الشَّاهِد الثَّامِن وَالْعِشْرين بعد الأربعمائة. وَأنْشد بعده 3 - (الشَّاهِد الْخَامِس وَالسَّبْعُونَ بعد الأربعمائة) (حَتَّى استقامت لَهُ الْآفَاق طائعةٌ ... فَمَا يُقَال لَهُ هيدٌ وَلَا هاد) على أَن الشَّاعِر لما أَرَادَ لفظ هيد وهاد أعربهما بِالرَّفْع على جعل الأول نَائِب فَاعل يُقَال وَالثَّانِي مَعْطُوفًا عَلَيْهِ. وَهَذَا مَأْخُوذ من صِحَاح الْجَوْهَرِي قَالَ فِيهِ: وهيد بِفَتْح الْهَاء وَكسرهَا وهاد: زجر لِلْإِبِلِ. وَأنْشد أَبُو عَمْرو: (وَقد حدوناها بهيدٍ وهلا ... حَتَّى يرى أَسْفَلهَا صَار علا) وَقَوْلهمْ: مَا لَهُ هيد وَلَا هاد أَي: مَا يُقَال لَهُ هيدٌ وَلَا هاد. وَأنْشد الْأَحْمَر: حَتَّى استقامت لَهُ الْآفَاق طائعةٌ الْبَيْت أَي: لَا يُحَرك وَلَا يمْنَع من شَيْء وَلَا يزْجر عَنهُ. اه. وَخَطأَهُ ابْن بري فِي رِوَايَة الرّفْع قَالَ فِي أَمَالِيهِ على الصِّحَاح: الْبَيْت لِابْنِ هرمة وصواب إنشاده بِالْكَسْرِ فِي هيد وهاد لِأَنَّهُمَا مبنيان. وَأول القصيدة:

وَالْبَيْت فِي شعره بِخِلَاف مَا أنْشدهُ الْجَوْهَرِي وَهُوَ: (إِنِّي إِذا الْجَار لم تحفظ مَحَارمه ... وَلم يقل دونه هيدٍ وَلَا هاد) (لَا أخذل الْجَار بل أحمي مباءته ... وَلَيْسَ جاري كعشٍ بَين أَعْوَاد) انْتهى. وَتَبعهُ الصّلاح الصَّفَدِي فِي كِتَابه نُفُوذ السهْم فِيمَا وَقع للجوهري من الْوَهم وَنقل كَلَامه برمتِهِ وَقَالَ: فالبيت الَّذِي أوردهُ الْجَوْهَرِي تغير أَكثر أَلْفَاظه مَعَ تَغْيِير القافية لِأَن هيد وهاد مبنيان على الْكسر وهما بِمَعْنى الزّجر عَن الشَّيْء وَفعله. اه. وَأَنا أستبعد أَن يكون بَيت الْجَوْهَرِي من قصيدة ابْن هرمة لاحْتِمَال أَن يكون من شعر آخر. وَالله أعلم. وَقَوله: إربع بِكَسْر الْهمزَة وَفتح الْمُوَحدَة أَي: قف وتحبس. والثواء: الْإِقَامَة. وَقَوله: إِنِّي إِذا الْجَار خبر إِنِّي أول الْبَيْت الثَّانِي وَهُوَ لَا أخذل. والمباءة بِالْفَتْح وَالْمدّ: منزل الْقَوْم فِي كل مَوضِع.

(الشاهد السادس والسبعون بعد الأربعمائة)

وَأما الْبَيْت الأول وَهُوَ: وَقد حدوناها بهيدٍ وهلا فَلم يكْتب ابْن بري عَلَيْهِ شَيْئا وَقد نسب إِلَى الْقِتَال الْكلابِي وَلم يُوجد فِي ديوانه. وَنسبه أَبُو مُحَمَّد الْأَعرَابِي لغيلان بن حريثٍ الربعِي كَذَا: لَيْسَ بثانيها بهيدٍ أَو حلا) وَقَالَ الصَّفَدِي: هلا فِي هَذَا الرجز غلط لِأَن هيد: زجر لِلْإِبِلِ وهلا: زجرٌ للخيل وَالَّذِي يقرن بِهِ هيد إِنَّمَا هُوَ حلا وَكَذَا هُوَ فِي الرجز. وَهُوَ لغيلان. على أَن الْبَيْت مغير. وَالصَّوَاب. لَيْسَ بثانيها بهيدٍ أَو حلا وترجمة ابْن هرمة تقدّمت فِي الشَّاهِد الثَّامِن وَالسِّتِّينَ. وَأنْشد بعده 3 - (الشَّاهِد السَّادِس وَالسَّبْعُونَ بعد الأربعمائة) إِلَّا ده فَلَا ده

هُوَ مثلٌ وَقع فِي قِطْعَة من رجز لرؤبة بن العجاج يُورد النحويون مِنْهُ أَرْبَعَة أَبْيَات وَهِي: (فاليوم قد نهنهني تنهنهي ... وَأول حلم لَيْسَ بالمسفه) (وقولٌ إِلَّا دهٍ فَلَا ده ... وحقةٌ لَيست بقول التره) وصف قبل هَذِه الأبيات شبابه وَمَا كَانَ فِيهِ من مغازلة الغواني ومواصلة الْأَمَانِي إِلَى أَن قَالَ: فاليوم قد زجرني عَمَّا كنت فِيهِ أَرْبَعَة أَشْيَاء: الأول: التنهنه وَهُوَ مُطَاوع نهنهته عَن كَذَا فتنهنه أَي: كففته وزجرته عَنهُ فَكف أَي: زجرني زواجر الْعقل. الثَّانِي: أول حلم أَي: رُجُوع الْعقل لَا ينْسب إِلَى السَّفه. الثَّالِث: عذل الْقَائِلين: إِن لم تتب الْآن مَعَ الدَّوَاعِي إِلَى التَّوْبَة فَلَا تتوب أبدا. فَقَوله: وقولٌ هُوَ على حذف مُضَاف. وَالرَّابِع: حقةٌ أَي: خطة حقة. فالموصوف مَحْذُوف وَأَرَادَ بهَا الْمَوْت وقربه. يُقَال: حقٌ وحقة كَمَا يُقَال: أهل وأهلة. والتره: اسْم مُفْرد بِمَعْنى الْبَاطِل يُقَال: ترهٌ وترهة وَجمع الأول تراريه وَجمع الثَّانِي ترهات. وَقَول الشَّارِح الْمُحَقق: ده بِفَتْح الدَّال وَسُكُون الْهَاء إِلَى آخر

مَا ذكره هَذَا كَلَام شَارِح اللّبَاب إِسْمَاعِيل الفالي من غير زِيَادَة وَلَا نقص. وَلَا يخفى أَنه إِذا كَانَ ده بِمَعْنى اضْرِب فَهُوَ اسْم فعل لَا صَوت وَالْحق أَنَّهَا فِي لُغَة الْفرس زجرٌ لذِي الْحَافِر ليسرع أَو ليذْهب وَلَيْسَت بِمَعْنى اضْرِب. وَهَذَا أَمر ظَاهر من استعمالهم إِلَى الْآن وَلَكنهُمْ أَجمعُوا على أَنَّهَا بِمَعْنى الضَّرْب. وَحِينَئِذٍ فَيرد عَلَيْهِم أَنَّهَا تكون اسْم فعل لَا صَوتا. قَالَ صَاحب اللّبَاب فِيمَا علقه على مَتنه: ذكر جَار الله أَن ده زجر لِلْإِبِلِ مثل هيد وهاد. وَذكر فِي أَمْثَاله أَن ده بِفَتْح الدَّال وَكسرهَا فارسية مَعْنَاهَا الضَّرْب قد استعملها الْعَرَب فِي كَلَامهم وَأَصله أَن الموتور يلقِي واتره فَلَا يتَعَرَّض لَهُ فَيُقَال لَهُ: إِلَّا دهٍ فَلَا ده أَي: إِنَّك إِن لم تضربه الْآن فَإنَّك لَا تضربه أبدا. وَتَقْدِيره: إِن لم يكن ده فَلَا يكون ده أَي: إِن لم يُوجد ضربٌ السَّاعَة فَلَا يُوجد ضربٌ أبدا. ثمَّ اتسعوا فِيهِ فضربوه مثلا فِي كل) شَيْء لَا يقدم عَلَيْهِ الرجل وَقد حَان حِينه من قَضَاء دين قد حل أَو حاجةٍ طلبت أَو مَا أشبه ذَلِك من الْأَحْوَال الَّتِي لَا يسوغ تَأْخِيرهَا. وَأنْشد أَبُو عبيد لرؤبة: وَذكر هِشَام بن مُحَمَّد الْكلابِي فِي حِكَايَة طَوِيلَة أَن هَذَا من قَول الكاهن الَّذِي سَافر إِلَيْهِ عبد الْمطلب وَحرب بن أُميَّة وَقد خبؤوا لَهُ رَأس جَرَادَة فِي خرز مزادة وجعلوه فِي قلادة كلبٍ يُقَال لَهُ سوار فَقَالَ: خبأتم لي شَيْئا طَار فسطع فتصوب فَوَقع فِي الأَرْض مِنْهُ بقع: جمع باقعة وَهِي الداهية. فَقَالُوا: لَا دهٍ أَي بَيِّنَة. قَالَ: هُوَ شيءٌ طَار فاستطار أَي:

تفرق وَفَشَا ذُو ذَنْب جرار وسَاق كالمنشار وَرَأس كالمسمار فَقَالُوا: لَا دهٍ. فَقَالَ: إِلَّا دهٍ فَلَا ده. هُوَ راس جَرَادَة فِي خزر مزادة فِي عنق سوارٍ ذِي القلادة. قَالُوا: صدقت. وَفِي أَمْثَال الميداني: إِلَّا ده فَلَا ده رَوَاهُ ابْن الْأَعرَابِي سَاكن الْهَاء. قَالَ أَبُو عبيد: يضْربهُ الرجل يَقُول: أُرِيد كَذَا وَكَذَا. فَإِن قيل لَهُ: لَيْسَ يُمكن ذَا. قَالَ فَكَذَا وَكَذَا. وَقَالَ الْأَصْمَعِي: مَعْنَاهُ إِن لم يكن هَذَا الْآن فَلَا يكون بعد الْآن. وَقَالَ: لَا أَدْرِي مَا أَصله. ويروى أَيْضا: إِلَّا دو فَلَا ده أَي: إِن لم تعط الِاثْنَيْنِ فَلَا تعط الْعشْرَة. انْتهى. وَهَذِه رِوَايَة غَرِيبَة شَاذَّة وَبهَا يخرج ده مِمَّا نَحن فِيهِ فَإِن لفظ دو بِالْفَارِسِيَّةِ الِاثْنَان من الْعدَد بدال مَضْمُومَة بعْدهَا وَاو سَاكِنة وَلَفظ ده بِمَعْنى الْعشْرَة فِي لغتهم بدال مَفْتُوحَة وهاء سَاكِنة. ثمَّ قَالَ الميداني: وَقَالَ الْمُنْذر: قَالُوا مَعْنَاهُ: إِلَّا هَذِه فَلَا هَذِه يَعْنِي أَن الأَصْل إِلَّا ذه فَلَا ذه بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة فعربت بِالدَّال غير الْمُعْجَمَة كَمَا فِي يهودا مبدلة من يهوذا. انْتهى. أَقُول: هَذَا يَقْتَضِي أَن تكون الْكَلِمَة عَرَبِيَّة أبدلت ذالها الْمُعْجَمَة دَالا مُهْملَة لَا أَنَّهَا كَانَت أَعْجَمِيَّة فعربت بِمَا ذكر. فَتَأمل. وَالْحَاصِل أَن قَوْلهم: إِلَّا ده فَلَا ده قد اخْتلف فِي ضبط لَفظه وَشرح مَعْنَاهُ وَجَمِيع الْأَقْوَال على أَنَّهَا كلمة فارسية معربة. وَقد أَبى أَبُو مُحَمَّد

عبد الله الشهير بِابْن بر الْمَقْدِسِي أَن تكون هَذِه الْكَلِمَة فِي هَذَا الْمثل غير عَرَبِيَّة وَذهب إِلَى أَنَّهَا صفة مشبهة من الدهاء وَهُوَ الفطنة ورد على ملك النُّحَاة فِي زَعمه أَنَّهَا أَعْجَمِيَّة فِي الأَصْل بِمَعْنى اسْم الْفِعْل. وَلَقَد أَجَاد فِيمَا أَفَادَ وحقق مدعاه فَوق المُرَاد فَلَا بَأْس بِنَقْل كلاميهما. قَالَ أَبُو نزار الملقب بِملك النُّحَاة فِي مسَائِله الَّتِي سَمَّاهَا الْمسَائِل الْعشْر المنبوذة بإتعاب الْفِكر إِلَى الْحَشْر وتحدى بهَا فِي قصَّة يطول ذكرهَا: الْمَسْأَلَة السَّابِعَة وَهِي مَسْأَلَة سُئِلت عَنْهَا بغزنة لما دَخَلتهَا فبينت مشكلها للْجَمَاعَة وأوضحتها. وَذَلِكَ أَنِّي سُئِلت عَن قَول الراجز: وقولٌ إِلَّا دهٍ فَلَا ده) فَذكرت أَن هَذِه من بَاب كلماتٍ نابت عَن الْفِعْل فَعمِلت عمله. وده فِي كَلَام الْعَرَب بِمَعْنى صَحَّ أَو يَصح. أَلا ترى أَن قوما جاؤوا إِلَى سطيحٍ الكاهن وخبؤوا لَهُ خبيئة وسألوه فَلم يُصَرح فَقَالُوا: لَا ده. أَي: لَا يَصح مَا قلت. فَقَالَ لَهُم: إِلَّا ده فَلَا ده حَبَّة برٍّ فِي إحليل مهر فَأصَاب. فَكَأَنَّهُ قَالَ: إِلَّا يَصح فَلَا يَصح أبدا لكني أَقُول فِي الْمُسْتَقْبل مَا تشهد لَهُ الصِّحَّة. فَكَانَ كَمَا قَالَ. إِلَّا أَن التَّنْوِين فِي هَذِه الْكَلِمَة لَيْسَ كتنوين رجل وَفرس وَلكنه تَنْوِين تنكير.

هَذَا كَلَامه. وحذفت مِنْهُ مَا لَا حَاجَة لنا إِلَيْهِ. وَأجَاب ابْن بري: إِن قَوْلك ده اسمٌ من أَسمَاء الْفِعْل لَيْسَ بِصَحِيح على مَذْهَب الْجَمَاعَة وَمن لَهُ حذق فِي هَذِه الصِّنَاعَة. وَالصَّحِيح أَنَّهَا اسْم الْفَاعِل من دهي فَهُوَ داه ودهٍ والمصدر مِنْهُ الدهي والدهاء. فَيكون المُرَاد بدهٍ فطن لِأَن الدهاء الفطنة وجودة الذِّهْن فَكَأَنَّهُ قَالَ: إِلَّا أكن دهياً أَي: فطناً فَلَا أدهى أبدا أَي: فَلَا أفطن. فَهَذَا أَصله ثمَّ أجريت هَذِه اللَّفْظَة مثلا إِلَى أَن صَارَت يعبر بهَا عَن كل فعل تغتنم الفرصة فِي فعله. مثل ذَلِك أَن يَقُول الْإِنْسَان لصَاحبه وَقد أمكنته الفرصة فِي طلب ثأر: إِلَّا ده فَلَا ده أَي: إِلَّا تطلب الْآن ثأراً فَلَا تطلبه أبدا وَهَذَا الرجز لرؤبة. وَقَبله: (فاليوم قد نهنهني تنهنهي ... وَأول حلمٍ لَيْسَ بالمسفه) وقولٌ: إِلَّا دهٍ فَلَا ده وَمَعْنَاهُ: إِن لَا تفلح الْيَوْم فَلَا تفلح أبدا أَي: إِن لَا تَنْتَهِ الْيَوْم فَلَا تَنْتَهِ أبدا هَذَا معنى ده فِي هَذَا الْمثل. وَأما إعرابه فَإِنَّهُ فِي مَوضِع نصب على خبر كَانَ المحذوفة تَقْدِيره: إِلَّا أكن دهياً فَلَا أدهى. وَإِنَّمَا أسكن الْيَاء وَكَانَ حَقّهَا أَن تكون مَنْصُوبَة من قبل أَن الْأَمْثَال تنزل منزلَة المنظوم. وَهَذِه الْيَاء قد حسن إسكانها فِي الشّعْر وَهُوَ عِنْدهم من الضرورات المستحسنة كَقَوْل الشَّاعِر:

وكقول الآخر: كفى بالنأي من أَسمَاء كَافِي فقد ثَبت بِهَذَا أَن ده اسْم فَاعل لَا اسمٌ للْفِعْل. وَهِي معربة لَا مَبْنِيَّة وتنوينها تَنْوِين الصّرْف لَا تَنْوِين التنكير. وَيدل على أَنَّهَا لَيست من أَسمَاء الْأَفْعَال أَنَّهَا لَا تقع بعد حرف الشَّرْط. أَلا ترى أَنه لَا يحسن: إِلَّا صهٍ فَلَا صهٍ وَلَا: إِلَّا مهٍ فَلَا مَه وَلَا هَيْهَات. اه. وَقد نقل السخاوي فِي سفر السَّعَادَة هَذَا عَن ملك النُّحَاة وَهَذَا الْجَواب أَيْضا لكنه لم يعزه إِلَى ابْن بري. وترجمة رؤبة) تقدّمت فِي الشَّاهِد الْخَامِس. وَفِي هَذِه الأرجوزة بيتان من أَولهَا وهما: (لَهُ در الغانيات الْمدَّة ... سبحن واسترجعن من تألهي) أورد هَذَا بعض الْمُفَسّرين فِي بَيَان اشتقاق لفظ الْجَلالَة فَقَالَ: هُوَ من أَله يأله إلاهةً كَعبد يعبد عبَادَة وزنا وَمعنى. والتأله: التَّعَبُّد كَمَا هُنَا. قَالَ: فَمَعْنَى الْإِلَه المعبود.

(الشاهد السابع والسبعون بعد الأربعمائة)

وَأنْشد بعده 3 - (الشَّاهِد السَّابِع وَالسَّبْعُونَ بعد الأربعمائة) (رمى الله فِي عَيْني بثينة بالقذى ... وَفِي الغر من أنيابها بالقوادح) على أَن الشَّيْء إِذا بلغ غَايَته يدعى عَلَيْهِ صونا عَن عين الْكَمَال كَمَا هُنَا. قَالَ ابْن الْأَنْبَارِي فِي الزَّاهِر: معنى قَوْله: رمى الله فِي عَيْني بثينة إِلَخ سُبْحَانَ الله مَا أحسن عينيها. من ذَلِك قَوْلهم: قَاتل الله فلَانا مَا أشجعه وأنياب الْقَوْم: ساداتهم أَي: رمى الله الْفساد والهلاك فِي سَادَات قَومهَا لأَنهم حالوا بَينهَا وَبَين زيارتي. انْتهى. وَقَالَ المرزوقي فِي شرح الفصيح: قيل أَنه لم يدع عَلَيْهَا بذلك وَإِنَّمَا هُوَ كَمَا يُقَال: قَاتله الله مَا أفرسه على وَجه التَّعَجُّب. وَحكى بعض أهل اللُّغَة أَن مِمَّا يشْهد لطريق التَّعَجُّب فِي مثل هَذَا أَن بَعضهم عدل عَن لفظ قَاتل إِلَى قاتع فَقَالَ: قاتعه الله مَا أشجعه ليزول الْمَكْرُوه من اللَّفْظ كَمَا لم يكن فِي الْمَعْنى. وَأحسن مِمَّا ذَكرْنَاهُ أَن يُقَال: أَرَادَ بالعينين رقيبيها وبالغر من أنيابها كرام ذويها وعشيرتها. وَالْمعْنَى: أفناهم الله وأراهم الْمُنْكَرَات. فَهُوَ فِي الظَّاهِر يشتمها وَفِي النِّيَّة يشْتم من يتَأَذَّى بِهِ فِيهَا. وَيُقَال: هم أَنْيَاب الْخلَافَة للمدافعين عَنْهَا. وَقيل أَرَادَ: بلغَهَا الله أقْصَى غايات الْعُمر حَتَّى تبطل عواملها وحواسها. فالدعاء على هَذَا لَهَا لَا عَلَيْهَا. انْتهى. وَقَالَ أَبُو عبيد الْبكْرِيّ فِي شرح أمالي القالي: قد تَأَوَّلَه قوم على أَنه

أَرَادَ بالعينين الرقيبين وبالأنياب سادة قَومهَا الَّذين يحجبونها عَنهُ ويمنعونه مِنْهَا. انْتهى. وبثينة بِالتَّصْغِيرِ: محبوبة جميل العذري. وَالْبَاء فِي بالقذى زَائِدَة. قَالَه أَبُو حَيَّان فِي تَذكرته. والقذى: كل مَا وَقع فِي الْعَينَيْنِ من شَيْء يؤذيها كالتراب وَالْعود وَنَحْوهمَا. قَالَ ثَعْلَب فِي الفصيح: تَقول: قذت عينه تقذي قذياً إِذا أَلْقَت القذى وقذيت تقذى قذًى إِذا صَار فِيهَا القذى. وأقذيتها إقذاء إِذا ألقيت فِيهَا القذى. وقذيتها تقذيةً إِذا أخرجت مِنْهَا القذى. انْتهى. وَقَوله: وَفِي الغر إِلَخ مَعْطُوف على قَوْله: فِي عَيْني وَهُوَ جمع أغر وغراء أَرَادَ: وَرمى الله فِي أنيابها الحسان النقية الْبيَاض القوادح. فالباء زَائِدَة أَيْضا. وأنياب: جمع نَاب وَهُوَ السن. وللإنسان أربعٌ وَثَلَاثُونَ سنا: أَربع ثنايا وَهِي مقدم الْأَسْنَان اثْنَتَانِ من فَوق وَاثْنَتَانِ من تَحت.) وَأَرْبع رباعيات. وَأَرْبَعَة نواجذ تكون بَينهَا الأنياب. وَأَرْبع ضواحك تكون بَينهَا النواجذ. واثنتا عشرَة رحى تكون بَينهَا الضواحك. والقوادح: جمع قَادِح قَالَ صَاحب الصِّحَاح: القادح: السوَاد الَّذِي يظْهر فِي الْأَسْنَان. وَقَالَ أَبُو حنيفَة الدينَوَرِي فِي كتاب النَّبَات: يُقَال: قدح فِي سنه أَي: بِالْبِنَاءِ لمفعول إِذا وَقع فِيهَا الْأكل وَوَقع فِي أَسْنَانه القادح وَإِذا عرض

شَيْء من جَمِيع مَا ذكرنَا من آفَات الْعود قيل: قدح الْعود يقْدَح قدحاً فَهُوَ مقدوح وَهِي القوادح. وَبَعْضهمْ يَقُول: قدح فِي الْعود إِذا عرض لَهُ القادح فأتكل يأتكل ائتكالاً. وَقَالَ الْبَاهِلِيّ: يُقَال: عود قد قدح فِيهِ وَلَا يُقَال: مقدوح. وَكَذَلِكَ قدح فِي سنه إِذا وَقع الْأكل وَوَقع فِي أَسْنَانه القادح. وَأنْشد الْبَيْت. وَهَذِه التأويلات يدْفع فِي صدرها مَا رَوَاهُ الْأَصْفَهَانِي فِي الأغاني: قَالَ: حَدثنِي عَليّ بن صَالح قَالَ: حَدثنِي عمر بن شبة عَن إِسْحَاق قَالَ: لَقِي جميلٌ بثينة بعد تهاجرٍ بَينهمَا طَالَتْ مدَّته فتعاتبا طَويلا فَقَالَت لَهُ: وَيحك يَا جميل أتزعم أَنَّك تهواني وَأَنت الَّذِي تَقول: فَأَطْرَقَ جميلٌ طَويلا يبكي ثمَّ قَالَ: بل أَنا الْقَائِل: (أَلا لَيْتَني أعمى أَصمّ تقودني ... بثينة لَا يخفى عَليّ كَلَامهَا) فَقَالَت لَهُ: وَيحك وَمَا حملك على هَذَا المنى أَو لَيْسَ فِي سَعَة الْعَافِيَة مَا كفانا جَمِيعًا وروى بِسَنَدِهِ أَيْضا أَن جميلاً لما ودع بثينة وَذهب إِلَى الشَّام لِكَثْرَة اللَّغط فيهمَا واصلت بعده حجبة الْهِلَالِي. وَلما رَجَعَ من الشَّام بعد حِين

قَالَ حجبة لبثينة وَكَانَ ابْن سَرِيَّة: لَا أرْضى إِلَّا أَن تعلمي جميلاً أَنَّك استبدلت بِهِ فَقَالَت لجميل: (ألم ترى أَن المَاء غير بعدكم ... وَأَن شعاب الْقلب بعْدك حلت) فَقَالَ جميل: (فَإِن تَكُ حلت فالشعاب كثيرةٌ ... وَقد نهلت مِنْهَا قلوصي وعلت) فَقَالَت لحجبة: عرضتني لجميل يَجْعَلنِي حَدِيثا. وَقَالَت لجميل: إِنَّه استزلني وَقد ناشدتك الله أَن تسترني فَإِنَّهَا كَانَت هفوة. فَقَالَ جميلٌ من أَبْيَات: (فيا بثن إِن واصلت حجبة فاصرمي ... حبالي وَإِن صارمته فصليني) (وَلَا تجعليني أُسْوَة العَبْد واجعلي ... مَعَ العَبْد عبدا مثله وذريني) وَانْصَرف عَنْهَا. وهجرها وَقَالَ: وَقَالَ فِي ذَلِك أَيْضا:)

(وَإِنِّي لأَسْتَحي من النَّاس أَن أرى ... رديفاً لوصلٍ أَو عَليّ رَدِيف) (وَإِنِّي للْمَاء المخالط للقذى ... إِذا كثرت وراده لعيوف) وَقَالَ أَيْضا: (بَينا حبالي ذَات عقدٍ لبثنةٍ ... أتيح لَهَا بعض الغواة فَحلهَا) (فعدنا كأنا لم يكن بَيْننَا هوى ... وَصَارَ الَّذِي حل الحبال هوى لَهَا) وروى أَيْضا بِسَنَدِهِ عَن كثير وَنَقله القالي فِي أَمَالِيهِ والمرزباني فِي الموشح أَيْضا: أَن كثيرا حدث وَقَالَ: وقفت على جماعةٍ يفيضون فِي وَفِي جميلٍ: أَيّنَا أصدق عشقاً وَلم يَكُونُوا يعرفونني ففضلوا جميلاً فَقُلْنَ لَهُم: ظلمتم كثيرا كَيفَ يكون جميلٌ أصدق مِنْهُ وَحين أَتَاهُ من بثينة مَا يكره قَالَ: رمى الله فِي عَيْني بثينة بالقذى الْبَيْت

وَكثير حِين أَتَاهُ من عزة مَا يكره قَالَ: (هَنِيئًا مريئاً غير داءٍ مخامرٍ ... لعزة من أعراضنا مَا استحلت) فَمَا انصرفوا إِلَّا على تفضيلي. اه. وَهَذَا كُله يدل على أَن جميلاً دَعَا عَلَيْهَا حَقِيقَة وَيدل أَيْضا على أَن الْبَيْت لجميل لَا لغيره. وَمن الغرائب أَن الصَّاغَانِي قَالَ فِي مَادَّة ترب من الْعباب: إِن هَذَا الْبَيْت لأخي شمجى يُخَاطب أذينة بنت عَم صَعب بن كُلْثُوم وَالرِّوَايَة كَذَا: رمى الله فِي عَيْني أذينة بالقذى الْبَيْت وَلَيْسَ الْبَيْت لجميل وَلَا الرِّوَايَة فِي عَيْني بثينة كَمَا وَقع فِي بعض كتب اللُّغَة مَنْسُوبا إِلَيْهِ. اه. أَقُول: جَمِيع من تكلم على هَذَا الْبَيْت وروى فِيهِ خَبرا أثْبته لجميل فِي بثينة. وَمَعَ كَثْرَة وُرُود هَذِه الْأَخْبَار فِي أَكثر كتب الْأَدَب كَيفَ يُقَال أَنه وَقع فِي بعض كتب اللُّغَة. وَالله أعلم. وجميلٌ شَاعِر إسلامي تقدّمت تَرْجَمته فِي الشَّاهِد الثَّانِي وَالسِّتِّينَ. وشمجى بالشين وَالْمِيم وَالْجِيم وَألف مَقْصُورَة قَالَ فِي الْقَامُوس: وَبَنُو شمجى بن جرم من قضاعة وَهُوَ بِفَتَحَات ثَلَاثَة.

(الشاهد الثامن والسبعون بعد الأربعمائة)

وَأنْشد بعده 3 - (الشَّاهِد الثَّامِن وَالسَّبْعُونَ بعد الأربعمائة) وَهُوَ من شَوَاهِد س: (وي كَأَن من يكن لَهُ نشبٌ يح ... بب وَمن يفْتَقر يَعش عَيْش ضرّ) على أَن وي كَأَن عِنْد الْخَلِيل وسيبويه مركبة من وي التعجبية وَكَأن المخففة من المثقلة إِلَى آخر مَا ذكره. وَهَذَا نَص سِيبَوَيْهٍ وَنَقله ابْن السراج فِي الْأُصُول بِحُرُوفِهِ: سَأَلت الْخَلِيل عَن قَوْله تَعَالَى: ويكأنه لَا يفلح الْكَافِرُونَ وَعَن قَوْله تَعَالَى: ويكأن الله فَزعم أَنَّهَا وي مفصولة من كَأَن وَالْمعْنَى وَقع على أَن الْقَوْم انتبهوا فتكلموا على قدر علمهمْ أَو نبهوا فَقيل لَهُم: أما يشبه أَن يكون هَذَا عنْدكُمْ هَكَذَا وَالله أعلم. وَأما الْمُفَسِّرُونَ فَقَالُوا: ألم تَرَ أَن الله. وَقَالَ زيد بن عَمْرو بن نفَيْل: وي كَأَن من يكن لَهُ نشبٌ الْبَيْت انْتهى. وَقَالَ النّحاس: يُرِيد أَن معنى وي تنبيهٌ يَقُولهَا الْإِنْسَان حِين يستنكر

أمرا أَو يستعظمه فَيَقُول: وي فَتكون ويكأن مركبة من وي للتّنْبِيه وَمن كَأَن للتشبيه. وَكَذَلِكَ قَالَ الأعلم: فَقَوْل الشَّارِح الْمُحَقق إِن وي عِنْد سِيبَوَيْهٍ بِمَعْنى التَّعَجُّب خلاف الْمَنْقُول. وَهَذَا نَص الْفراء فِي تَفْسِيره قَالَ فِي آخر سُورَة الْقَصَص: ويكأن فِي كَلَام الْعَرَب تقريرٌ كَقَوْل الرجل: أما ترى إِلَى صنع الله. وَقَالَ الشَّاعِر: (وي كَأَن من يكن لَهُ نشبٌ يح ... بب ... ... ... . الْبَيْت) وَأَخْبرنِي شيخٌ من أهل الْبَصْرَة قَالَ: سَمِعت أعرابيةً تَقول لزَوجهَا: أَيْن ابْنك وَيلك فَقَالَ: ويكأنه وَرَاء الْبَيْت. مَعْنَاهُ أما ترينه وَرَاء الْبَيْت. وَقد يذهب بعض النَّحْوِيين إِلَى أَنَّهُمَا كلمتان يُرِيد: ويك أَنه أَرَادَ: وَيلك فَحذف اللَّام وَجعل أَن مَفْتُوحَة بِفعل مُضْمر كَأَنَّهُ قَالَ: وَيلك أعلم أَنه وَرَاء الْبَيْت فأضمر أعلم. وَلم نجد الْعَرَب تعْمل الظَّن وَالْعلم بإضمار مُضْمر فِي أَن وَذَلِكَ أَنه يبطل إِذا كَانَ بَين الْكَلِمَتَيْنِ أَو فِي آخر الْكَلِمَة فَلَمَّا أضمره جرى مجْرى التّرْك. أَلا ترى أَنه لَا يجوز فِي الإبتداء أَن تَقول: يَا هَذَا أَنَّك قَائِم وَلَا يَا هَذَا أَن قُمْت تُرِيدُ علمت أَو أعلم أَو ظَنَنْت أَو أَظن. وَأما حذف اللَّام من وَيلك حَتَّى تصير ويك فقد تَقوله الْعَرَب لكثرتها فِي الْكَلَام. قَالَ عنترة: ...

(وَلَقَد شفى نَفسِي وأبرا سقمها ... قَول الفوارس ويك عنتر أقدم)) وَقد قَالَ آخَرُونَ: إِن معنى وي كَأَن أَن وي مُنْفَصِلَة من كَأَن كَقَوْلِك لرجل: وي أما ترى مَا بَين يَديك فَقَالَ: وي ثمَّ اسْتَأْنف كَأَن يَعْنِي: كَأَن الله يبسط الرزق لمن يَشَاء. وَهِي تعجب وَكَأن فِي مَذْهَب الظَّن وَالْعلم. فَهَذَا وَجه مُسْتَقِيم. وَلم تَكْتُبهَا الْعَرَب مُنْفَصِلَة وَلَو كَانَت على هَذَا لكتبوها مُنْفَصِلَة. وَقد يجوز أَن تكون كثر بهَا الْكَلَام فوصلت بِمَا لَيْسَ مِنْهُ كَمَا اجْتمعت الْعَرَب على كتاب يَا ابْن أم: يبنؤم. قَالَ: وَكَذَا رَأَيْتهَا فِي مصحف عبد الله وَهِي فِي مَصَاحِفنَا أَيْضا. اه. فَعلم من كَلَامه أَن ويكأن كلمة بسيطة بِمَعْنى ألم تَرَ والاستفهام للتقرير لَا أَنَّهَا مركبة من كَلِمَتَيْنِ إِمَّا من ويك وَمن أَن كَمَا نَقله عَن بعض النَّحْوِيين وَإِمَّا من وي وَمن كَأَن كَمَا نَقله عَن بعضٍ آخر. فَمَا نَقله الشَّارِح الْمُحَقق عَن الْفراء نقلٌ من مركب من قَوْله الَّذِي صَدره وَمن القَوْل الأول لبَعض النُّحَاة. قَالَ النّحاس بعد نقل مَا نَقله الْفراء: وَمَا أَكثر خطأ هَذَا القَوْل وَذَلِكَ لِأَن الْمَعْنى لَا يَصح عَلَيْهِ لِأَن الْقَوْم لم يخاطبوا أحدا فيقولوا لَهُ: وَيلك وَكَانَ يجب على قَوْله أَن يكون إِنَّه بِالْكَسْرِ. وَأجْمع الْمُسلمُونَ على الْفَتْح. وَأَيْضًا فَلَيْسَ فِي الْقُرْآن لَام فَكيف تحذف اللَّام لغير عِلّة. وَزعم ابْن جني فِي الْمُحْتَسب أَن وي عِنْد سِيبَوَيْهٍ والخليل بِمَعْنى

أعجب كَمَا قَالَ الشَّارِح الْمُحَقق وَأَن كَأَن لَيست للتشبيه عِنْدهمَا خلافًا للشَّارِح. قَالَ: وَمن ذَلِك قِرَاءَة يَعْقُوب: ويك يقف عَلَيْهَا ثمَّ يَبْتَدِئ فَيَقُول: إِنَّه. وَكَذَلِكَ الْحَرْف الآخر مثله. قَالَ أَبُو الْفَتْح فِي ويكأنه ثَلَاثَة أَقْوَال: مِنْهُم من جعلهَا كلمة وَاحِدَة فَلم يقف على وي وَمِنْهُم من يقف على وي وَيَعْقُوب يقف على ويك وَهُوَ مَذْهَب أبي الْحسن. وَالْوَجْه فِيهِ عندنَا قَول الْخَلِيل وسيبويه وَهُوَ أَن وي على قِيَاس مَذْهَبهمَا اسمٌ سمي بِهِ الْفِعْل فَكَأَنَّهُ اسْم أعجب ثمَّ ابْتَدَأَ فَقَالَ: كَأَنَّهُ لَا يفلح الْكَافِرُونَ ووي كَأَن الله يبسط الرزق ووي مُنْفَصِلَة من كَأَن. وَعَلِيهِ بَيت الْكتاب: (وي كَأَن من يكن لَهُ نشبٌ يح ... بب ... ... ... . الْبَيْت مكنته) وَمِمَّا جَاءَت فِيهِ كَأَن عَارِية من معنى التَّشْبِيه قَوْله: (كأنني حِين أمسي لَا تكلمني ... متيمٌ أشتهي مَا لَيْسَ مَوْجُودا) أَي: أَنا حِين أمسي متيمٌ من حَالي كَذَا وَكَذَا. اه. أَقُول: أما قَوْله إِن وي عِنْدهمَا اسْم أعجب فقد تقدم عَن النّحاس والأعلم مَا يردهُ.

وَأما قَوْله: إِن كَأَن عَارِية عَن التَّشْبِيه فَقَوْل سِيبَوَيْهٍ: أما يشبه أَن يكون هَذَا عنْدكُمْ هَكَذَا يكذبهُ. وَأما تنظيره لخلو التَّشْبِيه بقوله: كأنني حِين أمسي الْبَيْت فَهُوَ مَذْهَب الزّجاج فِيمَا إِذا كَانَ خبر كَأَن مشتقاً لَا تكون للتشبيه لِئَلَّا) يتحد الْمُشبه والمشبه بِهِ. وَأجِيب بِأَن الْخَبَر فِي مثله مَحْذُوف أَي: كأنني رجل متيم فَهِيَ على الأَصْل للتشبيه. ثمَّ قَالَ ابْن جني: وَمن قَالَ إِنَّهَا ويك فَكَأَنَّهُ قَالَ: أعجب لِأَنَّهُ لَا يفلح الْكَافِرُونَ وَهُوَ قَول أبي الْحسن. وَيَنْبَغِي أَن تكون الْكَاف هُنَا حرف خطاب كَمَا فِي ذَلِك لِأَن وي لَيست مِمَّا يُضَاف. وَمن وقف على ويك ثمَّ اسْتَأْنف فَيَنْبَغِي أَن يكون أَرَادَ أَن يعلم أَن الْكَاف من جملَة وي وَلَيْسَت بِالَّتِي فِي صدر كَأَن فَوقف شَيْئا لبَيَان هَذَا الْمَعْنى. وَيشْهد لهَذَا الْمَذْهَب قَول عنترة: قيل الفوارس ويك عنتر أقدم وَقَالَ الْكسَائي: فِيمَا أَظن أَرَادَ وَيلك ثمَّ حذف اللَّام. وَهَذَا يحْتَاج إِلَى خبر نبيٍّ ليقبل مِنْهُ. وَقَول من قَالَ إِن ويكأنه كلمة وَاحِدَة إِنَّمَا يُرِيد بِهِ أَنه لَا يفصل بعضه من بعض. اه.

إِحْدَاهمَا: جعل ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي وي وواهاً لغتين فِي وَا بِمَعْنى أعجب. وَهَذَا بَاطِل فَإِن كل وَاحِدَة من هَذِه الثَّلَاثَة كلمة مُسْتَقلَّة فِي نَفسهَا أصلا ومادة وَلَيْسَت يَاء وي مبدلة من ألف وَا كَمَا يزعمه ابْن قَاسم فِي حَوَاشِيه عَلَيْهِ. هَب أَنه كَذَلِك فَمَا يَقُول فِي واها. وَلم يتَنَبَّه أحدٌ من شراحه لما ذَكرْنَاهُ. وَاعْترض الدماميني فِي شرح التسهيل على قَول ابْن مَالك إِن وي اسْم فعل بِمَعْنى أعجب. فِي كَلَام ابْن الْحَاجِب مَا يشْعر بِأَن الْقَائِل إِنَّهَا اسْم فعل يَقُول: إِنَّهَا اسمٌ لَا عجب أمرا لَا مضارعاً لِأَنَّهُ قَالَ: وي تعجب. وَيجوز أَن يُقَال: إِنَّهَا اسْم صَوت لَا اسْم فعل لِأَن المتعجب يَقُوله عِنْد التَّعَجُّب لَا لقصد الْإِخْبَار بالتعجب بل كَمَا يَقُول المتألم. اه. وَكَذَلِكَ يَقُول المتعجب مُنْفَردا وَلَو كَانَ اسْم فعل لم يقلهُ إِلَّا مُخَاطبا لغيره. انْتهى. أَقُول: لَا إِشْعَار فِيهِ بِمَا زَعمه فَإِن آه اسْم صَوت وهم قَالُوا: إِنَّه بِمَعْنى أتوجع وَلَيْسَ فِيهِ قصد الْإِخْبَار بِهِ. فَتَأمل. الثَّانِيَة: نقل الْمرَادِي فِي الجنى الداني عَن صَاحب رصف المباني أَنه قَالَ: وي حرف تَنْبِيه مَعْنَاهُ التنبه على الزّجر كَمَا أَن هَا مَعْنَاهَا

التَّنْبِيه على الحض وَهِي تقال للرُّجُوع عَن الْمَكْرُوه والمحذور وَذَلِكَ إِذا وخد رجل يسب أحدا أَو يوقعه فِي مَكْرُوه أَو يتلفه أَو يَأْخُذ مَاله أَو يعرض بِشَيْء من ذَلِك فَيُقَال لذَلِك الرجل: وي مَعْنَاهُ تنبه وازدجر عَن فعلك. وَيجوز أَن يُوصل بِهِ كَاف الْخطاب. انْتهى. وَالْبَيْت الشَّاهِد من أبياتٍ لزيد بن عَمْرو بن نفَيْل وَهِي: (تِلْكَ عرساي تنطقان على عَم ... دٍ إِلَى الْيَوْم قَول زورٍ وهتر) (سالتاني الطَّلَاق أَن رأتا مَا ... لي قَلِيلا قد جئتماني بنكر)) (وَترى أعبدٌ لنا وأواقٍ ... ومناصيف من خوادم عشر) (ونجر الأذيال فِي نعمةٍ زو ... لٍ تقولان: ضع عصاك لدهر) (وي كَأَن من يكن لَهُ نشبٌ يح ... بب وَمن يفْتَقر يَعش عَيْش ضرّ) (ويجنب سر النجي وَلَك ... ن أَخا المَال محضرٌ كل سر)

قَوْله: تِلْكَ عرساي مثنى عرس مُضَاف إِلَى الْيَاء. والعرس بِالْكَسْرِ: الزَّوْجَة أَي: هما عرساي. وَيجوز أَن يُخَالف اسْم الْإِشَارَة الْمشَار إِلَيْهِ كَقَوْلِه تَعَالَى: عوانٌ بَين ذَلِك أَي: بَين ذَيْنك والعمد: الْقَصْد. والهتر بِفَتْح الْهَاء وَسُكُون الْمُثَنَّاة الْفَوْقِيَّة: مصدر هتره يهتره من بَاب نصر إِذا مزق عرضه. والهتر بِالْكَسْرِ: الْكَذِب والداهية وَالْأَمر الْعجب والسقط من الْكَلَام وَالْخَطَأ فِيهِ. وبالضم: ذهَاب الْعقل من كبر أَو مرض أَو حزن. وروى أَيْضا: (تِلْكَ عرساي تنطقان بهجر ... وَتَقُولَانِ قَول أثرٍ وعتر) والهجر بِالضَّمِّ: اسْم: من الإهجار وَهُوَ الإفحاش فِي الْمنطق والخنى. والأثر بِالْفَتْح: مصدر أثرت الحَدِيث إِذا ذكرته عَن غَيره. وَمِنْه الحَدِيث الْمَأْثُور أَي: يَنْقُلهُ خلف عَن سلف. والأثر بِالضَّمِّ: أثر الْجراح يبْقى بعد الْبُرْء. والعتر بمثناة فوقية بعد الْمُهْملَة: مصدر عتر الرمْح إِذا اضْطربَ واهتز من بَاب صرب. والعثر بِالْمُثَلثَةِ: الِاطِّلَاع على الشَّيْء مصدر عثر عَلَيْهِ. وَقَوله: سالتاني الطَّلَاق إِلَخ اسْتشْهد بِهِ سِيبَوَيْهٍ على أَن الشَّاعِر يُبدل الْهمزَة ألفا فِي الضَّرُورَة. قَالَ: وَلَيْسَ هَذَا من لُغَة من يَقُول: سلت يسال كخفت يخَاف. وبلغنا أَنه لُغَة. قَالَ الأعلم: هِيَ لغةٌ مَعْرُوفَة وَعَلَيْهَا قِرَاءَة من قَرَأَ: سَالَ سائلٌ بعذابٍ وَاقع. وروى: تَسْأَلَانِ الطَّلَاق وحينئذٍ لَا شَاهد فِيهِ.

وَقَوله: قد جئتماني بنكر التفاتٌ من الْغَيْبَة إِلَى الْخطاب. والنكر بِالضَّمِّ: الْأَمر الْقَبِيح الْمُنكر. وروى الزجاجي فِي أَمَالِيهِ بدل نكر مر من المرارة: ضد الْحَلَاوَة. وروى أَيْضا: (سالتاني الطَّلَاق أَن رأتاني ... قل مَالِي قد ... ... . . إِلَخ) فجملة قل مَالِي فِي مَحل نصب مفعول ثَان للرؤية كالرواية السَّابِقَة وَيجوز أَن تكون الرُّؤْيَة بصرية. وَجُمْلَة قل مَالِي: حَال من الْيَاء. وقليلاً: حَال من مَالِي. وَقَوله: ويعرى من المغارم جمع مغرم بِالْفَتْح وَهُوَ مَا يَنُوب الْإِنْسَان فِي مَاله من ضررٍ لغير جِنَايَة كتحمل الدِّيات وَالْإِطْعَام فِي النائبات. وَقَوله: وَترى أعبدٌ إِلَخ بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول. وأعبد: جمع عبد. وأواق أَي: من الذَّهَب وَالْفِضَّة وَهُوَ جمع أُوقِيَّة وَهِي سَبْعَة مَثَاقِيل وَأَرْبَعُونَ درهما. وروى بدله: وجياد جمع) جواد وَهُوَ الْكَرِيم من الْخَيل. ومناصيف: جمع منصف وَهُوَ الْخَادِم. قَالَه الجاحظ. فالياء زَائِدَة لضَرُورَة الشّعْر. ومنصفٌ بِفَتْح الْمِيم وَكسرهَا وَالْأُنْثَى بِالْهَاءِ. وَفعله نصفه ينصفه من بَاب نصر وَضرب نصفا ونصافاً ونصافة بكسرهما وفتحهما

أَي: خدمَة وَيُقَال أَيْضا: أنصفه بِالْألف. وخوادم: جمع خَادِم وَهِي الْجَارِيَة وَيُقَال أَيْضا: خادمة. وَالْخَادِم يُطلق على الْمُذكر. وروى بدله: من ولائد عشر جمع وليدة بِمَعْنى الخادمة. وَقَوله: فِي نعمةٍ زول بِفَتْح الزَّاي الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْوَاو صفة نعْمَة أَي: حَسَنَة وجيدة. قَالَه الجاحظ. وَقَوله: ضع عصاك إِلَخ وضع الْعَصَا كِنَايَة عَن الْإِقَامَة لِأَن الْمُقِيم يَضَعهَا عَن يَده وَالْمُسَافر يحملهَا. قَالَ الشَّاعِر: (فَأَلْقَت عصاها وَاسْتقر بهَا النَّوَى ... كَمَا قر عينا بالإياب الْمُسَافِر) وَمَا أحسن قَول الباخرزي: (حمل الْعَصَا للمبتلى ... بالشيب أَنْوَاع البلا) (وصف الْمُسَافِر أَنه ... ألْقى الْعَصَا كي ينزلا) (فعلى الْقيَاس سَبِيل من ... أَخذ الْعَصَا أَن يرحلا) وَاللَّام فِي لدهر بِمَعْنى إِلَى أَي: إِلَى انْقِضَاء دهر وَهُوَ الزَّمَان الطَّوِيل. وَقَوله: وي كَأَن من يكن إِلَخ من: شَرْطِيَّة ونشب: اسْم كَانَ وَله: خَبَرهَا ويحبب: بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول من الْمحبَّة جَزَاء الشَّرْط. وَكَذَلِكَ من يفْتَقر يَعش. وعيش: مفعول مُطلق. والضر بِالضَّمِّ وَالْفَتْح: سوء الْحَال من قلَّة

مَال وجاه والنشب بِفَتْح النُّون والشين: المَال الْأَصِيل من النَّاطِق والصامت. وَأورد صَاحب الْكَشَّاف هَذَا الْبَيْت عِنْد قَوْله تَعَالَى: ويكأنه لَا يفلح الْكَافِرُونَ على أَن وي مفصولة من كَأَن. وَقَوله: ويجنب سر النجي مَعْطُوف على يَعش وَهُوَ بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول من جنبه إِيَّاه تجنيباً أَي: باعده عَنهُ. فَهُوَ مُتَعَدٍّ لمفعولين أَولهمَا نَائِب الْفَاعِل وَهُوَ ضمير من يفْتَقر وَثَانِيهمَا سر النجي. والسر: هُوَ الحَدِيث المكتم فِي النَّفس. والنجي: فعيل هُوَ من يفشى لَهُ السِّرّ. يَعْنِي أَن الْفَقِير يستحقره صَاحبه فَلَا يفشي لَهُ سره. وَقَوله: محْضر: اسْم مفعول من أحضرهُ إِيَّاه أَي: جعله حَاضرا غير غَائِب فَهُوَ متعدٍّ إِلَى مفعولين أَولهمَا نَائِب الْفَاعِل وَهُوَ ضمير أخي المَال وَالثَّانِي كل سر. وروى أَيْضا: (ويجنب يسر الْأُمُور وَلَك ... ن ذَوي المَال حضرٌ كل يسر) واليسر: نقيض الْعسر. وَحضر: جمع حَاضر من حَضَره إِذا شَاهده.

وَالرِّوَايَة الأولى هِيَ) رِوَايَة الجاحظ فِي الْبَيَان والتبيين وَالرِّوَايَة الثَّانِيَة هِيَ رِوَايَة الزبير بن بكار فِي أَنْسَاب قُرَيْش وَتَبعهُ صَاحب الأغاني. وَأَبُو الْحسن الْمَدَائِنِي فِي كتاب المقسات. وَهِي لزيد بن عَمْرو بن نفَيْل كَمَا فِي كتاب سِيبَوَيْهٍ وخدمته. وَكَذَا فِي أمالي الزجاجي الْوُسْطَى وأثبتها الجاحظ لِابْنِهِ سعيد بن زيد ونسبها الزبير بن بكار لنَبيه بن الْحجَّاج. قَالَ أَبُو الْحسن الْمَدَائِنِي: قَالُوا: تزوج عَمْرو بن نفَيْل امْرَأَة أَبِيه نفَيْل بن عبد الْعُزَّى فَولدت زيد بن عَمْرو بن نفَيْل وَكَانَت ولدت الْخطاب أَبَا عمر بن الْخطاب فَكَانَ الْخطاب عَم زيد وأخاه لأمه. وَكَانَ زيد يطْلب الدَّين وَيخرج من مَكَّة إِلَى الشَّام وَغَيرهَا يلْتَمس الدَّين فَكَانَ الْخطاب يعيب عَلَيْهِ خُرُوجه عَن مَكَّة وَطلب الدَّين وَخلاف قومه وَكَانَ يُؤْذِيه وَأمر امْرَأَته أَن تعاتبه وتأخذه بلسانها فَفعلت فاعتزم على الْخُرُوج فَقَالَ زيد لامْرَأَته صَفِيَّة بنت الْحَضْرَمِيّ: (لَا تحبسيني فِي الهوا ... ن صفي مَا دابي ودابه) (إِنِّي إِذا خفت الهوا ... ن مشيعُ ذللٌ ركابه) (دعموص أَبْوَاب الملو ... ك وجانبٌ للخرق بَابه) (قطاع أسبابٍ تذ ... ل بِغَيْر أقرانٍ صعابه) (وَإِنَّمَا ألف الهوا ... ن العير إِذْ يهوى إهابه) ...

(وَأخي ابْن أُمِّي ثمَّ عَم ... ي لَا يواتيني خطابه) (وَإِذا يعاتبني أَخ ... ي أَقُول: أعياني جَوَابه) (وَإِذا أَشَاء لَقلت: مَا ... عِنْدِي مفاتحه مبابه) وَقَالَ لامرأتيه: تِلْكَ عرساي تنطقان ... ... ... ... . . الأبيات أما الأول فَهُوَ زيد بن عَمْرو بن نفَيْل بن عبد الْعُزَّى بن ريَاح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كَعْب بن لؤَي بن غَالب بن فهر: الْقرشِي الْعَدوي. قَالَ صَاحب الِاسْتِيعَاب: كَانَ زيد بن عَمْرو بن نفَيْل يطْلب دين الحنيفية دين إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام قبل أَن يبْعَث النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وَكَانَ لَا يذبح للأنصاب وَلَا يَأْكُل الْميتَة وَالدَّم. قَالَ ابْن حجر فِي الْإِصَابَة: ذكر الْبَغَوِيّ وبن مَنْدَه وَغَيرهمَا زيدا هَذَا فِي الصَّحَابَة. وَفِيه نظر لِأَنَّهُ مَاتَ قبل الْبعْثَة بِخمْس سِنِين وَلكنه يَجِيء على أحد الِاحْتِمَالَيْنِ فِي تَعْرِيف الصَّحَابِيّ وَهُوَ أَنه من رأى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ) وَسلم مُؤمنا بِهِ هَل يشْتَرط فِي كَونه مُؤمنا بِهِ أَن تقع رُؤْيَته لَهُ بعد الْبعْثَة فَيُؤمن بِهِ حِين يرَاهُ أَو بعد ذَلِك أَو يَكْفِي كَونه مُؤمنا بِهِ أَنه سيبعث كَمَا فِي قصَّة هَذَا وَغَيره. وَقد ذكر ابْن إِسْحَاق أَن أَسمَاء بنت أبي بكر قَالَت: لقد رَأَيْت زيد بن

عَمْرو بن نفَيْل مُسْندًا ظَهره إِلَى الْكَعْبَة يَقُول: يَا معشر قُرَيْش وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ مَا أصبح مِنْكُم أحدٌ على دين إِبْرَاهِيم غَيْرِي. وَأخرج الفاكهي بِسَنَد لَهُ إِلَى عَامر بن ربيعَة قَالَ: لقِيت زيد بن عَمْرو وَهُوَ خَارج من مَكَّة يُرِيد حراء فَقَالَ: يَا عَامر إِنِّي قد فَارَقت قومِي وَاتَّبَعت مِلَّة إِبْرَاهِيم وَمَا كَانَ يعبد إِسْمَاعِيل من بعده كَانَ يُصَلِّي إِلَى هَذِه البنية. وَأَنا أنْتَظر نَبيا من ولد إِسْمَاعِيل ثمَّ من ولد عبد الْمطلب وَمَا أَرَانِي أدْركهُ. وَأَنا أومن بِهِ وأصدقه وَأشْهد أَنه نَبِي. الحَدِيث. زَاد الْوَاقِدِيّ فِي حَدِيث نَحوه: فَإِن طَالَتْ بك مُدَّة فأقرئه مني السَّلَام. وَفِيه: لما أسلمت أَقرَأت النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ مِنْهُ السَّلَام فَرد عَلَيْهِ وترحم عَلَيْهِ وَقَالَ: رَأَيْته فِي الْجنَّة يسحب ذيولاً. وروى الْوَاقِدِيّ عَن ابْنه سعيد بن زيد قَالَ: توفّي أبي وقريشٌ تبني الْكَعْبَة. وَكَانَ ذَلِك قبل المبعث بِخمْس سِنِين. أما سعيد بن زيد الْمَذْكُور فقد كَانَ من السَّابِقين إِلَى الْإِسْلَام وَهَاجَر وَشهد أحدا والمشاهد بعْدهَا وَلم يكن بِالْمَدِينَةِ زمَان بدر فَلذَلِك لم يشهدها. وَهُوَ أحد الْعشْرَة المبشرة وَكَانَ إِسْلَامه قَدِيما قبل عمر وَكَانَ إِسْلَام عمر عِنْده فِي بَيته لِأَنَّهُ كَانَ زوج أُخْته فَاطِمَة. قَالَ الْوَاقِدِيّ: توفّي بالعقيق فَحمل إِلَى الْمَدِينَة وَذَلِكَ سنة خمسين من الْهِجْرَة وَقيل إِحْدَى وَخمسين وَقيل سنة اثْنَتَيْنِ وعاش بضعاً وَسبعين سنة.

وَزعم الْهَيْثَم بن عدي أَنه مَاتَ بِالْكُوفَةِ وَصلى عَلَيْهِ الْمُغيرَة بن شُعْبَة. قَالَ: وعاش ثَلَاثًا وَسبعين سنة وَزعم الْعَلامَة الدواني فِي شرح ديباجة العقائد العضدية وَتَبعهُ السَّيِّد عِيسَى الصفوي فِي شرح الْفَوَائِد الغياثية أَن زيد بن عمر الْمَذْكُور نبيٌّ أُوحِي إِلَيْهِ لتكميل نَفسه. وَهَذِه عِبَارَته: النَّبِي: إنسانٌ بَعثه الله إِلَى الْخلق لتبليغ مَا أوحاه إِلَيْهِ. وعَلى هَذَا لَا يَشْمَل من أوحى الله مَا يحْتَاج إِلَيْهِ لكماله فِي نَفسه من غير أَن يكون مَبْعُوثًا إِلَى غَيره كَمَا قيل فِي زيد بن عَمْرو بن نفَيْل اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يتَكَلَّف. أَقُول: هَذَا غير صَحِيح فَإِنَّهُ لم يقل أحدٌ من المؤرخين والمحدثين: إِنَّه نَبِي أَو ادّعى النُّبُوَّة. وَأمره مَشْهُور وَكَانَ حَيا فِي زمن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وَلَيْسَ فِي عصره نَبِي غَيره. قَالَ الذَّهَبِيّ: زيد بن عَمْرو بن نفَيْل هُوَ الَّذِي قَالَ فِيهِ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: إِنَّه يبْعَث أمة وَحده وَكَانَ على دين إِبْرَاهِيم وَرَأى النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وَتُوفِّي قبل مبعثه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ. وَكَانَ دخل الشَّام والبلقاء.) وَكَانَ نفرٌ من قُرَيْش: زيد وورقة وَعُثْمَان بن الْحَارِث وَعبيد بن جحش خالفوا قُريْشًا وَقَالُوا لَهُم: إِنَّكُم تَعْبدُونَ

مَا لَا يضر وَلَا ينفع من الْأَصْنَام وَلَا يَأْكُلُون ذَبَائِحهم. وَاجْتمعَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قبل الْبعْثَة وَقَالَ لَهُ: إِنِّي شاممت النَّصْرَانِيَّة واليهودية فَلم أر فِيهَا مَا أُرِيد فقصصت ذَلِك على راهبٍ فَقَالَ لي: إِنَّك تُرِيدُ مِلَّة إِبْرَاهِيم الحنيفية وَهِي لَا تُوجد الْيَوْم فَالْحق ببلدك فَإِن الله باعثٌ من قَوْمك من يَأْتِي بهَا وَهُوَ أكْرم الْخلق على الله. اه. وَمِنْه تعلم أَن مَا قَالَه الدواني لَا يَلِيق بِمثلِهِ أَن يذكرهُ. وَكَذَا مَا فِي حَوَاشِي الكازروني من أَنه يجوز أَن يكون زيد مَبْعُوثًا إِلَى الْخلق بِدَلِيل أَنه كَانَ يسند ظَهره إِلَى الْكَعْبَة وَيَقُول: أَيهَا النَّاس لم يبْق على دين إِبْرَاهِيم غَيْرِي. وَيعلم من هَذَا أَنه يجوز أَن يكون نَبيا فَلَا ينْتَقض بِهِ التَّعْرِيف. انْتهى. وَهَذَا مِمَّا يقْضِي مِنْهُ التَّعَجُّب وَكَذَا جَمِيع مَا ذكره هُنَا أَرْبَاب حَوَاشِيه. وَذكره الْبَيْضَاوِيّ عِنْد تَفْسِير قَوْله تَعَالَى: فَلَا تجْعَلُوا لله أنداداً: وَقَالَ: هُوَ موحد الْجَاهِلِيَّة. وَأما الثَّانِي فَهُوَ نبيه بِضَم النُّون وَفتح الْمُوَحدَة بعْدهَا يَاء سَاكِنة فهاء وكنيته أَبُو الرزام بتَشْديد الزَّاي الْمُعْجَمَة ابْن الْحجَّاج بتَشْديد الْجِيم الأولى ابْن عَامر بن حُذَيْفَة بن سهم بن عَمْرو بن هصيص بِالتَّصْغِيرِ ابْن كَعْب بن لؤَي بن غَالب.

قَالَ الزبير بن بكار فِي أَنْسَاب قُرَيْش: كَانَ نبيهٌ وَأَخُوهُ مُنَبّه على صِيغَة اسْم الْفَاعِل من التَّنْبِيه من وُجُوه قُرَيْش وَذَوي النباهة فيهم وقتلا ببدر كَافِرين. وَكَانَا من المطعمين يَوْم بدر ورثاهما الْأَعْشَى بن نباش بن زُرَارَة التَّمِيمِي حَلِيف بني عبد الدَّار وَكَانَ مداحاً لنَبيه بن الْحجَّاج وَله فِيهِ قصيدة يصف نَاقَته: (تبلغن رجلا مَحْضا ضرائبه ... مؤملاً وَأَبوهُ قبل مأمول) (إِن نبيها أَبَا الرزام أحلمهم ... حلماً وأجودهم والجود تَفْضِيل) وَكَانَ نبيهٌ شَاعِرًا وَهُوَ الَّذِي يَقُول فِي زوجتيه وَقد سألتاه الطَّلَاق: (تِلْكَ عرساي تنطقان بهجرٍ ... وَتَقُولَانِ قَول أثرٍ وعثر) إِلَى آخر الأبيات الْمُقدمَة. وَمن شعره: (قصر الشَّيْء بِي وَلَو كنت ذَا مَا ... لً كثير لأحلب النَّاس حَولي)

(الشاهد التاسع والسبعون بعد الأربعمائة)

(ولقالوا أَنْت الْكَرِيم علينا ... ولحطوا إِلَى هواي وميلي) (ولكلت الْمَعْرُوف كَيْلا هَنِيئًا ... يعجز النَّاس أَن يكيلوا ككيلي) وَله أَيْضا:) (قَالَت سليمى يَوْم جِئْت أزورها ... لَا أَبْتَغِي إِلَّا امْرأ ذَا مَال) (فلأحرصن على اكْتِسَاب محببٍ ... ولأكسبن فِي عفةٍ وجمال) وَله شعر كثير. اه. والأنضر كأحمد: لغةٌ فِي النَّضر وَهُوَ الذَّهَب. وَأنْشد بعده 3 - (الشَّاهِد التَّاسِع وَالسَّبْعُونَ بعد الأربعمائة) قَول الفوارس ويك عنتر أقدم على أَن الْفراء قَالَ: وي فِي ويكأنه كلمة تعجب ألحق بهَا كَاف الْخطاب كَقَوْلِه: ويك عنتر أَي: وَيلك وعجباً مِنْك.

أَقُول: لَيْسَ هَذَا مَذْهَب الْفراء وَإِنَّمَا هُوَ قولٌ لبَعض النَّحْوِيين نَقله الْفراء عَنهُ كَمَا مضى. زعم أَن ويكأن مركب من ويك وَمن أَن وَأَن ويك أَصله وَيلك فحذفت مِنْهُ اللَّام كَمَا فِي بَيت عنترة. وَلَا تخفى ركاكة قَول الشَّارِح: وي كلمة تعجب ألحق بهَا كَاف الْخطاب مَعَ قَوْله: أَي وَيلك وعجباً مِنْك. قَالَ ابْن الشجري فِي أَمَالِيهِ: قَالَ الْمُفَسِّرُونَ فِي قَول الله تَعَالَى: ويكأن الله يبسط الرزق مَعْنَاهُ ألم تَرَ أَن الله. وَمثل ذَلِك: ويكأنه لَا يفلح الْكَافِرُونَ. وَاخْتلف فِيهَا اللغويون فَقَالَ الْخَلِيل: إِنَّهَا وي مفصولة من كَأَن وَالْمرَاد بهَا التَّنْبِيه. وَإِلَى هَذَا ذهب يُونُس وسيبويه وَالْكسَائِيّ. وَقَالَ السيرافي: وي كلمة يَقُولهَا المتندم عِنْد إِظْهَار ندامته ويقولها المندم لغيره والمنبه. وَمعنى كَأَن الله يبسط الرزق التَّحْقِيق وَإِن كَانَ لَفظه لفظ التَّنْبِيه فالتقدير: تنبه أَن الله يبسط الرزق أَي: تنبه لبسط الله الرزق. وَقَالَ الْفراء مَعْنَاهُ فِي كَلَام الْعَرَب التَّقْرِير كَقَوْلِك لمن تقرر: أَلا ترى إِلَى صنع الله فَكَأَنَّهُ قيل: أما ترى أَن الله يبسط الرزق. وَأَقُول: إِن كل وَاحِد من مذهبي الْخَلِيل وَالْفراء وَكَذَلِكَ مَا قَالَه

السيرافي من أَن التَّقْدِير: تنبه أَن الله يبسط الرزق مَعْنَاهُ ألم تَرَ أَن الله يبسط الرزق. وَشَاهد ذَلِك قَوْله تَعَالَى: ألم تَرَ أَن الله أنزل من السَّمَاء مَاء فَتُصْبِح الأَرْض مخضرة . فَهَذَا تنبيهٌ على قدرته وتقريرٌ بهَا. وَقَالَ غير هَؤُلَاءِ من اللغويين: هِيَ ويك بِمَعْنى وَيلك وحذفت اللَّام لِكَثْرَة هَذِه اللَّفْظَة فِي الْكَلَام. وَأَن من قَوْله أَن الله يبسط الرزق مَفْتُوحَة بإضمار اعْلَم. وَاحْتَجُّوا بقول عنترة: ويك عنتر أقدم فالكاف على هَذَا القَوْل ضمير فلهَا مَوضِع من الْإِعْرَاب. وَقَالَ آخَرُونَ: هِيَ وي اسمٌ للْفِعْل وَمَعْنَاهَا أتعجب كَمَا تَقول: وي لم فعلت هَذَا فالكاف فِي هَذَا الْوَجْه حرفٌ للخطاب كالكاف فِي رويدك فَهِيَ دَالَّة على أَن التَّعَجُّب موجه إِلَى مُخَاطب لَا إِلَى غَائِب. وانفتحت أَن) بِتَقْدِير اللَّام أَي: أتعجب لِأَن الله يبسط الرزق. انْتهى كَلَام ابْن الشجري. وَالْبَيْت من معلقَة عنترة الْعَبْسِي. قَالَ شرَّاح الْمُعَلقَة: قَالَ بعض النَّحْوِيين: معنى: ويك وَيحك. وَقَالَ بَعضهم: مَعْنَاهُ وَيلك. وكلا الْقَوْلَيْنِ خطأ لِأَنَّهُ كَانَ يجب على هَذَا أَن يقْرَأ: ويك إِنَّه كَمَا يُقَال: وَيلك إِنَّه وويحك

(الشاهد الثمانون بعد الأربعمائة)

إِنَّه. على أَنه قد احْتج لصَاحب هَذَا القَوْل بِأَن الْمَعْنى: وَيلك اعْلَم أَنه لَا يفلح الْكَافِرُونَ. وَهَذَا أَيْضا خطأ من جِهَات إِحْدَاهَا: حذف اللَّام من وَيلك وَحذف اعْلَم لِأَن مثل هَذَا لَا يحذف لِأَنَّهُ لَا يعرف مَعْنَاهُ. وَأَيْضًا فَإِن الْمَعْنى لَا يَصح لِأَنَّهُ لَا يدرى من خاطبوا بِهَذَا. وَرُوِيَ عَن بعض أهل التَّفْسِير أَن معنى ويك ألم تَرَ وَأما ترى وَالْأَحْسَن فِي هَذَا مَا روى سِيبَوَيْهٍ عَن الْخَلِيل وَهُوَ أَن وي مُنْفَصِلَة وَهِي كلمة يَقُولهَا المتندم إِذا مَا تنبه على مَا كَانَ مِنْهُ كَأَنَّهُمْ قَالُوا على النَّدَم: وي كَأَنَّهُ لَا يفلح الْكَافِرُونَ. انْتهى. وَرُوِيَ: قيل الفوارس. وَالْقَوْل والقيل بِمَعْنى. وَجمع فَارس الوصفي على فوارس نَادِر. وعنتر: منادى مرخم أَي: يَا عنترة. وأقدم بِفَتْح الْهمزَة وَكسر الدَّال بِمَعْنى تقدم أَو هُوَ من الْإِقْدَام الَّذِي بِمَعْنى الِاجْتِهَاد والتصميم. وروى بدله: قدم أَي: قدم الْفرس أَو بِمَعْنى تقدم. جعل أَمرهم لَهُ بالتقدم شِفَاء لنَفسِهِ لما ينَال فِي تقدمه من الظفر بأعدائه وَلما يكْتَسب من ذَلِك من الرّفْعَة وعلو الْمنزلَة. وَقد تقدّمت تَرْجَمَة عنترة وَشرح الْمُعَلقَة فِي أَبْيَات مِنْهَا فِي الشَّاهِد الثَّانِي عشر وَغَيره. وَأنْشد بعده 3 - (الشَّاهِد الثَّمَانُونَ بعد الأربعمائة) (روافده أكْرم الرافدات ... بخٍ لَك بخٍّ لبحرٍ خضم)

على أَن الشَّاعِر جمع فِيهِ لغتي بخٍ الموصولة فِي الدرج وهما: تَخْفيف الْخَاء مَعَ الْكسر والتنوين وتشديدها كَذَلِك. وَهَذَا من الصِّحَاح فَإِنَّهُ قَالَ: بخ كلمة تقال عِنْد الْمَدْح وَالرِّضَا بالشَّيْء وتكرر للْمُبَالَغَة فَيُقَال: بخ بخ. فَإِن وصلت خفضت ونونت فَقلت: بخٍ بخٍ وَرُبمَا شددت كالاسم. وَقد جَمعهمَا الشَّاعِر فَقَالَ يصف بَيْتا: روافده أكْرم الرافدات ... ... ... ... . . الْبَيْت وَأوردهُ أَبُو عبيد الْقَاسِم بن سَلام فِي الْغَرِيب المُصَنّف قَالَ: الروافد خشب السّقف قَالَ الشَّاعِر وَذكر بَيْتا: روافده أكْرم الرافدات ... ... ... ... . . الْبَيْت قَالَ شَارِح أبياته يُوسُف بن الْحسن السيرافي: بخ كلمة تقال عِنْد وصف الشَّيْء بالرفعة والتناهي فِي الْأُمُور الجليلة: وَهِي مَبْنِيَّة على السّكُون لِأَنَّهُ من أَسمَاء الْأَفْعَال وَالْفِعْل الَّذِي هِيَ فِي مَوْضِعه فعل تعجبٍ فِي قَوْلك: أفعل بِهِ فِي مَوضِع أعظم بِهِ وَأكْرم بِهِ كَمَا كَانَ صه فِي مَوضِع اسْكُتْ. وَهُوَ فِي نِيَّة تَعْرِيف. وَهَذِه الْأَفْعَال الَّتِي للتعريف إِذا نوي بهَا التَّعْرِيف لم تنون وَإِن نوي بهَا التنكير نونت. فَمن قَالَ: بخٍ وَنون أَرَادَ بِهِ النكرَة فَأدْخل التَّنْوِين وَهُوَ حرف سَاكن على الْخَاء وَهِي سَاكِنة فَاجْتمع ساكنان فَكسرت الأولى مِنْهُمَا وَهِي الْخَاء. فَإِن قَالَ قَائِل: الساكنان إِذا التقيا فِي كلمة وَاحِدَة كسر الثَّانِي مِنْهُمَا نَحْو: دراك ونزال وَإِذا التقيا من كَلِمَتَيْنِ كسر الأول نَحْو: اضْرِب ابْنك وَأكْرم الْقَوْم فَلَمَّا كسرت الْخَاء لدُخُول التَّنْوِين وهما فِي كلمة وَاحِدَة وَلم يكسر التَّنْوِين قيل لَهُ: التَّنْوِين لَيْسَ من الْكَلِمَة وَهُوَ مضمومٍ إِلَيْهَا داخلٌ للعلامة وَلَيْسَ من حروفها فَجرى

(الشاهد الحادي والثمانون بعد الأربعمائة)

مجْرى كلمة غير الْكَلِمَة الأولى. وبخ بِالتَّشْدِيدِ هُوَ الأَصْل والمخفف مَا حذف مِنْهُ حرفٌ من الأَصْل. والخضم: الْكثير الْعَظِيم الْكَثْرَة. وصف الْبَيْت بِالْكَرمِ وَأَرَادَ كرم من هُوَ بَيته. انْتهى. فعلى كَلَامه هِيَ اسْم فعلٍ لَا اسْم صَوت. وَالْبَيْت لم أَقف على قَائِله وتتمته. وَالله أعلم. وَأنْشد بعده 3 - (الشَّاهِد الْحَادِي وَالثَّمَانُونَ بعد الأربعمائة) وَصَارَ وصل الغانيات أَخا على أَن الشَّاعِر جعل أَخا كالمصدر فأعربه وَهُوَ مصدر بِمَعْنى الْمَفْعُول أَي: مَكْرُوها. وَكَذَلِكَ أورد الزَّمَخْشَرِيّ فِي الْأَصْوَات وَقَالَ: وَأَخ عِنْد التكره. قَالَ العجاج: وَصَارَ وصل الغانيات أَخا وروى كخا. قَالَ ابْن دُرَيْد فِي الجمهرة: أَخ وَذكرهَا بِالْفَتْح كلمة تقال عِنْد التأوه وأحسبها محدثه. وكخ: زجر للصَّبِيّ وردعٌ لَهُ وتقال عِنْد التقذر للشَّيْء وتكسر الْكَاف وتفتح وتسكن الْخَاء وتكسر بتنوين وَغير تَنْوِين قيل: هِيَ أَعْجَمِيَّة عربت. كَذَا فِي النِّهَايَة. وَلم أر نِسْبَة الْبَيْت للعجاج إِلَّا فِي الْمفصل. وَفِي الْعباب للصاغاني يُقَال للصَّبِيّ إِذا نهي عَن فعل شَيْء قذرٍ:

إخ بِالْكَسْرِ بِمَنْزِلَة قَول الْعَجم: كخ كَأَنَّهُ زجر وَقد تفتح همزته قَالَ أَعْرَابِي: وَكَانَ وصل الغانيات أَخا ويروى كخا. وإخ بِالْكَسْرِ: صَوت يناخ بِهِ الْجمل ليبرك وَلَا يشتق مِنْهُ الْفِعْل فَلَا يُقَال أخخت الْجمل. إِنَّمَا يَقُولُونَ أنخته. وَهُوَ من أَبْيَات رَوَاهَا جمَاعَة غفلاً مِنْهُم ثَعْلَب فِي أَمَالِيهِ وَأنْشد: (لَا خير فِي الشَّيْخ إِذا مَا أجلخا ... وَسَار غرب عينه ولخا) (وَكَانَ أكلا قَاعِدا وشخا ... تَحت رواق الْبَيْت يخْشَى الدخا) (وانثنت الرجل فَكَانَت فخا ... وَكَانَ وصل الغانيات أَخا) اجلخ: سقط وَلم يَتَحَرَّك. ولخ: سَالَ. وَأَخ كَقَوْلِك: أُفٍّ وتف. انْتهى. وَكَذَا رَوَاهَا الزجاجي فِي أَمَالِيهِ الْوُسْطَى عَن ابْن الْأَعرَابِي وَقَالَ: اجلخ: اعوج. ولخ: التصقت عَيْنَيْهِ. وشخا يَقُول: كثر غائطه. والدخ بِضَم الدَّال وَفتحهَا: الدُّخان. ويغشى الدخ: يغشى التَّنور فَيَقُول: أَطْعمُونِي. انْتهى. وَقَالَ عَليّ بن حَمْزَة الْبَصْرِيّ فِي التَّنْبِيهَات: الغرب: بثرة تكون فِي

الْعين تقذى وَلَا ترقأ. وَأنْشد الأبيات. وَكَذَلِكَ أنْشد الأبيات ابْن دُرَيْد فِي الجمهرة وَقَالَ: لخت عينه تلخ لخاً ولخخاً إِذا كثرت دموعها وغلظت جفونها. وَرُبمَا قَالُوا: لحت أَي: بِالْمُهْمَلَةِ. وَقَالَ أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن الْحُسَيْن اليمني فِي طَبَقَات النَّحْوِيين: حَدثنَا ابْن مطرف قَالَ: أخبرنَا ابْن دُرَيْد قَالَ: أخبرنَا عبد الرَّحْمَن عَن عَمه قَالَ: قَالَت أعرابيةُ فِي زَوجهَا وَكَانَ شَيخا: لَا خير فِي الشَّيْخ إِذا مَا اجلخا) الأبيات. فَقَالَ زَوجهَا: (أم جوارٍ ضنؤها غير أَمر ... صهصلق الصَّوْت بعينيها الصَّبْر) (تبادر الذِّئْب بعدوٍ مشفتر ... سائلةٌ أصداغها مَا تختمر) (تَغْدُو عَلَيْهِم بعمودٍ منكسر ... حَتَّى يفر أَهلهَا كل مفر) (لَو نحرت فِي بَيتهَا عشر جزر ... لأصبحت من لحمهن تعتذر) فَقَالَت لزَوجهَا: اسْكُتْ فَإنَّا حمارا الْعَبَّادِيّ. قَالَ: أجل وَأَنت بدأت. انْتهى. وجوارٍ: جمع جَارِيَة. والضنء بِفَتْح الضَّاد الْمُعْجَمَة وَكسرهَا وَسُكُون النُّون بعْدهَا همزَة: النَّسْل وَالْولد وَلَا وَاحِد لَهُ من لَفظه. وأمرٌ: كثيرٌ من أَمر كفرح إِذا كثر والصهصلق قَالَ فِي الْقَامُوس: هِيَ الْعَجُوز الصخابة

وَمن الْأَصْوَات: الشَّديد. وَالصَّبْر: عصارة شجر مرٍّ. يُرِيد أَن عينيها تَدْمَع دَائِما كَأَن فِي عينيها هَذِه العصارة. والمشفتر كمقشعر: المشمر والمنتصب. وسائلة أصداغها أَي: طَوِيلَة شعر الأصداغ. وَمَا تختمر أَي: لم تسْتَعْمل الْخمار. والجزر بِضَمَّتَيْنِ: جمع جزور وَهُوَ الْبَعِير أَو النَّاقة المجزورة وَمَا يذبح من الشَّاء واحدتها جزرة.

(المركب)

(الْمركب) أنْشد فِيهِ 3 - (الشَّاهِد الثَّانِي وَالثَّمَانُونَ بعد الأربعمائة) (كلف من عنائه وشقوته ... بنت ثَمَانِي عشرةٍ من حجَّته) على أَن بعض الْكُوفِيّين أجَاز إِضَافَة النيف إِلَى الْعشْرَة. قَالَ أَبُو عَليّ فِي التَّذْكِرَة القصرية: البغداديون يجيزون خَمْسَة عشر فيضيفون وَأَنت تُرِيدُ بِهِ الْعدَد ويستشهدون بقول الشَّاعِر: (كلف من شقائه وشقوته ... بنت ثَمَانِي عشرةٍ من حجَّته) وأصحابنا يمْنَعُونَ من ذَلِك إِذا أردْت بِهِ الْعدَد. فَإِن سميته بِخَمْسَة عشر جَازَت الْإِضَافَة على قَول من قَالَ: معديكرب وَجَاز أَن لَا تضيف على حد من قَالَ: معديكرب لِأَنَّهُ قد خرج عَن الْعدَد بِالتَّسْمِيَةِ. وَأَجَازَ ذَاك أَبُو عمر فِي الفرخ. انْتهى. وَقَالَ ابْن الْأَنْبَارِي فِي مسَائِل الْخلاف: ذهب الْكُوفِيُّونَ إِلَى أَنه

يجوز إِضَافَة النيف إِلَى الْعشْرَة وَاسْتَدَلُّوا بِالْبَيْتِ وَلِأَن النيف اسْم مظهرٌ كَغَيْرِهِ من الْأَسْمَاء المظهرة الَّتِي تجوز إضافتها وَمنعه البصريون لِأَن الاسمين قد جعلا اسْما وَاحِدًا فَكَمَا لَا يجوز أَن يُضَاف الِاسْم الْوَاحِد بعضه إِلَى بعض فَكَذَلِك هَا هُنَا. وَبَيَان ذَلِك: أَن الاسمين لما ركبا دلا على معنى وَاحِد وَالْإِضَافَة تبطل ذَلِك الْمَعْنى. أَلا ترى أَنَّك لَو قلت: قبضت خَمْسَة عشر من غير إِضَافَة دلّ على أَنَّك قد قبضت خَمْسَة وَعشرَة. وَإِذا أضفت دلّ على أَنَّك قبضت الْخَمْسَة دون الْعشْرَة فَلَمَّا كَانَت الْإِضَافَة تبطل الْمَعْنى الْمَقْصُود وَجب أَن لَا تجوز. وَأما الْبَيْت فَلَا يعرف قَائِله وَلَا يُؤْخَذ بِهِ. على أَنا نقُول: إِنَّمَا صرفه لضَرُورَة ورده إِلَى الْجَرّ لِأَن ثَمَانِي عشرَة لما كَانَا بِمَنْزِلَة اسْم وَاحِد وَقد أضيف إِلَيْهِمَا بنت رد الْإِعْرَاب إِلَى الأَصْل بِإِضَافَة بنت إِلَيْهِمَا لَا بِإِضَافَة ثَمَانِي إِلَى عشرَة. وهم إِذا صرفُوا الْمَبْنِيّ للضَّرُورَة ردُّوهُ إِلَى الأَصْل. وَأما قَوْلهم إِن النيف اسمٌ مظهر كَغَيْرِهِ من الْأَسْمَاء فِي جَوَاز الْإِضَافَة قُلْنَا: إِلَّا أَنه مركب والتركيب يُنَافِي الْإِضَافَة لِأَن التَّرْكِيب جعل الاسمين اسْما وَاحِدًا بِخِلَاف الْإِضَافَة فَإِن الْمُضَاف يدل على مُسَمّى والمضاف إِلَيْهِ يدل على مُسَمّى آخر. وَحِينَئِذٍ لَا يجوز الْإِضَافَة لِاسْتِحَالَة الْمَعْنى. اه.

وَأنْشد الْفراء الْبَيْت فِي موضِعين من تَفْسِيره عَن أبي ثروان: أَحدهمَا: عِنْد قَوْله تَعَالَى: إِنِّي رَأَيْت أحد عشر كوكبا لما ذكر من مَذْهَب الْكُوفِيّين وَفصل الْمَسْأَلَة عِنْدهم. وَثَانِيهمَا عِنْد قَوْله تَعَالَى: رَبنَا غلبت علينا شِقْوَتنَا بِكَسْر الشين وَهِي قِرَاءَة أهل الْمَدِينَة وَعَاصِم وَأنْشد هَذَا الْبَيْت أَيْضا. والعناء: بِالْفَتْح: التَّعَب وَالنّصب. وَالْحجّة بِالْكَسْرِ: السّنة. ونائب فَاعل كلف: ضمير الرجل وَبنت: مفعول ثَان لكلف. قَالَ الجاحظ فِي) كتاب الْحَيَوَان: أَنْشدني أَبُو الرديني الدلهم بن شهَاب أحد بني عَوْف بن كنَانَة من عكل قَالَ: أَنْشدني نفيع بن طَارق: (علق من عناءه وشقوته ... بنت ثَمَانِي عشرةٍ من حجَّته) (وَقد رَأَيْت هدجاً فِي مشيته ... وَقد جلا الشيب عذار لحيته) (يَظُنهَا ظنا بِغَيْر رُؤْيَته ... تمشي بجهمٍ ضيقه فِي همته)

. (لم يخزه الله برحبٍ سعته ... حجم بعد حلقه ونورته) (كقنفذ القف اختفى فِي فروته ... لَا يقنع الأير بِنَزْع زهرته) كَأَن فِيهِ وهجاً من مِلَّته والهدج: مشْيَة الشَّيْخ. والجهم: الباسر الكالح من جهم بِالضَّمِّ إِذا صَار باسر الْوَجْه. أَرَادَ حرا جهماً ذَا عكنٍ كالوجه الجهم. وَقَوله: ضيقه فِي همته أَرَادَ أَن حرهَا ضيقٌ كضيق همته. وحجم بِفَتْح الْجِيم والحاء الْمُهْملَة أَي: برز الْحر الجهم من حجم الرجل إِذا فتح عَيْنَيْهِ كالشاخص. والقف: حِجَارَة غاصٌّ بَعْضهَا بِبَعْض مترادف بَعْضهَا إِلَى بعض. وَالْملَّة: بِالْفَتْح: الرماد الْحَار. وَأنْشد بعده (وَلَا تبلى بسالتهم وَإِن هم ... صلوا بِالْحَرْبِ حينا بعد حِين)

. على أَن أصل حِين حِين بالتركيب حينا بعد حِين كَمَا فِي الْبَيْت. وَأوردهُ صَاحب الصِّحَاح فِي صلي بِالْأَمر كفرح إِذا قاسى حره وشدته. وَالْبَيْت من أبياتٍ لأبي الغول الطهوي أوردهَا القالي فِي أَمَالِيهِ وَأَبُو تمامٍ فِي أول حماسته وَهِي: (فدت نَفسِي وَمَا ملكت يَمِيني ... فوارس صدقُوا فيهم ظنوني) (فوارس لَا يملون المنايا ... إِذا دارت رحى الْحَرْب الزبون) (وَلَا يجزون من حسنٍ بسوءى ... وَلَا يجزون من غلظٍ بلين) (وَلَا تبلى بسالتهم وَإِن هم ... صلوا بِالْحَرْبِ حينا بعد حِين) (هم منعُوا حمى الوقبى بضربٍ ... يؤلف بَين أشتات الْمنون) (فنكب عَنْهُم دَرْء الأعادي ... وداووا بالجنون من الْجُنُون) (وَلَا يرعون أكناف الهوينى ... إِذا حلوا وَلَا أَرض الهدون)

. قَوْله: فدت نَفسِي إِلَخ جملَة دعائية ومَا مَوْصُولَة. وَتَخْصِيص الْيَمين لفضلها وَقُوَّة التَّصَرُّف) بهَا وهم يُقِيمُونَ الْبَعْض مقَام الْجُمْلَة وينسبون إِلَيْهِ الْأَحْدَاث وَالْأَخْبَار كثيرا كَقَوْلِه تَعَالَى: فظلت أَعْنَاقهم لَهَا خاضعين. قَالَ أَبُو عبيد الْبكْرِيّ فِي شرح أمالي القالي: قَوْله: صدقُوا فيهم ظنوني ف ظنوني مفعولة. وروى غير القالي: صدقت فيهم ظنوني فالظنون على هَذِه الرِّوَايَة فاعلةٌ. ويروى: صدقت بِضَم الصَّاد فَتكون الظنون مفعولةً. يُرِيد: أَنَّهَا نَائِب فَاعل. وأنشده صَاحب الْكَشَّاف فِي صُورَة سبأ بِرِوَايَة: صدقت فيهم ظنوني وَقَالَ: لَو قرئَ: وَلَقَد صدق عَلَيْهِم إِبْلِيس ظَنّه بتَشْديد الدَّال وَرفع إِبْلِيس وَالظَّن كَمَا فِي الْبَيْت لَكَانَ مُبَالغَة فِي الصدْق عَلَيْهِم. وفوارس شَاذ فِي الجموع لِأَن فواعل جمع فاعلة لما يعقل دون فَاعل. وَالْمعْنَى: تفدي نَفسِي وَمَالِي أجمع فوارس يكونُونَ عِنْد ظنوني بهم فِي الْحَرْب. وَقَوله: فوارس لَا يملون إِلَخ بِالنّصب بدل من فوارس وبالرفع خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي: هم فوارس. والمنايا: جمع منية وَهِي الْمَوْت أَرَادَ أَسبَابهَا. والزبون: النَّاقة الَّتِي تزبن حالبها أَي: تَدْفَعهُ برجلها وَمِنْه الزَّبَانِيَة لأَنهم يدْفَعُونَ إِلَى النَّار. وَإِنَّمَا لم يؤنث لِاسْتِوَاء فعول فِي الْمُؤَنَّث والمذكر. شبه الْحَرْب الَّتِي لَا تقبل الصُّلْح بالناقة الزبون. وَيُقَال: ثَبت فلانٌ فِي رَحا الْحَرْب أَي: حَيْثُ دارت كالرحا.

قَوْله: وَلَا يجزون من حسن إِلَخ يشْرَح إِن شَاءَ الله فِي أفعل التَّفْضِيل. قَوْله: وَلَا تبلى بسالتهم إِلَخ قَالَ الطبرسي: تبلى من بلي الثَّوْب. ويروى: تبلى بِالضَّمِّ من بلوت إِذا اختبرت. والبسالة يُوصف بهَا الْأسد وَالرجل وصلوا من صليت بِكَذَا أَي: منيت بِهِ. وَجَوَاب إِن هم صلوا يدل عَلَيْهِ مَا قبله تَقْدِيره: إِن منوا بِالْحَرْبِ لم تخلق شجاعتهم أَو لم تختبر شجاعتهم ليعرف غورها ومنتهاها على مر الزَّمَان وَاخْتِلَاف الْأَحْوَال. انْتهى. وَقَالَ أَبُو عبيد الْبكْرِيّ: هَكَذَا الرِّوَايَة تبلى بِالْفَتْح من البلى. وروى غير القالي: وَلَا تبلى بِضَم التَّاء من الِابْتِلَاء وَهُوَ الاختبار أَي: لَا يختبر مَا عِنْدهم من النجدة والبأس وَإِن طَال أمد الْحَرْب لِكَثْرَة مَا عِنْدهم من ذَلِك. وَيجوز على هَذِه الرِّوَايَة صلوا بِالْحَرْبِ إِلَّا بعد حِين. وَقَوله: هم منعُوا حمى إِلَخ الْحمى: مَوضِع المَاء والكلأ. والوقبى: بِفَتْح الْوَاو وَالْقَاف: مَوضِع بِقرب الْبَصْرَة. وَكَانَ حَدِيثه أَن عبد الله ابْن عَامر كَانَ عَاملا لعُثْمَان بِالْبَصْرَةِ وأعمالها. وَاسْتعْمل بشر بن حَارِث بن كَهْف الْمَازِني على الأحماء الَّتِي مِنْهَا الوقبى فحفر بهَا ركيتين: ذَات الْقصر والجوفاء فانتزعهما مِنْهُ عبد الله بن عَامر وَوَقعت الْحَرْب بَينهم بِسَبَب ذَلِك وَعَاد المَاء فِي آخر حروب ومغاورات إِلَى بني مَازِن. كَذَا قَالَ شرَّاح الحماسة. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: كَانَت الوقبى لبكرٍ على إيادٍ الدَّهْر فَغَلَبَهُمْ عَلَيْهَا بَنو

مَازِن بعون عبد) الله بن عَامر صَاحب الْبَصْرَة لَهُم فَهِيَ بأيدي بني مَازِن الْيَوْم. وَكَانَ بَين بني شَيبَان وَبَين مَازِن حَرْب فِيهَا وتعرف بِيَوْم الوقبى قتل فِيهَا جمَاعَة من بني شَيبَان. انْتهى. يَقُول: إِن هَؤُلَاءِ الْقَوْم الَّذين يمْنَعُونَ حمى هَذَا الْمَكَان بضربٍ يجمع بَين المنايا المتفرقة. وَهَذَا يحْتَمل وُجُوهًا: يجوز أَن يكون أَن هَؤُلَاءِ لَو بقوا فِي أماكنهم وَلم يجتمعوا فِي هَذِه المعركة لوقعت مناياهم مُتَفَرِّقَة فِي أمكنةٍ مُتَغَايِرَة وأزمنة مُتَفَاوِتَة فَلَمَّا اجْتَمعُوا تَحت الضَّرْب الَّذِي وَصفه صَار الضَّرْب جَامعا لَهُم. وَيجوز أَن يكون الْمَعْنى أَن أَسبَاب الْمَوْت مُخْتَلفَة وَهَذَا الضَّرْب جمع بَين الْأَسْبَاب كلهَا. وَحكي عَن أبي سعيد الضَّرِير أَن الْمَعْنى أَن الضَّرْب إِذا وَقع ألف بَين أقدارهم الَّتِي قدرت عَلَيْهِم. وَيجوز أَن يكون المُرَاد: بضربٍ لَا ينفس الْمَضْرُوب وَلَا يمهله لِأَنَّهُ جمع فرق الْمَوْت لَهُ. وَقَوله: فنكب عَنْهُم إِلَخ الدرء أَصله الدّفع ثمَّ اسْتعْمل فِي الْخلاف لِأَن الْمُخْتَلِفين يتدافعان. يَقُول: هَذَا الضَّرْب نكب عَن هَؤُلَاءِ الْقَوْم اعوجاج الأعادي وخلافهم وداووا الشَّرّ بِالشَّرِّ. وَهَذَا كَقَوْلِهِم: الْحَدِيد بالحديد يفلح. وأصل النكب الْميل. وَقَالَ أَبُو عبيد الْبكْرِيّ: هَذَا مثل قَول عَمْرو بن كُلْثُوم: (أَلا لَا يجهلن أحدٌ علينا ... فنجهل فَوق جهل الجاهلينا) وَقَالَ الفرزدق: ...

(أَحْلَامنَا تزن الْجبَال رزانةً ... وَيزِيد جاهلنا على الْجُهَّال) قَوْله: وَلَا يرعون أكناف إِلَخ الهوينى: الدعة والخفض وَهُوَ مصغر الهونى تَأْنِيث الأهون. وَيجوز أَن يكون الهونى اسْما مَبْنِيا من الهينة وَهِي السّكُون وَلَا تَجْعَلهُ تَأْنِيث الأهون. والهدون: السّكُون وَالصُّلْح. يصفهم بالحرص على الْقِتَال وإيثار جَانب الْخُصُومَة على الصُّلْح. فَيَقُول: لَا يرْعَى هَؤُلَاءِ الْقَوْم من عزهم ومنعتهم الْأَمَاكِن الَّتِي أباحتها المسالمة ووطأتها المهادنة وَلَكِن يرعون النواحي المحمية والأراضي المنعية. وَأَبُو الغول الطهوي هُوَ كَمَا قَالَ الْآمِدِيّ فِي المؤتلف والمختلف من قوم من بني طهية يُقَال لَهُم: بَنو عبد شمس بن أبي سود. وَكَانَ يكنى أَبَا الْبِلَاد وَقيل لَهُ: أَبُو الغول لِأَنَّهُ فِيمَا زعم رأى غولاً فَقَتلهَا وَقَالَ: (رَأَيْت الغول تهوي جنح ليلٍ ... بسهبٍ كالعباية صحصحان) (فَقلت لَهَا: كِلَانَا نضو أرضٍ ... أَخُو سفرٍ فصدي عَن مَكَاني) ...

(إِذا عينان فِي وجهٍ قبيحٍ ... كوجه الهر مشقوق اللِّسَان)) (بعيني بومةٍ وشواة كلبٍ ... وجلدٍ فِي قراً أَو فِي شنان) وَله فِي هَذَا حَدِيث وَخبر فِي كتاب بني طهية. انْتهى. وَنسب ابْن قُتَيْبَة تِلْكَ الأبيات لأبي الغول النَّهْشَلِي. قَالَ: علْبَاء بن جوشن من بني قطن بن نهشل وَكَانَ شَاعِرًا مجيداً وَهُوَ الْقَائِل: (وسوءةٍ يكثر الشَّيْطَان إِن ذكرت ... مِنْهَا التَّعَجُّب جَاءَت من سليمانا) (لَا تعجبن لخيرٍ جَاءَ من يَده ... فالكوكب النحس يسْقِي الأَرْض أَحْيَانًا) انْتهى. وَأَبُو الغول النَّهْشَلِي غير أبي الغول الطهوي نقلهما الْآمِدِيّ عَن أبي الْيَقظَان وَقَالَ فِي النَّهْشَلِي: هُوَ علْبَاء بن جوشن وَإنَّهُ شَاعِر ذكره أَبُو الْيَقظَان وَلم ينشد لَهُ شعرًا وَلم أرى لَهُ ذكرا فِي كتاب بني نهشل. انْتهى. وَأَبُو سود بِضَم السِّين هُوَ ابْن مَالك بن حَنْظَلَة بن مَالك بن زيد مَنَاة بن تَمِيم. وَأم أبي سود: طهية بنت عبد شمس بن سعد بن زيد مَنَاة بن تَمِيم.

(الشاهد الرابع والثمانون بعد الأربعمائة)

ونهشل هُوَ ابْن دارم بن مَالك بن حَنْظَلَة الْمَذْكُور. فَأَبُو سود يكون عَم نهشل. وعلباء بِكَسْر الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون اللَّام بعْدهَا بَاء مُوَحدَة وَألف ممدودة. وَسليمَان هُوَ سُلَيْمَان بن عبد الْملك بن مَرْوَان. فالنهشلي شَاعِر إسلاميٌّ فِي الدولة المروانية وَأما الطهوي فَلم أَقف على كَونه إسلامياً أَو جاهلياً. وَأنْشد بعده 3 - (الشَّاهِد الرَّابِع وَالثَّمَانُونَ بعد الأربعمائة) وَهُوَ من شَوَاهِد س: (فلولا يَوْم يومٍ مَا أردنَا ... جزاءك والقروض لَهَا جَزَاء) على أَنه إِذا خرج الظروف وَالْأَحْوَال عَن الظَّرْفِيَّة والحالية وَجَبت الْإِضَافَة وَلم يجز التَّرْكِيب. قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَأما يَوْم يومٍ وصباح مساءٍ وَبَيت بيتٍ وَبَين بينٍ فَإِن الْعَرَب تخْتَلف فِي ذَلِك يَجعله بَعضهم بِمَنْزِلَة اسْم وَاحِد وَبَعْضهمْ يضيف الأول إِلَى الآخر وَلَا يَجعله اسْما وَاحِدًا وَلَا يجْعَلُونَ شَيْئا من هَذِه الْأَسْمَاء بِمَنْزِلَة اسمٍ وَاحِد إِلَّا فِي حَال الْحَال والظرف كَمَا لم يجْعَلُوا يَا ابْن عَم وَيَا ابْن أم بِمَنْزِلَة شَيْء وَاحِد إِلَّا فِي حَال النداء. وَالْآخر من هَذِه الْأَسْمَاء فِي مَوضِع جرٍّ وَجعل لَفظه كَلَفْظِ الْوَاحِد وهما اسمان أَحدهمَا مضافُ إِلَى

الآخر. وَزعم يُونُس وَهُوَ رَأْيه أَن أَبَا عَمْرو كَانَ يَجْعَل لَفظه كلفظه إِذا كَانَ شيءٌ مِنْهُ ظرفا أَو حَالا. وَقَالَ الفرزدق: وَلَوْلَا يَوْم يومٍ مَا أردنَا ... ... ... ... ... ... . الْبَيْت فَالْأَصْل فِي هَذَا وَالْقِيَاس الْإِضَافَة. انْتهى. قَالَ الأعلم: الشَّاهِد فِيهِ إِضَافَة يَوْم الأول إِلَى الثَّانِي على حد قَوْلهم: معديكرب فِيمَن أضَاف الأول إِلَى الثَّانِي. يَقُول: لَوْلَا نصر مالكٍ فِي الْيَوْم الَّذِي تعلم مَا طلبنا جزاءك. وَجعل نَصرهم لَهُ قرضا يطالبونه بالجزاء عَلَيْهِ. هَذَا كَلَامه. وَلم يشْرَح وَجه الْإِضَافَة. وظاهرها إِضَافَة المترادفين. وَقد شرحها أَبُو عَليّ فِي التَّذْكِرَة قَالَ: أما قَوْله حِين لَا حِين فَالثَّانِي غير الأول لِأَن الْحِين يَقع على الْجُزْء الْيَسِير من الزَّمَان فأضاف الْحِين الأول إِلَى الثَّانِي وَلَا زائدةٌ فَيكون من إِضَافَة الْبَعْض إِلَى الْكل نَحْو: حَلقَة فضةٍ وَعِيد السّنة وسبت الْأُسْبُوع فَلَا يكون إِضَافَة الشَّيْء إِلَى نَفسه. وَمثله قَول الفرزدق: وَلَوْلَا يَوْم يومٍ مَا أردنَا ... ... ... ... . . الْبَيْت فَيوم الأول: وضح النَّهَار وَالثَّانِي: البرهة كَالَّتِي فِي قَوْله: وَمن يولهم يومئذٍ دبره. وَأنْشد أَبُو عَمْرو: (حبذا العرصات يَوْمًا ... فِي ليالٍ مقمرات)

(الشاهد الخامس والثمانون بعد الأربعمائة)

3 - (الشَّاهِد الْخَامِس وَالثَّمَانُونَ بعد الأربعمائة) وَهُوَ من شَوَاهِد س: وجن الخازباز بِهِ جنونا على أَن لَام التَّعْرِيف إِذا دخلت على اللُّغَات الْمَذْكُورَة ل خازباز لم تغير مَا كَانَ مَبْنِيا عَن بنائِهِ. قَالَ ابْن بري فِي شرح أَبْيَات إِيضَاح الْفَارِسِي: بني على الْكسر كَمَا تبنى الْأَصْوَات وَفِيه لُغَات. وَلما أَرَادوا تَعْرِيفه أدخلُوا أل عَلَيْهِ لِأَن الْمركب حكمه حكم الْمُفْرد فِي ذَلِك نَحْو: الْخَمْسَة عشر درهما. قَالَ أَبُو عَليّ: وَإِنَّمَا جَازَ دُخُول أل عَلَيْهِ وَإِن كَانَ الْغَالِب عَلَيْهِ وُقُوعه صَوتا لأَنهم أوقعوه على غير الْأَصْوَات فِي نَحْو قَوْله: (يَا خازباز أرسل اللهازما ... إِنِّي أَخَاف أَن تكون لَازِما) فَقيل: إِنَّه ورم. وَقد يجوز أَن يشبه بِبَاب الْعَبَّاس لِأَن مَا دَخلته أل من ذَلِك كثير نَحْو: تداعين باسم الشيب وشيب: حِكَايَة صَوت جذب المَاء ورشفه عِنْد الشّرْب. انْتهى. وصدره: تفقأ فَوْقه الْقلع السَّوَارِي

(يظل يحفهن بقفقفيه ... ويلحفهن هفافاً ثخينا) (بهجلٍ من قساً ذفر الخزامى ... تهادى الجربياء بِهِ الحنين) تفقأ فَوْقه الْقلع السَّوَارِي ... ... ... ... . . الْبَيْت يصف فِي هَذِه الأبيات نعاماً. ويحفهن أَي: يحف بياضات. والقفقفان: الجناحان. والقفقف كجعفر بقافين بَينهمَا فاءان. وَجَنَاح هفاف أَي: حفيف الطيران. وَحمله ثخيناً لتراكب الريش عَلَيْهِ. أَي: يلبس بيضه جناحيه ويجعلهما للبيض كاللحاف وجناحه خَفِيف مَعَ ثخنه وَكَثْرَة ريشه لِأَنَّهُ لَو كَانَ ثقيلاً لكسر الْبيض. وَقَوله: بهجل من قساً إِلَخ الْبَاء مُتَعَلقَة بيلحفهن. والهجل بِفَتْح الْهَاء وَسُكُون الْجِيم: المطمئن من الأَرْض. وَالرَّوْض أحسن مَا يكون فِي مطمئن لِأَن السُّيُول تَجْتَمِع فِيهَا. وقساً بِفَتْح الْقَاف وَالسِّين الْمُهْملَة: مَوضِع. يُرِيد أَن هَذَا الْموضع أدحيها وَمحل بيضها. وذفر: صفة لهجل بِفَتْح الذَّال الْمُعْجَمَة وَكسر الْفَاء وصفٌ من الذفر بِفتْحَتَيْنِ وَهُوَ كل ريح ذكية من طيب أَو نَتن. وَأما الدّرّ بِالْمُهْمَلَةِ وَسُكُون الْفَاء فَهُوَ النتن خَاصَّة. والخزامى بِضَم الْمُعْجَمَة: نَبَات طيب الرّيح. والجربياء بِكَسْر الْجِيم: ريح الشمَال. وتهادى أَي:) تتهادى أَي: تهدي إِلَيْهِ الحنين وَهُوَ الشوق وتوقان النَّفس. وَضمير بِهِ للهجل.

وَقَوله: تفقأ فَوْقه أَي: فَوق الهجل. وتفقأ أَي: تتفقأ فَهُوَ مضارع أَي: تَنْشَق السحائب فَوق هَذِه الرَّوْضَة الَّتِي فِي هَذَا الهجل. وَقَالَ المرزوقي فِي شرح الفصيح: يُقَال: تفقأ السَّحَاب أَي: سَالَ بالمطر. وَأنْشد الْبَيْت. وَجُمْلَة تفقأ صفة أُخْرَى من هجل أَو حَال مِنْهُ. والقلع بِفَتْح الْقَاف وَاللَّام: جمع قلعة وَهِي الْقطعَة الْعَظِيمَة من السَّحَاب. وَقَالَ ابْن السّكيت فِي لإِصْلَاح الْمنطق: السَّحَاب الْعِظَام. والسواري: جمع سَارِيَة وَهِي السحابة الَّتِي تَأتي لَيْلًا. والخازباز هُنَا: نبت. قَالَ ابْن السيرافي فِي شرح أَبْيَات الْإِصْلَاح: جُنُونه: طوله وَسُرْعَة نَبَاته. وَبِه أَي: بِهَذَا الهجل. وَكَذَلِكَ قَالَ قبله أَو حنيفَة الدينَوَرِي فِي كتاب النَّبَات: الْمَجْنُون من الشّجر كُله العشب: مَا طَال طولا شَدِيدا. وَإِذا كَانَ كَذَلِك قيل جن جنوناً. وَأنْشد هَذَا الْبَيْت. وَقَالَ فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع أخر من كِتَابه: الخازباز من ذبان العشب. وأنشدوا قَول ابْن أَحْمَر فِي صفة عشب: وجن الخازباز بِهِ جنونا يَعْنِي فِي هزجه وطيرانه. وَقَالَ آخَرُونَ هُوَ نبتٌ. وجنونه: طوله وسموقه. انْتهى. وَفَسرهُ حَمْزَة فِي أَمْثَاله بالذباب عِنْد قَوْله: الخازباز أخصب قَالَ: هُوَ ذُبَاب يطير فِي الرّبيع يدل على خصب السّنة. وَأنْشد الْبَيْت.

وَفَسرهُ الزَّمَخْشَرِيّ أَيْضا فِي الْمفصل بذباب العشب. وَمثل للعشب بقوله: والخازباز السنم المجودا وَهُوَ من أرجوزة أورد بَعْضهَا ابْن الْأَعرَابِي فِي نوادره وَهُوَ: (والخازباز الناعم الرغيدا ... والصليان السنم المجودا) بِحَيْثُ يَدْعُو عَامر مسعودا فَهَذَا صَوَابه. وَقد سبق الزَّمَخْشَرِيّ ابْن السّكيت فِي إصْلَاح الْمنطق. وَهُوَ مركب من بَيْتَيْنِ كَمَا ترى. وَهَذِه أَسمَاء نباتات. والسنم بِفَتْح السِّين وَكسر النُّون: العالي. والمجود: الَّذِي أَصَابَهُ الْجُود بِالْفَتْح وَهُوَ الْمَطَر الْقوي. وعامر ومسعود: راعيان. قَالَ ابْن السّكيت: قَوْله: بِحَيْثُ يَدْعُو إِلَخ هَذَا بيتٌ يلقى فَيسْأَل: لم يَدْعُو أَحدهمَا الآخر فَالْجَوَاب: إِنَّمَا قَالَ هَذَا لِكَثْرَة النبت وَطوله بِحَيْثُ يواري مسعوداً عَن عَامر فَلَا يعرف عامرٌ مَكَان مَسْعُود فيدعوه ليعرف مَكَانَهُ.

وَأطيب: مفعول ثَان. وروى بدله: أكْرم. وَهَا: ضمير الْإِبِل مفعول أول. وَمن روى: رعيتها فأطيب حَال وَهَا ضمير الْبقْعَة وَمَا بعده بدل من أطيب على الْوَجْهَيْنِ. وَتَسْمِيَة هَذِه النباتات) عوداً على اعْتِبَار تَسْمِيَة الْغَيْث شَجَرَة. وَابْن أَحْمَر شَاعِر إسلامي تقدّمت تَرْجَمته فِي الشَّاهِد السِّتين بعد الأربعمائة.

(الكنايات)

(الْكِنَايَات) أنْشد فِيهَا 3 - (الشَّاهِد السَّادِس وَالثَّمَانُونَ بعد الأربعمائة) (كَأَن فعلة لم تملأ مواكبها ... ديار بكرٍ وَلم تخلع وَلم تهب) على أَن فعلة كِنَايَة عَن موزونه مَعَ اعْتِبَار مَعْنَاهُ وَهُوَ خَوْلَة. وَالْبَيْت للمتنبي من قصيدةٍ رثى بهَا خَوْلَة أُخْت سيف الدولة الحمداني وَلم يُصَرح بلفظها استعظاماً لكَونهَا ملكة بل كنى عَن اسْمهَا بفعلة فَلفظ فعلة حكمهَا حكم موزونها مُمْتَنع من الصّرْف للعلمية والتأنيث فَكَذَا فعلة مُمْتَنع. وَقد أوردهُ الشَّارِح الْمُحَقق فِي بَاب الْعلم أَيْضا. وَمِنْه قَول المتنبي أَيْضا: (يَا وَجه داهية الَّتِي لولاك مَا ... أكل الضنى جسمي ورض الأعظما) قَالَ ابْن فورجة: داهية لَيست باسم علم لمحبوبته وَلَكِن كنى بهَا عَن اسْمهَا على سَبِيل التضجر لعظم مَا حل بِهِ من بلائها أَي: إِنَّهَا لم تكن إِلَّا

داهية عَلَيْهِ. وَزعم ابْن جني أَن داهية اسْم الَّتِي شَبَّبَ بهَا. وَلم يصب الواحدي فِي قَوْله: الْوَجْه قَول ابْن جني: فَترك صرفهَا فِي الْبَيْت وَلَو لم يكن علما كَانَ الْوَجْه صرفهَا. اه. وَقد نقل الشَّارِح الْمُحَقق عَن سِيبَوَيْهٍ أَن حَال كِنَايَة الْعلم فِي الصّرْف وَمنعه كَحال الْعلم. وَبِه يضمحل قَوْله: وَلَو لم تكن علما لَكَانَ الْوَجْه صرفهَا. وَهَذِه أبياتٌ من أول القصيدة: (يَا أُخْت خير أخٍ يَا بنت خير أبٍ ... كِنَايَة بهما عَن أشرف النّسَب) قَالَ الواحدي: أَرَادَ يَا أُخْت سيف الدولة وَيَا بنت أبي الهيجاء فكنى عَن ذَلِك وَنصب كِنَايَة على الْمصدر كَأَنَّهُ قَالَ: كنيت كِنَايَة. (أجل قدرك أَن تسمي مؤبنةً ... وَمن يصفك فقد سماك للْعَرَب) مؤبنة: مرثية من التأبين وَهُوَ مدح الْمَيِّت. وتسمي بِمَعْنى تعرفي. أَي: أَنْت أجل من أَن تعرفي بِاسْمِك بل وصفك يعرفك بِمَا فِيك من المحاسن والمحامد الَّتِي لَيست فِي غَيْرك كَمَا قَالَ أَبُو نواس: (فَهِيَ إِذا سميت فقد وصفت ... فَيجمع الِاسْم مَعْنيين مَعًا))

إِلَى أَن قَالَ: (طوى الجزيرة حَتَّى جَاءَنِي خبرٌ ... فزعن فِيهِ بآمالي إِلَى الْكَذِب) يُرِيد خبر نعيها وَأَنه رجا أَن يكون كذبا وتعلل بِهَذَا الرَّجَاء. والجزيرة: مَدِينَة على شط دجلة بَين الْموصل وميافارقين. يَقُول: جَاءَنِي خبر مَوتهَا من الشَّام وَقطع الجزيرة حَتَّى وصل إِلَيّ فَلَمَّا (حَتَّى إِذا لم يدع لي صدقه أملاً ... شَرقَتْ بالدمع حَتَّى كَاد يشرق بِي) يَقُول: حَتَّى إِذا صَحَّ الْخَبَر وَلم يبْق لي أملٌ فِي كَونه كذبا شَرقَتْ بالدمع لغَلَبَة الْبكاء إيَّايَ حَتَّى كَاد الدمع يشرق بِي أَي: كَثْرَة الدُّمُوع حَتَّى صرت بِالْإِضَافَة إِلَيْهَا لقلَّة كالشيء الَّذِي يشرق بِهِ. والشرق بالدمع: أَن يقطع الانتحاب نَفسه فَيَجْعَلهُ فِي مثل حَال الشرق بالشَّيْء. وَالْمعْنَى: كَاد الدمع لإحاطته بِي أَن يكون كَأَنَّهُ شرقٌ بِي. (تعثرت بِهِ فِي الأفواه ألسنها ... وَالْبرد فِي الطّرق والأقلام فِي الْكتب) أوردهُ الشَّارِح الْمُحَقق فِي بَاب الْوَقْف من شرح الشافية قَالَ: إِن كَانَ قبل الْهَاء متحركٌ نَحْو: بِهِ وَغُلَامه فَلَا بُد من الصِّلَة إِلَّا أَن يضْطَر شَاعِر فيحذفها كَقَوْل المتنبي: ... ... . وَأنْشد الْبَيْت.

قَالَ الواحدي: أَي لهول ذَلِك الْخَبَر لم تقدر الألسن فِي الأفواه أَن تنطق وَلَا الْبَرِيد فِي الطَّرِيق أَن يحملهُ وَلَا الأقلام أَن تكتبه. وَلم يلْحق الْيَاء فِي الْهَاء من بِهِ وَاكْتفى بالكسرة ضَرُورَة. وَقد جَاءَ عَن الْعَرَب مَا هُوَ أَشد من هَذَا كَقَوْل الشَّاعِر: (واشرب المَاء مَا بِي نَحوه عطشٌ ... إِلَّا لِأَن عيونه سيل واديها) وَهَذَا كَقِرَاءَة من قَرَأَ: لَا يؤده إِلَيْك بِسُكُون الْهَاء. ويروى: تعثرت بك يُخَاطب الْخَبَر وَترك لفظ الْغَيْبَة. كَذَا فِي شرح الواحدي. وَقَالَ المعري: يُرِيد أَن هَذَا الْخَبَر نبأٌ عَظِيم لَا تجترئ الأفواه على النُّطْق بِهِ. وَهَذَا قد يجوز أَن يكون صَحِيحا لِأَن الْإِنْسَان رُبمَا هاب الْإِخْبَار بالشَّيْء لعظمه فِي نَفسه وَكَذَلِكَ الْكَاتِب الَّذِي يكْتب بالْخبر الشنيع رُبمَا يعثر قلمه هَيْبَة لِلْأَمْرِ الَّذِي دخل فِيهِ وَإِنَّمَا التعثر لِلْكَاتِبِ. وَأما إِذا ادّعى التعثر من الْبرد فكذب لَا محَالة لِأَن الْبَرِيد لَا يشْعر بالْخبر. وَقد ذكر فِي مَوضِع آخر مَا يدل على أَن حَامِل الْكتاب الَّذِي لَا يشْعر مَا فِيهِ غير شاقٍّ عَلَيْهِ حمله فَكيف بالدابة الَّتِي لَا يحكم عَلَيْهَا بِالْعقلِ. وَذَلِكَ قَوْله لعضد الدولة: (حاشاك أَن تضعف عَن حمل مَا ... تحمل السائر فِي كتبه)

وَقَالَ الْمُبَارك بن أَحْمد المستوفي فِي كتاب النظام: لَا فرق بَين تعثر الْقَلَم وتعثر الْبَرِيد لِأَن نِسْبَة) ذَلِك إِلَيْهِمَا محَال. وَإِذا اعتذر فِي الْقَلَم بتعثر الْكَاتِب فَهَلا اعتذر فِي الْبَرِيد بتعثر أَصْحَابه لِأَن كلا من الأقلام وَالْبرد لَا يشْعر بالْخبر. (كَأَن فعلة لم تملأ مواكبها ... ديار بكر وَلم تخلع وَلم تهب) قَالَ ابْن جني: كنى بفعلة عَن اسْمهَا وَاسْمهَا خَوْلَة. قَالَ أَبُو الْعَلَاء: وَهَذَا تقويةٌ لقَوْله: أجل قدرك أَن تسمي مؤبنة قَالَ الواحدي: يذكر مساعيها أَيَّام حَيَاتهَا يَقُول: كَأَنَّهَا لم تفعل شَيْئا مِمَّا ذكر لِأَن ذَلِك انطوى بموتها. وَقَالَ ابْن المستوفي فِي النظام: زعم أَبُو الْبَقَاء أَن الْمَعْنى: أَنَّهَا كَانَت تجهز الجيوش إِلَى ديار بكر للْجِهَاد. وَلَيْسَ كَذَلِك لِأَن الموكب الْجَمَاعَة يركبون للزِّينَة والفرجة. قَالَ الْجَوْهَرِي: الموكب بابةٌ من السّير. والموكب: الْقَوْم الرّكُوب على الْإِبِل للزِّينَة وَكَذَلِكَ جمَاعَة الفرسان. وَفِي قَول أبي الطّيب: ديار بكر دليلٌ على مَا ذكرته لِأَنَّهُ لَو أَرَادَ مَا ذكره أَبُو الْبَقَاء كَانَ قد قصر جهادها على مَوضِع مَخْصُوص وَهَذَا فِيهِ

(الشاهد السابع والثمانون بعد الأربعمائة)

نقصٌ من الْمَدْح. وعَلى أَن ديار بكر كَانَ لسيف الدولة معظمها فَكيف تجهز جَيْشًا إِلَى بِلَاد أَخِيهَا. وترجمة المتنبي قد تقدّمت فِي الشَّاهِد الْوَاحِد وَالْأَرْبَعِينَ بعد الْمِائَة. وَأنْشد بعده 3 - (الشَّاهِد السَّابِع وَالثَّمَانُونَ بعد الأربعمائة) اكفف اكفف هُوَ قِطْعَة من بَيت ثَان من أحجية للحريري فِي مقاماته وهما: (يَا من تقصر عَن مدا ... هـ خطا مجاريه وتضعف) (مَا مثل قَوْلك للَّذي ... أضحى يحاجيك: اكفف اكفف) على أَن المُرَاد بِهَذَيْنِ اللَّفْظَيْنِ المكررين بطرِيق الإلغاز والتعمية: مهمه وَهُوَ القفز. فَإِن اكفف يرادفه مَه ومكرره مهمه فمجموع اكفف اكفف كنايةٌ عَن: مهمه. وَهَذَا تعمية وإلغاز. والمعمى واللغز فِي اللُّغَة كِلَاهُمَا بِمَعْنى وَاحِد وَهُوَ الشَّيْء المستور. وَبَينهمَا فرقٌ عِنْد عُلَمَاء الْأَدَب. فالمعمى كَمَا قَالَ القطب فِي رِسَالَة المعمى الْمُسَمَّاة بكنز الأسما فِي كشف المعمى: هُوَ قولٌ يسْتَخْرج مِنْهُ كلمة

فَأكْثر بطرِيق الرَّمْز والإيماء بِحَيْثُ يقبله الذَّوْق السَّلِيم. واللغز: ذكر أَوْصَاف مَخْصُوصَة بموصوف لينتقل إِلَيْهِ وَذَلِكَ بِعِبَارَة يدل ظَاهرهَا على غَيره وباطنها عَلَيْهِ. قَالَ القطب فِي رسَالَته: قد فرقوا بَينهمَا بِأَن الْكَلَام إِذا دلّ على اسْم شَيْء من الْأَشْيَاء بِذكر صفاتٍ لَهُ تميزه عَمَّا عداهُ كَانَ لغزاً. وَإِذا دلّ على اسْم خَاص بملاحظة كَونه لفظا بِدلَالَة مرموزه سمي ذَلِك معمًّى. فَالْكَلَام الدَّال على بعض السَّمَاء يكون معمى من حَيْثُ أَن مَدْلُوله اسْم من الْأَسْمَاء بملاحظة الرَّمْز على حُرُوفه ولغزاً من حَيْثُ أَن مَدْلُوله ذاتٌ من الذوات بملاحظة أوصافها. فعلى هَذَا يكون قَول الْقَائِل فِي كمون: (يَا أَيهَا الْعَطَّار أعرب لنا ... عَن اسْم شيءٍ قل فِي سومكا) (تنظره بِالْعينِ فِي يقظةٍ ... كَمَا ترى بِالْقَلْبِ فِي نومكا) يصلح أَن يكون لغزاً بملاحظة دلَالَته على صِفَات الكمون وَيصْلح أَن يكون فِي اصطلاحهم معمًّى بِاعْتِبَار دلَالَته على اسْم بطرِيق الرَّمْز. انْتهى. وَيُقَال للمعمى فِي اللُّغَة أحجية أَيْضا وَهِي فِي اصْطِلَاح أهل الْأَدَب نوعٌ مِنْهُ. وَقد نظم الحريري فِي المقامة السَّادِسَة وَالثَّلَاثِينَ عشْرين أحجية وَهُوَ أول من اخترعها وسماها أحجية. وَقَالَ: وضع الأحجية

لامتحان الألمعية واستخراج الخبيئة الْخفية. وَشَرطهَا أَن تكون ذَات مماثلةٍ حَقِيقِيَّة وألفاظ معنوية ولطيفةٍ أدبية. فَمَتَى نافت هَذَا النمط ضاهت السقط وَلم تدخل السفط. وَمن أحاجيه قَوْله فِي هَا دِيَة: (أيا مستنبط الغام ... ض من لغزٍ وإضمار)) (أَلا اكشف لي مَا مثل ... تنَاول ألف دِينَار) وَقد تلاه من جَاءَ بعده فنظم فِي هَذَا الأسلوب مَا راق وسحر الْأَلْبَاب وشاق الأفهام لدركها من كل بَاب. والأحجية فِي الْحَقِيقَة من قسم الترادف والتحليل وهما من أَعمال فن المعمى. فالأحجية نوعٌ من المعمى وَهُوَ فن استنبطه أدباء الْعَجم أسسوا لَهُ قَوَاعِد وعقدوا لَهُ معاقد حَتَّى صَار فَنًّا متميزاً من سَائِر الْفُنُون. وَأول من دونه الْمولى شرف الدَّين عَليّ اليزيدي مؤرخ الفتوحات التيمورية باللغة الفارسية. وَكَانَ شَاعِرًا فصيحاً وناثراً بليغاً فِي اللسانين وَتُوفِّي سنة ثَلَاثِينَ وَثَمَانمِائَة. قَالَ القطب: وَمَا زَالَ فضلاء الْعَجم يقتفون أَثَره ويوسعون دَائِرَة الْفَنّ ويتعمقون فِيهِ إِلَى أَن ألف فِيهِ الْمولى نور الدَّين عبد الرَّحْمَن الجامي صَاحب

شرح الكافية عشر مسَائِل قد دونت وشرحت. وَكثر فِيهَا التصنيف إِلَى أَن نبغ فِي عصره الْمولى مير حُسَيْن النَّيْسَابُورِي فَأتى فِيهِ بِالسحرِ الْحَلَال وفَاق فِيهِ لتعمقه ودقة نظره سَائِر الأقران فِي الْأَمْثَال. كتب فِيهِ رِسَالَة تكَاد تبلغ حد الإعجاز أَتَى فِيهَا بِغَرَائِب التعمية والإلغاز حَتَّى إِن الْمولى عبد الرَّحْمَن الجامي مَعَ جلالة قدره قَالَ: لَو اطَّلَعت عَلَيْهَا قبل الْآن مَا ألفت شَيْئا فِي علم المعمى. وارتفع شَأْن مَوْلَانَا مير حُسَيْن بِسَبَب علم المعمى مَعَ تعمقه فِي سَائِر العقليات فَصَارَ مُلُوك خُرَاسَان وأعيانها يرسلون أَوْلَادهم إِلَيْهِ ليقرؤوا رسَالَته عَلَيْهِ إِلَى أَن توفّي فِي عَام اثْنَي عشر وَتِسْعمِائَة بعد وَفَاة الجامي بأَرْبعَة عشر عَاما. وَظهر بعدهمَا فائقون فِي المعمى فِي كل قطر بِحَيْثُ لَو جمعت تراجمهم لزادت على مُجَلد كَبِير. ثمَّ قَالَ القطب: وَأَنت إِذا تصفحت كتب الْأَدَب وتتبعت دواوين شعراء الْعَرَب ظَفرت من كَلَامهم بكثيرٍ مِمَّا يصدق عَلَيْهِ تَعْرِيف المعمى لكِنهمْ نظموه فِي قالب اللغز يسْتَخْرج مِنْهُ الِاسْم الَّذِي ألغزوه بطرِيق الْإِيمَاء وَوجدت كثيرا من أَعمال المعمى فِي غُضُون ألغازهم. فَلَيْسَ الْعَجم أَبَا عذرة هَذَا الْفَنّ وَلَكنهُمْ دونوه ورتبوه. وَرَأَيْت كثيرا من ألغاز شرف الدَّين بن الفارض يصدق عَلَيْهِ تَعْرِيف المعمى فِي اصْطِلَاح الْعَجم. وَيقرب من ذَلِك قَول الْقَائِل فِي بختيار: (وأهيف معشوق الدَّلال ممنعٍ ... يمزقني فِي الْحبّ كل ممزق) ...

(فَلَو أَن لي نصف اسْمه رق وارعوى ... أَو الْعَكْس من بَاقِيه لم أتعشق) إِلَى أَن قَالَ: وأعمال المعمى ثَلَاثَة: الأول: الْعَمَل التحصيلي وَهُوَ مَا يتَحَصَّل بِهِ حُرُوف الْكَلِمَة الْمَطْلُوبَة. وَالثَّانِي: الْعَمَل التكميلي وَهُوَ مَا بِسَبَبِهِ تتكمل الْحُرُوف الْحَاصِلَة وتترتب. وَهَذَا بِمَنْزِلَة) الصُّورَة وَالْأول بِمَنْزِلَة الْمَادَّة. وَالثَّالِث: الْعَمَل التسهيلي وَهُوَ الَّذِي يسهل أحد العملين السَّابِقين. وَتَحْت كل نوع من هَذِه الْأَعْمَال أَنْوَاع مُتعَدِّدَة. انْتهى. قلت: وَأول من دون فِي المعمى فِي اللُّغَة الْعَرَبيَّة وترجمه بالطريقة العجمية الْعَالم الْفَاضِل قطب الدَّين الْمَكِّيّ الْحَنَفِيّ فِي رِسَالَة سَمَّاهَا كنز الأسما فِي كشف المعمى. وتلاه تِلْمِيذه عبد الْمعِين بن أَحْمد الشهير بِابْن الْبكاء الْبَلْخِي الْحَنَفِيّ وَألف رِسَالَة سَمَّاهَا الطّراز الأسمى على كنز الأسما. وَأما التَّأْلِيف فِي الألغاز والأحاجي فقد صنف فِيهِ جمَاعَة عديدة لَهُم فِيهَا كتب مفيدة وتصانيف سديدة أجلهَا علما وَأَعْظَمهَا حجماً كتاب الإعجاز فِي الأحاجي والألغاز تأليف أبي الْمَعَالِي سعد الْوراق الحظيري وَهُوَ كتاب تكل عَن وَصفه اللسن جمع فِيهِ مَا تشتهيه

الْأَنْفس وتلذ فيع الْأَعْين ذكر فِي أَوله اشتقاق المعمى واللغز والأحجية وَالْفرق بَينهَا وَبَين وَمَا شاكلها فَلَا بَأْس بإيراده هُنَا فَإِنَّهُ قَلما يُوجد فِي كتاب على أسلوبه. قَالَ فِي الجمهرة: الحجا: الْعقل. والحجيا من قَوْلهم: حجياك مَا كَذَا وَكَذَا وَهِي لعبةٌ وأغلوطة يتعاطاها النَّاس بَينهم نَحْو قَوْلهم: أحاجيك مَا ذُو ثَلَاث آذان يسْبق الْخَيل بالرديان يعنون السهْم وَمَا أشبه ذَلِك. وَقَالَ أَيْضا اللغز: ميلك بالشَّيْء عَن جِهَته وَبِه سمي اللغز من الشّعْر كَأَنَّهُ عمي عَن جِهَته. واللغيزاء بِالْمدِّ: أَن يحْفر اليربوع ثمَّ يمِيل فِي بعض حفر ليعمي على طَالبه. والألغاز: طرقٌ تلتوي وتشكل على سالكها وَالْوَاحد لغز. وَقَالَ الْأَزْهَرِي: قَالَ اللَّيْث: اللغز: مَا ألغزت من كَلَام فشبهت مَعْنَاهُ مثل قَول الشَّاعِر أنْشدهُ الْفراء: (وَلما رَأَيْت النسْر عز ابْن دأيةٍ ... وعشش فِي وكريه جَاشَتْ لَهُ نَفسِي) أَرَادَ بِهِ الشيب شبهه بِهِ لبياضه وَشبه الشَّبَاب بِابْن دأية وَهُوَ الْغُرَاب الْأسود لِأَن شعر الشَّبَاب أسود. قَالَ: وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن أبي الْهَيْثَم أَنه قَالَ: اللغز بِضَمَّتَيْنِ واللغز بِالسُّكُونِ واللغيزاء. والألغاز: حفرٌ يحفرها اليربوع فِي جُحْره تَحت الأَرْض. يُقَال: ألغز اليربوع إلغازاً. فيحفر فِي جانبٍ مِنْهُ طَرِيقا ويحفر فِي الْجَانِب الآخر

طَرِيقا وَكَذَلِكَ فِي الْجَانِب الثَّالِث وَالرَّابِع فَإِذا طلبه البدوي بعصاه من جانبٍ نفق من الْجَانِب الآخر. والأحاجي: جمع أحجية أفعولة من الحجا وَهُوَ الْعقل أَي: مَسْأَلَة تستخرج بِالْعقلِ. وَقَالَ الْأَزْهَرِي: قَالَ اللَّيْث: تَقول حاجيته فحجوته إِذا أَتَت عَلَيْهِ كلمةٌ مُخَالفَة الْمَعْنى للفظ. والجواري يتحاجين الحجيا تَصْغِير الحجوى. وَتقول الْجَارِيَة لِلْأُخْرَى: حجياك مَا كلن كَذَا وَكَذَا والأحجية: اسْم المحاجاة وَفِي لغةٍ: أحجوة وَالْيَاء أحسن. والحجوى: اسمٌ أَيْضا للمحاجاة. والمعمى: المغطى. قَالَ الْأَزْهَرِي: التعمية: أَن) يعمى الْإِنْسَان فيلبسه عَلَيْهِ تلبيساً. والأعماء: جمع عمى وأنشدونا: وبلدة عاميةٍ أعماؤه أَي: دراسة. وأعماؤه: مجاهله بقال: بلد عمى لَا يهتدى فِيهِ لِأَنَّهُ لَا أَعْلَام لَهُ يهتدى بهَا: والمعامي هِيَ الْأَرَاضِي المجهولة. وَقَالَ اللَّيْث: الْعَمى: ذهَاب الْبَصَر من الْعَينَيْنِ كلتيهما وَالْفِعْل مِنْهُ عمي يعمى عمى. وَقَالَ مُجَاهِد فِي قَوْله تَعَالَى: قل رب لما حشرتني أعمى وَقد كنت بَصيرًا قَالَ: أعمى عَن الْحجَّة وَقد كنت بَصيرًا بهَا. وَقَالَ ابْن عَرَفَة: يُقَال: عمى عَن رشده وَعمي عَلَيْهِ طَرِيقه إِذا لم يهتد إِلَيْهِ. وروى

أَبُو عبيد فِي حَدِيث النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أَن أَبَا رزين الْعقيلِيّ قَالَ لَهُ: أَيْن كَانَ رَبنَا قبل أَن خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض قَالَ: كَانَ فِي عماءٍ تَحْتَهُ هَوَاء. وَقَالَ أَبُو عبيد: العماء فِي كَلَام الْعَرَب: السَّحَاب وَهُوَ مَمْدُود. قَالَ أَبُو عبيد: وَإِنَّمَا تأولنا هَذَا الحَدِيث على كَلَام الْعَرَب الْمَنْقُول عَنْهُم وَلَا يدرى كَيفَ كَانَ ذَلِك العماء. قَالَ: وَأما الْعَمى فِي الْبَصَر فمقصور وَلَيْسَ هُوَ من هَذَا الحَدِيث فِي شَيْء. قَالَ الْأَزْهَرِي: وَبَلغنِي عَن أبي الْهَيْثَم فِي تَفْسِير هَذَا الحَدِيث أَنه فِي عمى مَقْصُور قَالَ: وكل أَمر لَا تُدْرِكهُ الْقُلُوب بالعقول فَهُوَ عمى. وَالْمعْنَى أَنه تبَارك وَتَعَالَى كَانَ حَيْثُ لَا تُدْرِكهُ عقول بني آدم وَلَا يبلغ كنهه الْوَصْف وَلَا تُدْرِكهُ الفطن. ثمَّ قَالَ بعد كلامٍ طَوِيل: فصل فِي ذكر أَسمَاء هَذَا الْفَنّ وعودها إِلَى معنى وَاحِد. هَذَا الْفَنّ وأشباهه يُسمى المعاياة والعويص واللغز وَالرَّمْز والمحاجاة وأبيات الْمعَانِي والملاحن والمرموس والتأويل وَالْكِنَايَة والتعريض وَالْإِشَارَة والتوجيه والمعمى والممثل. وَالْمعْنَى فِي الْجَمِيع وَاحِد وَإِنَّمَا اخْتلفت أسماؤه بِحَسب اخْتِلَاف وُجُوه اعتباراته فَإنَّك إِذا اعتبرته من حَيْثُ هُوَ مغطى عَنْك سميته معمًّى مَأْخُوذ

من لفظ الْعَمى وَهُوَ تَغْطِيَة الْبَصَر عَن إِدْرَاك الْمَعْقُول. وكل شَيْء تغطى عَنْك فَهُوَ عمى عَلَيْك. وَإِذا اعتبرته من حَيْثُ أَنه ستر عَنْك ورمس سميته مرموساً مَأْخُوذ من الرمس وَهُوَ الْقَبْر كَأَنَّهُ قبر وَدفن ليخفى مَكَانَهُ عَن ملتمسيه. قد صنف بعض النَّاس فِي هَذَا كتابا وَسَماهُ كتاب المرموس وَأَكْثَره رَكِيك عَامي. وَإِذا اعتبرته من حَيْثُ أَن مَعْنَاهُ يؤول إِلَيْك أَي: يرجع أَو يؤول إِلَى أصل سميته مؤولاً وَسميت فعلك تَأْوِيلا. وَأكْثر مَا يخْتَص هَذَا بِالْآيَاتِ وَالْأَخْبَار. وَالتَّفْسِير يخْتَص بِاللَّفْظِ والتأويل بِالْمَعْنَى. وَإِذا اعتبرته من حَيْثُ صعوبة فهمه واعتياص استخراجه سميته عويصاً. وَهَذَا يخْتَص بمشكل كل علم يُقَال مِنْهُ مَسْأَلَة عويصة وَعلم عويص. وَإِذا اعتبرته من حَيْثُ أَن غَيْرك حاجاك بِهِ) أَي: استخرج مِقْدَار حجاك وَهُوَ عقلك أَو مِقْدَار ريثك فِي استخراجه مشتقاً من الحجو وَهُوَ الْوُقُوف واللبث سميته محاجاة ومسائله أحاجٍ وأحدها أحجية وأحجيا. وَهَذَا أَيْضا لَا يخْتَص بفن وَاحِد من الْعُلُوم وَإِن كَانَ الحريري صَاحب المقامات قد أفرد لَهُ بَابا. وَإِذا اعتبرته من حَيْثُ أَنه قد عمل لَهُ وجوهٌ وأبواب مشتبهة سميته لغزاً وَسميت فعلك لَهُ إلغازاً مَأْخُوذ من لغز اليربوع. وَإِذا اعتبرته من حَيْثُ أَن وَاضعه كَانَ يعاييك أَي: يظْهر إعياءك.

وَهُوَ التَّعَب فِيهِ سميته معاياة. وَقد صنف الْفُقَهَاء فِي هَذَا الْفَنّ كتبا وسموها كتب المعاياة. ولغيرهم من أَرْبَاب الْعُلُوم مصنفات. وَإِذا اعتبرته من حَيْثُ أَن وَاضعه لم يفصح بِهِ قلت: رمز وَالشَّيْء مرموز وَالْفِعْل رمز وَقَرِيب مئة الاشارة. وَإِذا اعتبرته من حَيْثُ اسْتِخْرَاج كَثْرَة مَعَانِيه فِي الشّعْر سميته أَبْيَات الْمعَانِي وَكتب الْمعَانِي. وَهَذَا يخص الْأَدَب وَالشعر. وَإِذا اعتبرته من حَيْثُ هُوَ ذُو وُجُوه سميته الموجه وَسميت فعله التَّوْجِيه. وَذَلِكَ مثل قَول مُحَمَّد بن حكينا وَقد كَانَ أَمِين الدولة أَبُو الْحسن بن صاعد الطَّبِيب قاطعه ثمَّ استماله وَكَانَ ابْن حكينا قد أضرّ بَصَره وافتقر فَكتب إِلَيْهِ: (وَإِذا شِئْت أَن تصالح بشا ... ر بن بردٍ فاطرح عَلَيْهِ أَبَاهُ) فنفذ إِلَيْهِ بردا واسترضاه فاصطلحا. وَهَذَا أحسن مَا سَمِعت فِي التَّوْجِيه. قَوْله: بشار بن برد أَي: أعمى. فاطرح عَلَيْهِ أَبَاهُ هَذِه لفظةٌ بغدادية يُقَال: لمن يُرِيد أَن يُصَالح: اطرَح عَلَيْهِ فلَانا أَي: احمله إِلَيْهِ ليشفع لَك. وَلم يتَّفق لأحدٍ فِي التَّوْجِيه أحسن من هَذَا.

وَإِذا اعتبرته من حَيْثُ أَن قَائِله لم يُصَرح بغرضه سميته تعريضاً وكناية. وَأكْثر أَرْبَاب الْحيَاء من النَّاس مضطرٌّ إِلَى مثله. وَإِذا اعتبرته من حَيْثُ أَن قَائِله يوهمك شَيْئا وَيُرِيد غَيره سميته لحناً وَسميت مسَائِله الملاحن. وَقد صنف النَّاس فِي هَذَا الْفَنّ كتبا كالملاحن لِابْنِ دُرَيْد والمنقذ للمفجع والحيل فِي الْفِقْه وَغَيره. فاعرف ذَلِك. والحريري هُوَ أَبُو مُحَمَّد الْقَاسِم بن عَليّ بن مُحَمَّد بن عُثْمَان الحريري الْبَصْرِيّ صَاحب المقامات. كَانَ أحد أَئِمَّة عصره ورزق السَّعَادَة والحظوة التَّامَّة فِي عمل المقامات واشتملت على شيءٍ كثير من كَلَام الْعَرَب من لغاتها وأمثالها ورموز أسرار كَلَامهَا. وَمن عرفهَا حق مَعْرفَتهَا اسْتدلَّ بهَا على فَضله وَكَثْرَة اطِّلَاعه وغزارة مادته. رُوِيَ أَن الزَّمَخْشَرِيّ لما وقف عَلَيْهَا استحسنها وَكتب على ظهر نسخةٍ مِنْهَا: (أقسم بِاللَّه وآياته ... ومشعر الْحَج وميقاته)) (أَن الحريري حريٌّ بِأَن ... نكتب بالتبر مقاماته) ثمَّ صنع الزَّمَخْشَرِيّ المقامات المنسوبة إِلَيْهِ وَهِي قَليلَة بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهَا وَشَرحهَا أيضاَ وصنع فِي إثْرهَا نوابغ الْكَلم.

وَقد اعتنى بشرح المقامات أفاضل الْعلمَاء شروحاً متنوعة تفوت الْحصْر وَالْعد. وَله أَيْضا درة الغواص وَله أَيْضا شروحٌ كَثِيرَة قد اجْتمع مِنْهَا عِنْدِي خَمْسَة شُرُوح. وَله أَيْضا ملحة الْإِعْرَاب فِي النَّحْو وَشَرحهَا أَيْضا. وَهُوَ عِنْد الْعلمَاء يعد ضَعِيفا فِي النَّحْو. وَله ديوَان رسائل وَشعر كثير. وَله قصائد اسْتعْمل فِيهَا التَّجْنِيس كثيرا. ويحكى أَنه كَانَ دميماً قَبِيح المنظر فَجَاءَهُ شخصٌ غَرِيب ليَأْخُذ عَنهُ فَلَمَّا رَآهُ استزرى شكله ففهم الحريري ذَلِك مِنْهُ فَلَمَّا التمس مِنْهُ أَن يملي عَلَيْهِ قَالَ لَهُ: اكْتُبْ: (فاختر لنَفسك غَيْرِي إِنَّنِي رجلٌ ... مثل المعيد فاسمع بِي وَلَا ترني) فَخَجِلَ الرجل وَانْصَرف عَنهُ. وَكَانَت وِلَادَته سنة ستٍّ وَأَرْبَعين وَأَرْبَعمِائَة وَتُوفِّي فِي سنة سِتّ عشرَة وَخَمْسمِائة بِالْبَصْرَةِ. والحريري نسبته إِلَى الْحَرِير وَعَمله أَو بَيْعه. وَكَانَ يزْعم أَنه من ربيعَة الْفرس وَكَانَ مُولَعا بنتف لحيته عِنْد الفكرة وَكَانَ يسكن فِي مشان الْبَصْرَة بِفَتْح الْمِيم والشين الْمُعْجَمَة وَهِي بليدَة فَوق الْبَصْرَة كَثِيرَة النّخل مَوْصُوفَة

بِشدَّة الوخم وَكَانَ أَصله مِنْهَا يُقَال: إِنَّه كَانَ لَهُ بهَا ثَمَانِيَة عشر ألف نَخْلَة وَإنَّهُ كَانَ من ذَوي الْيَسَار. وَلما اشتهرت المقامات استدعاه من الْبَصْرَة إِلَى بَغْدَاد وَزِير المسترشد جلال الدَّين عميد الدولة أَبُو الْحسن بن صَدَقَة وَسَأَلَهُ عَن صناعته فَقَالَ: أَنا رجلٌ منشئ. فاقترح عَلَيْهِ إنْشَاء رِسَالَة فِي واقعةٍ عينهَا فَانْفَرد فِي نَاحيَة من الدِّيوَان وَمكث زَمَانا طَويلا فَلم يفتح الله عَلَيْهِ بِشَيْء فَقَامَ وَهُوَ خجلان. عمل هذَيْن الْبَيْتَيْنِ فِي أَبُو مُحَمَّد الْمَعْرُوف بِابْن حكينا الشَّاعِر الْبَغْدَادِيّ: (شيخٌ لنا من ربيعَة الْفرس ... ينتف عثنونه من الهوس) (أنطقه الله بالمشان كَمَا ... رَمَاه وسط الدِّيوَان بالخرس) وَأما سعد الْوراق فَهُوَ أَبُو الْمَعَالِي سعد بن عَليّ بن الْقَاسِم الْأنْصَارِيّ الخزرجي الْوراق الحظيري الْبَغْدَادِيّ الْمَعْرُوف بدلال الْكتب. كَانَ لَهُ نظمٌ جيد وَألف مجاميع مِنْهَا كتاب زِينَة الدَّهْر وعصرة أهل الْعَصْر وَهُوَ ذيلٌ على دمية الْقصر للباخرزي. وَله كتابٌ سَمَّاهُ ملح الْملح

(الشاهد الثامن والثمانون بعد الأربعمائة)

يدل على كَثْرَة اطِّلَاعه. وَله كتاب الألغاز الْمَذْكُور. وَله شعرٌ جيد مِنْهُ: (ومعذرٍ فِي خَدّه ... وردٌ وَفِي فِيهِ مدام)) (مَا لَان لي حَتَّى تغ ... شى صبح سالفه ظلام) (كالمهر يجمع تَحت را ... كَبه ويعطفه اللجام) وَله أَيْضا: (أحدقت ظلمَة العذار بخدي ... هـ فزادت فِي حبه حسراتي) (قلت: مَاء الْحَيَاة فِي فَمه العذ ... ب دَعونِي أخوض فِي الظُّلُمَات) وَله كل معنى مليح مَعَ جودة السبك. وَتُوفِّي فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ الْخَامِس وَالْعِشْرين من صفر سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة بِبَغْدَاد. والحظيري بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَكسر الظَّاء الْمُعْجَمَة: نِسْبَة إِلَى مَوضِع فَوق بَغْدَاد يُقَال لَهُ: الحظيرة ينْسب إِلَيْهِ كثير من الْعلمَاء. وَالثيَاب الحظيرية منسوبةٌ إِلَيْهِ أَيْضا. ولخصت هَاتين الترجمتين من الوفيات لِابْنِ خلكان. وَأنْشد بعده 3 - (الشَّاهِد الثَّامِن وَالثَّمَانُونَ بعد الأربعمائة) على أَنه يُقَال: كنوت كَمَا يُقَال كنيت.

وَأوردهُ يَعْقُوب بن السّكيت فِي بَاب مَا يُقَال بِالْيَاءِ وَالْوَاو من إصْلَاح الْمنطق قَالَ: وَيُقَال: كنيته وكنوته. وَأنْشد أَبُو زِيَاد: وَإِنِّي لأكنو عَن قذور الْبَيْت قَالَ شَارِح أبياته ابْن السيرافي: قذور: امْرَأَة. يَقُول: أذكرها فِي بعض الْأَوْقَات باسم غَيرهَا وأصرح باسمها فِي وَقت آخر وأعرب وَأبين. يُقَال: أعرب عَن الشَّيْء يعرب إعراباً إِذا بَينه. وأصارح: أظهر وَلَا أستر. انْتهى. وَقَالَ ابْن دُرَيْد: نَاقَة قذور: عزيزة النَّفس لَا ترعى مَعَ الْإِبِل وَلَا تبرك مَعهَا. انْتهى. فَيكون اسْم الْمَرْأَة مَنْقُولًا من هَذَا. وَأَبُو زِيَاد هُوَ صَاحب النَّوَادِر الْمَشْهُورَة أنْشد ذَلِك الْبَيْت فِي نوادره وَلم يعزه لأحد. وَهُوَ يزِيد بن عبد الله بن الْحر بن همام بن دهر بن ربيعَة بن عَمْرو بن نفاثة بن عبد الله بن كلاب بن ربيعَة بن عَامر بن صعصعة. وَقدم أَبُو زِيَاد بَغْدَاد من الْبَادِيَة أَيَّام الْمهْدي لأمرٍ أصَاب قومه فَأَقَامَ بِبَغْدَاد أَرْبَعِينَ سنة وصنف كتاب النَّوَادِر وَهُوَ كتاب كَبِير فِيهِ فَوَائِد كَثِيرَة. وَله كتاب الفروق. وَمن شعره:

(الشاهد التاسع والثمانون بعد الأربعمائة)

(لَهُ نارٌ تشب على يفاع ... إِذا النيرَان ألبست القناعا) (وَلم يَك أَكثر الفتيان مَالا ... وَلَكِن كَانَ أرحبهم ذِرَاعا) وَأنْشد بعده: هَذَا صدر وعجزه:) قد تمنى لي موتا لم يطع وَتقدم شَرحه فِي الشَّاهِد التَّاسِع وَالثَّلَاثِينَ بعد الأربعمائة. وَأنْشد بعده: (على أنني بعد مَا قد مضى ... ثَلَاثُونَ للهجر حولا كميلا) وَتقدم الْكَلَام عَلَيْهِ فِي الشَّاهِد السَّادِس عشر بعد الْمِائَتَيْنِ. وَأنْشد بعده 3 - (الشَّاهِد التَّاسِع وَالثَّمَانُونَ بعد الأربعمائة) وَهُوَ من شَوَاهِد س: ...

(كم يجود مقرفٍ نَالَ الْعلَا ... وكريمٍ بخله قد وَضعه) على أَن يُونُس يُجِيز فِي الِاخْتِيَار الْفَصْل بَين كم الخبرية وَبَين مميزها المتضايفين بالظرف كَمَا فِي الْبَيْت. قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَقد يجوز أَن تجر يَعْنِي: كم وَبَينهَا وَبَين الِاسْم حاجز فَتَقول: كم فِيهَا رجلٍ. فَإِن قَالَ قَائِل: أضمر من بعد فِيهَا قيل لَهُ: لَيْسَ فِي كل مَوضِع يضمر الْجَار. وَقد يجوز على قَول الشَّاعِر: (كم بجودٍ مقرفٍ نَالَ الْعلَا ... وكريمٍ بخله قد وَضعه) الْجَرّ وَالرَّفْع وَالنّصب على مَا فسرنا. انْتهى. قَالَ الأعلم: فالرفع على أَن تجْعَل كم ظرفا وَيكون لتكثير المرار وترفع مقرف بِالِابْتِدَاءِ وَمَا بعده خبر وَالتَّقْدِير: كم مرةٍ مقرفٌ نَالَ الْعلَا. وَالنّصب على التَّمْيِيز لقبح الْفَصْل بَينه وَبَين كم فِي الْجَرّ. وَأما الْجَرّ فعلى أَنه أجَاز الْفَصْل بَين كم وَمَا عملت فِيهِ بالظرف ضَرُورَة. وَمَوْضِع كم فِي الْمَوْضِعَيْنِ مَوضِع رفع بِالِابْتِدَاءِ وَالتَّقْدِير: كثيرٌ من المقرفين نَالَ الْعلَا بجودٍ. والمقرف: النذل اللَّئِيم الْأَب. يَقُول: قد يرْتَفع اللَّئِيم بجوده ويتضع الرفيع الْكَرِيم الْأَب ببخله. انْتهى. وَقَالَ ابْن الْأَنْبَارِي فِي مسَائِل الْخلاف: ذهب الْكُوفِيُّونَ إِلَى أَنه إِذا

فصل بَين كم الخبرية وَبَين الِاسْم بظرف كَانَ مخفوضاً بِالنَّقْلِ وَالْقِيَاس. أما بِالنَّقْلِ فَقَوله: كم بجود مقرفٍ نَالَ الْعلَا وَقَالَ الآخر: كم من بني بكر بن سعدٍ سيدٍ وَأما الْقيَاس فَلِأَن خفض الِاسْم بِتَقْدِير من نَحْو: كم رجل أكرمت بِدَلِيل أَن الْمَعْنى يَقْتَضِيهِ فتقدر من فِي الْفَصْل كَمَا تقدر فِي الِاتِّصَال. وَلَا يجوز أَن تكون بِمَنْزِلَة عددٍ ينصب كثلاثين وَلَو كَانَت بِمَنْزِلَتِهِ لَكَانَ يَنْبَغِي أَن لَا يجوز الْفَصْل بَينهمَا. وَذهب البصريون إِلَى أَنه لَا يجوز فِيهِ الْجَرّ) وَيجب نَصبه لِأَن كم هِيَ العاملة للجر لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَة عدد مُضَاف فَإِذا فصل بظرفٍ بطلت كم نالني مِنْهُم فضلا على عدمٍ وَالتَّقْدِير: كم فضل فَلَمَّا فصل نصب. وَإِنَّمَا عدل إِلَى النصب لِأَن كم بِمَنْزِلَة عدد ينصب مَا بعده. وَلم يمْتَنع النصب بِالْفَصْلِ لِأَن لَهُ نظيراً. وَأما قَوْله: بجود مقرف فَالرِّوَايَة الصَّحِيحَة مقرفٌ بِالرَّفْع أَو أَن الْجَرّ شاذٌّ وَهَذَا هُوَ الْجَواب عَن الْبَيْت الثَّانِي. وَقَوْلهمْ: إِن من مقدرَة قُلْنَا: إِن كم عِنْد الْمُحَقِّقين من أصحابكم بِمَنْزِلَة رب يخْفض الِاسْم بهَا كرب وَلِأَن حذف حرف الْجَرّ لَهُ مَوَاضِع مَخْصُوصَة وَلَيْسَ هَذَا مِنْهَا.

وَقَوْلهمْ: إِنَّهَا لَو كَانَت بِمَنْزِلَة عدد ينصب مَا بعده كثلاثين لَكَانَ يَنْبَغِي أَن لَا يجوز الْفَصْل. قُلْنَا: إِنَّمَا جَازَ فِيهَا جَوَازًا حسنا دون نَحْو ثَلَاثِينَ لِأَن كم منعت من بعض مَا لثلاثين من التَّصَرُّف فَجعل هَذَا عوضا مِمَّا منعته. أَلا ترى أَن ثَلَاثِينَ تكون فاعلة لفظا وَمعنى ومفعولة فَلَمَّا منعت كم من هَذَا جعل لَهَا ضربٌ من التَّصَرُّف ليَقَع التعادل. على أَنه جَاءَ الْفَصْل بَين ثَلَاثِينَ ومميزها فِي الشّعْر كَقَوْلِه: (على أنني بعد مَا قد مضى ... ثَلَاثُونَ للهجر حولا كميلا) انْتهى. وَقَوله: بجود مُتَعَلق بنال وَالْبَاء سَبَبِيَّة وَكم على هَذَا الْوَجْه مُبْتَدأ وَهِي خبرية ونال الْعلَا الْخَبَر. وَمن روى بِنصب مقرف فَهِيَ أَيْضا خبرية. قَالَ أَبُو عَليّ: وَقد تجْعَل كم فِي الْخَبَر بِمَنْزِلَة عشْرين فينصب مَا بعْدهَا ويختار ذَلِك إِذا وَقع الْفَصْل بَين الْمُضَاف والمضاف إِلَيْهِ. فَتكون كم أَيْضا مُبْتَدأ ونال الْعلَا الْخَبَر وَنصب مقرف على التَّمْيِيز. وَمن روى بِرَفْع مقرف فَهِيَ أَيْضا خبرية وموضعها نصب بِأَنَّهَا ظرف وَالْعَامِل فِيهَا نَالَ ومقرف: مُبْتَدأ ونال الْعلَا خَبره. وَإِنَّمَا لم تكن كم فِي الْخَبَر لِأَنَّهَا هُنَا ظرف زمَان.

وَقَوله: وكريم بِالْجَرِّ عطف على مقرف على رِوَايَة الْجَرّ وَجُمْلَة بخله قد وَضعه من الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر خبر لكم الْمقدرَة. وَالْبَيْت من أَبْيَات نَسَبهَا صَاحب الأغاني لأنس بن زنيم قَالَهَا لِعبيد الله بن زِيَاد بن سميَّة. كَذَا قَالَ صَاحب الأغاني وشراح أَبْيَات سِيبَوَيْهٍ وشراح الْجمل وَهِي: (سل أَمِيري مَا الَّذِي غَيره ... عَن وصالي الْيَوْم حَتَّى ودعه) (لَا تهني بعد إكرامك لي ... فشديدٌ عَادَة منتزعه) (لَا يكن وَعدك برقاً خلباً ... إِن خير الْبَرْق مَا الْغَيْث مَعَه) (كم بجودٍ مقرفٍ نَالَ الْعلَا ... وشريفٍ بخله قد وَضعه)) وَقَوله: سل أَمِيري إِلَخ أنْشدهُ الشَّارِح الْمُحَقق فِي شرح الشافية على أَن يدع سمع ماضيه ودع كَمَا فِي الْبَيْت. قَالَ سِيبَوَيْهٍ: استغنوا عَن وذر وودع بقَوْلهمْ: ترك. وَقد جَاءَ ودع على جِهَة الشذوذ قرئَ فِي الشواذ: مَا وَدعك وَكَقَوْلِه: حَتَّى ودعه. قَالَ سُوَيْد بن أبي كَاهِل: ...

(فسعى مسعاته فِي قومه ... ثمَّ لم يدْرك وَلَا عَجزا ودع) (فَكَانَ مَا قدمُوا لأَنْفُسِهِمْ ... أَكثر نفعا من الَّذِي ودعوا) وَقد جَاءَ وادع أَيْضا فِي الشّعْر انشده أَبُو عَليّ فِي البصريات وَهُوَ: (فَأَيّهمَا مَا اتبعن فإنني ... حزينٌ على ترك الَّذِي أَنا وادع) وَقد جَاءَ الْمصدر أَيْضا فِي الحَدِيث وَهُوَ قَوْله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: لينتهين أقوامٌ عَن ودعهم الْجُمُعَات أَو ليختمن الله على قُلُوبهم. وَقد جَاءَ اسْم الْمَفْعُول أَيْضا. قَالَ خفاف بن ندبة: (إِذا مَا استحمت أرضه من سمائه ... جرى وَهُوَ مودوعٌ وواعد مُصدق) قَالَ الصغاني: أَي: مَتْرُوك لَا يضْرب وَلَا يزْجر. وَقَول ابْن بري إِن مودوعاً هُنَا من الدعة الَّتِي هِيَ السّكُون لَا من التّرْك يرد عَلَيْهِ أَن ودع بِمَعْنى سكن غير متعدٍّ يُقَال: ودع فِي بَيته. وَقَوله: لَا تهني هُوَ من الإهانة. والخلب من الْبَرْق: الَّذِي لَا مطر مَعَه وَلَا ينْتَفع بسحابه. وتضرب بِهِ الْعَرَب الْمثل لمن أخلف وعده. قَالَ أعشى هَمدَان: ...

(لَا يكن وَعدك برقاً خلباً ... كَاذِبًا يلمع فِي عرض الْغَمَام) الأبيات. وَنسب صَاحب الحماسة البصرية هَذِه البيات فِي بَاب الْوَصْف لعبد الله بن كريز. وَزَاد بعد الْبَيْت الثَّانِي: (وَاذْكُر الْبلوى الَّتِي أبليتني ... ومقالاً قلته فِي المجمعه) وَرويت أَيْضا لأبي الْأسود الدؤَلِي. وَالله أعلم بِحَقِيقَة الْحَال. وَأنس بن زنيم شَاعِر صَحَابِيّ مُضَاف إِلَى جده. قَالَ الْآمِدِيّ: هُوَ أنس ابْن أبي أنَاس الْكِنَانِي بن زنيم بن محمية بن عبد بن عدي بن الديل بن بكر ابْن كنَانَة بن خُزَيْمَة بن مدركة. وَهُوَ شاعرٌ مَشْهُور حاذق وَهُوَ الْقَائِل: (وعوراء من قيل امْرِئ قد رَددتهَا ... بسالمة الْعَينَيْنِ طالبةٍ عذرا) (وَلَو أَنه إِذْ قَالَهَا قلت مثلهَا ... أَو اكثر مِنْهَا أورثت بَيْننَا غمرا) (فَأَعْرَضت عَنهُ وانتظرت بِهِ غَدا ... لَعَلَّ غَدا يُبْدِي لمؤتمرٍ أمرا) ...

(لأنزع ضيماً ثاوياً فِي فُؤَاده ... وأقلم أظفاراً أَطَالَ بهَا الْحفر)) وَقَالَ ابْن حجر فِي الْإِصَابَة: ذكر ابْن إِسْحَاق فِي الْمَغَازِي أَن عَمْرو بن سَالم الْخُزَاعِيّ خرج فِي أَرْبَعِينَ رَاكِبًا يستنصرون رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ على قُرَيْش فأنشده: لَا هم إِنِّي ناشدٌ مُحَمَّدًا عهد أَبينَا وَأَبِيهِ الْأَتْلَدَا الأبيات. ثمَّ قَالَ: يَا رَسُول الله إِن أنس بن زنيم هجاك فَهدر رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ دَمه فَبَلغهُ ذَلِك فَقدم عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ معتذراً وأنشده أبياتاً مدحه بهَا وَكَلمه فِيهِ نَوْفَل بن مُعَاوِيَة الدؤَلِي فَعَفَا عَنهُ. وَمن تِلْكَ الأبيات: (فَلَمَّا حملت من ناقةٍ فَوق رَحلهَا ... أبر وأوفى ذمَّة من مُحَمَّد) قَالَ دعبل بن عَليّ فِي طَبَقَات الشُّعَرَاء: هَذَا أصدق بيتٍ قالته الْعَرَب. ولأنس مَعَ عبد الله بن زِيَاد أَمِير الْعرَاق أخبارٌ أوردهَا الْأَصْفَهَانِي صَاحب الأغاني فِي تَرْجَمَة حَارِثَة بن بدر الغداني فَإِنَّهُ كَانَ بَينهمَا أهاجٍ بعد تصافٍ.

وروى أَن أنسا لما رأى من عبيد الله بن زِيَاد جفوة وأثرى لحارثة بن بدر قَالَ: (أهان وأقسى ثمَّ تنتصحونني ... وَمن ذَا الَّذِي يُعْطي نصيحته قسرا) (رَأَيْت أكف المصلتين عَلَيْكُم ... ملاءاً وكفي من عطائكم صفرا) (مَتى تَسْأَلُونِي مَا عَليّ وتمنعوا ... الَّذِي لي لَا أسطع على ذَلِكُم صبرا) (وَإِنِّي صرفت النَّاس عَمَّا يريبكم ... وَلَو شِئْت قد أغليت فِي حربكم قدرا) (وَإِنِّي مَعَ السَّاعِي عَلَيْكُم بِسَيْفِهِ ... إِذا عظمكم يَوْمًا رَأَيْت بِهِ كسرا) فَقَالَ عبيد الله لحارثة: أجبه. فاستعفاه لمودةٍ كَانَت بَينهمَا فأكرهه على ذَلِك وَأقسم عَلَيْهِ فَقَالَ: (تبدلت من أنسٍ إِنَّه ... كذوب الْمَوَدَّة خوانها) (أرَاهُ بَصيرًا بِعَيْب الْخَلِيل ... وَشر الأخلاء عورانها) فَأجَاب أنس: ...

(الشاهد التسعون بعد الأربعمائة)

(بصرت بِهِ فِي قديم الزَّمَان ... كَمَا بصر الْعين إنسانها) ودام الشَّرّ بَينهمَا زَمَانا طَويلا. وَذكر مَا جرى بَينهمَا وَشعر كل واحدٍ فِي الآخر بإغراء عبيد الله بن زِيَاد. وَأنْشد بعده 3 - (الشَّاهِد التِّسْعُونَ بعد الأربعمائة) وَهُوَ من شَوَاهِد س: (كم فِي بني سعد بن بكرٍ سيدٍ ... ضخم الدسيعة ماجدٍ نفاع) على أَن فِيهِ دَلِيلا على جَوَاز الْفَصْل بالظرف المستقر عِنْد يُونُس كَمَا جَازَ الْفَصْل بالظرف اللَّغْو فِي الْبَيْت السَّابِق. وسيبويه لَا يُجِيز الْفَصْل بالظرف إِلَّا لضَرُورَة. وَأنْشد هَذَا الْبَيْت. قَالَ الأعلم: الشَّاهِد فِيهِ خفض سيد ب كم ضَرُورَة وَلَو رفع سيد أَو نصب لجَاز كَمَا تقدم. وَبَيَان كَونه ظرفا مُسْتَقرًّا أَن كم فِي مَحل رفع مُبْتَدأ والظرف الْفَاصِل فِي مَحل رفع خبر الْمُبْتَدَأ. وَأَخْطَأ ابْن المستوفي فِي شرح أَبْيَات الْمفصل فِي زَعمه أَن الظّرْف حالٌ من سيد وَكَانَ فِي الأَصْل صفة فَلَمَّا قدم عَلَيْهِ صَار حَالا مِنْهُ. وَوجه الْخَطَأ أَن الْمُبْتَدَأ يبْقى بِلَا خبر. وضخم وماجد ونفاع بجر الثَّلَاثَة صِفَات لسَيِّد. والدسيعة

(الشاهد الحادي والتسعون بعد الأربعمائة)

بِفَتْح الدَّال وَكسر السِّين وَبعد الْمُثَنَّاة التَّحْتِيَّة عين وَالثَّلَاثَة بالإهمال وَمَعْنَاهَا الْعَطِيَّة. قَالَ الأعلم: هِيَ من دسع الْبَعِير بجرته إِذا دفع بهَا. وَيُقَال هِيَ الْجَفْنَة وَالْمعْنَى أَنه وَاسع الْمَعْرُوف. والماجد: الشريف. يصف كَثْرَة السادات فِي هَذِه الْقَبِيلَة. وَالْبَيْت وَقع غفلاً فِي كتاب سِيبَوَيْهٍ والمفصل وَلم يعزه أحدٌ من شراحهما إِلَى قَائِله. وَزعم الْعَيْنِيّ أَنه للفرزدق. وَالله أعلم بِهِ. وَأنْشد بعده 3 - (الشَّاهِد الْحَادِي وَالتِّسْعُونَ بعد الأربعمائة) وَهُوَ من شَوَاهِد س: (كم نالني مِنْهُم فضلا على عدمٍ ... إِذْ لَا أكاد من الإقتار أحتمل) على أَن جر التَّمْيِيز مَعَ الْفَصْل بِالْجُمْلَةِ لَا يُجِيزهُ إِلَّا الْفراء فَيجوز عِنْده خفض فضلا. وَأما غَيره فَيُوجب نَصبه كَمَا فِي الْبَيْت. قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَقَالَ الْخَلِيل: إِذا فصلت بَين كم وَبَين الِاسْم بِشَيْء اسْتغنى عَلَيْهِ السُّكُوت أَو لم يسْتَغْن فاحمله على لُغَة الَّذين يجعلونه بِمَنْزِلَة اسْم منون لِأَنَّهُ قَبِيح أَن يفصل بَين الْجَار وَالْمَجْرُور لِأَن الْمَجْرُور داخلٌ فِي

الْجَار فصارا كَأَنَّهُمَا كلمة وَاحِدَة. وَالِاسْم الْمنون قد يفصل بَينه وَبَين الَّذِي يعْمل فِيهِ تَقول: هَذَا ضاربٌ بك زيدا وَلَا تَقول هَذَا ضاربٌ بك زيدٍ. قَالَ الْقطَامِي: وَإِن شَاءَ رفع فَجعل كم المرار الَّتِي ناله فِيهَا الْفضل فارتفع الْفضل بنالني كَقَوْلِك: كم قد أَتَانِي زيد فزيد: فَاعل وَكم: مفعول فِيهَا وَهِي المرار الَّتِي أَتَاهُ فِيهَا وَلَيْسَ زيد من المرار. اه. قيل: روى فضلا بِالْجَرِّ أَيْضا. فكم على النصب والجر مُبْتَدأ وَجُمْلَة: نالني خَبره وفاعله ضمير كم. وعَلى الرّفْع ظرف لنالني كَمَا قَالَ سِيبَوَيْهٍ. وَزعم الْعَيْنِيّ أَن كم مَعَ النصب ظرف زمَان تَقْدِيره: كم مرّة أَو كم يَوْمًا وَجُمْلَة نالني مِنْهُم جملَة مُعْتَرضَة بَين كم ومميزها وَهُوَ فضلا. هَذَا كَلَامه. وَلَا يخفى فَسَاده إِذْ جعل الْمُمَيز محذوفاً مَعَ أَن مَذْكُور. وَلَا يَصح جعل جملَة نالني اعتراضية إِذْ لَا فَاعل للْفِعْل حِينَئِذٍ. وَقَوله: على عدم أَي: مَعَ عدم مُتَعَلق بِمَحْذُوف على أَنه حَال من الْيَاء. كَذَا قَالَ ابْن الْحَاجِب فِي أَمَالِيهِ عَن ابْن برهَان. وَزعم الْعَيْنِيّ أَنه مُتَعَلق بنالني. وَهُوَ فاسدٌ يدْرك بِالتَّأَمُّلِ. وأفسد مِنْهُ قَول ابْن المستوفي فِي شرح أَبْيَات الْمفصل: قَوْله: على عدم حَال من الْيَاء وعامله نالني وَيجوز أَن يعْمل فِيهِ فضل الْمصدر على أَنه مفعول بِهِ.

والعدم بِفتْحَتَيْنِ والعدم بِضَم فَسُكُون كِلَاهُمَا بِمَعْنى الْفقر والاحتياج. وَمِنْهُم مُتَعَلق بنالني. وَقَالَ ابْن المستوفي يجوز أَن يكون مَوضِع مِنْهُم النصب على الْحَال صفة لفضل مقدما عَلَيْهِ وَيجوز أَن يكون من قيه مَبْنِيا للْجِنْس وَيعْمل فِيهِ نالني. وَهَذَا خطأ فَإِن من البيانية مَعَ مجرورها تتَعَلَّق بِمَحْذُوف على أَنه حَال. وَالْفضل: الْخَيْر والإنعام وَجُمْلَة أحتمل فِي مَحل نصب خبر كَاد وَهُوَ بِالْحَاء الْمُهْملَة. قَالَ شَارِح ديوَان الْقطَامِي: أَي: لم يكن لي حمولةٌ أحتمل عَلَيْهَا. والحمولة بِالْفَتْح قَالَ صَاحب الْمِصْبَاح: هُوَ الْبَعِير يحمل عَلَيْهِ وَقد يسْتَعْمل فِي الْفرس والبغل وَالْحمار.) اه. فَمَعْنَى احْتمل: أَتَّخِذ حمولة. وَقَالَ الأعلم: قَوْله: إِذْ لَا أكاد إِلَخ أَي: حِين بلغ مني الْجهد وَسُوء الْحَال إِلَى أَن لَا أقدر على الارتحال لطلب الرزق ضعفا وفقراً. ويروى: أجتمل بِالْجِيم أَي: أجمع الْعِظَام لأخرج ودكها وأتعلل بِهِ والجميل: الودك. اه. وَلم يذكر أحدٌ رِوَايَة الْجِيم من اجتملت الشَّحْم إِذا أذبته وَكَذَا جملَته أجمله جملا وَرُبمَا قَالُوا: أجملته حَكَاهُ أَبُو عبيدٍ. وَرَأَيْت فِي بعض الْحَوَاشِي أَنه رُوِيَ: أحتمل بِالْحَاء الْمُهْملَة من الِاحْتِمَال وَمَا أَظُنهُ صَحِيحا.

وَزعم بعض فضلاء الْعَجم فِي أَبْيَات الْمفصل أَن الرِّوَايَة احتول وَلم يذكر غَيرهَا. وَقَالَ: أحتول من الْحِيلَة وَأَصلهَا حولة قلبت الْوَاو يَاء كَمَا فِي ميزَان. وَكَانَ الْوَجْه أحتال إِلَّا أَنه جَاءَ على الأَصْل المرفوض. هَذَا كَلَامه وَلم أرها لغيره. وَقَوله: إِذْ لَا أكاد إِذْ ظرف لنالني. والإقتار: مصدر أقتر. قَالَ فِي الصِّحَاح: وأقتر الرجل: افْتقر. وَمن مُتَعَلقَة بِالنَّفْيِ وَقَالَ الْعَيْنِيّ: وَمن مُتَعَلقَة بأجتمل. وَسَيَجِيءُ رده. وَزعم ابْن برهَان أَن قَوْله من الإقتار مفعول لَهُ يعْمل فِيهِ أحتمل. قَالَ ابْن الْحَاجِب فِي أَمَالِيهِ: لَا يَصح هَذَا لفساد الْمَعْنى إِذْ الِاحْتِمَال لم يكن من أجل إقتار فيخصصه بِالنَّفْيِ وَإِنَّمَا يَصح أَن يكون مُعَللا بِمثل ذَلِك ثمَّ يَنْفِيه مُخَصّصا لَهُ كَقَوْلِك: مَا جئْتُك طَمَعا فِي برك فَإِن الْمَجِيء قد يكون طَمَعا فِي الْبر فينفى الْمَجِيء الْمُقَيد بعلة الطمع وَلذَلِك لَا يلْزم مِنْهُ نفي الْمَجِيء لغير ذَلِك لِأَنَّهُ لَا يتَعَرَّض لَهُ بل قد يفهم مِنْهُ إِثْبَات مَجِيء لغير ذَلِك عِنْد من يَقُول بِالْمَفْهُومِ. أما لَو قَالَ: مَا كلفتك بِشَيْء للتَّخْفِيف عَلَيْك فَلَا يَسْتَقِيم أَن يكون تعليلاً لكلفتك فَإِنَّهُ لَا يَصح أَن يكون التَّخْفِيف عِلّة للتكليف وَإِنَّمَا علل بِهِ نفي التَّكْلِيف من أجل غَرَض التَّخْفِيف. وسر ذَلِك هُوَ أَنه إِذا تعلق الْفِعْل بِشَيْء فَلَا بُد أَن يعقل مثبتاً فِي نَفسه ثمَّ يتَعَلَّق النَّفْي بِهِ. وَإِذا تعلق النَّفْي بِهِ انْتَفَى الْمُقَيد بِمَا تعلق وَلَا يَنْتَفِي مُطلقًا إِذْ لم ينفه إِلَّا مُقَيّدا. وَمن أجل ذَلِك امْتنع تعلق من الإقتار

بأحتمل. وَيمْنَع أَيْضا تعلقه بأكاد إِذْ لَا يتَصَوَّر تَعْلِيل مقاربة الِاحْتِمَال بالإقتار لِأَنَّهُ عكس الْمَعْنى على مَا تقدم فِي أحتمل فَوَجَبَ أَن يكون مُتَعَلقا بِالنَّفْيِ إِذْ هُوَ الْمُسَبّب بِالْمَعْنَى لِأَن الْمَعْنى انْتَفَت مقاربة الِاحْتِمَال من أجل الإقتار. أَلا ترى أَنَّك لَو قلت لمن قَالَ: انْتَفَت مقاربة الِاحْتِمَال: مَا سَبَب ذَلِك لصَحَّ أَن يَقُول: سَببه الإقتار. وَلَو قلت لمن قَالَ: مَا سَبَب مقاربة الِاحْتِمَال أَو مَا سَبَب الِاحْتِمَال سَببه الإقتار لَكَانَ فَاسِدا. فَهُوَ مِمَّا يُوضح أَنه تَعْلِيل للنَّفْي وَغير مُسْتَقِيم أَن يكون تعليلاً لأحتمل أَو أكاد. انْتهى كَلَامه. وَالْبَيْت من قصيدة للقطامي عدتهَا واحدٌ وَأَرْبَعُونَ بَيْتا مدح بهَا أَبَا عُثْمَان عبد الْوَاحِد. قَالَ ابْن) الْكَلْبِيّ وَابْن حبيب: هُوَ عبد الْوَاحِد بن الْحَارِث بن الحكم بن أبي الْعَاصِ بن عبد شمس بن عبد منَاف. وَقَالَ مُصعب الزبيرِي: هُوَ عبد الْوَاحِد بن سُلَيْمَان بن عبد الْملك. وَكَانَ والياً فِي الْمَدِينَة لمروان بن مُحَمَّد. وَهَذَا مطلع القصيدة: (إِنَّا محيوك فَاسْلَمْ أَيهَا الطلل ... وَأَن بليت وَإِن طَالَتْ بك الطيل) إِلَى أَن قَالَ بعد سِتَّة أَبْيَات: (وَالنَّاس من يلق خيرا قَائِلُونَ لَهُ ... مَا يَشْتَهِي ولأم الْمُخطئ الهبل) ...

(قد يدْرك المتأني بعض حَاجته ... وَقد يكون مَعَ المستعجل الزلل) ثمَّ وصف الْإِبِل الَّتِي توصله إِلَى حبيبته علية بأبياتٍ مِنْهَا: (يَمْشين رهواً فَلَا الأعجاز خاذلةٌ ... وَلَا الصُّدُور على الأعجاز تتكل) إِلَى أَن قَالَ: (فَقلت للركب لما أَن علت بهم ... من عَن يَمِين الحبيا نظرةٌ قبل) (ألمحةً من سنا برقٍ رأى بَصرِي ... أم وَجه عالية اختالت بِهِ الكلل) ثمَّ بعد أَبْيَات خَاطب نَاقَته فَقَالَ: (إِن تَرْجِعِي من أبي عُثْمَان منجحةً ... فقد يهون على المستنجح الْعَمَل) (أهل الْمَدِينَة لَا يحزنك شَأْنهمْ ... إِذا تخاطأ عبد الْوَاحِد الْأَجَل) ...

(إِلَّا وهم جبل الله الَّذِي قصرت ... عَنهُ الْجبَال فَمَا سَاوَى بِهِ جبل) (قومٌ هم ثبتوا الْإِسْلَام وامتنعوا ... رَهْط الرَّسُول الَّذِي مَا بعده رسل) (من صالحوه رأى فِي عيشه سعةٌ ... وَلَا يرى من أَرَادوا ضره يئل) كم نالني مِنْهُم فضلا على عدم ... ... ... ... ... ... ... . الْبَيْت (وَكم من الدَّهْر مَا قد ثبتوا قدمي ... إِذْ لَا يزَال مَعَ الْأَعْدَاء ينتضل) (فَمَا هم صَالحُوا من يَبْتَغِي عنتي ... وَلَا هم كدروا الْخَيْر الَّذِي فعلوا) (هم الْمُلُوك وَأَبْنَاء الْمُلُوك لَهُم ... والآخذون بِهِ والساسة الأول) قَوْله: إِنَّا محيوك أَي: داعون لَك بالتحية وَهِي الْبَقَاء والطلل: مَا شخص من آثَار الديار. والطيل بِالْكَسْرِ: جمع طيلة وَهِي الدَّهْر. وَقَوله: وَالنَّاس من يلق إِلَخ يَقُول: من أَخطَأ قيل: لأمه الثكل

وَهُوَ الهبل. وَمن يلق خيرا أَي: من أصَاب عوضا من الدُّنْيَا قَالُوا: مَا أرجله لله) أَبوهُ مَا أعقله وَمن أخطأه الرزق قَالُوا: أَمَاتَهُ الله مَا أعجزه وَقَوله: قد يدْرك المتأني إِلَخ صَاحب الأناة وَالْوَقار والحلم. وَزَل عَن الأَرْض يزل زليلاً إِذا عثر. وَقَوله: يَمْشين رهواً إِلَخ أَي: على هينتها. يُقَال: فعل ذَلِك راهياً أَي: سَاكِنا سهلاً. وَأوردهُ صَاحب الْكَشَّاف عِنْد قَوْله تَعَالَى: واترك الْبَحْر رهواً على أَن الرهو: السّير السهل السَّاكِن. وَنسب الْبَيْت للأعشى (ودع هُرَيْرَة إِن الركب مرتحل ... وَهل تطِيق وداعاً أَيهَا الرجل) وَلَيْسَ كَذَلِك. قَالَ أَبُو عَمْرو: يَقُول: هِيَ موثقة الصُّدُور والأعجاز لَا تخذل أعجازها صدورها وَلَا صدورها أعجازها. وَقَوله: فَقلت للركب إِلَخ نظرة: فَاعل علت. والنظرة الْقبل بِفتْحَتَيْنِ: الَّتِي لم تتقدمها نظرة وَمِنْه يُقَال: رَأينَا الْهلَال قبلا إِذا لم يكن رئي من قبل ذَلِك. وَمعنى علت بهم: جعلتهم يعلون وَيَنْظُرُونَ. والحبيا بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَفتح الْمُوَحدَة وَتَشْديد الْمُثَنَّاة التَّحْتِيَّة: مَوضِع بِالشَّام. وَعَن بِمَعْنى جَانب فَهِيَ اسْم. وَبِه اسْتدلَّ ابْن قُتَيْبَة فِي أدب الْكَاتِب وَابْن النَّاظِم والمرادي أَيْضا فِي شرح الألفية. وَقَوله: ألمحةٌ من سنة إِلَخ هَذَا الْبَيْت مقول قلت. واللمحة:

(الشاهد الثاني والتسعون بعد الأربعمائة)

اللمْعَة. وسنا الْبَرْق: ضوءه. واختالت: تزينت بِهِ الكلل من حسنه وَضمير بِهِ للْوَجْه. والكلل: الستور. يُرِيد أَن وَجه عالية ظهر إِلَيْهِم من السّتْر فأشرفوا ينظرُونَ إِلَيْهِ إعجاباً بِهِ. ومنجحة من أنجح الرجل واستنجح إِذا ظفر بحاجته. وَالْعَمَل: التَّعَب. ويحفى: يمشي بِغَيْر حذاء ومصدره الحفاء بِالْمدِّ. ويئل: ينجو يُقَال: وأل يئل موئلاً. ونالني: أصابني. وينتضل: يرتمي بالضاد الْمُعْجَمَة. وعنتي: هلاكي. يُقَال: عنت الرجل يعنت عنتاً إِذا وَقع فِي هلكة. وَقَوله: هم الْمُلُوك وَأَبْنَاء الْمُلُوك لَهُم أَي: مِنْهُم. والآخذون بِهِ أَي: بِالْملكِ فأضمره لما جرى ذكر الْمُلُوك. والقطامي: شاعرٌ إسلامي فِي الدولة الأموية تقدّمت تَرْجَمته فِي الشَّاهِد الثَّالِث وَالْأَرْبَعِينَ بعد الْمِائَة. وَأنْشد بعده 3 - (الشَّاهِد الثَّانِي وَالتِّسْعُونَ بعد الأربعمائة) وَهُوَ من شَوَاهِد س: (كم عمةٌ لَك يَا جرير وخالةٌ ... فدعاء قد حلبت عَليّ عشاري)

على أَنه قد رُوِيَ عمَّة وَخَالَة بالحركات الثَّلَاث. وَشَرحهَا شرحاً جيدا وَجوز فِي النصب أَن تكون كم استفهامية وخبرية. وَهُوَ مَذْهَب أبي الْحسن الربعِي. فَإِن السيرافي قَالَ: كم حِينَئِذٍ استفهامية. وَتَبعهُ الزجاجي. وَقَالَ أَبُو عَليّ: لَا معنى هُنَا للاستفهام وَلَكِن شبه بالاستفهامية فنصب بهَا كَمَا تشبه الاستفهامية بالخبرية فيجر بهَا فِي نَحْو قَوْلك: على كم جذعٍ بَيْتك مبنيٌّ. وتوسط الربعِي بَينهمَا فَقَالَ: الْوَجْه مَا قَالَه أَبُو عَليّ. وَالَّذِي قَالَه السيرافي يجوز على أَنه استفهمه هازئاً بِهِ. كَذَا نقل ابْن السَّيِّد وَتَبعهُ ابْن خلف. والربعي مسبوقٌ فَإِن ابْن السراج قَالَ فِي الْأُصُول: النصب عِنْدِي على وَجْهَيْن: على مَا قَالَه سِيبَوَيْهٍ فِي لُغَة من ينصب فِي الْخَبَر وعَلى الِاسْتِفْهَام. انْتهى. وَبِهَذَا يضمحل قَول اللَّخْمِيّ فِي شرح أَبْيَات الْجمل: إِن سِيبَوَيْهٍ أَدخل الْبَيْت فِي وَجه النصب على الْخَبَر وَالتَّحْقِيق لَا على وَجه الِاسْتِفْهَام وَالشَّكّ. قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَمن ينصب كثير مِنْهُم الفرزدق. وَلم يذكر الِاسْتِفْهَام لَكِن ذكر أَنَّهَا شبهت فِي الْخَبَر بالاستفهام فنصب بهَا كَمَا ينصب مَا بعد الْعدَد. انْتهى. وَكَذَا جوز الشَّارِح الْمُحَقق الْوَجْهَيْنِ فِي الرّفْع. قَالَ ابْن السراج: اعْلَم أَنَّك إِذا قلت: كم عمةٍ بِالْجَرِّ فلست تقصد إِلَّا وَاحِدَة وَكَذَلِكَ إِذا نصبت فَإِن رفعت لم يكن إِلَّا وَاحِدَة لِأَن التَّمْيِيز يَقع

واحده فِي مَوضِع الْجمع فَإِذا رفعت فلست تُرِيدُ التَّمْيِيز فَإِذا قلت: كم درهمٌ عنْدك فَإِنَّمَا الْمَعْنى: كم دانقاً هَذَا الدِّرْهَم الَّذِي أَسأَلك عَنهُ فالدرهم وَاحِد لِأَنَّهُ خبر وَلَيْسَ بتمييز. اه. فكلٌّ من الْجَرّ وَالنّصب أبلغ من الرّفْع لِأَنَّهُمَا يدلان على أَن لجرير عماتٍ وخالات أجيرات ممتهنات. وَالرَّفْع يدل على أَن لَهُ عمَّة وَاحِدَة حلبت لَهُ عشاره. وَلِهَذَا قَالَ السيرافي: الأجود فِي الْبَيْت الْخَفْض وَبعده النصب وَبعده الرّفْع. وَبَين الشَّارِح الْمُحَقق إِعْرَاب كم مَعَ الرّفْع وَلم يُبينهُ مَعَ غَيره. فَهِيَ مَعَ خفض عمَّة ونصبها موضعهَا رفعٌ على الِابْتِدَاء وَالْخَبَر جملَة قد حلبت. قَالَ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي: وأفرد الضَّمِير فِي حلبت حملا على لفظ كم. وَلَيْسَ هَذَا من قبيل مَا هُوَ عائدٌ على مَجْمُوع مَا تقدم نَحْو: النِّسَاء فعلت كَمَا زَعمه الدماميني فَإِن الْعمة وَالْخَالَة مفردان بِخِلَاف النِّسَاء فَإِنَّهُ اسْم جمع. وَأما فِي رِوَايَة رفع عمَّة على الِابْتِدَاء فَلَا بُد من تَقْدِير قد حلبت أُخْرَى لِأَن الْمخبر عَنهُ فِي هَذَا الْوَجْه مُتَعَدد لفظا وَمعنى. وَنَظِيره:) زَيْنَب وَهِنْد قَامَت. قَالَه ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي. وَجَاز الِابْتِدَاء بهَا وَإِن كَانَت نكرَة لِأَنَّهَا قد وصفت ب لَك وبفدعاء محذوفةٍ مدلولها عَلَيْهَا بالمذكورة إِذْ لَيْسَ المُرَاد تَخْصِيص الْخَالَة بالفدع كَمَا حذفت لَك من صفة خَالَة اسْتِدْلَالا عَلَيْهَا بلك الأولى. قَالَه ابْن هِشَام أَيْضا. وَعَلِيهِ فَيكون من قبيل الاحتباك وَهُوَ أَن يثبت لأَحَدهمَا نَظِير مَا حذف من الآخر.

وَنقل ابْن المستوفي فِي شرح أَبْيَات الْمفصل عَن الزَّمَخْشَرِيّ فِي حَوَاشِيه على الْمفصل أَن التَّقْدِير: كم لَك غَيرهمَا فَتعلق لَك بكم. وَلأبي عَليّ فِي الْمسَائِل المنثورة كلامٌ جيد فِي كم أَحْبَبْت إِيرَاده هُنَا. قَالَ: إِذا كَانَت كم خراً جَازَ فيهمَا بعْدهَا الْجَرّ وَالرَّفْع وَالنّصب وَإِنَّمَا جررته بكم لِأَن كم نقيضة رب وَمن أصولهم حمل الشَّيْء على نقيضه. أَلا ترى أَن رب للقلة وَكم للكثرة فَلَمَّا كَانَت بِهَذِهِ الْمنزلَة أجريت مجْرى رب. وَإِن نصب مَا بعْدهَا فجائزٌ لِأَنَّهَا عددٌ فِي الْحَقِيقَة والأعداد تبين مرّة بِالنّصب وَمرَّة بِالْجَرِّ. وَإِذا كَانَ هَذَا جَائِزا فِي الْأَعْدَاد فعلى أَي وجهٍ أردْت جَازَ. الرّفْع إِذا قلت: كم رجلٌ أَتَانِي صَارَت كم فِي معنى مرار فَتكون فِي مَوضِع نصب بأتاني وَيكون رجلٌ مُبْتَدأ وأتاني خَبره. قَالَ أَبُو عَمْرو: لَا يكون مَا تبين بِهِ كم إِلَّا نكرَة وَذَلِكَ لِأَنَّهَا عدد والأعداد لَا تبين إِلَّا بالنكرات. وَالنّصب فِي الْخَبَر جَائِز لِأَنَّهَا عددٌ فِي الْحَقِيقَة وَإِن كَانَ الْوَجْه الْجَرّ. وَالْحسن أَن تنصب إِذا فصلت بَينهَا وَبَين مَا أضيف إِلَيْهَا لِأَن الْفَصْل بَين المتضايفين قَبِيح. فَلَمَّا قبح نصبوه لِأَنَّهَا فِي الْحَقِيقَة عدد وَرجل يُفَسر ويوضح. وَأما قَول الشَّاعِر: كم بجود مقرفاً الْبَيْت فنصب مقرفاً فسر بِهِ كم لِأَنَّهُ حَال بَينه وَبَين كم بقوله بجود وَتَكون كم فِي مَوضِع رفع بِالِابْتِدَاءِ وَهِي فِي الْمَعْنى فاعلة كَمَا تَقول: زيد قَامَ فزيد مُبْتَدأ وَإِن كَانَ فَاعِلا فِي الْمَعْنى. وَيجوز الْجَرّ لِأَنَّك حلت بَين كم وَبَين عملت فِيهِ بظرف. فَأَما قَول الفرزدق:

كم عمَّة لَك يَا جرير وَخَالَة فَأَما النصب فِي الْعمة فتجعل كم رفعا بِالِابْتِدَاءِ وحلبت خَبَرهَا وعمة تَفْسِير الْعدَد كَأَنَّهُ قَالَ: عشرُون عمَّة حلبت. والجر على مَا تقدم من الْكَلَام. وَأما الرّفْع فِي الْعمة فَتكون كم فِي مَوضِع نصب وَتَكون كم فِي معنى مرار فَتَصِير ظرفا للحلب. قَالَ أَبُو عَمْرو: تَقول: كم رجال قد رَأينَا فَجَاز فِي كم أَن تفسر بِالْجمعِ لِأَن الْعدَد يُفَسر بِالْجمعِ وبالواحد. وَإِذا كَانَت كم عددا جَازَ تَفْسِيرهَا بِالْوَاحِدِ وَالْجمع مَعَ أَنه مَعَ كم أَشد استمراراً وَذَلِكَ إِذا قلت: عشرُون درهما فَفِي الْكَلَام دلَالَة على الْجمع. وَإِذا قلت: كم فَلَيْسَ فِي كم دلالةٌ على الْجمع فَلذَلِك أَجَازُوا ذَلِك) فِي كم. انْتهى كَلَام أبي عَليّ. وفدعاء: صفة لخلة لقربها وحذفه من عمَّة قبلهَا. وَقد فسر الشَّارِح الفدعاء بِكَلَام الصِّحَاح وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الأفدع: الَّذِي يمشي على ظُهُور قَدَمَيْهِ. وَقَالَ أَبُو جَعْفَر: الفدع فِي الْقدَم والكوع فِي الْيَد. والرسغ بِالضَّمِّ هُوَ من الْإِنْسَان: مفصل مَا بَين الْكَفّ والساعد والقدم إِلَى السَّاق. وَمن الدَّوَابّ: الْموضع المستدق بَين الْحَافِر وَمَوْضِع الوظيف من الْيَد وَالرجل. والإنسي بِكَسْر الْهمزَة قَالَ صَاحب الصِّحَاح: الْإِنْسِي: الْأَيْسَر من كل شَيْء. وَقَالَ الْأَصْمَعِي: هُوَ الْأَيْمن. وَقَالَ: كل اثْنَيْنِ من الْإِنْسَان مثل الساعدين والقدمين فَمَا أقبل مِنْهُمَا على الْإِنْسَان فَهُوَ إنسيٌّ وَمَا أدبر عَنهُ فَهُوَ وَحشِي. انْتهى. وَقَالَ صَاحب الْمِصْبَاح: الوحشي من كل دَابَّة: الْجَانِب الْأَيْمن. قَالَ الشَّاعِر: ...

(فمالت على شقّ وحشيها ... وَقد ريع جَانبهَا الْأَيْسَر) قَالَ الْأَزْهَرِي: قَالَ أَئِمَّة الْعَرَبيَّة: الوحشي من جَمِيع الْحَيَوَان غير الْإِنْسَان: الْجَانِب الْأَيْمن وَهُوَ الَّذِي لَا يركب مِنْهُ الرَّاكِب وَلَا يحلب مِنْهُ الحالب. والإنسي: الْجَانِب الآخر وَهُوَ الْأَيْسَر. وروى أَبُو عبيدٍ عَن الْأَصْمَعِي أَن الوحشي هُوَ الَّذِي يَأْتِي مِنْهُ الرَّاكِب ويحلب مِنْهُ الحالب لِأَن الدَّابَّة تستوحش عِنْده فتفر مِنْهُ إِلَى الْجَانِب الْيمن. قَالَ الْأَزْهَرِي: وَهُوَ غير صَحِيح عِنْدِي. قَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: وَيُقَال: مَا من شَيْء يفزع إِلَّا مَال إِلَى جَانِبه الْأَيْمن لِأَن الدَّابَّة إِنَّمَا تُؤْتى للرُّكُوب والحلب من الْجَانِب الْأَيْسَر فتخاف عِنْده فتفر من مَوضِع المخافة وَهُوَ الْجَانِب الْأَيْسَر إِلَى مَوضِع الْأَمْن وَهُوَ الْجَانِب الْأَيْمن. فَلهَذَا قيل الوحشي الْجَانِب الْأَيْمن. وَوَحْشِي الْيَد والقدم: مَا لم يقبل على صَاحبه والإنسي خِلَافه. وَوَحْشِي الْقوس: ظهرهَا. وإنسيها: مَا أقبل عَلَيْك مِنْهَا. انْتهى وسقناه برمتِهِ لجودته. والشوه بِسُكُون الْوَاو: مصدر شَاهَت الْوُجُوه تشوه أَي: قبحت. وَقَول الشَّارِح الْمُحَقق: وَإِنَّمَا عدى حلبت بعلى لتَضَمّنه معنى ثقلت إِلَخ مَأْخُوذ من كَلَام صدر الأفاضل فَإِنَّهُ قَالَ: إِن قيل: مَا معنى

حلبت عَليّ أُجِيب بِأَن مَعْنَاهُ: على كرهٍ مني. وَهَذَا كَمَا يُقَال بَاعَ القَاضِي عَلَيْهِ دَاره. يَقُول: استنكفت أَن تحلب عشاري. وَيشْهد لهَذَا الْمَعْنى الفدعاء. انْتهى. قَالَ شَارِح شَوَاهِد الْإِيضَاح والمفتاح: وَجه الشَّهَادَة أَن الفدعاء من صِفَات الْإِمَاء فَيُؤذن بلؤمٍ من يُوصف بِهِ فَلذَلِك استنكف. يُرِيد: خدمنني على كره لأنني لم أكن رَاضِيا بذلك لخستهن ولؤمهن. وَنقل ابْن المستوفي عَن حَوَاشِي الْمفصل أَن الفدع من صِفَات الْإِمَاء. وَقَوله: عَليّ أَي: لي أَي: كَانَت راعية لي. ثمَّ نقل كَلَام صدر الأفاضل. وَقَالَ: الأجود) مَا فِي الْحَوَاشِي لِأَنَّهُ لَا تحلب عشاره إِلَّا بِإِذْنِهِ وَهُوَ أبلغ. هَذَا كَلَامه. والعشار بِالْكَسْرِ جمع عشراء بضمٍّ فَفتح وبالمد قَالَ اللَّخْمِيّ: هِيَ النَّاقة الَّتِي مَضَت لَهَا عشرَة أشهر من حملهَا. ثمَّ يبْقى عَلَيْهَا الِاسْم إِلَى أَن تنْتج لحولٍ وَبعد ذَلِك بأيام. على هَذَا إِجْمَاع أَكثر اللغويين. وَقيل: يَقع هَذَا الِاسْم على الَّتِي أَتَى عَلَيْهَا من وَضعهَا عشرَة أشهر وَهِي فِي هَذَا الْبَيْت كَذَلِك بِدَلِيل قَوْله: حلبت وَهُوَ الْوَجْه وَيحْتَمل أَن يحمل الْبَيْت الأول على القَوْل الأول. وَمعنى الْبَيْت يذمه بذلك ويصفه أَنه من أهل الْقلَّة وَلَيْسَ من أهل الشّرف وَالسعَة إِذْ لَو كَانَ كَذَلِك لصانهن من الابتذال. وَإِنَّمَا خص النِّسَاء بالحلب لِأَن الْعَرَب يتعايرون بحلب النِّسَاء فَهُوَ فِي الْقلَّة كَمَا قَالَ السليك: (أشاب الرَّأْس أَنِّي كل يومٍ ... أرى لي خَالَة وسط الرّحال)

. (يعز على أَن يلقين ضيماً ... ويعجز عَن تخلصهن مَالِي) وَقد صحف اللحياني ثَلَاث كَلِمَات من الْبَيْت. الأولى: حلبت فَإِنَّهُ صحفه بجليت بِضَم الْجِيم وَكسر اللَّام بعْدهَا مثناة تحتية. وَالثَّانيَِة: عَليّ صحفه بعلى الجارة. وَالثَّالِثَة: عشاري فَإِنَّهُ صحفه بعشار بِفَتْح الْعين وَتَشْديد الشين. قَالَ ابْن جني فِي سر الصِّنَاعَة: أَصْحَابنَا البصريون فِي كثير مِمَّا يحكيه اللحياني كالمتوقفين. حكى أَبُو الْعَبَّاس عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم قَالَ: سَمِعت اللحياني ينشد: (كم عمَّة يَا جرير لَك وخالةٍ ... فدعاء قد جليت على عشار) فَقلت لَهُ: وَيحك إِنَّمَا هُوَ: قد حلبت عَليّ عشاري. فَقَالَ لي: وَهَذِه أَيْضا رِوَايَة. وَمِمَّا صحفه أَيْضا قَوْلهم فِي الْمثل: يَا حَامِل اذكر حلا حَامِل بِالْمِيم. وَإِنَّمَا هُوَ: يَا حابل اذكر حلا بِالْبَاء أَي: يَا من يشد الْحَبل اذكر وَقت حلّه. وذاكرت بنوادره شَيخنَا أَبَا عَليّ فرأيته غير راضٍ بهَا وَكَانَ يكَاد يُصَلِّي بنوادر أبي زيد إعظاماً لَهَا. وَقَالَ لي وَقت قراءتي إِيَّاهَا عَلَيْهِ: لَيْسَ فِيهَا حرف إِلَّا وَتَحْته لأبي زيد غرضٌ مَا. وَهُوَ كَذَلِك لِأَنَّهَا محشوة بالنكت والأسرار. انْتهى.

وَرَأَيْت فِي تذكرة أبي عَليّ حَدثنِي أَبُو خَالِد عَن إِسْحَاق بن الْموصِلِي قَالَ: أنْشد أَبُو الْمُنْذر الْعَرُوضِي يَوْمًا: قد جليت على عشار فَقيل لَهُ: الرِّوَايَة: قد حلبت عَليّ عشاري فَقَالَ: وَهَذَا أَيْضا وجيه. انْتهى. وَوَقع مثل بَيت الفرزدق بيتٌ لجرير من قصيدةٍ هجى بهَا خُلَيْد عينين الْعَبْدي وَهُوَ:) (كم عمَّة لَك يَا خُلَيْد وَخَالَة ... خضر نواجذها من الكراث) قَالَ الْمبرد فِي الْكَامِل: وَإِنَّمَا هجاه بالكراث لِأَن قَبيلَة عبد الْقَيْس يسكنون الْبَحْرين والكراث من أطعمتهم والعامة يسمونه: الركل والركال. وَبَيت الفرزدق من قصيدة عدتهَا ثَمَان وَثَلَاثُونَ بَيْتا هجا بهَا جَرِيرًا مطْلعهَا: (يَا ابْن المراغة إِنَّمَا جاريتني ... بمسبقين لَدَى الفعال قصار)

(والحابسين إِلَى العش ليشربوا ... نزح الركي ودمنة الأسآر) (يَا ابْن المراغة كَيفَ تطلب دارماً ... وَأَبُوك بَين حمارةٍ وجمار) (لن تدركوا كرمي بلؤم أبيكم ... وأوابدي بتنحل الْأَشْعَار) إِلَى أَن قَالَ: (يستيقظون إِلَى نهاق حميرهم ... وتنام أَعينهم عَن الأوتار) (متبرقعي لؤماً كَأَن وُجُوههم ... طليت حواجبها عنية قار) (كم من أبٍ لي يَا جرير كَأَنَّهُ ... قمر المجرة أَو سراج نَهَار) (ورث المكارم كَابِرًا عَن كَابر ... ضخم الدسيعة كل يَوْم فخار)

إِلَى أَن قَالَ: (كم عمةٍ لَك يَا جرير وخالةٍ ... فدعاء قد حلبت عَليّ عشاري) (كُنَّا نحاذر أَن تضيع لقاحنا ... ولهى إِذا سَمِعت دُعَاء يسَار) (شغارةٌ تقذ الفصيل برجلها ... فطارةٌ لقوادم الْأَبْكَار) وَهَذَا آخر القصيدة. وَقَوله: لَا يغدرون إِلَخ. يَقُول: هم ضعفاء لَا يقدرُونَ على غدر وَلَا على وَفَاء. وعنية بِفَتْح الْعين وَكسر النُّون بعْدهَا مثناة تحتية مُشَدّدَة قَالَ فِي الصِّحَاح: هُوَ بَوْل الْبَعِير يعْقد فِي الشَّمْس يطلى بِهِ الأجرب. والقار بِالْقَافِ قَالَ فِي الصِّحَاح: هُوَ الْإِبِل. وَقَوله: كُنَّا نحاذر إِلَخ تضيع: مضارع أضاع ولقاحنا مَفْعُوله وَهُوَ جمع لقوح وَهِي النَّاقة الحلوب. قَالَ فِي الصِّحَاح: إِذا نتجت النَّاقة فَهِيَ لقوح شَهْرَيْن أَو ثَلَاثَة ثمَّ لبون بعد ذَلِك. وَقَوله: ولهى: فَاعل

تضيع وَهُوَ فعلة من الوله. ويسار اسْم عبد كَانَ يتَعَرَّض لبنات مَوْلَاهُ. وَقَوله: شغارة تقذ الفصيل إِلَخ هُوَ من شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ أوردهُ بعد قَوْله: كم عمَّة لَك يَا جرير الْبَيْت بِنصب شغارةً على الذَّم. قَالَ: زعم يُونُس أَنه سمع الفرزدق ينشده بِالنّصب جعله شتماً وَكَأَنَّهُ حِين) ذكر الْحَلب صَار من يُخَاطب عِنْده عَالما بذلك. وَلَو ابتدأه وأجراه على الأول كَانَ جَائِزا عَرَبيا. انْتهى. قَالَ الأعلم: الشَّاهِد فِي نصب شغارة وفطارة على الشتم. والشغارة: الَّتِي ترفع رجلهَا ضاربةً للفصيل لتمنعه من الرَّضَاع عِنْد الْحَلب يُقَال: شغر الْكَلْب إِذا رفع رجلَيْهِ ليبول. والوقذ: أَشد الضَّرْب. والموقوذة: الَّتِي نهكت ضربا حَتَّى أشرفت على الْهَلَاك. والفطارة: الَّتِي تحلب الْفطر وَهُوَ الْقَبْض على الْخلف بأطراف الْأَصَابِع لصغره. والضف: أَن يقبض عَلَيْهِ بالكف لعظمه. والأبكار: جمع بكر وَهِي الَّتِي نتجت أول بطن. وقوادمها: أخلافها وَهِي أَرْبَعَة: قادمان وآخران فسماها كلهَا قوادم اتساعاً وجازاً. وَإِنَّمَا وصفهَا بِهَذَا الضَّرْب من الْحَلب لِأَنَّهُ أصعبه. انْتهى. وَقَالَ ابْن خلف: الضف بِالْفَاءِ وَيُقَال: الضَّب بِالْبَاء وَهُوَ الْحَلب بالكف كلهَا وَإِنَّمَا يكون للكبار من النوق وَأما الصغار من النوق فَإِنَّمَا تحلب بأطراف الْأَصَابِع لصِغَر ضرْعهَا وَإِنَّمَا وصف حذقها ومعرفتها بالحلب لِأَنَّهَا نشأت عَلَيْهِ. وَقَالَ ابْن المستوفي: أَرَادَ أَنَّهَا عَالِمَة بالحلب فَهِيَ أول من فتح قوادمها.

قَالُوا: لِأَن الأخلاف والضروع أَيَّام الْحمل تكون مسدودةً بِشَيْء كالصمغ فَإِذا ولدت الدَّابَّة عالجه الحالب حَتَّى يَنْزعهُ من مَكَانَهُ فيسهل خُرُوج (عوجوا الْمطِي عَليّ ذَا الأكوار ... كَيْمَا أخْبركُم من الْأَخْبَار) (أَن الْخلال وخنزراً ولدتهما ... أمٌّ مقارفةٌ على الْأَطْهَار) شغارة تقذ الفصيل برجلها ... ... ... ... . . الْبَيْت انْتهى. وَقد تكلم السَّيِّد المرتضى قدس سره فِي أَمَالِيهِ على هَذَا الْبَيْت فَلَا باس بإيراده: قَالَ: أما قَول الفرزدق: شغارةٌ تقذ الفصيل برجلها ... ... ... ... . . الْبَيْت فَإِنَّهُ من غَرِيب شعره. وَفَسرهُ قَالَ: معنى شغارة أَنَّهَا ترفع رجلهَا للبول. وَقَوله: تقذ الفصيل أَي: تَدْفَعهُ عَن الدنو إِلَى الرَّضَاع ليتوفر اللَّبن على الْحَلب. وَأَرَادَ بتقذه أَي: تبالغ فِي إيلامه وضربه وَمِنْه الموقوذة. فَأَما قَوْله: فطارة لقوادم البكار فالفطر هُوَ الْحَلب بِثَلَاث أَصَابِع. والقوادم: الأخلاف. وَإِنَّمَا خص الْأَبْكَار بذلك لِأَن صغر أخلافها يمْنَع من حلبها ضباً. والضب

هُوَ الْحَلب بالأصابع الْأَرْبَع فَكَأَنَّهُ لَا يُمكن فِيهَا لقصر أخلافها إِلَّا الْفطر. وَمعنى الْبَيْت تعييره لِنسَاء جرير بأنهن راعيات وَذَلِكَ مِمَّا تعير بِهِ الْعَرَب النِّسَاء. أَلا ترى إِلَى قَوْله قبل هَذَا الْبَيْت: كم عمَّة لَك يَا جرير وَخَالَة ... ... ... ... . . الْبَيْت) كُنَّا نحاذر أَن تضيع لقاحنا ... ... ... ... . . الْبَيْت ثمَّ تَلا ذَلِك بقوله: شغارة. قَالَ السَّيِّد المرتضى رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: وَعِنْدِي أَن قَوْله شغارة كِنَايَة عَن رفع رجلهَا للزنى وَهُوَ أشبه بِأَن تكون مُرَادة فِي هَذَا الْموضع. أَلا ترى أَنه قد وصفهَا بالوله وَترك حفظ اللقَاح عِنْد سماعهَا دُعَاء يسَار. ويسار: اسمٌ لراع فَكَأَنَّهُ وصفهَا بالوله إِلَى الزِّنَى والإسراع إِلَيْهِ وَترك حفظ مَا استحفظته من اللقَاح. انْتهى كَلَامه. وترجمة الفرزدق قد تقدّمت فِي الشَّاهِد الثَّلَاثِينَ. وَأنْشد بعده: الْوَاهِب الْمِائَة الهجان وعبدها هَذَا صدر وعجزه: عوذاً تزجي خلفهَا أطفالها على أَنه يجوز فِي التَّابِع مَا لَا يجوز فِي الْمَتْبُوع كَمَا هُنَا وَهُوَ جعل ضمير الْمُعَرّف بِاللَّامِ فِي التَّابِع مثل الْمُعَرّف بِاللَّامِ فَإِن قَوْله: عَبدهَا بِالْجَرِّ مَعْطُوف

على الْمِائَة وَهُوَ مُضَاف إِلَى مَا لَيْسَ فِيهِ أل واغتفر هَذَا لكَونه تَابعا. والهجان: كرام الْإِبِل. والعوذ: جمع عَائِذ وَهِي الحديثة النِّتَاج قبل أَن توفّي خمس عشرَة لَيْلَة ثمَّ هِيَ مطفل بعده. وتزجي: تَسوق وفاعله ضمير العوذ وأطفالها مفعولة. وَالْمعْنَى أَن هَذَا الممدوح يهب الْمِائَة من الْإِبِل الْكَرِيمَة مَعَ أطفالها ويهب راعيها أَيْضا. وَقد تقدم شرح هَذَا مفصلا فِي الشَّاهِد الرَّابِع وَالتسْعين بعد الْمِائَتَيْنِ.

الظروف

(الظروف) أنْشد فِيهِ: (إِلَّا علالة أَو بدا ... هة سابحٍ نهد الجزاره) على أَنه حذف الْمُضَاف إِلَيْهِ من الأول بِدلَالَة الْمُضَاف إِلَيْهِ من الثَّانِي التَّابِع فَإِن الأَصْل: إِلَّا علالة سابح أَو بداهة سابح فَحذف سابح من الأول لدلَالَة الثَّانِي عَلَيْهِ. وَتقدم الْكَلَام عَلَيْهِ مشروحاً فِي الشَّاهِد الثَّالِث وَالْعِشْرين من أَوَائِل الْكتاب وَمر فِي بَاب الْإِضَافَة أَيْضا. قَالَ الْفراء فِي تَفْسِيره: وَلَا تنكرن أَن تضيف قبل وَبعد وأشباههما وَإِن لم يظْهر فقد قَالَ الشَّاعِر: (إِلَّا بداهة أَو علا ... لَة سابحٍ نهد الجزاره) وَسمعت أَبَا ثروان العكلي يَقُول: قطع الله الْغَدَاة يَد وَرجل من قَالَه. وَإِنَّمَا يجوز هَذَا فِي الشَّيْئَيْنِ يصطحبان مثل الْيَد وَالرجل. وَمثله: عِنْدِي نصف أَو ربع دِرْهَم وجئتك قبل أَو بعد الْعَصْر. وَلَا يجوز فِي الشَّيْئَيْنِ يتباعدان مثل الدَّار والغلام فَلَا يجيزون: اشْتريت دَار أَو غُلَام زيد وَلَكِن عبد أَو أمة زيد وَعين أَو أذن زيد وَمَا أشبهه. اه.

والعلالة بِالضَّمِّ: بَقِيَّة جري الْفرس وَهُوَ منصوبٌ لِأَنَّهُ اسْتثِْنَاء مُنْقَطع. والبداهة بِالضَّمِّ أَيْضا: أول جري الْفرس. والسابح: الْفرس الَّذِي يدحو الأَرْض بيدَيْهِ فِي الْعَدو. والنهد: الْمُرْتَفع العالي. والجزاره: بِضَم الْجِيم: الرَّأْس وَالْيَدَانِ وَالرجلَانِ. يُرِيد أَن فِي عُنُقه وقوائمه طولا وارتفاعاً. وَأنْشد بعده لاهد الثَّالِث وَالتِّسْعُونَ بعد الأربعمائة (وَنحن قتلنَا الأزد أَزْد ... فَمَا شربوا بعدا على لذةٍ خمرًا) على أَنه يجوز بقلة فِي هَذِه الظروف أَن يعوض التَّنْوِين من الْمُضَاف إِلَيْهِ فيعرب كَمَا أعرب بعدا فِي الْبَيْت على الظَّرْفِيَّة وَالْكثير الْبناء على الضَّم إِذْ الْمُخْتَار عِنْد الشَّارِح الْمُحَقق أَن الْمَبْنِيّ على الضَّم والمنون لَا فرق بَينهمَا فِي الْمَعْنى وإنهما مقطوعان عَن الْإِضَافَة. فَإِن لم يُبدل التَّنْوِين من الْمُضَاف إِلَيْهِ بني على الضَّم لما ذكره وَإِن أبدل عَنهُ كَانَ معرباً بِالنّصب على الظَّرْفِيَّة. وَقد ينون الْمَبْنِيّ على الضَّم فِي الضَّرُورَة. وَقد روى: فَمَا شربوا بعدٌ أَيْضا بِضَمَّتَيْنِ. فَالْأول مُعرب وَهَذَا مَبْنِيّ وَكِلَاهُمَا معرفَة إِذْ المضموم بنية الْإِضَافَة إِلَى معرفَة. قَالَ أَبُو حَيَّان فِي الارتشاف: وَإِذا قطعا يَعْنِي قبل وَبعد عَن الْإِضَافَة لفظا وَنوى مَا أضيف إِلَيْهِ وَكَانَ معرفَة بنيا على الضَّم. ثمَّ قَالَ أَبُو حَيَّان: وَقد يتَوَقَّف فِي تعريفهما بِالْإِضَافَة إِلَى معرفَة لِأَنَّهُمَا متوغلان فِي الْإِبْهَام.

هَذَا) مُحَصل كَلَام الشَّارِح الْمُحَقق: وَكَون التَّنْوِين الْمَنْصُوب للتعويض من الْمُضَاف إِلَيْهِ كتنوين بعض وكل هُوَ مَذْهَب الْجَمَاعَة. قَالَ ابْن مَالك فِي شرح الكافية: وَذهب بعض الْعلمَاء إِلَى أَن قبلا فِي قَوْله: وَكنت قبلا معرفةٌ بنية الْإِضَافَة إِلَّا أَنه أعرب لِأَنَّهُ جعل مَا لحقه من التَّنْوِين عوضا من اللَّفْظ بالمضاف إِلَيْهِ فعومل قبل مَعَ التَّنْوِين لكنه عوضا من الْمُضَاف إِلَيْهِ بِمَا يُعَامل بِهِ مَعَ الْمُضَاف إِلَيْهِ كَمَا فعل بِكُل حِين قطع عَن الْإِضَافَة لحقه التَّنْوِين عوضا. وَهَذَا القَوْل عِنْدِي حسن. اه. وَهَذَا خلاف الطَّرِيقَة الْمَشْهُورَة وَهُوَ مَا عَلَيْهِ الْجُمْهُور قَالُوا: إِن الْمنون نكرَة كَسَائِر النكرات وَإِن التَّنْوِين فِيهَا للتمكين. قَالَ ابْن مَالك فِي الألفية: (وأعربوا نصبا إِذا مَا نكر ... قبلا وَمَا من بعده قد ذكرا) قَالَ الشاطبي فِي شَرحه: تَخْصِيصه النصب فِي هَذِه الْأَشْيَاء إِذا قصد تنكيرها دون الْجَرّ وَالرَّفْع ظَاهر التحكم من غير دَلِيل وأمرٌ لَا يساعده عَلَيْهِ سَماع فَإِن أَكثر مَا ذكر يدْخل فِيهِ الْجَرّ وَغَيره. تَقول أَتَيْته من فَوق وَمن

تحتٍ وَفِي بعض الْقرَاءَات: لله الْأَمر من قبل وَمن بعدٍ وَمن دونٍ وَمن دبرٍ وَمَا أشبه ذَلِك. قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَسَأَلته يَعْنِي الْخَلِيل عَن قَوْله: وَمن دونٍ وَمن فَوق وَمن تَحت وَمن قبل وَمن بعد وَمن دبرٍ وَمن خلف فَقَالَ: أجروا هَذَا مجْرى الْأَسْمَاء المتمكنة لِأَنَّهَا تُضَاف وتستعمل غير ظرف. ثمَّ قَالَ: وَكَذَلِكَ من أَمَام وَمن قدامٍ وَمن وَرَاء وَمن قبل وَمن دبرٍ قَالَ: وَزعم الْخَلِيل أَنَّهُنَّ نكرات كَقَوْل أبي النَّجْم: يَأْتِي لَهَا من أيمنٍ وأشمل وَزعم أَنَّهُنَّ نكرات إِذا لم يضفن إِلَى معرفَة كَمَا يكون أيمنٌ وأشملٌ نكرَة. وَسَأَلنَا الْعَرَب فوجدناهم يوافقونة. اه. وَقد رفعوا قبل وَنَحْوه كَمَا فِي قَوْله الوافر: (هتكت بِهِ بيُوت بني طريفٍ ... على مَا كَانَ قبلٌ من عتاب) انْتهى وَأوردهُ الشاطبي. وقسموا هَذِه الظروف على أَرْبَعَة أَقسَام:

مَا ذكر فِيهِ الْمُضَاف إِلَيْهِ نَحْو: قبل زيد وَبعده. فَهَذَا ينصب على الظَّرْفِيَّة ويجر بِمن خَاصَّة. الثَّانِي: مَا حذف مِنْهُ الْمُضَاف إِلَيْهِ ونوي ثُبُوت لَفظه فَهَذَا أَيْضا يعرب كَالْأولِ إِلَّا أَنه لَا ينون لنِيَّة الْإِضَافَة. الثَّالِث: مَا حذف مِنْهُ الْمُضَاف إِلَيْهِ ونوي مَعْنَاهُ لَا لَفظه فَهَذَا يبْنى على الضَّم. الرَّابِع: مَا حذف مِنْهُ الْمُضَاف إِلَيْهِ وَلم ينْو لَا لَفظه وَلَا مَعْنَاهُ. فَهَذَا ينون وتنوينه للتمكين وَهُوَ نكرَة. وَقد تكلم الْفراء على قبل وَبعد فِي تَفْسِيره فَلَا بَأْس بِنَقْل كَلَامه تبركاً. قَالَ: قَوْله تَعَالَى: لله الْأَمر من قبل) وَمن بعد الْقِرَاءَة بِالرَّفْع من غير تَنْوِين لِأَنَّهُمَا فِي الْمَعْنى يُرَاد بهما الْإِضَافَة إِلَى شَيْء لَا محَالة فَلَمَّا أديا عَن معنى مَا أضيفتا إِلَيْهِ وسموهما بِالرَّفْع وهما مخفوضتان ليَكُون الرّفْع دَلِيلا على مَا سقط مِمَّا أضفتهما إِلَيْهِ. وَكَذَلِكَ مَا أشبههما كَقَوْل الشَّاعِر الوجز: إِن تأت من تَحت أجئها من عل وَمثله قَول الشَّاعِر:

ترفع إِذا جعلته غَايَة وَلم تذكر بعده الَّذِي أضفته إِلَيْهِ فَإِن نَوَيْت أَن تظهره أَو أظهرته قلت: لله الْأَمر من قبل وَمن بعد كَأَنَّك أظهرت المخفوض الَّذِي أسندت إِلَيْهِ قبل وَبعد. وَسمع الْكسَائي بعض بني أسدٍ يقْرؤهَا: لله الْأَمر من قبل وَمن بعد بخفض قبل وبرفع بعد على مَا نوى. وأنشدني هُوَ الطَّوِيل: (أكابدها حَتَّى أعرس بعد مَا ... يكون سحيراً أَو بعيد فأهجعا) أَرَادَ: بعيد السحر فأضمره وَلَو لم يرد ضمير الْإِضَافَة لرفع فَقَالَ: بعيد. وَمثله قَول الشَّاعِر الطَّوِيل: (فو الله مَا أَدْرِي وَإِنِّي لأوجل ... على أَيّنَا تعدو الْمنية أول) رفعت أول لِأَنَّهُ غَايَة. أَلا ترى أَنَّهَا مُسندَة إِلَى شَيْء هِيَ أَوله كَمَا تعرف أَن قبل لَا يكون إِلَّا قبل شَيْء وَأَن بعد كَذَلِك. وَلَو أطلقتهما بِالْعَرَبِيَّةِ فنونت وَفِيهِمَا معنى الْإِضَافَة فخفضت فِي الْخَفْض ونونت فِي النصب وَالرَّفْع لَكَانَ صَوَابا. قد سمع ذَلِك من الْعَرَب وَجَاء فِي أشعارها فَقَالَ بَعضهم: (فساغ لي الشَّرَاب وَكنت قبلا ... أكاد أغص بِالْمَاءِ الْحَمِيم) فنون. وَكَذَلِكَ تَقول: جئْتُك من قبلٍ فرأيتك. وَكَذَلِكَ قَوْله

الطَّوِيل: فَهَذَا مخفوضٌ وَإِن شِئْت نونت. وَأما قَول الآخر: (هتكت بِهِ بيُوت بني طريفٍ ... على مَا كَانَ قبلٌ من عتاب) فنون وَرفع فَإِن ذَلِك لضَرُورَة الشّعْر كَمَا يضْطَر إِلَيْهِ الشَّاعِر فينون فِي النداء الْمُفْرد كَقَوْلِه: (قدمُوا إِذْ قيل قيسٌ قدمُوا ... وَارْفَعُوا الْمجد بأطراف الأسل) وأنشدني بعض بني عقيل: (وَنحن قتلنَا الْأسد أَسد شنوءةٍ ... فَمَا شربوا بعد على لَذَّة خمرًا)) وَلَو رده إِلَى النصب كَانَ وَجها كَمَا قَالَ الطَّوِيل: فساغ لي الشَّرَاب وَكنت قبلا وَكَذَا النداء لَو رد إِلَى النصب إِذا نون كَانَ وَجها كَمَا قَالَ: (فطر خَالِدا إِن كنت تَسْتَطِيع طيرةً ... وَلَا تقعن إِلَّا وقلبك حاذر)

وَلَا تنكرن أَن تضيف قبل وَبعد وأشباههما وَإِن لم يظْهر. إِلَى آخر مَا نَقَلْنَاهُ قبل هَذَا الْبَيْت. انْتهى كَلَام الْفراء. وَقد لخص هَذَا الْكَلَام أَبُو إِسْحَاق الزجاجي فِي شرح خطْبَة أدب الْكتاب وَهُوَ عِنْدِي بِخَطِّهِ وتاريخ كِتَابَته سنة سبع وَسبعين وثلثمائة وَقَالَ: هَذَا الَّذِي اخْتَارَهُ الْفراء من نصب المنادى الْمُفْرد فِي ضَرُورَة الشّعْر هُوَ مَذْهَب أبي عَمْرو بن الْعَلَاء وَأَصْحَابه. وَالْمذهب الأول هُوَ رَفعه منوناً هُوَ مَذْهَب الْخَلِيل وسيبويه وَأَصْحَابه. وَذَلِكَ أَن أَبَا عَمْرو قَالَ: المنادى الْمُفْرد إِذا اضْطر الشَّاعِر إِلَى تنوينه فسبيله أَن ينصبه لِأَنَّهُ فِي مَوضِع نصب. وَإِنَّمَا بني على الضَّم لمضارعته الْمُضمر فَإِذا نون فقد زَالَ عَن الْبناء وسبيله أَن يرجع إِلَى أَصله. وَقَالَ الْخَلِيل: سَبيله أَن يتْرك مضموماً وينون. وَشبهه بِالِاسْمِ الَّذِي لَا ينْصَرف إِذا نون فِي ضَرُورَة الشّعْر. وَمذهب أبي عَمْرو أَقيس وَلَوْلَا كَرَاهَة الإطالة لذكرت مَا يعتل بِهِ الْفَرِيقَانِ. وَأنْشد البصريون قَول الْأَحْوَص الوافر: (سَلام الله يَا مطرٌ عَلَيْهَا ... وَلَيْسَ عَلَيْك يَا مطر السَّلَام) فالخليل وَأَصْحَابه يَرْوُونَهُ: يَا مطرٌ بِالرَّفْع والتنوين وَأَبُو عَمْرو وَأَصْحَابه يَرْوُونَهُ: يَا مَطَرا بِالنّصب. قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وكل الْعَرَب ينشدون

الْخَفِيف: يَا عديا لقلبك المهتاج بِالنّصب. انْتهى. وَالْبَيْت الشَّاهِد لم أر من عزاهُ إِلَى قَائِله. وَأوردهُ الزجاجي فِي شرح تِلْكَ الْخطْبَة مَعَ بيتٍ قبله وَهُوَ الطَّوِيل: (مَا من أناسٍ بَين مصر وعالجٍ ... وَأبين إِلَّا قد تركنَا لَهُم وترا) وعالج بِكَسْر اللَّام: مَوضِع بالبادية بِهِ رمل. وَأبين بِفَتْح الْهمزَة وَكسرهَا وَسُكُون الْمُوَحدَة بعْدهَا مثناة مَفْتُوحَة: مَوضِع فِي الْيمن قَالَ أَبُو عبيد الْبكْرِيّ: هُوَ بِكَسْر الْهمزَة اسْم رجل كَانَ فِي الزَّمن الْقَدِيم وَهُوَ الَّذِي تنْسب إِلَيْهِ عدن إبين من بِلَاد الْيمن هَكَذَا ذكره سِيبَوَيْهٍ فِي الْأَبْنِيَة بِكَسْر الْهمزَة. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: سَأَلت أَبَا عبيد: كَيفَ تَقول ابين بِفَتْح الْهمزَة أَو بِكَسْرِهَا قَالَ:) أقولهما جَمِيعًا. قَالَ الْهَمدَانِي: وَهُوَ ذُو أَبيت بن ذِي يقدم بن الصوأر بن عبد شمس بن وَائِل بن الْغَوْث. قَالَ الرائش الْبَسِيط: (وَاذْكُر بِهِ سيد الأقوام ذَا بينٍ ... من القدام وعمراً والفتى الثَّانِي) أَرَادَ: ذَا إبين. وحمير تطرح مثل هَذِه الْألف فَتَقول فِي اذْهَبْ: ذهب. اه.

وَقَالَ ياقوت فِي مُعْجم الْبلدَانِ: أبين بِفَتْح أَوله وَيكسر وَيُقَال: يبين. وَذكره سِيبَوَيْهٍ فِي الْأَمْثِلَة بِكَسْر الْهمزَة وَلَا يعرف أهل الْيمن غير الْفَتْح وَهُوَ مخلاف بِالْيمن مِنْهُ عدن يُقَال: إِنَّه سمي بأبين بن زُهَيْر بن أَيمن بن الهميسع بن حمير ابْن سبأ. وَقَالَ الطَّبَرِيّ: عدن وَأبين: ابْنا عدنان بن أدد. وَأنْشد الْفراء: (مَا من أناسٍ بَين مصر وعالج ... الْبَيْتَيْنِ) وَقَالَ عمَارَة بن الْحسن اليمني: أبين: مَوضِع فِي جبل عدن. اه. وَالْوتر بِفَتْح الْوَاو وَكسرهَا: الْجِنَايَة الَّتِي يجنيها الرجل على غَيره من قتلٍ أَو نهب أَو سبي. والأزد وَيُقَال: الْأسد بإبدال الزَّاي سيناً: أَبُو حيٍّ من الْيمن وَهُوَ أَزْد بن الْغَوْث بن نبت بن مَالك بن كهلان بن سبأ. وَهُوَ فرق: فرقة يُقَال لَهَا: أَزْد شنُوءَة وَأُخْرَى أَزْد عمان وَأُخْرَى أَزْد السراة. فَلَمَّا كَانَ الأزد يجمع قبائل شَتَّى بَين المُرَاد مِنْهُ بقوله أَزْد شنُوءَة. والشنوءة بِالْهَمْزَةِ على وزن فعولة وَمَعْنَاهُ التقزز وَهُوَ التباعد من الأدناس. تَقول: رجل فِيهِ شنُوءَة أَي: تقزز. قَالَ فِي الصِّحَاح: وَمِنْه أَزْد شنُوءَة وهم حيٌّ بِالْيمن ينْسب إِلَيْهِم شنائي. قَالَ ابْن السّكيت رُبمَا قَالُوا أَزْد شنوة بِالتَّشْدِيدِ غير مَهْمُوز وينسب إِلَيْهَا شنوي. قَالَ الرجز: (نَحن قريشٌ وهم شنوه ... بِنَا قُريْشًا ختم النبوه) وَرَوَاهُ ابْن سَيّده فِي الْمُحكم وَتَبعهُ الْعَيْنِيّ: وَنحن قتلنَا الْأسد أَسد خُفْيَة

وَهَذَا تَحْرِيف قطعا وَلَا يلائمه مَا بعده. وخفية بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَكسر الْفَاء: اسْم مَوضِع كثير الْأسود. قَالَ الْعَيْنِيّ: وَأسد خُفْيَة بدل من الْأسد وَلم يبين هَل هُوَ بدل كل أَو بدل بعض بِتَقْدِير الْعَائِد أَي: مِنْهُم وَالظَّاهِر أَنه بَيَان لَهُ. وبعداً: ظرف لشربوا. وَالْأَصْل عِنْد الشَّارِح الْمُحَقق بعد قتلنَا إيَّاهُم فَحذف الْمُضَاف إِلَيْهِ وَعوض عَنهُ بِالتَّنْوِينِ. وَأنْشد بعده الوافر: (فساغ لي الشَّرَاب وَكنت قبلا ... أكاد أغص بِالْمَاءِ الْحَمِيم) على أَن الأَصْل: قبل هَذَا فَحذف الْمُضَاف إِلَيْهِ وَعوض عَنهُ بِالتَّنْوِينِ. وَعند الْجُمْهُور: التَّنْوِين) للتمكين وَهُوَ نكرَة فَمَعْنَى كنت قبلا: كنت مُتَقَدما. وَمعنى فَمَا شربوا بعدا: مَا شربوا مُتَأَخِّرًا وَلَا يَنْوِي تقدمٌ وَلَا تَأَخّر على شَيْء معِين وَإِنَّمَا المُرَاد فِي هَذِه الْحَالة مُطلق التَّقَدُّم والتأخر من حَيْثُ هُوَ. وَأما فِي حَال الْإِضَافَة فالنية بهما التَّقَدُّم والتأخر على شَيْء بِعَيْنِه. قَالَ الدماميني. وَالْبَيْت قد تقدم شَرحه مُسْتَوفى فِي الشَّاهِد التَّاسِع وَالسِّتِّينَ. وَأنْشد بعده الرجز: خالط من سلمى خياشيم وفا على أَن الأَصْل: وفاها فَحذف الْمُضَاف إِلَيْهِ. وَتقدم عَلَيْهِ الْكَلَام فِي الشَّاهِد الثَّالِث وَالْأَرْبَعِينَ بعد الْمِائَتَيْنِ من بَاب

(الشاهد الرابع والتسعون بعد الأربعمائة)

الِاسْتِثْنَاء وَبعد الشَّاهِد الثَّانِي وَالْعِشْرين بعد الثلثمائة من بَاب الْإِضَافَة. وَأنْشد بعده 3 - (الشَّاهِد الرَّابِع وَالتِّسْعُونَ بعد الأربعمائة) الْبَسِيط: (إِنِّي أَتَتْنِي لِسَان لَا اسر بهَا ... من علو لَا عجبٌ مِنْهَا وَلَا سخر) على أَنه روى علو مثلث الْوَاو. قَالَ صَاحب الصِّحَاح: وعلو بِتَثْلِيث الْوَاو: أَي: أَتَانِي خبرٌ من أَعلَى نجد. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: أَرَادَ الْعَالِيَة. وَقَالَ ثَعْلَب: أَي: من أعالي الْبِلَاد. وأنث اللِّسَان لِأَنَّهُ بِمَعْنى الرسَالَة هُنَا لِأَن الشَّاعِر كَانَ أَتَاهُ خبر قتل أَخِيه الْمُنْتَشِر. والسخر بِفتْحَتَيْنِ وبضمتين: الِاسْتِهْزَاء. يَقُول: لَا عجب من هَذِه الرسَالَة وَإِن كَانَت عَظِيمَة لِأَن مصائب الدُّنْيَا كَثِيرَة وَلَا سخر بِالْمَوْتِ. وَقيل: مَعْنَاهُ لَا أَقُول ذَلِك سخرية. وَالْبَيْت مطلع قصيدةٍ لأعشى باهلة رثى بهَا أَخَاهُ الْمُنْتَشِر بن وهب الْبَاهِلِيّ. وَقد شرحنا القصيدة برمتها وَمَا يتَعَلَّق بهَا على سَبِيل الِاسْتِقْصَاء فِي الشَّاهِد السَّابِع وَالْعِشْرين من أَوَائِل الْكتاب. وَأنْشد بعده 3 - (الشَّاهِد الْخَامِس وَالتِّسْعُونَ بعد الأربعمائة) وَهُوَ من شَوَاهِد س: ...

(بِآيَة يقدمُونَ الْخَيل شعثاً ... كَأَن على سنابكها مداما) على أَن آيَة تُضَاف فِي الْأَغْلَب إِلَى الفعلية مصدرة بِحرف الْمصدر وَمن غير الْأَغْلَب أَن تُضَاف إِلَيْهَا بِدُونِهِ كَهَذا الْبَيْت. وَهَذَا خلاف مَذْهَب سِيبَوَيْهٍ فَإِن آيَة عِنْده لَا تُضَاف إِلَى الفعلية إِلَّا بِدُونِ حرف الْمصدر. هَذَا نَصه: وَمِمَّا يُضَاف إِلَى الْفِعْل أَيْضا قَالَ الْأَعْشَى: بِآيَة يقدمُونَ الْخَيل شعثاً ... ... ... ... . . الْبَيْت وَقَالَ يزِيد بن عَمْرو بن الصَّعق: فَمَا: لغوٌ. انْتهى. وَذهب ابْن جني إِلَى أَن آيَة إِنَّمَا تُضَاف إِلَى مُفْرد نَحْو: إِن آيَة ملكه أَن يأتيكم التابوت وَقَالَ: الأَصْل بِآيَة مَا تقدمون أَي: بِآيَة إقدامكم كَمَا قَالَ الوافر: بِآيَة مَا يحبونَ الطعاما وَيُؤْخَذ من تَقْرِيره أَن تقدمون بِالْخِطَابِ وَالْمَشْهُور أَنه بالغيبة وَعَلِيهِ الْمَعْنى.

قَالَ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي: فِيهِ حذف مَوْصُول حرفيٍّ غير أَن وَبَقَاء صلته. ثمَّ هُوَ غير متأتٍّ فِي قَوْله الطَّوِيل: بِآيَة مَا كَانُوا ضعافاً وَلَا عزلاً وتكلف الدماميني فَقَالَ: بل هُوَ متأتٍّ بِأم تكون مَا مَصْدَرِيَّة وَلَا النافية محذوفة لدلَالَة مَا بعْدهَا عَلَيْهَا وَالْمعْنَى بِآيَة كَونهم لَا ضعافاً وَلَا عزلاً. ثمَّ قَالَ ابْن هِشَام: وَمذهب سِيبَوَيْهٍ أَن آيَة مِمَّا يُضَاف جَوَازًا إِلَى الْجُمْلَة الفعلية الْمُتَصَرف فعلهَا سَوَاء كَانَ مثبتاً كالبيت الشَّاهِد أَو منفياً بِمَا كَقَوْلِه: بِآيَة مَا كَانُوا ضعافاً وَلَا عزلاً انْتهى. وَكَذَا قَالَ: صَاحب الْمفصل أَن آيَة مِمَّا يُضَاف إِلَى الْفِعْل. قَالَ النّحاس: قَالَ أَبُو إِسْحَاق: لِأَن معنى آيَة عَلامَة من الزَّمَان وأضيف الْفِعْل إِلَى الزَّمَان لِأَن الْفِعْل من أجل الزَّمَان ذكر. وَكَانَ أَبُو إِسْحَاق يرى أَنه حِكَايَة. وَقَالَ غَيره: المُرَاد الْمصدر. وَقَالَ الْمبرد فِي إِضَافَة آيَة إِلَى الْفِعْل: إِنَّه بعيد وَجَاز على بعده للُزُوم الْإِضَافَة لِأَن آيَة لَا تكَاد تفرد إِذا أردْت بهَا الْعَلامَة. انْتهى. وَفِيه أَن أَكثر مَا وجدت فِي الْقُرْآن بِهَذَا الْمَعْنى مُفْردَة عَن الْإِضَافَة قَالَ تَعَالَى: وآيةٌ لَهُم اللَّيْل نسلخ مِنْهُ النَّهَار وآيةٌ لَهُم أَن حملنَا ذُرِّيتهمْ.

وَقَالَ الأعلم: الشَّاهِد فِيهِ اضافة آيَة إِلَى يقدمُونَ على) تَأْوِيل الْمصدر أَي: بِآيَة إقدامهم الْخَيل. يُرِيد أَن الْمَعْنى عَلَيْهِ لِأَن الْفِعْل مؤول بِحرف مصدر مُقَدّر إِذْ الْغَرَض أَنه مضافٌ إِلَى الْجُمْلَة من دون سابك. ثمَّ قَالَ الأعلم: وَجَاز هَذَا فِيهَا لِأَنَّهَا اسمٌ من أَسمَاء الْفِعْل لِأَنَّهَا بِمَعْنى عَلامَة والعلامة من الْعلم وَأَسْمَاء الْأَفْعَال تضارع الزَّمَان فَمن حَيْثُ جَازَ أَن يُضَاف الزَّمَان إِلَى الْفِعْل جَازَ هَذَا فِي آيَة وَكَأن إضافتها على تَأْوِيل إِقَامَتهَا مقَام الْوَقْت كَأَنَّهُ قَالَ: بعلامة وَقت يقدمُونَ. يَقُول: أبلغهم عني كَذَا بعلامة إقدامهم الْخَيل للقاء شعثاً متغيرة من السّفر والجهد. وَشبه مَا ينصب من عرقها ممتزجاً بِالدَّمِ على سنابكها بِالْخمرِ. والسنابك: جمع سنبك وَهُوَ مقدم الْحَافِر. انْتهى. أَرَادَ أَن ذَلِك لما صَار عَادَة وأمراً لَازِما صَار عَلامَة. وَكَأن الشَّاعِر لما حمل إنْسَانا أَن يبلغ قوما رسَالَته قَالَ لَهُ ذَلِك الْإِنْسَان: بِأَيّ عَلامَة يعرف هَؤُلَاءِ الْقَوْم فَقَالَ: بعلامة تقديمهم الْخَيل إِلَى الْحَرْب. أَي: إِذا رَأَيْت قوما بِهَذِهِ الصّفة فأبلغ رسالتي. والشعث: جمع أَشْعَث وَهُوَ المغبر الرَّأْس. قَالَ الدماميني فِي الْحَاشِيَة الْهِنْدِيَّة: ضمير يقدمُونَ ضمير غيبَة يعود على تَمِيم الْمَذْكُورين قبله وَهُوَ: وَهَذَا لَا يَصح فَإِن كل بَيت مِنْهُمَا من شعرٍ آخر وليسا من قصيدةٍ لقَائِل وَاحِد. وَالْبَيْت الشَّاهِد لم أره مَنْسُوبا إِلَى الْأَعْشَى فِي كتاب سِيبَوَيْهٍ وَفِي غَيره غير مَنْسُوب إِلَى أحد. وَالله أعلم بِهِ.

وَقد تكلم على معنى الْآيَة أَبُو الْقَاسِم عَليّ بن حَمْزَة الْبَصْرِيّ اللّغَوِيّ فِيمَا كتبه على إصْلَاح الْمنطق لأبي يُوسُف بن السّكيت من كتاب التَّنْبِيهَات على أغلاط الروَاة قَالَ أَبُو يُوسُف: وَقد تأييته: تَعَمّدت آيَته أَي: شخصه. وَحكى لنا أَبُو عَمْرو: يُقَال خرج الْقَوْم بآيتهم أَي: بجماعتهم أَي: لم يدعوا وَرَاءَهُمْ شَيْئا. وأنشدنا لبرج بن مسهرالطويل: (خرجنَا من النعتين لَا حَيّ مثلنَا ... بآيتنا نزجي اللقَاح المطافلا) قَالَ: وَمعنى آيَة من كتاب الله أَي: جمَاعَة حُرُوفه. قَالَ أَبُو الْقَاسِم: قد أفسد أَبُو يُوسُف صَحِيح قَوْله الأول بقول أبي عَمْرو فِي معنى الْآيَة من كتاب الله وَإِنَّمَا الْآيَة الْعَلامَة لَا جمَاعَة حُرُوف. وَكَذَلِكَ قَالَ ابْن دُرَيْد: وَالْآيَة من الْقُرْآن الْكَرِيم كَأَنَّهَا علامةٌ لشَيْء ثمَّ يخرج مِنْهَا إِلَى غَيرهَا. وَكَذَلِكَ قَالَ فِي بَيت البرج أَي: خَرجُوا بجماعتهم وَبِمَا يسْتَدلّ بِهِ عَلَيْهِم من مَتَاعهمْ. وَيُقَال: هَذِه آيَة كَذَا أَي: عَلامَة كَذَا وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: أتبنون بِكُل ربعٍ آيَة تعبثون أَي: أمرةً وعلامة وَمِنْه قَول الشَّاعِر: بِآيَة يقدمُونَ الْخَيل زوراً تسن على سنابكها الْقُرُون) (بِآيَة يقدمُونَ الْخَيل زوراً ... كَأَن على سنابكها مداما) وَقَالَ آخر (أَلا أبلغ لديك بني تَمِيم ... بِآيَة مَا يحبونَ الطعاما)

وَقَالَ الْمُفَسِّرُونَ فِي قَوْله تَعَالَى: رب اجْعَل لي آيَة قَالُوا عَلامَة أعلم بهَا وُقُوع مَا بشرت بِهِ. وَكَذَلِكَ قَالُوا فِي قَوْله سُبْحَانَهُ: قَالَ آيتك أَن لَا تكلم النَّاس أَي: تمنع الْكَلَام وَأَنت سوي فتعلم بذلك أَن الله قد وهب لَك الْوَلَد. فَكَانَ ذَلِك من فعل الله بِهِ عَلامَة دَالَّة على صِحَة مَا بشره بِهِ من أَمر يحيى عَلَيْهِ السَّلَام. وَكَذَلِكَ قَوْله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: واضمم يدك إِلَى جناحك تخرج بَيْضَاء من غير سوءٍ آيَة أُخْرَى قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: كَانَت فِي قلب الْعَصَا آيةٌ دَالَّة على وحدانية الله تَعَالَى. ثمَّ أمره بِضَم يَده وأعلمه أَنَّهَا تخرج بَيْضَاء من غير برص وَأَن تِلْكَ آيَة أُخْرَى دَالَّة على مَا دلّت عَلَيْهِ الْآيَة الْأُخْرَى. فَأصل الْآيَة الْعَلامَة فَكَأَن الْآيَة من كتاب الله علامةٌ يفضى مِنْهَا إِلَى غَيره كأعلام الطَّرِيق المنصوبة للهداية. قَالَ الشَّاعِر الْبَسِيط: إِذا مضى علمٌ مِنْهَا بدا علم وَلما كَانَت الْآيَة هِيَ العلام الدَّالَّة على الشَّيْء سموا شخص الشَّيْء آيَته وَقَالُوا: تآييته على وزن فاعلته إِذا تَعَمّدت آيَته. وَكَذَلِكَ آيَات الله

الَّتِي ضربهَا لِعِبَادِهِ أَمْثَالًا: وَمن آيَاته أَن تقوم السَّمَاء وَالْأَرْض بأَمْره وَقَالَ سُبْحَانَهُ: وَانْظُر إِلَى حِمَارك ولنجعلك آيَة للنَّاس. وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: لقد رأى من آيَات ربه الْكُبْرَى. وَقَالَ تقدست أسماؤه: لنريك من آيَاتنَا الْكُبْرَى فِي أَمْثَال هَذِه الْآيَات. وَكلهَا بِمَعْنى الدَّلَائِل والعلامات الدَّالَّة على صنع اللَّطِيف الْخَبِير. وَلَا وَجه لما قَالَه من جمَاعَة الْحُرُوف. وَإِن قَالَه غَيره فَهُوَ قَول غير مَقْبُول. انْتهى مَا سَاقه أَبُو الْقَاسِم. وَقد اخْتلف فِي أَصْلهَا على سِتَّة أَقْوَال: أَحدهَا: أَن أَصْلهَا أيية كقصبة فَالْقِيَاس فِي إعلالها أياة فَتَصِح الْعين وتعل اللَّام وَلَكِن عكسوا شذوذاً فأعلوا الْيَاء الأولى لتحركها وانفتاح مَا قبلهَا دون الثَّانِيَة. وَهَذَا قَول الْخَلِيل. الثَّانِي: أَن أَصْلهَا أيية بِسُكُون الْعين كحية فأعلت بقلب الْيَاء الأولى اكْتِفَاء بِشَطْر الْعلَّة وَهُوَ فتح مَا قبلهَا فَقَط دون تحركها. قَالَه الْفراء وعزي لسيبويه وَاخْتَارَهُ ابْن مَالك وَقَالَ: إِنَّه أسهل الْوُجُوه لكَونه لَيْسَ فِيهِ إِلَّا الاجتزاء بِشَطْر الْعلَّة. وَإِذا كَانُوا قد عولوا عَلَيْهِ فِيمَا لم يجْتَمع فِيهِ ياءان نَحْو: طائي وَسمع: اللَّهُمَّ تقبل تابتي وصامتي فَفِيمَا اجْتمع فِيهِ ياءان أولى لِأَنَّهُ أثقل.

(الشاهد السادس والتسعون بعد الأربعمائة)

الثَّالِث: أَن أَصْلهَا آيية كضاربة حذفت الْعين استثقالاً لتوالي ياءين أولاهما) مَكْسُورَة وَلذَلِك كَانَت أولى بالحذف من الثَّانِيَة. قَالَ الْكسَائي: ورد بِأَنَّهُ كَانَ يلْزم قلب الْيَاء همزَة لوقوعها بعد ألف زَائِدَة فِي قَوْلهم: آي. الرَّابِع: أَن أَصْلهَا أيية بِضَم الْيَاء الأولى كسمرة فقلبت الْعين ألفا. ورد بِأَنَّهُ كَانَ يجب قلب الضمة كسرة. الْخَامِس: أَن أَصْلهَا أيية بِكَسْر الْيَاء الأولى كنبقة فقلبت الْيَاء الأولى ألفا. ورد بِأَن مَا كَانَ كَذَلِك يجوز فِيهِ الفك والإدغام كحيي وَحي. السَّادِس: أَن أَصْلهَا أيية كقصبة كَالْأولِ إِلَّا أَنه أعلت الثَّانِيَة على الْقيَاس فَصَارَ أياة كحياة ونواة ثمَّ قدمت اللَّام إِلَى مَوضِع الْعين فوزنها فلعة. وَأنْشد بعده 3 - (الشَّاهِد السَّادِس وَالتِّسْعُونَ بعد الأربعمائة) وَهُوَ من شَوَاهِد س الوافر: (أَلا من مبلغٌ عني تميماً ... بِآيَة مَا يحبونَ الطعاما) على أَن آيَة تُضَاف فِي الْأَغْلَب إِلَى الفعلية مصدرة بِحرف الْمصدر كَمَا فِي الْبَيْت فَإِن مَا مصدريةٌ تؤول مَعَ الْفِعْل بعْدهَا بمصدر مجرور بِإِضَافَة آيَة إِلَيْهِ. وَهَذَا خلاف مَذْهَب سِيبَوَيْهٍ: فَإِن مَا زَائِدَة وَآيَة مُضَافَة إِلَى الْفِعْل وَلَا تَأْوِيل بمصدر صناعَة. قَالَ النّحاس: مَا عِنْد سِيبَوَيْهٍ لَغْو. وَقَالَ الْمبرد: مَا وَالْفِعْل مصدر. وَأنكر مَا قَالَه سِيبَوَيْهٍ.

وَقَالَ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي فِي حذف مَا المصدرية من الْبَاب الْخَامِس: الصَّوَاب أَن مَا مَصْدَرِيَّة. وَهَذَا يشْعر أَن مَذْهَب سِيبَوَيْهٍ خطأ. وَلَيْسَ هَذَا بصواب فَكَانَ اللَّائِق أَن يَقُول: وَالصَّحِيح أَو يَقُول: وَعِنْدِي أَو وَعند غَيره. قَالَ الأعلم: الشَّاهِد فِيهِ إِضَافَة آيَة إِلَى يحبونَ وَمَا زَائِدَة للتوكيد. وَيجوز أَن تكون مَا مَعَ الْفِعْل بِتَأْوِيل الْمصدر كإضافتها إِلَى سَائِر الْأَسْمَاء. انْتهى. ومفعول مبلغ مَحْذُوف أَي: رِسَالَة كَأَنَّهُ لما قَالَ: من مبلغٌ تميماً عني رِسَالَة قيل لَهُ: بِأَيّ علامةٍ يعْرفُونَ فَقَالَ: بعلامة حبهم الطَّعَام وحرصهم عَلَيْهِ. يُرِيد: إِذا رَأَيْت قوما يحبونَ الطَّعَام فَاعْلَم أَنهم تَمِيم فَبَلغهُمْ رسالتي. وَقل الزَّمَخْشَرِيّ فِي شرح أَبْيَات سِيبَوَيْهٍ: مَا زَائِدَة أَي: بعلامة محبتكم الطَّعَام يشْعر أَن تحبون بِالْخِطَابِ. وَلَيْسَ كَذَلِك وَإِنَّمَا هُوَ بالغيبة. وروى صَدره الْمبرد فِي الْكَامِل: (أَلا أبلغ لديك بني تميمٍ ... بِآيَة مَا يحبونَ الطعاما) قَالَ ابْن السَّيِّد فِيمَا كتبه على الْكَامِل هَذَا من الْغَلَط إِنَّمَا الرِّوَايَة: بِآيَة مَا بهم حب الطَّعَام وَبعده الوافر:) (أجارتها أسيد ثمَّ أودت ... بِذَات الضَّرع مِنْهَا والسنام)

وَلَيْسَ أَبُو الْعَبَّاس الْمبرد بِأول من غلط فِيهِ من النَّحْوِيين. انْتهى. وَعَلِيهِ لَا شَاهد فِيهِ. وَهَذَا يُؤَيّد قَول سِيبَوَيْهٍ فَإِن مَا مَوْصُولَة وَحب الطَّعَام مُبْتَدأ والظرف قبله خَبره وَالْجُمْلَة صلَة الْمَوْصُول. وَفِي شرح شَوَاهِد الْمُغنِي للسيوطي: قَالَ أَبُو مُحَمَّد السيرافي: وَفِي شعره يَعْنِي يزِيد بن عَمْرو بن الصَّعق: (أجارتها أسيد ثمَّ غارت ... بِذَات الضَّرع مِنْهُ والسنام) وَسَببه أَن بني عَوْف بن عَمْرو بن كلاب جاوروا بني أسيد بن عَمْرو بن تَمِيم فأجلوهم عَن مواضعهم فَقَالَ يزِيد هَذَا الشّعْر. وَفِي أَيَّام الْعَرَب لأبي عُبَيْدَة: نزل يزِيد بن الصَّعق قَرِيبا من بني أسيد بن عَمْرو بن تَمِيم واستجارهم لإبله فأجاروه ثمَّ أغار عَلَيْهِ ناسٌ مِنْهُم فَذَهَبُوا بهَا فَقَالَ يزِيد هذَيْن الْبَيْتَيْنِ. انْتهى. وعَلى هَذِه الرِّوَايَة أَيْضا لَا شَاهد فِيهِ وَحب مَنْصُوب بِنَزْع الحافض أَي: بِآيَة مَا يذكرُونَ بحب الطَّعَام. وَقَول السيرافي وَفِي شعره يُوهم أَن هَذَا الشّعْر غير الْبَيْت الشَّاهِد وَلَيْسَ كَذَلِك فَإِن الشّعْر وَاحِد والقافية مجرورة. وَقد رد عَلَيْهِ أَوْس بن غلفاء الهُجَيْمِي من قصيدة الوافر: (فَإنَّك من هجاء بني تميمٍ ... كمزداد الغرام إِلَى الغرام) ...

(هم تركوك أسلح من حبارى ... رَأَتْ صقراً وأشرد من نعام) (وهم ضربوك أم الرَّأْس حَتَّى ... بَدَت أم الشؤون من الْعِظَام) (إِذا يأسونها جشأت إِلَيْهِم ... شرنبثة القوائم أم هام) قَالَ ابْن السَّيِّد فِيمَا كتبه على الْكَامِل: الَّذِي ضرب يزِيد على رَأسه الْحَارِث بن حصبة أَو طَارق بن حصبة الشَّك من أبي عُبَيْدَة ضربه يَوْم ذِي نجب وأسره فَقَالَ تَمِيم لِابْنِ أبي جوَيْرِية التَّمِيمِي وَكَانَ نطاسياً أَي: طَبِيبا: انْظُر إِلَيْهِ فَإِن كنت ترجوه فَلَنْ نطلقه حَتَّى يُعْطِينَا الرِّضَا فِي فدائه. فَإِن خفت عَلَيْهِ قنعنا مِنْهُ بِأَدْنَى شَيْء. فَأعْطَاهُ يزِيد شَيْئا على أَن يُخبرهُ بِأَنَّهُ يخَاف عَلَيْهِ فَأخذُوا مِنْهُ شَيْئا يَسِيرا وأطلقوه. انْتهى. وَقَوله: أجارتها أسيد ثمَّ أوردت إِلَخ أجاره: الْتزم لَهُ ذمَّة الْمُجَاورَة. وَالضَّمِير لِلْإِبِلِ. وأودت بِذَات الضَّرع أَي: أهلكتها. وروى بدله: غارت أَي: أَتَت الْغَوْر بهَا. وَإِنَّمَا جعل حب الطَّعَام آيَة لبني تَمِيم يعْرفُونَ بِهِ لما كَانَ من أَمرهم فِي تحريق عَمْرو بن هِنْد إيَّاهُم ووفود البرجمي عَلَيْهِ لما شم رَائِحَة المحرقين فظنهم طَعَاما يصنع) فقذف بِهِ إِلَى النَّار. قَالَ الْمبرد فِي الْكَامِل: وَكَانَ سَبَب ذَلِك أَن أسعد بن الْمُنْذر أَخا عَمْرو ابْن هِنْد كَانَ مسترضعاً فِي بني دارم فِي حجر حَاجِب بن زُرَارَة بن عدس بن زيد بن عبد الله بن دارم وَانْصَرف ذَات يومٍ من صيدٍ وَبِه نَبِيذ

فعبث كَمَا تعبث الْمُلُوك فَرَمَاهُ رجلٌ من بني دارم بِسَهْم فَقتله فَفِي ذَلِك يَقُول عَمْرو بن ملقط الطَّائِي لعَمْرو ابْن هِنْد مجزوء الْكَامِل: (فَاقْتُلْ زُرَارَة لَا أرى ... فِي الْقَوْم أوفى من زُرَارَة) فغزاهم عَمْرو بن هندٍ فَقَتلهُمْ يَوْم القصيبة وَيَوْم أوارة. وَفِي ذَلِك يَقُول الْأَعْشَى مجزوء الْكَامِل: (وَتَكون فِي الشّرف الموا ... زِيّ منقراً وَبني زُرَارَة) (أَبنَاء قومٍ قتلوا ... يَوْم القصيبة والأواره) ثمَّ أقسم عَمْرو بن هندٍ ليحرقن مِنْهُم مائَة فبذلك سمي محرقاً فَأخذ تِسْعَة وَتِسْعين رجلا فقذفهم فِي النَّار ثمَّ أَرَادَ أَن يبر قسمه بعجوزٍ مِنْهُم لتكمل الْعدة فَلَمَّا أَمر بهَا قَالَت الْعَجُوز: أَلا فَتى يفْدي هَذِه الْعَجُوز بِنَفسِهِ ثمَّ قَالَت: هَيْهَات صَارَت الفتيان حمما. وَمر وافدٌ للبراجم فاشتم رَائِحَة اللَّحْم فَظن أَن الْملك يتَّخذ طَعَاما فعرج عَلَيْهِ فَأتي بِهِ فَقَالَ لَهُ من أَنْت فَقَالَ: أَبيت اللَّعْن أَنا وَافد البراجم. فَقَالَ عَمْرو: إِن الشقي وَافد البراجم ثمَّ أَمر بِهِ فقذف فِي النَّار. فَفِي ذَلِك يَقُول جريرٌ يعير الفرزدق الْكَامِل: (أَيْن الَّذين بِنَار عمرٍ وحرقوا ... أم أَيْن أسعد فِيكُم المسترضع) وَقَالَ الطرماح الْبَسِيط: (ودارمٌ قد قذقنا مِنْهُم مائَة ... فِي جاحم النَّار إِذْ ينزون بالجدد) (ينزون بالمشتوى مِنْهَا ويوقدها ... عمرٌ ووَلَوْلَا شحوم الْقَوْم لم تقد)

وَلذَلِك عيرت بَنو تَمِيم بحب الطَّعَام يعْنى كطمع البرجمي فِي الْأكل. قَالَ يزِيد بن عَمْرو بن الصَّعق أحد بني عَمْرو بن كلاب: (أَلا أبلغ لديك بني تميمٍ ... بِآيَة مَا يحبونَ الطعاما) وَقَالَ آخر الوافر: (بخبزٍ أَو بلحمٍ أَو بتمرٍ ... أَو الشَّيْء الملفف فِي البجاد) (ترَاهُ ينقب الْبَطْحَاء حولا ... ليَأْكُل رَأس لُقْمَان بن عَاد) انْتهى مَا أوردهُ الْمبرد. قَالَ ابْن رَشِيق فِي الْعُمْدَة: زعم أَبُو عُبَيْدَة أَن من زعم أَنه أحرقهم فقد) أَخطَأ فَذكر لَهُ شعر الطرماح فَقَالَ: لَا علم لَهُ بِهَذَا. وَاسْتشْهدَ بقول جرير: (أَيْن الَّذين بِسيف عمرٍ وقتلوا ... أم أَيْن أسعد فِيكُم المستوضع) انْتهى. وَهَذِه الرِّوَايَة للبيت غير رِوَايَة الْمبرد. وروى صَاحب الأغاني خبر هَذَا الْيَوْم بِسَنَدِهِ إِلَى هِشَام بن الْكَلْبِيّ عَن أَبِيه وَغَيره من أَشْيَاخ طيئٍ بأبسط من رِوَايَة الْمبرد مَعَ مُخَالفَة قَالَ:

كَانَ من حَدِيث يَوْم أوارة أَن عَمْرو بن الْمُنْذر بن مَاء السَّمَاء وَهُوَ عَمْرو بن هِنْد كَانَ يعرف بِأُمِّهِ هندٍ بنت الْحَارِث الْملك الْمَقْصُور بن حجر آكل المرار الْكِنْدِيّ وَهُوَ الَّذِي يُقَال لَهُ: مضرط الْحِجَارَة أَنه كَانَ عَاقد هَذَا الْحَيّ من طَيئ على أَن لَا ينازعوا وَلَا يفاخروا وَلَا يُغيرُوا. وَأَن عَمْرو بن هندٍ غزا الْيَمَامَة فَرجع منفضاً فَمر بطيئ فَقَالَ لَهُ زُرَارَة بن عدس بن زيد بن عبد الله بن دارم الْحَنْظَلِي: أَبيت اللَّعْن أصب من هَذَا الْحَيّ شَيْئا. قَالَ لَهُ: وَيلك إِن لَهُم عقدا. قَالَ: وَإِن كَانَ. فَلم يزل بِهِ حَتَّى أصَاب مَالا ونسوة وأذواداً فذمه قيس بن جروة الطَّائِي بقصيدة على نقض عَهده فبلغت عَمْرو بن هِنْد فغزا طيئاً. فَأسر أسرى من طَيئ من بني عدي بن أخزم وهم رَهْط حَاتِم بن عبد الله وَفِيهِمْ قيس بن جحدر وَهُوَ جد الطرماح بن حَكِيم وَهُوَ ابْن خَالَة حَاتِم فوفد حاتمٌ فيهم إِلَى عَمْرو بن هِنْد فوهبهم لَهُ. ثمَّ إِن الْمُنْذر بن مَاء السَّمَاء وضع ابْنا لَهُ صَغِيرا وَيُقَال: بل كَانَ أَخَاهُ صَغِيرا يُقَال لَهُ: مَالك عِنْد زُرَارَة وَإنَّهُ خرج ذَات يَوْم يتصيد فأخفق وَلم يصب شَيْئا فَمر بإبلٍ لرجل من بني عبد الله بن دارم يُقَال لَهُ: سويدٌ. وَكَانَت عِنْد سُوَيْد ابْنة زُرَارَة بن عدس فَولدت لَهُ سَبْعَة غلمة فَأمر مَالك بن الْمُنْذر بِنَاقَة سَمِينَة مِنْهَا فنحرها ثمَّ اشتوى وسويدٌ نَائِم فَلَمَّا انتبه شدّ على مَالك بعصاً فَضَربهُ فأمه. وَمَات الْغُلَام. وَخرج سويدٌ هَارِبا حَتَّى لحق بِمَكَّة وَعلم أَنه لَا يَأْمَن فحالف بني نَوْفَل بن عبد منَاف فاختط بِمَكَّة وَكَانَت طَيئ تطلب عثرات زُرَارَة وَبني أَبِيه حَتَّى بَلغهُمْ مَا صَنَعُوا بأخي الْملك فَأَنْشَأَ عَمْرو بن ثَعْلَبَة بن ملقط الطَّائِي يَقُول

مجزوء الْكَامِل: (من مبلغٌ عمرا بأ ... ن الْمَرْء لم يخلق صباره) (وحوادث الْأَيَّام لَا ... يبْقى لَهَا إِلَّا الحجاره) (أَن ابْن عجزة أمه ... بالسفح أَسْفَل من أواره) (تسفي الرِّيَاح خلال كش ... حيه وَقد سلبوا إزَاره) (فَاقْتُلْ زُرَارَة لَا أرى ... فِي الْقَوْم أوفى من زراره)) والصبارة: بِالضَّمِّ: الْحِجَارَة وَقيل: بِالْفَتْح جمع صبار وَالْهَاء لجمع الْجمع لِأَن الصبار جمع صبرَة بِالْفَتْح وَهِي حِجَارَة شَدِيدَة. كَذَا فِي الصِّحَاح. وأوارة بِالضَّمِّ: اسْم مَاء وَإِلَيْهِ نسب ذَلِك الْيَوْم. والعجزة بِالْكَسْرِ: آخر ولد الرجل عَنى بِهِ أَخَاهُ. وَيُقَال لأوّل ولد الرجل: زكمةٌ بِالضَّمِّ. فَلَمَّا بلغ الْعشْر عَمْرو بن هِنْد بَكَى حَتَّى فاضت عَيناهُ وَبلغ الْخَبَر زُرَارَة فهرب وَركب عَمْرو بن هندٍ فِي طلبه فَلم يقدر عَلَيْهِ فَأخذ امْرَأَته وَهِي حُبْلَى وَقَالَ: مَا فعل زُرَارَة الغادر الْفَاجِر قَالَت: إِن كَانَ مَا علمت لطيب الْعرق سمين المرق وَيَأْكُل مَا وجد وَلَا يسْأَل عَمَّا فقد وَلَا ينَام لَيْلَة يخَاف وَلَا يشْبع لَيْلَة يُضَاف فبقر بَطنهَا فَقَالَ قوم زُرَارَة لزرارة: وَالله مَا قتلت أَخَاهُ فأت الْملك فاصدقه الْخَبَر. فَأَتَاهُ زُرَارَة فَأخْبرهُ الْخَبَر فَقَالَ: جئني بِسُوَيْدِ. فَقَالَ: قد لحق بِمَكَّة. فَقَالَ: عَليّ ببنيه. فَأَتَاهُ ببنيه السَّبْعَة وبأمهم بنت زُرَارَة وهم غلمةٌ فتناولوا أحدهم فَضربت عُنُقه وَتعلق بزرارة الْآخرُونَ فتناولوهم وَقتلُوا. وآلى عَمْرو بن هِنْد ليحرقن من بني حَنْظَلَة مائَة رجلٍ فَخرج يريدهم وَبعث على مقدمته عَمْرو بن ملقطٍ الطَّائِي فَأخذ مِنْهُم ثَمَانِيَة وَتِسْعين رجلا بِأَسْفَل أوارة من نَاحيَة الْبَحْرين فحبسهم ولحقه عَمْرو بن

هِنْد حَتَّى انْتهى إِلَى أوارة فَأمر لَهُم بأخدودٍ ثمَّ أضرمه نَارا وَقذف بهم فِيهَا فاحترقوا. وَأَقْبل راكبٌ من البراجم وهم بطن من بني حَنْظَلَة عِنْد الْمسَاء لَا يدْرِي بِشَيْء مِمَّا كَانَ فَقَالَ لَهُ عَمْرو بن هِنْد: مَا جَاءَ بك فَقَالَ: حب الطَّعَام قد أقويت ثَلَاثًا لم أذق طَعَاما فَلَمَّا سَطَعَ الدُّخان ظننته دُخان طَعَام. فَقَالَ لَهُ عَمْرو: مِمَّن أَنْت قَالَ: من البراجم. فَقَالَ عَمْرو: إِن الشقي وَافد البراجم فَذَهَبت مثلا. وَرمي بِهِ فِي النَّار. فهجت الْعَرَب تميماً بذلك فَقَالَ ابْن الصَّعق العامري: (أَلا أبلغ لديك بني تميمٍ ... بِآيَة مَا يحبونَ الطعاما) وَأقَام عَمْرو بن هِنْد لَا يرى أحدا فَقيل لَهُ: أَبيت اللَّعْن لَو تحللت بِامْرَأَة مِنْهُم فَدَعَا بِامْرَأَة مِنْهُم فَقَالَ لَهَا: من أَنْت قَالَت: أَنا الْحَمْرَاء ابْنة ضَمرَة بن جَابر بن قطن بن نهشل. فَقَالَ: إِنِّي لأظنك أَعْجَمِيَّة. فَقَالَت مَا أَنا بأعجمية وَلَا ولدتني الْعَجم الرجز: (إِنِّي لبِنْت ضَمرَة بن جَابر ... سَادًّا معداً كَابِرًا عَن كَابر) (إِنِّي لأخت ضَمرَة بن ضمره ... إِذا الْبِلَاد لفعت بغمره) فَقَالَ عمرٌ و: وَالله لَوْلَا مَخَافَة أَن تلدي مثلك لصرفتك عَن النَّار قَالَت: أما وَالَّذِي أسأله أَن) يضع وِسَادك ويخفض عمادك ويسلبك ملكك وَيقرب هلكك وَلَا أُبَالِي مَا صنعت فَقَالَ: اقذفوها فِي النَّار:

فأحرقت. انْتهى مَا أوردهُ صَاحب الأغاني مُخْتَصرا. قَالَ ابْن قُتَيْبَة فِي خطْبَة أدب الْكتاب: مازح مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان الْأَحْنَف ابْن قيس فَمَا رئي مازحان أوقر مِنْهُمَا فَقَالَ لَهُ: يَا أحنق مَا الشَّيْء الملفف فِي البجاد فَقَالَ: السخينة يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ. أَرَادَ مُعَاوِيَة قَول الشَّاعِر: (إِذا مَا مت ميتٌ من تميمٍ ... فسرك أَن يعِيش فجِئ بزاد) (بخبزٍ أَو بلحمٍ أَو بتمرٍ ... أَو الشَّيْء الملفف فِي البجاد) (ترَاهُ يطوف الْآفَاق حرصاً ... ليَأْكُل رَأس لُقْمَان بن عَاد) والملفف فِي البجاد: وطب اللَّبن. وَأَرَادَ الْأَحْنَف أَن قُريْشًا كَانَت تعير بِأَكْل السخينة وَهِي حساء من دَقِيق يتَّخذ عِنْد غلاء السّعر وعجف المَال وكلب الزَّمَان. انْتهى. قَالَ ابْن السَّيِّد فِي شَرحه: هَذَا الشّعْر ليزِيد بن عَمْرو بن الصَّعق وَذكر الجاحظ أَنه لأبي المهوش الْأَسدي. وَالَّذِي اقْتضى ذكر الشَّيْء الملفف فِي البجاد وَذكر السخينة فِي هَذِه الممازحة أَن مُعَاوِيَة كَانَ قرشياً وَكَانَت قُرَيْش تعير بِأَكْل السخينة. وَكَانَ السَّبَب فِي ذَلِك أَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ لما بعث

فيهم فَكَفرُوا بِهِ دَعَا الله عَلَيْهِم وَقَالَ: اللَّهُمَّ اشْدُد وطأتك على مُضر وَاجْعَلْهَا عَلَيْهِم سِنِين كَسِنِي يُوسُف. فأجدبوا سبع سِنِين فَكَانُوا يَأْكُلُون الْوَبر بِالدَّمِ ويسمونه العلهز. وَكَانَ أَكثر قُرَيْش إِذْ ذَاك يَأْكُلُون السخينة فَكَانَت قُرَيْش تلقب سخينة وَلذَلِك يَقُول كَعْب بن مَالك الْكَامِل: وَذكر أَبُو عُبَيْدَة أَن قُريْشًا كَانَت تلقب سخينة لأكلهم السخن وَأَنه لقب لَزِمَهُم قبل مبعث النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ. وَيدل على صِحَة مَا ذكر قَول خِدَاش بن زُهَيْر وَلم يدْرك الْإِسْلَام الْبَسِيط: (يَا شدَّة مَا شددنا غير كاذبةٍ ... على سخينة لَوْلَا اللَّيْل وَالْحرم) وَأما الْأَحْنَف بن قيس فَإِنَّهُ كَانَ تميمياً وَكَانَت تَمِيم تعير حب الطَّعَام وَشدَّة الشرة وَكَانَ السَّبَب الَّذِي جر ذَلِك أَن أسعد بن الْمُنْذر أَخا عَمْرو بن هِنْد كَانَ مسترضعاً فِي بني دارم. إِلَى آخر مَا رَوَاهُ الْمبرد فِي الْكَامِل. وَقَالَ السُّهيْلي فِي الرَّوْض الْأنف: قَول كَعْب: (جَاءَت سخينة كي تغالب رَبهَا ... الْبَيْت)) كَانَ هَذَا الِاسْم مِمَّا سميت بِهِ قُرَيْش قَدِيما ذكرُوا أَن قصياً كَانَ إِذا ذبحت ذَبِيحَة أَو نحرت نحيرة بِمَكَّة أُتِي بعجزها فيصنع مِنْهُ خزيرة وَهُوَ

لحم يطْبخ ببر فيطعمه النَّاس فسميت قُرَيْش سخينة. وَقيل: أَن الْعَرَب كَانُوا إِذا أسنتوا أكلُوا العلهز وَهُوَ الْوَبر وَالدَّم وتأكل قُرَيْش الخزيرة واللفيتة فنفست عَلَيْهِم الْعَرَب ذَلِك فلقبوهم سخينة. وَلم تكن قريشٌ تكره هَذَا اللقب وَلَو كرهته مَا استجاز كَعْب أَن يذكرهُ وَرَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ مِنْهُم ولتركه أدباً مَعَ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ إِذْ كَانَ قرشياً. وَلَقَد استنشد عبد الْملك بن مَرْوَان مَا قَالَه الهوازني فِي (يَا شدَّة مَا شددنا غير كاذبةٍ ... الْبَيْت) فَقَالَ: مَا زَاد هَذَا على أَن اسْتثْنى. وَلم يكره سَماع التلقيب بسخينة. فَدلَّ على أَن هَذَا اللقب لم يكن مَكْرُوها عِنْدهم وَلَا كَانَ فِيهِ تعيير لَهُم. انْتهى. وَالْعِلْهِز بِكَسْر الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون اللَّام وَكسر الْهَاء بعْدهَا زَاي مُعْجمَة. والخزيرة بِفَتْح الْخَاء وَكسر الزَّاي المعجمتين ثمَّ رَاء مُهْملَة. قَالَ فِي الصِّحَاح: الخزيرة: أَن تنصب الْقدر بِلَحْم يقطع صغَارًا على مَاء كثير فَإِذا نضج ذَر عَلَيْهِ الدَّقِيق. فَإِن لم يكن فِيهَا لحمٌ فَهِيَ العصيدة. وَقَالَ ابْن السَّيِّد: قَوْله: إِذا مَا مَاتَ ميت إِلَخ فِيهِ ردٌّ على أبي حَاتِم السجسْتانِي فَإِنَّهُ كَانَ يَقُول: قَول الْعَامَّة مَاتَ الْمَيِّت خطأ وَالصَّوَاب

مَاتَ الْحَيّ. وَهَذَا الَّذِي أنكرهُ غير مُنكر لِأَن الْحَيّ قد يجوز أَن يُسمى مَيتا لِأَن أمره يؤول إِلَى الْمَوْت. قَالَ تَعَالَى: إِنَّك ميتٌ وَإِنَّهُم ميتون. وَمثله كثير. وَقد فرق قومٌ بَينهمَا فَقَالُوا: الْمَيِّت بِالتَّشْدِيدِ: مَا سيموت وَالْمَيِّت بِالتَّخْفِيفِ: مَا قد مَاتَ. وَهَذَا خطأ فَإِن المشدد أصل المخفف وَالتَّخْفِيف لم يحدث فِيهِ شَيْئا يُغير مَعْنَاهُ. وَقد استعملتهما الْعَرَب من غير فرق. قَالَ الشَّاعِر الْخَفِيف: (لَيْسَ من مَاتَ فاستراح بميتٍ ... إِنَّمَا الْمَيِّت ميت الْأَحْيَاء) وَقَالَ ابْن قعاسٍ الْأَسدي الوافر: فَفِي الْبَيْت الأول سوى بَينهمَا وَفِي الثَّانِي جعل المخفف الْحَيّ الَّذِي لم يمت. أَلا ترى أَن مَعْنَاهُ والمرء سيموت فَجرى مجْرى قَوْله تَعَالَى: إِنَّك ميتٌ وَإِنَّهُم ميتون. وَقَوله: بِخبْز أَو بِتَمْر أَو بِسمن: بدل من قَوْله: بزاد. والملفف فِي البجاد: وطب اللَّبن يلف فِيهِ وَيتْرك حَتَّى يروب. والوطب: زق اللَّبن خَاصَّة. والبجاد: الكساء فِيهِ خطوط. وَقَوله: حرصاً: مصدر وَقع موقع الْحَال أَو مفعول لأَجله. وَإِنَّمَا ذكر لُقْمَان بن عادٍ لجلالته ولعظمه يُرِيد أَنه لشدَّة نهمه وشرهه إِذا) ظفر

بأكلةٍ فَكَأَنَّهُ قد ظفر بِرَأْس لُقْمَان لسروره بِمَا نَالَ وإعجابه بِمَا وصل إِلَيْهِ. وَهَذَا كَمَا يُقَال لمن يزهى بِمَا فعل ويفخر بِمَا أدْرك: كَأَنَّهُ قد بِرَأْس خاقَان وَهَذَا الْكَلَام الَّذِي جرى بَين مُعَاوِيَة والأحنف يُسمى التَّعْرِيض لِأَن كل وَاحِد مِنْهُمَا عرض بِصَاحِبِهِ بِمَا تسب بِهِ قبيلته من غير تَصْرِيح. وَيُشبه ذَلِك مَا يرْوى من أَن شريك بن عبد الله النميري ساير عمر بن هُبَيْرَة الْفَزارِيّ يَوْمًا فبدرت بغلة شريك فَقَالَ لَهُ ابْن هُبَيْرَة: غض من لجام بغلتك. فَقَالَ لَهُ شريك: إِنَّهَا مَكْتُوبَة. فَضَحِك ابْن هُبَيْرَة وَقَالَ: لم أرد مَا ذهبت إِلَيْهِ. عرض ابْن هُبَيْرَة بقول الشَّاعِر الوافر: (فغض الطّرف إِنَّك من نميرٍ ... فَلَا كَعْبًا بلغت وَلَا كلابا) وَعرض شريط بقول سَالم بن دارة الْبَسِيط: (لَا تأمنن فزارياً خلوت بِهِ ... على قلوصك واكتبها بأسيار) وَكَانَ بَنو فَزَارَة ينسبون إِلَى غشيان الْإِبِل. وَقَوله: تعير بِأَكْل السخينة بِالْبَاء. وَقد مَنعه ابْن قُتَيْبَة قَالَ: تَقول: عيرته كَذَا وَلَا تَقول عيرته بِكَذَا. وَالصَّحِيح أَنَّهُمَا لُغَتَانِ وَإِسْقَاط الْبَاء أفْصح. والحساء والحسو: لُغَتَانِ. والعجف: الضعْف والهزال.

وَأَرَادَ بِالْمَالِ هُنَا الْحَيَوَان وَكَذَلِكَ تستعمله الْعَرَب فِي الْأَكْثَر وَقد يَجْعَل اسْما لكل مَا يملكهُ الْإِنْسَان من نَاطِق وصامت قَالَ تَعَالَى: وَلَا تُؤْتوا السُّفَهَاء أَمْوَالكُم وَقَالَ تَعَالَى: وَالَّذين فِي أَمْوَالهم حقٌّ معلومٌ للسَّائِل والمحروم. فَالْمَال فيهمَا عامٌّ لكل مَا يملك. وكلب الزَّمَان: شدته وأصل الْكَلْب سعار يُصِيب الْكلاب فَضرب بذلك مثلا للزمان الَّذِي يذهب بالأموال ويتعرق الْأَجْسَام كَمَا سموا السّنة الشَّدِيدَة ضبعاً تَشْبِيها لَهَا بالضبع. وَقَالُوا: أكله الدَّهْر وتعرقه الزَّمَان كَمَا قَالَ الْبَسِيط: (أَبَا خراشة أما أَنْت ذَا نفرٍ ... فَإِن قومِي لم تأكلهم الضبع) وترجمة يزِيد بن الصَّعق تقدّمت فِي الشَّاهِد التَّاسِع وَالسِّتِّينَ. وَأنْشد بعده البيسط: (لم يمْنَع الشّرْب مِنْهَا غير أَن نطقت ... حمامةٌ فِي غصونٍ ذَات أوقال) وَتقدم الْكَلَام عَلَيْهِ فِي الشَّاهِد السَّابِع وَالثَّلَاثِينَ بعد الْمِائَتَيْنِ. وَضمير مِنْهَا رَاجع للوجناء وَهِي النَّاقة الشَّدِيدَة. وَالشرب: مفعول يمْنَع وَغير فَاعله لكنه بني على الْفَتْح جَوَازًا لِإِضَافَتِهِ إِلَى مَبْنِيّ. وروى الرّفْع أَيْضا فَلَا شَاهد فِيهِ. وَأَرَادَ بنطقت صوتت مجَازًا. وَفِي بِمَعْنى على.

(الشاهد السابع والتسعون بعد الأربعمائة)

وَذَات بِالْجَرِّ صفة لغصون. والأوقال: جمع وَقل بِفَتْح فَسُكُون وَهُوَ ثَمَر الدوم الْيَابِس فَإِن كَانَ ثمره طرياً فاسمه البهش. يُرِيد: لم يمْنَعهَا أَن تشرب المَاء غير مَا سَمِعت من صَوت حمامة) فنفرت. يُرِيد أَنَّهَا حَدِيدَة النَّفس يخامرها فزع وذعر لحدة نَفسهَا وَهُوَ مَحْمُود فِيهَا. وَأنْشد بعده الْخَفِيف: (غير أَنِّي قد استعين على اله ... م إِذا خف بالثوي النَّجَاء) وَتقدم هَذَا أَيْضا مشروحاً فِي الشَّاهِد الثَّامِن وَالثَّلَاثِينَ بعد الْمِائَتَيْنِ. وَغير للاستثناء الْمُنْقَطع مِمَّا قبله فَيحْتَمل أَن تكون الفتحة فِيهِ للْبِنَاء وَفِيه الشَّاهِد وَيحْتَمل أَن تكون نصبا فَلَا شَاهد فِيهِ. وَقَوله: قد استعين بِنَقْل فَتْحة الْهمزَة إِلَى دَال قد. وخف بِمَعْنى ذهب وأسرع. والثوي: مُبَالغَة ثاوٍ بِمَعْنى مُقيم. والنجاء بِفَتْح النُّون بعْدهَا جِيم: الْمُضِيّ والسرعة وَالْبَاء للتعدية. أَي: إِذا اضْطر الْمُقِيم السّفر وأقلقه السّير والمضي. وَأنْشد بعده 3 - (الشَّاهِد السَّابِع وَالتِّسْعُونَ بعد الأربعمائة) الْكَامِل: بأذل حَيْثُ يكون من يتذلل

على أَن أَبَا عَليّ قَالَ فِي كتاب الشّعْر: إِن جملَة يكون صفة ل حَيْثُ لَا أَنَّهَا مُضَاف إِلَيْهِ. لِأَن حَيْثُ هُنَا اسْم بِمَعْنى مَوضِع لَا أَنَّهَا بَاقِيَة على الظَّرْفِيَّة. وَكتاب الشّعْر يُقَال لَهُ: إِيضَاح الشّعْر وإعراب الشّعْر أَيْضا. وَقد تكلم على هَذَا المصراع وأجاد الْكَلَام فِيهِ فَيَنْبَغِي أَن نثبته هُنَا إيضاحاً لَهُ. والمصراع من قصيدة طَوِيلَة عدتهَا تِسْعَة وَتسْعُونَ بَيْتا للفرزدق هجا بهَا جَرِيرًا. وَلَا بُد من نقل بَيْتَيْنِ مِنْهَا ليتضح مَعْنَاهُ وهما: (إِنَّا لنضرب رَأس كل قبيلةٍ ... وَأَبُوك خلف أتانه يتقمل) (يهز الهرانع عقده عِنْد الخصى ... بأذل حَيْثُ يكون من يتذلل) قَالَ أَبُو عَليّ: أنْشدهُ بعض البغداديين وَزعم أَن حَيْثُ يكون اسْما وَالْقَوْل فِي ذَلِك أَن أفعل لَا يُضَاف إِلَّا إِلَى مَا هُوَ بعضه فَإِذا كَانَ كَذَا فَإِنَّهُ يُرَاد بِهِ الْموضع لِأَنَّهُ مُضَاف إِلَى مَوَاضِع وَجَاز أَن يُرَاد بِحَيْثُ الْكَثْرَة لإبهامها كَمَا تَقول أفضل رجل. وَكَذَلِكَ لما أضَاف أذلّ صَار كَأَنَّهُ قَالَ: بأذل مَوضِع فَحَيْثُ مَوضِع وَلَا يجوز مَعَ الْإِضَافَة إِلَيْهَا أَن تكون ظرفا كَقَوْلِك: يَا سَارِق اللَّيْلَة أهل الدَّار وَقد حكى قطرب فِيهَا الْإِعْرَاب. وَمِمَّا جَاءَ حَيْثُ مَفْعُولا بِهِ قَوْله تَعَالَى:

الله أعلم حَيْثُ يَجْعَل رسالاته. أَلا ترى أَن حَيْثُ لَا يَخْلُو من أَن يكون جراً أَو نصبا. فَلَا يجوز أَن يكون جراً لِأَنَّهُ) يلْزم أَن يُضَاف إِلَيْهِ أفعل وأفعل إِنَّمَا يُضَاف إِلَى مَا هُوَ بعض لَهُ وَهَذَا لَا يجوز فِي هَذَا الْموضع فَلَا يجوز أَن يكون جراً وَإِذا لم يكنه كَانَ نصبا بِشَيْء دلّ عَلَيْهِ يعلم أَنه مفعول بِهِ. وَالْمعْنَى: الله يعلم مَكَان رسالاته وَأهل رسَالَته. فَهَذَا إِذن اسْم أَيْضا. فَإِن قَالَ قَائِل: إِذا صَار اسْما فَلم لَا يعرب لزواله عَن أَن يكون ظرفا قيل: كَونه اسْما لَا يُخرجهُ عَن الْبناء أَلا ترى أَن مُنْذُ حرف فَإِذا اسْتعْملت اسْما فِي نَحْو مُنْذُ يَوْمَانِ لم تخرج عَن الْبناء. وَكَذَلِكَ عَن وعَلى إِذا قلت: من عَن يَمِين الْخط وَكَذَلِكَ قَول الشَّاعِر الطَّوِيل: غَدَتْ من عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ: كم بنيت فِي الِاسْتِفْهَام فَإِذا صَارَت خَبرا بقيت على بنائها فَكَذَلِك حَيْثُ إِذا صَارَت اسْما. فَأَما مَوضِع يكون فِي قَوْله: بأذل حَيْثُ يكون من يتذلل فجر بِأَنَّهُ صفة حَيْثُ كَأَنَّهُ قَالَ: بأذل مَوضِع يكونه أَي: يكون فِيهِ. فَحذف الْحَرْف وأوصل الْفِعْل فَلَيْسَ بجرٍّ لإضافة حَيْثُ إِلَيْهِ لِأَن حَيْثُ إِنَّمَا يُضَاف إِلَى الْفِعْل إِذا كَانَ ظرفا. فَإِذا لم يكن ظرفا لم يَنْبغ أَن

يُضَاف إِلَى الْفِعْل. وَلَيْسَ حَيْثُ فِي الْبَيْت بظرف. وَإِنَّمَا لم يعرب من لم يعربه لِأَنَّهُ جعله بِمَنْزِلَة مَا وَمن فِي أَنَّهُمَا لم يعربا إِذا وَصفا وَكَانَا نكرتين. وَذَاكَ أَن الْإِضَافَة فِي حَيْثُ كَانَت للتخصيص كَمَا أَن الصّفة كَذَلِك فَلَمَّا جعل اسْما وَلم يضف صَار لُزُوم الصّفة لَهُ للتخصيص بِمَنْزِلَة لُزُوم الصِّلَة للتخصيص فضارع حَال الْوَصْف حَال الْإِضَافَة. وَلَو جعلت فِي قَوْله: بأذل حَيْثُ يكون زَمَانا لم يحسن لِأَن أفعل هَذَا بعض مَا يُضَاف إِلَيْهِ. وَإِذا قلت: هَذَا أذلّ رجل فَالْمَعْنى: هَذَا رجل ذليل وَلَا يكَاد يُقَال: زمَان ذليل كَمَا يُقَال: مَوضِع ذليل. أَلا ترى أَن الْأَمَاكِن قد وصفت بالعز فَإِذا جَازَ وصفهَا بالعز جَازَ وصفهَا بِخِلَافِهِ وَلَا تكَاد تسمع وصف الزَّمَان بالذل. فَلَا يجوز إِذن أَن يكون مَوضِع يكون جراً بِأَنَّهُ صفة حَيْثُ وَيجْعَل حَيْثُ اسْم زمَان. انْتهى كَلَام أبي عَليّ. وَحَاصِله: أَن أذلّ أفعل تَفْضِيل مجرور بِالْكَسْرِ وَهُوَ مُضَاف إِلَى حَيْثُ بِمَعْنى مَوضِع يُرَاد بِهِ الْكَثْرَة لإبهامه وَلِهَذَا صَحَّ إِضَافَة أفعل إِلَيْهِ إِذْ لَا يُضَاف أفعل التَّفْضِيل إِلَّا إِلَى مَا هُوَ بعضه. وَجُمْلَة يكون: صفة ل حَيْثُ فَتكون فِي مَحل جر والعائد إِلَى الْمَوْصُوف ضمير نصب مَحْذُوف وَالْأَصْل: يكون فِيهِ فَفِيهِ خبر يكون وَمن يتذلل اسْمه فَحذف حرف الْجَرّ واتصل الضَّمِير بيكون فَصَارَ يكونه ثمَّ حذف الضَّمِير فَصَارَ يكون فجملة يكون) إِلَخ فِي مَحل جر لكَونهَا صفة لحيث لَا لكَونهَا مُضَافا إِلَيْهِ. وَحَيْثُ مَوْصُوف بِالْجُمْلَةِ لَا مُضَاف إِلَيْهَا. وَلما كَانَ حكم الْجُمْلَة بعد

حَيْثُ فِي الْآيَة حكمهَا فِي الْبَيْت نسبهما إِلَى أبي عَليّ وَإِن لم يذكر حكم الْجُمْلَة بعد حَيْثُ فِي الْآيَة أَبُو عَليّ. وَقَالَ الشَّارِح الْمُحَقق: الأولى أَن يكون مُضَافا وَلَا مَانع من إِضَافَته وَهُوَ اسمٌ لَا ظرف إِلَى الْجُمْلَة كَمَا فِي ظروف الزَّمَان وَذَلِكَ نَحْو قَوْله تَعَالَى: يَوْم ينفع الصَّادِقين صدقهم. وعَلى هَذَا أَيْضا يكون الْخَبَر محذوفاً يقدر بعد يتذلل أَي: فِيهِ. وَقَوله: إِنَّا لنضرب رَأس كل قبيلةٍ يَقُول: نَحن فِي الطّرف الْأَعْلَى من الْعِزّ وَأَنْتُم فِي نِهَايَة الذل وَالْعجز. والأتان: أُنْثَى الْحمار. ويتقمل: يقتل قمله. وَقَوله: يهز الهرانع إِلَخ تَفْسِير لقَوْله: يتقمل. ويهز: مضارع وهز يهز هزةً ووهزاً إِذا نزع القملة وقصعها أَوله وثالثه زاء مُعْجمَة. والهرانع: مفعول يهز مقدم جمع هرنع بِكَسْر الْهَاء وَسُكُون الرَّاء الْمُهْملَة وَكسر النُّون بعْدهَا عين مُهْملَة وَهُوَ الْقمل الْوَاحِدَة هرنعة. قَالَ الشَّاعِر: فِي رَأسه هرانع كالجعلان كَذَا قَالَ ابْن دُرَيْد. وَقَالَ اللَّيْث: الهرنوع كعصفور: القملة الضخمة وَيُقَال: هِيَ الصَّغِيرَة. وَأنْشد الْبَيْت. فَيكون الْجمع على حذف الزَّائِد. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الهرنع كقنفذ والهرنوع: القملة الصَّغِيرَة.

وعقده فَاعل يهز وَهُوَ بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الْقَاف وَالضَّمِير رَاجع لقَوْله: وَأَبُوك. وَفَسرهُ ابْن حبيب فِي شرح المناقضات وَابْن قُتَيْبَة فِي أَبْيَات الْمعَانِي وَقَالا: يَعْنِي عقدَة الثَّلَاثِينَ وَهُوَ هَيْئَة تنَاول القملة بإصبعين: الْإِبْهَام والسبابة. وَرَوَاهُ الصَّاغَانِي فِي الْعباب فِي مَادَّة وهز عَن شمر كَذَا: (يهز الهرانع لَا يزَال ويفتلي ... بأذل حَيْثُ يكون من يتذلل) ففاعل يهز على هَذَا ضمير أَبوك. وَاعْلَم أَن الْعُقُود وَالْعقد نوع من الْحساب يكون بأصابع الْيَدَيْنِ يُقَال لَهُ: حِسَاب الْيَد. وَقد ورد مِنْهُ فِي الحَدِيث: وَعقد عقد تسعين. وَقد ألفوا فِيهِ كتبا وأراجيز مِنْهَا أرجوزة أبي الْحسن عَليّ الشهير بِابْن المغربي. وَقد شرحها عبد الْقَادِر بن عَليّ بن شعْبَان الْعَوْفِيّ وَمِنْهَا فِي عقد الثَّلَاثِينَ الرجز: (واضممهما عِنْد الثَّلَاثِينَ ترى ... كقابض الإبرة من فَوق الثرى)) قَالَ شارحها: أَشَارَ إِلَى أَن الثَّلَاثِينَ تحصل بِوَضْع إبهامك إِلَى طرف السبابَة أَي: جمع طرفيهما كقابض الإبرة. وَعند الخصى ظرف لقَوْله يهز. وَقَوله: بأذل الْبَاء بِمَعْنى فِي مُتَعَلقَة بِمَحْذُوف على أَنه حَال من ضمير عقده. يَقُول: نَحن لعزنا وكثرتنا نحارب كل قَبيلَة ونقطع رؤوسها وَأَبُوك لذله وعجزه يقتل قمله خلف أتانه فَهُوَ يتَنَاوَل قملة بإصبعه من بَين أفخاذه حَالَة كَونه جَالِسا فِي أَحْقَر

(الشاهد الثامن والتسعون بعد الأربعمائة)

مَوضِع يجلس فِيهِ الذَّلِيل وَهُوَ خلف الأتان. فَنحْن نقْتل الْأَبْطَال وَأَبُوك يقتل الْقمل والصئبان فشتان مَا بيني وَبَيْنك. وَهَذِه القصيدة مطْلعهَا: وَيَأْتِي شَرحه أَن شَاءَ الله فِي الصّفة المشبهة. وترجمة الفرزدق قد تقدّمت فِي الشَّاهِد الثَّلَاثِينَ من أَوَائِل الْكتاب. وَأنْشد بعده 3 - (الشَّاهِد الثَّامِن وَالتِّسْعُونَ بعد الأربعمائة) الوافر: (نهيتك عَن طلابك أم عمرٍ و ... بعاقبةٍ وَأَنت إذٍ صَحِيح) على أَن التَّنْوِين اللَّاحِق ل إِذْ عوضٌ عَن الْجُمْلَة وَالْأَصْل: وَأَنت إِذْ الْأَمر ذَاك وَفِي ذَلِك الْوَقْت. وَكَذَا أوردهُ صَاحب الْكَشَّاف فِي سُورَة ص. اسْتشْهد بِهِ على أَن أوانٍ فِي قَوْله: طلبُوا صلحنا ولات أوانٍ بني على الْكسر تَشْبِيها ب إِذْ فِي أَنه زمَان قطع مِنْهُ الْمُضَاف إِلَيْهِ وَعوض

عَنهُ التَّنْوِين وَكسر لالتقاء الساكنين. وَرُوِيَ أَيْضا: وَأَنت إِذا صَحِيح فَيكون التَّنْوِين فِيهِ أَيْضا عوضا عَن الْمُضَاف إِلَيْهِ الْجملِي عِنْد الشَّارِح الْمُحَقق وَيكون الأَصْل وَأَنت إِذْ نهيتك كَمَا قَالَ فِي قَوْله تَعَالَى: فعلتها إِذا وَأَنا من الضَّالّين. وَالْمَشْهُور أَنَّهَا فِي مثله للجواب وَالْجَزَاء. وَعَلِيهِ مَشى المرزوقي فِي شرح الهذليين قَالَ: رَوَاهُ الْبَاهِلِيّ: وَأَنت إِذا صَحِيح. وَتَكون إِذا للْحَال كَأَنَّهُ يَحْكِي مَا كَانَ. وَالْمرَاد: (فَإنَّك إِن ترى عرصات جملٍ ... بعاقبةٍ فَأَنت إِذا سعيد) قَالَ سِيبَوَيْهٍ: إِن إِذا جوابٌ وَجَزَاء وَإِذا كَانَ كَذَلِك فَفِي الْفَاء مَعَ مَا بعْدهَا الْجَزَاء فَمَا معنى إِذا فَإِن ذَلِك عِنْدِي لتوكيد الْجَزَاء كَمَا أَن الْيَاء فِي قَوْله الرجز: والدهر بالإنسان دواري لتوكيد الصّفة. انْتهى. وَقَوله قبل الْبَيْت: وَقَوله هُوَ بِالْجَرِّ مَعْطُوف على مَدْخُول الْكَافِي فِي قَوْله تَعَالَى: وكلاًّ آتَيْنَا.

وَاعْلَم أَن الشَّارِح الْمُحَقق قد دقق النّظر فِي نَحْو: يَوْمئِذٍ فَجعل إِذْ بَدَلا من) الظّرْف قبله فَيكون يَوْم وَنَحْوه غير مُضَاف إِلَى إِذْ. وَحِينَئِذٍ يرد عَلَيْهِ: مَا وَجه حذف التَّنْوِين من الظّرْف الأول وَمن قَالَ بِالْإِضَافَة كالجمهور فَحذف التَّنْوِين ظَاهر. وَيجوز فِيهِ الْبناء على الْفَتْح وَالْإِعْرَاب على حسب الْعَامِل. قَالَ ابْن السراج فِي الْأُصُول: واسماء الزَّمَان إِذا أضيفت إِلَى اسْم مَبْنِيّ جَازَ أَن تعربها وَجَاز أَن تبنيها وَذَلِكَ نَحْو: يَوْمئِذٍ بِالرَّفْع ويومئذ بِالْفَتْح فيقراً على هَذَا إِن شِئْت: من عَذَاب يومئذٍ بِالْجَرِّ وَمن عَذَاب يومئذٍ بِالْفَتْح. اه. وَقد قرر الشَّارِح الْمُحَقق هَذَا فِيمَا سَيَأْتِي وتنبه لهَذَا الِاعْتِرَاض فَأجَاب عَنهُ بِأَن الْإِعْرَاب لعروض عِلّة الْبناء أَعنِي الْإِضَافَة إِلَى الْجمل وَالْبناء لوُقُوع إِذْ الْمَبْنِيّ موقع الْمُضَاف إِلَيْهِ لفظا. وَقَوله: وَالَّذِي يَبْدُو لي أَن هَذِه الظروف الَّتِي كَأَنَّهَا فِي الظَّاهِر مُضَافَة إِلَى إِذْ لَيست مُضَافَة إِلَيْهِ بل إِلَى الْجمل المحذوفة هَذَا مُمكن فِي يَوْم وَحين فَإِنَّهُمَا يجوز إضافتهما إِلَى الْجمل وَقد سمع. وَأما سَاعَة وَلَيْلَة وغداة وَعَشِيَّة وعاقبة فَإِنَّهَا لَيست من الظروف الَّتِي يجوز إضافتها إِلَى الْجمل لِأَنَّهُ لم يسمع فَكيف يُقَال إِنَّهَا تُضَاف إِلَى الْجمل وَإِذ بدل مِنْهَا فَلَمَّا حذفت الْجُمْلَة المضافة إِلَيْهَا إِذْ عوض التَّنْوِين عَنْهَا

وَقد وجد بِخَط صَاحب الْقَامُوس تركيب هَذِه الظروف مَعَ إِذْ قَالَ: لَا يُضَاف إِلَى إِذْ من الظروف فِي كَلَام الْعَرَب غير سَبْعَة أَلْفَاظ وَهِي: يَوْمئِذٍ وَحِينَئِذٍ وساعتئذ وليلتئذ وغداتئذ وعشيتئذٍ وعاقبتئذٍ. اه. قيل: وَمُقْتَضَاهُ أَنه لَا يُقَال وقتئذ وَلَا شهرئذ وَلَا سنتئذ. وَقد ورد أوانئذٍ فِي شعر الدَّاخِل بن حرَام الهزلي قَالَ الوافر: (دلفت لَهَا أوانئذٍ بسهمٍ ... حليفٍ لم تخونه الشروج) والدليف: سير فِيهِ إبطاء. وحليف: حَدِيد. وتخونه: تنقصه. والشروج: الشقوق والصدوع. وَزعم الْأَخْفَش أَن إِذْ مُعرب مجرور بِإِضَافَة مَا قبله إِلَيْهِ. قَالَ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي: وَزعم الْأَخْفَش أَن إِذْ فِي ذَلِك معربة لزوَال افتقارها إِلَى الْجُمْلَة وَأَن الكسرة إِعْرَاب لِأَن الْيَوْم مُضَاف إِلَيْهَا. ورد بِأَن بناءها لوضعها على حرفين وَبِأَن الافتقار بَاقٍ فِي الْمَعْنى كالموصول تحذف صلته لدَلِيل. قَالَ مجزوء الْكَامِل: (نَحن الألى فاجمع جمو ... عك ثمَّ جهزهم إِلَيْنَا)

أَي: نَحن الألى عرفُوا. وَبِأَن الْعِوَض ينزل منزلَة المعوض مِنْهُ فَكَانَ الْمُضَاف إِلَيْهِ مَذْكُور وَبِقَوْلِهِ: وَأَنت إِذْ صَحِيح. وَأجَاب عَن هَذَا بِأَن الأَصْل حِينَئِذٍ ثمَّ حذف الْمُضَاف وَبَقِي الْجَرّ كَقِرَاءَة بَعضهم: وَالله يُرِيد الْآخِرَة أَي: ثَوَاب الْآخِرَة. اه. وَهَذَا مَعَ أَنه لَا قرينَة عَلَيْهِ لَا يُفِيد شَيْئا) لوُجُود مُقْتَضى الْبناء فِيهِ. وَقد سَهَا سَهوا بَينا شَارِح شَوَاهِد الْمُغنِي فَقَالَ: الْبَيْت اسْتشْهد بِهِ الْأَخْفَش على أَن إذٍ معربة لعدم إِضَافَة زمَان إِلَيْهَا وَقد كسرت. وَأجِيب بِأَن الأَصْل وَأَنت حِينَئِذٍ ثمَّ حذف الْمُضَاف وَبَقِي الْجَرّ. هَذَا كَلَامه. وَلَا يخفى أَن الْأَخْفَش لم يستشهد بِالْبَيْتِ وَإِنَّمَا اسْتشْهد بِهِ عَلَيْهِ فَأجَاب بِأَن الْحِين مِنْهُ مَحْذُوف. وَهُوَ غير قَائِل بِأَن إِذْ معربة لعدم الْإِضَافَة. وَقد تكلم ابْن جني فِي سر الصِّنَاعَة على يَوْمئِذٍ بِبَيَان وافٍ وَإِن كَانَ على خلاف طَريقَة الشَّارِح الْمُحَقق فَلَا بَأْس بإيراده مُخْتَصرا قَالَ: من وُجُوه التَّنْوِين أَن يلْحق عوضا من الْإِضَافَة نَحْو: يَوْمئِذٍ وليلتئذ وساعتئذ وَحِينَئِذٍ وَكَذَلِكَ قَول الشَّاعِر: وَأَنت إذٍ صَحِيح وَإِنَّمَا أصل هَذَا أَن تكون إِذْ مُضَافَة إِلَى جملَة نَحْو: جئْتُك إِذْ زيد أَمِير وَقمت إِذا قَامَ زيد فَلَمَّا اقتطع الْمُضَاف إِلَيْهِ إِذْ عوض مِنْهُ التَّنْوِين فَدخل وَهُوَ سَاكن على الذَّال وَهِي سَاكِنة فَكسرت الذَّال لالتقاء الساكنين

فَقيل: يَوْمئِذٍ. وَلَيْسَت الكسرة كسرة إِعْرَاب وَإِن كَانَت إِذْ فِي مَوضِع جر بِإِضَافَة مَا قبلهَا إِلَيْهَا. وَإِنَّمَا الكسرة فِيهَا لسكونها وَسُكُون التَّنْوِين بعْدهَا وَيدل على أَن الْكسر فِي ذال إِذْ إِنَّمَا هِيَ لالتقاء الساكنين قَول الشَّاعِر: وَأَنت إذٍ صَحِيح أَلا ترى أَن إِذا لَيْسَ فبلها شَيْء فَأَما قَول أبي الْحسن أَنه جر إِذْ لِأَنَّهُ أَرَادَ قبلهَا حِين ثمَّ حذفهَا وَبَقِي الْجَرّ فساقط. أَلا ترى أَن الْجَمَاعَة قد أَجمعت على أَن إِذْ وكم ومن من الْأَسْمَاء المبنية على الْوَقْف. وَقد قَالَ أَبُو الْحسن نَفسه فِي بعض التَّعَالِيق عَنهُ فِي حَاشِيَة الْكتاب: بعد كم وإِذْ من التَّمَكُّن أَن الْإِعْرَاب لم يدخلهما قطّ. فَهَذَا تَصْرِيح مِنْهُ بِبِنَاء إِذْ وَهُوَ اللَّائِق بِهِ وَالْأَشْبَه باعتقاده وَذَلِكَ القَوْل الَّذِي حكيناه عَنهُ شَيْء قَالَه فِي كِتَابه الموسوم بمعاني الْقُرْآن وَإِنَّمَا هُوَ شَبيه بالسهو مِنْهُ. على أَن أَبَا عَليّ قد اعتذر لَهُ مِنْهُ بِمَا يكَاد يكون عذرا. قلت: أورد هَذَا الْعذر فِي آخر إِعْرَاب الحماسة: قَالَ: سَأَلت أَبَا عَليّ عَن قَوْله: وَأَنت إذٍ صَحِيح فَقلت: قد قَالَ أَبُو الْحسن: إِنَّه أَرَادَ حِينَئِذٍ فَهَذَا تَفْسِير الْمَعْنى أم تَقْدِير الْإِعْرَاب على أَن تكون إِذْ مجرورة بِحِين المرادة المحذوفة فَقَالَ: لَا بل إِنَّمَا فسر الْمَعْنى وَلَا يُرِيد أَن إِذْ مجرورة بِحِين المرادة. وَالَّذِي قَالَه أَبُو عَليّ أجري على مقاييس مَذَاهِب أَصْحَابنَا غير أَن كَلَام أبي الْحسن ظَاهره هُنَاكَ أَنه يُرِيد مَا عدل أَبُو عَليّ عَنهُ. انْتهى.

ثمَّ قَالَ ابْن جني: وَيُؤَيّد مَا ذكرته من بِنَاء إِذْ أَنَّهَا إِذا أضيفت مَبْنِيَّة نَحْو قَوْله: إِذْ الأغلال فِي) أَعْنَاقهم وإِذْ يرفع إِبْرَاهِيم الْقَوَاعِد من الْبَيْت فَإِذا فِي هَذَا وَنَحْوه مُضَافَة إِلَى الْجمل بعْدهَا وموضعها نصب وَهِي كَمَا ترى مَبْنِيَّة. فَإِذا كَانَت فِي حَال إضافتها إِلَى الْجمل كلا إِضَافَة لِأَن من حق الْإِضَافَة أَن تقع على الْأَفْرَاد فَهِيَ إِذا لم تضف فِي اللَّفْظ أصلا أَجْدَر بِاسْتِحْقَاق الْبناء. ويزيدك وضوحاً قِرَاءَة الْكسَائي: من عَذَاب يومئذٍ فَبنِي يَوْم على الْفَتْح لما أَضَافَهُ إِلَى مَبْنِيّ غير مُتَمَكن. فَإِن قيل: بنيت إِذْ من حَيْثُ كَانَت غَايَة مُنْقَطِعًا مِنْهَا مَا أضيفت إِلَيْهِ أَو من حَيْثُ إضافتها إِلَى جملَة تجْرِي الْإِضَافَة إِلَيْهَا مجْرى لَا إِضَافَة فَهَلا أعربت لما أضيفت إِلَى الْمُفْرد فِي نَحْو قَوْلهم: فعلت إِذْ ذَاك قلت: هَذِه مغالطة فَإِن ذَاك لَيْسَ مجروراً بِإِضَافَة إِذْ إِلَيْهِ وَإِنَّمَا ذَاك مُبْتَدأ حذف خَبره تَخْفِيفًا وَالتَّقْدِير: إِذْ ذَاك كَذَاك. فالجملة هِيَ الَّتِي فِي مَوضِع الْجَرّ. وَنَظِير هَذَا مَا ذهب إِلَيْهِ أَبُو الْعَبَّاس الْمبرد فِي قَول الآخر الْخَفِيف: (طلبُوا صلحنا ولات أوانٍ ... فأجبنا أَن لَيْسَ حِين بَقَاء)

وَذَلِكَ إِلَى أَنه ذهب إِلَى كسرة أَوَان لَيست إعراباً وَلَا أَن التَّنْوِين الَّذِي بعْدهَا هُوَ التَّابِع لحركات الْإِعْرَاب وَإِنَّمَا تَقْدِيره عِنْده أَن أَوَان بِمَنْزِلَة إِذْ فِي أَن حكمه أَن يُضَاف إِلَى الْجُمْلَة نَحْو: جئْتُك أَوَان قَامَ زيد وَأَوَان الْحجَّاج أميرٍ أَي: إِذْ ذَاك كَذَاك فَلَمَّا حذف الْمُضَاف إِلَيْهِ أَوَان عوض من الْمُضَاف إِلَيْهِ تنويناً. وَالنُّون عِنْده كَانَت فِي التَّقْدِير سَاكِنة فَلَمَّا لقيها التَّنْوِين سَاكِنا كسرت النُّون هَذَا أَوَان الشد فاشتدي زيم وَقَوله: فَهَذَا أَوَان الْعرض وَغير ذَلِك. فَإِن قيل: فَإِذا كَانَ الْأَمر كَذَلِك فَهَلا حركوا التَّنْوِين فِي يَوْمئِذٍ وَأَوَان وَلم حركوا آخِره دون التَّنْوِين فَالْجَوَاب: أَنهم لَو فعلوا ذَلِك لوَجَبَ أَن يَقُولُوا: إِذن فَيُشبه النُّون الزَّائِد النُّون الْأَصْلِيّ وَلما أمكنهم أَن يفعلوه فِي أَوَان لأَنهم لَو آثروا إسكان النُّون لما قدرُوا على ذَلِك لِأَن الْألف سَاكِنة قبلهَا وَكَانَ يلْزمهُم من ذَلِك أَن يكسروا النُّون لسكونها وَسُكُون الْألف ثمَّ يَأْتِي

التَّنْوِين بعدهمَا فَكَانَ لَا بُد أَيْضا من أَن يَقُولُوا: أوانن. فَإِن قيل: فَلَعَلَّ على هَذَا كسرهم النُّون من أَوَان إِنَّمَا هُوَ لسكونها وَسُكُون الْألف قبلهَا دون أَن يكون كسرهم إِيَّاهَا لسكونها وَسُكُون التَّنْوِين بعْدهَا فَالْجَوَاب مَا تقدم من كسرهم ذال إِذْ لسكونها وَسُكُون التَّنْوِين بعْدهَا. فعلى هَذَا يَنْبَغِي أَن يحمل كسر النُّون من أَوَان لِئَلَّا يخْتَلف الْبَاب. وَلِأَن أَوَان أَيْضا لم ينْطق بِهِ قبل) لحاق التَّنْوِين لنونه فَيقدر مكسور النُّون لسكونها وَسُكُون الْألف قبلهَا إِنَّمَا حذف مِنْهُ الْمُضَاف إِلَيْهِ وَعوض التَّنْوِين عقيب ذَلِك فَلم يُوجد لَهُ زمن تلفظ بِهِ بِلَا تَنْوِين فَيلْزم الْقَضَاء بِأَن نونه إِنَّمَا كسرت لسكون الْألف قبلهَا. فاعرف ذَلِك من مَذْهَب الْمبرد. وَأما الْجَمَاعَة إِلَّا أَبَا الْحسن والمبرد فَعندهَا أَن أَوَان مجرورة بلات وَأَن ذَلِك لُغَة شَاذَّة. انْتهى كَلَام لبن جني. وَالْبَيْت من مَقْطُوعَة تِسْعَة أَبْيَات لأبي ذُؤَيْب الْهُذلِيّ أَولهَا الوافر: (جمالك أَيهَا الْقلب القريح ... ستلقى من تحب فتستريح) نهيتك عَن طلابك أم عمرٍ و ... ... ... ... . . الْبَيْت (وَقلت: تجنبن سخط ابْن عمٍّ ... ومطلب شلةٍ وَهِي الطروح) وَقَوله: جمالك إِلَخ قَالَ الإِمَام المرزوقي فِي شَرحه: يجوز أَن يكون

المُرَاد: الزم جمالك الَّذِي عرف مِنْك وعهد فِيمَا تدفع إِلَيْهِ وتمتحن بِهِ أَي: صبرك المألوف الْمَشْهُور. وَيجوز أَن يكون الْمَعْنى: تصبر وَافْعل مَا يكون حسنا بك. والمصادر يُؤمر بهَا توسعاً مُضَافَة ومفردة. وَهَذَا الْكَلَام بعثٌ على مُلَازمَة الْحسنى وتحضيض ووعد النجاح فِي العقبى وتقريب. وَقَوله: نهيتك عَن طلابك إِلَخ قَالَ الإِمَام المرزوقي: يذكر قلبه بِمَا كَانَ من وعظه لَهُ فِي ابْتِدَاء الْأَمر وزجره من قبل استحكام الْحبّ فَيَقُول: دفعتك عَن طلب هَذِه الْمَرْأَة بعاقبة أَي: بآخر مَا وصيتك بِهِ. هَذَا كَمَا تَقول لمن تعتب عَلَيْهِ فِيمَا لم يقبله: كَانَ آخر كَلَامي مَعَك تحذيرك مَا تقاسيه السَّاعَة وَلست تُرِيدُ أَن تِلْكَ الوصاة كَانَت مؤخرة عَن غَيرهَا ومردفة سواهَا مِمَّا هُوَ أهم مِنْهَا وَلكنه تنبه على أَن الْكَلَام كَانَ مَقْصُورا عَلَيْهَا أَولا وآخراً. وَيجوز أَن يكون الْمَعْنى: نهيتك عَن طلبَهَا بِذكر مَا يُفْضِي أَمرك إِلَيْهِ وتدور عاقبتك عَلَيْهِ وَأَنت بعد سليم تقدر على التملس مِنْهَا وتملك أَمرك وشأنك فِي حبها. وَكَأَنَّهُ كَانَ رأى لتِلْك الْحَالة عواقب مذمومة تحصل كل وَاحِدَة على طَرِيق الْبَدَل من صاحبتها وَكَانَ ذكرهَا كلهَا فَلذَلِك نكر الْعَاقِبَة. وَيجوز أَن يُرِيد: نهيتك بعقب مَا طلبتها أَي: كَمَا طلبتها زجرتك عَن

قريب لِأَن مبادئ الْأُمُور تكون ضَعِيفَة فيسهل فِيهَا كثير مِمَّا يصعب من بعد وَهَذَا أقرب الْوُجُوه فِي نَفسِي. وَالْعرب تَقول: تغير فلانٌ بعاقبة أَي: عَن قريب بعقب مَا عهد عَلَيْهِ قبل. انْتهى. فَظهر من هَذَا أَن عَاقِبَة بِالْقَافِ وَالْمُوَحَّدَة. وَكَذَا هِيَ فِي رِوَايَة أبي بكر الْقَارِي شَارِح أشعار الهذليين قبل الإِمَام المرزوقي وَهِي عِنْدِي بِخَطِّهِ وَعَلَيْهَا خطوط عُلَمَاء الْعَرَبيَّة. مِنْهُم أَحْمد بن فَارس صَاحب الْمُجْمل فِي اللُّغَة وفسرها) الْقَارِي بقوله: آخر الشَّأْن. وَالْبَاء على الْمعَانِي الثَّلَاثَة مُتَعَلقَة بنهيتك. وَحَملَة وَأَنت صَحِيح حَال من الْكَاف فِي نهيتك. وصحفها الدماميني فِي الْحَاشِيَة الْهِنْدِيَّة على الْمُغنِي بِالْفَاءِ والمثناة التَّحْتِيَّة فَجعل الْبَاء مُتَعَلقَة بِمَحْذُوف على أَنه حَال من إِحْدَى الكافين كالجملة الاسمية وَجوز أَيْضا أَن تكون الْبَاء مُتَعَلقَة بنهيتك وَقَالَ: أَي: نهيتك عَن حَال عَاقِبَة. والاسمية حَال من التَّاء. أَقُول: لَا يَصح كَونهَا حَالا من التَّاء لِأَنَّهَا صفة للمخاطب لَا للمتكلم. فَتَأمل. وَقَوله: وَقلت تجنبن إِلَخ قَالَ الإِمَام المرزوقي: رُوِيَ لنا عَن

(الشاهد التاسع والتسعون بعد الأربعمائة)

الدريدي عَن أبي يزِيد وَعَن الزيَادي: شلة بِضَم الشين قَالَ: وَكَذَا قرأته بِخَط ذِي الرمة. وَكَذَا رَوَاهُ الْبَاهِلِيّ أَيْضا. وَرُوِيَ: شلة بِفَتْح الشين وهما جَمِيعًا من الشل: الطَّرْد كَأَنَّهُ يعدد مَا كَانَ يحذرهُ مِنْهُ ويعرفه أَن نتائجه كَانَ عَالما بهَا فلهَا مَا كَانَ ينفره. وَالْمعْنَى أَن طَلَبك لَهَا يجلب عَلَيْك مراغمة أَبنَاء عمك ويسوقك إِلَى التَّعَب فِيمَا يبعد عَنْك وَلَا يجدي عَلَيْك. والطروح: الْبَعِيدَة. وروى بَعضهم: وَنوى طروح أَي: تطرح أَهلهَا فِي أقاصي الأَرْض. وَكَأَنَّهُ أَرَادَ: وَنوى طروح ذَاك لِأَن القوافي مَرْفُوعَة. اه. وترجمة أبي ذُؤَيْب الْهُذلِيّ تقدّمت فِي الشَّاهِد السَّابِع وَالسِّتِّينَ من أَوَائِل الْكتاب. وَأنْشد بعده 3 - (الشَّاهِد التَّاسِع وَالتِّسْعُونَ بعد الأربعمائة) وَهُوَ من شَوَاهِد س الطَّوِيل: (على حِين عاتبت المشيب على الصِّبَا ... فَقلت: ألما تصح والشيب وازع) على أَنه يجوز إِعْرَاب حِين بِالْجَرِّ لعدم لُزُومهَا للإضافة إِلَى الْجُمْلَة

وَيجوز بناؤها على الْفَتْح لاكتسابها الْبناء من إضافتها إِلَى الْمَبْنِيّ وَهُوَ جملَة عاتبت. وَأوردهُ صَاحب الْكَشَّاف عِنْد قِرَاءَة نَافِع وَالْكسَائِيّ: وَمن خزي يومئذٍ بِفَتْح الْمِيم شَاهدا على اكْتِسَاب الْمُضَاف الْبناء من الْمُضَاف إِلَيْهِ. وَالْبَيْت من قصيدة للنابغة الذبياني وَقد تقدّمت مشروحة بِتَمَامِهَا فِي الشَّاهِد (فأسبل مني عِبْرَة فرددتها ... على النَّحْر مِنْهَا مستهلٌّ ودامع) وفاعل أسبل ضمير ذُو حسًى فِي بَيت من مطلع القصيدة بِضَم الْحَاء وَالسِّين الْمُهْمَلَتَيْنِ وَهُوَ بلد فِي بِلَاد بن مرّة. وعبرة: مفعول أسبل يُقَال: أسبل الرجل المَاء أَي: صبه. وَالْعبْرَة بِالْفَتْح: الدمعة. وَإِنَّمَا ردهَا خوف الفضيحة فَإِنَّهُ يبكي على دَار الحبيب الدارسة وَهُوَ شيخ. وعَلى النَّحْر مُتَعَلق بأسبل وَيجوز أَن يتَعَلَّق برددتها على وَجه. والنحر مَوضِع القلادة من الصَّدْر والدمعة تجْرِي على الخدود ثمَّ تسيل مِنْهَا على النَّحْر. ومستهل: سَائل منصب لَهُ وَقع. وَمِنْه) استهلت السَّمَاء بالمطر إِذا دَامَ مطرها. ودامع: قاطر. وَجُمْلَة مِنْهَا مستهل صفة لعبرة أَي: بَعْضهَا مستهل وَبَعضهَا دامع.

وَقَوله: على حِين عاتبت إِلَخ على بِمَعْنى فِي مُتَعَلقَة بأسبل. وعاتبه على كَذَا أَي: لامه مَعَ تسخط بِسَبَبِهِ. فعلى الصِّبَا مُتَعَلق بعاتبت. وَالصبَا بِالْكَسْرِ وَالْقصر: اسْم الصبوة وَهِي الْميل إِلَى هوى النَّفس. والمشيب: الشيب وَهُوَ ابيضاض الشّعْر المسود وَيَأْتِي بِمَعْنى الدُّخُول فِي حد الشيب. وَقَوله: فَقلت أَي: للمشيب مَعْطُوف على عاتبت. وَجُمْلَة: ألما تصح إِلَخ مقول القَوْل. والهمزة للإنكار وَلما: جازمة بِمَعْنى لم وفيهَا توقع لِأَن صحوه متوقع. وَتَصِح مجزوم بِحَذْف الْوَاو من صَحا يصحو إِذا زَالَ سكره. وَجُمْلَة والشيب وازع: حَال من فَاعل تصح. ووازع بالزاي الْمُعْجَمَة: الزاجر وَالْكَاف. تَقول: وزع (إِذا لم يَزع ذَا الْجَهْل حلمٌ وَلَا تقى ... فَفِي السَّيْف وَالتَّقوى لذِي الْجَهْل وازع) وروى أَبُو عُبَيْدَة: ألما أصح بِالْهَمْزَةِ بدل التَّاء. وَقد تقدّمت تَرْجَمَة النَّابِغَة الذبياني فِي الشَّاهِد الرَّابِع بعد الْمِائَة. وَأنْشد بعده الْبَسِيط: (لم يمْنَع الشّرْب مِنْهَا غير أَن نطقت ... حمامةٌ فِي غصونٍ ذَات أوقال) على أَن غيراً بنيت على الْفَتْح لإضافتها إِلَى مَبْنِيّ وَبَينه الشَّارِح الْمُحَقق مَعَ أَنَّهَا فَاعل لم يمْنَع.

وَقد روى الرّفْع أَيْضا على الأَصْل: قَالَ سِيبَوَيْهٍ فِي بَاب مَا تكون أَن وأنّ مَعَ صلتهما بِمَنْزِلَة غَيرهمَا من السَّمَاء: حَدثنَا أَبُو الْخطاب أَنه سمع من الْعَرَب الموثوق بهم من ينشد هَذَا الْبَيْت رفعا: (لم يمْنَع الشّرْب مِنْهَا غير أَن نطقت ... الْبَيْت) وَزَعَمُوا أَن أُنَاسًا ينصبون هَذَا كنصب بَعضهم يَوْمئِذٍ فِي كل مَوضِع فَكَذَلِك غير أَن نطقت. وكما قَالَ النَّابِغَة: على حِين عاتبت المشيب على الصِّبَا انْتهى. وَتقدم شَرحه قَرِيبا. وَأنْشد بعده (ونطعنهم حَيْثُ الكلى بعد ضَربهمْ ... ببيض المواضي حَيْثُ لي العمائم) على أَن إِضَافَة حَيْثُ إِلَى مُفْرد نادرة فَتكون حَيْثُ بِمَعْنى مَكَان ولي مجرور بِإِضَافَة حَيْثُ إِلَيْهِ وَهُوَ مصدر لوى الْعِمَامَة على رَأسه أَي: وَمَكَان لف العمائم هُوَ الرَّأْس. قَالَ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي: وندرت إِضَافَة حَيْثُ إِلَى الْمُفْرد كَهَذا الْبَيْت. وَالْكسَائِيّ يقيسه. وأندر من ذَلِك) إضافتها إِلَى جملَة محذوفة كَقَوْلِه

الطَّوِيل: (إِذا ريدةٌ من حَيْثُ مَا نفحت لَهُ ... أَتَاهُ برياها خليلٌ يواصله) أَي: إِذا ريدة نفحت لَهُ من حَيْثُ هَب وَذَلِكَ لِأَن ريدة فَاعل بِمَحْذُوف يفسره نفحت فَلَو كَانَ نفحت مُضَافا إِلَيْهِ حَيْثُ لزم بطلَان التَّفْسِير إِذْ الْمُضَاف إِلَيْهِ لَا يعْمل فِيمَا قبل الْمُضَاف فَلَا يُفَسر عاملاٌ فِيهِ. قَالَ أَبُو الْفَتْح فِي كتاب التَّمام: وَمن أضَاف حَيْثُ إِلَى الْمُفْرد أعْربهَا. انْتهى. وَقَالَ الْعَيْنِيّ: إِن حَيْثُ لم يضف فِي الْبَيْت إِلَى جملَة فَيكون معرباً وَمحله النصب على الحالية. انْتهى. يُرِيد مَا ذكره أَبُو الْفَتْح من أَنَّهَا إِذا أضيفت إِلَى مُفْرد أعربت فَتكون مَنْصُوبَة لفظا على الظَّرْفِيَّة وعاملها مُقَدّر مَنْصُوب على الحالية كَمَا قَالُوا مثله فِي: رَأَيْت الْهلَال بَين السَّحَاب. هَذَا مُرَاده. وَقَالَ شَارِح شَوَاهِد الْمُغنِي: الصَّوَاب أَنَّهَا ظرف لضرب لَا حَال فَإِنَّهَا ظرف مَكَان كَمَا أَن تَحت ظرف مَكَان لنطعنهم. وَلم يفهم ابْن الملا الْحلَبِي فِي شرح الْمُغنِي عبارَة الْعَيْنِيّ وزيفها وَهَذَا كَلَامه. وَمن خطه نقلت: وَقَول الْعَيْنِيّ هُنَا أَن حَيْثُ حَيْثُ لم

تضف إِلَى جملَة معربة محلهَا النصب على الْحَال مَرْدُود إِذْ لَا معنى لجعل إعرابها محلياً مَعَ الحكم عَلَيْهَا بِأَنَّهَا معربة. انْتهى. وَقَول شَارِح أَبْيَات الْمُغنِي كَمَا أَن تَحت ظرف مَكَان لنطعنهم. هَذِه رِوَايَة الْعَيْنِيّ أَخذهَا مِنْهُ فَإِن صَاحب الْمُغنِي لم يُورد إِلَّا المصراع الثَّانِي. وَالْمَشْهُور فِي شرح الْمفصل وَغَيره أَن الرِّوَايَة حَيْثُ الحبا قَالَ ابْن المستوفي فِي شرح أَبْيَات الْمفصل: يجوز أَن يكون حَيْثُ مُضَافا إِلَى الحبا على حد حَيْثُ: لي العمائم إِلَّا أَنه لَا يظْهر فِيهِ الْإِعْرَاب. والحبا: جمع حبوة وَهُوَ أَن يجمع الرجل ظَهره وساقيه بعمامته وَقد يحتبي بيدَيْهِ. وفيهَا ضم الْحَاء وَفتحهَا. وَقَالَ الْجَوْهَرِي: وَالْجمع حبًى مكسور الأول عَن يَعْقُوب. وَالَّذِي أنْشدهُ شَيخنَا البحراني وَكتبه بِخَطِّهِ: الحبا بِضَم الْحَاء وبالألف. انْتهى. وَرِوَايَة الشَّارِح الْمُحَقق فِي جَمِيع نسخه: الكلى بدل الحبا. وبهذه الرِّوَايَة تمم المصراع الدماميني وَتَبعهُ ابْن الملا. وَهُوَ جمع كُلية والكلوة لُغَة فِيهِ. وَقَالَ ابْن السّكيت: وَلَا تقل كلوة أَي: بِكَسْر الْكَاف. وَالْمرَاد بالروايات الثَّلَاث الأوساط. ولكلٍّ كليتان وهما لحمتان لازقتان بِعظم الصلب عِنْد الخاصرتين. وَقَوله: ونطعنهم قَالَ صَاحب الْمِصْبَاح: طعنه بِالرُّمْحِ طَعنا من بَاب قتل. ثمَّ قَالَ: وطعنت فِيهِ بالْقَوْل وطعنت عَلَيْهِ من بَاب قتل أَيْضا وَمن بَاب نفع لُغَة. وَأَجَازَ الْفراء يطعن فِي جَمِيع مَعَانِيه بِالْفَتْح لمَكَان حرف الْحلق. وَفِي الْقَامُوس: طعنه بِالرُّمْحِ كمنعه وَنَصره طَعنا: ضربه وَفِيه بالْقَوْل

طَعنا. وَقَالَ شَارِح أَبْيَات الْمُغنِي: يُقَال: طعنه بِالرُّمْحِ) يطعنه بِالضَّمِّ فِي الْمُضَارع وَكَذَا كل مَا هُوَ حسي. وَأما الْمَنوِي كيطعن فِي النّسَب فبفتح الْعين. وَقَوله: بعد ضَربهمْ مصدر مُضَاف إِلَى الْمَفْعُول وَالْفَاعِل مَحْذُوف أَي: ضربنا إيَّاهُم. وَقَوله: ببيض المواضي بِالْكَسْرِ: جمع أَبيض وَهُوَ السَّيْف. والمواضي: جمع مَاض وَهُوَ الْقَاطِع الحاد وَالْإِضَافَة من بَاب إِضَافَة الْمَوْصُوف إِلَى الصّفة. وَقَالَ الْعَيْنِيّ: الْبيض بِفَتْح الْبَاء: الْحَدِيد. والمواضي: السيوف. أَرَادَ ضَربهمْ بحديد السيوف فِي رؤوسهم. وَيجوز كسر الْبَاء إِلَى آخر مَا ذكرنَا. وَلَا يَنْبَغِي لمثله أَن يسود وَجه الْوَرق الْأَبْيَض بِهَذِهِ الترهات. وَهَذَا الْبَيْت لم يعرف لَهُ قَائِل. قَالَ ابْن المستوفي: هَذَا الْبَيْت لَا يحسن أَن يكون من بَاب مَا يفتخر بِهِ لأَنهم إِذا ضربوهم مَكَان لي العمائم وَلم يموتوا واحتاجوا إِلَى أَن يطعنوهم مَكَان الحبا وَعَادَة الشجاع أَن يَأْتِي بِالضَّرْبِ بعد الطعْن فَهَذَا مِنْهُم فعل جبان خَائِف غير مُتَمَكن من قتل قرنه. وَإِنَّمَا الْجيد قَول بلعاء بن قيس من بني لَيْث بن كنَانَة الْبَسِيط: (وفارسٍ فِي غَمَرَات الْمَوْت منغمسٍ ... إِذا تألى عِلّة مكروهةٍ صدقا) (غَشيته وَهُوَ فِي جأواء باسلةٍ ... غَضبا أصَاب سَوَاء الرَّأْس فانفلقا)

. (بضربةٍ لم تكن مني مخالسة ... وَلَا تعجلتها جبنا وَلَا فرقا) فَانْظُر كَيفَ وصف قرنه بِمَا وصف بِهِ وَوصف مَوْضِعه وَبَالغ فِي وصفهما وَوصف ضَربته بِمَا يدل على جرأته وشجاعته. انْتهى. هَذَا وَلم يُورد الزَّمَخْشَرِيّ فِي الْمفصل هَذَا الْبَيْت بِتَمَامِهِ وَإِنَّمَا قَالَ: وَقد روى ابْن الْأَعرَابِي بَيْتا عَجزه: حَيْثُ لي العمائم قَالَ التبريزي فِي شرح الكافية: إِنَّمَا لم ينشد الْبَيْت بِتَمَامِهِ للِاخْتِلَاف فِي صَدره فبعضهم رَوَاهُ كَمَا ذكر وَبَعْضهمْ قَالَ: صَدره: (وَنحن سقينا الْمَوْت بِالسَّيْفِ معقلاً ... وَقد كَانَ مِنْهُم حَيْثُ لي العمائم) انْتهى. وَقَالَ ابْن المستوفي: وَمَا أنْشدهُ ابْن الْأَعرَابِي فقد قَالَ الأندلسي: وجدت أَنا تَمَامه فِي بعض حَوَاشِي الْمفصل وَهُوَ: (وَنحن قتلنَا بالشآم مغفلاً ... وَقد كَانَ منا حَيْثُ لي العمائم) قَالَ: وَلَا أعلم صِحَّته. وأوله على مَا أنشدنيه شَيخنَا مُحَمَّد بن يُوسُف البحراني:

ونطعنهم حَيْثُ الحبا بعد ضَربهمْ ... ... ... ... . . الْبَيْت) وَلم يتممه بعض فضلاء الْعَجم فِي شرح أَبْيَات الْمفصل إِلَّا بقوله: (وَنحن سقينا الْمَوْت بالشآم معقلاً ... وَقد كَانَ مِنْكُم حَيْثُ لي العمائم) وَقَالَ: الْمَعْنى وَنحن سقينا هَذَا الرجل وَهُوَ معقل كأس الْمَوْت بِهَذِهِ الْبَلدة وقتلناه وَقد كَانَ هَذَا الرجل مِنْكُم فَوق الرؤوس مِنْكُم أَي: كَانَ رئيسكم وعالياً عَلَيْكُم. وَقَالَ بعض الشَّارِحين: مَعْنَاهُ قد كَانَ المعقل مِنْكُم وَهُوَ الملجأ فِي مَكَان لي العمائم وَهُوَ الرَّأْس. وَهَذَا لَيْسَ بِظَاهِر. انْتهى. وَهَذَا الْبَيْت أَيْضا لم يعرف قَائِله. أَقُول: الْبَيْت الَّذِي رَوَاهُ ابْن الْأَعرَابِي غير ذَيْنك الْبَيْتَيْنِ. قَالَ الصَّاغَانِي فِي الْعباب: وروى ابْن الْأَعرَابِي بَيت كثير الطَّوِيل: (وهاجرةٍ يَا عز يلطف حرهَا ... لركبانها من حَيْثُ لي العمائم) (نصبت لَهَا وَجْهي وَعزة تتقي ... بجلبابها والستر لفح السمائم) ويروى: من تَحت لوث العمائم وَلَعَلَّ الزَّمَخْشَرِيّ لم ينشده لرجحان الرِّوَايَة الثَّانِيَة عِنْده. وَأما الْبَيْت الَّذِي أنْشدهُ صَاحب الْمُغنِي هُوَ: (إِذا ريدةٌ من حَيْثُ مَا نفحت لَهُ ... إِلَخ)

فَهُوَ لأبي حَيَّة النميري: شَاعِر إسلامي أدْرك الدولة الأموية والعباسية. توفّي سنة بضع وَثَمَانِينَ وَمِائَة. والريدة برَاء مُهْملَة مَفْتُوحَة ومثناة تحتية بعْدهَا دَال: الرّيح اللينة الهبوب. ونفحت: هبت. والريا: الرَّائِحَة. وَقد أورد أَبُو عَليّ هَذَا الْبَيْت فِي الْإِيضَاح الشعري وَتكلم عَلَيْهِ فِيهِ وَلم يظفر بِهِ أحد من شرَّاح الْمُغنِي فَلَا بَأْس بإيراده. قَالَ: وصف أَبُو حَيَّة النميري بِهَذَا الْبَيْت حمارا. يُقَال: ريح رادة وريدة وريدانة: اللينة. ورياها: رِيحهَا. وخليل يَعْنِي: أَنفه. يَقُول: تَأتيه الرّيح لتنسمه إِيَّاهَا بِأَنْفِهِ. فَإِذا هَذِه هِيَ الَّتِي هِيَ ظرف من الزَّمَان لِأَن الْمَعْنى: إِذا نفحت ريح تنسمها. وَإِذا كَانَت كَذَلِك كَانَت ريدة مُرْتَفعَة بِفعل مُضْمر يفسره نفحت مثل: إِذا السَّمَاء انشقت وَنَحْو ذَلِك وَمن مُتَعَلقَة بالمحذوف الَّذِي فسره نفحت. وَمَا أضيف إِلَيْهِ حَيْثُ مَحْذُوف كَمَا يحذف مَا يُضَاف إِلَيْهِ إِذْ فِي يومئذٍ للدلالة عَلَيْهِ وَأَنه قد علم أَن الْمَعْنى إِذا نفحت من حَيْثُ مَا نفحت. وَإِن شِئْت قلت: إِن حَيْثُ مُضَافَة إِلَى نفحت وريدة مُرْتَفعَة بِفعل مُضْمر دلّ عَلَيْهِ نفحت وَإِن كَانَ قد أضيف إِلَيْهِ حَيْثُ كَمَا دلّ عَلَيْهِ الْفِعْل الَّذِي فِي صلَة) أَن فِي قَوْلك: لَو أَنَّك جئتني لأكرمتك وأغنى عَنهُ. فَكَذَلِك هَذَا الْفِعْل الْمُضَاف إِلَيْهَا حَيْثُ أغْنى عَن ذَلِك الْفِعْل لما دلّ عَلَيْهِ كَمَا قُلْنَا فِي لَو. أَلا ترى أَن الْمُضَاف إِلَيْهِ مثل مَا بعد الِاسْم الْمَوْصُول فِي أَن كل وَاحِد مِنْهُمَا لَا يعْمل فِيمَا قبله. وَمَعَ

ذَلِك فقد أغْنى الْفِعْل الَّذِي فِي صلَة أَن عَن الْفِعْل الَّذِي يَقْتَضِيهِ لَو وَإِن كَانَ قبل الصِّلَة. فَكَذَلِك الْفِعْل الْمُضَاف إِلَيْهِ حَيْثُ. انْتهى بِكَلَامِهِ وحروفه. وَمَا تكون زَائِدَة فِي التوجيهين. وَنقل عَن ابْن مَالك فِي التَّوْجِيه الأول عوض عَن الْجُمْلَة المحذوفة كالتنوين الَّذِي فِي حِينَئِذٍ. وبالتوجيه الثَّانِي يسْقط قَول ابْن هِشَام: فَلَو كَانَت نفحة مُضَافا إِلَيْهِ لزم بطلَان التَّفْسِير إِذْ الْمُضَاف إِلَيْهِ لَا يعْمل فِيمَا قبل الْمُضَاف. ويتأيد قَول الدماميني فِي الْحَاشِيَة الْهِنْدِيَّة: لَا مَانع من كَون نفحت مُضَافا إِلَيْهِ مَعَ جعله مُفَسرًا. وَمَا اسْتندَ إِلَيْهِ مَنْظُور فِيهِ لِأَن الظَّاهِر من كَلَامهم أَن امْتنَاع تَفْسِير مَا لَا يعْمل مَخْصُوص بِبَاب الِاشْتِغَال. تمّ بعون الله وتيسيره الْجُزْء السَّادِس من خزانَة الْأَدَب بتقسيم محققها.

(الشاهد الواحد بعد الخمسمائة)

وَأنْشد بعده 3 - (الشَّاهِد الْوَاحِد بعد الْخَمْسمِائَةِ) الرجز أما ترى حَيْثُ سهيلٍ طالعا وَبعده: نجماً يضيء كالشهاب ساطعا على أَن حَيْثُ مضافةٌ إِلَى مُفْرد بندرة وَسُهيْل مجرور بِإِضَافَة حَيْثُ إِلَيْهِ. وَفِي هَذِه الصُّورَة يجوز بِنَاء حَيْثُ وإعرابها. وَرُوِيَ: بِرَفْع سُهَيْل على أَنه مُبْتَدأ مَحْذُوف الْخَبَر أَي: مَوْجُود فَتكون حَيْثُ مَبْنِيَّة مُضَافَة إِلَى الْجُمْلَة وَهِي هُنَا على كل تَقْدِير وَقعت مَفْعُولا لترى لَا ظرفا لَهُ. هَذَا مُحَصل كَلَام الشَّارِح الْمُحَقق. قَالَ أَبُو عَليّ فِي إِيضَاح الشّعْر: هَذَا الْبَيْت أنْشدهُ الْكسَائي وَجعل حَيْثُ اسْما وَلم يعربه لِأَن كَونه اسْما لَا يُخرجهُ عَن الْبناء كَقَوْلِه تَعَالَى: من لدن حكيمٍ خَبِير. يُرِيد أَن مَوضِع حَيْثُ

النصب بترى فَإِن قلت: إِن حَيْثُ إِنَّمَا جَاءَ اسْما فِي الشّعْر وَقد يجوز أَن تجْعَل الظروف أَسمَاء فِي الشّعْر. فَالْجَوَاب أَن ذَلِك قد جَاءَ اسْما فِي غير الشّعْر.) وَقد حكى أَحْمد بن يحيى عَن بعض أَصْحَابه أَنهم قَالُوا: هِيَ أحسن النَّاس حَيْثُ نظر ناظرٌ يَعْنِي الْوَجْه. فَهَذَا قد جَاءَ فِي الْكَلَام. وَمِمَّا جَاءَ مَفْعُولا بِهِ قَوْله تَعَالَى: الله أعلم حَيْثُ يَجْعَل رسالاته كَمَا تقدم. اه. وَقَالَ أَبُو حَيَّان فِي الارتشاف: مَذْهَب الْبَصرِيين أَنه لَا يجوز إضافتها إِلَى الْمُفْرد وَمَا سمع من ذَلِك نَحْو: الطَّوِيل حَيْثُ لي العمائم نَادِر. وَأَجَازَ الْكسَائي الْإِضَافَة إِلَى الْمُفْرد قِيَاسا على مَا سمع من إضافتها إِلَى الْمُفْرد. اه. وَلَا يخفى أَن إِعْرَاب هَذَا الشّعْر مُشكل. وَالَّذِي أرَاهُ أَن الرُّؤْيَة بصرية وَأَن حَيْثُ: مفعول بِهِ لترى وَسُهيْل: مجرور بِإِضَافَة حَيْثُ إِلَيْهِ وطالعاً: حَال من سُهَيْل. ومجيء الْحَال من الْمُضَاف إِلَيْهِ وَإِن كَانَ قَلِيلا فقد ورد مِنْهُ كثيرٌ فِي الشّعْر. قَالَ تأبط شرا: الطَّوِيل فبائساً: حالٌ من الْيَاء. قَالَ أَبُو عَليّ فِي الْمسَائِل الشيرازيات: قد جَاءَ الْحَال

من الْمُضَاف إِلَيْهِ فِي نَحْو مَا أنْشدهُ أَبُو زيد: الْكَامِل (عوذٌ وبهثةٌ حاشدون عَلَيْهِم ... حلق الْحَدِيد مضاعفاً يتلهب) ومضاعفاً: حَال من الْحَدِيد. اه. وَقَالَ الشاطبي فِي شرح الألفية: مثل هَذَا إِنَّمَا يكون على توهم إِسْقَاط الْمُضَاف اعْتِبَارا بِصِحَّة الْكَلَام دونه. وَمن هُنَا أجَاز الْفَارِسِي فِي قَول الشَّاعِر: الطَّوِيل (أرى رجلا مِنْهُم أسيفاً كَأَنَّمَا ... يضم إِلَى كشحيه كفا مخضبا) أَن يكون مخضباً حَالا من الْهَاء فِي كشحيه وَهُوَ مُضَاف وَلكنه فِي تَقْدِير: يضم إِلَيْهِ لِأَنَّهُ إِذا ضمه إِلَى كشحيه فقد ضمه إِلَيْهِ فَكَأَنَّهُ قَالَ: يضم إِلَيْهِ فَهُوَ فِي التَّقْدِير حَال من الْمَجْرُور بحرفٍ وَهُوَ جائزٌ كَمَا تقدم. وَكَذَلِكَ جعل مضاعفاً من قَوْله: حلق الْحَدِيد مضاعفاً يتلهب حَالا من الْحَدِيد. اه. وَكَذَلِكَ الْمَعْنى هُنَا فجَاء طالعاً حَالا من سُهَيْل على توهم أَنه مفعول وَسُقُوط حَيْثُ فَيكون نجماً على هَذَا بَيَانا لسهيل أَو بَدَلا مِنْهُ. وَيجوز أَن يكون مَنْصُوبًا على الْمَدْح.) وَنقل الدماميني فِي الْحَاشِيَة الْهِنْدِيَّة عَن شَارِح اللّبَاب أَن طالعاً: مفعول بِهِ ثَان لترى أَو حَال من سُهَيْل إِن جعلت حَيْثُ صلَة بِمَنْزِلَة مقَام فِي قَوْله:

الوافر نفيت عَنهُ مقَام الذِّئْب وَإِن لم يَجْعَل صلَة يكون حَالا وَالْعَامِل معنى الْإِضَافَة أَي: مَكَانا مُخْتَصًّا بسهيل حَال كَونه طالعاً. وَيجوز أَن يكون حَيْثُ فِي الْبَيْت بَاقِيا على الظَّرْفِيَّة وَحذف مفعول ترى نسياً كَأَنَّهُ قيل: أما تحدث الرُّؤْيَة فِي مَكَان سُهَيْل طالعاً اه. قلت: جعل الْعَامِل معنى الْإِضَافَة غير مرضِي عِنْدهم وَكَذَا القَوْل بِزِيَادَة حَيْثُ وَالْأولَى أَن تجْعَل الْحَال من ضميرٍ يعود إِلَى سُهَيْل حذف هُوَ وعامله للدلالة عَلَيْهِ أَي: ترَاهُ طالعاً. هَذَا كَلَام الدماميني. وَقَالَ اللبلي فِي شرح أدب الْكَاتِب: من جر سُهَيْل نصب طالعاً حَالا من حَيْثُ لِأَن الْحَال من الْمُضَاف إِلَيْهِ ضَعِيفَة. وَالتَّقْدِير: حَيْثُ سُهَيْل طالعاً فِيهِ وَحَيْثُ مفعول ترى. وَإِن جعلت ترى بِمَعْنى تعلم كَانَ طَالبا مَفْعُولا ثَانِيًا. وَلَا يجوز أَن يكون حَيْثُ ظرفا لفساد الْمَعْنى. اه.

وَقَالَ الْعَيْنِيّ: حَيْثُ مُعرب إِمَّا منصوبٌ على الظَّرْفِيَّة أَو على المفعولية وَيكون ترى علمية مَفْعُوله الأول حَيْثُ ومفعوله الثَّانِي طالعاً أَو تكون ترى بصرية فَتكون حَيْثُ: مَفْعُولا بِهِ وطالعاً: حَالا من حَيْثُ لَا من سُهَيْل لِأَن الْحَال من الْمُضَاف إِلَيْهِ ضَعِيفَة. هَذَا كَلَامه. وَأما إِن رفع سُهَيْل فطالعاً حالٌ من ضمير خبر سُهَيْل ونجماً مَنْصُوب على الْمَدْح. وسهيلٌ: نجمٌ عِنْد طلوعه تنضج الْفَوَاكِه وينقضي القيظ. والشهاب: شعلة من نَار ساطعة أَي: مُرْتَفعَة فَيكون ساطعاً: حَالا مُؤَكدَة. والهمزة فِي أما للاستفهام. وَهَذَا الشّعْر لم أعرف قَائِله وَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أعلم. وَقَالَ التبريزي فِي شرح الكافية الحاجبية: وَأما قَوْله: الْبَسِيط (وأنني حَيْثُ مَا يدني الْهوى بَصرِي ... من حَيْثُ مَا سلكوا أدنو فأنظور) فَمن جوز إِضَافَته إِلَى الْمُفْرد فَمَا: مَصْدَرِيَّة أَي: من حَيْثُ السلوك. وَمن لَا يجوز يَجعله فِي مَحل الْمُبْتَدَأ وَخَبره مَحْذُوف فَيكون مُضَافا إِلَى الْجُمْلَة أَو مَا زَائِدَة. اه. وَقَالَ أَبُو حَيَّان فِي الارتشاف: وَالْجُمْلَة الَّتِي تُضَاف إِلَيْهَا حَيْثُ شَرطهَا أَن تكون خبرية اسمية) أَو فعلية مثبتة مصدرة بماض أَو مضارع مثبتين أَو منفيين بلم أَو لَا. فَأَما قَوْله من حَيْثُ مَا سلكوا فَمَا زَائِدَة.

وَأنْشد بعده الطَّوِيل لَدَى حَيْثُ أَلْقَت رَحلهَا أم قشعم هَذَا صدر وعجزه: فَشد وَلم تفرغ بيوتٌ كثيرةٌ على أَن حَيْثُ المضافة إِلَى الْجُمْلَة والمفرد قد تفارق الظَّرْفِيَّة فتجر كَمَا فِي الْبَيْت فَإِنَّهَا فِي مَوضِع جر بِإِضَافَة لَدَى إِلَيْهَا وَقد تنصب على المفعولية كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: الله أعلم حَيْثُ يَجْعَل رسالاته. وَقد تنصب على التَّمْيِيز كَمَا فِي: هِيَ أحسن النَّاس حَيْثُ نظر ناظرٌ يَعْنِي وَجها. قَالَ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي: وَالْغَالِب كَونهَا فِي مَحل نصب على الظَّرْفِيَّة أَو خفض بِمن وَقد تخْفض بغَيْرهَا كَقَوْلِه: لَدَى حَيْثُ أَلْقَت رَحلهَا أم قشعم وَقد تقع مَفْعُولا بِهِ وفَاقا للفارسي وَحمل عَلَيْهِ: الله أعلم حَيْثُ يَجْعَل رسالاته إِذْ الْمَعْنى أَنه تَعَالَى يعلم نفس الْمَكَان الْمُسْتَحق لوضع الرسَالَة فِيهِ لَا شَيْئا فِي الْمَكَان. وناصبها يعلم محذوفاً مدلولاً عَلَيْهِ بِأَعْلَم لَا بِأَعْلَم نَفسه لِأَن أفعل التَّفْضِيل لَا ينصب الْمَفْعُول بِهِ. فَإِن أولته بعالم جَازَ (إِن حَيْثُ اسْتَقر من أَنْت راعي ... هـ حمى فِيهِ عزةٌ وأمان)

لجَوَاز تَقْدِير حَيْثُ خَبرا وَحمى اسْما. فَإِن قيل: يُؤَدِّي إِلَى جعل الْمَكَان حَالا فِي الْمَكَان. قُلْنَا: هُوَ نَظِير قَوْلك: إِن فِي مَكَّة دَار زيد. وَنَظِيره فِي الزَّمَان: إِن فِي يَوْم الْجُمُعَة سَاعَة الْإِجَابَة. اه. وَقَوله: وَالْغَالِب كَونهَا فِي مَحل نصب على الظَّرْفِيَّة أَو خفض بِمن بَقِي عَلَيْهِ خفضها بِالْبَاء وبغيرها. قَالَ أَبُو حَيَّان فِي الارتشاف: إِنَّهَا جرت بِمن كثيرا وبفي شاذاً نَحْو: الطَّوِيل فَأصْبح فِي حَيْثُ الْتَقَيْنَا شريدهم وب على. قَالَ: الطَّوِيل سلامٌ بني عمرٍ وعلى حَيْثُ هامكم) وب الْبَاء نَحْو: الْخَفِيف كَانَ منا بِحَيْثُ يعكى الْإِزَار وب إِلَى نَحْو: إِلَى حَيْثُ أَلْقَت رَحلهَا أم قشعم وأضيفت لَدَى إِلَيْهَا فِي قَوْله: لَدَى حَيْثُ أَلْقَت رَحلهَا. وَتَمام الدَّلِيل فِي الْآيَة أَن يُقَال: لَا يجوز أَن تكون حَيْثُ ظرفا لِأَن علم الله لَا يخْتَص بمَكَان دون مَكَان. وَلَا يجوز أَن تكون مجرورة بِإِضَافَة أعلم إِلَيْهَا لِأَنَّهَا لَيست بِصفة وَهِي شرطٌ فِي إِضَافَة أفعل التَّفْضِيل. وَلَا يجوز أَن تكون مَنْصُوبَة بِهِ لِأَن أفعل التَّفْضِيل لَا يعْمل النصب فِي الظَّاهِر.

وَإِذا بَطل ذَلِك تعين أَن يكون مَنْصُوبًا على الْمَفْعُول بِهِ بِفعل مُقَدّر دلّ عَلَيْهِ أعلم أَي: الله أعلم يعلم حَيْثُ يَجْعَل كَقَوْلِه: الطَّوِيل وأضرب منا بِالسُّيُوفِ القوانسا أَي: أضْرب منا يضْرب القوانس بِالسُّيُوفِ. وَجوز السفاقسي أَن تكون بَاقِيَة على الظَّرْفِيَّة قَالَ: فَإِنَّهُ لَا مَانع من عمل أعلم فِي الظّرْف. وَالَّذِي يظْهر لي أَنه بَاقٍ على ظرفيته والإشكال إِنَّمَا يرد من حَيْثُ مَفْهُوم الظّرْف وَكم مَوضِع ترك فِيهِ الْمَفْهُوم لقِيَام الدَّلِيل على تَركه. وَقد قدم الدَّلِيل الْقَاطِع فِي هَذَا الْموضع. اه. وَقَوله: لَا دَلِيل لَهُ فِي قَوْله إِن حَيْثُ اسْتَقر إِلَخ يُرِيد أَن حَيْثُ فِيهِ: ظرف وَهُوَ خبر مقدم وَحمى: اسْم إِن مُؤخر كَقَوْلِهِم: إِن عنْدك زيدا. وَيرد عَلَيْهِ أَن هَذَا الْحمل غير مُرَاد وَإِنَّمَا الْمَعْنى: إِن مَكَانا اسْتَقر فِيهِ جماعةٌ أَنْت راعيهم وحافظهم هُوَ حمى فِيهِ الْعِزَّة والأمان. فَتَأمل. والحمى: الْمَكَان المحمي من الْمَكْرُوه. وَقد ذكر أَبُو حَيَّان فِي تَذكرته أَن حَيْثُ: تقع اسْما لكأن وَتَقَع مُبْتَدأ وَأورد مسَائِل تمرين لحيث فَلَا بَأْس بإيرادها هُنَا قَالَ: إِذا قيل: حَيْثُ نَلْتَقِي طيبٌ حكم على حَيْثُ بِالرَّفْع لِأَنَّهُ اسْم الْمَكَان الَّذِي خَبره طيب وَهُوَ نَائِب عَن موضِعين أسبقهما مَحْدُود خَبره طيب وآخرهما مَجْهُول ناصبه نَلْتَقِي تلخيصه: الْموضع الَّذِي نَلْتَقِي فِيهِ طيب. وَقَالَ الشَّاعِر:

الرجز (كَأَن حَيْثُ نَلْتَقِي مِنْهُ الْمحل ... من جانبيه وعلان ووعل) ثَلَاثَة أشرفن فِي طودٍ عتل) أنْشد هَذَا الشّعْر هِشَام وَقَالَ: ثَلَاثَة خبر كَأَن. وَإِذا قيل: إِن حَيْثُ زيد ضربت عمرا فَفِيهَا وَجْهَان: رفع زيد وَنصب عَمْرو وَنصب زيد وَعَمْرو. فعلى الأول أبطل إِن فِي ظَاهر الْكَلَام وَنصب عمرا بضربت وَرفع زيدا بِحَيْثُ لنيابة زيد عَن محلين أسبقهما يَطْلُبهُ الضَّرْب وآخرهما يرفع زيدا وتقديرها: إِن فِي الْمَكَان الَّذِي فِيهِ زيد ضربت زيدا. وَالْكسَائِيّ يَقُول: لَيْسَ لإن اسْم وَلَا خبر. لِأَنَّهَا مبطلة عَن ضربت إِذْ لم تكن من عوامل الْأَفْعَال. والبصريون يضمرون الْهَاء مَعَ إِن ويجعلون الْجُمْلَة الْخَبَر. وَالْفراء يَقُول: ضربت سد مسد ضَارِبًا أَنا. وَقَالَ هِشَام: يُقَال: حَيْثُ زيدٌ عمروٌ بِفَتْح الثَّاء وَرفع زيد وَعَمْرو وَحَيْثُ زيدٍ عَمْرو بِفَتْح الثَّاء وخفض زيد. وَأما الْفَتْح مَعَ رفع زيد فمفارقٌ للْقِيَاس يجْرِي مجْرى قَول من يَقُول: حَيْثُ زيدٍ عَمْرو فيضم الثَّاء ويخفض بهَا زيدا قَالَ: أما ترى حَيْثُ سهيلٍ طالعاً وَقد حكوا عَن الْعَرَب حَيْثُ سهيلٍ بِضَم الثَّاء وخفض سُهَيْل وَهُوَ فَاسد الْعلَّة لِأَن ضم الثَّاء يُوجب رفع سُهَيْل كَمَا أَن فتح الثَّاء يُوجب بِهِ خفض سُهَيْل. وَلَا يَنْبَغِي أَن يبْنى إِلَّا على الْأَكْثَر والأعرف وَالأَصَح عِلّة. وَإِذا قيل: إِن حَيْثُ أَبوك كَانَ أَخُوك رفع الْأَخ بكان وَحَيْثُ

خبر كَانَ وَالْأَب رفع بِحَيْثُ لنيابتها عَن محلين أَحدهمَا خبر كَانَ وَالْآخر رَافع الْأَب وَإِن مبطلة عَن كَانَ وَالتَّقْدِير: إِن فِي الْمَكَان الَّذِي فِيهِ أَبوك كَانَ أَخُوك. وَيجوز إِن حَيْثُ أَبوك كَانَ أَخَاك فأخاك اسْم إِن وَحَيْثُ خبر إِن وَأَبُوك رفع بالراجع من كَانَ وَحَيْثُ خبر كَانَ وَالتَّقْدِير: إِن أَخَاك فِي الْمَكَان الَّذِي كَانَ فِيهِ أَبوك. وَإِذا قيل: إِن حَيْثُ أَبوك قَائِم أَخَاك جَالس نصب الْأَخ بإن وجالس خبر إِن وَرفع قَائِم بِالْأَبِ وَحَيْثُ نائبة عَن محلين: أَحدهمَا: صلَة الْجَالِس وَهُوَ الأسبق وَآخِرهَا صلَة قَائِم. وَيجوز: إِن حَيْثُ أَبوك قَائِما أَخَاك جَالس الْأَخ وجالس على مَا كَانَا عَلَيْهِ وَالْجَوَاب الأول وَقَائِمًا نصبٌ على الْحَال من أَبِيك وَحَيْثُ متضمنة لمحلين أَولهمَا صلَة الْجَالِس وآخرهما رفع للْأَب.) وَيجوز: إِن حَيْثُ أَبوك قَائِما أَخَاك جَالِسا أَخَاك: اسْم إِن وَحَيْثُ خبر إِن وَهِي رَافع الْأَب. وَقَائِمًا: حَال الْأَب وجالساً: حَال الْأَخ. وَيجوز: إِن حَيْثُ أَبوك قَائِم أَخَاك جَالِسا أَخَاك: اسْم إِن وَحَيْثُ مُتَضَمّن محلين أَولهمَا خبر إِن وآخرهما صلَة قَائِم وقائم رفع بأبيك وجالساً نصب على الْحَال من أَخِيك. وَإِن فتحت ثاء حَيْثُ وأضيفت قيل: إِن حَيْثُ أَبِيك قَائِما أَخَاك جالسٌ وجالساً على التَّفْسِير الْمُتَقَدّم. انْتهى مَا أوردهُ أَبُو حَيَّان. وَقَالَ فِي الارتشاف: لم يجىء فَاعِلا وَلَا مَفْعُولا بِهِ وَلَا مُبْتَدأ. وَقد فرع الْكُوفِيُّونَ صوراً على حَيْثُ مِنْهَا: حَيْثُ نَلْتَقِي طيب.

ثمَّ ذكر بعض مَا أوردهُ فِي التَّذْكِرَة. وَالْبَيْت من معلقَة زُهَيْر بن أبي سلمى وَلَا بُد من إِيرَاد شَيْء مِمَّا قبله ليتضح مَعْنَاهُ وَهَذِه أَبْيَات مِمَّا قبله وَمِمَّا بعده: (لعمري لنعم الْحَيّ جر عَلَيْهِم ... بِمَا لَا يُؤْتِيهم حُصَيْن بن ضَمْضَم) (وَقَالَ: سأقضي حَاجَتي ثمَّ أتقي ... عدوي بألفٍ من ورائي ملجم) (فَشد وَلم تفزع بيوتٌ كثيرةٌ ... لَدَى حَيْثُ أَلْقَت رَحلهَا أم قشعم) (لَدَى أسدٍ شاكي السِّلَاح مقذفٍ ... لَهُ لبدٌ أَظْفَاره لم تقلم) (جريءٍ مَتى يظلم يُعَاقب بظلمه ... سَرِيعا وَإِلَّا يبد بالظلم يظلم) أَرَادَ بالحي حَيّ مرّة من بني ذبيان. وجر: فعل مَاض من الجريرة وَهِي الْجِنَايَة. ويواتيهم: يوافقهم. وحصين بن ضَمْضَم: هُوَ ابْن عَم النَّابِغَة الذبياني وَكَانَت جِنَايَته أَنه لما اصطلحت قَبيلَة ذبيان مَعَ قَبيلَة عبس امْتنع حصينٌ هَذَا من الصُّلْح واستتر من القبيلتين لِأَن ورد بن حَابِس الْعَبْسِي كَانَ قتل هرم بن ضَمْضَم وَهُوَ أَخُو حُصَيْن فَحلف حصينٌ لَا يغسل رَأسه حَتَّى يقتل وردا أَو رجلا مِنْهُم. ثمَّ أقبل رجلٌ من بني عبس فَنزل بحصين بن ضَمْضَم فَلَمَّا علم أَنه عبسي قَتله فكاد الصُّلْح ينْتَقض فسعى بِالصُّلْحِ وَتحمل الدِّيَة الْحَارِث بن عَوْف وهرم بن سِنَان المريين. وَلِهَذَا مدحهم زُهَيْر بقوله: لنعم الْحَيّ. وَقد تقدم الْكَلَام على هَذِه القصيدة وعَلى سَببهَا مفصلا فِي

الشَّاهِد السَّادِس وَالْخمسين بعد) الْمِائَة. وَقَوله: وَكَانَ طوى كشحاً إِلَخ اسْم كَانَ ضمير حُصَيْن. والكشح: الخاصرة يُقَال: طوى كشحه على كَذَا أَي: أضمره فِي نَفسه. والمستكنة: المستترة. أَي: أضمر على غدرةٍ مستترة. وَقَوله: فَلَا هُوَ أبداها أَي: مَا أظهر الغدرة المستكنة وَلَا تقدم فِيهَا قبل الصُّلْح. وروى: وَلم يتجمجم: بجيمين أَي: لم يتنهنه عَمَّا أَرَادَ مِمَّا كتم. وَقَالَ الأعلم: أَي: لم يدع التَّقَدُّم فِيمَا أضمر وَلم يتَرَدَّد فِي إِنْفَاذه. وَشرح هذَيْن الْبَيْتَيْنِ تقدم فِي الشَّاهِد السَّادِس وَالْأَرْبَعِينَ بعد الْمِائَتَيْنِ. وَقَوله: وَقَالَ سأقضي حَاجَتي إِلَخ فَاعل قَالَ: ضمير حُصَيْن. وَحَاجته: مَا كَانَ أضمره فِي نَفسه من قتل عبسي وورائي أَي: أَمَامِي كَقَوْلِه تَعَالَى: وَكَانَ وَرَاءَهُمْ ملكٌ وَقَوله: وَمن وَرَائه عذابٌ. وملجم: يرْوى بِكَسْر الْجِيم أَي: بِأَلف فَارس ملجم فرسه. ويروى بِفَتْح الْجِيم أَي: بِأَلف فرس ملجم وَأَرَادَ بهَا فرسانها. قَالَ الأعلم: أَي سأدرك ثَأْرِي ثمَّ ألْقى عدوي بِأَلف فَارس أَي: أجعلهم بيني وَبَين عدوي. يُقَال: اتَّقَاهُ بِحقِّهِ أَي جعله بَينه وَبَينه. وَجعل مُلجمًا على لفظ ألف فَذكره وَلَو كَانَ فِي غير الشّعْر لجَاز تأنيثه على الْمَعْنى. اه. وَذَلِكَ لِأَن فرسا مِمَّا يذكر وَيُؤَنث.

وَقَوله: فَشد إِلَخ أَي: حمل حصينٌ على ذَلِك الرجل الْعَبْسِي فَقتله وَلم تفزع بيُوت كَثِيرَة أَي: لم يعلم أَكثر قومه بِفِعْلِهِ وَأَرَادَ بِالْبُيُوتِ أَحيَاء وقبائل. يَقُول: لَو علمُوا بِفِعْلِهِ لفزعوا أَي: لأغاثوا الرجل الْعَبْسِي وَلم يدعوا حصيناً يقْتله. وَإِنَّمَا أَرَادَ زُهَيْر بقوله هَذَا أَن لَا يفسدوا صلحهم بِفِعْلِهِ. وَقَوله: حَيْثُ أَلْقَت رَحلهَا أَي: حَيْثُ كَانَ شدَّة الْأَمر يَعْنِي مَوضِع الْحَرْب. وَأم قشعم: كنية الْحَرْب وَيُقَال: كنية الْمنية. وَالْمعْنَى: أَن حصيناً شدّ على الرجل الْعَبْسِي فَقتله بعد الصُّلْح وَحين حطمت رَحلهَا الرحب وَوضعت أَوزَارهَا وسكنت. وَيُقَال: هُوَ دُعَاء على حُصَيْن أَي: عدا على الرجل الْعَبْسِي بعد الصُّلْح وَخَالف الْجَمَاعَة فصيره الله إِلَى هَذِه الشدَّة وَيكون معنى أَلْقَت رَحلهَا على هَذَا: ثبتَتْ وتمكنت. هَذَا كَلَام الأعلم فِي شرح الْأَشْعَار السِّتَّة. وتفزع على رِوَايَته بِالْبِنَاءِ للْفَاعِل. وَقَالَ التبريزي فِي شرح الْمُعَلقَة: مَعْنَاهُ شدّ على عدوه وَحده فَقتله وَلم تفزع الْعَامَّة بِطَلَب وَاحِد) وَإِنَّمَا قصد الثأر أَي: لم يستعن على قَتله بِأحد. وَنقل صعوداء فِي شرح ديوَان زُهَيْر عَن قوم: أَن أم قشعم على هَذِه الرِّوَايَة هِيَ أم حُصَيْن أَي: فَلم تفزع الْبيُوت الَّتِي بِحَضْرَة بَيت أمه لِأَنَّهُ أَخذ ثَأْره. ف لَدَى على قَول الأعلم ظرف مُتَعَلق بشد وعَلى

قَول صعوداء يكون لَدَى مُتَعَلقا بِمَحْذُوف على أَنه صفة ثَانِيَة لبيوت أَو حالٌ مِنْهُ. وروى الزوزني: وَلم يفزع بُيُوتًا على أَن فَاعله ضمير حُصَيْن وَقَالَ: أَي: لم يتَعَرَّض لغيره عِنْد ملقى رَحل الْمنية. وملقى الرّحال: الْمنزل لِأَن الْمُسَافِر يلقِي بِهِ رَحْله أَي أثاثه ومتاعه. أَرَادَ: عِنْد منزل الْمنية. وَجعله منزل الْمنية لحلولها فِيهِ. فعلى هَذَا يكون لَدَى مُتَعَلقا ب تفزع مضارع أفزعه أَي: أخافه بِخِلَاف الأول فَإِنَّهُ مضارع بِمَعْنى أغاث أَو علم. وَالْمَشْهُور رِوَايَة فَشد وَلم ينظر بُيُوتًا كَثِيرَة فَيكون فَاعل ينظر أَيْضا ضمير حُصَيْن ثمَّ اخْتلفُوا فَرَوَاهُ صعوداء بِفَتْح أَوله وَقَالَ: لم ينظر أَي: لم ينْتَظر يُقَال: نظرت الرجل أَي: انتظرته. وعَلى هَذَا يكون الْمَعْنى: لم ينْتَظر حُصَيْن أَن ينصره قومه على أَخذ ثَأْره. وروى أَبُو جَعْفَر: وَلم ينظر بِضَم أَوله وَكسر ثالثه وَقَالَ: مَعْنَاهُ: لم يُؤَخر حصينٌ أهل بَيت قَاتل أَخِيه فِي قَتله لكنه عجل فَقتله. فَيكون ينظر مضارع أنظرهُ بِمَعْنى أمهله وأخره. وعَلى هذَيْن الْوَجْهَيْنِ يكون لَدَى مُتَعَلقا بشد وَكَذَلِكَ على قَول من فسر أم قشعم بالعنكبوت وَهُوَ أَبُو عُبَيْدَة أَو بالضبع كَمَا نَقله صعوداء. وَيكون الْمَعْنى: فَشد على صَاحب ثَأْره بمضيعةٍ من الأَرْض. قَالَ صعوداء: أم قشعم عِنْد الْأَصْمَعِي: الْحَرْب الشَّدِيدَة. وَمن جعلهَا العنكبوت أَو الضبع فَمَعْنَاه وجده بمضيعةٍ فَقتله. وَقَالَ ابْن الْأَثِير فِي المرصع: أم قشعم هِيَ الْمنية والداهية وَالْحَرب والنسر

وَالْعَنْكَبُوت لَدَى حَيْثُ أَلْقَت رَحلهَا أم قشعم هَذَا كَلَامه. وقشعم: فعلمٌ من قشعت الرّيح التُّرَاب فانقشع وأقشع الْقَوْم عَن الشَّيْء وتقشعوا إِذا تفَرقُوا عَنهُ وتركوه. وَقَوله: لَدَى أسدٍ شاكي السِّلَاح إِلَخ هَذَا الْبَيْت فِي الظَّاهِر غير مُرْتَبِط بِمَا قبله وَلَا يعرف مُتَعَلق لَدَى أسدٍ. وَقد فحصت عَنهُ فَلم أجد من ربطه بِمَا قبله مَعَ أَنه من أَبْيَات علم الْمعَانِي أورد شَاهدا لجَوَاز الْجمع بَين التَّجْرِيد والترشيح.) وَقد رجعت إِلَى معاهد التَّنْصِيص للعباسي فَلم أر فِيهِ غير هَذِه الأبيات وَلم يتَكَلَّم عَلَيْهَا بشيءٍ فَفَزِعت إِلَى قريحتي وأعملت الفكرة فأرشدني الله إِلَى وَجهه وَهُوَ أَن لَدَى أَسد مُتَعَلق بألقت رَحلهَا أم قشعم على تَفْسِير أم قشعم بِالْحَرْبِ وَمعنى أَلْقَت رَحلهَا: حطت رَحلهَا الْحَرْب وَوضعت أَوزَارهَا وسكنت فَيكون الْإِلْقَاء عبارَة عَن السّكُون والهدوء كَمَا قَالَ الشَّاعِر: الطَّوِيل (فَأَلْقَت عصاها وَاسْتقر بهَا النَّوَى ... كَمَا قر عينا بالإياب الْمُسَافِر) وَيكون المُرَاد من الْأسد الْحَارِث بن عوفٍ المري فَإِنَّهُ هُوَ الَّذِي أطفأ نَار الْحَرْب بَين عبس وذبيان بعد مَا جرى بَينهمَا فِي يَوْم

داحس وسعى فِي الصُّلْح بَينهمَا بتحمل الدِّيات مَعَ ابْن عَمه هرم بن سِنَان المري. وعَلى هَذَا يَتَّضِح الارتباط ويضمحل مَا فسر بِهِ أم قشعم من سَائِر الْمعَانِي وَللَّه الْحَمد والْمنَّة. وَقَالَ الزوزني: الْبَيْت كُله من صفة حُصَيْن بن ضَمْضَم. وَقَالَ الأعلم والتبريزي أَرَادَ بقوله: لَدَى أَسد: الْجَيْش. وَحمل لفظ الْبَيْت على الْأسد. وَلَا يخفى أَنه لَا يَصح الارتباط بِكُل من هذَيْن الْقَوْلَيْنِ. وَقَوله: شاكي السِّلَاح وَهُوَ مقلوب شائك كَمَا بَين فِي الصّرْف أَي: سلاحه شائكة حَدِيدَة ذَات شَوْكَة. والمقذف بِصِيغَة اسْم الْمَفْعُول قَالَ الأعلم وَأَبُو جَعْفَر: هُوَ الغليظ الْكثير اللَّحْم فَيكون ترشيحاً. كَقَوْلِه: لَهُ لبدٌ إِلَخ. وَقَالَ الزوزني: أَي: يقذف بِهِ كثيرا إِلَى الوقائع والحروب فعلى هَذَا يكون تجريداً كشاكي السِّلَاح. وروى صعوداء والتبريزي: مقاذف بِكَسْر الذَّال وفسراه: بمرامٍ أَي: يرامى بِنَفسِهِ فِي الحروب. وَهَذَا تَجْرِيد أَيْضا. وَقَوله: لَهُ لبد هُوَ بِكَسْر اللَّام وَفتح الْمُوَحدَة جمع لبدة. قَالَ الأعلم: اللبدة: زبرة الْأسد. والزبرة: شعر متلبد متراكب بَين كَتِفي الْأسد إِذا أسن. وَأَرَادَ بالأظفار السِّلَاح. يَقُول: سلاحه تَامّ حَدِيد. وَأول من كنى بالأظفار عَن السِّلَاح أَوْس بن حجر فِي قَوْله: الطَّوِيل (لعمرك إِنَّا والأحاليف هؤلا ... لفي حقبةٍ أظفارها لم تقلم) ثمَّ تبعه زهيرٌ والنابغة فِي قَوْله:

الْكَامِل) آتوك غير مقلمي الْأَظْفَار اه. وَقَوله: جريء هُوَ وصف أَسد وَيظْلم الأول ويبد كِلَاهُمَا بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول ويعاقب وَيظْلم الثَّانِي بِالْبِنَاءِ للْفَاعِل. قَالَ الأعلم: قَوْله وَإِلَّا يبد بالظلم إِلَخ. يَقُول: إِن لم يظلم بدأهم بالظلم لعزة نَفسه وجراءته. وَمَتى جازم لفعلين. وسريعاً إِمَّا حَال من ضمير يُعَاقب وَإِمَّا مفعول مُطلق أَي: عقَابا سَرِيعا. ويبد أَصله يبْدَأ بِالْهَمْزَةِ فأبدلها ألفا ثمَّ حذفت الْألف للجازم. وَقد أوردهُ الشَّارِح الْمُحَقق فِي أول شرح الشافية لما ذكرنَا. وترجمة زُهَيْر بن أبي سلمى تقدّمت فِي الشَّاهِد الثَّامِن وَالثَّلَاثِينَ بعد الْمِائَة. وَأنْشد بعده المديد (للفتى عقلٌ يعِيش بِهِ ... حَيْثُ تهدي سَاقه قدمه) على أَن الْأَخْفَش قَالَ: إِن حَيْثُ قد تَأتي بِمَعْنى الْحِين أَي: ظرف زمَان كَمَا فِي هَذَا الْبَيْت. قَالَ أَبُو عَليّ فِي إِيضَاح الشّعْر: زعم أَبُو الْحسن أَن حَيْثُ قد يكون اسْما للزمان وَأنْشد: للفتى عقلٌ يعِيش بِهِ ... ... ... ... الْبَيْت

فَجعل حَيْثُ فِيهِ حينا. فَإِن قلت: فَهَل يجوز على هَذَا أَن يكون مَوضِع الْجُمْلَة بعد حَيْثُ جراً لإضافة حَيْثُ إِلَيْهِ كَمَا تُضَاف أَسمَاء الزَّمَان إِلَى الْجمل فَالْجَوَاب: أَن ذَلِك لَا يمْتَنع فِيهِ إِذا كَانَ زَمَانا. اه. - وَقَالَ ابْن مَالك: لَا حجَّة للأخفش فِيهِ لجَوَاز إِرَادَة الْمَكَان على مَا هُوَ أَصله. وَيدل لما قَالَه أَن الْمَعْنى على الظَّرْفِيَّة المكانية إِذْ الْمَعْنى: أَيْن مَشى لَا حِين مَشى. وَقَالَ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي: وَإِذا اتَّصل بِحَيْثُ مَا الكافة ضمنت معنى الشَّرْط وجزمت الْفِعْلَيْنِ كَقَوْلِه: الْخَفِيف (حَيْثُمَا تستقم يقدر لَك الل ... هـ نجاحاً فِي غابر الْأَزْمَان) وَهَذَا الْبَيْت دليلٌ عِنْدِي على مجيئها للزمان. قَالَ الدماميني فِي الْحَاشِيَة الْهِنْدِيَّة: كَأَن ذَلِك جَاءَ من قبل قَوْله: فِي غابر الْأَزْمَان فَصرحَ بِالزَّمَانِ. وَلَيْسَ بقاطع فَإِن الظّرْف الْمَذْكُور إِمَّا لَغْو) مُتَعَلق بيقدر وَإِمَّا مُسْتَقر صفة لنجاحاً. وَذَلِكَ لَا يُوجب أَن يكون المُرَاد بِحَيْثُ الزَّمَان لاحْتِمَال أَن يكون المُرَاد: أَيْنَمَا تستقم يقدر لَك النجاح فِي الزَّمَان الْمُسْتَقْبل. وَقَوله: حَيْثُ تهدي قَالَ فِي الصِّحَاح: وهداه أَي: تقدمه. وَأنْشد الْبَيْت. وَسَاقه: مفعول مقدم وَقدمه: فَاعل مُؤخر. وَالْبَيْت آخر قصيدة عدتهَا ثلاثةٌ وَعِشْرُونَ بَيْتا لطرفة بن العَبْد.

وَأورد أَبُو عبيدٍ فِي الْغَرِيب المُصَنّف الْبَيْت الَّذِي قبل هَذَا فلنقتصر عَلَيْهِ وَهُوَ: (الهبيت لَا فؤاد لَهُ ... والثبيت ثبته فهمه) قَالَ أَبُو عبيد: الهبيت: الذَّاهِب الْعقل. وَقَالَ شَارِح أبياته ابْن السيرافي: الْمَعْنى أَن الجبان يذهب عقله ويطير قلبه من الْفَزع فَلَا يَهْتَدِي للصَّوَاب وَالثَّابِت الْقلب يعرف وَجه الرَّأْي فيأتيه. وَقَوله: للفتى عقل أَي: للفتى الْعَاقِل عقلٌ يعِيش بِهِ أَيْن توجه انْتفع بِهِ. اه. وَقَالَ ابْن السّكيت فِي شرح ديوانه: الهبيت: الَّذِي فِيهِ هَيْبَة أَي: ضربةٌ بالعصا. وَقَالَ أَبُو عَمْرو: الهبيت المبهوت جبنا. ويروى: والثبيت قلبه قيمه أَي: قوامه. وَقَوله: حَيْثُ تهدي وَقَالَ الأعلم فِي شرحٍ الْأَشْعَار السِّتَّة: الهبيت: المبهوت يُقَال: رجل هبيت ومهبوت ومبهوت بِمَعْنى وَهُوَ الجبان المخلوع الْفُؤَاد. وَقَوله: والثبيت ثبته فهمه أَي: من كَانَ ثَابت الْقلب ففهمه يثبت عقله. وَهَذَا مثلٌ ضربه لشدَّة الْحَرْب. وَقَوله: للفتى عقل يَقُول من كَانَ عَاقِلا وفتًى متصرفاً عَاشَ حَيْثُمَا نقلته قدمه وَذَهَبت بِهِ من أَرض غربَة وَغَيرهَا. اه. وَكلهمْ حملُوا حَيْثُ على أَصْلهَا كَمَا هُوَ ظَاهر من كَلَامهم. وترجمة طرفَة تقدّمت فِي الشَّاهِد الثَّانِي وَالْخمسين بعد الْمِائَة.

(الشاهد الرابع بعد الخمسمائة)

وَأنْشد بعده 3 - (الشَّاهِد الرَّابِع بعد الْخَمْسمِائَةِ) وَهُوَ من شَوَاهِد س: الْبَسِيط (ترفع لي خندفٌ وَالله يرفع لي ... نَارا إِذا خمدت نيرانهم تقد) على أَن إِذا قد تجزم فِي الشّعْر فعلين كَمَا هُنَا فَإِن جملَة خمدت فِي مَحل جزم شَرط إِذا وتقد جوابها وَهُوَ مجزوم وكسرة الدَّال للروي. قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَقد جاوزا بهَا أَي: بإذا فِي الشّعْر مضطرين شبهوها بإن حَيْثُ رأوها لما (إِذا قصرت أسيافنا كَانَ وَصلهَا ... خطانا إِلَى أَعْدَائِنَا فنضارب) وَقَالَ الفرزدق: ترفع لي خندفٌ وَالله يرفع لي ... ... ... ... الْبَيْت وَقَالَ بعض السلوليين: الطَّوِيل (إِذا لم تزل فِي كل دارٍ عرفتها ... لَهَا واكفٌ من دمع عَيْنَيْك يسجم) فَهَذَا اضطرارٌ وَهُوَ فِي الْكَلَام خطأ وَلَكِن الْجيد قَول كَعْب بن زُهَيْر: الْخَفِيف (وَإِذا مَا تشَاء تبْعَث مِنْهَا ... مغرب الشَّمْس ناشطاً مذعورا) اه.

وَقَوله: إِذا قصرت أسيافنا إِلَخ يَأْتِي شَرحه إِن شَاءَ الله بعد بَيت الفرزدق. وَقَوله: ترفع لي خندفٌ إِلَخ قَالَ الأعلم: الشَّاهِد فِيهِ جزم تقد على جَوَاب إِذا لِأَنَّهُ قدرهَا عاملةً عمل إِن ضَرُورَة. يَقُول: ترفع لي قبيلتي من الشّرف مَا هُوَ فِي الشُّهْرَة كالنار الموقدة إِذا قعدت بغيري قبيلته. وخندف: أم مدركة وطابخة ابْني إلْيَاس فَلذَلِك فَخر بخندفٍ على قيس عيلان بن مُضر. وَقَوله: إِذا لم تزل فِي كل دَار إِلَخ قَالَ الأعلم: الشَّاهِد فِي جزم تسجم على جَوَاب إِذا كَمَا تقدم. وَتَقْدِير لفظ الْبَيْت: إِذا لم تزل فِي كل دَار عرفتها من ديار الْأَحِبَّة يسجم لَهَا واكفٌ من دمع عَيْنَيْك. وَمعنى يسجم ينصب. والواكف: القاطر. وَرَفعه بإضمار فعلٍ دلّ عَلَيْهِ يسجم. وَيجوز أَن يكون مرتفعاً بِهِ على التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير ضَرُورَة. ويروى: يسْكب. وَالْبَيْت لجرير فِي قصيدة بائية وَنسب إِلَى غَيره فِي الْكتاب وغيرت قافيته غَلطا. وَيحْتَمل أَن يكون لغيره من قصيدة ميمية.) وَقَوله: وَإِذا مَا تشَاء تبْعَث إِلَخ قَالَ الأعلم: الشَّاهِد فِيهِ رفع مَا بعد إِذا على مَا يجب فِيهَا. وصف نَاقَته بالنشاط والسرعة بعد سير النَّهَار كُله فشبهها فِي انبعاثها مسرعةً بناشط قد ذعر من صائدٍ أَو سبع. والناشط: الثور يخرج من بلد إِلَى بلد فَذَلِك أوحش لَهُ وأذعر. انْتهى.

وروى بَيت الفرزدق إِذا مَا خبت نيرانهم تقد. وَعَلِيهِ فَلَا ضَرُورَة فِيهِ. وَوَقع بِهَذِهِ الرِّوَايَة فِي بعض نسخ اللّبَاب وَقَالَ: إِنَّه قَلِيل. قَالَ شَارِحه الفالي: هَذَا الْبَيْت لم يُوجد مَذْكُورا فِي نُسْخَة مُقَابلَة بنسخه المُصَنّف وَالظَّاهِر أَنه إِلْحَاق وَالصَّوَاب إِذا خمدت لِأَن إِذا بِدُونِ مَا هُوَ المبحث وَأما مَعَ مَا فتجويز الْجَزْم بِهِ قد لَا يستبعد لِأَن إِذْ مَعَ مَا جوز الْجَزْم بهَا فَإِذا مَعَ مَا أَجْدَر. انْتهى. وَلم يرتض الشَّارِح الْمُحَقق الْجَزْم بإذا مَا أَيْضا كَمَا سَيَأْتِي فِي آخر الْكَلَام على إِذا وَإِذ. وَقَوله: ترفع لي خندف بِكَسْر الْخَاء الْمُعْجَمَة وَالدَّال قَالَ ابْن هِشَام فِي السِّيرَة: قَالَ ابْن إِسْحَاق: ولد إلْيَاس بن مُضر ثَلَاثَة نفر: مدركة بن إلْيَاس وطابخة بن إلْيَاس وقمعة بن إلْيَاس بِكَسْر الْقَاف وَتَشْديد الْمِيم الْمَفْتُوحَة وأمهم خندف: امْرَأَة من الْيمن وَهِي خندف بنت الحاف بن قضاعة. انْتهى. والخندفة: مشيةٌ كالهرولة وَمِنْه سميت خندف وَاسْمهَا ليلى نسب ولد إلْيَاس إِلَيْهَا وَهِي أمّهم. وَإِنَّمَا افتخر بهَا الفرزدق لِأَنَّهُ تميمي وَنسب تَمِيم ينتمي إِلَيْهَا. وتنوين خندف للضَّرُورَة. وَقَوله: وَالله يرفع لي

(الشاهد الخامس بعد الخمسمائة)

أَي: إِن الرافع فِي الْحَقِيقَة هُوَ الله. وخمدت النَّار خموداً من بَاب قعد: مَاتَت فَلم يبْق مِنْهَا شَيْء وَقيل: سكن لهبها وَبَقِي جمرها. وَأما خبت النَّار خبواً من بَاب قعد أَيْضا فَمَعْنَاه خمد لهبها. وتقد مضارع وقدت النَّار وقداً من بَاب وعد ووقوداً أَي: اشتعلت. وترجمة الفرزدق تقدّمت فِي الشَّاهِد الثَّلَاثِينَ من أَوَائِل الْكتاب. وَأنْشد بعده 3 - (الشَّاهِد الْخَامِس بعد الْخَمْسمِائَةِ) (إِذا قصرت أسيافنا كَانَ وَصلهَا ... خطانا إِلَى أَعْدَائِنَا فنضارب) على أَن إِذا جازمة للشّرط وَالْجَزَاء فِي ضَرُورَة الشّعْر بِدَلِيل جزم نضارب بالْعَطْف على مَوضِع جملَة كَانَ وَصلهَا إِلَخ الْوَاقِعَة جَوَابا ل إِذا. وَلَوْلَا أَن جملَة الْجَواب فِي مَوضِع جزم لما عطف عَلَيْهِ نضارب مَجْزُومًا. وَأما كسرة الْبَاء فَهِيَ للروي. وَالْبَيْت الَّذِي قبل هَذَا ظهر أثر الْجَزْم فِيهِ على نفس الْجَواب بِخِلَاف هَذَا الْبَيْت فَإِنَّهُ ظهر أَثَره فِي تَابعه وَلِهَذَا قدمه على هَذَا الْبَيْت. وَقد تقدم نقل كَلَام سِيبَوَيْهٍ. وَإِلَى: مُتَعَلقَة بوصلها. وَيجوز أَن يكون مُتَعَلقا بالخطا. وَالْمعْنَى: فنخطو إِلَى أَعْدَائِنَا. كَذَا قَالَ اللَّخْمِيّ. وَفِيه على الأول الْفَصْل بَين الْمصدر ومعموله بمعمول غَيره لِأَن خطانا

خبر كَانَ وَالْعَامِل فِي إِذا شَرطهَا لِأَنَّهَا لَيست حِينَئِذٍ مُضَافَة إِلَيْهِ. قَالَ اللَّخْمِيّ: وَيجوز أَن يكون الْعَامِل كَانَ. وَقَالَ الأعلم: يَقُول: إِذا قصرت أسيافنا فِي اللِّقَاء عَن الْوُصُول إِلَى الأقران وصلناها بخطانا مقدمين عَلَيْهِم حَتَّى ننالهم. وَقَالَ اللَّخْمِيّ فِي شرح أَبْيَات الْجمل: معنى الْبَيْت: إِذا ضَاقَتْ الْحَرْب عَن مجَال الْخَيل وَاسْتِعْمَال الرماح نزلنَا للمضاربة بِالسُّيُوفِ فَإِن قصرت عَن إِدْرَاك الأقران خطونا إِلَيْهِم إقداماً عَلَيْهِم فألحقناها بهم. انْتهى. قَالَ ابْن الشجري فِي أَمَالِيهِ: وَإِنَّمَا لم يجزموا بإذا فِي حَال السعَة كَمَا جزموا بمتى لِأَنَّهُ خَالف إِن من حَيْثُ شرطُوا بِهِ فِيمَا لَا بُد من كَونه كَقَوْلِك: إِذا جَاءَ الصَّيف سَافَرت وَإِذا انصرم الشتَاء قفلت. وَلَا تَقول: إِن جَاءَ الصَّيف وَلَا إِن انصرم الشتَاء لِأَن الصَّيف لَا بُد من مَجِيئه والشتاء لَا بُد من انصرامه. وَكَذَا لَا تَقول: إِن جَاءَ شعْبَان كَمَا تَقول إِذا جَاءَ شعْبَان. وَتقول: إِن جَاءَ زيدٌ لَقيته فَلَا تقطع بمجيئه. فَإِن قلت إِذا جَاءَ قطعت بمجيئه. فَلَمَّا خَالَفت إِذا إِن فِيمَا تَقْتَضِيه إِن من الْإِبْهَام لم يجزموا بهَا فِي سَعَة الْكَلَام. انْتهى.) وَالْبَيْت من قصيدةٍ بائية مجرورةٍ لقيس بن الخطيم وَوَقع أَيْضا فِي شعرٍ رويه مَرْفُوع. أما القصيدة المجرورة فعدتها ثَمَانِيَة وَثَلَاثُونَ بَيْتا أوردهَا مُحَمَّد

بن الْمُبَارك بن مُحَمَّد بن مَيْمُون فِي مُنْتَهى الطّلب من أشعار الْعَرَب ذكر فِيهَا يَوْم بُعَاث وَكَانَ قبل الْإِسْلَام بقريب. ومطلعها: (ديار الَّتِي كَادَت وَنحن على منى ... تحل بِنَا لَوْلَا نجاء الركائب) (تبدت لنا كَالشَّمْسِ تَحت غمامةٍ ... بدا حاجبٌ مِنْهَا وضنت بحاجب) إِلَى أَن قَالَ: (إِذْ مَا فَرَرْنَا كَانَ أسوا فرارنا ... صدود الخدود وازورار المناكب) (صدود الخدود والقنا متشاجرٌ ... وَلَا تَبْرَح الْأَقْدَام عِنْد التضارب) إِذا قصرت أسيافنا كَانَ وَصلهَا ... ... ... . . الْبَيْت قَالَ ابْن السَّيِّد: وَرُوِيَ: إِلَى أَعْدَائِنَا للتقارب فَلَا شَاهد فِيهِ. وَرُوِيَ أَيْضا: وَإِن قصرت أسيافنا فنضارب بِالرَّفْع على الإقواء. وأسوا أَصله مَهْمُوز فأبدل الْهمزَة ألفا بِمَعْنى أقبح. يَقُول: لَا نفر فِي الْحر بأبداً وَإِنَّمَا نصد بوجوهنا ونميل مناكبنا عِنْد اشتجار القنا أَي: تدَاخل بَعْضهَا فِي بعض. وَهَذَا لَا يُسمى فِرَارًا وَإِنَّمَا يُسمى اتقاءً. وَهَذَا ممدوحٌ فِي الشجعان أَي: فَإِن كَانَ يَقع منا فرارٌ فِي الْحَرْب فَهُوَ هَذَا لَا غير. وَأما الَّذِي رويه مَرْفُوع فقد وَقع فِي شعرين أَحدهمَا فِي قصيدة للأخنس بن شهَاب التغلبي أَولهَا: ...

(لابنَة حطَّان بن عوفٍ منازلٌ ... كَمَا رقش العنوان فِي الرّقّ كَاتب) (فوارسها من تغلب ابْنة وائلٍ ... حماةٌ كماةٌ لَيْسَ فِيهَا أشائب) وَإِن قصرت أسيافنا كَانَ وَصلهَا ... ... ... ... الْبَيْت هَكَذَا رَوَاهُ الْمفضل بإن بدل إِذا وَلَكِن روى المصراع الثَّانِي كَذَا: خطانا إِلَى الْقَوْم الَّذين نضارب وَرَوَاهُ أَبُو تَمام أَيْضا ب إِن إِلَّا أَنه رَوَاهُ إِلَى أَعْدَائِنَا فنضارب فَيكون نضارب خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي: فَنحْن نضارب. وَالْقَصِيدَة فِي رِوَايَة الْمفضل الضَّبِّيّ فِي المفضليات سَبْعَة وَعِشْرُونَ بَيْتا وَشَرحهَا ابْن الْأَنْبَارِي.) وَرَوَاهَا أَبُو عمرٍ والشَّيْبَانِيّ فِي أشعار تغلب ثَلَاثِينَ بَيْتا. وأوردها أَبُو تَمام فِي الحماسة ثَلَاثَة وَعشْرين بَيْتا. ونقلها الأعلم الشنتمري فِي حماسته. وَهَذَا مطْلعهَا عِنْده: (فَمن يَك أَمْسَى فِي بلادٍ مقَامه ... يسائل أطلالاً بهَا مَا تجاوب) فلابنة حطَّان بن عوفٍ منازلٌ ... ... ... ... الْبَيْت وَأورد مِنْهَا فِي مُخْتَار أشعار الْقَبَائِل سَبْعَة أَبْيَات لَا غير. وَأما الشّعْر الثَّانِي فَهُوَ من قصيدةٍ عدتهَا أَرْبَعَة وَعِشْرُونَ بَيْتا لرقيم أخي بني الصادرة. وأوردها أَبُو عَمْرو الشَّيْبَانِيّ فِي أشعار

قَبيلَة محَارب بن خصفة بن قيس عيلان وَهِي عِنْدِي فِي نُسْخَة قديمَة تَارِيخ كتَابَتهَا فِي صفر سنة إِحْدَى وَتِسْعين وَمِائَتَيْنِ وكاتبها أَبُو عبد الله الْحُسَيْن بن أَحْمد الْفَزارِيّ قَالَ: نقلتها من نُسْخَة أبي الْحسن الطوسي وَقد عرضت على ابْن الْأَعرَابِي. وَهَذَا أَولهَا: الطَّوِيل (عفت ذروةٌ من آل ليلى فعازب ... فميث النقا من أَهله فالذنائب) وَهَذِه أَسمَاء أَمَاكِن أَرْبَعَة. إِلَى أَن قَالَ: (وَقد علمت قيس بن عيلان أننا ... لنا فِي محليها الذرى والذوائب) (وَإِنَّا لنقري الضَّيْف من قمع الذرا ... إِذا أخلفت أنواءهن الْكَوَاكِب) (وَنحن بَنو الْحَرْب الْعوَان نشبها ... وبالحرب سمينا فَنحْن محَارب) (إِذا قصرت أسيافنا كَانَ وَصلهَا ... خطانا إِلَى أَعْدَائِنَا فنضارب) (فَذَلِك أفنانا وَأبقى قبائلاً ... توقوا بِنَا إِذْ قارعتنا الْكَتَائِب) (نقلب بيضًا بالأكف صوارماً ... فهن لهامات الرِّجَال عصائب) ثمَّ ذكر حروبهم وغلبتهم فِيهَا وَختم القصيدة بقوله: (فَتلك مساعينا لمن رام حربنا ... إِذا مَا الْتَقت عِنْد الْحفاظ الْكَتَائِب) وَأورد أَبُو مُحَمَّد الْأَعرَابِي الْأسود فِي كتاب ضَالَّة الأديب أَرْبَعَة أَبْيَات من هَذِه القصيدة وَلم (تمنى دُرَيْد أَن يلاقي ثلةً ... فقارعه من دون ذَاك الْكَتَائِب) (فَنحْن قتلنَا بكره وَابْن أمه ... وَنحن طَعنا فِي استه وَهُوَ هارب)

وَنحن بَنو الْحَرْب الْعوَان نشبها ... ... ... ... الْبَيْت إِذا قصرت أسيافنا كَانَ وَصلهَا ... ... ... ... الْبَيْت) والبيتان الْأَوَّلَانِ غير مذكورين فِي رِوَايَة أبي عَمْرو الشَّيْبَانِيّ وَالظَّاهِر أَنَّهُمَا من قصيدةٍ لآخر لِأَن رقيماً قَالَ فِي قصيدته: (وَيَوْم دريدٍ قد تَرَكْنَاهُ ثاوياً ... بِهِ دامياتٌ فِي الْمَكْر جوالب) وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد الْأَعرَابِي: سَبَب هَذَا الشّعْر أَن دُرَيْد بن الصمَّة هجا زيد بن سهل الْمحَاربي فِي قصيدة قَالَهَا دُرَيْد حِين غزا غطفان غَزْوَة ثَانِيَة فَأَغَارَ على بني ثَعْلَبَة بن سعد بن ذبيان فهرب عِيَاض بن ناشب الثَّعْلَبِيّ ثمَّ غزاهم فَأَغَارَ على أَشْجَع فَلم يصبهم فَقَالَ دُرَيْد فِي ذَلِك: (قتلنَا بِعَبْد الله خير لداته ... ذؤاب بن أَسمَاء بن زيد بن قَارب) وَهِي ثَمَانِيَة عشر بَيْتا وَمِنْهَا: (تمنيتني زيد بن سهلٍ سفاهةً ... وَأَنت امرؤٌ لَا تحتويك مقانب) (وَأَنت امرؤٌ جعد الْقَفَا متعكسٌ ... من الأقط الحولي شبعان كانب) وَهَذَانِ البيتان بِالرَّفْع على الإقواء. والمتعكس: المتثني غُضُون الْقَفَا. والكانب بالنُّون: الممتلئ الغليظ. وَآخِرهَا: الطَّوِيل (فليت قبوراً بالمراضين حدثت ... بشدتنا فِي الْحَيّ حَيّ محَارب)

قَالَ أَبُو مُحَمَّد: وَلما ذكر دُرَيْد مُحَاربًا قَالَ بَعضهم يرد عَلَيْهِ. وَذكر الأبيات الْأَرْبَعَة. وَقد أورد الشريف الْحُسَيْنِي هبة الله فِي حماسته الْبَيْت الشَّاهِد مَعَ بَيْتَيْنِ آخَرين من القصيدة الَّتِي رَوَاهَا أَبُو عمرٍ والشَّيْبَانِيّ ونسبها لسهم بن مرّة الْمحَاربي وَهِي: إِذا قصرت أسيافنا كَانَ وَصلهَا ... ... ... ... الْبَيْت وَنحن بَنو الْحَرْب الْعوَان نشبها ... ... ... ... الْبَيْت فَذَلِك أفنانا وَأبقى قبائلاً ... ... ... ... الْبَيْت وَالله أعلم بِحَقِيقَة الْحَال. فَظهر مِمَّا ذكرنَا أَن الْبَيْت من ثَلَاث قصائد. قَالَ ثَعْلَب: هَذَا الْبَيْت يتنازعه الْأَنْصَار وقريش وتغلب. وَزَعَمت عُلَمَاء الْحجاز أَنه لِضِرَار بن الْخطاب الفِهري أحد بني محَارب من قُرَيْش. وَقَالَ ابْن الْأَنْبَارِي فِي شرح المفضليات: هُوَ للأخنس بن شهَاب قَالَ: هُوَ أول الْعَرَب وصل قصر وَإِن قصرت أسيافنا ... ... ... ... الْبَيْت) وَمِنْه اسْترق كَعْب بن مَالك الْأنْصَارِيّ صلَة السيوف فَقَالَ: (نصل السيوف إِذا قصرن بخطونا ... قدماً ونلحقها إِذا لم تلْحق) انْتهى. وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح لِأَنَّهُ قَالَه قبل أَن يخلق هَؤُلَاءِ بدهرٍ كَمَا

سَيَأْتِي. وَمِنْه تعلم خطأ جماعةٍ اعْترضُوا على سِيبَوَيْهٍ فِي رِوَايَته الْبَيْت بِالْكَسْرِ مِنْهُم ابْن هِشَام اللَّخْمِيّ قَالَ فِي شرح أَبْيَات الْجمل: روى سِيبَوَيْهٍ هَذَا الْبَيْت بِكَسْر الْبَاء من نضارب على أَن يكون مَعْطُوفًا على مَوضِع كَانَ وَالْبَيْت من شعرٍ كُله مَرْفُوع. وَكَذَلِكَ أدخلهُ أَبُو تَمام فِي حماسته فَيحْتَمل أَن يكون سِيبَوَيْهٍ رَوَاهُ مقوًى لقيس بن الخطيم وَالصَّحِيح أَنه للأخنس بن شهَاب. هَذَا كَلَامه. وَاعْلَم أَن جمَاعَة من الشُّعَرَاء تداولوا هَذَا الْمَعْنى وَقد أوردنا جملَة مِمَّا قَالُوهُ فِي الشَّاهِد السَّادِس وَالْخمسين بعد الأربعمائة عِنْد بَيت كَعْب بن مَالك الْأنْصَارِيّ. وَزعم الْمبرد فِي الْكَامِل أَن قَول أبي مَخْزُوم النَّهْشَلِي: الْبَسِيط (إِذا الكماة تنحوا أَن ينالهم ... حد الظبات وصلناها بِأَيْدِينَا) وَمِمَّنْ تبع الْأَخْنَس بن شهَاب فِي الْمَعْنى حناك بن سنة الْعَبْسِي الجاهلي وَهُوَ بِكَسْر الْمُهْملَة وَتَخْفِيف النُّون وَآخره كَاف وَسنة بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَتَشْديد النُّون قَالَ: الْكَامِل (أبني جذيمة نَحن أهل لوائكم ... وأقلكم يَوْم الطعان جَبَانًا) (كَانَت لنا كرم المواطن عَادَة ... نصل السيوف إِذا قصرن خطانا) أوردهما الْآمِدِيّ فِي المؤتلف والمختلف.

وَمِنْهُم: أَبُو قيس بن الأسلت الْأنْصَارِيّ قَالَ: السَّرِيع (وَالسيف إِن قصره صانعٌ ... طوله يَوْم الوغى باعي) وَمِنْهُم: وداك بن ثميل الْمَازِني قَالَ: الطَّوِيل (مقاديم وصالون فِي الروع خطوهم ... بِكُل رَقِيق الشفرتين يماني) وَمِنْهُم: نهشل بن حري قَالَ: الطَّوِيل (فَتى كَانَ للرمح الْأَصَم محطماً ... طعاناً وللسيف الْقصير مطيلا) وَمِنْهُم: عبيد الله بن الْحر الْجعْفِيّ قَالَ: الطَّوِيل) (إِذا أخذت كفي بقائم مرهفٍ ... وَكَانَ قَصِيرا عَاد وَهُوَ طَوِيل) وَمِنْهُم: نَابِغَة بني الْحَارِث بن كَعْب واسْمه يزِيد بن أبان قَالَ: الْكَامِل وَمِنْه قَول عبد الرَّحْمَن بن سَلامَة الْحَاجِب: الوافر (ويومٍ تقصر الْآجَال فِيهِ ... نطاوله بأرماحٍ قصار) وَقَالَ آخر: الطَّوِيل (تطيل السيوف المرهفات لَدَى الوغى ... خطانا إِذا ارْتَدَّت خطًى وسيوف) وَقد أَخذه مُسلم بن الْوَلِيد وَزَاد فِيهِ وأجاد:

الْبَسِيط (إِن قصر السَّيْف لم يمش الخطى عددا ... أَو عرد السَّيْف لم يهمم بتعريد) قَالَ ابْن الْأَثِير: فِي الْمثل السائر فِي السرقات الشعرية: الضَّرْب السَّادِس: السلخ وَهُوَ أَن يُؤْخَذ الْمَعْنى فيزاد عَلَيْهِ معنى آخر. فمما جَاءَ مِنْهُ قَول الْأَخْنَس بن شهَاب وَأَخذه مُسلم بن الْوَلِيد فَزَاد عَلَيْهِ. وَأنْشد الْبَيْتَيْنِ. وَأَخْطَأ الخالديان فِي شرح ديوَان مُسلم فِي زعمهما أَن مُسلما أَخذه من قيس بن الخطيم. وروى أَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن عَليّ الحصري فِي كتاب الْجَوَاهِر فِي الْملح والنوادر أَن بعض الْأُمَرَاء أعْطى سَيْفا لرجل فَقَالَ: هُوَ قصير. قَالَ: صله بخطوتك. قَالَ: الصين أقرب من تِلْكَ الخطوة وَمثله مَا رَوَاهُ الخالديان قَالَا: رُوِيَ أَن الْمُهلب نظر إِلَى سيف مَعَ بعض وَلَده فَقَالَ لَهُ: إِن سَيْفك لقصير. قَالَ: لَيْسَ بقصيرٍ من يصله بخطوه. فَقَالَ بعض من حضر الْمجْلس: تِلْكَ الخطوة وَرُوِيَ أَن الْحجَّاج سَأَلَ الْمُهلب أَن يرِيه سَيْفه فَلَمَّا نظر إِلَيْهِ قَالَ: يَا أَبَا سعد إِن سَيْفك لقصير. قَالَ: إِذا كَانَ فِي يَدي فَلَا. وَأما قيس بن الخطيم فَهُوَ شاعرٌ فَارس أَنْصَارِي مَاتَ كَافِرًا. قَالَ ابْن حجر فِي الْإِصَابَة: قيس بن الخطيم الْأنْصَارِيّ ذكره

عَليّ بن سعد العسكري فِي الصَّحَابَة وَهُوَ وهمٌ فقد ذكر أهل الْمَغَازِي أَنه قدم مَكَّة فَدَعَاهُ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ إِلَى الْإِسْلَام وتلا عَلَيْهِ الْقُرْآن فَقَالَ: إِنِّي لأسْمع كلَاما عجيباً فَدَعْنِي أنظر فِي أَمْرِي هَذِه السّنة ثمَّ أَعُود إِلَيْك. فَمَاتَ قبل الْحول. وَهَذَا هُوَ الشَّاعِر الْمَشْهُور وَهُوَ من الْأَوْس وَله فِي وقْعَة بُعَاث الَّتِي كَانَت بَين الْأَوْس والخزرج قبل الْهِجْرَة أشعارٌ كَثِيرَة. انْتهى. والخطيم بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَكسر الطَّاء الْمُهْملَة.) وَهَذِه نسبته: قيس بن الخطيم بن عدي بن عَمْرو بن سَواد بن ظفر وظفر هُوَ كَعْب ابْن الْخَزْرَج بن عَمْرو بن مَالك بن أَوْس بن حَارِثَة بن ثَعْلَبَة العنقاء بن عَمْرو بن عَامر وَهُوَ مَاء السَّمَاء بن حَارِثَة الغطريف. وقيسٌ شَاعِر الْأَوْس وَهُوَ الْقَائِل: الطَّوِيل (طعنت ابْن عبد الْقَيْس طعنة ثائرٍ ... لَهَا نفذٌ لَوْلَا الشعاع أضاءها) (وَكنت امرأٌ لَا أسمع الدَّهْر سبةً ... أسب بهَا إِلَّا كشفت غطاءها) (وَإِنِّي فِي الْحَرْب الضروس موكلٌ ... بإقدام نفسٍ لَا أُرِيد بقاءها) (إِذا سقمت نَفسِي إِلَى ذِي عداوةٍ ... فَإِنِّي بنصل السَّيْف باغٍ دواءها) (مَتى يَأْتِ هَذَا الْمَوْت لم تبْق حَاجَة ... لنَفْسي إِلَّا قد قضيت قضاءها)

وقائم فَاعل يرى. وَدون ووَرَاء من الأضداد فَإِن كَانَ الأول بِمَعْنى قُدَّام كَانَ الآخر بِمَعْنى خلف وَإِن كَانَ الأول بِمَعْنى خلف كَانَ الثَّانِي بِمَعْنى قُدَّام. وملكت بِمَعْنى شددت وضبطت. وأنهرت: أوسعت. وَقد ضمن المصراع الصفي الْحلِيّ فِي قَوْله: الطَّوِيل (تزوج جاري وَهُوَ شيخٌ صبيةٌ ... فَلم يسْتَطع غشيانها حِين جاءها) (وَلَو أنني بادرتها لتركتها ... يرى قائمٌ من دونهَا مَا وَرَاءَهَا) وَابْن عبد الْقَيْس الَّذِي قَتله هُوَ رجلٌ من قَبيلَة عبد الْقَيْس. كَانَ قتل أَبَاهُ الخطيم فَأخذ ثَأْره مِنْهُ. وَمن شعر قيس: الوافر (وَمَا بعض الْإِقَامَة فِي ديارٍ ... يهان بهَا الْفَتى إِلَّا عياه) (وكل شديدةٍ نزلت بقومٍ ... سَيَأْتِي بعد شدتها رخاء) (وَلَا يعْطى الْحَرِيص غنى بحرصٍ ... وَقد ينمي على الْجُود الثراء) (غناء النَّفس مَا عمرت غناء ... وفقر النَّفس مَا عمرت شقاء) (وَلَيْسَ بنافعٍ ذَا الْبُخْل مالٌ ... وَلَا مزر بِصَاحِبِهِ السخاء) ...

(وَبَعض الدَّاء ملتمسٌ شفَاه ... وداء النوك لَيْسَ لَهُ شِفَاء) قَالَ صَاحب الأغاني: قيس بن الخطيم هَذَا هُوَ صَاحب المنافسات مَعَ حسان ابْن ثَابت.) وَذَلِكَ أَن حسانا كَانَ يذكر ليلى بنت الخطيم أُخْت قيس فِي شعره وَكَانَ قيس يذكر فِي شعره امْرَأَته عمْرَة كَمَا ذكرهَا فِي مطلع قصيدة الْبَيْت الشَّاهِد. وَحكى الْمفضل قَالَ: لما هدأت حَرْب الْأَوْس والخزرج تذكرت الْخَزْرَج قيس ابْن الخطيم ونكايته فيهم فتواعدوا إِلَى قَتله فَخرج عَشِيَّة من منزله يُرِيد مَالا لَهُ الشوط حَتَّى مر بأطم بني حَارِثَة فَرمي مِنْهُم بِثَلَاثَة أسْهم فَوَقع أَحدهَا فِي صَدره فصاح صَيْحَة سَمعهَا رهطه فجاؤوه وَحَمَلُوهُ إِلَى منزله فَلم يرَوا لَهُ كفئاً إِلَّا أَبَا صعصعة بن زيد بن عَوْف من بني النجار. فاندس إِلَيْهِ رجلٌ حَتَّى اغتاله فِي منزله فَضرب عُنُقه واشتمل على رَأسه وأتى بِهِ قيسا وَهُوَ بآخر رمقٍ فَأَلْقَاهُ بَين يَدَيْهِ وَقَالَ: يَا قيس قد أدْركْت بثأرك. فَقَالَ: عضضت بأير أَبِيك إِن كَانَ غير أبي صعصعة فَقَالَ: هُوَ أَبُو صعصعة. وَأرَاهُ الرَّأْس فَلم يلبث أَن مَاتَ على كفره قبل قدوم النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ الْمَدِينَة. وَأما الْأَخْنَس بن شهَاب فقد قَالَ ابْن الْأَنْبَارِي فِي شرح المفضليات: هُوَ الْأَخْنَس بن شهَاب بن ثُمَامَة بن أَرقم بن حزابة بن الْحَارِث بن نمير بن أُسَامَة بن بكر بن مُعَاوِيَة بن غنم بن تغلب. والأخنس شَاعِر جاهلي قبل الْإِسْلَام بدهر. انْتهى. وَأما رقيم أَخُو بني الصادرة الْمحَاربي فَالظَّاهِر أَنه شاعرٌ إسلامي

لِأَن أَبَا عَمْرو الشَّيْبَانِيّ قَالَ بعد تِلْكَ القصيدة: وَقَالَ رقيم أَيْضا وَكَانَ سعد بن معاذٍ الْأنْصَارِيّ خَاله: الرجز (اهتز عرش الله ذِي الْجلَال ... لمَوْت خَالِي يَوْم مَاتَ خَالِي) ورقيم بِضَم الرَّاء وَفتح الْقَاف. والصادرة اسْمه سعد بن بذاوة بن ذهل بن خلف بن محَارب. كَذَا فِي جمهرة الْأَنْسَاب. وَلم يذكرهُ ابْن حجر فِي الْإِصَابَة. فَإِذا لم يكن صحابياً وَلَا مخضرماً يكون تابعياً وَيكون سعد بن معَاذ خَال أَبِيه أَو خَال إِحْدَى أمهاته. وَالله أعلم. وَقد أورد ابْن حجر من اسْمه رقيم من الصَّحَابَة لكنه أَنْصَارِي لَا محاربي. قَالَ: أَبُو ثَابت رقيم بن ثَابت بن ثَعْلَبَة الْأنْصَارِيّ الأوسي اسْتشْهد بِالطَّائِف. إِذا الْخصم أَبْزَى مائل الرَّأْس أنكب على أَن وُقُوع الْجُمْلَة الاسمية بعد إِذا شَاذ. وَتقدم مَا يتَعَلَّق فِي الشَّاهِد التَّاسِع وَالْخمسين بعد الْمِائَة. وَهَذَا عجزٌ وصدره:) فَهَلا أعدوني لمثلي تفاقدوا

(الشاهد السادس بعد الخمسمائة)

وَهُوَ من أَبْيَات مَذْكُورَة فِي الحماسة وَقد شرحناها هُنَاكَ. وَإِذا: ظرفٌ لأعدوني. وَجُمْلَة: تفاقدوا اعتراضٌ بَينهمَا. يَقُول: هلا جعلوني عدَّة لرجل مثلي فقد بَعضهم بَعْضًا وهلا ادخروني ليَوْم الْحَاجة إِذا كَانَ الْخصم هَكَذَا مُتَأَخّر الْعَجز مائل الرَّأْس منحرفاً. وَهَذَا تصويرٌ لحَال الْمقَاتل إِذا انتصب فِي وَجه مَقْصُوده. ورجلٌ أَبْزَى بالزاء الْمُعْجَمَة: يخرج صَدره وَيدخل ظَهره. وأبزى هُنَا مثلٌ وَمَعْنَاهُ الراصد المخاتل لِأَن المخاتل رُبمَا انثنى فَيخرج عَجزه. وَفَسرهُ أَبُو رياش بقوله: تحامل على خَصمه ليظلمه. فَجعل أَبْزَى فعلا مَاضِيا وَإِنَّمَا الْمَعْرُوف بزوت الرجل وَمِنْه اشتقاق الْبَازِي. وَعَلِيهِ فالخصم مرفوعٌ بِفعل يفسره أَبْزَى فَلَا شذوذ حِينَئِذٍ. قَالَ فِي الْقَامُوس: وبزى فلَانا: قهره وبطش بِهِ كأبزى بِهِ. وَيرْفَع مائل الرَّأْس على أَنه بدلٌ من الْخصم. والأنكب: المائل وَأَصله الَّذِي يشتكي مَنْكِبَيْه فَهُوَ يمشي فِي شقّ. ومائل الرَّأْس أَي: مصعر من الْكبر. وَأنْشد بعده 3 - (الشَّاهِد السَّادِس بعد الْخَمْسمِائَةِ) الْبَسِيط (حَتَّى إِذا أسلكوهم فِي قتائدةٍ ... شلا كَمَا تطرد الجمالة الشردا)

على أَن جَوَاب إِذا عِنْد الشَّارِح الْمُحَقق محذوفٌ لتفخيم الْأَمر وَالتَّقْدِير: بلغُوا أملهم أَو أدركوا مَا أَحبُّوا وَنَحْو ذَلِك. وَهَذَا هُوَ الصَّوَاب من أقوالٍ ثَلَاثَة فِي إِذا. قَالَ ابْن السَّيِّد فِي شرح أَبْيَات أدب الْكَاتِب: هَذَا مَذْهَب الْأَصْمَعِي وَمثله يَقُول الراجز: الرجز (لَو قد حداهن أَبُو الجودي ... بزجرٍ مسحنفر الروي) مستوياتٍ كنوى البرني وَذهب جماعةٌ إِلَى أَن شلا أثر الْجَواب إِذا التَّقْدِير: شلوهم شلا فاستغنى بِذكر الْمصدر عَن ذكر الْفِعْل لدلالته عَلَيْهِ. مِنْهُم أَبُو عَليّ فِي التَّذْكِرَة قَالَ: شلا منتصب بِجَوَاب إِذا. وَمِنْهُم: ابْن الشجري فِي أَمَالِيهِ قَالَ: الْبَيْت آخر القصيدة فَلَا يجوز أَن تنصب شلا بأسلكوهم لِئَلَّا يبْقى إِذا بِغَيْر جوابٍ ظَاهر وَلَا مُقَدّر وَلَكِن تنصبه بفعلٍ تضمره فَيكون جَوَاب إِذا فكأنك قلت: حَتَّى إِذا أسلكوهم شلوهم شلا. وَمِنْهُم: ابْن الْأَنْبَارِي فِي مسَائِل الْخلاف قَالَ: لم يَأْتِ بِالْجَوَابِ لِأَن هَذَا الْبَيْت آخر القصيدة وَالتَّقْدِير فِيهِ: حَتَّى إِذا أسلكوهم شلوا شلا فَحذف للْعلم بِهِ توخياً للإيجاز. وَهَذَا الْمَذْهَب غير سديدٍ فِي الْمَعْنى لِأَن الشل أَي: الطَّرْد إِنَّمَا كَانَ قبل إسلاكهم فِي قتائدة أَي: إدخالهم فِيهَا وَكَلَامهم يَقْتَضِي

أَن يكون بعد ذَلِك وَهُوَ فَاسد وَإِنَّمَا شلا حَال من الْوَاو أَي: شالين أَو من هم أَي: مشلولين. والأقيس لقَوْله كَمَا تطرد الجمالة فَشبه الشل بشل الجمالة وَهُوَ الطاردون. وَإِذا كَانَ حَالا من ضمير الْمَفْعُول وَجب أَن يَقُول: كَمَا تطرد الْجمال الشرد وَهُوَ مَعَ ذَلِك جَائِز لِأَن الْعَرَب قد توقع التَّشْبِيه على شَيْء وَالْمرَاد غَيره. وَالْكَاف فِي كَمَا فِي مَوضِع الصّفة لشلا وَمَا مَصْدَرِيَّة كَأَنَّهُ قَالَ: شلا كطرد. والشرد بِضَمَّتَيْنِ: جمع شرود: وَهِي من الْإِبِل الَّتِي تَفِر من الشَّيْء إِذا رَأَتْهُ فَإِذا طردت كَانَ أَشد لفرارها فَلذَلِك خصها بِالذكر.) قَالَ ابْن السَّيِّد: وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: إِذا زَائِدَة فَلذَلِك لم يُؤْت لَهَا بِجَوَاب. فالميداني مَسْبُوق بِأبي عُبَيْدَة فِي هَذَا لَا أَنه قَوْله كَمَا هُوَ صَرِيح كَلَام الشَّارِح الْمُحَقق. وَيُؤَيِّدهُ مَا روى أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن الْحُسَيْن اليميني فِي تَرْجَمَة أبي عُبَيْدَة من طَبَقَات النَّحْوِيين قَالَ: حدثونا عَن رجل عَن أبي حَاتِم قَالَ: أمْلى علينا أَبُو عُبَيْدَة بَيت عبد منَاف بن ربع الْهُذلِيّ: حَتَّى إِذا أسلكوهم فِي قتائدةٍ ... ... ... ... الْبَيْت قَالَ: هَذَا كلامٌ لم يجىء لَهُ خبر. وَهَذَا الْبَيْت آخر القصيدة. قَالَ: وَمثله قَول الله جلّ ثَنَاؤُهُ: وَلَو أَن قُرْآنًا سيرت بِهِ الْجبَال أَو قطعت بِهِ الأَرْض إِلَى قَوْله: بل لله

الْأَمر جَمِيعًا. قَالَ: فَجئْت إِلَى الْأَصْمَعِي فَأَخْبَرته بذلك فَقَالَ: أَخطَأ ابْن الحائك إِنَّمَا الْخَبَر فِي قَوْله: شلا كَأَنَّهُ قَالَ: شلوهم شلا. قَالَ: فَجعلت أكتب مَا يَقُول ففكر سَاعَة ثمَّ قَالَ لي: اصبر فَإِنِّي أَظُنهُ كَمَا قَالَ لِأَن أَبَا الجودي الراجز أَنْشدني: الرجز (لَو قد حداهن أَبُو الجودي ... بزجرٍ مستحنفر الروي) فَهَذَا كلامٌ لم يجِئ لَهُ خبر. انْتهى. وَهَذَا النَّقْل يُخَالف مَا قَالَه ابْن السَّيِّد وَكَذَلِكَ يُخَالِفهُ قَول شَارِح أشعار هُذَيْل السكرِي وَهُوَ غير أشعار الهذليين فِي شرح هَذَا الشّعْر قَالَ الْأَصْمَعِي: هَذَا لَيْسَ لَهُ جوابٌ وَقد سَمِعت خلفا ينشد عَن أبي الجودي: لَو قد حداهن أَبُو الجودي ... ... ... ... الْبَيْت لم يَجْعَل لَهُ جَوَابا. وَقَالَ: قد يُقَال: إِن قَوْله شلا جوابٌ كَأَنَّهُ قَالَ: حَتَّى إِذا أسلكوهم شلوهم شلا. انْتهى. فالنقل عَن الْأَصْمَعِي مضطربٌ كَمَا ترى. وَقَالَ فِي الصِّحَاح: إِذا زَائِدَة أَو يكون قد كف عَن خَبره لعلم السَّامع. انْتهى. وَلَا يَنْبَغِي القَوْل بِزِيَادَة إِذا لِأَنَّهَا اسْم وَالِاسْم لَا يكون لَغوا. وعَلى تَقْدِير القَوْل يكون شلا حَالا أَيْضا كَمَا قُلْنَا.

وَقَوله: أسلكوهم أسلك لُغَة فِي سلك يُقَال: أسلكت الشَّيْء فِي الشَّيْء مثل سلكته فِيهِ بِمَعْنى أدخلته فِيهِ وَلِهَذَا أنْشد صَاحب الْكَشَّاف هَذَا الْبَيْت عِنْد قَوْله تَعَالَى: فاسلك فِيهَا من كل) زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ. وقتائدة بِضَم الْقَاف بعْدهَا مثناة فوقية وَبعد الْألف همزَة: بعْدهَا دَال مُهْملَة. قَالَ ابْن السَّيِّد: هِيَ ثنية ضيقَة. وَقَالَ الْأَصْمَعِي: كل ثنية قتائدة. وَقَالَ فِي الصِّحَاح: قتائدة: اسْم عقبَة. وَأنْشد الْبَيْت وَقَالَ: أَي: أسلكوهم فِي طَرِيق قتائدة. وَقَالَ الْبكْرِيّ فِي مُعْجم مَا استعجم: قَالَ اليزيدي عَن ابْن حبيب: هِيَ جبلٌ بَين المنصرف والروحاء. وعَلى قَول الْأَصْمَعِي لَا يكون صرفهَا للضَّرُورَة. قَالَ أَبُو الْفَتْح: همزَة قتائدة أصلٌ لِأَنَّهَا حَشْو وَلم يدل على زيادتها دَلِيل. قَالَ: وَلَا تحملهَا على حطائط وجرائض لقلتهما. انْتهى. وَنقل ياقوت فِي مُعْجم الْبلدَانِ عَن الْأَزْهَرِي أَنَّهَا جبل. وَأنْشد الْبَيْت. والشل: الطَّرْد والجمالة: فَاعل تطرد. قَالَ ابْن السَّيِّد: والجمالة: أَصْحَاب الْجمال كَمَا يُقَال الحمارة لأَصْحَاب الْحمير والبغالة لأَصْحَاب البغال. وَلم يَقُولُوا فراسة وَلَا خيالة. انْتهى. وَقَالَ ابْن الشجري فِي مَعَاني التَّاء: الضَّرْب الرَّابِع أَن يدل

لحاق التَّاء على الْجمع كَقَوْلِهِم: رجلٌ جمال ورجالٌ جمالةٌ وبغال وبغالة وحمار وحمارة وسيار وسيارة. وَأنْشد الْبَيْت. والشرد بِضَمَّتَيْنِ كَمَا تقدم قَالَ فِي الصِّحَاح ويروى الْبَيْت بِفتْحَتَيْنِ أَيْضا على أَنه جمع شارد وَقد اسْتشْهد أَبُو عَليّ بِهِ على أَن تَاء التَّأْنِيث قد تَجِيء دَالَّة على عكس دلالتها فِي بَاب تَمْرَة وتمر. قَالَ أحد شرَّاح أَبْيَات الْإِيضَاح: أَلا ترى أَن جمالة واقعٌ على الْجمع فَإِن أردْت الْجمع أسقطت التَّاء فَقلت: تمر. فَإِن قَالَ قَائِل: لَعَلَّ التَّاء لم تلْحق جمالةً وَأَمْثَاله لما ذكرْتُمْ من التَّفْرِقَة بَين الْجمع والمفرد وَلَحِقتهُ من حَيْثُ كَانَ صفة الْجمع. أَلا ترى أَن الأَصْل كَمَا تطرد الرِّجَال الجمالة الشرد. وَالْجمع وَإِن كَانَ لمذكر قد تعامله الْعَرَب مُعَاملَة الْوَاحِدَة من الْمُؤَنَّث وَمن ذَلِك قَوْلهم: الرِّجَال وأعضادها وَالنِّسَاء وأعجازها. قيل لَهُ: الدَّلِيل على أَن التَّاء فِي جمالة دخلت لما ذكر من الْفرق أَنَّهَا من الصِّفَات الَّتِي أَتَت على معنى النّسَب كدارع ولابنٍ. - أَلا ترى أَنَّهَا غير مأخوذةٍ من فعل كَمَا أَن دارعاً ولابناً كَذَلِك. وَقِيَاس الصِّفَات الَّتِي تَأتي على) معنى النّسَب الَّتِي لَا تلحقها التَّاء وَإِن جرت على مؤنث نَحْو: حَائِض وطامث فَكَانَ يَنْبَغِي على هَذَا أَن لَا تلْحق التَّاء لَوْلَا مَا أُرِيد من التَّفْرِقَة بَين الْمُفْرد وَالْجمع. وَإِنَّمَا أدخلوها حِين أَرَادوا التَّفْرِقَة فِي صفة الْجَمَاعَة وَلم يدخلوها

فِي صفة الْمُفْرد لِأَن جمع التكسير وَإِن كَانَ لمن يعقل قد يُعَامل مُعَاملَة الْوَاحِدَة من الْمُؤَنَّث كَمَا تقدم فَكَانَت بذلك أَحَق وَالْبَيْت آخر قصيدةٍ عدتهَا اثْنَا عشر بَيْتا لعبد منَاف بن ربع الجربي. وَهِي: الْبَسِيط (مَاذَا يُغير ابْنَتي ربعٍ عويلهما ... لَا ترقدان وَلَا بؤسى لمن رقدا) (كلتاهما أبطنت أحشاؤها قصباً ... من بطن حلية لَا رطبا وَلَا نَقْدا) (إِذا تجرد نوحٌ قامتا مَعَه ... ضربا أَلِيمًا بسبتٍ يلعج الجلدا) (من الأسى أهل أنف يَوْم جَاءَهُم ... جَيش الْحمار فجاؤوا عارضاً بردا) (لنعم مَا أحسن الأبيات نهنهةً ... أولى العدي وَبعد أَحْسنُوا الطردا) (إِذْ قدمُوا مائَة واستأخرت مائةٌ ... وفياً وَزَادُوا على كلتيهما عددا) (صابوا بِسِتَّة أبياتٍ وَأَرْبَعَة ... حَتَّى كَأَن عَلَيْهِم جابئاً لبدا) (شدوا على الْقَوْم فاعتطوا أوائلهم ... جَيش الْحمار ولاقوا عارضاً بردا) (فالطعن شغشغةٌ وَالضَّرْب هيقعةٌ ... ضرب الْمعول تَحت الديمة العضدا) ...

(وللقسي أزاميلٌ وغمغمةٌ ... حس الْجنُوب تَسوق المَاء والبردا) (كَأَنَّهُمْ تَحت صَيْفِي لَهُ نحمٌ ... مصرحٍ طحرت أسناؤه القردا) حَتَّى إِذا أسلكوهم فِي قتائدةٍ ... ... ... ... الْبَيْت قَوْله: مَاذَا يُغير ابْنَتي ربع إِلَخ قَالَ شَارِح القصيدة: غَار أَهله: مارهم. وابنتا ربع هما أُخْتا الشَّاعِر. والعويل: رفع الصَّوْت بالبكاء. لَا ترقدان: لَا تنامان وَمن نَام فَلَا بؤسى لَهُ فَإِن الَّذِي ينَام مستريحٌ بخيرٍ فِي رَاحَة قرير الْعين وَإِنَّمَا الْبُؤْس على من حزن لسهرٍ أَو مرض. والبؤس: الضّيق والشدة. وَقَوله: كلتاهما إِلَى آخِره هَذَا مثل أَي: كَأَن فِي صدورها مَزَامِير من الْبكاء والحنين. وَمن بطن حلية أَي: هَذَا الْقصب الَّذِي يزمر بِهِ أَخذ من بطن حلية بِفَتْح الْمُهْملَة وَسُكُون اللَّام بعْدهَا مثناة تحيتة: اسْم وَاد. والنقد بفتحٍ فَكسر: المتأكل. وَقَوله: إِذا تجرد نوحٌ إِلَخ جمع نائحة أَي: إِذا تهَيَّأ نساءٌ للنوح. وَضَربا أَي: وضربنا ضربا.) بسبت بِالْكَسْرِ وَهُوَ الْجلد المدبوغ. كَانَ النِّسَاء يلطمن خدودهن بجلدة. ويلعج: يحرق يُقَال: وجد لَا عج الْحزن أَي: حرقته وَالْجَلد بِكَسْر اللَّام لُغَة فِي سكونها أَرَادَ جلد وَجههَا. وَقَوله: من الأسى إِلَخ الأسى: الْحزن. وأنف: بلدٌ بِهِ قتلوا يَوْمئِذٍ. وَقَوله: جَيش الْحمار كَانُوا غزوا وَمَعَهُمْ حمارٌ يحملون

عَلَيْهِ زادهم. والعارض: الْجَيْش شبهه لكثرته بالعارض من السَّحَاب الممتلئ مَاء. وَالْبرد بِكَسْر الرَّاء: الَّذِي فِيهِ الْبرد بِفتْحَتَيْنِ. وَقَوله: لنعم مَا أحسن إِلَخ. وَرُوِيَ: والنهنهة: الرَّد. وَأولى العدي: العادية وَهِي الحاملة. والأبيات: قوم أغير عَلَيْهِم. وأحسنوا الطَّرْد أَي: أَحْسنُوا طرادهم. وَأولى مفعول لنهنهة. وَالْمعْنَى: نعم مَا أَحْسنُوا رد العدي وأحسنوا مطاردتهم بعد. وَقَوله: إِذْ قدمُوا مائَة إِلَخ وروى أَبُو عبد الله: الْبَسِيط (فقدموا مائَة وأخروا مائَة ... كلتاهما قد وفت وازدادتا عددا) وَقَوله: صابوا بِسِتَّة إِلَخ صابوا: وَقَعُوا. وصاب الْمَطَر: وَقع. والجابئ بموحدة فهمزة: الْجَرَاد. واللبد بِفَتْح فَكسر: المتراكب بعضه على بعضٍ. واللبد بِضَم فَفتح: الْكثير. يَقُول: من كَثْرَة مَا وَقع عَلَيْهِم النَّاس كَأَن عَلَيْهِم جَرَادًا منقضاً. وَقَوله: شدوا على الْقَوْم فاعتطوا: شَقوا أَوَائِل الْقَوْم. وجيش الْحمار بِالْجَرِّ بدل من ضمير الْجمع الْمُضَاف وَبِالنَّصبِ بدل من أَوَائِل. وَقيل لَهُ: جَيش الْحمار لِأَنَّهُ كَانَ فِي الْجَيْش حمارٌ جاؤوا عَلَيْهِ. وَيُقَال: إِنَّمَا

كَانَ مَعَهم حمارٌ يحمل بعض مَتَاعهمْ. يَقُول: لاقوا جَيْشًا مثل الْعَارِض الَّذِي فِيهِ بردٌ. وَقَوله: فالطعن شغشغة: إِلَخ الشغشغة بمعجمتين: حِكَايَة صَوت الطعْن فِي الأجواف والأكفال. والهيقعة: حِكَايَة صَوت الضَّرْب بِالسُّيُوفِ. والمعول بِكَسْر الْوَاو الْمُشَدّدَة: الَّذِي يَبْنِي عَالَة. والعالة: شجر يقطعهُ الرَّامِي فيستظل بِهِ من الْمَطَر. والعضد بِفتْحَتَيْنِ: مَا قطع من الشّجر والمضارع بِكَسْر الضَّاد يُقَال: عضد يعضد عضداً إِذا قطع. وَجعله تَحت الديمة لِأَنَّهُ أسمع لصوته إِذا ابتل. وَقَوله: وللقسي أزاميل: جمع أزملٍ وَالْيَاء من إشباع الكسرة. وأزمل كل شَيْء: صَوته.) يُرِيد أَن لَهَا أصواتاً تختلط فَتَصِير وَاحِدًا. والغمغمة: صوتٌ لَا يفهم. والحس: الصَّوْت. والجنوب: الرّيح. أَي: لَهَا صوتٌ كَدَوِيِّ الرّيح الْجنُوب. وَقَوله: كَأَنَّهُمْ تَحت صَيْفِي إِلَخ أَي: سَحَاب. لَهُ نحم بِفَتْح النُّون والحاء الْمُهْملَة أَي: صَوت ينتحم مثل نحيم الدَّابَّة. مُصَرح: صرح بِالْمَاءِ: صبه وانكشف فَصَارَ غيماً خَالِصا وَنفى عَنهُ القرد بِفَتْح الْقَاف وَالرَّاء الْمُهْملَة وَهُوَ من السَّحَاب: الصغار المتلبد المتراكب بعضه

على بعض. وطحرت: دفعت. والأسناء: جمع سنا وَهُوَ الضَّوْء. يَقُول: كَأَنَّهُمْ تَحت مطرٍ صَيْفِي مِمَّا يَقع بهم لَهُ نحم أَي: صَوت رعد. ويروى: لَهُم نحم. وَعبد منَاف: شاعرٌ جاهلي من شعراء هُذَيْل وَهُوَ ابْن ربع الجربي بِكَسْر الرَّاء وَسُكُون الْمُوَحدَة. والجربي بِضَم الْجِيم وَفتح الرَّاء الْمُهْملَة: نِسْبَة إِلَى جريب كقريش وَهُوَ بطنٌ من هُذَيْل وَهُوَ جريب بن سعد بن هُذَيْل. وَهَذِه الْوَقْعَة يُقَال لَهَا: يَوْم أنف بِفَتْح الْألف وَسُكُون النُّون وَقَالَ السكرِي: أنفٌ: داران إِحْدَاهمَا فَوق الْأُخْرَى بَينهمَا قريبٌ من ميل. وَيُقَال: أنف عاذ فيضاف بِالْعينِ الْمُهْملَة والذال الْمُعْجَمَة كَذَا قَالَ السكرِي. وبدالٍ مُهْملَة رَوَاهَا أَبُو عَمْرو. وَكَانَت بَنو ظفر من بني سليم حَربًا لهذيل فَخرج الْمُعْتَرض بن حنواء الظفري يَغْزُو بني قرد من هُذَيْل وَفِي بني سليم رجلٌ من أنفسهم كَانَ دَلِيل الْقَوْم على أَخْوَاله من هُذَيْل وَأمه امرأةٌ من بني جريب بن سعد واسْمه دبية فدلهم فَوجدَ بني قرد بأنف وَبَنُو سليم يَوْمئِذٍ مِائَتَا رجل وزاملتهم حمَار. فَلَمَّا جَاءَ دبية بنى قرد قَالُوا لَهُ: أَي ابْن أُخْتنَا أتخشى علينا من قَوْمك مخشى قَالَ: معَاذ الله. فصدقوه وأطعموه وتحدثوا مَعَه سَاعَة من

(الشاهد السابع بعد الخمسمائة)

اللَّيْل. ثمَّ قَامَ كل وَاحِد مِنْهُم إِلَى بَيته ورمقه رجلٌ من الْقَوْم وأوجس مِنْهُ خيفة حَتَّى إِذا هدأ أهل الدَّار فَلم يسمع ركز أحدٍ وَلَا حسه لم ير إِلَّا إِيَّاه قد انْسَلَّ من تَحت لِحَاف أَصْحَابه. فحذر بني قرد لذَلِك فَقعدَ كل رجل مِنْهُم فِي جَوف بَيته آخِذا بقائم سَيْفه أَو عجس قوسه وَمَعَهُ نبله. وَحدث دبية أَصْحَابه بمَكَان الدَّاريْنِ فقدموا مائَة نَحْو الدَّار الْعليا وتواعدوا طُلُوع الْقَمَر وَهِي لَيْلَة خمسةٍ وَعشْرين من الشَّهْر وَالدَّار فِي سفح الْجَبَل فَبَدَا الْقَمَر للأسفلين قبل الأعلين فَأَغَارَ الَّذين بدا لَهُم الْقَمَر فَقتلُوا رجلا من بني قرد فَخَرجُوا من بُيُوتهم فشدوا عَلَيْهِم فهزموهم) فَلم يرع الأعلين إِلَّا بَنو قرد يطردون أَصْحَابهم بِالسُّيُوفِ فزعموا أَنهم لم ينج مِنْهُم ليلتئذٍ إِلَّا سِتُّونَ رجلا من الْمِائَتَيْنِ وَقتل دبية وَأدْركَ الْمُعْتَرض فَقتل أَيْضا. وَقَالَ عبد منَاف بن ربع هَذِه القصيدة وَذكر فِيهَا هَذَا الْيَوْم. وَقد أطلت الْكَلَام هُنَا لِأَنِّي لم أر من شرح الْبَيْت الشَّاهِد كَمَا يَنْبَغِي وَلم يذكر أحدٌ القصيدة وَلَا الْيَوْم كَانَ سَببا لَهَا. وَأنْشد بعده 3 - (الشَّاهِد السَّابِع بعد الْخَمْسمِائَةِ) الطَّوِيل (فأضحى وَلَو كَانَت خُرَاسَان دونه ... رَآهَا مَكَان السُّوق أَو هِيَ أقربا)

لما ذكره قَالَ أَبُو عَليّ فِي التَّذْكِرَة القصرية: هِيَ لَا تدخل فصلا فِي قَول أَصْحَابنَا قبل نكرَة فَإِذا كَانَت أقرب بِمَنْزِلَة قريب لم تكن هِيَ فصلا وَإِذا لم تكن فصلا كَانَ أَو عطفا على عاملين. انْتهى. وَفِيه مُسَامَحَة إِذْ مُرَاده على معمولي عاملين فَهِيَ مَعْطُوف على مفعول ترى وَأقرب مَعْطُوف على مَكَان. وَقَالَ فِي إِيضَاح الشّعْر: لَا تَخْلُو هِيَ من أَن تكون مُبْتَدأ أَو وَصفا أَو فصلا. فَلَا تكون مُبْتَدأ لانتصاب مَا بعده فَبَقيَ أَن تكون وَصفا أَو فصلا. وَذَلِكَ أَن قَوْله: رَآهَا مَكَان السُّوق دَال على: أَو رَآهَا فحذفها من اللَّفْظ لدلَالَة مَا تقدم عَلَيْهَا فَصَارَ التَّقْدِير: أَو رَآهَا أقرب أَي: أَو رَآهَا أقرب من السُّوق فَصَارَت هِيَ فصلا بَين الْهَاء وَالْخَبَر المنتصب. وَقد يجوز أَن تجْعَل هِيَ وَصفا للهاء الَّتِي هِيَ الْمَفْعُول الأول كَمَا جَازَ ذَلِك فِي: تَجِدُوهُ عِنْد الله هُوَ خيرا. وَالْأول أوجه لِأَن الْمَحْذُوف لحذفه يَسْتَغْنِي عَن وَصفه. وَيجوز أَن يكون أقرب ظرفا. فَإِذا جعلته ظرفا وَلم تَجْعَلهُ وَصفا كَانَ مُبْتَدأ وَأقرب الْخَبَر وَالتَّقْدِير: أَو هِيَ أقرب من السُّوق. وَمثله: والركب أَسْفَل مِنْكُم. انْتهى.

وَهَذَا الْأَخير هُوَ مُرَاد الشَّارِح الْمُحَقق. وَأَرَادَ بِالْوَصْفِ التوكيد وَهُوَ تَعْبِير سِيبَوَيْهٍ. وَقَالَ أَبُو حَيَّان فِي تَذكرته: قَالَ الْفراء: إِذا قيل مَنْزِلك بِالْحيرَةِ أَو أقرب مِنْهَا فَفِي أقرب الرّفْع وَالنّصب أَي: أَو مَنْزِلك أقرب من الْحيرَة أَو مَكَانا أقرب مِنْهَا أَو يكون مَوضِع أقرب خفضاً) بالنسق على الْحيرَة مَعْنَاهُ أَو بأقرب مِنْهَا. وَأنْشد الْفراء: فنصب الْأَقْرَب على الْمحل وتأويله: أَو هِيَ مَكَانا أقرب من خُرَاسَان. على أَن قد جوز مجوزٌ نصب أقرب فِي الْبَيْت على خبر رأى المضمرة وَقدره: أَو رَآهَا هِيَ أقرب. انْتهى. وَقَوله: أقرب من خُرَاسَان سهوٌ وَصَوَابه أقرب من السُّوق. ثمَّ قَالَ أَبُو حبَان: وَقد قَالَ الْفراء: الْعَرَب تُؤثر الرّفْع مَعَ أَو. وَاحْتج بقول الله تَعَالَى: فَهِيَ كالحجارة أَو أَشد قسوة. رفعت الْقُرَّاء أَشد وَلم تحمله على الْعَطف وبنته على: أَو هِيَ أَشد قسوة. على أَنه يجوز فِي النَّحْو أَو أَشد قسوة بِنصب أَشد وموضعه خفض بالنسق على الْحِجَارَة أَي: كالحجارة أَو كأشد قسوة. فَإِنَّمَا أوثر الرّفْع مَعَ أَو لِأَنَّهَا تَأتي بِمَعْنى الْإِبَاحَة: إِن شبهتم قُلُوب هَؤُلَاءِ بِالْحِجَارَةِ أصبْتُم أَو بِمَا هُوَ أَشد قسوة من الْحِجَارَة أصبْتُم وَإِن شبهتم قُلُوبهم بِالْحِجَارَةِ وَمَا هُوَ أَشد قسوة مِنْهَا لم تخطئوا كَمَا يُقَال: جَالس الْحسن أَو ابْن سِيرِين. يَعْنِي قد أبحت إِفْرَاد أَحدهمَا

بالمجالسة وَالْجمع بَينهمَا فِي ذَلِك. فَلَمَّا أَتَت أَو بِهَذَا الْمَعْنى اخْتَارُوا أَن لَا يعربوا مَا بعْدهَا بإعراب الَّذِي قبلهَا إِذا أمكن الِاسْتِئْنَاف ليدل بذلك على اسْتِوَاء الجملتين اللَّتَيْنِ إِحْدَاهمَا قبلهَا وَالْأُخْرَى بعْدهَا. وَلَو لم يكن استئنافٌ اخْتَلَط الَّذِي بعْدهَا وَهَذَا يُؤَيّد كَون أقرب ظرفا خَبرا لهي. وَالْبَيْت آخر أَبْيَات خَمْسَة لعبد الله بن الزبير الْأَسدي رَوَاهَا الْمبرد فِي الْكَامِل وَغَيره وَهِي: الطَّوِيل (أَقُول لعبد الله يَوْم لَقيته ... أرى الْأَمر أَمْسَى منصباً متشعبا) (تجهز فإمَّا أَن تزور ابْن ضابئ ... عُمَيْرًا وَإِمَّا أَن تزور المهلبا) (هما خطتا خسفٍ نجاؤك مِنْهُمَا ... ركوبك حولياً من الثَّلج أشهبا) (فَمَا إِن أرى الْحجَّاج يغمد سَيْفه ... يَد الدَّهْر حَتَّى يتْرك الطِّفْل أشيبا) (فأضحى وَلَو كَانَت خُرَاسَان دونه ... رَآهَا مَكَان السُّوق أوهي أقربا) قَوْله: أَقُول لعبد الله روى صَاحب الأغاني أَقُول لإِبْرَاهِيم. وَأورد منشأ هَذِه الأبيات مُخْتَصرا فَقَالَ:) لما قدم الْحجَّاج الْكُوفَة والياً صعد الْمِنْبَر وأوعد أَهلهَا وهددهم ثمَّ حثهم على اللحاق بالمهلب بن أبي صفرَة وَأقسم إِن وجد مِنْهُم أحدا

اسْمه فِي جَرِيدَة الْمُهلب بعد ثَالِثَة بِالْكُوفَةِ قَتله. فَجَاءَهُ عُمَيْر بن ضابئ البرجمي فَقَالَ: أَيهَا الْأَمِير: إِنِّي شيخٌ لَا فضل فِي ولي ابنٌ شَاب جلد فاقبله بَدَلا مني. فَقَالَ عَنْبَسَة بن سعيد بن الْعَاصِ: أَيهَا الْأَمِير هَذَا جَاءَ إِلَى عُثْمَان وَهُوَ مقتولٌ فرفسه وَكسر ضلعين من أضلاعه فَقَالَ لَهُ الْحجَّاج: فَهَلا يَوْمئِذٍ بعثت بَدَلا يَا حرسي اضْرِب عُنُقه فَسمع الْحجَّاج ضوضاةً فَقَالَ: مَا هَذَا فَقيل: هَذِه البراجم جَاءَت لتنصر عُمَيْرًا. فَقَالَ: أتحفوهم بِرَأْسِهِ فَوَلوا هاربين فازدحم النَّاس على الجسر للعبور للمهلب حَتَّى غرق بَعضهم فَقَالَ عبد الله بن الزبير الْأَسدي: أَقُول لإِبْرَاهِيم لما لَقيته ... ... . الأبيات الْمَذْكُورَة والمنصب: اسْم فَاعل من أنصبه أَي: أتعبه. والمتشعب أَيْضا: اسْم فَاعل من تشعب أَي: تفرق. وَقَوله: تجهز فإمَّا إِلَخ أَي: تهَيَّأ لأحد هذَيْن الْأَمريْنِ: إِمَّا يقتلك الْحجَّاج كَمَا قتل عُمَيْرًا وَإِمَّا تلْحق الْمُهلب. وَقَوله: هما خطتا خسفٍ إِلَخ الخطة بِالضَّمِّ: الْحَالة. والخسف بِفَتْح الْمُعْجَمَة: الذل. ونجاؤك أَي: خلاصك. والحولي هُوَ من كل ذِي حافر مَا اسْتكْمل سنة وَدخل فِي الثَّانِيَة. وَالْأُنْثَى حولية وَأَرَادَ بِهِ هُنَا الْمهْر. والأشهب من الْخَيل وَغَيره: مَا غلب بياضه على سوَاده. وَمن الثَّلج صفة أولى لحولي وَهُوَ بِالضَّمِّ جمع أثلج وَهُوَ الفرحان

النشيط. وَمرَاده بِهَذَا (أقاتلي الْحجَّاج إِن لم أزر لَهُ ... دراب وأترك عِنْد هندٍ فؤاديا) (فَإِن كَانَ لَا يرضيك حَتَّى تردني ... إِلَى قطري مَا إخالك رَاضِيا) (إِذا جَاوَزت درب المجيرين نَاقَتي ... فباست أبي الْحجَّاج لما ثنانيا) (أيرجو بَنو مَرْوَان سَمْعِي وطاعتي ... وقومي تميمٌ والفلاة ورائيا) وَمِمَّنْ هرب مِنْهُ: مَالك بن الريب الْمَازِني وَقَالَ: الطَّوِيل (فَإِن تنصفونا يال مَرْوَان نقترب ... إِلَيْكُم وَإِلَّا فأدنوا ببعاد) (فَفِي الأَرْض عَن دَار المذلة مذهبٌ ... وكل بلادٍ أوطنت كبلاد)) (فَمَاذَا ترى الْحجَّاج يبلغ جهده ... إِذا نَحن جاوزنا خفير زِيَاد) (فلولا بَنو مَرْوَان كَانَ ابْن يوسفٍ ... كَمَا كَانَ عبدا من عبيد إياد) وَقَوله: فَمَا إِن أرى إِلَخ إِن زَائِدَة وَالْحجاج مفعول أول لأرى وَجُمْلَة: يغمد سَيْفه فِي مَوضِع الْمَفْعُول الثَّانِي. وأغمد سَيْفه: أدخلهُ فِي غمده بِالْكَسْرِ أَي: قرَابه. وَيَد الدَّهْر بِفَتْح الْمُثَنَّاة التَّحْتِيَّة بِمَعْنى مدى الدَّهْر بِالْمِيم بدلهَا. وَقَوله: حَتَّى يتْرك حَتَّى: بِمَعْنى إِلَّا. وَقَوله: فأضحى وَلَو كَانَت خُرَاسَان الْفَاء سَبَبِيَّة تسبب مَا بعْدهَا عَن قَوْله: تجهز فإمَّا أَن تزور ... الْبَيْت. وأضحى من الْأَفْعَال النَّاقِصَة

وَاسْمهَا ضمير عبد الله وَإِبْرَاهِيم وَجُمْلَة رَآهَا وَكَانَ طوى كشحاً على مستكنة على وُقُوع الْمَاضِي خَبرا للأفعال النَّاقِصَة وعَلى هَذَا تكون لَو وصليةً لَا جَوَاب لَهَا وَعَلِيهِ الْمَعْنى فَإِنَّهُ يُرِيد أَن عبد الله صَار كَأَنَّهُ رأى خُرَاسَان مَكَان السُّوق قريبَة مِنْهُ أَو هِيَ أقرب من السُّوق فَذهب إِلَيْهَا من غير تأهب واستعداد لشدَّة خَوفه من الْحجَّاج وَإِن كَانَت خُرَاسَان فِي نفس الْأَمر دونه بمراحل. وَزعم أَبُو عَليّ فِي إِيضَاح الشّعْر أَن خبر أضحى مَحْذُوف فَتكون لَو شَرْطِيَّة ورَآهَا جوابها. وَلَا يخفى ركاكة الشّرطِيَّة. وَهَذِه عِبَارَته: فَأَما خبر أضحى فمحذوف تَقْدِيره: فأضحى مشمراً أَو مجداً أَو نَحْو ذَلِك مِمَّا يدل عَلَيْهِ مَا تقدم. انْتهى. وخراسان: ولايةٌ وَاسِعَة تشْتَمل على أمهاتٍ من الْبِلَاد مِنْهَا نيسابور وهراة ومرو وبلخ وَاخْتلف فِي تَسْمِيَتهَا بذلك فَقَالَ دَغْفَل النسابة: خرج خُرَاسَان وهيطل ابْنا عَابِر بن سَام بن نوح عَلَيْهِ السَّلَام لما تبلبلت الألسن بِبَابِل فَنزل كل وَاحِد مِنْهُم فِي الْبَلَد الْمَنْسُوب إِلَيْهِ. يُرِيد أَن هيطل نزل فِي الْبَلَد الْمَعْرُوف بالهياطلة وَهُوَ مَا وَرَاء نهر جيحون وَنزل

خُرَاسَان فِي الْبِلَاد الْمَذْكُورَة فَسُمي كل بقْعَة بِالَّذِي نزل بهَا. وَنقل أَبُو عبيد الْبكْرِيّ فِي المعجم عَن الْجِرْجَانِيّ أَنه قَالَ: معنى خر: كل وآسان مَعْنَاهُ: سهل أَي: كل بِلَا تَعب. وَقَالَ غَيره: معنى خُرَاسَان بِالْفَارِسِيَّةِ مطلع الشَّمْس. انْتهى. وَقَوله: دونه أَي: دون عبد الله. وَدون بِمَعْنى أَمَام. وَزعم الْمبرد فِي الْكَامِل أَن الضَّمِير للسَّفر الْمَفْهُوم من الْمقَام. وَقَالَ: يَعْنِي دون السّفر. رَآهَا مَكَان السُّوق للخوف وَالطَّاعَة. وَهَذَا كَلَامه) وَلم يُفَسر من هَذَا الشّعْر غير هَذَا. وَمَكَان: ظرف والسوق مؤنث سَمَاعي وتذكر وَهُوَ مَحل البيع وَالشِّرَاء وَهِي ضمير خُرَاسَان وَأقرب أفعل تَفْضِيل منصوبٌ على الظَّرْفِيَّة وَهُوَ وعامله خبر هِيَ وَالْألف للإطلاق. روى صَاحب الأغاني أَن ناظم هَذِه الأبيات لما قفل من حَرْب الْأزَارِقَة جَاءَ يَوْمًا إِلَى الْحجَّاج هُوَ بقنطرة الْكُوفَة يعرض عَلَيْهِ الْجَيْش وَجعل يسْأَل عَن رجلٍ رجل فَمر بِهِ ابْن الزبير فَسَأَلَهُ من هُوَ فَأخْبرهُ فَقَالَ: أَأَنْت الَّذِي تَقول: (تخير فإمَّا تزور ابْن ضابئ ... عُمَيْرًا وَإِمَّا أَن تزور المهلبا) قَالَ: بلَى. فَقَالَ الْحجَّاج: فَامْضِ إِلَى بَعثك. فَمضى فَمَاتَ بِالريِّ.

وَتَقَدَّمت تَرْجَمته فِي الشَّاهِد الرَّابِع وَالْعِشْرين بعد الْمِائَة. وَهَذِه الْوَقْعَة وقْعَة الْخَوَارِج وَكَانَ أَمِيرهمْ قطري بن الْفُجَاءَة وَكَانَ تغلب على شيراز وكازرون وَمَا يَليهَا فِي زمن عبد الْملك بن مَرْوَان وَكَانَ عبد الْملك أَمر أَمِير الْكُوفَة أَخَاهُ وَهُوَ بشر بن مَرْوَان أَن يولي الْمُهلب بن أبي صفرَة لقِتَال الْخَوَارِج فولاه وأمده بجيشٍ من الْكُوفَة كَبِيرهمْ عبد الرَّحْمَن بن مخنف وَكَانُوا ثَمَانِيَة آلَاف رجل وَلَحِقُوا بالمهلب. وَبعد شهر مَاتَ بشر فَلَمَّا تسامعوا بِمَوْتِهِ تسللوا من عِنْد الْمُهلب وجاؤوا إِلَى الْكُوفَة. ثمَّ إِن عبد الْملك بن مَرْوَان ولى الْحجَّاج مَوضِع أَخِيه وَأمره أَن يمد الْمُهلب فَلَمَّا جَاءَ الْحجَّاج إِلَى الْكُوفَة صعد الْمِنْبَر وحث أهل الْكُوفَة باللحاق إِلَى الْمُهلب وهددهم وَأَعْطَاهُمْ أَرْزَاقهم وَحلف إِن وجد أحدا مِنْهُم بعد ثَلَاثَة أَيَّام ليضربن عُنُقه. فهابه النَّاس وتسارعوا فِي السّفر. وَقد فصل الْمبرد فِي الْكَامِل هَذِه الْأَخْبَار والحروب وَمَا قيل فِيهَا من الْأَشْعَار وَشَرحهَا. وللحجاج خطبةٌ بليغة قَالَهَا على الْمِنْبَر حِين دُخُوله الْكُوفَة أَمِيرا عَلَيْهَا ستأتي إِن شَاءَ الله مشروحة فِي أَفعَال المقاربة عِنْد شعر عُمَيْر بن ضابئ.

(الشاهد الثامن بعد الخمسمائة)

وَأنْشد بعده 3 - (الشَّاهِد الثَّامِن بعد الْخَمْسمِائَةِ) : الطَّوِيل على أَن الْأَغْلَب مَجِيء إِذا الفجائية فِي جَوَاب بَينا كَمَا فِي الْبَيْت. وَقد تقترن الْفَاء الزَّائِدَة بإذا كَمَا قَالَ ابْن عبدل وَهُوَ من شعراء الحماسة: الْكَامِل (بيناهم بِالظّهْرِ قد جَلَسُوا ... يَوْمًا بِحَيْثُ تنْزع الذّبْح) (فَإِذا ابْن هندٍ فِي مواكبه ... تهدي بِهِ خطارةٌ سرح) قَالَ ابْن جني فِي إِعْرَاب الحماسة: يَوْمًا مَنْصُوب لِأَنَّهُ بدل من بَينا أَلا ترى أَن مَعْنَاهُ بَين أَوْقَات هم قد جَلَسُوا وَذَلِكَ الْبَين هُوَ الْيَوْم الَّذِي أبدله مِنْهُ. وَلَيْسَ يَعْنِي بِالْيَوْمِ الْمِقْدَار الْمَعْرُوف من طُلُوع الشَّمْس إِلَى غُرُوبهَا وَإِنَّمَا يُرِيد الْوَقْت مُبْهما لَا يخص بِهِ مِقْدَارًا من الزَّمَان. وَقد يكون بُرْهَة من الدَّهْر تشْتَمل على الْأَيَّام والليالي. وَزَاد الْفَاء فِي قَوْله: فَإِذا وَإِنَّمَا أَرَادَ: بيناهم كَذَلِك إِذا ابْن هِنْد قد فعل كَذَا. انْتهى.

وَيُؤْخَذ مِنْهُ أَن بَينا يجوز اقتران جوابها بإذا وَإِن أبدل مِنْهَا ظرف زمانٍ آخر. وَقَول الشَّارِح الْمُحَقق: وَلَا يَجِيء بعد إِذا المفاجأة إِلَّا الْفِعْل الْمَاضِي أَرَادَ: مَعَ بَينا وبينما وَهُوَ الظَّاهِر كَقَوْلِه: الْبَسِيط فَبَيْنَمَا الْعسر إِذْ دارت مياسير وَأما مَعَ غَيرهمَا فَلَا تَأتي المفاجأة. قَالَ أَبُو حَيَّان فِي الارتشاف وَتَأْتِي إِذْ للمفاجأة. قَالَ وَلَا تكون للمفاجأة إِلَّا بعد بَينا وبينما. انْتهى. وَكَذَلِكَ قَالَ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي: تكون إِذْ للمفاجأة نَص عَلَيْهِ سِيبَوَيْهٍ وَهِي الْوَاقِعَة بعد بَينا وبينما. وَأَجَازَ الرضي مجيئها لَهَا فِي غير جوابهما فِيمَا يَأْتِي قبل إِيرَاد قَوْله: بَينا تعنقه الكماة ... الْبَيْت الْآتِي فَقَالَ: وَقد تَجِيء إِذْ للمفاجأة فِي غير جَوَاب بَينا وبينما كَمَا فِي قَوْلك: كنت واثقاً إِذْ جَاءَنِي عَمْرو. هَذَا كَلَامه. وَهَذَا يحْتَاج إِلَى إثْبَاته بِكَلَام من يوثق بِهِ. قَالَ ابْن جني فِي إِعْرَاب الحماسة: قَوْله: بَينا نسوس النَّاس إِلَخ أَرَادَ بَين فأشبع الفتحة فَأَنْشَأَ عَنْهَا ألفا. قَالَ أَبُو عَليّ: أَصله بَين أوقاتٍ نسوس النَّاس) وَالْعَامِل فِي بَينا مَا دلّ عَلَيْهِ قَوْله: إِذا نَحن فيهم سوقة نتنصف أَلا ترى أَن مَعْنَاهُ بَين هَذِه الْأَوْقَات خدمنا النَّاس وذللنا كَمَا

أَن قَوْله تَعَالَى: وَإِن تصبهم سَيِّئَة بِمَا قدمت أَيْديهم إِذا هم يقنطون تَأْوِيله: قَنطُوا. فوقوع إِذا هَذِه المكانية جَوَابا للشّرط من أقوى دَلِيل على قُوَّة شبهها بِالْفِعْلِ. وَإِذا هَذِه مَنْصُوبَة بِالْفِعْلِ بعْدهَا وَلَيْسَت مُضَافَة إِلَيْهِ. وَكَذَلِكَ إِذْ (بَيْنَمَا النَّاس على عليائها ... إِذْ هووا فِي هوة مِنْهَا فغاروا) إِذْ مَنْصُوبَة الْموضع بهووا. وَقَالَ أَيْضا فِي سر الصِّنَاعَة: أشْبع الفتحة فِي بَينا فَحدث بعْدهَا ألف. فَإِن قيل: فإلام أضَاف بَين وَقد علمنَا أَن هَذَا الظّرْف لَا يُضَاف من الْأَسْمَاء إِلَّا إِلَى مَا يدل على أَكثر من الْوَاحِد وَمَا عكف عَلَيْهِ غَيره بِالْوَاو نَحْو المَال بَين زيد وَعَمْرو وَقَوله: نسوس النَّاس جملَة وَالْجُمْلَة لَا مَذْهَب لَهَا بعد هَذَا الظّرْف فَالْجَوَاب: أَن هَا هُنَا وَاسِطَة محذوفة وَالتَّقْدِير: بَين أَوْقَات نسوس النَّاس خدمنا أَي: خدمنا بَين أَوْقَات سياستنا النَّاس والجمل مِمَّا يُضَاف إِلَيْهَا أَسمَاء الزَّمَان نَحْو أَتَيْتُك زمن الْحجَّاج أَمِير. ثمَّ إِنَّه حذف الْمُضَاف الَّذِي هُوَ أَوْقَات وَأولى الظّرْف الَّذِي كَانَ مُضَافا إِلَى الْمَحْذُوف الْجُمْلَة الَّتِي أُقِيمَت مقَام الْمُضَاف إِلَيْهَا كَقَوْلِه عَزَّ وَجَلَّ: واسئل الْقرْيَة أَي: أَهلهَا. هَكَذَا علقت عَن أبي عَليّ فِي تَفْسِير هَذِه اللَّفْظَة وَقت الْقِرَاءَة عَلَيْهِ وَقل من يضْبط ذَلِك إِلَّا من كَانَ متقناً

أصيلاً فِي هَذِه الصِّنَاعَة. انْتهى. وَهَكَذَا كل من شرح بَينا قَالَ: الْألف نشأت عَن إشباع الفتحة. وَزعم الْفراء أَن أصل بَينا بَيْنَمَا فحذفت الْمِيم. وَقَالَ زين الْعَرَب فِي أول شرح المصابيح: وَقَول الْجَوْهَرِي نشأت الْألف من إشباع الفتحة فَفِيهِ نظر وَهُوَ أَن الْألف إِنَّمَا تتولد من الفتحة فِي القافية. وَالْحق أَن بَينا أَصله بَينا بِالتَّنْوِينِ والتنوين فِيهِ للعوض عَن الْمُضَاف إِلَيْهِ الْمَحْذُوف. وَهُوَ الْأَوْقَات ثمَّ أبدل الْألف من التَّنْوِين فِي الْوَصْل إِجْرَاء للوصل مجْرى الْوَقْف فثبتت الْألف ثُبُوتهَا فِي الْوَقْف بدل التَّنْوِين. وَأما بَيْنَمَا فَمَا فِيهِ بِمَعْنى الزَّمَان فَلَا حذف فِيهِ أَو مَا فِيهِ زَائِدَة بَين الْمُضَاف والمضاف إِلَيْهِ. انْتهى. وعَلى هَذَا فألف بَينا عوض الْعِوَض. وَمثله غير مَعْرُوف. وَيَقْتَضِي أَيْضا أَن يكون بَينا غير) مُضَاف إِلَى الْجُمْلَة. وَقَول الشَّارِح الْمُحَقق: لما قصد إِلَى إِضَافَة بَين إِلَى جملَة زادوا عَلَيْهِ مَا الكافة أَو أشبعوا الفتحة. يُرِيد أَن مَا وَالْألف كفتا بَين عَن الْإِضَافَة إِلَى الْمُفْرد وهيآها للإضافة إِلَى جملَة. وَهَذَا

شيءٌ غَرِيب وَالْمَشْهُور أَن الْألف من إشباع الفتحة وَبَين مُضَافَة إِلَى الْجُمْلَة من غير تعرض لكف وتهيئة. وَذهب بَعضهم إِلَى أَن الْألف زَائِدَة من غير إشباع وَهِي كَافَّة لبين عَن الْإِضَافَة. كَذَا نفل ابْن هِشَام فِي الْألف اللينة من الْمُغنِي. وَقَالَ أَيْضا فِي بحث مَا الكافة للظروف عَن الْإِضَافَة: إِن مَا تكون كَافَّة لبيت عَن الْإِضَافَة (بَيْنَمَا نَحن بالأراك مَعًا ... إِذْ أَتَى راكبٌ على جمله) وَقيل: مَا زَائِدَة وَبَين مضافةٌ إِلَى الْجُمْلَة وَقيل: زَائِدَة وَبَين مُضَافَة إِلَى زمن محذوفٍ مضافٍ إِلَى الْجُمْلَة أَي: بَين أَوْقَات نَحن بالأراك والأقوال الثَّلَاثَة فِي بَين مَعَ الْألف فِي نَحْو قَوْله: فَبينا نسوس النَّاس الْبَيْت. انْتهى. أَقُول: صَاحب القَوْل الثَّانِي لَا بُد لَهُ من تَقْدِير الْأَوْقَات فَلَا يباين القَوْل الثَّالِث. وَلم يتَنَبَّه شراحه. وَقَوله: والأقوال الثَّلَاثَة فِي بَين مَعَ الْألف. فَالْأول: تكون الْألف كَافَّة عَن الْإِضَافَة. وَالثَّانِي: أَنَّهَا زَائِدَة وَبَين مُضَافَة إِلَى الْجُمْلَة. وَالثَّالِث: أَنَّهَا زَائِدَة وَبَين مُضَافَة إِلَى الزَّمن الْمَذْكُور. وَيرد على هَذَا أَيْضا مَا ذكرنَا وَالصَّوَاب أَن الْقَوْلَيْنِ الْأَخيرينِ فيهمَا قولٌ وَاحِد. وَقَالَ زين الْعَرَب: هَذِه الْألف عوض عَن الْأَوْقَات المحذوفة وَكَذَلِكَ مَا عوضٌ عَنْهَا. وَهَذَا غير قَوْله الأول الَّذِي جعله الْحق عِنْده. وَالْحَاصِل أَن فِي ألف بَينا خَمْسَة أَقْوَال:

أَحدهَا: إشباعٌ لتهيئة بَين للإضافة. وَثَانِيها: أَنَّهَا مجتلبة للكف عَن الْإِضَافَة. وَرَابِعهَا: أَنَّهَا بدلٌ من تَنْوِين الْعِوَض. وخامسها أَنَّهَا بَقِيَّة مَا. وَهُوَ أبعد الْأَقْوَال. والجيد مَا ذهب إِلَيْهِ الشَّارِح الْمُحَقق.) وَالْبَيْت أول بَيْتَيْنِ لحرقة بنت النُّعْمَان بن الْمُنْذر أوردهما أَبُو تَمام فِي الحماسة وَالرِّوَايَة: بَيْنَمَا نسوس بِإِسْقَاط الْفَاء على الحزم. وَالثَّانِي: (فأف لدُنْيَا لَا يَدُوم نعيمها ... تقلب تاراتٍ بِنَا وَتصرف) تَقول: بَينا نستخدم النَّاس وندبر أُمُورهم وطاعتنا واجبةٌ عَلَيْهِم وأحكامنا نَافِذَة تقلبت الْأُمُور واتضعت الْأَحْوَال وصرنا سوقة تخْدم النَّاس. ونسوس من سَاس زيدٌ الْأَمر يسوسه سياسةً: دبره وَقَامَ بأَمْره. والسياسة لَفْظَة عَرَبِيَّة خَالِصَة زعم بَعضهم أَنَّهَا مُعرب سه يسا وَهِي لَفْظَة مركبة من كَلِمَتَيْنِ أولاهما أَعْجَمِيَّة وَالْأُخْرَى تركية. فسه بِالْفَارِسِيَّةِ ثَلَاثَة ويسا بالمغلية التَّرْتِيب فَكَأَنَّهُ قَالَ: التراتيب الثَّلَاثَة. قَالَ: وَسَببه على مَا فِي النُّجُوم الزاهرة أَن جنكزخان

الملعون ملك الْمغل قسم ممالكه بَين أَوْلَاده وأوصاهم بوصايا أَن لَا يخرجُوا عَنْهَا فجعلوها قانوناً فسموها بذلك. ثمَّ غيروها فَقَالُوا: سياسة. وَهَذَا شَيْء لَا أصل لَهُ فَإِنَّهَا لَفْظَة عَرَبِيَّة متصرفة تَكَلَّمت بهَا الْعَرَب قبل أَن يخلق جنكزخان فَإِنَّهُ كَانَ فِي تَارِيخ الستمائة وصاحبة هَذَا الْبَيْت قبله بأربعمائة سنة. نعم لَو قيل أفريدون بدل جنكزخان لَكَانَ لَهُ وَجه فَإِنَّهُ قسم مَمْلَكَته بَين أَوْلَاده الثَّلَاث: سلم وتور وإيرج ورتب لَهُم قوانين ثَلَاثَة. وَقَوْلها: وَالْأَمر أمرنَا فِيهِ قصر إِفْرَاد تُرِيدُ: لَا أحد يشاركنا فِي السلطنة وَلَا يَد فَوق أَيْدِينَا. والسوقة بِالضَّمِّ قَالَ الحريري فِي درة الغواص: وَمِنْه أَيْضا توهمهم أَن السوقة اسمٌ لأهل السُّوق. وَلَيْسَ كَذَلِك بل السوقة الرّعية. سموا بذلك لِأَن الْملك يسوقهم إِلَى إِرَادَته. وَيَسْتَوِي لفظ الْوَاحِد وَالْجَمَاعَة فِيهِ فَيُقَال: رجل سوقةٌ وقومٌ سوقة كَمَا قَالَت الحرقة بنت النُّعْمَان: فَبينا نسوق النَّاس ... . الْبَيْت. فَأَما أهل السُّوق فهم السوقيون واحدهم سوقي والسوق فِي كَلَام الْعَرَب تذكر وتؤنث. انْتهى. وَالْمَشْهُور فِي رِوَايَة الْبَيْت: بَينا نسوس بدل نسوق. وَمثله فِي لحن الْعَامَّة للجواليقي قَالَ: يذهب عوام النَّاس

إِلَى أَن السوقة أهل السُّوق وَذَلِكَ خطأ إِنَّمَا السوقة من لَيْسَ يملك تَاجِرًا كَانَ أَو غير تَاجر بِمَنْزِلَة الرّعية. وَسموا سوقة لِأَن الْملك) يسوقهم فينساقون لَهُ ويصرفهم على مُرَاده. يُقَال للْوَاحِد: سوقة وللاثنين: سوقة. وَرُبمَا جمع سوقا. قَالَ زُهَيْر: الْبَسِيط (يطْلب شأو امرأين قدما حسنا ... نالا الْمُلُوك وبذا هَذِه السوقا) وَأما أهل السُّوق فالواحد سوقي وَالْجَمَاعَة سوقيون. انْتهى. وَنقل الصَّاغَانِي فِي الْعباب هَذِه الْعبارَة وَزَاد: وَيَسْتَوِي فِيهِ الْمُذكر والمؤنث. ونتنصف بِالْبِنَاءِ للْفَاعِل أَي: نخدم. قَالَ ابْن السّكيت: نصفهم ينصفهم وينصفهم بِضَم الصَّاد وَكسرهَا نصافاً ونصافة بكسرهما أَي: خدمهم. وَكَذَلِكَ تنصف. والناصف: الْخَادِم وَالْجمع نصف بِفتْحَتَيْنِ وَكَذَلِكَ الْمنصف بِفَتْح الْمِيم وَكسرهَا: الْخَادِم وَالْجمع مناصف. وَظَاهر تَفْسِير ابْن الشجري إِيَّاه بقوله: أَي نستخدم أَنه بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول. وَوَقع فِي بعض نسخ مُغنِي اللبيب لَيْسَ ننصف بدل نتنصف أَي: نعامل بالإنصاف. وَلم أر من روى كَذَا. وَقَوْلها: فأف لدُنْيَا إِلَخ أَي: تحقيراً لدُنْيَا نعيمها يَزُول وجمالها لَا يَدُوم بل تتحول وتتقلب بِأَهْلِهَا. وتقلب وَتصرف كِلَاهُمَا مضارع وَالْأَصْل: تتقلب وتتصرف أَي: تَتَغَيَّر. وأُفٍّ بِكَسْر

وحرقة بِضَم الْحَاء وَفتح الرَّاء الْمُهْمَلَتَيْنِ بعْدهَا قَاف وَهِي بنت النُّعْمَان ابْن الْمُنْذر اللَّخْمِيّ ملك الْحيرَة بِظهْر الْكُوفَة. وَهِي امْرَأَة شريفة شاعرة. كَذَا ذكرهَا الْآمِدِيّ فِي المؤتلف والمختلف. وَأنْشد لَهَا هذَيْن الْبَيْتَيْنِ. ولحرقة هَذِه أخٌ اسْمه حريق مصغر اسْمهَا. قَالَ هَانِئ بن قبيصَة يَوْم ذِي قار: المنسرح (أقسم بِاللَّه نسلم الحلقه ... وَلَا حريقاً وَأُخْته حرقه) (حَتَّى يظل الرئيس منجدلاً ... ويقرع السهْم طرة الدرقه) كَذَا ذكرهَا العسكري فِي كتاب التَّصْحِيف وَأنْشد لَهَا الْبَيْتَيْنِ وَقَالَ: وَلها خبر مَعَ سعد بن أبي وَقاص. وَذكرهَا الجاحظ فِي كتاب المحاسن والمساوي قَالَ: زَعَمُوا أَن زِيَاد بن أَبِيه مر بِالْحيرَةِ فَنظر إِلَى دير هُنَاكَ فَقَالَ لِخَادِمِهِ: لمن هَذَا قَالَ: دير حرقة بنت النُّعْمَان ابْن الْمُنْذر. فَقَالَ: ميلوا بِنَا لنسمع كَلَامهَا. فَجَاءَت إِلَى وَرَاء الْبَاب فكلمها الْخَادِم فَقَالَ هَا: كلمي الْأَمِير. قَالَت: أوجز أم) أطيل قَالَ: بل أوجزي. قَالَت: كُنَّا أهل بيتٍ طلعت الشَّمْس علينا وَمَا على الأَرْض أحدٌ أعز منا فَمَا غَابَتْ تِلْكَ الشَّمْس حَتَّى رحمنا عدونا. قَالَ:

فَأمر لَهَا بأوساق من شعير فَقَالَت: أطعمتك يدٌ شبعي جاعت وَلَا أطعمتك يدٌ جوعى شبعت. (سل الْخَيْر أهل الْخَيْر قدماً وَلَا تسل ... فَتى ذاق طعم الْخَيْر مُنْذُ قريب) وَيُقَال: إِن فَرْوَة بن إِيَاس بن قبيصَة انْتهى إِلَى دير حرقة بنت النُّعْمَان فألفاها وَهِي تبْكي فَقَالَ لَهَا: مَا يبكيك قَالَت: مَا من دارٍ امْتَلَأت سُرُورًا إِلَّا امْتَلَأت بعد ذَلِك ثبوراً ثمَّ قَالَت: فَبينا نسوس النَّاس وَالْأَمر أمرنَا ... ... ... ... . . الْبَيْتَيْنِ قَالَ: وَقَالَت حرقة بنت النُّعْمَان لسعد بن أبي وَقاص: لَا جعل الله إِلَى لئيم حَاجَة وَلَا زَالَت لكريمٍ إِلَيْك حَاجَة وَعقد لَك المنن فِي أَعْنَاق الْكِرَام وَلَا أَزَال بك عَن كريمٍ نعْمَة وَلَا أزالها عَنهُ بغيرك إِلَّا جعلك سَببا لردها عَلَيْهِ. انْتهى. وَأورد خبر سعد بن أبي وَقاص مَعهَا بأتم من هَذَا الْمعَافى بن زَكَرِيَّا فِي كتاب الجليس بِسَنَدِهِ إِلَى حسان بن أبان قَالَ: لما قدم سعد بن أبي وَقاص الْقَادِسِيَّة أَمِيرا أَتَتْهُ حرقة بنت النُّعْمَان بن الْمُنْذر فِي جوارٍ كُلهنَّ مثل زيها يطلبن صلته. فَلَمَّا وقفن بَين يَدَيْهِ قَالَ: أيتكن حرقة قُلْنَ: هَذِه. قَالَ لَهَا: أَنْت حرقة قَالَت: نعم فَمَا تكرارك استفهامي إِن الدُّنْيَا دَار زَوَال وَإِنَّهَا لَا تدوم على حَال إِنَّا كُنَّا مُلُوك هَذَا الْمصر قبلك يجبى إِلَيْنَا خراجه

ويطيعنا أَهله زمَان الدولة فَلَمَّا أدبر الْأَمر وانقضى صَاح بِنَا صائح الدَّهْر فصدع عصانا وشتت ملأنا. وَكَذَلِكَ الدَّهْر يَا سعد إِنَّه لَيْسَ من قومٍ بسرور وحبرة إِلَّا والدهر معقبهم حسرة ثمَّ أنشأت تَقول: فَقَالَ سعد: قَاتل الله عدي بن زيد كَأَنَّهُ ينظر إِلَيْهَا حَيْثُ يَقُول: (إِن للدهر صولةً فأحذرنها ... لَا تبيتن قد أمنت السرورا) (قد يبيت الْفَتى معافًى فيرزا ... وَلَقَد كَانَ آمنا مَسْرُورا) وَأَكْرمهَا سعدٌ وَأحسن جائزتها فَلَمَّا أَرَادَت فِرَاقه قَالَت لَهُ: حَتَّى أحييك بِتَحِيَّة أملاكنا بَعضهم بَعْضًا: لَا جعل الله لَك إِلَى لئيم حَاجَة وَلَا زَالَ الْكَرِيم عنْدك حَاجَة وَلَا نزع من عبدٍ صَالح نعْمَة إِلَّا جعلك سَببا لردها عَلَيْهِ فَلَمَّا خرجت من عِنْده تلقاها نسَاء الْمصر فَقُلْنَ لَهَا: مَا صنع بك الأكير قَالَت: الْخَفِيف (حاط لي ذِمَّتِي وَأكْرم وَجْهي ... إِنَّمَا يكرم الْكَرِيم الْكَرِيم)) انْتهى نَقله من شرح أَبْيَات الْمُغنِي للسيوطي.

وَنسب ابْن الشجري فِي أَمَالِيهِ هذَيْن الْبَيْتَيْنِ إِلَى هِنْد بنت النُّعْمَان بن الْمُنْذر. وَلَعَلَّ حرقة يكون لقباً لهِنْد أَو أُخْتا لَهَا. قَالَ: هِنْد بنت النُّعْمَان لَهَا ديرٌ بِظَاهِر الْكُوفَة باقٍ إِلَى الْيَوْم. وَلما كَانَ الْمُغيرَة بن شُعْبَة الثَّقَفِيّ والياً بِالْكُوفَةِ من قبل مُعَاوِيَة وَكَانَ أحد دهاة الْعَرَب أرسل إِلَى هِنْد بنت النُّعْمَان يخطبها وَكَانَت قد عميت فَأَبت وَقَالَت: والصليب مَا فِي رَغْبَة لجمال وَلَا لِكَثْرَة مَال وَأي رغبةٍ لشيخ أَعور فِي عَجُوز عمياء وَلَكِن أردْت أَن تَفْخَر بنكاحي (أدْركْت مَا منيت نَفسِي خَالِيا ... لله دَرك يَا ابْنة النُّعْمَان) (فَلَقَد رددت على الْمُغيرَة ذهنه ... إِن الْمُلُوك ذكية الأذهان) (إِنِّي لحلفك بالصليب مصدقٌ ... والصلب أصدق حلفة الرهبان) وَكَانَت بعد ذَلِك تدخل عَلَيْهِ فيكرمها ويبرها. وسألها يَوْمًا عَن حَالهَا فأنشدت: بَينا نسوس النَّاس وَالْأَمر أمرنَا ... ... ... ... . . الْبَيْتَيْنِ وَرُوِيَ أَن الْمُغيرَة هَذَا أدْمى ثَمَانِينَ بكرا وَمَات بِالْكُوفَةِ وَهُوَ أميرها بالطاعون سنة خمسين. انْتهى. وَأورد هنداً هَذِه إِسْمَاعِيل الْموصِلِي فِي كتاب الْأَوَائِل قَالَ: أول امْرَأَة أحبت امْرَأَة فِي الْعَرَب هِنْد بنت النُّعْمَان بن الْمُنْذر كَانَت تهوى زرقاء الْيَمَامَة فَلَمَّا قتلت الزَّرْقَاء ترهبت هِنْد ولبست المسوح وَبنت

(الشاهد التاسع بعد الخمسمائة)

لَهَا ديراً يعرف بدير هِنْد إِلَى الْآن وأقامت بِهِ حَتَّى مَاتَت. كَذَا ذكر أَبُو الْفرج الْأَصْبَهَانِيّ فِي كتاب الأغاني الْكَبِير. وَفِيه نظر فَإِن هِنْد بنت النُّعْمَان مَاتَت فِي ولَايَة الْمُغيرَة بن شُعْبَة على الْكُوفَة وزرقاء الْيَمَامَة من جديس وَلَهُم خبر مَعَ طسم وَكَانُوا فِي زمن مُلُوك الطوائف وَبَينهمَا زمَان طَوِيل. فَمَا أعلم من أَيْن وَقع لأبي الْفرج هَذَا. انْتهى. - وَأنْشد بعده: تَمَامه: شلا كَمَا يطرد الجمالة الشردا على أَن إِذا فِيهِ زَائِدَة. وَقد تقدم الْكَلَام عَلَيْهِ مفصلا قَرِيبا. وَأنْشد بعده 3 - (الشَّاهِد التَّاسِع بعد الْخَمْسمِائَةِ) : الْكَامِل (بَينا تعنقه الكماة وروغه ... يَوْمًا أتيح لَهُ جري سلفع) على أَنه يجوز إِضَافَة بَينا دون بَيْنَمَا إِلَى الْمصدر كَمَا فِي الْبَيْت. والأعرف الرّفْع على أَنه مُبْتَدأ مَحْذُوف الْخَبَر أَي: تعنقه حاصلٌ. أَقُول: الأولى أَن يَقُول: حاصلان لِأَن قَوْله: وروغه مَعْطُوف على تعنقه. وَقَوله: يجوز إِضَافَة بَينا إِلَى الْمصدر يَعْنِي إِلَى الْأَسْمَاء المفردة

إِذا كَانَ فِيهَا معنى الْفِعْل حملا على معنى حِين كَقَوْلِك: بَينا قيام زيدٍ أقبل عَمْرو أَي: حِين قيام هَذَا أقبل ذَاك. فَإِن وَقع بعْدهَا اسْم جوهرٍ لم يكن إِلَّا رفعا نَحْو: بَينا زيدٌ فِي الدَّار أقبل عَمْرو لِأَنَّهَا تُضَاف إِلَى جثة وَالْبَيْت لأبي ذُؤَيْب الْهُذلِيّ من قصيدته الْمَشْهُورَة الَّتِي رثى بهَا أَوْلَاده وَكَانُوا خَمْسَة وهلكوا فِي عَام وَاحِد أَصَابَهُم الطَّاعُون وَكَانُوا فِيمَن هَاجر إِلَى مصر. وَقد تقدم شرح بعض مِنْهَا فِي الشَّاهِد السَّابِع وَالسِّتِّينَ. قَالَ الإِمَام المرزوقي فِي شرح هَذِه القصيدة: روى الْأَصْمَعِي: بَينا تعنقه وروغه مجروراً. وَكَانَ يَقُول: بَينا يُضَاف إِلَى المصادر خَاصَّة. والنحويون يخالفونه وَيَقُولُونَ: بَينا وبينما عبارتان للحين وهما مبهمتان لَا تضافان إِلَّا إِلَى الْجمل الَّتِي تبينها. فَإِذا قلت: بَينا أَنا جَالس طلع زيد فَالْمَعْنى: حِين أَنا جَالس أَو وَقت أَنا جَالس طلع زيد. وَذكر سِيبَوَيْهٍ خَاصَّة أَن إِذْ تقع بعدهمَا للمفاجأة تَقول: بَيْنَمَا نَحن نسير إِذْ أقبل زيد. وَكثير من النَّحْوِيين والأصمعي يُنكرُونَ هَذَا وَيَقُولُونَ: لَا حَاجَة إِلَى إِذْ أَلا ترى أَنَّك تَقول: حِين زيدٌ جَالس قَامَ عَمْرو. وبَيْنَمَا بِمَنْزِلَة حِين. قَالُوا: وأشعارهم وَردت بِلَا إِذْ. وَمِمَّا اسْتشْهدُوا بِهِ بَيت أبي ذُؤَيْب هَذَا وَغَيره. وَمِمَّا يستشهد بِهِ لسيبويه قَوْله:

الْخَفِيف (بَيْنَمَا نَحن بالكثيب ضحى ... إِذْ أَتَى راكبٌ على جمله) فَأَما الْخلاف الأول فَمن شَرط الْأَزْمِنَة أَن تُضَاف إِلَى الْجمل وتشرح بهَا. وَرِوَايَة النَّحْوِيين وَالنَّاس: بَينا تعنقه الكماة فيرتفع تعنقه بِالِابْتِدَاءِ وَيكون خَبره مضمراً كَأَنَّهُ قَالَ: بَينا تعنقه وَقَالَ أَبُو عَليّ فِي إِيضَاح الشّعْر: أنْشد ثعلبٌ أَحْمد بن يحيى قَول الشَّاعِر: الْكَامِل (بَينا كَذَاك رَأَيْتنِي متلفعاً ... بالبرد فَوق جلالة سرداح)) أضَاف بَينا إِلَى الْكَاف كَمَا يُضَاف إِلَى الْمصدر فِي قَوْله: بَينا تعنقه الكماة وروغه ... ... ... ... . . الْبَيْت وكما أضيفت مثلٌ إِلَيْهَا فِي قَوْله: الرجز فصيروا مثل كعصفٍ مَأْكُول وَلَا يكون الْكَاف حرفا لِأَن الِاسْم لَا يُضَاف إِلَى الْحَرْف وَيَنْبَغِي أَن يَجْعَل الْكَاف بِمَنْزِلَة مثل فِي أَنَّهَا تدل على أَكثر من واحدٍ كَمَا أَن مثلا كَذَلِك فِي نَحْو قَوْله عَزَّ وَجَلَّ: إِنَّكُم إِذا مثلهم لِأَن بَين تُضَاف إِلَى أَكثر من وَاحِد وَيجوز أَن تكون الْكَاف زَائِدَة

كزيادتها فِي قَوْله عَزَّ وَجَلَّ: لَيْسَ كمثله شَيْء وَذَاكَ منجرةٌ وَالْمعْنَى الْإِضَافَة إِلَى ذَاك. وَقد أضيفت بَين إِلَى الْمُبْهم الْمُفْرد فِي نَحْو قَوْله سُبْحَانَهُ: عوانٌ بَين ذَلِك. فَإِن قدرت الْإِضَافَة إِلَى الْفِعْل الَّذِي هُوَ رَأَيْتنِي كَمَا أَضَافَهُ الآخر إِلَيْهِ فِي قَوْله: الْبَسِيط (بَينا أنازعهم ثوبي وأجذبهم ... إِذا بَنو صحفٍ بِالْحَقِّ قد وردوا) وكما أضيف إِلَى الْجُمْلَة الاسمية فِي قَوْله: الوافر وفصلت بَين الْمُضَاف والمضاف إِلَيْهِ بالظرف فَهُوَ وَجه. انْتهى. وَهَذِه القصيدة أوردهَا الْمفضل فِي آخر المفضليات. قَالَ ابْن الْأَنْبَارِي فِي شرحها: وروى أَبُو عُبَيْدَة: فِيمَا تعنقه الكماة وروغه جعل مَا زَائِدَة صلَة فِي الْكَلَام أَي: بَينا يقتل ويراوغ إِذْ قتل. وعَلى هَذَا لَا شَاهد فِي الْبَيْت وَيكون تعنقه مجروراً بفي. وَضمير تعنقه رَاجع للمستشعر فِي بيتٍ قبل هَذَا بِسِتَّة أَبْيَات وَهُوَ: (والدهر لَا يبْقى على حدثانه ... مستشعرٌ حلق الْحَدِيد مقنع) والدهر مُبْتَدأ وَجُمْلَة لَا يبْقى إِلَخ خبر الْمُبْتَدَأ. وعَلى بِمَعْنى مَعَ والْحدثَان بِالتَّحْرِيكِ: مصدرٌ بِمَعْنى الْحَدث والحادثة ومستشعر

فَاعل يبْقى أَي: فارسٌ مستشعر وَهُوَ اسْم فَاعل من استشعر الثَّوْب والدرع إِذا لبسه شعاراً. والشعار بِالْكَسْرِ: الملبوس الَّذِي يَلِي شعر الْجَسَد. وروى: متسربل أَي: يَتَّخِذهُ سربالاً. وَحلق الْحَدِيد: مفعول مستشعر وَأَرَادَ بِهِ الدرْع. وَالْمقنع بِفَتْح النُّون الْمُشَدّدَة: الَّذِي على رَأسه المغفر أَو بَيْضَة الْحَدِيد قَالَه المرزوقي. وَقَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: الْمقنع: اللابس المغفر. والمغفر: ثوبٌ تغطى بِهِ الْبَيْضَة. والْمقنع: الشاك) السِّلَاح التامه. وَحلق الْحَدِيد: حلق الدرْع. ويروى: سميدع: وَهُوَ السَّيِّد. انْتهى. وَقَوله: بَينا تعنقه كَذَا فِي جَمِيع الرِّوَايَات وَوَقع فِي الشَّرْح وَفِي جمل الزجاجي وَغَيرهمَا: تعانقه بِالْألف. قَالَ ابْن السَّيِّد وَاللَّخْمِيّ: هُوَ خطأ وَالصَّوَاب تعنقه لِأَن تعانق لَا يتَعَدَّى إِلَى مفعول إِنَّمَا يُقَال تعانق الرّجلَانِ والمعانقة والاعتناق. والتعنق هِيَ المتعدية وَمعنى الْجَمِيع الْأَخْذ بالعنق. والاعتناق: آخر مَرَاتِب الْحَرْب لِأَن أول الْحَرْب الترامي بِالسِّهَامِ ثمَّ المطاعنة بِالرِّمَاحِ ثمَّ المجالدة بِالسُّيُوفِ ثمَّ الاعتناق وَهُوَ أَن يتخاطف الفارسان فيتساقطا إِلَى الأَرْض مَعًا. وَقد ذكر زُهَيْر بن أبي سلمى فِي قَوْله: الْبَسِيط (يطعنهم مَا ارتموا حَتَّى إِذا اطعنوا ... ضَارب حَتَّى إِذا مَا ضاربوا اعتنقا) أَرَادَ: أَنه يزِيد على مَا يَفْعَلُونَ.

والكماة بِالنّصب مفعول تعنقه جمع كمي وَهُوَ الشجاع الَّذِي ستر درعه بِثَوْبِهِ. قَالَ أَبُو زيد فِي نوادره: الكمي: الشَّديد الشجاع من كل دَابَّة. وَقَوله: وروغه: مَعْطُوف على تعنقه إِن جراً وَإِن رفعا وَهُوَ بالغين الْمُعْجَمَة وَهُوَ حيدته عَن الأقران يَمِينا وَشمَالًا للتحفظ. قَالَ اللَّخْمِيّ: وَمن روى بِالْعينِ الْمُهْملَة فَمَعْنَاه الْفَزع. (بَينا هم بِالظّهْرِ قد جَلَسُوا ... يَوْمًا بِحَيْثُ تنْزع الذّبْح) وَقد تقدم بَيَانه قَرِيبا فِي شرح الْبَيْت الَّذِي قبل هَذَا. وَقَالَ اللَّخْمِيّ: الْعَامِل فِي يومٍ تعنقه وَيحْتَمل أَن يكون الروغ وَيحْتَمل أَن يكون أتيح وَالْأول أقوى لترك تكلّف التَّقْدِيم. هَذَا كَلَامه. وَقَوله: أتيح: هُوَ جَوَاب بَينا وَهُوَ الْعَامِل فِيهِ بِمَعْنى قدر مَجْهُول أتاح الله لَهُ الشَّيْء أَي: قدره لَهُ وَهُوَ بِالْحَاء الْمُهْملَة. وجريء بِالْهَمْز: فعيل من الجراءة. والسلفع كجعفر: الجريء الْوَاسِع الصَّدْر. وَيُقَال: للْمَرْأَة إِذا كَانَت جريئةً سلفع. وَقَالَ المرزوقي: وَأكْثر من يُوصف بِهِ النِّسَاء وَيسْتَعْمل فِيهِنَّ بِغَيْر هَاء وَالْمعْنَى: أَن هَذَا المستشعر الدرْع حزماً وَقت معانقته للأبطال ومراوغته للشجعان قدر لَهُ رجلٌ هَكَذَا وقيض لَهُ فارسٌ شُجَاع مثله فاقتتلا حَتَّى قتل كل وَاحِد مِنْهُمَا صَاحبه. وَمرَاده أَن الشجاع لَا تعصمه جراءته من الْهَلَاك وَأَن كل مَخْلُوق فالفناء غَايَته.)

(الشاهد العاشر بعد الخمسمائة)

وَأَبُو ذُؤَيْب شاعرٌ إسلامي مخضرم تقدّمت تَرْجَمته فِي الشَّاهِد السَّابِع وَالسِّتِّينَ. وَأنْشد بعده 3 - (الشَّاهِد الْعَاشِر بعد الْخَمْسمِائَةِ) وَكَانَ إِذْ مَا يسلل السَّيْف يضْرب على أَن بَعضهم قَالَ: يجازي ب إِذا مَا فيجزم الشَّرْط وَالْجَزَاء كَمَا جزم يسلل وكسرة اللَّام التقاء الساكنين وَجزم يضْرب وكسرة الْبَاء للروي. وَالرِّوَايَة: مَتى مَا. قَالَ شَارِح اللّبَاب: قد نقل عَن بَعضهم أَنه جوز الْجَزْم ب إِذا مَكْفُوفَة بِمَا وَأنْشد للفرزدق: وَكَانَ إِذا مَا يسلل السَّيْف يضْرب وَمن مَنعه قَالَ: الرِّوَايَة: مَتى مَا يسلل. انْتهى. وَرِوَايَة مَتى مَا هِيَ رِوَايَة حَمْزَة الْأَصْبَهَانِيّ فِي أَمْثَاله. وَذهب ابْن يعِيش فِي شرح الْمفصل إِلَى أَن الْجَزْم بهَا فِي الشّعْر قَلِيل. وَأنْشد هَذَا الشّعْر. وَقَالَ أَبُو عَليّ: كَانَ الْقيَاس أَن تكف مَا إِذا عَن الْإِضَافَة كَمَا كفت حَيْثُ وَإِذ لما جوزي بهما إِلَّا أَن الشَّاعِر إِذا ارْتكب الضَّرُورَة استجاز كثيرا مِمَّا لَا يجوز فِي الْكَلَام. وَإِنَّمَا جَازَ المجازاة بإذا مَا فِي

الشّعْر لِأَنَّهَا قد ساوقت إِن فِي الِاسْتِفْهَام إِذْ كَانَ وَقتهَا غير مَعْلُوم فَأَشْبَهت بِجَهَالَة وَقتهَا مَا لَا يدرى أَن يكون أم لَا يكون. فاعرفه. انْتهى. وَنقل أَبُو حَيَّان فِي تَذكرته أَن الصَّيْمَرِيّ ذهب إِلَى أَنَّهَا تكف بِمَا مثل إِذْ فتجزم كبيت الفرزدق. قَالَ: وَقد جَاءَ بعْدهَا وَلم تجزم قَالَ: الْخَفِيف وَيجوز دُخُول الْفَاء على جوابها قَالَ الفرزدق: الوافر (إِذا مَا قيل يَا لحماة قومٍ ... فَنحْن بدعوة الدَّاعِي دعينا) وَذهب أَبُو عَليّ فِي مثل هَذَا إِلَى أَن إِذا غير معمولة لِأَنَّهُ لما جَاءَت الْفَاء فِي جوابها صَارَت بِمَنْزِلَة إِن وَتلك لَا يعْمل فِيهَا الْفِعْل. انْتهى. وَهَذَا المصراع من قصيدةٍ للفرزدق. وَهَذِه أَبْيَات مِنْهَا: (لعمري لقد أوفى وَزَاد وفاؤه ... على كل جارٍ جَار آل الْمُهلب) (كَمَا كَانَ أوفى إِذْ يُنَادي ابْن ديهثٍ ... وصرمته كالمغنم المنتهب) (فَقَامَ أَبُو ليلى إِلَيْهِ ابْن ظالمٍ ... وَكَانَ إِذا مَا يسلل السَّيْف يضْرب)) (وَمَا كَانَ جارٌ غير دلوٍ تعلّقت ... بحبلين فِي مستحصد الْقد مكرب)

روى الْأَصْبَهَانِيّ بِسَنَدِهِ فِي الأغاني أَن الْحَارِث بن ظَالِم المري لما كَانَ نزيلاً عِنْد النُّعْمَان بن الْمُنْذر أَخذ مصدقٌ للنعمان إبِلا لامْرَأَة من بني مرّة يُقَال لَهَا: ديهث فَأَتَت الْحَارِث فعلقت دلوها بدلوه وَمَعَهَا بني لَهَا فَقَالَت: يَا أَبَا ليلى إِنِّي أَتَيْتُك مُضَافَة فَقَالَ: إِذا أورد الْقَوْم النعم فنادي بِأَعْلَى صَوْتك: الرجز (دَعَوْت بِاللَّه وَلم تراعي ... ذَلِك راعيك فَنعم الرَّاعِي) يشفي بِهِ مجامع الصداع وَخرج الْحَارِث بن ظَالِم فِي إثْرهَا وَهُوَ يَقُول: الرجز (أَنا أَبُو ليلى وسيفي المعلوب ... كم قد أجرنا من حريبٍ محروب) ...

(وَكم رددنا من سليبٍ مسلوب ... وطعنةٍ طعنتها بالمضبوب) ذَاك جهيز الْمَوْت عِنْد المكروب ثمَّ قَالَ: لَا يردن عَلَيْك ناقةٌ وَلَا بعيرٌ تعرفينه إِلَّا أَخَذته فَفعلت وَرَأَتْ لقوحاً لَهَا يحلبها حبشِي فَقَالَت: يَا أَبَا ليلى هَذِه لي. قَالَ الحبشي: كذبت. فَقَالَ الْحَارِث بن ظَالِم: أرسلها وَيلك فضرط الحبشي فَقَالَ الْحَارِث:: است الحالب أعلم فَصَارَت مثلا. قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: فَفِي ذَلِك يَقُول الفرزدق. وَأنْشد الأبيات. انْتهى. وَقَوله: لعمري لقد أوفى هُوَ لُغَة فِي: وفى بالعهد كوعى وَفَاء: ضد غدر. وَالْجَار: المجير والمستجير والمجاور الَّذِي أجرته من أَن يظلم فَهُوَ ضد. وَالْمرَاد هُنَا الأول. وفاعل أوفى الأول ضمير سُلَيْمَان بن عبد الْملك فَإِنَّهُ أَجَارَ يزِيد بن الْمُهلب من الْحجَّاج لما هرب من حَبسه وَجَاء إِلَيْهِ فَأرْسلهُ مَعَ ابْنه أَيُّوب إِلَى أَخِيه الْوَلِيد بن عبد الْملك وَكتب إِلَيْهِ يشفع فِيهِ فَقبل شَفَاعَته. وفاعل أوفى الثَّانِي: ضمير أبي ليلى تنازعه هُوَ وَقَامَ. وَابْن ديهث: فَاعل يُنَادي. وصرمته: مُبْتَدأ وكالمغنم: خَبره والمتنهب: صفته حَال من ابْن. والصرمة بِالْكَسْرِ: الْقطعَة من الْإِبِل مَا بَين الْعشْرين إِلَى الثَّلَاثِينَ أَو إِلَى الْخمسين وَقيل غير ذَلِك. والمغنم: الْغَنِيمَة. والمتنهب: اسْم مفعول.

وَأَبُو ليلى: كنية الْحَارِث بن ظَالِم وَهُوَ جاهلي. وَالْقِيَام هُنَا هُوَ الْعَزْم على الشَّيْء والإتيان بِهِ) على أكمل هيئاته. وَالْمعْنَى: قَامَ لِيَنْصُرهُ وَيَأْخُذ بساعده. وَجُمْلَة: وَكَانَ إِذا مَا يسلل إِلَخ معطوفة على قَامَ أَو إِنَّهَا اعتراضية أَفَادَ بهَا أَن شَأْنه كَانَ كَذَا. وَاسم كَانَ ضمير أَبُو ليلى وَالْجُمْلَة الشّرطِيَّة خبر كَانَ. وَجُمْلَة: وَمَا كَانَ جَار إِلَخ حَال من أَبُو ليلى. وَالْجَار هُنَا المستجير وَهُوَ اسْم كَانَ وَغير دلوٍ خَبَرهَا. وَالْقد بِالْكَسْرِ: السّير يقد من جلد غير مدبوغ. والمستحصد اسْم مفعول من استحصد الْحَبل إِذا استحكم فتله أَو ربطه. والمكرب: اسْم مفعول من أكرب الدَّلْو إِذا شدها بالكرب بِفتْحَتَيْنِ وَهُوَ حَبل يشد فِي وسط عرقوة الدَّلْو ليلِي المَاء فَلَا يعفن الْحَبل الْكَبِير. وَيُقَال أَيْضا: كربها وكربها كَمَا يُقَال: أكربها. والمصدق كمحدث: آخذ الصَّدقَات. ومضامة: اسْم مفعول من الضيم وَهُوَ الْجور. ومجامع والْحَارث بن ظَالِم المري جاهلي ضرب الْمثل بفتكه فَقيل: أفتك من الْحَارِث بن ظَالِم. فَمن خير فتكه مَا رَوَاهُ حَمْزَة الْأَصْبَهَانِيّ والزمخشري فِي أمثالهما

أَن الْحَارِث بن ظَالِم قتل خَالِد بن جَعْفَر بن كلاب وَكَانَ جاراً للأسود بن الْمُنْذر أخي النُّعْمَان بن الْمُنْذر وهرب فَقيل لَهُ: لن تصيبه بشيءٍ كسبي جاراتٍ لَهُ من بلي وَهُوَ حَيّ من قضاعة فَفعل فَسمع ذَلِك الْحَارِث فكر رَاجعا من مهربه وأتى مرعى إبلهم إِذا ناقةٌ لَهُنَّ تدعى اللفاع تحلب فَقَالَ يُخَاطب الْإِبِل: الرجز (إِذا سَمِعت حنة اللفاع ... فادعي أَبَا ليلى وَلَا ترتاعي) ذَلِك راعيك فَنعم الرَّاعِي فَعرفهُ الْبَائِن فحبق خوفًا وَأنْكرهُ المستعلي فَقَالَ الْحَارِث: است الْبَائِن أعلم ثمَّ استنقذهن وأموالهن وأتى أُخْته سلمى وَقد تبنت شُرَحْبِيل بن الْأسود الْملك فمكر بهَا وَأَخذه مِنْهَا وَقَتله فَضرب بِهِ الْمثل فِي الفتك. والبائن: الَّذِي يكون عِنْد يَمِين الحلوبة. والمستعلي على يسارها. قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: قَوْلهم: است الْبَائِن أعلم مثلٌ يضْرب لمن ولي أمرا وَصلي بِهِ فَهُوَ أعلم بِهِ من غَيره. وَقيل يضْرب لكل مَا يُنكر وَشَاهده حَاضر.

(الشاهد الحادي عشر بعد الخمسمائة)

وَأنْشد بعده 3 - (الشَّاهِد الْحَادِي عشر بعد الْخَمْسمِائَةِ) الرجز من أَيْن عشرُون لَهَا من أَنى على أَن أَنى تجر بِمن ظَاهِرَة كَمَا فِي الْبَيْت ومقدرة كَمَا قدره الشَّارِح الْمُحَقق. وَهَذَا الْبَيْت من أرجوزة رَوَاهَا أَبُو الْحسن الْأَخْفَش فِي شرح نَوَادِر أبي زيد عَن ثَعْلَب وَهِي: الرجز (لأجعلن لابنَة عثمٍ فَنًّا ... من أَيْن عشرُون لَهَا من أَنى) (حَتَّى يصير مهرهَا دهدنا ... يَا كرواناً صك فاكبأنا) (فشن بالسلح فَلَمَّا شنا ... بل الذنابى عبساً مبنا) (أإبلي تأخذها مصنا ... خافض سنّ ومشيلاً سنا) وروى أَبُو زيد فِي نوادره الْبَيْت الأول وَالثَّالِث فَقَط وروى: زيد بدل عثم الدهدن: الْبَاطِل. والفن: العناء. يُقَال: فننت الرجل إِذا عنيته أفنه فَنًّا. انْتهى. لأجعلن لابنَة عثمٍ فَنًّا قَالَا: أَرَادَ عُثْمَان وَهَذَا يدلك على أَن الْألف وَالنُّون فِي عُثْمَان

زائدتان فحذفهما لما اضْطر وَفتح أَوله ليدل على مَا حذف. وَقَالَ ثَعْلَب: يُرِيد بقوله: فَنًّا ضربا من الْخُصُومَة. وَقَوله: يَا كرواناً قَالَ الْأَخْفَش: ترك مخاطبتها ثمَّ أقبل على وَليهَا كَأَنَّهُ قَالَ: يَا رجلا كرواناً أَي: يَا مثل الكروان بضعفه إِنَّمَا يدْفع عَن نَفسه بسلحه إِذا صك أَي: ضرب. والاكبئنان: التقبض. وَشن: صب والعبس: مَا تعلق بِذَنبِهِ وَمَا يَلِيهِ من سلحه. والمبن: الْمُقِيم يُقَال: أبن بِالْمَكَانِ إِذا أَقَامَ بِهِ. والمصن: المتكبر. وَقَوله: خافض سنّ ومشيلاً أَخْبرنِي أَبُو الْعَبَّاس ثَعْلَب عَن الْبَاهِلِيّ عَن الْأَصْمَعِي أَنه قَالَ: تَأْوِيله أَنه إِذا أعطَاهُ حَقًا طلب مِنْهُ جذعاً وَإِذا أعطَاهُ سديساً طلب مِنْهُ بازلاً. وَحكي لي من نَاحيَة أُخْرَى عَن الْأَصْمَعِي أَنه قَالَ: إِذا أَخذ وَليهَا مَا يَدعِي كثر مَاله وَاسْتغْنى فَأكل بنهمٍ وشره فَذَلِك قَوْله: خافض سنّ ومشيلاً سنا. وَيُقَال: شال الشَّيْء إِذا ارْتَفع وأشلته وشلت بِهِ إِذا رفعته. وَحدثنَا أَبُو الْعَبَّاس ثَعْلَب قَالَ: حَدثنِي ابْن الْأَعرَابِي أَنه شَاهد أَبَا عُبَيْدَة مرّة وَاحِدَة فَأَخْطَأَ فِي) ثَلَاثَة أحرف هَذَا مِنْهَا. وَذَلِكَ أَنه قَالَ: شلت الْحجر وَالْعرب لَا تَقول إِلَّا: أشلته وشلت بِهِ.

وَقد أورد ابْن السّكيت فِي إصْلَاح الْمنطق الأبيات الْخَمْسَة الْأَخِيرَة من قَوْله: يَا كرواناً صك إِلَخ وَقَالَ: هِيَ فِي مُصدق هجي بهَا أَي: فِي عَامل الزَّكَاة ثمَّ قَالَ: قَوْله: خافض سنّ ومشيلاً سنا أَي: تَأْخُذ بنت لبون فَتَقول: هَذِه بنت مَخَاض فقد خفضها عَن سنّهَا الَّتِي هِيَ فِيهَا. وَقَوله: ومشيلاً سنا يَقُول: تكون لَهُ بنت مَخَاض فَيَقُول: لي بنت لبون: فقد رفع السن الَّتِي هِيَ لَهُ إِلَى سنّ أُخْرَى أَعلَى مِنْهَا. وَتَكون ابْنة لبونٍ فَأخذ حقة. انْتهى. وَأورد ابْن السيرافي فِي شرح أبياته الأبيات الثَّلَاثَة الْمُتَقَدّمَة أَيْضا وَقَالَ: الرجز لمدرك بن حُصَيْن وَقَالَ: قَوْله: فَنًّا أَي: أمرا عجبا. وَقَوله: من أَيْن عشرُون لَهَا أَي: من الْإِبِل. والدهدن: الْبَاطِل وَكَذَلِكَ الدهدر. وَقَوله: يَا كرواناً شبهه بالكروان. واكبأن: تقبض وَاجْتمعَ وسلح من خَوفه. وشن: فرق سلحه. والمبن: الَّذِي لصق بالذنابى ويبس عَلَيْهَا. والمصن: المتكبر والمنتن أَيْضا وَاللَّازِم للشَّيْء لَا يُفَارِقهُ أَيْضا. والمشيل: الرافع وَيُقَال: أشال يشيل إشالةً إِذا رفع. انْتهى.

(الشاهد الثاني عشر بعد الخمسمائة)

وَأنْشد بعده 3 - (الشَّاهِد الثَّانِي عشر بعد الْخَمْسمِائَةِ) (صريع غوانٍ راقهن ورقنه ... لدن شب حَتَّى شَاب سود الذوائب) على أَن لدن مجرورة بِمن مضمرة أَي: من لدن شب. وَأوردهُ فِي لدن أَيْضا على أَنَّهَا إِن أضيفت إِلَى الْجُمْلَة تمحضت للزمان. وَالْبَيْت من قصيدة للقطامي وَتَقَدَّمت تَرْجَمته فِي الشَّاهِد الثَّالِث وَالْأَرْبَعِينَ بعد الْمِائَة. وَهَذِه أَبْيَات من أَولهَا. (نأتك بليلى نيةٌ لم تقَارب ... وَمَا حب ليلى من فُؤَادِي بذاهب) (منعمةً تجلو بِعُود أراكة ... ذرى بردٍ عذبٍ شتيت المناصب) (كَأَن فضيضاً من غريض غمامةٍ ... على ظمأٍ جَادَتْ بِهِ أم غَالب) (لمستهلكٍ قد كَاد من شدَّة الْهوى ... يَمُوت وَمن طول العدات الكواذب) (صريع غوانٍ راقهن ورقنه ... لدن شب حَتَّى شَاب سود الذوائب) (قديديمة التجريب والحلم إِنَّنِي ... أرى غفلات الْعَيْش قبل التجارب) قَوْله: نأتك بليلى نِيَّة إِلَخ قَالَ شَارِح ديوانه: أَي بَعدت عَنْك.

غذَاء نَاعِمًا. وتجلو أَرَادَ تستاك. والذرى: الأعالي. وَالْبرد: بِفتْحَتَيْنِ حب الْغَمَام. شبه أسنانها فِي شدَّة بياضها بالبرد. وَإِنَّمَا خص الذرى لِأَنَّهَا صِحَاح لم تتكسر. وشتيت: وَقَوله: كَأَن فضيضاً إِلَخ فضيض السحابة: مَاؤُهَا إِذا انفض مِنْهَا. شبه عذوبة رِيقهَا بِمَاء سَحَابَة. والغريض: الطري. وَقَوله: لمستهلك إِلَخ اللَّام مُتَعَلقَة بجادت وَأَرَادَ بالمستهلك نَفسه لِأَنَّهُ هالكٌ من حبها ومعرضها للهلاك. وَقَوله: صريع غوان بِالْجَرِّ: بدلٌ من مستهلك وَيجوز رَفعه على إِضْمَار مُبْتَدأ ضمير الْمُسْتَهْلك. والصريع: المصروع وَهُوَ الْمَطْرُوح على الأَرْض: يُرِيد أَنه قد أُصِيب من حبهن حَتَّى لَا حراك بِهِ. والغواني: جمع غانية وَهِي الَّتِي استغنت بجمالها عَن الزِّينَة وَقيل: هِيَ الَّتِي غنيت بزوجها عَن غَيره وَقيل: هِيَ الَّتِي غنيت فِي بَيت أَبَوَيْهَا وَلم تتَزَوَّج أَي: أَقَامَت. وَأنْشد أَبُو عُبَيْدَة لِلْقَوْلِ الثَّانِي: الْبَسِيط (أزمان ليلى كعابٌ غير غانيةٍ ... وَأَنت أَمْرَد معروفٌ لَك الْغَزل) وراق بِمَعْنى أعجب أَي: أعجبهن لجماله وشبابه وأعجبنه لحسنهن.) وَقَوله: لدن شب إِلَخ أَي: من عِنْد وَقت شبابه إِلَى وَقت شَيْبه فَدلَّ على إِضْمَار من بِدَلِيل حَتَّى لِأَنَّهَا بِمَعْنى إِلَى. والذوائب: الضفائر من الشّعْر جمع ذؤابة. وَقد لقب الْقطَامِي صريع الغواني بِهَذَا الْبَيْت وَهُوَ أول من لقب بِهِ وَقد ذكر فِي الأوليات ثمَّ لقب

بِهِ مُسلم بن الْوَلِيد. قَالَ صَاحب زهر الْآدَاب: لقب مُسلم صريع الغواني بقوله: الطَّوِيل انْتهى. قَالَ صَاحب الأغاني: الَّذِي لقب مُسلما بِهَذَا اللقب هَارُون الرشيد لهَذَا الْبَيْت. وَقَوله: قديديمة التجريب إِلَخ وَهُوَ من أَبْيَات سِيبَوَيْهٍ وجمل الزجاجي اسْتشْهد بِهِ على تَصْغِير قُدَّام قديديمة بِالْهَاءِ. وَمثلهَا وريئة. وَإِنَّمَا أدخلُوا الْهَاء فِي تَصْغِير وَرَاء وَقُدَّام وَإِن كَانَت قد جاوزتا ثَلَاثَة أحرف لِأَن بَاب الظروف التَّذْكِير فَلَمَّا شذتا فِي بابهما فرقوا بَينهمَا وَبَين غَيرهمَا فأدخلوا فيهمَا عَلامَة التَّأْنِيث. قَالَه اللَّخْمِيّ. وقديديمة: منصوبةٌ على الظّرْف وَالْعَامِل فِيهَا: راقهن ورقنه أَي: أعجبهن وأعجبنه. قديديمة التجريب والحلم أَي: أَمَام التجريب والحلم. ثمَّ قَالَ: أرى غفلات الْعَيْش قبل التجارب يُقَال: إِنَّمَا يستلذ بالعيش أَيَّام الْغَفْلَة وَفِي أَيَّام الشَّبَاب قبل التجارب والتجارب إِنَّمَا هِيَ فِي الْكبر وَهُوَ وَقت أَن يزهد فِيهِنَّ لسنه وتجريبه وَأَن يزهدن فِيهِ لشيبه. وَقد يحْتَمل أَن يكون

الْعَامِل فِي قديديمة محذوفاً دلّ عَلَيْهِ سِيَاق الْكَلَام كَأَنَّهُ أَرَادَ: تظن طيب الْعَيْش ولذته قُدَّام التجربة والحلم أَي: أَمَام ذَلِك لَيْسَ الْأَمر كَذَلِك إِنَّمَا يطيب الْعَيْش وَيحسن قبل التجارب وَفِي عنفوان الشَّبَاب وَحين الْغَفْلَة وَأما بعد ذَلِك فَلَا. فَيكون الْعَامِل فِيهَا تظن وَقَوله: إِنَّنِي قَالَ ابْن السَّيِّد: يرْوى بِكَسْر الْهمزَة على الِاسْتِئْنَاف وَبِفَتْحِهَا وَهُوَ مفعول من أَجله. وَقد تكون إِن مَكْسُورَة وفيهَا معنى الْمَفْعُول من أَجله كَقَوْلِه عَزَّ وَجَلَّ: وَيصلى سعيراً إِنَّه كَانَ فِي أَهله مَسْرُورا. وَجَاز ذَلِك لِأَن إِن دَاخِلَة على الْجمل وَالْجُمْلَة قد يكون فِيهَا معنى الْعلَّة وَالسَّبَب مَوْجُودا. كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَإِن هَذِه أمتكُم أمة وَاحِدَة وَأَنا ربكُم فاتقون. أَلا ترى أَن الْمَعْنى: وَلِأَن هَذِه أمتكُم ولكوني ربكُم فاتقون. انْتهى. وَهَذِه القصيدة هجو امرأةٍ من بني محَارب. حكى أَبُو عَمْرو الشَّيْبَانِيّ أَن الْقطَامِي نزل فِي بعض) أَسْفَاره بِامْرَأَة من محَارب بن قيس فاستقراها فَقَالَت: أَنا من قومٍ يشتوون الْقد من الْجُوع. قَالَ: وَمن هَؤُلَاءِ وَيحك قَالَت: محَارب. وَلم تقره فَبَاتَ عِنْدهَا بأشر لَيْلَة فَقَالَ هَذِه القصيدة وَمِنْهَا:

الطَّوِيل (وَإِنِّي وَإِن كَانَ الْمُسَافِر نازلاً ... وَإِن كَانَ ذَا حق على النَّاس وَاجِب) (فَلَا بُد أَن الضَّيْف مخبر مَا رأى ... مخبر أهلٍ أَو مخبر صَاحب) (لمخبرك الأنباء عَن أم منزلٍ ... تضيفتها بَين العذيب فراسب) (تلفعت فِي طل وريحٍ تلفني ... وَفِي طرمساء غير ذَات كواكب) (فَمَا راعها إِلَّا بغام مطيتي ... تريح بمحسورٍ من الصَّوْت لاغب) (تَقول وَقد قربت كوري وناقتي: ... إِلَيْك فَلَا تذْعَر عَليّ ركائبي) (وجنت جنوناً من دلاثٍ مناخةٍ ... وَمن رجلٍ عاري الأشاجع شاحب) (فَسلمت وَالتَّسْلِيم لَيْسَ يسرها ... وَلكنه حق على كل جَانب) (فَردَّتْ سَلاما كَارِهًا ثمَّ أَعرَضت ... كَمَا انْحَازَتْ الأفعى مَخَافَة ضَارب) (فَقلت لَهَا: لَا تفعلي ذَا براكبٍ ... أَتَاك مصيبٍ مَا أصَاب فذاهب) (فَلَمَّا تنازعنا الحَدِيث سَأَلتهَا ... من الْحَيّ قَالَت: معشرٌ من محَارب) (من المشتوين الْقد مِمَّا تراهم ... جياعاً وريف النَّاس لَيْسَ بناضب) (فَلَمَّا بدا حرمانها الضَّيْف لم يكن ... عَليّ مناخ السوء ضَرْبَة لازب) (وَقمت إِلَى مهريةٍ قد تعودت ... يداها ورجلاها خبيب المواكب) ثمَّ وصف نَاقَته بِأَبْيَات وَقَالَ: (أَلا إِنَّمَا نيران قيسٍ إِذا شتوا ... لطارق ليلٍ مثل نَار الحباحب) والعذيب: مَاء أَسْفَل الرحبة. وراسب: قريبٌ مِنْهُ. والطل: الندى. والطرمساء بِالْكَسْرِ: الظلمَة.

(الشاهد الثالث عشر بعد الخمسمائة)

والحيزبون: الْعَجُوز. والبغام بِالضَّمِّ: صَوت تختلسه النَّاقة وَلَا تتمه. والمحسور: صوتٌ ضَعِيف. وتريح بِالضَّمِّ: تستريح. والكور بِالضَّمِّ: الرحل بأداته. والدلاث: بِالْكَسْرِ: النَّاقة. والأشاجع: عروق ظَاهر الْكَفّ. والجانب: الْغَرِيب.) ونار الحباحب بِالضَّمِّ: النَّار الَّتِي تظهر من قرع الحوافر. أَرَادَ أَنَّهَا ضَعِيفَة لَا يشعلونها خوفًا من الضَّيْف. وَأنْشد بعده 3 - (الشَّاهِد الثَّالِث عشر بعد الْخَمْسمِائَةِ) وَهُوَ من شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ: الطَّوِيل (فَأَصْبَحت أَنى تأتها تبتئس بهَا ... كلا مركبيها تَحت رجليك شَاجر) على أَن أَنى فِيهِ شَرْطِيَّة مجرورة بِمن مضمرة أَي: من أَنى تأتها. قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَمِمَّا جَاءَ بأنى من الْجَزَاء قَول لبيد: قَالَ الأعلم: الشَّاهِد فِيهِ جزم تأتها ب أَنى لِأَن مَعْنَاهَا معنى أَيْن وَمَتى

وَكِلَاهُمَا للجزاء. وتبتئس جزمٌ على جوابها. قَالَ أَبُو الْحسن الطوسي فِي شرح ديوَان لبيد قَالَ الْأَصْمَعِي: لم أسمع أحدا يجازى بأنى وَأَظنهُ أَرَادَ أياً تأتها يُرِيد أَي جَانِبي هَذِه النَّاقة أَتَيْته وجدت مركبه تَحت رجلك شاجراً أَي: ينحيك ويدفعك لَا يطمئن تَحت رجلك. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: أَنى تأتها مجازاة يَقُول: من أَي جانبٍ أتيت هَذِه النَّاقة وجدت كلا مركبيها شاجراً دافعاً لَك. وتبتئس: يصبك مِنْهَا بؤسٌ. يَقُول: كَيْفَمَا ركبت مِنْهَا الْتبس عَلَيْك الْأَمر. وشاجرٌ: ملتبس. يُقَال: شَاجر مَا بَين الْقَوْم: إِذا اخْتلفُوا. وَيُقَال: شَجَره بِالرُّمْحِ إِذا دَفعه بِهِ وطعنه. وَقَالَ أَبُو عَمْرو: الشاجر: المفرق بَين رجلَيْهِ وَقد شجر بَين رجلَيْهِ إِذا فرق بَينهمَا إِذا ركب. انْتهى. وَهَذَا مَبْنِيّ على إرجاع الضمائر المؤنثة إِلَى النَّاقة المفهومة من الْمقَام. وَكَذَلِكَ قَالَ ابْن سَيّده فِي شرح أَبْيَات الْجمل. وَلم يرتضه اللَّخْمِيّ فِي شرحها. قَالَ: قد غلط ابْن سَيّده شَارِح الأبيات فِي الْبَيْت وَزعم أَنه يصف نَاقَة وَإِنَّمَا يصف داهيةً. وَلَو علم مَا قبله علم (لي النَّصْر مِنْكُم وَالْوَلَاء عَلَيْكُم ... وَمَا كنت فقعاً أنبتته القراقر) (وَأَنت فقيرٌ لم تبدل خَليفَة ... سواي وَلم يلْحق بنوك أصاغر) ) (فَقلت ازدجر أحناء طيرك واعلمن ... بأنك إِن قدمت رجلك عاثر) ...

(وَإِن هوان الْجَار للْجَار مؤلمٌ ... وفاقرةٌ تأوي إِلَيْهَا الفواقر) فَأَصْبَحت أَنى تأتها ... ... ... ... . . الْبَيْت (فَإِن تتقدم تغش مِنْهَا مقدما ... غليظاً وَإِن أخرت فالكفل فَاجر) والفاقرة: الداهية الَّتِي تكسر فقار الظّهْر وَهِي الَّتِي يصف فِي الْبَيْت. شبهها بالدابة الشموس الَّتِي إِذا ركبهَا رمته عَن ظهرهَا. انْتهى. أَقُول: الْبَيْت الَّذِي فِيهِ الفاقرة غير ثابتٍ فِي رِوَايَة الطوسي فَيجوز أَن يكون ابْن سَيّده تبعه. على أَن هَذَا لَا يُسمى غَلطا فَإِنَّهُ تَمْثِيل سَوَاء قيل داهية أَو نَاقَة أَو مركب. قَالَ ابْن السَّيِّد فِي شَرحه: الْعَرَب تشبه التنشب فِي العظائم بالركوب على المراكب الصعبة فَيَقُولُونَ: ركبت مني أمرا عَظِيما وَلَقَد ركبت مركبا صعباً وفلانٌ ركاب العظائم. وَنَحْوه قَول الشَّاعِر: الطَّوِيل (لَئِن جد أَسبَاب الْتِقَاط بَيْننَا ... لترتحلن مني على ظهر شيهم) وروى: تشتجر بدل تبتئس قَالَ ابْن السَّيِّد: مَعْنَاهُ تشتبك ويروى: تَلْتَبِس وَمَعْنَاهُ كمعنى تشتجر. وشَاجر: مشتبك. وَقَالَ اللَّخْمِيّ: تشتجر مَأْخُوذ من شجر الرَّاكِب إِذا خَالف بَين رجلَيْهِ فَرفع رجلا وَوضع أُخْرَى وَهِي ركبةٌ متهيئة للسقوط. ويروى: تبتئس من بؤس الْحَال. ويروى أَيْضا: تَلْتَبِس. ومركبيها: ناحيتيها اللَّتَيْنِ ترام مِنْهُمَا. وشاجر:

مُضْطَرب. يَقُول: من ركبهَا فرقت بَين رجلَيْهِ فهوت بِهِ. ويروى: شاغر وَالْمعْنَى وَاحِد. يعتب عَمه عَامر بن مَالك ملاعب الأسنة وَكَانَ قد ضرب جاراً للبيدٍ بِالسَّيْفِ فَغَضب لبيد لذَلِك فَقَالَ الشّعْر الَّذِي تقدم يعدد بلاءه عِنْده. وَفِي الشّعْر مَا يدل على ذَلِك وَهُوَ: (من يَك عني جَاهِلا أَو مغمراً ... فَمَا كَانَ بدعاً من بلائي عَامر) (وَفِي كل يومٍ ذِي حفاظٍ بلوتني ... فَقُمْت مقَاما لم يقمه العواور) وكلا مُبْتَدأ وَالْخَبَر شَاجر. وتَحت رجليك مُتَعَلق بشاجر. وكلا عِنْد سِيبَوَيْهٍ اسمٌ مفردٌ. انْتهى. وَقَوله: رجليك بالتثنية وَرُوِيَ بِالْإِفْرَادِ. قَالَ ابْن السَّيِّد: ويروى: رحلك والرحل للناقة مثل السرج للْفرس.)

- والفاجر: المائل غير الْمُسْتَقيم. وَكَانَ للبيدٍ جارٌ من بني الْقَيْن قد لَجأ إِلَيْهِ واعتصم بِهِ فَضَربهُ عَمه بِالسَّيْفِ فَغَضب لذَلِك لبيد وَقَالَ يعدد على عَمه بلاءه عِنْده وينكر فعله بجاره. وَأنْشد الأبيات السَّابِقَة. وَقَالَ ابْن المستوفي فِي شرح أَبْيَات الْمفصل: قَوْله فَأَصْبَحت أَنى تأتها أَي: مَتى أتيت هَذِه الَّتِي وَقعت فِيهَا تَلْتَبِس بهَا أَي: تَلْتَبِس بمكروهها شَرها. ويروى: تبتئس أَي: لَا يقربك النَّاس من أجلهَا. وكلا مركبي الخطة إِن تقدّمت أَو تَأَخَّرت شَاجر أَي: مُخْتَلف متفرق. والشاجر: الَّذِي قد دخل بعضه فِي بعض وَتغَير نظامه. وَأَرَادَ بالمركبين قادمة الرحل وآخرته. وعَلى هَذَا طَرِيق الْمثل. يَقُول: لَا تَجِد فِي الْأَمر الَّذِي تُرِيدُ أَن تعمله مركبا وطيئاً وَلَا رَأيا صَحِيحا أَي: موضعك إِن ركبت مِنْهُ آذَاك وَفرق بَين رجليك وَلم تثبت عَلَيْهِ وَلم تطمئِن. هَذَا كَلَامه. وَهَذَا بِحُرُوفِهِ هُوَ وَلم يُورد أَبُو الْحسن الطوسي سَبَب هَذِه القصيدة وعدتها عِنْده ثَلَاثَة وَعِشْرُونَ بَيْتا. ولنذكر مَا شرح بِهِ الأبيات السَّابِقَة: قَوْله: من يَك عني جَاهِلا رَوَاهُ الطوسي: من كَانَ مني جَاهِلا. وَهَذَا أول القصيدة. يَقُول: من كَانَ يجهلني فَإِن عمي عَامِرًا يعرف بلائي. وبلاؤه: صَنِيعه وَعَمله. وعامر هُوَ ملاعب الأسنة. والمغمر: الْمَنْسُوب إِلَى الْغمر بِالضَّمِّ

وَهُوَ الْجَهْل. والبدع بِالْكَسْرِ: كل حَدِيث أحدث أَي: لَيْسَ عامرٌ ببدعٍ من بلائي أَي: بِأول مَا عرف ذَلِك. وَقَوله: وَفِي كل يَوْم إِلَخ هُوَ الْبَيْت الرَّابِع عشر من القصيدة. والعواور: الْجُبَنَاء والضعفاء جمع عوار بِالضَّمِّ وَالتَّشْدِيد. وَبعده قَوْله: لي النَّصْر مِنْكُم إِلَخ وَالرِّوَايَة عِنْد الطوسي: لي النَّصْر مِنْهُم وَالْوَلَاء عَلَيْكُم بالغيبة فِي الأول وَالْخطاب فِي الثَّانِي وَقَالَ: مِنْهُم أَي: من هَؤُلَاءِ الْمُلُوك وأردافهم الَّذين ذكرُوا.) وَالْوَلَاء عَلَيْكُم يَقُول: يوالوني عَلَيْكُم. والفقع: ضربٌ من الكمأة وَهُوَ شَرها. والقرقر كجعفر: الأَرْض المستوية. وَفِي الْمثل: أذلّ من فقع بقرقرٍ. يَقُول: لم أكن ذليلاً. وَقَوله: وَأَنت فَقير أَي: مُحْتَاج إِلَيّ. والخليفة هُنَا: خلفٌ يخلفه. يَقُول: أَنا خَلفك. وَلم يلْحق بنوك أَي: لم يكبروا لَهُ. وَقَوله: فَقلت ازدجر إِلَخ الأحناء: جمع حنو بِالْكَسْرِ وَهِي الجوانب. وَقَوْلهمْ: ازدجر أحناء طيرك أَي: نواحيه يَمِينا وَشمَالًا وأماماً وخلفاً. وَيُرِيد بالطير الخفة. قَالَه الْجَوْهَرِي وَأنْشد الْبَيْت. وَقَالُوا: أَرَادَ بذلك انْظُر فِيمَا تعمله أمخطىءٌ أَنْت فِيهِ أم مُصِيب وَقَالَ الطوسي: ازدجر: ازجر أحناء قَوْلك إِنَّمَا هَذَا مثل يَقُول: ازدجر: ازجر أحناء قَوْلك أَي: عَن يَمِين وشمال وعَلى أَي حَال شِئْت.

(الشاهد الرابع عشر بعد الخمسمائة)

يَقُول: إِن ركبت هَذَا الْأَمر الَّذِي قلت لَك فِيهِ ازدجر عثرت أَو مَعْنَاهُ انْظُر مَا عاقبته. وَقَوله: فَإِن تتقدم إِلَخ قَالَ الطوسي: مِنْهَا أَي: من هَذِه الَّتِي ذكر يَقُول: إِن تقدّمت تقدّمت على غلظٍ وَأمر صَعب لَيْسَ يسهل عَلَيْك وَإِن أخرت يَقُول: إِن رجعت. والكفل بِالْكَسْرِ: كساءٌ يَضَعهُ الرجل على ظهر الْبَعِير ثمَّ يركبه يتوقى الْعرق. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: هُوَ كسَاء يركب بِهِ يدار حول سَنَام الْبَعِير ثمَّ يعْقد عقدا من خَلفه يكتفل بِهِ الرجل فيمسكه وَيجْعَل العقد من خلف السنام وَفَاجِر: مائل وَقيل: فاتحٌ لرجليك يفرج مَا بَينهمَا. يَقُول: فَكيف ركبت لم تجدها كَمَا تُرِيدُ. وَإِنَّمَا يُرِيد نَفسه أَي: إِنَّك إِن فقدتني لم تَجِد مثلي. وَهَذَا مثلٌ. انْتهى. وَأنْشد بعده 3 - (الشَّاهِد الرَّابِع عشر بعد الْخَمْسمِائَةِ) الطَّوِيل (شربن بِمَاء الْبَحْر ثمَّ ترفعت ... مَتى لجج خضرٍ لَهُنَّ نئيج) على أَن مَتى عِنْد هُذَيْل حرف جر بِمَعْنى من أَو فِي أَو اسمٌ بِمَعْنى وسط.

قَالَ ابْن السَّيِّد فِي شرح أَبْيَات أدب الْكَاتِب: فِي قَوْله مَتى لججٍ قَولَانِ: قيل: أَرَادَ من لجج كَمَا قَالَ صَخْر الغي: الوافر مَتى أقطارها علقٌ نفيث أَرَادَ: من أقطارها. وَقيل: مَتى بِمَعْنى وسط. وَحكى أَبُو معاذٍ الهراء وَهُوَ من شُيُوخ الْكُوفِيّين: جعلته فِي مَتى كمي. انْتهى. ومَتى هُنَا فِيمَا نَقله أَبُو معاذٍ لَا تحْتَمل غير معنى وسط بِخِلَاف مَا نَقله الشَّارِح الْمُحَقق عَن أبي زيد فَإِنَّهُ يحْتَملهُ وَيحْتَمل معنى فِي كَمَا قَالَ الشَّارِح. وَقَالَ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي: إِن مَتى عِنْد هُذَيْل اسمٌ مرادف للوسط وحرفٌ بِمَعْنى من أَو فِي. يَقُولُونَ: أخرجهَا مَتى كمه أَي: مِنْهُ. وَاخْتلف فِي قَول بَعضهم: وَضعته مَتى كمي فَقَالَ ابْن سَيّده: بِمَعْنى فِي وَقَالَ غَيره: بِمَعْنى وسط. وَكَذَلِكَ اخْتلفُوا فِي قَول أبي ذُؤَيْب الْهُذلِيّ يصف السَّحَاب: شربن بِمَاء الْبَحْر ثمَّ ترفعت ... ... ... ... . . الْبَيْت فَقيل بِمَعْنى من وَقَالَ ابْن سَيّده: بِمَعْنى وسط. انْتهى. وَالْبَاء فِي قَوْله: بِمَاء الْبَحْر قيل على بَابهَا وشربن مضمن معنى روين. وَقَالَ جمَاعَة: هِيَ للتَّبْعِيض مِنْهُم الْأَصْمَعِي وَابْن قُتَيْبَة فِي أدب الْكَاتِب وَأَبُو عَليّ وَغَيره. وَقَالَ ابْن جني فِي الْمُحْتَسب:

الْبَاء زَائِدَة أَي: شربن مَاء الْبَحْر وَإِن كَانَ قد قيل إِن الْبَاء هُنَا بِمَعْنى فِي وَالْمَفْعُول مَحْذُوف مَعْنَاهُ شربن المَاء فِي جملَة الْبَحْر. وَفِي هَذَا التَّأْوِيل ضربٌ من الإطالة والبعد. وَقَالَ فِي سر الصِّنَاعَة أَيْضا: الْبَاء فِيهِ زَائِدَة إِنَّمَا مَعْنَاهُ شربن مَاء الْبَحْر. هَذَا هُوَ الظَّاهِر من الْحَال والعدول عَنهُ تعسف. وَقَالَ بَعضهم: مَعْنَاهُ شربن من مَاء الْبَحْر فأوقع الْبَاء موقع من. انْتهى.) وَسَبقه الْفراء فِي تَفْسِيره عِنْد قَوْله تَعَالَى: يشرب بهَا من سُورَة الدَّهْر قَالَ: يشرب بهَا وَقد أَنْشدني بَعضهم: شربن بِمَاء الْبَحْر ثمَّ ترفعت ... ... ... ... . . الْبَيْت وَمثله: إِنَّه ليَتَكَلَّم بِكَلَام حسنٍ وَيتَكَلَّم كلَاما حسنا. انْتهى. وَالْحَاصِل أَن فِي هَذِه الْبَاء أَرْبَعَة أَقْوَال: أَحدهَا: أَنَّهَا للتعدية. ثَانِيهَا: أَنَّهَا للتَّبْعِيض بِمَعْنى من. ثَالِثهَا: أَنَّهَا بِمَعْنى فِي. رَابِعهَا: أَنَّهَا زَائِدَة. وَهَذَا على مَا فِي كتب المؤلفين. وَأما الثَّابِت فِي شعر أبي ذُؤَيْب من رِوَايَة أبي بكر الْقَارئ وَغَيره فَهُوَ: ...

(تروت بِمَاء الْبَحْر ثمَّ تنصبت ... على حبشياتٍ لَهُنَّ نئيج) قَالَ الْقَارئ: تروت: يَعْنِي الحناتم. وتنصيت: ارْتَفَعت. وَعلي حبشيات: على سحائب سود. ونئيج: مر سريع. وعَلى هَذِه الرِّوَايَة لَا شَاهد فِي الْمَوْضِعَيْنِ. - وَالْبَيْت بعد مطلع قصيدةٍ لأبي ذُؤَيْب الْهُذلِيّ عدتهَا تسعةٌ وَعِشْرُونَ بَيْتا وَهَذَا مطْلعهَا عِنْد أبي بكر الْقَارئ وَأبي حنيفَة الدينَوَرِي فِي كتاب النَّبَات: قَالَ الْقَارئ: الحناتم: السَّحَاب فِي سوَاده. والحنتمة: الجرة الخضراء. شبه السَّحَاب بهَا. والحناتم: الجرار الْخضر. وثجيج: سَائل. انْتهى. وَقَالَ الدينَوَرِي: الحنتم من السَّحَاب: الْأَخْضَر وَهُوَ الْأسود. وثجيج: متدفق. وَقَالَ ابْن السَّيِّد: الحناتم: سحابٌ سود وَاحِدهَا حنتم وأصل الحناتم جرار خضر وَلَكِن الْعَرَب تجْعَل كل أَخْضَر أسود وَإِنَّمَا يَفْعَلُونَ ذَلِك لِأَن الخضرة إِذا اشتدت صَارَت سواداً وَلذَلِك قَالُوا لِليْل: أَخْضَر. قَالَ ذُو الرمة: الْبَسِيط فِي ظلّ أَخْضَر يَدْعُو هامه البوم

وَأم عمرٍ ومفعول مقدم وحناتم فَاعل مُؤخر وكل آخر لَيْلَة ظرف. قَالَ الْأَصْمَعِي: يُرِيد أبدا. وَمثله: لَا أُكَلِّمك آخر اللَّيَالِي أَي: لَا أُكَلِّمك مَا بَقِي عَليّ من الزَّمن لَيْلَة.) والثج والثجيج: السَّيْل الشَّديد فَيجوز أَن يكون معنى ثجيج بِمَعْنى ثاج وَيجوز أَن يكون أَرَادَ ذُو ثجيج فَحذف الْمُضَاف وَيجوز أَن يكون أوقع الْمصدر موقع اسْم فَاعل مُبَالغَة فِي الْمَعْنى. قَالَه ابْن السَّيِّد. وَجعل الْعَيْنِيّ وَتَبعهُ السُّيُوطِيّ فِي شرح أَبْيَات الْمُغنِي هَذَا الْبَيْت بعد الْبَيْت الشَّاهِد وَقَالَ: (صَحا قلبه بل لج وَهُوَ لجوج ... وزالت بِهِ بالأنعمين حدوج) وَهَذَا الْبَيْت غير موجودٍ فِي القصيدة. وَرَوَاهُ الْعَيْنِيّ: صبا صبوةً بل لج وَهُوَ لجوج وَأورد بعد أَرْبَعَة أبياتٍ أخر إِلَى قَوْله: سقى أم عَمْرو الْبَيْت الَّذِي ذَكرْنَاهُ مطلعاً. وَلَيْسَت هَذِه الأبيات فِي تِلْكَ القصيدة وَلَا هِيَ من نسجها وَمَا أَدْرِي من أَيْن أَتَى بهَا. وَالله أعلم. وَقَوله: شربن بِمَاء الْبَحْر النُّون ضمير الحناتم. وَقَالَ الْعَيْنِيّ: ضمير السحب. مَعَ أَنه لم يتَقَدَّم للسحب ذكر وَلَا فِي الأبيات الَّتِي جعلهَا أول القصيدة.

(الشاهد الخامس عشر بعد الخمسمائة)

قَالَ ابْن السَّيِّد: هذيلٌ كلهَا تصف أَن السَّحَاب تستقي من الْبَحْر ثمَّ تصعد فِي الجو. وَهَذَا مَا عَلَيْهِ الْحُكَمَاء من أَن السَّحَاب ينْعَقد من البخار أَعنِي الْأَجْزَاء الهوائية المائية المتحللة بالحرارة من الْأَشْيَاء الرّطبَة وَذَلِكَ أَن البخار الْمَذْكُور إِذا تصاعد وَلم يتلطف بتحليل الْحَرَارَة أجزاءه المائية حَتَّى يصير هَوَاء فَإِنَّهُ إِذا بلغ الطَّبَقَة الزمهريرية تكاثف فَاجْتمع سحاباً وتقاطر مَطَرا إِن لم يكن الْبرد شَدِيدا. واللجج: جمع لجة وَهُوَ مُعظم المَاء. ووصفها بخضر لصفائها يُقَال: مَاء أَخْضَر أَي: صافٍ. ونئيج: على فعيل مَهْمُوز الْعين: المر السَّرِيع بصوتٍ من نأجت الرّيح تنأج نئيجاً: تحركت فَهِيَ نؤوج. وللريح نئيج أَي: مر سريع. وَجُمْلَة: لَهُنَّ نئيج فِي مَوضِع الْحَال من فَاعل ترفعت الْعَائِد على حناتم بِمَعْنى سحائب. وترجمة أبي ذُؤَيْب الْهُذلِيّ تقدّمت فِي الشَّاهِد السَّابِع وَالسِّتِّينَ من أَوَائِل الْكتاب. وأنشده بعده 3 - (الشَّاهِد الْخَامِس عشر بعد الْخَمْسمِائَةِ) الْبَسِيط (أَو راعيان لبعرانٍ شردن لنا ... كي لَا يحسان من بعراننا أثرا) على أَن كي فِيهِ بِمَعْنى كَيفَ أَو أَن أَصْلهَا كَيفَ فحذفت الْفَاء لضَرُورَة الشّعْر.

وَهَذَا الْبَيْت أنْشدهُ الْفراء فِي تَفْسِيره عِنْد قَوْله تَعَالَى: ولسوف يعطيك رَبك فترضى كَذَا: (من طَالِبين لبعرانٍ لنا رفضت ... كي لَا يحسون من بعراننا أثرا) قَالَ: هِيَ فِي قِرَاءَة عبد الله: ولسيعطيك رَبك فترضى وَالْمعْنَى وَاحِد إِلَّا أَن سَوف كثرت فِي الْكَلَام وَعرف موضعهَا فَترك مِنْهَا الْفَاء وَالْوَاو والحرف إِذا كثر فَرُبمَا فعل بِهِ ذَلِك كَمَا قيل: أيشٍ تَقول وكما قيل: قُم لَا أَبَاك وقم لَا بشانيك يُرِيدُونَ: لَا أَبَا لَك وَلَا أَبَا لشانئك. وَقد سَمِعت بَيْتا حذفت الْفَاء فِيهِ من كَيفَ قَالَ الشَّاعِر: من طَالِبين لبعرانٍ لنا رفضت ... ... ... ... . الْبَيْت أَرَادَ: كَيفَ لَا يحسون. وَهَذَا كَذَلِك. انْتهى. ونقلته من نسخةٍ صَحِيحَة بِخَط الْخَطِيب الْبَغْدَادِيّ صَاحب تَارِيخ بَغْدَاد. وَأنكر أَبُو عَليّ فِي البغداديات هَذَا وحتم أَن تكون كي فِيهِ بِمَعْنى اللَّام وَهَذِه عِبَارَته: أنْشد أَبُو بكر عَن ابْن الجهم عَن الْفراء: (من طَالِبين لبعرانٍ لَهُم شَردت ... كَيْمَا يحسون من بعرانهم خَبرا) قَالَ الْفراء: أَرَادَ كَيفَ فرخم. قَالَ أَبُو بكر: وَهَذَا خطأ وَهُوَ كَمَا قَالَ وَبسطه أَن كَيفَ اسْم يمْتَنع ترخيمه من غير وَجه: أَحدهَا: أَنه اسْم ثلاثي والثلاثي لم يجِئ مرخماً إِلَّا مَا كَانَ ثالثه تَاء التَّأْنِيث.

وَالْآخر: أَنه منكور والمنكور لَا يرخم كَمَا لَا يبْنى والترخيم أبعد من الْبناء فَإِن امْتنع بِنَاؤُه كَانَ ترخيمه أَشد امتناعاً أَيْضا فَإِن كَيفَ اسمٌ مَبْنِيّ مشابه للحروف والحذف إِنَّمَا يكون فِي الْأَسْمَاء المتمكنة وَالْأَفْعَال الْمَأْخُوذ مِنْهَا وَلَا يكون فِي الْحُرُوف. كَذَلِك يَنْبَغِي أَن لَا يكون فِيمَا غلب عَلَيْهِ شبهها وَصَارَ بذلك فِي حيزها. فَإِن أَرَادَ بالترخيم مَا يَسْتَعْمِلهُ النحويون فِي هَذَا النَّوْع من المنادى فَهُوَ غير منادًى وَإِن أَرَادَ بِهِ الْحَذف فَهُوَ غير سَائِغ.) فَإِن قلت: فقد قَالُوا: لد ولدن فحذفوا مِنْهُ وَهُوَ غير مُتَمَكن فَكَذَلِك يسوغ الْحَذف من كَيفَ. فَالْجَوَاب أَنه لَا يسوغ الْحَذف من حَيْثُ حذف من لدن وَذَلِكَ أَن لدن لما فتح مَا قبل النُّون مِنْهَا وَضم وَنصب الِاسْم بعْدهَا فِي قَوْلهم: لدن غدْوَة ضارع التَّنْوِين الزَّائِد فِي الِاسْم لاخْتِلَاف الْحَرَكَة قبلهَا وانتصاب الِاسْم بعْدهَا فَحسن لذَلِك حذفهَا كَمَا يحذف الزَّائِد. وَأَيْضًا فَإِن هَذَا الِاسْم يُضَاف فِي نَحْو قَوْلهم: لد الصَّلَاة وَيدخل عَلَيْهِ حرف الْجَرّ ويضاف إِلَى الْمُضمر والمظهر. وكل ذَلِك توسع فِيهَا لَيْسَ فِي كَيفَ مثله فيسوغ فِيهِ فِي دُخُول ذَلِك مَا لَا يسوغ فِي كَيفَ. وَأَيْضًا فَإِن النُّون شَدِيدَة المشابهة بحروف اللين. أَلا ترَاهَا تزاد فِي مَوَاضِع زيادتها وتلحق عَلامَة الْإِعْرَاب كَمَا يُزَاد مَا هُوَ مِنْهَا. وحذفوها فَاء فِي قَوْله:

الطَّوِيل وَهل يعمن من كَانَ فِي الْعَصْر الْخَالِي وَفِي نَحْو: عموا ظلاما. فَحَذفهُ أسهل لذَلِك من حذف غَيره. وَلَو لم يكن فِي النُّون من هَذِه الْكَلِمَة مَا ذكرنَا لما كَانَ لحمل كَيفَ عَلَيْهِ مساغٌ مَا وجد لغيره مجَاز. فَإِن قلت: فَكيف وَجه الْبَيْت عنْدك فَالْقَوْل أَن كي على ضَرْبَيْنِ: تكون مرّة بِمَعْنى اللَّام وَذَلِكَ فِي قَوْلهم: كيمه. وَتَكون فِي معنى أَن فِي نَحْو: لكيلا تأسوا فَنَقُول: إِن كي فِي الْبَيْت هِيَ الَّتِي بِمَعْنى اللَّام فِيمَن قَالَ: كيمه دَخَلتهَا مَا كَافَّة فمنعتها الْعَمَل الَّذِي تعمله فارتفع الْفِعْل بعْدهَا لكف مَا لَهَا عَن الدُّخُول على الْفِعْل كَمَا كفت رب وَمن فِي قَوْلهم: مِمَّا أفعل وَرُبمَا يقوم. وَنَظِير هَذَا مَا أنشدناه عَن أبي الْحسن من قَوْله: الطَّوِيل (إِذا أَنْت لم تَنْفَع فضر فَإِنَّمَا ... يُرْجَى الْفَتى كَيْمَا يضر وينفع) فعلى هَذَا يحمل هَذَا الْبَيْت. انْتهى. وَهَذَا كُله تطويلٌ بِلَا طائل فَإِن رِوَايَة الْفراء الثَّابِتَة عَنهُ: كي لَا بِلَا النافية لَا بِمَا وَالتَّصَرُّف فِي الْحَرْف بالحذف وَغَيره ثابتٌ مَعَ أَنه خلاف الأَصْل فكونه فِي الِاسْم أولى وأحق. وَنَظِير حذف الْفَاء من كَيفَ حذفهَا من سَوف فَإِنَّهُم يَقُولُونَ: سو أفعل وَالْأَصْل: سَوف أفعل.)

- وَقد حذفت من على الحرفية اللَّام وَالْألف كَمَا قَالَ الشَّاعِر وأنشده سِيبَوَيْهٍ فِي آخر كِتَابه: الطَّوِيل طفت عُلَمَاء غزلة خَالِد وَالْأَصْل: على المَاء. وَالْمرَاد بالترخيم فِي نَحْو هَذَا التَّخْفِيف بالحذف وَهُوَ شائعٌ فِي كَلَامهم فَلَا وَجه للترديد بَين ترخيم المنادى وَغَيره. على أَن الْفراء إِنَّمَا عبر بالحذف لَا بالترخيم ومحصل كَلَامه إِنْكَار مَجِيء كي مخففاً من كَيفَ. وجمل كي فِي الْبَيْت على أَنَّهَا بِمَعْنى اللَّام بِمَعْرِِفَة مَا الكافة لَهَا عَن النصب على تَقْدِير صِحَة نَقله فِيمَا يصنع بقول الآخر قد أنْشدهُ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي فِي كي وَفِي كَيفَ: الْبَسِيط (كي تجنحون إِلَى سلمٍ وَمَا ثئرت ... قَتْلَاكُمْ ولظى الهيجاء تضطرم) وَلَيْسَ بعْدهَا مَا وَالْمعْنَى على الِاسْتِفْهَام. وَلَعَلَّه يَقُول: إِن كي مَوْضُوعَة للاستفهام عَن حَال الشَّيْء بِمَعْنى كَيفَ إِلَّا أَنَّهَا مُخَفّفَة من كَيفَ كَمَا هُوَ مَذْهَب جمَاعَة وَحَكَاهُ الشَّارِح الْمُحَقق عَن الأندلسي.

وَقَالَ ابْن يعِيش فِي شرح الْمفصل: وَفِي كَيفَ لُغَتَانِ قَالُوا: كَيفَ وكي قَالَ الشَّاعِر: قَالُوا: كي. هَا هُنَا بِمَعْنى كَيفَ استفهامٌ. وَقَالَ قوم: أَرَادَ: كَيفَ وَإِنَّمَا حذف الْفَاء تَخْفِيفًا كَمَا قَالُوا: سو أفعل وَالْمرَاد: سَوف أفعل. انْتهى. وعَلى هَذَا الْأَخير اقْتصر صَاحب الْمُغنِي. وَالظَّاهِر أَن هَذَا من قبيل ضَرُورَة الشّعْر إِذْ لَو كَانَت كي مَوْضُوعَة للاستفهام لوردت فِي النثر ولدونت فِي كتب اللُّغَة كَسَائِر الْأَلْفَاظ الْمَوْضُوعَة. وَالْبَيْت الأول غير وَاضح الْمَعْنى وقائله غير مَعْرُوف وَمَا قبله مَجْهُول. والبعران بِالضَّمِّ: جمع بعير وَهُوَ فِي الْإِبِل بِمَنْزِلَة الرجل فِي الْإِنْسَان. وَالنُّون فِي شردن لِلْإِبِلِ لِأَنَّهَا جمَاعَة. وَرَوَاهُ ابْن يعِيش: شَردت بِالتَّاءِ مَعَ تَقْدِيم لنا عَلَيْهِ. ويحسان بِضَم الْيَاء: مضارع: أحس الرجل الشَّيْء إحساساً: علم بِهِ. وأثرا: مفعول بِهِ. وَرِوَايَة أبي عَليّ قريبةٌ من رِوَايَة الْفراء. وَقَوله: من طَالِبين هُوَ جمع مجرور بِمن. ورفضت بِالْفَاءِ وَالضَّاد الْمُعْجَمَة قَالَ فِي الْمِصْبَاح:) رفضت الْإِبِل من بَاب ضرب: تَفَرَّقت فِي المرعى. وَيَتَعَدَّى بِالْألف فِي الْأَكْثَر فَيُقَال: أرفضتها وَفِي لُغَة بِنَفسِهِ. وَقَائِل الْبَيْت الثَّانِي مجهولٌ أَيْضا. وَزعم الْعَيْنِيّ وَتَبعهُ خدمَة الْمُغنِي أَنه من أَبْيَات سِيبَوَيْهٍ وَهَذَا لَا أصل لَهُ فَإِنِّي قد تصفحت أبياته

(الشاهد السادس عشر بعد الخمسمائة)

مرَارًا فَلم أَجِدهُ فِيهَا. وتجنحون: تميلون. وَالسّلم بِكَسْر السِّين وَفتحهَا: الصُّلْح. وثئرت بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول. وَقَتلَاكُمْ: نَائِب الْفَاعِل من ثأرت الْقَتِيل: طلبت دَمه وَقتلت قَاتله. والثأر مَهْمُوز. والهيجاء: الْحَرْب. وتضطرم: تلتهب. والجملتان حالان من الْوَاو فِي تجنحون. وأتعجب من الْعَيْنِيّ فِي قَوْله: الشَّاهِد فِي كي فَإِنَّهُ بِمَعْنى كَيفَ وَهُوَ اسمٌ لَا شكّ فِيهِ ككيف لدُخُول حرف الْجَار عَلَيْهِ. انْتهى. وَأنْشد بعده 3 - (الشَّاهِد السَّادِس عشر بعد الْخَمْسمِائَةِ) الرمل (يَا أَبَا الْأسود لم أسلمتني ... لهموم طارقات وَذكر) على أَن لم مركبة من اللَّام ومَا الاستفهامية فَلَمَّا جرت بِاللَّامِ حذفت الْألف وسكنت الْمِيم كَمَا أَن كم مركبة من الْكَاف ومَا الاستفهامية. وَهَذَا قَول الْفراء فِي تَفْسِيره أوردهُ فِي شرح لَكِن من قَوْله تَعَالَى: وَلَكِن النَّاس أنفسهم يظْلمُونَ من سُورَة يُونُس قَالَ: ونرى أَن قَول الْعَرَب: كم مَالك أَنَّهَا مَا وصلت من أَولهَا بِالْكَاف ثمَّ إِن الْكَلَام كثر بكم حَتَّى حذفت الْألف من آخرهَا وسكنت ميمها كَمَا قَالُوا: لم قلت ذَاك وَمَعْنَاهُ: لم قلت ذَاك وَلما قلت ذَاك كَمَا قَالَ الشَّاعِر:

يَا أَبَا الْأسود لم أسلمتني ... ... ... ... . . الْبَيْت وَقَالَ بعض الْعَرَب فِي كَلَامه وَقيل: مذ كم قعد فلَان فَقَالَ: كمذ أخذت فِي حَدِيثك. فَرده الْكَاف فِي مذ يدل على أَن الْكَاف فِي كم زَائِدَة. وَإِنَّهُم ليقولون: كَيفَ أَصبَحت فَيَقُول: كالخير وكخير. وَقيل لبَعْضهِم: كَيفَ تَصْنَعُونَ الأقط فَقَالَ: كهينٍ. انْتهى. وَقَوله: لم قلت بِسُكُون الْمِيم ظَاهره أَنه جَائِز فِي الْكَلَام ير مَخْصُوص بالشعر وَيُؤَيِّدهُ قَول ابْن الشجري فِي أَمَالِيهِ: وَمن الْعَرَب من يَقُول: لم فعلت بِإِسْكَان الْمِيم.) قَالَ ابْن مقبل: الوافر (أأخطل لم ذكرت نسَاء قيسٍ ... فَمَا روعن عَنْك وَلَا سبينَا) وَقَالَ آخر: (يَا أَبَا الْأسود لم خليتني ... لهمومٍ طارقاتٍ وَذكر) انْتهى. وَكَذَا فِي شرح الشافية للشَّارِح الْمُحَقق قَالَ: وَأما على مَه وَإِلَى مَه وَحَتَّى مَه ف مَا فِيهَا جُزْء مِمَّا قبلهَا لكَون مَا قبلهَا حروفاً فَلَا تستقل فَيجوز لَك الْوَقْف بِالْهَاءِ كَمَا ذكر وبسكون الْمِيم أَيْضا لكَون علام مثلا كغلام. قَالَ: يَا أَبَا الْأسود لم خليتني ... ... ... ... . . الْبَيْت انْتهى. فَقَوْل ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي إِن تسكين الْمِيم بعد حذف الْألف

مَخْصُوص بالشعر غير صَحِيح. وَقد تقدم فِي الشَّاهِد السَّادِس وَالثَّلَاثِينَ بعد الأربعمائة مَا يتَعَلَّق بِحَذْف ألف مَا الاستفهامية. وَقَوله: أسلمتني هُوَ من أسلم أمره لله وَسلم بِمَعْنى فوض أَو من أسلم الْأَجِير نَفسه للْمُسْتَأْجر: مكنه من نَفسه وَكَذَلِكَ سلم بِالتَّشْدِيدِ. وَيجوز أَن يكون من أسلمه بِمَعْنى خذله. وروى بدله: خليتني بِمَعْنى تَرَكتنِي. وروى أَيْضا: خلفتني قَالَ الدماميني: مَعْنَاهُ أخرتني. والهموم: الأحزان. والطروق: الْمَجِيء لَيْلًا. وَإِنَّمَا جعل الهموم طارقاتٍ لِأَن أَكثر مَا يعترى الْإِنْسَان فِي اللَّيْل حَيْثُ يجمع فكره ويخلو باله فيتذكر مَا هُوَ فِيهِ من الْأَحْوَال الموجعة والمصائب المؤلمة. وذكر بِكَسْر فَفتح قَالَ الشاطبي فِي شرح الألفية: هُوَ جمع ذكرى على خلاف الْقيَاس لِأَن وَقَالَ الدماميني: هُوَ جمع ذكرى وَهُوَ نقيض النسْيَان. أَو جمع ذكرة بِمَعْنى ذكرى. وَهُوَ على الأول مَحْفُوظ وعَلى الثَّانِي مقيس. انْتهى. قَالَ صَاحب الْمِصْبَاح: ذكرته بلساني وبقلبي ذكرى بالتأنيث وَكسر الذَّال وَالِاسْم ذكر بِالضَّمِّ وَالْكَسْر نَص عَلَيْهِ جماعةٌ مِنْهُم أَبُو عُبَيْدَة وَابْن قُتَيْبَة. وَأنكر الْفراء الْكسر فِي الْقلب وَقَالَ: اجْعَلنِي على ذكرٍ مِنْك بِالضَّمِّ لَا غير. وَلِهَذَا اقْتصر جمَاعَة عَلَيْهِ. وَيَتَعَدَّى بِالْألف والتضعيف فَيُقَال: أذكرته وذكرته مَا كَانَ فَتذكر. انْتهى.)

وَالْبَيْت مَعَ كَثْرَة تداوله فِي كتب النَّحْو لَا يعرف قَائِله. وَالله أعلم. وأنشده بعده: الطَّوِيل (صريع غوانٍ راقهن ورقنه ... لدن شب حَتَّى شَاب سود الذوائب) على أَن لدن إِذا أضيفت إِلَى الْجُمْلَة تمحضت للزمان. هَذَا هُوَ التَّحْقِيق لبَقَاء حكم الْمُضَاف إِلَى الْجمل على وتيرة وَاحِدَة. وَقَالَ أَبُو حَيَّان فِي الارتشاف: وَلَا يُضَاف إِلَى الْجمل من ظروف الْمَكَان إِلَّا لدن وَحَيْثُ فتضاف إِلَى جملَة الِابْتِدَاء نَحْو: الطَّوِيل وتذكر نعماه لدن أَنْت يافعٌ لزمنا لدن ساءلتمونا وفاقكم وَجَاءَت أَن زَائِدَة بعْدهَا فِي قَوْله: الطَّوِيل وليت فَلم تقطع لدن أَن وليتنا قَالَ ابْن الدهان: وَلَا يُضَاف إِلَى الْجمل من ظروف الْمَكَان إِلَّا حَيْثُ وَحدهَا. ولدن شب على إِضْمَار أَن كَمَا صرح بِأَن فِي قَوْله: الطَّوِيل أَرَانِي لدن أَن غَابَ رهطي انْتهى. وَتقدم الْكَلَام على الْبَيْت قَرِيبا.

(الشاهد السابع عشر بعد الخمسمائة)

وَأنْشد بعده 3 - (الشَّاهِد السَّابِع عشر بعد الْخَمْسمِائَةِ) الوافر (فَإِن الكثر أعياني قَدِيما ... وَلم أقتر لدن أَنِّي غُلَام) على أَن الْجُمْلَة الَّتِي بعد لدن يجوز تصديرها بِحرف مصدري. وَهَذَا الْبَيْت أنْشدهُ ابْن السّكيت فِي إصْلَاح الْمنطق وَنسبه كالشارح إِلَى عَمْرو بن حسان من بني الْحَارِث بن همام. وَقَالَ شَارِح أبياته ابْن اليرافي فِي قَوْله: فَإِن الكثر أعياني إِلَخ أَي: طلب الْغَنِيّ فِي أول أَمْرِي وَحين شَبَابِي فَلم أبلغ مَا فِي نَفسِي مِنْهُ وَمَعَ ذَلِك فَلم أكن فَقِيرا. فَلَا تَأْمُرنِي بِطَلَب المَال وَجمعه وَترك تفريقه فَإِنِّي لَا أبلغ نِهَايَة الْغنى بِالْمَنْعِ وَلَا أفتقر بالبذل. انْتهى. قَالَ صَاحب الصِّحَاح: الكثر بِالضَّمِّ من المَال: للكثير. يُقَال: مَا لَهُ قل وَلَا كثر. وَأنْشد الْبَيْت. وَقَالَ فِي قتر: وأقتر الرجل: افْتقر. وأنشده أَيْضا. وَقَالَ فِي عيي: وعييت بأَمْري إِذا لم تهتد لوجهه. وأعياني هُوَ. وأنشده أَيْضا وَقَالَ: يَقُول كنت متوسطاً لم أفتقر فقرا شَدِيدا وَلَا أمكنني جمع المَال الْكثير. ويروى: أعناني أَي: أذلني وأخضعني. انْتهى. وَهَذَا الْبَيْت يدل للشَّارِح الْمُحَقق على أَن لدن إِذا أضيفت إِلَى الْجُمْلَة تكون ظرف زمَان. وَهَذَا ظَاهر مِنْهُ.

(الشاهد الثامن عشر بعد الخمسمائة)

وَعَمْرو بن حسان: شاعرٌ صَحَابِيّ ذكره ابْن حجر فِي الْإِصَابَة. 3 - (الشَّاهِد الثَّامِن عشر بعد الْخَمْسمِائَةِ) الرجز (طاروا علاهن فطر علاها ... وَاشْدُدْ بمثنى حقبٍ حقواها) على أَنه قد حُكيَ عَن قوم من الْعَرَب: لداك وإلاك وعلاك فَلم يقبلُوا الْألف يَاء مَعَ الْمُضمر فِي علاهن وعلاها وَفِي الْمثنى أَعنِي حقواها. وَكَانَ الْقيَاس: عَلَيْهِنَّ وَعَلَيْهَا وحقويها. قَالَ أَبُو حَاتِم فِيمَا كتبه على نَوَادِر أبي زيد: هَذِه لُغَة بني بن كَعْب ولغتهم قلب الْيَاء الساكنة إِذا انْفَتح مَا قبلهَا ألفا يَقُولُونَ: أخذت الدرهمان وَالسَّلَام علاكم. انْتهى. وَسَيَأْتِي بَقِيَّة الْكَلَام عَلَيْهِ إِن شَاءَ الله فِي الْمثنى. قَالَ أَبُو زيد فِي نوادره: قَالَ الْمفضل: أَنْشدني أَبُو الغول لبَعض أهل الْيمن: (أَي قلوصٍ راكبٍ ترَاهَا ... طاروا عَلَيْهِنَّ فشل علاها) (وَاشْدُدْ بمثنى حقبٍ حقواها ... ناجيةٍ وناجياً أَبَاهَا) القلوص مُؤَنّثَة. علاها يُرِيد عَلَيْهَا وَهِي لُغَة بني الْحَارِث بن

كَعْب. وَأما أَبَاهَا فَيمكن أَن يكون أَرَادَ أَبوهَا فجَاء بِهِ على لُغَة من قَالَ هَذَا أَبَاك فِي وزن هَذَا قفاك. وَكَذَا كَانَ الْقيَاس. وَأنْشد أَبُو زيد الْبَيْتَيْنِ الْأَوَّلين من الْأَرْبَعَة فِي أَوَائِل النَّوَادِر ثمَّ قَالَ: وَأما أَبَاهَا يَعْنِي فِي الْبَيْت الرَّابِع فَيمكن أَن يكون أَرَادَ أَبوهَا فجَاء بِهِ على لُغَة من قَالَ: هَذَا أَبَاك فِي وزن هَذِه عصاك. وَكَذَا كَانَ الْقيَاس. وَقَالَ بَعضهم: وَلَكِن يُقَال أبٌ وَأَبَان كَقَوْلِك: يدٌ ويدان فَأَرَادَ الِاثْنَيْنِ. انْتهى. قَالَ أَبُو الْحسن الْأَخْفَش فِي شرح النَّوَادِر: قَالَ أَبُو حَاتِم: سَأَلت أَبَا عُبَيْدَة عَن هَذِه الأبيات فَقَالَ: انقط عَلَيْهَا هَذَا من صَنْعَة الْمفضل. انْتهى. وَقَوله: أَي قلُوص راكبٍ بِإِضَافَة قلُوص إِلَى رَاكب وأَي استفهامية قصد بالاستفهام الْمَدْح والتعظيم وَقد اكْتسب التَّأْنِيث من قلُوص وَلِهَذَا أعَاد الضَّمِير عَلَيْهَا مؤنثاً. أَو فِيهِ قلبٌ وَالْأَصْل قلُوص أَي رَاكب ترَاهَا. وَهَذَا هُوَ الظَّاهِر. وأَي: مَنْصُوب من بَاب الِاشْتِغَال وَيجوز الرّفْع على الِابْتِدَاء. والقلوص بِالْفَتْح: النَّاقة الشَّابَّة. وَقَوله: طاروا عَلَيْهِنَّ كَذَا فِي موضِعين من النَّوَادِر وَرَوَاهُ الْجَوْهَرِي: طاروا علاهن كالثاني. وطاروا يُقَال: طَار الْقَوْم أَي: نفروا مُسْرِعين. كَذَا فِي الْمِصْبَاح.) وَرَوَاهُ ابْن هِشَام فِي شرح الشواهد: شالوا علاهن وَقَالَ: شال الشَّيْء شولاً إِذا ارْتَفع. وَالْأَمر شل بِالضَّمِّ. وَيَتَعَدَّى بِالْهَمْزَةِ وبالباء فَيُقَال أشلته وشلت بِهِ. وَقَول الْعَامَّة شلته بِالْكَسْرِ

وَالظَّاهِر أَن المُرَاد ارتفعوا على إبلهم فارتفع عَلَيْهَا. وَلَا حَاجَة إِلَى ذكر الْمَفْعُول المعدى بِالْبَاء. وَيُؤَيِّدهُ رِوَايَة طاروا فَإِن الْمَعْنى أَسْرعُوا مخفين. وَرِوَايَة الشَّارِح فطر علاها هِيَ صَاحب الصِّحَاح. والحقب بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَالْقَاف قَالَ فِي الصِّحَاح: هُوَ حَبل يشد بِهِ الرحل إِلَى بطن الْبَعِير مِمَّا يَلِي ثيله أَي: ذكره كي لَا يجتذبه التصدير. تَقول مِنْهُ: أحقبت الْبَعِير. انْتهى. والْمثنى: مصدر ميمي من ثنيت الشَّيْء ثنياً ومثنًى إِذا عطفته أُرِيد بِهِ اسْم الْمَفْعُول أَي: الْمَعْطُوف ثَانِيًا. وحقواها: مثنى حقو بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الْقَاف وَهُوَ الخصر ومشد الْإِزَار مثلا. وَقَول أبي زيد: إِن أَبَاهَا مثنى أَب حذفت النُّون للإضافة أَرَادَ أَبَاهَا وَأمّهَا فثني على التغليب. وَأنْشد الْجَوْهَرِي الأبيات فِي علا بِهَذَا التَّرْتِيب: (أَي قلوصٍ راكبٍ ترَاهَا ... فاشدد بمثنى حقب حقواها) (نَاجِية وناجياً أَبَاهَا ... طاروا علاهن فطر علاها)

وَأنْشد بعده الهزج (فلولا نبل عوضٍ فِي ... حظباي وأوصالي) على أَن عوضا قد يسْتَعْمل لمُجَرّد الزَّمَان فيعرب. جعل الشَّارِح الْمُحَقق اسْتِعْمَاله لمُجَرّد الزَّمَان سَببا لإعرابه أَي: الزَّمَان الْمُجَرّد عَن الْعُمُوم والاستغراق بِأَن يكون نكرَة غير مضمن معنى الْإِضَافَة. فَإِن ضمنهَا بني على الضَّم كَمَا سَيَأْتِي فِي كَلَامه. وَإِن أضيف لفظا أعرب. فَيكون لَهُ ثَلَاثَة استعمالات: الأول: مَا نكر بِأَن قطع عَن الْإِضَافَة لفظا وَمعنى كَمَا فِي الْبَيْت وَفِي قَوْلهم: من ذِي عوضٍ فيعرب جراً بِإِضَافَة شيءٍ إِلَيْهِ. وَلم يسمع نَصبه منوناً على الظَّرْفِيَّة. الثَّانِي: مَا حذف مِنْهُ الْمُضَاف إِلَيْهِ وَضمن مَعْنَاهُ فيبني على الضَّم أَو أحد أَخَوَيْهِ نَحْو: لَا أَفعلهُ عوض وَالْأَصْل: عوض العائضين.) وَالثَّالِث: مَا أضيف لفظا كعوض العائضين. هَذَا مُقْتَضى كَلَامه وَهُوَ الْحق الَّذِي لَا يَنْبَغِي أَن يحاد عَنهُ فَإِنَّهُ جمع شملها المتفرق فِي كتب النَّحْوِيين بإدخالها فِي حكم ظروف الْجِهَات. وَقَالَ أَبُو حَيَّان فِي الارتشاف: وَقد يُضَاف إِلَى العائضين أَو يُضَاف إِلَيْهِ فيعرب. وَأورد هَذَا

وَقَالَ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي: هُوَ مُعرب إِن أضيف كَقَوْلِهِم: لَا أَفعلهُ عوض العائضين مَبْنِيّ على أحد الحركات إِن لم يضف. فَالْأول: يَشْمَل مَا قَالَه الشَّارِح الْمُحَقق لَكِن لَا بذلك الحكم. وَالثَّانِي: يَقْتَضِي بِنَاء نَحْو الْبَيْت على حَرَكَة وَلَا قَائِل بِهِ. وَالْعجب من ابْن الملا فَإِنَّهُ شرح كَلَام الْمُغنِي بِكَلَام الشَّارِح الْمُحَقق. وَقَالَ ابْن جني فِي الْكَلَام على هَذَا الْبَيْت من إِعْرَاب الحماسة: وَأما إعرابه فَلِأَنَّهُ اضْطر إِلَيْهِ كَمَا يضْطَر الشَّاعِر إِلَى صرف مَا لَا ينْصَرف. وَهُوَ مَبْنِيّ على الضَّم وَالْفَتْح. هَذَا كَلَامه. فَيُقَال لَهُ: أَي: ضَرُورَة فِي قَوْلهم: افْعَل ذَاك من ذِي عوض. وَأما شرَّاح الحماسة فالمفهوم من كَلَامهم أَنه مَبْنِيّ فِي الْبَيْت. وَلم يتَعَرَّضُوا لإعرابه بوجهٍ. قَالَ المرزوقي: عوض اسْم الدَّهْر معرفَة مَبْنِيّ وكما يبْنى على الْفَتْح قد يبْنى على الضَّم وَالضَّم فِيهِ حَكَاهُ الْكُوفِيُّونَ. وَيُقَال: لَا أَفعلهُ عوض العائضين. وَإِنَّمَا يبْنى لتَضَمّنه معنى الْألف وَاللَّام. انْتهى. وَقد سطرها الْخَطِيب التبريزي فِي شَرحه من غير زِيَادَة. وَأما الْأمين الطبرسي فَلم يزدْ على قَوْله: عوض من أَسمَاء الدَّهْر. وَهَذَا كُله مِمَّا يستغرب مِنْهُ. وَقَول الشَّارِح الْمُحَقق: وَعوض فِي الأَصْل اسْم للزمان والدهر

بل الأَصْل مصدر عاضني الله مِنْهُ عوضا بِفَتْح فَسُكُون وعوضاً بِكَسْر فَفتح وعياضاً بِالْكَسْرِ. كَذَا فِي الْعباب. فالعوض: كل إعطاءٍ يكون خلفا من شيءٍ. قَالَ ابْن جني فِي شرح الْبَيْت: إِنَّمَا سموا الدَّهْر عوضا لِأَنَّهُ من التعويض وَذَلِكَ أَنه كلما مضى جزءٌ من الدَّهْر خلف آخر من بعيده فَكَانَ الثَّانِي كالعوض من الأول. وَقد ذكرت هَذَا الْموضع فِي كتابي الموسوم بِكِتَاب التَّعَاقُب. وَقَالَ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي: وَقيل: بل لِأَن الدَّهْر فِي زعمهم يستلب ويعوض.) وَقَوله أَيْضا: وَيُقَال افْعَل ذَلِك من ذِي عوض إِلَخ افْعَل يقْرَأ أمرا وخبراً وَالْمعْنَى افعله فِي زمانٍ ذِي تعويض أَي: فِي زمَان يكون عوضا من هَذَا الزَّمَان وَهُوَ الْمُسْتَقْبل. وأنف بِضَم الْألف وَالنُّون مَعْنَاهُ الِابْتِدَاء الْجَدِيد أَي: الإضافي بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا قبله. وَالْمعْنَى: افعله فِي زمَان ذِي ابتداءٍ متجدد وَهُوَ الْوَقْت الَّذِي يَتَجَدَّد بِانْقِضَاء مَا قبله كَالْيَوْمِ وَاللَّيْلَة والأسبوع والشهر وَالسّنة. وَالْفِعْل مِنْهُ اسْتَأْنف استئنافاً. وَمِنْه حَدِيث ابْن عمر: إِنَّمَا الْأَمر أنفٌ أَي: يسْتَأْنف استئنافاً من غير أَن يكون سبق بِهِ سَابق قَضَاء وَتَقْدِير. وروضة أنفٌ أَي: مستجدة لم تطأها الْمَاشِيَة

وَلم ترعها. وَمِنْه حَدِيث أبي ورجلٌ مئناف أَي: ترعى مَاشِيَته أنف الْكلأ. وكأس أنف: مستجدة للشُّرْب فِيهَا لم تسْتَعْمل قبل هَذَا الْوَقْت. وَقَوْلهمْ: فعله آنِفا بِالْمدِّ وَكسر النُّون من هَذَا أَيْضا وَهُوَ أول الزَّمَان الَّذِي أَنْت فِيهِ. وَيُقَال أَيْضا: افْعَل ذَاك من ذِي قبل بِفَتْح الْقَاف وَالْمُوَحَّدَة وَهُوَ اسْم مصدر لأقبل إقبالاً. أَي: فِي زمَان ذِي إقبال. وَفِي فصيح ثَعْلَب: لَا أُكَلِّمك إِلَى عشْرين ذِي قبل أَي: إِلَى عشر لَيَال من زمَان ذِي اسْتِقْبَال أَي: من مُسْتَقْبل الشَّهْر. وَالْبَيْت من أَبْيَات ثَمَانِيَة للفند الزماني أوردهَا أَبُو تَمام فِي مُخْتَار أشعار الْقَبَائِل وَفِي الحماسة وأولها: (أيا طعنة مَا شيخٍ ... كبيرٍ يفنٍ بالي) (تقيم المأتم الْأَعْلَى ... على جهدٍ وإعوال) (وَلَوْلَا نبل عوضٍ فِي ... حظباي وأوصالي) (لطاعنت صُدُور الخي ... ل طَعنا لَيْسَ بالآلي) وَقَوله: أيا طعنة إِلَخ قَالَ الإِمَام المرزوقي: أَرَادَ: يَا طعنة شيخ ومَا زَائِدَة وَهَذَا اللَّفْظ لفظ النداء وَالْمعْنَى معنى التَّعَجُّب والتفخيم أَرَادَ: مَا أهولها من طعنة وَيَا لَهَا من طعنة بدرت من شيخٍ كَبِير السن فَانِي القوى

بالي الْجِسْم. واليفن: الشَّيْخ الْهَرم. وَيجوز أَن يكون المنادى محذوفاً وطعنة مَنْصُوب بِفعل مُضْمر كَأَنَّهُ أَرَادَ: يَا قوم اذْكروا طعنة شيخ. انْتهى.) وَقد بَين الْوَجْهَيْنِ أَبُو هِلَال العسكري فِي شرح الحماسة قَالَ: فِي ندائه وَجْهَان: أَحدهمَا: أَن يعجب من فظاعتها فَكَأَنَّهُ يَقُول: هَلُمِّي يَا طعنة فاعجبي أَنْت أَيْضا من سعتك وهولك. وَالْآخر: أَن المنادى غير الطعنة كَأَنَّهُ قَالَ: يَا هَؤُلَاءِ اشْهَدُوا طعنةً لَا يطعن مثلهَا شيخٌ. وَإِنَّمَا قَالَ طعنة شيخ لِأَن قَبيلَة بكر قَالَت: وَمَا يُغني هَذَا العشمة وَذَلِكَ أَن عداد زمانٍ فِي بني حنيفَة وَكَانُوا اعتزلوا حَرْب بكر وتغلب حَتَّى كتب إِلَيْهِم الْحَارِث بن عباد يعنفهم فسرحوا إِلَيْهِم فنداً فِي سبعين رَاكِبًا وَكَتَبُوا إِلَيْهِم: إِنَّا أمددناكم بِمِائَة فَارس. قَالَ مؤرخ: أمددناكم بِأَلف رجل. فَقَالَت بكر: وَمَا يُغني هَذَا العشمة وَكَانَ شَيخا وَله مائَة وَعِشْرُونَ سنة. فَقَالَ: أما ترْضونَ أَن أكون لكم فنداً من أفناد حضن تلودون بِي فَأَرْسلُوهُ فِي الطَّلَائِع وَرجع وَلَيْسَ مَعَه رمحه فَسئلَ عَنهُ فَقَالَ: طعنت بِهِ رجلا فأنفذته وَقَالَ مؤرج: كَانَ عَمْرو بن الرقبان التغلبي حمل على بكر فَمر على صبي عِنْد أمه فانتظمه برمحه وَحمله على رَأس الرمْح وصرخت أمه فَقَالَ: تحنني أم الرّبع. فَحمل عَلَيْهِ الفند فطعنه فأنفذه. وتزعم بكر أَنه طعنه وَخَلفه رديفٌ لَهُ فانتظمها. وَهَذَا مَشْهُور فِي بكر وتغلب أَعنِي

طعنة عَمْرو وطعنة الفند وَقيل فِيهِ شعر مَصْنُوع قديم يَعْنِي هَذِه الأبيات. انْتهى. وَقَوله: تقيم المأتم إِلَخ قَالَ المرزوقي: هَذَا من وصف الطعنة كَأَنَّهُ كَانَ تنَاوله بهَا رَئِيسا فَلذَلِك وصف المأتم بالأعلى. والمأتم أَصله أَن يَقع على النِّسَاء يجتمعن فِي الْخَيْر وَالشَّر واشتقاقه من الأتم وَهُوَ الضَّم وَالْجمع وَمِنْه الأتوم وَهِي الْمَرْأَة الَّتِي صَار مسلكاها مسلكاً وَاحِدًا. وَأَرَادَ بالمأتم هُنَا الِاجْتِمَاع للرزية وَهُوَ مصدرٌ وصف بِهِ. وَيجوز أَن يُرَاد بِهِ أهل المأتم فَحذف الْمُضَاف. والأعلى يُرَاد بِهِ الأفظع شَأْنًا. وَوصف الطعنة بِأَنَّهَا تقيم الْجمع على مجاهدة بلَاء وإسراف فِي الصياح والعواء أَي: تديم ذَلِك لَهُ. والعويل والعولة: صَوت الصَّدْر. انْتهى. وَقَالَ التبريزي: الإعوال: رفع الصَّوْت بالبكاء. وَقَوله: وَلَوْلَا نبل عوض إِلَخ أَجمعُوا فِي هَذَا الْموضع على أَن عوضا اسْم الدَّهْر وَقد شَذَّ بَعضهم فَقَالَ: عوضٌ: رجلٌ كَانَ يعْمل النبال جَيِّدَة فَشبه مَا ناله من نَوَائِب الزَّمَان بِإِصَابَة تِلْكَ وحظباي بِالْإِضَافَة إِلَى يَاء الْمُتَكَلّم. والحظبى بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَضم الظَّاء المشالة والمعجمة) بعْدهَا مُوَحدَة مُشَدّدَة وَألف مَقْصُورَة قَالَ القالي فِي الْمَقْصُور والممدود: هُوَ الظّهْر. قَالَ: ووزنه فعلى وَلم يَأْتِ على هَذَا الْوَزْن إِلَّا الِاسْم دون الصّفة. وَقَالَ ابْن ولاد فِي الْمَقْصُور والممدود: هُوَ الصلب

يَعْنِي ظهر الرجل. وَقَالَ أَبُو هِلَال العسكري فِي شَرحه: قَالَ أَبُو الندى: الحظبى: عرق فِي الظّهْر. وَقَالَ غَيره: الحظبى: عرق يَبْتَدِئ من الْقلب ويبدو عِنْد السُّرَّة ثمَّ يتشعب فتتفرق شعبه فِي الظّهْر يُسَمِّيه الْأَطِبَّاء: الشريان الْعَظِيم وَقَالَ الصَّاغَانِي فِي الْعباب: الحظبى: صلب الرجل وَيُقَال: إِنَّه عرق فِي الظّهْر وَيُقَال: إِن الحظبى الْجِسْم وَفسّر بالمعاني الثَّلَاثَة هَذَا الْبَيْت. وَقَالَ أَبُو زيد: الحظنبى بالنُّون قبل الْمُوَحدَة وَأنْشد الْبَيْت فِي حظنباي. وَرَوَاهُ المرزوقي: فِي حضماتي وأوصالي بضمتي الْخَاء وَالضَّاد المعجمتين وَتَشْديد الْمِيم وَقبل يَاء الْمُتَكَلّم مثناة فوقية على أَنه جمع خضمة. قَالَ: والخضمة: مَا غلظ من السَّاق والذراع ويبدل من ميمه الْبَاء فَيُقَال: خضبة. وَالْمعْنَى: لَوْلَا رميات الدَّهْر فِي مفاصلي ومجامع أعضائي ومستغلظ عضدي وذراعي لَكَانَ تأثيري وبلائي فِي الْحَرْب أَكثر مِمَّا كَانَ ولشفعت تِلْكَ الظعنة وَلم أدعها وترا. انْتهى. وَقَالَ أَبُو هِلَال العسكري: ويروى: فِي أعالي يُرِيد انحناء ظَهره وتشنج جلده واضطراب خلقه وانحلال قواه. والأوصال: جمع وصل بِكَسْر الْوَاو وَسُكُون الصَّاد وَهُوَ الْمفصل. وَقَالَ ابْن جني فِي إِعْرَاب الحماسة: الظّرْف الَّذِي هُوَ قَوْله فِي حظباي مُتَعَلق بِنَفس النبل لما فِيهَا من معنى الحدة والنفوذ كَقَوْل جرير:

الطَّوِيل (تركت بِنَا لوحاً وَلَو شِئْت جادنا ... بعيد الْكرَى ثلجٌ بكرمان ناضج) علق بعيد الْكرَى بثلج لما فِيهِ من معنى الْبرد. وَلَا يجوز أَن يكون الظّرْف حَالا من نيل لِأَن أَبَا الْحسن منع اشْتِغَال الْحَال مَعَ لَوْلَا لِأَنَّهَا ضربٌ من الْخَبَر وَالْخَبَر هُنَا مَحْذُوف الْبَتَّةَ. وَيجوز أَن يكون خبر لمبتدأٍ مَحْذُوف أَي: هِيَ فِي حظباي فَيكون حظباي مُتَعَلقا بِمَحْذُوف. وَأما حظباي فَإِنَّهُ مُعظم بدنه وَهُوَ قَول أَحْمد بن يحيى وَهُوَ من قَوْلهم: رجل حظبٌ للجافي الغليظ. وحظبى فعلى كالحذرى والنذرى. وحظباتي بِالتَّاءِ خطأ. انْتهى. وَقَوله: لطاعنت صُدُور الْخَيل إِلَخ هَذَا جَوَاب لَوْلَا.: أَرَادَ بِالْخَيْلِ الفرسان أَي: لَوْلَا مَا) قدمت من الْعذر لدافعت بالطعن أَوَائِل الْخَيل طَعنا لَا تَقْصِير فِيهِ وَلَا قُصُور. وَخص الْأَوَائِل مِنْهُم لتقدمه. وَيجوز أَب يُرِيد بالصدور الرؤساء والأكابر. وهم يتبجحون بمجاذبة الْأَشْرَاف. (من عهد عادٍ كَانَ مَعْرُوفا لنا ... أسر الْمُلُوك وقتلها وقتالها)

وكما استعملوا الصُّدُور فِي الأماثل والجلة استعملوا الأعجاز فِي الأراذل والسفلة وهذ كَمَا قَالُوا: الرؤوس والأذناب وكما قَالَ: الْبَسِيط وَمن يُسَوِّي بأنف النَّاقة الذنبا وَيُقَال: ألوت فِي الْأَمر آلو أَي: قصرت. وَجعل التَّقْصِير لِلطَّعْنِ على الْمجَاز. انْتهى. قَالَ ابْن جني: لَك فِي طَعنا وَجْهَان: إِن شِئْت حَملته على فعلٍ آخر دلّ عَلَيْهِ طاعنت كَأَنَّهُ قَالَ: طعنت طَعنا. وَإِن شِئْت حَملته على أَنه مصدر مَحْذُوف الزِّيَادَة أَي: طاعنت طَعنا أَو مطاعناً أَو طيعاناً على مَا جَاءَ فِي مصَادر مثله. والآلي: فَاعل من ألوت أَي: فترت وَقصرت. وَهَذَا من الْأَفْعَال الَّتِي لَا تسْتَعْمل إِلَّا فِي غير الْوَاجِب يُقَال: مَا أولت أفعل كَذَا وَلَا يُقَال: قد ألوت فِي حَاجَتك وَلَا نَحْو ذَلِك. وَهُوَ فِي الْفِعْل بِمَنْزِلَة أحدٍ وكريبٍ وكتيعٍ وَنَحْو ذَلِك. وَمثله: مَا زلت وَلنْ أَزَال وَمثله فِي أَكثر الْأَقْوَال: مَا رمت من موضعي أَي: مَا بَرحت. انْتهى بِاخْتِصَار. والفند بِكَسْر الْفَاء وَسُكُون النُّون. وزمَان بِكَسْر الزَّاي الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الْمِيم. وَهُوَ شاعرٌ جاهلي تقدّمت تَرْجَمته فِي الشَّاهِد الْحَادِي وَالْأَرْبَعِينَ بعد الْمِائَتَيْنِ.

هَل رَأَيْت الذِّئْب قطّ وَقد تقدم شَرحه فِي الشَّاهِد السَّادِس وَالتسْعين على أَن قطّ قد اسْتعْملت بِدُونِ النَّفْي لفظا لَا معنى. أما الأول فَلِأَنَّهَا وَقعت بعد هَل الاستفهامية وَالْفِعْل مَعَ الِاسْتِفْهَام غير منفي. وَأما الثَّانِي فَلِأَن المُرَاد من الِاسْتِفْهَام النَّفْي أَي: مَا رَأَيْت الذِّئْب قطّ. قَالَ أَبُو حَيَّان فِي الارتشاف: وَقَالَ ابْن مَالك: وَرُبمَا اسْتعْملت دون نفي لفظا وَمعنى أَو لفظا لَا معنى. وَاسْتدلَّ على ذَلِك بِمَا ورد فِي الحَدِيث على عَادَته. انْتهى. أَرَادَ حَدِيث البُخَارِيّ: قَصرنَا الصَّلَاة فِي السّفر مَعَ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أَكثر مَا كُنَّا قطّ.) قَالَ الْكرْمَانِي فِي شرح البُخَارِيّ: فَإِن قلت: شَرط قطّ أَن تسْتَعْمل بعد النَّفْي. قلت: أَولا لَا نسلم ذَلِك فقد قَالَ الْمَالِكِي: اسْتِعْمَال قطّ غير مَسْبُوق بِالنَّفْيِ مِمَّا خَفِي على النُّحَاة وَقد جَاءَ فِي الحَدِيث بِدُونِهِ وَله نَظَائِر. وَثَانِيا: أَنه بِمَعْنى أبدا على سَبِيل الْمجَاز وثالثاً: يُقَال إِنَّه مُتَعَلق بِمَحْذُوف منفي أَي: وَمَا كُنَّا أَكثر من ذَلِك قطّ. وَيجوز أَن تكون مَا نَافِيَة وَالْجُمْلَة: خبر الْمُبْتَدَأ وَأكْثر مَنْصُوبًا على أَنه خبر كَانَ وَالتَّقْدِير: وَنحن

مَا كُنَّا قطّ أَكثر منا فِي ذَلِك الْوَقْت. وَجَاز إِعْمَال مَا بعْدهَا فِيمَا قبلهَا إِذا كَانَت بِمَعْنى لَيْسَ. انْتهى. وَقَالَ الغرناطي: الَّذِي جوزه مُرَاعَاة لَفْظَة مَا فِي قَوْله: مَا كُنَّا قطّ وَإِن كَانَت غير نَافِيَة. وَقد تراعى الْأَلْفَاظ دون الْمعَانِي. انْتهى. وَإِلَيْهِ جنح ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي قَالَ: من إِعْطَاء الشَّيْء حكم الْمُشبه بِهِ فِي لَفظه دون مَعْنَاهُ قَول بعض الصَّحَابَة: قَصرنَا الصَّلَاة مَعَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أَكثر مَا كُنَّا قطّ. فأوقع قطّ بعد مَا المصدرية كَمَا تقع بعد مَا النافية. انْتهى. وَقَالَ الْكرْمَانِي أَيْضا فِي حَدِيث البُخَارِيّ: فصلى بأطول قيامٍ وركوع وَسُجُود رَأَيْته قطّ يَفْعَله من حَدِيث أبي مُوسَى فِي بَاب الذّكر فِي الْكُسُوف: فَإِن قلت: فِي بعض النّسخ: رَأَيْته بِدُونِ كلمة مَا فَمَا وَجهه قلت: إِمَّا أَن أطول فِيهِ معنى عدم الْمُسَاوَاة أَو قطّ بِمَعْنى حسب أَي: صلى فِي ذَلِك الْيَوْم فَحسب بأطول قيامٍ رَأَيْته يفعل أَو أَنه بِمَعْنى أبدا. انْتهى. وَقد استعملها الزَّمَخْشَرِيّ فِي الْمُسْتَقْبل قَالَ فِي تَفْسِير قَوْله تَعَالَى: فَمنهمْ مقتصد: إِن ذَلِك الْإِخْلَاص الْحَادِث عِنْد الْخَوْف لَا يبْقى لأحد قطّ فأعمل فِيهِ لَا يبْقى وَهُوَ مضارع.

قَالَ أَبُو حَيَّان فِي تَفْسِيره بعد نَقله كَثْرَة اسْتِعْمَال الزَّمَخْشَرِيّ قطّ ظرفا وَالْعَامِل فِيهِ غير مَاض: وَقَالَ الحريري فِي درة الغواص: قَوْلهم: لَا ُأكَلِّمهُ قطّ هُوَ من أفحش الْخَطَأ لتعارض مَعَانِيه وتناقض الْكَلَام فِيهِ. وَذَلِكَ أَن الْعَرَب تسْتَعْمل لَفْظَة قطّ فِيمَا مضى من الزَّمَان كَمَا تسْتَعْمل لَفْظَة أبدا فِيمَا يسْتَقْبل فَيَقُولُونَ: مَا كَلمته قطّ وَلَا ُأكَلِّمهُ أبدا. وَالْمعْنَى فِي قَوْلهم مَا كَلمته قطّ أَي: فِيمَا انْقَطع من عمري لِأَنَّهُ من قططت الشَّيْء إِذا قطعته. وَمِنْه قطّ الْقَلَم أَي: قطع طرفه. وَفِيمَا يُؤثر من شجاعة عَليّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَنه كَانَ إِذا اعتلى قد وَإِذا اعْترض قطّ. فالقد: قطع الشَّيْء طولا والقط: قطعه عرضا. انْتهى.) وَتَبعهُ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي وَالْقَوَاعِد قَالَ: والعامة تَقول: لَا أَفعلهُ قطّ. وَهُوَ لحن. وَاعْترض عَلَيْهِ ابْن جمَاعَة فِي شرح الْقَوَاعِد بِأَنَّهُ غير صَحِيح وغايته اسْتِعْمَال اللَّفْظ فِي غير مَا وضع لَهُ فَيكون مجَازًا لَا لحناً. وَجعله من اللّحن عَجِيب إِذْ لَا خلل فِي إعرابه. وَلَيْسَ بشيءٍ لِأَن اللّحن بِمَعْنى مُطلق الْخَطَأ. وهم كثيرا مَا يستعملونه بِهَذَا الْمَعْنى. فَإِن قلت: إِذا اسْتعْمل الْعَرَب

لفظا فِي مَحل مَخْصُوص كقط بعد نفي الْمَاضِي وكافة حَالا مُنكرَة أَو فِي معنى مَخْصُوص كالغزالة للشمس فِي أول النَّهَار فَهَل مخالفتهم فِي ذَلِك جَائِزَة أم لَا وعَلى تَقْدِير الْجَوَاز هَل يكون حَقِيقَة أَو مجَازًا وعَلى الثَّانِي أُجِيب بِأَن الَّذِي يظْهر من كَلَامهم وتخطئة من خالفهم أَنه غير جَائِز. فَإِن قيل بِجَوَازِهِ فَالظَّاهِر أَنه مجَاز مُرْسل من اسْتِعْمَال الْمُقَيد فِي الْمُطلق إِلَّا أَنه لَا يظْهر فِي كَافَّة وَنَحْوهَا كالظروف الَّتِي لَا تتصرف فَإِن مَعْنَاهَا لم يتَغَيَّر وَإِنَّمَا يتَغَيَّر إعرابها وَإِن وَقع مثله فِي مَكَان التَّقْصِير. كَذَا فِي شرح الدرة لشَيْخِنَا الخفاجي. وَقَول الشَّارِح الْمُحَقق: وقط لَا يسْتَعْمل إِلَّا بِمَعْنى أبدا ظَاهره أَن أبدا ظرف للماضي وَلم أره بِهَذَا الْمَعْنى. الْمَوْجُود فِي الصِّحَاح والعباب والقاموس: الْأَبَد: الدَّهْر والأبد: الدَّائِم. بل قَالَ الرماني كَمَا فِي الْمِصْبَاح: الْأَبَد: الدَّهْر الطَّوِيل الَّذِي لَيْسَ بمحدود. فَإِذا قلت: لَا ُأكَلِّمهُ أبدا فالأبد من لدن تَكَلَّمت إِلَى آخر عمرك. وَقَالَ أَبُو حَيَّان فِي الارتشاف: وَمِمَّا يسْتَعْمل ظرفا فِي الْمُسْتَقْبل أبدا. تَقول: مَا أصحبك أبدا وَلَا تَقول مَا صحبتك أبدا. وَجعله السمين ظرفا مُطلقًا قَالَ: أبدا ظرف زمَان يَقع للقليل وَالْكثير مَاضِيا كَانَ أَو مُسْتَقْبلا. تَقول: مَا فعلته أبدا. وَقَالَ الرَّاغِب: هُوَ عبارةٌ عَن مُدَّة الزَّمَان الممتد الَّذِي لَا يتَجَزَّأ كَمَا يتَجَزَّأ الزَّمَان. وَذَلِكَ أَنه يُقَال زمَان كَذَا وَلَا يُقَال أَبَد كَذَا. انْتهى.

وَأنْشد بعده الطَّوِيل (وَلَوْلَا دفاعي عَن عفاقٍ ومشهدي ... هوت بعفاق عوض عنقاء مغرب) على أَن عوضا الْمَبْنِيّ قد يسْتَعْمل للمضي وَمَعَ الْإِثْبَات لفظا. فَإِن هوت مَاض مُثبت وَهُوَ) عَامل فِي عوض لكنه منفي معنى لكَونه جَوَاب لَوْلَا. وَمن الْمَعْلُوم أَن جوابها يَنْتَفِي لثُبُوت شَرطهَا نَحْو: لَوْلَا زيد لأكرمتك فالإكرام منتفٍ لوُجُود زيد. وَأما عوض فِي الْبَيْت الْمُتَقَدّم فِي قَوْله: وَلَوْلَا نبل عوضٍ فقد اسْتعْملت فِي الْإِثْبَات لخروجها عَن الظَّرْفِيَّة. وَلِهَذَا جرت وَكَانَ عاملها اسْما. وَكَذَلِكَ قَالَ أَبُو حَيَّان فِي الارتشاف: وَرُبمَا جَاءَت عوض للمضي بِمَعْنى قطّ قَالَ: الطَّوِيل فَلم أر عَاما عوض أَكثر هَالكا وَقَالَ أَبُو زيد أَيْضا فِي نوادره: تَقول: مَا رَأَيْت مثله عوض.

وَمِنْه تعلم سُقُوط قَول الْجَوْهَرِي فِي الصِّحَاح: لَا يجوز أَن تَقول عوض مَا فارقتك. وَقد تبع صَاحب الصِّحَاح جماعةٌ مِنْهُم الزَّمَخْشَرِيّ قَالَ فِي الْمفصل: وقط وَعوض وهما لزماني الْمُضِيّ والاستقبال على سَبِيل الِاسْتِغْرَاق وَلَا يستعملان إِلَّا فِي مَوضِع النَّفْي. وَمِنْهُم صَاحب اللّبَاب وَعبارَته عبارَة الْمفصل بِعَينهَا. وعفاق بِكَسْر الْعين الْمُهْملَة بعْدهَا فَاء: اسْم جماعةٍ مِنْهُم عفاق بن الْمَسِيح بِضَم الْمِيم وَفتح السِّين الْمُهْملَة وَسُكُون الْمُثَنَّاة التَّحْتِيَّة ابْن بشر بن أَسمَاء بن عَوْف بن ريَاح بن ربيعَة بن غوث بن شمخ بن فَزَارَة الْفَزارِيّ. وَكَانَ عفاق على شرطة الْخَمِيس مَعَ عَليّ بن أبي طَالب. وَكَانُوا يعرضون يَوْم الْخَمِيس أَو يجمعُونَ يَوْم الْخَمِيس. وَالْمَشْهُور مِمَّن اسْمه عفاق هُوَ عفاق بن مري بِضَم الْمِيم وَفتح الرَّاء وَتَشْديد الْيَاء ابْن سَلمَة بن قُشَيْر الْقشيرِي. كَانَ جاور باهلة فِي سنة قحط فَأَخذه الأحدب بن عَمْرو بن جَابر بن عمار بن عبد الْعُزَّى الْبَاهِلِيّ فشواه وَأكله. وَله يَقُول الشَّاعِر: الرجز (إِن عفاقاً أَكلته باهله ... تمششوا عِظَامه وكاهله) وَتركُوا أم عفاق ثاكله

وعير الفرزدق كفهم عَن باهلة حِين لم يثأروا بِهِ فَقَالَ: الطَّوِيل (إِذا عامرٌ خصيي عفاقٍ تقلدت ... بأعناقها واللؤم تَحت العمائم) وَقَالَ غَيره: الوافر (فَلَو كَانَ الْبكاء يرد شَيْئا ... بَكَيْت على بجيرٍ أَو عفاق)) وَهَذَا من شَوَاهِد النَّحْوِيين أوردهُ أَبُو عَليّ فِي الْمسَائِل المنثورة وَقَالَ: على المرأين بدل من قَوْله: على بجير. أوردهُ صَاحب اللّبَاب على أَن أَو بِمَعْنى الْوَاو فِي قَوْله: أَو عفاق وَلَوْلَا أَنَّهَا بِمَعْنى الْوَاو لقيل على الْمَرْء. والمشهد: مصدر شهِدت الْمجْلس أَي: حَضرته. وهوت قَالَ صَاحب الْمِصْبَاح: هوى يهوي من بَاب ضرب أَيْضا هوياً بِضَم الْهَاء لَا غير إِذا ارْتَفع. قَالَ الشَّاعِر: الْكَامِل يهوي مخارمها هوي الأجدل وهوت الْعقَاب تهوي هوياً بِفَتْح الْهَاء وَضمّهَا: انْقَضتْ على صيد أَو غَيره مَا لم ترغه فَإِذا أراغته قيل: أهوت لَهُ بِالْألف. والإراغة: ذهَاب الصَّيْد هَكَذَا وَهَكَذَا وَهِي تتبعه. وَهوى يهوي من بَاب ضرب أَيْضا هوياً بِضَم

الْهَاء وَفتحهَا وَزَاد ابْن الْقُوطِيَّة هَوَاء بِالْمدِّ: سقط من أَعلَى إِلَى أَسْفَل. قَالَه أَبُو زيد وَغَيره. قَالَ الشَّاعِر: الوافر هوي الدَّلْو أسلمها الرشاء وَهوى يهوي: مَاتَ أَو سقط فِي مهواةٍ من شرف هوياً وهوياً وهواءً بِالْمدِّ. والمهواة بِالْفَتْح: مَا وعنقاء: مؤنث أعنق وَهُوَ الطَّوِيلَة الْعُنُق. قَالَ الصَّاغَانِي فِي الْعباب: العنقاء: الداهية يُقَال: حلقت بِهِ عنقاء مغرب وطارت بِهِ العنقاء. وأصل العنقاء طائرٌ عَظِيم مَعْرُوف الِاسْم مَجْهُول الْجِسْم. وَقَالَ أَبُو حَاتِم فِي كتاب الطير: وَأما العنقاء المغربة فالداهية وَلَيْسَت من الطير الَّتِي علمناها. يُقَال: ضربت عَلَيْهِ العنقاء المغربة إِذا أَصَابَهُ بلَاء. وَقَالَ ابْن دُرَيْد: عنقاء مغربٌ كلمةٌ لَا أصل لَهَا يُقَال: إِنَّهَا طَائِر عَظِيم لَا يرى إِلَّا فِي الدهور ثمَّ كثر حَتَّى سموا الداهية عنقاء مغرب. قَالَ: الطَّوِيل (وَلَوْلَا سُلَيْمَان الْخَلِيفَة حلقت ... بِهِ من يَد الْحجَّاج عنقاء مغرب) اه. ومغرب: اسْم فَاعل من أغرب الرجل فِي الْبِلَاد إِذا بعد فِيهَا بإمعان وَهُوَ وصف عنقاء. وَإِنَّمَا جَازَ لِأَنَّهُ على النِّسْبَة أَي: ذَات إغراب.) وَقَالَ الصَّاغَانِي فِي هَذِه الْمَادَّة: وعنقاء مغرب بِلَا هَاء. والعنقاء الْمغرب: الداهية وَأَصلهَا طَائِر مَعْرُوف الِاسْم مَجْهُول الْجِسْم وَيُقَال لهَذَا الطَّائِر

بِالْفَارِسِيَّةِ سيمرغ هَكَذَا يكتبونه مَوْصُولا وَالْأَصْل أَن يكْتب: سي مرغ مَفْصُولًا وَمَعْنَاهُ ثَلَاثُونَ طائراً. يُقَال: حلقت بِهِ عنقاء مغرب أنْشد أَبُو مَالك: الطَّوِيل (وَقَالُوا: الْفَتى ابْن الأشعرية حلقت ... بِهِ الْمغرب العنقاء إِن لم يسدد) وَقَالَ: العنقاء الْمغرب فِي هَذَا الْبَيْت هِيَ رَأس الأكمة. وَأنكر أَن يكون طائراً. وَالَّذِي قَالَ العنقاء الْمغرب طَائِر قَالَ: هِيَ الَّتِي أغربت فِي الْبِلَاد فنأت وَلم تحس وَلم تَرَ. وحذفت هَاء التَّأْنِيث كَمَا قَالُوا: لحيةٌ ناصل وناقة ضامر وَامْرَأَة عاشق ذَهَبُوا بهَا إِلَى النّسَب أَي: ذَات نصول وَذَات ضمر وَذَات عشق. وَأغْرب فِي الْبِلَاد: أمعن فِيهَا. وَأغْرب الرجل فِي مَنْطِقه إِذا لم يبْق شَيْئا إِلَّا تكلم بِهِ. وَأغْرب الْفرس فِي جريه وَهُوَ غَايَة الْإِكْثَار مِنْهُ. وَأغْرب الرجل إِذا بَالغ فِي الضحك حَتَّى تبدو غرُوب أَسْنَانه. انْتهى. وَكَذَلِكَ أجَاب الزَّمَخْشَرِيّ فِي أَمْثَاله عَن تذكير الْوَصْف قَالَ: ومغرب كَقَوْلِهِم: لحية ناصل وناقة ضامر على مذهبي الْخَلِيل وسيبويه. وَبِهَذَا يُجَاب ابْن هِشَام فِي سُؤَاله عَن صِحَة الْوَصْف بمغرب فَإِنَّهُ قَالَ فِي بعض تعليقاته: لينْظر فِي عنقاء مغرب لم ذكر الْوَصْف وعنقاء فعلاء وفعلاء مؤنث دَائِما. وَيسْقط جَوَاب عبد الله الدنوشري بِأَنَّهُ إِنَّمَا لم تطابق الصّفة الْمَوْصُوف فِي التَّأْنِيث اعْتِبَارا بِالْمَعْنَى إِذْ هِيَ بِمَعْنى الطَّائِر. وَوجه السُّقُوط أَن العنقاء أَكثر اسْتِعْمَالهَا بِمَعْنى الداهية وَهِي

وَقَالَ ابْن السَّيِّد فِيمَا كتبه على كَامِل الْمبرد: ذكر الْفَارِسِي أَنه يُقَال عنقاء مغرب على الصّفة وعَلى الْإِضَافَة حَكَاهُ فِي التَّذْكِرَة. وَقَالَ غَيره: من جعل مغرباً صفة لعنقاء فَهِيَ الَّتِي لَهَا إغرابٌ فِي الطيران. وَيُقَال: مغربة ذكره أَبُو حَاتِم وَصَاحب الْعين. وَمن أضَاف العنقاء إِلَى الْمغرب فالمغرب الرجل الَّذِي يَأْتِي بالغرائب يُقَال: أغرب الرجل إِذْ أَتَى بالغرائب. انْتهى. فَتَأمل معنى الْإِضَافَة. وَفِي الْقَامُوس: والعنقاء الْمغرب بِالضَّمِّ وعنقاء مغربٌ ومغربةٌ ومغربٍ مُضَافَة طَائِر مَعْرُوف الِاسْم لَا الْجِسْم أَو طَائِر عَظِيم يبعد فِي طيرانه أَو من الْأَلْفَاظ الدَّالَّة على غير معنى والداهية) وَرَأس الأكمة. انْتهى. فالمغرب ومغرب وصفٌ للعنقاء وعنقاء تعريفاً وتنكيراً بالتأويل الْمَذْكُور. ومغربة وصف لعنقاء مُنْكرا وَالْوَصْف مُطَابق. وَأما عنقاء مغرب بِإِضَافَة عنقاء إِلَى مغرب فَالظَّاهِر أَنه من إِضَافَة الْمَوْصُوف إِلَى الصّفة. وَيَنْبَغِي أَن يكون هَذَا بِفَتْح الْمِيم فَإِنَّهُ نقل صَاحب حَيَاة الْحَيَوَان عَن بَعضهم أَن العنقاء طَائِر عِنْد مغرب الشَّمْس أَبيض لَهُ بيضٌ كالجبال. وعَلى هَذَا لَا إِشْكَال وَتَكون الْإِضَافَة من قبيل شَهِيد كربلاء. وَأما قَوْله: من الْأَلْفَاظ الدَّالَّة على غير معنى وَهِي عبارَة الدَّمِيرِيّ أَيْضا فقد عسر فهمه على بعض الْفُضَلَاء لِأَن الْجمع بَين قَوْله الدَّالَّة وَقَوله على غير معنى

كالجمع بَين الضَّب وَالنُّون. فَلَو قَالَ من الْأَلْفَاظ الَّتِي لَا معنى لَهَا كَانَ وَاضحا. وَأجِيب بِأَن فِي عِبَارَته صفة محذوفة أَي: على غير معنى خارجي. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ فِي أَمْثَاله عِنْد قَوْلهم: طارت بِهِ عنقاء مغرب: زَعَمُوا أَنَّهَا طَائِر كَانَ على عهد حَنْظَلَة بن صَفْوَان الجميري نَبِي أهل الرس عَظِيم الْعُنُق. وَقيل: كَانَ فِي عُنُقه بَيَاض وَلذَلِك سمي عنقاء. وَكَانَ أحسن طَائِر خلقه الله فاختطف غُلَاما فأغرب بِهِ وَلذَلِك سمي الْمغرب فَدَعَا عَلَيْهِ حَنْظَلَة فَرمي بصاعقة. انْتهى. وَقَالَ الدَّمِيرِيّ فِي حَيَاة الْحَيَوَان: هُوَ طَائِر غريبٌ تبيض بيضًا كالجبال وتبعد فِي طيرانها سميت بذلك لِأَنَّهُ كَانَ فِي عُنُقهَا بَيَاض كالطوق. وَقَالَ الْقزْوِينِي: إِنَّه أعظم الطير جثة وأكبرها خلقَة تخطف الْفِيل كَمَا تخطف الحدأة الفأر وَكَانَت قَدِيما بَين النَّاس فتأذوا مِنْهَا إِلَى أَن سلبت يَوْمًا عروساً بحليها فَدَعَا عَلَيْهَا حَنْظَلَة النَّبِي فَذهب الله بهَا إِلَى بعض جزائر الْبَحْر الْمُحِيط وَرَاء خطّ الاسْتوَاء وَهِي جزيرةٌ لَا يصل إِلَيْهَا النَّاس وفيهَا حَيَوَان كثير كالفيل والكركند والجاموس والببر وَالسِّبَاع وجوارح الطير. وَعند طيرانها يسمع أَجْنِحَتهَا دوِي كَدَوِيِّ الرَّعْد القاصف والسيل وتعيش ألفي سنة وتزاوج إِذا مضى لَهَا خَمْسمِائَة عَام. وَقَالَ العكبري فِي شرح المقامات: كَانَ لأهل الرس جبلٌ

شامخ فِيهِ طيور شَتَّى مِنْهَا العنقاء وَهِي طَائِر عَظِيم الْخلق طَوِيل الْعُنُق وَوَجهه وَجه إِنْسَان من أحسن الطير شكلاً. وَكَانَت تَأْكُل الطير فَجَاءَت مرّة فَأخذت صَبيا ثمَّ جَارِيَة فاشتكوها لنبيهم حَنْظَلَة بن صَفْوَان فَدَعَا) عَلَيْهَا حَنْظَلَة فَذَهَبت وَانْقطع نسلها. وَقيل أصابتها صَاعِقَة فاحترقت. وَكَانَ حَنْظَلَة فِي زمن الفترة بَين عِيسَى وَمُحَمّد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وَسميت العنقاء لطول عُنُقهَا. وَقيل: إِنَّهَا كَانَت فِي زمن مُوسَى. وَقيل: إِن النَّبِي الَّذِي دَعَا عَلَيْهَا خَالِد بن سِنَان. وَفِي الْمثل: كالعنقاء تسمع بهَا وَلَا ترى كالغول. وَالْمرَاد عدم رؤيتها بعد الانقراض الْمَذْكُور. وَسميت مغرباً بزنة اسْم الْفَاعِل من أغرب لِأَنَّهَا كَانَت تَجِيء بالغرائب. وَقد وَقع اسْتِعْمَالهَا فِي هَذَا الْمثل بِدُونِ الْوَصْف وَمِنْه يعلم جَوَاز اسْتِعْمَالهَا بِدُونِ الْوَصْف. كَقَوْل الشَّاعِر: الْكَامِل (لما رَأَيْت بني الزَّمَان وَمَا بهم ... خل وَفِي للشدائد أصطفي) (فَعلمت أَن المستحيل ثلاثةٌ: ... الغول والعنقاء والخل الوفي) ...

(وَإِذا السَّعَادَة أحرستك عيونها ... نم فالمخاوف كُلهنَّ أَمَان) (واصطد بهَا العنقاء فَهِيَ حبالةٌ ... واقتد بهَا الجوزاء فَهِيَ عنان) وَقَالَ غَيره: الْبَسِيط (الْخلّ والغول والعنقاء ثالثةٌ ... أَسمَاء أَشْيَاء لم تُوجد وَلم تكن) وَبِه يضمحل قَول بَعضهم: إِن هَذَا الشّعْر لَيْسَ بتركيب صَحِيح لعدم وصف العنقاء. وَقَالَ: ظَاهر كَلَامهم انحصار الِاسْتِعْمَال فِيمَا ذكر فَلَا يُقَال العنقاء بِلَا وصف وَلَا يُوصف بِغَيْر مَا ذكر وَلَا يُقَال أَيْضا عنقاء مُنْكرا بِلَا وصف. هَذَا كَلَامه. وَلَا يخفى أَن الْوَصْف لَيْسَ بلازمٍ عرفت أَو نكرت. وَأما عدم الْوَصْف بِغَيْر الإغراب فَلِأَنَّهَا لَا يعلم من حَالهَا غير هَذَا لكَونهَا مَجْهُولَة عِنْد النَّاس. وَلَو عرف شيءٌ من أحوالها غير الإغراب لوصفت بِهِ. وَالله أعلم. وَذكر الدَّمِيرِيّ أَن الْعقَاب تسمى عنقاء مغرب لِأَنَّهَا تَأتي من مكانٍ بعيد. وَبِهَذَا فسر قَول أبي الْعَلَاء المعري: الوافر (أرى العنقاء تكبر أَن تصادا ... فعاند من تطِيق لَهُ عنادا)

وَأنْشد بعده الطَّوِيل (رضيعي لبانٍ ثدي أم تقاسما ... بأسحم داجٍ عوض لَا نتفرق)) على أَن أَكثر مَا تسْتَعْمل عوض مَعَ الْقسم أَي: تكون من متعلقات جَوَاب الْقسم فعوض مُتَعَلق بنتفرق أَي: لَا نتفرق أبدا. فَإِن قلت: لَا النافية مَعَ جَوَاب الْقسم لَهَا الصَّدْر تمنع من عمل مَا بعْدهَا فِيمَا قبلهَا فَكيف تعلق عوض بِمَا بعد لَا الْوَاقِع جَوَابا لتقاسما قلت: أجَازه ابْن هِشَام فِي آخر النَّوْع الثَّانِي عشر من الْجِهَة السَّادِسَة من الْبَاب الْخَامِس من الْمُغنِي: قَالَ: وَأما قَوْله تَعَالَى: وَيَقُول الْإِنْسَان أئذا مَا مت لسوف أخرج حَيا فَإِن إِذا ظرف لأخرج وَإِنَّمَا جَازَ تَقْدِيم الظّرْف على لَام الْقسم لتوسعهم فِي الظروف. وَمِنْه قَوْله: عوض لَا نتفرق أَي: لَا نتفرق أبدا. وَلَا النافية لَهَا الصَّدْر فِي جَوَاب الْقسم. انْتهى. وَظَاهر كَلَام الشَّارِح هُنَا جَوَازه لكنه شَرط عِنْد الْكَلَام على حُرُوف الْقسم من حُرُوف الْجَرّ لجَوَاز تقدمه أَن تكون الْجُمْلَة القسمية

وَلأَجل إِفَادَة عوضٍ فَائِدَة الْقسم قد يقدم على عَامله قَائِما مقَام الْجُمْلَة القسمية وَإِن كَانَ عَامله مقترناً بِحرف يمْنَع عمله فِيمَا تقدمه كنون التوكيد وَاعْترض الدماميني كَلَام ابْن هِشَام بِأَنَّهُ نَص فِي فصل إِذا على أَن التَّوَسُّع فِي الظّرْف بالتقديم فِي مثل قَوْله: الرجز وَنحن عَن فضلك مَا استغنينا خَاص بالشعر فَكيف سَاغَ لَهُ تَخْرِيج الْآيَة على ذَلِك وَقَالَ ابْن هِشَام فِي الْكَلَام على عوض: قيل إِنَّهَا ظرف لنتفرق. وَاسْتَشْكَلَهُ الدماميني هُنَاكَ بِأَن لَا مانعةٌ من الْعَمَل. ثمَّ نقل كَلَام الشَّارِح الْمُحَقق فِي حُرُوف الْقسم وَقَالَ: فَيمكن أَن يكون لَا نتفرق جَوَاب قسم مَحْذُوف وعوض سد مسده. لكنه خلاف الظَّاهِر لِأَن جملَة الْقسم مَذْكُورَة. وَأَجَازَ التَّعْلِيق ابْن يعِيش فِي شرح الْمفصل من غير شَرط قَالَ: أَكثر اسْتِعْمَال عوض فِي الْقسم تَقول: عوض لَا أُفَارِقك أَي: لَا أُفَارِقك أبدا وَقَوله: عوض لَا نتفرق أبدا. انْتهى. وَكَذَلِكَ أجَازه ابْن جني وشارح اللّبَاب وَغَيره. وَهُوَ الصَّحِيح

وَيُؤَيِّدهُ قَول الْكرْمَانِي فِي شرح أَبْيَات الموشح: اعْلَم أَنه إِذا كَانَ مَعْمُول جَوَاب الْقسم ظرفا أَو جاراً ومجروراً جَازَ تَقْدِيمه عَلَيْهِ كَقَوْلِه: عوض لَا نتفرق. وَإِلَّا فَلَا يجوز فِي: وَالله لَأَضرِبَن زيدا أَن يُقَال: وَالله زيدا لَأَضرِبَن.) وَجعل الشَّارِح الْمُحَقق عوض ظرفا فِي نَحْو: الْبَيْت هُوَ الصَّحِيح. وَزعم بَعضهم أَن عوض فِيهِ قَالَ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي: وَاخْتلف فِي قَول الْأَعْشَى: رضيعي لبانٍ ثدي أم ... ... ... ... . . الْبَيْت فَقيل ظرف لنتفرق. وَقَالَ ابْن الْكَلْبِيّ: قسم وَهُوَ اسْم صنم كَانَ لبكر بن وَائِل بِدَلِيل قَوْله: الوافر (حَلَفت بمائراتٍ حول عوضٍ ... وأنصابٍ تركن لَدَى السعير) والسعير: اسْم صنمٍ كَانَ لعنزة. انْتهى. وَلَو كَانَ كَمَا زعم لم يتَّجه بِنَاؤُه فِي الْبَيْت. انْتهى كَلَام ابْن هِشَام. وَوَجهه أَن الشَّاعِر حلف بالدماء المائرات أَي: الْجَارِيَات على وَجه الأَرْض حول عوض. وَمن عَادَة الْمُشْركين كَانُوا يذبحون ذَبَائِح لأصنامهم فلولا أَن عوضا صنمٌ لما ذبح لَهُ شيءٌ وَلما حلف بالدماء الَّتِي حوله تَعْظِيمًا لَهُ. وَيدل أَيْضا على كَونه صنماً ذكره مَعَ السعير وَهُوَ بِالتَّصْغِيرِ كَمَا فِي الْقَامُوس

وَغَيره خلافًا لما يُوهِمهُ كَلَام الصِّحَاح. وَالْبَيْت قَالَه رشيد بن رميض بِالتَّصْغِيرِ فيهمَا الْعَنزي. كَذَا فِي الْعباب للصاغاني. وَزَاد بعده: (أجوب الأَرْض دهراً إِثْر عمرٍ و ... وَلَا يلقى بساحته بَعِيري) وَمَا نَقله ابْن هِشَام عَن ابْن الْكَلْبِيّ مسطورٌ كَذَلِك فِي الصِّحَاح فِي عوض. وَقد راجعت كتاب الْأَصْنَام لِابْنِ الْكَلْبِيّ وَهُوَ أَبُو الْمُنْذر هِشَام بن مُحَمَّد بن السَّائِب الْكَلْبِيّ فَلم أر فِيهِ ذكر عوض وَلَا ذكر صنماً لبكر بن وَائِل مَعَ أَنه ذكر أصنام الْقَبَائِل وَسبب عبادتها وَكَيف أزالها النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وَهُوَ كتاب جيد فِي بَابه جمع فِيهِ فأوعى. وَكَذَا لم أر لَهُ ذكرا فِي كتاب أَيْمَان الْعَرَب تأليف أبي إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن عبد الله النجيرمي جمع فِيهِ أَلْفَاظ أَيْمَانهم بأصنامهم وَغَيرهَا. وَهُوَ أَيْضا كتابٌ لعباداتهم جيد فِي بَابه. وَالْمَذْكُور فِي كتاب الْأَصْنَام إِنَّمَا هُوَ السعير وَحده لَا مَعَ عوض قَالَ وَكَانَ لعنزة صنم يُقَال لَهُ: سعير فَخرج ابْن أبي حلاسٍ الْكَلْبِيّ على

نَاقَته فمرت بِهِ وَقد عترت عِنْده عنزة فنفرت نَاقَته مِنْهُ فَأَنْشد يَقُول: الْكَامِل (نفرت قلوصي من عتائر صرعت ... حول السعير تزوره ابْنا يقدم)) (وجموع يذكر مهطعين جنابه ... مَا إِن يحير إِلَيْهِم بتكلم) قَالَ أَبُو الْمُنْذر: يقدم وَيذكر ابْنا عنزة. فَرَأى بني هَؤُلَاءِ يطوفون حول السعير. انْتهى. وَذكر ابْن السَّيِّد فِي شرح أَبْيَات أدب الْكَاتِب وَفِي أَبْيَات الْجمل وَتَبعهُ اللَّخْمِيّ وَغَيره كالصاغاني أَن عوضا كَانَ صنماً لبكر بن وَائِل. وَلم يسْندهُ إِلَى أحد وَقَالَ: أَصله أَن يكون وَقَالَ الصَّاغَانِي: قَالَ اللَّيْث: عوض كلمة تجْرِي مجْرى الْقسم وَبَعض النَّاس يَقُول: هُوَ الدَّهْر وَالزَّمَان. يَقُول الرجل لصَاحبه: عوض لَا يكون ذَاك أبدا. فَلَو كَانَ عوض اسْما للزمان لجرى بِالتَّنْوِينِ وَلكنه حرف يُرَاد بِهِ الْقسم كَمَا أَن أجل وَنعم وَنَحْوهمَا مِمَّا لم يتَمَكَّن فِي التصريف حمل على غير الْإِعْرَاب. انْتهى. وَالْقَوْل بِأَنَّهُ حرفٌ لَا اسمٌ واهٍ جدا. وَقَول ابْن هِشَام لم يتَّجه بِنَاؤُه فِي الْبَيْت يُرِيد أَنه فِيهِ مَبْنِيّ على الضَّم بِنَاء الظروف المقطوعة عَن الْإِضَافَة. وَلَو كَانَ اسْما للصنم كَمَا زعم لأعرب كَمَا أعرب فِي قَوْله:

حَلَفت بمائراتٍ حول عوضٍ وَكَانَ الْوَاجِب حِينَئِذٍ إِمَّا جَرّه بواو الْقسم أَو نَصبه بحذفها بِالتَّنْوِينِ فيهمَا لِأَنَّهُ عِنْد هَذَا الْقَائِل مقسم بِهِ. وَجُمْلَة: لَا نتفرق جَوَابه وَالْإِعْرَاب منتفٍ فَيَنْتَفِي كَونه اسْما وَيثبت ظرفيته للجواب وَالْجَوَاب إِنَّمَا هُوَ لتقاسما. قَالَ ابْن جني فِي إِعْرَاب الحماسة: رُوِيَ قَول الْأَعْشَى عوض لَا نتفرق بِالْفَتْح وَالضَّم أَي: لَا نتفرق أبدا. وَذهب الْكُوفِيُّونَ إِلَى أَن عوض هَا هُنَا قسم وَأَن لَا نتفرق إِنَّمَا هُوَ جَوَابه. وَلَيْسَ الْأَمر عندنَا كَذَلِك وَإِنَّمَا قَوْله لَا نتفرق جَوَاب تقاسما كَقَوْل تَعَالَى: تقاسموا بِاللَّه لنبيتنه. أَي: تحَالفا على ذَلِك. انْتهى. وَكَذَلِكَ قَالَ العسكري فِي كتاب التَّصْحِيف: إِنَّه ظرف قَالَ قَرَأت على أبي بكر بن دُرَيْد: الطَّوِيل (فَلم أر عَاما عوض أَكثر هَالكا ... وَوجه غلامٍ يسترى وَغُلَامه) عوض: اسْم معرفَة وَهُوَ اسمٌ للدهر يضم وَيفتح. والبصريون يَقُولُونَهُ بِالضَّمِّ. وَمثله قَول الْأَعْشَى: عوض لَا نتفرق ... الْبَيْت أَي: لَا نتفرق الدَّهْر.) وَبِمَا ذكرنَا من وجوب إعرابه يعرف ضعف الْوُجُوه الثَّلَاثَة الَّتِي قَالَهَا ابْن السَّيِّد فِي شرح أَبْيَات أدب الْكَاتِب وأبيات الْجمل. وَتَبعهُ اللَّخْمِيّ

قَالَ: من جعل عوض اسْم صنم جَازَ فِي إعرابه ثَلَاثَة أوجه: أَحدهَا: أَن يكون مُبْتَدأ مَحْذُوف الْخَبَر كَأَنَّهُ قَالَ: عوض قسمنا الَّذِي نقسم بِهِ. وَجَاز أَن يكون فِي مَوضِع نصب على أَن تقدر فِيهِ حرف الْجَرّ وتحذفه كَقَوْلِك: يَمِين الله لَأَفْعَلَنَّ. وَيجوز أَن يكون فِي مَوضِع خفضٍ على إِضْمَار حرف الْقسم. وَهُوَ أَضْعَف الْوُجُوه. وَمن وَهَذَا الْبَيْت من قصيدة للأعشى مَيْمُون تقدم أبياتٌ من أَولهَا فِي الشَّاهِد الرَّابِع بعد الْمِائَتَيْنِ من بَاب الْحَال وَتقدم أَيْضا بغضها من أَولهَا فِي الشَّاهِد السَّابِع والثمانين بعد الثلثمائة من بَاب الضَّمِير. وَهَذِه أبياتٌ مِمَّا يَليهَا وَهُوَ أول المديح: (لعمري لقد لاحت عيونٌ كثيرةٌ ... إِلَى ضوء نارٍ فِي يفاعٍ تحرق) (تشب لمقرورين يصطليانها ... وَبَات على النَّار الندى والمحلق) (رضيعي لبانٍ ثدي أم تقاسما ... بأسحم داجٍ عوض لَا نتفرق) (ترى الْجُود يجْرِي ظَاهرا فَوق وَجهه ... كَمَا زَان متن الهندواني رونق) (يَدَاهُ يدا صدقٍ فَكف مبيدةٌ ... وكف إِذا مَا ضن بِالْمَالِ تنْفق) ...

(وَأما إِذا مَا الْمحل سرح مَالهم ... ولاح لَهُم وَجه العشيات سملق) (نفى الذَّم عَن آل المحلق جفنةٌ ... كجابية الشَّيْخ الْعِرَاقِيّ تفهق) (ترى الْقَوْم فِيهَا شارعين ودونهم ... من الْقَوْم ولدانٌ من النَّسْل دردق) (يروح فَتى صدقٍ وَيَغْدُو عَلَيْهِم ... بملء جفانٍ من سديفٍ تدفق) وَبَقِي بعد هَذَا أَكثر من ثَلَاثِينَ بَيْتا. روى شَارِح ديوانه مُحَمَّد بن حبيب وَصَاحب الأغاني والرياشي وَغَيرهم: أَن الْأَعْشَى كَانَ يوافي سوق عكاظ فِي كل سنة وَكَانَ المحلق الممدوح واسْمه عبد الْعُزَّى بن حنتم بن شَدَّاد من بني عَامر بن صعصعة مئناثاً مملقاً فَقَالَت لَهُ امْرَأَته: يَا أَبَا كلابٍ مَا يمنعك من التَّعَرُّض لهَذَا الشَّاعِر فَمَا رَأَيْت أحدا مدحه إِلَّا رَفعه وَلَا هجا أحدا إِلَّا وَضعه وَهُوَ رجل مفوه مجدود) الشّعْر وَأَنت رجلٌ كَمَا علمت خامل الذّكر ذُو بَنَات فَإِن سبقت النَّاس إِلَيْهِ فدعوته إِلَى الضِّيَافَة رَجَوْت لَك حسن الْعَاقِبَة. قَالَ: وَيحك مَا عندنَا إِلَّا ناقةٌ نَعِيش بهَا. قَالَت: إِن الله يخلفها عَلَيْك. قَالَ: لَا بُد لَهُ من شراب. قَالَت: إِن عِنْدِي ذخيرةً لي ولعلي أجمعها فتلقه قبل أَن تسبق إِلَيْهِ. فَفعل وَخرج إِلَى الْأَعْشَى. فَوجدَ ابْنه يَقُود

نَاقَته فَأخذ زمامها مِنْهُ فَقَالَ الْأَعْشَى: من هَذَا الَّذِي غلبنا على خطام ناقتنا قيل: المحلق. قَالَ: شريفٌ كريم. وَقَالَ لِابْنِهِ: خله يقتادها. فاقتادها إِلَى منزله فَنحر لَهُ نَاقَته وكشف لَهُ عَن سنامها وكبدها وَوجد امْرَأَته قد خبزت خبْزًا وأخرجت نحي سمن وَجَاءَت بوطب لبن فَلَمَّا أكل الْأَعْشَى وَأَصْحَابه وَكَانَ فِي عصابةٍ قيسية قدم إِلَيْهِ الشَّرَاب واشتوى لَهُ من كبد النَّاقة وأطعمه من أطايبها فَلَمَّا أَخذه الشَّرَاب سَأَلَهُ عَن حَاله وَعِيَاله فَعرف الْبُؤْس فِي كَلَامه وأحاطت بِهِ بَنَاته قَالَ: أما وَالله لَئِن بقيت لَهُنَّ لَا أدع شريدتهن قَليلَة. وَخرج وَلم يقل فِيهِ شَيْئا. ووافى المحلق عكاظ فَإِذا هُوَ بسرحةٍ قد اجْتمع النَّاس عَلَيْهَا وَإِذا الْأَعْشَى يَقُول: لعمري لقد لاحت عيونٌ كَثِيرَة إِلَى آخر القصيدة. فَسلم عَلَيْهِ المحلق فَقَالَ: مرْحَبًا بِسَيِّد قومه: ونادى: يَا معاشر الْعَرَب هَل فِيكُم مذكار يُزَوّج ابْنه ببنات هَذَا الشريف الْكَرِيم فَمَا قَامَ من مقعدة حَتَّى خطبت بَنَاته جَمِيعًا. وَقَوله: لعمري لقد لاحت إِلَخ اللَّام لَام ابْتِدَاء تفِيد التَّأْكِيد وعمري: مُبْتَدأ وَحذف خَبره وجوبا أَي: عمري قسمي. وَمعنى لاحت:

نظرت وتشوفت إِلَى هَذِه النَّار. حكى الْفراء لحت الشَّيْء إِذا أبصرته. وَأنْشد: المتقارب (وأحمر من ضرب دَار الْمُلُوك ... تلوح على وَجهه جَعْفَر) كَذَا فِي شرح أَبْيَات الْجمل لِابْنِ السَّيِّد. واليفاع بِالْفَتْح: الْموضع العالي. وَجعل النَّار فِي يفاع لِأَنَّهُ أشهر لَهَا لِأَنَّهَا إِذا كَانَت فِي اليفاع أصابتها الرِّيَاح فاشتعلت. وَهَذِه النَّار نَار الضِّيَافَة كَانُوا يوقدونها على الْأَمَاكِن المرتفعة لتَكون أشهر وَرُبمَا يوقدونها بالمندلي الرطب وَهُوَ عطر ينْسب إِلَى منْدَل وَهُوَ بلد من بِلَاد الْهِنْد وَنَحْوه مِمَّا يتبخر بِهِ ليهتدي إِلَيْهَا العميان. وأشعارهم ونيران الْعَرَب على مَا فِي كتاب الْأَوَائِل لإسماعيل الْموصِلِي اثْنَتَا عشرَة نَارا:) إِحْدَاهَا: هَذِه وَهِي نَار الْقرى وَهِي نَار توقد لاستدلال الأضياف بهَا على الْمنزل. وَأول من أوقد النَّار بِالْمُزْدَلِفَةِ حَتَّى يَرَاهَا من دفع من عَرَفَة قصي بن كلاب. الثَّانِيَة: نَار الاستمطار كَانَت الْعَرَب فِي الْجَاهِلِيَّة الأولى إِذا احْتبسَ عَنْهُم الْمَطَر يجمعُونَ الْبَقر ويعقدون فِي أذنابها وعراقيبها السّلع وَالْعشر ويصعدون بهَا فِي الْجَبَل الوعر ويشعلون فِيهَا النَّار. ويزعمون أَن ذَلِك من أَسبَاب الْمَطَر. الثَّالِثَة: نَار التَّحَالُف كَانُوا إِذا أَرَادوا الْحلف أوقدوا نَارا وعقدوا

حلفهم عِنْدهَا ودعوا بالحرمان وَالْمَنْع من خَيرهَا على من ينْقض الْعَهْد وَيحل العقد. الرَّابِعَة: نَار الطَّرْد كَانُوا يوقدونها خلف من يمْضِي وَلَا يشتهون رُجُوعه. الْخَامِسَة: نَار الأهبة للحرب كَانُوا إِذا أَرَادوا حَربًا وتوقعوا جَيْشًا أوقدوا نَارا على جبلهم ليبلغ الْخَبَر فيأتونهم. السَّادِسَة: نَار الصَّيْد وَهِي نَار توقد للظباء لتعشى إِذا نظرت إِلَيْهَا. وَيطْلب بهَا أَيْضا بيض النعام. السَّابِعَة: نَار الْأسد وَهِي نارٌ يوقدونها إِذا خافوه. وَهُوَ إِذا رأى النَّار استهالها فشغلته عَن السابلة. وَقَالَ بَعضهم: إِذا رأى الْأسد النَّار حدث لَهُ فكرٌ يصده عَن إِرَادَته. والضفدع إِذا رأى النَّار تحير وَترك النقيق. الثَّامِنَة: نَار السَّلِيم توقد للملدوغ إِذا سهر وللمجروح إِذا نزف وللمضرب بالسياط وَلمن عضه الْكَلْب الْكَلْب لِئَلَّا يَنَامُوا فيشتد بهم الْأَمر وَيُؤَدِّي إِلَى الْهَلَاك. التَّاسِعَة: نَار الْفِدَاء وَذَلِكَ أَن الْمُلُوك إِذا سبوا الْقَبِيلَة خرجت إِلَيْهِم السَّادة للْفِدَاء. فكرهوا أَن يعرضُوا النِّسَاء نَهَارا فيفتضحن وَفِي الظلمَة يخفى قدر مَا يحبسون لأَنْفُسِهِمْ من الصفي فيوقدون النَّار ليعرضن.

الْعَاشِرَة: نَار الوسم. قرب بعض اللُّصُوص إبِلا للْبيع فَقيل لَهُ: مَا نارك وَكَانَ أغار عَلَيْهَا من كل وَجه. وَإِنَّمَا سُئِلَ عَن ذَلِك لأَنهم يعْرفُونَ ميسم كل قوم وكرم إبلهم من لؤمها. فَقَالَ: الرجز (تَسْأَلنِي الباعة أَيْن نارها ... إِذا زعزعتها فَسمِعت أبصارها) (كل نجار إبلٍ نجارها ... وكل نَار الْعَالمين نارها)) الْحَادِيَة عشرَة: نَار الحرتين كَانَت فِي بِلَاد عبس. فَإِذا كَانَ اللَّيْل فَهِيَ نارٌ تسطع وَفِي النَّهَار دخانٌ يرْتَفع. وَرُبمَا ندر مِنْهَا عنق فَأحرق من مر بهَا. فحفر لَهَا خَالِد بن سِنَان فدفنها الثَّانِيَة عشرَة: نَار السعالي وَهُوَ شَيْء يَقع للمتغرب والمتقفر. قَالَ أَبُو المضراب عبيد بن أَيُّوب: الطَّوِيل (وَللَّه در الغول أَي رفيقةٍ ... لصَاحب دو خائفٍ متقفر) (أرنت بلحنٍ بعد لحنٍ وَأوقدت ... حوالي نيراناً تبوح وتزهر)

وَأما نَار الحباحب فَكل نارٍ لَا أصل لَهَا مثل مَا ينقدح من نعال الدَّوَابّ وَغَيرهَا. وَأما نَار اليراعة فَهِيَ طائرٌ صَغِير إِذا طَار بِاللَّيْلِ حسبته شهاباً وضربٌ من الْفراش إِذا طَار بِاللَّيْلِ حسبته شراراً. وَأول من أورى نارها: أَبُو حباحب بن كلب بن وبرة بن تغلب بن حلوان بن عَمْرو بن الحاف بن قضاعة فَقَالُوا: نَار أبي حباحب. وَمن حَدِيثه مَا ذكر عَن ابْن الْكَلْبِيّ قَالَ: كَانَ أَبُو حباحب رجلا من الْعَرَب فِي سالف الدَّهْر بَخِيلًا لَا توقد لَهُ نارٌ بليلٍ مَخَافَة أَن يقتبس مِنْهَا فَإِن أوقدها ثمَّ أبصرهَا مستضيءٌ أطفأها. فَضربت الْعَرَب بِهِ الْمثل فِي الْبُخْل وَالْخلف فَقَالُوا: أخلف من نَار أبي حباحب. وَقَالَ ابْن الشجري فِي أَمَالِيهِ: حباحب: رجل كَانَ لَا ينْتَفع بناره لبخله فنسب إِلَيْهِ كل نَار لَا ينْتَفع بهَا فَقيل لما تقدحه حوافر الْخَيل على الصَّفَا: نَار الحباحب. ويوقدون بالصفاح نَار الحباحب وَجعل الْكُمَيْت اسْمه كنية للضَّرُورَة فِي قَوْله:

الوافر (يرى الراؤون بالشفرات مِنْهَا ... كنار أبي الحباحب والظبينا) وَقَالَ الْقطَامِي: (أَلا إِنَّمَا نيران قيسٍ إِذا اشتووا ... لطارق ليلٍ مثل نَار الحباحب) انْتهى. وَهَذَا هُوَ التَّحْقِيق لَا مَا ذكره الْموصِلِي تبعا للعسكري فِي أَوَائِله. وَزَاد الصَّفَدِي فِي شرح لامية الْعَجم: نَار الْغدر قَالَ: كَانُوا إِذا غدر الرجل بجاره أوقدوا لَهُ نَارا بمنى أَيَّام الْحَج ثمَّ صاحوا: هَذِه غدرة فلَان) وعد نَار الْمزْدَلِفَة الَّتِي أول من أوقدها قصي قسما مُسْتقِلّا. وَجعل عدَّة النيرَان أَربع عشرَة نَارا. وَقَالَ ابْن قُتَيْبَة فِي أَبْيَات الْمعَانِي فِي نَار التَّحَالُف: كَانُوا يحلفُونَ بالنَّار وَكَانَت لَهُم نارٌ يُقَال: إِنَّهَا كَانَت بأشراف الْيمن لَهَا سدنة فَإِذا تفاقم الْأَمر بَين الْقَوْم فَحلف بهَا انْقَطع بَينهم. وَكَانَ اسْمهَا: هولة والمهولة. وَكَانَ سادنها إِذا أُتِي برجلٍ هيبه من الْحلف بهَا وَلها قيم يطْرَح فِيهَا الْملح

والكبريت فَإِذا وَقع فِيهَا استشاطت وتنقضت فَيَقُول: هَذِه النَّار قد تهددتك. فَإِن كَانَ مريباً نكل وَإِن كَانَ بَرِيئًا حلف. قَالَ الْكُمَيْت: الطَّوِيل (هم خوفونا بالعمى هوة الردى ... كَمَا شب نَار الحالفين المهول) وَقَالَ الْكُمَيْت وَذكر امْرَأَة: المتقارب (فقد صرت عَمَّا لَهَا بِالْمَشْيِ ... ب زولاً لَدَيْهَا هُوَ الأزول) (كهولة مَا أوقد المحلفون ... لَدَى الحالفين وَمَا زولوا) وَقَالَ أَوْس: الطَّوِيل (إِذا استقبلته الشَّمْس صد بِوَجْهِهِ ... كَمَا صد عَن نَار المهول حَالف) وَقَالَ أَيْضا فِي نَار الأهبة: كَانُوا إِذا أَرَادوا حَربًا أَو توقعوا جَيْشًا وَأَرَادُوا الِاجْتِمَاع أوقدوا لَيْلًا على جبل لتجتمع إِلَيْهِم عَشَائِرهمْ فَإِذا جدوا وأعجلوا أوقدوا نارين. وَقَالَ الفرزدق: الْكَامِل (ضربوا الصَّنَائِع والملوك وأوقدوا ... نارين أشرفتا على النيرَان)

. وَقَوله: تحرق رُوِيَ بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول وَرُوِيَ بِالْبِنَاءِ للمعلوم وَالْمَفْعُول مَحْذُوف أَي: الْحَطب. وَقَوله: تشب لمقرورين إِلَخ أَي: توقد. والمقرور: الَّذِي أَصَابَهُ القر وَهُوَ الْبرد. والاصطلاء: افتعال من صلي النَّار وَصلي بهَا من بَاب تَعب: إِذا وجد حرهَا. والصلاء ككتاب: حر النَّار. وَقَوله: وَبَات على النَّار إِلَخ بَات: لَهُ مَعْنيانِ أشهرهما مَا قَالَه الْفراء: بَات الرجل: إِذا سهر اللَّيْل كُله فِي طَاعَة أَو مَعْصِيّة. وَهُوَ المُرَاد هُنَا.) وَالثَّانِي بِمَعْنى صَار يُقَال: بَات بِموضع كَذَا أَي: صَار بِهِ سواءٌ كَانَ فِي ليل أَو نَهَار. والندى: الْجُود وَالْكَرم والمحلق: هُوَ الممدوح واسْمه عبد الْعُزَّى من بني عَامر بن صعصعة كَمَا تقدم. وَهُوَ جاهلي. كَذَا فِي أَنْسَاب ياقوت وَغَيره. وَقَالَ العسكري فِي التَّصْحِيف: المحلق الَّذِي مدحه الْأَعْشَى مَفْتُوح اللَّام هُوَ اسْمه وَهُوَ المحلق بن جُزْء من بني عَامر بن صعصعة. والمحلق الضَّبِّيّ ولاه الحكم بن أَيُّوب الثَّقَفِيّ سفوان بِفَتْح اللَّام أَيْضا قَالَ فِيهِ بعض الشُّعَرَاء: الطَّوِيل (أَبَا يُوسُف لَو كنت تعلم طَاعَتي ... ونصحي إِذا مَا بعتني بالمحلق) وَذكر أَحْمد بن حباب الْحِمْيَرِي أَن فِي جعفي فِي مران مِنْهُم المخلق بخاء مُعْجمَة وَلَام وَقد خَالف الْجُمْهُور فِي قَوْله إِن المحلق اسْمه وَقَالُوا: أَن اسْمه

عبد الْعُزَّى بن حنتم بن شَدَّاد بن ربيعَة بن عبد الله بن عبيد وَهُوَ أَبُو بكر بن كلاب بن ربيعَة بن عَامر بن صعصعة. وَسمي محلقاً لِأَن فرسه عضه فَصَارَ مَوضِع عضه كالحلقة فَقيل لَهُ المحلق. وَقَالَ ابْن السَّيِّد فِي شرح أَبْيَات الْجمل: وَسمي المحلق لِأَن بَعِيرًا عضه فِي وَجهه فَصَارَ فِيهِ كالحلقة. وَقيل: بل كوى نَفسه بكيةٍ شبه الْحلقَة. وَزَاد اللَّخْمِيّ: لِأَنَّهُ كَانَ يَأْتِي مَوضِع الحلاق بمنى. وَحكى الْموصِلِي أَنه أَصَابَهُ دَاء فاكتوى على حلقه فَسُمي المحلق. وروى أَبُو عُبَيْدَة: المحلق بِكَسْر اللَّام. وروى الْأَصْبَهَانِيّ بِفَتْحِهَا. وَقَالَ بعض فضلاء الْعَجم فِي شرح. وَقَالَ الْجَوْهَرِي: المحلق بِكَسْر اللَّام: اسْم رجل من بني أبي بكر بن كلاب من بني عَامر. انْتهى. وَكسر اللَّام خلاف الصَّحِيح. وَهَذَا قَول الْأَمِير ابْن مَاكُولَا نَقله عَن النسابة حسن ابْن أخي اللَّبن. قَالَ الْأَمِير: وَحَنْتَم بحاء مُهْملَة مَفْتُوحَة بعْدهَا نون سَاكِنة ثمَّ مثناة فوقية. والمحلق كَانَ سيداً فِي الْجَاهِلِيَّة وَهُوَ الَّذِي مدحه الْأَعْشَى. وَقَالَ الْكَلْبِيّ فِي جمهرة الْأَنْسَاب: المحلق هُوَ عبد الْعُزَّى بن حنتم

بن شَدَّاد ابْن ربيعَة الْمَجْنُون بن عبد الله بن أبي بكر بن كلاب بن ربيعَة بن عَامر بن صعصعة. كَانَ سيداً وَذَا بَأْس فِي الْجَاهِلِيَّة وَله يَقُول الْأَعْشَى: وَبَات على النَّار الندى والمحلق) وَله حَدِيث. وَكَانَ الْأَعْشَى نزل بِهِ فَأَمَرته أمه فَنحر للأعشى نَاقَة وَلم يكن لَهُ غَيرهَا. انْتهى. قَالَ ابْن السَّيِّد: لما كَانَ من شَأْن المتحالفين أَن يتحالفوا على النَّار جعل الندى والمحلق كمتحالفين اجْتمعَا على نَار. وَذكر المقرورين لِأَن المقرور يعظم النَّار ويشعلها لشدَّة حَاجته. وَقد أَخذ أَبُو تَمام الطَّائِي هَذَا الْمَعْنى وأوضحه فَقَالَ فِي مدحه الْحسن بن وهب: الْكَامِل (قد أثقب الْحسن بن وهبٍ فِي الندى ... نَارا جلت إِنْسَان عين المجتلي) (موسومةً للمهتدي مَأْدُومَة ... للمجتدي مظلومةً للمصطلي) (مَا أَنْت حِين تعد نَارا مثلهَا ... إِلَّا كتالي سورةٍ لم تنزل) اه. وَقَالَ اللَّخْمِيّ: كَانَ النَّاس يستحسنون هَذَا الْبَيْت للأعشى حَتَّى قَالَ الحطيئة:

الطَّوِيل (مَتى تأته تعشو إِلَى ضوء ناره ... تَجِد خير نارٍ عِنْدهَا خير موقد) فَسقط بَيت الْأَعْشَى. انْتهى. وَأورد صَاحب الْكَشَّاف هَذَا الْبَيْت عِنْد قَوْله تَعَالَى: أَو أجد على النَّار هدى وَاسْتشْهدَ بِهِ على أَن معنى الاستعلاء فِيهَا أَن أهل النَّار يستعلون الْمَكَان الْقَرِيب مِنْهَا كَمَا قَالَ سِيبَوَيْهٍ فِي مَرَرْت بزيد: إِنَّه لصوقٌ فِي مَكَان يقرب من زيد. أَو لِأَن المصطلين بهَا إِذا تكنفوها قيَاما وقعوداً كَانُوا مشرفين عَلَيْهَا. وَكَذَلِكَ أوردهُ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي قَالَ: أحد مَعَاني على: الاستعلاء إِمَّا على الْمَجْرُور وَهُوَ الْغَالِب نَحْو: عَلَيْهَا وعَلى الْفلك تحملون أَو على مَا يقرب مِنْهُ نَحْو: أَو أجد على النَّار هدى أَي: هادياً وَقَوله: وَبَات على النَّار الندي والمحلق وَأوردهُ فِي الْبَاء الْمُوَحدَة أَيْضا وَقَالَ: أَقُول: إِن كلا من الإلصاق والاستعلاء إِنَّمَا يكون حَقِيقِيًّا إِذا كَانَ مفضياً إِلَى نفس الْمَجْرُور كأمسكت بزيد وصعدت على السَّطْح. فَإِن أفْضى إِلَى مَا يقرب مِنْهُ فمجازي كمررت بزيد فِي تَأْوِيل الْجُمْهُور وَكَقَوْلِه:

وَبَات على النَّار الندى والمحلق وَقَوله: رضيعي لبان إِلَخ هُوَ مثنى رَضِيع قَالُوا: رَضِيع الْإِنْسَان: مراضعه. قَالَ التبريزي فِي شرح ديوَان أبي تَمام: إِذا كَانَت المفاعلة بَين اثْنَيْنِ جَاءَ كل واحدٍ مِنْهُمَا على فعيل) كَمَا جَاءَ على مفاعل كقعيد للَّذي يقاعدك وتقاعده ونديم بِمَعْنى منادم ورضيع وجليس بِمَعْنى مراضع ومجالس. انْتهى. وَإِلَيْهِ أَشَارَ الْجَوْهَرِي بقوله: وَهَذَا رضيعي كَمَا تَقول أكيلي. وَكَذَلِكَ قَالَ صَاحب الْمِصْبَاح: راضعته مراضعة وَهُوَ رضيعي. وَفِي عُمْدَة الْحفاظ للسمين: وَفُلَان رَضِيع فلَان أَي: رضيعٌ مَعَه. وَأنْشد هَذَا الْبَيْت وَنسبه للنابغة. وَهُوَ سَهْو. وفعيل هَذَا لَا يعْمل النصب. قَالَ الشَّارِح الْمُحَقق فِي أبنية الْمُبَالغَة: وَأما الفعيل بِمَعْنى الْفَاعِل كالجليس فَلَيْسَ للْمُبَالَغَة فَلَا يعْمل اتِّفَاقًا. فإضافة رضيعي إِلَى لبان لَيْسَ من الْإِضَافَة إِلَى الْمَفْعُول بِهِ الْمُصَرّح بل هُوَ مفعولٌ على التَّوَسُّع بِحَذْف حرف الْجَرّ لِأَنَّهُ يُقَال: رضيعه بلبان أمه فَحذف الْبَاء فانتصب لبان وأضيف إِلَيْهِ الْوَصْف. وثدي بِالْجَرِّ بدل من لبان وعَلى رِوَايَة النصب بدل أَيْضا بِتَقْدِير مضافٍ مجرور فيهمَا أَي: لبان ثدي فَلَمَّا حذف الْمُضَاف انتصب. أَو هُوَ مَنْصُوب على نزع الْخَافِض أَي: من ثدي أم. وَلَا يجوز الْإِبْدَال على مَحل

لبان لِأَن شَرطه كالعطف على الْمحل إِمْكَان ظُهُور ذَلِك الْمحل فِي فَأَما قَوْله: الوافر تمرون الديار وَلم تعوجوا فضرورة. وغفل بعض من شرح درة الغواص عَن عدم عمل فعيل الْمَذْكُور فَقَالَ فِي شَرحه: وَذي مَنْصُوب برضيعي وَلَا حَاجَة لتقدير من كَمَا قيل لِأَن رَضِيع مُتَعَدٍّ بِنَفسِهِ. هَذَا كَلَامه مَعَ أَنه قَالَ رَضِيع لَا يكون إِلَّا بِمَعْنى مراضع. وَلَا مَانع عِنْدِي أَن يكون هُنَا بِمَعْنى راضع وَتَكون الْمُشَاركَة من التَّثْنِيَة بل هَذَا هُوَ الْجيد إِذْ لَو كَانَ رَضِيع هُنَا بِمَعْنى مراضع لما ثنى ولكان الْمُنَاسب أَن يَقُول: رَضِيع الندي من ثدي أم تقاسما وَعَلِيهِ يسهل إِعْرَاب الْبَيْت فَيكون رضيعي مُضَافا إِلَى مَفْعُوله لِأَنَّهُ مَاض وَاسم الْفِعْل الْمَاضِي تجب إِضَافَته إِلَى مَا يَجِيء بعده مِمَّا يكون فِي الْمَعْنى مَفْعُولا فَيكون ثدي أم بَدَلا من لبان) بِتَقْدِير مُضَاف مجرور وَالْأَصْل رضيعي لبان لبان ثدي أم أَو يكون بَدَلا من لبانٍ على الْمحل على

قَول من لَا يشْتَرط المحرز الطَّالِب لذَلِك الْمحل. وفعيل قد وضع بالاشتراك تَارَة لفاعل وَتارَة لمفاعل والقرينة تعين وَهِي هُنَا التَّثْنِيَة. وَقد ذهب ابْن السَّيِّد فِي شرح أَبْيَات أدب الْكَاتِب وأبيات الْجمل إِلَى مَا ذكرنَا قَالَ: لَك أَن تجْعَل الرَّضِيع بِمَعْنى الراضع كَقَوْلِهِم: قدير بِمَعْنى قَادر فَيكون مُتَعَدِّيا إِلَى مفعول وَاحِد. وَإِن شِئْت جعلته بِمَعْنى مرضع كَقَوْلِهِم: رب عقيدٌ بِمَعْنى معقد فيتعدى إِلَى مفعولين. وَمن خفض ثدي أم جعله بَدَلا من لبان وَمن نَصبه أبدله من مَوْضِعه لِأَنَّهُ فِي مَوضِع نصب. وَلَا بُد من تَقْدِير مُضَاف فِي كلا الْوَجْهَيْنِ كَأَنَّهُ قَالَ: لبان ثدي أم. وَإِنَّمَا لزم تَقْدِير مُضَاف لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو من أَن يكون بدل كل أَو بدل بعض أَو بدل اشْتِمَال فَلَا يجوز الثَّانِي لِأَن الثدي لَيْسَ بعض اللبان وَلَا الثَّالِث لِأَن الأول يشْتَمل على الثَّانِي وَذَلِكَ لَا يَصح هَا هُنَا. وَقد ذهب قوم إِلَى أَن الثَّانِي هُوَ الْمُشْتَمل على الأول وَذَلِكَ غلط فَلم يبْق إِلَّا أَن يكون بدل كل. والثدي لَيْسَ اللبان فَوَجَبَ أَن يقدر لبان ثدي. وَيجوز أَن يكون ثدي أم مَفْعُولا سقط مِنْهُ حرف الْجَرّ كَقَوْلِك: اخْتَرْت زيدا الرِّجَال. انْتهى.

وَتعقبه اللَّخْمِيّ بِأَنَّهُ قيل: إِن اسْم الْفَاعِل هُنَا بِمَعْنى الْمُضِيّ فَلَا يعْمل عِنْد الْبَصرِيين وَإِن انتصاب ثدي إِنَّمَا هُوَ على التَّمْيِيز لِأَنَّهُ يحسن فِيهِ إِدْخَال من الْمقدرَة فِي التَّمْيِيز. وَيحْتَمل أَن يكون مَنْصُوبًا بإضمار فعل دلّ عَلَيْهِ رَضِيع وَالتَّقْدِير: رضعا ثدي أم كَقَوْلِه تَعَالَى: وجاعل اللَّيْل سكناً وَالشَّمْس وَالْقَمَر حسبانا. وَهَذَا إِنَّمَا يكون على أَن تجْعَل رضيعي خَبرا وَقَالَ بعض فضلاء الْعَجم فِي أَبْيَات الْمفصل: ثدي بدل من مَحل لبان فِي تَقْدِير: رضيعين لباناً ثدي أم وَهُوَ بدل اشْتِمَال. وَقيل: ثدي أم مَنْصُوب على إِضْمَار رضعا بِدلَالَة رضيعي. وَتَبعهُ الْكرْمَانِي فِي شرح أَبْيَات الموشح. وَفِيه أَن الْوَصْف ماضٍ وَأَن بدل الاشتمال لَا بُد لَهُ من ضمير. والجيد فِي نصب رضيعي أَن يكون على الْمَدْح. وَجوز ابْن السَّيِّد وَاللَّخْمِيّ غير هَذَا: أَن يكون حَالا من الندى والمحلق وَيكون قَوْله: على النَّار خبر بَات. وَأَن يكون خبر بَات وعَلى النَّار حَالا. وَأَن يَكُونَا خبرين.) أَقُول: أما الأول فَفِيهِ مَعَ ضعف مَجِيء الْحَال من الْمُبْتَدَأ الْمَنْسُوخ فَسَاد الْمَعْنى لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَن يَكُونَا غير رضيعين فِي غير بياتهما على النَّار وجودة الْمَعْنى تَقْتَضِي أَنَّهُمَا رضيعان مذ ولدا. وَأما الأخيران ففيهما قبح التَّضْمِين الَّذِي هُوَ من عُيُوب الشّعْر وَهُوَ توقف الْبَيْت على الآخر. وَيرد هَذَا أَيْضا على جعله حَالا من الندى والمحلق

وعَلى جعله بَدَلا من مقرورين وعَلى جعله صفة لَهُ. حكى هَذِه الثَّلَاثَة بعض فضلاء الْعَجم فِي شرح أَبْيَات الْمفصل. وَجوز هَذِه الثَّلَاثَة شَارِح وَهَذَا تعسف فَإِن تقاسما جَوَاب مُقَدّر نَشأ من قَوْله: وَبَات على النَّار الندى والمحلق وَالْخَبَر هُوَ على النَّار. واللبان بِكَسْر اللَّام قَالَ الأندلسي: هُوَ لبن الْآدَمِيّ. قيل: وَلَا يُقَال لَهُ لبن إِنَّمَا اللَّبن لسَائِر الْحَيَوَانَات. وَلَيْسَ بِصَحِيح لِأَنَّهُ قد جَاءَ فِي الْخَبَر: اللَّبن للفحل أَي: للزَّوْج نعم اللبان فِي بني آدم أَكثر. انْتهى. وَكَذَلِكَ قَالَ ابْن السَّيِّد: رُوِيَ عَن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أَن لبن الْفَحْل محرم كَمَا اتّفق عَلَيْهِ الْفُقَهَاء. وفسروه بِأَن الرجل تكون لَهُ امْرَأَة ترْضع بلبنه فَكل من أَرْضَعَتْه حرمته عَلَيْهِ وعَلى وَلَده. وَالصَّحِيح أَنه يُقَال: اللبان للْمَرْأَة خَاصَّة وَاللَّبن عَام. وَقَالَ الحريري فِي درة الْخَواص تبعا لِابْنِ قُتَيْبَة فِي أدب الْكَاتِب: يَقُولُونَ لرضيع الْإِنْسَان: قد ارتضع بلبنه وَصَوَابه ارتضع بلبانه لِأَن اللَّبن المشروب واللبان مصدر لِابْنِهِ أَي: شَاركهُ فِي شرب اللَّبن. وَهَذَا هُوَ معنى كَلَامهم الَّذِي نَحوا إِلَيْهِ. وَإِلَيْهِ أَشَارَ الْأَعْشَى فِي قَوْله: رضيعي لبانٍ ثدي أم تقاسما الْبَيْت. انْتهى.

وَقد أَخذ معنى هَذَا المصراع وَبسطه الْكُمَيْت فِي مدح مخلد بن يزِيد وَقَالَ: الرجز (ترى الندى ومخلداً حليفين ... كَانَا مَعًا فِي مهده رضيعين) تنَازعا فِيهِ لبان الثديين وَفِيه لطف بلاغةٍ لجعلهما أَخَوَيْنِ من جنسٍ وَاحِد. وتقاسما: تفاعلا من الْقسم أَي: أقسم كل مِنْهُمَا لَا يُفَارق أَحدهمَا الآخر. وروى بدله:) تحَالفا من الْحلف وَهُوَ الْيَمين. وَالْبَاء فِي قَوْله: بأسحم داخلةٌ على الْمقسم بِهِ وَقد اخْتلف فِي مَعْنَاهُ: قَالَ ابْن السَّيِّد: فِيهِ سَبْعَة أَقْوَال: أَحدهَا: هُوَ الرماد وَكَانُوا يحلفُونَ. قَالَ الشَّاعِر: المنسرح (حَلَفت بالملح والرماد وبالن ... اس وَبِاللَّهِ نسلم الحلقه) (حَتَّى يظل الْجواد منعفراً ... وتخضب النبل غرَّة الدرقه) ثَانِيهَا: هُوَ اللَّيْل. ثَالِثهَا: هُوَ الرَّحِم. رَابِعهَا: هُوَ الدَّم لأَنهم كَانُوا يغمسون أَيْديهم فِيهِ إِذا تحالفوا. حكى هَذِه الْأَقْوَال الْأَرْبَعَة يَعْقُوب وَحكى غَيره وَهُوَ الْخَامِس أَنه

حلمة الثدي. وَقيل وَهُوَ السَّادِس: زق الْخمر. وَقيل وَهُوَ السَّابِع: دِمَاء الذَّبَائِح الَّتِي كَانَت تذبح للأصنام. وَجعله أسحم لِأَن الدَّم إِذا يبس اسود. وَأبْعد هَذِه الْأَقْوَال قَول من قَالَ: إِنَّه الرماد لِأَن الرماد لَا يُوصف بِأَنَّهُ أسحم وَلَا داجٍ وَإِنَّمَا يُوصف بِأَنَّهُ أَوْرَق. انْتهى. وَقَالَ أَحْمد بن فَارس: الأسحم: الْأسود. والأسحم فِي قَول الْأَعْشَى: بأسحم داج هُوَ اللَّيْل وَفِي قَول النَّابِغَة: الطَّوِيل بأسحم دانٍ هُوَ السَّحَاب وَقَول زُهَيْر: الطَّوِيل بأسحم مذود هُوَ الْقرن. وَيُقَال: بأسحم داجٍ أَي: فِي الرَّحِم. انْتهى. وَقَالَ الحريري فِي الدرة: عَنى بالأسحم الداجي: ظلمَة الرَّحِم الْمشَار إِلَيْهَا فِي قَوْله تَعَالَى: يخلقكم فِي بطُون أُمَّهَاتكُم خلقا من بعد خلقٍ فِي ظلماتٍ ثَلَاث. وَقيل: بل عَنى بِهِ اللَّيْل. وعَلى

وَقد قيل إِن المُرَاد بِلَفْظَة تقاسما اقْتَسمَا وَإِن المُرَاد بالأسحم الداجي الدَّم وَقيل: المُرَاد بالأسحم اللَّبن لاعتراض السمرَة فِيهِ وبالداجي الدَّائِم. انْتهى.) وَلَا وَجه لتفسير تقاسما باقتسما على تَفْسِير الأسحم بِأحد الْمَعْنيين الْأَخيرينِ. وَكَيف يَصح تَفْسِير الداجي بالدائم مَعَ أَنه من الدجية وَهُوَ الظلام. وَقَالَ الْجَوْهَرِي: قيل: هُوَ الدَّم وَقيل: الرَّحِم وَقيل: سَواد حلمة الثدي وَقيل: زق الْخمر. وَقَوله: عوض هُوَ ظرفٌ مَقْطُوع عَن الْإِضَافَة مُتَعَلق بِمَا بعده. وَجُمْلَة: لَا نتفرق جَوَاب الْقسم وَجَاء بِهِ على حِكَايَة لفظ المتحالفين الَّذِي نطقا بِهِ عِنْد التَّحَالُف وَلَو جَاءَ بِهِ على لفظ الْإِخْبَار عَنْهُمَا لقَالَ: لَا يفترقان. وَزعم ابْن السَّيِّد وَتَبعهُ اللَّخْمِيّ أَنه يجوز مَعَ كَون عوض ظرفا أَن يكون عوض مقسمًا بِهِ وَالْبَاء فِي أسحم بِمَعْنى فِي. وَهَذَا فَاسد لِأَنَّهُ كَانَ يجب حِينَئِذٍ إعرابه وجره بِحرف الْقسم. قَالَ الأندلسي: لَا يجوز أَن يكون عوض اسْم صنم لتقدم الْمقسم بِهِ قبله ولبنائه وَأَيْضًا لَا يجوز حذف حرف الْقسم عِنْد ذكر الْفِعْل. وَعَلِيهِ اقْتصر الْخَوَارِزْمِيّ نَقله عَنهُ ابْن المستوفي قَالَ: عَنى بأسحم داج: اللَّيْل وَهُوَ لَيْسَ بالمقسم بِهِ إِنَّمَا هُوَ ظرف بِمَنْزِلَة أَن تَقول: تقاسما فِي ليلٍ داج يكون تآلفهما فِيهِ واستئناس كل وَقَالَ صَاحب الْعين: عوض كلمة تجْرِي مجْرى الْقسم فعوض على هَذَا القَوْل مَعْنَاهُ حلفا بالدهر لَا نتفرق فَحذف حرف الْقسم وَنصب الْمقسم بِهِ كَمَا فِي قَوْلك: الله لَأَفْعَلَنَّ. هَذَا كَلَامه.

وَفِيه أَن حرف الْقسم لَا يحذف مَعَ ذكر الْفِعْل. وَقَالَ ابْن السَّيِّد: وَمن اعْتقد أَن عوض اسْم صنم لزمَه أَن يَجْعَل الْبَاء فِي قَوْله: بأسحم بِمَعْنى فِي. وَيَعْنِي بالأسحم اللَّيْل أَو الرَّحِم. وَلَا يجوز أَن تكون الْبَاء فِي هَذَا الْوَجْه للقسم لِأَن الْقسم لم يَقع بالأسحم إِنَّمَا وَقع بعوض الَّذِي هُوَ الصَّنَم. انْتهى. وَيعرف وَجه رده مِمَّا ذكرنَا. وَقَوله: وَأما إِذا مَا الْمحل إِلَخ الْمحل: انْقِطَاع الْمَطَر ويبس الأَرْض من الْكلأ. وسرح مَالهم أَي: أطلقها وفرقها. وَالْمَال عِنْد الْعَرَب: الْإِبِل وَالْبَقر وَالْغنم. والسملق كجعفر: القاع الصفصف. وَقَوله: نفى الذَّم إِلَخ هُوَ جَوَاب إِذا. والجفنة بِالْفَتْح: قَصْعَة الطَّعَام فَاعل نفى. والجابية بِالْجِيم قَالَ الْجَوْهَرِي: هِيَ الْحَوْض الَّذِي يجبى فِيهِ المَاء لِلْإِبِلِ. وَأنْشد الْبَيْت. وتفهق قَالَ الْمبرد فِي أول الْكَامِل: من قَوْلهم: فهق الغدير يفهق إِذا امْتَلَأَ مَاء فَلم يكن فِيهِ مَوضِع مزِيد.) - قَالَ الْأَعْشَى: هَكَذَا ينشده أهل الْبَصْرَة وتأويله عِنْدهم أَن الْعِرَاقِيّ إِذا تمكن من المَاء مَلأ جابيته لِأَنَّهُ حضري فَلَا يعرف مَوَاضِع المَاء وَلَا محاله. وَسمعت أعرابية تنشد: كجابية السيح بإهمال الطَّرفَيْنِ تُرِيدُ النَّهر الَّذِي يجْرِي على جابيته

فماؤها لَا يَنْقَطِع لِأَن النَّهر يمده. انْتهى. وَقَالَ ابْن السَّيِّد فِي حَاشِيَته على الْكَامِل: كَانَ الْأَحْمَر يَقُول: الشَّيْخ تَصْحِيف وَإِنَّمَا هُوَ السيح بِالسِّين والحاء غير معجمتين وَهُوَ المَاء الْجَارِي على وَجه الأَرْض يذهب وَيَجِيء. والْجَابِيَة: الْحَوْض وَجمعه الجوابي. وكل مَا يحبس فِيهِ المَاء فَهُوَ جابية. وَقيل: أَرَادَ بالشيخ الْعِرَاقِيّ كسْرَى. وَحَكَاهُ أَبُو عبيد فِي كلامٍ ذكره عَن الْأَصْمَعِي فِي شرح الحَدِيث. وحض بالشيخ على تَأْوِيل الْمبرد لِأَنَّهُ جرب الْأُمُور وقاسى الْخَيْر وَالشَّر وَهُوَ يَأْخُذ بالحزم فِي أَحْوَاله. انْتهى. ودردق بدالين بَينهمَا رَاء: الْأَطْفَال يُقَال: ولدانٌ دردق ودرادق. كَذَا فِي الْعباب. والسديف: شَحم السنام. وتدفق أَصله تتدفق بتاءين. والأعشى شَاعِر جاهلي قد تقدّمت تَرْجَمته فِي الشَّاهِد الثَّالِث وَالْعِشْرين من أَوَائِل الْكتاب. وَقد روى صَاحب الأغاني سَبَب هَذِه القصيدة على غير مَا ذَكرْنَاهُ أَيْضا. وَقد روى عَن النَّوْفَلِي أَن المحلق كَانَت لَهُ أخواتٌ ثَلَاث لم يرغب أحدٌ فِيهِنَّ لفقرهن وخموله.

(الشاهد الثاني والعشرون بعد الخمسمائة)

وَأنْشد بعده 3 - (الشَّاهِد الثَّانِي وَالْعشْرُونَ بعد الْخَمْسمِائَةِ) وَهُوَ من شَوَاهِد س: الرجز لقد رَأَيْت عجبا مذ أمسا على أَن أمس غير منصرف مجرور بالفتحة وَالْألف للإطلاق. وَهَذَا نَص سِيبَوَيْهٍ فِي بَاب تَغْيِير الْأَسْمَاء المبهمة إِذا صَارَت أعلاماً خَاصَّة أوردته بِطُولِهِ لِكَثْرَة فَوَائده: وَسَأَلته رَحِمَهُ اللَّهُ يَعْنِي الْخَلِيل عَن أمس اسْم رجل فَقَالَ: مَصْرُوف لِأَن أمس هَا هُنَا لَيْسَ على الْجَرّ وَلكنه لما كثر فِي كَلَامهم وَكَانَ من الظروف تَرَكُوهُ على حالٍ وَاحِدَة كَمَا فعلوا ذَلِك: بأين وكسروه كَمَا كسروا غاق إِذْ كَانَت الْحَرَكَة تدخله لغير إِعْرَاب كَمَا أَن حَرَكَة غاق لغير إِعْرَاب. فَإِذا صَار اسْما لرجل انْصَرف لِأَنَّهُ قد نقلته إِلَى غير ذَلِك الْموضع كَمَا أَنَّك إِذا سميت بغاق صرفته. فَهَذَا يجْرِي مجْرى هَذَا كَمَا جرى ذَا مجْرى لَا. وَاعْلَم أَن بني تَمِيم يَقُولُونَ فِي مَوضِع الرّفْع: ذهب أمس بِمَا فِيهِ وَمَا رَأَيْته مذ أمس فَلَا يصرفون فِي الرّفْع لأَنهم عدلوه عَن الأَصْل الَّذِي هُوَ عَلَيْهِ فِي الْكَلَام لَا عَمَّا يَنْبَغِي لَهُ أَن يكون عَلَيْهِ فِي الْقيَاس. أَلا ترى أَن أهل

الْحجاز يكسرونه فِي كل مَوضِع وَبَنُو تَمِيم يكسرونه فِي أَكثر الْمَوَاضِع فِي الْجَرّ وَالنّصب. فَلَمَّا عدلوه عَن أَصله فِي الْكَلَام وَمَجْرَاهُ تركُوا صرفه كَمَا تركُوا صرف أخر حِين فَارَقت أخواتها فِي حذف الْألف وَاللَّام مِنْهَا وكما تركُوا صرف سحر ظرفا. لِأَنَّهُ إِذا كَانَ مجروراً أَو مَرْفُوعا أَو مَنْصُوبًا غير ظرف لم يكن بِمَنْزِلَتِهِ إِلَّا وَفِيه الْألف وَاللَّام أَو يكون نكرَة إِذا أخرجتا مِنْهُ. فَلَمَّا صَار معرفَة فِي الظروف بِغَيْر ألف وَلَام خَالف التَّعْرِيف فِي هَذِه الْمَوَاضِع وَصَارَ معدولاً عِنْدهم كَمَا عدلت أخر فَترك صرفه فِي هَذَا الْموضع كَمَا ترك صرف أمس فِي الرّفْع. وَإِن سميت رجلا بأمس فِي هَذَا القَوْل صرفته لِأَنَّهُ لَا بُد لَك من أَن تصرفه فِي الْجَرّ وَالنّصب لِأَنَّهُ فِي الْجَرّ وَالنّصب مكسورٌ فِي لغتهم فَإِذا انْصَرف فِي هذَيْن الْمَوْضِعَيْنِ انْصَرف فِي الرّفْع لِأَنَّك تدخله فِي الرّفْع وَقد جرى لَهُ الصّرْف فِي الْقيَاس فِي الْجَرّ وَالنّصب لِأَنَّك لم تعدله عَن أَصله فِي) الْكَلَام مُخَالفا للْقِيَاس. وَلَا يكون أبدا فِي الْكَلَام اسمٌ منصرفٌ فِي الْجَرّ وَالنّصب وَلَا ينْصَرف فِي وَكَذَلِكَ سحر اسْم رجل تصرفه وَهُوَ فِي الرجل أقوى لَا يَقع ظرفا وَلَو وَقع اسْم شيءٍ فَكَانَ ظرفا صرفته وَكَانَ كأمس لَو كَانَ أمس مَنْصُوبًا غير ظرف مكسور كَمَا كَانَ. وَقد فتح قومٌ أمس فِي مذ لما رفعوا وَكَانَت فِي الْجَرّ هِيَ الَّتِي ترفع شبهوها بهَا. قَالَ: الرجز (لقد رَأَيْت عجبا مذ أمسا ... عجائزاً مثل الأفاعي خمْسا) وَهَذَا قَلِيل. انْتهى كَلَام سِيبَوَيْهٍ ونقلته من نُسْخَة مُعْتَمدَة مقروءة على مَشَايِخ

جلة عَلَيْهَا خطوط إجازاتهم مِنْهُم زيد بن الْحسن بن زيد الْكِنْدِيّ إِمَام عصره عَرَبِيَّة وحديثاً وتاريخ إِجَازَته سنة ثَلَاث وَتِسْعين وَخَمْسمِائة وَهِي نُسْخَة ابْن ولاد تلميذ ثَعْلَب والمبرد وَتُوفِّي بِمصْر فِي سنة ثَمَان وَتِسْعين وَمِائَتَيْنِ. فَمَا اعْترض بِهِ الشَّارِح الْمُحَقق على الزجاجي فِي زَعمه أَن أمس فِي الْبَيْت مَبْنِيَّة على الْفَتْح حق لَا شُبْهَة فِيهِ. وَقد غلطه شراحه مِنْهُم ابْن هِشَام اللَّخْمِيّ فِي شرح أَبْيَات الْجمل قَالَ: مذ أمسا جَار ومجرور ومذ هُنَا حرف جر وَهِي بِمَنْزِلَة فِي كَأَنَّهُ قَالَ: لقد رَأَيْت عجبا فِي أمس وَالْعَامِل وَقد غلط أَبُو الْقَاسِم فِيهَا وَزعم أَنَّهَا فِي الْبَيْت مَبْنِيَّة على الْفَتْح وَإِنَّمَا هِيَ فِي الْبَيْت على لُغَة بعض بني تَمِيم. وَلَيْسَ فِي الْعَرَب من يبنيها على الْفَتْح وَهِي مخفوضة بمذ وَلكنهَا لَا تَنْصَرِف عِنْدهم للتعريف وَالْعدْل. وَإِنَّمَا دخل عَلَيْهِ الْوَهم من قَول

سِيبَوَيْهٍ: وَقد فتح قومٌ أمس مَعَ مذ لما رفعوا وَكَانَت فِي الْجَرّ هِيَ الَّتِي ترفع شبهوها بهَا. وَأنْشد الْبَيْت على ذَلِك. فَتوهم أَنه لما ذكر الْفَتْح الَّذِي هُوَ لقب الْبناء أَنه أَرَادَ أَن أمس مَبْنِيّ. وَلَو تَأمل لبان لَهُ الْعذر فِي ذكر الْفَتْح هُنَا إِذْ لَا يُمكن أَن تسمى الْحَرَكَة الَّتِي يحدثها عَامل الْجَرّ نصبا لِأَنَّهَا لَيست للنصب إِنَّمَا هِيَ للجر. وَسوى بَين عملٍ الْجَار والناصب دلَالَة على ضعف الْجَار فِيمَا لَا ينْصَرف وَلم يسمهَا جراً اسْتِقْلَالا لَهَا لِأَنَّهَا لما ضمت إِلَى النصب صَارَت كَأَنَّهَا غير جر الْبَتَّةَ.) أَلا ترَاهُ قَالَ: وَجَمِيع مَا لَا ينْصَرف إِذا أدخلت عَلَيْهِ الْألف وَاللَّام انجر وَهُوَ لم يزل مجروراً إِلَّا أَنه جعل الْجَرّ الْمَحْمُول على النصب غير جر. وَإِلَّا فالعوامل فِي المنصرف وَغير المنصرف وَاحِدَة. فَاعْلَم ذَلِك. انْتهى كَلَام اللَّخْمِيّ. وَقَالَ النّحاس: قَالَ سِيبَوَيْهٍ: قد فتح قوم أمس فِي مذ إِلَخ. هَذَا من كَلَام سِيبَوَيْهٍ مشكلٌ يحْتَاج إِلَى الشَّرْح. وَشَرحه عَليّ بن سُلَيْمَان قَالَ: أهل الْحجاز على مَا حَكَاهُ النحويون يكسرون أمس فِي الرّفْع وَالنّصب والخفض وَبَنُو تَمِيم يَرْفَعُونَهُ فِي مَوضِع الرّفْع بِلَا تَنْوِين يجعلونه بِمَنْزِلَة مَا لَا ينْصَرف. وَذَلِكَ أَنه لَيْسَ سَبِيل الظّرْف أَن يرفع لِأَن الْأَخْبَار لَيست عَنهُ فَلَمَّا أخبروا عَنهُ زادوه فضلَة فأخرجوه من الْبناء إِلَى مَا لَا ينْصَرف فَلَمَّا اضْطر الشَّاعِر أجراه فِي الْخَفْض مجْرَاه فِي الرّفْع وَقدر مذ هَذِه الخافضة وفتحه لِأَنَّهُ لَا ينْصَرف. انْتهى. وَقَالَ الأعلم: الشَّاهِد فِيهِ إِعْرَاب أمس ومنعها من الِانْصِرَاف لِأَنَّهَا اسمٌ لليوم الْمَاضِي قيل يَوْمك معدول عَن الْألف وَاللَّام. وَنَظِير جرها بعد مذ هَا هُنَا رَفعهَا فِي مَوضِع الرّفْع إِذا قَالُوا: ذهب أمس بِمَا فِيهِ وَمَا رَأَيْته مذ

أمس وَهِي لغةٌ لبَعض بني تَمِيم. فَلَمَّا رفعت بعد مذ لِأَن مذ يرْتَفع مَا بعْدهَا إِذا كَانَ مُنْقَطِعًا مَاضِيا جَازَ للشاعر أَن يخفضه بعْدهَا على لُغَة من جر بهَا فِي مَا مضى وَانْقطع لِأَن مذ هَذِه الخافضة لأمس هِيَ الرافعة لَهُ فِي لُغَة من يرفع. وَقد بيّنت هَذَا وكشفت حَقِيقَته فِي كتاب النكت. انْتهى. وَلَيْسَ فِي كَلَام سِيبَوَيْهٍ مَا يدل على أَنه ضَرُورَة. فَتَأمل. وَأما مَا وهم بِهِ الشَّارِح الْمُحَقق الزَّمَخْشَرِيّ فقد يمْنَع بِأَن يكون الزَّمَخْشَرِيّ ذهب إِلَى مَا حَكَاهُ وَنَقله أَبُو حَيَّان فِي الارتشاف. وَيُؤَيِّدهُ قَول أبي زيد فِي النَّوَادِر: قَوْله مذ أمسا ذهب بهَا إِلَى لُغَة بني تَمِيم يَقُولُونَ: ذهب أمس بِمَا فِيهِ فَلم يصرفهُ. وَقَالَ الْجرْمِي فِيمَا كتبه على النَّوَادِر: جعل مذ من حُرُوف الْجَرّ وَلم يصرف أمس فتح آخِره فِي مَوضِع الْجَرّ وَهُوَ الْوَجْه فِي أمس. وَأَبُو زيد من مَشَايِخ سِيبَوَيْهٍ وَإِذا نقل عَنهُ فِي كِتَابه قَالَ: حَدثنِي الثِّقَة. وَالشَّارِح مَسْبُوق بالتوهيم. قَالَ أَبُو حَيَّان: اخْتلف النُّحَاة فِي إِعْرَاب أمس مُطلقًا إِعْرَاب مَا لَا ينْصَرف عِنْد بعض تَمِيم فَذهب إِلَى إِثْبَات ذَلِك ابْن الباذش وَهُوَ قَول ابْن عُصْفُور وَابْن مَالك.) وَقَالَ الْأُسْتَاذ أَبُو عَليّ: هَذَا

غلط وَإِنَّمَا بَنو تَمِيم يعربونه فِي الرّفْع ويبنون فِي النصب والجر. انْتهى. والبيتان من رجز فِي نَوَادِر أبي زيد سَمعه من الْعَرَب وَأنْشد بعدهمَا: الرجز (يأكلن مَا فِي رحلهن همسا ... لَا ترك الله لَهُنَّ ضرسا) وَقَالَ: الهمس: أَن تَأْكُل الشَّيْء وَأَنت تخفيه. وَقَوله: عجائزاً نونه لضَرُورَة الشّعْر قيل بَيَان بقوله: عجبا وَقيل بدلٌ مِنْهُ. وَهُوَ جمع عَجُوز. قَالَ ابْن السّكيت: الْعَجُوز: الْمَرْأَة الْكَبِيرَة وَلَا تقل عجوزة والعامة تَقوله. وَمثل صفةٌ لعجائز وَكَذَا قَوْله: خمْسا. والسعالي: جمع سعلاة بِالْكَسْرِ وَيُقَال أَيْضا: سعلاء بِالْمدِّ وَالْقصر وَهِي أُنْثَى الغول وَقيل: سَاحِرَة الْجِنّ. وروى أَبُو زيد وسيبويه: مثل الأفاعي جمع أَفْعَى وَهِي حَيَّة يُقَال: هِيَ رقشاء دقيقة الْعُنُق عريضة الرَّأْس لَا تزَال مستديرةً على نَفسهَا لَا ينفع مِنْهَا ترياق وَلَا رقية. يُقَال: هَذِه أَفْعَى بِالتَّنْوِينِ لِأَنَّهُ اسمٌ وَلَيْسَ بِصفة. كَذَا فِي الْمِصْبَاح. والرحل: المأوى والمنزل وروى أَيْضا: يأكلن مَا فِي عكمهن والعكم: الْعدْل بِكَسْر أَولهمَا. وَجُمْلَة: لَا ترك الله إِلَخ دعائية. وَزَاد ابْن السَّيِّد فِي أَبْيَات الْجمل بعد هَذَا: وَلَا لقين الدَّهْر إِلَّا تعسا

(الشاهد الثالث والعشرون بعد الخمسمائة)

وَقَالَ: التعس: السُّقُوط على الْقَفَا. وَزَاد ابْن هِشَام اللَّخْمِيّ: الرجز (فِيهَا عجوزٌ لَا تَسَاوِي فلسًا ... لَا تَأْكُل الزبدة إِلَّا نهسا) وَالْبَيْت الشَّاهِد من أَبْيَات سِيبَوَيْهٍ الْخمسين الَّتِي مَا عرف قَائِلهَا. وَقَالَ ابْن المستوفي: وجدت هَذِه الأبيات الثَّمَانِية فِي كتاب نحوٍ قديم للعجاج أبي رؤبة. واراه بَعيدا من نمطه. وَقَوله: لَا تَأْكُل الزبدة إِلَّا نهسا أَي: لَا أَسْنَان لَهَا فَهِيَ تنهسها. وَهُوَ إغراقٌ وإفراط. والنهس: أَخذ اللَّحْم بِمقدم الْأَسْنَان. انْتهى. وَأنْشد بعده 3 - (الشَّاهِد الثَّالِث وَالْعشْرُونَ بعد الْخَمْسمِائَةِ) الْبَسِيط (لاه ابْن عمك لَا أفضلك فِي حسبٍ ... عني وَلَا أَنْت دياني فتخوني) على أَن أصل لاه ابْن عمك: لله ابْن عمك فَحذف لَام الْجَرّ لِكَثْرَة الِاسْتِعْمَال وَقدر لَام التَّعْرِيف فَبَقيَ: لاه ابْن عمك فَبنِي لتضمن الْحَرْف. وصريحه أَن كسرة الْهَاء كسرة بِنَاء وَظَاهر كَلَام الْمفصل أَنَّهَا كسرة إِعْرَاب قَالَ: وتضمر أَي: بَاء الْقسم كَمَا تضمر اللَّام فِي: لاه أَبوك فَإِن الْمُضمر يبْقى مَعْنَاهُ وأثره بِخِلَاف الْمَحْذُوف فَإِنَّهُ يبْقى مَعْنَاهُ وَلَا يبْقى أَثَره. كَذَا حَقَّقَهُ السَّيِّد عِنْد قَول الْكَشَّاف فِي تَفْسِير: يجْعَلُونَ

أَصَابِعهم لِأَن الْمَحْذُوف باقٍ مَعْنَاهُ وَإِن سقط لَفظه. قَالَ ابْن يعِيش فِي شَرحه: اعْلَم أَنهم يَقُولُونَ: لاه أَبوك ولاه ابْن عمك يُرِيدُونَ: لله أَبوك وَللَّه ابْن قَالَ الشَّاعِر: لاه ابْن عمك لَا أفضلت فِي حسبٍ ... ... ... ... . . الْبَيْت أَي: لله ابْن عمك فحذفت لَام الْجَرّ وَلَام التَّعْرِيف وَبقيت اللَّام الْأَصْلِيَّة. هَذَا رَأْي سِيبَوَيْهٍ. وَأنكر ذَلِك الْمبرد وَكَانَ يزْعم أَن الْمَحْذُوف لَام التَّعْرِيف وَاللَّام الْأَصْلِيَّة والباقية هِيَ لَام الْجَرّ وَإِنَّمَا فتحت لِئَلَّا ترجع الْألف إِلَى الْيَاء مَعَ أَن أصل لَام الْجَرّ الْفَتْح. وَرُبمَا قَالُوا لهي أَبوك فقلبوا اللَّام إِلَى مَوضِع الْعين وَسَكنُوا لِأَن الْعين كَانَت سَاكِنة وَهِي الْألف وَبَنوهُ على الْفَتْح لأَنهم حذفوا مِنْهُ لَام التَّعْرِيف وتضمن مَعْنَاهَا فَبنِي لذَلِك كَمَا بني أمس والآن وَفتح آخِره تَخْفِيفًا لما دخله من الْحَذف والتغيير. انْتهى. وَقَالَ الأندلسي فِي شَرحه أَيْضا عِنْد قَوْله وتضمر كَمَا تضمر اللَّام إِلَخ: هَذَا هُوَ الْوَجْه الثَّالِث وَهُوَ أَن تحذف الْحَرْف لفظا وتقدره معنى فَيبقى عمله كَمَا تضمر رب. وَقَالَ ابْن السَّيِّد فِي شرح أَبْيَات أدب الْكَاتِب: قَوْله لاه أَرَادَ: لله حذف لَام الْجَرّ وَاللَّام الأولى من الله. وَكَانَ الْمبرد يرى أَنه حذف

اللامين من الله وَأبقى لَام الْجَرّ وَفتحهَا. وحجته أَن حرف الْجَرّ لَا يجوز أَن يحذف. انْتهى. وَقَالَ ابْن الشجري فِي أَمَالِيهِ: قَوْله: لاه ابْن عمك أَصله لله فَحذف لَام الْجَرّ وأعملها محذوفة) كَمَا فِي قَوْله الله لَأَفْعَلَنَّ وأتبعها فِي الْحَذف لَام التَّعْرِيف فَبَقيَ لاه بِوَزْن عَال. وَلَا يجوز أَن تكون اللَّام فِي لاه لَام الْجَرّ وَفتحت لمجاورتها للألف كَمَا زعم بعض النَّحْوِيين لأَنهم قَالُوا: لهي أَبوك بِمَعْنى لله أَبوك ففتحوا اللَّام وَلَا مَانع لَهَا من الْكسر فِي لهي لَو كَانَت الجارة وَإِنَّمَا يفتحون لَام الْجَرّ مَعَ الْمُضمر فِي نَحْو: لَك وَلنَا وفتحوها فِي الاستغاثة إِذا دخلت على الِاسْم المستغاث بِهِ لِأَنَّهُ أشبه الضَّمِير من حَيْثُ كَانَ منادًى والمنادى يحل مَحل الْكَاف من نَحْو: أَدْعُوك. فَإِن قيل: فَكيف يتَّصل الِاسْم بِالِاسْمِ فِي قَوْله لاه ابْن عمك بِغَيْر وَاسِطَة وَإِنَّمَا يتَّصل الِاسْم بِالِاسْمِ فِي نَحْو: لله زيد ولأخيك ثوب بِوَاسِطَة اللَّام فَالْجَوَاب: أَن اللَّام أوصلت الِاسْم بِالِاسْمِ وَهِي مقدرَة كَمَا تجملت الْجَرّ وَهِي مقدرَة. انْتهى. فَهَؤُلَاءِ كلهم صَرَّحُوا بِأَن الكسرة إِعْرَاب وَأَن لاه مجرورة بِاللَّامِ المضمرة. وَكَأَنَّهُ وَالله أعلم اختصر كَلَامه من أمالي ابْن الشجري فَوَقع فِيمَا وَقع. وَهَذِه عبارَة ابْن الشجري:

أَقُول: إِن الِاسْم الَّذِي هُوَ لاه على هَذَا القَوْل تَامّ وَهُوَ أَن يكون أَصله: ليه على وزن جبل وَمن قَالَ: لهي أَبوك فَهُوَ مقلوب من لاه فَقدمت لامه الَّتِي هِيَ الْهَاء على عينه الَّتِي هِيَ الْيَاء فوزنه فلع. وَكَانَ أَصله بعد تَقْدِيم لامه على عينه: للهي فحذفوا لَام الْجَرّ ثمَّ لَام التَّعْرِيف وضمنوه معنى لَام التَّعْرِيف فبنوه كَمَا ضمنُوا مَعْنَاهَا أمس فَوَجَبَ بِنَاؤُه وحركوا الْيَاء لسكون الْهَاء قبلهَا واختاروا لَهَا الفتحة لخفتها. انْتهى.

وَقَول الشَّارِح الْمُحَقق كَمَا هُوَ أحد مذهبي سِيبَوَيْهٍ فِي الله وَهُوَ أَنه من لاه يَلِيهِ قَالَ ابْن الشجري: أصل هَذَا الِاسْم الَّذِي هُوَ الله تَعَالَى مُسَمَّاهُ إلاه فِي أحد قولي سِيبَوَيْهٍ بِوَزْن فعال ثمَّ لاه بِوَزْن عَال. وَلما حذفوا فاءه عوضوا مِنْهَا لَام التَّعْرِيف فصادفت وَهِي سَاكِنة اللَّام الَّتِي هِيَ عينٌ وَهِي متحركة فأدغمت فِيهَا. إِلَى أَن قَالَ: وَهَذَا قَول يُونُس بن حبيب وَأبي الْحسن الْأَخْفَش وَعلي بن حَمْزَة الْكسَائي وَيحيى بن زِيَاد الْفراء وقطرب بن المستنير. وَقَالَ بعد وفاقه لهَذِهِ الْجَمَاعَة: وَجَائِز أَن يكون أَصله لاه وأصل لاه ليه على وزن جبل ثمَّ) أَدخل عَلَيْهِ الْألف وَاللَّام فَقيل الله. وَاسْتدلَّ على ذَلِك بقول الْعَرَب: لهي أَبوك يُرِيد لاه أَبوك. قَالَ: فتقديره على هَذَا القَوْل فعل وَالْوَزْن وزن بَاب وَدَار. (كحلفةٍ من أبي رياحٍ ... يسْمعهَا لاهه الْكِبَار)

وَلِذِي الإصبع العدواني: لاه ابْن عمك لَا أفضلت فِي حسبٍ ... ... ... ... . . الْبَيْت انْتهى كَلَام سِيبَوَيْهٍ. هَذَا كَلَامه. وَأَقُول: هَذَانِ البيتان ليسَا بموجودين فِي كتاب سِيبَوَيْهٍ كَمَا نبهنا سَابِقًا فِي الشَّاهِد الْخَامِس وَالْعِشْرين بعد الْمِائَة. وَقد تكلم أَبُو عَليّ الْفَارِسِي على قَوْلهم: لهي أَبوك فِي التَّذْكِرَة القصرية وَفِي إِيضَاح الشّعْر فَلَا بَأْس بِنَقْل كلاميه لمزيد الْفَائِدَة والإيضاح: قَالَ فِي التَّذْكِرَة: لهي أَبوك مقلوب من لاه على القَوْل الَّذِي لاه فِيهِ فعل أَي: بِفتْحَتَيْنِ لَا على القَوْل الَّذِي لاه فِيهِ عَال محذوفة الْفَاء وَهِي همزَة إلاه. وَمن إِشْكَال هَذِه الْمَسْأَلَة مُخَالفَة وَزنهَا لوزن مَا قلبت مِنْهُ لِأَن الأَصْل فعل أَي: بِفتْحَتَيْنِ ولهي فلع أَي: بِسُكُون اللَّام. وَمن إشكالها أَيْضا أَن المقلوب مِنْهُ مُعرب وَهُوَ لاه والمقلوب مَبْنِيّ على الْفَتْح وَهِي لهي. وَإِنَّمَا جعلنَا لهي هُوَ المقلوب لِأَنَّهُ أقل تمَكنا وَأكْثر تغييراً بِدَلِيل أَن اسْم الله تَعَالَى مُعرب متصرف فِي الْخَبَر والنداء أَي: لَيْسَ هُوَ مَبْنِيا وَدخُول جَمِيع العوامل عَلَيْهِ ولهي أَبوك مَبْنِيّ لَا يَزُول عَن هَذَا الْموضع فَهُوَ بِهَذَا أَكثر تغييراً وَأَقل تمَكنا. وَلَا يخرج لاه فِي كَلَامهم مَعَ مَا ذكرنَا من الدَّلِيل على أَنه الأَصْل أَنه لَيْسَ أصل اشتق مِنْهُ إِذْ كَانَ فِي كَلَامهم مَا الْعين فِيهِ يَاء كثيرٌ. فَأَما مُخَالفَة وزن لهي الأَصْل الَّذِي قلبت مِنْهُ فقد جَاءَ مثله قَالُوا فوقٌ فعين الْفِعْل مِنْهُ سَاكِنة وَقَالَ امْرُؤ الْقَيْس: الهزج ونبلي وفقاها كعراقيب فَقلب الْعين إِلَى مَوضِع اللَّام وحرك اللَّام كَمَا سكن اللَّام فِي لهي وَذَلِكَ لِأَن المقلوب بِنَاء مُسْتَأْنف فَجَائِز أَن يَأْتِي مُخَالفا لما قلب مِنْهُ. يدلك على أَنه بِنَاء مُسْتَأْنف قَوْلهم: قسي هُوَ مقلوب من قووس وهم لَا يَتَكَلَّمُونَ بقووس) الْبَتَّةَ فتركهم الْكَلَام بِالْأَصْلِ يدلك على أَن المقلوب مَبْنِيّ بِنَاء مستأنفاً لِأَنَّهُ لَو لم يكن مستأنفاً وَكَانَ هُوَ المقلوب مِنْهُ لَكَانَ المقلوب مِنْهُ متكلماً بِهِ. وَإِذا ثَبت أَنه بِنَاء مُسْتَأْنف لم يُنكر أَن يَأْتِي على غير وزن المقلوب مِنْهُ كَمَا أَنه لما أَن كَانَت أبنيته مستأنفة لم يُنكر أَن تَجِيء على وزن الْوَاحِد. وَأما وَجه بنائِهِ فَهُوَ أَنه تضمن معنى حرف التَّعْرِيف كَمَا تضمن أمس ذَلِك. أَلا ترى أَنه فِي معنى: لله أَبوك وَلَيْسَ فِيهِ حرف التَّعْرِيف. وحرك بِالْفَتْح كَرَاهَة للكسر مَعَ الْيَاء. وَلَا يحكم بِأَن لاه مَبْنِيّ وَأَنت تَجِد سَبِيلا إِلَى الحكم لَهُ بالإعراب. أَلا ترى أَنه اسْم مُتَمَكن منصرف فَلَا يحكم لَهُ بِالْبِنَاءِ إِلَّا بِدَلِيل كَمَا لم يحكم للهي إِلَّا بِدَلِيل وَهُوَ الْفَتْح. انْتهى.

وصريح كَلَامه أخيراً يرد مَا زَعمه الشَّارِح من بِنَاء لاه. وَقَالَ فِي إِيضَاح الشّعْر: تحذف حُرُوف الْمعَانِي مَعَ الْأَسْمَاء على ضروب: أَحدهَا: أَن يحذف الْحَرْف وَيضمن الِاسْم مَعْنَاهُ وَهَذَا يُوجب بِنَاء الِاسْم نَحْو أَيْن وَخَمْسَة عشر وأمس فِي قَول الْحِجَازِيِّينَ وَمن بناه ولهي أَبوك. وَالْآخر: أَن يعدل الِاسْم عَن اسمٍ فِيهِ حرف فَهَذَا المعدول لَا يجب بِنَاؤُه لِأَنَّهُ لم يتَضَمَّن الْحَرْف فَيلْزم الْبناء كَمَا تضمنه الأول لِأَن الْحَرْف يُرَاد فِي ذَلِك الْبناء الَّذِي وَقع الْعدْل عَنهُ. وَإِذا كَانَ هُنَاكَ مرَادا لم يتَضَمَّن هُنَاكَ الِاسْم. أَلا ترى أَنه محَال أَن يُرَاد ثمَّ فيعدل هَذَا عَنهُ ويتضمن مَعْنَاهُ لِأَنَّك إِذا ثَبت الْحَرْف فِي موضِعين فَلَا يكون حِينَئِذٍ عدلا. أَلا ترى أَن الْعدْل إِنَّمَا هُوَ أَن تلفظ ببناءٍ وتريد الآخر فَلَا بُد من أَن يكون الْبناء المعدول غير المعدول ومخالفاً لَهُ. وَلَا شَيْء يَقع فِيهِ الْخلاف بَين سحر المعدول والمعدول عَنهُ إِلَّا إِرَادَة لَام التَّعْرِيف فِي المعدول عَنهُ وتعري المعدول مِنْهُ فَلَو ضمنته مَعْنَاهُ لَكَانَ بِمَنْزِلَة إثْبَاته وَلَو أثْبته لم يكن عدلا. فَإِذا كَانَ كَذَلِك لم يجز أَن يتضمنه وَإِذا لم يتضمنه لم يجز أَن يبْنى كَمَا بنى أمس. وَالضَّرْب الثَّالِث: أَن تحذف الْحَرْف فِي اللَّفْظ وَيكون مرَادا فِيهِ. وَإِنَّمَا تحذفه من اللَّفْظ اختصاراً واسْتِخْفَافًا. فَهَذَا يجْرِي مجْرى الثَّبَات. فَمن هَذَا الْقسم الْحَذف فِي جَمِيع الظروف) حذفت اختصاراً لِأَن فِي ذكرك الْأَسْمَاء

الَّتِي هِيَ ظروفٌ دلَالَة على إرادتها. أَلا ترى أَنَّك إِذا قلت: جَلَست خَلفك وقدمت الْيَوْم علم أَن هَذَا لَا يكون شَيْئا من أَقسَام المفعولات إِلَّا الظّرْف. فَلَمَّا كَانَ كَذَلِك كَانَ حذفهَا بِمَنْزِلَة إِثْبَاتهَا لقِيَام الدّلَالَة عَلَيْهَا. فَإِذا كنيت رددت فِي الَّتِي كَانَت محذوفة للاختصار وللدلالة الْقَائِمَة عَلَيْهَا لِأَن الضَّمِير لَا يتَمَيَّز وَلَا ينْفَصل كَمَا كَانَ ذَلِك فِي الْمظهر. أَلا ترى أَن الْهَاء فِي كِنَايَة الظّرْف كالهاء فِي كِنَايَة الْمَفْعُول بِهِ. فَإِذا رددت الْحَرْف الَّذِي كنت حذفته فوصلته بِهِ دلّ على أَنه من بَين المفعولات ظرف. فقد علمت بردك لَهُ فِي الْإِضْمَار أَنَّك لم تضمن الِاسْم معنى الْحَرْف فتبنيه وَأَنه مُرَاد فِي حَال الْحَذف لِأَن فِي ظُهُور الِاسْم دلَالَة عَلَيْهِ فحذفته لذَلِك. فَهَذَا يشبه قَوْلهم: الله لَأَفْعَلَنَّ فِي أَنهم مَعَ حذفهم ذَلِك يجْرِي عِنْدهم مجْرى غير الْمَحْذُوف إِلَّا أَنه لما حذف فِي الظّرْف واستغني عَنهُ وصل الْفِعْل إِلَيْهِ فانتصب. وَالْجَار إِذا حذفوه على هَذَا الْحَد الَّذِي ذكرته لَك من أَن الدّلَالَة قَائِمَة على حذفه يجْرِي على ضَرْبَيْنِ: أَحدهمَا: أَن يُوصل الْفِعْل كباب الظروف واخترت الرِّجَال زيدا. وَالْآخر: أَن يُوصل الْفِعْل وَلَكِن يكون الْحَرْف كالمثبت فِي اللَّفْظ فيجرون بِهِ كَمَا يجرونَ بِهِ وَهُوَ مُثبت وَذَلِكَ قَوْلهم: الله وكما قَامَ لنا من الدّلَالَة على حذفهم لَهُ فِي وبلدٍ وكما ذهب إِلَيْهِ سِيبَوَيْهٍ فِي: المتقارب ونارٍ توقد بِاللَّيْلِ نَارا

وكما ذهب بعض الْمُتَقَدِّمين من الْبَصرِيين فِي قَوْله: وَاخْتِلَاف اللَّيْل إِلَى أَنه على ذَلِك. وَلَو قَالَ قَائِل فِي إنشاد من أنْشد: الطَّوِيل وَلَا مستنكرٍ أَن تعقرا إِلَى هَذَا الْوَجْه لَكَانَ قِيَاس هَذَا القَوْل. فَأَما تَركهم الرَّد فِي حَال الْإِضْمَار فِي نَحْو: الطَّوِيل فَمنهمْ من يَقُول: إِنَّمَا فعل ذَلِك لِأَن الْإِضْمَار لَا يكون إِلَّا بعد مَذْكُور فَيعلم أَنه إِضْمَار ذَلِك. وَهَذَا إِذا اتسعوا فِيهِ فَجعلُوا نَصبه نصب الْمَفْعُول بِهِ لم يلْزم أَن يكون عَلَيْهِ دلَالَة كَمَا كَانَ فِي حَال كَونه ظرفا.) فَأَما قَوْلهم: لهي أَبوك فَلَا تكون هَذِه اللَّام الثَّانِيَة فِي الِاسْم إِلَّا الَّتِي هِيَ فَاء الْفِعْل. وَالدَّلِيل على ذَلِك أَنَّهَا لَا تَخْلُو من أَن تكون الجارة أَو الْمعرفَة أَو الَّتِي هِيَ فَاء. فَلَا يجوز أَن تكون الْمعرفَة لِأَن تِلْكَ يتضمنها الِاسْم وَإِذا تضمنها الِاسْم لم تظهر. أَلا ترى أَن الْوَاو فِي خَمْسَة عشر لَا تثبت وَاللَّام فِي أمس فِي قَول من بنى لَا تظهر. فَلَمَّا كَانَ الِاسْم هُنَا مَبْنِيا أَيْضا على الْفَتْح وَلم يكن فِيهِ معنى يُوجب بناءه على تضمنه لِمَعْنى حرف التَّعْرِيف وَجب أَيْضا أَن لَا يظْهر كَمَا لم يظْهر أَيْضا فِيمَا ذكرت لَك. فَإِذا لم يجز ظُهُور حرف التَّعْرِيف لم تخل المحذوفة من أحد أَمريْن: إِمَّا أَن تكون الجارة أَو الَّتِي هِيَ فَاء

الْفِعْل. فَلَا يجوز أَن تكون الجارة لِأَنَّهَا مَفْتُوحَة وَتلك مَكْسُورَة مَعَ المظهرة فَلَا يجوز إِذا أَن تكون إِيَّاهَا لِلْفَتْحِ. فَإِن قَالَ قَائِل: مَا تنكر أَن تكون الجارة وَإِنَّمَا فتحت لِأَنَّهَا جَاوَرت الْألف وَالْألف يفتح مَا قبلهَا قيل لَهُ: الدّلَالَة على أَنَّهَا فِي قَوْلهم: لاه أَبوك هِيَ الْفَاء وَلَيْسَت الجارة أَنَّهَا لَو كَانَت الجارة فِي لاه وَفتحت لمجاورة الْألف لوَجَبَ أَن تكسر فِي لهي وَلَا تفتح لزوَال الْمَعْنى الَّذِي أوجب فَتحه وَهُوَ مجاورة الْألف. فَعلمت أَن الْفَتْح لم يكن لمجاورة الْألف. فَإِن قَالَ: ترك فِي الْقلب كَمَا كَانَ فِي غير الْقلب فَذَلِك دَعْوَى لَا دلَالَة عَلَيْهَا وَلَا يَسْتَقِيم فِي الْقلب ذَلِك. أَلا تراهم قَالُوا: جاهٌ فِي قلب وَجه وفقاً فِي فَوق. فَإِذا كَانُوا قد خصوه بأبنيةٍ لَا تكون فِي المقلوب عَنهُ دلّ على أَنه لَيْسَ يجب أَن يكون كالمقلوب عَنهُ. على أَن ادِّعَاء فتح هَذِه اللَّام مَعَ أَنَّهَا الجارة لَا سوغ فِي اللُّغَة الَّتِي هِيَ أشيع وَأفْشى. وَلم تفتح فِي هَذِه اللُّغَة الشائعة إِلَّا مَعَ المنادى وَذَلِكَ لمضارعته الْمُضمر. فَإِذا لم يجز ذَلِك ثَبت أَنَّهَا فَاء الْفِعْل وَإِذا ثَبت ذَلِك ثَبت أَن الجارة مضمرة لَا بُد من ذَلِك. أَلا ترى أَنَّك إِن لم تضمر يتَّصل الِاسْم الثَّانِي بِالْأولِ لِأَنَّهُ لَيْسَ إِيَّاه. فَالْمَعْنى إِذا: لله أَبوك. وَمِمَّا يدل على فَسَاد قَول من قَالَ إِن هَذِه اللَّام هِيَ الجارة أَنَّهَا إِذا كَانَت إِيَّاهَا كَانَت فِي تَقْدِير الِانْفِصَال من الِاسْم من حَيْثُ كَانَ الْعَامِل فِي تَقْدِير الِانْفِصَال عَن الْمَعْمُول فِيهِ فَإِذا كَانَ كَذَلِك فقد ابْتَدَأَ الِاسْم أَوله سَاكن. وَذَلِكَ مِمَّا قد رفضوه وَلم يستعملوه. أَلا ترى أَنهم لم يخففوا الْهمزَة إِذا

كَانَت أول كلمة من حَيْثُ كَانَ تخفيفها تَقْرِيبًا من السَّاكِن. فَإِذا) وَيدل على فَسَاد ذَلِك أَنهم لم يخرموا أول متفاعلن كَمَا خرموا أول فعولن ومفاعلن وَنَحْو ذَلِك مِمَّا يتوالى فِي أَوله متحركات لِأَن متفاعلن يسكن ثَانِيه للزحاف فَيلْزم لَو خرموه كَمَا خرم فعولن الِابْتِدَاء بالساكن. وعَلى هَذَا قَالَ الْخَلِيل: لَو لفظت بِالدَّال من قد وَالْبَاء من اضْرِب لَقلت: أد وإب فاجتلبت همزَة الْوَصْل. وَقَالَ أَبُو عُثْمَان: لَو أعللت الْفَاء من عدَّة وزنة وَنَحْوهمَا وَلم تحذفها للزمك أَن تجتلب همزَة الْوَصْل فِيهَا فَتَقول: إعدة. وَمن زعم أَن الْهمزَة فِي أَنا كَانَ الأَصْل فِيهَا ألفا ثمَّ أبدل مِنْهَا همزَة فقد جهل مَا ذَكرْنَاهُ من مَذَاهِب الْعَرَب ومقاييس النَّحْوِيين. فَأَما أمس فقد جوزت الْعَرَب فِيهِ ضَرْبَيْنِ: ضمنهَا قوم معنى الْحَرْف فبنوها فِي كل حَال وعدلها آخَرُونَ فَلم يصرفوه فَهَؤُلَاءِ جَعَلُوهُ بِمَنْزِلَة سحر فِي بَاب الْعدْل وَأَنَّهُمْ لم يضمنوه الْحَرْف. فَأَما أخر وَالْعدْل فِيهِ فَلهُ موضعٌ آخر يذكر فِيهِ إِن شَاءَ الله تَعَالَى. انْتهى كَلَام أبي عَليّ ولتعلق جَمِيعه بِهَذَا الْبَاب سقناه برمتِهِ ليَكُون كالتتمة لَهُ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق. وَالْبَيْت من قصيدة لذِي الإصبع العدواني وَهُوَ شَاعِر جاهلي

وَتَقَدَّمت تَرْجَمته فِي الشَّاهِد الْخَامِس والثمانين بعد الثلثمائة. وعدتها فِي رِوَايَة الْمفضل فِي المفضليات ثَمَانِيَة عشر بَيْتا وَفِي رِوَايَة ابْن الْأَنْبَارِي فِي شرحها عَن أبي عِكْرِمَة وَرِوَايَة أبي عَليّ القالي فِي أَمَالِيهِ سِتَّة وَثَلَاثُونَ بَيْتا. واقتصرنا على رِوَايَة الْمفضل. قَالَهَا فِي ابْن عَم لَهُ كَانَ ينافسه ويعاديه وَهِي: الْبَسِيط (لي ابْن عَم على مَا كَانَ من خلقٍ ... مُخْتَلِفَانِ فأقليه ويقليني) (أزرى بِنَا أننا شالت نعامتنا ... فخالني دونه وَخلته دوني) (يَا عَمْرو إِلَّا تدع شتمي ومنقصتي ... أضربك حَتَّى تَقول الهامة اسقوني) (لاه ابْن عمك لَا أفضلت فِي حسبٍ ... عني وَلَا أَنْت دياني فتخزوني) (وَلَا تقوت عيالي يَوْم مسغبةٍ ... وَلَا بِنَفْسِك فِي العزاء تكفيني) (إِنِّي لعمرك مَا بَابي بِذِي غلقٍ ... عَن الصّديق وَلَا خيري بممنون)) (وَلَا لساني على الْأَدْنَى بمنطلقٍ ... بالفاحشات وَلَا فتكي بمأمون) (عف يؤوسٌ إِذا مَا خفت من بلدٍ ... هونا فلست بوقافٍ على الْهون) (عني إِلَيْك فَمَا أُمِّي براعيةٍ ... ترعى الْمَخَاض وَمَا رَأْيِي بمغبون) (إِنِّي أبي أبي ذُو محافظةٍ ... وَابْن أبي أبي من أبيين) (وَأَنْتُم معشرٌ زيدٌ على مائةٍ ... فاجمعوا أَمركُم كلا فكيدوني) (فَإِن عَرَفْتُمْ سَبِيل الرشد فَانْطَلقُوا ... وَإِن جهلتم سَبِيل الرشد فأتوني) (مَاذَا عَليّ وَإِن كُنْتُم ذَوي كرمٍ ... أَن لَا أحبكم إِن لم تحبوني) ...

(لَو تشربون دمي لم يرو شاربكم ... وَلَا دماءكم جمعا ترويني) (الله يعلمني وَالله يعلمكم ... وَالله يجزيكم عني ويجزيني) (قد كنت أوتيكم نصحي وأمنحكم ... ودي على مثبتٍ فِي الصَّدْر مَكْنُون) (لَا يخرج الكره مني غير مأبيةٍ ... وَلَا أَلين لمن لَا يَبْتَغِي ليني) وَمن رِوَايَة أبي عِكْرِمَة: (فَإِن ترد عرض الدُّنْيَا بمنقصتي ... فَإِن ذَلِك مِمَّا لَيْسَ يشجيني) (وَلَا يرى فِي غير الصَّبْر منقصةٌ ... وَمَا سواهُ فَإِن الله يَكْفِينِي) (لَوْلَا أياصر قربى لست تحفظها ... وَرَهْبَة الله فِيمَن لَا يعاديني) (إِذن بريتك برياً لَا انجبار لَهُ ... إِنِّي رَأَيْتُك لَا تنفك تبريني) (إِن الَّذِي يقبض الدُّنْيَا ويبسطها ... إِن كَانَ أَغْنَاك عني سَوف يغنيني) (وَالله لَو كرهت كفي مصاحبتي ... لَقلت إِذْ كرهت قربي لَهَا بيني) وَقَوله: لي ابْن عَم علم من هَذَا أَنَّهُمَا اثْنَان. فَقَوله مُخْتَلِفَانِ خبر مُبْتَدأ مُضْمر أَي: نَحن. وَقَوله: من خلق أَي: من تخالق. وَكَانَ تَامَّة أَي: ثَبت ومن بيانٌ لما. ومطلع القصيدة على رِوَايَة أبي عِكْرِمَة والقالي: (يَا من لقلبٍ شَدِيد الْهم محزون ... أَمْسَى تذكر ريا أم هَارُون) ...

(أَمْسَى تذكرها من بَعْدَمَا شحطت ... والدهر ذُو غلظةٍ حينا وَذُو لين) (فَإِن يكن حبها أَمْسَى لنا شجناً ... فَأصْبح الوأي مِنْهَا لَا يواتيني) (فقد غنينا وَشَمل الدَّهْر يجمعنا ... أطيع ريا وريا لَا تعاصيني)) (ترمي الوشاة فَلَا تخطي مقاتلهم ... بصادقٍ من صفاء الود مَكْنُون) ولي ابْن عَم على مَا كَانَ من خلقٍ ... ... ... ... إِلَى آخِره والشجن: الْحزن. والوأي: الْوَعْد. وغنينا: أَقَمْنَا. وَقَوله: أزرى بِنَا إِلَخ قَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: يُقَال أزرى بِهِ إِذا قصر وزرى عَلَيْهِ: إِذا عابه. وَقَوله: شالت نعامتنا أَي: تفرق أمرنَا وَاخْتلف. يُقَال عِنْد اخْتِلَاف الْقَوْم: شالت نعامتهم وزف رألهم. والرأل: فرخ النعام. وَقيل يُقَال شالت نعامتهم إِذا جلوا عَن الْموضع. وَالْمعْنَى: تنافرنا فصلات لَا أطمئن إِلَيْهِ وَلَا يطمئن إِلَيّ وَيُقَال ألقوا عصاهم إِذا سكنوا واطمأنوا. انْتهى. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ فِي المستقصى: شالت نعامتهم أَي: تفَرقُوا وذهبوا. لِأَن النعامة موصوفةٌ بالخفة وَسُرْعَة الذّهاب والهرب. وَيُقَال أَيْضا: خفت نعامتهم وزف رألهم. وَقيل: النعامة: جمَاعَة الْقَوْم. وَأنْشد الْبَيْت مَعَ أَبْيَات أخر. وَقَوله: يَا عَمْرو إِلَّا تدع شتمي إِلَخ قَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: قَالَ الْأَصْمَعِي: الْعَرَب تَقول: الْعَطش فِي الرَّأْس. وَأنْشد قَول الراجز: الرجز (قد علمت أَنِّي مَرْوِيّ هامها ... وَمذهب الغليل من أوامها) إِذا جعلت الدَّلْو فِي خطامها

الغليل: شدَّة الْعَطش. والأوام: حر تَجدهُ فِي أجوافها. وَأنْشد أَيْضا: الطَّوِيل ستعلم إِن متْنا صدًى أَيّنَا الصدي صدًى أَي: عطشاً. وَالْمعْنَى: إِن لَا تدع شتمي اضربك على هامتك حَيْثُ تعطش. وَيُقَال: إِن الرجل إِذا قتل فَلم يدْرك بثأره خرجت هامةٌ من قَبره فَلَا تزَال تصيح: اسقوني اسقوني وَأنْشد فِي ذَلِك: الوافر (فَإِن تَكُ هامةٌ بهراة تزقو ... فقد أزقيت بالمروين هاما) انْتهى. قَالَ الشريف الرضي فِي أَمَالِيهِ بعد نقل هَذَا: وَهَذَا باطلٌ لَا أصل لَهُ. وَيجوز أَن يعنيه ذُو الإصبع على مَذَاهِب الْعَرَب.) وَقَوله: لاه ابْن عمك إِلَخ أَصله: لله ابْن عمك فَحذف لَام الْجَرّ مَعَ لَام التَّعْرِيف وَبَقِي عمله شذوذاً وَهُوَ خبر مقدم وَابْن عمك: مُبْتَدأ مُؤخر وَاللَّام المحذوفة للتعجب. وَنقل الشريف المرتضى عَن ابْن دُرَيْد أَنه قَالَ: أقسم وَأَرَادَ: لله ابْن عمك فَتكون اللَّام للقسم وَجُمْلَة: لَا أفضلت جَوَابه. وَهَذَا غير صَحِيح لِأَنَّهُ يبْقى قَوْله ابْن عمك ضائعاً. وَقَالَ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي أَصله لله در ابْن عمك. وَهَذَا تكلّف لِأَنَّهُ إجحاف مُسْتَغْنى عَنهُ يَجْعَل اللَّام للتعجب وَيكون جملَة: لَا أفضلت إِلَخ

بَيَانا وتفسيراً لجِهَة التَّعَجُّب من كَمَال صِفَاته الْمُقْتَضى للتعجب مِنْهَا. وَقَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: وروى: لاه ابْن عمك بالخفض وَهُوَ قسمٌ الْمَعْنى: رب ابْن عمك بخفض رب فَيكون على هَذَا رب تَابعا للفظ الْجَلالَة بالوصفية وَيكون جملَة: لَا أفضلت إِلَخ جَوَاب الْقسم وَاللَّام المضمرة للقسم ولاه مقسم بِهِ. وَقد أورد الشَّارِح الْمُحَقق هَذَا الْبَيْت فِي عَن من حُرُوف الْجَرّ على أَنَّهَا هُنَا فِي بَابهَا من الْمُجَاوزَة وأفضلت مضمن لِمَعْنى تجاوزت فِي الْفضل. وَأوردهُ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي على أَن عَن فِيهِ بِمَعْنى على قَالَ: لِأَن الْمَعْنى الْمَعْرُوف: أفضلت عَلَيْهِ. وَهَذَا قَول ابْن السّكيت فِي إصْلَاح الْمنطق وَتَبعهُ ابْن قُتَيْبَة وَغَيره. قَالَ ابْن السَّيِّد فِي شرح أَبْيَات أدب الْكَاتِب: ذهب يَعْقُوب بن السّكيت وَمن كِتَابه نقل ابْن قُتَيْبَة هَذِه الْأَبْوَاب إِلَى أَن عَن هَا هُنَا بِمَعْنى عَليّ. وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِك لِأَنَّهُ جعل أفضلت من قَوْلهم: أفضلت على الرجل إِذا أوليته فضلا. وأفضلت هَذِه تتعدى بعلى لِأَنَّهَا بِمَعْنى الإنعام. وَمَعْنَاهُ: إِنَّك لم تنعم عَليّ بِأَن شرفتني فَتعْتَد بذلك عَليّ. وَقد يجوز أَن يكون من قَوْلهم: أعْطى وَأفضل إِذا زَاد على الْوَاجِب. وأفل هَذِه أَيْضا تتعدى بعلى يُقَال:

أفضل على كَذَا أَي: زَاد عَلَيْهِ فضلَة. وَقد يجوز أَن يكون من قَوْلهم: أفضل الرجل إِذا صَار ذَا فضلٍ فِي نَفسه فَيكون مَعْنَاهُ: لَيْسَ لَك فضلٌ تنفرد بِهِ عني وتحوزه دوني. فَتكون عَن هُنَا وَاقعَة موقعها غير مبدلة من على. انْتهى.) وَمِنْه أَخذ مَا نَقله ابْن الملا بقوله: قيل: ضمن أفضل معنى انْفَرد فَعدى بعن لِأَنَّهُ إِذا أفضل عَلَيْهِ فِي الْحسب أَي: زَاد فقد انْفَرد عَنهُ بِتِلْكَ الزِّيَادَة. وَقيل: هِيَ على بَابهَا لِأَنَّهُ إِذا كَانَ أفضل وَكَانَ فَوْقه فِي الْحسب فقد زَاد عَنهُ وَصَارَ فِي حيّز فَكَأَنَّهُ يَقُول: مَا زَاد قدرك عَن قدري وَلَا ارْتَفع شَأْنك عَن شأني. انْتهى. هَذَا وَقد روى صَاحب الأغاني: (لاه ابْن عمك لَا أفضلت فِي حسبٍ ... شَيْئا ... ... ... ... .) وَعَلَيْهَا لَا يكون فِي الْبَيْت عَن فَلَا يَأْتِي هَذَا الْبَحْث. وعَلى تِلْكَ كَانَ الظَّاهِر أَن يَقُول: عَنهُ بضمير الْغَائِب لكنه الْتفت من الْغَيْبَة إِلَى التَّكَلُّم. قَالَ ابْن السَّيِّد: وَيَعْنِي بِابْن الْعم الْمَذْكُور نَفسه فَلذَلِك رد الْإِخْبَار بِلَفْظ الْمُتَكَلّم وَلم يُخرجهُ بِلَفْظ الْغَيْبَة لِئَلَّا يتَوَهَّم أَنه يَعْنِي نَفسه. وَلَو جَاءَ بالْكلَام على لفظ الْغَيْبَة لَكَانَ أحسن وَلكنه أَرَادَ تَأْكِيد الْبَيَان وَرفع الْإِشْكَال. والْحسب: مَا يعده الْإِنْسَان من مآثر نَفسه. وَفِي الْقَامُوس: الديَّان: القهار وَالْقَاضِي وَالْحَاكِم والمجازي الَّذِي لَا يضيع عملا بل يَجْزِي بِالْخَيرِ وَالشَّر.

وتخزوني بِالْخَاءِ وَالزَّاي المعجمتين: مضارع خزاه خزواً بِالْفَتْح: ساسه وقهره وَملكه. وَأما الخزي بِالْكَسْرِ وَهُوَ الهوان والذل فالفعل مِنْهُ كرضي. وأخزاه الله: فضحه. قَالَ الدماميني: يحْتَمل الرّفْع وَالنّصب فِي فتخزوني كَمَا يحتملها نَحْو: مَا تَأْتِينَا فتحدثنا أَي: وَلَا أَنْت مالكي فَأَنت تسوسني أَو لَيْسَ لَك ملك فسياسة. وعَلى تَقْدِير النصب فالفتحة مقدرَة كَمَا فِي قَوْله: الطَّوِيل أَبى الله أَن أسمو بِأم وَلَا أَب وَلَيْسَ بضرورة. وَقد قرئَ فِي الشواذ: إِلَّا أَن يعفون أَو يعْفُو الَّذِي بِيَدِهِ عقدَة النِّكَاح بِإِسْكَان الْوَاو من يعْفُو الَّذِي. انْتهى. وَقَالَ ابْن السَّيِّد: وَقَوله لَا أفضلت مَعْنَاهُ: لم تفضل. وَالْعرب تقرن لَا بِالْفِعْلِ الْمَاضِي فينوب ذَلِك مناب لم إِذا قرنت بِالْفِعْلِ الْمُسْتَقْبل. فَمن ذَلِك قَوْله تَعَالَى: فَلَا صدق وَلَا صلى. مَعْنَاهُ: لم يصدق وَلم يصل. وَمِنْه قَول أبي) خرَاش: الرجز وَمعنى الْبَيْت: لله ابْن عمك الَّذِي ساواك فِي الْحسب وماثلك فِي

الشّرف فَلَيْسَ لَك فضل عَلَيْهِ فتفتخر بِهِ وَلَا أَنْت مَالك أمره فتسوسه وتصرفه على حكمك. وَقَوله: وَلَا تقوت عَليّ إِلَخ تقوت: تُعْطِي الْقُوت. والمسغبة: المجاعة. والعزاء بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَتَشْديد الزَّاي: الضّيق والشدة. وَقَوله: إِنِّي لعمرك إِلَخ الْمَمْنُون: الْمَقْطُوع أَو من الْمِنَّة. وَقَوله: عف يؤوس إِلَخ أَي: أعف عَمَّا لَيْسَ لي لست بِذِي طمع آيس مِمَّا فِي أَيدي غَيْرِي فَلَا تتبعه نَفسِي. والْهون بِالضَّمِّ: الذل. وَقَوله: فَمَا أُمِّي براعية أَي: لست بِابْن أمة. عرض بِهِ وَكَانَ ابْن أمة. وَإِنَّمَا خص رعية الْمَخَاض لِأَنَّهَا أَشد من رعية غَيرهَا وَلَا يمتهن فِيهَا إِلَّا من لم يبال بِهِ. وَقَوله: إِنِّي أبي إِلَخ قَالَ ابْن جني فِي سر الصِّنَاعَة: كسرة النُّون من أبيين حَرَكَة التقاء الساكنين وهما الْيَاء وَالنُّون وَكسرت النُّون على أصل التقاء الساكنين إِذا التقيا. وَلم تفتح كَمَا تفتح نون الْجمع لِأَن الشَّاعِر اضْطر إِلَى ذَلِك لِئَلَّا يخْتَلف حَرَكَة حرف الروي فِي سَائِر الأبيات. وَقَوله: وَأَنْتُم معشر إِلَخ زيدٌ: زِيَادَة. وَأجْمع أمره بألفٍ قَالَ تَعَالَى: فَأَجْمعُوا أَمركُم وشركاءكم. وَقَوله: لَا يخرج الكره هُوَ فَاعل يخرج يَقُول: إِذا أكرهت على الشَّيْء لم يكن عِنْدِي إِلَّا الإباء لَهُ لَا أعطي على القسر شَيْئا. والمأبية: مصدر كالإباء

(النكرة والمعرفة)

(النكرَة والمعرفة) أنْشد فِيهِ 3 - (الشَّاهِد الرَّابِع وَالْعشْرُونَ بعد الْخَمْسمِائَةِ) وَهُوَ من شَوَاهِد س: الوافر أظبيٌ كَانَ أمك أم حمَار على أَن الضَّمِير الْمُسْتَتر فِي كَانَ نكرَة لِأَنَّهُ عَاد على نكرَة غير مُخْتَصَّة بشيءٍ وَهُوَ ظَبْي. وَقد تكلم الشَّارِح الْمُحَقق عَلَيْهِ فِي بَاب الْأَفْعَال النَّاقِصَة وَسَيَأْتِي إِن شَاءَ الله الْكَلَام عَلَيْهِ هُنَاكَ. ولنشرح هُنَا الشّعْر ونعين قَائِله فَنَقُول: هُوَ من أَبْيَات أوردهَا أَبُو تَمام فِي كتاب مُخْتَار أشعار الْقَبَائِل ونسبها لثروان ابْن فَزَارَة بن عبد يَغُوث العامري وَهِي: (وكائن قد رَأَيْت من اهل دارٍ ... دعاهم رائدٌ لَهُم فَسَارُوا) (فَأصْبح عَهدهم كمقص قرنٍ ... فَلَا عينٌ تحس وَلَا أثار) (فَإنَّك لَا يَضرك بعد عامٍ ... أظبيٌ كَانَ أمك أم حمَار) (فقد لحق الأسافل بالأعالي ... وماج اللؤم وَاخْتَلَطَ النجار) (وَعَاد العَبْد مثل أبي قبيسٍ ... وسيق مَعَ المعلهجة العشار)

وَقَوله: وكائن هِيَ خبرية بِمَعْنى كم الخبرية. والرائد: الَّذِي يُرْسل فِي طلب الْكلأ. وَقَوله: فَأصْبح عَهدهم إِلَخ الْعَهْد بِالْفَتْح: الْمنزل الَّذِي لَا يزَال الْقَوْم إِذا بعدوا عَنهُ رجعُوا إِلَيْهِ وَكَذَلِكَ المهد. وَقَوله: كمقص قرن قَالَ أَبُو تَمام أَي: كمقطع قرن. يُرِيد: خلت دِيَارهمْ. وَقيل: مقص قرن: جبلٌ مشرف على عَرَفَات أَيْضا. وَلَيْسَ يُريدهُ. انْتهى. قَالَ أَبُو مُحَمَّد الْأَعرَابِي: مقص: موضعٌ تقتص فِيهِ الأَرْض أَي: لَا يُوجد لَهُم ولعهدهم أثر كَمَا لَا يُوجد أثر من يمشي على صَخْرَة. وقرن: جبل. انْتهى. وتحس: بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول من أحس الرجل الشَّيْء إحساساً أَي: علم بِهِ. والأثار بِالْفَتْح هُوَ الْأَثر. وَيُقَال: أثارةٌ أَيْضا بِالْهَاءِ.) وَقَوله: لقد بدلت أَهلا إِلَخ بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول. والسخار بِضَم السِّين وَكسرهَا: اسْم للسخرية والاستهزاء. وَرَوَاهُ مؤرجٍ السدُوسِي فِي أَمْثَاله: فَإنَّك لَا يضورك يُقَال: ضاره يضوره ويضيره بِمَعْنى. ورويا: حولٍ بدل عَام. وَلم أر رِوَايَة فَإنَّك لَا تبالي لأحد إِلَّا للنحويين. وَقَوله: أظبي كَانَ إِلَخ هَذِه هِيَ الرِّوَايَة الْمَشْهُورَة الَّتِي رَوَاهَا سِيبَوَيْهٍ فَمن دونه من النُّحَاة. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد الْأسود الْأَعرَابِي فِي رده على ابْن السيرافي فِي شرح أَبْيَات سِيبَوَيْهٍ: كَيفَ يكون الظبي وَالْحمار أَمِين وهما ذكرا الْحَيَوَان حَتَّى إِن الْمثل يضْرب بالحمار فَيُقَال: من ينك العير ينك نياكا

وَالصَّوَاب مَا أنشدناه أَبُو الندى: أظبي ناك أمك أم حمَار وَإِنَّمَا قلبت اللَّفْظَة تحرجاً فِيمَا أرى ثمَّ اسْتشْهد بِهِ النحويون على ظَاهره. وَهَذِه الأبيات قِطْعَة طريفةً أَكتبهَا أَبُو الندى وَذكر أَنَّهَا لثروان بن فَزَارَة بن عبد يَغُوث بن ربيعَة بن عَمْرو بن عَامر. انْتهى. أَقُول: يدْفع مَا توقف فِيهِ بِأَن أم هُنَا مَعْنَاهُ الأَصْل. وَهَذَا معنى شَائِع لَا يَنْبَغِي الْعُدُول عَنهُ فَإِن الْأُم فِي اللُّغَة تطلق على أصل كل شَيْء سواءٌ كَانَ فِي الْحَيَوَان أَو فِي غَيره. وَقَالَ الأعلم: فِي شرح شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ وصف فِي الْبَيْت تغير الزَّمَان واطراح مُرَاعَاة الْأَنْسَاب. فقد لحق الأسافل بالأعالي فَيَقُول: لَا تبالي بعد قيامك بِنَفْسِك واستغنائك عَن أَبَوَيْك من انتسبت إِلَيْهِ من شرِيف أَو وضيع. وَضرب الْمثل بالظبي وَالْحمار وجعلهما أَمِين وهما ذكران لِأَنَّهُ مثلٌ لَا حَقِيقَة وَقصد قصد الجنسين وَلم يُحَقّق أبوة. وَذكر الْحول لذكر الظبي وَالْحمار لِأَنَّهُمَا يستغنيان بأنفسهما بعد الْحول فَضرب الْمثل بِذكرِهِ للْإنْسَان لما أَرَادَ من استغنائه بِنَفسِهِ. انْتهى. وَقَوله: وماج اللؤم إِلَخ ماج يموج. واللؤم: دناءة النَّفس

والآباء. والنجار بِكَسْر النُّون وَضمّهَا بعْدهَا جِيم: الأَصْل أَي: ذهب السودد وَغلب على النَّاس اللؤم والدناءة واشتبه الأَصْل وَالنّسب حَتَّى لَو بقوا على هَذِه الْحَالة سنة لَا يُبَالِي إنسانٌ أهجيناً كَانَ أَو غير هجين.) وَقَوله: مثل أبي قبيس هُوَ مصغر أَبُو قَابُوس وَهُوَ كنية النُّعْمَان بن الْمُنْذر ملك الْحيرَة. وقَابُوس: مُعرب كاووس اسْم ملكٍ من مُلُوك الْفرس الْقَدِيمَة. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد الْأَعرَابِي: الَّذِي أنشدناه أَبُو الندى: وَعَاد الفند مثل أبي قبيس والفند بِكَسْر الْفَاء وَسُكُون النُّون: قِطْعَة من الْجَبَل طولا وَقيل: الْجَبَل الْعَظِيم. وأَبُو قبيس: جبلٌ بِمَكَّة سمي بِرَجُل من مذْحج حداد لِأَنَّهُ أول من بنى فِيهِ. وَفِي الْقَامُوس: المعلهج كمزعفر: الأحمق اللَّئِيم والهجين. وَحكم الْجَوْهَرِي بِزِيَادَة هائه غلط. والهجين: اللَّئِيم وعربي ولد من أمة أَو من أَبوهُ خيرٌ من أمه. وفرسٌ هجين: غير كريم كالبرذون. والعشار بِالْكَسْرِ: جمع عشير وَهُوَ الْقَرِيب وَالصديق أَو جمع عشراء والعشراء من النوق: الَّتِي مضى لحملها عشرَة أشهر أَو ثَمَانِيَة أَو هِيَ كالنفساء من النِّسَاء. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد الْأَعرَابِي: الفند كِنَايَة عَن الرجل الوضيع. وَأَبُو قبيس: الرجل الشريف. والمعلهجة: الْفَاسِدَة النّسَب أَي: تزوجت هَذِه المعلهجة ومهرت مهر الشَّرِيفَة. وثروان بن فَزَارَة: صَحَابِيّ وَفد على رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ. وَهُوَ الْقَائِل:

الطَّوِيل (إِلَيْك رَسُول الله خبت مطيتي ... مَسَافَة أرباعٍ تروح وتغتدي) وَنسبه صَاحب الجمهرة وَابْن حجر فِي الْإِصَابَة عَنهُ كَذَا: ثروان بن فَزَارَة ابْن عبد يَغُوث بن زُهَيْر الصتم بن ربيعَة بن عَمْرو بن عَامر بن ربيعَة بن عَامر بن صعصعة. والصتم بِفَتْح الصَّاد وَسُكُون التَّاء الْمُثَنَّاة الْفَوْقِيَّة: لقب زُهَيْر وَيُقَال لَهُ: زهيرٌ الْأَكْبَر. وَنسب سِيبَوَيْهٍ هَذَا الْبَيْت لخداش بن زُهَيْر. وَزُهَيْر هَذَا هُوَ زُهَيْر الصتم الْمَذْكُور وَهُوَ أَخُو عبد يَغُوث جد ثروان الصَّحَابِيّ. قَالَ المرزباني: هُوَ جاهلي. وَأوردهُ ابْن حجر فِي الْإِصَابَة فِي قسم المخضرمين الَّذين أدركوا زمن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وَلم يجتمعوا بِهِ. قَالَ: خِدَاش بن زُهَيْر العامري شهد حنيناً مَعَ الْمُشْركين وَله فِي ذَلِك شعر يَقُول فِيهِ: الْبَسِيط (يَا شدَّة مَا شددنا غير كاذبةٍ ... على سخينة لَوْلَا اللَّيْل وَالْحرم) ثمَّ أسلم خداشٌ بعد ذَلِك بِزَمَان ووفد وَلَده سعساع على عبد الْملك يتنازعون فِي العرافة فَنظر إِلَيْهِ عبد الْملك فَقَالَ: قد وليتك العرافة. فَقَامَ قومه وهم يَقُولُونَ: فلج ابْن خِدَاش) فسمعهم عبد الْملك فَقَالَ: كلا وَالله لَا يهجونا أَبوك فِي الْجَاهِلِيَّة ونسودك فِي الْإِسْلَام. وَذكر الْبَيْت الْمُتَقَدّم. وَالْمرَاد بقوله: سخينة قُرَيْش. وَذكر المرزباني أَنه جاهلي وَأَن الْبَيْت الَّذِي قَالَه فِي قُرَيْش كَانَ فِي حَرْب الْفجار. وَهَذَا أصوب. انْتهى.

(الشاهد الخامس والعشرون بعد الخمسمائة)

وَنسب العسكري فِي كتاب التَّصْحِيف الْبَيْت الشَّاهِد لزرارة بن فروان من بني عَامر بن صعصعة وَقَالَ: الْفَاء فِي فروان مَفْتُوحَة. وَلم أر زُرَارَة هَذَا فِي الْأَقْسَام الْأَرْبَعَة من الْإِصَابَة وَلَا فِي جمهرة الْأَنْسَاب لِابْنِ الْكَلْبِيّ. وَالله أعلم. وَلَقَد أَمر على اللَّئِيم يسبني على أَنه يجوز وصف الْمُعَرّف بِاللَّامِ الجنسية بالنكرة كَمَا هُنَا فَإِن جملَة يسبني نكرَة وَقعت وَصفا للئيم. وَفِيه أَنهم قَالُوا: الْجمل لَا تتصف بتعريف وَلَا تنكير. وَقَالُوا أَيْضا: إِن الْجُمْلَة بعد الْمُعَرّف بِاللَّامِ الجنسية يحْتَمل أَن تكون حَالا مِنْهُ وَأَن تكون وَصفا لَهُ. ومثلوا بِهَذَا الْبَيْت. مِنْهُم ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي وَغَيره. وَأنْشد بعده 3 - (الشَّاهِد الْخَامِس وَالْعشْرُونَ بعد الْخَمْسمِائَةِ) الْكَامِل (أزف الترحل غير أَن رِكَابنَا ... لما تزل برحالنا وَكَأن قد)

على أَن قد كلمة مُسْتَقلَّة يصلح الْوَقْف عَلَيْهَا. وَهَذَا الْفَصْل قد أَخذه الشَّارِح الْمُحَقق من سر الصِّنَاعَة لِابْنِ جني وَهَذِه عِبَارَته فِيهِ قَالَ: وَذهب الْخَلِيل إِلَى أَن حرف التَّعْرِيف بِمَنْزِلَة قد فِي الْأَفْعَال وَأَن الْهمزَة وَاللَّام جَمِيعًا للتعريف. وَحكي عَنهُ أَنه كَانَ يسميها أل كَقَوْلِنَا: قد وَأَنه لم يكن يَقُول الْألف وَاللَّام كَمَا لَا تَقول فِي قد الْقَاف وَالدَّال. وَيُقَوِّي هَذَا الْمَذْهَب قطع أل فِي أَنْصَاف الأبيات نَحْو قَول عبيد: الرمل المرفل (يَا خليلي اربعا واستخبرا ال ... منزل الدارس من أهل الْحَلَال) (مثل سحق الْبرد عفى بعْدك ال ... قطر مغناه وتأويب الشمَال) وَهَذِه قطعةٌ لِعبيد مَشْهُورَة عَددهَا بضعَة عشر بَيْتا يطرد جَمِيعهَا على هَذَا الْقطع الَّذِي ترَاهُ إِلَّا بَيْتا وَاحِدًا من جُمْلَتهَا. وَلَو كَانَت اللَّام وَحدهَا حرفا للتعريف لما جَازَ فصلها من الْكَلِمَة الَّتِي عرفتها لاسيما وَاللَّام سَاكِنة والساكن لَا ينوى بِهِ الِانْفِصَال. وَيُقَوِّي ذَلِك أَيْضا قَول الآخر: الرجز (عجل لنا هَذَا وألحقنا بذال ... الشَّحْم إِن قد أجمناه بجل) فإفراده أل وإعادته إِيَّاهَا فِي الْبَيْت الثَّانِي يدل من مَذْهَبهم على قُوَّة اعْتِقَادهم لقطعها فَصَارَ قطعهم أل وهم يُرِيدُونَ الِاسْم بعْدهَا كَقطع النَّابِغَة قد وَهُوَ يُرِيد الْفِعْل بعْدهَا. وَذَلِكَ قَوْله: (أفد الترحل غير أَن رِكَابنَا ... لما تزل برحالنا وَكَأن قد)

أَلا ترى أَن التَّقْدِير فِيهِ: وَكَأن قد زَالَت فَقطع قد من الْفِعْل كَقطع أل من الِاسْم. وعَلى هَذَا أَيْضا قَالُوا فِي التَّذَكُّر: قَامَ ال إِذا نَوَيْت بعده كلَاما أَي: الْحَارِث وَالْعَبَّاس فَجرى هَذَا مجْرى قَوْلك فِي التَّذَكُّر: قدي أَي: قد انْقَطع أَو قد قَامَ أَو قد استخرج وَنَحْو ذَلِك. وَإِذا كَانَ أل عِنْد الْخَلِيل حرفا وَاحِدًا فقد كَانَ يَنْبَغِي أَن تكون همزته مَقْطُوعَة ثَابِتَة كقاف قد وباء بل إِلَّا أَنه لما كثر استعمالهم لهَذَا الْحَرْف عرف مَوْضِعه فحذفت همزته كَمَا حذفوا: لم يَك وَلم أدر وَلم أبل.) ويؤكد هَذَا القَوْل عنْدك أَيْضا أَنهم قد أثبتوا هَذِه الْهمزَة بِحَيْثُ تحذف همزات الْوَصْل الْبَتَّةَ وَذَلِكَ نَحْو قَول الله عَزَّ وَجَلَّ: الله أذن لكم و: آلذكرين حرم أم الْأُنْثَيَيْنِ وَنَحْو قَوْلهم فِي الْقسم: أفأ لله ولاها الله ذَا. وَلم نر همزَة الْوَصْل ثبتَتْ فِي نَحْو هَذَا فَهَذَا كُله يُؤَكد أَن همزَة أل لَيست بِهَمْزَة وصل وَأَنَّهَا مَعَ اللَّام كقد وَهل وَنَحْوهمَا. انْتهى كَلَامه. ثمَّ أَخذ فِي تأييد الْمَذْهَب بِكَوْن اللَّام هِيَ الْمعرفَة ونفض مَذْهَب الْخَلِيل فَقَالَ: وَأما مَا يدل على أَن اللَّام وَحدهَا هِيَ حرف التَّعْرِيف وَأَن الْهمزَة إِنَّمَا دخلت عَلَيْهَا لسكونها فَهُوَ جر الْجَار إِلَى مَا بعد حرف التَّعْرِيف وَذَلِكَ نَحْو قَوْلهم: عجبت من الرجل ومررت بالغلام فنفوذ الْجَرّ بحرفه إِلَى مَا بعد التَّعْرِيف يدل على أَن حرف التَّعْرِيف غير فاصلٍ عِنْدهم بَين الْجَار وَالْمَجْرُور. وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِك لِأَنَّهُ فِي نِهَايَة اللطافة والاتصال بِمَا عرفه. وَإِنَّمَا كَانَ

كَذَلِك لِأَنَّهُ على حرف وَلَو كَانَ حرف التَّعْرِيف عِنْدهم حرفين كقد وَهل لما جَازَ الْفَصْل بِهِ بَين الْجَار وَالْمَجْرُور لِأَن قد وهَل كلمتان بائنتان قائمتان بأنفسهما. أَلا ترى أَن أَصْحَابنَا أَنْكَرُوا على الْكسَائي وَغَيره فِي قِرَاءَته: ثمَّ ليقطع بِسُكُون اللَّام. وَكَذَلِكَ: ثمَّ ليقضوا تفثهم لِأَن ثمَّ قَائِمَة بِنَفسِهَا لِأَنَّهَا على أَكثر من حرف وَاحِد وَلَيْسَت كواو الْعَطف وفائه لِأَن تينك ضعيفتان متصلتان بِمَا بعدهمَا فلطفتا عَن نِيَّة فصلهما وقيامهما بأنفسهما. وَكَذَلِكَ لَو كَانَ حرف التَّعْرِيف فِي نِيَّة الِانْفِصَال لما جَازَ نُفُوذ الْجَرّ إِلَى مَا بعد حرف التَّعْرِيف. وَهَذَا يدل على شدَّة امتزاج حرف التَّعْرِيف بِمَا عرفه. وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِك لقلته وَضَعفه عَن قِيَامه بِنَفسِهِ وَلَو كَانَ حرفين لما لحقته هَذِه الْقلَّة وَلَا تجَاوز حرف الْجَرّ إِلَى مَا بعده. ودليلٌ آخر يدل على شدَّة اتِّصَال حرف التَّعْرِيف بِمَا دخل عَلَيْهِ وَهُوَ أَنه قد حدث بِدُخُولِهِ معنى فِيمَا عرفه لم يكن قبل دُخُوله وَهُوَ معنى التَّعْرِيف فَصَارَ الْمُعَرّف كَأَنَّهُ غير ذَلِك المنكور وشيءٌ سواهُ. أَلا ترى إِلَى إجازتهم الْجمع بَين رجل وَالرجل قافيتين فِي شعر وَاحِد من غير استكراه وَلَا اعْتِقَاد إبطاء. فَهَذَا يدلك على أَن حرف التَّعْرِيف كَأَنَّهُ مَبْنِيّ مَعَ مَا عرفه كَمَا أَن يَاء التحقير

فَكَمَا جَازَ أَن يجمع بَين رجلكم ورجيلكم قافيتين وَبَين درهمكم ودراهمكم كَذَلِك جَازَ أَيْضا أَن يجمع بَين رجل وَالرجل لِأَن للنكرة شَيْء سوى الْمعرفَة كَمَا أَن المكبر غير المصغر) وكما أَن الْوَاحِد غير الْجَمِيع. فَهَذَا أَيْضا دليلٌ قوي يدل على أَن حرف التَّعْرِيف مَبْنِيّ مَعَ مَا عرفه أَو كالمبني مَعَه. ويزيدك تأنيساً بِهَذَا أَن حرف التَّعْرِيف نقيض التَّنْوِين لِأَن التَّنْوِين دَلِيل التنكير كَمَا أَن هَذَا الْحَرْف دَلِيل التَّعْرِيف. فَكَمَا أَن التَّنْوِين فِي آخر الِاسْم وَاحِد فَكَذَلِك حرف التَّعْرِيف من أَوله يَنْبَغِي أَن يكون حرفا وَاحِدًا. فَأَما مَا يحْتَج بِهِ الْخَلِيل من انْفِصَاله عَنهُ بِالْوُقُوفِ عَلَيْهِ عِنْد التَّذَكُّر فَإِن ذَلِك لَا يدل على أَنه فِي نِيَّة الِانْفِصَال مِنْهُ لِأَن لقَائِل أَن يَقُول: إِنَّه حرف وَاحِد وَلَكِن الْهمزَة لما دخلت على اللَّام فَكثر اللَّفْظ بهَا أشبهت اللَّام بِدُخُول الْهمزَة عَلَيْهَا من جِهَة اللَّفْظ لَا الْمَعْنى مَا كَانَ من الْحُرُوف على حرفين نَحْو: هَل وَلَو وَمن وَقد فَجَاز فصلها فِي بعض الْمَوَاضِع. وَهَذَا الشّبَه اللَّفْظِيّ موجودٌ فِي كثير من كَلَامهم. أَلا ترى أَن أَحْمد وبابه مِمَّا ضارع الْفِعْل لفظا إِنَّمَا روعيت بِهِ مشابهة اللَّفْظ فَمنع مَا يخْتَص وَمن الشّبَه الفظي مَا حكى سِيبَوَيْهٍ من صرفههم جندلاً وذلذلاً وَذَلِكَ أَنه لما فقد الْألف الَّتِي فِي جنادل وذلاذل من اللَّفْظ أشبها الْآحَاد نَحْو: علبط وخزخز فصرفا كَمَا صرفا وَإِن كَانَ الْجَمِيع من وَرَاء الْإِحَاطَة بِالْعلمِ أَنه لَا يُرَاد هُنَا إِلَّا الْجمع فغلب شبه اللَّفْظ بِالْوَاحِدِ وَإِن كَانَت الدّلَالَة قد قَامَت من طَرِيق الْمَعْنى على إدارة الْجمع. وَهَذَا الشّبَه

اللَّفْظِيّ أَكثر من أَن أضبطه لَك. فَكَذَلِك جَازَ أَن تشبه اللَّام لما دخلت الْهمزَة عَلَيْهَا فكثرتها فِي اللَّفْظ بِمَا جَاءَ من الْحُرُوف على حرفين: نَحْو بل وَقد وَلنْ. وكما جَازَ الْوُقُوف عَلَيْهَا مَعَ التَّذَكُّر لما ذَكرْنَاهُ من مشابهتها قد وبل كَذَلِك جَازَ أَيْضا قطعهَا فِي المصراع الأول ومجيء مَا تعرف بِهِ فِي المصراع الثَّانِي نَحْو مَا أنشدناه لِعبيد. وَأما قَوْله سُبْحَانَهُ: آلذكرين حرم وَقَوله: آللَّهُ أذن لَهُم فَإِنَّمَا جَازَ احتمالهم لقطع همزَة الْوَصْل مَخَافَة التباس الِاسْتِفْهَام بالْخبر. وَأَيْضًا فقد يقطعون فِي المصراع الأول بعض الْكَلِمَة وَمَا هُوَ مِنْهَا أصل ويأتون بالبقية فِي أول المصراع الثَّانِي. فَإِذا جَازَ ذَلِك فِي أنفس الْكَلم وَلم يدل على انْفِصَال بعض الْكَلِمَة من بعض فَغير مُنكر أَيْضا أَن يفصل لَام الْمعرفَة فِي المصراع الأول وَلَا يدل ذَلِك على أَنَّهَا عِنْدهم فِي نِيَّة الِانْفِصَال كَمَا لم يكن) ذَلِك فِيمَا هُوَ من أصل الْكَلِمَة. (يَا نفس أكلا واضطجا ... عاً نفس لست بخالدة) وَهُوَ كثير. وَمِنْه قَول الْأَعْشَى: الْخَفِيف (حل أَهلِي مَا بَين درنا فبادو ... لي وحلت علوِيَّة بالسخال) وَإِذا جَازَ قطع همزَة الْوَصْل الَّتِي لَا اخْتِلَاف بَينهم فِيهَا نَحْو مَا أنْشدهُ أَبُو الْحسن: الطَّوِيل (أَلا لَا أرى اثْنَيْنِ أحسن شِيمَة ... على حدثان الدَّهْر مني وَمن جمل)

فَأن يجوز قطع الْهمزَة الَّتِي هِيَ مُخْتَلف فِي أمرهَا وَهِي مَفْتُوحَة أَيْضا مشابهةٌ لما لَا يكون من الْهَمْز إِلَّا قطعا نَحْو همزَة أَحْمَر أولى وأجدر. إِلَى آخر مَا ذكر فَإِنَّهُ أَطَالَ وأطاب بضعفي مَا نقلنا. وَقد أوردهُ الشَّارِح الْمُحَقق فِي الجوازم وَفِي كَأَن من الْحُرُوف المشبهة بِالْفِعْلِ أَيْضا على أَن الْفِعْل بعد قد مَحْذُوف أَي: كَأَن قد زَالَت. وَقد أوردهُ ابْن هِشَام على أَن الْفِعْل يجوز حذفه بعْدهَا لقَرِينَة وَفِي التَّنْوِين أَيْضا على أَن دَال قد لحقها تَنْوِين الترنم قَالَ: تَنْوِين الترنم وَهُوَ اللَّاحِق للقوافي الْمُطلقَة بَدَلا من حرف الْإِطْلَاق وَهُوَ الْألف وَالْوَاو وَالْيَاء وَذَلِكَ فِي إنشاد بني تَمِيم. وَظَاهر قَوْلهم أَنه تَنْوِين مُحَصل للترنم. وَقد صرح بذلك ابْن يعِيش. وَالَّذِي صرح بِهِ سِيبَوَيْهٍ وَغَيره من الْمُحَقِّقين أَنه جِيءَ بِهِ لقطع الترنم وَأَن الترنم وَهُوَ التَّغَنِّي يحصل بأحرف الْإِطْلَاق لقبولها لمد الصَّوْت فِيهَا فَإِذا أنشدوا وَلم يترنموا جاؤوا بالنُّون فِي مَكَانهَا. وَلَا يخْتَص هَذَا التَّنْوِين بِالِاسْمِ بِدَلِيل قَوْله: وَكَأن قدن الْبَيْت. انْتهى. وَالْبَيْت من قصيدة للنابغة الذبياني وَهُوَ من أَوَائِل القصيدة وَهِي: (أَمن ال مية رائحٌ أَو مغتدي ... عجلَان ذَا زادٍ وَغير مزود) (زعم البوارح أَن رحلتنا غَدا ... وبذاك تنعاب الْغُرَاب الْأسود) (لَا مرْحَبًا بغدٍ وَلَا أَهلا بِهِ ... إِن كَانَ تَفْرِيق الْأَحِبَّة فِي غَد)

أزف الترحل ... ... ... ... ... ... ... . الْبَيْت قَالَ شَارِح ديوانه: قَوْله: أَمن ال مية يُخَاطب نَفسه كالمستثب وَالنُّون من أَمن متحركة بفتحة) همزَة أل الملقاة عَلَيْهَا لتحذف تَخْفِيفًا. قَالَ الْأَصْمَعِي: تَقْدِيره أم آل مية أَنْت رائح أَو مغتد. ورائح: من رَاح يروح رواحاً. ومغتد: من اغتدى أَي: ذهب وَقت الْغَدَاة وَهُوَ ضد الرواح. وعجلَان: من العجلة نَصبه على الْحَال. وذَا: حالٌ من ضمير عجلَان وَقيل: بدل مِنْهُ. والزاد فِي هَذَا الْموضع: مَا كَانَ من تَسْلِيم ورد تَحِيَّة. وتنعاب الْغُرَاب: صياحه. والبوارح: جمع بارح وَهُوَ مَا ولاك مياسره يمر من ميامنك إِلَى مياسرك. وَالْعرب تتطير بالبارح وتتفاءل بالسانح. وأزف: من بَاب فَرح أَي: دنا. وروى بدله: أفد وَهُوَ مثله وزنا وَمعنى. والترحل: الرحيل. وغير مَنْصُوب على الِاسْتِثْنَاء الْمُنْقَطع. والركاب: الْإِبِل وَاحِدهَا رَاحِلَة من غير لَفظهَا. ولما: جازمةٌ بِمَعْنى لم. وتزل بِضَم الزَّاي من زَالَ يَزُول زوالاً أَي: فَارق. وَالْبَاء للمعية. والرّحال: جمع رَحل وَهُوَ مَا يستصحبه الْإِنْسَان من الأثاث. وكَأَن مُخَفّفَة من الثَّقِيلَة. قَالَ الشَّارِح الْمُحَقق فِي بَابهَا: الْأَفْصَح عِنْد تخفيفها إلغاؤها وَإِذا لم تعملها لفظا فَفِيهَا ضمير شَأْن مُقَدّر فاسمها ضمير الشَّأْن وَالْجُمْلَة المحذوفة بعد قد خَبَرهَا. وَسَيَأْتِي الْكَلَام عَلَيْهِ إِن شَاءَ الله فِي كَأَن. وَنقل ابْن الملا فِي شرح الْمُغنِي عَن ابْن جني فِي الخصائص

أَنه جوز أَن يكون قدي هُنَا بِمَعْنى حسبي أَي: وَكَأن ذَلِك حسبي ف قدي وَحده هُوَ الْخَبَر. هَذَا كَلَامه. وَأنْشد بعده الرمل المرفل (يَا خليلي اربعا واستخبرا ال ... منزل الدارس من أهل الْحَلَال) على أَن الْخَلِيل اسْتدلَّ على أَن حرف التَّعْرِيف أل لَام اللَّام وَحدهَا بفصل الشَّاعِر إِيَّاهَا من الْمُعَرّف بهَا. وَلَو كَانَت اللَّام وَحدهَا حرف تَعْرِيف لما جَازَ فصلها من الْمُعَرّف لَا سِيمَا وَاللَّام سَاكِنة. وَقد تقدم بَيَانه ونقضه فِي الْبَيْت قبله. قَالَ ابْن جني فِي الْمنصف وَهُوَ شرح تصريف الْمَازِني الْمُسَمّى بالملوكي: قد ذهب بَعضهم إِلَى أَن الْألف وَاللَّام جَمِيعًا للتعريف بِمَنْزِلَة قد فِي الْأَفْعَال وَلَكِن هَذِه الْهمزَة لما كثرت فِي الْكَلَام) وَعرف موضعهَا والهمزة مستثقلة حذفت فِي الْوَصْل لضربٍ من التَّخْفِيف. قَالُوا: وَالدَّلِيل على ذَلِك أَن الشَّاعِر إِذا اضْطر فصلها من الْكَلِمَة كَمَا تفصل قد. من ذَلِك قَوْله: الرجز (عجل لنا هَذَا وألحقنا بذا ال ... شَحم إِنَّا قد مللناه بجل) فقطعها فِي الْبَيْت الأول ثمَّ ردهَا فِي أول الْكَلِمَة بعد. لِأَنَّهَا مرت

فِي الْبَيْت الأول فَكَأَنَّهَا لما تَبَاعَدت أنسيها وَلم يعْتد بهَا. وَهَذَا أحد مَا يدل عِنْدِي على أَن مَا كَانَ من الرجز على ثَلَاثَة أَلا ترى أَنه رد أل فِي أول الْبَيْت الثَّانِي. لِأَن الأول بيتٌ كَامِل قد قَامَ بِنَفسِهِ وتمت أجزاؤه فَاحْتَاجَ فِي ابْتِدَاء الْبَيْت الثَّانِي أَن يعرف الْكَلِمَة الَّتِي فِي أَوله فَلم يعْتد بالحرف الَّذِي كَانَ فَصله لِأَنَّهُمَا ليسَا فِي بيتٍ وَاحِد. وَلَو كَانَ هَذَانِ البيتان بَيْتا وَاحِدًا كَمَا يَقُول من يُخَالف لما احْتَاجَ إِلَى رد حرف التَّعْرِيف. أَلا ترى أَن عبيدا لما جَاءَ بقصيدة طَوِيلَة الأبيات وَجعل آخر المصراع الأول أل لم يعد الْحَرْف فِي أول المصراع الثَّانِي لما كَانَا مصراعين وَلم يكن كل وَاحِد مِنْهُمَا بَيْتا قَائِما بِرَأْسِهِ. وَذَلِكَ قَوْله: (يَا خليلي اربعا واستخبرا ال ... منزل الدارس من أهل الْحَلَال) فطرد هَذِه القصيدة وَهِي بضعَة عشر بَيْتا على هَذَا الطرز إِلَّا بَيْتا وَاحِدًا وَهُوَ: (فانتحينا الْحَارِث الْأَعْرَج فِي ... جحفلٍ كالليل خطار العوالي) فَهَذَا مَا عِنْدِي فِي هَذَا. وَقد كَانَ أَبُو عَليّ يحْتَج أَيْضا على أبي الْحسن بشيءٍ غير هَذَا. انْتهى. وَقَالَ ابْن جني فِي بَاب التَّطَوُّع بِمَا لَا يلْزم من الخصائص قَالَ:

وَهُوَ أمرٌ قد جَاءَ فِي الشّعْر الْقَدِيم والمولد جَمِيعًا مجيئاً وَاسِعًا. وَهُوَ أَن يلْتَزم الشَّاعِر مَا لَا يجب عَلَيْهِ ليدل بذلك على غزارة وسعة مَا عِنْده. وَأورد قصائد إِلَى أَن قَالَ: وعَلى ذَلِك مَا أنشدنا أَبُو بكر مُحَمَّد بن عَليّ عَن أبي إِسْحَاق لعبيدٍ من قَوْله: الرمل المرفل (يَا خليلي اربعا واستخبرا ال ... منزل الدارس من أهل الْحَلَال) (مثل سحق الْبرد عفى بعْدك ال ... قطر مغناه وتأويب الشمَال) (وَلَقَد يغنى بِهِ جيرانك ال ... ممسكو مِنْك بِأَسْبَاب الْوِصَال)) (ثمَّ أودى ودهم إِذا أزمعوا ال ... بَين وَالْأَيَّام حالٌ بعد حَال) (فَانْصَرف عَنْهُم بعنس كالوأى ال ... جأب ذِي الْعَانَة أَو شَاة الرمال) (نَحن قدنا من أهاضيب الملا ال ... خيل فِي الأرسان أَمْثَال السعالي) (شزباً يعسفن من مَجْهُولَة ال ... أَرض وعثاً من سهولٍ أَو رمال) (فانتجعنا الْحَارِث الْأَعْرَج فِي ... جحفلٍ كالليل خطار العوالي) (ثمَّ عجناهن خوصاً كالقطا ال ... قاربات المَاء من أَيْن الكلال) (نَحْو قرصٍ يَوْم جالت جَوْلَة ال ... خيل قباً عَن يمينٍ أَو شمال) (كم رئيسٍ يقدم الْألف على ال ... سابح الأجرد ذِي الْعقب الطوَال) ...

(قد أَبَاحَتْ جمعه أسيافنا ال ... بيض فِي الروعة من حَيّ حَلَال) (منزلٌ دمنه آبَاؤُنَا ال ... مورثونا الْمجد فِي أولى اللَّيَالِي) (مَا لنا فِيهَا حصونٌ غير مَا ال ... مُفْرَدَات الْخَيل تعدو بِالرِّجَالِ) (فِي روابي عدملي شامخ ال ... أنف فِيهِ إِرْث مجدٍ وجمال) (فاتبعنا دأب أولانا الأولى ال ... موقدي الْحَرْب ومروي بالحبال) وَقَالَ القصيدة كلهَا على أَن آخر مصراع كل بَيت مِنْهَا منتهٍ إِلَى لَام التَّعْرِيف غير بَيت وَاحِد وَهُوَ قَوْله: فانتجعنا الْحَارِث إِلَى آخِره فَسَار هَذَا الْبَيْت الَّذِي نقض القصيدة أَن تمْضِي على تَرْتِيب وَاحِد هُوَ الْجُزْء. وَذَلِكَ أَنه دلّ على أَن هَذَا الشَّاعِر إِنَّمَا تساند إِلَى مَا فِي طبعه وَلم يتجشم إِلَّا مَا فِي نهضته وَوَضعه من غير اغتصاب لَهُ وَلَا استكراه ألجأ إِلَيْهِ إِذْ لَو كَانَ ذَلِك على خلاف مَا حددناه وَأَنه إِنَّمَا صنع الشّعْر صنعا لَكَانَ قمنا أَن لَا ينْقض ذَلِك بِبَيْت وَاحِد يوهيه ويقدح فِيهِ. وَهَذَا وَاضح. انْتهى. وَقَوله: يَا خليلي مثنى خَلِيل. واربعا بِأَلف التَّثْنِيَة من ربع

زيدٌ بِالْمَكَانِ يربع بِفَتْح الْبَاء فيهمَا إِذا اطْمَأَن وَأقَام بِهِ. واستخبرا أمرٌ مُسْند إِلَى ألف التَّثْنِيَة. والْحَلَال: جمع حَال بِمَعْنى نَازل. وَفِي الْقَامُوس: الْحَلَال: جمع حلَّة بِكَسْر الْمُهْملَة فيهمَا وهم الْقَوْم النُّزُول وَجَمَاعَة بيُوت النَّاس أَو مائَة بَيت والمجلس والمجتمع.) وَقَوله: مثل سحق الْبرد إِلَخ السحق بِالْفَتْح: الثَّوْب الْبَالِي وَقد سحق ككرم سحوقة بِالضَّمِّ كأسحق. والْبرد بِالضَّمِّ: ثوبٌ مخطط: فَهُوَ من قبيل إِضَافَة الصّفة إِلَى الْمَوْصُوف. وَعفى تعفية: غطاه تَغْطِيَة ومحاه. والقطر أَي: الْمَطَر فَاعله. ومغناه: مَفْعُوله. والمغنى: الْمنزل الَّذِي غَنِي بِهِ أَهله ثمَّ ظعنوا أَو عَام من غَنِي بِالْمَكَانِ كرضي إِذا أَقَامَ فِيهِ. والتأويب: الرُّجُوع وَالْمرَاد تردد هبوبها. والشمَال: الرّيح الْمَعْرُوفَة. وَقَوله: وَلَقَد يغنى هُوَ من غَنِي الْمَذْكُور. والممسكو أَصله الممسكون حذفت نونه تَخْفِيفًا. قَالَ ابْن جني فِي المُصَنّف: قَوْله: الممسكو أَرَادَ الممسكون وَلكنه حذف النُّون لطول الِاسْم لَا للإضافة. وَعِنْدِي فِيهِ شيءٌ لَيْسَ فِي قَوْله: الحافظو عَورَة الْعَشِيرَة وَذَلِكَ أَن حرف التَّعْرِيف مِنْهُ فِي المصراع الأول وَبَقِيَّة الْكَلِمَة فِي المصراع الثَّانِي والمصراع كثيرا مَا يقوم بِنَفسِهِ حَتَّى يكَاد يكون بَيْتا كَامِلا وَكَثِيرًا مَا تقطع همزَة الْوَصْل فِي أول المصراع الثَّانِي نَحْو قَوْله:

الْبَسِيط (لتسمعن وشيكاً فِي دِيَاركُمْ: ... الله أكبر يَا ثَارَاتِ عثمانا) وَقد أجَاز أَبُو الْحسن الخرم فِي أول المصراع الثَّانِي بِخِلَاف الْخَلِيل وَجَاء ذَلِك فِي الشّعْر كَقَوْل امْرِئ الْقَيْس: المتقارب (وعينٌ لَهَا حدرةٌ بدرة ... شقَّتْ مآقيهما من دبر) فَلَمَّا كَانَ أول الممسكو فِي المصراع الأول وَبَاقِيه فِي المصراع الثَّانِي وهما كالبيتين ازدادت الْكَلِمَة طولا وازداد حذف النُّون جَوَازًا. وَلَيْسَ الحافظو كَذَلِك. فَهَذَا فصلٌ فِيهِ لطف وكلا الاسمين إِنَّمَا وَجب فِيهِ الْحَذف لطوله. وَقَوله: ثمَّ أودى أَي: هلك. وأزمعوا: من أزمعت الْأَمر وَعَلِيهِ: أَجمعت أَو ثَبت عَلَيْهِ. وَقَوله: وَالْأَيَّام حالٌ أَي: ذَات حالٍ وَتغَير. وَقَوله: بعنسٍ كالوأى العنس بِالْفَتْح: النَّاقة الصلبة. والوأى بِفَتْح الْوَاو والهمزة بعْدهَا ألف مَقْصُورَة: الْحمار الوحشي. والجأب بِفَتْح الْجِيم وَسُكُون الْهمزَة: الْحمار الغليظ. والْعَانَة بالنُّون: الأتان وَهُوَ المُرَاد هُنَا والقطيع من حمر الْوَحْش وَالشَّاة الْوَاحِدَة من الْغنم للذّكر وَالْأُنْثَى أَو تكون من الضَّأْن والمعز والظباء وَالْبَقر والنعام وحمر الْوَحْش وَالْمَرْأَة الْجمع شَاءَ. كَذَا فِي الْقَامُوس.) وأهاضيب الملا: اسْم مَكَان. وأهاضيب: جمع هضاب جمع هضبة وَهِي الْجَبَل المنبسط

قَالَ أَبُو عبيد الْبكْرِيّ فِي المعجم: الملا: بِفَتْح الْمِيم وَالْقصر: موضعٌ من أَرض كلب وَمَوْضِع فِي ديار طيىء. والسعالي: جمع سعلاة وَهِي أُنْثَى الغول. وَقَوله: شزباً إِلَخ وَهُوَ جمع شازب: الضامر الْيَابِس. والعسف: الْأَخْذ على غير الطَّرِيق. ووعثاً: مفعول يعسفن جمع أوعث بِمَعْنى وعث. والوعث بِالْفَتْح: الطَّرِيق الْعسرَة كالوعث بِكَسْر الْعين. وَقَوله: من سهول أَو رمال بَيَان لقَوْله رعثا. وَقَوله: فانتجعنا الْحَارِث إِلَخ من انتجع فلَانا أَي: أَتَاهُ طَالبا معروفه. وَهنا تهكم وسخرية. والْحَارث الْأَعْرَج هُوَ من مُلُوك لشام. وَأمه مَارِيَة ذَات القرطين. والجحفل بِفَتْح الْجِيم: الْجَيْش الْكثير. والخطار: المضطرب. والعوالي: الرماح جمع عالية والعالية: أَعلَى الْقَنَاة أَو النّصْف الَّذِي يَلِي السنان. وَقَوله: ثمَّ عجناهن يُقَال: عاج رَأس الْبَعِير أَي: عطفه بالزمام. والخوص بِالضَّمِّ: جمع أخوص وخوصاء وَهِي الغائرة الْعَينَيْنِ. والقاربات من الْقرب بِفتْحَتَيْنِ وَهُوَ سير اللَّيْل لورد الْغَد. والأين: الإعياء. والكلال بِمَعْنَاهُ أَيْضا. وَقَوله: نَحْو قرص بِالضَّمِّ: مَوضِع. وقباً: جمع أقب وصفٌ من القبب بِفتْحَتَيْنِ وَهُوَ دقة الخصر وضمور الْبَطن. وَقَوله: كم رَئِيس يقدم الْألف الرئيس: سيد الْقَوْم وَكَبِيرهمْ.

والسابح: الْفرس الْحسن الجري. والأجرد: الْقصير الشّعْر. والْعقب بِفَتْح الْمُهْملَة وَسُكُون الْقَاف: الجري بعد الجري. والطوَال: بِالضَّمِّ بِمَعْنى الطَّوِيل وَجمعه: مفعول أَبَاحَتْ وأسيافنا: فَاعله. والقدموس بِالضَّمِّ: الْقَدِيم وَالسِّين زَائِدَة. والمورثونا الْمجد: جمع مورث ونَا ضمير الْمُتَكَلّم مَعَ الْغَيْر والْمجد بِالنّصب مفعول. وَقَوله: مَا لنا فِيهَا أَي: فِي تِلْكَ الدَّار. والْمُفْردَات بِفَتْح الرَّاء: الَّتِي أفردت عَن غَيرهَا ومَا زَائِدَة وَالْخَيْل بدل من الْمُفْردَات. وَقَوله: فِي روابي إِلَخ جمع رابية وَهِي مَا علا من الأَرْض. والعدملي بِضَم الْعين وَسُكُون الدَّال الْمُهْمَلَتَيْنِ وَضم الْمِيم وَكسر اللَّام قَالَ صَاحب الْقَامُوس: العدمل والعدملي والعدامل والعداملي مضمومات: كل مسن قديم والضخم الْقَدِيم من الشّجر وَمن الضباب. والْإِرْث) بِالْكَسْرِ: الأَصْل. وَقَوله: فاتبعنا دأب أولانا إِلَخ أَي: دأب عشيرتنا الأولى أَي: آبَائِنَا الأقدمين. وَالْأولَى الثَّانِيَة بدل من الأولى وَهِي اسْم إِشَارَة بِمَعْنى أُولَئِكَ. والموقدين صفة لَهُ أَو بدل وحذفت نونه للإضافة. وَعبيد هُوَ عبيد بن الأبرص الْأَسدي بِفَتْح الْعين وَكسر الْمُوَحدَة وَهُوَ

شاعرٌ جاهلي تقدّمت تَرْجَمته فِي الشَّاهِد السَّادِس عشر بعد الْمِائَة. وَقَوله فِي الْبَيْت الآخر: عجل لنا هَذَا وألحقنا الْبَيْت هُوَ من أَبْيَات سِيبَوَيْهٍ. وَهَذَا نَصه فِي الْمَسْأَلَة: وَزعم الْخَلِيل أَن الْألف وَاللَّام اللَّتَيْنِ يعْرفُونَ بهما حرفٌ وَاحِد كقد وَأَن لَيست وَاحِدَة مِنْهُمَا مُنْفَصِلَة من الْأُخْرَى كانفصال ألف الِاسْتِفْهَام فِي قَوْله: أَزِيد وَلَكِن الْألف كألف ايم فِي ايم الله وَهِي مَوْصُولَة كَمَا أَن ألف ايم مَوْصُولَة. إِلَى أَن قَالَ: وَقَالَ الْخَلِيل: وَمِمَّا يدلك على أَن تِلْكَ مفصولة من الرجل وَلم يبن عَلَيْهَا وَأَن الْألف وَاللَّام فِيهَا بِمَنْزِلَة قد قَول الشَّاعِر: الرجز (دع ذَا وَعجل ذَا وألحقنا بذال ... بالشحم إِنَّا قد مللناه بجل) قَالَ: هِيَ هَا هُنَا كَقَوْل الرجل وَهُوَ يتَذَكَّر قدي ثمَّ يَقُول قد فعل. وَلَا يفعل مثل هَذَا علمناه بشيءٍ مِمَّا كَانَ من الْحُرُوف الموصولة. وَيَقُول الرجل أَلِي ثمَّ يتَذَكَّر. فقد سمعناهم يَقُولُونَ ذَلِك وَلَوْلَا أَن الْألف وَاللَّام بِمَنْزِلَة قد وسوف لكانتا بِنَاء بني عَلَيْهِ الِاسْم لَا يُفَارِقهُ ولكنهما جَمِيعًا بِمَنْزِلَة هَل وَقد وسوف يدخلَانِ للتعريف. انْتهى نَصه. وَقَالَ الأعلم: الشَّاهِد فِي قَوْله بذال وَأَرَادَ: بذا الشَّحْم ففصل

(الشاهد السابع والعشرون بعد الخمسمائة)

لَام التَّعْرِيف من الشَّحْم لما وَمعنى بجل حسب يُقَال: بجلي كَذَا أَي: حسبي. انْتهى. وَالْبَيْت غفل لم يحل قَائِله. وَقَالَ الْعَيْنِيّ: قَائِله غيلَان بن حُرَيْث الربعِي الراجز. وَقَوله: وألحقنا فِي رِوَايَة سِيبَوَيْهٍ: وألزقنا وَضبط بعض شرَّاح أبياته بخل بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة أَرَادَ بِهِ الْخلّ الْمَعْهُود. وَالْبَاء فِيهِ حرف جر. وَهَذَا أقرب إِلَى الْمَعْنى. انْتهى. وَلم أر مَا ذكره. وَالله أعلم. وَأنْشد بعده 3 - (الشَّاهِد السَّابِع وَالْعشْرُونَ بعد الْخَمْسمِائَةِ) الطَّوِيل وبالنسر عِنْدَمَا هُوَ قِطْعَة من بَيت وَهُوَ: (أما والدماء المائرات تخالها ... على قنة الْعُزَّى وبالنسر عِنْدَمَا) على أَن لَام التَّعْرِيف قد تزاد فِي الْعلم. قَالَ ابْن الشجري فِي أَمَالِيهِ: نسرٌ: الصَّنَم الَّذِي كَانَ قوم نوح يعبدونه وَقد ذكره الله تَعَالَى فِي

وَأدْخل فِيهِ الشَّاعِر الْألف وَاللَّام زِيَادَة للضَّرُورَة فِي قَوْله: وبالنسر عِنْدَمَا الْبَيْت. انْتهى. وَقَالَ ابْن جني فِي سر الصِّنَاعَة: أنشدنا أَبُو عَليّ هَذَا الْبَيْت وَقَالَ: اللَّام فِي النسْر زَائِدَة. وَهُوَ كَمَا قَالَ لِأَن نسراً بِمَنْزِلَة عَمْرو. وَقَالَ ابْن جني قبل هَذَا: وَأما اللات والعزى فَذهب أَبُو الْحسن إِلَى أَن اللَّام فيهمَا زَائِدَة. وَالَّذِي يدل على صِحَة مذْهبه أَن اللات والعزى علمَان بِمَنْزِلَة يَغُوث ويعوق ونسر وَمَنَاة وَغير ذَلِك من أَسمَاء الْأَصْنَام. فَهَذِهِ كلهَا أَعْلَام وَغير محتاجةٍ فِي تعرفها إِلَى اللَّام وَلَيْسَت من بَاب الْحَارِث وَالْعَبَّاس الَّتِي نقلت فَصَارَت أعلاماً وأقرت فِيهَا لَام التَّعْرِيف على ضربٍ من توهم رَوَائِح الصّفة فِيهَا فَتحمل على ذَلِك. فَوَجَبَ أَن تكون فِيهَا زَائِدَة ويؤكد زيادتها فِيهَا أَيْضا لُزُومهَا إِيَّاهَا كلزوم لَام الْآن وَالَّذِي وبابه. فَإِن قلت: فقد حكى أَبُو زيد: لَقيته فينة والفينة وَقَالُوا للشمس: إلاهة والإلاهة. وَلَيْسَت فينة وَلَا إلاهة بصفتين فَيجوز تعريفهما وَفِيهِمَا اللَّام كالحارثوالعباس. فَالْجَوَاب: أَن فينة والفينة وإلاهة والإلاهة مِمَّا اعتقب عَلَيْهِ تعريفان: أَحدهمَا: بِالْألف وَاللَّام وَالْآخر: بِالْوَضْعِ والعلمية وَلم نسمعهم يَقُولُونَ: لات وعزى بِغَيْر لَام

ومحصلة أَن اللَّام فِي النسْر زَائِدَة بعد وضع العلمية وَأَن اللَّام فِي اللات والعزى زَائِدَة فيهمَا عِنْد وضع العلمية وَأَن اللَّام فِي الفينة والإلاهة للتعريف وَلَيْسَت زَائِدَة. وَلِهَذَا لم ينشد الشَّارِح الْمُحَقق الْبَيْت بِتَمَامِهِ لتعين الزَّائِد الطَّارِئ للضَّرُورَة من الزَّائِد غير المنفك إِلَّا فِي ضَرُورَة كَقَوْلِه: الطَّوِيل) (عزاي شدي شدَّة لَا تكذبني ... على خالدٍ والقي الْخمار وشمري) وَبَيت الشَّاهِد أول أَبْيَات ثَلَاثَة لعَمْرو بن عبد الْجِنّ وَبعده: الطَّوِيل (وَمَا سبح الرهبان فِي كل ليلةٍ ... أبيل الأبيلين الْمَسِيح بن مريما) (لقد هز مني عامرٌ يَوْم لعلعٍ ... حساماً إِذا مَا هز بالكف صمما) كَذَا أنْشد هَذِه الأبيات أَبُو عَليّ فِي التَّذْكِرَة القصرية عَن ابْن الْأَعرَابِي وَابْن الْأَنْبَارِي فِي مسَائِل الْخلاف وَابْن الشجري فِي أَمَالِيهِ. وَقَوله: أَلا والدماء إِلَخ أَلا: كلمة يستفتح بهَا الْكَلَام

التَّنْبِيه وَالْوَاو للقسم والدماء مقسم بِهِ وَالْبَيْت الثَّالِث جَوَاب الْقسم. والمائرات: المترددات من مار الدَّم على وَجه الأَرْض يمور إِذا تردد. ويروى: أما وَدِمَاء مائرات بِدُونِ لَام. وتخالها: تظنها. وعِنْدَمَا الْمَفْعُول الثَّانِي. وقنة الْعُزَّى: رَوَاهُ أَبُو عَليّ فِي الْحجَّة: أما ودماءٍ لَا تزَال كَأَنَّهَا وَقَالَ انتصاب عندم بِأحد شَيْئَيْنِ: أَحدهمَا: مَا فِي كَانَ من معنى الْفِعْل وَالْآخر: أَن يَجْعَل على قنة الْعُزَّى مُسْتَقرًّا فَيكون الْحَال عَنهُ. فَإِن نصبت بِالْأولِ فذو الْحَال الضَّمِير الَّذِي فِي كَأَنَّهَا وَإِن نصبته عَن المستقر فذو الْحَال الذّكر الَّذِي فِي المستقر وَالْمعْنَى على حذف الْمُضَاف كَأَنَّهُ مثل عندم. انْتهى. وَقَوله: وَمَا سبح إِلَخ الْوَاو عاطفة على الدِّمَاء ومَا: مَصْدَرِيَّة وسبح بِمَعْنى نزه والرهبان: فَاعله وأبيل مَفْعُوله وَفِي كل لَيْلَة مُتَعَلق بسبح. وروى: فِي كل بيعَة أَي: وتسبيح الرهبان أبي الأبيلين. والْبيعَة بِكَسْر الْبَاء: متعبد النَّصَارَى. وأبيل الأبيلين: رَاهِب الرهبان. قَالَ ابْن فَارس والصاغاني فِي الْعباب: الأبيل: رَاهِب النَّصَارَى وَكَانُوا يسمون عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام أبي الأبيلين وَمَعْنَاهُ رَاهِب الراهبين. وَعِيسَى: بدلٌ أَو عطف

بَيَان لَهُ. والأبيل بِفَتْح الْهمزَة وَكسر الْمُوَحدَة كأمير: الراهب سمي بِهِ لتأبله عَن النِّسَاء وَترك غشيانهن. وَالْفِعْل مِنْهُ أبل يأبل إبالة ككتب كِتَابَة إِذا تنسك وترهب. وَمَا سبح الرهبان فِي كل بيعَة ... ... ... ... . . الْبَيْت) وَقَالَ الآخر: الطَّوِيل وَمَا صك ناقوس النَّصَارَى أبيلها وَقَالُوا: أيبلي. قَالَ: المتقارب (وَمَا أيبلي على هيكلٍ ... بناه وصلب فِيهِ وصارا) قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: أيبلي: صَاحب أبيل وَهِي عَصا الناقوس. انْتهى. والأيبلي هُوَ بِتَقْدِيم الْمُثَنَّاة التَّحْتِيَّة الساكنة وَتَأْخِير الْمُوَحدَة الْمَفْتُوحَة وَيجوز ضمهَا وَيجوز إِبْدَال الْألف هَاء فَيُقَال: هيبلي وَيجوز إِبْدَال الْيَاء التَّحْتِيَّة ألفا فَيُقَال آبلي. وَقد جمع صَاحب الْقَامُوس هَذِه اللُّغَات فَقَالَ:

الأبيل كأمير: الْعَصَا والحزين بالسُّرْيَانيَّة وَرَئِيس النَّصَارَى أَو الراهب أَو صَاحب الناقوس كالأيبلي بِضَم الْبَاء وَفتحهَا والهيبلي والآبلي بِضَم الْبَاء والأبيل بِضَم الْبَاء وَفتحهَا. انْتهى. وَقَوله: وَمَا أيبليٌّ على هيكل هُوَ من قصيدةٍ للأعشى مَيْمُون. قَالَ الصَّاغَانِي فِي الْعباب: قيل أَرَادَ أبيلي كأميري فَلَمَّا اضْطر قدم الْيَاء كَمَا قَالُوا أينق وَالْأَصْل أنوق. قَالَ عدي بن زيد الْعَبَّادِيّ: الرمل وَقَالَ ابْن دُرَيْد: الأبيل: ضَارب الناقوس. وَأنْشد: وَمَا صك ناقوس النَّصَارَى أبيلها انْتهى. وَنقل الْعَيْنِيّ عَن ابْن الْأَثِير أَنه رُوِيَ أَيْضا: أبيل الأبيليين عِيسَى بن مريما على النّسَب. وَقَوله: هز مني عَامر إِلَخ هَذَا من قبيل التَّجْرِيد يُرِيد أَن عَامِرًا وجدني حساماً فِي ذَلِك الْيَوْم. وروى الصَّاغَانِي فِي الْعباب: لقد ذاق مني. ولعلع: كجعفر: مَوضِع قَالَ ابْن ولاد: لعلعٌ آخر السوَاد إِلَى الْبر مَا بَين الْبَصْرَة والكوفة. وَقَالَ غَيره: لعلعٌ: بِبَطن فلج وَهِي لبكر وَائِل وَقيل: هِيَ من الجزيرة. كَذَا فِي مُعْجم مَا) استعجم للبكري. وصمم: مضى يُقَال: صمم الرجل فِي الْأَمر إِذا جد فِيهِ.

والأبيات لعَمْرو بن عبد الْجِنّ. كَذَا قَالَ الصَّاغَانِي فِي الْعباب وَغَيره. وَفِي جمهرة الْأَنْسَاب لِابْنِ الْكَلْبِيّ أَنه تنوخي. وَهُوَ عَمْرو بن عبد الْجِنّ بن عَائِذ الله بن أسعد بن سعد بن كثير بن غَالب بن جرم. وَأسد بن ناعصة بن عَمْرو بن عبد الْجِنّ كَانَ فَارِسًا فِي الْجَاهِلِيَّة. قَالَ: وَرَأَيْت رجلا من بني عبد الْجِنّ بِالْكُوفَةِ شجاعاً قطعت رجله فَجعلت لَهُ من فضَّة. وتنوخ: قبيلةٌ من قبائل الْيمن. تَتِمَّة الْعُزَّى فِي الأَصْل: تَأْنِيث الْأَعَز وَقد يكون الْأَعَز بِمَعْنى الْعَزِيز والعزى بِمَعْنى العزيزة. قَالَ فِي الصِّحَاح: الْعُزَّى: اسْم صنم كَانَ لقريش وَبني كنَانَة وَيُقَال الْعُزَّى: سَمُرَة كَانَت لغطفان يعبدونها وَكَانُوا بنوا عَلَيْهَا بَيْتا وَأَقَامُوا لَهَا سدنة فَبعث رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ خَالِد بن الْوَلِيد فهدم الْبَيْت وأحرق السمرَة وَهُوَ يَقُول: الرجز (يَا عز كُفْرَانك لَا سُبْحَانَكَ ... إِنِّي رَأَيْت الله قد أَهَانَك) وَلَا بَأْس بإيراد شيءٍ من أَخْبَار الْأَصْنَام وَسبب اتِّخَاذ الْعَرَب لَهَا وَكَيف أزالها النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ. قَالَ أَبُو الْمُنْذر هِشَام بن مُحَمَّد بن السَّائِب الْكَلْبِيّ فِي كتاب الْأَصْنَام: حَدثنِي أبي وَغَيره أَن إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم صلى الله عَلَيْهِمَا وَسلم لما سكن مَكَّة وَولد لَهُ بهَا أولادٌ كَثِيرَة حَتَّى ملؤوا مَكَّة وَنَفَوْا من كَانَ فِيهَا من العماليق ضَاقَتْ عَلَيْهِم مَكَّة وَوَقعت بَينهم الحروب

والعداوات وَأخرج بَعضهم بَعْضًا فتفسحوا فِي الْبِلَاد والتماس المعاش. وَكَانَ الَّذِي سلخ بهم إِلَى عبَادَة الْأَوْثَان وَالْحِجَارَة أَنه كَانَ لَا يظعن من مَكَّة ظاعنٌ إِلَّا احْتمل مَعَه حجرا من حِجَارَة الْحرم تَعْظِيمًا للحرم وصبابة بِمَكَّة فَحَيْثُمَا حلوا وضعوه وطافوا بِهِ كطوافهم بِالْكَعْبَةِ تيمناً مِنْهُم بهَا وصبابةً بهَا وحباً وهم على إِرْث أَبِيهِم إِسْمَاعِيل: من تَعْظِيم الْكَعْبَة وَالْحج والاعتمار. ثمَّ سلخ ذَلِك بهم إِلَى أَن عبدُوا مَا استحبوا ونسوا مَا كَانُوا عَلَيْهِ واستبدلوا بدين إِبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل غَيره فعبدوا الْأَوْثَان وصاروا إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ الْأُمَم من قبلهم كقوم نوح وَفِيهِمْ بقايا على دين أَبِيهِم إِسْمَاعِيل مَعَ إدخالهم فِيهِ مَا لَيْسَ مِنْهُ.) فَكَانَ أول من غير دين إِسْمَاعِيل عَلَيْهِ السَّلَام فنصب الْأَوْثَان وسيب السائبة وَوصل الوصيلة وبحر الْبحيرَة وَحمى الحامية: عَمْرو بن ربيعَة وَهُوَ لحي ابْن حَارِثَة بن عَمْرو بن عَامر الْأَزْدِيّ وَهُوَ أَبُو خُزَاعَة. وَكَانَ الْحَارِث هُوَ الَّذِي يَلِي أَمر الْكَعْبَة. فَلَمَّا بلغ عَمْرو بن لحي نازعه فِي الْولَايَة وَقَاتل جرهماً ببني إِسْمَاعِيل فظفر بهم وأجلاهم عَن الْكَعْبَة ونفاهم من بِلَاد مَكَّة وَتَوَلَّى حجابة الْبَيْت. فَأَتَاهَا فاستحم بهَا فبرأ وَوجد أَهلهَا يعْبدُونَ الْأَصْنَام فَقَالَ: مَا هَذِه فَقَالُوا: نستسقي بهَا الْمَطَر ونستنصر بهَا على الْعَدو. فَسَأَلَهُمْ أَن يعطوه مِنْهَا فَفَعَلُوا فَقدم بهَا مَكَّة ونصبها حول الْكَعْبَة. وَحدث الْكَلْبِيّ عَن أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس أَن إسافاً ونائلة رجلٌ من

جرهم يُقَال لَهُ: إساف بن يعلى ونائلة بنت زيد من جرهم وَكَانَ يتعشقها فِي أَرض الْيمن فَأَقْبَلُوا حجاجاً فدخلا الْكَعْبَة فوجدا غَفلَة من النَّاس وخلوة من الْبَيْت ففجر بهَا فِي الْبَيْت فمسخا فوجدوهما مسخين فأخرجوهما فوضعوهما موضعهما فعبدتهما خُزَاعَة وقريش وَمن حج الْبَيْت بعد من الْعَرَب. وَكَانَ أول من اتخذ تِلْكَ الْأَصْنَام من ولد إِسْمَاعِيل وَغَيرهم وسَموهَا بأسمائها على مَا بَقِي فيهم من ذكرهَا حِين فارقوا دين إِسْمَاعِيل هُذَيْل بن مدركة. اتَّخذُوا سواعاً فَكَانَ لَهُم برهاطٍ من أَرض يَنْبع. وينبع عرضٌ من أَعْرَاض الْمَدِينَة وَكَانَت سدنته بني لحيان. واتخذت كلبٌ: ودا بدومة الجندل. واتخذت مذْحج وَأهل جرش: يَغُوث واتخذت خيوان: يعوق فَكَانَ بقريةٍ لَهُم يُقَال لَهَا: خيوان واتخذت حمير: نسراً فعبدوه بأرضٍ يُقَال لَهَا: بلخع وَلم أسمع حمير سمت بِهِ أحدا وَلم أسمع لَهُ ذكرا فِي أشعارها وَلَا أشعار أحد من الْعَرَب. وأظن ذَلِك كَانَ لانتقال حمير أَيَّام تبع عَن عبَادَة الْأَصْنَام إِلَى الْيَهُودِيَّة. وَكَانَ لحمير أَيْضا بَيت بِصَنْعَاء يُقَال لَهُ: رئام بِهَمْزَة بعد الرَّاء

الْمَكْسُورَة يعظمونه ويتقربوه عِنْده بالذبائح وَكَانُوا فِيمَا يذكرُونَ يكلمون مِنْهُ. فَلَمَّا انْصَرف تبع من مسيره الَّذِي سَار فِيهِ انْصَرف تبع من مسيره الَّذِي سَار فِيهِ إِلَى الْعرَاق قدم مَعَه الحبران اللَّذَان صحباه من الْمَدِينَة فأمراه بهدم) رئام. وتهود تبع وَأهل الْيمن. فَمن ثمَّ لم أسمع بِذكر رئام وَلَا نسرٍ فِي شيءٍ من الْأَشْعَار وَلَا الْأَسْمَاء. وَلم تحفظ الْعَرَب من أشعارها إِلَّا مَا كَانَ قبيل الْإِسْلَام. قَالَ هِشَام أَبُو الْمُنْذر: وَلم أسمع فِي رئام وَحده شعرًا وَقد سَمِعت فِي الْبَقِيَّة. هَذِه الْخَمْسَة الْأَصْنَام الَّتِي كَانَ يَعْبُدهَا قوم نوح وَذكرهَا الله فِي كِتَابه: وَلَا تذرن ودا وَلَا سواعاً وَلَا يَغُوث ويعوق ونسراً. فَلَمَّا صنع هَذَا عَمْرو بن لحيٍّ دَانَتْ الْعَرَب للأصنام وعبدوها واتخذوها. فَكَانَ أقدمها مَنَاة. وَسميت الْعَرَب عبد مَنَاة وَزيد مَنَاة. وَكَانَ مَنْصُوبًا على سَاحل الْبَحْر من وَكَانَت الْعَرَب جَمِيعًا تعظمه وتذبح حوله وَكَانَ أَشد إعظاماً لَهُ الْأَوْس والخزرج. وَكَانَ أَوْلَاد معدٍّ على بَقِيَّة من دين إِسْمَاعِيل وَكَانَت ربيعَة وَمُضر على بَقِيَّة من دينه. وَمَنَاة هِيَ الَّتِي ذكرهَا الله: وَمَنَاة الثَّالِثَة الْأُخْرَى. وَكَانَت

لهذيلٍ وخزاعة. وقريش وَجَمِيع الْعَرَب تعظمها إِلَى أَن خرج رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ من الْمَدِينَة سنة ثَمَان من الْهِجْرَة وَهُوَ عَام الْفَتْح. فَلَمَّا سَار من الْمَدِينَة أَربع لَيَال أَو خمس لَيَال بعث عليا إِلَيْهَا فَهَدمهَا وَأخذ مَا كَانَ لَهَا فَأقبل بِهِ إِلَى النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وَكَانَ فِيمَا أَخذ سُفْيَان كَانَ الْحَارِث بن أبي شمرٍ ملك غَسَّان أهداهما لَهَا أَحدهمَا اسْمه مخذم وَالْآخر رسوب فوهبهما لعَلي فَيُقَال: إِن ذَا الفقار سيف عليٍّ أَحدهمَا وَيُقَال: إِن عليا وجدهما فِي الْفلس: صنم لطييء حِين بَعثه النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فهدمه. ثمَّ اتَّخذُوا اللات بِالطَّائِف وَكَانَت صَخْرَة مربعة وَكَانَ يهوديٌّ يلت عِنْدهَا السويق وَكَانَت سدنتها من ثَقِيف بَنو عتاب بن مَالك وَكَانُوا بنوا عَلَيْهَا بِنَاء وَكَانَت قريشٌ وَسَائِر الْعَرَب تعظمها. وسمت زيد اللات وتيم اللات وَكَانَت فِي مَوضِع مَنَارَة مَسْجِد الطَّائِف الْيُسْرَى الْيَوْم. فَلم تزل كَذَلِك حَتَّى أسلمت ثَقِيف فَبعث رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ الْمُغيرَة بن شُعْبَة فَهَدمهَا وحرقها بالنَّار. ثمَّ اتَّخذُوا الْعُزَّى وَسمي بهَا عبد الْعُزَّى بن كَعْب وَكَانَ الَّذِي اتخذها ظَالِم بن أسعد وَكَانَت) بوادٍ من نَخْلَة الشآمية يُقَال لَهُ: حراضٌ عَن يَمِين المصعد إِلَى

الْعرَاق من مَكَّة فَوق ذَات عرق إِلَى الْبُسْتَان بِتِسْعَة أَمْيَال فَبنى عَلَيْهَا بَيْتا وَكَانُوا يسمعُونَ فِيهِ الصَّوْت. وَكَانَت أعظم الْأَصْنَام عِنْد قُرَيْش وَكَانَت تَطوف بِالْكَعْبَةِ وَتقول: وَاللات والعزى وَمَنَاة الثَّالِثَة الْأُخْرَى فَإِنَّهُنَّ الغرانيق العلى وَإِن شفاعتهن لترتجى. وَكَانُوا يَقُولُونَ: بَنَات الله تَعَالَى الله عَن ذَلِك علوا كَبِيرا وَهن يشفعن إِلَيْهِ. فَلَمَّا بعث الله رَسُوله أنزل عَلَيْهِ: أَفَرَأَيْتُم اللات والعزى وَمَنَاة الثَّالِثَة الْأُخْرَى ألكم الذّكر وَله الْأُنْثَى الْآيَة. وحمت لَهَا قريشٌ شعبًا من وَادي حراض يُقَال لَهُ: سقام يضاهون بِهِ حرم الْكَعْبَة. وَكَانَ لَهَا منحرٌ ينحرون فِيهِ هَدَايَاهَا يُقَال لَهُ: الغبغب وَكَانَت قُرَيْش تخصها بالإعظام فَلذَلِك قَالَ زيد بن عَمْرو بن نفَيْل وَكَانَ قد تأله فِي الْجَاهِلِيَّة وَترك عبَادَة الْأَصْنَام: الوافر (تركت اللات والعزى جَمِيعًا ... كَذَلِك يفعل الْجلد الصبور) (وَلَا هبلاً أَزور وكَانَ رَبًّا ... لنا فِي الدَّهْر إِذْ حلمي صَغِير) وَكَانَ سدنة الْعُزَّى بني شَيبَان من بني سليم وَكَانَ آخر من سدنها مِنْهُم دبية فَلم تزل كَذَلِك حَتَّى بعث الله نَبينَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فعاب

الْأَصْنَام ونهاهم عَن عبادتها وَنزل الْقُرْآن فِيهَا فَاشْتَدَّ ذَلِك على قُرَيْش فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْفَتْح دَعَا النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ خَالِد بن الْوَلِيد فَقَالَ: انْطلق إِلَى شجرةٍ بِبَطن نَخْلَة فاعضدها. فَانْطَلق فَقتل دبية. وحَدثني أبي عَن أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَت الْعُزَّى شَيْطَانَة تَأتي ثَلَاث سمُرَات بِبَطن نَخْلَة فَلَمَّا بعث النَّبِي خَالِد بن الْوَلِيد قَالَ لَهُ: ائْتِ بطن نَخْلَة فَإنَّك تَجِد ثَلَاث سمُرَات فاعضد الأولى. فَأَتَاهَا فعضدها فَلَمَّا جَاءَ إِلَيْهِ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ فَقَالَ: هَل رَأَيْت شَيْئا قَالَ: لَا. قَالَ: فاعضد الثَّانِيَة. فعضدها ثمَّ أَتَى النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فَقَالَ: هَل رَأَيْت شَيْئا قَالَ: لَا. قَالَ: فاعضد الثَّالِثَة. فَأَتَاهَا فَإِذا هِيَ بحبشيةٍ نافشة شعرهَا واضعةٍ ثديها على عاتقها تصرف بأنيابها وَخَلفهَا دبية السّلمِيّ وَكَانَ سادنها فَلَمَّا نظر إِلَى خَالِد قَالَ: الطَّوِيل (عزاي شدي شدَّة لَا تكذبي ... على خالدٍ ألقِي الْخمار وشمري) (فَإنَّك إِن لَا تقتلي الْيَوْم خَالِدا ... تبوئي بذلٍّ عَاجلا وتنصري)) (يَا عز كُفْرَانك لَا سُبْحَانَكَ ... إِنِّي رَأَيْت الله قد أَهَانَك)

ثمَّ ضربهَا ففلق رَأسهَا فَإِذا حممة ثمَّ عضد الشَّجَرَة وَقتل دبية السادن ثمَّ أَتَى النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فَأخْبرهُ فَقَالَ: تِلْكَ الْعُزَّى وَلَا عزى بعْدهَا للْعَرَب. قَالَ أَبُو الْمُنْذر: وَلم تكن قُرَيْش وَمن بِمَكَّة يعظمون شَيْئا من الْأَصْنَام إعظامهم الْعُزَّى ثمَّ اللات ثمَّ مَنَاة. فَأَما الْعُزَّى فَكَانَت تخصها دون غَيرهَا بالزيارة والهدية. وَكَانَت ثَقِيف تخص اللات وَكَانَت الْأَوْس والخزرج تخص مَنَاة وَكلهمْ كَانَ مُعظما للعزى وَلم يَكُونُوا يرَوْنَ فِي الْخَمْسَة الْأَصْنَام الَّتِي رَفعهَا عَمْرو بن لحي كرأيهم فِي هَذِه. وَكَانَت لقريش أصنامٌ فِي جَوف الْكَعْبَة وحولها وَكَانَ أعظمها عِنْدهم هُبل وَكَانَ فِيمَا بَلغنِي من عقيقٍ أَحْمَر على صُورَة إِنْسَان مكسور الْيَد الْيُمْنَى أَدْرَكته قريشٌ كَذَلِك فَجعلُوا لَهُ يدا من الذَّهَب. وَكَانَ أول من نَصبه خُزَيْمَة بن مدركة وَكَانَ يُقَال لَهُ: هُبل خُزَيْمَة وَكَانَ قدامه سَبْعَة أقدح مكتوبٍ فِي أَولهَا: صريحٌ وَالْآخر: ملصقٌ. فَإِذا شكوا فِي مولودٍ أهدوا لَهُ هَدِيَّة ثمَّ ضربوا بِالْقداحِ فَإِن خرج: صَرِيح ألحقوه وَإِن كَانَ مُلْصقًا دفعوه. وَقَدحًا على الْمَيِّت وَقَدحًا على النِّكَاح وَثَلَاثَة لم تفسر لي.

فَإِذا اخْتَصَمُوا فِي أمرٍ أَو أَرَادوا سفرا أَو عملا أَتَوْهُ فاستقسموا بِالْقداحِ عِنْده فَمَا خرج عمِلُوا بِهِ وانتهوا إِلَيْهِ. وَكَانَ لَهُم إسافٌ ونائلة لما مسخا حجرين وضعا عِنْد الْكَعْبَة ليتعظ النَّاس بهما فَلَمَّا طَال مكثهما وعبدت الْأَصْنَام عبدا مَعهَا وَكَانَ أَحدهمَا بلصق الْكَعْبَة وَالْآخر فِي مَوضِع زَمْزَم فنقلت قريشٌ الَّذِي كَانَ بلصق الْكَعْبَة إِلَى الآخر. وَكَانُوا ينحرون ويذبحون عِنْدهمَا. فَلَمَّا ظهر رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يَوْم فتح مَكَّة وَدخل الْمَسْجِد والأصنام مَنْصُوبَة حول الْكَعْبَة فَجعل يطعن بِسِيَةِ قوسه فِي عيونها ووجوهها وَيَقُول: جَاءَ الْحق وزهق الْبَاطِل إِن الْبَاطِل كَانَ زهوقا ثمَّ أَمر فكفئت على وجوهها ثمَّ أخرجت من الْمَسْجِد فحرقت فَقَالَ فِي ذَلِك رَاشد بن عبد الله السّلمِيّ: الْكَامِل (قَالَت هَلُمَّ إِلَى الحَدِيث فَقلت لَا ... يَأْبَى الْإِلَه عَلَيْك وَالْإِسْلَام) (أَو مَا رَأَيْت مُحَمَّدًا وقبيله ... بِالْفَتْح حِين تكسر الْأَصْنَام)) (لرأيت نور الله أضحى ساطعاً ... والشرك يغشى وَجهه الإظلام) وَكَانَ لَهُم أَيْضا منَاف وسمت بِهِ عبد منَاف وَلَا أَدْرِي أَيْن كَانَ وَلَا من نَصبه وَلم تكن الْحيض من النِّسَاء تَدْنُو من أصنامهم وَلَا تمسح بهَا إِنَّمَا كَانَت تقف نَاحيَة مِنْهَا. وَكَانَ لأهل كل دارٍ من مَكَّة صنم فِي دَارهم يعبدونه فَإِذا أَرَادَ أحدهم السّفر كَانَ آخر مَا يصنع فِي منزله أَن يتمسح بِهِ وَإِذا قدم من سَفَره كَانَ أول مَا يصنع إِذا دخل منزله أَن يتمسح بِهِ. فَلَمَّا بعث الله نبيه وأتاهم بتوحيد الله وعبادته قَالُوا: أجعَل الْآلهَة إِلَهًا وَاحِدًا إِن هَذَا لشيءُ عُجاب يعنون الْأَصْنَام. واستهترت الْعَرَب فِي عبادتها فَمنهمْ من اتخذ بَيْتا وَمِنْهُم من اتخذ صنماً وَمن لم يقدر عَلَيْهِ وَلَا على بِنَاء بَيت نصب حجرا أَمَام الْحرم وأمام غَيره مِمَّا اسْتحْسنَ ثمَّ طَاف بِهِ كطوافه بِالْبَيْتِ وسموها الأنصاب. فَإِذا كَانَت تماثيل دَعُوهَا الْأَصْنَام والأوثان. وَسموا طوافهم الدوار. فَكَانَ الرجل إِذا سَافر فَنزل منزلا أَخذ أَرْبَعَة أَحْجَار فَنظر إِلَى أحْسنهَا فَاتخذ رَبًّا وَجعل ثَلَاث أثافي لقدره وَإِذا ارتحل غَيره فَإِذا نزل منزلا آخر فعل مثل ذَلِك فَكَانُوا ينحرون ويذبحون عِنْد كلهَا ويتقربون إِلَيْهَا وهم على ذَلِك عارفون بِفضل الْكَعْبَة عَلَيْهَا. وَكَانَت بَنو مليح من خُزَاعَة وهم رَهْط طَلْحَة الطلحات يعْبدُونَ الْجِنّ وَفِيهِمْ نزلت: إِن الَّذين تدعون من دون الله عبادٌ أمثالكم. وَكَانَت من تِلْكَ الْأَصْنَام ذُو الخلصة وَتقدم شَرحه فِي أَوَائِل الْكتاب فِي الشَّاهِد السَّابِع وَكَانَ لمَالِك وملكان ابْني كنَانَة بساحل جدة صنم يُقَال لَهُ: سعد وَكَانَت صَخْرَة طَوِيلَة فَأقبل رجل مِنْهُم بإبلٍ لَهُ ليقفها عَلَيْهِ يتبرك بذلك فِيهَا فَلَمَّا أدناها مِنْهُ نفرت وَكَانَ يهراق عَلَيْهِ بالدماء فَذَهَبت فِي كل وَجه فَتَنَاول حجرا فَرَمَاهُ بِهِ وَقَالَ:

لَا بَارك الله فِيك إِلَهًا أنفرت عَليّ إبلي ثمَّ انْصَرف وَهُوَ يَقُول: الطَّوِيل (أَتَيْنَا إِلَى سعدٍ ليجمع شملنا ... فشتتنا سعدٌ فَلَا نَحن من سعد) (وَهل سعد إِلَّا صَخْرَة بتنوفةٍ ... من الأَرْض لَا يَدْعُو لغيٍّ وَلَا رشد) وَكَانَ لدوس ثمَّ لبني منْهب بن دوس صنم يُقَال لَهُ: ذُو الْكَفَّيْنِ فَلَمَّا أَسْلمُوا بعث النَّبِي صلى) الله عَلَيْهِ وَسلم الطُّفَيْل بن عمروٍ الدوسي فحرقه وَهُوَ يَقُول: الرجز (يَا ذَا الْكَفَّيْنِ لست من عبادكا ... ميلادنا أكبر من ميلادكا) إِنِّي حشوت النَّار فِي فؤادكا وَكَانَ لبني الْحَارِث بن يشْكر من الأزد صنم يُقَال لَهُ: ذُو الشرى. وَكَانَ لقضاعة ولخم وجذام وعاملة وغَطَفَان صنمٌ فِي مشارف الشَّام يُقَال لَهُ: الأقيصر. وَكَانَ لمزينة صنم يُقَال: نهمٌ وَبِه سميت عبد نهم وَكَانَ سادنه خزاعي بن عبد نهمٍ من

(ذهبت إِلَى نهمٍ لأذبح عِنْده ... عتيرة نسكٍ كَالَّذي كنت أفعل) (فَقلت لنَفْسي حِين راجعت عقلهَا ... أَهَذا إلهٌ أبكمٌ لَيْسَ يعقل) (أَبيت فديني الْيَوْم دين محمدٍ ... إِلَه السَّمَاء الْمَاجِد المتفضل) ثمَّ لحق بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فَأسلم وَضمن إِسْلَام قومه مزينة. وَكَانَ لأزد السراة صنم يُقَال لَهُ: عائم بِالْهَمْزَةِ. وَكَانَ لعنزة صنمٌ يُقَال لَهُ: سعير وَتقدم شَرحه قَرِيبا. وَكَانَ لخولان صنمٌ يُقَال لَهُ: عميانس يقسمون لَهُ من أنعامهم وحروثهم قسما بَينه وَبَين الله تَعَالَى بزعمهم فَمَا دخل فِي حق الله من حق عميانس ردُّوهُ عَلَيْهِ وَمَا دخل فِي حق الصَّنَم من حق الله الَّذِي سموهُ لَهُ تَرَكُوهُ لَهُ. وَفِيهِمْ نزل فِيمَا بلغنَا: وَجعلُوا لله مِمَّا ذَرأ من الْحَرْث والأنعام نَصِيبا. الْآيَة. وَكَانَ لبني الْحَارِث كعبةٌ بِنَجْرَان يعظمونها. وَكَانَ أَبْرَهَة الأشرم بنى بَيْتا بِصَنْعَاء سَمَّاهَا الْقليس بِفَتْح الْقَاف وَكسر اللَّام وَضَبطه صَاحب الْقَامُوس بِضَم الْقَاف وَفتح اللَّام الْمُشَدّدَة بناها بالرخام وجيد الْخشب الْمَذْهَب وَكتب إِلَى ملك الْحَبَشَة: إِنِّي قد بنيت لَك كَنِيسَة لم يبن مثلهَا أحد وَلست تَارِكًا الْعَرَب حَتَّى أصرف

حجهم فَبلغ ذَلِك بعض نسأة الشُّهُور فَبعث رجلَيْنِ من قومه وَأَمرهمَا أَن يخرجَا حَتَّى يتغوطا فِيهَا. ففعلا فَلَمَّا بلغه ذَلِك غضب وَخرج بالفيل والحبشة فَكَانَ من أمره مَا كَانَ. قَالَ أَبُو الْمُنْذر: الْمَعْمُول من خشبٍ أَو ذهبٍ أَو فضَّة صُورَة إنسانٍ فَهُوَ صنم. وَإِذا كَانَ من حِجَارَة فَهُوَ وثن. هَذَا ملخص مَا ذكره من الْأَصْنَام وَبَقِي عَلَيْهِ عوض وَتقدم شَرحه قبل هَذَا بِسِتَّة شَوَاهِد.) (فتبدلوا اليعبوب بعد إلههم ... صنماً فقروا يَا جديل وأعذبوا) أَي: لَا تَأْكُلُوا على ذَلِك وَلَا تشْربُوا. وباجر بِالْمُوَحَّدَةِ وبالجيم قَالَ ابْن دُرَيْد: هُوَ صنمٌ كَانَ للأزد فِي الْجَاهِلِيَّة وَمن جاورهم من طَيئ وقضاعة كَانُوا يعبدونه. وَهُوَ بِفَتْح الْجِيم وَرُبمَا قَالُوا بِكَسْرِهَا. وَأنْشد بعده: الطَّوِيل لِحَافِي لِحَاف الضَّيْف وَالْبرد برده على أَن أل فِي الْبرد عوضٌ عَن الضَّمِير الْمُضَاف إِلَيْهِ وَالتَّقْدِير: وبردي برده.

وَلم يلهني عَنهُ غزالٌ مقنع وَهُوَ من شعرٍ فِي الحماسة وَتقدم شَرحه فِي الشَّاهِد الثَّالِث وَالتسْعين بعد الْمِائَتَيْنِ.

(باب العلم)

(بَاب الْعلم) أنْشد فِيهِ: الْبَسِيط (سُبْحَانَهُ ثمَّ سبحاناً نَعُوذ بِهِ ... وَقَبلنَا سبح الجودي والجمد) على أَن سُبْحَانَ أَكثر مَا يسْتَعْمل مُضَافا وَإِذا قطع فقد جَاءَ منوناً فِي الشّعْر كَمَا فِي الْبَيْت فَلَا يكون سُبْحَانَ علما مُعَرفا بالعلمية بل تَعْرِيفه إِمَّا بِالْإِضَافَة لفظا كسبحان الله أَو تَقْديرا كَمَا فِي قَوْله: السَّرِيع سُبْحَانَ من عَلْقَمَة الفاخر أَي: سُبْحَانَ الله. وَإِمَّا بِاللَّامِ وَهُوَ قَلِيل كَقَوْلِه: الرجز سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ ذَا السبحان وَإِذا قطع عَن الْإِضَافَة فِي الشّعْر نون وَنصب على المفعولية الْمُطلقَة كَسَائِر المصادر. فسبحان عِنْده إِمَّا معرف بِالْإِضَافَة أَو بِاللَّامِ وَإِمَّا مُنكر فِي الشّعْر وَلَا علمية. وقريبٌ مِنْهُ قَول الطَّيِّبِيّ فِي حَاشِيَة الْكَشَّاف: لَا يسْتَعْمل

سُبْحَانَ علما إِلَّا شاذاً وَأكْثر وَقد رد ابْن هِشَام فِي الْجَامِع الصَّغِير بِعَين مَا رد بِهِ الشَّارِح الْمُحَقق إِلَّا أَنه قَالَ: لملازمته) للإضافة. هَذَا محصله وَهُوَ مخالفٌ لكَلَام سِيبَوَيْهٍ فَمن بعده. والباعث لَهُ على الْمُخَالفَة مَا ذكره. قَالَ س فِي بَاب مَا ينْتَصب من المصادر على إِضْمَار الْفِعْل الْمَتْرُوك إِظْهَاره: زعم أَبُو الْخطاب أَن سُبْحَانَ الله كَقَوْلِك: بَرَاءَة الله من السوء كَأَنَّهُ يَقُول: أَبْرَأ بَرَاءَة الله من السوء. وَزعم أَن مثله قَول الْأَعْشَى: (أَقُول لما جَاءَنِي فخره ... سُبْحَانَ من عَلْقَمَة الفاخر) أَي: بَرَاءَة مِنْهُ. وَأما التَّنْوِين فِي سُبْحَانَ فَإِنَّمَا ترك صرفه لِأَنَّهُ صَار عِنْدهم معرفَة وانتصابه كانتصاب الْحَمد لله. وَزعم أَن قَول الشَّاعِر: الوافر (سلامك رَبنَا فِي كل فجرٍ ... بَرِيئًا مَا تغنثك الذموم) على قَوْله برأتك رَبنَا من كل سوء. فَكل هَذَا ينْتَصب انتصاب حمداً وشكراً إِلَّا أَن هَذَا ينْصَرف وَذَلِكَ لَا ينْصَرف. وَنَظِير سُبْحَانَ الله فِي الْبناء من المصادر والمجرى لَا فِي الْمَعْنى:

وَقد جَاءَ سُبْحَانَ منوناً مُفردا فِي الشّعْر قَالَ الشَّاعِر: سُبْحَانَهُ ثمَّ سبحاناً نَعُوذ بِهِ شبهوه بقَوْلهمْ: حجرا وَسلَامًا. انْتهى كَلَام سِيبَوَيْهٍ. وَقَوله: سُبْحَانَ من عَلْقَمَة الفاخر قَالَ الأعلم: الشَّاهِد فِيهِ نصب سُبْحَانَ على الْمصدر ولزومها النصب من أجل قلَّة التَّمَكُّن. وَحذف التَّنْوِين مِنْهَا لِأَنَّهَا وضعت علما للكلمة فجرت فِي الْمَنْع من الصّرْف مجْرى عُثْمَان وَنَحْوه وَمَعْنَاهَا الْبَرَاءَة والتنزيه. وَقَوله: سلامك رَبنَا إِلَخ قَالَ الأعلم: الشَّاهِد فِي نصب سلامك على الْمصدر الْمَوْضُوع بَدَلا من اللَّفْظ بِالْفِعْلِ وَمَعْنَاهُ الْبَرَاءَة والتنزيه وَهُوَ بِمَنْزِلَة سُبْحَانَكَ فِي الْمَعْنى وَقلة التَّمَكُّن. وَنصب بَرِيئًا على الْحَال الْمُؤَكّدَة وَالتَّقْدِير: أبرئك بَرِيئًا لِأَن معنى سلامك كمعنى أبرئك وَمعنى تغنثك: تعلق بك وَهِي بالثاء الْمُثَلَّثَة. والذموم: جمع ذمّ. أَي: لَا تلحقك صفة ذمّ.) وَالْبَيْت لأمية بن أبي الصَّلْت. وَقَوله: سُبْحَانَهُ ثمَّ سبحانا إِلَخ قَالَ الأعلم: الشَّاهِد قَوْله سبحاناً وتنكيره وتنوينه ضَرُورَة وَالْمَعْرُوف فِيهِ أَنه يُضَاف إِلَى مَا بعده أَو يَجْعَل مُفردا معرفَة كَمَا تقدم فِي بَيت الْأَعْشَى. وَوجه تنكيره وتنوينه

أَن يشبه بِبَرَاءَة لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهَا. والجودي والجمد بِضَمَّتَيْنِ: جبلان. انْتهى. وَقَالَ ابْن خلف: قَوْله: سبحاناً فِيهِ وَجْهَان: يجوز أَن يكون نكرَة فَصَرفهُ وَيجوز أَن يكون صرفه للضَّرُورَة. انْتهى. وَهَذَا من كَلَام أبي عَليّ فِي التَّذْكِرَة القصرية قَالَ: سبحاناً يحْتَمل وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَن يكون هُوَ الَّذِي كَانَ يضيفه فِي سُبْحَانَهُ. وَيجوز أَن يكون معرفَة فِي الأَصْل ثمَّ نكر كزيد من الزيدين. وَجَاز إِفْرَاد سُبْحَانَ وَإِن لم يسْتَعْمل ذَلِك فِي الْكَلَام فجَاء فِي الشّعْر كَمَا اسْتعْمل الْعلم فِي قَوْله: سُبْحَانَ من عَلْقَمَة الفاخر انْتهى. وَيكون تنوينه على الأول ضَرُورَة. وَإِلَى الثَّانِي ذهب ابْن الشجري فِي أَمَالِيهِ قَالَ: سُبْحَانَ فِي قَول الْأَعْشَى: سُبْحَانَ من عَلْقَمَة الفاخر لم يصرفهُ لِأَن فِيهِ الْألف وَالنُّون زائدين وَأَنه علمٌ للتسبيح. فَإِن نكرته صرفته كَمَا قَالَ أُميَّة. اه. وَقد تقدم فِي الشَّاهِد الرَّابِع وَالسِّتِّينَ بعد الأربعمائة النَّقْل عَن تذكرة أبي عَليّ مَا يتَعَلَّق بتنوين سُبْحَانَ بأبسط من هَذَا فَارْجِع إِلَيْهِ.

وَقَالَ ابْن يعِيش فِي شرح الْمفصل: سُبْحَانَ علمٌ عندنَا وَاقع على التَّسْبِيح وَهُوَ مصدر مَعْنَاهُ الْبَرَاءَة والتنزيه وَلَيْسَ مِنْهُ فعل وَإِنَّمَا هُوَ واقعٌ موقع التَّسْبِيح الَّذِي هُوَ الْمصدر فِي الْحَقِيقَة جعل علما على هَذَا الْموضع فَهُوَ معرفَة لذَلِك وَلَا ينْصَرف للتعريف وَزِيَادَة الْألف وَالنُّون. قَالَ الْأَعْشَى: سُبْحَانَ من عَلْقَمَة الفاخر فَلم ينونه لما ذكرنَا من أَنه لَا ينْصَرف. فَإِن أضفته قلت: سُبْحَانَ الله فَيصير معرفَة بِالْإِضَافَة) وابتز مِنْهُ تَعْرِيف العلمية كَمَا قُلْنَا فِي الْإِضَافَة نَحْو: زيدكم وعمركم يكون بعد يلب العلمية. فَأَما قَوْله: سُبْحَانَهُ ثمَّ سبحاناً نَعُوذ بِهِ فَفِي تَنْوِين سبحاناً هُنَا وَجْهَان: أَحدهمَا: أَن يكون ضَرُورَة كَمَا يصرف مَا لَا ينْصَرف فِي الشّعْر من نَحْو أَحْمد وَعمر. وَقد حمل صَاحب الْكَشْف قَول الزَّمَخْشَرِيّ: سُبْحَانَ على للتسبيح على أَنه علم مُطلقًا سَوَاء أضيف أَو لم ينضف. وَكَذَا قَالَ الفناري فِي حَاشِيَة ديباجة المطول: إِنَّه علمٌ أضيف أَو لم يضف وَهُوَ غير منصرف للألف وَالنُّون مَعَ العلمية. وَهَذِه طَريقَة ابْن مَالك وَتَبعهُ الشَّارِح الْمُحَقق وَهِي أَن الْعلم يجوز أَن يُضَاف مَعَ بَقَائِهِ على علميته من غير قصد تنكير. وَلَا يرد بِهَذَا على الشَّارِح الْمُحَقق هُنَا كَمَا زَعمه بعض مَشَايِخنَا لِأَنَّهُ قد نقل أَنه يعرف بِاللَّامِ تَارَة وينكر تَارَة.

وَأما قَوْله: إِنَّه ممنوعٌ من الصّرْف مَعَ الْإِضَافَة أَيْضا فَلَعَلَّهُ مُفَرع على القَوْل بِأَنَّهُ إِذا لم تزل إِحْدَى العلتين فَهُوَ غير منصرف وَإِن كَانَ مُضَافا. وَهَذِه عبارَة صَاحب الْكَشْف: قَوْله: سُبْحَانَ علم للتسبيح الظَّاهِر من إِطْلَاقه هَا هُنَا وَفِي الْمفصل أَنه علم للتسبيح أَي: التَّنْزِيه البليغ لَا التَّسْبِيح بِمَعْنى قَول سُبْحَانَ الله مُطلقًا مُضَافا كَانَ أم لَا خلاف مَا نَص عَلَيْهِ الشَّيْخ ابْن الْحَاجِب أَن ذَلِك فِي غير حَال الْإِضَافَة. وَالْوَجْه مَا ذهب إِلَيْهِ الْعَلامَة لِأَنَّهُ إِذا ثبتَتْ الْعلَّة بدليلها فالإضافة لَا تنافيها وَلَيْسَت من بَاب زيد المعارك لتَكون شَاذَّة بل من بَاب حَاتِم طَيئ وعنترة عبس وَلِهَذَا لم يضف إِلَّا إِلَى اسْم من أَسْمَائِهِ تَعَالَى. وَأما دلَالَته على التَّنْزِيه البليغ فَمن الِاشْتِقَاق أَعنِي من التَّسْبِيح وَهُوَ الإبعاد فِي الأَرْض. ثمَّ مَا يُعْطِيهِ نَقله إِلَى التفعيل ثمَّ الْعُدُول من الْمصدر إِلَى الِاسْم الْمَوْضُوع لَهُ خَاصَّة لَا سِيمَا وَهُوَ علم يشار بِهِ إِلَى الْحَقِيقَة الْحَاضِرَة فِي الذِّهْن وَمَا فِيهِ من قِيَامه مقَام الْمصدر مَعَ الْفِعْل. وَلِهَذَا لم يجز اسْتِعْمَاله إِلَيْهِ فِيهِ تعالت أسماؤه وَعظم كبرياؤه. وَكَأَنَّهُ قيل: مَا أبعد الَّذِي لَهُ هَذِه الْقُدْرَة عَن جَمِيع النقائض فَلَا يكون اصطفاؤه لعَبْدِهِ الخصيص بِهِ إِلَّا حِكْمَة وصواباً. فالتنزيه لَا يُنَافِي التَّعَجُّب كَمَا توهم وَاعْترض وَجعله مداراً. والتعجب هَا هُنَا هُوَ الْوَجْه بِخِلَافِهِ فِي قَوْله:) وَقد تضمن كَلَامه جَوَاب من اسْتشْكل العلمية بأمرين:

أَحدهمَا: أَن مَدْلُول التَّسْبِيح لفظ لِأَنَّهُ مصدر سبح إِذا قَالَ سُبْحَانَ الله ومدلول سُبْحَانَهُ التَّنْزِيه لَا اللَّفْظ فَلَا يصلح جعل سُبْحَانَ الَّذِي مَدْلُوله معنى على مَا مَدْلُوله لفظ. وَثَانِيهمَا: مَا ذكره البهلوان فِي حَاشِيَة الْكَشَّاف من أَنه قد تقرر أَن الْعلم لَا تجوز إِضَافَته إِلَّا بعد تنكيره وَطَرِيق تنكير الْعلم أَن يؤول بِوَاحِد من الْأمة الْمُسَمَّاة بِهِ. وَعلم الْجِنْس مُسَمَّاهُ شيءٌ وَاحِد لَا مُتَعَدد فَلَا يصلح تنكيره. وَقَول صَاحب الْكَشْف: وَلَيْسَت من بَاب زيد المعارك أَي: من إِضَافَة الْعلم إِلَى مَا هُوَ وَأَشَارَ أَبُو السُّعُود فِي تَفْسِيره لردهما بقوله: وَحَيْثُ كَانَ الْمُسَمّى معنى لَا عينا وجنساً لَا شخصا لم تكن إِضَافَته من قبيل مَا فِي زيد المعارك أَو حَاتِم طَيئ. وَإِنَّمَا فعل هَذَا لِأَن نَحْو: زيد المعارك لَا يكون إِلَّا فِي علم الشَّخْص دون علم الْجِنْس. قَالَ صَاحب اللّبَاب: طَرِيق تنكير الْعلم أَن يتَأَوَّل بواحدٍ من الْأمة الْمُسَمَّاة بِهِ نَحْو: هَذَا زيد وَرَأَيْت زيدا آخر. أَو يكون صَاحبه قد اشْتهر بِمَعْنى من الْمعَانِي فَيجْعَل بِمَنْزِلَة الْجِنْس الدَّال على ذَلِك الْمَعْنى نَحْو قَوْلهم: لكل فرعونٍ مُوسَى. قَالَ شَارِحه: قَوْله وَطَرِيق تنكير الْعلم أَي: من أَعْلَام الْأَشْخَاص لَا من أَعْلَام الْأَجْنَاس فَإِنَّهُ لَا يُنكر بِالطَّرِيقِ الأول لِأَن من شَرطه أَن يُوجد الِاشْتِرَاك فِي التَّسْمِيَة والمسمى بِعلم الْجِنْس واحدٌ لَا تعدد فِيهِ اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يُوجد اسمٌ مُشْتَرك أطلق بِحَسب الِاشْتِرَاك على نَوْعَيْنِ مُخْتَلفين ثمَّ ورد

الِاسْتِعْمَال فِيهِ مرَادا بِهِ واحدٌ من الْمُسَمّى بِهِ. وَأما بِالطَّرِيقِ الثَّانِي فَلَا شُبْهَة فِي إِمْكَان تنكيرها مثل أَن يُقَال: فرست كل أسامةٍ أَي: بَالغ فِي الشجَاعَة. وَقَوله: وزيداً آخر تَأْوِيله الْمُسَمّى بزيد وَحِينَئِذٍ يصير اسْم جنس متواطئاً يدْخل فِيهِ كل من وَقَوله: لكل فرعونٍ مُوسَى أَي: لكل ظَالِم مبطلٍ عَادل محقٌّ. وَيجوز أَن يبْقى الْعلم فِي هَذَا على حَاله وَيكون الْمُضَاف محذوفاً أَي: لمثل كل فرعونٍ مثل مُوسَى. وَلَيْسَ المُرَاد هُنَا مسمًّى بمُوسَى وَلَا مسمًّى بفرعون. انْتهى.) وَيُمكن تَصْوِير تنكير الْعلم الجنسي بطريقٍ آخر وَهُوَ أَن يجرد عَن مُلَاحظَة التَّعْيِين وَيُرَاد بِهِ مُطلق الْمَاهِيّة فِي ضمن أَي فردٍ من أَفْرَاده. وَالْحَاصِل أَن القَوْل بالعلمية مُطلقًا أضيف أَو لم يضف صَعب. وَللَّه در الشَّارِح الْمُحَقق تفصى عَن الْأُمُور بسلوكه طَريقَة وسطى لَا يرد عَلَيْهَا مَا ذكر وَإِن كَانَت مُخَالفَة لِلْجُمْهُورِ. بَقِي بحثٌ فِي عَامل سُبْحَانَ هَل يجوز أَن يقدر فعل أَمر فِيهِ نزاعٌ. ذكر السَّيِّد فِي شرح الْمِفْتَاح فِي قَوْله تَعَالَى: فَلَمَّا جاءها نوجي أَن بورك من فِي النَّار وَمن حولهَا وَسُبْحَان الله رب الْعَالمين أَن قَوْله وَسُبْحَان بِتَقْدِير الْأَمر تَنْزِيها لَهُ تَعَالَى فِي مقَام المكالمة عَن الْمَكَان والجهد أَي: وسبحه تسبيحاً. انْتهى.

وَقَالَ القَاضِي فِي فسبحان الله حِين تمسون: إخبارٌ فِي معنى الْأَمر بتنزيه الله تَعَالَى وَالثنَاء عَلَيْهِ فِي هَذِه الْأَوْقَات. وَقَالَ بعض من كتب عَلَيْهِ: لم يَجعله أمرا ابْتِدَاء لِأَن سُبْحَانَ الله على مَا بَين فِي النَّحْو لزم طَريقَة وَاحِدَة لَا ينصبه فعل أَمر. وَجوز الْأَمريْنِ أَبُو شامة فِي: سُبْحَانَ الَّذِي أسرى قَالَ: إِن فعله الْمَحْذُوف إِمَّا فعل أَمر أَو خبر أَي: سبحوا أَو سبح الَّذِي أسرى بِعَبْدِهِ على أَن يكون ابْتِدَاء ثَنَاء من الله على نَفسه كَقَوْلِه: الْحَمد لله رب الْعَالمين. وَالْبَيْت من أَبْيَات لورقة بن نَوْفَل الصَّحَابِيّ قَالَهَا لكفار مَكَّة حِين رَآهُمْ يُعَذبُونَ بِلَالًا على إِسْلَامه تقدم شرحها مَعَ تَرْجَمته فِي الشَّاهِد الرَّابِع وَالثَّلَاثِينَ بعد الْمِائَتَيْنِ. وَقَبله: (سُبْحَانَ ذِي الْعَرْش لَا شيءٌ يعادله ... رب الْبَريَّة فردٌ واحدٌ صَمد) وَقَوله: نَعُوذ بِهِ يُرِيد كلما رَأينَا أحدا يعبد غير الله عدنا بعظمته وسبحنا حَتَّى يعصمنا من الضلال. وروى الرياشي: نَعُوذ لَهُ بِالدَّال الْمُهْملَة وَاللَّام أَي: نعاوده مرّة بعد مرّة. والجودي: جبل بالموصل وَقيل: بالجزيرة. والجمد بِضَم الْجِيم وَالْمِيم: جبلٌ أَيْضا بَين مَكَّة وَالْبَصْرَة. ومفعول سبح مَحْذُوف أَي: سبحه الجودي.)

(الشاهد الثامن والعشرون بعد الخمسمائة)

3 - (الشَّاهِد الثَّامِن وَالْعشْرُونَ بعد الْخَمْسمِائَةِ) الرجز سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ ذَا السبحان على أَن سُبْحَانَ جَاءَ مُعَرفا بِاللَّامِ فَلَا يكون علما فَلَا يَأْتِي فِيهِ مَا زَعمه بَعضهم من أَنه علمٌ وَلَو أضيف. وذَا بِمَعْنى صَاحب مَنْصُوب لِأَنَّهُ تَابع للهم على الْمحل. وَهَذَا الرجز أنْشدهُ ابْن مَالك فِي شرح الكافية قَالَ فِي نظمها: (سُبْحَانَ فِي غير اخْتِيَار أفردا ... ملابس التَّنْوِين أَو مُجَردا) (وشذ قَول راجزٍ رباني ... سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ ذَا السبحان) وَقَالَ فِي الشَّرْح: من الْمُلْتَزم الْإِضَافَة سُبْحَانَ وَهُوَ اسمٌ بِمَعْنى التَّسْبِيح وَلَيْسَ بِعلم لِأَنَّهُ لَو كَانَ علما لم يضف إِلَى اسْم واحدٍ كَسَائِر الْأَعْلَام. وأخلي من الْإِضَافَة لفظا للضَّرُورَة منوناً وَغير منون. فالتنوين كَقَوْل الشَّاعِر: سُبْحَانَهُ ثمَّ سبحاناً نَعُوذ بِهِ ... ... ... ... . . الْبَيْت سُبْحَانَ من عَلْقَمَة الفاخر وَزعم الزَّمَخْشَرِيّ وَأَبُو عَليّ أَن الشَّاعِر ترك تَنْوِين سُبْحَانَ لِأَنَّهُ علمٌ على التَّسْبِيح فَلَا ينْصَرف للعلمية وَزِيَادَة الْألف وَالنُّون.

وَلَيْسَ الْأَمر كَمَا زعما بل ترك التَّنْوِين لِأَنَّهُ مُضَاف إِلَى مَحْذُوف مُقَدّر الثُّبُوت كَمَا قَالَ الراجز: الرجز خالط من سلمى خياشيم وفا أَرَادَ: وفاها. وشذ دُخُول الْألف وَاللَّام على سُبْحَانَ وَالْإِضَافَة إِلَيْهِ فِيمَا أنْشدهُ ابْن الشجري من قَول الراجز: س سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ ذَا السبحان انْتهى. وَأوردهُ أَبُو حَيَّان أَيْضا فِي الارتشاف كَمَا يَأْتِي بعد هَذَا. وَأنْشد بعده:) سُبْحَانَ من عَلْقَمَة الفاخر على أَنهم استدلوا بِهِ على علمية سُبْحَانَ بِمَنْعه من الصّرْف للعلمية وَزِيَادَة الْألف وَالنُّون كعثمان. ورده الشَّارِح الْمُحَقق بِأَنَّهُ من قبيل الْمُضَاف أَي: سُبْحَانَ الله حذف الْمُضَاف إِلَيْهِ وَأبقى الْمُضَاف على حَاله من التجرد عَن التَّنْوِين. وَالشَّارِح الْمُحَقق مَسْبُوق بِهَذَا الرَّد نَقله أَبُو حَيَّان فِي الارتشاف قَالَ فِيهِ: معنى سُبْحَانَ الله بَرَاءَة من السوء. وَيسْتَعْمل مُفردا منوناً وَغير منون. فَإِذا قلت: سُبْحَانَ فَهُوَ مَمْنُوع من الصّرْف عِنْد سِيبَوَيْهٍ للعلمية وَزِيَادَة

الْألف وَالنُّون. وَقيل: هُوَ مُضَاف فِي التَّقْدِير ترك على هَيئته حِين كَانَ مُضَافا فِي اللَّفْظ. وَهُوَ اسمٌ مَوضِع الْمصدر الَّذِي هُوَ التَّسْبِيح وَأَصله الْإِضَافَة ثمَّ اسْتعْمل مَقْطُوعًا عَنْهَا منوناً فِي الشّعْر وَغير منون. وَقيل: وضع نكرَة جَارِيَة مجْرى المصادر فَعرف بِالْإِضَافَة وبأل. قَالَ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ ذَا السبحان انْتهى. وَمِمَّنْ حكى مَا رده الشَّارِح ابْن الْحَاجِب فِي شرح الْمفصل قَالَ: وَالَّذِي يدل عَلَيْهِ أَنه علمٌ قَول الشَّاعِر: (قد قلت لما جَاءَنِي فخره ... سُبْحَانَ من عَلْقَمَة الفاخر) وَلَوْلَا أَنه علم لوَجَبَ صرفه لِأَن الْألف وَالنُّون فِي غير الصِّفَات إِنَّمَا تمنع مَعَ العلمية وَلَا يسْتَعْمل وَإِذا كَانَ مُضَافا فَلَيْسَ بِعلم لِأَن الْأَعْلَام لَا تُضَاف وَهِي أَعْلَام لِأَنَّهَا معرفَة والمعرفة لَا تُضَاف. وَقيل: إِن سُبْحَانَ فِي الْبَيْت حذف الْمُضَاف إِلَيْهِ وَهُوَ مرادٌ للْعلم بِهِ. انْتهى. وَزعم الرَّاغِب أَن سُبْحَانَ فِي هَذَا الْبَيْت مُضَاف إِلَى عَلْقَمَة ومن زَائِدَة. وَهُوَ ضَعِيف لُغَة وصناعة. أما الأول فَلِأَن الْعَرَب لَا تستعمله مُضَافا إِلَّا إِلَى الله أَو إِلَى ضَمِيره أَو إِلَى الرب وَلم يسمع إِضَافَته إِلَى غَيره. وَأما صناعَة فَلِأَن من لَا تزاد فِي الْوَاجِب عِنْد الْبَصرِيين. وسُبْحَانَ هُنَا للتعجب وَمن داخلةٌ على المتعجب مِنْهُ. وَالْأَصْل

فِيهِ أَن يسبح الله عِنْد رُؤْيَة العجيب من صنائعه ثمَّ كثر حَتَّى اسْتعْمل فِي كل متعجبٍ مِنْهُ.) وَصَاحب الصِّحَاح وَتَبعهُ صَاحب الْعباب نظرا إِلَى ظَاهره فَقَالَ: الْعَرَب تَقول: سُبْحَانَ من كَذَا إِذا تعجبت مِنْهُ. قَالَ الْأَعْشَى يذكر عَلْقَمَة بن علاثة: (أَقُول لما جَاءَنِي فخره ... سُبْحَانَ من عَلْقَمَة الفاخر) يَقُول: الْعجب مِنْهُ إِذْ يفخر. وَإِنَّمَا لم ينون لِأَنَّهُ معرفةٌ عِنْدهم وَفِيه شبه التَّأْنِيث. انْتهى. وَالْبَيْت من قصيدةٍ للأعشى مَيْمُون هجا بهَا عَلْقَمَة بن علاثة الصَّحَابِيّ وَفضل عَدو الله عَامر بن الطُّفَيْل عَلَيْهِ. وَقد تقدم شرحها وسببها فِي الشَّاهِد الْخَامِس وَالثَّلَاثِينَ بعد الْمِائَتَيْنِ. وَأنْشد بعده: خالط من سلمى خياشيم وفا على أَن أَصله وفاها حذف الْمُضَاف إِلَيْهِ وَبَقِي الْمُضَاف على حَاله. وَتقدم شَرحه فِي الشَّاهِد الثَّالِث وَالْأَرْبَعِينَ بعد الْمِائَتَيْنِ.

وَأنْشد بعده: الْكَامِل (ولأنت أجرأ من أُسَامَة إِذْ ... دعيت نزال ولج فِي الذعر) تقدم شَرحه فِي الشَّاهِد السَّابِع وَالسِّتِّينَ بعد الأربعمائة. وَأنْشد بعده: الْبَسِيط (كَأَن فعلة لم تملأ مواكبها ... ديار بكرٍ وَلم تخلع وَلم تهب) وَقد تقدم شرح هَذَا أَيْضا فِي الشَّاهِد السَّادِس والثمانين بعد الأربعمائة. وَأنْشد بعده: الطَّوِيل وَتقدم شَرحه أَيْضا فِي الشَّاهِد التَّاسِع عشر بعد الْمِائَة. وَأنْشد بعده: الطَّوِيل (علا زيدنا يَوْم النقا رَأس زيدكم ... بأبيض ماضي الشفرتين يماني) وَهَذَا أَيْضا تقدم شَرحه فِي الشَّاهِد الثَّامِن عشر بعد الْمِائَة.

(الشاهد التاسع والعشرون بعد الخمسمائة)

وَأنْشد بعده 3 - (الشَّاهِد التَّاسِع وَالْعشْرُونَ بعد الْخَمْسمِائَةِ) الْكَامِل (سكنوا شبيثاً والأحص وأصبحت ... نزلت مَنَازِلهمْ بَنو ذبيان) (وَإِذا فلانٌ مَاتَ عَن أكرومةٍ ... رقعوا معاوز فَقده بفلان) على أَن فلَانا يجوز أَن يَأْتِي فِي غير الْحِكَايَة خلافًا للْمُصَنف وَابْن السراج كَمَا فِي الْبَيْت الثَّانِي فَإِن فلَانا الأول وَقع فَاعِلا لفعل يفسره مَا بعده وفلَانا الثَّانِي جر بِالْيَاءِ وهما وَقعا فِي غير حِكَايَة. وَالْمُصَنّف ذهب إِلَى هَذَا فِي شرح الْمفصل قَالَ فِي آخر شرح الْعلم: وَلم يثبت اسْتِعْمَال فلَان إِلَّا حِكَايَة لِأَنَّهُ اسْم اللَّفْظ الَّذِي هُوَ علم لَا اسْم مَدْلُول الْعلم فَلذَلِك لَا يُقَال: جَاءَنِي فلَان وَلَكِن يُقَال: قَالَ زيد: جَاءَنِي فلَان. قَالَ الله تَعَالَى: يَقُول يَا لَيْتَني اتَّخذت مَعَ الرَّسُول سَبِيلا يَا ويلتى لَيْتَني لم أَتَّخِذ فلَانا خَلِيلًا فَهُوَ إِذن اسْم الِاسْم. انْتهى. والبيتان للمرار الفقعسي قد سقط من بَينهمَا بَيت. وروى القالي فِي أَمَالِيهِ عَن ابْن دُرَيْد عَن عبد الرَّحْمَن عَن عَمه الْأَصْمَعِي قَالَ: بَينا أَنا بحمى ضرية إِذْ وقف عَليّ غلامٌ من بني أَسد فِي أطمارٍ مَا ظننته يجمع بَين كَلِمَتَيْنِ فَقلت: مَا اسْمك فَقَالَ: حريقيص. فَقلت: أما كفى أهلك أَن سموك حرقوصاً حَتَّى حقروا اسْمك فَقَالَ: إِن السقط يحرق الحرجة فعجبت من جَوَابه واتصل الْكَلَام بَيْننَا فَقلت: أنشدنا شَيْئا من أشعار قَوْمك. قَالَ: نعم أنشدنك لمرارنا قلت: افْعَل. فَقَالَ: ...

(سكنوا شبيثاً والأحص وأصبحت ... نزلت مَنَازِلهمْ بَنو ذبيان) (وَإِذا يُقَال أتيتم لم يبرحوا ... حَتَّى تقيم الْحَرْب سوق طعان) (وَإِذا فلانٌ مَاتَ عَن أكرومةٍ ... رقعوا معاوز فَقده بفلان) قَالَ: فَكَادَتْ الأَرْض أَن تَسُوخ بِي لحسن إنشاده وجودة الشّعْر. فأنشدت الرشيد هَذِه الأبيات وحمى ضرية بِفَتْح الضَّاد الْمُعْجَمَة وَكسر الرَّاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الْمُثَنَّاة التَّحْتِيَّة: نسب هَذَا الْحمى إِلَى ضرية بنت ربيعَة بن نزار بن معد بن عدنان وَهُوَ أكبر الأحماء من ضرية إِلَى الْمَدِينَة وَهِي أَرض كَثِيرَة العشب.) وَأول من حماه فِي الْإِسْلَام عمر بن الْخطاب لإبل الصَّدَقَة وَظهر الْغُزَاة وَكَانَ حماه سِتَّة أميالٍ من كل نَاحيَة من نواحي ضرية وضرية فِي أَوسط الْحمى. والحرقوص بِالْقَافِ وبالمهملات كعصفور: دويبةٌ كالبرغوث رُبمَا نبت لَهُ جَنَاحَانِ فطار. والسقط قَالَ القالي: هُوَ مَا يسْقط من الزند إِذا قدح. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: فِي سقط النَّار وَسقط الْوَلَد وَسقط الرمل ثَلَاث لُغَات: الضَّم وَالْفَتْح وَالْكَسْر. وزناد الْعَرَب من خشب وَأكْثر مَا يكون من المرخ والعفار وَلذَلِك قَالَ الْأَعْشَى:

المتقارب (زنادك خير زناد الملو ... ك صَادف مِنْهُنَّ مرخٌ عفارا) وَإِنَّمَا يُؤْخَذ عود قدر شبر فيثقب فِي وَسطه ثقب لَا ينفذ وَيُؤْخَذ عود آخر قدر ذِرَاع فيحدد طرفه فَيجْعَل ذَلِك المحدد فِي ذَلِك الثقب وَقد وَضعه بَين رجلَيْهِ فيديره ويفتله فيوري نَارا. فالأعلى زند والأسفل زندة. والحرجة بِفَتْح الْحَاء وَالرَّاء الْمُهْمَلَتَيْنِ بعدهمَا جِيم قَالَ القالي: هُوَ الشّجر الْكثير الملتف قَالَ العجاج: الرجز (عاين حَيا كالحراج نعمه ... يكون أقْصَى شله محرنجمه) يَقُول: عاين هَذَا الْجَيْش الَّذِي أَتَانَا حَيا. وَيَعْنِي بالحي قومه بني سعد. والنعم: الْإِبِل. وأقْصَى: أبعد. وشله: طرده. ومحرنجمه: مبركه حَيْثُ يجْتَمع بعضه إِلَى بعض. وَالْمعْنَى أَن النَّاس إِذا فوجئوا بالغارة طردوا إبلهم وَقَامُوا هم يُقَاتلُون فَإِن انْهَزمُوا كَانُوا قد نَجوا بهَا. يَقُول: فَهَؤُلَاءِ من عزهم ومنعتهم لَا يطردونها وَلَكِن يكون أقْصَى طردهم أَن ينيخوها فِي مبركها ثمَّ يقاتلوا عَنْهَا. انْتهى. وَقَوله: سكنوا شبيثاً وَهُوَ بِضَم الشين الْمُعْجَمَة وَفتح الْمُوَحدَة وَآخره ثاء مُثَلّثَة: اسْم ماءٍ لبني تغلب. قَالَ الْجَعْدِي وَذكر كليباً لما طعنه جساس: الطَّوِيل (فَقَالَ لجساس أَغِثْنِي بشربةٍ ... من المَاء وامننها عَليّ وأنعم) (فَقَالَ: تجاوزت الأحص وماءه ... وبطن شبيثٍ وَهُوَ ذُو مترسم) مترسم أَي: مَوضِع المَاء لمن طلبه. وَقَالَ عَمْرو بن الْأَهْتَم: الطَّوِيل (فَقَالَ لجساس أَغِثْنِي بشربةٍ ... وَإِلَّا فنبئ من لقِيت مَكَاني))

كَذَا فِي المعجم للبكري. قَالَ السكرِي: يُقَال مَاء دفن ومياهٌ دفان أَي: مندفة قد درس موَاضعهَا. والأحص بمهملتين قَالَ الْبكْرِيّ فِي مُعْجَمه: هُوَ على وزن أفعل وادٍ لبني تغلب كَانَت فِيهِ وقائعهم مَعَ إِخْوَتهم بكر. قَالَ مهلهل: الْكَامِل (وَادي الأحص لقد سقاك من العدى ... فيض الدُّمُوع بأَهْله الدعس) والدعس: من منَازِل بكر. وَقَالَ جرير: الْكَامِل (سادت همومي بالأحص وِسَادِي ... هَيْهَات من بلد الأحص بلادي) وبالأحص قتل جساس بن مرّة كُلَيْب بن ربيعَة. انْتهى. وَقَوله: تجاوزت الأحص وشبيثاً صَار مثلا يضْرب لطَالب الشَّيْء بعد فَوته أوردهُ الزَّمَخْشَرِيّ فِي أَمْثَاله قَالَ: هما ماءان. وَأَصله أَن جساس بن مرّة لما ركب ليلحق كليباً أرْدف خَلفه عَمْرو بن الْحَارِث ابْن ذهل بن شَيبَان فَلَمَّا طعنه وَبِه رمقٌ قَالَ لَهُ: الطَّوِيل (أَغِثْنِي يَا جساس مِنْك بشربةٍ ... تعودها فضلا عَليّ وأنعم) فَقَالَ لَهُ جساس: تجاوزت الأحص وشبيثاً. أَرَادَ: إِنَّك تَبَاعَدت عَن مَوضِع سقياك ثمَّ نزل عمرٌ وفَحسب أَنه يسْقِيه فَلَمَّا علم أَن نُزُوله للإجهاز عَلَيْهِ قَالَ: الْبَسِيط (المستجير بعمرٍ وعِنْد كربته ... كالمستجير من الرمضاء بالنَّار) اه.

وأَصبَحت نزلت إِلَخ بَنو ذبيان اسْم أَصبَحت وَجُمْلَة نزلت: خَبَرهَا وَتقدم من الشَّارِح أَنه يجوز وُقُوع الْمَاضِي خَبرا للأفعال النَّاقِصَة. وَقَوله: وَإِذا يُقَال أتيتم إِلَخ هَذَا الْبَيْت هُوَ الَّذِي أعجب الْأَصْمَعِي والرشيد لدلالته على كَمَال الشجَاعَة. وأتيتم: بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول يسْتَعْمل فِي الْمَكْرُوه أَي: دهيتم بمجيء الْعَدو. وبرح الشَّيْء من بَاب تَعب براحاً: زَالَ من مَكَانَهُ. وروى: الْخَيل بدل الْحَرْب. والطعان: المطاعنة بِالرُّمْحِ. وَقَوله: عَن أكرومة عَن مُتَعَلقَة بِحَال محذوفة أَي: منصرفاً عَن أكرومة بِضَم الْهمزَة أَي: عَن) ذكرٍ جميل ومنقبةٍ كَرِيمَة. والأكرومة من الْكَرم كالأعجوبة من الْعجب. وَقَوله: رقعوا معاوز إِلَخ رقعوا بِالْقَافِ من رقعت الثَّوْب رقعاً من بَاب نفع إِذا جعلت مَكَان الْقطع خرقَة وَاسْمهَا رقْعَة والمعاوز قَالَ القالي: هِيَ الثِّيَاب الخلقان. وَفِي الصِّحَاح: المعوزة والمعوز بِكَسْر أَولهمَا: الثَّوْب الْخلق الَّذِي يبتذل وَالْجمع معاوز. والْفَقْد: مصدر فقدته فقداً من بَاب ضرب إِذا عدمته. يَقُول: إِذا مَاتَ مِنْهُم سيد أَقَامُوا مَوْضِعه سيداً آخر. والمرار الفقعسي الْأَسدي هُوَ شَاعِر إسلامي من شعراء الدولة الأموية بِفَتْح الْمِيم وَتَشْديد الرَّاء الأولى. وينسب تَارَة إِلَى فقعس وَهُوَ أحد آبَائِهِ

(الشاهد الثلاثون بعد الخمسمائة)

الْأَقْرَبين وَتارَة إِلَى أَسد بن خُزَيْمَة بن مدركة وَهُوَ جده الْأَعْلَى. وَتَقَدَّمت تَرْجَمته فِي الشَّاهِد التَّاسِع وَالتسْعين بعد الْمِائَتَيْنِ. وَالْمَوْجُود فِي نسخ الشَّرْح: المرار الْعَبْسِي وَهُوَ تَحْرِيف وتصحيفٌ من الفقعسي إِذْ لَيْسَ من الشُّعَرَاء المرار الْعَبْسِي وَكَأَنَّهُ حرف بِالنّظرِ إِلَى قَوْله نزلت مَنَازِلهمْ بَنو ذبيان فَإِن عبساً وذبيان أَخَوان أَبَوا قبيلتين وهما ابْنا بغيض بن ريث بن غطفان بن سعد بن قيس بن عيلان بن مُضر. وَيدل أَيْضا لما قُلْنَا حِكَايَة الْأَصْمَعِي إِذْ وقف على غلامٍ من بني أَسد وفيهَا أنْشدك لمرارنا. وَالله أعلم. وَأنْشد بعده 3 - (الشَّاهِد الثَّلَاثُونَ بعد الْخَمْسمِائَةِ) (أخذت بِعَين المَال حَتَّى نهكته ... وبالدين حَتَّى مَا أكاد أدان) (وَحَتَّى سَأَلت الْقَرْض عِنْد ذَوي الْغنى ... ورد فلانٌ حَاجَتي وَفُلَان) لما تقدم قبله فَإِن فلَانا فَاعل رد وَهُوَ فِي غير حِكَايَة. روى أَبُو الْفرج الْأَصْبَهَانِيّ فِي الأغاني بِسَنَدِهِ قَالَ: مر عبيد الله بن الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب بمعن بن أوسٍ الْمُزنِيّ وَقد كف بَصَره فَقَالَ لَهُ: يَا معن كَيفَ حالك فَقَالَ لَهُ: ضعف بَصرِي وَكثر عيالي وغلبني الدَّين. قَالَ: وَكم دينك قَالَ: عشرَة آلَاف دِرْهَم. فَبعث بهَا

إِلَيْهِ ثمَّ مر من الْغَد فَقَالَ لَهُ: كَيفَ أَصبَحت يَا معن قَالَ: أخذت بِعَين المَال حَتَّى نهكته ... ... ... ... . الْبَيْتَيْنِ قَالَ لَهُ عبيد الله: الله الْمُسْتَعَان إِنَّا بعثنَا إِلَيْك بالْأَمْس لقْمَة فَمَا لكتها حَتَّى انتزعت من يَديك فَأَي شيءٍ للأهل والقرابة وَالْجِيرَان وَبعث إِلَيْهِ بِعشْرَة آلَاف درهمٍ أُخْرَى فَقَالَ معنٌ يمدحه: الطَّوِيل (إِنَّك فرعٌ من قريشٍ وَإِنَّمَا ... يمج الندى مِنْهَا البحور الفوارع) (ثووا قادةً للنَّاس بطحاء مَكَّة ... لَهُم وسقايات الحجيج الدوافع) (فَلَمَّا دعوا للْمَوْت لم تبك مِنْهُم ... على حادثات الدَّهْر الْعُيُون الدوامع) قَوْله: أخذت بِعَين المَال إِلَخ يُقَال: أَخذ الخطام وَأخذ بِهِ على زِيَادَة الْبَاء أَو أخذت مضمن معنى تصرفت. وَعين المَال هُنَا: نَقده فَإِن الْعين لَهُ معانٍ مِنْهَا النَّقْد. وحَتَّى هُنَا بِمَعْنى الْغَايَة. ونهكته: أتلفته ومزقته وَهُوَ من نهكته الْحمى إِذا جهدته وأضنته ونقصت لَحْمه جَاءَ من بَاب نفع وَمن بَاب فَرح أَو من بَاب نهكت الثَّوْب من بَاب نفع: لبسته حَتَّى خلق. يَقُول: تصرفت بِالْمَالِ النَّقْد وأسرفت فِيهِ إِلَى أَن فني. قَوْله: وبالدين مَعْطُوف على قَوْله بِعَين المَال أَي: وَأخذت الدَّين من هُنَا وَمن هُنَا حَتَّى مَا بَقِي من يقرضني. وأكاد بِفَتْح الْهمزَة بِمَعْنى أقرب. قَالَ فِي الْمِصْبَاح: كَاد يفعل كَذَا يكَاد من بَاب تَعب: قَارب

الْفِعْل. قَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: قَالَ اللغويون: كدت أفعل مَعْنَاهُ عِنْد الْعَرَب قاربت الْفِعْل وَلم أفعل وَمَا كدت أفعل مَعْنَاهُ فعلت بعد إبطاء. قَالَ الْأَزْهَرِي: وَهُوَ كَذَلِك وَشَاهد قَوْله تَعَالَى: وَمَا) كَادُوا يَفْعَلُونَ. وَقد يكون مَا كدت أفعل بِمَعْنى مَا قاربت. انْتهى. وَهَذَا الْأَخير هُوَ المُرَاد هُنَا. وأدان: مَجْهُول دنته بِمَعْنى أَقْرَضته قَالَ صَاحب الْمِصْبَاح: قَالَ جمَاعَة: يسْتَعْمل دَان لَازِما ومتعدياً فَيُقَال: دنته إِذا أَقْرَضته فَهُوَ مَدين ومديون وَاسم الْفَاعِل دائن فَيكون الدَّائِن من يَأْخُذ الدَّين على كَونه لَازِما وَمن يُعْطِيهِ على كَونه مُتَعَدِّيا. وَقَالَ ابْن القطاع: دنته أَقْرَضته ودنته استقرضت مِنْهُ. وَقَالَ ابْن قُتَيْبَة: لَا يسْتَعْمل دَان إِلَّا لَازِما فِيمَن يَأْخُذ الدَّين. وَقَالَ ابْن السّكيت أَيْضا: دَان الرجل إِذا اسْتقْرض فَهُوَ دائن. وَكَذَلِكَ قَالَ ثَعْلَب وَنَقله الْأَزْهَرِي أَيْضا. وعَلى هَذَا فَلَا يُقَال مِنْهُ مَدين وَلَا مديون لِأَن اسْم الْمَفْعُول إِنَّمَا يكون من فعل متعدٍّ وَهَذَا الْفِعْل لَازم فَإِذا أردْت التَّعَدِّي قلت: أدنته وداينته. قَالَه أَبُو زيد وَابْن السّكيت وَابْن قُتَيْبَة وثعلب. انْتهى. وَقَوله: وَحَتَّى سَأَلت الْقَرْض إِلَخ سَأَلت هُنَا بِمَعْنى طلبت والْقَرْض بِفَتْح الْقَاف وَكسرهَا وَهُوَ مَا تعطيه غَيْرك من المَال لتقضاه. وَالْفرق بَينه وَبَين

الدَّين أَن الدَّين أَعم مِنْهُ يكون ثمن مَبِيع وَغَيره وَالْقَرْض خاصٌّ بِالنَّقْدِ من غير ربح. وَقَوله: ورد فلَان إِلَخ مَعْطُوف على سَأَلت قَالَ أَبُو هِلَال العسكري فِي كتاب الفروق فِي اللُّغَة: الْفرق بَين الْفقر وَالْحَاجة أَن الْحَاجة هِيَ الْقُصُور عَن الْمبلغ الْمَطْلُوب وَلِهَذَا يُقَال: الثَّوْب يحْتَاج إِلَى خرقَة وَفُلَان يحْتَاج إِلَى عقل وَذَلِكَ إِذا كَانَ قاصراً غير تَامّ. والفقر خلاف الْغنى. فَأَما قَوْلهم: مفتقر إِلَى عقل فَهُوَ اسْتِعَارَة ومحتاج إِلَى عقل حَقِيقَة. وَالْفرق بَين النَّقْص وَالْحَاجة: أَن النَّقْص سَبَب الْحَاجة والمحتاج يحْتَاج لنقصه وَالنَّقْص أَعم من الْحَاجة لِأَنَّهُ يسْتَعْمل فِيمَا يحْتَاج وَفِيمَا لَا يحْتَاج. وَقَوله: فَمَا لكتها من لاك اللُّقْمَة يلوكها لوكاً إِذا مضغها. وَقَوله: إِنَّك فرع من قُرَيْش إِلَخ هُوَ مخروم. ويروى: وَإنَّك بِالْوَاو فَلَا خرم. وَالْفرع مستعار من فروع الشَّجَرَة وَهِي أَغْصَانهَا. وَفِي الصِّحَاح: هُوَ فرع قومه للشريف مِنْهُم. وَمَج المَاء من فِيهِ: رمى بِهِ. والندى: أصل الْمَطَر وَيُطلق لمعانٍ يُقَال: أَصَابَهُ ندًى من طلٍّ وَمن عرق وندى الْخَيْر وندى الشَّرّ وندى الصَّوْت.) والندى: مَا أصَاب من بَلل. وَبَعْضهمْ يَقُول: مَا سقط آخر اللَّيْل ندًى وَأما الَّذِي يسْقط أَوله فَهُوَ السدى بِالْقصرِ أَيْضا. وَضمير مِنْهَا لقريش. وَشبه أجوادهم وكرماءهم بالبحور. والفوارع: جمع فارع وَهُوَ العالي.

وَقَوله: ثووا قادة النَّاس إِلَخ ثوى هُنَا متعدٍّ بِمَعْنى سكنوا ونزلوا. قَالَ صَاحب الْمِصْبَاح: ثوى بِالْمَكَانِ وَفِيه أَي: أَقَامَ وَرُبمَا تعدى بِنَفسِهِ. وقادة: جمع قَائِد من قاد الْأَمِير الْجَيْش وَالنَّاس قيادةً. وبطحاء مَكَّة مفعول ثووا ولَهُم خبر مقدم والدوافع مُبْتَدأ مُؤخر: جمع دَافع. يُقَال: شاةٌ أَو نَاقَة دافعٌ ودافعة ومدفاع وَهِي الَّتِي تدفع اللبأ فِي ضرْعهَا قبيل النِّتَاج. وَفِي بِمَعْنى وَقَوله: فَلَمَّا دعوا للْمَوْت بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول. يصفهم بالشجاعة يَقُول: إِن طلبُوا للحرب لم تَدْمَع لَهُم عينٌ خوفًا من الْقَتْل. وعبيد الله بن الْعَبَّاس هُوَ ابْن عَم رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وَهُوَ أَخُو عبد الله بن الْعَبَّاس حبر هَذِه الْأمة. قَالَ ابْن عبد ربه فِي العقد الفريد: أجواد الْحجاز ثَلَاثَة فِي عصر وَاحِد: عبيد الله بن الْعَبَّاس وَعبد الله بن جَعْفَر وَسَعِيد بن الْعَاصِ. فَمن جود عبيد الله بن الْعَبَّاس أَنه أول من فطر جِيرَانه وَأول من وضع الموائد على الطّرق وَأول من حَيا على طَعَامه وَأول من أنهبه. وَفِيه يَقُول شَاعِر الْمَدِينَة: الطَّوِيل (وَفِي السّنة الشَّهْبَاء أطعمت حامضاً ... وحلواً وَلَحْمًا تامكاً وممزعا) (وَأَنت ربيعٌ لِلْيَتَامَى وعصمةٌ ... إِذا الْمحل من جو السَّمَاء تطلعا) (أَبوك أَبُو الْفضل الَّذِي كَانَ رَحْمَة ... وغيثاً ونوراً لِلْخَلَائِقِ أجمعا)

وَمن جوده: أَنه أَتَاهُ رجلٌ وَهُوَ بِفنَاء دَاره فَقَالَ: يَا ابْن عَبَّاس إِن لي عنْدك يدا وَقد احتجت إِلَيْهَا. فَصَعدَ فِيهِ بَصَره وَصَوَّبَهُ فَلم يعرفهُ ثمَّ قَالَ: مَا يدك عندنَا قَالَ: رَأَيْتُك وَاقِفًا بزمزم وغلامك يمتح لَك من مَائِهَا وَالشَّمْس قد صهرتك فظللتك بِطرف كسائي حَتَّى شربت. قَالَ: إِنِّي لأذكر ذَلِك وَإنَّهُ يتَرَدَّد بَين خاطري وفكري. ثمَّ قَالَ لقيمه: مَا عنْدك قَالَ: مِائَتَا قَالَ لَهُ الرجل: وَالله لَو لم يكن لإسماعيل ولدٌ غَيْرك لَكَانَ فِيهِ مَا كَفاهُ فَكيف وَقد ولد سيد الْأَوَّلين والآخرين مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ثمَّ شفع بك وبأبيك وَمن جوده أَيْضا: أَن مُعَاوِيَة حبس عَن الْحُسَيْن بن عَليّ عَلَيْهِمَا السَّلَام صلَاته حَتَّى ضَاقَتْ عَلَيْهِ حَاله فَقيل: لَو وجهت إِلَى ابْن عمك عبيد الله فَإِنَّهُ قدم بنحوٍ من ألف ألف دِرْهَم.) فَقَالَ الْحُسَيْن: وَأَيْنَ تقع ألف ألفٍ من عبيد الله فوَاللَّه لَهو أَجود من الرّيح إِذا عصفت وأسخى من الْبَحْر إِذا زخر ثمَّ وَجه إِلَيْهِ مَعَ رَسُوله بكتابٍ ذكر فِيهِ حبس مُعَاوِيَة عَنهُ صلَاته وضيق حَاله وَأَنه يحْتَاج إِلَى مائَة ألف دِرْهَم فَلَمَّا قَرَأَ عبيد الله كِتَابه وَكَانَ من أرق النَّاس قلباً وألينهم عطفا انهملت عَيناهُ ثمَّ قَالَ: وَيلك يَا مُعَاوِيَة مِمَّا اجترحت يداك من الْإِثْم حِين أَصبَحت لين المهاد رفيع الْعِمَاد وَالْحُسَيْن

يشكو ضيق الْحَال وَكَثْرَة الْعِيَال: ثمَّ قَالَ لقهرمانه: احْمِلْ إِلَى الْحُسَيْن نصف مَا أملكهُ من فضَّة وَذهب وثوب ودابة وَأخْبرهُ أَنِّي شاطرته مَالِي فَإِن أقنعه ذَلِك وَإِلَّا فَارْجِع واحمل إِلَيْهِ الشّطْر الآخر. قَالَ لَهُ الْقيم: فَهَذِهِ الْمُؤَن الَّتِي عَلَيْك من أَيْن تقوم بهَا قَالَ: إِذا بلغنَا ذَلِك دللتك على أَمر تقيم بِهِ حالك. فَلَمَّا أَتَى الرَّسُول برسالته إِلَى الْحُسَيْن قَالَ: إِنَّا لله حملت وَالله على ابْن عمي وَمَا فَأخذ الشّطْر من مَاله. وَهُوَ أول من فعل ذَلِك فِي الْإِسْلَام. وَمن جوده: أَن مُعَاوِيَة أهْدى إِلَيْهِ وَهُوَ عِنْده بِالشَّام من هَدَايَا النيروز حللاً كَثِيرَة ومسكاً وآنيةً من ذهب وَفِضة ووجهها مَعَ حَاجِبه فَلَمَّا وَضعهَا بَين يَدَيْهِ نظر إِلَى الْحَاجِب وَهُوَ ينظر إِلَيْهَا فَقَالَ: هَل فِي نَفسك مِنْهَا شيءٌ فَقَالَ: نعم وَالله إِن فِي نَفسِي مِنْهَا مَا كَانَ فِي نفس يَعْقُوب من يُوسُف عَلَيْهِمَا السَّلَام فَضَحِك عبيد الله وَقَالَ: فشأنك بهَا فَهِيَ لَك. قَالَ: جعلتك فدَاك أَخَاف أَن يبلغ ذَلِك مُعَاوِيَة فيجد عَليّ. قَالَ: فاختمها بخاتمك وادفعها إِلَى الخازن فَإِذا حَان خروجنا حملهَا إِلَيْك لَيْلًا. فَقَالَ الْحَاجِب: وَالله لهَذِهِ الْحِيلَة فِي الْكَرم أَكثر من الْكَرم ولوددت أَنِّي لَا أَمُوت حَتَّى أَرَاك مَكَانَهُ يَعْنِي مُعَاوِيَة. فَظن عبيد الله أَنَّهَا مكيدة مِنْهُ قَالَ: دع عَنْك هَذَا الْكَلَام فَإنَّا قومٌ نفي بِمَا وعدنا وَلَا ننقض مَا أكدنا. وَمن جوده أَيْضا: أَنه أَتَاهُ سَائل وَهُوَ لَا يعرفهُ فَقَالَ لَهُ: تصدق

فَإِنِّي نبئت أَن عبيد الله بن عَبَّاس أعْطى سَائِلًا ألف دِرْهَم وَاعْتذر إِلَيْهِ. فَقَالَ لَهُ: وَأَيْنَ أَنا من عبيد الله قَالَ: أَيْن أَنْت مِنْهُ فِي الْحسب أم كَثْرَة المَال قَالَ: فيهمَا. قَالَ: أما الْحسب فِي الرجل فمروءته وَفعله وَإِذا شِئْت فعلت وَإِذا فعلت كنت حسيباً. فَأعْطَاهُ ألفي دِرْهَم وَاعْتذر إِلَيْهِ من ضيق الْحَال فَقَالَ لَهُ السَّائِل: إِن لم تكن عبيد الله بن) عَبَّاس فَأَنت خير مِنْهُ وَإِن كنت هُوَ فَأَنت الْيَوْم خيرٌ مِنْك أمس. فَأعْطَاهُ ألفا أُخْرَى فَقَالَ السَّائِل: هَذِه هزة كريمٍ حسيب وَالله لقد نقرت حَبَّة قلبِي فأفرغتها فِي قَلْبك فَمَا أَخْطَأت إِلَّا باعتراض الشَّك من جوانحي. وَمن جوده أَيْضا: أَنه جَاءَهُ رجلٌ من الْأَنْصَار فَقَالَ: يَا ابْن عَم رَسُول الله إِنَّه ولد لي فِي هَذِه اللَّيْلَة مَوْلُود وَإِنِّي سميته بِاسْمِك تبركاً مني بِهِ وَإِن أمه مَاتَت. فَقَالَ عبيد الله: بَارك الله لَك فِي الْهِبَة وأجزل لَك الْأجر على الْمُصِيبَة. ثمَّ دَعَا بوكيله وَقَالَ: انْطلق السَّاعَة فاشتر للمولود جَارِيَة تحضنه وادفع إِلَيْهِ مِائَتي دِينَار للنَّفَقَة على تَرْبِيَته. ثمَّ قَالَ للْأَنْصَارِيِّ: عد إِلَيْنَا بعد أَيَّام فَإنَّك جئتنا وَفِي الْعَيْش يبس وَفِي المَال قلَّة. قَالَ الْأنْصَارِيّ: لَو سبقت حاتماً بيومٍ وَاحِد مَا ذكرته الْعَرَب أبدا وَلكنه سَبَقَك فصرت لَهُ تالياً وَأَنا أشهد أَن عفوك أَكثر من مجهوده وطل كرمك أَكثر من وابله. وَأما معن بن أَوْس الْمُزنِيّ فَهُوَ ابْن أَوْس بن نصر بن زِيَاد بن اِسْعَدْ

بن أسحم بن ربيعَة بن عداء بن ثَعْلَبَة بن ذُؤَيْب بن سعد بن عداء بن عُثْمَان بن عَمْرو بن أد بن طابخة بن إلْيَاس بن مُضر. وَمُزَيْنَة بِالتَّصْغِيرِ هِيَ أم عَمْرو بن أد بن طابخة. كَذَا فِي جمهرة الْأَنْسَاب للكلبي. وأسحم بالمهملتين. وعداءٌ فِي الْمَوْضِعَيْنِ بِالْكَسْرِ وَالْمدّ وَالتَّخْفِيف. وروى فِي الأول عدي بتَشْديد الْيَاء. ومعنٌ شَاعِر مجيدٌ فَحل من مخضرمي الْجَاهِلِيَّة وَالْإِسْلَام أوردهُ ابْن حجر فِي المخضرمين من الْإِصَابَة ولد مدائح فِي أَصْحَاب النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وَعمر إِلَى أَيَّام الْفِتْنَة بَين عبد الله بن الزبير ومروان بن الحكم. وَكَانَ مُعَاوِيَة يفضل مزينة فِي الشّعْر وَيَقُول: كَانَ اشعر الْجَاهِلِيَّة مِنْهُم وَهُوَ زُهَيْر وَكَانَ اشعر الْإِسْلَام مِنْهُم وَهُوَ كَعْب بن زُهَيْر. روى صَاحب الأغاني أَن معن بن أَوْس كَانَ مئناثاً وَكَانَ يحسن صُحْبَة بَنَاته وتربيتهن فولد لبَعض عشيرته بنتٌ فكرهها وَأظْهر جزعاً من ذَلِك فَقَالَ معن: الطَّوِيل (رَأَيْت رجَالًا يكْرهُونَ بناتهم ... وفيهن لَا تكذب نساءٌ صوالح) (وفيهن وَالْأَيَّام يعثرن بالفتى ... نوادب لَا يمللنه ونوائح) وَالْبَيْت الثَّانِي من أَبْيَات مُغنِي اللبيب على أَن فِيهِ الِاعْتِرَاض بَين الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر.)

قَالَ أَبُو عبيد الْبكْرِيّ فِي شرح أمالي القالي بعد إِيرَاد هذَيْن الْبَيْتَيْنِ و: أنْشد صاعد بن الْحسن لحسان بن الغدير أحد بني عَامر شعرًا فِيهِ الْبَيْت الأول من هذَيْن الْبَيْتَيْنِ وَهِي أَبْيَات مِنْهَا: (إِذا الْمَرْء لم ينفعك حَيا فنفعه ... أقل إِذا رصت عَلَيْهِ الصفائح) (رَأَيْت رجَالًا يكْرهُونَ بناتهم ... وَهن البواكي والجيوب النواضج) (وللموت سوراتٌ بهَا تنقض القوى ... وتسلو عَن المَال النُّفُوس الشحائح) (وَمَا النأي بالبعد المفرق بَيْننَا ... بل النأي مَا ضمت عَلَيْهِ الضرائح) وروى أَن عبد الْملك بن مَرْوَان قَالَ يَوْمًا وَعِنْده عدَّة من آل بَيته وَولده: ليقل كل واحدٍ مِنْكُم أحسن شعرٍ سَمعه. فَذكرُوا لامرئ الْقَيْس والأعشى وطرفة فَأَكْثرُوا حَتَّى أَتَوا على محَاسِن مَا قَالُوا فَقَالَ عبد الْملك: أشعرهم وَالله الَّذِي يَقُول: الطَّوِيل (وَذي رحمٍ قلمت أظفار ضغنه ... بحلمي عَنهُ وَهُوَ لَيْسَ لَهُ حلم) (إِذا سمته وصل الْقَرَابَة سامني ... قطيعتها تِلْكَ السفاهة وَالظُّلم) (فأسعى لكَي أبني ويهدم صالحي ... وَلَيْسَ الَّذِي بيني كمن شَأْنه الْهدم) (يحاول رغمي لَا يحاول غَيره ... وكالموت عِنْدِي أَن يحل بِهِ رغم) (فَمَا زلت فِي لينٍ لَهُ وتعطفٍ ... عَلَيْهِ كَمَا تحنو على الْوَلَد الْأُم)

(الشاهد الحادي والثلاثون بعد الخمسمائة)

(لأستل مِنْهُ الضغن حَتَّى سللته ... وَإِن كَانَ ذَا ضغنٍ يضيق بِهِ الْحلم) قَالُوا: وَمن قَائِلهَا يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ قَالَ: معن بن أَوْس الْمُزنِيّ. 3 - (الشَّاهِد الْحَادِي وَالثَّلَاثُونَ بعد الْخَمْسمِائَةِ) الْبَسِيط (الله أَعْطَاك فضلا من عطيته ... على هنٍ وهنٍ فِيمَا مضى وَهن) على أَنه قد يكنى ب هن عَن الْعلم كَمَا هُنَا. وَهَذَا من شرح الْمفصل لِابْنِ الْحَاجِب وَعبارَته: وَقد يكنى ب هن عَمَّا لَا يُرَاد التَّصْرِيح بِهِ لغرضٍ كَقَوْل ابْن هرمة يُخَاطب حسن بن زيد: الله أَعْطَاك فضلا ... ... ... ... . . الْبَيْت يَعْنِي عبد الله وحسناً وَإِبْرَاهِيم بني حسن بن حسن كَأَنَّهُمْ كَانُوا وعدوه شَيْئا فوفى بِهِ حسن. وَمن ثمَّ قَالَ بَعضهم: يكنى بِهِ عَن الْأَعْلَام أَيْضا. انْتهى. وَقَالَ أحد شرَّاح أَبْيَات الْإِيضَاح للفارسي: قَالَ الْهَرَوِيّ: هن وهنة كِنَايَة عَن الشَّيْء لَا تذكره باسمه. وَلم يخص جِنْسا من غَيره. وَقَالَ أَبُو الْحسن الْأَخْفَش فِي الْأَوْسَط لَهُ: تَقول: هَذَا فلَان بن فلَان وَهَذَا هن بن هن وَهَذِه هنة بنت هنة كَأَنَّهُ قيل: هَذَا زيد بن عَمْرو فَلم يذكرهُ فَوضع

بِأَنَّهَا يكنى بهَا عَن الْأَعْلَام. وَهُوَ الله أَعْطَاك فضلا من عطيته ... ... ... ... . الْبَيْت يَعْنِي: حسنا وَإِبْرَاهِيم وَعبد الله بني حسن بن حسن وَكَأَنَّهُم كَانُوا وعدوه شَيْئا فوفى بِهِ حسن. انْتهى كَلَامه. وَقَالَ الشنواتي فِي حَاشِيَة الأوضح: الهن يُطلق وَيُرَاد بِهِ الحقير قَالَ الشَّاعِر: الله أَعْطَاك فضلا ... ... ... ... . . الْبَيْت يَعْنِي على أَقوام هم بِالنِّسْبَةِ إِلَيْك صغارٌ محتقرون. انْتهى. وَالْبَيْت من أَبْيَات ثَلَاثَة رَوَاهَا أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن يحيى الشهير بثعلب فِي أَمَالِيهِ قَالَ: أخبرنَا مُحَمَّد قَالَ حَدثنَا أَبُو الْعَبَّاس: قَالَ حَدثنِي عمر بن شبة قَالَ: أَخْبرنِي أَبُو سَلمَة قَالَ: أَخْبرنِي ابْن زبنج راوية ابْن هرمة قَالَ: أَصَابَت ابْن هرمة أزمةٌ فَقَالَ لي فِي يَوْم حارٍّ: اذْهَبْ فتكار لي حِمَارَيْنِ إِلَى سِتَّة أَمْيَال وَلم يسم موضعا. فَركب وَاحِدًا وَركبت وَاحِدًا ثمَّ سرنا حَتَّى انتهينا إِلَى قُصُور حسن بن زيد ببطحاء ابْن أَزْهَر فَدَخَلْنَا مَسْجده.) فَلَمَّا زَالَت الشَّمْس خرج علينا مُشْتَمِلًا على قَمِيصه فَقَالَ لمولى لَهُ: أذن. فَأذن ثمَّ لم يُكَلِّمنَا كلمة ثمَّ قَالَ لَهُ: أقِم. فَأَقَامَ فصلى بِنَا ثمَّ أقبل على ابْن هرمة فَقَالَ: مرْحَبًا بك أَبَا إِسْحَاق حَاجَتك قَالَ: نعم بِأبي أَنْت وَأمي

أبياتٌ قلتهَا وَقد كَانَ عبد الله بن حسن وَحسن وَإِبْرَاهِيم بَنو حسن بن حسن وعدوه شَيْئا فأخلفوه فَقَالَ: هَاتِهَا. فَأَنْشد: (أما بَنو هاشمٍ حَولي فقد قرعوا ... نبلي الصياب الَّتِي جمعت فِي قَرْني) (فَمَا بِيَثْرِب مِنْهُم من أعاتبه ... إِلَّا عوائد أرجوهن من حسن) (الله أَعْطَاك فضلا من عطيته ... على هنٍ وهنٍ فِيمَا مضى وَهن) قَالَ: حَاجَتك قَالَ: لِابْنِ أبي مُضرس عَليّ خَمْسُونَ وَمِائَة دِينَار. قَالَ: فَقَالَ لمولى لَهُ: أَبَا هَيْثَم اركب هَذِه البغلة فأتني بِابْن أبي مُضرس وَذكر حَقه. قَالَ: فَمَا صلينَا الْعَصْر حَتَّى جَاءَ بِهِ فَقَالَ لَهُ: مرْحَبًا بك يَا ابْن أبي مُضرس أَمَعَك ذكر حقٍّ على ابْن هرمة فَقَالَ: نعم. قَالَ: فامحه. قَالَ: فمحاه. ثمَّ قَالَ: يَا هَيْثَم بِعْ ابْن أبي مُضرس من تمر الخانقين بِمِائَة وَخمسين دِينَارا وزده فِي كل دِينَار ربع دِينَار وكل لِابْنِ هرمة بِخَمْسِينَ وَمِائَة دِينَار تَمرا وكل لِابْنِ زبنج بِثَلَاثِينَ دِينَارا تَمرا. قَالَ: فانصرفنا من عِنْده فَلَقِيَهُ مُحَمَّد بن عبد الله بن حسن بالسيالة وَقد بلغه الشّعْر فَغَضب لِأَبِيهِ وعمومته فَقَالَ: أيا ماص بظر أمه أَأَنْت الْقَائِل: قَالَ: لَا وَالله بِأبي أَنْت وَلَكِنِّي الَّذِي أَقُول لَك: الْبَسِيط (لَا وَالَّذِي مِنْهُ نعمةٌ سلفت ... نرجو عواقبها فِي آخر الزَّمن) ...

(لقد أبنت بأمرٍ مَا عَمَدت لَهُ ... وَلَا تَعَمّده قولي وَلَا سُنَنِي) (فَكيف أَمْشِي مَعَ الأقوام معتدلاً ... وَقد رميت بَرِيء الْعود بالأبن) (مَا غيرت وَجهه أمٌّ مهجنةٌ ... إِذا القتام تغشى أوجه الهجن) قَالَ: وَأم الْحسن أم ولد. انْتهى مَا رَوَاهُ ثَعْلَب. قَالَ أَصْحَاب الأغاني: ويروى أَن ابْن هرمة لما قَالَ هَذَا الشّعْر فِي حسن بن زيد قَالَ عبد الله بن حسن: وَالله مَا أَرَادَ الْفَاسِق غَيْرِي وَغير أخوي حسن وَإِبْرَاهِيم. وَكَانَ عبد الله يجْرِي عَلَيْهِ رزقا فَقَطعه عَنهُ وَغَضب عَلَيْهِ فَأَتَاهُ يعْتَذر فنحي وطرد) فَسَأَلَ رجَالًا أَن يكلموه فردهم فيئس من رِضَاهُ فاجتنبه وخافه فَمَكثَ مَا شَاءَ الله ثمَّ مر عَشِيَّة وَعبد الله على زربيته فَلَمَّا رَآهُ عبد الله تضاءل وتصاغر وأسرع فِي الْمَشْي فرق لَهُ عبد الله وَأمر بِهِ فَردُّوهُ وَقَالَ لَهُ: يَا فَاسق تَقول: على هن وَهن أتفضل الْحسن عَليّ وعَلى أخوي فَقَالَ: بِأبي أَنْت وَأمي وَرب هَذَا الْقَبْر مَا عنيت إِلَّا فِرْعَوْن وهامان وَقَارُون أفتغضب لَهُم فَضَحِك ورد عَلَيْهِ جرايته. انْتهى. وزبنج بِفَتْح الزَّاي الْمُعْجَمَة وَفتح الْمُوَحدَة وَتَشْديد النُّون الْمَفْتُوحَة بعْدهَا جِيم. والأزمة: الشدَّة والضائقة. وَقَوله: فتكار أمرٌ من تكاري يتكارى بِمَعْنى اكترى يكتري أَي: أَخذ الدَّابَّة بالكراء وَالْأُجْرَة.

وحسن بن يزِيد هُوَ حسن بن زيد بن الْحسن بن عَليّ بن أبي طَالب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم ولي الْمَدِينَة وَكَانَ شريفاً فَاضلا. فزيد بن حسن هُوَ أَخُو حسن بن حسن. فَحسن بن زيد يكون ابْن عمٍّ لهَؤُلَاء الْإِخْوَة الثَّلَاثَة. وَقَوله: أما بَنو هَاشم حَولي إِلَخ قرعت: أَصَابَت. ونبلي بِالْفَتْح: سهامي. والصياب بِالْكَسْرِ: جمع صائب من صاب السهْم يصوب صيبوبة أَي: قصد وَلم يجز وصاب السهْم القرطاس يُصِيبهُ صيباً: لُغَة فِي أَصَابَهُ. والْقرن بِالتَّحْرِيكِ: الجعبة. قَالَ الْأَصْمَعِي: الْقرن: جعبة من جُلُود تكون مشقوقة ثمَّ تخزر حَتَّى تصل الرّيح إِلَى الريش فَلَا يفْسد. ويثرب هِيَ الْمَدِينَة المنورة. وَقَوله: إِلَّا عوائد استثناءٌ مُنْقَطع أَي: لَكِن. وعوائد: مبتدأٌ ز أرجوهن: خَبره وَحسن هُوَ حسن بن زيد. يَقُول: لَيْسَ فِي الْمَدِينَة من أعاتبه على ترك إحسانه إِلَيّ لكنني أَرْجُو العوائد من حسن ابْن زيد. والعوائد: جمع عَائِدَة وَهِي الصِّلَة وَالْإِحْسَان. وَقَوله: الله أَعْطَاك فضلا الْفضل هُنَا: الزِّيَادَة. يَقُول: إِن الله أَعْطَاك فضلا على أَبنَاء عمك أَي: فضلك عَلَيْهِم. وَقَوله: فِيمَا مضى أَي: فِي الْأَزَل. وَعبر عَن كل واحدٍ مِنْهُم بهنٍ الْمَوْضُوع لما يستقبح ذكره من أَسمَاء الْجِنْس. وَلَيْسَ هن كِنَايَة عَن علم كلٍّ مِنْهُم وَلَو كَانَ كِنَايَة عَنْهُم لما غضب على الشَّاعِر مُحَمَّد بن عبد الله لِأَبِيهِ وعميه وَلما اشْتَدَّ غضب عبد الله لنَفسِهِ ولأخويه. وَلَو كَانَ الْغَضَب لمُجَرّد التَّفْضِيل لما) بلغ هَذَا الْمبلغ مِنْهُم

وهم فروع الْإِمَامَة وهضاب الْحلم والإغضاء. وَقَوله: حَاجَتك هُوَ مَنْصُوب فِي الْمَوْضِعَيْنِ بِتَقْدِير اذكر. وَقَوله: من تمر الخانقين بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة وَالنُّون وَالْقَاف هُوَ مَوضِع ويعرب إِعْرَاب الْمثنى. كَذَا فِي المعجم: هِيَ قَرْيَة جَامِعَة بَينهَا وَبَين الْمَدِينَة تِسْعَة وَعِشْرُونَ ميلًا وَهِي لولد حسن ابْن عَليّ بن أبي طَالب وَهِي فِي الطَّرِيق مِنْهَا إِلَى مَكَّة. وَقَوله: لَا وَالَّذِي أَنْت مِنْهُ نعمةٌ سلفت إِلَخ لَا: نفيٌ لما اتهمَ بِهِ الشَّاعِر وَالْوَاو للقسم. يَعْنِي: لَيْسَ الْأَمر كَمَا توهم وَالله الَّذِي أنعم بك علينا وَنَرْجُو حسن عَاقِبَة هَذِه النِّعْمَة عِنْد انْقِضَاء الْأَجَل بِأَن يميتنا على حبكم. وَقَوله: لقد أبنت إِلَخ هَذَا جَوَاب الْقسم وأبنت: بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول أَي: ذكرت بسوءٍ وَهُوَ بِالْألف بسوءٍ وَهُوَ بِالْألف وَالْبَاء وَالنُّون. يُقَال: فلانٌ يؤبن بِكَذَا أَي: يذكر بقبيح. وأبنه يأبنه من بَاب نصر وَضرب إِذا اتهمه بِهِ. وعَمَدت: قصدت. والسّنَن بِفتْحَتَيْنِ: الطَّرِيقَة. وَقَوله: فَكيف أَمْشِي مَعَ الأقوام إِلَخ المعتدل: الْمُسْتَقيم. وَجُمْلَة قد رميت من الْفِعْل وَالْفَاعِل حَال من فَاعل أَمْشِي. ورميت بِمَعْنى قذفت. بَرِيء الْعود مَفْعُوله وبالأبن مُتَعَلق برميت. والأبن بِضَم الْألف وَفتح الْمُوَحدَة: جمع أبنة بِضَم الْألف وَسُكُون الْمُوَحدَة وَهِي الْعقْدَة فِي الْعود

ومتعلق بَرِيء مَحْذُوف أَي: بَرِيء الْعود من الأبن. يَقُول: فَكيف أكون بَين النَّاس مُسْتَقِيمًا إِذا قذفت الْمُسْتَقيم بالعيوب. وَقَوله: مَا غيرت وَجهه إِلَخ غَيره تغييراً: جعله غيراً. يُرِيد أَن أم الْحسن ابْن الْحسن وَإِن كَانَت أم ولد مَا ولدت ابْنهَا الْحسن مغايراً لشكل آبَائِهِ كَمَا يُقَال: الْوَلَد للخال بل وَلدته على صُورَة آبَائِهِ: سيداً جَلِيلًا شهماً. والمهجنة بِكَسْر الْجِيم: وَهِي الْمَرْأَة الَّتِي تَلد هجيناً. والهجين: الَّذِي تلده أمٌّ لَيست بعربية. والقتام بِفَتْح الْقَاف: الْغُبَار. وغشى تغشية أَي: غطى تَغْطِيَة. وأوجه مَفْعُوله جمع وَجه. والهجن بِضَمَّتَيْنِ: جمع هجين. والزربية بِكَسْر الزاء الْمُعْجَمَة وَسُكُون الرَّاء الْمُهْملَة هِيَ وابْن هرمة بِفَتْح الْهَاء وَسُكُون الرَّاء بعْدهَا مِيم: شاعرٌ مطبوع أدْرك الدولتين وَمَات فِي مُدَّة هَارُون الرشيد. واسْمه إِبْرَاهِيم وَتَقَدَّمت تَرْجَمته فِي الشَّاهِد الثَّامِن وَالسِّتِّينَ. وَأنْشد بعده: الرجز) يَا مرحباه بِحِمَار ناجيه على أَن هَاء السكت فِي الْوَصْل قد تحرّك بِالضَّمِّ وبالكسر. وَتقدم فِي بَاب الْمَنْدُوب أَن بَعضهم يحركها بِالْفَتْح بعد الْألف.

(الشاهد الثاني والثلاثون بعد الخمسمائة)

ويَا: حرف نِدَاء والمنادى مَحْذُوف ومرْحَبًا مصدر مَنْصُوب بعامل مَحْذُوف أَي: صَادف رحباً وسعة حذف تنوينه لنِيَّة الْوَقْف وَوصل بِهِ هَاء السكت ثمَّ عَن لَهُ الْوَصْل فوصل. وَالْبَاء مُتَعَلق بِهِ. وحمَار مُضَاف إِلَى نَاجِية. وروى الْفراء فِي تَفْسِيره: ناهيه بدل ناجيه وَهُوَ اسْم شخص. وَقد تقدم الْكَلَام عَلَيْهِ فِي الشَّاهِد السَّابِع وَالْأَرْبَعِينَ بعد الْمِائَة. وَأنْشد بعده 3 - (الشَّاهِد الثَّانِي وَالثَّلَاثُونَ بعد الْخَمْسمِائَةِ) يَا رب يَا رباه إياك أسل على أَن الْهَاء فِي رباه للسكت وتضم وتكسر. وَتقدم فِي بَاب الْمَنْدُوب أَنَّهَا تفتح أَيْضا عِنْد بَعضهم إِذا كَانَت بعد ألف كَمَا هُنَا. فَفِيهَا بعد الْألف ثَلَاث حركات. وَذكر هُنَا أَنَّهَا تزاد فِي السعَة وصلا ووقفاً فِي آخر هنٍ وَإِخْوَته. وَهِي فِي نَحْو هذَيْن الْبَيْتَيْنِ فِي حَال الضَّرُورَة وَهَذَا قَول الْكُوفِيّين وَبَعض الْبَصرِيين. وَقدم فِي بَاب الْمَنْدُوب أَن الْكُوفِيّين يثبتونها وَقفا ووصلاً فِي الشّعْر وَغَيره. فَفِي كلاميه تدافع.

قَالَ الْفراء فِي تَفْسِيره من سُورَة الزمر عِنْد قَوْله تَعَالَى: يَا حسرتا: يَا ويلتا مضافٌ إِلَى الْمُتَكَلّم. تحول الْعَرَب الْيَاء إِلَى الْألف فِي كل كَلَام كَانَ مَعْنَاهُ الاستغاثة: يخرج على لفظ الدُّعَاء. وَرُبمَا أدخلت الْعَرَب الْهَاء بعد الْألف الَّتِي فِي حسرتا فيخفضونها مرّة ويرفعونها. أَنْشدني أَبُو فقعس بعض بني أَسد: الرجز (يَا رب يَا رباه إياك أسل ... عفراء يَا رباه من قبل الْأَجَل) فخفض. وأنشدني أَيْضا: الرجز والخفض أَكثر فِي كَلَام الْعَرَب إِلَّا فِي قَوْلهم: يَا هَناه وَيَا هنتاه فالرفع فِي هَذَا أَكثر من الْخَفْض) لِأَنَّهُ كثر فِي الْكَلَام فَكَأَنَّهُ حرفٌ واحدٌ مدعُو. انْتهى. وَظَاهره على إِطْلَاقه لَا يخْتَص بضرورةٍ عِنْدهم وَأما عِنْد الْبَصرِيين فَلَا يجوز تحريكها وَلَا تلْحق وصلا فِي غير: يَا هَناه. والبيتان الْمَذْكُورَان وَقعا بِلَا مناسبةٍ فِي أَوَائِل إصْلَاح الْمنطق ليعقوب بن السّكيت قَالَ شَارِح أبياته يُوسُف بن السيرافي: لم ينشد يَعْقُوب هذَيْن الْبَيْتَيْنِ وَلَا الأبيات الَّتِي بعدهمَا شَاهدا لشيءٍ تقدم وَإِنَّمَا أنْشد ذَلِك لِأَن الْهَاء تضم وتكسر وَهَذَا لَا يتَعَلَّق بِالْبَابِ. وَهَذِه الْهَاء لَيست من الْكَلِمَة وَإِنَّمَا دخلت للْوَقْف ثمَّ احْتَاجَ إِلَى وَصلهَا الشَّاعِر فحركها بِالْكَسْرِ. وَمن

ضم شبهها بهاء الضَّمِير وَهَذَا رديءٌ جدا. وعفراء: اسْم امْرَأَة سَأَلَ ربه أَن يرِيه إِيَّاهَا قبل أَجله وَيجمع بَينهمَا. انْتهى. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ فِي الْمفصل: وَحقّ هَاء السكت أَن تكون سَاكِنة وتحريكها لحنٌ نَحْو مَا فِي إصْلَاح الْمنطق لِابْنِ السّكيت من قَوْله: يَا مرحباه بِحِمَار عفراء يَا مرحباه بِحِمَار ناجيه مِمَّا لَا معرج عَلَيْهِ للْقِيَاس وَاسْتِعْمَال الفصحاء. ومعذرة من قَالَ ذَلِك أَنه أجْرى الْوَصْل مجْرى الْوَقْف مَعَ تَشْبِيه هَاء الْوَقْف بهاء الضَّمِير. قَالَ شَارِحه ابْن يعِيش: اعْلَم أَنه قد يُؤْتى بِهَذِهِ الْهَاء لبَيَان حُرُوف الْمَدّ واللين كَمَا يُؤْتى بهَا لبَيَان حُرُوف الْمَدّ واللين كَمَا يُؤْتى بهَا لبَيَان الحركات. وَلَا تكون إِلَّا سَاكِنة لِأَنَّهَا موضوعةٌ للْوَقْف وَالْوَقْف إِنَّمَا يكون على السَّاكِن. وتحريكها لحنٌ وخروجٌ عَن كرم الْعَرَب لِأَنَّهُ لَا يجوز ثبات هَذِه الْهَاء فِي الْوَصْل فَتحَرك بل إِذا وصلت استغنت عَنْهَا بِمَا بعْدهَا من الْكَلَام. فَأَما قَوْله: يَا مرحباه بِحِمَار عفراء فَإِن الشّعْر لعروة بن حزَام العذري. وَقَول الآخر: يَا مرحباه بِحِمَار ناجيه)

فضرورة وَهُوَ رَدِيء فِي الْكَلَام. وَإِنَّمَا اضْطر الشَّاعِر حِين وصل إِلَى التحريك لِأَنَّهُ لَا يجْتَمع ساكنان فِي الْوَصْل على غير شَرط إِلَّا حرك. وَقد رويت بِضَم الْهَاء وَكسرهَا. فالكسر لالتقاء (إِذا أَتَى قربته لما شَاءَ ... من الشّعير والحشيش وَالْمَاء) وَمَعْنَاهُ أَن عُرْوَة كَانَ يحب عفراء وفيهَا يَقُول: (يَا رب يَا رباه إياك أسل ... عفراء يَا رباه من قبل الْأَجَل) فَإِن عفراء من الدُّنْيَا الأمل ثمَّ خرج فلقي حمارا عَلَيْهِ امرأةٌ فَقيل لَهُ: هَذَا حمَار عفراء فَقَالَ: يَا مرحباه بِحِمَار عفراء فَرَحَّبَ بحمارها لمحبته لَهَا وَأعد لَهُ الشّعير والحشيش وَالْمَاء. وَنَظِير مَعْنَاهُ قَول الآخر: الوافر (أحب لحبها السودَان حَتَّى ... أحب لحبها سود الْكلاب) انْتهى. وَهَذَا من رجز أوردهُ أَبُو مُحَمَّد الْأسود الْأَعرَابِي فِي ضَالَّة الأديب وَلم ينْسبهُ إِلَى أحد وَهُوَ: الرجز (إِلَيْك أَشْكُو عرق دهرٍ ذِي خبل ... وعيلاً شعثاً صغَارًا كالحجل) (وأمهم تهتف تستكسي الْحلَل ... قد طَار عَنْهَا درعها مَا لم يخل) ...

(فَإِن عفراء من الدُّنْيَا أمل ... لَو كلمت رُهْبَان ديرٍ فِي قلل) لزحف الرهبان يمشي وزحل وَقد راجعت ديوَان عُرْوَة فَلم أجد هَذَا الرجز. وَعُرْوَة تقدّمت تَرْجَمته فِي الشَّاهِد السَّادِس وَالتسْعين بعد الْمِائَة. وَقَوله: عرق دهرٍ ذِي خبل الْعرق بِفَتْح الْعين وَسُكُون الرَّاء الْمُهْمَلَتَيْنِ: مصدر عرقت الْعظم من بَاب نصر إِذا أكلت مَا عَلَيْهِ من اللَّحْم. والخبل: الْفساد. والعيل بفتحيتين: لُغَة فِي الْعِيَال. وتهتف: تصوت. والْحلَل بِضَم فَفتح قَالَ الصَّاغَانِي: هِيَ برود الْيمن. والْحلَّة: إزارٌ ورداءٌ لَا تسمى حلَّة حَتَّى تكون ثَوْبَيْنِ. والدرْع بِالْكَسْرِ: ثوب الْمَرْأَة خَاصَّة.)

تَتِمَّة قد حقق الشَّارِح الْمُحَقق هُنَا أَن الْألف وَالْهَاء فِي يَا هَناه زائدتان بِدَلِيل أَنَّهُمَا تلحقان فروعه من التَّثْنِيَة وَالْجمع والتأنيث كَمَا نَقله عَن الْأَخْفَش فَيكون من الْمَحْذُوف اللَّام ووزنه فعاه. وَقصد بِهَذَا الْبَيَان الوافي الرَّد على ابْن جني فِي زَعمه أَن الْهَاء لَام الْكَلِمَة وَأَن وَزنهَا فعال وشدد فِي زَعمه وَخطأ من عدهَا للسكت. فَرد عَلَيْهِ الشَّارِح بِأَنَّهَا قد لحقت مَعَ الْألف آخر الْمثنى وَالْمَجْمُوع على حَده وَآخر الْمُؤَنَّث. وَلَو كَانَت لاماً لما جَازَ تَأْخِيرهَا. وَأجَاب على تَحْرِيك الْهَاء. وَهَذِه عبارَة ابْن جني فِي سر الصِّنَاعَة فِي إِبْدَال الْهَاء من الْوَاو قَالَ: أبدلوها من حرف وَاحِد وَهُوَ قَول امْرِئ الْقَيْس: المتقارب (وَقد رَابَنِي قَوْلهَا يَا هُنَا ... هـ وَيحك ألحقت شرا بشر) فالهاء الْأَخِيرَة فِي هَناه بدل من الْوَاو فِي: هنوك وهنوات وَكَانَ أَصله هناو فأبدلت الْوَاو هَاء قَالُوا: هَناه. هَكَذَا قَالَ أَصْحَابنَا. وَلَو قَالَ قَائِل: إِن الْهَاء إِنَّمَا هِيَ بدل من الْألف المنقلبة عَن الْوَاو الْوَاقِعَة بعد ألف هَناه إِذْ أَصله هناو ثمَّ صَارَت هُنَا بِأَلفَيْنِ كَمَا أَن أصل عَطاء عطاو ثمَّ صَار بعد الْقلب عطاا فَلَمَّا صَار هناا الْتَقت أَلفَانِ كره اجْتِمَاع الساكنين فقلبت الْألف الْأَخِيرَة هَاء فَقَالُوا: هَناه كَمَا أبدل الْجَمِيع من ألف عطاا الثَّانِيَة همزَة لِئَلَّا يجْتَمع همزتان لَكَانَ قولا قَوِيا ولكان أَيْضا أشبه من أَن يكون قلبت الْوَاو فِي أول أحوالها هَاء من وَجْهَيْن:

أَحدهمَا: أَن من شريطة قلب الْوَاو ألفا أَن تقع طرفا بعد ألف زَائِدَة وَقد وَقعت هُنَا كَذَلِك. وَالْآخر: أَن الْهَاء إِلَى الْألف أقرب مِنْهَا إِلَى الْوَاو بل هما فِي الطَّرفَيْنِ. أَلا ترى أَن أَبَا الْحسن ذهب إِلَى أَن الْهَاء مَعَ الْألف من مَوضِع وَاحِد لقرب مكانيهما. فَقلب الْألف إِذا هَاء أقرب من قلب الْوَاو هَاء.) وَكتب إِلَيّ أَبُو عَليّ من حلب فِي جَوَاب شيءٍ سَأَلته عَنهُ فَقَالَ: وَقد ذهب أحد عُلَمَائِنَا إِلَى أَن الْهَاء من هَناه إِنَّمَا لحقت فِي الْوَقْف لخفاء الْألف كَمَا تلْحق بعد ألف الندبة ثمَّ إِنَّهَا شبهت بِالْهَاءِ الْأَصْلِيَّة فحركت. وَلم يسم أَبُو عليٍّ هَذَا الْعَالم من هُوَ فَلَمَّا انحدرت إِلَيْهِ إِلَى مَدِينَة السَّلَام وقرأت عَلَيْهِ نَوَادِر أبي زيد نظرت وَإِذا أَبُو زيد هُوَ صَاحب هَذَا القَوْل. وَهَذَا من أبي زيد غير مرضيٍّ عِنْد الْجَمَاعَة وَذَلِكَ أَن الْهَاء الَّتِي تلْحق لبَيَان الحركات وحروف اللين إِنَّمَا تلْحق فِي الْوَقْف فَإِذا صرت إِلَى الْوَصْل حذفتها الْبَتَّةَ فَلم تُوجد فِيهِ سَاكِنة متحركة. وَقد استقصيت هَذَا الْفَصْل فِي كتابي فِي شعر المتنبي عِنْد قَوْله:

الْبَسِيط ودللت هُنَاكَ على ضعف قَول أبي زيد وَبَيت المتنبي جَمِيعًا. انْتهى. وَقَالَ ابْن جهور فِي إِعْرَاب أَبْيَات الْجمل: وَاخْتلف فِي أَصْلهَا فَذهب قومٌ إِلَى أَن هَذِه الْهَاء أصل وَلَيْسَت بمبدلة وَأَنَّهَا مثل سنة وعضة الَّتِي لامها تَارَة هَاء وَتارَة حرف عِلّة. وَهَذَا القَوْل ضعيفٌ من جِهَة أَن بَاب قلق وسلس قَلِيل. وَذهب آخَرُونَ إِلَى أَن الْألف وَالْهَاء زائدتان وعَلى هَذَا كثيرٌ من الْبَصرِيين والكوفيين بِدَلِيل قَوْلهم: هن وهنة وَأَن لَام الْكَلِمَة محذوفة. وعَلى هَذَا تَأتي مسَائِل التَّثْنِيَة وَالْجمع والمذكر والمؤنث. فالألف وَالْهَاء فِي كَونهمَا زائدتين نظيرتا الْألف وَالْهَاء فِي الندبة إِلَّا أَن هَذِه الْهَاء لَيست للسكت كَمَا ذهب إِلَيْهِ بَعضهم لتحركها وهاء السكت لَا تتحرك. وَمن جعلهَا هَاء سكت قَالَ: زيدت الْألف لبعد الصَّوْت وزيدت الْهَاء للْوَقْف ثمَّ كثر فِي كَلَامهم حَتَّى صَارَت الْهَاء كَأَنَّهَا أَصْلِيَّة تحركت. فَإِذا ثنيته على هَذَا قلت: يَا هنانيه أَقبلَا. فالألف وَالنُّون للتثنية وَالْيَاء الَّتِي بعد النُّون هِيَ الْألف الَّتِي كَانَت فِي هَناه فَانْقَلَبت يَاء لانكسار مَا قبلهَا وَهُوَ نون التَّثْنِيَة وانكسرت الْهَاء بعد أَن كَانَت مَضْمُومَة لمجاورتها الْيَاء. وَتقول فِي الْجمع: يَا هنوناه أَقبلُوا الْوَاو وَالنُّون للْجمع وَالْألف وَإِنَّمَا جَازَ أَن يجمع هَذَا بِالْوَاو وَالنُّون من قبل أَن هَذِه الْكَلِمَة قد تطرق عَلَيْهَا التَّغْيِير بِحَذْف لامها فَصَارَت الْوَاو وَالنُّون كالعوض من لَام الْكَلِمَة على حد قَوْلهم: سنُون. وَتقول فِي الْمُؤَنَّث: يَا هنتاه أقبلي وَفِي التَّثْنِيَة: يَا هنتانيه أَقبلَا وَفِي الْجمع:

(الشاهد الثالث والثلاثون بعد الخمسمائة)

يَا هناتوه أقبلن قلبت) ألف هَناه واواً لانضمام مَا قبلهَا كَمَا قلبتها يَاء لانكسار مَا قبلهَا فِي التَّثْنِيَة. وهناه كلمة يكنى بهَا عَن النكرات كَمَا يكنى بفلانٍ عَن الْأَعْلَام. فَمَعْنَى يَا هَناه: يَا رجل. وَلَا تسْتَعْمل إِلَّا فِي النداء عِنْد الْجفَاء والغلظة. وَقيل: إِنَّهَا كِنَايَة عَن الْفَوَاحِش والعورات يكنى بهَا عَمَّا يستقبح ذكره. انْتهى. وَقَوله: فَمَعْنَى هَناه: يَا رجل مساوٍ لقَوْل الشَّارِح الْمُحَقق: للمنادى غير الْمُصَرّح باسمه. وَإِنَّمَا أوردهُ فِي بَاب الْعلم اسْتِطْرَادًا بمناسبة هن الَّذِي قد يكنى بِهِ عَن الْعلم. وَلِهَذَا قَالَ: وَمِنْه أَي: وَمن هنٍ الْمَذْكُور. وَالله أعلم. وَأنْشد بعده 3 - (الشَّاهِد الثَّالِث وَالثَّلَاثُونَ بعد الْخَمْسمِائَةِ) المنسرح على أَن هَذَا الْبَيْت يدل على أَن الرقيات فِي قَوْلهم: قيس الرقيات بِالْإِضَافَة لَيْسَ من بَاب إِضَافَة الِاسْم إِلَى اللقب بل هُوَ من بَاب الْإِضَافَة لأدنى مُلَابسَة لنكاحه لنسوةٍ اسْم كل مِنْهَا رقية. وَقيل: هن جداته. وَقيل: شَبَّبَ بثلاثٍ كَذَلِك. وَلَو كَانَ الرقيات لقباً لقيس لقيل فِي الْبَيْت: قل لِابْنِ قيس الرقيات فَلَمَّا أضَاف أَخا إِلَيْهِ وَأتبعهُ لقيس فِي إعرابه علم أَنه غير لقب لقيس وَلَو كَانَ لقباً لَهُ لقيل قيس الرقيات إِمَّا بتنوين قيس وإتباع الرقيات لَهُ بجعله عطف بَيَان لَهُ وَإِمَّا بإضافته إِلَى الرقيات. فَلَمَّا أتبعه

بِإِضَافَة أَخ إِلَى الرقيات علم أَنه غير لقب لَهُ فَعرف أَن الْإِضَافَة إِلَيْهَا فِي قَوْلهم قيس الرقيات للملابسة الْمَذْكُورَة. هَذَا على تَقْرِير الشَّارِح. وَأما على مَا سَيَأْتِي فأخي الرقيات تَابع لِابْنِ لَا لقيس. والْعرف بِكَسْر الْعين وَسُكُون الرَّاء الْمُهْمَلَتَيْنِ قَالَ صَاحب الْعباب: هُوَ الصَّبْر. وَأنْشد الْبَيْت عَن ابْن الْأَعرَابِي. يتعجب من الصَّبْر فِي المصائب. والْأَخ يسْتَعْمل فِي اللُّغَة على خَمْسَة معَان: الأول: أَخُو النّسَب من الْأَبَوَيْنِ أَو من أَحدهمَا. الثَّانِي: أَخُو النِّسْبَة إِلَى الْقَوْم يُقَال: يَا أَخا تَمِيم لمن هُوَ مِنْهُم. وَبِه فسر قَوْله تَعَالَى: يَا أُخْت الثَّالِث: أَخُو الصداقة.) الرَّابِع: أَخُو المجانسة والمشابهة كَقَوْلِهِم: هَذَا الثَّوْب أَخُو هَذَا. الْخَامِس: أَخُو الْمُلَازمَة والملابسة كَقَوْلِهِم: أَخُو الْحَرْب وأخو اللَّيْل. فَإِن كَانَ الرقيات عبارَة عَن الزَّوْجَات أَو المعشوقات فالأخ بِالْمَعْنَى الْأَخير. وَإِن كَانَ أُرِيد بهَا الْجدَّات فالأخ بِالْمَعْنَى الثَّانِي. وَلم يذكر الشَّارِح الْمُحَقق وَجه تلقيبه بالرقيات على تَقْدِير كَون الرقيات

لقباً. فَأَقُول: يكون وَجهه مَا نَقله كرَاع من أَنه إِنَّمَا لقب بِهَذَا لقَوْله: مجزوء الوافر (رقية لَا رقية لَا ... رقية أَيهَا الرجل) قَالَ ابْن دُرَيْد فِي الوشاح: من الشُّعَرَاء من غلبت عَلَيْهِم ألقابهم بِشَعْرِهِمْ حَتَّى صَارُوا لَا يعْرفُونَ إِلَّا بهَا. فَمنهمْ: مُنَبّه بن سعد بن قيس بن عيلان بن مُضر وَهُوَ أعصر وَإِنَّمَا سمي أعصر بقوله: الْكَامِل (قَالَت عميرَة مَا لرأسك بَعْدَمَا ... نفد الشَّبَاب أَتَى بلونٍ مُنكر) (أعمير إِن أَبَاك غير رَأسه ... مر اللَّيَالِي وَاخْتِلَاف الأعصر) وَمِنْهُم: شأس بن نَهَار الْعَبْدي سمي الممزق بقوله: الطَّوِيل ثمَّ ذكر أَكثر من خمسين شَاعِرًا لقب بِشعر قَالَه. وتفصيل الشَّارِح الْمُحَقق فِي قيس الرقيات أَجود من تَفْصِيل ابْن الْحَاجِب فِي شرح الْمفصل وَإِن كَانَ مأخوذاً مِنْهُ وَهَذِه عِبَارَته: وَابْن قيس الرقيات عبد الله قَالَ الْأَصْمَعِي: نكح قيسٌ نسَاء اسْم كل واحدةٍ رقية. وَقيل: كَانَت لَهُ جداتٌ كَذَلِك. وَقيل: كَانَ يشبب بثلاثٍ كَذَلِك. والاستشهاد على الْوَجْه الضَّعِيف فِي إِضَافَته على ذَلِك. فَأَما إِذا جعل الرقيات لقباً لقيس كَانَت الْإِضَافَة من بَاب قيس قفة وَإِمَّا على الْوُجُوب أَو على الْأَفْصَح كَمَا تقدم. وَرِوَايَة تَنْوِين قيسٍ تقَوِّي الْوَجْه الثَّانِي. وَقَوله: ...

(قل لِابْنِ قيسٍ أخي الرقيات ... مَا أحسن الْعرف فِي المصيبات) يُقَوي الْوَجْه الأول. انْتهى.) أَرَادَ بالاستشهاد على الْوَجْه الضَّعِيف الْإِضَافَة لأدنى مُلَابسَة. وَقَوله: تقَوِّي الْوَجْه الثَّانِي أَي: كَون الرقيات لقباً. وَالْقَوْل الأول وَهُوَ أَن الرقيات أَسمَاء زَوْجَاته قَول الْأَصْمَعِي نَقله عَنهُ صَاحب الصِّحَاح. وَالْقَوْل الثَّانِي قَالَه ابْن سَلام الجُمَحِي قَالَ: لقب بالرقيات لِأَن جداتٍ لَهُ توالين كلٌّ مِنْهَا تسمى رقية. وَالْقَوْل الثَّالِث قَالَه ابْن قُتَيْبَة فِي كتاب الشُّعَرَاء. وَقَالَ أَبُو عبيد فِي كتاب النّسَب: سمي بذلك لِأَنَّهُ كَانَ يشبب بامرأتين كلٌّ مِنْهُمَا تسمى رقية. وعَلى هَذَا يكون الْجمع عبارَة عَن اثْنَتَيْنِ. وَاعْلَم أَن قَول الشَّارِح الْمُحَقق تبعا لغيره إِن الرقيات تابعٌ لقيس لَا لِابْنِهِ هُوَ قَول أبي عَليّ فَإِنَّهُ قَالَ: قيس هُوَ الملقب بالرقيات لَا اخْتِلَاف فِي ذَلِك لقب بِهِ لِأَن لَهُ جدات توالين يسمين الرقيات. قَالَه ابْن سَلام. انْتهى. وَقَوله: لَا اخْتِلَاف فِي ذَلِك هُوَ خلاف الْوَاقِع فَإِن الْأَكْثَرين ذَهَبُوا إِلَى أَنه لقب لِابْنِهِ: إِمَّا عبد الله وَإِمَّا عبيد الله. قَالَ ابْن قُتَيْبَة فِي كتاب الشُّعَرَاء: إِنَّمَا سمي عبد الله بن قيس أحد

بني عَامر بن لؤَي الرقيات لِأَنَّهُ كَانَ يشبب بِثَلَاث نسْوَة يُقَال لَهُنَّ كُلهنَّ رقية. وَكَذَا فِي الأغاني. وَرَأَيْت بِخَط الْحَافِظ مغلطاي على هَامِش كَامِل الْمبرد مَا نَصه: ونقلت من خطّ الشاطبي: وَافق الْأَصْمَعِي ابْن قُتَيْبَة على قَوْله. وَذكر النّحاس عَن البرقي أَن فِي أجداده ثَلَاث نسْوَة كل امْرَأَة مِنْهُنَّ تسمى رقية. فعلى هَذَا يُقَال: عبد الله بن قيس الرقيات على الْإِضَافَة. قَالَ ابْن بري. ونقلت من خطّ الشاطبي أَيْضا: رَأَيْت بعض من ألف فِي النّسَب يَقُول: إِن ابْن قيس. انْتهى مَا أوردهُ الْحَافِظ مغلطاي. وَكَذَلِكَ قَالَ أَبُو عبيد فِي النّسَب: عبيد الله بن قيس سمي بالرقيات لِأَنَّهُ كَانَ يشبب بامرأتين كلٌّ مِنْهُمَا تسمى رقية. انْتهى. وَإِذا قيل ابْن قيس الرقيات فَالْمُرَاد ابْنه الشَّاعِر فَإِن لقيس ابْنَيْنِ: عبد الله وَعبيد الله وَاخْتلفُوا فِي الشَّاعِر مِنْهُمَا فَقَالَ ابْن قُتَيْبَة والمبرد فِي الْكَامِل: هُوَ عبد الله المكبر. وَقَالَ المرزباني فِي مُعْجَمه: هُوَ عبيد الله

بِالتَّصْغِيرِ. قَالَ: وَمن الروَاة من يَقُول الشَّاعِر عبد الله) وَهُوَ خطأ. انْتهى. وَقَالَ ابْن السَّيِّد فِيمَا كتبه على الْكَامِل: ذكر الْمبرد أَن اسْمه عبد الله بن قيس. وَكَذَلِكَ قَالَ فِيهِ ابْن سَلام والجاحظ وَابْن قُتَيْبَة. وَقَالَ غَيرهم: هُوَ عبيد الله حَكَاهُ أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي وَغَيره وَمِنْهُم الْكَلْبِيّ. وَكَذَلِكَ قَالَ المصعب الزبيرِي فِي أَنْسَاب قُرَيْش وَبَين أَن لَهُ أَخا شقيقاً يُقَال لَهُ: عبد الله بن قيس وَيُقَال فِيهِ نَفسه الرقيات لقبٌ لَهُ وَيُقَال ابْن الرقيات. وَاخْتلف فِي معنى تلقيبه بذلك فَقَالَ ابْن قُتَيْبَة: لِأَنَّهُ كَانَ يشبب بِثَلَاث رقيات. وَقَالَ ابْن سَلام: إِنَّمَا نسب إِلَى الرقيات لِأَن لَهُ جداتٍ اسمهن رقيات. وَقَالَ كرَاع: سمي ابْن قيس الرقيات لقَوْله: رقية لَا رقية لَا رقية أَيهَا الرجل انْتهى. فَأَنت ترى أَن مبْنى كَلَام هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّة على أَن الملقب بالرقيات إِنَّمَا هُوَ ابْن قيس لَا قيس. وَلَا جَائِز أَن يُقَال إِنَّه من قبيل تعدِي اللقب من الْأَب إِلَى الابْن لما نقلنا عَن هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّة. وعَلى مَا ذكرنَا جرى صَاحب الْقَامُوس وَخطأ صَاحب الصِّحَاح فَقَالَ: وَعبيد الله بن قيس الرقيات لعدة زوجاتٍ أَو جداتٍ أَو حيات لَهُ

أسماؤهن رقية كسمية. وَوهم الْجَوْهَرِي. انْتهى. وَهَذِه عبارَة الصِّحَاح: وَعبد الله بن قيس الرقيات إِنَّمَا أضيف قيس إلَيْهِنَّ لِأَنَّهُ تزوج عدَّة نسْوَة. إِلَى آخر الْأَقْوَال الثَّلَاثَة. وَنقل السُّيُوطِيّ عَن ابْن الْأَنْبَارِي فِي فصل معرفَة الألقاب وأسبابها أَنه كَانَ يخْتَار الرّفْع فِي الرقيات وَيَقُول: إِنَّه لقبٌ لعبد الله لتشبيبه بِثَلَاث نسْوَة أسماؤهن رقية. وَقَالَ غَيره: الرقيات جداته فَهُوَ مُضَاف. انْتهى. يَعْنِي أَن عبد الله مضافٌ إِلَى الرقيات على تَفْسِيرهَا بالجدات فَيكون مثل حب رمان زيد فَإِن الْقَصْد إِلَى إِضَافَة الْحبّ الْمُخْتَص بِكَوْنِهِ للرمان إِلَى زيد. والمتلبس بالرقيات ابْن قيس لَا قيس. وَبِهَذَا يُوَجه رِوَايَة جر الرقيات. وابْن قيس الرقيات شَاعِر قُرَيْش. وَهَذِه نسبته من الجمهرة لِابْنِ الْكَلْبِيّ: عبيد الله الَّذِي يُقَال) لَهُ: ابْن قيس الرقيات هُوَ ابْن قيس بن شُرَيْح بن مَالك بن ربيعَة بن وهيب بن ضباب بن حُجَيْر بن عبد بن معيص بن عَامر بن لؤَي بن غَالب بن فهر بن النَّضر.

وَعبيد الله وَشُرَيْح ووهيب وحجير بِتَقْدِيم الْمُهْملَة ولؤي هَذِه الْخَمْسَة بِالتَّصْغِيرِ. وضباب بِالْفَتْح. وعبد بِالْإِفْرَادِ. ومعيص بِفَتْح الْمِيم وَكسر الْعين الْمُهْملَة. وَعبد الله بن قيس أَخُو عبيد الله الرقيات لَهُ عقب وَلَا عقب لِعبيد الله. وَأُسَامَة بن عبد الله بن قيس قتل يَوْم الْحرَّة وَله يَقُول ابْن قيس الرقيات: الْكَامِل (فنعى أُسَامَة لي وَإِخْوَته ... فظللت مستكاً مسامعيه) ورقية الَّتِي كَانَ يشبب بهَا ابْن قيس الرقيات بنت عبد الْوَاحِد بن أبي سعد ابْن قيس بن قَالَ الزبير بن بكار: سَأَلت عمي مصعباً وَمُحَمّد بن الضَّحَّاك وَمُحَمّد بن حسن عَن شَاعِر قُرَيْش فِي الْإِسْلَام فكلهم قَالُوا: ابْن قيس الرقيات. وَفِي الأغاني أَن ابْن قيس الرقيان كَانَ زبيري الْهوى خرج مَعَ مُصعب بن الزبير على عبد الْملك بن مَرْوَان فقاتل مَعَه إِلَى أَن قتل مُصعب

فَخرج هَارِبا حَتَّى دخل الْكُوفَة فَوقف على بَاب دارٍ فرأته صَاحِبَة الدَّار فَعرفت أَنه خَائِف فأدخلته علية وَجَاءَت إِلَيْهِ بِجَمِيعِ مَا يَحْتَاجهُ فَأَقَامَ عِنْدهَا أَكثر من حولٍ وَهِي لَا تسأله من هُوَ وَلَا يسْأَلهَا من هِيَ وَهِي تسمع الْجعل صباحاً وَمَسَاء. فَبينا هُوَ على تِلْكَ الْحَال وَإِذا بمنادي عبد الْملك يُنَادي بِبَرَاءَة الذِّمَّة مِمَّن أُصِيب عِنْده: فَأعْلم الْمَرْأَة أَنه راحل فَقَالَت: لَا يروعك مَا سَمِعت فَإِن هَذَا نداءٌ شَائِع مُنْذُ نزلت بِنَا فَإِن أردْت الْمقَام فالرحب وَالسعَة وَإِن أردْت الِانْصِرَاف فَأَعْلمنِي. فَقَالَ لَهَا: لَا بُد من الرحيل. فلكا كَانَ اللَّيْل رقت إِلَيْهِ وَقَالَت: انْزِلْ إِن شِئْت. فَنزل وَإِذا راحلتان على إِحْدَاهمَا رحلٌ وَالْأُخْرَى زاملة ومعهما عَبْدَانِ وَنَفَقَة الطَّرِيق فَقَالَت: العبدان لَك مَعَ الراحلتين. فَقَالَ لَهَا: من أَنْت فوَاللَّه مَا رَأَيْت أكْرم مِنْك قَالَت: أَنا الَّتِي تَقول فِيهَا: المنسرح (عَاد لَهُ من كَثِيرَة الطَّرب ... فعينه بالدموع تنسكب) وَفِي رِوَايَة الْأَصْمَعِي أَنَّهَا قَالَت لَهُ: مَا فعلت بك مَا فعلت لتكافئني فَسَأَلَ عَنْهَا فَقيل: كَثِيرَة. فَذكرهَا فِي شعره. ثمَّ مضى حَتَّى دخل مَكَّة فَأتى أَهله لَيْلًا فَلَمَّا دخل عَلَيْهِم بكوا وَقَالُوا: مَا خرج عَنَّا طَلَبك) إِلَّا فِي هَذِه السَّاعَة فَانْجُ بِنَفْسِك. فَأَقَامَ عِنْدهم حَتَّى أَسحر ثمَّ نَهَضَ وَمَعَهُ العبدان حَتَّى أَتَى الْمَدِينَة. فجَاء إِلَى عبد الله بن جَعْفَر بن أبي طَالب عِنْد الْمسَاء

وَهُوَ يعشي أَصْحَابه فَجَلَسَ مَعَهم وَجعل يتعاجم فَلَمَّا خرج أَصْحَابه كشف عَن وَجهه وَقَالَ: جِئْت عائذاً بك. فَكتب ابْن جَعْفَر إِلَى أم الْبَنِينَ بنت عبد الْعَزِيز وَهِي زَوْجَة الْوَلِيد بن عبد الْملك لتشفع لَهُ فشفعها فِيهِ وَقَالَ لَهَا: مريه أَن يحضر مجْلِس العشية. فَحَضَرَ مَعَ النَّاس فَأذن لَهُم وَأخر الْإِذْن لَهُ حَتَّى اخذوا مجَالِسهمْ ثمَّ أذن لَهُ فَلَمَّا دخل عَلَيْهِ قَالَ عبد الْملك: يَا أهل الشَّام أتعرفون هَذَا قَالُوا: لَا. قَالَ: هَذَا عبيد الله بن قيس الرقيات الَّذِي يَقُول: الْخَفِيف (كَيفَ نومي على الْفراش وَلما ... تَشْمَل الشَّام غارةٌ شعواء) (تذهل الشَّيْخ عَن بنيه وتبدي ... عَن خدام العقيلة الْعَذْرَاء) قَالُوا: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ اسقنا دم هَذَا الْمُنَافِق. قَالَ: الْآن وَقد أمنته وَصَارَ على بساطي وَفِي منزلي إِنَّمَا أخرت الْإِذْن لَهُ لتقتلوه فَلم تَفعلُوا فاستأذنه فِي الإنشاد فَأذن لَهُ. فأنشده: عَاد لَهُ من كَثِيرَة الطَّرب حَتَّى وصل فِيهَا إِلَى قَوْله: المنسرح (إِن الْأَغَر الَّذِي أَبوهُ أَبُو ال ... عاصي عَلَيْهِ الْوَقار والحجب) (خَليفَة الله فِي رَعيته ... جَفتْ بِذَاكَ الأقلام والكتب) (يعتدل التَّاج فَوق مفرقه ... على جبينٍ كَأَنَّهُ الذَّهَب)

فَقَالَ لَهُ عبد الْملك: يَا ابْن قيس تمدحني بِمَا يمدح بِهِ الْأَعَاجِم وَتقول فِي مُصعب بن الزبير: الْخَفِيف (إِنَّمَا مصعبٌ شهابٌ من ال ... لَهُ تجلت عَن وَجهه الظلماء) (ملكه ملك رحمةٍ لَيْسَ فِيهِ ... جبروتٌ وَلَا بِهِ كبرياء) (يَتَّقِي الله فِي الْأُمُور وَقد أُفٍّ ... لح من كَانَ همه الاتقاء) أما الْأمان فقد سبق لَك وَلَكِن وَالله لَا تَأْخُذ مَعَ الْمُسلمين عَطاء أبدا فَقَالَ ابْن قيس لِابْنِ) جَعْفَر: وَمَا يَنْفَعنِي أماني تركت حَيا كميتٍ لَا آخذ مَعَ النَّاس عَطاء أبدا فَقَالَ لَهُ ابْن جَعْفَر: كم بلغت من السن قَالَ: سِتِّينَ سنة. قَالَ: فعمر نَفسك. قَالَ: عشْرين سنة. قَالَ: كم عطاؤك قَالَ: ألفا دِرْهَم. فَأمر لَهُ بِأَرْبَعِينَ ألف دِرْهَم وَقَالَ ابْن قُتَيْبَة فِي كتاب الشُّعَرَاء: لما قتل مُصعب وَصَارَ الْأَمر إِلَى عبد الْملك بن مَرْوَان أَتَى عبيد الله بن قيس عبد الله ابْن جَعْفَر يستشفع بِهِ إِلَى عبد الْملك فَقَالَ لَهُ عبد الله بن جَعْفَر: إِذا دخلت معي على عبد الْملك فَكل أكلا يستشنعه عبد الْملك بن مَرْوَان. فَفعل فَقَالَ: من هَذَا يَا ابْن جَعْفَر قَالَ: هَذَا أكذب النَّاس إِن قتل. قَالَ: وَمن هُوَ قَالَ: الَّذِي يَقُول: المنسرح (مَا نقموا من بني أُميَّة إِ ... لَا أَنهم يحملون إِن غضبوا) (وَأَنَّهُمْ مَعْدن الْمُلُوك فَلَا ... تصلح إِلَّا عَلَيْهِم الْعَرَب)

قَالَ: قد عَفَوْنَا عَنهُ وَلَكِن لَا يَأْخُذ مَعَ الْمُسلمين عَطاء. فَكَانَ ابْن جَعْفَر إِذا خرج عطاؤه يُعْطِيهِ مِنْهُ. انْتهى. وَفِي رِوَايَة صَاحب الأغاني: قَالَ ابْن قيس الرقيات: تسْأَل أَمِير الْمُؤمنِينَ عَن أَمْرِي. قَالَ: نعم فَركب ابْن جَعْفَر فَدخل مَعَه إِلَى عبد الْملك فَلَمَّا قدم الطَّعَام جعل يسيئ الْأكل فَقَالَ عبد الْملك: من هَذَا يَا بن جَعْفَر قَالَ: هَذَا إنسانٌ لَا يجوز إِلَّا أَن يكون صَادِقا إِن اُسْتُبْقِيَ وَإِن قتل كَانَ أكذب النَّاس. قَالَ: وَكَيف ذَلِك قَالَ: لِأَنَّهُ الَّذِي يَقُول: (مَا نقموا من بني أُميَّة إِ ... لَا أَنهم يحملون إِن غضبوا) الأبيات. فَإِن قتلته لغضبك عَلَيْهِ كَذبته فِيمَا مدحكم بِهِ. قَالَ: هُوَ آمن وَلَكِن لَا أعْطِيه عَطاء من بَيت المَال. قَالَ: وَلم وَقد وهبته لي فَأحب أَن تهب لي عطاءه أَيْضا كَمَا وهبت لي دَمه وعفوت لي عَن ذَنبه قَالَ: قد فعلت. قَالَ: قد فعلت. قَالَ: وتعطيه مَا فَاتَهُ من الْعَطاء قَالَ: قد فعلت. وَأمر لَهُ بذلك. انْتهى. وَقَوله: كَيفَ نومي على الْفراش الْبَيْتَيْنِ أوردهما ابْن السَّيِّد فِي أول أَبْيَات مَعَانِيه وَقَالَ: الْغَارة الِاسْم والإغارة الْمصدر. والشعواء: الواسعة.)

وَأنْشد بعده الطَّوِيل (وَمن طلب الأوتار مَا حز أَنفه ... قصيرٌ ورام الْمَوْت بِالسَّيْفِ بيهس) (نعَامَة لما صرع الْقَوْم رهطه ... تبين فِي أثوابه كَيفَ يلبس) على أَن الشَّاعِر قد أتبع اللقب الِاسْم فَإِن بيهساً اسْم رجل ونعَامَة لقبه وَهُوَ عطف بَيَان لبيهس. قَالَ شَارِح اللّبَاب: هَذَا من الأجراء فِي الْمُفْرد فَإِن نعَامَة وبيهس: اسمان لذاتٍ وَاحِدَة وَالثَّانِي لقب فَكَانَ الْقيَاس إِضَافَة الْعلم إِلَى اللقب وَقد أجري عَلَيْهِ. وَكَذَا قَالَ أَبُو حَيَّان فِي تَذكرته قَالَ: إِذا كَانَ الِاسْم واللقب مفردين بِلَا أل أضيف الِاسْم إِلَى اللقب. وَقد يجمع بَينهمَا ويفصل أَحدهمَا عَن الآخر وَجَاء ذَلِك فِي الشّعْر. وَأنْشد الْبَيْتَيْنِ. وَمَا فِي مَا حز إِمَّا زَائِدَة أَي: وَمن طلب الأوتار حز أَنفه قصير وَهُوَ إِشَارَة إِلَى قصَّة قصير مَعَ الزباء وَهِي مَشْهُورَة. أَو مَصْدَرِيَّة على أَنه مبتدأٌ مَعَ خَبره وَالْجَار وَالْمَجْرُور وَهُوَ من طلب خَبره مقدما عَلَيْهِ أَي: حز أَنفه حاصلٌ من جِهَة طلب الأوتار. ونعَامَة عطف بَيَان لبيهس وَهُوَ مَحل الاستشهاد. وَمحل كَيفَ نصبٌ على الْحَال وَالْعَامِل يلبس وَالْجُمْلَة وَهِي كَيفَ مَعَ مَا عمل فِيهِ سادٌّ

مسد المفعولين لتبين. وَلَا يجوز أَن يكون مَفْعُولا لتبين لِئَلَّا يبطل صدريته. انْتهى. والبيتان من قصيدة للمتلمس أورد مِنْهَا أَبُو تَمام فِي الحماسة بَعْضهَا. وَهَذَا أول مَا أوردهُ: الطَّوِيل (ألم تَرَ أَن الْمَرْء رهن منيةٍ ... صريعٌ لعافي الطير أَو سَوف يرمس) (فَلَا تقبلن ضيماً مَخَافَة ميتةٍ ... وموتن بهَا حرا وجلدك أملس) فَمن طلب الأوتار مَا حز أَنفه ... ... ... ... . الْبَيْتَيْنِ (وَمَا النَّاس إِلَّا مَا رَأَوْا وتحثوا ... وَمَا الْعَجز إِلَّا أَن يضاموا فيجلسوا)) (ألم تَرَ أَن الجون أصبح راسياً ... تطيف بِهِ الْأَيَّام مَا يتأيس) (عصى تبعا أزمان أهلكت الْقرى ... يطان عَلَيْهِ بالصفيح ويكلس) (هَلُمَّ إِلَيْهَا قد أثيرت زروعها ... وعادت عَلَيْهَا المنجنون تكدس) (وَذَاكَ أَوَان الْعرض حَيّ ذبابه ... زنابيره والأزرق المتلمس) (يكون نذيرٌ من ورائي جنَّة ... وينصرني مِنْهُم جليٌّ وأحمس) (وَجمع بني قرَان فاعرض عَلَيْهِم ... فَإِن تقبلُوا هاتا الَّتِي نَحن نوبس) (وَإِن يَك عَنَّا فِي حبيبٍ تثاقلٌ ... فقد كَانَ منا مقنبٌ مَا يعرس) هَذَا مَا أوردهُ أَبُو تَمام. قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: إِنَّمَا قَالَ هَذَا فِيمَا كَانَ بَين بني حنيفَة وَبَين ضبيعة بِالْيَمَامَةِ فَأَرَادَ بَنو حنيفَة فنهاهم أَن يقيموا على الذل وَأَن يقبلُوا

الضيم من قَومهمْ وَأمرهمْ بقتالهم حَتَّى يعطوهم حَقهم. وَمعنى ألم تَرَ: ألم تعلم. يَقُول: الْإِنْسَان مرتهنٌ بِأَجل فإمَّا أَن يَمُوت حتف أَنفه فيدفن وَإِمَّا أَن يقتل فِي معركة فَيتْرك لعوافي الطير وَالسِّبَاع. وَهُوَ جمع عَافِيَة وَهُوَ كل طَالب رزقٍ من إِنْسَان أَو بَهِيمَة أَو طَائِر. والرمس: الدّفن. وَقَوله: فَلَا تقبلن ضيماً إِلَخ الضيم: الظُّلم والهضم. وميتَة: فعلة من الْمَوْت تكون للْحَال والهيئة أَي: لَا تقبل الضيم مَخَافَة حالةٍ من حالات الْمَوْت وَنَوع من أَنْوَاعه. وميتة مرجع الضَّمِير فِي بهَا أَي: مت بِتِلْكَ الْميتَة حرا لم يستعبدك الْحر. وجلدك أملس: نقيٌّ من الْعَار سليمٌ من الْعَيْب. يُرِيد أَن الْمَوْت نَازل بك على كل حَال فَلَا تتحمل الْعَار خوفًا مِنْهُ. وَقَوله: فَمن طلب الأوتار من للتَّعْلِيل ومَا إِمَّا زَائِدَة وَإِمَّا مَصْدَرِيَّة. والأوتار: جمع وتر بِفَتْح الْوَاو وَكسرهَا: الثأر والذحل. وحز بِالْحَاء الْمُهْملَة والزاء الْمُعْجَمَة: ماضٍ من حززت الْخَشَبَة حزاً من بَاب قتل: فرضتها. والحز: الْفَرْض. وَأَنْفه مَفْعُوله وقصير فَاعله. وصرع مُبَالغَة صرعته صرعاً من بَاب نفع إِذا قتلته. وَالْقَوْم فَاعله ورهطه مَفْعُوله. والرَّهْط: مَا دون عشرَة من الرِّجَال لَيْسَ فيهم امْرَأَة وَقيل: من سَبْعَة إِلَى عشرَة. وَمَا دون السَّبْعَة إِلَّا ثلاثةٍ نفرٌ.) وَقَالَ أَبُو زيد: الرَّهْط والنفر: مَا دون الْعشْرَة من الرِّجَال. وَقَالَ ثَعْلَب: الرَّهْط والنفر وَالْقَوْم

والمعشر وَالْعشيرَة معناهم الْجمع لَا وَاحِد لَهُم من لَفظهمْ وَهُوَ للرِّجَال دون النِّسَاء. وَقَالَ ابْن السّكيت: الرَّهْط والعترة بِمَعْنى. ورهط الرجل: قومه وقبيلته الأقربون. كَذَا فِي الْمِصْبَاح. وتبين بِمَعْنى علم. وَهَذَا الْكَلَام من المتلمس تحضيضٌ على دفع الضيم وركوب الإباء من الْتِزَام الْعَار فَلذَلِك أَخذ يذكر بِحَال من لم يزل يحتال حَتَّى أدْرك مباغيه من أعدائه. وَفِي الْبَيْت إشارةٌ إِلَى قصتين: إِحْدَاهمَا: قصَّة قصير صَاحب جذيمة الأبرش مَعَ الزباء وَالثَّانيَِة: قصَّة بيهس. أما الأولى فقد رَوَاهَا صَاحب الأغاني عَن ابْن حبيب قَالَ: كَانَ جذيمة الأبرش من أفضل الْمُلُوك رَأيا وأبعدهم مغاراً وأشدهم نكاية. وَهُوَ أول من استجمع لَهُ الْملك بِأَرْض الْعرَاق. فقصد فِي جموعه عَمْرو بن الظرب بن حسان بن أذينة بن السميدع بن هوبر العاملي من عاملة العماليق فَجمع عمرٌ وجموعه ولقيه فَقتله جذيمة وفض جموعه فانفلوا وملكوا بعده عَلَيْهِم ابْنَته الزباء وَكَانَت من أحزم النِّسَاء فخافت أَن يغزوها مُلُوك الْعَرَب فاتخذت لنَفسهَا نفقاً فِي حصنٍ كَانَ لَهَا على شاطئ الْفُرَات وسكرت الْفُرَات فِي وَقت قلَّة المَاء وَبني فِي بَطْنه أزجاً من الْآجر والكلس مُتَّصِلا بذلك النفق وَجعلت نفقاً آخر فِي الْبَريَّة مُتَّصِلا

بِمَدِينَة أُخْتهَا ثمَّ أجرت المَاء عَلَيْهِ فَكَانَت إِذا خَافت عدوا دخلت النفق. فَلَمَّا استجمع لَهَا أمرهَا واستحكم ملكهَا أَرَادَت أَن تغزو جذيمة ثائرةً بأبيها فَقَالَت لَهَا أُخْتهَا وَكَانَت ذَات رَأْي وحزم: الرَّأْي ابعثي إِلَيْهِ فأعلميه أَنَّك قد رغبت فِي أَن تتزوجيه وتجمعي ملكك وسليه أَن يجيبك فَإِن اغْترَّ ظَفرت بِهِ بِلَا مخاطرة. فكتبن إِلَيْهِ بذلك فاستخفه الطمع وشاور أَصْحَابه فكلٌّ صوب رَأْيه فِي قَصدهَا وإجابتها إِلَّا قصير بن سعد بن عَمْرو بن جذيمة بن قيس بن هِلَال بن نمارة ابْن لخم فَقَالَ: هَذَا رَأْي فاتر وغدرٌ حَاضر فَإِن كَانَت صَادِقَة فلتقبل إِلَيْك وَإِلَّا فَلَا تَملكهَا من نَفسك. فَلم يُوَافق جذيمة قَوْله ورحل إِلَيْهَا فَلَمَّا دخل عَلَيْهَا أمرت بِقطع رواهشه ونزف دَمه إِلَى أَن مَاتَ. فَخرج قصيرٌ إِلَى عَمْرو بن عدي ابْن أُخْت جذيمة فَقَالَ: هَل لَك فِي أَن أصرف الْجنُود إِلَيْك على أَن تطلب بِدَم خَالك فَجعل ذَلِك لَهُ فَأتى القادة والأعلام فَقَالَ: أَنْتُم القادة والرؤساء) وَعِنْدنَا الْأَمْوَال والكنوز. فَانْصَرف إِلَيْهِ مِنْهُم بشرٌ كثير وملكوا عَمْرو بن عدي فَقَالَ قصير: انْظُر مَا وَعَدتنِي بِهِ فِي الزباء. قَالَ: وَكَيف وَهِي أمنع من عِقَاب الجو فَقَالَ: إِذا أَبيت فَإِنِّي جادعٌ أنفي وأذني ومحتالٌ لقتلها فأعني وخلاك ذمّ. فَقَالَ لَهُ عَمْرو: أَنْت أبْصر. فجدع قصيرٌ أَنفه ثمَّ انْطلق حَتَّى دخل على الزباء فَقَالَ: أَنا قصير لَا وَرب الْبشر مَا كَانَ عَليّ ظهر الأَرْض

أحدٌ كَانَ أنصح لجذيمة مني وَلَا أغش لَك حَتَّى جدع عَمْرو ابْن عدي أنفي وأذني فَعرفت أَنِّي لم أكن مَعَ أحد أثقل عَلَيْهِ مِنْك. فَقَالَت: أَي قصير نقبل ذَلِك مِنْك ونصرفك فِي بضاعتنا. فَأَعْطَتْهُ مَالا للتِّجَارَة فَأتى بَيت مَال الْحيرَة فَأخذ مِمَّا فِيهِ بِأَمْر عَمْرو بن عدي مَا ظن أَنه يرضيها وَانْصَرف إِلَيْهَا بِهِ. فَلَمَّا رَأَتْ مَا جَاءَ بِهِ فرحت بِهِ وزادته وَلم يزل بهَا حَتَّى أنست بِهِ فَقَالَ لَهَا يَوْمًا: إِنَّه لَيْسَ من ملكةٍ وَلَا ملك إِلَّا وَيَنْبَغِي لَهَا أَن تتَّخذ نفقاً تهرب إِلَيْهِ عِنْد حُدُوث حَادِثَة. فَقَالَت: إِنِّي قد فعلت ذَلِك تَحت سَرِيرِي هَذَا يخرج إِلَى نفقٍ تَحت سَرِير أُخْتِي. وأرته إِيَّاه. فأظهر سُرُورًا بذلك وَخرج فِي تِجَارَته كَمَا كَانَ يفعل وَعرف عَمْرو بن عدي مَا فعله فَركب عَمْرو فِي ألفي دارعٍ على ألف بعير فِي جوالق حَتَّى إِذا صَارُوا إِلَيْهَا تقدم قصيرٌ وَدخل على الزباء فَقَالَ: اصعدي حَائِط مدينتك فانظري إِلَى مَالك فَإِنِّي قد جِئْت بمالٍ صَامت. وَقد كَانَت أمنته فَلم تكن تتهمه فَلَمَّا نظرت إِلَى ثقل مشي الْجمال قَالَت وَقيل إِنَّه مصنوعٌ مَنْسُوب إِلَيْهَا: الرجز (مَا للجمال مشيها وئيدا ... أجندلاً يحملن أم حديدا) الأبيات الْمَشْهُورَة. فَلَمَّا دخلت الْإِبِل خَرجُوا من الجوالق فثاروا بِأَهْل الْمَدِينَة ضربا بِالسَّيْفِ ودخلوا عَلَيْهَا قصرهَا فهربت تُرِيدُ السرب فَوجدت قَصِيرا قَائِما عِنْده بِالسَّيْفِ فَانْصَرَفت رَاجِعَة واستقبلها عَمْرو بن عدي فضربها. وَقيل: بل مصت خاتمها وَقَالَت: بيَدي لَا بيد عَمْرو وَخَربَتْ الْمَدِينَة وسبيت الذَّرَارِي وغنم عمرٌ وكل شيءٍ كَانَ لَهَا ولأبيها وَأُخْتهَا. انْتهى.

وَأما بيهس الَّذِي يلقب نعَامَة فَهُوَ رجلٌ من بني فَزَارَة وَكَانَ يحمق فَقتل لَهُ سَبْعَة إخْوَة فَجعل) يلبس الْقَمِيص مَكَان السَّرَاوِيل والسراويل مَكَان الْقَمِيص فَإِذا سُئِلَ عَن ذَلِك قَالَ: الرجز فتوصل بِمَا صوره من حَاله عِنْد النَّاس إِلَى أَن طلب بدماء إخْوَته. وَقَوله: البس لكل حَالَة إِلَخ قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ فِي أَمْثَاله: قَالَه بيهس حِين شقّ قَمِيصه فَغطّى بِهِ رَأسه وكشف استه بعد قتل إخْوَته. وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنه افتضح بِقَتْلِهِم وَإنَّهُ إِن لم يثأر بهم فَهُوَ كالمقنع رَأسه واسته مكشوفةٌ. يضْرب فِي تلقي كل حَال بِمَا يَلِيق بهَا. انْتهى. وَقد أوردهُ فِي الْكَشَّاف عِنْد قَوْله تَعَالَى: وعلمناه صَنْعَة لبوس على أَن أصل لبوس اللبَاس بِمَعْنى مَا يلبس. وَقد أَخطَأ خضرٌ الْموصِلِي فِي شرح شَوَاهِد التفسيرين فِي نسبته إِلَى بيهس ابْن صُهَيْب الْقُضَاعِي وَهُوَ شَاعِر إسلامي فِي الدولة المروانية وَقد تَرْجمهُ الْأَصْبَهَانِيّ فِي الأغاني بحكاياتٍ ونقلها خضر مِنْهَا ونسبها إِلَى قَائِل الْبَيْت. وَقد حصل لَهُ اشتباهٌ من اتِّفَاق الاسمين. وَقَائِل الْبَيْت جاهليٌّ وَقد ضرب بِهِ الْمثل فِي الْجَاهِلِيَّة

وَقَالَ أَبُو عبيد: المدركون الثأر فِي الْجَاهِلِيَّة ثَلَاثَة: بيهس وقصير وَسيف ابْن ذِي يزن. وبيهس صَاحب الْبَيْت كَمَا فِي الجمهرة هُوَ بيهس بن خلف بن هِلَال بن غراب بن ظَالِم بن فَزَارَة بن ذبيان. فَهُوَ عدنانيٌّ وَذَاكَ قحطاني. قَالَ ابْن الْكَلْبِيّ فِي الجمهرة: بيهس وَإِخْوَته التِّسْعَة مِنْهُم: نفر وربيع وحصين بَنو خلف كَانُوا وَالْمَشْهُور أَنهم سَبْعَة. وَهَذِه قصَّته من مجمع الْأَمْثَال للميداني قَالَ: بيهس الْفَزارِيّ الملقب بنعامة كَانَ سَابِع سَبْعَة إخوةٍ فَأَغَارَ عَلَيْهِم ناسٌ من أَشْجَع بَينهم وَبينهمْ حَرْب وهم فِي إبلهم فَقتلُوا مِنْهُم سِتَّة وَبَقِي بيهس وَكَانَ يحمق وَكَانَ أَصْغَرهم فأرادوا قَتله ثمَّ قَالُوا: وَمَا تُرِيدُونَ من قتل هَذَا يحْسب عَلَيْكُم برجلٍ وَلَا خير فِيهِ. فَتَرَكُوهُ فَقَالَ: دَعونِي أتوصل مَعكُمْ. فَلَمَّا كَانَ من الْغَد نزلُوا فنحروا جزوراً فِي يَوْم شَدِيد الْحر فَقَالُوا: ظللوا لحمكم لَا يفْسد. فَقَالَ بيهس: لَكِن بالأثلات لَحْمًا لَا يظلل يُرِيد إخْوَته فَذَهَبت مثلا. فَلَمَّا قَالَ ذَلِك قَالُوا: إِنَّه لمنكرٌ وهموا أَن يقتلوه ثمَّ تَرَكُوهُ وظلوا يشوون من لحم الْجَزُور ويأكلون فَقَالَ أحدهم: مَا أطيب يَوْمنَا وأخصبه

فَقَالَ بيهس: لَكِن على بلدح قومٌ عجفى. فأرسلها مثلا.) ثمَّ انشعب طريقهم فَأتى أمه فَأَخْبرهَا الْخَبَر قَالَت: فَمَا جَاءَنِي بك من بَين إخْوَتك فَقَالَ بيهس: لَو خيرت لاخترت. فَذَهَبت مثلا. ثمَّ إِن أمه عطفت عَلَيْهِ ورقت فَقَالَ النَّاس: لقد أحبت أم بيهس بيهساً. فَقَالَ: ثكلٌ أرأمها ولدا أَي: أعطفها على ولد. فأرسلها مثلا. ثمَّ إِن أمه جعلت تعطيه ثِيَاب إخْوَته فيلبسها فَيَقُول: يَا حبذا التراث لَوْلَا الذلة. فأرسلها مثلا. ثمَّ إِنَّه أَتَى على ذَلِك مَا شَاءَ الله فَمر بنسوة من قومه يصلحن امْرَأَة مِنْهُنَّ يردن أَن يهدينها لبَعض قتلة إخْوَته فكشف ثَوْبه عَن استه وغطى رَأسه فَقُلْنَ: وَيلك مَا تصنع يَا بيهس فَقَالَ: البس لكل حَالَة. . الْبَيْت. فأرسلها مثلا. ثمَّ أَمر نسَاء من بني كنَانَة وَغَيرهَا فصنعن لَهُ طَعَاما فَجعل يَأْكُل وَيَقُول: حبذا كَثْرَة الْأَيْدِي فِي غير طَعَام. فأرسلها مثلا فَقَالَت أمه: لَا يطْلب هَذَا بثأر فَقَالَ: لَا تأمن الأحمق وَفِي يَده سكين. فأرسلها مثلا. ثمَّ إِنَّه أخبر أَن أُنَاسًا من أَشْجَع فِي غارٍ يشربون فِيهِ فَانْطَلق بخالٍ لَهُ يُقَال لَهُ أَبُو حَنش فَقَالَ لَهُ: هَل لَك فِي غارٍ فِيهِ ظباءٌ لَعَلَّنَا نصيبٌ مِنْهَا ويروى: هَل لَك فِي غنيمَة بَارِدَة. فأرسلها مثلا. فَانْطَلق بيهس

بخاله حَتَّى أَقَامَهُ على فَم الْغَار ثمَّ دفع أَبَا حَنش فِي الْغَار فَقَالَ: ضربا أَبَا حَنش فَقَالَ بَعضهم: إِن أَبَا حَنش لبطل فَقَالَ أَبُو حَنش: مكرهٌ أَخَاك لَا بَطل. فأرسلها مثلا. وَقَوله: لَكِن على بلدح قومٌ عجفى يضْرب فِي التحزن بالأقارب. وبلدح كجعفر: جبلٌ فِي طَرِيق جدة على أَرْبَعَة أَمْيَال من مَكَّة. وَقَوله: وَمَا النَّاس إِلَّا مَا رَأَوْا إِلَخ رَوَاهُ أَبُو عَمْرو: الطَّوِيل (وَمَا الْبَأْس إِلَّا حمل نفسٍ على السرى ... وَمَا الْعَجز إِلَّا نومةٌ وتشمس) وَمعنى الأول: مَا النَّاس إِلَّا رُؤْيَة وتحدث أَي: اعْتِبَار بِالْمُشَاهَدَةِ أَو بِمَا يرْوى من أَخْبَار الْأُمَم. وَقَوله: ألم تَرَ أَن الجون إِلَخ بِفَتْح الْجِيم: حصن الْيَمَامَة. يَقُول: لَا توعدونا فَإِن حصننا حُصَيْن لَا يُوصل إِلَيْهِ وَلَا يستباح حماه. وَجُمْلَة: تطيف إِلَخ إِمَّا فِي مَوضِع خبر ثَان لأصبح وَإِمَّا صفة) لراسياً. وَمَا يتأيس: لَا يلين فِي مَوضِع الْحَال. وَقَوله: عصى تبعا أزمان إِلَخ يَقُول: إِن تبعا لما غزا الْقرى والمدن لم يصل إِلَى الْيَمَامَة. ويطان عَلَيْهِ بالصفيح أَي: يَجعله بدل طينه فِي الْإِصْلَاح والعمارة. وَيجوز أَن يكون بالصفيح حَالا أَي: يطان ويكلس بصفاحه أَي: هُوَ مبنيٌّ بِالْحِجَارَةِ. ويكلس: يصهرج. والكلس:

الصاروج. والصفيح: الْحِجَارَة العراض. وَمَعْنَاهُ أَنه يبْنى على الْمِيَاه الَّتِي هِيَ كالصفيح. والصفيح: السيوف وَاحِدهَا صفيحة. وَيُشبه المَاء إِذا كَانَ صافياً بِالسَّيْفِ. وَذكر المَاء وَأَرَادَ الْعِمَارَة لِأَنَّهَا بِهِ تكون. وَقَوله: هَلُمَّ إِلَيْهَا إِلَخ يُخَاطب النُّعْمَان. وَهَذَا تهكمٌ وسخرية. يَقُول: إِن قدرت عَلَيْهَا فاقصدها فَإِنَّهَا أخصب مَا يكون مزدرعها مثار ودواليبها تَدور. وَضمير إِلَيْهَا لليمامة. والمنجنون: الدولاب. وَمعنى تكدس: يركب بَعْضهَا بَعْضًا فِي الدوران. وَيسْتَعْمل فِي سير الدَّوَابّ وَغَيرهَا. وَقَوله: وَذَاكَ أَوَان الْعرض بِكَسْر الْعين الْمُهْملَة: وَاد من أَوديَة الْيَمَامَة. وَحي أَي: عَاشَ بِالْخصْبِ. وروى: جن أَي: كثر ونشط. وزنابيره بدل من ذبابه. وذباب الرَّوْض قد يُسمى الزنابير. وَقَوله: الْأَزْرَق المتلمس: جنسٌ آخر يكون أَخْضَر ضخماً. والمتلمس: الطَّالِب. وَقد سمي الشَّاعِر المتلمس بِهَذَا الْبَيْت واسْمه جرير. وَلَك أَن تنصب الأوان وترفع الْعرض بِالِابْتِدَاءِ وَاسم الزَّمَان يُضَاف إِلَى الْجمل كَأَنَّهُ قَالَ: وَهَذَا الَّذِي ذكرت هُوَ فِي ذَاك الأوان. وَقَوله: يكون نَذِير من ورائي إِلَخ هُوَ نَذِير من بهثة بن وهب. وَقيل: أَرَادَ بالنذير: الْمُنْذر. وَالْمعْنَى: إِنِّي لمرصدٌ لَهُم من ينذرني بهم فأتقي وأتحرز. وجليٌّ بِضَم الْجِيم وَفتح اللَّام وَتَشْديد الْيَاء وأحمس: بطْنَان من ضبيعة

بن ربيعَة. يَقُول: فَإِذا جَاءَ وَقت التحارب قَامَ بنصري هَذَانِ البطنان. وَقيل: نذيرٌ وجليٌّ: أَخَوان وَقَوله: وَجمع بني قرَان إِلَخ جمع مَنْصُوب بِفعل مُضْمر كَأَنَّهُ قَالَ: سم جمع بني قرَان. وَمعنى الْبَيْت: أجرونا مجْرى نظائرنا فَإنَّا نرضى بهم قدوة واعرضوا مَا تسوموننا على بني قرَان فَإِن التزموه وقبلوه فلنا بهم أُسْوَة وَإِلَّا فالامتناع وَاجِب. وَقَوله: هاتا إِلَخ أَي: هَذِه الخطة الَّتِي نكره عَلَيْهَا. والأبس: الْقَهْر. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: أبست) الرجل إِذا لَقيته بِمَا يكره وأبسته إِذا وضعت مِنْهُ باستخفافٍ وإهانة. قَوْله: فَإِن يقبلُوا بالود نقبل بِمثلِهِ إِلَخ أعَاد الشَّرْط وَذَلِكَ أَنه قَالَ قبل هَذَا: فَإِن يقبلُوا هاتا وَلم يَأْتِ لَهُ بِجَوَاب ثمَّ قَالَ: فَإِن يقبلُوا بالود نقبل بِمثلِهِ فَاكْتفى بجوابٍ وَاحِد لاشْتِمَاله على مَا يكون جَوَابا لَهما فَكَأَنَّهُ قَالَ: إِن قبلوا مَا نوبس بِهِ نقبل مثله وَأَن أَقبلُوا بعد ذَلِك وادين أَقبلنَا وَإِلَّا فَنحْن أَشد أَو أبلغ شماساً أَي: امتناعا. وَكَانُوا بَنو ضبيعة حلفاء لبني ذهل بن ثَعْلَبَة بن عكابة فَوَقع بَينهم نزاع فعاتبهم المتلمس. وَقَوله: وَإِن يَك عَنَّا إِلَخ أَرَادَ: حبيب فَخفف وَهُوَ حبيب بن كَعْب بن يشْكر بن بكر بن وَائِل. يَقُول: إِن تكاسل بَنو حبيب عَن إِدْرَاك ثَأْرنَا فقد كَانَ منا من يدأب ويسهر. والمقنب بِالْكَسْرِ: زهاء ثلثمائةٍ

(الشاهد الخامس والثلاثون بعد الخمسمائة)

من الْخَيل. والتَّعْرِيس: النُّزُول فِي آخر اللَّيْل. وَقَوله: مَا يعرس أَي: مَا يستقرون إِذا وتروا وَلَكنهُمْ يغزون ويغيرون أبدا حَتَّى يدركوا والمتلمس شاعرٌ جاهلي واسْمه جرير بن عبد الْمَسِيح وَسمي المتلمس بِالْبَيْتِ الْمَذْكُور. وَقد تقدّمت تَرْجَمته مفصلة فِي الشَّاهِد التَّاسِع وَالسِّتِّينَ بعد الأربعمائة. وَأنْشد بعده 3 - (الشَّاهِد الْخَامِس وَالثَّلَاثُونَ بعد الْخَمْسمِائَةِ) وَهُوَ من شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ: الطَّوِيل أَلا يَا ديار الْحَيّ بالسبعان على أَن السبعان أعرب بالحركة على النُّون مَعَ لُزُوم الْألف. وَإِذا نسب إِلَيْهِ قيل: السبعاني. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ فِي بَاب النّسَب فِي الْمفصل: ومنذ لَك قنسريٌّ ونصيبيٌّ فِيمَن جعل الْإِعْرَاب قبل النُّون. وَمن جعله معتقب الْإِعْرَاب قَالَ: قنسريني. وَقد جَاءَ مثل ذَلِك فِي التَّثْنِيَة قَالُوا: خليلانيٌّ وَجَاءَنِي خليلان اسْم رجل. وعَلى هَذَا قَوْله: أَلا يَا ديار الْحَيّ بالسبعان

قَالَ ابْن المستوفي: وجدت بِخَط الزَّمَخْشَرِيّ: وَمن جعله معتقب الْإِعْرَاب بِكَسْر الْقَاف. وَقد صحّح عَلَيْهِ مرَّتَيْنِ. فالمفتوح الْقَاف مصدر والمكسورها اسْم فَاعل. انْتهى. وَقد أورد سِيبَوَيْهٍ هَذَا المصراع فِي أوزان الْأَسْمَاء قَالَ: وَيكون على فعلانٍ وَهُوَ قَلِيل قَالُوا: السبعان وَهُوَ اسمٌ. قَالَ ابْن مقبل: أَلا يَا ديار الْحَيّ بالسبعان انْتهى. وَأوردهُ ابْن قُتَيْبَة فِي أدبالكاتب على أَنه لم يَأْتِ اسمٌ على فعلان إِلَّا حرف وَاحِد. وَكَذَلِكَ قَالَ أَبُو عبيدٍ عبد الله الْبكْرِيّ فِي شرح أمالي القالي. وَقَالَ فِي مُعْجم مَا استعجم: السبعان بِفَتْح أَوله وَضم ثَانِيه على بِنَاء فعلان هَكَذَا ذكره سِيبَوَيْهٍ وه جبلٌ قبل الفلج. وَأنْشد هَذَا الْبَيْت. والفلج بِفَتْح الْفَاء وَسُكُون اللَّام بعْدهَا جِيم: موضعٌ فِي بِلَاد بني مَازِن وَهُوَ فِي طَرِيق الْبَصْرَة إِلَى مَكَّة. وَقَالَ ياقوت فِي مُعْجم الْبلدَانِ: السبعان مَنْقُول من تَثْنِيَة السَّبع بِفَتْح فضم قَالَ أَبُو مَنْصُور: هُوَ موضعٌ مَعْرُوف فِي ديار قيس. وَقَالَ نصر: السبعان: جبلٌ قبل فلج وَقيل: وَاد شمَالي سلم عِنْده جبلٌ يُقَال لَهُ: العَبْد أسود وَهَذَا المصراع وَقع صدر بيتٍ هُوَ مطلع قصيدتين لشاعرين إِحْدَاهمَا لتميم بن مقبل وَهُوَ) شاعرٌ إسلاميٌّ مخضرم وَتَقَدَّمت تَرْجَمته فِي

الشَّاهِد الثَّانِي وَالثَّلَاثِينَ من أَوَائِل الْكتاب. وَالثَّانيَِة لشاعر جاهليٍّ من بني عقيل. أما الأولى وَهِي الْمَشْهُورَة الَّتِي ذكرهَا شرَّاح الشواهد فَهَذِهِ أَبْيَات من أَولهَا: (أَلا يَا ديار الْحَيّ بالسبعان ... أمل عَلَيْهَا بالبلى الملوان) (نهارٌ وليلٌ دائبٌ ملواهما ... على كل حَال النَّاس يَخْتَلِفَانِ) (أَلا يَا ديار الْحَيّ لَا هجر بَيْننَا ... وَلَكِن روعاتٍ من الْحدثَان) (لدهماء إِذْ للنَّاس والعيش غرةٌ ... وإ خلقانا بالصبا عسران) وَقَوله: أَلا يَا ديار الْحَيّ إِلَخ أَلا: حرف تَنْبِيه. يتأسف على ديار قومه بِهَذَا الْمَكَان ويخبر أَن الملوين وهما اللَّيْل وَالنَّهَار أبلياها ودرساها. والْحَيّ: الْقَبِيلَة. وَقَوله: بالسبعان مُتَعَلق بِمَحْذُوف على أَنه حَال من ديار. وَقَوله: أمل عَلَيْهَا فِيهِ التفاتٌ لِأَنَّهُ لم يقل عَلَيْك. قَالَ الجواليقي فِي شرح أدب الْكَاتِب: هُوَ من أمللت الْكتاب أمله. خاطبها ثمَّ خرج عَن خطابها إِلَى الْإِخْبَار عَن الْغَائِب. وَقيل: وَيجوز أَن يكون من أمللت الرجل إِذا أضجرته وَأَكْثَرت عَلَيْهِ مَا يُؤْذِيه كَأَن اللَّيْل وَالنَّهَار أملاها من كَثْرَة مَا فعلا بهَا من البلى. والملوان: اللَّيْل وَالنَّهَار وَلَا يفرد واحدٌ

مِنْهُمَا. يُرِيد أَن اللَّيْل وَالنَّهَار أملا عَلَيْهَا أَسبَاب البلى فَزَاد الْبَاء كَمَا قَالَ: الْبَسِيط لَا يقْرَأن بالسور انْتهى. وَقَالَ أَبُو عبيد الْبكْرِيّ فِي شرح أمالي القالي: أمل بِمَعْنى دأب وَلَا زم وَمن هَذَا قيل للدّين: مِلَّة لِأَنَّهَا طَريقَة تلازم. وَقَالَ الْأَصْمَعِي: أمل فِي معنى أمْلى أَي: طَال. انْتهى. وَقَالَ الْجَوْهَرِي: أمله وأمل عَلَيْهِ أَي: أسأمه فَأَرَادَ بأمل عَلَيْهَا أسامها الملوان بالبلى لِكَثْرَة اخْتِلَافهمَا عَلَيْهَا. والبلى بِالْكَسْرِ وَالْقصر مصدر بلي الثَّوْب يبلي من بَاب تَعب بلَى وبلاءً بِالْفَتْح وَالْمدّ أَي: خلق فَهُوَ بالٍ. وبلي الْمَيِّت: أفنته الأَرْض. وَأنْشد ابْن السّكيت هَذَا الْبَيْت فِي إصْلَاح الْمنطق على أَن الملوين فِيهِ بِمَعْنى اللَّيْل وَالنَّهَار. وَقَالَ أَبُو عبيد الْبكْرِيّ وَابْن السَّيِّد فِي شرح أَبْيَات أدب الْكَاتِب: جعل الشَّاعِر الملوين هُنَا بِمَعْنى الْغَدَاة والعشي وَيدل عَلَيْهِ قَوْله بعده:) نهارٌ وليلٌ دائبٌ ملواهما ودأب: اجْتهد وَبَالغ فِي الْعَمَل. وَقَوله: على كل مُتَعَلق بدائب. والروعة: الْمرة من الروع وَهُوَ الْفَزع. والحدثان مصدر حدث الشَّيْء من بَاب قعد إِذا تجدّد. أَرَادَ حوادث الدَّهْر.

والْغرَّة بِالْكَسْرِ: الْغَفْلَة. وخلقانا: مثنى خلق بِضَمَّتَيْنِ مُضَاف إِلَى نَا. وَأما الثَّانِيَة فقد أورد خَمْسَة أَبْيَات من أَولهَا إِبْرَاهِيم الحصري فِي كِتَابه زهر الْآدَاب وَقَالَ: إِنَّهَا لشاعرٍ جاهلي من بني عقيل. وَتَابعه ياقوت فِي مُعْجم الْبلدَانِ وَهِي: (أَلا يَا ديار الْحَيّ بالسبعان ... عفت حجَجًا بعدِي وَهن ثَمَانِي) (فَلم يبْق مِنْهَا غير نؤيٍ مهدمٍ ... وَغير أثافٍ كالركي دفان) (وآثار هابٍ أَوْرَق اللَّوْن سَافَرت ... بِهِ الرّيح والأمطار كل مَكَان) (قفارٌ مروراةٍ يحار بهَا القطا ... ويضحي بهَا الجأبان يفترقان) (ينيران من نسج الْغُبَار ملاءةً ... قميصين أسمالاً ويرتديان) وَقَوله: عفت حجَجًا يُقَال: عفت الدَّار تَعْفُو أَي: اندرست وَذهب أَثَرهَا. والْحجَج: جمع حجَّة بِكَسْر أَولهمَا: السّنة. وروى ياقوت: خلت حججٌ بعدِي لَهُنَّ ثَمَان والأثافي: جمع أثفية وَهِي ثَلَاثَة أَحْجَار تكون عَلَيْهَا الْقدر. والركي: جمع ركية وَهِي الْبِئْر. ودفان بِكَسْر الدَّال بعْدهَا فَاء يُقَال: ركية دَفِين ودفان إِذا اندفن بَعْضهَا. وَالْجمع دفن بِضَمَّتَيْنِ.

وَقَوله: وآثار هابٍ الهابي: التُّرَاب الناعم الدَّقِيق وَهُوَ اسْم فَاعل من هبا يهبو هبواً أَي: ارْتَفع. والهباء: دقاق التُّرَاب. والهابي أَيْضا: تُرَاب الْقَبْر. وَأنْشد لَهُ الْأَصْمَعِي: الطَّوِيل (وهابٍ كجثمان الْحَمَامَة أجفلت ... بِهِ ريح ترجٍ وَالصبَا كل مجفل) وَالْمرَاد بِهِ هُنَا الرماد لِأَن الورقة هِيَ لون الرماد. وَقَوله: قفار مروراة إِلَخ القفار: جمع قفر وَهُوَ الْمَكَان الَّذِي لَا مَاء فِيهِ وَلَا نَبَات وَهُوَ صفة) لمكانٍ قبله. والمروراة بِفَتْح الْمِيم وَالرَّاء قَالَ فِي الصِّحَاح: هِيَ الْمَفَازَة الَّتِي لَا شَيْء فِيهَا وَهِي فعوعلة وَالْجمع المرورى والمروريات والمراوي. والجأب بِفَتْح الْجِيم وَسُكُون الْهمزَة: الْحمار الغليظ من حمر الْوَحْش. وَأَرَادَ بالجأبين الذّكر وَالْأُنْثَى وَإِنَّمَا يفْتَرق كل مِنْهُمَا عَن الآخر لعدم الْقُوت. وَقَوله: ينيران من نسج إِلَخ أَي: يحوكان يُقَال: أنرت الثَّوْب وهنرته أَي: حكته. وَيُقَال أَيْضا: وَفِي الْقَامُوس: النير علم للثوب. ونرت الثَّوْب نيراً ونيرته وأنرته: جعلت لَهُ نيراً. وهدب الثَّوْب: لحْمَته. وَمن نسج كَانَ صفة لقميصين فَلَمَّا قدم عَلَيْهِ صَار حَالا مِنْهُ. والملاءة بِالضَّمِّ وَالْمدّ: الريطة. وقميصين: بدل من ملاءة وملاءة: مفعول ينيران وعَلَيْهِمَا: حَال من الْغُبَار. وأسمالاً: خلقا يُقَال: ثوب أسمالٌ أَي: خلق. ويرتديان: مَعْطُوف على ينيران وَمَعْنَاهُ يلبسان.

يُرِيد أَن الحمارين لشدَّة عدوهما يثور التُّرَاب ويعلوهما فَيصير كَالثَّوْبِ عَلَيْهِمَا. وَإِنَّمَا اشْتَدَّ عدوهما للنجاة من هَذِه الْمَفَازَة. قَالَ ياقوت: زَعَمُوا أَن أول من جعل الْغُبَار ثوبا هَذَا الشَّاعِر. وَكَذَلِكَ قَالَ الحصري: هُوَ أول من نظر إِلَى هَذَا الْمَعْنى وتبعته الخنساء فِي قَوْلهَا من أَبْيَات وَقد قيل لَهَا: لقد مدحت أَخَاك حَتَّى هجوت أَبَاك فَقَالَت: الْكَامِل (جارى أَبَاهُ فَأَقْبَلَا وهما ... يتعاوران ملاءة الْحَضَر) وَهَذِه أبرع عبارَة وأنصع اسْتِعَارَة. وتبعها عدي بن الرّقاع فِي وصف حمَار وأتانه: الْكَامِل (يتعاوران من الْغُبَار ملاءةً ... بَيْضَاء محدثةً هما نسجاها) (تطوى إِذا وردا مَكَانا جاسياً ... وَإِذا السنابك أسهلت نشراها) قَالَ شَارِح ديوانه: قَوْله: يتعاوران إِلَخ أَي: تصير الغبرة للعير مرّة وللأتان مرّة. وَيُقَال من الْعَارِية: قد تعورنا العواري. وَالْمَكَان الجاسي: الغليظ فَإِذا جَريا فِيهِ لم يكن لَهما غبرةٌ وَإِذا أسهلا أَي: صَارا إِلَى سهولة الأَرْض ثار لَهما غُبَار. فَجعل إثارة الْغُبَار بِمَنْزِلَة ملاءة تنشر عَلَيْهِمَا وَزَوَال الْغُبَار بِمَنْزِلَة طي الملاءة. وَهَذَا أحسن مَا قيل فِي وصف الْغُبَار والعجاج. وَإِلَى هَذَا الْمَعْنى أَشَارَ أَبُو تَمام الطَّائِي فِي وصف كَثْرَة ظعنه وقصده الْمُلُوك: الوافر) (يثير عجاجةً فِي كل يومٍ ... يهيم بهَا عدي بن الرّقاع)

(الشاهد السادس والثلاثون بعد الخمسمائة)

وَقد سلك البحتري طَريقَة الخنساء وَأحسن فِيهِ إِذْ يَقُول فِي يُوسُف بن أبي سعيد: الْكَامِل (جدٌّ كجد أبي سعيدٍ إِنَّه ... ترك السماك كَأَنَّهُ لم يشرف) (قاسمته أخلاقه وَهِي الردى ... للمعتدي وَهِي الندى للمعتفي) (فَإِذا جرى فِي غايةٍ وجريت فِي ... أُخْرَى التقى شأواكما فِي الْمنصف) وَأنْشد بعده 3 - (الشَّاهِد السَّادِس وَالثَّلَاثُونَ بعد الْخَمْسمِائَةِ) (وَلها بالماطرون إِذا ... أكل النَّمْل الَّذِي جمعا) على أَن أَبَا عَليّ قَالَ: الماطرون مجرور بكسرةٍ على النُّون. أَقُول: قَالَه فِي بَاب مَا جعلت فِيهِ النُّون الْمَفْتُوحَة اللاحقة بعد الْوَاو وَالْيَاء فِي الْجمع حرف إِعْرَاب من كتاب إِيضَاح الشّعْر وَهَذَا نَصه: اعْلَم أَن هَذِه النُّون إِذا جعلت حرف الْإِعْرَاب صَارَت ثَابِتَة فِي الْكَلِمَة فَلم تحذف فِي الْإِضَافَة كَمَا كَانَت تحذف قبل كَمَا لَا تحذف نون فرسن وضيفن ورعشن وَنَحْو ذَلِك من النونات الَّتِي تكون حرف إِعْرَاب وَإِن كَانَت زَائِدَة. وَيكون حرف اللين قبلهَا الْيَاء وَلَا يكون الْوَاو لِأَن الْوَاو تدل على إعرابٍ بِعَيْنِه فَلم يجز ثباتها من حَيْثُ لم يجز

ثبات إعرابين فِي الْكَلِمَة. أَلا ترى أَنهم إِذا نسبوا إِلَى رجلَانِ وَنَحْوه من التَّثْنِيَة حذفوا فَقَالُوا: رجليٌّ مَعَ أَن الْألف قد لَا تدل على إِعْرَاب بِعَيْنِه لِأَن قوما يجْعَلُونَ حرف الْإِعْرَاب فِي الْأَحْوَال الثَّلَاث ألفا. فَإِذا حذفوا ذَلِك مَعَ أَنهم قد جعلوها بِمَنْزِلَة الدَّال فِيهِ لَا يكون لإعرابٍ مَخْصُوص فَأن لَا تثبت الْوَاو الدَّالَّة على إِعْرَاب مختصٍّ أولى. فَأَما من أجَاز ثبات الْوَاو فِي هَذَا الضَّرْب من الْجمع وَزعم أَن ذَلِك يجوز فِيهِ قِيَاسا على قَوْلهم: زيتون فَقَوله فِي ذَلِك يبعد من جِهَة الْقيَاس مَعَ أَنا لم نعلمهُ جَاءَ فِي شَيْء عَنْهُم. وَذَلِكَ أَن هَذِه الْوَاو لم تكن قطّ إعراباً وَلَا دالاًّ عَلَيْهِ كَمَا كَانَت الَّتِي فِي مُسلمُونَ. فالواو فِي زيتون كَالَّتِي فِي منجنون فِي أَنه لم يكن قطّ إعراباً كَمَا أَن الَّتِي فِي منجنون كَذَلِك. وعَلى مَا ذهب إِلَيْهِ النَّاس جَاءَ التَّنْزِيل وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: وَلَا طعامٌ إِلَّا من غسلين لما صَارَت) النُّون حرف إِعْرَاب صَار حرف اللين قبله الْيَاء. وَقَالَ تَعَالَى: لفي عليين وَا أَدْرَاك مَا عليون. فَأَما قَول الشَّاعِر: (وَلها بالماطرون إِذا ... أكل النَّمْل الَّذِي جمعا) فأعجميٌّ وَلَيْسَت الْوَاو فِيهِ إعراباً كَالَّتِي فِي سِنِين. فَأَما ثبات الْيَاء فِي سِنِين وفلسطين وقنسرين فَإِنَّهَا لما لم تدل على إِعْرَاب بِعَيْنِه أشبهت الْيَاء الَّتِي فِي شمليل وقنديل وَلذَلِك ثبتَتْ فِي النّسَب وَلم تحذف كَمَا حذف مَا يكون فِي ثباته فِي الِاسْم اجْتِمَاع علامتين للإعراب. وَقد كثر هَذَا الضَّرْب من

الْجمع حَتَّى لَو جعل قِيَاسا مستمراً كَانَ مذهبا. انْتهى. وَمثله قَول ابْن جني فِي سر الصِّنَاعَة: فَأَما الماطرون فَلَيْسَتْ النُّون فِيهِ بزائدة لِأَنَّهَا تعرب. قَالَ: وَلها بالماطرون إِذا وَفِيه ردٌّ لمن جعل الْكَلِمَة ثلاثية كصاحب الْقَامُوس فَإِنَّهُ قَالَ فِي مَادَّة مطر: وماطرون: قَرْيَة بِالشَّام. وَفِيه أَنه كَانَ يجب أَن يَقُول: الماطرون. وَقد خَالف الْجَوْهَرِي فَرَوَاهُ الناطرون بالنُّون وَقَالَ: الناطرون: موضعٌ بِنَاحِيَة الشَّام وَالْقَوْل فِي إعرابه كالقول فِي نَصِيبين وينشد هَذَا الْبَيْت بِكَسْر النُّون: وَلها بالناطرون إِذا ... ... ... ... . . الْبَيْت ورد عَلَيْهِ الصَّاغَانِي فِي الْعباب فَقَالَ: الماطرون: مَوضِع قرب دمشق. وَقَالَ بعض من صنف فِي اللُّغَة: الناطرون: مَوضِع بِنَاحِيَة الشَّام. وَكَذَلِكَ غلطه صَاحب الْقَامُوس. وَلم يذكرهُ أَبُو عبيد الْبكْرِيّ فِي مُعْجم مَا استعجم. وَقَالَ الْعَيْنِيّ كالشارح الْمُحَقق: فِي شرح كتاب

سِيبَوَيْهٍ: الماطرون بِالْمِيم وطاء مَفْتُوحَة وَالْمَشْهُور الماطرون بِالْمِيم وَكسر الطَّاء. وَقَالَ أَبُو الْحسن القفطي: الماطرون: بستانٌ بِظَاهِر دمشق. ثمَّ قَالَ: وَالْبَيْت من أبياتٍ ليزِيد بن مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان تغزل بهَا فِي نَصْرَانِيَّة قد ترهبت فِي ديرٍ خراب عِنْد الماطرون وَهُوَ بُسْتَان بِظَاهِر دمشق يُسمى الْيَوْم الميطور. وأولها: المديد (رَاعيا للنجم أرقبه ... فَإِذا مَا كوكبٌ طلعا)) (حَال حَتَّى إِنَّنِي لأرى ... أَنه بالفور قد رجعا) (وَلها بالماطرون إِذا ... أكل النَّمْل الَّذِي جمعا) (خرفةٌ حَتَّى إِذا ارتبعت ... سكنت من جلقٍ بيعا) (فِي قبابٍ حول دسكرةٍ ... حولهَا الزَّيْتُون قد ينعا) آب: رَجَعَ. واكتع: افتعل من الكنع بِالْكَاف وَالنُّون قَالَ صَاحب الْعباب: اكتنع اللَّيْل: حضر ودنا. وَأنْشد هَذَا الْبَيْت. وأَمر بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول بِمَعْنى جعل مرا. وَقَوله: وَلها بالماطرون اللَّام مُتَعَلقَة بِمَحْذُوف على أَنه خبر مقدم وخرفة: مُبْتَدأ مُؤخر وَضمير الْمُؤَنَّث للنصرانية الَّتِي تغزل بهَا وبالماطرون فَاعل لَهَا وإِذا ظرف عَامله مُتَعَلق بِاللَّامِ. والخرفة بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة وبالفاء: المخترف والمجتنى وَقيل مَا يجتنى. وَهَذِه الرِّوَايَة رِوَايَة الْمبرد فِي الْكَامِل. وروى صَاحب الْعباب فِي الْبَيْت: خلقَة بِالْكَسْرِ بدل خرفة.

وَقَالَ: خلفة الشّجر: شجرٌ يخرج بعد الثَّمر الْكثير. وَكَذَا روى الْعَيْنِيّ عَن ابْن الْقُوطِيَّة أَنه قَالَ: الرِّوَايَة هِيَ الخلفة بِاللَّامِ وَهُوَ مَا يطلع من الثَّمر بعد والنَّمْل: فَاعل أكل والَّذِي: مَفْعُوله والعائد مَحْذُوف أَي: جمعه. وارتبعت: دخلت فِي الرّبيع. ويروى: ربعت بِمَعْنَاهُ. ويروى: ذكرت بدل سكنت. وجلق بِكَسْر الْجِيم وَاللَّام الْمُشَدّدَة الْمَكْسُورَة: مَدِينَة بِالشَّام. وَمن جلق كَانَ صفة لقَوْله بيعا فَلَمَّا قدم عَلَيْهِ صَار حَالا مِنْهُ. وبيعا: مفعول سكنت أَو ذكرت وَهُوَ جمع بيعَة بِالْكَسْرِ. قَالَ الْجَوْهَرِي وصاحبا الْعباب والمصباح: هِيَ لِلنَّصَارَى. وَقَالَ الْعَيْنِيّ: الْبيعَة للْيَهُود والكنيسة لِلنَّصَارَى. وَهَذَا لَا يُنَاسب قَوْله إِن الشّعْر فِي نَصْرَانِيَّة. وَمعنى الْبَيْتَيْنِ أَن لهَذِهِ الْمَرْأَة تردداً إِلَى الماطرون فِي الشتَاء فَإِن النَّمْل يخزن الْحبّ فِي الصَّيف ليأكله فِي الشتَاء وَلَا يخرج إِلَى وَجه الأَرْض من قريته. وَإِذا دخلت فِي أَيَّام الرّبيع ارتحلت إِلَى البيع الَّتِي بجلق. وَقَالَ الْعَيْنِيّ: قَوْله بالماطرون صفةٌ لخرفة. وَهَذَا مخالفٌ لقَولهم إِن صفة النكرَة إِذا تقدّمت صَارَت حَالا مِنْهُ. وَقَالَ: إِذا للْوَقْت وَالتَّقْدِير: لَهَا خرفة وَقت أكل النَّمْل مَا جمعه.) وَقَوله: فِي قباب حول إِلَخ الظّرْف: صفة لقَوْله بيعا وَهُوَ جمع قبَّة. والدسكرة بِفَتْح الدَّال نقل صَاحب الْعباب عَن اللَّيْث أَنَّهَا بناءٌ يشبه قصراً حوله بيوتٌ وَجَمعهَا دساكر تكون

قَالَ الْمبرد فِي الْكَامِل: أينعت الثَّمَرَة إيناعاً أَي: أدْركْت. وينعت ينعاً وينعاً بِالْفَتْح وَالضَّم. وَيقْرَأ: انْظُرُوا إِلَى ثمره إِذا أثمر وينعه وينعه كِلَاهُمَا جَائِز. وَأنْشد هَذِه الأبيات الثَّلَاثَة الْأَخِيرَة وَقَالَ: قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: هَذَا الشّعْر يخْتَلف فِيهِ فبعضهم ينْسبهُ إِلَى الْأَحْوَص وَبَعْضهمْ ينْسبهُ إِلَى يزِيد بن مُعَاوِيَة. انْتهى. وَقد سَهَا الْعَيْنِيّ هُنَا فِي قَوْله: الاستشهاد بالماطرون حَيْثُ نزل منزلَة الزَّيْتُون فِي إِلْزَامه الْوَاو وَإِعْرَابه بالحروف وَصَوَابه وَإِعْرَابه بالحركات. وَلَو اسْتشْهد الشَّارِح الْمُحَقق بقوله: الْخَفِيف (طَال ليلِي وَبت كَالْمَجْنُونِ ... واعترتني الهموم بالماطرون) كَمَا اسْتشْهد بِهِ ابْن هِشَام فِي شرح الألفية لَكَانَ أولى فَإِن كسرة النُّون صَرِيحَة لوقوعها فِي القافية. وَهُوَ مطلع قصيدة وَبعده: الْخَفِيف (صَاح حَيا الْإِلَه حَيا ودوراً ... عِنْد أصل الْقَنَاة من جيرون) (عَن يساري إِذا دخلت إِلَى الدا ... ر وَإِن كنت خَارِجا فيميني) (فلتلك اغتربت بِالشَّام حَتَّى ... ظن أَهلِي مرجمات الظنون) (وَإِذا مَا نسبتها لم تجدها ... فِي سناءٍ من المكارم دون) (تجْعَل الْمسك واليلنجوج والن ... د صلاءً لَهَا على الكانون)

(ثمَّ خَاصرتهَا إِلَى الْقبَّة الخض ... رَاء تمشي فِي مرمرٍ مسنون) (قبةٌ من مراجلٍ ضربتها ... عِنْد حد الشتَاء فِي قيطون) (ثمَّ فارقتها على خير مَا كَا ... ن قرينٌ مُقَارنًا لقرين) (فَبَكَتْ خشيَة التَّفَرُّق للبي ... ن بكاء الحزين إِثْر الحزين) (لَيْت شعري أَمن هوى طَار نومي ... أم براني رَبِّي قصير الجفون) وجيرون: بابٌ من أَبْوَاب دمشق. والرَّجْم: الْكَلَام بِالظَّنِّ. واليلنجوج بجيمن: عود البخور. وروى بدله: الألوة بِفَتْح الْهمزَة وَضم اللَّام وَهُوَ الْعود أَيْضا. والصلاء بِالْكَسْرِ وَالْمدّ: التدفي) بالنَّار. والمخاصرة: أَن يضع كل وَاحِد من اثْنَيْنِ يَده على خصر الآخر. والْمسنون: الأملس المجلو. والمراجل: جمع مرجل بِالْكَسْرِ. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي وَحده: بِفَتْح الْمِيم هُوَ ضربٌ من برود الْيمن. كَذَا فِي الْعباب. وَأَخْطَأ الْعَيْنِيّ فِي قَوْله: هُوَ الْقدر من النّحاس إِذْ لَا مُنَاسبَة لَهُ هُنَا. والقيطون: المخدع. قَالَ الْعَيْنِيّ: هَذِه القصيدة لأبي دهبلٍ الجُمَحِي وَهُوَ شاعرٌ إسلاميٌّ شَبَّبَ فِيهَا بعاتكة بنت مُعَاوِيَة حِين حجت وَرجع مَعهَا إِلَى الشَّام فَمَرض بهَا. وَيُقَال: إِن يزِيد قَالَ لِأَبِيهِ إِن أَبَا دهبل ذكر رَملَة ابْنَتك فاقتله. فَقَالَ: أَي شيءٍ قَالَ قَالَ: (هِيَ زهراء مثل لؤلؤة الغ ... واص ... ... ... . الْبَيْت)

قَالَ مُعَاوِيَة: لقد أحسن قَالَ: فقد قَالَ: وَإِذا مَا نسبتها ... ... ... ... . الْبَيْت قَالَ: صدق قَالَ: فقد قَالَ: ثمَّ خَاصرتهَا إِلَى الْقبَّة ... ... ... ... . الْبَيْت فَقَالَ مُعَاوِيَة: كذب وَقَالَ ثَعْلَب: حَدثنَا الزبير قَالَ: حَدثنِي مُصعب قَالَ: حَدثنِي إِبْرَاهِيم بن أبي عبد الله قَالَ: خرج أَبُو دهبل يُرِيد الْغَزْو وَكَانَ رجلا صَالحا جميلاً فَلَمَّا كَانَ بجيرون جَاءَتْهُ امْرَأَة فَأَعْطَتْهُ كتابا فَقَالَ: اقْرَأ لي هَذَا الْكتاب. فقرأه لَهَا ثمَّ ذهبت فَدخلت قصراً وَخرجت إِلَيْهِ فَقَالَت: لَو تبلغت معي إِلَى هَذَا الْقصر فَقَرَأته على امرأةٍ فِيهِ كَانَ لَك فِيهِ أجر. فَبلغ مَعهَا الْقصر فَلَمَّا دخله فَإِذا فِيهِ جوارٍ كَثِيرَة فأغلقن عَلَيْهِ الْقصر وَإِذا امرأةٌ وضيئةٌ تَدعُوهُ إِلَى نَفسهَا فَأبى فحبس وضيق عَلَيْهِ حَتَّى كَاد يَمُوت. ثمَّ دَعَتْهُ إِلَى نَفسهَا فَقَالَ: أما الْحَرَام فو الله لَا يكون وَلَكِن أتزوجك. فتزوجته وَأقَام مَعهَا زَمَانا طَويلا لَا يخرج من الْقصر حَتَّى يئس مِنْهُ وَتزَوج بنوه وَبنَاته واقتسموا مَاله وأقامت زَوجته تبْكي عَلَيْهِ حَتَّى عميت. ثمَّ إِن أَبَا دهبل قَالَ لامْرَأَته: إِنَّك قد أثمت فِي وَفِي أَهلِي وَوَلَدي فأذني لي فِي الْمصير إِلَيْهِم وأعود إِلَيْك. فَأخذت عَلَيْهِ العهود أَن لَا يُقيم إِلَّا سنة. فَخرج من عِنْدهَا وَقد أَعطَتْهُ مَالا كثيرا حَتَّى قدم على أَهله فَرَأى حَال زَوجته فَقَالَ لأولاده. أَنْتُم قد ورثتموني وَأَنا حيٌّ) وَهُوَ حظكم وَالله لَا يُشْرك

زَوْجَتي فِيمَا قدمت بِهِ أحد. فتسلمت جَمِيع مَا أَتَى بِهِ. ثمَّ إِنَّه اشتاق إِلَى زَوجته الشامية وَأَرَادَ الْخُرُوج إِلَيْهَا فَبَلغهُ مَوتهَا فَأَقَامَ وَقَالَ هَذِه القصيدة. وَيُقَال: إِنَّهَا لعبد الرَّحْمَن بن حسان بن ثَابت. وَذهب إِلَيْهِ الْجَوْهَرِي وَغَيره. وَقَالَ ابْن بري: الصَّحِيح أَنَّهَا لأبي دهبل. انْتهى كَلَام الْعَيْنِيّ. وَلم ينسبها أَبُو الْفرج الْأَصْبَهَانِيّ فِي الأغاني إِلَّا لعبد الرَّحْمَن بن حسان قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن الْعَبَّاس اليزيدي قَالَ: حَدثنَا أَحْمد بن الْحَارِث الخراز قَالَ: حَدثنَا الْمَدَائِنِي عَن أبي عبد الرَّحْمَن الْمُبَارك قَالَ: شَبَّبَ عبد الرَّحْمَن بن حسان بأخت مُعَاوِيَة فَغَضب يزِيد فَدخل على مُعَاوِيَة فَقَالَ لمعاوية: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ اقْتُل عبد الرَّحْمَن بن حسان. قَالَ: وَلم قَالَ: شَبَّبَ بعمتي. قَالَ: وَمَا قَالَ قَالَ: قَالَ: (طَال ليلِي وَبت كالمحزون ... ومللت الثواء فِي جيرون) قَالَ مُعَاوِيَة: يَا بني وَمَا علينا من طول ليله وحزنه أبعده الله. وَهَذَا هُوَ مطلع القصيدة عِنْد صَاحب الأغاني وَلَيْسَ فِيهِ ذكر الماطرون قَالَ يزِيد: إِنَّه يَقُول: فلذاك اغتربت بِالشَّام ... ... ... ... . . الْبَيْت

قَالَ: يَا بني وَمَا علينا من ظن أَهله قَالَ: إِنَّه يَقُول: (هِيَ زهراء مثل لؤلؤة الغ ... واص ... ... ... . الْبَيْت) قَالَ: صدق يَا بني. قَالَ: وَإنَّهُ يَقُول: وَإِذا مَا نسبتها لم تجدها ... ... ... ... . . الْبَيْت قَالَ: صدق يَا بني هِيَ هَكَذَا. قَالَ: إِنَّه يَقُول: ثمَّ خَاصرتهَا إِلَى الْقبَّة ... ... ... ... . . الْبَيْت قَالَ: خَاصرتهَا: أخذت بخصرها وَأخذت بخصري وَلَا كل هَذَا بِابْني ثمَّ ضحك وَقَالَ: أَنْشدني مَا قَالَ أَيْضا. فأنشده قَوْله:) (قبَّة من مراجلٍ نصبوها ... عِنْد حد الشتَاء فِي قيطون) عَن يساري إِذا دخلت ... ... ... ... . . الْبَيْت تجْعَل الند والألوة ... ... ... ... . . الْبَيْت (وقباب قد أشرجت وبيوتٌ ... نطقت بالريحان والزرجون) قَالَ: يَا بني لَيْسَ يجب الْقَتْل فِي هَذَا والعقوبة دون الْقَتْل وَلَكنَّا نكفه بالصلة لَهُ والتجاوز عَنهُ. وَنسخت من كتاب ابْن النطاح: وَذكر الْهَيْثَم بن عدي عَن ابْن دأب قَالَ: حَدثنَا شُعَيْب بن صَفْوَان أَن عبد الرَّحْمَن بن حسان بن ثَابت كَانَ يشبب بابنة مُعَاوِيَة ويذكرها فِي شعره فَقَالَ النَّاس لمعاوية: لَو جعلته نكالاً فَقَالَ: لَا

(الشاهد السابع والثلاثون بعد الخمسمائة)

وَلَكِن أداويه بِغَيْر ذَلِك. فَأذن لَهُ وَكَانَ يدْخل عَلَيْهِ فِي أخريات النَّاس ثمَّ أجلسه على سَرِيره مَعَه وَأَقْبل عَلَيْهِ بِوَجْهِهِ وَحَدِيثه ثمَّ قَالَ: إِن ابْنَتي الْأُخْرَى عاتبةٌ عَلَيْك. قَالَ: فِي أَي شيءٍ قَالَ: فِي مدحتك أُخْتهَا وتركك إِيَّاهَا. قَالَ: فلهَا العتبى وكرامةٌ أَنا ذاكرها وممتدحها. فَلَمَّا فعل وَبلغ ذَلِك النَّاس قَالُوا: قد كُنَّا نرى أَن نسيب عبد الرَّحْمَن بن حسان بابنة مُعَاوِيَة لشيءٍ فَإِذا هُوَ على رَأْي مُعَاوِيَة وَأمره. وَعلم من كَانَ يعرف أَنه لَيْسَ لَهُ بنت أُخْرَى أَنه إِنَّمَا خدعه ليشبب بهَا وَلَا أصل لَهَا ليعلم النَّاس أَنه كذب على الأولى لما ذكر الثَّانِيَة. هَذَا مَا أوردهُ صَاحب الأغاني. وَالله أعلم. وَأنْشد بعده 3 - (الشَّاهِد السَّابِع وَالثَّلَاثُونَ بعد الْخَمْسمِائَةِ) وَهُوَ من شَوَاهِد س: الْخَفِيف (لَيْت شعري وَأَيْنَ مني ليتٌ ... إِن لواً وَإِن ليتاً عناء) على أَن الْكَلِمَة المبنية إِذا أُرِيد بهَا لَفظهَا فالأكثر حكايتها على مَا كَانَت عَلَيْهِ وَقد تَجِيء معربةً كَمَا فِي الْبَيْت كَمَا أعرب ليتٌ الأولى بِالرَّفْع على الِابْتِدَاء وَنصب الثَّانِيَة مَعَ لَو بإن. وَأوردهُ سِيبَوَيْهٍ فِي تَسْمِيَة الْحُرُوف والكلم قَالَ: وَالْعرب تخْتَلف

فِيهَا يؤنثها بعض ويذكرها وَأما لَيْت وإِن فحركت أواخرها بِالْفَتْح لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَة الْأَفْعَال فَإِذا صيرت وَاحِدًا مِنْهُمَا اسْما فَهُوَ ينْصَرف على كل حَال. وَإِن جعلته اسْما للكلمة وَأَنت تُرِيدُ لُغَة من ذكر لم تصرفها وَإِن سميتها بلغَة من أنث كنت بِالْخِيَارِ. إِلَى أَن قَالَ: وَأما أَو ولَو فهما سَاكِنا الْأَوَاخِر فَإِذا صَارَت كل وَاحِدَة مِنْهُمَا اسْما فقصتها فِي التَّأْنِيث والتذكير والانصراف وَترك الِانْصِرَاف كقصة لَيْت وَإِن إِلَّا أَنَّك تلْحق واواً آخر فتثقل. وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي كَلَام الْعَرَب اسْم آخِره وَاو قبلهَا حرف مَفْتُوح. قَالَ أَبُو زبيد: (لَيْت شعري وَأَيْنَ مني ليتٌ ... إِن ليتاً وَإِن لواً عناء) وَقَالَ آخر: الطَّوِيل (ألام على لوٍّ وَلَو كنت عَالما ... بأذناب لوٍّ لم تفتني أَوَائِله) انْتهى كَلَام سِيبَوَيْهٍ. قَالَ الأعلم: الشَّاهِد فِي تَضْعِيف لَو لما جعلهَا اسْما وَأخْبر عَنْهَا لِأَن الِاسْم الْمُفْرد المتمكن لَا يكون على أقل من حرفين متحركين وَالْوَاو فِي لَولَا تتحرك فضوعفت لتَكون كالأسماء المتمكنة. وَيحْتَمل الْوَاو بالتضعيف الْحَرَكَة. وَأَرَادَ ب لَو هَا هُنَا لَو الَّتِي لِلتَّمَنِّي فِي نَحْو قَوْلك: لَو أَتَيْتنَا لَو أَقمت عندنَا أَي: ليتك أتيت. أَي: أَكثر التَّمَنِّي يكذب صَاحبه ويعنيه وَلَا يبلغ فِيهِ مُرَاده. انْتهى.

وَالْبَيْت من قصيدة لأبي زبيدٍ الطَّائِي أورد مِنْهَا الأعلم فِي بَاب النسيب من حماسته سِتَّة أَبْيَات وَهِي: الْخَفِيف) (وَلَقَد مت غير أَنِّي حيٌّ ... يَوْم بَانَتْ بودها خنساء) (من بني عامرٍ لَهَا شقّ قلبِي ... قسْمَة مثل مَا يشق الرِّدَاء) (أشربت لون صفرةٍ فِي بياضٍ ... وَهِي فِي ذَاك لدنةٌ غيداء) (كل عينٍ مَتى ترَاهَا من النا ... س إِلَيْهَا مديمةٌ حولاء) (لَيْت شعري وَأَيْنَ مني ليتٌ ... إِن ليتاً وَإِن لواً عناء) (أَي ساعٍ سعى ليقطع شربي ... حِين لاحت للصابح الجوزاء) قَوْله: وَلَقَد مت إِلَخ يَعْنِي أَنا لشدَّة الْحزن ميت إِلَّا أَنِّي فِي عداد الْأَحْيَاء. وبَانَتْ: فَارَقت يُرِيد: هجرتني. وَقَوله: لَهَا شقّ قلبِي بِالْكَسْرِ يُرِيد: شقَّتْ قلبِي بحبها فاستولت عَلَيْهِ. وَقَوله: كل عين إِلَخ كل مُبْتَدأ ومَتى اسْم اسْتِفْهَام طرف لتراها وَجُمْلَة: ترَاهَا صفة لعين ومديمة: خبر الْمُبْتَدَأ وإِلَيْهَا: مُتَعَلق بِهِ وَهُوَ اسْم فَاعل من أدمت أَي: واظبت. وحولاء خبر ثَان. جعلهَا حولاء لميلها إِلَيْهَا بِالنّظرِ فَكَأَن بهَا حولا.

وَقَوله: لَيْت شعري إِلَخ قد شَرحه الشَّارِح فِي لَيْت وَقَالَ: الْتزم حذف الْخَبَر فِي لَيْت شعري مردفاً باستفهام نَحْو: لَيْت شعري أتأتيني أم لَا وَهَذَا الِاسْتِفْهَام مفعول شعري. فجملة: أَي ساع سعى فِي الْبَيْت بعده مفعول شعري. والشّرْب بِالْكَسْرِ: النَّصِيب من المَاء. والصابح: من صبحت الْإِبِل إِذا سقيتها فِي أول النَّهَار وَالْإِبِل مصبوحة وَالْقَوْم صابحون. كَذَا فِي الجمهرة لِابْنِ دُرَيْد وَأنْشد هَذَا الْبَيْت. وَقَالَ القالي فِي الْمَقْصُور والممدود: والجوزاء: برجٌ من بروج السَّمَاء. وَالْعرب تَقول: إِذا طلعت الجوزاء توقدت المعزاء وكنست الظباء وعرقت العلباء وطاب الخباء. وَأنْشد هَذَا الْبَيْت. وَزَاد صَاحب الأغاني بعد هَذَا: الْخَفِيف (فاستظل العصفور كرها مَعَ الض ... ب وأوفى فِي عوده الحرباء) (وَنفى الجندب الْحَصَى بكراعي ... هـ وأذكت نيرانها المعزاء) (من سمومٍ كَأَنَّهَا حر نارٍ ... شفعتها ظهيرةٌ غراء) (عرفت نَاقَتي شمائل مني ... فَهِيَ إِلَّا بغامها خرساء) (عرفت لَيْلهَا الطَّوِيل وليلي ... إِن ذَا النّوم للعيون غطاء)) وَأورد سَبَب هَذِه القصيدة بِسَنَدِهِ عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: كَانَ الْوَلِيد

بن عقبَة قد اسْتعْمل الرّبيع بن مري بن أَوْس بن حَارِثَة بن لأم الطَّائِي على الْحمى فِيمَا بَين الجزيرة وَظهر الْحيرَة فأجدبت الجزيرة. وَكَانَ أَبُو زبيدٍ فِي تغلب. فَخرج لَهُم ليرعيهم فَأبى عَلَيْهِ الأوسي وَقَالَ: إِن شِئْت أرعيك وَحدك فعلت. فَأتى أَبُو زبيد الْوَلِيد بن عقبَة فَأعْطَاهُ مَا بَين الْقُصُور الْحمر من الشَّام إِلَى الْقُصُور الْحمر من الْحيرَة وَجعلهَا لَهُ حمى وَأَخذهَا من الآخر. قَالَ عمر بن شبة فِي خَبره خَاصَّة: فَلَمَّا عزل الْوَلِيد عَن الْكُوفَة وَولي سعد ابْن أبي وَقاص مَكَانَهُ انتزعها مِنْهُ وأخرجها من يَده فَقَالَ أَبُو زبيد: (وَلَقَد مت غير أَنِّي حيٌّ ... يَوْم بَانَتْ بودها خنساء) إِلَى آخر القصيدة. وَأَبُو زبيدٍ الطَّائِي: شَاعِر نصرانيٌّ كَانَ فِي صدر الْإِسْلَام وَتَقَدَّمت تَرْجَمته فِي الشَّاهِد الثَّانِي

(الشاهد الثامن والثلاثون بعد الخمسمائة)

وَأنْشد بعده 3 - (الشَّاهِد الثَّامِن وَالثَّلَاثُونَ بعد الْخَمْسمِائَةِ) وَهُوَ من شَوَاهِد الْمفصل: بوحشٍ إصمت هُوَ قِطْعَة من بيتٍ لِلرَّاعِي وَهُوَ: الْبَسِيط (أشلى سلوقيةً باتت وَبَات بهَا ... بوحشٍ إصمت فِي أصلابها أود) على أَنه إِذا سمي بِفعل فِيهِ همزَة وصل قطعت ك إصمت بِكَسْر الْهمزَة وَالْمِيم. وَتقدم عَن الشَّارِح الْمُحَقق أَنه مَنْقُول من فعل أَمر لبرية مُعينَة. وَقيل: هُوَ علم الْجِنْس لكل مكانٍ قفر تَقول: لَقيته بوحش إصمت وببلد إصمت. والْوَحْش: الْمَكَان الْخَالِي. وَكسر مِيم إصمت والمسموع فِي الْأَمر الضَّم لِأَن الْأَعْلَام كثيرا مَا تغير عِنْد النَّقْل تبعا لنقل مَعَانِيهَا كَمَا قيل فِي شمس بن مَالك بِضَم الشين. انْتهى. وَقَوله:: وَكسر مِيم إصمت إِلَخ جَوَاب عَن سُؤال مُقَدّر وَهُوَ أَنه لَو كَانَ مَنْقُولًا من فعل الْأَمر لكَانَتْ الْهمزَة وَالْمِيم مضموتين لِأَنَّهُ يُقَال: صمت يصمت صمتا من بَاب نصر وصموتاً وصمتاً وَمثله للأندلسي فِي شرح الْمفصل قَالَ: الْمَشْهُور فِي مضارع

صمت: يصمت بِالضَّمِّ فإمَّا أَن يكون الْكسر لُغَة فِيهِ لم ينْقل وَإِمَّا أَن يكون مِمَّا غير فِي التَّسْمِيَة كَمَا قَالُوا: شمس بن مَالك بِالضَّمِّ فغيروا لفظ الشَّمْس. وَإِمَّا أَن يكون مرتجلاً وَافق لفظ الْأَمر الَّذِي بِمَعْنى اسْكُتْ فَلَا يكون من هَذَا الْفَصْل. انْتهى. وَكَذَا قَالَ ابْن يعِيش فِي شرح الْمفصل. وَأجَاب ابْن الْحَاجِب فِي أَمَالِيهِ على الْمفصل بِغَيْر هَذَا قَالَ: وَقد أَخذ على صَاحب الْمفصل باستشهاده فَإِن الْعَرَب تَقول: صمت يصمت فَالْأَمْر فِيهِ بِالضَّمِّ فَكيف جَاءَ إصمت وَجَوَابه أَن يُقَال: إِن فعل يَأْتِي على يفعل وَيفْعل. وَمِنْهُم من يَقُول: إِن سمع للْفِعْل مضارع اتبع وَإِلَّا فَأَنت فِيهِ مُخَيّر إِن شِئْت قلت: يفعل أَو يفعل. وَمِنْهُم من يَقُول: إِن كثر اسْتِعْمَال الْمُضَارع اتبع وَإِلَّا كنت فِيهِ بِالْخِيَارِ. انْتهى. وَقَالَ فِي شرح الْمفصل: واستشهاده بِالْبَيْتِ مُسْتَقِيم على وَجْهَيْن: أَن يثبت أَن فعل يَجِيء على يفعل وَيفْعل. وَالْوَجْه الثَّانِي: أَن يثبت صمت يصمت وَلَا يَسْتَقِيم على غير ذَلِك. وقول بَعضهم:)

وإصمت علم للفلاة القفر سميت بذلك لِأَنَّهُ لَا أنيس بهَا فينطقوا أَو لِأَنَّهَا لشدتها تصمت سالكها. وَالدَّلِيل تشتبه عَلَيْهِ طرقها فَلَا يتَكَلَّم لِأَنَّهُ لَا يَتَّضِح لَهُ الْهدى فِيهَا. ومانعها من الصّرْف التَّعْرِيف وَوزن الْفِعْل لِأَنَّهُ بزنة اضْرِب وَهِي مجرورة الْموضع بِإِضَافَة وَحش إِلَيْهَا. وَقيل: اسْم بَلْدَة بِعَينهَا. ويروى: ببلدة إصمت. وَيُقَال: تَرَكتنِي ببلدة إصمتة وبلد إصمت. يضْرب للرجل الَّذِي لَا نَاصِر لَهُ وَلَا مَانع. انْتهى. وَلم يُورد أَبُو عبيد الْبكْرِيّ هَذِه الْكَلِمَة فِي مُعْجم مَا استعجم وأوردها ياقوت فِي مُعْجم الْبلدَانِ وَقَالَ: إصمت بِالْكَسْرِ وَكسر الْمِيم وتاء مثناة: اسْم) علم لبرية بِعَينهَا. قَالَ الرَّاعِي: أشلى سلوقيةً باتت وَبَات بهَا إلخوقال بَعضهم: الْعلم هُوَ وَحش إصمت الكلمتان مَعًا. وَقَالَ أَبُو زيد: يُقَال: لَقيته بوحش إصمت وببلدة إصمت أَي: بمَكَان قفر.

وإصمت مَنْقُول من فعل الْأَمر مُجَرّد عَن الضَّمِير وَقطعت همزته ليجري على غَالب الْأَسْمَاء. وَهَكَذَا جَمِيع مَا يُسمى بِهِ من فعل الْأَمر. وَكسر الْهمزَة فِي إصمت إِمَّا لُغَة لم تبلغنَا وَإِمَّا أَن يكون غير فِي التَّسْمِيَة بِهِ عَن أصمت بِالضَّمِّ الَّذِي هُوَ مَنْقُول فِي مضارع هَذَا الْفِعْل وَإِمَّا أَن يكون مُجَردا مرتجلاً وَافق لفظ الْأَمر الَّذِي بِمَعْنى اسْكُتْ. وَرُبمَا كَانَ تَسْمِيَة هَذِه الصَّحرَاء بِهَذَا الْفِعْل للغلبة لِكَثْرَة مَا يَقُول الرجل لصَاحبه إِذا سلكها: اصمت لِئَلَّا تسمع فتهلك لشدَّة الْخَوْف بهَا. انْتهى. فَهَذِهِ عدَّة توجيهات لكسر الْهمزَة وَالْمِيم ولتسمية الفلاة بِهِ. وإصمته غير منصرف أَيْضا لَكِن للعلمية والتأنيث. وَالْقَوْل بِأَن إصمت مرتجل لَا مَنْقُول أسلم وأسهل وَحِينَئِذٍ لَا يحْتَاج إِلَى تَوْجِيه كسر الْمِيم وَيكون منع الصّرْف للعلمية والتأنيث الْمَعْنَوِيّ وَفِي إصمتة التَّأْنِيث اللَّفْظِيّ على طَريقَة وَاحِدَة. وَالْعجب من ابْن يعِيش فَإِنَّهُ وَجه منع الصّرْف فِي إصمت بِمَا ذكرنَا مَعَ القَوْل بِالنَّقْلِ. وَكَونه علم جنس أظهر من كَونه علم شخص لبقعةٍ مُعينَة كَمَا هُوَ ظاهرٌ من استعمالهم: وَالصَّحِيح أَن الْعلم إِنَّمَا هُوَ إصمت وإصمتة لَا مَجْمُوع وَحش إصمت ووحش إصمتة بِدَلِيل أَنه يُقَال: بلد إصمت وصحراء إصمت وَغير ذَلِك وَلم يقل أحد بعملية الْمَجْمُوع فِيهِ وَمَا يُضَاف

إِلَيْهِمَا من وَحش وبلد وبلدة وصحراء أَيْضا كَمَا نَقله صَاحب الْقَامُوس إِضَافَته للتخصيص. وَقد يجمع إصمت على إصمتين شذوذاً كَأَنَّهُمْ سموا كل قطعةٍ مِنْهَا بإصمت إِن كَانَ إصمت علم قفرٍ بِعَيْنِه. وَإِن كَانَ علم جنس فَوَاضِح. وَقد رَأَيْته فِي شعر أُميَّة ابْن أبي الصَّلْت قَالَ من (وترذى الناب والجمعاء فِيهِ ... بوحش الإصمتين لَهُ ذُبَاب) قَالَ شَارِح ديوانه: ترذى من الرذية أَي: تتْرك وَقد أرذيت فَهِيَ مراذة. والناب: النَّاقة المسنة. والجمعاء: الذاهبة الْأَسْنَان. والإصمتين: مكانٌ لَيْسَ فِيهِ أحد. وَهُوَ مثلٌ للْعَرَب يُقَال: تركت فلَانا بوحش الإصمتين. وَله ذبابٌ ذُبَاب الْحمار. انْتهى. وَاعْلَم أَن ابْن المستوفي اسْتشْكل كَون إصمت مَنْقُولًا من الْفِعْل دون ضَمِيره وَقَالَ: قَول النُّحَاة إِن إصمت مَنْقُول من فعل الْأَمر مُجَردا من الضَّمِير فِيهِ نظر لِأَنَّهُ جمعٌ بَين نقيضين وَذَلِكَ أَنهم إِنَّمَا سموا بِهِ بعد الْأَمر للمواجهة فَلَا بُد من الضَّمِير فِيهِ.) وَإِذا كَانَ كَذَلِك فَهُوَ من بَاب الْمُسَمّى بِالْجُمْلَةِ المركبة من الْفِعْل وَالْفَاعِل. اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يَكُونُوا نزعوه بعد التَّسْمِيَة تحكماً مِنْهُم. انْتهى. أَقُول: لَا يرد مَا ذكره فَإِنَّهُم قَالُوا: إِذا سمي بِفعل فَإِن لم يعْتَبر ضَمِيره الْفَاعِل فَهُوَ مُفْرد لَا ينْصَرف وَإِن اعْتبر ضَمِيره فَهُوَ جملَة محكية

سَوَاء كَانَ الضَّمِير مِمَّا يجب استتاره أم لَا بِدَلِيل أَحْمد الْمَنْقُول من الْمُضَارع الْمُتَكَلّم وتغلب الْمَنْقُول من الْمُضَارع للمخاطب فَالضَّمِير أَمر اعتباري يجوز أَن يُلَاحظ وَيعْتَبر وَيجوز عَدمه وَلَا ينظر إِلَى مَكَان تجريده من الْفِعْل حِين التَّسْمِيَة. وَاسْتشْكل أَيْضا قطع الْهمزَة بعد التَّسْمِيَة بِأَنَّهُ من بَاب تَحْصِيل الْحَاصِل لِأَنَّهَا مَقْطُوعَة قبل قَالَ: وَقَوْلهمْ إِنَّهُم قطعُوا الْهمزَة من إصمت مَعَ التَّسْمِيَة بِهِ خَالِيا من الضَّمِير فِيهِ أَيْضا نظر لِأَن الْمَكَان عِنْدهم إِنَّمَا سمي بقول الرجل لصَاحبه: اصمت يسكته بذلك من غير أَن يكون تقدمه كَلَام قبله وَصله بِهِ فوصل الْهمزَة. وَكَذَا كل فعل أَمر من يفعل قطعت همزته. انْتهى. أَقُول: مُرَادهم الْتِزَام قطعهَا بعد التَّسْمِيَة درجاً وَابْتِدَاء بِخِلَاف إصمت قبل التَّسْمِيَة فَإِن الْهمزَة لَا تقطع فِي الدرج وَهَذَا ظَاهر. وَأما مَا قَالَه صَاحب الْقَامُوس من أَن إصمت وإصمتة بِقطع الْهمزَة وَوَصله فمشكل وَلم أره لغيره وَكَأَنَّهُ مَأْخُوذ من مَفْهُوم قَول أبي زيد كَمَا نَقله ابْن مكرم فِي لِسَان الْعَرَب وَهُوَ أَن بعض الْعَرَب قطع الْألف من إصمت وَنصب التَّاء. وَمَفْهُومه أَن أَكثر الْعَرَب يصل الْألف ويسكن التَّاء وَيكون حِينَئِذٍ هَذَا من بَاب التَّسْمِيَة بِالْجُمْلَةِ المحكية. وَلم أر من قَالَه. وَأما وَصلهَا فِي إصمتة فَلم أعرف وَجهه وَقد ذكرُوا همزَة الْوَصْل فِي أسماءٍ مَعْدُودَة وَلَيْسَ هَذَا

مِنْهَا اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يُقَال توصل بِنَقْل حركتها إِلَى سَاكن قبلهَا كَقَوْلِك: من إصمتة. وَالله أعلم. وَأما أطرقا فقد أدرجه صَاحب الْمفصل فِي الْمَنْقُول من فعل الْأَمر مَعَ إصمت. وَظَاهره أَنه وَلَو لاحظه لذكره فِي الْعلم الْمركب من جملَة أَو غَيرهَا وَالصَّوَاب ذكره فِي قسم الْمركب لِأَنَّهُ جملَة مركبة من فعل وفاعل قطعا. وَلِهَذَا قَالَ ابْن الْحَاجِب فِي شَرحه: تمثيله بقوله: أطرقا فِي غير قسمٍ الْمركب لَيْسَ بِمُسْتَقِيم. وَأجَاب ابْن يعِيش بِأَن أطرقا لَهَا جهتان: جِهَة كَونه أمرا وجهة كَونه جملَة. فإيراده هُنَا من) حَيْثُ أَنه أَمر. وَلَو أوردهُ فِي المركبات من حَيْثُ هُوَ جملَة لجَاز. انْتهى. وَفِيه نظر فَإِن التَّقْسِيم يصير حِينَئِذٍ فَاسِدا لِأَن كل تَقْسِيم صَحِيح ذكرت فِيهِ أنواعٌ بِاعْتِبَار صفاتٍ مصححةٍ للتقسيم يجب أَن يكون صفة كل قسم منتفية عَن بَقِيَّة الْأَقْسَام وَإِلَّا لم يَصح التَّقْسِيم باعتبارها وَهَا هُنَا التَّقْسِيم قد ذكر فِيهِ الْمركب فَيجب أَن يكون التَّرْكِيب منتفياً عَن بَقِيَّة الْأَقْسَام. وَأجَاب بَعضهم بِأَنَّهُ يَصح أَن يكون أطرقا أمرا للْوَاحِد وتثنيته تَثْنِيَة الْفِعْل لَا الْفَاعِل كَأَنَّهُ قَالَ: أطرق أطرق كَمَا قيل فِي: ألقيا فِي جَهَنَّم وَفِي: قفا نبك تَأْكِيدًا ومبالغة.

وَأجَاب بعضٌ آخر بِأَن الْألف يجوز أَن تكون بَدَلا من نون التوكيد الْخَفِيفَة وَالْأَصْل أطرقن فأبدلت للْوَقْف ألفا. وَيَردهُ مَا حكوا فِي وَجه التَّسْمِيَة من أَن رجلا قَالَ لصاحبيه فِي مَوضِع: أطرقا تخويفاً لَهما قَالَ أَبُو عبيد الْبكْرِيّ فِي مُعْجم مَا استعجم: أطرقا: موضعٌ بالحجاز. قَالَ أَبُو عَمْرو بن الْعَلَاء: غزا ثَلَاثَة نفرٍ فِي الدَّهْر الأول فَلَمَّا صَارُوا إِلَى هَذَا الْموضع سمعُوا نبأة فَقَالَ أحدهم لصاحبيه: أطرقا أَي: اسكتا. وَقَالَ فِي مَوضِع آخر: أَي: الزما الأَرْض فَسُمي بِهِ ذَلِك الْموضع. قَالَ أَبُو الْفَتْح بن جني: دلّ قَول أبي عمرٍ وأَن الْموضع سمي بِالْفِعْلِ وَفِيه ضَمِيره لم يجرد عَنهُ كَمَا يُقَال: لَقيته بوحش إصمت أَي: بفلاة يسكت فِيهَا الْمَرْء صَاحبه فَيَقُول لَهُ: اصمت إِلَّا أَنه جرد إصمت من الضَّمِير فأعربه وَلم يصرفهُ للتعريف والتأنيث أَو وزن الْفِعْل. انْتهى كَلَام أبي عبيد. وَقَالَ ياقوت فِي مُعْجم الْبلدَانِ: قَالَ أَبُو عَمْرو: أطرقا: اسمٌ لبلد بِعَيْنِه من فعل الْأَمر وَفِيه ضمير وَهِي الْألف. كَأَنَّهُ سالكه سمع نبأة فَقَالَ لصاحبيه: أطرقا. وَقَالَ الْأَصْمَعِي: كَانَ ثَلَاثَة نفر بِهَذَا الْمَكَان فَسَمِعُوا صَوتا فَقَالَ أحدهم لصاحبيه: أطرقا فَسُمي بذلك. انْتهى. وَقيل: إِن أطرقا غير علم لأرض فَلَا شَاهد فِيهِ. ثمَّ اخْتلفُوا فَقَالَ قوم:

هُوَ جمع طَرِيق كصديق وأصدقاء وَقصر للضَّرُورَة. حَكَاهُ ياقوت. وَقَالَ أَبُو عبيد فِي المعجم: قَالَ بَعضهم: هُوَ جمع طَرِيق على لُغَة هُذَيْل وَيجوز أَن يكون قَالَ ابْن يعِيش: يكون على هَذَا حذف الْألف الأولى الَّتِي للمد فَعَادَت ألف التَّأْنِيث إِلَى أَصْلهَا) وَهُوَ الْقصر. وَيَنْبَغِي أَن تكْتب الْألف بِالْيَاءِ. انْتهى. وَقَالَ ثَعْلَب كَمَا نَقله أَبُو عبيد أَيْضا: قَوْله على أطرقا أَرَادَ على أطرقة فأبدل من تَاء التَّأْنِيث يَاء كَمَا يُقَال فِي شكاعي شكاعة كَمَا يُبدل أَيْضا من الْألف تَاء. قَالَ الراجز: الرجز (من بَعْدَمَا وَبَعْدَمَا وبعدمت ... صَارَت نفوس الْقَوْم عِنْد الغلصمت) انْتهى. وَقَالَ بَعضهم: الرِّوَايَة: علا أطرقا وَقَالَ ابْن يعِيش: رَوَاهُ بَعضهم: بِضَم الرَّاء كَأَنَّهُ جعله جمع طَرِيق وَيجْعَل علا فعلا ناصباً لَهُ من الْعُلُوّ وَفِيه ضمير كَأَنَّهُ قَالَ: السَّيْل علا أطرقاً. وعَلى هَذَا يكون قد أنث الطَّرِيق لِأَن فعيلاً وفعالاً إِنَّمَا يجمعان على أفعل إِذا كَانَ مؤنثاً نَحْو عنَاق وأعنق

وَيكون باليات الْخيام من صفة أطرقاً. انْتهى. وَحَكَاهُ أَبُو عبيد أَيْضا قَالَ: ويروى: علا أطرقاً من الْعُلُوّ. وَجمع طَرِيق على أطرق يدل على تأنيثه لِأَن تكسير الْمُؤَنَّث كعناق وأعنق وعقاب وأعقب. وَقَالَ ياقوت: قَالَ أَبُو الْفَتْح: ويروى: علا أطرقاً ف علا فعلٌ مَاض. وأطرقا: جمع طَرِيق. فَمن أنث الطَّرِيق جمعه على أطرق مثل عنَاق وأعنق وَمن ذكره جمعه على أطرقاً كصديق وأصدقاء فَيكون قد قصره ضَرُورَة. هَذَا وَالصَّحِيح أَن أطرقاً علم أَرض بِدَلِيل قَول عبد الله بن أبي أُميَّة بن الْمُغيرَة المَخْزُومِي يُخَاطب بني كَعْب بن عَمْرو من خُزَاعَة وَكَانَ يطالبهم بِدَم الْوَلِيد بن الْمُغيرَة أبي خَالِد بن الْوَلِيد لِأَنَّهُ مر بِرَجُل مِنْهُم يصلح سهاماً فعثر بِسَهْم مِنْهَا فجرحه فَانْتقضَ عَلَيْهِ فَمَاتَ: الطَّوِيل (إِنِّي زعيمٌ أَن تسيروا وتهربوا ... وَأَن تتركوا الظهْرَان تعوي ثعالبه) (وَأَن تتركوا مَاء بجزعة أطرقا ... وَأَن تسلكوا أَي الْأَرَاك أطايبه) (وَإِنَّا أناسٌ لَا تطل دماؤنا ... وَلَا يتعالى صاعداً من نحاربه) وَقَالُوا فِي تَفْسِير هَذَا: الجزعة والجزع بِمَعْنى وَاحِد وهم مُعظم الْوَادي. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: هُوَ مَا انثنى مِنْهُ. وأطرقا هُنَا وَقع مُضَافا إِلَيْهِ وَهُوَ علم مَوضِع سمي بِفعل الْأَمر كَمَا تقدم. وَلَا يَتَأَتَّى هُنَا مَا تمحلوه فِي ذَلِك الْبَيْت.

قَالَ ياقوت: وَهَذَا الشّعْر يُؤذن بِأَن أطرقا مَوضِع من ضواحي مَكَّة لِأَن الظهْرَان هُنَاكَ وَهِي) منَازِل كَعْب بن خُزَاعَة. فَيكون أطرقا من منازلها بِتِلْكَ النواحي وَهِي من منَازِل هذيلٍ أَيْضا وَلذَلِك ذَكرُوهُ فِي شعرهم. وَالله أعلم. انْتهى. وَقد آن لنا أَن نرْجِع إِلَى الْمَقْصُود فَنَقُول: الْبَيْت الشَّاهِد من قصيدةٍ لِلرَّاعِي واسْمه عبيد بن حُصَيْن النميري وَتَقَدَّمت تَرْجَمته فِي الشَّاهِد الثَّالِث والثمانين بعد الْمِائَة. وَهِي من قصيدة مدح بهَا عبد الله بن مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان أَولهَا: الْبَسِيط (طَاف الخيال بِأَصْحَابِي وَقد هجدوا ... من أم علوان لَا نحوٌ وَلَا صدد) (فأرقت فتية باتوا على عجلٍ ... وَأَعْيُنًا مَسهَا الإدلاج والسهد) (هَل تبلغني عبد الله دوسرةٌ ... وجناء فِيهَا عَتيق الني ملتبد) (كَأَنَّهَا يَوْم خمس الْقَوْم عَن جلبٍ ... وَنحن والآل بالموماة نطرد) (قرمٌ تعداه عادٍ عَن طروقته ... من الهجان على خرطومه الزّبد) (أَو ناشطٌ أسفع الْخَدين أَلْجَأَهُ ... نفح الشمَال فأمسى دونه العقد)

ثمَّ وصف الثور والأطلال فَقَالَ: (حَتَّى إِذا هَبَط الأحدان وانقطعت ... عَنْهَا سلاسل رملٍ بَينهَا وهد) (صَادف أطلس مشاءً بأكلبه ... إِثْر الأوابد مَا ينمي لَهُ سبد) (أشلى سلوقةً باتت وَبَات بهَا ... بوحش إصمت فِي أصلابها أود) (يدب مستخفياً يغشي الضراء بهَا ... حَتَّى استقامت وأعراه لَهَا جدد) هجدوا: رقدوا. والنَّحْو: التَّوَجُّه. والصدد: الْقرب. وَخبر نَحْو مَحْذُوف أَي: مِنْهَا. والإدلاج: السّير من أول اللَّيْل. والسهد بِفتْحَتَيْنِ: الأرق والسهر. وعبد الله هُوَ أَخُو يزِيد بن مُعَاوِيَة. فِي الجمهرة: وَعبد الله بن مُعَاوِيَة كَانَ أَحمَق النَّاس وَأمه فَاخِتَة بنت قرظة بن عبد عَمْرو بن نَوْفَل بن عبد منَاف. وَأم يزِيد مَيْسُونُ بنت بَحْدَل الْكَلْبِيَّة. والدوسرة بِالْفَتْح: النَّاقة الضخمة. والوجناء: الشَّدِيدَة. والني بِفَتْح النُّون: السّمن والشحم. والْخمس بِالْكَسْرِ من أظماء الْإِبِل: أَن ترعى ثَلَاثَة أَيَّام وَترد الْيَوْم الرَّابِع. والجلب بِضَم الْجِيم وَفتح اللَّام: جمع جلبة وَهِي الشدَّة. يُقَال:

أصابتنا جلبة الزَّمَان وكلبته. والْآل: السراب بعد الزَّوَال. والموماة بِالْفَتْح: الفلاة.) وقرم: خبر كَأَنَّهَا وَهُوَ بِفَتْح الْقَاف وَسُكُون الرَّاء: الْبَعِير المكرم لَا يجمل عَلَيْهِ وَلَا يذلل وَلَكِن يكون للفحلة. وتعداه أَي: تعدى عَلَيْهِ. وعادٍ: من عدا عَلَيْهِ أَي: تجَاوز عَلَيْهِ الْحَد. والطروقة: أُنْثَى الْفَحْل. يُقَال: طرق الْفَحْل النَّاقة طرقاً فَهِيَ طروقة فعولة بِمَعْنى مفعولة. والهجان من الْإِبِل الْبيض يَسْتَوِي فِيهِ الْمُؤَنَّث والمذكر وَالْوَاحد وَالْجمع. شبه نَاقَته فِي حَالَة جهدها وشدتها وَهُوَ سَائِر فِي شدَّة الهجير بفحل هائج حَال دون أنثاه حَائِل. وَفِيه مبالغاتٌ لَا تخفى. وَقَوله: أَو ناشط إِلَخ يَعْنِي أَنَّهَا إِمَّا تشبه ذَلِك الْفَحْل أَو تشبه الناشط وَهُوَ الثور الوحشي يخرج من أرضٍ إِلَى أَرض. والأسفع: الْأسود من السفعة بِالضَّمِّ وَهُوَ سوادٌ مشربٌ حمرَة يَعْنِي اسود وَجهه من شدَّة الْحر أَو من شدَّة الْبرد وَالرِّيح. وأَلْجَأَهُ: اضطره. والنفح: الهبوب. والشمَال: الرّيح الْمَعْرُوفَة. قَالَ الْأَصْمَعِي: مَا كَانَ من الرِّيَاح نفح فَهُوَ برد وَمَا كَانَ لفح فَهُوَ حر والعقد بِفَتْح الْعين وَكسر الْقَاف وَفتحهَا: مَا تعقد من الرمل أَي: تراكم الْوَاحِدَة عقدَة كَذَلِك. يَعْنِي فَهُوَ مسرعٌ ليصل كناسه ومأواه. والأحدان بِالضَّمِّ: قطع رمل مُتَفَرِّقَة وَالْأَصْل وحدانٌ جمع أوحد.

ووهد بِضَمَّتَيْنِ: جمع وهاد وَهُوَ جمع وهدة وَهُوَ الْمَكَان المطمئن. وصَادف أَي: ذَلِك الناشط. وأطلس مَفْعُوله يُرِيد بِهِ صياداً وقانصاً. والأطلس قَالَ فِي الْقَامُوس: هُوَ الرجل يرْمى بقبيح. وَالسَّارِق وَالذِّئْب الأمعط. وَفِي الصِّحَاح: الأطلس: الْخلق وَكَذَلِكَ الطلس بِالْكَسْرِ وَالْجمع أطلاس. وَرجل أطلس الثَّوْب. قَالَ ذُو الرمة يصف قانصاً: الْبَسِيط ومشاءً: مُبَالغَة ماشٍ أَي: كاسب. وأكلب: جمع كلب. والأوابد: جمع آبدة وَهِي الوحوش. وينمي من نمى المَال وَغَيره ينمي نَمَاء: زَاد. والسبد: الصُّوف كنى بِهِ عَن المَال والماشية. وَقَوله: أشلى سلوقية فَاعل أشلى ضمير أطلس المُرَاد بِهِ القانص. قَالَ أَبُو زيد: أشليت الْكَلْب: دَعوته. وَقَالَ ابْن السّكيت: يُقَال: أوسدت الْكَلْب بالصيد وآسدته إِذا أغريته بِهِ. وَلَا يُقَال: أشليته) إِنَّمَا الإشلاء الدُّعَاء. يُقَال: أشليت الشَّاة والناقة إِذا دعوتما بأسمائهما لتحلبهما. وَقَول زِيَاد الْأَعْجَم: الطَّوِيل (أَتَيْنَا أَبَا عمرٍ وفأشلى كلابه ... علينا فكدنا بَين بيتيه نؤكل) يرْوى: فأغرى كلابه. كَذَا فِي الصِّحَاح. وسلوقية أَي: كلاباً سلوقية. قَالَ أَبُو عبيد الْبكْرِيّ فِي مُعْجم مَا استعجم: سلوق بِفَتْح أَوله

وَضم اللَّام: مَوضِع تنْسب إِلَيْهِ الْكلاب السلوقية والدروع. وَفِي كتاب الْعين: موضعٌ بِالْيمن تنْسب إِلَيْهِ الْكلاب. وَقَالَ أَيْضا: السلوقي من الدروع وَالْكلاب: أَجودهَا. وَقَالَ الْأَصْمَعِي: إِنَّمَا هِيَ منسوبة إِلَى سلقية بِفَتْح أَوله وثانيه وَإِسْكَان الْقَاف وَتَخْفِيف الْيَاء وَفِي البارع عَن أبي حَاتِم: السلوقية من الْكلاب منسوبةٌ إِلَى مَدِينَة من مَدَائِن الرّوم يُقَال لَهَا: سلقية فأعربت. قَالَ أَبُو حَاتِم: وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَة: إِنَّمَا يُقَال لَهَا سلوقية وَقد دَخَلتهَا وَهِي عَظِيمَة وَلها شَأْن. انْتهى. وَقَوله: باتت وَبَات بهَا قَالَ صَاحب الْمِصْبَاح: بَات لَهُ مَعْنيانِ أشهرهما اخْتِصَاص الْفِعْل بِاللَّيْلِ كَمَا اخْتصَّ الْفِعْل فِي ظلّ بِالنَّهَارِ. فَإِذا قلت: بَات يفعل كَذَا فَمَعْنَاه فعله بِاللَّيْلِ. وَقَالَ اللَّيْث: من قَالَ بَات بِمَعْنى نَام فقد أَخطَأ لِأَنَّك تَقول بَات يرْعَى النُّجُوم وَمَعْنَاهُ ينظر إِلَيْهَا وَكَيف ينَام من يراقب النُّجُوم. وَالْمعْنَى الثَّانِي تكون بِمَعْنى صَار يُقَال: بَات بِموضع كَذَا أَي: صَار بِهِ سواءٌ كَانَ فِي ليل أَو نَهَار. وَعَلِيهِ قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ: فَإِنَّهُ لَا يدْرِي أَيْن باتت يَده. وَالْمعْنَى صَارَت ووصلت. انْتهى.

وَقَالَ الشَّارِح الْمُحَقق: وتجيء بَات تَامَّة بِمَعْنى: أَقَامَ لَيْلًا وَنزل سَوَاء نَام أَو لم ينم. وَفِي كَلَامهم: سر وَبت. انْتهى. وَقَوله: فِي أصلابها أود أَي: فِي أصلاب الْكلاب السلوقية. إِذْ لكل كلبٍ صلبٌ. وَلِهَذَا وَقدر بَعضهم تبعا لِابْنِ الْحَاجِب: كلبةً سلوقيةً. وَوجه جمع الأصلاب بِجعْل كل طَائِفَة من الْفقر صلباً. وَله الْعذر لِأَنَّهُ لم يقف على مَا قبله. والصلب: وسط الظّهْر من الْعُنُق إِلَى الْعَجز وَهِي فقرات أَي: خَرَزَات منتظمة. والمتنان) يكتنفان يَمِينا وَشمَالًا. والأود بِفتْحَتَيْنِ: الاعوجاج. وَالْجُمْلَة حالٌ من ضمير الْكلاب وَهِي حالٌ لَازِمَة لِأَن الْكلاب السلوقية يكون أوساطها مخروطة الشكل خلقَة. قَالَ الْأَصْمَعِي: إِذا كَانَ فِي ظهر الْكَلْب احديدابٌ قَلِيل كَانَ أفره لَهُ وَكَذَلِكَ إِذا كَانَ وَاسع الفقحة كَانَ أسْرع لجريه وَكَذَلِكَ من الدَّوَابّ. وَكَذَا إِذا اتَّسع منخراه وشدقاه. فَقَوله: أشلى سلوقية اسْتِئْنَاف بعد الْإِخْبَار عَن الناشط بِمَا ذكره. وَأَرَادَ: أشلى عَلَيْهِ أَي: أغرى الْكلاب على الناشط. وَجُمْلَة: باتت إِلَخ اسْتِئْنَاف بيانيٌّ كَأَنَّهُ قيل: فَمَا صنعت قَالَ: باتت. وَقيل الْجُمْلَة صفة سلوقية. وَبَات هُنَا تَامَّة كَمَا نقلنا عَن الشَّارِح الْمُحَقق. وَقَوله: وَبَات بهَا أَي: وَبَات الصياد مَعَ السلوقية فالباء بِمَعْنى مَعَ وَالضَّمِير للسلوقية. وَقَوله: بوحش إصمت الْبَاء بِمَعْنى فِي مُتَعَلق بِأحد الْفِعْلَيْنِ. وَقَالَ ابْن الْحَاجِب فِي أَمَالِيهِ: الْمَجْرُور فِي قَوْله: بوحش يتَعَلَّق

بأشلى وَتَقْدِيره: أشلى سلوقية بوحش هَذِه الْبَريَّة باتت السلوقية فِي هَذِه الْبَريَّة. وَبَات بهَا أَي: عِنْدهَا وَالضَّمِير للسلوقية. انْتهى. يُرِيد أَن الضَّمِير فِي قَوْله: عِنْدهَا للسلوقية وَأما ضمير بهَا فَهُوَ لوحش إصمت. وَصرح بِهِ فِي شرح الْمفصل قَالَ: بهَا أَي: بوحش إصمت. وأضمر لِأَنَّهُ مُتَقَدم فِي الْمَعْنى لأشلى أَو لباتت الأول. انْتهى. وَكَذَا صنع الأندلسي قَالَ: أعمل الْفِعْل الأول وأضمر الثَّانِي. وروى أَبُو الْحسن عَليّ بن عبد الله الطوسي: (أشلى سلوقيةً زلاًّ جواعرها ... بوحش إصمت ... ... . إِلَخ) والزل بِضَم الزَّاي الْمُعْجَمَة وَتَشْديد اللَّام: جمع أزل وَهُوَ الْمَمْسُوح الْعَجز. والجواعر: جمع جاعرة وَهُوَ مَوضِع رقمة است الْحمار. وَقَوله: يدب مستخفياً إِلَخ دب يدب من بَاب ضرب أَي: مَشى مشياً رويداً. وفاعله ضمير الصياد. وَكَذَلِكَ ضمير يغشي مضارع أغشى بِمَعْنى أحَاط. والضراء مَفْعُوله وَهِي جمع ضروةٍ بِالْكَسْرِ وَهُوَ ولد الْكَلْب. وَضمير بهَا للسلوقية. وَجُمْلَة: يغشى حالٌ من ضمير يدب. وحَتَّى بِمَعْنى إِلَى. وأعراه: كشفه. وَالضَّمِير للناشط.) وَقَوله: فجال من الجولان وفاعله ضمير الناشط وإِذْ: ظرفٌ لجال ورعنه من الروع وَهُوَ الذعر وَالنُّون ضمير الْكلاب السلوقية

وينأى: يبعد. يُرِيد أَن الناشط نجا من يَد الْكلاب وَالْحَال أَن فِي سوالف الْكلاب من جلد مثل هَذَا الناشط قدداً. والسالفة: صفحة الْعُنُق. والقدد: جمع قدة وَهُوَ سير غير مدبوغ. وَأما الْبَيْت الثَّانِي فَهُوَ لأبي ذؤيبٍ الْهُذلِيّ وَقد تقدّمت تَرْجَمته فِي الشَّاهِد السَّابِع وَالسِّتِّينَ من قصيدة عدتهَا أَرْبَعَة عشر بَيْتا ذكر من أَولهَا دروس الديار وطموسها إِلَى أَن رثى ابْن عَمه نشيبة بِخَمْسَة أَبْيَات من آخرهَا. وأولها: المتقارب (عرفت الديار كرقم الدوا ... ة يزبرها الْكَاتِب الْحِمْيَرِي) إِلَى أَن قَالَ بعد أَبْيَات ثَلَاثَة: على أطرقا باليات الْخيام إِلَى آخِره. يزبرها: يَكْتُبهَا. وَذكر الْحِمْيَرِي لِأَن الْكِتَابَة أَصْلهَا من الْيمن. يُرِيد: عرفت رسوم الديار وآثارها خُفْيَة كآثار الْخط الْقَدِيم. وَقَوله: على أطرقا قَالَ السكرِي فِي شَرحه: أَرَادَ: عرفت الديار على أطرقا. والثمام: شجر يلقى على الْخيام. والعصي: خشب بيُوت الْأَعْرَاب. وقوافي هَذِه القصيدة إِن شددتها وصلتها وَإِلَّا خفضتها. انْتهى. والخيمة عِنْد الْعَرَب: بيتٌ من عيدَان. والثمام: نبتٌ ضَعِيف يحشى

بِهِ خصاص الْبيُوت وَيسْتر بِهِ جَوَانِب الْخَيْمَة. فالثمام والعصي اسْتثِْنَاء من الْخيام وَيكون الِاسْتِثْنَاء مُتَّصِلا. قَالَ ابْن يعِيش هَذِه القصيدة تروى مُطلقَة مَرْفُوعَة وتروى مُقَيّدَة سَاكِنة وَهِي من المتقارب. فَمن أطلقها كَانَت من الضَّرْب الأول ووزنه فعولن عصي يو. وَمن قيدها كَانَت من الضَّرْب الثَّالِث وَهُوَ الْمَحْذُوف. فعل عصي. وَقَوله: على أطرقا نصبٌ على الْحَال من الديار وَكَذَلِكَ باليات الْخيام حَال. وَالْمرَاد: عرفت الديار على أطرقا فِي هَذِه الْحَال. وَقَوله: إِلَّا الثمام وَإِلَّا العصي يرْوى بِرَفْع الثمام ونصبه فَمن نصب فَلَا إِشْكَال فِيهِ لِأَنَّهُ اسْتثِْنَاء من مُوجب. وَمن رفع فبالابتداء وَالْخَبَر) مَحْذُوف وَالتَّقْدِير: إِلَّا الثمام وَإِلَّا العصي لم تبل. وَمن نصب الثمام وَرفع العصي فَإِنَّهُ يحملهُ على الْمَعْنى وَذَلِكَ أَنه لما قَالَ بليت إِلَّا الثمام كَانَ مَعْنَاهُ بَقِي الثمام فعطف على هَذَا الْمَعْنى وتوهم اللَّفْظ. وَمن قيد القافية جَازَ أَن تكون العصي مَرْفُوعَة كالمطلقة على مَا ذكرنَا وَجَاز أَن تكون مَنْصُوبَة بالْعَطْف على الثمام إِلَّا إِنَّه أسكن للْوَقْف. وَمَا فِيهِ أل يكون الْوَقْف عَلَيْهِ كالمرفوع وَالْمَجْرُور. انْتهى. وَقَالَ صَاحب المقتبس: ويروى: باليات مَرْفُوعا ومنصوباً على أَنه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي: هِيَ وعَلى الْحَال. وَقَوله: على أطرقا مُتَعَلق بعرفت. قَالَ بعض فضلاء الْعَجم: وَيجوز أَن يكون باليات على رِوَايَة الرّفْع مُبْتَدأ وَخَبره على أطرقا وَالْإِضَافَة كسحق عِمَامَة. وعَلى هَذَا كَانَ كلَاما

مُنْقَطِعًا عَن الأول وإخباراً ثَانِيًا عَن اندراس الْمنَازل. وَقَالَ ابْن الْحَاجِب فِي الْإِيضَاح: باليات الْخيام حالٌ من الديار. وَإِلَّا الثمام استثناءٌ مُنْقَطع. وَبَعض النَّاس ينشد باليات بِالرَّفْع يَجعله مُبْتَدأ. وَبَعْضهمْ ينشده إِلَّا الثمام وَإِلَّا العصي بِالرَّفْع وَلَيْسَ بصواب وَإِنَّمَا يجوز بِنَاء الرّفْع على وَجْهَيْن: أَحدهمَا: على الإتباع على الْمَعْنى دون اللَّفْظ فَيكون مثل: أعجبني ضرب زيدٍ الْعَاقِل بِالرَّفْع. وَالثَّانِي: إِمَّا على قَوْلهم: مَا جَاءَنِي أحدٌ إِلَّا حمارٌ على اللُّغَة التميمية. فَقَوله: باليات الْخيام الْخيام مَرْفُوعَة من حَيْثُ الْمَعْنى فَكَأَنَّهُ قَالَ: باليات خيامها فَيكون قَوْله: إِلَّا الثمام على اللُّغَة التميمية وَإِمَّا على أَن إِلَّا بِمَثَابَة غير. وكلٌّ مِنْهُمَا ضَعِيف. أما أعجبني ضرب زيدٍ الْعَاقِل فَلِأَن زيدا مُعرب والتوابع إِنَّمَا تجْرِي على متبوعاتها على حسب إعرابها. وَأما مَا جَاءَنِي أحدٌ إِلَّا حمَار فَلِأَن ذَلِك إِنَّمَا يثبت فِي النَّفْي مَعَ أَنه فِيهِ ضَعِيف لِأَن الْحمار لَيْسَ من جنس الْأَحَد فَلَا يكون بَدَلا وَأما كَون إِلَّا بِمَثَابَة غير فشرطه فِي الفصيح أَن تكون تَابِعَة لجمع مُنكر غير منحصر وَذَلِكَ مَفْقُود. انْتهى. وتوجيه ابْن يعِيش لرِوَايَة الرّفْع أسلم من هَذَا. فَتَأمل. فَلَا يرد عَلَيْهِ مَا ذكره.

(الشاهد التاسع والثلاثون بعد الخمسمائة)

وَأنْشد بعده 3 - (الشَّاهِد التَّاسِع وَالثَّلَاثُونَ بعد الْخَمْسمِائَةِ) وَهُوَ من شَوَاهِد س: الرجز بَنَات ألببي على أَنه إِذا سمي ب ألبب يبْقى الفك وَلَا يدغم وَهُوَ بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون اللَّام وَضم الْمُوَحدَة الأولى. وَهَذَا قطعةٌ من بَيت وَهُوَ: الرجز قَالَ صَاحب الصِّحَاح: وَبَنَات ألبب: عروقٌ فِي الْقلب تكون فِيهَا الرقة. وَقيل لأعرابية تعاتب ابْنا لَهَا: مَا لَك لَا تدعين عَلَيْهِ قَالَت: تأبى لَهُ ذَاك بَنَات ألببي وَالَّذِي أوردهُ سِيبَوَيْهٍ: الرجز قد علمت ذَاك بَنَات ألببه قَالَ: وَإِذا سميت رجلا بألبب من قَوْلك: قد علمت ذَاك بَنَات ألببه تركته على حَاله لِأَن هَذَا اسْم جَاءَ على الأَصْل كَمَا قَالُوا: رَجَاء بن حَيْوَة وكما قَالُوا: ضيون. فجاؤوا بِهِ على الأَصْل. وَرُبمَا جَاءَت الْعَرَب

بالشَّيْء على الأَصْل. ومجرى بَابه فِي الْكَلَام على غير ذَلِك. انْتهى كَلَام سِيبَوَيْهٍ. قَالَ صَاحب الصِّحَاح: قَالَ الْمبرد فِي قَول الشَّاعِر: قد علمت ذَاك بَنَات ألببه يُرِيد: بَنَات أَعقل هَذَا الْحَيّ. فَإِن جمعت ألبباً قلت: ألابب والتصغير: أليب وَهُوَ أولى من وَقَالَ ياقوت فِي حَاشِيَة الصِّحَاح: ويروى: بَنَات ألببه بِفَتْح الْبَاء الأولى. وَالله أعلم. وَلم يُورد أَبُو جَعْفَر النّحاس وَلَا الأعلم الشنتمري هَذَا الْبَيْت فِي شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ وكأنهما لم يتنبها لكَونه شعرًا. وَالله أعلم. وَأنْشد بعده: الطَّوِيل يعصرن السليط أَقَاربه) على أَنه لَو سمي بضربن على لُغَة أكلوني البراغيث بِجعْل النُّون حرفا دَالا على الْجمع الْمُؤَنَّث كَمَا فِي يعصرن السليط أَقَاربه فَإِن النُّون فِيهِ على قولٍ حرفٌ علامةٌ لجمع الْمُؤَنَّث. وأَقَاربه هُوَ الْفَاعِل والسليط مَفْعُوله وَهُوَ الزَّيْت. وَهَذَا الْمِقْدَار قطعةٌ من بَيت للفرزدق تقدم شَرحه فِي الشَّاهِد السَّادِس وَالسبْعين بعد الثلثمائة.

(أسماء العدد)

(أَسمَاء الْعدَد) أنْشد فِيهِ 3 - (الشَّاهِد الْأَرْبَعُونَ بعد الْخَمْسمِائَةِ) الرجز حَتَّى استشاروا بِي إِحْدَى الإحد على أَن إِحْدَى يسْتَعْمل فِي الْمَدْح وَنفي الْمثل. فَمَعْنَى هُوَ إِحْدَى الإحد: داهيةٌ هِيَ إِحْدَى الإحد. قَالَ الدماميني فِي شرح التسهيل: إِن قلت: كَيفَ حمل إِحْدَى الإحد مَعَ أَنه للمؤنث على الْمُذكر قلت: لِأَن المُرَاد بِهِ داهيةٌ وَاحِدَة من الدَّوَاهِي وَمثله يحمل على الْمُذكر فَتَقول: هُوَ داهيةٌ من الدَّوَاهِي. وَأحد الأحدين المُرَاد بِهِ إِحْدَى الدَّوَاهِي وَلَكنهُمْ يجمعُونَ مَا يستعظمونه جمع الْعَاقِل وَإِن لم يكن عَاقِلا. فَمن قَالَ: هُوَ أحد الأحدين فقد رَاعى مُطَابقَة لفظ هُوَ فَلذَلِك ذكر اللَّفْظَيْنِ جَمِيعًا. وَمن قَالَ إِحْدَى الإحد رَاعى الْمَعْنى فَلذَلِك أَتَى بِإِحْدَى لِأَن ألفها إِمَّا للتأنيث أَو للإلحاق وَلكنهَا تشبه فِي اللَّفْظ ألف التَّأْنِيث فأضافها إِلَى جمع الْمُؤَنَّث وَهُوَ الإحد بِكَسْر الْألف وَفتح الْحَاء. وَفِيه لُغَة أُخْرَى وَهُوَ ضم الْألف وَفتح الْحَاء. وَالْمَشْهُور فِي هَذَا الْجمع أَعنِي فعل بِضَم الْفَاء أَن يكون مُفْردَة فعلةً مؤنثاً بِالتَّاءِ كغرف جمع غرفَة لكنه جمع بِهِ الْمُؤَنَّث بِالْألف كأحدى حملا لَهَا على أُخْتهَا أَو يقدر لَهُ مُفْرد مؤنث بهَا كَمَا حَقَّقَهُ السُّهيْلي فِي الرَّوْض الْأنف فِي جمع ذكرى وَذكر.

وكما اإِحْدَى الْأَحَد مَعْنَاهُ: إِحْدَى الدَّوَاهِي كَذَلِك معنى أحد الأحدين لَا يخْتَص اسْتِعْمَاله بالعقلاء لكِنهمْ يجمعُونَ مَا يستعظمونه جمع الْعُقَلَاء.) قَالَ صَاحب اللّبَاب: مَا لَا يعقل يجمع جمع الْمُذكر فِي أَسمَاء الدَّوَاهِي تَنْزِيلا لَهُ منزلَة الْعُقَلَاء فِي شدَّة النكاية. والداهية: الْأَمر الْعَظِيم. ودواهي الدَّهْر: مَا يُصِيب النَّاس من عَظِيم نوبه. والدهي بِسُكُون الْهَاء: النكر وجودة الرَّأْي. يُقَال: رجلٌ داهية بَين الدهي والدهاء بِالْمدِّ. وَقد يُضَاف إِحْدَى إِلَى ضمير الإحد. قَالَ أَبُو زيد: يُقَال: لَا يقوم لهَذَا الْأَمر إِلَّا ابْن إِحْدَاهَا أَي: الْكَرِيم من الرِّجَال. وَهَذَا تَفْسِير بِالْمَعْنَى. وَزعم أَبُو حَيَّان أَن إِحْدَى الإحد خاصٌّ بالمؤنث. قَالَ: كَمَا قَالُوا: هُوَ أحد الأحدين وَهِي إِحْدَى الإحد يُرِيدُونَ التَّفْضِيل فِي الدهاء وَالْعقل بِحَيْثُ لَا نَظِير لَهُ. قَالَ: استثاروا بِي إِحْدَى الإحد انْتهى. وَهَذَا الْبَيْت الَّذِي أوردهُ يرد عَلَيْهِ. وَيُقَال أَيْضا: هُوَ وَاحِد الواحدين نَقله صَاحب الْقَامُوس. وَيُقَال أَيْضا: هُوَ وَاحِد الأحدين وَوَاحِد الْآحَاد حَكَاهُمَا صَاحب الْعباب. وَلَا تخْتَص إِضَافَة إِحْدَى وَوَاحِد وأحدٍ إِلَى الْجمع من لَفظه. قَالَ صَاحب الْكَشَّاف عِنْد قَوْله تَعَالَى: إِنَّهَا لإحدى الْكبر أَي:

لإحدى البلايا والدواهي: الْكبر. وَمعنى كَونهَا إِحْدَاهُنَّ أَنَّهَا مِنْهُنَّ واحدةٌ فِي الْعظم لَا نَظِير لَهَا كَمَا تَقول: هِيَ إِحْدَى النِّسَاء. وَقَالَ أَيْضا فِي تَفْسِير قَوْله تَعَالَى: لَيَكُونن أهْدى من إِحْدَى الْأُمَم: من الْأمة الَّتِي يُقَال لَهَا: إِحْدَى الْأُمَم تَفْضِيلًا لَهَا على غَيرهَا فِي الْهدى والاستقامة. قَالَ صَاحب الْكَشْف: أَقُول: دلالتها على تفضيلها على سَائِر الْأُمَم لَيْسَ بالواضح بِخِلَاف وَاحِد الْقَوْم وَنَحْوه ثمَّ وَجههَا بِأَنَّهُ على أسلوب: الْكَامِل انْتهى. قَالَ شَيخنَا الخفاجي: يُرِيد أَن وَاحِدًا بِمَعْنى مُنْفَرد وَيلْزم من انْفِرَاده امتيازه وعظمته بِخِلَاف إِحْدَى فَإِنَّهُ اسمٌ لجزء الشَّيْء فَلَا دلَالَة لَهُ على التَّعْظِيم إِلَّا أَن يُقَال إِن الْبَعْض يدل عَلَيْهِ كَمَا فِي الْبَيْت لِأَن فِيهِ إبهاماً والإبهام يسْتَعْمل للتعظيم. وَلَك أَن تَقول: لَا حَاجَة إِلَى هَذَا لِأَن) الزَّمَخْشَرِيّ أَشَارَ إِلَى أَن إِحْدَى هُنَا بِمَعْنى وَاحِدَة. انْتهى. ورد الدماميني على صَاحب الْكَشَّاف بِأَن الَّذِي ثَبت اسْتِعْمَاله للمدح أحد وَإِحْدَى مضافين إِلَى جمع من لَفْظهمَا واستعملوا ذَلِك أَيْضا فِي الْمُضَاف إِلَى الْوَصْف نَحْو: هُوَ أحد الْعلمَاء. أما فِي أَسمَاء الْأَجْنَاس مثل الْأُمَم فَفِيهِ نظر. انْتهى.

قَالَ شَيخنَا: لَا حَاجَة إِلَى النَّقْل لِأَنَّهُ إِن كَانَ استفادته من أحد بِمَعْنى وَاحِد ومنفرد فَهُوَ معنى حقيقيٌّ لَا معنى لنخصصه. وَإِن كَانَ لِأَن إِبْهَام الْبَعْض يفِيدهُ فَهُوَ مجازيٌّ فَهُوَ لَا يقْتَصر فِيهِ على السماع. وَفِي الحماسة: الْكَامِل (يَا وَاحِد الْعَرَب الَّذِي مَا إِن لَهُم ... من مذهبٍ عَنهُ وَلَا من مقصر) وَقَالَ زُهَيْر: الطَّوِيل انْتهى. وَقد سمع فِي إِحْدَى قطعهَا عَن الْإِضَافَة سُئِلَ ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه عَن رجل تتَابع عَلَيْهِ رمضانان فَسكت ثمَّ سَأَلَهُ آخر فَقَالَ: إِحْدَى من سبع يَصُوم شَهْرَيْن وَيطْعم. قَالَ ابْن الْأَثِير فِي النِّهَايَة: يُرِيد بِهِ إِحْدَى سني يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام المجدبة. فَشبه حَاله بهَا فِي الشدَّة. أَو من اللَّيَالِي السَّبع الَّتِي أرسل الله فِيهَا الْعَذَاب على عَاد. انْتهى. وَهَذَا يرد على ابْن مَالك فِي قَوْله فِي التسهيل: وَلَا يسْتَعْمل إِحْدَى فِي غير تنييف دون إِضَافَة فَإِن إِحْدَى قد اسْتعْملت بِلَا إِضَافَة إِلَّا أَن يزْعم أَن الأَصْل أَنَّهَا إِحْدَى الإحد من سبع فَحذف الْمُضَاف إِلَيْهِ. والبيتان من رجز للمرار بن سعيد الفقعسي أورد بعضه الْأَصْبَهَانِيّ

فِي الأغاني قَالَ: كَانَ المرار قَصِيرا مفرط الْقصر ضئيل الْجِسْم. وَفِي ذَلِك يَقُول: (عدوني الثَّعْلَب عِنْد الْعدَد ... حَتَّى استثاروا بِي إِحْدَى الإحد) (ليثاً هزبراً ذَا سلاحٍ مُعْتَد ... يَرْمِي بطرفٍ كالحريق الموقد) يَقُول: حسبوني من عداد الثعالب عِنْد لِقَاء الْأَبْطَال أروغ عَنْهُم وَلَا أكافحهم. وَحَتَّى بِمَعْنى إِلَى. واستثاروا: هيجوا من ثار إِلَى الشَّرّ إِذا نَهَضَ واستثاره: أنهضه. وثارت والتجريد كَمَا فِي الْكَشْف هُوَ تَجْرِيد الْمَعْنى المُرَاد عَمَّن قَامَ بِهِ تصويراً لَهُ بِصُورَة المستقل مَعَ) إِثْبَات مُلَابسَة بَينه وَبَين الْقَائِم بِهِ بأداة أَو سِيَاق. والأداة هُنَا الْبَاء كَمَا يُقَال: لقِيت بك أسداً واسْأَل بِهِ خَبِيرا. قَالَ صَاحب الْكَشْف: وَلَعَلَّ جعلهَا إلصاقية أوجه أَي: كَائِنا مُلْصقًا بك. وَالْمرَاد التَّصْوِير الْمَذْكُور لِأَن الإلصاق هُوَ الأَصْل فقد سلم عَن الْإِضْمَار وَأفَاد الْمُبَالغَة الزَّائِدَة. انْتهى. قَالَ شَيخنَا الخفاجي: وَفِيه أَن السَّبَب مبدأٌ أَو منشأٌ للمسبب كَمَا أَن المنتزع مَعَ المنتزع مِنْهُ كَذَلِك فَهُوَ أقرب إِلَى التَّجْرِيد وَمُجَرَّد الإلصاق لَا يفِيدهُ. انْتهى. وإِحْدَى: مَنْصُوب بفتحة مقدرَة مفعول للْفِعْل قبله أَي: إِحْدَى

الدَّوَاهِي. قَالَ أَبُو الْهَيْثَم: إِحْدَى الإحد وَنَحْوه أبلغ الْمَدْح. وَقَالَ صَاحب الْعباب وَتَبعهُ صَاحب الْقَامُوس: يُقَال فِي الْأَمر المتفاقم: إِحْدَى الإحد أَي: الْأَمر المشتد الصعب من تفاقم الْأَمر إِذا عظم. وَفِي أَمْثَال الميداني قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: هَذَا أبلغ الْمَدْح كَمَا يُقَال: واحدٌ لَا نَظِير لَهُ. التَّأْنِيث للْمُبَالَغَة بِمَعْنى الداهية. وَأنْشد هَذَا الْبَيْت وَقَالَ: يضْرب لمن لَا نِهَايَة لدهائه وَلَا مثل لَهُ فِي نكرائه. (إِنَّكُم لَا تنتهوا عَن الْحَسَد ... حَتَّى يدليكم إِلَى إِحْدَى الإحد) وَقَوله: ليثاً هزبراً إِلَخ هَذَا تفسيرٌ وَعطف بَيَان لإحدى الإحد. واللَّيْث: الْأسد وَكَذَلِكَ الهزبر. وذَا سلَاح: صفة لقَوْله ليثاً. وَكَذَلِكَ قَوْله: معتدي إِلَّا أَنه وقف على لُغَة ربيعَة فِي تسكين الْمَنْصُوب. وَهُوَ من الاعتداء. قَالَ فِي الصِّحَاح: والعدوان: الظُّلم الصراح وَقد عدا عَلَيْهِ وتعدى عَلَيْهِ واعتدى كُله بِمَعْنى. وَقَوله: يَرْمِي إِلَخ هُوَ صفة أُخْرَى لقَوْله: ليثاً. والطّرف: نظر الْعين. والْحَرِيق: المحرق. والموقد بِفَتْح الْقَاف. أَرَادَ أَن عينه فِي غَضَبه حَمْرَاء كالنار الموقدة الملتهبة.

والمرار بن سعيد: شاعرٌ إسلامي فِي الدولة المروانية وَكَانَ لصاً من لصوص الْعَرَب. وَتَقَدَّمت تَرْجَمته فِي الشَّاهِد التَّاسِع وَالتسْعين بعد الْمِائَتَيْنِ. وَهُوَ بِفَتْح الْمِيم وَتَشْديد الرَّاء الأولى. تَتِمَّة قد ذكر الشَّارِح الْمُحَقق بعد هَذَا الْبَيْت إِحْدَى وَعشْرين كلمة من الْكَلِمَات الَّتِي تخْتَص بِالنَّفْيِ) وَهِي فِي أَكثر النّسخ محرفة غير منتفع بهَا فَرَأَيْنَا من الْإِحْسَان ضَبطهَا وَشَرحهَا ابْتِغَاء لوجه الله عَزَّ وَجَلَّ وَهِي: الأولى: عريب بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَكسر الرَّاء قَالَ ابْن السَّيِّد: أَي: مَا بهَا مُعرب يبين كَلَامه ويعربه. وَقد قَالُوا: مَا بهَا معربٌ فِي هَذَا الْمَعْنى. وَكَذَا قَالَ صَاحب الْقَامُوس. الثَّانِيَة: ديار أَصله ديوار فيعال من دَار يَدُور فأدغم. قَالَ ابْن السَّيِّد فِي شرح إصْلَاح الْمنطق: ديار من الدَّار إِمَّا أَن يكون فعلا من ذَلِك وَكَانَ حكمه دوار لِأَن دَارا من الْوَاو بِدَلِيل قَوْله فِي تحقيرها: دويرةٌ. قَالَ يَعْقُوب فِي إصْلَاح الْمنطق: وَفِي جمعهَا أدؤر قلبت واوه همزَة لانضمامها كأجوهٍ فِي وُجُوه. وَإِمَّا أَن يكون فيعالاً أَصْلهَا ديوار فأدغم. وَقد غلط يَعْقُوب فِي ديار لِأَن ذَا الرمة اسْتَعْملهُ فِي الْوَاجِب فَقَالَ:

الطَّوِيل (إِلَى كل ديارٍ تعرفن شخصه ... من القفر حَتَّى تقشعر ذوائبه) الثَّالِثَة: دَاري مَنْسُوب إِلَى الدَّار. والداري أَيْضا: رب النعم سمي بذلك لِأَنَّهُ مقيمٌ فِي دَاره فنسب إِلَيْهَا. وَإِذا أَرَادوا الْمُبَالغَة فِي لُزُوم الرجل الدَّار قَالُوا: دارية وَالْهَاء للْمُبَالَغَة. والداري: الْعَطَّار أَيْضا وَهُوَ منسوبٌ إِلَى دارين: فرضة بِالْبَحْرَيْنِ وفيهَا سوقٌ وَكَانَ يحمل الْمسك من الْهِنْد إِلَيْهَا. والداري أَيْضا: نوتي السَّفِينَة وملاحها مَنْسُوب إِلَى دارين أَيْضا. وَهَذِه الثَّلَاثَة لَا تلتزم النَّفْي. وَأما تَمِيم الدَّارِيّ الصَّحَابِيّ فمنسوب إِلَى الدَّار أحد آبَائِهِ. قَالَ ابْن السَّيِّد: هُوَ منسوبٌ فَكَانَ قِيَاسه داريٌّ لِأَن دوراً جمع دَار وَإِذا نسب إِلَى الْجمع فَالْحكم أَن يرد ذَلِك الْجمع إِلَى الْوَاحِد. وَأما أَبُو عمر الدوري فَلَيْسَ مَنْسُوبا إِلَى الدّور الَّتِي هِيَ جمع دَار إِنَّمَا هُوَ منسوبٌ إِلَى موضعٍ بالعراق يُقَال لَهُ: دور. انْتهى. وَزَاد بَعضهم: دؤريٌّ بهمز الْوَاو قَالَ القالي فِي أَمَالِيهِ: قَالَ اللحياني:

دؤري بِالْهَمْز غلط عندنَا. وَزَاد صَاحب الْقَامُوس مَا بهَا ديور وَهُوَ فيعول. وَهَذِه الْخَمْسَة من مَادَّة وَاحِدَة. الْخَامِسَة: طوريٌّ. قَالَ ابْن السَّيِّد: هُوَ منسوبٌ إِلَى الطّور وَهُوَ الْجَبَل أَي: مَا بهَا إنسيٌّ وَلَا وحشيٌّ. وَقَالَ القالي: هُوَ مَنْسُوب إِلَى الطورة وَهِي فِي بعض اللُّغَات: الطَّيرَة. انْتهى. نقل صَاحب الْعباب عَن ابْن دُرَيْد أَن الطورة بِكَسْر الطَّاء فِي بعض اللُّغَات مثل الطَّيرَة) بِكَسْرِهَا وَفتح الْيَاء أَي: التطير. وَكَونه مَنْسُوبا إِلَى هَذَا بعيد. وَالصَّوَاب الأول. وَمثله طورانيٌّ بِزِيَادَة الْألف وَالنُّون. قَالَ صَاحب الْعباب: الطوري: الوحشي والغريب. قَالَ ذُو الرمة: الطَّوِيل (أعاريب طوريون من كل قريةٍ ... يحيدون عَنْهَا من حذار المقادر) وَقَالَ أَبُو عَمْرو: وَقَوله: طوريون واحدهم طوري وطوراني كَذَلِك وهما الوحشي من النَّاس قالالعجاج: الرجز وبلدةٍ لَيْسَ بهَا طوري انْتهى. وعَلى هَذَا لَا يلْزم طوريٌّ النَّفْي. السَّادِسَة: طاويٌّ بِأَلف وواو نَقله القالي عَن اللحياني. وَقَالَ: مَا بهَا طاويٌّ غير مَهْمُوز. وضبطها صَاحب الْقَامُوس بِضَم الطَّاء وَفتح الْهمزَة وَهِي عين الْفِعْل وَكسر الْوَاو وَهِي لَام الْفِعْل وياء مُشَدّدَة. وَلم أر من

ذكر هَذِه الْكَلِمَة فِي عداد نظائرها كَذَا كَابْن السّكيت فَإِنَّهُ عقد لَهَا فصلا فِي أَوَاخِر إصْلَاح الْمنطق. وكالقالي فِي أَمَالِيهِ فَإِنَّهُ ذكر جملَة كَثِيرَة مِنْهَا. وَذكر صَاحب الْقَامُوس فِيهَا لغتين أُخْرَيَيْنِ ذكرهمَا القالي وَلم يذكر الأولى: إِحْدَاهمَا: طوئيٌّ بِتَأْخِير الْهمزَة عَن الْوَاو مَعَ ضم الطَّاء وَسُكُون الْوَاو. وعَلى هَذِه اقْتصر صَاحب الصِّحَاح. وَالثَّانيَِة: طؤويٌّ بِضَم الطَّاء وَسُكُون الْهمزَة وَكسر الْوَاو. وَلم يذكر ابْن السّكيت غير هَذِه. قَالَ ابْن السَّيِّد فِي شَرحه: وطؤويٌّ من طاء يطوء مثل طاع يطوع إِذا ذهب فِي الأَرْض. غير فَظهر بِهَذَا التَّحْقِيق أَن طاوياً الْمَذْكُور أَولا فِي كَلَام صَاحب الْقَامُوس مقلوب أَيْضا وَأَصله طوئي فَتكون الثَّلَاثَة من مَادَّة وَاحِدَة وَهِي طاء وواو وهمزة. وَلَو كَانَت الْكَلِمَة معتلة كَمَا زعم صَاحب الْقَامُوس تبعا لصَاحب الصِّحَاح كَيفَ يَصح إِيرَاد طوئي بِتَأْخِير الْهمزَة فِيهَا. وَقد ذكرت هَذِه الْكَلِمَة فِي التسهيل كَمَا فِي الشَّرْح فَقَالَ الدماميني فِي شَرحه: هِيَ بطاء مُهْملَة مَفْتُوحَة فهمزة سَاكِنة فواو فياء نسب. كَذَا هُوَ مضبوطٌ فِي بعض النّسخ. وَقد قيل: إِنَّه من الطي أَي: مَا بهَا أحد يطوي.) قَالَ ابْن هِشَام: هَذَا لَا يَصح لاخْتِلَاف الْمَادَّة إِلَّا إِن قيل: إِن الْهمزَة مثلهَا فِي العألم.

قلت: لَا يَصح لِأَن الطي مادته طاء فواو فياء بِدَلِيل طويت. وَوَقعت فِي بعض النّسخ لَفْظَة طأويٌّ مضبوطة بِفَتْح الْهمزَة. وَلَا يَتَأَتَّى أَن يكون من الطي أصلا. وَقد يُقَال: إِنَّه من وطئ فقلبت فَاء الْكَلِمَة إِلَى مَوضِع اللَّام. انْتهى كَلَام الدماميني. وَالتَّحْقِيق مَا نَقَلْنَاهُ عَن ابْن السَّيِّد وَبِه تلتئم لغاتها وَيَزُول الْإِشْكَال. هَذَا وَفِي غَالب نسخ الشَّرْح: طاري بالراء. وَقد أثْبته ابْن الصَّائِغ على هَامِش التسهيل وَقَالَ: هُوَ الْغَرِيب الَّذِي طَرَأَ على الْبِلَاد. وَعَلِيهِ تكون الْكَلِمَة مَهْمُوزَة اللَّام أبدلت يَاء لانكسار مَا قبلهَا وتطرفها. لَكِن يرد أَن هَذِه الْكَلِمَة غير لَازِمَة للنَّفْي. السَّابِعَة: أرم أوردهَا ثَعْلَب فِي الفصيح قَالَ شراحه: بِفَتْح الْهمزَة وَكسر الرَّاء. وَأما الإرم بِكَسْر الْهمزَة وَفتح الرَّاء فَهُوَ الْعلم وَهُوَ حجارةٌ يَجْعَل بَعْضهَا على بعض فِي الْمَفَازَة وَالطَّرِيق يهتدى بهَا. كَذَا قَالَ شَارِحه الْهَرَوِيّ. الثَّامِنَة: أريم بِزِيَادَة الْيَاء على مَا قبلهَا. وَكِلَاهُمَا وصفٌ وَيُقَال أَيْضا: آرم على فَاعل. قَالَ ابْن السَّيِّد: أرم وآرم على فعل وفاعل مَعْنَاهُمَا آكل. يُقَال: أرم يأرم أرماً من بَاب ضرب إِذا أكل. والأرم: الأضراس جمع آرم لِأَنَّهَا تأرمٍ أَي: تَأْكُل. وَمِنْه قيل: فلانٌ يحرق عَلَيْك الأرم أَي: يصرف بأنيابه عَلَيْك غيظاً يَعْنِي يصوت. قَالَ الشَّاعِر: الرجز (نبئت أحماء سليمى أَنما ... ظلوا غضاباً يحرقون الأرما)

وَيُزَاد فِي آخر الأول يَاء النِّسْبَة فَيُقَال: أرميٌّ نَقله القالي عَن ابْن الْأَعرَابِي وَصَاحب الْعباب. وَضَبطه صَاحب الْقَامُوس بضبطين لم أجد وَاحِدًا مِنْهُمَا لأحد. قَالَ: إرميٌّ كعنبي ويحرك وَيُقَال: أيرميٌّ أَيْضا نَقله القالي عَن ابْن الْأَعرَابِي أَيْضا وَصَاحب الْعباب عَن أبي خيرة. وَهُوَ فِي الْحَقِيقَة مقلوب أريمي. وَزَاد صَاحب الْقَامُوس: كسر أَوله. التَّاسِعَة: كتيع بِفَتْح الْكَاف وَكسر الْمُثَنَّاة الْفَوْقِيَّة. قَالَ ابْن السَّيِّد: هُوَ من قَوْلك: أجمع أَكْتَع. (أجد الْحَيّ فاحتملوا سرَاعًا ... فَمَا بِالدَّار إِذْ ظعنوا كتيع) وَزَاد صَاحب الْعباب عَن ابْن عباد كتاع كغراب. وَقد جَاءَ الكتيع بِمَعْنى الْمُفْرد من النَّاس فَالْأولى أَن يكون مِنْهُ.) الْعَاشِرَة: كراب بِفَتْح الْكَاف وَتَشْديد الرَّاء وَهُوَ فعال من الكراب يُقَال: كربت الأَرْض كراباً إِذا قلبتها للحرث. وَلم يذكر هَذِه الْكَلِمَة ابْن السّكيت. الْحَادِيَة عشرَة: دعويٌّ بِضَم الدَّال وَسُكُون الْعين وَكسر الْوَاو وياء النِّسْبَة. قَالَ ابْن السّكيت: هُوَ من دَعَوْت. وَوَقع شَارِحه دوعيٌّ وَقَالَ: هُوَ من الدُّعَاء نسب على غير قِيَاس وَكَانَ قِيَاسه دعوي أَو دعائي. انْتهى وَلم أره لغيره.

الثَّانِيَة عشرَة: شفر بِفَتْح الشين وَضمّهَا مَعَ سُكُون الْفَاء فيهمَا حَكَاهُمَا القالي عَن اللحياني. قَالَ ابْن السَّيِّد: مَا بهَا شفر أَي: مَا بهَا قَلِيل وَلَا كثير من قَوْلك: شفر بِالتَّشْدِيدِ إِذا قل. وَزَاد صَاحب الْعباب عَن الْفراء: شفرة بِالْفَتْح وَالْهَاء وَأنْشد عَن شمر: الطَّوِيل (رَأَتْ إخوتي بعد الْجَمِيع تفَرقُوا ... فَلم يبْق إِلَّا وَاحِدًا مِنْهُم شفر) وَقَول الشَّارِح الْمُحَقق: وَقد لَا يصحب نفيا أَي: يَقع فِي الْإِيجَاب. وَأورد لَهُ صَاحب الْعباب قَول ذِي الرمة: الطَّوِيل وَقَالَ: أَي: تمر بِنَا. ويروى: إِلَى سفر يُرِيد: الْمُسَافِرين. الثَّالِثَة عشرَة: دبيٌّ بِضَم الدَّال وَكسر الْمُوَحدَة الْمُشَدّدَة بعْدهَا يَاء نِسْبَة. فِي الْعباب: قَالَ الْكسَائي: هُوَ من دببت أَي: لَيْسَ فِيهَا من يدب. وَقَالَ ابْن السَّيِّد: هَذَا على غير الْقيَاس وَالْقِيَاس دبيبيٌّ لِأَنَّهُ مَنْسُوب إِلَى الدبيب. الرَّابِعَة عشرَة: دبيج بِكَسْر الدَّال وَكسر الْمُوَحدَة الْمُشَدّدَة. قَالَ ابْن السَّيِّد: هُوَ من الدبج وَهُوَ النقش والتزيين. وَرَوَاهُ بَعضهم: دبيح بِالْحَاء الْمُهْملَة وَلَا وَجه لَهُ إِلَّا أَن يكون فعيلاً من قَوْلهم: دبح الرجل بِالتَّشْدِيدِ إِذا طأطأ رَأسه. انْتهى. وَقَالَ صَاحب الْعباب: شكّ أَبُو عبيدٍ فِي الْجِيم

والحاء وَسَأَلَ عَنهُ بالبادية جمَاعَة من الْأَعْرَاب فَقَالُوا: مَا بِالدَّار دبيٌّ وَمَا زادوا على ذَلِك. وَوجد بِخَط أبي مُوسَى الحامض: مَا بِالدَّار دبيحٌ كوقع بِالْجِيم عَن ثَعْلَب. وَقَالَ ابْن فَارس: الْحَاء فِي هَذِه الْكَلِمَة أَقيس من الْجِيم. قَالَ: وَإِن كَانَ بِالْجِيم كَمَا قيل: فَلَيْسَ من هَذَا وَلَعَلَّه يكون من دبي من الدبيب ثمَّ حولت يَاء النِّسْبَة جيماً على لُغَة من يفعل ذَلِك.) وَقَالَ القالي: أنْشد ابْن الْأَعرَابِي: الرجز (هَل تعرف الْمنزل من ذَات الهوج ... لَيْسَ بهَا من الأنيس دبيج) الْخَامِسَة عشرَة: وابرٌ بِالْوَاو وَكسر الْمُوَحدَة. قَالَ ابْن السَّيِّد: يجوز أَن يكون مَعْنَاهُ ذَا وبرٍِ أَي: مَالك إبل. وَيجوز أَن يكون مَعْنَاهُ مخيم بخباء من وبر. وَأنْشد القالي عَن ابْن الْأَعرَابِي: الطَّوِيل (يَمِينا أرى من آل زبان وابراً ... فيفلت مني دون مُنْقَطع الْحَبل) وَالْفِعْل منفيٌّ فِي جَوَاب الْقسم أَي: لَا أرى. وَأنْشد صَاحب الْعباب أَيْضا: الطَّوِيل (فَأَبت إِلَى الْحَيّ الَّذين وَرَاءَهُمْ ... جريضاً وَلم يفلت من الْجَيْش وابر) وَفِي غَالب نسخ الشَّرْح: آبر بدل وابر وَهُوَ اسْم فَاعل من

أبرت النَّخْلَة إِذا أصلحتها باللقح. وَلم أر من ذكرهَا فِي هَذِه الْكَلِمَات مَعَ أَنَّهَا لَا تلْزم النَّفْي. وَوَقع فِي التسهيل أَيْضا آبر قَالَ الدماميني: هُوَ تَحْرِيف من النساح فَإِن آبراً يسْتَعْمل فِي الْإِيجَاب وَالصَّوَاب: وابر بِالْوَاو. السَّادِسَة عشرَة: آبز قَالَ الشَّارِح: هُوَ بالزاي وَهُوَ اسْم فَاعل من أبز الظبي يأبز أبزاً وأبوزاً: وثب أَو تطلق فِي عدوه. والآبز أَيْضا: الْإِنْسَان الَّذِي يستريح فِي عدوه ثمَّ يمْضِي. وَلم أرها أَيْضا فِي هَذِه الْأَلْفَاظ مَعَ أَنَّهَا لَا تلْزم النَّفْي. وَإِن قُلْنَا إِنَّهَا وابز أَولهَا وَاو فَلَيْسَتْ مَادَّة الْوَاو وَالْبَاء وَالزَّاي مَوْجُودَة. وَلَا أَشك أَن هَذِه الْكَلِمَة تصحفت على الشَّارِح إِمَّا من آبن بالنُّون وَمد الْهمزَة وَهِي فِي التسهيل ونقلها القالي عَن ابْن الْأَعرَابِي. قَالَ الدماميني: آبن على زنة اسْم الْفَاعِل من أبنه إِذا عابه أَي: مَا فِيهَا من يعيب وَذَلِكَ جنس الْإِنْسَان وَإِمَّا من وَابْن نقل القالي عَن اللحياني: مَا بهَا وابنٌ بِالْوَاو وَالْمُوَحَّدَة. قَالَ صَاحب الْقَامُوس: وَمَا فِي الدَّار وابنٌ بِالْمُوَحَّدَةِ كصاحب أَي: أحد مَأْخُوذ من الوبنة وَهِي الجوعة. السَّابِعَة عشرَة: تأمور. قَالَ ابْن السَّيِّد: حكى أَبُو زيد: مَا بهَا تأمور أَي: أحد بِالْهَمْز. وَيُقَال أَيْضا: مَا فِي الرَّكية تامور يَعْنِي المَاء. وَكَذَا نقل القالي عَن أبي زيد. والتامور بِلَا همز: الدَّم. وَيُقَال: دم النَّفس. قَالَ أَوْس بن حجر يحضض عَمْرو بن هِنْد على بني حنيفَة فِي قتل الْمُنْذر بن مَاء السَّمَاء:

الْكَامِل) (أنبئت أَن بني سحيمٍ أدخلُوا ... أبياتهم تامور نفس الْمُنْذر) قَالَ الْأَصْمَعِي: يَعْنِي مهجة نَفسه. والتامور: الْخمر والزعفران أَيْضا. الثَّامِنَة عشرَة: تؤمور بِضَم التَّاء والهمز نقل القالي عَن اللحياني: مَا بهَا تامور وَلَا تؤمور التَّاسِعَة عشرَة: تومور بِضَم التَّاء بِلَا همز. الْعشْرُونَ: تومريٌّ بِضَم التَّاء وَالْمِيم. قَالَ ابْن السّكيت: وَمَا بهَا تومري مَنْسُوب إِلَى تامور. وبلادٌ خلاءٌ: لَيْسَ بهَا تومري. وَيُقَال للْمَرْأَة: مَا رَأَيْت تومرياً أحسن مِنْهَا للْمَرْأَة الجميلة أَي: لم أر خلقا. وَمَا رَأَيْت تومرياً أحسن مِنْهُ. انْتهى. قَالَ شَارِحه ابْن السَّيِّد: تومري مَنْسُوب إِلَى التامور وَهُوَ دم الْقلب نِسْبَة على غير قِيَاس. وَهَذِه الْكَلِمَات الْأَرْبَعَة من مَادَّة التَّمْر. الْحَادِيَة وَالْعشْرُونَ: نميٌّ بِضَم النُّون وَتَشْديد الْمِيم وَتَشْديد الْيَاء. قَالَ صَاحب الْقَامُوس: وَمَا بهَا نميٌّ كقميٍّ: أحد. والنمي أَيْضا: الخيلنة وَالْعَيْب والطبيعة وجوهر الْإِنْسَان وَأَصله. وَقَالَ القالي: هُوَ من نممت وَهُوَ منسوبٌ على خلاف الْقيَاس إِلَى النمة بِالْكَسْرِ وَهُوَ القملة. فالنمي مَعْنَاهُ: ذُو قمل. وَهَذِه الْكَلِمَة لَيست مَوْجُودَة فِي الْإِصْلَاح وَهِي مَذْكُورَة فِي التسهيل. هَذَا مَا ذكره الشَّارِح الْمُحَقق. وَهُوَ فِي هَذَا تابعٌ لِابْنِ مَالك.

وَبقيت كلماتٌ أخر أوردهَا ابْن السّكيت هِيَ: صافر. قَالَ شَارِحه: هُوَ اسْم فَاعل من صفر الرجل يصفر صفيراً إِذا صَوت بِنَفسِهِ. ونافخ ضرمة بِفَتْح الضَّاد وَالرَّاء قَالَ شَارِحه: أَي: نافخ حطبة فِيهَا نَار. ولاعي قروٍ بِالْعينِ الْمُهْملَة وَفتح الْقَاف وَسُكُون الرَّاء بعْدهَا وَاو. قَالَ شَارِحه: أما لاعي فلاعقٌ حَرِيص يُقَال: رجلٌ لعوٌ ولعاً وكلبة لعوة كَذَلِك. والقرو: ميلغة الْكَلْب فَكَأَن مَعْنَاهُ مَا بهَا كلبٌ وَلَا ذِئْب. وَقَالَ صَاحب الصِّحَاح: يُقَال: مَا بهَا لاعي قروٍ أَي: مَا بهَا لاعي قروٍ أَي: مَا بهَا من يلحس عساً مَعْنَاهُ مَا بهَا أحد. وَمِنْهَا: مَا بهَا ناخر قَالَ شَارِحه: ناخر: اسْم فَاعل من نخر ينخر إِذا ردد نَفسه فِي خيشومه. وَمِنْهَا: مَا بهَا نابح قَالَ شَارِحه: يَعْنِي كَلْبا. يُقَال: نبح الْكَلْب ينبح بِكَسْر الْبَاء وَفتحهَا فَهُوَ) نابح ونباح. وَمِنْهَا: أنيسٌ. قَالَ شَارِحه: هُوَ فعيل من أنس بالشَّيْء. غير أَنه لَا يسْتَعْمل إِلَّا فِي الْجحْد. قَالَ: الرجز وبلدةٍ لَيْسَ بهَا أنيس

وَيرد عَلَيْهِ قَوْله كَمَا يَأْتِي قَرِيبا: الوافر (أذئب القفر أم ذئبٌ أنيسٌ ... أصَاب الْبكر أم حدث اللَّيَالِي) وَأورد أَيْضا: مَا بهَا داعٍ وَلَا مُجيب. وَلَا يخفى أَن هَذَا لَا يخْتَص بِالنَّفْيِ. وَلم يزدْ شَارِحه على قَوْله: داعٍ من الدُّعَاء ومجيب من الْإِجَابَة. وَأورد: مَا بهَا راغٍ وَلَا ثاغٍ. قَالَ شَارِحه: قد تستعملان فِي غير النَّفْي لِأَن الثغاء صَوت الْمعز والرغاء صَوت الْإِبِل. وَمَعْلُوم أَنَّهُمَا قد يستعملان فِي الْإِيجَاب وَالنَّفْي. وَهَذِه كَلِمَات أخر من أمالي القالي: مَا بهَا دويٌّ مَنْسُوب إِلَى الدوية. وَقَالَ صَاحب الصِّحَاح: مَا بهَا دويٌّ أَي: أحد مِمَّن يسكن الدو وَهُوَ أَرض من أَرض الْعَرَب. وَرُبمَا قَالُوا: داوية قلبوا الْوَاو الأولى الساكنة ألفا لانفتاح مَا قبلهَا. وَلَا يُقَاس عَلَيْهِ. وَمِنْهَا: مَا بهَا عينٌ. وَزَاد أَبُو عبيد عَن الْفراء: مَا بهَا عائن. وَزَاد اللحياني: مَا بهَا عائنة. قَالَ صَاحب الصِّحَاح: عائنة بني فلَان: أَمْوَالهم ورعيانهم. وَمَا بهَا عائن وَكَذَلِكَ مَا بهَا عينٌ أَي: أحد. وبلدٌ قَلِيل الْعين أَي: قَلِيل النَّاس. انْتهى.

(الشاهد الحادي والأربعون بعد الخمسمائة)

فَعلم أَن عينا وعائنة لَا يلزمان النَّفْي. وَكَذَلِكَ قَالَ ابْن السَّيِّد فِي شرح الْإِصْلَاح: حكى عَن الْفراء: مَا بهَا عائن وَمَا بهَا عين. فَأَما عائن فَلَا يسْتَعْمل فِي الْإِيجَاب وَأما الْعين فهم أهل الدَّار فقد يسْتَعْمل فِي الْإِيجَاب. تشرب مَا فِي وطبها قبل الْعين وَمِنْهَا: مَا بهَا طارف أَي: من يطرف بِعَيْنِه أَي: ينظر بهَا. فَهَذِهِ ثَلَاث كَلِمَات فالمجموع: تسع كَلِمَات. وَأنْشد بعده 3 - (الشَّاهِد الْحَادِي وَالْأَرْبَعُونَ بعد الْخَمْسمِائَةِ) الرجز (لَهَا ثنايا أربعٌ حسان ... وأربعٌ فثغرها ثَمَان) على أَنه قد تحذف الْيَاء من ثَمَانِي وَيجْعَل الْإِعْرَاب على النُّون. وَاسْتشْهدَ بِهِ صَاحب الْكَشَّاف لقِرَاءَة من قَرَأَ: وَله الْجوَار الْمُنْشَآت بِحَذْف الْيَاء من الْجوَار وَرفع الرَّاء كَمَا فِي ثَمَان. وَأنكر الحريري فِي درة الغواص حذف هَذِه الْيَاء. وَقَالَ ابْن بري فِيمَا كتب عَلَيْهِ الْكُوفِيُّونَ يجيزون حذف هَذِه الْيَاء فِي الشّعْر. وَأنْشد عَلَيْهِ ثعلبٌ قَوْله: اه. وَالصَّحِيح أَنه غير مُخْتَصّ بالشعر بِدَلِيل الحَدِيث الَّذِي أوردهُ

الشَّارِح الْمُحَقق وَهُوَ فِي صَحِيح مُسلم فِي بَاب الْكُسُوف عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ: صلى رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ حِين كسفت الشَّمْس ثَمَان ركعاتٍ فِي أَربع سَجدَات قَالَ شَارِحه النَّوَوِيّ: قَوْله ثَمَان ركعاتٍ فِي أَربع سَجدَات أَي: ركع ثَمَان مَرَّات كل أَربع فِي رَكْعَة وَسجد سَجْدَتَيْنِ فِي كل رَكْعَة. وَقد صرح بِهَذَا فِي الْكتاب فِي الرِّوَايَة الثَّانِيَة. وَلَا أعرف صَاحب هَذَا الرجز. وَأنْشد المعري فِي شرح ديوَان البحتري قبل هذَيْن الْبَيْتَيْنِ: إِن كريا أمةٌ ميسَان وكرياً بِضَم الْكَاف وَفتح الرَّاء وَتَشْديد الْمُثَنَّاة التَّحْتِيَّة: اسْم أمة. والْأمة: خلاف الْحرَّة. وميسَان بِكَسْر الْمِيم: فيعال من الميس وَهُوَ مصدر مَاس يميس ميساً وميساناً أَيْضا وَهُوَ التَّبَخْتُر. أَرَادَ أَنَّهَا تتبختر فِي مشيها. وَقَوله: لَهَا ثنايا إِلَخ هِيَ جمع ثنية وَهِي أربعٌ من مقدم الْأَسْنَان ثِنْتَانِ من فَوق وثنتان من تَحت. وَحذف التَّاء من أَربع لِأَن الْمَعْدُود وَهِي الثَّنية مؤنث. وَأَرَادَ بالأربع الثَّانِي الرباعيات بِفَتْح الرَّاء وَتَخْفِيف الْيَاء جمع ربَاعِية على وزن ثَمَانِيَة. والرباعيات: أَربع أَسْنَان ثِنْتَانِ من يَمِين الثَّنية وَاحِدَة من فَوق وَوَاحِدَة من تَحت وثنتان من شمالها كَذَلِك.)

(الشاهد الثاني والأربعون بعد الخمسمائة)

وَاعْلَم أَن أَسْنَان الْإِنْسَان اثْنَتَانِ وَثَلَاثُونَ سنا: أَربع ثنايا. وَأَرْبع رباعيات وَأَرْبَعَة أَنْيَاب وَأَرْبَعَة نواجذ وَسِتَّة عشر ضرساً. وَبَعْضهمْ يَقُول: أَربع ثنايا وَأَرْبع رباعيات وَأَرْبَعَة أَنْيَاب وَأَرْبَعَة نواجذ وَأَرْبع ضواحك واثنتا عشرَة رحى. وَأنْشد بعده 3 - (الشَّاهِد الثَّانِي وَالْأَرْبَعُونَ بعد الْخَمْسمِائَةِ) الوافر (ثَلَاثَة أنفسٍ وَثَلَاث ذودٍ ... لقد جَار الزَّمَان على عيالي) وأنشده سِيبَوَيْهٍ شَاهدا على تَأْنِيث ثَلَاثَة أنفس وَكَانَ الْقيَاس ثَلَاث أنفس لِأَن النَّفس مُؤَنّثَة لَكِن أنث لِكَثْرَة إِطْلَاق النَّفس على الشَّخْص. وَيَأْتِي نَصه بعد أَرْبَعَة شَوَاهِد. ذكر الْأَصْبَهَانِيّ فِي الأغاني بِسَنَدِهِ أَن الحطيئة خرج فِي سفر لَهُ حِين عَم الغلاء وَمَعَهُ امْرَأَته أُمَامَة وبنته مليكَة فَنزل منزلا وسرح ذوداً لَهُ ثَلَاثًا فَلَمَّا قَامَ للرواح فقد أَحدهَا فَقَالَ: ...

(أذئب القفر أم ذئبٌ أنيسٌ ... أصَاب الْبكر أم حدث اللَّيَالِي) (وَنحن ثلاثةٌ وَثَلَاث ذودٍ ... لقد جَار الزَّمَان على عيالي) سرح الدَّابَّة: أطلقها لترعى. والذود من الْإِبِل قَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: سَمِعت أَبَا الْعَبَّاس يَقُول: مَا بَين الثَّلَاث إِلَى الْعشْر ذود. وَقَالَ الفارابي: وَهِي هُنَا ثَلَاثَة وَهِي مُؤَنّثَة. وَقَالَ فِي البارع: الذود لَا تكون إِلَّا إِنَاثًا. وَيرد عَلَيْهِ قَوْله: أصَاب الْبكر بِفَتْح الْبَاء وَهُوَ الفتي من الْإِبِل. والرواح: الْمسير. والقفر: الْخَلَاء والمفازة. وَأَرَادَ بالذئب الأنيس السَّارِق. وحدث اللَّيَالِي بِفتْحَتَيْنِ: مَا يحدث فِيهَا من المصائب وَالْمرَاد مُطلق الْحَدث لَا بِقَيْد كَونه) أَرَادَ: مَا أَدْرِي كَيفَ تلف الْبكر أَصَابَهُ أحد الذئبين أم حدث اللَّيَالِي. وَقَوله: ثَلَاث أنفس خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي: نَحن ثَلَاثَة. والْعِيَال بِكَسْر الْعين: أهل الْبَيْت وَمن يمونه الْإِنْسَان الْوَاحِد عيل كجياد جمع جيد. وترجمة الحطيئة تقدّمت فِي الشَّاهِد التَّاسِع وَالْأَرْبَعِينَ بعد الْمِائَة. وَرَأَيْت فِي أمالي الزجاجي الْوُسْطَى قَالَ: أخبرنَا الأشنانداني

عَن الْعُتْبِي عَن رجلٍ من قُرَيْش قَالَ: حضرت مجْلِس عبد الْملك وَعِنْده بطنٌ من بني عَامر بن صعصعة وَكَانَ رجلٌ بَينهم مَعَه ابنتاه وذوده وَهن ثلاثٌ فراح ذوده يَوْمًا ففقد مِنْهَا وَاحِدًا فنشده أَي: سَأَلَ عَنهُ وَطَلَبه فَلم ينشد فأوفى على صَخْرَة وَأَنْشَأَ يَقُول: الوافر (أذئب القفر أم ذئبٌ أنيسٌ ... سَطَا بالبكر أم صرف اللَّيَالِي) (وَأَنْتُم لَو أَرَادَ الدَّهْر عدوا ... عديد الترب من أهلٍ وَمَال) (وَنحن ثلاثةٌ وَثَلَاث ذودٍ ... لقد جَار الزَّمَان على عيالي) (وَلَو مولى ضبابٍ عَال فيهم ... لجر الدَّهْر عَن حالٍ لحَال) (ومولاهم أبي لَا عيب فِيهِ ... وَفِي مولاكم بعض الْمقَال) (هَلُمَّ بَرَاءَة والحي ضاح ... وَإِلَّا فالوقوف على إلال) فطلبوا لَهُ ذوده فردوها عَلَيْهِ وغرموا لَهُ وَقَالُوا: اخْرُج عَنَّا. انْتهى. وسَطَا بِكَذَا وَعَلِيهِ: بَطش بِشدَّة. والصّرْف بِالْفَتْح: حَادث الدَّهْر. وأَنْتُم: مُبْتَدأ وعديد: خَبره وَالْجُمْلَة دليلٌ لجواب لَو. والْعَدو: مصدر عدا عَلَيْهِ أَي: ظلمه وَتجَاوز الْحَد. وعَال الزَّمَان بِالْعينِ الْمُهْملَة أَي: جَار مصدره الْعَوْل. والْمولى هُنَا: حَلِيف الْقَوْم. وضباب بِالْكَسْرِ: قَبيلَة. وعَال هُنَا بِمَعْنى افْتقر وَصَارَ ذَا عيلة. وجر بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول والدَّهْر نَائِب الْفَاعِل. يوبخهم بِأَنَّهُ مولى لَهُم وَلم يَأْخُذُوا بِيَدِهِ.

(الشاهد الثالث والأربعون بعد الخمسمائة)

وهلم هُنَا بِمَعْنى احضروا. وَبَرَاءَة: مفعول لَهُ. وضاح: بارز. وإلال بِكَسْر الْهمزَة ولامين: جبل بِعَرَفَات. يَعْنِي: إِن لم يحضروا للبراءة فِي حَال كَون الْحَيّ ضاحياً فَنحْن نقف مَعكُمْ على إلال. وداعي: فَاعل دَعَا. والقلوص: النَّاقة الشَّابَّة. وثبير: جبل بَين مَكَّة وَمنى. وقتال بِالْكَسْرِ: اسْم رجل.) وَأنْشد بعده 3 - (الشَّاهِد الثَّالِث وَالْأَرْبَعُونَ بعد الْخَمْسمِائَةِ) (ثَلَاث مئين للملوك وفى بهَا ... رِدَائي وجلت عَن وُجُوه الأهاتم) على أَنه جَاءَ ثَلَاث مئين فِي ضَرُورَة الشّعْر. وَقَالَ صَاحب الْمفصل: وَقد رَجَعَ إِلَى الْقيَاس من قَالَ: ثَلَاث مئين ... ... ... ... ... ... ... . . الْبَيْت قَالَ ابْن يعِيش: هَذَا فِي الشّعْر على الْقيَاس لِأَن الشّعْر يفسح لَهُم فِي مُرَاجعَة الْأُصُول المرفوضة. فَهَذَا وَإِن كَانَ الْقيَاس إِلَّا أَنه شاذٌّ فِي الِاسْتِعْمَال. وَكَذَا قَالَ ابْن مَالك: إِذا كَانَ مُفَسّر الثَّلَاثَة وَأَخَوَاتهَا مائَة فيفرد نَحْو: ثلثمِائة. وَكَانَ الْقيَاس أَن يجمع فَيُقَال: ثَلَاث مئات أَو مئين. إِلَّا أَن الْعَرَب

لَا تجمع الْمِائَة إِذا أضيف إِلَيْهَا عددٌ إِلَّا قَلِيلا كَقَوْلِه: ثَلَاث مئين للملوك ... ... ... ... . . الْبَيْت وَكلهمْ من سِيبَوَيْهٍ قَالَ: يُقَال ثلثمِائة وَكَانَ حَقه أَن يَقُولُوا: مئين أَو مئات كَمَا تَقول: ثَلَاثَة آلَاف لِأَن مَا بَين الثَّلَاثَة إِلَى الْعشْرَة يكون جمَاعَة نَحْو: ثَلَاثَة رجال وَعشرَة رجال وَلَكنهُمْ شبهوه بِأحد عشر وَثَلَاثَة عشر. انْتهى. وَالنُّون من مئين منونة. قَالَ شَارِح اللّبَاب قَالُوا: قتل فِي معركة ثلاثةٌ من مُلُوك الْعَرَب وَكَانَت والأهاتم بنقطتين من فَوق: بَنو الْأَهْتَم بن سِنَان بن سمي. وَإِنَّمَا سمي بذلك لِأَنَّهُ كسرت ثنيته يَوْم الْكلاب. والهتم: كسر الثنايا من أَصْلهَا. انْتهى. وَقَالَ بعض فضلاء الْعَجم فِي شرح أَبْيَات الْمفصل: قَول ثَلَاث مئين قيل: غرم ثَلَاث ديات فرهن بهَا رِدَاءَهُ. وَكَانَت الدِّيَة مائَة إبل وَالْمعْنَى: ثلثمِائة إبل. وَفِي بهَا رِدَائي حِين رهنته بهَا وجلت تِلْكَ المئون الْمَرْهُون بهَا رِدَائي حِين أديتها وجلت فعلتي هَذِه الْعَار عَن وُجُوه الأهاتم وهم قوم الْأَهْتَم وَهُوَ لقب سِنَان بن سمي لِأَنَّهُ هتمت ثنيته يَوْم الْكلاب. وَفِي الْبَيْت وصفٌ لعظم شَأْنه لِأَنَّهُ لَا يقدم على تحمل الدِّيات والغرامات إِلَّا السَّيِّد الْعَظِيم الشَّأْن. ووصفٌ لنفاسة برده وَغَلَاء ثمنه حَيْثُ رَهنه بثلثمائة من الْإِبِل. وَفِيه تأكيدٌ لعظم شَأْنه.) انْتهى.

وَقَوله: ووصفٌ لنفاسة برده إِلَخ لَيْسَ رهن الْبردَة لِأَنَّهَا تقاوم ثمن الْإِبِل الْمَذْكُورَة بل لِأَن الشريف إِذا رهن شَيْئا وَلَو كَانَ حَقِيرًا فَلَا بُد من فكاكه لِئَلَّا يلْزمه الْعَار وَلَو مَاتَ فكه بنوه أَو أَقَاربه. ومصداق ذَلِك مَا قدمْنَاهُ فِي تَرْجَمَة أبي تَمام من حِكَايَة كسْرَى مَعَ حَاجِب بن زُرَارَة فِي وَالْبَيْت من قصيدة طَوِيلَة للفرزدق مذكورةٍ فِي المناقضات وَلَيْسَت رِوَايَة الْبَيْت كَذَا وَإِنَّمَا هِيَ: (فدى لسيوفٍ من تميمٍ وَفِي بهَا ... رِدَائي وجلت عَن وُجُوه الأهاتم) قَالَ شَارِح المناقضات: يَعْنِي بالأهاتم الْأَهْتَم بن سِنَان بن خَالِد بن منقر بن عبيد بن الْحَارِث بن عَمْرو بن كَعْب بن سعد بن زيد مَنَاة بن تَمِيم. فَعرف أَن الْأَهْتَم لَيْسَ لقباً لسنان بن خَالِد وَلَا سِنَان هُوَ ابْن سمي كَمَا تقدم. وَمَشى عَلَيْهِ الْعَيْنِيّ. وناقضه جرير بقصيدة مثلهَا مِنْهَا: (فغيرك أدنى للخليفة عَهده ... وَغَيْرك جلى عَن وُجُوه الأهاتم) قَالَ شارحها: قَوْله: فغيرك أدنى إِلَخ يَعْنِي وَكِيع بن حسان بن قيس بن أبي سود قتل قُتَيْبَة بن مُسلم فتكاً وَبعث بِرَأْسِهِ إِلَى سُلَيْمَان بن عبد الْملك بن مَرْوَان وطاعته لِأَن قُتَيْبَة كَانَ خلع سُلَيْمَان. وقصة رِدَاء الفرزدق رَوَاهَا أَبُو عُبَيْدَة قَالَ: كَانَ الفرزدق بالمدبنة حِين جَاءَت وقْعَة وَكِيع وَحج سُلَيْمَان بن عبد الْملك فَبَلغهُ بِمَكَّة وقْعَة وَكِيع

بقتيبة فَخَطب النَّاس بِمَسْجِد عَرَفَات: فَذكر غدر بني تَمِيم ووثوبهم على سلطانهم وإسراعهم إِلَى الْفِتَن وَأَنَّهُمْ أصحابفتن وَأهل غدر وَقلة شكر. فَقَامَ إِلَيْهِ الفرزدق فَقَالَ وَفتح رِدَاءَهُ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ هَذَا رِدَائي رهنٌ لَك بوفاء بني تَمِيم وَالَّذِي بلغك كذب فَقَالَ الفرزدق فِي ذَلِك حَيْثُ جَاءَت بيعَة وَكِيع لِسُلَيْمَان: الطَّوِيل (فدى لسيوفٍ من تميمٍ وفى بهَا ... رِدَائي وجلت عَن وُجُوه الأهاتم) (شفين حزازات الصُّدُور وَلم تدع ... علينا مقَالا فِي وفاءٍ للائم)) (أبأنا بهم قَتْلَى وَمَا فِي دِمَائِهِمْ ... وفاءٌ وَهن الشافيات الحوائم) (جزى الله قومِي إِذْ أَرَادَ خفارتي ... قُتَيْبَة سعي الأفضلين الأكارم) (هم سمعُوا يَوْم المحصب من منى ... ندائي إِذا الْتفت رفاق المواسم) والحوائم: العطاش الَّتِي تحوم حول المَاء. وخفض الحوائم على معنى الْحسن الْوَجْه. انْتهى. وترجمة الفرزدق تقدّمت فِي الشَّاهِد الثَّلَاثِينَ من أَوَائِل الْكتاب. وَقَالَ الْعَيْنِيّ: الرِّدَاء فِي الْبَيْت الشَّاهِد بِمَعْنى السَّيْف. وَأنْشد عَلَيْهِ بَيْتا ثمَّ قَالَ: ثَلَاث مئين مُبْتَدأ وَجُمْلَة وفى بهَا: خَبره. وجلت بِالتَّشْدِيدِ

بِمَعْنى جلت بِالتَّخْفِيفِ من جلّ الْقَوْم عَن الْبَلَد يجلون بِالضَّمِّ إِذا جلوا وَالْمعْنَى: كشفت رِدَائي حِين وفت بديات الْمُلُوك الثَّلَاثَة هم ذَلِك وتمادي الحروب عَن أَعْيَان الأهاتم وكبرائهم. فَافْهَم. هَذَا كَلَامه وَهُوَ كَلَام من لم يصل إِلَى العنقود. وَرَأَيْت مثل الْبَيْت الشَّاهِد فِي شعر قراد بن حَنش الصاردي وَهُوَ: الطَّوِيل (وَنحن رهنا الْقوس ثمت فوديت ... بألفٍ على ظهر الْفَزارِيّ أقرعا) (بِعشر مئينٍ للملوك سعى بهَا ... ليوفي سيار بن عمرٍ وفأسرعاد) قَالَ ابْن عبد ربه فِي العقد الفريد: إِن سيار بن عَمْرو بن جَابر الْفَزارِيّ احْتمل للأسود بن الْمُنْذر دِيَة ابْنه الَّذِي قَتله الْحَارِث بن ظَالِم ألف بعير وَهِي دِيَة الْمُلُوك وَرَهنه بهَا قوسه فوفى. وَكَانَ هَذَا قبل قَوس حَاجِب بن زُرَارَة. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة فِي مقَاتل الفرسان: إِن أَخا سيار لأمه الْحَارِث بن سُفْيَان الصاردي تكفلها للأسود فَقَامَ مِنْهَا بثمانمائة ثمَّ مَاتَ فرهن سيار قوسه على الْمِائَتَيْنِ الْبَاقِيَتَيْنِ لَا غير فَلَمَّا مدح قراد بن حَنش بني فَزَارَة جعل الْحمالَة كلهَا لسيار. انْتهى. وَألف أَقرع بِالْقَافِ أَي: تَامّ.

(الشاهد الرابع والأربعون بعد الخمسمائة)

وقراد بن حَنش: شاعرٌ جاهلي من بني صاردة بِتَقْدِيم الرَّاء على الدَّال وهم فَخذ من وَأنْشد بعده 3 - (الشَّاهِد الرَّابِع وَالْأَرْبَعُونَ بعد الْخَمْسمِائَةِ) الرجز وحاتم الطَّائِي وهاب المئي على أَن أَصله عِنْد الْأَخْفَش: المئين فحذفت النُّون لضَرُورَة الشّعْر. وَهَذَا الْبَيْت من رجز أوردهُ أَبُو زيد فِي نوادره فِي موضِعين: الْموضع الأول قَالَ فِيهِ: هُوَ لامْرَأَة من بني عَامر. والموضع الثَّانِي قَالَ فِيهِ: هُوَ لامْرَأَة من بني عقيل تَفْخَر بأخوالها من الْيمن وَهُوَ: الرجز (حيدة خَالِي ولقيطٌ وَعلي ... وحاتم الطَّائِي وهاب المئي) (وَلم يكن كخالك العَبْد الدعي ... يَأْكُل أزمان الهزال والسني) هَنَات عيرٍ ميت غير ذكي قَوْلهَا: هَنَات عيرٍ ميت تَعْنِي ذكر العير فَكنت عَنهُ لِأَنَّهَا امْرَأَة. انْتهى. وَقَالَ فِي الْموضع الأول: حذف التَّنْوِين من حَاتِم الطَّائِي لالتقاء الساكنين. وَقَالَ أَبُو عَليّ فِيمَا كتبه فَأَما المئي والسني فَإِنَّهَا جمعٌ على فعول ثمَّ قلبت الواوات ياءات فَصَارَ مئي وسنيٌّ ثمَّ خفف بِأَن حذف إِحْدَى الياءين كَمَا فعل فِي عَليّ والدعي فَبَقيَ المئي والسني. انْتهى.

وَقَالَ أَبُو بكر بن السراج فِي الْأُصُول: ذكر الْأَخْفَش سِنِين ومئين فَقَالَ: فيهمَا قَولَانِ. ثمَّ اخْتَار أَحدهمَا وَهُوَ الصَّحِيح عندنَا فَقَالَ: وَأما سِنِين ومئين فِي قَول من رفع النُّون فَهُوَ فعيل وَلَكِن كسر الْفَاء ككسرة مَا بعْدهَا وَأَجْمعُوا كلهم على كسرهَا فَصَارَت النُّون فِي آخر سِنِين بَدَلا من الْوَاو لِأَن أَصْلهَا من الْوَاو. وَفِي مئين النُّون بدل من الْيَاء لِأَن أَصْلهَا من الْيَاء كَأَنَّهَا كَانَت مئي وَقد قالوها فِي بعض الشّعْر سَاكِنة وَلَا أَرَاهُم أَرَادوا إِلَّا التثقيل ثمَّ اضطروا فخففوا لأَنهم لَو أَرَادوا التَّخْفِيف لصار الِاسْم على فعل وَهَذَا بناءٌ قَلِيل. قَالَ الشَّاعِر: (حيدة خَالِي ولقيطٌ وَعلي ... وحاتم الطَّائِي وهاب المئي) وَأما قَوْلهم: ثَلَاث مئي فَإِنَّهُم أَرَادوا بمئي جمَاعَة الْمِائَة كتمرة وتمر تَقول فِيهِ: رَأَيْت مئياً مثل معياً.) وَقَوْلهمْ: رَأَيْت مئاً مثل مَعًا خطأٌ لِأَن المئي إِنَّمَا جَاءَت فِي الشّعْر. فَنَقُول: لَيْسَ لَك أَن تَدعِي أَن هَذِه الْيَاء للإطلاق وَأَنت لَا تَجِد مَا هُوَ على حرفين يكون جمَاعَة وَيكون وَاحِدَة بِالْهَاءِ نَحْو تَمْرَة وتمر. قَالَ أَبُو الْحسن: وَهُوَ مَذْهَب يُونُس يَعْنِي: بِالْيَاءِ. قَالَ: وَالْقِيَاس الْجيد عندنَا أَن يكون سِنِين فعلينا مثل غسلين محذوفة وَيكون قَول الشَّاعِر: سني والمئي مرخماً. فَإِن قلت: إِن فعلينا لم يجِئ فِي الْجمع وَقد جَاءَ فعيل نَحْو: كُلَيْب وَعبيد وَقد جَاءَ فِيهِ مَا لزمَه فعيل مكسور الْفَاء نَحْو: مئين فَإِن من الْجمع أَشْيَاء لم يجِئ مثلهَا إِلَّا بِغَيْر اطرد نَحْو: سفر وَقد جَاءَ مِنْهُ مَا لَيْسَ لَهُ نَظِير

نَحْو: عدًى. وَأَنت إِذا جعلت سنيناً فعيلاً جعلت النُّون بَدَلا وَالْبدل لَا يُقَاس عَلَيْهِ وَلَا يطرد وَمُخَالفَة الْجمع للْوَاحِد قد كثر فَأن تحمله على مَا لَا بدل فِيهِ أولى. وَلَيْسَ يجوز أَن تَقول: إِن الْيَاء فِي سِنِين أَصْلِيَّة وَقد وَجدتهَا زَائِدَة فِي هَذَا الْبناء بِعَيْنِه لما قلت: فعلين وفعلون يَعْنِي: أَنَّك تَقول: سِنِين يَا هَذَا أَو سنُون. ثمَّ قَالَ: قَوْله: (وحاتم الطَّائِي وهاب المئي ... يَأْكُل أزمان الهزال والسني) فَهَذَا إِمَّا أَن يكون رخم سِنِين ومئين وَإِمَّا أَن يكون بنى سنة وَمِائَة على سني ومئي وَكَانَ أَصلهمَا سنو ومئو فَلَمَّا حذف النُّون ورخم بَقِي الِاسْم آخِره واوٌ قبلهَا ضمة فَلَمَّا أَرَادَ أَن يَجعله اسْما كالأسماء الَّتِي لم يحذف مِنْهَا شَيْء قلب الْوَاو يَاء وَكسر مَا قبلهَا لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْأَسْمَاء مَا آخِره واوٌ قبلهَا ضمة. فَمَتَى وَقع من هَذَا شيءٌ قلبت الْوَاو يَاء. اه. وَقَوْلها: حيدة خَالِي مبتدأٌ وَخبر. وحيدة بِفَتْح الْمُهْملَة وَسُكُون الْمُثَنَّاة التَّحْتِيَّة. ولَقِيط بِفَتْح اللَّام مَعْطُوف على حيدة. وَكَذَا عليٌّ وحاتم فَيكون أخوالها أَرْبَعَة. وروى هذَيْن الْبَيْتَيْنِ فَقَط الْأَخْفَش سعيد بن مسْعدَة فِي كتاب المعاياة لرجل من طَيئ وَذكر خَالِدا بدل حَاتِم. وَقَوْلها: وَلم يكن كخالك إِلَخ الْكَاف مَفْتُوحَة لِأَنَّهَا خاطبت رجلا. والدي: غير خَالص النّسَب. وَقَوْلها: يَأْكُل أزمان إِلَخ هَذَا بيانٌ لعدم المشابهة بَين خالها

وَبَينه. وأزمان: ظرفٌ ليَأْكُل) وَهُوَ جمع زمَان. والهزال بِالضَّمِّ: الضعْف من الْجُوع. والسّني: مرخم سِنِين جمع سنة بِمَعْنى الجدب والقحط. وهَنَات مفعول يَأْكُل مَنْصُوب بالكسرة جمع هنة مؤنث هنٍ وَهُوَ كِنَايَة عَمَّا يستقبح التَّصْرِيح باسمه وَهُوَ هُنَا أير الْحمار. والعير بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة: الْحمار الوحشي والأهلي أَيْضا وَالْأُنْثَى عيرة. وميت: وصف عير وَكَذَلِكَ غير ذكي. والذكي: الْمَذْبُوح خففت الْيَاء الضَّرُورَة. وَقَالَ أَبُو الْحسن عليٌّ الْأَخْفَش فِيمَا كتبه على نَوَادِر أبي زيد: قَالَ أَبُو سعيد: وروى الرياشي مرّة أُخْرَى بدل الْبَيْت الْأَخير: هَنَات عير ميتةٍ غير ذكي قَالَ أَبُو الْحسن: الأول أحب إِلَيّ وَهُوَ أَجود. أَبُو زيد هَنَات عير ميتٍ تَعْنِي ذكر العير فَكنت عَنهُ لِأَنَّهَا امْرَأَة. وَالْميتَة بِفَتْح الْمِيم يكون نعتاً للشَّيْء فَإِذا كسرت كَانَت الشَّيْء بِعَيْنِه. قَالَ أَبُو الْحسن: الْميتَة تكون مصدرا كَقَوْلِك: الْقعدَة وَالركبَة وَمَا أشبههما وَتَكون نعتاً كَقَوْلِك: مَرَرْت بفرس ميتَة فتنعته بِالْمَصْدَرِ كَمَا تَقول: مَرَرْت بِرَجُل عدل ثمَّ يصير اسْما غَالِبا كأجدل وَمَا أشبهه فَتَقول: هَذَا ميتَة كَمَا تَقول: هَذَا أجدلٌ. وَالْميتَة بِكَسْر الْمِيم: الْحَال الَّتِي يكون عَلَيْهَا الشَّيْء كَقَوْلِك: كريم الْميتَة وَحسن الصرعة. وَالْكَسْر مطرد فِي الْحَالَات كلهَا كَمَا أَن الْفَتْح مطرد فِي الْمرة. هَذَا الْحق عِنْدِي الَّذِي لَا يجوز غَيره. انْتهى.

(الشاهد الخامس والأربعون بعد الخمسمائة)

تَتِمَّة (إِنِّي لَدَى الْحَرْب رخي اللبب ... عِنْد تناديهم بهال وهب) (أمهتي خندف والياس أبي ... وحاتم الطَّائِي وهاب المئي) وَهَذَا لَا أصل لَهُ فَإِن الرجز عِنْده لقصي بن كلاب أحد أجداد النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ. وَكَيف يكون حَاتِم الطَّائِي أَبَا لقصيٍّ مَعَ أَنه بعده بِمدَّة طَوِيلَة. وقافية الرجز أَيْضا تأباه وَلَيْسَ فِي هَذَا اشْتِبَاه. وَأنْشد بعده 3 - (الشَّاهِد الْخَامِس وَالْأَرْبَعُونَ بعد الْخَمْسمِائَةِ) وَهُوَ من شَوَاهِد س: الوافر (إِذا عَاشَ الْفَتى مِائَتَيْنِ عَاما ... فقد ذهب اللذاذة والفتاء) على أَنه قد يفرد مُمَيّز الْمِائَة وَينصب كَمَا فِي الْبَيْت. وَأوردهُ سِيبَوَيْهٍ فِي موضِعين: الأول: فِي بَاب الصّفة المشبهة بالفاعل وَذكر أَسمَاء الْعدَد وعملها فِي الْأَسْمَاء الَّتِي تبينها بِالْجَرِّ وَالنّصب. حَتَّى انْتهى إِلَى قَوْله: فَإِذا بلغت العقد تركت التَّنْوِين وَالنُّون وأضفت وَجعلت الَّذِي

إِلَّا أَنَّك تدخل فِيهِ الْألف وَاللَّام لِأَن الأول يكون بِهِ معرفَة وَلَا يكون الْمنون بِهِ معرفَة. وَذَلِكَ قَوْلك: مائَة دِرْهَم وَمِائَة الدِّرْهَم. وَكَذَلِكَ إِن ضاعفته فَقلت: مِائَتَا الدِّرْهَم وَمِائَتَا الدِّينَار وَكَذَلِكَ الَّذِي بعده وَاحِدًا كَانَ أَو مثنى. وَذَلِكَ قَوْلك: ألف دِرْهَم وألفا دِرْهَم. وَقد جَاءَ فِي الشّعْر بعض هَذَا منوناً. قَالَ الرّبيع بن ضبع الْفَزارِيّ: إِذا عَاشَ الْفَتى مِائَتَيْنِ عَاما انْتهى. والموضع الثَّانِي بَاب كم قَالَ فِيهِ: لِأَنَّهُ لَو جَازَ إِذا اضْطر شَاعِر فَقَالَ: ثَلَاثَة أثواباً كَانَ مَعْنَاهُ معنى ثَلَاثَة أَثوَاب قَالَ الشَّاعِر: إِذا عَاشَ الْفَتى مِائَتَيْنِ عَاما انْتهى. قَالَ الأعلم: الشَّاهِد فِيهِ إِثْبَات النُّون فِي مِائَتَيْنِ فِي ضَرُورَة وَنصب مَا بعْدهَا وَكَانَ الْوَجْه حذفهَا وخفض مَا بعْدهَا إِلَّا أَنَّهَا شبهت للضَّرُورَة بالعشرين. وَنَحْوهَا مِمَّا يثبت نونه وَينصب مَا بعده. وروى: أودى بدل ذهب بِمَعْنى انْقَطع وَهلك. والفتاء: مصدر لفتى. وروى: تسعين عَاما وَلَا ضَرُورَة فِيهِ على هَذَا. انْتهى.

وَرِوَايَة: تسعين لَا أصل لَهَا كَمَا يعلم مِمَّا ياي. وَرُوِيَ: التخيل بدل اللذاذة. والتخيل: التكبر وَعجب الْمَرْء بِنَفسِهِ.) وروى بدله: المسرة والْمُرُوءَة أَيْضا. والْفَتى: الشَّاب وَقد فتي بِالْكَسْرِ يُفْتى بِالْفَتْح فَتى فَهُوَ فتي السن بَين الفتاء. قَالَ الجواليقي: والفتاء مصدرٌ لفتي. وَالْبَيْت آخر أَبْيَات سِتَّة للربيع بن ضبع الْفَزارِيّ وَهِي: الوافر (أَلا أبلغ بني بني ربيعٍ ... فأنذال الْبَنِينَ لكم فدَاء) (بِأَنِّي قد كَبرت ودق عظمي ... فَلَا تشغلكم عني النِّسَاء) (فَإِن كنائني لِنسَاء صدقٍ ... وَمَا ألى بني وَمَا أساؤوا) (إِذا كَانَ الشتَاء فأدفئوني ... فَإِن الشَّيْخ يهدمه الشتَاء) (فَأَما حِين يذهب كل قرٍّ ... فسربالٌ خفيفٌ أَو رِدَاء) إِذا عَاشَ الْفَتى مِائَتَيْنِ عَاما ... ... ... ... . . الْبَيْت قَوْله: فأنذال الْبَنِينَ لكم فدَاء جملَة دعائية مُعْتَرضَة. وَقَوله: بِأَنِّي قد كَبرت الْبَاء مُتَعَلقَة بقوله: أبلغ فِي الْبَيْت الْمُتَقَدّم. وَكبر من بَاب تَعب. ودق أَي: صَار دَقِيقًا يدق من بَاب ضرب دقة: خلاف غلظ فَهُوَ دَقِيق. وروى: ورق جلدي أَي: صَار رَقِيقا بالراء من الرقة. وَلَا ناهية. وشغل من بَاب نفع. وعني أَي: عَن تفقد

أموري وإصلاحها. والكنائن: جمع كنة بِالْفَتْح وَالتَّشْدِيد وَهِي امْرَأَة الابْن وَالْأَخ يُرِيد: أَنَّهُنَّ نعم النِّسَاء. وألى بتَشْديد اللَّام أَي: مَا أبطؤوا وَمَا قصروا. وَهُوَ من ألوت. يَقُول: مَا أَبْطَأَ بني عَن فعل المكارم وَمَا يجب عَلَيْهِم من الْقيام بأَمْري. قَالَ ابْن السَّيِّد فِي شرح أَبْيَات الْجمل: معنى ألى قصر فِي بري. يُقَال: أَلا يألو فَإِذا أكثرت الْفِعْل قلت: ألى يؤلي تألية. انْتهى. وَقَالَ أَبُو حَاتِم السجسْتانِي فِي كتاب المعمرين: حَدثنَا أَبُو الْأسود النوشجاني عَن الْعمريّ عَن أبي عَمْرو الشَّيْبَانِيّ قَالَ: سَأَلَني الْقَاسِم بن معن عَن قَوْله: وَمَا ألى بني وَمَا أساؤوا قلت: أبطؤوا. فَقَالَ: مَا تركت فِي الْمَسْأَلَة شَيْئا. وَنقل صَاحب الصِّحَاح هَذِه الْحِكَايَة مجملة ثمَّ قَالَ أَبُو حَاتِم: والتألية التَّقْصِير وَمن قَالَ: وَمَا) آلى بِالْمدِّ فَمَعْنَاه مَا أَقْسمُوا أَي: لَا يبروني. انْتهى. وَقَالَ السَّيِّد المرتضى فِي أَمَالِيهِ: ألى بِالتَّشْدِيدِ هُوَ الصَّحِيح وَمَعْنَاهُ: قصر فِي قَول بَعضهم. واللغة الْأُخْرَى أَلا مخففاً يُقَال: أَلا الرجل يألو إِذا قصر وفتر. فَأَما آلى بِالْمدِّ فِي الْبَيْت فَلَا وَجه لَهُ لِأَنَّهُ بِمَعْنى حلف وَلَا معنى لَهُ هَا هُنَا. انْتهى. وَقَوله: إِذا كَانَ الشتَاء إِلَخ هَذَا الْبَيْت من أَبْيَات الْجمل وَغَيره. ويروى: إِذا جَاءَ الشتَاء. وأدفئوني: سخنوني لأدفأ. يَقُول: إِذا دخل فصل الشتَاء فَدَثَّرُونِي بالثياب. فَإِن هَذَا الْفَصْل يضعف قُوَّة الشَّيْخ ويهدم عمره وَيخَاف عَلَيْهِ فِيهِ. وَدلّ على أَنه يُرِيد أَن يدفأ بالثياب لَا بِغَيْر

ذَلِك قَوْله بعد الْبَيْت: فَأَما حِين يذهب كل قرٌّ. والشتاء فِي غير هَذَا الْموضع يُرَاد بِهِ الضّيق وشظف الْعَيْش كَمَا قَالَ الحطيئة: الوافر (إِذا نزل الشتَاء بدار قومٍ ... تجنب جَار بَيتهمْ الشتَاء) إِذْ الشتَاء نَفسه لَا يقدر أحدٌ أَن يمْتَنع مِنْهُ وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنهم يواسون من جاورهم فيتجنبه الضّيق وَسُوء الْحَال والمعيشة. ويهدمه من هدمت الْبناء من بَاب ضرب إِذا أسقطته فانهدم. والقر بِضَم الْقَاف: الْبرد. والسربال بِالْكَسْرِ: الْقَمِيص. قَالَ الجواليقي: وأَو: بِمَعْنى الْوَاو. وَقَوله: إِذا عَاشَ الْفَتى إِلَخ نصب عَاما على التَّمْيِيز كَمَا ينصب الْمُفْرد بعد الْعشْرين وَمَا فَوْقهَا. وَلما صرفه عَن الْإِضَافَة نَصبه على التَّمْيِيز وأعمل فِيهِ مِائَتَيْنِ وَنصب مِائَتَيْنِ على الظّرْف. قَالَ ابْن المستوفي: نسبت هَذِه الأبيات ليزِيد بن ضبة. وَالرِّوَايَة: إِذا عَاشَ الْفَتى سِتِّينَ عَاما فَلَا ضَرُورَة وَلَا شَاهد. انْتهى. وَقَول شَارِح اللّبَاب: وَرُوِيَ: إِذا عَاشَ الْفَتى خمسين عَاما رِوَايَة واهية فَإِن ابْن الْخمسين لَا يبلغ من الضعْف هَذِه الرُّتْبَة. وَالصَّحِيح أَن الأبيات للربيع بن ضبع الْفَزارِيّ كَمَا رَوَاهَا لَهُ جمٌّ غفير وَهُوَ من المعمرين أوردهُ أَبُو حَاتِم السجسْتانِي فِي كتاب المعمرين وَقَالَ:

قَالُوا: وَكَانَ من أطول من كَانَ قبل الْإِسْلَام عمرا: ربيع بن ضبع بن وهب بن بغيض ابْن مَالك بن سعد بن عدي بن فَزَارَة عَاشَ أَرْبَعِينَ وثلثمائة سنة وَلم يسلم. وَقَالَ لما بلغ مِائَتي سنة وَأَرْبَعين سنة:) المنسرح (أصبح مني الشَّبَاب قد حسرا ... إِن ينأ عني فقد ثوى عصرا) (هَا أَنا ذَا آمل الخلود وَقد ... أدْرك عَقْلِي ومولدي حجرا) (أَبَا امْرِئ الْقَيْس هَل سَمِعت بِهِ ... هَيْهَات هَيْهَات طَال ذَا عمرا) (أَصبَحت لَا أحمل السِّلَاح وَلَا ... أملك رَأس الْبَعِير إِذا نفر) (وَالذِّئْب أخشاه إِن مَرَرْت بِهِ ... وحدي وأخشى الرِّيَاح والمطرا) (من بعد مَا قوةٍ أسر بهَا ... أَصبَحت شَيخا أعالج الكبرا) وَقَالَ لما بلغ مِائَتي سنة: (أَلا أبلغ بني بني ربيعٍ ... فأشرار الْبَنِينَ لكم فدَاء) الأبيات الْمُتَقَدّمَة. هَذَا مَا أوردهُ أَبُو حَاتِم. وَأوردهُ ابْن حجر فِي قسم المخضرمين من الْإِصَابَة فِيمَن أدْرك النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وَكَانَ يُمكنهُ أَن يسمع مِنْهُ فَلم ينْقل ذَلِك. وَقَالَ: هُوَ جاهلي ذكر ابْن هِشَام فِي التيجان أَنه كبر وخرف وَأدْركَ الْإِسْلَام. وَيُقَال: إِنَّه عَاشَ ثلثمِائة سنة مِنْهَا سِتُّونَ فِي الْإِسْلَام وَيُقَال: لم يسلم. انْتهى. وَذكره السَّيِّد المرتضى فِي فصل المعمرين من أَمَالِيهِ قَالَ:

وَمن المعمرين: الرّبيع بن ضبع الْفَزارِيّ يُقَال: إِنَّه بَقِي إِلَى أَيَّام بني أُميَّة وَرُوِيَ أَنه دخل على عبد الْملك بن مَرْوَان فَقَالَ لَهُ: يَا ربيع أَخْبرنِي عَمَّا أدْركْت من الْعُمر والمدى وَرَأَيْت من الخطوب الْمَاضِيَة. فَقَالَ: أَنا الَّذِي أَقُول: (هَا أَنا ذَا آمل الخلود وَقد ... أدْرك عَقْلِي ومولدي حجرا) فَقَالَ عبد الْملك: قد رويت هَذَا من شعرك وَأَنا صبيٌّ. قَالَ: وَأَنا الْقَائِل: (إِذا عَاشَ الْفَتى مِائَتَيْنِ عَاما ... فقد ذهب اللذاذة والفتاء) قَالَ: وَقد رويت هَذَا من شعرك وَأَنا غُلَام وَأَبِيك يَا ربيع لقد طَار بك جدٌّ غير عاثر ففصل لي عمرك. قَالَ: عِشْت مِائَتي سنة فِي فَتْرَة عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام وَعشرا وَمِائَة سنة فِي الْجَاهِلِيَّة وَسِتِّينَ سنة فِي الْإِسْلَام.) قَالَ: فَأَخْبرنِي: عَن فتيةٍ من قُرَيْش متواطئي الْأَسْمَاء. قَالَ: سل عَن أَيهمْ شِئْت. قَالَ: أَخْبرنِي عَن عبد الله بن عَبَّاس. قَالَ: فهمٌ وَعلم وعطاءٌ جذم ومقرًى ضخم. قَالَ: فَأَخْبرنِي عَن عبد الله بن عمر. قَالَ: حلم وَعلم وَطول كظم وبعدٌ من الظُّلم. قَالَ: فَأَخْبرنِي عَن عبد الله بن جَعْفَر. قَالَ: رَيْحَانَة طيبٌ رِيحهَا لينٌ مَسهَا قَلِيل على الْمُسلمين ضرها. قَالَ: فَأَخْبرنِي عَن عبد الله بن الزبير. قَالَ: جبلٌ وعر ينحدر مِنْهُ الصخر.

قَالَ السَّيِّد رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: إِن كَانَ هَذَا الْخَبَر صَحِيحا فَيُشبه أَن يكون سُؤال عبد الْملك إِنَّمَا كَانَ فِي أَيَّام مُعَاوِيَة لَا فِي ولَايَته لِأَن الرّبيع يَقُول فِي الْخَبَر: عِشْت فِي الْإِسْلَام سِتِّينَ سنة وَعبد الْملك ولي فِي سنة خمس وَسِتِّينَ من الْهِجْرَة. فَإِن كَانَ صَحِيحا فَلَا بُد مِمَّا ذَكرْنَاهُ. فقد رُوِيَ أَن الرّبيع أدْرك أَيَّام مُعَاوِيَة. وَيُقَال: إِن الرّبيع لما بلغ مِائَتي سنة قَالَ: أَلا أبلغ بني بني ربيعٍ ... ... . . الأبيات الْمُتَقَدّمَة وَقَوله: عطاءٌ جذم أَي: سريع. وكل شَيْء تسرعت بِهِ فقد جذمته. وَفِي الحَدِيث: إِذا أَذِنت فرتل وَإِذا أَقمت فاجذم أَي: أسْرع. والمقرى: الْإِنَاء الَّذِي يقرى فِيهِ الضَّيْف. انْتهى مَا ذكره السَّيِّد المرتضى. وَقَالَ ابْن السَّيِّد فِي شرح أَبْيَات الْجمل: روى الروَاة أَن الرّبيع بن ضبع عَاشَ حَتَّى أدْرك الْإِسْلَام وَأَنه قدم الشَّام على مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان وَمَعَهُ حفداته. وَدخل حفيده على مُعَاوِيَة فَقَالَ لَهُ: اقعد با شيخ. فَقَالَ لَهُ: وَكَيف يقْعد من جده بِالْبَابِ فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَة: لَعَلَّك من ولد الرّبيع بن ضبع فَقَالَ: أجل. فَأمره بِالدُّخُولِ فَلَمَّا دخل سَأَلَهُ مُعَاوِيَة عَن سنه فَقَالَ: ...

(كَأَنَّهَا درةٌ منعمةٌ ... من نسوةٍ كن قبلهَا دررا) (أصبح مني الشَّبَاب مبتكرا ... إِن ينأ عني فقد ثوى عصرا) إِلَى آخر الأبيات الْمُتَقَدّمَة. فَقَرَأَ مُعَاوِيَة: وَمن نعمره ننكسه فِي الْخلق. انْتهى. وَقد أورد أَبُو زيد فِي نوادره هَذِه الأبيات كَذَا. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: الزخين بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة. وَقَالَ الْأَخْفَش: الَّذِي صَحَّ عندنَا بِالْجِيم. وَقَوله: أصبح مني الشَّبَاب إِلَخ حسر الْبَعِير: أعيا. وروى: مبتكراً اسْم فَاعل من الابتكار.) وَقَوله: فارقنا أَي: الشَّبَاب. وَهَذَا الْبَيْت أوردهُ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي على أَن المُرَاد: أَرَادَ فراقنا. قَالَ ابْن جني فِي الْمُحْتَسب: ظَاهر هَذَا الْبَيْت إِلَى التَّنَاقُض لأَنا إِذا فارقنا فقد فارقناه لَا محَالة فَمَا معنى قَوْله من بعد: قبل أَن نفارقه. وَهُوَ عندنَا على إِقَامَة الْمُسَبّب مقَام السَّبَب

وَهُوَ وضع الْمُفَارقَة مَوضِع الْإِرَادَة لقرب أَحدهمَا من الآخر. وروى بدله: وَدعنَا قبل أَن نودعه قَالَ الدماميني فِي الْحَاشِيَة الْهِنْدِيَّة على الْمُغنِي: وَقع فِي حماسة أبي تَمام قَول ربيع بن زِيَاد يرثي مَالك بن زُهَيْر الْعَبْسِي: الْكَامِل (من كَانَ مَسْرُورا بمقتل مالكٍ ... فليأت نسوتنا بِوَجْه نَهَار) (يجد النِّسَاء حواسراً يندبه ... بالصبح قبل تبلج الأسحار) قَالَ المرزوقي: إِنِّي لأتعجب من أبي تَمام مَعَ تكلفة رم جَوَانِب مَا اخْتَارَهُ من الأبيات كَيفَ ترك قَوْله: فليأت نسوتنا وَهِي لفظةٌ شنيعة جدا. وَأَصْلحهُ المرزوقي بقوله: فليأت ساحتنا. قَالَ التَّفْتَازَانِيّ: وَأَنا أتعجب من جَار الله كَيفَ لم يُورِدهُ على هَذَا الْوَجْه وحافظ على لفظ الشَّاعِر دراية مَعَ زَعمه أَن الْقُرَّاء يقرؤون الْقُرْآن برأيهم. وَأَنا أتعجب من إنشاد

صَاحب الْمُغنِي لمثل هَذَا الْبَيْت أوردهُ هُنَا مَعَ أَنه أشنع من بَيت الحماسة وأفحش. وَلَقَد كَانَ فِي غنية بِمَا أوردهُ من الْكتاب وَالسّنة. قَالَ ابْن نباتة فِي مطلع الْفَوَائِد وَمجمع الفرائد: فِي قَوْله: بالصبح قبل تبلج الأسحار سؤالٌ لطيف وَهُوَ أَن الصُّبْح لَا يكون إِلَّا بعد تبلج الأسحار فَكيف يَقُول قبله وَالْجَوَاب: أَنه أَرَادَ بقوله: يندبه بالصبح أَنَّهُنَّ يصفنه بالخلال المضيئة والمناقب الْوَاضِحَة الَّتِي هِيَ كالصبح. انْتهى. وَقَوله: أَصبَحت لَا أحمل السِّلَاح إِلَخ أورد فِي التفسيرين عِنْد قَوْله تَعَالَى: فهم لَهَا مالكون على أَن الْملك الضَّبْط والتسخير كَمَا فِي قَوْله: لَا أملك رَأس الْبَعِير أَي: لَا أضبطه. وَقَوله: وَالذِّئْب أخشاه إِلَخ أوردهُ سِيبَوَيْهٍ فِي كِتَابه والزجاجي فِي جمله وَابْن هِشَام فِي شرح) الألفية بَاب الِاشْتِغَال على أَن الذِّئْب مَنْصُوب بفعلٍ يفسره أخشاه. يَقُول: قد ضعفت قواه عَن حمل سلَاح الْحَرْب وَصَارَ فِي حَال من لَا يقدر على تصريف الْبَعِير إِذا رَكبه وَيخَاف الذِّئْب أَن يعدو عَلَيْهِ ويتأذى بِالرِّيحِ إِذا هبت والأمطار إِذا نزلت. وَحجر بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَالْجِيم هُوَ أَبُو امْرِئ الْقَيْس الشَّاعِر. وَقَوله: طَال ذَا عمرا هُوَ تعجب. أَي: مَا أطول هَذَا الْعُمر. وَقَوله: من بعد مَا قُوَّة إِلَخ مَا زَائِدَة. وأعالج أَي: أقاسي أمراض الْكبر.

(الشاهد السادس والأربعون بعد الخمسمائة)

وَأنْشد بعده 3 - (الشَّاهِد السَّادِس وَالْأَرْبَعُونَ بعد الْخَمْسمِائَةِ) وَهُوَ من أَبْيَات الْأُصُول: الْكَامِل (فِيهَا اثْنَتَانِ وَأَرْبَعُونَ حلوبةً ... سُودًا كخافية الْغُرَاب الأسحم) على أَنه يجوز وصف الْمُمَيز الْمُفْرد بِالْجمعِ بِاعْتِبَار الْمَعْنى كَمَا فِي الْبَيْت فَإِن حلوبة مُمَيّز مُفْرد للعدد وَقد وصف بِالْجمعِ وَهُوَ سود: جمع سَوْدَاء. قَالَ ابْن السراج فِي الْأُصُول: وَتقول: عِنْدِي عشرُون رجلا صَالحا وَعِشْرُونَ رجلا صَالِحُونَ وَلَا يجوز صالحين على أَن تَجْعَلهُ صفة رجل. فَإِن كَانَ جمعا على لفظ الْوَاحِد جَازَ فِيهِ وَجْهَان تَقول: عِنْدِي عشرُون درهما جياداً وجيادٌ. وَمن رفع جعله صفة للعشرين وَمن نصب أتبعه التَّفْسِير. وَهَذَا الْبَيْت ينشد على وَجْهَيْن: (فِيهَا اثْنَتَانِ وَأَرْبَعُونَ حلوبةً ... سُودًا كخافية الْغُرَاب الأسحم) ويروى: سودٌ بِالرَّفْع. وَتقول: عِنْدِي ثَلَاث نسْوَة عجوزان وشابةٌ وعجوزين وشابةٌ ترد مرّة على ثَلَاث وَمرَّة على نسْوَة. انْتهى. فَعرف أَن كَلَام الشَّارِح لَيْسَ على إِطْلَاقه وَيَنْبَغِي تَقْيِيده بِأَن تكون الصّفة على زنة الْمُفْرد بِأَن لَا تكون جمعا. قَالَ أَبُو جَعْفَر والخطيب والتبريزي: قَوْله: سُودًا نعت لحلوبة

لِأَنَّهَا فِي معنى الْجَمَاعَة وَالْمعْنَى من) الحلائب. ويروى: سودٌ على أَن يكون نعتاً لقَوْله: اثْنَتَانِ وَأَرْبَعُونَ. فَإِن قيل: كَيفَ جَازَ أَن ينعتهما وَأَحَدهمَا مَعْطُوف على صَاحبه قيل: لِأَنَّهُمَا قد اجْتمعَا فصارا بِمَنْزِلَة قَوْلك: جَاءَنِي زيد وعمرٌ والظريفان. انْتهى. قَالَ الْعَيْنِيّ: الشَّاهِد فِي قَوْله: سُودًا فَإِنَّهَا نعتٌ لقَوْله حلوبة وروعي فِيهَا اللَّفْظ. انْتهى. وَوجه مَا قَالَه شرَّاح معلقَة عنترة: أَبُو جَعْفَر النَّحْوِيّ والأعلم والخطيب أَن الحلوبة تسْتَعْمل فِي الْوَاحِد وَالْجمع على لفظٍ وَاحِد يُقَال: ناقةٌ حلوبة وإبلٌ حلوبة. وَقَالَ الزوزني فِي شرح الْمُعَلقَة: الحلوبة: جمع الحلوب عِنْد الْبَصرِيين وَكَذَلِكَ قتوبة وقتوب وركوبة وركوب. وَقَالَ غَيرهم: هِيَ بِمَعْنى محلوب وفعولٌ إِذا كَانَ بِمَعْنى الْمَفْعُول جَازَ أَن تلْحقهُ التَّاء. انْتهى. وعَلى هَذَا لَا شَاهد فِيهِ وَيكون من وصف الْجمع بِالْجمعِ. وَلم يذكر الإِمَام المزوقي فِي شرح الفصيح غير هَذَا الْأَخير قَالَ: وفعول إِذا كَانَ فِي معنى مفعول قد تلْحقهُ الْهَاء نَحْو: ركوبة وحلوبة وقتوبة. وَأنْشد هَذَا الْبَيْت. وَبِمَا تقدم يرد قَول الأعلم فِي زَعمه أَن سُودًا لَيْسَ بِوَصْف الحلوبة. قَالَ: قَوْله: سُودًا حَال من قَوْله: اثْنَتَانِ وَأَرْبَعُونَ وَهُوَ حَال من نكرَة.

وَيجوز رَفعه على النَّعْت. وَلَا يكون نعتاً لحلوبة لِأَنَّهَا مُفْردَة إِذْ كَانَت تمييزاً للعدد وسوداً جمع وَلَا ينعَت الْوَاحِد بِالْجمعِ. انْتهى. وَيعرف جَوَابه مِمَّا سقناه. وَالْبَيْت من معلقَة عنترة بن شَدَّاد الْعَبْسِي وَقَبله: الْكَامِل (مَا راعني إِلَّا حمولة أَهلهَا ... وسط الديار تسف حب الخمخم) راعني: أفزعني. والحمولة بِفَتْح الْحَاء: الْإِبِل الَّتِي يحمل عَلَيْهَا. ووسط: ظرف. وتسف: تَأْكُل يُقَال: سففت الدَّوَاء وَغَيره بِالْكَسْرِ أسفه بِالْفَتْح. قَالَ أَبُو عَمْرو الشَّيْبَانِيّ: والخمخم بِكَسْر الخائين المعجمتين: بقله لَهَا حبٌّ أسود إِذا أَكلته الْغنم قلت أَلْبَانهَا وتغيرت. وَإِنَّمَا وصف أَنَّهَا تَأْكُل هَذَا لِأَنَّهَا لم تَجِد غَيره. وروى ابْن الْأَعرَابِي: الحمحم بِكَسْر الحائين الْمُهْمَلَتَيْنِ يرْوى بضمهما. وَقَالَ: الحمحم أسْرع هيجاً أَي: يبساً من الخمخم.) وَإِنَّمَا راعه كَون الحمولة وسط الدَّار لِأَنَّهَا كَانَت عازبةً فِي المرعى فَلَمَّا أَرَادوا الرحيل ردوهَا إِلَى الديار ليتحملوا عَلَيْهَا فأفزعه ذَلِك. وَقَالَ الْخَطِيب: معنى الْبَيْت أَنه راعه سف الحمولة حب الخمخم لِأَنَّهُ لم يبْق شَيْء إِلَّا الرحيل فَصَارَت تَأْكُل حب الخمخم وَذَلِكَ أَنهم كَانُوا مُجْتَمعين فِي الرّبيع فَلَمَّا يبس البقل ارتحلوا وَتَفَرَّقُوا. يَقُول: لما جِئْت فَنَظَرت إِلَى أَهلهَا قد تحملوا أفزعني ذَلِك لفراقي إِيَّاهَا. وَقَوله: فِيهَا اثْنَتَانِ وَأَرْبَعُونَ حلوبة إِلَخ أَي: فِي هَذِه الحمولة من النوق الَّتِي تحلب اثْنَتَانِ وَأَرْبَعُونَ حلوبة. وَقَالَ الْعَيْنِيّ: الضَّمِير راجعٌ للركاب فِي بَيت قبله.

وَهَذَا خلاف الظَّاهِر مَعَ الْقرب. وفيهَا خبر مقدم وَاثْنَتَانِ: مُبْتَدأ مُؤخر وَالْجُمْلَة حَال من الحمولة. قَالَ أَبُو جَعْفَر والخطيب: اثْنَتَانِ مَرْفُوع بِالِابْتِدَاءِ وَإِن شِئْت بالاستقرار. يُرِيد: أَن فِيهَا حالٌ من حمولة وَاثْنَتَانِ فَاعل فِيهَا. وَقَالا: ويروى: خلية بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة بدل حلوبة. والخلية: أَن يعْطف على الحوار ثلاثٌ من النوق ثمَّ يتخلى الرَّاعِي بواحدةٍ مِنْهُنَّ. فَتلك الخلية. وأوضح مِنْهُ أَن الخلية ناقةٌ تعطف مَعَ أُخْرَى على ولدٍ وَاحِد فتدران عَلَيْهِ ويتخلى أهل الْبَيْت بواحدةٍ يحلبونها. وَقَوله: كخافية صفة سُودًا. وَشبه سَواد تِلْكَ النوق الحلائب بسواد خوافي الْغُرَاب وَهِي أَوَاخِر الريش من الْجنَاح مِمَّا يَلِي الظّهْر سمين بذلك لخفائها. والأسحم: الْأسود. وَإِنَّمَا خص الخوافي لِأَنَّهَا أبسط وَأَشد بريقاً وألين. وَإِنَّمَا ذكر أَن فِي إبلهم هَذَا الْعدَد من الحلوبة السود ليخبر بكثرتهم وَكَثْرَة إبلهم لِأَنَّهُ إِذا كَانَ فِي إبلهم هَذَا الْعدَد من هَذَا الصِّنْف على غرابته وقلته فَغَيره من أَصْنَاف الْإِبِل أَكثر من أَن يُحْصى عدده. وَإِنَّمَا وصفهَا بالسود لِأَنَّهَا أنفس الْإِبِل عِنْدهم وأعزها. وترجمة عنترة صَاحب الْمُعَلقَة تقدّمت فِي الشَّاهِد الثَّانِي عشر من أَوَائِل الْكتاب.

(الشاهد السابع والأربعون بعد الخمسمائة)

وَأنْشد بعده 3 - (الشَّاهِد السَّابِع وَالْأَرْبَعُونَ بعد الْخَمْسمِائَةِ) وَهُوَ من شَوَاهِد س: الطَّوِيل (وَكَانَ مجني دون من كنت أتقي ... ثَلَاث شخوصٍ: كاعبان ومعصر) على أَنه يجوز اعْتِبَار الْمَعْنى فتجرد عَلامَة التَّأْنِيث من عدد الْمُؤَنَّث الْمَعْنَوِيّ كَمَا هُنَا فَإِنَّهُ جرد ثَلَاثًا من التَّاء لكَون شخوص بِمَعْنى نسَاء بِدَلِيل الْإِبْدَال عَنهُ بِمَا بعده. قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَزعم يُونُس عَن رؤبة أَنه قَالَ: ثَلَاث أنفس على تَأْنِيث النَّفس كَمَا تَقول: ثَلَاث أعين للعين من النَّاس. قَالَ الحطيئة: الوافر (ثَلَاثَة أنفسٍ وَثَلَاث ذودٍ ... لقد جَار الزَّمَان على عيالي) وَقَالَ عمر بن أبي ربيعَة: (فَكَانَ مجني دون من كنت أتقي ... ثَلَاث شخوصٍ: كاعبان ومعصر) فأنث الشَّخْص إِذْ كَانَ فِي الْمَعْنى أُنْثَى. انْتهى. قَالَ أَبُو جَعْفَر النّحاس: قَرَأت على أبي الْحسن عَليّ بن سُلَيْمَان عَن أبي الْعَبَّاس الْمبرد هَذَا الْبَيْت. قَالَ أَبُو الْعَبَّاس: لما اضْطر جعل الشَّخْص بَدَلا من امْرَأَة إِذْ كَانَ يقصدها بِهِ وَلذَلِك قَالَ: كاعبان ومعصر فأبان.

وَمن ذَلِك قَول الله عَزَّ وَجَلَّ: من جَاءَ بِالْحَسَنَة فَلهُ عشر أَمْثَالهَا لِأَن الْمَعْنى واقعٌ على حَسَنَات وأمثال نعتٌ لما وَقع عَلَيْهِ الْعدَد. وَكَذَلِكَ: وقطعناهم اثْنَتَيْ عشرَة أسباطاً لِأَن الْمَعْنى واقعٌ على جماعات. وعَلى هَذَا تَقول: عِنْدِي عشرَة نسابات لِأَنَّك تُرِيدُ الرِّجَال وَإِنَّمَا نسابات نعت. وَتقول: إِذا عنيت الْمُذكر: عِنْدِي ثَلَاثَة دوابٌ يَا فَتى لِأَن الدَّوَابّ نعت فكأنك قلت: عِنْدِي ثَلَاثَة براذين دَوَاب. وَتقول: عِنْدِي خمسٌ من الشَّاء لِأَن الْوَاحِدَة شاةٌ لذكر كَانَ أَو أُنْثَى. انْتهى. وَمَا نَقله عَن الْمبرد هُوَ مسطور فِي الْكَامِل قَالَ فِيهِ: قَوْله: ثَلَاث شخوص الْوَجْه ثَلَاثَة شخوص وَلكنه قصد إِلَى نساءٍ أنث على الْمَعْنى. وَأَبَان مَا أَرَادَ بقوله: كاعبان ومعصر. وَمثله قَول الشَّاعِر: الطَّوِيل) (فَإِن كلاباً هَذِه عشر أبطنٍ ... وَأَنت برئٌ من قبائلها الْعشْر) فَقَالَ: عشر أبطن لِأَن الْبَطن قَبيلَة وَأَبَان ذَلِك فِي قَوْله: من قبائلها الْعشْر. وَقَالَ الله عَزَّ وَجَلَّ: من جَاءَ بِالْحَسَنَة فَلهُ عشر أَمْثَالهَا لِأَن الْمَعْنى حَسَنَات. انْتهى. وَكَذَا قَالَ السكرِي فِي شرح أشعار اللُّصُوص قَالَ: كَانَ يجب أَن يَقُول: ثَلَاثَة لِأَن الشخوص مذكرة وَلكنه ذهب إِلَى أَعْيَان النِّسَاء لِأَنَّهُنَّ مؤنثات وَإِن كَانَ سَبَب اللَّفْظ مذكراً.

وَقد أدرج ابْن جني فِي الخصائص هَذَا فِي فصل سَمَّاهُ الْحمل على الْمَعْنى قَالَ: اعْلَم أَن هَذَا الشرج غورٌ من الْعَرَبيَّة بعيد وَمذهب نازح فصيح قد ورد بِهِ الْقُرْآن وفصيح الْكَلَام منثوراً ومنظوماً كتأنيث الْمُذكر وتذكير الْمُؤَنَّث وتصور معنى الْوَاحِد فِي الْجَمَاعَة وَالْجَمَاعَة فِي الْوَاحِد. ثمَّ قَالَ: فَمن تذكير الْمُؤَنَّث قَول الحطيئة: ثَلَاثَة أنفس ذهب بِالنَّفسِ إِلَى الْإِنْسَان فَذكر. وَقَالَ عمر: ثَلَاث شخوص أَنْت الشَّخْص لِأَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الْمَرْأَة. انْتهى. وَقَالَ ابْن السّكيت فِي كتاب الْمُذكر والمؤنث: أَنْت الشخوص لِأَنَّهَا شخوص إناث. فَلَو قلت: ثَلَاثَة شخوص كَانَ أَجود لِأَن الشَّخْص ذكر وَإِن كَانَ لأنثى. وَمِمَّا اجْتمعت عَلَيْهِ الْعَرَب لإيثار الْمُضمر على الظَّاهِر قَوْلهم: ثَلَاثَة أنفس وَثَلَاثَة أَعْيَان. والخليل يخْتَار: ثَلَاث أعين. وَالْعين وَالنَّفس أنثيان فَذَهَبُوا إِلَى أَعْيَان الرِّجَال وأنفس الرِّجَال. فَإِذا وجهت النَّفس إِلَى الرجل أَو الْمَرْأَة ذهبت بهما جَمِيعًا إِلَى التَّذْكِير لِأَنَّهُ غير مؤنث فَتَصِير النَّفس تُؤدِّي عَن الْإِنْسَان وَيُؤَدِّي الْإِنْسَان عَن الذّكر وَالْأُنْثَى فَتَقول: ثَلَاثَة أنفس كَمَا تَقول: ثَلَاثَة من النَّاس وَإِن عنيت نسَاء. فَإِن أردْت الزَّوْج كَانَت النَّفس أُنْثَى وَإِذا أفردتها بِفعل أَو وصفتها بِهِ عاملتها مُعَاملَة التَّأْنِيث كَمَا قَالَ الله تَعَالَى: خَلقكُم من نفس وَاحِدَة وَلم يقل وَاحِد وَهُوَ آدم. وَقد يجوز لَك أَن تذْهب إِلَى الْمَعْنى فَإِن كَانَت أُنْثَى أنثت وَإِن كَانَ ذكرا ذكرت. وَلَيْسَ بِالْوَجْهِ. انْتهى.

والْمِجَن بِكَسْر الْمِيم: الترس. قَالَ الْعَيْنِيّ: ويروى: فَكَانَ نصيري بدل مجني وَمَعْنَاهُ: مانعي وَقَالَ ابْن سَيّده: يُؤَيّدهُ رِوَايَة من روى: فَكَانَ مجني. قَالَ: وَأكْثر النَّاس يرونه: نصيري بالنُّون. وَهُوَ تَصْحِيف. وَقَالَ أَبُو الْحجَّاج: هَذَا القَوْل فِيهِ إفراط وَرِوَايَة النُّون غير بعيدَة من الصَّوَاب وَإِن كَانَ رِوَايَة) الْبَاء أظهر لقَوْله: دون وَلم يقل: على المستعملة مَعَ النَّصْر فِي مثل هَذَا النَّحْو. انْتهى. والكاعب قَالَ الْجَوْهَرِي: هِيَ الْجَارِيَة الَّتِي يَبْدُو ثديها للنهود. وَقد كعبت تكعب بِالضَّمِّ كعوباً وكعبت بِالتَّشْدِيدِ تكعيباً مثله. ومعصر بِضَم الْمِيم وَكسر الصَّاد هِيَ الْجَارِيَة أول مَا أدْركْت وحاضت. يُقَال: قد أعصرت كَأَنَّهَا دخلت عصر شبابها أَو بلغته. قَالَ الراجز: الرجز (جَارِيَة بسفوان دارها ... يرتج عَن مثل النقا إزَارهَا) قد أعصرت أَو قد دنا إعصارها وَالْبَيْت من قصيدة طَوِيلَة لعمر بن أبي ربيعَة تقدم نقلهَا فِي الشَّاهِد التسعين بعد الثلثمائة. وَهَذِه أَبْيَات قبله: (فَلَمَّا تقضى اللَّيْل إِلَّا أَقَله ... وكادت توالي نجمه تتغور) ...

(أشارت بِأَن الْحَيّ قد حَان مِنْهُم ... هبوبٌ وَلَكِن موعدٌ لَك عزور) (فَقلت: أباديهم فإمَّا أفوتهم ... وَإِمَّا ينَال السَّيْف ثأراً فيثأر) (فَقَالَت: أتحقيقاً لما قَالَ اكشحٌ ... علينا وَتَصْدِيقًا لما كَانَ يُؤثر) (فَإِن كَانَ مَا لَا بُد مِنْهُ فَغَيره ... من الْأَمر أدنى للخفاء وأستر) (أقص على أُخْتِي بَدْء حديثنا ... وَمَالِي من أَن تعلما مُتَأَخّر) (لعلهما أَن تبغيا لَك مخرجا ... وَأَن ترحبا سرباً بِمَا كنت أحْصر) (فَقَالَت لأختيها: أعينا على فَتى ... أَتَى زَائِرًا وَالْأَمر لِلْأَمْرِ يقدر) (فأقبلتا فارتاعتا ثمَّ قَالَتَا: ... أقلي عَلَيْك اللوم فالخطب أيسر) (يقوم فَيَمْشِي بَيْننَا متنكراً ... فَلَا سرنا يفشو وَلَا هُوَ يبصر) (فَكَانَ مجني دون من كنت أتقي ... ثَلَاث شخوصٍ كاعبان ومعصر) التوالي: التَّتَابُع. وتتغور: تغور فتذهب وَهُوَ مَأْخُوذ من الْغَوْر. والهبوب: الانتباه يُقَال: هَب من نَومه إِذا اسْتَيْقَظَ. وعزور بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الزَّاي الْمُعْجَمَة بعْدهَا وَاو

مَفْتُوحَة قَالَ أَبُو عَليّ: هِيَ ثنية الْجحْفَة. وَقَالَ السكونِي: عزور: جبلٌ بَينه وَبَين جبل رضوى قدر شوط الْفرس. وهما جبلان شاهقان) ورضوى من يَنْبع على يَوْم وَمن الْمَدِينَة على سبع مراحل ميامنةً طَرِيق الْمَدِينَة ومياسرة طَرِيق الْبر لمن كَانَ مصعداً إِلَى مَكَّة وعَلى لَيْلَتَيْنِ من الْبَحْر. كَذَا فِي مُعْجم مَا استعجم للبكري. وأيقاظ: جمع يقظ بِفَتْح الْيَاء وَضم الْقَاف بِمَعْنى يقظان. وَقَوله: فَقَالَت أتحقيقاً من كَلَام الْعَرَب: أكل هَذَا بخلا. وَذَلِكَ أَنه رَآهُ يفعل شَيْئا يكره فَقَالَ: أكل هَذَا تفعل بخلا. وَقَوله: أباديهم يُرِيد أظهر لَهُم غير مَهْمُوز. يُقَال بدا يَبْدُو غير مَهْمُوز إِذا ظهر. وَقَوله: بَدْء حديثنا: يُرِيد أول حديثنا. وَقَوله: وَأَن ترحبا يُرِيد أَن تتسعا أَي: تتسع صدورهما من قَوْلك: فلَان رحيب الصَّدْر. وَقَوله: أحْصر أَي: أضيق بِهِ ذرعا يُقَال حصر صَدره بمهملات من بَاب فَرح إِذا ضَاقَ. والسرب بِالْفَتْح: الطَّرِيق.

(الشاهد الثامن والأربعون بعد الخمسمائة)

وَقَوله: فَكَانَ مجني إِلَخ أَي: وقايتي. وَدون بِمَعْنى قُدَّام. ومجنى اسْم كَانَ وَثَلَاث بِالنّصب خَبَرهَا وَمن موصوله والعائد مَحْذُوف أَي: أتقيه. ويروى أَن يزِيد بن مُعَاوِيَة لما أَرَادَ تَوْجِيه مُسلم بن عقبَة إِلَى الْمَدِينَة اعْترض النَّاس فَمر بِهِ رجلٌ من أهل الشَّام وَمَعَهُ ترسٌ قَبِيح فَقَالَ: يَا أَخا أهل الشَّام مجن ابْن أبي ربيعَة أحسن من مجنك. وترجمة عمر بن أبي ربيعَة تقدّمت فِي الشَّاهِد السَّابِع والثمانين. وَأنْشد بعده 3 - (الشَّاهِد الثَّامِن وَالْأَرْبَعُونَ بعد الْخَمْسمِائَةِ) وَهُوَ من شَوَاهِد س: الرجز (كَأَن خصييه من التدلدل ... ظرف عجوزٍ فِيهِ ثنتا حنظل) على أَنه ضَرُورَة وَالْقِيَاس حنظلتان بِدُونِ الْعدَد لما بَينه الشَّارِح الْمُحَقق. وَأوردهُ سِيبَوَيْهٍ فِي بَاب تكسير الْوَاحِد للْجَمِيع بعد بَاب الْعدَد. قَالَ الأعلم: الشَّاهِد فِيهِ إِضَافَة ثنتا إِلَى الحنظل وَهُوَ اسْم يَقع على جَمِيع الْجِنْس. وَحقّ الْعدَد الْقَلِيل أَن يُضَاف إِلَى الْجمع الْقَلِيل. وَإِنَّمَا جَازَ على تَقْدِير: ثِنْتَانِ من الحنظل. هَذَا كَمَا قَالَ: ثَلَاثَة فلوس أَي: ثَلَاثَة من هَذَا

الْجِنْس على مَا بَينه فِي الْبَاب. والتدلدل: التَّعَلُّق وَالِاضْطِرَاب. وَكَانَ الْوَجْه أَن يَقُول: حنظلتان فبناه على قِيَاس الثَّلَاثَة وَمَا بعْدهَا إِلَى الْعشْرَة. وَإِنَّمَا خص ظرف الْعَجُوز لِأَنَّهَا لَا تسْتَعْمل طيبا وَلَا غَيره مِمَّا يتصنع بِهِ النِّسَاء للرِّجَال يأساً مِنْهُم وَلكنهَا تدخر الحنظل وَنَحْوه من الْأَدْوِيَة. وظرف الْعَجُوز هُوَ مزدوها الَّذِي تخزن فِيهِ متاعها. انْتهى. وَهَذَانِ البيتان أوردهما أَبُو تَمام فِي بَاب الْملح من الحماسة. وروى: سحق جراب بدل ظرف عَجُوز. قَالَ ابْن جني فِي إعرابها: أخرج التَّثْنِيَة عَن أَصْلهَا وَذَلِكَ أَن قياسها على الْجمع عِنْدِي اثْنَا رجال كَقَوْلِهِم: عِنْدِي ثَلَاثَة رجال غير أَن التَّثْنِيَة لما أمكنك فِيهَا انتظام الْعدة وَبَيَان النَّوْع غنيت بِقَلِيل اللَّفْظ عَن كَثِيره أَي: غنيت برجلان عَن اثْنَا رجال. فَلَمَّا قَالَ ثنتا حنظل علمت بذلك أَنه أخرجه على قِيَاس الْجمع. وَيُرِيد: كَأَن

خصييه بِمَا عَلَيْهِمَا من الصفن أَو كَأَن مَا عَلَيْهِمَا مِنْهُ بهما سحق جراب فِيهِ ثنتا حنظل فَحذف اختصاراً أَو علما بِمَا يعنيه. انْتهى. وَأوردهُ الشَّارِح الْمُحَقق فِي بَاب التَّثْنِيَة. وَسَيَأْتِي الْكَلَام عَلَيْهِ إِن شَاءَ الله هُنَاكَ فِي وَجه تَثْنِيَة خصي. والسحق بِالْفَتْح: الْخلق. والحنظل وَاحِدهَا حَنْظَلَة. وَرُوِيَ عَن أبي حَاتِم أَنه قَالَ: الحنظل هَا هُنَا الثوم. وأوردهما الأعلم فِي حماسته بِرِوَايَة: ظرف عَجُوز. وَكتب فِي الْهَامِش: شبه خصيتيه فِي) استرخاء صنفهما وتجلجل بيضتهما حِين شاخ وَاسْتَرْخَتْ جلدَة استه بظرف عَجُوز فِيهِ حنظلتان. وَخص الْعَجُوز لِأَنَّهَا لَا تسْتَعْمل الطّيب وَلَا تتزين للرِّجَال فَيكون فِي ظرفها مَا لَا تتزين بِهِ وَلكنهَا تدخر الحنظل وَنَحْوه من الْأَدْوِيَة. وَيحْتَمل أَن يكون هَذَا فِي وصف شُجَاع لَا يجبن فِي الْحَرْب فتتقلص خصيتاه. وَيحْتَمل أَن يكون هجواً. وَوَجهه أَن يصف شَيخا قد كبر وأسن وَلذَلِك قَالَ: ظرف عَجُوز لِأَن ظرف الْعَجُوز خلقٌ متقبض فِيهِ تشنج لقدمه فَلذَلِك شبه جلد الخصية بِهِ للغصون الَّتِي فِيهِ. وَالْأولَى أَن يكون هجواً لذكره الْعَجُوز مَعَ تصريحه بِذكر الخصيتين. وَمثل هَذَا لَا يصلح للمدح. انْتهى. وَهَذَا الْكَلَام هُوَ مَا قَالَه أَبُو عبد الله النمري فِي شرح الحماسة وزيفه أَبُو مُحَمَّد الْأَعرَابِي الشهير بالأسود الغندجاني. قَالَ فِيمَا كتبه على شرح النمري: قَالَ أَبُو عبد الله: هَذَا يحْتَمل الذَّم والمدح إِلَّا أَن يكون لَهُ

تَمام فَيحمل عَلَيْهِ. فَأَما الذَّم فَهُوَ أَن يصف شَيخا قد اضْطربَ جلده لكبر سنه وهرمه. وَأما الْمَدْح فَهُوَ أَن هَذَا مَوضِع الْمثل: لَا تقعن الْبَحْر إِلَّا سابحاً قَوْله: هَذَا يحْتَمل الذَّم والمدح يدل على أَنه لم يمارس الْأَشْعَار والأراجيز وَلم يسْتَقرّ الدَّوَاوِين. وَمثل هَذَا الْبَيْت لَا يعرف مَعْنَاهُ قِيَاسا إِلَّا بِمَعْرِِفَة مَا يتقدمه من الأبيات. وَقد أثبتها لَك هَا هُنَا لِئَلَّا يشْتَبه عَلَيْك من معنى الْبَيْت مَا اشْتبهَ على أبي عبد الله فتكونا زندين فِي مرقعة. والأبيات لخطامٍ الْمُجَاشِعِي وَهِي من نَوَادِر الرجز: (يَا رب بَيْضَاء بوعس الأرمل ... شَبيهَة الْعين بعيني مغزل) (فِيهَا طماحٌ عَن حليلٍ حنكل ... وَهِي تُدَارِي ذَاك بالتجمل) (قد شفعت بناشئٍ هبركل ... ينفض عطفي خضل مرجل) (يحْسب مختالاً وَإِن لم يخْتل ... دس إِلَيْهَا برسولٍ مُجمل)) (عَن كَيفَ بالوصل لكم أم كَيفَ لي ... فَلم تزل عَن زَوجهَا المختشل) (ابْعَثْ وَكن فِي الرائحين أَو كل ... وكل مَا أكلت فِي مُحَلل) ...

(وأوقرن يَا هديت جملي ... حَتَّى إِذا دب الرِّضَا فِي الْمفصل) (من الرِّضَا جنعدل التكتل ... كَأَن خصييه من التدلدل) (ظرف عجوزٍ فِيهِ ثنتا حنظل ... لما غَدا تبهلت: لَا تأتلي) عَن: رب يَا رب عَلَيْهِ عجل برهصةٍ تقتله أَو دمل أَو حيةٍ تعض فَوق الْمفصل قَالَ أَبُو مُحَمَّد الْأَعرَابِي: فَقَوله: كَأَن خصييه من التدلدل أَذمّ ذمٍّ يكون فِي الشَّيْخ. وَذَلِكَ أَنَّهُمَا يتدليان من الْكبر كَمَا قَالَ الآخر: الرجز (قد حَلَفت بِاللَّه لَا أحبه ... أَن طَال خصياه وَقصر زبه) يُقَال لمن هَذِه صفته: الدودري. انْتهى مَا أوردهُ. وبَيْضَاء: امْرَأَة حسناء. والوعس: جمع وعساء وَهِي أرضٌ لينَة ذَات رمل. والأرمل: جمع رمل. ومغزل: ظَبْيَة ذَات غزال. شبه عينهَا بِعَين الظبية. والطماح بِالْكَسْرِ: الجماح. والحليل: الزَّوْج. وروى: خَلِيل بِالْمُعْجَمَةِ وَهُوَ الصّديق. والحنكل بِفَتْح الْحَاء وَسُكُون النُّون وَفتح الْكَاف: الْقصير واللئيم والجافي الغليظ. كَذَا فِي الْقَامُوس. وتُدَارِي من المداراة. والتجمل: تكلّف الْجَمِيل. وَقَوله: قد شفعت هُوَ جَوَاب رب. وشغف الْهوى قلبه من بَاب نفع إِذا بلغ شغافه بِالْفَتْح أَي: غشاءه. والنَّاشِئ مَهْمُوز الآخر

وَهُوَ الْحَدث الَّذِي جَاوز حد الصغر. والهبركل بِفَتْح الْهَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الرَّاء وَفتح الْكَاف: الشَّاب الْحسن الْجِسْم. وينفض: يُحَرك. والْعَطف بِالْكَسْرِ: الْجَانِب. ونفض الْعَطف كنايةٌ عَن الْعجب والغرور. والخضب بِفَتْح الْخَاء وَكسر الضَّاد المعجمتين: الرطب والناعم. أَي: قوامٌ خضل. والْمرجل: الْمُوشى والمزين. ويحْسب بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول. وَالضَّمِير للناشئ. والمختال: المعجب بِنَفسِهِ. وَإِن لم يخْتل أَي: وَإِن لم يعجب بِنَفسِهِ وَأَصله يختال: حذفت الْألف لالتقاء الساكنين بِالْجَزْمِ. ودس: أرسل بخفية. وَالْبَاء فِي برَسُول زَائِدَة. ومُجمل: اسْم فَاعل من أجمل فِي الطّلب إِذا رفق.) وَقَوله: عَن كَيفَ إِلَخ عَن لُغَة فِي أَن وَهِي تفسيرية. والمختشل: اسْم فَاعل من اختشل بِالْخَاءِ والشين المعجمتين إِذا ذل وَضعف. والْمفصل بِكَسْر الْمِيم وَفتح الصَّاد: اللِّسَان. وتحيت: مصغر تَحت. والمسعل: مَحل السعال. والأزفل بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون الزَّاي وَفتح الْفَاء: الْغَضَب والحدة. وَقَوله: من الرِّضَا إِلَخ من: ابتدائية. وجنعدل بِفَتْح الْجِيم وَضمّهَا وَفتح النُّون وَسُكُون الْعين وَفتح الدَّال: الصلب الشَّديد. والتكتل: الاكتناز. وتبهلت: تضرعت ودعت. ولَا تأتلي: لَا وعَن لُغَة فِي أَن. ورب: منادى. والرهصة بِفَتْح الرَّاء: أَن يتْلف بَاطِن حافر الدَّابَّة من حجرٍ يطؤه. والدودري بِفَتْح الدَّال وَسُكُون الْوَاو وَفتح الدَّال الثَّانِيَة

وَكسر الرَّاء وَتَشْديد الْيَاء. وَفِيه لُغَة أُخْرَى: دردريٌّ بالراء مَوضِع الْوَاو. وقلا صَاحب الْقَامُوس: وَهُوَ الآدر الطَّوِيل الخصيتين وَالَّذِي يذهب وَيَجِيء فِي غير حَاجَة. وَقَالَ ابْن المستوفي: ويروى قبل الرجز الشَّاهِد قَوْله: الرجز (تَقول: يَا رباه يَا رب هَل ... إِن كنت من هَذَا منجي أحبلي) (إِمَّا بتطليقٍ وَإِمَّا بأرحلي ... أَو ارْمِ فِي وجعائه بدمل) وَقَالَ الْعَيْنِيّ فِي هَذَا: الرجز لجندل بن الْمثنى. وَفِي شرح الفصيح قَالَ ابْن السرافي: قالته سلمى الهذلية. انْتهى. أَقُول: شرح ابْن السيرافي هذَيْن الْبَيْتَيْنِ فِي شرح أَبْيَات إصْلَاح الْمنطق وَلم يذكر هَذِه الأبيات الْأَرْبَعَة الْمُتَقَدّمَة عَلَيْهِمَا وَلَا نسب الرجز لأحد. وَهَذِه عِبَارَته: التدلدل: تحرّك الشَّيْء الْمُعَلق واضطرابه. وظرف الْعَجُوز: الجراب الَّذِي تجْعَل فِيهِ خبزها وَمَا تحْتَاج إِلَيْهِ. وظرف الْعَجُوز خلقٌ متقبض فِيهِ تشنج لقدمه. وَقَالَ ابْن المستوفي: قَالَ ابْن السيرافي: حكى هَذَا الشَّاعِر عَن امرأةٍ أَنَّهَا دعت على زَوجهَا وَطلبت الرَّاحَة مِنْهُ. وَقَوْلها: هَل أَرَادَت هَل تحسن

(الشاهد التاسع والأربعون بعد الخمسمائة)

إِلَيّ بتفريق مَا بيني وَبَينه من الوصلة وَعقد التَّزْوِيج. والأحبل: جمع حَبل وَهُوَ مَا بَينهمَا من العقد. ومنجي: خبر كنت وأسكن الْيَاء من أجل القافية. وَقَوله: إِمَّا بتطليق: إِمَّا أَن يُطلق طَلَاقا بَينا. وَإِمَّا أَن يَقُول ارحلي يُرِيد بِهِ الطَّلَاق. وَحذف) المستفهم عَنهُ اعْتِمَادًا على فهم السَّامع. وَحذف جَوَاب لَا شَرط وَهُوَ إِن كنت منجياً لي من هَذَا الرجل فافعل. وَقَوله: أَو ارْمِ فِي وجعائه إِلَخ هَذَا الْبَيْت أوردهُ الْعَيْنِيّ بعد الثَّلَاثَة وَقَالَ: الوجعاء بِفَتْح الْوَاو وَسُكُون الْجِيم وَالْمدّ: الاست. وَتَقَدَّمت تَرْجَمَة خطام الْمُجَاشِعِي فِي الشَّاهِد الْخَامِس وَالثَّلَاثِينَ بعد الْمِائَة. وَأنْشد بعده 3 - (الشَّاهِد التَّاسِع وَالْأَرْبَعُونَ بعد الْخَمْسمِائَةِ) وَهُوَ من شَوَاهِد س: الطَّوِيل على أَن الْعدَد الْمُمَيز بمذكر ومؤنث مَعًا المفصول بَينه وبَينهمَا بِلَفْظ بَين أومن أَو بالمجموع إِن كَانَ المميزان يَوْمًا ولَيْلَة فالغلبة للتأنيث فَإِنَّهُ اعْتبر جَانب الْمُؤَنَّث فَذكر عدده. وَإِن كَانَ المميزان غير يَوْم وَلَيْلَة فالغلبة للتذكير.

وَهَاتَانِ المسألتان صرح بهما سِيبَوَيْهٍ. وَهَذَا نَصه: وَتقول: سَار خمس عشرَة من بَين يومٍ وَلَيْلَة لِأَنَّك ألقيت الِاسْم على اللَّيَالِي ثمَّ بيّنت فَقلت: من بَين يَوْم وَلَيْلَة. أَلا ترى أَنَّك تَقول: لخمسٍ بَقينَ أَو خلون وَيعلم الْمُخَاطب أَن الْأَيَّام قد دخلت فِي اللَّيْل فَإِذا ألقِي الِاسْم على اللَّيَالِي اكْتفي بذلك عَن الْأَيَّام كَمَا أَنَّك تَقول: أَتَيْته ضحوة وبكرة فَيعلم الْمُخَاطب أَنَّهَا ضحوة يَوْمك وبكرة يَوْمك. وَأَشْبَاه هَذَا فِي الْكَلَام كثير. فَإِنَّمَا قَوْله: من بَين يَوْم وَلَيْلَة توكيدٌ بعد مَا وَقع على اللَّيَالِي لِأَنَّهُ قد علم أَن الْأَيَّام داخلةٌ مَعَ اللَّيَالِي. قَالَ النَّابِغَة الْجَعْدِي: (فطافت ثَلَاثًا بَين يومٍ وليلةٍ ... يكون النكير أَن تضيف وتجأرا) وَتقول: أعطَاهُ خَمْسَة عشر من بَين عبدٍ وَجَارِيَة لَا يكون فِي هَذَا إِلَّا هَذَا لِأَن الْمُتَكَلّم لَا يجوز لَهُ أَن يَقُول: خَمْسَة عشر عبدا فَيعلم أَن ثمَّ من الْجَوَارِي بِعدَّتِهِمْ وَلَا خمس عشرَة جَارِيَة فَيعلم أَن ثمَّ من العبيد بعدتهن فَلَا يكون هَذَا إِلَّا مختلطاً وَيَقَع عَلَيْهِ الْإِثْم الَّذِي بَين بِهِ الْعدَد. وَقد يجوز فِي الْقيَاس خَمْسَة عشر من بَين يَوْم وَلَيْلَة وَلَيْسَ بِحَدّ كَلَام الْعَرَب. انْتهى.) وَقد عمم الشَّارِح الْمُحَقق فِي قَوْله: الْغَلَبَة للتذكير نَحْو اشْتريت عشرَة بَين عبد وَأمة وَرَأَيْت خَمْسَة عشر من النوق والْجمال. وَفِي المثالين أَربع صور. والأول مِمَّن يعقل وَالثَّانِي مِمَّن لَا يعقل وَفِي كلٍّ مِنْهُمَا إِمَّا تَقْدِيم الْمُذكر وإِمَّا تَأْخِيره. والحكم فِي الصُّور الْأَرْبَع وَاحِد وَهُوَ تَأْنِيث الْعدَد.

وَهَذَا صَرِيح قَول سِيبَوَيْهٍ: لَا يكون فِي هَذَا إِلَّا هَذَا. وَهَذَا هُوَ الظَّاهِر فَإِن الْمُذكر عَاقِلا كَانَ أَو غَيره لشرفه يغلب على الْمُؤَنَّث قدم أَو أخر. وَهَذَا يَشْمَل مَا لَو كَانَ مَعَ غير عَاقل نَحْو: اشْتريت أَرْبَعَة عشر بَين عبد ونَاقَة أَو بَين نَاقَة وعبد. وَكَذَا يغلب مؤنث الْعَاقِل على غَيره فَتَقول: اشْتريت أَربع عشرَة بَين جمل وأمة أَو بَين أمة وجمل. قَالَ أَبُو حَيَّان: وهَذَا هُوَ الْقيَاس. وَقد خَالف الْفراء فِي الثَّلَاثَة الْأَخِيرَة من الْأَرْبَع فِي عُمُوم قَول الشَّارِح الْمُحَقق فَأوجب تذكير الْعدَد فِيهَا لتغليب الْمُؤَنَّث قَالَ عِنْد تَفْسِير قَوْله تَعَالَى: يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَة أشهرٍ وَعشرا: فَإِن قلت: بَين نَاقَة وجمل غلبت التَّأْنِيث وَلم تبال أبدأت بالجمل أَو بالناقة فَقلت: عِنْدِي خمس عشرَة بَين جمل وناقة. وَلَا يجوز أَن تَقول: عِنْدِي خمس عشرَة أمة وعبداً وَلَا بَين أمة وَعبد إِلَّا بالتذكير لِأَن الذكران من غير مَا ذكرت لَك لَا يجتزأ مِنْهَا بالإناث وَلِأَن الذّكر مَوْسُوم بِغَيْر سمة الْأُنْثَى. انْتهى.

وَنقل ابْن السّكيت كَلَامه هَذَا بِحُرُوفِهِ فِي كتاب الْمُؤَنَّث والمذكر وَفِي كتاب إصْلَاح الْمنطق. وَوَافَقَ أَبُو حَيَّان الشَّارِح فِيمَن يعقل وَخَالفهُ فِيمَن لَا يعقل. قَالَ فِي الارتشاف: وَإِذا ميزت عددا مركبا بمذكر ومؤنث ذَوي عقل فَالْحكم فِي الْعدَد للمذكر سَوَاء أقدم التَّمْيِيز الْمُذكر أم أخر أَو اتَّصل بالمركب أَو انْفَصل يبين أَو كَانَ الْمُذكر نصفا أَو أقل. تَقول: اشْتريت خَمْسَة عشر عبدا وَأمة أَو أمة وعبداً أَو بَين عبد وَأمة أَو بَين أمة وَعبد تغلب الْمُذكر وَلَو كَانَ وَاحِدًا. فَإِن عدم الْعقل مِنْهُمَا فإمَّا أَن يتَّصل التمييزان بالمركب أَو يفصل ببين. فَإِن اتَّصل فَالْحكم للسابق مِنْهُمَا فَتَقول: اشْتريت سِتَّة عشر جملا وناقة وست عشرَة نَاقَة وجملاً. وَإِن فصلت بَين فَالْحكم للمؤنث. تَقول: اشْتريت سِتّ عشرَة بَين جمل وناقة وست عشرَة بَين نَاقَة وجمل. انْتهى.) وَقَول الشَّارِح الْمُحَقق: إِذا أبهمت اللَّيَالِي وَلم تذكر جرى اللَّفْظ على التَّأْنِيث إِلَخ لم يَجعله عِنْد الْإِبْهَام من بَاب التغليب مُوَافقَة لسيبويه إِذْ لَا يصدق عَلَيْهِ تَعْرِيف التغليب وَهُوَ أَن تعم كلا الصِّنْفَيْنِ بِلَفْظ أَحدهمَا إِذْ لم يذكر عِنْد الْإِبْهَام شيءٌ من اللَّيَالِي وَالْأَيَّام حَتَّى يغلب أَحدهمَا على الآخر. وَإِنَّمَا أَرَادَ الشَّارِح أَن اللَّيَالِي مستلزمة الْأَيَّام وَالْأَيَّام تابعةٌ لَهَا وداخلة

فِيهَا كَمَا قَالَ سِيبَوَيْهٍ فِي: لخمسٍ بَقينَ. قَالَ الزّجاج فِي تَفْسِير الْآيَة الْمَذْكُورَة: معنى قَوْله عَزَّ وَجَلَّ: وَعشرا يدْخل فِيهَا الْأَيَّام. زعم سِيبَوَيْهٍ أَنَّك إِذا قلت: لخمسٍ بَقينَ قد علم الْمُخَاطب أَن الْأَيَّام دَاخِلَة مَعَ اللَّيَالِي. وَزعم غَيره أَن لفظ التَّأْنِيث مغلب فِي هَذَا الْبَاب. انْتهى. وَأَرَادَ بِغَيْر سِيبَوَيْهٍ الْفراء فَإِنَّهُ زعم فِي تَفْسِيره عِنْد هَذِه الْآيَة أَنه تَغْلِيب. قَالَ: لم يقل وَعشرَة لِأَن الْعَرَب إِذا أبهمت الْعدَد من اللَّيَالِي وَالْأَيَّام غلبوا عَلَيْهِ اللَّيَالِي حَتَّى إِنَّهُم ليقولون: صمنا خمْسا من شهر رَمَضَان لِكَثْرَة تغليبهم اللَّيَالِي على الْأَيَّام. فَإِذا أظهرُوا مَعَ الْعدَد تَفْسِيره كَانَت الْإِنَاث بطرح الْهَاء والذكران بِالْهَاءِ كَمَا قَالَ الله تَعَالَى: سبع ليالٍ وَثَمَانِية أَيَّام. وَإِن جعلت الْعدَد غير مُتَّصِل بِالْأَيَّامِ كَمَا يتَّصل الْخَافِض بِمَا بعده غلبت اللَّيَالِي أَيْضا على الْأَيَّام. فَإِذا اختلطا فَكَانَت ليَالِي وأياماً غلبت التَّأْنِيث فَقلت: مضى لَهُ سبعٌ ثمَّ تَقول بعد أَيَّام: فِيهَا برد شَدِيد. وَأما الْمُخْتَلط فَقَوْل الشَّاعِر: أَقَامَت ثَلَاثًا بَين يومٍ وَلَيْلَة فَقَالَ: ثَلَاثًا وفيهَا أَيَّام. انْتهى. وَيرد عَلَيْهِ مَا ذكر من أَنه لَيْسَ من التغليب قي شَيْء وَهُوَ أول من ذهب إِلَيْهِ. لَا الزّجاج فَإِنَّهُ حاكٍ للمذهبين. وَلَا الزجاجي فَإِنَّهُ تِلْمِيذه.

قَالَ ابْن مَالك فِي فصل التَّارِيخ من شرح الكافية الشافية. أول الشَّهْر لَيْلَة طُلُوع هلاله فَلذَلِك أوثر فِي التَّارِيخ قصد اللَّيَالِي واستغني عَن قصد الْأَيَّام لِأَن كل لَيْلَة من أَيَّام الشَّهْر يتبعهَا يومٌ فأغناهم قد الْمَتْبُوع عَن التَّابِع. وَلَيْسَ هَذَا من التغليب لِأَن التغليب هُوَ أَن تعم كلا الصِّنْفَيْنِ بِلَفْظ أَحدهمَا كَقَوْلِك: الزيدون) والهندات خَرجُوا. فالواو قد عَمت الزيدين والهندات تغيباً للمذكر. وقولك: كتب لخمس خلون لَا يتَنَاوَل إِلَّا اللَّيَالِي وَالْأَيَّام مُسْتَغْنى عَن ذكرهَا لكَون المُرَاد مفهوماً. انْتهى. وَقَالَ أَبُو حَيَّان فِي الارتشاف: التأريخ عدد اللَّيَالِي وَالْأَيَّام بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا مضى من الشَّهْر أَو السّنة وَإِلَى مَا بَقِي مِنْهُمَا. وَفعله أرخ وورخ تأريخاً وتوريخاً لُغَتَانِ. فَإِن ذكرت اللَّيَالِي وَالْأَيَّام بِالنِّسْبَةِ إِلَى السّنة أَو الشَّهْر وَذكرت الْعدَد كَانَ على جنسه من تذكير وتأنيث. فَتَقول: سرت من شهر كَذَا خمس لَيَال أَو خَمْسَة أَيَّام. وَإِن لم تذكر الْمَعْدُود فالعرب تَسْتَغْنِي بالليالي عَن الْأَيَّام فَتَقول: كتب لثلاث خلون من شهر كَذَا وَلَيْسَ من تَغْلِيب الْمُؤَنَّث على الْمُذكر خلافًا لقوم مِنْهُم الزجاجي. انْتهى. وَقَالَ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي: قَالُوا: يغلب الْمُؤَنَّث على الْمُذكر فِي مَسْأَلَتَيْنِ: إِحْدَاهمَا: ضبعان فِي تَثْنِيَة ضبع للمؤنث وضبعان للمذكر إِذْ لم يَقُولُوا: ضبعانان. وَالثَّانيَِة: التأريخ فَإِنَّهُم أَرخُوا بالليالي دون الْأَيَّام. ذكر ذَلِك الزجاجي وَجَمَاعَة. وَهُوَ سهوٌ فَإِن حَقِيقَة التغليب أَن يجْتَمع شَيْئَانِ فَيجْرِي حكم أَحدهمَا على الآخر وَلَا يجْتَمع اللَّيْل وَالنَّهَار. وَلَا هُنَا تعبيرٌ عَن شَيْئَيْنِ

بِلَفْظ أَحدهمَا وَإِنَّمَا أرخت الْعَرَب بالليالي لسبقها إِذْ كَانَت أشهرهم قمرية وَالْقَمَر إِنَّمَا يطلع لَيْلًا. وَإِنَّمَا الْمَسْأَلَة الصَّحِيحَة قَوْلك: كتبته لثلاثٍ بَين يَوْم وَلَيْلَة. وضابطه أَن يكون مَعنا عددٌ مُمَيّز بمذكر كِلَاهُمَا مِمَّا لَا يعقل وفصلا من الْعدَد بِكَلِمَة بَين. فطافت ثَلَاثًا بَين يومٍ وَلَيْلَة انْتهى. قَالَ الشهَاب ابْن قَاسم الْعَبَّادِيّ فِيمَا كتبه على هَامِش الْمُغنِي: قد يكون الزجاجي عد اعْتِبَار أحد الْأَمريْنِ فِي الِاعْتِبَار على الآخر فَلَا يحكم بالسهو عَلَيْهِ. فَلْيتَأَمَّل. انْتهى. وَقَول ابْن هِشَام: قَالُوا: يغلب الْمُؤَنَّث على الْمُذكر فِي مَسْأَلَتَيْنِ إِلَخ مَأْخُوذ من درة الغواص للحريري قَالَ فِيهَا: من أصُول الْعَرَبيَّة أَنه مَتى اجْتمع الْمُذكر والمؤنث غلب حكم الْمُذكر على الْمُؤَنَّث إِلَّا فِي موضِعين: أَحدهمَا: أَنَّك مَتى أردْت تَثْنِيَة الْمُذكر وَالْأُنْثَى من الضباع قلت: ضبعان فأجريت التَّثْنِيَة) على لفظ الْمُؤَنَّث الَّذِي هُوَ ضبع لَا على لفظ الْمُذكر الَّذِي هُوَ ضبعان. وَإِنَّمَا فعل ذَلِك فِرَارًا مِمَّا كَانَ يجْتَمع من الزَّوَائِد لَو ثني على لفظ الْمُذكر. والموضع الثَّانِي: أَنهم فِي بَاب التَّارِيخ أَرخُوا بالليالي دون الْأَيَّام. وَإِنَّمَا فعلوا ذَلِك مُرَاعَاة للأسبق والأسبق من الشَّهْر ليلته. وَمن كَلَامهم: سرنا عشرا من بَين يَوْم وَلَيْلَة. انْتهى.

وَفِي كل من الْمَسْأَلَتَيْنِ نظر. أما الثَّانِيَة فقد تقدم الْكَلَام عَلَيْهَا ورد عَلَيْهِ بن بريٍّ فِيمَا كتبه على الدرة وَقَالَ: لَيْسَ بَاب التَّارِيخ مِمَّا غلب فِيهِ الْمُؤَنَّث كالضبع بل هُوَ مَحْمُول على اللَّيَالِي فَقَط كَقَوْلِك: كتبت لخمس خلون. فَإِن قلت: سرت خَمْسَة عشر مَا بَين يومٍ وَلَيْلَة فقد غلبت الْمُؤَنَّث على الْمُذكر. انْتهى. وَأما الأولى فقد حكى الضبع فِي الْمُذكر قلا تَغْلِيب فِي تثنيته. حكى الدَّمِيرِيّ فِي حَيَاة الْحَيَوَان عَن ابْن الْأَنْبَارِي أَن الضبع يُطلق على الذّكر وَالْأُنْثَى. وَكَذَلِكَ حَكَاهُ ابْن هِشَام الخضراوي فِي كتاب الإفصاح فِي فَوَائِد الْإِيضَاح للفارسي عَن أبي الْعَبَّاس وَغَيره. انْتهى. وَكَذَلِكَ حكى الدماميني فِي الْحَاشِيَة المصرية على الْمُغنِي عَن ابْن الْأَنْبَارِي. وَنقل الصَّاغَانِي فِي الْعباب عَن الْوَزير الصاحب بن عباد أَنه يُقَال: ضبعة بِالْهَاءِ وَجمعه ضبع فَيكون اسْم جنس جمعي يفرق بَينه وَبَين واحده بِالتَّاءِ. وَيُقَال أَيْضا: ضبعانةٌ مؤنث ضبعان. وَقَالَ الفيومي فِي الْمِصْبَاح: الضبع بِضَم الْبَاء فِي لُغَة قيس وبسكونها فِي لُغَة تَمِيم وَهِي أُنْثَى وَقيل: يَقع على الذّكر وَالْأُنْثَى. وَرُبمَا قيل فِي الْأُنْثَى ضبعة بِالْهَاءِ كَمَا قيل سبع وَسَبْعَة بِالسُّكُونِ مَعَ الْهَاء للتَّخْفِيف. وَالذكر ضبعانٌ وَالْجمع ضباعين مثل سرحان وسراحين. وَيجمع الضبع بِضَم الْبَاء على ضباع وبسكونها على أضبع. انْتهى.

وَقَوله صَاحب الْمُغنِي: وَلَا يجْتَمع اللَّيْل وَالنَّهَار أَي: لَفْظهمَا عِنْد قصد الْإِبْهَام فِي التَّارِيخ نَحْو: كتب لخمسٍ خلون وسرنا خمْسا وَأَرْبَعَة أشهر وَعشرا فَإِنَّهُ لم يذكر وَاحِدًا مِنْهُمَا فضلا عَن اجْتِمَاعهمَا كَمَا بَينا. فَلَا تَعْبِير عَن شَيْئَيْنِ بِلَفْظ أَحدهمَا. وَنقل بَعضهم كَلَام الْمُغنِي فِي شَرحه على الدرة وَتعقبه بقوله: وَفِيه نظرٌ لَا يخفى فَإِن قَوْله: لَا يجْتَمع اللَّيْل وَالنَّهَار إِن أَرَادَ فِي الْوُجُود فَمُسلم لكنه لَا يُفِيد لِأَن المُرَاد بالاجتماع فِي التغليب) الِاجْتِمَاع فِي الحكم وَإِرَادَة الْمُتَكَلّم لدلَالَة اللَّفْظ الْوَاقِع فِيهِ التغليب عَلَيْهِمَا. انْتهى. وَهَذِه الْإِرَادَة واهية إِذْ لَا يتَوَهَّم أحد اجْتِمَاعهمَا فِي الْوُجُود وَإِنَّمَا المُرَاد اجْتِمَاعهمَا فِي اللَّفْظ. فَإِذا لم يوجدا فِيهِ فَلَا تَغْلِيب. وَهَذَا ظَاهر. وَقَول ابْن هِشَام: وَإِنَّمَا الْمَسْأَلَة الصَّحِيحَة أَي: لتغليب الْمُؤَنَّث على الْمُذكر فِي التَّارِيخ. إِذْ الْكَلَام فِيهِ وَلَيْسَ الْمَعْنى أَنه لَا يغلب الْمُؤَنَّث على الْمُذكر إِلَّا فِي التَّارِيخ إِذْ لَيْسَ الْكَلَام على مُطلق تَغْلِيب الْمُؤَنَّث على الْمُذكر كَمَا فهمه الدماميني فِي الْحَاشِيَة الْهِنْدِيَّة. وَقَالَ مُعْتَرضًا عَلَيْهِ: أَقُول لَا اخْتِصَاص لهَذِهِ الْمَسْأَلَة بالتاريخ فَإِنَّهُ يُقَال فِي غَيره: اشْتريت عشرا بَين جملٍ وناقة. وَيُرِيد بالمثال أَنه يغلب الْمُؤَنَّث على الْمُذكر فِي غير التَّارِيخ كَمَا هُوَ مَدْلُول سِيَاق كَلَامه. ومثاله جارٍ على مَذْهَب الْفراء وَأبي حَيَّان. وَأما على مَا ذكره الشَّارِح الْمُحَقق فَيجب أَن يَقُول: اشْتريت عشرَة بالتأنيث لتغليب الْمُذكر.

وَقَول ابْن هِشَام: وضابطه أَن يكون مَعنا إِلَخ أَي: ضَابِط تَغْلِيب الْمُؤَنَّث على الْمُذكر فِي التَّارِيخ. وَلَا يُرِيد اعْتِرَاض الدماميني بقوله: يَقع التغليب بِدُونِ هَذَا الضَّابِط كَقَوْلِه تَعَالَى: أَرْبَعَة أشهرٍ وَعشرا فَإِن ابْن هِشَام قد غلط من قَالَ بالتغليب فِي نَحْوهَا فَإِن الْآيَة لَيست من التغليب فِي شَيْء كَمَا تقدم بَيَانه. وَحَاصِل كَلَام ابْن هِشَام أَن التَّارِيخ يكون بِلَا تَغْلِيب كَمَا فِي نَحْو الْآيَة وَيكون بتغليب إِذا كَانَ دَاخِلا فِي الضابطة الْمَذْكُورَة. والتغليب يكون فِيهِ وَفِي غَيره كَمَا ذكره الشَّارِح الْمُحَقق وَغَيره فِي تِلْكَ الْأَمْثِلَة. وَهَذَا مِمَّا أنعم الله بِهِ عَليّ من فهم كَلَام الْمُغنِي فَإِن شراحه لم يهتدوا لمراده. وَللَّه الْحَمد على ذَلِك. ولنرجع من هُنَا إِلَى شرح الْبَيْت فَنَقُول: وصف النَّابِغَة الْجَعْدِي بِهِ بقرة وحشية أكل السَّبع وَلَدهَا فطافت. وَرُوِيَ: أَقمت ثَلَاثَة أَيَّام وَثَلَاث لَيَال تطلبه وَلَا إِنْكَار عِنْدهَا وَلَا غناء إِلَّا الْإِضَافَة وَهِي الْجزع والإشفاق والجؤار وَهِي الصياح.) والنكير: الْإِنْكَار وَهُوَ من المصادر الَّتِي أَتَت على فعيل كالنذير والعذير. وَأكْثر مَا يَأْتِي هَذَا النَّوْع من المصادر فِي الْأَصْوَات كالهدير والهديل. أَي: مَا كَانَ عِنْدهَا حِين فقدته إِلَّا الشَّفَقَة والصياح وتضيف مضارع أضَاف إِضَافَة. وَأورد الْبَيْت العسكري فِي موضِعين من كتاب التَّصْحِيف

قَالَ فِي الْموضع الأول: حَدثنَا أَحْمد بن يحيى قَالَ: سَمِعت سَلمَة بن عَاصِم يَقُول: صحف الْكسَائي فِي بَيت النَّابِغَة الْجَعْدِي فَقَالَ: هُوَ تصيف بالصَّاد غير مُعْجمَة وتضيف أَي: تشفق. وَالْإِضَافَة: الشَّفَقَة. ويروى: أَن تضيف بِفَتْح التَّاء أَي: تعدل هَا هُنَا مرّة وَهَا هُنَا مرّة. يَقُول: كَانَ نكيرها لما رَأَتْ الشلو أَن تشفق وتجأر لَا شَيْء عِنْدهَا غير ذَلِك. وَقَالَ فِي الْموضع الثَّانِي: يرْوى: تضيف مضموم التَّاء وَالضَّاد مُعْجمَة. ويروى: تضيف مَفْتُوح التَّاء فَمن رَوَاهُ بِفَتْحِهَا وَهُوَ الْجيد أَرَادَ تشفق. وَمِنْه قَوْله: الطَّوِيل (وَكنت إِذا جاري دَعَا لمضوفةٍ ... أشمر حَتَّى ينصف السَّاق مئزري) وَفِي الحَدِيث: حَتَّى إِذا تضيفت الشَّمْس للغروب بضاد مُعْجمَة أَي: مَالَتْ. وَيُقَال: ضافت وَأَخْبرنِي ابْن الْأَنْبَارِي عَن ثَعْلَب قَالَ: سُئِلَ ابْن الْأَعرَابِي عَن قَوْله حِين تضيفت فَقَالَ: لَا أعرفهُ وَلَكِن إِن كَانَ تصيفت بصاد غير مُعْجمَة فَهُوَ حِين تميل كَمَا قَالَ أَبُو زبيد: الْخَفِيف (كل يومٍ ترميه منا برشقٍ ... فمصيبٌ أَو صَاف غير بعيد)

يُقَال: صَاف السهْم وضاف حكيماً جَمِيعًا أَي: مَال. وَحكى أَبُو بكر بن الخباز عَن ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: يُقَال: صَاف السهْم بصاد غير مُعْجمَة: إِذا أَخطَأ لم يقل عربيٌّ قطّ ضاف منقوطة. وَأنْشد غَيره: فَلَمَّا دخلناه أضفنا ظُهُورنَا وضفت فلَانا إِذا ملت عَلَيْهِ. وأضفته إِذا أملته إِلَيْك. وَمِنْه قيل: للدعي مُضَاف لِأَنَّهُ مسندٌ إِلَى قومٍ لَيْسَ مِنْهُم. انْتهى. وَبعده: (وألفت بَيَانا عِنْد آخر معهدٍ ... إهاباً ومعبوطاً من الْجوف أحمرا) وخداً كبرقوع الفتاة ملمعا وروقين لما يعدوا أَن تقشرا) أَرَادَ أَنَّهَا وجدت عِنْد آخر معهدٍ عهدته فِيهِ مَا بَين لَهَا وحقق عِنْدهَا أَن السَّبع أكله. ثمَّ فسر والروقان: القرنان. وَشبه خَدّه لما فِيهِ من السوَاد وردع الدَّم وَالْبَيَاض ببرقوع فتاةٍ لِأَن الفتيات يزين براقعهن وبقر الْوَحْش بيض الألوان لَا سَواد فِيهَا إِلَّا فِي قواثمها وخدودها وأكفالها. وَهَذِه الأبيات من قصيدةٍ طَوِيلَة نَحْو مِائَتي بَيت للنابغة الْجَعْدِي الصَّحَابِيّ أنْشد جَمِيعهَا للنَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ. وَمِنْهَا: ...

(أتيت رَسُول الله إِذْ جَاءَ بِالْهدى ... وَيَتْلُو كتابا كالمجرة نيرا) وَهِي من أحسن مَا قيل فِي الْفَخر بالشجاعة وَقد أوردنا مِنْهَا أبياتاً كَثِيرَة فِي تَرْجَمته فِي الشَّاهِد السَّادِس والثمانين بعد الْمِائَة. وَمن أواخرها: (بلغنَا السَّمَاء مَجدنَا وسناؤنا ... وَإِنَّا لنَرْجُو بعد ذَلِك مظْهرا) (وَلَا خير فِي حلمٍ إِذا لم تكن لَهُ ... بَوَادِر تَحْمِي صفوة أَن يكدرا) (وَلَا خير فِي جهلٍ إِذا لم يكن لَهُ ... حليمٌ إِذا مَا أورد الْأَمر أصْدرَا) وَالْبَيْت الأول أوردهُ شرَّاح الألفية لإبدال مَجدنَا بدل اشْتِمَال من الضَّمِير الْمَرْفُوع فِي قَوْله: بلغنَا. وَرُوِيَ على غير هَذِه الرِّوَايَة وَتقدم هُنَاكَ. ويروى بِنصب مَجدنَا على أَنه مفعول لأَجله. وأنشده صَاحب الْكَشَّاف أَيْضا عِنْد قَوْله تَعَالَى: وَرَفَعْنَاهُ مَكَانا عليا على أَن الْحسن الْبَصْرِيّ فسر الْمَكَان بِالْجنَّةِ كَمَا أَن النَّابِغَة فسر الْمظهر بِالْجنَّةِ لما سمع النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ هَذَا الْبَيْت وَقَالَ لَهُ: إِلَى أَيْن الْمظهر يَا أَبَا ليلى فَقَالَ لَهُ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: أجل إِن شَاءَ الله. وَلما أنْشدهُ الْبَيْتَيْنِ بعده قَالَ لَهُ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: لَا يفضض الله فَاك. فَكَانَ من أحسن النَّاس ثغراً وَكَانَ إِذا سَقَطت لَهُ ثنية نَبتَت وَكَانَ فوه كَالْبردِ المتهلل يتلألأ ويبرق.

(المذكر والمؤنث)

(الْمُذكر والمؤنث) أنْشد فِيهِ 3 - (الشَّاهِد الْخَمْسُونَ بعد الْخَمْسمِائَةِ) الوافر (فَقلت لَهَا: أصبت حَصَاة قلبِي ... وربت رميةٍ من غير رامي) على أَن تَاء التَّأْنِيث قد تلْحق الْحَرْف ك رب إِذا كَانَ مجرورها مؤنثاً ليدل من أول الْأَمر أَن الْمَجْرُور مؤنث. وَالْمَشْهُور أَنَّهَا تزاد فِي بعض الْحُرُوف للتأنيث اللَّفْظِيّ. وَالْبَيْت قبله: (رمتني يَوْم ذَات الْغمر سلمى ... بسهمٍ مطعمٍ للصَّيْد لَام) وذَات الْغمر: موضعٌ كَذَا ذكره ابْن الْأَثِير فِي المرصع. وَأنْشد قَول قيس الْهُذلِيّ: الطَّوِيل (سقى الله ذَات الْغمر وَبلا وديمةً ... وجادت عَلَيْهَا البارقات اللوامع) وَلم أره فِي مُعْجم الْبلدَانِ وَلَا فِي مُعْجم مَا استعجم. وسلمى: فَاعل رمتني وَهِي اسْم امْرَأَة وَالْبَاء مُتَعَلقَة برمتني. والسهْم: النشاب. ولأم: صفته أَي: عَلَيْهِ ريشٌ لؤام بِضَم اللَّام مَهْمُوز الْعين على وزن فعال. قَالَ صَاحب الصِّحَاح: واللؤام: القذذ الملتئمة وَهِي الَّتِي تلِي بطن القذة مِنْهَا ظهر الْأُخْرَى وَهُوَ أَجود مَا يكون. تَقول مِنْهُ: لأمت السهْم لأماً. ومطعم: اسْم فَاعل من أطْعم. وحَصَاة الْقلب: حبته. والبيتان أنشدهما الزَّمَخْشَرِيّ فِي المستقصى وَلم يعزهما لأحد وَقَالَ:

رب رميةٍ من غير رامٍ: مثلٌ أول من قَالَه الحكم بن عبد يَغُوث الْمنْقري وَكَانَ من أرمى النَّاس. وَذَلِكَ أَنه نذر لَيَذْبَحَن مهاةً على الغبغب فرام صيدها أَيَّامًا فَلم يُمكنهُ فَكَانَ يرجع مخفقاً حَتَّى هم بقتل نَفسه مَكَانهَا فَقَالَ لَهُ ابْنه مطعم: احملني أرفدك. فَقَالَ: مَا أحمل من رعشٍ رهلٍ جبان فشل فَمَا زَالَ بِهِ حَتَّى حمله فَرمى الحكم مهاتين فأخطأهما فَلَمَّا عرضت الثَّالِثَة رَمَاهَا مطعمٌ فأصابها فَعندهَا قَالَ الحكم ذَلِك. يضْرب فِي فتلة إحسانٍ من الْمُسِيء. انْتهى.) وَأنْشد بعده الرجز يَا صاحبا ربت إنسانٍ حسن على أَنه قد جَاءَ مجرور ربت مذكراً على خلاف الأول. وَيجوز أَن يُرِيد ب الْإِنْسَان الْمُؤَنَّث فيوافق مَا قبله. وَالْإِنْسَان من النَّاس اسْم جنسٍ يَقع على الذّكر وَالْأُنْثَى وَالْوَاحد وَالْجمع. كَذَا فِي الْمِصْبَاح. وَهَذَا الِالْتِزَام لَيْسَ بِلَازِم. على أَن بَقِيَّة الرجز يمْنَع مَا أَوله كَمَا سَيَأْتِي. قَالَ أَبُو عَليّ فِي كتاب الشّعْر: وَلَحِقت بعض الْحُرُوف تَاء التَّأْنِيث وَذَلِكَ رب وربت وَثمّ وثمت وَلَا ولات. قَالَ: الطَّوِيل (ثمت لَا تجزونني عِنْد ذاكم ... وَلَكِن سيجزيني الْإِلَه فيعقبا) وَأنْشد أَبُو زيد: ...

(يَا صاحبا ربت إنسانٍ حسن ... يسْأَل عَنْك الْيَوْم أَو يسْأَل عَن) وَقِيَاس من يسكن التَّاء فِي ثمت وربت أَن يقف عَلَيْهَا بِالتَّاءِ كَمَا يقف على ضربت. وَقِيَاس من حرك أَن يقف بِالْهَاءِ كَمَا يقف على كَيْت وذيت. انْتهى. (يَا صاحبا ربت إنسانٍ حسن ... يسْأَل عَنْك الْيَوْم أَو يسْأَل عَن) (إِنَّا على طول الكلال والتون ... مِمَّا نُقِيم الْميل من ذَات الضغن) (نسوقها سنا وَبَعض السُّوق سنّ ... حَتَّى ترَاهَا وَكَأن وَكَأن) أعناقها مشرباتٌ فِي قرن قَالَ أَبُو زيد: لَيست التَّاء فِي ربت للتأنيث فَلهَذَا جَازَ أَن تَقول ربت إِنْسَان. انْتهى. وَقَوله: يَا صاحبا أَصله يَا صَاحِبي فالألف أَصْلهَا يَاء. ويسْأَل: جَوَاب رب وَهُوَ الْعَامِل فِي مَحل مجرورها. وَقَوله: أَو يسْأَل عَن مَعْطُوف على يسْأَل عَنْك وَكِلَاهُمَا بياء الْغَيْبَة. أَرَادَ: يسْأَل عني بياء الْمُتَكَلّم. وَقَوله: إِنَّا على إِلَخ بِكَسْر الْهمزَة ابْتِدَاء كَلَام. وعلى بِمَعْنى مَعَ. والكلال: مصدر كل يكل) من بَاب ضرب إِذا تَعب وأعيا. والتون

بِفَتْح التَّاء وَالْوَاو وَهُوَ التواني. قَالَ صَاحب الصِّحَاح: وتوانى فِي حَاجته أَي: قصر. وَقَول الْأَعْشَى: المتقارب (وَلَا يدع الْحَمد بل يَشْتَرِي ... بوشك الظنون وَلَا بالتون) والضغن بِكَسْر الضَّاد وَفتح الْغَيْن المعجمتين: جمع ضغن بِسُكُون الْوسط. قَالَ صَاحب الصِّحَاح: إِذا قيل فِي النَّاقة: هِيَ ذَات ضغن فَإِنَّمَا يُرَاد نزاعها إِلَى وطنها. والسن بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة قَالَ الرياشي: هُوَ أسْرع السّير. والْقرن بِفَتْح الْقَاف وَالرَّاء: حبلٌ يقرن بِهِ البعيران. والمشربات بِفَتْح الرَّاء الْمُشَدّدَة قَالَ أَبُو حَاتِم والرياشي والمازني: هِيَ المدخلات من قَوْله: وأشربوا فِي قُلُوبهم الْعجل. وَقَالَ أَبُو الْحسن الْأَخْفَش: وَمن روى: مسربات بِالسِّين الْمُهْملَة فَإِنَّهُ يذهب إِلَى أَنَّهَا تسرب فِي الْقرن أَي: تذْهب فِيهِ وتجيء. من قَوْله تَعَالَى: وساربٌ بِالنَّهَارِ. وَقَول الشَّارِح الْمُحَقق: وتلحق أَي: التَّاء ثمَّ أَيْضا إِذا عطفت بهَا قصَّة على قصَّة لَا مُفردا على مُفْرد. هَذَا هُوَ الْمَشْهُور. وَقد رَأَيْت فِي شعر رؤبة بن العجاج عطف الْمُفْرد بهَا. قَالَ: الرجز (فَإِن تكن سوائق الْحمام ... ساقتهم للبلد الشآم) فبالسلام ثمت السَّلَام

(الشاهد الثاني والخمسون بعد الخمسمائة)

وَكَذَلِكَ استعملها ابْن مَالك فِي جموع التكسير من الألفية قَالَ: الرجز (أفعلةٌ أفعل ثمَّ فعله ... ثمت أفعالٌ جموع قله) 3 - (الشَّاهِد الثَّانِي وَالْخَمْسُونَ بعد الْخَمْسمِائَةِ) الهزج (لقد أغدو على أشق ... ر يغتال الصحاريا) على أَنه جمع صحراء فَلَمَّا قلبت الْألف بعد الرَّاء فِي الْجمع يَاء قلبت الْهمزَة الَّتِي أَصْلهَا ألف التَّأْنِيث أَيْضا. قَالَ ابْن جني فِي سر الصِّنَاعَة: قد اطرد عَنْهُم قلب ألف التَّأْنِيث همزَة. وَالْقَوْل فِي ذَلِك أَن الْهمزَة فِي صحراء وبابها إِنَّمَا هِيَ بدلٌ من ألف التَّأْنِيث كَالَّتِي فِي نَحْو: حُبْلَى وسكرى. إِلَّا أَنَّهَا فِي صفراء وَقعت الْألف بعد ألف قبلهَا زَائِدَة فَالتقى أَلفَانِ زائدتان وَلم يجز فِي واحدةٍ مِنْهُمَا الْحَذف. أما الأولى: فَلَو حذفتها لانفردت الْآخِرَة وهم قد بنوا الْكَلِمَة على اجْتِمَاع أَلفَيْنِ فِيهَا. وَأما الْآخِرَة: فَلَو حذفتها لزالت سَلامَة التَّأْنِيث. وَأما الْحَرَكَة فَقَالَ سِيبَوَيْهٍ: إِنَّه لما انجزم الحرفان حركت الثَّانِيَة فَانْقَلَبت همزَة فَصَارَت: صفراء وصحراء.

فَإِن قيل: وَلم زعمت أَن الثَّانِيَة منقلبة وهلا زعمت أَنَّهَا زيدت للتأنيث همزَة فِي أول أحوالها أَحدهمَا: أَنا لم نرهم فِي غير هَذَا الْموضع أنثوا بِالْهَمْزَةِ إِنَّمَا يؤنثون بِالتَّاءِ أَو بِالْألف فَكَانَ حمل همزَة التَّأْنِيث فِي نَحْو: صحراء على أَنَّهَا بدلٌ من ألف التَّأْنِيث لما ذكرنَا أَحْرَى. وَالْوَجْه الآخر: أَنا قد رأيناهم لما جمعُوا بعض مَا فِيهِ همزَة التَّأْنِيث أبدلوها فِي الْجمع وَلم يحققوها الْبَتَّةَ وَذَلِكَ قَوْلهم فِي جمع صحراء وصلفاء: صحارى وصلافى وَلم نسمعهم أظهرُوا الْهمزَة فِي شيءٍ من ذَلِك فَقَالُوا: صحاريء وصلافيء. وَلَو كَانَت الْهمزَة فِيهِنَّ غير منقلبة لجاءت فِي الْجمع. أَلا تراهم قَالُوا: كَوْكَب دريءٌ وكواكب دراريء وقراء وقراريء ووضاء ووضائيء فجاؤوا بِالْهَمْزَةِ فِي الْجمع لما كَانَت غير منقلبة بل مَوْجُودَة فِي قَرَأت ودرأت ووضؤت. فَهَذِهِ دلَالَة قَاطِعَة. فَإِن قيل: فَمَا الَّذِي دعاهم إِلَى قَلبهَا فِي الْجمع يَاء وهلا تركوها ملفوظاً بهَا كَمَا كَانَت فِي الْوَاحِدَة فَقَالُوا: صحاريء وصلافيء فَالْجَوَاب أَنَّهَا إِنَّمَا كَانَت انقلبت وَأَصلهَا الْألف لِاجْتِمَاع الْأَلفَيْنِ وَهَذِه صورتهَا صحراا وصلفاا فَلَمَّا الْتَقت أَلفَانِ اضطروا إِلَى تَحْرِيك إِحْدَاهمَا) فجعلوها الثَّانِيَة لِأَنَّهَا حرف الْإِعْرَاب فَصَارَت صحراء وصلفاء. وَحَال الْجمع مَا أذكرهُ وَذَلِكَ أَنَّك إِذا صرت إِلَى الْجمع لزمك أَن تقلب الأولى يَاء لانكسار الرَّاء فِي صحاري قبلهَا كَمَا تنْقَلب ألف قرطاس يَاء

فِي قَرَاطِيس فَكَذَلِك تنْقَلب ألف صحراء الأولى يَاء فَتَصِير فِي التَّقْدِير: صحاري اوصلافي افَتَقَع الْيَاء الساكنة قبل الْألف الْأَخِيرَة الراجعة عَن الْهمزَة لزوَال الْألف من قبلهَا فتنقلب الْألف يَاء لوُقُوع الْيَاء الساكنة قبلهَا وتدغم الأولى المنقلبة عَن الْألف الزَّائِدَة فِي الْيَاء الْأَخِيرَة المنقلبة عَن ألف التَّأْنِيث فَيصير صحاري. أنْشد أَبُو الْعَبَّاس للوليد بن يزِيد: (لقد أغدو على أشق ... ر يغتال الصحاريا) وَقَالَ آخر: الوافر (إِذا جَاشَتْ حواليه ترامت ... ومدته البطاحي الرغاب) جمع بطحاء. وَكَذَلِكَ مَا حَكَاهُ الْأَصْمَعِي من قَوْلهم: صلافي وخباري جمع صلفاء وخبراء. فَبِهَذَا استدللنا على أَن الْهمزَة فِي صحراء وبابها بدلٌ من ألف التَّأْنِيث. انْتهى. وَهَذَا أصل كل جمعٍ لنَحْو صحراء ثمَّ يُخَفف بِحَذْف الْيَاء الأولى فَيصير صحاري بِكَسْر الرَّاء وَتَخْفِيف الْيَاء مثل مداري ثمَّ يُبدل من الكسرة فَتْحة فتنقلب الْيَاء ألفا لتحركها وانفتاح مَا قبلهَا كَمَا فعلوا فِي مدارى. وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ هما المستعملان وَالْأول أصلٌ مَتْرُوك يُوجد فِي الشّعْر. وَقَوله: لقد أغدو مضارع غَدا غدواً من بَاب قعد إِذا ذهب

(الشاهد الثالث والخمسون بعد الخمسمائة)

غدْوَة وَهِي مَا بَين صَلَاة الصُّبْح وطلوع الشَّمْس. والْأَشْقَر من الْخَيل: الَّذِي حمرته صَافِيَة. والشقرة فِي الْإِنْسَان: حمرَة يعلوها بَيَاض. ويغتال: يهْلك يُقَال: اغتاله أَي: أهلكه. وَعين الْفِعْل واوٌ. اسْتعَار يغتال لقطع الْمسَافَة بِسُرْعَة شَدِيدَة فَإِن أصل اغتاله بِمَعْنى قَتله على غرَّة وغفلة. والصَّحرَاء: الْبَريَّة. وَقَالَ اللَّيْث: الصَّحرَاء: الفضاء الْوَاسِع. وَقَالَ النَّضر: الصَّحرَاء من الأَرْض: الملساء مثل ظهر الدَّابَّة الأجرد لَيْسَ بهَا شَجَرَة وَلَا آكام وَلَا جبال. وَلم أَقف على تَتِمَّة هَذَا الشّعْر. وَهُوَ الْوَلِيد بن يزِيد بن عبد الْملك بن مَرْوَان. وَتَقَدَّمت تَرْجَمته فِي الشَّاهِد التَّاسِع عشر بعد الْمِائَة. وَأنْشد بعده) 3 - (الشَّاهِد الثَّالِث وَالْخَمْسُونَ بعد الْخَمْسمِائَةِ) الوافر مَتى كُنَّا لأمك مقتوينا على أَن مقتوينا جمع مقتوي بياء النِّسْبَة الْمُشَدّدَة فَلَمَّا جمع جمع تصحيحٍ حذفت يَاء النِّسْبَة. والمقتوي بِفَتْح الْمِيم: نِسْبَة إِلَى المقتى بِفَتْحِهَا فقلبت الْألف واواً فِي النِّسْبَة كَمَا تَقول: معلويٌّ فِي النِّسْبَة إِلَى مُعلى. والمقتى: مصدرٌ ميمي. قَالَ صَاحب الصِّحَاح: القتو: الْخدمَة وَقد قتوت أقتو قتواً ومقتًى أَي: خدمت مثل غزوت أغزو غزواً ومغزًى. قَالَ:

المنسرح (إِنِّي امرؤٌ من بني فَزَارَة لَا ... أحسن قتو الْمُلُوك والخببا) وَيُقَال للخادم: مقتويٌّ بِفَتْح الْمِيم وَتَشْديد الْيَاء كَأَنَّهُ مَنْسُوب إِلَى المقتى. وَيجوز تَخْفيف يَاء النِّسْبَة كَمَا قَالَ عَمْرو بن كُلْثُوم: مَتى كُنَّا لأمك مقتوينا انْتهى. قَالَ ابْن جني فِي الخصائص: كَانَ قِيَاسه إِذا جمع أَن يُقَال: مقتويون ومقتويين كَمَا إِذا جمع بصريٌّ وكوفي قيل: كوفيون وبصريون إِلَّا أَنه جعل علم الْجمع معاقباً لياء النِّسْبَة فَصحت اللَّام لنِيَّة الْإِضَافَة إِلَى النِّسْبَة وَلَوْلَا ذَلِك لوَجَبَ حذفهَا لالتقاء الساكنين وَأَن يُقَال: مقتون ومقتين كَمَا يُقَال: هم الأعلون وهم المصطفون. ثمَّ قَالَ صَاحب الصِّحَاح: قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: قَالَ رجلٌ من بني الحرماز: هَذَا رجل مقتوينٌ وَهَذَانِ رجلَانِ مقتوينٌ وَرِجَال مقتوينٌ كُله سَوَاء. وَكَذَلِكَ الْمُؤَنَّث. وهم الَّذين يعْملُونَ للنَّاس بِطَعَام بطونهم. قَالَ سِيبَوَيْهٍ: سَأَلت الْخَلِيل عَن مقتويٍّ ومقتوين فَقَالَ: هَذَا بِمَنْزِلَة الْأَشْعَرِيّ والأشعرين. انْتهى. وَالْوَاو من مقتوين فِي رِوَايَة أبي عبيد مَكْسُورَة وَالنُّون منونة بِالرَّفْع. وَزَاد عَلَيْهِ أَبُو زيد فِي نوادره فتح الْوَاو قَالَ: رجل مقتوينٌ ورجالٌ

مقتوينٌ وَكَذَلِكَ الْمَرْأَة وَالنِّسَاء وَهُوَ الَّذِي يخْدم الْقَوْم بِطَعَام بَطْنه.) وَقَالَ عَمْرو بن كُلْثُوم: (تهددنا وأوعدنا رويداً ... مَتى كُنَّا لأمك مقتوينا) الْوَاو مَفْتُوحَة وَبَعْضهمْ يكسرها أَي: مَتى كُنَّا خدماً لأمك. انْتهى. وَقد تكلم أَبُو عَليّ فِي كتاب الشّعْر على هَذِه اللَّفْظَة وَبَين وُجُوه اسْتِعْمَالهَا مَعَ شرح كَلَام أبي زيد وَغَيره فَلَا بَأْس بإيراد لاكمه وَإِن كَانَ فِيهِ طول. قَالَ: أنْشد أَبُو زيد: مَتى كُنَّا لأمك مقتوينا قَالُوا: رجل مقتويٌّ وَقَالُوا فِي الْجمع مقتوون كَمَا قَالُوا أشعريٌّ وأشعرون فحذفوا ياءي النّسَب فَأَما تصحيحهم الْوَاو فَإِن شِئْت قلت صححوها فِي الْجمع الَّذِي على حد التَّثْنِيَة كَمَا صححوها فِي جمع التكسير حَيْثُ قَالُوا مقاتوة كَمَا أَنهم لما حذفوا ياءي النّسَب فِي الْجمع على حد التَّثْنِيَة حذفوهما فِي التكسير فَقَالُوا: المهالبة. وَإِن شِئْت قلت: بنوا مقتوون على الْجمع كَمَا بنوا مذروان على حد التَّثْنِيَة. أَلا ترى أَنهم لم يفردوا الْوَاحِد مِنْهُ بِغَيْر حرف التَّثْنِيَة كَمَا لم يفردوا وَاحِد مذروان وَإِنَّمَا اسْتعْمل وَاحِد بِحرف النّسَب مقتوي. وَفِيه قَول آخر وَهُوَ أَو الْوَاو صحت لما كَانَت النِّسْبَة مُرَادة فِي الْكَلِمَة فصححت بِالْوَاو مَعَ الْحَذف كَمَا صحت مَعَ الْإِثْبَات ليَكُون تصحيحها دلَالَة على إِرَادَة النّسَب كَمَا صحت الْوَاو وَالْيَاء فِي عور وصيد

ليعلم أَن الْفِعْل لِمَعْنى مَا يلْزم تَصْحِيح الْوَاو فِيهِ. وَكَذَلِكَ ازدوجوا واعتوروا. أَلا ترى أَنَّك لَو بنيت مِنْهُ افتعلوا لَا تُرِيدُ فِيهِ معنى تفاعلوا لأعللت. فَأَما النُّون فقد فتحت كَمَا فتحت فِي مُسلمُونَ وَقد جعلت حرف الْإِعْرَاب كَمَا جعلت فِي سِنِين وَنَحْوه حرف الْإِعْرَاب. حُكيَ ذَلِك عَن أبي عُبَيْدَة وَحَكَاهُ أَبُو زيد إِلَّا أَن أَبَا زيد حكى الْفَتْح وَالْكَسْر فِيمَا قبل الْيَاء فِيمَن جعل النُّون حرف إِعْرَاب وحكيا جَمِيعًا: رجلٌ مقتوين ورجلان مقتوين وَرِجَال مقتوين. قَالَ أَبُو زيد: وَكَذَلِكَ الْمَرْأَة وَالنِّسَاء. فَأَما مَا انْفَرد أَبُو زيد بحكايته من كسر الْوَاو الَّتِي قبل الْيَاء وَفتحهَا فَالْأَصْل فِيهِ الْكسر أَلا ترى أَنَّك لَو أثبت يَاء النّسَب لَقلت مقتويون فَإِذا حذفتها وَأَنت تريدها وَجب تَقْدِير الكسرة) كَمَا كَانَت تقدر مَعَ الياءين لَو أثبتهما. فَالَّذِي فتح إِنَّمَا أبدل من كسرة الْوَاو فَتْحة كَمَا أبدل الكسرة من الفتحة فِي قَوْله: الوافر وَلَكِنِّي أُرِيد بِهِ الذوينا فأبدل من الفتحة فِي الْوَاو الكسرة. يدلك على أَن الأَصْل فِيهَا الْفَتْح قَوْله تَعَالَى: ذواتا أفنان. وَإِنَّمَا جَازَ ذَلِك فِي الفتحة والكسرة لِأَنَّهُمَا كالمثلين. أَلا ترى أَنهم قد حركوا بِالْفَتْح مَكَان الْكسر فِي جَمِيع مَا لَا ينْصَرف وَجعلُوا النصب والجر على لفظ وَاحِد فِي التَّثْنِيَة وضربي الْجمع الْمُسلم فِي التَّأْنِيث والتذكير. فَكَمَا كَانَت كل وَاحِدَة من الكسرة والفتحة فِي

هَذِه الْمَوَاضِع بِمَنْزِلَة الْأُخْرَى كَذَلِك جَازَ أَن تفتح الْوَاو وتكسر من مقتوين فِيمَا رَوَاهُ أَبُو زيد. فَأَما إجراؤه الْكَلِمَة وَهِي جمعٌ على الْوَاحِد فِيمَا اجْتمع أَبُو زيد وَأَبُو عُبَيْدَة فِي حكايته فوجهه فَكَمَا أجْرى الْوَاحِد على الْجَمِيع كَذَلِك فِي مقتوين وصف الْوَاحِد بِالْجَمِيعِ. وَكَأن الَّذِي حسن ذَلِك أَنه فِي الأَصْل مصدر. أَلا ترى أَنه مفعل من القتو والمصدر يكون للْوَاحِد والجميع على لفظ وَاحِد فَلَمَّا دخله الْوَاو وَالنُّون وَكَانَا معاقبين لياء النّسَب صارتا كَأَنَّهُمَا لغير معنى الْجمع كَمَا كَانَتَا فِي ثبة وبرة لما كَانَتَا عوضا من اللَّام المحذوفة لم يَكُونَا على حَالهمَا فِي غير مَا هما فِيهِ عوض. أَلا ترى أَن نَحْو طَلْحَة لَا يجمع بِالْوَاو وَالنُّون. فَجرى مقتوون على الْوَاحِد والجميع كَمَا يجْرِي الْمصدر عَلَيْهِمَا. وَهَذَا الاعتلال يسْتَمر فِي قَول من لم يَجْعَل النُّون حرف إِعْرَاب وَفِي قَول من جعلهَا حرف إِعْرَاب. أَلا ترى أَن من قَالَ سِنِين فَجعل النُّون حرف إِعْرَاب فَهُوَ فِي إِرَادَته الْجمع كَالَّذي لم يَجْعَلهَا حرف إِعْرَاب. وَمن هَذَا الْبَاب إنشاد من أنْشد: الرجز قدني من نصر الخبيبين قدي من أنْشدهُ على الْجمع أَرَادَ الخبيبين وَنسب إِلَى أبي خبيب يُريدهُ وَيُرِيد شيعته. وعَلى هَذَا قِرَاءَة من قَرَأَ: سلامٌ على إل ياسين أَرَادَ النّسَب إِلَى الياس. وكما جمع هَذَا النَّحْو على حد

وَمن هَذَا الْبَاب: الأعجمون فِي قَوْله تَعَالَى: وَلَو نزلناه على بعض الأعجمين. وَمن زعم أعجمين) جمع أعجم فقد غلط لِأَن نَحْو أعجم لَا يجمع بِالْوَاو وَالنُّون كَمَا أَن عجماء لَا تجمع بِالْألف وَالتَّاء إِذا كَانَت صفة. فَإِنَّمَا أعجمون جمع أعجمي وَحذف يَاء النّسَب. وَإِنَّمَا أعجم وأعجمي مثل أَحْمَر وأحمري يُرَاد بِكُل وَاحِد مِنْهُمَا مَا يُرَاد بِالْآخرِ. إِلَّا أَن حكم اللَّفْظ مُخْتَلف. فَأَما الْألف فِي قَوْله: مقتوينا فتحتمل ضَرْبَيْنِ: من قَالَ مقتوينٌ فالألف بدلٌ من التَّنْوِين كَالَّتِي فِي رَأَيْت رجلا. وَمن قَالَ هَؤُلَاءِ مقتوون ومقتوين فالألف للإطلاق كَقَوْلِه: الوافر أقلي اللوم عاذل والعتابا انْتهى. وَفِيه لُغَة أُخْرَى وَهِي ضم الْمِيم وَلم أر من ذكرهَا وَمن شرحها غير أبي الْحسن الْأَخْفَش فِيمَا كتبه على نَوَادِر أبي زيد وَغير أبي عَليّ. قَالَ فِي أَوَاخِر البغداديات: قد كتبنَا فِي هَذِه الْأَجْزَاء وَفِي غَيرهَا شرح قَوْله: مَتى كُنَّا لأمك مقتوينا ودللنا على صِحَة قَول الْخَلِيل فِيهِ من أَنه جمعٌ يُرَاد بِهِ النّسَب على حد الأعجمين والأشعرين وَهَذَا دَلِيل بَين على صِحَة قَول الْخَلِيل. فَأَما مَا أنشدناه أَبُو الْحسن الْأَخْفَش ليزِيد بن الحكم قَوْله:

الطَّوِيل (تبدل خَلِيلًا بِي كشكلك شكله ... فَإِنِّي خَلِيلًا صَالحا بك مقتوي) فَإِنَّهُ أنشدناه عَن أَحْمد بن يحيى مقتوي بِضَم الْمِيم وَهَكَذَا صِحَّته. وَحدثنَا عَن أَحْمد بن يحيى أَنه قَالَ: المقتوي من الْخدمَة. وَهُوَ عندنَا كَمَا قَالَ. وَشَرحه أَنه مفعللٌ فالواو الصَّحِيح فِي الْكَلِمَة لَام الْفِعْل وَالْيَاء منقلبة عَن اللَّام الزَّائِدَة وَأَصله وَاو. وَالدَّلِيل على ذَلِك أَنه مثل احمررت فَأَما الْوَاو فَصحت كَمَا صحت فِي ارعويت وَنَحْوه إِذْ لَا يجوز أَن يتوالى فِي الْكَلِمَة إعلال لامين وَلَا إعلال عين وَلَام لم يُوجد ذَلِك فِي شَيْء إِلَّا فِيمَا حكم لَهُ بالقلة. وَفِي هَذِه القصيدة حُرُوف أخر مثلهَا وَهُوَ قَوْله: محجوي ومدحوي وَهُوَ من حجا ودحا. ويدلك أَيْضا على مَا ذكرنَا من أَن مقتوي فِي الْبَيْت مفعللٌ وَأَن الْمِيم لَيْسَ بمفتوح إِنَّمَا هُوَ مِيم مفعلل تعديه إِلَى قَوْله خَلِيلًا. والمفتوحة الْمِيم لَا تتعدى إِلَى شَيْء لِأَنَّهُ لَيْسَ باسم فَاعل.) فَإِن قلت: أَرَأَيْت مفعللٌ نَحْو مرعوٍ مُتَعَدِّيا فِي مَوضِع فَيجوز تعدِي هَذَا الَّذِي فِي الْبَيْت أَو لَيْسَ هَذَا الْبَاب يَجِيء كُله غير مُتَعَدٍّ فَالْقَوْل فِيهِ أَن هَذَا الْبَاب من اسْم الْفَاعِل كَمَا قلت غير متعدٍّ كَمَا أَن فعله كَذَلِك إِلَّا أَن الشَّاعِر للضَّرُورَة يجوز أَن يكون حمل ذَلِك على الْمَعْنى فعداه. وَالْمعْنَى: فَإِنِّي خَلِيلًا بك خادمٌ. فَحَمله على هَذَا الْمَعْنى وعداه. وَإِن شِئْت أضمرت شَيْئا دلّ عَلَيْهِ مقتوي فتنصبه بِهِ. انْتهى.

وَتَبعهُ ابْن جني فِي الْمُحْتَسب قَالَ قَالُوا: ارعوى افْعَل واقتوى أَي: خدم وساس فمقتوٍ فِي بَيت يزِيد مفعل من القتو وَهُوَ الْخدمَة. وخليلاً عندنَا مَنْصُوب بِفعل مُضْمر يدل عَلَيْهِ مقتو وَذَلِكَ أَن افْعَل لَا يتَعَدَّى إِلَى الْمَفْعُول بِهِ فَكَأَنَّهُ قَالَ: فَإِنِّي أخدم وأسوس أَو أتعهد أَو أستبدل بك خَلِيلًا. وَدلّ مقتو على ذَلِك الْفِعْل. انْتهى. وَقد شرحنا قصيدة يزِيد بن الحكم فِي أول بَاب الْمَفْعُول مَعَه فِي الشَّاهِد الثَّمَانِينَ بعد الْمِائَة. وَالْبَيْت من معلقَة عَمْرو بن كُلْثُوم التغلبي تقدم سَببهَا وَشرح أبياتٍ مِنْهَا مَعَ تَرْجَمته فِي الشَّاهِد الثَّامِن والثمانين بعد الْمِائَة. وَهَذِه أبياتٌ مِنْهَا: (بِأَيّ مشيئةٍ عَمْرو بن هندٍ ... تطيع بِنَا الوشاة وتزدرينا) (بِأَيّ مشيئةٍ عَمْرو بن هندٍ ... نَكُون لقيلكم فِيهَا قطينا) (تهددنا وأوعدنا رويداً ... مَتى كُنَّا لأمك مقتوينا) قَوْله: بِأَيّ مَشِيئَة مُتَعَلق بتطيع. وعَمْرو منادى مبنيٌّ على الضَّم. قَالَ شرَّاح الْمُعَلقَة: هُوَ مَنْصُوب على أَنه إتباع لقَوْله: ابْن هِنْد كَمَا قيل: منتن فأتبعوا الْمِيم التَّاء وَالْقِيَاس الضَّم.

وَعَمْرو بن هندٍ هُوَ ملك الْحيرَة فِي الْجَاهِلِيَّة قَتله صَاحب هَذِه الْمُعَلقَة وَتقدم سَبَب قَتله هُنَاكَ. وتزدرينا: تحتقرنا. وَالْمعْنَى: أَي شيءٍ دعَاك إِلَى هَذِه الْمَشِيئَة وَلم يظْهر منا ضعف يطْمع الْملك فِينَا حَتَّى يصغي إِلَى من يشي بِنَا عِنْده ويغريه بِنَا فيحقرنا وَتَقْدِير تطيع بِنَا أَي: فِي أمرنَا. والقيل بِفَتْح الْقَاف: من هُوَ دون الْملك. وفيهَا أَي: فِي الْمَشِيئَة. والقطين: جمع قاطن من قطن بِالْمَكَانِ إِذا أَقَامَ فِيهِ.) يَقُول: كَيفَ شِئْت يَا عَمْرو أَن نَكُون خدماً ورعايا لمن وليتموه أمرنَا أَي: مَا دعَاك إِلَى هَذِه الْمَشِيئَة وَلم يظْهر منا ضعفٌ يطْمع الْملك فِينَا. وَقَوله: تهددنا وأوعدنا رويداً هَذَا استهزاءٌ بِهِ. وَهُوَ بِالْجَزْمِ على أَنه أَمر أَي: ترفق فِي تهددنا وإيعادنا وَلَا تبالغ فيهمَا مَتى كُنَّا خدماً لأمك حَتَّى نهتم بتهديدك ووعيدك إيانا وروى: تهددنا وتوعدنا بالمضارع على الْإِخْبَار. ثمَّ قَالَ: رويداً أَي: دع الْوَعيد والتهديد قَالَ شرَّاح الْمُعَلقَة قَالُوا: وعدته فِي الْخَيْر وَالشَّر فَإِذا لم تذكر الْخَيْر قلت: وعدته وَإِذا لم تذكر الشَّرّ قلت: أوعدته. وَذكر ابْن الْأَنْبَارِي أَنه يُقَال: وعدت الرجل خيرا وشراً وأوعدته خيرا وشراً. فَإِذا لم تذكر الْخَيْر قلت: وعدته. وَإِذا لم تذكر الشَّرّ قلت: أوعدته. وَقَوله: فَإِن قناتنا إِلَخ قَالَ الزوزني: الْعَرَب تستعير للعز اسْم الْقَنَاة. يَقُول: إِنَّا قناتنا أَبَت أَن تلين لأعدائنا قبلك. يُرِيد: أَن عزهم أَبى أَن يَزُول بمحاربة أعدائهم لِأَن عزهم منيعٌ لَا يرام.

(الشاهد الرابع والخمسون بعد الخمسمائة)

وَأنْشد بعده 3 - (الشَّاهِد الرَّابِع وَالْخَمْسُونَ بعد الْخَمْسمِائَةِ) الطَّوِيل كسامعتي شاةٍ بحومل مُفْرد على أَنه إِذا كَانَت الْمُؤَنَّث اللَّفْظِيّ حَقِيقِيّ التَّذْكِير جَازَ فِي ضَمِيره التَّذْكِير والتأنيث. وشَاة هُنَا مُؤَنّثَة لفظا وَمَعْنَاهَا الثور الوحشي وَقد رَجَعَ إِلَيْهِ ضَمِيره فِي وَصفه وَهُوَ مُفْرد مُذَكّر رِعَايَة لجِهَة الْمَعْنى. قَالَ ابْن السّكيت فِي كتاب الْمُؤَنَّث والمذكر: مَا جَاءَك من الْجمع مثل الشَّاء وَالْبَقر والحصى فَهَذَا اسمٌ مَوْضُوع فَإِذا أَرَادَت الْعَرَب إِفْرَاد واحده قَالُوا: شَاة للذّكر وَالْأُنْثَى. وَلم يرد بِالْهَاءِ التَّأْنِيث الْمَحْض إِنَّمَا أَرَادوا الْوَاحِد فكرهوا أَن يَقُولُوا: عِنْدِي جَراد وهم يُرِيدُونَ الْوَاحِد من الْجَرَاد فَلَا يعرف جمعٌ من وَاحِد فَجعلت الْهَاء دَلِيلا على الْوَاحِد. فَهَذَا قِيَاس مطرد. وَهَذَا عجزٌ وصدره: مؤللتان تعرف الْعتْق فيهمَا) وَقَبله: (وصادقتا سمع التوجس للسرى ... لجرسٍ خفيٍّ أَو لصوتٍ مندد) وهما من معلقَة طرفَة بن العَبْد الْمَشْهُورَة. وصف نَاقَته بعدة أَبْيَات إِلَى أَن وصف أذنيها فَقَالَ: وصادقتا سمع إِلَخ يَعْنِي: أذنيها أَي: لَا تكذبها إِذا سَمِعت شَيْئا. والتوجس: الْخَوْف والحذر من شيءٍ يسمع. وَقَوله: للسرى أَي: فِي السرى. والجرس بِفَتْح الْجِيم: الصَّوْت الْخَفي. والمندد بِفَتْح الدَّال

(الشاهد الخامس والخمسون بعد الخمسمائة)

وَقَوله: مؤللتان صفة صادقتا أَي: محددتان كتحديد الألة بِفَتْح الْهمزَة وَتَشْديد اللَّام وَهِي الحربة. وَيُرِيد أَن أذنيها كالحربة فِي الانتصاب. والْعتْق: الْكَرم والنجابة. أَي: أَنْت تتبين الْكَرم فيهمَا إِذا نظرت إِلَيْهِمَا لتحديدهما وَقلة وبرهما. قَالَ الْخَطِيب التبريزي: الْعتْق هُنَا فِي الْأُذُنَيْنِ: أَن لَا يكون فِي داخلهما وبر فَهُوَ أَجود لسمعهما. والسامعتان: الأذنان. قَالَ شرَّاح الْمُعَلقَة: الشَّاة هُنَا: الثور الوحشي وَلِهَذَا قَالَ: مُفْرد بِلَا هاءٍ. وحومل: اسْم رَملَة لَا ينْصَرف. وَشبه أُذُنِي نَاقَته بأذني ثَوْر وَحشِي لتحديدهما وَصدق سمعهما. وَأذن الوحشي أصدق من عينه. وَجعله مُفردا لِأَنَّهُ أَشد توجساً وحذراً إِذْ لَيْسَ مَعَه وحشٌ يلهيه ويشغله فانفراده أَشد لسمعه وارتياعه. وترجمة طرفَة بن العَبْد تقدّمت فِي الشَّاهِد الثَّانِي وَالْخمسين بعد الْمِائَة. وَأنْشد بعده: المتقارب (فَلَا مزنةٌ ودقت ودقها ... وَلَا أَرض أبقل إبقالها) وَأنْشد بعده 3 - (الشَّاهِد الْخَامِس وَالْخَمْسُونَ بعد الْخَمْسمِائَةِ) الطَّوِيل (حَلَفت بهديٍ مشعرٍ بكراته ... يخب بصحراء الغبيط درادقه)

على أَن تَأْنِيث نَحْو الزينبات مجازي لَا يجب لَهُ تَأْنِيث الْمسند بِدَلِيل الْبَيْت فَإِن البكرات كالزينبات وَلم يؤنث لَهُ الْمسند وَهُوَ مشْعر. وَهَذَا ظَاهر. وَقد خطأ الْمبرد فِي كتاب الرَّوْضَة قَول أبي نواس: المديد (كمن الشنآن مِنْهُ لنا ... ككمون النَّار فِي حجره) وَقَالَ: كَانَ يجب أَن يَقُول فِي حجرها لِأَن النَّار مُؤَنّثَة. وَأَجَابُوا عَنهُ بِأَن أَبَا نواس أَرَادَ: ككمون النَّار فِي حجر الكمون. وَالْبَيْت من قصيدة لعارق الطَّائِي عدتهَا فِي رِوَايَة أبي تَمام فِي الحماسة أحد عشر بَيْتا وَفِي رِوَايَة الأعلم: فِي حماسته أَرْبَعَة عشر بَيْتا. (لَئِن لم تغير بعض مَا قد صَنَعْتُم ... لأنتحين للعظم ذُو أَنا عارقه) وَبِهَذَا الْبَيْت سمي عارقاً واسْمه قيس كَمَا يَأْتِي. خَاطب بهَا عَمْرو بن هِنْد ملك الْحيرَة وَقيل: أَخَاهُ الْمُنْذر بن الْمُنْذر بن مَاء السَّمَاء. كَانَ أَحدهمَا بعث جَيْشًا للغزو فَلم يُصِيبُوا أحدا وأخفقوا فَمروا بحيٍّ من طيىءٍ فِي حمى الْملك فاستاقهم وَكَانَ قد أرعاهم الْحمى وَكتب لَهُم بذلك عهدا فَلَمَّا قدمُوا بهم إِلَى الْملك شاور فيهم زُرَارَة بن عدس الدَّارمِيّ فَأَشَارَ عَلَيْهِ بقتل الْمُقَاتلَة مِنْهُم واستعباد ذَرَارِيهمْ فَقَامَ رجلٌ مِنْهُم وَقَالَ: هَذَا كتابك لنا. فَأجرى عَلَيْهِم الْملك رزقا فارتجل عارق هَذَا الشّعْر فَلَمَّا سَمعه الْملك أحسن إِلَيْهِم وخلى سبيلهم. وَقَوله: حَلَفت بهديٍ إِلَخ الْهَدْي: مَا يهدى إِلَى الْحرم من النعم. يُقَال: أهديت الْهَدْي إِلَى الْحرم أَي: سقته إِلَيْهِ. ومشْعر: اسْم مفعول

من الْإِشْعَار وَهُوَ أَن يطعن فِي السنام فيسيل الدَّم عَلَيْهِ فيستدل بذلك على كَونه هَديا. وَجعل الْهَدْي دَالا على الْجِنْس. وَمَا بعده صفته وَهُوَ مشعرٍ وبكراته مَرْفُوع بمشعر وَهُوَ جمع بكرَة وَهِي الشَّابَّة من الْإِبِل.) وخب يخب خبباً كَطَلَب يطْلب طلبا. والخبب: ضربٌ من الْعَدو وَهُوَ خطو فسيح. وَالْبَاء والغبيط بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَكسر الْمُوَحدَة: موضعٌ قريب من فلج فِي طَرِيق الْبَصْرَة إِلَى مَكَّة. والدرادق: جمع دردق كجعفر وَهُوَ صغَار الْإِبِل. وَالضَّمِير فِي بكراته ودرادقه للهدي. وَقَوله: لَئِن لم تغير إِلَخ هَذِه اللَّام هِيَ اللَّام الموطئة وطأت الْجَواب الْآتِي للقسم الَّذِي قبل الشَّرْط سَوَاء كَانَ الْقسم قبلهَا مَوْجُودا كَمَا هُنَا أَو غير مَوْجُود كَقَوْلِه تَعَالَى: لَئِن أخرجُوا لَا يخرجُون. وَلَا يجوز أَن تكون هَذِه اللَّام لَام جَوَاب الْقسم بِأَن يكون الْجَواب للشّرط ومجموع الشَّرْط وَجَوَابه جَوَاب الْقسم إِذْ لَو كَانَت كَذَلِك لجَاز جزم الْفِعْل فِي قَوْلك: لَئِن أكرمتني أكرمك بِالْجَزْمِ والتالي بَاطِل والمقدم مثله. وَقد أجمع النُّحَاة على أَن الْفِعْل الثَّانِي وَاجِب الرّفْع. فَإِن قلت: فَمَا جَوَاب الشَّرْط قلت: مَحْذُوف دلّ عَلَيْهِ جَوَاب الْقسم. وتغير بِالْخِطَابِ. وَرُوِيَ: بالغيبة على الْبناء للْمَفْعُول وَرفع بعض. وَقَوله: لأنتحين اللَّام لَام جَوَاب الْقسم وأنتحين مُؤَكد بالنُّون الْخَفِيفَة جَوَاب للقسم فِي الْبَيْت قبله وَهُوَ حَلَفت. والانتحاء للشَّيْء: التَّعَرُّض لَهُ والاعتماد والميل. وروى: لأنتحين الْعظم بنُون التوكيد الثَّقِيلَة وبلام

التَّعْرِيف بعْدهَا. وَذُو صفة للعظم وَهُوَ فِي لُغَة طيىء بِمَعْنى الَّذِي. وَجُمْلَة: أَنا عارقه صلته. وعارق: اسْم فَاعل من عرقت الْعظم عرقاً من بَاب قتل: أكلت مَا عَلَيْهِ من اللَّحْم. جعل شكواه كالعرق وَجعل مَا بعده إِن لم يُغير مَا صنعه تَأْثِيرا فِي الْعظم. يَقُول: حَلَفت أَيهَا الْملك بقرابين الْحرم وَقد أعلمت بكراتها بعلامة الإهداء يخب بصحراء ذَلِك الْموضع صغارها إِن لم تعير بعض مَا صَنعته وَلم تتدارك مَا فاتنا من عدلك لأميلن على كسر الْعظم الَّذِي أخذت مَا عَلَيْهِ من اللَّحْم. جعل شكواه وتقبيحه لما أَتَاهُ كالعرق وَجعل مَا بعده إِن لم يُغير تَأْثِيرا فِي الْعظم نَفسه. وَقد أحسن فِي التوعد وَفِي الْكِنَايَة عَن فعله وَعَما يهم بِهِ بعده. وَمَعْنَاهُ: أكسر عظمكم بعد هَذَا التهديد إِن لم ترجعوا عَن هَذَا الظُّلم. وعارقٌ اسْمه قيس بن جروة بن سيف بن وائلة بن عَمْرو بن مَالك بن أَمَان وَيُقَال لأولاده: الأجئيون لإقامتهم بأجأ وَهُوَ أحد جبلي طيىء. وأمان هُوَ ابْن ربيعَة بن جَرْوَل بن ثعل) الطَّائِي. كَذَا فِي جمهرة الْأَنْسَاب. وَيُقَال لَهُ: الأجئي لما ذكرنَا. وَهُوَ شاعرٌ جاهلي أورد أَبُو تَمام من شعره فِي عدَّة مَوَاضِع من الحماسة.

وَأنْشد بعده الْبَسِيط (لَو كنت من مازنٍ لم تستبح إبلي ... بَنو اللقيطة من ذهل بن شيبانا) على أَن بنُون لتغير مفرده فِي الْجمع أشبه جمع الْمُسكر فَجَاز تَأْنِيث الْفِعْل الْمسند إِلَيْهِ كَمَا يجوز فِي الْأَبْنَاء الَّذِي هُوَ جمع مكسر كَمَا أسْند فِي الْبَيْت لم تستبح بتاء التَّأْنِيث فِي أَوله إِلَى بَنو. وَهَذَا ظَاهر. وَالْبَيْت أول أبياتٍ ثَمَانِيَة هِيَ أول الحماسة لقريط بن أنيف الْعَنْبَري وَبعده: (إِذن لقام بنصري معشرٌ خشنٌ ... عِنْد الحفيظة إِن ذُو لوثةٍ لانا) (قومٌ إِذا الشَّرّ أبدى ناجذيه لَهُم ... طاروا إِلَيْهِ زرافاتٍ ووحدانا) (لَا يسْأَلُون أَخَاهُم حِين يندبهم ... فِي النائبات على مَا قَالَ برهانا) (لَكِن قومِي وَإِن كَانُوا ذَوي عددٍ ... لَيْسُوا من الشَّرّ فِي شيءٍ وَإِن هانا) (يجزون من ظلم أهل الظُّلم مغْفرَة ... وَمن إساءة أهل السوء إحسانا) (كَأَن رَبك لم يخلق لخشيته ... سواهُم من جَمِيع النَّاس إنْسَانا) (فليت لي بهم قوما إِذا ركبُوا ... شنوا الإغارة فُرْسَانًا وركبانا) قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: أغار ناسٌ من بني شَيبَان على رجل من بني العنبر يُقَال لَهُ: قريط بن أنيف فَأخذُوا لَهُ ثَلَاثِينَ بَعِيرًا فاستنجد قومه فَلم ينجدوه فَأتى مَازِن تَمِيم فَركب مَعَه نفرٌ فأطردوا لبني شَيبَان مائَة بعير فدفعوها إِلَيْهِ فَقَالَ هَذِه الأبيات. انْتهى.

ومَازِن: هُنَا هُوَ ابْن مَالك بن عَمْرو بن تَمِيم أخي العنبر بن عَمْرو بن تَمِيم. وَإِذا كَانَ كَذَلِك فمدح هَذَا الشَّاعِر لَهُم يجْرِي مجْرى الافتخار بهم. قَالَ المرزوقي: قصد الشَّاعِر فِي هَذِه الأبيات إِلَى بعث قومه على الانتقام لَهُ من أعدائه لَا إِلَى ذمهم. وَكَيف يذمهم ووبال الذَّم راجعٌ إِلَيْهِ لكنه سلك طَريقَة كَبْشَة أُخْت عَمْرو بن معديكرب فِي قَوْلهَا: الطَّوِيل) ودع عَنْك عمرا إِن عمرا مسالمٌ وَهل بطن عمرٍ وغير شبرٍ لمطعم فَإِنَّهَا لَا تهجو أخاها وعمرٌ وهُوَ الَّذِي كَانَ يعد بِأَلف فَارس وَلَكِن مرادها تهييجه. والاستباحة: الْإِبَاحَة. وَقيل الْإِبَاحَة: التَّخْلِيَة بَين الشَّيْء وَبَين طَالبه والاستباحة: اتِّخَاذ الشَّيْء مُبَاحا. وَالْأَصْل فِي الْإِبَاحَة إِظْهَار الشَّيْء للنَّاظِر ليتناوله من شَاءَ وَمِنْه: باح بسره. واللقيطة إِنَّمَا ألحق بهَا الْهَاء وَإِن كَانَت فعيلاً بِمَعْنى مفعول لِأَنَّهَا جعلت اسْما وَلم تتبع مَوْصُوفا كالذبيحة. كَذَا فِي شُرُوح الحماسة. وَلَا مُنَاسبَة للقيطة هُنَا لِأَنَّهَا فزارية لَا اتِّصَال لَهَا بذهل بن شَيبَان. وَالصَّوَاب: بَنو الشقيفة كَمَا يَأْتِي. وَأول من شرح على اللقيطة واتبعوه: أَبُو عبد الله النمري أول من شرح الحماسة. قَالَ: اللقيطة نبزٌ نبزهم الشَّاعِر بِهِ وَلَيْسَ بنسبٍ لَهُم جعل أمّهم ملقوطة وأخرجها مخرج النطيحة والرمية. هَذَا كَلَامه. ورد عَلَيْهِ الْأسود أَبُو مُحَمَّد الْأَعرَابِي فِيمَا كتبه على ذَلِك الشَّرْح

قَالَ: هَذَا مَوضِع الْمثل: أول الدن درديٌّ. هَذَا أول بَيت من الحماسة جهل جِهَة الصَّوَاب فِي صِحَة مَتنه واستواء نظامه فاشتغل بِوَزْن اللقيطة وَذكر النطيحة. وَالصَّوَاب إِن شَاءَ الله مَا أنشدناه أَبُو الندى وَذكر أَنه لقريط بن أنيف الْعَنْبَري: (لَو كنت من مازنٍ لم تستبح إبلي ... بَنو الشقيفة من ذهل بن شيبانا) قَالَ: الشقيفة هِيَ بنت عباد بن زيد بن عَوْف بن ذهل بن شَيبَان. وَهِي أم سيار وسمير وَعبد الله وَعَمْرو أَوْلَاد سعد بن همام بن مرّة بن ذهل بن شَيبَان. وهم سيارةٌ مَرَدَة لَيْسَ يأْتونَ على شيءٍ إِلَّا أفسدوه. قَالَ: وَأما اللقيطة وَلَيْسَ هَذَا موضعهَا فَهِيَ أم حصن بن حُذَيْفَة وَإِخْوَته وهم خَمْسَة وَاسْمهَا نضيرة بنت عصيم بن مَرْوَان بن وهب بن بغيض بن مَالك بن سعد بن عدي بن فَزَارَة. وَإِنَّمَا ألحق بهَا هَذَا الِاسْم لِأَن أَبَاهَا لم يكن لَهُ ولد غَيرهَا وَالْعرب ذَاك الدَّهْر تئد الْجَوَارِي فَلَمَّا رَآهَا انتشرت نَفسه عَلَيْهَا ورق لَهَا وَقَالَ لأمها: استرضعيها وأخفيها من النَّاس. فَكَانَ أول من فطن لَهَا حمل بن بدر فَقَالَ لِأَخِيهِ حُذَيْفَة وَتَحْته العذرية لَيْسَ لَهُ ولدٌ إِلَّا مِنْهَا) وَهُوَ مسْهر وَبِه كَانَ يكتنى: مَالك لَا تتَزَوَّج وَتجمع النِّسَاء نرْزق مِنْك عضداً قَالَ: وَمن لي بِالنسَاء الَّتِي تشبهني وتلائمني قد علمت مَا لقِيت من العذرية وطلبها قَالَ: قد التقطت لَك امْرَأَة ترضاها وتشبهك. قَالَ: من هِيَ قَالَ: بنتٌ لعصيم بن مَرْوَان بن وهب. قَالَ: وَإِن لَهُ لبنتاً قَالَ: نعم. قَالَ: فَإِنِّي لم أسمع بهَا. قَالَ: كَانَت مخفاة وَقد خبرت خَبَرهَا. قَالَ: فَأَنت رَسُولي إِلَى عصيم فِيهَا. قَالَ: فَأَتَاهُ فَزَوجهُ إِيَّاهَا.

وَبِهَذَا سميت اللقيطة. وَهِي أم حصن وَمَالك وَمُعَاوِيَة وَورد وَشريك بني حُذَيْفَة. وإياهم عَنى زبان بن سيارٍ بقوله: الْكَامِل (أعددتها لبني اللقيطة فَوْقهَا ... رمحٌ وسيفٌ صارم وشليل) انْتهى كَلَام الْأسود. وَمَا أوردهُ فِي تَسْمِيَة اللقيطة خلاف مَا قَالَه السكرِي فِي شرح ديوَان حسان بن ثَابت قَالَ: اللقيطة: أم حصن بن حُذَيْفَة كَانَت سَقَطت مِنْهُم فِي نجعة وَهِي صَغِيرَة فَأخذت فسميت اللقيطة. وَكَذَا قَالَ ياقوت فِي أَنْسَاب الْعَرَب قَالَ: وحصن بن حُذَيْفَة هُوَ ابْن اللقيطة لِأَن قَومهَا انتجعوا فَسَقَطت وَهِي طِفْل فالتقطها قومٌ فردوها عَلَيْهِم. انْتهى. وَالله أعلم. وَقَوله: إِذن لقام بنصري إِلَخ يَأْتِي إِن شَاءَ الله الْكَلَام على إِعْرَاب هَذَا الْبَيْت فِي إِذن من نواصب الْفِعْل. وَقَامَ بِالْأَمر: تكفل بِهِ. وخشن بِضَمَّتَيْنِ: جمع خشن وَقيل: جمع أخشن وضمة الشين للإتباع. والحفيظة: الْغَضَب فِي الشَّيْء الَّذِي يجب عَلَيْك حفظه. واللوثة بِضَم اللَّام: الضعْف وَهِي الرِّوَايَة الصَّحِيحَة وبالفتح: الْقُوَّة والشدة. وَالْأول أَسد لِأَن مُرَاده التَّعْرِيض بقَوْمه ليغضبوا أَو يهتاجوا لنصرته. وَقَوله: قوم إِذا الشَّرّ إِلَخ الناجذ بِالْجِيم والذال الْمُعْجَمَة: ضرس الْحلم زَائِد. والناجذ: مثل لاشتداد الشَّرّ كَمَا يُقَال: كشر الْحَرْب عَن

نابه كَذَا فِي شرح الطبرسي. وَقَالَ غَيره: الناجذ: أقْصَى الأضراس كنى بإبدائه عَن كشف الْحَال وَرفع المجاملة. وَاسْتِعْمَال وطاروا: أَسْرعُوا إِلَى دَفعه وَلم يتثاقلوا والزرافة بِفَتْح الزَّاي قَالَ ابْن جني فِي إِعْرَاب الحماسة: مَعْنَاهَا الْجَمَاعَة سميت بذلك للزِّيَادَة الَّتِي فِي الِاجْتِمَاع والتضام. وَمِنْه التزريف) للزِّيَادَة فِي الحَدِيث يُقَال: زرف فِي كَلَامه أَي: زَاد فِيهِ. وَمِنْه الزرافة لطول عُنُقهَا وزيادته على الْمُعْتَاد المألوف فِيمَا قده قدها. ووحدان: جمع وَاحِد كصاحب وصحبان بِمَعْنى منفردين. وَقَوله: لَا يسْأَلُون أَخَاهُم إِلَخ قَالَ ابْن جني: لَيْسَ يندبهم هُنَا من الندبة الَّتِي هِيَ التفجع وَإِنَّمَا هِيَ بِمَعْنى الاشتغاثة. غير أَن أَصلهمَا وَاحِد وَهُوَ مَا اجْتمعَا فِيهِ من معنى الْخُصُوص والعناية. والْبُرْهَان: الدَّلِيل فعلالٌ لَا فعلان لقَولهم: برهنت عَلَيْهِ أَي: أَقمت الدَّلِيل. وأخو الْقَوْم: الْوَاحِد مِنْهُم. وَاسْتشْهدَ بِهِ صَاحب الْكَشَّاف عِنْد قَوْله تَعَالَى: إِذْ قَالَ لَهُم أخوهم نوحٌ أَلا تَتَّقُون على أَن الْأَخ يُطلق وَيُرَاد بِهِ الْوَاحِد من الْقَوْم كَمَا فِي الْبَيْت. وَفِي الْبَيْت تعريضٌ بقَوْمه. وَقَوله: لَكِن قومِي إِلَخ يَعْنِي إِن قومِي وَإِن كَانَ فيهم كَثْرَة عدد

وعدةٍ لَيْسُوا من فع الشَّرّ فِي شَيْء وَإِن كَانَ فِيهِ خفَّة وَقلة. وَفِيه مطابقةٌ حَيْثُ قَابل الشَّرْط بِالشّرطِ فِي الصَّدْر وَالْعجز وَالْعدَد وَالْكَثْرَة بالهون والخفة. وَيُرِيد أَنهم يؤثرون السَّلامَة مَا أمكن وَلَو أَرَادوا الانتقام لقدروا بعددهم. وَقَوله: يجزون من ظلم هَذَا الْبَيْت وَمَا بعده اسْتشْهد بهما أهل البديع على النَّوْع الْمُسَمّى: إِخْرَاج الذَّم مخرج الْمَدْح. وَنبهَ بالبيتين على أَن احتمالهم إِنَّمَا هُوَ لاحتساب الْأجر على زعمهم فَكَأَن الله لم يخلق لخوفه غَيرهم. وَقَوله: سواهُم اسْتثِْنَاء مقدم من إِنْسَان. وَقَوله: فليت لي بهم أوردهُ ابْن هِشَام فِي حرف الْبَاء من الْمُغنِي على أَن الْبَاء فِي بهم للبدلية. وَقَالَ ابْن جني: لَيست الإغارة هُنَا مَفْعُولا بِهِ بل هِيَ منتصبة على الْمَفْعُول لأَجله أَي: شدوا للإغارة فُرْسَانًا وركباناً أَي: فِي هَذِه الْحَال. وقريط بن أنيف بِضَم الْقَاف وَفتح الرَّاء. وأنيف بِضَم الْهمزَة وَفتح النُّون. وَهُوَ شَاعِر إسلامي. قَالَه الْخَطِيب التبريزي فِي الحماسة. وَقد تتبعت كتب الشُّعَرَاء وتراجمهم فَلم أظفر لَهُ بترجمة. وَأنْشد بعده: الطَّوِيل بحوران يعصرن السليط أَقَاربه وَتقدم شَرحه مفصلا فِي الشَّاهِد السَّادِس وَالسبْعين بعد الثلثمائة.

(الشاهد السابع والخمسون بعد الخمسمائة)

وَأنْشد بعده 3 - (الشَّاهِد السَّابِع وَالْخَمْسُونَ بعد الْخَمْسمِائَةِ) مَعَ الصُّبْح ركبٌ من أحاظة مجفل على أَن اسْم الْجمع بعضه ك الركب يجوز تذكيره وتأنيثه وَفِي الشّعْر جَاءَ مذكراً فَإِنَّهُ عَاد الضَّمِير عَلَيْهِ من مجفل بالتذكير وَلَو أنث لقيل: مجفلة. ومجفل صفة ثَانِيَة لركب. وَهَذَا عجز بيتٍ وصدره: فعبت غشاشاً ثمَّ مرت كَأَنَّهَا وَالْبَيْت من القصيدة الْمَشْهُورَة بلامية الْعَرَب للشنفرى. وَهَذِه أبياتٌ مِنْهَا مُتَّصِلَة بِهِ: (وتشرب أسآري القطا الكدر بَعْدَمَا ... سرت قرباً أحناؤها تتصلصل) (هَمَمْت وهمت وابتدرنا وأسدلت ... وشمر مني فارطٌ متمهل) (فوليت عَنْهَا وَهِي تكبو لعقره ... يباشره مِنْهَا ذقونٌ وحوصل) (كَأَن وغاها حجرتيه وَحَوله ... أضاميم من سفر الْقَبَائِل نزل) (توافين من شَتَّى إِلَيْهِ فَضمهَا ... كَمَا ضم أذواد الأصاريم منهل) فعبت غشاشاً ... ... ... ... ... ... . . الْبَيْت وَقَوله: وتشرب أسآري إِلَخ الأسآر بِفَتْح الْهمزَة: جمع سُؤْر وَهُوَ بَقِيَّة المَاء. يُرِيد أَنه يسْبق القطا إِذا سايرها فِي طلب المَاء لسرعته فَترد بعده وتشرب سؤره مَعَ أَن القطا وأسآري: مفعول تشرب والقطا: فَاعله والكدر: صفته.

والقطا ثَلَاثَة أضْرب: أَحدهَا كدريٌّ وَهِي الغبر الألوان الرقش الظُّهُور والبطون والصفر الحلوق. ثَانِيهَا: جونيٌّ بِضَم الْجِيم وَهِي سود الأجنحة والبطون وَهِي أكبر من الكدر وتعدل جونية بكدريتين وَهِي منسوبة إِلَى الجونة وَهِي الدهمة. والكدري منسوبٌ إِلَى الكدرة وَهِي الغبرة. ثَالِثهَا: غطاطٌ وَهِي غبر الْبُطُون والظهور سود بطُون الأجنحة طوال الأرجل والأعناق لطاف الْأَجْسَام لَا تَجْتَمِع أسراباً أَكثر مَا تكون ثَلَاثًا أَو اثْنَيْنِ. كَذَا فِي شرح أدب الْكَاتِب لِابْنِ بري واللبلي. وسريت إِذا سرت فِي أول اللَّيْل وأرسيت إِذا سرت فِي آخِره. وَقيل: بل هما لُغَتَانِ. والْقرب بِفَتْح الْقَاف وَالرَّاء قَالَ الْخَطِيب التبريزي فِي شرح القصيدة: هُوَ وُرُود المَاء. يُقَال:) قربت المَاء أقربه إِذا وردته. وَلَيْلَة الْقرب: لَيْلَة وُرُود المَاء. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ فِي شرحها: قرباً: حَال من ضمير سرت. والقرب: السّير إِلَى المَاء بَيْنك وَبَينه لَيْلَة. قَالَ الْأَصْمَعِي: قلت لأعرابي: مَا الْقرب فَقَالَ: سير اللَّيْل لوُرُود الْغَد. وَقَالَ الْخَلِيل: القارب: طَالب المَاء لَيْلًا وَلَا يُقَال لطَالب المَاء نَهَارا. انْتهى. قَالَ الْخَطِيب: وروايتي: أحشاؤها وَهُوَ أَجود عِنْدِي. وَيُقَال لليابس: سَمِعت صلصلة أَي: صَوتا من يبسه.

والصلصال: الفخار. يَقُول: تتصلصل أجوافها من الْعَطش ليبسها. وَقَوله: هَمَمْت وهمت إِلَخ هَمَمْت أَنا وهمت القطا. وابتدرنا: استبقنا. وأسدلت: أرخت جناحها وكفت عَن الطيران لتعبها. قَالَ الْخَطِيب: وحفظي وابتدرنا وَقصرت يُرِيد أَن القطا عجزت عَن الْعَدو وَهُوَ لم يكل. وشمر: خف. والفارط بِالْفَاءِ: الْمُتَقَدّم. والمتمهل: المتأني. وَفِيه مبالغةٌ وَتَجْرِيد. وَقَوله: فوليت عَنْهَا إِلَخ تكبو: تتساقط القطا إِلَى عقر الْحَوْض أَي: تقرب مِنْهُ. والْعقر بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الْقَاف هُوَ مقَام الساقي من الْحَوْض يكون فِيهِ مَا يتساقط من المَاء عِنْد أَخذه من الْحَوْض. والذقون: جمع ذقن فِي الْكَثْرَة وأذقانٌ فِي الْقلَّة. وحوصل: جمع حوصلة. يَقُول: وَردت وصدرت والقطا تكرع ثمَّ تصدر وَكنت أسْرع مِنْهَا. وَقَوله: كَأَن وغاها حجرتيه إِلَخ وغاها: أصواتها. والوغى بالغين الْمُعْجَمَة والمهملة: الصَّوْت. وحجرتيه مَنْصُوب على الظّرْف وَالضَّمِير للعقر أَي: مقَام الساقي. وحجرتاه: ناحيتاه مثنى وحوله: ظرف مَعْطُوف عَلَيْهِ وَالضَّمِير للعقر أَيْضا. وأضاميم: خبر كَأَن على حذف مُضَاف أَي: كَأَن وغاها وغى أضاميم لِأَن التَّشْبِيه إِنَّمَا هُوَ بَين الصوتين. وأضاميم: جمع إضمامة بِالْكَسْرِ وَهُوَ الْقَوْم يَنْضَم بَعضهم إِلَى بعض فِي السّفر.

ونزل: جمع نَازل صفة أضاميم. أَي: يسمع لهَذِهِ القطا أصواتٌ كَمَا يسمع أصوات هَؤُلَاءِ عِنْد نزولهم. وَقَوله: توافين من شَتَّى إِلَخ توافين: اجْتَمعْنَ وَالضَّمِير للقطا. ومن شَتَّى أَي: من طرق مُخْتَلفَة جمع شتيت بِمَعْنى مُخْتَلف. وَضمير إِلَيْهِ للعقر وَكَذَلِكَ فَاعل ضمهَا ضمير الْعقر.) وَقَالَ غَيره: هُوَ أبياتٌ مجتمعة من الْأَعْرَاب. والمنهل: مورد المَاء وَهُوَ فَاعل ضم وأذواد: مَفْعُوله. وَقَوله: فعبت غشاشاً إِلَخ عبت: شربت بِلَا مصٍّ. قَالَ ثَعْلَب: عب يعب إِذا شرب المَاء فَصَبَّهُ فِي الْحلق صبا. وَقَالَ الْخَطِيب: عبت: تابعت الشّرْب كَأَنَّهَا تعبيه فِي أجوافها فَيكون من التعبية. وغشاشاً بِكَسْر الْغَيْن الْمُعْجَمَة بعْدهَا شينان معجمتان. قَالَ الْخَطِيب: قَالَ بعض أهل اللُّغَة: مَعْنَاهُ على عجلة. وَقَالَ غَيره: قَلِيلا أَو غير مريء. والركب: ركبان الْإِبِل خَاصَّة. يَقُول: وَردت القطا على عجل ثمَّ صدرت فِي بقايا من الظلمَة فِي الْفجْر. وَهَذَا يدل على قُوَّة سرعتها. ومجفل بِالْجِيم: مسرع صفة ثَانِيَة لركب وَمن أحاظة صفة أولى. وأحاظة بِضَم الْهمزَة بعْدهَا مُهْملَة وظاء مشالة مُعْجمَة قَالَ الْخَطِيب: أحاظة فِيمَا ذكر ثَعْلَب: قَبيلَة

من الأزد. وَقَالَ غَيره: هِيَ قَبيلَة من الْيمن. وَلم يعرفهَا الْمبرد وَلم أسمع باسمها إِلَّا فِي هَذَا الشّعْر. انْتهى. وَقَوله: وَقَالَ غَيره إِلَخ غير جيد فَإِن الأزد من الْيمن. وَقيل: أحاظة مَوضِع لَا قَبيلَة. قَالَ الْبكْرِيّ فِي مُعْجم مَا استعجم: أحاظة: بلد. وَأنْشد هَذَا الْبَيْت ثمَّ قَالَ: وَقد قيل: إِن أحاظة قَبيلَة من ذِي الكلاع من حمير وَهُوَ الصَّحِيح. انْتهى. وَقد ذكره ابْن الْكَلْبِيّ فِي جمهرة حمير قَالَ: وأحاظة أَخُو ميتم بن سعد ابْن عَوْف بن عدي بن مَالك بن زيد بن سُهَيْل بن عَمْرو بن قيس بن مُعَاوِيَة بن جشم ابْن عبد شمس بن وَائِل بن الْغَوْث بن قطن بن عريب بن زُهَيْر بن أَيمن بن الهميسع بن حمير بن سبأ. ثمَّ ذكر أَن قبائل ذِي الكلاع ثلاثٌ وَعِشْرُونَ قَبيلَة مِنْهُم ميتم وَأَخُوهُ أحاظة. ثمَّ قَالَ: تكلع هَؤُلَاءِ فِي الْجَاهِلِيَّة على سميفع. والشنفرى: شاعرٌ جاهليٌّ تقدّمت تَرْجَمته فِي الشَّاهِد السَّادِس وَالْعِشْرين بعد الْمِائَتَيْنِ.

(باب المثنى)

(بَاب الْمثنى) أنْشد فِيهِ 3 - (الشَّاهِد الثَّامِن وَالْخَمْسُونَ بعد الْخَمْسمِائَةِ) الرجز أحب مِنْهَا الْأنف والعينانا على أَن لُزُوم الْألف الْمثنى فِي الْأَحْوَال الثَّلَاثَة لُغَة بني الْحَارِث بن كَعْب فَإِنَّهُم يقلبون الْيَاء الساكنة إِذا انْفَتح مَا قبلهَا ألفا يَقُولُونَ: أخذت الدرهمان واشتريت ثَوْبَان وَالسَّلَام علاكم. قَالَ أَبُو حَاتِم والأخفش فِي شرح نَوَادِر أبي زيد. وَالْبَيْت من رجز مسطورٍ فِي هَذِه النَّوَادِر قَالَ: وأنشدني الْمفضل لرجل من بني ضبة هلك مذ أَكثر من مائَة سنة: (إِن لسعدى عندنَا ديوانا ... يخزي فلَانا وَابْنه فلَانا) (كَانَت عجوزاً عمرت زَمَانا ... وَهِي ترى سيئها إحسانا) (أعرف مِنْهَا الْأنف والعينانا ... ومنخرين أشبها ظبيانا) أَرَادَ: منخري ظبْيَان فَحذف كَمَا قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: واسأل الْقرْيَة يُرِيد: أهل الْقرْيَة. انْتهى. قَالَ ابْن جني فِي سر الصِّنَاعَة: من الْعَرَب من لَا يخَاف اللّبْس

وَيجْرِي الْبَاب على أصل قِيَاسه فيدع الْألف ثَابِتَة فِي الْأَحْوَال فَيَقُول: قَامَ الزيدان وَضربت الزيدان ومررت بالزيدان وهم بَنو الْحَارِث وبطنٌ من ربيعَة. وأنشدوا فِي ذَلِك: الطَّوِيل تزَود منا بَين أذنَاهُ ضَرْبَة وَقَالَ آخر: الطَّوِيل (فَأَطْرَقَ إطراق الشجاع وَلَو يرى ... مساغاً لناباه الشجاع لصمما) وَقَالَ آخر: (أعرف مِنْهَا الْجيد والعينانا ... ومنخرين أشبها ظبيانا) يُرِيد: الْعَينَيْنِ. ثمَّ إِنَّه جَاءَ بمنخرين على اللُّغَة الفاشية. وروينا عَن قطرب: خب الْفُؤَاد مائل اليدان) وَقَالَ آخر: الرجز (إِن أَبَاهَا وَأَبا أَبَاهَا ... قد بلغا فِي الْمجد غايتاها) وَقَوله: إِن لسعدى عندنَا ديوانا

سعدى بِضَم السِّين: اسْم امْرَأَة. قَالَ السكرِي: الدِّيوَان مكسور وَلذَلِك قَالُوا: دواوين مثل قِيرَاط ودينار. وَلَو كَانَ ديوَان بِالْفَتْح لقالوا: دياوين ولأدغموا الْوَاحِد فَقَالُوا: ديان كَمَا قَالُوا: ديار. انْتهى. قَالَ ابْن السَّيِّد: الدِّيوَان اصله فَارسي مُعرب واستعملته الْعَرَب وَجعلُوا كل مُحَصل من كلامٍ أَو شعر ديواناً. وفاعل يخزي ضمير الدِّيوَان. وَقَوله: كَانَت عجوزاً أَي: صَارَت عجوزاً. وعمرت بِفَتْح الْعين وَكسر الْمِيم. وَقَوله: ومنخرين أشبها ظبيانا تقدم عَن أبي زيد أَن ظبْيَان اسْم رجل وَأَنه على تَقْدِير مُضَاف أَي: منخري ظبْيَان. وَزعم بَعضهم كَمَا نَقله الْعَيْنِيّ أَنه مثنى ظَبْي على حذف مُضَاف وَالتَّقْدِير: أشبها منخري ظبيين. وَهَذَا وَإِن كَانَ فِي نَفسه صَحِيحا إِلَّا أَن نقل أبي زيد يَدْفَعهُ. والمنخر على وزن مَسْجِد: خرق الْأنف وَأَصله مَوضِع النخير وَهُوَ الصَّوْت من الْأنف يُقَال: والمنخر بِكَسْر الْمِيم للإتباع لُغَة. والمنخور كعصفور: لُغَة طَيئ. وَعرف من نقل أبي زيد أَن الرِّوَايَة: أعرف مِنْهَا الْأنف لَا: أحب مِنْهَا كَمَا هُوَ فِي الشَّرْح. وَبَنُو الْحَارِث بن كَعْب: قبيلةٌ عَظِيمَة من قبائل الْعَرَب من قحطان.

(الشاهد التاسع والخمسون بعد الخمسمائة)

وَأنْشد بعده 3 - (الشَّاهِد التَّاسِع وَالْخَمْسُونَ بعد الْخَمْسمِائَةِ) الرجز (إِنَّا أَبَاهَا وَأَبا أَبَاهَا ... قد بلغا فِي الْمجد غايتاها) لما تقدم قبله. وَالشَّاهِد فِي غايتاها وَأَبا أَبَاهَا. فَيجوز أَن يكون جَاءَ على لُغَة الْقصر يُقَال: هَذَا أَبَاك ومررت بأباك فَتكون الْحَرَكَة مقدرَة على الْألف. والبيتان نسبهما ابْن السَّيِّد فِي أَبْيَات الْمعَانِي لرجل من بني الْحَارِث. وَقَالَ الْعَيْنِيّ وَتَبعهُ السُّيُوطِيّ فِي شرح أَبْيَات الْمُغنِي: نسبهما الْجَوْهَرِي إِلَى أبي النَّجْم وَأنْشد قبلهمَا: (يَا لَيْت عينيها لنا وفاها ... بثمنٍ نرضي بِهِ أَبَاهَا) إِن أَبَاهَا ... ... ... ... ... ... ... ... . إِلَخ وَقد رجعت إِلَى الصِّحَاح فَلم أر إِلَّا الْبَيْتَيْنِ الْأَوَّلين وَلم أر فِيهِ مَا أنْشدهُ الشَّارِح هُنَا. وَقَالَ الْعَيْنِيّ أَيْضا وَتَبعهُ السُّيُوطِيّ: أنْشد أَبُو زيد فِي نوادره عَن الْمفضل قَالَ: أَنْشدني أَبُو الغول لبَعض أهل الْيمن: (أَي قلُوص راكبٍ ترَاهَا ... شالوا علاهن فشل علاها) (وَاشْدُدْ بمثنى حقبٍ حقواها ... نَاجِية وناجياً أَبَاهَا)

(الشاهد الستون بعد الخمسمائة)

. إِن أَبَاهَا ... ... ... ... ... ... ... ... . إِلَخ وَقد رجعت إِلَى النَّوَادِر أَيْضا فَلم أر فِيهَا هذَيْن الْبَيْتَيْنِ وَإِنَّمَا أورد عَن الْمفضل الأبيات الْأَرْبَعَة من قَوْله: أَي قلُوص إِلَى قَوْله: وناجياً أَبَاهَا. أوردهَا فِي موضِعين من النَّوَادِر وَلم يزدْ على تِلْكَ الْأَرْبَعَة. وَقد شرحناها فِي الشَّاهِد الثَّامِن عشر بعد الْخَمْسمِائَةِ من بَاب الظروف. والْمجد: الشّرف. وَكَانَ الظَّاهِر أَن يَقُول: قد بلغا فِي الْمجد غايتيه بضمير الْمُذكر الرَّاجِع إِلَى الْمجد لكنه أنث الضَّمِير لتأويل الْمجد بِالْأَصَالَةِ. وَالْمرَاد بالغايتين الطرفان من شرف الْأَبَوَيْنِ كَمَا يُقَال: أصيل الطَّرفَيْنِ. وَهَذَا على مَا ذكره الْجَوْهَرِي من أَن قبل الْبَيْت: واهاً لريا. وَأما على رِوَايَة أبي زيدٍ فَيكون ضمير أَبَاهَا للقلوص. هَذَا كَلَامه.) وَأنْشد بعده 3 - (الشَّاهِد السِّتُّونَ بعد الْخَمْسمِائَةِ) الرجز (يَا رب خالٍ لَك فِي عرينه ... فسوته لَا تَنْقَضِي شهرينه) شَهْري ربيعٍ وجماديينه على أَن نون التَّثْنِيَة قد تفتح كَمَا فِي شهرينه وجماديينه وكما فِي الْبَيْت السَّابِق. أعرف مِنْهَا الْأنف والعينانا

قَالَ ابْن جني فِي سر الصِّنَاعَة: قَرَأت على أبي عَليّ فِي نَوَادِر أبي زيد: أعرف مِنْهَا الْأنف والعينانا وروينا عَن قطرب لامرأةٍ من فقعس (يَا رب خالٍ لَك من عرينه ... حج على قليصٍ جوينه) وَقد حُكيَ أَن مِنْهُم من ضم النُّون فِي نَحْو: الزيدان والعمران. وَهَذَانِ من الشذوذ بِحَيْثُ لَا يُقَاس غَيرهمَا عَلَيْهِمَا. انْتهى. وَقيد ابْن عُصْفُور فِي كتاب ضرائر الشّعْر فتح النُّون بِحَالَة النصب والخفض وبحالة النصب فَقَط فِي لُغَة من ألزم الْمثنى الْألف فِي جَمِيع الْأَحْوَال. وَقد وَجه أَبُو عَليّ فِي كتاب الشّعْر فتح النُّون على وُجُوه. قَالَ: أنْشد أَبُو زيد: أعرف مِنْهَا الْأنف والعينانا تَحْرِيك النُّون بِالْفَتْح يحْتَمل غير وَجه. مِنْهَا: أَن حركتها لما كَانَت لالتقاء الساكنين وَرَأى التحريك فِي التقائهما فِي الْمُنْفَصِل والمتصل لَا يُحَرك بضربٍ وَاحِد من الْحَرَكَة جعل التَّثْنِيَة مثل ذَلِك. أَلا ترى أَنهم قَالُوا: رد ورد ورد وَقَالُوا: عوض وَعوض وَنَحْو ذَلِك فَلم يلزموا فِي الْمُتَّصِل ضربا وَاحِدًا من التحريك فَكَذَلِك جعل نون التَّثْنِيَة بِمَنْزِلَتِهِ.

وَيجوز أَن يكون شبه التَّثْنِيَة بِالْجمعِ لما رَآهُمْ يَقُولُونَ: مَضَت سنُون وَيَقُولُونَ: مَضَت سِنِين فيجعلون النُّون فِي الْجمع حرف الْإِعْرَاب جعلهَا فِي التَّثْنِيَة كَذَلِك. وَيجوز أَن يكون شبه غير الْعلم بِالْعلمِ. أَلا ترى أَن النَّحْوِيين قد أَجَازُوا فِي رجل يُسمى بتثنيةٍ أَن) يجْعَلُوا النُّون حرف الْإِعْرَاب فَيَقُولُونَ: هَذَا زَيْدَانَ وَعمْرَان وَكَانَ الْقيَاس أَن لَا يعرى من شيءٍ يدل على التَّثْنِيَة كَمَا أَنه إِذا سمي بجمعٍ بِالْألف وَالتَّاء لم يعروه مِمَّا يدل على حِكَايَة ذَلِك. إِلَّا أَنهم لما قَالُوا السبعان فِي الِاسْم الْمَخْصُوص فَلم يبقوا شَيْئا يدل على حِكَايَة التَّثْنِيَة جَازَ على ذَلِك تَغْيِير مَا سمي بتثنية. وَقد حكى البغداديون تَحْرِيك نون التَّثْنِيَة بِالْفَتْح إِذا وَقعت بعد يَاء. وأنشدوا: الطَّوِيل على أحوذيين وَيُشبه أَن يَكُونُوا شبهوا التَّثْنِيَة بِالْجمعِ. فَكَمَا فتحُوا النُّون بعد الْيَاء فِي الْجمع كَذَلِك فتحُوا مَا بعد الْيَاء فِي التَّثْنِيَة وَهَذَا مِمَّا يُقَوي فتح النُّون فِي قَوْله: العينانا. أَلا ترى أَنه لَيْسَ يلْزمهَا على رَأْيهمْ وعَلى مَا أنشدوه حركةٌ وَاحِدَة. وَمَا عَلَيْهِ الْجُمْهُور أولى من جِهَة الْقيَاس أَيْضا وَهُوَ الْأَكْثَر فِي الِاسْتِعْمَال. وَذَلِكَ أَن هَذِه الْيَاء لَا تلْزم الْكَلِمَة. وَقد وجدت من الْحُرُوف مَا لَا يَقع بِهِ الِاعْتِدَاد لما لم يلْزم. فالياء فِي

هَذَا الْموضع لَيست بلازمة. أَلا ترى أَن مِنْهُم من يَجْعَلهَا فِي جَمِيع الْأَحْوَال ألفا. وَقد حذفوا هَذِه النُّون فِي غير الْإِضَافَة كَمَا (يَا حب قد أمسينا ... وَلم تنام العينا) أَرَادَ: العينان فَحذف النُّون. وَقَوله: إِن عمي اللذا أشبه شَيْئا لِأَن الِاسْم قد طَال بالصلة. انْتهى. وَقَوله: يَا رب خالٍ إِلَخ يَا: حرف تَنْبِيه ورب وَالْعَامِل فِي مَحل مجرورها حج. وعرينة بِضَم الْعين وَفتح الرَّاء الْمُهْمَلَتَيْنِ: قَبيلَة بِالْيمن. وَقَوله: حج على قليص إِلَخ حذفه الشَّارِح الْمُحَقق لعدم تعلق غَرَضه بِهِ. وَإِنَّمَا ذكر الْبَيْت الأول وَإِن كَانَ مثل الثَّانِي ليعلم مِنْهُ فتح النُّون فِي الْبَيْتَيْنِ الآخرين إِذْ لَوْلَا ذكره لربما ظن أَن النُّون فيهمَا مَكْسُورَة كَقَوْل الراجز: الرجز (قل لخليليك وتحسنانه ... هَل أَنْتُمَا الْعَيْش ملبثانه) (فِي دَار حيٍّ حَيْثُ تعلمانه ... إِن لَا تَقولُونَ فتحسنانه) وقليص: مصغر قلُوص وَهِي النَّاقة الشَّابَّة. وجوينة: مصغر جون بِفَتْح الْجِيم. والجون من) الْخَيل وَمن الْإِبِل: الأدهم الشَّديد السوَاد. قَوْله: فسوته لَا تَنْقَضِي إِلَخ الفسوة بِالْفَتْح: ريح يخرج بِغَيْر صَوت يسمع. وَهُوَ على حذف مُضَاف أَي: نَتن فسوته لَا يَنْقَضِي فِي هَذِه الْمدَّة ففسوته تشبه

فسوة الظربان. والظربان بِفَتْح الظَّاء الْمُعْجَمَة المشالة وَكسر الرَّاء بعْدهَا مُوَحدَة وَهِي دويبة كالهرة مُنْتِنَة الرّيح تزْعم الْعَرَب أَنَّهَا تفسو فِي ثوب أحدهم إِذا صادها فَلَا تذْهب رَائِحَته حَتَّى يبْلى الثَّوْب. وَقد ضرب بهَا الْأَمْثَال يُقَال: أنتن من ظربان وأفسى من ظربان وفسا بَينهم الظربان إِذا تقاطع الْقَوْم وتهاجروا. وتَنْقَضِي: تذْهب شَيْئا فَشَيْئًا. شَهْرَيْن مَنْصُوب على الظّرْف وعامله تَنْقَضِي وَهُوَ مثنى شهر وَفتح النُّون شذوذاً وَالْهَاء بعْدهَا للسكت أُتِي بهَا لبَيَان الفتحة فَإِنَّهَا قد يبين بهَا حَرَكَة نون الِاثْنَيْنِ مَكْسُورَة ومفتوحة وَيبين بهَا حَرَكَة نون الْجمع أَيْضا كَقَوْلِه: الرجز (قد صبحت بالْأَمْس مَاء لينه ... يحفها م الْقَوْم أربعونه) حَالية كاسيةً دهينه قَوْله: شَهْري ربيع إِلَخ بدل من شهرينه. وجماديينه: مَعْطُوف على شَهْري لَا على ربيع لوَجْهَيْنِ: أَحدهمَا: أَنه لَا يُقَال شهر جُمَادَى فَإِن لفظ شهر لَا يُضَاف إِلَّا لما فِي أَوله رَاء كشهر ربيع وَشهر رَجَب وَشهر رَمَضَان كَمَا هُوَ الْمَشْهُور. ثَانِيهمَا: لِئَلَّا يفْسد الْمَعْنى فَإِنَّهُ لَو عطف على ربيع لاقتضى أَن الْبَدَل أَرْبَعَة أشهر والمبدل مِنْهُ شَهْرَان وَهَذَا خلف من القَوْل فعطفه على الْبَدَل يُفِيد أَن عدم الِانْقِضَاء فِي أَرْبَعَة أشهر: شَهْري

(الشاهد الحادي والستون بعد الخمسمائة)

ربيع وجماديين وَهُوَ مثنى جُمَادَى بِضَم الْجِيم وَقصر آخِره فَلَمَّا ثني قلبت الْألف يَاء كَقَوْلِك: فتيَان فِي تَثْنِيَة الْفَتى. وَأنْشد بعده 3 - (الشَّاهِد الْحَادِي وَالسِّتُّونَ بعد الْخَمْسمِائَةِ) الرجز (ليثٌ وليثٌ فِي محلٍّ ضنك ... كِلَاهُمَا ذُو أشرٍ ومحك) على أَن أصل الْمثنى الْعَطف بِالْوَاو فَلذَلِك يرجع إِلَيْهِ الشَّاعِر فِي الضَّرُورَة كَمَا هُنَا فَإِن الْقيَاس أَن يَقُول: ليثان لكنه أفردهما وَعطف بِالْوَاو لضَرُورَة الشّعْر. قَالَ ابْن الشجري فِي أَمَالِيهِ: التَّثْنِيَة وَالْجمع المستعملان أَصلهمَا التَّثْنِيَة وَالْجمع بالْعَطْف فقولك: جَاءَ الرّجلَانِ ومررت بالزيدين أَصله جَاءَ الرجل وَالرجل ومررت بزيد وَزيد فحذفوا العاطف والمعطوف وَأَقَامُوا حرف التَّثْنِيَة مقامهما اختصاراً. وَصَحَّ ذَلِك لِاتِّفَاق الذاتين فِي التَّسْمِيَة بِلَفْظ وَاحِد. فَإِن اخْتلف لفظ الاسمين رجعُوا إِلَى التكرير بالعاطف كَقَوْلِك: جَاءَ الرجل وَالْفرس غذ كَانَ مَا فَعَلُوهُ من الْحَذف فِي المتفقين يَسْتَحِيل فِي الْمُخْتَلِفين. وَلما التزموه فِي تَثْنِيَة المتفقين مَا ذكرنَا من الْحَذف كَانَ الْتِزَامه فِي الْجمع مِمَّا لَا بُد مِنْهُ وَلَا مندوحة عَنهُ لِأَن حرف الْجمع يَنُوب عَن ثَلَاثَة فَصَاعِدا إِلَى مَا لَا يُدْرِكهُ الْحصْر. ويدلك على صِحَة مَا ذكرته أَنهم رُبمَا رجعُوا

إِلَى الأَصْل فِي تَثْنِيَة المتفقين وَمَا فويق ذَلِك من الْعدَد فاستعملوا التكرير بالعاطف إِمَّا للضَّرُورَة وَإِمَّا للتفخيم. فالضرورة كَقَوْل الْقَائِل: الرجز كَأَن بَين فكها والفك أَرَادَ أَن يَقُول: بَين فكيها فقاده تَصْحِيح الْوَزْن والقافية إِلَى اسْتِعْمَال الْعَطف. وَمثله فِيمَا جَاوز الِاثْنَيْنِ قَول أبي نواس: (أَقَمْنَا بهَا يَوْمًا وَيَوْما وثالثاً ... وَيَوْما لَهُ يَوْم الترحل خَامِس) فَإِن اسْتعْملت هَذَا فِي السعَة فَإِنَّمَا تستعمله لتفخيم الشَّيْء الَّذِي تقصد تَعْظِيمه كَقَوْلِك: لمن تعنفه بقبيحٍ تكَرر مِنْهُ وتنبهه على تَكْرِير عفوك: قد صفحت عَن جرمٍ وجرمٍ وجرم وجرم كَقَوْلِك: لمن يحقر أيادي أسديتها إِلَيْهِ أَو يُنكر مَا أَنْعَمت بِهِ عَلَيْهِ: قد أَعطيتك ألفا وألفاً وألفاً. فَهَذَا أفخم فِي اللَّفْظ وأوقع فِي النَّفس من قَوْلك: قد صفحت لَك عَن أَرْبَعَة أجرام وَقد أَعطيتك ثَلَاثَة آلَاف. انْتهى. وَهَذَا الشّعْر لواثلة بن الْأَسْقَع أوردهُ لَهُ الكلَاعِي فِي السِّيرَة النَّبَوِيَّة فِي وقْعَة مرج الرّوم قَالَ: كَانَ) وَاثِلَة بن الْأَسْقَع فِي خيل قيس بن هُبَيْرَة فِي جَيش خَالِد بن الْوَلِيد فَخرج بطرِيق من كبارهم فبرز لَهُ وَاثِلَة وَهُوَ يَقُول فِي حَملته: (ليثٌ وليثٌ فِي مجالٍ ضنك ... كِلَاهُمَا ذُو أنفٍ ومحك) ...

(أجول جول حازمٍ فِي العرك ... أَو يكْشف الله قناع الشَّك) مَعَ ظفري بحاجتي ودركي ثمَّ حمل على البطريق فَقتله. وَأورد الجاحظ تتمته وقصته فِي كتاب المحاسن والمساوي لجحدر بن مَالك الْحَنَفِيّ على غير هَذَا الْوَجْه قَالَ: كَانَ بِالْيَمَامَةِ رجلٌ من بني حنيفَة يُقَال لَهُ: جحدر بن مَالك وَكَانَ لسناً فاتكاً شَاعِرًا وَكَانَ قد أفحش على أهل هجر وناحيتها فَبلغ ذَلِك الْحجَّاج بن يُوسُف فَكتب إِلَى عَامل الْيَمَامَة يوبخه فِي تلاعب جحدرٍ بِهِ ثمَّ يَأْمُرهُ بالتجرد فِي طلبه حَتَّى يظفر بِهِ. فَبعث الْعَامِل إِلَى فتيةٍ من بني يَرْبُوع بن حَنْظَلَة فَجعل لَهُم جعلا عَظِيما إِن هم قتلوا جحدراً أَو أَتَوا بِهِ وَوَعدهمْ أَن يوفدهم إِلَى الْحجَّاج ويسني فرائضهم فَخرج الْفتية فِي طلبه حَتَّى إِذا كَانُوا قَرِيبا مِنْهُ بعثوا إِلَيْهِ رجلا مِنْهُم يرِيه أَنهم يُرِيدُونَ الِانْقِطَاع إِلَيْهِ. فوثق بهم وَاطْمَأَنَّ إِلَيْهِم. فبيناهم على ذَلِك إِذْ شدوه وثاقاً وَقدمُوا بِهِ إِلَى الْعَامِل فَبعث بِهِ مَعَهم إِلَى الْحجَّاج فَلَمَّا قدمُوا بِهِ على الْحجَّاج قَالَ لَهُ: أَنْت جحدر قَالَ: نعم. قَالَ: مَا حملك على مَا بَلغنِي عَنْك قَالَ: جرْأَة الْجنان وجفوة السُّلْطَان وكلب الزَّمَان قَالَ: وَمَا الَّذِي بلغ من أَمرك فيجترئ جنانك ويصلك سلطانك وَلَا يكلب عَلَيْك زَمَانك قَالَ:

لَو بلاني الْأَمِير لوجدني من صالحي الأعوان وبهم الفرسان وَمن أوفى على أهل الزَّمَان. قَالَ الْحجَّاج: أَنا قاذفك فِي قبَّة فِيهَا أَسد فَإِن قَتلك كفانا مؤنتك وَإِن قتلته خليناك ووصلناك. قَالَ: قد أَعْطَيْت أصلحك الله الْمنية وعظمت الْمِنَّة وَقربت المحنة. فَأمر بِهِ فاستوثق مِنْهُ بالحديد وَأُلْقِي فِي السجْن وَكتب إِلَى عَامله بكسكر يَأْمُرهُ أَن يصيد لَهُ أسداً ضارياً. فَلم يلبث الْعَامِل أَن بعث لَهُ بأسد ضاريات قد أبزت على أهل تِلْكَ النَّاحِيَة ومنعت عَامَّة مراعيهم ومسارح دوابهم فَجعل مِنْهَا وَاحِدًا فِي تَابُوت يجر على عجلة فَلَمَّا قدمُوا بِهِ أَمر فألقي فِي حيزٍ وأجيع ثَلَاثًا ثمَّ بعث إِلَى جحدر فَأخْرج وَأعْطِي سَيْفا ودلي عَلَيْهِ فَمشى إِلَى الْأسد) (ليثٌ وليثٌ فِي مجَال ضنك ... كِلَاهُمَا ذُو أنفٍ ومحك) (وصولةٍ فِي بطشه وفتك ... إِن يكْشف الله قناع الشَّك) (وظفراً بجؤجؤٍ وبرك ... فَهُوَ أَحَق منزلٍ بترك) الذِّئْب يعوي والغراب يبكي حَتَّى إِذا كَانَ مِنْهُ على قدر رمح تمطى الْأسد وزأر وَحمل عَلَيْهِ فَتَلقاهُ جحدرٌ بِالسَّيْفِ فَضرب هامته ففلقها وَسقط الْأسد كَأَنَّهُ

خيمةٌ قوضتها الرّيح. وَلم يلبث جحدرٌ لشدَّة حَملَة الْأسد عَلَيْهِ مَعَ كَونه مكبلاً أَن وَقع على ظَهره متلطخاً بِالدَّمِ. وعلت أصوات الْجَمَاعَة بِالتَّكْبِيرِ وَقَالَ لَهُ الْحجَّاج لما رأى مِنْهُ مَا هاله: يَا جحدر إِن أَحْبَبْت أَن ألحقك ببلادك وَأحسن جائزتك فعلت ذَلِك بك وَإِن أَحْبَبْت أَن تقيم عندنَا أَقمت فأسنينا فريضتك. فَقَالَ: أخْتَار صُحْبَة الْأَمِير. فَفرض لَهُ ولجماعة أهل بَيته وَأَنْشَأَ جحدرٌ يَقُول: الْكَامِل (يَا جمل إِنَّك لَو رَأَيْت بسالتي ... فِي يَوْم هيجٍ مردفٍ وعجاج) (وتقدمي لليث أرسف نَحوه ... حَتَّى أكابره عَن الأحراج) (جهمٌ كَأَن جَبينه لما بدا ... طبق الرحا متفجر الأثباج) (شثنٍ براثنه كَأَن نيوبه ... زرق المعابل أَو شذاة زجاج) (وكأنما خيطت عَلَيْهِ عباءةٌ ... برقاء أَو خلقٌ من الديباج) (قرنان محتضران قد ربتهما ... أم الْمنية غير ذَات نتاج) (وَعلمت أَنِّي إِن أَبيت نزاله ... أَنِّي من الْحجَّاج لست بناج) (فمشيت أرسف فِي الْحَدِيد مكبلاً ... بِالْمَوْتِ نَفسِي عِنْد ذَاك أُنَاجِي)

هَذَا مَا أوردهُ الجاحظ. وَقد أورد ابْن الشجري فِي أَمَالِيهِ هَذِه الْحِكَايَة مختصرة لجحدر الْمَذْكُور مَعَ أَرْبَعَة أَبْيَات من الرجز وَلم يذكر هَذِه الأبيات. وَأخرج السُّيُوطِيّ فِي بحث رب من شرح شَوَاهِد الْمُغنِي هَذِه الْحِكَايَة بِنَحْوِ مَا ذكره ابْن الشجري عَن الْمعَافي بن زَكَرِيَّا وَابْن عَسَاكِر فِي تَارِيخه بِسَنَد مُتَّصِل عَن ابْن الْأَعرَابِي وَعَن الزبير بن بكار فِي الموفقيات.) وَلم يُورد السكرِي فِي كتاب اللُّصُوص شَيْئا مِمَّا أوردهُ الجاحظ مَعَ أَنه استوعب أَحْوَال اللُّصُوص وأشعارهم فِي كِتَابه وَأورد لَهُ أشعاراً كَثِيرَة جَيِّدَة. وَقَوله: ليثٌ وليثٌ إِلَخ اللَّيْث: الْأسد. والضنك: الضّيق. والأشر بِفتْحَتَيْنِ البطر. وروى بدله: ذُو أنف بِفَتْح الْهمزَة وَالنُّون بِمَعْنى الاستنكاف. والمحك بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الْحَاء الْمُهْملَة: اللجاج. والحازم من الحزم وَهُوَ التثبت والتيقظ. والعرك بِفَتْح الْعين وَسُكُون الرَّاء الْمُهْمَلَتَيْنِ: الْحَرْب والمعركة مَوْضِعه. وَقَوله: أَو يكْشف الله إِلَخ أَو هُنَا بِمَعْنى إِلَى. والظفر: الْغَلَبَة. والدرك: الْوُصُول. والجؤجؤ فِي شعر جحدر بجيمين وهمزتين على وزن قنفذٍ: الصَّدْر. والبرك بِفَتْح الْمُوَحدَة وَسُكُون الرَّاء: مَا حول الصَّدْر. وَقَوله: كَأَنَّهُ خيمة قوضتها الرّيح رَوَاهُ ابْن الشجري:

كَأَنَّهُ أطمٌ مقوض وَقَالَ: الأطم بِضَمَّتَيْنِ: الْحصن. والمقوض: من قوضت الْبناء إِذا نقضته من غير هدم. والمكبل: الْمُقَيد والكبل بِفَتْح الْكَاف وَكسرهَا مَعَ سُكُون الْمُوَحدَة: الْقَيْد الثقيل. وَقَوله: يَا جمل إِنَّك لَو رَأَيْت بسالتي إِلَخ جمل بِضَم الْجِيم وَسُكُون الْمِيم: اسْم امْرَأَة. والبسالة: الشجَاعَة. وأرسف: أَمْشِي بالقيد يُقَال: رسف فِي قَيده من بَاب ضرب وَقتل. والجهم: العبوس. والأثباج: جمع ثبج بِفَتْح الْمُثَلَّثَة وَالْمُوَحَّدَة وَهُوَ مَا بَين الْكَاهِل إِلَى الظّهْر. ويرنو: ينظر. وشثن بِمَعْنى خشن. والبراثن: جمع برثن كقنفذ وَهُوَ ظفر السَّبع. والنيوب: جمع وزرق: جمع أَزْرَق. والمعابل: جمع معبلة بِكَسْر الْمِيم وَهُوَ نصل طَوِيل عريض. والشذاة بِفَتْح الشين والذال المعجمتين: الطّرف. والزّجاج بِالْكَسْرِ: جمع زجٍّ بِضَم الزَّاي وَهِي الحديدة الَّتِي فِي أَسْفَل الرمْح. والقرنان: مثنى قرن بِالْكَسْرِ وَهُوَ الْمسَاوِي لصَاحبه فِي الشجَاعَة وَغَيرهَا. ووَاثِلَة بن الْأَسْقَع بِالْمُثَلثَةِ وَالْقَاف هُوَ من الصَّحَابَة قَالَ ابْن الْأَثِير فِي أَسد الغابة فِي أَسمَاء الصَّحَابَة: وَاثِلَة بن الْأَسْقَع بن عبد الْعُزَّى الْكِنَانِي اللَّيْثِيّ وَقيل: وَاثِلَة بن عبد الله بن الْأَسْقَع. أَبُو شَدَّاد وَقيل: أَبُو الْأَسْقَع وَقيل: أَبُو قرصانة. أسلم وخدم النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ثَلَاث سِنِين. من أَصْحَاب الصّفة. وَله رِوَايَة. مَاتَ سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وَهُوَ ابْن مائَة وَقيل: مَاتَ سنة)

خمس وَثَمَانِينَ وَهُوَ ابْن ثَمَان وَتِسْعين سنة. وَتُوفِّي بالمقدس وَقيل: بِدِمَشْق. وَكَانَ قد عمي. انْتهى. ووقعة مرج الرّوم كَانَت بعد سنة خمس عشرَة من الْهِجْرَة بعد فتح الشَّام فِي خلَافَة عمر بن الْخطاب. فَلَا شكّ أَن وَاثِلَة أقدم من جحدر وَيكون جحدر قد أَخذ الشّعْر من وَاثِلَة وزاده. وَالله أعلم. وَأنْشد بعده الرجز (كَأَن بَين فكها والفك ... فارة مسكٍ ذبحت فِي سك) لما تقدم قبله. وَكَانَ الْقيَاس أَن يَقُول: بَين فكيها لكنه أَتَى بالمتعاطفين للضَّرُورَة. قَالَ ابْن يعِيش: الأَصْل فِي قَوْلك الزيدان: زيد وَزيد. وَالَّذِي يدل على ذَلِك أَن الشَّاعِر إِذا اضْطر عاود الأَصْل نَحْو قَوْله: كَأَن بَين فكها والفك أَرَادَ: بَين فكيها فَلَمَّا لم يتزن لَهُ رَجَعَ إِلَى الْعَطف وَهُوَ كثيرٌ فِي الشّعْر. انْتهى. والفك بِالْفَتْح: اللحي بِفَتْح اللَّام وَسُكُون الْمُهْملَة وَهُوَ عظم الحنك وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَسْنَان. وَهُوَ من الْإِنْسَان حَيْثُ ينْبت الشّعْر

وَقَالَ فِي البارع: الفكان: ملتقى الشدقين من الْجَانِبَيْنِ. قَالَ ابْن السيرافي: وصف امْرَأَة بِطيب الْفَم. يُرِيد أَن ريح الْمسك يخرج من فِيهَا. وفَأْرَة: مَنْصُوب اسْم كَأَن وبَين خَبَرهَا. والسك: ضرب من الطّيب. انْتهى. وذبحت: بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول. قَالَ يَعْقُوب فِي إصْلَاح الْمنطق: قَالَ الْأَصْمَعِي: الذّبْح: الشق. وَأنْشد الْبَيْت. أَي: شقَّتْ وفتقت. وَقَالَ الْمفضل بن سَلمَة الضَّبِّيّ فِي كتاب الطّيب: وَمن الطّيب الْمسك يُقَال: هُوَ الْمسك والأناب واللطيمة. وَقَالَ أَبُو زيد: اللطيمة: الْمسك يُقَال: للعير الَّتِي تحمل الْمسك أَيْضا لطيمة. وَيُقَال للَّتِي فِيهَا الْمسك: فارة ونافجة. قَالَ الْأَحْوَص: الْبَسِيط) (كَأَن فارة مسكٍ فض خاتمها ... صهباء ذاكيةً من مسك دارينا) وَقَالَ آخر: الرجز (كَأَن حَشْو الْمسك والدمالج ... نافجةٌ من أطيب النوافج) وَيُقَال: فتقت الفارة وذبحت وفضت وَشقت. قَالَ الراجز: (كَأَن بَين فكها والفك ... فارة مسكٍ ذبحت فِي سك) والسك بِضَم السِّين: نوعٌ من الطّيب. وَقَالَ أَبُو حنيفَة الدينَوَرِي فِي كتاب النَّبَات: الفار: جمع فارة وَهِي فار الْمسك وَهِي نوافجه الَّتِي يكون الْمسك فِيهَا شبهت بالفار وَلَيْسَت بفار إِنَّمَا هِيَ سرر ظباء الْمسك. قَالَ الشَّاعِر:

الطَّوِيل وَقَالَ آخر فِي وصف امْرَأَة: الْبَسِيط كَأَن فارة مسكٍ فِي مقبلها وَهِي مَهْمُوزَة فَأْرَة وفأر. وَكَذَلِكَ الفأر كُله مَهْمُوز. وبنواحي الْهِنْد فأر يجلب إِلَى أَرض الْعَرَب أَحْيَانًا قد تأنست وألفت تَدور فِي الْبيُوت تدخل بَين الثِّيَاب فَلَا تلابس شَيْئا وَلَا تدخل بَيْتا وَلَا تخرأ على شَيْء وَلَا تبول عَلَيْهِ إِلَّا فاح طيبا. ويجلب التُّجَّار خرءها فيشتريه النَّاس ويجعلونه فِي صررٍ ويضعونها بَين الثِّيَاب فتطيب. وَأَخْبرنِي من رَآهَا أَنَّهَا نَحْو بَنَات مقرض. وفارة الْإِبِل مَأْخُوذَة من هَذَا وَهِي الْإِبِل الَّتِي ترعى أَفْوَاه الْبُقُول الطّيبَة فِي العذوات العازبة ثمَّ ترد المَاء فَتَشرب فَإِذا رويت ثمَّ صدرت فالتف بَعْضهَا بِبَعْض فاحت برائحة طيبَة. قَالَ الْأَصْمَعِي: قلت لأبي مهدية: كَيفَ تَقول: لَيْسَ الطّيب إِلَّا الْمسك. وَهُوَ يُرِيد أَن يعلم كَيفَ يعربه. فَقَالَ أَبُو مهدية لَهُ: فَأَيْنَ العنبر فَقَالَ الْأَصْمَعِي: فَقل: لَيْسَ الطّيب إِلَّا الْمسك والعنبر. فَقَالَ: أَيْن أدهان حجر فَقَالَ: فَقل لَيْسَ الطّيب إِلَّا الْمسك والعنبر وأدهان حجر. فَقَالَ: فَأَيْنَ فارة إبل صادرةٍ وَمن هَذَا الْجِنْس وَالضَّرْب الَّذِي ذكرنَا الدويبة الَّتِي تسمى الزباد وَهِي مثل السنورة الصَّغِيرَة فِيمَا ذكر لي تجلب من تِلْكَ النواحي وَقد تأنس فتقتنى وتحتلب شَيْئا شَبِيها بالزبد يظْهر على حلمتها بالعصر كَمَا يظْهر على آنف الغلمان المراهقين فَيجمع وَله رَائِحَة طيبَة البنة. وَقد رَأَيْته) يَقع فِي

الطّيب. وَقد بَلغنِي أَن شحمه كَذَلِك أَيْضا. وَقد ذكر بعض الشُّعَرَاء الْقدَم بعض هَذَا وَجعله أمعاء الدَّابَّة وَظن أَنه إِنَّمَا طَابَ جَوْفه لِأَنَّهُ يَأْكُل الطّيب فَقَالَ: الْبَسِيط (تكسو المفارق واللبات ذَا أرجٍ ... من قصب معتلف الكافور دراج) والأعراب لَا يميزون هَذَا. وَفِي فارة الْإِبِل يَقُول الرَّاعِي: الطَّوِيل (لَهَا فأرةٌ ذفراء كل عشيةٍ ... كَمَا فتق الكافور بالمسك فاتقه) ظن أَنه يفتق بِهِ. وَكَانَ الرَّاعِي أَعْرَابِيًا قحاً والمسك لَا يفتق بالكافور. انْتهى كَلَام الدينَوَرِي. والبنة بِالْفَتْح للموحدة وَتَشْديد النُّون: الرَّائِحَة الطّيبَة وَرُبمَا قيلت فِي غير الطّيبَة. وَقَالَ أَبُو الْقَاسِم عَليّ بن حَمْزَة الْبَصْرِيّ اللّغَوِيّ فِيمَا كتبه على كتاب النَّبَات من تَبْيِين أغلاط الدينَوَرِي: قد غلط فِي همز هَذِه الفارة لِأَن الفأر كُله مَهْمُوز إِلَّا فارة الْإِبِل. وَقد اخْتلف فِي فارة الْمسك وفأرة الْإِنْسَان وَهِي عضله. والأعلى فِي فار الْمسك الْهَمْز وَفِي فار الْإِنْسَان ترك الْهَمْز. وَمن كَلَامهم: أبرز نارك وَإِن أهزلت فارك أَي: أطْعم الطَّعَام وَإِن فَأَما قَوْله: والمسك لَا يفتق بالكافور فَصَحِيح. وَلم يقل لراعي: كَمَا فتق الْمسك بالكافور فاتقه إِنَّمَا قَالَ: كَمَا فتق الكافور

بالمسك وَإِن كَانَ الْمسك لَا يفتق بالكافور فَإِن الكافور يفتق بالمسك. وَجعل الرَّاعِي أَعْرَابِيًا قحاً وَنسبه إِلَى الْجفَاء وأوهم أَنه غلط وَخَطأَهُ فِي شَيْء لم يقلهُ إِلَّا أَن يكون عِنْد أبي حنيفَة أَن الكافور لَا يفتق بالمسك وَيكون هُوَ قد غلط فِي الْعبارَة وعكسها فَيكون فِي هَذِه الْحَال أَسْوَأ حَالا مِنْهُ فِي الأولى وَيكون قَلِيل الْخِبْرَة بالطيب وَعَمله واستعماله. وَلَا رَائِحَة أخم من الكافور إِذا فتق بالمسك يشْهد بذلك بَنو النِّعْمَة والعطارون قاطبة. انْتهى. وَالرجز الشَّاهِد لمنظور بن مرثدٍ الْأَسدي. قَالَ ابْن بري فِي حَاشِيَته على صِحَاح الْجَوْهَرِي: وَقَبله: الرجز (يَا حبذا جاريةٌ مَنعك ... تعقد المرط على مدك) مثل كثيب الرمل غير رك وعكٌّ بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة: أَبُو قَبيلَة من الأزد فِي قحطان. والمرط بِالْكَسْرِ: كسَاء من صوفٍ أَو خَز يؤتزر بِهِ وتتفلع بِهِ الْمَرْأَة. وَأَرَادَ بالمدك بِكَسْر الْمِيم: الْعَجز.) قَالَه الصغاني وَأنْشد الْبَيْت للمعنى الأول. وَقَالَ: وَذكره بعض من صنف فِي اللُّغَة بالزاي فِي اللُّغَة وَفِي الرجز وَهُوَ تَصْحِيف. انْتهى. وَأَرَادَ بِهِ الْجَوْهَرِي. وَقد خطأه كَذَلِك ابْن بري فِي حَاشِيَته على الصِّحَاح وَتَبعهُ الصَّفَدِي أَيْضا. ومنظور بن مرْثَد تقدم فِي الشَّاهِد الثَّانِي وَالْأَرْبَعِينَ بعد الأربعمائة.

(الشاهد الثالث والستون بعد الخمسمائة)

وَأنْشد بعده 3 - (الشَّاهِد الثَّالِث وَالسِّتُّونَ بعد الْخَمْسمِائَةِ) الْبَسِيط (لَو عد قبرٌ وقبرٌ كنت أكْرمهم ... مَيتا وأبعدهم عَن منزل الذام) على أَن تعاطف المفردين فِيهِ لَيْسَ من قبيل مَا تقدم من كَونه للضَّرُورَة بل لقصد التكثير إِذْ المُرَاد: لَو عدت الْقُبُور قبراً قبراً. وَلم يرد قبرين فَقَط وَإِنَّمَا أَرَادَ الْجِنْس مُتَتَابِعًا وَاحِدًا بعد وَاحِد. يَعْنِي: إِذا حصلت أَنْسَاب الْمَوْتَى وجدتني أكْرمهم نسبا وأبعدهم من الذَّم. وَالْبَيْت من أَبْيَات أَرْبَعَة أوردهَا أَبُو تَمام والأعلم الشنتمري وَصَاحب الحماسة البصرية فِي (أبلغ أَبَا مسمعٍ عني مغلغلةً ... وَفِي العتاب حياةٌ بَين أَقوام) (أدخلت قبلي قوما لم يكن لَهُم ... فِي الْحق أَن يلجوا الْأَبْوَاب قدامي) (لَو عد قبرٌ وقبرٌ كنت أكْرمهم ... مَيتا وأبعدهم عَن منزل الذام) (فقد جعلت إِذا مَا حَاجَتي نزلت ... بِبَاب دَارك أدلوها بِأَقْوَام) قَوْله: أبلغ أَبَا مسمع إِلَخ هُوَ بِكَسْر الْمِيم الأولى وَفتح الثَّانِيَة. والمغلغلة: الرسَالَة لِأَنَّهَا تغلغل إِلَى الْإِنْسَان حَتَّى تصل إِلَيْهِ من بعد من قَوْلهم: تغلغل المَاء إِذا دخل بَين الْأَشْجَار. وأصل الغلغلة دُخُول الشَّيْء فِي الشَّيْء. وَجُمْلَة: وَفِي العتاب حَيَاة إِلَخ مُعْتَرضَة بَين أبلغ وَبَين أدخلت. والعتاب: اللوم والتوقيف على الذَّنب. يَعْنِي مَا دَامَ الْقَوْم يلوم كلٌّ مِنْهُم

صَاحبه على مَا صدر مِنْهُم من التَّقْصِير لصَاحبه يُرْجَى صَلَاحهمْ وارتباط موداتهم. وَإِن لم يتعاتبوا انطوت ضمائرهم على الأحقاد.) وَقَوله: أدخلت قبلي قوما إِلَخ أَي: قدمتهم عَليّ فِي الْإِذْن وَإِن لم يكن من حَقهم أَن يتقدموا عَليّ إِذا وردنا الْأَبْوَاب. ويلجوا: يدخلُوا. وَرُوِيَ: أَن يدخلُوا. وَدخل يتَعَدَّى فِي الأَصْل بِحرف جر ثمَّ يحذف الْجَار وَقَوله: لَو عد قبر وقبرٌ إِلَخ قَالَ ابْن جني فِي إِعْرَاب الحماسة: لم يرد لَو عد قبران اثْنَان وَإِنَّمَا أَرَادَ لَو عدت الْقُبُور قبراً قبراً. وَلَو قَالَ: عد قبر قبر فَرفع لم يجز ذَلِك كَمَا جَازَ لَو عدت الْقُبُور قبراً قبراً. وَذَلِكَ أَن هَذَا من مَوَاضِع الْعَطف فَحذف حرفه لضربٍ من الاتساع. وَهَذَا الاتساع خَاصَّة إِنَّمَا جَاءَ فِي الْحَال نَحْو: فصلت حسابه بَابا بَابا ودخلوا رجلا رجلا أَي: مُتَتَابعين. وَلَو رفعت فَقلت: فصل حسابه بابٌ بابٌ وأدخلوا رجلٌ رجلٌ على الْبَدَل لم يجز. وعَلى هَذَا قَالُوا: هُوَ جاري بَيت بَيت ولقيته كفة كفة فاتسعوا بِالْبِنَاءِ على الْحَال. وَنَحْوهَا فِي ذَلِك الظّرْف نَحْو قَوْلك: كَانَ يأتينا يَوْم يَوْم وَلَيْلَة لَيْلَة وأزمان أزمان وصباح مسَاء. فَلَو خرجت بِهِ عَن الظَّرْفِيَّة لم يجز فِيهِ هَذَا الْبناء. أَلا تراك تَقول: هُوَ يأتينا كل صباح مساءٍ فِي ليلةٍ ليلةٍ فتعرب الْبَتَّةَ. انْتهى. وَقَالَ الطبرسي: يُرِيد لَو عدت الْقُبُور قبراً قبراً إِلَّا أَنه اقْتصر

وَحذف الْقُبُور وَجعل الْقَبْر فَاعِلا وأزاله عَن سنَن الْحَال. وَقيل: مَعْنَاهُ: لَو عد قَبْرِي وقبر الدَّاخِل قبلي لَكُنْت أكْرم مِنْهُ مَيتا. انْتهى. والذام: لُغَة فِي الذَّم بتَشْديد الْمِيم. وَقَوله: فقد جعلت إِذا إِلَخ هُوَ بالتكلم. قَالَ الطبرسي: أَي: طفقت وَأَقْبَلت إِذا نزلت حَاجَتي بِبَاب دَارك يُرِيد إِذا ألجأتني إِلَيْك حَاجَة أدلوها أَي: أتنجرها بغيري واستشفعت أَقْوَامًا فِي قَضَائهَا وَلم أقْربك بنفسي. انْتهى. قَالَ أَبُو حنيفَة الدينَوَرِي فِي كتاب النَّبَات الدَّلْو: الاستقاء بالدلو من العمق. يُقَال أدلى الدَّلْو: إِذا حدرها للاستقاء يدليها إدلاء. ودلاها إِذا اجتذبها إِلَيْهِ يدلوها دلواً. قَالَ تَعَالَى: فأرسلوا واردهم فأدلى دلوه فَهَذَا من الإدلاء وَهُوَ إلقاؤها فِي الْبِئْر. وَقَالَ الشَّاعِر فِي دلوت: فقد جعلت إِذا مَا حاجةٌ عرضت ... ... ... ... . . الْبَيْت) أَي: أَبْتَغِي شُفَعَاء يستخرجون لي حَاجَتي. انْتهى. وعِصَام بن عبيد: شَاعِر جاهلي. وَعبيد: مصغر عبد بالتذكير. وزمان بِكَسْر الزَّاي وَتَشْديد الْمِيم: أحد أجداد الشَّاعِر وَهُوَ من بني حنيفَة.

(الشاهد الرابع والستون بعد الخمسمائة)

وَأنْشد بعده: الطَّوِيل (هما نفثا فِي فِي من فمويهما ... على النابح العاوي أَشد رجام) وَتقدم شَرحه مفصلا فِي الشَّاهِد السَّادِس وَالْعِشْرين بعد الثلثمائة. وَضمير التَّثْنِيَة لإبليس وَابْن إِبْلِيس. ونفثا ألقيا على لساني. والنابح: هُنَا أَرَادَ بِهِ من يتَعَرَّض للهجو والسب من الشُّعَرَاء وَأَصله فِي الْكَلْب. وَمثله العاوي. والرجام: مصدر راجمه بِالْحِجَارَةِ أَي: راماه. وراجم فلانٌ عَن قومه إِذا دَافع عَنْهُم. جعل الهجاء فِي مُقَابلَة الهجاء كالمراجمة لجعله الهاجي كَالْكَلْبِ النابح. وَالْبَيْت آخر قصيدة للفرزدق قَالَهَا فِي آخر عمره تَائِبًا إِلَى الله تَعَالَى مِمَّا فرط مِنْهُ من مهاجاته النَّاس وذم فِيهَا إِبْلِيس لإغوائه إِيَّاه فِي شبابه. وَأنْشد بعده 3 - (الشَّاهِد الرَّابِع وَالسِّتُّونَ بعد الْخَمْسمِائَةِ) الْكَامِل يديان بيضاوان عِنْد محلمٍ هَذَا صدرٌ وعجزه: قد يمنعانك أَن تضام وتضهدا على أَنه مثنى يدا بِالْقصرِ فَلَمَّا ثني قلبت أَلفه يَاء كفتيان

فِي مثنى فَتى لِأَن أَصْلهَا الْيَاء فَإِن وَإِنَّمَا قلبت فِي الْمُفْرد ألفا لانفتاح مَا قبلهَا. وتقلب واواً فِي النِّسْبَة إِلَيْهَا عِنْد الْخَلِيل وسيبويه فَيُقَال: يدويٌّ. قَالَ صَاحب الصِّحَاح: وَبَعض الْعَرَب يَقُول لليد: يدا مثل رَحا. قَالَ الشَّاعِر: الرجز (يَا رب سارٍ بَات مَا توسدا ... إِلَّا ذِرَاع العنس أَو كف اليدا) يديان بيضاوان ... ... ... ... ... ... . . الْبَيْت وَكَذَا قَالَ ابْن يعِيش. وَفِيه ردٌّ على من زعم أَن يديان مثنى يَد ردَّتْ لامه شذوذاً كالزمخشري فِي الْمفصل. قَالَ ابْن يعِيش: مَتى كَانَت اللَّام الساقطة ترجع فِي الْإِضَافَة فَإِنَّهَا ترد إِلَيْهِ فِي التَّثْنِيَة لَا يكون إِلَّا كَذَلِك. وَإِذا لم ترجع فِي الْإِضَافَة لم ترجع فِي التَّثْنِيَة كأب وَأَخ تَقول: أَخَوان وأبوان لِأَنَّك تَقول فِي الْإِضَافَة: أَبوك وأخوك فترى اللَّام رجعت فِي الْإِضَافَة فَلذَلِك رَددتهَا فِي التَّثْنِيَة. وَذَلِكَ لأَنا رَأينَا التَّثْنِيَة قد ترد الذَّاهِب الَّذِي لَا يعود فِي الْإِضَافَة كَقَوْلِك فِي يَد: يديان وَفِي دم: دموان. وَأَنت تَقول فِي الْإِضَافَة يدك ودمك فَلَا ترد الذَّاهِب. فَلَمَّا قويت التَّثْنِيَة على رد مَا لم ترده الْإِضَافَة صَارَت أقوى من الْإِضَافَة. وَحمل أَصْحَابنَا يديان على الْقلَّة والشذوذ وجعلوه من قبيل الضَّرُورَة.

وَالَّذِي أرَاهُ أَن بعض الْعَرَب يَقُول فِي الْيَد: يدا فِي الْأَحْوَال كلهَا يَجعله مَقْصُورا كرحاً. إِلَى آخر مَا ذكره الْجَوْهَرِي. وَكَذَا صنع ابْن الشجري فِي أَمَالِيهِ قَالَ: ويدٌ أَصْلهَا يديٌ لظُهُور الْيَاء فِي تثنيتها ولقولهم:) يديت إِلَيْهِ يدا أَي: أسديت إِلَيْهِ نعْمَة. قَالَ: الوافر (يديت على ابْن حسحاس بن بدرٍ ... بِأَسْفَل ذِي الجذاة يَد الْكَرِيم) فَيجوز أَن تكون الْيَد الَّتِي هِيَ النِّعْمَة مَأْخُوذَة من الَّتِي هِيَ الْجَارِحَة لِأَن النِّعْمَة تسدى بِالْيَدِ. وَيجوز أَن تكون الْجَارِحَة مَأْخُوذَة من النِّعْمَة لِأَن الْيَد نعمةٌ من نعم الله على العَبْد وَيدل على سُكُون عينهَا جمعهَا على أيدٍ لِأَن قِيَاس فعلٍ فِي جمع الْقلَّة أفعل كأكلبٍ وأكعب وأبحر وأنسر فِي جمع نسر. وَفتح الدَّال فِي التَّثْنِيَة كَقَوْلِه: يديان بيضاوان ... الْبَيْت لَا يدل على فتحهَا فِي الْوَاحِد لما ذكرته من إِجْرَاء هَذِه المنقوصات على الْحَرَكَة إِذا أُعِيدَت لاماتها وَذَلِكَ لاستمرار حركات الْإِعْرَاب عَلَيْهَا فِي حَال نَقصهَا وَكَذَلِكَ إِذا نسبت إِلَيْهَا أعدت الْمَحْذُوف وَفتحت الدَّال وأبدلت من الْيَاء واواً كَمَا أبدلت من يَاء قَاض. فَقلت: يدويٌّ. هَذَا قَول الْخَلِيل وسيبويه فِي النّسَب إِلَى هَذَا الضَّرْب. وَأَبُو الْحسن الْأَخْفَش ينْسب إِلَيْهِ على زنته الْأَصْلِيَّة فَيَقُول: يدييٌّ وَفِي غدٍ: غدوي وحرٍ: حرحي. والخليل وسيبويه يَقُولُونَ: غدوي

وحرحي. وَجمع الْيَد الَّتِي هِيَ الْجَارِحَة فِي الْأَكْثَر على أيدٍ وَقد جمعهَا على أياد فِي قَوْله: الرجز قطنٌ سخامٌ بأيادي غزل سخامٌ: ناعم. وَالْيَد الَّتِي هِيَ النِّعْمَة جمعهَا فِي الْأَكْثَر الْأَشْهر على أيادٍ. وَقد جمعوها على الْأَيْدِي وَإِنَّمَا الأيادي جمع الْجمع كَقَوْلِهِم فِي جمع أكلب: أكالب. وَقَوْلهمْ فِي تثنيتها: يدان أَكثر من قَوْلهم: يديان. فهذت مضادٌّ لقَولهم: دمان ودميان. انْتهى. وَكَذَا قَالَ ابْن جني فِي شرح تصريف الْمَازِني قَالَ: إِذا قَالُوا فِي النّسَب إِلَى يدٍ يدوي تركُوا عين الْفِعْل محركة بعد الرَّد لأَنهم لَو حذفوا الْحَرَكَة عِنْد رد اللَّام لكَانَتْ اللَّام كَأَنَّهَا لم ترد لِأَنَّهَا قد وَهَذَا قَول أبي عَليّ فِيمَا أَخَذته عَنهُ وَهُوَ يشْهد لصِحَّة قَول سِيبَوَيْهٍ فِيمَا ذهب إِلَيْهِ فِي تبقية الْحَرَكَة الَّتِي حدثت بعد الْحَذف إِذا رد إِلَى الْكَلِمَة مَا حذف مِنْهَا.) وَأَبُو الْحسن يذهب إِلَى مَا وَجب بالحذف عِنْد رد الْمَحْذُوف وَالْقَوْل قَول سِيبَوَيْهٍ. أَلا ترى أَن الشَّاعِر لما رد الْحَرْف الْمَحْذُوف بقى الْحَرَكَة فِي قَوْله: يديان بيضاوان ... ... ... ... ... ... ... . . الْبَيْت قَالَ أَبُو عَليّ: فَإِن قيل: فَمَا تصنع بقوله: الرجز إِن مَعَ الْيَوْم أَخَاهُ غدوا وَقَول الآخر: الطَّوِيل (وَمَا النَّاس إِلَّا كالديار وَأَهْلهَا ... بهَا يَوْم حلوها وغدواً بَلَاقِع)

أَلا ترى أَنه رد اللَّام وَحذف حَرَكَة الْعين. فَهَذَا يشْهد لصِحَّة قَول أبي الْحسن الْأَخْفَش. فَالْجَوَاب: أَن الَّذِي قَالَ غدواً لَيْسَ من لغته أَن يَقُول: غَد فيحذف بل الَّذِي يَقُول: غَد غير الَّذِي قَالَ غدواً. انْتهى. قَالَ ابْن المستوفي: الَّذِي قَالَه ابْن جني غير مَا ذكره الْجَوْهَرِي فتثنيته يدين على مَا ذكره ابْن جني صناعية وعَلى مَا ذكره الْجَوْهَرِي لغوية. وَقد تكلم ابْن السّكيت على يَد زِيَادَة على مَا ذكرنَا فِي كتاب الْمُؤَنَّث والمذكر فأحببنا إِيرَاده تتميماً للفائدة. قَالَ: الْيَد مُؤَنّثَة تصغيرها يدية يرد إِلَيْهَا فِي التصغير مَا نقص مِنْهَا والناقص مِنْهَا يَاء. وَالدَّلِيل على ذَلِك أَن الشَّاعِر قَالَ: الْكَامِل (يديان بيضاوان عِنْد محلم ... قد تمنعانك مِنْهُمَا أَن تهضما) وَتجمع ثَلَاث أيد ثمَّ جمعوها الأيادي وَلم يَقُولُوا: يَدي بِالضَّمِّ وَلَا أيداء وَهُوَ قِيَاس. فاستغني بأيد وأيادٍ عَنهُ. قَالَ الشَّاعِر: الطَّوِيل (فَلَنْ أذكر النُّعْمَان إِلَّا بصالحٍ ... فَإِن لَهُ عِنْدِي يدياً وأنعما) فَإِن شِئْت جعلت اليدي بِالْفَتْح على جِهَة عصي وعصي وَتركت ضم أَولهَا أَو كَسره لثقل الضَّم وَالْكَسْر فِي الْيَاء. وَإِن شِئْت جعلته جمعا مفتعلاً مثل عبد وَعبيد وكلب وكليب ومعز ومعيز. وَيُقَال: قد يديته أَي: أصبت يَده وَقد يَدي من يَده إِذا شل مِنْهَا. وحَدثني الْأَثْرَم عَن أبي عُبَيْدَة قَالَ:

كنت مَعَ أبي الْخطاب عِنْد أبي عمرٍ وفِي مَسْجِد بني عدي فَقَالَ أَبُو عَمْرو: لَا تجمع أيدٍ بالأيادي إِنَّمَا الأيادي للمعروف. قَالَ: فَلَمَّا قمنا قَالَ لي أَبُو الْخطاب:) أما إِنَّهَا فِي علمه وَلم تحضره وَهُوَ أروى لهَذَا الْبَيْت مني: الْخَفِيف انْتهى. قَالَ بعض فضلاء الْعَجم فِي شرح أَبْيَات الْمفصل: المحلم بِكَسْر اللَّام يُقَال: إِنَّه من مُلُوك الْيمن. وصف الْيَد وَهِي النِّعْمَة بالبياض عبارةٌ عَن كرم صَاحبهَا. وَقَوله: عِنْد محلم أَي: لمحلم. يُقَال: عِنْد فلانٍ عطيةٌ أَو مَال أَي: لَهُ ذَلِك. كَذَا فِي المقتبس. قلت: وَجه التَّشْبِيه على مَا ذكره غير ظَاهر وَالْأَظْهَر أَن يُرَاد العضوان وَيُرَاد ببياضهما نقاؤهما وطهارتهما عَن تنَاول مَا لَا يحسن فِي الدَّين والمروءة. وضامه: ظلمه وَكَذَا هضمه. وضهده: قهره. وَقَوله: أَن تضام وتضهدا: مفعول ثَان لقَوْله: تمنعانك يُقَال: مَنعه كَذَا وَمنعه من كَذَا. وروى: قد تنفعانك وَعَلِيهِ فَقَوله: أَن تضام فِي مَحل النصب على الظّرْف أَي: وَقت كونك مَظْلُوما بالنصرة على من يظلمك والإعانة عَلَيْهِ. انْتهى.

(الشاهد الخامس والستون بعد الخمسمائة)

وَرَوَاهُ الْجَوْهَرِي: (يديان بيضاوان عِنْد محرق ... قد تمنعانك مِنْهُمَا أَن تهضما) ومحرق بِكَسْر الرَّاء الْمُشَدّدَة قَالَ صَاحب الْعباب: كَانَ عَمْرو بن هِنْد ملك الْحيرَة يلقب بالمحرق لِأَنَّهُ حرق مائَة من بني تَمِيم. ومحرق أَيْضا: لقب الْحَارِث ابْن عَمْرو ملك الشَّام من آل وروى ابْن الشجري: ( ... . . عِنْد محلم ... قد تمنعانك أَن تذل وتقهرا) وأنشده ابْن الْأَعرَابِي وَأَبُو عمر الزَّاهِد: ( ... ... عِنْد محلم ... قد تمنعانك بَينهم أَن تهضما) وَرُوِيَ أَيْضا على غير مَا ذكر. وَمَعَ كَثْرَة تداوله فِي كتب اللُّغَة والنحو لم ينْسبهُ أحدٌ إِلَى قَائِله وَلَا ذكر تَتِمَّة لَهُ. وَالله أعلم. وَأنْشد بعده 3 - (الشَّاهِد الْخَامِس وَالسِّتُّونَ بعد الْخَمْسمِائَةِ) الوافر (فَلَو أَنا على جحرٍ ذبحنا ... جرى الدميان بالْخبر الْيَقِين) على أَنه جَاءَ دميان فِي تَثْنِيَة دم.

وَهُوَ شاذٌّ عِنْد الْجَوْهَرِي لِأَنَّهُ واوي. وَمَا أوردهُ الشَّارِح الْمُحَقق هُوَ كَلَام صَاحب الصِّحَاح إِلَى قَوْله: فَإِن قيل إِلَخ. وَصدر كَلَامه: الدَّم أَصله دموٌ بِالتَّحْرِيكِ وَإِنَّمَا قَالُوا: دمي يدمى لحَال الكسرة الَّتِي قبل الْيَاء كَمَا قَالُوا: رَضِي يرضى وَهُوَ من الرضْوَان. وَأنْشد الْبَيْت. وَقَالَ ابْن السراج فِي الصول: وَأما دمٌ فَهُوَ فعل بِالتَّحْرِيكِ لِأَنَّك تَقول: دمي يدمى دَمًا فَهُوَ دم. فَهَذَا مثل فرق يفرق فرقا فَهُوَ فرق. فدمٌ مصدر مثل بطر وحذر. وَهَذَا قَول أبي الْعَبَّاس الْمبرد. وَلَيْسَ عِنْدِي فِي قَوْلهم: دمي يدمى حجَّة لمن ادّعى أَن دَمًا فعل لِأَن قَوْلهم: دمي يدمى دَمًا إِنَّمَا هُوَ فعلٌ ومصدرٌ اشتقا من الدَّم كَمَا اشتق ترب يترب ترباً من التُّرَاب. فَقَوْلهم: دَمًا اسمٌ للْحَدَث وَالدَّم: الشَّيْء الَّذِي هُوَ جسم. وَلَكِن قَوْلهم: دميان دلّ على أَنه فعل. قَالَ الشَّاعِر لما اضْطر: فَلَو أَنا على جحرٍ ذبحنا ... ... ... ... . . الْبَيْت ثمَّ قَالَ: وَأما دم فقد استبان أَنه من الْيَاء لقَوْل بعض الْعَرَب دميان. وَقَالَ بَعضهم: دموان. فمما دلّ على أَنه من الْوَاو أَكثر لأَنهم قد قَالُوا هنوان وَأَخَوَانِ وأبوان. انْتهى كَلَامه. وَهَذَا مَأْخَذ كَلَام الصِّحَاح. وَقد رد ابْن جني بعض هَذَا فِي شرح تصريف الْمَازِني وأيد مَذْهَب سِيبَوَيْهٍ قَالَ: وزن شَاة فعلة سَاكِنة الْعين. هَذَا هُوَ الصَّوَاب. وَكلمت بعض

الشُّيُوخ من أَصْحَابنَا بِمَدِينَة السَّلَام فِي الْعين مِنْهَا هَل هِيَ سَاكِنة أم متحركة فَادّعى أَنَّهَا متحركة فَسَأَلته عَن الدّلَالَة على ذَلِك فَقَالَ: انقلابها ألفا يدل على أَنَّهَا متحركة لِأَنَّهَا لَو كَانَت سَاكِنة لوَجَبَ إِثْبَاتهَا كَمَا ثبتَتْ فِي حَوْض وثوب. فَقلت لَهُ: أَنا وَأَنت مجمعان على) أَن سُكُون الْعين هُوَ الأَصْل وَأَن الْحَرَكَة زَائِدَة وَحكم الزِّيَادَة أَن لَا تثبت إِلَّا بِدَلِيل. فَأَما قَوْلك انقلابها دليلٌ على الْحَرَكَة فَغير لَازم لِأَن الْحَرَكَة الَّتِي فِيهَا إِنَّمَا دَخَلتهَا لمجاورتها تَاء التَّأْنِيث وَقد أجمعنا على أَن تَاء التَّأْنِيث يفتح مَا قبلهَا وَإِن سُكُون الْعين هُوَ الأَصْل حَتَّى تقوم دلالةٌ على الْحَرَكَة. وَأما انقلاب الْعين فَإِنَّمَا هُوَ لما حدث فِيهَا من الْفَتْح عِنْد مجاورتها تَاء التَّأْنِيث فَوقف الْكَلَام هُنَاكَ. وَكَأَنَّهَا كَانَت شوهة فَلَمَّا حذفت الْهَاء بقيت شوةٌ ففتحوا الْوَاو لتاء التَّأْنِيث فَصَارَ شوة فَانْقَلَبت الْوَاو ألفا لتحركها وانفتاح مَا قبلهَا. فَإِن قيل: مَا تنكر أَن تكون فعلة لِأَن اللَّام لما ردَّتْ وأبدلت فِي شَاءَ همزَة بقيت الْألف بِحَالِهَا. وَلَو كَانَت إِنَّمَا انفتحت الْعين لمجاورتها التَّاء لوَجَبَ إِذا رجعت اللَّام وزالت التَّاء أَن تعود إِلَى سكونها فَيُقَال: شوةٌ أَو شوءٌ إِذا أبدلت الْهمزَة قيل: هَذَا لَا يلْزم لِأَن الْعين لما تحركت لمجاورتها التَّاء ثمَّ

ردَّتْ اللَّام بعد ذَلِك تركت الفتحة فِي الْعين بِحَالِهَا قبل الرَّد. وَهَذَا مَذْهَب سِيبَوَيْهٍ. أَلا ترى أَنه لم يكن عِنْده فِي قَول الشَّاعِر: جرى الدميان بالْخبر الْيَقِين دلالةٌ على تحرّك الْعين من دم لِأَنَّهَا لما أجري عَلَيْهَا الْإِعْرَاب فِي قَوْلهم: دمٌ ودماً ودمٍ ثمَّ رد اللَّام فِي التَّثْنِيَة بقى الْحَرَكَة فِي الْعين على مَا كَانَت عَلَيْهِ قبل الرَّد كَمَا قَالَ الآخر: يديان بيضاوان عِنْد محلم وَقد أَجمعُوا على سُكُون الْعين من يَد. وَقد ترَاهُ قَالَ: يديان فحركها عِنْد الرَّد لِأَنَّهَا قد جرت محركة قبل الرَّد. وَالْقَوْل فِيهِ مثله فِي الدميان. وَغَيره من أَصْحَابنَا وَهُوَ أَبُو الْعَبَّاس يذهب إِلَى ترك الْعين من دم لِأَنَّهُ مصدر دميت دَمًا مثل: هويت هوى. قَالَ أَبُو بكر بن السراج: وَلَيْسَ ذَلِك بِشَيْء. ثمَّ أورد مَا نَقَلْنَاهُ من كَلَام ابْن السراج. وَحَاصِل كَلَامه أَن دَمًا أَصله سُكُون الْعين وَأَن لامه يَاء قَالَ: إِن الْأَخْفَش يخْتَار أَن يكون الْمَحْذُوف من ابْن الْوَاو لِأَن أَكثر مَا يحذف الْوَاو لثقلها وَالْيَاء تحذف أَيْضا لِأَنَّهَا تثقل. وَالدَّلِيل على هَذَا أَن يدا قد أَجمعُوا أَن الْمَحْذُوف مِنْهُ الْيَاء وَلَهُم

دَلِيل) قَاطع من الْإِجْمَاع. يُقَال: يديت إِلَيْهِ يدا. وَدم مَحْذُوف مِنْهُ الْيَاء يُقَال: دمٌ ودميان. قَالَ الشَّاعِر: جرى الدميان بالْخبر الْيَقِين والبنوة لَيْسَ بشاهدٍ قاطعٍ فِي الْوَاو لأَنهم يَقُولُونَ: الفتوة والتثنية فتيَان فابنٌ يجوز أَن يكون الْمَحْذُوف مِنْهُ الْوَاو وَالْيَاء وهما عِنْدِي متساويان. اه. وَقد حكى الْخلاف ابْن الشجري فِي أَمَالِيهِ فِي كَون الْعين محركة أَو سَاكِنة وَفِي كَون اللَّام يَاء أَو واواً وَرجح كَونهَا يَاء قَالَ: وَدم عِنْد بعض التصريفيين دميٌ سَاكن الْعين قَالُوا: لِأَن الأَصْل فِي هَذِه المنقوصات أَن تكون أعينها سواكن حَتَّى يقوم دليلٌ على الْحَرَكَة من حَيْثُ كَانَ السّكُون هُوَ الأَصْل وَالْحَرَكَة طارئة. قَالُوا: وَلَيْسَ ظُهُور الْحَرَكَة فِي دميان دَلِيلا على أَن الْعين متحركة فِي الأَصْل لِأَن الِاسْم إِذا حذفت لامه واستمرت حركات الْإِعْرَاب على عينه ثمَّ أُعِيدَت اللَّام فِي بعض تصاريف الْكَلِمَة ألزموا الْعين الْحَرَكَة. وَقَالَ من خَالف أَصْحَاب هَذَا القَوْل: أصل دمٍ دميٌ بِفَتْح الْعين لِأَن بعض الْعَرَب قلبوا لامه ألفا فألحقوه بِبَاب رَحا فَقَالُوا: هَذَا دمٌ ودماً كرحاً. وَقَالَ بعض الْعَرَب فِي تثنيته دمان فَلم يردوا اللَّام كَمَا قَالُوا فِي تَثْنِيَة يدٍ يدان. وَالْوَجْه أَن يكون الْعَمَل على الْأَكْثَر. وَكَذَلِكَ حكى قومٌ دموان. والأعرف فِيهِ الْيَاء. وَعَلِيهِ أنشدوا: جرى الدميان بالْخبر الْيَقِين

قَالَ بعض أهل اللُّغَة: من الْعَرَب من يَقُول: الدَّم بِالتَّشْدِيدِ كَمَا تلفظ الْعَامَّة وَهِي لُغَة ردية. وأنشدوا لتأبط شرا: الرجز (حَيْثُ الْتَقت بكرٌ وفهمٌ كلهَا ... وَالدَّم يجْرِي بَينهم كالجدول) والعامة تفعل مثل هَذَا فِي الْفَم. وَمن الْعَرَب من يشدد الْفَم أَيْضا. وَإِنَّمَا يكون ذَلِك فِي الشّعْر قَالَ: يَا ليتها قد خرجت من فَمه انْتهى.) والجحر بِضَم الْجِيم وَسُكُون الْحَاء الْمُهْملَة: الشق فِي الأَرْض. وَقَوله: جرى الدميان إِلَخ أَرَادَ بالْخبر الْيَقِين مَا اشْتهر عِنْد الْعَرَب من أَنه لَا يمتزج دم المتباغضين. وَهَذَا تلميحٌ فِي غَايَة الْحسن أَي: لما امتزجا وَعرف مَا بَيْننَا من الْعَدَاوَة. قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: مَعْنَاهُ لم يخْتَلط دمي وَدَمه من بغضي لَهُ وبغضه لي بل يجْرِي دمي يمنةً وَدَمه يسرة. ويوضحه قَول المتلمس من قصيدة: الطَّوِيل (أحارث إِنَّا لَو تساط دماؤنا ... تزايلن حَتَّى لَا يمس دمٌ دَمًا) وَقَالَ ابْن قُتَيْبَة فِي تَرْجَمَة المتلمس من كتاب الشُّعَرَاء: هَذَا الْبَيْت من إفراطه. يَقُول: إِن دِمَاءَهُمْ تنماز من دِمَاء غَيرهم. وَهَذَا محالٌ لَا يكون أبدا. وَكَذَا قَالَ ابْن عبد ربه فِي العقد الفريد. وتساط بِالسِّين الْمُهْملَة يَعْنِي: تخلط. وَمِنْه قَول الْعَامَّة: لَو خلط دمي بدمه لما اخْتَلَط أَي: لباينه من شدَّة الْعَدَاوَة وَلم يمازجه.

وَقَالَ الأندلسي: مَعْنَاهُ لَو ذبحنا على جحرٍ وَاحِد لامتزجت دماؤنا بدمائكم. يصف مَا بَينهمَا من الْعَدَاوَة. وَهَذَا خلاف الْمَعْنى وَالصَّوَاب: لما امتزجت دماؤنا. وَنقل بعض فضلاء الْعَجم فِي شرح أَبْيَات الْمفصل أَن معنى الْبَيْت: لَو ذبحنا على جحرٍ لعلم من الشجاع منا من الجبان بجري دَمه وجموده لِأَن من زعمهم أَن دم الشجاع يجْرِي وَدم الجبان وَلَا يخفى أَن هَذَا الْمَعْنى غير صَحِيح هُنَا بِدَلِيل مَا قبله وَهُوَ: الوافر (لعمرك إِنَّنِي وَأَبا رياحٍ ... على حَال التكاشر مُنْذُ حِين) (ليبغضني وأبغضه وَأَيْضًا ... يراني دونه واراه دوني) فَلَو أَنا على جحرٍ ذبحنا ... ... ... ... . الْبَيْت هَكَذَا روى الأبيات الثَّلَاثَة ابْن دُرَيْد فِي كِتَابه الْمُجْتَبى عَن عبد الرَّحْمَن عَن عَمه الْأَصْمَعِي ونسبها لعَلي بن بدال بن سليم. والتكاشر: المباسطة من الكشر وَهُوَ التبسم. وروى ابْن دُرَيْد بدله فِي الجمهرة: على طول التجاور. وعَلى بِمَعْنى مَعَ. وَقد أَدخل هَذِه الأبيات الثَّلَاثَة صَاحب الحماسة البصرية فِي قصيدة المثقب الْعَبْدي. وَأنْشد بعْدهَا:

الوافر) (فإمَّا أَن تكون أخي بصدقٍ ... فأعرف مِنْك غثي من سميني) (وَإِلَّا فاطر حني واتخذني ... عدوا أتقيك وتتقيني) وَتَبعهُ ابْن هِشَام فِي شرح شواهده والعيني أَيْضا فِي شرح شَوَاهِد شُرُوح الألفية وَلم يوردها أحد فِي هَذِه القصيدة. وَقد رجعت إِلَى ديوانه فَلم أَجدهَا فِي هَذِه القصيدة. وَرَوَاهَا الْمفضل فِي المفضليات عَارِية عَنْهَا وَلم يُنَبه عَلَيْهَا أحد من شراحهم كَابْن الْأَنْبَارِي وَغَيره. وَقَالَ ابْن المستوفي: رَأَيْت هَذِه الأبيات فِي كتاب نحوٍ قديم منسوبةً للفرزدق. ووجدتها أَيْضا فِي نُسْخَة قديمَة ذكر كاتبها أَنَّهَا زيادات الحماسة كتبهَا مُحَمَّد بن أَحْمد بن الْحسن فِي ربيع الآخر سنة ثَمَان وَتِسْعين وثلثمائة ونسبها لمرداس بن عمرٍ و. وَقَالَ: وتروى للأخطل. ووجدتها فِي نَوَادِر اللحياني أبي الْحسن عَليّ بن حَازِم قد أنشدها لأوس. انْتهى كَلَام ابْن المستوفي. وَابْن دُرَيْد هُوَ الْمرجع فِي هَذَا الْأَمر فَيَنْبَغِي أَن يُؤْخَذ بقوله. وَالله أعلم. وعَليّ بن بدال بِفَتْح الْمُوَحدَة وَتَشْديد الدَّال وَآخره لَام.

(الشاهد السادس والستون بعد الخمسمائة)

وَأنْشد بعده 3 - (الشَّاهِد السَّادِس وَالسِّتُّونَ بعد الْخَمْسمِائَةِ) الطَّوِيل (فلسنا على الأعقاب تدمى كلومنا ... وَلَكِن على أقدامنا يقطر الدما) على أَن الْمبرد اسْتدلَّ بِهِ بِأَن الدَّم أَصله فعل بتحريك الْعين ولامه يَاء محذوفة بِدَلِيل أَن الشَّاعِر لما اضْطر أخرجه على أَصله وَجَاء بِهِ على الْوَضع الأول. فَقَوله الدما بِفَتْح الدَّال فَاعل يقطر والضمة مقدرَة على الْألف لِأَنَّهُ اسمٌ مَقْصُور وَأَصله دميٌ تحركت الْيَاء وَانْفَتح مَا قبلهَا فقلبت ألفا. وَالدَّلِيل على أَن اللَّام ياءٌ قَوْلهم فِي التَّثْنِيَة: دميان وَفِي الْفِعْل: دميت يَده. هَذَا مُحَصل مدعاه وَهُوَ إِنَّمَا يتم على أَن فتح الْمِيم قبل حذف اللَّام وعَلى أَن الدما بِمَعْنى الدَّم وعَلى أَن يقطر بِالْيَاءِ التَّحْتِيَّة. وَفِي كل وَاحِد بحث. أما الأول فَمَمْنُوع وَإِنَّمَا فَتْحة الْمِيم حادثةٌ بعد حذف اللَّام وَهُوَ مَذْهَب سِيبَوَيْهٍ وَذَلِكَ أَن الْحَرَكَة عِنْده إِذا حدثت لحذف حرف ثمَّ رد الْمَحْذُوف ثبتَتْ الْحَرَكَة الَّتِي كَانَت قد جرت على السَّاكِن قبل دُخُولهَا عَلَيْهِ بِحَالِهَا. وَيشْهد لَهُ قَوْلهم: يديان فَإِنَّهُم أَجمعُوا على سُكُون الْعين من يَد من غير خلاف. وَقد نراهم قَالُوا: يديان فحركوا عِنْد الرَّد لِأَنَّهَا قد جرت محركة قبل رد اللَّام.

وَأما الثَّانِي فممنوعٌ أَيْضا لاحْتِمَال أَنه مصدر دمي دَمًا كفرح يفرح فَرحا. قَالَ ابْن جني فِي شرح تصريف الْمَازِني: دَمًا: مصدر دميت يَده لَا بِمَعْنى الدَّم. وَلَكِن على أقدامنا يقطر الدما فالدما فِي مَوضِع رفع وَهُوَ مصدر مَقْصُور على فعل وَتَقْدِيره على حذف مُضَاف. وَكَذَا قَول الشَّاعِر: الرمل (كأطومٍ فقدت برغزها ... أعقبتها الغبس مِنْهُ عدما) (غفلت ثمَّ أَتَت ترقبه ... فَإِذا هِيَ بعظامٍ ودما) فَإِنَّهُ أوقع الْمصدر فيهمَا موقع الْجَوْهَر وتأويله عِنْدِي على حذف الْمُضَاف كَأَنَّهُ قَالَ: يقطر ذُو الدمى وَإِذا هِيَ بعظام وَذي دمًى. انْتهى. والأطوم بِفَتْح الْألف وَضم الطَّاء: الْبَقَرَة الوحشية. والبرغز بِضَم الْمُوَحدَة فالغين الْمُعْجَمَة) وَسُكُون الرَّاء الْمُهْملَة بَينهمَا وَآخره زَاي هُوَ وَلَدهَا. والغبس: جمع أغبس وَهِي الذئاب وَقيل: هِيَ الْكلاب. والدما فِي الْمَوْضِعَيْنِ لَا خَفَاء فِي كَونه بِمَعْنى الدَّم والتأويل خلاف الظَّاهِر. وَأما الثَّالِث فقد رُوِيَ أَيْضا بالنُّون وبالتاء الْفَوْقِيَّة. أما الأول فقد قَالَ العسكري فِي كتاب التَّصْحِيف: اخْتلفُوا فِي نصب الدَّم وَرَوَاهُ أَبُو عُبَيْدَة: على أقدامنا تقطر الدما

بالنُّون أَي: نقطر دَمًا من جراحنا. انْتهى. وَأما الرِّوَايَة بِالتَّاءِ الْفَوْقِيَّة فقد رَوَاهَا شرَّاح الحماسة وَقَالُوا: قطر فعلٌ متعدٍّ مسندٌ إِلَى ضمير الكلوم. فالدما على هَاتين الرِّوَايَتَيْنِ مفعول بِهِ يحْتَمل أَنه مَقْصُور كَمَا قَالَ الْمبرد وَيحْتَمل أَنه الدَّم مَنْقُوص وألفه للإطلاق. وَحِينَئِذٍ يسْقط الِاسْتِدْلَال على أَنه مَقْصُور. وَقَالَ المرزوقي فِي شرح الحماسة وَتَبعهُ التبريزي وَغَيره: وَإِن شِئْت جعلت الدَّم مَنْصُوبًا على التَّمْيِيز كَأَنَّهُ قَالَ: تقطر دَمًا وَأدْخل الْألف وَاللَّام وَلم يعْتد بهما. وَقَالَ فِي شرح الفصيح: وَبَعْضهمْ يَجْعَل الدما تمييزاً وَلَا يعْتد بِالْألف وَاللَّام أَرَادَ تقطر كلومنا دَمًا أَي: من الدَّم كَمَا فِي قَوْله: الوافر وَلَا بفزارة الشّعْر الرقابا وَمَا أشبهه. وَيجوز فِي هَذَا الْوَجْه أَن تنصبه على التَّشْبِيه بالمفعول بِهِ كَمَا يفعل بقوله: هُوَ الْحسن وَجها. انْتهى. أَقُول: قد أَخطَأ أَبُو عليٍّ الْوَجْه الأول فِي الْمسَائِل البصرية قَالَ: وَحمل الدما على التَّمْيِيز خطأ. انْتهى. وَأما الْوَجْه الثَّانِي: فَلَيْسَ على منوال مَا مثل بِهِ. وَزَاد ابْن جني فِي إِعْرَاب الحماسة فَقَالَ: رُوِيَ: تقطر الدما

بِفَتْح الْمُثَنَّاة الْفَوْقِيَّة وَضمّهَا. أما الأول فَلِأَن قطر متعدٍّ. وَقد جَاءَ تقطر الدما مُتَعَدِّيا ناصباً للدم فِي قَول الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب لأبي طَالب حِين قتل خِدَاش بن عَلْقَمَة بن عَامر من أَبْيَات عدتهَا ثَلَاثَة عشر بَيْتا أوردهَا أَبُو تَمام فِي آخر كتاب مُخْتَار أشعار الْقَبَائِل وَهُوَ: الطَّوِيل (أَبى قَومنَا أَن ينصفونا فأنصفت ... قواطع فِي أَيْمَاننَا تقطر الدما) وَأورد السُّيُوطِيّ فِي الْأَشْبَاه والنظائر مجْلِس ثَعْلَب مَعَ جمَاعَة من النَّحْوِيين نَقله من كتاب غرائب) مجَالِس النَّحْوِيين للزجاجي قَالَ: حَدثنَا أَبُو الْحسن عَليّ بن سُلَيْمَان قَالَ: كُنَّا عِنْد أبي الْعَبَّاس ثَعْلَب فأنشدنا: (فلسنا على الأعقاب تدمى كلومنا ... وَلَكِن على أقدامنا يقطر الدما) فسألنا: مَا تَقولُونَ فِيهِ فَقُلْنَا: الدَّم فاعلٌ جَاءَ على الأَصْل. فَقَالَ: هَكَذَا رِوَايَة أبي عبيد. وَكَانَ الْأَصْمَعِي يَقُول: هَذَا غلط وَإِنَّمَا الرِّوَايَة: تقطر الدما منقوطة من فَوْقهَا وَالْمعْنَى: وَلَكِن على أقدامنا تقطر الكلوم الدما فَيصير مَفْعُولا بِهِ. وَيُقَال: قطر المَاء وقطرته أَنا. وأنشدنا: فَإِذا هِيَ بعظام ودما الْبَيْتَيْنِ

وَقَالَ: كَانَ الْأَصْمَعِي يَقُول: إِنَّمَا الرِّوَايَة بِكَسْر الدَّال ثمَّ قصر الْمَمْدُود. انْتهى. وَهُوَ من أَبْيَات ثَلَاثَة أوردهَا أَبُو تَمام فِي الحماسة للحصين بن الْحمام المري وأوردها الأعلم الشنتمري فِي حماسته أَيْضا وَهِي: الطَّوِيل (تَأَخَّرت أستبقي الْحَيَاة فَلم أجد ... لنَفْسي حَيَاة مثل أَن أتقدما) (فلسنا على الأعقاب تدمى كلومنا ... وَلَكِن على أقدامنا تقطر الدما) (نفلق هاماً من رجالٍ أعزةٍ ... علينا وهم كَانُوا أعق وأظلما) وَقَوله: تَأَخَّرت أستبقي الْحَيَاة إِلَخ قَالَ الطبرسي فِي شَرحه: يَقُول: نكصت على عَقبي رَغْبَة فِي الْحَيَاة فَرَأَيْت الْحَيَاة فِي التَّقَدُّم. وَقَالَ المرزوقي: يجوز أَن يكون هَذَا مثل قَوْلهم: الشجاع موقى أَي: تتهيبه الأقران فيتحامونه فَيكون ذَلِك وقايةً لَهُ. وَفِي طَرِيقَته قَول الآخر: المتقارب (يخَاف الجبان يرى أَنه ... سيقتل قبل انْقِضَاء الْأَجَل) (وَقد تدْرك الحادثان الجبان ... وَيسلم مِنْهَا الشجاع البطل) وَمثله قَول الآخر: المتقارب (نهين النُّفُوس وهون النفو ... س يَوْم الكريهة أوقى لَهَا) وَيجوز أَن يَقُول: أحجمت مستبقياً لعيشي فَلم أجد لنَفْسي عَيْشًا كَمَا يكون فِي الْإِقْدَام وَذَلِكَ وَمن ذكر بالجميل وتحدث عَنهُ بالبلاء

حَيّ ذكره واسْمه وَإِن ذهب أَثَره وجسمه. وَقَوله: حَيَاة مثل أَن أتقدما مَعْنَاهُ حَيَاة تشبه الْحَيَاة المكتسبة فِي التَّقَدُّم وبالتقدم.) وَقَوله: فلسنا على الأعقاب إِلَخ الأعقاب: جمع عقب بِفَتْح فَكسر هُوَ مُؤخر الْقدَم. والكلوم: جمع كلم بِفَتْح فَسُكُون وَهُوَ الْجرْح. قَالَ المرزوقي: أَرَادَ: لسنا بدامية الكلوم على الأعقاب. وَلَو لم يَجْعَل الْإِخْبَار على أنفسهم لَكَانَ الْكَلَام: لَيست كلومنا بداميةٍ على الأعقاب. فَيَقُول: نتوجه نَحْو الْأَعْدَاء فِي الْحَرْب وَلَا نعرض عَنْهُم فَإِذا جرحنا كَانَت الْجِرَاحَات فِي مقدمنا لَا فِي مؤخرنا وسالت الدِّمَاء على أقدامنا لَا على أعقابنا. وَمثله قَول الْقطَامِي: الْبَسِيط (لَيست تجرح فِرَارًا ظُهُورهمْ ... وَفِي النحور كلومٌ ذَات أبلاد) انْتهى. وَقد أورد ابْن هِشَام صَاحب السِّيرَة هَذَا الْبَيْت فِي سيرته وَتَبعهُ الشَّامي فَأوردهُ فِي سيرته أَيْضا قَالَا: إِن من جملَة من فر يَوْم بدرٍ خَالِد بن الأعلم وَهُوَ الْقَائِل: (ولسنا على الأعقاب تدمى كلومنا ... وَلَكِن على أقدامنا تقطر الدما) فَظَاهره أَنه قَائِل هَذَا الْبَيْت. وَلَيْسَ كَذَلِك وَإِنَّمَا قَالَه متمثلاً بِهِ. وَقَوله: نفلق هاماً إِلَخ قَالَ المرزوقي: يَقُول: نشقق هامات من

رجالٍ يكرمون علينا لأَنهم منا وهم كَانُوا أسبق إِلَى العقوق وأوفر ظلما لأَنهم بدؤونا بِالشَّرِّ وألجؤونا إِلَى الْقِتَال فَنحْن منتقمون ومجازون. انْتهى. وَقَالَ الْخَطِيب التبريزي: أصل العقوق الْقطع يُقَال: عق الرَّحِم كَمَا يُقَال: قطعهَا. وَجمع الْعَاق أعقةٌ وَهُوَ جمع نَادِر. انْتهى. وَهَذِه الأبيات الثَّلَاثَة من قصيدة عدتهَا واحدٌ وَأَرْبَعُونَ بَيْتا للحصين بن الْحمام وَهُوَ شَاعِر جاهلي أوردهَا الْمفضل فِي المفضليات وَلَيْسَ البيتان الْأَوَّلَانِ من الثَّلَاثَة موجودين فِي رِوَايَة الْمفضل. وَالْبَيْت الثَّالِث فِي رِوَايَته إِنَّمَا هُوَ: يفلقن بالنُّون لِأَنَّهُ ضمير السيوف فِي بيتٍ قبله وَهُوَ: (صَبرنَا وَكَانَ الصَّبْر منا سجيةً ... بأسيافنا يقطعن كفا ومعصما) وَقد تقدم أبياتٌ كَثِيرَة مِنْهَا مشروحةٌ مَعَ تَرْجَمته فِي الشَّاهِد الثَّانِي وَالْعِشْرين بعد الْمِائَتَيْنِ من بَاب الِاسْتِثْنَاء.) وَقد أورد ابْن الْأَنْبَارِي فِي شَرحه منشأ هَذِه القصيدة فَقَالَ: كَانَت بَنو سعد بن ذبيان قد أحلبت على بني سهم مَعَ بني صرمة وأحلبت مَعَهم محَارب بن خصفة فَسَارُوا إِلَيْهِم وَرَئِيسهمْ حميضة بن حَرْمَلَة الصرمي وَنَكَصت عَن حُصَيْن ابْن الْحمام قبيلتان وهما عدوان بن وائلة بن سهم فَلم يكن مَعَه إِلَّا بَنو وائلة بن سهم والحرقة

فَسَار إِلَيْهِم فَلَقِيَهُمْ الْحصين وَمن مَعَه بدارة مَوْضُوع فظفر بهم وَهَزَمَهُمْ وَقتل مِنْهُم فَأكْثر. فَلذَلِك يَقُول الْحصين بن الْحمام: الطَّوِيل (وَلَا غرو إِلَّا يَوْم جَاءَت محاربٌ ... يقودون ألفا كلهم قد تكتبا) (موَالِي موالينا ليسبوا نِسَاءَنَا ... أثعلب قد جئْتُمْ بنكراء ثعلبا) وَإِنَّمَا سَارَتْ إِلَيْهِم محاربٌ للحلف الَّذِي كَانَ بَينهم. فَقَالَ الْحصين: الطَّوِيل (أيا أخوينا من أَبينَا وَأمنا ... إِلَيْكُم وَعند الله وَالرحم الْعذر) انْتهى. وأحلب بِالْحَاء الْمُهْملَة قَالَ فِي الصِّحَاح: يُقَال للْقَوْم إِذا جاؤوا من كل أَوب للنصرة: قد أحلبوا. والمحلب: النَّاصِر. ويعجبني من آخر هَذِه القصيدة قَوْله: (فلست بمبتاع الْحَيَاة بسبةٍ ... وَلَا مبتغٍ من رهبة الْمَوْت سلما) يَقُول: لَا أَشْتَرِي الْحَيَاة بِمَا أسب عَلَيْهِ وأعير بِهِ وَلَا أطلب النجَاة من الْمَوْت لِأَنِّي أعلم أَن الْمَوْت لَا بُد مِنْهُ. يَعْنِي: من طلب النجَاة من الْمَوْت احْتمل الذل وَمن علم أَنه ميت لَا محَالة لم يحْتَمل المذلة. والْحصين بِضَم الْحَاء وَفتح الصَّاد الْمُهْمَلَتَيْنِ. وَالْحمام بِضَم الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الْمِيم. والمري نِسْبَة إِلَى مرّة وَهُوَ أَبُو قَبيلَة وَهُوَ مرّة بن عَوْف بن سعد بن ذبيان. وَسَهْم وصرمة أَخَوان وهما ابْنا مرّة. وَوَائِلَة هُوَ ابْن سهم. وَالْحصين من بني وائلة وَهُوَ الْحصين بن الْحمام بن ربيعَة بن

(الشاهد السابع والستون بعد الخمسمائة)

مساب بن حران بن وائلة. وحميضة بِالتَّصْغِيرِ هُوَ ابْن حَرْمَلَة بن الْأَشْعر بن إِيَاس بن مريطة بن ضرمة بن صرمة بن مرّة. وَأنْشد بعده 3 - (الشَّاهِد السَّابِع وَالسِّتُّونَ بعد الْخَمْسمِائَةِ) الرجز (يَا رب سارٍ بَات مَا توسدا ... إِلَّا ذِرَاع العنس أَو كف اليدا) على أَن السيرافي اسْتدلَّ بِهِ على أَن يدا أَصله فعل بتحريك الْعين. قَالَ صَاحب الصِّحَاح: بعض الْعَرَب يَقُول: لليد يدا مثل رحى. وَأنْشد الشّعْر. وتثنيتها على قَالَ الشَّاعِر: (يديان بيضاوان عِنْد محرق ... قد تمنعانك مِنْهُمَا أَن تهضما) انْتهى. وَتَبعهُ ابْن يعِيش بقوله: وَالَّذِي أرَاهُ أَن بعض الْعَرَب يَقُول فِي الْيَد يدا. إِلَى آخر مَا ذكره صَاحب الصِّحَاح. وَقَالَ ابْن الْأَنْبَارِي فِي كتاب الأضداد: أنْشد الْفراء: يَا رب سارٍ بَات مَا توسدا إِلَخ أَي: كَانَ ذِرَاع النَّاقة لَهُ بِمَنْزِلَة الوسادة. وَمَوْضِع الْيَد خفضٌ بِإِضَافَة الْكَفّ إِلَيْهَا وَثبتت الْألف فِيهَا وَهِي مخفوضة لِأَنَّهَا شبهت بالرحى والفتى والعصا. وعَلى هَذَا قَالَت جماعةٌ من الْعَرَب: قَامَ أَبَاك وَجلسَ أَخَاك فشبهوهما بعصاك ورحاك. هَذَا مَذْهَب أَصْحَابنَا. وَقَالَ غَيرهم: مَوضِع الْيَد نصبٌ

(الشاهد الثامن والستون بعد الخمسمائة)

بكف وكف فعلٌ مَاض من قَوْلك: قد كف فلَان الْأَذَى عَنَّا. انْتهى كَلَامه. فَتَأمل كَلَامه. ويَا: حرف تَنْبِيه. ورب: حرف جر. وسَار: اسْم فَاعل من سرى فِي اللَّيْل. وَاسم بَات وَيجوز أَن تكون بَات تَامَّة وَجُمْلَة: مَا توسدا حالٌ من ضمير فاعلها. وتوسد: بِمَعْنى اتخذ وسَادَة. والعنس بِفَتْح الْعين وَسُكُون النُّون: النَّاقة الشَّدِيدَة. ويروى: العيس بِالْكَسْرِ وبالمثناة التَّحْتِيَّة وَهِي الْإِبِل الْبيض الَّتِي يخالط بياضها شيءٌ من الشقرة وَاحِدهَا أعيس وَالْأُنْثَى عيساء. يَقُول: أَكثر من يسير اللَّيْل لم يتوسد للاستراحة إِلَّا ذِرَاع نَاقَته المعقولة أَو كف يَده. وَجَوَاب رب مَحْذُوف تَقْدِيره: لَقيته أَو مذكورٌ فِي بَيت بعده.) وَلَا يَصح أَن يكون جوابها مَا توسد. فَتَأمل. وَهَذَا الرجز لم أَقف على قَائِله وَلَا تتمته. وَالله أعلم. وَأنْشد بعده 3 - (الشَّاهِد الثَّامِن وَالسِّتُّونَ بعد الْخَمْسمِائَةِ) الطَّوِيل (هما خطتا إِمَّا إسارٌ ومنةٌ ... وَإِمَّا دمٌ وَالْقَتْل بِالْحرِّ أَجْدَر) على أَن نون التَّثْنِيَة قد تحذف للضَّرُورَة كَمَا هُنَا فَإِن الأَصْل: هما خطتان.

قَالَ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي: فِي رفع إسار حذف نون الْمثنى من خطتان. وَفِي جَرّه الْفَصْل بَين المتضايفين بإما. فَلم يَنْفَكّ الْبَيْت عَن ضَرُورَة. انْتهى. وَقد تكلم على الْوَجْهَيْنِ ابْن جني فِي إِعْرَاب الحماسة بكلامٍ لَا مزِيد عَلَيْهِ فِي الْحسن. قَالَ: أما الرّفْع فظريف الْمَذْهَب وَظَاهر أمره أَنه على لُغَة من حذف نون التَّثْنِيَة لغير إِضَافَة فقد حُكيَ ذَلِك. وَمِمَّا يعزى إِلَى كَلَام الْبَهَائِم قَول الحجلة للقطاة: بيضك ثنتا وبيضي مِائَتَا أَي: ثِنْتَانِ ومائتان. وَقَول الآخر: الطَّوِيل (لنا أعنزٌ لبنٌ ثلاثٌ فبعضها ... لأولادها ثنتا وَمَا بَيْننَا عنز) وَذهب الْفراء فِي قَوْله: المتقارب (لَهَا متنتان خظاتا كَمَا ... أكب على ساعديه النمر) إِلَى أَنه أَرَادَ خظاتان فَحذف النُّون اسْتِخْفَافًا. وَاسْتدلَّ على ذَلِك بقول الآخر: الهزج (ومتنان خظاتان ... كزحلوفٍ من الهضب) وَقد تقصيت القَوْل على هَذَا الْموضع فِي كتابي سر الصِّنَاعَة. فعلى هَذَا يَجِيء قَوْله: (هما خطتا إِمَّا إسارٌ ومنةٌ ... وَإِمَّا دمٌ ... ... ... . .)

فَإِن قلت: فَإِذا كَانَ بالتثنية قد أثبت شَيْئَيْنِ فَكيف فسر بِالْوَاحِدِ فَقَالَ: إِمَّا وَإِمَّا وهما يثبتان الْوَاحِد كَمَا تثبته أَو. فَالْجَوَاب: أَنه تصور أَمريْن واعتقد أَنه لَا بُد من أَحدهمَا وَعلم أَن الْمَحْصُول عَلَيْهِ أَحدهمَا لَا كِلَاهُمَا ففسر مَا تصَوره وهما شَيْئَانِ بِمَا يحصل عَلَيْهِ وَهُوَ الْوَاحِد كَمَا يخص بعد الْعُمُوم فِي) نَحْو قَوْلك: ضربت زيدا رَأسه وَلَقِيت بني فلَان نَاسا مِنْهُم. فَإِن قلت: فَهَلا حَملته على حذف الْمُضَاف فَكَانَ أقرب مذهبا وأيسر مُتَوَهمًا حَتَّى كَأَنَّهُ قَالَ: هما إِحْدَى خطتين قيل: يمْنَع من ذَلِك قَوْله: هما وهما لَا يكون خَبره مُفردا. أَلا ترى لَا تَقول: أَخَوَاك جَالس وَلَا نَحْو ذَلِك. فَلذَلِك انصرفنا عَن هَذَا الْوَجْه إِلَى الَّذِي قبله. وَيجوز عِنْدِي فِيهِ وجهٌ أَعلَى من هَذَا الضعْف حذف نون التَّثْنِيَة عندنَا وَهُوَ أَن يكون على وَجه الْحِكَايَة حَتَّى كَأَنَّهُ قَالَ: هما خطتا قَوْلك: إِمَّا إسار ومنة وَإِمَّا دم فتحذف النُّون على هَذَا للإضافة الْبَتَّةَ. وَأما من جر إِمَّا إسار ومنة وَإِمَّا دم فَأمره وَاضح. وَذَلِكَ أَنه حذف النُّون من خطتان للإضافة وَلم يعْتد إِمَّا فاصلاً بَين الْمُضَاف والمضاف إِلَيْهِ. وعَلى هَذَا تَقول: هما غُلَاما إِمَّا

وأجود من هَذَا أَن تَقول: هما إِمَّا خطتا إسارٍ ومنة وَإِمَّا دمٌ. وَإِن شِئْت: وَإِمَّا خطتا دم. فَإِن قلت: إِن إِمَّا مثل أَو فِي أَن كل وَاحِدَة مِنْهُمَا توجب أحد الشَّيْئَيْنِ فترجع بك الْحَال إِذن إِلَى أَنَّك كَأَنَّك قلت: هما خطتا أحد هذَيْن الْأَمريْنِ. وَلَيْسَ الْأَمر كَذَلِك إِنَّمَا الْمَعْنى هما خطتان إِحْدَاهمَا كَذَا وَالْأُخْرَى كَذَا. وَلَيْسَت أَيْضا كل وَاحِدَة من الخطتين للإسار وَالدَّم جَمِيعًا إِنَّمَا أَحدهمَا لأَحَدهمَا على مَا تقدم. فَالْجَوَاب: أَن سَبَب جَوَاز ذَلِك هُوَ أَن كل وَاحِد من الإسار وَالدَّم لما كَانَ معرضًا لكل واحدةٍ من الخطتين يصلح أَن يصير بِصَاحِب الخطة إِلَيْهِ أطلقا جَمِيعًا على كل وَاحِدَة مِنْهُمَا بِأَن أضيفا إِلَيْهِ وَجعل مفضًى لَهُ ومظنة مِنْهُ. وَنَحْو مِنْهُ قَول الله تبَارك وَتَعَالَى: وَمن رَحمته جعل لكم اللَّيْل وَالنَّهَار لتسكنوا فِيهِ ولتبتغوا من فَضله وَلم يَجْعَل كل وَاحِد من اللَّيْل وَالنَّهَار لكل واحدٍ من السّكُون والابتغاء وَإِنَّمَا جعل اللَّيْل للسكون وَالنَّهَار للابتغاء فخلط الْكَلَام اكْتِفَاء بِمَعْرِِفَة المخاطبين بِوَقْت السّكُون من وَقت الابتغاء. انْتهى. وَالْبَيْت من أحد عشر بَيْتا لتأبط شرا أوردهَا أَبُو تَمام فِي الحماسة هَكَذَا: الطَّوِيل (إِذا الْمَرْء لم يحتل وَقد جد جده ... أضاع وقاسى أمره وَهُوَ مُدبر) ...

(فَذَاك قريع الدَّهْر مَا عَاشَ حولٌ ... إِذا سد مِنْهُ منخرٌ جاش منخر)) (أَقُول للحيان وَقد صفرت لَهُم ... وطابي ويومي ضيق الْحجر معور) (هما خطتا إِمَّا إسارٍ ومنةٍ ... وَإِمَّا دمٍ وَالْقَتْل بِالْحرِّ أَجْدَر) (وَأُخْرَى أصادي النَّفس عَنْهَا وَإِنَّهَا ... لمورد حزمٍ إِن فعلت ومصدر) (فرشت لَهَا صَدْرِي فزل عَن الصَّفَا ... بِهِ جؤجؤٌ عبلٌ ومتنٌ مخصر) (فخالط سهل الأَرْض لم يكدح الصَّفَا ... بِهِ كدحةً وَالْمَوْت خزيان ينظر) (فَأَبت إِلَى فهمٍ وَمَا كدت آيباً ... وَكم مثلهَا فارقتها وَهِي تصفر) وَأورد صَاحب الأغاني أول الأبيات أَقُول للحيان والأبيات الثَّلَاثَة قبله بعد قَوْله: فَأَبت إِلَى فهم ... . . الْبَيْت. وَخبر هَذِه الأبيات أَن تأبط شرا كَانَ يشتار عسلاً فِي غارٍ من بِلَاد هُذَيْل وَكَانَ يَأْتِيهِ كل عَام وَأَن هذيلاً ذكر لَهَا ذَلِك فرصدته لوقت حَتَّى إِذا هُوَ جَاءَ وَأَصْحَابه تدلى فَدخل الْغَار. فأغارت هذيلٌ على أَصْحَابه وأنفروهم ووقفوا على الْغَار فحركوا الْحَبل فَأطلع رَأسه فَقَالُوا: اصْعَدْ. قَالَ: فعلام أصعد على الطلاقة وَالْفِدَاء قَالُوا: لَا شَرط لَك. قَالَ: أفتراكم آخذي وقاتلي وآكلي جنائي. لَا وَالله لَا أفعل ثمَّ جعل يسيل الْعَسَل على فَم الْغَار ثمَّ عمد إِلَى زقٍّ فشده على صَدره ثمَّ لصق بالعسل وَلم يزل يتزلق عَلَيْهِ حَتَّى جَاءَ سليما إِلَى أَسْفَل الْجَبَل فَنَهَضَ وفاتهم وَبَين مَوْضِعه الَّذِي وَقع فِيهِ وَبينهمْ مسيرَة ثَلَاثَة أَيَّام.

وَقَوله: إِذا الْمَرْء لم يحتل إِلَخ الْحِيلَة من حَال الشَّيْء إِذا انْقَلب عَن جِهَته كَأَن صَاحبهَا يُرِيد أَن يستنبط مَا تحول عِنْد غَيره وَلذَلِك يُقَال: فلانٌ حولٌ قلب. وجد جده: ازْدَادَ جده جدا. وَالْجد بِالْكَسْرِ: الِاجْتِهَاد. وأضاع: وجد أمره ضائعاً أَو بِمَعْنى ضيع. وَالْمعْنَى عالج أمره مُدبرا فِيهِ غير مقبل. أَي: إِذا الْمَرْء لم يطْلب رشده فِي إصْلَاح أمره فِي الْوَقْت الَّذِي يجب أَن يَفْعَله آل بِهِ أمره إِلَى الضّيَاع. وَقَوله: وَلَكِن أَخُو الحزم يَقُول: صَاحب الحزم هُوَ الَّذِي يستعد لِلْأَمْرِ قبل نُزُوله. وَقَوله: فَذَاك قريع الدَّهْر إِلَخ يجوز أَن يكون فِي معنى مُخْتَار الدَّهْر وَيكون من قرعت أَي: اخترته بقرعتي. وَيجوز أَن يكون من قرعه الدَّهْر بنوائبه حَتَّى جرب وتبصر. وَقَوله: مَا عَاشَ) أَي: مُدَّة عيشه. وَقَوله: إِذا سد مِنْهُ منخر إِلَخ مثلٌ للمكروب الْمضيق عَلَيْهِ. وجاش: تحرّك واضطرب. وَقَوله: أَقُول للحيان إِلَخ لحيان: بطنٌ من هُذَيْل خاطبهم لما كَانُوا على رَأس الْغَار الَّذِي اشتار مِنْهُ الْعَسَل. وَقَوله: صفرت وطابي الْوَاو للْحَال. والوطاب هُنَا: ظروف الْعَسَل وَهِي فِي الأَصْل جمع وطب وَهُوَ سقاء اللَّبن. وصفرت: خلت. أَشَارَ إِلَى ظروف الْعَسَل الَّتِي صب الْعَسَل مِنْهَا على الْجَانِب الآخر وَركبهُ متزلقاً حَتَّى لحق بالسهل. وَقيل: مَعْنَاهُ خلا قلبِي من ودهم يُرِيد وطاب ودي.

وَقيل: أشرفت نَفسِي على الْهَلَاك. فَأَرَادَ بالوطاب جِسْمه. ومعور اسْم فَاعل من أَعور لَك الشَّيْء إِذا بَدَت لَك عَوْرَته وَهِي مَوضِع المخافة. وكل مَا طلبته فأمكنك فقد أعورك وأعور لَك. وَقَوله: هما خطتا إِلَخ هَذَا مقول القَوْل. والخطة بِالضَّمِّ: الْحَالة والشأن. وَكَأَنَّهُم كَانُوا يريدونه على الْحَالَتَيْنِ فَأخذ يتهكم عَلَيْهِم ويحكي مقالتهم. وَالْمعْنَى: لَيْسَ إِلَّا واحدةٌ من خَصْلَتَيْنِ على زعمكم: إِمَّا استئسارٌ والتزام منتكم إِن رَأَيْتُمْ الْعَفو. وَإِمَّا قتلٌ وَهُوَ بِالْحرِّ أَجْدَر مِمَّا يكسبه الذل. فهاتان الخصلتان هما اللَّتَان أَشَارَ إِلَيْهِمَا بقوله: هما خطتا. وَقد ثلثهما بخطةٍ أُخْرَى ذكرهَا فِيمَا بعد. وَكله تهكم وهزءٌ. وَقَوله: وَالْقَتْل بِالْحرِّ أَجْدَر اعتراضٌ بَين مَا عده من الْخِصَال. وَقَوله: وَأُخْرَى أصادي النَّفس إِلَخ المصاداة: إدارة الرَّأْي فِي تَدْبِير الشَّيْء أَو الْإِتْيَان بِهِ. يَقُول: وَهَا هُنَا خطة أُخْرَى أداري نَفسِي فِيهَا وَإِنَّهَا هِيَ الْموضع الَّذِي يردهُ الحزم ويصدر عَنهُ إِن فعلت. وَإِنَّمَا قسم الْكَلَام هَذِه الْأَقْسَام لِأَنَّهُ رَآهُمْ يبتون أمره عَلَيْهَا وَلِأَنَّهُ نظر إِلَى جهتي الْجَبَل فَعلم أَنه إِن رَضِي مَا أَرَادَهُ بَنو لحيان كَانَ فِيهِ إِحْدَى الْحَالَتَيْنِ من الْأسر وَالْقَتْل بزعمهم. وَإِن احتال للجهة الْأُخْرَى فالحزم فِيهَا وخلاصه فِيهَا وَكَانَ أمرا ثَالِثا. وَقَوله: وَإِنَّهَا لمورد حزم اعْتِرَاض أَيْضا. وَهَذِه الأبيات الثَّلَاثَة من بَاب التَّقْسِيم الَّذِي هُوَ من محَاسِن الْكَلَام وَهُوَ أَن يقْصد وصف شَيْء تخْتَلف أَحْوَاله فَيقسم أقساماً محورة لَا يُمكن

الزِّيَادَة عَلَيْهَا وَلَا النُّقْصَان كَمَا قسم تأبط) شرا أَحْوَاله مَعَ بني لحيان أقساماً ثَلَاثَة لَا رَابِع لَهَا. وَمِنْه قَول بشر بن أبي خازم: الوافر (وَلَا يُنجي من الغمرات إِلَّا ... براكاء الْقِتَال أَو الْفِرَار) وَلَيْسَ فِي أَقسَام النجَاة للمحارب قسمٌ ثَالِث. وَنَحْوه قَول زُهَيْر: الطَّوِيل (وَأعلم مَا فِي الْيَوْم والأمس قبله ... ولكنني عَن علم مَا فِي غدٍ عمي) وَقَوله: فرشت لَهَا صَدْرِي إِلَخ بَين بِهَذَا كَيْفيَّة مزاولته لنَفسِهِ. والْفرش: الْبسط. وَضمير لَهَا: للخطة الَّتِي عبر عَنْهَا بقوله: وَأُخْرَى أَي: فرشت من أجل هَذِه الخطة صَدْرِي على الصَّفَا. وَهَذَا حِين صب الْعَسَل فتزلق بِهِ عَن الصَّفَا أَي: بصدره. جؤجؤ عبل أَي: ضخم. وَمتْن مخصر أَي: دَقِيق. والصدر والمتن: صَدره وَمَتنه وَلكنه أخرجه مخرج قَوْلهم: لقِيت بزيدٍ الْأسد وزيدٌ هُوَ الْأسد عِنْدهم وَوضع فرشت مَوضِع ألقيت وَوضعت. وَيُقَال: فرشت ساحتي بِالْأَجْرِ. وأفرشت الشَّاة للذبح إِذا أضجعتها. كَذَا قَالَ التبريزي. وَقَوله: فخالط سهل الأَرْض إِلَخ الْخَلْط أَصله تدَاخل أَجزَاء الشَّيْء فِي الشَّيْء. والكدح بالأسنان وَالْحجر دون الكدم. يَقُول: وصلت إِلَى السهل وَلم يُؤثر الصَّفَا وَهُوَ الصخر فِي صَدْرِي أثرا وَلَا خدشاً وَالْمَوْت كَانَ قد طمع فِي فَلَمَّا رَآنِي وَقد تخلصت بَقِي مستحياً. وخزيان من الخزاية وَهِي الاستحياء وَيجوز أَن يكون من الخزي وَهُوَ الفضيحة والهوان.

(الشاهد التاسع والستون بعد الخمسمائة)

وينظر: خبر ثَان أَو حَال من ضمير خزيان. وَينظر: يتحير. وَقد حمل قَوْله تَعَالَى: وَأَنْتُم حينئذٍ تنْظرُون على أَن معنى تتحيرون. وَقَوله: فَأَبت إِلَى فهم. إِلَى آخِره أَبَت: رجعت. وفهم: قَبيلَة تأبط شرا. وَقَوله: وَكم مثلهَا إِلَخ أَي: مثل هَذِه الخطة فارقتها بِالْخرُوجِ مِنْهَا وَهِي مغلوبة تصفر وَأَنا الْغَالِب. وَقيل مَعْنَاهُ: كم مثل لحيان فارقتها وَهِي تتلهف كَيفَ أفلت. وَسَيَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى الْكَلَام على هَذَا الْبَيْت فِي بَاب الْفِعْل وَفِي أَفعَال المقاربة. وَقد تقدّمت تَرْجَمَة تأبط شرا فِي الشَّاهِد الْخَامِس عشر من أَوَائِل الْكتاب. وَأنْشد بعده 3 - (الشَّاهِد التَّاسِع وَالسِّتُّونَ بعد الْخَمْسمِائَةِ) الوافر (مَتى مَا تلقني فردين ترجف ... روانف أليتيك وتستطارا) على أَن يجوز اتِّفَاقًا أَن يُقَال: أليتان بتاء التَّأْنِيث إِلَى آخر مَا نَقله عَن أبي عَليّ. وَقد نقل عَنهُ ابْن الشجري فِي الْمجْلس الثَّالِث من أَمَالِيهِ خلاف

هَذَا قَالَ: قَالَ أَبُو عَليّ الْحسن بن أَحْمد الْفَارِسِي: قد جَاءَ من الْمُؤَنَّث بِالتَّاءِ حرفان لم يلْحق فِي تثنيتهما التَّاء وَذَلِكَ قَوْلهم: خصيان وأليان فَإِذا أفردوا قَالُوا: خصية وألية. وَأنْشد أَبُو زيد: الرجز وَأنْشد سِيبَوَيْهٍ: الرجز (كَأَن خصييه من التدلدل ... ظرف عجوزٍ فِيهِ ثنتا حنظل) انْتهى. وَقد جَاءَت فِي قَوْله: روانف أليتيك تَاء التَّأْنِيث كَمَا ترى فالعرب إِذن مختلفةٌ فِي ذَلِك. انْتهى كَلَام ابْن الشجري. وَهَذَا كَلَام الصِّحَاح قَالَ: الألية بِالْفَتْح: ألية الشَّاة. فَإِذا ثنيت قلت: أليان فَلَا تلْحقهُ التَّاء. وأنشده الزَّمَخْشَرِيّ فِي الْمفصل على أَن الْحَال قد تَجِيء من الْفَاعِل وَالْمَفْعُول مَعًا كفردين فَإِنَّهُ حالٌ مِنْهُمَا فِي تلقني. وَكَذَا أنْشدهُ فِي الْكَشَّاف عِنْد قَوْله تَعَالَى: أَن لَا تكلم النَّاس ثَلَاثَة أيامٍ إِلَّا رمزاً فِي قِرَاءَة من قَرَأَ: رمزاً بِضَمَّتَيْنِ وَهُوَ جمع رموز كرسل جمع رَسُول. ورمزاً بِفتْحَتَيْنِ وَهُوَ جمع رامز

كخدم جمع خَادِم. قَالَ: هُوَ حالٌ مِنْهُ وَمن النَّاس دفْعَة كَمَا فِي الْبَيْت بِمَعْنى إِلَّا مترامزين كَمَا يكلم النَّاس الْأَخْرَس بِالْإِشَارَةِ ويكلمهم. ومَتى: جازمة وتلقني: شَرطهَا وترجف: جزاؤها. وَرُوِيَ: ترْعد: بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول. وروانف: فَاعل ترجف. قَالَ أَبُو عَليّ فِي الْمسَائِل البصرية: وتستطارا جزمٌ عطف على ترْعد فَحَملته على الأليتين أَو على معنى الروانف لِأَنَّهُمَا اثْنَان فِي الْحَقِيقَة. وَهَذَا أحسن من أَن تحمله على أَن فِي وتستطاروا ضمير الروانف وَتجْعَل الْألف بَدَلا من النُّون الْخَفِيفَة لِأَن الْجَزَاء وَاجِب.) وَقد جَاءَ: وَمهما تشأ مِنْهُ فَزَارَة تمنعا إِلَّا أَن هَذَا إِن لم يضْطَر إِلَيْهِ وزن كَانَ بِمَنْزِلَتِهِ فِي الْكَلَام. انْتهى. وَتَبعهُ ابْن السَّيِّد فِي أَبْيَات الْمعَانِي قَالَ: تستطارا جزمٌ بالْعَطْف على ترْعد بِحمْلِهِ على الأليتين أَو على معنى الروانف لِأَنَّهُمَا اثْنَتَانِ فِي الْحَقِيقَة وَإِنَّمَا جَمعهمَا اتساعاً. وَقَالَ قوم: تستطار محمولٌ على الروانف وَفِيه ضميرها وَكَانَ الْوَجْه أَن يَقُول: تستطر إِلَّا أَنه أَتَى بالنُّون الْخَفِيفَة فانفتحت الرَّاء فَلم تسْقط الْألف الَّتِي هِيَ عين الْفِعْل وأبدل من النُّون ألفا. وَمثله قَول الآخر:

الطَّوِيل وَمهما تشأ مِنْهُ فَزَارَة تمنعا يُرِيد: تمنعن. وَالْقَوْل الأول اخْتِيَار أبي عَليّ لِأَنَّهُ اضْطر فِي الْبَيْت الثَّانِي وَلم يضْطَر فِي تستطار لِأَنَّهُ لَهُ حمله على معنى التَّثْنِيَة فَهُوَ بِمَنْزِلَتِهِ فِي الْكَلَام. انْتهى. وَزَاد ابْن الشجري فِي أَمَالِيهِ وَقَالَ: معنى تستطار تستخف. وَيحْتَمل وَجْهَيْن من الْإِعْرَاب أَحدهمَا: أَن يكون مَجْزُومًا مَعْطُوفًا على جَوَاب الشَّرْط وَأَصله تستطاران فَسَقَطت نونه للجزم. فالألف على هَذَا ضميرٌ عَائِد على الروانف وَعَاد إِلَيْهَا وَهِي جمعٌ ضمير تَثْنِيَة لِأَنَّهَا من الجموع الْوَاقِعَة فِي مواقع التَّثْنِيَة نَحْو قَوْلك: وُجُوه الرجلَيْن فَعَاد الضَّمِير على مَعْنَاهَا دون لَفظهَا إِذْ الْمَعْنى رانفتا أليتيك. كَمَا أَن معنى الْوُجُوه من قَوْلك: حَيا الله وجوهكما معنى الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّهُ لَا يكون لواحدٍ أَكثر من وَجه كَمَا أَنه لَيْسَ للألية إلارانفة وَاحِدَة. وَالْجَوَاب الثَّانِي: أَن يكون نصبا على الْجَواب بِالْوَاو بِتَقْدِير: وَأَن تستطار فالألف على هَذَا لإِطْلَاق القافية وَالتَّاء للخطاب وَهِي فِي الْوَجْه الأول للتأنيث. وَيجوز أَن تجْعَل التَّاء فِي هَذَا الْوَجْه أَيْضا لتأنيث الروانف وَجَاء الْجَواب بعد الشَّرْط وَالْجَزَاء كَمَا يَجِيء بعد الْكَلَام الَّذِي لَيْسَ بِوَاجِب كالنهي وَالنَّفْي. وَمثله فِي انتصاب الْجَواب بِالْوَاو بعد الشَّرْط وَالْجَزَاء قَوْله

عَزَّ وَجَلَّ: إِن يَشَأْ يسكن الرّيح فيظللن رواكد على ظَهره ثمَّ قَالَ: أَو يوبقهن بِمَا كسبوا ويعف عَن كثير وَيعلم الَّذين يجادلون. وَمن) (فَإِن يهْلك أَبُو قَابُوس يهْلك ... ربيع النَّاس والشهر الْحَرَام) (ونأخذ بعده بذناب عيشٍ ... أجب الظّهْر لَيْسَ لَهُ سَنَام) قد رُوِيَ: ونأخذ جزما بالْعَطْف على جَوَاب الشَّرْط وَرُوِيَ نصبا على الْجَواب وَرُوِيَ رفعا أَيْضا على الِاسْتِئْنَاف. انْتهى. وَقَالَ ابْن الْحَاجِب فِي أَمَالِيهِ: يجوز أَن يكون مَعْطُوفًا على ترجف وألحقت بِهِ نون التوكيد الْخَفِيفَة فقلبت ألفا فِي الْوَقْف إِلَّا أَن إِلْحَاق نون التوكيد فِي جَوَاب الشَّرْط ضَعِيف. وَيجوز أَن يكون مَنْصُوبًا على أحد الْوَجْهَيْنِ: أَحدهمَا: مَذْهَب الْكُوفِيّين بِالْوَاو الَّتِي يسمونها وَاو الصّرْف مثلهَا عِنْدهم فِي قَوْله تَعَالَى: ويعف عَن كثيرٍ وَيعلم فِي قِرَاءَة الْأَكْثَرين. وَالثَّانِي: مَذْهَب الْبَصرِيين وَهُوَ أَن يكون مَعْطُوفًا على مُقَدّر مثلهَا عِنْدهم فِي قَوْله وَيعلم أَي: لينتقم وَيعلم. إِلَّا أَنه لَا يُمكن التَّقْدِير لفعل مَنْصُوب لِأَنَّهُ فِي الْمَعْنى سَبَب وَلَو قدر فعل مَنْصُوب لَكَانَ مسبباً فَيَنْبَغِي أَن يكون التَّقْدِير لاسمٍ مَنْصُوب مفعول من أَجله كَأَنَّهُ قيل: ترجف روانف أليتيك خوفًا واستطارة.

فَلَمَّا أَتَى بِالْفِعْلِ مَوضِع استطارةً وَعطف على الْمُقدر وَجب أَن يكون مَنْصُوبًا مثله فِي قَوْلك: والروانف: أَطْرَاف الأليتين واحدته رانفة. وتستطار بِمَعْنى يطْلب مِنْك أَن تطير خوفًا وجبناً. وَالْعرب تَقول لمن اشْتَدَّ بِهِ الْخَوْف: طارت نَفسه خوفًا. وَمِنْه قَوْله: الوافر أَقُول لَهَا وَقد طارت شعاعاً وَقَالَ هَا هُنَا: وتستطارا كَأَنَّهُ طلب مِنْهُ أَن يطير من الْخَوْف. وَالضَّمِير فِي وتستطارا للمخاطب لَا للروانف إِذْ لَا تطلب من الروانف استطارة وَإِنَّمَا الْمَقْصُود طلبه من الْمُخَاطب. انْتهى. وَقَوله: كَأَنَّهُ قيل ترجف روانف أليتيك خوفًا واستطارة هُوَ أَجود مِمَّا نَقله الْعَيْنِيّ بِأَن نَصبه بِأَن فِي تَقْدِير مصدر مَرْفُوع بالْعَطْف على مصدر ترجف تَقْدِيره: ليكن مِنْك رجف الروانف والاستطارة. وَقَالَ ابْن يعِيش: قَوْله: وتستطارا يحْتَمل وُجُوهًا:) أَحدهَا: أَن يكون مَجْزُومًا بِحَذْف النُّون فَالضَّمِير للروانف وَعَاد إِلَيْهَا الضَّمِير بِلَفْظ التَّثْنِيَة لِأَنَّهَا تَثْنِيَة فِي الْمَعْنى. وَالثَّانِي: أَن يكون عَائِدًا إِلَى الأليتين.

وَالْآخر: أَن يكون الضَّمِير مُفردا عَائِدًا إِلَى الْمُخَاطب وَالْألف بدلٌ من نون التوكيد. انْتهى مُخْتَصرا. وَنَقله الْعَيْنِيّ بِحُرُوفِهِ وَلم يعزه. وَلَا يخفى اختلاله فَإِنَّهُ قَالَ: فِيهِ وُجُوه. وَلم يذكر غير الْجَزْم وَكَانَ يجب أَن يُقَابله بِالنّصب كَمَا فعله غَيره وَيَقُول بعده: وَالضَّمِير للمخاطب وَالْألف للإطلاق ويدرج عود الضَّمِير إِلَى الأليتين فِي صُورَة الْجَزْم. أَو يَقُول: وتستطاروا مجزوم فِي مرجع ضَمِيره أوجه ثَلَاثَة. وَجعله تعدد احْتِمَال مرجع الضَّمِير وُجُوهًا مُقَابلَة للجزم فَاسد فَإِن الثَّلَاثَة مُحْتَملَة فِي صُورَة الْجَزْم. فَتَأمل. وَزَاد الْعَيْنِيّ بعد هَذَا: وَيُقَال الضَّمِير الْمُفْرد عَائِد إِلَى الروانف تَقْدِيره: تستطاران هِيَ. انْتهى. وَهَذَا هُوَ الأول مِمَّا ذكره ابْن يعِيش بِعَيْنِه فَذكره تكرارٌ لَهُ. وَالْبَيْت من أبياتٍ عدتهَا ثَلَاثَة عشر بَيْتا لعنترة الْعَبْسِي خَاطب بهَا عمَارَة بن زيادٍ الْعَبْسِي. قَالَ الأعلم فِي شرح شعره فِي الْأَشْعَار السِّتَّة وَابْن الشجري فِي أَمَالِيهِ: كَانَ عمَارَة يحْسد عنترة على شجاعته إِلَّا أَنه كَانَ يظْهر تحقيره وَيَقُول لِقَوْمِهِ: إِنَّكُم قد أَكثرْتُم من ذكره ولوددت أَنِّي لَقيته خَالِيا حَتَّى أريحكم مِنْهُ وَحَتَّى أعلمكُم أَنه عبد. وَكَانَ عمَارَة مَعَ كَثْرَة جوده كثير المَال وَكَانَ عنترة لَا يكَاد يمسك إبِلا وَلَكِن يُعْطِيهَا إخْوَته

وَهَذِه أبياتٌ سِتَّة مِنْهَا وَيَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى بقيتها فِي أفعل التَّفْضِيل: الوافر (أحولي تنفض استك مذرويها ... لتقتلني فها أَنا ذَا عمارا) (مَتى مَا تلقني فردين ترجف ... روانف أليتيك وتستطارا) (وسيفي صارمٌ قبضت عَلَيْهِ ... أشاجع لَا ترى فِيهَا انتشارا) (حسامٌ كالعقيقة فَهُوَ كمعي ... سلاحي لَا أفل وَلَا فطَارَا) (وكالورق الْخفاف وَذَات غربٍ ... ترى فِيهَا عَن الشَّرْع ازورارا) (ومطرد الكعوب أحص صدقٌ ... تخال سنانه بِاللَّيْلِ نَارا) وَقَوله: أحولي تنفض إِلَخ الْهمزَة للاستفهام الإنكاري التوبيخي. وحَولي: ظرف لتنفض و) استك: فَاعل تنفض ومذرويها: مَفْعُوله. وَالْمعْنَى: أتتوعدني وتهددني واستك تضيق عَن ذَلِك. وتنفض مذرويها مثلٌ لخفته بالوعيد وطيشه. يُقَال: جَاءَ فلانٌ ينفض مذرويه إِذا جَاءَ يتهدد. وَقد شرح السَّيِّد المرتضى قدس الله روحه هَذِه الْكَلِمَة فِي أَمَالِيهِ أحسن شرح فِي كلامٍ نَقله لِلْحسنِ الْبَصْرِيّ وَقع فِيهِ: ترى أحدهم يملخ فِي الْبَاطِل ملخاً ينفض مذرويه وَيَقُول: هَا أَنا ذَا فاعرفوني. قَالَ: الملخ هُوَ التثني والتكسر يُقَال: ملخ الْفرس إِذا لعب. والمذروان: فرعا الأليتين. هَذَا قَول أبي عُبَيْدَة وَأنْشد بَيت عنترة. وَقَالَ ابْن قُتَيْبَة راداً عَلَيْهِ: لَيْسَ المذروان

فرعي الأليتين بل هما الجانبان من كل شَيْء تَقول الْعَرَب: جَاءَ فلانٌ يضْرب أصدريه وَيضْرب عطفيه وينفض مذرويه وهما منكباه. وَذكر أَنه سمع رجلا من نصحاء الْعَرَب يَقُول: قنع مذرويه يُرِيد جَانِبي رَأسه وهما فوداه. وَإِنَّمَا سميا بذلك لِأَنَّهُمَا يذريان أَي: يشيبان. والذرى: الشيب. قَالَ: وَهَذَا أصل الْحَرْف ثمَّ استعير للمنكبين والأليتين والطرفين من كل شَيْء. وَقَالَ أُميَّة بن أبي عائذٍ الْهُذلِيّ يذكر قوساً: المتقارب (على عجس هتافة المذروي ... ن زوراء مضجعةٍ فِي الشمَال) أَرَادَ: قوساً ينبض طرفاها. قَالَ: فَلَا معنى لوصف الرجل الَّذِي كره الْحسن بِأَن يُحَرك أليتيه وَلَا من شَأْن من يبذخ وينبه على نَفسه يَقُول: هَا أَنا ذَا فاعرفوني أَن يُحَرك أليتيه. وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنه يضْرب عطفيه وَهَذَا مِمَّا يُوصف بِهِ المرح المختال. وَرُبمَا قَالُوا: جَاءَنَا ينفض مذرويه إِذا تهدد وتوعد لِأَنَّهُ إِذا تكلم وحرك رَأسه نفض قُرُون قَالَ المرتضى قدس الله روحه: وَلَيْسَ الَّذِي ذكره أَبُو عُبَيْدَة بِبَعِيد لِأَن من شَأْن المختال الَّذِي يزهى بِنَفسِهِ أَن يَهْتَز ويتثنى فتتحرك أعطافه وأعضاؤه. ومذرواه من جملَة مَا يَهْتَز ويتحرك لِأَنَّهُمَا بارزان من جِسْمه فَيظْهر فيهمَا

الاهتزاز. وَإِنَّمَا خص المذروان بِالذكر مَعَ أَن غَيرهمَا يَتَحَرَّك أَيْضا على طَرِيق التقبيح على هَذَا المختال والتهجين لفعله. وَقَول ابْن قُتَيْبَة: لَيْسَ من شَأْن من يبذخ أَن يُحَرك أليتيه لَيْسَ بِشَيْء لِأَن الْأَغْلَب من شَأْن) البذاخ المختال الاهتزاز وتحريك الأعطاف. على أَن هَذَا يلْزمه فِيمَا قَالَه لِأَنَّهُ لَيْسَ من شَأْن كل متوعد أَن يُحَرك رَأسه وينفض مذرويه. فَإِذا قَالَ إِن ذَلِك فِي الْأَكْثَر قيل لَهُ مثله. هَذَا مَا أوردهُ السَّيِّد المرتضى رَحِمَهُ اللَّهُ. وَقَوله: جَاءَ فلانٌ يضْرب أصدريه قَالَ ابْن السّكيت فِي إصْلَاح الْمنطق بدله: جَاءَ يضْرب أزدريه إِذا جَاءَ فَارغًا. قَالَ شَارِحه ابْن السَّيِّد: قَوْله: يضْرب أزدريه إِنَّمَا أَصله أصدريه فأبدلوا مَكَان الصَّاد حرفا يُطَابق الدَّال فِي الْجَهْر وَعدم الإطباق وَهِي الزَّاي. والأصدران: عرقان يضربان تَحت الصدغين لَا يفرد لَهُ وَاحِد. وَمَعْنَاهُ أَنه جَاءَ فَارغًا نَادِما خائباً يلطم صدغيه وَيضْرب أعلاهما إِلَى أسفلهما ندماً وتحسراً خديه. انْتهى. وَاعْلَم أَن لاكم ابْن قُتَيْبَة مأخوذٌ من كَلَام أبي مَالك نَقله عَنهُ

أَبُو الْقَاسِم عَليّ ابْن حَمْزَة الْبَصْرِيّ فِيمَا كتبه على الْغَرِيب المُصَنّف لأبي عبيد الْقَاسِم بن سَلام من تَبْيِين غلطاته فِيهِ. قَالَ أَبُو الْقَاسِم: وَرُوِيَ عَن أبي عُبَيْدَة: المذرى: طرف الألية. والرانفة: ناحيتها. ثمَّ قَالَ إِخْبَارًا عَن نَفسه: يُقَال: المذروان أَطْرَاف الأليتين وَلَيْسَ لَهما وَاحِد وَهَذَا أَجود الْقَوْلَيْنِ لِأَنَّهُ لَو كَانَ لَهما واحدٌ فَقيل: مذرًى لَكَانَ فِي التَّثْنِيَة مذريان بِالْيَاءِ. وَمَا كَانَت فِي التَّثْنِيَة بِالْوَاو. قَالَ أَبُو الْقَاسِم: كَانَ يجب عَلَيْهِ إِذْ سمت بِهِ نَفسه إِلَى الرَّد على أبي عُبَيْدَة معمرٍ ابْن الْمثنى أَن يضْبط مَا يروي أَولا وَإِلَّا فَهُوَ كَالَّذي لم يتم. والمذروان والرانفان بِمَعْنى وَاحِد وَقد فرق بَينهمَا فَجعل المذروين الطَّرفَيْنِ وَعبر عَنْهُمَا بالأطراف وَجعل الرانفة النَّاحِيَة وَلَيْسَ كَذَلِك قَالَ أَبُو عُبَيْدَة وَغَيره. وَكَلَام أبي مَالك أحكا لِأَنَّهُ أتم. المذروان: أعالي الأليتين وأعالي القرنين أَيْضا وَكَذَلِكَ أعالي الْمَنْكِبَيْنِ. وَكَذَلِكَ الروانف الْوَاحِدَة رانفة. وَأنْشد بَيت عنترة. فَفِي هَذَا القَوْل دليلٌ على أَن المذروين لَيْسَ باسمٍ لشيءٍ وَاحِد. وَمَعَ هَذَا فقد قَالَ أَبُو يُوسُف بن السّكيت فِي بَاب الْمثنى: جَاءَ ينفض مذرويه إِذا جَاءَ يتوعد. وَجَاء يضْرب أزدريه إِذا جَاءَ فَارغًا وَيُقَال بالصَّاد أَيْضا. وَهَذَا وَإِن كَانَ غير مَا قَالَ أَبُو مَالك فإليه يرجع لِأَن تَحْرِيك الْمَنْكِبَيْنِ من فعال المتوعد فيريد أَنه متوعدٌ هَذَا فعاله ومحركٌ مَنْكِبَيْه إِنَّمَا تتحرك لَهُ فروعهما وأعاليهما كَمَا قَالَ أَبُو مَالك. وَمَا) حَكَاهُ فِي وَاحِد المذروين كَلَام

أبي عمرٍ والشَّيْبَانِيّ فَلم ينْسبهُ إِلَيْهِ. انْتهى كَلَامه. قَالَ ابْن الشجري: وَهَذَا الْحَرْف مِمَّا شَذَّ عَن قِيَاس نَظَائِره وَكَانَ حَقه أَن تصير واوه إِلَى الْيَاء كَمَا صَارَت إِلَى الْيَاء فِي قَوْلهم: ملهيان ومغزيان لِأَن الْوَاو مَتى وَقع فِي هَذَا النَّحْو طرفا رَابِعا فَصَاعِدا اسْتحق الانقلاب إِلَى الْيَاء حملا على انقلابه فِي الْفِعْل نَحْو: يلهي ويغزي. وَإِنَّمَا انقلبت الْوَاو يَاء فِي قَوْلك: ملهيان ومغزيان وَإِن لم تكن طرفا لِأَنَّهَا فِي تَقْدِير الطّرف من حَيْثُ كَانَ حرف التَّثْنِيَة لَا يحصن مَا اتَّصل بِهِ لِأَن دُخُوله كخروجه. وَصحت الْوَاو فِي المذروين لأَنهم بنوه على التَّثْنِيَة فَلم يفردوا فيقولوا: مذرًى كَمَا قَالُوا: ملهًى فَصحت لذَلِك كَمَا صحت الْوَاو وَالْيَاء فِي العلاوة وَالنِّهَايَة فَلم يقلبا إِلَى الْهمزَة لأَنهم بنوا الاسمين على التَّأْنِيث. وكما صحت الْيَاء فِي الثنايين من قَوْلهم: عقلته بثنايين إِذا عقلت يَدَيْهِ جَمِيعًا بطرفي حَبل لأَنهم صاغوه مثنى. وَلَو أَنهم تكلمُوا بواحده. لقالوا: ثَنَاء مَهْمُوز كرداء ولقالوا فِي تثنيته: ثناءين كردائين. انْتهى. وَعمارَة هُوَ أحد بني زِيَاد الْعَبْسِي وهم: الرّبيع وَعمارَة وقيسٌ وَأنس كل وَاحِد مِنْهُم قد رَأس فِي الْجَاهِلِيَّة وقاد جَيْشًا. وأمهم فَاطِمَة بنت الخرشب الأنمارية وَكَانَت إِحْدَى المنجبات. وَهِي الَّتِي سُئِلت: أَي بنيك أفضل فَقَالَت: الرّبيع بل عمَارَة بل قيس بل أنس. ثمَّ قَالَت:

ثكلتهم إِن كنت أَدْرِي أَيهمْ أفضل هم كالحلقة المفرغة لَا يدرى أَيْن طرفاها. وَكَانَ لكل وَاحِد مِنْهُم لقبٌ فَكَانَ عمَارَة يُقَال لَهُ: الْوَهَّاب وَكَانَ الرّبيع يُقَال لَهُ: الْكَامِل وقيسٌ يُقَال لَهُ: الْجواد وَأنس يُقَال لَهُ: أنس الْحفاظ. وَكَانَ عمَارَة آلى على نَفسه أَن لَا يسمع صَوت أسيرٍ يُنَادي فِي اللَّيْل إِلَّا افتكه. وَقَوله: مَتى مَا تلقني فردين أَي: منفردين أَنا وَأَنت خَاصَّة لَيْسَ معي معِين وَلَيْسَ مَعَك معِين. ومَا: زَائِدَة. قَالَ ابْن الشجري: والرانفة: طرف الألية الَّذِي يَلِي الأَرْض إِذا كَانَ الْإِنْسَان قَائِما. وروى بدل فردين: خلوين بِالْكَسْرِ أَي: خاليين. وروى أَيْضا: برزين بِالْكَسْرِ أَي: بارزين. وسَيفي صارم إِلَخ الصارم: الْقَاطِع. والأشاجع: عصب ظَاهر الْكَفّ وَاحِدهَا أَشْجَع. قَالَ ابْن الشجري: هِيَ عروق ظَاهر الْكَفّ وَاحِدهَا أَشْجَع وَبِه سمي الرجل. وَهُوَ قبل) التَّسْمِيَة مصروفٌ كَمَا ينْصَرف أفكلٌ. وَيُقَال: رجل عاري الأشاجع إِذا كَانَ قَلِيل لحم الْكَفّ. وَقَوله: لَا ترى فِيهَا انتشارا قَالَ الأعلم: يصف أَنه سليم العصب شَدِيد الْخلق. والانتشار: انتشار العصب وَهُوَ انتفاخها كانتشار الْفرس فِي يَدَيْهِ.

وَقَوله: حسمٌ كالعقيقة إِلَخ يَقُول: هُوَ صافٍ براق كالقطعة من الْبَرْق وَهِي الْعَقِيقَة. وَيُقَال الْعَقِيقَة: السحابة تَنْشَق عَن الْبَرْق. والكمع بِكَسْر الْكَاف وَسُكُون الْمِيم الضجيج. يَقُول: هُوَ ملازمٌ لي وَإِن كنت مُضْطَجعا. وَقَوله: لَا أفل أَرَادَ سلاحي لَا فل فِيهِ وَلَا فطَارَا. والأفل: الَّذِي فِيهِ فلول. والفطارا بِضَم الْفَاء: المشقق. يَقُول: هُوَ حَدِيد السِّلَاح تامها. وَقَالَ ابْن الشجري: الْعَقِيقَة الشقة من الْبَرْق وَهِي مَا تنعق مِنْهُ. وانعقاقه: تشققه. والكمع والكميع: الضجيج وَجَاء فِي الحَدِيث النَّهْي عَن المكامعة والمكاعمة. والمكامعة: أَن يضطجع الرّجلَانِ فِي ثوب وَاحِد لَيْسَ بَينهمَا حاجز. والمكاعمة: أَن يقبل الرجل الرجل على فِيهِ. وَقَوله: لَا أفل وَلَا فطَارَا أَي: لَا فل فِيهِ وَلَا فطر. والفل: الثلم. وَالْفطر: الشق. وَمَوْضِع قَوْله: كالعقيقة وصفٌ لحسام فَفِي الْكَاف ضمير عَائِد على الْمَوْصُوف. وانتصاب أفل على الْحَال من الْمُضمر فِي الْكَاف وَالْعَامِل فِي الْحَال مَا فِي الْكَاف من معنى التَّشْبِيه وَالتَّقْدِير: حسامٌ يشبه الْعَقِيقَة غير منفل وَلَا منفطر. انْتهى. وَقَوله: وكالورق الْخفاف إِلَخ يَعْنِي سهاماً جعل نصالها بِمَنْزِلَة الْوَرق فِي خفتها. وَأَرَادَ: بعض سلاحي سهامٌ مثل الْوَرق الْخفاف بِكَسْر الْخَاء جمع خَفِيف ضد الثقيل. وَقَوله: وَذَات غرب يَعْنِي قوساً. وغربها: حَدهَا بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْمُهْملَة. والشَّرْع بِكَسْر الشين الْمُعْجَمَة وَفتح الرَّاء الْمُهْملَة: جمع شرعة بِكَسْر فَسُكُون وَهِي الأوتار. والازورار: الميلان.

(الشاهد السبعون بعد الخمسمائة)

يَقُول: هِيَ محنية فَفِيهَا ميلٌ عَن وترها. وَكلما مَالَتْ عَنهُ وبعدت كَانَ أمضى لسهمها وأنفذ. وَقَوله: ومطرد الكعوب يَعْنِي رمحاً طَويلا. وكعوبه: رُؤُوس أنابيبه. واطرادها: تتابعها واستقامتها. والأحص بمهملتين: الأملس الَّذِي لَا لحاء عَلَيْهِ وَلَا عقدَة. والصدْق بِفَتْح الصَّاد وَهُوَ الصلب الْمُسْتَقيم. وَشبه سنانه بالنَّار لصفائه وحدته. يَقُول: إِذا نظرت إِلَيْهِ لَيْلًا أَضَاء لَك الظلام فَكَأَنَّهُ نَار.) وَقد تقدّمت تَرْجَمَة عنترة فِي الشَّاهِد الثَّانِي عشر من أَوَائِل الْكتاب. وَأنْشد بعده 3 - (الشَّاهِد السبعون بعد الْخَمْسمِائَةِ) (بلَى أير الْحمار وخصيتاه ... أحب إِلَى فَزَارَة من فزار) لما تقدم قبله وَسَيَأْتِي مَا يتَعَلَّق بِهِ قَرِيبا. وَالْبَيْت من أبياتٍ ثَلَاثَة للكميت بن ثَعْلَبَة وَهِي: (نشدتك يَا فزار وَأَنت شيخٌ ... إِذا خيرت تخطئ فِي الْخِيَار) (أصيحانيةٌ أدمت بسمنٍ ... أحب إِلَيْك أم أدير الْحمار) (بلَى أير الْحمار وخصيتاه ... أحب إِلَى فَزَارَة من فزار) وَقَوله: نشدتك أَرَادَ: نشدتك بِاللَّه أَي: ذكرتك بِهِ

واستعطفتك بِهِ لتخبرني عَمَّا أَسأَلك. وَيُقَال أَيْضا: نشدتك الله من بَاب نصر. وَجُمْلَة: تخطئ فِي مَحل رفعٍ صفة لشيخ من الْخَطَأ ضد الصَّوَاب. وإِذا: ظرف لَهُ. وَالْخيَار: هُوَ الِاخْتِيَار. وَقَوله: أصيحانية أدمت إِلَخ الْهمزَة للاستفهام وصيحانية: صفة لموصوف مَحْذُوف أَي: أتمرة صيحانية. والصيحاني: تمرٌ مَعْرُوف بِالْمَدِينَةِ. وَيُقَال: كَانَ كبشٌ اسْمه صيحان بمهملتين شدّ بنخلةٍ فنسبت إِلَيْهِ وَقيل: صيحانية. وأدمت: بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول من الإدام يُقَال: أدمت الْخبز إِذا أصلحت إساغته بالإدام وَهُوَ مَا يؤتدم بِهِ مَائِعا كَانَ أَو جَامِدا. وَهَذَا يشكل على اتِّفَاقهم بِأَنَّهَا لَا يُجَاب بهَا الْإِيجَاب. وَقد وَقع مثله فِي أَحَادِيث من صحيحي البُخَارِيّ وَمُسلم نقلهَا ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي. وَبَنُو فَزَارَة يرْمونَ بِأَكْل أير الْحمار. وَقد بَين مثله الجاحظ فِي مساوي الْبُخْل من كتاب المحاسن والمساوي قَالَ: الْمثل السائر: هُوَ أبخل من مادرٍ وَهُوَ رجلٌ من بني هِلَال. وَبلغ من بخله أَنه كَانَ يسْقِي أبله فَبَقيَ فِي أَسْفَل الْحَوْض ماءٌ قَلِيل فسلح فِيهِ ومدر الْحَوْض بِهِ فَسُمي مادراً. وَذكروا أَن بني فَزَارَة وَبني هِلَال تنافروا إِلَى أنس بن مدرك وتراضوا بِهِ فَقَالَت بَنو هِلَال: يَا بني فَزَارَة أكلْتُم أير الْحمار. فَقَالَ بَنو فَزَارَة: لم نعرفه.

وَكَانَ سَبَب ذَلِك أَن ثَلَاثَة اصطحبوا: فزاريٌّ وتغلبيٌّ وكلابيٌّ فصادفوا حمَار وَحش وَمضى) الْفَزارِيّ فِي بعض حَوَائِجه فطبخا وأكلا وخبئا للفزاري أير الْحمار فَلَمَّا رَجَعَ قَالَا لَهُ: قد خبأنا لَك حصتك فَكل. وَأَقْبل يَأْكُل وَلَا يسيغه فَجعلَا يضحكان فَفطن وَأخذ السَّيْف وَقَامَ إِلَيْهِمَا وَقَالَ: لتأكلان مِنْهُ وَإِلَّا قتلتكما فامتنعا فَضرب أَحدهمَا فَقتله وتناوله الآخر فَأكل مِنْهُ فَقَالَت بَنو فَزَارَة: مِنْكُم يَا بني هِلَال من سقى إبِله فَلَمَّا رويت سلح فِي الْحَوْض ومدره بخلا. فنفرهم أنس بن مدرك على الهلاليين فَأخذ الفزاريون مِنْهُم مائَة بعير وَكَانُوا تراهنوا عَلَيْهَا. (لقد جللت خزياً هِلَال بن عَامر ... بني عامرٍ طراً لسلحة مادر) (فأفٍّ لكم لَا تَذكرُوا الْفَخر بعْدهَا ... بني عَامر أَنْتُم شرار العشائر) هَذَا مَا أوردهُ الجاحظ وَنَقله حَمْزَة الْأَصْفَهَانِي والميداني والزمخشري فِي أمثالهم. والْكُمَيْت بن ثَعْلَبَة: شَاعِر إسلاميٌّ فقعسي أسدي. وَيُقَال لَهُ: الْكُمَيْت الْأَكْبَر. وَهُوَ ابْن ثَعْلَبَة بن نَوْفَل بن نَضْلَة بن الأشتر بن حجوان بن فقعس الْأَسدي. وه جد الْكُمَيْت بن مَعْرُوف بن الْكُمَيْت الْأَكْبَر. وَهُوَ الْقَائِل فِي قصَّة ابْن دارة وَقَتله:

الطَّوِيل (فَلَا تكثروا فِيهَا الضجاج فَإِنَّهُ ... محا السَّيْف مَا قَالَ ابْن دارة أجمعا) وَمن شعر الْكُمَيْت ابْن ابْنه وَله ديوَان مُفْرد وَلم يذكر الجُمَحِي فِي طَبَقَات الشُّعَرَاء غَيره مِمَّن اسْمه كميت: الطَّوِيل (فَقلت لَهُ تالله يدْرِي مسافرٌ ... إِذا أضمرته الأَرْض مَا الله صانع) أسلم فِي زمن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وَلم يجْتَمع مَعَه وَقد أوردهُ ابْن حجر فِي قسم المخضرمين من الْإِصَابَة عَن أبي عُبَيْدَة والمرزباني. وَأما الْكُمَيْت بن زيد مادح آل الْبَيْت فقد تقدّمت تَرْجَمته فِي الشَّاهِد السَّادِس عشر من أَوَائِل وَأما أنس بن مدركة الْخَثْعَمِي فَهُوَ من الصَّحَابَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم.

(الشاهد الحادي والسبعون بعد الخمسمائة)

وَأنْشد بعده 3 - (الشَّاهِد الْحَادِي وَالسَّبْعُونَ بعد الْخَمْسمِائَةِ) الرجز يرتج ألياه ارتجاج الوطب على أَنه قيل: أليان فِي تَثْنِيَة ألية من ضَرُورَة الشّعْر وَالْقِيَاس أليتان. قَالَ القالي فِي الْمَقْصُور والممدود: قَالَ أَبُو حَاتِم: رُبمَا حذفت الْعَرَب هَاء التَّأْنِيث من ألية فِي الِاثْنَيْنِ فَقَالُوا: أليتان وأليان. وأنشدونا: الرجز (كَأَنَّمَا عَطِيَّة بن كَعْب ... ظعينةٌ واقفةٌ فِي ركب) يرتج ألياه ارتجاج الوطب وَأورد أَبُو زيد فِي نوادره هَذِه الأبيات الثَّلَاثَة وَلم يزدْ عَلَيْهَا شَيْئا. قَالَ الجواليقي فِي شرح أدب الْكَاتِب: الظعينة: الْمَرْأَة. والركب: أَصْحَاب الْإِبِل. والارتجاج: الِاضْطِرَاب. والوطب: سقاء قَالَ ابْن السَّيِّد فِي شَرحه أَيْضا: وَصفه بِأَن كفله عَظِيم رخوٌ يرتج لعظمه ورخاوته ارتجاج الوطب وَهُوَ زق اللَّبن. وارتجاجه: اضطرابه. وَهَذَا كَقَوْل الآخر: الطَّوِيل (فَأَما الصُّدُور لَا صُدُور لجعفرٍ ... وَلَكِن أعجازاً شَدِيدا ضريرها)

يَقُول: قوتهم لَيست فِي صُدُورهمْ إِنَّمَا هِيَ فِي أكفالهم فهم يلقون مِنْهَا ضريراً أَي: ضَرَرا ومشقة. والظعينة: الْمَرْأَة سميت بذلك لِأَنَّهُ يظعن بهَا. وَكَانَ يجب أَن يُقَال: ظعين بِغَيْر هَاء لِأَنَّهَا فِي تَأْوِيل مَظْعُون بهَا. وفعيل إِذا كَانَ صفة للمؤنث فِي تَأْوِيل مفعول كَانَ بِغَيْر هَاء نَحْو: امْرَأَة قَتِيل وجريح وَلكنهَا جرت مجْرى الْأَسْمَاء حَتَّى صَارَت غير جاريةٍ على مَوْصُوف كالذبيحة والنطيحة. ووصفها بِأَنَّهَا واقفةٌ فِي ركب لِأَنَّهَا تتبختر إِذا كَانَت كَذَلِك وتعظم عجيزتها لتري حسنها. أَلا ترى إِلَى قَول الآخر: المتقارب (تخطط حاجبها بالمداد ... وتربط فِي عجزها مرفقه) اه. قَوْله: وفعيل إِذا كَانَ صفة للمؤنث فِي تَأْوِيل مفعول كَانَ بِغَيْر هَاء أَقُول: هَذَا إِذا كَانَ جَارِيا) فَأَما إِذا كَانَ لموصوف غير مَذْكُور فَيجب التَّأْنِيث لِئَلَّا يلتبس بالمذكر. فظعينة هُنَا واردةٌ على الْقيَاس. وَهَذَا الرجز مَعَ كَثْرَة الاستشهاد بِهِ لم يعلم قَائِله. وَالله أعلم. وَأنْشد بعده: الرجز (كَأَن خصييه من التدلدل ... ظرف عجوزٍ فِيهِ ثنتا حنظل) لما تقدم قبله. وَمثله قَالَ سِيبَوَيْهٍ: من قَالَ خصيان لم يثنه على الْوَاحِد

الْمُسْتَعْمل فِي الْكَلَام يَعْنِي أَن خصيين تَثْنِيَة خصي لَا يسْتَعْمل فِي الْكَلَام. وَمثله قَول ثَعْلَب قَالَ فِي فصيحه: وَتقول: هما الخصيان فَإِذا أفردت أدخلت الْهَاء فَقلت: خصية. وَهُوَ فِي نَوَادِر أبي زيد. وَمن أَبْيَات أدب الْكَاتِب: الرجز (قد حَلَفت بِاللَّه لَا أحبه ... أَن طَال خصياه وَقصر زبه) أَرَادَ: قصر بِضَم الصَّاد فسكنه. وَنقل الإِمَام المرزوقي فِي شرح الفصيح عَن الْخَلِيل أَنه قَالَ: الخصية تؤنث مَا دَامَت مُفْردَة فَإِذا وَنقل اللبلي فِي شَرحه أَيْضا عَن ابْن خالويه قَالَ: أَجمعت الْعَرَب على إِثْبَات الْهَاء فِي وَاحِدهَا فَقَالُوا: خصية فَإِذا ثنوا فَمنهمْ من يَقُول: الخصيان بِغَيْر هَاء وَهِي المختارة. وَمِنْهُم من يَقُول: خصيتان. قَالَ: فَمن أثبت الْهَاء فِي الِاثْنَيْنِ فَلَا سُؤال مَعَه فِي الْفَرْع على الأَصْل. وَمن قَالَ: هما الخصيان بناه على لفظ من قَالَ: هما الأنثيان لِأَن الْأُنْثَيَيْنِ لَا وَاحِد لَهما من لَفْظهمَا فَلَمَّا لم تلْحق الْعَلامَة فِي الْأُنْثَيَيْنِ فِي ذَلِك أسقطها من هَذِه. وَقَالَ القالي فِي الْمَقْصُور والممدود: قَالَ أَبُو حَاتِم: وَرُبمَا حذفت الْعَرَب هَاء التَّأْنِيث فِي الِاثْنَيْنِ من الخصية فَقَالُوا: خصيتان وخصيان. وَأنْشد

هذَيْن الْبَيْتَيْنِ عَن أبي زيد. ثمَّ قَالَ: قَالَ أَبُو زيد: لَا يُقَال للْوَاحِد خصي بِغَيْر هَاء. وَكَذَا قَالَ أَبُو عُثْمَان الْمَازِني فِي تصريف الملوكي قَالَ: وَأما الصلابة والعباية فَلم يجيئوا بهما على الصلاء والعباء كَمَا أَنهم حِين قَالُوا: خصيان لم يجِئ على الْوَاحِد وَلَو جَاءَ على الْوَاحِد) لقالوا: خصيتان. وَقَالَ ابْن جني فِي شَرحه: العباية والصلاية بنيت فِي أول أحوالها على التَّأْنِيث وَلم تجئ على الْمُذكر وَلَو جَاءَت عَلَيْهِ لقالوا: عباءة وصلاءة كَمَا أَن خصيان لَو جَاءَ على خصية لقيل: خصيتان وَلكنه بني على التَّثْنِيَة فِي أول أَحْوَاله وَإِن كَانَت فرعا كَمَا بنيت العباية على التَّأْنِيث فِي أول أحوالها وَإِن كَانَت فرعا. قَالَ أَبُو الْعَبَّاس: يُقَال: خصية وخصيٌ. فَمن قَالَ: خصية قَالَ: خصيتان. وَمن قَالَ: خصيٌ قَالَ: خصيان. وَمثله ألية وألي. فَمن قَالَ: ألية قَالَ: أليتان. وَمن قَالَ: أَلِي قَالَ: أليان. قَالَ الراجز: يرتج ألياه ارتجاج الوطب وَقَالَ آخر: الطَّوِيل (أخصيي حمارٍ بَات يكدم نجمةً ... أتؤخذ جاراتي وجارك سَالم)

وَقَالَ آخر: الرجز يَا بِأبي خصياك من خصًى وزب وَقَالَ آخر: كَأَن خصييه من التدلدل ... ... ... ... . . الْبَيْت فتثنى الْخصي على خصيين. اه. وَإِلَى هَذَا ذهب أَبُو الْقَاسِم عَليّ بن حَمْزَة الْبَصْرِيّ فِيمَا كتبه على إصْلَاح الْمنطق. قَالَ الراجز: كَأَن خصييه من التدلدل الْوَاحِدَة خصية. وَقَالَت امْرَأَة من الْعَرَب: الرجز (لست أُبَالِي أَن أكون محمقه ... إِذا رَأَيْت خصيةً معلقه) وَقَالَ أَبُو الْقَاسِم الْمَذْكُور: هَذَا قولٌ أصَاب فِي بعضه وسها فِي بعضه. الْوَاحِدَة من الخصيتين خصية وَمن الخصيين خصي. قَالَ الراجز:) (يَا بِأبي أَنْت وَيَا فَوق البيب ... يَا بِأبي خصياك من خصًى وزب) وَقَالَ الفرزدق: الطَّوِيل (أَتَانِي على القعساء عَادل وطبه ... بخصيي لئيمٍ واست عبدٍ تعادله)

وَالسَّابِق إِلَى هَذَا الْمَذْهَب أَبُو الْحسن عَليّ اللحياني فِي نوادره كَمَا نَقله عَنهُ اللبلي فِي شرح الفصيح قَالَ: حكى اللحياني فِيمَا جَاءَ مثنى من كَلَام الْعَرَب: أَلِي وَخصي وألية وخصية وَفِي التَّثْنِيَة أليان وأليتان وخصيان وخصيتان قَالَ: هما لُغَتَانِ. اه. وَنقل ابْن السّكيت فِي إصْلَاح الْمنطق عَن أبي عمرٍ والشَّيْبَانِيّ أَنه قَالَ: الخصيتان: البيضتان. والخصيان: الجلدتان اللَّتَان فيهمَا البيضتان. وَأنْشد الْبَيْت الشَّاهِد. قَالَ شَارِح أبياته ابْن السيرافي: التدلدل: تحرّك الشَّيْء الْمُعَلق واضطرابه. وظرف الْعَجُوز: الجراب الَّذِي تجْعَل فِيهِ خبزها وَمَا تحْتَاج إِلَيْهِ. وظرف الْعَجُوز خلقٌ فِيهِ تشنج لقدمه. شبه جلد الخصية بِهِ للغضون الَّتِي فِيهِ وَشبه الْأُنْثَيَيْنِ فِي الصفن بحنظلتين فِي جراب. اه. وَكَذَا قَالَ المرزوقي: هَذَا الْبَيْت أَن يكون شَاهدا للصفن أولى لِأَنَّهُ شبه مَوضِع البيضتين بظرف جراب والبيضتين بالحنظلتين. اه. وَهَذَا التَّأْوِيل وَإِن أمكن حمله فِي الْبَيْت هُنَا فَلَا يُمكن حمله فِي الأبيات السَّابِقَة. وَقد تقدم فِي الشَّاهِد الثَّامِن وَالْأَرْبَعِينَ بعد الْخَمْسمِائَةِ من با الْعدَد أَنَّهُمَا من رجزٍ لخطامٍ الْمُجَاشِعِي. ونسبهما أَبُو سهل الْهَرَوِيّ فِي شرح الفصيح إِلَى جندل. وَقيل قائلهما دُكَيْن. وَأنْشد قبلهمَا: (رخو يَد الْيُمْنَى من الترسل ... من الرِّضَا جنعدل التكتل)

وَيُقَال: مر فلَان يتكتل إِذا مر وَهُوَ يُقَارب الخطو ويحرك مَنْكِبَيْه. اه. وَقَالَ اللبلبي فِي شَرحه: قَالَ السيرافي: هَذَانِ البيتان لشماء الهذلية. وَأنْشد الشّعْر هَكَذَا: (إِمَّا بتطليقٍ وَإِلَّا فَاقْتُلْ ... أَو ارْمِ فِي وجعائه بدمل) (كَأَن خصييه من التدلدل ... ظرف عجوزٍ فِيهِ ثنتا حنظل) شبه خصييه فِي استرخاء صفنهما حِين شاخ وَاسْتَرْخَتْ جلدَة استه بظرف عجوزٍ فِيهِ حنظلتان. وَخص الْعَجُوز لِأَنَّهَا لَا تسْتَعْمل الطّيب وَلَا تتزين للرِّجَال فَيكون فِي ظرفها مَا تتزين بِهِ وَلكنهَا تدخر الحنظل وَنَحْوه من الْأَدْوِيَة.) وَيحْتَمل الشّعْر أَن يكون مدحاً فِي وصف شُجَاع لَا يجبن فِي الْحَرْب فتتقلص خصيتاه. قَالَ: وَيحْتَمل أَن يكون هجواً. وَوَجهه أَن يصف شَيخا قد كبر وأسن وَلذَلِك قَالَ: ظرف عَجُوز لِأَن ظرفها خلقٌ منقبض فِيهِ تشنج لقدمه فَلذَلِك شبه جلد الخصية بِهِ للغضون الَّتِي فِيهِ. وَالْأولَى أَن يكون هجواً لذكره الْعَجُوز والحنظلتين مَعَ تصريحه بِذكر الخصيتين. قَالَ التدميري: ويروى: من التهدل وَهُوَ استرخاء جلدَة

(الشاهد الثاني والسبعون بعد الخمسمائة)

الخصية. قَالَ: وظرف الْعَجُوز: مزودها الَّذِي تخزن متاعها فِيهِ. والحنظل: نباتٌ مَعْرُوف وَيُقَال: العلقم. وَرُوِيَ عَن أبي حَاتِم أَنه قَالَ: الحنظل هَا هُنَا: الثوم. اه. وَتقدم مَا فِيهِ. وَقَوله إِن الشّعْر لشماء الهذلية يُنَافِيهِ أَوله: وَقَوله: لست أُبَالِي أَن أكون محمقه يُقَال: أحمقت الْمَرْأَة إِذا ولدت ولدا أَحمَق. قَالَ التدميري: معنى الشّعْر أَن هَذِه الْمَرْأَة كَانَت تلاعب ابْنا لَهَا صَغِيرا وترقصه وَتنظر فِي أثْنَاء ذَلِك إِلَى خصيتيه فتفرح بِكَوْنِهِ ذكرا فَقَالَت: لست أُبَالِي إِذا ولدت الذُّكُور أَن يكون أَوْلَادِي حمقى وَأَن أكون أَنا محمقة أَي: أَلد الحمقى. وَذَلِكَ كُله فِرَارًا من الْبَنَات وكراهيةً لَهُنَّ. وَأنْشد بعده 3 - (الشَّاهِد الثَّانِي وَالسَّبْعُونَ بعد الْخَمْسمِائَةِ) الْبَسِيط كَأَنَّهُ وَجه تركيين إِذْ غَضبا على أَنه إِذا أضيف الجزءان لفظا وَمعنى إِلَى متضمنيهما المتحدين بِلَفْظ وَاحِد فَلفظ الْإِفْرَاد فِي الْمُضَاف أولى من لفظ التَّثْنِيَة كَمَا فِي

الْبَيْت فَإِن تركيين متضمنان وَلَفْظهمَا مُتحد لجزأيهما وهما الْوَجْهَانِ فَإِن وَجه كل أحدٍ جُزْء مِنْهُ فَلَمَّا أضيف إِلَيْهِمَا أضيف بِلَفْظ الْمُفْرد وَهُوَ الْوَجْه. وَهَذَا أولى من أَن يَقُول: كَأَنَّهُ وَجها تركيين. وَجمعه أولى من الْإِفْرَاد. فَلَو قَالَ: كَأَنَّهُ وُجُوه تركيين أولى من وَجه تركيين. هَذَا مُحَصل كَلَامه. وإيضاحه أَن كل مَا فِي الْجَسَد مِنْهُ شيءٌ وَاحِد لَا ينْفَصل كالرأس وَالْأنف وَاللِّسَان وَالظّهْر والبطن وَالْقلب فَإنَّك إِذا ضممت إِلَيْهِ مثله جَازَ فِيهِ ثَلَاثَة أوجه: أَحدهمَا: الْجمع وَهُوَ الْأَكْثَر نَحْو قَوْله تَعَالَى: فقد صغت قُلُوبكُمَا. وَإِنَّمَا عبروا بِالْجمعِ وَالْمرَاد التَّثْنِيَة لِأَنَّهَا جمع. وَهَذَا لَا يلبس. وشبهوا هَذَا النَّوْع بقَوْلهمْ: نَحن فعلنَا. قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَسَأَلت الْخَلِيل عَن: مَا أحسن وُجُوههمَا فَقَالَ: لِأَن الِاثْنَيْنِ جَمِيع وَهَذَا بِمَنْزِلَة قَول الِاثْنَيْنِ: نَحن فعلنَا ذَاك وَلَكنهُمْ أَرَادوا أَن يفرقُوا بَين مَا يكون مُنْفَردا وَبَين مَا يكون شَيْئا من شَيْء. اه. يُرِيد أَنهم قد استعملوا فِي قَوْلهم: مَا أحسن وُجُوه الرجلَيْن الْجمع مَوضِع الِاثْنَيْنِ كَمَا يَقُول الِاثْنَان: نَحن فعلنَا وَنحن إِنَّمَا هُوَ ضميرٌ موضوعٌ للْجَمَاعَة. وَإِنَّمَا استحسنوا ذَلِك لما بَين التَّثْنِيَة وَالْجمع من التقارب من حَيْثُ كَانَت التَّثْنِيَة عددا تركب من ضم واحدٍ إِلَى وَاحِد. وَأول الْجمع وَهُوَ الثَّلَاثَة تركب من ضم واحدٍ إِلَى اثْنَيْنِ فَلذَلِك قَالَ:

وَقَوله: وَلَكنهُمْ أَرَادوا أَن يفرقُوا إِلَخ مَعْنَاهُ أَنهم أعْطوا الْمُفْرد حَقه من لفظ التَّثْنِيَة فَقَالُوا فِي رجل رجلَانِ وَفِي وجهٍ وَجْهَان وَلم يفعل ذَلِك أهل اللُّغَة الْعليا فِي قَوْلهم: مَا أحسن وُجُوه الرجلَيْن وَذَلِكَ أَن الْوَجْه الْمُضَاف إِلَى صَاحبه إِنَّمَا هُوَ شيءٌ من شَيْء. فَإِذا ثنيت الثَّانِي مِنْهُمَا علم السَّامع ضَرُورَة أَن الأول لَا بُد أَن يكون وَفقه فِي الْعدة فَجمعُوا الأول كَرَاهَة أَن يَأْتُوا بتثنيتين متلاصقتين فِي مُضَاف ومضاف إِلَيْهِ. والمتضايفان يجريان مجْرى الِاسْم الْوَاحِد فَلَمَّا كَرهُوا أَن يَقُولُوا: مَا أحسن وَجْهي الرجلَيْن فَيَكُونُوا كَأَنَّهُمْ قد جمعُوا فِي اسْم وَاحِد) بَين تثنيتين غيروا لفظ التَّثْنِيَة الأولى بِلَفْظ الْجمع إِذْ الْعلم مُحِيط بِأَنَّهُ لَا يكون للاثنين أَكثر من وَجْهَيْن فَلَمَّا أمنُوا اللّبْس فِي وضع الْوُجُوه مَوضِع الْوَجْهَيْنِ استعملوا أسهل اللَّفْظَيْنِ. كَذَا فِي أمالي ابْن الشجري. وَهَذَا عِلّة الْبَصرِيين. وَقَالَ الْفراء: إِنَّمَا خص هَذَا النَّوْع بِالْجمعِ لِأَن الشَّيْء الْوَاحِد مِنْهُ يقوم مقَام الشَّيْئَيْنِ حملا على الْأَكْثَر فَإِذا ضم إِلَى ذَلِك شيءٌ مثله كَانَ كَأَنَّهُ أَرْبَعَة فَأتى بِلَفْظ الْجمع. وَهَذَا معنى حسنٌ من مَعَاني الْفراء. قَالَ ابْن يعِيش: وَهَذَا من أصُول الْكُوفِيّين. وَيُؤَيِّدهُ أَن مَا فِي الْجَسَد مِنْهُ شَيْء وَاحِد فَفِيهِ الدِّيَة

وَهَذِه عبارَة الْفراء نقلناها تبركاً. قَالَ فِي تَفْسِيره عِنْد قَوْله تَعَالَى: وَالسَّارِق والسارقة فَاقْطَعُوا أَيْدِيهِمَا: وَفِي قِرَاءَة عبد الله: والسارقون والسارقات فَاقْطَعُوا أيمانهما وَإِنَّمَا قَالَ أَيْدِيهِمَا لِأَن كل شيءٍ موحد من خلق الْإِنْسَان إِذا ذكر مُضَافا إِلَى اثْنَيْنِ فَصَاعِدا جمع فَقيل: قد هشمت رؤوسهما وملأت ظهورهما وبطونهما ضربا. وَمثله: فقد صغت قُلُوبكُمَا. وَإِنَّمَا اختير الْجمع على التَّثْنِيَة لِأَن أَكثر مَا تكون عَلَيْهِ الْجَوَارِح اثْنَيْنِ فِي الْإِنْسَان: الْيَدَيْنِ وَالرّجلَيْنِ والعينين فَلَمَّا جرى أَكْثَره على هَذَا ذهب بِالْوَاحِدِ مِنْهُ مَذْهَب التَّثْنِيَة. وَقد يجوز هَذَا فِيمَا لَيْسَ من خلق الْإِنْسَان وَذَلِكَ أَن تَقول للرجلين: خليتما نساءكما وَأَنت تُرِيدُ امْرَأتَيْنِ وخرقتما قمصكما. وَإِنَّمَا ذكرت ذَلِك لِأَن من النَّحْوِيين من كَانَ لَا يُجِيزهُ إِلَّا فِي خلق الْإِنْسَان. وكلٌّ سَوَاء. اه. وَكَذَا قَالَ ابْن الشجري فِي هَذَا قَالَ: وجروا على هَذَا السّنَن فِي الْمُنْفَصِل عَن الْجَسَد فَقَالُوا: مد الله فِي أعماركما ونسأ الله فِي آجالكما. وَمثله فِي الْمُنْفَصِل فِيمَا حَكَاهُ سِيبَوَيْهٍ: ضع رحالهما. اه. أَقُول: كَذَا فِي الشَّرْح أَيْضا. وَحَكَاهُ سِيبَوَيْهٍ فِي أَوَائِل

كِتَابه: وضعا رحالهما بالماضي لَا بِالْأَمر. قَالَ: وَقَالُوا: وضعا وَقَالَ فِي أَوَاخِر كِتَابه: زعم يُونُس أَنهم يَقُولُونَ: ضع رحالهما وغلمانهما وَإِنَّمَا هما اثْنَان. هَذَا حكم مَا كَانَ مِنْهُ فِي الْجَسَد شيءٌ وَاحِد فَإِن كَانَ اثْنَيْنِ كَالْيَدِ وَالرجل فتثنيته إِذا ثنيت الْمُضَاف إِلَيْهِ وَاجِبَة لَا يجوز غَيرهَا. تَقول: فقأت عينيهما وَقطعت أذنيهما لِأَنَّك لَو قلت:) أعينهما وآذانهما لالتبس بأنك أوقعت الْفِعْل بالأربع. فَإِن قيل: فقد جَاءَ فِي الْقُرْآن: فَاقْطَعُوا أَيْدِيهِمَا فَجمع الْيَد وَفِي الْجَسَد يدان فَهَذَا يُوجب بِظَاهِر اللَّفْظ إِيقَاع الْقطع بالأربع. فَالْجَوَاب أَن المُرَاد فَاقْطَعُوا أيمانهما. وَكَذَلِكَ هِيَ فِي مصحف عبد الله بن مَسْعُود رَضِيَ اللَّهُ عَنْه. فَلَمَّا علم بِالدَّلِيلِ الشَّرْعِيّ أَن الْقطع مَحَله الْيَمين وَلَيْسَ فِي الْجَسَد إِلَّا يمينٌ وَاحِدَة جرت مجْرى آحَاد الْجَسَد فَجمعت كَمَا جمع الْوَجْه وَالظّهْر والبطن. الثَّانِي من الْوُجُوه الثَّلَاثَة: الْإِفْرَاد. وَلم يذكر سِيبَوَيْهٍ هَذِه

الْمَسْأَلَة وَذَلِكَ نَحْو قَوْلك: مَا أحسن رأسهما وَضربت ظهر الزيدين وَذَلِكَ لوضوح الْمَعْنى إِذْ لكل وَاحِد شيءٌ وَاحِد من هَذَا النَّوْع فَلَا يشكل فَأتي بِلَفْظ الْإِفْرَاد إِذْ كَانَ أخف. قَالَ الْفراء فِي تَفْسِير تِلْكَ الْآيَة: وَقد يجوز أَن تَقول فِي الْكَلَام: السَّارِق والسارقة فَاقْطَعُوا يمينهما لِأَن الْمَعْنى الْيَمين من كل واحدٍ مِنْهُمَا كَمَا قَالَ الشَّاعِر: الوافر وَقَالَ الآخر: الْبَسِيط (الواردون وتيمٌ فِي ذرا سبأٍ ... قد عض أَعْنَاقهم جلد الجواميس) من قَالَ: ذرا بِالضَّمِّ جعل سبأ جبلا ومنقال: ذرا بِالْفَتْح أَرَادَ موضعا. وَيجوز فِي الْكَلَام أَن تَقول: ائْتِنِي بِرَأْس شَاتين ورأسي شَاة.

فَإِذا قلت: رَأْسِي شَاة فَإِنَّمَا أردْت رَأس هَذَا الْجِنْس. وَإِذا قلت: بِرَأْس شَاتين فَإنَّك تُرِيدُ بِهِ الرَّأْس من كل شَاة. قَالَ الشَّاعِر فِي ذَلِك: (كَأَنَّهُ وَجه تركيين قد غَضبا ... مستهدفٌ لطعانٍ غير تذبيب) اه. وَقَوله: رَأْسِي شَاة هَذِه مَسْأَلَة زَائِدَة على مَا ذكرُوا فِي هَذَا الْبَاب اسْتُفِيدَ جَوَازهَا مِنْهُ. قَالَ ابْن خلف: وَقَرَأَ بعض الْقُرَّاء: فبدت لَهما سوءتهما بِالْإِفْرَادِ. وَالْعجب من ابْن الشجري فِي حمله الْإِفْرَاد على ضَرُورَة الشّعْر فَإِنَّهُ لم يقل أحدٌ إِنَّه من قبيل الضَّرُورَة. قَالَ: وَلَا يكادون يستعملون هَذَا إِلَّا فِي الشّعْر. وأنشدوا شَاهدا عَلَيْهِ: كَأَنَّهُ وَجه تركيين قد غَضبا ... ... ... ... . الْبَيْت) وَتَبعهُ ابْن عُصْفُور فِي كتاب ضرائر الشّعْر وَالصَّحِيح أَنه غير مُخْتَصّ بالشعر. الثَّالِث: التَّثْنِيَة. وَهَذَا على الأَصْل وَظَاهر اللَّفْظ. قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَقد يثنون مَا يكون بَعْضًا لشَيْء. زعم يُونُس أَن رؤبة كَانَ يَقُول:

مَا أحسن رأسيهما. وَقَالَ الراجز: الرجز ظهراهما مثل ظُهُور الترسين قَالَ الْفراء فِي تَفْسِير تِلْكَ الْآيَة: وَقد يجوز تثنيتهما. قَالَ أَبُو ذوئب الشَّاعِر: الْكَامِل (فتخالسا نفسيهما بنوافذٍ ... كنوافذ العبط الَّتِي لَا ترقع) اه. وَقَالَ ابْن الشجري: وَمن الْعَرَب من يُعْطي هَذَا حَقه كُله من التَّثْنِيَة فَيَقُولُونَ: ضربت رأسيهما وشققت بطنيهما وَعرفت ظهريكما وَحيا الله وجهيكما. فمما ورد بِهَذِهِ اللُّغَة قَول الفرزدق: الطَّوِيل بِمَا فِي فؤادينا من الشوق والهوى وَقَول أبي ذُؤَيْب: اراد: بطعناتٍ نوافذ كنوافذ العبط: جمع العبيط وَهُوَ الْبَعِير الَّذِي ينْحَر لغير دَاء. اه. وَالْجمع فِي هَذَا الْبَاب هُوَ الْجيد الْمُخْتَار وَبِه نزل الْقُرْآن الْعَظِيم.

وَالْبَيْت الشَّاهِد قافيته رائية لَا بائية. وَهُوَ من قصيدة عدتهَا سِتَّة عشر بَيْتا للفرزدق هجا بهَا جَرِيرًا تهكم بِهِ وَجعله امْرَأَة. وَهَذِه عشرَة أَبْيَات بعد ستةٍ من أَولهَا: (مِمَّا تأمرون عباد الله أَسأَلكُم ... بشاعرٍ حوله درجان مختمر) (لَئِن طلبتم بِهِ شأوي لقد علمت ... أَنِّي على الْعقب خراجٌ من القتر) (وَلَا يحامي على الْأَنْسَاب منفلقٌ ... مقنعٌ حِين يلقى فاتر النّظر) (هدرت لما تلقتني بجونتها ... وخشخشت أَي حفيف الرّيح فِي الْعشْر) (ثمَّ اتقتني بجهمٍ لَا سلَاح لَهُ ... كمنخر الثور معكوساً من الْبَقر) (معلنكس الكين مجلومٍ مشافره ... ذِي ساعدين يُسمى دارة الْقَمَر) (كَأَنَّهُ وَجه تركيين قد غَضبا ... مستهدفٌ لطعانٍ غير منجحر) (كَأَن رمانةً فِي جَوْفه انفلقت ... يكَاد يُوقد نَارا لَيْلَة القرر) (هَل يغلبن بظرها أيري إِذا اطعنا ... والطاعن الأول الْمَاضِي من الظفر) قَوْله: مَا تأمرون عباد الله إِلَخ مَا: استفهامية وعباد الله: منادًى وَالْبَاء من قَوْله: بشاعر مُتَعَلق بقوله: تأمرون أَو هُوَ بِمَعْنى عَن مُتَعَلق بأسألكم. وَأَرَادَ بالشاعر جَرِيرًا. ومختمر: صفة ثَانِيَة لَهُ اسْم فَاعل من اختمرت الْمَرْأَة أَي: لبست الْخمار بِالْكَسْرِ وَهُوَ ثوبٌ تغطي بِهِ الْمَرْأَة رَأسهَا. وَجُمْلَة: حوله درجان صفةٌ أولى لشاعر. نسبه إِلَى أَنه امْرَأَة:

والدرج بِالضَّمِّ وَهُوَ وعَاء الطّيب كالحقة والعلبة. وَقَوله: لَئِن طلبتم بِهِ شأوي إِلَخ بِهِ أَي بِهَذَا الشَّاعِر. والشأو بِفَتْح الشين وَسُكُون الْهمزَة: الْغَايَة والسبق. يَقُول: إِن أردتم مِنْهُ أَن يبلغ غايتي أَو يسبقني. وَاللَّام فِي لَئِن موطئة للقسم وَجُمْلَة: لقد علمت: جَوَاب الْقسم وَجَوَاب الشَّرْط مَحْذُوف يدل عَلَيْهِ جَوَاب الْقسم. وفاعل علمت ضمير شَاعِر وَالْمرَاد بِهِ امْرَأَة. وعَلى بِمَعْنى مَعَ. والْعقب بِفَتْح الْعين وَسُكُون الْقَاف: جري الْفرس بعد جريه الأول. والْخراج: مُبَالغَة خَارج. والقتر بِفَتْح الْقَاف والمثناة الْفَوْقِيَّة: الْغُبَار. يَقُول: لَا يُمكن أَن تبلغ شأوي فضلا عَن السَّبق فَإِنَّهَا تعلم أَنِّي كثيرا مَا خرجت من الْغُبَار أَي: إِذا كَانَ أحدٌ سَابِقًا شققت غباره فسبقته وَخرجت من غباره. وَهَذَا بعد التَّعَب والجري الْكثير فَكيف أكون فِي أول جريٍ. وَقَوله: وَلَا يحامي على الأحساب أَرَادَ بالمنفلق: ذاتٌ لَهَا انفلاق وَهُوَ كِنَايَة عَن ذَات الْفرج. والانفلاق: الانشقاق. ومقنع: ذَات قناع. وَحين مُتَعَلق بمقنع. ويلقى: بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول من اللقي. وفاتر النّظر أَي: ضَعِيف النّظر. وَهَذِه الْأَوْصَاف الثَّلَاثَة من أَوْصَاف النِّسَاء. وَقَوله: هدرت لما تلقتني إِلَخ الجونة بِضَم الْجِيم: العلبة

ودرج الطّيب. والخشخشة: صَوت السِّلَاح وَنَحْوه. وحفيف مفعول مُطلق أَي: خشخشته كحفيف الرّيح. والحفيف بِالْحَاء الْمُهْملَة وفاءين وَهُوَ صَوت الرّيح إِذا مرت على الْأَشْجَار. والْعشْر بِضَم فَفتح: شجر عظيمٌ لَهُ شوك. والهدير: صَوت شقشقة الْجمل. يَقُول: لما برزت لمحاربتي وَكَانَ سلاحها جونتها وَكَانَ صَوتهَا مؤنثاً ضَعِيفا كصوت الرّيح الْمَارَّة بالأشجار هدرت عَلَيْهَا كالفحل الهائج فأدهشتها.) وَقَوله: ثمَّ اتقتني بجهمٍ لَا سلَاح لَهُ إِلَخ الجهم: الغليظ الثخين وَهُوَ هُنَا كِنَايَة عَن فرجهَا. وَأَرَادَ بِالسِّلَاحِ الشّعْر النَّابِت حوله وَشبهه بمنخر الثور حَالَة كَونه معكوساً. وَالْعَكْس: أَن يشد حبلٌ فِي منخره إِلَى رسغ يَدَيْهِ ليذل وَحِينَئِذٍ يرى شقَّه أوسع. وَأَصله فِي الْبَعِير. وَقَوله: معلنكس الكين المعلنكس: الكثيف الْمُجْتَمع. وَقَالَ شَارِح ديوانه: هُوَ الْكثير اللَّحْم. والكين بِالْفَتْح: لحم الْفرج من دَاخل. والمشافر: جمع شفر بِالضَّمِّ على خلاف الْقيَاس وشفر كل شَيْء: حرفه. والمجلوم: المقصوص شعره بالجلم بِفَتْح الْجِيم وَاللَّام وَهُوَ المقص وَنَحْوه. ومعلنكس ومجلوم كِلَاهُمَا بِالْجَرِّ صفتان لجهم وَكَذَا قَوْله: ذِي ساعدين وَجُمْلَة: يُسمى إِلَخ. وَأَرَادَ بالساعدين الأسكتين أَي: حرفيه وسماهما ساعدين لغلظهما وطولهما. وَقَوله: كَأَنَّهُ وَجه تركيين إِلَخ أَي: كَأَن ذَلِك الجهم المُرَاد بِهِ الْفرج. شبه كل فلقه مِنْهُ بِوَجْه تركي. والأتراك غِلَاظ الْوُجُوه عراضها

حمرها. وَإِذا: ظرفٌ عَامله مَا فِي كَأَن من معنى التَّشْبِيه. وَعند غضبهم تشتد وُجُوههم حمرَة. وروى الْفراء وَغَيره: قد غَضبا فَتكون الْجُمْلَة حَالا من تركيين على طرز قَوْله تَعَالَى: أَيُحِبُّ أحدكُم أَن يَأْكُل لحم أَخِيه مَيتا. ومستهدف صفة لوجه وَهُوَ اسْم فَاعل من استهدف. قَالَ صَاحب الْعباب: واستهدف أَي: انتصب. قَالَ النَّابِغَة فِي صفة فرج: الْكَامِل (وَإِذا طعنت طعنت فِي مستهدفٍ ... رابي المجسة بالعبير مقرمد) وَشَيْء مستهدفٍ أَي: عريض. اه. والطعان بِالْكَسْرِ: مصدر طعنه بِالرُّمْحِ طَعنا وطعاناً. وَغير بِالرَّفْع صفة لمستهدف. والنجحر: اسْم فَاعل من انجحر أَي: دخل حجره بِضَم الْجِيم وَسُكُون الْمُهْملَة يُقَال: أجحرته أَي: ألجأته إِلَى أَن دخل جُحْره فانجحر. وَقَوله: كَأَن رمانة إِلَخ يُرِيد أَن دَاخل ذَلِك الْفرج محمرٌّ شَدِيد الْحَرَارَة. ويُوقد: يشعل. والقرر: جمع قُرَّة بِالضَّمِّ: الْبرد كغرفة وغرف. وَقَوله: هَل يغلبن بظرها إِلَخ يغلبن مُؤَكد بالنُّون الْخَفِيفَة. والبظر: لحْمَة بَين شفري الْفرج) تقطعها الخاتنة. وَالْمَرْأَة الَّتِي لم يختن بظرها يُقَال لَهَا: بظراء. وَمِنْه قَوْلهم فِي الشتم: يَا ابْن البظراء واطعنا أَصله تطاعنا وَالْألف ضمير البظر والأير. وَقَوله: والطاعن الأول إِلَخ أَي: من يطعن أَولا هُوَ

(الشاهد الثالث والسبعون بعد الخمسمائة)

الَّذِي يذهب بالظفر ويغلب. وَمَعْلُوم أَن الذّكر هُوَ الَّذِي يبْدَأ بالطعن للْأُنْثَى. وَقَوله: إِنِّي لقومي سنانٌ إِلَخ يَقُول: إِنِّي لقومي كالسنان يطعنون بِي نحور الْأَعْدَاء. ويطعنون بِضَم الْعين. وَقَوله: وَأَنت أُخْت إِلَخ هَذَا التفاتٌ من الْغَيْبَة إِلَى الْخطاب. وَأَنت: مُبْتَدأ وعيبة: خَبره وَأُخْت: منادًى. لما جعل جَرِيرًا امْرَأَة قَالَ لَهُ: يَا أُخْت كُلَيْب أَي: يَا امْرَأَة من قَبيلَة كُلَيْب. والعيبة بِالْفَتْح: خرجٌ صَغِير تُوضَع فِيهِ الثِّيَاب. والكمر: جمع كمرةٍ بِفتْحَتَيْنِ كقصب جمع وترجمة الفرزدق قد تقدّمت فِي الشَّاهِد الثَّلَاثِينَ من أَوَائِل الْكتاب. وَأنْشد بعده 3 - (الشَّاهِد الثَّالِث وَالسَّبْعُونَ بعد الْخَمْسمِائَةِ) وَهُوَ من شَوَاهِد س: الرجز ظهراهما مثل ظُهُور الترسين على أَنه قد جمع بَين اللغتين فَإِنَّهُ أَتَى بتثنية الْمُضَاف فِي ظهراهما وبجمعه فِي ظُهُور الترسين.

وَاسْتشْهدَ بِهِ سِيبَوَيْهٍ على تَثْنِيَة الْمُضَاف على الأَصْل فِي موضِعين من كِتَابه. الْموضع الأول: فِي الرّبع الأول فِي بَاب مَا جرى من الْأَسْمَاء الَّتِي من الْأَفْعَال وَمَا أشبههَا من الصِّفَات الَّتِي لَيست بفعلٍ. وَتقدم نقل كَلَامه فِي الْبَيْت الَّذِي قبل هَذَا. والموضع الثَّانِي: أول الرّبع الرَّابِع بَين أَبْوَاب جموع التكسير فِي بَاب تَرْجَمته: هَذَا بَاب مَا لفظ بِهِ مِمَّا هُوَ مثنى كَمَا لفظ بِالْجمعِ. قَالَ: وَهُوَ أَن يكون كل واحدٍ مِنْهُمَا بعض شيءٍ مُفْرد من صَاحبه وَذَلِكَ قَوْلك: مَا أحسن رؤوسهما وَأحسن عواليهما. قَالَ الله تبَارك وَتَعَالَى: إِن تَتُوبَا إِلَى الله فقد صغت قُلُوبكُمَا وَقَالَ الْخَلِيل: نَظِيره قَوْلك: فعلنَا وأنتما اثْنَان فَتكلم بِهِ كَمَا تكلم بِهِ وَأَنْتُم ثَلَاثَة. وَقد قَالَت الْعَرَب فِي الشَّيْئَيْنِ اللَّذين كل واحدٍ مِنْهُمَا اسمٌ على حِدة وَلَيْسَ واحدٌ مِنْهُمَا بعض شَيْء كَمَا قاولوا فِي ذَا لِأَن التَّثْنِيَة جمعٌ فقالوه كَمَا قَالُوا: فعلنَا.) زعم يُونُس أَنهم يَقُولُونَ: ضع رحالهما وغلمانهما وَإِنَّمَا هما اثْنَان. إِلَى أَن قَالَ: وَزعم يُونُس أَنهم يَقُولُونَ: ضربت رأسيهما. وَزعم أَنه سمع ذَلِك من رؤبة أَيْضا أجروه على الْقيَاس. قَالَ هميان بن قُحَافَة:

الرجز ظهراهما مثل ظُهُور الترسين وَقَالَ الفرزدق: الطَّوِيل هما نفثا فِي فِي من فمويهما وَقَالَ أَيْضا: الطَّوِيل (بِمَا فِي فؤادينا من الشوق والهوى ... فَيجْبر منهاض الْفُؤَاد المعذب) انْتهى كَلَامه. قَالَ الأعلم: الشَّاهِد فِيهِ تَثْنِيَة الظهرين على الأَصْل وَالْأَكْثَر فِي كَلَامهم إِخْرَاج مثل هَذَا إِلَى الْجمع كَرَاهَة لِاجْتِمَاع تثنيتين فِي اسمٍ وَاحِد لِأَن الْمُضَاف إِلَيْهِ من تَمام الْمُضَاف مَعَ مَا فِي التَّثْنِيَة قَالَ الزّجاج فِي تَفْسِير آيَة السَّارِق: قَالَ بعض النَّحْوِيين: إِنَّمَا جعلت تَثْنِيَة مَا كَانَ فِي الْإِنْسَان مِنْهُ واحدٌ جمعا لِأَن أَكثر أَعْضَائِهِ فِيهِ مِنْهُ اثْنَان فَحمل مَا كَانَ فِيهِ الْوَاحِد على مثل ذَلِك. قَالَ: لِأَن للْإنْسَان عينين فَإِذا تثنيت الْعَينَيْنِ قلت: عيونهما فَجعلت: قُلُوبكُمَا وظهوركما فِي الْقُرْآن كَذَلِك وَكَذَلِكَ: أَيْدِيهِمَا. وَهَذَا خطأ إِنَّمَا يَنْبَغِي أَن يفصل بَين مَا فِي الشَّيْء مِنْهُ وَاحِد وبينما فِي الشَّيْء مِنْهُ اثْنَان. وَقَالَ قوم: إِنَّمَا فعلنَا

ذَلِك للفصل بَين مَا فِي الشَّيْء مِنْهُ واحدٌ وَبَين مَا فِي الشَّيْء مِنْهُ اثْنَان فَجعل مَا فِي الشَّيْء مِنْهُ واحدٌ تثنيته جمعا كَقَوْل الله: فقد صغت قُلُوبكُمَا. قَالَ أَبُو إِسْحَاق: حَقِيقَة هَذَا الْبَاب أَن مَا كَانَ فِي الشَّيْء مِنْهُ واحدٌ لم يثن وَلَفظ بِهِ على لفظ الْجمع لِأَن الْإِضَافَة تبينه. فَإِذا قلت: أشبعت بطونهما علم أَن للاثنين بطنين فَقَط. وأصل التَّثْنِيَة الْجمع لِأَنَّك إِذا ثنيت الْوَاحِد فقد جمعت وَاحِدًا إِلَى وَاحِد. وَكَانَ الأَصْل أَن يُقَال: اثْنَا رجال وَلَكِن رجلَانِ لَا يدل على جنس الشَّيْء وعدده فالتثنية يحْتَاج إِلَيْهَا للاختصار فَإِذا لم يكن اختصارٌ رد الشَّيْء إِلَى أَصله وَأَصله الْجمع فَإِذا قلت:) قلوبهما فالتثنية فِي هما قد أغنتك عَن تَثْنِيَة قلبٍ فَصَارَ الِاخْتِصَار هَا هُنَا ترك تَثْنِيَة قلب. وَإِن ثني مَا كَانَ فِي الشَّيْء مِنْهُ واحدٌ فلك جَائِز عِنْد النَّحْوِيين. قَالَ الشَّاعِر: ظهراهما مثل ظُهُور الترسين فجَاء بالتثنية وَالْجمع فِي بيتٍ وَاحِد. وَحكى سِيبَوَيْهٍ أَنه قد يجمع الْمُفْرد الَّذِي لَيْسَ من شيءٍ إِذا أردْت بِهِ التَّثْنِيَة. وَحكي عَن الْعَرَب: وضعا رحالهما يُرِيد: رحلي راحلتيهما. انْتهى. وَأنْشد الْفراء فِي تَفْسِيره عِنْد قَوْله تَعَالَى: وَلمن خَافَ مقَام ربه جنتان قَالَ: ذكر الْمُفَسِّرُونَ أَنَّهُمَا بستانان من بساتين الْجنَّة. وَقد يكون فِي الْعَرَبيَّة جنَّة تثنيتها الْعَرَب فِي أشعارها. أَنْشدني بَعضهم:

الرجز (ومهمهين قذفين مرَّتَيْنِ ... قطعته بالسمت لَا بالسمتين) وأنشدني آخر: الرجز (يسْعَى بكبداء ولهذمين ... قد جعل الأرطاة جنتين) وَذَلِكَ أَن الشّعْر لَهُ قوافٍ تقيمها الزِّيَادَة وَالنُّقْصَان فَيحْتَمل مَا لَا يحْتَملهُ الْكَلَام. وَالصَّحِيح أَن هذَيْن الْبَيْتَيْنِ من رجزٍ لخطامٍ الْمُجَاشِعِي وَهُوَ شاعرٌ إسلاميٌّ لَا لهميان بن قُحَافَة. كَمَا تقدم نقل أبياتٍ كَثِيرَة من هَذَا الرجز فِي الشَّاهِد الْخَامِس وَالثَّلَاثِينَ بعد الْمِائَة. وَالرِّوَايَة الصَّحِيحَة كَذَا: (ومهمهين قذفين مرَّتَيْنِ ... ظهراهما مثل ظُهُور الترسين) (جبتهما بالنعت لَا بالنعتين ... على مطار الْقلب سامي الْعَينَيْنِ) وَالْوَاو فِي مهمهين وَاو رب. والمهمه: القفر الْمخوف. والْقَذْف بِفَتْح الْقَاف والذال الْمُعْجَمَة بعْدهَا فَاء: الْبعيد من الأَرْض. وَقَالَ الْعَيْنِيّ:

هُوَ الْمَكَان الْمُرْتَفع الصلب. قَالَ: ويروى: فدفدين. والفدفد: الأَرْض المستوية. قَالَه الْجَوْهَرِي. والمرت بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الرَّاء الْمُهْملَة بعْدهَا مثناة فوقية: الأَرْض الَّتِي لَا مَاء فِيهَا وَلَا نَبَات. والظّهْر: مَا ارْتَفع من الأَرْض. شبهه بِظهْر ترسٍ فِي ارتفاعه وتعريه من النبت.) كَمَا قَالَ الْأَعْشَى: الْخَفِيف (وفلاةٍ كَأَنَّهَا ظهر ترسٍ ... لَيْسَ إِلَّا الرجيع فِيهَا علاق) وَقَالَ الأعلم: وصف فلاتين لَا نبت فيهمَا وَلَا شخص يسْتَدلّ بِهِ فشبههما بالترسين. وَقَالَ الْعَيْنِيّ: مثل ظَهْري الترسين فِي الاسْتوَاء والاملاس وَعدم الْمرَافِق فيهمَا من نبتٍ للراعية أَو علم هادٍ للنَّاس. وجبتهما: قَطَعْتهمَا وَهُوَ جَوَاب رب الْمقدرَة. يُقَال: جاب الْوَادي يجوبه جوباً إِذا قطعه بالسير فِيهِ. وروى: قطعته بإفراد الضَّمِير. نقل الْعَيْنِيّ عَن أبي عَليّ أَنه قَالَ: أفرد الضَّمِير وَهُوَ يُرِيد المهمهين كَمَا قَالَ تَعَالَى: نسقيكم مِمَّا فِي بطونه. وَيُقَال التَّقْدِير: قطعت ذَلِك. وَيُقَال: إِنَّمَا أفرد الضَّمِير لِأَنَّهُ أَرَادَ المهمة وَإِنَّمَا ثناه تَنْبِيها على طوله واتصال الْمَشْي لراكبه فِيهِ كَمَا قَالَ رؤبة: الرجز ومهمهٍ أَطْرَافه فِي مهمه انْتهى. وَهَذَا يُؤَيّد مَا قَالَه الْفراء. وَقَوله: بالنعت لَا بالنعتين أَي: نعتا لي مرّة وَاحِدَة فَلم أحتج إِلَى أَن ينعتا لي مرّة ثَانِيَة. وصف نَفسه بالحذق والمهارة. وَالْعرب تفتخر بِمَعْرِِفَة الطّرق وَتعير الْجَاهِل بهَا.

وَأما رِوَايَة: قطعته بالسمت لَا بالسمتين فَهُوَ من رجزٍ لشاعر آخر أنْشدهُ الْفَارِسِي فِي تَذكرته وَذكر قبله: الرجز قطعته بالسمت لَا بالسمتين قَالَ: كَانَت فِي هَذَا الْموضع بئران فعورت إِحْدَاهَا وَبقيت الْأُخْرَى فَلذَلِك قَالَ: أَعور إِحْدَى الْعَينَيْنِ. وَقَوله: وأصم الْأُذُنَيْنِ يَعْنِي: أَنه لَيْسَ بِهِ جبل فَيسمع صَوت الصدى. وَقَوله: بالسمت إِلَخ أَي: قيل لي مرّة وَاحِدَة فاكتفيت. انْتهى. وَقَالَ: السمت: السّير بالحدس. وَقَالَ ابْن يسعون: يُرِيد بالسمت إِلَخ بإشارةٍ واحدةٍ وَلم أحتج إِلَى تَكْرِير النّظر لحذقي ومعرفتي بِالطَّرِيقِ. وَقَوله: على مطار الْقلب مُتَعَلق بجبتهما. أَرَادَ: على فرسٍ جيدٍ هَذِه صفته.) - وترجمة خطام الْمُجَاشِعِي تقدّمت فِي الشَّاهِد الْخَامِس وَالثَّلَاثِينَ بعد الْمِائَة.

(الشاهد الرابع والسبعون بعد الخمسمائة)

وَأنْشد بعده 3 - (الشَّاهِد الرَّابِع وَالسَّبْعُونَ بعد الْخَمْسمِائَةِ) الطَّوِيل وعيناي فِي روضٍ من الْحسن ترتع على أَنه قريب من وُقُوع الْمُفْرد موقع الْمثنى فِيمَا يصطحبان وَلَا يفترقان كَقَوْلِك: عَيْني لَا تنام أَي: عَيْنَايَ وَإِنَّمَا قَالَ: قريب مِنْهُ لِأَن الْمِثَال وَقع فِيهِ الْمُفْرد فِي موقع الْمثنى وَالْبَيْت وَقع فِيهِ الْمثنى وَهُوَ عَيْنَايَ فِي مَوضِع الْمُفْرد لِأَن خَبره ترتع وَلَيْسَ فِيهِ ضمير اثْنَيْنِ. قَالَ أَبُو حَيَّان فِي تَذكرته: قَالَ أَبُو عَمْرو: وَإِذا كَانَ الِاثْنَان لَا يكَاد أَحدهمَا ينْفَرد من الآخر مثل الْيَدَيْنِ وَالرّجلَيْنِ والخفين فَإِن تقدم مثناه جَازَ لَك فِي الشّعْر وَالْكَلَام أَن توَحد صفته فَتَقول: خفان جديدٌ وجديدان وعينان ضخمةٌ وضخمتان لِأَن الْوَاحِد يدل على صَاحبه إِذا كَانَ لَا يُفَارِقهُ. وَأنْشد الْفراء: الطَّوِيل (سأجزيك خذلاناً بتقطيعي الصَّفَا ... إِلَيْك وخفا واحدٍ يقطر الدما) فَقَالَ: يقطر وَلم يقل: يقطران. انْتهى. والمصراع عجزٌ وصدره: حشاي على جمرٍ ذكيٍّ من الغضا وَالْبَيْت من قصيدةٍ لأبي الطّيب المتنبي مطْلعهَا: (حشاشة نفسٍ ودعت يَوْم ودعوا ... فَلم أدر أَي الظاعنين أشيع)

قَالَ الواحدي فِي شَرحه: الحشا: مَا فِي دَاخل الْجوف وَيُرِيد بِهِ الْقلب هَا هُنَا. يَقُول: قلبِي جمرٍ شَدِيد التوقد من الْهوى أَي: لأجل توديعهم وفراقهم. وعيني ترتع فِي وَجه الحبيب فِي روضٍ من الْحسن. وَالْبَيْت من قَول أبي تَمام: الطَّوِيل (أَفِي الْحق أَن يضحى بقلبي مأتمٌ ... من الشوق والبلوى وعيناي فِي عرس) وَإِنَّمَا لم يقل ترتعان لِأَن حكم الْعَينَيْنِ حكم حاسةٍ وَاحِدَة وَلَا تكَاد تنفرد إِحْدَاهمَا برؤيةٍ دون) الْأُخْرَى فَاكْتفى بضمير الْوَاحِدَة كَمَا قَالَ الآخر: مجزوء الوافر بهَا العينان تنهل انْتهى. قَالَ صدر الأفاضل عِنْد قَول المعري: الْبَسِيط كَأَن أُذُنَيْهِ أَعْطَتْ قلبه خَبرا عَن السَّمَاء بِمَا يلقى من الْغَيْر فَإِن قلت: كَيفَ لم يبرز الضَّمِير فِي أَعْطَتْ مَعَ إِسْنَاده إِلَى ضمير الِاثْنَيْنِ قلت: إِمَّا لِأَنَّهُ قد نزل العضوين منزلَة عضوٍ وَاحِد لِأَن الْمَقْصُود بهما منفعةٌ وَاحِدَة. وَعَلِيهِ قَول امْرِئ الْقَيْس: المتقارب (وعينٌ لَهَا حدرةٌ بدرةٌ ... شقَّتْ مآقيهما من أخر)

. (وتكرمت ركباتها عَن مبركٍ ... تقعان فِيهِ وَلَيْسَ مسكاً أذفرا) لِأَنَّهُ جعل كل ركبتين كركبةٍ وَاحِدَة حَتَّى قَالَ: تقعان. وَإِمَّا لِأَنَّهُ قد عَامل الْمثنى مُعَاملَة الْجمع. وَمِنْه قَول عنترة: الوافر (مَتى مَا تلقني فردين ترجف ... روانف أليتيك وتستطارا) وَقَالَ آخر: الْبَسِيط أقراب أبلق يَنْفِي الْخَيل رماح أَلا ترى أَنه قد سمى الرانفتين والقربين روانف وأقراباً. وَمثله فِي احْتِمَال الْوَجْهَيْنِ قَوْله: الْكَامِل (كَأَن فِي الْعَينَيْنِ حب قرنفلٍ ... أَو سنبلاً كحلت بِهِ فانهلت) وَقَول الفرزدق: الوافر وَلَو بخلت يداي بهَا وضنت هَذَا وَقَول أبي الطّيب: وعيناي فِي روضٍ من الْحسن ترتع مَعَ تمكنه من أَن يَقُول: وعيني دليلٌ على أَنه لَا فِي مقَام الضَّرُورَة. انْتهى.

وَقد تلكم ابْن الشجري فِي أَمَالِيهِ على الْبَيْت وَجعل الْمَسْأَلَة ربَاعِية فَلَا بَأْس بِنَقْل كَلَامه تتميماً للفائدة. وَقَالَ بعد إنشاد الْبَيْت: الحشا: مَا بَين الضلع الَّتِي فِي آخر الْجنب إِلَى الورك وَالْجمع أحشاء.) وذكت النَّار تذكو: اتقدت وارتفع لهبها. وَالرَّوْضَة: مَوضِع يَتَّسِع ويجتمع فِيهِ المَاء فيكثر نبته. وَلَا يُقَال لموْضِع الشّجر رَوْضَة. والرتوع فِي الأَصْل للماشية وَهُوَ ذهابها ومجيئها فِي الرَّعْي. وَكثر ذَلِك حَتَّى اسْتعْمل للآدميين. وَفِي التَّنْزِيل: نرتع وَنَلْعَب. وَمن قَرَأَ: نرتع بِكَسْر الْعين فَهُوَ نَفْعل من الرَّعْي. وأصل رتع: أكل مَا شَاءَ. وَمِنْه قَول سُوَيْد بن أبي كَاهِل: الرمل (ويحييني إِذا لاقيته ... وَإِذا يَخْلُو لَهُ لحمي رتع) وَإِنَّمَا قَالَ: عَيْنَايَ فَثنى ثمَّ قَالَ: ترتع فَأخْبر عَن الِاثْنَيْنِ بِفعل وَاحِدَة لِأَن العضوين لمشتركين فِي فعلٍ وَاحِد مَعَ اتِّفَاقهمَا فِي التَّسْمِيَة يجْرِي عَلَيْهِمَا مَا يجْرِي على أَحدهمَا. أَلا ترى أَن كل واحدةٍ من الْعَينَيْنِ لَا تكَاد تنفرد بِالرُّؤْيَةِ دون الْأُخْرَى. فاشتراكهما فِي النّظر كاشتراك الْأُذُنَيْنِ فِي السّمع والقدمين فِي السَّعْي. وَيجوز أَن يعبر عَنْهُمَا بواحدةٍ تَقول: رَأَيْته بعيني وسمعته بأذني

وَمَا سعت فِي ذَاك قدمي. فَإِن قلت: بعيني وأذني وَقدمي فثنيت فَهُوَ وَلَك فِي هَذَا الْبَاب أَرْبَعَة أوجهٍ من الِاسْتِعْمَال: أَحدهَا: أَن تسْتَعْمل الْحَقِيقَة فِي الْخَبَر والمخبر عَنهُ وَذَلِكَ قَوْلك: عَيْنَايَ رأتاه وأذناي سمعتاه وقدماي سعتا فِيهِ. وَالثَّانِي: أَن تعبر عَن العضوين بواحدٍ وَتفرد الْخَبَر حملا على اللَّفْظ تَقول: عَيْني رَأَتْهُ وأذني سمعته وَقدمي سعت فِيهِ. وَإِنَّمَا استعملوا الْإِفْرَاد فِي هَذَا تَخْفِيفًا وللعلم بِمَا يُرِيدُونَ. فاللفظ على الْإِفْرَاد وَالْمعْنَى على التَّثْنِيَة. فَلَو قيل على هَذَا: وعيني فِي روضٍ من الْحسن ترتع كَانَ جيدا. وَالثَّالِث: أَن تثني الْعُضْو وَتفرد الْخَبَر لِأَن حكم الْعَينَيْنِ أَو الْأُذُنَيْنِ أَو الْقَدَمَيْنِ حكم وَاحِدَة لاشْتِرَاكهمَا فِي الْفِعْل فَتَقول: أذناي سمعته وعيناي رَأَتْهُ وقدماي سعت فِيهِ كَمَا قَالَ: وعيناي فِي روضٍ من الْحسن ترتع وَمِنْه قَوْله سلمي بن ربيعَة السيدي:

الْكَامِل) وَمِنْه قَول امْرِئ الْقَيْس: مجزوء الوافر (لمن زحلوقةٌ زل ... بهَا العينان تنهل) وللفرزدق: (وَلَو بخلت يداي بهَا وضنت ... لَكَانَ عَليّ للقدر الْخِيَار) وَالرَّابِع: أَن تعبر عَن العضوين بِوَاحِد وَتثني الْخَبَر حملا على الْمَعْنى كَقَوْلِك: أُذُنِي سمعتاه وعيني رأتاه. وَمِنْه قَول امْرِئ الْقَيْس وَهَذَا قَلِيل: (وعينٌ لَهَا حدرةٌ بدرةٌ ... شقَّتْ مآقيهما من أخر) وَقَول الآخر: الطَّوِيل (إِذا ذكرت عَيْني الزَّمَان الَّذِي مضى ... بصحراء فلجٍ ظلتا تكفان) فَأَما مَا أنْشدهُ ابْن السّكيت من قَول الراجز: الرجز والسَّاق مني باديات الرير فَكَانَ الْوَجْه أَن يَقُول: باديةٌ جملا على لفظ السَّاق أَو باديتان لِأَن المُرَاد بالساق الساقان وَلكنه جمع فِي موضعٍ التَّثْنِيَة.

وَيُشبه ذَلِك قَوْلك: ضربت رؤوسهما. (وَأَنت من الغوائل حِين ترمى ... وَمن ذمّ الرِّجَال بمنتزاح) أَرَادَ: بمنتزح فأشبع الفتحة فَنَشَأَتْ عَنْهَا الْألف وَيُقَال: مخٌّ رارٌ وريرٌ للرقيق مِنْهُ. وَقَوله: من الغضى مُفَسّر للجمر. وَكَذَلِكَ قَوْله: من الْحسن مُفَسّر للروض ف من مُتَعَلقَة بِمَحْذُوف وصفٌ للمفسر. وَقَالَ: حشاي وَالْمرَاد مَا جاور الحشا وَهُوَ الْقلب. وَالْعرب تعبر عَن الشَّيْء بمجاوره فَالْمَعْنى: قلبِي على جمرٍ من الغضى شَدِيد التوقد لفراقهم وعيني ترتع من وَجه الحبيب فِي روضٍ من الْحسن. واستعار الرتوع للعين لتصويب النّظر وتصعيده فِي محَاسِن المنظور إِلَيْهِ. واستعار لحسنه روضاً تَشْبِيها لعينيه بالنرجس ولخديه بالشقيق ولثغره بالأقحوان. وَمعنى الْبَيْت ناظرٌ إِلَى قَول أبي تَمام: (أَفِي الْحق أَن يُمْسِي بقلبي مأتمٌ ... من الشوق والبلوى وعيناي فِي عرس)

) وأنشدت للرضي: الْبَسِيط فالقلب فِي مأتمٍ وَالْعين فِي عرس وَاسْتِعْمَال المأتم لجَماعَة النِّسَاء فِي المناحة خَاصَّة مِمَّا لم ترده الْعَرَب وَلكنه عِنْدهم لجماعةٍ فِي قَالَ أَبُو حَيَّة: الطَّوِيل (رمته أناةٌ من ربيعَة عامرٍ ... نؤوم الضُّحَى فِي مأتمٍ أَي مأتم) وَقَول امْرِئ الْقَيْس فِيمَا ذكرته شَاهدا وصف بِهِ عين فرس. وَمعنى حدرة: مكتنزة ضخمة. وبدرة: تبدر النّظر. وشقَّتْ مآقيهما من أخر أَي: اتسعت من آخرهما. وَالْبَيْت من ثَالِث الْبَحْر الْمُسَمّى بالمتقارب عروضه سَالِمَة وضربه مَحْذُوف ووزنه فعل وَقد اسْتعْمل فِيهِ الخرم الَّذِي يُسمى الثلم فِي أول النّصْف الثَّانِي وقلما يُوجد الخرم إِلَّا فِي أول الْبَيْت. وَقَوله: لمن زحلوفة الزحلوفة: الزلاقة الَّتِي يتزلج فِيهَا الصّبيان فيزلقون. ويروى: زحلوقة بِالْقَافِ. انْتهى كَلَام ابْن الشجري. وترجمة المتنبي قد تقدّمت فِي الشَّاهِد الْحَادِي وَالْأَرْبَعِينَ بعد الْمِائَة.

(الشاهد الخامس والسبعون بعد الخمسمائة)

وَأنْشد بعده 3 - (الشَّاهِد الْخَامِس وَالسَّبْعُونَ بعد الْخَمْسمِائَةِ) وَهُوَ من شَوَاهِد س: الوافر (كلوا فِي بعض بطنكم تعفوا ... فَإِن زمانكم زمنٌ خميص) وَظَاهره أَنه غير ضَرُورَة. وَنَصّ سِيبَوَيْهٍ على أَنه ضَرُورَة. قَالَ سِيبَوَيْهٍ فِي مسَائِل التَّمْيِيز من بَاب الصّفة المشبهة من أَوَائِل الْكتاب: قَالَ بَعضهم فِي الشّعْر مَا لَا يسْتَعْمل فِي الْكَلَام. قَالَ عَلْقَمَة بن عَبدة: الطَّوِيل (بِهِ جيف الحسرى فَأَما عظامها ... فبيضٌ وَأما جلدهَا فصليب) وَقَالَ: الرجز (لَا تنكروا الْقَتْل وَقد سبينَا ... فِي حلقكم عظمٌ وَقد شجينا)

. إِلَى أَن قَالَ: وَمِمَّا جَاءَ فِي الشّعْر على لفظ الْوَاحِد يُرَاد بِهِ الْجمع: كلوا فِي بعض بطنكم تعفوا ... ... ... ... . الْبَيْت وَقَوله: بِهِ جيف الحسرى: إِلَخ هُوَ جمع حسير وَهِي النَّاقة الَّتِي أعيت من الإعياء والكلال. قَالَ الأعلم: وصف طَرِيقا بَعيدا شاقاً على من سلكه. والصَّلِيب: الْيَابِس وَقيل: هُوَ الودك. أَي: قد سَالَ مَا فِيهِ من رطوبةٍ لإحماء الشَّمْس عَلَيْهِ. يَقُول: أكلت السبَاع مَا عَلَيْهَا من اللَّحْم فتعرت وبدا وضح الْعِظَام. وَقَوله: لَا تنكروا الْقَتْل إِلَخ قَالَ الأعلم: وصف أَنهم قتلوا من قومٍ كَانُوا قد سبوا من قومه فَيَقُول: لَا تنكروا قتلنَا لكم وَقد سبيتم منا فَفِي حلوقكم عظمٌ بقتلنا إيَّاكُمْ وَقد شجينا نَحن وَقَوله: كلوا فِي بعض إِلَخ قَالَ الأعلم: وصف أَنهم قتلوا من شدَّة الزَّمَان وكلبه فَيَقُول: كلوا فِي بعض بطونكم وَلَا تملؤوها حَتَّى تعتادوا ذَلِك تعفوا عَن كَثْرَة الْأكل وتقنعوا باليسير فَإِن الزَّمَان ذُو مَخْمَصَة وجدب. وَالشَّاهِد أَنه وضع الْجلد مَوضِع الْجُلُود وَالْحلق مَوضِع الحلوق والبطن مَوضِع الْبُطُون لضَرُورَة الشّعْر. وَنقل ابْن السراج كَلَام سِيبَوَيْهٍ فِي بَاب التَّمْيِيز وتبعهما ابْن عُصْفُور فِي كتاب ضرائر الشّعْر.

وَذهب الْفراء فِي تَفْسِيره إِلَى أَنه جائزٌ فِي الْكَلَام غير مختصٍّ بالشعر. وَقد تقدم النَّقْل عَنهُ قبل هَذَا ببيتين.) وَجَاز التَّوْحِيد لِأَن أَكثر الْكَلَام يواجه بِهِ الْوَاحِد فَيُقَال: خُذ عَن يَمِينك وَعَن شمالك لِأَن المكلم وَاحِد والمتكلم كَذَلِك فَكَأَنَّهُ إِذا وحد ذهب إِلَى واحدٍ من الْقَوْم. وَإِن جمع فَهُوَ الَّذِي لَا مَسْأَلَة فِيهِ. انْتهى.

وَتَبعهُ جمَاعَة مِنْهُم ابْن جني فِي الْمُحْتَسب قَالَ فِي سُورَة الْمُؤمنِينَ: قَرَأَ: عظما وَاحِدًا فكسونا الْعِظَام جمَاعَة: السّلمِيّ وَقَتَادَة والأعرج وَالْأَعْمَش وَاخْتلف عَنْهُم. وَقَرَأَ: عظاماً جمَاعَة فكسونا الْعظم وَاحِدًا: مجاهدٌ. قَالَ أَبُو الْفَتْح: أما من وحد فَإِنَّهُ ذهب إِلَى لفظ إِفْرَاد الْإِنْسَان والنطفة والعلقة. وَمن جمع فَإِنَّهُ أَرَادَ أَن هَذَا أمرٌ عامٌّ فِي جَمِيع النَّاس. كلوا فِي نصف بطنكم تعفوا وَقَالَ آخر: فِي حلقكم عظمٌ وَقد شجينا وَهُوَ كثير وَقد ذَكرْنَاهُ. إِلَّا أَن من قدم الْإِفْرَاد ثمَّ عقب بِالْجمعِ أشبه لفظا لِأَنَّهُ جاور بِالْوَاحِدِ لفظ الْوَاحِد الَّذِي هُوَ إِنْسَان وسلالة ونطفة وعلقة ومضغة ثمَّ عقب بِالْجَمَاعَة لِأَنَّهَا هِيَ) الْغَرَض. وَمن قدم الْجَمَاعَة بَادر إِلَيْهَا إِذْ كَانَت هِيَ الْمَقْصُود ثمَّ عَاد فعامل اللَّفْظ الْمُفْرد بِمثلِهِ. وَالْأول أجْرى على قوانينهم. أَلا تراك تَقول: من قَامَ وقعدوا إخْوَتك فَيحسن لانصرافه عَن اللَّفْظ إِلَى الْمَعْنى. وَإِذا قلت: من قَامُوا وَقعد إخْوَتك ضعف لِأَنَّك قد انتحيت بِالْجمعِ على الْمَعْنى وانصرفت عَن اللَّفْظ. فمعاودة اللَّفْظ

بعد الِانْصِرَاف عَنهُ تراجعٌ وانتكاث. فاعرفه وَابْن عَلَيْهِ فَإِنَّهُ كثيرٌ جدا. انْتهى. وَمِنْهُم الزَّمَخْشَرِيّ فِي كشافه قَالَ عِنْد قَوْله تَعَالَى: ختم الله على قُلُوبهم وعَلى سمعهم: فَإِنَّهُ وحد السّمع مَعَ جمع الْقُلُوب كَمَا وح الشَّاعِر الْبَطن مَعَ جمع كلوا. وَمُقْتَضى الظَّاهِر أسماعهم وبطونكم لَكِن لما كَانَ المُرَاد سمع كل وَاحِد مِنْهُم وبطنٍ كل واحدٍ وَقد أورد الْبَيْت فِي عدَّة مَوَاضِع من الْكَشَّاف وَأوردهُ أَيْضا فِي الْمفصل فِي بَاب التَّمْيِيز وَلم يقل شراحه كَابْن يعِيش: إِنَّه ضَرُورَة. وَمِنْهُم صَاحب اللّبَاب قَالَ: وَقد يَقع الْوَاحِد موقع الْجمع نَحْو قَوْله تَعَالَى: فَإِن طبن لكم عَن شيءٍ مِنْهُ نفسا. وَنَظِيره: كلوا فِي بعض بطنكم تعفوا وَقَوله: كلوا فِي بعض بطنكم قَالَ صَاحب الْكَشَّاف: أكل فِي بعض بَطْنه إِذا كَانَ دون الشِّبَع وَأكل فِي بَطْنه إِذا امْتَلَأَ وشبع. وَأَرَادَ بعض بطونكم. وَقَوله: تعفوا مجزوم بِحَذْف النُّون فِي جَوَاب الْأَمر. قَالَ ابْن السيرافي: الخميص: الجائع. والخمص: الْجُوع. أَرَادَ بوصفه الزَّمن

(الشاهد السادس والسبعون بعد الخمسمائة)

بخميص أَنه جائعٌ من فِيهِ فالصفة للزمن وَالْمعْنَى لأَهله. يَقُول لَهُم: اقتصروا على بعض مَا يشبعكم وَلَا تملؤوا بطونكم من الطَّعَام فينفد طَعَامكُمْ فَإِذا نفد احتجتم إِلَى أَن تسألوا النَّاس أَن يطعموكم شَيْئا. وَإِن قدرتم لأنفسكم جُزْءا من الطَّعَام عففتم عَن مَسْأَلَة النَّاس. انْتهى. ويروى: تعيشوا. كَانُوا يتلصصون ويتغاورون لأَنهم فِي زمن قحط فَقَالَ لَهُم ذَلِك. وَالْمعْنَى: كلوا قَلِيلا تَكُونُوا أعفاء لَا يصدر مِنْكُم فعل قَبِيح كالإغارة والتلصص. أَو تعيشوا) وَلَا تَمُوتُوا فَإِن زمانكم زمن قحط أَهله جائعون. انْتهى. وَالْبَيْت من أَبْيَات سِيبَوَيْهٍ الْخمسين الَّتِي لم يعلم قَائِلهَا. وَالله أعلم. وَأنْشد بعده 3 - (الشَّاهِد السَّادِس وَالسَّبْعُونَ بعد الْخَمْسمِائَةِ) الطَّوِيل لنا إبلان فيهمَا مَا علمْتُم على أَنه يجوز تَثْنِيَة اسْم الْجمع على تَأْوِيل: فرْقَتَيْن وجماعتين. قَالَ ابْن يعِيش فِي شرح الْمفصل: الْقيَاس يَأْبَى تَثْنِيَة الْجمع. وَذَلِكَ أَن الْغَرَض من الْجمع الدّلَالَة على الْكَثْرَة والتثنية تدل على الْقلَّة فهما مَعْنيانِ متدافعان وَلَا يجوز اجتماعها فِي كلمةٍ وَاحِدَة. وَقد جَاءَ شَيْء من ذَلِك عَنْهُم على تَأْوِيل الْإِفْرَاد قَالُوا: إبلان وغنمان وجمالان. وَحكى

أَقُول: المُرَاد من تَثْنِيَة الْجمع تَضْعِيفه بجعله مثلين من نَوْعَيْنِ فَلَا تدافع بَين التَّثْنِيَة وَالْجمع إِلَّا إِذا توجها إِلَى مُفْرد. وَقد تقدم مَا يتَعَلَّق بِهِ فِي الشَّاهِد الثَّلَاثِينَ. وأنشده صَاحب الْكَشَّاف عِنْد قَوْله تَعَالَى: فَالتقى الماءان من سُورَة الْقَمَر فِي قِرَاءَة التَّثْنِيَة على أَن المُرَاد نَوْعَانِ: مَاء السَّمَاء وَمَاء الأَرْض كَمَا يُقَال: تمران وإبلان. وَهَذَا المصراع وَقع فِي شعرين: أَحدهمَا مَا أنْشدهُ أَبُو زيد فِي نوادره وَهُوَ الْمَشْهُور فِي كتب النَّحْو وَالتَّفْسِير وَتَمَامه: فَعَن أيةٍ مَا شِئْتُم فتنكبوا وَهُوَ بَيت مُفْرد لم يذكر غَيره وَلَا قَائِله. وَنسبه الصَّاغَانِي فِي الْعباب لشعبة بن قمير وَهُوَ شَاعِر

مخضرم أسلم فِي زمن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وَلم يره. ذكره ابْن حجر فِي الْإِصَابَة فِي قسم المخضرمين وَقَالَ: الْإِبِل لَا وَاحِد لَهَا من لَفظهَا وَهِي مُؤَنّثَة لِأَن أَسمَاء الجموع الَّتِي لَا وَاحِد لَهَا من لَفظهَا إِذا كَانَت لغير الْآدَمِيّين فالتأنيث لَهَا لَازم وَالْجمع آبال. وَإِذا صغرتها أدخلتها الْهَاء فَقلت: أبيلة كَمَا تَقول: غنيمَة. وَإِذا قَالُوا: إبلان فَإِنَّمَا) وَمثله مَا أنْشدهُ أَبُو تَمام فِي الحماسة من شعرٍ للمساور بن هِنْد وَهُوَ: الطَّوِيل (إِذا جارةٌ شلت لسعد بن مالكٍ ... لَهَا إبلٌ شلت لَهَا إبلان) أَرَادَ: إِذا جارةٌ لسعد بن مَالك شلت إبلٌ لَهَا شل من أجلهَا قطيعان من الْإِبِل. والشل: الطَّرْد. قَالَ ابْن المستوفي: قَالُوا فِي نَحوه: إبلان وغنمان ولقاحان. وَنَحْوه أَنهم أَرَادوا بِهِ قطعتين: قِطْعَة فِي جِهَة وَقطعَة فِي أُخْرَى أَو قطعتين من الْإِبِل وَالْغنم أَو إبِلا مَوْصُوفَة بِصفة غير الْإِبِل الْأُخْرَى لتفيد التَّثْنِيَة معنى مَا. وَقَوله: عَن أيةٍ بِالتَّنْوِينِ وَالْأَصْل عَن أَيَّتهمَا فَلَمَّا حذف الْمُضَاف إِلَيْهِ عوض عَنهُ التَّنْوِين. وَالْمَشْهُور فِي الْكتب فَعَن أَيهَا بتأنيث الضَّمِير على أَنه رَاجع إِلَى فرقة وَقطعَة. وروى: وَعَن أَيهمَا بضمير التَّثْنِيَة مَعَ تَخْفيف

أَي. وَهَذِه الرِّوَايَة وَاضِحَة. قَالَ صَاحب الْعباب: وانتكب الرجل كِنَانَته أَو قوسه إِذا أَلْقَاهَا على مَنْكِبَيْه وَكَذَلِكَ تنكبها. وتنكبه: تجنبه. انْتهى. قَالَ بعض فضلاء الْعَجم فِي شرح أَبْيَات الْمفصل: الإبلان: جماعتان من الْإِبِل. وَلَفظ الْإِبِل فِي عرفهم عبارةٌ عَن مائَة بعير وَإِن جَازَ اسْتِعْمَاله فِي أَكثر مِنْهُ. وَقَوله: فيهمَا مَا علمْتُم قَالَ صَاحب الْكتاب يَعْنِي الزَّمَخْشَرِيّ: أَي مَا علمْتُم من قرى الأضياف وَتحمل الغرامات والديات. والتنكب: التجنب. وتنكب الْقوس: أَلْقَاهَا على مَنْكِبه. وَلَا يدْرِي مِمَّا أَخذ مَا فِي الْبَيْت. نَقله كُله عَن المقتبس. قلت: أَخذه من الثَّانِي وَضَمنَهُ معنى الْأَخْذ. وَالْمعْنَى: لنا قطيعان من الْإِبِل فيهمَا مَا علمْتُم من قرى الأضياف وَتحمل الغرامات فَخُذُوا عَن أَيهمَا مَا شِئْتُم وأردتم فَإِنَّهَا مباحةٌ غير مَمْنُوعَة. وَلَا يبعد أَن يُرِيد: فتجنبوا عَن أَيهمَا مَا دَامَ لكم مَشِيئَة أَي: أبدا. فتجنبوا فَإِنَّهَا مَحْفُوظَة بِنَا. وَفِي هَذَا الْوَجْه يكون الْبَيْت مُشْتَمِلًا على السماحة والحماسة وَالْقَصْد إِلَى وصف أَرْبَابهَا بِالْعِزَّةِ وَالْقُوَّة وَأَن أحدا لَا يقدر على التَّعَرُّض لإبلهم. هَذَا كَلَامه. وَقَالَ خضر الْموصِلِي فِي شرح شَوَاهِد التفسيرين: تنكبوا: اجعلوه فِي منكبكم. وعَن للمجاوزة لِأَن الْقطعَة المتنكبة قد انفصلت عَن الْبَاقِي من تنكب الْقوس: أَلْقَاهَا على مَنْكِبه أَو من نكب عَن الطَّرِيق:

عدل عَنهُ أَي: اعدلوا عَن أَيهَا شِئْتُم.) وَالظَّاهِر أَن الْمَعْنى هُوَ هَذَا الْأَخير. وَيمْنَع الْمَعْنى الأول شَيْئَانِ: والثَّانِي: معنوي وَهُوَ أَن الْإِبِل لَا يُمكن حملهَا على الْمنْكب عَادَة. وَالله أعلم. ثمَّ رَأَيْت فِي شرح أَبْيَات إِيضَاح الْفَارِسِي لِابْنِ بري المصراع الثَّانِي: فَعَن أَيهَا بإفراد الضَّمِير وتأنيثه. وَقَالَ: قبله: (غَدَاة دَعَا الدَّاعِي فَكَانَ صريخه ... نجيحاً إِذا كرّ الدُّعَاء المثوب) (بِكُل وآةٍ ذَات جدٍّ وباطلٍ ... وطرفٍ عَلَيْهِ فارسٌ متلبب) (وجمعٍ كرامٍ لم تمزر سراتهم ... حسى الذل لَا دردٌ وَلَا متأشب) الصَّرِيخ: الْإِجَابَة وَهُوَ فِي معنى مصرخٍ الَّذِي هُوَ مصدر كالإصراخ. يُقَال: أصرخته إِذا أغثته. ونجيحاً: منجحاً. والمثوب: الْمُنَادِي. والوآة بِفَتْح الْوَاو وهمزة ممدودة فهاءٍ: الْفرس السريعة المقتدرة الْخلق كَأَنَّهَا تضمن لحاق الْمَطْلُوب وتعديه لسرعتها وقوتها. والطّرف: الحصان الْكَرِيم.

والمتلبب: المتحزم المشمر. وَقَوله: فَعَن أَيهَا أعَاد الضَّمِير على مَجْمُوع الإبلين لِأَنَّهَا جمَاعَة. وَأَرَادَ بقوله: مَا علمْتُم الْمنية وَيجوز أَن تكون الْهَاء تَنْبِيها وَالتَّقْدِير: فَعَن أَيهَا شِئْتُم فتنكبوا. وعدى تنكبوا بعن لِأَنَّهُ بِمَعْنى اعدلوا وَمَعْنَاهُ التحذير والإرشاد أَي: تنكبوا مَا شِئْتُم مُنْذُ لَك فَهُوَ خيرٌ لكم. انْتهى كَلَامه. وَقَالَ شارحٌ آخر لأبيات الْإِيضَاح: الْهَاء من أَيهَا رَاجِعَة إِلَى الْأَصْنَاف الثَّلَاثَة الَّتِي ذكرهَا قبل وَهِي رَاكب كل وآة وراكب كل طرف وَالْجمع الْكِرَام. وَمرَاده الإيعاد والتهديد لَا صَرِيح الِاسْتِفْهَام كَأَنَّهُ قَالَ: فَعَن أَيهَا مَا شِئْتُم فتنكبوا هَذِه الْإِبِل إِن اسْتَطَعْتُم أَي: إِنَّكُم لَا تقدرون على ذَلِك. هَذَا كَلَامه. وَالشعر الثَّانِي هُوَ شعر عَوْف بن عَطِيَّة بن الخرع التَّيْمِيّ. والمصراع أول قصيدةٍ عدتهَا سَبْعَة عشر بَيْتا. وَهَذِه أَرْبَعَة أبياتٍ من أَولهَا: الطَّوِيل (هما إبلان فيهمَا مَا علمْتُم ... فأدوهما إِن شِئْتُم أَن نسالما) (وَإِن شِئْتُم ألقحتم ونتجتم ... وَإِن شِئْتُم عينا بعينٍ كَمَا هما)) (وَإِن كَانَ عقلا فاعقلوا لأخيكما ... بَنَات الْمَخَاض والبكار المقاحما) (جزيت بني الْأَعْشَى مَكَان لبونهم ... كرام الْمَخَاض واللقاح الروائما) قَالَ أَبُو سعيد الْحسن بن الْحُسَيْن السكرِي فِي شرح ديوانه: أقبل أهل بيتٍ من ربيعَة ب مَالك بن زيد مَنَاة وهم بَنو الْأَعْشَى حَتَّى نزلُوا وسط الربَاب فَأَغَارَ عَلَيْهِم بَنو عبد مَنَاة بن بكر بُد سعد بن ضبة

فَأخذُوا إبلهم فَقَالَ بَنو الْأَعْشَى: انْظُرُوا رجلا من الربَاب لَهُ منعةٌ وعزٌّ فَادعوا عَلَيْهِ جواركم لَعَلَّه يمنعكم وتلبسوا بَين الْقَوْم شرا فَأتوا عَوْف بن عَطِيَّة بن الخرع فَقَالُوا: يَا عَوْف أَنْت وَالله جارنا وَقد أخبرنَا قَومنَا أَنا نريدك. فَانْطَلق عوفٌ إِلَى عبد مَنَاة فَقَالَ: أَدّوا إِلَى هَؤُلَاءِ إبلهم فَأخذُوا يَضْحَكُونَ بِهِ وَقَالُوا: إِن شِئْت جَمعنَا لَك إبِلا وَإِن شِئْت عقلنا لَك. قَالَ: أما عنْدكُمْ غير هَذَا قَالُوا: لَا. فَانْصَرف عَنْهُم فَقَالَ لبني الْأَعْشَى: اتبعُوا مصَادر النعم. حَتَّى إِذا أوردوا قَالَ: يَا بني الْأَعْشَى لَا تقصرُوا خُذُوا مثل إبلكم. فَأخذُوا ثمَّ انْطَلقُوا حَتَّى نزلُوا مَعَه على أَهله فَجَاءَهُ بَنو عبد مَنَاة فَقَالُوا: يَا عَوْف مَا حملك على مَا صنعت قَالَ: الَّذِي صَنَعْتُم حَملَنِي. فَأخذ يلْعَب بهم وَقَالَ: إِن شِئْتُم جَمعنَا لكم وَإِن شِئْتُم عقلنا لكم. فَقَالَ عَوْف فِي ذَلِك هَذِه القصيدة. وَقَوله: هما إبلان إِلَخ أَي: إبل بني الْأَعْشَى وإبلكم. وَأدّى الْأَمَانَة إِلَى أَهلهَا إِذا أوصلها. وَالِاسْم الْأَدَاء والتأدية. وَقَوله: وَإِن شِئْتُم ألقحتم إِلَخ قَالَ السكرِي: يَقُول: إِن شِئْتُم فردوها أَو تلقحونها وتنتجونها وتردونها بِأَوْلَادِهَا. وعين بِعَين أَي: ردوهَا بِأَعْيَانِهَا حَتَّى نردها بِأَعْيَانِهَا. وَيُقَال: قد نتجت الْفرس والناقة فَهِيَ منتوجة. وَفرس نتوجٌ: فِي بَطنهَا ولد. انْتهى. وَيُقَال: ألقح الْفَحْل النَّاقة إلقاحاً: أحبلها. والنتاج: اسمٌ يَشْمَل

وضع الْبَهَائِم من الْغنم وَغَيرهَا. وَإِذا ولي الْإِنْسَان نَاقَة أَو شَاة ماخضاً حَتَّى تضع قيل: نتجها نتجاً من بَاب ضرب. فالإنسان كالقابلة لِأَن يتلَقَّى الْوَلَد وَيصْلح من شَأْنه فَهُوَ ناتج والبهيمة منتوجة وَالْولد نتيجة. وَقَوله: وَإِن كَانَ عقلا فاعقلوا إِلَخ يُقَال: عقلت عَنهُ: غرمت عَنهُ مَا لزمَه من دِيَة وَجِنَايَة. وابْن مَخَاض: ولد النَّاقة يَأْخُذ فِي السّنة الثَّانِيَة وَالْأُنْثَى بنت مَخَاض وَالْجمع فيهمَا بَنَات مَخَاض.) قَالَ السكرِي: يَقُول: إِن صَار الْأَمر إِلَى عقل أخيكم الَّذِي أخذت إبِله فاعقلوا بَنَات الْمَخَاض والبكار المقاحم أَي: اجْمَعُوا لَهُ الرذالة فأدوها إِلَيْهِ. وَهَذَا هزءٌ بهم. وَقَوله: جزيت بني الْأَعْشَى إِلَخ يُرِيد: أَنه عوضهم إبِلا خيرا من إبلهم. قَالَ اسكري: والمخاض: الْحَوَامِل واحدتها خلفة. واللقَاح: ذَوَات الألبان واحدتها لقحة بِكَسْر فَسُكُون. وَيُقَال أَيْضا: لقوح وَالْجمع لقح بِضَمَّتَيْنِ. والروائم: جمع رائم وَهِي الَّتِي أحبت وَلَدهَا وعطفت عَلَيْهِ. يُقَال: قد رئمته أمه رئماناً. ورأمها: مَا عطفت عَلَيْهِ من ولد غَيرهَا أَو بوٍّ. انْتهى.

وعَوْف بن عَطِيَّة بن الخرع تقدّمت تَرْجَمته فِي الشَّاهِد الْحَادِي وَالسبْعين بعد الأربعمائة. تَتِمَّة من أَمْثِلَة تَثْنِيَة اسْم الْجمع: قومان. قَالَ الفرزدق: الطَّوِيل وكل رفيقي كل رحلٍ وَإِن هما تعاطى القنا قوماهما أَخَوان وَاسْتشْهدَ بِهِ ابْن عُصْفُور فِي شرح الْجمل الْكَبِير على تَثْنِيَة قوم. وَكَذَا ابْن مَالك فِي شرح التسهيل. ف قوماهما: فَاعل تعاطى وَحذف نون التَّثْنِيَة للإضافة إِلَى هما. وَفِيه شاهدٌ أَيْضا على تَثْنِيَة الْمُضَاف إِلَى اثْنَيْنِ المرجوحة فَيكون من قبيل: الرجز ظهراهما مثل ظُهُور الترسين وَمعنى الْبَيْت أَن كل رَفِيقَيْنِ فِي السّفر أَخَوان وَإِن تعادى قوماهما وتعاطوا المطاعنة بالقنا. ورحل الشَّخْص: مَأْوَاه فِي الْحَضَر ثمَّ أطلق على أَمْتعَة الْمُسَافِر لِأَنَّهَا هُنَاكَ مَأْوَاه. وَهَذَا الْبَيْت مَعَ وضوح مَعْنَاهُ قد حرفه أَبُو عَليّ الْفَارِسِي فِي الْمسَائِل البغداديات بتنوين قوم وَزعم أَنه مُفْرد مَنْصُوب فاختل عَلَيْهِ معنى الْبَيْت وَإِعْرَابه فَاحْتَاجَ إِلَى أَن صَححهُ بتعسفات وتمحلات كَانَ غَنِيا عَنْهَا

ومقامه أَعلَى وَأجل من أَن ينْسب إِلَيْهِ مثل هَذَا التحريف وَلَكِن هُوَ كَمَا قيل: الطَّوِيل) كفى الْمَرْء نبْلًا أَن تعد معايبه وَقد تبعه على هَذَا التحريف والتخريج ابْن هِشَام فِي مُغنِي اللبيب ولخص كَلَامه من غير أَن يعزوه إِلَيْهِ. وأنقل لَك كَلَامهمَا حَتَّى لَا تقضي الْعجب مِنْهُمَا. قَالَ أَبُو عَليّ فِي البغداديات: ينشد بَيت الفرزدق وَهُوَ: وكل رفيقي كل رَحل ... ... ... ... . . الْبَيْت وَفِيه غير شَيْء من الْعَرَبيَّة. فَمِنْهُ: قَالَ: تعاطى وَقد تقدمه اثْنَان وَلم يقل: تعاطيا. فَإِن قلت: إِنَّه حذف لَام الْفِعْل من تعاطى لالتقاء الساكنين وَلم يردهُ إِلَى أَصله للضَّرُورَة فَيَقُول: تعاطيا فَهُوَ قولٌ. وَهَذِه الضَّرُورَة عكس مَا فِي قَول امْرِئ الْقَيْس: المتقارب لَهَا متنتان خظاتا لِأَن هَذَا الْبَيْت اللَّام فِي موضعٍ وَجب حذفهَا مثل رمتا لِأَن الْحَرَكَة للتاء فِي رمتا غير لَازِمَة والفرزدق حذفه فِي مَوضِع وَجب إثْبَاته لِأَنَّك تَقول:

تعاطيا وتراميا. وَإِن قلت: تعاطى تفَاعل وَالْألف لَام الْفِعْل لَيست بضميره وَفِي الْفِعْل ضمير واحدٍ لِأَن هما وَإِن كَانَ فِي اللَّفْظ مثنى فَهُوَ فِي الْمَعْنى كِنَايَة عَن كَثْرَة وَلَيْسَ المُرَاد بالتثنية هُنَا اثْنَيْنِ فَيحمل الْكَلَام عَلَيْهَا وَلكنه فِي الْمَعْنى يرجع إِلَى كل فَحملت الضَّمِير على كل فَهُوَ قَول. وَيُقَوِّي هَذَا: وَإِن طَائِفَتَانِ من الْمُؤمنِينَ اقْتَتَلُوا. أَلا ترى أَن الطَّائِفَتَيْنِ لما كَانَتَا فِي الْمَعْنى جمعا لم يرجع الضَّمِير إِلَيْهِمَا مثنى لكنه جمع على الْمَعْنى. وَكَذَلِكَ تعاطى أفرد على الْمَعْنى إِذْ كَانَ لكل ثمَّ حمل بعد الْكَلَام على الْمَعْنى فَقَالَ: هما أَخَوان. فَالْقَوْل فِي هما أَنه مُبْتَدأ فِي مَوضِع خبر الِابْتِدَاء الأول وَهُوَ كل وثناه وَإِن كَانَ فِي الْمَعْنى جمعا للدلالة الْمُتَقَدّمَة أَن المُرَاد بِهَذِهِ التَّثْنِيَة الْجمع. أَلا ترى أَن قَوْله: كل رفيقي كل رَحل جمع وَنَظِيره قَوْله: بَينهمَا بعد: وَإِن طَائِفَتَانِ من الْمُؤمنِينَ اقْتَتَلُوا. فَإِن قَالَ قَائِل: إِن هما يرجع إِلَى رَفِيقَيْنِ على قِيَاس قَوْلهم فِي قَوْله تَعَالَى: وَالَّذين يتوفون مِنْكُم ويذرون أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ فَهُوَ عندنَا مخطئٌ لِأَن الِاسْم الأول يبْقى مُتَعَلقا بِغَيْر شَيْء.) وَهَذَا القَوْل ينْتَقض فِي قَول من يَقُول بِهِ لِأَنَّهُ عِنْدهم يرْتَفع بِالثَّانِي أَو بالراجع إِلَيْهِ فَإِذا لم يكن لَهُ وَالْجُمْلَة الَّتِي هِيَ هما أَخَوان رفعٌ خبر لكل. وَلَا أستحسن أَن يكون هما فصلا

لَو كَانَ الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر معرفتين لِأَنِّي وجدت عَلامَة ضمير الِاثْنَيْنِ يعْنى بِهِ الْجمع فِي الْبَيْت وَالْآيَة وَفِي قَول الآخر: الْكَامِل (إِن الْمنية والحتوف كِلَاهُمَا ... يُوفي المخارم يرقبان سوَادِي) وَقَوله تَعَالَى: أَن السَّمَوَات وَالْأَرْض كَانَتَا رتقاً ففتقناهما وَنَحْو هَذَا. وَلم أجد الِاثْنَيْنِ المظهرين يعْنى بهما الْجمع وَالْكَثْرَة مكثرة عَلامَة الضَّمِير. فَإِن كَانَ كَذَلِك جعلت هما مُبْتَدأ وَجعلت أَخَوان خَبره وَحَمَلته على لفظ هما دون مَعْنَاهُ. وَلَو جعلت هما فصلا وَكَانَ الاسمان معرفتين وَمَا قرب مِنْهُمَا وَجعلت أَخَوان خبر كل لم يمْتَنع لِأَن الِاثْنَيْنِ المظهرين قد عني بهما الْكَثْرَة أَيْضا. أَلا ترى أَن فِي نفس هَذَا الْبَيْت: وكل رفيقي كل رَحل وَلَيْسَ الرفيقان بِاثْنَيْنِ فَقَط وَإِنَّمَا يُرَاد بهما الْكَثْرَة. فَكَذَلِك يُرَاد بأخوان الْكَثْرَة. إِلَّا أَن قَوْله: وكل رفيقي فِي الْحمل على الْجمع أحسن من حمل أَخَوان على الْجمع لِأَن الْمَعْنى فِي قَوْله: وكل رفيقي كل رَحل كل الرفقاء إِذا كَانُوا رَفِيقَيْنِ رَفِيقَيْنِ فهما أَخَوان وَإِن تعاطى كل وَاحِد مغالبة الآخر لاجتماعهما فِي السفرة والصحبة. فَالْقَوْل الأول فِي هَذَا هُوَ الْوَجْه وَمثل هَذَا قَوْلهم: هَذَانِ خير اثْنَيْنِ فِي النَّاس وَهَذَانِ أفضل اثْنَيْنِ فِي الْعلمَاء. فيدلك على أَن الِاثْنَيْنِ فِي قَوْلنَا: هَذَانِ خير اثْنَيْنِ فِي النَّاس والرفيقين فِي هَذَا الْبَيْت مَا يذهب إِلَيْهِ سِيبَوَيْهٍ من أَن الْمَعْنى: إِذا كَانَ النَّاس اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ فَهَذَا أفضلهم وَإِضَافَة رَفِيقَيْنِ فِي هَذَا الْبَيْت إِلَى كل رَحل لَو كَانَ المُرَاد بهما اثْنَيْنِ فَقَط لكَانَتْ هَذِه

الْإِضَافَة مستحيلة لِأَن رَفِيقَيْنِ اثْنَيْنِ لَا يكونَانِ لكل رَحل. فَفِي هَذَا الْبَيْت دليلٌ على أَن رَفِيقَيْنِ يُرَاد بهما الْكَثْرَة. وَفِيه أَنه حملهما على معنى كل وَفِيه الْوَجْهَانِ اللَّذَان حملناهما فِي تعاطى. فَأَما قَوْله: قوما فَيحْتَمل ثَلَاثَة أوجه: أَحدهَا: أَن يكون بَدَلا من القنا لِأَن قومهما من سببهما وَمَا يتَعَلَّق بهما. وَيحْتَمل أَن يكون مَفْعُولا لَهُ وَكَأَنَّهُ قَالَ: وَإِن هما تعاطيا القنا للمقاومة أَي: لمقاومة كل وَاحِد مِنْهُمَا صَاحبه) ومغالبته. وَيحْتَمل أَن يكون مصدرا من بَاب صنع الله ووعد الله لِأَن تعاطى القنا يدل على مقاومة. فَتحمل قوما على هَذَا كَمَا حملت وعد الله على مَا تقدم فِي الْكَلَام مِمَّا فِيهِ وعدٌ. هَذَا آخر كَلَامه. وَقَالَ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي: هَذَا الْبَيْت من المشكلات لفظا وإعراباً وَمعنى. فلنشرحه. وتعاطى أَصله تعاطيا فحذفت لامه للضَّرُورَة. وَعَكسه إِثْبَات اللَّام للضَّرُورَة فِيمَن قَالَ: لَهَا متنتان خظاتا إِذا قيل: إِن خظاتا فعل وفاعل أَو ألف تعاطى لَام الْفِعْل ووحد الضَّمِير لِأَن الرفيقين ليسَا بِاثْنَيْنِ مُعينين بل هما كثير كَقَوْلِه تَعَالَى:

وَإِن طَائِفَتَانِ من الْمُؤمنِينَ اقْتَتَلُوا ثمَّ حمل على اللَّفْظ إِذْ قَالَ: هما أَخَوان كَمَا قيل: فأصلحوا بَينهمَا. وَجُمْلَة: هما أَخَوان خبر كل. وَقَوله: قوما إِمَّا بدل من القنا لِأَن قومهما من سببهما إِذْ مَعْنَاهُ تقاومهما فحذفت الزَّوَائِد فَهُوَ بدل اشْتِمَال. وَإِمَّا مفعول لأَجله أَي: تعاطيا القنا لمقاومة كل مِنْهُمَا للْآخر أَو مفعول مُطلق من بَاب صنع الله لِأَن تعَاطِي القنا يدل على تقاومهما. وَمعنى الْبَيْت: أَن كل الرفقاء فِي السّفر إِذا استقروا رَفِيقَيْنِ رَفِيقَيْنِ فهما كالأخوين لاجتماعهما فِي السّفر والصحبة وَإِن تعاطى كلٌّ مِنْهُمَا مغالبة الآخر. انْتهى كَلَامه. وَهَذَا كُله كَمَا ترى فاسدٌ لفساد أساسه. وَقد تنبه لَهُ الدماميني فِي الْحَاشِيَة الْهِنْدِيَّة إِلَّا أَنه لم يقف على كَلَام أبي عَليّ وَقَالَ: أَطَالَ المُصَنّف يَعْنِي ابْن هِشَام وَفِي تقريرٍ مَا يزِيل الْإِشْكَال الَّذِي ادَّعَاهُ وَكله مبنيٌّ على حرف وَاحِد وَهُوَ ثُبُوت تَنْوِين قوما من جِهَة الرِّوَايَة ولعلها لَيست كَذَلِك. وَإِنَّمَا هِيَ قوماهما تَثْنِيَة قوم والمثنى مضافٌ إِلَى ضمير الرفيقين. وَلَا إِشْكَال حينئذٍ لَا وَقد رَأَيْت فِي نُسْخَة من ديوَان الفرزدق هَذَا الْبَيْت مضبوط الْمِيم من قوماهما بفتحة وَاحِدَة وملكت هَذِه النُّسْخَة فِي جلدين. وَضبط هَذَا الْبَيْت هُوَ الَّذِي كَانَ باعثاً على شِرَائهَا. وَللَّه الْحَمد والْمنَّة. انْتهى.

وَقد نقل الْعَيْنِيّ كَلَام ابْن هِشَام بِعَيْنِه فِي شرح شَوَاهِد الألفية من غير عزوٍ إِلَيْهِ. وَالْبَيْت من قصيدةٍ للفرزدق خَاطب فِيهَا ذئباً أَتَاهُ وَهُوَ نازلٌ فِي بعض أَسْفَاره وَكَانَ قد أوقد نَارا ثمَّ رمى إِلَيْهِ من زَاده. وَقَالَ لَهُ: تعش وَيَنْبَغِي أَن لَا يخون أحدٌ منا صَاحبه حَتَّى نَكُون مثل الصاحبين.) وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة فِي كتاب الضيفان: ضاف الفرزدق ذئبٌ وَمَعَهُ مسلوخ فَألْقى إِلَيْهِ ربع الشَّاة وَأَرَادَ أَصْحَابه طرده فنهاهم ثمَّ ألْقى إِلَيْهِ الرّبع الآخر فشبع فَقَالَ الفرزدق هَذِه القصيدة. وَهَذِه أبياتٌ مِنْهَا: الطَّوِيل (وأطلس عسالٍ وَمَا كَانَ صاحباً ... دَعَوْت لناري موهناً فَأَتَانِي) (فَلَمَّا أَتَانِي قلت دُونك إِنَّنِي ... وَإِيَّاك فِي زادي لمشتركان) (فَبت أقد الزَّاد بيني وَبَينه ... على ضوء نارٍ مرّة ودخان) (فَقلت لَهُ لما تكشر ضَاحِكا ... وقائم سَيفي فِي دي بمَكَان) (وَأَنت امرؤٌ يَا ذِئْب والغدر كنتما ... أخيين كَانَا أرضعا بلبان)

(الشاهد السابع والسبعون بعد الخمسمائة)

. (وَلَو غَيرنَا نبهت تلتمس الْقرى ... رماك بسهمٍ أَو شباة سِنَان) (وكل رفيقي كل رحلٍ وَإِن هما ... تعاطى القنا قوماهما أَخَوان) والأطلس: الأغبر من الذئاب. وَالْوَاو وَاو رب. وعَسَّال صفة مُبَالغَة من العسلان وَهُوَ مشي الذِّئْب باضطرابٍ وَسُرْعَة. والموهن بِفَتْح الْمِيم وَكسر الْهَاء: سَاعَة تمْضِي من اللَّيْل. وأقد: أقطع طولا. والتكشر: ظُهُور الْأَسْنَان عِنْد الضحك. وتعش: أَمر من تعشى. وَالْبَيْت شَاهد لإِطْلَاق من على اثْنَيْنِ لقَوْله: يصطحبان. وأخيين: مصغر أَخَوَيْنِ. واللبان بِالْكَسْرِ: لبن الْآدَمِيّ. وشباة كل شَيْء: حَده وَهُوَ بِفَتْح الشين الْمُعْجَمَة وَالْمُوَحَّدَة. وَأنْشد بعده 3 - (الشَّاهِد السَّابِع وَالسَّبْعُونَ بعد الْخَمْسمِائَةِ) الْبَسِيط (لأصبح الْحَيّ أوباداً وَلم يَجدوا ... عِنْد التَّفَرُّق فِي الهيجا جمالين) على أَنه يجوز تَثْنِيَة الْجمع المكسر فَإِن جمالين مثنى جمال أَي: قطيعين من الْجمال. وَأوردهُ صَاحب الْكَشَّاف عِنْد قَوْله تَعَالَى: رب السَّمَوَات وَالْأَرْض وَمَا بَينهمَا على تَثْنِيَة الضَّمِير مَعَ أَن الْمرجع السَّمَوَات وَالْأَرْض بِإِرَادَة مَا بَين الجنسين.

وَقَالَ فِي الْمفصل: وَقد يثنى الْجمع على تَأْوِيل الجماعتين والفريقين. أنْشد أَبُو زيد: لنا إبلان فيهمَا مَا علمْتُم وَفِي الحَدِيث: مثل الْمُنَافِق كالشاة العائرة بَين الْغَنَمَيْنِ. وَأنْشد أَبُو عبيدٍ: لأصبح الْحَيّ أوباداً وَلم يَجدوا ... ... ... ... . الْبَيْت وَقَالُوا: لقاحان سوداوان. وَقَالَ أَبُو النَّجْم: الرجز بَين رماحي مالكٍ ونهشل انْتهى. والْحَدِيث رَوَاهُ نافعٌ عَن ابْن عمر والمروي فِيهِ: مثل الْمُنَافِق مثل الشَّاة العائرة بَين غنمين تعير إِلَى هَذِه مرّة وَإِلَى هَذِه مرّة لَا يدرى أَيهمَا تتبع. والعائرة بِالْعينِ الْمُهْملَة: المترددة من عَار الْفرس إِذا ذهب هُنَا وَهنا. شبه الْمُنَافِق فِي تردده وَعدم ثباته على جانبٍ بِالشَّاة المترددة بَين قطيعين من الْغنم لَا تَسْتَقِر فِي قطيع. وَيُقَال: سهم عائر وَحجر عائر إِذا لم يعلم من أَيْن هُوَ وَلَا من رَمَاه. وَلم يُقيد الْجمع بالمكسر كَمَا قَيده الشَّارِح الْمُحَقق بِهِ احْتِرَازًا من الْجمع الْمُصَحح لِئَلَّا يجْتَمع فِيهِ إعرابان بالحروف وَهُوَ ممتنعٌ لوضوحه.

واللقَاح: جمع لقوح وَهِي النَّاقة ذَات اللَّبن مثل قلاص وقلوص. وَقَالَ ثَعْلَب: اللقَاح جمع لقحة بِالْكَسْرِ وَإِن شِئْت لقوح وَهِي الَّتِي نتجت فَهِيَ لقوحٌ شَهْرَيْن أَو ثَلَاثَة ثمَّ هِيَ لبونٌ بعدذ لَك. وَتقدم شرح قَوْله:) بَين رماحي مالكٍ ونهشل فِي بَاب الندبة. وَقَوله: لأصبح الْحَيّ أوباداً الْبَيْت قبله: (سعى عقَالًا فَلم يتْرك لنا سبداً ... فَكيف لَو قد سعى عَمْرو عِقَالَيْنِ) أنشدهما أَبُو عبيد الْقَاسِم بن سَلام الْبَغْدَادِيّ فِي أَمْثَاله وَقَالَ: اسْتعْمل مُعَاوِيَة ابْن أبي سُفْيَان ابْن أَخِيه عَمْرو بن عتبَة بن أبي سُفْيَان على صدقَات كلب فاعتدى عَلَيْهِم فَقَالَ عَمْرو بن العداء الْكَلْبِيّ هَذَا الشّعْر. وسعى فِي الْمَوْضِعَيْنِ من سعى الرجل على الصَّدَقَة أَي: الزَّكَاة يسْعَى سعياً: عمل فِي أَخذهَا من أَرْبَابهَا. وَعِقَالًا وعقالين منصوبان على الظّرْف أَرَادَ: مُدَّة عقال وَمُدَّة عِقَالَيْنِ. والعقال: صَدَقَة عَام. قَالَ الْأَصْمَعِي: بعث فلانٌ على عقال بني فلَان إِذا بعث على صَدَقَاتهمْ. قَالَ أَبُو عبيد: هَذَا كَلَام الْعَرَب الْمَعْرُوف عِنْدهم. فَأَما مَا رُوِيَ أَن عمر كَانَ يَأْخُذ مَعَ كل فَرِيضَة عقَالًا ورواءً فَإِذا دخلت إِلَى الْمَدِينَة بَاعهَا ثمَّ تصدق

بِتِلْكَ الْعقل والأروية فالعقال: الْحَبل الَّذِي يعقل بِهِ الْبَعِير والرواء: الْحَبل الَّذِي يقرن بِهِ البعيران. وَقَالُوا فِي قَول أبي بكر: لَو مَنَعُونِي عقَالًا مِمَّا أَدّوا إِلَى رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ لقاتلتهم عَلَيْهِ: يَعْنِي: بالعقال صَدَقَة عَام وَقيل: أَرَادَ الْحَبل الَّذِي كَانَت تعقل بِهِ الْفَرِيضَة الْمَأْخُوذَة فِي الصَّدَقَة. وَهُوَ بالحبل أولى فِي هَذَا الْموضع لِأَن الْإِنْسَان إِنَّمَا يذكر فِي مثل هَذَا الْموضع الْأَقَل لَا الْأَكْثَر بِنَاء على قُوَّة العزمة فِي الْأَدْنَى فَكيف فِي الْأَعْلَى. انْتهى. وَقَالَ الْمبرد فِي الْكَامِل بعد نقل كَلَام أبي بكر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: قَوْله: لَو مَنَعُونِي عقَالًا لجاهدتهم عَلَيْهِ على خلاف مَا تتأوله الْعَامَّة. وَلقَوْل الْعَامَّة وجهٌ قد يجوز فَأَما الصَّحِيح فَأن الْمُصدق إِذا أَخذ من الصَّدَقَة مَا فِيهَا وَلم يَأْخُذ ثمنا قيل: أَخذ عقَالًا. وَإِذا أَخذ الثّمن قيل: أَخذ نَقْدا. وَقَالَ الشَّاعِر: الطَّوِيل (أَتَانَا أَبُو الْخطاب يضْرب طبله ... فَرد وَلم يَأْخُذ عقَالًا وَلَا نَقْدا)) وَالَّذِي تَقوله الْعَامَّة تَأْوِيله: ومَنَعُونِي مَا يُسَاوِي عقَالًا فضلا عَن غَيره. وَهُوَ وَجه. وَالْأول هُوَ الصَّحِيح لِأَن لَيْسَ لَهُ عَلَيْهِم عقال يعقل بِهِ الْبَعِير فيطلبه فبمنعه وَلَكِن مجازه فِي قَول الْعَامَّة مَا ذكرنَا. وَهُوَ من كَلَام

الْعَرَب: أَتَانَا بِجَفْنَة يقْعد عَلَيْهَا ثَلَاثَة أَي: لَو قعد عَلَيْهَا ثَلَاثَة لصلح. انْتهى. وَقَالَ ثَعْلَب فِي أَمَالِيهِ: العقال: صَدَقَة سنةٍ فِي خير أبي بكر: لَو مَنَعُونِي عقَالًا. وَأنْشد الْبَيْتَيْنِ. والسبد بِفتْحَتَيْنِ الشّعْر والوبر. وَقَالَ ابْن السَّيِّد فِي شرح أدب الْكَاتِب: إِذا قيل: مَا لَهُ سبد وَلَا لبد فَمَعْنَاه: مَا لَهُ ذُو سبد وَهِي الْإِبِل والمعز وَلَا ذُو لبد وَهِي الْغنم. ثمَّ كثر ذَلِك حَتَّى صَار مثلا مَضْرُوبا للفقر فَقيل لكل من لَا مَال لَهُ أَي شَيْء كَانَ. فَفِيهِ مجازٌ من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: إيقاعهم النَّفْي على السبد واللبد وهم يُرِيدُونَ نفي مَا لَهُ السبد واللبد. وَالثَّانِي: استعمالهم ذَلِك فِي كل من لَا مَال لَهُ وَأَصله أَن يكون فِي الْإِبِل والمعز وَالْغنم خَاصَّة. انْتهى. وَقَوله: فَكيف هُوَ ظرف مَعَ عَامله الْمَحْذُوف فِي مَحل الرّفْع على أَنه خبر لمبتدأ مَحْذُوف أَي: كَيفَ حَالنَا. وَهَذِه الْجُمْلَة دَلِيل جَوَاب لَو. يَقُول: تولى هَذَا الرجل علينا سنة فِي أَخذ الزَّكَاة منا فَلم يتْرك لنا شَيْئا لظلمه إيانا فَلَو تولى سنتَيْن علينا على أَي حَال كُنَّا نَكُون وَقَوله: لأصبح الْحَيّ إِلَخ اللَّام فِي جَوَاب قسمٍ مُقَدّر. وَزعم

خضرٌ الْموصِلِي فِي شرح شَوَاهِد التفسرين أَن اللَّام فِي جَوَاب لَو الْمُتَقَدّمَة. وَهُوَ ذهولٌ عَمَّا قبله. والْحَيّ: الْقَبِيلَة. والأوباد: جمع وبد بِفتْحَتَيْنِ قَالَ الْجَوْهَرِي: الوبد بِالتَّحْرِيكِ: شدَّة الْعَيْش وَسُوء الْحَال مصدرٌ يُوصف بِهِ فيستوي فِيهِ الْوَاحِد وَالْجمع ثمَّ يجمع فَيُقَال: أوباد كَمَا يُقَال: عدلٌ وعدول على توهم النَّعْت الصَّحِيح. وَأنْشد الْبَيْت. وَقَالَ ابْن بريٍّ فِي شرح أَبْيَات الْإِيضَاح للفارسي: الْوَجْه أَن يكون جمع وبد وَهُوَ السَّيئ الْحَال كفخذ وأفخاذ. انْتهى. والهيجاء: الْحَرْب قَالَ ابْن ولاد فِي الْمَقْصُور والممدود: الهيجاء: تمد وتقصر. يَا رب هيجا هِيَ خيرٌ من دَعه) وَقَالَ آخر: إِذا كَانَت الهيجاء وانشقت الْعَصَا انْتهى. وَهِي مُؤَنّثَة كَمَا فِي الْبَيْتَيْنِ.

وَهَذِه الْكَلِمَة مَعَ شهرتها لم يوردها القالي فِي الْمَقْصُور والممدود مَعَ أَنه استقصى النَّوْعَيْنِ فِي كِتَابه. وثنى الْجمال لِأَنَّهُ جعلهَا صنفين: صنفا لترحلهم يحملون عَلَيْهَا أثقالهم وَصِنْفًا لحربهم يركبونه إِذا جَنبُوا خيلهم. وَيُؤَيِّدهُ رِوَايَة أبي الْفرج: يَوْم الترحل والهيجا. وأوباداً: خبر أصبح إِن كَانَت نَاقِصَة وحالٌ من الْقَوْم إِن كَانَت تَامَّة. وروى أَبُو الْفرج: لأصبح الْحَيّ أوقاصاً وَهُوَ جمع وقص بِفتْحَتَيْنِ وَقد تسكن الْقَاف: مَا بَين الفريضتين من نصب الزَّكَاة مِمَّا لَا شَيْء فِيهِ. فعلى هَذِه الرِّوَايَة حذف مُضَاف أَي: لأصبح مَال الْحَيّ أوقاصاً أَي: لَا يُوجد عِنْدهم فِي الْعَام الثَّانِي مَا يجب فِيهِ الصَّدَقَة. وعَمْرو بن عداء الْكَلْبِيّ: شاعرٌ إسلامي.

(باب المجموع)

(بَاب الْمَجْمُوع) أنْشد فِيهِ 3 - (الشَّاهِد الثَّامِن وَالسَّبْعُونَ بعد الْخَمْسمِائَةِ) لنا جاملٌ لَا يهدأ اللَّيْل سامره على أَن جاملاً لَيْسَ بِجمع بِدَلِيل عود الضَّمِير عَلَيْهِ من سامره مُفردا. قَالَ صَاحب الْكَشَّاف فِي سُورَة الْأَعْرَاف: الأناس اسْم جمع غير مكسر بِدَلِيل عود الضَّمِير الْمُفْرد إِلَيْهِ وتصغيره على لَفظه. وَالسَّابِق إِلَى هَذَا أَبُو عَليّ قَالَ فِي البغداديات فَإِن قَالَ قَائِل: فَهَلا جَازَ تكسيره أَي: اسْم الْجمع كَمَا جَاءَ تحقيره فَمَا حَكَاهُ سِيبَوَيْهٍ من قَوْلهم: رجل ورجيل قيل لَهُ: لَا يَنْبَغِي أَن يجوز. وَذَلِكَ أَن هَذَا الِاسْم على بِنَاء الْآحَاد وَالْمرَاد بِهِ الْكَثْرَة فَلَو كسر كَمَا صغر لَكَانَ فِي ذَلِك إجراؤه مجْرى الْآحَاد وإزالته عَمَّا وضع لَهُ من الدّلَالَة على الْكَثْرَة إِذْ كَانَ يكون فِي ذَلِك مساواته لَهُ من جِهَة الْبناء والتكسير والتحقير والْحَدِيث عَنهُ كالحديث عَن الْآحَاد نَحْو مَا

لَهُم جاملٌ لَا يهدأ اللَّيْل سامره وَهَذَا كل جهاته أَو عامته فَيجب إِذا صغر أَن لَا يكسر فَيكون بترك تكسيره مُنْفَصِلا مِمَّا يُرَاد بِهِ الْآحَاد دون الْكَثْرَة. انْتهى. والمصراع من قصيدة للحطيئة هجا بهَا الزبْرِقَان بن بدرٍ الصَّحَابِيّ التَّمِيمِي ومدح فِيهَا ابْن عَمه بغيض بن شماس وفضله عَلَيْهِ. وَتقدم السَّبَب فِي هَذَا مفصلا فِي بَاب مَا لَا ينْصَرف. وَالرِّوَايَة ذَوُو جامل بدل: لنا جامل. وَهَذِه أَبْيَات مِنْهَا: (فدع آل شماس بن لأيٍ فَإِنَّهُم ... مواليك أَو كاثر بهم من تكاثره) (أتحصر أَقْوَامًا يجودوا بمالهم ... فلولا قبيل الهرمزان تحاصره) (فَلَا المَال إِن جادوا بِهِ أَنْت مانعٌ ... وَلَا الْعِزّ من بنيانهم أَنْت عاقره) (فَإِن تَكُ ذَا عزٍّ حديثٍ فَإِنَّهُم ... لَهُم إِرْث مجدٍ لم تخنه زوافره) (فَإِن تَكُ ذَا شاءٍ كثيرٍ فَإِنَّهُم ... ذَوُو جاملٍ لَا يهدأ اللَّيْل سامره))

وَقَوله: مواليك أَي: أَبنَاء عمك. والمكاثرة: الْمُفَاخَرَة. أَي: فاخر بهم إِذا لم يكن عنْدك من الْفَخر مَا تفاخر بِهِ. وَقَوله: أتحصر أَقْوَامًا إِلَخ أَي: أتمنع وتحبس يَقُول: دع هَؤُلَاءِ الَّذين يجودون بمالهم. وَعَلَيْك بالهرمزان فامنعه. أَي: إِنَّك لَا تقدر إِلَّا على الْعَجم. وَلَوْلَا: بِمَعْنى هلا. والهرمزان: كَانَ وَالِي مَدِينَة تستر. فَلَمَّا فتحت جاؤوا بِهِ إِلَى عمر بن الْخطاب. وَقَوله: فَإِن تَكُ ذَا عزٍّ إِلَخ الحَدِيث: الْحَادِث. يُرِيد أَن عزه حَادث بتوليته النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ صدقَات بني تَمِيم. وَالْإِرْث: بِالْكَسْرِ: الأَصْل وَالْمجد والشرف. وزوافره: مواده وروافده يُقَال: هُوَ زافرتهم عِنْد السُّلْطَان أَي: يقوم بأمرهم ويعينهم. وَيُقَال: هُوَ فِي زافرة قومه أَي: فِي عَددهمْ وكثرتهم. وَيُقَال: زوافره: معظمه. وَقَوله: فَإِن تَكُ ذَا شاءٍ كثيرٍ إِلَخ الشَّاء: جمع شَاة. قَالَ صاب الْمِصْبَاح: الشَّاة من الْغنم يَقع على الذّكر وَالْأُنْثَى فَيُقَال: هَذَا شاةٌ للمذكر وَهَذِه شَاة للْأُنْثَى وشَاة ذكر وشَاة أُنْثَى وتصغيرهما شويهة. وَالْجمع شاءٌ وشاهٌ بِالْهَاءِ رُجُوعا إِلَى الأَصْل كَمَا قيل: شفة وشفاه. وَيُقَال: أَصْلهَا شاهة مثل عاهة. انْتهى. والجامل: اسْم جمع بِمَعْنى جمَاعَة الْإِبِل مَعَ رعاتها. والهدء مَهْمُوز الآخر: السّكُون. وَاللَّيْل: ظرف وسامره: فَاعله وَالضَّمِير للجامل. أَي: لَا يسكن وَلَا ينَام الَّذِي يحفظ الْإِبِل وَهُوَ السامر. يَعْنِي أَن الرُّعَاة يسهرون ليلهم لحفظ إبلهم. قَالَ صَاحب الصِّحَاح: السمر: المسامرة

(الشاهد التاسع والسبعون بعد الخمسمائة)

وَهُوَ الحَدِيث بِاللَّيْلِ وَقد سمر يسمر فَهُوَ سامر. والسامر أَيْضا: السمار وهم الْقَوْم يسمرون. انْتهى. وترجمة الحطيئة تقدّمت فِي الشَّاهِد التَّاسِع وَالْأَرْبَعِينَ بعد الْمِائَة. وَأنْشد بعده: الطَّوِيل مَعَ الصُّبْح ركبٌ من أحاظة مجفل على أَن ركباً لَيْسَ جمعا بِدَلِيل عود الضَّمِير إِلَيْهِ من صفته بِالْإِفْرَادِ وَلَو كَانَ جمعا لقيل: مجفلون. والمصراع من لامية الْعَرَب للشنفرى تقدم الْكَلَام عَلَيْهِ قبل بَاب الْمثنى فِي الشَّاهِد السَّابِع) وَالْخمسين بعد الْخَمْسمِائَةِ. وَأنْشد بعده 3 - (الشَّاهِد التَّاسِع وَالسَّبْعُونَ بعد الْخَمْسمِائَةِ) الوافر على أَن نون الْجمع قد تكسر فِي ضَرُورَة الشّعْر كَمَا فِي آخَرين. وَقد يُمكن أَن تكون كسرة النُّون كسرة إِعْرَاب كَمَا تقدم النَّقْل عَن أبي عَليّ فِي بَاب التَّثْنِيَة. وَسَيَأْتِي فِي آخر هَذَا الْبَاب فَلَا ضَرُورَة حِينَئِذٍ. قَالَ الشَّارِح الْمُحَقق فِيمَا سَيَأْتِي: إِذا كسرت النُّون فَلَا يكون مَا قبلهَا إِلَّا الْيَاء.

وَكَذَلِكَ نَص ابْن عُصْفُور فِي كتاب الضرائر أَن كسر نون الْجمع لَا يكون إِلَّا فِي حَال النصب والخفض كَمَا أَن فتح نون التَّثْنِيَة لَا يكون إِلَّا كَذَلِك. فلكسرها شَرْطَانِ: أَحدهمَا: الشّعْر وَثَانِيهمَا: الْيَاء. وَبِهَذَا يعرف سُقُوط قَول ابْن هِشَام فِي شرح الشواهد: إِن الشَّرْط الثَّانِي قد أهمله النحويون وَإِن الشَّرْط الأول أهمله ابْن مَالك فِي منظومته دون التسهيل. قَالَ ابْن عُصْفُور: وَوجه كسر النُّون تحريكها على أصل التقاء الساكنين. وَقَالَ الْعَيْنِيّ: وَيُقَال إِن كسر نون الْجمع لَيْسَ بضرورة وَإِنَّمَا هُوَ لغةٌ لقوم بنى الشَّاعِر كَلَامه على هَذِه اللُّغَة. وَالْبَيْت آخر أبياتٍ أَرْبَعَة لجرير خَاطب بهَا فضَالة العريني أوردهَا مُحَمَّد بن حبيب فِي المناقضات وَهِي: الوافر (أتوعدني وَرَاء بني رياحٍ ... كذبت لتقصرن يداك دوني) (عرينٌ من عرينة لَيْسَ منا ... بَرِئت إِلَى عرينة من عرين) (عرفنَا جعفراً وَبني عبيدٍ ... وأنكرنا زعانف آخَرين) وَزَاد الْعَيْنِيّ فِي رِوَايَته بعد هَذَا بَيْتا وَهُوَ: (قبيلةٌ أَنَاخَ اللؤم فِيهَا ... فَلَيْسَ اللؤم تاركهم لحين) وَسبب هَذَا على مَا حَكَاهُ مُحَمَّد بن حبيب: أَن جَرِيرًا لما هجا

غَسَّان السليطي وَهُوَ سليط بن الْحَارِث بن يَرْبُوع. وَكَانَ خَال فضَالة أحد بني عرين بن ثَعْلَبَة بن يَرْبُوع قَالَ فضَالة لجريرٍ: أتهجو خَالِي أما وَالله لأَقْتُلَنك فَقَالَ جريرٌ هَذِه الأبيات.) وَقَوله: أتوعدني إِلَخ الْهمزَة للإنكار ووراء بِمَعْنى خلف. ورياح بِكَسْر الرَّاء بعْدهَا مثناة تحتية هُوَ ريَاح بن يَرْبُوع بن حَنْظَلَة بن مَالك بن زيد مَنَاة بن تَمِيم. وَبَنوهُ هم: همام وهرمي وحميري وَزيد وَعبد الله ومنقذ وَجَابِر. وَقَوله: فَنعم الْوَفْد إِلَخ الْوَفْد: الْجَمَاعَة. والفزع: الْخَوْف. وَإِنَّمَا وَصفه بِالْيَقِينِ لِأَن الْمَدْح إِنَّمَا يكون لمن يغيث عِنْد الْخَوْف الْمُتَيَقن لَا الْخَوْف المتوهم أَو المظنون. وَقَوله: عرين من عرينة إِلَخ عرين بِفَتْح الْعين وَكسر الرَّاء: هُوَ عرين بن ثَعْلَبَة بن يَرْبُوع وَهُوَ مُبْتَدأ وَخَبره من عرينة. وَهُوَ بِضَم الْعين وَفتح الرَّاء وَهُوَ بطن من بجيلة من قبائل الْيمن وَهُوَ وبجيلة هِيَ أم عبقر وَهِي بجيلة بنت سعد الْعَشِيرَة وَهِي أم جماعةٍ كل مِنْهُم بطن بهَا يعْرفُونَ. وَجُمْلَة: لَيْسَ منا خبر ثَان أَو مستأنفة. يُرِيد: إِن عريناً قحطاني لَا عدناني وَإِنَّمَا نَفَاهُ عَن نسبه وَجعله قحطانياً نكاية فِي فضَالة فَإِنَّهُ من ولد عرين. وَقَوله: بَرِئت إِلَى عرينة إِلَخ قَالَ ابْن هِشَام فِي شرح الشواهد:

الأَصْل بَرِئت إِلَيْهِ مِنْهُ فأناب الظاهرين عَن الضميرين لإيضاح المتبرأ مِنْهُ من المتبرأ إِلَيْهِ وَلِأَن إِيقَاع الْبَرَاءَة على صَرِيح اسْم عرين أبلغ. وَقَالَ الْعَيْنِيّ: يُقَال برىء إِلَيْهِ بِمَعْنى برىء لَهُ لِأَن إِلَى تَجِيء مرادفة للام. وَيجوز أَن تكون إِلَى للغاية. وَالْمعْنَى بَرِئت من عرين منتهياً إِلَى عرينة فَيكون إِلَى عرينة حَال. هَذَا كَلَامه. وَقَوله: عرفنَا جعفراً وَبني أَبِيه أَي: إخْوَته وهم جَعْفَر وجهور وَعبيد. وَكَذَا عرين أخوهم لكنه نَفَاهُ مِنْهُم. وجميعهم أَوْلَاد ثَعْلَبَة بن يَرْبُوع. وثعلبة هُوَ أَخُو كُلَيْب بن يَرْبُوع. وَجَرِير من أَوْلَاد كُلَيْب فرياح ثَعْلَبَة وكليب إخْوَة. وروى: عرفنَا جعفراً وَبني عبيدٍ وَقَوله وأنكرنا زعانف إِلَخ نَا: فَاعل وزعانف: مَفْعُوله. وَهَذَا تَعْرِيض بفضالة من بني عرين بِأَنَّهُ من الملحقين والأتباع لَا من الصَّرِيح الْخَالِص النّسَب. وزعانف: جمع زعنفة بِكَسْر الزَّاي قَالَ مُحَمَّد بن حبيب: الزعانف: الأتباع وَاحِدَة زعنفة وَهُوَ من زعانف الثَّوْب: أهدابه الَّتِي تنوس مِنْهُ. وَكَذَلِكَ لئام النَّاس ورذالهم إِنَّمَا هُوَ من أَطْرَاف الْأَدِيم وأخبثه. وَآخَرين: صفة لموصوف مَحْذُوف أَي: قوم آخَرين كَذَا قَالَ الشَّارِح الْمُحَقق. وترجمة جرير تقدّمت فِي الشَّاهِد الرَّابِع من أول الْكتاب.)

(الشاهد الثمانون بعد الخمسمائة)

وَأنْشد بعده 3 - (الشَّاهِد الثَّمَانُونَ بعد الْخَمْسمِائَةِ) الْخَفِيف (نضر الله أعظماً دفنوها ... بسجستان طَلْحَة الطلحات) على أَن السماع والاستعمال فِي نَحْو: طَلْحَة وَهُوَ كل علم مُذَكّر مختوم بِالْهَاءِ جمعه بِالْألف وَالتَّاء وَلم يسمع جمعه بِالْوَاو وَالنُّون. وَقد بسط ابْن الْأَنْبَارِي الْكَلَام على هَذِه الْمَسْأَلَة فِي مسَائِل الْخلاف فَلَا بَأْس بإيراده قَالَ: ذهب الْكُوفِيُّونَ إِلَى أَن الِاسْم الَّذِي آخِره تَاء التَّأْنِيث إِذا سمي بِهِ رجلٌ يجوز أَن يجمع بِالْوَاو وَالنُّون نَحْو: طَلْحَة وطلحون. وَإِلَيْهِ ذهب ابْن كيسَان إِلَّا أَنه يفتح اللَّام فَيَقُول: طلحون بِالْفَتْح كَمَا قَالُوا: أرضون حملا على أرضات. وَاحْتج الْكُوفِيُّونَ بِأَنَّهُ فِي تَقْدِير جمع طلح لِأَن جمع قد تستعمله الْعَرَب على تَقْدِير حذف حرفٍ من الْكَلِمَة قَالَ الشَّاعِر: الرجز وَعقبَة الأعقاب فِي الشَّهْر الْأَصَم فَكَسرهُ على مَا لَا هَاء فِيهِ. وَإِذا كَانَت الْهَاء فِي تَقْدِير الْإِسْقَاط جَازَ جمعه بِالْوَاو وَالنُّون. وَيدل لنا أَنا أجمعنا على أَنه لَو سمي رجل بِحَمْرَاء أَو حُبْلَى جمع بِالْوَاو وَالنُّون. وَلَا خلاف أَن مَا فِي آخِره ألف التَّأْنِيث أَشد تمَكنا فِي التَّأْنِيث مِمَّا فِي آخِره تَاء التَّأْنِيث لِأَن ألف التَّأْنِيث صيغت الْكَلِمَة عَلَيْهَا وَلم تخرج الْكَلِمَة من التَّذْكِير إِلَى التَّأْنِيث وتاء

التَّأْنِيث مَا صيغت الْكَلِمَة عَلَيْهَا وأخرجت الْكَلِمَة من التَّذْكِير إِلَى التَّأْنِيث. وَلِهَذَا الْمَعْنى قَامَ التَّأْنِيث بِالْألف فِي منع الصّرْف مقَام شَيْئَيْنِ بِخِلَاف التَّأْنِيث بِالتَّاءِ. فَإِذا جَازَ أَن يجمع بِالْوَاو وَالنُّون مَا فِي آخِره ألف التَّأْنِيث وَهِي أوكد من التَّاء فَلِأَن يجوز فِيمَا آخِره التَّاء كَانَ ذَلِك من طَرِيق الأولى. وَأما ابْن كيسَان فاحتج على ذَلِك بِأَنَّهُ إِنَّمَا جَوَّزنَا جمعه بِالْوَاو وَالنُّون لِأَن التَّاء تسْقط فِي الطلحات فَإِذا سَقَطت وَبَقِي الِاسْم بِلَا تَاء جَازَ جمعه بِالْوَاو وَالنُّون كَقَوْلِهِم: أَرض وأرضون. وكما حركت الْعين فِي أرضون بِالْفَتْح حملا على أرضات فَكَذَلِك حركت الْعين من الطلحون حملا على الطلحات لأَنهم يجمعُونَ مَا كَانَ على فعلة من الْأَسْمَاء دون الصِّفَات على فعلات بِالتَّحْرِيكِ.) وَقَالَ البصريون: لَا يجوز هَذَا الْجمع. وَالدَّلِيل على امْتِنَاعه أَن نَحْو طَلْحَة فِيهِ عَلامَة التَّأْنِيث وَالْوَاو وَالنُّون عَلامَة التَّذْكِير فَلَو قُلْنَا إِنَّه يجوز الْجمع بِالْوَاو وَالنُّون لَأَدَّى إِلَى أَن يجمع فِي اسْم علامتان متضادتان وَذَلِكَ لَا يجوز. وَلِهَذَا إِذا وصفوا الْمُذكر بالمؤنث فَقَالُوا: رجل ربعَة جَمَعُوهُ ربعاتٍ بِلَا خلاف وَلم يَقُولُوا: ربعون. وَالَّذِي يدل على صِحَة هَذَا الْقيَاس أَنه لم يسمع من الْعَرَب فِي جمع هَذَا الِاسْم إِلَّا بِالْألف وَالتَّاء كَقَوْلِهِم فِي طَلْحَة: طلحات وهبيرة: هبيرات وَلم يسمع عَن أحدٍ من الْعَرَب أَنهم قَالُوا: الطلحون. فَإِذا كَانَ هَذَا الْجمع

مدفوعاً من جِهَة الْقيَاس مَعْدُوما من جِهَة النَّقْل وَجب أَن لَا يجوز. وَأما قَوْلهم إِنَّه فِي التَّقْدِير جمع طلح ففاسد لِأَن الْجمع إِنَّمَا وَقع على جَمِيع حُرُوف الِاسْم وتاء التَّأْنِيث من جملَته فَلم ننزعها عَنهُ قبل الْجمع وَإِن كَانَ اسْما لمذكر لِئَلَّا يكون بِمَنْزِلَة مَا سمي بِهِ وَلَا عَلامَة فِيهِ. فالتاء فِي جمعه مَكَان التَّاء فِي واحده. وَأما مَا اسْتشْهدُوا بِهِ من قَوْلهم: وَعقبَة الأعقاب فِي الشَّهْر الْأَصَم فَهُوَ مَعَ شذوذه وقلته لَا تعلق لَهُ بِمَا وَقع الْخلاف فِيهِ لِأَن الْجمع التَّصْحِيح لَيْسَ على قِيَاس جمع التكسير ليحمل عَلَيْهِ. وَأما قَوْلهم: إِنَّا أجمعنا على جمع نَحْو حَمْرَاء وحبلى علمين بِالْوَاو وَالنُّون. قُلْنَا: إِنَّمَا جَازَ لِأَن ألف التَّأْنِيث يجب قَلبهَا إِلَى بدل لِأَنَّهَا صيغت الْكَلِمَة عَلَيْهَا فتنزلت منزلَة بَعْضهَا فَلم يفْتَقر لعلامة تَأْنِيث الْجمع بِخِلَاف التَّاء فَإِنَّهُ يجب حذفهَا إِلَى غير بدل لِأَنَّهَا مَا صيغت عَلَيْهَا الْكَلِمَة وَإِنَّمَا هِيَ بِمَنْزِلَة اسمٍ ضم إِلَى اسْم فَجعلت عَلامَة تَأْنِيث الْجمع عوضا مِنْهَا. وَأما قَول ابْن كيسَان: إِن التَّاء تسْقط فِي الطلحات فَإِذا سَقَطت جَازَ الْجمع ففاسد لِأَن التَّاء وَإِن كَانَت محذوفة لفظا إِلَّا أَنَّهَا ثَابِتَة تَقْديرا لأَنهم لما أدخلُوا تَاء التَّأْنِيث فِي الْجمع حذفوا هَذِه التَّاء الَّتِي كَانَت فِي الْوَاحِد لأَنهم كَرهُوا أَن يجمعوا بَين علامتي تَأْنِيث. وَكَانَ

حذف الأولى أولى لِأَن فِي الثَّانِيَة زِيَادَة معنى فَإِن الأولى تدل على التَّأْنِيث فَقَط وَالثَّانيَِة تدل على التَّأْنِيث وَالْجمع وَهِي حرف إِعْرَاب فَحذف الأولى بِمَنْزِلَة مَا حذف لالتقاء الساكنين فَإِنَّهُ وَإِن كَانَ محذوفاً لفظا إِلَّا أَنه ثَابت تَقْديرا.) وَالَّذِي يدل على فَسَاد مَا ذهب إِلَيْهِ من فتح الْعين من الطلحون أَن هَذَا الْجمع يسلم فِيهِ نظم فَأَما قَوْله: إِن الْعين حركت من أرضون بِالْفَتْح حملا على أرضات. قُلْنَا: لَا نسلم وَإِنَّمَا غير فِيهِ لفظ الْوَاحِد لِأَنَّهُ جمعٌ على خلاف الأَصْل لِأَن الأَصْل فِي هَذَا الْجمع أَن يكون لمن يعقل وَلَكنهُمْ لما جَمَعُوهُ بِالْوَاو وَالنُّون غيروا فِيهِ نظم الْوَاحِد تعويضاً عَن حذف تَاء التَّأْنِيث فِيهِ تَخْصِيصًا لَهُ بِشَيْء لَا يكون فِي سَائِر أخواته مَعَ أَن هَذَا التعويض تعويض جَوَاز لَا تعويض وجوب. أَلا ترى أَنهم لَا يَقُولُونَ فِي جمع شمس شمسون وَلَا فِي جمع قدر قدرون فَلَمَّا كَانَ هَذَا الْجمع فِي أَرض على خلاف الْقيَاس أَدخل فِيهِ ضربٌ من التَّغْيِير فَأَما إِذا جمع من يعقل بِالْوَاو وَالنُّون فَلَا يجوز أَن يَجْعَل بِهَذِهِ المثابة لِأَن جمعه بِحكم الأَصْل فَلَا يجوز أَن يدْخلهُ تَغْيِير. وَيخرج على هَذَا حذف التَّاء وَفتح الْعين من طلحات. أما حذف التَّاء فَلِأَن التَّاء الثَّانِيَة صَارَت عوضا عَنْهَا لِأَنَّهَا للتأنيث. وَأما أَنْتُم فحذفتم من غير عوض فَبَان الْفرق. وَأما فتح الْعين فلأجل الْفَصْل بَين الِاسْم وَالصّفة فَإِن مَا كَانَ

على فعلة من الْأَسْمَاء فَإِنَّهُ يفتح مِنْهُ الْعين نَحْو: جفنان وقصعات. وَمَا كَانَ صفة فَإِنَّهُ لَا يُحَرك مِنْهُ الْعين نَحْو: صعبات. وَأما جمع التَّصْحِيح فَلَا يدْخلهُ شيءٌ من هَذَا التَّغْيِير. سواءٌ كَانَ اسْما أَو صفة. فَبَان الْفرق بَينهمَا. وَالله أعلم. انْتهى كَلَام ابْن الْأَنْبَارِي مُخْتَصرا. وَاعْلَم أَن فتح عين فعلة الاسمي فِي الْجمع واجبٌ وَيجوز تسكينه فِي الضَّرُورَة كَمَا يَأْتِي فِي بَابه. وَمِنْه قَول البحتري: المتقارب (وَكَيف يسوغ لكم جَحده ... وطلحتكم بعض طلحاته) خلافًا لأبي الْعَلَاء المعري فِي شَرحه فَإِنَّهُ زعم أَنه غير ضَرُورَة. وَقَوله: طَلْحَة الطلحات رُوِيَ بِالْجَرِّ وَالنّصب. قَالَ أَبُو حَيَّان فِي تَذكرته: حكى الْكسَائي وَالْفراء عَن الْعَرَب هَذَا الْبَيْت بخفض طَلْحَة على تَكْرِير الْأَعْظَم أَي: أعظم طَلْحَة الطلحات. وَمَا اخْتلفُوا فِي جَوَاز نصب طَلْحَة بِالرَّدِّ على الْأَعْظَم وَالْحمل على إعرابها. انْتهى. وَجعل ابْن عُصْفُور فِي كتاب الضرائر الْجَرّ من الضَّرُورَة. قَالَ: وَمِنْه حذف الْمُضَاف من غير أَن يُقَام الْمُضَاف إِلَيْهِ مقَامه نَحْو قَوْله:) بسجستان طَلْحَة الطلحات فِي رِوَايَة من خفض طَلْحَة يُرِيد أعظم طَلْحَة الطلحات فَحذف

الْمُضَاف الَّذِي هُوَ أعظم لدلَالَة أعظم الْمُتَقَدّم الذّكر عَلَيْهِ. وَلم يقم الْمُضَاف إِلَيْهِ وَهُوَ طَلْحَة مقَامه بل أبقاه على خفضه. انْتهى. وَقَالَ ابْن بري فِي شرح أَبْيَات الْإِيضَاح: وَالْأَشْبَه عِنْدِي أَن تخفضه بِإِضَافَة سجستان إِلَيْهِ لِأَنَّهُ كَانَ أميرها. انْتهى. وَقَول ابْن حَيَّان: نصب طَلْحَة بِالرَّدِّ على الْأَعْظَم يَعْنِي الْبَدَلِيَّة. وَزعم بَعضهم أَنه بدل كل من بعض. وَزَاد هَذَا الْقسم فِي الأبدال. وَالصَّحِيح أَنه بدل كل من كل بِجعْل أعظم من قبيل ذكر الْبَعْض وَإِرَادَة الْكل بِدَلِيل الْمَعْنى. وَقَالَ ابْن السَّيِّد البطليوسي فِي أَبْيَات الْمعَانِي: من نصب طَلْحَة فعلى إِضْمَار أَعنِي لِأَنَّهُ نبه عَلَيْهِ بِضَرْب من الْمَدْح لما تقدم من الترحم عَلَيْهِ. وَذهب آخَرُونَ فِي نَصبه إِلَى حذف حرف الْجَرّ كَأَنَّهُ أَرَادَ رحم الله أعظماً دفنوها لطلْحَة فَلَمَّا حذف الْجَار نصب. وَقد دفع قومٌ النصب وأنشدوه بِالْجَرِّ على تَقْدِير مُضَاف كَأَنَّهُ فِي التَّقْدِير: أعظم طَلْحَة الطلحات ثمَّ حذف الثَّانِي لدلَالَة الأول عَلَيْهِ. وَهَذَا شاذٌّ يقل فِي كَلَامهم حذف الْجَار مَعَ بَقَاء عمله. انْتهى. وَطَلْحَة الطلحات هُوَ أحد الأجواد الْمَشْهُورين فِي الْإِسْلَام واسْمه طَلْحَة بن عبد الله بن خلف الْخُزَاعِيّ. وأضيف إِلَى الطلحات لِأَنَّهُ فاق فِي الْجُود خَمْسَة أجواد اسْم كل واحدٍ مِنْهُم طَلْحَة وهم طَلْحَة الْخَيْر

وَطَلْحَة الْفَيَّاض وَطَلْحَة الْجُود وَطَلْحَة الدَّرَاهِم وَطَلْحَة الندى. وَقَالَ إِبْرَاهِيم الوطواط فِي كتاب الْغرَر والخصائص الْوَاضِحَة: قيل سمي بذلك لِأَنَّهُ كَانَ أجودهم وَقيل لِأَنَّهُ وهب فِي عامٍ واحدٍ ألف جَارِيَة فَكَانَت كل جَارِيَة مِنْهُنَّ إِذا ولدت غُلَاما تسميه طَلْحَة على اسْم سَيِّدهَا. وَذكر الطلحات الْخَمْسَة وهم طَلْحَة بن عبيد الله التَّيْمِيّ وَهُوَ طَلْحَة الْفَيَّاض وَطَلْحَة بن عمر بن عبيد الله بن معمر التَّيْمِيّ أَيْضا وَهُوَ طَلْحَة الْجُود. وَطَلْحَة بن عبد الله بن عَوْف الزُّهْرِيّ أخي عبد الرَّحْمَن بن عَوْف وَهُوَ طَلْحَة الندى. وَطَلْحَة بن الْحسن بن عَليّ بن أبي طَالب وَهُوَ طَلْحَة الْخَيْر.) وَطَلْحَة بن عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر الصّديق وَيُسمى طَلْحَة الدَّرَاهِم. وَطَلْحَة ابْن عبد الله بن خلف الْخُزَاعِيّ وَهُوَ سادسهم الْمَشْهُور بطلحة الطلحات. انْتهى. وَقَالَ ابْن بري فِي شرح أَبْيَات الْإِيضَاح: سمي طَلْحَة الطلحات بِسَبَب أمه وَهِي صَفِيَّة بنت الْحَارِث بن طَلْحَة بن أبي طَلْحَة وأخوها طَلْحَة بن الْحَارِث فقد تكنفه الطلحات كَمَا ترى ففصل بِهَذِهِ الْإِضَافَة من غَيره من الطلحات. وَكَانُوا سِتَّة. انْتهى.

وَكَانَ وَالِي سجستان وَبهَا مَاتَ. قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ فِي أَمْثَاله: (يَا طلح أكْرم من مَشى ... حسباً وَأَعْطَاهُ لتالد) (مِنْك الْعَطاء فَأعْطِنِي ... وَعلي حمدك فِي الْمشَاهد) فَحكمه فَقَالَ: فرسك الْورْد وقصرك بزرنج وغلامك الخباز وَعشرَة آلَاف دِرْهَم. فَقَالَ طَلْحَة: أفٍّ لَك لم تَسْأَلنِي على قدري وَإِنَّمَا سَأَلتنِي على قدرك وَقدر قبيلتك باهلة وَالله لَو سَأَلتنِي كل فرسٍ وقصرٍ وغلامٍ لي لأعطيتك ثمَّ أَمر لَهُ بِمَا سَأَلَ وَقَالَ: وَالله مَا رَأَيْت مَسْأَلَة مُحكم ألأم مِنْهَا. قَالَ ياقوت فِي مُعْجم الْبلدَانِ: سجستان: ناحيةٌ كَبِيرَة وَولَايَة وَاسِعَة. ذهب بَعضهم إِلَى أَن سجستان اسمٌ للناحية وَأَن اسْم مدينتها زرنج بِتَقْدِيم الْمُعْجَمَة على الْمُهْملَة وَبَينهَا وَبَين هراة عشرَة أَيَّام ثَمَانُون فرسخاً وَهِي جنوبي هراة. وأرضها كلهَا رَملَة سبخَة والرياح فِيهَا لَا تسكن أبدا. وَلَا تزَال شَدِيدَة تدير رحيهم وطحنهم كُله على تِلْكَ الرحي. وَهِي من الإقليم الثَّالِث وفيهَا نخلٌ كثير وتمر.

ونضر بِمَعْنى حسن. وَالْمَشْهُور: رحم الله أعظماً. وَالْبَيْت أول قصيدةٍ عدتهَا أَرْبَعَة عشر بَيْتا لقيس الرقيات رثى بهَا طَلْحَة الطلحات وَبعده: (كَانَ لَا يحرم الْخَلِيل وَلَا يع ... تل بالبخل طيب العذرات) فِي الزَّاهِر لِابْنِ الْأَنْبَارِي قَالَ الْأَصْمَعِي: الْعذرَة: فنَاء الدَّار. والعذرات: أفنية الدّور. وَكَانُوا فِيمَا مضى يطرحون النَّجَاسَات فِي أفنية دُورهمْ فسموها باسم الْموضع وَكَذَلِكَ الْغَائِط هُوَ عِنْد الْعَرَب مَا اطْمَأَن من الأَرْض وَكَانُوا فِيمَا مضى إِذا أَرَادَ الرجل قَضَاء حَاجته طلب الْموضع المطمئن من الأَرْض فَكثر هَذَا حَتَّى سموا الْحَدث باسم الْموضع.) وَكَذَلِكَ الكنيف فِي كَلَام الْعَرَب: الحظيرة الَّتِي تعْمل لِلْإِبِلِ فتكنفها من الْبرد فسموا مَا حظروه وجعلوه موضعا للْحَدَث بذلك الِاسْم تَشْبِيها بِهِ. انْتهى. وَقد تقدّمت تَرْجَمَة قيس الرقيات فِي الشَّاهِد الثَّالِث وَالثَّلَاثِينَ بعد الْخَمْسمِائَةِ. وَأنْشد بعده: الوافر (فَمَا وجدت بَنَات ابْني نزارٍ ... حلائل أسودين وأحمرينا)

(الشاهد الحادي والثمانون بعد الخمسمائة)

. على أَن ابْن كيسَان اسْتدلَّ بِهَذَا الْبَيْت على جَوَاز جمع أَحْمَر وأسود بِالْوَاو وَالنُّون وَهُوَ عِنْد غَيره شَاذ. وَالْبَيْت قد تقدم شَرحه مفصلا فِي الشَّاهِد الرَّابِع وَالْعِشْرين من أَوَائِل الْكتاب. وَأنْشد بعده: الطَّوِيل وقائلةٍ خولان فانكح فَتَاتهمْ على أَن فانكح عِنْد الْأَخْفَش خبر الْمُبْتَدَأ الَّذِي هُوَ خولان وَالْفَاء زَائِدَة فِي الْخَبَر وَعند سِيبَوَيْهٍ غير زَائِدَة وَالْأَصْل عِنْده: هَذِه خولان فانكح فَتَاتهمْ. والمصراع صدرٌ وعجزه: وأكرومة الْحَيَّيْنِ خلوٌ كَمَا هيا وَتقدم الْكَلَام عَلَيْهِ مُسْتَوفى فِي الشَّاهِد السَّابِع وَالسبْعين من بَاب الْمُبْتَدَأ. وخولان: حيٌّ من أَحيَاء الْيمن. وَأنْشد بعده 3 - (الشَّاهِد الْحَادِي وَالثَّمَانُونَ بعد الْخَمْسمِائَةِ) وَهُوَ من شَوَاهِد س:

الرجز إِنَّك إِن يصرع أَخُوك تصرع على أَن إِلْغَاء الشَّرْط الْمُتَوَسّط بَين الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر ضَرُورَة فَإِن جملَة تصرع خبر إِن وَالْجُمْلَة دَلِيل جَزَاء الشَّرْط وَجُمْلَة الشَّرْط معترضةٌ بَين الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر. وَيَأْتِي الْكَلَام عَلَيْهِ إِن شَاءَ الله تَعَالَى فِي الجوازم: (يَا أَقرع بن حابسٍ يَا أَقرع ... إِنِّي أَخُوك فانظرن مَا تصنع) (إِنَّك إِن يصرع أَخُوك تصرع ... إِنِّي أَنا الدَّاعِي نزاراً فَاسْمَعُوا) (فِي باذخٍ من عز مجدٍ يفرع ... بِهِ يضر قادرٌ وينفع) (وأدفع الضيم غَدا وَأَمْنَع ... عزٌّ أَلد شامخٌ لَا يقمع) (يتبعهُ النَّاس وَلَا يستتبع ... هَل هُوَ إِلَّا ذنبٌ وأكرع) (وزمعٌ مؤتشب مجمع ... وحسبٌ وغلٌ وأنفٌ أجدع) قَالَ ابْن الْأَعرَابِي فِي نوادره: كَانَ جرير بن عبد الله البَجلِيّ تنافر هُوَ وخَالِد ابْن أَرْطَاة الْكَلْبِيّ إِلَى الْأَقْرَع بن حَابِس وَكَانَ عَالم الْعَرَب فِي زَمَانه. والمنافرة: المحاكمة من النَّفر لِأَن الْعَرَب كَانُوا إِذا تنَازع وتفاخر الرّجلَانِ مِنْهُم وَادّعى كل واحدٍ أَنه أعز من صَاحبه تحاكما إِلَى عَالم فَمن فضل مِنْهُمَا قدم نفره عَلَيْهِ أَي: فضل نفره على نفره.

فَقَالَ الْأَقْرَع: مَا عنْدك يَا خَالِد فَقَالَ: ننزل البراح ونطعن بِالرِّمَاحِ وَنحن فتيَان الصياح. فَقَالَ: مَا عنْدك يَا جرير فَقَالَ: نَحن أهل الذَّهَب الْأَصْفَر والأحمر المعتصر نخيف وَلَا نَخَاف ونطعم وَلَا نستطعم. وَنحن حيٌّ لقاحٌ نطعم مَا هبت الرِّيَاح. نطعم الدَّهْر ونصوم الشَّهْر وَنحن فَقَالَ الْأَقْرَع: وَاللات والعزى لَو نافرت قَيْصر ملك الرّوم وكسرى عَظِيم الْفرس والنعمان ملك الْعَرَب لنفرت عَلَيْهِم. وروى: لنصرت عَلَيْهِم. فَقَالَ عَمْرو بن خثارم البَجلِيّ هَذِه الأرجوزة فِي تِلْكَ المنافرة. وَقَوله: يَا أَقرع بن حَابِس هُوَ من الصَّحَابَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم وَكَانَت هَذِه المنافرة فِي الْجَاهِلِيَّة) قبل إِسْلَامه. والصرع: الْهَلَاك. ونزار هُوَ أَبُو قَبيلَة وَهُوَ نزار بن معد بن عدنان. والباذخ: العالي يُقَال: جبلٌ باذخ بمعجمتين. وَالْمجد: العظمة والشرف. ويفرع: أَي: يَعْلُو كل عزٍّ ومجد. يُقَال: فرعت قومِي أَي: علوتهم بالشرف وَنَحْوه. وَهُوَ بِالْفَاءِ ومهملتين.

والألد: الأشد. وَلَده يلده: غَلبه فِي الْخُصُومَة. والشامخ: الْمُرْتَفع. ويقمع أَي: يقهر ويذل يُقَال: قمعه بِالْقَافِ وَالْمِيم فانقمع. وَقَوله: هَل هُوَ الضَّمِير لخَالِد بن أَرْطَاة الْكَلْبِيّ والأكرع: جمع كرَاع بِالضَّمِّ وَهُوَ مستدق السَّاق استعاره لأسفل النَّاس كالذنب. والزمع بِفَتْح الزَّاي وَالْمِيم هُوَ رذال النَّاس. يُقَال: هُوَ من زمع النَّاس. أَي: مآخيرهم. والوغل بِفَتْح الْوَاو وَسُكُون الْمُعْجَمَة. قَالَ فِي الصِّحَاح: والوغل: النذل من الرِّجَال. وأجدع بِالْجِيم وَالدَّال الْمُهْملَة: مَقْطُوع الْأنف. وَقَوله: ننزل البراح بِفَتْح الْمُوَحدَة والحاء الْمُهْملَة: الْمَكَان الَّذِي لَا ستْرَة فِيهِ من شجر وَغَيره وَهُوَ منزل الكرماء. وَقَوله: والأحمر المعتصر هُوَ الْخمر. وَقَوله: حيٌّ لقاح بِفَتْح اللَّام بعْدهَا قَاف قَالَ فِي الصِّحَاح: يُقَال: حيٌّ لقاح للَّذين لَا يدينون للملوك أَو لم يصبهم فِي الْجَاهِلِيَّة سباء. وَجَرِير بن عبد الله البَجلِيّ صَحَابِيّ وَكَانَ جميلاً. قَالَ عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: هُوَ يُوسُف هَذِه الْأمة. وَقدمه عمر فِي حروب الْعرَاق على جَمِيع بجيلة وَكَانَ لَهُم أثرٌ عَظِيم فِي فتح الْقَادِسِيَّة. ثمَّ سكن جريرٌ الْكُوفَة وأرسله عَليّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه رَسُولا إِلَى مُعَاوِيَة ثمَّ اعتزل الْفَرِيقَيْنِ وَسكن قرقيساء حَتَّى مَاتَ سنة إِحْدَى وَقيل أَربع وَخمسين. وَفِي الصَّحِيح أَنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بَعثه إِلَى ذِي الخلصة فَهَدمهَا.

وَفِيه قَالَ: مَا حجبني رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ مُنْذُ أسلمت وَلَا رَآنِي إِلَّا تَبَسم. كَذَا فِي الْإِصَابَة لِابْنِ حجر. والأقرع بن حَابِس صحابيٌّ. قَالَ ابْن حجر فِي الْإِصَابَة: هُوَ الْأَقْرَع ابْن حَابِس بن عقال بن مُحَمَّد بن سُفْيَان التَّمِيمِي الْمُجَاشِعِي الدَّارمِيّ.) قَالَ ابْن إِسْحَاق: وَفد على النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وَشهد فتح مَكَّة وحنيناً والطائف وَهُوَ من الْمُؤَلّفَة قُلُوبهم. وَقد حسن إِسْلَامه. وَقَالَ الزبير فِي النّسَب: كَانَ الْأَقْرَع حكما فِي الْجَاهِلِيَّة وَفِيه يَقُول جرير وَقيل غَيره لما تنافر إِلَيْهِ وَهُوَ والفرافصة أَو خَالِد بن أَرْطَاة: (يَا أَقرع بن حَابِس يَا أَقرع ... إِنَّك إِن يصرع أَخُوك تصرع) قَالَ ابْن دُرَيْد: اسْم الْأَقْرَع بن حَابِس فراس وَإِنَّمَا قيل لَهُ الْأَقْرَع لقرع كَانَ بِرَأْسِهِ. وَكَانَ شريفاً فِي الْجَاهِلِيَّة وَالْإِسْلَام. وروى ابْن شاهين أَنه لما أصَاب عُيَيْنَة بن حصن بني العنبر قدم وفدهم. فَذكر الْقِصَّة وفيهَا: فَكلم الْأَقْرَع بن حَابِس رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فِي السَّبي. وَكَانَ بِالْمَدِينَةِ قبل قدوم السَّبي. وَفِي ذَلِك يَقُول الفرزدق يفخر بِعَمِّهِ الْأَقْرَع: الطَّوِيل (وَعند رَسُول الله قَامَ ابْن حابسٍ ... بخطة سوارٍ إِلَى الْمجد حَازِم)

وَأما عَمْرو بن خثارم البَجلِيّ فَهُوَ جاهلي وَالله أعلم. هَذَا على وَجه الِاخْتِصَار وَأما على وَجه الْبسط فَهُوَ مَا أوردهُ أَبُو مُحَمَّد الْأَعرَابِي فِي فرحة الأديب قَالَ: أمْلى علينا أَبُو الندى قَالَ: كَانَ سَبَب المنافرة بَين جرير بن عبد الله البَجلِيّ وَبَين خَالِد بن أَرْطَاة بن خشين بن شبث الْكَلْبِيّ أَن كَلْبا أَصَابَت فِي الْجَاهِلِيَّة رجلا من بجيلة يُقَال لَهُ: مَالك بن عتبَة من بني عَادِية بن عَامر بن قداد فوافوا بِهِ عكاظ. فَمر العادي بِابْن عمٍّ لَهُ يُقَال لَهُ: الْقَاسِم بن عقيل بن أبي عَمْرو بن كَعْب بن عريج بن الْحُوَيْرِث بن عبد الله بن مَالك بن هِلَال بن عَادِية بن عَامر بن قداد يَأْكُل تَمرا فَتَنَاول من ذَلِك التَّمْر شَيْئا ليتحرم بِهِ فَجَذَبَهُ الْكَلْبِيّ فَقَالَ لَهُ الْقَاسِم: إِنَّه رجلٌ من عشيرتي فَقَالَ: لَو كَانَت لَهُ عشيرةٌ منعته فَانْطَلق الْقَاسِم إِلَى بني عَمه بني زيد بن الْغَوْث فاستتبعهم فَقَالُوا: نَحن منقطعون فِي الْعَرَب وَلَيْسَت لنا جمَاعَة نقوى بهَا. فَانْطَلق إِلَى أحمس فاستتبعهم. فَقَالُوا: كلما طارت وبرة من بني زيد فِي أَيدي الْعَرَب أردنَا أَن نتبعها

فَانْطَلق عِنْد ذَلِك إِلَى) جرير بن عبد الله البَجلِيّ فَكَلمهُ فَكَانَ الْقَاسِم يَقُول: إِن أول يَوْم أريت فِيهِ الثِّيَاب المصبغة والقباب الْحمر الْيَوْم الَّذِي جِئْت فِيهِ جَرِيرًا فِي قسر وَكَانَ سيد بني مَالك بن سعد بن زيد بن قسر وهم بَنو أَبِيه. فَدَعَاهُمْ فِي انتزاع العادي من كلب فتبعوه فَخرج يمشي بهم حَتَّى هجم على منَازِل كلبٍ بعكاظ فَانْتزع مِنْهُم مَالك بن عتبَة العادي وَقَامَت كلبٌ دونه فَقَالَ جرير: زعمتم أَن قومه لَا يمنعونه. فَقَالَت كلب: إِن رجالنا خلوفٌ. فَقَالَ جرير: لَو كَانُوا لم يدفعوا عَنْكُم شَيْئا. فَقَالُوا: كَأَنَّك تستطيل على قضاعة إِن شِئْت قايسناكم الْمجد وزعيم قضاعة يَوْمئِذٍ خَالِد بن أَرْطَاة بن خشين بن شبث. قَالَ: ميعادنا من قابلٍ سوق عكاظ. فَجمعت كلبٌ وجمعت قسرٌ ووافوا عكاظ من قَابل وَصَاحب أَمر كلب خَالِد بن أَرْطَاة فحكموا الْأَقْرَع بن حَابِس بن عقال بن مُحَمَّد بن سُفْيَان بن مجاشع حكمه جَمِيع الْحَيَّيْنِ وَوَضَعُوا الرهون على يَدي عتبَة بن ربيعَة بن عبد شمس فِي أشرافٍ من قُرَيْش. وَكَانَ فِي الرَّهْن من قسرٍ: الأصرم بن عَوْف بن عويف بن مَالك بن ذبيان بن ثَعْلَبَة بن عَمْرو بن يشْكر بن عَليّ بن مَالك بن سعد بن نَذِير بن قسر. وَمن أحمس: حَازِم بن أبي حَازِم وصخر بن العلبة. وَمن بني زيد بن الْغَوْث ابْن أَنْمَار رجلٌ. ثمَّ قَامَ خَالِد بن أَرْطَاة فَقَالَ لجرير: مَا تجْعَل قَالَ: الْخطر فِي يدك. قَالَ: ألف نَاقَة حَمْرَاء فِي ألف نَاقَة حَمْرَاء. فَقَالَ جرير: ألف قينة عذراء فِي ألف قينة عذراء وَإِن شِئْت فألف أُوقِيَّة صفراء لِأَلف أُوقِيَّة صفراء. قَالَ: من لي بِالْوَفَاءِ قَالَ: كفيلك اللات والعزى

وإسافٌ ونائلة وشمس ويعوق وَذُو الخلصة ونسر فَمن عَلَيْك بِالْوَفَاءِ قَالَ: ودٌّ وَمَنَاة وفلس ورضا. قَالَ جرير: لَك بِالْوَفَاءِ سَبْعُونَ غُلَاما معماً مخولاً يوضعون على أَيدي الْأَكفاء من أهل الله. فوضعوا الرَّهْن من بجيلة وَمن كلب على أَيدي من سمينا من قُرَيْش وحكموا الْأَقْرَع بن حَابِس وَكَانَ عَالم الْعَرَب فِي زَمَانه. فَقَالَ الْأَقْرَع: مَا عنْدك يَا خَالِد فَقَالَ: ننزل البراح ونطعن بِالرِّمَاحِ وَنحن فتيَان الصَّباح) فَقَالَ الْأَقْرَع: مَا عنْدك يَا جرير قَالَ: نَحن أهل الذَّهَب الْأَصْفَر والأحمر المعتصر نخيف وَلَا نَخَاف ونطعم وَلَا نستطعم. وَنحن حيٌّ لقاح نطعم مَا هبت الرِّيَاح نطعم الشَّهْر ونضمن الدَّهْر وَنحن مُلُوك القسر فَقَالَ الْأَقْرَع: وَاللات والعزى لَو فاخرت قَيْصر ملك الرّوم وكسرى عَظِيم فَارس والنعمان ملك الْعَرَب لنفرتك عَلَيْهِم وَأَقْبل نعيم بن حجبة النمري وَقد كَانَت قسرٌ وَلدته بفرسٍ إِلَى جرير فَرَكبهُ جرير من قبل وحشيه فَقيل: لم يحسن أَن يركب الْفرس فَقَالَ جرير: الْخَيل ميامن وَإِنَّا لَا نركبها إِلَّا من وجوهها. وَقد كَانَ نَادَى عَمْرو بن خثارم أحد بني جشم بن عَامر بن قداد فَقَالَ:

الرجز (لَا يغلب الْيَوْم فَتى والاكما ... يَا ابْني نزارٍ انصرا أخاكما) (إِن أبي وجدته أَبَاكُمَا ... وَلم أجد لي نسبا سواكما) (غيث ربيعٍ سبط نداكما ... حَتَّى يحل النَّاس فِي مرعاكما) (أَنْتُم سرُور عين من رآكما ... قد ملئت فَمَا ترى سواكما) (قد فَازَ يَوْم الْفَخر من دعاكما ... وَلَا يعد أحدٌ حصاكما) (وَإِن بنوا لم يدركوا بناكما ... مجداً بناه لَكمَا أَبَاكُمَا) (ذَاك وَمن ينصره مثلاكما ... يَوْمًا إِذا مَا سعرت ناراكما) وَقَالَ أَيْضا: الرجز (يَا لنزار قد نمى فِي الأخشب ... دَعْوَة داعٍ دَعْوَة المثوب) (يَا لنزار ثمَّ فاسعي واركبي ... يَا لنزار لَيْسَ عَنْكُم مذهبي) (يَا لنزار إِنَّنِي لم أكذب ... أحسابكم أخطرتها وحسبي) (وَمن تَكُونُوا عزه لَا يغلب ... ينمي إِلَى عزٍّ هجانٍ مُصعب) كَأَنَّهُ فِي البرج عِنْد الْكَوْكَب وَقَالَ أَيْضا: الرجز (يَا أَقرع بن حابسٍ يَا أَقرع ... إِنِّي أَخُوك فانظرن مَا تصنع) ...

(إِنَّك إِن يصرع أَخُوك تصرع ... إِنِّي أَنا الدَّاعِي نزاراً فَاسْمَعُوا) (لي باذخٌ من عزه ومفزع ... بِهِ يضر قادرٌ وينفع)) (وأدفع الضيم غَدا وَأَمْنَع ... عزٌّ أَلد شامخٌ لَا يقمع) (يتبعهُ النَّاس وَلَا يستتبع ... هَل هُوَ إِلَّا ذنبٌ وأكرع) (وزمعٌ مؤتشبٌ مجمع ... وحسبٌ وغلٌ وأنفٌ أجدع) وَقَالَ أَيْضا: (يَا أَقرع بن حابسٍ يَا أَقرع ... إِنَّك إِن تصرع أَخَاك تصرع) (إِنِّي أَنا الدَّاعِي نزاراً فاسمع ... فِي باذخٍ من عزه ومفزع) (قُم قَائِما ثمت قل فِي الْمجمع ... للمرء أرطاةٍ أيا ابْن الأفدع) فنفره الْأَقْرَع بمضر وَرَبِيعَة ولولاهم نفر الْكَلْبِيّ. وَكَانَت الْقَرَابَة بَين بجيلة وَولد نزار: أَن إراش بن عَمْرو بن الْغَوْث بن نبت بن مَالك بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان خرج حَاجا فَتزَوج سَلامَة بنت أَنْمَار بن نزار وَأقَام مَعهَا فِي الدَّار بغور تهَامَة فأولدها أَنْمَار ابْن إراشٍ ورجالاً. فَلَمَّا توفّي إراش وَقع بَين أَنْمَار بن إراش وَإِخْوَته اختلافٌ فِي الْقِسْمَة فَتنحّى عَن إخْوَته وَأقَام إخْوَته فِي الدَّار مَعَ أخوالهم. وَتزَوج أَنْمَار بن إراش بهند

بنت مَالك ابْن غافق بن الشَّاهِد فَولدت أقيل وَهُوَ خثعم ثمَّ توفيت. فَتزَوج بجيلة بنت صَعب بن سعد الْعَشِيرَة فَولدت لَهُ عبقر فَسَمتْهُ باسم جدها وَهُوَ سعد ولقب بعبقر لِأَنَّهُ ولد على جبل يُقَال لَهُ: عبقر. وَولدت أَيْضا الْغَوْث ووادعة وصهيبة وَخُزَيْمَة وأشهل وشهلاء وسنية وطريفاً وفهماً وجدعة والْحَارث. انْتهى مَا أوردهُ أَبُو مُحَمَّد الْأَعرَابِي. وَظهر أَنَّهُمَا أرجوزتان على قافية الْعين أولاهما مَرْفُوعَة وَالثَّانيَِة مجرورة. وَالشَّاهِد إِنَّمَا يَتَأَتَّى على الأولى. وَقد روى أَيْضا: بِالْجمعِ يُرِيد الْأَقْرَع وَقَومه. وعَلى هَذَا لَا شَاهد فِيهِ كالرجز الثَّانِي. وَأنْشد بعده: المنسرح (الحافظو عَورَة الْعَشِيرَة لَا ... يَأْتِيهم من وَرَائِنَا وكف) على أَنه تحذف نون الْجمع للضَّرُورَة كَمَا هُنَا وَالْأَصْل: الحافظون عَورَة الْعَشِيرَة.) وَهَذَا على رِوَايَة نصب عَورَة. أما على رِوَايَة خفضها فالنون حذفت للإضافة. وَقد تقدم الْكَلَام عَلَيْهِ مفصلا فِي الشَّاهِد الثَّامِن وَالتسْعين بعد الْمِائَتَيْنِ.

والوكف بِفَتْح الْوَاو وَالْكَاف وروى بدله: نطف بِفَتْح النُّون والطاء الْمُهْملَة وَكِلَاهُمَا بِمَعْنى الْعَيْب. وَأنْشد بعده: الرجز وحاتم الطَّائِي وهاب المئي على أَنه حذف تَنْوِين حَاتِم لالتقاء الساكنين والمئي أَصله المئين حذفت النُّون لضَرُورَة الشّعْر كحذف التَّنْوِين. وَقد تقدم الْكَلَام عَلَيْهِ مُسْتَوفى فِي الشَّاهِد الرَّابِع وَالْأَرْبَعِينَ بعد الْخَمْسمِائَةِ. وَأنْشد بعده الْكَامِل (زعمت تماضر أنني إِمَّا أمت ... يسدد أبينوها الأصاغر خلتي) على أَن جمع أبينوها شَاذ كَمَا بَينه الشَّارِح الْمُحَقق. وَمُلَخَّصه: أَنه إِمَّا جمع أبينٍ مصغر أبنى كأعمى. وَأما جمع أبين مصغر أبنٍ بِفَتْح الْهمزَة وَهُوَ جمع ابْن بِكَسْرِهَا. وَإِمَّا جمع أبينٍ مصغر ابْن بِجعْل همزَة الْوَصْل قطعا. وَإِمَّا مصغر بنيين على غير قِيَاس. فَهَذِهِ أَقْوَال أَرْبَعَة.

قَالَ أَبُو عَليّ فِي بَاب من الْجمع بِالْوَاو وَالنُّون من كتاب الشّعْر: قَالَ الشَّاعِر: السَّرِيع (إِن يَك لَا سَاءَ فقد سَاءَنِي ... ترك أبينيك إِلَى غير رَاع) لَا يَخْلُو قَوْلهم أبينون فِي تحقير أَبنَاء من أَن يكون مَقْصُورا من أَفعَال أَو يكون تحقير أفعل أَو يكون اسْما صِيغ فِي التحقير. وَلَا يجوز أَن يكون مَقْصُورا من أَفعَال لِأَن أفعالاً لم يقصر فِي موضعٍ غير هَذَا فَلَا يَسْتَقِيم أَن يدعى فِيهِ شَيْء وَلَا نَظِير لَهُ وَقد خُولِفَ فِيهِ. وَلم يجىء فِي شَيْء كَمَا جَاءَ أَسد وَأسد وَنَحْوه. فَإِن قلت: أوليس قد قَالُوا: صبيٌّ وصبية وَغُلَام وغلمة وَقَالُوا فِي التصغير: أصيببة وأغيلمة) وأفعلة من فعلة كأفعل من أَفعَال فِي أَن كل واحدٍ جمع أدنى الْعدَد جَاءَ التَّكْبِير على أَحدهمَا وَوَقع التحقير على الآخر. وَكَذَلِكَ أبينون وَإِلَى هَذَا يذهب بعض البغداديين. فَالْجَوَاب: لَا يَسْتَقِيم أَن يكون هَذَا على أفعل وَإِن كَانَ مَا ذكرت من أدنى الْعدَد يقوم مقَام الآخر لدُخُول الْوَاو وَالنُّون وهما فِي أَنه للعدد الْقَلِيل مثل الْبناء الْمَبْنِيّ لَهُ فَلَا يَسْتَقِيم إِذْ لم ينْقل لحاق الْوَاو وَالنُّون لَهُ كَمَا لَا يجْتَمع الحرفان لِمَعْنى وَاحِد فِي الْكَلِمَة. أَلا ترى أَنَّك إِذا جمعت

اسْما فِيهِ عَلامَة التَّأْنِيث بِالْألف وَالتَّاء أزلتها بالحذف أَو الْقلب. فَكَمَا أزلت الْعَلامَة فَلم تجمع بَينهمَا كَذَلِك لَا يَسْتَقِيم أَن تجمع بَين الْوَاو وَالنُّون وَبَين بِنَاء أدنى الْعدَد لِاجْتِمَاع شَيْئَيْنِ لِمَعْنى وَاحِد فِي الْكَلِمَة. فَإِذا لم يستقم ذَلِك علمت أَنه صِيغ فِي التحقير كَمَا قَالَ كَأَنَّك حقرت أبنى مثل أعمى. فَإِن قلت فَمن أَبْيَات الْكتاب: الرجز (قد شربت إِلَّا دهيدهينا ... قليصاتٍ وأبيكرينا) فَالْقَوْل فِي ذَلِك أَنه ضَرُورَة. وَكَأن الَّذِي استهواه أَن أفعل جمعٌ من أبنية الجموع القليلة وَقد جَاءَ ضَرْبَان مِنْهُ بِالتَّاءِ فَهُوَ أفعلة وفعلة فَلَمَّا وافقتها أفعل فِي الْقلَّة وَكَانَ تَأْنِيث الْجمع قَائِما فِيهِ قدر أَن التَّاء فِيهِ تلْزم فَقدر فِيهَا التَّأْنِيث كَمَا جَاءَ فِي البناءين الآخرين. فَلَمَّا لم تثبت عوض مِنْهَا كَمَا عوض من الْعَلامَة الَّتِي يَنْبَغِي أَن تثبت فِيهَا فَقَالَ أبيكرين كَمَا قيل أرضون. فَإِذا كَانَ كَذَلِك لم تَجْتَمِع علامتان لِمَعْنى. أَلا ترى أَن الْيَاء كَأَنَّهَا عوض من عَلامَة التَّأْنِيث كَمَا أَنَّهَا فِي أَرضين كَذَلِك. وَأما أبينون فَإِذا لم تكن فِيهِ ضَرُورَة وَكَانَ التصغير قد يصاغ فِيهِ الْأَسْمَاء الَّتِي لَا تكون فِي التَّكْبِير نَحْو: عشيشة وأنيسان كَذَلِك تحمل أبنى على هَذَا النَّحْو دون أفعل فَيلْزم فِيهِ اجْتِمَاع

شَيْئَيْنِ بِمَعْنى. وَأما الدهيدهينا فَيُشبه أَن يكون لما حذف حرف اللين الَّذِي كَانَ يجب إثْبَاته شبه ذَلِك بعلامة التَّأْنِيث من حَيْثُ الْحَذف فَجعل الْوَاو وَالنُّون عوضا من ذَلِك كَمَا جعلهَا عوضا من عَلامَة التَّأْنِيث. انْتهى كَلَام أبي عَليّ. وَقَالَ ابْن جني فِي إِعْرَاب الحماسة ذهب سِيبَوَيْهٍ إِلَى أَن الْوَاحِد المكبر من هَذَا الْجمع أبنى على وزن أفعل مَفْتُوح الْعين بِوَزْن أعمى ثمَّ حقر أَيْضا فَصَارَ أبين كأعيمٍ ثمَّ جمع بِالْوَاو وَالنُّون) فَصَارَ أبينون ثمَّ حذفت النُّون للإضافة فَصَارَت أبينوها. وَذهب الْفراء إِلَى أَنه كسر ابْنا على أفعل مضموم الْعين ككلب وأكلب. وَيذْهب البغداديون فِي هَذِه المحذوفات إِلَى أَنَّهَا كلهَا سواكن الْعين. فأبين عِنْدهم كأديلٍ كَمَا أَن أبنٍ ذَلِك الْمُقدر عِنْدهم كأدل. وَكَأن سِيبَوَيْهٍ إِنَّمَا عدل إِلَى أَن جعل الْوَاحِد من ذَلِك أفعل اسْما وَاحِدًا مُفردا غير مكسر لأمرين: أَحدهمَا: أَن مذْهبه فِي ابنٍ أَنه فعل بِدلَالَة تكسيرهم إِيَّاهَا على أَفعَال وَلَيْسَ من بَاب فعل أَو فعل. وَالْآخر: أَنه لَو كَانَ أفعل لَكَانَ لمثال الْقلَّة وَلَو كَانَ لَهُ لقبح جمعه بِالْوَاو وَالنُّون. وَذَلِكَ أَن هَذَا الْجمع موضوعٌ للقلة فَلَا يجمع بَينه

وَبَين مِثَال الْقلَّة لِئَلَّا يكون ذَلِك كاجتماع شَيْئَيْنِ لِمَعْنى وَاحِد وَذَلِكَ مرفوضٌ فِي كَلَامهم. وَرَأى مَعَ هَذَا أَنه قد جَاءَ فِي أَسمَاء الجموع المفردة غير المكسرة مَا هُوَ على أفعل مَفْتُوح الْعين وَهُوَ مَا أنْشدهُ أَبُو زيد من قَوْله: الطَّوِيل (ثمَّ رَآنِي لَا أكونن ذَبِيحَة ... وَقد كثرت بَين الْأَعَمّ المضائض) كَذَا رَوَاهُ الْأَعَمّ بِفَتْح الْعين وَمثله أثأبة وأثأب وأضحاة وأضحى. وَهَذِه أسماءٌ مُفْردَة غير مكسرة. وَكَذَلِكَ أروى وَله نَظَائِر. واعتصم الْفراء فِيمَا ذهب إِلَيْهِ بقول الشَّاعِر: (قد رويت إِلَّا دهيدهينا ... قليصاتٍ وأبيكرينا) وَكَانَ يرْوى: الْأَعَمّ بِضَم الْعين فَهَذَا عِنْده كصكٍّ وأصك وضبٍّ وأضب. وَكَيف تصرفت الْحَال فرواية أبي زيد فِي النُّفُوس بِحَيْثُ لَا ريب. وَأما قَوْله: (من يَك لَا سَاءَ فقد سَاءَنِي ... ترك أبينيك إِلَى غير رَاع) فَيحْتَمل أَمريْن: أَحدهمَا: أَن يكون الْيَاء فِيهِ علم الْجمع كالواو

فِي قَوْله: أبينوها. وَالْآخر: أَنه وَاحِد الأبنين على مَا تقدم من الْخلاف فَيكون على قَول صَاحب الْكتاب تحقير ابنى كأعمى وعَلى قِيَاس قَول الْفراء تحقير أبنٍ كأدلٍ فَيكون اللَّام يَاء. انْتهى. وَاقْتصر ابْن الشجري فِي أَمَالِيهِ على مَذْهَب سِيبَوَيْهٍ قَالَ: وأشكل مَا فِي هَذَا الِاسْم وَهُوَ أبنٍ) قَوْلهم فِي جمع مصغره: أبينون فِي هَذَا الْبَيْت. لَا يجوز أَن يكون أبينون جمعا لمصغر ابْن لِأَنَّهُ لَو كَانَ كَذَلِك لقيل: بنيون. وَلَا يجوز أَن يكون جمعا لمصغر أبناءٍ لِأَنَّهُ لَو كَانَ كَذَلِك لقيل: أبيناؤون. وَلَو أَرَادوا هَذَا لاستغنوا بقَوْلهمْ: أبيناءٌ عَن جمعه بِالْوَاو وَالنُّون. وَإِذا بَطل الأول وَالثَّانِي فَإِن قَوْلهم: أبينون جمعٌ لتصغير اسْم للْجمع وَلَيْسَ بِجمع وَلكنه كنفرٍ ورهط وَهُوَ مِمَّا قدروه وَلم ومثاله أبنى مَقْصُور بِوَزْن أعشى ثمَّ حقر فَصَارَ إِلَى أبينٍ مثل أعيش ثمَّ جمع فَقيل: أبينون وَأَصله أبينيون فَفعل بِهِ مَا فعل فِي القاضون. انْتهى. وَبَقِي مذهبٌ خامسٌ نَقله الْخَطِيب التبريزي فِي شرح هَذَا الْبَيْت من الحماسة عَن أبي الْعَلَاء المعري قَالَ: زعم أَبُو الْعَلَاء أَن أبينوها تَصْغِير أبناءٍ. وَلما ذكر سِيبَوَيْهٍ هَذَا الْجمع عبر بعبارةٍ توهم أَنه جمع أبنى على أفعل ثمَّ صغر كَمَا يُقَال: أعشى وأعيشٍ وَالْجمع أعيشون. وَإِنَّمَا أَرَادَ أَن الْألف الَّتِي فِي أبناءٍ وَبعدهَا الْهمزَة تحذف فَيصير تصغيره كتصغير أفعل. كَأَن أَبَا الْعَلَاء يُرِيد أَن مكبر هَذَا الْجمع أبنى على وزن أفعل مَفْتُوح الْعين بِوَزْن أعمى ثمَّ حقر فَصَارَ أبينٍ كأعيمٍ ثمَّ جمع بِالْوَاو

وَالنُّون فَصَارَ أبينون ثمَّ حذفت النُّون للإضافة. وَكَانَ الأَصْل أَبنَاء على أَفعَال فالهمزة لَام الْكَلِمَة وَهِي منقلبةٌ من وَاو فَلَمَّا حذفت الْألف من أَفعَال رجعت اللَّام إِلَى مَا كَانَت فَصَارَت ألفا فِي آخر الْكَلِمَة فَصَارَ أبنى كأعمى ثمَّ صغر على مَا تقدم. وَقَالَ: وَيحسن أَن يُقَال: جمع ابْنا على أفعل لِأَن أَصله فعل كَمَا يُقَال: زمنٌ وأزمن ثمَّ صغره وَجمعه. وَقَالَ قوم: إِنَّمَا أَرَادَ بنيون وَابْن من ذَوَات الْوَاو فنقلها إِلَى أول الِاسْم ثمَّ همزها للضمة كَمَا قَالُوا: وُجُوه وأجوه. فَقَوله: أبينوها على هَذَا تَصْغِير أبنى مَقْصُورا عِنْد الْبَصرِيين وَهُوَ اسمٌ صِيغ للْجمع كأروى وأضحى فَهُوَ على أفعل بِفَتْح الْعين. انْتهى. وَالْبَيْت من قصيدةٍ عدتهَا أحد عشر بَيْتا لسلمي بن ربيعَة من بني السَّيِّد بن ضبة أوردهَا أَبُو تَمام فِي الحماسة وَهِي: الْكَامِل) (حلت تماضر غربَة فاحتلت ... فلجاً وَأهْلك باللوى فالحلة) (وَكَأن فِي الْعَينَيْنِ حب قرنفلٍ ... أَو سنبلاً كحلت بِهِ فانهلت) (زعمت تماضر أنني إِمَّا أمت ... يسدد أبينوها الأصاغر خلتي) (تربت يداك وَهل رَأَيْت لِقَوْمِهِ ... مثلي على يسري وَحين تعلتي) (رجلا إِذا مَا النائبات غشينه ... أكفى لمعضلةٍ وَإِن هِيَ جلت) (ومناخ نازلةٍ كفيت وفارسٍ ... نهلت قناتي من مطاه وعلت) (وَإِذا العذارى بالدخان تقنعت ... واستعجلت نصب الْقُدُور فملت) ...

(دارت بأرزاق العفاة مغالقٌ ... بيَدي من قمع العشار الجلة) (وصفحت عَن ذِي جهلها ورفدتها ... نضحي وَلم تصب الْعَشِيرَة زلتي) (وكفيت مولَايَ الأحم جريرتي ... وحبست سائمتي على ذِي الْخلَّة) وَقد روى هَذِه القصيدة القالي فِي أَمَالِيهِ وَأَبُو الْحسن الْأَخْفَش فِي شرح نَوَادِر أبي زيد كَمَا نقلناها. قَوْله: حلت تماضر غربَة إِلَخ قَالَ الإِمَام المرزوقي: تماضر: امْرَأَته وَكَانَت فارقته عاتبةً عَلَيْهِ فِي استهلاكه المَال وتعريضه النَّفس للمعاطب فلحقت بقومها فَأخذ هُوَ يتلهف عَلَيْهَا ويتحسر فِي أَثَرهَا وَأثر أَوْلَاده مِنْهَا. فَيَقُول: نزلت هَذِه الْمَرْأَة بعيدَة مِنْك فاحتلت فلجاً وَأهْلك نازلون بَين الْمَوْضِعَيْنِ. وَهَذَا الْكَلَام توجعٌ. وفلج: على طَرِيق الْبَصْرَة. والحلة: مَوضِع من الْحزن بِبِلَاد ضبة. واللوى: رمل مُتَّصِل بِهِ رَقِيق. وَبَين الْمَوَاضِع الَّتِي ذكرهَا تبَاعد. فَإِن قيل: لم قَالَ حلت ثمَّ قَالَ: احتلت قلت: نبه بِالْأولِ أَنَّهَا اخْتَارَتْ الْبعد مِنْهُ والتغرب عَنهُ وَبِالثَّانِي الِاسْتِقْرَار فَكَأَنَّهُ قَالَ: نزلت فِي الغربة فاستوطنت فلجاً. وفلج بِفَتْح اللَّام: بلد وفلج بِسُكُون اللَّام: مَاء. انْتهى.

وَقَالَ الْأسود أَبُو مُحَمَّد الْأَعرَابِي فِي شرح الحماسة: هَذِه الْمَرْأَة فارقته إِمَّا بِطَلَاق وَإِمَّا مغاضبة فأسف عَلَيْهَا. والحلة بِفَتْح الْمُهْملَة وَكسرهَا: موضعٌ حزن وصخورٌ بِبِلَاد ضبة. واللوى هُنَا: موضعٌ بِعَيْنِه.) والغربة بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة: الأَرْض الْبَعِيدَة. وفلج بِالْفَتْح والسكون: وادٍ بطرِيق الْبَصْرَة إِلَى مَكَّة ببطنه منَازِل للْحَاج وَبَينه وَبَين فلج زَعَمُوا مسيرَة عشرٍ. انْتهى. وَقَالَ التبريزي: قَوْله غربَة أَي: دَار بعيدَة. والحلة: موضعٌ فِي بِلَاد بني ضبة. وَقَالُوا: هِيَ حزنٌ بِبِلَاد ضبة. انْتهى. وتماضر من أَسمَاء النِّسَاء. قَالَ ابْن جني فِي إِعْرَاب الحماسة: التَّاء فِي تماضر عندنَا فاءٌ وَإِنَّمَا لم يصرف عندنَا هَذَا الِاسْم لما فِيهِ من التَّعْرِيف والتأنيث لَا لِأَنَّهُ بِوَزْن تفَاعل فتماضر إِذا كقراقر وعذافر. وَكَذَا الْقيَاس فِي تَاء جمل ترامز. انْتهى. وَالظَّاهِر أَن تماضر تفَاعل وَالتَّاء زَائِدَة لَا أصلٌ إِذْ هُوَ من مُضر. وَإِلَيْهِ ذهب أَبُو الْعَلَاء المعري فِي شرح ديوَان البحتري قَالَ: تماضر بِضَم التَّاء وَكسر الضَّاد وَهُوَ مَنْقُول من فعل مضارع كَمَا سميت الْمَرْأَة تكْتم وتكنى. وَكَانَ فِي النُّسْخَة أَي من ديوَان البحتري قَالَ:

تماضر بِفَتْح التَّاء وَضم الضَّاد. وَهَذَا غلط وَذكر ابْن السراج عَن قومٍ من النَّحْوِيين أَنهم جعلُوا تماضر فِي الْأَبْنِيَة الَّتِي أغفلها سِيبَوَيْهٍ. وَهَذَا وهم لِأَن تماضر تفَاعل من قَوْلك: ماضرت تماضر. فإمَّا أَن يكون مأخوذاً من اللَّبن الماضر وَهُوَ الحامض وَقيل: الْأَبْيَض فَكَأَنَّهُ من ماضرت الرجل إِذا سقيته وسقاك اللَّبن. وَإِمَّا أَن يكون من مُضر كَأَنَّهُ من ماضرته إِذا ناسبته إِلَى مُضر. انْتهى. وَقد تبعه تِلْمِيذه الْخَطِيب التبريزي هُنَا وَقَالَ: تماضر من أَسمَاء النِّسَاء. وَقد ذكرهَا بعض النَّاس فِيمَا أغفله سِيبَوَيْهٍ من الْأَبْنِيَة. وَلَيْسَ الْأَمر كَذَلِك لِأَن تماضر مُسَمَّاة بِالْفِعْلِ الْمُضَارع الَّذِي هُوَ مَأْخُوذ من اللَّبن الماضر وَهُوَ الحامض أَو من قَوْلهم: عَيْش مُضر أَي: ناعم وَقيل: المضر: الْأَبْيَض. انْتهى. وَقَوله: وَكَأن فِي الْعَينَيْنِ إِلَخ قَالَ المرزوقي: يَقُول: ألفت الْبكاء لتباعدها فجادت العينان بإسالة دمعهما غزيراً متحلباً مِنْهُمَا فَكَأَن فِي عَيْني أحد هذَيْن المهيجين الحالبين للعيون. وَقَوله: كحلت إخبارٌ عَن إِحْدَى الْعَينَيْنِ وساغ ذَلِك لما فِي الْعلم من أَن حالتيهما لَا تفترقان وَمَتى اجْتمع شَيْئَانِ فِي أَمر لَا يفترقان فِيهِ اجتزىء بِذكر أَحدهمَا عَن الآخر. انْتهى.

والقرنفل والسنبل من أخلاط الْأَدْوِيَة الَّتِي تحرق الْعين وتسيل الدُّمُوع. وانهل واستهل إِذا سَالَ.) وَقَوله: زعمت تماضر أنني إِلَخ قَالَ المرزوقي فِي زعمت: يتَرَدَّد بَين الشَّك وَالْيَقِين. وَهَا هُنَا يُرِيد بن الظَّن. وأنني مَعَ معموليها نَائِب عَن مفعوليه. يَقُول: ظنت هَذِه الْمَرْأَة أَنه إِن نزل بِي حَادث قَضَاء الله تَعَالَى سد مَكَاني ورم مَا يتشعث من حَالهَا بزوالي أبناؤها الأصاغر. وَيُرِيد بِهَذَا الْكَلَام التَّوَصُّل إِلَى الْإِبَانَة عَن مَحَله وَأَنه لَا يُغني غناءه من النَّاس إِلَّا الْقَلِيل. يُقَال: سد فلانٌ مسد فلَان وسد خلته وناب مَنَابه وشغل مَكَانَهُ بِمَعْنى وَاحِد. فَإِن قيل: كَيفَ سَاغَ أَن يَقُول يسدد خلتي وَإِذا مَاتَ لم تكن لَهُ خلةٌ قلت: أضافها إِلَى نَفسه لما كَانَ يسدها أَيَّام حَيَاته فَكَأَنَّهُ قَالَ: الْخلَّة الَّتِي كنت أسدها. وَهَذَا من إِضَافَة الشَّيْء إِلَى الشَّيْء على الْمُعْتَاد فيهمَا. وَمثله قَوْلهم: شهَاب الْقَذْف فأضيف الشهَاب إِلَى الْقَذْف لما كَانَ من رمي الرَّامِي. ووجوه الإضافات واسعةٌ كَثِيرَة وَكَذَلِكَ متعلقاتها. انْتهى. وَقَالَ الْأسود: أرته الِاسْتِغْنَاء عَنهُ بأطفالها. وَهَذَا يدل على أَنَّهَا غاضبةٌ وَهِي فِي حباله. والخلة بِفَتْح الْمُعْجَمَة: الفرجة والثلمة الَّتِي يَتْرُكهَا بِمَوْتِهِ. والخلة: الضعْف والوهن والخلة: الْفقر. والخليل: الْفَقِير والخلة: الْخصْلَة.

قَالَ المرزوقي فِي ترب: يسْتَعْمل فِي الْفقر والخيبة لَا غير. وأترب يسْتَعْمل فِي الْغنى والفقر جَمِيعًا فَإِذا أُرِيد بِهِ الْغنى فَالْمَعْنى صَار لَهُ من المَال بِعَدَد التُّرَاب وَإِذا أُرِيد بِهِ الْفقر فَالْمَعْنى: صَار فِي التُّرَاب كَمَا يُقَال: أسهل إِذا صَار فِي السهل. وَقد يجوز أَن يكون مثل أقل وَالْمعْنَى صَار مَالك قَلِيلا من المَال. وَقَوله: حِين تعلتي: الْمَعْنى: وَحين اعتمدت على إِقَامَة الْعلَّة لحُصُول الْفقر. وعَلى هَذَا قَوْله: الطَّوِيل قَلِيل ادخار الزَّاد إِلَّا تعلةً أَي: قدر مَا يُقَام بِهِ الْعلَّة. أقبل عَلَيْهَا يوبخها ويخطىء رأيها ويكذب ظَنّهَا ويقبح اخْتِيَارهَا فِي إفاتة نَفسهَا الْحَظ مِنْهُ وَيَدْعُو عَلَيْهَا بالفقر والخيبة فِي الرَّجَاء فَقَالَ: صَار فِي يدك التُّرَاب وَهل رَأَيْت لِقَوْمِهِ من يماثلني فِي حالتي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء حَتَّى تعلقي مثل رجائك فِي بغيري إِذا أخليت مَكَاني. انْتهى.) وَقَالَ الْأسود: أَي: خَابَ رجاؤك حِين تعدلين بِي أطفالاً وَقد رَأَيْت الرِّجَال أعياهم مَكَاني. وتربت يداك مَعْنَاهُ صَار فِي يدك التُّرَاب أَي: لَك الخيبة مِمَّا أملت. وَهِي كلمةٌ تقال للمخطىء وَجه الْقَصْد. وَقَالَ التبريزي: التعلة من عللت كَأَنَّهُ أَرَادَ حِين أفتقر فأحتاج إِلَى الْعِلَل أَي: الْحجَج أَو إِلَى أَن أعلل

نَفسِي كَمَا يُعلل العليل. قَالَ ابْن جني: قَوْله: وَحين تعلتي مَعْطُوف على مَوضِع قَوْله: يسري أَي: على وَقت يسري وَحين تعلتي. ومثلي يحْتَمل أَمريْن: أَحدهمَا: أَن يكون مفعول رَأَيْت فينتصب رجلا فِي الْبَيْت بعده على التَّمْيِيز كَقَوْلِك: لي مثله عبدا أَي: من العبيد فَيكون تَقْدِيره: مثلي من الرِّجَال الَّذين إِذا غشوا كفوا. وَالْآخر: أَن يكون أَرَادَ هَل رَأَيْت رجلا مثلي فَلَمَّا قدم مثلي وَهُوَ وصفٌ نكرَة نَصبه على الْحَال مِنْهَا. وَاللَّام فِي قَوْله: لِقَوْمِهِ مُتَعَلقَة بِنَفس رَأَيْت كَقَوْلِك: رَأَيْت لبني فلَان نعما وعبيداً. وَإِن جعلت مثلي مفعول رَأَيْت كَانَت الْهَاء فِي قومه لَهُ. وَإِن جعلته حَالا مُقَدّمَة فالهاء لرجل. وَقَوله: رجلا إِذا مَا النائبات إِلَخ قَالَ المرزوقي: رجلا بدل من مثلي كَأَنَّهُ قَالَ: هَل رَأَيْت لِقَوْمِهِ رجلا أكفى للشدائد وَإِن عظمت عِنْد طروق النوائب وغشيان الْحَوَادِث مني فَحذف مني لِأَن المُرَاد مَفْهُوم. والمعضلة: الداهية الشَّدِيدَة. يُقَال: أعضل الْأَمر إِذا اشْتَدَّ. ويروى: لمضلعة وَهِي الَّتِي تضم الأضلاع بالزفرات وتنفس الصعداء حَتَّى تكَاد تحطمها. وَقَوله: ومناخٍ نازلةٍ إِلَخ. قَالَ المرزوقي: أَخذ يعدد مَا كَانَت كِفَايَته مقسومةً فِيهِ ومصروفةً إِلَيْهِ. ومناخ: مصدر أنخت. وكفيت يتَعَدَّى إِلَى مفعولين وَقد حذفهما كَأَنَّهُ قَالَ: كفيته الْعَشِيرَة. يَقُول: رب نازلةٍ أناخت أَنا دفعت شَرها وكفيت قومِي الاهتمام بهَا وَرب فارسٍ سقيت رُمْحِي من دم ظَهره الْعِلَل بعد النهل. وَخص الظّهْر ليعلم أَنه أدبر عَنهُ وَولى.

وَقَوله: وَإِذا العذارى بالدخان إِلَخ. قَالَ المرزوقي: أقبل يعدد الْخِصَال الْمَجْمُوعَة فِيهِ من الْخَيْر بعد) أَن نبه على أَنه لَا يقوم مقَامه أحد فَكيف من طمعت فِي نيابته عَنهُ. يَقُول: وَإِذا أبكار النِّسَاء صبرت على دُخان النَّار حَتَّى صَار كالقناع لوجهها لتأثير الْبرد فِيهَا وَلم تصبر لإدراك الْقُدُور بعد تهيئتها ونصبها فشوت فِي الْملَّة قدر مَا تعلل بِهِ نَفسهَا من اللَّحْم لتمكن الْحَاجة والضر مِنْهَا ولإجداب الزَّمَان واشتداد السّنة على أَهلهَا أَحْسَنت. وَجَوَاب إِذا فِي الْبَيْت بعده. وَخص العذارى بِالذكر لفرط حيائهن ولتصونهن عَن كثيرٍ مِمَّا يتبذل فِيهِ غَيْرهنَّ. وَجعل نصب الْقُدُور مفعول استعجلت على الْمجَاز وَالسعَة. وَيجوز أَن يكون وَقَالَ الْأسود: ويروى: تلفعت. واللفاع: الملحفة. والقناع: المقنعة. أَي: غشين الدُّخان حَتَّى صَار لَهُنَّ كاللفاع أَو القناع من شدَّة الْبرد. واستعجلت نصب الْقُدُور فملت أَي: أَلْقَت اللَّحْم فِي الْملَّة جوعا وضراً لم تصبر إِلَى إِدْرَاك الْقدر. قَالَ التبريزي: وعَلى هَذَا يكون وملت بِالْوَاو وَغير أبي تَمام يرويهِ:

الْكَامِل واستبطأت نصب الْقُدُور فملت وَقَالَ ابْن جني: ملت هُنَا من مِلَّة النَّار لَا من الملالة أَي: بادرت للضَّرُورَة الْخبز قبل الْقدر. وَهَذَا الْبَيْت أوردهُ الْبَيْضَاوِيّ عِنْد قَوْله تَعَالَى: وَلَهُم فيهم أَزوَاج مطهرة وَاسْتشْهدَ بِهِ على جَوَاز جمع الصّفة وإفرادها فِي مطهرة. وَقَرَأَ زيد بن عَليّ: مطهراتٌ وهما لُغَتَانِ فصيحتان. وَقَوله: دارت بأرزاق العفاة إِلَخ هُوَ جمع عافٍ وَهُوَ كل طَالب رزق من النَّاس وَغَيرهم. ومغالقٌ: فَاعل دارت وَهِي قداح الميسر جمع مغلق ومغلاق بكسرهما مَأْخُوذ من غلق الرَّهْن لِأَنَّهُ من فَازَ سَهْمه غلق نصِيبه فَذهب بِهِ غير مُنَازع فِيهِ. قَالَه الْأسود. وَقَالَ المرزوقي: وَإِنَّمَا سميت القداح مغالق لِأَن الجزر تغلق عِنْدهَا وتهلك بهَا. والقمع بِفتْحَتَيْنِ: قطع السنام الْوَاحِدَة قمعة. والعشار: جمع عشراء وَهِي النَّاقة الَّتِي قد أَتَى عَلَيْهَا من حملهَا عشرَة أشهر وتستصحب والجلة بِكَسْر الْجِيم: المسان الْوَاحِدَة جليلة. وَمِنْه: مَا لَهُ دقيقةٌ وَلَا جليلة أَي: شَاة وَلَا نَاقَة. قَالَ المرزوقي: قَوْله أرزاق العفاة كلامٌ شرِيف يَقُول: وَإِذا صَار الزَّمَان كَذَا دارت القداح فِي الميسر بيَدي لإِقَامَة أرزاق الطلاب من أسنمة النوق المسان الْكِبَار الْحَوَامِل الَّتِي قرب عهدها بِوَضْع الْحمل. وكل ذَلِك يضن بِهِ ويتنافس فِيهِ.

وَقَالَ الْأسود: قَوْله بيَدي فِيهِ قَولَانِ:) أَحدهمَا: أَن ذَوَات الْأَنْصِبَاء من القداح سَبْعَة وَعدد الأيسار سَبْعَة فَإِذا نقص مِنْهُم واحدٌ أَخذ أحد السِّتَّة قدحه وَأخرج من ثمن الْجَزُور نصِيبه ثمَّ جعل إِحْدَى يَدَيْهِ ضاربةً بقدح نَفسه وَالْأُخْرَى بقدح صَاحبه. وَإِنَّمَا أَرَادَ بذلك التمدح بِأَنَّهُ يضْرب بقدحين لَا أَنه يفرد لهَذَا يدا وَلِهَذَا أُخْرَى. وإياه أَرَادَ متمم بن نُوَيْرَة بقوله: الطَّوِيل (بمثنى الأيادي ثمَّ لم تلف مَالِكًا ... من الْقَوْم ذَا قاذورةٍ متزبعا) وَالْآخر: أَنه أَرَادَ: يقرع بَين إبِله أَيهَا ينْحَر فَقَالَ: بيَدي ليعلم أَنه لم يرد مقارعة إِنْسَان غَيره. انْتهى. وَقَالَ بَعضهم: فِي الْبَيْت مبالغات: ثَانِيهَا: جمع الرزق والعافي. ثَالِثهَا: الدّلَالَة على أَنه غَارِم لَا فائز. رَابِعهَا: قَوْله يَدي بالتثنية. خَامِسهَا: إِيثَار السنام الَّذِي هُوَ أطيب مَا فِي الْإِبِل. سادسها: العشار وَهِي أنفس الْإِبِل عِنْد الْعَرَب. سابعها: قمعها وتعريفها. ثامنها: أَن العفاة مَا لَهُم موئل غَيره. وَفِيه غير ذَلِك. وَقَوله: وَلَقَد رأبت ثأى الْعَشِيرَة إِلَخ. قَالَ الْأسود: رأبت رأباً: أصلحت. والثأى كالعصا: الصدع. وَقد ثأى الخرز إِذا انخرمت خرزتان فصارتا وَاحِدَة أَي: مَا كَانَ بَينهَا من نائرة أطفأت أَو جِنَايَة

غرمت وكفيت جَانبهَا اللتيا وَالَّتِي وهما من أَسمَاء الدَّوَاهِي واللتيا أَصْغَر من الَّتِي وَهِي فِي الأَصْل تصغيرها ثمَّ هما من الْأَسْمَاء الموصولة وحذفت صلتها. وَذَلِكَ فِي عظم الْأَمر وشدته كَأَنَّهُ قَالَ: كفيته الَّتِي عظمت شدتها وَتَنَاهَتْ بليتها. وَكَأَنَّهُ يُرِيد باللتيا صغَار المغارم. أَي: غرمها فِي مَاله. وبالتي عظامها كَالدَّمِ يعقله عَن الْقَاتِل وَنَحْوه. وَقَالَ المرزوقي: يَقُول: وكما ظهر غنائي فِي تِلْكَ الْأَبْوَاب فَلَقَد سعيت فِي إصْلَاح ذَات الْبَين من الْعَشِيرَة وكفيت من جنى مِنْهَا الْجِنَايَة الصَّغِيرَة والكبيرة بِالْمَالِ وَالنَّفس والجاه والعز.) وَقَوله: جانيها إِن فتحت الْيَاء كَانَ وَاحِدًا وَإِن أدّى معنى الْجمع. وَإِن سكنت الْيَاء جَازَ أَن يكون جمعا سالما وَأَن يكون وَاحِدًا حذف فتحتها. وَقَالَ ابْن جني: بَينهَا مُتَعَلق بِنَفس الثأى أَي: أصلحت الْفساد بَينهَا. وَالْهَاء فِي جانيها ضمير الْعَشِيرَة أَي: كفيت جاني الْعَشِيرَة الداهية الَّتِي جناها على نَفسه. وَلَا يجوز أَن يكون هَا ضمير اللتيا أَي: جاني الداهية وَذَلِكَ أَن الْجَانِي هُوَ الْمَفْعُول الأول وَهُوَ مقدم فِي مَوْضِعه. فَلَا يجوز أَن يتَعَلَّق بِهِ ضمير الْمَفْعُول الثَّانِي لِأَنَّهُ إِنَّمَا يتَقَدَّم ضمير الشَّيْء عَلَيْهِ إِذا كَانَ رتبته أَن يكون بعده فَأَما أَن يتَقَدَّم ضمير الشَّيْء عَلَيْهِ مُتَعَلقا بِمَا رتبته التَّقْدِيم على صَاحب الضَّمِير فَذَلِك تَقْدِيم الضَّمِير على مظهره لفظا وَمعنى وَهَذَا عندنَا غير جَائِز الْبَتَّةَ وَإِنَّمَا المتجوز من ذَلِك أَن يتَقَدَّم الضَّمِير على مظهره لفظا على أَن يكون مُتَأَخِّرًا عَنهُ معنى.

فَأَما تقدمه عَلَيْهِ لفظا وَمعنى فَلَا. أَلا ترى: لَا تَقول ضرب غلامها هنداً. وَلَكِن تَقول: ضربت غلامها هِنْد. فَكَذَلِك لَا يكون هَا كَمَا لَا تجيز أَعْطَيْت مَالِكه درهما وَلَا كسوت صَاحبهَا جُبَّة وَلَكِن تَقول: أَعْطَيْت درهمه زيدا وكسوت ثَوْبه عمرا. وَقد يجوز مَعَ هَذَا كُله أَن تكون هَا من جانيها ضميراً للتيا على حد مَا يُجِيزهُ من: أعطي الدِّرْهَم زيدا وَأدْخل الْقَبْر عمرا على الْقلب. وعَلى هَذَا أَجَازُوا: مَرَرْت بالمكسوته جبةٌ وَلَقِيت المعطاه درهمٌ. فَكَأَن اللتيا وَالَّتِي على هَذَا هِيَ المكفية جانيها كَمَا أَن الْجُبَّة هِيَ المكسوة زيدا فَهُوَ على قَوْلك: كفيت اللتيا جانيها. فاعرفه. انْتهى ولنفاسته سقناه برمتِهِ. وَقَوله: وصفحت عَن ذِي جهلها إِلَخ قَالَ الْأسود: أكمل مكرمَة صَلَاح ذَات الْبَين بِمَا أردفه من الإغضاء على مَا بدر من جاهلها. أَي: من جهل مِنْهُم عَليّ صفحت عَنهُ وَلم أَجْهَل عَلَيْهِ. وَقَوله: تضحي أَرَادَ تضحي وتمسي فَاكْتفى بِذكر أَحدهمَا من الآخر. وَوجه آخر: خص الْغَدَاة بِالذكر لِأَن جناة الشَّرّ يتوخون بِهِ ظلام اللَّيْل إِرَادَة أَن يخفى ذَلِك. انْتهى. وَقد صحف هَذِه الْكَلِمَة وحرفها وَإِنَّمَا هِيَ نصحي بالصَّاد الْمُهْملَة. قَالَ المرزوقي: يصف نَفسه بالحلم مَعَهم وَمَعَ سفهائهم يَقُول: عَفَوْت عَن

جاهلها فَلم أؤاخذه بِمَا يدر مِنْهُ من هفوة أَو) زلَّة ثمَّ بذلت نصحي لعشيرتي بِمِقْدَار جهدي وَلم أجر عَلَيْهِ جريرتي. وَقَوله: وَلم تصب الْعَشِيرَة زلتي أَي: إِن زل وَلَا عصمَة كفى نَفسه وَلم يشْتَد عَلَيْهِ الْأَمر فيفتقر إِلَى من يَكْفِيهِ أَو يُعينهُ. وَقَوله: وكفيت مولَايَ الأحم إِلَخ قَالَ الْأسود: الأحم بِالْمُهْمَلَةِ هُوَ الْأَخَص الْأَدْنَى من الْحَمِيم. وَهُوَ تفسيرٌ لقَوْله: وَلم تصب الْعَشِيرَة زلتي وتأكيدٌ للإكمال. يَقُول: إِن جررت جريرةً أغنيت فِيهَا نَفسِي عَن ابْن عمي الْأَدْنَى فضلا عَن الْأَبْعَد وحبست سائمتي يُرِيد السوام وَهُوَ المَال الرَّاعِي. وَقد سامت الْمَاشِيَة: دخل بَعْضهَا فِي بعض فِي الرَّعْي. وَهَذَا إغراقٌ بعد التَّأْكِيد أَي: حبستها عَن المرعى على ذِي الْخلَّة بِالْفَتْح أَي: الْفقر ليختار مِنْهَا على عينه كَمَا قَالَ: الطَّوِيل يُخَيّر مِنْهَا فِي البوازل وَالسُّدُس انْتهى. قَالَ ابْن جني: اعْلَم أَن هَذَا الشَّاعِر لزم اللَّام قبل هَذِه التَّاء فِي هَذِه الأبيات وَلَيْسَت بواجبةٍ من حَيْثُ كَانَ الروي إِنَّمَا هُوَ التَّاء. وَوجه ذَلِك فِيمَا ذهب إِلَيْهِ قطرب: أَن هَذِه التَّاء فِي الْفِعْل نظيرة الْهَاء فِي الِاسْم. فَكَمَا يلْزم مَا قبلهَا فِي نَحْو: قَائِمَة وسائمة فَكَذَلِك الْتزم مَا قبلهَا فِي

نَحْو: ضنت وحنت. نعم وَقد يلْتَزم الشَّاعِر المدل مَا لَا يجب عَلَيْهِ ثِقَة بِنَفسِهِ وشجاعةً فِي لَفظه. وَقد ذكرت من هَذَا الطرز فِي كتاب المعرب مَا يتَجَاوَز قدر الْكِفَايَة. وسلمي بن ربيعَة رُوِيَ بِوَجْهَيْنِ: أَحدهمَا: بِضَم السِّين وَتَشْديد الْيَاء التَّحْتِيَّة قَالَ ابْن جني فِي الْمُبْهِج: هُوَ اسمٌ مرتجل. وَثَانِيهمَا: سلمى بِفَتْح السِّين وَالْقصر قَالَ أَبُو الْحسن الْأَخْفَش: وَقع فِي نُسْخَتي من نَوَادِر أبي زيد بِهَذَا الضَّبْط وحفظي بِالْوَجْهِ الأول. وَالسَّيِّد بِكَسْر السِّين قَالَ ابْن جني: السَّيِّد: الذِّئْب وَالْأُنْثَى سيدانة بِزِيَادَة الْألف وَالنُّون. وضبة أَيْضا: اسْم مَنْقُول من ضبة الْحَدِيد وَمن أُنْثَى الضَّب وَنَحْوه. وسلمي شاعرٌ جاهلي وَهَذِه نسبته من جمهرة ابْن الْكَلْبِيّ: سلمي بن ربيعَة بن زبان بِفَتْح الزَّاي وَتَشْديد الْمُوَحدَة ابْن عَامر بن ثَعْلَبَة بن ذِئْب بن السَّيِّد ابْن مَالك بن بكر بن سعد بن ضبة) بن أد بن طابخة بن إلْيَاس بن مُضر بن نزار بن معد ابْن عدنان. وَمن ولد سلمي فِي الْإِسْلَام: يعلى بن عَامر بن سَالم بن أبي سلمي بن ربيعَة كَانَ على خراج الرّيّ وهمذان. وَمن وَلَده أَيْضا: الْمفضل الراوية بن مُحَمَّد بن يعلى بن عَامر بن سَالم الْمَذْكُور.

(الشاهد الثالث والثمانون بعد الخمسمائة)

3 - (الشَّاهِد الثَّالِث وَالثَّمَانُونَ بعد الْخَمْسمِائَةِ) وَهُوَ من شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ: الرجز (قد شربت إِلَّا الدهيدهينا ... قليصاتٍ وأبيكرينا) على أَن جمع مصغر دهداه وَجمع مصغر بكر على مَا فِي الْبَيْت. شاذٌّ. أنْشد سِيبَوَيْهٍ هَذَا الرجز وَقَالَ: والدهداه: حَاشِيَة الْإِبِل فَكَأَنَّهُ حقر دهاده فَرده إِلَى الْوَاحِد وَهُوَ دهداه وَأدْخل الْيَاء وَالنُّون كَمَا تدخل فِي أَرضين وسنين وَذَلِكَ حَيْثُ اضْطر فِي الْكَلَام إِلَى أَن يدْخل يَاء التصغير. وَأما أبيكرينا فَإِنَّهُ جمع الأبكر وَلكنه أَدخل الْيَاء وَالنُّون كَمَا أدخلها على الدهيدهين. انْتهى. وَقد تقدم عَن أبي عَليّ فِي الْبَيْت قبله مَا يتَعَلَّق بِهِ. وَقَالَ ابْن جني فِي إِعْرَاب الحماسة: وَأما أبيكرين فقد يُمكن على قَول سِيبَوَيْهٍ أَن يُقَال إِن وَاحِدهَا أبكر بِفَتْح الْعين فِي هَذَا الْموضع. أَلا ترى أَنَّك لم تسمع الْعين فِي هَذَا الْبَيْت مَفْتُوحَة وَلَا مَضْمُومَة. فَإِن قلت: فقد سَمِعت فِي غير هَذَا الْموضع أبكر بِضَم الْعين قيل: أجل قد سمع هَذَا بِضَم عينه وَغير مُنكر أَن يكون الْخُرُوج أَلا تراهم قَالُوا: رجل وَرِجَال فكسروه ثمَّ قَالُوا رجلة فصاغوا للْجمع اسْما مُفردا. وَكَذَلِكَ الْجمال والأجمال هَذَا مَعَ قَوْلهم الجامل. فَكَذَلِك لَا يُنكر أَن

يكون أبكر بِضَم الْعين جمعا مكسراً أَو يكون وَاحِد أبيكرين المكبر أبكر بِفَتْح الْعين وَإِن لم يسمع مكبراً لَكِن يدل عَلَيْهِ مَا انحرف عِنْد سِيبَوَيْهٍ من اعْتِقَاد جمع أَمريْن لِمَعْنى وَاحِد. وَهَذَا واضحٌ. وَكَذَلِكَ يَنْبَغِي أَن يُقَال فِي قَول الآخر: الرجز (أَشْكُو إِلَى مولَايَ من مولاتي ... ترْبط بالحبل أكيرعاتي) وَذَلِكَ أَن الْألف وَالتَّاء موضوعان للقلة وضع الْوَاو وَالنُّون لَهَا. فَلَا يحسن أَن يكون الْوَاحِد) المكبر من أكيرعات أكرعة وَلَا أكرعاً بِضَم الْعين لِأَنَّهُمَا مِثَالا قلَّة. فعلى قِيَاس قَوْله فِي أبينون مَا يجب أَن يُقَال فِي الْوَاحِد المكبر من أكيرعات إِنَّه أكرع. على وزن أفعل بِفَتْح الْعين الْأَعْمَى والأروى. انْتهى. وَقَالَ فِي سر الصِّنَاعَة أَيْضا عِنْد سرد مَا جمع بِالْوَاو وَالنُّون من كل مؤنث معنوي كأرض أَو مؤنث بِالتَّاءِ مَحْذُوف اللَّام كثبة مَا نَصه: فَإِن قلت: فَمَا بالهم قَالُوا: فَجمعُوا تَصْغِير دهداهٍ وَهُوَ الْحَاشِيَة من الْإِبِل وأبيكراً وَهُوَ جمع بكر بِالْوَاو وَالنُّون وليسا من جنس مَا ذكرت

فَالْجَوَاب: أَن أبكراً جمع بكر وكل جمع فتأنيثه سائغٌ مُسْتَمر لِأَنَّهُ جماعةٌ فِي الْمَعْنى. وَكَأَنَّهُ قد كَانَ يَنْبَغِي أَن يكون فِي أبكر وأكلب وأعبد هَاء. فَيكون تقديرها أكلبة وأبكرة وأعبدة كَمَا قَالُوا فِي غير هَذَا: فحالةٌ: جمع فَحل وذكارة: جمع ذكر. فَكَمَا جَازَ أَن تَأتي الْهَاء فِي هَذِه الْمَجْمُوع كَذَلِك جَازَ أَيْضا أَن تقدر فِي أبكر الْهَاء فَيصير كَأَنَّهُ أبكرة. وَقد جَاءَت الْهَاء فِي أفعلٍ نَفسهَا. قَالَ: الطَّوِيل (بأجريةٍ بقعٍ عِظَام رؤوسها ... لَهُنَّ إِذا حركن فِي الْبَطن أزمل) فَهَذَا جمع جرو. وأجريةً أفعلة. فَألْحق الْهَاء فِي أفعل. ويدلك على أَنه أَرَادَ أفعل قَول الآخر: مجزوء الْكَامِل (وتجر مجريةٌ لَهَا ... لحمي إِلَى أجرٍ حواشب) وَجَاز أَن تجمع فعلا على أفعل وأفعلة وأفعل لفعلٍ مَفْتُوحَة الْفَاء من حَيْثُ كَانَ فعل وَفعل ثلاثيين سَاكِني الْعَينَيْنِ وَقد اعتقبا أَيْضا على الْمَعْنى الْوَاحِد نَحْو: حج وَحج وفص وفصٍّ ونفط ونفط. وَإِذا ثَبت أَن أفعل من أَمْثِلَة الجموع وَيجوز فِي الِاسْتِعْمَال وَالْقِيَاس تأنيثه. لم يُنكر أَن يعْتَقد فِي أَن أبكراً قد كَانَ يَنْبَغِي أَن يكون فِيهَا هَاء تَأْنِيث الْجَمَاعَة فَصَارَ إِذن جمعهم إِيَّاهَا بِالْوَاو وَالنُّون فِي قَوْله: أبيكرونا إِنَّمَا هُوَ عوض من الْهَاء الْمقدرَة فِي أبكر فَجرى ذَلِك مجْرى أَرض فِي جمعهم) إِيَّاهَا بِالْوَاو وَالنُّون فِي قَوْلهم: أرضون.

فَأَما دهيدهينا فَإِن واحده دهداه وَهُوَ الْقطعَة من حَاشِيَة الْإِبِل فَهُوَ نَظِير الصرمة والهجمة فَكَأَن الْهَاء فِيهَا لتأنيث الْفرْقَة والقطعة كَمَا أَن الْهَاء فِي عصبَة وَطَائِفَة لتأنيث الْجَمَاعَة فَكَأَنَّهُ كَانَ فِي التَّقْدِير: دهداهة فَلَمَّا حذفت الْهَاء فَصَارَ دهداهاً جمع تصغيره بِالْوَاو وَالنُّون تعويضاً من الْهَاء الْمقدرَة. قَالَ أَبُو عَليّ: وَحسن أَيْضا جمعه بِالْوَاو وَالنُّون أَنه قد حذفت ألف دهداه فِي التحقير وَلَو جَاءَ على أَصله لقيل: دهيديه بِوَزْن صلصال وصليصيلٍ فواحد دهيدهينا إِنَّمَا هُوَ دهيده وَقد حذفت الْألف من مكبره فَكَانَ ذَلِك أَيْضا مسهلاً للواو وَالنُّون وداعياً إِلَى التعويض بهما. انْتهى كَلَامه. وَإِلَيْهِ ذهب يُوسُف بن السيرافي فِي شرح شَوَاهِد الْغَرِيب المُصَنّف قَالَ: أبيكرينا جمع أبيكر وأبيكر تَصْغِير أبكر وأبكر جمع بكر وَهُوَ فِي الْإِبِل بِمَنْزِلَة الشَّاب فِي النَّاس. وَهَذِه الْعَلامَة لَا تكون إِلَّا لجمع الْمُذكر الْعَاقِل فِي الْكَلَام وَرُبمَا أدخلها الشَّاعِر إِذا احْتَاجَ. وَتدْخل على كثير من الْأَسْمَاء النواقص. والبيتان من رجز أوردهُ أَبُو عبيدٍ الْقَاسِم بن سَلام فِي الْغَرِيب المُصَنّف قَالَ الْحَاشِيَة صغَار الْإِبِل والدهداه مثل ذَلِك. قَالَ الراجز:

الرجز (يَا وهب فابدأ ببني أَبينَا ... ثمت ثن ببني أخينا) (وجيرة الْبَيْت المجاورينا ... قد رويت إِلَّا الدهيدهينا) (إِلَّا ثَلَاثِينَ وأربعينا ... قليصاتٍ وأبيكرينا) قَالَ ابْن السيرافي: نصب الدهيدهينا على الِاسْتِثْنَاء. وَقَوله: إِلَّا ثَلَاثِينَ بدلٌ من الدهيدهينا. وقليصات بدل من ثَلَاثِينَ. انْتهى. وَجعله قليصات بَدَلا من الْبَدَل جَائِز مَشْهُور وَلم يَجعله بَدَلا من الدهيدهينا لِأَنَّهُ لم يعرف تعدد الْبَدَل فِي غير بدل البداء كَمَا قَالَه أَبُو حَيَّان وَابْن هِشَام فِي بحث إِذْ من الْمُغنِي. أَحْمد رَبِّي الله خير مَالك فَجعل خير بَدَلا من الْجَلالَة لَا من الرب قَالَ: وَأما دَعْوَى الدماميني الْجَوَاز أخذا من كَلَام ابْن) الْحَاجِب فِي الأمالي فاشتباه لِأَن ابْن الْحَاجِب قَالَ فِي الْكَلَام على آيَة غَافِر: الْأَحْسَن أَن ذِي الطول بدل ثَان من الْمُبدل الأول. فَقَالَ الدماميني: فِيهِ دَلِيل بينٌ على جَوَاز تعدد الْمُبدل مِنْهُ. انْتهى. وَابْن الْحَاجِب لم يقل من الْمُبدل مِنْهُ بل قَالَ من الْمُبدل يَعْنِي الْبَدَل. انْتهى.

(الشاهد الرابع والثمانون بعد الخمسمائة)

وَقَوله: يَا وهب هُوَ اسْم راعٍ يسْقِي الْإِبِل. وأبينا وأخينا كِلَاهُمَا جمع أَب وَأَخ. وقليصات بِكَسْر الْيَاء الْمُشَدّدَة جمع مصغر قلُوص وَهِي النَّاقة الشَّابَّة. وَقد روى بدل شربت: رويت ونهلت. وَهَذَا الرجز مَعَ كَثْرَة الاستشهاد بِهِ لم يعرف قَائِله. وَالله أعلم. وَأنْشد بعده 3 - (الشَّاهِد الرَّابِع وَالثَّمَانُونَ بعد الْخَمْسمِائَةِ) الطَّوِيل على أَن أَهلا وَإِن كَانَ غير علم لمذكر عَاقل وَلَا صفة لَهُ لكنه جمعه هَذَا الْجمع لتنزيله هَذِه الوحوش الثَّلَاثَة منزلَة الْأَهْل الْحَقِيقِيّ. وَكَذَلِكَ مَا بعده وَهُوَ: (هم الْأَهْل لَا مستودع السِّرّ ذائعٌ ... لديهم وَلَا الْجَانِي بِمَا جر يخذل) وقبلهما: (لعمرك مَا بِالْأَرْضِ ضيقٌ على امرىءٍ ... سرى رَاغِبًا أَو رَاهِبًا وَهُوَ يعقل) والأبيات من قصيدة الشنفرى الْمَشْهُورَة بلامية الْعَرَب وَقد تقدم شرح أبياتٍ مِنْهَا. وَقَوله: لعمرك إِلَخ اللَّام لَام الِابْتِدَاء للتَّأْكِيد. وعمرك بِفَتْح الْعين مُبْتَدأ مُضَاف إِلَى الْكَاف وَخَبره مَحْذُوف تَقْدِيره: قسمي. والعمر: بِضَم الْعين وَفتحهَا: مُدَّة الْحَيَاة خص المفتوح الْقسم. وَقَوله: مَا بِالْأَرْضِ

مَا: نَافِيَة وبالأرض: خبر مقدم. وضيق: مبتدأٌ مُؤخر وَالْجُمْلَة جَوَاب الْقسم. وَجُمْلَة: سرى إِلَخ صفة لامرىء. وراغباً: حَال من ضمير سرى وَجُمْلَة: وَهُوَ يعقل حَال ثَانِيَة. يَعْنِي: أَن من فَارق أَهله وسافر رَغْبَة فِي أَمر يَطْلُبهُ أَو خوفًا من شَيْء يجتنبه يرى سَعَة فِي حَاله إِن كَانَ مِمَّن يعقل فَإِنَّهُ يدبر نَفسه بعقله وَلَا يضيع فِي الغربة. وَقَوله: ولي دونكم أهلون إِلَخ الْتِفَات من الْغَيْبَة إِلَى الْخطاب خَاطب بِهِ أَهله.) وأهلون: مُبْتَدأ ودونكم: ظرف كَانَ فِي الأَصْل صفة لأهلون فَلَمَّا قدم عَلَيْهِ صَار حَالا مِنْهُ. وَدون هُنَا: بِمَعْنى غير ولي: خبر مقدم لأهلون. وَقَوله: سيدٌ عملس خبر لمبتدأ مَحْذُوف أَي: هم سيد وأرقط وعرفاء. يَقُول: اتَّخذت هَذِه الوحوش أَهلا بَدَلا مِنْكُم لِأَنَّهَا تحميني من الْأَعْدَاء وَلَا تخذلني فِي حَالَة الضّيق. وَهَذَا تعريضٌ بعشيرته فِي أَنهم لَا حماية لَهُم كهذه الْحَيَوَانَات وَلَا غيرَة لَهُم على من جاورهم فضلا عَن الْحَمِيم الْقَرِيب مثل هَذِه الوحوش. وَالسَّيِّد بِكَسْر السِّين الْمُهْملَة: مُشْتَرك بَين الْأسد وَالذِّئْب وَمرَاده الثَّانِي وَلِهَذَا عينه بِالْوَصْفِ. وَكَذَلِكَ فعل بأرقط وعرفاء. والعملس بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَالْمِيم وَاللَّام الْمُشَدّدَة الْقوي على السّير السَّرِيع. وأرقط: مَا فِيهِ نقط بياضٍ وَسَوَاد مُشْتَرك بَين حيوانات مِنْهَا النمر والحية. وَأَرَادَ الأول وَلِهَذَا وَصفه بزهلول بِضَم الزَّاي وَهُوَ الأملس وَقيل: الْخَفِيف وَهُوَ من أَوْصَاف النمر. والعرفاء: مؤنث الْأَعْرَاف. قَالَ صَاحب الْعباب: يُقَال للضبع عرفاء لِكَثْرَة شعر رقبَتهَا. وَأنْشد هَذَا الْبَيْت. وَقَالَ الْخَطِيب التبريزي فِي شرح القصيدة: العرفاء: الضبع الَّتِي

تكون طَوِيلَة الْعرف لَيست هَا هُنَا بنعت وَلكنهَا فِي الأَصْل نعت فغلب فَصَارَ بِمَنْزِلَة الْأَسْمَاء غير النعوت حَتَّى إِنَّه يُقَال: جاءتكم العرفاء فيفهم من هَذَا القَوْل أَن الضبع جَاءَت. وجيأل بِفَتْح الْجِيم وَسُكُون الْمُثَنَّاة التَّحْتِيَّة بعْدهَا همزَة مَفْتُوحَة بدل من عرفاء. قَالَ صَاحب الْعباب: جيأل على وزن فيعل: اسمٌ للضبع وَهِي معرفَة بِلَا ألف وَلَام. وَأنْشد هَذَا الْبَيْت. وَقَوله: هم الْأَهْل إِلَخ لما نزل هَذِه الوحوش منزلَة الْأَهْل ذكرهم بضمير الْعُقَلَاء وَعرف الْخَبَر لإِفَادَة الْحصْر أَي: هم الْأَهْل لَا غَيرهم. وَبَين وَجهه بقوله: لَا مستودع السِّرّ إِلَخ يَعْنِي: أَن السِّرّ الْمُسْتَوْدع عِنْدهم غير ذائع بل مصون. وَلَا الْجَانِي بِمَا جر يخذل عِنْدهم بل يحمي. والجاني: الَّذِي فعل جِنَايَة من قتل أَو نهب وَنَحْوهمَا. وجر أَي فعل جريرة بِفَتْح الْجِيم وَهِي التبعة والذنب. ويخذل: يتْرك نَصره يُقَال: خذلته وخذلت عَنهُ من بَاب قتل وَالِاسْم الخذلان إِذا تركت نَصره وإعانته وتأخرت عَنهُ.) وَقد تقدّمت تَرْجَمَة الشنفرى وَهُوَ شاعرٌ لصٌّ جاهلي فِي الشَّاهِد السَّادِس وَالْعِشْرين بعد الْمِائَتَيْنِ. وَأنْشد بعده: الوافر تقدم شَرحه مفصلا فِي الشَّاهِد السَّادِس عشر من أَوَائِل الْكتاب.

(الشاهد الخامس والثمانون بعد الخمسمائة)

وَأَرَادَ بالذوين مُلُوك الْيمن. كذي نواسٍ وَذي رعين وَذي أصبح. وَهُوَ عجزٌ وصدره: فَلَا أَعنِي بذلك أسفليكم والمشار إِلَيْهِ بذلك هُوَ الهجو. وَأنْشد بعده 3 - (الشَّاهِد الْخَامِس وَالثَّمَانُونَ بعد الْخَمْسمِائَةِ) الطَّوِيل (ذراني من نجدٍ فَإِن سنينه ... لعبن بِنَا شيباً وشيبننا مردا) على أَن نون الْجمع الَّذِي جَاءَ على خلاف الْقيَاس قد يَجْعَل معتقب الْإِعْرَاب أَي: مَحل تعاقبه. أَي: تجْرِي عَلَيْهَا الحركات وَاحِدًا بعد واحدٍ وَلَا تحذف للإضافة كَمَا فِي قَوْله: سنينه. فالنون لما جرى عَلَيْهَا الْإِعْرَاب لم تحذف مَعَ إِضَافَة الْكَلِمَة إِلَى ضمير نجد. وَفِي كَلَامه شَيْئَانِ: أَحدهمَا: أَنه غير خاصٍّ بِالضَّرُورَةِ. وَالْأول موافقٌ لكَلَام أبي عَليّ فِي إِيضَاح الشّعْر دون الثَّانِي. قَالَ فِي بَاب مَا جعلت فِيهِ النُّون الْمَفْتُوحَة اللاحقة بعد الْوَاو وَالْيَاء فِي الْجمع حرف إِعْرَاب بعد أَن أنْشد جَمِيع الأبيات الْآتِيَة. اعْلَم أَن هَذِه النُّون إِذا جعلت حرف الْإِعْرَاب صَارَت ثَابِتَة فِي الْكَلِمَة فَلم تحذف فِي الْإِضَافَة كَمَا لَا تحذف نون فرسن ورعشن

وَنَحْوه وَإِن كَانَت زَائِدَة وَيكون حرف اللين قبلهَا الْيَاء وَلَا يكون الْوَاو لِأَن الْوَاو تدل على إِعْرَاب بِعَيْنِه فَلم يجز ثباتها من حَيْثُ لم يجز ثبات إعرابين فِي الْكَلِمَة. فَأَما من أجَاز ثبات الْوَاو فِي هَذَا الضَّرْب من الْجمع وَزعم أَن ذَلِك يجوز فِيهِ قِيَاسا على قَوْلهم: زيتون فَقَوله: بعيد من جِهَة الْقيَاس مَعَ أَنا لَا نعلمهُ جَاءَ فِي شَيْء مِنْهُم. وَذَلِكَ أَن هَذِه الْوَاو لم تكن قطّ إعراباً كَمَا فِي مُسلمُونَ. وعَلى مَا ذهب إِلَيْهِ جَاءَ التَّنْزِيل: فِي) عليين. انْتهى. وَمَا ذهب إِلَيْهِ الشَّارِح الْمُحَقق هُوَ ظَاهر كَلَام الْفراء عِنْد تَفْسِير قَوْله تَعَالَى: الَّذين جعلُوا الْقُرْآن عضين. قَالَ: العضون فِي كَلَام الْعَرَب: السحر. وَيُقَال: عضوه أَي: فرقوه كَمَا تعضى الشَّاة وَالْجَزُور وَوَاحِد العضون عضة ورفعها عضون ونصبها وخفضها عضين. وَمن الْعَرَب من يَجْعَلهَا بِالْيَاءِ على كل حالٍ ويعرب نونها فَيُقَال هَذِه عضينك ومررت بعضينك وسنينك. وَهِي كثيرةٌ فِي أَسد وَتَمِيم وعامر أَنْشدني بَعضهم من بني عَامر: ذراني من نجدٍ فَإِن سنينه ... ... ... ... الْبَيْت ثمَّ قَالَ بعد أَبْيَات مثلهَا: وَإِنَّمَا جَازَ ذَلِك فِي هَذَا المنقوص الَّذِي كَانَ على ثَلَاثَة أحرف فنقصت لامه فَلَمَّا جَمَعُوهُ بالنُّون وتوهموا أَنه فعول إِذْ جَاءَت الْوَاو وَهِي وَاو جمع فَوَقَعت فِي موقع النَّاقِص فتوهموا أَنَّهَا الْوَاو الْأَصْلِيَّة وَأَن الْحَرْف على فعول. أَلا ترى أَنهم لَا يَقُولُونَ ذَلِك

فِي الصَّالِحين وَالْمُسْلِمين وَمَا أشبهه. وَمَا كَانَ من حرف نقص من أَوله مثل زنة ودية ولدة فَإِنَّهُ لَا يُقَاس على هَذَا. فَمَا كَانَ مِنْهُ مؤنثاً أَو مذكراً فاجره على التَّمام مثل الصَّالِحين. انْتهى كَلَامه. وَكَذَلِكَ قَالَ ابْن الشجري فِي أَمَالِيهِ قَالَ: وَمِنْهُم من جعل النُّون فِي جمع سنة حرف الْإِعْرَاب وألزمها صأالياء وَأثبت النُّون فِي الْإِضَافَة. ورفعها وخفضها ونونها تَشْبِيها لَهَا بنُون غسلين فَقَالُوا: أَقمت عِنْده سنيناً وَعَجِبت من سِنِين زيد وأعجبتني سنينك. وَأنْشد الْبَيْت. وَهَذَا مُخَالف لصنيع ابْن جني فِي سر الصِّنَاعَة فَإِنَّهُ خصّه بِالضَّرُورَةِ وَجوزهُ فِي الْجمع الْحَقِيقِيّ. وَتَبعهُ ابْن عُصْفُور فِي كتاب الضرائر قَالَ: وَمن الْعَرَب من يَجْعَل الْإِعْرَاب فِي النُّون من جمع الْمُذكر السَّالِم. وَذَلِكَ كُله لَا يحفظ إِلَّا فِي الشّعْر نَحْو قَول الفرزدق: الْبَسِيط (مَا سد حيٌّ وَلَا ميت مسدهما ... إِلَّا الخلائف من بعد النَّبِيين) وَقَوله: الْبَسِيط (وَإِن أتم ثمانيناً رَأَيْت لَهُ ... شخصا ضئيلاً وكل السّمع وَالْبَصَر)) وَقَوله: الوافر (وَأَن لنا أَبَا حسنٍ عليا ... أبٌ برٌّ وَنحن لَهُ بَنِينَ)

وَقَوله: الوافر وماذا يدْرِي الشُّعَرَاء مني ... ... . . الْبَيْت وَوجه ذَلِك إِجْرَاء جمع السَّلامَة وَمَا يجْرِي مجْرَاه مجْرى الْمُفْرد وَلذَلِك ثبتَتْ النُّون فِي حَال الْإِضَافَة كَقَوْلِه: الْكَامِل (وَلَقَد ولدت بَنِينَ صدقٍ سادةً ... ولأنت بعد الله كنت السيدا) وَقَول الآخر: الوافر وَقَوله: ذراني من نجدٍ فَإِن سنينه ... ... ... . . الْبَيْت انْتهى. وَمن إِعْرَاب الْجمع بالحركة قَول الشَّاعِر: الْخَفِيف (رب حيٍّ عرندس ذِي طلالٍ ... لَا يزالون ضاربين القباب) فضاربين منصوبٌ بالفتحة على أَنه خبر يزالون وَهُوَ مُضَاف للقباب. والحي: الْقَبِيلَة. والعرندس كسفرجل: الشَّديد. والطلال بِفَتْح الْمُهْملَة: الْحَالة الْحَسَنَة والهيئة الجميلة.

وَمثله قَول الزَّمَخْشَرِيّ فِي الْمفصل: وَقد يَجْعَل إِعْرَاب مَا يجمع بِالْوَاو وَالنُّون فِي النُّون وَأكْثر مَا يَجِيء ذَلِك فِي الشّعْر وَيلْزم الْيَاء إِذْ ذَلِك قَالُوا: أَتَت عَلَيْهِ سِنِين. وَقَالَ الشَّاعِر: دَعَاني من نجدٍ فَإِن سنينه ... ... ... ... ... الْبَيْت وَقَالَ سحيم: وماذا تَدْرِي الشُّعَرَاء مني ... ... ... ... الْبَيْت انْتهى. قَالَ شَارِحه ابْن يعِيش: اعْلَم أَن من الْعَرَب من يَجْعَل إِعْرَاب هَذَا الْجمع فِي النُّون بِشَرْط أَن يلْحقهُ نقصٌ كسنين. وَالشَّيْخ قد أطلق هُنَا وَالْحق مَا ذكرته. انْتهى.) وَالْبَيْت من قصيدة للصمة بن عبد الله الْقشيرِي وَبعده: الطَّوِيل (لحا الله نجداً كَيفَ يتْرك ذَا الندى ... بَخِيلًا وحر النَّاس تحسبه عبدا) (على أَن نجداً قد كساني حلَّة ... إِذا مَا رَآنِي جاهلٌ ظنني عبدا) (سواداً وأخلاقاً من الصُّوف بَعْدَمَا ... أَرَانِي بنجدٍ نَاعِمًا لابساً بردا) (على أَنه قد كَانَ للعين قُرَّة ... وللبيض والفتيان منزله حمدا) (سقى الله نجداً من ربيعٍ وصيفٍ ... وجودٍ وتسكابٍ سقى مزنه نجدا)

قَالَ ابْن هِشَام فِي شرح الشواهد: وَكَانَ من خَبره أَي: الصمَّة أَنه خطب ابْنة عَمه فاشتط عَمه فِي الْمهْر عَلَيْهِ وبخل عَلَيْهِ أَبوهُ بالجمال فزوجت من غَيره فَغَضب من عَمه وَأَبِيهِ وَخرج إِلَى طبرستان وَهِي مقرّ الديلم فَأَقَامَ بهَا مُدَّة حَيَاته إِلَى أَن مَاتَ فِيهَا. فَلهَذَا تَارَة يحن إِلَى نجد وَتارَة يذمه. انْتهى. وَقَوله: ذراني من نجد ويروى أَيْضا: دَعَاني من نجد وهما بِمَعْنى أَي: اتركاني من ذكر نجدٍ. ونجد من بِلَاد الْعَرَب وَهُوَ خلاف الْغَوْر والغور هُوَ تهَامَة. وكل مَا ارْتَفع من تهَامَة إِلَى أَرض الْعرَاق فَهُوَ نجد. وَهُوَ مُذَكّر. كَذَا فِي الصِّحَاح. والسنين: جمع سنة وَهِي هُنَا إِمَّا بِمَعْنى الْعَام وَإِمَّا بِمَعْنى الْقَحْط. وَيُقَال: أَرض بني فلَان سنة إِذا كَانَت مُجْدِبَة. وشيباً حَال من نَا فِي بِنَا وَهُوَ بِالْكَسْرِ جمع أشيب وَهُوَ الَّذِي ابيض شعره. ومردا: حالٌ أَيْضا من نَا فِي شيبننا وَهُوَ جمع أَمْرَد وَهُوَ الَّذِي لَا شعر بعارضيه. وَقَوله: لحا الله نجداً إِلَخ فِي الصِّحَاح لحاه الله أَي: قبحه ولعنه. والندى: الْجُود. وروى بدله: الْغنى وحر: مَعْطُوف على ذَا الندى وَجُمْلَة: تحسبه فِي مَوضِع الْمَفْعُول الثَّانِي. وَهَذَا الْبَيْت تعريضٌ بِأَبِيهِ وَعَمه. وَنقل ابْن المستوفي عَن ثَعْلَب أَن المُرَاد من هَذَا الْبَيْت أَن عَيْش نجدٍ عيشٌ شَدِيد لَا بُد أَن يقوم بِالْمَالِ فِيهِ وَإِلَّا ضَاعَ. وَنقل عَن ابْن الْأَعرَابِي أَيْضا أَنه ذمّ نجداً لشتائه وقيظه. وَهَذَا إِنَّمَا يَصح مَعَ قطع النّظر عَن

سَبَب الشّعْر. وَنقل أَيْضا عَن أبي زيد الْبَيْتَيْنِ الْمَذْكُورين وَأَنه قَالَ: ذمّ نجداً لشدَّة شتائه وقيظه.) وَلم أر فِي ديوَان أبي زيد إِلَّا الْبَيْت الشَّاهِد غير مشروح بِهَذَا الشَّرْح وَنَقله أَبُو عَليّ عَن أبي زيد فِي التَّذْكِرَة القصرية ثمَّ قَالَ: قَالَ ابْن الهيصم هَذَا الشَّيْخ الْكُوفِي الَّذِي يجلس إِلَى أبي حَاتِم قَالَ: أَنْشدني أعرابيٌّ بِالشَّام هَذَا الْبَيْت وَقَبله بَيْتا آخر وَهُوَ: (لحا الله نجداً كَيفَ يتْرك ذَا الْغنى ... فَقِيرا وحر الْقَوْم تحسبه عبدا) وَهَذَا إنشاد طريف. وَسمعت أَيْضا هَذَا الْبَيْت بقصر ابْن هُبَيْرَة من أَعْرَابِي. انْتهى. وَكَأَنَّهُ لم يقف على هَذِه القصيدة وَلَا على شَيْء من خَبَرهَا. وَقَوله: على أَن نجداً إِلَخ على هُنَا للاستدراك والإضراب وَكَذَلِكَ على الْآتِيَة. يُرِيد أَنه لما تغرب وَفَارق نجداً افْتقر وَلبس الثِّيَاب الْأَخْلَاق السود من الصُّوف. وناعماً: متنعماً مترفهاً. وَقَوله: وللبيض والفتيان الْجَار وَالْمَجْرُور خبر مقدم ومنزله: مُبْتَدأ مُؤخر وَهُوَ مُضَاف لضمير نجد. وَالْبيض: النِّسَاء الحسان. والفتيان: جمع الْفَتى وَهُوَ الشَّاب. وَالْحَمْد هُنَا بِمَعْنى الْمَحْمُود. وَهَذَا تشوق مِنْهُ إِلَى وَطنه وتحزن على مُفَارقَته مِنْهُ. ثمَّ دَعَا لَهُ على طَريقَة

(الشاهد السادس والثمانون بعد الخمسمائة)

الْعَرَب بقوله: سقى الله نجداً وَقَوله: من ربيع أَي: من مطر ربيع وجود مَعْطُوف عَلَيْهِ وَهُوَ بِفَتْح الْجِيم: الْمَطَر الغزير. والمزن: السَّحَاب. والصمة شاعرٌ إسلامي فِي الدولة المروانية وَهُوَ بدوي ولجده مرّة بن هُبَيْرَة صُحْبَة مَعَ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ. وَتقدم الْكَلَام عَلَيْهِ وعَلى نسبه فِي الشَّاهِد الْخَامِس وَالسِّتِّينَ بعد الْمِائَة. وَذكره الْآمِدِيّ فِي المؤتلف والمختلف فَقَالَ: هُوَ الصمَّة بن عبد الله إِلَى آخر نسبه ثمَّ أورد لَهُ ثَلَاثَة أَبْيَات من شعره وَأورد صمتين من الشُّعَرَاء لبني جشم: أَحدهمَا: صمة الْأَكْبَر وَهُوَ مَالك بن الْحَارِث. وَثَانِيهمَا: صمة الْأَصْغَر وَهُوَ مُعَاوِيَة بن الْحَارِث أَخُو مَالك بن الْحَارِث الصمَّة الْأَكْبَر. وَهَذَا الْأَصْغَر هُوَ أَبُو دُرَيْد بن الصمَّة وَكِلَاهُمَا شاعرٌ فارسٌ جاهلي. والصمة بِالْكَسْرِ للصاد الْمُهْملَة وَتَشْديد الْمِيم. وَقد أورد ابْن الْأَعرَابِي فِي نوادره الْبَيْت الشَّاهِد فَقَط وَنسبه إِلَى محجن بن مُزَاحم الغنوي. وَالله أعلم.) وَأنْشد بعده 3 - (الشَّاهِد السَّادِس وَالثَّمَانُونَ بعد الْخَمْسمِائَةِ) (وماذا يدْرِي الشُّعَرَاء مني ... وَقد جَاوَزت حد الْأَرْبَعين) لما تقدم قبله من أَنه مُعرب بالحركة على النُّون. قَالَ الْمبرد فِي الْكَامِل عِنْد قَول الفرزدق:

المنسرح (إِنِّي لباكٍ على ابْني يوسفٍ جزعاً ... وَمثل فقدهما للدّين يبكيني) (مَا سد حيٌّ وَلَا ميتٌ مسدهما ... إِلَّا الخلائف من بعد النَّبِيين) وابنا يُوسُف هما مُحَمَّد أَخُو الْحجَّاج السفاك وَمُحَمّد ابْنه فَإِنَّهُ جَاءَهُ نعي أَخِيه يَوْم مَاتَ ابْنه. قَالَ: أما قَوْله: من بعد النبين فخفض هَذِه النُّون وَهِي نون الْجمع وَإِنَّمَا فعل ذَلِك لِأَنَّهُ جعل الْإِعْرَاب فِيهَا لَا فِيمَا قبلهَا وَجعل هَذَا الْجمع كَسَائِر الْجمع نَحْو: أفلس ومساجد وكلاب فَإِن إِعْرَاب هَذَا كإعراب الْوَاحِد. وَإِنَّمَا جَازَ ذَلِك لِأَن الْجمع يكون على أبنيةٍ شَتَّى وَإِنَّمَا يلْحق مِنْهُ منهاج التَّثْنِيَة مَا كَانَ على حد التَّثْنِيَة لَا يكسر الْوَاحِد عَن بنائِهِ وَإِلَّا فَلَا فَإِن الْجمع كالواحد لاخْتِلَاف مَعَانِيه كَمَا تخْتَلف مَعَاني الْوَاحِد والتثنية لَيست كَذَلِك لِأَنَّهَا ضرب وَاحِد لَا يكون اثْنَان أَكثر من اثْنَيْنِ عددا كَمَا يكون الْجمع أَكثر من الْجمع. فمما جَاءَ على هَذَا الْمَذْهَب قَوْلهم: هَذِه سنينٌ فَاعْلَم وَهَذِه عشرينٌ فَاعْلَم. (إِنِّي أبيٌّ أبيٌّ ذُو محافظةٍ ... وَابْن أبيٍّ أبيٍّ من أبيين) (وَأَنْتُم معشر زيدٌ على مائةٍ ... فَأَجْمعُوا كيدكم كلا فكيدوني) وَقَالَ سحيم بن وثيل:

(وماذا يدْرِي الشُّعَرَاء مني ... وَقد جَاوَزت رَأس الْأَرْبَعين) (أَخُو خمسين مجتمعٌ أشدي ... ونجذني مداورة الشؤون) وَفِي كتاب الله عَزَّ وَجَلَّ: إِلَّا من غسلين. فَإِن قَالَ قَائِل: فَإِن غسلين وَاحِد. فَجَوَابه أَن كل مَا كَانَ على بِنَاء الْجمع من الْوَاحِد فإعرابه إِعْرَاب الْجمع. أَلا ترى أَن عشْرين لَيْسَ لَهَا واحدٌ من لَفظهَا فإعرابها كإعراب مُسلمين وواحدهم مُسلم. وَكَذَلِكَ جَمِيع الْإِعْرَاب. وَيَقُولُونَ: هَذِه فلسطون يَا فَتى وَرَأَيْت فلسطين يَا فَتى وَهَذَا القَوْل الأجود. وَكَذَلِكَ: يبرين) وَفِي الرّفْع: يبرون يَا فَتى. وكل مَا أشبه هَذَا فَهُوَ بِمَنْزِلَتِهِ تَقول: هَذِه قنسرون وَرَأَيْت قنسرين. والأجود فِي هَذَا الْبَيْت: المتقارب (وشاهدنا الجل والياسمو ... ن والمسمعات بقصابها) وَفِي الْقُرْآن مَا يصدق ذَلِك قَول الله عَزَّ وَجَلَّ: كلا إِن كتاب الْأَبْرَار لفي عليين. وَمَا أَدْرَاك مَا عليون. انْتهى. فَأَما قَول سحيم بن وثيل: وَقد جَاوَزت حد الْأَرْبَعين. فَلَيْسَتْ النُّون حرف إِعْرَاب وَلَا الكسرة فِيهَا عَلامَة جر الِاسْم

وَإِنَّمَا هِيَ حَرَكَة التقاء الساكنين وهما الْيَاء وَالنُّون وَكسرت على أصل حَرَكَة التقاء الساكنين وَلم يفتح كَمَا يفتح نون الْجمع لِأَن الشَّاعِر اضْطر إِلَى ذَلِك لِئَلَّا تخْتَلف حَرَكَة الروي فِي سَائِر الأبيات. ويدلك على أَن الْحَرَكَة الَّتِي هِيَ الكسرة لَيست جراً قَول الشَّاعِر: وَابْن أبيٍّ أبيٍّ من أبيين فأبيون جمع أبي مثل ظريفون من ظريف. فَكَمَا لَا شكّ أَن كسر نون أبيين إِنَّمَا هِيَ لالتقاء الساكنين لِأَنَّهُ جمع تَصْحِيح فَكَذَلِك يَنْبَغِي أَن تكون كسرة نون الْأَرْبَعين. وَكَذَلِكَ قَول الفرزدق: إِلَّا الخلائف من بعد النَّبِيين وَهَذَا أَيْضا جمع نَبِي على الصِّحَّة لَا محَالة فكسرة نون الْجمع فِي هَذِه الْأَشْيَاء ضَرُورَة وأجريت فِي ذَلِك مجْرى نون التَّثْنِيَة. انْتهى. (أَقُول لما أرى كَعْبًا ولحيته ... لَا بَارك الله فِي بضعٍ وَسِتِّينَ) (من السنين تملاها بِلَا حسب ... وَلَا حياءٍ وَلَا عقلٍ وَلَا دين) قَالَ: كَانَ أَبُو الْعَبَّاس يذهب فِي قَول سحيم: وَقد جَاوَزت حد الْأَرْبَعين إِلَى أَن أخرجه على أصل التقاء الساكنين وَهُوَ الكسرة ضَرُورَة. ويؤكد ذَلِك هَا هُنَا أَيْضا قَوْله بعده من السنين فجَاء بِمن المرادة فِي

جَمِيع التفاسير من أحد) عشر إِلَى تِسْعَة وَتِسْعين. أَلا ترى أَن أصل حَرَكَة عشْرين درهما إِنَّمَا هُوَ عشرُون من الدَّرَاهِم فمجيئه بالتمييز على أَصله يؤنسك بِأَن كسر نون السنين من قبلهَا هُوَ أَيْضا خروجٌ فِيهَا عَن الأَصْل غير أَن النُّون فِي السنين الثَّانِيَة مَفْتُوح على الِاسْتِعْمَال وَلم يضْطَر إِلَى كسرهَا كَمَا يضْطَر فِي القافية قبلهَا. انْتهى. وَأَرَادَ بِأبي الْعَبَّاس الْمبرد وَقد نقلنا كَلَامه وَلَيْسَ فِيهِ مَا نَقله عَنهُ وَكَلَامه بعده غير وَاضح. انْتهى أَيْضا فَتَأَمّله. وسحيم بن وثيل شاعرٌ إسلامي تقدّمت تَرْجَمته فِي الشَّاهِد الثَّامِن وَالثَّلَاثِينَ من أَوَائِل الْكتاب مَعَ شرح عدَّة أبياتٍ من هَذِه القصيدة. (عذرت البزل إِن هِيَ خاطرتني ... فَمَا بالي وبال ابْني لبون) البزل: جمع بازل وَهُوَ المسن من الْإِبِل. وضربه مثلا. يَقُول: عذرت المسان من الشُّعَرَاء إِذا تعرضوا لي وهاجوني فَكيف بغلامين حديثين يَعْنِي الأبيرد والأخوص وَكَانَا تعرضا لَهُ.

وَقَوله: وماذا يدْرِي الشُّعَرَاء إِلَخ يدْرِي بِالدَّال الْمُهْملَة يُقَال: ادراه يدريه إِذا ختله وخدعه. يَقُول: كَيفَ يطْمع الشُّعَرَاء فِي خديعتي وَقد جَاوَزت أَرْبَعِينَ سنة وقاربت الْخمسين وَقد اجْتمع أشدي وجربت وَعرفت الخديعة وَالْمَكْر فَلَا يتم عَليّ شيءٌ. والشؤون: جمع شَأْن. ومداورتها: التقلب فِيهَا وَالتَّصَرُّف. ونجذ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة أَي أحكم يُقَال: رجل منجذٌ إِذا كَانَ قد جرب الْأُمُور ونجذته الْأُمُور إِذا أحكمته كَمَا يُقَال: حنكته التجارب. والناجذ: آخر الأضراس وَيُقَال لَهُ: ضرس الْحلم. وَمن ذَلِك قَوْلهم: ضحك حَتَّى بَدَت نَوَاجِذه. واجتماع الأشد عبارةٌ عَن كَمَال القوى وَتَمام الْعقل. وَأنْشد بعده الوافر غراث الوشح صامتة البرين لما تقدم قبله من أَنه مُعرب بالحركة على النُّون. وَهُوَ جمع برة بِضَم الْبَاء قَالَ فِي الصِّحَاح: كل حلقةٍ من سوار وقرط وخلخال وَمَا أشبههَا) برة. قَالَ: الوافر وقعقعن الخلاخل والبرينا والبرة أَيْضا: حَلقَة من صفر تجْعَل فِي لحم أنف الْبَعِير. وَقَالَ الْأَصْمَعِي: تجْعَل فِي أحد جَانِبي المنخرين. قَالَ: وَرُبمَا كَانَت الْبرة من شعر فَهِيَ الخزامة.

قَالَ أَبُو عَليّ: أصل الْبرة بروة لِأَنَّهَا جمعت على بَرى مثل قَرْيَة وقرًى وَيجمع براتٍ وبرين. انْتهى. وَالصَّوَاب أَن أَصْلهَا بروة بِضَم الْبَاء لَا بِفَتْحِهَا نَحْو: غرفَة وغرف وخصلةٍ وخصل. وَهَذَا المصراع عجزٌ وصدره: حسان مَوَاضِع النقب الأعالي وَقد أوردهُ أَبُو عَليّ فِي كتاب الشّعْر مَعَ أبياتٍ أخر على طرز البرين من قصيدة هَذَا الْبَيْت وَغَيرهَا ثمَّ قَالَ: وَقد ذكر هَذَا الضَّرْب من الْجمع حَتَّى لَو جعل قِيَاسا مستمراً كَانَ مذهبا. انْتهى. وَالْبَيْت من قصيدة للطرماح عدتهَا سَبْعُونَ بَيْتا كلهَا غزلٌ ونسيب. وَقَبله: (ظعائن كنت أعهدهن قدماً ... وَهن لَدَى الْأَمَانَة غير خون) وَبعده: (طوالٌ مثل أَعْنَاق الهوادي ... نواعم بَين أبكار وَعون) والظعائن: جَمِيع ظَعِينَة وَهِي الْمَرْأَة مَا دَامَت فِي الهودج. والعهد: الْحِفْظ بالبال. وقدماً بِكَسْر الْقَاف وَسُكُون الدَّال قَالَ فِي الصِّحَاح: يُقَال قدماً كَانَ كَذَا وَكَذَا وَهُوَ اسْم من الْقدَم جعل اسْما من أَسمَاء الزَّمَان. وخون: جمع خَائِنَة. وَجُمْلَة: وَهن لَدَى الْأَمَانَة إِلَخ حَال من مفعول أعهدهن.

وَقَوله: حسان مَوَاضِع إِلَخ جمع امْرَأَة حَسَنَة بِمَعْنى حسناء. والنقب بِضَم فَفتح: جمع نقبة بِسُكُون الثَّانِي هُوَ اللَّوْن وَالْوَجْه. كَذَا فِي الصِّحَاح. وَأَرَادَ بالأعالي مَا يظْهر للشمس من الْوَجْه والعنق وأطرافه فَإِنَّهَا مَعَ ظُهُورهَا للشمس والهواء) وَالْحر وَالْبرد إِذْ كَانَت فِي غَايَة الْحسن والصفاء وَنِهَايَة اللطف فغيرها يكون أحسن. وغراث: جمع غرثان بِمَعْنى الجوعان وَأَرَادَ لَازمه وَهُوَ الهزيل اللَّازِم من الْجُوع. والوشح بِالضَّمِّ: جمع وشاح بِالْكَسْرِ وَالضَّم وَهُوَ شيءٌ ينسج عريضاً من أَدِيم ويرصع بالجواهر وتشده الْمَرْأَة بَين عاتقيها وكشحيها. قَالَ فِي الصِّحَاح: وَامْرَأَة غرثى الوشاح أَي: دقيقة الخصر لَا يمْلَأ وشاحها فَكَأَنَّهُ غرثان. وصامته أَي: ساكتة. وسكوت الْبرة كِنَايَة عَن امتلاء سَاقيهَا لَحْمًا بِحَيْثُ لَا يَتَحَرَّك ليسمع لَهُ صَوت. والبرة هُنَا: الخلخال. وَقَوله: طوال مثل إِلَخ هُوَ جمع طَوِيل وطويلة. والمثل: الشّبَه. أَرَادَ تَشْبِيه أعناقهن بأعناق الظباء. وَرَوَاهُ الْمولى خسرو فِي حَاشِيَته على الْبَيْضَاوِيّ بِفَتْح الْمِيم والشين الْمُعْجَمَة وَتَشْديد اللَّام على إِضَافَة طوال إِلَيْهِ. قَالَ: والمشل: مفعل من شللت الثَّوْب أَي: خطته وَالْمرَاد بِهِ مَا يستر الْأَعْنَاق. هَذَا كَلَامه. وَتَبعهُ خضرٌ الْموصِلِي فِي شرح شَوَاهِد

التفسيرين وَلَا يخفى أَن هَذَا تعسفٌ من تَصْحِيف. والعون: جمع عوان قَالَ الْجَوْهَرِي: الْعوَان: النّصْف فِي سنّهَا من كل شيءٍ أَي: المتوسطة. وَقد أورد هَذَا الْبَيْت فِي التفسيرين شَاهدا على أَن الْعوَان فِي قَوْله تَعَالَى: عوانٌ بَين ذَلِك بِمَعْنى النّصْف بَين الحديثة والمسنة. قَالَ خضرٌ الْموصِلِي: وَتوقف بَعضهم فِي الاستشهاد لِأَن بَين يُوصف بهَا الْوسط وتضاف إِلَى متعددٍ هما الطرفان لذَلِك الْوسط. وَفِي الْبَيْت الْمَوْصُوف ببين هُوَ النواعم والمتعدد الَّذِي أضيفت هِيَ إِلَيْهِ الْأَبْكَار والعون فَلَزِمَ أَن يكون طرفا والنواعم وسطا فَلم يدل على أَن الْعوَان النّصْف بل على ضِدّه وَهُوَ الطّرف. وَأجَاب عَنهُ بعض الْفُضَلَاء بِأَن بَين هُنَا مستعملةٌ للتنويع كَمَا يُقَال: مركوب فلانٍ مَا بَين الْبَغْل وَالْفرس أَي: مركوبه نَوْعَانِ: بغل وفرسٍ فَيكون الْمَعْنى أَن الممدوحات نواعم بَعْضهَا أبكارٌ وَبَعضهَا عونٌ. وَلَا شكّ

أَنَّهَا هِيَ المتوسطات فِي السن وَأما الصغار اللَّاتِي فِي سنّ الطفولية فَلَا يمِيل الطَّبْع إلَيْهِنَّ وَكَذَا المسنات. فالتوسط معلومٌ من الْمقَام. أَقُول: إِنَّمَا يتم الْجَواب أَن لَو اسْتعْمل بَين الَّتِي للتنويع بِغَيْر مَا والاستعمال يشْهد أَنه لَا بُد مِنْهَا) فَيُقَال: مركوب فلَان مَا بَين بغل وَفرس وثيابه مَا بَين خَز وحرير وَلَا يُقَال بَين كَمَا صرح بِهِ النّحاس. انْتهى. والطرماح هُوَ الطرماح بن حَكِيم الطَّائِي شَاعِر إسلامي فِي الدولة المروانية ومولده ومنشؤه بِالشَّام ثمَّ انْتقل إِلَى الْكُوفَة مَعَ من وردهَا من جيوش أهل الشَّام فَاعْتقد مَذْهَب الشراة الْأزَارِقَة وَذَلِكَ إِنَّه لما قدمهَا نزل على تيم اللات بن ثَعْلَبَة وَفِيهِمْ شيخٌ من الشراة لَهُ سمةٌ وهيئة فَكَانَ يجالسه وَيسمع مِنْهُ فَدَعَاهُ إِلَى مذْهبه فَقبله مِنْهُ واعتقده أَشد اعتقادٍ حَتَّى مَاتَ عَلَيْهِ. قَالَ ابْن قُتَيْبَة: كَانَ الْكُمَيْت بن زيد صديقا للطرماح لَا يتفارقان فِي حَال من الْأَحْوَال فَقيل للكميت: لَا شَيْء أعجب من صفاء مَا بَيْنكُمَا على تبَاعد مَا بَيْنكُمَا من النّسَب وَالْمذهب والبلاد وَهُوَ شاميٌّ قحطانيٌّ خارجي وَأَنت كُوفِي نزاري شيعي فَكيف اتفقتما مَعَ تبَاين الْمَذْهَب وَشدَّة العصبية فَقَالَ: اتفقنا على بغض الْعَامَّة. والطرماح بِكَسْر الطَّاء وَالرَّاء الْمُهْمَلَتَيْنِ وَتَشْديد الْمِيم وَآخره حاءٌ مُهْملَة ووزنه فعمال فالميم زَائِدَة.

(الشاهد الثامن والثمانون بعد الخمسمائة)

وَلم نذْكر بَقِيَّة نسبه لِأَن فِي ألفاظها غرابة وغموضاً يحْتَاج إِلَى ضبط يطول بِهِ الْكَلَام وَلَا فَائِدَة فِيهِ. والشراة: بِضَم الشين: الْخَوَارِج الْوَاحِد شارٍ كقضاة جمع قَاض. سموا بذلك لقَولهم: إِنَّا شرينا أَنْفُسنَا فِي طَاعَة الله أَي: بعناها بِالْجنَّةِ حِين فارقنا الْأَئِمَّة الجائرة. يُقَال: مِنْهُ تشرى الرجل. كَذَا فِي الصِّحَاح. وَأنْشد بعده 3 - (الشَّاهِد الثَّامِن وَالثَّمَانُونَ بعد الْخَمْسمِائَةِ) الوافر (وَأَن لنا أَبَا حسنٍ عليا ... أبٌ برٌّ وَنحن لَهُ بَنِينَ) لما تقدم قبله فَإِنَّهُ رفع بَنِينَ بالضمة على النُّون مَعَ لُزُوم الْيَاء. وَأوردهُ ابْن عُصْفُور فِي كتاب الضرائر وَقَالَ: إِنَّه ضرورةٌ لَا يحفظ إِلَّا فِي الشّعْر. وَجعله خطأ أَبُو الْعَبَّاس الْمبرد فِي كتاب الرَّوْضَة وَخطأ قَول أبي نواس: الطَّوِيل (شمولٌ تخطاها الْمنون فقد أَتَت ... سنينٌ لَهَا فِي دنها وسنين) ولحنه فِي قَوْله بعد هَذَا: تخيرها بعد الْبَنِينَ بنُون

لِأَنَّهُ جمع فِي الْكَلِمَة إعرابين: إعراباً بالحرف وإعراباً بالحركة. وَهُوَ غير مسموع فِي كَلَام الْعَرَب. ذراني من نجدٍ فَإِن سنينه ... ... ... ... . . الْبَيْت وَقَوله: وَأَن لنا بِفَتْح الْهمزَة لِأَنَّهُ مَعْطُوف على قَوْله: بِأَنا لَا نزال لكم عدوا فِي بَيت قبله كَمَا سَيَأْتِي. وَرَوَاهُ ابْن عقيل وَابْن هِشَام فِي شرح الألفية: (وَكَانَ لنا أَبُو حسنٍ عليٌّ ... أَبَا برا وَنحن لَهُ بَنِينَ) وَلنَا كَانَ فِي الأَصْل نعتاً لقَوْله: أَب فَلَمَّا قدم عَلَيْهِ صَار حَالا مِنْهُ. وَنحن: مُبْتَدأ وبنين: خَبره وَصفته محذوفة بِدَلِيل مَا قبله وَالتَّقْدِير: وَنحن لَهُ بَنِينَ أبرار وَلَوْلَا هَذَا التَّقْدِير لخلا الْحمل من فَائِدَة. وروى أَيْضا: ألم تَرَ أَن والينا عليا أبٌ بر ... ... ... ... . إِلَخ والوالي من ولي الْأَمر يَلِيهِ ولَايَة بِكَسْر اللَّام فيهمَا وَكسر الْوَاو وَالْبر بِالْفَتْح قَالَ صَاحب الْمِصْبَاح: بر الرجل يبر برا وزان علم يعلم علما فَهُوَ بر بِالْفَتْح وبارٌّ أَيْضا أَي: صَادِق أَو تقيٌّ وَهُوَ خلاف الْفَاجِر وَجمع الأول أبرار وَجمع الثَّانِي بررة مثل كَافِر وكفرة. وبررت

وَالِدي أبره برا وبروراً: أَحْسَنت الطَّاعَة إِلَيْهِ ورفقت بِهِ وتحريت محابه وتوقيت مكارهه. وبر الْحَج وَالْيَمِين وَالْقَوْل برا أَيْضا فَهُوَ برٌّ وبارٌّ أَيْضا. وَيسْتَعْمل مُتَعَدِّيا أَيْضا بِنَفسِهِ فِي) الْحَج وبالحرف فِي الْيَمين وَالْقَوْل فَيُقَال: بر الله الْحَج يبره بروراً أَي: قبله. وبررت فِي القَوْل وَالْيَمِين أبر فيهمَا بروراً أَيْضا إِذا صدقت فيهمَا فَأَنا برٌّ وبارٌّ. وَفِي لُغَة يتَعَدَّى بِالْهَمْزَةِ فَيُقَال: أبر الله الْحَج وأبررت القَوْل وَالْيَمِين. وَالْبر بِالْكَسْرِ: الْخَيْر وَالْفضل والمبرة مثله. انْتهى. وَالْبَيْت من أَبْيَات لسَعِيد بن قيس الْهَمدَانِي قَالَهَا فِي أحد أَيَّام صفّين وَذَلِكَ أَن مُعَاوِيَة دَعَا أهل الشَّام فَقَالَ: إِن عليا يخرج فِي سرعَان الْخَيل فَمن ينتدب لَهُ فَقَامَ عبد الرَّحْمَن بن خَالِد فَقَالَ: أَنا لَهُ. فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَة: اقعد فَلم أعهدك خَفِيفا. فَقَالَ عبد الرَّحْمَن العكي: أَنا لَهُ. فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَة: أَنْت لَهُ لَوْلَا عجلتك فِي الْحَرْب. فَقَالَ عَمْرو بن الْحصين السكونِي: أَنا لَهُ. فَقَالَ: أَنْت لَهُ حَقًا فَخرج فِي عك والصدف وَخرج عليٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه كعادته فترقبه السكونِي وَحمل عَلَيْهِ من خَلفه فَلَمَّا كَاد أَن يطعنه اعْتَرَضَهُ سعيد بن قيسٍ الْهَمدَانِي فطعنه طعنة قَصم بهَا صلبه فَالْتَفت عَليّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه فَرَأى السكونِي صَرِيعًا. ثمَّ قتل سعيد بن قيس رجلا من ذِي رعين فجزع عَلَيْهِمَا مُعَاوِيَة جزعاً شَدِيدا فَقَالَ سعيد بن قيس هَذِه الأبيات: الوافر (غَدَاة أَتَى أَبَا حسنٍ عليا ... وَأم النَّقْع مشبلةٌ طحون) ...

(ليطعنه فَقلت لَهُ خذنها ... مسومةً يخف لَهَا القطين) (أَقُول لَهُ ورمحي فِي صلاه ... وَقد قرت بمصرعه الْعُيُون) (أَلا يَا عَمْرو عَمْرو بني حُصَيْن ... وكل فَتى ستدركه الْمنون) (أترجو أَن تنَال إِمَام صدقٍ ... أَبَا حسنٍ وَذَا مَا لَا يكون) (لقد بَكت السّكُون عَلَيْك حَتَّى ... وهت مِنْهَا النواظر والجفون) (أَلا أبلغ مُعَاوِيَة بن حربٍ ... ورجم الْغَيْب يكشفه الْيَقِين) (بِأَنا لَا نزال لكم عدوا ... طوال الدَّهْر مَا سمع الحنين) (ألم تَرَ أَن والينا عليا ... أبٌ برٌّ وَنحن لَهُ بَنِينَ) (وَأَنا لَا نُرِيد سواهُ يَوْمًا ... وَذَاكَ الرشد وَالْحق الْمُبين) (وَأَن لَهُ الْعرَاق وكل كبشٍ ... حَدِيد الْقرن ترهبه الْقُرُون) والعكي: نِسْبَة إِلَى عكٍّ بِفَتْح الْمُهْملَة: أَو قَبيلَة من الْيمن وَهُوَ عك بن عدنان بن عبد الله بن) الأزد. والسكوني: نِسْبَة إِلَى السّكُون بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة أَبُو قَبيلَة عَظِيمَة من الْيمن وَهُوَ السّكُون بن والصدف بِفَتْح الْمُهْملَة وَكسر الدَّال: بطنٌ من كِنْدَة ينسبون الْيَوْم إِلَى حَضرمَوْت. وَإِذا نسبت إِلَيْهِ فَقلت: صدفيٌّ فتحت الدَّال. وهمدان بِسُكُون الْمِيم: أَبُو قَبيلَة عَظِيمَة بِالْيمن. وَذُو رعين بِالتَّصْغِيرِ: بطن من حمير وَهُوَ ذُو رعين بن سهل بن زيد. كَذَا فِي الجمهرة. وَقد تجوز الشَّاعِر فِي حذف ذِي مِنْهُ.

وفجعت فِي الْمَوْضِعَيْنِ بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول من فجعه فِي مَاله وَأَهله أَي: أَصَابَهُ بالرزية والفجيعة: الرزية وَفعله من بَاب نفع. وَأم النَّقْع أَرَادَ بهَا الْحَرْب. وَالنَّقْع بالنُّون وَالْقَاف: الْغُبَار. ومشبلة: اسْم فَاعل من أشبل عَلَيْهِ أَي: عطف. وأشبلت الْمَرْأَة بعد بَعْلهَا: صبرت على أَوْلَادهَا فَلم تتَزَوَّج. ولبوةٌ مشبلٌ إِذا مَشى مَعهَا أَوْلَادهَا. والشبل بِالْكَسْرِ: ولد الْأسد. وطحون: مُبَالغَة طاحنة أَي: مهلكة. وَالضَّمِير فِي خذنها راجعٌ إِلَى الطعنة المفهومة من قَوْله ليطعنه. والمسومة: الْمُرْسلَة من قَوْلهم: سوم فِيهَا الْخَيل إِذا أرسلها. وَمِنْه السَّائِمَة. ويخف: يرحل ويسافر. والقطين: جمع قاطن وَهُوَ الْمُقِيم. وَالصَّلَا بِفَتْح الصَّاد وَالْقصر الْعَجز وَفِي الأَصْل هُوَ مغرس الذَّنب من الْفرس وَمِنْه قيل: أخذت الصَّلَاة. والمصرع: المهلك. ووهت: ضعفت. وَقَوله: بِأَنا مُتَعَلق بأبلغ. والعدو: خلاف الصّديق يَقع على الْوَاحِد الْمُذكر والمؤنث وَالْمَجْمُوع. وطوال الدَّهْر بِفَتْح الطَّاء أَي: طوله. والحنين هُنَا: حنين النَّاقة وَهُوَ صَوتهَا فِي نزاعها إِلَى وَلَدهَا. والقرن فِي الْمَوْضِعَيْنِ بِفَتْح الْقَاف. وَجُمْلَة: ترهبه حَالية.

وَسَعِيد بن قيس الْهَمدَانِي من أَصْحَاب عَليّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه وَلم أر لَهُ ذكرا فِي كتب الصَّحَابَة وَإِنَّمَا هُوَ تَابِعِيّ. قَالَ ابْن الْكَلْبِيّ: السبيع: بطنٌ من هَمدَان. وَمن السبيع: سعيد بن قيس بن زيد بن مرب بن معديكرب بن أسيف بن عَمْرو بن سبع بن السبيع. انْتهى.) وهمدان بِسُكُون الْمِيم: قبيلةٌ عظمية بِالْيمن وَهُوَ لقب واسْمه أوسلة. والسبيع بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَكسر الْمُوَحدَة. ومرب بِفَتْح الْمِيم وَكسر الرَّاء الْمُهْملَة بعْدهَا مُوَحدَة. وَلما لم يقف الْعَيْنِيّ على مَا قبل الْبَيْت الشَّاهِد وَلَا على مَا بعده ظن أَن الْبَيْت لأحد أَوْلَاد عَليّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه. مَتى كُنَّا لأمك مقتوينا على أَنه حُكيَ عَن أبي عُبَيْدَة وَأبي زيد جعل نون مقتوينا مَحل تعاقب الْإِعْرَاب بالحركة. فالألف هُنَا بدل من التَّنْوِين. وَهَذِه عبارَة أبي زيد فِي نوادره: رجل مقتوينٌ ورجلان مقتوين وَرِجَال مقتوينٌ. وَكَذَلِكَ الْمَرْأَة وَالنِّسَاء وَهُوَ الَّذِي يخْدم الْقَوْم بِطَعَام بَطْنه. وَقَالَ عَمْرو بن كُلْثُوم: ...

(تهددنا وأوعدنا رويداً ... مَتى كُنَّا لأمك مقتوينا) الْوَاو مَفْتُوحَة وَبَعْضهمْ يكسرها أَي: مَتى كُنَّا خدماً لأمك. هَذَا كَلَامه. وَقد شَرحه أَبُو عَليّ فِي كتاب الشّعْر وَقَالَ: النُّون حرف الْإِعْرَاب. وَنَقله عَنهُ وَعَن أبي عُبَيْدَة. وَضبط الْمِيم بِالْفَتْح وَالضَّم وَتقدم كَلَامه مَنْقُولًا بِتَمَامِهِ فِي الشَّاهِد الثَّالِث وَالْخمسين بعد الْخَمْسمِائَةِ من بَاب الْمُذكر والمؤنث. وَقَالَ أَبُو الْحسن الْأَخْفَش فِي شَرحه لَهَا: هَذَا الْقيَاس وَهُوَ مسموع من الْعَرَب أَيْضا فتح الْوَاو من مقتوين فَتَقول مقتوين فَيكون الْوَاحِد مقتوًى فَاعْلَم مثل مصطفى فَاعْلَم ومصطفين إِذا جمعت. وَمن قَالَ مقتوين فَكسر الْوَاو فَإِنَّهُ يفرده فِي الْوَاحِد والتثنية وَالْجمع والمؤنث لِأَنَّهُ عِنْده مصدر فَيصير بِمَنْزِلَة قَوْلهم: رجل عدلٌ وَفطر وَصَوْم ورضاً وَمَا أشبهه. وَيُقَال: مقت الرجل إِذا خدم. فَهَذَا بَين فِي هَذَا الْحَرْف. انْتهى. وَهَذَا مبنيٌّ على أَن الْمِيم مَضْمُومَة إِلَّا أَن قَوْله مقت الرجل فَجعل الْمِيم أَصْلِيَّة لَا وَجه لَهُ. فَتَأمل.

(الشاهد التاسع والثمانون بعد الخمسمائة)

وَأنْشد بعده) 3 - (الشَّاهِد التَّاسِع وَالثَّمَانُونَ بعد الْخَمْسمِائَةِ) وَهُوَ من شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ: الطَّوِيل إِذا مَا بَنو نعشٍ دنوا فتصوبوا على أَن الْأَخْفَش حكى: بَنو عرس وَبَنُو نعش اعْتِبَارا للفظ ابْن وَإِن كَانَ غير عَاقل كَمَا فِي الْبَيْت. كَأَنَّهُ جعلهَا جمعا لِابْنِ نعش وَإِن لم يسْتَعْمل. قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَأما كلٌّ فِي فلكٍ يسبحون رَأَيْتهمْ لي ساجدين ويَا أَيهَا النَّمْل ادخُلُوا مَسَاكِنكُمْ فَزعم الْخَلِيل أَنه جعلهم بِمَنْزِلَة من يعقل وَيسمع لما ذكرهم بِالسُّجُود وَصَارَ النَّمْل وَكَذَلِكَ فِي فلكٍ يسبحون لِأَنَّهَا جعلت فِي طاعتها وَفِي أَنه لَا يَنْبَغِي لأحدٍ أَن يَقُول: مُطِرْنَا بِنَوْء كَذَا وَلَا يَنْبَغِي لأحدٍ أَن يعبد شَيْئا مِنْهَا بِمَنْزِلَة مَا يعقل من المخلوقين ويبصر الْأُمُور. قَالَ النَّابِغَة الْجَعْدِي: (شربت بهَا والديك يَدْعُو صباحه ... إِذا مَا بَنو نعشٍ دنوا فتصوبوا) فَجَاز هَذَا حَيْثُ صَارَت هَذِه الْأَشْيَاء عِنْدهم تُؤمر وتطيع وتفهم الْكَلَام وَتعبد بِمَنْزِلَة الْآدَمِيّين. انْتهى.

قَالَ الأعلم: الشَّاهِد فِي تذكير بَنَات نعش لإخباره عَنْهَا بالدنو والتصوب كَمَا يخبر عَن الْآدَمِيّين على مَا بَينه سِيبَوَيْهٍ. وصف خمرًا باكرها بالشرب عِنْد صياح الديك. وتصوب بَنَات نعشٍ: دنوها من الْأُفق للغروب. وَالْبَاء فِي قَوْله: بهَا زَائِدَة مُؤَكدَة. وَكَثِيرًا مَا تزيدها الْعَرَب فِي مثل هَذَا. قَالَ تَعَالَى: عينا يشرب بهَا المقربون. انْتهى. أَقُول: الْبَاء فِي الْبَيْت وَالْآيَة للتَّبْعِيض. وَقَالَ ابْن خلف: الشَّاهِد أَنه جمع ابْنا من غير مَا يعقل جمع الْعُقَلَاء المذكرين فَقَالَ: بَنو وَكَانَ يَنْبَغِي أَن يَقُول: بَنَات نعش وواحدها ابْن نعش. لِأَن مَا لَا يعقل من الْمُذكر والمؤنث يجمع جمع السَّلامَة والتكسير: كحمام وحمامات وَحمل بَنو نعش على مَا يعقل لما كَانَ دورها على مِقْدَار لَا يتَغَيَّر فَكَأَنَّهَا تقدر ذَلِك الدّور وتعقله. فَجَاز هَذَا حَيْثُ صَارَت هَذِه الْأَشْيَاء عِنْدهم تُؤمر وتطيع وتفهم الْكَلَام وَتعبد بِمَنْزِلَة الْآدَمِيّين وَقَالَ: دنوا فتصوبوا وَكَانَ يَنْبَغِي أَن يُقَال: دنون) فتصوبن. انْتهى. وَقَالَ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي: وَالَّذِي جرأه على اسْتِعْمَال الْوَاو فِي غير الْعُقَلَاء قَوْله: بَنو لَا بَنَات. وَالَّذِي سوغ ذَلِك أَن مَا فِيهِ من تَغْيِير نظم الْوَاحِد شبهه بِجمع التكسير فسهل مَجِيئه لغير الْعَاقِل. وَلِهَذَا جَازَ تَأْنِيث فعله نَحْو: إِلَّا الَّذِي آمَنت بِهِ بَنو إِسْرَائِيل مَعَ امْتنَاع قَامَت الزيدون. انْتهى. وَبَنَات نعش من منَازِل الْقَمَر الثَّمَانِية وَالْعِشْرين قَالَ صَاحب الصِّحَاح: اتّفق سِيبَوَيْهٍ وَالْفراء على تِلْكَ صرف نعشٍ للمعرفة والتأنيث. قَالَ الدماميني فِي الْحَاشِيَة الْهِنْدِيَّة: الظَّاهِر أَنه جَائِز لَا وَاجِب لِأَنَّهُ سَاكن الْوسط.

وَقَالَ صَاحب الْعباب: بَنَات نعش الْكُبْرَى: سَبْعَة كواكب أَرْبَعَة مِنْهَا نعش وَثَلَاث بَنَات. وَكَذَلِكَ بَنَات نعشٍ الصُّغْرَى. وَذكر أَبُو عمر الزَّاهِد فِي فَائت الجمهرة عَن الْفراء أَنه يُقَال: بَنَات نعش فِي ميزَان عمر لَا ينْصَرف فِي الْمعرفَة وينصرف فِي النكرَة. قَالَ: وَلَيْسَ بَينهم خلاف تَقول: هَذِه بَنَات نعشٍ مقبلةً وَمَعَهَا بَنَات نعشٍ أُخْرَى مقبلة. وَقد جَاءَ فِي الشّعْر بَنو نعش وَأنْشد أَبُو عُبَيْدَة للنابغة الْجَعْدِي: (وصهباء لَا تخفي القذى وَهِي دونه ... تصفق فِي راووقها ثمَّ تقطب) (تمززتها والديك يَدْعُو صباحه ... إِذا مَا بَنو نعشٍ دنوا فتصوبوا) وَقَالَ ابْن دُرَيْد: سميت بَنَات نعش تَشْبِيها بحملة النعش فِي تربيعها. وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال للْوَاحِد مِنْهَا ابْن نعش لِأَن الْكَوَاكِب مذكرة فيذكرونه على تذكيره. وَإِذا قَالُوا: ثَلَاث وَأَرْبع ذَهَبُوا إِلَى مَذْهَب التَّأْنِيث لِأَن الْبَنِينَ إِنَّمَا يُقَال للآدميين. وعَلى هَذَا الْقيَاس يَقُولُونَ: ابْن آوى وَابْن عرس فَإِذا جمعُوا قَالُوا: بَنَات آوى وَبَنَات عرس قَالَ الْخَلِيل: هَذَا شَيْء لم يسم بالابن لحَال الْأَب وَالأُم كَمَا قيل: بنُون وَبَنَات. وَإِذا ذكرُوا ابْن لبون وَابْن مَخَاض قَالُوا: هَذَا ابْن لبون وَابْن مَخَاض. وَإِذا ثنوا قَالُوا: ابْنا لبون وابنا مَخَاض. وَإِذا جمعُوا تركُوا الْقيَاس وَلم يَقُولُوا بنُون وَلَكنهُمْ يَقُولُونَ بَنَات مَخَاض ذُكُورا. هَذَا كَلَام الْعَرَب. وَلَو حمله النَّحْوِيّ على الْقيَاس فَذكر الْمُذكر وأنث

الْمُؤَنَّث لَكَانَ صَوَابا. وَبَعْضهمْ يَقُول: لَا يجوز) لما كَانَ من غير الْآدَمِيّين أَن يُقَال فِي جمعه إِلَّا التَّأْنِيث إِلَّا أَن يضْطَر شَاعِر فيخرجه مخرج الْآدَمِيّين إِذا حمل على غير الْآدَمِيّين على مِثَال مَا يجمعُونَ عَلَيْهِ. قَالَ تَعَالَى: وَالشَّمْس وَالْقَمَر رَأَيْتهمْ لي ساجدين. لما فعلوا فعل الْآدَمِيّين جمعهم كَمَا يجمعُونَ. وخاطبهم بِمَا يخاطبون. انْتهى كَلَام الْعباب. وَقَالَ القالي فِي الْمَقْصُور والممدود: قَالَ أَبُو حَاتِم: يُقَال ابْن آوى لهَذَا السَّبع وللاثنين: ابْنا آوى وللجمع: بَنَات آوى وَإِن كن ذُكُورا وَلَا يصرف آوى. ويجمعون كل جمَاعَة من غير الْإِنْس على بَنَات كَمَا قَالُوا: بَنَات نعش لهَذِهِ الْكَوَاكِب وَلم يَقُولُوا: بَنو نعش فَإِن اضْطر شاعرٌ قَالَه مستكرهاً. قَالَ الشَّاعِر: فباكرتها والديك يَدْعُو صباحه ... ... ... ... ... . الْبَيْت وَالصَّوَاب: بَنَات نعش دنت فتصوبت أَو دنون فتصوبن. فَهَذَا على الِاضْطِرَار. وَأما مَا لَا يعرف ذكوره من إناثه فمحمولٌ على اللَّفْظ يُقَال للذّكر وَالْأُنْثَى ابْن عرس وَابْن قترة لضربٍ من الْحَيَّات وَابْن دأية غير مَعْرُوف للغراب. فَإِذا جمعت على هَذَا النَّحْو قلت: بَنَات آوى وَبَنَات عرس وَبَنَات قترة وَبَنَات دأية للذكور وَالْإِنَاث. وكل جمع من غير الْإِنْس وَالْجِنّ وَالشَّيَاطِين وَالْمَلَائِكَة فَيُقَال فِيهِ بَنَات. انْتهى.

والبيتان من قصيدة للنابغة الْجَعْدِي أورد أبياتاً مِنْهَا السُّيُوطِيّ فِي شرح شَوَاهِد الْمُغنِي. وَقَوله: وصهباء إِلَخ أَي: رب صهباء وَهِي الْخمر. لَا تخفي: لَا تستر. والقذى: مَا يَقع فِي المَاء وَالشرَاب وَالْعين إِذا هبت الرّيح. وَدون هُنَا بِمَعْنى قُدَّام. يَقُول: إِن القذى إِذا حصل فِي أَسْفَل الزجاجة رَآهُ الرَّائِي فِي الْموضع الَّذِي هُوَ فِيهِ لصفائها. وَالْخمر أقرب إِلَى الرَّائِي من القذى وَهِي فِيمَا بَين الرَّائِي وَبَين القذى يُرِيد أَنَّهَا يرى مَا وَرَاءَهَا لصفائها. وتصفق: بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول. والتصفيق: إدارتها من إناءٍ إِلَى إناءٍ لتصفو. والراووق: المصفاة. وتقطب: تمزج. وَقَوله: شربت بهَا إِلَخ روى أَيْضا: تمززتها والديك. والتمزز: تمصص الشَّرَاب قَلِيلا قَلِيلا. ومزه يمزه أَي: مصه. وَقَوله: يَدْعُو صباحه أَي: فِي وَقت صباحه.) قَالَ ابْن رَشِيق فِي بَاب السرقات الشعرية من الْعُمْدَة. قد اجتلب الفرزدق هَذَا الْبَيْت واستلحقه بِشعرِهِ فَقَالَ: الطَّوِيل تمززتها والديك يَدْعُو صباحه ... ... ... ... الْبَيْت والنابغة الْجَعْدِي شَاعِر صَحَابِيّ تقدّمت تَرْجَمته فِي الشَّاهِد السَّادِس والثمانين بعد الْمِائَة

(جمع المؤنث السالم)

3 - (جمع الْمُؤَنَّث السَّالِم) أنْشد فِيهِ الشَّاهِد التِّسْعُونَ بعد الْخَمْسمِائَةِ الطَّوِيل (أَتَت ذكرٌ عودن أحشاء قلبه ... خفوقاً ورفضات الْهوى فِي المفاصل) على أَن رفضات كَانَ يسْتَحق أَن يفتح فاؤه فسكن للضَّرُورَة لِأَن رفضات جمع رفضة وفعلة بِفَتْح الْفَاء وَسُكُون الْعين إِذا كَانَ اسْما لَا صفة كصعبة يجب فتحهَا إِذا جمعت بِالْألف وَالتَّاء. ورفضة هُنَا اسمٌ لِأَنَّهُ مصدر مَحْض لَيْسَ فِيهِ من معنى الوصفية شَيْء وَلَو كَانَ مؤولاً بِالْوَصْفِ كَرجل عدل لَكَانَ للتسكين وَجه. قَالَ ابْن عُصْفُور فِي كتاب الضرائر: حكم لرفضات وَهُوَ اسمٌ بِحكم الصّفة. أَلا ترى أَن رفضات جمع رفضة ورفضة اسْم وَالِاسْم إِذا كَانَ على وزن فعلة وَكَانَ صَحِيح الْعين فَإِنَّهُ إِذا جمع بِالْألف وَالتَّاء لم يكن بدٌّ من تَحْرِيك عينه إتباعاً لحركة فائه نَحْو: جَفْنَة وجفنات. وَإِن كَانَ صفة بقيت الْعين على سكونها نَحْو: ضخمة وضخمات. وَإِنَّمَا فعلوا ذَلِك فرقا بَين الِاسْم وَالصّفة وَكَانَ الِاسْم أولى بِالتَّحْرِيكِ لخفته فَاحْتمل لذَلِك ثقل الْحَرَكَة فَكَانَ يَنْبَغِي أَن يَقُول: رفضات بِالتَّحْرِيكِ إِلَّا أَنه لما اضْطر إِلَى التسكين حكم لَهَا بِحكم الصّفة فسكن. وَمِمَّا يبين لَك صِحَة مَا ذكرته من الْحمل على الصّفة أَن أَكثر مَا جَاءَ من

ذَلِك فِي الشّعْر إِنَّمَا هُوَ مصدر لقُوَّة شبه الْمصدر باسم الْفَاعِل الَّذِي هُوَ صفة. أَلا ترى أَن كل وَاحِد مِنْهُمَا يَقع موقع صَاحبه. والمعتل اللَّام من فعلة بِمَنْزِلَة الصَّحِيح اللَّام فِي أَن الْعين لَا تسكن فِي جمع الِاسْم مِنْهُ إِلَّا فِي ضَرُورَة حكى أَبُو الْفَتْح عَن بعض قيس: ثَلَاث ظبيات بِإِسْكَان الْبَاء. وروى أَيْضا: عَن أبي زيد عَنْهُم: شرية وشريات. انْتهى بِاخْتِصَار.) وَقد تكلم ابْن جني فِي موضِعين من الْمُحْتَسب على هَذَا الْجمع فِي أول سُورَة الْبَقَرَة وَفِي سُورَة لُقْمَان. وَلما كَانَ الأول أجمع للفوائد اقتصرنا عَلَيْهِ. قَالَ: وَقد سكنوا المفتوح وَهُوَ ضَرُورَة. قَالَ لبيد: الوافر (رحلن لشقةٍ ونصبن نصبا ... لوغرات الهواجر والسموم) وَقَالَ ذُو الرمة: أَبَت ذكر عودن أحشاء قلبه ... ... ... ... . الْبَيْت وروينا أَيْضا أَن بعض قيس قَالَ: ثَلَاث ظبيات فأسكن مَوضِع الْعين. وروينا عَن أبي زيد أَيْضا عَنْهُم شرية وشريات وَهُوَ الحنظل. والتسكين عِنْدِي فِي هَذَا أسوغ مِنْهُ فِي نَحْو: رفضات ووغرات من قبل أَن قبل الْألف يَاء محركة مَفْتُوحًا مَا قبلهَا. وَهَذَا شَرط اعتلالها بانقلابها ألفا. وَيحْتَاج أَن نعتذر من ذَلِك فَنَقُول: لَو قلبت ألفا لوَجَبَ حذفهَا لسكونها وَسُكُون الْألف بعْدهَا وَلَيْسَ فِي نَحْو: رفضات مَا يُوجب الِاعْتِذَار

من الْحَرَكَة. وَكَانَ رفضات أقرب مأخذاً من تمرات من قبل أَن رفضة حدثٌ ومصدر والمصدر قوي الشّبَه باسم الْفَاعِل الَّذِي هُوَ صفة وَالصّفة لَا تحرّك فِي نَحْو هَذَا. ويدلك على قُوَّة شبه الْمصدر بِالصّفةِ وُقُوع كل واحدٍ مِنْهُمَا موقع صَاحبه. فَكَذَلِك سهل شَيْئا إسكان نَحْو: رفضة ووغرة لسكونهما حدثين ومصدرين لشبههما بِالصّفةِ. وَيزِيد فِي أنسك تسكين عين مَا لامه حرف عِلّة لما يعقب من الِاعْتِذَار من تَحْرِيك عينه امتناعهم من تَحْرِيك الْعين فِي فعلة إِذا كَانَت حرف عِلّة وَذَلِكَ نَحْو جوزات أَلا ترى لَو حرك لوَجَبَ أَن يعْتَذر من صِحَة الْعين مَعَ حركتها وانفتاح مَا قبلهَا بِأَن يَقُولُوا: لَو أعلت لوَجَبَ الْقلب فيلتبس بِمَا عينه فِي الْوَاحِد ألفٌ منقلبة نَحْو: قارة وقارات. وَالْبَيْت من قصيدة طَوِيلَة لذِي الرمة كلهَا غزلٌ ونسيب. وَقَبله: (إِذا قلت ودع وصل خرقاء واجتنب ... زيارتها تخلق حبال الْوَسَائِل) يُخَاطب نَفسه. وَيَقُول: إِذا قلت: ودع يَا ذَا الرمة وصل خرقاء وخرقاء: لقب محبوبته مية وتخلق: مجزوم فِي جَوَاب أحد الْأَمريْنِ الْمُتَقَدِّمين وفاعله ضمير الْمُخَاطب وَهُوَ من أخلقت الثَّوْب إِذا أبليته.)

والحبال: جمع حَبل بِمَعْنى السَّبَب استعير لكل شَيْء يتَوَصَّل بِهِ إِلَى أَمر من الْأُمُور. والوسائل: جمع وَسِيلَة. قَالَ شَارِح ديوانه: الْوَسِيلَة الْقرْبَة والمنزلة. وَقَوله: أَبَت ذكر إِلَخ هَذَا جَوَاب إِذا فِي الْبَيْت قبله. وأبت بِمَعْنى امْتنعت. وَفِي بعض نسخ الشَّرْح أَتَت بِالْمُثَنَّاةِ على أَنه من الْإِتْيَان. وَلم أره فِي نسخ الدِّيوَان وَعِنْدِي مِنْهُ وَللَّه الْحَمد أَربع نسخ بِكَسْر الذَّال وَفتح الْكَاف: جمع ذكر وَالذكر بِالْكَسْرِ وَالضَّم: اسمٌ لذكرته بلساني وبقلبي ذكرى بِالْكَسْرِ وَالْقصر نَص عَلَيْهِ جماعةٌ مِنْهُم أَبُو عُبَيْدَة وَابْن قُتَيْبَة. وَأنكر الْفراء الْكسر فِي الْقلب وَقَالَ: اجْعَلنِي على ذكر مِنْك بِالضَّمِّ لَا غير. وَلِهَذَا اقْتصر عَلَيْهِ جمَاعَة. وَالنُّون من عودن ضمير الذّكر. وعودته كَذَا فاعتاده وتعوده أَي: صيرته لَهُ عَادَة. والأحشاء: جمع حشًى بِالْقصرِ وَهُوَ مَا فِي الْبَطن من معًى وكرش وَغَيرهمَا. والخفوق مفعول ثَان لعود وَهُوَ مصدر خَفق وخفقاناً أَيْضا إِذا اضْطربَ. ورفضات: بِالرَّفْع مَعْطُوف على ذكر. قَالَ شَارِح ديوانه: رفضاته: تفرقه وتفتحه فِي المفاصل وَهُوَ بِالْفَاءِ وَالضَّاد الْمُعْجَمَة. وَهَذَا من قَوْلهم: رفضت الْإِبِل ترفض كضرب يضْرب رفوضاً إِذا تبددت فِي المرعى حَيْثُ أحبت. ورفضات الْهوى من إِضَافَة الْمصدر إِلَى فَاعله. وَقَالَ ابْن بري: يَقُول: إِن تجتنب زيارتها تخلق حبال الْوَسَائِل لبعد الْعَهْد بهَا وتقادم الْوَصْل الَّذِي يشوق إِلَيْهَا. يُرِيد أَن يهون على

نَفسه السلو عَنْهَا ثمَّ أجَاب نَفسه فَقَالَ: أَبَت ذكر جمع ذكرة. وأحشاء قلبه: جمع حشًى كَأَنَّهُ أَرَادَ مَا بَين الجنبين لاشتمال الخفقان على جَمِيع ذَلِك. ورفضات: جمع رفضة يَعْنِي الْكسر والحطم. انْتهى. وترجمة ذِي الرمة تقدّمت فِي الشَّاهِد الثَّامِن. وَأنْشد بعده الشَّاهِد الْحَادِي وَالتِّسْعُونَ بعد الْخَمْسمِائَةِ الطَّوِيل على أَن أَهلا الْوَصْف يؤنث بِالتَّاءِ كَمَا فِي الْبَيْت. وَقَوله: وأهلة ودٍّ صفة لموصوف مَحْذُوف أَي: جمَاعَة مستأهلة للود أَي: مُسْتَحقَّة لَهُ. وَفِي الْبَيْت ردٌّ على الْخَلِيل فِي زَعمه أَنه لَا يُقَال: أهلة. قَالَ سِيبَوَيْهٍ: قلت للخليل: هلا قَالُوا أرضون أَي: بِسُكُون الرَّاء كَمَا قَالُوا: أهلون قَالَ: إِنَّهَا لما كَانَت تدْخلهَا التَّاء أَرَادوا أَن يجمعوها بِالْوَاو وَالنُّون كَمَا جمعوها بِالتَّاءِ. وَأهل مُذَكّر لَا تدخله التَّاء وَلَا تغيره الْوَاو وَالنُّون كَمَا لَا تغير غَيره من الْمُذكر نَحْو: صَعب. انْتهى. وَقد أنكر بَعضهم استأهل بِمَعْنى اسْتحق. نقل صَاحب الْعباب عَن تَهْذِيب الْأَزْهَرِي أَنه قَالَ: خطأ بَعضهم قَول من يَقُول: فلَان يستأهل أَن يكرم أَو يهان بِمَعْنى يسْتَحق. قَالَ: وَلَا يكون الاستئهال إِلَّا من

الإهالة وَهُوَ أَخذ الإهالة أَو أكلهَا وَهِي الألية المذابة. قَالَ الْأَزْهَرِي: وَأما أَنا فَلَا أنكرهُ وَلَا أخطىء من قَالَه لِأَنِّي سَمِعت أَعْرَابِيًا فصيحاً من بني أَسد يَقُول لرجلٍ شكر عِنْده يدا أوليها: تستأهل يَا أَبَا حَازِم مَا أوليت وَحضر ذَلِك جمَاعَة من الْأَعْرَاب فَمَا أَنْكَرُوا قَوْله. قَالَ: ويحقق ذَلِك قَوْله تَعَالَى: هُوَ أهل التَّقْوَى وَأهل الْمَغْفِرَة. انْتهى. وَقَول الشَّارِح الْمُحَقق: وأهلٌ فِي الأَصْل اسمٌ دخله معنى الْوَصْف قَالَ الرَّاغِب فِي مُفْرَدَات الْقُرْآن: أهل الرجل: من يجمعه وإياهم نسبٌ أَو دين أَو نَحْو ذَلِك من صناعةٍ وبيتٍ وبلد. فَأهل الرجل فِي الأَصْل: من جمعه وإياهم مسكن وَاحِد ثمَّ تجوز بِهِ فَقيل أهل بَيته من يجمعه وإياهم نسبٌ أَو مَا ذكر. وَعبر عَن أَهله بامرأته. وفلانٌ أهلٌ لكذا أَي: خليقٌ بِهِ. والآل قيل: مقلوبٌ مِنْهُ لَكِن خص بِالْإِضَافَة إِلَى أَعْلَام الناطقين دون النكرات والأزمنة والأمكنة فَيُقَال: آل فلَان وَلَا يُقَال آل رجل وَلَا آل زمن كَذَا وَلَا آل مَوضِع كَذَا كَمَا يُقَال أهل بلد كَذَا وَمَوْضِع كَذَا. انْتهى. وَقَالَ صَاحب الْعباب: الْأَهْل: أهل الرجل وَأهل الدَّار وَكَذَلِكَ الْأَهِلّة. قَالَ أَبُو الطمحان القيني: (وأهلة ودٍّ قد تبريت ودهم ... وأبليتهم فِي الْجهد بذلي ونائلي) أَي: رب من هُوَ أهلٌ للود وَقد تعرضت لَهُ وبذلت لَهُ فِي ذَلِك طاقتي

من نائل. وَالْجمع) أهلات وأهلات وأهلون. وَكَذَلِكَ الأهالي زادوا فِيهِ الْيَاء على غير قِيَاس كَمَا جمعُوا لَيْلًا على ليالٍ. وَقد جَاءَ فِي الشّعْر آهال مثل فرخ وأفراخ. وَأنْشد الْأَخْفَش: الرجز وبلدةٍ مَا الْإِنْس من آهالها وَالْوَاو فِي وأهلة وَاو رب وَصفَة مجرورها مَحْذُوف أَي: رب أهل ودٍّ ملتبس ومبهم. وتبريت جوابها الْعَامِل فِي مَحل مجرورها. قَالَ ابْن السّكيت فِي إصْلَاح الْمنطق: قد تبريت لمعروفه تبرياً إِذا تعرضت لَهُ. أنْشد الْفراء: وأهلة ودٍّ ... ... ... ... ... ... ... ... . . الْبَيْت يُقَال: أهل وأهلة. انْتهى. وَرِوَايَة الْبَيْت للشَّارِح الْمُحَقق هِيَ رِوَايَة ابْن السّكيت فِي إصْلَاح الْمنطق وَفِي كتاب الْمُذكر والمؤنث. وَكَذَا رَوَاهُ السخاوي فِي سفر السَّعَادَة وَقَالَ: وَمعنى تبريت تعرضت لَهُ ولوده وبذلت لَهُ فِي ذَلِك طاقتي.

وَقَالَ ابْن السيرافي فِي شرح أَبْيَات الْإِصْلَاح: ويروى: فِي الْجهد بذلي ونائلي أَي: رب أهل ودٍّ قد تعرضت لِأَن يعلمُوا أَنِّي أودهم وبذلت لَهُم مَالِي فِي الْعسر واليسر وَلم أبخل عَلَيْهِم بِشَيْء. يصف نَفسه بِالْوَفَاءِ والبذل. وَتَفْسِير تبريت: كشفت وفتشت. يُرِيد أَنه فتش عَن صِحَة ودهم لَهُ ليعلمه فيجيزهم بِهِ. وأبليتهم: أوصلتهم ومنحتهم. والبلية بِمَعْنى المنحة تَارَة والمحنة أُخْرَى. ومنح يتَعَدَّى إِلَى مفعولين. قَالَ زُهَيْر: الطَّوِيل (جزى الله بِالْإِحْسَانِ مَا فعلا بكم ... وأبلاهما خير الْبلَاء الَّذِي يبلو) أَي: خير الصَّنِيع الَّذِي يختبر بِهِ عباده. والجهد بِالضَّمِّ فِي لُغَة الْحجاز وبالفتح عِنْد غَيرهم: الوسع والطاقة. والنائل: النوال كِلَاهُمَا بِمَعْنى الْعَطاء.) وَالْبَيْت نسبه ابْن السيرافي وَصَاحب الْعباب إِلَى أبي الطمحان القيني وَهُوَ شاعرٌ إسلامي. قَالَ ابْن قُتَيْبَة فِي كتاب الشُّعَرَاء: هُوَ حَنْظَلَة بن الشَّرْقِي. وَكَانَ فَاسِقًا وَقيل لَهُ: مَا كَانَ أدنى ذنوبك قَالَ: لَيْلَة الدَّيْر قيل لَهُ: وَمَا لَيْلَة الدَّيْر قَالَ: نزلت بدير نَصْرَانِيَّة فَأكلت عِنْدهَا طفيشلاً بِلَحْم خِنْزِير وشربت من خمرها وزنيت بهَا وسرقت كأسها ومضيت

وَكَانَ نازلاً على الزبير بن عبد الْمطلب وَكَانَ ينزل عَلَيْهِ الخلعاء. وَهُوَ الْقَائِل لقوم أَغَارُوا على إبِله وَكَانُوا شربوا من أَلْبَانهَا: الطَّوِيل (وَإِنِّي لأرجو ملحها فِي بطونكم ... وَمَا بسطت من جلد أَشْعَث أغبرا) يَقُول: أَرْجُو أَن يعطفكم عَليّ ذَلِك اللَّبن أَن تردوها. وَالْملح: اللَّبن. انْتهى. وَقَالَ أَبُو عبيد الْبكْرِيّ فِي شرح أمالي القالي: إِنَّه كَانَ نديماً للزبير بن عبد الْمطلب فِي الْجَاهِلِيَّة ثمَّ أدْرك الْإِسْلَام. وَقَالَ الْآمِدِيّ فِي المؤتلف والمختلف: أَبُو الطمحان القيني اسْمه حَنْظَلَة ابْن الشَّرْقِي. كَذَا وجدته فِي كتاب بني الْقَيْن بن جسر. وَوجدت نسبه فِي ديوانه الْمُفْرد: أَبُو الطمحان ربيعَة بن عَوْف بن غنم بن كنَانَة بن الْقَيْن بن جسر. شَاعِر محسنٌ مَشْهُور وَهُوَ الْقَائِل: الطَّوِيل (أَضَاءَت لَهُم أحسابهم ووجوههم ... دجى اللَّيْل حَتَّى نظم الْجزع ثاقبه)

ثمَّ أورد اثْنَيْنِ من الشُّعَرَاء يُقَال لَهما أَبُو الطمحان: أَحدهمَا: أَبُو الطمحان النَّهْشَلِي. ثَانِيهمَا: أَبُو الطمحان الْأَسدي. وَقَالَ أَبُو حَاتِم فِي كتاب المعمرين: هُوَ من بني كنَانَة بن الْقَيْن بن جسر ابْن شيع الله بن الْأسد بن وبرة بن تغلب بن حلوان بن عمرَان بن الحاف بن قضاعة. عَاشَ مِائَتي سنة. وَقَالَ فِي ذَلِك: الوافر (حنتني حانيات الدَّهْر حَتَّى ... كَأَنِّي خاتلٌ يدنو لصيد) انْتهى. وَأوردهُ ابْن حجر فِي الْإِصَابَة فِي قسم المخضرمين الَّذين أدركوا زمن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وَأَسْلمُوا وَلم يروه.) وَذكره المرزباني فَقَالَ: هُوَ أحد المعمرين وَهُوَ الْقَائِل: (وَإِنِّي من الْقَوْم الَّذين هم هم ... إِذا مَاتَ مِنْهُم سيدٌ قَامَ صَاحبه) (أَضَاءَت لَهُم أحسابهم ووجوههم ... دجى اللَّيْل حَتَّى نظم الْجزع ثاقبه) وَيُقَال هُوَ أمدح بيتٍ قيل فِي الْجَاهِلِيَّة. والطمحان بِفَتْح الطَّاء وَالْمِيم بعْدهَا حاء مُهْملَة. وَأنْشد بعده الشَّاهِد الثَّانِي وَالتِّسْعُونَ بعد الْخَمْسمِائَةِ وَهُوَ من شَوَاهِد س: الطَّوِيل (وهم أهلاتٌ حول قيس بن عاصمٍ ... إِذا أدلجوا يدعونَ بِاللَّيْلِ كوثرا)

على أَنه جمع أهلة جمع بِاعْتِبَار اسميته وَلِهَذَا فتح عينه. وَفِيه رد على سِيبَوَيْهٍ فِي زَعمه أَنه جمع أهل. قَالَ: وَقد يجمعُونَ الْمُؤَنَّث الَّذِي لَيست فِيهِ هَاء التَّأْنِيث بِالتَّاءِ كَمَا يجمعُونَ مَا فِيهِ الْهَاء لِأَنَّهُ مؤنث مثله وَذَلِكَ قَوْلهم: عرسات وأرضات وعير وعيرات حركوا الْيَاء وَأَجْمعُوا فِيهَا على لُغَة هُذَيْل لأَنهم يَقُولُونَ: بيضات وجوزات. وَقد قَالُوا: عيرات وَقَالُوا: أهلات فخففوا شبهوه بصعبات حَيْثُ كَانَ أهل مذكراً تدخله الْوَاو وَالنُّون فَلَمَّا جَاءَ مؤنثاً كمؤنث صَعب فعل بِهِ كَمَا فعل بمؤنث صَعب. وَقد قَالُوا: أهلات كَمَا قَالُوا: أرضات. قَالَ المخبل: وهم أهلاتٌ حول قيس بن عاصمٍ ... ... ... . . الْبَيْت انْتهى. قَالَ الأعلم: الشَّاهِد فِيهِ جمع أهل على أهلات وتحريك الثَّانِي. وَوجه دُخُول الْألف وَالتَّاء فِيهِ حمل أهل على معنى الْجَمَاعَة لِأَنَّهُ يُؤَدِّي عَن مَعْنَاهَا وَإِن لم تكن فِيهِ الْهَاء فَجمع بِالْألف وَالتَّاء كَمَا تجمع الْجَمَاعَة. وَوجه تَحْرِيك الثَّانِي تشبيهه بأرضات لِأَنَّهُ فِي الْجمع مؤنث مثلهَا وَلِأَن حكم مَا يجمع بِالْألف وَالتَّاء من بَاب فعلة وَكَانَ من الْأَسْمَاء تَحْرِيك ثَانِيه كجفنة وجفنات. انْتهى.

وَقد تبع الزَّمَخْشَرِيّ فِي مفصله سِيبَوَيْهٍ فَقَالَ: وَحكم الْمُؤَنَّث الَّذِي لَا تَاء فِيهِ كَحكم الَّذِي فِيهِ) قَالَ شَارِحه ابْن يعِيش: أهلات: جمع أهلة وَلَيْسَ بِجمع أهل كَمَا ظَنّه المُصَنّف. أَلا ترى أَن أَهلا مُذَكّر بِالْوَاو وَالنُّون لأَنهم لما وصفوا بِهِ أجروه مجْرى الصِّفَات فِي دُخُول تَاء التَّأْنِيث للْفرق فَقَالُوا: رجل أهلٌ وَامْرَأَة أهلة كَمَا يَقُولُونَ: ضَارب وضاربة. قَالَ الشَّاعِر: وأهلة ودٍّ قد تبريت ودهم وَلما قَالُوا فِي الْمُذكر أهل وأهلون وَفِي الْمُؤَنَّث أهلة وأهلات أشبه فعلة من الصِّفَات فجمعوه بِالْألف وَالتَّاء وأسكنوا الثَّانِي مِنْهُ كَمَا فعلوا ذَلِك بِسَائِر الصِّفَات. وَمن الْعَرَب من يَقُول: أهلاتٌ فَيفتح الثَّانِي كَمَا فتحُوا فِي أرضات لِأَنَّهُ اسْم مثله وَإِن كَانَ أشبه الصّفة. قَالَ المخبل: فهم أهلاتٌ حول قيس بن عَاصِم انْتهى. وَالْبَيْت من قصيدة للمخبل السَّعْدِيّ. قَالَ ابْن المستوفي فِي شرح أَبْيَات الْمفصل وَقَبله: (ألم تعلمي يَا أم عمْرَة أنني ... تخاطأني ريب الزَّمَان لأكبرا)

. فهم أهلاتٌ حول قيس بن عَاصِم ... ... ... ... الْبَيْت وَقَوله: ألم تعلمي إِلَخ قَالَ أَبُو مُحَمَّد الْأسود الْأَعرَابِي: مَعْنَاهُ أَنه كره أَن يعِيش ويعمر حَتَّى يرى الزبْرِقَان من الْجَلالَة وَالْعَظَمَة بِحَيْثُ يحجّ بَنو سعد عصابته. انْتهى. وتخاطأني بِمَعْنى تخطاني وفاتني. وريب الزَّمَان: حوادثه. وَكبر فِي السن من بَاب فَرح. وَقَوله: وَأشْهد بِالنّصب عطف على لأكبر. وعَوْف: أَبُو قَبيلَة وَهُوَ عَوْف بن كَعْب بن سعد بن زيد مَنَاة بن تَمِيم. والحلول: الْقَوْم النُّزُول من حل بِالْمَكَانِ إِذا نزل فِيهِ. ويحجون: يقصدون. قَالَ ابْن دُرَيْد فِي الجمهرة: الْحَج: الْقَصْد. وَأنْشد هَذَا الْبَيْت. والسب بِكَسْر السِّين الْمُهْملَة: الْعِمَامَة قَالَ ابْن دُرَيْد فِي الجمهرة: السب بِالْكَسْرِ: الشقة الْبَيْضَاء من الثِّيَاب وَهِي السبيبة أَيْضا. وَأنْشد هَذَا الْبَيْت. وَقَالَ: يُرِيد الْعِمَامَة هَا هُنَا. وَكَانَت سَادَات الْعَرَب تصبغ العمائم بالزعفران. وَقد فسر قومٌ) هَذَا الْبَيْت بِمَا لَا يذكر. انْتهى. أَقُول: من جملَة من فسره بالقبيح الْأَصْمَعِي قَالَ فِي كتاب الْفرق بَين مَا للْإنْسَان والوحوش قَالُوا فِي الدبر من الْإِنْسَان دون الْبَهَائِم: استٌ وستٌ وسهٌ بِالْهَاءِ وَيُسمى أَيْضا السبة بِالضَّمِّ والسبة قَالَ المخبل: يحجون سبّ الزبْرِقَان المزعفرا

قَالَ ابْن السيرافي فِي شرح أَبْيَات الْإِصْلَاح: قَالَ بعض النَّاس: إِن الشَّاعِر قصد بِهَذَا الْبَيْت معنى قبيحاً وكنى بِهَذَا اللَّفْظ عَنهُ. وَإِنَّمَا أَرَادَ أَن الزبْرِقَان كَانَ بِهِ دَاء الأبنة يُؤْتى من أَجله. انْتهى. ويدفعه قَوْله: يزورون فَإِن الزِّيَارَة لَا تسْتَعْمل فِي مثل هَذَا إِلَّا أَن يَدعِي التهكم. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد الْأسود: من زعم أَن المخبل كنى هَا هُنَا عَن قَبِيح فقد أَخطَأ وَإِنَّمَا قصد بسب الزبْرِقَان أَن بني سعد بن زيد مَنَاة كَانُوا يحجون عصابته إِذا استهلوا رجباً فِي الْجَاهِلِيَّة إجلالاً لَهُ وإعظاماً لقدره. وَذكر ذَلِك ربيعَة بن سعد النمري يمدح الزبْرِقَان: الْبَسِيط (كَانَت تحج بَنو سعدٍ عصابته ... إِذا استهلوا على أنصابه رجبا) (سبٌّ يزعفره سعدٌ ويعبده ... فِي الْجَاهِلِيَّة ينتابونه عصبا) والعصابة: مَا يعصب بِهِ الرَّأْس. انْتهى. والزبرقان هُوَ ابْن بدر الصَّحَابِيّ ولاه النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ صدقَات بني تَمِيم. قَالَ صَاحب زهر الْآدَاب: سمي الزبْرِقَان لجماله. والزبرقان: الْقَمَر قبل تَمَامه وَقيل: لِأَنَّهُ كَانَ يزبرق عمته فِي الْحَرْب أَي: يصفرها. انْتهى. ...

(تمنى حصينٌ أَن يسود جذاعه ... فأمسى حصينٌ قد أذلّ وأقهرا) والجذاع بِكَسْر الْجِيم بعْدهَا ذال مُعْجمَة: أَوْلَاد السعفاء. قَالَ صَاحب جمهرة الْأَنْسَاب: ولد عَوْف بن كَعْب بن سعد عطارداً وبهدلة وجشم وبرنيقاً. وأمهم السعفاء بنت غنم من بني باهلة وَيُقَال لبنيها: الجذاع. وَأنْشد هَذَا الْبَيْت. وَقَالَ السخاوي فِي سفر السَّعَادَة: وَإِنَّمَا سمي الزبْرِقَان لصفرة عمَامَته. وزبرقت الثَّوْب أَي: صفرته. وَقَالَ: المزعفر لِأَن السب مُذَكّر وَإِن كَانَ المُرَاد بِهِ الْعِمَامَة. وَقَوله: وهم أهلات إِلَخ الظَّاهِر أَن هَذَا الْبَيْت غير مُتَّصِل بِمَا قبله لسُقُوط أبياتٍ بَينهمَا. يَقُول: هم أهلات وأقارب حول قيس بن عَاصِم. يَعْنِي أَنه سيدهم وهم قد أحاطوا بِهِ. وأدلج) الْقَوْم إدلاجاً كأكرام إِكْرَاما: سَارُوا اللَّيْل كُله. فَإِن سَارُوا من آخر اللَّيْل قيل ادلجوا ادلاجاً بتَشْديد الدَّال. قَالَ الأعلم: وصف اجْتِمَاع أَحيَاء سعد من بني منقر وَغَيرهم إِلَى قيس بن عَاصِم الْمنْقري سيدهم وتعويلهم عَلَيْهِ فِي

أُمُورهم. والكوثر: الْجواد الْكثير الْعَطاء. أَي: إِن أدلجوا حدوا الْإِبِل بمدحه وَذكره. انْتهى. وَقيل إِن كوثراً كَانَ شعاراً لَهُم عِنْد نِدَاء بَعضهم بَعْضًا فِي اللَّيْل وَفِي الْحَرْب. وَقيس بن عَاصِم صَحَابِيّ وَهُوَ قيس بن عَاصِم بن سِنَان بن خَالِد بن منقر بِكَسْر الْمِيم ابْن عبيد بن مقاعس بن عَمْرو بن كَعْب بن سعد بن زيد مَنَاة بن تَمِيم. وَفد قيس بن عَاصِم على رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فَقَالَ: هَذَا سيد أهل الْوَبر وترجمة المخبل السَّعْدِيّ تقدّمت فِي الشَّاهِد الرَّابِع وَالثَّلَاثِينَ بعد الأربعمائة. وَأنْشد بعده الشَّاهِد الثَّالِث وَالتِّسْعُونَ بعد الْخَمْسمِائَةِ الطَّوِيل أَخُو بيضاتٍ رائحٌ متأوب على أَن هذيلاً تفتح عين فعلة الاسمي فِي الْجمع بِالْألف وَالتَّاء كبيضات بِفَتَحَات.

صرح بِهِ ابْن جني فِي الخصائص بِأَن فتح حرف الْعلَّة فِي بيضات وجوزات لُغَة هُذَيْل فَلَا يكون من قبيل ضَرُورَة الشّعْر. وَلِهَذَا لم يُورِدهُ ابْن عُصْفُور فِي كتاب الضرائر. قَالَ أَبُو عمر مُحَمَّد بن عبد الْوَاحِد الزَّاهِد فِي كتاب اليواقيت: قَالَ أَبُو الْعَبَّاس: وَأَخْبرنِي سَلمَة عَن الْفراء قَالَ: أَنْشدني بعض بني هُذَيْل أَخُو بيضات الْبَيْت. وَكَذَا قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ فِي الْمفصل: إِذا اعتلت عين فعلة سكنت إِلَّا فِي لُغَة هُذَيْل. فَعِنْدَ غير هُذَيْل يكون الْفَتْح ضَرُورَة. وَقد أطلق ابْن جني فِي شرح تصريف الْمَازِني فَقَالَ: وَقد جَاءَ فِي الشّعْر تَحْرِيك مثل هَذَا. قَالَ الشَّاعِر: أَخُو بيضات الْبَيْت. وَهَذَا لَيْسَ بجيد وَلَا بُد من التَّقْيِيد.) قَالَ فِي الْمُحْتَسب: امْتَنعُوا من تَحْرِيك الْعين فِي فعلةٍ إِذا كَانَت حرف عِلّة كجوزات وبيضات. وَلَو حرك لوَجَبَ أَن يعْتَذر من صِحَة الْعين مَعَ حركتها وانفتاح مَا قبلهَا بِأَن يُقَال: لَو أعلت لوَجَبَ الْقلب فَيصير جازات وباضات فيلتبس ذَلِك بِمَا عينه فِي الْوَاحِد ألفٌ منقبلة نَحْو: قارة وقارات وجارة وجارات. وَإِذا جَازَ إسكان الْعين الصَّحِيحَة نَحْو: تمرات وشفرات صَار المعتل أَحْرَى بِالصِّحَّةِ. وَرُبمَا جَاءَ الْفَتْح فِي الْعين كَمَا قَالَ الْهُذلِيّ:

أَخُو بيضاتٍ رائحٌ متأوب وعذره فِي ذَلِك أَن هَذِه الْحَرَكَة إِنَّمَا وَجَبت فِي الْجمع وَقد سبق الْعلم بِكَوْنِهَا فِي الْوَاحِد سَاكِنة فَصَارَت الْحَرَكَة فِي الْجمع عارضة فَلم تحفل. وَفِي هَذَا بعد هَذَا ضعفٌ. أَلا ترى أَن هَذِه الْألف وَالتَّاء تبنى الْكَلِمَة عَلَيْهِمَا وليستا فِي حكم الْمُنْفَصِل. يدلك على ذَلِك صِحَة الْوَاو فِي خطوَات. وَلَو كَانَت الْألف وَالتَّاء فِي حكم الْمُنْفَصِل لوَجَبَ إعلال الْوَاو لِأَنَّهَا لَام وَقبلهَا ضمة. قَالَ أَبُو عَليّ: يدلك على أَن الْكَلِمَة مَبْنِيَّة على الْألف وَالتَّاء اطراد إتباع الْكسر للكسر فِي سدرات وكسرات مَعَ عزة فعل فِي الْوَاحِد بكسرتين. إِلَّا أَن مِمَّا يؤنس بِكَوْن حَرَكَة الْعين غير لَازِمَة قَول يُونُس فِي جروة إِذا قلت: جروات. فصحة الْوَاو وَهِي لامٌ بعد كسرة تدلك على قلَّة الِاعْتِدَاد بهَا. أَو يُقَال: إِن هَذَا شَاذ يدل على شذوذه امتناعهم أَن يحركوا عين كليةٍ ومدية فِي هَذَا الْجمع لما كَانَ يعقب ذَلِك من وجوب قلب الْيَاء إِلَى الْوَاو. فدلنا ذَلِك على أَن نَحْو جروات شَاذ. فَهَذِهِ أشياءٌ ترَاهَا متكافئة. وعَلى كل حَال فالاختيار خطوَات بالإسكان. انْتهى. والمصراع صدرٌ وعجزه: رفيقٌ بمسح الْمَنْكِبَيْنِ سبوح وَالْبَيْت مَعَ كَثْرَة وجوده فِي كتب النَّحْو وَالصرْف لم أطلع على قَائِله وَلَا على تتمته. قَالَ شَارِح اللّبَاب: يصف ذكرا من النعام أَي: هُوَ أَخُو بيضات يرجع ويسرع إِلَى بيضاته.

والمتأوب: الَّذِي يسير نَهَارا يصف ظليماً وَهُوَ ذكر النعام شبه بِهِ نَاقَته فَيَقُول: نَاقَتي فِي سرعَة سَيرهَا كظليم لَهُ بيضات يسير لَيْلًا وَنَهَارًا ليصل إِلَى بيضاته. رَفِيق بمسح الْمَنْكِبَيْنِ عَالم) بتحريكهما فِي السّير. سبوح: حسن الجري. وَإِنَّمَا جعله أَخا بيضات ليدل على زِيَادَة سرعته فِي السّير لِأَنَّهُ موصوفٌ بالسرعة. وَإِذا قصد بيضاته يكون أسْرع. انْتهى. وَقَالَ الْكرْمَانِي فِي شرح أَبْيَات الموشح: رائح من الرواح أَي: رَاجع. والسبوح من السبح وَهُوَ شدَّة الجري. وَالْمرَاد برفيق بمسح الْمَنْكِبَيْنِ: التحرك يَمِينا وَشمَالًا وَذَلِكَ من عَادَة الطير. والمنكب: مُجْتَمع مَا بَين الْعَضُد والكتف. وَقد خطأ الْعَيْنِيّ فَخر الدَّين الجاربردي فِي قَوْله: الْبَيْت فِي صفة النعامة بِأَن الْبَيْت فِي مدح جمله شبهه بالظليم. والتخطئة لَا وَجه لَهَا وَكَونه فِي وصف نعَامَة أَو ظليم أمرٌ سهل مَعَ أَنه مُتَوَقف على الْوُقُوف على مَا قبل هَذَا الْبَيْت. قَالَ صَاحب الْمِصْبَاح: يتَوَهَّم بعض النَّاس أَن الرواح لَا يكون إِلَّا فِي آخر النَّهَار وَلَيْسَ كَذَلِك بل الرواح والغدو عِنْد الْعَرَب يستعملان فِي الْمسير أَي وقتٍ كَانَ من ليل أَو نَهَار. قَالَه الْأَزْهَرِي وَغَيره. وَعَلِيهِ قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ: من رَاح إِلَى الْجُمُعَة فِي أول النَّهَار فَلهُ كَذَا أَي: من ذهب. والتأوب: تفعل من الأوب وَهُوَ الرُّجُوع من السّفر. والرفيق من الرِّفْق وَهُوَ ضد العنف.

جمع التكسير

3 - (جمع التكسير) أنْشد فِيهِ الشَّاهِد الرَّابِع وَالتِّسْعُونَ بعد الْخَمْسمِائَةِ وَهُوَ من شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ: الطَّوِيل (لنا الجفنات الغر يلمعن فِي الضُّحَى ... وأسيافنا يقطرن من نجدةٍ دَمًا) على أَنه إِن ثَبت اعْتِرَاض النَّابِغَة على حسان بقوله: قللت حفانك وسيوفك لَكَانَ فِيهِ دليلٌ على أَن الْمَجْمُوع بِالْألف وَالتَّاء جمع قلَّة. وَهَذَا طعنٌ مِنْهُ على هَذِه الْحِكَايَة. ثمَّ استظهر أَن جمعي السَّلامَة لمُطلق الْجمع من غير نظر إِلَى الْقلَّة وَالْكَثْرَة فيصلحان لَهما. انْتهى. وَقد نظمه أَبُو الْحسن الدباج من نحاه إشبيلية ذيلاً لجموع الْقلَّة من التكسير فِي بيتٍ من الْمُتَقَدِّمين وهما: (بأفعل وبأفعال وأفعلة ... وفعلةٍ يعرف الْأَدْنَى من الْعدَد) (وَسَالم الْجمع أَيْضا داخلٌ مَعهَا ... فَهَذِهِ الْخمس فاحفظها وَلَا تزد) وَقد صرح سِيبَوَيْهٍ بِأَن الْجمع بِالْألف وَالتَّاء للقلة. وَأول بَيت حسان على أَنه للكثرة وَهَذَا نَصه: وَأما مَا كَانَ على فعلة فَإنَّك إِذا أردْت أدنى الْعدَد جمعتها بِالتَّاءِ وَفتحت الْعين وَذَلِكَ قَوْلك: قَصْعَة وقصعات فَإِذا جَاوَزت أدنى الْعدَد كسرت الِاسْم على فعال وَذَلِكَ قَصْعَة وقصاع.

ثمَّ قَالَ: وَقد يجمعُونَ بِالتَّاءِ وهم يُرِيدُونَ الْكثير قَالَ حسان: لنا الجفنات الغر ... ... ... ... ... الْبَيْت فَلم يرد أدنى الْعدَد. انْتهى. قَالَ الأعلم: الشَّاهِد فِي وضع الجفنات وَهِي لما قل من الْعدَد فِي الأَصْل لجريها مجْرى الثَّلَاثَة مَوضِع الجفان الَّتِي هِيَ الْكثير. والغر: الْبيض يُرِيد بَيَاض الشَّحْم. والأسياف: جمع لأدنى الْعدَد فَوَضعه مَوضِع الْكثير. وصف قومه بالندى والبأس يَقُول: جفاننا معدة للأضياف ومساكين الْحَيّ بِالْغَدَاةِ وسيوفنا يقطرن دَمًا لنجدتنا وَكَثْرَة حروبنا. انْتهى.) وَإِلَى مَذْهَب سِيبَوَيْهٍ ذهب الزّجاج قَالَ فِي تَفْسِيره عِنْد قَوْله تَعَالَى: واذْكُرُوا الله فِي أَيَّام معدوداتٍ قَالُوا: هِيَ أَيَّام التَّشْرِيق. ومعدودات يسْتَعْمل كثيرا فِي اللُّغَة للشَّيْء الْقَلِيل. وكل عدد قل أَو كثر فَهُوَ مَعْدُود وَلَكِن معدودات أول على الْقلَّة لِأَن كل قَلِيل يجمع بِالْألف وَالتَّاء نَحْو: دريهمات وحمامات. وَقد يجوز وَهُوَ حسن كثير أَن يَقع الْألف وَالتَّاء للتكثير. وَقد روى أَنه عيب على الْقَائِل: لنا الجفنات الغر ... ... ... . . الْبَيْت فَقيل لَهُ: قللت الجفنات وَلم تقل الجفنان وَهَذَا الْخَبَر عِنْدِي مَصْنُوع لِأَن الْألف وَالتَّاء قد تَأتي للكثرة قَالَ الله عَزَّ وَجَلَّ: إِن الْمُسلمين وَالْمُسلمَات وَالْمُؤمنِينَ وَالْمُؤْمِنَات وَقَالَ: فِي جنَّات.

وَقَالَ: وهم فِي الغرفات آمنون فالمسلمون لَيْسُوا فِي غرفات قَليلَة وَلَكِن إِذا خص الْقَلِيل فِي الْجمع بِالْألف وَالتَّاء دلّ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ يَلِي التَّثْنِيَة. وَجَائِز حسن أَن يُرَاد بِهِ الْكثير وَيدل الْمَعْنى الشَّاهِد على الْإِرَادَة كَمَا أَن قَوْلك جمع يدل على الْقَلِيل وَالْكثير. انْتهى. وَكَذَلِكَ قَول ابْن جني فِي الْمُحْتَسب عِنْد قِرَاءَة طَلْحَة من سُورَة النِّسَاء: صوالح قوانت حوافظ للغيب. قَالَ أَبُو الْفَتْح: التكسير هُنَا أشبه لفظا بِالْمَعْنَى وَذَلِكَ أَنه إِنَّمَا يُرَاد هُنَا معنى الْكَثْرَة لَا صالحات من الثَّلَاث إِلَى الْعشْر. وَلَفظ الْكَثْرَة أشبه بِمَعْنى الْكَثْرَة من لفظ الْقلَّة بِمَعْنى الْكَثْرَة وَالْألف وَالتَّاء موضوعتان للقلة فهما على حد التَّثْنِيَة بِمَنْزِلَة الزيدون من الْوَاحِد إِذا كَانُوا على هَذَا مُوجب اللُّغَة على أوضاعها غير أَنه قد جَاءَ لفظ الصِّحَّة وَالْمعْنَى الْكَثْرَة كَقَوْلِه تَعَالَى: إِن الْمُسلمين وَالْمُسلمَات. إِلَى قَوْله: والذاكرين الله كثيرا وَالذَّاكِرَات وَالْغَرَض فِي جَمِيعه الْكَثْرَة لَا مَا هُوَ لما بَين الثَّلَاثَة إِلَى الْعشْرَة وَكَانَ أَبُو عَليّ يُنكر الْحِكَايَة المروية عَن النَّابِغَة وَقد عرض عَلَيْهِ حسان شعره وَأَنه لما صَار إِلَى قَوْله: لنا الجفنات الغر ... ... ... . . الْبَيْت قَالَ لَهُ النَّابِغَة: لقد قللت جفانك وسيوفك قَالَ أَبُو عَليّ: هَذَا خبر مَجْهُول لَا أصل لَهُ لِأَن الله تَعَالَى يَقُول: وهم فِي الغرفات آمنون وَلَا يجوز أَن تكون الغرف كلهَا الَّتِي فِي الْجنَّة من الثَّلَاث إِلَى الْعشْر. وَعذر ذَلِك عِنْدِي أَنه قد كثر عَنْهُم وُقُوع الْوَاحِد على معنى الْجمع جِنْسا كَقَوْلِنَا: أهلك

النَّاس) الدِّينَار وَالدِّرْهَم وَذهب النَّاس بِالشَّاة وَالْبَعِير فَلَمَّا كثر ذَلِك جاؤوا فِي مَوْضِعه بِلَفْظ الْجمع الَّذِي هُوَ أدنى إِلَى الْوَاحِد أَيْضا أَعنِي جمعي السَّالِم وَعلم أَيْضا أَنه إِذا جِيءَ فِي هَذَا الْموضع بِلَفْظ الْكَثْرَة لَا يتدارك معنى الجنسية فلهوا عَنهُ وَأَقَامُوا على لفظ الْوَاحِد تَارَة وَلَفظ الْجمع المقارب للْوَاحِد تَارَة أُخْرَى إراحة لأَنْفُسِهِمْ من طلب مَا لَا يدْرك ويأساً مِنْهُ. فَيكون هَذَا كَقَوْلِه: المتقارب وَمثل هذَيْن الجمعين مجيئهم فِي هَذَا الْموضع بتكسير الْقلَّة كَقَوْلِه تَعَالَى: وأعينهم تفيض من الدمع وَقَول حسان: وأسيافنا يقطرن وَلم يقل: عيونهم وَلَا سُيُوفنَا. وَقد ذكرنَا هَذَا وَنَحْوه فِي كتاب الخصائص. انْتهى. قَالَ شَيخنَا ياسين الْحِمصِي فِي شرح ألفية ابْن مَالك: اعْلَم أَنهم قَالُوا: إِذا قرن جمع الْقلَّة بأل الَّتِي للاستغراق أَو أضيف إِلَى مَا يدل على الْكَثْرَة انْصَرف بذلك إِلَى الْكَثْرَة. وعَلى هَذَا الْإِيرَاد مَا قَالَه النَّابِغَة على حسان وَيُقَال إِن حسان أجَاب بذلك لَكِن قَوْله: أسيافنا لم يضف إِلَى مَا يدل على الْكَثْرَة. وَعَلَيْك بِحِفْظ هَذِه الْقَاعِدَة فكثيراً مَا يغْفل عَنْهَا. وَمِمَّنْ غفل عَنْهَا الْعَلامَة وَالْقَاضِي وَصَاحب الْمُغنِي فِي تَفْسِير قَوْله

تَعَالَى: مَا نفدت كَلِمَات الله. حَيْثُ وجهوا التَّعْبِير بِجمع الْقلَّة بِمَا ذَكرُوهُ. ورد عَلَيْهِم الكوراني بِأَن الْجمع فِي الْآيَة مُضَاف. وَاعْلَم أَيْضا أَن أَبَا حَيَّان اسْتشْكل انصراف جمع الْقلَّة إِلَى الْكَثْرَة بِمَا حَاصله أَنه وضع للقلة وَهِي من ثَلَاثَة إِلَى عشرَة فَإِذا دخل أَدَاة الِاسْتِغْرَاق يَنْبَغِي أَن يكون الِاسْتِغْرَاق فِيمَا وضع لَهُ لَا فِيمَا زَاد لِأَنَّهُ لَيْسَ مِمَّا وضع لَهُ. ثمَّ أجَاب بِمَا حَاصله أَنه وضع بِوَضْع آخر مَعَ أَدَاة الِاسْتِغْرَاق للكثرة. انْتهى. وَقَالَ أَيْضا فِي حَاشِيَته على التَّصْرِيح للشَّيْخ خَالِد: اعْلَم أَن مَا ذكره النُّحَاة من أَن جموع الْقلَّة للعشرة فَمَا دونهَا لَا يُنَافِي تَصْرِيح أَئِمَّة الْأُصُول بِأَنَّهَا من صِيغ الْعُمُوم لِأَن كَلَام النُّحَاة كَمَا قَالَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ محمولٌ على حَالَة التجرد عَن التَّعْرِيف. انْتهى. وَهَذَا الْجَواب فِيهِ نظر فَإِن غَالب مَا وَقع فِيهِ النزاع معرف بأل. وَقد نقل جماعةٌ اعْتِرَاض النَّابِغَة على حسان فِي هَذَا الْبَيْت مِنْهُم أَبُو عبد الله المرزباني فِي كتاب الموشح من عدَّة طرق قَالَ: كتب إِلَيّ أَحْمد بن عبد الْعَزِيز أخبرنَا عمر بن شبة قَالَ:) حَدثنِي أَبُو بكر العليمي قَالَ: حَدثنَا عبد الْملك ابْن قريب قَالَ: كَانَ النَّابِغَة الذبياني تضرب لَهُ قبةٌ حَمْرَاء من أَدَم بسوق عكاظ فَتَأْتِيه الشُّعَرَاء فتعوض عَلَيْهِ أشعارها. قَالَ: فَأول من أنْشدهُ الْأَعْشَى: مَيْمُون بن قيس أَبُو بَصِير ثمَّ أنْشدهُ حسان بن ثابتٍ الْأنْصَارِيّ: (لنا الجفنات الغر يلمعن فِي الضُّحَى ... وأسيافنا يقطرن من نجدةٍ دَمًا) (ولدنَا بني العنقاء وَابْن محرقٍ ... فَأكْرم بِنَا خالاً وَأكْرم بِنَا ابنما)

فَقَالَ لَهُ النَّابِغَة: أَنْت شَاعِر وَلَكِنَّك أقللت جفانك وأسيافك وفخرت بِمن ولدت وَلم تَفْخَر بِمن ولدك. وحَدثني عَليّ بن يحيى قَالَ: حَدثنَا أَحْمد بن سعيد قَالَ: حَدثنَا الزبير بن بكار قَالَ: حَدثنِي لنا الجفنات الغر فَقَالَ لَهُ: مَا صنعت شَيْئا قللت أَمركُم فَقلت: جفنات وأسياف. وَأَخْبرنِي الصولي قَالَ: حَدثنِي مُحَمَّد بن سعيد وَمُحَمّد بن الْعَبَّاس الرياشي عَن الرياشي عَن الْأَصْمَعِي عَن أبي عَمْرو بن الْعَلَاء قَالَ: كَانَ النَّابِغَة الذبياني تضرب لَهُ قبةٌ بسوق عكاظ من أَدَم فَتَأْتِيه الشُّعَرَاء فتعرض عَلَيْهِ أشعارها فَأَتَاهُ الْأَعْشَى فَكَانَ أول من أنْشدهُ ثمَّ أنْشدهُ حسان بن ثَابت قصيدته الَّتِي مِنْهَا: لنا الجفنات الغر وَذكر الْبَيْتَيْنِ فَقَالَ لَهُ النَّابِغَة: أَنْت شاعرٌ وَلَكِنَّك أقللت جفانك وأسيافك وفخرت بِمن ولدت وَلم تفتخر بِمن ولدك. قَالَ الصولي: فَانْظُر إِلَى هَذَا النَّقْد الْجَلِيل الَّذِي يدل عَلَيْهِ نقاء كَلَام النَّابِغَة وديباجة شعره: قَالَ لَهُ: أقللت أسيافك لِأَنَّهُ قَالَ: وأسيافنا وأسياف جمع لأدنى الْعدَد وَالْكثير سيوف. والجفنات لأدنى الْعدَد وَالْكثير جفان وَقَالَ: فخرت بِمن ولدت لِأَنَّهُ قَالَ: ولدنَا بني العنقاء وَابْني محرق. فَترك الْفَخر بآبائه وفخر بِمن ولد نساؤه. قَالَ: ويروى أَن النَّابِغَة قَالَ لَهُ: أقللت أسيافك ولمعت جفانك. يُرِيد قَوْله: لنا الجفنات الغر والغرة: لمْعَة بياضٍ فِي الْجَفْنَة. فَكَأَن النَّابِغَة

عَابَ هَذِه الجفان وَذهب إِلَى أَنه لَو قَالَ لنا الجفنات الْبيض فَجَعلهَا بيضًا كَانَ أحسن. فلعمري إِنَّه حسنٌ فِي الجفان إِلَّا أَن الغر أجل لفظا من الْبيض.) قَالَ أَبُو عبد الله المرزباني: وَقَالَ قومٌ مِمَّن أنكر هَذَا الْبَيْت: فِي قَوْله: يلمعن بالضحى وَلم يقل بالدجى. وَفِي قَوْله: وأسيافنا يقطرن وَلم يقل يجرين لِأَن الجري أَكثر من الْقطر. وَقد رد هَذَا القَوْل وَاحْتج فِيهِ قومٌ لحسان بِمَا لَا وَجه لذكره فِي هَذَا الْموضع. فَأَما قَوْله: فخرت بِمن ولدت وَلم تَفْخَر بِمن ولدك فَلَا عذر عِنْدِي لحسان فِيهِ على مَذْهَب نقاد الشّعْر. وَقد احترس من مثل هَذَا الزلل رجل من كلب فَقَالَ يذكر ولادتهم لمصعب بن الزبير وَغَيره مِمَّن وَلَده نِسَاؤُهُم: الطَّوِيل (وَعبد الْعَزِيز قد ولدنَا ومصعباً ... وكلبٌ أبٌ للصالحين ولود) فَإِنَّهُ لما فَخر بِمن وَلَده نِسَاؤُهُم فضل رِجَالهمْ وَأخْبر أَنهم يلدون الفاضلين وَجمع ذَلِك فِي بَيت وَاحِد فَأحْسن وأجاد. انْتهى مَا أوردهُ المرزباني. وَمِمَّنْ نقلهَا أَيْضا أَبُو الْفرج الأصهباني فِي الأغاني قَالَ بعد إِيرَاد سَنَده: إِن النَّابِغَة كَانَت تضرب لَهُ قبةٌ فِي سوق عكاظ وتنشده الشُّعَرَاء أشعارها فأنشده الْأَعْشَى شعرًا فَاسْتَحْسَنَهُ ثمَّ أنشدته الخنساء قصيدةً حَتَّى انْتَهَت إِلَى قَوْلهَا: الْبَسِيط (وَإِن صخراً لوالينا وَسَيِّدنَا ... وَإِن صخراً إِذا نشتو لنحار) (وَإِن صخراً لتأتم الهداة بِهِ ... كَأَنَّهُ علمٌ فِي رَأسه نَار)

فَقَالَ: وَالله لَوْلَا أَن أَبَا بَصِير الْأَعْشَى أَنْشدني قبلك لَقلت إِنَّك أشعر النَّاس: أَنْت وَالله أشعر من كل ذَات مثانة. فَقَالَت: إِي وَالله وَمن كل ذِي خصيين. فَقَالَ حسان: أَنا وَالله أشعر مِنْك وَمِنْهَا وَمن أَبِيك. قَالَ: حَيْثُ تَقول مَاذَا قَالَ: حَيْثُ أَقُول: لنا الجفنات الغر ... ... الْبَيْتَيْنِ فَقَالَ: إِنَّك شَاعِر لَوْلَا أَنَّك قللت عدد جفانك وفخرت بِمن وَلدته. وَفِي رِوَايَة أُخْرَى: قَالَ لَهُ: إِنَّك قلت الجفنات فقللت الْعدَد وَلَو قلت الجفان لَكَانَ أَكثر وَقلت: يلمعن بالضحى وَلَو قلت يبرقن بالدجى لَكَانَ أبلغ فِي المديح لِأَن الضَّيْف فِي اللَّيْل أَكثر. وَقلت: يقطرن من نجدة دَمًا فدللت على قلَّة الْقَتْل وَلَو قلت يجرين لَكَانَ أَكثر لانصباب الدَّم. وفخرت بِمن ولدت وَلم تفتخر بِمن ولدك. فَقَامَ حسان منكسراً مُنْقَطِعًا. انْتهى مَا رَوَاهُ. وَقَالَ أُسَامَة بن منقذ فِي بَاب التَّفْرِيط من كتاب البديع: اعْلَم أَن التَّفْرِيط هُوَ أَن يقدم على شَيْء) فَيَأْتِي بِدُونِهِ فَيكون تفريطاً مِنْهُ إِذا لم يكمل اللَّفْظ أَو يُبَالغ فِي الْمَعْنى. وَهُوَ بابٌ وَاسع يعْتَمد عَلَيْهِ النقاد من الشُّعَرَاء مثل قَول حسان بن ثَابت الْأنْصَارِيّ: لنا الجفنات الغر ... . . الْبَيْت وفرط فِي قَوْله: الجفنات لِأَنَّهَا دون الْعشْرَة وَهُوَ يقدر أَن يَقُول: لدينا الجفان لِأَن الْعدَد الْقَلِيل لَا يفتخر بِهِ. وَكَذَلِكَ قَوْله: وأسيافنا لِأَنَّهَا دون الْعشْرَة وَهُوَ قادرٌ أَن يَقُول: وبيضٌ لنا.

وفرط فِي قَوْله: الغر لِأَن السود أمدح من الْبيض لأجل الدّهن وَكَثْرَة الْقرى فِيهِنَّ. وفرط فِي قَوْله: بالضحى وَهُوَ قَادر على أَن يَقُول فِي الدجى لِأَن كل شيءٍ يلمع فِي الضُّحَى. وفرط فِي قَوْله: يقطرن وَهُوَ قادرٌ على أَن يَقُول: يجرين لِأَن الْقطر قَطْرَة بعد قَطْرَة. وَقَالَ قدامَة: أَرَادَ بقوله الغر المشهورات. وَقَالَ بالضحى لِأَنَّهُ لَا يلمع فِيهِ إِلَّا عظيمٌ سَاطِع الضَّوْء والدجى يلمع فِيهِ يسير النُّور. وَأما أسياف وجفنات فَإِنَّهُ قد يوضع الْقَلِيل مَوضِع الْكثير كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ: لَهُم جناتٌ ودَرَجَات. وَقَوله: يقطرن دَمًا هُوَ الْمَعْرُوف والمألوف فَلَو قَالَ يجرين لخرج عَن الْعَادة. وينوب قطر عَن وَقَالَ ابْن أبي الإصبع فِي كِتَابه تَحْرِير التحبير: فِي بَاب الإفراط فِي الصّفة وَهُوَ الَّذِي سَمَّاهُ قدامَة الْمُبَالغَة وَسَماهُ من بعده التَّبْلِيغ: وحد قدامَة الْمُبَالغَة بِأَن قَالَ: هِيَ أَن يذكر الْمُتَكَلّم حَالا من الْأَحْوَال لَو وقف عِنْدهَا لأجزأت فَلَا يقف حَتَّى يزِيد فِي معنى مَا ذكره مَا يكون أبلغ فِي معنى قَصده كَقَوْلِه: الوافر (ونكرم جارنا مَا دَامَ فِينَا ... ونتبعه الْكَرَامَة حَيْثُ مَالا) وَأَنا أَقُول: قد اخْتلف فِي الْمُبَالغَة فقوم يرَوْنَ أَجود الشّعْر أكذبه وَخير الْكَلَام مَا بولغ فِيهِ ويحتجون بِمَا جرى بَين النَّابِغَة الذبياني وَبَين

حسان فِي اسْتِدْرَاك النَّابِغَة عَلَيْهِ تِلْكَ الْمَوَاضِع فِي قَوْله: لنا الجفنات الغر ... ... ... . . الْبَيْت فَإِن النَّابِغَة إِنَّمَا عَابَ على حسان ترك الْمُبَالغَة. والقصة مَشْهُورَة وَإِن رُوِيَ عَن انْقِطَاعه فِي يَد النَّابِغَة. وقومٌ يرَوْنَ الْمُبَالغَة من عُيُوب الْكَلَام. وَالْقَوْلَان مردودان.) وَقد بَين وَجه الرَّد فيهمَا. وَنقل الْعَيْنِيّ عَن ابْن يسعون نقد هَذَا الْبَيْت من جِهَة اللَّفْظ ساقطٌ لِأَن الْجمع فِي الجفنات نَظِير قَوْله تَعَالَى: وهم فِي الغرفات آمنون وَأما الغر هُنَا فَلَيْسَ جمع غرَّة بل الْبيض المشرفات من كَثْرَة وَيجوز أَن يُرِيد بهَا الْمَشْهُورَة المنصوبة للقرى. وَكَذَلِكَ: يلمعن هُوَ الْمُسْتَعْمل فِي هَذَا النَّحْو الَّذِي يدل بِهِ على الْبيَاض كَمَا تَقول: لمع السراب ولمع الْبَرْق وَكَذَلِكَ الضُّحَى والضحاء لِأَنَّهُمَا بِمَعْنى. على أَن الضُّحَى أدل على تعجيلهم الْقرى. وَأما القَوْل: بِأَن يبرقن فِي الدجى أبلغ فساقط لِأَنَّهُ إِنَّمَا أَرَادَ أَن إطعامهم مَوْصُول وقراهم فِي كل وَقت مبذول لِأَنَّهُ قد وصف قبل هَذَا قراهم بِاللَّيْلِ حَيْثُ قَالَ: (وَإِنَّا لنقري الضَّيْف إِن جَاءَ طَارِقًا ... من الشَّحْم مَا أضحى صَحِيحا مُسلما) ويروى: مَا أَمْسَى. وَأما قَوْله: يقطرن فَهُوَ الْمُسْتَعْمل فِي مثل هَذَا يُقَال: سَيْفه يقطر دَمًا. وَلم يجر الْعَادة بِأَن يُقَال: يجْرِي دَمًا مَعَ أَن

يقطر أمدح لِأَنَّهُ يدل على مضاء السَّيْف وَسُرْعَة خُرُوجه عَن الضريبة حَتَّى لَا يكَاد يعلق بِهِ دم. اه. وَالْبَيْت من قصيدةٍ افتخارية لحسان بن ثَابت الصَّحَابِيّ عدتهَا خَمْسَة وَثَلَاثُونَ بَيْتا. وَهَذِه أَبْيَات مِنْهَا بعد أَن ذكر منَازِل حبيبته: (لنا حاضرٌ فعمٌ وبادٍ كَأَنَّهُ ... شماريخ رضوى عزة وتكرما) (مَتى مَا تزنا من معدٍّ بعصبةٍ ... وغسان نمْنَع حوضنا أَن يهدما) (إِذا استدبرتنا الشَّمْس درت متوننا ... كَأَن عروق الْجوف ينضحن عِنْدَمَا) (ولدنَا بني العنقاء وَابْني محرقٍ ... فَأكْرم بِنَا خالاً وَأكْرم بِنَا ابنما) (نسود ذَا المَال الْقَلِيل إِذا بَدَت ... مروءته فِينَا وَإِن كَانَ مكرما) (وَإِنَّا لنقري الضَّيْف إِن جَاءَ طَارِقًا ... من الشَّحْم مَا أَمْسَى صَحِيحا مُسلما) (أَلسنا نرد الْكَبْش عَن طية الْهوى ... ونقلب مران الوشيج محطما) (وكائن ترى من سيدٍ ذِي مهابةٍ ... أَبوهُ أَبونَا وَابْن أُخْت ومحرما) لنا الجفنات الغر ... ... ... ... ... ... ... ... الْبَيْت (أَبى فعلنَا الْمَعْرُوف أَن ننطق الْخَنَا ... وقائلنا بِالْعرْفِ إِلَّا تكلما)) (فَكل معدٍّ قد جزينا بصنعه ... فبؤسى ببؤساها وبالنعم أنعما)

وَهَذِه آخر القصيدة. وَقَوله: لنا حَاضر فَعم إِلَخ قَالَ فِي الصِّحَاح: الْحَاضِر: الْحَيّ الْعَظِيم. وَأنْشد الْبَيْت. والفعم: الْكثير الممتلىء. والبادي: النَّازِل بالبادية يُقَال: بدا بداوة بِالْفَتْح وَالْكَسْر وَهِي الْإِقَامَة بالبادية. والشمراخ بِالْكَسْرِ: رَأس الْجَبَل. ورضوى بِالْفَتْح: جبلٌ بِالْمَدِينَةِ. وَقَوله: مَتى مَا تزنا إِلَخ تزنا: بِالْخِطَابِ من الْوَزْن. ومعد: أَبُو قَبيلَة. وَقَوله: بِكُل فَتى إِلَخ مُتَعَلق بنمنع. والأشاجع: أصُول الْأَصَابِع الَّتِي تتصل بعصب ظَاهر الْكَفّ الْوَاحِد أَشْجَع. وَأَرَادَ بعريها كَونهَا عَارِية من اللَّحْم غير غَلِيظَة. ولاحه بِالْمُهْمَلَةِ بِمَعْنى غَيره. وقراع: مصدر قَارِعَة. ومقارعة الْأَبْطَال: قرع بَعضهم بَعْضًا. والكماة: الشجعان. وَقَوله: يرشح الْمسك إِلَخ أَرَادَ أَنهم مُلُوك فَإِذا جرح أحدهم سَالَ دَمه برائحة الْمسك. وَقَوله: إِذا استدبرتنا الشَّمْس إِلَخ. الْمُتُون: الظُّهُور. والعندم: البقم وَقيل دم الْأَخَوَيْنِ. قَالَ شَارِح ديوانه: يُرِيد أَنهم إِذا عرقوا عرقوا برائحة الطّيب. وَقَوله: ولدنَا بني العنقاء إِلَخ العنقاء: ثَعْلَبَة بن عَمْرو مزيقياء

بن عَامر بن مَاء السَّمَاء. وَقَوله: فَأكْرم بِنَا هُوَ تعجب. أَي: مَا أكرمنا خالاً وَمَا أكرمنا ابْنا وَمَا: زَائِدَة. وَقَوله: وَإِنَّا لنقري إِلَخ. نقري: نضيف. والطروق: الْمَجِيء لَيْلًا. وَمَا: مفعول نقري لتَضَمّنه معنى نطعم. يُرِيد أَنهم يذبحون للضيف الْإِبِل السالمة من عِلّة وَمرض. وَقَوله: أَلسنا نرد الْكَبْش إِلَخ. الْكَبْش: سيد الْقَوْم. والطية بِالْكَسْرِ: النِّيَّة. والهوى: هوى النَّفس. والمران بِالضَّمِّ: جمع مارن وَهُوَ الرمْح اللين المهز. أَي: نُقَاتِل بهَا حَتَّى تنكسر. وترجمة حسان تقدّمت فِي الشَّاهِد الْحَادِي وَالثَّلَاثِينَ من أَوَائِل الْكتاب.

(المصدر)

(الْمصدر) أنْشد فِيهِ وَهُوَ 3 - (الشَّاهِد الْخَامِس وَالتِّسْعُونَ بعد الْخَمْسمِائَةِ) الطَّوِيل (وَمَا الْحَرْب إِلَّا مَا علمْتُم وذقتم ... وَمَا هُوَ عَنْهَا بِالْحَدِيثِ المرجم) على أَن الظّرْف وَالْجَار وَالْمَجْرُور يعْمل فيهمَا مَا هُوَ فِي غَايَة الْبعد من الْعَمَل كحرف النَّفْي وَالضَّمِير كَمَا فِي الْبَيْت فَإِن قَوْله: عَنْهَا مُتَعَلق بهو. أَي: مَا حَدِيثي عَنْهَا. وَالْبَيْت من معلقَة زُهَيْر بن أبي سلمى الجاهلي. قَالَ الصَّاغَانِي فِي الْعباب: الْحَرْب مؤنث يُقَال: وَقعت بَينهم حَرْب. قَالَ الْخَلِيل: تصغيرها حريب بِلَا هَاء رِوَايَة عَن الْعَرَب. قَالَ الْمَازِني: لِأَنَّهُ فِي الأَصْل مصدر. وَقَالَ الْمبرد: الْحَرْب قد تذكر. وَأنْشد: الرجز (وَهُوَ إِذا الْحَرْب هفا عِقَابه ... مرجم حربٍ تلتقي حرابه) وَقد جعل الشَّارِح الْمُحَقق الضَّمِير كِنَايَة عَن الحَدِيث الَّذِي هُوَ قولٌ وفَاقا لأبي الْحُسَيْن الزوزني شَارِح المعلقات يُقَال: الضَّمِير كِنَايَة القَوْل لَا الْعلم لِأَن الْعلم لَا يكون قولا. وَفِيه رد على سَائِر شرَّاح المعلقات فِي أَن الضَّمِير رَاجع إِلَى الْعلم. قَالَ أَبُو جَعْفَر النّحاس وَتَبعهُ التبريزي وَاللَّفْظ لَهُ: قَوْله: وَمَا هُوَ عَنْهَا أَي: مَا الْعلم عَنْهَا بِالْحَدِيثِ أَي: مَا الْخَبَر عَنْهَا بِحَدِيث يرْجم فِيهِ بِالظَّنِّ فَقَوله هُوَ كِنَايَة عَن الْعلم لِأَنَّهُ

لما قَالَ: إِلَّا مَا علمْتُم دلّ على الْعلم. قَالَ الله تَعَالَى: وَلَا تحسبن الَّذين يَبْخلُونَ بِمَا آتَاهُم الله من فَضله هُوَ خيرا الْمَعْنى: أَنه لما قَالَ يَبْخلُونَ دلّ على الْبُخْل كَقَوْلِهِم: من كذب كَانَ شرا لَهُ أَي: كَانَ الْكَذِب شرا لَهُ. اه. وَقَالَ الأعلم الشنتمري: هُوَ كِنَايَة عَن الْعلم يُرِيد: وَمَا علمكُم بِالْحَرْبِ. وَعَن بدل من الْبَاء. هَذَا كَلَامه. وَقَالَ صعُودًا فِي شرح ديوانه: هُوَ ضميرٌ رَاجع على مَا وَكَأَنَّهُ قَالَ: وَمَا الَّذِي علمْتُم. ثمَّ كنى عَن الَّذِي. اه.) والمرجم: الَّذِي يرْجم بالظنون والترجيم وَالرَّجم: الظَّن وَمِنْه قَول الله عَزَّ وَجَلَّ: رجماً بِالْغَيْبِ أَي: ظنا. والذوق أَصله فِي المطعوم واستعير هُنَا للتجربة. يَقُول: لَيست الْحَرْب إِلَّا مَا عهدتموها وجربتموها ومارستم كراهتها وَمَا هَذَا الَّذِي أقوله بِحَدِيث مظنون. وَهَذَا مَا شهِدت بِهِ الشواهد الصادقة من التجارب وَلَيْسَ من أَحْكَام الظنون. خَاطب زهيرٌ بِهَذَا الْكَلَام قَبيلَة ذبيان وأحلافهم وهم أَسد وغَطَفَان ويحرضهم على الصُّلْح مَعَ بني عمهم بني عبس ويخوفهم من الْحَرْب فَإِنَّهُم قد علمُوا شدائدها فِي حَرْب داحس. وَقد تقدم شرح الْقِصَّة مَعَ شرح أَبْيَات كَثِيرَة من هَذِه الْمُعَلقَة مَعَ تَرْجَمَة زُهَيْر فِي الشَّاهِد الثَّامِن وَالثَّلَاثِينَ بعد الْمِائَة.

(الشاهد السادس والتسعون بعد الخمسمائة)

وَأنْشد بعده 3 - (الشَّاهِد السَّادِس وَالتِّسْعُونَ بعد الْخَمْسمِائَةِ) الطَّوِيل (أَمن رسم دارٍ مربعٌ ومصيف ... لعينيك من مَاء الشؤون وَكَيف) على أَن رسم دَار مصدر مُضَاف إِلَى مَفْعُوله: ومربع: فَاعله. ورسم هُنَا: مصدر رسم الْمَطَر الدَّار أَي: صيرها رسماً بِأَن عفاها. وَلَا يُرَاد بالرسم هُنَا مَا شخص من آثَار الدَّار لِأَن ذَلِك عينٌ لَا معنى وَالَّذِي يعْمل معنى لَا غير. كَذَا فِي شرح الْإِيضَاح لأبي الْبَقَاء العكبري. وَقَالَ شَارِح أبياته ابْن بري: وَمعنى رسم أثر وَلم يبْق مِنْهَا إِلَّا رسوماً وآثاراً. وَقيل: مَعْنَاهُ غير أَثَرهَا بِشدَّة الِاخْتِلَاف عَلَيْهَا وَمِنْه قيل: رسمت النَّاقة رسيماً إِذا أثرت فِي الأَرْض بِشدَّة وَطئهَا. وَقيل الرَّسْم بِمَعْنى المرسوم فعلى هَذَا يكون اسْما لَا مصدرا فَلَا يجوز أَن يعْمل. وَالتَّقْدِير: ألعينيك من مَاء الشؤون وكيفٌ من أجل مرسوم دارٍ هُوَ مَوضِع الْحُلُول فِي الرّبيع والصيف. انْتهى كَلَامه. وَالْبَيْت مطلع قصيدة للحطيئة عدتهَا ثَمَانِيَة عشر بَيْتا مدح بهَا سعيد بن الْعَاصِ الْأمَوِي لما كَانَ والياً بِالْكُوفَةِ لعُثْمَان بن عَفَّان. وَبعده بيتان:) (تذكرت فِيهَا الْجَهْل حَتَّى تبادرت ... دموعي وأصحابي عَليّ وقُوف)

وَمِنْهَا: (إِلَيْك سعيد الْخَيْر جبت مهامهاً ... يقابلني آلٌ بهَا وتنوف) وَقَوله: أَمن رسم دَار إِلَخ الْهمزَة للاستفهام التقريري وَمن تعليلية مُتَعَلقَة بوكيف وَهُوَ مصدر قَالَ شَارِح ديوانه: التَّأْوِيل: أَمن أَن رسم دَارا مربعٌ أَي: أثر فِيهَا آثاراً. والرسم: الْأَثر بِلَا شخص. والشؤون: مجاري الدمع من الرَّأْس إِلَى الْعين وَاحِدهَا شَأْن. وَقَوله: لعينيك: جَار ومجرور مُتَعَلق بِمَحْذُوف خبر مقدم على الْمُبْتَدَأ وَهُوَ وَكَيف يرْوى بالتثنية ويروى بِالْإِفْرَادِ. ومربع: فَاعل الْمصدر وَهُوَ رسم وَهُوَ على حذف مُضَاف وَالتَّقْدِير: مطره وَنَحْوه. وَهُوَ وَمَا بعده اسمان لزمن الرّبيع والصيف ويأتيان اسْمِي مَكَان أَيْضا ومصدرين أَيْضا. وَهَذِه الصِّيغَة يشْتَرك فِيهَا هَذِه الْمعَانِي الثَّلَاثَة وَهِي صِيغَة قياسية يذكرهَا الصرفيون. وَالْمَذْكُور فِي كتب اللُّغَة إِنَّمَا هُوَ المربع بِمَعْنى منزل الْقَوْم فِي الرّبيع خَاصَّة. وَقد اسْتعْمل الحريري فِي المقامة الأولى المربع بِمَعْنى الرّبع وَهُوَ الْمنزل حَيْثُ كَانَ فِي قَوْله: ويسرب من يتبعهُ لَكِن يجهل مربعه. وَلم يصب ابْن الخشاب فِي تخطئة الحريري فِيمَا كتبه على المقامات فِي قَوْله: مَا أصَاب فِيهِ لِأَن الرّبع منزل الْقَوْم فِي الرّبيع خَاصَّة وَقد

اسْتَعْملهُ بِمَعْنى الأول وَهُوَ خطأ لِأَنَّهُ كالمصيف والمشتى وَتلك مَنَازِلهمْ فِي هَذِه الْأَزْمِنَة خَاصَّة. وَقد أَجَاد ابْن بري فِي الرَّد عَلَيْهِ فَقَالَ: يُقَال: ربع بِالْمَكَانِ أَي: أَقَامَ بِهِ الرّبيع وَيُقَال أَيْضا ربع بِالْمَكَانِ: أَقَامَ بِهِ حَيْثُمَا كَانَ. وَاسم الْمَكَان مِنْهُمَا مربعٌ قِيَاسا مطرداً عِنْد النَّحْوِيين كالمصنع وَالشَّاهِد على قَوْلهم: ربع بِالْمَكَانِ إِذا أَقَامَ بِهِ حَيْثُمَا كَانَ قَول الحادرة: الطَّوِيل (بكرت سميَّة غدْوَة فتمتع ... وغدت غدو مفارقٍ لم يربع) فسره الْمفضل فِي المفضليات فَقَالَ: يُقَال ربع بِالْمَكَانِ إِذا أَقَامَ بِهِ. وَلم يشْتَرط ربيعاً وَلَا غَيره. فعلى هَذَا يَصح أَن يكون المربع لمنزل الْإِنْسَان. من بَيته وداره وَنَحْو ذَلِك وَعَلِيهِ يَصح قَول يزِيد بن الصَّعق: الطَّوِيل يَشن عَلَيْكُم بالقنا كل مربع أَي: كل مَكَان تقيمون فِيهِ. وَأما قَول أهل اللُّغَة إِن المربع اسمٌ للمنزل فِي الرّبيع خَاصَّة فَإِنَّمَا) يُرِيدُونَ بِهِ الْأَكْثَر وَهُوَ الأَصْل ثمَّ اتَّسع فِيهِ فَجعل لكل مَكَان أَقَامَ بِهِ الرجل. أَلا ترى أَنهم لَا يكادون يذكرُونَ المربع فِي اسْم الزَّمَان وَهُوَ أَيْضا قِيَاس مطرد مثل اسْم الْمَكَان. وَشَاهده قَول الحطيئة: أَمن رسم دارٍ مربعٌ ومصيف فالمربع والمصيف على هَذَا: اسمٌ لزمان الرّبيع والصيف وَكَذَلِكَ قَول جرير:

الْكَامِل (ردوا الْجمال بِذِي طلوحٍ بَعْدَمَا ... هاج المصيف وَقد تولى المربع) أَي: ردوا الْجمال من مَوضِع رعيها إِلَى الْحَيّ حِين أَرَادوا التَّحَمُّل وَقد أَتَى المصيف. وَتَوَلَّى وَكَذَلِكَ المربع قد يكون اسْما للمصدر فِي نَحْو قَوْلهم: ربعت بِالْمَكَانِ مربعًا. وَلَا يكَاد يذكرُونَ المربع إِلَّا فِي اسْم الْمنزل بِالربيعِ وَإِنَّمَا يذكر هَذَا مَبْنِيا أهل النَّحْو ويجعلون لَهُ بَابا مُفردا وَقِيَاسًا مطرداً. وَمَا خرج عَن الْقيَاس فِي بناءٍ ذَكرُوهُ. انْتهى كَلَامه. وَقَوله: تذكرت فِيهَا الْجَهْل أَي: جهل الشَّبَاب وَالصبَا. وَقَوله: إِلَيْك سعيد الْخَيْر إِلَخ إِلَيْك: مُتَعَلق بجبت قدم عَلَيْهِ لإِفَادَة الْحصْر. وَجَبت: قطعت يُقَال: جاب الْوَادي يجوبه إِذا قطعه وَسَعِيد: منادًى مُضَاف إِلَى الصّفة الَّتِي اشْتهر بهَا. وَيجوز أَن يكون أَصله خير بِالتَّشْدِيدِ فَخفف. والمهمه: القفر. والآل: السراب. وتنوف: جمع تنوفة وَهِي الفلاة. روى الْأَصْبَهَانِيّ فِي الأغاني بِسَنَدِهِ إِلَى خَالِد بن سعيد قَالَ: لَقِيَنِي إِيَاس ابْن الحطيئة فَقَالَ لي: يَا أَبَا عُثْمَان مَاتَ أبي وَفِي كسر بَيته عشرُون ألفا أعطَاهُ إِيَّاهَا أَبوك وَقَالَ فِيهِ خمس قصائد فَذهب وَالله مَا أعطيتمونا وَبَقِي مَا أعطيناكم فَقلت: صدقت وَالله.

وروى أَيْضا بسندٍ مُتَّصِل إِلَى خَالِد بن سعيد قَالَ: كَانَ سعيد بن الْعَاصِ بِالْمَدِينَةِ زمن مُعَاوِيَة وَكَانَ يعشي النَّاس فَإِذا فرغ من الْعشَاء قَالَ الْآذِن: ليذْهب إِلَّا من كَانَ من أهل سمره. قَالَ: فَدخل الحطيئة فتعشى مَعَ النَّاس ثمَّ لم ينْصَرف فَلَمَّا ألح عَلَيْهِ الْآذِن قَالَ سعيد: دَعه وَأخذ فِي الشّعْر والحطيئة مطرقٌ لَا ينْطق فَقَالَ الحطيئة: وَالله مَا أصبْتُم جيد الشّعْر وَلَا شَاعِر الشُّعَرَاء. قَالَ سعيد: من أشعر الْعَرَب يَا هَذَا قَالَ: الَّذِي يَقُول: الْخَفِيف (لَا أعد الإقتار عدماً وَلَكِن ... فقد من قد رزئته الإعدام) (من رجالٍ من الْأَقَارِب بانوا ... من جذامٍ هم الرؤوس الْكِرَام)) (سلط الْمَوْت والمنون عَلَيْهِم ... فَلهم فِي صدى الْمَقَابِر هام) (وكذاكم سَبِيل كل أناسٍ ... سَوف حَقًا تبليهم الْأَيَّام) قَالَ: وَيحك من يَقُول هَذَا الشّعْر قَالَ: أَبُو دوادٍ الْإِيَادِي. قَالَ: وَمن الثَّانِي قَالَ: الَّذِي يَقُول: مخلع الْبَسِيط (أَفْلح بِمَا شِئْت فقد يبلغ بَال ... ضعف وَقد يخدع الأريب) قَالَ: وَمن يَقُول هَذَا الشّعْر قَالَ: عبيد. قَالَ: ثمَّ من قَالَ: وَالله لحسبك بِي عِنْد رهبةٍ أَو رَغْبَة إِذا وضعت إِحْدَى رجْلي على الْأُخْرَى ثمَّ رفعت صوتي بالشعر ثمَّ عويت على إِثْر القوافي عواء الفصيل الصَّادِر عَن المَاء قَالَ: وَمن أَنْت قَالَ: الحطيئة. قَالَ: وَيحك قد علمت

تشوقنا إِلَى مجلسك وَأَنت تكتمنا نَفسك مُنْذُ اللَّيْلَة فأنشدني. (سعيدٌ فَلَا يغررك قلَّة لَحْمه ... تخدد عَنهُ اللَّحْم وَهُوَ صَلِيب) (إِذا غبت عَنَّا غَابَ عَنَّا ربيعنا ... ونسقى الْغَمَام الغر حِين يؤوب) (فَنعم الْفَتى تعشو إِلَى ضوء ناره ... إِذا الرّيح هبت وَالْمَكَان جديب) فَقَالَ لَهُ: أَنْت لعمر الله أشعر عِنْدِي مِنْهُم. فَأمر لَهُ بِعشْرَة آلَاف دِرْهَم. ثمَّ عَاد فأنشده: أَمن رسم دارٍ مربعٌ ومصيف إِلَى آخر القصيدة فَأعْطَاهُ عشرَة آلَاف أُخْرَى. وَرُوِيَ أَيْضا هَذَا الْخَبَر عَن أبي عُبَيْدَة وَقَالَ: قَالَ أَبُو عُبَيْدَة فِي هَذَا الْخَبَر: وَأَخْبرنِي رجلٌ من بني كنَانَة قَالَ: أقبل الحطيئة فِي ركب من بني عبس حَتَّى قدم الْمَدِينَة فَقَالُوا لَهُ: إِنَّا قد أرذينا وأخلينا فَلَو تقدّمت إِلَى رجل شرِيف من أهل الْمَدِينَة فقرانا وحملنا. فَأتى خَالِد بن سعيد بن الْعَاصِ فَسَأَلَهُ فَاعْتَذر إِلَيْهِ وَقَالَ: مَا عِنْدِي شيءٌ. فَلم يعد عَلَيْهِ الْكَلَام وَخرج من عِنْده فارتاب بِهِ خَالِد فَبعث يسْأَل عَنهُ

(الشاهد السابع والتسعون بعد الخمسمائة)

فَأخْبر أَنه الحطيئة فَرده وَاعْتذر إِلَيْهِ فَأَرَادَ خَالِد أَن يستفتحه الْكَلَام فَقَالَ: من أشعر النَّاس فَقَالَ: الَّذِي يَقُول: الطَّوِيل (وَمن يَجْعَل الْمَعْرُوف من دون عرضه ... يفره وَمن لَا يتق الشتم يشْتم) فَقَالَ خَالِد لبَعض جُلَسَائِهِ: هَذِه بعض عقاربه وَأمر لَهُ بكسوة وحملان فَخرج بذلك من) عِنْده. اه. وترجمة الحطيئة قد تقدّمت فِي الشَّاهِد التَّاسِع وَالْأَرْبَعِينَ بعد الْمِائَة. وَأنْشد بعده 3 - (الشَّاهِد السَّابِع وَالتِّسْعُونَ بعد الْخَمْسمِائَةِ) وَهُوَ من شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ: المتقارب (ضَعِيف النكاية أعداءه ... يخال الْفِرَار يراخي الْأَجَل) على أَن سِيبَوَيْهٍ والخليل جوزا إِعْمَال الْمصدر الْمُعَرّف بِاللَّامِ مُطلقًا كَمَا فِي الْبَيْت. قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَتقول: عجبت من الضَّرْب زيدا كَمَا تَقول: عجبت من الضَّارِب زيدا يكون الْألف وَاللَّام بِمَنْزِلَة التَّنْوِين قَالَ الشَّاعِر: ضَعِيف النكاية أعداءه ... ... ... . . الْبَيْت

وَقَالَ المرار: لقد علمت أولى الْمُغيرَة ... ... ... . الْبَيْت وَقَالَ الأعلم: الشَّاهِد فِيهِ نصب الْأَعْدَاء بالنكاية لمنع الْألف وَاللَّام الْإِضَافَة ومعاقبتهما للتنوين الْمُوجب للنصب. وَمن النَّحْوِيين من يُنكر عمل الْمصدر وَفِيه الْألف وَاللَّام لِخُرُوجِهِ عَن شبه الْفِعْل فينصب مَا بعده بإضمار مصدر منكور فيقدره: ضَعِيف النكاية نكاية أعداءه. وَهَذَا يلْزمه مَعَ تَنْوِين الْمصدر لِأَن الْفِعْل لَا ينون فقد خرج الْمصدر عَن شبه الْفِعْل بِالتَّنْوِينِ فَيَنْبَغِي على مذْهبه أَن لَا يعْمل. يَقُول: هُوَ ضَعِيف عَن أَن ينكي عدوه وجبانٌ أَن يثبت وَلكنه يلتجي إِلَى الْفِرَار ويخاله مُؤَخرا لأَجله. اه. وَأَرَادَ بِبَعْض النَّحْوِيين أَبَا الْعَبَّاس الْمبرد. وَجعل السيرافي نصب أعداءه على حذف الْخَافِض أَي: ضَعِيف الْكِنَايَة فِي أعدائه. وَقَوله: يخال بِمَعْنى يظنّ. ويراخي: يباعد وفاعله ضمير الْفِرَار وفاعل يخال ضمير المهجو. وَجُمْلَة: يراخي فِي مَوضِع الْمَفْعُول الثَّانِي ليخال. وَضَعِيف: خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي: هُوَ ضَعِيف.) والنكاية: مصدر نكيت فِي الْعَدو إِذا أثرت فِيهِ. وَجَاء معدى بِنَفسِهِ.

(الشاهد الثامن والتسعون بعد الخمسمائة)

ينكى العدى وَيكرم الأضيافا وَقَالَ عدي بن زيد: الطَّوِيل (إِذا أَنْت لم تَنْفَع بودك أَهله ... وَلم تنك بالبؤسى عَدوك فابعد) من بعد من بَاب فَرح إِذا هلك. وَالْبَيْت من أَبْيَات سِيبَوَيْهٍ الْخمسين الَّتِي لم يعرف قَائِلهَا. وَالله أعلم. وَأنْشد بعده 3 - (الشَّاهِد الثَّامِن وَالتِّسْعُونَ بعد الْخَمْسمِائَةِ) وَهُوَ من شَوَاهِد س: الطَّوِيل (لقد علمت أولى الْمُغيرَة أنني ... كررت فَلم أنكل عَن الضَّرْب مسمعا) لما تقدم قبله. ويروى: لحقت فَلم أنكل. قَالَ الأعلم: الشَّاهِد فِي نصب مسمع بِالضَّرْبِ على نَحْو مَا تقدم. وَيجوز أَن يكون بلحقت وَالْأول أولى لقرب الْجوَار وَلذَلِك اقْتصر عَلَيْهِ سِيبَوَيْهٍ. يَقُول: قد علم أولى من لقِيت من المغيرين أَنِّي صرفتهم عَن وجههم هازماً لَهُم وَلَحِقت سيدهم مسمعاً فَلم أنكل عَن ضربه بسيفي. وَقَالَ ابْن خلف: وَكَانَ بعض الْبَصرِيين الْمُتَأَخِّرين لَا ينصب بِالْمَصْدَرِ إِذا كَانَ فِيهِ الْألف وَاللَّام وَينصب مسمعاً بلحقت لَا بِالضَّرْبِ

وحجته أَن أل تبعد الْمصدر عَن شبه الْفِعْل. قَالَ أَبُو الْحجَّاج: وَمن أعمل الضَّرْب فِيهِ فَهُوَ عِنْدِي على قَول من أعمل الثَّانِي وَهُوَ أحسن عِنْد أَصْحَابنَا. أَلا ترى أَن الْمَعْنى لحقت مسمعاً فَلم أنكل عَن ضربه فَحذف الْمَفْعُول من الأول لدلَالَة الثَّانِي عَلَيْهِ. وَمن أعمل لحقت أَرَادَ: لحقت مسمعاً فَلم أنكل عَن الضَّرْب إِيَّاه أَو عَن ضربيه إِلَّا أَنه حذف لِأَن المصادر يحذف مَعهَا الْفَاعِل وَالْمَفْعُول. وَلَا يجوز على هَذَا الْقيَاس ضربت وشتمت زيدا حَتَّى تَأتي بعلامة الضَّمِير فِي شتمت. يَعْنِي إِذا أعملت ضربت. قَالَ: لِأَن الْفِعْل لَا يحذف مَعَه هَذَا الْمَفْعُول كَمَا يحذف مَعَ الْمصدر. وَقد أجَاز السيرافي حذف الضَّمِير فِي هَذَا النَّحْو مَعَ الْفِعْل أَيْضا لِأَن الْمَفْعُول كالفضلة المستغنى) عَنْهَا. قَالَ أَبُو عَليّ: وَمن أنْشد كررت كَانَ مسمع مفعول الضَّرْب لَا غير لِأَن كررت يتَعَدَّى بالحرف وَهُوَ على وَلَا حرف هَا هُنَا. فَإِن جعلت على مُرَادة كَمَا جَاءَ فِي قَوْله: لأقعدن لَهُم صراطك الْمُسْتَقيم وَقَول الشَّاعِر: الطَّوِيل (تحن فتبدي مَا بهَا من صبابةٍ ... وأخفي الَّذِي لَوْلَا الأسى لقضاني)

. فَلَمَّا حذف أوصلت الْفِعْل فَهُوَ وَجه. قَالَ أَبُو الْحجَّاج: وَهَذَا خلاف لما فِي الْإِيضَاح لِأَنَّهُ قَالَ هُنَالك: إِن ذَلِك لَا يعْمل عَلَيْهِ مَا وجد مندوحة عَنهُ. وَلَيْسَ يُنكر على الْعَالم أَن يرجع عَن قَول إِلَى مَا هُوَ خيرٌ مِنْهُ. اه. قَالَ ابْن بري فِي شرح أَبْيَات الْإِيضَاح: وَأَجَازَ السيرافي هَذَا الَّذِي مَنعه أَبُو عَليّ وَكَذَلِكَ أجَاز أَبُو عَليّ فِي غير الْإِيضَاح نصب مسمع. بكررت على إِسْقَاط حرف الْجَرّ كالآية. اه. وَلَو عمل كررت لَكَانَ التَّقْدِير: كررت فَلم أنكل عَن الضَّرْب إِيَّاه على مسمع فَحذف على وأوصل الْفِعْل. وَقَالَ ابْن السيرافي: لَا يحسن أَن ينصب بكررت على تَقْدِير كررت على مسمع فَلم أنكل عَن الضَّرْب. وعَلى الرِّوَايَة الثَّانِيَة ينْتَصب أَيْضا بِالضَّرْبِ إِلَّا أَنه على إِعْمَال الثَّانِي الْأَقْرَب إِلَيْهِ. وَلَو أعمل الأول لأضمر وَكَانَ التَّقْدِير: لحقت مسمعاً فَلم أنكل عَن الضَّرْب إِيَّاه مسمعاً. وَقد أوردهُ ابْن قَاسم الْمرَادِي فِي بَاب التَّنَازُع من شرح الألفية بِلَفْظ لقِيت وَلم أنكل عَن الضَّرْب وَأوردهُ ابْن النَّاظِم وَابْن هِشَام فِي شرح الألفية فِي بَاب إِعْمَال الْمصدر كالشارح الْمُحَقق.

وَالْبَيْت من قصيدة لمَالِك بن زغبة الْبَاهِلِيّ وَبعده: (وَلَو أَن رُمْحِي لم يخني انكساره ... لغادرت طيراً تعتفيه وأضبعا) (وفر ابْن كدراء السدُوسِي بَعْدَمَا ... تنَاول مني فِي المكرة منزعا) (وَمَا كنت إِلَّا السَّيْف لَاقَى ضريبةً ... فقطعها ثمَّ انثنى فتقطعا) (وَإِنِّي لأعدي الْخَيل تعثر بالقنا ... حفاظاً على الْمولى الحريد ليمنعا) (وَنحن جنبنا الْخَيل من سرو حميرٍ ... إِلَى أَن وطئنا أَرض خثعم نزعا) (أجئتم لكيما تستبيحوا حريمنا ... فصادفتم ضربا وطعناً مجدعا)) (فأبتم خزايا صاغرين أَذِلَّة ... شريجة أرماح لأكتافكم مَعًا) قَالَ أَبُو مُحَمَّد الْأَعرَابِي فِي فرحة الأديب: مسمع بن شَيبَان: أحد بني قيس بن ثَعْلَبَة كَانَ خرج هُوَ وَابْن كدراء الذهلي يطلبان بدماء من قتلته باهلة من بني بكر بن وَائِل يَوْم قتل أَبُو الْأَعْشَى قيس بن جندل فَبلغ ذَلِك باهلة فلقوهم فَقَاتلُوا قتالاً شَدِيدا فانهزمت بَنو قيس وَمن كَانَ مَعَهُمَا من بني ذهل وَضرب مسمعٌ وأفلت جريحاً. اه. وَقَوله: لقد علمت أولى الْمُغيرَة إِلَخ يَعْنِي أَولهَا. والمغيرة: الْخَيل يُرِيد مُقَدّمَة الْعَسْكَر.

لقد علمت أولى الْمُغيرَة ... ... . الْبَيْت فَقَالَ: أولى كل شَيْء: أَوله. وَقَالَ ابْن السيرافي: الْمُغيرَة يجوز أَن تكون وَصفا للخيل المحذوفة وَهُوَ أَجود لِأَن اسْتِعْمَالهَا مَعَه أَكثر. وَيجوز أَن يكون وَصفا للْجَمَاعَة الْمُغيرَة أَو نَحْوهَا. وعَلى أَي الْحَالين فَهُوَ اسْم فَاعل من أغار على الْعَدو إغارة. اه. وَذكر ابْن السَّيِّد فِي شرح أَبْيَات الْجمل: أَنه يُقَال: الْمُغيرَة بِضَم الْمِيم وَكسرهَا. وَتَبعهُ ابْن خلف وَتعقبه اللَّخْمِيّ بِأَنَّهُ يُقَال فِي اسْم الرجل الْمُغيرَة بِكَسْر الْمِيم لأَنهم إِنَّمَا يغيرون الْأَسْمَاء الْأَعْلَام وَلَا يكادون يغيرون الصِّفَات الْجَارِيَة على الْأَفْعَال لِئَلَّا يخرجوها عَن الْبَاب. والنكول: الرُّجُوع جبنا. قَالَ ابْن خلف: من ضم الْكَاف فِي الْمُضَارع فتحهَا فِي الْمَاضِي وَمن كسرهَا فِي الأول فتحهَا فِي الثَّانِي. ومسمع بِكَسْر الْمِيم الأولى وَفتح الثَّانِيَة. وَقَوله: لغادرت طيراً إِلَخ. غادرت: تركت. وَفُلَان تعتفيه الأضياف أَي: تَأتيه. وأضبع: جمع ضبع. يُرِيد أَنه لَو لم يخنه رمحه لقَتله.

وَكَانَت تَأتيه الطُّيُور وَالسِّبَاع تَأْكُله. وسدوس بِالْفَتْح: أَبُو قَبيلَة. والمكرة بِالْفَتْح: مَوضِع الْحَرْب. والمنزع بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون النُّون وَقَوله: أجئتم لكيما الْهمزَة للاستفهام التوبيخي. والاستباحة: النهب والأسر. والمجدع بِكَسْر الدَّال الْمُشَدّدَة: مُبَالغَة جادع من جدع أَنفه وَأذنه وشفته من بَاب نفع إِذا قطعهَا. وَقَوله: فأبتم خزايا إِلَخ. أَي: رجعتم من الأوب وَهُوَ الرُّجُوع. وخزايا: جمع خزيان وصف من خزي خزياً من بَاب علم أَي: ذل وَهَان. وأخزاه الله: أذله وأهانه. وصاغرين من صغر) صغراً من بَاب تَعب إِذا ذل وَهَان. وَمَالك بن زغبة بِضَم الزَّاي وَسُكُون الْغَيْن المعجمتين بعْدهَا موحدةٌ شاعرٌ جاهلي. وَأنْشد بعده: طلب المعقب حَقه الْمَظْلُوم على أَن الْمَظْلُوم ارْتَفع بقوله: حَقه أَي: غَلبه الْمَظْلُوم بِالْحَقِّ. وَهَذَا غير مَا وَجهه بِهِ فِي بَاب المنادى فَإِنَّهُ قَالَ هُنَاكَ: إِن فَاعل الْمصدر وَإِن كَانَ مجروراً بِإِضَافَة الْمصدر إِلَيْهِ مَحَله الرّفْع فالمعقب فَاعل الْمصدر وَهُوَ طلب وَقد جر بإضافته إِلَيْهِ وَمحله الرّفْع بِدَلِيل رفع وَصفه وَهُوَ الْمَظْلُوم. وَهَذَا التَّخْرِيج هُوَ الْمَشْهُور.

(الشاهد التاسع والتسعون بعد الخمسمائة)

والمعقب: اسْم فَاعل من التعقيب وَهُوَ الَّذِي يطْلب حَقه مرّة بعد مرّة. يُقَال: عقب فِي الْأَمر تعقيباً إِذا تردد فِي طلبه مجداً. وَطلب بِالرَّفْع فَاعل لهاجه فِي المصراع قبله وَهُوَ: حَتَّى تهجو فِي الرواح وهاجه أَي: حَتَّى سَار الْحمار فِي الهاجرة وحثه على الْمسير طلبٌ كَطَلَب المعقب الْمَظْلُوم حَقه فحقه مفعول الْمصدر. وَمَا ذكره الشَّارِح هُنَا هُوَ تَخْرِيج ابْن جني فِي الْمُحْتَسب إِلَّا أَنه فسر حَقه الْمَظْلُوم بِغَيْر هَذَا قَالَ: أَي عازه وَمنعه الْمَظْلُوم. فحقه على هَذَا فعلٌ حَقه يحقه أَي: لواه حَقه. انْتهى. وَلم أر فِي كتب اللُّغَة حَقه يحقه بِهَذَا الْمَعْنى. وَنقل ابْن المستوفي عَن الْخَوَارِزْمِيّ أَنه قَالَ: إِن رفعت طلب فحقه حِينَئِذٍ فعل يُقَال: حَقه يحقه: لواه حَقه وصده. والمظلوم نعت المعقب وفاعل حَقه مضمرٌ. هَذَا كَلَامه. وَالَّذِي ذكره الأندلسي أَن حاقه بِمَعْنى خاصمه وَادّعى كل وَاحِد مِنْهُمَا الْحق فَإِذا غَلبه قيل حَقه. انْتهى مَا أوردهُ ابْن المستوفي. فَظهر من هَذَا أَن مَأْخَذ الشَّارِح الْمُحَقق كَلَام الأندلسي. وَقد تقدم الْكَلَام عَلَيْهِ مفصلا على هَذَا الْبَيْت مَعَ جملَة أَبْيَات من القصيدة وَهِي للبيدٍ وَأنْشد بعده 3 - (الشَّاهِد التَّاسِع وَالتِّسْعُونَ بعد الْخَمْسمِائَةِ) الوافر (أكفرا بعد رد الْمَوْت عني ... وَبعد عطائك الْمِائَة الرتاعا) على أَن الْعَطاء هُنَا بِمَعْنى الْإِعْطَاء وَلِهَذَا عمل عمله. وَالْمَفْعُول الثَّانِي مَحْذُوف أَي: بعد إعطائك الْمِائَة الرتاع إيَّايَ. وردّ: مصدر مُضَاف إِلَى الْمَفْعُول وفاعله مَحْذُوف أَي: بعد ردك الْمَوْت عني. وَأوردهُ شرَّاح الألفية على أَن الْعَطاء اسْم مصدر. وَالْبَيْت من قصيدة للقطامي تقدم شرح أَبْيَات من أَولهَا مَعَ تَرْجَمته فِي الشَّاهِد الثَّالِث وَالْأَرْبَعِينَ بعد الْمِائَة.

وَهَذِه أَبْيَات مِنْهَا: (وَمن يكن استلام إِلَى ثوي ... فقد أكرمت يَا زفر المتاعا) أكفرا بعد رد الْمَوْت عني ... ... . . الْبَيْت (فَلَو بيَدي سواك غَدَاة زلت ... بِي القدمان لم أرج اطلاعا) (إِذا لهلكت لَو كَانَت صغَار ... من الْأَخْلَاق تبتدع ابتداعا) (من الْبيض الْوُجُوه بني نفَيْل ... أَبَت أَخْلَاقهم إِلَّا اتساعا) وَهِي قصيدة طَوِيلَة مدح بهَا زفر بن الْحَارِث الْكلابِي وحض قيسا وتغلب على الصُّلْح.

قَالَ ابْن قُتَيْبَة فِي كتاب الشُّعَرَاء: كَانَ الْقطَامِي أسره زفر فِي الْحَرْب الَّتِي كَانَت بَين قيس وتغلب فَأَرَادَتْ بَين قيس قَتله فحال زفر بَينهم وَبَينه وَمن عَلَيْهِ وَأَعْطَاهُ مائَة من العطاه مائَة من الْإِبِل وَأطْلقهُ فَقَالَ: أكفرا بعد رد الْمَوْت عني إِلَى آخر الأبيات الَّتِي أوردناها. قَوْله: وَمن يكن استلام إِلَخ. قَالَ شَارِح ديوانه: أَي من أَتَى إِلَى ضَيفه مَا يلام عَلَيْهِ فَأَنت أتيت إِلَى ضيفك أمرا تستوجب فِيهِ الثَّنَاء والمدح وَالذكر الْحسن. والثوي: الضَّيْف وَهُوَ فعيل من الثواء قَالَ: وَهُوَ الْإِقَامَة. وَالْمَتَاع: والزاد. ومتعته: زودته. أخبر أَنه زوده وَأَعْطَاهُ. وَقَوله: أكفرا بعد رد الْمَوْت إِلَخ الْهمزَة للاستفهام الإنكاري وَكفرا: مفعول مُطلق عَامله مَحْذُوف أَي: أأكفرا كفرا. والرتاع: جمع راتعة. قَالَ شَارِح ديوانه: الرتاع: الراعية. يَقُول: أخونك بعد هَذَا وَقد مننت عَليّ وأطلقتني وَيُقَال:) كَانَ زفر اشْتَرَاهُ من قيس بن وهب ووهب لَهُ مائَة من الْإِبِل. وَقَوله: فَلَو بيَدي إِلَخ الْبَاء مُتَعَلقَة بِمَحْذُوف كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ شَارِح ديوانه بقوله: يَقُول لَهُ كنت فِي يَدي غَيْرك لم أرج اطلاعاً أَي: نجاة وارتفاعاً من صرعتي وَلم أرجع إِلَى أَهلِي. وَقَوله: إِذن لهلكت إِلَخ. قَالَ شَارِح ديوانه: تبتدع: تستحدث

يُقَال: شيءٌ بدع وبديع إِذا كَانَ بديعاً قَالَ: لَو ابتدعت صغَار لهلكت أَنا. انْتهى. وصغار بِالرَّفْع وتبتدع بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول. قَالَ الْعَيْنِيّ: مَعْنَاهُ لَو ابتدعت فِي أموراً صعاباً لهلكت. هَذَا كَلَامه. وَقَوله: فَلم أر منعمين إِلَخ. قَالَ شَارِح ديوانه: يَقُول: لم أر مثلهم لَا يمنون بِمَا صَنَعُوا. يُرِيد الَّذين أنعموا عَلَيْهِ. وَقَوله: من الْبيض الْوُجُوه. قَالَ شَارِح ديوانه: نفَيْل بن عَمْرو بن كلاب ابْن ربيعَة بن عَامر بن صعصعة رَهْط زفر. وَأنْشد بعده: الرجز دارٌ لسعدى إذه من هواكا على أَن الْمصدر يجوز اسْتِعْمَاله بِمَعْنى اسْم الْمَفْعُول كَمَا هُنَا فَإِن هوى مصدر هويته من بَاب تَعب إِذا أحببته وعلقت بِهِ. وَالْمرَاد بِهِ هُنَا اسْم الْمَفْعُول أَي: من مهويك. وَبِهَذَا الْوَجْه أوردهُ سَابِقًا فِي بَاب الْمَفْعُول الْمُطلق فِي الشَّاهِد الثَّالِث والثمانين. وَتقدم الْكَلَام عَلَيْهِ هُنَاكَ مفصلا. وَقَوله: إذه أَصله إِذْ هِيَ فحذفت الْيَاء ضَرُورَة وَبقيت الْهَاء من هِيَ. وَبِهَذَا الْوَجْه أوردهُ أَيْضا فِي بَاب الضَّمِير بعد الشَّاهِد الثَّمَانِينَ بعد الثلثمائة وَتقدم الْكَلَام عَلَيْهِ أَيْضا مُسْتَوفى هُنَاكَ.

(اسم الفاعل)

(اسْم الْفَاعِل) أنْشد فِيهِ: ليبك يزِيد ضارعٌ لخصومةٍ على أَن قَوْله: ضارع فَاعل لفعل مَحْذُوف أَي: يبكيه ضارع. وَهَذَا على رِوَايَة ليبك بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول وَيزِيد نَائِب الْفَاعِل. وَقد تقدم الْكَلَام عَلَيْهِ مفصلا مشروحاً فِي الشَّاهِد الْخَامِس وَالْأَرْبَعِينَ من أَوَائِل الْكتاب. وَأنْشد بعده 3 - (الشَّاهِد الموفي للستمائة) الْبَسِيط (فَبت والهم تغشاني طوارقه ... من خوف رحْلَة بَين الظاعنين غَدا) ... على أَن غَدا يحْتَمل أَن يكون مَنْصُوبًا بِأحد عوامل ثَلَاثَة وَهِي رحْلَة وَبَين والظاعنين فَلَا يتم مَا ادَّعَاهُ الْمبرد من جَوَاز عمل اسْم الْفَاعِل الْمَاضِي. مَعَ أَن الْكَلَام فِي اسْم الْفَاعِل الَّذِي ينصب مَفْعُولا بِهِ لَا ظرفا. وَأورد أَبُو عَليّ فِي إِيضَاح الشّعْر هَذَا الْبَيْت وَقَالَ: فِيهِ حذف وَالتَّقْدِير من خوف الارتحال وَخَوف الْفِرَاق. وَنسب الْبَيْت لجرير. وَقَوله: فَبت والهم إِلَخ. بَات هُنَا تَامَّة قَالَ ابْن الْأَثِير فِي النِّهَايَة: كل من أدْركهُ اللَّيْل فقد بَات يبيت نَام أَو لم ينم. وَالْوَاو هِيَ وَاو

(الشاهد الواحد بعد الستمائة)

الْحَال والهم: مُبْتَدأ وَجُمْلَة تغشاني طوارقه: خَبره وَالْجُمْلَة فِي مَحل نصب حَال من التَّاء فِي بت. قَالَ ابْن الْأَثِير: غشيه يَغْشَاهُ غشياناً إِذا جَاءَهُ. وغشاه تغشيةً إِذا غطاه. وَغشيَ الشَّيْء إِذا لابسه. والطوارق هُنَا: الدَّوَاهِي. قَالَ ابْن الْأَثِير: كل آتٍ بِاللَّيْلِ طَارق. وَقيل أصل الطروق من الطّرق وَهُوَ الدق. وَسمي الْآتِي بِاللَّيْلِ طَارِقًا لِحَاجَتِهِ إِلَى دق الْبَاب. وَجمع الطارقة طوارق. وَمِنْه الحَدِيث: أعوذ بِاللَّه من طوارق اللَّيْل إِلَّا طَارِقًا يطْرق بِخَير. وَمن: مُتَعَلقَة بقوله: تغشاني ورحلة مُضَاف إِلَى بَين وَكَذَلِكَ بَين مُضَاف إِلَى مَا بعده فهما مجروران بالكسرة. والرحلة بِالْكَسْرِ: اسْم مصدر بِمَعْنى الارتحال. والبين هُنَا مصدر بَان يبين بَينا أَي: فَارق) وَبعد. والظاعنين من ظعن يظعن بِفَتْح عينهما ظعناً بِفَتْح الْعين وسكونها أَي: سَار وَذهب. وترجمة جرير تقدّمت فِي الشَّاهِد الرَّابِع من أَوَائِل الْكتاب. 3 - (الشَّاهِد الْوَاحِد بعد الستمائة) الطَّوِيل (فيالرزام رشحوا بِي مقدما ... على الْحَرْب خواضاً إِلَيْهَا الكرائبا) على أَن خواضاً صِيغَة مُبَالغَة حول من اسْم الْفَاعِل الثلاثي وَهُوَ خائض. قَالَ ابْن جني فِي إِعْرَاب الحماسة: فِي هَذَا الْبَيْت شاهدٌ على جَوَاز إِعْمَال اسْم الْفَاعِل. أَلا ترَاهُ كَيفَ نصب الكرائب بخواض.

وَهُوَ من أبياتٍ تِسْعَة لسعد بن ناشبٍ الْمَازِني أوردهَا أَبُو تَمام فِي أَوَائِل الحماسة وَهِي: (سأغسل عني الْعَار بِالسَّيْفِ جالباً ... عَليّ قَضَاء الله مَا كَانَ جالبا) (وأذهل عَن دَاري وَأَجْعَل هدمها ... لعرضي من بَاقِي المذمة حاجبا) (ويصغر فِي عَيْني تلادي إِذا انْثَنَتْ ... يَمِيني بِإِدْرَاك الَّذِي كنت طَالبا) (فَإِن تهدموا بالغدر دَاري فَإِنَّهَا ... تراث كريمٍ لَا يُبَالِي العواقبا) (أَخُو غمراتٍ لَا يُرِيد على الَّذِي ... يهم بِهِ من مفظع الْأَمر صاحبا) (إِذا هم لم تردع عَزِيمَة همه ... وَلم يَأْتِ مَا يَأْتِي من الْأَمر هائبا) (إِذا هم ألْقى بَين عَيْنَيْهِ عزمه ... ونكب عَن ذكر العواقب جانبا) (وَلم يستشر فِي أمره غير نَفسه ... وَلم يرض إِلَّا قَائِم السَّيْف صاحبا) قَالَ شرَّاح الحماسة: سَبَب هَذِه الأبيات أَنه كَانَ أصَاب دَمًا فهدم بِلَال بن أبي بردة دَاره بِالْبَصْرَةِ وحرقها. وَقيل: إِن الْحجَّاج هُوَ الَّذِي هدم دَاره. وَقَالَ ابْن هِشَام فِي شرح الشواهد: وَيُقَال إِنَّه قتل لَهُ حميم وَإنَّهُ أوعده بهدم دَاره إِن طَالب بثأره. وَقَوله: سأغسل عني الْعَار إِلَخ. قَالَ التبريزي: أصل الْقَضَاء الحتم ثمَّ يتوسع فِيهِ فَيُقَال: قضي قضاؤك أَي: فرغ من أَمرك. فَاسْتعْمل فِي معنى الْفَرَاغ من الشَّيْء. ويروى: قَضَاء الله بِالرَّفْع وَالنّصب. فَإِذا

رفعته يكون فَاعِلا لجالباً عَليّ وَمَا كَانَ جالباً فِي مَوضِع الْمَفْعُول وَيكون الْقَضَاء بِمَعْنى الحكم.) وَالتَّقْدِير: سأغسل الْعَار عَن نَفسِي بِاسْتِعْمَال السَّيْف فِي الْأَعْدَاء فِي حَال جلب حكم الله عَليّ الشَّيْء الَّذِي يجلبه. وَإِذا نصبت الْقَضَاء فَإِنَّهُ يكون مَفْعُولا لجالباً وفاعله مَا كَانَ جالباً. وَيكون الْقَضَاء الْمَوْت المحتوم كَمَا يُقَال للمصيد الصَّيْد وللمخلوق الْخلق. وَالْمعْنَى: جالباً الْمَوْت عَليّ جالبه. وَقيل: إِن كَانَ فِي قَوْله: مَا كَانَ فِي معنى صَار. انْتهى. وَقَالَ ابْن جني: أَرَادَ جالبه أَي: جالباً إِيَّاه فَحذف الضَّمِير مَعَ اسْم الْفَاعِل كَمَا يحذف مَعَ الْفِعْل نَفسه. وَمثله مَا أراناه أَبُو عَليّ من قَول الله تَعَالَى: فَاقْض مَا أَنْت قاضٍ أَي: قاضيه فِي معنى قاضٍ إِيَّاه. وَعَلِيهِ الْبَيْت الآخر فِيهِ وَهُوَ: بِإِدْرَاك الَّذِي كنت طَالبا أَي: إِيَّاه أَو طَالبه أَو طَالبا لَهُ. وَأَن يكون الْمَحْذُوف ضميراً مُتَّصِلا أولى من أَن يكون ضميراً مُنْفَصِلا. وَقَوله: وأذهل عَن دَاري إِلَخ. الذهول: ترك الشَّيْء متناسياً لَهُ. يَقُول: إِذا نبا الْمنزل بِي حَتَّى يصير دَار الهوان انْتَقَلت عَنهُ وَأَجْعَل خرابه وقايةً لنَفْسي من الْعَار الْبَاقِي. وَهَذَا قريبٌ من قَوْله: الْكَامِل وَإِذا نبا بك منزلٌ فتحول

وَقَوله: ويصغر فِي عَيْني إِلَخ. أَرَادَ بقوله: يصغر صغر الْقدر. وَخص التلاد وَهُوَ المَال الْقَدِيم لِأَن النَّفس بِهِ أضن. وَنبهَ بِهَذَا الْكَلَام على أَنه كَمَا يخف على قلبه ترك الدَّار والوطن خوفًا من الْتِزَام الْعَار الْبَاقِي كَذَلِك يقل فِي عينه إِنْفَاق المَال عِنْد إِدْرَاك الْمَطْلُوب. وانثنت: انعطفت ومالت. وَهَذَا الْبَيْت أوردهُ ابْن النَّاظِم فِي شرح الألفية شَاهدا على جَوَاز حذف الْعَائِد الْمَجْرُور بِالْإِضَافَة إِن كَانَ الْمُضَاف وَصفا بِمَعْنى الْحَال أَو الِاسْتِقْبَال فَإِن الأَصْل كنت طَالبه فَحذف الضَّمِير. وَقَوله: فَإِن تهدموا بالغدر إِلَخ. الْغدر: ترك الْوَفَاء. يَقُول: إِن تخربوا دَاري بالغدر مِنْكُم فَإِنَّهَا تراث كريم. يَعْنِي نَفسه. وسمى ملكه مِيرَاثا وَهُوَ حيٌّ بِاعْتِبَار مَا يؤول إِلَيْهِ. وَالْكَرم: التَّنَزُّه عَن) الأقذار. وَقَوله: أَخُو غَمَرَات إِلَخ بِفتْحَتَيْنِ هِيَ الشدائد. ويروى: أَخُو عَزمَات. والعزم: عقد الْقلب على مَا يرى فعله. ومفظع من أفظع الْأَمر إفظاعاً. وَكَذَلِكَ فظع فظاعةً أَي: عظم. أَو من أفظعني الْأَمر ففظعت بِهِ أَي: أعياني فضقت بِهِ ذرعاً. يصف نَفسه بِأَنَّهُ صَاحب همم وأخو عَزمَات مستبدٌّ بِرَأْيهِ فِيهَا غير متخذ رَفِيقًا. وَقَوله: فيالرزام رشحوا إِلَخ. هُوَ فعل أَمر من الترشيح وَهُوَ التربية. وَمِنْه رشحت الْمَرْأَة وَلَدهَا إِذا دَرَجَته فِي اللَّبن ثمَّ قيل: رشح فلَان لكذا توسعاً. أَي: رشحوا بِهِ بترشيحكم إيَّايَ قَالَ التبريزي: قَوْله: فيالرزام النِّيَّة بِالْفَاءِ اسْتِئْنَاف مَا بعْدهَا وَإِن نسق بهَا جملَة على جملَة. وَاللَّام

من يالرزام لَام الاستغاثة ورزام مجرور بهَا وَهُوَ قَبيلَة وهم المدعوون وأصل حَرَكَة اللَّام مَعَ الظَّاهِر الْكسر وَفتحت مَعَ المستغاث لكَونه فِي موقع الضَّمِير ومقدماً بِكَسْر الدَّال بِمَعْنى مُتَقَدما كَمَا يُقَال وَجه وَتوجه وَنبهَ بِمَعْنى تنبه. ونكب بِمَعْنى تنكب. والكرائب: جمع كريبة وَهِي الشدَّة من شَدَائِد الدَّهْر. وَالْأَصْل فِي الكرب الْغم الَّذِي يَأْخُذ بِالنَّفسِ. ويروى بدل: الكتائبا جمع كَتِيبَة وَهِي الْجَيْش. وَقَوله: إِذا هم ألْقى إِلَخ أَي: جعله بمرأى مِنْهُ لَا يغْفل عَنهُ. وَقد طابق فِيهِ لما قابله بقوله: ونكب عَن ذكر العواقب جانبا. وسمى المعزوم عَلَيْهِ عزماً. ونكب إِن كَانَ بِمَعْنى حرف فجانباً مفعول بِهِ لَهُ وَإِن كَانَ بِمَعْنى انحرف فجانباً ظرف لَهُ. قَالَ ابْن جني: لَك فِي جانباً وَجْهَان: أَحدهمَا: أَن يكون مَفْعُولا بِهِ أَي: نكب جانباً مِنْهُ عَن ذكر العواقب. وَالْآخر: أَن يكون ظرفا أَي: نكب عَن ذكر العواقب فِي جَانب. ويؤكد هَذَا رِوَايَة من رَوَاهُ: وَأعْرض عَن ذكر العواقب وَقَوله: وَلم يستشر إِلَخ نبه على الرَّأْي بِهِ وعَلى الْفِعْل بقوله: وَلم يرض. وقائم السَّيْف: مقبضه. وَقَالَ ابْن جني: إِن شِئْت نصبت صاحباً على أَنه مفعول بِهِ ونصبت قَائِم السَّيْف على الِاسْتِثْنَاء أَي: لم يرض صاحباً إِلَّا قَائِم السَّيْف. وَإِن شِئْت نصبت قَائِم السَّيْف نصب الْمَفْعُول بِهِ وَجعلت صاحباً بَدَلا مِنْهُ

كَقَوْلِك: لم أضْرب إِلَّا زيدا قَائِما أَي: لم أضْرب أحدا إِلَّا زيدا فِي حَال قِيَامه.) وَمن نصب زيدا فِي قَوْلك: مَا رَأَيْت أحدا إِلَّا زيدا على الْبَدَل لم ينصب قَائِم السَّيْف فِي القَوْل الأول إِلَّا على الِاسْتِثْنَاء الْمُقدم دون الْبَدَل وَذَلِكَ لتقدمه على صَاحبه وَالْبدل لَا يجوز تقدمه على الْمُبدل مِنْهُ. انْتهى. وَزَاد ابْن هِشَام فِي شرح الشواهد بَيْتَيْنِ بعد هَذِه الأبيات وهما: (فَلَا توعدني بالأمير فَإِن لي ... جنَانًا لأكناف المخاوف رَاكِبًا) (وَقَلْبًا أَبَيَا لَا يروع جأشه ... إِذا الشَّرّ أبدى بِالنَّهَارِ كواكبا) وَسعد بن ناشب شاعرٌ إسلاميٌّ فِي الدولة المروانية. قَالَ شرَّاح الحماسة: هُوَ من بني مَازِن بن مَالك بن عَمْرو بن تَمِيم. وَقَالَ ابْن قُتَيْبَة فِي كتاب الشُّعَرَاء: هُوَ من بني العنبر وَكَانَ أَبوهُ ناشب أَعور وَكَانَ من شياطين الْعَرَب. وَفِيه يَقُول الشَّاعِر: الطَّوِيل (وَكَيف يفِيق الدَّهْر سعد بن ناشبٍ ... وشيطانه عِنْد الْأَهِلّة يصرع) وَسعد بِفَتْح السِّين وَسُكُون الْعين وناشب بِكَسْر الشين الْمُعْجَمَة.

(الشاهد الثاني بعد الستمائة)

وَأنْشد بعده 3 - (الشَّاهِد الثَّانِي بعد الستمائة) وَهُوَ من شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ: الطَّوِيل (ضروبٌ بنصل السَّيْف سوق سمانها ... إِذا عدموا زاداً فَإنَّك عَاقِر) على أَن ضروباً صِيغَة مُبَالغَة اسْم الْفَاعِل محول عَن ضَارب وَلِهَذَا عمل عمله. وسوق نصب بِهِ على المفعولية. وَلِهَذَا أوردهُ سِيبَوَيْهٍ. وَالْبَيْت من أَبْيَات لأبي طَالب عَم النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ رثى بهَا أَبَا أُميَّة ابْن الْمُغيرَة بن عبد الله بن عمر بن مَخْزُوم وَكَانَ أَبُو أُميَّة زوج أُخْته عَاتِكَة بنت عبد الْمطلب فَخرج تَاجِرًا إِلَى الشَّام فَمَاتَ بِموضع يُقَال لَهُ: سرو سحيم فَقَالَ أَبُو طَالب هَذِه الأبيات يرثيه: (بسرو سحيم عارفٌ ومناكرٌ ... وَفَارِس غارات خطيبٌ وياسر) (تنادوا بِأَن لَا سيد الْحَيّ فيهم ... وَقد فجع الْحَيَّانِ كعبٌ وعامر) (فَكَانَ ذَا يَأْتِي من الشَّام قَافِلًا ... بمقدمه تسْعَى إِلَيْنَا البشائر) ...

(فَيُصْبِح أهل الله بيضًا كَأَنَّمَا ... كستهم حبيراً ريدةٌ ومعافر) (ترى دَاره لَا يبرح الدَّهْر عِنْدهَا ... مجعجعةٌ كومٌ سمانٌ وباقر) (إِذا أكلت يَوْمًا أَتَى الدَّهْر مثلهَا ... زواهق زهمٌ أَو مخاضٌ بهازر) ضروبٌ بنصل السَّيْف سوق سماتها ... ... ... ... ... . الْبَيْت (وَإِلَّا يكن لحمٌ غريضٌ فَإِنَّهُ ... تكب على أفواههن الغرائر) (فيا لَك من ناعٍ حبيت بألةٍ ... شراعية تصفر مِنْهَا الأظافر) قَوْله: أَلا إِن زَاد الركب قَالَ ابْن بكار فِي أَنْسَاب قُرَيْش: كَانَ أزواد الركب من قُرَيْش ثَلَاثَة: الأول: مُسَافر بن أبي عَمْرو بن أُميَّة بن عبد شمس. الثَّانِي: زَمعَة بن الْأسود بن الْمطلب بن أَسد بن عبد الْعُزَّى. الثَّالِث: أَبُو أُميَّة بن الْمُغيرَة بن عبد الله بن عمر بن مَخْزُوم. وَإِنَّمَا قيل لَهُم أزواد الركب أَنهم كَانُوا إِذا سافروا لم يتزود مَعَهم أحدٌ. وَكَانَ عِنْد أبي أُميَّة بن الْمُغيرَة أَربع عواتك: عَاتِكَة بنت عبد الْمطلب وَهِي أم زُهَيْر وَعبد الله وَهُوَ الَّذِي قَالَ للنَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: لن نؤمن لَك حَتَّى تفجر لنا من الأَرْض) ينبوعاً. وعاتكة بنت جذل الطعان وَهِي أم أم سَلمَة وَالْمُهَاجِر. وعاتكة بنت عتبَة بن ربيعَة. وعاتكة بنت قيس من بني نهشل بن دارم التميمية. انْتهى.

وَقَوله: غير مدافعٍ بِالنّصب. وَجُمْلَة: غيبته الْمَقَابِر خبر إِن. وَالْبَاء من قَوْله: بسرو سحيم مُتَعَلق بِهِ. وسحيم بِضَم السِّين وَفتح الْحَاء الْمُهْمَلَتَيْنِ: موضعٌ فِي طَرِيق الشَّام من مَكَّة. وسرو على لفظ الشّجر بِمَعْنى أَعلَى. فسرو سحيم: أَعْلَاهُ. وَقَوله: بسرو سحيم تَأْكِيد للْأولِ. وَقَوله: عارفٌ خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي: هُوَ ذُو معرفَة بالأمور. ومناكر اسْم فَاعل من ناكره بِمَعْنى قَاتله. والياسر: اللاعب بالميسر وَهُوَ قمار الْعَرَب بالأزلام وَهُوَ مِمَّا يفتخر بِهِ عِنْدهم كَانُوا يقامرون بهَا فِي أَيَّام الغلاء والقحط وَيفرق الْغَالِب لحم الْجَزُور على الْفُقَرَاء. وَقَوله: تنادوا أَي: تنادى جمَاعَة الركب. وَأَن مُخَفّفَة من الثَّقِيلَة وَجُمْلَة: لَا سيد الْحَيّ فيهم من الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر خبر أَن المخففة. وفجع بِمَعْنى أُصِيب بالرزية. والقافل: الرَّاجِع من السّفر. وعنى بِأَهْل الله قُريْشًا. وَكَانَت الْعَرَب تسميهم أهل الله لكَوْنهم أَرْبَاب مَكَّة. والحبير بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَكسر الْمُوَحدَة: ثيابٌ ناعمة كَانَت تصنع بِالْيمن. وريدة بِفَتْح الرَّاء الْمُهْملَة وَسُكُون الْمُثَنَّاة التَّحْتِيَّة: بلدةٌ من بِلَاد الْيمن وَأَرَادَ أهل ريدة. ومعافر بِفَتْح الْمِيم بعْدهَا عين مُهْملَة وَكسر الْفَاء: قبيلةٌ من قبائل الْيمن. ومعجعجة: اسْم فَاعل من جعجعت الْإِبِل إِذا صوتت وَإِنَّمَا تصوت لذبح أَوْلَادهَا وَكَانَ فِي الأَصْل صفة لكوم وَقد قدم عَلَيْهِ صَار

حَالا مِنْهُ. والكوم: جمع كوماء وَهِي النَّاقة الْعَظِيمَة السنام. والباقر: اسْم جمعٍ بِمَعْنى الْبَقر. وَقَوله: إِذا أكلت أَي: إِذا أكلهَا الأضياف. يُرِيد أَنه يدني من مَوْضِعه الَّذِي ينزله قِطْعَة من الْإِبِل للنحر والقرى فَكلما فنيت قطعةٌ أحضر قِطْعَة أُخْرَى. والزواهق: جمع زاهقة وَهِي السمينة المفرطة السّمن. والزهم: جمع زهمة بِفَتْح فَكسر وَهِي الْكَثِيرَة الشَّحْم. والمخاض: الْحَوَامِل من الْإِبِل وَاحِدهَا خلفة من غير لَفظهَا. والبهازر: جمع بهزرة بِتَقْدِيم الْمُعْجَمَة على وزن حيدرة وَهِي النَّاقة الجسيمة.) وَقَوله: ضروبٌ بنصل السَّيْف أَي: هُوَ ضروبٌ. ونصل السَّيْف: شفرته فَلذَلِك أَضَافَهُ إِلَى السَّيْف. وَقد يُسمى السَّيْف كُله نصلاً. مدحه بِأَنَّهُ كَانَ يعرقب الْإِبِل للضيفان عِنْد عدم الأزواد. وَكَانُوا إِذا أردوا نحر النَّاقة ضربوا سَاقهَا بِالسَّيْفِ فخرت ثمَّ نحروها. وَقَوله: إِذا عدموا زاداً إِلَخ الْجُمْلَة الشّرطِيَّة التفاتٌ إِلَى الْخطاب من الْغَيْبَة. والسوق: جمع سَاق. وَقَوله: وَإِلَّا يكن لحمٌ غريض بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَكسر الرَّاء وَآخره ضاد مُعْجمَة هُوَ الطري من اللَّحْم. وتكب: تصب. والغرائر: الأعدال جمع غرارة بِالْكَسْرِ وَهِي وعاءٌ يَجْعَل فِيهِ الدَّقِيق وَغير ذَلِك. وَقَوله: فيا لَك من ناع مجرور من: تمييزٌ للكاف. والناعي: الْمخبر بِمَوْت إنسانٍ دَعَا عَلَيْهِ لكَونه أخبر بِمَوْت المرثي. وحبيت: خصصت. والألة بِفَتْح الْهمزَة وَتَشْديد اللَّام: الحربة. والشراعية: بِكَسْر الشين

(الشاهد الثالث بعد الستمائة)

الْمُعْجَمَة: الطَّوِيلَة وَقيل الَّتِي قد أشرعت لِلطَّعْنِ أَي: مدت نَحوه. وصفرة الْأَظْفَار كنايةٌ عَن الْمَوْت فَإِن الْمَيِّت تصفر أظافره. وترجمة أبي طَالب تقدّمت فِي الشَّاهِد الْوَاحِد وَالتسْعين. 3 - (الشَّاهِد الثَّالِث بعد الستمائة) وَهُوَ من شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ: الْبَسِيط (شمٍّ مهاوين أبدان الْجَزُور مخا ... ميص العشيات لَا خورٍ وَلَا قزم) على أَن مهاوين جمع مهوان من أهان وَبِنَاء مفعال من أفعل قليلٌ نَادِر وَالْكثير من فعل. وَقد أوردهُ الزَّمَخْشَرِيّ فِي الْمفصل على أَن مَا جمع من اسْم الْفَاعِل يعْمل عمل الْمُفْرد. والأوصاف جَمِيعهَا مجرورة فِي الْبَيْت: لِأَن قبله: (يأوي إِلَى مجلسٍ بادٍ مكارمهم ... لَا مطعمي ظالمٍ فيهم وَلَا ظلم) وَالْبَيْت إِنَّمَا ورد فِي كتاب سِيبَوَيْهٍ والمفصل وَغَيرهمَا على إِعْمَال مفعال عمل فعله وَلَيْسَ فيهمَا مَا يدل على أَن الْأَوْصَاف مَرْفُوعَة أَو مجرورة. وَلَا وَجه لقَوْل ابْن خلف: الْبَيْت فِي الْكتاب رويه مَرْفُوع وَهُوَ مخفوضٌ كَمَا يدل عَلَيْهِ مَا قبله. وَكَذَا قَول ابْن المستوفي: قد أنْشدهُ سِيبَوَيْهٍ فِي كِتَابه كَمَا أنْشدهُ الزَّمَخْشَرِيّ بِالرَّفْع وَهُوَ مجرور. انْتهى.

وَلم يقف ابْن الْحَاجِب فِي أَمَالِيهِ على الْمفصل على الْبَيْت الأول فَظَنهُ مَرْفُوعا وَقَالَ: شم خبر وَقَوله: يأوي إِلَى مجْلِس إِلَخ فَاعل يأوي ضمير مستتر. يُقَال: أَوَى إِلَى منزله يأوي من بَاب ضرب أوياً على وزن فعول إِذا أَقَامَ فِيهِ. والمجلس: مَوضِع الْجُلُوس وَقد أطلق هُنَا على أَهله تَسْمِيَة للْحَال باسم الْمحل يُقَال: انفض الْمجْلس بِدَلِيل الْأَوْصَاف الْآتِيَة وَلِهَذَا عَاد الضَّمِير إِلَيْهِ من مكارمهم بِجمع الْعُقَلَاء كَمَا يُطلق المقامة بِالْفَتْح على مَحل الْقيام وعَلى الْجَمَاعَة من النَّاس. وبادٍ: اسْم فَاعل من بدا يَبْدُو بدواً إِذا ظهر. والمكارم: جمع مكرمَة بِفَتْح الْمِيم وَضم الرَّاء قَالَ صَاحب الْمِصْبَاح: المكرمة بِضَم الرَّاء: اسمٌ من الْكَرم وَفعل الْخَيْر مكرمَة أَي: سببٌ للكرم أَو التكريم. وباد صفة سَبَبِيَّة لمجلس. وَقَوله: لَا مطمعي ظَالِم صفة ثَانِيَة لمجلس وَأَصله مطمعين حذفت نونه للإضافة. وَقَوله: وَلَا ظلم بِضَمَّتَيْنِ: جمع ظلوم صفة ثَالِثَة لمجلس. يُرِيد أَن النَّاس قد عرفُوا أَنه من ظلمهم انتصفوا مِنْهُ فَلَيْسَ أحدٌ يطْمع فِي ظلمهم وَلَا هم يظْلمُونَ أحدا. وَقَوله: شمٍّ صفة رَابِعَة لمجلس وَهُوَ جمع أَشمّ وصفٌ من الشمم وَهُوَ ارْتِفَاع فِي قَصَبَة الْأنف) مَعَ اسْتِوَاء أَعْلَاهُ فَإِن كَانَ فِيهَا احديدابٌ فَهُوَ القنى يُقَال: أقنى الْأنف. جعل الشمم كِنَايَة عَن الْعِزَّة والأنفة. يُقَال للعزيز شامخ الْأنف وللذليل خاشع الْأنف. وَقَالَ ابْن الْحَاجِب: وَصفهم بالارتفاع إِمَّا فِي النّسَب وَالْكَرم أَو الْقدر أَو الْعِزَّة وَهُوَ

مَأْخُوذ من الشمم الْمَذْكُور. وَهَذَا كَلَامه وَلَا حَاجَة إِلَيْهِ. وَقَوله: مهاوين صفة خَامِسَة لمجلس وَهُوَ مجرور بالفتحة لِأَنَّهُ على صِيغَة مُنْتَهى الجموع وَهُوَ جمع مهوان وَهُوَ مُبَالغَة مهين من أهانه أَي: أذله. قَالَ الأعلم: الشَّاهِد فِيهِ نصب أبدان الْجَزُور بقوله: مهاوين لِأَنَّهُ جمع مهوان ومهوان تَكْثِير مهين كَمَا كَانَ منحار ومضراب تَكْثِير ناحر وضارب فَعمل الْجمع على واحده. يُرِيد أَنهم يهينون للأضياف وَالْمَسَاكِين أبدان الْجَزُور وَهُوَ جمع بَدَنَة وَهِي النَّاقة المتخذة للنحر المسمنة. وَكَذَلِكَ الْجَزُور. هَذَا كَلَامه. وَتَبعهُ ابْن يعِيش وَقَالَ: الْأَبدَان جمع بدانة وَهِي النَّاقة المتخذة للنحر. يُرِيد أَنهم يسمنون الْإِبِل فينحرونها للأضياف. وَعَلِيهِ يَقْتَضِي أَن يكون من إِضَافَة أحد المترادفين إِلَى الآخر مَعَ أَنه لم يسمع جمع بَدَنَة على أبدان وَإِنَّمَا ورد جمعهَا على بدنات وبدن بِضَمَّتَيْنِ وَإِسْكَان الدَّال تَخْفِيفًا. وَالصَّوَاب أَنه جمع بدن وَهُوَ من الْجَسَد مَا سوى الرَّأْس وَالْيَدَيْنِ وَالرّجلَيْنِ. وَإِنَّمَا آثر ذكره على غير لإِفَادَة زِيَادَة وَصفهم بِالْكَرمِ فَإِنَّهُم إِذا فرقوا أفضل لحم الْجَزُور فتفريق مَا سواهُ يكون بِالطَّرِيقِ الأولى وَالْإِضَافَة حينئذٍ من إِضَافَة الْبَعْض إِلَى الْكل. والبدنة: نَاقَة أَو بقرةٌ زَاد الْأَزْهَرِي: أَو بعير. قَالُوا: وَلَا تقع على الشَّاة. وَالْجَزُور بِفَتْح الْجِيم من الْإِبِل خَاصَّة يَقع على الذّكر وَالْأُنْثَى وَالْجمع جزر بِضَمَّتَيْنِ وَتجمع أَيْضا على جزرات ثمَّ على جزائر. وَلَفظ الْجَزُور أُنْثَى فَيُقَال: رعت الْجَزُور. قَالَه ابْن الْأَنْبَارِي.

وَزَاد الصغاني: وَقيل الْجَزُور النَّاقة الَّتِي تنحر وجزرت الْجَزُور وَغَيرهَا من بَاب قتل إِذا نحرتها. كَذَا فِي الْمِصْبَاح. وَاللَّام فِي الْجَزُور لاستغراق الْأَفْرَاد. وَقَالَ ابْن خلف: أَرَادَ أَن يَقُول الجزر فَاكْتفى بِالْوَاحِدِ عَن الْجمع.) وروى: مهاوية أبداء الْجَزُور وَهُوَ جمع بَدْء بِفَتْح الْمُوَحدَة وَسُكُون الدَّال بعْدهَا همزَة قيل هُوَ بِمَعْنى النَّصِيب وَقيل بِمَعْنى الْمفصل. وَقَالَ الأعلم: أبداء الْجَزُور أفضل أعضائها وَاحِدهَا بَدْء وَمِنْه السَّيِّد بدءٌ لفضله. وَقَوله: مخاميص العشيات صفة سادسة لمجلس وَهُوَ مجرور بالكسرة لِأَنَّهُ مُضَاف وَهُوَ جمع مخماص مُبَالغَة حميص من خمص الشَّخْص خمصاً فَهُوَ حميص إِذا جَاع مثل قرب قرباً فَهُوَ وَقَالَ بعض فضلاء الْعَجم فِي شرح أَبْيَات الْمفصل: هُوَ جمع مخموص من حمصه الْجُوع حمصاً أَي: جعله ضامر الْبَطن. والعشيات: جمع عشي والعشي وَالْعشَاء بِالْكَسْرِ: من صَلَاة الْمغرب إِلَى الْعَتَمَة. والعشي قيل بِمَعْنى العشية وَقيل جمعهَا. ومخاميص العشيات كَقَوْلِهِم: نَهَاره صَائِم. وَقَالَ ابْن الْحَاجِب: هَذِه الْإِضَافَة اتساع وَالْأَصْل: فِي العشيات. قَالَ الأعلم: يُرِيد أَنهم يؤخرون الْعشَاء لأجل ضيفٍ يطْرق فبطونهم حميصة فِي عشياتهم لتأخر الطَّعَام عَنْهُم.

وَلَيْسَ الْمَعْنى على قَول ابْن خلف: المخاميص: الَّذين لَيْسُوا بعظام الْبُطُون. يَعْنِي أَنهم لَا يَأْكُلُون حَتَّى تعظم بطونهم وَإِنَّمَا يكتفون بِأخذ مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ من الطَّعَام لَيْسَ فيهم نهمٌ. هَذَا كَلَامه وَفِيه أَنه يبقي العشيات لَغوا. وَقَوله: لَا خور بِالْجَرِّ صفة سابعة لمجلس والخور: الضُّعَفَاء عِنْد الشدَّة. قَالَ صَاحب الصِّحَاح: الخور بِفتْحَتَيْنِ: الضعْف رجلٌ خوار ورمح خوار وَأَرْض خوارة وَالْجمع خور بتَخْفِيف الْوَاو. وَقَالَ الْعَيْنِيّ: هُوَ جمع أخور وَهُوَ الضَّعِيف. وَقَوله هُوَ الْقيَاس. وَقَوله: وَلَا قزم بِالْجَرِّ صفة ثامنة لمجلس وَهُوَ بِفَتْح الْقَاف وَالزَّاي. قَالَ صَاحب الصِّحَاح: القزم بِالتَّحْرِيكِ: الدناءة والقماءة. والقزم: رذال النَّاس وسفلتهم يُقَال: رجل قزم وَالذكر وَالْأُنْثَى وَالْوَاحد وَالْجمع فِيهِ سواءٌ لِأَنَّهُ فِي الأَصْل مصدر. وَالشعر نسبه سِيبَوَيْهٍ إِلَى الْكُمَيْت بن زيد الْأَسدي وَتَقَدَّمت تَرْجَمته فِي الشَّاهِد السَّادِس عشر. وَقَالَ ابْن المستوفي كَابْن خلف: رَوَاهُ سِيبَوَيْهٍ للكميت. وَلم أره فِي ديوانه. وأنشده ابْن السيرافي لتميم بن أبي بن مقبل وَلم أره فِيمَا كتبه من شعره. وَالله أعلم.)

(الشاهد الرابع بعد الستمائة)

وترجمة تَمِيم بن أبي بن مقبل تقدّمت أَيْضا فِي الشَّاهِد الثَّانِي وَالثَّلَاثِينَ. وَكِلَاهُمَا شَاعِر إسلامي. وَأنْشد بعده 3 - (الشَّاهِد الرَّابِع بعد الستمائة) وَهُوَ من شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ: الْبَسِيط (حَتَّى شآها كليلٌ موهناً عملٌ ... باتت طراباً وَبَات اللَّيْل لم ينم) على أَن سِيبَوَيْهٍ قَالَ: إِذا حول فَاعل إِلَى فعيل أَو فعل عمل أَيْضا. وَأنْشد هَذَا الْبَيْت فَإِن كليلاً قد عمل فِي قَوْله: موهناً. ورد بِأَن موهناً ظرف لشآها وَلَو كَانَ لكليل أَيْضا فَلَا اسْتِدْلَال فِيهِ لِأَنَّهُ ظرف يَكْفِيهِ رَائِحَة الْفِعْل. وَاعْتذر لسيبويه بِأَن كليلاً بِمَعْنى مكل فموهناً مَفْعُوله على الْمجَاز كَمَا يُقَال: أَتعبت يَوْمك ففعيل مُبَالغَة مفعل لَا فَاعل. وَفِيه أَنه قَلِيل نَادِر وَلَا يَصح الِاسْتِدْلَال بالمحتمل مَعَ أَن الِاعْتِذَار بعيد. هَذَا كَلَامه. قَالَ التبريزي فِي شرح الكافية: أنْشد سِيبَوَيْهٍ هَذَا الْبَيْت على إِعْمَال فعيل فَإِن كليلاً بِمَعْنى مكل وموهناً مَنْصُوب على أَنه مفعول بِهِ أَي: يكل أَوْقَات اللَّيْل من كَثْرَة الْعَمَل. وطعنوا فِي هَذَا الْبَيْت من جِهَة استشهاده. وَقيل: كليل بِمَعْنى كال من كل يكل فَإِنَّهُ لَازم وموهناً مَنْصُوب على الظّرْف. وَهَذَا التَّأْوِيل لَيْسَ بِقَوي لِأَن صدر الْبَيْت

وعجزه يُنَافِيهِ فَإِنَّهُ قَالَ: وَبَات اللَّيْل لم ينم فَلَا يُمكن أَن يُوصف بِأَنَّهُ قَالَ فِي بعض أَوْقَات اللَّيْل وَقَالَ عمل وَهُوَ يدل على كَثْرَة الْعَمَل. وَقَالَ ابْن مَالك: إِنَّمَا أنْشد سيبوبه هَذَا الْبَيْت ليعلم جَوَاز الْعُدُول من فَاعل إِلَى فعيل لِأَن أَصله كال. وَلم يتَعَرَّض للإعمال. وَهَذَا أَيْضا ضعيفٌ بِمَا نقل السيرافي أَنه قَالَ سِيبَوَيْهٍ: كليل فِي معنى مكل مثل أَلِيم وداءٌ وَقَالَ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي: رد على سِيبَوَيْهٍ فِي استدلاله على إِعْمَال فعيل بِهَذَا الْبَيْت. وَذَلِكَ أَن موهناً ظرف زمَان والظرف يعْمل فِيهِ رَوَائِح الْفِعْل بِخِلَاف الْمَفْعُول بِهِ. ويوضح كَون الموهن لَيْسَ مَفْعُولا بِهِ أَن كليلاً من كل وَفعله لَا يتَعَدَّى. وَاعْتذر عَن سِيبَوَيْهٍ بِأَن كليلاً بِمَعْنى مكل وَكَأن الْبَرْق يكل الْوَقْت بدوامه فِيهِ كَمَا يُقَال: أَتعبت يَوْمك. أَو بِأَنَّهُ إِنَّمَا) اسْتشْهد بِهِ على أَن فَاعِلا يعدل عَنهُ إِلَى فعيل للْمُبَالَغَة وَلم يسْتَدلّ بِهِ على الإعمال. وَهَذَا أقرب فَإِن فِي الأول حمل الْكَلَام على الْمجَاز مَعَ إِمْكَان حمله على الْحَقِيقَة. اه. وَنحن ننقل لَك كَلَام سِيبَوَيْهٍ هُنَا ليظْهر لَك حَقِيقَة الْحَال قَالَ فِي بَاب مَا جرى فِي الِاسْتِفْهَام من أَسمَاء الفاعلين من أَوَائِل الْكتاب: وأجروا اسْم الْفَاعِل إِذا أَرَادوا أَن يبالغوا فِي الْأَمر مجْرَاه إِذا كَانَ على بِنَاء فَاعل لِأَنَّهُ لَا يُرِيد بِهِ مَا أُرِيد بفاعل من إِيقَاع الْفِعْل إِلَّا أَنه يُرِيد أَن يحدث عَن الْمُبَالغَة. فمما هُوَ الأَصْل الَّذِي عَلَيْهِ أَكثر هَذَا الْمَعْنى: فعول وفعال ومفعال وَفعل. وَقد جَاءَ فعيل كرحيم وقدير وَسميع وبصير يجوز فِيهِنَّ مَا جَازَ فِي فَاعل من التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير

والإضمار والإظهار. لَو قلت: هَذَا ضروب رُؤُوس الرِّجَال وسوق الْإِبِل على: ضروب سوق الْإِبِل جَازَ كَمَا تَقول: ضَارب زيدٍ وعمراً تضمر: وضاربٌ عمرا. (هجومٌ عَلَيْهَا نَفسه غير أَنه ... مَتى يرم فِي عَيْنَيْهِ بالشبح ينْهض) وَقَالَ الفلاخ: الطَّوِيل أَخا الْحَرْب لباساً إِلَيْهَا جلالها وَقَالَ أَبُو طَالب: الطَّوِيل ضروبٌ بنصل السَّيْف سوق سمانها وَقد جَاءَ فِي فعلٍ وَلَيْسَ فِي كَثْرَة ذَلِك قَالَ: الْكَامِل أَو مسحلٌ شنج عضادة سمحج وَمِمَّا جَاءَ فِي فعلٍ قَوْله: الْكَامِل حذرٌ أموراً لَا تخَاف وآمنٌ وَمن هَذَا الْبَاب قَول رؤبة: الرجز بِرَأْس دماغٍ رُؤُوس الْعِزّ

وَمِنْه قَول سَاعِدَة: حَتَّى شأها كليلٌ موهناً عمل ... ... ... الْبَيْت وَقَالَ الْكُمَيْت: وَمِنْه: قدير وَعَلِيم وَرَحِيم لِأَنَّهُ يُرِيد الْمُبَالغَة وَلَيْسَ بِمَنْزِلَة قَوْلك حسنٌ وَجه الْأَخ لِأَن هَذَا لَا) يقلب وَلَا يضمر وَإِنَّمَا حَده أَن يتَكَلَّم بِهِ فِي الْألف وَاللَّام وَلَا تَعْنِي أَنَّك أوقعت فعلا سلف مِنْك إِلَى أحد. وَلَا يحسن أَن تفصل بَينهمَا فَتَقول: هُوَ كريمٌ فِيهَا حسب الْأَب. هَذَا نَصه بِحُرُوفِهِ مَعَ حذف بعض أَمْثِلَة. قَالَ الأعلم: الشَّاهِد فِي نصب الموهن بكليل لِأَنَّهُ مغير عَن بنائِهِ للتكثير. وَقد رد هَذَا التَّأْوِيل على سِيبَوَيْهٍ لما قدمنَا: أَن فعيلاً وفعلاً بناءان لما لَا يتَعَدَّى فِي الأَصْل. وَجعل الرَّاد نصب موهن على الظّرْف وَالْمعْنَى عِنْده أَن الْبَرْق ضَعِيف الهبوب كليلٌ فِي نَفسه. وَهَذَا الرَّد غير صَحِيح إِذْ لَو كَانَ كليلاً كَمَا قَالَ: لم يقل عملٌ وَهُوَ الْكثير الْعَمَل وَلَا صفة بقوله: وَبَات اللَّيْل لم ينم. وَالْمعْنَى على مَذْهَب سِيبَوَيْهٍ أَنه وصف حمارا وأتناً نظرت إِلَى برق مستمطر دَال على الْغَيْث يكل الموهن بدؤوبه وتوالي لمعانه كَمَا يُقَال أَتعبت ليلك أَي: سرت فِيهِ سيراً حثيثاً متعباً متوالياً. والموهن: وقتٌ من اللَّيْل. فشآها الْبَرْق أَي: سَاقهَا وأزعجها إِلَى مهبه فباتت طربةً إِلَيْهِ منتقلة نَحوه. وفعيل فِي معنى

مفعل موجودٌ كثير. يُقَال: بَصِير فِي معنى مبصر. وَعَذَاب أَلِيم بِمَعْنى مؤلم وَسميع بِمَعْنى مسمع. وَكَذَلِكَ كليل فِي معنى مكل. وَإِذا كَانَ بِمَعْنَاهُ عمل عمله لِأَنَّهُ مغير مِنْهُ للتكثير كَمَا تقدم. اه. وَقَالَ ابْن خلف أَيْضا: الشَّاهِد نصب موهناً بكليل نصب الْمَفْعُول بِهِ لِأَنَّهُ بِمَعْنى مكل فَيعْمل عمله. وَقَالَ الْمبرد: موهناً ظرف وَلَيْسَ بمفعول. وَلَا حجَّة لَهُ فِيهِ. وَجعل كليلاً من كل يكل وكل لَا يتَعَدَّى إِلَى مفعول بِهِ فَكيف يتَعَدَّى كليل. قَالَ أَبُو جَعْفَر: لَا يجوز عِنْد الْجرْمِي والمازني والمبرد أَن يعملوا فعيلاً. قَالَ: وَمَا علمت إِلَّا أَن النَّحْوِيين مجمعون على ذَلِك. وَلَا يجيزون هُوَ رحيمٌ زيدا وَلَا عليم الْفِقْه. وَالْعلَّة فِيهِ أَن فعيلاً فِي الأَصْل من فعل فَهُوَ فعيل وَهَذَا لَا ينصب بإجماعهم وَهُوَ مَعَهم على ذَلِك. وفعيل هَذَا بِمَنْزِلَة ذَلِك لِأَنَّهُ إِنَّمَا يخبر بِهِ عَمَّا فِي الْهَيْئَة فَهُوَ مُلْحق بِهِ لَا يعْمل كَمَا لَا يعْمل. وَفعل عِنْد الْمبرد بِمَنْزِلَتِهِ. وَاحْتج بقَوْلهمْ: رجل طبٌّ وطبيب. قَالَ أَبُو إِسْحَاق فِي الْحجَّة فِي إعمالٍ فعيل: إِن الأَصْل كَانَ أَن لَا يعْمل إِلَّا مَا جرى على الْفِعْل) فَلَمَّا أعربوا ضروباً لِأَنَّهُ بِمَعْنى ضَارب وَجب أَن يكون فعيل مثله. قَالَ: وَمِنْه قدير. وسيبويه أورد هَذَا على أَنه للْمُبَالَغَة فِي كال وكال يتَعَدَّى إِلَى مفعول على تَقْدِيره. وَكَأن الَّذِي عِنْد سِيبَوَيْهٍ أَن كللت يتَعَدَّى وَيكون مَعْنَاهُ أَن

كلل الموهن أَي: جعل يَبْرق فِيهِ برقاً ضَعِيفا. وَزعم أَن كليلاً بِمَعْنى مكل. وَلَيْسَ هَذَا من مَذْهَب سِيبَوَيْهٍ فِي شَيْء لِأَن سِيبَوَيْهٍ غَرَضه ذكر فعيل الَّذِي هُوَ مُبَالغَة فَاعل وَمَا عرض لفعلٍ الَّذِي بِمَعْنى مفعل. وَقد روى أَبُو الْحسن اللحياني فِي نوادره أَن بعض الْعَرَب يَقُول فِي صفة الله عَزَّ وَجَلَّ: هُوَ سميع قَوْلك وَقَول غَيْرك بتنويع سميع وَنصب قَوْلك. وَهَذَا يشْهد لصِحَّة مَذْهَب سِيبَوَيْهٍ. وَقَالَ أَبُو نصر هَارُون بن مُوسَى: زعم الرادّ على سِيبَوَيْهٍ أَن موهناً ظرف. وَهُوَ على مَا ذكرنَا من فَسَاد الْمَعْنى. والكليل هَا هُنَا: الْبَرْق والموهن: وَقت من اللَّيْل وَلَو كَانَ ظرفا لوصف الْبَرْق بالضعف فِي لمعانه وَإِذا كَانَ بِهَذِهِ الصّفة فَكيف يَسُوقهَا وَهُوَ لَا يدل على الْمَطَر وَلَكِن الْبَرْق إِذا تكَرر فِي لمعانه وَاشْتَدَّ ودام دلّ على الْمَطَر وشاق وأتعب الموهن فِي ظلمته لِأَنَّهُ كلما هَب ذهبت الظلمَة ثمَّ يرجع إِذا فتر الْبَرْق ثمَّ يذهب إِذا لمع. فَلذَلِك عدى الشَّاعِر الكليل إِلَى الموهن. وَقَوله: شآها أَي: شأى الْإِبِل أَي: سَاقهَا. قَالَ الْأَخْفَش: تبعها. يُقَال: شاءني الْأَمر وشآني أَي: ساقني. وَيُقَال أَيْضا شآني: حزنني. وكليل أَي: برق ضَعِيف. وَإِنَّمَا ضعفه لِأَنَّهُ ظهر من بعيد. والموهن بِفَتْح الْمِيم وَكسر الْهَاء: قِطْعَة من اللَّيْل. وَالْعَمَل: الدائب الْمُجْتَهد فِي أمره الَّذِي لَا يفتر. وباتت طراباً يَعْنِي الْبَقر الوحشية طراباً إِلَى السّير إِلَى الْموضع الَّذِي فِيهِ الْبَرْق وَبَات الْبَرْق اللَّيْل أجمع لَا يفتر. فَعبر عَن الْبَرْق بِأَنَّهُ لم ينم لاتصاله من أول اللَّيْل إِلَى آخِره. انْتهى مَا أوردهُ ابْن خلف.

وَقَالَ النّحاس: شآها يَعْنِي الْإِبِل. وكليل: برق خَفِي. طراباً: طربت للبرق وشاقها. وَبَات الْبَرْق لم ينم لشدَّة دَوَامه. قَالَ ابْن حبيب: طراباً من الطَّرب تحن إِلَى أَوْلَادهَا. قَالَ الجُمَحِي: تنْزع إِلَى أوطانها.) وَالصَّحِيح أَنه عَنى بهَا الْبَقر لَا الْإِبِل خلافًا للشَّارِح الْمُحَقق وَغَيره. قَالَ السكرِي فِي شرح أشعار الهذليين: حَتَّى شآها يَعْنِي شأى الْبَقر يُقَال: شؤته فَكَانَ يَنْبَغِي أَن يَقُول شاءها فَقلب فَقدم الْهمزَة. وَمعنى شؤته شقته وهيجته وسررته. يَقُول: حَتَّى شَاءَ الْبَقر كليلٌ وَهُوَ الْبَرْق الضَّعِيف موهناً: بعد هدء من اللَّيْل. عملٌ أَي: ذُو عمل لَا يفتر الْبَرْق. وباتت طراباً يَعْنِي الْبَقر. وَبَات اللَّيْل يَعْنِي الْبَرْق. وَعمل: دائب يُقَال للرجل إِذا دأب: قد عمل يعْمل. انْتهى. وَالْبَيْت من قصيدة طَوِيلَة لساعدة بن جؤية رثى بهَا من أُصِيب يَوْم معيط وَهُوَ أَرض مِنْهُم سراقَة بن جعْشم من بني مُدْلِج كَانَ يُرْسل إِلَيْهِم الْأَخْبَار. وَهَذَا مطْلعهَا: الْبَسِيط (يَا لَيْت شعري وَلَا منجى من الْهَرم ... أم هَل على الْعَيْش بعد الشيب من نَدم) قَالَ السكرِي: ويروى:

يَا للرِّجَال أَلا منجى من الْهَرم يَقُول: هَل ينْدَم أحدٌ على أَن لَا يعِيش بعد أَن يشيب. وَقَوله: على الْعَيْش. أَي: على فَوت الْعَيْش. وَمثله: المَال يزري بِأَقْوَام يُرِيد فقد المَال. اه. وَهَذَا الْبَيْت أوردهُ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي على أَن زِيَادَة أم فِيهِ ظَاهِرَة. إِلَى أَن قَالَ: (تالله يبْقى على الْأَيَّام ذُو حيدٍ ... أدفى صلودٌ من الأوعال ذُو خدم) يُرِيد: تالله لَا يبْقى فَحذف لَا النافية فِي جَوَاب الْقسم. وروى لله يبْقى وَاللَّام للقسم والتعجب مَعًا. والحيد بِكَسْر فَفتح: جمع حيد بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الْمُثَنَّاة التَّحْتِيَّة وَهِي العقد فِي قرن الوعل. والأدفى بِالْقصرِ: الَّذِي يمِيل قرنه إِلَى نَحْو ذَنبه. وصلود: صفة أدفى. والصلود: الَّذِي يقرع بظلفه الْجَبَل. والخدم بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَالدَّال: جمع خدمَة وَهِي الخلخال وَيجمع على خدام أَيْضا بِالْكَسْرِ. والخدم: خطوطٌ بيضٌ فِي قوائمه تشبه الخلاخيل.) ثمَّ وصف تحصنه فِي رُؤُوس الْجبَال فِي ثَمَانِيَة أَبْيَات فَلَمَّا جَاءَهُ أَجله لم يسلم من الصياد فَهَلَك على يَدَيْهِ وَقَالَ: (فَكَانَ حتفاً بمقدارٍ وأدركه ... طول النَّهَار وليلٌ غير منصرم)

أَرَادَ: أدْركهُ طول النَّهَار وليلٌ غير مُنْقَطع. يَقُول: لم يفلت من طول الْأَيَّام والليالي. وَبعده: (وَلَا صوارٌ مذراةٌ مناسجها ... مثل الفريد الَّذِي يجْرِي من النّظم) هَذَا مَعْطُوف على ذُو حيد فِي جَوَاب الْقسم السَّابِق. أَي: تالله لَا يبْقى على الْأَيَّام ذُو حيد وَلَا صوارٌ وَهُوَ بِكَسْر الصَّاد الْمُعْجَمَة: جمَاعَة الْبَقر. يُقَال: نعجة مذراة وكبش مذرى بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة إِذا جز وَترك بَين كَتفيهِ صوف لم يجز. فَهِيَ الذرْوَة بِكَسْر الذَّال وَضمّهَا. وَالنّظم بِضَمَّتَيْنِ: جمع نظام وَهُوَ الْخَيط الَّذِي فِيهِ اللُّؤْلُؤ. يَقُول: الصوار مثل اللُّؤْلُؤ فِي الْحسن وَالْبَيَاض. (ظلت صَوَافِن بالأرزان صاويةً ... فِي ماحقٍ من نَهَار الصَّيف محتدم) أَي: قد رفعن إِحْدَى قوائمهن. والصوافن: الَّتِي تفرج بَين رِجْلَيْهَا. والأرزان: جمع رزن بِكَسْر الرَّاء الْمُهْملَة وَسُكُون الزَّاي وَهُوَ الْموضع الغليظ الَّذِي فِيهِ المَاء. وصاوية بالصَّاد الْمُهْملَة: الْيَابِسَة من الْعَطش. والماحق: شدَّة الْحر. والمحتدم: المحترق بِالْحَاء وَالدَّال الْمُهْمَلَتَيْنِ. أَي: كَانَ ذَلِك الْيَوْم محترقاً من شدَّة الْحر. (قد أوبيت كل مَاء فَهِيَ صاويةٌ ... مهما تصب أفقاً من بارق تشم) ...

(حَتَّى شآها كليلٌ موهناً عملٌ ... باتت طراباً وَبَات اللَّيْل لم ينم) (كَأَنَّمَا يتجلى عَن غواربه ... بعد الرقاد تمشي النَّار فِي الضرم) (حيران يركب أَعْلَاهُ أسافله ... يخفي تُرَاب جَدِيد الأَرْض مُنْهَزِم) (فأسأدت دلجاً تحيي لموقعه ... لم تنشب بوعوث الأَرْض وَالظُّلم) (فافتنها فِي فضاء الأَرْض يأفرها ... وأصحرت فِي قفافٍ ذَات معتصم) (أنحى عَلَيْهَا شراعياً فغادرها ... لَدَى المزاحف تلى فِي نضوح دم) وَبعد هَذَا شرع فِي الرثاء.) قَوْله: قد أوبيت كل مَاء الْبَيْت إِلَخ أوردهُ أَبُو حنيفَة فِي كتاب النَّبَات مَعَ أَبْيَات أَرْبَعَة بعده. وَقَالَ: وصف بهَا سَاعِدَة بن جؤية حميراً. وَقَالَ: أوبيت: منعت. وَقَالَ السكرِي: يَقُول: منعت كل مَاء أَي: قطع عَنْهَا يُقَال: طَعَام وشراب لَا يؤبى: لَا يَنْقَطِع. وَقَالَ شَارِح اللّبَاب: أَي: جعلت تأبى كل مَاء وتكرهه. وصاوية بالصَّاد الْمُهْملَة. قَالَ أَبُو حنيفَة: الصاوي: الْيَابِس أَي: يَبِسَتْ من الْعَطش. وَقَوله: مهما تصب أفقاً قَالَ السكرِي أَي: نَاحيَة من بارق أَي: من سَحَاب فِيهِ برق. وتشم: تنظر إِلَيْهِ وَالضَّمِير فِي الْجَمِيع ضمير الصوار. وَهَذَا الْبَيْت أوردهُ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي على أَن يسعون اسْتدلَّ بِهِ على مَجِيء مهما حرف شَرط كَإِن. قَالَ: وَاسْتدلَّ ابْن يسعون تبعا لِلسُّهَيْلِي على أَن مهما تَأتي حرفا بقوله: قد أوبيت كل ماءٍ

الْبَيْت. قَالَ: إِذْ لَا تكون مُبْتَدأ لعدم الرَّبْط من الْخَبَر وَهُوَ فعل الشَّرْط وَلَا مَفْعُولا لِاسْتِيفَاء فعل الشَّرْط مَفْعُوله وَلَا سَبِيل إِلَى غَيرهمَا فَتعين أَنَّهَا لَا مَوضِع لَهَا. وَالْجَوَاب أَنَّهَا مفعول تصب وأفقاً ظرف وَمن بارق تَفْسِير لمهما أَو مُتَعَلق بتصب فمعناها التَّبْعِيض. وَالْمعْنَى: أَي شيءٍ تصب فِي أفق من البوارق تشم. وَقَالَ بَعضهم: مهما ظرف زمَان وَالْمعْنَى أَي وَقت تصب بارقاً من أفق. فَقلب الْكَلَام. أَو فِي أفق بارقاً فَزَاد من وَاسْتعْمل أفقاً ظرفا. اه. ثمَّ ذكر أَنَّهَا لَا تَأتي ظرفا خلافًا لِابْنِ مَالك. وَإِلَى الظَّرْفِيَّة ذهب صَاحب اللّبَاب. قَالَ: وَقد تسْتَعْمل مهما للظرف نَحْو: مهما تصب أفقاً من بارقٍ تشم قَالَ شَارِحه: أَي: مهما تصب بارقاً فِي جِهَة فِي أفق وناحيةٍ من الْجِهَات تشم النَّاقة ذَلِك البارق. من شمت الْبَرْق أَي: نظرت إِلَى سحابه أَيْن يمطر. والبارق: السَّحَاب ذُو الْبَرْق. وَمهما فِي الْبَيْت ظرف لِأَن الْفِعْل بعده تسلط على مَفْعُوله فَلَا يتسلط عَلَيْهِ تسلط الْمَفْعُول بِهِ لِأَنَّهُ لَا يتَعَدَّى إِلَّا إِلَى وَاحِد فَهُوَ ظرف أَي: فِي أَي جِهَة تصب. اه. وَقَالَ أَبُو حَيَّان فِي تَذكرته: قَالَ الْفَارِسِي: هَذَا على الْقلب وَالْمعْنَى: مهما تصب بارقاً من أفق. فَإِن جعلت أفقاً ظرفا كَانَت من

زَائِدَة لِأَنَّهَا غير وَاجِبَة فَهِيَ مثل إِن تصب عِنْدِي من) وَأَجَازَ أَن تكون من غير زَائِدَة وَمن بارق فِي مَوضِع نصب بتشم ومفعول تصب مَحْذُوف وَهُوَ ضمير مَنْصُوب يعود على أفق أَو على بارق. قلت: الَّذِي ذكره الْفَارِسِي من إِعْمَال الْفِعْلَيْنِ والمعمول متوسط غَرِيب قَلما يذكرهُ النحويون. وَقد ذكرنَا فِي بَاب كَونه تقدم على الْفِعْلَيْنِ نَحْو: أَي رجل ضربت أَو شتمت وَيجب أَن يكون الأول أولى بِالْعَمَلِ بِلَا خلاف كَمَا كَانَ ذَلِك فِي قَوْلك: أَي رجل ضربت أَو شتمت لِأَنَّهُ فِي هَذِه الْمَسْأَلَة أقرب. وَفِي مَسْأَلَة أبي عَليّ وَإِن لم يكن أقرب الْفِعْلَيْنِ فَلَيْسَ بأبعد الْفِعْلَيْنِ لِأَن النِّسْبَة فِي التلاصق وَاحِدَة إِلَّا أَن عمل الْفِعْل مقدما أولى من عمله مُؤَخرا بِلَا خلاف. وَابْن يسعون: يجوز أَن يقدر إنارة أفق فَلَا قلب. وَيحْتَمل أَن يكون مهما مَفْعُولا بتصب أَي: أَي شَيْء تَجِد فِي أفق من الْبَرْق تشم. وَفِي رِوَايَة الجُمَحِي: مهما يصب بارقٌ آفاقها تشم وَهَذَا سهل الْإِعْرَاب وَمهما ظرف الْعَامِل فِيهِ يصب وَلَا يحْتَاج فِيهِ إِلَى ضمير. والظرف فِي مهما قَلِيل وَيتَصَوَّر أَن يكون بِمَعْنى إِن على مَا ذكرُوا إِلَّا أَن هَذَا أولى. انْتهى مَا وَقَوله: حَتَّى شآها إِلَخ ضمير الْمُؤَنَّث للصوار وَهِي الْبَقر لَا للحمير الوحشية خلافًا لأبي حنيفَة وَلَا لِلْإِبِلِ خلافًا للشَّارِح وَغَيره وَلَا النَّاقة خلافًا لشارح الْبَاب. قَالَ أَبُو حنيفَة: شآها: شاقها بالشين الْمُعْجَمَة. قَالَ: قدم همزَة شَاءَ يُقَال: شاءني يشوؤني ويشيئني أَيْضا أَي: شاقني. قَالَ الشَّاعِر:

الْكَامِل (مر الحمول فَمَا شأونك نقرةً ... وَلَقَد أَرَاك تشَاء بالأظعان) أَي: تشاق فجَاء باللغتين. والكليل: الْبَرْق الضَّعِيف وَقد يسْتَحبّ أَن يكون قَلِيلا. وَالْعَمَل: الدائب لَا يفتر. والطرب: الَّتِي قد استخفها الْفَرح. والموهن: بعد ساعةٍ من نصف اللَّيْل وَضمير بَات للبرق الكليل. وَقَوله: كَأَنَّمَا يتجلى إِلَخ أَي: الْبَرْق الكليل. والغوارب: أعالي السَّحَاب. والضرم: مَا دق من) الْحَطب فَالنَّار تسرع فِيهِ. وَقَوله: حيران يركب أَعْلَاهُ إِلَخ قَالَ السكرِي: يَعْنِي هَذَا السَّحَاب لَا يمْضِي على جِهَته قد حَار فَهُوَ يتَرَدَّد. وَقَوله: يخفي تُرَاب الأَرْض أَي: يظهره من خفاه: أظهره يَعْنِي الْمَطَر يظْهر التُّرَاب. وجديد الأَرْض بِالْجِيم: أرضٌ صلبة لم تحفر. وَقَوله: مُنْهَزِم يَقُول: هَذَا السَّحَاب قد انخرق بِالْمَاءِ يُقَال: انْشَقَّ سَحَاب المَاء. هَذَا مثلٌ. وَيُقَال للدابة: انْشَقَّ سقاؤه بالعدو. اه. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: قَوْله: حيران أَي: لَا جِهَة لَهُ فَهُوَ ماكث. وخفاه: أظهره. يَعْنِي: أَن سيله يشق الأَرْض فَيظْهر بَاطِنهَا. ومنهزم: منشق بِالْمَاءِ. وَقَوله: فأسأدت دلجاً إِلَخ قَالَ أَبُو حنيفَة: الإسآد: سير اللَّيْل كُله. وَكَذَلِكَ الدلج. وتحيي لموقعه يُرِيد: تحيي اللَّيْل لموقع هَذَا الْغَيْث تسير إِلَيْهِ. لم تنتشب: لم تتحبس أَي: لم يعقها وعوث الأَرْض.

وَقَالَ السكرِي: قَوْله تحيي لموقعه يَعْنِي هَذِه الْبَقَرَة تحيي لَيْلَتهَا جَمْعَاء لموقع ذَلِك السَّحَاب لتبلغه. والوعث: اللين: وَهُوَ يحبس. وَقَوله: حَتَّى إِذا مَا تجلى لَيْلهَا إِلَخ قَالَ السكرِي: يَعْنِي بحليف الغرب رمحاً حَدِيد السنان. وَغرب كل شيءٍ: حَده. وملتئم: يشبه بعضه بَعْضًا لَا يكون كعبٌ مِنْهُ رَقِيقا وَالْآخر غليظاً. وَقيل: يَعْنِي وَقَوله: فافتنها يُرِيد انْشَقَّ بهَا فِي نَاحيَة من فنن بِالْفَاءِ والمثناة فَوق وَالنُّون. وَقيل افتتنها. طرحها. ويأفرها: يَسُوقهَا من الأفر بِالْفَاءِ وَالرَّاء الْمُهْملَة وَهُوَ عدوٌ فِيهِ قفز. وَقَوله: وأصحرت أَي: صَارَت فِي صحار وَقَوله: فِي قفاف القف بِالضَّمِّ: مَا غلظ من الأَرْض وارتفع وَلم يبلغ أَن يكون جبلا. والمعتصم بِفَتْح الصَّاد: الملجأ. وَقَوله: أنحى عَلَيْهَا إِلَخ أَي: أَهْوى إِلَيْهَا الْفَارِس بِالرُّمْحِ. والشراعي بِضَم الشين الْمُعْجَمَة: الرمْح الطَّوِيل. وغادرها: تَركهَا وَخَلفهَا. وتلى: صرعى. ولدى المزاحف: جمع مزحف أَي: حَيْثُ زاحفها فِيهِ أَي: قاتلها. والنضج: بمعجمتين مَا أصَاب الشَّيْء على غير عمد يُقَال: أَصَابَهُ نضجٌ من الدَّم والزعفران وَالْبَوْل مَا لم تتعمد بِهِ) فَإِذا أَنْت تعمدته قلت: نضجته بِالْمَاءِ. بِالْحَاء الْمُهْملَة. يُقَال: نضج ينضج إِذا مَا رشح.

(الشاهد الخامس بعد الستمائة)

وترجمة سَاعِدَة بن جؤية الْهُذلِيّ قد تقدّمت فِي الشَّاهِد التَّاسِع وَالسِّتِّينَ بعد الْمِائَة. وَأنْشد بعده 3 - (الشَّاهِد الْخَامِس بعد الستمائة) وَهُوَ من شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ: الْكَامِل على أَن سِيبَوَيْهٍ اسْتدلَّ بِهِ على عمل فعل بِهَذَا الْبَيْت وَمنعه غَيره وَقَالَ: إِن الْبَيْت مَصْنُوع. يرْوى عَن اللاحقي أَن سِيبَوَيْهٍ سَأَلَني عَن شاهدٍ فِي تعدِي فعلٍ فَعمِلت لَهُ هَذَا الْبَيْت. أَقُول: إِن طعن على سِيبَوَيْهٍ بِهَذَا الْبَيْت فقد اسْتشْهد بِبَيْت آخر لَا مطْعن عَلَيْهِ فِيهِ: وَهُوَ قَول لبيد الصَّحَابِيّ: الْكَامِل (أَو مسحلٌ شنجٌ عضادة سمحجٍ ... بسراته ندبٌ لَهَا وكلوم) وَقَالَ الأعلم: وَتَبعهُ ابْن السَّيِّد فِي شرح أَبْيَات الْجمل: قد وجدنَا فِي شعر زيد الْخَيل الطَّائِي الصَّحَابِيّ بَيْتا آخر لَا مطْعن فِيهِ وَهُوَ: الوافر (ألم أخبركما خَبرا أَتَانِي ... أَبُو الكساح جد بِهِ الْوَعيد) (أَتَانِي أَنهم مزقون عرضي ... جحاش الكرملين لَهَا فديد) أما الْبَيْت الأول فقد قَالَ ابْن خلف: الشَّاهِد فِيهِ أَنه نصب عضادة بشنج نصب الْمَفْعُول بِهِ لِأَنَّهُ تَكْثِير شانج وشانج فِي معنى ملازم

وَفعله شنجته كلزمته على مَا حَكَاهُ البصريون. وَذَلِكَ غير مَشْهُور. قَالَ أَبُو نصر هَارُون بن مُوسَى: ورد عَلَيْهِ هَذَا القَوْل بعض النَّحْوِيين وزعن أَن عضادة ظرف. وَهَذَا من الَّذين يتهاونون بالخلف إِذا عرفُوا الْإِعْرَاب وَهَذَا إِذا جعله ظرفا كَانَ الْمَعْنى فَاسِدا فلشدته وصلابته قد لازمها وَقبض النَّاحِيَة الَّتِي بَينهَا وَبَينه وَلم يحجزه عَن ذَلِك رمحها وعضها اللَّذَان بسراته مِنْهَا ندبٌ وكلوم. وَلَو كَانَ ظرفا لَكَانَ الْمَعْنى أَن المسحل شنجٌ متقبض فِي نَاحيَة السمحج مهينٌ. قد شعفه عضها ورمحها فَكيف يشبه أحدٌ نَاقَته بمسحل هَذِه صفته. وَالَّذِي يحْتَج لسيبويه أَيْضا أَن العضادة لَيست من الظروف لِأَنَّهُ يُرِيد بالعضادة جنبها وأعضادها.) أَلا ترى أَنه لَا يجوز أَن يَقُول: قد شنج رجل سمحجٍ وَلَا يَد سمحج. ومسحل مَعْطُوف على مسدم قبله وَهُوَ: الْكَامِل (حرفٌ أضرّ بهَا السفار كَأَنَّهَا ... بعد الكلال مسدمٌ محجوم) وصف لبيد نَاقَته. والحرف: الظامر. وأضر بهَا السفار: أنضاها وهزلها. والكلال: التَّعَب. والمسدم: الْفَحْل من الْإِبِل الَّذِي قد حبس عَن الضراب. والمحجوم: المشدود الْفَم. والمسحل: حمَار الْوَحْش. والسمحج: الأتان الطَّوِيلَة. وسراتها: أَعْلَاهَا. وَالنَّدْب: الْأَثر. والكلوم: الْجِرَاحَات. يُرِيد أَن هَذِه الأتان بهَا آثارٌ من عض الْحمار كَأَنَّهَا جراحات. وعضادة: جنب. والشنج: المتقبض فِي الأَصْل وَيُرَاد بِهِ فِي الْبَيْت الملازم كَأَنَّهُ قَالَ: أَو مسحل ملازم جنب أتان لَا يفارقها. يَقُول: كَأَن هَذِه النَّاقة بَعْدَمَا كلت بعيرٌ مسدم أَو مسحلٌ مَوْصُوف بِمَا ذكر.

وَأما الْبَيْت الثَّانِي فمزقون: جمع مزق مُبَالغَة مازق من المزق وَهُوَ شقّ الشَّيْء. وَعرض الرجل بِالْكَسْرِ: جَانِبه الَّذِي يصونه من نَفسه وحسبه. وجحاش أَي: هم جحاش فَهُوَ تَشْبِيه بليغ كَمَا حَقَّقَهُ السعد لَا اسْتِعَارَة كَمَا زَعمه الْعَيْنِيّ. وَهُوَ جمع جحش وَهُوَ ولد الْحمار. والكرملين بِكَسْر الْكَاف وَفتح اللَّام: اسْم ماءٍ فِي جبل طيىءٍ. والفديد: الصَّوْت يُرِيد أَنهم عِنْدِي بِمَنْزِلَة الجحاش الَّتِي تنهق عِنْد ذَلِك المَاء فَلَا أعبأ بهم. وَتَخْصِيص الجحاش مُبَالغَة فِي التحقير. وَالْبَيْت اسْتشْهد بِهِ شرَّاح الألفية. وَأما مَا رُوِيَ عَن اللاحقي فِي الْبَيْت الأول فقد حَكَاهُ الْمَازِني قَالَ: أَخْبرنِي أَبُو يحيى اللاحقي قَالَ: سَأَلَني سِيبَوَيْهٍ عَن فعلٍ يتَعَدَّى فَوضعت لَهُ وَهَذَا الْبَيْت. وَإِذا حكى أَبُو يحيى مثل هَذَا عَن نَفسه وَرَضي بِأَن يخبر أَنه قَلِيل الْأَمَانَة وَأَنه ائْتمن على الرِّوَايَة الصَّحِيحَة فخان لم يكن مثله يقبل قَوْله ويعترض بِهِ على مَا قد أثْبته سِيبَوَيْهٍ. وَهَذَا الرجل أحب أَن يتجمل بِأَن سِيبَوَيْهٍ سَأَلَهُ عَن شيءٍ فخبر عَن نَفسه بِأَنَّهُ فعل مَا يبطل وَقَالَ أَبُو نصر هَارُون بن مُوسَى: وَهَذَا ضعيفٌ فِي التَّأْوِيل وَكَيف يصلح أَن ينْسب اللاحقي إِلَى نَفسه مَا يضع مِنْهُ وَلَا يحل أَو كَيفَ يجوز هَذَا على سِيبَوَيْهٍ وَهُوَ الْمَشْهُور فِي دينه وَعلمه وعقله وَأَخذه عَن

الثِّقَات الَّذين لَا اخْتِلَاف فِي عَمَلهم وَصِحَّة نقلهم.) وَإِنَّمَا أَرَادَ اللاحقي بقوله: فَوضعت لَهُ هَذَا الْبَيْت: فرويته. والحذر: مُبَالغَة حاذر من الحذر وَهُوَ التَّحَرُّز. وَجُمْلَة: لَا تخَاف بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول صفة قَوْله أموراً. وروى بدله: لَا تضير بِمَعْنى لَا تضر يُقَال: ضاره يضيره وضره يضرّهُ بِمَعْنى وَاحِد كَمَا يُقَال ذامه يذيمه وذمه يذمه بِمَعْنى. قَالَ ابْن السَّيِّد فِي شرح أَبْيَات الْجمل: معنى الْبَيْت يحْتَمل أَمريْن. أَحدهمَا: أَنه يصف إنْسَانا بِالْجَهْلِ وَقلة الْمعرفَة وَأَنه يضع الْأُمُور فِي غير موضعهَا فَيَأْمَن من لَا يَنْبَغِي أَن يُؤمن ويحذر من لَا يَنْبَغِي أَن يحذر. وَالْوَجْه الثَّانِي وَهُوَ الْأَشْبَه عِنْدِي: أَن يكون أَرَادَ أَن الْإِنْسَان جاهلٌ بعواقب الْأُمُور يدبر فيخونه الْقيَاس وَالتَّدْبِير. وَنَحْوه قَول أبي الْعَتَاهِيَة: الطَّوِيل (وَقد يهْلك الْإِنْسَان من بَاب أَمنه ... وينجو بِإِذن الله من حَيْثُ يحذر) وَقَالَ ابْن هِشَام اللَّخْمِيّ: الظَّاهِر من الْبَيْت أَنه ذمٌّ. وَيحْتَمل أَن يكون مدحاً يمدحه بِكَثْرَة الحذر فَيخرج هَذَا الْمَعْنى إِنِّي لأعد لِلْأَمْرِ عَسى أَن يكون أبدا. وحذر وآمنٌ بِمَعْنى الِاسْتِقْبَال لِأَن الحذر والأمن إِنَّمَا يكونَانِ فِيمَا يَأْتِي وَأما مَا مضى فقد علم. وَالْهَاء فِي

منجية عَائِدَة على الضَّمِير الَّذِي فِي لَيْسَ. ومنجية بِمَعْنى الْمُضَارع لَا الْمَاضِي وَالدَّلِيل عَلَيْهِ وُقُوعه خبر لَيْسَ وَالنَّفْي إِنَّمَا يَقع على الْأَخْبَار وَلَيْسَ إِنَّمَا تَنْفِي الْمُضَارع. انْتهى كَلَامه. وَقَالَ الْعَيْنِيّ: إِن منجيه اسْم فَاعل مُضَاف إِلَى الْهَاء وَالْهَاء فِي مَوضِع نصب لِأَن اسْم الْفَاعِل إِذا كَانَ بِمَعْنى الْحَال أَو الِاسْتِقْبَال وأضيف كَانَت إِضَافَته غير مَحْضَة وَكَانَت النِّيَّة بهَا الِانْفِصَال. هَذَا كَلَامه. واللاحقي هُوَ أبان بن عبد الحميد اللاحقي. هُوَ من شعراء هَارُون الرشيد. وَهُوَ شاعرٌ مطبوع بَصرِي لكنه مطعون فِي دينه. قَالَ صَاحب الأغاني: هُوَ أبان بن عبد الحميد بن لَاحق بن عفير مولى بني رقاش. قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: بَنو رقاش ثَلَاثَة نفر ينسبون إِلَى أمّهم وَاسْمهَا رقاش وهم مَالك وَزيد مَنَاة وعامر بَنو شَيبَان بن ذهل بن ثَعْلَبَة بن عكابة بن صَعب بن عَليّ ابْن بكر بن وَائِل. أَخْبرنِي الصولي قَالَ: حَدثنِي مُحَمَّد بن سعيد قَالَ: حَدثنَا يحيى بن إِسْمَاعِيل قَالَ: جلس أبان) فَبلغ ذَلِك أَبَا عُبَيْدَة فَقَالَ فِي مَجْلِسه: لقد أغفل السُّلْطَان كل شَيْء حَتَّى أغفل أَخذ الْجِزْيَة من أبان اللاحقي هُوَ وَأَهله يهود وَهَذِه مَنَازِلهمْ فِيهَا أسفار التوارة وَلَيْسَ

فِيهَا مصحف وأوضح الْأَدِلَّة على تهودهم أَن أَكْثَرهم يَدعِي حفظ التوارة وَلَا يحفظ من الْقُرْآن مَا يصلى بِهِ. فَبلغ ذَلِك أَبَانَا فَقَالَ: الْخَفِيف (لَا تنمن عَن صديقٍ حَدِيثا ... واستعذ من تشرر النمام) (واخفض الصَّوْت إِن نطقت بليلٍ ... والتفت بِالنَّهَارِ قبل الْكَلَام) وَكَانَ المعذل بن غيلَان صديقا لأَبَان وَكَانَا مَعَ صداقتهما يتعابثان بالهجاء ويهجوه المعذل بالْكفْر وينسبه إِلَى الثنوية ويهجوه أبانٌ بالفساء الَّذِي يهجى بِهِ عبد الْقَيْس وَالْقصر وَكَانَ المعذل قَصِيرا وَمن هجوه: الطَّوِيل (رَأَيْت أَبَانَا يَوْم فطرٍ مُصَليا ... فقسم فكري واستفرني الطَّرب) (وَكَيف يُصَلِّي مظلم الْقلب دينه ... على دين ماني إِن هَذَا من الْعجب) وهجاه أَبُو نواس بقوله: المجتث (جَالِسا يَوْمًا أَبَانَا ... لَا در در أبان) (حَتَّى إِذا مَا صَلَاة ال ... أولى دنت لِأَوَانِ) (فَكلما قَالَ قُلْنَا ... إِلَى انْقِضَاء الْأَذَان) (فَقَالَ كَيفَ شهدتم ... بذا بِغَيْر عيان) ...

(لَا أشهد الدَّهْر حَتَّى ... تعاين العينان) (فَقلت: سُبْحَانَ رَبِّي ... فَقَالَ: سُبْحَانَ ماني) وَأَخْبرنِي الصولي قَالَ: حَدثنَا أَبُو العيناء قَالَ: حَدثنِي الحرمازي قَالَ: خرج أبان بن عبد الحميد اللاحقي من الْبَصْرَة طَالبا للاتصال بالبرامكة وَكَانَ الْفضل ابْن يحيى غَائِبا فَأَقَامَ بِبَابِهِ لما قَصده مُدَّة مديدةً لَا يصل إِلَيْهِ فتوسل بِمن أوصل لَهُ شعرًا إِلَيْهِ. وَقيل إِنَّه توسل إِلَى بعض بني هِشَام مِمَّن شخص مَعَ الْفضل فَقَالَ لَهُ: الْخَفِيف (يَا غزير الندى وَيَا جَوْهَر الجو ... هر من آل هاشمٍ بالبطاح) (إِن ظَنِّي وَلَيْسَ يخلف ظَنِّي ... بَان فِي حَاجَتي سَبِيل النجاح) (إِن من دونهَا لمصمت بابٍ ... أَنْت من دون قفله مفتاحي)) (تاقت النَّفس يَا جليل السماح ... نَحْو بَحر الندى مجاري الرِّيَاح) (ثمَّ فَكرت كَيفَ لي واستخرت ال ... لَهُ عِنْد الإمساء والإصباح) (فامتدحت الْأَمِير أصلحه الل ... هـ بشعرٍ مشهر الأوضاح) (أَنا من بغية الْأَمِير وكنزٌ ... من كنوز الْأَمِير ذُو أرباح) (كاتبٌ حاسبٌ خطيبٌ أديبٌ ... ناصحٌ زائدٌ على النصاح) (شاعرٌ مفلقٌ أخف من الرّيّ ... شة فِيمَا يكون تَحت الْجنَاح)

وَهِي طَوِيلَة وَمِنْهَا: (إِن دَعَاني الْأَمِير عاين مني ... شمرياً كالبلبل الصياح) قَالَ: فَدَعَا بِهِ وَوَصله ثمَّ خص بِالْفَضْلِ وَقدم مَعَه فَقرب من قلب يحيى ابْن خَالِد وَكَانَ صَاحب الْجَمَاعَة وَذَا أَمرهم. أَخْبرنِي حبيب بن نصرٍ المهلبي: قَالَ: حَدثنَا عَليّ بن مُحَمَّد النَّوْفَلِي: أَن أبان بن عبد الحميد عَاتب البرامكة على تَركهم إيصاله إِلَى الرشيد وإيصال مدحه إِلَيْهِ فَقَالُوا لَهُ: وَمَا تُرِيدُ بذلك فَقَالَ: أُرِيد أَن أحظى مِنْهُ بِمثل مَا حظي بِهِ مَرْوَان بن أبي حَفْصَة. فَقَالُوا لَهُ: إِن لمروان مذهبا فِي هجاء آل أبي طَالب وذمهم بِهِ يحظى وَعَلِيهِ يعْطى فاسلكه حَتَّى نَفْعل قَالَ: لَا أستحل ذَلِك. قَالُوا: فَمَا تصنع. لَا تَجِيء أُمُور الدُّنْيَا إِلَّا بِفعل مَا لَا يحل. فَقَالَ أبان: الطَّوِيل (أَعم رَسُول الله أقرب زلفةً ... لَدَيْهِ أم ابْن الْعم فِي رُتْبَة النّسَب) (وَأيهمَا أولى بِهِ وبعهده ... وَمن ذَا لَهُ حق التراث بِمَا وَجب) (فَإِن كَانَ عَبَّاس أَحَق بتلكم ... وَكَانَ عَليّ بعد ذَاك على سَبَب) (فأبناء عباسٍ هم يرثونه ... كَمَا الْعم لِابْنِ الْعم فِي الْإِرْث قد حجب) وَهِي طَوِيلَة قد تركت ذكرهَا لما فِيهِ من تنقيص. فَقَالَ لَهُ الْفضل: مَا يرد على أَمِير الْمُؤمنِينَ الْيَوْم شيءٌ أعجب إِلَيْهِ من أبياتك. فَركب فأنشدها الرشيد فَأمر لأَبَان بِعشْرين ألف دِرْهَم ثمَّ اتَّصَلت بعد ذَلِك خدمته للرشيد وَخص بِهِ. انْتهى مَا نقلته من الأغاني.)

وَأما ابْن المقفع فاسمه عبد الله وَهُوَ كاتبٌ بليغ لكنه زنديق. قَالَ السَّيِّد المرتضى قدس سره فِي أَمَالِيهِ: قَالَ جَعْفَر بن سُلَيْمَان: رُوِيَ عَن الْمهْدي أَنه قَالَ: مَا وجدت كتاب زندقة قطّ إِلَّا أَصله ابْن المقفع. وروى ابْن شبة قَالَ: حَدثنِي من سمع ابْن المقفع وَقد مر بِبَيْت نَار الْمَجُوس بعد أَن أسلم فلمحه وتمثل: الْكَامِل (يَا بَيت عَاتِكَة الَّذِي أتعزل ... حذر العدى وَبِه الْفُؤَاد مُوكل) وَكَانَ الْخَلِيل بن أَحْمد يحب أَن يرى عبد الله بن المقفع وَكَانَ ابْن المقفع يحب ذَلِك فَجَمعهُمْ عباد بن عباد المهلبي فتحادثا ثَلَاثَة أَيَّام ولياليهن فَقيل للخليل: كَيفَ رَأَيْت عبد الله قَالَ: مَا رَأَيْت مثله وَعلمه أَكثر من عقله وَقيل لِابْنِ المقفع: كَيفَ رَأَيْت الْخَلِيل قَالَ: مَا رَأَيْت مثله وعقله أَكثر من علمه. قَالَ الْمُغيرَة: صدقا أدّى عقل الْخَلِيل إِلَى أَن مَاتَ وَهُوَ أزهد النَّاس وَجَهل ابْن المقفع أَدَّاهُ إِلَى أَن كتب أَمَانًا عَن الْمَنْصُور لعبد الله بن عَليّ فَقَالَ فِيهِ: وَمَتى غدر أَمِير الْمُؤمنِينَ بِعَمِّهِ عبد الله فنساؤه طَوَالِق ودوابه حبس وعبيده أَحْرَار والمسلمون فِي حل من بيعَته. فَاشْتَدَّ على الْمَنْصُور جدا وخاصة أَمر الْبيعَة وَكتب إِلَى سُفْيَان بن مُعَاوِيَة المهلبي وَهُوَ أَمِير الْبَصْرَة من قبله بقتْله فَقتله.

(الشاهد السادس بعد الستمائة)

وَكَانَ ابْن المقفع مَعَ قلَّة دينه جيد الْكَلَام فصيح الْعبارَة لَهُ حكمٌ وأمثال. ثمَّ أورد السَّيِّد المرتضى نتفاً من حكمه وَأَمْثَاله. قَالَ الصغاني فِي الْعباب: عبد الله بن المقفع كَانَ فصيحاً بليغاً وَكَانَ اسْمه روزبة وَكَانَ قبل إِسْلَامه يكتنى بأبى عمر فَلَمَّا أسلم تسمى بِعَبْد الله وتكنى بأبى مُحَمَّد. والمقفع اسْمه الْمُبَارك ولقب بالمقفع لِأَن الْحجَّاج بن يُوسُف ضربه ضربا فتقفعت يَده. وَرجل مقفع الْيَدَيْنِ. أَي: وَقيل هُوَ المقفع بِكَسْر الْفَاء لعمله القفعة بِفَتْح الْقَاف وَسُكُون الْفَاء. والقفعة: شيءٌ شَبيه بالزنبيل بِلَا عُرْوَة وتعمل من خوص لَيست بالكبيرة. وَقَالَ اللَّيْث: القفعة تتَّخذ من خوص مستديرةٌ يجتنى فِيهَا الرطب وَنَحْوه. وَأنْشد بعده 3 - (الشَّاهِد السَّادِس بعد الستمائة) الوافر (أَمن رَيْحَانَة الدَّاعِي السَّمِيع ... يؤرقني وأصحابي هجوع) على أَن فعيلاً قد جَاءَ لمبالغة مفعلٍ على رَأْي. وَهُوَ رَأْي الْجُمْهُور مِنْهُم ابْن الْأَعرَابِي فِي نوادره أنْشد لنغبة الغنوي:

الْبَسِيط (إِنِّي تودكم نَفسِي وأمنحكم ... حبي وَرب حبيبٍ غير مَحْبُوب) حبيب فِي معنى محب مثل أَلِيم فِي معنى مؤلم وَسميع فِي معنى مسمع. وَأنْشد هَذَا الْبَيْت. وَمِنْهُم أَبُو الْعَبَّاس الْمبرد قَالَ فِي الْكَامِل: قيل خصيب وَأَنت تُرِيدُ مخصب وجديب وَأَنت تُرِيدُ مجدب كَقَوْلِك: عذابٌ أَلِيم وَأَنت تُرِيدُ مؤلم. وَيُقَال: رجل سميعٌ أَي: مسمع قَالَ عَمْرو بن أَمن رَيْحَانَة الدَّاعِي السَّمِيع ... ... . الْبَيْت وَمِنْهُم أَبُو إِسْحَاق الزّجاج قَالَ فِي تَفْسِيره من الْبَقَرَة عِنْد قَوْله تَعَالَى: وَلَهُم عذابٌ أَلِيم معنى أَلِيم: موجع يصل وَجَعه إِلَى قُلُوبهم. وَتَأْويل أَلِيم فِي اللُّغَة مؤلم. قَالَ الشَّاعِر: وَأنْشد هَذَا الْبَيْت. وَمِنْهُم الْبَيْضَاوِيّ فِي تَفْسِير قَوْله تَعَالَى: بديع السَّمَوَات وَالْأَرْض قَالَ: أَي مبدعهما. وَنَظِيره السَّمِيع فِي قَوْله: أَمن رَيْحَانَة الدَّاعِي السَّمِيع ويقابل قَول الْجُمْهُور قَول صَاحب الْكَشَّاف عِنْد قَوْله: بديع السَّمَوَات وَالْأَرْض: هُوَ من إِضَافَة الصّفة المشبهة إِلَى فاعلها أَي: بديع سمواته وأرضه. وَقيل البديع بِمَعْنى الْمُبْدع كَمَا أَن السَّمِيع قَول عَمْرو: أَمن رَيْحَانَة الدَّاعِي السَّمِيع

بِمَعْنى المسمع. وَفِيه نظر. انْتهى. قَالَ السعد فِي حَاشِيَته: اعْترض المُصَنّف بِأَنَّهُ لم يثبت فعيل بِمَعْنى مفعل وَلَا استشهاد فِي الْبَيْت لِأَن دَاعِي الشوق لما دَعَا الْقَائِل صَار سميعاً لدعوته فتسبب لكَونه سميعاً فأوقع على الدَّاعِي اسْم السَّمِيع لكَونه سَببا فِيهِ. على أَن الشاذ لَا يَصح الْقيَاس عَلَيْهِ إِن ثَبت. انْتهى. وَقَالَ السفاقسي فِي إعرابه بَعْدَمَا نقل كَلَام السعد: قَالَ ابْن عَطِيَّة: بديع مَصْرُوف من مبدع كبصير من مبصر وَمثله سميع بِمَعْنى مسمع فِي الْبَيْت.) وعَلى هَذَا يكون من إِضَافَة اسْم الْفَاعِل لمفعوله. إِلَّا أَن الزَّمَخْشَرِيّ ذكر هَذَا الْوَجْه. وَقَالَ: إِن فِيهِ نظرا. وَلم يُبينهُ فَلَعَلَّهُ يُرِيد أَن فعيلاً بِمَعْنى مفعل لَا ينقاس مَعَ أَن بَيت عَمْرو محتملٌ للتأويل. انْتهى. وَمَا تَأَوَّلَه السعد يَدْفَعهُ الْبَيْت الَّذِي بعده وَهُوَ: الوافر (يُنَادي من براقش أَو معينٍ ... فَأَسْمع واتلأب بِنَا مليع) فَإِن فَاعل يُنَادي وأسمع وَهُوَ فعل مَاض: ضمير الدَّاعِي فَيكون الدَّاعِي مسمعاً لَا سَامِعًا. وبراقش ومعين بِفَتْح أَولهمَا: بلدتان كَانَتَا متقابلتين بِالْيمن. كَذَا فِي مُعْجم مَا استعجم. واتلأب بِمَعْنى استقام. والمليع: بِفَتْح الْمِيم: الأَرْض الواسعة.

والبيتان أَولا قصيدة لعَمْرو بن معديكرب الزبيدِيّ الصَّحَابِيّ. قَالَ جَامع ديوانه أَبُو عبد الله بن الْأَعرَابِي: قَالَهَا عَمْرو فِي أُخْته ريحانه بنت معديكربٍ وَهِي أم دُرَيْد بن الصمَّة وَكَانَ الصمَّة غزا بني زبيد فسباها فغزا عمروٌ مرَارًا فَلم يقدر عَلَيْهَا. وَقَوله: أَمن رَيْحَانَة إِلَخ الْهمزَة: للاستفهام وَمن: للتَّعْلِيل مُتَعَلق بقوله يؤرقني. وَرَيْحَانَة: اسْم والسميع: صفة الدَّاعِي وَجُمْلَة يؤرقني: خبر الْمُبْتَدَأ وَجُمْلَة: وأصحابي هجوع: حالٌ من الْيَاء. وهجوع: جمع هاجع أَي: نَائِم كقعود جمع قَاعد. وَلِصَاحِب الأغاني فِي رَيْحَانَة رِوَايَتَانِ: إِحْدَاهمَا أَنَّهَا أُخْته. قَالَ: إِن هَذِه القصيدة قَالَهَا عَمْرو فِي أُخْته رَيْحَانَة لما سباها الصمَّة بن بكر وَكَانَ أغار على بني زبيد فِي قيس فاستاق أَمْوَالهم وسبى رَيْحَانَة وانهزمت زبيد بَين يَدَيْهِ وَتَبعهُ عَمْرو وَأَخُوهُ عبد الله ابْنا معديكرب ثمَّ رَجَعَ عبد الله وَاتبعهُ عَمْرو. فَأخْبرنَا أَبُو خَليفَة عَن مُحَمَّد بن سَلام أَن عمرا اتبعهُ يناشده أَن يخلي عَنْهَا فَلم يفعل فَلَمَّا يئس مِنْهُ ولى وَهِي تناديه بِأَعْلَى صَوتهَا: يَا عَمْرو فَلم يقدر على انتزاعها وَقَالَ: أَمن رَيْحَانَة الدَّاعِي السَّمِيع وعَلى هَذِه الرِّوَايَة فالداعي فَاعل الظّرْف وَهُوَ بِمَعْنى الَّذِي يدعة وينادي لَا بِمَعْنى الشوق الدَّاعِي والسميع بِمَعْنى المسمع. أَو الدَّاعِي

مُبْتَدأ والظرف قبله خَبره وَمن عَلَيْهِمَا للابتداء لَا للتَّعْلِيل والجملتان فِي المصراع الثَّانِي حالان متداخلتان. وَالرِّوَايَة الثَّانِيَة: أَن رَيْحَانَة امْرَأَته الْمُطلقَة قَالَ: أَخْبرنِي الْحُسَيْن بن يحيى قَالَ: قَالَ حَمَّاد: قَرَأت) على أبي: وَأما قصَّة رَيْحَانَة فَإِن عَمْرو بن معديكرب تزوج امْرَأَة من مُرَاد وَذهب مغيراً قبل أَن يدْخل بهَا فَلَمَّا قدم أخبر أَنه قد ظهر بهَا وضح وَهُوَ داءٌ تحذره الْعَرَب فَطلقهَا وَتَزَوجهَا رجلٌ آخر من بني مَازِن بن ربيعَة. وَبلغ ذَلِك عمرا وَأَن الَّذِي قيل فِيهَا بَاطِل فَأخذ يشبب بهَا فَقَالَ قصيدته وَهِي طَوِيلَة: أَمن رَيْحَانَة الدَّاعِي السَّمِيع انْتهى. فإعرابه على هَذَا هُوَ الْإِعْرَاب الأول. وَهَذِه الرِّوَايَة هِيَ الْقَرِيبَة إِلَى الصَّوَاب وَالْقَصِيدَة تدل عَلَيْهَا. وَقَالَ الطَّيِّبِيّ: رَيْحَانَة امْرَأَة وَقيل مَوضِع. وَقد رجعت إِلَى كتب الْبلدَانِ والأماكن فَلم أجد هَذَا الِاسْم فِيهَا. وَقَالَ صَاحب الْكَشْف: علم حَبِيبَة عَمْرو وَهِي أُخْت دُرَيْد بن الصمَّة تعلق بهَا عَمْرو وأغار عَلَيْهَا ثمَّ التمس من دُرَيْد أَن يَتَزَوَّجهَا فَأجَاب.

وَهَذِه الرِّوَايَة لَا أصل لَهَا. ثمَّ نقل صَاحب الْكَشْف عَن ابْن قُتَيْبَة أَنَّهَا أُخْت عَمْرو وَكَانَت تَحت الصمَّة فَولدت لَهُ دُرَيْد وَاعْتَرضهُ بِأَن دريداً قتل يَوْم هوَازن وَهُوَ شيخ همٌّ ينيف على الْمِائَة لَا ينْتَفع إِلَّا بِرَأْيهِ. وعمروٌ أسلم فِي زمن عمر وَهُوَ على جلده. هَذَا كَلَامه. وَالْأول حقٌّ لَا شُبْهَة فِيهِ وَلِهَذَا صوبنا أَنَّهَا امْرَأَته لَا أُخْته. وَأما عمروٌ فقد أسلم على يَدي النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وَهُوَ من الصَّحَابَة كَمَا يشْهد بِهِ كتب الصَّحَابَة. تَتِمَّة وَأما فعيل بِمَعْنى مفعل بِالْفَتْح اسْم مفعول فَفِيهِ خلافٌ أَيْضا. فَأَخذه من الْمَزِيد الْمُتَعَدِّي لم يرتضه الزَّمَخْشَرِيّ. وَقَالَ ابْن مَالك فِي التسهيل: وَرُبمَا استغني عَن فَاعل بمفعل أَو مفعل. قَالَ ابْن عقيل فِي شَرحه قَالُوا: عَم الرجل بمعروفة. وَلم مَتَاع الْبَيْت فَهُوَ معمٌّ ومعمذٌ وملمٌّ وملمٌّ. وَلم يقل بِهَذَا الْمَعْنى عامٌّ وَلَا لَام وَلَا نَظِير لَهما حَكَاهُ ابْن سَيّده.) وَقَالَ ابْن بري فِي حَاشِيَة صِحَاح الْجَوْهَرِي: قد جَاءَ ذَلِك كثيرا نَحْو: مسخن وسخين ومقعد وقعيد ومقنع وقنيع ومحب وحبِيب ومطردٌ وطريد ومقصًى وقصي ومهدًى وهدي وموصًى ووصي ومبرم

وبريم ومحكم وَحَكِيم ومبدع وبديع ومفرد وفريد ومسمع وَسميع ومونق وأنيق ومؤلم وأليم فِي أخواتٍ لَهُ. انْتهى. وَبعد الْبَيْتَيْنِ الْأَوَّلين: (وَرب محرشٍ فِي جنب سلمى ... يعل بِعَينهَا عِنْدِي شَفِيع) (كَأَن الإثمد الحاري مِنْهَا ... يسف بِحَيْثُ تبتدر الدُّمُوع) (وأبكارٍ لهوت بِهن حينا ... نواعم فِي أسرتها الردوع) (أَمْشِي حولهَا وأطوف فِيهَا ... وتعجبني المحاجر وَالْفُرُوع) (إِذا يضحكن أَو يبسمن يَوْمًا ... بدا بردٌ ألح بِهِ الصقيع) (كَأَن على عوارضهن رَاحا ... يفض عَلَيْهِ رمانٌ ينيع) (ترَاهَا الدَّهْر مقترةً كباءً ... ومقدح صفحة فِيهَا نَقِيع) (وصبغ ثِيَابهَا فِي زعفرانٍ ... بجدتها كَمَا احمر النجيع) (وَقد عجبت أُمَامَة أَن رأتني ... تفرع لمتي شيبٌ فظيع) وَهَذَا آخر الْغَزل. وَمن أَبْيَات الحماسة: (أشاب الرَّأْس أيامٌ طوالٌ ... وهمٌّ مَا تبلغه الضلوع) (وزحف كتيبةٍ للقاء أُخْرَى ... كَأَن زهاءها رأسٌ صليعٍ) (دنت واستأخر الأوغال عَنْهَا ... وخلى بَينهم إِلَّا الوريع)

(وَإسْنَاد الأسنة نَحْو نحري ... وهز المشرفية والوقوع) (فَإِن تنب النوائب آل عصمٍ ... تَجِد حكماتهم فِيهَا رفوع) (إِذا لم تستطع شَيْئا فَدَعْهُ ... وجاوزه إِلَى مَا تَسْتَطِيع) (وَصله بالزماع فَكل شيءٍ ... سما لَك أَو سموت لَهُ ولوع) (وَكم من غائطٍ من دون سلمى ... قَلِيل الْأنس لَيْسَ بِهِ كتيع) (بِهِ السرحان مفترشاً يَدَيْهِ ... كَأَن بَيَاض لبته الصديع) وَقَوله: وَرب محرش إِلَخ. التحريش: الإغراء بَين الْقَوْم. ويعل: من الْعِلَل مرّة بعد مرّة. والحاري:) نِسْبَة إِلَى الْحيرَة. ويسف: يذر. والأسرة: جمع سرارة بِالْكَسْرِ وَهُوَ الخطوط فِي الْكَفّ. والردوع: جمع ردع يُقَال: بِهِ ردعٌ من زعفرانٍ أَو دم أَي: لطخٌ وَأثر. يُرِيد أَنَّهُنَّ يصبغن ثيابهن بالزعفران. وَقَوله: أَمْشِي حولهَا هُوَ جَوَاب رب الْمقدرَة فِي وأبكار. والمحاجر: جمع محجر الْعين كمجلس وَهُوَ مَا يَبْدُو من النقاب. وَالْفُرُوع: جمع فرع وَهُوَ الشّعْر التَّام. وَالْبرد بِفتْحَتَيْنِ: حب الْغَمَام. والصقيع: الجليد. والعارض: الناب والضرس الَّذِي يَلِيهِ. والراح: الْخمر. وينيع: يَانِع أَي: بَالغ. ومقترة: اسْم فَاعل من القتار بِضَم الْقَاف وَهُوَ هُنَا الدخنة. والكباء بِالْكَسْرِ وَالْمدّ: الْعود. والمقدح بِكَسْر الْمِيم: المغرفة. والنقيع يبرد لَهَا فتشربه. والنجيع: الدَّم. وتفرع: علا. واللمة: بِالْكَسْرِ: شعر الرَّأْس الَّذِي يلم بالمنكب.

وَقَوله: أشاب الرَّأْس إِلَخ. وتبلغه أَي: تسعه. وزهاءها بِالضَّمِّ وَالْمدّ أَي: مقدارها. وَالرَّأْس الصليع: الَّذِي انحسر شعر مقدمه. والأوغال: جمع وغل وَهُوَ النذل من الرِّجَال. والوريع: بالراء الْمُهْملَة وَكَذَلِكَ الْوَرع بِفتْحَتَيْنِ وَهُوَ الصَّغِير الضَّعِيف الَّذِي لَا غناء عِنْده. والوقوع: المواقعة والقتال. وَآل عصم مفعول تنب أَي: تصب من النائبة. والحكمات بِالتَّحْرِيكِ: جمع حِكْمَة بِفتْحَتَيْنِ وَهِي مَا أحَاط بالحنك من اللجام. والرفوع بِالضَّمِّ: مصدرٌ بِمَعْنى الِارْتفَاع. وَقَوله: إِذا لم تستطع إِلَخ. هَذَا من شَوَاهِد تَلْخِيص الْمِفْتَاح فِيهِ الإرصاد وَقَوله: وَصله أَي: وصل الشَّيْء الَّذِي لم تستطعه. والزماع بِالْفَتْح: الْعَزْم والتصميم. والولوع بِالْفَتْح: مصدر ولعت بالشَّيْء إِذا لَزِمته. وَالْغَائِط: المطمئن من الأَرْض الْوَاسِع. وكتيع أَي أحد ملازمٌ للنَّفْي. وَمَا أَثْبَتْنَاهُ هُوَ رِوَايَة ابْن الْأَعرَابِي فِي ديوَان عَمْرو بن معديكرب.

وروى صَاحب الأغاني الشّعْر على غير مَا ذكرنَا وَتَبعهُ النَّاس عَلَيْهِ وَهُوَ: (أَمن رَيْحَانَة الدَّاعِي السَّمِيع ... يؤرقني وأصحابي هجوع) (سباها الصمَّة الْجُشَمِي غصبا ... كَأَن بَيَاض غرتها صديع)) (وحالت دونهَا فرسَان قيسٍ ... تكشف عَن سواعدها الدروع) إِذا لم تستطع شَيْئا فَدَعْهُ ... ... ... ... ... الْبَيْت وَزَاد النَّاس فِي هَذَا الشّعْر وغني فِيهِ: (وَكَيف أحب من لَا أَسْتَطِيع ... وَمن هُوَ للَّذي أَهْوى منوع) (وَمن قد لامني فيع صديقي ... وَأَهلي ثمَّ كلاًّ لَا أطيع) (وَمن لَو أظهر الْبغضَاء نحوي ... أَتَانِي قَابض الْمَوْت السَّرِيع) (فدى لَهُم مَعًا عمي وخالي ... وشرخ شبابهم إِن لم يطيعوا) لهَذَا مَا رَوَاهُ وَلَيْسَ فِي الدِّيوَان بعض هَذِه الأبيات وَالله أعلم. وترجمة عَمْرو بن معديكرب تقدّمت فِي الشَّاهِد الرَّابِع وَالْخمسين بعد الْمِائَة. وَأنْشد بعده وَهُوَ من شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ:

الرمل (ثمَّ زادوا أَنهم فِي قَومهمْ ... غفرٌ ذنبهم غير فَخر) على أَن مثنى الْمُبَالغَة ومجموعها يعْمل كَمَا فِي الْبَيْت فَإِن ذنبهم مفعول لغفر وَهُوَ جمع غَفُور مُبَالغَة غافرٍ وفخر بِضَمَّتَيْنِ أَيْضا: جمع فخور. وَالْبَيْت من قصيدة طَوِيلَة عدتهَا أَرْبَعَة وَسَبْعُونَ بَيْتا لطرفة بن العَبْد وَهُوَ شاعرٌ جاهلي تقدّمت تَرْجَمته فِي الشَّاهِد الثَّانِي وَالْخمسين بعد الْمِائَة. وَقَبله: (ولي الأَصْل الَّذِي فِي مثله ... يصلح الآبر زرع المؤتب) (طيبو الْبَاءَة سهلٌ وَلَهُم ... سبل إِن شِئْت فِي وحشٍ وعر) (وهم مَا هم إِذا مَا لبسوا ... نسج دَاوُد لبأسٍ محتضر) (وتساقى الْقَوْم كأساً مرّة ... وَعلا الْخَيل دماءٌ كالشقر) ثمَّ زادوا أَنهم فِي قَومهمْ ... ... ... ... . . الْبَيْت قَالَ الأعلم فِي شَرحه: وَقَوله: ولي الأَصْل إِلَخ يَقُول: لي الأَصْل الَّذِي فِي مثله يتم الْمَعْرُوف والاصطناع. والآبر: المصلح للشَّيْء الْقَائِم عَلَيْهِ. المؤتبر: المستدعي إِلَى الْإِصْلَاح وَأكْثر مَا يسْتَعْمل الإبار فِي) النّخل ثمَّ هُوَ عَام فِي كل شَيْء. وضربه هُنَا مثلا لإتمام الصنيعة. والباءة: الساحة والفناء أَي: ساحتهم طيبَة سهلة لمن أَرَادَ معروفهم

وَهِي وعرة خشنة لمن أَرَادَهُم بِسوء. وَهَذَا مثل. والوحش: المتوحش وَهُوَ كِنَايَة عَن خشونة الْجَانِب وشدته. وَقَوله: وهم مَا هم إِلَخ هَذَا تفخيم وتعجب كَأَنَّهُ قَالَ: أَي رجال هم وَقَوله: نسج دَاوُد يَعْنِي الدروع. والنسج: عَملهَا وسردها وَأول من عَملهَا دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام فَلذَلِك تنْسب إِلَيْهِ. والبأس: شدَّة الْأَمر. والمحتضر: المحضور الْمُجْتَمع إِلَيْهِ. يَقُول: إِذا لبسوا الدروع وتسلحوا لِلْقِتَالِ فَأَي رجال هم ويروى: محتضر بِالْكَسْرِ أَي: حَاضر. وَقَوله: تساقى الْقَوْم إِلَخ هَذَا مثل ضربه أَي: سقى بَعضهم بَعْضًا كأس الحتوف أَي: قتل بَعضهم بَعْضًا. والكأس: الْإِنَاء فِيهِ الشَّرَاب وَالشرَاب فِي الْإِنَاء يُقَال لَهُ: كأسٌ أَيْضا. والشقر: شقائق النُّعْمَان. وَقَالَ الْأَصْمَعِي: هُوَ شجرٌ لَهُ ثَمَر أَحْمَر. وَقَوله: ثمَّ زادوا أَنهم إِلَخ لما وَصفهم بالإقدام والجرأة وَالصَّبْر فِي الْحَرْب وَغير ذَلِك من أَفعَال الْبر بَين أَن لَهُم مزيداً على ذَلِك وَهُوَ أَخذهم بِالْعَفو والصفح عَن الذَّنب وَترك الْفَخر بذلك لِأَن الْفَخر إعجابٌ وخفة. انْتهى. وَقَالَ اللَّخْمِيّ فِي شرح أَبْيَات الْجمل: قَوْله: ثمَّ زادوا أَنهم أَرَادَ: بِأَنَّهُم فَحذف الْبَاء. وَقَوله: فِي قَومهمْ فِي بِمَعْنى عِنْد والظرف مُتَعَلق بزادوا وَالتَّقْدِير: ثمَّ زادوا عِنْد قَومهمْ بِأَنَّهُم غفر ذنبهم غير فَخر. وَغير فَخر: خبر بعد خبر. ويروى: غير فجر بِالْجِيم يَعْنِي أَنهم لَا يكذبُون. والفجور: الْكَذِب. وَالْمَشْهُور رِوَايَة الْخَاء وَهِي أوجه. انْتهى.

وَقَالَ ابْن خلف: يُرِيد زادوا على الْفَضَائِل الَّتِي ذكرهَا فيهم أَنهم إِذا جنى عَلَيْهِم بعض قَومهمْ غفروا لَهُم ذنبهم مَعَ قدرتهم على الانتصاف. وَقد يكون زادهم بِمَعْنى شرفهم ورفعهم فَتكون أَن على هَذَا فاعلة زَاد أَي: زادهم الْمجد شرفاً ورفعة. هَذَا كَلَامه. وَهُوَ سبق قلم مِنْهُ فَإِن فَاعل زَاد هُوَ الْوَاو. وَقَوله: وَالْمرَاد زادوا على الْفَضَائِل إِلَخ هُوَ تَقْدِير ابْن السيرافي فِي شرح أَبْيَات الْكتاب.) قَالَ ابْن الْحَاجِب فِي أَمَالِيهِ على الْمفصل: لِلْفَتْحِ فِي أَن وَجْهَان: أَحدهمَا: أَن يكون فِي مَوضِع الْمَفْعُول وَالْآخر: أَن يكون الْمَعْنى ثمَّ زادوا على مَا تقدم من وللكسر وَجْهَان: أَحدهمَا: التَّعْلِيل على مَا ذكر فِي الْوَجْه الثَّانِي. وَالثَّانِي: أَن يكون على الْحِكَايَة وَهُوَ ضَعِيف لِأَنَّهُ لَيْسَ مَوضِع الْحِكَايَة. اه. وَبعد هَذِه الأبيات بِقَلِيل: (نَحن فِي المشتاة نَدْعُو الجفلى ... لَا ترى الآدب فِينَا ينتقر) (حِين قَالَ النَّاس فِي مجلسهم ... أقتارٌ ذَاك أم ريح قطر) (بجفانٍ تعتري نادينا ... من سديفٍ حِين هاج الصنبر) قَالَ الأعلم: قَوْله: نَحن فِي المشتاة يُرِيد فِي الشتَاء وَالْبرد وَذَلِكَ أَشد الزَّمَان. والجفلى: أَن يعم بدعوته إِلَى الطَّعَام وَلَا يخص أحدا. والآدب: الَّذِي يَدْعُو إِلَى المأدبة وَهِي كل طَعَام يدعى إِلَيْهِ. والانتقار:

أَن يَدْعُو النقرى وَهُوَ أَن يخصهم وَلَا يعمهم. يَقُول: لَا يخصون الْأَغْنِيَاء وَمن يطْعمُون فِي مكافأته وَلَكنهُمْ يعمون طلبا للحمد ولاكتساب الْمجد. والقتار بِالضَّمِّ: رَائِحَة اللَّحْم إِذا شوي. والقطر بِضَمَّتَيْنِ: الْعود الَّذِي يتبخر بِهِ. يَقُول: نَحن نطعم فِي شدَّة الزَّمَان إِذا كَانَ ريح القتار عِنْد الْقَوْم بِمَنْزِلَة رَائِحَة الْعود لما هم فِيهِ من الْجهد وَالْحَاجة إِلَى الطَّعَام. والنادي: مجْلِس الْقَوْم ومتحدثهم. والسديف: قطع السنام. والصنبر: أَشد مَا يكون من الْبرد. اه. قَالَ صَاحب الصِّحَاح: صنابر الشتَاء: شدَّة برده وَكَذَلِكَ الصنبر بتَشْديد النُّون وَكسر الْبَاء وَأنْشد الْبَيْت ثمَّ قَالَ: والصنبر بتسكين الْبَاء: يومٌ من أَيَّام الْعَجُوز وَيحْتَمل أَن يَكُونَا بِمَعْنى وَإِنَّمَا حركت الْبَاء للضَّرُورَة. انْتهى. وَجزم ابْن جني فِي الخصائص بِأَن الْبَاء سَاكِنة وَقَالَ: كَانَ حق هَذَا إِذا نقلت الْحَرَكَة أَن تكون الْبَاء مَضْمُومَة لِأَن الرَّاء مَرْفُوعَة لكنه قدر الْإِضَافَة إِلَى الْفِعْل يَعْنِي الْمصدر. كَأَنَّهُ قَالَ: حِين هيج الصنبر يَعْنِي أَنه نقل الكسرة من الرَّاء إِلَى الْبَاء الساكنة وسكنت الرَّاء. وَهَذَا من الغرائب فَإِن الصنبر فَاعل بهاج لكنه أعربه بِالْكَسْرِ نظرا إِلَى أَن الْفِعْل فِي معنى) الْمصدر الْمُضَاف إِلَى هَذَا الْفَاعِل ثمَّ نقل الْكسر.

(الشاهد الثامن بعد الستمائة)

قَالَ الدماميني فِي الْجُمْلَة الْمُضَاف إِلَيْهَا من الْحَاشِيَة الْهِنْدِيَّة على الْمُغنِي: وعَلى ذَلِك يتنزل اللغز الَّذِي نظمته قَرِيبا وَهُوَ: الطَّوِيل (أيا عُلَمَاء الْهِنْد إِنِّي سائلٌ ... فمنوا بتحقيق بِهِ يظْهر السِّرّ) (أرى فَاعِلا بِالْفِعْلِ أعرب لَفظه ... بجرٍّ وَلَا حرفٌ يكون بِهِ الْجَرّ) (فَهَل من جوابٍ عنْدكُمْ نستفيده ... فَمن بحركم مَا زَالَ يسْتَخْرج الدّرّ) قَالَ الشمني: سبقه إِلَى هَذَا اللغز أَبُو سعيد فرج بن قَاسم الْمَعْرُوف بِابْن لب النَّحْوِيّ الأندلسي فِي منظومته النونية فِي الألغاز النحوية فَقَالَ: (مَا فاعلٌ بِالْفِعْلِ لَكِن جَرّه ... مَعَ السّكُون فِيهِ ثابتان) وَفِي شرحها: يَعْنِي الصنبر من قَول طرفَة. انْتهى. وَأنْشد فِيهِ 3 - (الشَّاهِد الثَّامِن بعد الستمائة) وَهُوَ من شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ: الْكَامِل (مِمَّن حملن بِهِ وهم عواقدٌ ... حبك النطاق فشب غير مهبل) على أَن حبك النطاق: مفعول لعواقد. وَهُوَ جمع عاقدة.

قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَمِمَّا يجْرِي مجْرى فَاعل من أَسمَاء الفاعلين فواعل أجروه مجْرى فاعلة حَيْثُ كَانَ جمعه وكسروه عَلَيْهِ كَمَا فعلوا ذَلِك بفاعلين وفاعلات. فَمن ذَلِك قَوْلهم: هن حواج بَيت الله. قَالَ أَبُو كَبِير: قَالَ الأعلم: الشَّاهِد فِي نصب حبك النطاق بعواقد لِأَنَّهُ جمع عاقدة وعاقدة تعْمل عمل الْفِعْل الْمُضَارع لِأَنَّهَا فِي مَعْنَاهُ فَجرى جمعهَا فِي الْعَمَل مجْراهَا. وَنون عواقد للضَّرُورَة. وصف رجلا شهم الْفُؤَاد مَاضِيا فِي الرِّجَال فَذكر أَنه مِمَّن حملت بِهِ النِّسَاء مكرهاتٍ فغلب عَلَيْهِ شبه الْآبَاء وَخرج مذكراً. وَكَانَت الْعَرَب تفعل ذَلِك: يغْضب الرجل مِنْهُم امْرَأَته ويعجلها حل نطاقها وَيَقَع عَلَيْهَا فيغلب مَاؤُهُ على مَائِهَا فينزع الْوَلِيد إِلَيْهِ فِي الشّبَه. وحبك النطاق: مشده وَاحِدهَا حباك وَهُوَ من حبكت الشَّيْء إِذا شددته وأحكمته.) والنطاق: إِزَار تحتبك بِهِ الْمَرْأَة فِي وَسطهَا وَترسل أَعْلَاهُ على أَسْفَله تُقِيمهُ مقَام السَّرَاوِيل. والمهبل: الثقيل وَيُقَال: هُوَ الَّذِي يدعى عَلَيْهِ بالهبل فَيُقَال: هبلته أمه أَي: فقدته. انْتهى. وَالْبَيْت من قصيدة لأبي كَبِير الْهُذلِيّ عدتهَا سَبْعَة وَأَرْبَعُونَ بَيْتا أوردهَا السكرِي فِي أشعار الهذليين وَاقْتصر مِنْهَا أَبُو تَمام على أَبْيَات أوردهَا فِي أَوَائِل الحماسة. وَكَذَلِكَ اقْتصر عَلَيْهَا ابْن قُتَيْبَة فِي كتاب الشُّعَرَاء فلنقتصر على مَا أوردهُ وَهُوَ: ...

(وَلَقَد سريت على الظلام بمغشم ... جلدٍ من الفتيان غير مثقل) (مِمَّن حملن بِهِ وَهن عواقدٌ ... حبك النطاق فشب غير مهبل) (فَأَتَت بِهِ حوش الْفُؤَاد مبطناً ... سهداً إِذا مَا نَام ليل الهوجل) (ومبرأً من كل غبر حيضةٍ ... وَفَسَاد مرضعةٍ وداءٍ مغيل) (وَإِذا نبذت لَهُ الْحَصَاة رَأَيْته ... ينزو لوقعتها طمور الأخيل) (وَإِذا يهب من الْمَنَام رَأَيْته ... كرتوب كَعْب السَّاق لَيْسَ بزمل) (مَا إِن يمس الأَرْض إِلَّا منكبٌ ... مِنْهُ وحرف السَّاق طي الْمحمل) (وَإِذا رميت بِهِ الفجاج رَأَيْته ... يهوي مخارمها هوي الأجدل) (وَإِذا نظرت إِلَى أسرة وَجهه ... برقتْ كبرق الْعَارِض المتهلل) (يحمي الصحاب إِذا تكون كريهةٌ ... وَإِذا هم نزلُوا فمأوى العيل) قَالَ التبريزي فِي شرح الحماسة: كَانَ السَّبَب فِي هَذِه الأبيات أَن أَبَا كَبِير تزوج أم تأبط شرا وَكَانَ غُلَاما صَغِيرا فَلَمَّا رَآهُ يكثر الدُّخُول على أمه تنكر لَهُ وَعرف ذَلِك أَبُو كَبِير فِي وَجهه إِلَى أَن ترعرع الْغُلَام فَقَالَ أَبُو كَبِير لأمه: وَيحك قد وَالله رَابَنِي أَمر هَذَا الْغُلَام وَلَا آمنهُ فَلَا أقْربك قَالَت: فاحتل عَلَيْهِ حَتَّى تقتله. فَقَالَ لَهُ ذَات يَوْم: هَل لَك أَن تغزو فَقَالَ: ذَلِك من أَمْرِي. قَالَ: فَامْضِ بِنَا. فَخَرَجَا غازيين وَلَا زَاد مَعَهُمَا فسارا ليلتهما ويومهما من الْغَد حَتَّى ظن أَبُو كَبِير أَن الْغُلَام قد جَاع فَلَمَّا أَمْسَى قصد بِهِ أَبُو كبيرٍ قوما كَانُوا لَهُ أَعدَاء فَلَمَّا رَأيا نارهم من بعد قَالَ لَهُ أَبُو كَبِير: وَيحك قد جعنا فَلَو

ذهبت إِلَى تِلْكَ النَّار فَالْتمست مِنْهَا لنا شَيْئا قَالَ: وَيحك وَأي وَقت جوعٍ هَذَا. قَالَ: أَنا قد جعت فاطلب لي فَمضى تأبط شرا فَوجدَ على النَّار رجلَيْنِ من ألص من يكون) من الْعَرَب وَإِنَّمَا أرْسلهُ إِلَيْهِمَا أَبُو كَبِير ليقتلاه فَلَمَّا رأياه قد غشي نارهما وثبا عَلَيْهِ فَرمى أَحدهمَا وكر على الآخر فَرَمَاهُ فَقَتَلَهُمَا ثمَّ جَاءَ إِلَى نارهما فَأخذ الْخبز مِنْهَا فجَاء بِهِ إِلَيّ أبي كَبِير فَقَالَ: كل لَا أشْبع الله بَطْنك وَلم يَأْكُل هُوَ فَقَالَ: وَيحك أَخْبرنِي قصتك. قَالَ وَمَا سؤالك عَن هَذَا كل ودع الْمَسْأَلَة. فَدخلت أَبَا كَبِير مِنْهُ خيفة وأهمته نَفسه ثمَّ سَأَلَهُ بالصحبة إِلَّا حَدثهُ كَيفَ عمل فَأخْبرهُ فازداد خوفًا مِنْهُ. ثمَّ مضيا فِي غزاتهما فأصابا إبِلا وَكَانَ يَقُول لَهُ أَبُو كَبِير ثَلَاث ليالٍ: اختر أَي نصفي اللَّيْل شِئْت تحرس فِيهِ وأنام وتنام النّصْف الآخر وأحرس. فَقَالَ: ذَلِك إِلَيْك اختر أَيهمَا شِئْت. فَكَانَ أَبُو كَبِير ينَام إِلَى نصف اللَّيْل ويحرسه تأبط شرا فَإِذا نَام تأبط شرا نَام أَو كَبِير أَيْضا لَا يحرس شَيْئا حَتَّى استوفى الثَّلَاث. فَلَمَّا كَانَ فِي اللَّيْلَة الرَّابِعَة ظن أَن النعاس قد غلب على الْغُلَام فَنَامَ أول اللَّيْل إِلَى نصفه وحرسه تأبط شرا فَلَمَّا نَام الْغُلَام قَالَ أَبُو كَبِير: الْآن يستثقل نوماً وتمكنني فِيهِ الفرصة. فَلَمَّا ظن أَنه قد استثقل أَخذ حَصَاة فَحذف بهَا فَقَامَ الْغُلَام كَأَنَّهُ كَعْب ٌ فَقَالَ: مَا هَذِه الوجبة قَالَ: لَا أَدْرِي. قَالَ: وَالله صوتٌ سمعته فِي عرض الْإِبِل. فَقَامَ فعس وَطَاف فَلم ير شَيْئا فَعَاد فَنَامَ فَلَمَّا ظن أَنه استثقل أَخذ حصيةً صَغِيرَة فَحذف بهَا فَقَامَ كقيامه الأول فَقَالَ: مَا هَذَا الَّذِي أسمع قَالَ: وَالله مَا أَدْرِي قد سَمِعت كَمَا سَمِعت وَمَا أَدْرِي مَا هُوَ وَلَعَلَّ

بعض الْإِبِل تحرّك. فَقَامَ وَطَاف وعس فَلم ير شَيْئا فَعَاد فَنَامَ فَأخذ حصيةً أَصْغَر من تِلْكَ فَرمى بهَا فَوَثَبَ كَمَا وثب أَولا فَطَافَ وعس فَلم ير شَيْئا وَرجع إِلَيْهِ فَقَالَ: يَا هَذَا إِنِّي قد أنْكرت أَمرك وَالله لَئِن عدت أسمع شَيْئا من هَذَا لأَقْتُلَنك قَالَ أَبُو كَبِير: فَبت وَالله أحرسه خوفًا أَن يَتَحَرَّك شيءٌ من الْإِبِل فَيَقْتُلنِي. قَالَ: فَلَمَّا رجعا إِلَى حيهما قَالَ أَبُو كَبِير: إِن أم هَذَا الْغُلَام لامْرَأَة لَا أقربها أبدا. وَقَالَ هَذِه الأبيات. انْتهى. وَزعم بعض الروَاة أَن هَذِه القصيدة لتأبط شرا قَالَهَا فِي ابْن الزَّرْقَاء. قَالَ ابْن قُتَيْبَة فِي كتاب الشُّعَرَاء: وَبَعض الروَاة ينْحل هَذَا الشّعْر تأبط شرا وَيذكر أَنه كَانَ يتبع امْرَأَة من فهم وَكَانَ ابنٌ لَهَا من هُذَيْل وَكَانَ يدْخل عَلَيْهَا تأبط فَلَمَّا قَارب الْغُلَام الْحلم قَالَ فَلَمَّا رَجَعَ تأبط أخْبرته وَقَالَت: هَذَا الْغُلَام مفرقٌ بيني وَبَيْنك فاقتله قَالَ: سأفعل ذَلِك.) فَمر بِهِ وَهُوَ يلْعَب مَعَ الصّبيان فَقَالَ لَهُ: هَلُمَّ أهب لَك نبْلًا. فَمضى مَعَه فتذمم من قَتله ووهب لَهُ نبْلًا فَلَمَّا رَجَعَ تأبط إِلَى أم الْغُلَام أخْبرهَا فَقَالَت: إِنَّه وَالله شيطانٌ من الشَّيَاطِين وَالله مَا رَأَيْته مستثقلاً نوماً قطّ وَلَا ممتلئاً ضحكاً قطّ وَلَا هم بشيءٍ مُنْذُ كَانَ صَغِيرا إِلَّا فعله. وَلَقَد حَملته فَمَا رَأَيْت عَلَيْهِ دَمًا حَتَّى وَضعته. وَلَقَد وَقع عَليّ أَبوهُ فِي لَيْلَة هربٍ وَإِنِّي لمتوسدةٌ سرجاً وَإِن نطاقي لمشدود وَإِن على أَبِيه لدرعاً فاقتله فَأَنت وَالله أحب إِلَيّ مِنْهُ. قَالَ: سأغزو بِهِ فَأَقْتُلهُ. فَمر فَقَالَ لَهُ: هَل لَك فِي الْغَزْو قَالَ: إِذا شِئْت. فَخرج بِهِ غازياً فَلم يجد مِنْهُ غرَّة حَتَّى مر فِي بعض اللَّيَالِي بِنَار لِابْني قترة الفزاريين وَكَانَا

فِي نجعة فَلَمَّا رأى تأبط النَّار عرفهَا وَعرف أَهلهَا فأكب على رجله يُنَادي: نهشت نهشت أبغني نَارا فَخرج الْغُلَام يهوي نَحْو النَّار فصادف عِنْدهَا الرجلَيْن فواثباه فَقَتَلَهُمَا وَأخذ جذوةً من النَّار واطرد إبل الْقَوْم وَأَقْبل نَحْو تأبط فَلَمَّا رأى تأبط النَّار تهوي نَحوه ظن أَن الْغُلَام قتل وَأَنه دلّ عَلَيْهِ فَمر يسْعَى. قَالَ: فَمَا كَانَ إِلَّا أَن أدركني وَمَعَهُ جذوة من النَّار يطرد إبل الْقَوْم فَلَمَّا وصل إِلَيّ قَالَ: وَيلك قَالَ: قلت: إِنِّي وَالله ظَنَنْت أَنَّك قد قتلت قَالَ: بل قتلت الرجلَيْن عاديت بَينهمَا فَقلت: الْهَرَب الْآن فَإِن الطّلب من وَرَائِنَا. فَأخذت بِهِ على غير الطَّرِيق فَمَا سرنا إِلَّا قَلِيلا حَتَّى قَالَ: أَخْطَأت وَالله الطَّرِيق وَمَا تستقيم الرّيح فِيهِ فَمَا لبث أَن اسْتقْبل الطَّرِيق وَمَا كَانَ وَالله سلكها قطّ. قَالَ: فسرت بِهِ ثَلَاثًا حَتَّى نظرت إِلَى عَيْنَيْهِ كَأَنَّهُمَا خيطان ممدودان وَأدْركَ اللَّيْل فَقلت: أنخ فقد أمنا. فأنخنا فَنَامَ فِي طرفٍ مِنْهَا ونمت فِي الطّرف الآخر فَمَا زلت أرمقه حَتَّى ظَنَنْت أَنه قد نَام فَقُمْت أريده فَإِذا هُوَ قد اسْتَوَى وَقَالَ: مَا شَأْنك فَقلت: سَمِعت حسا فِي الْإِبِل. فَطَافَ معي بهَا فَلم ير شَيْئا فَقَالَ: أتخاف شَيْئا قلت: لَا. قَالَ: فنم وَلَا تعد فَإِنِّي قد ارتبت بك. فَنمت وأمهلته حَتَّى لم أَشك فِي نَومه فَقَذَفْتُ لَهُ بحصاةٍ نَحْو رَأسه فَإِذا هُوَ قد وثب وتناومت فَأقبل نحوي حَتَّى ركضني بِرجلِهِ وَقَالَ: أنائم أَنْت قلت: نعم. قَالَ: أسمعت مَا سَمِعت قلت: لَا. فَطَافَ فِي الْإِبِل وطفت مَعَه فَلم نر شَيْئا فَأقبل عَليّ تتوقد عَيناهُ قَالَ: قد أرى مَا تصنع مُنْذُ) اللَّيْلَة وَالله لَئِن أنبهني شيءٌ لأَقْتُلَنك قَالَ: فلبئت

وَالله أكلؤه مَخَافَة أَن ينبهه شيءٌ فَيَقْتُلنِي. فَلَمَّا أصبح قلت: أَلا تنحر جزوراً قَالَ: بلَى. قَالَ: فنحرنا نَاقَة. فَأكل. ثمَّ احتلب أُخْرَى فشر ثمَّ خرج يُرِيد الْمَذْهَب وَكَانَ إِذا أَرَادَ ذَلِك أبعد وَأَبْطَأ عَليّ فاتبعته فَإِذا أَنا بِهِ مُضْطَجعا على مذْهبه وَإِذا يَده دَاخِلَة فِي جُحر أَفْعَى فانتزعها فَإِذا هُوَ قَابض على رَأس أَفْعَى وَقد قَتلهَا وقتلة. فَذَلِك قولي: (وَلَقَد غَدَوْت على الظلام بمغشمٍ ... جلدٍ من الفتيان غير مثقل) انْتهى مَا أوردهُ ابْن قُتَيْبَة. وَالْمَشْهُور: وَلَقَد سريت على الظلام أَي: فِي الظلام. والمغشم بِالْكَسْرِ: الغشوم من الغشم وَهُوَ الظُّلم. وَالْجَلد بِالْفَتْح وَهُوَ من لَهُ الجلادة وَهِي قُوَّة الْقلب. وَقَوله: غير مثقل قَالَ التبريزي: أَي كَانَ حسن الْقبُول محبباً إِلَى الْقُلُوب. وَقَوله: مِمَّن حملن بِهِ النُّون ضمير النِّسَاء وَلم يجر لَهُنَّ ذكر وَلما كَانَ المُرَاد مفهوماً جَازَ إضمارها. وَقَالَ: بِهِ فَرد الضَّمِير على لفظ من وَلَو رد على الْمَعْنى لقَالَ بهم. وروى السكرِي وَغَيره: مِمَّا حملن بِهِ قَالَ التبريزي تبعا لشارح الهذليين: أَي هُوَ من الْحمل الَّذِي حملن بِهِ. قَالَ ابْن الشجري فِي أَمَالِيهِ: عدى حمل فِي الْبَيْت بِالْبَاء وَحقه أَن يصل إِلَى الْمَفْعُول بِنَفسِهِ كَمَا جَاءَ فِي التَّنْزِيل: حَملته أمه كرها. وَلكنه عدى بِالْبَاء لِأَنَّهُ فِي معنى حبلت.

وَقَوله: وَهن عواقدٌ حبك إِلَخ بتنوين عواقد. وَاسْتشْهدَ بِهِ ابْن الْأَنْبَارِي على أَن الأَصْل فِي الْأَسْمَاء عِنْد الْبَصرِيين الصّرْف وَإِنَّمَا يمْنَع بَعْضهَا من الصّرْف لأسباب عارضة فَإِذا اضْطر الشَّاعِر ردهَا إِلَى الأَصْل وَلم يعْتَبر تِلْكَ الْأَسْبَاب الْعَارِضَة كَمَا صرف عواقد فِي الْبَيْت وَهُوَ جمع عاقدة وأعمله فِي حبك حِكَايَة للْحَال وَإِن كَانَ ذَلِك فِيمَا مضى كَقَوْلِه تَعَالَى: وكلبهم باسطٌ ذِرَاعَيْهِ بالوصيد. وحبك بِضَمَّتَيْنِ: قَالَ ابْن قُتَيْبَة فِي أَبْيَات الْمعَانِي وَأورد فِيهَا بعض هَذِه الأبيات: هُوَ جمع حباك والحباك بِالْكَسْرِ: مَا يشد بِهِ النطاق مثل التكة. والنطاق: شقة تلبسها الْمَرْأَة وتشد وَسطهَا ثمَّ ترسل الْأَعْلَى على الْأَسْفَل إِلَى الرّكْبَة والأسفل ينجر على الأَرْض لَيْسَ لَهُ حجزة وَلَا نيفق وَلَا ساقان وَالْجمع نطق. والحجزة بِالضَّمِّ: مَوضِع) التكة. والنيفق: الْموضع المتسع من السَّرَاوِيل والعامة تكسر النُّون. وَقَالَ ابْن خلف: قَالَ أَبُو جَعْفَر: وَسَأَلت عَن هَذَا الْبَيْت عَليّ بن سُلَيْمَان فَقَالَ: حملن بِهِ من الْحَبل أَي: إنَّهُنَّ حملن بِهِ وَهن يخدمن. وَكَانَت الْعَرَب تسْتَحب أَن تطَأ النِّسَاء وَهن متعبات أَو فَزعَات ليغلب مَاء الرجل فَيخرج الْوَلَد مذكراً. فوصف أَنَّهَا حبلت بِهِ وَهِي عاقدةٌ حبك النطاق. والحبك: الطرائق وَقيل: الحبك: الْإِزَار الَّذِي تأتزر بِهِ الْمَرْأَة وَقيل الحبكة: حجزة الْإِزَار. والنطاق: المنطقة. انْتهى.

وَقَالَ ابْن المستوفي: الحبك من قَوْلهم: حبك الثَّوْب يحبكه بِالْكَسْرِ حبكاً إِذا أَجَاد نسجه كَأَنَّهُ جمع الْمصدر على حباك وَجمع حباكاً حبكاً. وَقيل الحبك: جمع الحبيك والحبيكة وَهُوَ مَا تكسر من ثوبٍ وَمَاء. وَقيل جمع الحباك وَهُوَ الْإِزَار. وَالْأول بعيد لِأَن الحبيكة جمعهَا حبائك وَإِذا صَحَّ إِن الحباك الْإِزَار فَهُوَ جمعه مثل كتاب وَكتب. انْتهى. وَمَا نَقله هُوَ كَلَام التبريزي. وروى السكرِي: حبك الثِّيَاب. وَقَالَ شَارِحه الْقَارِي: حبك الْإِزَار: طرائقه. وحبكة الْإِزَار: استدارته وشده. والنطاق: الْإِزَار يَعْنِي حملت بِهِ وَعَلَيْهَا منطقها وَأَرَادَ أَنَّهَا متحزمة. يَقُول: لم تمكن من نَفسهَا. انْتهى. وَقَالَ التبريزي وَتَبعهُ الْعَيْنِيّ: الرِّوَايَة: حبك الثِّيَاب لِأَن النطاق لَا يكون لَهُ حبك وَهُوَ الطرائق. هَذَا كَلَامه. والمهبل قَالَ الْقَارِي: المثقل بِاللَّحْمِ يُقَال هبله اللَّحْم: كثر عَلَيْهِ وَغلظ. وَكَذَلِكَ قَالَ أَبُو جَعْفَر: المهبل: الْكثير اللَّحْم يُقَال: هبلت الْمَرْأَة وعبلت. وَفِي حَدِيث الْإِفْك حرفٌ رُبمَا صحفه أَصْحَاب الحَدِيث وَهُوَ: وَالنِّسَاء إِذْ ذَاك لم يهبلن أَي: لم يحملن الشَّحْم. وَقيل المهبل: الَّذِي يدعى عَلَيْهِ بقَوْلهمْ: هبلته أمه كَمَا يُقَال لمن يسترذل أَي: ثكلته.

وَقَول الْعَيْنِيّ: أَو هُوَ الَّذِي حملت بِهِ أمه وَهِي مكرمَة فاسدٌ فَتَأمل. وَقَالَ التبريزي: ذكر بَعضهم أَن المهبل: الْمَعْتُوه الَّذِي لَا يتماسك. فَإِن صَحَّ ذَلِك فَكَأَنَّهُ من الْإِسْرَاع يُقَال: حمل هبلٌ. وَمعنى الْبَيْت: إِنَّه من الفتيان الَّذين حملتهم أمّهم وَهن غير) مستعدات للْفراش فَنَشَأَ مَحْمُودًا مرضياً لم يدع عَلَيْهِ بالهبل والثكل. وَحكي عَن بَعضهم: إِذا أردْت أَن تنجب الْمَرْأَة فأغضبها عِنْد الْجِمَاع. وَلذَلِك يُقَال فِي ولد المذعورة: إِنَّه لَا يُطَاق. قَالَ: الطَّوِيل (تسنمتها غَضبى فجَاء مسهداً ... وأنفع أَوْلَاد الرِّجَال المسهد) وَقَالَ الْمبرد فِي الْكَامِل: يُقَال: أَنْجَب الْأَوْلَاد ولد الفارك وَذَلِكَ لِأَنَّهَا تبغض زَوجهَا فيسبقها بِمِائَة فَيخرج الشّبَه إِلَيْهِ فَيخرج الْوَلَد ذكرا. وَقَالَ بعض الْحُكَمَاء: إِذا أردْت أَن تنجب الْمَرْأَة فأغضبها ثمَّ قع عَلَيْهَا فَإنَّك تسبقها بِالْمَاءِ. وَقَوله: حملت بِهِ فِي لَيْلَة مزؤودة هِيَ مفعولة من زأدته أزأده زأداً أَي: أفزعته وزئد فَهُوَ مزؤودٌ أَي: مذعور وَهُوَ بالزاي والهمزة وَالدَّال. قَالَ الْمبرد فِي الْكَامِل: مزؤودة ذَات زؤد وَهُوَ الْفَزع. فَمن نصب مزؤودة

فَإِنَّمَا أَرَادَ الْمَرْأَة وَمن خفض أَرَادَ اللَّيْلَة. وَجعل اللَّيْلَة ذَات فزعٍ لِأَنَّهُ يفزع فِيهَا قَالَ الله تَعَالَى: بل مكر اللَّيْل وَالنَّهَار وَالْمعْنَى بل مكركم فِي اللَّيْل وَالنَّهَار. وَقَالَ جرير: الطَّوِيل ونمت وَمَا ليل الْمطِي بنائم وَقَالَ آخر: الرجز فَنَامَ ليلِي وتجلى همي وَقَالَ ابْن جني فِي إِعْرَاب الحماسة بعد مَا قَالَ مثل كَلَام الْمبرد: هَذَا وَنَحْوه إِنَّمَا يَتَّسِع فِيهِ بِأَن يسند الْفِعْل إِلَى الْوَقْت الَّذِي وَقع فِيهِ ومجيئة مَجِيء الْفَاعِل. أَلا ترى إِلَى قَوْله: فَنَامَ ليلِي وَإِلَى نَفْيه وَهُوَ قَوْله: وَمَا ليل الْمطِي بنائم. وَبَيت أبي كَبِير إِنَّمَا جعل الْوَقْت الَّذِي هُوَ اللَّيْل بِلَفْظ اسْم الْمَفْعُول وَهُوَ قَوْله: مزؤودة. فَأكْثر مَا يَقُولُونَ إِذا اتسعوا فِي نَحْو هَذَا: يومٌ ضَارب أَي: كثر فِيهِ الضَّرْب وَلَا يَقُولُونَ يَوْم وَيَوْم شهدناه سليما وعامراً فَلَمَّا كَانُوا يأخذونه فِي هَذَا الشق جاؤوا بِهِ أَيْضا مُسْندًا إِلَيْهِ الْفِعْل

إِسْنَاده إِلَى مَا لم يسم فَاعله. تَقول: رب يَوْم مقوم وَرب ساعةٍ مَضْرُوبَة على قَوْلك: قُمْت يَوْمًا وَضربت سَاعَة وَأَنت) تنصب الْيَوْم والساعة نصب الْمَفْعُول بِهِ. فَكَذَلِك قَوْله فِي لَيْلَة مزؤودة على حد قَوْلك: زئدت اللَّيْلَة وعَلى قَوْلك قبل إِسْنَاد الْفِعْل إِلَيْهَا هَذِه لَيْلَة زئدها زيد كَقَوْلِك: هَذِه جُبَّة كسيها عَمْرو ثمَّ تَقول: هَذِه لَيْلَة مزؤودة كَقَوْلِك: جُبَّة مكسوة. هَذَا على رِوَايَة الْجَرّ. وَأما من نصب فعلى الْحَال ومزؤودة للْمَرْأَة الْحَامِل. وَفَائِدَة ذكر اللَّيْلَة فِي هَذِه الرِّوَايَة أَن تكون بدأت بِحمْلِهِ لَيْلًا وَهُوَ أَنْجَب لَهُ وَصَاحبه يُوصف بالشجاعة. وَقد دعاهم ذَلِك إِلَى أَن وصلوا أنسابهم بِاللَّيْلِ تحققاً بِهِ. قَالَ: الرجز (أَنا ابْن عَم اللَّيْل وَابْن خَاله ... إِذا دجا دخلت فِي سرباله) لست كمن يفرق من خياله انْتهى. وَبِه يدْفع قَول ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي: مزؤودة مَذْعُورَة ويروى بِالْجَرِّ صفة لليلة وَبِالنَّصبِ حَالا من وَقَالَ ابْن قُتَيْبَة فِي أَبْيَات الْمعَانِي: مزؤودة: فِيهَا زؤد وذعر كَذَلِك قَالَ الْأَصْمَعِي. وَيَرْوِيه بَعضهم بِالنّصب ويجعله حَالا من الْمَرْأَة. وَيُقَال: إِن الْمَرْأَة إِذا حملت وَهِي مَذْعُورَة فأذكرت جَاءَت بِهِ لَا يُطَاق. انْتهى. وَمثله قَول ابْن جني: الْغَرَض من ذكر الزؤد فِي الرِّوَايَتَيْنِ جَمِيعًا أَن الْمَرْأَة إِذا حملت بِوَلَدِهَا وَهِي مَذْعُورَة كَانَ أَنْجَب لَهُ. أَلا ترى إِلَى قَوْله: فَأَتَت بِهِ حوش الْجنان مبطناً ... ... . الْبَيْت

وَقَالَ التبريزي: وَيجوز أَن يكون جر مزؤودة على الْجوَار وَهُوَ فِي الْحَقِيقَة للْمَرْأَة كَمَا قيل: هَذَا جُحر ضبٍّ خربٍ. وَهَذَا لميلهم إِلَى الْحمل على الْأَقْرَب ولأمنهم الالتباس. ومزؤودة بِالنِّصْفِ على الْحَال من الْمَرْأَة ومزؤودة بِالرَّفْع صفة أُقِيمَت مقَام الموصوفة. وانتصب كرها على أَنه مصدر فِي مَوضِع الْحَال أَي: كارهة. وَكَذَلِكَ جملَة: وَعقد نطاقها لم يحلل ابْتِدَاء وَخبر وَالْوَاو للْحَال وَأظْهر التَّضْعِيف فِي قَوْله: لم يحلل وَهُوَ لُغَة تَمِيم وَوجه الْكَلَام لم يحلل. والنطاق: مَا تنطق بِهِ الْمَرْأَة تشد وَسطهَا للْعَمَل. والمنطقة) وَقَوله: فَأَتَت بِهِ حوش الْفُؤَاد إِلَخ حوش الْفُؤَاد: حالٌ من الضَّمِير فِي بِهِ وَالْإِضَافَة لم تفد شَيْئا من التَّعْرِيف. وَبِه اسْتشْهد ابْن هِشَام فِي شرح الألفية عَلَيْهِ. وَأَيْضًا اسْتشْهد بِهِ صَاحب الْكَشَّاف فِي سُورَة المزمل لشيءٍ آخر. وَكَذَلِكَ مبطناً وسهداً حالان مِنْهُ. قَالَ ابْن السَّيِّد فِي شرح الْكَامِل: حوش الْفُؤَاد أَي: مُجْتَمع الذِّهْن جيد الْفَهم. وَقَالَ الْقَارِي وَابْن قُتَيْبَة: يَعْنِي وَحشِي الْفُؤَاد. وَقَالَ التبريزي: حوش الْفُؤَاد وحوشي الْفُؤَاد: وحشيه لحدته وتوقده. ورجلٌ حوشي: لَا يخالط النَّاس. وليلٌ حوشيٌّ: مظلم هائل كَمَا يُقَال ليلٌ سخام وسخامي للأسود. وَكَذَلِكَ إبل حوشٌ وحوشيةٌ أَي: وحشية. وَقيل: الحوشية بِلَاد الْجِنّ.

وَفِي الأساس: رجلٌ حوش الْفُؤَاد: ذكيٌّ كيس وَأَصله من الْإِبِل الحوشية وَهِي الَّتِي يَزْعمُونَ أَن فحول نعم الْجِنّ قد ضربت فِيهَا. ومبطناً: ضامر الْبَطن. والسهد بِضَمَّتَيْنِ: قَلِيل النّوم. وَإِذا: ظرف لسهداً. قَالَ التبريزي: قَوْله: نَام ليلٍ الهوجل جعل الْفِعْل لِليْل لوُقُوعه فِيهِ أَي: نَام الهوجل فِي ليله. والهوجل: الثقيل الكسلان وَقيل: الأحمق لَا مسكة بِهِ. وَبِه سميت الفلاة الَّتِي لَا أَعْلَام بهَا وَلَا يَهْتَدِي فِيهَا: الهوجل. أَي: أَتَت الْأُم بِهَذَا قَالَ الْعَيْنِيّ: مَا: زَائِدَة وبحتمل أَن تكون مَصْدَرِيَّة أَي: حِين نوم ليل الهوجل. انْتهى. وَالصَّوَاب الأول لِأَن إِذا لَا تُضَاف إِلَى مُفْرد. وَقَوله: ومبرأ من كل إِلَخ هُوَ مَعْطُوف على حوش الْفُؤَاد وَقد وَقع فِي الحماسة قبل الْبَيْتَيْنِ قبله. وَقَالَ التبريزي: ويروى بِالنّصب والجر فالنصب عطفٌ على غير مهبل كَأَنَّهُ قَالَ: شب فِي هَاتين الْحَالَتَيْنِ. وَإِذا جررته كَانَ عطفا على قَوْله: جلدٍ من الفتيان. وغبر الْحيض بِضَم الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الْمُوَحدَة الْمَفْتُوحَة: بقاياه وَكَذَلِكَ غبره بِسُكُون الْمُوَحدَة وَكَذَلِكَ غبر اللَّبن: بَاقِيه فِي الضَّرع. والحيضة بِالْكَسْرِ: الِاسْم وبالفتح الْمرة. وكل للتَّأْكِيد كَأَنَّهُ نفى

قَلِيل ذَلِك وَكَثِيره. وأضاف الْفساد إِلَى الْمُرضعَة لِأَنَّهُ أَرَادَ الْفساد الَّذِي يكون من قبلهَا. وهم يضيفون الشَّيْء إِلَى الشَّيْء لأدنى مُلَابسَة. والمغيل بِضَم الْمِيم وَكسر الْيَاء من الغيل وَهُوَ أَن تغشى الْمَرْأَة وَهِي ترْضع فَذَلِك اللَّبن الغبل. يُقَال: أغالت الْمَرْأَة إِذا أَرْضَعَتْه على حَبل.) ويروى بدله: معضل وَهُوَ الَّذِي لَا دَوَاء لَهُ كَأَنَّهُ أعضل الْأَطِبَّاء وأعياهم. وأصل العضل الْمَنْع. يَقُول: إِنَّهَا حملت بِهِ وَهِي طاهرٌ لَيْسَ بهَا بَقِيَّة حيض وَوَضَعته وَلَا دَاء بِهِ استصحبه من بَطنهَا فَلَا يقبل علاجاً لِأَن دَاء الْبَطن لَا يُفَارق. وَلم ترْضِعه أمه غيلاً وَهُوَ أَن تسقيه غيلاً وَهِي حُبْلَى بعد ذَلِك. وَقَوله: وَإِذا نبذت لَهُ إِلَخ نبذت الشَّيْء من يَدي إِذا طرحته. وروى السكرِي: وَإِذا قذفت يَعْنِي أَنَّك إِذا رميته بحصاةٍ وَهُوَ نائمٌ وجدته ينتبه انتباه من سمع بوقعتها هدةً عَظِيمَة فيمطمر طمور الأخيل وَهُوَ الشقراق. وانتصاب طمور بِمَا دلّ عَلَيْهِ قَوْله: فَزعًا لوقعتها كَأَنَّهُ قَالَ: رَأَيْته يطمر طموره لِأَن الْخَائِف المتيقظ يفعل ذَلِك. والطمور: الوثب. وَقَالَ بَعضهم: الأخيل: الشاهين وَمِنْه قيل تخيل الرجل إِذا جبن عِنْد الْقِتَال فَلم يثبت. والتخيل: الْمُضِيّ والسرعة والتلون. وَقَوله: وَإِذا يهب من الْمَنَام أَي: يَسْتَيْقِظ. ورأيته أَي: رَأَيْت رتوبه فَحذف الْمُضَاف. ورتوب الكعب: انتصابه وقيامه. يَقُول: إِذا اسْتَيْقَظَ من مَنَامه انتصب انتصاب كَعْب السَّاق. وَكَعب السَّاق منتصبٌ أبدا فِي مَوْضِعه. والزمل بِضَم الزَّاي: الضَّعِيف النؤوم.

وَقَوله: مَا إِن يمس الأَرْض إِلَخ. أَن: زَائِدَة. قَالَ الْقَارِي: يَقُول إِذا اضْطجع لم يندلق بَطْنه إِنَّمَا يمس مَنْكِبه الأَرْض وَهُوَ حميص الْبَطن. وَلما قَالَ لَا يمس الأَرْض إِلَّا منكبٌ علم أَنه حميص الْبَطن فَاكْتفى بِمَعْنَاهُ عَن ذكره. يَقُول: من ضمر بَطْنه وخمصه إِذا اضْطجع لَا يمس الأَرْض مِنْهُ شيءٌ إِلَّا مَنْكِبه. ثمَّ جعله لطيفاً مثل محملٍ فِي طيه. وَقَوله: طي الْمحمل يُرِيد حمائل السَّيْف بِكَسْر الْمِيم الأولى. أَرَادَ أَنه مدمج الْخلق لطيفاً مثل محملٍ فِي طيه. وَقَالَ التبريزي: انتصب على الْمصدر بِمَا دلّ عَلَيْهِ مَا قبله لِأَنَّهُ لما قَالَ: يمس الأَرْض مِنْهُ إِذا نَام جَانِبه وحرف السَّاق علم أَنه مطويٌّ غير سمين.) وَالْمعْنَى إِذا نَام لَا ينبسط على الأَرْض وَلَا يتَمَكَّن مِنْهَا بأعضائه كلهَا حَتَّى لَا يكَاد يتشمر عِنْد الانتباه بِسُرْعَة. وَهَذَا الْبَيْت أوردهُ ابْن هِشَام فِي شرح الألفية على أَن طي الْمحمل نصب بِتَقْدِير: يطوي طي الْمحمل. وَقَوله: وَإِذا رميت بِهِ الفجاج إِلَخ. قَالَ الْقَارِي: أَي حَملته عَلَيْهَا. والفج: الطَّرِيق الْوَاسِع فِي قبل جبل وَنَحْوه. قَالَ التبريزي: الْهَوِي بِضَم الْهَاء هُوَ الْقَصْد إِلَى أَعلَى وبفتح الْهَاء إِلَى أَسْفَل. هوي الدَّلْو أسلمها الرشاء

فَلَا تختر فِي رِوَايَة الْبَيْت على الضَّم وَإِن كَانَ قد قيل غير ذَلِك. انْتهى. وَأوردهُ صَاحب الْكَشَّاف عِنْد قَوْله تَعَالَى: تهوي إِلَيْهِم من سُورَة إِبْرَاهِيم على أَن تهوي بِمَعْنى تسرع إِلَيْهِم وَتَطير شوقاً كَمَا فِي الْبَيْت. والمخارم: جمع مخرم كجعفر وَهُوَ مُنْقَطع أنف الْجَبَل. والخرم: أنف الْجَبَل. والأجدل: الصَّقْر. وَقَوله: وَإِذا نظرت إِلَى أسرة وَجهه قَالَ التبريزي: الخطوط الَّتِي فِي الْجَبْهَة الْأَغْلَب عَلَيْهَا سرار وَتجمع على الأسرة. وَالَّتِي فِي الْكَفّ الْأَغْلَب عَلَيْهَا سررٌ وسرٌّ وَتجمع على الْأَسْرَار. وَقد قيل الأسرة الطرائق. والعارض من السَّحَاب: مَا يعرض فِي جَانب من السَّمَاء. وتهلل الرجل مرحاً واهتل إِذا افتر عَن أَسْنَانه فِي التبسم. يَقُول: إِذا نظرت فِي وَجهه رَأَيْت أسارير وَجهه تشرق إشراق السَّحَاب المتشقق بالبرق. يصفه بِحسن الْبشر وطلاقة الْوَجْه. قَالَ السُّيُوطِيّ فِي شرح أَبْيَات الْمُغنِي: أخرج أَبُو نعيم فِي الدَّلَائِل والخطيب وَابْن عَسَاكِر بسندٍ حسن عَن عَائِشَة قَالَت: كنت قَاعِدَة أغزل وَالنَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يخصف نَعله فَجعل جَبينه يعرق وَجعل عرقه يتَوَلَّد نورا فبهت فَقَالَ: مَا لَك بهت فَقَالَت: جعل جبينك يعرق وَجعل عرقك يتَوَلَّد نورا وَلَو رآك أَبُو كَبِير الْهُذلِيّ لعلم أَنَّك أَحَق بِشعرِهِ حَيْثُ يَقُول:

ومبرأ أَمن كل غبر حيضةٍ ... . . الْبَيْت وَإِذا نظرت إِلَى أسرة وَجهه ... . . الْبَيْت وَقَوله: يحمي الصحاب إِلَخ العيل بِضَم الْعين وَتَشْديد الْمُثَنَّاة التَّحْتِيَّة: جمع عائل وَهُوَ الْفَقِير.) وَأَبُو كَبِير الْهُذلِيّ: شاعرٌ صَحَابِيّ. اشْتهر بكنيته. واسْمه عَامر بن الْحُلَيْس أحد بني سهل بن هُذَيْل. كَذَا قَالَ ابْن قُتَيْبَة فِي كتاب الشُّعَرَاء وَغَيره. والحليس: مصغر الحلس بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون اللَّام وَآخره سين مُهْملَة. والحلس للبعير: كساءٌ رَقِيق يكون تَحت البرذعة. وَأَبُو كَبِير بِفَتْح الْكَاف وَكسر الْمُوَحدَة على وزن خلاف الصَّغِير. وَقد أوردهُ ابْن حجر فِي الْقسم الأول من الْإِصَابَة وَلم يذكر اسْمه فَقَالَ: أَبُو كَبِير بِالْمُوَحَّدَةِ الْهُذلِيّ ذكره أَبُو مُوسَى وَقَالَ: ذكر عَن أبي الْيَقظَان أَنه أسلم ثمَّ أَتَى النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فَقَالَ لَهُ: أحل لي الزِّنَى. فَقَالَ: أَتُحِبُّ أَن يُؤْتى إِلَيْك مثل ذَلِك قَالَ: لَا. قَالَ: فارض لأخيك مَا ترْضى لنَفسك. قَالَ: فَادع الله لي أَن يذهب عني. انْتهى. (الحافظو عَورَة الْعَشِيرَة لَا ... يَأْتِيهم من ورائهم وكف) على أَن الأَصْل: الحافظون عَورَة الْعَشِيرَة فحذفت النُّون تَخْفِيفًا. وَهَذَا على رِوَايَة نصب عَورَة. وَأما على رِوَايَة جرها فالنون حذفت للإضافة.

(الشاهد التاسع بعد الستمائة)

وَقد تقدم الْكَلَام عَلَيْهِ مفصلا فِي الشَّاهِد الثَّامِن وَالتسْعين بعد الْمِائَتَيْنِ. والوكف بِفَتْح الْوَاو وَالْكَاف: الْعَيْب والعار. وَأنْشد بعده: الْكَامِل أبني كليبٍ إِن عمي اللذا قتلا الْمُلُوك وفككا الأغلالا على أَن أَصله اللَّذَان قتلا الْمُلُوك فحذفت النُّون من الْمَوْصُول تَخْفِيفًا. وَتقدم الْكَلَام عَلَيْهِ أَيْضا فِي الشَّاهِد الثَّالِث وَالْعِشْرين بعد الأربعمائة. وَأنْشد بعده: الطَّوِيل (وَإِن الَّذِي حانت بفلجٍ دِمَاؤُهُمْ ... هم الْقَوْم كل الْقَوْم يَا أم خَالِد) على أَن أَصله إِن الَّذين حانت فحذفت النُّون مِنْهُ تَخْفِيفًا. وحانت: هَلَكت من الْحِين وَهُوَ الْهَلَاك. وفلج بِفَتْح الْفَاء وَسُكُون اللَّام وَآخره جِيم: موضعٌ فِي طَرِيق الْبَصْرَة. 3 - (الشَّاهِد التَّاسِع بعد الستمائة) وَهُوَ من شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ: الطَّوِيل (وكرار خلف المجحرين جَوَاده ... إِذا لم يحام دون أُنْثَى حَلِيلهَا)

على أَنه قد فصل اسْم الْفَاعِل الْمُضَاف إِلَى مَفْعُوله عَنهُ بظرفٍ وَالْأَصْل: وكرار جَوَاده خلف المجحرين. وَهَذِه رِوَايَة الْفراء قَالَ فِي تَفْسِيره: إِذا اعترضت صفةٌ بَين خافض وَمَا خفض جَازَ إِضَافَته مثل قَوْلك: هَذَا ضَارب فِي الدَّار أَخِيه وَلَا يجوز إِلَّا فِي شعر مثل قَوْله: الطَّوِيل (مُؤخر عَن أنيابه جلد رَأسه ... فهن كأشباه الزّجاج خُرُوج) بخفض جلد. وَقَالَ الآخر: وكرار دون المحجرين جَوَاده ... ... الْبَيْت بخفض جَوَاده. وَزعم الْكسَائي أَنهم يؤثرون النصب إِذا حالوا بَين الْفِعْل والمضاف بِصفة فَيَقُولُونَ: هُوَ ضَارب وَالصّفة عِنْد الْكُوفِيّين: الْجَار وَالْمَجْرُور والظرف. وَتقدم نقل كَلَام الْفراء برمتِهِ فِي الشَّاهِد الْحَادِي وَالتسْعين بعد الْمِائَتَيْنِ. وَأما عِنْد سِيبَوَيْهٍ فَهُوَ مضافٌ إِلَى خلف وجواده مَنْصُور. وَهَذَا نَصه:

وَلَا يجوز: يَا سَارِق اللَّيْلَة أهل الدَّار إِلَّا فِي الشّعْر أَي: بِنصب اللَّيْلَة وجر أهل كَرَاهِيَة أَن يفصلوا بَين الْجَار وَالْمَجْرُور. وَإِذا كَانَ منوناً. فَهُوَ بِمَنْزِلَة الْفِعْل الناصب تكون الْأَسْمَاء فِيهِ مُنْفَصِلَة. قَالَ الشماخ: الرجز (رب ابْن عمٍّ لسليمى مشمعل ... طباخ سَاعَات الْكرَى زَاد الكسل) وَقَالَ الأخطل: وكرار خلف المجحرين جَوَاده ... ... . . الْبَيْت قَالَ الأعلم فِي الْبَيْت الأول: الشَّاهِد فِيهِ إِضَافَة طباخ إِلَى سَاعَات وَنصب زَاد على التَّعَدِّي وَالتَّقْدِير: طباخ سَاعَات الْكرَى على تَشْبِيه السَّاعَات بالمفعول بِهِ لَا على الظّرْف.) وَلَا يجوز الْإِضَافَة إِلَيْهَا وَهِي مقدرَة على أَصْلهَا من الظّرْف لِأَن الظّرْف يقدر فِيهِ حرف الْوِعَاء وَهُوَ فِي وَالْإِضَافَة إِلَى الْحَرْف غير جَائِزَة وَإِنَّمَا يُضَاف إِلَى الِاسْم. وَلما أضَاف الطباخ إِلَى السَّاعَات على هَذَا التَّأْوِيل اتساعاً ومجازاً عداهُ. إِلَى الزَّاد لِأَنَّهُ الْمَفْعُول بِهِ فِي الْحَقِيقَة. انْتهى. وَتقدم شَرحه فِي الشَّاهِد الْمَذْكُور. وَقَالَ فِي الْبَيْت الثَّانِي: الشَّاهِد فِيهِ إِضَافَة كرار إِلَى خلف وَنصف الْجواد وَالْقَوْل فِيهِ كالبيت الَّذِي قبله إِلَّا أَن الْإِضَافَة إِلَى خلف أَضْعَف لقلَّة تمكنها فِي الْأَسْمَاء. وَيجوز فِيهِ من الْفَصْل مَا جَازَ فِي الأول وَالْأول أَجود. انْتهى.

وَقَالَ ابْن خلف: الشَّاهِد إِضَافَة كرار إِلَى خلف وَهُوَ ظرف فَإِذا نصب نصب الْمَفْعُول بِهِ على السعَة جَازَ أَن يُضَاف إِلَيْهِ كَمَا يُضَاف إِلَى الْمَفْعُول بِهِ وَهَذَا هُوَ الْوَجْه. وَقد أنْشد بَعضهم بجر جَوَاده فَهَذَا مثل التَّفْسِير الَّذِي فِي: طباخ سَاعَات الْكرَى زَاد الكسل وَهُوَ فِي كرار خلف أحسن لِأَن خلف أقل تمَكنا وأضعف من سَاعَات. انْتهى. وكرار بِالرَّفْع مَعْطُوف على عروفٌ فِي بَيت قبله كَمَا يَأْتِي. وَهُوَ فعال من كرّ الْفَارِس كراً من بَاب قتل إِذا فر للجولان ثمَّ عَاد لِلْقِتَالِ. وَضَمنَهُ معنى الْعَطف وَالدَّفْع وَلِهَذَا تعدى إِلَى الْمَفْعُول. والمجحرين اسْم مفعول من أجحره بِتَقْدِيم الْجِيم على الْحَاء الْمُهْملَة أَي: أَلْجَأَهُ إِلَى أَن دخل جُحْره فانجحر: أَي: يكر كراً كثيرا جَوَاده خلف المجحرين وهم الملجؤون المغشيون ليحامى عَنْهُم وَيُقَاتل فِي أدبارهم. والجواد: الْفرس الْكَرِيم. وَلم يحام: لم يدافع بإشباع كسرة الْمِيم للوزن. وَدون بِمَعْنى أَمَام وَقُدَّام. وَأَرَادَ بِالْأُنْثَى أَعم من الزَّوْجَة وَالْبِنْت وَالْأُخْت وَالأُم. والحليل: الزَّوْج. والحليلة: الزَّوْجَة سميا بذلك لِأَن كل وَاحِد مِنْهُمَا يحل للْآخر دون غَيره أَو لِأَنَّهُ يحل من صَاحبه محلا لَا يحله غَيره. وَصفه بالشجاعة والإقدام. يَقُول: إِذا فر الرِّجَال عَن نِسَائِهِم وأسلموهن لِلْعَدو قَاتل عَنْهُم وحماهم. وَرِوَايَة الْبَيْت فِي ديوَان الأخطل كَذَا:)

(وكرار خلف المرهقين جَوَاده ... حفاظاً إِذا لم يحم أُنْثَى حَلِيلهَا) والمرهق: اسْم مفعول من أرهقته إِذا أعسرته وضيقت عَلَيْهِ. وَقَالَ: السكرِي فِي شرح ديوانه: المرهق: الَّذِي قد غشيه السِّلَاح. والحفاظ: الحماية عِلّة لقَوْله: كرار. وَإِذا: ظرف لكرار. وَالْبَيْت من قصيدة للأخطل النَّصْرَانِي مدح بهَا همام بن مطرف التغلبي. وَهَذِه أَبْيَات مِنْهَا: (رَأَيْت قروم ابْني نزارٍ كليهمَا ... إِذا خطرت عِنْد الإِمَام فحولها) (فَتى النَّاس همامٌ وَمَوْضِع بَيته ... برابيةٍ يَعْلُو الروابي طولهَا) (فَلَو كَانَ همامٌ من الْجِنّ أَصبَحت ... سجوداً لَهُ جن الْبِلَاد وغولها) إِلَى أَن قَالَ: (جوادٌ إِذا مَا أمحل النَّاس ممرعٌ ... كريمٌ لجوعات الشتَاء قتولها) (إِذا نائبات الدَّهْر شقَّتْ عَلَيْهِم ... كفاهم أذاها واستخف ثقيلها) (عروفٌ لإضعاف المرازىء مَاله ... إِذا عج منحوت الصفاة بخيلها) وكرار خلف المرهقين جَوَاده ... ... . . الْبَيْت القروم: الْأَشْرَاف والسادة. وابنا نزار هما ربيعَة وَمُضر. وأمحل النَّاس: أقحطوا. وممرع: ذُو خصب ونعمة. وَشقت من الْمَشَقَّة.

(الشاهد العاشر بعد الستمائة)

والعروف: الصبور هُنَا ومبالغة الْعَارِف. وإضعاف مصدر أَضْعَف يضعف وَهُوَ من الضعْف ضد الْقُوَّة. والمرازىء: جمع المرزأ بِفَتْح الْمِيم فيهمَا مصدرٌ بِمَعْنى الْمُصِيبَة وَهُوَ حُدُوث أمرٍ يذهب بِهِ المَال. قَالَ فِي الْمِصْبَاح: الرزية: الْمُصِيبَة وَأَصلهَا الْهَمْز يُقَال: رزأته ترزؤه مَهْمُوز بِفتْحَتَيْنِ وَالِاسْم وَمَاله فَاعل عروف أَي: هُوَ عروفٌ مَاله. وعج: صَاح. والصفاة بِالْفَتْح: الصَّخْرَة. قَالَ السكرِي: ومنحوت الصفاة: الَّذِي إِذا سُئِلَ لم يُعْط كَمَا لَا يبض الْحجر إِذا نحت. وَقَالَ ابْن خلف: المنحوت الَّذِي يُؤْخَذ مِنْهُ شيءٌ بعد شيءٍ بِشدَّة. يَقُول: هَذَا الرجل يُعْطي إِذا ضج من السُّؤَال الرجل الَّذِي يُعْطي الْيَسِير بعد شدَّة وَيكون مَا يُؤْخَذ مِنْهُ بِمَنْزِلَة مَا ينحت من الصخر. وبخيلها: يُرِيد بخيل النَّفس فأضمر. وترجمة الأخطل تقدّمت فِي الشَّاهِد الثَّامِن وَالسبْعين.) وَأنْشد بعده 3 - (الشَّاهِد الْعَاشِر بعد الستمائة) وَهُوَ من شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ: الْبَسِيط (هَل أَنْت باعث دينارٍ لحاجتنا ... أَو عبد ربٍّ أَخا عون بن مِخْرَاق) على أَن سِيبَوَيْهٍ أنْشدهُ بِنصب عبد رب ونصبه بِتَقْدِير اسْم الْفَاعِل أولى من تَقْدِير الْفِعْل ليُوَافق الْمُقدر الظَّاهِر.

وَفِيه أَن الأولى عِنْد سِيبَوَيْهٍ تَقْدِير الْفِعْل فَإِنَّهُ قبل أَن قَالَ: وَزعم عِيسَى أَنهم ينشدون هَذَا وَتقول فِي هَذَا الْبَاب: هَذَا ضَارب زيدٍ وعمروٍ إِذا أشركت بَين الآخر وَالْأول فِي الْجَار لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْعَرَبيَّة شيءٌ يعْمل فِي حرف فَيمْتَنع أَن يُشْرك بَينه وَبَين مثله. وَإِن شِئْت نصبت على الْمَعْنى تضمر لَهُ ناصباً فَتَقول: هَذَا ضَارب زيدٍ وعمراً كَأَنَّهُ قَالَ: وَيضْرب عمرا أَو وضاربٌ عمرا. انْتهى. وَقَالَ ابْن خلف: الشَّاهِد فِيهِ نصب عبد رب بإضمار فعل كَأَنَّهُ قَالَ: أَو تبْعَث عبد رب. وَلَا يجوز أَن يضمر إِلَّا الْفِعْل الْمُسْتَقْبل لِأَنَّهُ مستفهم عَنهُ بِدَلِيل قَوْله: هَل. وَيجوز أَن ينْتَصب عبد رب بالْعَطْف على مَوضِع دِينَار لِأَنَّهُ مجرورٌ فِي اللَّفْظ مَنْصُوب فِي الْمَعْنى. انْتهى. وَلم يصب الأعلم فِي قَوْله: الشَّاهِد فِيهِ نصب عبد رب حملا على مَوضِع دِينَار لِأَن الْمَعْنى هَل أَنْت باعثٌ دِينَارا أَو عبد رب. انْتهى. وَإِلَى تَقْدِير الْوَصْف ذهب ابْن السراج فِي الْأُصُول قَالَ: أَرَادَ بباعث التَّنْوِين وَنصب الثَّانِي لِأَنَّهُ أعمل فِيهِ الأول كَأَنَّهُ قَالَ: أَو باعث عبد رب. وَلَو جَرّه على مَا قبله كَانَ عَرَبيا إِلَّا أَن الثَّانِي كلما تبَاعد من الأول قوي النصب. انْتهى. وَإِلَى تَقْدِير الْفِعْل لَا غير ذهب الزجاجي فِي الْجمل.

قَالَ ابْن هِشَام اللَّخْمِيّ: الشَّاهِد فِيهِ نصب عبد رب بِفعل مُضْمر وَهُوَ مَذْهَب سِيبَوَيْهٍ. وَقد خطأ بَعضهم الزجاجي فِي قَوْله: تنصبه بإضمار فعل وَقَالَ: لَا يحْتَاج هُنَا إِلَى الْإِضْمَار لِأَن اسْم الْفَاعِل بِمَعْنى الِاسْتِقْبَال وَمَوْضِع دِينَار نصب فَهُوَ معطوفٌ على الْموضع وَلَا يحْتَاج إِلَى تكلّف إِضْمَار وَإِنَّمَا يحْتَاج إِلَى تكلّف الْإِضْمَار إِذا كَانَ اسْم الْفَاعِل بِمَعْنى الْمُضِيّ لِأَن إِضَافَته إِضَافَة مَحْضَة لَا ينوى بهَا الِانْفِصَال.) وَالَّذِي قَالَ الزجاجي هُوَ الَّذِي قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وتمثيله يشْهد لما قُلْنَاهُ وَإِن كَانَ جَائِزا أَن يعْطف عبد رب على مَوضِع دِينَار وَلَكِن مَا قدمنَا هُوَ الَّذِي نَص عَلَيْهِ سِيبَوَيْهٍ. وَالدَّلِيل على أَن المُرَاد بباعث فِي الْبَيْت الِاسْتِقْبَال دُخُول هَل لِأَن الِاسْتِفْهَام أَكثر مَا يَقع عَمَّا يكون فِي الِاسْتِقْبَال وَإِن كَانَ قد يستفهم عَمَّا مضى كَقَوْلِك: هَل قَامَ زيد لكنه لَا يكون إِلَّا بِدَلِيل. وَالْأَصْل مَا قدمنَا. انْتهى. وَقد نقل الْعَيْنِيّ كَلَام اللَّخْمِيّ برمتِهِ وَلم يعزه إِلَيْهِ. وَالْبَيْت أوردهُ الزَّمَخْشَرِيّ عِنْد قَوْله تَعَالَى: هَل أَنْتُم مجتمعون قَالَ: هُوَ استبطاء لَهُم فِي الِاجْتِمَاع وحث على مبادرتهم إِلَيْهِ كَمَا يَقُول الرجل لغلامه إِذا أَرَادَ أَن يحثه على الانطلاق: هَل أَنْت منطلق وَهل أَنْت باعثٌ دِينَارا أَي: ابعثه سَرِيعا وَلَا تبطىْ بِهِ. قَالَ ابْن خلف: وَمعنى باعث موقظ كَأَنَّهُ قَالَ: أُوقِظ دِينَارا أَو عبد رب. وهما رجلَانِ.

وَقَالَ اللَّخْمِيّ: باعث هُنَا بِمَعْنى مُرْسل كَمَا قَالَ تَعَالَى: فَابْعَثُوا أحدكُم بورقكم هَذِه إِلَى الْمَدِينَة. وَقد يكون بِمَعْنى الإيقاظ: كَقَوْلِه تَعَالَى: من بعثنَا من مرقدنا. غير أَن الْأَحْسَن هُنَا أَن يكون بِمَعْنى الْإِرْسَال إِذا لَا دَلِيل على النّوم فِي الْبَيْت. قَالَ الأعلم: يحْتَمل دِينَار هُنَا وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَن يكون أَرَادَ أحد الدَّنَانِير وَأَن يكون أَرَادَ رجلا يُقَال لَهُ: دِينَار. وَكَذَا قَالَ اللَّخْمِيّ: دِينَار وَعبد رب: رجلَانِ وَقيل: أَرَادَ بِدِينَار وَاحِد الدَّنَانِير كَمَا قَالَ بعض الشُّعَرَاء: المتقارب (إِذا كنت فِي حاجةٍ مُرْسلا ... وَأَنت بهَا كلفٌ مغرم) (فَأرْسل حكيماً وَلَا توصه ... وَذَاكَ الْحَكِيم هُوَ الدِّرْهَم) وَقَالَ ابْن خلف: عبد رب الِاسْم إِنَّمَا هُوَ ربه لكنه ترك الْإِضَافَة وَهُوَ يريدها. وأخا عون: وصف لعبد رب. وَيجوز: أَو عبد ربٍّ أخي بِالْجَرِّ. وَزعم عِيسَى بن عمر أَنه سمع الْعَرَب تنشده مَنْصُوبًا. وَقَالَ الْعَيْنِيّ: أَخا عون بدل من عبد رب بدل الشَّيْء من الشَّيْء وهما لعين وَاحِدَة. وَقَالَ خضر الْموصِلِي: أَخا عون إِمَّا عطف بَيَان لعبد ربه أَو نعتٌ لَهُ على رِوَايَة النصب

وعَلى النداء يكون أَخا عون هُوَ الْمُخَاطب فِي قَوْله: هَل أَنْت. وَكَأن هَذَا الْوَجْه لبَعض من) شرح الْكَشَّاف. وَلم أر لخضرٍ الْموصِلِي فِي تأليفه بنت فكر. وَالله أعلم. ومخراق بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون الْخَاء الْمُعْجَمَة: اسْم. وَالْبَيْت من أَبْيَات سِيبَوَيْهٍ الْخمسين الَّتِي لم يعرف قَائِلهَا. وَقَالَ ابْن خلف: وَقيل هُوَ لجَابِر بن رألان السنبسي. وسنبس: أَبُو حَيّ من طيىءٍ. وَنسبه غير خدمَة سِيبَوَيْهٍ إِلَى جرير وَإِلَى تأبط شرا وَإِلَى أَنه مَصْنُوع. وَالله أعلم بِالْحَال.

(اسم المفعول)

(اسْم الْمَفْعُول) أنْشد فِيهِ: أدنو فأنظور هُوَ قِطْعَة بيتٍ تقدم شَرحه فِي بَاب الْإِعْرَاب من أول الْكتاب وَهُوَ: (وأنني حَيْثُمَا يثني الْهوى بَصرِي ... من حَيْثُمَا سلكوا أدنو فأنظور) (الصّفة المشبهة) أنْشد فِيهَا: (أَقَامَت على ربعيهما جارتا صفا ... كميتا الأعالي جونتا مصطلاهما) تقدم شَرحه بِمَا لَا مزِيد عَلَيْهِ فِي الشَّاهِد الموفي الثلثمائة. وَأنْشد بعده: روانف أليتيك وتستطارا هَذَا عجز وصدره: مَتى مَا تلقني فردين ترجف والروانف: جمع رانفة وَهِي طرف الألية فالأليتان لَهما رانفتان. وَإِنَّمَا قَالَ: روانف بِاعْتِبَار مَا حول كل رانفة فَتكون الْألف فِي تستطارا ضمير الروانف لِأَنَّهَا بِمَعْنى رانفتين وَهَذَا قَول أبي عَليّ فِي الْمسَائِل البصرية.

(الشاهد الحادي عشر بعد الستمائة)

وَقد تقدم شرح هَذَا الْبَيْت أَيْضا متسوفى مفصلا فِي الشَّاهِد التَّاسِع وَالسِّتِّينَ بعد الْخَمْسمِائَةِ من شَوَاهِد بَاب الْمثنى. 3 - (الشَّاهِد الْحَادِي عشر بعد الستمائة) الرجز (أنعتها إِنِّي من نعاتها ... كوم الذرى وادقةً سراتها) على أَن وادقة صفة مشبهة وفاعلها ضمير مستتر فِيهَا. وسراتها: مَنْصُوب بالكسرة على التَّشْبِيه بالمفعول للصفة المشبهة. قَالَ أَبُو عَليّ فِي الْمسَائِل البصرية: أنْشد الْفراء عَن الْكسَائي وَقد روينَاهُ عَن ثَعْلَب عَنهُ فِي نَوَادِر ابْن الْأَعرَابِي: الرجز (أنعتها إِنِّي من نعاتها ... مدارة الأخفاف مجمراتها) (غلب الذفارى وعفرنياتها ... كوم الذرى وادقةً سراتها) قَالَ أَبُو عَليّ: هَذَا على: هِنْد حسنةٌ وَجههَا. فَفِي وادقة ذكرٌ من الْإِبِل وَلَيْسَت للسرات. فَافْهَم. انْتهى. وعد ابْن عُصْفُور هَذَا من ضَرُورَة الشّعْر قَالَ فِي كتاب الضرائر: وَمِنْه نصب مَعْمُول الصّفة المشبهة باسم الْفَاعِل فِي حَال إِضَافَته إِلَى ضمير موصوفها نَحْو قَوْلك: مَرَرْت بِرَجُل حسنٍ وَجهه (أنعتها إِنِّي من نعاتها ... كوم الذرى وادقةً سراتها)

أَلا ترى أَنه قد نون وادقة وَنصب معمولها وَهِي مُضَافَة إِلَى ضمير موصوفها وَكَانَ الْوَجْه أَن ترفع السرات إِلَّا أَنه اضْطر إِلَى اسْتِعْمَال النصب بدل الرّفْع فَحمل الصّفة ضميراً مَرْفُوعا عَائِدًا على صَاحب الصّفة وَنصب مَعْمُول الصّفة إِجْرَاء لَهُ فِي حَال إِضَافَته إِلَى ضمير الْمَوْصُوف مجْرَاه إِذا لم يكن مُضَافا إِلَيْهِ. وَكَذَلِكَ أَيْضا لَا يجوز خفض معمولها فِي حَال إِضَافَته إِلَى ضمير الْمَوْصُوف إِلَّا عِنْد الِاضْطِرَار لِأَن الْخَفْض لَا يكون إِلَّا من نصب. وَمن ذَلِك قَول الْأَعْشَى: المتقارب (فَقلت لَهُ هَذِه هَاتِهَا ... إِلَيْنَا بأدماء مقتادها) أَلا ترى أَنه أضَاف الصّفة وَهِي أدماء إِلَى معمولها وَهُوَ مقتاد فِي حَال إِضَافَته إِلَى ضمير موصوفه. وَقَول الآخر فِي الصَّحِيح من الْقَوْلَيْنِ:) (أَقَامَت على ربعيهما جارتا صفا ... كميتا الأعالي جونتا مصطلاهما) أَلا ترى أَنه أضَاف الصّفة وَهِي جونتا إِلَى معمولها وَهُوَ مصطلًى فِي حَال إِضَافَته إِلَى ضمير وَنقل ابْن النَّاظِم فِي شرح الألفيه عَن سِيبَوَيْهٍ أَن الْجَرّ فِي هَذَا النَّحْو من الضرورات وَأَن النصب من الْقسم الضَّعِيف. وَأنْشد الْبَيْت. وَلم يصب الْعَيْنِيّ فِي قَوْله: الاستشهاد عِنْد ابْن النَّاظِم فِي نصب سراتها لِأَن فِيهِ شَاهدا على جَوَاز زيد حسنٌ وَجهه بِالنّصب. انْتهى.

وَقَالَ بعض فضلاء الْعَجم فِي شرح أَبْيَات الْمفصل: قَوْله وادقة سراتها نَظِير حسن وَجهه. وسراتها بِالْكَسْرِ فِي مَوضِع النصب على التَّمْيِيز. انْتهى. وَهَذَا إِنَّمَا هُوَ على مَذْهَب المقتبس أَن عبد القاهر قَالَ: الأَصْل وادقة السرات فنابت الْإِضَافَة عَن اللَّام كَمَا تنوب اللَّام عَن الْإِضَافَة. انْتهى. وَلَا يخفى أَن الْمَعْهُود عِنْد النُّحَاة هُوَ الثَّانِي لَا الأول. قَالَ: وَالرجز الْمَذْكُور أنْشد ابْن الْأَعرَابِي فِي نوادره على ذَلِك التَّرْتِيب. وَبعد الْبَيْت الشَّاهِد: حملت أثقالي مصمماتها ثمَّ سَبْعَة أَبْيَات أخر لَا حَاجَة لنا بإيرادها. وَإِنَّمَا جمعُوا فِي الاستشهاد بَين الْبَيْت الأول وَالْبَيْت الرَّابِع للاختصار ولظهور الْمَعْنى إِجْمَالا. وَقَوله: أنعتها إِلَخ الضَّمِير لِلْإِبِلِ فَإِن النعوت الْآتِيَة إِنَّمَا هِيَ لَهَا. نَعته نعتاً من بَاب نفع: وَصفه. وَقَوله: مدارة الأخفاف مَنْصُوب بِتَقْدِير أَعنِي وَنَحْوه على الْمَدْح وَكَذَا الْحَال فِي الْأَوْصَاف الْآتِيَة. وَالْمعْنَى أَن أخفافها مُدَوَّرَة. مجمراتها أَي: مجمرات الأخفاف. والمجمر بِضَم الْمِيم وَسُكُون الْجِيم

وَفتح الْمِيم الثَّانِيَة قَالَ صَاحب الصِّحَاح: حافر مجمر أَي: صلب. وَقَوله: غلب إِلَخ والغلب بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَاللَّام: غلظ الرَّقَبَة وَالْوَصْف أغلب وَالْجمع غلب. والذفارى بِفَتْح الذَّال الْمُعْجَمَة بعْدهَا فَاء آخِره ألف مقصورةٌ: جمع ذفرى بِكَسْر الأول وَسُكُون الثَّانِي وَالْقصر قَالَ صَاحب الصِّحَاح: الذفرى من الْقَفَا هُوَ الْموضع الَّذِي يعرق من البعي خلف الْأذن وَالْألف للتأنيث وَقيل للإلحاق بدرهم.) وَأَرَادَ بالذفرى الْعُنُق من قبيل الْمجَاز الْمُرْسل. وعفرنياتها: جمع عفرناة بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَالْفَاء وَسُكُون الرَّاء وَالنُّون وَالْألف للإلحاق بسفرجل وَالتَّاء للتأنيث قَالَ صَاحب الصِّحَاح: وناقة عفرناة أَي: قَوِيَّة. وَأنْشد هَذَا الْبَيْت. وَقَوله: كوم الذرى مَنْصُوب على الْمَدْح كَالَّذي قبله كَمَا تقدم. وَهُوَ بِضَم الْكَاف: جمع كوماء بِفَتْحِهَا وبالمد وَهِي النَّاقة الْعَظِيمَة السنام. والذرى بِضَم الذَّال: جمع ذرْوَة بِكَسْرِهَا وَهِي ووادقة مَنْصُوب أَيْضا من ودق إِذا دنا لِأَنَّهَا إِذا سمنت دنت إِلَى الأَرْض من سمنها. وَيُقَال: بعيرٌ وديق السُّرَّة أَي: سمينها. ووادقة صفة مشبهة لِأَنَّهُ أُرِيد بِهِ ثبات مَعْنَاهُ ودوامه وَإِن كَانَ بزنة اسْم الْفَاعِل الموازن يفعل لِأَنَّهُ لَا يُرَاد بِهِ تجدّد مَعْنَاهُ وانقطاعه. وَقَالَ الْخَوَارِزْمِيّ: ودق: دنا وَالْمرَاد بِهِ السّمن هَا هُنَا لِأَنَّهَا مَتى سمنت خرجت من السّمن سرتها وَدنت إِلَيْك. وسراتها بِضَم السِّين وَتَشْديد الرَّاء: جمع سرة وَهِي مَوضِع مَا تقطعه الْقَابِلَة من الْوَلَد.

قَالَ التبريزي فِي شرح الكافية الحاجبية بعد إِيرَاد هَذَا الْبَيْت: وَلَا يجوز تَقْدِيم الْمَنْصُوب على الْعَامِل لِأَنَّهُ مَرْفُوع فِي الْمَعْنى. وَيجوز فِي هَذِه الْمَسْأَلَة وَفِي مَرَرْت بزيد الْحسن وَجهه بِنصب وَجهه أَن تثنى الصّفة فيهمَا وَتجمع وتؤنث وتذكر بِحَسب الْمَعْنى. انْتهى. وَقَوله: حملت إِلَخ هُوَ بتَشْديد الْمِيم يتَعَدَّى إِلَى مفعولين الأول أثقالي وَهُوَ جمع ثقل بِفتْحَتَيْنِ وَهُوَ الْمَتَاع كسبب وَأَسْبَاب وَالثَّانِي: مصمماتها جمع مصممة بِكَسْر الْمِيم الْمُشَدّدَة من صمم الْأَمر إِذا مضى فِيهِ. والزمخشري إِنَّمَا أورد الْبَيْت الشَّاهِد. وَزعم بعض شرَّاح أبياته من فضلاء الْعَجم أَنه عجز وصدره: الرجز رعت كَمَا شَاءَت على غراتها وَقَالَ: الْغرَّة بِالْكَسْرِ: الْغَفْلَة. وكوم الذرى بِالرَّفْع: فَاعل رعت. وَهَذَا من عدم تَمْيِيزه بَين الرجز وَالشعر مَعَ أَن الَّذِي ضمه لَيْسَ من الرجز. وَهَذَا الرجز لم ينْسبهُ ابْن الْأَعرَابِي إِلَى أحد وَإِنَّمَا قَالَ: هُوَ لبَعض الأسديين يصف إبِلا. وَقَالَ) الْعَيْنِيّ: قَائِله عُمَيْر بن لحا بِالْحَاء الْمُهْملَة التَّيْمِيّ.

(الشاهد الثاني عشر بعد الستمائة)

وَلم أعرف شَاعِرًا كَذَا وَإِنَّمَا الْمَعْرُوف عمر بن لَجأ التَّيْمِيّ. وَعمر مكبر لَا مصغر. ولجأ بِفَتْح اللَّام وَالْجِيم مَهْمُوز الآخر. وَالله أعلم بِحَقِيقَة الْأَمر. وَالْبَيْت الَّذِي أنْشدهُ ابْن عُصْفُور لأعشى بكر إِنَّمَا الرِّوَايَة فِيهِ: (فَقلت لَهُ هَذِه هَاتِهَا ... بأدماء فِي حَبل مقتادها) فَلَا ضَرُورَة فِيهِ. وَقَبله: المتقارب (فقمنا وَلما يَصح ديكنا ... إِلَى جونةٍ عِنْد حدادها) وَيَعْنِي بالحداد الْخمار لِأَنَّهُ يمْنَع من الْخمر ويحفظها. وكل من حفظ شَيْئا وَمنع مِنْهُ فَهُوَ حداد. وَهَذِه إِشَارَة إِلَى الجونة الْمَذْكُورَة وَهِي الخابية جعلهَا جونة لاسودادها من القار. وَالْمعْنَى: هَات هَذِه الْجَابِيَة وَخذ هَذِه النَّاقة الأدماء أَي: الْبَيْضَاء بِحَبل قائدها. والأدمة فِي الْإِبِل: الْبيَاض وَفِي النَّاس: السمرَة وَفِي الظباء: سمرةٌ فِي ظُهُورهَا وبياضٌ فِي بطونها. وَضمير لَهُ للحداد. وبأدماء حَال كَأَنَّهُ قَالَ: مشتراة بأدماء. وَفِي حَبل صفة لأدماء كَأَنَّهُ قَالَ: بأدماء مشدودة فِي حَبل قائدها أَو خبر لمبتدأ مَحْذُوف أَي: وَهِي فِي حَبل قائدها. وَالْجُمْلَة حَال. والجونة بِفَتْح الْجِيم مَعْنَاهُ السَّوْدَاء. وَأنْشد بعده 3 - (الشَّاهِد الثَّانِي عشر بعد الستمائة) وَهُوَ من شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ:

الرجز الْحزن بَابا والعقور كَلْبا على أَنه كِنَايَة عَن الْبُخْل كَمَا أَن جبان الْكَلْب كِنَايَة عَن الْجُود. وأنشده سِيبَوَيْهٍ على أَن نصب بَاب وكلب على حد الْحسن وَجها. فَذَاك وخمٌ لَا يُبَالِي السبا والوخم: الثقيل. يَقُول: ذَاك من الرِّجَال وخمٌ ثقيل لَا يرتاح لفعل المكارم وَلَا يهش للجود وَلَا يُبَالِي أَن يسب ويروى المَال أحب إِلَيْهِ من عرضه. والحزن بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الزَّاي: صفة مشبهة وَهُوَ خلاف السهل. وَكَذَلِكَ الْعَقُور صفة مشبهة. قَالَ الْأَزْهَرِي: الْكَلْب الْعَقُور: هُوَ كل كلب يعقر من الْأسد والفهد والنمر وَالذِّئْب. يُقَال: عقر النَّاس عقراً من بَاب ضرب أَي: جرحهم فَهُوَ عقور وَالْجمع عقرٌ مثل رَسُول ورسل. وباباً وكلباً تمييزان. وصف رؤبة رجلا بِشدَّة الْحجاب وَمنع الضَّيْف فَجعل بَابه حزنا وثيقاً لَا يُسْتَطَاع فَتحه وكلبه عقوراً لمن حل بفنائه طَالبا لمعروفه. يَقُول: إِن من أَتَاهُ لَقِي قبل الْوُصُول إِلَيْهِ مَا يكره من حَاجِب أَو بوابٍ أَو صَاحب. وَجعل لَهُ كَلْبا على طَرِيق الِاسْتِعَارَة كَمَا يكون فِي الْبَادِيَة. وترجمة رؤبة تقدّمت فِي الشَّاهِد الْخَامِس من أول الْكتاب.

وَأنْشد بعده: الطَّوِيل على أَن اللَّام فِي قَوْله: وَالْبرد بدل من الضَّمِير وَالتَّقْدِير: وبردي برده. وَهَذَا صدرٌ وعجزه: وَلم يلهني عَنهُ غزالٌ مقنع وَقد تقدم شَرحه فِي الشَّاهِد الثَّالِث وَالتسْعين بعد الْمِائَتَيْنِ. وَأنْشد بعده: الطَّوِيل رحيب قطاب الجيب مِنْهَا تَمَامه:) ( ... ... ... ... . . رفيقةٌ ... بجس الندامى بضة المتجرد) على أَن رحيب مُضَاف إِلَى قطاب وقطاب مُضَاف إِلَى الجيب. وَتقدم الْكَلَام عَلَيْهِ فِي الشَّاهِد الْحَادِي بعد الثلثمائة من بَاب الْإِضَافَة. وَالرِّوَايَة الصَّحِيحَة تَنْوِين رحيب وَرفع قطاب على الفاعلية. وَضمير مِنْهَا لقينة فِي بَيت قبله. والرحيب: الْوَاسِع. وقطاب الجيب: مجتمعه حَيْثُ قطب أَي: جمع وَهُوَ مخرج الرَّأْس من الثَّوْب. وَإِنَّمَا وصف قطاب جيبها بِالسَّعَةِ لِأَنَّهَا كَانَت توسعه ليبدو صدرها فَينْظر إِلَيْهِ ويتلذذ بِهِ. ورفيقة

بِالْفَاءِ ثمَّ الْقَاف: الملائمة واللينة. والجس بِفَتْح الْجِيم: اللَّمْس. وَالْمرَاد بالمتجرد حَيْثُ يتجرد من بدنهَا أَي: يعرى من الثَّوْب وَهُوَ الْأَطْرَاف. وَخَصه بِالذكر مُبَالغَة فِي نعومتها لِأَنَّهُ إِذا كَانَ مَا تصيبه الرّيح وَالشَّمْس وَالْبرد من الْيَدَيْنِ وَالرّجلَيْنِ بضاً نَاعِمًا رَقِيقا كَانَ الْمُسْتَتر بالثياب أَشد بضاضة ونعومة. وَهَذَا هُوَ معنى الْجيد بِخِلَاف مَا أسلفناه هُنَاكَ تبعا لشراح المعلقات وَهُوَ قَوْلنَا المتجرد: مَا ستره الثِّيَاب من الْجَسَد أَي: هِيَ بضة الْجِسْم عِنْد التَّجْرِيد من ثِيَابهَا. وَلَا يخفى ضعفه وركاكته. وَهَذَا الْمَعْنى لَاحَ لنا وَللَّه الْحَمد. وَالْبَيْت من معلقَة طرفَة بن العَبْد وَتَقَدَّمت تَرْجَمته فِي الشَّاهِد الثَّانِي وَالْخمسين بعد الْمِائَة.

(أفعل التفضيل)

(أفعل التَّفْضِيل) أنْشد فِيهِ (الشَّاهِد الثَّالِث عشر بعد الستمائة) الرجز أَبيض من أُخْت بني أباض على أَن الْكُوفِيّين أَجَازُوا بِنَاء أفعل التَّفْضِيل من لَفْظِي السوَاد وَالْبَيَاض كَمَا هُنَا وَهُوَ شاذٌ عِنْد الْبَصرِيين. قَالَ شَارِح اللّبَاب: أجَاز الْكُوفِيُّونَ التَّعَجُّب من السوَاد وَالْبَيَاض لِأَنَّهُمَا أصُول الألوان. وأنشدوا: الْبَسِيط (إِذا الرِّجَال شتوا وَاشْتَدَّ أكلهم ... فَأَنت أبيضهم سربال طباخ) وأنشدوا أَيْضا: (جاريةٌ فِي درعها الفضفاض ... أَبيض من أُخْت بني أباض) وَجَاء فِي شعر المتنبي: الْبَسِيط وَقَالُوا: لما جَاءَ مِنْهُمَا أفعل التَّفْضِيل جَاءَ بِنَاء التَّعَجُّب. والاستشهادات ضَعِيفَة لِأَنَّهَا من ضَرُورَة الشّعْر لَا فِي سَعَة الْكَلَام فَيكون نَادرا.

وَقَوْلهمْ: إنَّهُمَا أصلان للألوان مَمْنُوع وَبعد تَسْلِيمه فدليل الْمَنْع قائمٌ فيهمَا وَإِن كَانَا من أصُول الألوان. وَقَالَ أَيْضا فِي آخر الْكتاب: هَذِه الأبيات بِحجَّة للشذوذ مَعَ أَنه يحْتَمل أَن يكون أَبيض فِي الْبَيْتَيْنِ أفعل الَّذِي مؤنثه فعلاء فَلَا يكن للتفضيل فَكَأَنَّهُ قَالَ: أَنْت مبيضهم. وانتصب سربال على التَّمْيِيز. وَكَذَا الْبَيْت الآخر لَا يكون بالتفضيل أَيْضا بل مَعْنَاهُ مبيضة هِيَ من أُخْت بني أباض. انْتهى. وَهَذَا مُحَصل كَلَام ابْن الْأَنْبَارِي فِي مسَائِل الْخلاف وَقَالَ: الأبيات ضَرُورَة أَو أَبيض فيهمَا أفعل الَّذِي مؤنثه فعلاء لَا الَّذِي يُرَاد بِهِ المفاضلة فَكَأَنَّهُ قيل فِي الأول: مبيضهم. وَفِي الثَّانِي: جسدٌ مبيض من أُخْت بني أباض وَيكون من أُخْت فِي مَوضِع الصّفة. وَقَالَ ابْن يعِيش فِي بَاب التَّعَجُّب: فَإِن قيل: لَو كَانَ الْأَمر كَمَا قُلْتُمْ لقيل: بَيْضَاء لِأَنَّهُ من صفة) الْجَارِيَة. قيل: إِنَّمَا قَالَ أَبيض لِأَنَّهُ أَرَادَ فِي درعها الفضفاض جسدٌ أَبيض فارتفاعه بِالِابْتِدَاءِ وَالْجَار وَكَذَا صَنِيع الشريف المرتضى فِي أَمَالِيهِ الْغرَر والدرر وَزَاد فِي الْبَيْت الأول أَن أَبيض وَإِن كَانَ فِي الظَّاهِر عبارَة عَن اللَّوْن فَهُوَ فِي الْمَعْنى كِنَايَة عَن اللؤم وَالْبخل فَحمل لفظ التَّعَجُّب على الْمَعْنى دون

اللَّفْظ. وَلَو أَنه أَرَادَ بأبيضهم بَيَاض الثَّوْب ونقاءه على الْحَقِيقَة لما جَازَ أَن يتعجب بِلَفْظ أفعل. فَالَّذِي جوز تعجبه بِهَذِهِ اللَّفْظَة مَا ذَكرْنَاهُ. هَذَا كَلَامه. وَلَا يخفى أَن الْبيَاض لم يسْتَعْمل قطّ فِي اللؤم وَالْبخل وَإِنَّمَا اسْتَعْملهُ فِي الْمَدْح وَإِنَّمَا كَانَ هُنَا ذماً بِالنِّسْبَةِ إِلَى الطباخ. والكلمة فِي الْبَيْت أفعل تَفْضِيل لَا تعجب. وَهَذَا ظَاهر. وَلما كَانَ الظَّاهِر باقتضاء الْمَعْنى أَن أفعل فِي الأبيات الثَّلَاثَة للتفضيل لم يتعسف الشَّارِح الْمُحَقق فِي تَأْوِيلهَا بإخراجها عَن التَّفْضِيل بل أجَاب بِأَنَّهَا من قبيل الشذوذ وضرورة الشّعْر. فَللَّه دره مَا أبعده مرماه وَمَا أحكم مغزاه وَأغْرب مَا رَأَيْته قَول بَعضهم: شبه كَثْرَة أَوْلَادهَا لغير رشدةٍ بالبيض. وأبيض بِمَعْنى كثير الْبيض جَائِز. هَذَا كَلَامه وَلَا وَجه لَهُ. وَقَالَ ابْن يعِيش فِي بَاب أفعل التَّفْضِيل: من اعتل بِأَن الْمَانِع من التَّعَجُّب من الألوان أَنَّهَا معَان وَمن علل بِأَن الْمَانِع من التَّعَجُّب كَون أفعالها زَائِدَة فهما شَاذان عِنْد سِيبَوَيْهٍ وَأَصْحَابه من جِهَة الْقيَاس والاستعمال. أما الْقيَاس فَإِن أفعالها لَيست ثلاثية على فعل وَلَا على أفعل إِنَّمَا هُوَ افْعَل وافعال. وَأما الِاسْتِعْمَال فَأمره ظَاهر. وَأما عِنْد أبي الْحسن الْأَخْفَش والمبرد فَإِنَّهُمَا وَنَحْوهمَا شَاذان من جِهَة الِاسْتِعْمَال صَحِيحَانِ من جِهَة الْقيَاس لِأَن أفعالهما بِزِيَادَة فَجَاز تَقْدِير حذف الزَّوَائِد. انْتهى. قَالَ ابْن هِشَام اللَّخْمِيّ فِي شرح أَبْيَات الْجمل: الْبَيْت الشَّاهِد من رجز لرؤبة بن العجاج. وَقَبله:

الرجز (لقد أَتَى فِي رَمَضَان الْمَاضِي ... جاريةٌ فِي درعها الفضفاض)) (تقطع الحَدِيث بالإيماض ... أَبيض من أُخْت بني أباض) قَالَ: كَذَا أنْشدهُ ابْن جني. انْتهى. وَلم أره فِي ديوانه. وَرَأَيْت فِي نَوَادِر ابْن الْأَعرَابِي وَلم ينْسبهُ إِلَى أحد: الرجز (يَا لَيْتَني مثلك فِي الْبيَاض ... أَبيض من أُخْت بني أباض) (جاريةٌ فِي رَمَضَان الْمَاضِي ... تقطع الحَدِيث بالإيماض) وَزَاد غير ابْن الْأَعرَابِي على هَذَا: (مثل الغزال زين بالخضاض ... قبَاء ذَات كفلٍ رَضْرَاض) قَالَ ابْن الْأَعرَابِي بعد الإنشاد: إِذا أَوْمَضْت تركُوا حَدِيثهمْ ونظروا إِلَيْهَا من حسنها. وَقَوله: فِي رَمَضَان الْمَاضِي كَانَ الرّبيع جمعهم فِي ذَلِك الْوَقْت. وَأوردهُ الْفراء فِي كتاب الْأَيَّام والليالي شَاهدا على أَنه يُقَال: رَمَضَان بِدُونِ شهر كَمَا يُقَال مَعَه. وَقَالَ أَبُو عمر الزَّاهِد المطرزي الشهير بِغُلَام ثَعْلَب فِي كتاب الْيَوْم وَاللَّيْلَة بعد إنشاد الأبيات عَن ابْن الْأَعرَابِي وَعَن الْفراء قَالَا: يُقَال هَذَا شهر رَمَضَان وَهَذَا رَمَضَان بِلَا شهر. وَأنْشد فِيمَن قَالَ بِلَا شهر: جاريةٌ فِي رَمَضَان الْمَاضِي وَأخْبرنَا ثَعْلَب بن سَلمَة عَن الْفراء عَن الْكسَائي قَالَ: كَانَ

الرُّؤَاسِي يكره أَن يجمع رَمَضَان وَيَقُول: بَلغنِي أَنه اسمٌ من أَسمَاء الله تَعَالَى. انْتهى. وَقَالَ اللَّخْمِيّ: قَالَ أَبُو عَمْرو: وَالْعرب تركُوا الشُّهُور كلهَا مُجَرّدَة إِلَّا شهر ربيع وَشهر رَمَضَان. وَيرد عَلَيْهِ أَن رؤبة أَتَى برمضان هُنَا مُجَردا من الشَّهْر وَهُوَ من فصحاء الْعَرَب. وَجَاء فِي الحَدِيث الصَّحِيح: من صَامَ رَمَضَان إِيمَانًا واحتساباً غفر لَهُ مَا تقدم من ذَنبه. والدرع: الْقَمِيص. والفضفاض: الْوَاسِع. وَأُخْت بني أباض بِفَتْح الْهمزَة بعْدهَا مُوَحدَة قَالَ اللَّخْمِيّ: مَعْرُوفَة بالبياض. وَقَالَ ابْن السَّيِّد: وَبَنُو أباض: قوم. والخضاض بِكَسْر الْمُعْجَمَة: الْيَسِير من الْحلِيّ وَقيل هُوَ نوعٌ مِنْهُ. قَالَ الشَّاعِر: الطَّوِيل (وَلَو أشرفت من كفة السّتْر عاطلاً ... لَقلت: غزالٌ مَا عَلَيْهِ خضاض)) والقباء: الضامرة الْبَطن فعلاء من القبب وَهُوَ دقة الخصر. والرضراض بِالْفَتْح: الْكثير اللَّحْم. وَقَوله: تقطع الحَدِيث إِلَخ أوردهُ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي مَعَ قَوْله: جَارِيَة فِي رَمَضَان الْمَاضِي

وَقَالَ إِن تقطع حكايةٌ للْحَال الْمَاضِيَة. وَقَالَ الْفراء: إِنَّهَا إِذا تبسمت وَكَانَ النَّاس على حديثٍ قطعُوا حَدِيثهمْ ونظروا إِلَى حسن ثغرها. وَكَذَلِكَ قَالَ ابْن السَّيِّد: الإيماض: مَا يَبْدُو من بَيَاض أسنانها عِنْد الضحك والابتسام. وَشبهه بوميض الْبَرْق. (وَتَبَسم لمح الْبَرْق عَن متوضحٍ ... كلون الأقاحي شاف ألوانه الْقطر) وَقَالَ آخر: الطَّوِيل (كَأَن وميض الْبَرْق بيني وَبَينهَا ... إِذا حَان من بعض الْبيُوت ابتسامها) وَقَالَ اللَّخْمِيّ: معنى الإيماض أَنهم إِذا تحدثُوا فأومضت إِلَيْهِم أَي: نظرت شغلهمْ حسن عينيها فقطعو حَدِيثهمْ وَقيل: الإيماض هُنَا التبسم. شبه ابتسامها بوميض الْبَرْق فِي لمعانه فَيكون مَعْنَاهُ كمعنى القَوْل الأول. وَيحْتَمل أَن تكون هِيَ المحدثة وَأَنَّهَا تقطع حَدِيثهَا بالتبسم. يصفها بطلاقة الْوَجْه وسماحة الْخلق. كَمَا قَالَ ذُو الرمة: الطَّوِيل (يقطع مَوْضُوع الحَدِيث ابتسامها ... تقطع مَاء النُّون فِي نزف الْخمر) وَاقْتصر الدماميني فِي الْحَاشِيَة الْهِنْدِيَّة فِي تَفْسِير الإيماض على

قَول اللَّخْمِيّ أَولا وَلَكِن قَوْله: يجوز رفع جَارِيَة على أَنَّهَا خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي: محبوبتي جَارِيَة وَيجوز جرها بِرَبّ محذوفة. انْتهى غير جيد. قَالَ اللَّخْمِيّ: جَارِيَة فَاعل يَأْتِي الْوَاقِع فِي الْبَيْت الَّذِي قبل هَذَا والفضفاض نعتٌ للدرع وَالْعجب من غُلَام ثَعْلَب حَيْثُ قَالَ بَعْدَمَا نقل تَفْسِير الْفراء للإيماض: هَذَا خطأ لِأَن الإيماض لَا يكون فِي الْفَم إِنَّمَا يكون فِي الْعَينَيْنِ وَذَلِكَ أَنهم كَانُوا يتحدثون فَنَظَرت إِلَيْهِم وَاشْتَغلُوا بِحسن نظرها عَن الحَدِيث وَمَضَت. انْتهى.) وَيرد عَلَيْهِ مَا تقدم وَقَول الْمبرد فِي الْكَامِل عِنْد قَول الشَّاعِر: الْخَفِيف (لَا أحب النديم يُومِض بالعي ... ن إِذا مَا انتشى لعرس النديم) قَالَ: الإيماض تفتح الْبَرْق ولمحه يُقَال: أَوْمَضْت الْمَرْأَة إِذا ابتسمت. وَإِنَّمَا ذَلِك تشبيهٌ للمع ثناياها بتبسم الْبَرْق. فَأَرَادَ أَنه فتح عينه ثمَّ غمضها بغمزٍ. انْتهى. وَأما قَوْله: إِذا الرِّجَال شتوا إِلَخ فَهُوَ من أبياتٍ لطرفة بن العَبْد هجا بهَا ملك الْحيرَة عَمْرو بن هِنْد. ويروى كَذَا: (أَنْت ابْن هندٍ فَأخْبر من أَبوك إِذن ... لَا يصلح الْملك إِلَّا كل بذاخ) ...

(إِن قلت نصرٌ فنصرٌ كَانَ شرفني ... قدماً وأبيضهم سربال طباخ) (مَا فِي الْمَعَالِي لكم ظلٌّ وَلَا ورقٌ ... وَفِي المخازي لكم أسناخ أسناخ) مَعَ أَبْيَات أخر. وَقَوله: وَاشْتَدَّ أكلهم أَرَادَ بِالْأَكْلِ الْقُوت وَهُوَ مضموم الْهمزَة أَي: غلت أسعارهم. وَمن روى: أكلهم بِفَتْح الْهمزَة جعل الْأكل بِمَعْنى الْمَأْكُول وَقد يكون مَعْنَاهُ أَنهم إِذا شتوا لَا يَجدونَ الطَّعَام إِلَّا بعد جهد وَشدَّة وجوع فَإِذا وجدوه بالغوا فِي الْأكل. وَمن روى: أكلهم بِضَم الْهمزَة وَتَشْديد الْكَاف فَهُوَ جمع آكل هُوَ راجعٌ إِلَى الْمَعْنى الَّذِي قدمت آنِفا. والسربال: الْقَمِيص. يَقُول: إِذا دخل فصل الشتَاء الَّذِي يمْنَع من التَّصَرُّف وانقطعت الْميرَة وغلت الأسعار وَاشْتَدَّ الْقُوت فسربال طباخك نقي للؤمك. وَلَو كنت كَرِيمًا لاسود لِكَثْرَة طبخه على مَا عهد من سربال الطباخين. وَهَذَا ضد قَول مِسْكين الدِّرَامِي: الوافر (كَأَن قدور قومِي كل يومٍ ... قباب التّرْك ملبسة الْجلَال) (كَأَن الموقدين لَهَا جمالٌ ... طلاها الزفت والقطران طالي) (بِأَيْدِيهِم مغارف من حديدٍ ... أشبههَا مقيرة الدوالي) وَأنْشد ابْن السّكيت فِي أَبْيَات الْمعَانِي بَيت طرفَة. وَمثله قَول الآخر:

(الشاهد الرابع عشر بعد الستمائة)

المتقارب) (وقدرك لم يعرها طارقٌ ... وكلبك منجحرٌ أخرس) قَالَ: كَلْبه ينجحر لِأَنَّهُ لَا يَأْتِيهِ طَارق وَلَا يكون فِي مَكَان يَأْتِيهِ فِيهِ. وَأنْشد بعده (الشَّاهِد الرَّابِع عشر بعد الستمائة) الْبَسِيط لأَنْت أسود فِي عَيْني من الظُّلم لما تقدم قبله من أَن أسود أفعل تَفْضِيل من السوَاد جَاءَ على الشذوذ. وَالْمعْنَى عَلَيْهِ لِأَن الْغَرَض كَون بَيَاض الشيب فِي نظره أَشد من سَواد الظُّلم مُبَالغَة فِي كَرَاهَة الشيب. وَهُوَ عجز وصدره: ابعد بَعدت بَيَاضًا لَا بَيَاض لَهُ وَالْبَيْت ثَانِي بيتٍ من قصيدةٍ لأبي الطّيب المتنبي قَالَهَا فِي صباه. وَقَبله وَهُوَ مطْلعهَا: (ضيفٌ ألم برأسي غير محتشم ... وَالسيف أحسن فعلا مِنْهُ باللمم) قَالَ الإِمَام الواحدي فِي شرح ديوَان المتنبي: جَمِيع من فسر هَذَا الشّعْر قَالَ فِي قَوْله:

لأَنْت أسود فِي عَيْني من الظُّلم إِن هَذَا من الشاذ الَّذِي أجَازه الْكُوفِيُّونَ من نَحْو قَوْله: أَبيض من أُخْت بني أباض وَسمعت الْعَرُوضِي يَقُول: أسود هَا هُنَا: وَاحِد السود. وَالظُّلم: اللَّيَالِي الثَّلَاث فِي آخر الشَّهْر الَّتِي يُقَال لَهَا: ثلاثٌ ظلمٌ. يَقُول لبياض شَيْبه: أَنْت عِنْدِي واحدٌ من تِلْكَ اللَّيَالِي الظُّلم. على أَن أَبَا الْفَتْح قد قَالَ مَا يُقَارب هَذَا. وَقد يُمكن أَن يكون لأَنْت أسود فِي عَيْني كلَاما تَاما ثمَّ ابْتَدَأَ يصفه فَقَالَ: من الظُّلم كَمَا يُقَال هُوَ كريمٌ من أَحْرَار. وَهَذَا يُقَارب مَا ذكره الْعَرُوضِي غير أَنه لم يَجْعَل الظُّلم اللَّيَالِي فِي آخر الشَّهْر. انْتهى. وَهَذَا التَّأْوِيل مُحَصل للْمُبَالَغَة الْمَذْكُورَة بِجعْل الْأسود من أَفْرَاد اللَّيَالِي الحنادس مَعَ تفصيه من الشذوذ. وَقد مَشى على هَذَا التَّأْوِيل جمَاعَة مِنْهُم الشريف المرتضى فِي أَمَالِيهِ قَالَ: لأَنْت أسود فِي) عَيْني كَلَام تَامّ ثمَّ قَالَ من الظُّلم أَي: من جملَة الظُّلم كَمَا يُقَال حرٌّ من أَحْرَار ولئيم من لئام أَي: من جُمْلَتهمْ. (وأبيض من مَاء الْحَدِيد كَأَنَّهُ ... شهابٌ بدا وَاللَّيْل داجٍ عساكره)

كَأَنَّهُ قَالَ: وأبيض كَائِن من مَاء الْحَدِيد. فَقَوله: من مَاء الْحَدِيد وصف لأبيض وَلَيْسَ يتَّصل بِهِ كاتصال من بِأَفْضَل فِي قَوْلك: هُوَ أفضل من زيد وَكَذَلِكَ من الظُّلم فِي بَيت المتنبي. وَمِنْهُم الحريري فِي درة الغواص قَالَ: وَقد عيب على المتنبي هَذَا الْبَيْت. وَمن تَأْوِيل لَهُ فِيهِ جعل أسود هُنَا من قبيل الْوَصْف الْمَحْض الَّذِي تأنيثه سَوْدَاء وَأخرجه عَن حيّز أفعل التقضيل وَيكون على هَذَا التَّأْوِيل قد تمّ الْكَلَام وكملت الْحجَّة فِي قَوْله: لأَنْت أسود فِي عَيْني وَتَكون من الَّتِي فِي قَوْله من الظُّلم لتبيين جنس السوَاد لِأَنَّهَا صلَة أسود. وَمِنْهُم ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي قَالَ: علق بَعضهم من بأسود وَهَذَا يَقْتَضِي كَونه اسْم تَفْضِيل وَذَلِكَ ممتنعٌ فِي الألوان. وَالصَّحِيح أَن من الظُّلم صفة لأسود أَي: أسود كَائِن من جملَة الظُّلم. وَكَذَلِكَ قَوْله أَيْضا: الْكَامِل (يلقاك مرتدياً بأحمر من دمٍ ... ذهبت بخضرته الطلى والأكبد) من دم إِمَّا تَعْلِيل أَي: أَحْمَر من أجل التباسه بِالدَّمِ أَو صفة. كَأَن السَّيْف لِكَثْرَة التباسه بِالدَّمِ صَار دَمًا. وَقَوله: ابعد هُوَ بِكَسْر الْهمزَة وَفتح الْعين: أمرٌ من بعد يبعد من بَاب فَرح بِمَعْنى هلك وذل. قَالَ الواحدي: وعنى بالبياض الأول الشيب. يَقُول: يَا بَيَاضًا لَيْسَ لَهُ بَيَاض يَعْنِي بِهِ معنى قَول أبي تَمام: الطَّوِيل (لَهُ منظرٌ فِي الْعين أَبيض ناصعٌ ... وَلكنه فِي الْقلب أسود أسفع)

وَقَالَ الشريف المرتضى قدس سره: الْمَعْنى ظَاهر للنَّاس فِيهِ أَنه أَرَادَ لَا ضِيَاء لَهُ وَلَا نور وَلَا إشراق من حَيْثُ كَانَ حُلُوله محزناً مُؤذنًا بتقضي الْأَجَل. وَهَذَا لعمري معنى ظَاهر إِلَّا أَنه يُمكن فِيهِ معنى آخر وَهُوَ يُرِيد: إِنَّك بياضٌ لَا لون بعده لِأَن الْبيَاض آخر ألوان الشّعْر فَجعل قَوْله: لَا بَيَاض لَهُ بِمَنْزِلَة قَوْله لَا لون بعده. وَإِنَّمَا سوغ ذَلِك لَهُ أَن الْبيَاض هُوَ الْآتِي بعد السوَاد فَلَمَّا نفى أَن يكون للشيب بياضٌ كَمَا نفيا لِأَن يكون بعده لون. انْتهى.) وبياضاً: تَمْيِيز محول عَن الْفَاعِل وَالْعرب تكنى بالبياض عَن الْحسن وَمِنْه يَد بَيْضَاء. أَي: أهلك الله من لَا بَيَاض لَهُ. وَالظُّلم: جمع ظلمَة بِمَعْنى الظلام وَيكون اسْما لثلاث ليالٍ من آخر الشَّهْر. وَقَوله: ضيفٌ ألم برأسي إِلَخ قَالَ الواحدي: عَنى بالضيف الشيب كَمَا قَالَ الآخر: السَّرِيع (أَهلا وسهلاً بمضيفٍ نزل ... أستودع الله أليفاً رَحل) يُرِيد الشيب والشباب. والمحتشم: المتقبض والمستحي. يُرِيد أَن الشيب ظهر فِي رَأسه شَائِعا دفْعَة من غير أَن يظْهر فِي تراخ ومهلة. وَهَذَا معنى قَوْله: غير محتشم. ثمَّ فضل فعل السَّيْف بالشعر على فعل الشيب لِأَن الشيب يبيضه وَذَاكَ أقبح ألوان الشّعْر وَلذَلِك سنّ تَغْيِيره بالحمرة وَالسيف يكسبه حمرَة. على أَن ظَاهر قَوْله: أحسن فعلا مِنْهُ باللمم يُوجب أَن الشّعْر الْمَقْطُوع بِالسَّيْفِ أحسن من الشّعْر الْأَبْيَض بالشيب لِأَن السَّيْف إِذا صَادف الشيب قطعه وَإِنَّمَا يكسبه حمرَة إِذا قطع اللَّحْم. وَقد قَالَ البحتري:

الطَّوِيل (وددت بَيَاض السَّيْف يَوْم لقينني ... مَكَان بَيَاض الشيب حل بمفرقي) فَجعل نزُول السَّيْف بِرَأْسِهِ أحب إِلَيْهِ من نزُول الشيب. انْتهى. وَقد ضمن البوصيري صَاحب الْبردَة مطلع المتنبي فَقَالَ: وأجاد: الْبَسِيط (وَلَا أعدت من الْفِعْل الْجَمِيل قرى ... ضيفٍ ألم برأسي غير محتشم) وَقد تقدّمت تَرْجَمَة المتنبي فِي الشَّاهِد الْوَاحِد وَالْأَرْبَعِينَ بعد الْمِائَة. وَأنْشد بعده الْكَامِل (إِن الَّذِي سمك السَّمَاء بنى لنا ... بَيْتا دعائمه أعز وأطول) على أَنه يجوز أَن يكون حذف مِنْهُ الْمَفْضُول أَي: أعز من دعائم كل بَيت أَو من دعائم بَيْتك. وَعَلِيهِ اقْتصر صَاحب الْمفصل واللباب. وَقدره بَعضهم: أعز من سَائِر الدعائم. وَقَالَ ابْن المستوفي: قَالُوا أعز وأطول من السَّمَاء على مُبَالغَة الشُّعَرَاء. وَنقل التبريزي فِي شرح الكافية عَن الطرماح أَنه قَالَ للفرزدق: يَا أَبَا فراس أعز مِم وأطول مِم) فَأذن مُؤذن. وَقَالَ: الله أكب فَقَالَ الفرزدق: يَا لكع ألم تسمع مَا يَقُول الْمُؤَذّن أكبر مِم ذَا فَقَالَ: من كل شَيْء. فَقَالَ: أعز من كل عَزِيز وأطول من كل طَوِيل. انْتهى.

وَيجوز أَن يكون الْمَحْذُوف مُضَافا إِلَيْهِ أَي: أعز دعامةٍ وأطولها. وَبَقِي احتمالٌ ثَالِث وَهُوَ أَن يكون أفعل فِيهِ بِمَعْنى فَاعل. قَالَ الْمبرد فِي الْكَامِل: وَجَائِز أَن يكون التَّقْدِير: دعائمه عزيزة وطويلة. وَبِه أوردهُ ابْن النَّاظِم وَابْن عقيل فِي شرح الألفية. قَالَ الْعَيْنِيّ: الاستشهاد فِيهِ أَنَّهُمَا على وزن أفعل التَّفْضِيل وَلَكِن لم يقْصد بهما تَفْضِيل فَإِنَّهُمَا وعمم الخلخالي فِي شرح تَلْخِيص الْمِفْتَاح فَقَالَ: أَي من كل شَيْء أَو من بَيْتك يَا جرير أَو من السَّمَاء أَو غزيزٍ طَوِيل. وَنقل أَبُو حَيَّان فِي تَذكرته عَن أبي عُبَيْدَة أَنه قَالَ: يكون أفعل بِمَعْنى فعيل وفاعل غير مُوجب تَفْضِيل شَيْء على شَيْء كَقَوْلِه تَعَالَى: وَهُوَ أَهْون عَلَيْهِ. وَبقول الْأَحْوَص: الْكَامِل قسما إِلَيْك مَعَ الصدود لأميل وَبقول الفرزدق: بَيْتا دعائمه أعز وأطول وَبقول الآخر: الطَّوِيل (تمنى رجالٌ أَن أَمُوت وَإِن أمت ... فَتلك سبيلٌ لَيست فِيهَا بأوحد)

. قَالَ أَبُو حَيَّان: وزرى النحويون عَلَيْهِ هَذَا القَوْل وَلم يسلمُوا لَهُ هَذَا الِاخْتِيَار وَقَالُوا: لَا يَخْلُو أفعل من التَّفْضِيل. وعارضوا حججه بالإبطال وتأولوا مَا اسْتدلَّ بِهِ. انْتهى. وَنقل الْخلاف ابْن الْأَنْبَارِي فِي الزَّاهِر قَالَ: قَوْلهم الله أكبر سَمِعت أَبَا الْعَبَّاس يَقُول: اخْتلف أهل الْعَرَبيَّة فَقَالُوا: مَعْنَاهُ كَبِير. وَاحْتَجُّوا بقول الفرزدق: أَرَادَ: دعائمه عزيزة طَوِيلَة. وَاحْتَجُّوا بقول الآخر: لست فِيهَا بأوحد وَبقول معن: الطَّوِيل) لعمرك مَا أَدْرِي وَإِنِّي لأوجل أَرَادَ: لوجلٌ. وَبقول الْأَحْوَص: قسما إِلَيْك مَعَ الصدود لأميل أَرَادَ: المائل. وَاحْتَجُّوا بقوله تَعَالَى: وَهُوَ أَهْون عَلَيْهِ قَالُوا: مَعْنَاهُ هَين عَلَيْهِ. وَقَالَ الْكسَائي وَالْفراء وَهِشَام: الله أكبر مَعْنَاهُ أكبر من كل شَيْء فحذفت من لِأَن أفعل خبر. وَاحْتَجُّوا بقول الشَّاعِر: الطَّوِيل (إِذا مَا ستور الْبَيْت أرخين لم يكن ... سراجٌ لنا إِلَّا ووجهك أنور)

أَرَادَ: أنور من غَيره. وَقَالَ معن: الطَّوِيل أَرَادَ: أفضل من قَوْلهم. انْتهى. وَقَالَ الْمبرد فِي الْكَامِل فِي تَفْسِير قَوْله تَعَالَى: يعلم السِّرّ وأخفى تَقْدِيره فِي الْعَرَبيَّة: وأخفى مِنْهُ. وَالْعرب تحذف مثل هَذَا فَيَقُول الْقَائِل: مَرَرْت بالفيل أَو أعظم وَإنَّهُ كالبقة أَو أَصْغَر. فَأَما قَوْله تَعَالَى: وَهُوَ أَهْون عَلَيْهِ فَفِيهِ قَولَانِ: أَحدهمَا: وَهُوَ المرضي عندنَا إِنَّمَا هُوَ: وَهُوَ عَلَيْهِ هَين لِأَن الله جلّ وَعز لَا يكون شيءٌ أَهْون عَلَيْهِ من شَيْء آخر. وَقَالَ معن بن أَوْس: لعمرك مَا أَدْرِي وَإِنِّي لأوجل أَرَادَ: وَإِنِّي لوجلٌ. وَكَذَلِكَ يكون مَا فِي الْأَذَان: الله أكبر الله أكبر أَي: الله كَبِير لِأَنَّهُ إِنَّمَا يفاضل بَين الشَّيْئَيْنِ إِذا كَانَا من جنس وَاحِد فَيُقَال: هَذَا أكبر من هَذَا إِذا شاكله فِي بابٍ. فَأَما: الله أَجود من فلَان وَالله أعلم بذلك مِنْهُ فوجهٌ بَين لِأَنَّهُ من طَرِيق الْعلم والمعرفة والبذل والإعطاء. وَقوم يَقُولُونَ: الله أكبر من كل شَيْء. وَلَيْسَ يَقع هَذَا على

مَحْض الرُّؤْيَة لِأَنَّهُ تبَارك وَتَعَالَى لَيْسَ كمثله شَيْء. وَكَذَلِكَ قَول الفرزدق: جَائِز أَن يكون قَالَ للَّذي يخاطبه: من بَيْتك فاستغنى عَن ذكر ذَلِك بِمَا جرى من المخاطبة) والمفاخرة. وَجَائِز أَن تكون دعائمه عزيزة طَوِيلَة كَمَا قَالَ الآخر: الرجز (قبحتم يَا آل زيدٍ نَفرا ... ألأم قومٍ أصغراً وأكبرا) يُرِيد صغَارًا وكباراً. فَأَما قَول مَالك بن نُوَيْرَة فِي ذؤاب بن ربيعَة حَيْثُ قتل عتيبة بن الْحَارِث بن شهَاب وفخر ببني أَسد بذلك مَعَ كَثْرَة من قتل بَنو يَرْبُوع مِنْهُم: الْكَامِل (فخرت بَنو أسدٍ بمقتل مَالك ... صدقت بَنو أسدٍ عتيبة أفضل) فَإِنَّمَا مَعْنَاهُ أفضل مِمَّن قتلوا. على ذَلِك يدل الْكَلَام. وَقد أبان مَا قُلْنَا فِي بَيته الثَّانِي بقوله: (فَخَروا بمقتله وَلَا يُوفي بِهِ ... مثنى سراتهم الَّذين نقْتل) وَالْقَوْل الثَّانِي فِي الْآيَة: وَهُوَ أَهْون عَلَيْهِ عنْدكُمْ لِأَن إِعَادَة الشَّيْء عِنْد النَّاس أَهْون من ابْتِدَائه حَتَّى يَجْعَل شيءٌ من غير شَيْء. انْتهى.

وَقَوله: سمك السَّمَاء إِلَخ سمك بِمَعْنى رفع وَأَرَادَ بِالْبَيْتِ بَيت الْعِزّ والشرف. وَقَالَ الخلخالي: المُرَاد بِالْبَيْتِ هُوَ الْكَعْبَة وَقيل: هُوَ الْعِزَّة. وَتَبعهُ الْعَيْنِيّ والعباسي فِي الْمعَاهد. قَالَ ابْن يعِيش: وأطول هَا هُنَا من الطول بِالْفَتْح الَّذِي هُوَ فِي الْفضل لَا من الطول بِالضَّمِّ الَّذِي وَهَذَا الْبَيْت أوردهُ عُلَمَاء الْمعَانِي على أَن فِيهِ جعل الْإِيمَاء إِلَى وَجه الْخَبَر وَسِيلَة إِلَى التَّعْرِيض بالتعظيم لشأنه. وَذَلِكَ فِي قَوْله: إِن الَّذِي سمك فَفِيهِ إيماءٌ إِلَى أَن الْخَبَر الْمَبْنِيّ عَلَيْهِ أَمر من جنس الرّفْعَة بِخِلَاف مَا لَو قيل إِن الله وَنَحْوه. ثمَّ فِيهِ تَعْرِيض بتعظيم بنائِهِ لكَونه فعل من رفع السَّمَاء الَّتِي لَا أرفع من بنائها وَلَا أعظم. قَالَ الخلخالي: وَإِدْرَاك مثل ذَلِك يحْتَاج إِلَى لطف طبع. وَالْبَيْت مطلع قصيدةٍ عدتهَا تسعةٌ وَتسْعُونَ بَيْتا للفرزدق يفخ بهَا على جرير ويهجوه. وَبعده: (بَيْتا بناه لنا المليك وَمَا بنى ... حكم السَّمَاء فَإِنَّهُ لَا ينْقل) (بَيْتا زُرَارَة محتبٍ بفنائه ... ومجاشعٌ وَأَبُو الفوارس نهشل) (يلجون بَيت مجاشع وَإِذا احتبوا ... برزوا كَأَنَّهُمْ الْجبَال الْمثل) (لَا يحتبي بِفنَاء بَيْتك مثلهم ... أبدا إِذا عد الفعال الْأَفْضَل) وَتقدم بعض أَبْيَات مِنْهَا فِي بَاب الظروف فِي الشَّاهِد السَّابِع وَالتسْعين بعد الأربعمائة.

وبيتاً فِي الْبَيْتَيْنِ بِالتَّنْوِينِ بدل من الأول. وزرارة بِالضَّمِّ هُوَ زُرَارَة بن عدس بِالضَّمِّ أَيْضا ابْن) زيد بن عبد الله بن دارم. ومجاشع: ابْن درام. ونهشل: ابْن دارم. ومحتبٍ: اسْم فَاعل من الاحتباء. روى صَاحب الأغاني بِسَنَدِهِ عَن سَلمَة بن عَيَّاش قَالَ: دخلت على الفرزدق السجْن وَهُوَ محبوسٌ فِيهِ وَقد قَالَ قصيدته: إِن الَّذِي سمك السَّمَاء بنى لنا ... ... ... . الْبَيْت وَقد أفحم وأجبل فَقلت لَهُ: أَلا أرفدك فَقَالَ: وَهل ذَلِك عنْدك فَقلت: نعم. ثمَّ قلت: بَيْتا زُرَارَة محتبٍ بفنائه ... ... ... الْبَيْت فاستجاده وغاظه قولي فَقَالَ لي: مِمَّن أَنْت قلت: من بني عَامر بن لؤَي. فَقَالَ: لئامٌ وَالله جاورتهم بِالْمَدِينَةِ فَمَا أحمدتهم. فَقلت: ألأم وَالله مِنْهُم قَوْمك جَاءَك رَسُول مَالك بن الْمُنْذر وَأَنت سيدهم وشاعرهم فَأخذ بأذنك يقودك حَتَّى حَبسك فَمَا اعْتَرَضَهُ أحد وَلَا نصرك. فَقَالَ: قَاتلك الله مَا أمكرك وَأخذ الْبَيْت فَأدْخلهُ فِي قصيدته. انْتهى. ويلجون من الولوج وَهُوَ الدُّخُول. والمثل: جمع ماثل كركع جمع رَاكِع. والفعال بِالْفَتْح: الْجَمِيل. وَقد عَارضه جريرٌ بقصيدةٍ مثلهَا عدتهَا اثْنَان وَسِتُّونَ بَيْتا مِنْهَا:

(الشاهد السادس عشر بعد الستمائة)

الْكَامِل (أخزى الَّذِي سمك السَّمَاء مجاشعاً ... وَبنى بناءك بالحضيض الْأَسْفَل) (وقضت لنا مضرٌ عَلَيْك بفضلنا ... وقضت ربيعَة بِالْقضَاءِ الفيصل) (إِن الَّذِي سمك السَّمَاء بنى لنا ... عزا علاك فَمَا لَهُ من منقل) وترجمة الفرزدق وَجَرِير قد تقدّمت فِي أَوَائِل الْكتاب. وَأنْشد بعده (الشَّاهِد السَّادِس عشر بعد الستمائة) الوافر (ستعلم أَيّنَا للْمَوْت أدنى ... إِذا دانيت لي الأسل الحرارا) على أَن الْمَفْضُول مَحْذُوف وَالتَّقْدِير أدنى من صَاحبه. وَيجوز أَن يكون أفعل بِمَعْنى اسْم الْفَاعِل. أَي: قريب. وَيجوز أَن يكون الْمَحْذُوف مُضَافا إِلَيْهِ وَالتَّقْدِير أقربنا وأدنانا أَو أقرب رجلَيْنِ منا. وَالْبَيْت من قصيدة لعنترة الْعَبْسِي خَاطب بهَا عمَارَة بن زِيَاد الْعَبْسِي وَتقدم شرح أَبْيَات مِنْهَا قبل الْبَيْت فِي الشَّاهِد التَّاسِع وَالسِّتِّينَ بعد الْخَمْسمِائَةِ من بَاب الْمثنى. وَمَا بعده من الأبيات لَا تعلق لَهَا بِهِ فَلِذَا تركناها.

(الشاهد السابع عشر بعد الستمائة)

وَأدنى ودانيت فاعلت كِلَاهُمَا من الدنو وَهُوَ الْقرب. قَالَ ابْن الشجري فِي أَمَالِيهِ: أَرَادَ إِلَى الْمَوْت أدنى. وَإِذا دانيت إِلَيّ الأسل. فَوضع اللَّام فِي مَوضِع إِلَى لِأَن الدنو وَمَا تصرف مِنْهُ أَصله التَّعَدِّي بإلى. وَمثله فِي إِقَامَة اللَّام مقَام إِلَى قَول الله سُبْحَانَهُ: بِأَن رَبك أوحى لَهَا أَي: أوحى إِلَيْهَا. اه. والأسل بِفتْحَتَيْنِ: أَطْرَاف الرماح وَقيل: هِيَ الأسنة الْوَاحِد أسلة بِزِيَادَة الْهَاء. والحرار بِكَسْر الْمُهْملَة: جمع حرى كعطاش جمع عطشى وزنا وَمعنى. يَقُول لعمارة الْعَبْسِي: ستعلم إِذا تقابلنا ودانيت الرماح بَيْننَا أَيّنَا أقرب إِلَى الْمَوْت. أَي: إِنَّك زعمت أَنَّك تقتلني إِذا لقيتني وَأَنت أقرب إِلَى الْمَوْت عِنْد ذَلِك مني. وَأنْشد بعده (الشَّاهِد السَّابِع عشر بعد الستمائة) السَّرِيع (وَلست بِالْأَكْثَرِ مِنْهُم حصاً ... وَإِنَّمَا الْعِزَّة للكاثر) على أَن من فِيهِ لَيست تفضيلية بل للتَّبْعِيض أَي: لَيست من بَينهم بِالْأَكْثَرِ حصاً إِلَى آخر مَا وَالْبَيْت من قصيدةٍ للأعشى مَيْمُون فضل فِيهَا عَامر بن الطُّفَيْل عَدو الله على عَلْقَمَة بن علاثة الصَّحَابِيّ قبل إِسْلَامه. وَتقدم شرح أَوَائِل

هَذِه القصيدة وَسبب تفضيله على عَلْقَمَة فِي الشَّاهِد الْخَامِس وَالثَّلَاثِينَ بعد الْمِائَتَيْنِ. وَهَذِه أَبْيَات مِنْهَا: (إِن ترجع الْحق إِلَى أَهله ... فلست بالمسدي وَلَا النائر) (وَلست فِي السّلم بِذِي نائلٍ ... وَلست فِي الهيجاء بالجاسر) (وَلست بِالْأَكْثَرِ مِنْهُم حصاً ... وَإِنَّمَا الْعِزَّة للكاثر) (وَلست فِي الأثرين من مالكٍ ... وَلَا أبي بكر أولي النَّاصِر) (هم هَامة الْحَيّ إِذا مَا دعوا ... وَمَالك فِي السودد القاهر) (سدت بني الْأَحْوَص لم تعدهم ... وعامرٌ سَاد بني عَامر) (سَاد وألفى قومه سادةً ... وكابراً سادوك عَن كَابر) (فاصبر على حظك مِمَّا ترى ... فَإِنَّمَا الفلج مَعَ الصابر) المسدي من السدى بِالْفَتْح وَالْقصر وَهُوَ مَا مد من الثَّوْب. يُقَال: أسدى الثَّوْب وسداه والنائر: اسْم فَاعل من نرت الثَّوْب نيراً بِالْفَتْح ونيرته وأنرته: جعلت لَهُ نيراً بِالْكَسْرِ وَهُوَ علمٌ للثوب وهدبه وَلحمَته. وَهَذَا هُوَ المُرَاد هُنَا. وَهَذَا مثلٌ يضْرب فِي التبري من الشَّيْء كَقَوْلِهِم: لَا فِي العير وَلَا فِي النفير. وَهَذَا خطابٌ مَعَ عَلْقَمَة بن علاثة. وَالسّلم بِالْكَسْرِ: خلاف الْحَرْب. والنائل بِمَعْنى النوال وَهُوَ الْعَطاء.

والهيجاء: الْحَرْب. والجاسر بِالْجِيم من الجسارة وَهِي الجراءة والشجاعة. والحصا: الْعدَد وَالْمرَاد بِهِ هُنَا عدد الأعوان وَالْأَنْصَار وَإِنَّمَا أطلق الْحَصَا على الْعدَد لِأَن الْعَرَب) أُمِّيُّونَ لَا يعْرفُونَ الْحساب بالقلم وَإِنَّمَا كَانُوا يعدون بالحصا وَبِه يحسبون الْمَعْدُود. واشتقوا مِنْهُ فعلا فَقَالُوا: أحصيت. والعزة: الْقُوَّة وَالْغَلَبَة. قَالَ الدماميني: بِهَذَا الْمَعْنى فَسرهَا الْجَوْهَرِي فِي الْبَيْت وَلَا مَانع من جعلهَا بِمَعْنى خلاف الذلة. أَقُول: الْجَوْهَرِي لم يذكر الْبَيْت هُنَا وَالْمعْنَى الَّذِي ذكره لازمٌ للقوة وَالْغَلَبَة. والكاثر بِمَعْنى الْكثير كَذَا فِي الصِّحَاح. وَيجوز أَن يكون اسْم فَاعل من كثرتهم إِذا غلبتهم فِي الْكَثْرَة. قَالَ صَاحب الْقَامُوس: وَعَلِيهِ اقْتصر بعض شرَّاح شَوَاهِد الْمفصل قَالَ: الكاثر: الْغَالِب من كاثرته فكثرته. والأثرين جمع أثرى جمع تَصْحِيح بِمَعْنى ذِي ثروة وَذي ثراءٍ أَي: ذِي عدد وَكَثْرَة مَال. قَالَ الْأَصْمَعِي: ثرا الْقَوْم يثرون إِذا كَثُرُوا ونموا. وَمَالك: هُوَ جد عَامر بن الطُّفَيْل بن مَالك بن جَعْفَر بن كلاب بن ربيعَة ابْن عَامر بن صعصعة. وَأَبُو بكر: عَم جده واسْمه عبيد بِالتَّصْغِيرِ بن كلاب بن ربيعَة الْمَذْكُور. فَأَبُو بكر أَخُو جَعْفَر بن كلاب. والأحوص هُوَ جد وَالِد عَلْقَمَة ابْن علاثة لِأَن عَلْقَمَة هُوَ عَلْقَمَة بن عَوْف ابْن الْأَحْوَص بن جَعْفَر الْمَذْكُور. فالأحوص ومالكٌ أَخَوان والطفيل وعَوْف ابْنا عَم.

والفلج بِضَم الْفَاء: اسمٌ من فلج الرجل على خَصمه يفلج فلجاً من بَاب نصر وَهُوَ الظفر والفوز. وَهَذَا من قبيل التهكم. وَقَوله: وَلست بِالْأَكْثَرِ مِنْهُم حصاً ظَاهره الْجمع بَين أل وَبَين من فِي أفعل التَّفْضِيل. وَجوزهُ أَبُو عمر الْجرْمِي فِي الشّعْر. رَأَيْت فِي نَوَادِر أبي زيد عِنْد الْكَلَام على هَذَا الْبَيْت قَالَ أَبُو عمر: هَذَا يجوز فِي الشّعْر يُقَال: أَنْت أَكثر مِنْهُ مَالا وَأَنت الْأَفْضَل إِذا لم تأت بِمن فَإِذا اضْطر الشَّاعِر قَالَ: أَنْت الْأَفْضَل وَلَا يجوز إِلَّا فِي اضطرا. وَلَو قَالَ: أَنْت الْأَكْبَر من هَؤُلَاءِ وَهُوَ مِنْهُم لَكَانَ مَعْنَاهُ أَنْت أكبر مِنْهُم. انْتهى. وَنسب ابْن جني جَوَاز الْجمع بَينهمَا إِلَى الجاحظ فِي موضِعين من الخصائص قَالَ فِي أَوَائِله فِي بَاب الرَّد على من اعْتقد فَسَاد علل النَّحْوِيين: يحْكى عَن الجاحظ أَنه قَالَ: قَالَ النحويون إِن أفعل) الَّذِي مؤنثه فعلى لَا تَجْتَمِع فِيهِ الْألف وَاللَّام وَمن وَإِنَّمَا هُوَ بِمن أَو بِالْألف وَاللَّام. ثمَّ قَالَ: وَقد قَالَ الْأَعْشَى: وَلست بِالْأَكْثَرِ مِنْهُم حصاً ... ... ... . . الْبَيْت رحم الله أَبَا عُثْمَان أما إِنَّه لَو علم أَن من فِي هَذَا الْبَيْت لَيست الَّتِي تصْحَب أفعل للْمُبَالَغَة لضرب عَن هَذَا القَوْل إِلَى غَيره مِمَّا يَعْلُو فِيهِ قَوْله ويعنو لسداده وَصِحَّته خَصمه.

وَكَذَلِكَ نسب ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي هَذَا القَوْل إِلَى الجاحظ ووهمه. وَمنع النُّحَاة الْجمع بَينهمَا. وَبَين ابْن جني وَجه الْمَنْع فِي أَوَاخِر الخصائص فِي بَاب الِامْتِنَاع من نقض الْفَرْض وَمثل لَهُ أَمْثِلَة ثمَّ قَالَ: وَمن ذَلِك امتناعهم أَي: امْتنَاع الْعَرَب من إِلْحَاق من بأفعل إِذا عَرفته بِاللَّامِ نَحْو الْأَحْسَن مِنْهُ. وَذَلِكَ أَن من تكسب مَا يتَّصل بِهِ من أفعل هَذَا تَخْصِيصًا مَا. أَلا تراك لَو قلت دخلت الْبَصْرَة فَرَأَيْت أفضل من ابْن سِيرِين لم يسْبق الْوَهم إِلَّا إِلَى الْحسن. وَإِذا قلت الْأَحْسَن أَو الْأَفْضَل أَو نَحْو ذَلِك فقد استوعبت اللَّام من التَّعْرِيف أَكثر مِمَّا تفيده من حصَّتهَا من التَّخْصِيص. وكرهوا أَن يتراجعوا بَعْدَمَا حكمُوا بِهِ من قُوَّة التَّعْرِيف إِلَى الِاعْتِرَاف بضعفه إِذا هم أتبعوه من الدَّالَّة على حَاجته إِلَيْهَا وَإِلَى قدر مَا تفيده من التَّخْصِيص المفاد مِنْهُ. فَأَما مَا ظن أَبُو عُثْمَان الجاحظ من أَنه يدْخل على أَصْحَابنَا فِي هَذَا من قَول الشَّاعِر: وَلست بِالْأَكْثَرِ مِنْهُم حصاً ... ... ... الْبَيْت فساقط. وَذَلِكَ أَن من هَذِه لَيست هِيَ الَّتِي تصْحَب أفعل هَذَا لتخصيصه. انْتهى. وَوجه الشَّارِح الْمُحَقق تبعا لغيره مَا فِي هَذَا الْبَيْت من ظَاهر الْإِشْكَال بِثَلَاثَة أجوبة: أَحدهَا: أَن من فِيهِ لَيست تفضيلية بل للتَّبْعِيض أَي: لست من بَينهم بِالْأَكْثَرِ حصاً.

يحْتَمل من هَذَا التَّقْدِير أَن يكون مُرَاده أَن الظّرْف حالٌ من التَّاء فِي لست كَمَا قَالَ ابْن جني فِي الْموضع الثَّانِي من الخصائص وَعبارَته: وَمن إِنَّمَا هِيَ حالٌ من تَاء لست كَقَوْلِك: لست فيهم بالكثير مَالا أَي: لست من بَينهم وَفِي جُمْلَتهمْ بِهَذِهِ الصّفة كَقَوْلِك: أَنْت وَالله من بَين النَّاس حرٌّ وَزيد من جملَة رهطه كريم. هَذَا كَلَامه. أَحدهمَا: أَن لَيْسَ لَا تدل على الْحَدث فَلَا تعْمل فِي الظّرْف.) وَثَانِيهمَا: لُزُوم الْفَصْل بَين أفعل وتمييزه بالأجنبي. وَأجَاب ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي عَن الأول بِأَن الظّرْف يجوز تعلقه بِمَا فِيهِ رَائِحَة الْفِعْل وَفِي لَيْسَ رَائِحَة النَّفْي. وَعَن الثَّانِي بِأَن الْفَصْل قد جَاءَ للضَّرُورَة فِي قَوْله: المتقارب ثَلَاثُونَ للهجر حولا كميلاً وأفعل أقوى فِي الْعَمَل من ثَلَاثُونَ. انْتهى. وَزَاد ابْن يعِيش فِي شرح الْمفصل قَالَ: وَيجوز أَن يكون مُتَعَلقا بِالْأَكْثَرِ على حد مَا يتَعَلَّق بِهِ الظّرْف لَا على حد: هُوَ أفضل من زيد كَأَنَّهُ قَالَ: وَلست بِالْأَكْثَرِ فيهم لِأَن أفعل بِمَعْنى الْفِعْل أظهر مِنْهُ فِي لَيْسَ يدل على ذَلِك نصب الظّرْف فِي قَوْله:

الطَّوِيل (فَإنَّا رَأينَا الْعرض أحْوج سَاعَة ... إِلَى الصون من ريطٍ يمانٍ مسهم) أَلا ترى أَن الظّرْف هُنَا لَا يتَعَلَّق إِلَّا بأحوج وَتَعْلِيق الظّرْف بليس لَيْسَ بالسهل لجريه مجْرى الْحُرُوف. انْتهى. وَلَو جعل الظّرْف حَالا من الضَّمِير فِي أَكثر لاستغنى عَن هَذَا. وَالْأَكْثَرُونَ على أَن من هُنَا للْبَيَان. قَالَ أَبُو حَيَّان: من فِي الْبَيْت للْبَيَان. لَا للتفضيل والمفضل عَلَيْهِ معلومٌ من الْعَهْد. وَبَيَان ذَلِك: أَنَّك تَقول لمخاطبك: زيد أفضل من عَمْرو ثمَّ تَقول لَهُ بعد ذَلِك: زيد الْأَفْضَل من تَمِيم فَمن هُنَا للْبَيَان أَي: إِن زيدا الَّذِي هُوَ أفضل من عَمْرو هُوَ من تَمِيم. وَلَك أَن تجمع بَينهمَا فَتَقول: زيد أفضل من عَمْرو من تَمِيم. انْتهى. وعَلى هَذَا فالظرف حالٌ لَا غير. وَقَالَ بَعضهم: من هُنَا بِمَعْنى فِي. وَيتَعَلَّق بِالْأَكْثَرِ. نَقله شَارِح أَبْيَات الموشح. وَهَذَا كُله جوابٌ وَاحِد لإِخْرَاج من من التَّفْضِيل لَا أجوبةٌ مُتعَدِّدَة كَمَا زعم الْعَيْنِيّ. غَايَة مَا فِي الْبَاب الذاهبون إِلَى إخْرَاجهَا من التَّفْضِيل اخْتلفُوا فِي مَعْنَاهَا.

الْجَواب الثَّانِي: أَن اللَّام زَائِدَة وَمن تفضيلية. وَهَذَا الْجَواب لأبي زيد فِي نوادره. الثَّالِث: أَن من تفضيلية لَكِنَّهَا مُتَعَلقَة بأفعل آخر عَارِيا من اللَّام أَي: بِالْأَكْثَرِ أَكثر مِنْهُم. فَأكْثر الْمُنكر الْمَحْذُوف بدلٌ من الْأَكْثَر الْمُعَرّف الْمَذْكُور. وَإِنَّمَا ضعفه بقوله: على مَا قيل لما ذكره فِي بَاب الْبَدَل من أَن النكرَة إِذا كَانَت بدل كل من معرفَة يجب وصفهَا وَلَيْسَ هُنَا وصف.) هَذَا وَالرِّوَايَة الصَّحِيحَة فِي هَذَا الْبَيْت كَمَا رَوَاهُ أَبُو زيد فِي نوادره وَهِي ثَابِتَة فِي ديوانه وَيدل عَلَيْهَا سِيَاق الأبيات إِنَّمَا هِيَ: وَلست بِالْأَكْثَرِ مِنْهُ أَي: من عَامر. وَلما وصلت إِلَى هُنَا رَأَيْت شرح المنافرة الَّتِي بَين عَلْقَمَة وَبَين عَامر بأبسط مِمَّا مر فِي أول شرح المقامات الحريرية للشريشي فَلَا بَأْس بإيراد قَالَ: نافر: حَاكم فِي النّسَب. وَكَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّة إِذا تنَازع الرّجلَانِ فِي الشّرف تنافرا إِلَى حكمائهم فيفضلون الْأَشْرَف. وَسميت منافرة لأَنهم كَانُوا يَقُولُونَ عِنْد الْمُفَاخَرَة: أَنا أعز نَفرا. وَأشهر منافرة فِي الْجَاهِلِيَّة منافرة عَامر بن الطُّفَيْل بن مَالك بن جَعْفَر بن كلاب مَعَ عَلْقَمَة بن علاثة بن عَوْف بن الْأَحْوَص

بن جَعْفَر حِين قَالَ لَهُ عَلْقَمَة: الرياسة لجدي الْأَحْوَص وَإِنَّمَا صَارَت إِلَى عمك أبي برَاء من أَجله وَقد استسن عمك وَقعد عَنْهَا فَأَنا أولى بهَا مِنْك وَإِن شِئْت نافرتك. فَقَالَ لَهُ عَامر: قد شِئْت وَالله لأَنا أشرف مِنْك حسباً وَأثبت نسبا وأطول قصباً. فَقَالَ عَلْقَمَة: أنافرك وَإِنِّي لبرٌّ وَإنَّك لِفَاجِر وَإِنِّي لولود وَإنَّك لعاقر وَإِنِّي لوافٍ وَإنَّك لغادر. فَقَالَ عَامر: أنافرك إِنِّي أسمى مِنْك سمة وأطول قمة وَأحسن لمة وأجعد جمة وَأبْعد همة. فَقَالَ عَلْقَمَة: أَنا جميل وَأَنت قَبِيح وَلَكِن أنافرك إِنِّي أولى بالخيرات مِنْك. فَخرجت أم عَامر فَقَالَت: نافره أيكما أولى بالخيرات. فَفَعَلُوا على أَن جعلُوا مائَة من الْإِبِل يُعْطِيهَا الحكم الَّذِي ينفر عَلَيْهِ صَاحبه. فَخرج عَلْقَمَة ببني خَالِد بن جَعْفَر وَبني الْأَحْوَص وَخرج عامرٌ ببني مَالك وَقَالَ: إِنَّهَا المقارعة عَن أحسابكم: فاشخصوا بِمثل مَا شخصوا

بِهِ. وَقَالَ لِعَمِّهِ أبي برَاء: فَقَالَ: سبني. فَقَالَ: كَيفَ أسبك وَأَنت عمي فَقَالَ: وَأَنا لَا أسب الْأَحْوَص وَهُوَ عمي وَلم ينْهض مَعَه. فَجعلَا منافرتهما إِلَى أبي سُفْيَان بن حَرْب بن أُميَّة ثمَّ إِلَى أبي جهل بن هِشَام فَلم يَقُولَا بَينهمَا شَيْئا. ثمَّ رجعا إِلَى هرم بن قُطْبَة بن سيار الْفَزارِيّ فَقَالَ: نعم لأحكمن بَيْنكُمَا فأعطياني موثقًا أطمئن بِهِ أَن ترضيا بحكمي وتسلما لما قضيت بَيْنكُمَا. ففعلا فأقاما عِنْده أَيَّامًا. ثمَّ أرسل إِلَى عَامر فَأَتَاهُ سرا فَقَالَ: قد كنت أَحسب أَن لَك رَأيا وَأَن فِيك خيرا وَمَا حبستك هَذِه الْمدَّة إِلَّا لتنصرف عَن صَاحبك. أتنافر رجلا لَا تَفْخَر أَنْت) وَلَا قَوْمك إِلَّا بآبائه فَمَا الَّذِي أَنْت بِهِ خيرٌ مِنْهُ فَقَالَ عَامر: نشدتك الله وَالرحم أَن لَا تفضل عَليّ عَلْقَمَة فوَاللَّه لَئِن فعلت لَا أَفْلح بعْدهَا أبدا. هَذِه ناصيتي فاجززها واحتكم فِي مَالِي فَإِن كنت لَا بُد فَاعِلا فسو بيني وَبَينه. فَقَالَ: انْصَرف فَسَوف أرى من آرائي. فَانْصَرف عَامر وَهُوَ لَا يشك أَنه ينفره عَلَيْهِ. ثمَّ أرسل إِلَى عَلْقَمَة

سرا فَقَالَ لَهُ مَا قَالَ لعامر: وَقَالَ: أتفاخر رجلا هُوَ ابْن عمك فِي النّسَب وَأَبوهُ أَبوك وَهُوَ مَعَ ذَلِك أعظم مِنْك غناء وَأحمد لقاءٍ وأسمح سماحاً فَمَا الَّذِي أَنْت بِهِ خيرٌ مِنْهُ. فَرد عَلَيْهِ عَلْقَمَة مَا رد بِهِ عَامر وَانْصَرف وَهُوَ لَا يشك أَن ينف عَامِرًا عَلَيْهِ. فَأرْسل هرمٌ إِلَى بنيه وَبني أَخِيه وَقَالَ لَهُم: إِنِّي قائلٌ فيهم غَدا مقَالَة فَإِذا فرغت فليطرد بَعْضكُم عشر جزائر فلينحرها عَن عَلْقَمَة وليطرد بَعْضكُم مثلهَا فلينحرها عَن عَامر وَفرقُوا بَين النَّاس لَا يَكُونُوا بَينهم جمَاعَة. ثمَّ أصبح هرمٌ فَجَلَسَ مَجْلِسه وَأَقْبل عَامر وعلقمة حَتَّى جلسا فَقَالَ هرم: إنَّكُمَا يَا ابْني جَعْفَر قد تحاكمتما عِنْدِي وأنتما كركبتي الْبَعِير الآدم الْفَحْل تقعان الأَرْض وَلَيْسَ فيكما واحدٌ إِلَّا وَفِيه مَا لَيْسَ فِي صَاحبه وكلاكما سيد كريم. وَلم يفضل وَاحِدًا مِنْهُمَا على صَاحبه لكيلا يجلب بذلك شرا بَين الْحَيَّيْنِ. وَنحر الجزر وَفرق النَّاس. وعاش هرمٌ حَتَّى أدْرك خلَافَة عمر فَقَالَ: يَا هرم أَي الرجلَيْن كنت مفضلاً لَو فعلت قَالَ: لَو قلت ذَلِك الْيَوْم عَادَتْ جَذَعَة ولبلغت شعفات هجر فَقَالَ عمر: نعم مستودع السِّرّ أَنْت يَا هرم مثلك فليستودع الْعَشِيرَة أسرارهم

(الشاهد الثامن عشر بعد الستمائة)

والحكاية طَوِيلَة قد اختصرناها. (حكمتموه فَقضى بَيْنكُم ... أَبْلَج مثل الْقَمَر الباهر) (لَا يَأْخُذ الرِّشْوَة فِي حكمه ... وَلَا يُبَالِي غبن الخاسر) انْتهى كَلَام الشريشي. وَقد شرحها بِأَكْثَرَ من هَذَا مرَّتَيْنِ أَو ثَلَاثًا الْأَصْبَهَانِيّ فِي الأغاني وَمن أَرَادَ بسط الْكَلَام فلينظره فِي المجلد الْخَامِس عشر من تجزئة عشْرين. وَأنْشد بعده) (الشَّاهِد الثَّامِن عشر بعد الستمائة) الوافر (ورثت مهلهلاً وَالْخَيْر مِنْهُ ... زهيراً نعم ذخر الذاخرينا) على أَن اللَّام فِي الْخَيْر زَائِدَة وَمن فِي مِنْهُ تفضيلية. وَيجوز أَن يقدر أفعل آخر عَارِيا من اللَّام يتَعَلَّق بِهِ مِنْهُ وَالتَّقْدِير: وَالْخَيْر خيرا مِنْهُ. وَقَالَ الإِمَام الْبَيْضَاوِيّ فِي لب اللّبَاب: وَلَا يسْتَعْمل أَي: اسْم التَّفْضِيل إِلَّا بِمن أَو اللَّام أَو الْإِضَافَة. وَالْخَيْر مِنْهُ قَلِيل. وَهَذِه إشارةٌ إِلَى الْبَيْت.

وَلم يقل إِن من لَيْسَ فِيهِ تفضيلية كَمَا قَالَ فِي الْبَيْت الَّذِي قبله لِأَنَّهُ لم يتأت ذَلِك هُنَا. وَالْبَيْت من معلقَة عَمْرو بن كُلْثُوم التغلبي وَتقدم سَبَب نظمها مَعَ شرح أَبْيَات مِنْهَا فِي الشَّاهِد الثَّامِن والثمانين بعد الْمِائَة وَبعده: (وعتاباً وكلثوماً جَمِيعًا ... بهم نلنا تراث الأكرمينا) وَقَوله: ورثت مهلهلاً إِلَخ هُوَ بالتكلم. ومهلهل: اسْم جد الشَّاعِر من قبل أمه. وَهُوَ أَخُو كُلَيْب بن وَائِل وَصَاحب حَرْب البسوس أَرْبَعِينَ سنة. وَتَقَدَّمت تَرْجَمته مَعَ سَبَب تَسْمِيَته بمهلهل فِي الشَّاهِد الْعَاشِر بعد الْمِائَة. وَقَوله: وَالْخَيْر مِنْهُ أَي: ورثت خيرا من مهلهل. وزهيراً عطف بَيَان للخير وَإِنَّمَا كَانَ زُهَيْر خيرا من مهلهل لِأَنَّهُ جده من قبل أَبِيه فَإِن صَاحب الْمُعَلقَة كَمَا تقدّمت تَرْجَمته هُوَ عَمْرو بن كُلْثُوم بن عتاب بن مَالك بن ربيعَة بن زُهَيْر بن جشم بن بكر بن حبيب بن عَمْرو بن غنم بن تغلب بن وَائِل. والمخصوص بالمدح فِي نعم ذخر الذاخرينا زُهَيْر على حذف مُضَاف يُرِيد: ورثت مجد مهلهل ومجد زُهَيْر فَنعم ذخر الذاخرين زُهَيْر أَي: مجده وشرفه للافتخار بِهِ. وَقَوله: وعتاباً وكلثوماً إِلَخ عتاب: جد الشَّاعِر. وكلثوم: أَبوهُ. يَقُول: ورثنا مجد عتابٍ وكلثوم وبهم بلغنَا مِيرَاث الأكارم أَي: حزنا مآثرهم ومفاخرهم فشرفنا بهَا وكرمنا.

(الشاهد التاسع عشر بعد الستمائة)

وَأنْشد بعده (الشَّاهِد التَّاسِع عشر بعد الستمائة) وَهُوَ من أَبْيَات الْإِيضَاح للفارسي: الطَّوِيل (فَإنَّا رَأينَا الْعرض أحْوج سَاعَة ... إِلَى الصون من ريط يمانٍ مسهم) على أَنه يجب أَن يَلِي أفعل التَّفْضِيل إِمَّا من التفضيلية كَمَا فِي قَوْلهم: زيد أفضل من عَمْرو وَإِمَّا معموله كَمَا فِي الْبَيْت فَإِن سَاعَة ظرف لأحوج. وَمثله قَوْله تَعَالَى: النَّبِي أولى بِالْمُؤْمِنِينَ من أنفسهم وَقَالَ تَعَالَى: قَالَ رب السجْن أحب إِلَيّ مِمَّا يدعونني إِلَيْهِ. وَقد يفصل بالنداء أَيْضا. قَالَ جرير: الْكَامِل (لم ألق أَخبث يَا فرزدق مِنْكُم ... لَيْلًا وأخبث بِالنَّهَارِ نَهَارا) قَالَ أَبُو الْبَقَاء فِي شرح الْإِيضَاح: رَأينَا هُنَا بِمَعْنى علمنَا. وأحوج اسْم يُرَاد بِهِ التَّفْضِيل وَهُوَ وَجَاز أَن يتَعَلَّق حرفا الْجَرّ بأفعل لِأَن مَعْنَاهُمَا مُخْتَلف وَمن هِيَ الَّتِي يقتضيها أفعل. والأقوى أَن يقدم من على إِلَى لِأَن تعلق من بأفعل يُوجب معنى فِي أفعل وَهُوَ التَّخْصِيص فَإِذا فصلت بَينهمَا ضعفت علقته بِهِ وَمَعَ هَذَا فَهُوَ

جَائِز ورد الْقُرْآن بِهِ. قَالَ تَعَالَى: وَنحن أقرب إِلَيْهِ من حَبل الوريد. وَقَالَ تَعَالَى: وَنحن أقرب إِلَيْهِ مِنْكُم. وَهُوَ أَكثر من أَن أحصيه. وَإِنَّمَا ذكره أَبُو عَليّ ليبين لَك أَن عمل أحْوج فِي سَاعَة لَيْسَ على حد عمله فِي من الَّتِي للمفاضلة كَمَا أَن قَوْله بِالْأَكْثَرِ مِنْهُم لَا يتَعَلَّق من بِالْأَكْثَرِ على هَذَا الْحَد بل على حد تعلق سَاعَة بأحوج. وَأما إِلَى وَمن ريط فيتعلقان بأحوج لَا محَالة. فَإِن قيل: لم لَا تعلق سَاعَة برأينا قيل: يمْتَنع من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَن الْمَعْنى لَيْسَ على هَذَا بل الْمَعْنى على شدَّة حَاجَة الْعرض إِلَى الصون فِي أَي ساعةٍ كَانَت. وَالثَّانِي: أَنَّك لَو نصبتها برأينا لفصلت بهَا بَين أحْوج وَمَا يتَعَلَّق بِهِ وَهُوَ أَجْنَبِي فَلم يجز. انْتهى كَلَام أبي الْبَقَاء. وَالْبَيْت من قصيدة طَوِيلَة جدا لأوس بن حجر وَقَبله: فَإنَّا وجدنَا الْعرض ... ... ... ... . . الْبَيْت) (أرى حَرْب أقوامٍ تدق وحربنا ... تجل فنعروري بهَا كل مُعظم) (ترى الأَرْض منا بالفضاء مَرِيضَة ... معضلةً منا بجمعٍ عَرَمْرَم)

وَقَوله: ومستعجبٍ مِمَّا إِلَخ الْوَاو وَاو رب ومستعجب: اسْم فَاعل. قَالَ صَاحب الْعباب: واستعجبت مِنْهُ: تعجبت مِنْهُ. وَأنْشد هَذَا الْبَيْت. والأناة بِالْفَتْح: اسْم للتأني يُقَال: تأنى فِي الْأَمر: تمكث وَلم يعجل. وزبنته: دَفعته يُقَال زبنت النَّاقة حالبها زبناً من بَاب ضرب: دَفعته برجلها فَهِيَ زبونٌ. وحربٌ زبونٌ أَيْضا لِأَنَّهَا تدفع الْأَبْطَال عَن الْإِقْدَام خوف الْمَوْت. وَمِنْه الزَّبَانِيَة لأَنهم يدْفَعُونَ أهل النَّار إِلَيْهَا. قَالَ صَاحب الصِّحَاح: وترمرم إِذا حرك فَاه للْكَلَام. وَأنْشد هَذَا الْبَيْت. وَقَوله: فَإنَّا وجدنَا الْعرض إِلَخ الْعرض: بِالْكَسْرِ قَالَ الشريف فِي أَمَالِيهِ: هُوَ مَوضِع الْمَدْح والذم من الْإِنْسَان. فَإِذا قيل ذكر عرض فلانٍ فَمَعْنَاه ذكر مَا يرْتَفع بِهِ أَو مَا يسْقط بِذكرِهِ ويمدح أَو يذم بِهِ. وَقد يدْخل بذلك ذكر الرجل نَفسه وَذكر آبَائِهِ وأسلافه لِأَن كل ذَلِك مِمَّا يمدح بِهِ ويذم. وَالَّذِي يدل على هَذَا أَن أهل اللُّغَة لَا يفرقون فِي قَوْلهم: شتم فلانٌ عرض فلَان بَين أَن يكون وَيدل عَلَيْهِ قَول مسكينٍ الدَّارمِيّ: الرمل (رب مهزولٍ سمينٍ عرضه ... وسمين الْجِسْم مهزول الْحسب) فَلَو كَانَ الْعرض نفس الْإِنْسَان لَكَانَ الْكَلَام متناقضاً لِأَن السّمن والهزال يرجعان إِلَى شيءٍ وَاحِد. إِلَى آخر مَا فَصله.

ورد على ابْن قُتَيْبَة فِي زَعمه أَن الْعرض هُوَ النَّفس وَنقض مَا اسْتدلَّ بِهِ. وَقد أحكم الْكَلَام على معنى الْعرض ابْن السَّيِّد البطليوسي أَيْضا فِي أَوَائِل شرح أدب الْكَاتِب لِابْنِ قُتَيْبَة. وَكَذَلِكَ حقق المُرَاد من الْعرض ابْن الْأَنْبَارِي فِي كِتَابه الزَّاهِر وَلَوْلَا خوف الإطالة لأوردت كَلَامهمَا. وَيُؤَيّد كَلَام الشريف المرتضى قَول ابْن السّكيت فِي شرح هَذَا الْبَيْت من شرح ديوَان أَوْس يَقُول: الْعرض يحْتَاج سويعةً إِلَى أَن يصان. فَإِن سفه الرجل عَلَيْهِ قطع عرضه ومزقه إِن لم يحْتَمل فيصونه. انْتهى.) وَقَوله: أحْوج قَالَ ابْن جني فِي إِعْرَاب الحماسة: هَذَا خلاف الْقيَاس لِأَنَّهُ أفعل تفضيلٍ من الْمَزِيد قَالُوا: مَا أحوجه إِلَى كَذَا وَقِيَاسه: مَا أَشد حَاجته أَو مَا أَشد احْتِيَاجه. وَأنْشد هَذَا وَفِيه نظر فَإِن الثلاثي الْمُجَرّد مَنْقُول ثَابت. قَالَ صَاحب الصِّحَاح وَغَيره: وحاج يحوج حوجاً أَي: احْتَاجَ قَالَ الْكُمَيْت: الطَّوِيل (غنيت فَلم أرددكم عِنْد بغيةٍ ... وحجت فَلم أكددكم بالأصابع) وروى بدله: أفقر سَاعَة وَهَذَا عِنْد الْجَوْهَرِي شَاذ. قَالَ: وَقَوْلهمْ: فلانٌ مَا أفقره وَمَا أغناه شَاذ لِأَنَّهُ يُقَال فِي فعلهمَا افْتقر وَاسْتغْنى فَلَا يَصح التَّعَجُّب مِنْهُ. انْتهى.

وَفِيه نظر أَيْضا فَإِن ثلاثيه مسموعٌ أَيْضا. قَالَ صَاحب الصِّحَاح: الْفَقِير فعيل بِمَعْنى فَاعل يُقَال: فقر يفقر من بَاب تَعب إِذا قل مَاله. قَالَ ابْن السراج: وَلم يَقُولُوا فقر أَي: بِالضَّمِّ استغنوا عَنهُ بافتقر. انْتهى. وتنوين سَاعَة للتنكير والتقليل كَمَا فهم من كَلَام ابْن السّكيت. وَقَالَ ابْن بري: قَالَ أَبُو الْفَتْح بن جني: قَوْله سَاعَة يُرِيد سَاعَة الْغَضَب فاستغنى عَن الْإِضَافَة لدلَالَة اللَّفْظ عَلَيْهِ. انْتهى. وَالْمعْنَى أَن الْعرض يصان عِنْد ترك السَّفه فِي أقل من سَاعَة إِذا ملك نَفسه فَكيف لَا يصان إِذا داوم عَلَيْهِ. وَالْعرض أَكثر احتياجاً إِلَى الصون من الثِّيَاب النفيسة فَإِن عرض الرجل أحْوج إِلَى الصيانة عَن الدنس والرين من الثَّوْب الْمُوشى المزين. وعنى بالساعة سَاعَة الْغَضَب والأنفة فَإِنَّهُ كثيرا مَا أهلك الْحلم وأتلفه. وَفِي الْمثل السائر: الْغَضَب غول الْحلم. والريط واحده ريطة قَالَ صَاحب الْمِصْبَاح: الريطة بِالْفَتْح: كل ملاءة لَيست لفقين أَي: قطعتين وَالْجمع رياط وريطٌ أَيْضا. مثل تَمْرَة وتمر. وَقد يُسمى كل ثوبٍ رَقِيق ريطة. انْتهى. وَالْمعْنَى الْأَخير هُوَ المُرَاد هُنَا. قَالَ ابْن السّكيت: ومسهم: فِيهِ وشيٌ مثل أفواق السِّهَام. وَقَالَ الْجَوْهَرِي: المسهم. الْبرد المخطط. وَقَوله: أرى حَرْب أَقوام إِلَخ قَالَ صَاحب الْمِصْبَاح: الدَّقِيق:

(الشاهد الموفي للعشرين بعد الستمائة)

خلاف الْجَلِيل. ودق يدق من بَاب ضرب دقةً: خلاف غلظ فَهُوَ دقيقٌ. ودق الْأَمر دقةً أَيْضا إِذا غمض وخفي مَعْنَاهُ فَلَا يكَاد يفهمهُ إِلَّا الأذكياء. وَجل الشَّيْء يجل بِالْكَسْرِ: عظم فَهُوَ جليل. قَالَ ابْن السّكيت: يَقُول: نَحن نسرع إِلَى هَذِه الْحَرْب كَمَا يعجل الرجل إِلَى فرسه فيعروريه أَي:) يركبه عُريَانا. وَيُقَال: قد اعرورى فرسه إِذا رَكبه عرياً بِالضَّمِّ. انْتهى. وَقَوله: ترى الأَرْض منا إِلَخ فِي الصِّحَاح: وعضلت الشَّاة تعضيلاً إِذا نشب الْوَلَد فَلم يسهل مخرجه وَكَذَلِكَ الْمَرْأَة وَهِي شاةٌ معضلة ومعضل أَيْضا بِلَا هَاء. وعضلت الأَرْض بِأَهْلِهَا: غصت بهم. وَأنْشد هَذَا الْبَيْت. والعرمرم: الْجَيْش الْكثير. قَالَ ابْن السّكيت: هَذَا مثلٌ ضربه شبه الأَرْض بالحبلى الَّتِي تتمخض وَأَوْس بن حجر شَاعِر جاهلي تقدّمت تَرْجَمته فِي الشَّاهِد الرَّابِع عشر بعد الثلثمائة. وَحجر بِفَتْح الْحَاء وَالْجِيم. وَأنْشد بعده (الشَّاهِد الموفي للعشرين بعد الستمائة) الرجز (واستنزل الزباء قسراً وَهِي من ... عِقَاب لوح الجو أَعلَى منتمى)

على أَن تقدم من على أفعل التَّفْضِيل إِذا لم يكن مجرورها اسْم اسْتِفْهَام خَاص بالشعر. وَهَذَا مَذْهَب الْجُمْهُور وَهُوَ قَلِيل عِنْد ابْن مَالك لَا ضَرُورَة. وَأما تقدمها على الْمُبْتَدَأ نَحْو: من زيد أَنْت أفضل فضرورةٌ اتِّفَاقًا. وَقَالَ ابْن هِشَام اللَّخْمِيّ فِي شرح هَذَا الْبَيْت: من عِقَاب مُتَعَلق بِأَعْلَى وَإِنَّمَا قدمه ضَرُورَة لِأَن أفعل لَا يقوى قُوَّة الْفِعْل فَيعْمل عمله فِيمَا قبله فَلَا يجوز. من زيد أَنْت أفضل فَتقدم الْجَار عَلَيْهِ لضَعْفه إِلَّا أَنه جَازَ هُنَا للضَّرُورَة. كَمَا قَالَ الفرزدق: الطَّوِيل انْتهى. وَلَا يخفى أَن الْمِثَال مخالفٌ للبيتين فَإِنَّهُ مِمَّا تقدّمت من فِيهِ على الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر والبيتان مِمَّا تقدّمت من فِيهِ على الْخَبَر فَقَط. وَالْبَيْت من مَقْصُورَة ابْن دُرَيْد الْمَشْهُورَة. وَقَبله: (وَقد سما عمروٌ إِلَى أوتاره ... فاحتط مِنْهَا كل عالي المستمى) سما يسمو سموا: ارْتَفع. والأوتار: جمع وتر بِكَسْر الْوَاو وَفتحهَا وَهُوَ طلب الْإِنْسَان بِجِنَايَة. واحتط: افتعل من الْحَط بالمهملتين: أنزل.) وعال: مُرْتَفع. ومستمى: مفتعل من سما يسمو. وعمروٌ هُوَ عَمْرو بن عدي بن نصر بن ربيعَة بن عبد الْحَارِث بن مُعَاوِيَة بن مَالك بن غنم بن نمارة بن لخم ملك الْحيرَة ملك بعد خَاله

جذيمة مائَة وثماني عشرَة سنة. وَهُوَ أول من ملك من مُلُوك لخم. وَكَانَ مُدَّة ملك لخمٍ بِالْحيرَةِ خَمْسمِائَة سنة. وَكَانَ من حَدِيث عدي أَن جذيمة قَالَ ذَات يَوْم لندمائه: لقد ذكر لي غلامٌ من لخم فِي أَخْوَاله من بني إياد لَهُ ظرفٌ وأدب فَلَو بعثت إِلَيْهِ ووليته كأسي وَالْقِيَام على رَأْسِي لَكَانَ الرَّأْي. فَقَالُوا: الرَّأْي مَا رَآهُ الْملك فليبعث إِلَيْهِ. فَفعل فَلَمَّا قدم عَلَيْهِ قَالَ: من أَنْت قَالَ: أَنا عدي بن نصر. فولاه مَجْلِسه فعشقته رقاش بنت مَالك أُخْت جذيمة فَقَالَت لَهُ: يَا عدي إِذا سقيت الْقَوْم فامزج لَهُم وعرق للْملك أَي: امزج لَهُ قَلِيلا كالعرق فَإِذا أخذت الْخمر مِنْهُ فاخطبني إِلَيْهِ فَإِنَّهُ يزوجك فَأشْهد الْقَوْم إِن فعل. فَفعل الْغُلَام وخطبها فَزَوجهُ وَأشْهد عَلَيْهِ وَانْصَرف إِلَيْهَا فعرفها فَقَالَت: عرس بأهلك. فَلَمَّا أصبح غَدا متضمخاً بالخلوق فَقَالَ لَهُ جذيمة: مَا هَذِه الْآثَار يَا عدي قَالَ: آثَار الْعرس. قَالَ: وَأي عرس قَالَ: عرس رقاش. فنخر وأكب على الأَرْض وَرفع عدي جراميزه فأسرع جذيمة فِي طلبه فَلم يجده وَقيل: بل قَتله وَبعث إِلَيْهَا: الْخَفِيف (حدثيني وَأَنت لَا تكذبِينِي ... أبحرٍّ زَنَيْت أم بهجين) (أم بعبدٍ فَأَنت أهلٌ لعبدٍ ... أم بدونٍ فَأَنت أهلٌ لدوّنَ) فأجابته رقاش:

الْخَفِيف (أَنْت زوجتني وَمَا كنت أَدْرِي ... وأتاني النِّسَاء للتزيين) (ذَاك من شربك المدامة صرفا ... وتماديك فِي الصِّبَا والمجون) فنقلها جذيمة إِلَيْهِ وحصنها فِي قصره فاشتملت على حمل وَولدت غُلَاما فَسَمتْهُ عمرا حَتَّى إِذا ترعرع حلته وعطرته ثمَّ أزارته خَاله فأعجب بِهِ وألقيت عَلَيْهِ محبةٌ مِنْهُ. ثمَّ إِن جذيمة نزل منزلا وَأمر النَّاس أَن يجتنبوا لَهُ الكمأة فَكَانَ بَعضهم إِذا وجد شَيْئا مِنْهَا يُعجبهُ آثر بِهِ نَفسه على جذيمة وَكَانَ عَمْرو بن عدي يَأْتِيهِ بِخَير مَا يجد فَعندهَا يَقُول عَمْرو: الرجز (هَذَا جناي وخياره فِيهِ ... إِذْ كل جانٍ يَده إِلَى فِيهِ)) ثمَّ إِن الْجِنّ استهوته فَطَلَبه جذيمة فِي آفَاق الأَرْض فَلم يسمع لَهُ خَبرا إِذْ أقبل رجلَانِ من بني الْقَيْن يُقَال لأَحَدهمَا مَالك وَللْآخر عقيل ابْنا فالج ويروى فارج من الشَّام وهما يُريدَان الْملك بهدية فَنزلَا على مَاء ومعهما قينة يُقَال لَهَا: أم عَمْرو فَنصبت لَهما قدرا وَهَيَّأْت لَهما طَعَاما فَبَيْنَمَا هما يأكلان إِذْ أقبل رجلٌ أَشْعَث الرَّأْس قد طَالَتْ أَظْفَاره وَسَاءَتْ حَاله وَمد يَده فناولته الْقَيْنَة طَعَاما فَأَكله ثمَّ مد يَده فَقَالَت الْقَيْنَة: أعطي العَبْد كُرَاعًا فَطلب ذِرَاعا فأرسلتها

مثلا. ثمَّ ناولت صاحبيها من شرابها وأوكت سقاءها. فَقَالَ عَمْرو بن عدي: الوافر (صددت الكأس عَنَّا أم عمروٍ ... وَكَانَ الكأس مجْراهَا اليمينا) (وَمَا شَرّ الثَّلَاثَة أم عمروٍ ... بصاحبك الَّذِي لَا تصبحينا) ويروى هَذَا الشّعْر لعَمْرو بن كُلْثُوم التغلبي. وَيُقَال إِن عَمْرو بن كُلْثُوم أدخلهُ فِي معلقته. وَالله وهما من شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ. ومجراها: بدل من الكأس وَالْيَمِين: خبر كَانَ. وَإِن شِئْت جعلت مجْراهَا مُبْتَدأ وَالْيَمِين: ظرفا كَأَنَّهُ قَالَ: نَاحيَة الْيَمين وَهُوَ خبر عَن مجْراهَا وَالْجُمْلَة خبر كَانَ. فَقَالَ لَهُ الرّجلَانِ: من أَنْت قَالَ: أَنا عَمْرو بن عدي. فقاما إِلَيْهِ ويسلما عَلَيْهِ وقلما أَظْفَاره وقصرا من شعره وألبساه من طرائف ثيابهما وَقَالا: مَا كُنَّا نهدي إِلَى الْملك هَدِيَّة هِيَ أنف عِنْده وَلَا هُوَ عَلَيْهَا أحسن عَطاء من ابْن أُخْته قد رده الله عَلَيْهِ. فَلَمَّا وَقفا بِبَاب الْملك بشراه فسر بِهِ وَصَرفه إِلَى أمه وَقَالَ: لَكمَا حكمكما. فَقَالَا: حكمنَا منادمتك مَا بقيت وَبَقينَا. قَالَ: ذَلِك لَكمَا. فهما ندمانا جذيمة المعروفان. وإياهما عني متمم بن نُوَيْرَة بقوله فِي مرثيته لِأَخِيهِ مَالك بن نُوَيْرَة: الطَّوِيل (وَكُنَّا كندماني جذيمة حقبةً ... من الدَّهْر حَتَّى قيل لن يتصدعا) (فَلَمَّا تفرقنا كَأَنِّي ومالكاً ... لطول اجتماعٍ لم نبت لَيْلَة مَعًا)

وَقَالَ أَبُو خرَاش الْهُذلِيّ يرثي أَخَاهُ عُرْوَة: الطَّوِيل (ألم تعلمي أَن قد تفرق قبلنَا ... نديما صفاءٍ مالكٌ وَعقيل) وروى أَن جذيمة كَانَ لَا ينادم أحدا كبرا وزهواً. وَكَانَ يَقُول: أَنا أعظم من أَن أنادم إِلَّا الفرقدين. فَكَانَ يشرب كأساً وَيصب لكل واحدٍ مِنْهُمَا كأساً فَلَمَّا أَتَى مَالك وَعقيل نادماه) أَرْبَعِينَ سنة مَا أعادا عَلَيْهِ حَدِيثا. ثمَّ إِن أم عَمْرو جعلت فِي عُنُقه طوقاً من ذهب لنذرٍ كَانَ عَلَيْهَا ثمَّ أَمرته بزيارة خَاله فَلَمَّا رأى لحيته والطوق فِي عُنُقه قَالَ: شب عمروٌ عَن الطوق. فَذَهَبت مثلا. وَأقَام عَمْرو مَعَ خَاله جذيمة قد حمل عَنهُ عَامَّة أمره إِلَى أَن قتل. وَقَوله: فاستنزل الزباء قسراً الْبَيْت أَي: أنزل الزباء. وفاعله ضمير عمروٍ الْمَذْكُور فِي الْبَيْت قبله والزباء مَفْعُوله. والزباء ملكة اسْمهَا نائلة وَقيل: فارعة وَقيل: مَيْسُونُ. وَكَانَت زرقاء. وَمن النِّسَاء الموصوفات بالرزق زرقاء الْيَمَامَة. وَكَانَت البسوس أَيْضا زرقاء. والزباء تمد وتقصر. فَمن مد جعل مذكرها أزب وَمن قصر جعل مذكرها زبان. وَكَانَ لَهَا شعرٌ وَإِذا مشت سحبته وَرَاءَهَا وَإِذا نشرته جللها فسميت الزباء. والأزب: الْكثير الشّعْر.

وَاخْتلف فِي نَسَبهَا فَقيل كَانَت رُومِية وَكَانَت تَتَكَلَّم بِالْعَرَبِيَّةِ ومدائنها على شاطىء الْفُرَات من الْجَانِب الشَّرْقِي والغربي. وَقيل: إِنَّهَا بنت عَمْرو بن ظرب بن حسان من أهل بَيت عاملة من العماليق ملكت الشَّام والجزيرة. وَقيل إِن الزباء بنت مليح بن الْبَراء كَانَ أَبوهَا ملكا على الْحَضَر وَهُوَ الَّذِي ذكره عدي بن زيد بقوله: الْخَفِيف (وأخو الْحَضَر إِذْ بناه وَإِذ دج ... لَة تجبى إِلَيْهِ والخابور) قَتله جذيمة وطرد الزباء إِلَى الشَّام فلحقت بالروم. وَكَانَت عَرَبِيَّة اللِّسَان مَا رئي فِي نسَاء زمانها أجمل مِنْهَا. وَكَانَت كَبِيرَة الهمة وَبَلغت من همتها أَن جمعت الرِّجَال وبذلت الْأَمْوَال وعادت إِلَى مملكة أَبِيهَا فأزالت جذيمة عَنْهَا وَبنت على الْفُرَات مدينتين متقابلتين وَجعلت بَينهمَا أنفاقاً تَحت الأَرْض وتحصنت وهادنت جذيمة مُدَّة ثمَّ خاطبها فاستدعته وقتلته كَمَا تقدم شَرحه فِي الشَّاهِد الرَّابِع وَالثَّلَاثِينَ بعد الْخَمْسمِائَةِ من بَاب الْعلم. وَقَوله: من عِقَاب لوح إِلَخ الْعقَاب بِالضَّمِّ: طَائِر مَعْرُوف. واللوح بِالضَّمِّ: الْهَوَاء والجو مَا بَين السَّمَاء وَالْأَرْض.) ونظم ابْن دُرَيْد قَول عَمْرو بن عدي لقصير: كَيفَ أقدر على الزباء وَهِي أمنع من عِقَاب لوح الجو كَمَا يَأْتِي.

ويروى: أَعلَى مُنْتَهى أَي: أَعلَى مَا ينتهى إِلَيْهِ. قيل: قد غلط فِيهِ لِأَن الْعَرَب لَا تقف بِالتَّنْوِينِ ومنتمى: هُنَا مَنْصُوب على التَّمْيِيز وَالْوَقْف فِيهِ عِنْد سِيبَوَيْهٍ على الْألف المبدلة من التَّنْوِين. وَقد حقق الشَّارِح الْمُحَقق فِي بَاب الْوَقْف من شرح الشافية أَن هَذَا لَيْسَ مَذْهَب سِيبَوَيْهٍ وَأَن هَذِه اللَّام لَام الْكَلِمَة لَا الْألف المبدلة من نون التَّنْوِين. وقسراً: قهرا إِمَّا مفعول مُطلق وَإِمَّا حَال. أَي: فاستنزل الزباء كارهةً. يُرِيد أَن عمرا أَخذ ثَأْره مِنْهَا فَقَتلهَا وَإِنَّمَا قدر عَلَيْهَا بإعانة قصير بن سعد من أَصْحَاب جذيمة فَإِنَّهُ قَالَ لعَمْرو بن عدي بعد قتل جذيمة: أَلا تطلب بثأر خَالك فَقَالَ: وَكَيف أقدر على الزباء وَهِي أمنع من عِقَاب لوح الجو فأرسلها مثلا. فَقَالَ لَهُ قصير: اطلب الْأَمر وخلاك ذمٌّ فَذَهَبت مثلا أَيْضا. ثمَّ إِن قَصِيرا جدع أَنفه وَقطع أُذُنه بِنَفسِهِ وَفِيه قيل: لأمر مَا جدع قصيرٌ أَنفه. ثمَّ لحق بالزباء زاعماً أَن عَمْرو بن عدي صنع بِهِ ذَلِك وَأَنه لَجأ إِلَيْهَا هَارِبا مِنْهُ وَلم يزل يتلطف بهَا بطرِيق التِّجَارَة وَكسب الْأَمْوَال إِلَى أَن وثقت بِهِ وَعلم خفايا قصرهَا وأنفاقه. فَلَمَّا كَانَ فِي السفرة الثَّالِثَة اتخذ جوالقاتٍ كجوالق المَال وَجعل ربطها من دَاخل الجوالق فِي أَسْفَله وَأدْخل فِيهَا الرِّجَال بالأسلحة وَأخذ عَمْرو بن عدي مَعَه وَقد كَانَ قصيرٌ وصف لعَمْرو شَأْن النفق وَوصف لَهُ الزباء فَلَمَّا دخلت الْجمال الْمَدِينَة جَاءَ عَمْرو بن عدي على فرسه فَدخل الْحصن بعقب الْإِبِل وبركت الْإِبِل وَحل الرِّجَال الجوالقات

(الشاهد الواحد والعشرون بعد الستمائة)

ومثلوا بِالْمَدِينَةِ ووقف عَمْرو على بَاب النفق فَلَمَّا جَاءَت الزباء هاربة جللها بِالسَّيْفِ واستباح بلادها. وَقد تقدم شرح هَذِه الْقِصَّة بأبسط من هَذَا فِي شرح الشَّاهِد الْمَذْكُور. وترجمة ابْن دُرَيْد تقدّمت فِي الشَّاهِد الثَّامِن وَالسبْعين بعد الْمِائَة. وَأنْشد بعده (الشَّاهِد الْوَاحِد وَالْعشْرُونَ بعد الستمائة) الرجز (قبحتم يَا آل زيدٍ نَفرا ... ألأم قومٍ أصغراً وأكبرا) على أَن أفعل قد يَأْتِي بِمَعْنى اسْم الْفَاعِل أَو الصّفة المشبهة قِيَاسا عِنْد الْمبرد سَمَاعا عِنْد غَيره. وَهُوَ الْأَصَح كَمَا فِي الْبَيْت فَإِنَّهُمَا بِمَعْنى صَغِير وكبير. وَهَذَا الْبَيْت أوردهُ الْمبرد فِي الْكَامِل عِنْد شرح قَول الفرزدق: (إِن الَّذِي سمك السَّمَاء بنى لنا ... بَيْتا دعائمه أعز وأطول) قبحتم يَا آل زيدٍ نَفرا ... ... . . الْبَيْت قَالَ: يُرِيد صغَارًا وكباراً. وَفِي التسهيل وَشَرحه لِابْنِ عقيل: واستعماله عَارِيا دون من

مُجَردا عَن معنى التَّفْضِيل مؤولاً باسم الْفَاعِل: هُوَ أعلم بكم أَي: عالمٌ أَو صفة مشبهة: وَهُوَ أَهْون عَلَيْهِ أَي: هَين مطرد عِنْد الْمبرد. وَعَلِيهِ الْمُتَأَخّرُونَ. وَحكى ابْن الْأَنْبَارِي الْجَوَاز عَن أبي عُبَيْدَة وَالْمَنْع عَن النَّحْوِيين. وَالأَصَح قصره على السماع. قيل لقلَّة مَا ورد من ذَلِك. وَفِيه نظر ظَاهر وَلَعَلَّ وَجهه أَن الْوَارِد قابلٌ للتأويل إِلَّا أَن فِي بعض التَّأْوِيل تكلفاً وَمَوْضِع التَّكَلُّف قَلِيل وَمِنْه: بَنَاتِي هن أطهر لكم أَي: طاهرات لَا يصلاها إِلَّا الأشقى أَي: الشقي. وَالْوَجْه أَن ذَلِك مطرد وَلُزُوم الْإِفْرَاد والتذكير فِيمَا ورد كَذَلِك أَكثر من الْمُطَابقَة. فالإفراد: خيرٌ مُسْتَقرًّا وَأحسن مقيلاً وَنحن أعلم بِمَا يَسْتَمِعُون والمطابقة: الطَّوِيل (إِذا غَابَ عَنْكُم أسود الْعين كُنْتُم ... كراماً وَأَنْتُم مَا أَقَامَ ألائم) فألائم جمع ألأم بِمَعْنى لئيم. وَإِذا صَحَّ جمع أفعل العاري الْمُجَرّد عَن معنى التَّفْضِيل إِذا جرى على جمعٍ جَازَ تأنيثه إِذا جرى على مؤنث. وعَلى هَذَا يكون قَول الْحسن بن هانىء: الْبَسِيط صَحِيحا لِأَنَّهُ تَأْنِيث أَصْغَر وأكبر بِمَعْنى صَغِير وكبير لَا بِمَعْنى التَّفْضِيل. انْتهى.

وَقَالَ الشاطبي عِنْد قَول ابْن مَالك: (وأفعل التَّفْضِيل صله أبدا ... تَقْديرا أَو لفظا بِمن إِن جردا) قَوْله: أبدا فِيهِ تنكيت وتنبيه على أَن الْمُجَرّد لَا يَأْتِي بِمَعْنى اسْم الْفَاعِل مُجَردا من معنى من) قِيَاسا أصلا خلافًا للمبرد الْقَائِل بِأَنَّهُ جَائِز قِيَاسا فَيجوز عِنْده أَن تَقول: زيد أفضل غير مقصودٍ بِهِ التَّفْضِيل على شيءٍ بل بِمَعْنى فَاضل. وَزعم أَن معنى قَوْلهم فِي الْأَذَان وَغَيره: الله أكبر: الله الْكَبِير لِأَن المفاضلة تَقْتَضِي الْمُشَاركَة فِي الْمَعْنى الْوَاقِع فِيهِ التَّفْضِيل والمفاضلة فِي الْكِبْرِيَاء هُنَا تَقْتَضِي الْمُشَاركَة إِن قدر فِيهِ من كل شَيْء. ومشاركة الْمَخْلُوق للخالق فِي ذَلِك أَو فِي غَيره من أَوْصَاف الرب محالٌ بل كل كَبِير بِالْإِضَافَة إِلَى كبريائه لَا نِسْبَة لَهُ بل هُوَ كلا شَيْء. وَكَذَلِكَ قَول فِي قَوْله: وَهُوَ أَهْون عَلَيْهِ تَقْدِيره معنى: وَهُوَ هينٌ عَلَيْهِ لِأَن جَمِيع المقدورات متساويةٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى قدرَة الله فَلَا يَصح فِي مَقْدُور مفاضلة الْهون فِيهِ على مقدورٍ آخر. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: هُوَ أعلم بكم إِذْ لَا مُشَاركَة لأحدٍ بَين علمه وَعلم الله تَعَالَى. (إِن الَّذِي سمك السَّمَاء بنى لنا ... بَيْتا ... ... ... الْبَيْت) أَي: عزيزة وطويلة. فَهَذِهِ مَوَاضِع لَا يَصح فِيهَا معنى المفاضلة

فَثَبت أَنَّهَا صِفَات مُجَرّدَة عَن ذَلِك مساويةٌ لسَائِر الصِّفَات. وَمثل ذَلِك كثير. فقاس الْمبرد على ذَلِك مَا فِي مَعْنَاهُ. فالناظم نكت عَلَيْهِ وارتضى مَذْهَب سِيبَوَيْهٍ وَمن وَافقه وَأَن أفعل التَّفْضِيل لَا يتجرد من معنى من إِذا كَانَ مُجَردا أصلا. وَمَا جَاءَ مِمَّا ظَاهره خلاف ذَلِك فَهُوَ راجعٌ إِلَى تَقْدِير معنى من أَو إِلَى بابٍ آخر. فَأَما المفاضلة فِيمَا يرجع إِلَى الله تَعَالَى فَهِيَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى عَادَة المخلوقين فِي التخاطب وعَلى حسب توهمهم العادي. فَقَوله: الله أكبر معنى ذَلِك أكبر من كل شيءٍ يتَوَهَّم لَهُ كبر أَو على حسب مَا اعتادوه فِي المفاضلة بَين المخلوقين وَإِن كَانَ كبرياء الله تَعَالَى لَا نِسْبَة لَهَا إِلَى كبر الْمَخْلُوق. وَكَذَلِكَ قَوْله: وَهُوَ أَهْون عَلَيْهِ. يُرِيد على مَا جرت بِهِ عادتكم أَن إِعَادَة مَا تقدم اختراعه أسهل من اختراعه ابْتِدَاء. وَقَوله: هُوَ أعلم بكم أَي: مِنْكُم حَيْثُ تتوهمون أَن لكم علما وَللَّه تَعَالَى علما أَو على حد مَا تَقولُونَ: هَذَا أعلم من هَذَا. وَهِي طَريقَة الْعَرَب فِي كَلَامهَا وَبهَا نزل الْقُرْآن. خوطبوا بِمُقْتَضى كَلَامهم وَبِمَا يعتادون فِيمَا) بَينهم. وَقد بَين هَذَا سِيبَوَيْهٍ فِي كِتَابه حَيْثُ احْتَاجَ إِلَيْهِ. أَلا ترى أَنه حِين تكلم على لَعَلَّ فِي قَوْله تَعَالَى: لَعَلَّه يتَذَكَّر أَو يخْشَى صرف

مقتضاها من الطمع إِلَى المخلوقين فَقَالَ: وَالْعلم قد أَتَى من وَرَاء مَا يكون وَلَكِن اذْهَبَا على طمعكما ورجائكما ومبلغكا من الْعلم. قَالَ: وَلَيْسَ لَهما إِلَّا ذَاك مَا لم يعلمَا. وَهَذَا من سِيبَوَيْهٍ غَايَة التَّحْقِيق. وَكَثِيرًا مَا يذكر أَمْثَال هَذَا فِي كِتَابه. وَأما بَيت الفرزدق فَغير خَارج عَن تَقْدِير من فقد رُوِيَ عَن رؤبة بن العجاج أَن رجلا قَالَ لَهُ: يَا أَبَا الجحاف أَخْبرنِي عَن قَول الفرزدق: أطول من كل شَيْء فَقَالَ لَهُ: رويداً إِن الْعَرَب تجتزىء بِهَذَا. قَالَ: وَقَالَ الْمُؤَذّن: الله أكبر فَقَالَ رؤبة: أما تسمع إِلَى قَوْله: الله أكبر اجتزأ بهَا من أَن يَقُول من كل شَيْء. هَذَا مَا قَالَ وَهُوَ ظاهرٌ فِي صِحَة التَّقْدِير وَأَنه مُرَاد الْعَرَب. ثمَّ إِن الَّذِي يدل على أَن المُرَاد معنى من أَن أفعل فِي هَذِه الْمَوَاضِع وَنَحْوهَا لَا يثنى وَلَا يجمع وَلَا يؤنث وَمَا ذَاك إِلَّا لمَانع تَقْدِير من كَقَوْلِه تَعَالَى: أَصْحَاب الْجنَّة يومئذٍ خيرٌ مُسْتَقرًّا وَقَوله: وَالَّذِي جَاءَ من ذَلِك على الْجمع شَاذ نَحْو مَا أنْشدهُ الْفَارِسِي من قَول الشَّاعِر: إِذا غَابَ عَنْكُم أسود الْعين ... ... ... الْبَيْت أنْشدهُ الْمُؤلف فِي الشَّرْح على أَنه جمع ألأم مُجَردا عَن تَقْدِير من.

وَحمله الْفَارِسِي على أَنه جمع لئيم كقطيع وأقاطيع وَحَدِيث وَأَحَادِيث وَحذف الزِّيَادَة. انْتهى كَلَام الشاطبي. وَلم يذكر الْبَيْت الَّذِي أنْشدهُ الشَّارِح الْمُحَقق. والتفضيل فِيهِ غير مُرَاد فَإِن أَصْغَر حالٌ من الضَّمِير فِي ألأم وَالْمعْنَى نسبتهم إِلَى أَشد اللؤم فِي حَال صغرهم وَفِي حَال كبرهم والتفضيل لَا وَجه لَهُ إِلَّا بتكلف وَهُوَ أَن يكون التَّقْدِير: أَصْغَر من غَيره وأكبر مِنْهُ. وَهَذَا معنى سخيف. وَيجوز أَن يكون أَصْغَر صفة لألأم للتعميم فَيرجع إِلَى معنى الحالية. وَلَا وَجه لجعله صفة لقوم. فَتَأمل. وألأم مَنْصُوب على الذَّم وَيجوز أَن يكون صفة لقَوْله: نَفرا وَيجوز أَيْضا رَفعه على أَنه خبر لمبتدأ مَحْذُوف وَالتَّقْدِير: أَنْتُم ألأم قومٍ وَالْقطع للذم أَيْضا. واللؤم بِالْهَمْز: ضد الْكَرم يُقَال: لؤم على وزن كرم فَهُوَ لئيم وَهُوَ الشحيح والدنيء النَّفس والمهين.) وَقَوله: قبحتم هُوَ بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول وَتَشْديد الْبَاء. يُقَال: قبحه الله يقبحه بِفَتْح الباءين المخفقتين. أَي: نحاه عَن الْخَيْر. وَفِي التَّنْزِيل: هم من المقبوحين أَي: المبعدين عَن الْفَوْز. وقبحه الله وَنَفَرًا: تَمْيِيز محول عَن الْفَاعِل وَالتَّقْدِير: قبح نفركم يَا آل زيد. والنفر بِفتْحَتَيْنِ: جمَاعَة الرِّجَال من ثَلَاثَة إِلَى عشرَة وَقيل إِلَى سَبْعَة. وَلَا يُقَال: نفر فِيمَا زَاد على الْعشْرَة. قَالَه صَاحب الْمِصْبَاح. وَفِي ذكر النَّفر ذمّ أَيْضا.

(الشاهد الثاني والعشرون بعد الستمائة)

وَالْبَيْت لم أَقف لَهُ على خبر. وَالله أعلم. وأنشده بعده (الشَّاهِد الثَّانِي وَالْعشْرُونَ بعد الستمائة) الطَّوِيل ملوكٌ عظامٌ من ملوكٍ أعاظم على أَن أعاظم بِمَعْنى عِظَام وَهُوَ جمع أعظم بِمَعْنى عَظِيم غير مُرَاد بِهِ التَّفْضِيل. وَلَو كَانَ مرَادا للَزِمَ الْإِفْرَاد والتذكير. وَيَأْتِي فِيهِ مَا نَقله الشاطبي عَن الْفَارِسِي من أَنه جمع عَظِيم مَعَ حذف الزِّيَادَة. والمصراع من أبياتٍ لأعرابيٍّ. وَالرِّوَايَة كَذَا: (توسمته لما رَأَيْت مهابةً ... عَلَيْهِ وَقلت الْمَرْء من آل هَاشم) (فَقُمْت إِلَى عنزٍ بَقِيَّة أعنزٍ ... لأذبحها فعل امرىءٍ غير نادم) (فعوضني عَنْهَا غناي وَلم تكن ... تَسَاوِي عنزي غير خمس دَرَاهِم) (فَقلت لأهلي فِي الْخَلَاء وصبيتي ... أحقاً أرى أم تِلْكَ أَحْلَام نَائِم) (فَقَالُوا جَمِيعًا لَا بل الْحق هَذِه ... تخب بهَا الركْبَان وسط المواسم) (بِخمْس مئينٍ من دَنَانِير عوضت ... من العنز مَا جَادَتْ بِهِ كف حَاتِم) رُوِيَ أَن عبيد الله بن الْعَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما خرج مرّة من الْمَدِينَة يُرِيد مُعَاوِيَة فِي الشَّام فأصابته سَمَاء فَنظر إِلَى نويرةٍ عَن يَمِينه فَقَالَ لغلامه: مل بِنَا إِلَيْهَا. فَلَمَّا أتياها إِذا شيخ ذُو هَيْئَة

رثَّة فَقَالَ لَهُ: أنخ انْزِلْ حييت وَدخل إِلَى منزله فَقَالَ لامْرَأَته: هيئي شَاتك أَقْْضِي بهَا ذمام هَذَا الرجل فقد توسمت فِيهِ الْخَيْر فَإِن يكن من مُضر فَهُوَ من بني عبد الْمطلب وَإِن يكن من الْيمن فَهُوَ من بني آكل المرار.) فَقَالَت لَهُ: قد عرفت حَال صبيتي وَأَن معيشهم مِنْهَا وأخاف الْمَوْت عَلَيْهِم إِن فقدوها. فَقَالَ: مَوْتهمْ أحب إِلَيّ من اللؤم. ثمَّ قبض على الشَّاة فَأخذ الشَّفْرَة وَأنْشد: الرجز (قريبتي لَا توقظي بنيه ... إِن يوقظوا ينسحبوا عَلَيْهِ) ثمَّ ذَبحهَا وكشط جلدهَا وقطعها أَربَاعًا وقذفها فِي الْقدر حَتَّى إِذا اسْتَوَت اثرد فِي جفنةٍ فعشاهم ثمَّ غداهم فَأَرَادَ عبيد الله الرحيل: فَقَالَ لغلامه: ارْمِ للشَّيْخ مَا مَعَك من نَفَقَة. فَقَالَ: ذبح لَك الشَّاة فكافأته بِمثل عشرَة أَمْثَالهَا وَهُوَ لَا يعرفك فَقَالَ: وَيحك إِن هَذَا لم يكن يملك من الدُّنْيَا غير هَذِه الشَّاة فجاد لنا بهَا وَإِن كَانَ لَا يعرفنا فَأَنا أعرف نَفسِي ارْمِ بهَا إِلَيْهِ. فَرَمَاهَا إِلَيْهِ فَكَانَت خَمْسمِائَة دِينَار. فارتحل عبيد الله فَأتى مُعَاوِيَة فَقضى حَاجته ثمَّ أقبل رَاجعا إِلَى الْمَدِينَة حَتَّى إِذا قرب من ذَلِك الشَّيْخ قَالَ لغلامه: مل بِنَا إِلَيْهِ ننظره فِي أَي حَالَة هُوَ فَانْتَهَيَا إِلَيْهِ فَإِذا برجلٍ سري عِنْده دخانٌ عالٍ ورماد كثير وإبل وغنم ففرح بذلك وَقَالَ لَهُ الشَّيْخ: انْزِلْ بالرحب وَالسعَة. وَقَالَ: أتعرفني فَقَالَ: لَا وَالله فَمن أَنْت فَقَالَ: أَنا نزيلك لَيْلَة كَذَا وَكَذَا. فَقَامَ إِلَيْهِ فَقبل رَأسه وَيَديه وَرجلَيْهِ وَقَالَ: قد قلت أبياتاً أتسمعها مني

فَقَالَ: هَات. فَأَنْشد هَذِه الأبيات فَضَحِك عبيد الله وَقَالَ: أَعطيتنَا أَكثر مِمَّا أخذت منا يَا غُلَام أعْطه مثلهَا فبلغت فعلته مُعَاوِيَة فَقَالَ: لله در عبيد الله من أَي بيضةٍ خرج وَفِي أَي عش درج وَهِي لعمري من فعلاته وَقَوله: توسمته بِمَعْنى تفرسته من التوسم يُقَال: توسمت فِيهِ الْخَيْر أَي: طلبت سمته. وَقَوله: وَإِلَّا فَمن آل المرار أَي: إِن لم يكن من آل هَاشم فَهُوَ من آل المرار على حذف مُضَاف أَي: آل آكل المرار وهم مُلُوك الْيمن. قَالَ صَاحب الْقَامُوس: والمرار بِالضَّمِّ: شجرٌ من أفضل العشب وأضخمه إِذا أَكلته الْإِبِل قلصت مشافرها فبدت أسنانها وَلذَلِك قيل لجد امرىء الْقَيْس: آكل المرار لكشرٍ كَانَ بِهِ. وَقَالَ الشريف الجواني: إِن فِي آكل المرار خلافًا هَل هُوَ الْحَارِث بن عَمْرو بن حجر بن عَمْرو بن مُعَاوِيَة بن الْحَارِث بن مُعَاوِيَة بن ثَوْر بن مرتع أم هُوَ حجر بن عَمْرو بن مُعَاوِيَة) وَإِن الْحَارِث إِنَّمَا سمي آكل المرار لِأَن عَمْرو بن الهبولة الغساني أغار عَلَيْهِم وَكَانَ الْحَارِث غَائِبا فغنم وسبى وَكَانَ فِيمَن سبى أم أناسٍ بنت عَوْف بن محلم الشَّيْبَانِيّ امْرَأَة الْحَارِث فَقَالَت لعَمْرو بن الهبولة فِي مسيره: لكَأَنِّي برجلٍ أدلم أسود كَأَن مشافره مشافر بعيرٍ آكل المرار قد أَخذ برقبتك تَعْنِي الْحَارِث. فَسُمي آكل المرار. والمرار كغراب: شجر مرٌّ إِذا أكلت مِنْهَا الْإِبِل تقلصت مشافرها. ثمَّ تبعه الْحَارِث فِي بكر بن وَائِل فَلحقه فَقتله واستنفذ امْرَأَته وَمَا كَانَ أصَاب.

وَقَالَ ابْن دُرَيْد فِي كتاب الِاشْتِقَاق: إِن آكل المرار الْحَارِث جد امرىء الْقَيْس الشَّاعِر ابْن وَقَوله: ملوكٌ عظامٌ إِلَخ بتنوين مُلُوك وَعِظَام: وَصفه وَكَذَلِكَ مَا بعده. وَقَوله: فعوضني إِلَخ فَاعله ضمير الْمَرْء من آل هَاشم المُرَاد بِهِ عبيد الله ابْن عَبَّاس. وغناي الْمَفْعُول الثَّانِي لعوض. والغنى: ضد الْفقر وَضمير عَنْهَا للعنز. وَقَوله: تَسَاوِي بِضَم الْيَاء للضَّرُورَة أوردهُ ابْن عُصْفُور فِي كتاب الضرائر وَقَالَ: أجْرى حرف الْعلَّة مجْرى الْحَرْف الصَّحِيح فأظهر الضمة عَلَيْهِ. وَكَذَا أوردهُ الْمرَادِي فِي شرح الألفية. وَقَوله: فَقلت لأهلي إِلَخ الْخَلَاء بِالْفَتْح وَالْمدّ: الفضاء. وصبية: جمع صبي أَي: قلت لزوجتي وأولادي. وَقَوله: أحقاً أرى إِلَخ يَقُول: من شدَّة سروري بِالدَّنَانِيرِ دهشت فَقلت لَهُم مستفهماً: أما أرَاهُ حَقًا أم تِلْكَ الدَّنَانِير أضغاث أَحْلَام. وَقَوله: تخب بهَا أَي: بذكرها أَي: بِذكر الدَّنَانِير. وتخب تسرع من الخبب وَهُوَ ضربٌ من الْعَدو وَفعله من بَاب نصر وركبان جمع رَاكب. والمواسم: جمع موسم الْحَج. وَقَوله: بِخمْس مئين إِلَخ هُوَ بدلٌ من قَوْلهَا بهَا. ومئين بِالْكَسْرِ والتنوين لُغَة أَو ضَرُورَة جمع مائَة. وعوضت: جعلت عوضا من العنز.

وَقَوله: مَا جَادَتْ إِلَخ. مَا: نَافِيَة أَي: لم تَجِد كف حَاتِم بِهَذَا الْجُود. وَيحْتَمل أَن تكون مَا مَوْصُولَة خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي: هِيَ مَا جَادَتْ بِهِ كف حَاتِم. المُرَاد بِهِ عبيد الله بن الْعَبَّاس بِالتَّصْغِيرِ وَهُوَ أَخُو عبد الله بن الْعَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم حبر هَذِه الْأمة.) وَالْأول مشهورٌ بالجود معدودٌ من الأجواد وَالثَّانِي مَشْهُور بِالْعلمِ وَإِن كَانَا فِي الْعلم والجود مشتركين. وَقد أورد ابْن عبد ربه فِي العقد الفريد بعض مَا يتَعَلَّق بجود عبيد الله. مِنْهَا: أَنه أول من فطر جِيرَانه فِي رَمَضَان وَأول من وضع الموائد على الطّرق وَأول من حَيا على طَعَامه وَأول من أنهبه. وَمن جوده: أَنه أَتَاهُ وَهُوَ بِفنَاء دَاره فَقَامَ بَين يَدَيْهِ فَقَالَ: يَا ابْن عَبَّاس إِن لي عنْدك يدا وَقد احتجت إِلَيْهَا. فَصَعدَ فِيهِ بَصَره وَصَوَّبَهُ فَلم يعرفهُ ثمَّ قَالَ لَهُ: مَا يدك عندنَا قَالَ: رَأَيْتُك وَاقِفًا بِبَاب زَمْزَم وغلامك يمتح لَك من مَائِهَا وَالشَّمْس قد صهرتك فظلتك بِطرف كسائي حَتَّى شربت. قَالَ: إِنِّي لأذكر ذَلِك وَإنَّهُ يتَرَدَّد بَين خاطري وفكري. ثمَّ قَالَ لقيمه: مَا عنْدك قَالَ: مِائَتَا دِينَار وَعشرَة آلَاف دِرْهَم. قَالَ: ادفعها إِلَيْهِ وَمَا أَرَاهَا قَالَ لَهُ الرجل: وَالله لَو لم يكن لإسماعيل ولدٌ غَيْرك لَكَانَ فِيهِ مَا كَفاهُ فَكيف

وَقد ولد سيد الْأَوَّلين والآخرين مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ثمَّ شفع بأبيك وَبِك. وَمن جوده أَيْضا: أَن مُعَاوِيَة حبس عَن الْحُسَيْن بن عَليّ صلَاته حَتَّى ضَاقَتْ حَاله عَلَيْهِ فَقيل: لَو وجهت إِلَى ابْن عمك عبيد الله فَإِنَّهُ قدم بِنَحْوِ ألف ألف دِرْهَم. فَقَالَ الْحُسَيْن: وَأَيْنَ تقع ألف ألفٍ من عبيد الله فوَاللَّه لَهو أَجود من الرّيح إِذا عصفت وأسخى من الْبَحْر إِذا زخر. ثمَّ وَجه إِلَيْهِ مَعَ رَسُوله بكتابٍ ذكر فِيهِ حبس مُعَاوِيَة عِنْد صلَاته وضيق حَاله وَأَنه يحْتَاج إِلَى مائَة ألف دِرْهَم. فَلَمَّا قَرَأَ عبيد الله كِتَابه وَكَانَ من أرق النَّاس قلباً انهملت عَيناهُ ثمَّ قَالَ: وَيلك يَا مُعَاوِيَة مَا اجترحت يداك من الْإِثْم حِين أَصبَحت لين المهاد رفيع الْعِمَاد وَالْحُسَيْن يشكو ضيق الْحَال وَكَثْرَة الْعِيَال ثمَّ قَالَ لقهرمانه: احْمِلْ إِلَى الْحُسَيْن نصف مَا أملكهُ من فضَّة وَذهب وثوبٍ ودابة وَأخْبرهُ أَنِّي شاطرته مَالِي فَإِن أقنعه ذَلِك وَإِلَّا فَارْجِع واحمل إِلَيْهِ الشّطْر الآخر. فَقَالَ لَهُ الْقيم: فَهَذِهِ الْمُؤَن الَّتِي عَلَيْك من أَيْن تقوم بهَا قَالَ: إِذا بلغنَا ذَلِك دللتك على أمرٍ يُقيم فَلَمَّا أَتَى الرَّسُول برسالته إِلَى الْحُسَيْن قَالَ: إِنَّا لله حملت وَالله على ابْن عمي وَمَا حسبته يَتَّسِع) لنا بِهَذَا كُله. فَأخذ الشّطْر من مَاله. وَهُوَ أول من فعل ذَلِك فِي الْإِسْلَام. وَمن جوده: أَن مُعَاوِيَة أهْدى إِلَيْهِ وَهُوَ عِنْده بِالشَّام من هَدَايَا النيروز حللاً كَثِيرَة ومسكاً وآنيةً من ذهبٍ وَفِضة ووجهها مَعَ حَاجِبه فَلَمَّا وَضعهَا بَين يَدَيْهِ نظر إِلَى الْحَاجِب وَهُوَ ينظر إِلَيْهَا فَقَالَ: هَل فِي

نَفسك مِنْهَا شيءٌ فَقَالَ: نعم وَالله إِن فِي نَفسِي مِنْهَا مَا كَانَ فِي نفس يَعْقُوب من يُوسُف عَلَيْهِمَا السَّلَام فَضَحِك عبيد الله وَقَالَ: فشأنك بهَا فَهِيَ لَك. قَالَ: جعلت فدَاك أَخَاف أَن يبلغ ذَلِك مُعَاوِيَة فيجد عَليّ. قَالَ: فاختمها بخاتمك وارفعها إِلَى الخازن فَإِذا حَان خروجنا حملهَا إِلَيْك لَيْلًا. فَقَالَ الْحَاجِب: وَالله لهَذِهِ الْحِيلَة فِي الْكَرم أَكثر من الْكَرم ولوددت أَنِّي لَا أَمُوت حَتَّى أَرَاك مَكَانَهُ يَعْنِي مُعَاوِيَة فَظن عبيد الله أَنَّهَا مكيدة مِنْهُ. قَالَ: دع عَنْك هَذَا الْكَلَام فَإنَّا قومٌ نفي بِمَا وعدنا وَلَا ننقض مَا أكدنا. وَمن جوده أَيْضا: أَنه أَتَاهُ سائلٌ وَهُوَ لَا يعرفهُ فَقَالَ لَهُ: تصدق فَإِنِّي نبئت أَن عبيد الله بن الْعَبَّاس أعْطى سَائِلًا ألف دِرْهَم وَاعْتذر إِلَيْهِ. فَقَالَ لَهُ: وَأَيْنَ أَنا من عبيد الله قَالَ: أَيْن أَنْت مِنْهُ فِي الْحسب أم كَثْرَة المَال قَالَ: فيهمَا. قَالَ: أما الْحسب فِي الرجل فمروءته وَفعله وَإِذا شِئْت فعلت وَإِذا فعلت كنت حسيباً. فَأعْطَاهُ ألفي دِرْهَم وَاعْتذر إِلَيْهِ من ضيق الْحَال فَقَالَ لَهُ السَّائِل: إِن لم تكن عبيد الله بن عَبَّاس فَأَنت خيرٌ مِنْهُ وَإِن كنته فَأَنت الْيَوْم خيرٌ مِنْك أمس فَأعْطَاهُ ألفا أُخْرَى فَقَالَ السَّائِل: هَذِه هزة كريم حسيبٍ وَالله لقد نقرت حَبَّة قلبِي فأفرغتها فِي قَلْبك فَمَا أَخْطَأت إِلَّا باعتراض الشد من جوانحي. وَمن جوده أَيْضا: أَنه جَاءَهُ رجلٌ من الْأَنْصَار فَقَالَ: يَا ابْن عَم رَسُول الله ولد لي فِي هَذِه اللَّيْلَة مولودٌ وَإِنِّي سميته بِاسْمِك تبركاً مني بِهِ وَإِن أمه مَاتَت. فَقَالَ عبيد الله: بَارك الله لَك فِي الْهِبَة وأجزل لَك

(الشاهد الثالث والعشرون بعد الستمائة)

الْأجر على الْمُصِيبَة. ثمَّ دَعَا بوكيله فَقَالَ: انْطلق السَّاعَة فاشتر للمولود جَارِيَة تحضنه وادفع إِلَيْهِ مِائَتي دينارٍ للنَّفَقَة على تَرْبِيَته. ثمَّ قَالَ للْأَنْصَارِيِّ: عد إِلَيْنَا بعد أَيَّام فَإنَّك جئتنا وَفِي الْعَيْش يبس وَفِي المَال قلَّة قَالَ الْأنْصَارِيّ: لَو سبقت حاتماً بيومٍ وَاحِد مَا ذكرته الْعَرَب أبدا وَلكنه سَبَقَك فصرت لَهُ) تالياً وَأَنا أشهد أَن عفوك أَكثر من مجهوده وطل كرمك أَكثر من وابله. هَذَا مَا اخترناه من العقد وَفِيه كِفَايَة وقصدنا بتسطيره الثَّوَاب وَإِن كَانَ أطلنا بِهِ الْكتاب. (الشَّاهِد الثَّالِث وَالْعشْرُونَ بعد الستمائة) الطَّوِيل (لعمرك مَا أَدْرِي وَإِنِّي لأوجل ... على أَيّنَا تعدو الْمنية أول) على أَن أول بني على الضَّم لحذف الْمُضَاف إِلَيْهِ وَنِيَّة مَعْنَاهُ. وَالْأَصْل: أول أَوْقَات عدوها. قَالَ ابْن جني فِي إِعْرَاب الحماسة: إِنَّمَا بنيت أول هُنَا لِأَن الْإِضَافَة مردةٌ فِيهَا فَلَمَّا اقتطعت مِنْهَا وَهِي مُرَادة فِيهَا بنيت كقبل وَبعد فَكَأَنَّهُ قَالَ: تعدو الْمنية أول الْوَقْت. وَأَصلهَا قبل الْإِضَافَة أَن

تكون مَعهَا من ليتم بهَا قبل الظَّرْفِيَّة صفة فَتكون كقديم وَحَدِيث لم تنقل عَن الْوَصْف إِلَّا إِلَى الظَّرْفِيَّة. فَإِذا صَحَّ فِيهَا مَذْهَب الصّفة فَلَا بُد فِيهَا من معنى من قبل الْإِضَافَة فَإِذا تصورت صفة قبل ذَلِك أمكن حِينَئِذٍ نقلهَا إِلَى الظّرْف كَسَائِر مَا نقل إِلَى الظروف من الصِّفَات نَحْو قديم وَحَدِيث وملي وطويل. وأوجل مِمَّا جَاءَ على الصِّفَات على أفعل لَا فعلاء لَهُ. أَلا تراهم لَا يَقُولُونَ وجلاء استغنوا عَنْهَا بوجلة. اه. وظنه الْعَيْنِيّ فعلا مضارعاً فَقَالَ: قَوْله: لأوجل أَي: لأخاف من وَجل يوجل. والمصراع الثَّانِي فِي مَحل نصب على أَنه سادٌّ مسد مفعولي درى مُعَلّق عَن الْعَمَل فِي لَفظه بِسَبَب الِاسْتِفْهَام وعَلى مُتَعَلقَة بتعدو. وَأَخْطَأ الْعَيْنِيّ فِي قَوْله: مفعول أَدْرِي مَحْذُوف تَقْدِيره: مَا أَدْرِي مَا يفعل بِنَا أَو مَا يكون وَنَحْو ذَلِك. وَلم يتَعَرَّض لجملة على أَيّنَا تعدو إِلَخ. وَهُوَ بِالْعينِ الْمُهْملَة من عدا عَلَيْهِ يعدو عدوا بِمَعْنى ظلم وَتجَاوز الْحَد. وَرُوِيَ بالغين الْمُعْجَمَة من غَدا غدواً أَي: ذهب غدْوَة وَهِي مَا بَين صَلَاة الصُّبْح وطلوع الشَّمْس. هَذَا أَصله ثمَّ كثر حَتَّى اسْتعْمل فِي الذّهاب والانطلاق أَي وقتٍ كَانَ. والمنية: الْمَوْت. وَأول: ظرفٌ مَبْنِيّ وموضعه النصب بتعدو وَجُمْلَة: وَإِنِّي لأوجل جملَة مُعْتَرضَة بَين أَدْرِي وَبَين الساد عَن مفعوليها. وأوجل مَعْنَاهُ خَائِف. وَالْمعْنَى:

أقسم ببقائك مَا أعلم أَيّنَا يكون الْمُقدم فِي عَدو الْمَوْت عَلَيْهِ. وَهَذَا كَمَا قَالَ الآخر:) الطَّوِيل (فَأكْرم أَخَاك الدَّهْر مَا دمتما مَعًا ... كفى بالممات فرقة وتنائيا) وَالْبَيْت مطلع قصيدةٍ لِمَعْنٍ بن أوسٍ الْمُزنِيّ أورد بَعْضهَا أَبُو تَمام فِي الحماسة. وَنحن نقتصر عَلَيْهِ. قَالَ شراحها: وَسبب هَذَا الشّعْر أَنه كَانَ لِمَعْنٍ بن أَوْس صديقٌ وَكَانَ معنٌ متزوجاً بأخته فاتفق أَنه طَلقهَا وَتزَوج بِأُخْرَى فَحلف صديقه أَن لَا يكلمهُ أبدا. فَقَالَ معن هَذِه القصيدة يستعطف بهَا قلبه ويسترقه لَهُ. وفيهَا مَا يدل على الْقِصَّة وَهُوَ قَوْله: (فَلَا تغضبن أَن تستعار ظعينةٌ ... وَترسل أُخْرَى كل ذَلِك يفعل) والأبيات الَّتِي أوردهَا أَبُو تَمام بعد المطلع هِيَ هَذِه: (وَإِنِّي أَخُوك الدَّائِم الْعَهْد لم أحل ... إِن ابزاك خصمٌ أَو نبا بك منزل) (أُحَارب من حَارَبت من ذِي عداوةٍ ... وأحبس مَالِي إِن غرمت فأعقل) (كَأَنَّك تشفي مِنْك دَاء مساءتي ... وسخطي وَمَا فِي ريثتي مَا تعجل) (وَإِن سؤتني يَوْمًا صبرت إِلَى غدٍ ... ليعقب يَوْمًا مِنْك آخر مقبل) ...

(وَإِنِّي على أَشْيَاء مِنْك تريبني ... قَدِيما لذُو صفحٍ على ذَاك مُجمل) (ستقطع فِي الدُّنْيَا إِذا مَا قطعتني ... يَمِينك فَانْظُر أَي كفٍّ تبدل) (وَفِي النَّاس إِن رثت حبالك واصلٌ ... وَفِي الأَرْض عَن دَار القلى متحول) (إِذا أَنْت لم تنصف أَخَاك وجدته ... على طرف الهجران إِن كَانَ يعقل) (ويركب حد السَّيْف من أَن تضيمه ... إِذا لم يكن عَن شفرة السَّيْف مزحل) (قلبت لَهُ ظهر الْمِجَن وَلم أَدَم ... على ذَاك إِلَّا ريثما أتحول) (إِذا انصرفت نَفسِي عَن الشَّيْء لم تكد ... إِلَيْهِ بوجهٍ آخر الدَّهْر تقبل) وَقَوله: وَإِنِّي أَخُوك إِلَخ. يَقُول: إِنِّي أَخُوك الَّذِي يَدُوم عَهده وَلَا يَزُول وَلَا يحول إِن أبزاك خصم أَي: غلبك وقهرك. يُقَال: بزوت الْخصم بزواً وأبزيته إبزاءً بِالْبَاء الْمُوَحدَة وَالزَّاي. وَيجوز أَن يكون أبزاك من بزِي يبزى بزًى فَهُوَ أَبْزَى وَهُوَ دُخُول الظّهْر وَخُرُوج الْبَطن.

وَيكون الْمَعْنى: إِن حملك خصم من الثّقل مَا يبزى لَهُ ظهرك فَلَا تطِيق الثَّبَات تَحْتَهُ والنهوض بِهِ.) وَقَوله: أُحَارب من حَارَبت إِلَخ هَذَا تَفْسِير دوَام عَهده أَي: تجدني ذاباً عَنْك وَإِن أَصَابَك غرم حبست مَالِي عَلَيْك. وأعقل عَنْك يُقَال: علقت عَنهُ إِذا غرمت مَا لزمَه فِي دِيَته. وعقلته إِذا أَعْطَيْت دِيَته. وَيجوز أَن يكون معنى فأعقل: أَشدّهَا بعقلها بفنائك لتدفعها فِي غرامتك. وَالْمَال إِذا أطلق يُرَاد بِهِ الْإِبِل. وَقَوله: كَأَنَّك تشفي إِلَخ يُرِيد: إساءتك إِلَيّ وسخطك عَليّ فأضافهما إِلَى الْمَفْعُول. وَالْمعْنَى: إِنَّك تستمر فِي إساءتك إِلَيّ حَتَّى كَأَن بك دَاء ذَاك شفاؤه. والريثة: ضد العجلة. يَقُول: لَيْسَ فِي أناتي وتركي مكافأتك مَا يجب أَن يتعجل عَليّ بِمَا يسوؤني. وَقَوله: وَإِن سؤتني يَوْمًا إِلَخ أَي: إِن فعلت مَا يسوؤني تجاوزت إِلَى غدٍ ليجيء يومٌ آخر مقبلٌ مِنْك بيومٍ يسرني. وَقَوله: ستقطع فِي الدُّنْيَا إِلَخ يَقُول: أَنا لَك بِمَنْزِلَة يدك الْيُمْنَى فَإِذا قطعتني فَإِنَّمَا تقطع يَمِينك. وَقَوله: وَفِي النَّاس إِن رثت إِلَخ يَقُول: إِذا انْقَطَعت حبالٌ الود بيني وَبَيْنك فَفِي النَّاس واصلٌ غَيْرك. وَإِذا نبا بِي جوارك فَفِي جَوَانِب الأَرْض متحولٌ عَن دَار البغض. وَقَوله: إِذا أَنْت لم تنصف إِلَخ أَي: إِذا لم تنصف أَخَاك وَلم توفه حُقُوق إخائه وجدته هاجراً لَك مستبدلاً بك إِن كَانَ لَهُ عقل ثمَّ لَا يُبَالِي أَن يركب من الْأُمُور مَا يقطعهُ تقطيع السَّيْف ويؤثر فِيهِ تَأْثِيره مَخَافَة أَن يُصِيبهُ ضيمٌ مَتى لم يجد عَن ركُوبه معدلاً.

وَقَوله: من أَن أَي: بَدَلا من أَن. وشفرة السَّيْف بِالْفَتْح: حَده. ومزحل بالزاي والحاء الْمُهْملَة: مصدر زحل عَن مَكَانَهُ إِذا تنحى عَنهُ وتباعد. وَقَوله: وَكنت إِذا مَا صاحبٌ إِلَخ رام ظنتي بِالْكَسْرِ: عرضني لاتهام عقده والارتياب بوده بِأَن عد إحساني إِلَيْهِ إساءة. وَمَعْنَاهُ: رام إِيقَاع التُّهْمَة عَليّ. وَقَوله: قلبت لَهُ ظهر إِلَخ أَي: اتخذته عدوا وقلبت لَهُ ظهر الترس متقياً مِنْهُ وَلم أَدَم على الْحَال الْمَذْكُورَة مَعَه إِلَّا قدر مَا أتحول وبطء مَا أتنقل. قَالَ الْمبرد فِي الْكَامِل: دخل عبد الله بن الزبير يَوْمًا على مُعَاوِيَة فَقَالَ: اسْمَع أبياتاً قلتهَا. وَكَانَ واجداً عَلَيْهِ. فَقَالَ) مُعَاوِيَة: هَات. فأنشده: الطَّوِيل (إِذا أَنْت لم تنصف أَخَاك وجدته ... على طرف الهجران إِن كَانَ يعقل) مَعَ الْبَيْت الَّذِي بعده. فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَة: قد شَعرت بَعدنَا يَا أَبَا بكر ثمَّ لم ينشب مُعَاوِيَة أَن دخل عَلَيْهِ معن بن أوسٍ الْمُزنِيّ فَقَالَ: أقلت بَعدنَا شَيْئا فَقَالَ: نعم. فأنشده: (لعمرك مَا أَدْرِي وَإِنِّي لأوجل ... على أَيّنَا تعدو الْمنية أول) حَتَّى صَار إِلَى الأبيات الَّتِي أنشدها ابْن الزبير فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَة: يَا أَبَا بكر أما ذكرت آنِفا أَن هَذَا الشّعْر لَك قَالَ أصلحت الْمعَانِي وَهُوَ ألف الشّعْر وَهُوَ بعد ظئري فَمَا قَالَ من شَيْء فَهُوَ لي. وَكَانَ عبد الله مسترضعاً فِي مزينة. انْتهى.

والظئر بِكَسْر الظَّاء الْمُعْجَمَة بعْدهَا همزَة سَاكِنة: الْمَرْأَة الْأَجْنَبِيَّة تحضن ولد غَيرهَا. وَيُقَال للرجل الحاضن ظئر أَيْضا. وَهَذَا هُوَ مُرَاد ابْن الزبير. وَقَالَ الحصري فِي زهر الْآدَاب بعد إِيرَاد هَذِه الْحِكَايَة: أَرَادَ ابْن الزبير معاتبة مُعَاوِيَة بِشعر معن وَلَيْسَ ادعاؤه على حقيقةٍ مِنْهُ. وَهَذَانِ البيتان قد أوردهما صَاحب تَلْخِيص الْمِفْتَاح فِي السرقات الشعرية. وترجمة معن بن أَوْس الْمُزنِيّ تقدّمت فِي الشَّاهِد الثَّلَاثِينَ بعد الْخَمْسمِائَةِ. وَأنْشد بعده: الطَّوِيل وَلَا ناعبٍ إِلَّا ببينٍ غرابها هُوَ عجزٌ وصدره: مشائيم لَيْسُوا مصلحين عشيرةً على أَن ناعباً عطفٌ بِالْجَرِّ على مصلحين الْمَنْصُوب على خبر لَيْسُوا لتوهم الْبَاء فَإِنَّهَا تزاد فِي خبر لَيْسَ. وَقد تقدم الْكَلَام على هَذَا الْبَيْت فِي الشَّاهِد الثَّامِن وَالسبْعين بعد الْمِائَتَيْنِ.

(الشاهد الرابع والعشرون بعد الستمائة)

ومشائيم: جمع مشؤوم من شئم عَلَيْهِم بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول فَهُوَ مشؤوم إِذا صَار شؤماً. يَقُول: لَا يصلحون أَمر الْعَشِيرَة إِذا فسد مَا بَينهم وَلَا يأتمرون بخيرٍ فغرابهم لَا ينعب إِلَّا) بالتشتيت والفراق. وَهَذَا مثلٌ للتطير مِنْهُم والتشاؤم بهم. والنعيب: صَوت الْغُرَاب وَمد عُنُقه عِنْد ذَلِك. وَأنْشد بعده (الشَّاهِد الرَّابِع وَالْعشْرُونَ بعد الستمائة) الرجز فِي سعي دنيا طالما قد مدت على أَن دنيا قد جردت من اللَّام وَالْإِضَافَة لكَونهَا بِمَعْنى العاجلة. يُرِيد أَن الاسمية غلبت عَلَيْهَا لِكَثْرَة اسْتِعْمَالهَا وَلِهَذَا لم تجر على مَوْصُوف غَالِبا كَمَا غلبت الاسمية على نَحْو الأجرع والأبطح. قَالَ ابْن يعِيش: الْقيَاس فِي دنيا أَن يكون بالأف وَاللَّام لِأَنَّهُ صفة فِي الأَصْل على أَنه فعلى ومذكره الْأَدْنَى مثل الْأَكْبَر والكبرى. وَهُوَ من دَنَوْت فقلبت الْوَاو فِي الْأَدْنَى ألفا لتحركها وانفتاح مَا قبلهَا وَذَلِكَ بعد أَن قلبت يَاء لوقوعها رَابِعَة. وَقد تقدم أَن الْألف وَاللَّام تلْزم هَذِه الصّفة إِلَّا أَنهم استعملوا دنيا اسْتِعْمَال الْأَسْمَاء فَلَا يكادون يذكرُونَ مَعَه الْمَوْصُوف وَلذَلِك قلبوا اللَّام مِنْهُ يَاء لضربٍ من التعادل والعوض كَأَنَّهُمْ أَرَادوا بذلك الْفرق بَين الِاسْم وَالصّفة فَلَمَّا غلب عَلَيْهَا حكم

الْأَسْمَاء أجروها مجْرى الْأَسْمَاء. وَكَانَت الْألف وَاللَّام لَا تلْزم الْأَسْمَاء فاستعملوها بِغَيْر ألف وَلَام كَسَائِر الْأَسْمَاء. انْتهى. وَأوردهُ صَاحب الْكَشَّاف عِنْد قَوْله تَعَالَى: إِنَّمَا صَنَعُوا كيد ساحرٍ من سُورَة طه. قَالَ: إِن تنكير سَاحر مَعَ كَونه مَعْلُوما معينا لأجل تنكير الْمُضَاف وَهُوَ كيد كَمَا نكر الشَّاعِر دنيا لأجل تنكير سعي. وَالْمرَاد كيدٌ سحريٌّ وسعيٌ دنيويٌّ. وَلَو عرف السحر وَالدُّنْيَا لصار الكيد وَالسَّعْي معرفتين وَالْمرَاد تنكيرهما إِذْ الْغَرَض كيدٌ مَا وسعيٌ مَا. وَقَالَ أَبُو حَيَّان: الْبَيْت محمولٌ الضَّرُورَة إِذْ دنيا تَأْنِيث الْأَدْنَى لَا يسْتَعْمل إِلَّا بِالْألف وَاللَّام أَو بِالْإِضَافَة. وَأما قَول عمر: إِنِّي لأكْره أَن أرى الرجل فَارغًا لَا فِي عمل دنيا وَلَا فِي عمل آخِرَة فَيحْتَمل أَن يكون من تَحْرِيف الروَاة. انْتهى.) وَلَا يخفى أَنه ورد فِي الحَدِيث الصَّحِيح: فَإِن كَانَت هجرته إِلَى دنيا يُصِيبهَا. وَلم يقل غَيره إِن وَقَالَ ابْن جني فِي إِعْرَاب الحماسة عِنْد قَول المثلم بن ريَاح المري: الْكَامِل (إِنِّي مقسم مَا ملكت فجاعلٌ ... أجرا لآخرةٍ وَدُنْيا تَنْفَع) قد اسْتعْملت الْعَرَب فِي غير هَذَا دنيا نكرَة كَمَا ترى قَالَ العجاج:

فِي سعي دنيا طالما قد مدت وروى ابْن الْأَعرَابِي دنيا بِالصرْفِ وَقَالَ أَيْضا فِي ذَلِك: إِنَّهُم شبهوها بفعلل فنونوها. وَهَذَا نادرٌ غَرِيب وَلم نعلم شَيْئا مِمَّا فِي آخِره ألف التَّأْنِيث مُفردا مصروفاً غير هَذَا الْحَرْف. وَلَو قَالَ قَائِل إِن دنيا هَذِه المصروفة تكون مُلْحقَة فِي قَول أبي الْحسن بجخدبٍ وكالألف فِي بهماةٍ لم أر بَأْسا. فَإِن قلت: فَلَو كَانَت ألف دنيا للإلحاق لوَجَبَ فِيهَا دنواً. وَذَلِكَ أَن اللَّام فِي نَحْو هَذَا إِذا كَانَت واواً فَإِنَّهَا إِنَّمَا تبدل يَاء فِي فعلى الَّتِي ألفها للتأنيث. وَجَاءَت هَذِه للإلحاق فَالْجَوَاب: أَن هَذَا النَّحْو لما غلب عَلَيْهِ مِثَال فعلى الَّتِي ألفها للتأنيث. وَجَاءَت هَذِه للإلحاق أجروها على الْمُعْتَاد من الْقلب فِيهَا. وَأَيْضًا فَإِن ألف الْإِلْحَاق قد تجْرِي مجْرى ألف التَّأْنِيث. أَلا ترَاهَا زَائِدَة مثلهَا وَذَات معنى مثلهَا. نعم وَإِذا جعلت مَا فِيهِ ألف الْإِلْحَاق علما لم فَإِن قلت: فأجز أَيْضا أَن يكون دنيا فعلل كسودد قيل: يمْنَع من هَذَا أَن حرف الْإِلْحَاق من حَيْثُ ذكرنَا أشبه بِحرف التَّأْنِيث من لَام الْفِعْل فَإِذا كَانَ إِنَّمَا لتشبيه الملحق بِحرف التَّأْنِيث على ضعف وَضرب من التَّأْوِيل لم يتَجَاوَز ذَلِك إِلَى تَشْبِيه الْأَصْلِيّ بِحرف التَّأْنِيث لإفراط تباعدهما. فَلَو كَانَت دنيا على هَذَا فعللاً لكَانَتْ دنوا. وَلَو قَالَ قَائِل:

إِن دنيا فِيمَن صرف فعيل بِمَنْزِلَة عليب لَكَانَ لَهُ وجهٌ من التصريف وَلكنه يبْقى عَلَيْهِ شَيْئَانِ: أَحدهمَا: قلَّة عيب فَلَا يُقَاس عَلَيْهِ. وَالْآخر: أَن دنيا تَأْنِيث الْأَدْنَى. وَهَذَا أَشد شيءٍ تبايناً من حَدِيث فعيل وفعلل وَهُوَ أَيْضا أحد مَا يضعف كَونهَا ألف إِلْحَاق. فاعرف ذَلِك. انْتهى. وَالْبَيْت من الرجز للعجاج: أَوله: (الْحَمد لله الَّذِي اسْتَقَلت ... بِإِذْنِهِ السَّمَاء واطمأنت)) (بِإِذْنِهِ الأَرْض فَمَا تعنت ... وحى لَهَا الْقَرار فاستقرت) (وشدها بالراسيات الثبت ... والجاعل الْغَيْث غياث المسنت) (وَالْجَامِع النَّاس ليَوْم الموقت ... بعد الْمَمَات وَهُوَ محيي الْمَوْت) (يَوْم ترى النُّفُوس مَا أعدت ... من نزلٍ إِذا الْأُمُور غبت) قَالَ أَبُو الْقَاسِم الزجاجي فِي أَمَالِيهِ الْوُسْطَى وَالصُّغْرَى: أخبرنَا أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن الْعَبَّاس اليزيدي قَالَ: أخبرنَا أَبُو الْفضل الرياشي عَن الْأَصْمَعِي عَن عبد الله بن رؤبة بن العجاج عَن أَبِيه عَن جده قَالَ: أنشدت أَبَا هُرَيْرَة قصيدتي الَّتِي أَولهَا: الْحَمد لله الَّذِي اسْتَقَلت حَتَّى أتيت على آخرهَا فَقَالَ: أشهد إِنَّك لمُؤْمِن. انْتهى.

وَقَوله: اسْتَقَلت أَي: ارْتَفَعت. وَالسَّمَاء فَاعله. واطمأنت أَي: سكنت وَالْأَرْض فَاعله. وتعنت بالنُّون: تعبت. فِي الصِّحَاح: وعني بِالْكَسْرِ عناءً أَي: تَعب وَنصب وعنيته تعنية فتعنى. وَالْوَحي: الْإِشَارَة والإلهام. قَالَ صَاحب الصِّحَاح: وَالْكَلَام الْخَفي وكل مَا أَلقيته إِلَى غَيْرك. يُقَال: وحيت إِلَيْهِ الْكَلَام وأوحيت وَهُوَ أَن تكَلمه بِكَلَام تخفيه. وَأنْشد هَذَا الْبَيْت. والراسيات هِيَ الْجبَال الثوابت والرواسخ. والثبت: جمع ثَابت. والغيث: الْمَطَر. وَفِي الْمِصْبَاح: أغاثه: أَعَانَهُ وَنَصره. وأغاثنا الله بالمطر وَالِاسْم الغياث. والمسنت: اسْم فَاعل من أَسِنَت الْقَوْم أَي: أجدبوا وَأَصله من السّنة وَهُوَ الْقَحْط. وَالْمَوْت: جمع مائت. وأعدت أَي: هيأت وَجَعَلته عدَّة. وَمن نزل بِالضَّمِّ بيانٌ لما. والنزل: مَا يهيأ للنزيل أَي: الضَّيْف. وغبت بالغين الْمُعْجَمَة وَالْمُوَحَّدَة أَي: بلغت غبها وعاقبتها. وَفِي الصِّحَاح: وَقد غبت الْأُمُور إِذا صَارَت إِلَى أواخرها. وَفِي سعي مُتَعَلق بغبت. ومدت بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول أَي: امتدت وتطاولت. وَأَدت بتَشْديد الدَّال. يُقَال: أدَّت فلَانا داهية تؤده أداً بِالْفَتْح من الإد والإدة بِكَسْر أَولهمَا وَهِي الداهية وَالْأَمر الفظيع. وترجمة العجاج تقدّمت فِي الشَّاهِد الْحَادِي وَالْعِشْرين من أَوَائِل الْكتاب.

(الشاهد الخامس والعشرون بعد الستمائة)

وَأنْشد بعده) (الشَّاهِد الْخَامِس وَالْعشْرُونَ بعد الستمائة) الْبَسِيط (وَإِن دَعَوْت إِلَى جلى ومكرمةٍ ... يَوْمًا سراة كرام النَّاس فادعينا) على أَن الجلى قد تجرد من اللَّام وَالْإِضَافَة لكَونهَا بِمَعْنى الخطة الْعَظِيمَة. والخطة بِالضَّمِّ: الشَّأْن وَالْحَالة والخصلة فَتكون الجلى إسماً للشأن وَالْحَال كَمَا قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ فِي الْمفصل. الْجيد أَن تكون مصدرا كالرجعى بِمَعْنى الرُّجُوع والبشرى بِمَعْنى الْبشَارَة. وَلَيْسَ بتأنيث الْأَجَل على حد الْأَكْبَر والكبرى لِأَنَّهُ إِذا كَانَ مصدرا جَازَ تَعْرِيفه وتنكيره. وَإِلَى هَذَا ذهب الحريري فِي درة الغواص قَالَ: وَأما طُوبَى فِي قَوْلهم: طُوبَى لَك. وجلى فِي قَول بشامة النَّهْشَلِي: وَإِن دَعَوْت إِلَى جلى ومكرمة ... ... ... . . الْبَيْت فَإِنَّهُمَا مصدران كالرجعى وفعلى المصدرية لَا يلْزم تَعْرِيفهَا. وَالْبَيْت وَقع فِي شعرين: أَحدهمَا للمرقش الْأَكْبَر رَوَاهُ الْمفضل بن مُحَمَّد الضَّبِّيّ لَهُ وَكَذَلِكَ ابْن الْأَعرَابِي فِي نوادره وَأَبُو مُحَمَّد الْأَعرَابِي فِيمَا كتبه على شرح الحماسة للنمري وَهُوَ: (يَا دَار أجوارنا قومِي فحيينا ... وَإِن سقيت كرام النَّاس فاسقينا) ...

(وَإِن دَعَوْت إِلَى جلى ومكرمةٍ ... يَوْمًا سراة خِيَار النَّاس فادعينا) (شعثٌ مقادمنا نهبى مراجلنا ... نأسو بِأَمْوَالِنَا آثَار أَيْدِينَا) (المطعمون إِذا هبت شآميةٌ ... وَخير نادٍ رَآهُ النَّاس نادينا) قَوْله: يَا دَار أجوارنا إِلَخ قَالَ فِي الْعباب: الْجَار يجمع على جيران وجيرة وأجوار. وَأنْشد اللَّيْث: وروى: يَا ذَات أجوارنا رُوِيَ أَيْضا: بيضٌ مفارقنا تغلي مراجلنا قَالَ أَبُو مُحَمَّد الْأَعرَابِي: سَأَلت أَبَا الندى عَن هَذِه الرِّوَايَة قَالَ: هَذِه روايةٌ ضَعِيفَة فَإِن بيض) المفارق قرع ومرجل الحائك يغلي كَمَا يغلي مرجل الْملك. قَالَ: وَالرِّوَايَة الصَّحِيحَة الأولى وَمَعْنَاهَا إننا أَصْحَاب حروب وقرًى. انْتهى. وَالشعر الثَّانِي لبشامة بن حزنٍ النَّهْشَلِي رَوَاهُ الْمبرد فِي الْكَامِل وَأَبُو تَمام فِي الحماسة وَهُوَ: (إِنَّا محيوك يَا سلمى فحيينا ... وَإِن سقيت كرام النَّاس فاسقينا) (وَإِن دَعَوْت إِلَى جلى ومكرمةٍ ... يَوْمًا سراة كرام النَّاس فادعينا) (إِنَّا بني نهشلٍ لَا ندعي لأبٍ ... عَنهُ وَلَا هُوَ بالأبناء يشرينا) (إِن تبتدر غايةٌ يَوْمًا لمكرمةٍ ... تلق السوابق منا والمصلينا) (وَلَيْسَ يهْلك منا سيدٌ أبدا ... إِلَّا افتلينا غُلَاما سيداً فِينَا)

. (نكفيه إِن نَحن متْنا أَن يسب بِنَا ... وَهُوَ إِذا ذكر الْآبَاء يكفينا) (بيضٌ مفارقنا تغلي مراجلنا ... نأسو بِأَمْوَالِنَا آثَار أَيْدِينَا) (إِنَّا لمن معشرٍ أفنى أوائلهم ... قَول الكماة أَلا أَيْن المحامونا) (لَو كَانَ فِي الْألف منا واحدٌ فدعوا ... من فارسٌ خالهم إِيَّاه يعنونا) (إِذا الكماة تنحوا أَن يصيبهم ... حد الظبات وصلناها بِأَيْدِينَا) (وَلَا تراهم وَإِن جلت مصيبتهم ... مَعَ البكاة على من مَاتَ يبكونا) (ونركب الكره أَحْيَانًا فيفرجه ... عَنَّا الْحفاظ وأسيافٌ تواتينا) قَوْله: إِنَّا محيوك يَا سلمى إِلَخ قَالَ التبريزي: أَي إِنَّا مُسلمُونَ عَلَيْك أيتها الْمَرْأَة فقابلينا بِمثلِهِ وَإِن سقيت الْكِرَام فأجرينا مجراهم فَإنَّا مِنْهُم. وَالْأَصْل فِي التَّحِيَّة أَن يُقَال عِنْد اللِّقَاء حياك الله ثمَّ اسْتعْمل فِي غَيره من الدُّعَاء. وَقيل فِي سقيت مَعْنَاهُ: إِن دَعَوْت لأماثل النَّاس بالسقيا فادعي لنا أَيْضا. وَالْأَشْهر فِي الدُّعَاء أَن يُقَال فِيهِ سقيت فلَانا بِالتَّشْدِيدِ وَالْحجّة بِالتَّخْفِيفِ قَول أبي ذُؤَيْب الْهُذلِيّ: المتقارب سقيت بِهِ دارها إِذْ دنت وَقَوله: وَإِن دَعَوْت إِلَى جلى إِلَخ جلى: فعلى أجراها مجْرى الْأَسْمَاء وَيُرَاد بهَا جليلة كَمَا يُرَاد بأفعل فَاعل وفعيل. يَقُول: إِن أشدت بِذكر

خِيَار النَّاس بجليلةٍ نابت أَو مكرمةٍ عرضت فأشيدي بذكرنا أَيْضا. وَلِهَذَا الْكَلَام ظَاهره استعطاف لَهَا وَالْقَصْد بِهِ التَّوَصُّل إِلَى بَيَان شرفه واستحقاقه مَا يسْتَحقّهُ) الْأَشْرَاف. وَلَا سقِِي ثمَّ وَلَا تَحِيَّة. قَالَه التبريزي. والمكرمة بِفَتْح الْمِيم وَضم الرَّاء: اسْم من الْكَرم. وَفعل الْخَيْر مكرمَة أَي: سَبَب للكرم أَو التكريم. قَالَه صَاحب الْمِصْبَاح. والسراة بِالْفَتْح: اسمٌ مُفْرد بِمَعْنى الرئيس وَقيل اسْم جمع وَقيل جمع سري وَهُوَ الشريف. وَقد تقدم الْكَلَام عَلَيْهِ مشروحاً فِي الشَّاهِد السّبْعين بعد الأربعمائة. وَلم يتَكَلَّم ابْن جني فِي إِعْرَاب الحماسة على هَذَا الْبَيْت إِلَّا من جِهَة القافية. قَالَ: يرْوى: فادعينا بإشمام الضَّم فِي كسرة الْعين. ويروى بإخلاص الكسرة. فَأَما من أخْلص الكسرة فَلَا سُؤال فِي إنشاده من جِهَة الردف. وَأما من رَوَاهُ بإشمام الضَّم فَفِيهِ السُّؤَال. وَذَلِكَ أَن الْحَرَكَة قبل الردف وَهِي الَّتِي يُقَال لَهَا: الحذو لم تأت عَنْهُم مشمةً وَلَا مشوبة وَإِنَّمَا هِيَ إِحْدَى الحركات مخلصة الْبَتَّةَ. وَلم يذكر الْخَلِيل وَلَا أَبُو الْحسن وَلَا أَبُو عَمْرو وَلَا أحد من أَصْحَابنَا حَال هَذِه الْحَرَكَة المشوبة كَيفَ اجتماعها مَعَ غَيرهَا. فَدلَّ ذَاك على أَن الْحَرَكَة فِي نَحْو هَذَا يَنْبَغِي أَن تكون مخلصة. وَمذهب سِيبَوَيْهٍ فِي هَذَا النَّحْو مثل: ادعِي واغزي الإمالة وإشمام الكسرة شَيْئا من الضمة. وَلم يسْتَثْن ردفاً من غَيره. وَوجه

جَوَاز هَذِه الْحَرَكَة المشوبة مَعَ الكسرة والضمة الصريحتين: أَن مَا فِيهَا من الإشمام لَا يعْتد بِهِ وَلَا ينظر إِلَى قدره وَإِنَّمَا هُوَ كإمالة الفتحة إِلَى الكسرة فِي نَحْو: سَالم وحاتم. وَأَنت تجيزهما فِي شعر وَاحِد مَعَ قادم وغانم وَلَا تحفل بِمَا بَين الحركتين بل إِذا جَازَ سَالم مَعَ قادم وَسلَاح مَعَ صباح وقنا مَعَ فَتى كَانَ اجْتِمَاع ادعينا مَعَ يشرينا وَنَحْو ذَلِك أسهل وأسوغ. وَإِنَّمَا كَانَ أسهل من قبل أَن الفتحة إِذا نحي بهَا قبل الْألف نَحْو الكسرة انتحيت أَيْضا بِالْألف بعْدهَا نَحْو الْيَاء لَا بُد من ذَلِك من حَيْثُ كَانَت الْألف ناشئة عَن الْحَرَكَة قبلهَا على احتذاء وموازنة اتِّبَاع. فَإِذا أملت الفتحة وَالْألف فهناك عملان فِي الْحَرَكَة والحرف جَمِيعًا كَمَا ترى. وَأما الْيَاء فِي ادعينا وَقيل وَبيع فَإِنَّهَا وَإِن شيبت الْحَرَكَة قبلهَا خَالِصَة الْبَتَّةَ وَغير مشوبة شوب مَا قبلهَا وَجَاز ذَلِك فِيهَا من حَيْثُ كَانَت الطَّاقَة حاملة وَالْقُدْرَة ناهضةً بالنطق بِالْيَاءِ الساكنة بعد الضمة الناصعة فَكيف بهَا بعد الكسرة الَّتِي إِنَّمَا اعتلت بِأَن انتحي بهَا نَحْو الضمة. وَالْعَمَل فِي ذَلِك خلس خفيٌّ.) وَأما الْألف الْخَالِصَة فَلَيْسَ فِي الطوق أَن ينْطق بهَا بعد غير الفتحة الْخَالِصَة فَفِي سَالم إِذن فَإِذا جَازَ اجْتِمَاع مَا فِيهِ تغييران نَحْو سَالم وَسلَاح مَعَ قادم وصباح كَانَ اجْتِمَاع مَا فِيهِ تَغْيِير واحدٌ مَعَ مَا لَا تَغْيِير فِيهِ نَحْو: قيل واغزي وادعي مَعَ قيل وَبيع وحيينا واسقينا أحجى بِالْجَوَازِ فاعرف ذَلِك. وَإِذا جَازَ اجْتِمَاع هَذَا الْخلاف فِي المجرى وَهُوَ أغْلظ حُرْمَة وأمس مذمة من

الحذو أَعنِي اجْتِمَاع فَتى مَعَ عتا والروي التَّاء كَانَ ذَلِك فِي الحذو أسهل. وأخف وأدون. وَقد كَانَ يجب أَن نودع هَذَا الْموضع كتَابنَا فِي تَفْسِير قوافي أبي الْحسن لامتزاجه بِهِ ومماسته إِيَّاه لكنه لم يحضرنا حينئذٍ والخاطر أجول مِمَّا نَذْهَب إِلَيْهِ وَأَشد ارتكاضاً وذهاباً فِي جِهَات النّظر من أَن يقف بك على انتهائه أَو يمطيك ذرْوَة أجواله وأقصائه. انْتهى. وَقَوله: إِنَّا بني نهشل إِلَخ قَالَ الْمبرد فِي الْكَامِل: من قَالَ: إِنَّا بَنو نهشل فقد خبرك وَجعل بَنو خبر إِن. وَمن قَالَ: بني فَإِنَّمَا جعل الْخَبَر إِن تبتدر غَايَة إِلَخ. وَنصب بني على فعلٍ مضمرٍ للاختصاص وَهُوَ أمدح. وَأكْثر الْعَرَب ينشد: الْبَسِيط (إِنَّا بني منقر قومٌ ذَوُو حسبٍ ... فِينَا سراة بني سعدٍ وناديها) وَكتب أَبُو الْوَلِيد الوقشي فِيمَا كتبه على الْكَامِل بعد بَيت إِنَّا بني منقر إِلَخ هَذَا وَإِن وَافق الأول بوجهٍ فَإِنَّهُ يُخَالِفهُ بوجهٍ أخص مِنْهُ وأليق بِهِ فِي قانون النَّحْو لِأَن هَذَا نصب على الْمَدْح وَالْأول نصب على الِاخْتِصَاص والمسمى مضارع النداء. أَلا ترى أَنه يرفع هُنَا مَا يرفع فِي النداء كَقَوْلِهِم: الله اغْفِر لنا أيتها الْعِصَابَة. اه. وَقَالَ التبريزي: بني نصب على الِاخْتِصَاص والمدح وَخبر إِن لَا ندعي وَلَو رفع وَقَالَ بَنو كَانَ خَبرا وَلَا ندعي فِي مَوضِع الْحَال.

وَالْفرق بَين أَن يكون اختصاصاً وَبَين أَن يكون خَبرا صراحاً: هُوَ أَنه لَو جعله خَبرا لَكَانَ قَصده إِلَى تَعْرِيف نَفسه عِنْد الْمُخَاطب وَكَانَ لَا يَخْلُو فعله لذَلِك من خمولٍ فيهم أَو جهل بشأنهم. فَإِذا جعل اختصاصاً فقد أَمن من الْأَمريْنِ جَمِيعًا. وَإِنَّمَا قلت خَبرا صراحاً لِأَن لفظ الْخَبَر قد يستعار لِمَعْنى الِاخْتِصَاص لكنه يسْتَدلّ على المُرَاد مِنْهُ بقرائنه.) وعَلى هَذَا قَوْله: الرجز أَنا أَبُو النَّجْم وشعري شعري وَقَوله: لَا ندعي لأبٍ عَنهُ ندعي: نفتعل وَعنهُ تعلق بِهِ. يُقَال: ادّعى فلانٌ فِي بني فلَان إِذا انتسب إِلَيْهِم. وَادّعى عَنْهُم إِذا عدل بنسبه عَنْهُم. وَهَذَا كَقَوْلِهِم: رغبت فِي كَذَا ورغبت وَقَوله: لأبٍ أَي: من أجل أَب. وَمَعْنَاهُ إِنَّا لَا نرغب عَن أَبينَا فننتسب إِلَى غَيره وَهُوَ لَا يرغب عَنَّا قد رَضِي كلٌّ منا بِصَاحِبِهِ. وَقَوله: يشرينا قَالَ الْمبرد: يُرِيد يبيعنا. يُقَال شراه يشريه إِذا بَاعه. فَهَذِهِ اللُّغَة الْمَعْرُوفَة قَالَ الله عَزَّ وَجَلَّ: وشروه بثمنٍ بخس وَيكون شريت فِي معنى اشْتريت وَهُوَ من الأضداد. وَقَوله: إِن تبتدر غايةٌ إِلَخ يُقَال: بادرت مَكَان كَذَا وَكَذَا وَإِلَى مَكَان كَذَا وَكَذَلِكَ ابتدرنا الْغَايَة وَإِلَى الْغَايَة. وَقَوله: لمكرمة أَي: لِاكْتِسَابِ مكرمَة. وَيجوز أَن تكون اللَّام مضيفة للغاية إِلَى المكرمة كَأَنَّهُ يُرِيد

تسابقهم إِلَى أقصاها. وَإِنَّمَا قَالَ الْمُصَلِّين وَلم يقل الْمُصَليَات مَعَ السوابق لِأَن قَصده إِلَى الْآدَمِيّين وَإِن كَانَ استعارهما من صِفَات الْخَيل. وَيجوز أَن يكون أخرج السَّابِق لانقطاعه عَن الْمَوْصُوف فِي أَكثر الْأَحْوَال. ولنيابته عَن المجلي وَهُوَ اسْم الأول من خيل الحلبة إِلَى بَاب الْأَسْمَاء فَجَمعه على السوابق كَمَا يُقَال كَاهِل وكواهل وغارب وغوارب. وَالْمُصَلي: الَّذِي يَتْلُو السَّابِق فَيكون رَأسه عِنْد صلاه. والصلوان: العظمان الناتئان من جَانِبي الْعَجز. وَقَالَ ابْن دُرَيْد: هُوَ الْعظم الَّذِي فِيهِ مغرز عجب الذَّنب. وَقَالَ بعض أهل اللُّغَة: هما عرقان فِي مَوضِع الردف. وَأَسْمَاء خيل الحلبة عشرَة لأَنهم كَانُوا يرسلونها عشرَة عشرَة. وَسمي كل وَاحِد مِنْهَا باسمٍ. فَالْأول: المجلي وَالثَّانِي: الْمُصَلِّي وَالثَّالِث: الْمسلي وَالرَّابِع: التَّالِي وَالْخَامِس: المرتاح وَالسَّادِس: العاطف وَالسَّابِع: المؤمل وَالثَّامِن: الحظي وَالتَّاسِع: اللطيم والعاشر: السّكيت بِالتَّصْغِيرِ وَيُقَال: سكيت بِالتَّشْدِيدِ. وَقَوله: إِلَّا افتلينا الافتلاء: الافتطام وَالْأَخْذ عَن الْأُم وَمِنْه الفلو. قَالَ الْمبرد: مَأْخُوذ من قَوْلهم) فلوت الفلو يَا فَتى إِذا أَخَذته عَن أمه. وَأخذ هَذَا الْمَعْنى من قَول أبي الطمحان: الطَّوِيل إِذا مَاتَ منا سيدٌ قَامَ صَاحبه وَقَوله: إِنَّا لنرخص إِلَخ قَالَ الْمبرد: أَخذه من قَول الْهَمدَانِي

وَهُوَ الأجدع أَبُو مَسْرُوق بن الأجدع الْفَقِيه: الطَّوِيل (لقد علمت نسوان هَمدَان أنني ... لَهُنَّ غَدَاة الروع غير خذول) (وأبذل فِي الهيجاء وَجْهي وإنني ... لَهُ فِي سوى الهيجاء غير بذول) وَمن الْقِتَال الْكلابِي حَيْثُ يَقُول: الوافر (نعرض للسيوف إِذا الْتَقَيْنَا ... نفوساً لَا تعرض للسباب) وَقَوله: وَلَو نسام بهَا أَي: نحمل على أَن نسام بهَا. وَيُقَال: سَام بسلعته كَذَا وأسمته أَنا أَي: حَملته على أَن يسام. وَيحْتَمل أَن يكون من سمته خسفاً. وأغلينا الْألف للإطلاق وَالنُّون ضمير الْأَنْفس وَمعنى أغلين وجدت غَالِيَة. وَقَوله: بيضٌ مفارقنا إِلَخ قَالَ التبريزي: ويروى: بيضٌ معارفنا وَهِي الْوُجُوه وَالْمرَاد بِهِ نقاء الْعرض وَانْتِفَاء الذَّم جمع معرفٍ بِفَتْح الرَّاء وَكسرهَا سمي الْوَجْه بِهِ لِأَن معرفَة الْأَجْسَام وتمييزها بِهِ. وَالْأَشْهر: مفارقنا. وَالْمرَاد ابْيَضَّتْ مفارقنا من كَثْرَة مَا نقاسي الشدائد كَمَا يُقَال أمرٌ يشيب الذوائب. وتغلي مراجلنا أَي: حروبنا كَقَوْل الآخر:

الطَّوِيل (تَفُور علينا قدرهم فنديمها ... ونفثؤها عَنَّا إِذا حميها غلا) وَيجوز: ابْيَضَّتْ مفارقنا من كَثْرَة اسْتِعْمَال الطّيب كَقَوْل الآخر: الطَّوِيل جلا الأذفر الأحوى من الْمسك فرقه فَقَوله: تغلي مراجلنا أَي: قدورنا للضيافة. وَيجوز أَن يُرِيد: مشينا مشيب الْكِرَام لَا مشيب اللئام كَقَوْلِه: الطَّوِيل فالمراجل: قدور الضِّيَافَة. وَقَوله: نأسو بِأَمْوَالِنَا يُرِيد ترفعهم عَن الْقود وَدفع أطماع النَّاس عَن مقاصتهم. والأسو: المداواة أَي: نقْتل وندي. وَقَوله: لَو كَانَ فِي الْألف إِلَخ قَالَ الْمبرد: أَخذه من قَول طرفَة: الطَّوِيل (إِذا الْقَوْم قَالُوا من فَتى خلت أنني ... عنيت فَلم أكسل وَلم أتبلد)) وَمن قَول متمم:

الطَّوِيل (إِذا الْقَوْم قَالُوا من فَتى لعظيمةٍ ... فَمَا كلهم يَدعِي وَلكنه الْفَتى) وَقَوله: إِذا الكماة تنحوا إِلَخ قَالَ الْمبرد: الظبة: الْحَد بِعَيْنِه يُقَال: أَصَابَته ظبة السَّيْف وظبة النصل. وَأَرَادَ بالنصل هُنَا مَوضِع الضَّرْب وَأخذ هَذَا من قَول كَعْب بن مَالك: الْكَامِل (نصل السيوف إِذا قصرن بخطونا ... قدما ونلحقها إِذا لم تلْحق) وَقَوله: وَلَا تراهم وَإِن جلت إِلَخ يَعْنِي أَنهم لَا يموتون إِلَّا بِالْقَتْلِ فقد صَار لَهُم عَادَة وَإِن كل من يُولد مِنْهُم يكون سيدا فَلَا يجزعون على من مَاتَ مِنْهُم. وَقَوله: ونركب الكرة إِلَخ يكشفه. وَقَوله: أسياف تواتينا يجوز أَن يكون كَقَوْلِه: الطَّوِيل فحالفنا السيوف على الدَّهْر وَيجوز أَن يكون أَرَادَ بِالسُّيُوفِ رجَالًا كَأَنَّهُمْ السيوف مضاء. وَالْأول أولى. قَالَه التبريزي. وَهَذِه الأبيات قد اخْتلف فِي قَائِلهَا وَالصَّحِيح أَنَّهَا لبشامة بن حزن النَّهْشَلِي. وَعَلِيهِ الْآمِدِيّ فِي كِتَابه المؤتلف والمختلف

ونسبها الْمبرد فِي الْكَامِل لأبي مَخْزُوم النَّهْشَلِي. وَقَالَ ابْن السَّيِّد البطليوسي فِيمَا كتبه على الْكَامِل: هَذِه الأبيات لبسامة بن حزن النَّهْشَلِي. وَقَالَ السكرِي: هُوَ بشامة بن حري. وَالْأول قَول أبي رياش. وَيُقَال: بشامة بن جُزْء. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: هُوَ لحجر بن خَالِد بن مَحْمُود الْقَيْسِي. وَزعم ابْن قُتَيْبَة أَنَّهَا لِابْنِ غلفاء التَّمِيمِي. انْتهى. أَقُول: الَّذِي قَالَه ابْن قُتَيْبَة فِي كتاب الشُّعَرَاء أَن الأبيات لنهشل بن حري. وَقَالَ النمري: هِيَ لرجل من بني قيس ثَعْلَبَة. قَالَ أَبُو أَحْمد الْأَعرَابِي: لم يفرق النمري بَين بني نهشل الَّذين هم مضربة. وَبَين بني قيس ثَعْلَبَة الَّذين هم ربيعَة فلزهما فِي قرن. وَالْبَيْت الَّذِي فبه إِنَّا بني نهشل لبشامة بن حزن النَّهْشَلِي. والأبيات الْأُخَر الْأَرْبَعَة للمرقش الْأَكْبَر وَهُوَ عَمْرو بن سعد بن مَالك بن ضبيعة بن قيس بن ثَعْلَبَة. انْتهى. وَتَقَدَّمت الأبيات الْأَرْبَعَة أَولا. قَالَ التبريزي: من قَالَ إِن الشّعْر للقيسي روى: إِنَّا بني مَالك.

(الدَّار وَحش والرسوم كَمَا ... رقش فِي ظهر الْأَدِيم قلم)) وَهُوَ أحد من قَالَ شعرًا فلقب بِهِ واسْمه فِيمَا ذكر أَبُو عَمْرو الشَّيْبَانِيّ عَمْرو. وَقَالَ غَيره: عَوْف بن سعد بن مَالك بن ضبيعة بن قيس بن ثَعْلَبَة الْحصن ابْن عكابة بن صَعب بن عَليّ بن بكر بن وَائِل. وَهُوَ أحد المتيمين كَانَ يهوى ابْنه عَمه أَسمَاء بنت عَوْف بن مَالك بن ضبيعة وَيُقَال لَهُ المرقش الْأَكْبَر لِأَنَّهُ عَم المرقش الْأَصْغَر. والمرقش الْأَصْغَر عَم طرفَة بن العَبْد. وَكَانَ للمرقشين مَعًا موقعٌ من بكر بن وَائِل فِي حروبها مَعَ بني تغلب وبأسٌ وشجاعة ونجدة وَتقدم فِي الحروب ونكايةٌ فِي الْعَدو. وَأما ابْن غلفاء بالغين الْمُعْجَمَة وَالْفَاء فَهُوَ أَوْس بن غلفاء من بني الهجيم بن عَمْرو بن تَمِيم وَهُوَ شَاعِر جاهلي وَهُوَ الْقَائِل: الوافر (أَلا قَالَت أُمَامَة يَوْم غولٍ ... تقطع يَا ابْن غلفاء الحبال) (ذَرِينِي إِنَّمَا خطإي وصوبي ... عَليّ وَإِن مَا أنفقت مَال) يَقُول: إِن الَّذِي أهلكت مالٌ وَلم أتلف عرضا. وَالْمَال يسْتَخْلف. كَذَا فِي كتاب الشُّعَرَاء لِابْنِ قُتَيْبَة. قَالَ ابْن جني فِي الْمُبْهِج: مَعْنَاهُ عود شجر يستاك بِهِ. قَالَ جرير:

(الشاهد السادس والعشرون بعد الستمائة)

الوافر (أتنسى إِذْ تودعنا سليمى ... بِعُود بشامةٍ سقِِي البشام) والحزن بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الزَّاي بعْدهَا نون وَمَعْنَاهُ الْموضع الغليظ. وَذكره الْآمِدِيّ فِي المؤتلف والمختلف وَلم يزدْ فِي نسبه على قَوْله: بشامة بن حزن النَّهْشَلِي نهشل بن دارم. وَلم أر لَهُ تَرْجَمَة وَلَيْسَ لَهُ ذكر فِي تَرْجَمَة الْأَنْسَاب وَالظَّاهِر أَنه إسلامي. وَكَذَا أَبُو مَخْزُوم النَّهْشَلِي كَمَا يظْهر من شرح الْمبرد لأبياته. وَذكر الْآمِدِيّ شَاعِرًا آخر اسْمه بشامة. قَالَ: بشامة بن الغدير والغدير اسْمه عَمْرو بن هِلَال بن سهم بن مرّة بن عَوْف بن سعد بن ذبيان. شَاعِر محسن مقدم وَهُوَ خَال زُهَيْر بن أبي سلمى الْمُزنِيّ. وَله أشعارٌ جِيَاد طوال. انْتهى. وَأنْشد بعده) (الشَّاهِد السَّادِس وَالْعشْرُونَ بعد الستمائة) (وَلَا يجزون من حسنٍ بسوءى ... وَلَا يجزون من غلظٍ بلين) على أَن سوءى مصدر كالرجعى والبشرى وَلَيْسَ مؤنث أَسْوَأ. وَالْبَيْت من أبياتٍ لأبي الغول مَذْكُورَة فِي أَوَائِل الحماسة وَتقدم شرحها فِي الشَّاهِد الثَّالِث والثمانين بعد الأربعمائة. قَالَ شرَّاح الحماسة: وَقد روى سوءى فِي الْبَيْت رِوَايَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ: إِحْدَاهمَا: بسيءٍ بِفَتْح السِّين وَسُكُون الْمُثَنَّاة التَّحْتِيَّة بعْدهَا همزَة وَهُوَ

مخفف سيءٍ بتَشْديد الْيَاء كَمَا يُخَفف هَين ولين فَيكون وَصفا. وَالثَّانيَِة: بسيءٍّ بِكَسْر السِّين وَتَشْديد الْيَاء بِلَا همزَة. والسي: الْمثل. وَمَعْنَاهُ أَنهم يزِيدُونَ فِي الْجَزَاء على قدر الِابْتِدَاء. قَالَ الطبرسي: وَهَذَا لَيْسَ بشيءٍ لِأَنَّهُ إخلالٌ بالمطابقة الَّتِي حسن الْبَيْت بهَا لِأَنَّهُ جعل سَيِّئًا فِي مُقَابلَة حسن واللين فِي مُقَابلَة الغلظ. وَهَذَا من الْمُطَابقَة الصَّحِيحَة لِأَنَّهُ قَابل الِاسْم بِالِاسْمِ والمصدر بِالْمَصْدَرِ. انْتهى. وروى شرَّاح الْمفصل رِوَايَة أُخْرَى وَهِي: بسوءٍ وَهُوَ مصدر أَيْضا كالرواية الأولى. قَالَ ابْن المستوفي: الَّذِي اسْتشْهد بِهِ الزَّمَخْشَرِيّ هُوَ بعض الرِّوَايَات لكنه اخْتَارَهُ لمَكَان حَاجته وضده قَول قريط بن أنيف الْعَنْبَري: الْبَسِيط (يجزون من ظلم أهل الظُّلم مغْفرَة ... وَمن إساءةً أهل السوء إحسانا) وروى ابْن قُتَيْبَة فِي كتاب الشُّعَرَاء الْبَيْت هَكَذَا:. (وَلَا يجزون من خيرٍ بشرٍّ ... وَلَا يجزون من غلظٍ بلين) تَتِمَّة خطأ الزَّمَخْشَرِيّ فِي الْمفصل أَبَا نواس فِي قَوْله: الْبَسِيط (كَأَن صغرى وكبرى من فقاقعها ... حَصْبَاء درٍّ على أرضٍ من الذَّهَب) لكَونه اسْتعْمل صغرى وكبرى نكرَة. وَهَذَا الضَّرْب من الصِّفَات

لَا يسْتَعْمل إِلَّا مُعَرفا وَإِنَّمَا يجوز التنكير فِي فعلى الَّتِي لَا أفعل لَهَا: نَحْو: حُبْلَى. قَالَ الأندلسي: لم يقل إِنَّه ضَرُورَة لِأَن المولد لَا يسوغ لَا اسْتِعْمَال شيءٍ على خلاف الأَصْل) للضَّرُورَة إِلَّا أَن يرد بِهِ سَماع فَيتَوَقَّف فِيهِ على مَحل السماع وَلَا يُقَاس عَلَيْهِ. وصغرى مَا ورد فِيهِ سَماع وَقد حاولوا لَهُ أجوبة: أَحدهَا: أَن الصُّغْرَى قد غلبت عَلَيْهَا الاسمية كَمَا تقدم فِي قَوْله: فِي سعي دنيا طالما قد مدت قَالَ ابْن يعِيش: والاعتذار عَنهُ: أَنه اسْتَعْملهُ اسْتِعْمَال الْأَسْمَاء لِكَثْرَة مَا يَجِيء مِنْهُ بِغَيْر مَوْصُوف نَحْو: صَغِيرَة وكبير فَصَارَ كصاحبٍ والأبطح فَاسْتَعْملهُ نكرَة لذَلِك. ثَانِيهَا: أَن فعلى فِيهِ لَيست مؤنث أفعل بل بِمَعْنى فاعلة. كَأَن قَالَ: صَغِيرَة وكبيرة من فقاقعها على حد قَوْله تَعَالَى: وَهُوَ أَهْون عَلَيْهِ. قَالَه ابْن يعِيش أَيْضا. وَإِلَيْهِ ذهب ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي قَالَ فِيهِ: رُبمَا اسْتعْمل أفعل التَّفْضِيل الَّذِي لم يرد بِهِ المفاضلة مطابقاً. مَعَ كَونه مُجَردا كَقَوْلِه: وَأَنْتُم مَا أَقَامَ ألائم ... . . الْبَيْت أَي: لئام. فعلى هَذَا تخرج بَيت أبي نواس وَقَول النَّحْوِيين: جملَة صغرى وَجُمْلَة كبرى وَكَذَلِكَ

قَول العروضيين: فاصلة صغرى وفاصلة كبرى. انْتهى. ثَالِثهَا: قَالَ الأندلسي: قيل إِن من الْمَذْكُورَة زَائِدَة وكبرى مُضَافَة وَحذف مُضَاف الأول كَمَا فِي قَوْله: الْبَسِيط يَا تيم تيم عدي لَكِن حذف من فِي الْوَاجِب لَا يجوز إِلَّا عِنْد الْأَخْفَش. والأجود أَن يُقَال حذف الْمفضل الدَّاخِل عَلَيْهِ من اكْتِفَاء بِذكرِهِ مرّة أَي: كَأَن صغرى من فقاقعها وكبرى مِنْهَا. انْتهى. وَلَا يخفى أَنه كَانَ يجب أَن يَقُول: وَزِيَادَة من فِي الْوَاجِب لَا تجوز إِلَّا عِنْد الْأَخْفَش بدل قَوْله: لَكِن حذف من فِي الْوَاجِب إِلَخ. وَقد رد ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي هَذَا الْجَواب فَقَالَ: وَقَول بَعضهم إِن من زَائِدَة وإنهما متضايفان يردهُ أَن الصَّحِيح لَا تقحم من فِي الْإِيجَاب وَلَا من تَعْرِيف الْمَجْرُور. انْتهى. وَالْبَيْت فِي صفة الْخمر. والفقاقع: جمع فقاعة. ويروى: من فواقعها جمع فاقعة ومعناهما النفاخات الَّتِي تكون على وَجه المَاء. وصف الْخمر وَمَا يعلوها من الْحباب فَشبه الْحباب بالدر وَهُوَ اللُّؤْلُؤ الْكَبِير وَالْخمر الَّتِي تَحْتَهُ) بِأَرْض من ذهب.

(الشاهد السابع والعشرون بعد الستمائة)

وَالْبَيْت أوردهُ صَاحب الْكَشَّاف عِنْد قَوْله تَعَالَى: حسبتهم لؤلؤا منثوراً فِي ضمن حِكَايَة حَكَاهَا عَن الْمَأْمُون أَنه زفت إِلَيْهِ بوران بنت الْحسن بن سهل وَهُوَ على بساطٍ منسوج من ذهب وَقد نثرت عَلَيْهِ نسَاء دارٍ الْخلَافَة اللُّؤْلُؤ فَنظر إِلَيْهِ منثوراً على ذَلِك الْبسَاط فَاسْتحْسن النّظر إِلَيْهِ وَقَالَ: لله در أبي نواس كَأَنَّهُ أبْصر هَذَا حَيْثُ يَقُول: كَأَن صغرى وكبرى من فقاقعها ... ... ... الْبَيْت وَهُوَ من أَبْيَات أَولهَا: (قَامَت تريني وَستر اللَّيْل منسدلٌ ... صبحاً تولد بَين المَاء وَالْعِنَب) (كَأَن صغرى وكبرى من فقاقعها ... حَصْبَاء درٍّ على أرضٍ من الذَّهَب) (كَأَن تركا صُفُوفا فِي جوانبها ... تَوَاتر الرَّمْي بالنشاب من كثب) (فِي كف ساقيةٍ ناهيك ساقيةً ... فِي حسن قدٍّ وَفِي ظرفٍ وَفِي أدب) وَبعد هَذَا سِتَّة أَبْيَات فِي وصفهَا. وَأنْشد بعده (الشَّاهِد السَّابِع وَالْعشْرُونَ بعد الستمائة) الطَّوِيل وأضرب منا بِالسُّيُوفِ القوانسا على أَن القوانس مَنْصُوب بِفعل مَحْذُوف لَا بأضرب. قَالَ ابْن جني فِي إِعْرَاب الحماسة: القوانس مَنْصُوب عندنَا بِفعل مُضْمر يدل عَلَيْهِ أضْرب أَي: ضربنا أَو نضرب القوانس. فَلَا يجوز أَن يتَنَاوَلهُ أضْرب هَذِه فِي الْبَيْت لِأَن أفعل هَذِه الَّتِي للْمُبَالَغَة تجْرِي مجْرى فعل التَّعَجُّب. وَأَنت لَا تَقول: مَا أضْرب زيدا عمرا حَتَّى تَقول لعمروٍ وَذَلِكَ لضعف هَذَا الْفِعْل وَقلة تصرفه. فَإِن تجسمت مَا أضْرب زيدا عمرا فَإِنَّمَا نصبت عمرا بِفعل آخر على مَا تقدم. انْتهى. وَقَالَ ابْن الْحَاجِب فِي أَمَالِيهِ على الْمفصل: القوانس مَنْصُوب بِفعل مُقَدّر كَأَنَّهُ سُئِلَ عَمَّا يضْربُونَ. فَقَالَ: نضرب القوانس. انْتهى. وَاسْتشْهدَ بِهِ صَاحب الْكَشَّاف عِنْد قَوْله تَعَالَى: أَي الحزبين أحصى لما لَبِثُوا أمداً. على أَن أمداً مَنْصُوب بِفعل دلّ عَلَيْهِ أحصى الَّذِي هُوَ أفعل تَفْضِيل كَمَا نصب القوانس بِمَا دلّ عَلَيْهِ أضْرب. وَقَالَ بعض من شرح أَبْيَات الْمفصل: المُرَاد بِالْبَيْتِ أضْرب منا بِالسُّيُوفِ للقوانس فَحذف اللَّام لضَرُورَة الشّعْر. فَمن لابتداء الْغَايَة مُتَعَلق بأضرب تعلق الظّرْف وبالسيوف تعلق الْآلَة وَاللَّام تعلق الْمَفْعُول بِهِ. وَهَذَا التَّقْدِير أولى من الأول لوَجْهَيْنِ: الأول أَن إِضْمَار:

نضرب يفْسد معنى الْبَيْت إِذْ مُرَاد الشَّاعِر أَنهم ضاربون وَنحن أضْرب مِنْهُم فَيحصل التَّفْضِيل. وَلَو قَالَ: نضرب القوانس لم يكن فِيهِ تَفْضِيل. وَالثَّانِي: أَن أضْرب لَا ينصب الْمَفْعُول بِهِ فَكيف يدل عَلَيْهِ وَالدَّال على عَامل هُوَ الَّذِي يَصح أَن يعْمل فِي معموله. وَإِذا لم يَصح عمله فِيهِ لم يدل عَلَيْهِ. انْتهى. أما الأول فَلِأَن التَّفْضِيل إِنَّمَا يفوت لَو لزم تَقْدِير فعل ناصبٍ للْمَفْعُول إِذْ لَا يكون لاسم التَّفْضِيل تعلق معنوي بذلك الْمَنْصُوب لكنه مَمْنُوع لجَوَاز أَن يكون أضْرب مُتَعَلقا بالقوانس من حَيْثُ الْمَعْنى مَعَ أَن يكون انتصابها بِفعل مُقَدّر. وَإِذن تعلق بِهِ معنى يحصل مُرَاد الشَّاعِر وَهُوَ التَّفْضِيل.) وَقَالَ المُصَنّف فِي أَمَالِيهِ فِي قَوْلنَا مَرَرْت بزيد قَائِما: إِن الْعَامِل فِي زيد فِي اللَّفْظ هُوَ الْبَاء وَمن حَيْثُ الْمَعْنى هُوَ مَرَرْت وَفِي قَائِما بِالْعَكْسِ. يَعْنِي أَن الْفَاعِل فِيهِ من حَيْثُ الْمَعْنى هُوَ الْبَاء وَمن حَيْثُ اللَّفْظ هُوَ مَرَرْت. هَذَا كَلَامه. فَأَقُول: لَا يبعد فِيمَا نَحن فِيهِ أَيْضا أَن يكون نضرب عَاملا لفظا فِي القوانس وَيكون لأضرب تعلقٌ بهَا من حَيْثُ الْمَعْنى فَحِينَئِذٍ يتم مَا ذكرنَا. وَأما الْوَجْه الثَّانِي فَلِأَن الدَّال على عَامل مُقَدّر لَا يلْزم أَن يكون مِمَّا يعْمل عمل ذَلِك الْعَامِل. أَلا ترى أَن الدَّال على الْعَامِل الْمُقدر فِي

قَوْلنَا: زيد مَرَرْت بِهِ هُوَ مَرَرْت مَعَ أَنه لَا ينصب زيدا. ونظائره كَثِيرَة. فَإِن قلت: مَرَرْت مَعَ الْبَاء يَصح أَن ينصب زيدا فَلذَلِك يدل على الناصب الْمُقدر. قلت: فَكَذَا أضْرب فِيمَا نَحن فِيهِ مَعَ اللَّام الْمقدرَة يَصح أَن تنصب القوانس لأنكم ذهبتم إِلَى أَن القوانس تعلق بأضرب تعلق الْمَضْرُوب بِهِ وَإِذا صَحَّ أَن يكون ناصباً لَهَا مَعَ اللَّام صَحَّ أَن يكون دَالا على عاملها. وَإِذا ثَبت فَسَاد الْوَجْهَيْنِ فَلَا يكون التَّقْدِير الثَّانِي أولى من التَّقْدِير الأول بل الْأَمر بِالْعَكْسِ لِأَن تَقْدِير الْفِعْل أَكثر من تَقْدِير حرف الْجَرّ. وَأَيْضًا التَّفْصِيل الَّذِي ذكره للخوافض الثَّلَاث مخالفٌ لما يفهم من كَلَام الْمُحَقِّقين على مَا لَا يخفى على الأذكياء. انْتهى كَلَام الجاربردي. وَأَقُول: لم يبين الْفساد الَّذِي ادَّعَاهُ على وَجْهَيْن من تَقْدِير اللَّام وَغَايَة مَا أوردهُ تَصْحِيح تَقْدِير الْفِعْل على زَعمه. فَتَأمل وأنصف. وَالله تَعَالَى أعلم. والمصراع من قصيدةٍ للْعَبَّاس بن مرداس الصَّحَابِيّ قَالَهَا فِي الْجَاهِلِيَّة قبل إِسْلَامه ومطلعها: (لأسماء رسمٌ أصبح الْيَوْم دارساً ... وأقفر إِلَّا رحرحان فراكسا) وَاخْتَارَ مِنْهَا أَبُو تَمام فِي الحماسة أَرْبَعَة أَبْيَات وَهِي: (فَلم أر مثل الْحَيّ حَيا مصبحاً ... وَلَا مثلنَا يَوْم الْتَقَيْنَا فوارسا) (أكر وأحمى للْحَقِيقَة مِنْهُم ... وأضرب منا بِالسُّيُوفِ القوانسا) (إِذا مَا حملنَا حَملَة نصبوا لنا ... صُدُور المذاكي والرماح المداعسا)

قَالَ أَبُو عُبَيْدَة فِي كتاب أَيَّام الْعَرَب:) غزت بَنو سليم وَرَئِيسهمْ عَبَّاس بن مرداسٍ مرَادا فَجمع لَهُم عَمْرو بن معديكرب فَالْتَقوا بِتَثْلِيث من أَرض الْيمن بعد تسع وَعشْرين لَيْلَة فَاقْتَتلُوا قتالاً شَدِيدا فَقتل من كبار مرادٍ سِتَّة وَقتل من بني سليم رجلَانِ وصبر الْفَرِيقَانِ حَتَّى كره كل واحدٍ مِنْهُمَا صَاحبه فَقَالَ عَبَّاس بن مرداس قصيدته الَّتِي على السِّين وَهِي إِحْدَى المنصفات. انْتهى. وَقَوله: فَلم أر مثل الْحَيّ إِلَخ أَرَادَ بالحي المصبح بني زبيد بن مُرَاد. قَالَ المرزوقي: لم أر مغاراً عَلَيْهِ كَالَّذِين صبحناهم وَلَا مغيراً مثلنَا يَوْم لَقِينَاهُمْ فقسم الشَّهَادَة قسم السوَاء بَين أَصْحَابه وأصحابهم وَتَنَاول بالمدح كل فرقة مِنْهُم. وانتصب حَيا مصبحاً على التَّمْيِيز وَكَذَلِكَ فوارساً تَمْيِيز وتبيين وَيجوز أَن يَكُونَا فِي مَوضِع الْحَال. فَإِن قيل: لم قَالَ فوارس والتمييز يُؤْتى بِهِ مُفْرد اللَّفْظ قلت: إِذا لم يتَبَيَّن كَثْرَة الْعدَد وَاخْتِلَاف الْجِنْس من الْمُمَيز يُؤْتى بالتمييز مَجْمُوع اللَّفْظ مَتى أُرِيد التَّنْبِيه على ذَلِك. وعَلى هَذَا قَول الله تَعَالَى: هَل ننبئكم بالأخسرين أعمالا كَأَنَّهُ لما كَانَت أَعْمَالهم مُخْتَلفَة كَثِيرَة نبه على ذَلِك بقوله: أعمالا. وَلَو قَالَ عملا كَانَ السَّامع لَا يبعد فِي وهمه أَن خسرهم كَانَ لجنسٍ وَاحِد من أَجنَاس الْمعْصِيَة أَو لعمل وَاحِد من الْأَعْمَال الذميمة.

وَقَالَ ابْن الْحَاجِب فِي الأمالي: إِن أُرِيد بِالرُّؤْيَةِ الْعلم فَحَيَّا مَنْصُوب بهَا مفعول أول وَمثل: مفعول ثَان. وَإِن أُرِيد رُؤْيَة الْعين فَيحْتَمل أَن يكون حَيا مصبحاً هُوَ الْمَفْعُول وَمثل الْحَيّ صفة قدمت فانتصب على الْحَال. وَيجوز أَن يكون مثل الْحَيّ هُوَ الْمَفْعُول وَحيا مصبحاً إِمَّا عطف بَيَان لقَوْله مثل الْحَيّ وَإِمَّا حالٌ من الْحَيّ كَأَنَّهُ قَالَ: مثل الْحَيّ مصبحاً وأتى بحي للتوطئة للصفة المعنوية كَقَوْلِهِم: جَاءَنِي الرجل الَّذِي تعلم رجلا صَالحا. وَصَحَّ الْحَال من الْمُضَاف إِلَيْهِ لِأَنَّهُ هُنَا فِي معنى الْمَفْعُول أَي: لم أر مماثلا للحي فِي حَال كَونهم مصبحين. والمضاف إِلَيْهِ إِذا كَانَ فِي معنى فَاعل أَو مفعول صَحَّ مِنْهُ الْحَال كَغَيْرِهِ. وَيجوز أَن يكون تمييزاً كَقَوْلِك: عِنْدِي مثله تَمرا أَو قمحاً لما فِي مثل من إِبْهَام الذَّات فصح تمييزها كتمييز مَا أشبههَا وكل مَا ذكر فِي ذَلِك فَهُوَ جارٍ فِي قَوْله: مثلنَا فوارساً ففوارساً مثل قَوْله مصبحاً ومثلنا مثل قَوْله: مثل الْحَيّ. انْتهى كَلَام ابْن الْحَاجِب.) وَنَقله الجاربردي فِي تِلْكَ الرسَالَة وَقَالَ: على تَقْدِير أَن يُرَاد بِالرُّؤْيَةِ الْعلم يجوز أَن يَجْعَل مثل الْحَيّ مَفْعُولا أول وَحيا مصبحاً مَفْعُولا ثَانِيًا. فَإِن قلت: لَا يجوز أَن يكون مثل الْحَيّ مَفْعُولا أول لِأَنَّهُ فِي أَفعَال الْقُلُوب حكمه حكم الْمُبْتَدَأ فَيجب أَن يكون معرفَة أَو نكرَة مخصصة بوجهٍ مَا. وَهنا لَيْسَ كَذَلِك لِأَن الْمثل كَمَا لَا يتعرف بِالْإِضَافَة فَلَا يتخصص أَيْضا فَلَا يصلح لِأَن يكون مَفْعُولا أول.

فَالْجَوَاب بعد تَسْلِيم ذَلِك أَن يُقَال: الْمثل هُنَا إِمَّا تخصص بِالْإِضَافَة أَو لَا بل بَقِي على مَا كَانَ يصلح لِأَن يكون مَفْعُولا أول. أما على التَّقْدِير الأول فَظَاهر وَأما على التَّقْدِير الثَّانِي فَلِأَنَّهُ إِذا كَانَ نكرَة وَقد وَقع فِي سِيَاق النَّفْي فَيعم وَلَا شكّ أَنه يَصح الِابْتِدَاء بِهِ فَيصح أَن يكون مَفْعُولا أول. انْتهى. وَقَوله: أكر وأحمى إِلَخ قَالَ المرزوقي: المصراع الأول ينْصَرف إِلَى أعدائه وهم بَنو زبيدٍ وَالثَّانِي: إِلَى عشيرته وَأَصْحَابه. وَالْمرَاد لم أر أحسن كراً وأبلغ حماية للحقائق مِنْهُم وَلَا أضْرب للقوانس بِالسُّيُوفِ منا. وانتصب القوانس من فعلٍ دلّ عَلَيْهِ قَوْله: وأضرب منا. وَلَا يجوز أَن يكون انتصابه عَن أضْرب لِأَن أفعل الَّذِي يتم بِمن لَا يعْمل إِلَّا فِي النكرات كَقَوْلِك: هُوَ أحسن مِنْك وَجها. وأفعل هَذَا يجْرِي مجْرى فعل التَّعَجُّب وَلذَلِك تعدى إِلَى الْمَفْعُول الثَّانِي بِاللَّامِ فَقلت: مَا أضْرب زيدا لعَمْرو. قَالَ الدريدي: القونس هُوَ أَعلَى الْبَيْضَة. وَقَالَ غَيره: قونس الْفرس: مَا بَين أُذُنَيْهِ إِلَى الرَّأْس. وَقَالَ ابْن الْحَاجِب: قَوْله: أكر وأحمى إِلَخ تَبْيِين لما ادَّعَاهُ فِيمَا تقدم فَيجوز أَن ينْتَصب بِفعل مُقَدّر لَا صفة لما تقدم لِئَلَّا يفصل بَين الصّفة والموصوف بِمَا هُوَ كَالْأَجْنَبِيِّ إِذا جعل تمييزاً. وَيجوز أَن يكون صفة لما تقدم كَأَنَّهَا صفة وَاحِدَة. وَإِذ جعلا غير تَمْيِيز كَأَنَّهُ

قَالَ: جَاءَنِي زيدٌ وَعَمْرو الْعَاقِل والعالم. وَذَلِكَ جَائِز. فأكر وأحمى صفة لحياً مصبحاً وأضرب منا صفةٌ لفوارساً. انْتهى. وَنَقله الجاربردي فِي تِلْكَ الرسَالَة وَقَالَ: كَلَامه مشعرٌ بِأَنَّهُ على تَقْدِير كَون مَا تقدم على أكر وأحمى تمييزاً لَو جعل أكر وأحمى صفة يلْزم الْفَصْل بَين الصّفة والموصوف بِمَا هُوَ كَالْأَجْنَبِيِّ وَأما على تَقْدِير كَون الْمُتَقَدّم غير تَمْيِيز لَو جعل أكر وأحمى صفة لَا يلْزم ذَلِك. وَالْفرق مشكلٌ جدا. انْتهى.) وأكر: من كرّ عَلَيْهِ إِذا صال عَلَيْهِ. وأحمى: من الحماية. وَحَقِيقَة الرجل: مَا يحِق عَلَيْهِ حفظه من الْأَهْل وَالْأَوْلَاد وَالْجَار. وَقَوله: إِذا مَا حملنَا حَملَة إِلَخ قَالَ الفرزدق: يرْوى إِذا مَا شددنا شدَّة. يَقُول: إِذا حملنَا عَلَيْهِم ثبتوا فِي وُجُوهنَا ونصبوا صُدُور الْخَيل الْقرح والرماح الْمعدة للدَّفْع. والدعس: الدّفع فِي الأَصْل ثمَّ يسْتَعْمل فِي الطعْن وَشدَّة الْوَطْء وَالْجِمَاع. وَفِي الْمثل: جري المذكيات غلابٌ. وَيُقَال: غلاء. وَيُقَال: فتاء فلانٍ كذكاء فلَان وكتذكية فلَان أَي: حزامته على نُقْصَان سنه كحزامة ذَاك مَعَ استكماله. قَالَ زُهَيْر: الوافر (يفضله إِذا اجتهدا عَلَيْهِ ... تَمام السن مِنْهُ والذكاء) انْتهى. وَقَالَ بعض شرَّاح الحماسة: المذاكي: المسنات من الْخَيل. والمذكي من الْخَيل بِمَنْزِلَة المخلف من الْإِبِل.

وَقَوله: إِذا الْخَيل جالت قَالَ المرزوقي: أَي إِذا الْخَيل دارت عَن مصروع منا كررنا عَلَيْهِم لنصرع مثل مَا صرعوا منا. وَيجوز أَن يُرِيد: إِذا جالت الْخَيل عَن صريع مِنْهُم لَا يقنعنا ذَلِك فيهم بل نكرها عَلَيْهِم لمثله وَإِن كرهت الْكر لشدَّة الْبَأْس فَلم ترجع إِلَّا كوالح. وَالْعَامِل فِي إِذا الْخَيل: نكرها وَهُوَ جَوَابه. وعوابس حَال وَالْخَيْل فَاعل فعل يفسره مَا بعده. انْتهى. وَقَالَ شارحٌ آخر: جالت: انكشفت. جال الْقَوْم جَوْلَة: انكشفوا ثمَّ كروا. وَلم ترجع الْخَيل إِلَّا عابسةً لما وجدت من مس السِّلَاح. وَقد رد على الْعَبَّاس عَمْرو بن معديكرب وَاعْتذر بِأَن خيلهم لم تكن سماناً وَأَنه لَوْلَا ذَلِك لم تنالوا الَّذِي نلتم فِي قصيدة يَقُول فِيهَا: الطَّوِيل (أعباسٌ لَو كَانَت شياراً جيادنا ... بِتَثْلِيث مَا ناصيت بعدِي الأحامسا) (لدسانكم بِالْخَيْلِ من كل جانبٍ ... كَمَا داس طباخ الْقُدُور الكرادسا) يُقَال: ناصيت الرجل إِذا أخذت بناصيته. والكردوس: كل ملتقى عظمين كالمنكبين والركبتين والوركين. ودسناكم: وطئناكم. انْتهى.) قَالَ الطبرسي فِي شَرحه أَبْيَات الْعَبَّاس من بَاب المنصفات: وَهُوَ

(الشاهد الثامن والعشرون بعد الستمائة)

من بَاب التناصف. وللعرب قصائد قد أنصف قائلوها أعداءهم فِيهَا وَصَدقُوا عَنْهُم وَعَن أنفسهم فِيمَا اصطلوه من حر اللِّقَاء وَفِيمَا وصفوه من أَحْوَالهم فِي إمخاض الإخاء قد سَموهَا المنصفات. ويروى أَن أول من أنصف فِي شعره مهلهل بن ربيعَة حَيْثُ قَالَ: الوافر (كأنا غدْوَة وَبني أَبينَا ... بِجنب عنيزةٍ رحيا مدير) وَمن التناصف فِي الإخاء قَول الْفضل بن الْعَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما فِي أبي لَهب: الْبَسِيط (لَا تطمعوا أَن تهينونا ونكرمكم ... وَأَن نكف الْأَذَى عَنْكُم وتؤذونا) انْتهى. وَالْعَبَّاس وَعَمْرو بن معديكرب صحابيان تقدّمت تَرْجَمَة الأول فِي الشَّاهِد السَّابِع عشر وترجمة الثَّانِي فِي الشَّاهِد الرَّابِع وَالْخمسين بعد الْمِائَة. وَأنْشد بعده (الشَّاهِد الثَّامِن وَالْعشْرُونَ بعد الستمائة) وَهُوَ من شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ: الطَّوِيل (مَرَرْت على وَادي السبَاع وَلَا أرى ... كوادي السبَاع حِين يظلم وَاديا) ...

(أقل بِهِ ركبٌ أَتَوْهُ تئية ... وأخوف إِلَّا مَا وقى الله ساريا) على أَن أفعل فِيهِ من قبيل: مَا رَأَيْت كعين زيدٍ أحسن فِيهَا الْكحل. قَالَ سِيبَوَيْهٍ: إِنَّمَا أَرَادَ أقل بِهِ الركب تئية مِنْهُم. وَلكنه حذف اسْتِخْفَافًا كَمَا تَقول: أَنْت أفضل وَلَا تَقول من أحد. وَتقول: الله أكبر وَمَعْنَاهُ الله أكبر من كل شَيْء. انْتهى. قَالَ ابْن خلف: حذف مِنْهُم وَبِه اختصاراً لعلم السَّامع. وَالْهَاء فِي بِهِ الأولى ضمير وَاديا وَالْهَاء فِي بِهِ الَّتِي بعد مِنْهُم ضمير وَادي السبَاع. وَقَالَ الجاربردي فِي رِسَالَة ألفها لمسألة الْكحل على عبارَة الكافية: ولوقوع التَّغْيِير الْكثير فِي الْعبارَة الثَّالِثَة من الْحَذف والتقديم وَالتَّأْخِير رُبمَا يتَوَهَّم أَنَّهَا غير جَائِزَة فَلذَلِك احْتَاجَ إِلَى إِيرَاد نظيرٍ لَهَا جَاءَ فِي كَلَام الْعَرَب وَقد أنْشدهُ سِيبَوَيْهٍ وَهُوَ قَوْله: مَرَرْت على وَادي السبَاع ... ... ... ... . الْبَيْت والاستشهاد إِنَّمَا يحصل من الْبَيْتَيْنِ بقوله: وَلَا أرى كوادي السبَاع أقل بِهِ ركب أَتَوْهُ تئية فِي وَادي) السبَاع. فأفعل هَا هُنَا وَهُوَ أقل جرى لشيءٍ وَهُوَ فِي الْمَعْنى لمسببٍ هُوَ الركب مفضل بِاعْتِبَار من هُوَ لَهُ وَهُوَ قَوْله بِهِ على نَفسه بِاعْتِبَار وَادي السبَاع. انْتهى. وَقد شرح الشَّارِح الْمُحَقق الْبَيْتَيْنِ بِمَا لم يسْبق بِهِ. وَقَوله: الْوَاو فِي وَلَا أرى اعتراضية هَذَا بِالنّظرِ إِلَى مَا يَأْتِي بعد الْبَيْت الثَّانِي.

وَجعل الْعَيْنِيّ جملَة: وَلَا أرى حَالية. وَقَوله: وَهُوَ بِمَعْنى الْمَفْعُول يَعْنِي أَن أخوف فِي الْبَيْت مَأْخُوذ من الْفِعْل الْمَبْنِيّ للْمَجْهُول أَي: أَشد مخوفية كَمَا أَخذ أشهر وَأحمد من الْمَبْنِيّ للْمَجْهُول أَي: أَشد مشهورية ومحمودية. وَقَوله: وَهُوَ مَنْصُوب على التَّمْيِيز من أقل هَذَا هُوَ الظَّاهِر وَعَلِيهِ اقْتصر شَارِح اللّبَاب قَالَ: التئية: التَّوَقُّف والتثبت. وتئية تَمْيِيز من قَوْله: أقل أَي: أقل توقفاً. فَأَقل: أفعل من الْقلَّة مَنْصُوب لِأَنَّهُ صفة لمفعول أرى. وَقَالَ الجاربردي: تئية إِمَّا مصدر على أَصله لِأَن الْإِتْيَان قد يكون تئية أَي: بتوقف وَقد يكون بِغَيْرِهِ. وَإِمَّا مصدرٌ فِي تَأْوِيل الْمُشْتَقّ أَي: متوقفين فَيكون حَالا. وأخوف عطف على أقل أَو على تئية إِن جعلت حَالا. وَإِلَّا مَا وقى الله: استثناءٌ مفرغ أَي: فِي كل وَقت إِلَّا وَقت وقاية الله الساري. انْتهى. ومحصل الْمَعْنى أَن ثُبُوت الركب فِي وَادي السبَاع أقل من ثُبُوته فِي غَيره. وَالشعر لسحيم بن وثيل وَهُوَ شَاعِر عصري الفرزدق وَقد تقدّمت تَرْجَمته فِي الشَّاهِد الثَّامِن وَالثَّلَاثِينَ. وَادي السبَاع: اسْم مَوضِع بطرِيق الْبَصْرَة. قَالَ أَبُو عبيد الْبكْرِيّ فِي مُعْجم مَا استعجم: وَادي السبَاع جمع سبع بِالْبَصْرَةِ مَعْرُوف وَهُوَ الَّذِي قتل فِيهِ الزبير بن الْعَوام سمي بذلك لِأَن أَسمَاء بنت عمرَان بن الحاف بن قضاعة. وَقَالَ

الْكَلْبِيّ: هِيَ أَسمَاء بنت دريم بن الْقَيْن بن أهود بن بهراء كَانَت تنزله. وَيُقَال لَهَا أم الأسبع لِأَن وَلَدهَا أَسد وكلب وَالذِّئْب والدب والفهد والسرحان. وَأَقْبل وَائِل بن قاسط فَلَمَّا نظر إِلَيْهَا رَآهَا امْرَأَة ذَات جمال فطمع فِيهَا ففطنت لَهُ فَقَالَت: لَو هَمَمْت بِي لأتاك أسبعي فَقَالَ: مَا أرى حولك أسبعاً. فدعَتْ بنيها فَأتوا بِالسُّيُوفِ من كل نَاحيَة. فَقَالَ: وَالله وَقَالَ ياقوت فِي مُعْجم الْبلدَانِ: وَادي السبَاع جمع سبع. والسبع: يُقَال: على مَا لَهُ نابٌ ويعدو) على النَّاس وَالدَّوَاب فيفترسها مثل الْأسد وَالذِّئْب والنمر والفهد. فَأَما الثَّعْلَب فَإِنَّهُ وَإِن كَانَ لَهُ نَاب فَإِنَّهُ لَيْسَ بسبعٍ لِأَنَّهُ لَا عدوان لَهُ. وَكَذَلِكَ الضبع. ووادي السبَاع هُوَ الَّذِي قتل فِيهِ الزبير بن الْعَوام بن الْبَصْرَة وَمَكَّة بَينه وَبَين الْبَصْرَة خَمْسَة أَمْيَال. كَذَا ذكره أَبُو عُبَيْدَة. ووادي السبَاع من نواحي الْكُوفَة سمي بذلك لما أذكرهُ لَك وَهُوَ: أَن أَسمَاء بنت دريم بن الْقَيْن بن أهود بن بهراء كَانَ يُقَال لَهَا: أم الأسبع. وَوَلدهَا بَنو وبرة ابْن تغلب بن حلوان بن عمرَان بن الحاف بن قضاعة يُقَال لَهُم السبَاع وهم: كلب وَأسد وَالذِّئْب والفهد والثعلب وسرحان. ونزكٌ بِفَتْح النُّون

وَسُكُون الزَّاي وَهُوَ الْحَرِيش وَيُقَال لَهُ: الكركدن لَهُ قرن وَاحِد يحمل الْفِيل على قرنه على مَا قيل. وجعثم وَهُوَ الضبع. والفزر وَهُوَ الببر: نوع من الضباع دون جرم الفهد إِلَّا أَنه أَشد وأجرأ مِنْهُ. وعنزة وَهِي دابةٌ طَوِيلَة الخطم يعد من رُؤُوس السبَاع يَأْتِي النَّاقة فَيدْخل خطمه فِي حيائها وَيَأْكُل مَا فِي بَطنهَا وَيَأْتِي الْبَعِير فيمتلخ عَيْنَيْهِ. وهر وضبع. والسمع بِالْكَسْرِ وَهُوَ ولد الذِّئْب من الضبع. وديسم وَهُوَ الثَّعْلَب وَقيل: ولد الذِّئْب. ونمس وَهُوَ دويبة فَوق ابْن عرس يَأْكُل اللَّحْم وَهُوَ أسود ملمع ببياض. والعفر: جنس من الببر. وَسيد. والدلدل. والظربان: دويبةٌ مُنْتِنَة الفساء. ووعوع وَهُوَ ابْن آوى الضخم. وَكَانَت تنزل مَعَ أَوْلَادهَا بِهَذَا الْوَادي فَسُمي وَادي السبَاع بِأَوْلَادِهَا. قَالَ ابْن حبيب: مر وَائِل بن قاسط بأسماء هَذِه أم ولد وبرة وَكَانَت امْرَأَة جميلَة وبنوها يرعون حولهَا فهم بهَا فَقَالَت لَهُ: لَعَلَّك أسررت فِي نَفسك مني شَيْئا فَقَالَ: أجل. فَقَالَت: لَئِن لم تَنْتَهِ لأستصرخن عَلَيْك فَقَالَ: وَالله مَا أرى بالوادي أحدا فَقَالَت: لَو دَعَوْت سباعه لمنعتني مِنْك وأعانتني عَلَيْك. فَقَالَ: أَو تفهم السبَاع عَنْك قَالَت: نعم. ثمَّ رفعت صَوتهَا: يَا كلب يَا ذِئْب يَا فَهد يَا دب يَا سرحان يَا أَسد. فجاؤوا يتعادون وَيَقُولُونَ: مَا خبرك يَا أُمَّاهُ قَالَت: ضيفكم هَذَا أَحْسنُوا قراه. وَلم تَرَ أَن تفضح نَفسهَا عِنْد بنيها فذبحوا لَهُ وأطعموه فَقَالَ وَائِل: مَا هَذَا إِلَّا وَادي السبَاع فَسُمي ذَلِك. انْتهى.

(الفعل الماضي)

(الْفِعْل الْمَاضِي) أنْشد فِيهِ (الشَّاهِد التَّاسِع وَالْعشْرُونَ بعد الستمائة) الْبَسِيط وَالله لَا عذبتهم بعْدهَا سقر على أَن الْمَاضِي النَّفْي بِلَا فِي جَوَاب الْقسم ينْصَرف إِلَى الِاسْتِقْبَال كَمَا فِي الْبَيْت. وَهُوَ عجز وصدره: حسب المحبين فِي الدُّنْيَا عَذَابهمْ وَالْبَيْت من قصيدةٍ للمؤمل بن أميل الْمحَاربي قَالَهَا فِي امرأةٍ كَانَ يهواها من أهل الْحيرَة يُقَال لَهَا: هِنْد وَهِي قصيدة مَشْهُورَة. وَمِنْهَا: (شف المؤمل يَوْم الْحيرَة النّظر ... لَيْت المؤمل لم يخلق لَهُ بصر) وَمِنْهَا: روى الْأَصْبَهَانِيّ بِسَنَدِهِ فِي الأغاني عَن عَليّ بن الْحسن الشَّيْبَانِيّ قَالَ: رأى المؤمل فِي نَومه قَائِلا يَقُول: أَنْت المتألي على الله أَنه لَا يعذب المحبين حَيْثُ تَقول: (يَكْفِي المحبين فِي الدُّنْيَا عَذَابهمْ ... وَالله لَا عذبتهم بعْدهَا سقر) فَقَالَ: نعم. فَقَالَ: كذبت يَا عَدو الله ثمَّ أَدخل إصبعيه فِي عَيْنَيْهِ وَقَالَ لَهُ: أَنْت الْقَائِل: شف المؤمل يَوْم الْحيرَة النّظر ... ... ... . . الْبَيْت

هَذَا مَا تمنيت فانتبه فَزعًا فَإِذا هُوَ قد عمي. وَرُوِيَ بِسَنَدِهِ أَيْضا عَن مُصعب الزبيرِي أَنه قَالَ: أنْشد الْمهْدي: قتلت شَاعِر هَذَا الْحَيّ من مضرٍ ... ... ... . الْبَيْت فَضَحِك وَقَالَ: لَو علمنَا أَنَّهَا فعلت لما رَضِينَا ولغضبنا لَهُ وأنكرنا. انْتهى. وشفه: بالشين الْمُعْجَمَة وَالْفَاء بِمَعْنى أرقه وأهزله ونقصه. والمتألي بِمَعْنى الْحَالِف: اسْم فَاعل من تألى من الألية وَهِي الْيَمين. وَيُقَال مِنْهَا آل إِيلَاء وائتلى أَيْضا: افتعل من الألية.) والمؤمل: ابْن أميل بن أسيد الْمحَاربي. والمؤمل بِصِيغَة اسْم الْمَفْعُول وَالثَّانِي: بِالتَّصْغِيرِ وَكِلَاهُمَا مأخوذان من الأمل وَالثَّالِث: بِفَتْح الْهمزَة وَكسر السِّين الْمُهْملَة. وَهَذِه تَرْجَمته من الأغاني قَالَ: هُوَ المؤمل بن أميل بن أسيد الْمحَاربي من محَارب بن خصفة بن قيس بن عيلان بن مُضر. شاعرٌ كوفيٌّ من مخضرمي شعراء الدولتين الأموية والعباسية. وَكَانَت شهرته فِي العباسية أَكثر لِأَنَّهُ كَانَ من الْجند المرتزقة مَعَهم وَمن يخصهم ويخدمهم من أَوْلِيَائِهِمْ. وَانْقطع إِلَى الْمهْدي فِي حَيَاة أَبِيه وَبعده. وَهُوَ صَالح الْمَذْهَب فِي شعره لَيْسَ من المبرزين الفحول وَلَا المرذولين. وَفِي شعره لين. وَله طبعٌ صَالح. وَرُوِيَ عَنهُ بالسند أَنه قَالَ: قدمت على الْمهْدي وَهُوَ بِالريِّ وَهُوَ إِذْ ذَاك ولي عهد فامتدحته بأبياتٍ فَأمر لي بِعشْرين ألف دِرْهَم فَكتب

بذلك صَاحب الْبَرِيد إِلَى أبي جَعْفَر الْمَنْصُور وَهُوَ بِمَدِينَة السَّلَام يُخبرهُ أَن الْأَمِير الْمهْدي أَمر لشاعر بِعشْرين ألف دِرْهَم فَكتب إِلَيْهِ يعذله ويلومه وَيَقُول لَهُ: إِنَّمَا كَانَ يَنْبَغِي لَك أَن تعطيه بعد أَن يُقيم ببابك سنة أَرْبَعَة أُلَّاف دِرْهَم. وَكتب إِلَى كَاتب الْمهْدي أَن يُوَجه إِلَيْهِ بالشاعر. فَطلب فَلم يقدر عَلَيْهِ وَكتب إِلَى أبي جَعْفَر: إِنَّه قد توجه إِلَى مَدِينَة السَّلَام. فأجلس قائداً من قواده على جسر النهروان وَأمره أَن يتصفح النَّاس رجلا رجلا. فَجعل لَا تمر بِهِ قافلة إِلَّا تصفح من فِيهَا حَتَّى مرت الْقَافِلَة الَّتِي فِيهَا المؤمل فتصفحهم فَلَمَّا سَأَلَهُ من أَنْت قَالَ: أَنا المؤمل بن أميل الْمحَاربي الشَّاعِر أحد زوار الْأَمِير الْمهْدي. فَقَالَ: إياك طلبت. قَالَ المؤمل: فكاد قلبِي ينصدع خوفًا من أبي جَعْفَر الْمَنْصُور. فَقبض عَليّ وأسلمني إِلَى الرّبيع فَأَدْخلنِي إِلَى أبي جَعْفَر وَقَالَ لَهُ: هَذَا الشَّاعِر الَّذِي أَخذ من الْمهْدي عشْرين ألف دِرْهَم قد ظفرنا بِهِ. فَقَالَ: أدخلوه إِلَيّ. فأدخلت عَلَيْهِ فَسلمت تَسْلِيم مذعور مروع فَرد عَليّ السَّلَام وَقَالَ: لَيْسَ لَك هَا هُنَا إِلَّا خيرٌ أَنْت المؤمل بن أميل. قلت: نعم يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ. قَالَ: أتيت غُلَاما غراً كَرِيمًا فخدعته فانخدع. قلت: نعم أصلح الله أَمِير الْمُؤمنِينَ أتيت غُلَاما غراً كَرِيمًا فخدعته فانخدع. قَالَ: فَكَأَن ذَلِك أعجبه فَقَالَ: أَنْشدني مَا قلت لَهُ. فَأَنْشَدته:

الوافر) (هُوَ الْمهْدي إِلَّا أَن فِيهِ ... مشابهةً من الْقَمَر الْمُنِير) (تشابه ذَا وَذَا فهما إِذا مَا ... أنارا مشكلان على الْبَصِير) (فَهَذَا فِي الظلام سراج ليلٍ ... وَهَذَا فِي النَّهَار ضِيَاء نور) (وَلَكِن فضل الرَّحْمَن هَذَا ... على ذَا بالمنابر والسرير) (وبالملك الْعَزِيز فَذا أميرٌ ... وماذا بالأمير وَلَا الْوَزير) (فيا ابْن خَليفَة الله الْمُصَفّى ... بِهِ تعلو مفاخرة الفخور) (لَئِن فت الْمُلُوك وَقد توافوا ... إِلَيْك من السهولة والوعور) (لقد سبق الْمُلُوك أَبوك حَتَّى ... بقوا من بَين كابٍ أَو حسير) (وَجئْت مُصَليا تجْرِي حثيثاً ... وَمَا بك حِين تجْرِي من فتور) (فَقَالَ النَّاس: مَا هَذَانِ إِلَّا ... كَمَا بَين الخليق إِلَى الجدير) (لَئِن سبق الْكَبِير فَأهل سبقٍ ... لَهُ فضل الْكَبِير على الصَّغِير) (وَإِن بلغ الصَّغِير مدى كبيرٍ ... فقد خلق الصَّغِير من الْكَبِير) فَقَالَ: وَالله لقد أَحْسَنت وَلَكِن هَذَا لَا يُسَاوِي عشْرين ألف دِرْهَم فَأَيْنَ المَال هَا هُوَ هَذَا. قَالَ: يَا ربيع امْضِ مَعَه فأعطه أَرْبَعَة آلَاف دِرْهَم وَخذ مِنْهُ الْبَاقِي. قَالَ المؤمل: فَخرج معي الرّبيع فحط ثقلي وَوزن لي من المَال أَرْبَعَة آلَاف دِرْهَم وَأخذ الْبَاقِي. فَلَمَّا ولي الْمهْدي الْخلَافَة ولى ابْن ثَوْبَان الْمَظَالِم فَكَانَ يجلس للنَّاس بالرصافة فَإِذا مَلأ كساءه رِقَاعًا رَفعهَا إِلَى الْمهْدي فَرفعت إِلَيْهِ رقعةٌ فَلَمَّا دخل بهَا

ابْن ثَوْبَان جعل الْمهْدي ينظر فِي الرّقاع حَتَّى إِذا وصل إِلَى رقعتي ضحك. فَقَالَ لَهُ ابْن ثَوْبَان: أصلح الله أَمِير الْمُؤمنِينَ مَا رَأَيْتُك ضحِكت من شيءٍ من هَذِه الرّقاع إِلَّا من هَذِه الرقعة. فَقَالَ: هَذِه رقْعَة أعرف سَببهَا ردوا إِلَيْهِ عشْرين ألف دِرْهَم. فردوها إِلَيّ وانصرفت. وروى بِسَنَدِهِ أَيْضا عَن أبي مُحَمَّد اليزيدي عَن المؤمل بن أميل قَالَ: صرت إِلَى الْمهْدي بجرجان فمدحته بِقَوْلِي: المتقارب (تعز ودع عَنْك سلمى وسر ... حثيثاً على سائرات البغال) (وكل جوادٍ لَهُ ميعةٌ ... يخب بسرجك بعد الكلال)) (إِلَى الشَّمْس شمس بني هاشمٍ ... وَمَا الشَّمْس كالبدر أَو كالهلال) (ويضحكه أَن يدون السُّؤَال ... ويتلف من ضحكه كل مَال) فاستحسنها الْمهْدي وَأمر لي بِعشْرَة آلَاف دِرْهَم. وشاع الشّعْر وَكَانَ فِي عسكره رجلٌ يعرف بِأبي الهوسات يُغني فغنى فِي الشّعْر لرفقائه وَبلغ ذَلِك الْمهْدي فَبعث إِلَيْهِ سرا فَدخل عَلَيْهِ فغناه فَأمر لَهُ بِخَمْسَة آلَاف دِرْهَم وَأمر لي بِعشْرَة آلَاف دِرْهَم أُخْرَى وَكتب بذلك صَاحب الْبَرِيد إِلَى الْمَنْصُور. ثمَّ ذكر بَاقِي الْخَبَر نَحْو مَا تقدم قبله وَزَاد فِيهِ أَن الْمَنْصُور قَالَ لَهُ: جِئْت إِلَى غُلَام غرٍّ فخدعته حَتَّى أَعْطَاك من مَال الله عشْرين ألف دِرْهَم لشعرٍ قلته فِيهِ غير جيد وأعطاك من رَقِيق الْمُسلمين مَالا يملكهُ وأعطاك من الكراع والأثاث مَا أسرف فِيهِ يَا ربيع خُذ مِنْهُ ثَمَانِيَة عشر ألف دِرْهَم وأعطه أَلفَيْنِ وَلَا تعرض لشيءٍ من الأثاث وَالدَّوَاب وَالرَّقِيق فَفِي ذَلِك غناهُ. فَأخذت مني وَالله بخواتمها. فَلَمَّا ولي الْمهْدي

دخلت عَلَيْهِ فِي المتظلمين فَلَمَّا رَآنِي ضحك وَقَالَ: مظلمةٌ أعرفهَا وَلَا أحتاج إِلَى بينةٍ عَلَيْهَا. وَجعل يضْحك وَأمر بِالْمَالِ فَرد عَلَيْهِ بِعَيْنِه وَزَادَنِي فِيهِ عشرَة آلَاف دِرْهَم. انْتهى. وَمن شعره: الطَّوِيل (حلمت بكم فِي نومتي فغضبتم ... وَلَا ذَنْب لي إِن كنت فِي النّوم أحلم) (سأطرد عني النّوم كَيْلا أَرَاكُم ... إِذا مَا أَتَانِي النّوم وَالنَّاس نوم) (تصارمني وَالله يعلم أنني ... أبر بهَا من والديها وأرحم) (وَقد زَعَمُوا لي أَنَّهَا نذرت دمي ... وَمَا لي بِحَمْد الله لحمٌ وَلَا دم) (بَرى حبها لحمي وَلم يبْق لي دَمًا ... وَإِن زَعَمُوا أَنِّي صحيحٌ مُسلم) (فَلم أر مثل الْحبّ صَحَّ سقيمه ... وَلَا مثل من لَا يعرف الْحبّ يسقم) (ستقتل جلدا بَالِيًا فَوق أعظمٍ ... وَلَيْسَ يُبَالِي الْقَتْل جلدٌ وَأعظم)

روى صَاحب الأغاني بِسَنَدِهِ إِلَى حُذَيْفَة بن مُحَمَّد الطَّائِي قَالَ: حَدثنِي أبي قَالَ: رَأَيْت المؤمل شَيخا كَبِيرا نحيفاً أعمى فَقلت لَهُ لقد صدقت فِي قَوْلك: وَقد زَعَمُوا لي أَنَّهَا نذرت دمي ... ... ... الْبَيْت) فَقَالَ: نعم فديتك لَا أَقُول إِلَّا حَقًا

(الفعل المضارع)

(الْفِعْل الْمُضَارع) أنْشد فِيهِ (الشَّاهِد الثَّلَاثُونَ بعد الستمائة) الرجز (أَبيت أسرِي وتبيتي تدلكي ... جِلْدك بالعنبر والمسك الذكي) على أَن النُّون من الْأَفْعَال الْخَمْسَة قد ينْدر حذفهَا لَا للأشياء الْمَذْكُورَة نظماً ونثراً. وَالْأَصْل تبيتين تدلكين. قَالَ ابْن جني فِي بَاب مَا يرد عَن الْعَرَبِيّ مُخَالفا لما عَلَيْهِ الْجُمْهُور من كتاب الخصائص: سَأَلت أَبَا عَليّ رَحِمَهُ اللَّهُ عَن قَوْله: (أَبيت أسرِي وتبيتي تدلكي ... وَجهك بالعنبر والمسك الذكي) فخضنا فِيهِ وَاسْتقر الْأَمر فِيهِ على أَنه حذف النُّون من تبيتين كَمَا حذف الْحَرَكَة للضَّرُورَة فِي قَوْله: السَّرِيع فاليوم أشْرب غير مستحقبٍ كَذَا وجهته مَعَه فَقَالَ لي: فَكيف تصنع بقوله: تدلكي قلت: نجعله بَدَلا من تبيتي أَو حَالا فنحذف النُّون كَمَا حذفهَا من الأول فِي الْمَوْضِعَيْنِ. فاطمأن الْأَمر على هَذَا. وَقد يجوز أَن يكون تبيتي فِي مَوضِع النصب بإضمار أَن فِي غير الْجَواب كَمَا جَاءَ بَيت الْأَعْشَى: الطَّوِيل (لنا هضبةٌ لَا ينزل الذل وَسطهَا ... ويأوي إِلَيْهَا المستجير فيعصما)

انْتهى. وَأوردهُ ابْن عُصْفُور أَيْضا فِي كتاب الضرائر قَالَ: وَمِنْه حذف النُّون الَّذِي هُوَ عَلامَة للرفع فِي الْفِعْل الْمُضَارع لغير ناصبٍ وَلَا جازم تَشْبِيها لَهَا بالضمة من حَيْثُ كَانَتَا علامتي رفع نَحْو قَول أَيمن بن خريم: المتقارب (وَإِذ يغصبوا النَّاس أَمْوَالهم ... إِذا ملكوهم وَلم يغصبوا) وَقَول الآخر:) أَبيت أسرِي ... ... ... ... ... ... ... الْبَيْت وَقَول الآخر أنْشدهُ الْفَارِسِي: الرجز (وَالْأَرْض أورثت بني آداما ... مَا يغرسوها شَجرا أَيَّامًا) أَلا ترى أَن النُّون قد حذفت من يغصبون وتبيتين وتدلكين ويغرسون لغير ناصب وَلَا جازم كَمَا فعل بالحركة فِي أشْرب من قَوْله: فاليوم أشْرب غير مستحقبٍ وَلَا يحفظ شيءٌ من ذَلِك فِي الْكَلَام إِلَّا مَا جَاءَ فِي حَدِيث خرجه مُسلم فِي قَتْلَى بدر حِين قَامَ عَلَيْهِم رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فناداهم ... ... الحَدِيث. فَسمع عمر قَول النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فَقَالَ: يَا رَسُول الله كَيفَ يسمعوا وَأَنِّي يجيبوا وَقد جيفوا فَحذف النُّون من يسمعُونَ ويجيبون. انْتهى.

(الشاهد الحادي والثلاثون بعد الستمائة)

وَهَذَا الْبَيْت لم أَقف على قَائِله: وَقَوله: أَبيت أسرِي إِلَخ أَبيت: مضارع بَات بيتوتة ومبيتاً ومباتاً وَمَعْنَاهُ اخْتِصَاص الْفِعْل بِاللَّيْلِ كَمَا اخْتصَّ الْفِعْل فِي ظلّ بِالنَّهَارِ. فَإِذا قلت: بَات يسري فَمَعْنَاه فعل السرى بِاللَّيْلِ وَلَا يكون إِلَّا مَعَ سهر اللَّيْل. وأسري: مضارع سريت اللَّيْل وسريت بِهِ سرياً وَالِاسْم السَّرَايَة إِذا قطعته بالسير. وَجُمْلَة: أسرى خبر بَات. وتدلكي: دلكت الشَّيْء دلكا من بَاب قتل إِذا مرسته بِيَدِك. ودلكت النَّعْل بِالْأَرْضِ: وروى: وَجهك بدل جِلْدك. والذكي: الشَّديد الرَّائِحَة. قَالَ أَبُو الْقَاسِم الْبَصْرِيّ فِي كتاب أغلاط الدينَوَرِي فِي كتاب النَّبَات: يسْتَعْمل الذكاء أَيْضا فِي حِدة الرَّائِحَة فَيُقَال: مسكٌ ذكيٌّ بَين الذكاء. وَيسْتَعْمل أَيْضا فِيمَا أنتن فَيُقَال مِنْهُمَا: رَائِحَة ذكية وَقد ذكت الرَّائِحَة تذكو ذكواً وذكاءً وَهِي فِي الطّيب أشهر وهم لَهَا أَكثر اسْتِعْمَالا. انْتهى. وَأنْشد بعده (الشَّاهِد الْحَادِي وَالثَّلَاثُونَ بعد الستمائة) الْكَامِل كجواريٍ يلعبن بالصحراء على أَن ظُهُور الْجَرّ والتنوين على الْيَاء ضَرُورَة. وَقَالَ فِي شرح الشافية: وقومٌ من الْعَرَب يجرونَ الْيَاء وَالْوَاو مجْرى

الْحَرْف الصَّحِيح فِي الِاخْتِيَار فيحركون يَاء الرَّامِي رفعا وجراً وياء يَرْمِي رفعا وَكَذَا وَاو يَغْزُو رفعا. وَأنْشد هَذِه الأبيات وَغَيرهَا. وَالْمَشْهُور مَا هُنَا. إِحْدَاهمَا: إِثْبَات الْيَاء وتحريكها وَكَانَ حَقه أَن يحذفها فَيَقُول: كجوارٍ. وَالثَّانيَِة: أَنه صرف مَا لَا ينْصَرف وَكَانَ الْوَجْه لما أثبت الْيَاء إِجْرَاء لَهَا مجْرى الْحَرْف الصَّحِيح أَن يمْنَع الصّرْف فَيَقُول كجواري. انْتهى. وَهَذَا المصراع عجزٌ وصدره: مَا إِن رَأَيْت وَلَا أرى فِي مدتي وَإِن: زَائِدَة مُؤَكدَة لما النافية وَجُمْلَة: وَلَا أرى فِي مدتي أَي: فِي عمري مُعْتَرضَة بَين أرى البصرية وَبَين مفعولها وَهُوَ الْكَاف من قَوْله: كجوارٍ فَإِنَّهَا اسميةٌ وَلَا يَصح جعلهَا حرفية فَإِن التَّقْدِير حِينَئِذٍ: مَا رَأَيْت نسَاء كجواري. وَحذف الْمَوْصُوف من مثل هَذَا لَا ينطبق عَلَيْهِ ضابطه فَإِن الصّفة إِذا كَانَت جاراً ومجروراً فَلَا بُد لجَوَاز حذف الْمَوْصُوف أَن يكون بَعْضًا من مجرور بِمن أَو فِي كَمَا هُوَ الْمَعْرُوف. ومفعول لَا أرى مَحْذُوف أَي: مِثْلهنَّ. والجواري: جمع جَارِيَة وَهِي الشَّابَّة. قَالَ صَاحب الْمِصْبَاح: الْجَارِيَة السَّفِينَة سميت بذلك لجريها فِي الْبَحْر وَمِنْه قيل للْأمة جَارِيَة على التَّشْبِيه لجريها مستسخرة فِي أشغال مواليها. وَالْأَصْل فِيهَا الشَّابَّة لخفتها. ثمَّ توسعوا حَتَّى سموا كل أمةٍ جَارِيَة وَإِن كَانَت عجوزاً لَا تقدر على السَّعْي تَسْمِيَة بِمَا كَانَت

(الشاهد الثاني والثلاثون بعد الستمائة)

وَقَالَ ابْن المستوفي فِي شرح أَبْيَات الْمفصل: وَالْعَامِل فِي فِي وَالْكَاف على الِاخْتِلَاف فِي تَوْجِيه العاملين رَأَيْت الْوَاقِع دون أرى المتوقع. وَإِن جَازَ إِعْمَال كل واحدٍ مِنْهُمَا على الْخلاف فِيهِ لَكِن الأولى مَا ذكرته لوُجُود الرُّؤْيَة متحققة مَعَ إِعْمَال الأول وَعدمهَا متوهمة مَعَ إِعْمَال الثَّانِي. وَيُقَوِّي ذَلِك زِيَادَة إِن مَعَ مَا. وَمَوْضِع الْكَاف نصب وَكَذَا مَوضِع فِي أَيْضا. هَذَا كَلَامه.) وَالْبَيْت مَعَ كَثْرَة تداوله فِي كتب النَّحْو واللغة لم أَقف على قَائِله. وَالله أعلم. وَأنْشد بعده (الشَّاهِد الثَّانِي وَالثَّلَاثُونَ بعد الستمائة) الطَّوِيل أَبى الله أَن أسموا بِأم وَلَا أَب على أَن النصب على الْوَاو يقدر كثيرا لأجل الضَّرُورَة. وَأوردهُ أَبُو الْحسن سعيد بن مسْعدَة الْمُجَاشِعِي الْأَخْفَش فِي كتاب المعاياة وَقَالَ: إِنَّمَا جَازَ ذَلِك للشاعر لِأَن الحركات مستثقلة فِي حُرُوف الْمَدّ واللين فَلَمَّا جَازَ إسكانها فِي الِاسْم فِي مَوضِع الْجَرّ وَالرَّفْع أجري عَلَيْهِ فِي مَوضِع النصب أَيْضا لما أَخْبَرتك بِهِ. انْتهى. وَأوردهُ ابْن عُصْفُور أَيْضا فِي كتاب الضرائر وَقَالَ: حذف الفتحة من آخر أسمو إِجْرَاء للنصب مجْرى الرّفْع.

والمصراع من أَرْبَعَة أبياتٍ لعدو الله عَامر بن الطُّفَيْل على مَا فِي ديوانه. وَكَانَت كنيته فِي السّلم أَبُو عَليّ وَفِي الْحَرْب أَبُو عقيل وَهِي: (وَمَا سودتني عامرٌ عَن وراثةٍ ... أَبى الله أَن أسمو بِأم وَلَا أَب) (وَلَا شرفتني كنيةٌ عربيةٌ ... وَلَا خَالَفت نَفسِي مَكَارِم منصبي) (ولكنني أحمي حماها وأتقي ... أذاها وأرمي من رَمَاهَا بمنكب) (وأتركها تسمو إِلَى كل غايةٍ ... وتفخر حييّ مشرق بعد مغرب) قَالَ جَامع ديوانه: أَرَادَ تغلب حَيّ الْمشرق وَحي الْمغرب. وَقَوله: وَمَا سودتني عَامر أَي: جَعَلتني سيد قَبيلَة بني عَامر بِالْإِرْثِ عَن آبَائِهِم بل سدتهم بأفعالي. وَقَوله: أَبى الله إِلَخ أَبى لَهُ مَعْنيانِ: أَحدهمَا: بِمَعْنى كره وَهُوَ المُرَاد هُنَا. وَالثَّانِي: بِمَعْنى امْتنع. وَأَن أسمو مَفْعُوله. والسمو: الْعُلُوّ. وَهَذَا المصراع أوردهُ ابْن هِشَام فِي الْبَاب الثَّامِن من الْمُغنِي قَالَ فِي الْقَاعِدَة الأولى: قد يعْطى إِلَى أَن قَالَ مِنْهَا: الْعَطف ب وَلَا بعد الْإِيجَاب فِي نَحْو قَوْله: أَبى الله أَن أسمو بأمٍّ وَلَا أَب) لما كَانَ مَعْنَاهُ قَالَ الله لي: لَا تسمو بأمٍّ وَلَا أَب. انْتهى. وَقَالَ الْعَيْنِيّ: الإباء: شدَّة الِامْتِنَاع وَأَن أسمو مَفْعُوله وَالتَّقْدِير: أَبى الله سموي وسيادتي بأمٍّ وَلَا أَب. وَقَوله: وَلَا أَب عطفٌ على قَوْله: بأمٍّ. وَزَاد كلمة لَا تَأْكِيدًا للنَّفْي. هَذَا كَلَامه فَتَأَمّله. وَأوردهُ جَامع ديوانه كَذَا:

أَبى الله أَن أسمو بأمي وَالْأَب فَلَا شَاهد فِيهِ على مَا ذكره ابْن هِشَام. وَاللَّام فِي الْأَب عوض عَن الْمُضَاف إِلَيْهِ أَي: بأمي وَأبي. وَأورد المصراع أَبُو الْعَبَّاس الْمبرد فِي الْكَامِل فِي أَبْيَات ثَلَاثَة كَذَا: (إِنِّي وَإِن كنت ابْن فَارس عامرٍ ... وَفِي السِّرّ مِنْهَا والصريح الْمُهَذّب) (فَمَا سودتني عامرٌ عَن وراثةٍ ... أَبى الله أَن أسمو بأمٍّ وَلَا أَب) (ولكنني أحمي حماها وأتقي ... أذاها وأرمي من رَمَاهَا بمقنب) (تَقول ابْنة الْعمريّ مَا لَك بَعْدَمَا ... أَرَاك صَحِيحا كالسليم المعذب) (فَقلت لَهَا: همي الَّذِي تعلمينه ... من الثأر فِي حييّ زبيدٍ وأرحب) (إِن اغزو زبيداً أغز قوما أعزةً ... مركبهم فِي الْحَيّ خير مركب) (وَإِن أغز حييّ خثعمٍ فدماؤهم ... شفاءٌ وَخير الثأر للمتأوب) (فَمَا أدْرك الأوتار مثل محققٍ ... بأجرد طاوٍ كالعسيب المشذب) (وأسمر خطي وأبيض باترٍ ... وزغفٍ دلاصٍ كالغدير المثوب) (سلَاح امرىءٍ قد يعلم النَّاس أَنه ... طلوبٌ لثارات الرِّجَال مطلب) فَإِنِّي وَإِن كنت ... ... ... ... ... ... . إِلَى آخر الأبيات الثَّلَاثَة. قَالَ الْأَخْفَش: السَّلِيم: الملدوغ وَقيل لَهُ: سليمٌ تفاؤلاً لَهُ بالسلامة. وزبيد وأرحب: قبيلتان من الْيمن. والثأر: مَا يكون لَك عِنْد من أصَاب حميمك من الترة. والمتأوب: الَّذِي يَأْتِيك لطلب ثَأْره عنْدك

يُقَال: آب يؤوب إِذا رَجَعَ. والتأوب فِي غير هَذَا: السّير بِالنَّهَارِ بِلَا توقف. والأوتار والأحقاد واحدهما وتر وحقد. والأجرد: الْفرس المتحسر الشّعْر والضامر أَيْضا.) والعسيب: السعفة. والمشذب: الَّذِي قد أَخذ مَا عَلَيْهِ من العقد والسلاء والخوص. وَمِنْه قيل وخطيٌّ: رمحٌ نسب إِلَى الْخط وَهِي جَزِيرَة بِالْبَحْرَيْنِ يُقَال: إِنَّهَا تنْبت الرماح. وَقَالَ الْأَصْمَعِي: لَيست بهَا رماح وَلَكِن سفينة كَانَت وَقعت إِلَيْهَا فِيهَا رماحٌ وأرفئت بهَا فِي بعض السنين الْمُتَقَدّمَة فَقيل لتِلْك الرماح الخطية ثمَّ عَم كل رمح هَذَا النّسَب إِلَى الْيَوْم. والزغف: الدروع الرقيقة الدقيقة النسج. والمثوب: الَّذِي تصفقه الرِّيَاح فَيذْهب وَيَجِيء. وَهُوَ من ثاب يثوب. إِذا رَجَعَ. وَإِنَّمَا سمي الغدير غديراً لِأَن السَّيْل غَادَرَهُ أَي: تَركه. اه. وَقد أورد الْعَيْنِيّ رِوَايَة الْأَخْفَش وَفسّر جَمِيع الأبيات وَقَالَ: الأوتار جمع وتر بِالْكَسْرِ: الْجِنَايَة. والطاوي: ضامر الْبَطن. والأسمر: الرمْح. والأبيض: السَّيْف. والباتر: الْقَاطِع. والزغف بِفَتْح الزَّاي وَسُكُون الْغَيْن الْمُعْجَمَة: جمع زغف بِفتْحَتَيْنِ وَهِي الدرْع الواسعة. ومنكب بِفَتْح الْمِيم وَكسر الْكَاف: أعوان الْعرْفَان وَقيل: رَأس العرفاء

من النكابة وَهِي العرافة والنقابة. وروى بدله: بمنقب بِكَسْر الْمِيم وَفتح النُّون: جمَاعَة الْخَيل والفرسان. انْتهى المُرَاد مِنْهُ. وترجمة عَامر بن الطُّفَيْل تقدّمت فِي الشَّاهِد الثَّامِن وَالسِّتِّينَ بعد الْمِائَة. وَأنْشد بعده الرجز (كَأَن أَيْدِيهنَّ بالقاع القرق ... أَيدي جوارٍ يتعاطين الْوَرق) على أَن تسكين الْيَاء من أَيْدِيهنَّ ضَرُورَة وَالْقِيَاس فتحهَا. قَالَ ابْن جني فِي الْمُحْتَسب عِنْد قِرَاءَة الْحسن: أَو يعْفُو الَّذِي. سَاكِنة اللَّام: وَسُكُون الْوَاو من الْمُضَارع فِي مَوضِع النصب قَلِيل وَسُكُون الْيَاء فِيهِ أَكثر. وأصل السّكُون فِي هَذَا إِنَّمَا هُوَ للألف لِأَنَّهَا لَا تحرّك أبدا ثمَّ شبهت الْيَاء بِالْألف لقربها مِنْهَا فجَاء عَنْهُم مجيئاً كالمستمر نَحْو قَوْله: الرجز (كَأَن أَيْدِيهنَّ بالموماة ... أَيدي جوارٍ بتن ناعمات) وَقَالَ الآخر: كَأَن أَيْديهم بالقاع القرق وَقَالَ الآخر: الْبَسِيط) يَا دَار هندٍ عفت إِلَّا أثافيها

وَكَانَ أَبُو الْعَبَّاس الْمبرد يذهب إِلَى أَن إسكان هَذِه الْيَاء فِي مَوضِع النصب من أحسن الضرورات وَذَلِكَ لِأَن الْألف ساكنةٌ فِي الْأَحْوَال كلهَا فَكَذَلِك جعلت هَذِه ثمَّ شبهت الْوَاو فِي (إِذا شِئْت أَن تلهو بِبَعْض حَدِيثهَا ... رفعن وأنزلن القطين المولدا) وَقَالَ الآخر: الطَّوِيل أَبى الله أَن أسمو بأمٍّ وَلَا أَب فعلى ذَاك يَنْبَغِي أَن تحمل قِرَاءَة الْحسن: أَو يعْفُو الَّذِي فَقَالَ ابْن مُجَاهِد: وَهَذَا إِنَّمَا يكون فِي الْوَقْف. فَأَما فِي الْوَصْل فَلَا يكون. وَقد ذكرنَا مَا فِيهِ. وعَلى كل حَال فالفتح أعرف. اه وَقَالَ ابْن الشجري فِي أَمَالِيهِ: قَالَ الْمبرد: هَذَا من أحسن الضرورات لأَنهم ألْحقُوا حَالَة بحالتين يَعْنِي أَنهم جعلُوا الْمَنْصُوب كالمجرور وَالْمَرْفُوع مَعَ أَن السّكُون أخف الحركات. وَلذَلِك اعْترضُوا على إسكان الْيَاء فِي ذَوَات الْيَاء من المركبات نَحْو معديكرب وقالي قلا. اه. والبيتان من الرجز نسبهما ابْن رَشِيق فِي الْعُمْدَة إِلَى رؤبة بن العجاج وَلم أرهما فِي ديوانه. وَضمير أَيْدِيهنَّ لِلْإِبِلِ. والقاع هُوَ الْمَكَان المستوي. والقرق بِفَتْح الْقَاف الأولى وَكسر الرَّاء: الأملس. وَجوَار بِفَتْح الْجِيم: جمع جَارِيَة.

ويتعاطين أَي: يناول بَعضهنَّ بَعْضًا. وَالْوَرق: الدَّرَاهِم. وَفِي التَّنْزِيل: فَابْعَثُوا أحدكُم بورقكم هَذِه. كَذَا فِي أمالي ابْن الشجري. وَقَالَ الشريف المرتضى رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي أَمَالِيهِ: القرق: الخشن الَّذِي فِيهِ الْحَصَى. وَشبه وَقَالَ آخَرُونَ: القرق هُنَا المستوى من الأَرْض الْوَاسِع. وَإِنَّمَا خص بِالْوَصْفِ لِأَن أَيدي الْإِبِل إِذا أسرعت فِي المستوي فَهُوَ أَحْمد لَهَا وَإِذا أَبْطَأت فِي غَيره فَهُوَ أجهد لَهَا. تَتِمَّة أورد الشَّارِح الْمُحَقق بعد هَذَا الشّعْر الْمثل الْمَشْهُور: أعْط الْقوس باريها وَقَالَ: قد يقدر نصب الْيَاء فِي السعَة أَيْضا. وَذكر الْمثل فَإِن باريها مفعول أعْط وَهُوَ سَاكن الْيَاء. وَهُوَ فِي هَذَا تابعٌ للزمخشري فِي الْمفصل. قَالَ الميداني فِي أَمْثَاله: أَي اسْتَعِنْ على عَمَلك بِأَهْل الْمعرفَة والحذق فِيهِ. وينشد: الْبَسِيط) (يَا باري الْقوس برياً لست تحسنها ... لَا تفسدنها وَأعْطِ الْقوس باريها) قَالَ شَارِح أبياته ابْن المستوفي: قرأته على شَيخنَا أبي الْحرم مكي بن رَيَّان فِي الْأَمْثَال لأبي الْفضل أَحْمد بن مُحَمَّد الميداني: أعْط الْقوس باريها بِفَتْح وَكَانَ فِي الأَصْل: لَيْسَ يُحسنهُ فأصلحه وَجعله

(الشاهد الرابع والثلاثون بعد الستمائة)

برياً لست تحسنها وَهُوَ كَذَلِك فِي نسخ كتاب الميداني. وَلَعَلَّ الزَّمَخْشَرِيّ إِنَّمَا أَرَادَ بِالْمثلِ آخر هَذَا الْبَيْت الْمَذْكُور فَأوردهُ على مَا قَالَه الشَّاعِر لَا على مَا ورد من الْمثل فِي النثر فَإِنَّهُ لَيْسَ بِمحل ضَرُورَة. (يَا باري الْقوس برياً لَيْسَ يصلحه ... لَا تظلم الْقوس واعط الْقوس باريها) وَالْأول أصح. وَيجوز أَن يسكن يَاء باريها وَإِن كَانَ مثلا بِرَأْسِهِ على مَا تقدم تَعْلِيله. اه. وَالْمَشْهُور تسكين يائه. وَقد أوردهُ الزَّمَخْشَرِيّ فِي أَمْثَاله وَقَالَ: قيل إِن الرِّوَايَة عَن الْعَرَب: باريها بِسُكُون الْيَاء لَا غير. يضْرب فِي وجوب تَفْوِيض الْأَمر إِلَى من يُحسنهُ ويتمهر فِيهِ. انْتهى. وَأنْشد بعده (الشَّاهِد الرَّابِع وَالثَّلَاثُونَ بعد الستمائة) وَهُوَ من شَوَاهِد س: السَّرِيع (فاليوم أشْرب غير مستحقبٍ ... إِثْمًا من الله وَلَا واغل) على أَنه يقدر فِي الضَّرُورَة رفع الْحَرْف الصَّحِيح كَمَا فِي أشْرب فَإِن الْبَاء حرفٌ صَحِيح وَقد حذف الضمة مِنْهُ للضَّرُورَة. قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَقد يسكن بَعضهم فِي الشّعْر ويشم وَذَلِكَ قَول امرىء الْقَيْس:

فاليوم أشْرب غير مستحقبٍ ... ... ... . الْبَيْت وَقَالَ ابْن جني فِي الْمُحْتَسب: اعْتِرَاض أبي الْعَبَّاس الْمبرد هُنَا على الْكتاب إِنَّمَا هُوَ على الْعَرَب لَا على صَاحب الْكتاب لِأَنَّهُ حَكَاهُ كَمَا سَمعه وَلَا يُمكن فِي الْوَزْن أَيْضا غَيره. وَقَول أبي الْعَبَّاس: إِنَّمَا الرِّوَايَة: فاليوم فَاشْرَبْ فَكَأَنَّهُ قَالَ لسيبويه: كذبت على الْعَرَب وَلم تسمع مَا حكيته عَنْهُم. وَإِذا بلغ الْأَمر هَذَا الْحَد من السَّرف فقد سَقَطت كلفة القَوْل مَعَه. وَكَذَلِكَ إِنْكَاره عَلَيْهِ أَيْضا قَول الشَّاعِر: السَّرِيع وَقد بدا هنك من المئزر) فَقَالَ: إِنَّمَا الرِّوَايَة: وَقد بدا ذَاك من المئزر وَمَا أطيب الْعرس لَوْلَا النَّفَقَة. وَلَو كَانَ إِلَى النَّاس تخير مَا يحْتَملهُ الْموضع لَكَانَ الرجل أقوم من الْجَمَاعَة بِهِ وأوصل إِلَى المُرَاد مِنْهُ. اه. وَوَقع فِي نسخ الْكَامِل للمبرد: فاليوم أسْقى غير مستحقبٍ فَلَا شَاهد فِيهِ على هَذَا. وَرَوَاهُ أَبُو زيد فِي نوادره كَرِوَايَة الْمبرد:

فاليوم فَاشْرَبْ. قَالَ أَبُو الْحسن الْأَخْفَش فِيمَا كتبه على نوادره: الرِّوَايَة الجيدة فاليوم فَاشْرَبْ وَالْيَوْم أسْقى. وَأما رِوَايَة من روى فاليوم أشْرب فَلَا يجوز عندنَا إِلَّا على ضَرُورَة قبيحة وَإِن كَانَ جماعةٌ من رُؤَسَاء النَّحْوِيين قد أَجَازُوا. اه. وَهُوَ فِي هَذَا تابعٌ للمبرد. وَأوردهُ ابْن عُصْفُور فِي كتاب الضرائر مَعَ أبياتٍ مثله وَقَالَ: وَمن الضَّرُورَة حذف علامتي الْإِعْرَاب: الضمة والكسرة من الْحَرْف الصَّحِيح تَخْفِيفًا أجراءً للوصل مجْرى الْوَقْف أَو تَشْبِيها للضمة بالضمة من عضد وللكسرة بالكسرة من فَخذ وإبل نَحْو قَول امرىء الْقَيْس فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ: فاليوم أشْرب غير مستحقبٍ إِلَى أَن قَالَ: وَأنكر الْمبرد والزجاج التسكين فِي جَمِيع ذَلِك لما فِيهِ من إذهاب حَرَكَة الْإِعْرَاب وَهِي لِمَعْنى ورويا مَوضِع فاليوم أشْرب: فاليوم فَاشْرَبْ. وَالصَّحِيح أَن ذَلِك جائزٌ سَمَاعا وَقِيَاسًا. أما الْقيَاس فَإِن النَّحْوِيين اتَّفقُوا على جَوَاز ذهَاب حَرَكَة الْإِعْرَاب للإدغام لَا يُخَالف فِي ذَلِك أحدٌ مِنْهُم. وَقد قَرَأت الْقُرَّاء: مَا لَك لَا تأمنا بِالْإِدْغَامِ وَخط فِي الْمُصحف بنُون وَاحِدَة فَلم يُنكر ذَلِك وَأما السماع فثبوت التَّخْفِيف فِي الأبيات الَّتِي تقدّمت وروايتهما

بعض تِلْكَ الأبيات على خلاف التَّخْفِيف لَا يقْدَح فِي رِوَايَة غَيرهمَا. وَأَيْضًا فَإِن ابْن محَارب قَرَأَ: وبعولتهن أَحَق بردهن بِإِسْكَان التَّاء. وَكَذَلِكَ قَرَأَ الْحسن: وَمَا) يعدهم الشَّيْطَان. بِإِسْكَان الدَّال. وَقَرَأَ أَيْضا مسلمة ومحارب: وَإِذ يَعدكُم بِإِسْكَان الدَّال. وَكَأن الَّذِي حسن مَجِيء هَذَا التَّخْفِيف فِي حَال السعَة شدَّة اتِّصَال الضَّمِير بِمَا قبل من حَيْثُ كَانَ غير مُسْتَقل بِنَفسِهِ فَصَارَ التَّخْفِيف لذَلِك كَأَنَّهُ قد وَقع فِي كلمة وَاحِدَة. وَالتَّخْفِيف الْوَاقِع فِي الْكَلِمَة نَحْو: عضد فِي عضد سائغٌ فِي حَال السعَة لِأَنَّهُ لغةٌ لقبائل ربيعَة بِخِلَاف مَا شبه بِهِ من الْمفصل فَإِنَّهُ لَا يجوز إِلَّا فِي الشّعْر. فَإِن كَانَت الضمة والكسرة اللَّتَان فِي آخر الْكَلِمَة علامتي بِنَاء اتّفق النحويون على جَوَاز حذفهما فِي الشّعْر تَخْفِيفًا. انْتهى مَا أردنَا مِنْهُ. وَمَا نَقله عَن الزّجاج مذكورٌ فِي تَفْسِيره عِنْد قَوْله تَعَالَى: فتوبوا إِلَى بارئكم من سُورَة الْبَقَرَة قَالَ: وَالِاخْتِيَار مَا رُوِيَ عَن أبي عَمْرو أَنه قَرَأَ: إِلَى بارئكم بِإِسْكَان الْهمزَة. وَهَذَا رَوَاهُ سِيبَوَيْهٍ باختلاس الْكسر وأحسب أَن الرِّوَايَة الصَّحِيحَة مَا روى سِيبَوَيْهٍ فَإِنَّهُ أضبط لما رُوِيَ عَن أبي عَمْرو. وَالْإِعْرَاب أشبه بالرواية عَن أبي عَمْرو وَلِأَن حذف الْكسر فِي مثل هَذَا وَحذف الضَّم إِنَّمَا يَأْتِي باضطرارٍ من الشّعْر. وَأنْشد سِيبَوَيْهٍ وَزعم أَنه مِمَّا يجوز فِي الشّعْر خَاصَّة:

الرجز إِذا اعوججن قلت صَاحب قوم بِإِسْكَان الْبَاء وَأنْشد أَيْضا: فاليوم أشْرب غير مستحقبٍ فَالْكَلَام الصَّحِيح أَن يَقُول: يَا صَاحب أقبل أَو يَا صَاحب أقبل وَلَا وَجه للإسكان. وَكَذَلِكَ: الْيَوْم أشْرب يَا هَذَا. وروى غير سِيبَوَيْهٍ هَذِه الأبيات على الإستقامة وَمَا يَنْبَغِي أَن يجوز فِي الْكَلَام وَالشعر. رووا هَذَا الْبَيْت على ضَرْبَيْنِ: فاليوم أسْقى غير مستحقبٍ وَرووا: إِذا اعوججن قلت صَاح قومِ وَلم يكن سِيبَوَيْهٍ ليروي إِلَّا مَا سمع إِلَّا أَن الَّذِي سَمعه هَؤُلَاءِ هُوَ الثَّابِت فِي اللُّغَة. وَقد ذكر) وَالْبَيْت فِي قصيدة لامرىء الْقَيْس. قَالَ عبد الرَّحْمَن السَّعْدِيّ فِي كتاب مساوي الْخمر: غزا امْرُؤ الْقَيْس بني أَسد ثائراً بِأَبِيهِ وَقد جمع جموعاً من حمير وَغَيرهم من ذؤبان الْعَرَب وصعاليكها وهرب بَنو أسدٍ من بَين يَدَيْهِ حَتَّى أنضوا الْإِبِل وحسروا الْخَيل ولحقهم فظفر بهم وَقتل بهم

مقتلة عَظِيمَة وأبار حلمة بن أَسد وَمثل فِي عمروٍ وكاهل ابْني أَسد. وَذكر الْكَلْبِيّ عَن شُيُوخ كِنْدَة أَنه جعل يسمل أَعينهم ويحمي الدروع فيلبسهم إِيَّاهَا. وروى أَبُو سعيد السكرِي مثل ذَلِك وَأَنه ذبحهم على الْجَبَل ومزج المَاء بدمائهم إِلَى أَن بلغ الحضيض وَأصَاب قوما من جذامٍ كَانُوا فِي بني أَسد. وَفِي ظفره ببني أَسد يَقُول: السَّرِيع (قولا لدودان عبيد الْعَصَا ... مَا غركم بالأسد الباسل) (لَا تسقيني الْخمر إِن لم يرَوا ... قَتْلَى فِئَامًا بِأبي الْفَاضِل) (حَتَّى أبير الْحَيّ من مالكٍ ... قتلا وَمن يشرف من كَاهِل) (وَمن بني غنم بن دودان إِذْ ... يقذف أعلاهم على السافل) (نعلوهم بالبيض مسنونةً ... حَتَّى يرَوا كالخشب الشائل) (حلت لي الْخمر وَكنت امْرأ ... من شربهَا فِي شغلٍ شاغل) (فاليوم أشْرب غير مستحقبٍ ... إِثْمًا من الله وَلَا واغل) وَكَانَ أَبُو امرىء الْقَيْس إِذا غضب على أحد مِنْهُم ضربوه

بالعصا فسموا عبيد الْعَصَا أَي: يُعْطون على الضَّرْب والهوان. وَأَرَادَ بالأسد الباسل أَبَاهُ. والفئام بِكَسْر الْفَاء بعْدهَا همزَة ممدودة: الْجَمَاعَة. وأبير: أفني. وَمَالك هُوَ ابْن أَسد. وَأَرَادَ بِمن يشرف من كَاهِل علْبَاء بن الْحَارِث من بني كَاهِل بن أَسد. وَقَوله: يقذف أَي: يرْمى بَعضهم على بعض إِذا قتلوا. والمسنونة: المحددة. والشائل: السَّاقِط. وَقَوله: حلت لي الْخمر إِلَخ قَالَ السَّعْدِيّ فِي مساوي الْخمر. إِنَّمَا قَالَ هَذَا لِأَنَّهُ لم يكن حضر قتل أَبِيه وَكَانَ أَبوهُ أقصاه لِأَنَّهُ كره مِنْهُ قَول الشّعْر وَإِنَّمَا جَاءَهُ الْأَعْوَر الْعجلِيّ بِخَبَرِهِ وَهُوَ يشرب فَقَالَ: ضيعني صَغِيرا وحملني ثقل الثأر كَبِيرا. الْيَوْم خمرٌ وَغدا أَمر. لَا صحو الْيَوْم وَلَا سكر غَدا. ثمَّ شرب سبعا ثمَّ لما صَحا حلف أَن لَا يغسل رَأسه وَلَا يشرب خمرًا حَتَّى يدْرك ثَأْره.) فَذَلِك قَوْله: حلت لي الْخمر. وَهَذَا معنى مَا زَالَت الْعَرَب تطرقه. قَالَ الشنفرى يرثي خَاله تأبط شرا وَيذكر إِدْرَاكه ثَأْره من قصيدةٍ لَهُ: المديد (فادركنا الثأر فيهم وَلما ... ينج من لحيان إِلَّا الْأَقَل) وافهم أَنهم إِنَّمَا حرمُوا الْخمر على أنفسهم فِي مُدَّة طَلَبهمْ لِأَنَّهَا مشغلة لَهُم عَن كريم الْأَخْلَاق والإقبال على الشُّهْرَة. اه.

قَالَ إِسْمَاعِيل بن هبة الله الْموصِلِي فِي كتاب الْأَوَائِل أول من اخترع هَذَا الْمَعْنى امْرُؤ الْقَيْس فِي هَذَا الشّعْر. وَأما قَول أبي نواس: الْكَامِل (فِي مجلسٍ ضحك السرُور بِهِ ... عَن ناجذيه وحلت الْخمر) فَكَانَ نذر لَا يشرب حَتَّى يظفر بِمن يهوى فَلَمَّا ظفر بِهِ وَشرب قَالَ هَذَا الْبَيْت. وَكَذَا أَيْضا قَول البحتري: الْبَسِيط (حَتَّى نحل وَقد حل الشَّرَاب لنا ... جنَّات عدنٍ على الساجور ألفافا) فَإِنَّهُ نذر أَن لَا يشرب خمرًا حَتَّى يصير إِلَى بَلَده فَلَمَّا صَار إِلَيْهِ حل لَهُ الشَّرَاب. اه. وَبَيت أبي نواس قبله: الْكَامِل (ظلت حميا الكاس تبسطنا ... حَتَّى تهتك بَيْننَا السّتْر) قَالَ السَّيِّد المرتضى قدس الله روحه فِي أَمَالِيهِ: قَوْله: وحلت الْخمر يحْتَمل أَن مَا وصف بِهِ من طيب الْموضع وتكامل السرُور بِهِ وَحُضُور المأمول فِيهِ صَار مقتضياً لشرب الْخمر. وملجئاً وَتَكون فَائِدَة وصفهَا بِأَنَّهَا حلت الْمُبَالغَة فِي وصف الْحَال بالْحسنِ وَالطّيب. وَيحْتَمل أَيْضا أَن يكون عقد على نَفسه وآلى أَن لَا يتَنَاوَل الْخمر إِلَّا بعد

(الشاهد الخامس والثلاثون بعد الستمائة)

الِاجْتِمَاع مَعَ محبوبه فَكَانَ الِاجْتِمَاع مَعَه مخرجا عَن يَمِينه على مَذْهَب الْعَرَب فِي تَحْرِيم الْخمر على نُفُوسهم إِلَى أَن يَأْخُذُوا بثأرهم. وَيحْتَمل أَيْضا أَن يُرِيد بحلت: نزلت وأقامت من الْحُلُول الَّذِي هُوَ الْمقَام لَا من الْحَلَال فَكَأَنَّهُ وصف بُلُوغ جَمِيع آرابه وَحُضُور فنون لذاته وَأَنَّهَا تكاملت بحلول الْخمر الَّتِي فِيهَا جماع اللَّذَّات. وَهَذَا الْوَجْه وَإِن لم يشر إِلَيْهِ فَالْقَوْل يحْتَملهُ: وَلَا مَانع من أَن يكون مرَادا. وَقد قيل إِنَّه أَرَادَ: إِذا استحللنا الْخمر سكرنا وفقدنا الْعُقُول الَّتِي كُنَّا نمتنع لَهَا من الْحَرَام. وَالْوُجُوه المقتدمة أشبه) وَأقرب إِلَى الصَّوَاب. اه. وَقَوله: فاليوم أشْرب إِلَخ غير: حالٌ من ضمير أشْرب. والمستحقب: المكتسب وَأَصله من استحقب: أَي وضع فِي الحقيبة وَهِي خرجٌ يرْبط بالسرج خلف الرَّاكِب. وإثماً: مفعول مستحقب. كَأَن شربهَا بعد وَفَاء النّذر لَا إِثْم فِيهِ بِزَعْمِهِ. وواغل مَعْطُوف على مستحقب والواغل: الَّذِي يَأْتِي شراب الْقَوْم من غير أَن يدعى إِلَيْهِ وَهُوَ مأخوذٌ من الوغول وَهُوَ الدُّخُول. وَمَعْنَاهُ أَنه وغلٌ فِي الْقَوْم وَلَيْسَ مِنْهُم. وَأنْشد بعده (الشَّاهِد الْخَامِس وَالثَّلَاثُونَ بعد الستمائة)

الرجز وَلَا ترضاها وَلَا تملق على أَن حرف الْعلَّة قد لَا يحذف للجازم فِي الضَّرُورَة. قَالَ أَبُو عَليّ فِي إِيضَاح الشّعْر فِي بَاب: مَا كَانَ لامه من الْأَفْعَال حرف عِلّة: قَالَ الشَّاعِر: الْبَسِيط (هجوت زبان ثمَّ جِئْت معتذراً ... من هجو زبان لم تهجو وَلم تدع) وَقَالَ: ألم يَأْتِيك والأنباء تنمي وَقَالَ آخر: الْكَامِل مَا أنس لَا أنساه آخر عيشتي هَذِه الْحُرُوف قد تحذف فِي مَوضِع الْجَزْم فِي الِاخْتِيَار كَمَا تحذف النُّون فِي التَّثْنِيَة وَالْجمع وَفعل فَقدر الشَّاعِر فِي الْوَاو وَالْيَاء الْحَرَكَة كالأبيات الَّتِي قدمناها فتشبه الْألف بِالْيَاءِ فِي نَحْو: لَا أنساه فِي الْبَيْت وَنَحْو قَوْله: (إِذا الْعَجُوز غضِبت فَطلق ... وَلَا ترضاها وَلَا تملق) وَيدل على تَقْدِير الشَّاعِر الْحَرَكَة فِي الْيَاء وَالْوَاو وحذفها فِي الضَّرُورَة أَن سِيبَوَيْهٍ زعم أَن أَعْرَابِيًا أفْصح النَّاس من كُلَيْب أنْشد لجرير: الطَّوِيل (فيوماً يوافين الْهوى غير ماضي ... وَيَوْما ترى مِنْهُنَّ غولاً تغول)) اه. وَكَذَا قَالَ ابْن جني فِي سر الصِّنَاعَة وَفِي الخصائص وَشَرحه

شرحاً وَاضحا فِي شرح تصريف الْمَازِني. وَزَاد فِي سر الصِّنَاعَة أَن بَعضهم رَوَاهُ على الْوَجْه الأعرف: وَلَا تَرضهَا وَلَا تملق قَالَ ابْن عُصْفُور فِي كتاب الضرائر: يَنْبَغِي أَن تجْعَل لَا فِي قَوْله: وَلَا تَرضهَا نَافِيَة وَالْوَاو فِيهِ للْحَال مثلهَا فِي قُمْت وأصك وَجهه فَيكون الْمَعْنى إِذا ذَاك: فَطلقهَا غير مترضٍّ لَهَا وَيكون قَوْله: وَلَا تملق جملَة نهي معطوفةً على جملَة الْأَمر الَّتِي هِيَ طلق. وَلَا يَنْبَغِي أَن تجْعَل لَا حرف نهي لِأَنَّهَا لَو كَانَت للنَّهْي لوَجَبَ حذف الْألف من ترضاها. اه. والبيتان من رجز لرؤبة بن العجاج. وَبعده: (واعمد لأخرى ذَات دلٍّ مونق ... لينَة الْمس كمس الخرنق) هَكَذَا أوردهُ أَبُو مُحَمَّد الْأَعرَابِي فِي ضَالَّة الأديب. وَقَوله: إِذا الْعَجُوز غضِبت روى أَيْضا: كَبرت بدل غضِبت. والترضي والاسترضاء بِمَعْنى. قَالَ الْجَوْهَرِي: يُقَال تملقه وتملق لَهُ تملقاً وتملاقاً أَي: تودد إِلَيْهِ وتلطف لَهُ. واعمد بِمَعْنى اقصد. والدل بِفَتْح الدَّال بِمَعْنى الدَّلال والغنج. ومونق: اسْم فَاعل من أنق الشَّيْء أنقاً من بَاب تَعب أَي: رَاع حسنه وأعجب. والخرنق بِكَسْر الْخَاء الْمُعْجَمَة وَالنُّون وَسُكُون الرَّاء بَينهمَا: ولد الأرنب. وترجمة رؤبة تقدّمت فِي الشَّاهِد الْخَامِس من أول الْكتاب.

(الشاهد السادس والثلاثون بعد الستمائة)

وَأنْشد بعده (الشَّاهِد السَّادِس وَالثَّلَاثُونَ بعد الستمائة) وَهُوَ من شَوَاهِد س: الوافر لما تقدم فِي الْبَيْت قبله. وَأوردهُ سِيبَوَيْهٍ فِي موضِعين من كِتَابه على أَنه أثبت الْيَاء فِي حَال الْجَزْم ضَرُورَة لِأَنَّهُ إِذا اضْطر ضمهَا فِي حَال الرّفْع تَشْبِيها بِالصَّحِيحِ. قَالَ الأعلم: وَهِي لغةٌ ضَعِيفَة فاستعملها عِنْد الضَّرُورَة. اه. وَهَذَا قَول الزجاجي فِي الْجمل وَتَبعهُ الأعلم. قَالَ ابْن السَّيِّد فِي شرح أبياته: وَقَوله: إِنَّه لغةٌ خطأٌ. وَمثله للصفار فِي شرح الْكتاب: قَالَ: إثباب حرف الْعلَّة فِي المجزوم ضَرُورَة نَحْو: ألم يَأْتِيك. وَقيل: إِنَّه لُغَة يعرب بحركات مقدرَة. وَالصَّحِيح أَنه لَيْسَ لُغَة وَلَا علم من قَالَه غير الزجاجي وَلَا سَنَد لَهُ فِيهِ. وَمِمَّا يدل على أَنه غير مُعرب بحركات مقدرَة أَنهم لَا يَقُولُونَ لم أخْشَى لِأَنَّهُ لَا يظْهر فِيهِ حَرَكَة بوجهٍ بِخِلَاف الْيَاء. فَإِن قلت: إِنَّه سمع فِي قَوْله تَعَالَى: لَا تخف دركاً وَلَا تخشى. وَقَوله: إِذا الْعَجُوز غضِبت فَطلق ... ... ... الْبَيْت

قلت: لَا دَلِيل فِيهِ كَمَا زعمت لِأَن الأول مَقْطُوع أَي: وَأَنت لَا تخشى أَي: فِي هَذِه الْحَال. وَكَذَا وَلَا ترضاها أَي: طَلقهَا وَأَنت لَا تترضاها ثمَّ قَالَ: وَلَا تملق فَلَا دَلِيل فِيهِ. اه. وَقَالَ ابْن خلف: هَذَا الْبَيْت أنْشدهُ سِيبَوَيْهٍ فِي بَاب الضرورات وَلَيْسَ يجب أَن يكون من بَاب الضرورات لِأَنَّهُ لَو أنْشد بِحَذْف الْيَاء لم ينكسر وَإِنَّمَا مَوضِع الضَّرُورَة مَا لَا يجد الشَّاعِر مِنْهُ بدا فِي إثْبَاته وَلَا يقدر على حذفه لِئَلَّا ينكسر الشّعْر وَهَذَا يُسمى فِي عرُوض الوافر المنقوص أَعنِي: إِذا حذف الْيَاء من قَوْله: ألم يَأْتِيك. هَذَا كَلَامه. وَلَا يخفى أَن مَا فسر بِهِ الضَّرُورَة مذهبٌ مَرْجُوح مَرْدُود. وَالتَّحْقِيق عِنْد الْمُحَقِّقين: أَنَّهَا مَا وَقع فِي الشّعْر سواءٌ كَانَ للشاعر عَنهُ مندوحةٌ أم لَا. وَقَالَ ابْن جني: فِي فصل الْهمزَة من سر الصِّنَاعَة: رَوَاهُ بعض أَصْحَابنَا: ألم يأتك على ظَاهر الْجَزْم وأنشده أَبُو الْعَبَّاس عَن أبي عُثْمَان عَن) الْأَصْمَعِي: أَلا هَل اتاك والأنباء تنمي اه. فَالْأول فِيهِ الْكَفّ وَالثَّانِي فِيهِ نقل حَرَكَة الْهمزَة من أَتَاك إِلَى لَام هَل وحذفها. وَرَوَاهُ بَعضهم: فَلَا شَاهد فِيهِ على الرِّوَايَات الثَّلَاث. وَالْبَيْت أوردهُ ابْن هِشَام فِي موضِعين من الْمُغنِي: أَحدهمَا: فِي الْبَاء قَالَ: الْبَاء فِي قَوْله: بِمَا زَائِدَة فِي الضَّرُورَة. وَقَالَ

ابْن الضائع: الْبَاء مُتَعَلقَة بتنمي وَإِن فَاعل يَأْتِي مُضْمر وَالْمَسْأَلَة من بَاب الإعمال. وَثَانِيهمَا: فِي الْجُمْلَة المعترضة من الْبَاب الثَّانِي قَالَ: جملَة والأنباء تنمي مُعْتَرضَة بَين الْفِعْل وَالْفَاعِل على أَن الْبَاء زَائِدَة فِي الْفَاعِل. وَيحْتَمل أَن يَأْتِي وتنمي تنَازعا فأعمل الثَّانِي وأضمر الْفَاعِل فِي الأول فَلَا اعْتِرَاض وَلَا زِيَادَة. وَلَكِن الْمَعْنى على الأول أوجه إِذْ الأنباء من شَأْنهَا أَن تنمي بِهَذَا وَبِغَيْرِهِ. اه. يُرِيد أَن يَأْتِي وتنمي تنَازعا قَوْله: بِمَا وَالْأول يَطْلُبهُ للفاعلية وَالثَّانِي يَطْلُبهُ للمفعولية فأعمل الثَّانِي على الْمُخْتَار وأضمر الْفَاعِل فِي الأول وَهُوَ ضمير مَا لاقت. وَقَالَ الأعلم وَابْن الشجري فِي أَمَالِيهِ: الْبَاء زَائِدَة بمنزلتها فِي كفى بِاللَّه شَهِيدا. وَحسن دُخُولهَا فِي مَا أَنَّهَا مُبْهمَة مَبْنِيَّة كالحرف فَأدْخل عَلَيْهَا حرف الْجَرّ إشعاراً بِأَنَّهَا اسْم وَالتَّقْدِير: ألم يَأْتِيك مَا لاقت. وَيجوز أَن تكون مُتَّصِلَة بيأتيك على إِضْمَار الْفَاعِل فَيكون التَّقْدِير: ألم يَأْتِيك النبأ بِمَا لاقت. وَدلّ على النبأ قَوْله: والأنباء تنمي أَي: تشيع وَأَصله من نمى الشَّيْء ينمي إِذا ارْتَفع وَزَاد. اه. وعَلى هَذَا لَا تنَازع. وَفِيه الِاعْتِرَاض بِالْجُمْلَةِ. وَقَول ابْن هِشَام إِن زِيَادَة الْبَاء هُنَا ضَرُورَة هُوَ قَول ابْن عُصْفُور قَالَ فِي كتاب الضرائر: وَمِنْهَا زِيَادَة حرف الْجَرّ فِي الْمَوَاضِع الَّتِي لَا تزاد فِيهَا فِي سَعَة الْكَلَام

نَحْو: ألم يَأْتِيك ... ... . الْبَيْت) فَزَاد الْبَاء فِي فَاعل يَأْتِي. وزيادتها لَا تنقاس فِي سَعَة الْكَلَام إِلَّا فِي خبر مَا وَخبر لَيْسَ وفاعل: كفى ومفعوله وفاعل أفعل بِمَعْنى: مَا أَفعلهُ. وَمَا عدا هَذِه الْمَوَاضِع لَا تزاد فِيهِ الْبَاء إِلَّا فِي ضرورةٍ أَو شَاذ من الْكَلَام يحفظ وَلَا يُقَاس عَلَيْهِ. اه. وَقَالَ ابْن جني فِي الْمُحْتَسب: زَاد الْبَاء فِي بِمَا لاقت لما كَانَ مَعْنَاهُ: ألم تسمع مَا لاقت لبونهم. هَذَا كَلَامه. وَكَأَنَّهُ على التَّضْمِين. وَفِيه بعدٌ. وَقَالَ ابْن المستوفي: وَابْن خلف: وَيجوز أَن يكون لبون فَاعل يَأْتِي على تَقْدِير مُضَاف أَي: ألم يَأْتِيك خبر لبونهم وَيكون فِي لاقت ضميرٌ يعود إِلَى لبون وَيكون لبون فِي نِيَّة التَّقْدِيم. وعَلى هَذَا تكون الْبَاء مُتَعَلقَة بيأتي وَفِيه التَّنَازُع على إِعْمَال الأول على خلاف الْمُخْتَار وَفِيه تعسف لتقدير الْمُضَاف فِي الأول وَعَدَمه فِي الثَّانِي. وَالْكَاف فِي يَأْتِيك لمخاطب غير معِين أَي: يَا من يصلح للخطاب. والأنباء: جمع نبأ وَهُوَ خبرٌ لَهُ شَأْن. واللبون قَالَ أَبُو زيد: هِيَ من الشَّاء وَالْإِبِل: ذَات اللَّبن غزيرةً كَانَت أم بكيئة فَإِذا قصدُوا قصد الغزيرة قَالُوا: لبنة وَقَالَ ابْن السَّيِّد وَتَبعهُ ابْن خلف: اللَّبُون: الْإِبِل ذَوَات اللَّبن وَهُوَ اسمٌ مُفْرد أَرَادَ بِهِ الْجِنْس. وَبَنُو زِيَاد: هم الكملة الرّبيع وَعمارَة وَقيس وَأنس بَنو زِيَاد بن سُفْيَان بن عبد الله الْعَبْسِي. وأمهم فَاطِمَة بنت الخرشب الأنمارية. وَالْمرَاد لبون الرّبيع بن زِيَاد فَإِن الْقِصَّة مَعَه فَقَط كَمَا يَأْتِي بَيَانهَا.

كَمَا يُقَال: بَنو فلَان فعلوا كَذَا إِذا كَانَ الْفَاعِل بَعضهم وَأسْندَ الْفِعْل إِلَى الْجَمِيع لرضاهم بِفعل الْبَعْض. وَمثل هَذَا الْبَيْت قَول عفيف بن الْمُنْذر: الوافر (ألم يَأْتِيك والأنباء تنمي ... بِمَا لاقت سراة بني تَمِيم) (تداعى من سراتهم رجالٌ ... وَكَانُوا فِي النوائر والصميم) وَالْبَيْت أول أبياتٍ لقيس بن زُهَيْر بن جذيمة بن رَوَاحَة الْعَبْسِي وَكَانَ سيد قومه ونشأت بَينه وَبَين الرّبيع بن زِيَاد الْعَبْسِي شَحْنَاء فِي شَأْن درعٍ ساومه فِيهَا وَلما نظر إِلَيْهَا وَهُوَ على ظهر فرسه وَضعهَا على القربوس ثمَّ ركض بهَا فَلم يردهَا عَلَيْهِ فَاعْترضَ قيس بن زُهَيْر أم الرّبيع:) فَاطِمَة بنت الخرشب الْمَذْكُورَة فِي ظعائن من بني عبس فاقتاد جملها يُرِيد أَن يرتهنها بدرعه. فَقَالَت لَهُ: مَا رَأَيْت كَالْيَوْمِ قطّ فعل رجل أَيْن ضل حلمك يَا قيس أترجو أَن تصطلح أَنْت وَبَنُو زِيَاد أبدا وَقد أخذت أمّهم فَذَهَبت بهَا يَمِينا وَشمَالًا فَقَالَ النَّاس فِي ذَلِك مَا شاؤوا أَن يَقُولُوا: وحسبك من شَرّ سَمَاعه فأرسلتها مثلا. فَعرف قيسٌ مَا قَالَت فخلى سَبِيلهَا ثمَّ أطْرد إبِلا لَهُ وَقيل: إبِله وإبل إخْوَته فَقدم بهَا مَكَّة فَبَاعَهَا من عبد الله بن جدعَان التَّيْمِيّ مُعَاوضَة بأدراعٍ وسيوف. ثمَّ جاور ربيعَة بن قرط بن سَلمَة بن قُشَيْر وَهُوَ ربيعَة الْخَيْر ويكنى أَبَا هِلَال.

وَفَاطِمَة الأنمارية هِيَ إِحْدَى المنجبات. وسئلت عَن بنيها: أَيهمْ أفضل فَقَالَت: الرّبيع لَا بل عمَارَة لَا بل قيس لَا بل أنس ثكلتهم إِن كنت أَدْرِي أَيهمْ أفضل هم كالحلقة المفرغة لَا يدْرِي أَيْن طرفاها وَكَانَت امْرَأَة لَهَا ضيافةٌ وسودد. والأبيات هَذِه بعد الأول: (كَمَا لاقيت من حمل بن بدر ... وَإِخْوَته على ذَات الإصاد) (هم فَخَروا عَليّ بِغَيْر فخرٍ ... وردوا دون غَايَته جوادي) (وَكنت إِذا منيت بخصم سوءٍ ... دلفت لَهُ بداهيةٍ نآد) (بداهيةٍ تدق الصلب مِنْهُم ... بقصمٍ أَو تجوب عَن الْفُؤَاد) (أَطُوف مَا أَطُوف ثمَّ آوي ... إِلَى جارٍ كجار أبي دواد) (منيع وسط عِكْرِمَة بن قيسٍ ... وهوبٍ للطريف وللتلاد) (تظل جياده يعسلن حَولي ... بِذَات الرمث كالحدإ العوادي) (كفاني مَا أَخَاف أَبُو هلالٍ ... ربيعَة فانتهت عني الأعادي) (كَأَنِّي إِذْ أنخت إِلَى ابْن قرطٍ ... أنخت إِلَى يَلَمْلَم أَو نضاد) وَقَوله: ومحبسها بِالرَّفْع مَعْطُوف على فَاعل يَأْتِيك وَهُوَ مَا لاقت أَو لبون وبالجر عطفا على مَدْخُول الْبَاء إِن كَانَ الْفَاعِل ضمير النبأ. والمحبس: مصدر ميمي. والقرشي هُنَا هُوَ عبد الله بن جدعَان بِضَم الْجِيم ابْن عَمْرو بن كَعْب ابْن سعد بن تيم بن مرّة الْقرشِي. وَعبد الله من أجواد قُرَيْش فِي

الْجَاهِلِيَّة. وشذ ابْن السَّيِّد فِي قَوْله: إِن قيسا لما قدم مَكَّة بِإِبِل الرّبيع بَاعهَا لِحَرْب بن أُميَّة وَهِشَام بن) وتشرى بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول الْجُمْلَة: حَال من ضمير الْمُؤَنَّث فِي محبسها. وَقَالُوا: هُوَ بِمَعْنى تبَاع. وَيجوز أَن يكون الْمَعْنى: يَشْتَرِيهَا الْقرشِي فالجملة حالٌ من الْقرشِي. وَفِي هَذَا الْبَيْت بيانٌ لما لاقته لبون بني زِيَاد وافتخارٌ وتبجج بِمَا فعله من أَخذ إبِله وَبَيْعهَا بِمَكَّة. وَقَوله: كَمَا لاقيت قَالَ ابْن الشجري: الْعَامِل فِيهِ مَحْذُوف تَقْدِيره: لاقيت مِنْهُم كَمَا لاقيت من حمل بن بدر. وَمثله فِي حذف الْفِعْل مِنْهُ للدلالة عَلَيْهِ قَول يزِيد بن مفرغ الْحِمْيَرِي: الْخَفِيف (لَا ذعرت السوام فِي وضح الصب ... ح مغيراً وَلَا دعيت يزيدا) (يَوْم أعْطى من المخافة ضيماً ... والمنايا يرصدنني أَن أحيدا) (طالعاتٍ أخذن كل سبيلٍ ... لَا شقياً وَلَا يدعن سعيدا) أَرَادَ: لَا يدعن شقياً فَحذف. انْتهى. وَذَات الإصاد بِكَسْر الْهمزَة. مَوضِع. وَهَذَا الْبَيْت وَمَا بعده إشارةٌ إِلَى حَرْب داحسٍ والغبراء وَهَذَا إجمالها من كتاب الفاخر للمفضل بن سَلمَة قَالَ: داحس: فرس قيس بن زُهَيْر الْعَبْسِي والغبراء: فرس حُذَيْفَة بن بدرٍ وَكَانَ من حَدِيثهمَا أَن رجلا من بني عبس يُقَال لَهُ: قرواش بن هني مارى حمل

بن بدرٍ أَخا حُذَيْفَة فِي داحس والغبراء فَقَالَ حمل: الغبراء أَجود. وَقَالَ قرواش: داحسٌ أَجود. فتراهنا عَلَيْهِمَا عشرَة فِي عشرَة. فَأتى قرواشٌ إِلَى قيس بن زُهَيْر فَأخْبرهُ فَقَالَ لَهُ قيس: رَاهن من أَحْبَبْت وجنبني بني بدر فَإِنَّهُم يظْلمُونَ لقدرتهم على النَّاس فِي أنفسهم وَأَنا نكدٌ أباءٌ فَقَالَ قرواش: فَإِنِّي قد أوجبت الرِّهَان. فَقَالَ قيس: وَيلك مَا أردْت إِلَى أشأم أهل بَيت وَالله لتنفلن علينا شرا. ثمَّ إِن قيسا أَتَى حمل بن بدر فَقَالَ: إِنِّي أَتَيْتُك لأواضعك الرِّهَان عَن صَاحِبي. قَالَ حمل: لَا أواضعك أَو تَجِيء بالعشر فَإِن أَخَذتهَا أخذت سبقي وَإِن تركتهَا تركت حَقًا قد عَرفته لي وعرفته لنَفْسي. فأحفظ قيسا فَقَالَ: هِيَ عشرُون. قَالَ حملٌ: ثَلَاثُونَ. فتزايدا حَتَّى بلغ بِهِ قيس مائَة وَجعل الْغَايَة مائَة غلوة والغلوة بِفَتْح الْمُعْجَمَة: مِقْدَار رمية سهم. فضمروهما أَرْبَعِينَ يَوْمًا ثمَّ اسْتقْبل الَّذِي ذرع الْغَايَة من ذَات الإصاد وَهِي ردهة فِي) ديار عبس وسط هضب القليب قَالَ الْأَصْمَعِي: هضب القليب بِنَجْد جبالٌ صغَار والقليب فِي وسط هَذَا الْموضع يُقَال لَهُ ذَات الإصاد وَهُوَ اسْم من أسمائها. والردهة: نقيرة فِي حجر يجْتَمع فِيهَا المَاء فَانْتهى الذرع إِلَى مَكَان لَيْسَ لَهُ اسْم. فقادوا الفرسين إِلَى الْغَايَة وَقد وَلم يكن ثمَّ قصبةٌ. وَوضع حملٌ حَيْسًا فِي دلاء وَجعله فِي شعب من شعاب هضب القليب على طَرِيق الفرسين وَكَمن مَعَه فتياناً وَأمرهمْ إِن جَاءَ داحسٌ سَابِقًا أَن يردوا وَجهه عَن الْغَايَة وأرسلوهما من مُنْتَهى الذرع فَلَمَّا دنوا وَقد برز داحسٌ وثب الفتيان

فلطموا وَجه داحس فَردُّوهُ عَن الْغَايَة. فَقَالَ قيس: يَا حُذَيْفَة أَعْطِنِي سبقي. وَقَالَ الَّذِي وضع عِنْده السَّبق: إِن قيسا قد سبق وَإِنَّمَا أردْت أَن يُقَال: سبق حُذَيْفَة وَقد قيل فَأمره أَن يَدْفَعهُ لقيس. ثمَّ إِن حُذَيْفَة ندمه النَّاس فَبعث ابْنه يَأْخُذ السَّبق من قيس فَقتله قيس فَاجْتمع النَّاس فاحتملوا دِيَته مائَة عشراء فقبضها حُذَيْفَة وَسكن النَّاس. ثمَّ إِن حُذَيْفَة استفرد أَخا قيس وَهُوَ مَالك بن زُهَيْر فَقتله. وَكَانَ الرّبيع بن زِيَاد يومئذٍ مجاور بني فَزَارَة عِنْد امْرَأَته وَكَانَ مشاحناً لقيس بن زُهَيْر فِي درعه الَّتِي اغتصبها من قيس كَمَا تقدم ذكرهَا فَلَمَّا قتل مَالك بن زُهَيْر ارتحل الرّبيع بن زِيَاد وَلحق بقَوْمه وَأَتَاهُ قيس بن زُهَيْر فَصَالحه وَنزل مَعَه ثمَّ دس قيسٌ أمة لَهُ إِلَى الرّبيع تنظر مَا يعْمل فَأَتَتْهُ امْرَأَته تعرض لَهُ وَهِي على طهر فزجرها وَقَالَ: الْكَامِل (منع الرقاد فَمَا أغمض حَار ... جللٌ من النبأ المهم الساري) (يجد النِّسَاء حواسراً يندبنه ... يندبن بَين عوانس وعذاري) (أفبعد مقتل مَالك بن زهيرٍ ... ترجو النِّسَاء عواقب الْأَطْهَار) فَأخْبرت الْأمة قيسا بِهَذَا فَأعْتقهَا. ثمَّ إِن بني عبس تجمعُوا وَرَئِيسهمْ الرّبيع بن زِيَاد وَتجمع بَنو ذبيان وَرَئِيسهمْ حُذَيْفَة بن بدر وتحاربوا مرَارًا.

ثمَّ إِن الرّبيع بن زِيَاد أظفره الله فِي جَعْفَر الهباءة على حُذَيْفَة بن بدر وأخويه: حمل بن بدر وَمَالك بن بدر فَقَتلهُمْ ومثلوا بحذيفة فَقطعُوا ذكره فجعلوه فِي فِيهِ وَجعلُوا لِسَانه فِي دبره. وَقَالَ الرّبيع بن زِيَاد يرثي حمل بن بدر: الوافر) (تعْمل أَن خير النَّاس طراً ... على جفر الهباءة مَا يريم) (وَلَوْلَا ظلمه مَا زلت أبْكِي ... عَلَيْهِ الدَّهْر مَا طلع النُّجُوم) (وَلَكِن الْفَتى حمل بن بدرٍ ... بغى وَالْبَغي مرتعه وخيم) (أَظن الْحلم دلّ عَليّ قومِي ... وَقد يستجهل الرجل الْحَلِيم) (أُلَاقِي من رجالٍ منكراتٍ ... فأنكرها وَمَا أَنا بالظلوم) (ومارست الرِّجَال ومارسوني ... فمعوجٌّ عَليّ ومستقيم) ودامت الْحَرْب بَينهم أَرْبَعِينَ سنة إِلَى أَن ضعف قيس بن زُهَيْر فحالف ربيعَة بن قرط بن سَلمَة بن قُشَيْر وَهُوَ ربيعَة الْخَيْر ويكنى أَبَا هِلَال. وَقيل: هُوَ ربيعَة بن قرط بن عبد بن أبي بكر بن كلاب. فَنزل قيسٌ مَعَ بني عبس عِنْده وَقَالَ: (أحاول مَا أحاول ثمَّ آوي ... إِلَى جارٍ كجار أبي دواد) إِلَى آخر الأبيات الْمَذْكُورَة. وَقَوله: وَكنت إِذا منيت إِلَخ أَي: بليت. ودلفت: أسرعت. والنآد بِهَمْزَة ممدودة قبلهَا نون وَبعدهَا دَال: الشَّدِيدَة من الدَّوَاهِي. وتقصم: تكسر. وتجوب: تشق. وَقَوله: كجار أبي دَاوُد الْجَار هُنَا: النَّاصِر والحليف.

كَانَ أَبُو دواد الْإِيَادِي فِي الْجَاهِلِيَّة جاور الْحَارِث بن همام بن مرّة بن ذهل بن شَيبَان فَخرج صبيان الْحَيّ يَلْعَبُونَ فِي غَدِير فغمسوا ابْن أبي دوادٍ فَقَتَلُوهُ فَقَالَ الْحَارِث بن همام: لَا يبْق فِي الْحَيّ صبيٌّ إِلَّا غرق فِي الغدير فودي ابْن أبي دواد تسع دياتٍ أَو عشرا. ويعسلن من العسلان وَهُوَ اهتزاز الَّذِي يعدو. والحدأ: جمع حدأة كعنب جمع عنبة: طَائِر مَعْرُوف. ويلملم ونضاد: جبلان. وَقَول الرّبيع بن زِيَاد: يَقُول: من شمت من الْأَعْدَاء بمقتل مَالك فَليعلم أَنا قد أدركنا ثَأْره. وَكَانَت الْعَرَب لَا تندب قتلاها حَتَّى تدْرك ثأرها. وَكَانَ قيس قتل ابْن حُذَيْفَة كَمَا تقدم فَقتل حُذَيْفَة مَالِكًا أَخا قيس. وَالْمرَاد: فليحضر ساحتنا فِي أول النَّهَار ليعلم أَن مَا كَانَ محرما من الْبكاء قد حل ويجد النِّسَاء مكشوفات الرؤوس يندبنه.) وَرُوِيَ: (يجد النِّسَاء حواسراً يندبنه ... يلطمن أوجههن بالأسحار) وَرُوِيَ أَيْضا: قد قمن قبل تبلج الأسحار وَرُوِيَ أَيْضا: بالصبح قبل تبلج الأسحار قَالَ ابْن نباتة فِي سرح الْعُيُون فِي شرح رِسَالَة ابْن زيدون: لبَعض الأدباء اعتراضٌ فِي قَوْله: بالصبح قبل تبلج الأسحار

فَإِن الصُّبْح لَا يكون إِلَّا بعد تبلج الأسحار. أُجِيب بأقوالٍ مِنْهَا: أَن الصُّبْح هُنَا الْحق الْوَاضِح من وَصفه الَّذِي هُوَ كالصبح لِأَنَّهَا تندبه بخلاله الْحَسَنَة الْوَاضِحَة. انْتهى. وَقيس بن زُهَيْر: جاهليٌّ وَهُوَ صَاحب الحروب بَين عبس وذبيان بِسَبَب الفرسين: داحس والغبراء كَمَا تقدم. وَكَانَ فَارِسًا شَاعِرًا داهية يضْرب بِهِ الْمثل فَيُقَال: أدهى من قيس. وَلما طَال الْحَرْب ومل أَشَارَ على قومه بِالرُّجُوعِ إِلَى قَومهمْ ومصالحتهم فَقَالُوا: سر نسر مَعَك. فَقَالَ: لَا وَللَّه لَا نظرت فِي وَجْهي ذبيانيةٌ قتلت أَبَاهَا أَو أخاها أَو زَوجهَا أَو وَلَدهَا. وَتقدم ذكر الصُّلْح فِي شرح معلقَة زُهَيْر بن أبي سلمى. ثمَّ خرج على وَجهه حَتَّى لحق بالنمر بن قاسط وَتزَوج مِنْهُم وَأقَام عِنْدهم مُدَّة ثمَّ رَحل إِلَى عمان فَأَقَامَ بهَا حَتَّى مَاتَ. وَقيل: إِنَّه خرج هُوَ وصاحبٌ لَهُ من بني أَسد عَلَيْهِمَا المسوح يسيحان فِي الأَرْض ويتقوتان مِمَّا تنْبت إِلَى أَن دفعا فِي ليلةٍ بَارِدَة إِلَى أخبيةٍ لقومٍ وَقد اشْتَدَّ بهما الْجُوع فوجدا رَائِحَة شواءٍ فسعيا يريدانه فَلَمَّا قاربا أدْركْت قيسا شهامة النَّفس والأنفة فَرجع وَقَالَ لصَاحبه: دُونك وَمَا تُرِيدُ فَإِن لي لبثاً على هَذِه الأجارع أترقب داهية الْقُرُون الْمَاضِيَة. فَمضى صَاحبه وَرجع من الْغَد فَوَجَدَهُ قد لَجأ إِلَى شجرةٍ بِأَسْفَل وادٍ فنال من وَرقهَا شَيْئا ثمَّ مَاتَ.

فأنظور هُوَ قطعةٌ من بَيت وَهُوَ:) (وأنني حَيْثُمَا يثني الْهوى بَصرِي ... من حوثما سلكوا أدنو فأنظور) أَي: فَأنْظر. وَتقدم الْكَلَام عَلَيْهِ فِي الشَّاهِد الْحَادِي عشر من أَوَائِل الْكتاب. وَأنْشد بعده: ينباع وَهَذَا أَيْضا قطعةٌ من بَيت تقدم فِي الشَّاهِد الثَّانِي عشر بعد بَيت فأنظور وَهُوَ: الْكَامِل (ينباع من ذفرى غضوبٍ جسرةٍ ... زيافةٍ مثل الفنيق المقرم) أَي: يَنْبع. والذفرى: الْموضع الَّذِي يعرق من الْإِبِل خلف الْأذن. والغضوب: النَّاقة العبوس الصعبة الشَّدِيدَة الرَّأْس. والجسرة: الجاسرة فِي السّير. والزيافة: المتبخترة. والفنيق: الْفَحْل المكرم لَا يركب لكرامته عِنْد أَهله. والمقرم بِضَم الْمِيم وَفتح الرَّاء: الْبَعِير الَّذِي لَا يحمل عَلَيْهِ وَلَا يذلل وَإِنَّمَا هُوَ للفحلة. وَتقدم الْكَلَام هُنَاكَ مفصلا عَلَيْهِ.

وَأنْشد بعده الطَّوِيل وَمَا كدت آيباً هُوَ قِطْعَة من بَيت هُوَ: (فَأَبت إِلَى فهمٍ وَمَا كدت آيباً ... وَكم مثلهَا فارقتها وَهِي تصفر) على أَن أصل خبر كَاد الِاسْم الْمُفْرد كَمَا فِي الْبَيْت. قَالَ ابْن جني فِي إِعْرَاب الحماسة: اسْتعْمل الِاسْم الَّذِي هُوَ الأَصْل المرفوض الِاسْتِعْمَال مَوضِع الْفِعْل الَّذِي هُوَ فرعٌ وَذَلِكَ أَن قَوْلك: كدت أقوم أَصله كدت قَائِما وَلذَلِك ارْتَفع الْمُضَارع أَي: لوُقُوعه موقع الِاسْم فَأخْرجهُ على أَصله المرفوض كَمَا يضْطَر الشَّاعِر إِلَى مُرَاجعَة الْأُصُول عَن مُسْتَعْمل الْفُرُوع نَحْو صرف مَا لَا ينْصَرف وَإِظْهَار التَّضْعِيف وَتَصْحِيح المعتل وَمَا جرى مجْرى ذَلِك. ونحوٌ من ذَلِك مَا جَاءَ عَنْهُم من اسْتِعْمَال خبر عَسى على أَصله: الرجز (أكثرت فِي العذل ملحاً دَائِما ... لَا تكثرن إِنِّي عَسَيْت صَائِما) وَهَذِه هِيَ الرِّوَايَة الصَّحِيحَة فِي هَذَا الْبَيْت أَعنِي قَوْله وَمَا كدت آيباً. وَكَذَلِكَ وَجدتهَا فِي) شعر هَذَا الرجل بالخط الْقَدِيم وَهُوَ عتيدٌ عِنْدِي إِلَى الْآن. والمعني عَلَيْهِ الْبَتَّةَ. أَلا ترى أَن مَعْنَاهُ فَأَبت

وَمَا كدت أؤوب كَقَوْلِك: سلمت وَمَا كدت أسلم. وَكَذَلِكَ كل مَا يَلِي هَذَا الْحَرْف من قبله وَمن بعده يدل على مَا قُلْنَا. وَأكْثر النَّاس يروي: وَلم أك آئباً وَمِنْهُم من يروي: وَمَا كنت آئبا. وَالصَّوَاب الرِّوَايَة الأولى إِذْ لَا معنى هُنَا لِقَوْلِك: وَمَا كنت وَلَا للم أك. وَهَذَا واضحٌ. انْتهى. وَقَالَ مثله فِي الخصائص فِي بَاب امْتنَاع الْعَرَب من الْكَلَام بِمَا يجوز فِي الْقيَاس قَالَ: وَإِنَّمَا يَقع ذَلِك فِي كَلَامهم إِذا استغنت بِلَفْظ عَن لفظ كاستغنائهم بقَوْلهمْ: مَا أَجود جَوَابه عَن قَوْلهم: مَا أجوبه. أَو لِأَن قِيَاسا آخر عَارضه فعاق عَن استعمالهم إِيَّاه كاستغنائهم بكاد زيد يقوم عَن قَوْلهم: كَاد زيد قَائِما أَو قيَاما. وَرُبمَا خرج ذَلِك فِي كَلَامهم. قَالَ تأبط شرا: فَأَبت إِلَى فهم وَمَا كدت آئباً هَكَذَا صِحَة رِوَايَة هَذَا الْبَيْت. وَكَذَلِكَ هُوَ فِي شعره. فَأَما رِوَايَة من لَا يضبطه: وَمَا كنت آئباً وَلم أك آئباً فلبعده عَن ضَبطه. ويؤكد مَا روينَاهُ نَحن مَعَ وجوده فِي الدِّيوَان أَن الْمَعْنى عَلَيْهِ. أَلا ترى أَن مَعْنَاهُ فَأَبت وَمَا كدت أؤوب. فَأَما مَا كنت فَلَا وَجه لَهَا فِي هَذَا الْموضع. انْتهى. وَمرَاده من هَذَا التَّأْكِيد: الرَّد على أبي عبد الله النمري فِي شرح الحماسة وَهُوَ أول شارحٍ لَهَا وَقد تحرفت عَلَيْهِ هَذِه الْكَلِمَة وَهَذِه عِبَارَته: أَبَت: رجعت. وَفهم: قَبيلَة. وَالْهَاء فِي قَوْله: وَكم مثلهَا راجعةٌ إِلَى هُذَيْل. وَقَوله: وَهِي تصفر قيل مَعْنَاهُ أَي: تتأسف على فوتي. هَذَا كَلَامه. وَقد رد عَلَيْهِ أَبُو مُحَمَّد الْأَعرَابِي أَيْضا فِيمَا كتبه على شَرحه

قَالَ: سَأَلت أَبَا الندى عَنهُ قَالَ: مَعْنَاهُ كم مثلهَا فارقتها وَهِي تتلهف كَيفَ أفلت. قَالَ: وَالرِّوَايَة الصَّحِيحَة وَمَا كدت آئباً. وَالْهَاء رَاجِعَة فِي فارقتها إِلَى فهم. قَالَ: وَرِوَايَة من روى: وَلم أك آئباً خطأٌ. وفهمٌ: ابْن عَمْرو بن قيس عيلان. انْتهى كَلَامه. قَالَ التبريزي: قد تكلم المرزوقي على اخْتِيَار ابْن جني هَذِه الرِّوَايَة ردا عَلَيْهِ وَلم ينصفه وَقَالَ: قَوْله وَلم أك آئباً أَي: رجعت إِلَى قبيلتي فهمٍ وكدت لَا أؤوب لمشارفتي التّلف.) وَيجوز أَن يُرِيد: وَلم أك آئباً فِي تقديرهم وظنهم. ويروى: وَلم آل آئباً بِمد الْهمزَة وَاللَّام أَي: لم أدع جهدي فِي الإياب. وَالْأول أحسن. انْتهى. وَقد أورد ابْن عُصْفُور هَذَا الْبَيْت فِي كتاب الضرائر قَالَ: وَمِنْه وضع الِاسْم مَوضِع الْفِعْل الْوَاقِع فِي مَوضِع خبر كَاد وَمَوْضِع أَن وَالْفِعْل الْوَاقِع فِي مَوضِع خير عَسى نَحْو قَول تأبط شرا: وَقَول الآخر: لَا تكثرن إِنِّي عَسَيْت صَائِما كَانَ الْوَجْه أَن يَقُول: وَمَا كدت أؤوب وَإِنِّي عَسَيْت أَن أَصوم إِلَّا أَن الضَّرُورَة منعت من ذَلِك. وَقَوْلهمْ فِي الْمثل: عَسى الغوير أبؤساً شَاذ يحفظ وَلَا يُقَاس عَلَيْهِ. انْتهى. وَقَالَ ابْن المستوفي وَغَيره: قَوْله إِلَى فهم أَي: إِلَى عقل. وَقيل إِلَى قبيلتي الَّتِي هِيَ فهم. وَهَذَا أولى. انْتهى.

وَرُجُوع الضَّمِير من مثلهَا إِلَى فهم غير مُنَاسِب وَالْمُنَاسِب رُجُوعه إِلَى لحيان وَهِي قَبيلَة من هذيلٍ فِي قَوْله: (أَقُول للحيان وَقد صفرت لَهُم ... وطابي ويومي ضيق الْحجر معور) وَيجوز أَن يرجع إِلَى الْحَالة الَّتِي صدرت مِنْهُ حِين أحَاط بِهِ بَنو لحيان وَأَرَادُوا قَتله فتحيل وَنَجَا مِنْهُم. وَعبر عَنهُ ابْن المستوفي بقوله: أَي: المحنة أَو الخطة أَو الْمِنَّة. وَكم: مُبْتَدأ وَجُمْلَة: فارقتها هُوَ الْخَبَر وَجُمْلَة: وَهِي تصفر حَالية وَمثلهَا: بِالْجَرِّ: مميزكم الخبرية. قَالَ ابْن المستوفي: قَرَأت على شَيخنَا أبي الْحرم مكي: وَكم مثلهَا بجر مثلهَا ورفعها ونصبها. وَالنّصب على أَن تكون كم مُبْهمَة بالاستفهامية وَيكون مثلهَا: صفة لنكرة محذوفة تقديرها: كم مرّة مثلهَا فارقتها. هَذَا كَلَامه فَتَأَمّله. وَقد أَنْت مثلا لِإِضَافَتِهِ إِلَى ضمير الْمُؤَنَّث بِدَلِيل عود الضَّمِير إِلَيْهِ من فارقتها مؤنثاً. قَالَ ابْن جني: أَنْت الْمثل حملا على الْمَعْنى لما كَانَ المُرَاد بِهِ الْحَال وَالصُّورَة الَّتِي ذكرهَا. وَقد جَاءَ فِي التَّنْزِيل: فَلهُ عشر أَمْثَالهَا لما كَانَ المُرَاد عشر حَسَنَات أَمْثَالهَا وتأنيث الْمُذكر أغلط من تذكير الْمُؤَنَّث لِأَنَّهُ مُفَارقَة أصل إِلَى فرع وَفِي مَا ورد من تَأْنِيث نَحْو هَذَا دليلٌ على قُوَّة إِقَامَة الصّفة مقَام الْمَوْصُوف حَتَّى كَأَن الْمَوْصُوف حَاضر.) وَلَوْلَا أَن ذَلِك كَذَلِك لما جَازَ تَأْنِيث الْمثل لَكِن دلّ جَوَاز تأنيثه على قُوَّة إِرَادَة موصوفه. فاعرف ذَلِك فَإِنَّهُ هُوَ غَرَض هَذَا الْفَصْل. انْتهى.

وَقَوله: تصفر قَالَ ابْن هِشَام فِي شرح الشواهد أَرَادَ بالصفير النفخ عِنْد النَّدَم. وَنقل ابْن المستوفي عَن أبي مُحَمَّد الْقَاسِم بن مُحَمَّد الديمرتي أَن الْمَعْنى لما أعجزتها جعلت تصفر خجلاً. قَالَ: وَمن عَادَة الْعَرَب إِذا فاتهم أَن يَقُولُوا: هُوَ هُوَ ثمَّ يصفروا وَرَاءه يُرِيدُونَ بعد الْبعد. انْتهى. وَالْبَيْت من أَبْيَات لتأبط شرا تقدم شرحها فِي الشَّاهِد الثَّامِن وَالسِّتِّينَ بعد الْخَمْسمِائَةِ. وَكَانَ بَنو لحيان من هُذَيْل أخذُوا عَلَيْهِ طَرِيق جبل وجدوه فِيهِ يشتار عسلاً لم يكن لَهُ طَرِيق غَيره وَقَالُوا: استأسر أَو نقتلك فكره أَن يستأسر فصب مَا مَعَه من الْعَسَل على الصخر وَوضع صَدره عَلَيْهِ حَتَّى انْتهى إِلَى الأَرْض من غير طَرِيق فَصَارَ بَينه وَبينهمْ مسيرَة ثَلَاثَة أَيَّام وَنَجَا مِنْهُم. فَحكى الْحِكَايَة فِي الأبيات. وأولها: (إِذا الْمَرْء لم يحتل وَقد وجد جده ... أضاع وقاسى أمره وَهُوَ مُدبر) (وَلَكِن أَخُو الحزم الَّذِي لَيْسَ نازلاً ... بِهِ الْخطب إِلَّا وَهُوَ للقصد مبصر) ...

(فَذَاك قريع الدَّهْر مَا عَاشَ حولٌ ... إِذا سد مِنْهُ منخرٌ جاش منخر) قَالَ ابْن هِشَام فِي شرح الشواهد: وَمن محَاسِن أهل الْأَدَب أَن محيي الدَّين ابْن قرناس قَالَ بِحَضْرَة شرف الدَّين الْحلِيّ ملغزاً فِي الشبابة: الطَّوِيل (وناطقةٍ خرساء بادٍ شجونها ... تكنفها عشرٌ ومنهن تخبر) (يلذ إِلَى الْأَسْمَاء رَجَعَ حَدِيثهَا ... إِذا سد مِنْهَا منخرٌ جاش منخر) فَأَجَابَهُ فِي الْحَال: الطَّوِيل وَفِي الْمَوْضِعَيْنِ تضمين. تَتِمَّة مَا أوردهُ الشَّارِح الْمُحَقق على الْبَصرِيين فِي قَوْلهم: رفع الْمُضَارع لوُقُوعه موقع الِاسْم قد أجَاب عَنهُ صَاحب اللّبَاب قَالَ فِيهِ: وَأما مَرْفُوع الْفِعْل فَهُوَ الْمُضَارع الْوَاقِع بِحَيْثُ يَصح وُقُوع الِاسْم) إِمَّا مُجَردا أَو مَعَ حرف لَا يكون عَاملا فِيهِ فِي نَحْو: زيد يضْرب وسيضرب وَيضْرب الزيدان. لِأَن مبدأ الْكَلَام لَا يتَعَيَّن للْفِعْل دون الِاسْم وَنَحْو: كَاد زيد يقوم الأَصْل فِيهِ الِاسْم وَقد عدل إِلَى لفظ الْفِعْل لُزُوما لغَرَض. وَقد اسْتعْمل الأَصْل المرفوض فِيمَن روى قَوْله: وَمَا كدت آئباً. انْتهى.

واحتزر بقوله لَا يكون عَاملا عَمَّا إِذا كَانَ مَعَ حرف عاملٍ نَحْو: زيد لم يضْرب أَو لن يضْرب. وَقَوله: لِأَن مبدأ الْكَلَام. إِلَخ هَذَا جَوَاب عَن سُؤال مُقَدّر وَهُوَ أَن يضْرب فِي يضْرب الزيدان مَرْفُوع مَعَ أَنه لَيْسَ بواقعٍ موقع الِاسْم إِذْ لَا يجوز ابْتِدَاء ضاربٌ الزيدان من غير اعتمادٍ على شَيْء. فَأجَاب بِأَن هَذَا الْكَلَام من حَيْثُ هُوَ كلامٌ لَا يتَعَيَّن أَن يكون فعلا دون اسْم بل جَازَ أَن يكون ابْتِدَاء الْكَلَام اسْما على الْجُمْلَة فَصدق أَنه واقعٌ موقع الِاسْم على الْإِطْلَاق أَي: موقعاً وَقَوله: وَنَحْو كَاد زيد يقوم إِلَخ هَذَا أَيْضا إيرادٌ وجوابٌ. أما لإيراد فَهُوَ أَن خبر كَاد يلْزم أَن يكون فعلا وَهُوَ أَن كَاد مَوْضُوع لمقاربة وُقُوع فعلٍ فَحق خَبره أَن يكون فعلا مضارعاً فَلَا يكون خَبره اسْما فَيَنْبَغِي أَن لَا يرْتَفع لِأَن ارتفاعه لوُقُوعه موقع الِاسْم وَالِاسْم لَا يَقع خَبرا لكاد. وَأجَاب بِأَن أصل خبر كَاد أَن يكون اسْما كَمَا فِي خبر كَانَ وَلذَلِك اسْتعْمل ذَلِك الأَصْل المرفوض فِي الْبَيْت فالفعل واقعٌ موقع الِاسْم نظرا إِلَى الأَصْل. وَقد بسط الْكَلَام على مَذْهَب الْفَرِيقَيْنِ ابْن الْأَنْبَارِي فِي مسَائِل الْخلاف فَلَا بَأْس بإيراده قَالَ: اخْتلف مَذْهَب الْكُوفِيّين فِي رفع الْمُضَارع فَذهب الْأَكْثَرُونَ إِلَى أَنه يرْتَفع لتعريه من العوامل الناصبة والجازمة.

وَذهب الْكسَائي إِلَى أَنه يرْتَفع بِالزَّائِدِ فِي أَوله. وَذهب البصريون إِلَى أَنه يرْتَفع لقِيَامه مقَام الِاسْم. وَاحْتج الْكُوفِيُّونَ بِأَن الْمُضَارع إِذا دخل عَلَيْهِ ناصب نَصبه أَو جازم جزمه وَإِذا خلا مِنْهُمَا ارْتَفع فَعلمنَا أَنه بدخولهما ينصب ويجزم وبسقوطهما عَنهُ يرفع. قَالُوا: وَلَا يجوز أَن يكون مَرْفُوعا لقِيَامه مقَام الِاسْم لِأَنَّهُ لَو كَانَ كَذَلِك لَكَانَ يَنْبَغِي أَن ينصب ثمَّ كَيفَ يَأْتِيهِ الرّفْع لقِيَامه مقَام الِاسْم وَالِاسْم يكون مَرْفُوعا ومنصوباً ومخفوضاً وَلَو كَانَ) كَذَلِك لوَجَبَ أَن يعرب بإعراب الِاسْم ولوجب أَن لَا يرْتَفع فِي: كَاد زيد يقوم لِأَنَّهُ لَا يجوز: كَاد زيد قَائِما. وَاحْتج البصريون بِوَجْهَيْنِ: أَحدهمَا: أَن قِيَامه مقَام الِاسْم عاملٌ معنويٌّ يشبه الِابْتِدَاء والابتداء يُوجب الرّفْع وَكَذَا مَا أشبهه. وَثَانِيهمَا: أَن بقيامه مقَام الِاسْم قد وَقع فِي أقوى أَحْوَاله فَوَجَبَ أَن يعْطى أقوى الْإِعْرَاب وَهُوَ الرّفْع. وَإِنَّمَا لم يرفع الْمَاضِي مَعَ جَوَاز قِيَامه مقَام الِاسْم لِأَنَّهُ مَا اسْتحق أَن يكون معرباً بِنَوْع من الْإِعْرَاب فَصَارَ قِيَامه بِمَنْزِلَة عَدمه. وَأما قَول الْكُوفِيّين إِنَّه يرْتَفع بالتعري من العوامل الناصبة والجازمة فَهُوَ فَاسد لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى أَن يكون الرّفْع بعد النصب والجزم وَلَا خلاف بَين النَّحْوِيين أَن الرّفْع قبلهمَا وَذَلِكَ أَن الرّفْع صفة الْفَاعِل وَالنّصب صفة الْمَفْعُول فَكَمَا أَن الْفَاعِل قبل الْمَفْعُول يَنْبَغِي أَن يكون الرّفْع قبل النصب. وَإِذا كَانَ الرّفْع قبل النصب فَلِأَن يكون قبل الْجَزْم من طَرِيق الأولى. وَأما قَوْلهم: لَو كَانَ مَرْفُوعا لقِيَامه مقَام الِاسْم إِلَخ فَنَقُول: إِنَّمَا لم يكن مَنْصُوبًا أَو

مجروراً إِذا قَامَ مقَام الِاسْم الْمَنْصُوب وَالْمَجْرُور لِأَن عوامل الْأَسْمَاء لَا تعْمل فِي الْأَفْعَال. وَأما قَوْلهم وجدنَا نَصبه وَجزم بناصب وجازم لَا يدخلَانِ على الِاسْم فَعلمنَا أَنه يرْتَفع من حَيْثُ لَا يرْتَفع الِاسْم قُلْنَا: وَكَذَلِكَ نقُول فَإِنَّهُ يرْتَفع من حَيْثُ لَا يرْتَفع الِاسْم لِأَنَّهُ ارتفاعه لقِيَامه مقَام الِاسْم وَالْقِيَام مقَام الِاسْم لَيْسَ بعامل للرفع فِي الِاسْم. وَأما قَول الْكسَائي إِنَّه يرْتَفع بِالزَّائِدِ فِي أَوله فَهُوَ فَاسد من وُجُوه: أَحدهمَا: أَنه كَانَ يَنْبَغِي أَن لَا يدْخل عَلَيْهِ عوامل النصب والجزم لِأَنَّهُمَا لَا يدخلَانِ على العوامل. الثَّانِي: كَانَ يَنْبَغِي أَن لَا ينْتَصب وَلَا يجْزم بدخولهما لوُجُود الزَّائِد فِي أَوله أبدا. الثَّالِث: أَن هَذِه الزَّوَائِد بعض الْفِعْل لَا تنفصل مِنْهُ فِي لفظ بل هِيَ من تَمام مَعْنَاهُ فَلَو علمت لزم أَن يعْمل الشَّيْء فِي نَفسه. وَأما قَوْلهم: لَو كَانَ مَرْفُوعا لقِيَامه مقَام الِاسْم لَكَانَ يَنْبَغِي أَن لَا يرْتَفع فِي كَاد زيد يقوم إِلَخ) قُلْنَا: هَذَا فَاسد لِأَن الأَصْل كَاد زيد قَائِما. وَلذَلِك رده الشَّاعِر فِي الضَّرُورَة إِلَى أَصله فِي قَوْله: وَمَا كدت آئباً إِلَّا أَنه لما كَانَت كَاد مَوْضُوعَة للتقريب من الْحَال وَاسم الْفَاعِل لَيْسَ دلَالَته على الْحَال بِأولى من دلَالَته على الْمَاضِي عدلوا عَنهُ إِلَى يفعل لِأَنَّهُ أدل على مُقْتَضى كَاد ورفعوه مراعة للْأَصْل. فَدلَّ على صِحَة مَا ذَهَبْنَا إِلَيْهِ. انْتهى كَلَامه بِاخْتِصَار. وَفِيه مَوَاضِع تحْتَمل المناقشة لَا تخفى على المتأمل.

النواصب

(النواصب) أنْشد فِيهِ (الشَّاهِد الثَّامِن وَالثَّلَاثُونَ بعد الستمائة) الطَّوِيل (وددت وَمَا تغني الودادة أنني ... بِمَا فِي ضمير الحاجبية عَالم) على أَن أَن الْمَفْتُوحَة يجوز أَن تقع بعد فعل غير دالٍ على الْعلم وَالْيَقِين كَمَا فِي الْبَيْت. خلافًا للزمخشري فِي مفصله فَإِن وددت بِمَعْنى تمنيت. قَالَ ابْن درسْتوَيْه فِي شرح فصيح ثَعْلَب: وددته بِالْكَسْرِ أوده بِالْفَتْح. بِمَعْنى ومقته أمقه. وَكَذَلِكَ: وددت أَنه كَذَا إِذا تمنيته لِأَنَّهُ أَيْضا من المقة والمحبة. انْتهى. والزمخشري قَالَ فِي الْحُرُوف المشبهة بِالْفِعْلِ وَهَذَا نَصه: فصلٌ: وَالْفِعْل الَّذِي يدْخل على الْمَفْتُوحَة مُشَدّدَة أَو مُخَفّفَة يجب أَن يشاكلها فِي التَّحْقِيق. فَإِن لم يكن كَذَلِك نَحْو: أطمع وأرجون وأخاف فَلْيدْخلْ على أَن الناصبة للْفِعْل. وَمَا فِيهِ وَجْهَان: كظننت وحسبت وخلت فَهُوَ داخلٌ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا. انْتهى بِحَذْف الْأَمْثِلَة. وَقد جاراه ابْن يعِيش فِي شَرحه وَلم بنتقده بشيءٍ قَالَ: قد تقدم أَن أَن الْمَفْتُوحَة معمولةٌ لما قبلهَا وَأَن مَعْنَاهَا التَّأْكِيد وَالتَّحْقِيق مجْراهَا فِي ذَلِك مجْرى الْمَكْسُورَة. فَيجب لذَلِك أَن يكون الْفِعْل الَّذِي

تبنى عَلَيْهِ مطابقاً لَهَا فِي الْمَعْنى بِأَن يكون من أَفعَال الْعلم وَالْيَقِين وَنَحْوهمَا بِمَا مَعْنَاهُ الثُّبُوت والاستقرار ليتطابق فِي الْمَعْنى الْعَامِل والمعمول وَلَا يتناقضا. وَحكم المخففة من الثَّقِيلَة فِي التَّأْكِيد وَالتَّحْقِيق حكم الثَّقِيلَة لِأَن الْحَذف إِنَّمَا يكون لضربٍ من التَّخْفِيف فَهِيَ لذَلِك فِي حكم الثَّقِيلَة فَلذَلِك لَا يدْخل عَلَيْهَا من الْأَفْعَال إِلَّا مَا يدْخل على المثقلة. هَذَا كَلَامه.) وَالْبَيْت أول أَبْيَات أَرْبَعَة أوردهَا أَبُو تَمام فِي الحماسة لكثير عزة. وَهِي بعد الأول: (فَإِن كَانَ خيرا سرني وعلمته ... وَإِن كَانَ شرا لم تلمني اللوائم) (وَمَا ذكرتك النَّفس إِلَّا تَفَرَّقت ... فريقين: مِنْهَا عاذرٌ لي ولائم) (فريقٌ أَبى أَن يقبل الضيم عنْوَة ... وَآخر مِنْهَا قَابل الضيم راغم) وَقَوله: وَمَا تغني الودادة أَي: تَنْفَع جملَة مُعْتَرضَة بَين وددت وَبَين معموله وَهُوَ أنني ... . إِلَخ. والحاجبية: هِيَ عزة محبوبة كثير واشتهر بِالْإِضَافَة إِلَيْهَا فَيُقَال كثير عزة بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَتَشْديد الزَّاي. والحاجبية: نسبةٌ إِلَى أحد أجدادها. قَالَ ابْن الْكَلْبِيّ: عزة بنت حميل بِضَم الْمُهْملَة ابْن حَفْص بِفَتْحِهَا من بني حَاجِب ابْن غفار بِكَسْر الْمُعْجَمَة. وَتقدم الْكَلَام عَلَيْهَا فِي الشَّاهِد الثَّالِث وَالسبْعين بعد الثلثمائة.

قَالَ الطبرسي فِي شرح الحماسة: يَقُول: تمنيت أَنِّي عالمٌ بِمَا ينطوي عَلَيْهِ قلب هَذِه الْمَرْأَة لي. والودادة بِكَسْر الْوَاو وَفتحهَا. وَقَوله: فَإِن كَانَ خيرا إِلَخ أَي: فَإِن كَانَ مَا تضمره لي ودا صافياً سرني ذَلِك وَإِن كَانَ مَا تضمره إعْرَاضًا وجفاءً قتلت نَفسِي وأرحتها من لوم اللائمات. أَو يُرِيد: سلوت فاسترحت مِمَّا ألام فِيهِ من حب من لَا يحبني. وَهَذَا الْأَخير عَن البياري. وعلمته بِمَعْنى عَرفته وَلذَلِك اكْتفى بمفعول وَاحِد. وَقَوله: وَمَا ذكرتك النَّفس إِلَخ أَي: مَا ذكرتك إِلَّا تَفَرَّقت نَفسِي فريقين: ففريق يعذرني يَقُول: إِن مثلهَا فِي جمَالهَا وكمالها يحب. وفريق يلومني يَقُول: لم تحب من لَا يحبك وَلَا تصل إِلَيْهِ والضيم: الظُّلم. والعنوة بِالْفَتْح الْقَهْر. وراغم: ذليل ملصق أَنفه بالرغام وَهُوَ التُّرَاب. وترجمة كثير قد تقدّمت فِي الشَّاهِد الثَّالِث وَالسبْعين بعد الثلثمائة.

وَكَانَ مُشَوه الْخلق دميماً مفرط الْقصر كَانَ يُقَال لَهُ: زب الذُّبَاب وهجاه بعض الشُّعَرَاء بقوله: الطَّوِيل روى صَاحب الأغاني بِسَنَدِهِ أَن عمر بن أبي ربيعَة المَخْزُومِي قدم الْمَدِينَة لأمر فَأَقَامَ شهرا ثمَّ خرج إِلَى مَكَّة وَخرج مَعَه الْأَحْوَص مُعْتَمِرًا. قَالَ السَّائِب راوية كثير: فَلَمَّا مر بِالرَّوْحَاءِ استتلياني فَخرجت أتلوهما حَتَّى لحقتهما بالعرج فخرجنا جَمِيعًا حَتَّى وردنا ودان. فحبسهما نصيب وَذبح لَهما وأكرمهما وَخَرجْنَا وَخرج مَعنا نصيب فَلَمَّا جِئْنَا إِلَى منزل) كثير فَقيل لنا: قد هَبَط قديداً. فَجِئْنَا قديداً فَقيل لنا: إِنَّه فِي خيمةٍ من خيامها فَقَالَ لي ابْن أبي ربيعَة: اذْهَبْ فَادعه لي. فَقَالَ نصيب: هُوَ أَحمَق أَشد كبرا من أَن يَأْتِيك. فَقَالَ لي عمر: اذْهَبْ كَمَا أَقُول لَك. فَجِئْته فهش لي وَقَالَ: اذكر غَائِبا تره لقد جِئْت وَأَنا أذكرك. فأبلغته رِسَالَة عمر فحدد لي نظره ثمَّ قَالَ: أما كَانَ عنْدك من الْمعرفَة بِي مَا كَانَ يردعك عَن إتياني بِمثل هَذَا فَقلت: بلَى وَلَكِن سترت عَلَيْك فَأبى الله إِلَّا أَن يهتك سترك. قَالَ: إِنَّك وَالله يَا ابْن ذكْوَان مَا أَنْت من شكلي قل لِابْنِ أبي ربيعَة: إِن

كنت قرشياً فَإِنِّي قرشي فَقلت: أَلا تتْرك هَذَا التلصق. فَقَالَ: وَالله لأَنا أثبت فيهم مِنْك فِي دوس. ثمَّ قَالَ: وَقل لَهُ إِن كنت شَاعِرًا فَأَنا أشعر مِنْك. فَقلت: هَذَا إِذا كَانَ الحكم إِلَيْك. قَالَ: وَإِلَى من هُوَ وَمن أولى بِهِ مني فَرَجَعت إِلَى الْقَوْم فَأَخْبَرتهمْ فضحكوا ثمَّ نهضوا معي إِلَيْهِ فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ فِي خيمةٍ فوجدناه جَالِسا على جلد كَبْش فوَاللَّه مَا أوسع للقرشي فتحدثوا مَلِيًّا ثمَّ أفضوا فِي ذكر الشّعْر. فَأقبل على عمر فَقَالَ لَهُ: أَنْت تبِعت امْرَأَة فتنسب بهَا ثمَّ تدعها فتنسب بِنَفْسِك. أَخْبرنِي عَن قَوْلك: المنسرح (قَالَت تصدي لَهُ ليعرفنا ... ثمَّ اغمزيه يَا أُخْت فِي خفر) (قَالَت لَهَا: قد غمزته فَأبى ... ثمَّ اسبطرت تشتد فِي أثري) (وَقَوْلها والدموع تسبقها ... لنفسدن الطوف فِي عمر) أتراك لَو وصفت بِهَذَا الشّعْر هرة أهلك ألم تكن قد قبحت وأسأت لَهَا وَقلت الهجر إِنَّمَا تُوصَف الْحرَّة بِالْحَيَاءِ والإباء وَالْبخل والامتناع كَمَا قَالَ هَذَا وَأَشَارَ للأحوص: الطَّوِيل (أدور وَلَوْلَا أَن أرى أم جعفرٍ ... بأبياتكم مَا درت حَيْثُ أدور) (وَمَا كنت زواراً وَلَكِن ذَا الْهوى ... إِذا لم يزر لَا بُد أَن سيزور) ...

(لقد منعت معروفها أم جَعْفَر ... وَإِنِّي إِلَى معروفها لفقير) فَدخلت الْأَحْوَص الأبهة وَعرفت الْخُيَلَاء فِيهِ فَلَمَّا عرف كثير ذَلِك مِنْهُ قَالَ لَهُ: أبطل أخزاك الله وأذلك. أَخْبرنِي عَن قَوْلك: الوافر (فَإِن تصلي أصلك وَإِن تبيني ... بصرمك بعد وصلك لَا أُبَالِي) أما وَالله لَو كنت فحلاً لباليت أَلا قلت كَمَا قَالَ هَذَا الْأسود وَأَشَارَ إِلَى نصيبٍ: الطَّوِيل) (بِزَيْنَب ألمم قبل أَن يرحل الركب ... وَقل إِن تملينا فَمَا ملك الْقلب) فانكسر الْأَحْوَص وذخلت نَصِيبا الأبهة فَلَمَّا فهم ذَلِك مِنْهُ قَالَ: وَأَنت يَا أسود أخبرنَا عَن قَوْلك: الطَّوِيل (أهيم بدعدٍ مَا حييت وَإِن أمت ... فواكبدي من ذَا يهيم بهَا بعدِي) أهمك من ينيكها بعْدك. فَأبْلسَ نصيب. فَلَمَّا سكت كثير أقبل عَلَيْهِ عمر فَقَالَ: قد أنصتنا لَك فاستمع أَخْبرنِي عَن قَوْلك لنَفسك وتخيرك لمن تحب حَيْثُ تَقول: الطَّوِيل (أَلا ليتنا يَا عز من غير ريبةٍ ... بعيران نرعى فِي الخلا ونعزب) ...

(كِلَانَا بِهِ عرٌّ فَمن يرنا يقل ... على حسنها جرباء تعدِي وأجرب) (إِذا مَا وردنا منهلاً صَاح أَهله ... علينا فَمَا ننفك نرمى ونضرب) (وددت وَبَيت الله أَنَّك بكرةٌ ... هجانٌ وَأَنِّي مصعبٌ ثمَّ نهرب) (نَكُون بَعِيري ذِي غنى فيضيعنا ... فَلَا هُوَ يرعانا وَلَا نَحن نطلب) وَيلك تمنيت لَهَا وَلِنَفْسِك الرّقّ والجرب وَالرَّمْي والطرد وَالْمَسْخ فَأَي مكروهٍ لم تتمن لَهَا وَلِنَفْسِك وَلَقَد أَصَابَهَا مِنْك قَول الأول: معاداة عَاقل خير من مَوَدَّة أَحمَق. فَجعل يختلج (وقلن وَقد يكذبن: فِيك تعففٌ ... وشؤمٌ إِذا مَا لم تُطِع صَاح ناعقه) (فأعييتنا لَا وأخياً بكرامةٍ ... وَلَا تَارِكًا شكوى الَّذِي أَنْت صادقه) (وَأدْركت صفو الود منا فلمتنا ... وَلَيْسَ لنا ذنبٌ فَنحْن مواذقه) (وألفيتنا سلما فصدعت بَيْننَا ... كَمَا صدعت بَين الْأَدِيم خوالقه)

(الشاهد التاسع والثلاثون بعد الستمائة)

وَالله لَو احتفل عَلَيْك هاجيك مَا زَاد على مَا بؤت بِهِ على مَا فِي نَفسك ثمَّ أقبل عَلَيْهِ نصيبٌ فَقَالَ: أقبل عَليّ يَا زب الذُّبَاب فقد تمنيت معرفَة غَائِب عَنْك علمه حَيْثُ تَقول: (وددت وَمَا تغني الودادة أنني ... بِمَا فِي ضمير الحاجبية عَالم) انْظُر مَا فِي مرآتك واعرف صُورَة وَجهك تعرف مَا عِنْدهَا لَك فاضطرب اضْطِرَاب العصفور وَقَامَ الْقَوْم يَضْحَكُونَ. وَأنْشد بعده (الشَّاهِد التَّاسِع وَالثَّلَاثُونَ بعد الستمائة) وَهُوَ من شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ: الْبَسِيط أَن هالكٌ كل من يحفى وينتعل فِي فتيةٍ كسيوف الْهِنْد قد علمُوا على أَن أَن مُخَفّفَة من الثَّقِيلَة وَاسْمهَا ضمير شَأْن مَحْذُوف وهالك: خبر مقدم وكل: مُبْتَدأ مُؤخر وَالْجُمْلَة خَبَرهَا. وَأوردهُ صَاحب الْكَشَّاف عِنْد قَوْله تَعَالَى: وَآخر دَعوَاهُم أَن الْحَمد لله رب الْعَالمين على أَن أَن مُخَفّفَة وَاسْمهَا ضمير شَأْن كَمَا فِي الْبَيْت.

قَالَ السيرافي: وَفِي كتاب أبي بكر مبرمان: هَذَا المصراع مَعْمُول أَي: مَصْنُوع وَالثَّابِت الْمَرْوِيّ: أَن لَيْسَ يدْفع عَن ذِي الْحِيلَة الْحِيَل قَالَ: وَالشَّاهِد فِي كلتا الرِّوَايَتَيْنِ وَاحِد لِأَنَّهُ فِي إِضْمَار الْهَاء فِي أَن وَتَقْدِيره: أَنه هَالك وَأَنه لَيْسَ يدْفع. انْتهى. قَالَ ابْن المستوفي: وَالَّذِي ذكره السيرافي صَحِيح وَلَا شكّ أَن النَّحْوِيين غيروه ليَقَع الِاسْم بعد أَن المخففة مَرْفُوعا وَحكمه أَن يَقع بعد أَن المثقلة مَنْصُوبًا فَلَمَّا تغير اللَّفْظ تغير الحكم. انْتهى. وَالْبَيْت من قصيدة للأعشى مَيْمُون وَقَبله: (وَقد غَدَوْت إِلَى الْحَانُوت يَتبعني ... شاو مشلٌّ شلولٌ شلشلٌ شول) وغدوت: ذهبت غدْوَة وَهِي مَا بَين صَلَاة الصُّبْح وطلوع الشَّمْس هَذَا أَصله ثمَّ كثر حَتَّى والحانوت: بَيت الْخمار يذكر وَيُؤَنث. وَجُمْلَة: يَتبعني حالٌ من التَّاء فِي غَدَوْت. والشاوي: الَّذِي يشوي اللَّحْم. والمشل بِكَسْر الْمِيم وَفتح الشين: المستحث والجيد السُّوق وَقيل الَّذِي يشل اللَّحْم فِي السفود من شللت الثَّوْب إِذا خطته خياطَة. كَذَا قَالَ ابْن السيرافي. والشلول بِفَتْح الشين مثل المشل ويروى: نشول بِفَتْح النُّون

وَهُوَ الَّذِي يَأْخُذ اللَّحْم من الْقدر يُقَال مِنْهُ نشل ينشل. والشلشل بِضَم الشينين كقنفذ: الْخَفِيف الْيَد فِي الْعَمَل والمتحرك. والشول: بِفَتْح فَكسر مثل الشلشل وَقيل هُوَ الَّذِي عَادَته ذَلِك. وَقَالَ الْخَطِيب التبريزي فِي شرح هَذِه القصيدة: الشول هُوَ الَّذِي يحمل الشَّيْء يُقَال: شلت بِهِ وأشلته. وَقيل هُوَ من قَوْلهم: فلانٌ يشول فِي حَاجته أَي: يعْنى بهَا ويتحرك فِيهَا. وَمن روى:) شول بِضَم الشين وَفتح الْوَاو فَهُوَ بمعناة إِلَّا أَنه للتكثير. وروى بدله: شَمل أَيْضا بِفَتْح فَكسر وَهُوَ الطّيب النَّفس والرائحة. يَقُول: بكرت إِلَى بَيت الْخمار وَمَعِي غلامٌ شواءٌ طباخ خَفِيف فِي الْخدمَة. وَيُشبه هَذَا الْبَيْت قَول أبي الطّيب المتنبي وَهُوَ: الطَّوِيل (فقلقلت بالهم الَّذِي قلقل الحشا ... قلاقل عيسٍ كُلهنَّ قلاقل) قلقلت: حركت. والقلاقل: جمع قلقل. كجعفر: النَّاقة الْخَفِيفَة. وَقَوله: فِي فتية إِلَخ مُتَعَلق بغدوت فِي الْبَيْت الْمُتَقَدّم. وَفِي بِمَعْنى مَعَ. وَقَالَ الْعَيْنِيّ: حالٌ من شأوٍ أَو حالٌ من الْيَاء فِي يَتبعني. والفتية: جمع فَتى وَهُوَ الشَّاب. وَقَوله: كسيوف الْهِنْد فِي مَحل الصّفة لفتية وَكَذَلِكَ جملَة: قد علمُوا يُرِيد أَنهم كالسيوف فِي المضاء والعزم أَو فِي صباحة الْوَجْه تبرق كالسيوف. وخصها بِالْهِنْدِ لحسن صقالتها. وَجُمْلَة المصراع الثَّانِي فِي مَحل نصب على أَنه سادٌّ مسد مفعولي علمُوا.

ويحفى بِالْحَاء الْمُهْملَة من الحفاء وَهُوَ الْمَشْي بِلَا نعل وَلَا خفٍّ. وَأَرَادَ بِهِ الْفَقِير. وينتعل: يلبس النَّعْل وَأَرَادَ بِهِ الْغَنِيّ. يُرِيد قد علم هَؤُلَاءِ الفتيان أَن الْمَوْت يعم فقيرهم وغنيهم فهم يبادرون إِلَى اللَّذَّات قبل أَن يحول الْمَوْت بَينهَا وَبينهمْ كَمَا قيل: الطَّوِيل (خُذُوا بنصيبٍ من نعيمٍ ولذةٍ ... فكلٌّ وَإِن طَال المدى يتصرم) والبيتان من قصيدة جَيِّدَة للأعشى وَهِي أحسن شعره وَقد ألحقت بالمعلقات السَّبع. وَقد شرحها الْخَطِيب التبريزي مَعَ المعلقات وأولها: (ودع هُرَيْرَة إِن الركب مرتحل ... وَهل تطِيق وداعاً أَيهَا الرجل) نقل الْخَطِيب عَن أبي عُبَيْدَة أَنه قَالَ: هُرَيْرَة: قينةٌ كَانَت لرجل من آل عَمْرو بن مرْثَد أهداها وَقد قَالَ فِي هَذِه القصيدة: جهلا بِأم خليدٍ حَبل من تصل انْتهى. وَقيل: إِن هُرَيْرَة وخليدة أختَان كَانَتَا قينتين لبشر بن عَمْرو وكانتا تغنيانه وَقدم بهما إِلَى الْيَمَامَة لما هرب من النُّعْمَان بن الْمُنْذر. وَقيل: إِن أم هُرَيْرَة كَانَت أمة سَوْدَاء لحسان بن عَمْرو) كَانَ الْأَعْشَى يشبب بهَا. وَقيل: إِن الْأَعْشَى سُئِلَ عَن هُرَيْرَة فَقَالَ: لَا أعرفهَا وَإِنَّمَا هُوَ اسمٌ ألقِي فِي روعي. وَنقل صَاحب الأغاني عَن الشّعبِيّ أَنه قَالَ: الْأَعْشَى أغزل النَّاس

فِي بَيت وأخنث النَّاس فِي بَيت وَأَشْجَع النَّاس فِي بَيت وَالْكل من هَذِه القصيدة. أما الأول فَقَوله: (غراء فرعاء مصقولٌ عوارضها ... تمشي الهوينى كَمَا يمشي الوجي الوحل) وَأما الثَّانِي فَقَوله: (قَالَت هُرَيْرَة لما جِئْت زائرها ... ويلي عَلَيْك وويلي مِنْك يَا رجل) وَأما الثَّالِث فَقَوله: والغراء: الْبَيْضَاء الواسعة الجبين. والفرعاء: الطَّوِيلَة الْفَرْع أَي: الشّعْر. والعوارض: الرباعيات والأنياب. والوجي بِكَسْر الْجِيم: الَّذِي يشتكي حَافره وَلم يحف. والوحل بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة: الَّذِي يتوحل فِي الطين. وَقَوله: قَالُوا الطراد يَقُول: إِن طاردتم بِالرِّمَاحِ فَتلك عادتنا وَإِن نزلتم تجالدون بِالسُّيُوفِ نزلنَا. وروى صَاحب الأغاني بِسَنَدِهِ قَالَ: حدث جرير بن عبد الله البَجلِيّ الصَّحَابِيّ قَالَ: سَافَرت فِي الْجَاهِلِيَّة فَأَقْبَلت لَيْلَة على بَعِيري أُرِيد أَن أسقيه مَاء فَلَمَّا قربته من المَاء تَأَخّر فعقلته ودنوت من المَاء فَإِذا قومٌ مشوهون عِنْد المَاء فَقَعَدت فَبينا أَنا عِنْدهم إِذْ أَتَاهُم رجلٌ أَشد تشويهاً

مِنْهُم فَقَالُوا: هَذَا شَاعِر. ثمَّ قَالُوا: يَا أَبَا فلَان أنْشد هَذَا فَإِنَّهُ ضيف. فَأَنْشد: ودع هُرَيْرَة إِن الركب مرتحل فوَاللَّه مَا خرم مِنْهَا بَيْتا حَتَّى أَتَى على آخرهَا فَقلت: من يَقُول هَذِه القصيدة قَالَ: أَنا أقولها. قلت: لَوْلَا مَا تَقول لأخبرتك أَن أعشى قيس بن ثَعْلَبَة أنشدنيها عَام أول بِنَجْرَان. قَالَ: إِنَّك صَادِق. أَنا الَّذِي ألقيتها على لِسَانه. وَأَنا مسحلٌ صَاحبه مَا ضَاعَ شعر شاعرٍ وَضعه عِنْد مَيْمُون بن قيس. وروى صَاحب الأغاني عَن الْأَعْشَى قَالَ: حدث الْأَعْشَى عَن نَفسه قَالَ: خرجت أُرِيد قيس بن معديكرب بحضرموت فضللت فِي أَوَائِل أَرض الْيمن لِأَنِّي لم أكن سلكت ذَلِك الطَّرِيق قبل) فَأَصَابَنِي مطرٌ فرميت ببصري أطلب مَكَانا ألجأ إِلَيْهِ فَوَقَعت عَيْني على خباء من شعر فقصدت نَحوه وَإِذا أَنا بشيخ على بَاب الخباء فَسلمت عَلَيْهِ فَرد عَليّ السَّلَام وَأدْخل نَاقَتي خباءً آخر كَانَ بِجَانِب الْبَيْت فحططت رحلي وَجَلَست. فَقَالَ: من أَنْت وَأَيْنَ تقصد قلت: أَنا الْأَعْشَى أقصد قيس بن معديكرب. فَقَالَ: حياك الله أَظُنك امتدحته بِشعر قلت: نعم. قَالَ: فأنشدنيه. فابتدأت مطلع القصيدة: الْكَامِل (رحلت سميَّة غدْوَة أجمالها ... غَضبا عَلَيْك فَمَا تَقول بدا لَهَا)

فَلَمَّا أنشدته هَذَا المطلع مِنْهَا قَالَ: حَسبك أهذه القصيدة لَك قلت: نعم. قَالَ: من سميَّة الَّتِي تنْسب بهَا قلت: لَا أعرفهَا وَإِنَّمَا هُوَ اسمٌ ألقِي فِي روعي. فَنَادَى: يَا سميَّة اخْرُجِي. وَإِذا جاريةٌ حماسية قد خرجت فوقفت وَقَالَت: مَا تُرِيدُ يَا أَبَت قَالَ: أنشدي عمك قصيدتي الَّتِي مدحت بهَا قيس بن معديكرب وَنسب بك فِي أَولهَا. فاندفعت تنشد القصيدة حَتَّى أَتَت على آخرهَا لم تخرم مِنْهَا حرفا فَلَمَّا أتمتها قَالَ: انصرفي. ثمَّ قَالَ: هَل قلت شَيْئا غير ذَلِك قلت: نعم كَانَ بيني وَبَين ابْن عمٍّ لي يُقَال لَهُ: يزِيد بن مسْهر ويكنى أَبَا ثَابت مَا يكون بَين بني الْعم فهجاني وهجوته فأفحمته. قَالَ: مَاذَا قلت فِيهِ قَالَ: قلت: ودع هُرَيْرَة إِن الركب مرتحل فَلَمَّا أنشدته الْبَيْت الأول قَالَ: حَسبك من هُرَيْرَة هَذِه الَّتِي نسبت فِيهَا قلت: لَا أعرفهَا وسبيلها سَبِيل الَّتِي قبلهَا. فَنَادَى: يَا هُرَيْرَة. فَإِذا جاريةٌ قريبَة السن من الأولى خرجت فَقَالَ: أنشدي عمك قصيدتي الَّتِي هجوت بهَا أَبَا ثَابت يزِيد بن مسْهر. فأنشدتها من أَولهَا إِلَى آخرهَا لم تخرم مِنْهَا حرفا. فَسقط فِي يَدي وتحيرت وتغشتني رعدة. فَلَمَّا رأى مَا نزل بِي قَالَ: ليفرج روعك يَا أَبَا بَصِير أَنا هاجسك مسحل بن أَثَاثَة الَّذِي ألْقى على لسَانك الشّعْر. فسكنت نَفسِي وَرجعت إِلَيّ وَسكن الْمَطَر فدلني على الطَّرِيق وَأرَانِي سمت مقصدي وَقَالَ: لَا تعج يَمِينا وَلَا شمالاً حَتَّى تقع بِبِلَاد قيس.

وروى صَاحب الأغاني أَيْضا أَن الْأَعْشَى قَالَ هَذِه القصيدة ليزِيد بن مسْهر أبي ثَابت الشَّيْبَانِيّ. قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: وَكَانَ من حَدِيث هَذِه القصيدة أَن رجلا من بني كَهْف بن سعد بن مَالك بن) ضبيعة بن قيس بن ثَعْلَبَة يُقَال لَهُ ضبيع قتل رجلا من بني همام يُقَال لَهُ زَاهِر بن سيار بن أسعد بن همام وَكَانَ ضبيع مطروقاً ضَعِيف الْعقل فنهاهم يزِيد بن مسْهر وَهُوَ من بني ثَعْلَبَة بن أسعد بن همام أَن يقتلُوا ضبيعاً بزاهر وَقَالَ: اقْتُلُوا بِهِ سيداً من بني سعد بن مَالك بن ضبيعة. فحض بني سيار بن أسعد على ذَلِك وَأمرهمْ بِهِ فَبلغ بني قيس مَا قَالَه فَقَالَ الْأَعْشَى هَذِه القصيدة فِي ذَلِك يَأْمُرهُ أَن يدع بني سيار وَبني كَهْف وَلَا يعين بني سيار فَإِنَّهُ إِن أعانهم أعانت قبائل بني قيس بني كَهْف. وحذره أَن يلقى بَنو سيارٍ مِنْهُم مَا لقوا يَوْم الْعين عين محلم بهجر. وَكَانَ من حَدِيث ذَلِك الْيَوْم كَمَا زعم عمر بن هِلَال أحد بني سعد بن قيس ابْن ثَعْلَبَة أَن يزِيد بن مسْهر كَانَ خَالع أَصْرَم بن عَوْف بن ثَعْلَبَة بن سعد بن قيس بن ثَعْلَبَة فَلَمَّا خلع يزِيد بن مسْهر أَصْرَم من مَاله خالعه على أَن يرهنه ابنيه: أقلب وشهاباً ابْني أَصْرَم وأمهما فطيمة بنت شُرَحْبِيل بن عَوْسَجَة بن ثَعْلَبَة بن سعد بن قيس. وَأَن يزِيد قمر أَصْرَم فَطلب إِلَيْهِ أَن يدْفع إِلَيْهِ ابنيه رهينة فَأَبت

(الشاهد الأربعون بعد الستمائة)

أمهما ذَلِك فنادت قَومهَا فَحَضَرَ النَّاس واشتملت فطيمة على ابنيها بثوبها ودافع قَومهَا عَنْهُمَا وعنها. فَذَلِك قَول الْأَعْشَى: الْبَسِيط قَالَ: فَانْهَزَمَ بَنو سيار. فحذر الْأَعْشَى يزِيد بن مسْهر مثل تِلْكَ الْحَالة. قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: وَذكر عامرٌ ومسمع عَن قَتَادَة الْفَقِيه أَن رجلَيْنِ من بني مَرْوَان تنَازعا فِي هَذَا الحَدِيث فجردوا رَسُولا فِي ذَلِك إِلَى الْعرَاق حَتَّى قدم الْكُوفَة فَسَأَلَ فَأخْبر أَن فطيمة من بني سعد بن قيس وَأَنَّهَا كَانَت عِنْد رجل من بني سيار وَله امْرَأَة غَيرهَا من قومه. فتغايرتا فعمدت السيارية فحلقت ذوائب فطيمة فاهتاج الْحَيَّانِ فَاقْتَتلُوا فهزمت بَنو سيارٍ يَوْمئِذٍ. انْتهى. وَإِنَّمَا نقلت هَذَا الْفَصْل لِأَن شرَّاح القصيدة أخلوا فِي شروحهم بِهَذِهِ الْأُمُور. وَالله أعلم. وترجمة الْأَعْشَى تقدّمت فِي الشَّاهِد الثَّالِث وَالْعِشْرين. وَأنْشد بعده) (الشَّاهِد الْأَرْبَعُونَ بعد الستمائة) الطَّوِيل (وَلَا تدفنني فِي الفلاة فإنني ... أَخَاف إِذا مَا مت أَن لَا أذوقها) على أَن مُخَفّفَة لوقوعها بعد الْخَوْف بِمَعْنى الْعلم وَالْيَقِين

وَاسْمهَا ضمير شَأْن مَحْذُوف أَو ضمير مُتَكَلم. وَجُمْلَة: لَا أذوقها فِي مَحل رفع خَبَرهَا. وَقَبله: (إِذا مت فادفني إِلَى جنب كرمةٍ ... تروي عِظَامِي بعد موتِي عروقها) وأصل الْخَوْف الْفَزع وانقباض النَّفس عَن احْتِمَال ضَرَر وَإِذا اشْتَدَّ الْخَوْف الْتحق بالمتيقن كَمَا قَالَ الشَّارِح الْمُحَقق. قَالَ ابْن خطيب الدهشة وَهُوَ ابْن مؤلف الْمِصْبَاح فِي كتاب التَّقْرِيب فِي علم الْغَرِيب: يُقَال خَافَ الشَّيْء: علمه وتيقنه. انْتهى. وَذَلِكَ لِأَن الْإِنْسَان لَا يخَاف شَيْئا حَتَّى يعلم أَنه مِمَّا يخَاف مِنْهُ فَهُوَ من التَّعْبِير بالمسبب عَن السَّبَب وَلَيْسَ إِطْلَاقه عَلَيْهِ لِأَنَّهُ من لَوَازِم الْيَقِين كَمَا قَالَ الشمني فكم من يقينٍ لَا خوف مِنْهُ. وَقَالَ بعض الْمُحَقِّقين: الْخَوْف والخشية يستعملان بِمَعْنى الْعلم لِأَن الْخَوْف عبارَة عَن حَالَة مَخْصُوصَة مُتَوَلّدَة من ظن مَخْصُوص وَبَين

الظَّن وَالْعلم مشابهةٌ فِي أُمُور كَثِيرَة فَلذَلِك صَحَّ إِطْلَاق كل مِنْهُمَا على الآخر. وَفِي تَخْصِيصه التولد بِالظَّنِّ نظر لِأَن الْخَوْف كَمَا يتَوَلَّد عَن الظَّن يتَوَلَّد عَن الْعلم أَيْضا. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ فِي تَفْسِير قَوْله تَعَالَى: فَمن خَافَ من موص فَمن توقع وَعلم. وَهَذَا فِي كَلَامهم شَائِع يُقَال: أَخَاف أَن ترسل السَّمَاء يُرِيدُونَ التوقع وَالظَّن الْغَالِب الْجَارِي مجْرى الْعلم. وَقَالَ الدماميني فِي الْحَاشِيَة الْهِنْدِيَّة عِنْد قَول ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي: الْخَوْف فِي هَذَا الْبَيْت يَقِين: قد يُقَال لَا يلْزم من تعقل الْعُقَلَاء أَنه لَا يذوقها بعد الْمَوْت حمل الْخَوْف على الْيَقِين عِنْد هَذَا الشَّاعِر لِأَن استهتاره بشربها ومغالاته فِي محبتها أمرٌ مَشْهُور فَلَعَلَّ ذَلِك حمله على أَنه خَافَ وَلم يقطع بِمَا تيقنه غَيره وَلذَلِك أَمر بدفنه إِلَى جنب الكرمة رَجَاء أَنه ينَال مِنْهَا بعد الْمَوْت. وَمن ثمَّ قيل إِن هَذَا أَحمَق بَيت قالته الْعَرَب. انْتهى. قَالَ ابْن الملا أَحْمد الْحلَبِي فِي شَرحه بعد نقل هَذَا الْكَلَام: وَهَذَا مبنيٌّ كَمَا قَالَ شَيخنَا على أَنه) كَانَ إِذْ ذَاك متردداً بَين ذوقها بعد الْمَوْت بِتَقْدِير دَفنه إِلَى جنب الكرمة أَو: لَا بِتَقْدِير دَفنه فِي الفلاة. فَلَا علم وَلَا ظن. قَالَ: وَهَذَا احْتِمَال لِأَن التَّعْلِيل بقوله: فإنني أَخَاف ... . . إِن كَانَ لمجموع الْأَمر وَالنَّهْي على معنى: فإنني أَخَاف أَن لَا أذوقها غَدا

فَلَا علم وَلَا ظن فَهِيَ الناصبة أهملت. فَفِي شرح الكافية للحديثي أَن الْخَفِيفَة بعد فعل الْخَوْف والرجاء ناصبة لِأَنَّهُ يحْتَمل أَن يَقع وَأَن لَا يَقع وَبعد الظَّن تحتملها والمخففة نظرا إِلَى الرجحان وَعَدَمه أَو على معنى فإنني أَخَاف الْآن بِتَقْدِير: أَن لَا تدفني إِلَى جنبها بل فِي الفلاة: أَن لَا أذوقها إِذا مَا مت أَو: فإنني أَخَاف إِذا مَا مت بِهَذَا التَّقْدِير: أَن لَا أذوقها. فالخوف هُنَا علمٌ ويقين فَهِيَ المخففة. وَكَذَا إِن جعل تعليلاً للنَّهْي وَحده لِأَنَّهُ الَّذِي قارنه فِي هَذَا الْبَيْت على معنى فإنني أَخَاف الْآن أَو إِذا مَا مت بِتَقْدِير أَن تدفنني فِي الفلاة لَا إِلَى جَانبهَا أَن لَا أذوقها. انْتهى. قَالَ ابْن الملا: وَهَا هُنَا بحثٌ وَهُوَ أَن الشَّاعِر وَإِن كَانَ من المغرمين بالصهباء المتهتكين بهَا لكنه من ذَوي الْعُقُول الْكَامِلَة والأنظار الصائبة فَكيف يظنّ بِهِ أَنه غير قَاطع بِمَا يتيقنه غَيره من عدم الذَّوْق بعد الْمَوْت بل هُوَ أمرٌ مركوز فِي الأذهاب غنيٌّ عَن الْبَيَان. وَإِنَّمَا جرى فِي كَلَامه هَذَا على مَذْهَب الشُّعَرَاء فِي تخييلاتهم ورام سلوك جادة تمويهاتهم فَإِنَّهُم سحرة الْكَلَام ومخترعو صور الْإِيهَام. فَأمر أَولا بدفنه بعد الْمَوْت بِجَانِب كرمة وَأبْدى عذره فِي ذَلِك بوصفها بقوله: الطَّوِيل تروي عِظَامِي بعد موتِي عروقها ليستفاد من ذَلِك عِلّة الْأَمر بالدفن الْمَذْكُور إِشَارَة إِلَى أَن مَا لَا يدْرك كُله لَا يتْرك كُله وَإِذا تَعَذَّرَتْ التَّرويَة الْحَقِيقِيَّة فَلَا أقل من حُصُول التَّرويَة المجازية. ثمَّ نهى ثَانِيًا تَأْكِيدًا لِلْأَمْرِ الأول عَن دَفنه لَا بِجنب كرمة وَعلل ذَلِك بِأَنَّهُ يتَيَقَّن أَنه لَا يذوقها إِذا مَاتَ فَلَا يتروى بهَا حَقِيقَة. فدفنه لَا إِلَى جَانبهَا مفوت للتروية المجازية. ولمزيد

شغفه بهَا آثر التَّعْبِير عَن هَذَا الْيَقِين بالخوف إيهاماً لِأَنَّهُ مَعَ ذَلِك لَا يقطع بِعَدَمِ الذَّوْق. وَجعل رفع الْفِعْل بعد أَن مَعَه دَلِيلا على مَا قَصده معنى. وَإِنَّمَا قلناك إِن تروية الْعِظَام مجازية لِأَن الروى حَقِيقَة لذوات الأكباد عَن عَطش وَلَيْسَت الْعِظَام مِنْهَا. على أَنه لَا عَطش بعد الْمَوْت. أَو لما لَيست لَهُ قُوَّة نامية. وَمِنْه قَوْلهم: رُوِيَ النَّبَات من المَاء.) وَالْعِظَام جماد. انْتهى كَلَامه وَمن خطه نقلت. وَيُؤَيّد هَذَا رِوَايَة ابْن السّكيت. (وَلَا تدفنني فِي الفلاة فإنني ... يَقِينا إِذا مَا مت لست أذوقها) وَعَلَيْهَا لَا شَاهد فِي الْبَيْت. والبيتان أَولا قصيدةٍ لأبي محجنٍ الثَّقَفِيّ: رَوَاهَا ابْن الْأَعرَابِي وَابْن السّكيت فِي ديوانه وبعدهما: (أباكرها عِنْد الشروق وَتارَة ... يعاجلني عِنْد الْمسَاء غبوقها) (وللكأس والصهباء حقٌّ معظمٌ ... فَمن حَقّهَا أَن لَا تضاع حُقُوقهَا) (أقومها زقاً بحقٍّ بذاكم ... يساق إِلَيْنَا فجرها وفسوقها) (وَعِنْدِي على شرب المدام حفيظةٌ ... إِذا مَا نسَاء الْحَيّ ضَاقَتْ حلوقها) ...

(وَأَمْنَع جَار الْبَيْت مِمَّا ينوبه ... وَأكْرم أضيافاً قراها طروقها) قَالَ ابْن السّكيت: قَوْله: إِذا مت فادفني هَذَا خطابٌ مَعَ ابْنه يَأْمُرهُ بذلك وَفِيه مُبَالغَة على حبه للخمر وتعطشه إِلَيْهَا إِذْ أظهر الرَّغْبَة إِلَيْهَا وَهُوَ ميت. وَقَوله: وَلَا تدفنني فِي الفلاة إِلَخ قَالَ ابْن السّكيت: الفلاة: الأَرْض الْمهْلكَة الَّتِي لَا علم بهَا وَلَا مَاء. وَالْمعْنَى أَن الفلاة لَا يعرش فِيهَا كرم فَلَا تدفنني إِلَّا بمَكَان ينْبت فِيهِ الْعِنَب حَتَّى أكون قَرِيبا مِنْهُ فألتذ بذلك. وَقَوله: أباكرها عِنْد الشروق إِلَخ. قَالَ ابْن السّكيت: أَي: إِنَّنِي أصبحها عِنْد شروق الشَّمْس وَمرَّة أشربها عشَاء إِلَّا أنني أقدم شربهَا على الْعشَاء فيعاجلني الغبوق. والصبوح: شرب الغدو. والغبوق: شرب آخر النَّهَار. وأباكرها: أبادر إِلَيْهَا فِي بكرَة النَّهَار. وَقَوله: وللكأس والصهباء إِلَخ. قَالَ ابْن السّكيت: حَقّهَا: كَونهَا تسر الْقلب. وَتذهب الْهم وتسخي الْبَخِيل وتشجع الجبان إِلَى غير ذَلِك من فعلهَا وَهَذَا حقٌّ لَهَا. وَإِذا كَانَ هَذَا دأبها فَمن حَقّهَا أَن تعظم وَلَا تضيع حُقُوقهَا. انْتهى. وَقَالَ ابْن الملا: فَإِن قلت: حق الْكَلَام أَن يَقُول: وَمن حَقّهمَا أَن لَا يضاع حقوقهما لادعائه أَن الْحق الْمُعظم للكأس والصهباء قلت: نعم إِلَّا أَنه ذهب إِلَى أَن الكأس والصهباء وَإِن كَانَا

(رق الزّجاج وراقت الْخمر ... وتشاكلا فتشابه الْأَمر) (فَكَأَنَّمَا خمرٌ وَلَا قدحٌ ... وكأنما قدحٌ وَلَا خمر)) انْتهى. وَفِيه أَن هذَيْن الْبَيْتَيْنِ لأبي إِسْحَاق الصابي وَهُوَ مُتَأَخّر عَن أبي محجن بِأَكْثَرَ من ثَلَاثمِائَة سنة. وَكَانَ يَنْبَغِي أَن يعكس. وَقَوله: أقومهما زقاً إِلَخ. قَالَ ابْن السّكيت: الزق بِالْكَسْرِ: ظرف الْخمر. وَالْحق بِالْكَسْرِ من الْإِبِل: ابْن ثَلَاث سِنِين وَكَذَلِكَ الحقة وسميا بِهَذَا الِاسْم لِأَنَّهُمَا استحقا أَن يركبا. وفجرها: فجورها. والفاجر: المائل عَن الطَّاعَة. وَالطَّاعَة: الْوُقُوف على الْأَوَامِر. والفسوق توسيع مَا ضيقه الله من أَمر الدَّين. وَقَوله: وَعِنْدِي على شرب إِلَخ. قَالَ ابْن السّكيت: الحفيظة كل شيءٍّ يغْضب لأَجله. يَعْنِي وَإِن كنت سَكرَان لَا أهمل الْحفاظ إِذا استغاثت بِي نسَاء الْحَيّ وصحن لنازلةٍ نزلت بِهن. وَقَوله: وأعجلن عَن شدّ إِلَخ قَالَ ابْن السّكيت: أَي دهمهن من الْبلَاء مَا أعجلهن عَن شدّ المآزر فِي أوساطهن. وَلها: مفعول من أَجله أَي: للوله الَّذِي نزل بِهن. والواله: الذَّاهِب الْعقل. وَالصَّوَاب أَن وَلها حَال لَا مفعول من أَجله. وَقَوله: وَأَمْنَع جَار الْبَيْت إِلَخ. قَالَ ابْن السّكيت: قراها: أطعمها. يَقُول: إِذا طرقتنا الضيفان لَيْلًا أعجلنا لَهَا الْقرى فَكَأَن طروقها هُوَ الَّذِي قراها. انْتهى.

وَأَبُو محجن شَاعِر صَحَابِيّ لَهُ سماعٌ وَرِوَايَة. كَذَا فِي الِاسْتِيعَاب كَمَا يَأْتِي. وَإِنَّمَا أثبت لَهُ السُّيُوطِيّ فِي شرح أَبْيَات الْمُغنِي رِوَايَة وَلم يذكر أَن لَهُ سَمَاعا. ونفاها أَيْضا الذَّهَبِيّ فِي تَارِيخ الْإِسْلَام. وَقَالَ فِي التَّجْرِيد: أَبُو محجن الثَّقَفِيّ عَمْرو بن حبيب وَقيل: مَالك بن حبيب وَقيل: عبد الله. كَانَ فَارِسًا شَاعِرًا من الْأَبْطَال لَكِن جلده عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه فِي الْخمر مَرَّات ونفاه إِلَى جَزِيرَة فِي الْبَحْر فهرب وَلحق بِسَعْد وَهُوَ يحارب الْفرس فحبسه. وَله أخبارٌ. روى عَنهُ أَبُو سعدٍ الْبَقَّال. انْتهى. وَرِوَايَة أبي سعد الْبَقَّال عَن أبي محجن إِنَّمَا هُوَ بتدليس لِأَنَّهُ لم يدْرك عصره. وَقد ذَكرُوهُ فِي الضُّعَفَاء. وَقيل إِن اسْمه أَبُو محجن وَهِي كنيته أَيْضا. وَهُوَ بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون الْحَاء الْمُهْملَة وَفتح الْجِيم. وَهَذِه تَرْجَمته من الِاسْتِيعَاب تأليف أبي عمر يُوسُف الشهير بِابْن عبد الْبر قَالَ: أَبُو محجن) الثَّقَفِيّ اخْتلف فِي اسْمه فَقيل: مَالك بن حبيب وَقيل: عبد الله ابْن حبيب بن عَمْرو بن عُمَيْر أسلم حِين أسلمت ثَقِيف. وَسمع من النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وروى عَنهُ. حدث عَنهُ أَبُو سعدٍ الْبَقَّال قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يَقُول: أخوف مَا أَخَاف على أمتِي من بعدِي ثَلَاث: إيمانٌ بالنجوم وتكذيبٌ بِالْقدرِ وحيف الْأَئِمَّة.

وَكَانَ أَبُو محجن هَذَا من الشجعان الْأَبْطَال فِي الْجَاهِلِيَّة وَالْإِسْلَام من أولي الْبَأْس والنجدة وَمن الفرسان البهم. وَكَانَ شَاعِرًا مطبوعاً كَرِيمًا إِلَّا أَنه كَانَ منهمكاً بِالشرابِ لَا يكَاد يقْلع عَنهُ وَلَا يردعه حدٌّ وَلَا لوم لائم. وَكَانَ أَبُو بكر الصّديق يَسْتَعِين بِهِ. وَجلده عمر بن الْخطاب فِي الْخمر مرَارًا ونفاه إِلَى جَزِيرَة فِي الْبَحْر وَبعث مَعَه رجلا فهرب مِنْهُ وَلحق بِسَعْد بن أبي وَقاص بالقادسية. وَهُوَ محاربٌ للْفرس. وَكَانَ قد هم بقتل الرجل الَّذِي بَعثه عمر مَعَه فأحس الرجل بذلك وَخرج فَارًّا وَلحق بعمر وَأخْبرهُ خَبره فَكتب عمر إِلَى سعد بِحَبْس أبي محجن فحبسه. حَدثنَا إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم قَالَ: حَدثنَا عبد الرَّزَّاق عَن ابْن جريج قَالَ: بَلغنِي أَن عمر بن الْخطاب حد أَبَا محجن الثَّقَفِيّ سبع مَرَّات. ذكر ذَلِك عبد الرَّزَّاق فِي بَاب من حد من الصَّحَابَة فِي الْخمر. قَالَ: وَأخْبرنَا معمر عَن أَيُّوب عَن ابْن سِيرِين: قَالَ: كَانَ أَبُو محجن الثَّقَفِيّ لَا يزَال يجلد فِي الْخمر فَلَمَّا كثر عَلَيْهِم سجنوه وأوثقوه فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْقَادِسِيَّة رَآهُمْ يقتتلون فَكَأَنَّهُ رأى أَن الْمُشْركين قد أَصَابُوا من الْمُسلمين فَأرْسل إِلَى أم ولد سعد أَو إِلَى امْرَأَة سعد يَقُول لَهَا: إِن أَبَا محجن يَقُول لَك: إِن خليت سَبيله وَحَمَلته على هَذَا الْفرس وَدفعت إِلَيْهِ سِلَاحا لَيَكُونن أول من يرجع إِلَيْك إِلَّا أَن يقتل. وَأنْشد يَقُول: الطَّوِيل (كفى حزنا أَن تلتقي الْخَيل بالقنا ... وأترك مشدوداً عَليّ وثاقيا) ...

(إِذا قُمْت غناني الْحَدِيد وغلقت ... مصَارِع دوني قد تصم المناديا) (وَقد كنت ذَا مالٍ كثير وإخوةٍ ... فقد تركوني وَاحِدًا لَا أَخا ليا) (وَقد شف نَفسِي أنني كل شارقٍ ... أعالج كبلاً مصمتاً قد برانيا) (فَللَّه دري يَوْم أترك موثقًا ... وتذهل عني أسرتي ورجاليا)) (حبست عَن الْحَرْب الْعوَان وَقد بَدَت ... وإعمال غَيْرِي يَوْم ذَاك العواليا) (وَللَّه عهدٌ لَا أخيس بعهده ... لَئِن فرجت أَن لَا أَزور الحوانيا) فَذَهَبت الْأُخْرَى فَقَالَت ذَلِك لامْرَأَة سعد فَحلت عَنهُ قيوده وَحمل على فرس كَانَ فِي الدَّار وَأعْطِي سِلَاحا ثمَّ خرج يرْكض حَتَّى لحق بالقوم فَجعل لَا يزَال يحمل على رجل فيقتله ويدق فَنظر إِلَيْهِ سعدٌ فَجعل يتعجب وَيَقُول: من ذَلِك الْفَارِس قَالَ: فَلم يَلْبَثُوا إِلَّا يَسِيرا حَتَّى هَزَمَهُمْ الله وَرجع أَبُو محجن ورد السِّلَاح وَجعل

رجلَيْهِ فِي الْقُيُود كَمَا كَانَ. فجَاء سعد فَقَالَت لَهُ امْرَأَته أَو أم وَلَده: كَيفَ كَانَ قتالكم فَجعل يخبرها وَيَقُول: لَقينَا ولقينا حَتَّى بعث الله رجلا على فرسٍ أبلق لَوْلَا أَنِّي تركت أَبَا محجنٍ فِي الْقُيُود لظَنَنْت أَنَّهَا بعض شمائل أبي محجن فَقَالَت: وَالله لأبو محجن كَانَ من أمره كَذَا وَكَذَا. فقصت عَلَيْهِ قصَّته. فَدَعَا بِهِ وَحل قيوده وَقَالَ: لَا نجلدك على الْخمر أبدا. قَالَ أَبُو محجن: وَأَنا وَالله لَا أشربها أبدا. كنت آنف أَن أدعها من أجل جلدكم. قَالَ: فَلم يشْربهَا بعد ذَلِك. وروى صَاحب الِاسْتِيعَاب بِسَنَدِهِ إِلَى إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن سعد بن أبي وَقاص عَن أَبِيه قَالَ: لما كَانَ يَوْم الْقَادِسِيَّة أُتِي سعد بِأبي محجن وَهُوَ سَكرَان من الْخمر فَأمر بِهِ إِلَى الْقَيْد وَكَانَ سعدٌ بِهِ جِرَاحَة فَلم يخرج يَوْمئِذٍ إِلَى النَّاس وَاسْتعْمل على الْخَيل خَالِد بن عرفطة وَرفع سعدٌ فَوق العذيب لينْظر إِلَى النَّاس فَلَمَّا التقى النَّاس قَالَ أَبُو محجن: كفى حزنا أَن تردي الْخَيل بالقنا ... ... ... . الأبيات السَّابِقَة فَقَالَ لابنَة خصفة امْرَأَة سعد: وَيحك خليني وَلَك عَليّ إِن

سلمني الله أَن أجيء حَتَّى أَضَع رجْلي فِي الْقَيْد وَإِن قتلت استرحتم مني. فخلته فَوَثَبَ على فرس لسعدٍ يُقَال لَهَا: البلقاء ثمَّ أَخذ الرمْح ثمَّ انْطلق حَتَّى أَتَى النَّاس فَجعل لَا يحمل فِي ناحيةٍ إِلَّا هَزَمَهُمْ فَجعل النَّاس يَقُولُونَ: هَذَا ملكٌ: وَسعد ينظر فَجعل سعد يَقُول: الضبر ضبر البلقاء والطعن طعن أبي محجن وَأَبُو محجن فِي الْقَيْد فَلَمَّا هزم الْعَدو رَجَعَ أَبُو محجن حَتَّى وضع رجله فِي الْقَيْد فَأخْبرت ابْنة خصفة سَعْدا بِالَّذِي كَانَ من أمره. فَقَالَ: لَا وَالله مَا أبلى أحدٌ من الْمُسلمين مَا أبلى فِي هَذَا الْيَوْم لَا أضْرب رجلا أبلى فِي الْمُسلمين مَا أبلى قَالَ: فخلى سَبيله. وَقَالَ أَبُو محجن: كنت أشربها إِذْ يُقَام عَليّ الْحَد وأطهر مِنْهَا فَأَما إِن بهرجتني فوَاللَّه لَا أشربها) أبدا. وَمن رِوَايَة أهل الْأَخْبَار أَن ابْنا لأبي محجن دخل على مُعَاوِيَة فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَة: أَبوك الَّذِي يَقُول: إِذا مت فادفني إِلَى جنب كرمةٍ ... ... . الأبيات الْمُتَقَدّمَة فَقَالَ لَهُ ابْنه: لَو شِئْت ذكرت أحسن من هَذَا من شعره. قَالَ: وَمَا ذَاك قَالَ: قَوْله: الْبَسِيط (لَا تسْأَل النَّاس من مَالِي وكثرته ... وَسَائِل النَّاس عَن حزمي وَعَن خلقي) ...

(قد يعلم النَّاس أَنِّي من سراتهم ... إِذا تطيش يَد الرعديدة الْفرق) (قد أركب الهول مسدولاً عساكره ... وأكتم السِّرّ فِيهِ ضَرْبَة الْعُنُق) وَزَاد بَعضهم فِي هَذِه الأبيات: الْبَسِيط (وأطعن الطعنة النجلاء قد علمُوا ... تَنْفِي المسابير بالإزباد والفهق) (عف المطالب عَمَّا لست نائله ... وَإِن ظلمت شَدِيد الحقد والحنق) (وَقد أَجود وَمَا مَالِي بِذِي فنعٍ ... وَقد أكر وَرَاء المجحر الْبَرْق) ...

(قد يقتر الْمَرْء يَوْمًا وَهُوَ ذُو حسبٍ ... وَقد يثوب سوام الْعَاجِز الْحمق) (وَيكثر المَال يَوْمًا بعد قلته ... ويكتسي الْعود بعد الجدب بالورق) فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَة: لَئِن أسأنا لَك القَوْل لنجزل لَك الْعَطِيَّة. ثمَّ أجزل جائزته وَقَالَ: إِذا ولدت النِّسَاء فلتلد مثلك وَزعم الْهَيْثَم بن عدي أَنه أخبرهُ من رأى قبر أبي محجن الثَّقَفِيّ بِأَذربِيجَان أَو قَالَ: فِي نواحي جرجان وَقد نَبتَت عَلَيْهِ ثَلَاث أصُول كرم وَقد طَالَتْ وأثمرت وَهِي معرشة على قَبره مَكْتُوب على الْقَبْر: هَذَا قبر أبي محجن قَالَ: فَجعلت أتعجب وأذكر قَوْله: إِذا مت فادفني إِلَى جنب كرمة هَذَا مَا اخترته من الِاسْتِيعَاب. وروى ابْن الْأَعرَابِي فِي شرح ديوَان أبي محجن عَن ابْن الْكَلْبِيّ أَنه قَالَ: أخبرنَا عوَانَة قَالَ: دخل أَبوك الَّذِي يَقُول من قصيدة: إِذا مت فادفني إِلَى جنب كرمة فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ وَلَكِن أبي الَّذِي يَقُول: لَا تسْأَل الْقَوْم عَن مَالِي وكثرته ... ... إِلَى آخر الأبيات الْمَذْكُورَة) وَنقل ابْن حجر فِي الْإِصَابَة عَن ابْن فتحون فِيمَا كتبه على

أَوْهَام الِاسْتِيعَاب أَنه عَابَ أَبَا عمر على مَا ذكر فِي قصَّة أبي محجن أَنه كَانَ منهكماً فِي الشَّرَاب فَقَالَ: كَانَ يَكْفِيهِ ذكر حَده عَلَيْهِ وَالسُّكُوت عَنهُ أليق. وَالْأولَى فِي أمره مَا أخرجه سيف فِي الْفتُوح: أَن امْرَأَة سعدٍ سَأَلته فِيمَا حبس فَقَالَ: وَالله مَا حبست على حرَام أَكلته وَلَا شربته وَلَكِنِّي كنت صَاحب شراب فِي الْجَاهِلِيَّة فَجرى كثيرا على لساني وصفهَا فحبسني بذلك فأعلمت بذلك سَعْدا فَقَالَ: اذْهَبْ فَمَا أَنا بمؤاخذك بِشَيْء تَقوله حَتَّى تَفْعَلهُ. قَالَ ابْن حجر: وسيفٌ ضَعِيف وَالرِّوَايَات الَّتِي ذكروها أقوى وَأشهر. وَأنكر ابْن فتحون قَول من روى أَن سَعْدا أبطل عَنهُ الْحَد وَقَالَ: لَا يظنّ هَذَا بِسَعْد ثمَّ قَالَ: لَكِن لَهُ وَجه حسن وَلم يذكروه. وَكَأَنَّهُ أَرَادَ أَن سَعْدا أَرَادَ بقوله لَا يخلده فِي الْخمر بشرطٍ أضمره وَهُوَ إِن ثَبت عَلَيْهِ أَنه يشْربهَا. فوفقه الله أَن تَابَ تَوْبَة نصُوحًا فَلم يعد إِلَيْهَا كَمَا فِي بَقِيَّة الْقِصَّة. وَقَوله فِي الْقِصَّة: الضَّب ضبر البلقاء هُوَ بالضاد الْمُعْجَمَة وَالْبَاء الْمُوَحدَة: عَدو الْفرس. وَمن قَالَه بالصَّاد الْمُهْملَة فقد صحف. نبه عَلَيْهِ ابْن فتحون. تَتِمَّة سَمَّاهُ الْآمِدِيّ فِي المؤتلف والمختلف على خلاف مَا تقدم مَعَ بعض تَغْيِير فِي أَسمَاء آبَائِهِ: قَالَ هُوَ حبيب بن عَمْرو بن عُمَيْر بن عَوْف بن عقدَة بن غيرَة الثَّقَفِيّ. وَهُوَ شاعرٌ فَارس وَهُوَ الْقَائِل:

(الشاهد الحادي والأربعون بعد الستمائة)

المنسرح (لما رَأينَا خيلاً محجلةً ... وَقوم بغيٍ فِي جحفلٍ لجب) (طرنا إِلَيْهِم بِكُل سلهبةٍ ... وكل صافي الْأَدِيم كالذهب) (وكل عراصةٍ مثقفةٍ ... فِيهَا سنانٌ كشعلة اللهب) (وكل عضبٍ فِي مَتنه أثرٌ ... ومشرفي كالملح ذِي شطب) (وكل فضفاضةٍ مضاعفةٍ ... من نسج دَاوُد غير مؤتشب) (لما الْتَقَيْنَا مَاتَ الْكَلَام ودا ... ر الْمَوْت دور الرَّحَى على القطب) (إِن حملُوا لم نرم مواضعنا ... وَإِن حملنَا جثوا على الركب)) انْتهى. وَهَذَا الشّعْر لم يروه ابْن الْأَعرَابِي وَابْن السّكيت فِي ديوانه. وحبِيب بِالْحَاء الْمُهْملَة الْمَفْتُوحَة أوردهُ الْآمِدِيّ مكبراً اسْما لخمسة شعراء أحدهم أَبُو محجن. ثمَّ قَالَ: وَأما حبيب بِالتَّصْغِيرِ فَهُوَ حبيب بن تَمِيم الْمُجَاشِعِي. وَأوردهُ لَهُ شعرًا. وَبعد أَن نقل الْعَيْنِيّ الْخلاف فِي اسْمه هَل هُوَ مالكٍ بن حبيب أَو عبد الله بن حبيب قَالَ: وَضبط عَن أبي عمر حبيب مُصَغرًا. وَتَبعهُ السُّيُوطِيّ فِي شرح أَبْيَات الْمُغنِي على هَذَا الضَّبْط. وَالله أعلم. وَأنْشد بعده (الشَّاهِد الْحَادِي وَالْأَرْبَعُونَ بعد الستمائة)

الطَّوِيل (فَلَمَّا رأى أَن ثَمَر الله مَاله ... وأثل مَوْجُودا وسد مفاقره) على أَن الْفراء وَابْن الْأَنْبَارِي جوزا وُقُوع أَن المصدرية بعد فعل علم غير مؤول بِالظَّنِّ كَمَا فِي الْبَيْت فَإِن رأى فِيهِ علمية. وَيجوز أَن تكون فِيهِ مُخَفّفَة من غير فصل بَينهَا وَبَين ثَمَر على الشذوذ. ف أَن وَمَا بعْدهَا فِي تَأْوِيل مصدر سَاد مسد مفعولي رأى إِلَّا أَنَّهَا فِي القَوْل الثَّانِي مُخَفّفَة وَاسْمهَا ضمير شَأْن مَحْذُوف وَجُمْلَة: ثَمَر الله خَبَرهَا. وَلم يتَعَرَّض لكَون رأى بصرية فَتكون أَن هِيَ المصدرية الدَّاخِلَة على الْفِعْل لِأَن ذَلِك لَا يجوز لِأَن التثمير أَمر معنويٌّ غير مدرك بحاسة الْعين وَمَعْنَاهُ التكثير. قَالَ صَاحب الصِّحَاح: وأثمر الرجل بِالْمُثَلثَةِ أَي: كثر مَاله. وثمر الله مَاله أَي: كثره. ففاعل رأى ضمير الحليف أَي: الْمعَاهد فِي بيتٍ قبله. وأثل أَي: أصل وَثَبت. والتأثيل: التأصيل والتثبيت. قَالَ صَاحب الصِّحَاح: يُقَال سد الله مفاقره أَي: أغناه وسد وُجُوه فقره. انْتهى. فَيكون جمع مفقر كجعافر جمع جَعْفَر. والمفقر: مَكَان الْفقر وجهته. وَجَوَاب لما فِي بَيت بعده. وَالْبَيْت من قصيدة للنابغة الذبياني يُعَاتب بهَا بني مرّة فِيمَا كَانَ بَينه وَبَين يزِيد بن سِنَان بن أبي) حَارِثَة واجتماع قومه عَلَيْهِ وطواعيتهم

لَهُ وَطَلَبه بحوائجهم عِنْد الْمُلُوك. وَكَانَ النَّابِغَة يحْسد وَهَذَا أَولهَا: (أَلا أبلغا ذبيان عني رِسَالَة ... فقد أَصبَحت عَن مَنْهَج الْقَصْد جائره) (أَجِدكُم لم تزجروا عَن ظلامةٍ ... سَفِيها وَلنْ ترعوا لذِي الود آصره) (فَلَو شهِدت سهمٌ وأفناء مالكٍ ... فتعذرني من مرّة المتناصره) إِلَى أَن قَالَ بعد بَيْتَيْنِ: (فَإِن يَك مَوْلَانَا تجانف نَصره ... وأسلمنا لمرة المتظاهره) (فَإِنِّي لألقى من ذَوي الضغن مِنْهُم ... بِلَا عثرةٍ وَالنَّفس لَا بُد عاثره) (كَمَا لقِيت ذَات الصَّفَا من حليفها ... وَكَانَت تديه المَال غبا وَظَاهره) (تذكر أَنى يَجْعَل الله جنَّة ... فَيُصْبِح ذَا مالٍ وَيقتل واتره) (فَلَمَّا رأى أَن ثَمَر الله مَاله ... وأثل مَوْجُودا وسد مفاقره) (أكب على فأس يحد غرابها ... مذكرةٍ من المعاول باتره) ...

(فَلَمَّا وقاها الله ضَرْبَة فأسه ... وللبر عينٌ مَا تغمض ناظره) (تندم لما فَاتَهُ الذحل عِنْدهَا ... وَكَانَت لَهُ إِذْ خاس بالعهد قاهره) (فَقَالَ تعالي نجْعَل الله بَيْننَا ... على مَا لنا أَو تنجزي لي آخِره) (أَبى لي قبرٌ لَا يزَال مقابلي ... وضربة فأسٍ فَوق رَأْسِي فاقره) وَهَذَا آخر القصيدة. والآصرة: الْقَرَابَة. يُقَال: فلانٌ مَا تأصره عَليّ آصرةٌ أَي: لَا تعطفه عَليّ رحم. وسهمٌ هُوَ ابْن مرّة بن عَوْف الذبياني. وَمَالك هُوَ أَخُو سهم قبيلتان. وَلِهَذَا قَالَ: المتناصره أَي: الَّتِي ينصر بَعْضهَا بَعْضًا. وتجانف: تمايل. والمتظاهرة: الَّتِي صَار كلٌّ مِنْهُم ظهيراً ومعيناً للْآخر. والضغن: الحقد. وَذَات الصفاة هِيَ الْحَيَّة كَمَا يَأْتِي شرحها. والحليف: الْمعَاهد. وَقَوله: وَكَانَت تديه المَال إِلَخ روى الْأَصْمَعِي بدله: وَمَا انفكت الْأَمْثَال فِي النَّاس سائره وَقَالَ: تِلْكَ الرِّوَايَة منحولة لِأَنَّك تَقول وديت فلَانا للمقتول نَفسه وَلَا تَقول وديت وليه وَلَا) أَهله. وودى فلانٌ فلَانا: أعْطى دِيَته. وغباً أَي: تعطيه من الدِّيَة فِي يَوْم وَلَا تعطيه فِي الْيَوْم الثَّانِي. وَالْغِب

بِالْكَسْرِ: فصل الْفِعْل وَتَركه بيومٍ بَين فعل يَوْمَيْنِ. وَمِنْه حمى الغب إِذا أَتَت يَوْمًا وَتركت يَوْمًا. وَالظَّاهِرَة: البارزة غير مختفية وَقيل الظَّاهِرَة الَّتِي تشرب كل يَوْم. (فواثقها بِاللَّه حِين تَرَاضيا ... فَكَانَت تديه المَال غبا وَظَاهره) وَقَوله: تذكر فَاعله ضمير الحليف. وأنى بِمَعْنى كَيفَ. وَالْجنَّة بِضَم الْجِيم: الْوِقَايَة. والواتر: الَّذِي عِنْده الثأر من الْوتر بِفَتْح الْوَاو عِنْد قوم وَكسرهَا عِنْد آخَرين وَهُوَ الذحل والثأر. وَقَوله: فَلَمَّا رأى فَاعله ضمير الحليف. وَقَوله: أكب هُوَ جَوَاب لما. يُقَال: أكب على كَذَا أَي: لَازمه. وَيحد: مضارع أحده أَي: جعله حديداً قَاطعا. والغراب بِضَم الْمُعْجَمَة: رَأس الفأس الْقَائِم وَلها رأسان. فالرأس العريض يُقَال لَهُ: قدوم وَالْآخر يُقَال لَهُ غراب. قَالَ صَاحب الصِّحَاح: الذّكر من الْحَدِيد: خلاف الأنيث. وَسيف ذكرٌ ومذكر بِفَتْح الْكَاف المشدودة أَي: ذُو ماءٍ. وَقَالَ أَبُو عبيد: هِيَ سيوفٌ شفراتها حديدٌ ذكر ومتونها أنيث. قَالَ: وَيَقُول: النَّاس إِنَّهَا من عمل الْجِنّ. انْتهى. وَالذكر هُوَ الفولاذ والصلب. والأنيث هُوَ الْحَدِيد الْمَعْرُوف. والمعاول: جمع معول بِكَسْر الْمِيم وَفتح الْوَاو وَهِي الفأس الْعَظِيمَة الَّتِي ينقر بهَا الصخر. والباترة: القاطعة. والذحل بِفَتْح الذَّال الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْحَاء الْمُهْملَة: الثأر والحقد. وَكَانَت أَي: الْحَيَّة.

وخاس بالعهد بإعجام الأول وإهمال الآخر بِمَعْنى غدر بِهِ. وَأَرَادَ بقهرها إِيَّاه قطع الْعَطِيَّة من الدِّيَة. أَو تنجزي: إِلَى أَن تنجزي. وَقَوله: يَمِين الله أفعل أَي: أقسم يَمِينا بِاللَّه لَا أفعل أَي: لَا أعطي. كَمَا كنت أُعْطِيك. أَو بِمَعْنى لَا أقبل عَهْدك بعد هَذَا. والمسحور: المخدوع يُقَال: سحره أَي: خدعه وَعلله. وأرادت: إِنَّك إنسانٌ خادعٌ غدار. وفاقرة: قَاطِعَة يُقَال: فقر الْحَبل أنف الْبَعِير إِذا حزه وَأثر فِيهِ. وَهَذِه الأبيات موقوفةٌ على سَماع حكايةٍ هِيَ من أكاذيب الْعَرَب قَالَ أَبُو عَمْرو الشَّيْبَانِيّ وَابْن) الْأَعرَابِي: ذكرُوا أَن أَخَوَيْنِ كَانَا فِيمَا مضى فِي إبلٍ لَهما فأجدبت بلادهما وَكَانَ قَرِيبا مِنْهُمَا وادٍ يُقَال لَهُ: عُبَيْدَان فِيهِ حَيَّة قد أحمته فَقَالَ أَحدهمَا لصَاحبه: هَل لَك فِي وَادي الْحَيَّة فَإِنَّهُ ذُو كلإٍ فَقَالَ أَخُوهُ: إِنِّي أَخَاف عَلَيْك الْحَيَّة أَلا ترى أَن أحدا لم يهْبط ذَلِك الْوَادي إِلَّا أهلكته فَقَالَ: وَالله لَأَفْعَلَنَّ فهبط ذَلِك الْوَادي فرعى فِيهِ إبِله فَبينا هُوَ ذَات يومٍ فِي آخر الْإِبِل نائمٌ إِذْ رفعت الْحَيَّة رَأسهَا فأبصرته فَأَتَتْهُ فَقتلته ثمَّ دخلت جحرها وأبطأت الْإِبِل على أَخِيه فَعرف أَنه قد هلك فَقَالَ: مَا فِي الْحَيَاة بعد أخي خيرٌ ولأطلبن الْحَيَّة ولأقتلنها أَو لأتبعن أخي. فهبط ذَلِك الْوَادي فَطلب الْحَيَّة ليقتلها فَقَالَت لَهُ: أَلَسْت ترى أَنِّي قد قتلت أَخَاك فَهَل لَك فِي الصُّلْح فأدعك ترعى الْوَادي فَتكون فِيهِ وَأُعْطِيك مَا بقيت دِينَارا يَوْمًا وَيَوْما لَا قَالَ: أَو فاعلة أَنْت قَالَت: نعم. قَالَ: فَإِنِّي أقبل. فَحلف لَهَا وَأَعْطَاهَا المواثيق لَا يَضرهَا وَجعلت تعطيه مَا ضمنت لَهُ فَكثر مَاله ونبتت إبِله حَتَّى صَار من أحسن

النَّاس حَالا. ثمَّ إِنَّه ذكر أَخَاهُ ذَات يَوْم فَدَمَعَتْ عَيناهُ وَقَالَ: كَيفَ يَنْفَعنِي الْعَيْش وَأَنا أنظر إِلَى قَاتل أخي فَعمد إِلَى فأس فأحدها ثمَّ قعد فمرت بِهِ فتبعها وضربها فأخطأها وَدخلت جحرها وَوَقعت الفأس فَوق جحرها فأثرت فِيهِ فَلَمَّا رَأَتْ مَا فعل قطعت عَنهُ الدِّينَار الَّذِي كَانَت تعطيه. فَلَمَّا رأى ذَلِك تخوف شَرها وَنَدم فَقَالَ لَهَا: هَل لَك أَن نتواثق ونعود إِلَى مَا كُنَّا عَلَيْهِ فَقَالَت: كَيفَ أعاودك وَهَذَا أثر فاسك وَأَنت ترى قبر أَخِيك وَأَنت فَاجر لَا تبالي بالعهد. وَكَانَ حَدِيث الْحَيَّة والفأس من مَشْهُور أَمْثَال الْعَرَب. قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: لما حج عبد الْملك بن مَرْوَان أول حجَّة حَجهَا فِي خِلَافَته قدم الْمَدِينَة فَخَطب فَقَالَ: يَا أهل الْمَدِينَة وَالله لَا تحبوننا وَلَا نحبكم أبدا وَأَنْتُم أَصْحَاب عُثْمَان إِذْ نقيتمونا عَن الْمَدِينَة وَنحن أصحابكم يَوْم الْحرَّة فَإِنَّمَا مثلنَا ومثلكم كَمَا قَالَ النَّابِغَة. وَأنْشد هَذِه ثمَّ قَالَ: إِنَّه كَانَت حيةٌ مجاروةً رجلا فوكعته فَقتلته ثمَّ إِنَّهَا دعت أَخَاهُ إِلَى أَن يصالحها على أَن تدي لَهُ أَخَاهُ فعاهدها ثمَّ كَانَت تعطيه يَوْمًا وَلَا تعطيه يَوْمًا فَلَمَّا تنجز عَامَّة دِيَته قَالَت لَهُ نَفسه: لَو قتلتها وَقد أحذت عَامَّة الدِّيَة فيجتمعان لَك فَأخذ فأساً فَلَمَّا خرجت لتعطيه الدِّينَار ضربهَا على رَأسهَا وسبقته فأخطأها وَنَدم فَقَالَ:) تعالي نتعاقد وَلَا نغدر وتنجزي آخر ديتي. فَقَالَت: أَبى الصُّلْح الْقَبْر الَّذِي بَين عَيْنَيْك والضربة الَّتِي فَوق رَأْسِي. فَلَنْ تحبني أبدا مَا رَأَيْت قبر أَخِيك وَلنْ أحبك مَا كَانَت الضَّرْبَة برأسي. إِنَّا لن نحبكم مَا ذكرنَا مَا صَنَعْتُم بِنَا وَلنْ تحبونا مَا ذكرْتُمْ مَا صنعنَا بكم. انْتهى.

(الشاهد الثاني والأربعون بعد الستمائة)

والنابغة شاعرٌ جاهليٌّ تقدّمت تَرْجَمته فِي الشَّاهِد الرَّابِع بعد الْمِائَة. وَأنْشد بعده (الشَّاهِد الثَّانِي وَالْأَرْبَعُونَ بعد الستمائة) الْبَسِيط (أَن تقرآن على أَسمَاء ويحكما ... مني السَّلَام وَأَن لَا تشعرا أحدا) على أَن أَن الْخَفِيفَة المصدرية قد لَا تنصب الْمُضَارع كَمَا فِي الْبَيْت إِمَّا للْحَمْل على مَا قَالَ ابْن جني فِي الخصائص: سَأَلت أَبَا عَليّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنهُ فَقَالَ: هِيَ مُخَفّفَة من الثَّقِيلَة كَأَنَّهُ قَالَ: أنكما تقرآن إِلَّا أَنه خفف من غير تعويض. وَحدثنَا أَبُو بكر مُحَمَّد بن الْحسن عَن أَحْمد بن يحيى قَالَ: شبه أَن بِمَا فَلم يعملها كَمَا لَا يعْمل مَا. انْتهى. وَزَاد فِي سر الصِّنَاعَة: وَهَذَا مَذْهَب البغداديين. وَفِي هَذَا بعدٌ. وَذَلِكَ أَن أَن لَا تقع إِذا وصلت حَالا أبدا. إِنَّمَا هِيَ للمضي أَو للاستقبال نَحْو: سرني أَن قَامَ ويسرني أَن يقوم غَدا. وَلَا تَقول: يسرني أَن يقوم وَهُوَ فِي حَال الْقيام. وَمَا: إِذا وصلت بِالْفِعْلِ وَكَانَت مصدرا فَهِيَ للْحَال أبدا نَحْو قَوْلك: مَا تقوم حسن أَي: قيامك الَّذِي أَنْت عَلَيْهِ حسن فيبعد تَشْبِيه واحدةٍ مِنْهُمَا بِالْأُخْرَى وكل واحدةٍ مِنْهُمَا لَا تقع موقع صاحبتها. قَالَ أَبُو عَليّ: وأولي أَن المخففة من الثَّقِيلَة الْفِعْل بِلَا عوض ضَرُورَة.

وَهَذَا على كل حَال وَإِن كَانَ فِيهِ بعض الضعْف أسهل مِمَّا ارْتَكَبهُ الْكُوفِيُّونَ. انْتهى. وَكَذَلِكَ قَول فِي شرح تصريف الْمَازِني: سَأَلت أَبَا عَليّ عَن إِثْبَات النُّون فِي تقرآن بعد أَن فَقَالَ: أَن مُخَفّفَة من الثَّقِيلَة وأولاها الْفِعْل بِلَا فصلٍ للضَّرُورَة. فَهَذَا أَيْضا من الشاذ عَن الْقيَاس والاستعمال جَمِيعًا إِلَّا أَن الِاسْتِعْمَال إِذا ورد بشيءٍ أَخذ بِهِ وَترك الْقيَاس لِأَن السماع يبطل الْقيَاس.) قَالَ أَبُو عَليّ: لِأَن الْغَرَض فِيمَا ندونه من هَذِه الدَّوَاوِين ونقننه من هَذِه القوانين إِنَّمَا هُوَ ليلحق من لَيْسَ من أهل اللُّغَة بِأَهْلِهَا وَيَسْتَوِي من لَيْسَ بفصيح وَمن هُوَ فصيح. فَإِذا ورد السَّمَاء بشيءٍ لم يبْق غرضٌ مَطْلُوب وَعدل عَن الْقيَاس إِلَى السماع. انْتهى. وَذهب إِلَى هَذَا ابْن عُصْفُور فِي كتاب الضرائر قَالَ: وَمِنْه مُبَاشرَة الْفِعْل الْمُضَارع لِأَن المخففة من الثقيل وَحذف الْفَصْل نَحْو قَول الشَّاعِر: أنْشدهُ الْفراء عَن الْقَاسِم بن معنٍ قَاضِي الْكُوفَة: مجزوء الْكَامِل (إِنِّي زعيم يَا نوي ... قة إِن سلمت من الرزاح) (أَن تهبطين بِلَاد قو ... مٍ يرتعون من الطلاح) وَقَول الآخر: أَن تقرآن على أَسمَاء ويحكما ... ... . . الْبَيْت

وَقَول الآخر: الطَّوِيل (إِذا كَانَ أَمر النَّاس عِنْد عجوزهم ... فَلَا بُد أَن يلقون كل يباب) (ولي كبدٌ مقروحةٌ من يبيعني ... بهَا كبداً لَيست بِذَات قُرُوح) (أَبى النَّاس وَيْح النَّاس أَن يشترونها ... وَمن يَشْتَرِي ذَا علةٍ بِصَحِيح) وَقَول الآخر: الطَّوِيل (وَإِنِّي لأختار الْقرى طاوي الحشا ... محاذرةً من أَن يُقَال لئيم) قَالَ أَبُو بكر بن الْأَنْبَارِي: رَوَاهُ الْكسَائي وَالْفراء عَن بعض الْعَرَب بِرَفْع يُقَال. وَلَا يحسن شيءٌ من ذَلِك فِي سَعَة الْكَلَام حَتَّى يفصل بَين أَن وَالْفِعْل بِالسِّين أَو سَوف أَو قد فِي الْإِيجَاب وَبلا فِي النَّفْي. فَإِن جَاءَ شيءٌ مِنْهُ فِي الْكَلَام حفظ وَلم يقس عَلَيْهِ نَحْو قِرَاءَة ابْن مُجَاهِد: لمن أَرَادَ أَن يتم الرضَاعَة بِرَفْع يتم. وَمن النَّحْوِيين من زعم أَن أَن فِي جَمِيع ذَلِك هِيَ الناصبة للْفِعْل إِلَّا أَنَّهَا أهملت حملا على مَا المصدرية

فَلم تعْمل لمشابهتها لَهَا فِي أَنَّهَا تقدر مَعَ مَا بعْدهَا بِالْمَصْدَرِ. وَمَا ذكرته قبل من أَنَّهَا مُخَفّفَة أولى وَهُوَ مَذْهَب الْفَارِسِي وَابْن جني لِأَنَّهَا هِيَ الَّتِي اسْتَقر فِي كَلَامهم ارْتِفَاع الْفِعْل الْمُضَارع بعْدهَا. انْتهى.) وَذهب الزَّمَخْشَرِيّ إِلَى أَن الرّفْع بعد أَن لُغَة. قَالَ فِي الْمفصل: وَبَعض الْعَرَب يرفع الْفِعْل بعد أَن أَن تقرآن على أَسمَاء ويحكما ... ... ... . الْبَيْت وَعَن ابْن مُجَاهِد: أَن يتم الرضَاعَة بِالرَّفْع. انْتهى. قَالَ شَارِحه ابْن يعِيش: قَالَ ابْن جني: قَرَأت على مُحَمَّد بن الْحسن عَن أَحْمد ابْن يحيى قَول الشَّاعِر: الْبَسِيط (يَا صَاحِبي فدت نَفسِي نفوسكما ... وحيثما كنتما لاقيتما رشدا) (أَن تحملا حَاجَة لي خف محملها ... وتصنعا نعْمَة عِنْدِي بهَا ويدا) أَن تقرآن ... ... ... ... ... ... ... الْبَيْت فَقَالَ فِي تَفْسِير أَن تقرآن: وَعلة رَفعه أَنه شبه أَن بِمَا فَلم يعملها فِي صلتها. ومثلة الْآيَة. وَهُوَ رَأْي السيرافي. وَلَعَلَّ صَاحب هَذَا الْكتاب نَقله من الشَّرْح. وَهَذَا رَأْي البغداديين وَلَا يرَاهُ البصريون. وَصِحَّة محمل الْبَيْت عِنْدهم على أَنَّهَا المخففة من الثَّقِيلَة أَي: أنكما تقرآن. وَأَن وَمَا بعْدهَا فِي مَوضِع الْبَدَل من قَوْله: حَاجَة لِأَن حَاجته قِرَاءَة السَّلَام عَلَيْهَا. وَقد استبعدوا تَشْبِيه لِأَن ب مَا لِأَن مَا مصدر مَعْنَاهُ الْحَال وَأَن وَمَا بعْدهَا مصدرٌ إِمَّا ماضٍ وَإِمَّا مُسْتَقْبل على حسب الْفِعْل الْوَاقِع بعْدهَا فَلذَلِك لَا يَصح أَحدهمَا بِمَعْنى الآخر. انْتهى.

وَنقل ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي خلاف هَذَا قَالَ فِي بحث أَن المخففة وَقد يرفع الْفِعْل بعْدهَا كَقِرَاءَة ابْن مُحَيْصِن: لمن أَرَادَ أَن يتم الرضَاعَة. وكقول الشَّاعِر: أَن تقرآن على أَسمَاء ويحكما. وَزعم الْكُوفِيُّونَ أَن أَن هَذِه هِيَ المخففة من الثَّقِيلَة شَذَّ اتصالها بِالْفِعْلِ. وَالصَّوَاب قَول الْبَصرِيين أَنَّهَا أَن الناصبة أهملت حملا على أُخْتهَا مَا المصدرية. هَذَا كَلَامه. وَقَوله: أَن تحملا حَاجَة فِي مَوضِع نصب بِفعل مُضْمر دلّ عَلَيْهِ مَا تضمنه الْبَيْت الأول من النداء وَالدُّعَاء. وَالْمعْنَى: أسألكما أَن تحملا. وَقَول ابْن جني: التَّقْدِير أنكما تقرآن إِشَارَة إِلَى أَن اسْم أَن ضمير مَحْذُوف وَهُوَ ضمير التَّثْنِيَة. وَقد ذهب ابْن هِشَام فِي موضِعين من الْمُغنِي كالشارح الْمُحَقق. إِلَى أَنَّهَا فِي الْبَيْت هِيَ المخففة) الناصبة للمضارع قَالَ فِي الْقَاعِدَة الْحَادِيَة عشرَة من الْبَاب الثَّامِن: من ملح كَلَامهم تقارض اللَّفْظَيْنِ فِي الْأَحْكَام وَلذَلِك أَمْثِلَة مِنْهَا إِعْطَاء أَن المصدرية حكم مَا فِي الإهمال كَقَوْلِه: أَن تقرآن على أَسمَاء ويحكما ... الْبَيْت الشَّاهِد فِي أَن الأولى وَلَيْسَت مُخَفّفَة من الثَّقِيلَة بِدَلِيل أَن المعطوفة عَلَيْهَا. وإعمال مَا حملا على أَن كَمَا رُوِيَ عَن قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ:

كَمَا تَكُونُوا يُولى عَلَيْكُم وَذكره ابْن الْحَاجِب. وَالْمَعْرُوف فِي الرِّوَايَة: كَمَا تَكُونُونَ. انْتهى. قَالَ الدماميني مُعْتَرضًا على دَلِيله فِي الأول: لَا مَانع من عطف أَن الناصبة وصلتها على أَن المخففة وصلتها إِذْ هُوَ عطف مصدر على مصدر وَلَا يمنعهُ أحد كَمَا تَقول: عِنْدِي أَن لَا تسيء إِلَى أحد وَأَن تحسن إِلَى عَدوك بِرَفْع تسيء. وَاعْتذر عَنهُ الشمني بِأَن المُرَاد بِالدَّلِيلِ هُنَا مَا يُفِيد الظَّن والرجحان وَلَيْسَ المُرَاد أَن ذَلِك دليلٌ من جِهَة امْتنَاع عطف أَن الناصبة وصلتها على أَن المخففة وصلتها وَمن جِهَة أَن الظَّاهِر أَن الثَّانِيَة من نوع الأولى وَالثَّانيَِة لَيست خَفِيفَة فَكَذَا الأولى. وَقَالَ الدماميني فِي دَلِيله بِالْحَدِيثِ: لَا حَاجَة إِلَى جعل مَا ناصبة حملا على أُخْتهَا أَن فَإِن فِيهِ إِثْبَات حكمٍ لَهَا لم يثبت فِي غير هَذَا الْمحل بل الْفِعْل مَرْفُوع وَنون الرّفْع محذوفة. وَقد سمع ذَلِك نظماً ونثراً. قَالَ الشَّاعِر: الرجز أَبيت أسرِي وتبيتي تدلكي أَي: وتبيتين تدلكين. وَخرج على ذَلِك مَا رُوِيَ عَن أبي عَمْرو: قَالُوا ساحران تظاهرا بتَشْديد الظَّاء أَي: أَنْتُمَا ساحران تتظاهران

فَحذف الْمُبْتَدَأ وأدغمت التَّاء فِي الظَّاء وحذفت نون الرّفْع. وَفِي الحَدِيث: لَا تدْخلُوا الْجنَّة حَتَّى تؤمنوا وَلَا تؤمنوا حَتَّى تحَابوا فَحذف النُّون من الْفِعْلَيْنِ المنفيين. فَعَلَيهِ يخرج كَمَا تَكُونُوا إِن ثَبت. وَلَا حَاجَة إِلَى ارْتِكَاب أمرٍ لم يثبت. وَلم يهتد أَبُو الْبَقَاء لمراد الزَّمَخْشَرِيّ فِي تَشْبِيه أَن بِمَا. قَالَ تِلْمِيذه الإِمَام الأندلسي فِي شرح الْمفصل: قَالَ أَبُو الْبَقَاء: إِن أَرَادَ تَشْبِيه أَن بِمَا النافية فَهُوَ تشبيهٌ بعيد لِأَن أَن تقرآن فِي الشّعْر إِيجَاب فَهُوَ) ضدٌّ للنَّفْي. وتشبيه الْإِثْبَات بِالنَّفْيِ بعيدٌ خُصُوصا فِي بَاب الْعَمَل والإلغاء. وَإِن أَرَادَ بِمَا الزَّائِدَة فَهُوَ أقرب وَيُؤَيّد ذَلِك قِرَاءَة ابْن مُجَاهِد: لم أَرَادَ أَن يتم الرضَاعَة. ثمَّ قَالَ: قلت مَا ذكره شَيخنَا خَال عَن التَّحْقِيق بل الْمُشبه بهَا هَا هُنَا مَا المصدرية فِي أَنَّهَا تطلب صلَة وتقدر مَعهَا تَقْدِير الْمُفْرد فتقسيم الشَّيْخ ضائع. وَمن أَرَادَ إبِْطَال شيءٍ بالتقسيم فطريقه أَن يحصر الْأَقْسَام بأسرها ثمَّ يبطل قسما قسما. وَالشَّيْخ لم يفعل ذَلِك. واستدلاله أَيْضا بِقِرَاءَة ابْن مُجَاهِد على أَنَّهَا زَائِدَة عَجِيب والأجود أَن يُقَال: إِنَّهَا فِي الْبَيْت مفسرة بِمَعْنى أَي وَتَكون تَفْسِيرا للْحَاجة الْمَذْكُورَة فِي الْبَيْت الْمُتَقَدّم. انْتهى كَلَام الأندلسي. قَالَ الشَّارِح الْمُحَقق فِي آخر الْكتاب أَن لَا تفسر إِلَّا مَفْعُولا مُقَدّر

اللَّفْظ دَالا على معنى القَوْل مُؤديا مَعْنَاهُ. وَقد تفسر الْمَفْعُول بِهِ الظَّاهِر كَقَوْلِه تَعَالَى: إِذْ أَوْحَينَا إِلَى أمك مَا يُوحى أَن اقذفيه. انْتهى. وَلَا يخفى أَن الْحمل لَيْسَ فِيهِ معنى القَوْل فَلَا يجوز جعل أَن تفسيرية. فَتَأمل. وَقَوله: يَا صَاحِبي فدت نَفسِي إِلَخ الْجُمْلَة الدعائية وَهِي فدت نَفسِي إِلَخ وَالْجُمْلَة الشّرطِيَّة المُرَاد بهَا الدُّعَاء أَيْضا وَهِي المصراع الثَّانِي وَقع الِاعْتِرَاض بهما بَين قَوْله: يَا صَاحِبي وَبَين قَوْله: أَن تحملا. وَأَن تحملا فِي تَأْوِيل مصدر إِمَّا مَنْصُوب بِفعل مُقَدّر هُوَ الْمَقْصُود بالنداء تَقْدِيره: أسألكما أَن تحملا أَي: حمل حَاجَة لي. وَإِمَّا مجرور بلام محذوفة مَعَ فعلٍ يدل على النداء أَي: أناديكما أَو أدعوكما لِأَن تحملا. وَيجوز أَن يكون مَفْعُولا لأَجله وعامله مَحْذُوف يدل عَلَيْهِ الدُّعَاء لَهما وَتَقْدِيره: أَدْعُو لَكمَا لأجل حملكما حَاجَة لي. وعَلى هَذَا الِاعْتِرَاض فِي الْكَلَام وَيكون الْمَقْصُود بالنداء هُوَ الْجُمْلَة الدعائية. والمحمل بِفَتْح الميمين: مصدر ميمي بِمَعْنى الْحمل. وَعطف الْيَد على النِّعْمَة تفسيريٌّ. وروى شَارِح اللّبَاب وَغَيره: وَهَذَا يَقْتَضِي أَن يكون قَوْله: أَن تحملا شرطا وتستوجبا جَوَابه. فَإِن على هَذَا إِمَّا مَكْسُورَة وَإِمَّا مَفْتُوحَة وَهِي حرف شَرط كالمكسورة وَهُوَ مَذْهَب الْكُوفِيّين وتبعهم الشَّارِح الْمُحَقق وَابْن هِشَام فِي الْمُغنِي.

وَقَوله: أَن تقرآن هُوَ إِمَّا بدل من قَوْله: حَاجَة وَإِمَّا خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي: هِيَ أَن تقرآن.) وَالْجُمْلَة استئنافٌ بياني. كَذَا فِي شرح اللّبَاب وَغَيره. وَقَالَ ابْن المستوفي: هُوَ بدلٌ من قَوْله: أَن تحملا. وَإِن كَانَ أَن تفسيريةً فَلَا مَحل لما بعْدهَا من الْإِعْرَاب. قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ فِي أساس البلاغة: يُقَال: اقْرَأ سلامي على فلَان ول ايُقَال: اقرئه مني السَّلَام. انْتهى. وَوَجهه أَن قَرَأَ يتَعَدَّى إِلَى مفعول واحدٍ بِنَفسِهِ وَإِلَى الْمبلغ إِلَيْهِ بعلى. وَهَذَا مَذْهَب الْأَصْمَعِي قَالَ صَاحب الْمِصْبَاح: قَالَ الْأَصْمَعِي: وتعديته بِنَفسِهِ خطأٌ فَلَا يُقَال: اقرأه السَّلَام لِأَنَّهُ بِمَعْنى اتل عَلَيْهِ. وَحكى ابْن القطاع أَنه يتَعَدَّى بِنَفسِهِ رباعياً فَيُقَال: فلَان يُقْرِئك السَّلَام. انْتهى. وَمَا فِي الْبَيْت جارٍ على كَلَام الْأَصْمَعِي وَلَا مَانع من تعلق مني بتقرآن كَمَا فهمه ابْن الملا من نقل كَلَام الزَّمَخْشَرِيّ فَإِن مُرَاده أَن قَرَأَ لَا يتَعَدَّى إِلَى مفعولين بِنَفسِهِ وَلَا يمْنَع من تعلق مني بِهِ إِذا كَانَ مُسْتَعْملا على مَا قَالَه. وَيجوز أَن يكون مني حَالا من السَّلَام. وَأَسْمَاء من أَعْلَام النِّسَاء ووزنه فعلاء لَا أَفعَال لِأَنَّهُ من الوسامة وَهُوَ الْحسن فهمزته بدل من الْوَاو. وَجُمْلَة: ويحكما مُعْتَرضَة. وويح: كلمة ترحم ورأفة وَهُوَ مصدرٌ مَنْصُوب بِفعل وَاجِب الْحَذف. وَهَذِه الأبيات الثَّلَاثَة قَلما خلا عَنْهَا كتاب نحوٍ وَمَعَ كَثْرَة الِاسْتِعْمَال لم يعزها أحدٌ إِلَى شَاعِر. وَالله أعلم.

(الشاهد الثالث والأربعون بعد الستمائة)

وَأنْشد بعده (الشَّاهِد الثَّالِث وَالْأَرْبَعُونَ بعد الستمائة) الرجز كَانَ جزائي بالعصا أَن أجلدا على أَن الْفراء اسْتدلَّ بِهِ على جَوَاز تَقْدِيم مَعْمُول مَعْمُول أَن المصدرية عَلَيْهَا فَإِن قَوْله: بالعصا وَقَالَ البصريون: مَعْمُول الصِّلَة من تَمام الصِّلَة فَكلما لَا يجوز تَقْدِيم الصِّلَة على أَن كَذَلِك لَا يجوز تقدم معمولها عَلَيْهَا. وَأَجَابُوا عَن هَذَا كَمَا قَالَ الشَّارِح الْمُحَقق بِأَنَّهُ نَادِر أَو هُوَ مُتَعَلق بأجلد مُقَدرا يُرِيد: بِأَن أجلد. فاختصر. وَزَاد الشَّارِح الْمُحَقق بِأَن قَوْله: بالعصا خبر مُبْتَدأ مُقَدّر وَتَقْدِيره ذَلِك الْجَزَاء بالعصا وَالْجُمْلَة اعتراضية. وَقَالَ التبريزي فِي شرح الحاجبية: لم يتَعَلَّق بالعصا بِأَن أجلد بل إِمَّا بأعني للتبيين أَو بِمثل الْمُؤخر أَو بِجعْل كَانَ تَامَّة

وبالعصا مُتَعَلقا بهَا وَأَن أجلد فِي مَوضِع رفع على أَنه بدل من الْجَزَاء. انْتهى. وَقَالَ أَبُو عَليّ فِي الْإِيضَاح الشعري: لَا يمْتَنع أَن يتَقَدَّم على وَجه التَّبْيِين لَيْسَ على أَنه مُتَعَلق بالصلة لم يجْعَلُوا بالعصا مُتَعَلقا بِالْجلدِ وَلَكِن جَعَلُوهُ تبييناً للجلد كَقَوْلِه: الطَّوِيل أبعلي هَذَا بالرحا المتقاعس وَقَوله تَعَالَى: وَكَانُوا فِيهِ من الزاهدين. قَالَ ابْن جني عِنْد قَول الحماسي: الطَّوِيل (وَلَا يحمل الْقَوْم الْكِرَام أَخَاهُم ال ... عتيد السِّلَاح عَنْهُم أَن يمارسا) أَرَادَ: فِي ترك أَن يمارس فَحذف فِي أَولا ثمَّ ترك وَمَعْنَاهُ أَن يمارس عَنْهُم. إِلَّا أَن إعرابه الْآن يمْنَع من حمله عَلَيْهِ لما فِي ذَلِك من تَقْدِيم بعض الصِّلَة على الْمَوْصُول. فَإِذا كَانَ كَذَلِك أضمر لحرف الْجَرّ مَا يتَنَاوَلهُ وَدلّ عَلَيْهِ يمارس. وَمثله قَول العجاج: كَانَ جزائي بالعصا أَن أجلدا وَقَالَ أَيْضا بعده عِنْد قَول الحماسي من بَيت: الْبَسِيط وَالله أعلم بالصمان مَا جشموا

الْمَعْنى وَالله أعلم: مَا جشموا بالصمان. فَإِن حَملته على هَذَا كَانَ لحناً لتقديم مَا فِي الصِّلَة) على الْمَوْصُول. لَكِن تَجْعَلهُ تبييناً فتعلقه بِمَحْذُوف يدل عَلَيْهِ الظَّاهِر. وَهُوَ بابٌ فاعرفه. وَقد تكلم على التَّبْيِين بأبسط من هَذَا فِي شرح تصريف الْمَازِني قَالَ: إِن كَانَ على تَقْدِير أَن أجلد بالعصا فخطأٌ لِأَن الْبَاء فِي صلَة أَن ومحالٌ تَقْدِيم شيءٍ من الصِّلَة على الْمَوْصُول وَلكنه جعل الْبَاء تبييناً وَمثله قَوْله تَعَالَى: وَكَانُوا فِيهِ من الزاهدين. فَلَمَّا قدم جعل تبييناً فَأخْرج عَن الصِّلَة. وَمعنى التَّبْيِين أَن تعلقه بِمَا يدل عَلَيْهِ معنى الْكَلَام وَلَا تقدره فِي الصِّلَة لِأَن معنى الْبَيْت جلدي بالعصا. فَإِذا فعلت هَذَا سلم لَك اللَّفْظ وَالْمعْنَى وَلم تقدم شَيْئا عَن مَوْضِعه الَّذِي هُوَ أخص أَلا ترى أَن معنى قَوْلهم: أهلك وَاللَّيْل مَعْنَاهُ الْحق بأهلك قبل اللَّيْل وَإِنَّمَا تَقْدِيره فِي الْإِعْرَاب: الْحق بأهلك وسابق اللَّيْل. فَكَذَلِك أَيْضا يكون معنى الْكَلَام كَانَ جزائي أَن أجلد بالعصا وَتَقْدِيره فِي الْإِعْرَاب غير ذَلِك. وسيبويه كثيرا مَا يمِيل فِي كَلَامه على الْمَعْنى فيتخيل من لَا خبْرَة لَهُ أَنه قد جَاءَ بِتَقْدِير الْإِعْرَاب فيحمله فِي الْإِعْرَاب عَلَيْهِ وَهُوَ لَا يدْرِي فَيكون مخطئاً وَعِنْده أَنه مُصِيب فَإِذا نوزع فِي ذَلِك قَالَ: هَكَذَا قَالَ سِيبَوَيْهٍ وَغَيره. فَإِذا تفطنت لهَذَا الْكتاب وجدته كثيرا. وَأكْثر مَا يَسْتَعْمِلهُ فِي المنصوبات فِي صدر الْكتاب لِأَنَّهُ موضعٌ مشكلٌ وقلما يهتدى لَهُ. انْتهى.

وَالْبَيْت للعجاج كَمَا قَالَه ابْن جني. وَقَبله: الرجز (ربيته حَتَّى إِذا تعمددا ... وآض نهداً كالحصان أجردا) كَانَ جزائي ... . إِلَخ قَالَ ابْن جني فِي شرح التصريف: تمعدد من لفظ معد بن عدنان وَإِنَّمَا كَانَ مِنْهُ لِأَن معنى تمعدد: تكلم بِكَلَام معدٍّ أَي: كبر وخطب. هَكَذَا قَالَ أَبُو عَليّ. وَمِنْه قَول عمر: اخشرشنوا وَتَمَعْدَدُوا. قَالَ أَحْمد بن يحي: تمعددوا أَي: كونُوا على خلق معد. انْتهى. وَأوردهُ الْجَوْهَرِي فِي عدد وَنقل الْخلاف فِي ميمه وَقَالَ: تمعدد الرجل أَي: تزيا بزيهم أَو تنْسب إِلَيْهِم أَو تصبر على عَيْش معد.) وَقَالَ أَبُو عبيد: فِي أثر عمر قَولَانِ: يُقَال هُوَ من الغلظ وَمِنْه قيل للغلام إِذا شب وَغلظ: قد تمعدد. قَالَ الراجز: ربيته حَتَّى إِذا تمعددا وَيُقَال: مَعْنَاهُ تشبهوا بعيش معدٍ. وَكَانُوا أهل قشف وَغلظ فِي المعاش. يَقُول: فكونوا مثلهم ودعوا التنعم وزي الْعَجم. قَالَ: وَهَكَذَا هُوَ فِي حَدِيث آخر: عَلَيْكُم باللبسة المعدية. اه. وَقَالَ ابْن دُرَيْد فِي الجمهرة: التمعدد: الشدَّة وَالْقُوَّة. وَأنْشد هَذَا الرجز ثمَّ قَالَ: والمعدة من هَذَا اشتقاقها. ومعدان: اسْم رجل أَحسب اشتقاقه من الْمعدة. اه. وَقَوله: وآض نهداً إِلَخ آض بِمَعْنى صَار. والنهد بِفَتْح النُّون وَسُكُون الْهَاء: العالي الْمُرْتَفع. والحصان بِكَسْر الْحَاء هُوَ الذّكر من الْخَيل. والأجرد: مِمَّا تمدح بِهِ الْخَيل وَمَعْنَاهُ الْقصير

(الشاهد الرابع والأربعون بعد الستمائة)

والعجاج تقدّمت تَرْجَمته فِي الشَّاهِد الْحَادِي وَالْعِشْرين من أَوَائِل الْكتاب. وَأنْشد بعده (الشَّاهِد الرَّابِع وَالْأَرْبَعُونَ بعد الستمائة) الْكَامِل وشفاء غيك خابراً أَن تسألي على أَن تقدم خابراً على أَن نَادِر أَو هُوَ مَنْصُوب بِفعل يدل عَلَيْهِ الْمَذْكُور وَالتَّقْدِير: تسألين خابراً. وَلم يذكر التَّخْرِيج الثَّانِي فِي الْبَيْت الَّذِي قبله لِأَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى هُنَا فَإِن خابراً مَنْصُوب. قَالَ ابْن السراج فِي الْأُصُول: وَلَا يجوز عِنْد الْفراء إِذا قلت أقوم كي تضرب زيدا: أقوم زيدا كي تضرب. وَالْكسَائِيّ يُجِيزهُ وينشد: وشفاء غيك خابراً أَن تسألي وَقَالَ الْفراء: خابراً حالٌ من الغي. اه. وَنَقله صَاحب اللّبَاب فَقَالَ: وَلَا يجوز: قُمْت زيدا كي أضْرب كَمَا لَا يجوز: أُرِيد زيدا أَن وَقَوله: وشفاء غيك خابراً أَن تسألي) مِمَّا يعضد مذْهبه. وَالْفراء يَجْعَل الْمَنْصُوب حَالا من الغي على مَا حَكَاهُ ابْن السراج. اه. وَقَول الْفراء فِي الْبَيْت لَا وَجه لَهُ فَإِن خابراً اسْم فَاعل من خبرته أخبرهُ من بَاب نصر خَبرا بِالضَّمِّ إِذا عَلمته. وَهُوَ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة وَالْبَاء الْمُوَحدَة. ف الخابر: الْعَالم. والغي بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة: مصدر غوى غياً من بَاب ضرب أَي: انهمك فِي الْجَهْل وَهُوَ خلاف الرشد وَالِاسْم الغواية بِالْفَتْح. والمصراع عجزٌ وصدره: (هلا سَأَلت وَخبر قومٍ عِنْدهم ... وشفاء غيك خابراً أَن تسألي) .

وَبعده: (هَل نكرم الأضياف إِن نزلُوا بِنَا ... ونسود بِالْمَعْرُوفِ غير تنْحَل) فَلَا يُمكن تَخْرِيج الْبَيْت إِلَّا على مَا ذكره الشَّارِح الْمُحَقق أَو الْكسَائي. وَلَا يَصح جعل خابراً حَالا من الغي وَلَا من الْكَاف فَإِن الغي لَا يَتَّصِف بالْخبر إِذْ هُوَ ضِدّه. وَكَذَلِكَ المخاطبة لَا تتصف بِهِ لِأَنَّهَا متصفة بالغي وَلعدم قَوْله خابرة بالتأنيث. وَقد تصحف على شَارِح اللّبَاب لفظتان مِنْهُ: الأولى: الغي تصحفت عَلَيْهِ بِالْعينِ الْمُهْملَة الْمَكْسُورَة. وَالثَّانيَِة: قَوْله خابراً تصحفت عَلَيْهِ بجابر بِالْجِيم فَإِنَّهُ قَالَ بعد عبارَة اللّبَاب: هَكَذَا ذكره المُصَنّف وَفِيه نظر: أما أَولا فَلِأَنَّهُ يتَعَلَّق بالقصة فَإِن كَانَ جابرٌ اسْم رجل فَالْحق مَا ذكره

الْكسَائي وَإِن لم يكن اسْم رجل جَازَ أَن يكون فَاعِلا من الْجَبْر فَالْحق مَا ذكره الْفراء. وَإِن كَانَ مَجْهُول الْحَال احْتمل الْوَجْهَيْنِ. وَأما ثَانِيًا فَلِأَن وصف الشِّفَاء بالجبر كَانَ أولى من وصف العي بِهِ فَإِن العي وَالْعجز لَيْسَ سَبَب الْجَبْر وَالصَّلَاح بل هُوَ سَبَب الاختلال والشفاء والخلاص عَن العي هُوَ الجابر للاختلال. فَلَعَلَّ تَأْوِيله أَن العي سَبَب السُّؤَال وَالْحَامِل عَلَيْهِ وَالسُّؤَال سَبَب الشِّفَاء والجبر. فَجَاز أَن يَجْعَل العي شافياً إِسْنَادًا للأثر إِلَى سَبَب السَّبَب. هَذَا كَلَامه. وَهُوَ فِي هَذَا مَعْذُور لِأَنَّهُ لم يقف على أصل الشّعْر.) وَقد أورد الْبَيْت بمصراعيه ابْن الْأَنْبَارِي والقالي فِي تأليفهما فِي الْمَقْصُور والممدود. شَاهدا وَرَأَيْت فِي الحماسة البصرية: قَالَت امْرَأَة من بني سليم: (هلا سَأَلت خَبِير قومٍ عَنْهُم ... وشفاء علمك خابراً أَن تسألي) (يبدى لَك الْعلم الْجَلِيّ بفهمه ... فيلوح قبل تفكرٍ وَتَأمل) وَمثل الْبَيْتَيْنِ الْأَوَّلين فِي الْمَعْنى وغالب اللَّفْظ قَول سعية بن عريضٍ من يهود خَيْبَر: السَّرِيع (إِن تسألي بِي فاسألي خابراً ... فالعلم قد يلفى لَدَى السَّائِل) (ينبيك من كَانَ بِنَا عَالما ... عَنَّا وَمَا الْعَالم كالجاهل)

وَبَيت الشَّاهِد من قصيدة لِرَبِيعَة بن مقروم. وَبعد ذَيْنك الْبَيْتَيْنِ: (وَنحل بالثغر الْمخوف عدوه ... ونرد خَال الْعَارِض المتهلل) (ونعين غارمنا ونمنع جارنا ... ويزين مولى ذكرنَا فِي المحفل) (وَإِذا امرؤٌ منا جنى فَكَأَنَّهُ ... مِمَّا يخَاف إِلَى مناكب يذبل) (وَمَتى يقم عِنْد اجْتِمَاع عشيرةٍ ... خطباؤنا بَين الْعَشِيرَة يفصل) (وَإِذا الْحمالَة أثقلت حمالها ... فعلى سوائمنا ثقيل الْمحمل) (ويحق فِي أَمْوَالنَا لحريبنا ... حقٌّ ننوء بِهِ وَإِن لم نسْأَل) وَمن هَذِه القصيدة: (متقاذفٍ شنج النسا عبل الشوى ... سباق أندية الْجِيَاد عميثل) (لَوْلَا أكفكفه لكاد إِذا جرى ... مِنْهُ الشكيم يدق فأس المسحل) (وَإِذا جرى مِنْهُ الْحَمِيم رَأَيْته ... يهوي بفارسه هوي الأجدل) (وَإِذا تعلل بالسياط جيادها ... أَعْطَاك نائبةً وَلم يتعلل) (ودعوا نزال فَكنت أول نازلٍ ... وعلام أركبه إِذا لم أنزل) (وَلَقَد جمعت المَال من جمع امرىءٍ ... وَرفعت نَفسِي عَن لئيم المأكل) (وَدخلت أبنية الْمُلُوك عَلَيْهِم ... ولشر قَول الْمَرْء مَا لم يفعل) (وألد ذِي حنقٍ عَليّ كَأَنَّمَا ... تغلي عَدَاوَة صَدره فِي مرجل)

(أوجيته عني فأبصر قَصده ... وكويته فَوق النواظر من عل) (وَأخي محافظةٍ عصى عذاله ... وأطاع لذته معمٍّ مخول)) (هشٍّ يراح إِلَى الندى نبهته ... وَالصُّبْح سَاطِع لَونه لم ينجل) (فَأتيت حانوتاً بِهِ فصبحته ... من عاتق بمزاجها لم تقتل) (صهباء صَافِيَة القذى أغْلى بهَا ... يسرٌ كريم الخيم غير مبخل) (وَلَقَد أصبت من الْمَعيشَة لينها ... وأصابني مِنْهُ الزَّمَان بكلكل) (وَلَقَد أَتَت مائةٌ عَليّ أعدهَا ... حولا فحولاً لَو بلاها مبتلي) (فَإِذا الشَّبَاب كمبذلٍ أنضيته ... والدهر يبلي كل جدةٍ مبذل) وَمن هَذِه القصيدة فِي وصف امْرَأَة روى صَاحب الأغاني بِسَنَدِهِ إِلَى الْهَيْثَم بن عدي عَن حمادٍ الراوية قَالَ: دخلت على الْوَلِيد بن يزِيد وَهُوَ مصطبحٌ وَبَين يَدَيْهِ معبدٌ وَمَالك وَابْن عَائِشَة وَأَبُو كَامِل وحكمٌ الْوَادي وَعمر الْوَادي يغنونه وعَلى رَأسه وصيفةٌ تسقيه لم أر مثلهَا تَمامًا وكمالاً وجمالاً فَقَالَ لي: يَا حَمَّاد إِنِّي أمرت هَؤُلَاءِ أَن يغنوا صَوتا يُوَافق صفة هَذِه الوصفية وجعلتها لمن وَافق صفتهَا نحلةً فَمَا أَتَانِي واحدٌ مِنْهُم بِشَيْء

فأنشدني أَنْت مَا يُوَافق صفتهَا وَهِي لَك. فَأَنْشَدته قَول ربيعَة ابْن مقروم الضَّبِّيّ: (شماء وَاضِحَة الْعَوَارِض طفلةٌ ... كالبدر من خلل السَّحَاب المنجلي) (وَكَأن فاهاً بعد مَا طرق الْكرَى ... كأسٌ تصفق بالرحيق السلسل) (لَو أَنَّهَا عرضت لأشمط راهبٍ ... فِي رأسٍ مشرفة الذرى متبتل) (لصبا لبهجتها وَطيب حَدِيثهَا ... وَلَهُم من ناموسه بتنزل) فَقَالَ الْوَلِيد: أصبت وصفهَا فاخترها أَو ألف دينارٍ. فاختر الْألف الدِّينَار. (بل إِن تري شُمْطًا تفرع لمتي ... وحنى قناتي وارتقى فِي مسحلي) (ودلفت من كبرٍ كَأَنِّي خاتلٌ ... قنصاً وَمن يدبب لصيدٍ يخْتل) (وَلَقَد رأى حسن الْقَنَاة قويمها ... كالنصل أخلصه جلاء الصيقل) وَرَبِيعَة هُوَ ابْن مقروم بن قيس بن جَابر بن خَالِد بن عَمْرو بن غيظ بن السَّيِّد ابْن مَالك بن بكر بن سعد بن ضبة بن أد بن طابخة بن إلْيَاس بن مُضر بن نزار.

وَهُوَ شاعرٌ مخضرم أدْرك الْجَاهِلِيَّة وَالْإِسْلَام وَكَانَ مِمَّن أصفق عَلَيْهِ كسْرَى ثمَّ عَاشَ فِي الْإِسْلَام زَمَانا. كَذَا فِي الأغاني.) وَزَاد على هَذَا ابْن الْأَنْبَارِي فِي شرح المفضليات: وَهُوَ مسلمٌ وَشهد الْقَادِسِيَّة. وَزَاد ابْن قُتَيْبَة فِي كتاب الشُّعَرَاء: شهد الْقَادِسِيَّة وجلولاء. وَهُوَ من شعراء مُضر الْمَعْدُودين. وَقد ذكره ابْن حجر فِي قسم المخضرمين من الْإِصَابَة وَنقل عَن المرزباني أَنه قَالَ: كَانَ ربيعَة بن مقروم أحد شعراء مُضر فِي الْجَاهِلِيَّة وَالْإِسْلَام ثمَّ أسلم وَشهد الْقَادِسِيَّة وَغَيرهَا من الْفتُوح وعاش مائَة سنة. وَأما البيتان الأخيران فهما من قصيدة جَيِّدَة أَيْضا لسعية بن عريض الْيَهُودِيّ الْخَيْبَرِيّ وَهُوَ أَخُو السموءل بن عريض بن عادياء الَّذِي يضْرب بِهِ الْمثل فِي الْوَفَاء. (لباب يَا أُخْت بني مالكٍ ... لَا تشتري العاجل بالآجل) (لباب هَل عنْدك من نائل ... لعاشق ذِي حاجةٍ سَائل) (عللته مِنْك بِمَا لم ينل ... يَا رُبمَا عللت بِالْبَاطِلِ)

(الشاهد الخامس والأربعون بعد الستمائة)

. (لباب داويني وَلَا تقتلي ... قد فضل الشافي على الْقَاتِل) (إِن تسألي بِي فاسألي خابراً ... فالعلم قد يلفى لَدَى السَّائِل) (ينبيك من كَانَ بِنَا عَالما ... عَنَّا وَمَا الْعَالم كالجاهل) (إِنَّا إِذا جارت دواعي الْهوى ... وأنصت السَّامع للقائل) (واعتلج الْقَوْم بألبابهم ... فِي الْمنطق الفائل والفاصل) (لَا نجْعَل الْبَاطِل حَقًا وَلَا ... نلط دون الْحق بِالْبَاطِلِ) (تخَاف أَن تسفه أَحْلَامنَا ... فنخمل الدَّهْر مَعَ الخامل) روى صَاحب الأغاني بِسَنَدِهِ إِلَى الْعُتْبِي قَالَ: كَانَ مُعَاوِيَة يتَمَثَّل كثيرا إِذا اجْتمع النَّاس فِي مَجْلِسه بِهَذَا الشّعْر: إِنَّا إِذا مَالَتْ دواعي الْهوى الأبيات الْأَرْبَعَة. روى أَيْضا بِسَنَدِهِ إِلَى يُوسُف بن الْمَاجشون قَالَ: كَانَ عبد الْملك بن مَرْوَان إِذا جلس للْقَضَاء بَين النَّاس أَقَامَ وصيفاً على رَأسه ينشده: (إِنَّا إِذا مَالَتْ دواعي الْهوى ... وأنصت السَّامع للقائل) (واصطرع الْقَوْم بألبابهم ... نقضي بحكمٍ فاصلٍ عَادل) ) مَعَ الْبَيْتَيْنِ الآخرين ثمَّ يجْتَهد عبد الْملك فِي الْحق بَين الخمصين. وَأنْشد بعده (الشَّاهِد الْخَامِس وَالْأَرْبَعُونَ بعد الستمائة) الوافر (يرجي الْمَرْء مَا لَا أَن يلاقي ... وَتعرض دون أدناه الخطوب)

على أَن الْخَلِيل قَالَ: أصل لن: لَا أَن كَمَا جَاءَت فِي الْبَيْت على أَصْلهَا بِدَلِيل أَن الْمَعْنى فيهمَا وَاحِد فحذفت الْهمزَة تَخْفِيفًا لِكَثْرَة الِاسْتِعْمَال كَمَا حذفت من قَوْلهم: ويلمه وَالْأَصْل ويل أمه فَلَمَّا حذفت الْهمزَة التقى ساكنان: ألف لَا وَنون أَن فحذفت الْألف لدفع التقاء الساكنين فَصَارَ: لن. وَالْمَشْهُور فِي رِوَايَة الْبَيْت: يرجي الْمَرْء مَا إِن لَا يلاقي بِتَقْدِيم إِن الْمَكْسُورَة الْهمزَة على لَا وَهِي زَائِدَة. وَبِه اسْتشْهد صَاحب الْكَشَّاف وَالْقَاضِي الْبَيْضَاوِيّ عِنْد تَفْسِير قَوْله تَعَالَى: وَلَقَد مكناهم فِي مَا إِن مكناكم فِيهِ. على أَن إِن فِي الْآيَة صلَة كَمَا فِي الْبَيْت. وَمثله لِابْنِ هِشَام فِي الْمُغنِي قَالَ: وَقد تزاد إِن بعد مَا الموصولة الاسمية. وَأنْشد الْبَيْت. وَلم يذكر الزَّمَخْشَرِيّ فِي الْمفصل زِيَادَة إِن هَذِه إِلَّا بعد مَا النافية ثمَّ قَالَ: وَقد يُقَال: انتظرني مَا إِن جلس القَاضِي أَي: مُدَّة جُلُوسه. وَصرح ابْن الْحَاجِب بقتلها بعْدهَا. وَهَذِه الرِّوَايَة هِيَ رِوَايَة أبي زيد وَابْن الْأَعرَابِي فِي نوادرهما وأنشداه بَين بَيْتَيْنِ وَالْأَصْل: (فَإِن أمسك فَإِن الْعَيْش حلوٌ ... إِلَيّ كَأَنَّهُ عسلٌ مشوب) ...

(يرجي العَبْد مَا أَن يرَاهُ ... وَتعرض دون أدناه الخطوب) (وَمَا يدْرِي الْحَرِيص علام يلقِي ... شراشره أيخطىء أم يُصِيب) قَالَ أَبُو زيد: قَوْله: إِلَيّ فِي معنى عِنْدِي. والشراشر: الثّقل ثقل النَّفس. انْتهى. وَقَالَ أَبُو الْحسن الْأَخْفَش فِي شرح نَوَادِر أبي زيد وروى أَبُو حَاتِم: مَا لَا إِن يلاقي بِتَأْخِير إِن الْمَكْسُورَة الْهمزَة.) وَرِوَايَة: مَا إِن لَا يلاقي بِتَقْدِيم إِن الْمَكْسُورَة غلط وَالصَّوَاب: مَا أَن لَا يلاقي بِفَتْحِهَا وَهِي زَائِدَة تزاد فِي الْإِيجَاب مَفْتُوحَة وَفِي النَّفْي مَكْسُورَة. تَقول: لما أَن جَاءَنِي زيدٌ أَعْطيته قَالَ الله تَعَالَى: فَلَمَّا أَن جَاءَ البشير. وَتقول فِي النَّفْي: مَا زيد مُنْطَلقًا فَإِذا زِدْت إِن قلت: مَا إِن زيد منطلق ف إِن كافةٌ ل مَا عَن الْعَمَل. وَنَظِير هَذَا قَوْلك: إِن زيدا منطلق ثمَّ تَقول: إِنَّمَا زيد منطلق فكفت مَا الزَّائِدَة إِن عَن الْعَمَل كَمَا كفت إِن مَا النافية. وَهَذَا تَمْثِيل الْخَلِيل. فَلَمَّا قَالَ: مَا أَن لَا يلاقي فَنظر إِلَى مَا الَّذِي روى هَذِه الرِّوَايَة ظَنّهَا النافية. وَهَذِه بِمَعْنى الَّذِي فَلَا تكون أَن بعْدهَا إِلَّا مَفْتُوحَة. وَرِوَايَة أبي حَاتِم: مَا لَا أَن يلاقي صَحِيحَة لِأَن لَا فِي النَّفْي بِمَنْزِلَة مَا وغن كَانَت إِن لَا تكَاد تزاد بعد لَا. انْتهى. وَهَذَا خلاف مَا نَقله الشَّارِح الْمُحَقق عَن الْخَلِيل وَهُوَ المخطىء فِي النَّقْل والتخطئة. ودعواه أَن إِن الْمَكْسُورَة لَا تزاد بعد مَا الموصولة مَرْدُودَة

فَإِنَّهَا تزاد بعد مَا المصدرية وَغَيرهَا أَيْضا. قَالَ ابْن عُصْفُور فِي كتاب الضرائر: وَمن زِيَادَة إِن الْمَكْسُورَة الْهمزَة فِي الضَّرُورَة قَول الشَّاعِر أنْشدهُ سِيبَوَيْهٍ: الطَّوِيل (ورج الْفَتى للخير مَا إِن رَأَيْته ... على السن خيرا لَا يزَال يزِيد) فَزَاد إِن بعد مَا المصدرية وَلَيْسَت بنافيةٍ تَشْبِيها لَهَا بِمَا النافية. أَلا ترى أَن الْمَعْنى: ورج الْفَتى للخير مُدَّة رؤيتك إِيَّاه لَا يزَال يزِيد خيرا على السن. لَكِن لما كَانَ لَفظهَا كَلَفْظِ مَا النافية زَادهَا بعْدهَا كَمَا تزاد بعد مَا النافية فِي نَحْو قَوْلك: مَا إِن قَامَ زيد وَقَول الآخر: أنْشدهُ أَبُو زيد: يرجي الْمَرْء مَا إِن لَا يلاقي ... ... . الْبَيْت فَزَاد إِن بعد مَا وَهِي اسْم مَوْصُول لشبهها بِاللَّفْظِ بِمَا النافية وَقَول النَّابِغَة فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ: الْبَسِيط إِلَّا الأواري لَا إِن مَا أبينها ... ... ... . الْبَيْت فَزَاد إِن بعد لَا لشبهها بِمَا من حَيْثُ كَانَتَا للنَّفْي وَزعم الْفراء أَن لَا وَإِن وَمَا حُرُوف نفي وَأَن النَّابِغَة جمع بَينهَا على طَرِيق التَّأْكِيد. انْتهى.) وَقَالَ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي: وَقد تزاد بعد مَا الموصولة الاسمية وَبعد مَا المصدرية وَأورد الْبَيْتَيْنِ وَبعد أَلا الاستفتاحية: الطَّوِيل (أَلا إِن سرى ليلِي فَبت كئيباً ... أحاذر أَن تنأى النَّوَى بغضوبا)

وَقبل مُدَّة الْإِنْكَار سمع سِيبَوَيْهٍ رجلا يُقَال لَهُ: أتخرج إِن أخصبت الْبَادِيَة فَقَالَ: أَنا إنيه مُنْكرا أَن يكون رَأْيه على غير ذَلِك. انْتهى. وَقَوله: فَإِن أمسك فَإِن الْعَيْش حلوٌ إِلَخ أمسك: مضارع أمسك. قَالَ صَاحب الْمِصْبَاح: أمسكته بيَدي إمساكاً قَبضته بِالْيَدِ. وَأَمْسَكت عَن الْأَمر: كَفَفْت عَنهُ. وَأمْسك الله الْغَيْث: حَبسه وَمنع نُزُوله. انْتهى. وَلم يذكر الشَّاعِر صلَة أمسك فَمَعْنَاه مُتَوَقف على مَا قبله وَقَوله: مشوب أَي: مخلوط بِالْمَاءِ. قَالَ صَاحب الْمِصْبَاح: شابه شوباً: خلطه مثل شوب اللَّبن بِالْمَاءِ فَهُوَ مشوب. وَالْعرب تسمي الْعَسَل شوباً لِأَنَّهُ عِنْدهم مزاجٌ للأشربة. وَقَوله: يرجي الْمَرْء إِلَخ روى بدل الْمَرْء العَبْد وَهُوَ عبد الْخلقَة. ويرجي بِمَعْنى يأمل وَهُوَ مُبَالغَة رجاه يرجوه رجواً على فعول وَالِاسْم الرَّجَاء بِالْمدِّ. ورجيته أرجيه من بَاب رمى لُغَة. كَذَا فِي الْمِصْبَاح. وَقد حذف الْعَائِد إِلَى مَا الموصولة من قَوْله: لَا يلاقي وَالْأَصْل لَا يلاقيه وروى بدله: لَا يرَاهُ وَتعرض إِمَّا من عرضت لَهُ بِسوء أَي: تعرضت من بَاب ضرب وَبَاب تَعب لُغَة. وَفِي النَّهْي: لَا تعرض لَهُ بِكَسْر الرَّاء وَفتحهَا أَي: لَا تعترض لَهُ فتمنعه باعتراضك أَن يبلغ مُرَاده لِأَنَّهُ يُقَال: سرت فَعرض لي فِي الطَّرِيق عارضٌ من جبل وَنَحْوه أَي: مَانع يمْنَع من الْمُضِيّ. وَاعْترض

(الشاهد السادس والأربعون بعد الستمائة)

لي بِمَعْنَاهُ. وَمِنْه اعتراضات الْفُقَهَاء لِأَنَّهَا تمنع من التسمك بِالدَّلِيلِ. وَإِمَّا من عرض لَهُ أمرٌ إِذا ظهر من بَاب ضرب أَيْضا. وَيحْتَمل أَن تكون تعرض بِضَم الرَّاء من عرض الشَّيْء بِالضَّمِّ عرضا كعنب وعراضةً بِالْفَتْح: اتَّسع عرضه وتباعد حَاشِيَته فَهُوَ عريض. وَدون هُنَا: بِمَعْنى أَمَام. وَأَدْنَاهُ: أقربه أفعل تَفْضِيل من الدنو وَهُوَ الْقرب. والخطوب: جمع خطب. قَالَ صَاحب الْمِصْبَاح: والخطب: الْأَمر الشَّديد ينزل وَالْجمع خطوب) مثل فلس وفلوس. انْتهى. وَقيل الْخطب هُوَ الشَّأْن وَالْأَمر عظم أَو صغر. وَقَالَ الدماميني فِي الْحَاشِيَة الْهِنْدِيَّة: هُوَ سَبَب الْأَمر يُقَال: مَا خَطبك أَي: مَا سَبَب أَمرك الَّذِي أَنْت عَلَيْهِ. وَغلب اسْتِعْمَال الخطوب فِي الْأُمُور الشاقة الصعبة. انْتهى. وَكَذَا نَسَبهَا ابْن الْأَعرَابِي فِي نوادره ثمَّ قَالَ: وَيُقَال إِنَّهَا لإياس ابْن الْأَرَت. ورألان بالراء الْمُهْملَة بعْدهَا همزَة سَاكِنة. وَإيَاس بِكَسْر الْهمزَة بعْدهَا مثناة تحتية. والأرت بِالْمُثَنَّاةِ قَالَ صَاحب الصِّحَاح: الرتة بِالضَّمِّ: العجمة فِي الْكَلَام. وَرجل أرت بَين الرتت وَفِي لِسَانه رتة وأرته الله. وَأنْشد بعده (الشَّاهِد السَّادِس وَالْأَرْبَعُونَ بعد الستمائة) الْبَسِيط إِذن لقام بنصري معشرٌ خشنٌ على أَن إِذن تدخل فِي الْمَاضِي كَمَا فِي الْبَيْت.

والمصراع من أَبْيَات فِي أول الحماسة وَقَبله: (لَو كنت من مازنٍ لم تستبح إبلي ... بَنو اللقيطة من ذهل بن شيبانا) (إِذن لقام بنصري معشرٌ خشنٌ ... عِنْد الحفيظة إِن ذُو لوثةٍ لانا) قَالَ الشَّارِح الْمُحَقق بعد أسطر: إِن إِذن متضمنة لِمَعْنى الشَّرْط على مَا حَقَّقَهُ. وَإِذا كَانَت بِمَعْنى الشَّرْط الْمَاضِي جَازَ إجراؤها مجْرى لَو فِي إِدْخَال اللَّام فِي جوابها كَمَا فِي الْبَيْت. فجملة: لقام إِلَخ جَوَاب إِذن كَأَنَّهُ قيل: وَلَو استباحوا إبلي مَعَ كوني من بني مَازِن لقام بنصري إِلَخ. وَهَذَا مُخْتَار الشَّارِح الْمُحَقق ومذهبه فِي إِذن. وَفِيه ردٌّ على الإِمَام المرزوقي فِي زَعمه أَن قَوْله: لقام جَوَاب قسمٍ مُقَدّر. قَالَ: اللَّام فِي لقام جَوَاب يَمِين مُضْمر وَالتَّقْدِير: إِذن وَالله لقام بنصري. وَفَائِدَة إِذن هُوَ أَن هَذَا الْبَيْت الثَّانِي أخرج مخرج جَوَاب قائلٍ قَالَ لَهُ: وَلَو استباحوا مَاذَا كَانَ يفعل بَنو مازنٍ فَقَالَ: إِذن لقام بنصري إِلَخ. وَإِذا كَانَ كَذَلِك فَهَذَا الْبَيْت جوابٌ لهَذَا السَّائِل وجزاءٌ على فعل المستبيح. انْتهى. وَفِيه ردٌّ أَيْضا لما قَالَه ابْن جني فِي إِعْرَاب الحماسة قَالَ: قَوْله: إِذن لقام إِلَخ هُوَ جَوَاب قَوْله: لَو) كنت من مَازِن. فَإِن قلت: فقد أجَاب لَو هَذِه بقوله: لم تستبح إبلي. قيل: قَوْله: إِذن لقام إِلَخ بدل من قَوْله: لم تستبح إبلي وَهَذَا كَقَوْلِك: لَو زرتني لأكرمتك إِذن لم يضع عِنْدِي حق زيارتك. انْتهى. وَتَبعهُ جمَاعَة مِنْهُم ابْن يعِيش فِي شرح الْمفصل قَالَ: فَإِذا جوابٌ لقَوْله: لَو كنت من مَازِن لم تستبح إبلي على سَبِيل الْبَدَل

من قَوْله لم تستبح إبلي وجزاءٌ على فعل المستبيح. انْتهى. وَمِنْهُم ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي قَالَ: الْأَكْثَر أَن تكون إِذن جَوَابا لإن أَو لَو ظاهرتين أَو مقدرتين. (لَئِن عَاد لي عبد الْعَزِيز بِمِثْلِهَا ... وأمكنن مِنْهَا إِذن لَا أقيلها) وَقَول الحماسي: لَو كنت من مَازِن الْبَيْتَيْنِ. فَقَوله: إِذن لقام بدل من لم تستبح وَبدل الْجَواب جَوَاب. وَالثَّانِي: فِي نَحْو أَن يُقَال: آتِيك فَتَقول: إِذن أكرمك أَي: إِن أتيتني إِذن أكرمك. وَقَالَ تَعَالَى: مَا اتخذ الله من ولدٍ وَمَا كَانَ مَعَه من إلهٍ إِذا لذهب كل إلهٍ بِمَا خلق ولعلا بَعضهم على بعض. قَالَ الْفراء: حَيْثُ جَاءَت بعْدهَا اللَّام فقبلها لَو مقدرَة إِن لم تكن ظَاهِرَة. انْتهى. وَجوز الإِمَام المرزوقي أَن تكون إِذن لقام إِلَخ جَوَابا ثَانِيًا للو لَا على الْبَدَلِيَّة. قَالَ: وَيجوز أَن تكون أَيْضا إِذن لقام جَوَاب لَو كَأَنَّهُ أُجِيب بجوابين. وَهَذَا كَمَا تَقول: لَو كنت حرا لاستقبحت مَا يَفْعَله العبيد إِذن لاستحسنت مَا يَفْعَله الْأَحْرَار. انْتهى. وَزعم ابْن الملا فِي شرح الْمُغنِي أَن هَذَا عين مَا قَالَه ابْن هِشَام أَو قريبٌ مِنْهُ. وَلَا يخفى أَنه قريب مِنْهُ لَا عينه.

وَجعل ابْن هِشَام إِذن لَا أقليها فِي الْبَيْت جَوَابا لإن الشّرطِيَّة دون الْقسم الْمُقدر مخالفٌ للقاعدة كَمَا يَأْتِي بَيَانه قَرِيبا عِنْد إنشاد الشَّارِح الْبَيْت. وَإِن أَرَادَ تَقْدِير إِن وَلَو صناعَة يرد عَلَيْهِ أَنه يمْتَنع النصب فِي الْمِثَال الَّذِي أوردهُ لوقوعها حَشْوًا وَمَا نَقله عَن الْفراء فِيهِ تَقْصِير كَمَا يظْهر من نَص عِبَارَته قَالَ فِي تَفْسِيره عِنْد قَوْله تَعَالَى: أم لَهُم نصيبٌ من الْملك فَإِذا لَا يُؤْتونَ النَّاس نقيراً: وَإِذا رَأَيْت فِي جَوَاب إِذن اللَّام فقد أضمرت لَهَا لَئِن أَو يَمِينا أَو لَو. من ذَلِك قَوْله تَعَالَى: مَا اتخذ الله من ولدٍ وَمَا كَانَ مَعَه من إلهٍ إِذا لذهب كل إلهٍ بِمَا خلق وَالْمعْنَى وَالله أعلم: لَو كَانَ مَعَه إِلَه لذهب كل إلهٍ بِمَا خلق. وَمثله: وَإِن كَادُوا لَيَفْتِنُونَك عَن الَّذِي أَوْحَينَا إِلَيْك لتفتري علينا غَيره وَإِذا لاتخذوك خَلِيلًا) وَمَعْنَاهُ لَو فعلت لاتخذوك. وَكَذَلِكَ قَوْله: كدت تركن ثمَّ قَالَ: إِذا لأذقناك مَعْنَاهُ: لَو ركنت لأذقناك. انْتهى كَلَامه. وَقَوله: معشر خشن: جمع خشن أَو أخشن وضمة الشين للإتباع بِمَعْنى الشَّديد. وَأَرَادَ بهم بني مَازِن. واللوثة بِالضَّمِّ: الضعْف. وَأَرَادَ بِهِ قومه. قَالَ ابْن جني: إِن قلت أَيْن جَوَاب قَوْله إِن ذُو لوثة لانا قيل: مَحْذُوف دلّ عَلَيْهِ قَوْله خشن أَي: إِن لَان ذُو لوثة خشنوا هم أَو يخشنوا وَدلّ الْمُفْرد الَّذِي هُوَ خشنٌ على الْجُمْلَة الَّتِي هِيَ خشنوا

(الشاهد السابع والأربعون بعد الستمائة)

أَو يخشنوا وَذَلِكَ لمشابهة اسْم الْفَاعِل وَمَا يجْرِي مجْرَاه الْجُمْلَة بِمَا فِيهِ من الضَّمِير. انْتهى. وَالْمَشْهُور فِي مثل هَذَا أَن الْمُتَقَدّم دَلِيل الْجَواب الْمَحْذُوف فَيقدر قَامَ بنصري معشر خشن. والاستباحة: أَخذ الشَّيْء مُبَاحا للنَّفس. وَقَامَ: من الْقيام بالشَّيْء والتكفل بِهِ. والمعشر: اسمٌ لجماعةٍ أَمرهم وَاحِد. وَتقدم شرحها فِي شرح الأبيات بأوفى من هَذَا فِي الشَّاهِد السَّادِس وَالْخمسين بعد الْخَمْسمِائَةِ. وَأنْشد فِيهِ بعده: الوافر (نهيتك عَن طلابك أم عمروٍ ... بعاقبةٍ وَأَنت إذٍ صَحِيح) وَتقدم شَرحه مفصلا فِي الشَّاهِد الثَّامِن وَالتسْعين بعد الأربعمائة من بَاب الظروف. وَأنْشد بعده (الشَّاهِد السَّابِع وَالْأَرْبَعُونَ بعد الستمائة) الْبَسِيط (مَا إِن أتيت بشيءٍ أَنْت تكرههُ ... إِذن فَلَا رفعت سَوْطِي إِلَيّ يَدي) (إِذن فعاقبني رَبِّي معاقبةً ... قرت بهَا عين من يَأْتِيك بِالْحَسَدِ)

على أَن إِذن إِذا كَانَت للشّرط فِي الْمُسْتَقْبل. جَازَ دُخُول الْفَاء فِي جزائها كَمَا فِي جَزَاء إِن كَمَا فِي الْبَيْت كَأَنَّهُ قَالَ: إِن أتيت بشيءٍ فَلَا رفعت. فجملة فَلَا رفعت إِلَخ جملَة دعائية وَقعت جَزَاء واقترنت بِمَا يقْتَرن بِهِ جَزَاء الشَّرْط لما فِي إِذن من معنى الشَّرْط. وَكَذَا الْحَال فِي الْبَيْت الثَّانِي. وهما من قصيدة طَوِيلَة للنابغة الذبياني مدح بهَا النُّعْمَان بن الْمُنْذر وتنصل بهَا عَمَّا قَذَفُوهُ بِهِ حَتَّى خَافَ وهرب مِنْهُ إِلَى بني جَفْنَة مُلُوك الشَّام. وَهِي من القصائد الاعتذاريات ولحسنها ألحقها أَبُو جَعْفَر النّحاس والخطيب التبريزي وَغَيرهمَا. بالمعلقات السَّبع. وَتقدم شرح أَبْيَات كثيرةٍ مِنْهَا فِي بَاب الْحَال وَفِي بَاب خبر كَانَ وَفِي النَّعْت وَفِي الْبَدَل وَفِي أَسمَاء الْأَفْعَال وَفِي غير ذَلِك. وَقبلهَا: (وَالْمُؤمن العائذات الطير يمسحها ... ركبان مَكَّة بن الغيل والسند) وبعدهما: (هَذَا لأبرأ من قولٍ قذفت بِهِ ... طارت نوافذه حرا على كَبِدِي) قَالَ ابْن رَشِيق فِي الْعُمْدَة: وَأجل مَا وَقع فِي الِاعْتِذَار من مشهورات الْعَرَب قصائد النَّابِغَة الثَّلَاث: إِحْدَاهَا: الْبَسِيط يَقُول فِيهَا: (فَلَا لعمر الَّذِي مسحت كعبته ... وَمَا هريق على الأنصاب من جَسَد)

وَالْمُؤمن العائذات الطير ... . . إِلَى آخر الأبيات الثَّلَاثَة وَالثَّانيَِة: الطَّوِيل أرسماً جَدِيدا من سعاد تجنب) يَقُول فِيهَا معتذراً من مدح آل جَفْنَة ومحتجاً بإحسانهم إِلَيْهِ: الطَّوِيل (حَلَفت فَلم أترك لنَفسك رِيبَة ... وَلَيْسَ وَرَاء الله للمرء مطلب) الأبيات الْمَشْهُورَة. وَالثَّالِثَة: الطَّوِيل عَفا حسمٌ من أَهله فالفوارع يَقُول فِيهَا بعد قسم قدمه على عَادَته: (لكلفتني ذَنْب امرىءٍ وَتركته ... كذي العر يكوى غَيره وَهُوَ راتع) انْتهى. وَقد شرحنا القصائد الثَّلَاث برمتها فِي الْمَوَاضِع الَّتِي اسْتشْهد بأبياتها. وَقَوله: وَالْمُؤمن العائذات الطير قد شرح هُوَ وَمَا قبله فِي الشَّاهِد السَّابِع وَالْأَرْبَعِينَ بعد الثلثمائة وَقَوله: مَا إِن أتيت إِلَخ هَذِه الْجُمْلَة جَوَاب الْقسم الَّذِي هُوَ قَوْله: فَلَا لعمر الَّذِي مسحت كعبته مَعَ الْبَيْت الَّذِي بعده. وَمَا نَافِيَة وَإِن زيدت بعْدهَا للتوكيد. وَبِه اسْتشْهد ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي. وَقَوله: فَلَا رفعت سَوْطِي إِلَيّ يَدي أَرَادَ بِهِ: شلت يَدي وَلم

(الشاهد الثامن والأربعون بعد الستمائة)

تقدر على رفع السَّوْط. وَهَذَا دعاءٌ على نَفسه على تَقْدِير صِحَة مَا نِسْبَة أعداؤه إِلَيْهِ. وَقَوله: إِذن فعاقبني رَبِّي إِلَخ هَذَا دُعَاء آخر على نَفسه. وَجُمْلَة: قرت بهَا إِلَخ صفة معاقبة. والمعاقبة: الْعَذَاب. وقرت الْعين قُرَّة وقروراً بضَمهَا من بَاب تَعب أَي: بردت سُرُورًا. والحسد هُوَ تمني زَوَال نعْمَة الْغَيْر. وَقَوله: هَذَا لأبرأ إِلَخ أَي: هَذَا الْقسم لأجل أَن أَتَبرأ مِمَّا اتهمت بِهِ. والنوافذ تمثيلٌ من قَوْلهم: جرح نَافِذ. أَي: قَالُوا قولا صَار حره على كَبِدِي وشقيت بِهِ. وَأنْشد بعده: الْبَسِيط والمرء عِنْد الرشا إِن يلقها ذيب وَهُوَ عجز وصدره: هَذَا سراقَة لِلْقُرْآنِ يدرسه وَأنْشد بعده (الشَّاهِد الثَّامِن وَالْأَرْبَعُونَ بعد الستمائة) وَهُوَ من شَوَاهِد س: الطَّوِيل ( ... ... ... . . فَإِن بحبها ... أَخَاك مصاب الْقلب ... ... .)

على أَنه إِنَّمَا جَازَ الْفَصْل بالجار وَالْمَجْرُور بَين إِن وَاسْمهَا لقُوَّة شبه إِن بِالْفِعْلِ. قَالَ سِيبَوَيْهٍ فِي بَاب الْحُرُوف الْخَمْسَة الَّتِي تعْمل فِيمَا بعْدهَا كعمل الْفِعْل فِيمَا بعده: وَتقول: إِن بك زيدا مَأْخُوذ وَإِن لَك زيدا وَاقِف. إِلَى أَن قَالَ: وَمثل ذَلِك إِن فِيك زيدا لراغبٌ. قَالَ الشَّاعِر: (فَلَا تلحني فِيهَا فَإِن بحبها ... أَخَاك مصاب الْقلب جمٌّ بلابله) كَأَنَّك أردْت: إِن زيدا رَاغِب وَإِن زيدا مَأْخُوذ وَلم تذكر بك وَلَا فِيك فألغيتا هُنَا كَمَا ألغيتا فِي الِابْتِدَاء. انْتهى. قَالَ الأعلم: الشَّاهِد فِيهِ رفع مصاب على الْخَبَر وإلغاء الْمَجْرُور لِأَنَّهُ من صلَة الْخَبَر وَمن تَمَامه وَلَا يكون مُسْتَقرًّا للأخر وَلَا خَبرا عَنهُ. انْتهى. أَلا ترى أَنه قد جَاءَ: فَلَا تلحني فِيهَا ... . الْبَيْت. ففصل بقوله: بحبها بَين إِن وَاسْمهَا. وَلَو كَانَ مَكَان الظّرْف غَيره لم يجز ذَلِك. والظرف مُتَعَلق بالْخبر كَأَنَّهُ قَالَ: إِن أَخَاك مصاب الْقلب بحبها. وَأوردهُ أَيْضا فِي موضِعين من التَّذْكِرَة القصرية قَالَ فِي الأول: مَسْأَلَة: إِن قَالَ قَائِل: لم لَا يكون الْمَحْذُوف فِي التَّقْدِير مُؤَخرا كَأَنَّهُ قَالَ: إِن فِي الدَّار زيدا فَلَا يسْقط بذلك حكم مَا تعلق بِهِ الظّرْف

قيل: يقبح هَذَا الْفَصْل كَمَا: كَانَت زيدا الْحمى تَأْخُذ. فَإِن قيل: فقد قَالَ: فَإِن بحبها أَخَاك مصاب الْقلب قد قيل: قد روى البغداديون هَذَا مصاب الْقلب. فَذا يدلك على استكراههم الرّفْع لما فِيهِ من الْفَصْل فعدلوا عَنهُ إِلَى النصب. وَيجوز أَن تَقول: إِن الظّرْف قد فصل بِهِ فِي أَمَاكِن فَيجوز أَن يكون هَذَا مثلهَا. وَقَالَ فِي الْموضع الثَّانِي: مَسْأَلَة: مَا كَانَ فِيهَا أحد خيرٌ مِنْك فِيهَا مُتَعَلقَة بكان إِذا نصبت خيرا مِنْك ومتعلقة بِمَحْذُوف إِذا كَانَت مُسْتَقرًّا. وَيجوز أَن تنصبها ب خيرا مِنْك وَإِن تقدم عَلَيْهِ لشبهه بِالْفِعْلِ.) وَلَيْسَ الْفَصْل ب فِيهَا إِذا علقتها بِخَير مِنْك بقبيح لِأَن أَبَا الْحسن قد أنْشد فِي الْمسَائِل الصَّغِيرَة: وَرَوَاهُ الْكُوفِيُّونَ: مصاب الْقلب. وأظنهم هربوا من الْفَصْل فنصبوا مَخَافَة أَن يجْرِي مجْرى: كَانَت زيدا الْحمى تَأْخُذ. وأتى أَبُو الْحسن بمسائل هُنَاكَ يفصل فِيهَا بالظرف الْمُتَعَلّق بالْخبر. انْتهى. وَقد فصل ابْن السراج فِي الْأُصُول مَذْهَب الْكُوفِيّين فِي هَذِه الْمَسْأَلَة قَالَ: إِذا كَانَ الظّرْف غير مَحل للاسم سَمَّاهُ الْكُوفِيُّونَ الصّفة النَّاقِصَة وَجعله البصريون لَغوا وَلم يجز فِي الْخَبَر إِلَّا الرّفْع وَذَلِكَ قَوْلك: فِيك عبد الله رَاغِب ومنك أَخَوَاك هاربان وَإِلَيْك قَوْمك قاصدون لِأَن مِنْك وفيك وَإِلَيْك لَا تكون محلا وَلَا يتم بهَا الْكَلَام.

وَقد أجَاز الْكُوفِيُّونَ: فِيك رَاغِبًا عبد الله شبهها الْفراء بِالصّفةِ التَّامَّة لتقدم رَاغِب على عبد الله. وَذهب الْكسَائي إِلَى أَن الْمَعْنى: فِيك رَغْبَة عبد الله. واستضعفوا أَن يَقُولُوا: فِيك عبد الله رَاغِبًا وأنشدوا بَيْتا جَاءَ فِيهِ مثل هَذَا مَنْصُوبًا. فَلَا تلحني فِيهَا فَإِن بحبها ... ... . الْبَيْت فنصب مصاب الْقلب على التَّشْبِيه بِقَوْلِك: إِن بِالدَّار أَخَاك وَاقِفًا إِلَى آخر مَا فَصله. وَقَوله: فَلَا تلحني هُوَ نهيٌ أَي: لَا تلمني فِي حب هَذِه الْمَرْأَة فقد أُصِيب قلبِي بهَا وَاسْتولى عَلَيْهِ حبها والعذل لَا يصرفني عَنْهَا. يُقَال: لحيت الرجل إِذا لمته. قَالَ صَاحب الصِّحَاح: ولحيت الرجل ألحاه لحياً إِذا لمته فَهُوَ ملحيٌّ ولاحيته ملاحاة ولحاءً إِذا نازعته. وَفِي الْمثل:: من لاحاك فقد عاداك. وتلاحوا إِذا تنازعوا وَأَصله من لحيت الْعَصَا ألحيها لحياً إِذا سلخت لحاءها وجلدها. وَكَذَلِكَ لحوتها ألحوها لحواً. واللحاء بِالْكَسْرِ وَالْمدّ: قشر الشّجر. وَفِي الْمثل: لَا تدخل بَين الْعَصَا ولحائها. كَذَا فِي الصِّحَاح. وَقَالَ صَاحب الْمِصْبَاح: اللحاء بِالْكَسْرِ وَالْمدّ وَالْقصر لُغَة: مَا على الْعود من قشره. ولحوت الْعود لحواً من بَاب قَالَ ولحيته لحياً من بَاب نفع إِذا قشرته. والمصاب: اسْم مفعول من أُصِيب بِكَذَا من الْمُصِيبَة وَهِي الشدَّة النَّازِلَة. والجم بِالْجِيم: الْكثير. والبلابل: الأحزان وشغل البال وَاحِدهَا بلبال. وَهُوَ مُبْتَدأ وجمٌّ خَبره وَالْجُمْلَة خبر ثانٍ لإن.)

وَزَاد الْعَيْنِيّ: أَو هِيَ بدل من قَوْله مصاب الْقلب فَتَأمل. وَقَالَ البلابل: الوساوس وَهُوَ جمع بلبلة وَهِي الوسوسة. وَالْبَيْت من الأبيات الْخمسين الَّتِي هِيَ فِي كتاب سِيبَوَيْهٍ وَلم يعرف لَهَا قَائِل وَالله أعلم. وَأنْشد بعده الرجز (لَا تتركني فيهم شطيرا ... إِنِّي إِذن أهلك أَو أطيرا) على أَن الْفِعْل جَاءَ مَنْصُوبًا ب إِذن مَعَ كَونه خَبرا عَمَّا قبلهَا بِتَأْوِيل أَن الْخَبَر هُوَ مَجْمُوع إِذن أهلك لَا أهلك وَحده فَتكون إِذن مصدرة. وَقَالَ الأندلسي: يجوز أَن يكون خبر إِن محذوفاً: أَي: إِنِّي لَا أحتمل. ثمَّ ابْتَدَأَ فَقَالَ: إِذن أهلك. وَالْوَجْه رفع أهلك وَجعل أَو بِمَعْنى إِلَّا. أما التَّخْرِيج الأول فَهُوَ للشَّارِح الْمُحَقق. وَقد رده الدماميني فِي الْحَاشِيَة الْهِنْدِيَّة بِأَن مُقْتَضَاهُ جَوَاز قَوْلك: زيد إِذن يقوم بِالنّصب على جعل الْخَبَر هُوَ الْمَجْمُوع إِذْ الِاعْتِمَاد الْمَانِع منتفٍ إِذْ هُوَ ثَابت للمجموع وصريح كَلَامهم يأباه. وَأجِيب عَن الرضي بِأَن تَخْرِيجه إِنَّمَا هُوَ لبَيَان وَجه ارْتِكَاب الشذوذ فِي هَذَا المسموع فَلَا يكون مُقْتَضَاهُ جَوَاز النصب فِي كل مَا سواهُ مِمَّا لم يتَحَقَّق فِيهِ شذوذ. هَذَا كَلَامه. وَلَا يخفى أَن مُرَاد الرضي تَخْرِيجه على عَملهَا المألوف قِيَاسا وَهُوَ أَن لَا يعْتَمد مَا بعْدهَا على مَا قبلهَا بِدَلِيل مُقَابلَته لقَوْل الأندلسي.

وَأما قَول الأندلسي وَعَلِيهِ اقْتصر ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي فَهُوَ تَخْرِيج السيرافي. قَالَ فِي شرح فَإِن صَحَّ فإمَّا أَن يُقَال: إِنَّه لغةٌ حمل فِيهَا إِذن على لن وَهِي لَا تلغى بِحَال. أَو تَقول: خبر إِن مُقَدّر أَي: إِنِّي لَا أقدر على ذَلِك وَجُمْلَة: إِذن أهلك مستأنفة وَإِذن فِيهَا مصدرة. انْتهى. وَفِيمَا قَالَه تخريجان آخرَانِ فَصَارَت التخاريج أَرْبَعَة. وسلك نَحوه ابْن يعِيش فِي شرح الْمفصل فَقَالَ: الْبَيْت شَاذ. وَإِن صحت الرِّوَايَة فَهُوَ مَحْمُول على أَن يكون الْخَبَر محذوفاً. وساغ حذف الْخَبَر لدلَالَة مَا بعده عَلَيْهِ وَابْتِدَاء إِذن بعد تَمام الْمُبْتَدَأ بِخَبَرِهِ. أَو يكون شبه إِذن هَا هُنَا بلن فَلم يلغها لِأَنَّهُمَا جَمِيعًا من نواصب الْأَفْعَال الْمُسْتَقْبلَة. وتشبه إِذن من عوامل الْأَفْعَال بِأَفْعَال الشَّك وَالْيَقِين لِأَنَّهَا أَيْضا تعْمل وتلغى لِأَن أَفعَال الشَّك) إِذا تَأَخَّرت أَو توسطت يجوز أَن تعْمل. وَإِذن إِذا توسطت بَين جزأي كلامٍ أَحدهمَا محتاجٌ إِلَى الآخر لم يجز أَن تعْمل لِأَنَّهَا حرف والحرف أَضْعَف فِي الْعَمَل من الْأَفْعَال. انْتهى. وَقد نقل ابْن الْحَاجِب تخريجاً خَامِسًا فِي شرح الْمفصل قَالَ: وَقد أول: إِنِّي إِذن أهلك على معنى: إِنِّي أَقُول. وَالْقَوْل يحذف كثيرا. وَقد ناقشه الإِمَام الحديثي فِي شرح الكافية بِأَنَّهُ إِنَّمَا يتَخَلَّص

عَنهُ بِهِ إِذا كَانَ الْموضع للحكاية فَقَط. وَفِيه نظر. وَألا يكون حِينَئِذٍ مُعْتَمدًا على أَقُول. وتوضيحه: أَن الْمَحْكُوم عَلَيْهِ بِأَنَّهُ خبر وَأَنه فِي مَوضِع رفع حِينَئِذٍ إِمَّا الْحِكَايَة فَقَط أَعنِي جملَة أَقُول وَبِه يتَحَقَّق الْخَلَاص عَن هَذِه الورطة. أَو الْحِكَايَة أَو المحكي أَعنِي مَجْمُوع أَقُول إِذن أهلك. لَا سَبِيل إِلَى الأول لاقْتِضَائه قطع كلٍّ من القَوْل وَالْمقول عَن صَاحبه واستئناف مَا حَقه أَن لَا يسْتَأْنف. وَلَا إِلَى الثَّانِي لبَقَاء الْإِشْكَال لتحَقّق النصب مَعَ الِاعْتِمَاد فَإِن أهلك معتمدٌ على أَقُول لكَونه جُزْء معموله الَّذِي هُوَ إِذن أهلك. وَأجَاب عَنهُ ابْن الْحَنْبَلِيّ فِيمَا كتبه على الْمُغنِي كَمَا نَقله عَنهُ تِلْمِيذه ابْن الملا بِأَنا لَا نسلم أَن جُزْء الْمُعْتَمد مُعْتَمد. وَلَئِن سلمناه فَلَا نسلم أَن كل معمولٍ لشَيْء يكون مُعْتَمدًا عَلَيْهِ فَهُوَ قد حصروا صور الِاعْتِمَاد فِي ثَلَاث صور لَيْسَ إِلَّا بِحكم الاستقراء فَدلَّ ذَلِك على أَن مَا عَداهَا لَا يتَحَقَّق فِيهِ اعْتِمَاد وَإِن تحققت معموليته بِوَجْه مَا. ثمَّ قَالَ: وَلَعَلَّ ابْن الْحَاجِب قدر أَقُول ليَكُون إِذن أهلك أَو أطير مقولاً وَقعت فِيهِ إِذن مصدرة وَإِن توهم أَنَّهَا بِتَقْدِير أَقُول غير مصدرة. أَلا ترى أَن الْقَائِل إِذا قَالَه بعد كَمَا سبق بِهِ الرَّعْد أظهرت صدارتها فِيهِ. انْتهى. وَهَذَا بحثٌ جيد إِلَّا أَنه يرد على تَخْرِيجه بإضمار القَوْل مَا ورد على تَخْرِيج الشَّارِح الْمُحَقق وَقَول الأندلسي: وَالْوَجْه رفع أهلك. وَقَالَ الحديثي: الْحق رفع أهلك وَجعل أَو بِمَعْنى إِلَّا أَن كَمَا فِي

قَوْلك: لألزمنك أَو تقضيني حَقي أَي: إِلَّا أَن تقضيني حَقي. أَرَادَ أَن الرّفْع فِيهِ وَفِي مثله هُوَ الْقيَاس جَريا على الْقَاعِدَة. وتعسف ابْن الملا فِي قَوْله: إِن أَرَادَ أَنه الْوَجْه وَالْحق فِي مثل هَذَا التَّرْكِيب إِذا صدر من مُتَكَلم فَلهُ وَجه وَلَكِن غير نَافِع لنا بِوَجْه. وَإِن أَرَادَ أَنه الْوَجْه وَالْحق فِي قَول هَذَا الشَّاعِر فَمَمْنُوع. فَإِنَّهُ) كَيفَ يسلم لَهما ذَلِك حَيْثُ ثَبت أَن الرِّوَايَة عَن الْقَائِل بِنصب الْفِعْلَيْنِ. انْتهى. وَقَالَ الْعَيْنِيّ: إِعْمَال إِذن فِي الْبَيْت ضَرُورَة خلافًا للفراء. أَرَادَ بِالضَّرُورَةِ مَا هُوَ الْمَذْهَب الصَّحِيح وَهُوَ مَا أَتَى فِي النّظم دون النثر سواءٌ كَانَ عَنهُ مندوحة أم لَا. وَلم يصب ابْن الملا فِي قَوْله: هَذَا إِنَّمَا يتَّجه بِالنِّسْبَةِ إِلَى نصب أطير دون أهلك فَإِنَّهُ إِن كَانَ ثمَّ ضَرُورَة فَهِيَ قصد التَّوْفِيق بَينه وَبَين شطيراً حذرا من عيب الإقواء. اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يَدعِي أَن هَذِه الضَّرُورَة ألجأت إِلَى نصب أهلك لِئَلَّا يعْطف منصوبٌ على مَرْفُوع. هَذَا كَلَامه. وَأي مَانع من الْعَطف بِالنّصب بِأَن بعد أَو الَّتِي بِمَعْنى إِلَّا كَمَا نَقله عَن الأندلسي والحديثي. هَذَا. وَقد نقل الْفراء عَن الْعَرَب فِي تَفْسِيره أَن النصب فِي مثل الْبَيْت لُغَة قَالَ عِنْد تَفْسِير قَوْله تَعَالَى: أم لَهُم نصيبٌ من الْملك فَإِذا لَا يُؤْتونَ النَّاس نقيرا: إِذا وَقعت إِذن على يفعل وَقَبله اسمٌ بطلت فَلم تنصب فَقلت: أَنا إِذن أضربك. وَإِذ كَانَت فِي أول الْكَلَام

إِن نصبت يفعل وَرفعت فَقلت: إِنِّي إِذن أوذيك. وَالرَّفْع جَائِز. أَنْشدني بعض الْعَرَب: (لَا تتركني فيهم شطيرا ... إِنِّي إِذن أهلك أَو أطيرا) وَقَالَ أَيْضا فِي تَفْسِير سُورَة الْأَحْزَاب عِنْد قَوْله تَعَالَى: وَإِذا لَا تمتعون: وَقد تنصب الْعَرَب ب إِذن وَهِي بَين الِاسْم وَخَبره فِي إِن وَحدهَا فَيَقُولُونَ: إِنِّي إِذن أضربك. قَالَ الشَّاعِر: لَا تتركني فيهم شطيرا ... ... الْبَيْت وَالرَّفْع جَائِز. وَإِنَّمَا جَازَ فِي إِن وَلم يجز فِي الْمُبْتَدَأ بِغَيْر إِن لِأَن الْفِعْل لَا يكون مقدما فِي إِن وَقد يكون مقدما لَو أسقطت. هَذَا كَلَامه. وَأَنت ترى أَنه إمامٌ ثِقَة وَقد نقل عَن أهل اللِّسَان فَيَنْبَغِي جَوَاز النصب فِي الْفِعْل الْوَاقِع خَبرا لاسم إِن لَا غير حَسْبَمَا نقل وَحِينَئِذٍ يسْقط مَا تكلفوا من التَّخْرِيج. وَأفَاد الْفراء أَن الْبَيْت حجَّة يَصح الِاسْتِدْلَال بِهِ لقَوْله: أَنْشدني بعض الْعَرَب فَيكون جَوَاز وَقد أطلق الشَّارِح الْمُحَقق فِي العاطف وَلم يمثل إِلَّا لما اقْترن بِالْوَاو وَالْفَاء. وَقد صرح الْفراء فِي) تَعْمِيم العاطف قَالَ: إِذا كَانَ فِي الْفِعْل فاءٌ أَو واوٌ أَو ثمَّ أَو أَو أَو حرفٌ من حُرُوف النسق فَإِن شِئْت كَانَ مَعْنَاهَا

معنى الِاسْتِئْنَاف فَنصبت بهَا أَيْضا وَإِن شِئْت جعلت الْفَاء أَو الْوَاو إِذا كَانَتَا مِنْهَا منقولتين عَنْهَا إِلَى غَيرهَا. وَالْمعْنَى فِي قَوْله: فَإِذا لَا يُؤْتونَ على: فَلَا يُؤْتونَ النَّاس نقيراً إِذا. ويدلك على ذَلِك أَنه فِي الْمَعْنى وَالله أعلم جوابٌ لجزاء مُضْمر كَأَنَّهُ قلت: وَلَئِن كَانَ لَهُم أَو لم كَانَ لَهُم نصيب لَا يُؤْتونَ النَّاس إِذا نقيراً. وَهِي فِي الْقِرَاءَة عبد الله مَنْصُوبَة. وَإِذا رَأَيْت الْكَلَام تَاما مثل قَوْلك: هَل أَنْت قَائِم ثمَّ قلت: فَإِذن أضربك نصبت بِإِذن ونصبت بِجَوَاب الْفَاء ونويت النَّقْل. وَكَذَلِكَ الْأَمر وَالنَّهْي يصلح فِي إِذن وَجْهَان: النصب بهَا ونقلها. وَلَو شِئْت رفعت الْفِعْل إِذا نَوَيْت النَّقْل فَقلت: ائته فَإِذن يكرمك زيد فَهُوَ يكرمك إِذن وَلَا تجعلها جَوَابا. هَذَا كَلَامه. وَقد أجَاز الْجَزْم وَالنّصب وَالرَّفْع فِي جَوَاب الشَّرْط قَالَ: وَإِذا كَانَ قبلهَا جزاءٌ وَهِي لَهُ جوابٌ قلت: إِن تأتني إِذن أكرمك وَإِن شِئْت: إِذن أكرمك. فَمن جزم أَرَادَ أكرمك إِذن وَمن نصب نوى فِي إِذن فَاء تكون جَوَابا فنصب الْفِعْل بِإِذن وَمن رفع جعل إِذن منقولة إِلَى آخر الْكَلَام كَأَنَّهُ قَالَ: فأكرمك إِذن. اه. وَهَذَا خلاف مَذْهَب الْبَصرِيين وَلَيْسَ عِنْدهم إِلَّا الْجَزْم. وَقَوله: لَا تتركني إِلَخ التّرْك يسْتَعْمل بِمَعْنى التَّخْلِيَة وَيَتَعَدَّى

(الشاهد الخمسون بعد الستمائة)

لمفعول وَاحِد وَبِمَعْنى التصيير فيتعدى لاثْنَيْنِ أَصلهمَا الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر وَهنا محتملٌ لكلٍّ مِنْهُمَا فشطيرا على الأول حَال من الْيَاء وعَلى الثَّانِي هُوَ الْمَفْعُول الثَّانِي وَفِيهِمْ عَلَيْهِمَا مُتَعَلق بِالتّرْكِ أَو هُوَ الْمَفْعُول الثَّانِي. وشطيراً حالٌ من ضمير الظّرْف وَيجوز أَن يكون مَفْعُولا آخر مكرراً كَمَا قيل فِي قَوْله تَعَالَى: وتركهم فِي ظلماتٍ لَا يبصرون إِن فِي ظلمات مفعول ثَان وَجُمْلَة: لَا يبصرون مفعول آخر مُكَرر. وَقَالَ الْعَيْنِيّ: فيهم يتَعَلَّق بشطيراً وشطيراً نصب على الْحَال وَالتَّقْدِير: لَا تتركني حَال كوني شطيراً كَائِنا فيهم. هَذَا كَلَامه. وَلَا يخفى أَن ذكر كَائِنا مَعَ قَوْله مُتَعَلق بشطيراً لَا وَجه لَهُ.) والشطير: الْغَرِيب. وَأهْلك بِكَسْر اللَّام والماضي بِفَتْحِهَا. وَالشعر لم ينْسبهُ أحدٌ إِلَى قَائِله. وَالله وَأنْشد بعده (الشَّاهِد الْخَمْسُونَ بعد الستمائة) وَهُوَ من شَوَاهِد س: الْبَسِيط (ازجر حِمَارك لَا يرتع بروضتنا ... إِذن يرد وَقيد العير مكروب) على أَنه يجوز على مَذْهَب الْكسَائي أَن يكون لَا يرتع مَجْزُومًا بِكَوْن لَا فِيهِ للنَّهْي لَا أَنه جَوَاب الْأَمر. وَيرد مَجْزُومًا لَا مَنْصُوبًا بِكَوْنِهِ جَوَابا للنَّهْي كَمَا هُوَ مذْهبه فِي

نَحْو: لَا تكفر تدخل النَّار. فَيكون الْمَعْنى لَا يرتع إِن يرتع يرد. وَعند غَيره: يرد مَنْصُوب وَإِذن مُنْقَطع عَمَّا قبله مصدر كَأَن الْمُخَاطب قَالَ: لَا أزجره. فَأجَاب بقوله: إِذن يرد. أَقُول: يكون لَا يرتع على قَول الْكسَائي بَدَلا من ازجر وَهُوَ أوفى من الأول فِي تأدية الْمَعْنى المُرَاد كَقَوْلِه: الطَّوِيل أَقُول لَهُ ارحل لَا تقيمن عندنَا وَإِذن تكون مُؤَكدَة للشّرط الْمُقدر وَهُوَ إِن يرتع وَيرد جَوَاب الشَّرْط الْمُقدر. وَهُوَ مجزوم بِسُكُون مُقَدّر والفتحة لدفع التقاء الساكنين. وَيجوز ضم الدَّال وَكسرهَا أَيْضا للدَّفْع الْمَذْكُور وَالْأَصْل يردد فَلَمَّا أدغم سكنت الدَّال الأولى وَالثَّانيَِة سَاكِنة أَيْضا للجزم فَالتقى ساكنان فلنا أَن تدفع التقاءهما بِإِحْدَى الحركات الثَّلَاث. وَقَوله: بِكَوْنِهِ جَوَابا للنَّهْي مُتَعَلق بقوله مَجْزُومًا. وَقَوله: وَعند غَيره يرد مَنْصُوب أَي: عِنْد غير الْكسَائي يرد مَنْصُوب بِإِذن فالفتحة

فَتْحة إِعْرَاب وَإِذن هُنَا لَيست متضمنة للشّرط وَإِنَّمَا هِيَ متضمنة للنَّهْي وَهُوَ لَا تزجره. وَعبر التبريزي فِي شَرحه عَن هَذَا بِأَن إِذن هُنَا على بَابهَا لِأَنَّهَا جَوَاب كَلَام مُقَدّر لِأَنَّهُ قدر أَن الْمَأْمُور بِالرَّدِّ قَالَ: لَا أرد. فَأَجَابَهُ بذلك وحذفه لفهم الْمَعْنى. اه. وَهَذَا من غير الْغَالِب كَمَا قَالَ الشَّارِح الْمُحَقق: الْغَالِب فِي إِذن تضمن الشَّرْط. وَهَذَا الْوَجْه هُوَ مَذْهَب سِيبَوَيْهٍ قَالَ فِي الْكتاب: وَاعْلَم أَن إِذن إِذا كَانَت بَين الْفِعْل وَبَين شيءٍ الْفِعْل معتمدٌ عَلَيْهِ) فَإِنَّهَا ملغاة لَا تنصب الْبَتَّةَ كَمَا لَا تنصب أرى إِذا كَانَت بَين الْفِعْل وَالِاسْم فِي قَوْلك: كَانَ أرى زيدٌ ذَاهِبًا. فَإِذن لَا تصل فِي ذَا الْموضع إِلَى أَن تنصب كَمَا لَا تصل أرى هُنَا إِلَى أَن تنصب. فَهَذَا تَفْسِير الْخَلِيل. وَذَلِكَ قَوْلك: أَنا إِذن آتِيك فَهِيَ هُنَا بِمَنْزِلَة أرى حَيْثُ لَا تكون إِلَّا ملغاة. وَلَيْسَ هَذَا كَقَوْل ابْن عنمة الضَّبِّيّ: (ارْدُدْ حِمَارك لَا تنْزع سويته ... إِذن يرد وَقيد العير مكروب) من قبل أَن هَذَا مُنْقَطع من الْكَلَام الأول وَلَيْسَ مُعْتَمدًا على مَا قبله لِأَن مَا قبله مستغن. انْتهى.

وَأَجَازَ الأعلم هُنَا رفعٌ يرد قَالَ: الشَّاهِد فِيهِ نصب مَا بعد إِذن لِأَنَّهَا مُبتَدأَة. وَالرَّفْع جائزٌ على إلغائها وَتَقْدِير الْفِعْل وَاقعا للْحَال لِأَن حُرُوف النصب لَا تعْمل إِلَّا فِيمَا خلص للاستقبال. اه. وَالْبَيْت من أبياتٍ ستةٍ لعبد الله بن عنمة أوردهَا الْمفضل فِي المفضليات وَأَبُو تَمام فِي الحماسة وَهِي: (مَا إِن ترى السَّيِّد زيدا فِي نُفُوسهم ... كَمَا ترَاهُ بَنو كوز ومرهوب) (إِن يسْأَلُوا الْحق نعط الْحق سائله ... والدرع محقبةٌ وَالسيف مقروب) (وَإِن أَبَيْتُم فَإنَّا معشرٌ أنفٌ ... لَا نطعم الْخَسْف إِن السم مشروب) فازجر حِمَارك لَا يرتع ... ... . الْبَيْت (إِن تدع زيدٌ بني ذهل لمغضبةٍ ... نغضب لزرعة إِن الْفضل مَحْسُوب) قَوْله: مَا إِن ترى السَّيِّد إِلَخ إِن زَائِدَة مُؤَكدَة لما النافية. وَالسَّيِّد بِالْكَسْرِ وَزيد وكوز ومرهوب كلٌّ من الْأَرْبَعَة: أَبُو حيٍّ من بني ضبة. وَزيد وكوز أَخَوان ابْنا كَعْب بن بجالة بن ذهل بن مَالك بن بكر بن سعد بن ضبة بن أد ابْن طابخة. وَالسَّيِّد هُوَ أَخُو ذهل الْمَذْكُور.

ومرهوب هُوَ ابْن عبيد بن هَاجر بن كَعْب بن بجالة الْمَذْكُور. وَقد روى الضَّبِّيّ فِي المفضليات كرز بالراء الْمُهْملَة بدل الْوَاو. قَالَ المرزوقي: يَقُول: بَنو السَّيِّد لَا يقسمون لزيد بن التَّعْظِيم وَلَا يوجبون لَهُ فِي نُفُوسهم من الْحُرْمَة والتبجيل مَا يُوجِبهُ ويقسمه بَنو كوز ومرهوب. وَالضَّمِير على هَذَا فِي نُفُوسهم للسَّيِّد. وَلَا يمْتَنع أَن يكون لزيد لِأَنَّهُ قَبيلَة.) وَهَذَا كَمَا يُقَال: لَك فِي نَفسك حقٌّ ومنزلة كَأَن زيدا كَانَ لَهُ إِذا رَجَعَ نَفسه من التَّوَجُّه والإدلال والتخصيص والاعتزاز فِي بني كوز ومرهوب مَا لَا يكَاد يجده فِي بني السَّيِّد. وَقَوله: إِن تسألوا الْحق إِلَخ قَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: قَالَ الضَّبِّيّ: قَوْله محقبة أَي: تكون الدرْع فِي حقيبة الْبَعِير. وَكَذَلِكَ كَانَت الْعَرَب تفعل بالدروع إِذا هموا بِالْقِتَالِ اسْتخْرجُوا الدروع من الحقائب فَلَبِسُوهَا. وَقَوله: مقروب أَي: فِي قرَابه. يُقَال: قربت السَّيْف: أدخلته فِي قرَابه وَهُوَ غمده. يَقُول: إِن أردتم الصُّلْح أجبناكم وَالسِّلَاح مَسْتُور وَإِن أَبَيْتُم أظهرناه لكم. وَقَوله: وَإِن أَبَيْتُم إِلَخ الْأنف بِضَمَّتَيْنِ: جمع أنوف وَهُوَ الَّذِي بِهِ أنفةٌ ونخوة. والخسف: حمل الْإِنْسَان على مَا يكرههُ ثمَّ اسْتعْمل فِي معنى الذل. يُقَال: سمته الْخَسْف إِذا حَملته على الهوان. وأصل الْخَسْف أَن تبيت الدَّابَّة على غير علف. يَقُول: إِن اقتصرتم على أَخذ حقكم أعطيناكموه وَالْحَرب موضوعةٌ بَيْننَا وَبَيْنكُم وَإِن طلبتم أَكثر

مِنْهُ أَبينَا أَن نعطيكم إِيَّاه. واستعار الطّعْم وَالشرب لتجرع الغصة وتوطين النَّفس على الْمَشَقَّة عِنْد إِزَالَة المذلة ورد الكريهة. قَالَ المرزوقي: لَا نطعم الْخَسْف وَإِن شربنا السم. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد الْأَعرَابِي فِي شَرحه: لَا نطعم: لَا نذوق. وطعمت الشَّيْء: ذقته وطعمته: أَكلته أَيْضا. وَالْمعْنَى وَإِن أَبَيْتُم الْحق فَإنَّا لَا نقر بالخسف أَي: الهوان ونؤثر عَلَيْهِ شرب السم كَمَا قَالَ: الطَّوِيل ويركب حد السَّيْف من أَن تضيمه وَقَالَ التبريزي: مَعْنَاهُ نَحن نأبى الذل وَإِن كَانَ غَيرنَا يقر بِمَا هُوَ أبلغ فِي الهوان. أَو يُرِيد: إِن السم مشروبٌ وَإِن احتجنا إِلَى شربه شربناه وَلم نقبل ضيماً لِأَن الْإِنْسَان يصبر على شرب السم وَيكون ذَلِك أيسر عَلَيْهِ من صبره على الضيم. وَقَوله: مشروب أَي: كل أحد يشربه وَلَا يُعْفَى مِنْهُ كَقَوْلِك: إِن الْحَوْض مورود يُرِيد بِهِ الْمَوْت أَيْضا. يَقُول: فعلام نحمل الضيم ومصيرنا إِلَى الْمَوْت ورده أَبُو مُحَمَّد الْأَعرَابِي فِيمَا كتبه عَلَيْهِ وَقَالَ: إِنَّمَا أَرَادَ: إِنَّا نَخُوض الْمَوْت ونحتمل الشدائد وَلَا ننزل تَحت الضيم.)

قَالَ التبريزي بَعْدَمَا نقل هَذَا الْكَلَام: هَذِه الْأَقْوَال يقرب بَعْضهَا من بعض وَكلهَا ترجع إِلَى معنى وَاحِد وَلَيْسَ فِيهَا مَا يرد. وَقَوله: فازجر حِمَارك إِلَى آخِره هَكَذَا فِي جَمِيع الرِّوَايَات بِالْفَاءِ وَقد سَقَطت من رِوَايَة الشَّارِح الْمُحَقق تبعا لرِوَايَة سِيبَوَيْهٍ: ارْدُدْ حِمَارك فِي إِسْقَاط الْفَاء. ورتعت الْمَاشِيَة رتعاً من بَاب نفع ورتوعاً: رعت كَيفَ شَاءَت. وَالرَّوْضَة: الْموضع المعجب الزهور. قيل: سمي بذلك لاستراضه الْمِيَاه المسائلة إِلَيْهَا أَي: لسكونها بهَا. وأراض الْوَادي واستراض إِذا استنقع فِيهِ المَاء. كَذَا فِي الْمِصْبَاح. وروى سِيبَوَيْهٍ هَذَا المصراع: ارْدُدْ حِمَارك لَا تنْزع سويته وَالرَّدّ: الإرجاع. والنزع: السَّلب. قَالَ الأعلم. والسوية: شيءٌ يَجْعَل تَحت البرذعة للحمار وَكَذَا أوردهُ الْجَوْهَرِي وَقَالَ: السوية: كساءٌ محشوٌ بثمام وَنَحْوه كالبرذعة وَالْجمع سوايا. وَكَذَلِكَ الَّذِي يَجْعَل على ظهر الْإِبِل إِلَّا أَنه كالحلقة لأجل السنام وَتسَمى الحوية. وَالْحمار وَالْعير بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة هما الذّكر من الْحمير. وَكَانَ الظَّاهِر أَن يَقُول وَهُوَ مكروب لكنه أعَاد الْحمار باسمه الظَّاهِر المرادف لَهُ للضَّرُورَة. وَحسنه وُقُوعه فِي جملَة مُسْتَقلَّة.

قَالَ المرزوقي قَوْله: ازجر حِمَارك: هَذَا مثلٌ وَالْمعْنَى انقبض عَن التَّعَرُّض لنا وَالدُّخُول فِي حريمنا ورعي سوامك بروضتنا فَإنَّك إِن لم تفعل ذَلِك ذممت عَاقِبَة أَمرك. وَجعل إرْسَال الْحمار فِي حماهم كِنَايَة عَن التحكك بهم والتعرض لمساءتهم وَلَا حمَار ثمَّ وَلَا روض. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: اكفف لسَانك. وَقَوله: إِذن قَالَ سِيبَوَيْهٍ: هُوَ جوابٌ وجزاءٌ فالابتداء الَّذِي هُوَ جَوَابه وجزاؤه مَحْذُوف مستدلٌ عَلَيْهِ مِمَّا فِي كَلَامه كَأَنَّهُ قَالَ: فَإِنَّهُ إِن رتع رَجَعَ إِلَيْك وَقد ضيق قَيده أَي ملىء قَيده فَتلا حَتَّى لَا يمشي إِلَّا بتعب. كَأَنَّهُ يضْرب أَو يسْتَعْمل حَتَّى يرم جِسْمه وَيُؤَدِّي الوجع مِنْهُ إِلَى مَوضِع حَافره فيضيق عَلَيْهِ الْقَيْد. اه. وَكَذَا قَالَ ابْن الْأَنْبَارِي عَن الضَّبِّيّ: إِن المكروب الشَّديد الفتل يُقَال: قد كرب حبله إِذا شدّ فتله كَأَنَّهُ من قَوْلهم: فلَان مكروبٌ أَي: ممتلىءٌ غماً. وَكَذَلِكَ الْحَبل ممتلىءٌ فَتلا. وَالْمعْنَى: انته عَنَّا وازجر نَفسك عَن التَّعَرُّض لنا وَإِلَّا رددناك مضيقاً عَلَيْك مَمْنُوعًا من) إرادتك. اه. وَقَالَ التبريزي: يَقُول: اكفف شرك عَنَّا. وَجعل الْحمار كِنَايَة عَن الأذاة أَو عَن رجلٍ من أَصْحَاب هَذَا الْمُخَاطب يتَعَرَّض لَهُم بالمكاره. وَهَذَا نحوٌ من قَول النَّابِغَة: الطَّوِيل (سأمنع كَلْبِي أَن يريبك نبحه ... وَإِن كنت أرعى مسحلان فحامرا) وَالْعرب تكني بالحمار وَالْعير فِي أنحاء الْكَلَام فَيَقُولُونَ: قد

حل حِمَاره أَو عيره بمَكَان كَذَا إِذا أَقَامَ فِيهِ وَتمكن. وَقَوله: وَقيد العير إِلَخ أَي: مدانى مضيق حَتَّى لَا يقدر على الخطو. اه. وَنقل النمري فِي شَرحه عَن الْبَاهِلِيّ صَاحب كتاب الْمعَانِي أَن المكروب من كربت الشَّيْء إِذا أحكمته فأوثقته. وَمعنى الْبَيْت إِنَّا نرد الْحمار مملوءاً قَيده فَتلا كَمَا يمتلىء الْإِنْسَان كرباً. وَحكى ثعلبٌ عَن ابْن الْأَعرَابِي فِي قَوْله: فازجر حِمَارك أَي: اكفف لسَانك. وَقَالَ يَعْقُوب: هَذَا مثل يَقُول: رد أَمرك وشرك عَنَّا وَلَا تعرض لنا فَإِن لَا تفعل يرجع عَلَيْك أَمرك مضيقاً. هَذَا كَلَامه. ورد عَلَيْهِ أَبُو مُحَمَّد الْأَعرَابِي فِيمَا كتبه عَلَيْهِ وَقَالَ: هَذَا مَوضِع الْمثل: عيٌّ ناطقٌ أعيا من عيٍّ سَأَلت أَبَا الندى رَحِمَهُ اللَّهُ عَن مَعْنَاهُ فَقَالَ: قَوْله: ازجر حِمَارك يَعْنِي فرس زيد الفوارس واسْمه عرقوب فكنى عَنهُ بالحمار على سَبِيل التهكم والهزء. قَالَ: وَبعد الْبَيْت مَا يدلك على ذَلِك وَهُوَ: وَلَا يكونن كمجرى داحسٍ لكم ... ... . الْبَيْت قَالَ: وَقَوله: وَقيد العير مكروب أَي: إِنَّهُم يعقرونه. والعقر أضيق الْقُيُود. وَجعل الْقَعْقَاع بن عَطِيَّة الْبَاهِلِيّ الْعقر عقَالًا فَقَالَ: الطَّوِيل (فَخر وظيف القرم فِي نصف سَاقه ... وَذَاكَ عقالٌ لَا ينشط عاقله) انْتهى. وَقَوله: إِن يدع زيد بني ذهل إِلَخ قَالَ المرزوقي: يَقُول: إِن غضب بَنو ذهلٍ لزيد وامتعضوا من ضيمٍ يركبهَا فأغاثوها

إِذا استجارت بهم غضبنا نَحن لزرعة وانتقمنا لَهُ مِمَّن يهتضمه إِن الْفضل مَعْدُود. وَالْمعْنَى: إِنَّه لَا فضل لكم علينا فقد عددنا مَا لكم وَلنَا فَلم نجد زِيَادَة لكم توجب لكم) التعلي والتغلب. وَإِذا كَانَ الْأَمر بَيْننَا على التَّسَاوِي فَلَا استبداد وَلَا احتكام. وروى: إِن القبص مَحْسُوب بِكَسْر الْقَاف وَسُكُون الْمُوَحدَة وَآخره صَاد مُهْملَة وَهُوَ الْعدَد الْكثير وَيكون الْكَلَام مثلا. وَيُقَال: إِنَّهُم لفي قبص الْعدَد وَفِي قبص الْحَصَا: فِي أَكثر مَا يُسْتَطَاع عدده من كثرته. وَالْمرَاد أَن الْأَعْدَاد الْكَثِيرَة تضبط وتحصر فَكيف مَا بَيْننَا من تقَارب أَو تفاضلٍ أَو تساوٍ وتعادل. وَقَوله: وَلَا يكونن كمجرى داحس إِلَخ قَالَ المرزوقي: كَانَ التَّنَازُع بَينهم فِي رهانٍ وَقع على عرقوب وَهُوَ فرسٌ لَهُم فَيَقُول: لَا يكونن جري عرقوبٍ عَلَيْكُم فِي الشؤم. كجري داحس فِي غطفان غَدَاة شعب الحيس. فَقَوله: عرقوب ارْتَفع على أَنه اسْم وَلَا يكونن وَقد حذف الْمُضَاف مِنْهُ أَي: لَا يكونن مجْرى عرقوب كمجرى داحس. وغداة ظرفٌ لمجرى. وَجعل النَّهْي فِي اللَّفْظ لعرقوب وَهُوَ فِي الْمَعْنى لَهُم. حذرهم اسْتِعْمَال اللجاج لَيْلًا يتَأَدَّى الْأَمر إِلَى مثل مَا تأدى فِي رهان داحسٍ والغبراء. وَمثل هَذَا فِي النَّهْي قَوْلهم: لَا أرينك هَا هُنَا. انْتهى. وَلم يذكر أحد قصَّة هَذِه الأبيات. وَعبد الله بن عنمة بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَالنُّون وَالْمِيم. والعنمة فِي اللُّغَة: وَاحِدَة العنم وَهِي قضبانٌ حمرٌ تنْبت فِي جَوف السمرَة تشبه بهَا البنان المخضوبة. وَقيل: هِيَ أَطْرَاف الخروب الشَّامي. وَيُقَال:

هُوَ دودٌ أَحْمَر يكون فِي الرمل يشبه بِهِ. وَيُقَال: بل هُوَ شيءٌ ينْبت ملتفاً على الشّجر يَبْدُو أَخْضَر ثمَّ يحمر. وَعبد الله هَذَا شاعرٌ إسلاميٌّ مخضرم وَذكره ابْن حجر فِي الْقسم الأول فِي تَرْجَمَة عبد الله بن عنمة الْمُزنِيّ وَهُوَ صحابيٌ وَلم يفرد الضَّبِّيّ بترجمة فِي قسم المخضرمين من الْإِصَابَة. وَالظَّاهِر أَنه من المخضرمين. وَهَذِه عِبَارَته فِي تَرْجَمَة الْمُزنِيّ. وَفِي الشُّعَرَاء مِمَّن لَهُ إدراكٌ: عبد الله بن عنمة الضَّبِّيّ. قَالَ ابْن مَاكُولَا شهد الْقَادِسِيَّة. انْتهى. وَهُوَ من بني غيظ بن السَّيِّد بِكَسْر السِّين الْمُهْملَة.) وَهَذَا نسبه من الجمهرة: عبد الله بن عنمة بن حرثان بن ثَعْلَبَة بن ذُؤَيْب ابْن السَّيِّد بن مَالك بن بكر بن سعد بن ضبة. وَأما زيد الفوارس الَّذِي ذكره أَبُو مُحَمَّد الْأَعرَابِي فَهُوَ شاعرٌ فارسٌ جاهليٌّ من بني ضبة وَقد ذكرنَا تَرْجَمته فِي الشَّاهِد السَّابِع والثمانين

(الشاهد الحادي والخمسون بعد الستمائة)

بعد الْمِائَة. وَهُوَ ابْن حُصَيْن ابْن ضرار بن عَمْرو بن مَالك بن زيد بن كَعْب بن بجالة. إِلَى آخر النّسَب. (الشَّاهِد الْحَادِي وَالْخَمْسُونَ بعد الستمائة) وَهُوَ من شَوَاهِد س: الطَّوِيل (لَئِن عَاد لي عبد الْعَزِيز بِمِثْلِهَا ... وأمكنني مِنْهَا إِذن لَا أقيلها) على أَن إِذن لَا تعْمل فِي الْمُضَارع الَّذِي يَقع جَوَابا للقسم الَّذِي قبلهَا كَمَا فِي الْبَيْت. ف إِذن مُهْملَة لعدم التصدر وَلَا أقيلها مرفوعٌ وَهُوَ جَوَاب الْقسم الْمَذْكُور فِي بَيت قبله وَهُوَ: (حَلَفت بِرَبّ الراقصات إِلَى منى ... يغول الفيافي نَصهَا وزميلها) وَاللَّام فِي لَئِن هِيَ اللَّام المؤذنة وَيُقَال لَهَا الموطئة لِأَنَّهَا آذَنت أَي: أعلمت ووطأت أَن الْجَواب للقسم الْمَذْكُور جَريا على المألوف الْمَشْهُور فِي اجْتِمَاع الشَّرْط وَالْقسم أَن يكون الْجَواب للسابق مِنْهُمَا وَجَوَاب الْمُؤخر محذوفٌ لسد الْمَذْكُور مسده. قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَمن ذَلِك: وَالله إِذا لَا أفعل من قبل أَن أفعل مُعْتَمد على الْيَمين وَإِذن لَغْو. وَقَالَ كثير عزة: لَئِن عَاد لي عبد الْعَزِيز بِمِثْلِهَا ... ... ... ... وَالْبَيْت

قَالَ الأعلم: الشَّاهِد فِيهِ إِلْغَاء إِذن وَرفع لَا أقيلها اعْتِمَادًا على الْقسم الْمُقدر فِي أول الْكَلَام. وَكَذَا صنع الشاطبي فِي شرح الألفية وَقَالَ: إِن جملَة لَا أقيلها جَوَاب الْقسم: قَالَ: مثله قَول الآخر: الطَّوِيل (لَئِن نائبات الدَّهْر يَوْمًا أدلن لي ... على أم عمروٍ دولةً لَا أقيلها) وَهَذَا الْبَيْت من الحماسة. قَالَ ابْن جني فِي إعرابها: رَفعه لَا أقيلها يدلك على أَنه مُعْتَمد للْيَمِين وَأَن اللَّام فِي لَئِن لَيست الْجَواب للقسم فِي الْبَيْت الَّذِي قبله. اه. وَلَا يَصح هُنَا جعل الْجُمْلَة جَوَابا للشّرط وَإِلَّا قيل لَا أقلهَا بِالْجَزْمِ فَإِن الْمُضَارع الْمَنْفِيّ بِلَا وَلم) يجْزم شرطا وجواباً وَلم يفْتَقر إِلَى الْفَاء. وَزعم ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي أَن جملَة لَا أقيلها جَوَاب إِن. قَالَ فِيهِ: وَالْأَكْثَر أَن تكون إِذن جَوَابا لإن أَو لَو ظاهرتين أَو مقدرتين. فَالْأول كَقَوْلِه: لَئِن عَاد لي عبد الْعَزِيز بِمِثْلِهَا ... ... ... الْبَيْت وَاعْترض عَلَيْهِ الدماميني فِي الْحَاشِيَة الْهِنْدِيَّة بِأَنَّهُ مخالفٌ للقاعدة الْمَشْهُورَة وَهِي أَن الْقسم وَالشّرط مَتى اجْتمعَا فَالْجَوَاب للسابق مِنْهُمَا وَاللَّام مصاحبة لقسمٍ مَذْكُور فِي بيتٍ قبلهَا فَالْجَوَاب للقسم السَّابِق لَا للشّرط اللَّاحِق وَلِهَذَا لم يجْزم الْفِعْل. وَإِلَّا فَلَو كَانَ للشّرط لجزم. انْتهى.

وَمَا ذكره من الْقَاعِدَة فِي اجْتِمَاعهمَا هُوَ مَا نظمه ابْن مَالك فِي الألفية وَقَالَ: (واحذف لَدَى اجْتِمَاع شرطٍ وَقسم ... جَوَاب مَا أخرت فَهُوَ مُلْتَزم) وَلم يذكر الشاطبي فِي شَرحه خلافًا فِي هَذَا. وَبِه تعلم سُقُوط قَول ابْن الملا فِي شرح الْمُغنِي: إِطْلَاق أَن إِذن جوابٌ مجَاز فَلَا يرد أَن رابط هَذَا الشَّرْط إِنَّمَا هُوَ الْفَاء أَو إِذا الفجائية ليقال: أَرَادَ بِكَوْنِهَا حرف جوابٍ أَنَّهَا تخْتَص بِهِ وَإِن لم تكن رابطةً لَهُ بِالشّرطِ. والاعتراض بِأَن مَا ذكره مخالفٌ للقاعدة فَالْجَوَاب أَن التَّمْثِيل هُنَا لَيْسَ على الْمَشْهُور بل على رَأْي ابْن مَالك كَمَا هُوَ مَذْهَب الْفراء من جعل الْجَواب للشّرط الْمُتَأَخر. هَذَا كَلَامه إِن كَانَ لَهُ. وَقد عرفت أَن الْجَواب لَو كَانَ للشّرط لجزم وَلم يحْتَج للفاء أَو إِذا. وَأغْرب من هَذَا قَول الْعَيْنِيّ: لَا أقيلها: فِي مَوضِع جزم على جَوَاب الشَّرْط وعملت إِن فِي الْموضع دون اللَّفْظ. والاستشهاد فِي إِذن حَيْثُ ألغيت لوقوعها بَين الْقسم وَالْجَوَاب وهما: حَلَفت وَلَا أقيلها. تَتِمَّة قَالَ أَبُو عَليّ فِي الْمسَائِل البغدادية: ذكر سِيبَوَيْهٍ لَئِن أتيتني لَأَفْعَلَنَّ وَمَا أشبهه نَحْو قَوْله تَعَالَى: وَلَئِن جئتهم بِآيَة ليَقُولن الَّذين كفرُوا فَزعم أَن الَّذِي يعْتَمد عَلَيْهِ الْيَمين اللَّام الثَّانِيَة فاعتل أَبُو إِسْحَاق لذَلِك فِي كِتَابه فِي الْقُرْآن عِنْد قَوْله تَعَالَى:

وَلَقَد علمُوا لمن اشْتَرَاهُ بِأَن قَالَ: إِن اللَّام) الثَّانِيَة هِيَ لَام الْقسم فِي الْحَقِيقَة لِأَنَّك إِنَّمَا حَلَفت على فعلك لَا على فعل غَيْرك فِي قَوْلك: وَالله لَئِن جئتني لأكرمنك. وَهَذَا الَّذِي اعتل بِهِ فاسدٌ جدا ضَعِيف وَذَلِكَ أَنه لَو قَالَ: وَالله لَئِن جئتني ليقومن عَمْرو لَكَانَ الَّذِي يعْتَمد عَلَيْهِ الْقسم اللَّام الثَّانِيَة مَعَ أَن الْحَالِف لم يحلف على فعل نَفسه وَإِنَّمَا حلف على فعل غَيره. فَهَذَا عِنْدِي بَين الْفساد. وَلَكِن مِمَّا يدل على أَن الِاعْتِمَاد على اللَّام الثَّانِيَة أَو مَا يقوم مقَامهَا مِمَّا يتلَقَّى بِهِ الْقسم قَول كثير: لَئِن عَاد لي عبد الْعَزِيز بِمِثْلِهَا ... ... ... الْبَيْت فَلَو كَانَ الِاعْتِمَاد على اللَّام فِي لَئِن دون لَا أقيلها لوَجَبَ أَن ينجزم الْفِعْل بعد لَا فِي الْجَزَاء فَلَمَّا ارْتَفع الْفِعْل الَّذِي هُوَ لَا أقيلها علمت أَن مُعْتَمد الْيَمين إِنَّمَا هُوَ على اللَّام الثَّانِيَة أَو مَا أشبه اللَّام. فَمن هُنَا تعلم أَن الِاعْتِمَاد على الثَّانِيَة لَا من حَيْثُ ذكر. اه. (وَإِن ابْن ليلى فَاه لي بمقالةٍ ... وَلَو سرت فِيهَا كنت مِمَّن ينيلها) (عجبت لتركي خطة الرشد بَعْدَمَا ... بدا لي من عبد الْعَزِيز قبُولهَا) (وَأمي صعبات الْأُمُور أروضها ... وَقد أمكنتني يَوْم ذل ذلولها) (حَلَفت بِرَبّ الراقصات إِلَى منى ... يغول الْبِلَاد نَصهَا وزميلها) لَئِن عَاد لي عبد الْعَزِيز ... ... . الْبَيْت (فَهَل أَنْت إِن رَاجَعتك القَوْل مرّة ... بِأَحْسَن مِنْهَا عائدٌ فمقيلها)

. قَالَ ابْن هِشَام اللَّخْمِيّ فِي شرح أَبْيَات الْجمل: ذكر أهل الْأَخْبَار أَن كثيرا لما دخل على عبد الْعَزِيز فأنشده قصيدته الَّتِي ألحق فِيهَا الْبَيْت المستشهد بِهِ مَعَ الأبيات الْمُتَقَدّمَة أعجب بقوله فِيهَا: الطَّوِيل (إِذا ابتدر النَّاس المكارم بذهم ... عراضة أَخْلَاق ابْن ليلى وطولها) فَقَالَ: حكمك يَا أَبَا صَخْر. قَالَ: فَإِنِّي أحكم أَن أكون مَكَان ابْن رمانة. وَكَانَ ابْن رمانة كَاتب عبد الْعَزِيز وَصَاحب أمره. فَقَالَ لَهُ عبد الْعَزِيز: ترحاً لَك مَا أردْت وَيلك وَلَا علم لَك بخراجٍ وَلَا كِتَابَة اخْرُج عني فَخرج كثير نَادِما على مَا حكم ثمَّ لم يزل يتلطف حَتَّى دخل عَلَيْهِ فأنشده: فَلَمَّا أَتَى إِلَى قَوْله:) فَهَل أَنْت إِن رَاجَعتك القَوْل مرّة ... ... ... ... الْبَيْت قَالَ لَهُ عبد الْعَزِيز: أما الْآن فَلَا وَلَكِن قد أمرنَا لَك بِعشْرين ألف دِرْهَم. فَقَوله فِي الْبَيْت: لَئِن عَاد لي عبد الْعَزِيز بِمِثْلِهَا أَي: بمقالةٍ مثلهَا وَهِي قَول عبد الْعَزِيز لَهُ: حكمك. وَقَوله: إِذن لَا أقيلها أَي: أطلب مِنْهُ مَا لَا اعْتِرَاض عَليّ فِيهِ وَلَا قدح. هَكَذَا فسره الْعلمَاء وَهُوَ الصَّحِيح. وَمَا قَالَه ابْن سَيّده أَن عبد الْعَزِيز بن مَرْوَان كَانَ أعطَاهُ جَارِيَة فَأبى كثير من قبُولهَا ثمَّ نَدم بعد ذَلِك فَيَقُول: لَئِن عَاد لي بِجَارِيَة مثلهَا مرّة أُخْرَى لَا أقيلها غلط. وَهُوَ قياسٌ مِنْهُ وَالصَّحِيح مَا تقدم. اه.

وَمِمَّنْ حكى هَذَا ابْن السَّيِّد فِي شرح أَبْيَات الْجمل قَالَ: وَقيل بل عرض عَلَيْهِ أَن يهب لَهُ جَارِيَة وَيتْرك التغزل بعزة فَأبى من ذَلِك ثمَّ نَدم على مَا فعل فَقَالَ هَذَا الشّعْر. اه. وَلم يذكر الجاحظ فِي الْبَيَان والتبيين إِلَّا الْوَجْه الأول قَالَ فِيهِ: وَمن الحمقى كثير عزة. وَمن حمقه أَنه دخل على عبد الْعَزِيز بن مَرْوَان فمدحه بمديحٍ استجاده فَقَالَ لَهُ: سلني حوائجك. قَالَ: تجعلني فِي مَكَان ابْن رمانة. قَالَ: وَيلك ذَاك رجلٌ كَاتب وَأَنت شَاعِر فَلَمَّا خرج وَلم ينل عجبت لتركي خطة الرشد ... ... ... . الأبيات الْمُتَقَدّمَة وَقَوله: وَإِن ابْن ليلى فَاه لي بمقالة إِلَخ قَالَ السيرافي: أَرَادَ بِمثل الْمقَالة الْمَذْكُورَة فِي هَذَا الْبَيْت. وَالْمعْنَى مِمَّن ينيلهوها. والعائد إِلَى من هُوَ ضمير الْمَذْكُور الْمَنْصُوب الْمَحْذُوف وَضمير الْمُؤَنَّث للمقالة. وَفِي ينيلها ضمير فَاعل لِابْنِ ليلى وَالْمعْنَى ينيله ابْن ليلى إِيَّاهَا أَي: لَو سرت فِي طلبَهَا. وَقَالَ الأندلسي: فَإِن قلت: كَيفَ ينيله الْمقَالة قلت: يُرِيد الْمقَالة فِيهِ. قَالَ ابْن المستوفي: وَهَذَا قولٌ غير مُشكل لِأَن عبد الْعَزِيز حكمه وَلَا نيل أوفى من أَن يحكم المسؤول سائله أَي: لَو طلبتها من عبد الْعَزِيز لعاد لي بِمِثْلِهَا محكما فَكنت مِمَّن ينيله عبد الْعَزِيز إِيَّاهَا على مَا ذكره السيرافي.

وَقَوله: وَلَو سرت فِيهَا أَي: لَو رحلت لأَجلهَا أَي: لطلبها. وَقَوله: عجبت لتركي إِلَخ الخطة بِالضَّمِّ: الْأَمر والقصة. وَأَرَادَ بخطة الرشد تحكيم عبد الْعَزِيز إِيَّاه فِيمَا يطْلب.) وفسرها الْعَيْنِيّ وَتَبعهُ السُّيُوطِيّ بخصلة الْهِدَايَة. وَهَذَا مَعْنَاهَا اللّغَوِيّ وَلم يذكر المُرَاد مِنْهَا. وَعبد الْعَزِيز هُوَ عبد الْعَزِيز بن مَرْوَان بن الحكم وَالِد عمر بن عبد الْعَزِيز أَمِير مصر وَولي الْعَهْد بعد أَخِيه عبد الْملك من أَبِيهِمَا مَرْوَان. وَقَول الدماميني: هُوَ أحد الْخُلَفَاء الأمويين يَنْبَغِي حمله على ولَايَة الْعَهْد وَإِلَّا فَهُوَ لم يل الْخلَافَة أصلا. لَكِن يبْقى عَلَيْهِ أَن الصَّحِيح أَن خلَافَة مَرْوَان غير صَحِيحَة وَأَنه خارجٌ على ابْن الزبير باغٍ عَلَيْهِ فَلَا يَصح عَهده إِلَى ولديه. وَلما ملك مَرْوَان الشَّام سَار إِلَى مصر وَغلب عَلَيْهَا واستخلف عَلَيْهَا وَلَده عبد الْعَزِيز فَبَقيَ أميرها إِلَى أَن مَاتَ سنة خمس وَثَمَانِينَ عِنْد الْأَكْثَر. حُكيَ عَنهُ أَنه رجلا دخل عَلَيْهِ يشكو صهراً لَهُ فَقَالَ: إِن ختني فعل بِي كَذَا وَكَذَا. فَقَالَ لَهُ: وَمن خنتك وَفتح النُّون. فَقَالَ: ختنني الْخِتَان الَّذِي يختن النَّاس. فَقَالَ عبد الْعَزِيز لكَاتبه: مَا هَذَا الْجَواب فَقَالَ: إِن الرجل يعرف النَّحْو وَكَانَ يَنْبَغِي أَن تَقول: من ختنك بِضَم النُّون. فَقَالَ: وَالله لَا شاهدت النَّاس حَتَّى أعرف النَّحْو وَأقَام فِي بَيته جُمُعَة لَا يظْهر وَمَعَهُ من يُعلمهُ الْعَرَبيَّة ثمَّ صلى بِالنَّاسِ الْجُمُعَة الْأُخْرَى وَهُوَ من أفْصح النَّاس.

وَقَوله: وَأمي صعبات إِلَخ الْأُم بِفَتْح الْهمزَة وَتَشْديد الْمِيم: الْقَصْد مصدرٌ مُضَاف إِلَى فَاعله ومفعوله الصعبات بِسُكُون الْعين. وأروضها: أذللها. والذلول بِالْفَتْح: السهل المنقاد. وَقَوله: حَلَفت بِرَبّ الراقصات إِلَخ قَالَ ابْن السيرافي: الرقص. ضرب من الخبب فِي الْعَدو. وَحلف بِرَبّ الْإِبِل الَّتِي يسَار عَلَيْهَا إِلَى الْحَج. وتغول الْبِلَاد: تقطعها. وَالنَّص والذميل: ضَرْبَان من الْعَدو. وَقَوله: لَئِن عَاد لي عبد الْعَزِيز الضَّمِير فِي قَوْله بِمِثْلِهَا راجعٌ لمقالة عبد الْعَزِيز وَهِي: حكمك أَو سلني حوائجك. وَيجوز أَن يرجع لخطة الرشد الَّتِي هِيَ عبارةٌ عَن مقَالَة عبد الْعَزِيز. وَلم يذكر غَيره الْعَيْنِيّ. وَيُؤَيِّدهُ قَول الزَّمَخْشَرِيّ: مِنْهَا أَي من الخطة. لَا أقيلها أَي: العثرة. اه. والعثرة غير مَذْكُورَة فِي الْكَلَام وَإِنَّمَا أعَاد الضَّمِير عَلَيْهَا لفهمها من الْمقَام. وَالْإِقَالَة: الرَّد. وَفِي الدُّعَاء يُقَال: لَا أقَال الله عثرته قَالَ ابْن المستوفي وَبَعض فضلاء الْعَجم فِي شرح أَبْيَات الْمفصل: ويروى: لَا أفيلها بِالْفَاءِ أَي: لَا) أفيل رَأْيه فِيهَا أَو فِي التَّأَخُّر عَنهُ والتثبط عَن تَنْجِيز مَا وَعَدَني بِهِ. يُقَال: فال يفيل فيلولة إِذا ترك الرَّأْي الْجيد وَفعل مَا لَا يَنْبَغِي للعقلاء أَن يفعلوه. فالفيلولة: ضعف الرَّأْي. وَهَذِه الرِّوَايَة هِيَ الْمُنَاسبَة. وَالله أعلم. وترجمة كثير عزة تقدّمت فِي الشَّاهِد الثَّالِث وَالسبْعين بعد الثلثمائة.

وَأنْشد بعده وَهُوَ من شَوَاهِد الْمفصل: الطَّوِيل (فَقَالَت: أكل النَّاس أَصبَحت مانحاً ... لسَانك كَيْمَا أَن تغر وتخدعا) على أَن كي عِنْد الْأَخْفَش حرف جر دَائِما وَنصب الْفِعْل بعْدهَا بِأَن مضمرة وَقد تظهر كَمَا فِي الْبَيْت. نقل ابْن المستوفي عَن صَاحب الْمفصل أَنه قَالَ فِي الْحَوَاشِي: لما دخل عَلَيْهَا حرف الْجَرّ تعيّنت أَنَّهَا حرفٌ ناصب للْفِعْل. فَإِذا جَاءَت كي وَمَعَهَا أَن كَانَ شاذاً للْجمع بَين المنوب والنائب كالجمع بَين الْعِوَض والمعوض عَنهُ. اه. وَهَذَا عِنْد ابْن عُصْفُور ضَرُورَة قَالَ فِي كتاب الضرائر: وَمِنْهَا زِيَادَة أَن كَقَوْلِك: الطَّوِيل أردْت لكيما أَن تطير بقربتي أَن فِيهِ زَائِدَة غير عاملة لِأَن لكيما تنصب الْفِعْل بِنَفسِهَا وَلَا يجوز إِدْخَال ناصب على ناصب. وَأما قَول حسان: الطَّوِيل فَقَالَت أكل النَّاس أَصبَحت مانحاً ... ... ... . . الْبَيْت فَأن فِيهِ ناصبة لَا زَائِدَة أظهرت للضَّرُورَة لِأَن كَيْمَا إِذا لم تدخل عَلَيْهَا اللَّام كَانَ الْفِعْل بعْدهَا

وَمثله لِابْنِ هِشَام قَالَ فِي الْمُغنِي: وَلَا تظهر أَن بعد كي بِلَا لَام إِلَّا فِي الضَّرُورَة. وَأنْشد الْبَيْت ثمَّ قَالَ: وَعَن الْأَخْفَش أَن كي جارةٌ دَائِما وَأَن النصب بعْدهَا بِأَن ظَاهِرَة أَو مضمرة. وَيَردهُ نَحْو: لكيلا تأسوا. فَإِن زعم أَن كي تأكيدٌ للام كَقَوْلِه: الوافر وَلَا للما بهم أبدا دَوَاء رد بِأَن الفصيح الْمَقِيس لَا يخرج على الشاذ. اه. وَقَالَ ابْن يعِيش: ويروى:) لسَانك هَذَا كي تغر وتخدعا وَقَالَ السُّيُوطِيّ: رَأَيْته فِي ديوَان جميل كَمَا قَالَ ابْن يعِيش فَلَا شَاهد وَلَا ضَرُورَة. وَكَذَا قَالَ ابْن المستوفي: هَكَذَا هُوَ فِي شعره وَلَعَلَّ مَا أوردهُ الزَّمَخْشَرِيّ روايةٌ أُخْرَى. وَالْمعْنَى أَنَّهَا قَالَت لَهُ: أهكذا منحت لسَانك هَذَا لتغرهم كَمَا تغرني وتخدعهم كَمَا تخدعني. وَالصَّحِيح أَن الْبَيْت من قصيدة لجميل العذري صَاحب بثينة لَا لحسان بن ثَابت. وَهَذَا مطلع القصيدة: الطَّوِيل (عرفت مصيف الْحَيّ والمتربعا ... كَمَا خطت الْكَفّ الْكتاب المرجعا) (معارف أطلالٍ لبثنة أَصبَحت ... معارفها قفراً من الْحَيّ بلقعا) (فَقَالَت: أفق مَا عندنَا لَك حاجةٌ ... وَقد كنت عَنَّا ذَا عزاءٍ مشيعا) ...

(فَقلت لَهَا: لَو كنت أَعْطَيْت عَنْكُم ... عزاءً لأقللت الْغَدَاة التضرعا) (فَقَالَت: أكل النَّاس أَصبَحت مانحاً ... لسَانك هَذَا كي تغر وتخدعا) المصيف مَوضِع الْإِقَامَة فِي الصَّيف. والمتربع: مَوضِع الْإِقَامَة فِي الرّبيع. وَقَوله: كَمَا خطت إِلَخ حَال مِنْهُمَا. أَرَادَ أَن الْآثَار قد انمحت كالخط الْقَدِيم الَّذِي قد رُوجِعَ للْقِرَاءَة فِيهِ مراتٍ كَثِيرَة. والمعارف: الْأَمَاكِن الْمَعْرُوفَة. والبلقع: الْخَالِي من الأنيس. والخود بِالْفَتْح: الْجَارِيَة الناعمة وَالْجمع خود بِالضَّمِّ. وأجملي: أمرٌ من الْإِجْمَال وَهُوَ الْمُعَامَلَة بالجميل. وأصفيت مَجْهُول أصفيته الود أَي: أخلصته لَهُ. والعزاء: الصَّبْر. والمشيع بِفَتْح الْمُثَنَّاة التَّحْتِيَّة الْمُشَدّدَة. يُقَال: قلبٌ مشيع أَي: مشجع أَي: ذُو شيعَة وهم الْأَنْصَار والأتباع. وَقَوله: فَقَالَت أكل النَّاس إِلَخ الْهمزَة للاستفهام التقريري وكل: مفعول ثَان لمانحاً وَفِيه تَقْدِيم مفعول مَعْمُول أصبح عَلَيْهِ لِأَن مانحاً خبر أصبح. والمنح: الْإِعْطَاء يتَعَدَّى لمفعولين. يُقَال: منحه كَذَا بِفَتْح النُّون فِي الْمَاضِي وتفتح وتكسر فِي الْمُسْتَقْبل. وَلِسَانك: مَفْعُوله الأول. ومنح اللِّسَان عبارةٌ عَن التلطف والتودد وغره: خدعه. وَقَالَ بعض فضلاء الْعَجم فِي شرح أَبْيَات الْمفصل: وروى: ماتحاً بِالْمُثَنَّاةِ من فَوق من متح المَاء من الْبِئْر إِذا استقى مِنْهَا. وَجعله هُنَا بِمَعْنى سقى فعداه إِلَى

(الشاهد الثالث والخمسون بعد الستمائة)

مفعولين. وَيُصْبِح أَن يكون لسَانك مَنْصُوبًا بِنَزْع الْخَافِض أَي: بلسانك. هَذَا كَلَامه. وَمَا فِي كَيْمَا زَائِدَة. وَزعم الْعَيْنِيّ أَنَّهَا مَصْدَرِيَّة أَو كَافَّة. وَلَا وَجه لَهما. فَتَأمل.) وغرته الدُّنْيَا غرُورًا من بَاب قعد: خدعته بزينتها. فمفعوله مَحْذُوف أَي: تغرهم. وَكَذَا مَا بعده. وخدعه: مكر بِهِ بِفَتْح الدَّال فِي الْمَاضِي والمستقبل وَالْألف للإطلاق. وترجمة جميل العذري تقدّمت فِي الشَّاهِد الثَّانِي وَالسِّتِّينَ من أَوَائِل الْكتاب. وَأنْشد بعده (الشَّاهِد الثَّالِث وَالْخَمْسُونَ بعد الستمائة) الطَّوِيل (أردْت لكيما أَن تطير بقربتي ... فتتركها شناً ببيداء بلقع) لما تقدم قبله. وَقَالَ ابْن الْأَنْبَارِي فِي مسَائِل الْخلاف: ذهب الْكُوفِيُّونَ إِلَى أَنه يجوز إِظْهَار أَن بعد كي توكيداً لكَي. وَذهب بَعضهم إِلَى أَن الْعَامِل فِي جِئْت لكَي أَن أكرمك اللَّام وكي وَأَن توكيدان لَهَا. وَقَالُوا: يدل على جَوَاز إظهارها النَّقْل كَقَوْلِه: أردْت لكيما أَن تطير بقربتي وَالْقِيَاس على تَأْكِيد بعض الْكَلِمَات لبَعض فقد قَالُوا: لَا مَا إِن رَأَيْت مثل زيد. فَجمعُوا بَين ثَلَاثَة من أحرف الْجحْد الْمُبَالغَة.

وَقَالَ البصريون: لَا يَخْلُو إِظْهَار أَن بعد كي إِمَّا لِأَنَّهَا كَانَت مقدرَة فظهرت وَإِمَّا لِأَنَّهَا زَائِدَة. وَالْأول بَاطِل لِأَن كي عاملةٌ بِنَفسِهَا وَلَو كَانَت تعْمل بِتَقْدِير أَن لَكَانَ يَنْبَغِي إِذا ظَهرت أَن يكون الْعَمَل لِأَن فَلَمَّا أضيف الْعَمَل إِلَى كي دلّ على أَنَّهَا الْعَامِل. وَكَذَا الثَّانِي بَاطِل لِأَن زيادتها ابْتِدَاء لَيْسَ بمقيس فَوَجَبَ أَن لَا يجوز إِظْهَار أَن بِحَال. وَمِنْهُم من قَالَ: إِنَّمَا لم يجز إِظْهَار أَن بعد كي وَحَتَّى لِأَنَّهُمَا صارتا بَدَلا من اللَّفْظ بِأَن كَمَا صَارَت مَا بَدَلا عَن الْفِعْل فِي قَوْلهم: أما أَنْت مُنْطَلقًا انْطَلَقت مَعَك وَالتَّقْدِير: أَن كنت مُنْطَلقًا فَحذف الْفِعْل وَجعل مَا عوضا عَنهُ. وَأما قَوْله: أردْت لكيما أَن تطير بقربتي فَلَا حجَّة فِيهِ لِأَن قَائِله مَجْهُول. وَإِن علم فإظهار أَن بعد كي لضَرُورَة الشّعْر أَو لِأَن أَن بدلٌ) من كي لِأَنَّهُمَا بِمَعْنى وَاحِد. اه. والجيد هُوَ الْجَواب الثَّانِي. وَأما الأول وَالثَّالِث ففاسدان. والذاهب إِلَى أَن الْعَامِل اللَّام وكي وَأَن مؤكدان لَهَا هُوَ الْفراء قَالَ فِي تَفْسِيره عِنْد قَوْله تَعَالَى: يُرِيد الله ليبين لكم: مثله فِي مَوضِع آخر: وَالله يُرِيد أَن يَتُوب عَلَيْكُم. وَالْعرب تجْعَل اللَّام الَّتِي على معنى كي فِي مَوضِع أَن فِي أردْت وَأمرت فَتَقول: أردْت أَن تذْهب وَأَرَدْت لتذهب وأمرتك أَن تقوم وأمرتك لتقوم. قَالَ تَعَالَى: وأمرنا لنسلم لرب الْعَالمين وَقَالَ فِي مَوضِع آخر: قل إِنِّي أمرت أَن

أكون أول من أسلم. وَقَالَ: يُرِيدُونَ ليطفئوا وأَن يطفئوا. وَإِنَّمَا صلحت اللَّام فِي مَوضِع أَن فِي أمرت وَأَرَدْت لِأَنَّهُمَا يطلبان الْمُسْتَقْبل وَلَا يصلحان مَعَ الْمَاضِي. أَلا ترى أَنَّك تَقول: أَمرتك أَن تقوم وَلَا يصلح أَمرتك أَن أَقمت وَكَذَلِكَ أردْت. فَلَمَّا رَأَوْا أَن فِي غير هذَيْن تكون للماضي وللمستقبل استوثقوا لِمَعْنى الِاسْتِقْبَال بكي وباللام الَّتِي فِي معنى كي. وَرُبمَا جمعُوا بَينهمَا وَرُبمَا جمعُوا بَين ثلاثهن. أَنْشدني أَبُو ثروان: الطَّوِيل فَجمع بَين اللَّام وكي وَأَن. وَقَالَ تَعَالَى: لكيلا تأسوا. وَقَالَ الآخر فِي الْجمع بَينهُنَّ: أردْت لكيما أَن تطير بقربتي ... ... ... . . الْبَيْت وَإِنَّمَا جمع بَينهُنَّ لاتفاقهن فِي الْمَعْنى وَاخْتِلَاف لفظهن. قَالَ رؤبة: الرجز بِغَيْر لَا عصفٍ وَلَا اصطراف وَرُبمَا جمعُوا بَين مَا وَلَا وَإِن الَّتِي على معنى الْجحْد أَنْشدني الْكسَائي فِي بعض الْبيُوت: لَا مَا إِن رَأَيْت مثلك

فَجمع بَين ثَلَاثَة أحرف. وَرُبمَا جعلت الْعَرَب اللَّام مَكَان أَن فِيمَا أشبه أردْت وَأمرت مِمَّا يطْلب الْمُسْتَقْبل. أَنْشدني أَبُو الْجراح الأنفي من بني أنف النَّاقة من بني سعد: الطَّوِيل (ألم تسْأَل الأنفي يَوْم يسوقني ... وَيَزْعُم أَنِّي مُبْطل القَوْل كاذبه) (أحاول إعناتي بِمَا قَالَ أم رجا ... ليضحك مني أَو ليضحك صَاحبه) وَالْكَلَام: رجا أَن يضْحك. وَلَا يجوز ظَنَنْت لتقوم وَذَلِكَ أَن أَن الَّتِي تدخل مَعَ الظَّن تكون مَعَ الْمَاضِي نَحْو: أَظن أَن قد قَامَ زيد فَلم تجْعَل اللَّام فِي موضعهَا وَلَا كي إِذْ لم تطلب الْمُسْتَقْبل) وَحده. وَكلما رَأَيْت أَن تصلح مَعَ الْمُسْتَقْبل والماضي فَلَا تدخلن كي وَلَا اللَّام. هَذَا كَلَام الْفراء. وَظهر مِنْهُ أَن أَن لَا تكون إِلَّا مَعَ كي المسبوقة بِاللَّامِ مَعَ تقدم أحد الْفِعْلَيْنِ من أَمر وَأَرَادَ وَمَا أشبههما وَأَن لَام كي لَا تكون إِلَّا مسبوقة بِأحد هذَيْن الْفِعْلَيْنِ. وَقَالَ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي: كي تكون بِمَنْزِلَة أَن المصدرية معنى وَعَملا نَحْو: لكيلا تأسوا يُؤَيّدهُ صِحَة حُلُول أَن محلهَا وَأَنَّهَا لَو كَانَت حرف تَعْلِيل لم يدْخل عَلَيْهَا حرف تَعْلِيل. وَمن ذَلِك: جئْتُك كي تكرمني إِذا قدرت اللَّام قبلهَا فَإِن لم تقدر فَهِيَ تعليلية جَارة وَيجب حِينَئِذٍ إِضْمَار أَن. وَمثله فِي الِاحْتِمَالَيْنِ قَوْله: أردْت لكيما أَن تطير بقربتي

(الشاهد الرابع والخمسون بعد الستمائة)

فكي إِمَّا تعليلة مُؤَكدَة للام أَو مَصْدَرِيَّة مُؤَكدَة بِأَن وَلَا تظهر أَن بعد كي إِلَّا فِي الضَّرُورَة كَقَوْلِه: كَيْمَا أَن تغر وتخدعا وَقَوله: أردْت لكيما إِلَخ مَا: صلَة وزائدة. والطيران هُنَا مستعارٌ للذهاب السَّرِيع. والقربة: بِكَسْر الْقَاف مَعْرُوفَة. وتتركها: مَنْصُوب بالْعَطْف على تطير. وَالتّرْك يسْتَعْمل بِمَعْنى التَّخْلِيَة وَيَتَعَدَّى لمفعول وَاحِد وَبِمَعْنى التصيير وَيَتَعَدَّى لمفعولين وَهنا محتملٌ لكلٍّ مِنْهُمَا. فشناً على الأول حَال من الْهَاء وببيداء: عَلَيْهِمَا مُتَعَلق بِالتّرْكِ أَو هُوَ الْمَفْعُول الثَّانِي وشناً: حَال. وبلقع: بِالْجَرِّ صفة بيداء. وَقَالَ الْعَيْنِيّ: شناً حَال بِتَأْوِيل متشننة من التشنن وَهُوَ اليبس فِي الْجلد. وَالْبَاء فِي ببيداء تتَعَلَّق بِمَحْذُوف تَقْدِيره شناً كائنةً ببيداء. هَذَا كَلَامه. والشن بِفَتْح الْمُعْجَمَة وَتَشْديد النُّون: الْقرْبَة الْخلق. والبيداء: الفلاة الَّتِي يبيد من يدخلهَا أَي: يهْلك. والبلقع: القفر. وَهَذَا الْبَيْت قَلما خلا مِنْهُ كتابٌ نحوي وَلم يعرف قَائِله. وَالله أعلم. وَأنْشد بعده (الشَّاهِد الرَّابِع وَالْخَمْسُونَ بعد الستمائة) المديد (كي لتقضيني رقية مَا ... وَعَدتنِي ... ... ... ... . الْبَيْت)

على أَن الْأَخْفَش يعْتَذر لتقدم اللَّام على كي فِي لكيما وتأخرها عَنْهَا فِي كي لتقضيني أَن الْمُتَأَخر بدلٌ من الْمُتَقَدّم. وَهَذَا يرد على الْكُوفِيّين فِي زعمهم أَن كي ناصبة دَائِما لِأَن لَام الْجَرّ لَا تفصل بَين الْفِعْل وَقَالَ الدماميني: هَذَا الرَّد على الْكُوفِيّين ظَاهر. أما إِذا جعل النصب بِأَن مضمرة كَمَا يُقَال البصريون وكي جارةٌ تعليلية أكدت بمرادفها وَهِي اللَّام انْتَفَى هَذَا الْمَحْذُور. نعم يلْزم الشذوذ من جِهَة هَذَا التَّأْكِيد وَلكنه سمع فِي كَلَامه بل هُوَ أَحَق من نَحْو قَوْله: وَلَا للما بهم أبدا دَوَاء لاخْتِلَاف الحرفين لفظا. هَذَا كَلَامه. وَهُوَ خلاف مَا فِي التَّذْكِرَة لأبي عَليّ قَالَ فِيهَا: كي هُنَا بِمَعْنى أَن وَلَا تكون الجارة لِأَن حرف الْجَرّ لَا يتَعَلَّق. وَإِذا كَانَت الْأُخْرَى كَانَت زَائِدَة كَالَّتِي فِي قَوْله: الطَّوِيل كَأَن ظبيةٍ تعطو إِلَى وارق السّلم وَقَالَ النيلي فِي شرح الكافية: وَيحْتَمل أَن يكون أَرَادَ: لكَي تقضيني فَقدم وَأخر. وَالْبَيْت من أبياتٍ لِابْنِ قيس الرقيات مَحْذُوف الآخر. وَقَبله: ...

(لَيْتَني ألْقى رقية فِي ... خلوةٍ من غير مَا أنس) (كي لتقضيني رقية مَا ... وَعَدتنِي غير مختلس) ورقية: اسْم محبوبته. والأنس بِفتْحَتَيْنِ بِمَعْنى الْإِنْس بِكَسْر الْهمزَة وَسُكُون النُّون. وَمَا: وَقَوله: لتقضيني عِلّة لقَوْله ألْقى. وَالْقَضَاء: الْأَدَاء يُقَال: قضيت الْحَج وَالدّين أَي: أديتهما. فَهُوَ متعدٍّ لمفعول وَاحِد. فَمَا فِي الْبَيْت بدل اشْتِمَال من الْيَاء. وَكَون مَا مَوْصُوفَة أحسن من كَونهَا مَوْصُولَة. فَتَأمل. وَقَالَ الْعَيْنِيّ: مفعول ثانٍ لتقضيني وَهِي يجوز أَن تكون مَوْصُولَة والعائد مَحْذُوف أَي: وَعَدتنِي إِيَّاه. وَيجوز أَن تكون مَصْدَرِيَّة أَي: لتقضيني وعدها لي. اه.) وَهُوَ فِي هَذَا محتاجٌ إِلَى أَن يثبت قضى مُتَعَدِّيا إِلَى مفعولين وَلَا سَبِيل إِلَيْهِ إِلَّا بتضمين وَهُوَ غير مقيس. والمختلس بِفَتْح اللَّام: مصدر ميمي يُقَال: خلست الشَّيْء خلساً من بَاب ضرب واختلسته اختلاساً أَي: اختطفته بِسُرْعَة على غَفلَة. وَغير: مفعول مُطلق أَي: لتقضيني قَضَاء غير اختلاس. وَالْمرَاد: لأنال من وَصلهَا فِي أمنٍ من الرقباء.

(الشاهد الخامس والخمسون بعد الستمائة)

وَقد تقدّمت تَرْجَمَة ابْن قيس الرقيات فِي الشَّاهِد الثَّالِث وَالثَّلَاثِينَ بعد الْخَمْسمِائَةِ. وَأنْشد بعده (الشَّاهِد الْخَامِس وَالْخَمْسُونَ بعد الستمائة) فثم إِذا أَصبَحت أَصبَحت غاديا على أَن الْحَرْف قد يُبدل من مثله الْمُوَافق لَهُ فِي الْمَعْنى كَمَا فِي الْبَيْت فَإِن ثمَّ بدلٌ من الْفَاء. وَذهب ابْن جني فِي سر الصِّنَاعَة وَتَبعهُ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي إِلَى أَن الْفَاء زَائِدَة. قَالَ: لِأَن الْفَاء قد عهد زيادتها. وَكَذَا فِي كتاب الضرائر لِابْنِ عُصْفُور قَالَ: وَمن زِيَادَة الْفَاء قَوْله: الطَّوِيل (يَمُوت أناسٌ أَو يشيب فتاهم ... وَيحدث ناسٌ وَالصَّغِير فيكبر) يُرِيد: وَالصَّغِير يكبر. وَقَول أبي كَبِير: الْكَامِل (فَرَأَيْت مَا فِيهِ فثم رزئته ... فَلَبثت بعْدك غير راضٍ معمري) يُرِيد: ثمَّ رزئته. وَقَول الْأسود بن يعفر: الْكَامِل (فلنهشلٌ قومِي ولي فِي نهشلٍ ... نسبٌ لعمر أَبِيك غير غلاب)

زد الْفَاء فِي أول الْكَلَام لِأَن الْبَيْت أول القصيدة. اه. وَقَالَ النيلي فِي شرح الكافية: الَّذِي أرَاهُ أَن الْفَاء للتَّرْتِيب الْمُتَّصِل فِي الحكم وَكَأن الشَّاعِر وَنقل السُّيُوطِيّ فِي شرح أَبْيَات الْمُغنِي: عَن السيرافي أَنه قَالَ: الأجود فثم بِفَتْح الْمُثَلَّثَة لكَرَاهَة دُخُول عاطف على عاطف. وَالْبَيْت من قصيدةٍ لزهير بن أبي سلمى وَهِي: الطَّوِيل) (أَلا لَيْت شعري هَل يرى النَّاس مَا أرى ... من الْأَمر أَو يَبْدُو لَهُم مَا بدا ليا) (بدا لي أَن النَّاس تفنى نُفُوسهم ... وَأَمْوَالهمْ وَلَا أرى الدَّهْر فانيا) (وَأَنِّي مَتى أهبط من الأَرْض تلعةً ... أجد أثرا قبلي جَدِيدا وعافيا) (أَرَانِي إِذا مَا بت بت على هوى ... فثم إِذا أَصبَحت أَصبَحت غاديا) (إِلَى حفرةٍ أهوي إِلَيْهَا مقيمةٍ ... يحث إِلَيْهَا سائقٌ من ورائيا) (كَأَنِّي وَقد خلفت تسعين حجَّة ... خلعت بهَا عَن مَنْكِبي ردائيا) (بدا لي أَنِّي عِشْت تسعين حجَّة ... تباعا وَعشرا عشتها وثمانيا) (بدا لي أَن الله حقٌّ فزادني ... من الْحق تقوى الله مَا قد بدا ليا) (بدا لي أَنِّي لست مدرك مَا مضى ... وَلَا سَابِقًا شَيْئا إِذا كَانَ جائيا) (أَرَانِي إِذا مَا شِئْت لاقيت آيَة ... تذكرني بعض الَّذِي كنت نَاسِيا) (وَمَا إِن أرى نَفسِي تقيها كَرِيمَتي ... وَمَا إِن تَقِيّ نَفسِي كَرِيمَة ماليا) ...

(وَإِلَّا السَّمَاء والبلاد وربنا ... وأيامنا مَعْدُودَة واللياليا) (ألم تَرَ أَن الله أهلك تبعا ... وَأهْلك لُقْمَان بن عادٍ وعاديا) (وَأهْلك ذَا القرنين من قبل مَا ترى ... وَفرْعَوْن أردى كَيده والنجاشيا) (إِذا أعجبتك الدَّهْر حالٌ من امرىءٍ ... فَدَعْهُ وواكل حَاله واللياليا) (أَلا لَا أرى ذَا إمةٍ أَصبَحت بِهِ ... فتتركه الْأَيَّام وَهِي كَمَا هيا) (ألم تَرَ للنعمان كَانَ بنجوةٍ ... من الشَّرّ لَو أَن امْرأ كَانَ ناجيا) (فَغير عَنهُ ملك عشْرين حجَّة ... من الدَّهْر يومٌ واحدٌ كَانَ غاويا) (فَلم أر مسلوباً لَهُ مثل ملكه ... أقل صديقا معطياً أَو مواسيا) (فَأَيْنَ الَّذين كَانَ يُعْطي جياده ... بأرسانهن والحسان الغواليا) (وَأَيْنَ الَّذين كَانَ يعطيهم الْقرى ... بغلاتهم والمئين العواديا) (وَأَيْنَ الَّذين يحْضرُون جفانه ... إِذا قدمت القوا عَلَيْهَا المراسيا) (رَأَيْتهمْ لَو يشركوا بنفوسهم ... منيته لما رَأَوْا أَنَّهَا هيا) (سوى أَن حَيا من رَوَاحَة حَافظُوا ... وَكَانُوا أُنَاسًا يَتَّقُونَ المخازيا) (فَسَارُوا لَهُ حَتَّى أناخوا بِبَابِهِ ... كرام المطايا والهجان المتاليا))

(وَأجْمع أمرا كَانَ مَا بعده لَهُ ... وَكَانَ إِذا مَا اخلولج الْأَمر مَاضِيا) قَالَ صعوداء والأعلم الشنتمري فِي شرحيهما لديوان زُهَيْر: هَذِه القصيدة قَالَهَا زُهَيْر يذكر النُّعْمَان بن الْمُنْذر حَيْثُ طلبه كسْرَى ليَقْتُلهُ ففر فَأتى طيئاً وَكَانَت ابْنة أَوْس بن حَارِثَة بن لأم عِنْده فَأَتَاهُم فَسَأَلَهُمْ أَن يدخلوه جبلهم فَأَبَوا عَلَيْهِ. وَكَانَت لَهُ يدٌ فِي بني عبس فِي مَرْوَان بن زنباع وَكَانَ أسر فَكلم فِيهِ عَمْرو بن هِنْد عَمه وشفع لَهُ فشفعه وَحمله النُّعْمَان بن الْمُنْذر وكساه. فَكَانَت بَنو عبس يشكرون ذَلِك للنعمان فَلَمَّا هرب من كسْرَى وَلم تدخله طيىءٌ جبلها لَقيته بَنو رَوَاحَة من عبس وهم رَهْط مَرْوَان بن زنباع فَقَالُوا لَهُ: أقِم فِينَا فَإنَّا نَمْنَعك من كسْرَى وَمِمَّا نمْنَع مِنْهُ أَنْفُسنَا. فَقَالَ لَهُم: لَا طَاقَة لكم بكسرى وَجُنُوده. فَأبى وَسَارُوا مَعَه فَأثْنى عَلَيْهِم خيرا وودعهم. وَقَالَ الْأَصْمَعِي: لَيست لزهير وَيُقَال هِيَ لصرمة الْأنْصَارِيّ. وَلَا تشبه كَلَام زُهَيْر. وَقَوله: وَلَا أرى الدَّهْر فانيا قَالَ صعوداء: يُقَال إِن الدَّهْر هُوَ الله جلّ وَعز ثَنَاؤُهُ وَإِنَّمَا يُرَاد بذلك أَن الَّذِي يحدثه الدَّهْر إِنَّمَا هُوَ من تَقْدِير الله فَلَا يَنْبَغِي أَن يسب الدَّهْر لِأَنَّهُ يرجع إِلَى سبّ مَا قدر الله. وَقَوله: وَأَنِّي مَتى أهبط إِلَخ قَالَ الأعلم: التلعة: مجْرى المَاء إِلَى

الرَّوْضَة وَتَكون فِيمَا علا عَن والعافي: الدارس. يَقُول: حَيْثُمَا سَار الْإِنْسَان من الأَرْض فَلَا يَخْلُو من أَن يجد فِيهِ أثرا قَدِيما أَو حَدِيثا. وَقَوله: أَرَانِي إِذا مَا بت إِلَخ مَعَ الْبَيْت بعده قَالَ صعوداء: على هوى أَي: على أَمر. يَقُول: أَرَانِي إِذا مَا بت على أمرٍ أَو حَاجَة أريدها ثمَّ أغدو وأدع. وَقَالَ الأعلم: أَي: لي حَاجَة لَا تَنْقَضِي أبدا لِأَن الْإِنْسَان مَا دَامَ حَيا فَلَا بُد من أَن يهوى شَيْئا وَيحْتَاج إِلَيْهِ. وَلم يتَعَرَّض كلٌّ مِنْهُمَا إِلَى قَوْله فثم. وَفِي جَمِيع النّسخ: غاديا بالغين الْمُعْجَمَة. وروى الْبَيْت فِي مُغنِي اللبيب كَذَا: (أَرَانِي إِذا أَصبَحت أَصبَحت ذَا هوى ... فثم إِذا أمسيت أمسيت عاديا) قَالَ ابْن الملا: أَرَانِي من أَفعَال الْقُلُوب الَّتِي يجوز أَن يكون فاعلها ومفعولها الأول ضميرين متصلين متحدي الْمَعْنى.) والهوى: إِرَادَة النَّفس أَي: أصبح مرِيدا لشيءٍ وأمسي تَارِكًا لَهُ متجاوزاً عَنهُ. يُقَال: عدا فلَان الْأَمر إِذا تجاوزه. قَالَ الشمني: وَهَذَا يدل على أَن عادياً بِالْعينِ الْمُهْملَة. وَهُوَ مضبوطٌ فِي بعض نسخ الْمُغنِي وَغَيره

قَالَ ابْن القطاع: غَدا إِلَى كَذَا: أصبح إِلَيْهِ. وَرِوَايَة الإعجام أنسب بِالْبَيْتِ بعده إِذْ يُقَال غَدا إِلَى كَذَا بِمَعْنى صَار إِلَيْهِ. وَإِن صَحَّ أَن يُقَال: الْمَعْنى متجاوزاً إِلَى حُفْرَة. وَوصف الحفرة بِكَوْنِهَا مُقِيمَة إِمَّا على مُعْتَقد الْجَاهِلِيَّة من أَنه لَا فنَاء للْعَالم وَلَا بعث أَو المقيمة عبارةٌ عَن ذَات الْمدَّة الطَّوِيلَة. والسائق: الَّذِي يحث على الْعَدو إِلَى تِلْكَ الحفرة وَهُوَ الزَّمَان فَإِنَّهُ المفني المبيد عِنْدهم. اه. وَقَوله: كَأَنِّي وَقد خلفت إِلَى آخِره قَالَ الأعلم: أَي لَا أجد مس شيءٍ مضى فَكَأَنَّمَا خلعت بِهِ رِدَائي عَن مَنْكِبي. وَقَوله: بدا لي أَنِّي لست مدرك مَا مضى يَأْتِي إِن شَاءَ الله شَرحه فِي الجوازم. وَقَوله: أَرَانِي إِذا مَا شِئْت إِلَخ أَي: إِذا غفلت عَن حوادث الدَّهْر من موت وَغَيره ونسيتها رَأَيْت آيةٌ مِمَّا تصيب غَيْرِي فذكرتني مَا كنت نسيت. وَالْآيَة: الْعَلامَة. وَقَوله: وَمَا إِن رأى إِلَخ قَالَ صعوداء: كَرِيمَة مَاله: أَهله وخاصته. وروى الأعلم: كريهتي وَقَالَ: لَا تَقِيّ نَفسِي من الْمَوْت كريهتي أَي: شدتي وجراءتي وَلَا تقيها كرائم مَالِي.

وعادياء أَبُو السموءل بن حَيا بن عادياء. وَكَانَ لَهُ حصن بتيماء وَهُوَ الَّذِي استودعه امراء الْقَيْس أدراعه. وَقَالَ صعوداء: عادياء ابْن عَاد. وَأول من سنّ الدِّيَة لُقْمَان بن عَاد. وَأول من تكلم بِالْعَرَبِيَّةِ العمالقة بِمَكَّة مُلُوك كَانَ يُقَال لَهُم العمالقة وَلَا يدرى لأي شَيْء سموا بذلك. اه. وَالنَّجَاشِي: ملك الْحَبَشَة. وَالْأمة بِالْكَسْرِ: النِّعْمَة وَالْحَالة الْحَسَنَة أَي: من كَانَ ذَا نعْمَة فالأيام لَا تتركه وَنعمته كَمَا عهِدت أَي: لابد من أَن تغيرها الْأَيَّام. وَقَوله: كَانَ بنجوة من الشَّرّ أَي: كَانَ بمعزل مِنْهُ. يُقَال: فلانٌ بنجوةٍ من السَّيْل إِذا كَانَ بِموضع مُرْتَفع حَيْثُ لَا يُدْرِكهُ السَّيْل. وروى صعوداء: بنجوة من الْعَيْش وَقَالَ: أَي كَانَ بمرتفع من) السُّلْطَان وَالْملك. وَقَوله: فَغير عَنهُ ملك إِلَخ وَالْحجّة بِالْكَسْرِ: السّنة. والغاوي هُنَا: الْوَاقِع فِي هلكة. وَقَالَ صعوداء: نسب الْيَوْم إِلَى الغي لِأَن الغي كَانَ فِيهِ. وَقَوله: فَلم أر مسلوباً إِلَخ يَقُول: لم أر إنْسَانا سلب النَّعيم وَالْملك وَله عِنْد النَّاس أيادٍ وَنعم كَثِيرَة فَلم يَفِ لَهُ أحدٌ وَلم يواسه كالنعمان حِين لم يجره من استجار بِهِ. والباذل: الْمُعْطِي. وَقَوله: والمئين الغواديا أَي: كَانَ يهب المئين من الْإِبِل فتغدو عَلَيْهِم. وَقَوله: ألقوا عَلَيْهَا المراسيا أَي: ثبتوا عَلَيْهَا آكلين مِنْهَا. والمراسي:

(الشاهد السادس والخمسون بعد الستمائة)

جمع مرسًى وَهُوَ من رسا يرسو إِذا ثَبت وَأقَام وَمِنْه مرسى السَّفِينَة. والجفان: القصاع. وَقَوله: لم يشركوا بنفوسهم أَي: لم يواسوه فِي الْمَوْت وَمَعْنَاهُ لم يخلطوه بِأَنْفسِهِم حِين استجار بهم من كسْرَى. والهجان: الْبيض من الْإِبِل وَهِي أكرمها. والمتالي: الَّتِي تتلوها أَوْلَادهَا جمع متلية. وَقَوله: فَقَالَ لَهُم خيرا أَي: قَالَ النُّعْمَان لبني رَوَاحَة خيرا لما دَعوه إِلَى مجاورتهم وودعهم وداع من يتَيَقَّن بِالْمَوْتِ. وَقَوله: وَأجْمع أمرا إِلَخ مَا بعده أَي: من ثنائه. واخلولج: التوى وَلم يستقم. والماضي: النَّافِذ فِي الْأَمر العازم عَلَيْهِ. وترجمة زُهَيْر تقدّمت فِي الشَّاهِد الثَّامِن وَالثَّلَاثِينَ بعد الْمِائَة. وَأنْشد بعده (الشَّاهِد السَّادِس وَالْخَمْسُونَ بعد الستمائة) الطَّوِيل على أَن يضر بِالرَّفْع وَمَا: كَافَّة وَقيل: مَصْدَرِيَّة وكي: جَارة أَي: لمضرته ومنفعته. وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ أجازهما أَبُو عَليّ فِي التَّذْكِرَة القصرية وَفِي البغداديات كَمَا ننقله فِي الْبَيْت بعده.

وَكَذَا قَالَ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي. وَقَالَ الْعَيْنِيّ: إِن دُخُول كي على المصدرية نَادِر. وَرَأَيْت فِي طَبَقَات النُّحَاة لأبي بكر مُحَمَّد الشهير بالتاريخي عِنْد تَرْجَمَة يُونُس ابْن حبيب أَن يُونُس قَالَ: كَانَ عبد الْأَعْلَى بن عبد الله بن عَامر فصيحاً وَهُوَ الَّذِي يَقُول: (إِذا أَنْت لم تَنْفَع فضر فَإِنَّمَا ... يُرْجَى الْفَتى كَيْمَا يضر وينفعا) فعلى هَذِه الرِّوَايَة مَا: زَائِدَة ويضر مَنْصُوب بكي وَاللَّام مقدرَة وَأَنت: فَاعل لفعل مَحْذُوف يفسره الْمَذْكُور أَي: إِذا لم تَنْفَع الصّديق فضر الْعَدو. وَإِنَّمَا قدر الْفِعْل وَاقعا على هَذَا الْمَفْعُول لِأَن الْعَاقِل لَا يَأْمر بالضر مُطلقًا وَحسن الْمُقَابلَة اقْتضى تعْيين الأول. ويرجى بتَشْديد الْجِيم الْمَفْتُوحَة أَي: إِنَّمَا يُرْجَى الْكَامِل فِي الفتوة لضَرَر من يسْتَحق الضّر ونفع من يسْتَحق النَّفْع. وَقيل: يُمكن حمل الْبَيْت على أَن المُرَاد الْحَث على النَّفْع بِالْأَمر بِالضَّرَرِ لَا على أَنه مُرَاد وَلَا وروى: يُرَاد بدل يُرْجَى. قَالَ الْعَيْنِيّ: الْبَيْت للنابغة الذبياني وَقيل للنابغة الْجَعْدِي. وَالأَصَح أَن قَائِله قيس بن الخطيم. ذكره البحتري فِي حماسته. اه.

(الشاهد السابع والخمسون بعد الستمائة)

وَلم نسْمع أَن للبحتري حماسة. وَنسبه الإِمَام الباقلاني فِي كتاب إعجاز الْقُرْآن لقيس بن الخطيم بِنصب يضر وينفع. وَالله أعلم. وَأنْشد بعده (الشَّاهِد السَّابِع وَالْخَمْسُونَ بعد الستمائة) الرجز لَا تظلموا النَّاس كَمَا لَا تظلموا على أَن الْمبرد والكوفيين جوزوا نصب الْمُضَارع بعد كَمَا على أَن أَصْلهَا كَيْمَا حذفت الْيَاء تَخْفِيفًا. فَإِن لَا تظلموا مَنْصُوب بِحَذْف النُّون بهَا وَقيل بل نَصبه بِمَا المصدرية حملا على أَن المصدرية كَمَا أَن أَن تهمل حملا على مَا. وَهَذَا من بَاب التقارض. والبصريون يمْنَعُونَ ذَلِك وينشدون: لَا تظلم النَّاس كَمَا لَا تظلم بِالتَّوْحِيدِ فالفعل مَرْفُوع على هَذَا بعد لَا النافية وَالْكَاف: للتشبيه وَمَا: كَافَّة.

قَالَ سِيبَوَيْهٍ: سَأَلت الْخَلِيل عَن قَول الْعَرَب: انتظرني كَمَا آتِيك فَزعم أَن مَا وَالْكَاف جعلتا بِمَنْزِلَة حرف وَاحِد وصيرت للْفِعْل كَمَا صيرت للْفِعْل رُبمَا وَالْمعْنَى: لعَلي آتِيك. فَمن ثمَّ لم ينصبوا بِهِ الْفِعْل كَمَا لم ينصبوا بربما. قَالَ: الرجز لَا تشم النَّاس كَمَا لَا تَشْتُم وَقَالَ أَبُو النَّجْم: الرجز (قلت لشيبان ادن من لِقَائِه ... كَمَا تغذي الْقَوْم من شوائه) انْتهى. قَالَ الأعلم: الشَّاهِد وُقُوع الْفِعْل بعد كَمَا لِأَنَّهَا كَاف التَّشْبِيه ووصلت بِمَا لوُقُوع الْفِعْل بعْدهَا كَمَا فعل بربما وَمَعْنَاهَا هُنَا: لَعَلَّ أَي: لَا تَشْتُم النَّاس لَعَلَّك لَا تَشْتُم إِن لم تشتمهم. وَمن النَّحْوِيين من يَجْعَلهَا بِمَعْنى كي ويجيز النصب بهَا وَهُوَ مَذْهَب الْكُوفِيّين. وَقَالَ النّحاس: هَذَا قَول الْخَلِيل وسيبويه. وَحكى ابْن سَعْدَان النصب بكما إِذا كَانَت بِمَعْنى كَيْمَا وَقد حَكَاهُ الْأَخْفَش سعيد. وَقَوله: قلت لشيبان إِلَخ يَأْمر ابْنه شَيبَان بِاتِّبَاع ظليمٍ والدنو مِنْهُ لَعَلَّه يصيده فيطعم أَصْحَابه من شوائه.) وَقَالَ أَبُو عَليّ فِي البغداديات بعد أَن نقل عبارَة سِيبَوَيْهٍ: جعل سِيبَوَيْهٍ كَمَا فِي هَذَا الْبَيْت كَالَّتِي فِي الْبَيْت الأول. وأنشده أَبُو بكر

عَن يَعْقُوب أَو غَيره من أهل الثبت فِي اللُّغَة: كَيْمَا تغدي الْقَوْم. وَقَالَ شَيبَان: ابْنه أَي: قلت لَهُ اركب فِي طلبه كَيْمَا تصيده فتغدي الْقَوْم بِهِ مشوياً. يصف ظليماً. وَأَقُول: إِن مَا على هَذَا الإنشاد تحْتَمل وَجْهَيْن: يجوز أَن تكون زَائِدَة كَالَّتِي فِي قَوْله: فبمَا رحمةٍ. وَالْفِعْل مَنْصُور. بإضمار أَن إِلَّا أَنه ترك على الإسكان وَذَلِكَ مِمَّا يستحسن فِي الضرورات. وَيجوز أَن تكون مَا بِمَعْنى الْمصدر فِي مَوضِع جرٍّ بكي وتغدي صلته وموضعه رفع. وَنَظِير ذَلِك قَول الآخر أنْشدهُ أَبُو الْحسن: (إِذا أَنْت لم تَنْفَع فضر فَإِنَّمَا ... يُرْجَى الْفَتى كَيْمَا يضر وينفع) كَأَنَّهُ وَقَالَ: للضَّرَر والنفع. وَيحْتَمل عِنْدِي أَن تكون مَا كَافَّة لكَي كَمَا كَانَت كَافَّة لرب. وَقَالَ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي: اخْتلف فِي نَحْو قَوْله: الطَّوِيل (وطرفك إِمَّا جئتنا فاحبسنه ... كَمَا يحسبوا أَن الْهوى حَيْثُ تنظر) فَقَالَ الْفَارِسِي: الأَصْل كَيْمَا فَحذف الْيَاء. وَقَالَ ابْن مَالك: هَذَا تكلّف بل هِيَ كَاف التَّعْلِيل وَمَا الكافة وَنصب الْفِعْل بهَا لشبهها بكي فِي الْمَعْنى. وَزعم أَبُو مُحَمَّد الْأسود فِي كِتَابه الْمُسَمّى نزهة الأديب أَن أَبَا عَليّ حرف هَذَا الْبَيْت وَأَن الصَّوَاب فِيهِ: (إِذا جِئْت فامنح طرف عَيْنك غَيرنَا ... لكَي يحسبوا ... ... الْبَيْت) انْتهى.

وَالْبَيْت الَّذِي أوردهُ الشَّارِح الْمُحَقق لرؤبة بن العجاج وَيَأْتِي إِن شَاءَ الله بَقِيَّة الْكَلَام عَلَيْهِ فِي الشَّاهِد الْأَرْبَعين بعد الثَّمَانمِائَة. وَالْمَشْهُور فِي الِاسْتِعْمَال مَا أوردهُ سِيبَوَيْهٍ وَهُوَ: الرجز لَا تَشْتُم النَّاس كَمَا لَا تَشْتُم وَهُوَ لرؤبة بن العجاج أَيْضا. وَتَقَدَّمت تَرْجَمته فِي الشَّاهِد الْخَامِس من أول الْكتاب. وَأنْشد بعده وَهُوَ من شَوَاهِد س: الوافر وَلبس عباءة وتقر عَيْني) هَذَا صدرٌ وعجزه: أحب إِلَيّ من لبس الشفوف على أَن تقر مَنْصُوب ب أَن مضمرة بعد الْوَاو وَأَن تقر فِي تَأْوِيل مصدر مَعْطُوف على مصدر وَهُوَ لبس. وَسَيَأْتِي الْكَلَام عَلَيْهِ إِن شَاءَ الله فِيمَا بعد فِي الشَّاهِد الثَّانِي وَالسبْعين بعد الستمائة. وَالْبَيْت من أبياتٍ لميسون بنت بحدلٍ الْكَلْبِيَّة وَهِي: (لبيتٌ تخفق الْأَرْوَاح فِيهِ ... أحب إِلَيّ من قصرٍ منيف) ...

(وبكرٌ يتبع الأظعان سقباً ... أحب إِلَيّ من بغلٍ زفوف) (وكلبٌ ينبح الطراق عني ... أحب إِلَيّ من قطٍّ أُلُوف) (وَلبس عباءةٍ وتقر عَيْني ... أحب إِلَيّ من لبس الشفوف) (وَأكل كسيرةٍ فِي كسر بَيْتِي ... أحب إِلَيّ من أكل الرَّغِيف) (وأصوات الرِّيَاح بِكُل فجٍّ ... أحب إِلَيّ من نقر الدفوف) (خشونه عيشتي فِي البدو أشهى ... إِلَى نَفسِي من الْعَيْش الطريف) (فَمَا أبغي سوى وطني بديلاً ... فحسبي ذَاك من وطنٍ شرِيف) الخفق: الِاضْطِرَاب وَفعله من بَاب ضرب. والمنيف: العالي. وَأورد الحريري هَذِه الأبيات فِي درة الغواص لأجل هَذَا الْبَيْت على أَنه يُقَال فِي جمع ريح أَرْوَاح وَقَول النَّاس: أرياح قِيَاسا على ريَاح خطأٌ. وَالْبكْر بِفَتْح الْمُوَحدَة: الفتي من الْإِبِل. والأظعان: جمع ظَعِينَة وَهِي الْمَرْأَة مَا دَامَت فِي الهودج. والسقب: الذّكر من ولد النَّاقة وَهُوَ حالٌ مُؤَكدَة. وروى: صَعب فَهُوَ صفة لبكر. والزفوف بالزاء الْمُعْجَمَة والفاءين أَي: المسرع. والطراق: جمع طَارق وَهُوَ الَّذِي يَأْتِي لَيْلًا. وَقَوله: وَلبس عباءة فِي غَالب كتب النَّحْو للبس بلامين وَهُوَ خلاف الرِّوَايَة الصَّحِيحَة. والعباء وَكَذَا العباية: الْجُبَّة من الصُّوف وَنَحْوهَا وَقيل: كساءٌ مخططٌ. وتقر بِفَتْح الْقَاف من قَوْلهم:

عين قريرة أَي: بَارِدَة من الْبرد الَّذِي هُوَ النّوم وَقيل من الْبرد هُوَ ضد الْحر أَو من الْقَرار وَهُوَ السّكُون لِأَن الْعين إِذا قرت سكنت عَن الطموح إِلَى شَيْء) والشفوف: جمع شف بِكَسْر الشين وَفتحهَا وَهُوَ الثَّوْب الرَّقِيق سمي بذلك لِأَنَّهُ يسْتَشف مَا وَمثله قَول بعض الْأَعْرَاب: الطَّوِيل (لعمري لأعرابيةٌ فِي عباءةٍ ... تحل دماثاً من سويقة أَو فَردا) (أحب إِلَى الْقلب الَّذِي لج فِي الْهوى ... من اللابسات الْخَزّ يظهرنه كيدا) والكسيرة بِالتَّصْغِيرِ: الْقطعَة من الْخبز. وَالْكَسْر بِكَسْر الْكَاف: طرف الخباء من الأَرْض. والخرق بِكَسْر الْخَاء الْمُعْجَمَة: الْكَرِيم. والعلج بِالْكَسْرِ قَالَ ابْن دُرَيْد: هُوَ الصلب الشَّديد وَبِه سمي حمَار الْوَحْش علجاً. وَيحْتَمل أَن تُرِيدُ: إِن الْأَمْرَد أحب إِلَيّ من ذِي اللِّحْيَة. قَالَ أَبُو زيد: يُقَال لكل ذِي لحية علج وَلَا يُقَال للغلام إِذا كَانَ أَمْرَد علج. واستعلج الرجل إِذا خرجت لحيته. وَالْأول أنسب لقولها عليف أَي: مسمنٌ بالعلف. قَالَ الأعلم: تَعْنِي بِهِ مُعَاوِيَة لقُوته وشدته مَعَ سمنه وَنعمته. وَقَالَ الْعَيْنِيّ: الغليف بالغين الْمُعْجَمَة وَهُوَ الَّذِي يغلف لحيته بالغالية. وَيجوز بِالْعينِ الْمُهْملَة. وميسون قَالَ اللَّخْمِيّ: هُوَ زوج مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان وَأم ابْنه يزِيد وَكَانَت بدوية فضاقت نَفسهَا لما تسرى عَلَيْهَا فعذلها على

ذَلِك وَقَالَ لَهَا: أَنْت فِي ملكٍ عَظِيم وَمَا تدرين قدره وَكنت قبل الْيَوْم فِي العباءة: فَقَالَت هَذِه الأبيات فَلَمَّا سَمعهَا قَالَ لَهَا: مَا رضيت يَا ابْنة بحدلٍ حَتَّى جَعَلتني علجاً عليفاً فالحقي بأهلك. فَطلقهَا وألحقها بِأَهْلِهَا وَقَالَ لَهَا: كنت فبنت فَقَالَت: لَا وَالله مَا سررنا إِذْ كُنَّا وَلَا أسفنا إِذْ بِنَا وَيُقَال: أَنَّهَا كَانَت حَامِلا بِيَزِيد فَوَضَعته فِي الْبَريَّة فَمن ثمَّ كَانَ فصيحاً. وَقَالَ الشريف فِي حماسته: وروى الْكَلْبِيّ عَن عوَانَة قَالَ: لما زفت مَيْسُونُ بنت بحدلٍ من بادية كلب إِلَى مُعَاوِيَة وَهُوَ بريف الشَّام ثقل عَلَيْهَا الغربة والبعد عَن قَومهَا فَسَمعَهَا ذَات لَيْلَة تَقول هَذِه الأبيات فَقَالَ: أَنا وَالله العلج: وازداد بهَا عجبا وإليها ميلًا. قَالَ ابْن الْكَلْبِيّ فِي الجمهرة: كَانَ مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان بعث رَسُولا إِلَى بَهْدَلَة بن حسان بن عدي بن جبلة بن سَلامَة بن عبد الله بن عليم بن جناب يخْطب إِلَيْهِ ابْنَته فَأَخْطَأَ الرَّسُول فَذهب إِلَى بَحْدَل بن أنيف من بني حَارِثَة بن جناب فَزَوجهُ ابْنَته مَيْسُونُ بنت بَحْدَل فَولدت لَهُ يزِيد. انْتهى. ذكره فِي جمهرة قضاعة وَهِي من قبائل الْيمن.) وميسون: فيعول من مسنه بِالسَّوْطِ إِذا ضربه أَو فعلون من مَاس يميس إِذا تبختر وَلَا نَظِير لَهُ إِلَّا زيتون اسْتدلَّ بِهِ بعض النَّحْوِيين على زِيَادَة النُّون بالزيت المعصور. وَحكي أَرض زتنة إِذا كَانَ فِيهَا الزَّيْتُون. وبحدل بِفَتْح الْمُوَحدَة وَسُكُون الْحَاء الْمُهْملَة.

وَأنْشد بعده: الطَّوِيل على أَن أحضر مَنْصُوب بِأَن مضمرة بِدَلِيل تَمَامه: وَأَن أشهد اللَّذَّات هَل أَنْت مخلدي وَتقدم الْكَلَام عَلَيْهِ فِي الشَّاهِد الْعَاشِر من أَوَائِل الْكتاب. وَهَذِه رِوَايَة الْكُوفِيّين وَالرَّفْع رِوَايَة الْبَصرِيين. قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَقد جَاءَ فِي الشّعْر: أَلا أيهذا الزاجري أحضر الوغى قَالَ الأعلم: الشَّاهِد فِيهِ رفع أحضر بِحَذْف الناصب وتعريه مِنْهُ. وَالْمعْنَى: لِأَن أحضر الوغى. وَقد يجوز النصب بإضمار أَن ضَرُورَة وَهُوَ مَذْهَب الْكُوفِيّين. انْتهى. وَفِي التَّذْكِرَة القصرية وَهِي أسئلة من أبي الطّيب مُحَمَّد بن طوسي الْمَعْرُوف بالقصري وأجوبة من شَيْخه أبي عَليّ الْفَارِسِي قَالَ: سَأَلت أَبَا عَليّ عَن أحضر الوغى أَي شيءٍ مَوْضِعه فَقَالَ: نصبٌ وَهُوَ يُرِيد حَاضرا. فَقلت: كَيفَ يجوز أَن يكون حَالا وَإِنَّمَا الْحُضُور مزجورٌ عَنهُ لَا عَن غَيره فَقَالَ: قد يجوز أَن يكون لم يذكر المزجور عَنهُ. فَقلت: قد فهمنا من قَوْله: أَلا أيهذا الزاجري أحضر الوغى قد نَهَاهُ عَن حُضُور الوغى. قَالَ: صير أَن يفهم مِنْهُ هَذَا وَإِن

(الشاهد التاسع والخمسون بعد الستمائة)

كَانَ ذَلِك لَا يفهم مِنْهُ إِذا قدرته بِقَوْلِك حَاضرا. قلت: فَإِن الْحُضُور لم يَقع وَنحن نعلم أَنه مَا نَهَاهُ وَقد حضر. قَالَ: هَذَا مثل قَوْلك: هَذَا صَاحب صقر صائداً بِهِ غَدا. قلت: فَمَا الْحَاجة إِلَى أَن قدرته حَالا. قَالَ: ليتعلق بِمَا قبله وَإِلَّا فَلَا سَبِيل إِلَى تعلقه بِمَا قبله إِلَّا على هَذَا الْوَجْه. انْتهى. وَأنْشد بعده (الشَّاهِد التَّاسِع وَالْخَمْسُونَ بعد الستمائة) الرمل لَو بِغَيْر المَاء حلقي شرقٌ على أَن الْجُمْلَة الاسمية بعد لَو وضعت مَوضِع الْجُمْلَة الفعلية شذوذاً كَمَا قَالَه فِي بَاب الِاشْتِغَال. وَهَذَا مَذْهَب ابْن جني وَنسبه أَبُو حَيَّان إِلَى أبي بكر بن طَاهِر. وَهَذَا صدر وعجزه: كنت كالغصان بِالْمَاءِ اعتصاري وَالْبَاء من بِغَيْر مُتَعَلقَة بالْخبر وَهُوَ شَرق وحلقي: هُوَ الْمُبْتَدَأ. وَهَذَا أحد تخاريج ثلاثةٍ فِي ثَانِيهَا: لبدر الدَّين فِي شرح ألفية وَالِده قَالَ: كَانَ الشأنية محذوفة بعد لَو فَهِيَ على بَابهَا من دُخُولهَا على الْجُمْلَة الفعلية فَتكون

الْجُمْلَة الاسمية خَبرا لَكَانَ المحذوفة. وَنسبه أَبُو حَيَّان إِلَى الْبَصرِيين. وَلم يذكر ابْن هِشَام هَذَا التَّخْرِيج فِي الْمُغنِي. ثَالِثهَا: لأبي عَليّ الْفَارِسِي فِي الْإِيضَاح الشعري قَالَ فِيهِ: مَوضِع حلقي رفعٌ بِأَنَّهُ فَاعل والرافع لَهُ فعل مُضْمر يفسره شَرق كَأَنَّهُ قَالَ: لَو شَرق حلقي بِغَيْر المَاء. وَلَا يكون شَرق خبر حلقي. هَذَا الظَّاهِر. لِأَن مَا بعد لَولَا يكون مُبْتَدأ كَمَا أَن مَا بعد إِن وَمَا بعد إِذا لَا يكون كَذَلِك. فَإِذا لم يجز أَن تَجْعَلهُ خبر حلقي الْوَاقِع بعد لَو لِأَنَّهُ يرْتَفع بِفعل مُضْمر وَجب أَن تضمر لَهُ مُبْتَدأ وَالتَّقْدِير هُوَ شَرق فَيكون هُوَ شرقٌ بِمَنْزِلَة شَرق تَفْسِيرا للْفِعْل الْمُضمر بعد لَو وَيكون ذَلِك بِمَنْزِلَة مَا يحمل على الْمَعْنى. أَلا ترى أَن هُوَ شَرق بِمَنْزِلَة شَرق فِي الْمَعْنى وَقَوله: بِغَيْر المَاء يتَعَلَّق الْجَار فِيهِ بِالْفِعْلِ الْوَاقِع لحلقي وَهُوَ أسهل من أَن تعلقه بشرقٍ هَذَا الظَّاهِر. وَإِن لم تقدر هَذَا الْمُضمر لزم أَن تكون لَو قد ابْتَدَأَ بعْدهَا الِاسْم فَإِذا ثَبت فِي هَذَا الْموضع إِضْمَار الْفِعْل فَحكم سَائِر مَا أشبهه مثله. انْتهى مُخْتَصرا. وَاخْتَصَرَهُ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي بقوله: وَقَالَ الْفَارِسِي: الأَصْل لَو شَرق حلقي هُوَ شَرق فَحذف الْفِعْل أَولا والمبتدأ آخرا. انْتهى. وَنسب أَبُو جَعْفَر النّحاس هَذَا التخرج لأبي الْحسن الْأَخْفَش وَأنْشد الْبَيْت فِي أَبْيَات سِيبَوَيْهٍ وَقَالَ: أنْشدهُ سِيبَوَيْهٍ فِي بَاب من أَبْوَاب أَن فِي نُسْخَة أبي الْحسن وَحده. انْتهى.) وَقد راجعت الْكتاب وَهُوَ من رِوَايَة الْمبرد فَلم أَجِدهُ فِيهِ. وَبِتَقْدِير الْمُبْتَدَأ تعرف أَن مَا نَقله ابْن جني عَن شَيْخه الْفَارِسِي

عِنْد الْكَلَام على الْبَيْت الْآتِي خلاف الْوَاقِع. قَالَ: سَأَلنَا يَوْمًا أَبَا عَليّ عَن بَيت عدي فَأخذ يتطلب لَهُ وَجها وتعسف فِيهِ وَأَرَادَ أَن يرفع حلقي بِفعل مُضْمر يفسره قَوْله: شَرق. فَقُلْنَا لَهُ: فَبِمَ يرْتَفع إِذن شَرق فَقَالَ: هُوَ بدلٌ من حلقي. فَأطَال الطَّرِيق وأعور الْمَذْهَب. وَلَو قَالَ: إِن الْجُمْلَة الاسمية وَقعت موقع الفعلية لَكَانَ أقرب مأخذاً وأسهل مُتَوَجها. انْتهى. وَقَوله: بِالْمَاءِ اعتصاري قَالَ أَبُو عَليّ: مَوضِع الْجُمْلَة نصبٌ بِأَنَّهُ خبر كنت والعائد إِلَى الِاسْم الْيَاء فِي اعتصاري وكالغصان فِي مَوضِع حَال وَالْعَامِل فِيهِ كنت وَلَا يكون الْخَبَر لِأَن الْحَال إِذا تقدّمت لم يعْمل فِيهَا معنى الْفِعْل كَمَا يعْمل فِي الظّرْف إِذا تقدمه. وَلَا تكون الْبَاء فِي قَوْله بِالْمَاءِ كالجار فِي قَوْله: إِنِّي لَكمَا لمن الناصحين. وَلكنه يتَعَلَّق بِمَحْذُوف فِي مَوضِع خبر الْمُبْتَدَأ. أَلا ترى أَنَّك لَو قلت إِنِّي من الناصحين لَكمَا لتعلقت اللَّام بالناصحين. وَلَو قلت: كنت وَقَوله: وَلَا يكون الْخَبَر أَي: لَا يكون الْعَامِل فِي الْحَال الْخَبَر وَهُوَ قَوْله بِالْمَاءِ الْوَاقِع خَبرا لقَوْله اعتصاري. وَالْجُمْلَة خبر كنت. وَزعم الْعَيْنِيّ أَن قَوْله: كالغصان خبر كنت. وَلم يذكر موقع الْجُمْلَة الَّتِي بعده من الْإِعْرَاب. وَيجوز على هَذَا أَن تكون خَبرا ثَانِيًا. وشرق فلانٌ بريقه أَو بِالْمَاءِ: إِذا غص بِهِ وَلم يقدر على بلعه

وَهُوَ من بَاب تَعب. والغصان من غص فلانٌ بِالطَّعَامِ غصصاً من بَاب تَعب وَمن بَاب قتل لُغَة إِذا لم يقدر على بلعه. والغصة: بِالضَّمِّ: مَا غص بِهِ الْإِنْسَان من طَعَام أَو غيظٍ على التَّشْبِيه بِهِ وَيَتَعَدَّى بِالْهَمْزَةِ نَحْو: أغصصته بِهِ. قَالَ الْجَوْهَرِي: الاعتصار: أَن يغص الْإِنْسَان بِالطَّعَامِ فيعتصر بِالْمَاءِ وَهُوَ أَن يشربه قَلِيلا قَلِيلا ليسيغه. وَأنْشد هَذَا الْبَيْت. وتحقيقه أَن الاعتصار مَعْنَاهُ: الالتجاء كَمَا قَالَه أَبُو الْقَاسِم عَليّ بن حَمْزَة الْبَصْرِيّ فِيمَا كتبه على كتاب النَّبَات لأبي حنيفَة الدينَوَرِي وَهَذَا نَص كَلَامه وَفِيه فَوَائِد. وَأنْشد أَبُو حنيفَة للبعيث: الطَّوِيل) (وَذي أشرٍ كالأقحوان تشوفه ... ذهَاب الصِّبَا والمعصرات الدوالح) وَقَالَ: الدوالح: الثقال الَّتِي تدلح بِالْمَاءِ. وَيرى أَنه معنى قَول الله عَزَّ وَجَلَّ: وأنزلنا من المعصرات مَاء ثجاجاً. وَقَالَ قوم: إِن المعصرات الرِّيَاح ذَات الأعاصير وَهُوَ الرهج وَالْغُبَار. قَالَ الشَّاعِر: الْكَامِل (وَكَأن سهك المعصرات كسونها ... ترب الفدافد والنقاع بمنخل) النقاع: جمع نقع وَهُوَ القاع من القيعان. وَزَعَمُوا أَن معنى من معنى الْبَاء كَأَنَّهُ قَالَ: وأنزلنا بالمعصرات. وَقَالَ بَعضهم: بل المعصرات الغيوم أَنْفسهَا ذهب إِلَى معنى البعيث. وَلَا يحْتَمل قَوْله

غير السَّحَاب لقَوْله: الدوالح فَتكون المعصرات الَّتِي أمكنت الرِّيَاح من اعتصارها واستنزال قطرها كَمَا يُقَال أمضغ النّخل وآكل وَأطْعم وأفرك الزَّرْع إِذا أمكن ذَلِك فِيهِ. قَالَ أَبُو الْقَاسِم: ألم أَبُو حنيفَة بِالصَّوَابِ ثمَّ حاد عَنهُ. المعصرات: السحابات بِعَينهَا وَلكنهَا إِنَّمَا سميت بذلك بالعصر بِفتْحَتَيْنِ والعصرة بِالضَّمِّ وهما الملجأ. قَالَ الشَّاعِر: الْخَفِيف (فارسٌ يستغيث غير مغاثٍ ... وَلَقَد كَانَ عصرة المنجود) أَي: ملْجأ المكروب. وَتقول: أعصرني فلَان إِذا ألجأك إِلَيْهِ. واعتصرت أَنا اعتصاراً. لَو بِغَيْر المَاء حلقي شرقٌ ... ... . الْبَيْت فَمَعْنَى المعصرات المنجيات من الْبلَاء المعصمات من الجدب بِالْخصْبِ لَا مَا قَالَ أَبُو حنيفَة وَلَا مَا قَالَ من قَالَ: إِنَّهَا الرِّيَاح ذَات الأعاصير. فَلَا تلتفتن إِلَى الْقَوْلَيْنِ مَعًا. انْتهى كَلَامه. وَكَذَا قَالَ أَبُو عبيد: الاعتصار: الملجأ. وَالْمعْنَى: لَو شَرقَتْ بِغَيْر المَاء أسغت شَرْقي بِالْمَاءِ فَإِذا غصصت بِالْمَاءِ فَبِمَ أسيغه وَقد صَار الْبَيْت مثلا للتأذي مِمَّن يُرْجَى إحسانه. قَالَ ابْن عبد ربه فِي العقد الفريد: هَذَا الْبَيْت أول مَا قيل فِي مَعْنَاهُ. وَقَالَ آخر: الطَّوِيل (إِلَى المَاء يسْعَى من يغص بريقه ... فَقل أَيْن يسْعَى من يغص بِمَاء) وَقَالَ الْأَحْنَف بن قيس: من فَسدتْ بطانته كَانَ كمن غص بِالْمَاءِ. وَقَالَ الْعَبَّاس بن أحنف:)

السَّرِيع (قلبِي إِلَى مَا ضرني دَاعِي ... يكثر أحزاني وأوجاعي) (كَيفَ احتراسي من عدوي إِذا ... كَانَ عدوي بَين أضلاعي) وَقَالَ آخر: الْخَفِيف وَالْبَيْت من قصيدة لعدي بن زيد يُخَاطب بهَا النُّعْمَان بن الْمُنْذر وَكَانَ قد حَبسه النُّعْمَان. وَقَبله وَهُوَ أول القصيدة: الرمل (أبلغ النُّعْمَان عني مألكاً ... أَنه قد طَال حبسي وانتظاري) وأبلغ فعل أَمر. والمألك: بِسُكُون الْهمزَة وَضم اللَّام: الرسَالَة. وَقَالَ الزّجاج فِي تَفْسِيره عِنْد قَوْله تَعَالَى: وَإِذ قُلْنَا للْمَلَائكَة اسجدوا: ومألك: جمع مألكة. وَأنْشد هَذَا الْبَيْت. وَبَقِيَّة القصيدة مَذْكُورَة فِي العقد الفريد وَفِي الأغاني وَغَيرهمَا. وَقد استعطفه عديٌّ بعدة قصائد فَلم تَنْفَعهُ شَيْئا ثمَّ قَتله بعد مُدَّة طَوِيلَة فِي الْحَبْس. وَقد ذكرنَا سَبَب حَبسه وَكَيْفِيَّة قَتله مَعَ تَرْجَمته فِي الشَّاهِد السِّتين. وَأنْشد بعده: الطَّوِيل (يَقُولُونَ ليلى أرْسلت بشفاعةٍ ... إِلَيّ فَهَلا نفس ليلى شفيعها) لما تقدم فِي الْبَيْت قبله. وَفِيه التخريجان الْآخرَانِ أَيْضا.

وَقد تقدم شَرحه فِي الشَّاهِد الْخَامِس وَالسِّتِّينَ بعد الْمِائَة. وَأنْشد بعده الطَّوِيل (تريدين كَيْمَا تجمعيني وخالداً ... وَهل يجمع السيفان وَيحك فِي غمد) على أَن كي جَاءَت من غير سَبَبِيَّة بعد فعل الْإِرَادَة. وَمَا بعْدهَا زَائِدَة وَالْفِعْل مَنْصُوب بِحَذْف النُّون وَالنُّون الْمَوْجُودَة للوقاية. قَالَ التبريزي فِي شرح الكافية: فجوز الْفَصْل بَين كي وَبَين الْفِعْل بِلَا النافية بالِاتِّفَاقِ كَقَوْلِه تَعَالَى: كَيْلا يكون دولةً وَبلا الزَّائِدَة كَقَوْل قيس بن سعد ابْن عبَادَة: (أردْت لكيلا يعلم النَّاس أَنَّهَا ... سَرَاوِيل قيسٍ والوفود شُهُود) ) وَقد فصل بَينهمَا بِمَا الزَّائِدَة وَلَا النافية كَقَوْل الآخر: (أَرَادَت لكيما لَا تراني عشيرتي ... وَمن ذَا الَّذِي يعْطى الْكَمَال فيكمل) وَلَا يجوز الْفَصْل بَينهمَا بِغَيْر مَا ذكر. اه. وَالْبَيْت أول أبياتٍ خمسةٍ لأبي ذُؤَيْب الْهُذلِيّ. وَبعده: (أخالد مَا راعيت من ذِي قرابةٍ ... فتحفظني بِالْغَيْبِ أَو بعض مَا تبدي) (دعَاك إِلَيْهَا مقلتاها وجيدها ... فملت كَمَا مَال الْمُحب على عمد) ...

(فآليت لَا أَنْفك أحدو قصيدةً ... تكون وَإِيَّاهَا بهَا مثلا بعدِي) وَسبب هَذِه الأبيات أَن أَبَا ذُؤَيْب كَانَ يعشق امْرَأَة اسْمهَا أم عَمْرو وَكَانَ رَسُوله إِلَيْهَا خَالِدا وَهُوَ ابْن أختٍ لَهُ وَقيل ابْن عمٍّ لَهُ وَكَانَ جميلاً فعشقته أم عَمْرو فَلَمَّا أَيقَن أَبُو ذُؤَيْب بغدر خَالِد صرمها فَأرْسلت تترضاه فَلم يفعل وَقَالَ هَذِه الأبيات. وَكَانَ أَبُو ذُؤَيْب فعل كَذَلِك بِرَجُل يُقَال لَهُ مَالك بن عويمرٍ وَكَانَ رَسُوله إِلَيْهَا. وَتقدم شرح هَذِه الْقِصَّة مَبْسُوطا بأبسط من هَذَا فِي الشَّاهِد الثَّامِن وَالْأَرْبَعِينَ بعد الثلثمائة. وَجرى بَين أبي ذُؤَيْب وَبَين خالدٍ أشعارٌ مذكورةٌ فِي أشعار الهذليين مِنْهَا قَول خالدٍ يجِيبه قصيدةً على هَذَا الروي وَالْوَزْن: الطَّوِيل (فَلَا تجزعن من سنةٍ أَنْت سرتها ... فَأول راضٍ سنة من يسيرها) وَقَوله: تريدين كَيْمَا تجمعيني وخالداً هَكَذَا رَوَاهُ السكرِي وَغَيره. وَرَوَاهُ ابْن السّكيت فِي إصْلَاح الْمنطق وَصَاحب الصِّحَاح: تريدين كَيْمَا تضمديني وخالداً وَقَالَ: الضمد: أَن تتَّخذ الْمَرْأَة خليلين وَفعله من بَاب ضرب. وَهل: للاستفهام الإنكاري. والغمد بِالْكَسْرِ: قرَاب

السَّيْف. وَفِي أَمْثَال الْعَرَب: لَا يجمع سيفان وَقد اسْتعْمل هَذَا المصراع مثلا. قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ فِي أَمْثَاله: هُوَ من قَول أبي ذُؤَيْب. يضْرب فِي قلَّة الِاتِّفَاق. اه. وَمِنْه قَول يزِيد بن خذاق الشني من قصيدةٍ مذكورةٍ فِي المفضليات: (لن تجمعُوا ودي ومعتبتي ... أَو يجمع السيفان فِي غمد)) وَقَول العديل بن الفرخ الْعجلِيّ من قصيدة مَذْكُورَة فِي الحماسة: الطَّوِيل (وعل النَّوَى بِالدَّار تجمع بَيْننَا ... وَهل يجمع السيفان وَيحك فِي غمد) وَقَوله: أخالد مَا راعيت إِلَخ الْهمزَة للنداء. قَالَ السكرِي: أَرَادَ: فتحفظني بِالْغَيْبِ أَو فِي بعض مَا تظهر لي من الإخاء والمودة. والغيب: السِّرّ. وَقَوله: فَكنت كرقراق إِلَخ قَالَ السكرِي: يَقُول: ظَنَنْت أَن

لَك أَمَانَة فَكنت كالسراب الَّذِي يكذب من رَآهُ يظنّ أَنه ماءٌ وَلَيْسَ بماءٍ وَكَذَلِكَ أَنْت. وَقَوله: فآليت إِلَخ هَذَا الْبَيْت من شَوَاهِد النَّحْوِيين فِي بَاب الْمَفْعُول مَعَه. وآليت: حَلَفت. وَلَا أَنْفك: لَا أَزَال. وأحذو رَوَاهُ السكرِي بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة لَا غير. بِمَعْنى أطابق. قَالَ ابْن السَّيِّد فِي شرح أَبْيَات الْجمل: وَمعنى أحذو: أصنع وأهيىء كَمَا تحذى النَّعْل على الْمِثَال إِذا سويت عَلَيْهِ. وَمن روى: أحدو بدال غير مُعْجمَة فَهُوَ من قَوْلهم: حدوت الْبَعِير إِذا سقته وَأَنت تتغنى فِي أَثَره لينشط فِي السّير. وَنقل الْعَيْنِيّ عَن ابْن يسعون أَنه قَالَ على هَذِه الرِّوَايَة: عِنْدِي فِي أحدو ثَلَاثَة أوجه: الأول: أَن يُرِيد أحدو قصيدةً إِلَيْك أَي: أسوقها حَادِيًا كَمَا يفعل الْحَادِي بِالْإِبِلِ عِنْد سوقها لِأَنَّهُ يتَغَنَّى وَإِنَّمَا أَرَادَ بذلك الشُّهْرَة. الثَّانِي: أَن يُرِيد أحدو غدرتك لي قصيدةً أبلغ بتخليدها فِيك أملي. فَحذف الْمَفْعُول للْحَال الدَّالَّة عَلَيْهِ وَنصب قصيدةً نصب الْمصدر أَي: حدو قصيدةٍ فَلَمَّا حذف الْمُضَاف أَقَامَ الْمُضَاف إِلَيْهِ مقَامه. الثَّالِث: أَن يُرِيد: أتحدى لَهَا وأتبعها ناظماً لَهَا حَتَّى كَأَنَّهُ قَالَ: أوالي قصيدة. ثمَّ قَالَ الْعَيْنِيّ: وَقَالَ السكرِي: أحدو مَعْنَاهُ: أُغني فعلى هَذَا يَنْبَغِي أَن يكون قَوْله قصيدة مَفْعُولا بِإِسْقَاط حرف الْجَرّ وَهُوَ الْبَاء. اه.

أَقُول: إِن السكرِي لم يرو أحدو بدال مُهْملَة فَكيف يُفَسِّرهَا بِمَا ذكر. وَإِنَّمَا أحدو مَعْنَاهُ أسوق فَلَا حذف. وَقَوله: تكون وَإِيَّاهَا إِلَخ قَالَ ابْن السَّيِّد: تكون فِي مَوضِع الصّفة لقصيدة وَهِي صفةٌ جرت على غير من هِيَ لَهُ وَلَو جَعلتهَا صفة مَحْضَة لبرز الضَّمِير الْفَاعِل الْمُسْتَتر فِيهَا وَكنت تَقول:) كَائِنا بهَا أَنْت وَإِيَّاهَا. وَالضَّمِير فِي قَوْله: وَإِيَّاهَا يعود على الْمَرْأَة كَأَنَّهُ قَالَ: حَلَفت لَا أَزَال أصنع قصيدةً تكون مَعَ هَذِه الْمَرْأَة مثلا بعدِي أَي: إِنَّهَا تبقى مَا بَقِي الدَّهْر. قَالَ الْعَيْنِيّ: فَإِن قلت: كَيفَ يكون مثلا خَبرا والتطابق شَرط قلت: هُوَ مُفْرد وَقع موقع التَّثْنِيَة. وَكَذَلِكَ قد يَقع موقع الْجمع لما فِيهِ من الْعُمُوم المتقضي للكثرة. هَذَا كَلَامه. فَتَأَمّله. قَالَ أَبُو عَليّ: نصب وَإِيَّاهَا على الْمَفْعُول مَعَه بتوسط الْوَاو لما لم يُمكنهُ الْعَطف فَيَقُول: تكون وَهِي لأمرين: أَحدهمَا: كسر الْبَيْت لَو فعل ذَلِك. وَالثَّانِي: قبح الْعَطف على الضَّمِير الْمَرْفُوع وَهُوَ غير مُؤَكد. وَقَالَ ابْن بري فِي شرح أَبْيَات الْإِيضَاح لأبي عَليّ: لما لم يُمكنهُ الْعَطف على الضَّمِير فِي تكون من غير تَأْكِيد نصب على معنى مَعَ. وَكَانَ أَبُو الْحسن يذهب إِلَى انتصابه على الظّرْف كَمَا كَانَت مَعَ فَلَمَّا حذفت وَقَامَت الْوَاو مقَامهَا انتصب الِاسْم على ذَلِك الْمَعْنى وَدخلت مهيئة لعمل الْفِعْل فِيهِ ونصبه على الظّرْف. وَمعنى الْعَطف قائمٌ فِيهَا وجائزٌ فِيهَا وَلذَلِك لم تعْمل الْجَرّ كَمَا لَا تعمله حُرُوف الْعَطف بِخِلَاف

(الشاهد الواحد والستون بعد الستمائة)

وَاو الْقسم لِأَن معنى الْعَطف معدومٌ فِيهَا. وَالصَّوَاب مَذْهَب الْجُمْهُور لِأَن وجود معنى الْعَطف فِيهِ يُنَافِي الظَّرْفِيَّة لِأَن الْعَطف فِي التَّقْدِير من جملَة أُخْرَى والظرف من الْجُمْلَة الأولى وَلِأَن تَقْدِيره بفي بعيدٌ إِذْ لَا يجوز تقديرها قبل الْوَاو لفصلها بَين الْجَار وَالْمَجْرُور وَلَا بعْدهَا لفصلها بَين الْفِعْل وَمَا تعلق بِهِ. انْتهى كَلَامه. وَقَالَ السكرِي: روى الْبَاهِلِيّ: أدعك وَإِيَّاهَا ويروى: أذرك وَإِيَّاهَا فَجزم لِكَثْرَة الحركات. وروى أَيْضا: تَكُونَانِ فِيهَا للملا مثلا بعدِي وعَلى هَذِه الرِّوَايَات الثَّلَاث لَا شَاهد فِيهِ. وترجمة أبي ذُؤَيْب وَهُوَ شاعرٌ إسلامي تقدّمت فِي الشَّاهِد السَّابِع وَالسِّتِّينَ. وَأنْشد بعده (الشَّاهِد الْوَاحِد وَالسِّتُّونَ بعد الستمائة) الطَّوِيل على أَن حَتَّى فِيهِ ابتدائية وَالْفِعْل بعْدهَا مَرْفُوع بِثُبُوت النُّون وَنصب نضبع بالْعَطْف على توهم نصب مَا قبله. وَهَذَا على رِوَايَة ثَعْلَب فِي أَمَالِيهِ عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: وَالْمعْنَى تمدون أَيْدِيكُم إِلَيْنَا بِالسُّيُوفِ ونمد أَيْدِينَا. وَكَذَا قَالَ ابْن السّكيت فِي إصْلَاح الْمنطق: أَي: تمدون إِلَيْنَا أضباعكم بِالسُّيُوفِ ونمد

إِلَيْكُم أضباعنا بِالسُّيُوفِ. قَالَ: وَقد ضبعت الْخَيل وَالْإِبِل تضبع بِفَتْح الْبَاء فيهمَا ضبعاً بسكونها إِذا مدت أضباعها فِي عدوها وَهِي أعضادها. وَمِنْه هَذَا الْبَيْت. لكنه رَوَاهُ بِالنّصب. وَتَبعهُ صَاحب الصِّحَاح هَكَذَا: وَلَا صلح حَتَّى تضبعونا ونضبعا فحتى فِيهِ جَارة وتضبعونا مَنْصُوب بِأَن على حذف النُّون ونا ضمير الْمُتَكَلّم مَعَ الْغَيْر مَفْعُوله وَالْفِعْل مُسْتَقْبل وَلَا حَاجَة لتأويله بِالْحَال وَيكون نصب نضبع بالْعَطْف عَلَيْهِ ظَاهرا من غير ادِّعَاء توهم. وَفَسرهُ أَبُو عَمْرو بن الْعَلَاء كَمَا نَقله صَاحب الصِّحَاح بقوله: أَي حَتَّى تضبعون للصلح والمصافحة. وَقد جَاءَ نَظَائِره بِالنّصب مِنْهَا مَا أنْشدهُ صَاحب الْعباب قَالَ: وضبعت الرجل مددت إِلَيْهِ ضبعي للضرب قَالَ عَمْرو بن الْأسود أحد بني سبيع وَكَانَت امْرَأَة اسْمهَا غضوب هجت مربع بن سبيع فَقَتلهَا مربع فَعرض قوم مربع الدِّيَة فَأبى قَومهَا: الطَّوِيل (كَذبْتُمْ وَبَيت الله نرفع عقلهَا ... عَن الْحق حَتَّى تضبعوا ثمَّ نضبعا) أَي: حَتَّى تمدوا إِلَيْنَا أضباعكم بِالسُّيُوفِ ونمد أضباعنا إِلَيْكُم. وَقَالَ أَبُو عَمْرو: أَي: حَتَّى تضبعوا للصلح والمصافحة. انْتهى. والضبع بِسُكُون الْمُوَحدَة وَفتح الضَّاد الْمُعْجَمَة: الْعَضُد وَقيل من الْعَضُد: وَسطه بِلَحْمِهِ يُقَال: أخذت بضبعي فلانٍ فَلم أفارقه. ومددت

بضبعيه إِذا قبضت وسط عضديه. وَمِنْهَا قَول عَمْرو بن شأسٍ الجاهلي من قصيدة: الطَّوِيل) (بني أسدٍ هَل تعلمُونَ بلاءنا ... إِذا كَانَ يَوْمًا ذَا كواكب أشنعا) (إِذا كَانَت الحو الطوَال كَأَنَّمَا ... كساها السِّلَاح الأرجوان المضلعا) (نذود الْمُلُوك عَنْكُم وتذودنا ... إِلَى الْمَوْت حَتَّى يضبعوا ثمَّ نضبعا) وَالْبَيْت الأول من الثَّلَاثَة اسْتشْهد بِهِ سِيبَوَيْهٍ على أَنه أَرَادَ الشَّاعِر إِذا كَانَ الْيَوْم يَوْمًا. وأضمر لعلم الْمُخَاطب وَمَعْنَاهُ إِذا كَانَ الْيَوْم الَّذِي يَقع فِيهِ الْقِتَال. قَالَ سِيبَوَيْهٍ: إِذا كَانَ يومٌ ذُو كواكب أشنعا وَمعنى كَانَ فِي الْوَجْهَيْنِ معنى وَقع وَيَوْما مَنْصُوب على الْحَال وأشنعا حَال أَيْضا مُؤَكدَة على الرِّوَايَة الثَّانِيَة. وَزعم الْمبرد أَنه خبر كَانَ وردوا عَلَيْهِ بِأَنَّهُ لَا فَائِدَة فِي هَذَا الْإِخْبَار. والحو: جمع أحوى أَرَادَ بِهِ أَن الْخَيل السود قد صبغت بِدَم الْأَعْدَاء حَتَّى صَارَت كالأرجوان. وتضبعون هُنَا ظاهرٌ فِيمَا فسره أَبُو عَمْرو بن الْعَلَاء. وَالْبَيْت الشَّاهِد لم أَقف على تتمته وَلَا على قَائِله. وَالله أعلم.

(الشاهد الثاني والستون بعد الستمائة)

وَأنْشد بعده (الشَّاهِد الثَّانِي وَالسِّتُّونَ بعد الستمائة) وَهُوَ من شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ: الوافر (سأترك منزلي لبني تميمٍ ... وَألْحق بالحجاز فأستريحا) على أَن أستريح جَاءَ مَنْصُوبًا بعد الْفَاء فِي ضَرُورَة الشّعْر فِيمَا لَيْسَ فِيهِ معنى النَّفْي أصلا. قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَقد يجوز النصب فِي الْوَاجِب فِي اضطرار الشّعْر ونصبه فِي الإضطرار من حَيْثُ انتصب فِي غير الْوَاجِب وَذَلِكَ لِأَنَّك تجْعَل أَن العاملة. فمما نصب فِي الشّعْر اضطراراً قَوْله: وَهُوَ ضعيفٌ فِي الْكَلَام. انْتهى. قَالَ الأعلم: ويروى: لأستريحا: وَلَا ضَرُورَة فِيهِ على هَذَا. وَقَالَ ابْن السراج فِي الْأُصُول: جعل لحاقه بالحجاز سَببا لاستراحته فتقديره لما نصب كَأَنَّهُ قَالَ: يكون لحاقٌ فاستراحة. وَقد جَاءَ مثله فِي الشّعْر لقومٍ فصحاء إِلَّا أَنه قبح النصب فِي الْعَطف على الْوَاجِب الَّذِي على غير شَرطه لِأَنَّهُ قد جعل لهَذَا الْمَعْنى آلاتٌ وَكَانَ حق الْكَلَام أَن يَقُول: لَو كَانَ فِي غير شعر: وَألْحق بالحجاز فَإِذا لحقت استرحت أَو: وَإِن ألحق أسترح.) وَمَعَ ذَلِك فَإِن الْإِيجَاب على غير شَرط أصل الْكَلَام وَإِزَالَة اللَّفْظ عَن جِهَته فِي الْفُرُوع أحسن مِنْهَا فِي الْأُصُول لِأَنَّهَا أدل على الْمعَانِي. انْتهى. وَنقل أَبُو عَليّ هَذِه الْعبارَة بِعَينهَا فِي التَّذْكِرَة. وَأورد ابْن عُصْفُور فِي كتاب الضرائر لهَذَا الْبَيْت نَظَائِر ثمَّ قَالَ:

لما اضْطر إِلَى اسْتِعْمَال النصب بدل الرّفْع حكم لَهَا حكم الْأَفْعَال الْوَاقِعَة بعد الْفَاء فِي الْأَجْوِبَة الثَّمَانِية فنصب بإضمار أَن وتؤولت الْأَفْعَال الَّتِي قبلهَا تَأْوِيلا يُوجب النصب فَحكم لقَوْله وَألْحق بالحجاز بِحكم: وَيكون مني لحاقٌ بالحجاز فاستراحة فعطفت بِالْفَاءِ على الْمصدر المتوهم. انْتهى. وَلبس عباءةٍ وتقر عَيْني غير جيد. وَقَالَ أَيْضا: لقائلٍ أَن يَقُول: لَا نسلم أَن أستريح مَنْصُوب بل هُوَ مَرْفُوع مُؤَكد بالنُّون الْخَفِيفَة مَوْقُوفا عَلَيْهَا بِالْألف وتأكيد مثل هَذَا جَائِز فِي الضَّرُورَة. قَالَ سِيبَوَيْهٍ: يجوز للْمُضْطَر: أَنْت تفعلن. وَلَا شكّ أَن التَّخْرِيج على هَذَا مُتَّجه بِخِلَاف التَّخْرِيج على النصب مَعَ فقد شَرطه. هَذَا كَلَامه. وَهُوَ من بَاب غسل الدَّم بِالدَّمِ لِأَنَّهُ تفصى من ضَرُورَة ولجأ إِلَى ضَرُورَة وَشرط كلٍّ من النصب والتأكيد مَفْقُود. وَنقل الدماميني أَن بَعضهم رام تَخْرِيجه على النصب فِي جَوَاب النَّفْي الْمَعْنَوِيّ الْمُسْتَفَاد من قَوْله: سأترك منزلي إِذْ مَعْنَاهُ: لَا أقيم بِهِ. ثمَّ تعقبه بِأَنَّهُ غير مُتَّجه لِأَن جَوَاب النَّفْي منفيٌّ لَا ثَابت نَحْو: مَا جَاءَ زيد فَأكْرمه بِالنّصب والاستراحة ثَابِتَة لَا منفية. وَالْبَيْت لم يعزه أحدٌ من خدمه كتاب سِيبَوَيْهٍ إِلَى قائلٍ معِين.

(الشاهد الثالث والستون بعد الستمائة)

وَنسبه الْعَيْنِيّ وَتَبعهُ السُّيُوطِيّ فِي أَبْيَات الْمُغنِي إِلَى الْمُغيرَة بن حبناء بن عَمْرو بن ربيعَة الْحَنْظَلِي التَّمِيمِي. وَقد رجعت إِلَى ديوانه وَهُوَ صَغِير فَلم أَجِدهُ فِيهِ. وَقَالَ صَاحب الأغاني: وحبناء: لقبٌ على أمه غلب على أَبِيه واسْمه حبين. هاجى زياداً الْأَعْجَم. وحبناء بِفَتْح الْمُهْملَة وَسُكُون الْمُوَحدَة بعْدهَا نون وَألف ممدودة. وحبين بِضَم الْمُهْملَة وَفتح الْمُوَحدَة. وَأنْشد بعده) (الشَّاهِد الثَّالِث وَالسِّتُّونَ بعد الستمائة) وَهُوَ من شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ: الطَّوِيل ألم تسْأَل الرّبع القواء فينطق هَذَا صدرٌ وعجزه: وَهل تخبرنك الْيَوْم بيداء سملق على أَن مَا بعد فَاء السَّبَبِيَّة قد يبْقى على رَفعه قَلِيلا وَهُوَ مُسْتَأْنف. وَأنْشد سِيبَوَيْهٍ هَذَا الْبَيْت وَقَالَ: لم يَجْعَل الأول سَبَب الآخر وَلكنه جعله ينْطق على كل حَال كَأَنَّهُ قَالَ: وَهُوَ مِمَّا ينْطق كَمَا قَالَ: ائْتِنِي وأحدثك فَجعل نَفسه مِمَّن يحدثه على كل حَال. وَزعم

يُونُس أَنه سمع هَذَا الْبَيْت بألم. وَإِنَّمَا كتبت ذَا لِئَلَّا يَقُول إنسانٌ فَلَعَلَّ الشَّاعِر قَالَ: أَلا. قَالَ أَبُو جَعْفَر النّحاس عَن أبي إِسْحَاق قَالَ: إِنَّه تقريرٌ مَعْنَاهُ: إِنَّك سَأَلته. فيقبح النصب لِأَن الْمَعْنى يكون: إِنَّك إِن تسأله ينْطق. وَيمْنَع سِيبَوَيْهٍ أَن يرْوى: أَلا تسْأَل الرّبع لِأَنَّهُ لَو رَوَاهُ كَذَا حسن النصب لِأَن مَعْنَاهُ فَإنَّك إِن تسأله ينْطق. قَالَ أَبُو الْحسن: ألم تَرَ أَن الله أنزل من السَّمَاء مَاء فَتُصْبِح الأَرْض مخضرة. والقواء: الَّتِي لَا تنْبت. والسملق: الخالية. انْتهى. قَالَ الأعلم: الشَّاهِد فِيهِ رفع ينْطق على الِاسْتِئْنَاف وَالْقطع على معنى فَهُوَ ينْطق وَإِيجَاب ذَلِك لَهُ. وَلَو أمكنه النصب على الْجَواب لَكَانَ أحسن. وَالرّبع: الْمنزل. والقواء: القفر. وَجعله ناطقاً للاعتبار بدروسه وتغيره. ثمَّ حقق أَنه لَا يُجيب وَلَا يخبر سائله لعدم القاطنين بِهِ. والبيداء: القفر. والسملق: الَّتِي لَا شَيْء بهَا. انْتهى. وَأوردهُ الْفراء عِنْد هَذِه الْآيَة من تَفْسِيره قَالَ: رفعت فَتُصْبِح لِأَن الْمَعْنى فِي ألم تَرَ مَعْنَاهُ خبر كَأَنَّك قلت فِي الْكَلَام: أعلم أَن الله ينزل من السَّمَاء مَاء فَتُصْبِح الأَرْض. وَهُوَ مثل قَول الشَّاعِر: ألم تسال الرّبع الْقَدِيم فينطق أَي: قد سَأَلته فَنَطَقَ. وَلَو جعلته استفهاماً وَجعلت الْفَاء شرطا لنصبت كَمَا قَالَ الآخر:

الوافر) (ألم تسْأَل فتخبرك الديارا ... عَن الْحَيّ المضلل حَيْثُ سارا) والجزم فِي هَذَا الْبَيْت جَائِز كَمَا قَالَ: الطَّوِيل (فَقلت لَهُ صوب وَلَا تجهدنه ... فيذرك من أُخْرَى القطاة فتزلق) فَجعل الْجَواب بِالْفَاءِ كالمنسوق على مَا قبله. انْتهى. وَقَالَ ابْن المستوفي: قصد الشَّاعِر نفي السُّؤَال فَرفع. وَقد جوزوا فِيهِ النصب والجزم لَوْلَا أَن الروي مَرْفُوع. وَهَذَا هُوَ مَا نَقَلْنَاهُ عَن الْفراء. وَأما قَول ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي: الْفَاء فِيهِ للاستئناف أَي: فَهُوَ ينْطق لِأَنَّهَا لَو كَانَت للْعَطْف لجزم مَا بعْدهَا وَلَو كَانَت للسَّبَبِيَّة لنصب فقد قَالَ شراحه: الْمُلَازمَة الثَّانِيَة مَمْنُوعَة فقد تتَحَقَّق السَّبَبِيَّة مَعَ رفع الْفِعْل كَمَا قيل فِي قَوْله: تَعَالَى: لَا يُؤذن لَهُم فيعتذرون. نعم الْأَكْثَر مَعَ السَّبَبِيَّة النصب اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يُقَال إِن الْمُلَازمَة إِلَى الْأَكْثَر. وَهَذَا الِاعْتِرَاض إِنَّمَا هُوَ من كَلَام الشَّارِح الْمُحَقق هُنَا

وَبعده: (بمختلف الْأَرْوَاح بَين سويقةٍ ... وأحدب كَادَت بعد عَهْدك تخلق) (أضرت بهَا النكباء كل عشيةٍ ... ونفح الصِّبَا والوابل المتبعق) (وقفت بهَا حَتَّى تجلت عمايتي ... ومل الْوُقُوف الأرحبي المنوق) (وَقَالَ خليلي إِن ذَا لصبابةٌ ... أَلا تزجر الْقلب اللجوج فَيلْحق) (تعز وَإِن كَانَت عَلَيْك كَرِيمَة ... لَعَلَّك من أَسبَاب بثنة تعْتق) (فَقلت لَهُ إِن البعاد يشوقني ... وَبَعض بعاد الْبَين والنأي أشوق) روى صَاحب الأغاني عَن الْهَيْثَم أَن جميلاً طَال مقَامه بِالشَّام ثمَّ قدم وَبلغ بثينة خَبره فراسلته مَعَ بعض نسَاء الْحَيّ تذكر شوقها إِلَيْهِ ووجدها بِهِ وواعدته لموضعٍ يَلْتَقِيَانِ فِيهِ فَصَارَ إِلَيْهَا وحادثها طَويلا وأخبرها بِحَالهِ بعْدهَا وَقد كَانَ أَهلهَا رصدوها فَلَمَّا فقدوها تبعها أَبوهَا وأخوها حَتَّى هجما عَلَيْهَا فَوَثَبَ جميلٌ فسل سَيْفه وَشد عَلَيْهِمَا فاتقياه بالهرب وَنَاشَدْته بثينة بالانصراف وَقَالَت لَهُ: إِن أَقمت فضحتني وَلَعَلَّ الْحَيّ أَن يلحقوك فَأبى وَقَالَ: أَنا مقيمٌ وامضي أَنْت وليصنعوا مَا أَحبُّوا فَلم تزل بِهِ تناشده حَتَّى انْصَرف.) وَقَالَ فِي ذَلِك وَقد هجوته مُدَّة طَوِيلَة وَلم تلقه هَذِه القصيدة وَهِي طَوِيلَة. قَوْله: ألم تسْأَل الرّبع إِلَخ قَالَ اللَّخْمِيّ فِي شرح أَبْيَات الْجمل الرّبع: الدَّار بِعَينهَا حَيْثُمَا كَانَت. والمربع: الْمنزل فِي الرّبيع خَاصَّة.

والقواء: القفر. يُقَال: ربعٌ قواءٌ وَدَار قواء أَي: خَالِيَة. والبيداء: القفر الَّذِي يبيد من سلكه أَي: يهلكه. والسملق: الأَرْض الَّتِي لَا تنْبت شَيْئا. وَقيل: هِيَ السهلة المستوية. ومفعول تسْأَل الثَّانِي مَحْذُوف وَالتَّقْدِير: ألم تسْأَل الرّبع عَن أَهله فينطق. انْتهى. وَقَالَ ابْن السَّيِّد: وَمعنى نطق الرّبع مَا يتَبَيَّن من آثاره. وَالْعرب تسمي كل دَلِيل نطقاً وقولاً وكلاماً. قَالَ الله تَعَالَى: هَذَا كتَابنَا ينْطق عَلَيْكُم بِالْحَقِّ. وَمِنْه قَول زُهَيْر: أَمن أم أوفى دمنةٌ لم تكلم أَي: لم يكن بهَا أثر يستبان لقدم عهدها بالنزول فِيهَا وَنَحْوه. انْتهى. وَقَوله: وَهل تخبرنك الْيَوْم إِلَخ رد على نَفسه بِأَن مثله لَا ينْطق فيجيب. وَهَذَا رجوعٌ إِلَى الْحَقِيقَة بعد الْمجَاز. وَمثله مَا أنْشدهُ أَبُو الْفرج الْأَصْبَهَانِيّ فِي الأغاني لمُحَمد بن عبد الله بن مُسلم بن الْمولى مولى الْأَنْصَار من مخضرمي الدولتين يمدح الْمهْدي: الطَّوِيل (سلا دَار ليلى هَل تبين فَتَنْطِق ... وأنى ترد القَوْل بيداء سملق) وَقَوله: فينطق الْفَاء للاستئناف وَجُمْلَة: ينْطق خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي: فَهُوَ ينْطق. قَالَ صَاحب الْكَشَّاف عِنْد قَوْله تَعَالَى: وَهُوَ الله فِي السَّمَوَات وَفِي الأَرْض يعلم سركم وجهركم: يعلم: جملَة مستأنفة أَي: هُوَ يعلم سركم.

قَالَ التَّفْتَازَانِيّ: جرت عَادَته فِي مثل هَذَا بِتَقْدِير مُبْتَدأ وَلَا يظْهر لَهُ وجهٌ يعْتد بِهِ. وَقَالَ فِي التَّلْوِيح فِي قَوْله تَعَالَى: والراسخون فِي الْعلم يَقُولُونَ آمنا بِهِ. هَكَذَا قَالَ جَار الله فِي الْكَشَّاف والمفصل فَيقدر الْمُبْتَدَأ فِي جَمِيع مَا هُوَ من هَذَا الْقَبِيل. وَفِيه نظر لِأَن الْجُمْلَة الفعلية صَالِحَة للابتداء من غير احْتِيَاج إِلَى تَقْدِير مُبْتَدأ. وَفِي شرح التسهيل للدماميني: النحويون يقدرُونَ فِي الِاسْتِئْنَاف مُبْتَدأ وَذَلِكَ إِمَّا لقصد إِيضَاح الِاسْتِئْنَاف وَإِمَّا لِأَنَّهُ لَا يسْتَأْنف إِلَى على هاذ التَّقْدِير. وَإِلَّا لزم الْعَطف الَّذِي هُوَ مُقْتَضى الظَّاهِر. انْتهى.) قَالَ شَيخنَا الشهَاب الخفاجي فِي بعض رسائله: حَاصله أَن الْجُمْلَة المضارعية المستأنفة يقتضى كَلَام الْمُفَسّرين والنحاة أَنه لَا بُد فِيهَا من تَقْدِير ضمير مُبْتَدأ. وَاسْتَشْكَلَهُ الْمُتَأَخّرُونَ بِأَنَّهُ لَا ضَرُورَة تَدْعُو إِلَيْهِ فَإِنَّهُ يجوز الِاسْتِئْنَاف بِدُونِهِ. وَلم يَدْفَعهُ أحد فظنوا أَنه واردٌ غير مندفع. وَلما تَأَمَّلت مَا قَالُوهُ حق التَّأَمُّل ظهر لي أَن الْحق مَا قَالُوهُ وَأَنه لَا بُد من هَذَا التَّقْدِير لِأَنَّك إِذا وقفت على قَوْله: فِي الأَرْض من غير تَقْدِير لم يَقع موقعه إِذْ لم يفد مَا يحسن السُّكُوت عَلَيْهِ. وَالضَّمِير الْمُسْتَتر خفيٌّ لَا يظْهر بَادِي الرَّأْي. فَإِذا قلت يعلم لم يعلم من الْعَالم. فَإِذا كَانَ الْمُبْتَدَأ ظَاهرا أَو فِي حكمه علم المُرَاد. وَنَظِيره النَّعْت الْمَقْطُوع إِذا رفع يقدر قبله ضمير لِأَنَّهُ مُفْرد لَا يُفِيد إِلَّا على ذَلِك التَّقْدِير. وَبِهَذَا تبين أَن الِاعْتِرَاض من الغفول عَمَّا قَصده هَؤُلَاءِ الفحول. وَهُوَ معنى قَوْله فِي شرح التسهيل: وَإِلَّا لزم الْعَطف

أَي بَطل الِاسْتِئْنَاف وَكَانَ خَبرا ثَانِيًا. وَكَيف يتَرَدَّد فِي مثله بعد اتِّفَاق النُّحَاة عَلَيْهِ. إِلَّا أَنهم لم يبينوا أَن هَذَا الْحَذف وَاجِب أَو لَا. وَالظَّاهِر أَنه وَاجِب. وَهَذَا من مهمات الْمَقَاصِد. انْتهى كَلَام شَيخنَا. وَمَا ذكره بحثا هُوَ كَلَام الشَّارِح الْمُحَقق عِنْد كَلَامه على قَول الشَّاعِر: (غير أَنا لم تأتنا بِيَقِين ... فنرجي ونكثر التأميلا) بعد نَحْو ورقة من هَذَا الْموضع. وَقَول شَيخنَا: أَي: بَطل الِاسْتِئْنَاف وَكَانَ خَبرا ثَانِيًا. فِيهِ أَن الْخَبَر المتعدد يجوز فِيهِ الْعَطف وَلم يجب كَمَا بَين فِي مَحَله. وَقَوله: بمختلف الْأَرْوَاح إِلَخ الْبَاء السَّبَبِيَّة. والمختلف: الْموضع الَّذِي تهب فِيهِ الرِّيَاح من كل وَجه. وسويقة بِالتَّصْغِيرِ وأحدب بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالْبَاء الْمُوَحدَة لَا بِالْمُثَلثَةِ. موضعان. وتخلق: تبلى يُقَال: خلق الثَّوْب بِالضَّمِّ إِذا بلي فَهُوَ خلق بِفتْحَتَيْنِ. وأخلق الثَّوْب بِالْألف لُغَة. وَقَوله: أضرت بهَا النكباء إِلَخ. النكباء: كل ريح تهب بَين مهب ريحين لِأَنَّهَا نكبت عَن مهبها أَي: عدلت. ونفحت الرّيح بِالْحَاء الْمُهْملَة أَي: هبت من بَاب نفع. والوابل: الْمَطَر الْعَظِيم الْقطر. والمتبعق بتَشْديد الْعين الْمُهْملَة الْمَكْسُورَة: الشَّديد الْمَطَر. يُقَال: تعبق المزن إِذا سَالَ بِشدَّة.)

والعماية بِفَتْح الْمُهْملَة بعْدهَا مِيم: الضَّلَالَة وَهِي من عمى الْقلب. وروى: غيابتي بالغين الْمُعْجَمَة. والغيابة: الظلمَة وقعر الْبِئْر وَنَحْوهَا. والأرحبي: الْجمل النجيب منسوبٌ إِلَى أرحب بِالْحَاء الْمُهْملَة: قَبيلَة وَقيل: فَحل وَقيل: مَوضِع. وروى بدله: العنتريس وَهُوَ الْجمل الشَّديد الصلب. والمنوق: الْمُذَلل كالناقة. وَقَوله: لَعَلَّك من أَسبَاب بثنة روى بدله: لَعَلَّك من رقٍّ لبثنة. وَجَمِيل بن معمر شاعرٌ إسلامي تقدّمت تَرْجَمته فِي الشَّاهِد الثَّانِي وَالسِّتِّينَ من أَوَائِل الْكتاب. وَأنْشد بعده الْكَامِل لم تدر مَا جزعٌ عَلَيْك فتجزع لما تقدم قبله. وَهُوَ عجز وصدره: وَلَقَد تركت صبية مَرْحُومَة قَالَ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي: وللاستئناف وَجه آخر وَهُوَ أَن يكون على معنى السَّبَبِيَّة وَانْتِفَاء الثَّانِي لانْتِفَاء الأول وَهُوَ أحد وَجْهي النصب وَهُوَ قَلِيل وَعَلِيهِ قَوْله: (وَلَقَد تركت صبية مَرْحُومَة ... لم تدر مَا جزعٌ عَلَيْك فتجزع) أَي: لَو عرفت الْجزع لجزعت وَلكنهَا لم تعرفه فَلم تجزع. إِلَى آخر مَا ذكره من نَظَائِره من الْآيَات القرآنية.

وَقد تكلم ابْن جني على هَذَا الْبَيْت فِي إِعْرَاب الحماسة فَلَا بَأْس بإيراده قَالَ: هَذَا الْبَيْت طريفٌ غَرِيب الحَدِيث وَذَلِكَ أَنه لَيْسَ بِجَوَاب لِأَنَّهُ مَرْفُوع كَمَا ترى وَلَو كَانَ مَنْصُوبًا جَوَابا لَكَانَ أوفق معنى وأسلب طَرِيقا وَلَا قبله أَيْضا فعلٌ مَرْفُوع فيعطف عَلَيْهِ كَمَا عطف فِي قَوْله: الْبَسِيط فَلهَذَا كَانَ غَرِيبا. غير أَن وَجهه عِنْدِي أَن يكون قَوْله: فتجزع صفة لقَوْله: مَرْحُومَة أَو صَغِيرَة وَيكون مَعْطُوفًا على جملَة قَوْله: لم تدر مَا جزعٌ عَلَيْك لِأَن هَذِه الْجُمْلَة صفة لقَوْله: صَغِيرَة أَو مَرْحُومَة فَكَأَنَّهُ قَالَ: فَلَقَد تركت صَغِيرَة جاهلة بالجزع فجازعةً مَعَ ذَلِك. فَلَمَّا وَقع تجزع موقع الِاسْم ارْتَفع فَجرى مجْرى قَوْلك: مَرَرْت بِرَجُل من أهل الْعلم ويقرىء) النَّاس. فتعطف يقرىء على من أهل الْعلم حَتَّى كَأَنَّك قلت: عَالم ومقرىء. وَإِن شِئْت جعلت الْفَاء زَائِدَة فِي جَمِيع ذَلِك فَكَانَ. فَلَا أمٌّ تبكيه وَلَا أُخْت تفقده. و: فَمَا تحل على قوم ترتحل أَي:

معتقدة للارتحال وَلم يكن بَيْننَا شَرّ نصطلح من أَجله وَلم تدر مَا جزعٌ عَلَيْك جازعة أَي: تركت صبية جازعةً وَإِن لم تعرف الْجزع أَي: صورتهَا صُورَة الجازعة. فَإِن قلت: فَهَل هُنَاكَ أمٌّ غير باكية أَو أُخْت غير مفتقدة قيل: لَيْسَ نفي الشَّيْء عندنَا إِثْبَاتًا لضده. أَلا ترى لَو قلت: إِن زيدا لم يعزني لم يكن فِي هَذَا دَلِيل على أَنه قد أَهَانَك. وَقَالَ أَبُو الْحسن فِي قَوْله تَعَالَى: يَا ليتنا نرد وَلَا نكذب بآيَات رَبنَا ونكون من الْمُؤمنِينَ. قَالَ: هُوَ فِي اللَّفْظ معطوفٌ وَفِي الْمَعْنى جَوَاب قَالَ: وَذَلِكَ أَنهم إِذا تمنوا الرَّد وَلم يتمنوا ترك التَّكْذِيب وَلَا الْإِيمَان بل أوجبوه على أنفسهم عِنْد الرَّد فَكَانَ يجب النصب أَي: إِن رددنا آمنا وَلم نكذب. قَالَ: وَلكنه جرى فِي اللَّفْظ مَعْطُوفًا وَالْمعْنَى معنى الْجَواب. وَشبهه فِي الْحمل على اللَّفْظ وَالْمعْنَى مخالفٌ لقِرَاءَة من قَرَأَ: وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم بِالْجَرِّ. فَهَذَا يَقْتَضِي مسح الرجلَيْن.

وَإِنَّمَا الْمَفْرُوض فيهمَا الْغسْل وَلكنه جرى فِي اللَّفْظ على الْجَرّ وَالْمعْنَى معنى النصب. وَهَذَا لعمري مُتَوَجّه فِي قَوْله: فَمَا تحل على قومٍ فترتحل لِأَن هُنَاكَ مَرْفُوعا قبله. فَأَما قَوْله: لم تدر مَا جزعٌ عَلَيْك فتجزع فَلَيْسَ فِي قَوْله قبله مَرْفُوع فيعطف عَلَيْهِ. وَقد يجوز أَن يكون أَرَادَ فَهِيَ تبكيه وَهِي تفتقده على أَنه وضع الْجُمْلَة المركبة من الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر مَوضِع الْفِعْل الْمَنْصُوب على الْجَواب. وَمثله قَوْله تَعَالَى: هَل لكم مِمَّا ملكت أَيْمَانكُم من شُرَكَاء فِيمَا رزقناكم فَأنْتم فِيهِ سَوَاء أَي: فتستووا. وَمثله: أعنده علم الْغَيْب فَهُوَ يرى أَي: فَيرى. فاعرف تَفْصِيل ذَلِك. هَذَا كَلَام ابْن جني. وَأوردهُ فِي الْمُحْتَسب أَيْضا عِنْد قِرَاءَة الْحسن وَيزِيد النَّحْوِيّ: يَا لَيْتَني كنت مَعَهم فأفوز فوزاً عَظِيما بِالرَّفْع. قَالَ روح: لم

يَجْعَل لليت جَوَابا. أَقُول: محصوله أَنه يتَمَنَّى الْفَوْز فَكَأَنَّهُ قَالَ: يَا لَيْتَني أفوز فوزاً) عَظِيما. وَلَو جعله جَوَابا لنصبه أَي: إِن أكن مَعَهم أفز. هَذَا إِذا صرحت بِالشّرطِ إِلَّا أَن الْفَاء إِذا دخلت جَوَابا لِلتَّمَنِّي نصب الْفِعْل بعْدهَا بإضمار أَن وَعطف أفوز على كنت مَعَهم لِأَنَّهُمَا جَمِيعًا متمنيان إِلَّا أَنه عطف جملَة على جملَة لَا الْفِعْل على انْفِرَاده على الْفِعْل إِذْ كَانَ الأول مَاضِيا وَالثَّانِي مُسْتَقْبلا. وَعَلِيهِ قَول الآخر: لن تدر مَا جزعٌ عَلَيْك فتجزع والقوافي مَرْفُوعَة أَي: هِيَ تجزع. وَلَو كَانَ جَوَابا لقَالَ: فتجزعا. وَقد ذكرنَا هَذَا وَنَحْوه فِي كتَابنَا تَفْسِير مُشكل أَبْيَات الحماسة. انْتهى. وَالْبَيْت لم يعرفهُ شرَّاح مُغنِي اللبيب وَهُوَ من أبياتٍ أوردهَا أَبُو تَمام فِي بَاب المراثي من الحماسة لمويلكٍ المزموم فِي امْرَأَته أم الْعَلَاء. وأوردها الأعلم الشنتمري أَيْضا فِي حماسته وَهِي: (امرر على الجدث الَّذِي حلت بِهِ ... أم الْعَلَاء فنادها لَو تسمع) (أَنى حالمت وَكنت جد فروقةٍ ... بَلَدا يمر بِهِ الشجاع فَيفزع) (صلى عَلَيْك الله من مفقودةٍ ... إِذْ لَا يلائمك الْمَكَان البلقع) (فقدت شمائل من لزامك حلوةً ... فتبيت تسهر لَيْلهَا وتفجع) (فَإِذا سَمِعت أنينها فِي لَيْلهَا ... طفقت عَلَيْك شؤون عَيْني تَدْمَع)

وَزَاد الأعلم فِي حماسته بعد هَذَا سِتَّة أَبْيَات أخر. وَقَوله: امرر على الجدث إِلَخ هُوَ بِفَتْح الْجِيم: الْقَبْر. وَرُوِيَ: فحيها بدل فنادها. وَهل بدل لَو. قَالَ الطبرسي فِي شَرحه: يَقُول: امرر على الْقَبْر الَّذِي دفنت فِيهِ وَسلم عَلَيْهَا إِن كَانَت تسمع. وَهَذَا توجعٌ وتلهف. وروى: هَل تسمع. وَالْفرق أَن لَو فَائِدَته الشَّرْط وَهل من حَيْثُ كَانَ استفهاماً كَلَام راجٍ لسماعها فَكَأَنَّهُ قَالَ: وَانْظُر هَل تسمع. وَقَوله: أَنى حللت إِلَخ قَالَ ابْن جني: الْهَاء فِي فروقةٍ مَعَ الْمُؤَنَّث مثلهَا مَعَ الْمُذكر لَا فرق بَينهمَا فِي الْحَال. وَإِن المُرَاد فيهمَا معنى الْغَايَة وَالْمُبَالغَة. وَكَذَلِكَ رجلٌ راوية وَامْرَأَة راوية وَكَذَا عَلامَة ونسابه لم تدخل هَذِه الْهَاء على الْمُؤَنَّث لِأَنَّهَا لَو كَانَت كَذَلِك لما لحقت الْمُذكر. وَهَذَا قَاطع. انْتهى. وَقَوله: جد فروقة أَي: كنت فروقةً جدا لَا هزلا وَحقا لَا بَاطِلا. والبلد: الْقطعَة من الأَرْض.) يَقُول: كَيفَ أَقمت فِي بلد قفر إِذا مر بِهِ الرجل الشجاع استولى عَلَيْهِ الْفَزع وعهدي بك أَنَّك كنت أَشد النَّاس خوفًا وأضعفهم قلباً. وَقَوله: صلى عَلَيْك الله إِلَخ الصَّلَاة من الله: الرَّحْمَة وَمن العَبْد: الدُّعَاء. وَلَا يلائمك: لَا يوافقك. والبلقع: الْخَالِي. وَمن مفقودة: تَمْيِيز.

وَقَوله: فَلَقَد تركت صَغِيرَة إِلَخ قد تقدم أَن ابْن جني جوز وَجْهَيْن: أَن يكون فتجزع صفة لصغيرة وَأَن يكون استئنافاً وَاخْتَارَ المرزوقي الِاسْتِئْنَاف وَقَالَ: أَرَادَ أَنَّهَا من صغرها لَا تعرف الْمُصِيبَة وَلَا الْجزع لَهَا فَهِيَ على حَالهَا تجزع لِأَن مَا تَأتيه من الضجر والبكاء وتتركه من النّوم والقرار فعل الجازعين. وَقَوله: فقدت شمائل إِلَخ جمع الشمَال بِالْكَسْرِ وَهِي الطبيعة. يَقُول: كَانَت قد اعتادت مِنْك أَخْلَاقًا جميلَة ففقدتها فَبَقيت لَا تنام وَلَا تنيم بل تفجع وتوجع فَإِذا سَمِعت شكواها وبكاءها أَقبلت شؤون رَأْسِي تسح بالبكاء وَلها عَلَيْك. وطفقت: شرعت. والشؤون: جمع شَأْن وَهُوَ الشّعب الَّذِي يجمع بَين القبيلتين من قبائل الرَّأْس وَهِي الْقطعَة المشعوب بَعْضهَا إِلَى بعض. وَيُقَال: إِن الدمع يجْرِي من الشَّأْن. ومويلكٌ: مصغر مَالك. والمزموم: اسْم مفعول من زممت النَّاقة أَي: وضعت عَلَيْهَا الزِّمَام. وَالظَّاهِر أَنه شاعرٌ إسلامي. وَلم أَقف على نسبه حَتَّى أكشف عَنهُ فِي الجمهرة وَلَا على تَرْجَمته. وَالله أعلم.

(الشاهد الخامس والستون بعد الستمائة)

(الشَّاهِد الْخَامِس وَالسِّتُّونَ بعد الستمائة) وَهُوَ من شَوَاهِد س: الْخَفِيف (غير أَنا لم يأتنا بيقينٍ ... فنرجي ونكثر التأميلا) على أَن مَا بعد الْفَاء هُنَا على الْقطع والاستئناف أَي: فَنحْن نرجي. قَالَ سِيبَوَيْهٍ عِنْد تَوْجِيه النصب فِي: مَا تَأْتِينَا فتحدثنا: وَإِن شِئْت رفعت على وجهٍ آخر كَأَنَّك قلت: فَأَنت تحدثنا. وَمثل ذَلِك قَول بعض الحارثيين: غير أَنا لم تأتنا بِيَقِين ... ... ... . . الْبَيْت كَأَنَّهُ قَالَ: فَنحْن نرجي. فَهَذَا فِي مَوضِع مَبْنِيّ على الْمُبْتَدَأ. انْتهى. فالإتيان منفيٌّ وَحده والرجاء مُثبت وَهُوَ المُرَاد وَلَا يجوز نصب نرجي لِأَنَّهُ يَقْتَضِي نَفْيه إِمَّا مَعَ نفي الْإِتْيَان وَإِمَّا مَعَ إثْبَاته كَمَا هُوَ مُقْتَضى النصب وَكِلَاهُمَا عكس المُرَاد. وَيدل لهَذَا قَول أبي عَليّ فِي التَّذْكِرَة: هُوَ بِالرَّفْع وَكَذَلِكَ الصَّوَاب لأَنهم إِنَّمَا رجوا وأملوا مَا لم يَأْتهمْ بِيَقِين وَلَو أَتَاهُم بِيَقِين وَلَو أَتَاهُم بِيَقِين لآل إِلَى الترجي والتأميل بيقينه. وَمثل لِابْنِ هِشَام فِي الْمُغنِي قَالَ: الْمَعْنى أَنه لم يَأْتِ بِالْيَقِينِ فَنحْن نرجو خلاف مَا أَتَى بِهِ لانْتِفَاء الْيَقِين عَمَّا أَتَى بِهِ. وَلَو جزمه

أَو نَصبه لفسد مَعْنَاهُ لِأَنَّهُ يصير منتفياً على حِدته كَالْأولِ إِذا جزم ومنفياً على الْجمع إِذا نصب. وَإِنَّمَا المُرَاد إثْبَاته. انْتهى. وَقَوله: ومنفياً على الْجمع إِذا نصب أَرَادَ بِالْجمعِ نفي الْإِتْيَان والرجاء كليهمَا. وَلم يذكر الشق الثَّانِي من النصب لِأَنَّهُ لم يتَصَوَّر نفي الرَّجَاء مَعَ ثُبُوت الْإِتْيَان بِيَقِين. وَمِنْه يظْهر لَك فَسَاد تَجْوِيز الأعلم نَصبه بمرتبتين: وَقَوله: وَلَو أمكنه النصب على الْجَواب لَكَانَ أحسن. وَتَبعهُ ابْن يعِيش فِي شرح الْمفصل وَلم يتَنَبَّه لفساده. وَمُقْتَضى كَلَام أبي عَليّ وَابْن هِشَام أَن قَوْله: لم يأتنا بِالْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّة لَا الْفَوْقِيَّة فَيكون فَاعله مستتراً فِيهِ. وَالْمَشْهُور بالفوقية على الْخطاب. وَمَشى على الأول شَارِح شَوَاهِد الْمفصل أَيْضا فَقَالَ: الْمَعْنى أَتَانَا آتٍ بِخَير إخوتنا غير أَنا أَي: لَكنا لم يأتنا الْآتِي بِخَبَر يَقِين يُوجب الْيَأْس فَنحْن نرجي خلاف مَا أَتَى بِهِ لانْتِفَاء الْيَقِين عَمَّا) أَتَى بِهِ فَكثر التأميل لخلاف خَبره ونقول: لَعَلَّه يكون كذبا. وَلَا يجوز فِي قَوْله فنرجي إِلَّا الرّفْع. اه. وَكَون الْيَقِين هُوَ خبر الْإِخْوَة إِنَّمَا هُوَ حدس وتخمين فَإِن الْبَيْت من أَبْيَات سِيبَوَيْهٍ الْخمسين الَّتِي مَا عرف قَائِلهَا وَلَا تتمتها. وَالله أعلم بِهِ. فيقين: صفة مَوْصُوف مَحْذُوف أَي: بِخَبَر يَقِين. ونكثر بِالرَّفْع عطفٌ على نرجي. والتأميل: مصدر أملته إِذا رجوته.

(الشاهد السادس والستون بعد الستمائة)

وَأنْشد بعده (الشَّاهِد السَّادِس وَالسِّتُّونَ بعد الستمائة) وَهُوَ من شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ: الطَّوِيل (وَمَا قَامَ منا قائمٌ فِي ندينا ... فينطق إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أعرف) على أَن النَّفْي بِالْمَعْنَى الثَّانِي وَهُوَ أَن يرجع النَّفْي لما بعد الْفَاء كثير الِاسْتِعْمَال كَمَا فِي الْبَيْت فَإِن النَّفْي منصبٌ على ينْطق فِي الْمَعْنى وَقَامَ مثبتٌ فِي تَأْوِيل الْمُسْتَقْبل لمناسبة الْمَعْطُوف. وَلِهَذَا قَالَ الشَّارِح الْمُحَقق: أَي يقوم وَلَا يقوم إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أعرف. وَإِنَّمَا جعل النَّفْي هُنَا بِالْمَعْنَى الثَّانِي لأجل الِاسْتِثْنَاء فَإِن الِاسْتِثْنَاء المفرغ لَا يكون إِلَّا مَعَ النَّفْي فَلَمَّا اعْتبر فِي ينْطق صَحَّ وَجوز صَاحب اللّبَاب أَن يكون النَّفْي فِي الْبَيْت على ظَاهره من الْقسم الأول. قَالَ فِي بَاب الِاسْتِثْنَاء: والمفرغ لَا يكون إِلَّا فِي الْإِثْبَات. إِلَى أَن قَالَ: وَيجوز فِيمَا هُوَ جَوَاب النَّفْي. وَأنْشد هَذَا الْبَيْت. قَالَ الفالي فِي شَرحه: لَا يُقَال يَنْبَغِي أَن لَا يجوز لِأَن قَوْلك فينطق مُثبت وَلَا يَصح المفرغ فِي الْمُثبت لِأَن قَوْله: فينطق بِالنّصب بِأَن المضمرة وَالتَّقْدِير: فَأن ينْطق وَهَذَا الْمصدر معطوفٌ على مصدر منتزع من الأول وَهُوَ قَامَ أَي: مَا يكون قيام فنطقٌ. فَحكم النَّفْي منسحبٌ على الْقيام والنطق. فالنطق فِي الْمَعْنى منفيٌّ فَيصح الِاسْتِثْنَاء المفرغ فِيهِ. وَنَظِيره: مَا تَأْتِينَا فتحدثنا بِالنّصب أَي: مَا يكون مِنْك إتْيَان فتحديث على نفي الْمركب أَي: مَا يكون مِنْك إتيانٌ كثير وَلَا تحديثٌ عَقِيبه. اه.)

وَهَذَا نَص سِيبَوَيْهٍ فِي بَاب الْفَاء قَالَ: وَتقول مَا أَتَيْتنَا فتحدثنا وَالنّصب فِيهِ كالنصب فِي الأول وَإِن شِئْت رفعت على معنى فَأَنت تحدثنا السَّاعَة. وَالرَّفْع فِيهِ يجوز على مَا. وَإِنَّمَا اختير النصب لِأَن الْوَجْه هَا هُنَا وحد الْكَلَام أَن تَقول: مَا أَتَيْتنَا فحدثتنا فَلَمَّا صرفوه عَن هَذَا الْحَد ضعف أَن يضموا يفعل إِلَى فعلت فَحَمَلُوهُ على الِاسْم كَمَا لم يجز أَن يضموا إِلَى وَأما الَّذين رَفَعُوهُ فَحَمَلُوهُ على مَوضِع أَتَيْتنَا لِأَن أَتَيْتنَا فِي مَوضِع فعل مَرْفُوع وتحدثنا هَا هُنَا فِي مَوضِع حَدَّثتنَا. وَتقول: مَا تَأْتِينَا فَتكلم إِلَّا بالجميل. فَالْمَعْنى: إِنَّك لم تأتنا إِلَّا تَكَلَّمت بجميل. ونصبه على إِضْمَار أَن كَمَا كَانَ نصب مَا قبله على إِضْمَار أَن. وَإِن شِئْت رفعت على الشّركَة كَأَنَّهُ قَالَ: وَمَا تكلم إِلَّا بالجميل. وَمثل النصب قَول الفرزدق: (وَمَا قَامَ منا قائمٌ فِي ندينا ... فينطق إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أعرف) وَتقول: لَا تَأْتِينَا فتحدثنا إِلَّا ازددنا فِيك رَغْبَة فالنصب هَا هُنَا كالنصب فِي مَا تَأتِينِي فتحدثني إِذا أردْت معنى مَا تَأتِينِي مُحدثا وَإِنَّمَا أَرَادَ معنى مَا أتيتني مُحدثا إِلَّا ازددت فِيك رَغْبَة. وَمثل ذَلِك قَول اللعين: الطَّوِيل (وَمَا حل سعديٌّ غَرِيبا ببلدةٍ ... فينسب إِلَّا الزبْرِقَان لَهُ أَب) وَتقول: لَا يسعني شيءٌ فيعجز عَنْك أَي: لَا يسعني شيءٌ فَيكون

عَاجِزا عَنْك وَلَا يسعني شيءٌ إِلَّا لم يعجز عَنْك. هَذَا معنى الْكَلَام. فَإِن حَملته على الأول قبح الْمَعْنى لِأَنَّك لَا تُرِيدُ أَن تَقول إِن الْأَشْيَاء لَا تسعني وَلَا تعجز عَنْك. فَهَذَا لَا ينويه أحد. انْتهى كَلَام سِيبَوَيْهٍ. وَمِنْه تعرف وَجه جعل الشَّارِح الْمُحَقق هَذَا الْمِثَال من النَّفْي بِالْمَعْنَى الثَّانِي وَأَن الرِّوَايَة بِنصب فينطق. قَالَ الأعلم: الشَّاهِد فِي نصب مَا بعد الْفَاء على الْجَواب مَعَ دُخُول إِلَّا بعده للْإِيجَاب لِأَنَّهَا عرضت بعد اتِّصَال الْجَواب بِالنَّفْيِ. ونصبه على مَا يجب لَهُ فَلم بِغَيْرِهِ. والندي: الْمجْلس أَي: إِذا نطق منا نَاطِق فِي مجْلِس جماعةٍ عرف صَوَاب قَوْله فَلم ترد مقَالَته. انْتهى. وَمثله لِابْنِ السراج قَالَ فِي الْأُصُول: وَتقول مَا قَامَ زيدٌ فَيحسن إِلَّا حمد وَمَا قَامَ زيد فيأكل إِلَّا) طَعَامه بِالنّصب. قَالَ الشَّاعِر: وَمَا قَامَ منا قائمٌ فِي ندينا وَيجوز رفع فينطق كَمَا جَازَ فِي: مَا أَتَيْنَا فَتكلم إِلَّا بالجميل فَتكون الْفَاء للْعَطْف. وَبِه اسْتشْهد ابْن النَّاظِم والمرادي فِي شرح الألفية. قَالَ الْعَيْنِيّ: الشَّاهِد فِيهِ رفع ينْطق لِأَن من شَرط النصب بعد النَّفْي أَن يكون النَّفْي خَالِصا وَهَا هُنَا لَيْسَ كَذَلِك. انْتهى. وَالْبَيْت من قصيدةٍ طَوِيلَة للفرزدق يفتخر بهَا على جرير وعدتها مائَة بَيت وَخَمْسَة عشر بَيْتا

(الشاهد السابع والستون بعد الستمائة)

فَأصْبح فِي حَيْثُ الْتَقَيْنَا شريدهم ... ... ... ... . . الْبَيْت وَثَانِيهمَا فِي بَاب الْعَطف وَهُوَ: وعض زمانٍ يَا ابْن مَرْوَان لم يدع ... ... ... ... ... الْبَيْت وَهِي قصيدة جَيِّدَة من غرر قصائده. وَأنْشد بعده: (وَمَا حل سعديٌّ غَرِيبا ببلدةٍ ... فينسب إِلَّا الزبْرِقَان لَهُ أَب) لما تقدم قبله أَي: يحل وَلَا ينْسب. وَالْكَلَام فِيهِ كَمَا تقدم قبله. قَالَ الأعلم: الشَّاهِد فِيهِ نصب مَا بعد الْفَاء على الْجَواب. وَالرَّفْع جَائِز وَالْقَوْل فِيهِ كالقول فِي الَّذِي قبله. يَقُول: الزبْرِقَان سيد قومه وأشهرهم فَإِذا تغرب رجلٌ من سعد وهم رَهْط الزبْرِقَان فَسئلَ عَن نسبه انتسب إِلَيْهِ لشرفه وشهرته. انْتهى. وَقد تقدم الْكَلَام على هَذَا الْبَيْت مفصلا فِي الشَّاهِد الرَّابِع وَالتسْعين بعد الْمِائَة من بَاب الْحَال. وَأنْشد بعده (الشَّاهِد السَّابِع وَالسِّتُّونَ بعد الستمائة)

نحاول ملكا أَو نموت وَهُوَ قطعةٌ من بَيت وَهُوَ: (فَقلت لَهُ لَا تبك عَيْنك إِنَّمَا ... نحاول ملكا أَو نموت فنعذرا) على أَن سِيبَوَيْهٍ جوز الرّفْع فِي قَوْله: نموت إِمَّا بالْعَطْف على نحاول أَو على الْقطع أَي: نَحن نموت. وَهَذَا نَص سِيبَوَيْهٍ: وَاعْلَم أَن معنى مَا انتصب بعد أَو على إِلَّا أَن كَمَا كَانَ معنى مَا انتصب بعد الْفَاء. تَقول: لألزمنك أَو تقضيني حَقي ولأضربنك أَو تسبقني. فَالْمَعْنى لألزمنك إِلَّا أَن تقضيني ولأضربنك إِلَّا أَن تسبقني. هَذَا معنى النصب. قَالَ امْرُؤ الْقَيْس: فَقلت لَهُ لَا تبك عَيْنك ... ... ... ... . . الْبَيْت والقوافي مَنْصُوبَة فالتمثيل على مَا ذكرت لَك وَالْمعْنَى على إِلَّا أَن نموت فنعذرا. وَلَو رفعت لَكَانَ عَرَبيا جيدا على وَجْهَيْن: على أَن تشرك بَين الأول وَالْآخر وعَلى أَن يكون مُبْتَدأ مَقْطُوعًا من الأول يَعْنِي أَو نَحن مِمَّن يَمُوت. وَقَالَ تَعَالَى: ستدعون إِلَى قومٍ أولي بأسٍ شديدٍ تقاتلونهم أَو يسلمُونَ إِن شِئْت كَانَ على وَقَالَ صَاحب التَّكْمِيل: وَيحْتَمل أَن يكون أَو هُنَا للغاية أَي: نحاول الْملك إِلَى أَن نموت. وَأما نصب قَوْله: فنعذرا فبالعطف على نموت على

رِوَايَة النصب وَأما على رِوَايَة الرّفْع فخفيٌّ. وَلِهَذَا حذفه الشَّارِح الْمُحَقق من المصراع. وَوجه نَصبه الْكرْمَانِي فِي شرح أَبْيَات الموشح بِأَن الْفَاء للسَّبَبِيَّة وَبعدهَا أَن مضمرة فِي جَوَاب النَّفْي الضمني بِتَأْوِيل نموت بِلَا نبقى. فَتَأمل. ونعذرا بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول وروى: نعذر من أعذر الرجل إِذا أَتَى بِعُذْر. وَقَالَ ابْن السَّيِّد فِي شرح أَبْيَات الْجمل: وروى: فنعذر بِكَسْر الذَّال أَي: نبلغ الْعذر. وَالْبَيْت من قصيدةٍ لامرىء الْقَيْس مشتملةٍ على جملٍ من يَوَاقِيت الفصاحة وجواهر البلاغة قَالَهَا لما دخل بِلَاد الرّوم مستجيراً بقيصر لِأَن أَبَاهُ كَانَ قد ولي بني أَسد فظلمهم فتعاونوا على قَتله كَمَا تقدم فِي تَرْجَمته فَخرج امْرُؤ الْقَيْس إِلَى قَيْصر يستمده.) قَالَ أَبُو الْقَاسِم السَّعْدِيّ فِي كتاب مساوي الْخمر: وَمِمَّنْ بلغ بِهِ إفشاء سره حتفه امْرُؤ الْقَيْس بن حجر الْكِنْدِيّ. وَذَلِكَ أَن الْمُنْذر بن مَاء السَّمَاء عِنْد مَا ملك على الْحيرَة عِنْدَمَا ولاه أنوشروان ذَلِك بعد مقتل حجر وَزَوَال ملك بني آكل المرار أرسل جَيْشًا من بكر وتغلب فِي طلب بني آكل المرار فجيء إِلَيْهِ مِنْهُم بِسِتَّة عشر رجلا فَضرب أَعْنَاقهم فِي بيُوت بني مرينا. (أَلا يَا عين بكي لي شنينا ... وبكي لي الْمُلُوك الذاهبينا) ...

(ملوكاً من بني حجر بن عَمْرو ... يساقون العشية يقتلونا) (فَلَو فِي يَوْم معركة أصيبوا ... وَلَكِن فِي بيُوت بني مرينا) وَفِي ذَلِك أَيْضا يَقُول عَمْرو بن كُلْثُوم فِي معلقته: (فآبوا بالنهاب مَعَ السبايا ... وأبنا بالملوك مصفدينا) فهرب مِنْهُ امْرُؤ الْقَيْس: قيل: كَانَ مَعَهم فَأَفلَت وَقيل: سمع بخبرهم فَذهب على وَجهه يستجير بالعرب فبعضٌ يقبله وبعضٌ يردهُ. فَخرج إِلَى الْحَارِث بن أبي شمر الغساني الْمَعْرُوف بِابْن مَارِيَة وَحَال الْحَارِث يومئذٍ بِالشَّام كَحال الْمُنْذر بن مَاء السَّمَاء بالعراق فَسَأَلَهُ الْجوَار والنصرة وتوسل إِلَيْهِ الخؤولة. وَذَلِكَ أَن مَارِيَة ذَات القرطين اللَّذين يضْرب الْعَرَب بهما الْمثل هِيَ أُخْت هندٍ امرأةٍ جُحر وَالِد امرىء الْقَيْس. فَأكْرمه وَسَأَلَهُ النُّصْرَة على الْمُنْذر فَاعْتَذر إِلَيْهِ وَقَالَ لَهُ: إِنِّي لست أقدر على الْمسير إِلَى الْعرَاق فِي هَذَا الْوَقْت وَلَكِنِّي أَسِير مَعَك إِلَى الْملك قَيْصر فَهُوَ أقوى مني على مَا سَأَلت. وَكَانَت لِلْحَارِثِ وفادةٌ على الْملك فأوفده مَعَه. وَهَذَا قبل أَن يَغْزُو الْمُنْذر بن مَاء السَّمَاء إِلَى وَقيل أَن سَبَب مَا هيج مَا بَين الْمُنْذر والْحَارث هَذَا الْحَرْب إِنَّمَا هُوَ إِجَارَة الْحَارِث لامرىء الْقَيْس فَتوجه مَعَه امْرُؤ الْقَيْس إِلَى بلد الرّوم. وَفِي ذَلِك قَالَ هَذِه القصيدة ذكر فِيهَا استجارته وخلوصه إِلَى التَّوَجُّه إِلَى بلد الرّوم:

الطَّوِيل (سما لَك شوقٌ بَعْدَمَا كَانَ أقصرا ... وحلت سليمى بطن ظبيٍ فعرعرا) (فدعها وسل الْهم عَنْهَا بجسرةٍ ... ذمولٍ إِذا صَامَ النَّهَار وهجرا) (عَلَيْهَا فَتى لم تحمل الأَرْض مثله ... أبر بميثاقٍ وأوفى وأصبرا) (إِذا قلت هَذَا صاحبٌ قد رضيته ... وقرت بِهِ العينان بدلت آخرا)) (كَذَلِك جدي لَا أصَاحب صاحباً ... من النَّاس إِلَّا خانني وتغيرا) (تذكرت أَهلِي الصَّالِحين وَقد أَتَت ... على جملٍ بِنَا الركاب وأعفرا) (وَلما بَدَت حوران والآل دونهَا ... نظرت فَلم تنظر بِعَيْنَيْك منْظرًا) (تقطع أَسبَاب اللبانات والهوى ... عَشِيَّة جاوزنا حماة وشيزرا) (بَكَى صَاحِبي لما رأى الدَّرْب دونه ... وأيقن أَنا لاحقان بقيصرا) (فَقلت لَهُ: لَا تبك عَيْنك إِنَّمَا ... نحاول ملكا أَو نموت فنعذرا)

وَبعد هَذَا سَبْعَة أَبْيَات فِي وصف فرسه وَفِي بعض مَا مر لَهُ فِي بعض الْمنَازل. وَصَاحبه الَّذِي بَكَى هُوَ عَمْرو بن قميئة الضبعِي الشَّاعِر الْمَشْهُور وَقد تقدّمت تَرْجَمته فِي الشَّاهِد السَّابِع عشر بعد الثلثمائة. كَانَ صحب امْرأ الْقَيْس لما مر ببكر ابْن وَائِل يطْلب مِنْهُم النُّصْرَة فَسَأَلَهُمْ عَن شاعرٍ محسن فيهم فَأتوهُ بِهِ وَقد أسن فاستنشده فأعجبه ثمَّ شكا إِلَيْهِ حَاله فَقَالَ لَهُ: اصحبني. فصحبه وَكَانَ مَعَه حَتَّى سلك الطَّرِيق إِلَى بلد الرّوم فَلَمَّا توَسط الدَّرْب بَكَى عَمْرو بن قميئة وَقَالَ: غررت بِنَا. والدرب: كل مدْخل إِلَى الرّوم أَو النَّافِذ مِنْهُ وَبَاب السِّكَّة الْوَاسِع وَالْبَاب الْأَكْبَر. كَذَا فِي الْقَامُوس. ثمَّ إِن عمرا مَاتَ فِي الطَّرِيق فَكَانَ يُسمى عمرا الضائع. فَلَمَّا وصل امْرُؤ الْقَيْس إِلَى بلد الرّوم أَمر ملك الرّوم بإدخاله عَلَيْهِ وَكَانَ لَا يدْخل على قيصرٍ أحدٌ إِلَّا سجد لَهُ. فَقيل لَهُ إِن امْرأ الْقَيْس لَا يسْجد لَك. وَكَانَ لقيصر بَابَانِ أَحدهمَا صَغِير وَالْآخر كَبِير فَقَالَ: أدخلوه من الْبَاب الصَّغِير ليضع رَأسه لي. فَلَمَّا رأى امْرُؤ الْقَيْس صغر الْبَاب ولى ظَهره فَدخل موليا حَتَّى قَامَ بَين يَدَيْهِ. قَالُوا: فَنظر إِلَيْهِ قَيْصر فأعجبه وَكَانَ وسيماً جميلاً وأعلمه أَنه جَاءَهُ يستمده على الْعَرَب. فَرَحَّبَ بِهِ وألطفه. وَقَالَ لَهُ: أَيّمَا أحب إِلَيْك: ستمائةٍ من أَوْلَاد الْمُلُوك أَو سِتَّة آلَاف من الْجند فَاخْتَارَ سِتّمائَة من أَبنَاء الْمُلُوك. وخف على قلب قَيْصر حَتَّى نادمه فَفِي ذَلِك يَقُول:

المتقارب (ونادمت قَيْصر فِي ملكه ... فأوجهني وَركبت البريدا) (إِذا مَا ازدحمنا على سكةٍ ... سبقت الفرانق سبقاً بَعيدا)) والفرانق بِضَم الْفَاء وَكسر النُّون: الَّذِي يدل صَاحب الْبَرِيد على الطَّرِيق. والبريد: دَابَّة الرَّسُول المستعجل. ثمَّ إِن امْرأ الْقَيْس لطف مَحَله من قَيْصر فَأدْخلهُ الْحمام مَعَه فَرَأى غلفة قَيْصر فَقَالَ: الْبَسِيط (لقد حَلَفت يَمِينا غير كاذبةٍ ... إِنَّك أغلف إِلَّا مَا جنى الْقَمَر) وختانة الْقَمَر مثلٌ تضربه الْعَرَب للأغلف لِأَن الْقَمَر لَا يختن أحدا. وَفِي مُدَّة منادمته لقيصر رَأَتْهُ ابْنة قَيْصر فعشقته وراسلته وَصَارَ إِلَيْهَا وفيهَا يَقُول من قصيدة: الطَّوِيل (سموت إِلَيْهَا بَعْدَمَا نَام أَهلهَا ... سمو حباب المَاء حَالا على حَال) (فَقَالَت سباك الله إِنَّك فاضحي ... أَلَسْت ترى السمار وَالنَّاس أحوالي) (فَقلت لَهَا بِاللَّه أَبْرَح قَاعِدا ... وَلَو قطعُوا رَأْسِي لديك وأوصالي) قَالُوا: وَلم يزل يصير إِلَيْهَا ثمَّ أخبر بذلك أَصْحَابه وَفِيهِمْ الطماح بن قيسٍ الْأَسدي فَقَالَ لَهُ: ائتنا بأمارةٍ. فَأَتَاهُ بقارورة من

طيب الْملك وَذَلِكَ كَانَ عِنْد سكره. وَكَانَ أَبُو امرىء الْقَيْس قد قتل قيسا أَبَا الطماح أَيَّام أوقع ببني أَسد فتحيل الطماح حَتَّى أَخذهَا فأنفذها إِلَى قَيْصر وَأخْبرهُ بِالْحَدِيثِ فَعرفهُ وَعلم صِحَّته. فَفِي ذَلِك يَقُول من قصيدة: الطَّوِيل (لقد طمح الطماح من بعد أرضه ... ليلبسني من دائه مَا تلبسا) وَقَالَ أَيْضا من قصيدة: الطَّوِيل (إِذا الْمَرْء لم يخزن عَلَيْهِ لِسَانه ... فَلَيْسَ على شيءٍ سواهُ بخزان) فَلَمَّا نفد امْرُؤ الْقَيْس بالجيش أَتَى الطماح ملك الرّوم فَقَالَ لَهُ: أَيهَا الْملك أهلكت جَيْشًا بعثته مَعَ المطرود الَّذِي قتل أَبوهُ وَأهل بَيته وَمَا تُرِيدُ من نَصره وَكلما قتل بعض الْعَرَب بَعْضًا كَانَ خيرا لَك قَالَ: فَمَا الرَّأْي قَالَ: أَن تتدارك جيشك وترده وتبعث إِلَى امرىء الْقَيْس بحلةٍ مَسْمُومَة. فَفعل وعزم على امرىء الْقَيْس أَن يلبسهَا فَدخل امْرُؤ الْقَيْس الْحمام فاطلى ولبسها وَقد رق جلده لقروح كَانَت بِهِ فتساقط لَحْمه. ورد قَيْصر جَيْشه. وَقدم امرؤا لقيس أنقرة وَهِي الَّتِي يُقَال لَهَا الْآن أنكورية فَأَقَامَ بهَا مدنفاً يعالج قروحه وَنزل إِلَى جنب جبلٍ يُقَال لَهُ عسيب وَإِلَى) جنبه قبرٌ لابنَة بعض الرّوم فَسَأَلَ عَن الْقَبْر فَأخْبر بِهِ فَقَالَ:

الطَّوِيل (أجارتنا إِن الخطوب تنوب ... وَإِنِّي مقيمٌ مَا أَقَامَ عسيب) (أجارتنا إِنَّا غَرِيبَانِ هَا هُنَا ... وكل غريبٍ للغريب نسيب) فَلَمَّا أَيقَن بِالْمَوْتِ قَالَ: الرجز (كم طعنةٍ مثعنجره ... وخطبةٍ مسحنفره) (وجفنةٍ مدعثره ... قد غودرت بأنقره) وَكَانَ هَذَا آخر مَا تكلم بِهِ وَمَات. هَذَا مَا نقلته من كتاب مساوي الْخمر. والمثعنجرة: السائلة. والمسحنفرة: الواسعة فِي الصِّحَاح يُقَال: اسحنفر فِي خطبَته إِذا مضى واتسع فِي كَلَامه. والجفنة بِفَتْح الْجِيم: الْقَصعَة. والمدعثرة: المتثلمة والمتكسرة. وَقَوله: بطن ظَبْي وعرعرا هما موضعان. وترجمة امرىء الْقَيْس تقدّمت فِي الشَّاهِد التَّاسِع وَالْأَرْبَعِينَ. وَأنْشد بعده وَهُوَ من شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ:

الْبَسِيط (إِن تركبوا فركوب الْخَيل عادتنا ... أَو تَنْزِلُونَ فَإنَّا معشرٌ نزل) على أَن تَنْزِلُونَ عِنْد الْخَلِيل معطوفٌ على إِن تركبوا على الْمَعْنى وَهُوَ الْمُسَمّى عطف التَّوَهُّم. وَقَالَ يُونُس: هُوَ على الْقطع أَي: بل أَنْتُم نازلون وأو بِمَعْنى بل. وكلٌّ من الْخَلِيل وَيُونُس شيخ سِيبَوَيْهٍ. وَهَذَا نَصه فِي الْكتاب. وَسَأَلت الْخَلِيل رَحِمَهُ اللَّهُ عَن قَول الْأَعْشَى. إِن تركبوا فركوب الْخَيل عادتنا ... ... ... ... ... . الْبَيْت فَقَالَ: الْكَلَام هَا هُنَا على قَوْله يكون كَذَا أَو يكون كَذَا لما كَانَ مَوْضِعه مَا لَو قَالَ فِيهِ أتركبون لم ينقص الْمَعْنى صَار بِمَنْزِلَة وَلَا سَابق شَيْئا. وَأما يُونُس فَقَالَ: أرفعه على الِابْتِدَاء كَأَنَّهُ قَالَ: أَو أَنْتُم نازلون. وَقَول يُونُس أسهل. وَأما قَول الْخَلِيل فَجعله بِمَنْزِلَة قَول زُهَيْر: الطَّوِيل (بدا لي أَنِّي لست مدرك مَا مضى ... وَلَا سابقٍ شَيْئا إِذا كَانَ جائيا)) والإشراك على هَذَا التَّوَهُّم بعيد كبعد: وَلَا سَابق شَيْئا. انْتهى. قَالَ الأعلم: الشَّاهِد فِي رفع تَنْزِلُونَ حملا على معنى إِن تركبوا لِأَن مَعْنَاهُ وَمعنى أتركبون مُتَقَارب. وَكَأَنَّهُ قَالَ: أتركبون فَذَلِك عادتنا أَو تَنْزِلُونَ فِي مُعظم الْحَرْب فَنحْن معروفون بذلك. هَذَا مَذْهَب الْخَلِيل وسيبويه. وَحمله يُونُس على الْقطع وَالتَّقْدِير عِنْده: أَو أَنْتُم تَنْزِلُونَ. وَهَذَا أسهل فِي اللَّفْظ وَالْأول اصح فِي الْمَعْنى وَالنّظم والخليل مِمَّن يَأْخُذ بِصِحَّة الْمعَانِي وَلَا يُبَالِي باختلال الْأَلْفَاظ. انْتهى.

وَكَذَا نقل ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي. فَأَنت ترى أَنهم حملوه على إِضْمَار الْمُبْتَدَأ بِالنَّقْلِ عَن يُونُس وَلم يقل أحدٌ مِنْهُم: إِن أَو بِمَعْنى الإضراب كَمَا قَالَ الشَّارِح الْمُحَقق. وَلَا ضَرُورَة تلجئه إِلَيْهِ. وَاقْتصر ابْن عُصْفُور فِي كتاب الضرائر على مَذْهَب الْخَلِيل وَخَصه بِالضَّرُورَةِ قَالَ: أَلا ترى أَن تَنْزِلُونَ حكمه أَن تحذف مِنْهُ النُّون للجزم لِأَنَّهُ مَعْطُوف على الْفِعْل المجزوم بأداة الشَّرْط وَهُوَ تركبوا لكنه اضْطر إِلَى رَفعه بالنُّون فَاسْتعْمل الرّفْع بدل الْجَزْم حملا على أتركبون المضمن معنى إِن تركبوا لِأَن الْفِعْل المستفهم عَنهُ جَائِز فِيهِ أَن يضمن معنى الشَّرْط إِلَّا أَن مَا حمل عَلَيْهِ رفع تَنْزِلُونَ لَا يحوج إِلَى اللَّفْظ. انْتهى. وَالْبَيْت من قصيدة الْأَعْشَى مَيْمُون الَّتِي أَولهَا: الْبَسِيط (ودع هُرَيْرَة إِن الركب مرتحل ... وَهل تطِيق وداعاً أَيهَا الرجل) وَرُوِيَ الْبَيْت كَذَا أَيْضا: (قَالُوا الطراد فَقُلْنَا تِلْكَ عادتنا ... أَو تَنْزِلُونَ فَإنَّا معشرٌ نزل) وَعَلِيهِ لَا شَاهد فِيهِ. وَلم يذكر الْخَطِيب التبريزي فِي شرح القصيدة غير هَذِه الرِّوَايَة وَقَالَ فِي شَرحه: يَقُول: إِن طاردتم بِالرِّمَاحِ فَتلك عادتنا وَإِن نزلتم تجالدون بِالسُّيُوفِ نزلنَا. انْتهى.

وَنزل بِضَمَّتَيْنِ: جمع نَازل. ونزولهم عَن الْخَيل يكون عِنْد ضيق المعركة ينزلون فيقاتلون على أَقْدَامهم وَفِي ذَلِك الْوَقْت يتداعون: نزال. وَقد تقدم الْكَلَام على شرح النُّزُول مفصلا فِي الشَّاهِد الْوَاحِد وَالْأَرْبَعِينَ بعد الثلثمائة. والأعشى شَاعِر جاهلي تقدّمت تَرْجَمته فِي الشَّاهِد الثَّالِث وَالْعِشْرين من أَوَائِل الْكتاب.) وَأنْشد بعده: الطَّوِيل وَلَا ناعبٍ إِلَّا ببينٍ غرابها وَهَذَا عجز وصدره: مشائيم لَيْسُوا مصلحين عشيرةً على أَن ناعب عطف بِالْجَرِّ على مصلحين الْوَاقِع خَبرا ل لَيْسَ على توهم الْبَاء فِيهِ فَإِنَّهَا يجوز ومشائيم: جمع مشؤوم كمنصور وَهُوَ من بِهِ الشؤم نسبهم إِلَى الشؤم وَقلة الصّلاح وَالْخَيْر. يَقُول: لَا يصلحون أَمر الْعَشِيرَة إِذا فسد مَا بَينهم وَلَا يأتمرون بِخَير فغرابهم لَا ينعب إِلَّا بالتشتيت والفراق. وَهَذَا مثلٌ للتطير والتشؤوم بهم. وَالْعرب تتشاءم بِصَوْت الْغُرَاب.

(الشاهد التاسع والستون بعد الستمائة)

وَقد تقدم شَرحه مفصلا فِي الشَّاهِد الثَّامِن وَالسبْعين بعد الْمِائَتَيْنِ. وَأنْشد بعده (الشَّاهِد التَّاسِع وَالسِّتُّونَ بعد الستمائة) وَهُوَ من شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ: الطَّوِيل (على الحكم المأتي يَوْمًا إِذا قضى ... قَضيته أَن لَا يجور ويقصد) على أَن الْقطع قد يَجِيء بعد الْوَاو غير الجمعية. وَقد شَرحه الشَّارِح الْمُحَقق. قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَمِمَّا جَاءَ مُنْقَطِعًا قَول الشَّاعِر: على الحكم المأتي ... ... ... ... ... ... . . الْبَيْت كَأَنَّهُ قَالَ: عَلَيْهِ غير الْجور وَلكنه يقْصد أَو هُوَ يقْصد أَو هُوَ قَاصد فابتدأ وَلم يحمل الْكَلَام على أَن كَمَا تَقول: عَلَيْهِ أَن لَا يجوز وَيَنْبَغِي لَهُ كَذَا وَكَذَا فالابتداء فِي هَذَا أسبق وَأعرف. فَمن ثمَّ لَا يكادون يحملونها على أَن. انْتهى. وَقَالَ النّحاس فِي شرح شواهده: سَأَلت عَنهُ أَبَا الْحسن فَقَالَ: ويقصد مَقْطُوع من الأول وَهُوَ فِي معنى الْأَمر وَإِن كَانَ مضارعاً كَمَا تَقول: يقوم زيد فَهُوَ خبرٌ وَفِيه معنى الْأَمر. انْتهى. وَمثله للأعلم قَالَ: قطعه لِأَن الْمَعْنى: وَيَنْبَغِي لَهُ أَن يقْصد وَلم يحملهُ على أول الْكَلَام لِأَن فِيهِ معنى الْأَمر فَكَأَنَّهُ قَالَ: وليقصد فِي حكمه.

وَنَظِيره مِمَّا جَاءَ على لفظ الْخَبَر وَمَعْنَاهُ أمرٌ قَوْله تَعَالَى: والوالدات يرضعن أَوْلَادهنَّ أَي:) ليرضعن أَوْلَادهنَّ وَيَنْبَغِي لَهُنَّ أَن يرضعنهم. انْتهى. وَنَقله الْجَوْهَرِي فِي الصِّحَاح وَقَالَ: قَالَ الْأَخْفَش: أَرَادَ: يَنْبَغِي أَن يقْصد فَلَمَّا حذفه وأوقع يقْصد مَوضِع يَنْبَغِي رَفعه لوُقُوعه موقع الْمَرْفُوع. وَإِلَيْهِ ذهب ابْن جني فِي الْمُحْتَسب. وَهَذَا توجيهٌ لانقطاعه واستئنافه وَلَيْسَ المُرَاد أَن يقْصد كَانَ مَنْصُوبًا بِأَن فارتفع لما حذفت كَمَا ذهب إِلَيْهِ الدماميني فِي الْحَاشِيَة الْهِنْدِيَّة وَقَالَ: وَيحْتَمل أَن يكون يقْصد مَنْصُوبًا فِي الأَصْل بإضمار أَن وَالْمعْنَى: عَلَيْهِ أَن لَا يجوز وَعَلِيهِ أَن يقْصد ثمَّ حذفت أَن وارتفع الْفِعْل كَمَا فِي تسمع بالمعيدي خيرٌ من أَن ترَاهُ. انْتهى. وَهَذَا الْمَعْنى وَإِن كَانَ جيدا إِلَّا أَنه لَا يحسن التَّخْرِيج على حذف أَن فَإِنَّهُ غير مقيس. فَالصَّحِيح الِاسْتِئْنَاف. قَالَ ابْن الْحَاجِب فِي الْإِيضَاح: الْعَطف على يجور غير مُسْتَقِيم لِأَن غَرَضه أَن يَنْفِي الْجور وَيثبت الْقَصْد ليحصل الْمَدْح وَإِذا أشرك بَينه وَبَين الْجور دخل فِي النَّفْي فَيصير نافياً للجور ونافياً للقصد فَلَا يحصل مدح بل يتناقض. فَوَجَبَ أَن يحمل على أَنه مُسْتَأْنف ليَكُون مثبتاً فَيكون الْجور منفياً وَالْقَصْد مثبتاً فَيحصل الْمَقْصُود ويرتفع التَّنَاقُض. انْتهى.

وَقَوله: على الحكم ظرف وَقع فِي موقع الْخَبَر الْمُقدم. وروى: على الحكم المأتي حقٌّ إِذا قضى فَيكون حقٌّ هُوَ الْخَبَر وعَلى مُتَعَلقَة بِهِ. وَقَوله: أَن لَا يجوز فِي تَأْوِيل مُبْتَدأ مُؤخر وَالْمعْنَى واجبٌ على كل حكم بَين النَّاس يُؤْتى لفصل الْخُصُومَات أَن لَا يجور فِي حكمه إِذا قضى قَضيته وَحكم حكمه وَهُوَ يقْصد ويعدل فِي قضاياه. وَهَذَا مِنْهُ إرشادٌ للْحَاكِم إِلَى الْعدْل فِي الحكم وحث على النصفة. وَالْحكم بِفتْحَتَيْنِ: وصفٌ من حكمت بَين الْقَوْم: فصلت بَينهم فَأَنا حَاكم وَحكم بِفتْحَتَيْنِ. وَالْحكم بِالضَّمِّ: الْقَضَاء وَأَصله الْمَنْع يُقَال: حكمت عَلَيْهِ إِذا منعته من خِلَافه فَلم يقدر على الْخُرُوج من ذَلِك. والمأتي: اسْم مفعول من أَتَيْته يكون مُتَعَدِّيا بِنَفسِهِ وَيَجِيء لَازِما يتَعَدَّى بإلى. وعَلى الأول يكون اسْم الْمَفْعُول مِنْهُ بِدُونِ إِلَى بِلَا حَاجَة إِلَى قَول ابْن الملا فِي شرح الْمُغنِي: المأتي مَعْنَاهُ المأتي) إِلَيْهِ فَهُوَ على الْحَذف والإيصال كَقَوْلِهِم الْمُشْتَرك. وَقضى: حكم. وَقَضِيَّة فعلية بِمَعْنى مفعولة. وجار فِي حكمه أَي: ظلم. وَالْقَصْد: الْعدْل يُقَال: قصد فِي الْأَمر من بَاب ضرب إِذا توَسط وَطلب الْأسد وَلم يُجَاوز الْحَد. وَالْبَيْت من قصيدة عدتهَا تِسْعَة عشر بَيْتا لأبي اللحام التغلبي

أوردهَا أَبُو عَمْرو الشَّيْبَانِيّ فِي أشعار تغلب لَهُ وانتخبها أَبُو تَمام فأورد مِنْهَا خَمْسَة أَبْيَات فِي مُخْتَار أشعار الْقَبَائِل وَهَذَا أَولهَا: (عمرت وأطولت التفكر خَالِيا ... وساءلت حَتَّى كَاد عمري ينْفد) (فأضحت أُمُور النَّاس يغشين عَالما ... بِمَا يتقى مِنْهَا وَمَا يتَعَمَّد) (جديرٌ بِأَن لَا أستكين وَلَا أرى ... إِذا الْأَمر ولى مُدبرا أتبلد) على الحكم المأتي حقٌّ إِذا قضى ... ... ... ... . . الْبَيْت عمرت أَي: عِشْت عمرا طَويلا من بَاب فَرح والمصدر الْعُمر بِفَتْح الْعين وَضمّهَا مَعَ سُكُون ويغشين: يَأْتِين. والغشيان: الْإِتْيَان. وَأَرَادَ بالعالم نَفسه. والفعلان بعده يجوز أَن يَكُونَا بِالْبِنَاءِ للمعلوم وبالبناء للْمَجْهُول. ويتعمد: بِمَعْنى يقْصد. وجديرٌ: خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي: أَنا جدير بِأَن لَا أستكين أَي: لَا أخضع وَلَا أذلّ. وَأرى بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول. وَرُوِيَ المصراع الثَّانِي هَكَذَا: إِذا حل أمرٌ سَاءَنِي أتبلد أَي: أتحير كالبليد. وَمن هَذِه القصيدة: (وَلَيْسَ الْفَتى كَمَا يَقُول لِسَانه ... إِذا لم يكن فعلٌ مَعَ القَوْل يُوجد) ...

(عَسى سائلٌ ذُو حاجةٍ إِن منعته ... من الْيَوْم سؤلاً أَن يكون لَهُ غَد) (وَإنَّك لَا تَدْرِي بِإِعْطَاء سائلٍ ... أَأَنْت بِمَا تعطيه أم هُوَ أسعد) وَأَبُو اللحام شاعرٌ جاهلي اسْمه حريثٌ مصغر حَارِث. واللحام بِفَتْح اللَّام وَتَشْديد الْحَاء الْمُهْملَة. وَهَذَا شيءٌ من أخباره أوردهُ أَبُو عَمْرو الشَّيْبَانِيّ قَالَ: كَانَ أَبُو اللحام خرج فِي نَاس من بني تغلب فَأَغَارَ على قرى من قرى السوَاد وَأقَام يجبيهم) وَيَأْخُذ مِنْهُم فَبعث إِلَيْهِم كسْرَى النخيرجان فِي خيلٍ من الأساورة فَهزمَ ذَلِك الْجَيْش وَأخذ أَبَا اللحام فَحَمله على بعير وعدله بفراش وَهُوَ مغلولٌ فَقَالَ: انْظُرُوا إِلَى هَذَا الْخَبيث الَّذِي جَاءَ يُغير على الْملك وَهُوَ عدل فراشٍ فِي الخفة ثمَّ إِنَّه نزل فِي نَاحيَة الْفُرَات على شاطئه الغربي فَبعث خيله إِلَى الْعَرَب فَلم يصب أحدا إِلَّا قَتله. وَجعل مَعَ أبي اللحام رجلا من أهل الْحيرَة عَرَبيا كَانَ من أعوانه يُقَال لَهُ: بريم فِي سلسلةٍ شمال أبي اللحام بِيَمِينِهِ وَهُوَ يُرِيد أَن يقدم الْحيرَة ليصلبه بهَا فيراه من يقدم الْحيرَة من الْعَرَب. فلقي رجلا نبطياً كَانَ يعرفهُ فِي بعض السوَاد إِلَى جنب أجمة فَأخذ

(الشاهد السبعون بعد الستمائة)

مِنْهُ دَرَاهِم فَجعل إِذا مَشى ينْطَلق ببريم فيسقيه ويدهنه ويطعمه من تِلْكَ الدَّرَاهِم. فَلَمَّا كَانَ ذَات لَيْلَة أظلمت السَّمَاء بغيمٍ ومطر وَجعل يلح عَلَيْهِ بِالشرابِ ثمَّ جعلا يمشيان فِي الأجمة فَتَنَاول سيف بريم فاستله ثمَّ ضرب السلسلة فقطعها ثمَّ خرج إِلَى الْبَريَّة فَأتى رجلا من الْأَعْرَاب من بكر بن وَائِل فَأخْبرهُ الْخَبَر وَأخذ مِنْهُ نجيبة فلحق بِالشَّام. وَأنْشد بعده: فنرجي ونكثر التأميلا وَهَذَا عجزٌ وصدره: غير أَنا لم يأتنا بيقينٍ وَتقدم شَرحه قَرِيبا. وَالْفَاء استئنافية لَا سَبَبِيَّة بِدَلِيل الْقطع. وَجوز هُنَاكَ أَن تكون سَبَبِيَّة. وَإِنَّمَا لم ينصب نرجي لعدم اللّبْس. وَأنْشد بعده (الشَّاهِد السبعون بعد الستمائة) وَهُوَ من شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ: الطَّوِيل (وَمَا هُوَ إِلَّا أَن أَرَاهَا فجاءةً ... فأبهت حَتَّى مَا أكاد أُجِيب) على أَنه يرْوى بِنصب أبهت وَرَفعه على الْقطع أَي: فَأَنا أبهت.

قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَسَأَلت الْخَلِيل رَحِمَهُ اللَّهُ عَن قَول الشَّاعِر: وَمَا هُوَ إِلَّا أَن أَرَاهَا فجاءةً ... ... الْبَيْت فَقَالَ: أَنْت فِي أبهت بِالْخِيَارِ إِن شِئْت حملتها على أَن وَإِن شِئْت لم تحملهَا عَلَيْهِ فَرفعت وَقَوله: هُوَ ضمير يفسره خَبره كَقَوْلِه تَعَالَى: إِن هِيَ إِلَّا حياتنا الدُّنْيَا. قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: هَذَا ضميرٌ لَا يعلم مَا يعْنى بِهِ إِلَّا بِمَا يتلوه. وَأَصله: إِن الْحَيَاة إِلَّا حياتنا الدُّنْيَا ثمَّ وضع هِيَ مَوضِع الْحَيَاة لِأَن الْخَبَر يدل عَلَيْهَا ويبينها. انْتهى. وَلَيْسَ هُوَ فِي الْبَيْت ضمير الشَّأْن والْحَدِيث كَمَا زَعمه شَارِح أَبْيَات الْمفصل لِأَن ضمير الشَّأْن لَا بُد أَن يُفَسر بجملة وَلَا جملَة هُنَا وَأما أَن أَرَاهَا فَفِي تَأْوِيل الْمُفْرد كَمَا صرح بِهِ سِيبَوَيْهٍ لِأَن أَن هِيَ الناصبة للمضارع وَلَيْسَت مُخَفّفَة من الثَّقِيلَة لِأَنَّهَا تقع بعد فعل الْيَقِين أَو مَا نزل مَنْزِلَته وَحِينَئِذٍ يكون اسْمهَا ضميراً وخبرها جملَة مفصولة عَنْهَا بقد أَو لَو أَو السِّين أَو النَّفْي على مَا فصل فِي مَحَله. وَقد غلط فِي ذَلِك الشَّارِح فَزعم أَنَّهَا المخففة قَالَ: وَالتَّقْدِير إِلَّا أَنه أَرَاهَا أَي: إِن الشَّأْن. وَهَذِه غَفلَة مِنْهُ فَإِنَّهَا لَو كَانَت المخففة مَا كَانَ وجهٌ لنصب أبهت بالْعَطْف على مدخولها.

وأراها بِفَتْح الْهمزَة من رُؤْيَة الْعين تتعدى إِلَى مفعول وَاحِد وَهُوَ ضمير الحبيبة. ورأيته فِي بعض النّسخ بِضَم الْهمزَة على أَنه من رأى الْمُتَعَدِّي بِالْهَمْزَةِ إِلَى مفعول ثَان فَيكون الْمَفْعُول الأول نَائِب الْفَاعِل وَهُوَ ضمير الْمُتَكَلّم وَالثَّانِي ضمير الحبيبة. والفجاءة بِالضَّمِّ وَالْمدّ: البغتة يُقَال: فَجئْت الرجل أفجؤه مَهْمُوز من بَاب تَعب. وَفِي لُغَة بِفتْحَتَيْنِ إِذا جِئْته بَغْتَة. وَالِاسْم الْفجأَة. وفجاءةً: مفعول مُطلق أَي: رُؤْيَة فَجْأَة. وَقَول ذَلِك الشَّارِح هُوَ مصدر فِي مَوضِع الْحَال من الْفَاعِل أَو الْمَفْعُول أَي مفاجئاً أَو مفاجأة. وَقَوله: فأبهت إِن رُوِيَ بِالنّصب فالفاء عاطفة عطفت أبهت على أَرَاهَا وَهُوَ عطف مُفْرد) على مُفْرد وَهُوَ فِي تَأْوِيل مصدر أَي: إِلَّا الرَّأْي فالبهت. وَإِن رُوِيَ بِالرَّفْع فالفاء استئنافية وَجُمْلَة البهت خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي: فَأَنا أبهت بِفَتْح الْهمزَة وَضم الْهَاء وَفتحهَا لِأَنَّهُ جَاءَ من بَابي قرب وتعب بِمَعْنى أدهش وأتحير. وَأما أبهت بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول فَغير مرادٍ هُنَا. يُقَال: بَهته يبهته بِفتْحَتَيْنِ فبهت بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول فَهَذَا متعدٍّ وَذَاكَ لَازم. وَحَتَّى: هُنَا ابتدائية وَمَعْنَاهَا الْغَايَة وَمَا: نَافِيَة. وأكاد: بِمَعْنى أقرب. وَجُمْلَة: أُجِيب فِي مَحل نصب خَبَرهَا ومفعول أُجِيب مَحْذُوف أَي: أجيبها إِن كَلَّمتنِي. وَمثله قَول الآخر: الطَّوِيل (عَلامَة من كَانَ الْهوى فِي فُؤَاده ... إِذا لَقِي المحبوب أَن يتحيرا)

. وَالْبَيْت من قصيدة لعروة بن حزامٍ العذري تقدّمت مَعَ تَرْجَمته فِي الشَّاهِد السَّادِس وَالتسْعين بعد الْمِائَة. وَقَبله وَهُوَ مطلع القصيدة: وَقد وَقع الْبَيْت الشَّاهِد مَعَ بَيْتَيْنِ آخَرين من القصيدة فِي قصيدةٍ لكثير عزة أورد سِتَّة أَبْيَات مِنْهَا فِي حماسته الشريف ضِيَاء الدَّين هبة الله عَليّ بن مُحَمَّد بن حَمْزَة الْحُسَيْنِي وَهِي: (أَبى الْقلب إِلَّا أم عَمْرو وبغضت ... إِلَيّ نسَاء مَا لَهُنَّ ذنُوب) (وَلَيْسَ على شحط النَّوَى أَكثر البكا ... لقد كنت أبْكِي والمزار قريب) (لعمر أَبِيهَا إِن دهراً يردهَا ... إِلَيّ على شحط النَّوَى لطلوب) وَمَا هُوَ إِلَّا أَن أَرَاهَا ... ... ... ... . الْبَيْت وَقد وَقع الْبَيْت الشَّاهِد بقافيةٍ رائيةٍ فِي قصيدةٍ لأبي صخرٍ الْهُذلِيّ مِنْهَا: (وَإِنِّي لآتيها أُرِيد عتابها ... وأوعدها بالهجر مَا برق الْفجْر) (فَمَا هُوَ إِلَّا أَن رأها فجاءةً ... فأبهت لَا عرفٌ لدي وَلَا نكر) ...

(وأنسى الَّذِي فِيهِ أكون هجرتهَا ... كَمَا قد تنسي لب شاربها الْخمر) وعَلى هَذَا فضمير هُوَ عَائِد على العتاب. وَأَبُو صَخْر الْهُذلِيّ تقدّمت تَرْجَمته فِي الشَّاهِد الْخَامِس بعد الْمِائَتَيْنِ. وَأنْشد بعده وَهُوَ من شَوَاهِد س: الْكَامِل) (لَا تنه عَن خلقٍ وَتَأْتِي مثله ... عارٌ عَلَيْك إِذا فعلت عَظِيم) على أَن تَأتي مَنْصُوب بِأَن مضمرة بعد وَاو الجمعية الْوَاقِعَة بعد النَّهْي. قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَاعْلَم أَن الْوَاو وَإِن جرت هَذَا المجرى فَإِن مَعْنَاهَا وَمعنى الْفَاء مُخْتَلِفَانِ. أَلا ترى الأخطل قَالَ: لَا تنه عَن خلق وَتَأْتِي مثله ... ... ... . . الْبَيْت فَلَو دخلت الْفَاء هَا هُنَا لأفسدت الْمَعْنى وَإِنَّمَا أَرَادَ: لَا تجمعن النَّهْي والإتيان فَصَارَ تَأتي على إِضْمَار أَن. انْتهى.

وَيجوز رَفعه على أَنه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي: وَأَنت تَأتي وَلَا يجوز جزمه لفساد الْمَعْنى. وعار خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي: هُوَ عارٌ. وعظيم صفته. وَهَذِه الْجُمْلَة دَلِيل جَوَاب إِذا. وَمعنى الْبَيْت من قَوْله تَعَالَى: أتأمرون النَّاس بِالْبرِّ وتنسون أَنفسكُم. وَقَالَ الْحَاتِمِي: هَذَا أشرد بيتٍ قيل فِي تجنب إتْيَان مَا نهي عَنهُ. وَالْبَيْت وجد فِي عدَّة قصائد. وَمِنْه اخْتلف فِي قَائِله فنسبه الإِمَام أَبُو عبيد الْقَاسِم بن سَلام فِي أَمْثَاله إِلَى المتَوَكل بن عبد الله اللَّيْثِيّ الْكِنَانِي. وَأوردهُ فِي بَاب تعيير الْإِنْسَان صَاحبه بِعَيْب هُوَ فِيهِ. والمتوكل اللَّيْثِيّ من شعراء الْإِسْلَام وَهُوَ من أهل الْكُوفَة وَكَانَ فِي عصر مُعَاوِيَة وَابْنه يزِيد ومدحهما. وَنسبه إِلَيْهِ أَيْضا الْآمِدِيّ فِي المؤتلف والمختلف وَقَالَ فِيمَن يُقَال لَهُ المتَوَكل: مِنْهُم المتَوَكل اللَّيْثِيّ وَهُوَ المتَوَكل بن عبد الله بن نهشل بن وهب بن عَمْرو بن لَقِيط بن يعمر الشداخ بن عَوْف بن كَعْب بن عَامر بن لَيْث بن بكر بن عبد مَنَاة بن كنَانَة بن خُزَيْمَة. الشَّاعِر الْمَشْهُور الْقَائِل: لَا تنه عَن خلق ... ... ... الْبَيْت وَنسبه إِلَيْهِ أَيْضا أَبُو الْفرج الْأَصْبَهَانِيّ فِي الأغاني وَذكر بِإِسْنَاد

أَن الأخطل قدم الْكُوفَة فَنزل على قبيصَة بن ذالق فَقَالَ المتَوَكل اللَّيْثِيّ لرجلٍ من قومه: انْطلق بِنَا إِلَى الأخطل نستنشده ونسمع من شعره. فَأتيَاهُ فَقَالَا لَهُ: أنشدنا يَا أَبَا مَالك. فَقَالَ: إِنَّنِي لخاثرٌ يومي هَذَا. فَقَالَ لَهُ المتَوَكل: أنشدنا أَيهَا الرجل فوَاللَّه لَا تنشدني قصيدةً إِلَّا أنشدتك مثلهَا أَو أشعر مِنْهَا. قَالَ: وَمن أَنْت قَالَ: أَنا المتَوَكل. قَالَ: وَيحك أَنْشدني من شعرك.) فأنشده: الْكَامِل (للغانيات بِذِي الْمجَاز رسوم ... فببطن مَكَّة عهدهن قديم) لَا تنه عَن خلقٍ وَتَأْتِي مثله ... ... ... ... الْبَيْت (والهم إِن لم تمضه لسبيله ... داءٌ تضمنه الضلوع قديم) وَكَذَلِكَ نسبه إِلَيْهِ الزَّمَخْشَرِيّ فِي المستقصى قَالَ: هُوَ من قَول المتَوَكل الْكِنَانِي: (ابدأ بِنَفْسِك فانهها عَن غيها ... فَإِذا انْتَهَت عَنهُ فَأَنت حَكِيم) (فهناك تعدل إِن وعظت ويقتدى ... بالْقَوْل مِنْك وَيقبل التَّعْلِيم) لَا تنه عَن خلقٍ ... ... ... ... الْبَيْت وَنسبه سِيبَوَيْهٍ للأخطل. وَنسبه الْحَاتِمِي لسابق الْبَرْبَرِي. وَنقل السُّيُوطِيّ عَن تَارِيخ ابْن عَسَاكِر أَنه للطرماح.

وَالْمَشْهُور أَنه من قصيدةٍ لأبي الْأسود الدؤَلِي. قَالَ اللَّخْمِيّ فِي شرح أَبْيَات الْجمل: الصَّحِيح أَنه لأبي الْأسود. فَإِن صَحَّ مَا ذكر عَن المتَوَكل فَإِنَّمَا أَخذ الْبَيْت من شعر أبي الْأسود. وَالشعرَاء كثيرا مَا تفعل ذَلِك. وَهَذِه هِيَ قصيدة أبي الْأسود سقناها برمتها لجودتها: (حسدوا الْفَتى إِذْ لم ينالوا سَعْيه ... فالقوم أعداءٌ لَهُ وخصوم) (كضرائر الْحَسْنَاء قُلْنَ لوجهها ... حسداً وبغياً إِنَّه لدميم) (وَالْوَجْه يشرق فِي الظلام كَأَنَّهُ ... بدرٌ منيرٌ وَالنِّسَاء نُجُوم) (وكذاك من عظمت عَلَيْهِ نعمةٌ ... حساده سيفٌ عَلَيْهِ صروم) (فاترك محاورة السَّفِيه فَإِنَّهَا ... ندمٌ وغبٌّ بعد ذَاك وخيم) (وَإِذا جريت مَعَ السَّفِيه كَمَا جرى ... فكلاكما فِي جريه مَذْمُوم) وَإِذا عتبت على السَّفِيه ولمته فِي مثل مَا تَأتي فَأَنت ظلوم (لَا تنه عَن خلقٍ وَتَأْتِي مثله ... عارٌ عَلَيْك إِذا فعلت عَظِيم) (ابدأ بِنَفْسِك وانهها عَن غيها ... فَإِذا انْتَهَت عَنهُ فَأَنت حَكِيم) (فهناك يقبل مَا وعظت ويقتدى ... بِالْعلمِ مِنْك وينفع التَّعْلِيم) (ويل الخلي من الشجي فَإِنَّهُ ... نصب الْفُؤَاد بشجوه مغموم) ...

(وَترى الخلي قرير عين لاهياً ... وعَلى الشجي كآبةٌ وهموم)) (وَيَقُول: مَا لَك لَا تَقول مَقَالَتي ... ولسان ذَا طلقٌ وَذَا مكظوم) (لَا تكلمن عرض ابْن عمك ظَالِما ... فَإِذا فعلت فعرضك المكلوم) (وحريمه أَيْضا حريمك فاحمه ... كي لَا يُبَاع لديك مِنْهُ حَرِيم) (وَإِذا اقتصصت من ابْن عمك كلمة ... فكلومه لَك إِن عقلت كلوم) (وَإِذا طلبت إِلَى كريمٍ حاجةٌ ... فلقاؤه يَكْفِيك وَالتَّسْلِيم) (وَرَأى عواقب حمد ذَاك وذمه ... للمرء تبقى وَالْعِظَام رَمِيم) (فارج الْكَرِيم وَإِن رَأَيْت جفاءه ... فالعتب مِنْهُ والكرام كريم) (إِن كنت مُضْطَرّا وَإِلَّا فَاتخذ ... نفقاً كَأَنَّك خائفٌ مهزوم) (واتركه وَاحْذَرْ أَن تمر بِبَابِهِ ... دهراً وعرضك إِن فعلت سليم) (فَالنَّاس قد صَارُوا بهائم كلهم ... وَمن الْبَهَائِم قائلٌ وزعيم) (عميٌ وبكم لَيْسَ يُرْجَى نفعهم ... وزعيمهم فِي النائبات مليم) (وَإِذا طلبت إِلَى لئيمٍ حَاجَة ... فألح فِي رفقٍ وَأَنت مديم) (والزم قبالة بَيته وفناءه ... بأشد مَا لزم الْغَرِيم غَرِيم) (وَعَجِبت للدنيا ورغبة أَهلهَا ... والرزق فِيمَا بَينهم مقسوم) (والأحمق المرزوق أعجب من أرى ... من أَهلهَا والعاقل المحروم) ...

(الشاهد الثاني والسبعون بعد الستمائة)

(ثمَّ انْقَضى عجبي لعلمي أَنه ... رزقٌ موافٍ وقته مَعْلُوم) وَأنْشد بعده (الشَّاهِد الثَّانِي وَالسَّبْعُونَ بعد الستمائة) (وَمَا أَنا للشَّيْء الَّذِي لَيْسَ نافعي ... ويغضب مِنْهُ صَاحِبي بقؤول) على أَن سِيبَوَيْهٍ جوز فِي يغْضب النصب وَالرَّفْع. وَهَذَا نَص سِيبَوَيْهٍ: وَسَمعنَا من ينشد هَذَا الْبَيْت من الْعَرَب وَهُوَ لكعبٍ الغنوي بِالنّصب. وَالرَّفْع أَيْضا جائزٌ حسن. ويغضب مَعْطُوف على الشَّيْء وَيجوز رَفعه على أَن يكون دَاخِلا فِي صلَة الَّذِي. انْتهى. قَالَ النّحاس: قَالَ مُحَمَّد بن يزِيد: الرّفْع الْوَجْه لِأَن يغْضب فِي صلَة الَّذِي لِأَن مَعْنَاهُ الَّذِي يغْضب مِنْهُ صَاحِبي. قَالَ: وَكَانَ سِيبَوَيْهٍ يقدم النصب ويثني بِالرَّفْع وَلَيْسَ القَوْل عِنْدِي كَمَا قَالَ لِأَن الْمَعْنى الَّذِي يَصح عَلَيْهِ الْكَلَام إِنَّمَا يكون بِأَن يَقع يغْضب فِي الصِّلَة كَمَا ذكرت لَك. وَمن أجَاز النصب فَإِنَّمَا يَجْعَل يغْضب مَعْطُوفًا على الشَّيْء وَذَلِكَ جَائِز وَلكنه بعيد. وَإِنَّمَا جَازَ لِأَن الشَّيْء منعوت فَكَأَن تَقْدِيره: وَمَا أَنا للشَّيْء الَّذِي هَذِه حَاله وَلِأَن يغْضب صَاحِبي. وَهُوَ كلامٌ مَحْمُول على مَعْنَاهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ يَقُول الْغَضَب. وَمثل هَذَا تجوز. تَقول: إِنَّمَا جَاءَ بك طَعَام زيد. وَالْمعْنَى: إِنَّمَا جِئْت من أَجله. قَالَ أَبُو إِسْحَاق: النصب بِمَعْنى وَغَضب أَي: دون غضب صَاحِبي. وَالرَّفْع على أَن يكون

دَاخِلا فِي صلَة الَّذِي كَأَنَّهُ قَالَ: وَالَّذِي يغْضب مِنْهُ صَاحِبي. وَسَأَلت عَنهُ أَبَا الْحسن فَقَالَ: أَي: يكون يغْضب مَنْصُوبًا بعد الْوَاو فِي جَوَاب النَّفْي الأول الَّذِي هُوَ: وَمَا أَنا دون الثَّانِي الَّذِي هُوَ: لَيْسَ نافعي. وَهُوَ الْمُسَمّى فِي الشَّرْح بِالصرْفِ. وَهُوَ مُخْتَار الشَّارِح تبعا لصَاحب اللّبَاب. وَفِيه ردٌّ على ابْن الْحَاجِب فِي أَمَالِيهِ على الْمفصل من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَنه زعم أَن الْوَاو فِي ويغضب لَيست وَاو الْجمع وَإِنَّمَا هِيَ وَاو الْعَطف. وَذكرهَا الزَّمَخْشَرِيّ وَإِن لم يكن بَابهَا لموافقتها لواو الْجمع من وَجْهَيْن الرّفْع وَالنّصب. وَكَذَلِكَ فعل فِي الْفَاء. ثَانِيهمَا: فِي اتِّبَاعه لسيبويه فِي زَعمه أَن يغْضب مَعْطُوف على قَوْله للشَّيْء. بَقِي احتمالٌ آخر لعطف يغْضب الْمَنْصُوب قَالَ ابْن الْحَاجِب: وَلَا يَسْتَقِيم أَن يكون مَعْطُوفًا على نافعي لأمر معنوي وَهُوَ أَنه يصير الْمَعْنى: لَا يَنْفَعنِي وَلَا يغْضب صَاحِبي. وَلَيْسَ الْغَرَض كَذَلِك بل الْغَرَض نفي النَّفْع عَنهُ وَإِثْبَات الْغَضَب للصاحب.) وَأورد على مُخْتَار الشَّارِح بِأَنَّهُ يلْزم مِنْهُ تقدم الْمَعْطُوف وَهُوَ يغْضب على الْمَعْطُوف عَلَيْهِ وَهُوَ قؤول. وَأجَاب بِأَنَّهُ قَوْله: ويغضب فِي نِيَّة التَّأْخِير إِذْ التَّقْدِير: وَمَا أَنا بقؤول للشَّيْء الَّذِي لَا يَنْفَعنِي ويغضب صَاحِبي بِالنّصب أَي: مَعَ

غضب صَاحِبي. فيغضب وَإِن كَانَ مقدما لفظا على قؤول فَهُوَ مُتَأَخّر معنى لِأَن بقؤول خبر مَا فَهُوَ مقدم فِي وَقَول الشَّارِح الْمُحَقق: وَقَالَ أَبُو عَليّ فِي كتاب الشّعْر: بل هُوَ عطف على نافعي أَرَادَ بِكِتَاب الشّعْر كِتَابه الْمُسَمّى بإيضاح الشّعْر وإعراب الشّعْر. وَهَذِه عِبَارَته فِيهِ: فِي قَوْلك يغْضب ضَرْبَان: إِن جَعلتهَا دَاخِلَة فِي الصِّلَة كَانَت مَرْفُوعَة لِأَنَّهُ لَا شَيْء يحمل عَلَيْهِ فينصب فَإِذا عطف لم يُخرجهَا من الصِّلَة وَحمل الْكَلَام على الْمَعْنى كَأَنَّهُ قَالَ وَمَا أَنا للَّذي لَا يَنْفَعنِي ويغضب مِنْهُ صَاحِبي بقؤول. فَإِذا دخل يغْضب فِي الصِّلَة عطف الْمُضَارع على اسْم الْفَاعِل وكل وَاحِد من الْمُضَارع وَاسم الْفَاعِل يعْطف على الآخر لتشابههما. وَمَوْضِع الْمُضَارع الَّذِي هُوَ يغْضب نصبٌ للْعَطْف على خبر لَيْسَ وَالضَّمِير الَّذِي هُوَ مِنْهُ يعود على اسْم لَيْسَ وَالْمقول حينئذٍ هُوَ الشَّيْء وَالْقَوْل يَقع عَلَيْهِ لعمومه واحتماله أَن يكون القَوْل وَغَيره. وَلَيْسَ كالغضب. فَإِذا أخرج يغْضب من الصِّلَة أضمر أَن بعطفه إِيَّاهَا على الشَّيْء كَأَنَّهُ قَالَ: وَمَا أَنا للشَّيْء الَّذِي لَيْسَ نافعي ويغضب صَاحِبي بقؤول. فالغضب لَا يُقَال وَلَكِن التَّقْدِير وَلقَوْل غضب صَاحِبي. فتضيف القَوْل الْحَادِث عَنهُ الْغَضَب

إِلَى الْغَضَب كَمَا تَقول: ضرب التّلف فتضيف الضَّرْب إِلَى مَا يحدث عَنهُ. هَذَا كَلَامه. وَنظر صَاحب اللّبَاب فِي تَقْدِير القَوْل الْمُضَاف وَبَينه شَارِحه الفالي بِأَن القَوْل الْمُقدر إِمَّا من أما الأول فَلِأَنَّهُ يلْزم مِنْهُ وُقُوعه على مَا هرب مِنْهُ إِذْ يلْزم أَن يكون الْغَضَب مقولاً. وَأما الثَّانِي فَلِأَن لَفْظَة مِنْهُ تَدْفَعهُ إِذْ إِضَافَة الملابسة مغنية عَن ذكر مِنْهُ إِذْ قَوْلك قَول غضب صَاحِبي بِمَعْنى الملابسة مَعْنَاهُ قَول يصدر ويتولد عَنهُ غضب صَاحِبي. فَلَا حَاجَة إِلَى ذكر مِنْهُ كَمَا تَقول: رَأَيْتُك يَوْم خرجت فَإِن الْإِضَافَة مصححة لكَون الْخُرُوج فِي الْيَوْم فَلَا حَاجَة إِلَى أَن تَقول يَوْم خرجت فِيهِ. وَالْبَيْت من قصيدة لكعب بن سعدٍ الغنوي أوردهَا أَبُو تَمام فِي مُخْتَار أشعار الْقَبَائِل وَأورد بَعْضهَا القالي فِي أَمَالِيهِ والشريف فِي حماسته وَهِي:) (لقد أنصبتني أم عمروٍ تلومني ... وَمَا لوم مثلي بَاطِلا بجميل) (ألم تعلمي أَن لَا يراخي منيتي ... قعودي وَلَا يدني الْحمام رحيلي) ...

(فَإنَّك واللوم الَّذِي ترجعينه ... عَليّ وَمَا لوامةٌ بعقول) (كداعي هديلٍ لَا يُجَاب إِذا دَعَا ... وَلَا هُوَ يسلو عَن دُعَاء هديل) (وَذي ندبٍ دامي الأظل قسمته ... مُحَافظَة بيني وَبَين زميلي) (وزادٍ رفعت الْكَفّ عَنهُ عفافةً ... لأوثر فِي زادي عَليّ أكيلي) (وَمن لَا ينل حَتَّى يسد خلاله ... يجد شهوات النَّفس غير قَلِيل) وَمَا أَنا للشَّيْء الَّذِي لَيْسَ نافعي ... ... ... ... . الْبَيْت (وَلنْ يلبث الْجُهَّال أَن يتهضموا ... أَخا الْحلم مَا لم يستعن بجهول) وَهَذَا مَا أوردهُ أَبُو تَمام. وأنصبه: أوقعه فِي النصب بِفتْحَتَيْنِ وَهُوَ التَّعَب. وَالْحمام: الْمَوْت. والهديل: فرخ كَانَ على عهد نوحٍ عَلَيْهِ السَّلَام فصاده جارحٌ من جوارح الطير. قَالُوا: فَلَيْسَ من حمامةٍ إِلَّا وتبكي عَلَيْهِ. قَالَ الْكُمَيْت: الوافر (وَمَا من تهتفين بِهِ لنصرٍ ... بأقرب جابةً لَك من هديل)

وَالنَّدْب بِفتْحَتَيْنِ قَالَ القالي: هُوَ الْأَثر وَجمعه ندوب وأنداب. والأظل بِالْمُعْجَمَةِ قَالَ القالي: هُوَ بَاطِن خف الْبَعِير. والزميل: الرفيق. يُرِيد أَنه قسم ظهر بعيره بَينه وَبَين رَفِيقه فِي الرّكُوب وَلم يتْركهُ مَاشِيا. والعفافة: الْعِفَّة. والأكيل: المؤاكل. والخلال بِالْكَسْرِ: جمع خلة بِالْفَتْح: الْحَاجة والفقر. والعوراء: الْكَلِمَة القبيحة. وتهضمه وهضمه إِذا دَفعه عَن مَوْضِعه. وَكَعب بن سعد الغنوي هُوَ شاعرٌ إسلامي وَهُوَ أحد بني سَالم بن عبيد ابْن سعد بن عَوْف بن كَعْب بن جلان بِكَسْر الْجِيم وَتَشْديد اللَّام ابْن غنم بِسُكُون النُّون ابْن غَنِي بن أعصر. كَذَا وَقد راجعت كتب الصَّحَابَة وَكتاب الشُّعَرَاء لِابْنِ قُتَيْبَة وَكتاب الأغاني وَغَيرهَا فَلم أجد تَرْجَمته فِي أَحدهَا إِلَّا مَا قَالَه أَبُو عبيدٍ الْمَذْكُور. وَالظَّاهِر أَنه تَابِعِيّ. وَأنْشد بعده: (وَلبس عباءةٍ وتقر عَيْني ... أحب إِلَيّ من لبس الشفوف)) على أَن تقر مَنْصُوب بِأَن بعد وَاو الْعَطف. قَالَ سِيبَوَيْهٍ: لما لم يستقم أَن تحمل وتقر وَهُوَ فعل على لبس

وَهُوَ اسْم وَلما ضممته إِلَى الِاسْم وَجعلت أحب لَهما وَلم ترد قطعه لم يكن بُد من إِضْمَار أَن. قَالَ النّحاس: قَالَ أَبُو الْحسن: أَي لم ترد لبس عباءة أحب إِلَيّ. وَأَن تقر عَيْني لِأَن هَذَا يبطل الْمَعْنى لِأَنَّهُ لم يرد أَن لبس عباءة أحب إِلَيْهِ. هَذَا سخف إِنَّمَا أَرَادَ قُرَّة الْعين فَلهَذَا نصب. وَقَالَ الأعلم: نصب تقر بإضمار أَن ليعطف على اللّبْس لِأَنَّهُ اسْم وتقر فعل فَلم يُمكن عطفه عَلَيْهِ فَحمل على إِضْمَار إِن لِأَن أَن وَمَا بعْدهَا اسْم فعطف اسْما على اسْم وَجعل الْخَبَر عَنْهُمَا وَاحِدًا وَهُوَ أحب. وَالْمعْنَى: لبس عباءةٍ مَعَ قُرَّة الْعين وصفاء الْعَيْش أحب إِلَيّ من لبس الشفوف مَعَ سخنة الْعين ونكد الْعَيْش. فَإِن قلت: مَا الْفرق بَين وَاو الْجمع وواو الْعَطف وَهل هما إِلَّا شيءٌ وَاحِد قلت: وَاو الْجمع فِي الأَصْل للْعَطْف لكنه خص بِبَعْض أَحْوَاله وَذَلِكَ أَن الْمَعْطُوف قد يكون قبل الْمَعْطُوف عَلَيْهِ فِي الْوُجُود وَقد يكون بعده وَقد يكون مَعَه نَحْو: جَاءَ زيد وعمروٌ قبله أَو بعده أَو مَعَه. فَخص وَاو الْجمع بِمَا يكون بِمَعْنى مَعَ فَهُوَ بِاعْتِبَار أصل معنى الْعَطف احْتَاجَ إِلَى تَقْدِير مصدر منتزع من الأول. وَبِاعْتِبَار اخْتِصَاصه الْعَارِض بِحَال الْمَعِيَّة صَار كَأَنَّهُ قسيمٌ للْعَطْف الْمُطلق الَّذِي لَا يتَقَيَّد. فواو الْجمع عطفٌ مُقَيّد بالمعية وواو الْعَطف غير مُقَيّد بهَا. فَهَذَا هُوَ الْفرق.

(الشاهد الثالث والسبعون بعد الستمائة)

وَقَالَ اللَّخْمِيّ فِي شرح أَبْيَات الْجمل: وَلَو رفعت وتقر لجَاز على أَن ينزل الْفِعْل منزلَة الْمصدر وَنَحْو قَوْلهم: تسمع بالمعيدي فَتسمع منزل منزلَة سماعك. وكقول جريرٍ يَعْنِي الفرزدق: المتقارب (نفاك الْأَغَر بن عبد الْعَزِيز ... وحقك تنفى من الْمَسْجِد) وَقَول امرىء الْقَيْس: الطَّوِيل (فدمعهما سحٌّ وسكبٌ وديمةٌ ... ورشٌّ وتوكافٌ وتنهملان) قَالَ: يُرِيد وحقك النَّفْي وانهمالٌ. وَاسْتشْهدَ صَاحب الْكَشَّاف بِالْبَيْتِ على قِرَاءَة: أَو آوي بِالنّصب على إِضْمَار أَن كَأَنَّهُ وَالْبَيْت من أَبْيَات لميسون بنت بَحْدَل الْكَلْبِيَّة وَتَقَدَّمت مشروحة فِي الشَّاهِد الثَّامِن وَالْخمسين) بعد الستمائة. وَأنْشد بعده (الشَّاهِد الثَّالِث وَالسَّبْعُونَ بعد الستمائة) الْكَامِل أَو أَن يلوم بحاجةٍ لوامها على أَن أَن قد ظَهرت بعد أَو فِي الشّعْر.

وَهَذَا عجز وصدره: أَقْْضِي اللبانة لَا أفرط رِيبَة وَالْبَيْت من معلقَة لبيد الصَّحَابِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه. قَالَ شَارِح المعلقات القَاضِي أَبُو الْحُسَيْن الزوزني: يَقُول: أَقْْضِي وطري وَلَا أفرط فِي طلب بغيتي وَلَا أدع رِيبَة إِلَّا أَن يلومني لائم. وتحرير الْمَعْنى: أَنه لَا يقصر لكنه لَا يُمكنهُ الِاحْتِرَاز عَن لوم اللوام. وأو فِي قَوْله: أَو أَن يلوم بِمَعْنى إِلَّا أَن يلوم. وَمثله قَوْلهم: لألزمنه أَو يعطيني ديني مَعْنَاهُ إِلَّا أَن يعطيني حَقي. انْتهى كَلَامه. يُقَال: قضيت وطري أَي: بلغته ونلته. واللبانة بِضَم اللَّام: الْحَاجة. وَيُقَال: فرطته أَي: تركته وتقدمته. كَذَا فِي الصِّحَاح. وفرط فِي الْأَمر تفريطاً: قصر فِيهِ وضيعه. والريبة: الْحَاجة وَمثله الريب. قَالَ الشَّاعِر: الوافر قضينا من تهَامَة كل ريبٍ هَذَا الْمُنَاسب وَهُوَ الْمَفْهُوم من كَلَام الزوزني السَّابِق. وَقَالَ أَبُو جَعْفَر النَّحْوِيّ والخطيب التبريزي وَأَبُو الْحسن الطوسي فِي شروحهم. الريب: الشَّك. وَرووا: أَقْْضِي اللبانة أَن أفرط رِيبَة بِنصب رِيبَة ورفعها. قَالُوا: فَمن رفع جعله خبر ابْتِدَاء وَالْمعْنَى تفريطي ريبةٌ. وَمن نصب فَالْمَعْنى مَخَافَة أَن أفرط ثمَّ حذف مَخَافَة.

(الشاهد الرابع والسبعون بعد الستمائة)

هَذَا قَول الْبَصرِيين. وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ: لِئَلَّا مضمرة وَالْمعْنَى لِئَلَّا أفرط رِيبَة. يُرِيد إِنِّي أتقدم فِي قَضَاء حَاجَتي لِئَلَّا أَشك وَأَقُول إِذا فاتتني: لَيْتَني تقدّمت أَو يلومي لائمٌ على تقصيري. وَالْمعْنَى: إِنِّي لَا أدع رِيبَة) تنفذني حَتَّى أحكمها. والتفريط: الإنفاذ والتقديم. وَفِي حلهم الْمَعْنى قلاقة وعقادة. وَلَيْسَت أَو على كَلَامهم بِمَعْنى إِلَّا. وَمعنى الْبَيْت على شرح الزوزني واضحٌ لَا خَفَاء فِيهِ. واللوام: مُبَالغَة لائم فَاعل يلوم. وترجمة لبيد تقدّمت فِي الشَّاهِد الثَّانِي وَالْعِشْرين بعد الْمِائَة. وَأنْشد بعده (الشَّاهِد الرَّابِع وَالسَّبْعُونَ بعد الستمائة) الطَّوِيل (لقد عذلتني أم عمروٍ وَلم أكن ... مقالتها مَا كنت حَيا لأسمعا) على أَن مقالتها مفعول مقدم لأسْمع عِنْد الْكُوفِيّين كَمَا نَقله الشَّارِح الْمُحَقق وَغَيره. وَعند الْبَصرِيين مَنْصُوب بفعلٍ محذوفٍ يفسره الْمَذْكُور وَالتَّقْدِير: مَا كنت أسمع مقالتها. ثمَّ بَين مَا أضمر بقوله: لأسمعا. وَهَذَا الْبَيْت قد أوردهُ ابْن الْأَنْبَارِي فِي مسَائِل الْخلاف وَابْن يعِيش فِي شرح الْمفصل وَلم أَقف على تتمته وَلَا على قَائِله. وَالله أعلم بذلك.

(الشاهد الخامس والسبعون بعد الستمائة)

وَمَا: مَصْدَرِيَّة ظرفية وَحيا خبر كنت أَي: مُدَّة كوني حَيا. (الشَّاهِد الْخَامِس وَالسَّبْعُونَ بعد الستمائة) الطَّوِيل وَحقّ لمثلي يَا بثينة يجزع على أَن أَصله: أَن يجزع فحذفت أَن وارتفع الْفِعْل وَهُوَ نَائِب فَاعل حق. قَالَ ابْن جني فِي سر الصِّنَاعَة: وَقد حملهمْ كَثْرَة حذف أَن مَعَ غير الْفَاعِل على أَن استجازوا ذَلِك مَعَ اسْم مَا لم يسم فَاعله وَإِن كَانَ جَارِيا مجْرى الْفَاعِل وَقَائِمًا مقَامه وَذَلِكَ قَول جميل: (جزعت حذار الْبَين يَوْم تحملوا ... وَحقّ لمثلي يَا بثينة يجزع) أَرَادَ: أَن يجزع. على أَن هَذَا قَلِيل. وَالْمَفْعُول قد يكون غير اسْم صَرِيح نَحْو: ظَنَنْت زيدا يقوم وَالْفَاعِل لَا يكون إِلَّا اسْما صَرِيحًا مَحْضا وهم على إمحاضه اسْما أَشد مُحَافظَة من جَمِيع الْأَسْمَاء. أَلا ترى أَن الْمُبْتَدَأ قد يَقع غير اسْم مَحْض وَهُوَ قَوْلهم: تسمع بالمعيدي خيرٌ من أَن ترَاهُ فَتسمع كَمَا ترى فعل وَتَقْدِيره أَن تسمع فحذفهم أَن ورفعهم تسمع يدل على أَن الْمُبْتَدَأ قد يُمكن أَن يكون عِنْدهم غير اسمٍ صَرِيح. فَإِذا جَازَ هَذَا فِي الْمُبْتَدَأ على قُوَّة شبهه بالفاعل فَهُوَ فِي الْمَفْعُول أَلا أيهذا الزاجري أحضر الوغى

عِنْد كثير من النَّاس لِأَنَّهُ أَرَادَ أَن أحضر. وَأَجَازَ س فِي قَوْلهم: مره يحفرها أَن يكون الرّفْع على قَوْله: مره أَن يحفرها فَلَمَّا حذفت أَن ارْتَفع الْفِعْل بعْدهَا. انْتهى كَلَامه. وَقَالَ فِي الخصائص عِنْدَمَا أنْشد هَذَا الْبَيْت: أَي وَحقّ لمثلي أَن يجزع. وَأَجَازَ هِشَام: يسرني تقوم. وَيَنْبَغِي أَن يكون ذَلِك جَائِزا عِنْده فِي الشّعْر لَا فِي النثر. انْتهى. وَقد عد ابْن عُصْفُور فِي كتاب الضرائر جَمِيع هَذَا من الضَّرُورَة. قَالَ: وَمِنْه وضع الْفِعْل مَوضِع الْمصدر على تَقْدِير حذف أَن وَإِرَادَة مَعْنَاهَا من غير إبْقَاء عَملهَا نَحْو قَوْله: الطَّوِيل (وَمَا راعني إِلَّا يسير بشرطةٍ ... وعهدي بِهِ قينا يفش بكير) يُرِيد: وَمَا راعني إِلَّا أَن يسير بشرطة. فَحذف أَن وأبطل عَملهَا وَهُوَ يُرِيد مَعْنَاهَا. وَالدَّلِيل على أَن الْفِعْل الْمُضَارع يحكم لَهُ بِحكم مَا هُوَ منصوبٌ بِأَن وَإِن كَانَ مَرْفُوعا قَوْله: (أَلا أيهذا الزاجري أحضر الوغى ... وَأَن أشهد اللَّذَّات هَل أَنْت مخلدي) فِي رِوَايَة من رفع أحضر. أَلا ترى أَنه عطف أَن أشهد على أحضر فَدلَّ ذَلِك على أَن المُرَاد) أَن أحضر. وَمثله قَول أَسمَاء بن خَارِجَة: الْكَامِل (أوليس من عجبٍ أسائلكم ... مَا خطب عاذلتي وَمَا خطبي)

وَقَوله عَليّ بن الطُّفَيْل السَّعْدِيّ: الوافر (وأهلكني لكم فِي كل يومٍ ... تعوجكم عَليّ وأستقيم) يُرِيد: وَأَن أستقيم أَي: واستقامتي لكم. وَقَوله: (جزعت حذار الْبَين يَوْم تحملوا ... وَحقّ لمثلي يَا بثينة يجزع) يُرِيد: أَن يجزع. وَقَوله: المتقارب (نفاك الْأَغَر بن عبد الْعَزِيز ... وحقك تنفى عَن الْمَسْجِد) يُرِيد: وحقك أَن تنفى عَن الْمَسْجِد. وَقَول الآخر أنْشدهُ يَعْقُوب: الرجز لَوْلَا يرائي النَّاس لم يصل يُرِيد: لَوْلَا أَن يرائي النَّاس. وَقد يَجِيء مثل هَذَا الْكَلَام نَحْو قَوْلهم: تسمع بالمعيدي خيرٌ من أَن ترَاهُ إِلَّا أَن ذَلِك يقل فِي الْكَلَام وَيكثر فِي الشّعْر. انْتهى. وجزع الرجل جزعاً من بَاب تَعب فَهُوَ جزعٌ وجزوعٌ مُبَالغَة إِذا ضعفت منته عَن حمل مَا نزل بِهِ وَلم يجد صبرا. وأجزعه غَيره والغداة: الضحوة. والبين: الْفِرَاق مصدر بَان يبين إِذا فَارق وانفصل. وَلما: ظرفٌ بِمَعْنى حِين بدلٌ من غَدَاة وَالْوَاو فِي ترحلوا ضمير أهل

بثينة. وَكَانَ الظَّاهِر أَن يَقُول ترحلت بالتأنيث لِأَن جزعه إِنَّمَا كَانَ لرحيلها لَكِن لما كَانَ رحيل أَهلهَا مُوجبا لرحيلها جمع. وَقَوله: وَحقّ لمثلي إِلَخ وَهُوَ بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول. فِي الصِّحَاح: قَالَ الْكسَائي: يُقَال: حق لَك أَن تفعل كَذَا وَهُوَ حقيق بِهِ ومحقوق أَي: خليق بِهِ. وَقَالَ الْفراء: حق لَك أَن تفعل كَذَا وَحقّ عَلَيْك أَن تفعل كَذَا. فَإِذا قلت: حق بِالضَّمِّ قلت: لَك. وَإِذا قلت: حق بِالْفَتْح قلت: عَلَيْك. وَهَذَا من بَاب قَوْلهم: مثلك لَا يبخل وَهُوَ أَنه اسْتَعْملهُ كِنَايَة من غير تَعْرِيض مِمَّا لَا يُرَاد بِلَفْظ مثل غير مَا) أضيف إِلَيْهِ لَكِن أُرِيد أَن من كَانَ على هَذِه الصّفة الَّتِي هِيَ عَلَيْهَا كَانَ مُقْتَضى الْعرف أَن يفعل مَا ذكر. فعلى هَذَا لَيْسَ المُرَاد فِي الْبَيْت أَن مثله حقيقٌ بالجزع بل المُرَاد بِالْمثلِ نَفسه. لَكِن كل من كَانَ على هَذِه الصّفة من فِرَاق الْأَحِبَّة يَنْبَغِي أَن يكون حَاله مثل حَاله فِي الْجزع. وَجُمْلَة: حق لمثلي إِلَخ إِمَّا حَال من التَّاء فِي جزعت بإضمار قد وَإِمَّا معطوفة على جزعت. وَمَا كَانَ مثلي يَا بثينة يجزع فعلى هَذَا لَا شَاهد فِيهِ. وبثينة: محبوبة جميل قَائِل الشّعْر. وَقد نسب بعض الشُّعَرَاء بنساء مَخْصُوصَة واشتهر كل واحدٍ مِنْهُم بِمن تغزل بهَا مِنْهُم جميل اشْتهر ببثينة وَمِنْهُم كثير اشْتهر بعزة وَمِنْهُم عُرْوَة بن حزَام اشْتهر

بعفراء وَمِنْهُم مَجْنُون بني عَامر اشْتهر بليلى وَمِنْهُم قيس بن ذريح اشْتهر بلبنى وَمِنْهُم المرقش اشْتهر بفاطمة وَمِنْهُم ذُو الرمة اشْتهر بمية وَهِي الخرقاء كَمَا تقدم وَمِنْهُم الْعَبَّاس بن الْأَحْنَف نسب بفوز. وَبَعض الشُّعَرَاء لَا يلْتَزم التغزل بامرأةٍ مَخْصُوصَة كامرىء الْقَيْس. وبثينة: مصغر بثنة. قَالَ صَاحب الصِّحَاح: البثنة بالتكسين: الأَرْض اللينة وبتصغيرها سميت بثنة. وَالْبَيْت من قصيدةٍ طَوِيلَة لجميل بن معمرٍ العذري. روى صَاحب الأغاني بِسَنَدِهِ قَالَ: اجْتمع جميل مَعَ جماعةٍ من رهطه يتحدثون فَقَالَ بَعضهم: بِاللَّه حَدثنَا أعجب يَوْم لَك مَعَ بثينة. قَالَ: نعم منعت من لقائي مُدَّة وتعرضت لَهَا جهدي فَلم أصل إِلَيْهَا. فَبينا أَنا ذَات ليلةٍ جَالس بَين شجرات بِالْقربِ من حيها وَقد أَقمت فِيهَا ثَلَاثًا أنتظرها إِذا شخصٌ قد أقبل إِلَيّ فَجَلَست وانتضيت سَيفي فَلم ألبث أَن غشيني الشَّخْص فَإِذا هِيَ بثينة قد أكبت عَليّ فأدهشني ذَلِك وَبقيت متحيراً لَا أحير جَوَابا وَلَا أرَاجعهَا. حَتَّى برق الصُّبْح وَمَا اسْتَطَعْت أَن أكلمها. قَالُوا: فَهَل قلت فِي ذَلِك شَيْئا فأنشدهم قصيدةً طَوِيلَة. وَهَذِه أَبْيَات من أَولهَا: (أهاجك أم لَا بالتناضب مربع ... ورسمٌ بأجراع الغديرين بلقع) (ديارٌ لليلى إِذْ نحل بهَا مَعًا ... وَإِذ نَحن مِنْهَا فِي الْمَوَدَّة نطمع))

(فيا رب حببني إِلَيْهَا وَأَعْطِنِي ال ... مَوَدَّة مِنْهَا أَنْت تُعْطِي وتمنع) (وَإِلَّا فصيرني وَإِن كنت كَارِهًا ... فَإِنِّي بهَا يَا ذَا المعارج مولع) (فَإِن يَك قد شطت نَوَاهَا وَقد نأت ... فَإِن النَّوَى مِمَّا تشت وَتجمع) (جزعت غَدَاة الْبَين لما تحملوا ... وَمَا كَانَ مثلي يَا بثينة يجزع) (تمتعت مِنْهَا يَوْم بانوا بنظرةٍ ... وَهل عاشقٌ من نظرةٍ يتمتع) وَتَقَدَّمت تَرْجَمَة جميل العذري فِي الشَّاهِد الثَّانِي وَالسِّتِّينَ من أَوَائِل الْكتاب. تَتِمَّة قد وَقع فِي مُغنِي اللبيب وَفِي بعض شُرُوح الألفية الاستشهاد بقوله: الطَّوِيل وَلم يقف على قَائِله وَلَا على تتمته السُّيُوطِيّ وَلَا الْعَيْنِيّ وَهُوَ مذكورٌ فِي نَوَادِر ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: أَنْشدني الدبيري لرجلٍ من بني أسدٍ يُقَال لَهُ مُعَاوِيَة بن خَلِيل النصري فِي إِبْرَاهِيم ذِي الشقر. وَكَانَ إِبْرَاهِيم أطرده عَن بِلَاده فَأَقَامَ فِي رمل بني حسل فَقَالَ يهجو إِبْرَاهِيم

يلقب فروخاً وَرُبمَا قَالُوا فروجاً. وَهُوَ إِبْرَاهِيم بن حوران: الطَّوِيل (يعرض فروخ بن حوران بنته ... كَمَا عرضت للمشترين جزور) (فَأَما قريشٌ فَهِيَ تعرض رَغْبَة ... وَأما الموَالِي حولهَا فتدور) (وَمَا رَاعنا إِلَّا يسير بشرطةٍ ... وعهدي بِهِ قينا يفش بكير) (لحا الله فروخاً وَخرب دَاره ... وأخزى بني حوران خزي حمير) وَأنْشد بعده: أَلا أيهذا الزاجري أحضر الوغى هُوَ صدرٌ وعجزه: وَأَن أشهد اللَّذَّات هَل أَن مخلدي على أَنه رُوِيَ: أحضر بِالرَّفْع وَأَصله أَن أحضر فَلَمَّا حذفت أَن ارْتَفع الْفِعْل. وَرُوِيَ أَيْضا بِالنّصب بإبقاء عَملهَا بعد الْحَذف. وَقد تقدم الْكَلَام على هَذَا الْبَيْت متسوفًى فِيمَا بعد الشَّاهِد الثَّامِن وَالْخمسين بعد الستمائة وَفِي الشَّاهِد الْعَاشِر من أَوَائِل الْكتاب. نِهَايَة الْجُزْء الثَّامِن من تَقْسِيم محققه)

الجوازم

(الجوازم) أنْشد فِيهِ (الشَّاهِد السَّادِس وَالسَّبْعُونَ بعد الستمائة) الْبَسِيط (لَوْلَا فوارس من ذهل وأسرتهم ... يَوْم الصليفاء لم يُوفونَ بالجار) على أَن لم قد جَاءَت فِي الشّعْر غير جازمة. وَكَذَلِكَ قَالَ ابْن عُصْفُور: إِن رفع الْمُضَارع بعد لم ضَرُورَة. وَأنْشد مَعَ هَذَا الْبَيْت قَول الشَّاعِر: المتقارب. (وأمسوا بهاليل لَو أَقْسمُوا ... على الشَّمْس حَوْلَيْنِ لم تطلع) بِرَفْع تطلع. وَقَالَ: حكم ل لم بَدَلا من حكمهَا بِحكم مَا لما كَانَت نَافِيَة مثلهَا. فَرفع الْمُضَارع بعْدهَا كَمَا يرفع بعد مَا. وَقَالَ التبريزي فِي شرح الكافية تبعا لِابْنِ جني فِي سر الصِّنَاعَة: وَقد لَا تجزم لم حملا على لَا. وَقَالَ ابْن مَالك: إِن رفع الْمُضَارع بعْدهَا لُغَة لَا ضَرُورَة. كَذَا فِي مُغنِي اللبيب. - وفوارس: جمع فَارس شَاذ. وَذهل بِضَم الذَّال الْمُعْجَمَة: اسْم لقبيلتين إِحْدَاهمَا: ذهل بن شَيبَان بن ثَعْلَبَة بن عكابة. وَالْأُخْرَى:

ذهل بن ثَعْلَبَة ابْن عكابة وهما من ربيعَة. وروى بدله: من جرم بِفَتْح الْجِيم وَهُوَ قَبيلَة أَيْضا. وروى: نعم أَيْضا بِضَم النُّون وَهُوَ اسْم امْرَأَة وَهُوَ تَحْرِيف. من ذهل وأسرتهم يرْوى بِالرَّفْع عطف على فوارس ويروى بِالْجَرِّ عطف على ذهل. وأسرة الرجل بِضَم الْهمزَة: رهطه. والصليفاء: مصغر صلفاء وَهِي الأَرْض الصلبة وَالْمَكَان أصلف. وَيُقَال: صلفاء بِوَزْن حرباء. وَقَالَ الْأَصْمَعِي: الأصلف والصلفاء: مَا اشْتَدَّ من الأَرْض وَغلظ وصلب وَالْجمع الأصالف والصلافي. كَذَا فِي الْعباب للصاغاني. وَيَوْم الصلفاء هُوَ يَوْم من أَيَّام الْعَرَب لَكِن الشَّاعِر صغره. قَالَ ابْن رَشِيق فِي الْعمد: يَوْم الصلفاء لهوازن على فَزَارَة وَعَبس وَأَشْجَع وَفِيه قتل دُرَيْد بأَخيه ذؤاب بن أَسمَاء. انْتهى.) وَالْوَاو فِي يُوفونَ ضمير الْقَوْم الَّذين هجاهم الشَّاعِر. وَالْجَار لَهُ معَان: مِنْهَا المجاور فِي السكن وَمِنْهَا المستجير وَهُوَ الَّذِي يطْلب الْأمان وَمِنْهَا الحليف. وَأحد هَذِه الثَّلَاثَة هُوَ الْمُنَاسب وَعَلِيهِ فَفِيهِ حذف مُضَاف أَي: لم يُوفونَ بِذِمَّة الْجَار. وَهَذَا الْبَيْت أنْشدهُ الْأَخْفَش والفارسي وَغَيرهمَا وَلم أجد من عزاهُ إِلَى قَائِله وَلَا من ذكر لَهُ تَتِمَّة. وَالله أعلم بِهِ.

(الشاهد السابع والسبعون بعد الستمائة)

وَأنْشد بعده (الشَّاهِد السَّابِع وَالسَّبْعُونَ بعد الستمائة) الطَّوِيل. (فأضحت مغانيها قفاراً رسومها ... كَأَن لم سوى أهل من الْوَحْش توهل) على أَن لم قد فصلت فِي الضَّرُورَة من مجزومها فَإِن الأَصْل: كَأَن لم توهل سوى أهل من الْوَحْش. (نَوَائِب من لدن ابْن آدم لم تزل ... تباكر من لم بالحوادث تطرق) وَأنْشد بعده قَوْله: فأضحت مغانيها الْبَيْت وَقد فصل فِي الأول بَين لم ومجزومها وَهُوَ تطرق بالمجرور وَفصل فِي الثَّانِي بالظرف بَينهمَا. وَكَذَلِكَ صنع ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي قَالَ: وَقد تقصل من مجزومها فِي الضَّرُورَة بالظرف كَقَوْلِه: الوافر ( فَذَاك وَلم إِذا نَحن امترينا ... تكن فِي النَّاس يدركك المراء) وَقَوله: فأضحت مغانيها الْبَيْت وَقد يَليهَا الِاسْم مَعْمُولا لفعل يفسره مَا بعده كَقَوْلِه: الطَّوِيل (ظَنَنْت فَقِيرا ذَا غنى ثمَّ نلته ... فَلم ذَا رَجَاء ألقه غير واهب) انْتهى.

وَقَوله: إِذا نَحن امترينا مُتَعَلق بيدرك الأَصْل: وَلم تكن فِي النَّاس يدركك المراء إِذا نَحن امترينا والامتراء: الشَّك. والمراء: الْجِدَال. وَقَوله: ظَنَنْت فَقِيرا ... . الخ هُوَ بِالْبِنَاءِ للْمَجْهُول والتكلم. وَفَقِيرًا: حَال من نَائِب الْفَاعِل) وَذَا غنى: مفعول ثَان لظَنَنْت وَضمير نلته: للغنى وَذَا رَجَاء: مفعول لفعل مَحْذُوف مُفَسّر بألقى الْمَذْكُور. وَغير واهب: حَال من فَاعله يَعْنِي أَنه فِي حَال فقره كَانَ متعففاً فكنى عَن ذَلِك بظنه ذَا غنى وَأَنه حِين صَار غَنِيا يُعْطي كل راج لقِيه مَا يَرْجُو. وَالْبَيْت من قصيدة طَوِيلَة لذِي الرمة. وَقَبله: (فيا كرم السكن الَّذين تحملوا ... عَن الدَّار والمستخلف المتبدل) وَبعده: (كَأَن لم تحل الرزق مي وَلم تطَأ ... بجرعاء حزوى نير مرط مرحل ) (إِلَى ملعب بَين الحواءين منصف ... قريب المزار طيب الترب مسهل) وَقَوله: فيا كرم السكن ... إِلَخ هُوَ نِدَاء تعجبي أَي: يَا صَاح انْظُر كرم السكن وَهُوَ أهل الدَّار جمع سَاكن كصحب جمع صَاحب. وتحملوا: ارتحلوا. والمستخلف: مَعْطُوف على الدَّار وَهُوَ المبتدل رويا على صِيغَة اسْم الْفَاعِل وَاسم الْمَفْعُول. يُرِيد: الدَّار تبدلت بالسكن الوحوش والظباء وَالْبَقر. يَعْنِي أَن الدَّار اسْتخْلفت واستبدلت وَبِهَذَا الْبَيْت اسْتشْهد صَاحب الْكَشَّاف على أَن التبدل فِي قَوْله

(الشاهد الثامن والسبعون بعد الستمائة)

تَعَالَى: وَلَا تتبدلوا الْخَبيث بالطيب بِمَعْنى الِاسْتِبْدَال كالتعجل والتأخر بِمَعْنى الاستعجال والاستئخار. وَقَوله: فأضحت مغانيها أَي: صَارَت والمغاني: جمع مغنى وَهُوَ الْمقَام من غَنِي بِالْمَكَانِ كرضي: إِذا أَقَامَ فَهُوَ غان. والقفار: جمع قفر. فِي الْمِصْبَاح: القفر: الْمَفَازَة لَا مَاء فِيهَا وَلَا نَبَات. وَدَار قفر: خَالِيَة من أَهلهَا. والرسم: الْأَثر. ورسومها: فَاعل قفار. والمروي فِي ديوانه كَذَا: فأضحت مباديها قفاراً بلادها قَالَ شَارِحه: مباديها: حَيْثُ تبدو فِي الرّبيع. والبلاد: جمع بَلْدَة وَهِي الْقطعَة من الأَرْض. وَأهل الْمَكَان أهولاً من بَاب قعد: عمر بأَهْله فَهُوَ آهل وقرية آهلة. وأهلت بالشَّيْء: أنست بِهِ. قَالَ شَارِح الدِّيوَان: توهل: تنزل. يُقَال: بلد مأهول: ذُو أهل.) - وَقَالَ ابْن الْأَنْبَارِي فِي شرح المفضليات: أهل هَذَا الْمَكَان. وَسمعت يُقَال: مَكَان آهل أَي: ذُو أهل. وَأنْشد هَذَا الْبَيْت ثمَّ قَالَ: وَبَنُو عَامر يَقُولُونَ: أهلت بِهِ آهل بِهِ أهولاً أَي: أنست بِهِ. وَقَوله: كَأَن لم تحل الزرق هُوَ جمع أَزْرَق. قَالَ شَارِح الدِّيوَان: الزرق: أكثبة بالدهناء. والمرط بِالْكَسْرِ: الْإِزَار. ونيره: علمه. والمرحل بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة الْمُشَدّدَة: الْمُوشى على لون الرّحال. وَقَوله: إِلَى ملعب الحواءين بِكَسْر الْمُهْملَة: أَبْيَات مجتمعة. يُرِيد: ملعباً بني الحواءين. ومنصف بِفَتْح الْمِيم وَالصَّاد يَقُول: هُوَ بَين الحواءين وسط. ومسهل: سهل قد انحدر عَن الغلظ. وترجمه ذِي الرمة تقدّمت فِي الشَّاهِد الثَّامِن من أول الْكتاب. وَأنْشد بعده: الْكَامِل. (أزف الترحل غير أَن رِكَابنَا ... لما تزل برحالنا وَكَأن قد ) على أَن الْفِعْل بعد قد مَحْذُوف اخْتِيَارا أَي: وَكَأن قد زَالَت. وأزف: دنا. والركاب: الْإِبِل. وَلما: نَافِيَة جازمة وتزل: مجزوم وَأَصله تَزُول. والرحال: جمع رَحل وَهُوَ مَا يستصحبه الْإِنْسَان من الأثاث فِي السّفر. وَكَأن مُخَفّفَة. وَتقدم شرح هَذَا الْبَيْت مفصلا فِي الشَّاهِد الْخَامِس وَالْعِشْرين بعد الْخَمْسمِائَةِ. وَأنْشد بعده (الشَّاهِد الثَّامِن وَالسَّبْعُونَ بعد الستمائة) (احفظ وديعتك الَّتِي استودعتها ... يَوْم الأعارب إِن وصلت وَإِن لم) وعَلى أَن حذف مجزوم لم ضَرُورَة وَالْأَصْل: وَإِن لم تصل. كَذَا قدره أَبُو حَيَّان فَيكون وصلت مثله بِالْبِنَاءِ للمعلوم.

وَقدره أَبُو الْفَتْح البعلي: وَإِن لم توصل فَيكون إِن وصلت مثله بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول. وَأنْشد ابْن عُصْفُور فِي الضرائر الشعرية: قَول ابْن هرمة: الْكَامِل ( وَعَلَيْك عهد الله إِن بِبَابِهِ ... أهل السيالة إِن فعلت وَإِن لم) يُرِيد: وَإِن لم تفعل. وَمثله قَول الآخر: الرجز (يَا رب شيخ من لكيز ذِي غنم ... فِي كَفه زيغ وَفِي الْفَم فَقُمْ) أجلح لم يمشط وَقد كَانَ وَلم يُرِيد: وَقد كَانَ وَلم يجلح. ثمَّ قَالَ: وَإِنَّمَا لم يجز الِاكْتِفَاء بلم وَحذف مَا تعْمل فِيهِ إِلَّا فِي الشّعْر لِأَنَّهَا عَامل ضَعِيف فَلم يتصرفوا فِيهَا بِحَذْف معمولها فِي حَال السعَة بل إِذا كَانَ الْحَرْف الْجَار وَهُوَ أقوى فِي الْعَمَل مِنْهُ لِأَنَّهُ من عوامل الْأَسْمَاء وعوامل الْأَسْمَاء أقوى من عوامل الْأَفْعَال لَا يجوز حذف معموله فالأحرى أَن لَا يجوز ذَلِك فِي الْجَازِم. فَإِن قَالَ قَائِل: فَلم جَازَ الِاكْتِفَاء بلما وَحذف معمولها فِي سَعَة الْكَلَام وَهِي جازمة فَقَالُوا: قاربت الْمَدِينَة وَلما أَي: وَلما أدخلها وَلم يجز ذَلِك فِي لم فَالْجَوَاب أَن تَقول: إِن الَّذِي سوغ ذَلِك فِيهَا كَونهَا نفيا لقد فعل. أَلا ترى أَنَّك تَقول: فِي نفي قد قَامَ زيد: لم يقم فَحملت لذَلِك على قد فَكَمَا يُقَال: لم يَأْتِ زيد وَكَأن قد أَي: وَكَأن

(الشاهد التاسع والسبعون بعد الستمائة)

قد أَتَى فيكتفي بقد فَكَذَلِك أَيْضا قَالُوا: قاربت الْمَدِينَة وَلما أَي: وَلما أدخلها فاكتفوا بلما. هَذَا كَلَامه. وَقَوله: احفظ: أَمر. واستودعتها: على بِنَاء الْمَجْهُول. وَيَوْم الأعارب: لم أَقف عَلَيْهِ فِي كتب أَيَّام الْعَرَب وَقَالَ الْعَيْنِيّ: هُوَ يَوْم مَعْهُود بَينهم. وَنسب الْبَيْت إِلَى إِبْرَاهِيم بن هرمة. وَتَقَدَّمت تَرْجَمته فِي الشَّاهِد الثَّامِن وَالسِّتِّينَ وَالله أعلم. - وَأنْشد بعده) (الشَّاهِد التَّاسِع وَالسَّبْعُونَ بعد الستمائة) الوافر ألما تعرفوا منا اليقينا على أَن الْهمزَة الدَّاخِلَة على لما للاستفهام التقريري أَي: ألم تعرفوا منا إِلَى الْآن الْجد فِي الْحَرْب عرفاناً يَقِينا. أَي: قد علمْتُم ذَلِك فَلم تتعرضوا لنا. وَهَذَا عجز وصدره: إِلَيْكُم يَا بني بكر إِلَيْكُم وَالْبَيْت من معلقَة عَمْرو بن كُلْثُوم التغلبي يُخَاطب بني عَمه بكر بن وَائِل. وإليكم: اسْم فعل أَي: ابعدوا وتنحوا عَنَّا إِلَى أقْصَى مَا يُمكن من الْبعد. وَكرر إِلَيْكُم تَأْكِيدًا للأولى. وَبعده: (ألما تعلمُوا منا ومنكم ... كتائب يطعن ويرتمينا) وألما مثل الأولى. والكتيبة: الْجَمَاعَة من الْجَيْش سميت كَتِيبَة

لِاجْتِمَاع بَعْضهَا إِلَى بعض وَمِنْه كتبت الْكتاب أَي: جمعت بعض حُرُوفه إِلَى بعض. ويطعن: يفتعلن من الطعْن وَكَذَلِكَ يرتمينا: يفتعلن من الرَّمْي وَالْألف للإطلاق. أَرَادَ التطاعن بِالرُّمْحِ والترامي بِالسَّهْمِ منا ومنكم. وَتَقَدَّمت تَرْجَمَة عَمْرو بن كُلْثُوم صَاحب الْمُعَلقَة مَعَ شرح أَبْيَات مِنْهَا فِي مَوَاضِع فِي الشَّاهِد الثَّامِن والثمانين بعد الْمِائَة. - وَأنْشد بعده وَهُوَ من شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ: الوافر (مُحَمَّد تفد نَفسك كل نفس ... إِذا مَا خفت من شَيْء تبالا) على أَنه جَاءَ فِي ضَرُورَة الشّعْر حذف لَام الْأَمر فِي فعل غير الْفَاعِل الْمُخَاطب وَالتَّقْدِير: يَا مُحَمَّد لتفد نَفسك كل نفس. قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَاعْلَم أَن هَذِه اللَّام قد يجوز حذفهَا فِي الشّعْر وتعمل مضمرة كَأَنَّهُمْ شبهوها بِأَن إِذا أعملوها مضمرة. وَقد قَالَ الشَّاعِر: مُحَمَّد تفد نَفسك كل نفس ... ... ... ... الْبَيْت) وَإِنَّمَا أَرَادَ: لتفد. وَقَالَ متمم بن نُوَيْرَة:

الطَّوِيل (على مثل أَصْحَاب الْبَعُوضَة فاخمشي ... لَك الويل حر الْوَجْه أَو يبك من بَكَى) أَرَادَ: ليبك. انْتهى. - قَالَ الأعلم: هَذَا من أقبح الضَّرُورَة لِأَن الْجَازِم أَضْعَف من الْجَار وحرف الْجَرّ لَا يضمر. وَقد قيل: إِنَّه مَرْفُوع حذفت لامه ضَرُورَة واكتفي بالكسرة مِنْهَا. وَهَذَا أسهل فِي الضَّرُورَة وَأقرب. وَقَالَ النّحاس: سَمِعت عَليّ بن سُلَيْمَان يَقُول: سَمِعت مُحَمَّد بن يزِيد ينشد هَذَا الْبَيْت ويلحن قَائِله وَقَالَ: أنْشدهُ الْكُوفِيُّونَ وَلَا يعرف قَائِله وَلَا يحْتَج بِهِ وَلَا يجوز مثله فِي شعر وَلَا غَيره لِأَن الْجَازِم لَا يضمر وَلَو جَازَ هَذَا لجَاز يقم زيد بِمَعْنى: ليقمْ. وحروف الْجَزْم لَا تضمر لِأَنَّهَا أَضْعَف من حُرُوف الْخَفْض وحرف الْخَفْض لَا يضمر. فَبعد أَن حكى لنا أَبُو الْحسن هَذِه الْحِكَايَة وجدت هَذَا الْبَيْت فِي كتاب سِيبَوَيْهٍ يَقُول فِيهِ: وحَدثني أَبُو الْخطاب أَنه سمع هَذَا الْبَيْت مِمَّن قَالَه. قَالَ أَبُو إِسْحَاق الزّجاج احتجاجاً لسيبويه: فِي هَذَا الْبَيْت حذف اللَّام أَي: لتفد. قَالَ: وَإِنَّمَا سَمَّاهُ إضماراً لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَتِهِ. وَأما قَوْله: أَو يبك من بَكَى فَهَذَا الْبَيْت لفصيح وَلَيْسَ هَذَا مثل الأول وَإِن كَانَ سِيبَوَيْهٍ

قد جمع بَينهمَا. وَذَلِكَ أَن الْمَعْطُوف يعْطف على اللَّفْظ وعَلى الْمَعْنى فعطف الشَّاعِر على الْمَعْنى لِأَن الأَصْل فِي الْأَمر أَن يكون بِاللَّامِ فحذفت تَخْفِيفًا وَالْأَصْل: فلتخمشي فَلَمَّا اضْطر الشَّاعِر عطف على الْمَعْنى فَكَأَنَّهُ قَالَ: فلتخمشي ويبك فَيكون الثَّانِي مَعْطُوفًا على معنى الأول. والبعوضة: مَوضِع بِعَيْنِه قتل فِي رجال من قومه فحض على الْبكاء عَلَيْهِم. وحذا ابْن هِشَام فِي المغنى هَذَا الحذو وَقَالَ: وَهَذَا الَّذِي مَنعه الْمبرد أجَازه الْكسَائي فِي الْكَلَام بِشَرْط تقدم قل وَجعل مِنْهُ: قل لعبادي الَّذين آمنُوا يقيموا الصَّلَاة أَي: ليقيموا. - وَوَافَقَهُ ابْن مَالك فِي شرح الكافية وَزَاد عَلَيْهِ أَن ذَلِك يَقع فِي النثر قَلِيلا بعد القَوْل الخيري كَقَوْلِه: الرجز (قلت لبواب لَدَيْهِ دارها ... تيذن فَإِنِّي حموها وجارها)) أَي: لتيذن فَحذف اللَّام وَكسر حرف المضارعة. وَأما ابْن عُصْفُور فَلم يزدْ فِي كتاب الضرائر على قَوْله: إِضْمَار الْجَازِم وإبقاء عمله أقبح من إِضْمَار الْخَافِض. ثمَّ أنْشد خَمْسَة أَبْيَات حذف فِيهَا اللَّام. وَمُحَمّد: منادى. وتفد: أَمر من الْفِدَاء. وكل: فَاعله. ونفسك: مَفْعُوله. والتبال بِفَتْح الْمُثَنَّاة بعْدهَا مُوَحدَة. قَالَ الأعلم وَتَبعهُ ابْن هِشَام: وَهُوَ سوء الْعَاقِبَة وَأَصله وبال فتاؤه مبدلة من الْوَاو.

(الشاهد الحادي والثمانون بعد الستمائة)

وَالْبَيْت لَا يعرف قَائِله وَنسبه الشَّارِح فِي الْبَاب الَّذِي بعد هَذَا لحسان وَلَيْسَ مَوْجُودا فِي ديوانه. وَقَالَ ابْن هِشَام فِي شرح الشذور: قَائِله أَبُو طَالب عَم النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ. وأشر بعده (الشَّاهِد الْحَادِي وَالثَّمَانُونَ بعد الستمائة) الْخَفِيف ( لتقم أَنْت يَا ابْن خير قُرَيْش ... فلتقضي حوائج المسلمينا) على أَن أَمر الْمُخَاطب جَاءَ فِيهِ بِاللَّامِ وَهُوَ فِي الشّعْر أَكثر مِنْهُ فِي النثر أَرَادَ: قُم. وَكَذَا اللَّام فِي قَوْله: فلتقضي لأمر الْمُخَاطب وَالْيَاء إشباع الكسرة. وَالْبَيْت أوردهُ الْكُوفِيُّونَ وَهُوَ مَجْهُول لَا يعلم تتمته وَلَا قَائِله. وَالله أعلم. وَأنْشد بعده (الشَّاهِد الثَّانِي وَالثَّمَانُونَ بعد السستمائة) الرجز (قَالَت بَنَات الْعم يَا سلمى وَإِن ... كَانَ فَقِيرا معدماً قَالَت وَإِن)

على أَن فِيهِ حذف الشَّرْط وَالْجَزَاء مَعًا لضَرُورَة الشّعْر وَالتَّقْدِير: وَإِن كَانَ كَذَلِك رضيته أَيْضا. وَأوردهُ ابْن هِشَام فِي فصل الْحَذف من الْمُغنِي وَلم يخصصه بالشعر. - وَأما إِن الأولى فَإِنَّمَا حذف مِنْهَا جوابها وَالتَّقْدِير: وَإِن كَانَ فَقِيرا أترضين بِهِ لِأَن كَانَ شَرطهَا وَاسْمهَا مستتر فِيهَا يعود إِلَى بعل فِي بَيت مقدم. وَهُوَ: الرجز (قلت سليمى لَيْت لي بعلاً يمن ... يغسل جلدي وينسيني الْحزن) (وحاجة مَا إِن لَهَا عِنْدِي ثمن ... ميسورة قَضَاؤُهَا مِنْهُ وَمن) (قَالَت بَنَات الْعم يَا سلمى وَإِن ... كَانَ فَقِيرا معدما قَالَت وَإِن) وَهَذَا الرجز مَنْسُوب إِلَى رؤبة بن العجاج وسليمى: مصغر سلمى الْآتِيَة. والبعل: الزَّوْج. ويمن: فعل مضارع من الْمِنَّة وخفف النُّون للضَّرُورَة والْمنَّة: النِّعْمَة يُقَال: من عَلَيْهِ أَي: أنعم عَلَيْهِ. وَالْمرَاد هُنَا: يحصل مِنْهُ الْمَنّ والإنعام سَوَاء كَانَ عَلَيْهَا أَو على غَيرهَا فَهُوَ مُطلق. وَقَالَ الْعَيْنِيّ: هُوَ بِتَقْدِير يمن عَليّ. وَقَوله: يغسل جلدي ... إِلَخ تَفْسِير لقولها يمن. وَقَوْلها: وحاجة مَنْصُوب بِتَقْدِير: وَيَقْضِي لي حَاجَة وَهِي قَضَاء شَهْوَة النّوم. وَقَالَ الْعَيْنِيّ: حَاجَة مَعْطُوف على بعلاً وَمَا: نَافِيَة وَإِن: زَائِدَة. وَكَون هَذِه الْحَاجة

(الشاهد الثالث والثمانون بعد الستمائة)

لَا ثمن لَهَا عِنْدهَا لغلائها وعزتها. وميسورة: صفة حَاجَة. وأرادت: وروى: قَالَت بَنَات الْحَيّ بدل بَنَات الْعم. وروى: وإنن بِزِيَادَة نون فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَبهَا اسْتشْهد شرَّاح الألفية على أَن هَذِه النُّون هِيَ تَنْوِين الغالي وَبهَا يخرج الشّعْر عَن الْوَزْن وَلَا يَسْتَقِيم إِلَّا بحذفها. ورؤبة تقدّمت تَرْجَمته فِي الشَّاهِد الْخَامِس من أول الْكتاب. - وَأنْشد بعده (الشَّاهِد الثَّالِث وَالثَّمَانُونَ بعد الستمائة) الطَّوِيل. (أماوي مهمن يسمعن فِي صديقه ... أقاويل هَذَا النَّاس ماوي ينْدَم) على أَن الْكُوفِيّين حكوا عَن الْعَرَب مَجِيء مهمن بِمَعْنى: من كَمَا فِي الْبَيْت. قَالَ ابْن يعِيش عِنْد الْكَلَام على مهما: وَقَالَ آخَرُونَ: هِيَ مركبة من مَه بِمَعْنى اكفف وَمَا الشّرطِيَّة. وَالْمعْنَى عِنْدهم: اكفف عَن كل شَيْء مَا تفعل أفعل. وَيُؤَيِّدهُ قَول الشَّاعِر: أماوي مهمن يستمع فِي صديقه ... ... ... ... الْبَيْت فَركب مَه مَعَ من كَمَا ركبهَا مَعَ مَا. فاعرفه. انْتهى. وَقَالَ صَاحب تَهْذِيب اللُّغَة: مهمن اسْتِفْهَام وَأَصلهَا من من فأبدلت النُّون هَاء. وَأنْشد هَذَا الْبَيْت. والهمزة فِي قَوْله: أماوي للنداء. وماوي: مرخم ماوية وَهِي من أَسمَاء النِّسَاء مِنْهَا ماوية امْرَأَة حَاتِم الطيئ.

(الشاهد الرابع والثمانون بعد الستمائة)

وَهَذَا الْبَيْت شَبيه بِشعرِهِ لكني لم أَقف عَلَيْهِ منسوبة إِلَى المَاء. وماوية: اسْم امْرَأَة. قَالَ طرفَة: الرمل لَيْسَ هَذَا مِنْك ماوي بَحر وَاسم امْرَأَة حَاتِم طَيئ وتصغيرها: موية. قَالَ حَاتِم يخاطبها: الوافر (فضارته موي وَلم تضرني ... وَلم يعرق موي لَهَا جبيني) يَعْنِي: الْكَلِمَة العوراء. انْتهى. ومهمن: اسْم شَرط يجْزم فعلين الأول: يسمعن وَالنُّون هِيَ نون التوكيد الْخَفِيفَة. وَرُوِيَ: يستمع بدله يفتعل من السماع. وَالثَّانِي: ينْدَم وَكسر للقافية. وماوي الثَّانِي منادى وحرف النداء مَحْذُوف وَكرر المنادى للتلذذ بِهِ. وَرُوِيَ المصراع الثَّانِي هَكَذَا أَيْضا: فَيكون يصرم جَزَاء الشَّرْط. والصرم: الهجر وَالْقطع. وَرَأَيْت فِي قصيدة لذِي الرمة هَذَا الْمَعْنى مَعَ المصراع الثَّانِي بِعَيْنِه وَهُوَ قَوْله: الطَّوِيل (وَمن يَك ذَا وصل فَيسمع بوصله ... أقاويل هَذَا النَّاس يصرمْ ويصرمِ)) وَأنْشد بعده (الشَّاهِد الرَّابِع وَالثَّمَانُونَ بعد الستمائة)

السَّرِيع ( مهما لي اللَّيْلَة مهما ليه ... أودى بنعلي وسرباليه) على أَن مهما فِيهِ بِمَعْنى الِاسْتِفْهَام. قَالَ أَبُو عَليّ الْفَارِسِي فِي تَذكرته: هَذَا عِنْدِي مثل قَول الْخَلِيل فِي مهما فِي الْجَزَاء: إِنَّه مَا مَا فَقلب الْألف هَاء. وَذَلِكَ لِأَنَّهُ يُرِيد: مَالِي اللَّيْلَة. وَمَا تسْتَعْمل فِي الِاسْتِفْهَام على حد اسْتِعْمَالهَا فِي الْجَزَاء أَي: غير مَوْصُولَة فيهمَا. وَإِنَّمَا غير كَرَاهِيَة التقاء الْأَمْثَال. أَلا ترى أَن قَوْله تَعَالَى: فِي مَا إِن مكناكم فِيهِ وَلم يقل: مَا مامكناكم فِيهِ فَعدل إِلَى إِن لِئَلَّا تلتقي الْأَمْثَال فِي اللَّفْظ. وَمن قَالَ مهما هِيَ مَه مَا غير مُغيرَة فَإِن كَانَ يُرِيد أَنَّهَا مَه الَّتِي لِلْأَمْرِ فَلَيْسَ يَخْلُو من أَن يجْزم بهَا أَو لَا يجْزم. فَإِن كَانَ يجْزم فَإِنَّمَا قَالَ: مَه ثمَّ اسْتَأْنف فَقَالَ: مَا تفعل أفعل لم يجز. أَلا ترى أَن قَوْله: الطَّوِيل وَإنَّك مهما تأمري الْقلب يفعل لَيْسَ يُرِيد بِهِ: وَأَنَّك اكففي مَا تأمري الْقلب يفعل وَإِن كَانَ لَا يجْزم الْفِعْل بهَا كَأَنَّهُ قَالَ: لتكفف افْعَل لم يكن لذكر فعل الشَّرْط وَجه. وَإِن كَانَ لَا يُرِيد الْأَمر بهَا وَلكنهَا حرف يُوَافق الَّتِي لِلْأَمْرِ فِي اللَّفْظ وَيُخَالِفهُ فِي الْمَعْنى فَيكون حرفا للشّرط يجْزم بِمَنْزِلَة إِن جَازَ ذَلِك. انْتهى. - وَقَالَ ابْن الْحَاجِب فِي أَمَالِيهِ: إِنَّه يجوز أَن يكون مَه فِي مهما لي اللَّيْلَة اسْم فعل بِمَعْنى اسْكُتْ واكفف عَمَّا أَنْت فِيهِ من اللوم كَأَنَّهُ

يُخَاطب لائماً على مَا يرَاهُ من الوله. ثمَّ قَالَ: مَالِي اللَّيْلَة تَعْظِيمًا للْحَال الَّتِي أَصَابَته والشدة الَّتِي أَدْرَكته. ثمَّ ذكر الْأَمر الَّذِي يُحَقّق تَعْظِيم الْأَمر فَقَالَ: السَّرِيع أودى بنعلي وسرباليه يَعْنِي ذهب بنعلي وسرباليه كَقَوْلِه تَعَالَى: هلك عني سلطانيه. وَإِذا ذهب عَنهُ نَعله وسرباله دلّ على أَن حَاله بلغت مبلغا أذهلته عَمَّا لَا يذهل متيقظ عَن مثله. وَصُورَة الِاسْتِفْهَام للتعظيم ثمَّ مَجِيء مَا يُحَقّق ذَلِك التَّعْظِيم بجملة أخدى بعد ذَلِك من فصيح) كَلَام الْعَرَب وبديعه. قَالَ تَعَالَى: الحاقة مَا الحاقة وَمَا أَدْرَاك مَا الحاقة ثمَّ قَالَ: كذبت ثَمُود. وَيجوز أَن يكون مهما أَصله مَا مَا كررت مَا الاستفهامية للتَّأْكِيد اللَّفْظِيّ فقلبت الْألف الأولى هَاء كَمَا قلبت ألف الشّرطِيَّة فِي قَوْلهم: مهما. وَهِي عِنْد الْأَكْثَرين: مَا مَا. وَلَيْسَ ذَلِك بِقِيَاس وَإِنَّمَا هُوَ حمل لفظ الْعَرَبِيّ على مَا يحْتَملهُ مِمَّا هُوَ من جنس كَلَامهم وَلَيْسَ من الْقيَاس الْمُخْتَلف فِيهِ فِي شَيْء. وَيجوز أَن تكون مَا الأولى قدر الْوَقْف عَلَيْهَا فقلبت ألفها هَاء ثمَّ أجري الْوَصْل مجْرى الْوَقْف. وَالْوَجْه الأول أوجه وأوضح. انْتهى. وَاخْتَارَ ابْن هِشَام التَّوْجِيه الأول فِي الْمُغنِي فِي رد مَا قَالَه الشَّارِح الْمُحَقق. قَالَ: ذكر جمَاعَة مِنْهُم ابْن مَالك أَن مهما تَأتي للاستفهام وَاسْتَدَلُّوا بِهَذَا الْبَيْت وَلَا دَلِيل فِيهِ لاحْتِمَال أَن التَّقْدِير: مَه اسْم فعل

بِمَعْنى: اكفف ثمَّ اسْتَأْنف استفهاماً بِمَا وَحدهَا. هَذَا كَلَامه. - وَكَأَنَّهُ يُرِيد بِهِ تقليل الْأَقْسَام مهما أمكن. وعَلى أَي تَقْدِير كَانَ مهما: هَاهُنَا مُبْتَدأ ولي: هِيَ الْخَبَر وَاللَّيْلَة: ظرف مَعْمُول إِمَّا لمتعلق الْجَار فِي لي وَالتَّقْدِير: مَا حصل لي وَإِمَّا بِمَا تضمنه معنى الْجُمْلَة الْكُبْرَى لِأَن مَعْنَاهَا مَا أصنع وَمَا ألبس. وأودى: هلك وَتلف. والنعلان: مثنى نعل وَهُوَ مَا وقيت بِهِ الرجل من الأَرْض. والسربال بِالْكَسْرِ: الْقَمِيص وَقيل الدرْع وَقيل: كل مَا لَيْسَ على الْبدن. وَالْبَاء فِي قَوْله بنعلي: زَائِدَة فِي الْفَاعِل. قَالَ أَبُو عَليّ فِي كتاب الشّعْر: يجوز أَن تكون الْبَاء زَائِدَة كَأَنَّهُ قَالَ أودى نعلاي فلحقت الْبَاء كَمَا لحقت فِي: كفى بِاللَّه. فَإِن قلت: فَلم لَا تجْعَل الْبَاء زَائِدَة فِي الْمَفْعُول بِهِ وَيكون الْفَاعِل مضمراً كَأَنَّهُ قَالَ: أودى مود بنعلي فتضمره للدلالة عَلَيْهِ كَمَا أضمر فِي قَوْله تَعَالَى: ثمَّ بدا لَهُم فَالْقَوْل أَن هَذَا أَضْعَف لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مود الَّذِي تضمره زِيَادَة على مَا استفدته فِي قَوْله أودى وَلَيْسَ قَوْله سُبْحَانَهُ: ثمَّ بدا لَهُم كَذَلِك لِأَن البدا والبداء قد صَارا بِمَنْزِلَة الْمَذْهَب فِي قَوْلك: ذهب بِهِ مَذْهَب وسلك بِهِ مَسْلَك. فَإِن قلت: فَلم لَا تجْعَل فَاعل أودى ذكرا يعود إِلَى مَا فِي قَوْله: مهما لي اللَّيْلَة فَإِن ذَلِك أَيْضا لَيْسَ بِالْقَوِيّ لِأَن الْمَعْنى يصير: كَأَنَّهُ أودى شَيْء بنعلي. فَإِذا جعلت الْبَاء لاحقة للْفَاعِل كَانَ أشبه وَلَا تزيد مَعَ الْفَاعِل من الْحُرُوف الجارة غير الْبَاء فِي) قَول سِيبَوَيْهٍ فِي الْإِيجَاب كَمَا لم تزد فِيهِ غير الْبَاء فِي الْمُبْتَدَأ. انْتهى كَلَام أبي عَليّ. وَذهب ابْن الْحَاجِب فِي أَمَالِيهِ إِلَى أَن الْبَاء للتعدية. قَالَ: وَالْبَاء

بَاء التَّعْدِيَة يَعْنِي: أذهبهما وَاخْتَارَ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي مَذْهَب أبي عَليّ لكنه جعل زِيَادَة الْبَاء فِي الْفَاعِل مُخْتَصًّا بِالضَّرُورَةِ تبعا لِابْنِ عُصْفُور فِي كتاب الضرائر. ثمَّ نقل كَلَام ابْن الْحَاجِب وَتعقبه بقوله: وَلم يتَعَرَّض لشرح الْفَاعِل وعلام يعود إِذا قدر ضميراً فِي أودى. وَيصِح أَن يكون التَّقْدِير: أودى هُوَ أَي: مود أَي: ذهب ذَاهِب. وَلَا يخفى عَلَيْك أَن هَذَا التَّوْجِيه قد رده أَبُو عَليّ وَبَين ضعفه. وَهَذَا الْبَيْت مطلع قصيدة لعَمْرو بن ملقط الطَّائِي عدتهَا اثْنَا عشر بَيْتا أوردهَا أَبُو زيد وَابْن الْأَعرَابِي فِي نوادريهما. وَمَا بعده على رِوَايَة أبي زيد: السَّرِيع (إِنَّك قد يَكْفِيك بغي الْفَتى ... ودرأه أَن تركض العاليه) (بطعنة يجْرِي لَهَا عاند ... كَالْمَاءِ من غائلة الجابيه) (يَا أَوْس لَو نالتك أرماحنا ... كنت كمن تهوي بِهِ الهاويه) (ألفيتا عَيْنَاك عِنْد الْقَفَا ... أولى فَأولى لَك ذَا واقيه) (ذَاك سِنَان محلب نَصره ... كَالْجمَلِ الأوطف بالروايه) (يَا أَيهَا النَّاصِر أَخْوَاله ... أَأَنْت خير أم بَنو جاريه) (وَالْخَيْل قد تجشم أَرْبَابهَا ال ... شقّ وَقد تعتسف الداويه) (يَأْبَى لي الثعلبتان الَّذِي ... قَالَ ضراط الْأمة الراعيه) ...

(ظلت بواد تجتني صمغة ... واحتبلت لقحتها الآنيه) (ثمَّ غَدَتْ تنبذ أحرادها ... إِن متغناة وَإِن حاديه ) قَوْله: أَن تركض الْعَالِيَة فِي تَأْوِيل مصدر مَرْفُوع فَاعل يَكْفِيك أَي: يقيك وبغي الْفَتى: مَفْعُوله الثَّانِي ودرأه: مَعْطُوف على بغي. وَالْبَغي: التَّعَدِّي والدرء: العوج. يُقَال: أَقمت دَرْء فلَان أَي: اعوجاجه. وَرُوِيَ بدله: وشغبه بِالسُّكُونِ وَهُوَ تهييج الشَّرّ. والعالية بِالْعينِ الْمُهْملَة: اسْم فرس الشَّاعِر وَهُوَ عَمْرو بن ملقط كَذَا قَالَ أَبُو زيد.) وَزعم ابْن الْأَعرَابِي: أَنه أَرَادَ عالية الرمْح وغلطه أَبُو مُحَمَّد الْأَعرَابِي فِيمَا كتب على نوادره. وَقد خَاطب الشَّاعِر نَفسه فِي هَذَا الْبَيْت. وَأَرَادَ بالفتى: أَوْس بن حَارِثَة بن لأم الطَّائِي كَمَا يَأْتِي. وَقَوله: بطعنة ... إِلَخ مُتَعَلق بيكفيك. والعاند بِالْمُهْمَلَةِ وَالنُّون: هُوَ الْعرق الَّذِي لَا يخرج دَمه على جِهَة وَاحِدَة. قَالَه أَبُو زيد. وَقَوله: يَا أَوْس هُوَ أَوْس الْمَذْكُور وَهُوَ جاهلي. وَرَوَاهُ ابْن الْأَعرَابِي:

يَا عَمْرو وغلطه أَبُو مُحَمَّد الْأَعرَابِي. وتهوي: تقع من فَوق إِلَى أَسْفَل. والهاوية: المهواة. وَقَوله: ألفيتا عَيْنَاك ... . إِلَخ ألفيتا بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول أَي: وجدتا. وَهَذَا على لُغَة أكلوني البراغيث. وَأوردهُ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي وَفِي شرح الألفية على أَن الْألف فِيهِ عَلامَة لاثْنَيْنِ. وَكَذَا أوردهُ ابْن الْأَعرَابِي وَقد غلطه أَبُو مُحَمَّد الْأَعرَابِي وَقَالَ: إِنَّمَا هُوَ: أفلتتا عَيْنَاك عِنْد الْقَفَا. وَلم يظْهر لي مَعْنَاهُ مَعَ أَنه وَافق أَبَا زيد فِي الرِّوَايَة. - وَالْعجب من شَارِحه ابْن الملا لقَوْله هُنَا: إِن هَذَا الْبَيْت لم يسم قَائِله مَعَ أَن هَذِه القصيدة بِتَمَامِهَا فِي شَوَاهِد الْعَيْنِيّ فِي بَاب الْفَاعِل وَلم يتَذَكَّر مَا أسلفه فِي شرح قَوْله: مهما لي اللَّيْلَة مهما ليه فِي حرف الْبَاء من الْمُغنِي من قَوْله: هَذَا الْبَيْت مطلع قصيدة لعَمْرو بن ملقط الطَّائِي وسيورده المُصَنّف فِي الْكَلَام على مهما. وَاسْتشْهدَ بَيت من أبياتها أَيْضا فِي الْحَرْف الهاوي. وَيَأْتِي الْكَلَام عَلَيْهِ هُنَاكَ. آه. وَقَالَ أَيْضا عِنْد الْكَلَام على مَتى: تقدم الْكَلَام عَلَيْهِ مُسْتَوفى فِي الْبَاء الْمُوَحدَة. وَقَوله: أولى لَك كلمة وَعِيد وتهديد قد شرحها الشَّارِح الْمُحَقق فِي أَفعَال المقاربة. وَقَوله: ذَا واقية حَال من الْكَاف فِي عَيْنَاك وَصَحَّ مَجِيء الْحَال من الْمُضَاف إِلَيْهِ لَكِن الْمُضَاف جُزْءا مِنْهُ. والواقية: مصدر بِمَعْنى الْوِقَايَة

كالكاذبة بِمَعْنى الْكَذِب. يصفه بالهروب وَيَقُول: أَنْت ذُو وقاية من عَيْنَيْك عِنْد فرارك تحترس بهما ولكثرة تلفتك إِلَى خَلفك حِينَئِذٍ صَارَت عَيْنَاك كَأَنَّهُمَا فِي قفاك. وَقَوله: ذَاك سِنَان ... إِلَخ قَالَ أَبُو زيد: سِنَان: اسْم رجل. والمحلب بِضَم الْمِيم وَسُكُون) الْمُهْملَة وَكسر اللَّام: الْمعِين من الْإِعَانَة. والأوطف: الْكثير شعر الْأُذُنَيْنِ وهدب الْعَينَيْنِ. آه. والراوية: الْبَعِير أَو الْبَغْل أَو الْحمار الَّذِي يستقى عَلَيْهِ. وَنَصره: مُبْتَدأ ومحلب: خَيره. ووانية من الوني وَهُوَ الفتور والإبطاء. وَقَوله: وَالْخَيْل قد تجشم ... إِلَخ الإجشام بِالْجِيم: التَّكْلِيف وفاعله ضمير الْخَيل وأربابها: مَفْعُوله الأول. - والشق بِفَتْح الشين وَكسرهَا: بِمَعْنى الْمَشَقَّة مَفْعُوله الثَّانِي. والاعتساف: الْمَشْي على غير الطَّرِيق المسلوكة وفاعله ضمير الْخَيل. والداوية: الْمَفَازَة وخففت الْيَاء للضَّرُورَة. قَالَ صَاحب الصِّحَاح: الثعلبتان: ثَعْلَبَة بن جدعَان بن ذهل بن رُومَان بن جُنْدُب بن خَارِجَة بن سعد بن فطْرَة بن طَيئ وثعلبة بن رُومَان ابْن جُنْدُب. وَأنْشد هَذَا الْبَيْت. وَالَّذِي: مفعول يَأْبَى وَقَالَ: صلَة الَّذِي والعائد مَحْذُوف أَي: قَالَه. وضراط: فَاعل قَالَ: وَأَرَادَ بِهِ: أَوْسًا الْمَذْكُور سَمَّاهُ بِهِ استهانة بِهِ وتحقيراً لَهُ. وَرُوِيَ: خباج بدل ضراط بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة بعْدهَا مُوَحدَة ثمَّ جِيم وَهُوَ بِمَعْنى الضراط. وَقَوله: ظلت أَي: استمرت. واللقحة بِالْكَسْرِ: النَّاقة ذَات اللَّبن.

والآنية قَالَ أَبُو زيد: هِيَ المبطئة بلبنها. وفسرها بَعضهم على هَامِش النَّوَادِر بالمدركة. وَقَوله: تنبذ أحرادها ... إِلَخ تنبذ: تطرح وفاعله ضمير الْأمة. والأحراد: جمع حرد بِفَتْح الْمُهْمَلَتَيْنِ قَالَ أَبُو زيد: هُوَ الغيظ وَالْغَضَب. وَرَوَاهُ ابْن الْأَعرَابِي: ثمَّ غَدَتْ تنبض أحرادها وَقَالَ: تنبض: تضطرب وأحرادها: أمعاؤها. قَالَ أَبُو مُحَمَّد الْأَعرَابِي: الصَّوَاب ثمَّ غَدَتْ تبنذ أحرادها أَي: تضرط يدلك على هَذَا قَوْله سَابِقًا: ضراط الْأمة الراعية. آه. وروى الْعَيْنِيّ: تحرد أحرادها وَمَا أَدْرِي من أَيْن نقلهَا. - وَقَوله: إِن متغناة ... إِلَخ قَالَ أَبُو الْحسن فِي شَرحه: أَرَادَ: متغنية يقلبون الْيَاء ألفا. وحادية من حداء الْإِبِل وَهُوَ سوقها بِالْغنَاءِ. وَإِن هُنَا للتقسيم بِمَعْنى: إِمَّا الْمَكْسُورَة. قَالَ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي: إِمَّا الْمَكْسُورَة الْمُشَدّدَة مركبة عِنْد سِيبَوَيْهٍ من إِن وَمَا. وَقد تحذف) مَا كَقَوْلِه: المتقارب ( سقته الرواعد من صيف ... وَإِن من خريف فَلَنْ يعدما) أَي: إِمَّا من خريف وَإِمَّا من صيف. وَيدل لما قُلْنَاهُ رِوَايَة الْجرْمِي وَأبي حَاتِم: إِمَّا مغناة وَإِن حاديه وَعَمْرو بن ملقط الطَّائِي شَاعِر جاهلي. وملقط بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون اللَّام وَفتح الْقَاف. آه. وَالله أعلم.

(الشاهد الخامس والثمانون بعد الستمائة)

وَأنْشد بعده (الشَّاهِد الْخَامِس وَالثَّمَانُونَ بعد الستمائة) المتقارب وَمهما وكلت إِلَيْهِ كَفاهُ على أَن مهما اسْم بِدَلِيل رُجُوع الضَّمِير إِلَيْهِ وَهُوَ الْهَاء من كَفاهُ وَالضَّمِير لَا يرجع إِلَّا إِلَى الِاسْم وَأما الضَّمِير فِي إِلَيْهِ فراجع إِلَى الممدوح. كَذَا اسْتدلَّ بِهِ ابْن يعِيش فِي شرح الكافية. وَكَذَا الضَّمِير فِي بِهِ رَاجع إِلَى مهما فِي الْآيَة. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ وَغَيره: عَاد عَلَيْهَا ضمير بِهِ وَضمير بهَا حملا على اللَّفْظ وعَلى الْمَعْنى. قَالَ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي: وَالْأولَى أَن يعود ضمير بهَا الْآيَة. وَفِيه أَن عود الضَّمِير إِلَى الْمُبين أولى من عوده إِلَى الْبَيَان. وَزعم السُّهيْلي أَن مهما تَأتي حرفا بِدَلِيل قَول زُهَيْر: الطَّوِيل. (وَمهما تكن عِنْد امْرِئ من خَلِيقَة ... وَإِن خالها تخفى على النَّاس تعلم) قَالَ: هِيَ هُنَا: حرف بِمَنْزِلَة إِن بِدَلِيل أَنَّهَا لَا مَحل لَهَا. وَتَبعهُ ابْن يسعون وَاسْتدلَّ بقوله: الْبَسِيط. ( قد أوبيت كل مَاء فَهِيَ ضاوية ... مهما تصب أفقاً من بارق تشم)

. قَالَ: إِذْ لَا تكون مُبْتَدأ لعدم رابط من الْخَيْر وَهُوَ فعل الشَّرْط وَلَا: مَفْعُولا لِاسْتِيفَاء فعل الشَّرْط مَفْعُوله. وَلَا سَبِيل إِلَى غَيرهمَا فَتعين أَنَّهَا لَا مَوضِع لَهَا. قَالَ ابْن هِشَام: وَالْجَوَاب أَنَّهَا فِي الأول إِمَّا خبر تكن وخليقة: اسْمهَا وَمن زَائِدَة لِأَن الشَّرْط غير مُوجب عِنْد أبي عَليّ وَإِمَّا مُبْتَدأ وَاسم تكن ضمير رَاجع إِلَيْهَا والظرف خبر وَأَنت كَقَوْلِه: الطَّوِيل) لما نسجتها من جنوب وشمأل وَفِي الثَّانِي مفعول تصب وأفقاً: ظرف وَمن بارق تَفْسِير لمهما أَو مُتَعَلق بتصب فمعناها التَّبْعِيض وَالْمعْنَى: أَي شَيْء تصب فِي أفق من البوارق تشم. وَقَول الشَّارِح الْمُحَقق: إِن مهما تَأتي ظرف زمَان إِلَخ هُوَ فِي هَذَا تَابع لِابْنِ مَالك زعم أَن النَّحْوِيين أهملوا هَذَا الْمَعْنى. وَأنْشد لحاتم: الطَّوِيل. (وَإنَّك مهما تعط بَطْنك سؤله ... وفرجك نالا مُنْتَهى الذَّم أجمعا ) وأبياتاً أخر. قَالَ ابْن هِشَام: وَلَا دَلِيل فِي ذَلِك لجَوَاز كَونهَا للمصدر بِمَعْنى أَي: إِعْطَاء كثيرا أَو قَلِيلا. وَابْن مَالك مَسْبُوق بِهَذَا القَوْل. وشدد الزَّمَخْشَرِيّ الْإِنْكَار على من قَالَ بهَا فَقَالَ: هَذِه الْكَلِمَة فِي عداد الْكَلِمَات الَّتِي يحرفها من لَا يَد لَهُ فِي

علم الْعَرَبيَّة فَيَضَعهَا فِي غير موضعهَا ويظنها بِمَعْنى: مَتى. وَيَقُول: مهما جئتني أَعطيتك. وَهَذَا من وَضعه وَلَيْسَ من كَلَام وَاضع الْعَرَبيَّة ثمَّ يذهب قَالَ ابْن هِشَام: وَالْقَوْل بذلك فِي الْآيَة مُمْتَنع لتفسيرها بِمن آيَة وَإِن صَحَّ ثُبُوته فِي يغرها كَمَا ذهب بَعضهم فِي: مهما تصب أفقاً الْبَيْت السَّابِق قَالَ: مهما فِيهِ ظرف زمَان وَالْمعْنَى: أَي وَقت تصب بارقاً من أفق فَقلب الْكَلَام أَو فِي أفق بارقاً فَزَاد من وَاسْتعْمل أفقاً ظرفا. والمصراع الشَّاهِد وَقع فِي شعر شاعرين أَحدهمَا المتنخل الْهُذلِيّ. وَهُوَ عجز وصدره: إِذا سدته سدت مطواعة وَالْآخر: ذُو الإصبع العدواني وصدره: فَإِن سسته سست مطواعة وَتقدم شعرهما مشروحاً فِي الشَّاهِد السَّادِس وَالسبْعين بعد الْمِائَتَيْنِ. وَقَوله: إِذا سدته هُوَ من المساودة الَّتِي هِيَ المسارة والسواد كالسرار بكسرهما لفظا وَمعنى. قَالَ: إِذا ساررته طاوعك وساعدك. وَقَالَ قوم: هُوَ من السِّيَادَة فَكَأَنَّهُ قَالَ: إِذا كَانَت فَوْقه سيداً لَهُ أطاعك وَلم يحسدك وَإِن) وكلت إِلَيْهِ وفوضته شَيْئا كَفاك. والمطواع: الْكثير الطوع والانقياد وَالتَّاء لتأكيد الْمُبَالغَة. - وَقَوله فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: إِذْ سسته هُوَ من سست الراعية سياسة إِذْ دبرتهم وَقمت بأمرهم.

(الشاهد السادس والثمانون بعد الستمائة)

وَأنْشد بعده (الشَّاهِد السَّادِس وَالثَّمَانُونَ بعد الستمائة) وَهُوَ من شَوَاهِد س: الْكَامِل. (إذما دخلت على الرَّسُول فَقل لَهُ ... حَقًا عَلَيْك إِذا اطْمَأَن الْمجْلس) على أَن سِيبَوَيْهٍ اسْتشْهد بِهِ ل إذما. وَهَذَا نَص سِيبَوَيْهٍ فِي بَاب الْجَزَاء: فمما يجازى بِهِ من الْأَسْمَاء غير الظروف: من وَمَا وأيهم. وَمَا يجازى بِهِ من الظروف: أَي حِين وَمَتى وَأَيْنَ وأنى وحيثما. وَمن غَيرهمَا: إِن وإذما. وَلَا يكون الْجَزَاء فِي حَيْثُ وَلَا فِي إِذْ حَتَّى يضم إِلَى كل وَاحِدَة مِنْهُمَا مَا فَيصير إِذْ مَعَ مَا بِمَنْزِلَة إِنَّمَا وكأنما وَلَيْسَت مَا فيهمَا بلغو وَلَكِن كل وَاحِدَة مِنْهُمَا مَعَ مَا بِمَنْزِلَة حرف وَاحِد. فمما كَانَ من الْجَزَاء ب إذما قَول الْعَبَّاس بن مرداس: إذما أتيت على الرَّسُول فَقل لَهُ ... ... ... ... . . الْبَيْت وَقَالَ الآخر وَهُوَ عبد الله بن همام السَّلُولي: الطَّوِيل إذما تريني الْيَوْم مزجى ظعينتي ... ... ... ... الْبَيْت الْآتِي

قَالَ ابْن يعِيش: إِن قيل: إِذْ ظرف زمَان مَاض وَالشّرط لَا يكون إِلَّا بالمستقبل فيكف يَصح المجازاة بهَا فَالْجَوَاب من وَجْهَيْن. أَحدهمَا: أَن إِذْ هَذِه الَّتِي تسْتَعْمل فِي الْجَزَاء مَعَ مَا لَيست الظَّرْفِيَّة وَإِنَّمَا هِيَ حرف غَيرهَا ضمت إِلَيْهَا مَا فركبا دلَالَة على هَذَا الْمَعْنى كإما. وَالثَّانِي: أَنَّهَا الظَّرْفِيَّة إِلَّا أَنَّهَا بالتركيب غيرت ونقلت وغيرت عَن مَعْنَاهَا بِلُزُوم مَا إِيَّاهَا إِلَى الْمُسْتَقْبل وَخرجت بذلك إِلَى حيّز الْحُرُوف. وَلذَلِك قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَلَا يكون الْجَزَاء فِي حَيْثُ وَلَا فِي إِذْ حَتَّى يضم إِلَى كل وَاحِدَة مِنْهُمَا مَا إِلَخ. اه. وَرَوَاهُ أهل السّير مِنْهُم ابْن هِشَام: إِمَّا أتيت على النَّبِي فَقل لَهُ) وَعَلِيهِ لَا شَاهد فِيهِ وَأَصله إِن مَا وَهِي إِن الشّرطِيَّة وَمَا الزَّائِدَة. وَالْبَيْت من قصيدة للْعَبَّاس بن مرداس الصَّحَابِيّ قَالَهَا فِي غَزْوَة حنين يُخَاطب بهَا النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وَيذكر بلاءه وإقدامه مَعَ قومه فِي تِلْكَ الْغَزْوَة وَغَيرهمَا من الْغَزَوَات وعدتها سِتَّة عشر بَيْتا وأولها: (إِمَّا أتيت على النَّبِي فَقل لَهُ ... حَقًا عَلَيْك إِذا اطْمَأَن الْمجْلس) (يَا خير من ركب الْمطِي وَمن مَشى ... فَوق التُّرَاب إِذا تعد الْأَنْفس) (إِنَّا وَفينَا بِالَّذِي عاهدتنا ... وَالْخَيْل تقدع بالكماة وتضرس)

قَوْله: يَا أَيهَا الرجل ... إِلَخ تهوي بِكَسْر الْوَاو: تسرع. والوجناء: النَّاقة الغليظة الوجنات قَالَ السُّهيْلي فِي الرَّوْض الْأنف: وجناء: غَلِيظَة الوجنات بارزتها وَذَلِكَ يدل على غؤور عينهَا وهم يصفونَ الْإِبِل بغؤور الْعَينَيْنِ عِنْد طول الْأَسْفَار. وَيُقَال من الوجنة فِي الْآدَمِيّين: رجل موجن وَامْرَأَة موجنة وَلَا يُقَال: وجناء. قَالَه يَعْقُوب. ومجمرة بِالْجِيم: اسْم مفعول من أجمر الْبَعِير إِذا أسْرع فِي سيره. والمناسم: جمع منسم كمجلس وَهُوَ مقدم طرف خف الْبَعِير. قَالَ السُّهيْلي: مجمرة المناسم أَي: نكبت مناسمها الْجمار وَهِي الْحِجَارَة. وَقد يُرِيد أَيْضا أَن مناسمها مجتمعة منضمة فَذَلِك أقوى لَهَا. وَقد حُكيَ: أجمرت الْمَرْأَة شعرهَا إِذا ضفرته. وأجمر الْأَمِير الْجَيْش أَي: حَبسه عَن القفول. والعرمس بِكَسْر الْعين وَسُكُون الرَّاء الْمُهْمَلَتَيْنِ وَكسر الْمِيم قَالَ السُّهيْلي: هِيَ الصَّخْرَة الصلبة وَيُشبه بهَا النَّاقة الْجلْدَة. وَقَوله: إذما دخلت ... إِلَخ جملَة دخلت وَجُمْلَة: أتيت فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى فِي مَحل جزم شَرط وَأَرَادَ بالرسول وَالنَّبِيّ نَبينَا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ. وَقَوله: حَقًا عَلَيْك قَالَ اللَّخْمِيّ: قيل: إِنَّه مَنْصُوب بقل وَالصَّوَاب أَن يكون مَنْصُوبًا على الْمصدر الْمُؤَكّد بِهِ أَو نعتاً لمصدر مَحْذُوف لِأَن الْمَقُول مَا بعد الْبَيْت وَهُوَ يَا خير من ركب الْمطِي إِلَخ. وَعَلَيْك مُتَعَلق بحقاً. وَإِذا ظرف لقل. وطمأن: سكن. والمجلس

قيل يُرِيد أهل الْمجْلس فَحذف الْمُضَاف. وَحكى أَبُو عَليّ الْبَغْدَادِيّ أَن الْمجْلس النَّاس. وَأنْشد: الْكَامِل. (ذهب الْخِيَار من المعاشر كلهم ... واستب بعْدك يَا كُلَيْب الْمجْلس)) وَيجوز أَن يكون الْمَعْنى: إِذا اطْمَأَن جلوسك. وَقَوله: يَا خير من ... إِلَخ هَذَا مقول القَوْل. وَقد تعسف بعض أفاضل الْعَجم فِي شرح أَبْيَات الْمفصل بقوله: يَا خير من ركب بَيَان لقَوْله حَقًا أَو بدل مِنْهُ. وَيجوز أَن يكون وَاقعا موقع الْقسم تَأْكِيدًا لِلْأَمْرِ وَالْمعْنَى: قل لَهُ قولا حَقًا صدقا وَاجِبا عَلَيْك أَو قل لَهُ وَالله يَا خير الراكبين. هَذَا كَلَامه. والمطي: جمع مَطِيَّة: الْبَعِير لِأَنَّهُ يركب مطاه أَي: ظَهره. وَقَوله: وَمن مَشى هُوَ مَعْطُوف على من ركب أَي: وَيَا خير من مَشى. وَقَوله: إِذا تعد الْأَنْفس إِذا مُتَعَلقَة بِخَير أَي: أَنْت خير النَّاس وَرَوَاهُ ابْن المستوفي فِي شرح أَبْيَات الْمفصل: إِذا يعد الْأَنْفس بِالْمُثَنَّاةِ من تَحت. وَقَالَ: الْأَنْفس بِفَتْح الْفَاء على أَنه أفعل تَفْضِيل من النفاسة. وَقَوله: إِنَّا وَفينَا ... إِلَخ هَذَا جَوَاب النداء. وَقَوله: والحيل تقدع ... إِلَخ بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول أَي: تكف. وَقيل: تقدع بِمَعْنى تضرب بالمقدعة وَهِي الْعَصَا. والكماة: جمع كمي وَهُوَ الشجاع. وتضرس بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول أَيْضا أَي: تخرج. وَقَالَ السُّهيْلي: أَي: تضرب أضراسها باللجم تَقول: ضرسته أَي: ضربت أَضْرَاسه كَمَا تَقول: رأسته أصبت رَأسه.

(الشاهد السابع والثمانون بعد الستمائة)

وَالْعَبَّاس بن مرداس السّلمِيّ من بني سليم بِضَم السِّين: صَحَابِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه. وَقد تقدّمت تَرْجَمته فِي الشَّاهِد السَّابِع عشر من أَوَائِل الْكتاب. وَأنْشد بعده (الشَّاهِد السَّابِع وَالثَّمَانُونَ بعد الستمائة) وَهُوَ من شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ: الطَّوِيل (إذما تريني الْيَوْم أزجي ظعينتي ... أصعد سيراً فِي الْبِلَاد وأفرع) ف تريني مجزوم ب إذما بِحَذْف النُّون وَالْأَصْل ترينني فحذفت الأولى للجزم وَالثَّانيَِة نون الْوِقَايَة وَالْيَاء ضمير الْمُتَكَلّم وَجَزَاء الشَّرْط هُوَ الثَّانِي. وَقد أنشدهما سِيبَوَيْهٍ مَعًا فَكَانَ يَنْبَغِي للشَّارِح الْمُحَقق إنشادهما كَذَلِك وَهُوَ: الطَّوِيل. (فَإِنِّي من قوم سواكم وَإِنَّمَا ... رجالي فهم بالحجاز وَأَشْجَع) فجملة إِنِّي من قوم سواكم فِي مَحل جزم جَزَاء الشَّرْط وَالْفَاء للربط. والبيتان لعبد الله بن همام السَّلُولي. - والإزجاء: السُّوق بالزاء الْمُعْجَمَة وَالْجِيم. يُقَال: أزجيت الْإِبِل إِذا سقتها. وظعينتي: مفعول أزجي. والظعينة: الْمَرْأَة مَا دَامَت فِي الهودج. وروى بدله: مطيتي. والمطية: الْبَعِير. وَزعم بعض فضلاء الْعَجم فِي شرح أَبْيَات الْمفصل أَن ظعينتي منادى ومفعول أزجي مَحْذُوف تَقْدِيره: ركائبي.

وروى سِيبَوَيْهٍ: مزجى ظعينتي بِصِيغَة اسْم الْمَفْعُول فَيكون ظعينتي نَائِب الْفَاعِل وَذكر مزجى وَالْأَصْل مزجاة بِالْهَاءِ قَالَه ابْن المستوفي. وَجُمْلَة: أزجي حَال من الْيَاء من تريني لَا مفعول ثَان لترى لِأَنَّهَا هُنَا بصرية. وَكَذَلِكَ مزجى حَال. وَجُمْلَة: أصعد وأفرع تَفْسِير لأزجي وَبَيَان لَهُ. وَقَالَ ابْن المستوفي: أصعد مَوْضِعه النصب على الْحَال وَلَو جعل بَدَلا من مزجى على رِوَايَة من روى مطيتي جَازَ لِأَن معنى يزجي مطيته معنى يصعد فِي الْبِلَاد ويفرع. قَالَ صَاحب الصِّحَاح: وأصعد فِي الْوَادي وَصعد فِي الْوَادي تصعيداً أَي: انحدر فِيهِ. وَأنْشد هَذَا الْبَيْت فَيكون أفرع بِفَتْح الْهمزَة مُقَابلا لَهُ. قَالَ صَاحب الصِّحَاح: وفرعت الْجَبَل: صعدته وأفرعت فِي الْجَبَل: انحدرت. قَالَ رجل من الْعَرَب: لقِيت فلَانا فارعاً مفرعاً يَقُول: أَحَدنَا مصعد وَالْآخر منحدر. وسيراً: مصدر فِي مَوضِع الْحَال.) وَأنْشد الزَّمَخْشَرِيّ فِي الْمفصل المصراع الأول كَذَا: فَإنَّا تريني الْيَوْم على أَن مَا تزاد بعد إِن للتَّأْكِيد. وَقَوله: فَإِنِّي من قوم سواكم. فَإِن قيل: كَيفَ قَالَ سواكم وَهُوَ يُخَاطب امْرَأَة فَالْجَوَاب أَنه للتعظيم وَرُبمَا خوطبت الْمَرْأَة الْوَاحِدَة بخطاب جمَاعَة الذُّكُور مُبَالغَة فِي سترهَا فيعدل عَن الْإِفْرَاد والتأنيث إِلَى الْجمع والتذكير فيبعد عَن الضَّمِير لَهَا بمرتبتين. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى حِكَايَة عَن مُوسَى: فَقَالَ لأَهله وَقَالَ عمر بن أبي ربيعَة مُخَاطبا لامْرَأَة:

الْبَسِيط (كم قد ذكرتك ل أجزى بذكركم ... يَا أشبه النَّاس كل النَّاس بالقمر) وَفهم بِالْمِيم لَا بالراء وَأَشْجَع: قبيلتان. قَالَ الأعلم: انْتَمَى الشَّاعِر فِي النّسَب إِلَى فهم وَأَشْجَع وَهُوَ من سلول بن عَامر لأَنهم كلهم من قيس عيلان بن مُضر. وَقَائِل هذَيْن الْبَيْتَيْنِ كَمَا قَالَ سِيبَوَيْهٍ وَغَيره: عبد الله بن همام السَّلُولي. وَهَذَا نسبه من الجمهرة: عبد الله بن همام بتَشْديد الْمِيم ابْن نُبَيْشَة بِضَم النُّون وَابْن ريَاح بِكَسْر الرَّاء بعْدهَا مثناة تحتية ابْن مَالك بن الهجيم بِالتَّصْغِيرِ ابْن حوزة بِالْحَاء الْمُهْملَة ابْن عُمَيْر بن مرّة بن صعصعة بن مُعَاوِيَة بن بكر بن هوَازن. وَكَانَ يُقَال لعبد الله من حسن شعره: الْعَطَّار. وسلول هِيَ بنت ذهل بن شَيبَان بن ثَعْلَبَة كَانَت امْرَأَة مرّة بن صعصة وَأَوْلَادهَا مِنْهُ ينسبون إِلَيْهَا. وَعبد الله بن همام شَاعِر إسلامي من التَّابِعين. قَالَ ابْن قُتَيْبَة فِي كتاب الشُّعَرَاء: هُوَ من بني مرّة بن صعصعة من قيس عيلان. وَبَنُو مرّة يعْرفُونَ ببني سلول وَهِي أمّهم وَهِي بنت ذهل بن شَيبَان من ثَعْلَبَة وهم رَهْط أبي مَرْيَم السَّلُولي كَانَ لَهُ صُحْبَة. - وَعبد الله هُوَ الْقَائِل فِي عريفهم:

المتقارب (وَلما خشيت أظافيره ... نجوت وأرهنته مَالِكًا) (عريفاً مُقيما بدار الهوا ... ن أَهْون عَليّ بِهِ هَالكا)) وَهُوَ الْقَائِل فِي الفلافس: الطَّوِيل (أقلي عَليّ اللوم يَا ابْنة مَالك ... وذمي زَمَانا سَاد فِيهِ الفلافس) وساع من السُّلْطَان لَيْسَ بناصح ومحترس من مثله وَهُوَ حارس وَكَانَ الفلافس هَذَا على شرطة الْكُوفَة من قبل الْحَارِث بن عبد الله بن أبي ربيعَة المَخْزُومِي أخي عمر بن أبي ربيعَة. وَخرج الفلافس مَعَ ابْن الْأَشْعَث فَقتله الْحجَّاج. وَعبد الله هُوَ الْقَائِل ليزِيد بن مُعَاوِيَة يعزيه عَن أَبِيه: الْبَسِيط (اصبر يزِيد فقد فَارَقت ذَا مقة ... واشكر حباء الَّذِي بِالْملكِ رداكا) ...

(لَا رزء أعظم بالأقوام قد علمُوا ... مِمَّا رزئت وَلَا عُقبى كعقباكا) (أَصبَحت راعي أهل الدَّين كلهم ... فَأَنت ترعاهم وَالله يرعاكا) وَأنْشد بعده: الطَّوِيل كَبِير أنَاس فِي بجاد مزمل على أَن قَوْله: مزمل جر لمجاورته الْمَجْرُور وَهُوَ أنَاس أَو بجاد ولولاه لرفع لِأَنَّهُ صفة لقَوْله: كَبِير. وَقد تقدم شَرحه مفصل مُسْتَوفى فِي الشَّاهِد الْخمسين بعد الثلثمائة. وَهُوَ عجز وصدره: كَأَن أَبَانَا فِي عرانين وبله وَالْبَيْت من معلقَة امْرِئ الْقَيْس. وَأنْشد بعده: الْخَفِيف (فَمَتَى واغل يزرهم يحيو ... هـ وَتعطف عَلَيْهِ كأس الساقي) على أَنه فصل اضطراراً بَين مَتى ومجزومه فعل الشَّرْط بواغل ف واغل: فَاعل فعل مَحْذُوف يفسره الْمَذْكُور أَي: مَتى يزرهم واغل يزرهم. والواغل: الَّذِي يدْخل على من يشرب الْخمر وَلم يدع إِلَيْهَا وَهُوَ فِي الشَّرَاب بِمَنْزِلَة الوارش فِي الطَّعَام وَهُوَ الطفيلي.

(الشاهد الثامن والثمانون بعد الستمائة)

- وَقد تقدم الْكَلَام على هَذَا الْبَيْت فِي الشَّاهِد الْحَادِي وَالسِّتِّينَ بعد الْمِائَة. أَيْنَمَا الرّيح تميلها تمل لما تقدم قبله.) فَتكون الرّيح فاعلة لفعل مَحْذُوف يفسره الْمَذْكُور أَي: أَيْنَمَا تميلها الرّيح تميلها. وَقد تقدم الْكَلَام على هَذَا الْبَيْت أَيْضا فِي الشَّاهِد الثَّانِي وَالسِّتِّينَ بعد الْمِائَة. وَهُوَ عجز وصدره: صعدة نابتة فِي حائر وَأنْشد بعده (الشَّاهِد الثَّامِن وَالثَّمَانُونَ بعد الستمائة) وَهُوَ من شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ: الطَّوِيل وَمن نَحن نؤمنه يبت وَهُوَ آمن لما تقدم قبله. ف نَحن: فَاعل لفعل مَحْذُوف يفسره الْمَذْكُور فَلَمَّا حذف الْفِعْل برز الضَّمِير وانفصل وَالتَّقْدِير: فَمن نؤمنه نؤمنه. قَالَ سِيبَوَيْهٍ فِي بَاب الْحُرُوف الَّتِي لَا تقدم فِيهَا الْأَسْمَاء الْفِعْل: اعْلَم أَن حُرُوف الْجَزَاء يقبح أَن تتقدم الْأَسْمَاء فِيهَا قبل الْأَفْعَال وَذَلِكَ أَنهم شبهوها بِمَا يجْزم مِمَّا ذكرنَا إِلَّا حُرُوف الْجَزَاء قد جَازَ ذَلِك فِيهَا

فِي الشّعْر لِأَن حُرُوف الْجَزَاء يدخلهَا فعل وَيفْعل وَيكون فِيهَا الِاسْتِفْهَام فيرفع فِيهَا الْأَسْمَاء وَتَكون بِمَنْزِلَة الَّذِي. فَلَمَّا كَانَت تصرف هَذَا التَّصَرُّف وتفارق الْجَزْم ضارعت مَا يجر من الْأَسْمَاء الَّتِي إِن شِئْت استعملتها غير مُضَافَة نَحْو: ضَارب عبد الله فَلذَلِك لم تكن مثل لم وَلَا فِي النَّهْي وَاللَّام فِي الْأَمر لِأَنَّهُنَّ لَا يفارقن الْجَزْم. وَيجوز الْفرق فِي الْكَلَام فِي إِن إِذا لم تجزم فِي اللَّفْظ نَحْو قَوْله: عاود هراة وَإِن معمورها خربا فَإِن جزمت فَفِي الشّعْر لِأَنَّهُ يشبه بلم. وَإِنَّمَا جَازَ فِي الْفَصْل وَلم يشبه لِأَن لم لَا يَقع بعْدهَا فعل. وَإِنَّمَا جَازَ هَذَا فِي إِن لِأَنَّهَا أصل الْجَزَاء وَلَا تُفَارِقهُ فَجَاز هَذَا كَمَا جَازَ إِضْمَار الْفِعْل فِيهَا حِين قَالُوا: إِن خيرا فَخير وَإِن شرا فشر. وَأما سَائِر حُرُوف الْجَزَاء فَهَذَا فِيهِ ضعف فِي الْكَلَام لِأَنَّهَا لَيست كَإِن فَلَو جَاءَ فِي إِن وَقد جزمت كَانَ أقوى إِذْ جَازَ فِيهِ فعل. وَمِمَّا جَاءَ فِي الشّعْر مَجْزُومًا فِي غير إِن قَول عدي بن زيد:) وَقَالَ: أَيْنَمَا الرّيح تميلها تمل وَلَو كَانَت فعل كَانَ أقوى إِذْ كَانَ ذَلِك جَائِزا فِي إِن فِي الْكَلَام. وَاعْلَم أَن قَوْلهم فِي الشّعْر: إِن زيد يأتك يكن كَذَا إِنَّمَا ارْتَفع على فعل

هَذَا تَفْسِيره كَمَا كَانَ ذَلِك فِي قَوْلك: إِن زيدا رَأَيْته يكن ذَلِك لِأَنَّهَا لَا يبتدأ بعْدهَا الْأَسْمَاء ثمَّ يبْنى عَلَيْهَا. فَإِن قلت: إِن تأتني زيد يقل ذَلِك جَازَ على قَول من قَالَ: زيدا ضَربته. وَهَذَا مَوضِع ابْتِدَاء. أَلا ترى أَنَّك لَو جِئْت بِالْفَاءِ فَقلت: إِن تأتني فَأَنا خير لَك كَانَ حسنا. وَإِن لم تَجْعَلهُ على ذَلِك رفع وَجَاز فِي الشّعْر كَقَوْلِه: الله يشكرها وَمثل الأول قَول هِشَام المري: الطَّوِيل (فَمن نَحن نؤمنه يبت وَهُوَ آمن ... وَمن لَا نجره يمس منا مفزعا) انْتهى كَلَام سِيبَوَيْهٍ ولنفاسته سقناه بِتَمَامِهِ. وَقد أورد ابْن هِشَام هَذَا الْبَيْت فِي الْمُغنِي قَالَ: قَوْلنَا الْجُمْلَة المفسرة لَا مَحل لَهَا خَالف فِيهِ الشلوبين فَزعم أَنَّهَا بِحَسب مَا تفسره فَهِيَ فِي نَحْو: زيدا ضَربته لَا مَحل لَهَا وَفِي نَحْو: إِنَّا كل شَيْء خلقناه بِقدر وَنَحْو زيد الْخبز يأكه ينصب الْخبز فِي مَحل رفع. وَلِهَذَا يظْهر الرّفْع إِذا قلت آكله. قَالَ: فَمن نَحن نؤمنه يبت وَهُوَ آمن فَظهر الْجَزْم. وَكَانَت الْجُمْلَة المفسرة عِنْده عطف بَيَان أَو بَدَلا.

(الشاهد التاسع والثمانون بعد الستمائة)

وَلم يثبت الْجُمْهُور وُقُوع الْبَيَان وَالْبدل جملَة. وَقد بيّنت أَن جملَة الِاشْتِغَال لَيست من الْجمل الَّتِي تسمى فِي الِاصْطِلَاح جملَة مفسرة وَإِن حصل فِيهَا تَفْسِير. وَلم يثبت جَوَاز حذف الْمَعْطُوف عَلَيْهِ عطف الْبَيَان وَاخْتلف فِي الْمُبدل مِنْهُ. وَفِي البغداديات لأبي عَليّ أَن الْجَزْم فِي ذَلِك بأداة شَرط مقدرَة فَإِنَّهُ قَالَ مَا ملخصه: أَن الْفِعْل الْمَحْذُوف وَالْفِعْل الْمَذْكُور فِي نَحْو قَوْله: الْكَامِل ) لَا تجزعي إِن منفساً أهلكته مجزومان فِي التَّقْدِير وَأَن انجزام الثَّانِي لَيْسَ على الْبَدَلِيَّة إِذْ لم يثبت حذف الْمُبدل مِنْهُ بل على تَكْرِير إِن أَي: إِن أهلكت منفساً إِن أهلكته وساغ إِضْمَار إِن لاتساعهم فِيهَا. اه. وَالْبَيْت لهشام المري كَمَا قَالَه سِيبَوَيْهٍ وَغَيره وَهُوَ مَنْسُوب إِلَى مرّة بن كَعْب ابْن لؤَي الْقرشِي وَهُوَ شَاعِر جاهلي. وَأنْشد بعده (الشَّاهِد التَّاسِع وَالثَّمَانُونَ بعد الستمائة) الْكَامِل (يثني عَلَيْك وَأَنت أهل ثنائه ... ولديك إِن هُوَ يستزدك مزِيد) على أَن مَجِيء الشَّرْط المفصول باسم من أَدَاة الشَّرْط مضارعاً شَاذ وَحقه أَن يكون مَاضِيا سَوَاء كَانَ لفظا وَمعنى نَحْو: إِن زيد قَامَ قُمْت أَو معنى فَقَط نَحْو قَوْله:

الطَّوِيل (وَإِن هُوَ لم يحمل على النَّفس ضيمها ... فَلَيْسَ إِلَى حسن الثَّنَاء سَبِيل ) وَفِيه نظر من وَجْهَيْن: الأول: أَنه عمم فِي أَدَاة الشَّرْط وسيبويه خصّه بإن كَمَا تقدم وَتَبعهُ من بعده. الثَّانِي: أَن مَجِيء الْمُضَارع ضَرُورَة لَا شَاذ سَوَاء كَانَت الأداة إِن أَو غَيرهَا كَمَا تقدم عَن سِيبَوَيْهٍ. وَرُوِيَ: ولديك إِمَّا يستزدك مزِيد فَلَا شَاهد فِيهِ. فإمَّا هِيَ إِن الشّرطِيَّة وَمَا الزَّائِدَة. وَالْبَيْت من أَبْيَات سِتَّة لعبد الله بن عنمة الضَّبِّيّ أوردهَا أَبُو تَمام فِي بَاب المراثي من الحماسة وَهِي: (أأبي لَا تبعد وَلَيْسَ بِخَالِد ... حَيّ وَمن تصب الْمنون بعيد) (أأبي إِن تصبح رهين قرارة ... زلج الجوانب قعرها ملحود) (فلرب مكروب كررت وَرَاءه ... فمنعته وَبَنُو أَبِيه شُهُود) (أنفًا ومحمية وَأَنَّك ذائد ... إِذْ لَا يكَاد أَخُو الْحَافِظ يذود)) (فلرب عان قد فَككت وَسَائِل ... أَعْطيته فغدا وَأَنت حميد) (يثني عَلَيْك وَأَنت أهل ثنائه ... ولديك إِمَّا يستزدك مزِيد) وَقَوله: أأبي ... إِلَخ الْهمزَة للنداء وَأبي: منادى. وَلَا تبعد: لَا تهْلك

وَأخْبر أَن ذَلِك لَيْسَ بكائن من أجل أَنه لَا يبْقى على الدَّهْر ذُو حَيَاة. والمنون: الْمنية. وبعيد: خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي: فَهُوَ بعيد. - وَقَوله: تصبح رهين ... إِلَخ أَي: إِن خليت مَكَانك وصرت رهين قبر رتق الجوانب لَا ينعش صريعه وَلَا يفك رهينه فلرب مكروب أَي: رب مضيق عَلَيْهِ تعطفت عَلَيْهِ وأنقذته. وَقَوله: أنفًا ومحمية: مفعول لأَجله أَي: فعلت ذَلِك حمية وأنفة وَلِأَن من سجيتك الذياد أَي: الْمَنْع حِين لَا ذائد لشدَّة الْأَمر. والعاني: الْأَسير من عَنَّا يعنو إِذا خضع أَي: وَرب أَسِير أطلقته من إساره وَرب سَائل أَعْطيته فأغنيته فَانْصَرف عَنْك وَأَنت مَحْمُود مشكور وَهُوَ يثني عَلَيْك ويشكر نِعْمَتك. وَلَو عَاد إِلَيْك لوجد معاداً إِذْ لَا تضجر وَلَا تسأم من الإفضال والجود. وَعبد الله بن عنمة شَاعِر إسلامي مخضرم تقدّمت تَرْجَمته فِي الشَّاهِد الْخمسين بعد الستمائة. وَأنْشد بعده: أَيْنَمَا الرّيح تميلها تمل لما تقدم قبله. وَتقدم الْكَلَام عَلَيْهِ قَرِيبا وبعيداً. - وَأنْشد بعده: إِن منفس أهلكته

(الشاهد التسعون بعد الستمائة)

هُوَ قِطْعَة من بَيت وَهُوَ: وَتقدم الْكَلَام عَلَيْهِ مفصلا فِي الشَّاهِد السَّادِس وَالْأَرْبَعِينَ من أَوَائِل الْكتاب. وَأنْشد بعده (الشَّاهِد التِّسْعُونَ بعد الستمائة) الطَّوِيل (وللخيل أَيَّام فَمن يصطبر لَهَا ... وَيعرف لَهَا أَيَّامهَا الْخَيْر تعقب) على أَن الْخَيْر مفعول مقدم لتعقب وَتعقب مجزوم جَوَاب الشَّرْط وَإِنَّمَا كسرت الْبَاء لِأَن القصيدة مجرورة. وَإِنَّمَا جَازَ الْكسر فِي المجزوم دون الْمَرْفُوع والمنصوب لوَجْهَيْنِ: أَحدهمَا: أَن الْجَزْم فِي الْأَفْعَال نَظِير الْجَرّ فِي الْأَسْمَاء فَلَمَّا وَجب تحريكه للقافية حركوه بحركة النظير. وَالثَّانِي: أَن الرّفْع وَالنّصب يدخلَانِ هَذَا الْفِعْل وَلَا يدْخل الْجَرّ فَلَو حركوه بِالضَّمِّ أَو الْفَتْح لالتبس حَرَكَة الْإِعْرَاب بحركة الْبناء بِخِلَاف الْكسر فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ لبس. قَالَ يَعْقُوب بن السّكيت فِي شرح ديوَان طفيل: أَرَادَ تعقبه الْخَيل الْخَيْر فَقدم وَأخر. اه. - وَأجَاب الدماميني عَن الْكُوفِيّين بِأَن الْخَيْر صفة أَيَّامهَا أَي: أَيَّامهَا الطّيبَة فَلَا فصل لِأَنَّهُ لَيْسَ بمفعول للجزاء فَجزم تعقب لعدم الْفَصْل.

وَفِيه نظر من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَن الْأَيَّام هُنَا عبارَة عَن الشدائد الْمُتَعَلّقَة برياضة الْخَيل ومقاساة أهوالها فَلَا طيب بالشدائد على النَّفس والقرينة اسْتِعْمَال الصَّبْر. ثَانِيهمَا: أَن تعقب فعل مُتَعَدٍّ فَلَا بُد لَهُ من مفعول وَلَيْسَ هُنَا منزلا منزلَة الْفِعْل اللَّازِم. فَإِذا كَانَ الْخَيْر صفة أَيَّامهَا لَا يعلم مَا الَّذِي تعقبه الْخَيل. وَيشْهد لما قُلْنَا مَا أنْشدهُ ابْن قُتَيْبَة فِي أَبْيَات الْمعَانِي وَهُوَ قَول الشَّاعِر: الطَّوِيل وكل مفداة العلالة صلدم قَالَ: أَي: أعقبهم خيلهم هَذِه خيرا مِمَّا قَامُوا عَلَيْهَا وصنعوها. والأهوج: الَّذِي يركب رَأسه. والمهرج بِكَسْر الْمِيم: الْكثير الجري. وَقَوله: مفداة العلالة يُقَال لَهَا إِذا طلب علالتها وَهِي بَقِيَّة جريها: ويهاً فداً لَك وَمثله قَول طفيل: وللخيل أَيَّام الْبَيْت) وَالْعرب لِكَثْرَة انتفاعها بِالْخَيْلِ تسميها الْخَيْر قَالَ الله تَعَالَى: إِنِّي أَحْبَبْت حب الْخَيْر عَن ذكر رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بالحجاب. ذكرُوا أَنه لَهَا بِالْخَيْلِ وبالنظر إِلَيْهَا حَتَّى فَاتَتْهُ صَلَاة الْعَصْر. - وَقَالَ أَبُو مَيْمُون الْعجلِيّ: الزّجر وَالْخَيْل والخيرات كالقرينين

وَقَوله: وللخيل أَيَّام مُبْتَدأ وَخير وَقَوله: وَيعرف لَا مَعْطُوف على يصطبر وَلِهَذَا جزم. وَتعقب أَي: تحدث الْخَيْر فِي الْعَاقِبَة. والماضي أعقب بِالْهَمْزَةِ وَهُوَ مُتَعَدٍّ لمفعولين كَمَا فهم من ابْن السّكيت. وَالْبَيْت من قصيدة طَوِيلَة عدتهَا سِتَّة وَسَبْعُونَ بَيْتا قَالَهَا فِي غَارة أغارها على طَيئ أَكْثَرهَا فِي وصف الْخَيل. وَبعده: الطَّوِيل (وَقد كَانَ حيانا عدوين فِي الَّذِي ... خلا فعلى مَا كَانَ فِي الدَّهْر فارتبي) (إِلَى الْيَوْم لم تحدث إِلَيْكُم وَسِيلَة ... وَلم تجدوها عندنَا فِي التنسب) (جزيناهم أمس الْعَظِيمَة إننا ... مَتى مَا تكن منا الوسيقة نطلب) قَالَ ابْن السّكيت: قَوْله: فارتبي يُرِيد: فاثبتي أيتها الْعَدَاوَة. وَقَوله: إِلَى الْيَوْم ... إِلَخ يَقُول: لم تكن بَيْننَا مَوَدَّة وَلَا نسب فيستعطف بِهِ. والوسيقة: الطريدة. والعظيمة: الفظيعة. وطفيل الغنوي شَاعِر جاهلي وَهُوَ طفيل بن عَوْف بن خلف بن ضبيس ابْن مَالك بن سعد بن عَوْف بن كَعْب بن جلان بِكَسْر الْجِيم وَتَشْديد اللَّام ابْن غنم بِفَتْح فَسُكُون ابْن غَنِي بن أعصر. كَذَا فِي الجمهرة.

قَالَ الصولي فِي كتاب الْكتاب فِي خلال وصف الحبر: وَسموا طفيلاً الغنوي محبراً لتحسينه شعره. وَقيل سمي بذلك لقَوْله يصف بردا: الطَّوِيل (سماوته أسمال برد محبر ... وسائره من أتحمى معصب) وسماوة الْبَيْت: سقفه. والأتحمي: ضرب من البرود. اه. وَقَالَ ابْن قُتَيْبَة فِي كتاب الشُّعَرَاء: كَانَ طفيل الغنوي من أوصف الْعَرَب للخيل فَقَالَ عبد الْملك:) من أَرَادَ ركُوب الْخَيل فليرو شعر طفيل. وَقَالَ مُعَاوِيَة: دعوا لي طفيلاً وَسَائِر الشُّعَرَاء لكم. اه. وَقَالَ الْأَصْمَعِي: كَانَ طفيل أحد نعات الْخَيل وَكَانَ أكبر من النابغتين وَلَيْسَ فِي قيس فَحل أقدم وَقد أورد الْآمِدِيّ فِي المؤتلف والمختلف أَرْبَعَة شعراء كل مِنْهُم اسْمه طفيل أحدهم هَذَا. - وَأنْشد بعده: الرجز (يَا أَقرع بن حَابِس يَا أَقرع ... إِنَّك إِن يصرع أَخُوك تصرع) على أَن الْكُوفِيّين استدلوا بِهِ على أَن رُتْبَة الْجَزَاء التَّقْدِيم فَرفع تصرع مُرَاعَاة لأصله وَلَو كَانَ رتبته التَّأْخِير لجزم. وَأجَاب الشَّارِح عَنهُ بِأَنَّهُ ضَرُورَة كَمَا بَينه. وَهَذَا مَأْخُوذ من كَلَام سِيبَوَيْهٍ وَهَذَا نَصه: وَقد تَقول: إِن أتيتني آتِيك أَي: آتِيك إِن أتيتني. قَالَ زُهَيْر: الْبَسِيط (وَإِن أَتَاهُ خَلِيل يَوْم مَسْأَلَة ... يَقُول لَا غَائِب مَا لي وَلَا حرم) وَلَا يحسن إِن تَأتِينِي آتِيك من قبل أَن إِن هِيَ العاملة. وَقد جَاءَ فِي الشّعْر قَالَ جرير بن عبد الله البَجلِيّ: (يَا أَقرع بن حَابِس يَا أَقرع ... إِنَّك إِن يصرع أَخُوك تصرع

) أَي: إِنَّك تصرع إِن يصرع أَخُوك. وَمثل ذَلِك قَوْله: الْبَسِيط أَي: والمرء ذِئْب إِن يلق الرشا. قَالَ الْأَصْمَعِي: هُوَ قديم أنشدنيه أَبُو عَمْرو. وَقَالَ ذُو الرمة: الطَّوِيل (وَإِنِّي مَتى أشرف على الْجَانِب الَّذِي ... بِهِ أَنْت من بَين الجوانب نَاظر) أَي: إِنِّي نَاظر مَتى أشرف. فَجَاز هَذَا فِي الشّعْر وشبهوه بالجزاء إِذا كَانَ جَوَابه منجزماً لِأَن الْمَعْنى وَاحِد كَمَا شبه الله يشكرها

(الشاهد الحادي والتسعون بعد الستمائة)

جعله بِمَنْزِلَة يشكرها الله. وكما قَالُوا فِي اضطرار: إِن تأتني أَنا صَاحبك تُرِيدُ معنى الْفَاء فتشبهه بِبَعْض مَا يجوز فِي الْكَلَام حذفه وَأَنت تعنيه. وَقد يُقَال: إِن أتيتني آتِك وَإِن لم تأتني أجزك لِأَن هَذَا فِي مَوضِع الْفِعْل المجزوم وَكَأَنَّهُ قَالَ: إِن) تفعل أفعل. وَتقول: إِن تأتني فأكرمك أَي: فَأَنا أكرمك فَلَا بُد من رفع فأكرمك إِذا سكت عَلَيْهِ لِأَنَّهُ جَوَاب. وَإِنَّمَا ارْتَفع لِأَنَّهُ مَبْنِيّ على مُبْتَدأ. انْتهى كَلَام سِيبَوَيْهٍ. فتخريج الشَّارِح الْمُحَقق فِي الْبَيْت خلاف مَا خرجه سِيبَوَيْهٍ فَإِن الشَّارِح جعل تصرع جَوَاب الشَّرْط مَعَ مُبْتَدأ مَحْذُوف مَعَ الْفَاء الرابطة وَالتَّقْدِير: فَأَنت تصرع وَالْجُمْلَة الشّرطِيَّة خير إِن. وسيبويه جعل تصرع خير إِن وَجَوَاب الشَّرْط مَحْذُوف يدل عَلَيْهِ مَا قبله. - وَالرجز لعَمْرو بن الخثارم وَتقدم شَرحه فِي الشَّاهِد الْحَادِي والثمانين بعد الْخَمْسمِائَةِ. (الشَّاهِد الْحَادِي وَالتِّسْعُونَ بعد الستمائة) وَهُوَ من شَوَاهِد س: الْبَسِيط. من يفعل الْحَسَنَات الله يشكرها على أَن الْفَاء الرابطة محذوفة من جَوَاب الشَّرْط ضَرُورَة أَي: فَالله يشكرها.

قَالَ النّحاس: أَبُو الْعَبَّاس الْمبرد يُجِيز حذف الْفَاء فِي الشّعْر. وَنقل الْعَيْنِيّ عَنهُ خِلَافه قَالَ: وَعَن الْمبرد أَنه منع ذَلِك حَتَّى فِي الشّعْر. ثمَّ قَالَ النّحاس: وَقَالَ أَبُو الْحسن: هُوَ عِنْدِي جَائِز فِي الْكَلَام إِذا علم وَمِنْه قَول الله عَزَّ وَجَلَّ: وَمَا أَصَابَكُم من مُصِيبَة فِيمَا كسبت أَيْدِيكُم وَقُرِئَ: بِمَا كسبت فاستدل بِهَذَا على أَن الْفَاء محذوفة. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: إِن ترك خيرا الْوَصِيَّة للْوَالِدين. وَكَذَلِكَ جوزه ابْن مَالك قَالَ: وَمِنْه حَدِيث اللّقطَة: فَإِن جَاءَ صَاحبهَا وَإِلَّا استمتع بهَا. ثمَّ قَالَ النّحاس: قَالَ أَبُو الْحسن: حَدثنِي مُحَمَّد بن يزِيد قَالَ: حَدثنِي الْمَازِني أَن الْأَصْمَعِي قَالَ: هَذَا الْبَيْت غَيره النحويون وَالرِّوَايَة: من يفعل الْخَيْر فالرحمن يشكره وَأَبُو الْحسن قَالَ هَذَا فِيمَا كتبه على نَوَادِر أبي زيد قَالَ: أخبرنَا أَبُو الْعَبَّاس عَن الْمَازِني عَن الْأَصْمَعِي أَنه أنشدهم: فالرحمن يشكره. قَالَ: فَسَأَلته عَن الرِّوَايَة الأولى فَذكر أَن النَّحْوِيين صنعوها. وَلِهَذَا نَظَائِر لَيْسَ هَذَا مَوضِع شرحها. اه. وَهَذَا مَرْدُود لِأَنَّهُ طعن فِي الروَاة الْعُدُول. وَأغْرب مِنْهُ مَا نَقله ابْن المستوفي قَالَ: وجدت فِي بعض نسخ

(الشاهد الثاني والتسعون بعد الستمائة)

الْكتاب فِي أَصله: قَالَ أَبُو عُثْمَان الْمَازِني: خبر الْأَصْمَعِي عَن يُونُس قَالَ: نَحن عَملنَا هَذَا الْبَيْت.) وَكَذَلِكَ نَقله الْكرْمَانِي فِي الموشح. وَالْبَيْت نسبه سِيبَوَيْهٍ وخدمته لعبد الرَّحْمَن بن حسان بن ثَابت رَضِيَ اللَّهُ عَنْه وَرَوَاهُ جمَاعَة لكعب بن مَالك الْأنْصَارِيّ. وَقَبله بيتان وهما: ( إِن يسلم الْمَرْء من قتل وَمن هرم ... للذة الْعَيْش أفناه الجديدان) (فَإِنَّمَا هَذِه الدُّنْيَا وَزينتهَا ... كالزاد لَا بُد يَوْمًا أَنه فَانِي) وترجمه كَعْب بن مَالك تقدّمت فِي الشَّاهِد السَّادِس وَالسِّتِّينَ. وَعبد الرَّحْمَن بن حسان يعرف نسبه من تَرْجَمَة وَالِده رَضِيَ اللَّهُ عَنْه وَقد تقدّمت فِي الشَّاهِد وَأنْشد بعده (الشَّاهِد الثَّانِي وَالتِّسْعُونَ بعد الستمائة) وَهُوَ من شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ: الطَّوِيل. (وَأَنِّي مَتى أشرف على الْجَانِب الَّذِي ... بِهِ أَنْت من بَين الجوانب نَاظر) على أَن قَوْله: نَاظر جَوَاب الشَّرْط بِتَقْدِير مُبْتَدأ مَحْذُوف مَعَ الْفَاء الرابطة أَي: فَأَنا نَاظر وَتَكون الْجُمْلَة الشّرطِيَّة خير أَن.

وَهَذَا خلاف مَا ذهب إِلَيْهِ سِيبَوَيْهٍ فَإِن نَاظرا عِنْده خير إِن وَالْجُمْلَة دَلِيل جَوَاب الشَّرْط الْمَحْذُوف. قَالَ ابْن السراج فِي الْأُصُول: هَذَا عِنْد سِيبَوَيْهٍ على تَقْدِيم الْجَزَاء: وَإِنِّي نَاظر مَتى أشرف. وَأَجَازَ أَيْضا أَن يكون على إِضْمَار الْفَاء. وَالَّذِي عِنْد أبي الْعَبَّاس وَعِنْدِي فِيهِ وَفِي أَمْثَاله أَنه على إِضْمَار الْفَاء لَا غير لِأَن الْجَواب فِي مَوْضِعه فَلَا يجوز أَن ينوى بِهِ غير مَوْضِعه إِذا وجد لَهُ تَأْوِيل. وَمثله: فَهَذَا على مَا ذكرت لَك. وَكَذَلِكَ قَوْله: ( ... ... ... ... . إِنَّهَا ... مطبعة من يأتها لَا يضيرها) أَرَادَ: لَا يضيرها من يأتها وَإنَّك تصرع إِن يصرع أَخُوك وَهُوَ عندنَا على إِضْمَار الْفَاء. فَأَما قَوْله:) من يفعل الْحَسَنَات الله يشكرها فعلى إِضْمَار الْفَاء فِي كل قَول. اه. وَسَيَأْتِي نقل كَلَام الْمبرد فِي الشَّاهِد السَّادِس والثمانين بأبسط من هَذَا. وَهَذَا الْبَيْت من قصيدة لذِي الرمة وَهَذَا مطْلعهَا: ...

(لمية أطلال بحزوى دوائر ... عفتها السوافي بَعدنَا والمواطر) (كَأَن فُؤَادِي هاض عرفان ربعهَا ... بِهِ وعي سَاق أسلمتها الجبائر) (عَشِيَّة مَسْعُود يَقُول وَقد جرى ... على لحيتي من عِبْرَة الْعين قاطر) (أَفِي الدَّار تبْكي أَن تفرق أَهلهَا ... وَأَنت امْرُؤ قد حلمتك العشائر) (فَلَا ضير أَن تستعبر الْعين إِنَّنِي ... على ذَاك إِلَّا جَوْلَة الدمع صابر ) (فيا مي هَل يجزى بُكَائِي بِمثلِهِ ... مرَارًا وأنفاسي إِلَيْك الزوافر) قَوْله: لمية أطلال ... إِلَخ حزوى: اسْم مَكَان. والدوائر: الَّتِي قد انمحت. وعفتها: محتها. والسوافي: الرِّيَاح الَّتِي تسفي التُّرَاب. وَقَوله: كَأَن فُؤَادِي ... إِلَخ الهيض: الْكسر بعد الْجَبْر وَضمير بِهِ للفؤاد. والوعي: الْجَبْر. وأسلمتها: خذلتها. وَالْإِسْلَام: التَّخْلِيَة والخذلان. والجبارة بِالْكَسْرِ: مَا شددت بِهِ الْكسر من الأعواد. وعرفان فَاعل هاض ووعي: مَفْعُوله. وَقَوله: عَشِيَّة مَسْعُود هُوَ أَخُو ذِي الرمة. وَقَوله: فِي الدَّار ... إِلَخ هُوَ مقول مَسْعُود وَأَن تفرق مجرور بِاللَّامِ الْمقدرَة وَأَنت امْرُؤ. . إِلَخ جملَة حَالية. وحلمتك: وصفتك بالحلم. وَقَوله: فَلَا ضير. . إِلَخ الضير: الضَّرَر. وصابر: خبر إِنَّنِي يُرِيد: إِنَّنِي صابر على ذَلِك الوجد إِلَّا جَوْلَة الدمع أَي: يجول فِي الْعين. وَقَوله: فيا مي ... إِلَخ هُوَ مرخم مية. ويجزى بِبِنَاء الْمَفْعُول يُرِيد:

(الشاهد الثالث والتسعون بعد الستمائة)

هَل تبكين مثل مَا أبْكِي مرَارًا. والزفير: إِدْخَال النَّفس إِلَى الْجوف. والشهيق: إِخْرَاجه. وَقَوله: وَأَنِّي مَتى أشرف ... إِلَخ هُوَ بِفَتْح الْهمزَة مَعْطُوف على الْمُسْتَثْنى وَهُوَ جَوْلَة الدمع. قَالَ شَارِح ديوانه: يُرِيد: إِنَّنِي على ذَاك صابر إِلَّا جَوْلَة الدمع وَأَنِّي مَتى أشرف. وَالْأَقْرَب أَن يكون مَعْطُوفًا على بُكَائِي أَي: هَل يجزى نَظَرِي إِلَيْك فِي كل جِهَة كنت فِيهَا أَي: هَل تنظرين) إِلَيّ كَذَلِك. أَو الْمَعْنى: هَل تجزينني على هَذِه الْمحبَّة. وَالتَّاء من أَنْت مَكْسُورَة. - وترجمة ذِي الرمة تقدّمت فِي الشَّاهِد الثَّامِن من أول الْكتاب. وَأنْشد بعده: الطَّوِيل فَأَنت طَلَاق وَالطَّلَاق ألية على أَن جملَة: وَالطَّلَاق ألية اعتراضية وَقعت بَين الْمصدر وَهُوَ طَلَاق وَبَين عدده وَهُوَ ثَلَاثًا فِي المصراع الثَّانِي وَهُوَ: ثَلَاثًا وَمن يخرق أعق وأظلم وَتقدم الْكَلَام عَلَيْهِ بِمَا لَا مزِيد عَلَيْهِ فِي الشَّاهِد الْخَامِس وَالْأَرْبَعِينَ بعد الْمِائَتَيْنِ. وَأنْشد بعده (الشَّاهِد الثَّالِث وَالتِّسْعُونَ بعد الستمائة)

الطَّوِيل يرى كل من فِيهَا وحاشاك فانيا وَهَذَا عجز وصدره: وتحتقر الدُّنْيَا احتقار مجرب وَالْبَيْت فِيهِ من أَنْوَاع البديع التَّكْمِيل وَهُوَ أَن يَأْتِي الشَّاعِر أَو الْمُتَكَلّم بِمَعْنى من مَعَاني الْمَدْح أَو غَيره من فنون الشّعْر وأغراضه ثمَّ يرى مدحه بالاقتصار على ذَلِك الْمَعْنى فَقَط غير كَامِل فيكمل بِمَعْنى آخر كمن أَرَادَ مدح إِنْسَان بالشجاعة وَرَأى مدحه بالاقتصار عَلَيْهَا دون الْكَرم مثلا غير كَامِل فيكمله بِذكر الْكَرم أَو بالبأس دون الْحلم وَمَا أشبهه. قَالَ ابْن أبي الإصبع فِي تَحْرِير التحبير: وَمِمَّا وهم فِيهِ المؤلفون فِي هَذَا الْموضع أَنهم خلطوا التَّكْمِيل بالتتميم إِذْ ساقوا فِي بَاب التتميم شَوَاهِد التَّكْمِيل لأَنهم ذكرُوا قَول عَوْف: السَّرِيع (إِن الثَّمَانِينَ وبلغتها ... قد أحوجت سَمْعِي إِلَى ترجمان) من شَوَاهِد التتميم. وَمعنى الْبَيْت تَامّ بِدُونِ لَفْظَة وبلغتها. وَإِذا لم يكن الْمَعْنى نَاقِصا فيكف يُسمى هَذَا تتميماً وَإِنَّمَا هُوَ تَكْمِيل. وَمَا غلطهم إِلَّا من كَونهم لم يفرقُوا بَين تتميم الْأَلْفَاظ وتتميم الْمعَانِي. وَكَذَلِكَ أَتَوا بقول المتنبي:) وتحتقر الدُّنْيَا احتقار مجرب الْبَيْت

فِي بَاب التتميم وَهُوَ مثل الأول وَإِن زَاد على الأول أدنى زِيَادَة لما فِي لَفْظَة حاشاك بعد ذكر الفناء من حسن الْأَدَب مَعَ الممدوح. وَرُبمَا سومح بِأَن يَجْعَل هَذَا الْبَيْت فِي شَوَاهِد التتميم بِهَذِهِ اللَّفْظَة. وَأما الأول فمحض التَّكْمِيل وَلَا مدْخل لَهُ فِي التتميم. اه. وَقد ذكر التتميم فِي أول كِتَابه وَقَالَ: سَمَّاهُ ابْن المعتز اعْتِرَاض كَلَام فِي كَلَام لم يتم مَعْنَاهُ ثمَّ يعود الْمُتَكَلّم فيتمه. وَشرح حَده: أَنه الْكَلِمَة الَّتِي إِذا طرحت من الْكَلَام نقص حسن مَعْنَاهُ أَو مبالغته مَعَ أَن لَفظه يُوهم بِأَنَّهُ تَامّ. ومجيئه على وَجْهَيْن: للْمُبَالَغَة وَالِاحْتِيَاط. وَيَجِيء فِي المقاطع كَمَا يَجِيء فِي الحشو. هَذَا كَلَامه. وَلَا يخفى أَن هَذَا الْحَد منطبق على الْبَيْت. وَأما أَنا فالبيت عِنْدِي من الاحتراس وَهُوَ أَن يَأْتِي الْمُتَكَلّم بِمَعْنى يتَوَجَّه عَلَيْهِ دخل فيفطن لَهُ فَيَأْتِي بِمَا يلخصه من ذَلِك. قَالَ ابْن أبي الإصبع: وَالْفرق بَين الثَّلَاثَة أَن الْمَعْنى قبل التَّكْمِيل صَحِيح تَامّ ثمَّ يَأْتِي التَّكْمِيل زِيَادَة يكمل بهَا حَسَنَة إِمَّا بفن زَائِد أَو بِمَعْنى. والتتميم يَأْتِي ليتمم نقص الْمَعْنى. والاحتراس لاحْتِمَال دخل على الْمَعْنى وَإِن كَانَ تَاما كَامِلا. وَالْبَيْت من قصيدة للمتنبي مدح بهَا كافوراً الإخشيدي

(الشاهد الرابع والتسعون بعد الستمائة)

(وَقد تهب الْجَيْش الَّذِي جَاءَ غازيا ... لسائلك الْفَرد الَّذِي جَاءَ عافيا) يَقُول: إِذا غزاك جَيش أَخَذته فَوَهَبته لسائل وَاحِد أَتَاك يَسْأَلك. وَقَوله: وتحتقر الدُّنْيَا ... إِلَخ هُوَ بِالْخِطَابِ. وَجُمْلَة: يرى ... إِلَخ صفة لمجرب. يَقُول: أَنْت تحتقر الدُّنْيَا احتقار من جربها فعرفها وَعلم أَن جَمِيع مَا فِيهَا يفنى وَلَا يبْقى أَي: فَلذَلِك تهبها وَلَا تدخرها. وَقَوله: وحاشاك اسْتثِْنَاء مِمَّا يفنى. وَذكر هَذَا الِاسْتِثْنَاء تحسيناً للْكَلَام واستعمالاً للأدب فِي مُخَاطبَة الْمُلُوك وَهُوَ حسن الْموقع. وترجمه المتنبي تقدّمت فِي الشَّاهِد الْحَادِي وَالْأَرْبَعِينَ بعد الْمِائَة. وَأنْشد بعده (الشَّاهِد الرَّابِع وَالتِّسْعُونَ بعد الستمائة) وَهُوَ من شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ: الطَّوِيل. (فَقلت تحمل فَوق طوقك إِنَّهَا ... مطبعة من يأتها لَا يضيرها) على أَن التَّقْدِير عِنْد سِيبَوَيْهٍ: لَا يضيرها من يأتها فَهُوَ مُؤخر من تَقْدِيم. وَقَالَ الْهُذلِيّ: فَقلت تحمل فَوق طوقك ... ... ... ... الْبَيْت

هَكَذَا أنشدناه يُونُس كَأَنَّهُ قَالَ: لَا يضيرها من كَمَا كَانَ وَأَنِّي مَتى أشرف نَاظر على الْقلب. وَلَو أُرِيد بِهِ حذف الْفَاء جَازَ فَجعلت كَإِن. اه. قَالَ الأعلم: وَهَذَا عِنْد الْمبرد على إِرَادَة الْفَاء لِأَن يضير إِذا تقدّمت على من ارْتَفَعت من بِهِ. وَيلْزم مِنْهُ أَن يبطل عَملهَا من الْجَزْم لِأَن حرف الشَّرْط لَا يعْمل فِيهِ مَا قبله. - وَالْحجّة لسيبويه أَنه يقدر الضَّمِير فِي يضير على مَا هُوَ عَلَيْهِ فِي التَّأْخِير. وَمن مبتدأه على أَصْلهَا فَلَا يلْزم أَن يرْتَفع من بِهِ وَتبطل من عمل الْجَزْم. هَذَا كَلَامه. وسننقل كَلَام الْمبرد فِي الشَّاهِد الثَّالِث والثمانين. وَقد تكلم أَبُو عَليّ فِي كتاب الشّعْر على فَاعل يضير على التَّقْدِيرَيْنِ فَقَالَ: من قدر فِيهِ التَّقْدِيم كَانَ فَاعل لَا يضيرها ضير فأضمر الضير لَهُ لدلَالَة يضير عَلَيْهَا. والضير قد اسْتعْمل اسْتِعْمَال الْأَسْمَاء فِي نَحْو لَا ضير كَأَنَّهُ قد صَار اسْما لما يكره وَلَا يُرَاد. وَمن قدر الْفَاء محذوفة أمكن أَن يكون الْفَاعِل عندنَا أحد شَيْئَيْنِ. أَحدهمَا: الضير كَقَوْل من قدر التَّقْدِيم. وَيجوز أَن يكون فَاعل يضير ضميراً من الَّذِي تقدم أَرَادَ بِمَا تقدم التَّحَمُّل فَوق الطَّاقَة. وَالْبَيْت من قصدية عدتهَا سَبْعَة عشر بَيْتا لأبي ذُؤَيْب الْهُذلِيّ قَالَهَا فِي ابْن أُخْته خَالِد بن زُهَيْر وَكَانَ خَاله أَبُو ذُؤَيْب فِي صغره رَسُولا من وهب بن جَابر إِلَى امْرَأَة من هُذَيْل كَانَ يتعشقها وهب وَكَانَ أَبُو ذُؤَيْب

جميلاً فرغبت فِيهِ واطرحت وهباً فَفَشَا أَمرهمَا فِي هُذَيْل فَكَانَ يُرْسل إِلَيْهَا ابْن أُخْته خَالِد بن زُهَيْر وعاهده على أَن لَا يخونه فِيهَا فَلم تلبث أَن عشقت خَالِدا وَتركت أَبَا ذُؤَيْب. فَجرى بَين أبي ذُؤَيْب وَبَين خَالِد أشعار كَثِيرَة مِنْهَا هَذِه القصيدة وأجابه خَالِد بقصيدة على) رويها مِنْهَا: الطَّوِيل (فَلَا تجزعن من سنة أَنْت سرتها ... فَأول رَاض سنة من يسيرها ) وَقد شرحنا حَالهمَا وَمَا لَهما فِي الشَّاهِد الثَّامِن وَالْأَرْبَعِينَ بعد الثلثمائة وَفِي الشَّاهِد السِّتين بعد الستمائة. وَهَذِه الأبيات من أول قصيدة أبي ذُؤَيْب: (مَا حمل البختي عَام غياره ... عَلَيْهِ الوسوق برهَا وشعيرها) (أَتَى قَرْيَة كَانَت كثيرا طعامها ... كرفغ التُّرَاب كل شَيْء يميرها) (بِأَكْثَرَ مِمَّا كنت حملت خَالِدا ... وَبَعض أمانات الرِّجَال غرورها) قَوْله: مَا حمل البختي عَام غياره مَا: نَافِيَة. والبختي: نَائِب فَاعل حمل وَهُوَ وَاحِد البخت وَهُوَ نوع من الْإِبِل. والغيار بِكَسْر الْمُعْجَمَة مصدر غارهم يغيرهم إِذا مارهم أَي: أَتَاهُم بالميرة بِالْكَسْرِ وَهِي الطَّعَام. والوسوق: جمع وسق وَهُوَ حمل بعير وَجُمْلَة: عَلَيْهَا الوسوق تَفْسِير لقَوْله: حمل البختي. وبرها وشعيرها بدل من الوسوق بدل مفصل من مُجمل. وَإِضَافَة الْبر وَالشعِير إِلَى ضمير الوسوق لأدنى مُلَابسَة لِأَنَّهُمَا

يصيران وسوقاً. وَاخْتَارَ البختي على الْبَعِير لِأَنَّهُ أَشد مِنْهُ وَأقوى على زِيَادَة التَّحَمُّل. وَلِهَذَا قَالَ: عَلَيْهَا الوسوق. يَعْنِي أَن هَذَا البختي حمل أَضْعَاف مَا يحملهُ غَيره من الْإِبِل. - وَقَوله: أَتَى قَرْيَة ... إِلَخ فَاعل أَتَى ضمير البختي. وَالْجُمْلَة حَال من البختي. وَقَوله: كرفغ التُّرَاب أَي: ككثرة التُّرَاب وأصل الرفغ اللين والسهولة وَهُوَ بِالْفَاءِ والغين الْمُعْجَمَة. وَقَوله: يميرها هُوَ على الْقلب أَي: كل شَيْء تميره هَذَا الْقرْيَة فَقلب فَجعل الْفَاعِل وَهُوَ ضمير الْقرْيَة مَفْعُولا وَأسْندَ الْفِعْل إِلَى ضمير كل شَيْء. والنكتة فِيهِ أَن كل شَيْء يُعْطي هَذِه الْقرْيَة وَقَالَ الْقَارِي فِي شَرحه: قَوْله: يميرها يُرِيد يمتار من الْقرْيَة. قَالَ الْبَاهِلِيّ: كل شَيْء يمير لَهَا. أَقُول: الْوَجْه الأول: معنى الْكَلَام قبل الْقلب وَالثَّانِي: مَعْنَاهُ بعد الْقلب كَمَا قُلْنَا فِيهَا. وَقَوله: فَقلت تحمل ... إِلَخ رِوَايَة السكرِي: فَقيل تحمل وَهِي الجيدة أَي: وَقيل للبختي تحمل فَوق طاقتك وَقَوله: إِنَّهَا أَي: إِن هَذِه الْقرْيَة مطبعة أَي: مختومة بالطابع.) يَعْنِي أَن هَذِه الْقرْيَة مَمْلُوءَة بِالطَّعَامِ لِأَن الْخَتْم إِنَّمَا يكون غَالِبا بعد الملء. وَفِيه مُبَالغَة لَا تخفى. وَجُمْلَة: إِنَّهَا مطبعة اسْتِئْنَاف بياني كَأَنَّهُ سَأَلَ البختي هَل يدعونني أَن أتحمل فَوق طاقتي من هَذِه الْقرْيَة. فَهُوَ سُؤال عَن السَّبَب الْخَاص للْحكم لَا عَن سَبَب الحكم مُطلقًا فَلهَذَا أكد بإن. وَالْجُمْلَة الشّرطِيَّة خير ثَان لإن. وضاره ضيراً من بَاب بَاعَ: أضرّ بِهِ.

(الشاهد الخامس والتسعون بعد الستمائة)

وَقَوله: بِأَكْثَرَ مِمَّا كنت ... إِلَخ يَقُول: مَا حمل هَذَا البختي من الطَّعَام بِأَكْثَرَ مِمَّا كنت حمت خَالِدا من الْأَمَانَة. والغرور بِالضَّمِّ الْغَفْلَة وَالضَّمِير للرِّجَال. وترجمة أبي ذُؤَيْب الْهُذلِيّ تقدّمت فِي الشَّاهِد السَّابِع وَالسِّتِّينَ. - وَأنْشد بعده: الْبَسِيط. والمرء عِنْد الرشا إِن يلقها ذيب على أَن التَّقْدِير عِنْد سِيبَوَيْهٍ: والمرء ذِئْب فَأخر خبر الْمُبْتَدَأ بعد الشَّرْط وَتَكون الْجُمْلَة دَلِيل الْجَواب الْمَحْذُوف. وَعند الْمبرد ذيب هُوَ الْجَزَاء بِتَقْدِير الْمُبْتَدَأ مَعَ الْفَاء أَيْن: فَهُوَ ذيب وَتَكون الْجُمْلَة الشّرطِيَّة خبر الْمُبْتَدَأ. وَهَذَا عجز وصدره: هَذَا سراقَة لِلْقُرْآنِ يدرسه وَتقدم الْكَلَام عَلَيْهِ فِي الشَّاهِد الثَّانِي والثمانين. وَأنْشد بعده (الشَّاهِد الْخَامِس وَالتِّسْعُونَ بعد الستمائة) وَهُوَ من شَوَاهِد س: الطَّوِيل (على حِين من تلبث عَلَيْهِ ذنُوبه ... يجد فقدها إِذْ فِي الْمقَام تدابر

) على أَن جزم أدوات الشَّرْط الْمُضَاف إِلَى جُمْلَتهَا ظرف خَاص بالشعر كَمَا فِي الْبَيْت فَإِنَّهُ جازى بِمن مَعَ إِضَافَة حِين إِلَى جملَة الشَّرْط ضَرُورَة وَحكمهَا أَن لَا تُضَاف إِلَّا إِلَى جملَة خبرية وَجَاز هَذَا فِي الشّعْر تَشْبِيها لجملة الشَّرْط بجملة الِابْتِدَاء وَالْخَبَر وَالْفِعْل وَالْفَاعِل. قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَقد يجوز فِي الشّعْر أَن يجازى بعد هَذِه الْحُرُوف فَتَقول: أَتَذكر إِذْ من يأتنا نأته فَإنَّا أجازوه لِأَن إِذْ لَا تغير مَا دخلت عَلَيْهِ عَن حَاله قبل أَن تَجِيء بهَا وَلَا تغير الْكَلَام كأنا قُلْنَا: من يأتنا نأته كَمَا أَنا إِذا قُلْنَا: إِذْ عبد الله منطلق فكأنا قُلْنَا: عبد الله منطلق لِأَن إِذْ لم تحدث شَيْئا قبل أَن تذكرها. قَالَ لبيد: على حِين من تلبث عَلَيْهِ ... ... ... ... الْبَيْت وَلَو اضْطر شَاعِر فَقَالَ: أَتَذكر إِذْ إِن تأتنا نأتك جَازَ لَهُ كَمَا جَازَ فِي من. وَتقول: أَتَذكر إِذْ نَحن من يأتنا نأته فَنحْن فصلت بَين إِذْ وَمن. وَتقول: مَرَرْت بِهِ فَإِذا من يَأْتِيهِ يُعْطِيهِ وَإِن شِئْت جزمت لِأَن الْإِضْمَار يحسن هُنَا. أَلا ترى أَنَّك تَقول: مَرَرْت بِهِ فَإِذا أجمل النَّاس ومررنا بِهِ فَإِذا أَيّمَا رجل. فَإِذا أردْت الْإِضْمَار فكأنك قلت: فَإِذا هُوَ من يَأْته يُعْطِيهِ فَإِن لم تضمر فَهِيَ بِمَنْزِلَة إِذْ لَا يجوز فِيهَا الْجَزْم.

وَالْبَيْت من قصيدة للبيد بن ربيعَة الصَّحَابِيّ وَكَانَ لَهُ فِي الْجَاهِلِيَّة جَار من بني الْقَيْن قد لَجأ إِلَيْهِ فَضَربهُ عَمه عَامر بِالسَّيْفِ فَغَضب لذَلِك لبيد وَقَالَ هَذِه القصيدة يعدد على عَمه بلاءه وينكر فعله بجاره. وَقد تقدم شرح أَبْيَات مِنْهَا فِي الشَّاهِد الثَّالِث عشر بعد الْخَمْسمِائَةِ. وَقبل هَذَا الْبَيْت: (ودافعت عَنْك الصَّيْد من آل دارم ... وَمِنْهُم قبيل فِي السرادق فاخر) (وذدت معداً والعباد وطيئاً ... وكلباً كَمَا ذيد الخماس البواكر)) على حِين من تلبث ... ... ... ... ... . . الْبَيْت الصَّيْد: الرؤساء المتكبرون. يُقَال للسَّيِّد المتعاظم أصيد لميله رَأسه من الْكبر وَالْعَظَمَة تَشْبِيها بالجمل الأصيد وَهُوَ الَّذِي بِهِ دَاء يَأْخُذ الْبَعِير فيرم أَنفه فيشمخ ويميل رَأسه لذَلِك الوجع. والقبيل: الْجَمَاعَة من قوم شَتَّى. والسرادق: مَا يدار حول الْخَيْمَة من شقق بِلَا سقف وَقيل: هُوَ الْفسْطَاط وَقيل: هُوَ كل بَيت من قطن. وفاخر يُرِيد يفخرون عَلَيْك.

وَقَوله: وذدت معداً ... إِلَخ الذود الطَّرْد. ومعد: أَبُو قَبيلَة أَرَادَ من ينْسب إِلَيْهِ من أَوْلَاده. - والعباد: بِالْكَسْرِ: قبائل شَتَّى من بطُون الْعَرَب اجْتَمعُوا على النَّصْرَانِيَّة بِالْحيرَةِ وَالنِّسْبَة إِلَيْهِم عبَادي. وطيئ بِهَمْزَة الآخر على وزن فيعل هُوَ الْقَبِيلَة الْمَشْهُورَة بِلَا همز. وكلب أَيْضا: قَبيلَة. والخماس بِالْكَسْرِ: الْإِبِل الَّتِي لَا تشرب أَرْبَعَة أَيَّام. والبواكر: الَّتِي تبكر غَدَاة الْخمس. وَقَوله: على حِين من تلبث على مُتَعَلقَة بقوله: ذدت وَحين يجوز جرها بالكسرة وَيجوز بناؤها على الفتحة لِأَن الظروف المضافة إِلَى الْجمل يجوز إعرابها وبناؤها على الفتحة. واللبث: البطء. والذنُوب بِفَتْح الذَّال الْمُعْجَمَة قَالَ صَاحب الْمِصْبَاح: هِيَ الدَّلْو الْعَظِيمَة. قَالُوا: وَلَا تسمى ذنوباً حَتَّى تكون مَمْلُوءَة مَاء. وتذكر وتؤنث. وَقَالَ الزّجاج: مُذَكّر لَا غير. اه. وَيرد عَلَيْهِ حصره هَذَا الْبَيْت فَإِن الضَّمِير فِي فقدها مؤنث وَهُوَ عَائِد إِلَى الذُّنُوب. والتدابر: التقاطع. وَأَصله أَن يولي كل وَاحِد من المتقاطعين صَاحبه دبره. يَقُول لِعَمِّهِ عِنْد قِيَامه فِي مقَام النُّعْمَان بن الْمُنْذر ملك الْحيرَة مَعَ خصومه: أَنا دافعت عَنْك بلساني فِي مجمع. يَقُول: قُمْت بفخرك وأيامك على حِين من لَا يقوم بحجته. وَهَذَا على الْمثل. يَعْنِي أَنه نَصره فِي وَقت إِن تبطئ فِيهِ الْحجَّة عَن المحتج يهْلك وَلَا يُمكنهُ أَن يتلافى مَا فرط مِنْهُ. وَقَوله: يجد فقدها مَعْنَاهُ يؤلمه فقدها كَمَا يُقَال: وجد فلَان فقد فلَان إِذا انْقَطع عَنهُ نَفعه فأثر ذَلِك فِي حَاله. وروى: تداثر

(الشاهد السادس والتسعون بعد الستمائة)

بِالْمُثَلثَةِ بدل تدابر بِالْمُوَحَّدَةِ وَهُوَ التزاحم وَالتَّكَاثُر. ) جعل الْجمع الَّذين عِنْد الْملك بِمَنْزِلَة المزدحمين على المَاء ليسقوا إبلهم. وأصل الدثر المَال الْكثير. وَأَرَادَ بالْمقَام الْمجْلس الَّذِي جمعهم للخصام. وَرُوِيَ فِي ديوانه: يجد فقدها وَفِي الذناب تداثر بِالْمُثَلثَةِ. والذناب بِالْكَسْرِ: جمع ذنُوب الْمَذْكُورَة. قَالَ شَارِح ديوانه: يَقُول: ذدت عَنْك فِي ذَلِك الْوَقْت. تلبث: تبطئ. والذنُوب: الدَّلْو. يجد فقدها إِذا لم تخرج إِلَيْهِ. وَإِنَّمَا هَذَا مثل ضربه. وَفِي الذناب تداثر يَقُول: وَفِي ذَلِك تكاثر. وَإِنَّمَا هَذَا مثل أَرَادَ الألسن الَّتِي كثرت عَلَيْهِ. اه. وروى سِيبَوَيْهٍ المصراع الثَّانِي كَذَا: يَرث شربه إِذْ فِي الْمقَام تدابر قَالَ الأعلم: وصف مقَاما فاخر فِيهِ غَيره وَكَثُرت الْمُخَاصمَة والمحاجة فِيهِ. وَضرب الذُّنُوب وَهِي الدَّلْو مَمْلُوءَة مَاء مثلا لما نزل بِهِ من الْحجَّة. وَالشرب بِالْكَسْرِ: الْحَظ من المَاء. والريث: وترجمة لبيد تقدّمت فِي الشَّاهِد الثَّانِي وَالْعِشْرين بعد الْمِائَة. وَأنْشد بعده (الشَّاهِد السَّادِس وَالتِّسْعُونَ بعد الستمائة)

الطَّوِيل. ( وَلست بحلال التلاع مَخَافَة ... وَلَكِن مَتى يسترفد الْقَوْم أرفد) على أَن وُقُوع الْجُمْلَة الشّرطِيَّة بعد لَكِن لكَونهَا لَا تغير معنى الْجُمْلَة. قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَتقول: مَا أَنا ببخيل وَلَكِن إِن تأتني أعطك. جَازَ هَذَا وَحسن لِأَنَّك قد تضمر هَاهُنَا كَمَا تضمر فِي إِذا. أَلا ترى أَنَّك تَقول: مَا رَأَيْتُك عَاقِلا وَلَكِن أَحمَق. وَإِن لم تضمر تركت الْجَزَاء كَمَا فعلت ذَلِك فِي إِذا. قَالَ طرفَة: وَلست بحلال التلاع مَخَافَة ... ... ... ... ... الْبَيْت كَأَنَّهُ قَالَ: أَنا. وَلَا يجوز فِي مَتى أَن يكون الْفِعْل وصلا لَهَا كَمَا جَازَ فِي من. (وَمَا ذَاك أَن كَانَ ابْن عمي وَلَا أخي ... وَلَكِن مَتى مَا أملك الضّر أَنْفَع) والقوافي مَرْفُوعَة كَأَنَّهُ قَالَ: وَلَكِن أَنْفَع مَتى مَا أملك الضّر وَيكون أملك على مَتى فِي مَوضِع جَزَاء وَمَا لَغْو. وَلم تَجِد سَبِيلا إِلَى أَن تكون بِمَنْزِلَة من فتوصل وَلكنهَا كمهما. انْتهى كَلَام سِيبَوَيْهٍ. فَشرط جَوَاز وُقُوع أَدَاة الشَّرْط بعد لَكِن تَقْدِير الضَّمِير بَينهمَا وَحِينَئِذٍ لَا ضَرُورَة فِيهِ بل هُوَ حسن للفصل كَمَا قَالَ سِيبَوَيْهٍ. وَلم يصب الأعلم فِي قَوْله: الشَّاهِد فِي هَذَا الْبَيْت حذف الْمُبْتَدَأ بعد لَكِن ضَرُورَة والمجازاة بعْدهَا وَالتَّقْدِير: وَلَكِن أَنا مَتى يسترفد الْقَوْم أرفد. اه. - وَإِن لم يقدر الضَّمِير فَلَا يجوز وُقُوع الأداة بعد لَكِن إِلَّا فِي الشّعْر.

وَالشَّارِح الْمُحَقق أخل بِهَذَا التَّفْصِيل وَلم يذكرهُ وَقد أَخذ بِهِ أَبُو عَليّ فِي التَّذْكِرَة القصرية وَقَالَ فِيهَا: قَالَ سِيبَوَيْهٍ فِي قَوْله: وَلَكِن مَتى يسترفد الْقَوْم أرفد تَقْدِيره: وَلَكِن أَنا. إِن قيل هَذَا لم يحْتَج إِلَى الضَّمِير لِأَن لَكِن إِنَّمَا تشبه الْفِعْل إِذا كَانَت ثَقيلَة) فَإِذا خفت زَالَ عَنْهَا شبه الْفِعْل وَإِذا كَانَ كَذَلِك صلحت للجملتين وَإِذا صلحت لَهما لم تحتج إِلَى ضمير قيل: لَكِن لما فِيهَا من معنى الِاسْتِدْرَاك لم يزل عَنْهَا معنى الْفِعْل فاحتيج إِلَى الضَّمِير فِيهَا. وَهَذَا عِنْدِي إِنَّمَا يجب إِذا دخل حرف الْعَطف عَلَيْهِ نَحْو: وَلَكِن الَّتِي فِي الْبَيْت لِأَن حرف الْعَطف إِذا دخل عَلَيْهَا خلصت لمعناها وَخرجت من الْعَطف. وَإِذا لم يدْخل عَلَيْهَا حرف الْعَطف كَانَت للْعَطْف فَلم يحْتَج فِي وُقُوع الْجَزَاء بعْدهَا إِلَى إِضْمَار كَمَا لَا يحْتَاج فِي حُرُوف الْعَطف إِلَى ذَلِك. اه. وَقد نقل ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي عَن أبي عَليّ خلاف هَذَا. قَالَ: وَزعم سِيبَوَيْهٍ فِي قَوْله: وَلَكِن مَتى يسترفد الْقَوْم أرفد أَن التَّقْدِير: وَلَكِن أَنا. ووجهوه بِأَن لَكِن تشبه الْفِعْل فَلَا تدخل عَلَيْهِ. وَبَيَان كَونهَا دَاخِلَة عَلَيْهِ أَن مَتى مَنْصُوبَة بِفعل الشَّرْط فالفعل مقدم فِي الرُّتْبَة عَلَيْهِ. - ورده الْفَارِسِي بِأَن الْمُشبه للْفِعْل هُوَ لَكِن الْمُشَدّدَة لَا المخففة وَلِهَذَا لم تعْمل المخففة لعدم اختصاصها بالأسماء. وَقيل: إِنَّمَا يحْتَاج إِلَى التَّقْدِير إِذا دخل عَلَيْهَا الْوَاو لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ تخلص لمعناها وَتخرج عَن الْعَطف. اه.

وَقَوله: وَلست بحلال ... إِلَخ الْحَلَال: مُبَالغَة الْحَال من الْحُلُول وَهُوَ النُّزُول. وَالْأَحْسَن أَن يكون فعال للنسبة أَي: لست بِذِي حُلُول والتلاع: جمع تلعة وَهُوَ مجْرى المَاء من رُؤُوس الْجبَال إِلَى الأودية. قَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: والتلعة من الأضداد تكون مَا ارْتَفع وَمَا انخفض. وَالْمرَاد هُنَا الثَّانِي وَهُوَ سيل مَاء عَظِيم. ومخافة: مفعول لأَجله. وأرفد بِكَسْر الْفَاء لِأَنَّهُ مضارع رفده رفداً من بَاب ضرب أَي: أعطَاهُ أَو أَعَانَهُ. والرفد بِالْكَسْرِ اسْم مِنْهُ. وأرفده بِالْألف مثله. وترافدوا: تعاونوا. واسترفدته: طلبت رفده. قَالَ الزوزني: الْمَعْنى إِنِّي لست مِمَّن يسْتَتر فِي التلاع مَخَافَة الضَّيْف أَو غدر الْأَعْدَاء إيَّايَ وَلَكِن أظهر وأعين الْقَوْم إِذا استعانوا بِي إِمَّا فِي قرى الضَّيْف وَإِمَّا فِي قتال الْأَعْدَاء. وَهَذَا الْبَيْت من معلقَة طرفَة بن العَبْد. وَقد عابه المرزباني فِي كتاب الموشح وَقَالَ: المصراع الثَّانِي غير مشاكل للْأولِ.) وَبعده: (فَإِن تبغني فِي حَلقَة الْقَوْم تلقني ... وَإِن تقتنصني فِي الحوانيت تصطد

(الشاهد السابع والتسعون بعد الستمائة)

) الْحلقَة بِسُكُون اللَّام: مَا اسْتَدَارَ من النَّاس وَمن الْحَدِيد وَتجمع على الحَلَق بِفَتْح الْحَاء وَاللَّام يَقُول: وَإِن تطلبني فِي محفل الْقَوْم وجدتني هُنَاكَ وَإِن تطلبني فِي بيُوت الخمارين صدتني. والبغاء هُوَ الطّلب وَالْفِعْل بغى يَبْغِي. يُرِيد أَنه يجمع بَين الْجد والهزل. كَذَا فِي شرح الزوزني. وَقَالَ أَبُو جَعْفَر النَّحْوِيّ: الْمَعْنى إِن تطلبني فِي مَوضِع يجْتَمع الْقَوْم فِيهِ للمشورة وإجالة الرَّأْي تلقني لما عِنْدِي من الرَّأْي لَا أَتَخَلَّف عَنْهُم وَإِن تطلبت صيدي فِي حوانيت الخمارين تجدني أشْرب وأسقي من حضرني. والحانوت: بَيت الْخمار يذكر وَيُؤَنث. اه. وَقَالَ ابْن السّكيت: يَقُول: أبدا تجدني فِي مجْلِس الْقَوْم للمفاخرة وَفِي بيُوت الخمارين مَعَ الشّرْب يَعْنِي أَنه من وُجُوه قومه لَا يبرم أَمر إِلَّا بِحَضْرَتِهِ وَأَنه صَاحب شراب وَلَهو. اه. وترجمة طرفَة تقدّمت فِي الشَّاهِد الثَّانِي وَالْخمسين بعد الْمِائَة. وَأنْشد بعده (الشَّاهِد السَّابِع وَالتِّسْعُونَ بعد الستمائة) وَهُوَ من شَوَاهِد س:

الطَّوِيل ( وَمَا ذَاك أَن كَانَ ابْن عمي وَلَا أخي ... وَلَكِن مَتى مَا أملك الضّر أَنْفَع) على أَن أَنْفَع مَرْفُوع وَهُوَ مُؤخر لمن تَقْدِيم لضَرُورَة الشّعْر كَمَا فِي قَوْله: وَالْأَصْل فيهمَا: وَلَكِن أَنْفَع مَتى أملك الضّر وَإنَّك تصرع إِن يصرع أَخُوك وَيكون هَذَا الْمُقدم تَقْديرا دَلِيل الْجَزَاء الْمَحْذُوف. قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَالَّذِي سمعناهم ينشدون قَول العجير السَّلُولي: وَمَا ذَاك إِن كَانَ ابْن عمي الْبَيْت. والقوافي مَرْفُوعَة كَأَنَّهُ قَالَ: وَلَكِن أَنْفَع مَتى مَا أملك الضّر. اه. والضرورة عِنْد الْمبرد إِنَّمَا هِيَ فِي حذف الْفَاء من أَنْفَع وتصرع وَقد رد على سِيبَوَيْهٍ دَعْوَاهُ تَقْدِير التَّقْدِيم فِي هَذَا وَفِيمَا تقدم وَنَقله ابْن السراج فِي الْأُصُول فَلَا بَأْس علينا إِن نَقَلْنَاهُ. وَهَذَا كَلَامه: قَالَ أَبُو الْعَبَّاس مُحَمَّد بن يزِيد: أما قَوْله: آتِيك إِن أتيتني فَغير مُنكر وَلَا مَدْفُوع اسْتغنى عَن الْجَواب بِمَا تقدم وَلم تجزم إِن شَيْئا فتحتاج إِلَى جَوَاب مجزوم أَو شَيْء فِي مَكَانَهُ.) وَأما قَوْله: الْبَسِيط ( وَإِن أَتَاهُ خَلِيل يَوْم مسغبة ... يَقُول لَا غَائِب مَا لي وَلَا حرم) يَقُول على الْقلب فَهُوَ محَال وَذَلِكَ لِأَن الْجَواب حَده أَن يكون بعد إِن وفعلها الأول وَإِنَّمَا يَعْنِي بالشَّيْء مَوْضِعه إِذا كَانَ فِي غير مَوْضِعه

نَحْو: ضرب غُلَامه زيد لِأَن حد الْغُلَام أَن يكون بعد زيد. وَهَذَا قد وَقع فِي مَوْضِعه من الْجَزَاء فَلَو جَازَ أَن تَعْنِي بِهِ التَّقْدِيم لجَاز أَن تَقول: ضرب وَأما مَا ذكره من: من وَمَتى وَسَائِر الْحُرُوف فَإِنَّهُ يَسْتَحِيل فِي الْأَسْمَاء مِنْهَا والظروف من وُجُوه فِي التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير لِأَنَّك إِذا قلت: آتِي من أَتَانِي وَجب أَن تكون من مَنْصُوبَة بِقَوْلِك: أُتِي وَنَحْوه وحروف الْجَزَاء لَا يعْمل فِيهَا مَا قبلهَا فَلَيْسَ يجوز هَذَا إِلَّا أَن تُرِيدُ بهَا معنى الَّذِي وَمَتى إِذا قلت: آتِيك مَتى أتيتني فَمَتَى للجزاء وَهُوَ ظرف لأتيتني لِأَن حرف الْجَزَاء لَا يعْمل فِيهِ مَا قبله وَلَكِن الْفِعْل الَّذِي قبل مَتى أغْنى عَن الْجَواب كَمَا قلت فِي إِن فِي قَوْلك: أَنْت ظَالِم إِن فعلت. فَأَنت ظَالِم مُنْقَطع من إِن وَقد سد مسد الْجَواب. وَكَذَلِكَ آتِيك قد سدت مسد الْجَواب فِي مَتى وَإِن لم يكن مِنْهَا فِي شَيْء لِأَن مَتى مَنْصُوبَة بأتيتني لِأَن حُرُوف الْجَزَاء من الظروف والأسماء إِنَّمَا يعْمل فيهمَا مَا بعدهمَا وَهُوَ الْجَزَاء الَّذِي يعْمل فِيهِ الْجَزْم. وَالْبَاب كُله على هَذَا لَا يجوز غَيره. وَلَو وضع الْكَلَام فِي مَوْضِعه لَكَانَ تَقْدِيره: مَتى أتيتني فأتيتك أَي: فَأَنا آتِيك. وَأما قَوْله: ... من يأتها لَا يضيرها إِنَّمَا هُوَ من يضيرها لَا يأتها فمحال أَن ترْتَفع من بِقَوْلِك لَا يضيرها وَمن مُبْتَدأ كَمَا لَا تَقول زيد يقوم فترفعه بيقوم. وكل مَا كَانَ مثله فَهَذَا قِيَاسه. وَهَذِه الأبيات الَّتِي أنشدها كلهَا لَا تصلح إِلَّا على إِرَادَة الْفَاء فِي الْجَواب كَقَوْلِه: الله يشكرها لَا يجوز إِلَّا ذَلِك. اه.

- وَالْبَيْت من قصيدة للعجير السَّلُولي. قَالَ الْأَصْفَهَانِي فِي الأغاني وَابْن هِشَام اللَّخْمِيّ فِي شرح أَبْيَات الْجمل: قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: كَانَت للعجير بنت عَم كَانَ يهواها وتهواه فَخَطَبَهَا إِلَى أَبِيهَا فوعده وقاربه ثمَّ خطبهَا رجل من بني عَامر مُوسر فَخَيرهَا أَبوهَا بَينه وَبَين العجير فَاخْتَارَتْ العامري) ليساره فَقَالَ العجير فِي ذَلِك: (ألما على دَار لِزَيْنَب قد أَتَى ... لَهَا باللوى ذِي المرج صيف ومربع) (وقولا لَهَا: قد طَال مَا لم تكلمي ... وراعك بِالْغَيْبِ الْفُؤَاد المروع) (وقولا لَهَا: قَالَ العجير وخصني ... إِلَيْك وإرسال الخليلين ينفع) (أَأَنْت الَّذِي أودعتك السِّرّ وانتحى ... بك الخون مزاح من الْقَوْم أَقرع) (إِذا مت كَانَ النَّاس صنفان: شامت ... وَآخر مثن بِالَّذِي كنت أصنع) (وَلَكِن ستبكيني خطوب كَثِيرَة ... وشعث أهينوا فِي الْمجَالِس جوع) (ومستلحم قد صَكه الْقَوْم صَكَّة ... بعيد الموَالِي نيل مَا كَانَ يمْنَع) ...

(وَمَا ذَاك أَن كَانَ ابْن عمي وَلَا أخي ... وَلَكِن مَتى مَا أملك الضّر أَنْفَع) وَهِي قصيدة طَوِيلَة. والإلمام: النُّزُول وَضَمنَهُ معنى الإشراف. واللوى: مَا التوى من الرمل. والمرج: الْموضع الَّذِي ترعى فِيهِ الدَّوَابّ. وَأَرَادَ بالمربع الرّبيع. - وراعك: أفزعك. وانتحى: اعْتمد وَقصد. والخون: الْخِيَانَة. وَقَوله: إِذا مت كَانَ النَّاس ... . إِلَخ هُوَ من شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ على أَن كَانَ فِيهَا ضمير الشَّأْن وَهُوَ اسْمهَا. وَجُمْلَة النَّاس صنفان: خَيرهَا. وروى ابْن الْأَعرَابِي الْبَيْت كَذَا: (إِذا مت كَانَ النَّاس صنفين شامت ... ومثن بنيري بعض مَا كنت أصنع) فَكَانَ على أَصْلهَا. والنيران: العلمان فِي الثَّوْب. وَإِنَّمَا يُرِيد أَنه يثنى عَلَيْهِ بِحسن فعله الَّذِي هُوَ فِي أَفعَال النَّاس كَالْعلمِ فِي الثَّوْب. وَخَطأَهُ أَبُو مُحَمَّد الْأسود وَقَالَ: الصَّوَاب الرِّوَايَة الأولى فِي المصراع الثَّانِي.

وَقَوله: وَلَكِن ستبكيني خطوب الخطوب هُنَا: الْأُمُور الْعِظَام. وروى بدله: خصوم جمع خصم وَهُوَ مَعْرُوف. والشعث: جمع أَشْعَث وشعثاء وَهُوَ المتلبد الرَّأْس. بلَى سَوف تَأتِينِي خطوب كَثِيرَة وَلم يظْهر لي وَجهه. ورويا: أهينوا حَضْرَة الدَّار بدل: أهينوا فِي الْمجَالِس وحضرة: ظرف. وجوع: جمع جَائِع.) وَقَوله: ومستلحم قد صَكه بِالرَّفْع مَعْطُوف على مَا قبله. والمستلحم بِكَسْر الْحَاء الْمُسْتَلْحق فِي الْقَرَابَة وَفِي الْجوَار من اللحمة بِالضَّمِّ وَهِي الْقَرَابَة. - والصكة: الضَّرْبَة. وَالْمولى هُنَا النَّاصِر والمعين. وبعيد: حَال من الْمَفْعُول. ورويا: ذليل الموَالِي بدل: بعيد الموَالِي. وَقَوله: نيل أَي أَخذ مِنْهُ مَا كَانَ يمنعهُ. ورويا المصراع الأول هَكَذَا: ومضطهد قد صَكه الْخصم صَكَّة والمضطهد بِفَتْح الْهَاء: المقهور والمضطر. وَقَوله: رددت لَهُ مَا فرط القيل أَي: مَا نحاه القيل. قَالَ فِي الصِّحَاح: قَالَ الْخَلِيل: فرط الله عَنهُ مَا يكره أَي: نحاه وقلما يسْتَعْمل إِلَّا فِي الشّعْر. والقيل بِفَتْح الْقَاف: الْملك. قَالَ ابْن خلف: وَيحْتَمل أَن يكون القيل هُنَا شرب نصف النَّهَار. وآبنا: رَجَعَ إِلَيْنَا. والأضلع بِالْمُعْجَمَةِ: المطيق للشَّيْء الْقَائِم بِهِ. ...

(رددت لَهُ مَا سلف الْقَوْم بالضحى ... وبالأمس حَتَّى اقتاله وَهُوَ أخضع) وَقَالَ: سلف الْقَوْم ذلاً وَهُوَ أخضع أَرَادَ أَن مفعول سلف مَحْذُوف وَجُمْلَة: وَهُوَ أخضع حَال. واقتاله أَي: اقتال عَلَيْهِ أَي: تحكم. قَالَ صَاحب الصِّحَاح: واقتال عَلَيْهِ: تحكم. ومادته القَوْل. وروى أَبُو مُحَمَّد الْأسود المصراع الثَّانِي كَذَا: حَتَّى ناله وَهُوَ أضلع وَقَالَ: أَي: أَخذ أَكثر من حَقه. - وَقَوله: وَمَا ذَاك أَن كَانَ ... إِلَخ اسْم الْإِشَارَة رَاجع لما صنعه من الْجَمِيل مَعَ المستلحم وَهُوَ رد مَا أَخذ من مَاله إِلَيْهِ قهرا وَهُوَ مُبْتَدأ وَخَبره مَحْذُوف أَي: صَنعته. وَأَن مَصْدَرِيَّة مجرورة بِاللَّامِ. وَاسم كَانَ ضمير المستلحم. وَابْن خبر كَانَ وَالتَّقْدِير: وَمَا ذَاك الْجَمِيل فعلته مَعَه لكَونه ابْن عمي ولكونه أخي وَلَكِن من شأني إِذا قدرت على الضَّرَر والبطش نَفَعت. وروى أَبُو مُحَمَّد الْأسود المصراع الأول كَذَا: وَلست بمولاه وَلَا بِابْن عَمه) وَأنْشد بعده: الْخَفِيف (إِن من لَام فِي بني بنت حسا ... ن ألمه واعصه فِي الخطوب)

(الشاهد الثامن والتسعون بعد الستمائة)

على أَن ضمير الشَّأْن وَهُوَ اسْم إِن مَحْذُوف وَالْجُمْلَة الشّرطِيَّة خَبَرهَا. وَتقدم شرح هَذَا الْبَيْت مفصلا فِي الشَّاهِد السَّابِع بعد الأربعمائة. - وَأنْشد بعده (الشَّاهِد الثَّامِن وَالتِّسْعُونَ بعد الستمائة) الْخَفِيف (من يكدني بسيئ كنت مِنْهُ ... كالشجا بَين حلقه والوريد) على ن مَجِيء الشَّرْط مضارعاً مَجْزُومًا وَالْجَزَاء مَاضِيا خَاص بالشعر عِنْد بَعضهم. قَالَ ابْن مَالك: الصَّحِيح الحكم بِجَوَازِهِ لثُبُوته فِي كَلَام أفْصح الفصحاء قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: من يقم لَيْلَة الْقدر إِيمَانًا واحتساباً غفر لَهُ مَا تقدم من ذَنبه. وَالْبَيْت من قصيدة لأبي زبيد الطَّائِي النَّصْرَانِي رثى بهَا ابْن أُخْته اللَّجْلَاج. وَقَبله: من يكدني ... ... ... ... ... ... ... ... . الْبَيْت الدرء: الدّفع. وَفِي الحَدِيث: ادرؤوا الْحُدُود بِالشُّبُهَاتِ. والشغب

بِفَتْح الشين وَسُكُون الْغَيْن المعجمتين: تهييج الشَّرّ. - والمريد: مُبَالغَة المارد. وَقَوله: من يكدني يُقَال: كاده كيداً من بَاب بَاعَ إِذا خدعه ومكر بِهِ والسيئ: فيعل وصف من السوء. وَكنت بِالْخِطَابِ. والشجا: مَا يعْتَرض فِي الْحلق كالعظم. والوريد: عرق قيل هُوَ الودج وقِي بجنبه. وَقَالَ الْفراء: عرق بَين الْحُلْقُوم والعلباوين وَهُوَ ينبض أبدا فَهُوَ من الأوردة الَّتِي فِيهَا الْحَيَاة وَلَا يجْرِي فِيهَا دم بل هِيَ مجاري النَّفس بالحركات. وَهَذَا مطلع القصيدة: (إِن طول الْحَيَاة غير سعود ... وضلال تأميل نيل الخلود) وعدتها تِسْعَة وَخَمْسُونَ بَيْتا وَهِي من القصائد الْجِيَاد فِي المراثي وَقد جمعهَا مُحَمَّد بن الْعَبَّاس) اليزيدي وَعَن ابْن حبيب وَهِي عِنْدِي بِخَط مُحَمَّد بن أَسد بن عَليّ الْقَارِي وتاريخ خطه سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وثلثمائة. وَأنْشد بعده: من يفعل الْحَسَنَات الله يشكرها وَتقدم شَرحه قَرِيبا.

(الشاهد التاسع والتسعون بعد الستمائة)

وَأنْشد بعده (الشَّاهِد التَّاسِع وَالتِّسْعُونَ بعد الستمائة) وَهُوَ من شَوَاهِد س: الطَّوِيل أتغضب إِن أذنا قُتَيْبَة حزتا على أَنه قد يسْتَعْمل الْمَاضِي فِي الشَّرْط مُتَحَقق الْوُقُوع وَإِن كَانَ بِغَيْر لفظ كَانَ لكنه قَلِيل. وَهُوَ هُنَا مَحْذُوف مُفَسّر بِالْفِعْلِ الْمَذْكُور وَالتَّقْدِير: إِن حزت أذنا قُتَيْبَة. فحز أُذُنَيْهِ قد وَقع فِيمَا مضى من الزَّمَان وَتحقّق مَعْنَاهُ. وَقدر المُصَنّف فِي شرح الْمفصل بِمَا نَقله الشَّارِح عَنهُ ورده. وَيشْهد لما قَالَه الشَّارِح الْمُحَقق مَا نَقله سِيبَوَيْهٍ عَن الْخَلِيل قَالَ: سَأَلت الْخَلِيل رَحِمَهُ اللَّهُ عَن قَول الفرزدق: (أتغضب إِن أذنا قُتَيْبَة حزتا ... جهاراً وَلم تغْضب لقتل ابْن خازم) فَقَالَ: لِأَنَّهُ قَبِيح أَن تفصل بَين أَن وَالْفِعْل كَمَا قبح أَن تفصل بَين كي وَالْفِعْل فَلَمَّا قبح ذَلِك وَلم يجز حملوه على إِن لِأَنَّهُ قد يقدم فِيهَا الْأَسْمَاء قبل الْأَفْعَال. اه. يُرِيد الْخَلِيل أَن إِن فِي الْبَيْت لَا يَصح فتح همزتها للقبح الْمَذْكُور وَإِنَّمَا هِيَ إِن الْمَكْسُورَة الْهمزَة لجَوَاز الْفَصْل بَينهَا وَبَين الْفِعْل باسم على شريطة التَّفْسِير نَحْو قَوْله تَعَالَى: وَإِن أحد من الْمُشْركين استجارك. وَفِي الْمسَائِل القصرية لأبي عَليّ: اعْترض أَبُو الْعَبَّاس الْمبرد على إنشاد هَذَا الْبَيْت بِالْكَسْرِ فَقَالَ: قتل قُتَيْبَة قد مضى وَإِن للجزاء وَالْجَزَاء

يكون لما يَأْتِي فَلَا يَسْتَقِيم أَن تَقول: إِن قُمْت قُمْت وَقد مضى قِيَامه. قَالَ أَبُو عَليّ: إِنَّمَا يُرِيد: أفتغضب كلما وَقع هَذَا الْفِعْل أَي: مثل هَذَا الْفِعْل وَإِن كَانَ التَّأْوِيل على هَذَا صَحَّ الْكسر. اه.) وَأَرَادَ بِتَقْدِير الْمثل كَون الْفِعْل مُسْتَقْبلا. وَظَاهر نقل أبي عَليّ أَنه لَا يجوز الْكسر عِنْد الْمبرد وَلَكِن صَرِيح كَلَام ابْن السَّيِّد أَن الْمبرد يجوزه قَالَ فِي شرح كَامِل الْمبرد: وَأَجَازَ أَبُو الْعَبَّاس فتح أَن فِي هَذَا الْبَيْت وَجعلهَا أَن المخففة من الثَّقِيلَة وأضمر اسْمهَا كَأَنَّهُ قَالَ: أَنه أذنا قُتَيْبَة حزنا. وَمن روى إِن بِكَسْر الْهمزَة وَهُوَ رَأْي سِيبَوَيْهٍ فوجهه أَنه وضع السَّبَب فِي مَوضِع الْمُسَبّب كَأَنَّهُ قَالَ: أتغضب إِن افتخر مفتخر بحزه أُذُنِي قُتَيْبَة كَمَا قَالَ الآخر: الْكَامِل (إِن يَقْتُلُوك فَإِن قَتلك لم يكن ... عاراً عَلَيْك وَرب قتل عَار) الْمَعْنى: إِن افْتَخرُوا بقتلك. فَذكر الْقَتْل الَّذِي هُوَ سَبَب ذَلِك. اه. وَقد صرفه ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي إِلَى الْمُسْتَقْبل بتأويلين: أَحدهمَا: مَا ذكره ابْن السَّيِّد من إِقَامَة السَّبَب مقَام الْمُسَبّب. - وَالثَّانِي: أَنه على معنى التبين أَي: أتغضب إِن تبين فِي الْمُسْتَقْبل أَن أُذُنِي قُتَيْبَة حزنا فِيمَا مضى. ثمَّ قَوْله: وَقَالَ الْخَلِيل والمبرد: الصَّوَاب: أَن أذنا بِفَتْح الْهمزَة أَي: لِأَن أذنا هُوَ خلاف مَا نَقله سِيبَوَيْهٍ عَن الْخَلِيل وَخلاف منا نَقله ابْن السَّيِّد عَن الْمبرد. وَذهب الْكُوفِيُّونَ إِلَى أَن أنْ فِي هَذَا الْبَيْت لَيست للشّرط لمضيه وَإِنَّمَا هِيَ بِمَعْنى إِذْ. قَالَ إمَامهمْ فِي سُورَة الزخرف

من تَفْسِيره عِنْد قَوْله تَعَالَى: أفنضرب عَنْكُم الذّكر صفحاً إِن كُنْتُم قَرَأَ الْأَعْمَش بِالْكَسْرِ وَقَرَأَ عَاصِم وَالْحسن بِفَتْح أَن كَأَنَّهُمْ أَرَادوا شَيْئا مَاضِيا. وَأَنت تَقول فِي الْكَلَام: أأسبك أنْ تحرمني. وَمثله: لَا يجرمنكم شنآن قوم أَن صدوكم تكسر إنْ وتفتح. وَمثله: فلعلك باخع نَفسك على آثَارهم إنْ لم يُؤمنُوا وأَن لم يُؤمنُوا. وَالْعرب تنشد قَول الفرزدق: أتجزع إِن أذنا قُتَيْبَة حزتا وأنشدوني: الطَّوِيل (وتجزع إِن بَان الخليط الْمُودع ... وحبل الصَّفَا من عزة المتقطع) وَفِي كل وَاحِد من الْبَيْتَيْنِ مَا فِي صَاحبه من الْكسر وَالْفَتْح. انْتهى كَلَامه.) وَالْبَيْت من قصيدة طَوِيلَة للفرزدق مدح بهَا سُلَيْمَان بن عبد الْملك وهجا جَرِيرًا. وَقَبله هَذِه الأبيات: ...

(فَإِن تَكُ قيس فِي قُتَيْبَة أغضبت ... فَلَا عطست إِلَّا بأجدع راغم) (وَهل كَانَ إِلَّا باهلياً مجدعاً ... طَغى فسقيناه بكأس ابْن خازم) (لقد شهِدت قيس فَمَا كَانَ نصرها ... قُتَيْبَة إِلَّا عضها بالأباهم) (فَإِن تقعدوا تقعد لئام أَذِلَّة ... وَإِن عدتم عدنا بأبيض صارم) أتغضب إِن أذنا قُتَيْبَة ... ... ... ... ... الْبَيْت تذبذب فِي المخلاة تَحت بطونها محذفة الأذناب جلح المقادم (ستعلم أَي الواديين لَهُ ثرى ... قَدِيما وَأولى بالبحور الخضارم) (وَمَا أَنْت من قيس فتنبح دونهَا ... وَلَا من تَمِيم فِي الرؤوس الأعاظم)

قَوْله: فَإِن تَكُ قيس ... إِلَخ قيس: أَبُو قَبيلَة وَهُوَ قيس بن عيلان بن مُضر. وقبيلة باهلة: فَخذ من قيس بن عيلان. وَأَرَادَ الْقَبِيلَة. ولجرير خؤولة فِي قيس. وقتيبة: هُوَ ابْن مُسلم الْبَاهِلِيّ وَسَتَأْتِي حكايته. وأغضبت: بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول. - وَقَوله: فَلَا عطست ... إِلَخ جملَة دعائية: وَقعت جَزَاء للشّرط فَلِذَا قرنت بِالْفَاءِ. وأجدع: صفة مَوْصُوف مَحْذُوف أَي: أنف أجدع أَي: مَقْطُوع. والراغم: الذَّلِيل أَو الكاره وَهُوَ على النِّسْبَة أَي: ذِي الرغام وَهُوَ التُّرَاب يُقَال: أرْغم الله أَنفه أَي: ألصقه بالرغام وَهُوَ التُّرَاب وَهُوَ كِنَايَة عَن الإذلال. وَقَوله: وَهل كَانَ إِلَّا باهلياً اسْم كَانَ ضمير قُتَيْبَة ومجدعاً يدعى عَلَيْهِ بالجدع وَهُوَ قطع الْأنف. وباهلة: قَبيلَة منحطة بَين الْعَرَب. وَلذَا قيل: المتقارب (وَمَا ينفع الأَصْل من هَاشم ... إِذا كَانَت النَّفس من باهله) رُوِيَ أَن قُتَيْبَة هَذَا مازح أَعْرَابِيًا جَافيا فَقَالَ: أَيَسُرُّك أَن تكون باهلياً فَقَالَ: لَا وَالله. قَالَ: فَتكون باهلياً خَليفَة قَالَ: لَا وَالله وَلَو أَن لي مَا طلعت عَلَيْهِ الشَّمْس قَالَ: فيسرك أَن تكون باهلياً وَتَكون فِي الْجنَّة فَأَطْرَقَ ثمَّ قَالَ: بِشَرْط أَن لَا يعلم أهل الْجنَّة أَنِّي باهلي فَضَحِك من قَوْله.) وَقَوله: أتغضب إِن أذنا قُتَيْبَة ... إِلَخ فَاعل تغْضب ضمير قيس الْمُتَقَدّم وأنث فعله لِأَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الْقَبِيلَة. والاستفهام للتعجب والتوبيخ. وَيجوز أَن يكون فَاعله مستتراً فِيهِ تَقْدِيره أَنْت وَهُوَ خطاب مَعَ جرير

بِدَلِيل مَا بعده من الْبَيْتَيْنِ. والحز بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالزَّاي الْمُشَدّدَة: الْقطع. وحز الْأُذُنَيْنِ كِنَايَة عَن الْقَتْل لِأَن الْقَتِيل قد تقطع أُذُنه للتشويه. - وجهاراً أَي: حزاً جهاراً أَو غَضبا جهاراً. وَابْن خازم: بِالْخَاءِ والزاء المعجمتين. يُرِيد أَن قيسا غضِبت من أَمر يسير وَلم تغْضب لأمر عَظِيم. وَقد أنكر هَذَا مِنْهَا على سَبِيل الِاسْتِهْزَاء. وَأما قُتَيْبَة بِالتَّصْغِيرِ فَهُوَ قُتَيْبَة بن مُسلم بن عَمْرو بن حُصَيْن بن ربيعَة بن خَالِد ابْن أسيد الْخَيْر بن كَعْب بن قضاعي بن هِلَال الْبَاهِلِيّ. نَشأ فِي الدولة المروانية وترقى وَتَوَلَّى الْإِمَارَة وَفتح الفتوحات الْعَظِيمَة وَعبر مَا وَرَاء النَّهر مرَارًا وأبلى فِي الْكفَّار. وَكَانَ شجاعاً جواداً دمث الْأَخْلَاق ذَا رَأْي افْتتح بُخَارى. وخوارزم وسمرقند وفرغانة وَالتّرْك. وَولي خُرَاسَان ثَلَاث عشرَة سنة. وَهَذَا خير مَقْتَله من تَارِيخ النويري قَالَ: قتل قُتَيْبَة بن مُسلم الْبَاهِلِيّ فِي سنة سِتّ وَتِسْعين فِي خُرَاسَان. وَكَانَ سَبَب ذَلِك أَنه أجَاب الْوَلِيد إِلَى خلع سُلَيْمَان فَلَمَّا أفضت الْخلَافَة إِلَى سُلَيْمَان خشِي قُتَيْبَة أَن سُلَيْمَان يسْتَعْمل يزِيد بن الْمُهلب على خُرَاسَان فَكتب قُتَيْبَة إِلَى سُلَيْمَان كتابا يهنئه بالخلافة وَيذكر بلاءه وطاعته لعبد الْملك والوليد وَأَنه لَهُ على مثل ذَلِك إِن لم يعزله عَن خُرَاسَان. وَكتب إِلَيْهِ كتابا آخر يُعلمهُ فِيهِ بفتوحه ونكايته وعظيم قدره عِنْد مُلُوك الْعَجم وهيبته فِي صُدُورهمْ ويذم آل الْمُهلب وَيحلف بِاللَّه: لَو اسْتعْمل يزِيد على خُرَاسَان ليخلعنه. وَكتب كتابا ثَالِثا فِيهِ خلعه. وَبعث الْكتب مَعَ رجل من باهلة وَقَالَ لَهُ: ادْفَعْ الْكتاب الأول إِلَيْهِ فَإِن كَانَ يزِيد حَاضرا

فقرأه ثمَّ أَلْقَاهُ إِلَيْهِ. فادفع إِلَيْهِ الثَّانِي. فَإِن قَرَأَهُ وَدفعه إِلَيْهِ فادفع إِلَيْهِ الثَّالِث. وَإِن قَرَأَ الأول وَلم يَدْفَعهُ إِلَى يزِيد فاحبس الْكِتَابَيْنِ عَنهُ. فَقدم رَسُول قُتَيْبَة فَدخل على سُلَيْمَان، وَعِنْده يزِيد بن الْمُهلب، فَدفع إِلَيْهِ الْكتاب الأول، فقرأه، وألقاه إِلَى يزِيد، فَدفع إِلَيْهِ الثَّانِي، فقرأه، وَدفعه إِلَى يزِيد، فَأعْطَاهُ الثَّالِث فقرأه، وتمعر لَونه وختمه، وأمسكه بِيَدِهِ. فَقيل: كَانَ فِيهِ " إِن لم تقرني على مَا أَنا عَلَيْهِ وتؤمنني لأخلعنك، ولأمأنها عَلَيْك خيلاً ورجلاً ". ثمَّ أَمر سُلَيْمَان بإنزال رَسُول قُتَيْبَة، وأحضره لَيْلًا وَأَعْطَاهُ دَنَانِير وعهد قُتَيْبَة على خُرَاسَان، وسير مَعَه رَسُولا. فَلَمَّا كَانَا بحلوان، بلغهما خلع قُتَيْبَة، فَرجع رَسُول سُلَيْمَان. فَلَمَّا خلعه قُتَيْبَة، دَعَا النَّاس إِلَى خلعه، فَلم يجبهُ أحد. فَغَضب وسبهم طَائِفَة طَائِفَة، وقبيلة قَبيلَة، فَغَضب النَّاس واجتمعوا على خلع قُتَيْبَة، وَكَانَ أول من تكلم فِي ذَلِك الأزد، فَأتوا حضين بن الْمُنْذر، فَقَالُوا: إِن هَذَا قد خلع الْخَلِيفَة، وَفِيه فَسَاد الدَّين وَالدُّنْيَا، وَقد شَتمنَا فَمَا ترى؟ فَأَشَارَ أَن يَأْتُوا وَكِيع بن حسان بن قيس الغداني. وغدانة هُوَ ابْن يَرْبُوع بن حَنْظَلَة بن مَالك بن زيد مَنَاة بن تَمِيم. وَكَانَ وَكِيع مقدما، لرياسته على بني تَمِيم، وَكَانَ قُتَيْبَة عَزله، فحقد عَلَيْهِ وَكِيع فَلَمَّا أَتَوْهُ وسألوه أَن يَلِي أَمرهم فعل، فَبلغ أمره لقتيبة، فَأرْسل إِلَيْهِ يَدعُوهُ.

أَرْسَالًا، وَاجْتمعَ إِلَى قُتَيْبَة أهل بَيته، وخواص أَصْحَابه، فكبروا وهاجوا، فَقتل عبد الرَّحْمَن أَخُو قُتَيْبَة، وَجَاء الناسحتى بلغُوا فسطاط قُتَيْبَة، فَقطعُوا أطنابه، وجرح قُتَيْبَة جراحات كَثِيرَة. نزل سعد وشق الْفسْطَاط واحتز رَأس قُتَيْبَة وَقتل مَعَه من أَهله وَإِخْوَته أحد عشر رجلا. فَأرْسل وَكِيع إِلَى سُلَيْمَان بِرَأْسِهِ ورؤوس أَهله. وَأما ابْن خازم فَهُوَ عبد الله بن خازم السّلمِيّ. وَيَنْتَهِي نسب سليم إِلَى قيس عيلان. وَهُوَ أحد غربان الْعَرَب فِي الْإِسْلَام. وَكَانَ من أَشْجَع النَّاس وقتلته بَنو تَمِيم بخراسان فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وَكَانَ الَّذِي ولي قَتله وَكِيع بن الدورقية القريعي. وَكَانَ ابْن خازم أَمِير خُرَاسَان من قبل ابْن الزبير وَكَانَ أَولا اسْتَعْملهُ ابْن عَامر على خُرَاسَان فِي أَيَّام عُثْمَان. وَكَانَ أحد الْأَبْطَال الْمَشْهُورين وَقد حضر مَوَاقِف مَشْهُورَة وأبلى فِيهَا. وَهَذَا خبر مَقْتَله من تَارِيخ النويري قَالَ: وَلما قتل مُصعب بن الزبير كَانَ ابْن خازم يقتل بجير بن وَرْقَاء التَّمِيمِي بنيسابور فَكتب عبد الْملك بن مَرْوَان إِلَى ابْن خازم يَدعُوهُ إِلَى الْبيعَة ويطعمه خُرَاسَان سبع سِنِين فَامْتنعَ وَأطْعم كِتَابه لرَسُوله. وَكتب عبد الْملك إِلَى

بكير بن وساج وَكَانَ خَليفَة ابْن خازم على مرو وتعهده على خُرَاسَان ووعده ومناه فَخلع بكير ابْن خازم ودعا إِلَى عبد الْملك فَأَجَابَهُ أهل مرو.) وَبلغ ابْن خازم فخاف أَن يَأْتِيهِ بكير فيجتمع عَلَيْهِ أهل مرو وَأهل نيسابور فَنزل بجيراً وَأَقْبل إِلَى مرو فَاتبعهُ بجير فَلحقه بقرية على ثَمَانِيَة فراسخ من مرو فقاتله فَقتل ابْن خازم وَكَانَ الَّذِي قَتله وَكِيع بن عَمْرو القريعي اعتوره وَكِيع وبجير بن وَرْقَاء وعمار بن عبد الْعَزِيز فطعنوه فصرعوه وَقعد وَكِيع على صَدره فَقتله وَبعث بشيراً بقتْله إِلَى عبد الْملك وَلم يبْعَث بِرَأْسِهِ وَأَقْبل بكير فِي أهل مرو فوافاهم حِين قتل ابْن خازم فَأَرَادَ أَخذ الرَّأْس وإنفاذه إِلَى عبد الْملك فَمَنعه بجير. كَذَا قَالَ النويري. وَهُوَ خلاف قَول الفرزدق: فَمَا مِنْهُمَا إِلَّا بعثنَا بِرَأْيهِ إِلَى الشَّام ... ... ... ... . الْبَيْت وَالله أعلم. وَكَانَ بَين قتل ابْن خازم وَقتل قُتَيْبَة أَربع وَعِشْرُونَ سنة. وَقَوله: فَوق الشاحجات يَعْنِي البغال. والرسيم: ضرب من السّير وَإِنَّمَا عَنى هَاهُنَا بغال الْبَرِيد بقوله: محذفة الأذناب جلح القوادم وترجمة الفرزدق تقدّمت فِي الشَّاهِد الثَّلَاثِينَ.

(الشاهد الموفي السبعمائة)

وَأنْشد بعده: الْكَامِل لم تدر مَا جزع عَلَيْك فتجزع وَأنْشد بعده (الشَّاهِد الموفي السبعمائة) وَهُوَ من شَوَاهِد س: الْبَسِيط (وَقَالَ رائدهم أرسوا نزاولها ... فَكل حتف امْرِئ يجْرِي بِمِقْدَار) على أَن قَوْله: نزاولها اسْتِئْنَاف وَلِهَذَا وَجب رَفعه. قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَتقول: ائْتِنِي آتِك فتجزم على مَا وَصفنَا وَإِن شِئْت رفعت على أَن لَا تَجْعَلهُ مُعَلّقا بِالْأولِ وَلَكِنَّك تبتدئه وَتجْعَل الأول مستغنياً عَنهُ كَأَنَّهُ يَقُول: ائْتِنِي أَنا آتِيك. وَمثل ذَلِك قَول الأخطل: وَقَالَ رائدهم أرسوا نزاولها الْبَيْت اه. وَأَجَازَ الشَّارِح الْمُحَقق كَون نزاولها حَالا. فَإِن قلت: الْحَال قيد لعاملها فَكيف يكون الإرساء فِي حَال المُزاوَلة والمزاولة إِنَّمَا تكون بعد الإرساء

وَهَذَا الْبَيْت أورد فِي علم الْمعَانِي مِثَالا لكَمَال الِانْقِطَاع باخْتلَاف الجملتين خَبرا وإنشاء لفظا وَمعنى وَلِهَذَا لم يتعاطفا. فَإِن أرسوا إنْشَاء لفظا وَمعنى ونزاولها خبر كَذَلِك فَوَجَبَ ترك الْعَطف. وَلم يَجْعَل نزاولها مَجْزُومًا جَوَابا لِلْأَمْرِ لِأَن الْغَرَض تَعْلِيل الْأَمر بالإرساء بالمزاولة وَالْأَمر فِي الْجَزْم بِالْعَكْسِ أَعنِي يصير الإرساء عِلّة المزاولة كَمَا فِي أسلم تدخل الْجنَّة. كَذَا قَرَّرَهُ التَّفْتَازَانِيّ. وَبِه يعرف مَا فِي قَول الأعلم وَتَبعهُ ابْن يعِيش: وَلَو أمكنه الْجَزْم على الْجَواب لجَاز من الضعْف. وَتَبعهُ أَيْضا ابْن المستوفي فَقَالَ: وَيجوز أَن يجْزم إِذا جعلته عِلّة للْأولِ ومحتاجاً إِلَيْهِ. وَإِنَّا اسْتشْهدُوا بِهِ لِأَنَّهُ لَا يُمكن جزم نزاولها. والرائد: الَّذِي يتَقَدَّم الْقَوْم ليطلب المَاء والكلأ من الرود وَهُوَ التَّرَدُّد فِي طلب الشَّيْء بِرِفْق. وأرسوا بِفَتْح الْهمزَة أَمر من الإرساء أَي: أقِيمُوا من أرسيت السَّفِينَة إرساء أَي: حبستها بالمرساة. وَلم يصب الْعَبَّاس فِي معاهد التَّنْصِيص فِي قَوْله: وَهُوَ من رست السَّفِينَة ترسو رسواً إِذا وقفت على الأنجر مُعرب لنكر وَهُوَ مرساة السَّفِينَة وَهِي خشبات يفرغ بَينهَا الرصاص الْمُذَاب) فَتَصِير كصخرة إِذا رست رست السَّفِينَة. أَو هُوَ من رست أَقْدَامهم فِي الْحَرْب أَي: ثتبت. نزاولها: مضارع زاول الشَّيْء أَي: حاوله وعالجه. والحتف: الْهَلَاك. قَالَ السعد: الضَّمِير فِي نزاولها للحرب أَي:

(الشاهد الحادي والثاني بعد السبعمائة)

قَالَ رائد الْقَوْم ومقدمهم: أقِيمُوا نُقَاتِل. فَإِن موت كل نفس يجْرِي بِمِقْدَار الله وَقدره لَا الجبين ينجيه وَلَا الْإِقْدَام يرديه. وَقيل: الضَّمِير للسفينة وَقيل: للخمر. وَالْوَجْه مَا ذكرنَا. اه. وَيشْهد لما اخْتَار مَا أوردهُ الْكرْمَانِي فِي الموشح وَتَبعهُ العباسي من بَيت بعده وَهُوَ: (إِمَّا نموت كراماً أَو نفوز بهَا ... لنسلم الدَّهْر من كد وأسفار) وَالْعجب من الْكرْمَانِي فِي قَوْله: وصف الشَّاعِر جمَاعَة اللُّصُوص لما رَأَوْا السَّفِينَة طمعوا فِي أَخذهَا فَأمر سيد الْقَوْم الملاحين بإرساء السَّفِينَة. ويعضد هَذَا الْوَجْه مَا بعده: إِمَّا نموت كراماً ... ... ... ... ... ... . . الْبَيْت وَقَالَ الأعلم وَتَبعهُ ابْن يعِيش: وصف شرباً قدمُوا أحدهم يرتاد لَهُم حمراً فظفر بهَا فَقَالَ لَهُم: أسوا أَي: انزلوا نشربها. وَمعنى نزاولها: نخاتل صَاحبهَا عَنْهَا. وَقَوله: فَكل حتف ... إِلَخ أَي: لَا بُد من الْمَوْت فَيَنْبَغِي أَن نبادر بإنفاق المَال فِيهَا وَفِي نَحْوهَا إِلَى اللَّذَّات. هَذَا كَلَامه. وَأنْشد بعده (الشَّاهِد الْحَادِي وَالثَّانِي بعد السبعمائة) وَهُوَ من شَوَاهِد س:

الطَّوِيل (مَتى تأته تعشو إِلَى ضوء ناره ... تَجِد خطباً جزلاً وَنَارًا تأججا) على أَن جملَة: تعشو جَاءَت حَالا بعد صَرِيح الشَّرْط وَهُوَ تأته وَصَاحب الْحَال الضَّمِير الْمُخَاطب فِي الشَّرْط. وَالْمعْنَى: مَتى تأته عاشياً أَي: فِي الظلام. قَالَ الشَّارِح الْمُحَقق: وَيجوز فِي مثله الْبَدَل. أَرَادَ مَا أنْشدهُ سِيبَوَيْهٍ وَهَذَا نَصه فِي بَاب مَا يرْتَفع بَين الجزمين ونيجزم بَينهمَا: أما مَا يرْتَفع بَينهمَا فقولك: إِن تأتني تَسْأَلنِي أعطك وَإِن تَسْأَلنِي تمشي أمش مَعَك. وَذَلِكَ لِأَنَّك أردْت ن تَقول إِن تأتني سَائِلًا يكن ذَلِك وَإِن تأتني مَاشِيا فعلت. - وَقَالَ زُهَيْر: الطَّوِيل (وَمن لَا يزل يستحمل النَّاس نَفسه ... وَلَا يغنها يَوْمًا من الدَّهْر يسأم) إِنَّمَا أَرَادَ: من لَا يزل مستحملاً يكون من أمره ذَلِك. وَلَو رفع يغنها جَازَ وَكَانَ حسنا كَأَنَّهُ قَالَ: من لَا يزل لَا يُغني نَفسه. وَمِمَّا جَاءَ أَيْضا مرتفعاً قَول الحطيئة: (مَتى تأته تعشو إِلَى ضوء ناره ... تَجِد حطباً جزلاً وَنَارًا تأججا) وَسَأَلت الْخَلِيل رَحِمَهُ اللَّهُ عَن قَوْله وَهُوَ عبيد الله بن الْحر: الطَّوِيل (مَتى تأتنا تلمم بِنَا فِي دِيَارنَا ... تَجِد حطباً جزلاً وَنَارًا وتأججا) قَالَ: تلمم بدل من الْفِعْل. وَنَظِيره فِي الْأَسْمَاء: مَرَرْت بِرَجُل عبد الله

فَأَرَادَ أَن يُفَسر الْإِتْيَان بالإلمام كَمَا فسر الِاسْم الأول بِالِاسْمِ الآخر. وَمثل ذَلِك قَوْله أنشدنيهما الْأَصْمَعِي عَن أبي عَمْرو لبَعض بني أَسد: مجزوء الْكَامِل (إِن يبخلوا أَو يجبنوا ... أَو يغدروا لَا يحفلوا) (يغدوا عَلَيْك مرجلي ... ن كَأَنَّهُمْ لم يَفْعَلُوا) فَقَوله: يغدوا بدل من لَا يحفلوا. وغدوهم مرجلي يُفَسر أَنهم لم يحفلوا. وَسَأَلته رَحِمَهُ اللَّهُ: هَل يكون إِن تأتنا تسألنا نعطك فَقَالَ: هَذَا يجوز على غير أَن يكون مثل الأول لِأَن الْفِعْل الآخر تَفْسِير لَهُ وَهُوَ هُوَ. وَالسُّؤَال لَا يكون الْإِتْيَان وَلكنه يجوز الْغَلَط) وَالنِّسْيَان مِمَّن يتدارك كَلَامه. وَنَظِير ذَلِك فِي الْأَسْمَاء: مَرَرْت بِرَجُل حمَار كَأَنَّهُ نسي ثمَّ وَعلم من هَذَا أَن من أنْشدهُ الشَّارِح مركب من بَيْتَيْنِ سَهوا. فصدره للحطيئة وعجزه لِابْنِ الْحر. وَرفع يستحمل النَّاس فِي الْبَيْت الأول لِأَنَّهُ خبر زَالَ النَّاقِصَة. وَقَوله: تلمم بِنَا فِي الْبَيْت الثَّالِث بدل من تأتنا وَتَفْسِير لَهُ لِأَن الْإِلْمَام إتْيَان. وَلَو أمكنه رَفعه على تَقْدِير الْحَال لجَاز. وَقَوله: يغدوا عَلَيْك فِي الْبَيْت الرَّابِع بدل من قَوْله: لَا يحفلوا لِأَن غدوهم مرجلين دَلِيل على أَنهم لم يحفلوا بقبيح مَا أَتَوْهُ فَهُوَ

تَفْسِير لَهُ وتبيين. والترجيل: مشط الشّعْر وتليينه بالدهن. وحفلت بِكَذَا أَي: باليت بِهِ. وَقَوله: مَتى تأته تعشو ... إِلَخ قَالَ المرزوقي فِي شرح الفصيح: يُقَال: عشا يعشو إِذا سَار فِي ظلمَة تسمى عشوة مُثَلّثَة الْعين. وَأنْشد هَذَا الْبَيْت. وَقَالَ ابْن يعِيش: يُقَال: عشوته أَي: قصدته فِي الظلام ثمَّ اتَّسع فَقيل لكل قَاصد: عَاشَ. وَقَالَ اللَّخْمِيّ فِي شرح أَبْيَات الْجمل: قَوْله: تعشو إِلَى ضوء ناره قَالَ الْأَصْمَعِي: تَأتيه على غير هِدَايَة. وَقَالَ غَيره: تَجِيء على غير بصر ثَابت فتهتدي بناره. وَقَالَ القتبي: يُقَال: عشوت إِلَى نارك أعشو عشواً إِذا قصدنها بلَيْل ثمَّ سمي كل قَاصد قَالَ صَاحب الْكَشَّاف عِنْد قَوْله تَعَالَى: وَمن يَعش عَن ذكر الرَّحْمَن إِذا حصلت الآفة فِي الْبَصَر قيل: عشي كفرح وَإِذا نظر نظر الْعشي وَلَا آفَة بِهِ قيل: عشا يعشو. وَنَظِيره: عرج لمن بِهِ الآفة وعرج لمن مَشى مشْيَة العرجان من غير عرج. قَالَ الحطيئة: مَتى تأته تعشو إِلَى ضوء ناره أَي: تنظر إِلَيْهَا نظر الْعشي لما يضعف بَصرك من عظم الْوقُود واتساع الضَّوْء. وَهُوَ بَين فِي معنى قَول حَاتِم: السَّرِيع (أعشو إِذا مَا جارتي برزت ... حَتَّى يواري جارتي الخدر)

. اه. وَقَول الْعَيْنِيّ: تعشو من عشا إِذا أَتَى نَارا يَرْجُو عِنْدهَا خيرا أَو هدى لَيْسَ مَعْنَاهُ مَا ذكره.) وَكَذَلِكَ قَول ابْن المستوفي: يُقَال: عشا إِلَى النَّار يعشو إِذا اسْتدلَّ عَلَيْهَا ليبصر. ضَعِيف. قَالَ عبد اللَّطِيف الْبَغْدَادِيّ فِي شرح نقد الشّعْر لقدامة: وَصفه بِأَن ناره موقدة بِاللَّيْلِ وَهَذَا عِنْد الْعَرَب غَايَة الْمَدْح بِالْكَرمِ وقرى الضيفان. ثمَّ دلّ بقوله: تعشو إِلَى ضوء ناره أَن السابلة تستضيء بهَا وتقصد نَحْوهَا. وَهَذَا صفة النَّار إِذا كَانَت على نشز وَلَا يفعل ذَلِك إِلَّا السَّيِّد وَقَوله: تَجِد خير نَار عِنْدهَا خير موقد أَي: مَتى أَتَيْته عاشياً إِلَى ضوء ناره وجدت خير نَار أَي: أَنْفَع نَار للدفء وَالْأكل عِنْدهَا خير موقد يحْتَمل مَعْنيين. أَحدهمَا: أَن يُرِيد بِمن عِنْدهَا من يوقدها من الغلمان والخول. وَيُرِيد بقوله: خير موقد كَثْرَة كرمهم واحتفالهم بالوارد عَلَيْهِم وَحسن الْقيام عَلَيْهِ بِجَمِيعِ مَا يحْتَاج إِلَيْهِ. - وَالثَّانِي: يُرِيد بِهِ الممدوح وَوَصفه بالإيقاد وَإِن كَانَ سيداً لِأَنَّهُ آمُر بِهِ فَكَأَنَّهُ فَاعله. وَيُرِيد بقوله: خير موقد أكْرم موقد وأسخى موقد وَأفضل موقد. فعلى هَذَا يكون قد وَصفه فِي هَذَا الْبَيْت بجماع الْفَضَائِل. وعَلى

التَّأْوِيل الأول إِنَّمَا وَصفه بالسخاء فَقَط لَكِن ذكره أَولا مفصلا وَهنا مُجملا فاعرف ذَلِك. اه. ويروى أَن هَذَا الْبَيْت لما أنْشد لعمر بن الْخطاب قَالَ: كذب تِلْكَ نَار مُوسَى صلوَات الله عَلَيْهِ وَسَلَامه. وَالْبَيْت من قصيدة طَوِيلَة للحطيئة مدح بهَا بغيض بن عَامر بن شماس بن لأي بن أنف النَّاقة (فَمَا زَالَت الوجناء تجْرِي ضفورها ... إِلَيْك ابْن شماس تروح وتغتدي) (تزور امْرأ يُؤْتِي على الْحَمد مَاله ... وَمن يُعْط أَثمَان المحامد يحمد) (يرى الْبُخْل لَا يبقي على الْمَرْء مَاله ... وَيعلم أَن الشُّح غير مخلد) (كسوب ومتلاف إِذا مَا سَأَلته ... تهلل واهتز اهتزاز المهند) مَتى تأته تعشو ... ... ... ... ... ... . . الْبَيْت (تزور امْرأ إِن يعطك الْيَوْم نائلاً ... بكفيه لَا يمنعك من نائل الْغَد) (هُوَ الْوَاهِب الكوم الصفايا لجاره ... يروحها العبدان فِي عَازِب ندي))

وَهَذَا آخر القصيدة. وَقَوله: فَمَا زَالَت الوجناء ... إِلَخ النَّاقة الوجناء: الغليظة. وضفورها: أتساعها وَإِنَّمَا تجْرِي لِأَنَّهَا قلقت من الضمر. وَابْن شماس: منادى. وَقَوله: تززور امْرأ ... . إِلَخ قَالَ عبد اللَّطِيف الْبَغْدَادِيّ فِي شرح نقد الشّعْر لقدامة: فِيهِ صنفان من الْمَدْح: أَحدهمَا: أَنه يُؤْتِي مَاله لاكتسب الْحَمد فخلص بِهِ من رذيلة التبذير الَّذِي هُوَ إِنْفَاق لَا لغَرَض صَحِيح. وَالثَّانِي: أَنه ينْفق مَاله لطلب الْحَمد لَا لعوض آخر فخلص بِهِ من رذيلة التقتير وَهُوَ أَخذ الْعِوَض المحسوس فِيمَا يُنْفِقهُ فَحِينَئِذٍ تمحض الْوسط للفضيلة. وَقَوله: وَمن يُعْط ... إِلَخ أَتَى بقضية كُلية مَشْهُورَة تَقْتَضِي اسْتِحْقَاقه للحمد. وَقَوله: يرى الْبُخْل لَا يبقي ... . إِلَخ. دلّ بِهِ على أَن كرمه لَيْسَ لمُجَرّد الطَّبْع فَقَط بل عَن فكرة وروية واعتقاد صَحِيح وَنظر فِي العواقب مُسْتَقِيم. قَالَ أفلاطون فِي هَذَا الْمَعْنى: نعم الْبُخْل لَو كَانَ المَال لَا يُؤْتى عَلَيْهِ إِلَّا من جِهَة الْبَذْل. وَلَكِن لما كَانَ المَال معرضًا للتلف بالحوادث الْخَارِجَة الَّتِي لَا يُمكن الاحتراس مِنْهَا كَانَ إِتْلَافه على يَدي مَالِكه أفضل لِأَنَّهُ يحوز بِهِ الْحَمد. وَقَوله: كسوب ومتلاف ... . إِلَخ قَالَ عبد اللَّطِيف: وَصفه بالشجاعة والسخاء جَمِيعًا. فبالشجاعة يكْتَسب وبالسخاء يبْذل ويتلف. وَيجوز

أَن يُرِيد بكسوب أَنه يكْتَسب الْحَمد وَبِقَوْلِهِ متلاف الْبَذْل فَلَا يخرج إِذن عَن وَصفه بالسخاء بل يَصح أَن يُقَال إِنَّه وَصفه مَعَ السخاء بِالْعقلِ لِأَن السَّعْي فِي كسب الْحَمد من أَفعَال الْعُقَلَاء. وَقَوله: إِذا مَا سَأَلته تهلل أَي: استبشر واستنار محياه. وَهَذَا إِنَّمَا يكون عِنْد تناهي الْجُود. وَقَوله: اهتز اهتزاز المهند وَصفه مَعَ البشاشة بالجمال والشهامة واعتدال الحركات فَإِن اهتزاز المهند مِمَّا يُوصف بِهِ الشهم الشجاع. وَأما اهتزاز الْقَضِيب والغصن الرطيب فمما يُوصف بِهِ النِّسَاء والمترفون. وَقَوله: هُوَ الْوَاهِب الكوم ... إِلَخ الكوم: جمع كوماء وَهِي النَّاقة الْعَظِيمَة السنام. والصفايا:) جمع صَفِيَّة وَهِي النَّاقة الغزيرة اللَّبن. والعبدان بِالْكَسْرِ: جمع عبد. والعازب: النبت الْبعيد عَن النَّاس فَلم يرع فَهُوَ أتم لَهُ. وَهُوَ بِالْعينِ الْمُهْملَة وَالزَّاي الْمُعْجَمَة. وَقد حرف الْعَيْنِيّ هَذِه الْكَلِمَة لفظا وَمعنى فَقَالَ: وَالْغَارِب بالغين الْمُعْجَمَة وَالرَّاء: مَا بَين السنام والعنق. والحطيئة تقدّمت تَرْجَمته فِي الشَّاهِد التَّاسِع وَالْأَرْبَعِينَ بعد الْمِائَة. وَأما الْبَيْت الآخر وَهُوَ: (مَتى تأتنا تلمم بِنَا فِي دِيَارنَا ... تَجِد حطباً جزلاً وَنَارًا تأججا) فَإِن تلمم فِيهِ بدل من تأتنا لِأَن الثَّانِي من جنس الأول فَإِنَّهُ يُقَال: ألم الرجل بالقوم إلماماً: أَتَاهُم فَنزل بهم. وَمِنْه قيل: ألم بِالْمَعْنَى

إِذا عرفه وألم بالذنب: فعله. كَذَا فِي الْمِصْبَاح. كَمَا أَن تعشو من جنس الْإِتْيَان فلولا أَنه فِي شعر لجازم جزمه. وَيدل عَلَيْهِ كَلَام سِيبَوَيْهٍ الْمُتَقَدّم وَكَلَام الشَّارِح الْمُحَقق فَإِنَّهُ لَو كَانَ مُرَاده بالمثلية فِي قَوْله: وَيجوز فِي مثله الْبَدَل وُقُوع الْمُضَارع بَين الشَّرْط وَالْجَزَاء فَقَط لقَالَ: إِذا كَانَ الثَّانِي من جنس الأول وَلم يقل لِأَن الثَّانِي إِلَخ. وَكَذَا قَالَ اللَّخْمِيّ فِي شرح أَبْيَات الْجمل قَالَ: وَلَو كَانَ تعشو فِي مَوضِع يقوم بِالْجَزْمِ فِيهِ وزن الْفِعْل لجَاز أَن يُبدل من تأته لِأَن مَعْنَاهُمَا وَاحِد لِأَنَّهُ كثر فِي كَلَامهم حَتَّى صَار كل قَاصد عاشياً. والحطب الجزل بِفَتْح الْجِيم: الغليظ مِنْهُ. يُرِيد أَنهم يوقدون الجزل من الْحَطب لتقوى نارهم فَينْظر إِلَيْهَا الضيوف على بعد ويقصدونها. - والتأجج: توقد النَّار. وتأججا فِي الْبَيْت مَاض وَالْألف للإطلاق وفاعله ضمير النَّار. وَقَالَ أَبُو حنيفَة فِي كتاب النَّبَات: النَّار تذكر وَهُوَ قَلِيل وَأنْشد هَذَا الْبَيْت. وَيشْهد لَهُ قَول الشمرذل: الطَّوِيل (أناخوا فصالوا بِالسُّيُوفِ وأوقدوا ... بعلياء نَار الْحَرْب حَتَّى تأججا) وَقَالَ بَعضهم: النَّار مُؤَنّثَة لَا غير وَإِنَّمَا رد الضَّمِير مذكراً لِأَنَّهُ أَرَادَ بهَا الشهَاب وَهُوَ مُذَكّر. وَقيل: لِأَن تَأْنِيث النَّار غير حَقِيقِيّ فَيكون على طَريقَة:

وَلَا أَرض أبقل وَقيل: الضَّمِير رَاجع للحطب لِأَنَّهُ أهم إِذْ النَّار إِنَّمَا تكون بِهِ. وَقيل: لَيست الْألف للإطلاق) وَإِنَّمَا هِيَ ضمير الِاثْنَيْنِ: الْحَطب وَالنَّار وَإِنَّمَا ذكر الضَّمِير لتغليب الْحَطب على النَّار. - وَكَذَا فِي قَوْله: (من يأتنا يَوْمًا يقص طريقنا ... يجد حطباً جزلاً وَنَارًا تأججا) قَالَ أَبُو عَليّ: قَالَ أَبُو الْحسن: يَعْنِي النَّار والحطب. وَقَالَ بَعضهم: تأججا فعل مضارع مَحْذُوف من أَوله التَّاء وَالْألف مبدلة من نون التوكيد الْخَفِيفَة وَالْأَصْل تتأججن فَالضَّمِير الْمُسْتَتر للنار المؤنثة وَلِهَذَا أنث الْفِعْل. وَالْبَيْت من قصيدة تزيد على ثَلَاثِينَ بَيْتا لِعبيد الله بن الْحر قَالَهَا وَهُوَ فِي حبس مُصعب بن الزبير فِي الْكُوفَة. وَكَانَ ابْن الْحر لشهامته لَا يُطِيع أحدا فَقَالَ النَّاس لمصعب: إِن عبيد الله بن الْحر كَانَ قد أَبى على الْمُخْتَار غير مرّة وَخَالفهُ وقاتله وَفعل مصل ذَلِك بعبيد الله ابْن زِيَاد من قبل فَلَيْسَ لأحد عَلَيْهِ طَاعَة وَنحن نتخوف أَن يثور فِي السوَاد فيكسر عَلَيْك الْخراج كَمَا كَانَ يفعل وَقد أظهر طرفا من الْخلاف فألطف لَهُ حَتَّى تحبسه. فَلم يزل مُصعب يتلطف بِهِ ويعده يمنيه الْأَمَانِي حَتَّى أَتَاهُ فَلَمَّا أَتَاهُ أَمر بِهِ فحبس فَقَالَ فِي ذَلِك قصائد وَقَالَ هَذِه القصيدة وَهُوَ فِي السجْن لرجل من أَصْحَابه وَكَانَ

حبس مَعَه وَيُقَال لَهُ عَطِيَّة بن عَمْرو الْبكْرِيّ وَذَلِكَ أَن عَطِيَّة جزع فِي السجْن. ومطلعها: (أَقُول لَهُ صبرا عطي فَإِنَّمَا ... هُوَ السجْن حَتَّى يَجْعَل الله مخرجا) إِلَى أَن قَالَ: (ومنزلة يَا ابْن الزبير كريهة ... شددت لَهَا من آخر اللَّيْل أسرجا) (لفتيان صدق فَوق جرد كَأَنَّهَا ... قداح براها الماسخي وسحجا) (إِذا خَرجُوا من غمرة رجعُوا لَهَا ... بِأَسْيَافِهِمْ والطعن حَتَّى تفرجا ) مَتى تأتنا تلمم بِنَا فِي دِيَارنَا ... ... ... ... . الْبَيْت وَالْقَصِيدَة بِتَمَامِهَا فِي كتاب اللُّصُوص. وعطي: منادى مرخم عَطِيَّة. وَالْوَاو فِي قَوْله: ومنزلة وَاو رب. وَابْن الزبير هُنَا مُصعب. وأسرج: جمع سرج. والجرد: جمع أجرد وَهُوَ الْقصير الشّعْر من الْخَيل.) والقداح: جمع قدح بِكَسْر الْقَاف فيهمَا وَهُوَ عود السهْم قبل أَن يَجْعَل لَهُ نصل. والماسخي بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة: الَّذِي يصنع السِّهَام. وسحجا بتَشْديد الْحَاء الْمُهْملَة وَقبلهَا سين مُهْملَة أَي: نحته والغمرة بِفَتْح الْمُعْجَمَة: الشدَّة. والطعن مَعْطُوف على الأسياف وتفرجا أَصله تتفرجن بنُون توكيد خَفِيفَة فقلبت ألفا وحذفت التَّاء من أَوله وَمَعْنَاهُ تتكشف. والفرجة: الثلمة. وفاعله ضمير الغمرة. وَقَوله: مَتى تأتنا فَاعله مستتر فِيهِ رَاجع لفتيان. وَكَذَلِكَ الْحَال فِي تلمم وتجد وَلَيْسَت التَّاء فِيهَا للخطاب. وَرَوَاهُ صَاحب كتاب اللُّصُوص: (مَتى تأتني فِي منزل قد نزلته ... تَجِد حطباً جزلاً ... الْبَيْت)

(الشاهد الثالث بعد السبعمائة)

وترجمة ابْن الْحر تقدّمت مفصلة فِي الشَّاهِد التَّاسِع بعد الْمِائَة. وَأنْشد بعده (الشَّاهِد الثَّالِث بعد السبعمائة) مجزوء الْكَامِل (دَعْنِي فَأذْهب جانباً ... يَوْمًا وأكفك جانبا ) على أَنه عطف أكفك مَجْزُومًا على جَوَاب الْأَمر الْمَنْصُوب بِأَن بعد الْفَاء السَّبَبِيَّة. وَهُوَ فَأذْهب قَالَ صَاحب الْمفصل: وَسَأَلَ سِيبَوَيْهٍ الْخَلِيل عَن قَوْله تَعَالَى: لَوْلَا أخرتني إِلَى أجل قريب فَأَصدق وأكن من الصَّالِحين فَقَالَ: هَذَا كَقَوْل ابْن معد يكرب: (دَعْنِي فَأذْهب جانباً ... يَوْمًا وأكفك جانبا) وَكَقَوْلِه: الطَّوِيل (بدا لي أَنِّي لست مدرك مَا مضى ... وَلَا سَابق شَيْئا إِذا كَانَ جائيا) أَي: كَمَا جروا الثَّانِي لِأَن الأول تدخله الْبَاء فَكَأَنَّهَا ثَابِتَة فِيهِ. فَكَذَلِك جزموا لِأَن الأول يكون مَجْزُومًا وَلَا فَاء فِيهِ فَكَأَنَّهُ مجزوم. اه. أَقُول: بَيت ابْن معد يكرب لم يُورِدهُ سِيبَوَيْهٍ فِي كِتَابه الْبَتَّةَ

لَا هُنَا وَلَا فِي مَوضِع آخر كَمَا يظْهر لَك من نقل كَلَامه بعد هَذَا. وَقد خبط ابْن المستوفي هُنَا خبط عشواء من وُجُوه فَقَالَ بعد أَن نقل عبارَة الْمفصل: الأول:) من الْمَسْأَلَتَيْنِ كثير فصحي كَقَوْلِه تَعَالَى: من يضلل الله فَلَا هادي لَهُ ويذرهم. وَالثَّانِي: لحن لَا يَأْتِي إِلَّا فِي ضَرُورَة شعر لِأَن لأوّل مُحَقّق فِيهِ الْجَزْم موضعا لوُجُود الْفَاء والثَّانِي متوهم فِيهِ الْجَرّ لعدم الْبَاء. هَذَا إِذا ثَبت أَنه رُوِيَ بِفَتْح الْبَاء فِي قَوْله: فَأذْهب وَلَو رُوِيَ بسكونها كَانَ مَعْطُوفًا عَلَيْهِ لفظا وَإِذا فتحت الْبَاء كَانَ وأكفك مَعْطُوفًا على مَحل الْفَاء لِأَنَّهَا أَحدهَا: أَن الْآيَة لَا مُنَاسبَة لإيرادها هُنَا. ثَانِيهَا: أَن بَيت زُهَيْر لم يقل أحد إِنَّه من قبيل اللّحن. وَكَيف يسوغ تلحين أهل اللِّسَان لَا سِيمَا زُهَيْر. ثَالِثهَا: قَوْله: هَذَا إِذا ثَبت أَنه رُوِيَ بِفَتْح الْبَاء ... إِلَخ كَأَنَّهُ لم يثبت عِنْده فتح الْبَاء مَعَ أَنه ثَابت عِنْد جَمِيع الروَاة. رَابِعهَا: قَوْله: وَلَو روى بسكونها ... إِلَخ يَعْنِي: أَنه يكون عطف أَمر على أَمر. وَفِيه أَنه يخرج حِينَئِذٍ عَن كَونه شعرًا. خَامِسًا: قَوْله: كَانَ أكفك مَعْطُوفًا على مَحل الْفَاء ... إِلَخ عبارَة قلقة وَحقّ التَّعْبِير: على توهم سُقُوط الْفَاء وَجزم أذهب وَهُوَ الْمُسَمّى عطف التَّوَهُّم والعطف على الْمَعْنى.

(الشاهد الرابع بعد السبعمائة)

هَذَا: وَقَالَ ابْن الْحَاجِب فِي أَمَالِيهِ: يجوز أَن يكون الْمَعْنى اتركني أتصرف فَأذْهب إِلَى جِهَة فأكفيك جانباً تحْتَاج إِلَى كِفَايَته بتصرفي وذهابي. وَيجوز أَن يُرِيد: دَعْنِي يَوْمًا وأكفك جانباً يَوْمًا أَي: إِذا تصرفت لنَفْسي يَوْمًا كفيتك جِهَة تخشاها يَوْمًا آخر. اه. وَقَالَ بعض فضلاء الْعَجم: انتصب جانباً الأول على الظّرْف وَالثَّانِي على أَنه مفعول ثَان لأكفك كَأَنَّهُ خطاب لمن عذله على السّفر والبعد أَي: اتركني أذهب فِي جَانب من الأَرْض وأكفك جانباً من الجوانب الَّتِي تتَوَجَّه إِلَيْهَا. وَهَذَا الْبَيْت لم أَجِدهُ فِي ديوَان عَمْرو بن معد يكرب فَإِنِّي تصفحت ديوانه مرَارًا فَلم أره فِيهِ كَمَا أَن غَيْرِي تصفح ديوانه فَلم يجده فِيهِ. وَالله أعلم. - وَأنْشد بعده (الشَّاهِد الرَّابِع بعد السبعمائة) وَهُوَ من شَوَاهِد س: الطَّوِيل. (بدا لي أَنِّي لست مدرك مَا مضى ... وَلَا سَابق شَيْئا إِذا كَانَ جائيا) على أَن قَوْله: سَابق بِالْجَرِّ مَعْطُوف على مدرك على توهم الْبَاء فِيهِ فَإِنَّهُ يجوز زِيَادَة الْبَاء فِي خبر لَيْسَ كَقَوْلِه تَعَالَى: أَلَيْسَ الله بكاف عَبده.

قَالَ سِيبَوَيْهٍ فِي بَاب الْحُرُوف الَّتِي تنزل بِمَنْزِلَة الْأَمر وَالنَّهْي لِأَن فِيهَا معنى الْأَمر وَالنَّهْي: وَسَأَلت الْخَلِيل عَن قَول الله عَزَّ وَجَلَّ: فَأَصدق وأكن فَقَالَ: هُوَ كَقَوْل زُهَيْر: فَإِنَّمَا جروا هَذَا لِأَن الأول تدخله الْبَاء فجاؤوا بِالثَّانِي وَكَأَنَّهُم قد أثبتوا فِي الأول الْبَاء. وَكَذَلِكَ هَذَا لما كَانَ الْفِعْل الَّذِي قبله قد يكون جزما وَلَا فَاء فِيهِ تكلمُوا بِالثَّانِي وَكَأَنَّهُم قد جزموا قبله. فعلى ذَلِك توهموا هَذَا. اه. وَهَذَا كَمَا ترى لَيْسَ فِيهِ الْبَيْت السَّابِق. وَبَيَان الْآيَة وأولها: رب لَوْلَا أخرتني إِلَى أجل قريب فَأَصدق وأكن من الصَّالِحين. أَن لَوْلَا مَعْنَاهَا الطّلب والتحضيض فَإِذا قلت: لَوْلَا تُعْطِينِي مَعْنَاهُ أَعْطِنِي فَإِذا أُتِي لَهَا بِجَوَاب كَانَ حكمه حكم جَوَاب الْأَمر إِذْ كَانَ فِي مَعْنَاهُ وَكَانَ مَجْزُومًا بِتَقْدِير حرف الشَّرْط فَإِذا أجبْت بِالْفَاءِ كَانَ مَنْصُوبًا بِتَقْدِير أَن فَإِذا عطفت عَلَيْهِ فعلا آخر جَازَ فِيهِ وَجْهَان: النصب بالْعَطْف على مَا بعد الْفَاء والجزم على مَوضِع الْفَاء لَو لم تدخل وَتَقْدِير سُقُوطهَا. وَقد ذكر سِيبَوَيْهٍ هَذَا الْبَيْت فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع أخر من كِتَابه. أَحدهَا: فِي بَاب الْفَاء عِنْد ذكر نواصب الْفِعْل قَالَ فِيهِ بعد أَن أنْشدهُ: لما كَانَ الأول يسْتَعْمل فِيهِ الْبَاء وَلَا تغري الْمَعْنى وَكَانَت

مِمَّا يلْزم الأول نووها فِي الْحَرْف الآخر حَتَّى كَأَنَّهُمْ قد تكلمُوا بهَا فِي الأول. ثَانِيهَا: قبيل بَاب يضمرون فِيهِ الْفِعْل لقبح الْكَلَام أنْشدهُ فِيهِ كَذَلِك. ثَالِثهَا: وَهُوَ أول مَوضِع وَقع فِي كِتَابه أنْشدهُ فِي بَاب اسْم الْفَاعِل يعْمل عمل فعله بِنصب سَابق قَالَ: إِذا كَانَ اسْم الْفَاعِل منوناً ينصب الْمَفْعُول بِهِ. وَأنكر الْمبرد رِوَايَة الْجَرّ وَقَالَ: حُرُوف الْخَفْض لَا تضمر وتعمل. وَالرِّوَايَة عِنْده: وَلَا سَابِقًا) بِالنّصب وَلَا سابقي شَيْء بِالْإِضَافَة إِلَى الْيَاء وَرفع شَيْء على أَنه فَاعل سَابق. وروى أَيْضا: وَلَا سَابق شَيْئا بِالرَّفْع على أَنه خبر لمبتدأ مَحْذُوف وَالتَّقْدِير: وَلَا أَنا سَابق شَيْئا. قَالَ اللَّخْمِيّ فِي شرح أَبْيَات الْجمل: وَفِي هَذَا الْبَيْت شَاهد آخر وَهُوَ إِضَافَة اسْم الْفَاعِل المعمل وَذَلِكَ قَوْله: مدرك مَا مضى. وَالدَّلِيل على أَنه معمل أَنه خبر لَيْسَ وَلَيْسَ لَا تَنْفِي مَاضِيا وَإِنَّمَا تَنْفِي الْمُضَارع وَعطف سَابق عَلَيْهِ. - وَفِيه تَقْدِير الْمصدر على الْمَعْنى إِذْ لم يكن للْفِعْل الْوَاقِع بعْدهَا مصدر فَيكون التَّقْدِير: بدا لي امْتنَاع إِدْرَاك مَا مضى. وَإِنَّمَا قدر الْمصدر من غير اللَّفْظ لِأَن لَيْسَ لَا مصدر لَهَا. بدا: ظهر. وَأَنِّي بِالْفَتْح. وَجُمْلَة: لست ... إِلَخ فِي مَحل خبر أَن وَأَن ومعمولاها فِي تَأْوِيل مصدر مَرْفُوع فَاعل بدا. وَمَا: مَوْصُولَة وَمضى صلتها أَو مَا نكرَة وَمضى فِي مَحل الصّفة. وَإِذا: شَرْطِيَّة حذف جوابها وَيدل عَلَيْهِ مَا قبلهَا. وَلَا يَصح أَن تكون ظرفية لِأَن الشَّيْء لَا يسْبق وَقت مَجِيئه وَإِنَّمَا

يسْبق قبل مَجِيئه وَالْعَامِل فِي إِذا الشّرطِيَّة هُنَا خبر كَانَ أَو نفس كَانَ إِن قُلْنَا بدلالتها على الْحَدث. وَالْبَيْت نسبه سِيبَوَيْهٍ تَارَة إِلَى زُهَيْر بن أبي سلمى وَتارَة إِلَى صرمة الْأنْصَارِيّ. وَقَالَ ابْن خلف: وَهُوَ الصَّحِيح. ويروى لِابْنِ رَوَاحَة الْأنْصَارِيّ وَقد تقدم إنشاده فِي قصيدة زُهَيْر فِي الشَّاهِد الْخَامِس وَالْخمسين بعد الستمائة.

(باب الأمر)

(بَاب الْأَمر) أنْشد فِيهِ: الْخَفِيف لتقم أَنْت يَا ابْن خير قُرَيْش تقدم شَرحه فِي الجوازم فِي الْحَادِي والثمانين بعد الستمائة. وَأنْشد بعده: مُحَمَّد تفد نَفسك كل نفس تقدم شرح هَذَا أَيْضا هُنَاكَ.

البسيط

( الْمُتَعَدِّي وَغير الْمُتَعَدِّي) أنْشد فِيهِ (الشَّاهِد الْخَامِس بعد السبعمائة) الْبَسِيط (يقْرَأن بالسور) هُوَ قِطْعَة من بَيت وَهُوَ: (تِلْكَ الْحَرَائِر لَا ربات أحمرة ... سود المحاجر لَا يقْرَأن بالسور) على أَن الْبَاء زَائِدَة فِي الْمَفْعُول بِهِ. قَالَ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي: وَقيل ضمن يقْرَأن معنى يرقين ويتبركن وَأَنه يُقَال: قَرَأت بالسورة على هَذَا الْمَعْنى وَلَا يُقَال قَرَأَ بكتابك لفَوَات معنى التَّبَرُّك. قَالَه السُّهيْلي. وَقَالَ أَيْضا فِي أول الْبَاب الثَّامِن: قد يعْطى النَّفْي حكم مَا أشبهه فِي مَعْنَاهُ وَمِنْه إِدْخَال الْبَاء فِي لَا يقْرَأن بالسور لما دخله من معنى لَا يتقربن بِقِرَاءَة السُّور. وَلِهَذَا قَالَ السُّهيْلي: لَا يجوز أَن تَقول: وصل إِلَيّ كتابك فَقَرَأت بِهِ على حد قَوْله: لَا يقْرَأن بالسور لِأَنَّهُ عَار عَن معنى التَّقَرُّب. اه. وَلَا يخفاك أَن مَا نَقله عَن السُّهيْلي فِي الْمَوْضِعَيْنِ مُخْتَلف وَكَأَنَّهُ أَشَارَ إِلَى أَن مدَار التَّضْمِين لفظ يجوز أَن يتَعَدَّى بالحرف الْمَذْكُور أَي لفظ كَانَ. وكل من هَذِه الْأَلْفَاظ الْمَذْكُورَة يتَعَدَّى بِالْبَاء وَلَكِن كَلَام السُّهيْلي مَبْنِيّ على أَن التَّضْمِين قياسي.

وَالْبَيْت وَقع فِي شعرين: أَحدهمَا: لِلرَّاعِي النميري وَالثَّانِي: لِلْقِتَالِ الْكلابِي.) أما الأول فَهُوَ من قصيدة أَولهَا: (يَا أهل مَا بَال هَذَا اللَّيْل فِي صفر ... يزْدَاد طولا وَمَا يزْدَاد فِي قصر) (فِي إِثْر من قطعت عني قرينته ... يَوْم الحدالى بِأَسْبَاب من الْقدر) (كَأَنَّمَا شقّ قلبِي يَوْم فارقهم ... قسمَيْنِ: بَين أخي نجد ومنحدر) (هم الْأَحِبَّة أبْكِي الْيَوْم إثرهم ... قد كنت أطرب إِثْر الجيرة الشّطْر) (فَقلت والحرة الرجلاء دونهم ... وبطن لجان لما اعتادني ذكري) (صلى على عزة الرَّحْمَن وابنتها ... ليلى وَصلى على جاراتها الْأُخَر) هن الْحَرَائِر لَا ربات أحمرة ... ... ... ... ... . الْبَيْت قَوْله: فِي صفر هُوَ اسْم الشَّهْر قَالُوا: خصّه لِأَن الْهم فِيهِ أَصَابَهُ. وَقيل: كَانَ صفر صيفاً وليل الصَّيف قصير فَقَالَ: كَيفَ طَال عَليّ اللَّيْل فِي الصَّيف وَإِنَّمَا ذَلِك لما هُوَ فِيهِ من الْغم فَلذَلِك طَال عَلَيْهِ اللَّيْل. كَذَا قَالَ ابْن المستوفي.

- وَقَوله: فِي إِثْر مُتَعَلق بيزداد وَأَرَادَ بِالْقَرِينَةِ: الحبيبة لِأَنَّهَا تشبه الْقَمَر. والحدالى بِفَتْح الْمُهْملَة وَالْقصر: مَوضِع. والجيرة: جمع جَار بِالْجِيم. والشطر بِضَمَّتَيْنِ: جمع شطير وَهُوَ الْبعيد. والحرة الرجلاء: مَوضِع فِي ديار جذام الأول بِالْمُهْمَلَةِ وَالثَّانِي بِالْجِيم. ويروى: والحرة السَّوْدَاء. ولجان بِفَتْح اللَّام وَتَشْديد الْجِيم: وَاد قبل حرَّة بني سليم. وَقَوله: صلى على عزة ... إِلَخ الصَّلَاة: الرَّحْمَة. وَعزة بِفَتْح الْمُهْملَة وَتَشْديد الْمُعْجَمَة: محبوبة كثير الشَّاعِر. وَقَوله: تِلْكَ الْحَرَائِر ... إِلَخ الْإِشَارَة بِتِلْكَ إِلَى النِّسَاء الْمَذْكُورَة. وإيثار اسْم الْإِشَارَة لتمييزهن أكمل تَمْيِيز وَكَونه بالبعيد للتعظيم. وروى: هن الْحَرَائِر. وَتلك مُبْتَدأ والحرائر خَبره وَقَالَ بعض أفاضل الْعَجم: الْحَرَائِر صفته. وَقَوله: لَا ربات هُوَ الْخَبَر. ويبطله رِوَايَة هن الْحَرَائِر وَهُوَ جمع حرَّة وَمَعْنَاهَا الْكَرِيمَة والأصيلة قَالَ الجواليقي فِي شرح أدب الْكَاتِب: والأحمرة: جمع حمَار بِالْحَاء الْمُهْملَة جمع قلَّة. وَخص الْحمير لِأَنَّهَا رذال المَال وشره يُقَال: شَرّ المَال مَا لَا يزكّى وَلَا يُذكى. اه. وَكَذَا ضبط هَذِه الْكَلِمَة صَاحب كتاب اللُّصُوص وَابْن المستوفي. وَقد صحف الدماميني فِي) الْحَاشِيَة الْهِنْدِيَّة هَذِه الْكَلِمَة بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة

وَقَالَ: والأحمرة: جمع خمار وَهُوَ مَا تستر بِهِ الْمَرْأَة رَأسهَا. وَفِي الْقَامُوس: وكل مَا ستر شَيْئا فَهُوَ خمار. هَذَا كَلَامه وَتَبعهُ من بعده. وَقَوله: سود المحاجر صفة ربات لِأَن إِضَافَة مَا بِمَعْنى اسْم الْفَاعِل المستمر تخفيفية لَا تفِيد تعريفاً كَقَوْلِهِم: نَاقَة عبر الهواجر أَي: عابرة فِيهَا. وَكَذَلِكَ سود المحاجر أَي: مسودة محاجرها وَهُوَ جمع محجر كمجلس ومنبر. قَالَ الجواليقي: هُوَ من الْوَجْه حَيْثُ يَقع عَلَيْهِ النقاب وَمَا بدا من النقاب أَيْضا. اه. وَأَرَادَ بِهَذَا الْوَصْف الْإِمَاء السود. قَالَ صَاحب أشعار اللُّصُوص: سود المحاجر من سَواد الْوُجُوه وَخص المحاجر دون الْوَجْه وَالْبدن كُله لِأَنَّهُ أول مَا يرى. وَمن هَذَا قَول النَّابِغَة: الْبَسِيط. وَإِنَّمَا أَرَادَ سَواد الْجَسَد كُله. وَجُمْلَة: لَا يقْرَأن صفة ثَانِيَة لربات. - قَالَ الجواليقي: يَقُول: هن خيرات كريمات يَتلون الْقُرْآن ولسن بإماء سود ذَوَات حمر يسقينها. اه.

وَقَالَ بعض فضلاء الْعَجم فِي شرح أَبْيَات الْمفصل: إِن تِلْكَ الْحَرَائِر لَيست أَرْبَاب أحمرة وَلَا يتسترن بهَا سود المحاجر لهزالها أَو لكبر أسنانها وجاهلات لَا يقْرَأن الْقُرْآن. هَذَا كَلَامه. وَهَذَا لَا يقْضى مِنْهُ الْعجب. وَعِنْده أَن أحمرة بِالْمُعْجَمَةِ وَهُوَ تَصْحِيف كَمَا مر. وترجمة الرَّاعِي تقدّمت فِي الشَّاهِد الثَّالِث والثمانين بعد الْمِائَة. وَأما الشّعْر الثَّانِي فَهُوَ لِلْقِتَالِ الْكلابِي. قَالَ صَاحب كتاب اللُّصُوص: أخبرنَا أَبُو سعيد حَدثنِي أَبُو زيد حَدثنِي حميد بن مَالك أَنْشدني شَدَّاد بن عقبَة لِلْقِتَالِ فِي ابْنه عبد السَّلَام: (عبد السَّلَام تَأمل هَل ترى ظعناً ... إِنِّي كَبرت وَأَنت الْيَوْم ذُو بصر) (لَا يبعد الله فتياناً أَقُول لَهُم ... بالأبرق الْفَرد لما فَاتَنِي نَظَرِي)) (صلى على عمْرَة الرَّحْمَن وابنتها ... ليلى وَصلى على جاراتها الْأُخَر) هن الْحَرَائِر ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... . . الْبَيْت

وَعبد السَّلَام: منادى. وظعن: جمع ظَعِينَة وَهِي الْمَرْأَة فِي الهودج. والأبرق الْفَرد: مَوضِع وَكَذَلِكَ عاسم بالمهملتين وفحلين بإعراب الْمثنى وَذُو بقر: أَسمَاء مَوَاضِع. وَأَرَادَ بِهَذِهِ الظعن نِسَاءَهُ وحريمه. قَالَ ياقوت فِي مُعْجم الْبلدَانِ: فحلين بِلَفْظ التَّثْنِيَة: مَوضِع فِي جبل أحد. وَأنْشد هَذِه الأبيات. والقتال الْكلابِي اسْمه عبد الله بن مُجيب بن المضرحي بن عَامر بن كَعْب ابْن عبد بن أبي بكر بن كلاب. وَقيل: اسْمه عبَادَة بن الْمُجيب. وَقيل: اسْمه عبيد بن الْمُجيب وكنيته أَبُو الْمسيب. كَذَا فِي كتاب اللُّصُوص. وَهُوَ شَاعِر إسلامي كَانَ فِي الدولة المروانية فِي عصر الرَّاعِي والفرزدق وَجَرِير ولقب بِالْقِتَالِ لتمرده وفتكه. وَكَانَ شجاعاً شَاعِرًا. وَكَانَ فِي دناءة النَّفس كالحطيئة وَكَانَت عشيرته تبْغضهُ لِكَثْرَة جناياته وَمَا يلْحقهَا من أَذَاهُ وَلَا تَمنعهُ من مَكْرُوه يلْحقهُ. وَأورد لَهُ صَاحب كتاب اللُّصُوص جنايات كَثِيرَة وَله فِيهَا أشعار. وَأنْشد بعده: الطَّوِيل على أَن دون مَعْطُوف على مَحل الْجَار وَالْمَجْرُور أَعنِي من دون

(الشاهد السادس بعد السبعمائة)

وَكَأَنَّهُ قَالَ: فَإِن لم تَجِد دون عدنان والداً وَدون معد. - وَقَوله: فلتزعك بِفَتْح الزَّاي: أَمر من زوعته أزعه وزعاً إِذا كففته. وَقد تقدم شَرحه مُسْتَوفى فِي الشَّاهِد الثَّالِث وَالْعِشْرين بعد الْمِائَة. وَأنْشد بعده (الشَّاهِد السَّادِس بعد السبعمائة) الطَّوِيل أشارت كُلَيْب بالأكف الْأَصَابِع على أَن بَقَاء عمل حرف الْجَرّ بعد حذفه شَاذ. وَعند ابْن عُصْفُور ضَرُورَة وَالتَّقْدِير: أشارت إِلَى كُلَيْب وَكَانَ الْقيَاس النصب بعد حذف الْجَار. وَقد رَأَيْته فِي ديوانه وَفِي المناقضات مَنْصُوبًا. وأنشده أَبُو عَليّ الْفَارِسِي فِي التَّذْكِرَة القصرية بِالرَّفْع. وَكَذَا رَأَيْته فِي شرح المناقضات قَالَ شارحها: أَرَادَ: أشارت الْأَصَابِع: هَذِه كُلَيْب. ويروى: أَشرت كليباً أَي: رفعت. إِذا قيل أَي النَّاس شَرّ قَبيلَة وَالْبَيْت من قصيدة عدتهَا خَمْسَة وَأَرْبَعُونَ بَيْتا للفرزدق نَاقض بهَا قصيدة لجرير هجاه بهَا على هَذَا الروي وغالب أبياتها فِي كتب النَّحْو. - وَهَذَا مطْلعهَا: (منا الَّذِي اختير الرِّجَال سماحة ... وَخيرا إِذا هَب الرِّيَاح الزعازع) ...

(وَمنا الَّذِي قاد الْجِيَاد على الوجى ... لنجران حَتَّى صبحتها النزائع) (وَمنا الَّذِي أعْطى الرَّسُول عَطِيَّة ... أُسَارَى تَمِيم والعيون دوامع) (وَمنا الَّذِي يُعْطي المئين وَيَشْتَرِي ال ... غوالي ويعدو فَضله من يدافع) (وَمنا خطيب لَا يعاب وحامل ... أغر إِذا الْتفت عَلَيْهِ المجامع) (وَمنا الَّذِي أَحْيَا الوئيد وغالب ... وَعَمْرو وَمنا حَاجِب والأقارع) (أُولَئِكَ آبَائِي فجئني بمثلهم ... إِذا جمعتنَا يَا جرير المجامع) (بهم أعتلي مَا حَملتنِي مجاشع ... وأصرع أقراني الَّذين أصارع) (فيا عجبا حَتَّى كُلَيْب تسبني ... كَأَن أَبَاهَا نهشل أَو مجاشع) (تَنَح عَن الْبَطْحَاء إِن قديمها ... لنا وَالْجِبَال الراسيات الفوارع) (أتعدل أحساباً لِئَامًا أدقة ... بأحسابنا إِنِّي إِلَى الله رَاجع) ...

(وكل فطيم يَنْتَهِي لفطامه ... وكل كليبي وَلَو شَاب راضع) (تزيد يَرْبُوع بهم فِي عديدهم ... كَمَا زيد فِي عرض الْأَدِيم الأكارع)) (إِذا قيل أَي النَّاس شَرّ قَبيلَة ... أشارت كليباً بالأكف الْأَصَابِع) وَقَوله: منا الَّذِي اختبر الرِّجَال سماحة يَأْتِي شَرحه إِن شَاءَ الله فِي بَيت بعد هَذَا. وَقَوله: وَمنا الَّذِي قاد الْجِيَاد ... إِلَخ هَذَا هُوَ الْأَقْرَع بن حَابِس وَعَمْرو ابْن كُلْثُوم كِلَاهُمَا غزوا نَجْرَان. - وَقَوله: وَمنا الَّذِي أعْطى الرَّسُول ... إِلَخ هَذَا يَوْم بني عَمْرو بن جُنْدُب حِين رد رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ سَبْيهمْ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: كلم الْأَقْرَع رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فِي أَصْحَاب الحجرات وهم بَنو عَمْرو بن جُنْدُب فَرد سَبْيهمْ. وَقَوله: وَمنا خطيب ... إِلَخ الْخَطِيب هُوَ عُطَارِد بن حَاجِب بن زُرَارَة حِين وَفد إِلَى النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فِي وَفد بني تَمِيم. وَالْحَامِل: عبد الله بن حَكِيم الَّذِي حمل الحمالات يَوْم المربد يَوْم قتل مَسْعُود بن عَمْرو الْعَتكِي

وَقَوله: وَمنا الَّذِي أَحْيَا الوئيد هُوَ جده صعصعة بن نَاجِية كَانَ يَشْتَرِي الْبِنْت مِمَّن يُرِيد وأدها فأحيا سِتا وَتِسْعين موؤودة إِلَى زمن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ. وَقَوله: فيا عجبا حَتَّى كُلَيْب الْبَيْت يَأْتِي شَرحه إِن شَاءَ الله تَعَالَى فِي حَتَّى الجارة. وَقَوله: إِذا قيل أَي النَّاس ... إِلَخ إِنَّمَا بنى قيل بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول لِأَنَّهُ أَرَادَ التَّعْمِيم أَي: إِذا قَالَ قَائِل. وَجُمْلَة: أَي النَّاس شَرّ قَبيلَة من الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر نَائِب الْفَاعِل ونيابة الْجُمْلَة المختصة بالْقَوْل نَحْو: ثمَّ يُقَال هَذَا الَّذِي كُنْتُم بِهِ تكذبون لِأَن الْجُمْلَة الَّتِي يُرَاد بهَا لَفظهَا تنزل منزلَة الْأَسْمَاء المفردة. وَشر أفعل تَفْضِيل حذفت مِنْهَا الْهمزَة. وأشارت: جَوَاب إِذا. وروى أَبُو عَليّ فِي تَذكرته: أَشرت بدله وَقَالَ: يُرِيد أشارت إِلَيْهَا بِأَنَّهَا شَرّ النَّاس يُقَال: لَا تشر فلَانا أَي: لَا تشر إِلَيْهِ بشر. وَإِنَّمَا قَالَ أشارت للإيماء إِلَى أَن حَال هَذِه الْقَبِيلَة فِي الشَّرّ قد صَار أمرا محسوسً يشار إِلَيْهِ. والأصابع: فَاعل أشارت وَإِنَّا جمع للتّنْبِيه على كَثْرَة المشيرين كل وَاحِد مِنْهُم يُشِير إِلَيْهِم بإصبع وَاحِدَة كَمَا هُوَ الْمُعْتَاد. قَالَ الدماميني: وبالأكف حَال من الْأَصَابِع أَي: أشارت الْأَصَابِع فِي حَالَة كَونهَا مَعَ الأكف. يَعْنِي أَن الْإِشَارَة وَقعت بالمجموع. قَالَ:

وَفِيه مزِيد ذمّ لهَذِهِ الْقَبِيلَة فالباء على هَذَا للمصاحبة.) وَقيل هَذَا من قبيل الْقلب المقبول لتَضَمّنه معنى لطيفاً وَهُوَ الْمُبَالغَة فِي هجو هَذِه الْقَبِيلَة لإيهام أَنه صَار يشار إِلَيْهَا حَال السُّؤَال عَن حَالهَا على خلاف الْمُعْتَاد لمزيد شَرها. وَالْأَصْل: أشارت الأكف إِلَى كُلَيْب بالأصابع فالباء للاستعانة. قَالَ ابْن الْحَنْبَلِيّ: وَيُقَوِّي الأول أَنه يُقَال: فلَان يشار إِلَيْهِ بالأصابع وَلَا يُقَال بالكف فلتكن الْأَصَابِع هُنَا هِيَ المشيرة ظَاهرا وَبَاطنا على التَّجَوُّز فِي الْإِسْنَاد من دون قلب. ورد ابْن الملا على شَيْخه بِأَنَّهُ: إِنَّمَا يُقَال ذَلِك حَيْثُ يطوى ذكر الْفَاعِل وَمَا فِي الْبَيْت لَيْسَ كَذَلِك على أَن مَا يُقَال إِنَّمَا يُقَوي وَجه الْقلب لدُخُول الْبَاء فِيهِ على الْأَصَابِع. وَالنَّاس: اسْم جمع لإِنْسَان أَصله أنَاس حذفت همزته تَخْفِيفًا. وَفِي الْقَامُوس: النَّاس يكون من الْإِنْس وَمن الْجِنّ. والقبيلة: وَاحِدَة قبائل الْعَرَب وَهِي الطَّبَقَة الثَّانِيَة من الطَّبَقَات السِّت الَّتِي عَلَيْهَا الْعَرَب وَهِي الشّعب بِالْفَتْح والقبيلة والعمارة والبطن والفخذ والفصيلة. فالشعب يجمع الْقَبَائِل وَهِي تجمع العمائر والعمارة تجمع الْبُطُون والبطن يجمع الأفخاذ والفخذ يجمع الفصائل. وَإِنَّمَا قيل لَهَا قَبيلَة أخذا من قَبيلَة الرَّأْس وقبائله: الْقطع المشعوب بَعْضهَا إِلَى بعض وَذَلِكَ لتقابلها وتناظرها فِي الشّعب كَمَا قيل لَهُ شعب لتشعب الْقَبَائِل إِلَيْهِ أَو مِنْهُ.

(الشاهد السابع بعد السبعمائة)

ورد عَلَيْهِ جرير فِي مناقضته بميل هَذَا الْبَيْت فَقَالَ: (إِذا قيل أَي النَّاس شَرّ قَبيلَة ... وَأعظم عاراً قيل: تِلْكَ مجاشع) وقبيلة فِي الْبَيْتَيْنِ بِالنّصب على التَّمْيِيز. وَتَقَدَّمت تَرْجَمَة الفرزدق فِي الشَّاهِد الثَّلَاثِينَ. وَأنْشد بعده (الشَّاهِد السَّابِع بعد السبعمائة) الوافر تمرون الديار وَلم تعوجوا على أَن حذف الْجَار مِنْهُ على سَبِيل الشذوذ وَالْجَار الْمَحْذُوف إِمَّا الْبَاء وَإِمَّا على فَإِن الْمُرُور يتَعَدَّى بهما. - قَالَ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي: وَعَن الْأَخْفَش فِي مَرَرْت بزيد أَن الْمَعْنى مَرَرْت على زيد بِدَلِيل: لتمرون عَلَيْهِم. وَأَقُول: إِن كلا من الإلصاق والاستعلاء إِنَّمَا يكون حَقِيقا إِذا كَانَ مقضياً إِلَى

نفس الْمَجْرُور كأمسكت بزيد وصعدت على السَّطْح. فَإِن أفْضى إِلَى مَا يقرب مِنْهُ فمجازي وَكَقَوْلِه: الطَّوِيل وَبَات على النَّار الندى والمحلق فَإِذا اسْتَوَى التقديران فِي المجازية فالأكثر اسْتِعْمَالا أولى بالتخريج عَلَيْهِ كمررت بِهِ ومررت عَلَيْهِ وَإِن كَانَ قد جَاءَ كَمَا فِي: لتمرون عَلَيْهِم يَمرونَ عَلَيْهَا. وَلَقَد أَمر على اللَّئِيم يسبني إِلَّا أَن مَرَرْت بِهِ أَكثر فَكَانَ أولى بتقديره أصلا. وَيتَخَرَّج على هَذَا الْخلاف خلاف فِي الْمُقدر فِي قَوْله: تمرون الديار وَلم تعوجوا أهوَ الْبَاء أَو على. اه. يَعْنِي: فَمن سَاوَى بَين التَّقْدِيرَيْنِ قدر أَيهمَا شَاءَ لصِحَّة الْمَعْنى بهما. وَمن رجح الْبَاء لِكَثْرَة الِاسْتِعْمَال قدرهَا لِأَنَّهُ مَتى أمكن الْمصير إِلَى الأَصْل لم يتَجَاوَز عَنهُ. وعد ابْن عُصْفُور حذف الْجَار وإيصال الْفِعْل إِلَيْهِ ضَرُورَة. وَالصَّحِيح مَا ذهب إِلَيْهِ الشَّارِح الْمُحَقق بِدَلِيل مَا أوردهُ من الْآيَات.

وَقَول الشَّارِح الْمُحَقق: والأخفش الْأَصْغَر يُجِيز حذف الْجَار مَعَ غَيرهمَا أَيْضا قِيَاسا إِذا تعين والأخفش الْأَصْغَر هُوَ تلميذ أبي الْعَبَّاس وَهُوَ أَبُو الْحسن عَليّ بن سُلَيْمَان الْأَخْفَش. وَلَيْسَ مَا نسبه إِلَيْهِ مذْهبه وَإِنَّمَا مذْهبه أَن يكون الْفِعْل مُتَعَدِّيا بِنَفسِهِ إِلَى مفعول وَاحِد وَإِلَى آخر بِحرف جر فَحِينَئِذٍ يجوز حذفه.) وَهَذَا كَلَامه فِيمَا كتبه على كَامِل الْمبرد قَالَ: فَأَما قَوْله: الطَّوِيل وأخفي الَّذِي لَوْلَا الأسى لقضاني فَإِنَّمَا يُرِيد: لقضى عَليّ الْمَوْت كَمَا قَالَ الله تَعَالَى: فَلَمَّا قضينا عَلَيْهِ الْمَوْت فالموت فِي النِّيَّة وَهُوَ مَعْلُوم بِمَنْزِلَة مَا نطقت بِهِ. وَمثله: وَاخْتَارَ مُوسَى قومه. أَي: لِقَوْمِهِ. وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: وَإِذا كالوهم أَو وزنوهم يخسرون وَالْمعْنَى: إِذا كالوا لَهُم أَو وزنوا لَهُم أَي: كالوا لَهُم الشَّيْء ووزنوه لَهُم. والمكيل وَالْمَوْزُون مَعْلُوم بِمَنْزِلَة مَا ذكر فِي اللَّفْظ. وَلَا يجوز مَرَرْت زيدا وَأَنت تُرِيدُ بزيد لِأَنَّهُ لَا يتَعَدَّى إِلَّا بِحرف وَذَلِكَ أَنه فعل الْفَاعِل فِي نَفسه وَلَيْسَ فِيهِ دَلِيل على مفعول وَلَيْسَ هَذَا بِمَنْزِلَة مَا يتَعَدَّى إِلَى مفعولين فيتعدى إِلَى أَحدهمَا بِحرف الْجَرّ وَإِلَى الآخر بِنَفسِهِ لِأَن قَوْلك: اخْتَرْت الرِّجَال

زيدا قد علم بذكرك زيدا أَن حرف الْجَرّ مَحْذُوف من الأول. فَأَما قَول جرير وإنشاد أهل الْكُوفَة لَهُ وَهُوَ قَوْله: وَرِوَايَة بَعضهم لَهُ: أتمضون الديار وَلم تحيا فليستا بِشَيْء لما ذكرت لَك. وَالسَّمَاع الصَّحِيح وَالْقِيَاس المطرد لَا تعترض عَلَيْهِ الرِّوَايَة الشاذة. أخبرنَا أَبُو الْعَبَّاس مُحَمَّد بن يزِيد قَالَ: قَرَأت على عمَارَة بن عقيل بن بِلَال بن جرير: مررتم بالديار وَلم تعوجوا فَهَذَا يدلك على أَن الرِّوَايَة مُغيرَة. اه. وَالْبَيْت من قصيدة لجرير هجا بهَا الأخطل النَّصْرَانِي. وَهَذَا مطْلعهَا: (مَتى كَانَ الْخيام بِذِي طلوح ... سقيت الْغَيْث أيتها الْخيام) (تنكر من معالمها ومالت ... دعائمها وَقد بلي الثمام) (أَقُول لصحبتي لما ارتحلنا ... ودمع الْعين منهمر سجام) (تمرون الديار وَلم تعوجوا ... كلامكم عَليّ إِذا حرَام) وَمِنْهَا: (لقد ولد الأخيطل أم سوء ... على بَاب استها صلب وشام) قَوْله: مَتى كَانَ الْخيام ... . إِلَخ. أورد ابْن هِشَام عَجزه فِي الْمُغنِي

على أَنه قد تولدت وَاو من) والخيمة عِنْد الْعَرَب: كل بَيت يبْنى من عيدَان الشّجر. وَذُو طلوح بمهملتين: مَكَان. والطلح: شجر عَظِيم لَهُ شوك. والمعالم: جمع معلم كمقعد: مَظَنَّة الشَّيْء وَمَا يسْتَدلّ بِهِ. والدعامة بِالْكَسْرِ: عماد الْبَيْت. والثمام بِضَم الْمُثَلَّثَة: نبت ضَعِيف لَهُ خوص رُبمَا حشي بِهِ الوسائد ويسد بِهِ خصاص الْبيُوت. والمنهمر: المنسكب. والسجام بِالْكَسْرِ: مصدر سجم الدمع إِذا سَالَ. وَقَوله: وَلم تعوجوا يُقَال: عاج رَأس الْبَعِير إِذا عطفه بالزمام. وكلامكم مُبْتَدأ وَهُوَ مصدر مُضَاف إِلَى مَفْعُوله الْفَاعِل مَحْذُوف أَي: كَلَامي إيَّاكُمْ. وَحرَام: خَيره وَعلي مُتَعَلق بالْخبر. وَقَوله: لقد ولد الأخيطل أوردهُ صَاحب الْكَشَّاف شَاهدا لقِرَاءَة إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ: وَلم يكن لَهُ صَاحِبَة بِالْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّة على أَنه لم يؤنث الْفِعْل الْمسند إِلَى الْمُؤَنَّث الْحَقِيقِيّ للفصل. والأخيطل: مصغر الأخطل صغره تحقيراً لَهُ. والصلب: جمع صَلِيب. وشام: جمع شامة وَهِي الْعَلامَة. يُرِيد أَن أمه فعلت فعل الموشمات نقشت صُورَة الصَّلِيب فِي ذَلِك الْموضع. وَفِي الْقَامُوس أَن الأخطل كَانَ يلقب بِذِي صَلِيب.

(الشاهد الثامن بعد السبعمائة)

وَالشَّام: النقوش. وَفِي بعض حَوَاشِي الْمفصل: صلب وشام: نبتان يصفها بخشونة ذَلِك وترجمة جرير تقدّمت فِي الشَّاهِد الرَّابِع من أول الْكتاب. وَأنْشد بعده (الشَّاهِد الثَّامِن بعد السبعمائة) وَهُوَ من شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ: الطَّوِيل. وَمنا الَّذِي اختير الرِّجَال سماحة على أَن الرِّجَال مَنْصُوب بِنَزْع الْخَافِض وَالْأَصْل: من الرِّجَال وَهُوَ الْمَفْعُول الثَّانِي الْمُقَيد بِحرف الْجَرّ لاختار فَإِنَّهُ يتَعَدَّى إِلَى الأول بِنَفسِهِ وَإِلَى الثَّانِي بِحرف الْجَرّ. وَالْمَفْعُول الأول هُنَا نَائِب الْفَاعِل وَهُوَ الضَّمِير الْعَائِد إِلَى الَّذِي فِي اختير. وَهَذَا الْحَذف كثير الِاسْتِعْمَال وَلِهَذَا قَالَ الشَّارِح الْمُحَقق: وَكَذَا يحذف من الْمَفْعُول الثَّانِي. وَالْإِشَارَة لقَوْله سَابِقًا. وَأما كَثْرَة الِاسْتِعْمَال قَالَ سِيبَوَيْهٍ فِي بَاب الْفَاعِل الَّذِي يتعداه فعله إِلَى مفعولين: إِن شِئْت اقتصرت على الْمَفْعُول الأول وَإِن شِئْت تعدى إِلَى الثَّانِي وَمن ذَلِك: اخْتَرْت الرِّجَال عبد الله. وَمثل ذَلِك قَوْله تَعَالَى: وَاخْتَارَ مُوسَى قومه سبعين رجلا وسميته زيدا.

أسْتَغْفر الله ذَنبا لست محصيه وَقَالَ عَمْرو بن معد يكرب: الْبَسِيط أَمرتك الْخَيْر فافعل مَا أمرت بِهِ وَهَذِه أَفعَال توصل بحروف الْإِضَافَة فَتَقول: اخْتَرْت من الرِّجَال وسميته بفلان كَمَا تَقول: عَرفته بِهَذِهِ الْعَلامَة وَأَسْتَغْفِر الله من ذَلِك. فَلَمَّا حذفوا حرف الْجَرّ عمل الْفِعْل. وَلَيْسَ أسْتَغْفر الله ذَنبا وأمرتك الْخَيْر أَكثر فِي كَلَامهم جَمِيعًا وَإِنَّمَا يتَكَلَّم بِهِ بَعضهم. فَهَذِهِ الْحُرُوف كَانَ أَصْلهَا فِي الِاسْتِعْمَال أَن توصل بحروف الْإِضَافَة. وَمِنْه قَول الفرزدق: (منا الَّذِي اختير الرِّجَال سماحة ... وجودا إِذا هَب الرِّيَاح الزعازع) اه. وَالْبَيْت مطلع قصيدة للفرزدق تقدم أَبْيَات مِنْهَا قبل هَذَا بِشَاهِد. قَالَ صَاحب الْمِصْبَاح: سمح بِكَذَا يسمح بِفتْحَتَيْنِ سموحاً وسماحاً وسماحة: جاد وَأعْطى أَو وَافق على مَا أُرِيد مِنْهُ. والجود: الْكَرم. وروى بدله: وَخيرا بِكَسْر الْمُعْجَمَة وَهُوَ الْكَرم. والزعازع: جمع زعزع كجعفر وَهِي الرّيح الَّتِي تهب بِشدَّة. وعنى بذلك الشتَاء وَفِيه تقل الألبان وتعدم الأزواد وَيبْخَل الْجواد.) فَيَقُول: هُوَ جواد فِي مثل هَذَا الْوَقْت الَّذِي يقل فِيهِ الْجُود. وسماحة وجودا مصدران منصوبان على الْمَفْعُول لأَجله كَأَنَّهُ قيل: اختير من الرِّجَال لسماحته وجوده.

(الشاهد التاسع بعد السبعمائة)

وَيجوز أَن يَكُونَا تمييزين أَو حَالين أَي: سَمحا وجواداً. قَالَه ابْن خلف وَلم يذكر ابْن المستوفي غير الْأَخيرينِ. وَقَالَ ابْن السَّيِّد فِي أَبْيَات الْمعَانِي: وَنصب سماحة على الْمصدر مِمَّا دلّ عَلَيْهِ اختبر لِأَنَّهُ لَا يخْتَار إِلَّا الْكِرَام. - وأرد بقوله: وَمنا الَّذِي اختير أَبَاهُ غَالِبا وَكَانَ جواداً. وَأنْشد بعده (الشَّاهِد التَّاسِع بعد السبعمائة) الطَّوِيل (خرجت إِلَى إقطاعه فِي ثِيَابه ... على طرفه من دَاره بحسامه) على أَنه يجوز أَن يجْتَمع على فعل وَاحِد عدَّة من حُرُوف الْجَرّ إِذا كَانَت مُخْتَلفَة فَإِن الْفِعْل الْوَاحِد قد يتَعَدَّى بعدة من حُرُوف الْجَرّ على مِقْدَار الْمَعْنى المُرَاد من وُقُوع الْفِعْل لِأَن هَذِه الْمعَانِي كامنة فِي الْفِعْل وَإِنَّمَا يظهرها حُرُوف الْجَرّ فَإنَّك إِذا قلت: خرجت فَأَرَدْت أَن تبين ابْتِدَاء خُرُوجك قلت: خرجت من الدَّار. فَإِن أردْت أَن تبين انتهاءه قلت: إِلَى الْمَسْجِد: وَإِن أردْت أَن تبين ظرفه قلت: فِي ثِيَابِي. وَإِن أردْت أَن تبين أَنه مُقَارن للاستعلاء قلت: على الْفرس. وَإِن أردْت أَن تبين الملابسة والصحبة قلت: بحسامي. وَيجوز أَن يكون بعض هَذِه المجرورات فِي مَوضِع الْحَال. وَهَذَا الْبَيْت يُوجد فِي بعض النّسخ قبل قَوْله: وَإِلَى اثْنَيْنِ كأعطى وَعلم بسطر بعد قَوْله: خرجت من الْكُوفَة إِلَى الْبَصْرَة لإكرامك.

وَالْبَيْت من مَقْطُوعَة عدتهَا سِتَّة أَبْيَات للمتنبي قَالَهَا ودع سيف الدولة ابْن حمدَان وَأَرَادَ التَّوَجُّه إِلَى إقطاعه الَّتِي أقطعه إِيَّاهَا. قَالَ ياقوت الْحَمَوِيّ فِي مُعْجم الْبلدَانِ: السّبْعين هُوَ بِلَفْظ الْعدَد: قَرْيَة بِبَاب حلب كَانَت إقطاعاً للمتنبي من سيف الدولة. وَإِيَّاهَا عَنى بقوله:) أَسِير إِلَى إقطاعه ... ... ... ... الْبَيْت وأوله الثَّابِت فِي جَمِيع نسخ ديوانه هُوَ كَمَا أنْشدهُ ياقوت بِلَفْظ: أَسِير. (أيا رامياً يصمي فؤاد مرامه ... تربي عداهُ ريشها لسهامه) الإصماء: إِصَابَة المقتل فِي الرَّمْي. وَالْمعْنَى أَنه إِذا طلب شَيْئا أصَاب خَالص مَا طلبه كالرامي يُصِيب فؤاد مَا يَطْلُبهُ برميه. وَقَوله: تربي عداهُ مثل وَذَلِكَ أَن السِّهَام إِنَّمَا تنفذ بريشها وأعداؤه يجمعُونَ الْعدَد وَالْأَمْوَال لَهُ لِأَنَّهُ يَأْخُذهَا فيتقوى بهَا على قِتَالهمْ فكأنهم يربون الريش لسهامه حَيْثُ يجمعُونَ المَال لَهُ. فالريش مثل الْأَمْوَال والسهام مثل لَهُ. أَسِير إِلَى إقطاعه فِي ثِيَابه الْبَيْت يُرِيد أَن جَمِيع مَا يتَصَرَّف فِيهِ من ضروب مملوكاته إِنَّمَا هُوَ من جِهَته وإنعامه. وَكَأن هَذَا تَفْصِيل مَا أجمله النَّابِغَة فِي قَوْله: الوافر (وَمَا أغفلت شكري فانتصحني ... وَكَيف وَمن عطائك جلّ مَالِي)

وَقد فَصله النَّابِغَة أَيْضا فَقَالَ: الطَّوِيل ( وَإِن تلادي إِن نظرت وشكتي ... ومهري وَمَا ضمت إِلَيْهِ الأنامل) (حباؤك والعيس الْعتاق كَأَنَّهَا ... هجان المها تردي عَلَيْهَا الرحائل) وَهَذَا كَمَا قَالَ أَبُو نواس: الرجز (وَمَا مطر تنيه من الْبيض والقنا ... وروم العبدى هاطلات غمامه) الرّوم: جمع رومي كَمَا يُقَال: زنج وزنجي. والعبدى: العبيد. يَعْنِي وَمَا أنعم عَليّ من أَنْوَاع نعمه من الأسلحة وَالْعَبِيد الرومية. (فَتى يهب الإقليم بِالْمَالِ والقرى ... وَمن فِيهِ من فرسانه وكرامه) (وَيجْعَل مَا خولته من نواله ... جَزَاء لما خولته من كَلَامه) أَي: يجازيني بنواله إِذا مدحته بِمَا استفدته من الْأَدَب من كَلَامه. (فَلَا زَالَت الشَّمْس الَّتِي فِي سمائه ... مطالعة الشَّمْس الَّتِي فِي لثامه) أَي: لَا زَالَت شمس السَّمَاء تطالع وَجهه الَّذِي هُوَ كَالشَّمْسِ. وأضاف السَّمَاء إِلَيْهِ مُبَالغَة فِي الْمَدْح كَمَا قَالَ الفرزدق:

الطَّوِيل ) لنا قمراها والنجوم الطوالع وَقَالَ ابْن جني: أضف السَّمَاء إِلَيْهِ لإشرافها عَلَيْهِ كَمَا قَالَ الآخر: الطَّوِيل (إِذا كَوْكَب الخرقاء لَاحَ بسحرة ... سُهَيْل أذاعت غزلها فِي القرائب) أضَاف الْكَوْكَب إِلَيْهَا لجدها فِي عَملهَا عِنْد طلوعه. تمّ الْجُزْء الثَّالِث ويله الْجُزْء الرَّابِع أَوله أَفعَال الْقُلُوب.

( أَفعَال الْقُلُوب) أنْشد فِيهَا (الشَّاهِد الْعَاشِر بعد السبعمائة) الوافر تعلم أَن بعد الغي رشدا على أَن تعلم الَّتِي بِمَعْنى اعْلَم أمرا لَا تنصب المفعولين بل ترد الاسمية مصدرة ب أَن السَّادة مَعَ معموليها مسد المفعولين. ويقل نصبها للمفعولين كَقَوْل زِيَاد بن سيار الجاهلي: الطَّوِيل (تعلم شِفَاء النَّفس قهر عدوها ... فَبَالغ بلطف فِي التحيل وَالْمَكْر) وَهَذَا المصراع من قصيدة طَوِيلَة جدا للقطامي. وَقَبله: (وَأما يَوْم قلت لعبد قيس ... كلَاما لَا أُرِيد بِهِ خداعا) (تعلم أَن بعد الغي رشدا ... وَأَن لهَذِهِ الغبر انقشاعا ) (وَلَو تستخبر الْعلمَاء عَنَّا ... وَمن شهد الْمَلَاحِم والوقاعا) وَتقدم فِي الشَّاهِد الثَّالِث وَالْأَرْبَعِينَ بعد الْمِائَة مَا تقدم من أول القصيدة إِلَى هَذِه الأبيات مَعَ تَرْجَمته.

وَتقدم أَيْضا إِيرَاد أَبْيَات بعد هَذِه الأبيات فِي الشَّاهِد التَّاسِع وَالتسْعين بعد الْخَمْسمِائَةِ. وَقَوله: وَأما يَوْم قلت لعبد قيس هُوَ أَخُو الْقطَامِي. وَقَوله: تعلم أَن بعد الغي ... . إِلَخ الغبر: جمع غبرة وَهِي القتمة يُرِيد مَا أظل من الْأُمُور الشداد الْمظْلمَة. والانقشاع: الانكشاف. وَأورد اللبلي المصراع الثَّانِي فِي شرح الفصيح: الانكشاف.) وَأورد اللبلي المصراع الثَّانِي فِي شرح الفصيح بِرِوَايَة: وَأَن لتالك الغبر انقشاعاً وَقَالَ: تالك بِكَسْر اللَّام لُغَة فِي تِلْكَ فِي الْإِشَارَة إِلَى المؤنثة الْبَعِيدَة. وَيُرِيد الْقطَامِي بِهَذَا تَسْلِيَة أَخِيه فَإِن بني أَسد كَانُوا أوقعوا ببني تغلب فِي نواحي الجزيرة والقطامي مِنْهُم فَأسرهُ بَنو أَسد وَأَرَادُوا قَتله فحال زفر بن الْحَارِث الْكلابِي بَينه وَبينهمْ وحماه وكساه وَأَعْطَاهُ مائَة نَاقَة كَمَا تقدم. وَقَوله: وَلَو تستخبر الْعلمَاء ... . إِلَخ هُوَ بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول. والملاحم: جمع ملحمة وَهِي وَقَوله: بتغلب أَي: عَن تغلب كَقَوْلِه: الْبَسِيط واسأل بمصقلة الْبكْرِيّ مَا فعلا أَي: عَن مصقلة. وتغلب: قَبيلَة الْقطَامِي وَهُوَ تغلب بن وَائِل.

(الشاهد الحادي عشر بعد السبعمائة)

ثمَّ أَخذ بعد هَذَا يذكر مآثر قومه فِي الْجَاهِلِيَّة. وَأنْشد بعده (الشَّاهِد الْحَادِي عشر بعد السبعمائة) المنسرح (الله موف للنَّاس مَا زعما) على أَن زعم قد يسْتَعْمل فِي التَّحْقِيق. رَأَيْت فِي شرح الْكتاب للسيرافي: الزَّعْم قَول يقْتَرن بِهِ اعْتِقَاد وَقد يَصح ذَلِك أَو لَا يَصح. فَأَما قَول الْجَعْدِي: (تودي قُم واركبن بأهلك إِ ... ن الله موف للنَّاس مَا زعما) فَقيل: الزَّعْم هَاهُنَا بِمَعْنى القَوْل وَقيل: بِمَعْنى الضَّمَان. وَمِنْه قَول عَمْرو بن شأس: الطَّوِيل قيل مَعْنَاهُ كَمَا ضمن وَقيل كَمَا قَالَ. - وَشَاهد الزَّعْم بِمَعْنى القَوْل قَول أبي زبيد: الْبَسِيط (يَا لهف نَفسِي إِن كَانَ الَّذِي زَعَمُوا ... حَقًا وماذا يرد الْيَوْم تلهيفي) أَي: الَّذِي قَالُوهُ. وَذَلِكَ أَنه سمع من يَقُول: حمل عُثْمَان على النعش إِلَى قَبره. وَهَذَا لَيْسَ فِيهِ معنى ظن وَلَا ضَمَان. اه

) وَقَالَ ابْن بري فِي حَاشِيَة الصِّحَاح: الزَّعْم يَأْتِي فِي كَلَام الْعَرَب على أَرْبَعَة أوجه: يكون بِمَعْنى الْكفَالَة وَالضَّمان شَاهد قَول عمر بن أبي ربيعَة: الرمل (قلت: كفي لَك رهن بِالرِّضَا ... وزعمي يَا هِنْد قَالَت: قد وَجب) وَقَالَ النَّابِغَة يصف نوحًا: نُودي قُم واركبن بأهلك ... ... ... الْبَيْت زعم هُنَا فسر بِمَعْنى ضمن وَبِمَعْنى قَالَ وَبِمَعْنى وعد. وَيكون بِمَعْنى الْوَعْد قَالَ عَمْرو بن شأس: الطَّوِيل (وعاذلة تخشى الردى أَن يُصِيبنِي ... تروح وتغدو بالملامة وَالْقسم) تَقول هلكنا إِن هَلَكت ... ... ... . . الْبَيْت قَالَ أَبُو زبيد الطَّائِي: يَا لهف نَفسِي إِن كَانَ الَّذِي زَعَمُوا ... ... ... ... الْبَيْت الْمَعْنى: إِن كَانَ الَّذِي قَالُوهُ حَقًا لِأَنَّهُ سمع من يَقُول: حمل عُثْمَان على النعش إِلَى قَبره. - وَقَالَ المثقب الْعَبْدي:

الرمل (وَكَلَام سيئ قد وقرت ... أُذُنِي عَنهُ وَمَا بِي من صمم) (فتصاممت لكَي مَا لَا يرى ... جَاهِل أَنِّي كَمَا كَانَ زعم) وَيكون بِمَعْنى الظَّن قَالَ عبيد الله بن عبد الله بن عتبَة بن مَسْعُود: الطَّوِيل. (فذق هجرها إِن كنت تزْعم أَنه ... رشاد أَلا يَا رُبمَا كذب الزَّعْم) فَهَذَا الْبَيْت لَا يحْتَمل سوى الظَّن وَبَيت عمر لَا يحْتَمل سوى الضَّمَان وَبَيت أبي زبيد لَا يحْتَمل سوى القَوْل وَمَا سوى ذَلِك على مَا فسر. وَبَيت النَّابِغَة رُوِيَ لأمية بن أبي الصَّلْت وَبَيت عَمْرو بن شأس رُوِيَ لمضرس. اه. وَمَا أوردهُ الشَّارِح قِطْعَة من قَوْله: (نُودي قُم واركبن بأهلك إِ ... ن الله ... ... ... الْبَيْت) وَزعم فِيهِ على مَا فسروه مُتَعَدٍّ إِلَى مفعول وَاحِد وَهُوَ الضَّمِير الْمَحْذُوف الْعَائِد إِلَى مَا وَالْبَيْت من قصيدة للنابغة الْجَعْدِي الصَّحَابِيّ أَولهَا: (الْحَمد لله لَا شريك لَهُ ... من لم يقلها فنفسه ظلما)) فالألف فِي قَوْله: زعما للإطلاق. قَالَ ابْن خالويه فِي كتاب لَيْسَ:

قَالَ بعض الْمُفَسّرين: إِن الزَّعْم زاملة الْكَذِب. وَلَيْسَ فِي كَلَام الْعَرَب وأشعارهم زعم مَحْمُودًا إِلَّا فِي بَيْتَيْنِ قَالَ أُميَّة بن أبي الصَّلْت وَقيل للنابغة الْجَعْدِي فِي قصيدة أَولهَا: نُودي قُم واركبن ... ... ... . . الْبَيْت فَهَذَا على الْحق. وَسمعت الزَّاهِد يَقُول: زعم فِي هَذَا الْبَيْت بِمَعْنى قَالَ ووعد كَمَا يُقَال: زعم الشَّافِعِي أَي: قَالَ. اه. وَالْقَصِيدَة الَّتِي هِيَ لأمية بن أبي الصَّلْت طَوِيلَة ذكر فِيهَا صنع الله وَعظم قدرته. وَقَبله: (عرفت أَن لن يفوت الله ذُو قدم ... وَأَنه من أَمِير السوء ينْتَقم) (المسبح الْخشب فَوق المَاء سخرها ... خلال جريتها كَأَنَّهَا عوم) (تجْرِي سفينة نوح فِي جوانبه ... بِكُل موج مَعَ الْأَرْوَاح تقتحم) ...

(مشحونة ودخان الموج يرفعها ... ملأى وَقد صرعت من حولهَا الْأُمَم) (حَتَّى تسوت على الجودي راسية ... بِكُل مَا اسْتوْدعت كَأَنَّهَا أَطَم) قَالَ شَارِح ديوانه: يُقَال: سبح الرجل وأسبحه الله. والعوم: جمع العومة كَأَنَّهَا حَيَّة تكون بعمان. والعامة: شبه الطوف إِلَّا أَنه أَصْغَر مِنْهُ يركب فِيهِ الْبَحْر. فِي جوانبه: جَوَانِب المَاء. ومشحونة: مَمْلُوءَة يُقَال: اشحن سفينتك أَي: املأها. والجودي فِيهَا سوق يُقَال لَهُ: سوق الثَّمَانِينَ لثمانين رجلا كَانُوا مَعَ نوح فِي السَّفِينَة. والأطم بِضَمَّتَيْنِ: الْقصر وَالْجمع آطام. وترجمة أُميَّة تقدّمت فِي الشَّاهِد السَّادِس وَالثَّلَاثِينَ. قَالَ ابْن خالويه: وقصدية النَّابِغَة: (يَا مَالك الأَرْض وَالسَّمَاء وَمن ... يفرق من الله لَا يخف أثما) (إِنَّنِي امْرُؤ قد ظلمت نَفسِي وإ ... لَا تعف عني أغْلى دَمًا كثما) (أطرح بالكافرين فِي الدَّرك ا ... لأسفل يَا رب أصطلي الضرما) ...

(يَا أَيهَا النَّاس هَل ترَوْنَ إِلَى ... فَارس بادت وخر من دعما) (أَمْسوا عبيدا يرعون شاءكم ... كَأَنَّمَا كَانَ ملكهم حلما)) (أَو سبا الْحَاضِرين مأرب إِذْ ... يبنون من دون سيله العرما ) وَأنْشد بعده: الْكَامِل (وَلَقَد نزلت فَلَا تظني غَيره ... مني بِمَنْزِلَة الْمُحب المكرم) على أَن ظن يقل فِيهَا نصب الْمَفْعُول الْوَاحِد فَإِن مَعْنَاهُ هُنَا لَا تظني شَيْئا غير نزولك. وَصِحَّة هَذَا الْمَعْنى لَا تَقْتَضِي تَقْدِير مفعول آخر. وَفِيه رد للنحويين فَإِنَّهُم قَالُوا: الْمَفْعُول الثَّانِي لظن مَحْذُوف اختصاراً لَا اقتصاراً. وَبِه اسْتشْهد شرَّاح الألفية وَقَالُوا: تَقْدِيره: فَلَا تظني غَيره وَاقعا أَو حَقًا. وَجُمْلَة: فَلَا تظني غَيره مُعْتَرضَة بَين نزلت وَبَين مُتَعَلقَة وَهُوَ مني. وَهَذَا الْبَيْت من معلقَة عنترة وَتقدم شَرحه فِي الشَّاهِد الموفي الْمِائَتَيْنِ.

(الشاهد الثاني عشر بعد السبعمائة)

وَأنْشد بعده (الشَّاهِد الثَّانِي عشر بعد السبعمائة) الطَّوِيل (بِأَيّ كتاب أم بأية سنة ... ترى حبهم غاراً عَليّ وتحسب ) على أَنه قد حذف مَفْعُولا تحسب للقرينة وَالتَّقْدِير: وتحسب حبهم عاراً عَليّ. (فَلَمَّا جنَّة الفردوس هَاجَرت تبتغي ... وَلَكِن دعَاك الْخبز أَحسب وَالتَّمْر) نصب جنَّة الفردوس بتبتغي وَهِي حَال من التَّاء فِي هَاجَرت. وَجَاز تَقْدِيم مَا انتصب بتبتغي لجَوَاز تَقْدِيم الْفِعْل نَفسه حَتَّى كَأَنَّهُ قَالَ: فَمَا مبتغياً جنَّة الفردوس هَاجَرت على حد قَوْله تَعَالَى: خشعاً أَبْصَارهم يخرجُون من الأجداث. وَلم يعْمل أَحسب على اللَّفْظ وَأَرَادَ مفعوليها فحذفهما كبيت الْكُمَيْت: بِأَيّ كتاب ... ... ... ... ... ... ... الْبَيْت أَي: وتحسب ذَاك كَذَلِك. وَلَا يحسن أَن تجعلها هُنَا لَغوا من قبل أَنَّهَا لم تقع بَين الْمُبْتَدَأ وَخَبره وَلَا بعدهمَا نَحْو: زيد قَائِم أَحسب

وَإِنَّمَا كَانَ اعْتِبَار عَملهَا أَو إلغائها هُنَاكَ لِأَنَّهَا لَو كَانَت عاملة لعملت فيهمَا وَأما هَاهُنَا فَلَا سَبِيل إِلَى الْخبز وَالتَّمْر وَنَحْوهمَا. اه. وَقَوله: بِأَيّ كتاب مُتَعَلق بقوله ترى. وَالْبَيْت من قصيدة طَوِيلَة للكميت بن زيد الْأَسدي مدح بهَا آل النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ.) وَبعده: (إِذا الْخَيل واراها العجاج وَتَحْته ... غُبَار أثارته السنابك أصهب ) (فَمَا لي إِلَّا آل أَحْمد شيعَة ... وَمَا لي إِلَّا مشعب الْحق مشعب) وَتَقَدَّمت مَعَ تَرْجَمته فِي الشَّاهِد الثَّانِي بعد الثلثمائة. وَأنْشد بعده: الْخَفِيف (لَا تخلنا على غرائك إِنَّا ... طالما قد وشى بِنَا الْأَعْدَاء) على أَنه قد حذف الْمَفْعُول الثَّانِي من تخلنا وَتَقْدِيره كَمَا قَالَ الشَّارِح الْمُحَقق: لَا تخلنا أَذِلَّة على إغرائك الْملك بِنَا. وَالْبَيْت من معلقَة ابْن حلزة تقدم شَرحه مَعَ تَرْجَمته فِي الشَّاهِد الثَّامِن وَالْأَرْبَعِينَ من أَوَائِل الْكتاب.

(الشاهد الثالث عشر بعد السبعمائة)

وَأنْشد بعده (الشَّاهِد الثَّالِث عشر بعد السبعمائة) الْبَسِيط ( كَذَاك أدبت حَتَّى صَار من خلقي ... إِنِّي وجدت ملاك الشيمة الْأَدَب) على أَن وجدت قد ألغي عَن الْعَمَل مَعَ تقدمه وَهُوَ ضَعِيف وقبيح. وخرجه الشَّارِح الْمُحَقق تبعا لسيبويه على تَقْدِير لَام الِابْتِدَاء أَو على تَقْدِير ضمير الشَّأْن تبعا أما على الأول فَتكون معلقَة عَن الْعَمَل فِي اللَّفْظ بلام الِابْتِدَاء الْمقدرَة وَيكون مَا بعْدهَا من الْمُبْتَدَأ وَالْخَيْر فِي مَحل نصب على أَنَّهُمَا سادان مسد مفعولي وجد. وَأما على الثَّانِي فَيكون ضمير الشَّأْن الْمَحْذُوف هُوَ الْمَفْعُول الأول وَالْجُمْلَة بعده فِي مَحل الْمَفْعُول الثَّانِي. قَالَ ابْن جني فِي إِعْرَاب الحماسة: أَرَادَ: وجدته ملاك الشيمة الْأَدَب كَقَوْلِك: ظننته زيد منطلق أَي: ظَنَنْت الْأَمر والشأن زيد منطلق إِلَّا أَنه حذف الضَّمِير فِي وجدت للضَّرُورَة كَمَا حذف أَيْضا فِي بَيت الْكتاب: الْخَفِيف (إِن من لَام فِي بني بنت حسا ... ن ... ... ... . . الْبَيْت) أَرَادَ: إِنَّه من لَام. أَلا ترى أَن من هُنَا شَرط فَلَا ينصبها مَا قبلهَا كالاستفهام. وعَلى هَذَا) تَقول: ظَنَنْت أَبوك أَخُوك أَي: ظننته. فاعرفه. اه.

وَالْفرق بَين الإلغاء وَالتَّعْلِيق أَن الأول: إبِْطَال الْعَمَل لفظا ومحلاً وَالثَّانِي: إِبْطَاله لفظا لَا محلا لمجيء مَا لَهُ صدر الْكَلَام. وَكَأن الْعَيْنِيّ لم يفرق بَينهمَا لقَوْله: ألغي عمل وجدت لكَون لَام الِابْتِدَاء مقدرَة وَالصَّوَاب علق وجدت عَن الْعَمَل لفظا لكَون لَام الِابْتِدَاء مقدرَة. وَلَا يخفى أَن هَذَا التَّخْرِيج على كَلَام ابْن جني يكون من بَاب غسل الدَّم بِالدَّمِ. وَالصَّحِيح أَن حذف ضمير الشَّأْن لَا يخْتَص بالشعر. وَمِنْه الحَدِيث: إِن من أَشد النَّاس عذَابا يَوْم الْقِيَامَة المصورون وحكاية الْخَيل: إِن بك زيد مَأْخُوذ. وَلم يُورد ابْن عُصْفُور هَذَا فِي كتاب الضرائر. وَالْبَيْت أوردهُ أَبُو تَمام فِي الحماسة مَعَ بَيت قبله وَنسبه إِلَى بعض الفزاريين وَهُوَ: (أكنيه حِين أناديه لأكرمه ... وَلَا ألقبه والسوءة اللقب) لَكِن رِوَايَته بِنصب القافيتين وَلَا تحْتَاج إِلَى مَا ذكر من التَّوْجِيه وَيكون اللقب على رِوَايَته مفعول ألقبه. والسوءة مَنْصُوبَة أَيْضا. قَالَ ابْن جني: نصب السوءة لِأَنَّهُ جعلهَا مَفْعُولا مَعَه أَي: لَا ألقبه مَعَ السوءة اللقبا مقترناً بالسوءة. أَلا ترى أَنَّك تَجِد هَذَا الْمَعْنى فِي الْمَفْعُول مَعَه تَقول: قُمْت وزيداً فتجد مَعْنَاهُ قُمْت مقترناً بزيد. اه. قَالَ ابْن النَّاظِم تَقْدِيم الْمَفْعُول مَعَه على مصحوبه اتّفق الْجُمْهُور على مَنعه وَأَجَازَهُ أَبُو الْفَتْح فِي الخصائص وَاسْتدلَّ بقوله:

الطَّوِيل جمعت وفحشاً غيبَة ونميمة وَلَا ألقبه والسوءة اللقبا على رِوَايَة نصب السوءة واللقب أَرَادَ: وَلَا ألقبه اللقب والسوءة أَي: مَعَ السوءة لِأَن من اللقب مَا يكون لغير سوءة كتلقيب الصّديق عتيقاً لعتاقة وَجهه فَلهَذَا قَالَ الشَّاعِر: وَلَا ألقبه اللقب مَعَ السوءة أَي: إِن لقبته لقبته بِغَيْر سوءة. قَالَ الشَّيْخ يَعْنِي وَالِده وَلَا حجَّة لِابْنِ جني فِي الْبَيْتَيْنِ لِإِمْكَان جعل الْوَاو فيهمَا عاطفة قدمت هِيَ ومعطوفها وَذَلِكَ فِي الْبَيْت الأول ظَاهر وَأما فِي الْبَيْت الثَّانِي فعلى أَن يكون أَصله وَلَا ألقبه) اللقب وأسوؤه السوءة ثمَّ حذف ناصب السوءة كَمَا حذف ناصب الْعُيُون من قَوْله: الوافر فزججن الحواجب والعيونا ثمَّ قدم العاطف ومعمول الْفِعْل الْمَحْذُوف. اه. وَأما على رِوَايَة رفع القافية فالسوءة مَرْفُوعَة على الِابْتِدَاء واللقب الْخَبَر وَالْجُمْلَة حَال من الْهَاء. والسوءة بِالْفَتْح: اللَّفْظَة القبيحة. - وَقَالَ الْعَيْنِيّ على رِوَايَة نصب القافيتين: وَيجوز أَن يكون انتصاب السوءة على الْمَعْنى يعْمل فِيهِ معنى لَا ألقبه فَيكون على هَذَا من بَاب:

مجزوء الْكَامِل (يَا لَيْت بعلك قد غَدا ... مُتَقَلِّدًا سَيْفا ورمحا) وَإِن رفع فارتفاعه يجوز أَن يكون بِالِابْتِدَاءِ وَيكون الْخَبَر مضمراً كَأَنَّهُ قَالَ: والسوءة ذَاك. يَعْنِي إِن لقبته وَالْفُحْش فِيهِ. وَيجوز أَن يكون مُبْتَدأ وَخَبره اللقبا يكون مصدرا كالجمزى. وَيجوز أَن يكون خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف كَأَنَّهُ قَالَ: لَا ألقبه اللقبا وَهُوَ السوءة. اه. وَهَذِه الِاحْتِمَالَات لَا فَائِدَة فِيهَا سوى تسويد الْوَرق. على أَن اللقبا بِالْألف مَقْصُورا غير مَوْجُود. وَقَوله: أكنيه حِين أناديه الْعَرَب إِذا أَرَادَت تَعْظِيم الْمُخَاطب خاطبته بالكنية وَعدلت عَن التَّصْرِيح باسمه. وصف الشَّاعِر نَفسه بِحسن الْعشْرَة مَعَ صَاحبه. وَقَوله: كَذَاك أدبت هُوَ بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول وَالْكَاف هُنَا اسْم مفعول مُطلق أَي: أدبت تأديباً مثل ذَلِك وَالْإِشَارَة إِلَى الْبَيْت الأول. وَحَتَّى ابتدائية كَقَوْلِه تَعَالَى: حَتَّى عفوا وَاسم صَار الضَّمِير الْمُسْتَتر فِيهَا الْعَائِد إِلَى الْأَدَب الْمَفْهُوم من أدبت. وَمن خلقي خبر صَار. وَقَوله: إِنِّي وجدت بِكَسْر الْهمزَة اسْتِئْنَاف أرْسلهُ مثلا. وَقَالَ الْعَيْنِيّ: الْكَاف للتشبيه أَي: كَمثل الْأَدَب الْمَذْكُور. وَحَتَّى للغاية بِمَعْنى إِلَى. وَمن مُتَعَلق بصار. وَقَوله: أَنِّي وجدت بِفَتْح الْهمزَة فَاعل صَار. هَذَا كَلَامه وَفِيه خلل من وُجُوه.

(الشاهد الرابع عشر بعد السبعمائة)

- قَالَ الْجَوْهَرِي: ملاك الْأَمر وملاكه أَي: بِالْكَسْرِ وَالْفَتْح: مَا يقوم بِهِ. والشيمة بِالْكَسْرِ: الْخلق. وَالْأَدب الَّذِي تعرفه الْعَرَب هُوَ مَا يحسن من الْأَخْلَاق وَفعل المكارم مثل ترك السَّفه وَبِذَلِك المجهود وَحسن اللِّقَاء.) وَالنّصب وَالرَّفْع فِي قافيتي الْبَيْتَيْنِ رَوَاهُمَا ابْن جني والطبرسي من شرَّاح الحماسة. وَأنْشد بعده (الشَّاهِد الرَّابِع عشر بعد السبعمائة) الْبَسِيط (أَرْجُو وآمل أَن تَدْنُو مودتها ... وَمَا إخال لدينا مِنْك تنويل) على أَنه قد ألفى إخال عَن الْعَمَل مَعَ تقدمه. وَقَالَ ابْن هِشَام فِي شرح بَانَتْ سعاد: وَجه إِلْغَاء إخال هُنَا عدم تصدرها فَإِن حرف النَّفْي لما تقدمها أَزَال عَنْهَا التصدر الْمَحْض فسهل إلغاءها كَمَا سهل إِلْغَاء ظَنَنْت تقدم مَتى وَإِنِّي فِي: مَتى ظَنَنْت زيد منطلق وَقَول الحماسي: إِنِّي وجدت ملاك الشيمة الْأَدَب أَو يكون الإلغاء على تَقْدِير حرف النَّفْي دَاخِلا على الْجُمْلَة الاسمية وَتَقْدِير إخال مُعْتَرضًا بَينهمَا. اه.

وَيجوز أَن يخرج أَيْضا كَالَّذي قبله إِمَّا على تَقْدِير لَام الِابْتِدَاء أَو على تَقْدِير ضمير الشَّأْن فَيكون على الأول مُعَلّقا عَن الْعَمَل فِي اللَّفْظ وَيكون جملَة: لدينا مِنْك تنويل فِي مَوضِع المفعولين. - وعَلى الثَّانِي تكون عاملة لفظا وَيكون مفعولها ضمير الشَّأْن الْمَحْذُوف أَي: مَا إخَاله وَجُمْلَة: لدينا مِنْك تنويل فِي مَوضِع الْمَفْعُول الثَّانِي. وَقد تقدم الْفرق بَين الإلغاء وَالتَّعْلِيق. وَيظْهر كَون التَّعْلِيق هُوَ الْعَمَل فِي مَحل الْجُمْلَة من عطف شَيْء على الْجُمْلَة الْمُعَلقَة فَإِنَّهُ يعرب بإعرابها الْمحلي كَقَوْل كثير: الطَّوِيل (وَمَا كنت أَدْرِي قبل عزة مَا البكا ... وَلَا موجعات الْقلب حَتَّى تولت) فعطف موجعات بِالنّصب على مَحل مَا البكا وَهَذَا على تَقْدِير اسمية مَا. فَإِن كَانَت حرفا زَائِدا فأدري بِمَعْنى أعرف والبكا: مَفْعُوله وَلَا يكون مِمَّا نَحن فِيهِ. قَالَ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي: رَأَيْت بِخَط الإِمَام بهاء الدَّين بن النّحاس: أَقمت مُدَّة أَقُول: الْقيَاس جَوَاز الْعَطف على مَحل الْجُمْلَة الْمُعَلق عَنْهَا بِالنّصب. ثمَّ رَأَيْته مَنْصُوصا. اه. وَمِمَّنْ نَص عَلَيْهِ ابْن مَالك وَلَا وَجه للتوقف فِيهِ مَعَ قَوْلهم إِن الْمُعَلق عَامل فِي الْمحل. اه. حَكَاهُ عَنهُ أَحْمد بن مُحَمَّد بن الْحداد البَجلِيّ

الْبَغْدَادِيّ فِي شرح قصيدة بَانَتْ سعاد وَكَانَ) تَارِيخ شَرحه فِي بَغْدَاد سنة أَربع وَعشْرين وَسَبْعمائة. قَالَ فِي شَرحه: وَقَالَ ابْن إياز الرُّومِي: يجوز فِيهِ وَجه آخر وَهُوَ أَن تكون مَا مَوْصُولَة وموضعها رفع بِالِابْتِدَاءِ ومفعول إخال الأول مَحْذُوف وَهُوَ الْعَائِد إِلَى مَا ومنك الْمَفْعُول الثَّانِي وتنويل: خبر الْمُبْتَدَأ. انْتهى كَلَامه. قلت: ولدينا فِي هَذَا الْوَجْه وَالَّذِي قبله وَهُوَ تَقْدِير ضمير الشَّأْن: ظرف لأخال. وَمعنى الْبَيْت على هَذَا الْوَجْه: إِن الَّذِي أَظُنهُ وإخاله من وصالها الْمُقدر يجْرِي عِنْدِي مجْرى الْوَصْل الْمُحَقق من فرط الْمحبَّة. وَقد أبان التهامي عَن هَذَا الْمَعْنى فَبَالغ وَأحسن بقوله: الْبَسِيط (أهتز عِنْد تمني وَصلهَا طَربا ... وَرب أُمْنِية أحلى من الظفر) وَابْن الْخياط الدِّمَشْقِي عكس هَذَا الْمَعْنى ورده على معتقده بقوله: الوافر (أمني النَّفس وصلا من سعاد ... وَأَيْنَ من المنى دَرك المُرَاد) وَهَذَا قَول من لَا يقنع بِدُونِ الْوِصَال وَلَا يسوف نَفسه بالمحال. وَأَيْنَ هُوَ من قناعة الآخر بالنير حِين بَالغ بقوله:

الطَّوِيل انْتهى كَلَام الْبَغْدَادِيّ. وَهَذَا الْبَيْت من قصيدة بَانَتْ سعاد الْمَشْهُورَة فِي مدح رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ. وَقد أورد الشَّارِح بَيْتا آخر مِنْهَا فِي حُرُوف الشَّرْط فِي أَوَاخِر الْكتاب. وَقد اعتنى بشرحها أجلة الْعلمَاء وَالَّذِي يحضرني من شروحها الْآن شرح أبي الْعَبَّاس الْأَحول مَعَ شرح جَمِيع ديوانه وَهُوَ عني بِخَطِّهِ. وَشرح أبي عبد الله نفطويه النَّحْوِيّ. وَشرح أبي بكر بن الْأَنْبَارِي وَهُوَ شرح صَغِير قَلِيل الجدوى. وَشرح الْبَغْدَادِيّ الْمَذْكُور وَشرح ابْن هشم الْأنْصَارِيّ وهما أجل الشُّرُوح. لَكِن شرح الْبَغْدَادِيّ أَكثر استنباطاً لمعاني الشّعْر وأدق تفتيشاً للمزايا والنكت. وَشرح ابْن هشم أوعى مِنْهُ للمسائل النحوية وَتَفْسِير الْأَلْفَاظ اللُّغَوِيَّة وكل مِنْهُمَا فِي حجم الآخر وعصر تأليفهما مُتَقَارب. وَهَذَا الْبَيْت لم يرد فِي رِوَايَة نفطويه وَرَوَاهُ أَبُو الْعَبَّاس الْأَحول كَذَا. (أَرْجُو وآمل أَن يعجلن فِي أَبَد ... وَمَا لَهُنَّ طوال الدَّهْر تَعْجِيل)) وَعَلِيهِ لَا شَاهد فِيهِ. قَالَ الْأَحول: فِي أَبَد: فِي دهر. ويروى: أَي: لَا يعجلن وصلنا فِي الرِّوَايَة الأولى. يَقُول: آمل وَأَرْجُو وَمَا أَظن ذَلِك يكون أبدا. انْتهى كَلَامه. وَضبط بِخَطِّهِ يعجلن بِفَتْح الْيَاء وَالْجِيم على أَنه مَبْنِيّ للْفَاعِل. وطوال بِفَتْح الطَّاء على أَنه ظرف بِمَعْنى طول الدَّهْر وَلَكِن لم يتَقَدَّم لضمير جمع الْمُؤَنَّث مرجع. فَإِن قُلْنَا: إِن الْمرجع سعاد وَإِن جمع الضَّمِير

للتعظيم ورد أَن إرجاع ضمير الْجمع إِلَى الْوَاحِد إِنَّمَا هُوَ فِي التَّكَلُّم وَالْخطاب وَقد ورد تَعْظِيم الْغَائِب قَلِيلا. قَالَ الْبَيْضَاوِيّ فِي تَفْسِير قَوْله تَعَالَى: من فِرْعَوْن وملئهم من سُورَة يُونُس: وَالضَّمِير لفرعون وَجمعه على مَا هُوَ الْمُعْتَاد فِي ضمير العظماء. لَكِن استشكله شراحه. قَالَ سعدي: أَي قدر لفرعون عِنْد لله حَتَّى يعبر عَنهُ بِصِيغَة التَّعْظِيم. نعم لَو كن هَذَا من كَلَام من يعظم فِرْعَوْن لَكَانَ لَهُ وَجه. وَكَذَا قَالَ الكازروني. وَأورد الْبَغْدَادِيّ هَذِه الرِّوَايَة وَقَالَ: الضَّمِير فِي يعجلن ولهن لمواعيدها فِي الْبَيْت الَّذِي قبله وَهُوَ: (كَانَت مواعيد عرقوب لَهَا مثلا ... وَمَا مواعيدها إِلَّا الأباطيل) ويعجلن من العجلة وَهُوَ خلاف البطء يُقَال: عاجله وأعجله إِذا سبقه. وَعجل هُوَ يعجل من بَاب فَرح. والأبد: الدَّهْر. يَقُول: أَرْجُو أَن تسبق مواعيدها ويسرع إنجازها فِي دهر من الدهور وَلَا يحصل ذَلِك. وَالرِّوَايَة الأولى أشهر. اه. وَرَوَاهُ ابْن سيد النَّاس فِي سيرته تبعا لسيرة ابْن هِشَام: (أَرْجُو وآمل أَن يعجلن فِي أمد ... وَمَا لَهُنَّ إخال الدَّهْر تَعْجِيل) وَقَوله: أَرْجُو وآمل ... إِلَخ أَرْجُو مَعَ فَاعله الْمُسْتَتر جملَة استئنافية

لَا تعلق لَهَا بِمَا قبلهَا وَهُوَ الْبَيْت الَّذِي نَقَلْنَاهُ. وآمل مَعْطُوف عله وَهُوَ بِمَعْنَاهُ وَحسن الْعَطف لتغاير اللَّفْظَيْنِ وَعطف المترادفين لَا يكون إِلَّا) بِالْوَاو. وَقَالَ الْبَغْدَادِيّ: وَبَعْضهمْ فرق بَينهمَا بِأَن الرَّجَاء توقع حُصُول مَطْلُوب فِي الْمُسْتَقْبل مَعَ خوف عدم وُقُوعه. والأمل: طلب حُصُول مَا يغلب وُقُوعه فِي ظن الطَّالِب لتَعَلُّقه بِهِ وَإِن لم يقارنه خوف عدم الْوُقُوع. - وَقَالَ صَاحب الْمِصْبَاح: أملته أملاً من بَاب طلب وَهُوَ ضد الْيَأْس. وَأكْثر مَا يسْتَعْمل الأمل قَالَ: أَرْجُو وآمل أَن تَدْنُو مودتها وَمن عزم على سفر إِلَى بلد بعيد يَقُول: أملت الْوَصْل وَلَا يَقُول: طمعت إِلَّا إِذا قرب مِنْهَا فَإِن الطمع لَا يكون إِلَّا فِيمَا قرب حُصُوله. وَقد يكون الأمل بِمَعْنى الطمع. والرجاء بَين الأمل والطمع فَإِن الراجي قد يخَاف أَن لَا يحصل مأموله فَلهَذَا يسْتَعْمل بِمَعْنى الْخَوْف. فَإِن قوي الْخَوْف اسْتعْمل اسْتِعْمَال الأمل وَعَلِيهِ بَيت كَعْب وَإِلَّا اسْتعْمل بِمَعْنى الطمع فَأَنا آمل وَهُوَ مأمول. وأملته تأميلاً مُبَالغَة وتكثير وَهُوَ أَكثر اسْتِعْمَالا من المخفف. اه. وَفِي الْمجْلس الثَّامِن وَالْخمسين من أمالي ابْن الشجري الْبَغْدَادِيّ أَنه استفتي عَن مسَائِل مِنْهَا: هَل يأمل ومأمول وَمَا تصرف مِنْهَا جَائِز فَأجَاب عَنْهَا أَولا الْحسن بن صافي المكنى أَبَا نزار المتلقب بِملك النُّحَاة بِأَن أمل يأمل لَا يجوز لِأَن الْفِعْل الْمُضَارع إِذا كَانَ على يفعل بِضَم الْعين كَانَ بَابه أَن ماضيه على فعل بِفَتْح الْعين وأمل لم أسمعهُ فعلا

مَاضِيا. فَإِن قيل: فَقدر أَن يأمل مضارع وَلم يَأْتِ ماضيه كَمَا أَن يذر ويدع كَذَلِك. قلت: قد علم أَن يذر ويدع على هَذَا الْقَضِيَّة قد جَاءَا شاذين فَلَو كَانَ مَعَهُمَا كلم أُخْرَى شَاذَّة لنقلت نقلهما وَلم يجز أَن لَا تنقل. وَمَا سمعنَا أَن ذَلِك مُلْحق بِمَا ذكرنَا فَلَا يجوز يأمل وَلَا مأمول إِلَّا أَن يسمعني الثِّقَة أمل خَفِيفَة الْمِيم. كتبه أَبُو نزار النَّحْوِيّ. - قَالَ ابْن الشجري: وَأجَاب عَنهُ الشَّيْخ أَبُو مَنْصُور موهوب بن أَحْمد: وَأما أمل يأمل فَهُوَ آمل وَالْمَفْعُول مأمول. فَلَا ريب فِي جَوَازه عِنْد الْعلمَاء وَقد حَكَاهُ الثِّقَات مِنْهُم الْخَلِيل وَغَيره وَالشَّاهِد عَلَيْهِ كثير. قَالَ بعض المعمرين: مجزوء الْكَامِل) (الْمَرْء يأمل أَن يعي ... ش وَطول عَيْش قد يضرّهُ) وَقَالَ الآخر: المنسرح (هَا أَنا ذَا آمل الخلود وَقد ... أدْرك عَقْلِي ومولدي حجرا) وَقَالَ كَعْب بن زُهَيْر: وَالْعَفو عِنْد رَسُول الله مأمول وَقَالَ المتنبي وَهُوَ من الْعلمَاء بِالْعَرَبِيَّةِ: حرمُوا الَّذِي أملوا كتبه موهوب بن أَحْمد.

وَكتب على هَامِش الأمالي هُنَا أَبُو الْيمن الْكِنْدِيّ الْبَغْدَادِيّ: قد جَاءَ أمل مخففاً مَاضِيا فِي شعر ذِي الرمة وَهُوَ قَوْله: الطَّوِيل (إِذا الصَّيف أجلى عَن تشَاء من النَّوَى ... أملت اجْتِمَاع الْحَيّ فِي صيف قَابل) وَلَا غرو أَن لَا يحضر الشَّاهِد للْإنْسَان وَقت طلبه. - وَهَذَا الْبَيْت ذكره أَبُو حنيفَة الدينَوَرِي فِي كِتَابه فِي الأنواء وَذكره ابْن جني فِي الخاطريات. وَهُوَ فِي ديوَان ذِي الرمة مَشْهُور. اه. وَأجَاب ابْن الشجري بقوله: وَأما قَوْله فِي أمل وآمل أَنَّهُمَا لَا يجوزان عِنْده لِأَنَّهُ لم يسمع فِي الْمَاضِي مِنْهُمَا أمل خَفِيف الْمِيم فليت شعري مَا الَّذِي سمع من اللُّغَة ووعاه حَتَّى أنكر أَن يفوتهُ هَذَا الْحَرْف وَإِنَّمَا يُنكر مثل هَذَا من أنعم النّظر فِي كتب اللُّغَة كلهَا ووقف على تركيب أم ل فِي كتاب الْعين للخليل وَكتاب الجمهرة لِابْنِ دُرَيْد والمجمل لِابْنِ فَارس وديوان الْأَدَب للفارابي وَكتاب الصِّحَاح للجوهري وَغير ذَلِك من كتاب اللُّغَة. فَإِذا وقف على أُمَّهَات كتب هَذَا الْعلم الَّتِي استوعب كل كتاب مِنْهَا اللُّغَة أَو معظمها فَرَأى أَن هَذَا الْحَرْف قد فَاتَ أُولَئِكَ الْأَعْيَان ثمَّ سمع قَول كَعْب بن زُهَيْر:

سلم لكعب وأذعن لَهُ صاغراً فَكيف يَقُول: من لم يتولج سَمعه عشرَة أسطر من هَذِه الْكتب الَّتِي ذكرتها: لم أسمع أمل وَلم أسلم أَن يُقَال: مأمول. وَأما قَوْله: إِنَّه لَا يجوز يأمل وَلَا مأمول إِلَّا أَن يسمعني الثِّقَة أمل فَقَوْل من لم يعلم بِأَنَّهُم قَالُوا:) فَقير وَلم يَقُولُوا فِي ماضيه فقر وَلم يَأْتِ فعله إِلَّا بِالزِّيَادَةِ أفتراه يُنكر أَن يُقَال: فَقير لِأَن الثِّقَة لم يسمعهُ فقر وَلَعَلَّه يجْحَد أَن يَكُونُوا نطقوا بفقير وَقد ورد بِهِ الْقُرْآن فِي قَوْله جلّ ثَنَاؤُهُ: إِنِّي لما أنزلت إِلَيّ من خير فَقير. وَهل إِنْكَار فَقير إِلَّا كإنكار مأمول بل إِنْكَار فَقير عِنْده أوجب لأَنهم لم يَقُولُوا فِي ماضيه إِلَّا افْتقر ومأمول قد نطقوا بماضيه بِغَيْر زِيَادَة. انْتهى كَلَام ابْن الشجري. وَقد نقل ابْن هِشَام فِي شرح هَذِه القصيدة السُّؤَال والجوابين بِاخْتِصَار ثمَّ قَالَ: وَمن الْغَرِيب أَن هذَيْن الْإِمَامَيْنِ لم يستدلاً على مَجِيء آمل بالبيتين فِي هَذِه القصيدة أَحدهمَا الْبَيْت الشَّاهِد وَثَانِيهمَا قَوْله: وَقَالَ كل خَلِيل كنت آمله بل تكلّف ابْن الجواليقي وَأنْشد قَول شَاعِر آخر. وَقَول ابْن الشجري إِنَّه لم يسمع فقر اعْتمد فِيهِ على كَلَام سِيبَوَيْهٍ والأكثرين. وَذكر ابْن مَالك أَن جمَاعَة من أَئِمَّة اللُّغَة نقلوا مَجِيء

فقُر وفَقِر بِالضَّمِّ وَالْكَسْر وَأَن قَوْلهم فِي التَّعَجُّب مَا أفقره مَبْنِيّ على ذَلِك وَلَيْسَ بشاذ كَمَا زَعَمُوا. اه. وَقَوله: أَن تَدْنُو سكنت الْوَاو للضَّرُورَة أَو أهملت أَن حملا على مَا المصدرية وَهِي مَعَ مدخولها فِي تَأْوِيل مُفْرد مَنْصُوب تنازعه الفعلان فأعمل الثَّانِي وَحذف مفعول الأول كَمَا هُوَ الأولى عِنْد الْبَصرِيين. ومودتها: فَاعل تَدْنُو وَالضَّمِير لسعاد. والمودة: مُرَاعَاة الصُّحْبَة. وَقَوله: وَمَا إخال الْوَاو للاستئناف وَكسر همزَة إخال فصيح اسْتِعْمَالا شَاذ قِيَاسا وَفتحهَا لُغَة أَسد. وَقَوله: لدينا مِنْك تنويل قَالَ الْبَغْدَادِيّ: تنويل مُبْتَدأ ولدينا خَبره ومنك: حَال من تنويل وَكَانَ صفته فَلَمَّا تقدمه صَار حَالا مِنْهُ. وَمن فِيهِ لابتداء الْغَايَة. ولدى ظرف مَكَان غير مُتَمَكن بِمَنْزِلَة عِنْد لَا يجر إِلَّا بِمن. وتنويل: تفعيل من النوال وَهُوَ الْعَطاء وَكَأَنَّهُ كنى بِهِ عَن وَصلهَا. وَفِي مِنْك الْتِفَات من الْغَيْبَة إِلَى الْخطاب. اه. وَجوز ابْن هِشَام ارْتِفَاع تنويل بِأحد الظرفين لاعتماده على النَّفْي وَتَكون جملَة إخال: مُعْتَرضَة كَقَوْلِه: المنسرح) وَلم يبين مَا مَوضِع الظّرْف الآخر من الْإِعْرَاب وَجوز أَيْضا أَن يكون كل مِنْهُمَا أَو كِلَاهُمَا خَبرا عَن تنويل والمسوغ إِمَّا تقدم النَّفْي

أَو تقدم الْخَبَر. وَإِذا قدر الظرفان خبرين قدر لكل مِنْهُمَا مُتَعَلق يَخُصُّهُ. وَإِذا قدر الْخَبَر الأول فالظرف الثَّانِي إِمَّا مُتَعَلق بِهِ أَو بمتعلقه الْمَحْذُوف على الْخلاف الْمَشْهُور فِي أَن الْعَمَل للظرف أَو للاستقرار. وَإِمَّا حَال فَيتَعَلَّق بِمَحْذُوف وَصَاحب الْحَال إِمَّا الضَّمِير الْمُسْتَتر فِي الظّرْف الأول لِأَن الصَّحِيح أَن الظّرْف يتَحَمَّل ضميراً منتقلاً إِلَيْهِ من الِاسْتِقْرَار الْمَحْذُوف. وَإِمَّا نفس التنويل وعامله على هَذَا الِاسْتِقْرَار الْمُقدر لَا الِابْتِدَاء لِأَن الْحَال إِنَّمَا يعْمل فِيهَا الْفِعْل أَو شبهه أَو مَعْنَاهُ. وَإِذا قدر الْخَبَر الظّرْف الثَّانِي كَانَ الظّرْف الأول مُتَعَلقا بِهِ وَجَاز تَقْدِيمه عَلَيْهِ للاتساع فِي الظّرْف. وَكَعب بن زُهَيْر صَحَابِيّ تقدم نسبه فِي تَرْجَمَة وَالِده فِي الشَّاهِد الثَّامِن وَالثَّلَاثِينَ بعد الْمِائَة. وَقَالَ ابْن عبد الْبر فِي الِاسْتِيعَاب: كَانَ كَعْب بن زُهَيْر شَاعِرًا مجوداً كثير الشّعْر مقدما فِي طبقته هُوَ وَأَخُوهُ بجير وَكَعب أشعرهما وأبوهما زُهَيْر فَوْقهمَا. - قَالَ خلف الْأَحْمَر: لَوْلَا قصائد لزهير مَا فضلته على ابْنه كَعْب. ولكعب ابْن شَاعِر اسْمه عقبَة ولقبه المضرب لِأَنَّهُ شَبَّبَ بِامْرَأَة فَضَربهُ أَخُوهَا بِالسَّيْفِ ضربات كَثِيرَة فَلم يمت. وَله ابْن أَيْضا يُقَال لَهُ الْعَوام شَاعِر. وَمِمَّا يستجاد لكعب قَوْله: الْبَسِيط (لَو كنت أعجب من شَيْء لأعجبني ... سعي الْفَتى وَهُوَ مخبوء لَهُ الْقدر) ...

(يسْعَى الْفَتى لأمور لَيْسَ يُدْرِكهَا ... فَالنَّفْس وَاحِدَة والهم منتشر) (والمرء مَا عَاشَ مَمْدُود لَهُ أمل ... لَا تَنْتَهِي الْعين حَتَّى يَنْتَهِي الْأَثر) وَمِمَّا يستجاد لَهُ أَيْضا: السَّرِيع (إِن كنت لَا ترهب ذمِّي لما ... تعرف من صفحي عَن الْجَاهِل) (فاخش سكوتي إِذْ أَنا منصت ... فِيك لمسموع خنا الْقَائِل) (وَالسَّامِع الذَّم شريك لَهُ ... ومطعم الْمَأْكُول كالآكل) مقَالَة السوء إِلَى أَهلهَا أسْرع من منحدر سَائل) (وَمن دَعَا النَّاس إِلَى ذمه ... ذموه بِالْحَقِّ وبالباطل) وَسبب إِسْلَام كَعْب وَخبر هَذِه القصيدة مَذْكُور فِي كتب السّير وَالْأَخْبَار لَا سِيمَا فِي شرحيهما للبغدادي وَابْن هِشَام.

وَمُلَخَّصه على مَا نَقله الْبَغْدَادِيّ عَن أبي عَمْرو بن الْعَلَاء: أَن زهيراً قَالَ لِبَنِيهِ: إِنِّي رَأَيْت فِي مَنَامِي سَببا دُلي من السَّمَاء إِلَى الأَرْض فمددت يَدي لأتناوله ففاتني فَأَوَّلْته بِالنَّبِيِّ الَّذِي يبْعَث فِي هَذَا الزَّمَان وني لَا أدْركهُ فَمن أدْركهُ مِنْكُم فليؤمن بِهِ. فَلَمَّا بعث الله مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ آمن بجير بن زُهَيْر وَأقَام كَعْب على الْكفْر والتشبيب بنساء الْمُسلمين فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: لَئِن وَقع كَعْب بن زُهَيْر فِي يَدي لأقطعن لِسَانه. وَكتب كَعْب أبياتاً أرسلها إِلَى بجير يوبخه على إِسْلَامه فَكتب بجير إِلَى كَعْب: إِن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قد أهْدر دمك فَإِن أسلمت ولقيته مُسلما طمعت لَك فِي النجَاة وَإِلَّا فَإِنِّي أحسبك لَا تنجو فَأسلم كَعْب وَقدم على رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فأنشده هَذِه القصيدة فَأَمنهُ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وَأَجَازَهُ بردته الشَّرِيفَة الَّتِي بِيعَتْ بِالثّمن الجزيل حَتَّى بِيعَتْ فِي أَيَّام الْمَنْصُور الْخَلِيفَة بمبلغ أَرْبَعِينَ ألف دِرْهَم. وَبقيت فِي خَزَائِن بني الْعَبَّاس إِلَى أَن وصل المغول وَجرى مَا جرى. وَالله أعلم بِحَقِيقَة الْحَال. وَأنْشد بعده الْخَفِيف على أَن اسْم إِن ضمير الشَّأْن حذف لضَرُورَة الشّعْر وَالتَّقْدِير: إِنَّه من يدْخل إِلَخ. وَهَذَا الْبَيْت قد تقدم شَرحه فِي الشَّاهِد الثَّامِن وَالسبْعين.

(الشاهد الخامس عشر بعد السبعمائة)

وَأنْشد بعده (الشَّاهِد الْخَامِس عشر بعد السبعمائة) الوافر (ولستم فاعلين إخال حَتَّى ... ينَال أقاصي الْحَطب الْوقُود) على أَن إخال الملغاة وَقعت مُعْتَرضًا بهَا بَين اسْم الْفَاعِل وَهُوَ فاعلين وَبَين معموله وَهُوَ حَتَّى فَإِنَّهَا جَارة بِمَعْنى إِلَى مُتَعَلقَة بِهِ. وينال مَنْصُوب بِأَن مضمرة بعْدهَا. وَالْبَيْت من أَبْيَات سِتَّة لعقيل بن علفة أوردهَا أَبُو تَمام فِي الحماسة وَهِي: (تناهوا واسألوا ابْن أبي لبيد ... أأعتبه الضبارمة النجيد) (ولستم فاعلين إخال حَتَّى ... ينَال أقاصي الْحَطب الْوقُود) (وَأبْغض من وضعت إِلَيّ فِيهِ ... لساني معشر عَنْهُم أذود) (وَلست بسائل جارات بَيْتِي ... أغياب رجالك أم شُهُود) (وَلَا ملق لذِي الودعات سَوْطِي ... ألاعبه وريبته أُرِيد

) فِي شرح التبريزي: البيتان الأخيران لِابْنِ أبي نمير القتالي من بني مرّة جَاءَ بهما أَبُو تَمام ضلة فِي هَذِه الأبيات وليستا مِنْهَا. وَكَذَا قَالَ أَبُو عبيد الْبكْرِيّ فِي اللآلي شرح أمالي القالي نقلا عَن أبي الْفضل الرياش. قَوْله: تناهوا واسألوا ... إِلَخ كِلَاهُمَا فعل أَمر من النَّهْي وَالسُّؤَال. والضبارمة بِضَم الْمُعْجَمَة بعْدهَا مُوَحدَة هُوَ الجريء على الْأَعْدَاء. وَيُسمى الْأسد ضبارمة. وَيُقَال: هُوَ الْأسد الوثيق الْخلق الْكثير اللَّحْم. والنجيد: ذُو النجدة وَهُوَ الْبَأْس والشدة. وأعتبه بِمَعْنى أرضاه. وَلَيْسَ يُرِيد الرِّضَا وَلَكِن يُرِيد: هَل جازيته بِمَا فعل لي لِأَنَّهُ لما جنى عَلَيْهِ فَكَأَنَّهُ استدعى شَره كَمَا يَسْتَدْعِي الرجل الْعُتْبِي من صَاحبه. يَقُول: كفوا عَمَّا أَنْتُم عَلَيْهِ من تهييج الشَّرّ واسألوا هَذَا الرجل هَل أرضاه الْأسد الْقوي الشَّديد لما تحكك بِهِ وَهل وفاه مَا اسْتَحَقَّه عَلَيْهِ كَابْن أبي لبيد كَانَ أَجْدَر مِنْهُم بِأَن ينَال البغية مِنْهُ لشدَّة شَكِيمَته وقوته فأخفق. يَقُول: سلوه عَن وتره عِنْده هَل نقضه ثمَّ لينهكم ذَلِك عَن الجراءة على مثلي. وَقَوله: ولستم فاعلين ... إِلَخ حذف مفعول فاعلين وَهُوَ مَا دلّ عَلَيْهِ فِي الْبَيْت قبله تناهوا) كَأَنَّهُ قَالَ: ولستم فاعلين التناهي. والوقود بِالضَّمِّ: إيقاد النَّار وبالفتح: الْحَطب. والأقصى: الْأَبْعَد. وَهَذَا مثل تمثل بِهِ فِي انْتِهَاء الشَّرّ. يَقُول: لَسْتُم متناهين عَمَّا أكرهه مِنْكُم حَتَّى يعمكم الشَّرّ ويبلغ الْبلَاء أقْصَى الْمبلغ فيتعدى من الْأَقَارِب إِلَى الأباعد وَمن السقيم إِلَى البريء. وَذكر الْحَطب والوقود هُنَا مثلا لتفاقم الشَّرّ واتساع الْمَكْرُوه.

- وَقَوله: وَأبْغض من وضعت ... إِلَخ فِيهِ تَقْدِيم وَتَأْخِير وَأَصله: وَأبْغض من وضعت لساني فِيهِ إِلَى معشر أذود عَنْهُم أَي: أبْغض الْأَشْيَاء إِلَيّ أَن أهجو معشري الَّذين يلْزَمنِي الذب عَنْهُم فَمن هُنَا نكرَة مَوْصُوفَة وَصفته الْجُمْلَة الَّتِي هِيَ وضعت لساني فِيهِ وَقد فصل بَينهمَا بقوله: إِلَيّ وَهُوَ أَجْنَبِي مِنْهَا. وَهَذَا فِي الصّفة أقرب مِنْهُ فِي الصِّلَة. وَقَوله: وَلست بسائل ... . إِلَخ كنى فِي الْبَيْت عَن عفته. يَقُول: لَا أكلم جارتي لِأَنِّي أصونها عَن الْكَلَام. وَيجوز أَن يكون تعرضاً للَّذي يهجوه أَي: لَا أغتنم الْخلْوَة لجارات بَيْتِي فأتطلب غيبَة رِجَالهنَّ عَنْهُن. وَقَوله: وَلست بصادر ... إِلَخ يَقُول: إِذا دَعَاني الْجَار إِلَى بَيته يكرمني ببره لَا أصدر عَن بَيته والطمع فِي مَاله بِحَالهِ كَمَا يصدر العير عَن المَاء وَقد غمره الْوُرُود. والتغمير كالتصريد وَهُوَ شرب دون الرّيّ وَمِنْه الْغمر للقدح الصَّغِير. وَقيل: فِي غمره إِنَّه بِمَعْنى أرواه من الْغمر وَهُوَ المَاء الْكثير. فَيكون الْمَعْنى: لَا أتهالك على طَعَامه كالمنهوم الخسيس الهمة لكنني آكل آكلاً كَرِيمًا. وَالْمعْنَى الأول أوجه. وَقيل: مَعْنَاهُ إِنِّي لَا أصدر عَن بَيته وَنَفْسِي تَدعُونِي إِلَى صَاحِبَة الْبَيْت لِأَنِّي رجعت مسرعاً حِين علمت بمَكَان جاري عَنهُ كَمَا يفعل العير إِذا أحس بالقانص. وَقَوله: وَلَا ملق لذِي الودعات ... إِلَخ الودعة: الخرزة تعلق فِي عنق الصَّبِي أَي: لَا أشغل الصَّبِي ذَا الودعات بسوطي وَأَنا أُرِيد

ريبته أَي: رِيبَة أمه. ويروى: وربته أُرِيد وعَلى هَذَا فَالْمُرَاد أمه لِأَنَّهَا تربه وتملك أمره. وَيجوز أَن يُرِيد بِذِي الودعات: ابْن أمة وَيُرِيد بربته مولاته. وَجُمْلَة: ألاعبه حَال. - وَعقيل بن علفة شَاعِر إسلامي فِي الدولة الإسلامية المروانية تقدّمت تَرْجَمته فِي الشَّاهِد التَّاسِع وَالْعِشْرين بعد الثلثمائة.) وَأنْشد بعده وَهُوَ من شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ: الْكَامِل (وَلَقَد علمت لتأتين منيتي ... إِن المنايا لَا تطيش سهامها) على أَن علم نزل منزلَة الْقسم فَيكون جملَة لتأتين جَوَاب الْقسم الَّذِي هُوَ علمت وَحِينَئِذٍ تخرج عَمَّا نَحن فِيهِ فَلَا تَقْتَضِي مَعْمُولا وَلَا تتصف بِعَمَل لوا تَعْلِيق وَلَا إِلْغَاء. وَهَذَا مَأْخُوذ من كَلَام سِيبَوَيْهٍ فَإِنَّهُ أورد هَذَا الْبَيْت فِي بَاب أَفعَال الْقسم وَقَالَ: كَأَنَّهُ قَالَ: وَالله لتأتين منيتي كَمَا قَالَ: قد علمت لعبد الله خير مِنْك. اه. وَيجوز أَن تبقى علم هُنَا على بَابهَا وَتَكون معلقَة بلام الْقسم فَيكون جملَة: لتأتين منيتي جَوَابا لقسم مَحْذُوف تَقْدِيره: وَلَقَد علمت وَالله لتأتين منيتي. وجملتا الْقسم وَالْجَوَاب فِي موقع نصب بعلمت الْمُعَلق.

وَإِلَى هَذَا ذهب ابْن النَّاظِم فِي شرح الألفية قَالَ: وَمِنْهَا أَي: من المعلقات لَام الِابْتِدَاء وَالْقسم كَقَوْلِه تَعَالَى: وَلَقَد علمُوا لمن اشْتَرَاهُ مَاله فِي الْآخِرَة من خلاق وكقول الشَّاعِر: وَلَقَد علمت لتأتين منيتي ... ... ... ... . الْبَيْت وَقَررهُ ابْن هِشَام فِي شرح شواهده وَجوز الْوَجْه الأول أَيْضا فِيهِ ثمَّ قَالَ: وَيَأْتِي الْوَجْهَانِ فِي الْآيَة الْكَرِيمَة أَيْضا. وَالسَّابِق إِلَى تَجْوِيز الْوَجْهَيْنِ فِي الْآيَة وَالْبَيْت ابْن جني فِي سر الصِّنَاعَة قَالَ فِيهِ: وَأما قَوْله تَعَالَى: وَلَقَد علمُوا لمن اشْتَرَاهُ الْآيَة. فَاللَّام فِي لقد لَام الْقسم وَهُوَ مَحْذُوف وَالتَّقْدِير: وَالله لقد علمُوا. وَاللَّام فِي لمن اشْتَرَاهُ لَام الِابْتِدَاء وَمن بِمَنْزِلَة الَّذِي مُبْتَدأ وصلته اشْتَرَاهُ وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَة خَبره وَالْجُمْلَة فِي مَوضِع نصب بعلموا كَمَا تَقول: قد علمت لزيد أفضل مِنْك فلام الِابْتِدَاء وهمزة الِاسْتِفْهَام فِي التَّعْلِيق سَوَاء. وَهَذَا مَذْهَب سِيبَوَيْهٍ. وَذهب غَيره إِلَى جعل من شرطا وَجعل اللَّام فِيهِ كَالَّتِي تعترض زَائِدَة بَين الْقسم والمقسم عَلَيْهِ فالتقدير: وَالله لقد علمُوا لَئِن أحد اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَة من خلاق. وَفِي جعل من للشّرط بعض الضعْف وَذَلِكَ أَن علمُوا تَقْتَضِي مفعولها فَإِذا أوقعت الْقسم بعْدهَا صَار التَّقْدِير: وَلَقَد علمُوا أَحْلف بِاللَّه لَئِن اشْتَرَاهُ أحد.) وَإِذا تأدى الْأَمر إِلَى هَذَا قبح أَن تلِي علمت فعل الْقسم لِأَنَّهَا وَأَخَوَاتهَا إِنَّمَا يدخلن على الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر. فَإِن قلت: فعلام تجيز كَون من شرطا وَقد قدمت قبح ذَلِك

فَالْجَوَاب أَن جَوَاز ذَلِك على أَن تجْعَل علمُوا نَفسهَا قسما. وَقد استعملتها الْعَرَب بِمَعْنى الْقسم. وَمن أَبْيَات الْكتاب: فَكَأَنَّهُ قَالَ: وَالله لتأتين منيتي. فَإِن قلت: فَإِذا جعلت علمُوا جَارِيا مجْرى الْقسم وعندك أَن اللَّام فِي لقد دَالَّة على الْقسم الْمَحْذُوف فَكَأَنَّهُ عنْدك: وَالله لقد علمُوا وقولك: لقد علمُوا جَار مجْرى الْقسم فَكيف يجوز على هَذَا دُخُول الْقسم على الْقسم أَولا ترى أَن الْخَلِيل وسيبويه ذَهَبا فِي قَوْله تَعَالَى: وَالشَّمْس وَضُحَاهَا وَالْقَمَر إِذا تَلَاهَا أَن جَمِيع مَا بعد الْوَاو الأولى من الواوات إِنَّمَا هُوَ حرف عطف لِئَلَّا يدْخل قسم على قسم فَيبقى الأول مِنْهُمَا غير مجاب. فَالْجَوَاب: أَن ذَلِك إِنَّمَا جَازَ فِي علمُوا من حَيْثُ كَانَ إِنَّمَا هُوَ فِي معنى الْقسم وَلَيْسَ قسما صَرِيحًا وَإِنَّمَا هُوَ بِمَنْزِلَة اشْهَدْ لقد كَانَ كَذَا. فلأجل هَذَا جَازَ أَن تكون من فِي لمن اشْتَرَاهُ شرطا وَاللَّام فِي أَولهَا مُؤَكدَة للشّرط. فاعرف ذَلِك. اه. وَالْبَيْت نسبه سِيبَوَيْهٍ فِي كِتَابه للبيد وَالْمَوْجُود فِي معلقته إِنَّمَا هُوَ المصرع الثَّانِي وصدره: صادفن مِنْهَا غرَّة فأصبنه وَالنُّون من صادفن ضمير الذئاب وَضمير مِنْهَا ضمير الْبَقَرَة الوحشية وَالْهَاء فِي أصبنه ضمير ولد الْبَقر. وَلم

(الشاهد السابع عشر بعد السبعمائة)

يُوجد للبيد فِي ديوانه شعر على هَذَا الْوَزْن والروي غير الْمُعَلقَة. وَالله أعلم. وَأنْشد بعده: الْكَامِل ( ... ... ... . . وإنني ... قسما إِلَيْك مَعَ الصدود لأميل) على أَن لقد علمت فِي الْبَيْت السَّابِق منزل منزلَة الْقسم فَصَارَ كَقَوْلِه: قسما فِي هَذَا الْبَيْت وَهُوَ بِتَقْدِير أقسم قسما. وَقَوله: لأميل خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي: لأَنا أميل وَالْجُمْلَة جَوَاب الْقسم. وَقد تقدم مشروحاً فِي الشَّاهِد التسعين.) وَأَصله: (إِنِّي لأمنحك الصدود وإنني ... قسما إِلَيْك ... ... ... . الْبَيْت) وأنشده بعده (الشَّاهِد السَّابِع عشر بعد السبعمائة) وَهُوَ من شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ: الرجز لقد علمت أَي يَوْم عقبتي قَالَ سِيبَوَيْهٍ فِي بَاب مَا لَا يعلم فِيهِ مَا قبله من الْفِعْل الَّذِي يتَعَدَّى: وَتقول: عرفت أَي يَوْم الْجُمُعَة فتنصب على أَنه ظرف لَا على عرفت. وَإِن لم تَجْعَلهُ ظرفا رفعت. وَبَعض الْعَرَب يَقُول: لقد علمت أَي يَوْم عقبتي. وَبَعْضهمْ يَقُول: أَي يَوْم عقبتي. اه.

وَظَاهر سِيَاقه إِن هَذَا كَلَام لَا شعر وَلِهَذَا لم يشرحه أَكثر شرَّاح شواهده وَلم يُورِدهُ أحد مِنْهُم فِي الأبيات إِلَّا أَبُو جَعْفَر النّحاس وَقَالَ بعده: لَا أنْشدهُ قَالَ بَعضهم: أَي حِين إِذا رفع فلَان الِاسْتِفْهَام لَا يفعل فِيهِ مَا قبله فَيكون مُبْتَدأ وَخَبره عقبتي. فَإِذا نصبت جعلته ظرفا وَلم يعلم فِيهِ علمت. اه. يَعْنِي أَن أياً اكْتسبت الظَّرْفِيَّة من حِين لإضافتها إِلَيْهِ. وَأوردهُ أَيْضا ابْن السيرافي فِي شرح أبياته وَقَالَ: هُوَ من رجز الراجز وَهُوَ: (أَأَنْت يَا بسيطة الَّتِي الَّتِي ... هيبنيك فِي المقيل صحبتي ) (لقد علمت أَي حِين عقبتي ... هِيَ الَّتِي عِنْد الهجير قَالَت) إِذا النُّجُوم فِي السَّمَاء ولت وبسيطة: اسْم أَرض بَين الْكُوفَة وحزمن بني يَرْبُوع. قَالَ أَبُو مُحَمَّد الْأَعرَابِي فِي فرحة الأديب: وفيهَا يَقُول عدي بن عَمْرو الطَّائِي:

الْبَسِيط. وَخطأ ابْن السيرافي فِي قَوْله: البسيطة: الأَرْض المنبسطة الممتدة. ثمَّ رَأَيْت ابْن خلف أورد هَذَا الرجز وَقَالَ فِي مِثَال سِيبَوَيْهٍ: أما نَصبه فعلى قَوْلك: فِي أَي الْأَوْقَات الِاجْتِمَاع للصَّلَاة وَرَفعه جيد كَأَنَّهُ قَالَ: أَي الْأَيَّام يَوْم الْجُمُعَة والسبت مثل الْجُمُعَة. وَإِنَّمَا جَازَ النصب فِي ذَلِك لِأَن الْجُمُعَة فِيهَا معنى الِاجْتِمَاع وَالْأَصْل فِي السبت الرَّاحَة وَهُوَ فعل وَاقع فِي الْيَوْم. وَلَو قلت: الْيَوْم الْأَحَد والاثنان إِلَى الْخَمِيس لم يجز إِلَّا الرّفْع. وَلَيْسَ للأحد) معنى يَقع فِي الْيَوْم. ثمَّ قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَبَعض يَقُول: لقد علمت أَي يَوْم عقبتي أنْشدهُ نصبا وَهَذَا الْبَيْت من الشّعْر وَقد خلط بالْكلَام فِي الْكتاب. وَالشَّاهِد فِيهِ نصب أَي على الظّرْف. وعقبتي مُبْتَدأ وَأي حِين: خَبره كَأَنَّهُ قَالَ: أَي الأحيان اعتقابي يُرِيد ركُوب عقبته. وَرَفعه جَائِز على مَا قَدمته. والبسيطة: الأَرْض المنبسطة الممتدة. - هيبنيك صحبتي: هيبوني من ركوبك وَالسير فِيك. والهجير: الهاجرة. وَوَلَّتْ النُّجُوم: يَعْنِي النُّجُوم الَّتِي كَانَت فِي أول اللَّيْل مُرْتَفعَة ولت انحطت لِتَغَيُّبٍ. يُرِيد أَنه لَهُ عقبتين: عقبَة بِاللَّيْلِ وَعقبَة بِالنَّهَارِ. انْتهى كَلَامه. وَذهب بالبسيطة إِلَى مَعْنَاهَا اللّغَوِيّ. وَقد رده أَبُو مُحَمَّد الْأَعرَابِي وَقَالَ: إِنَّهَا علم لأرض بِعَينهَا وَعلمت بِالْبِنَاءِ للمعلوم والتكلم. والعقبة بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الْقَاف وَهُوَ مُضَاف إِلَى الْيَاء. قَالَ صَاحب الْعباب: الْعقبَة بِالضَّمِّ: النّوبَة بالنُّون. تَقول: تمت عقبتك أَي: نوبتك.

(الشاهد الثامن عشر بعد السبعمائة)

وَلم أَقف عَلَيْهِ بِأَكْثَرَ من هَذَا وَالله أعلم. وَأنْشد بعده (الشَّاهِد الثَّامِن عشر بعد السبعمائة) الْكَامِل غادرته جزر السبَاع وَهُوَ قِطْعَة من بَيت وَهُوَ: (غادرته جزر السبَاع ينشنه ... مَا بَين قلَّة رَأسه والمعتصم) على أَن غدر مُلْحق بَصِير فِي الْعَمَل وَالْمعْنَى إِذا كَانَ ثَانِي المنصوبين معرفَة كَمَا فِي الْبَيْت. وَالْمَشْهُور فِي رِوَايَته: وَتركته جزر السبَاع. - وَقد اسْتشْهد بِهِ فِي التفسيرين على أَن ترك فِي قَوْله: وتركهم فِي ظلمات لَا يبصرون كَمَا فِي الْبَيْت. وَترك فِي الأَصْل يتَعَدَّى إِلَى مفعول وَاحِد لِأَنَّهُ بِمَعْنى طرح وخلى ثمَّ ضمن معنى صَار إِلَّا أَن مَا فِي الْبَيْت مُتَعَدٍّ قطعا إِلَى مفعولين لكَون الثَّانِي معرفَة بِخِلَاف الْآيَة فَإِن ترك فِيهَا يحْتَمل أَن تكون بِمَعْنى الأَصْل متعدية إِلَى مفعول وَاحِد وَيكون فِي ظلمات لَا يبصرون حَالين مترادفتين كَمَا قَالَه ابْن الْحَاجِب: (ومدجج كرة الكماة نزاله ... لَا ممعن هرباً وَلَا مستسلم) (جَادَتْ يداي لَهُ بعاجل طعنة ... بمثقف صدق الكعوب مقوم) (فشككت بِالرُّمْحِ الطَّوِيل ثِيَابه ... لَيْسَ الْكَرِيم على القنا بِمحرم)

وَتركته جزر السبَاع ... ... ... ... . . الْبَيْت وَقَوله: ومدجج أَي: رب مدجج وَهُوَ التَّام السِّلَاح بِكَسْر الْجِيم وَفتحهَا. والكماة: الشجعان. والنزال: المنازلة فِي الْحَرْب. وَقَوله: لَا ممعن إِلَخ صفة ثَانِيَة لمدجج والإمعان: الْمُبَالغَة وَمَعْنَاهُ لَا يمعن هرباً فيبعد وَلَا هُوَ مستسلم فيؤسر وَلكنه يُقَاتل. وَيُقَال: مَعْنَاهُ لَا يفر فِرَارًا بَعيدا إِنَّمَا هُوَ منحرف لرجعة أَو كرة وَأَرَادَ وَصفه بالحزم فِي الْحَرْب. وَأَرَادَ أَنه وَإِن كَانَ بِهَذِهِ الصّفة وَكَانَ مِمَّن تكره منازلته فَإِنِّي لم أجبن عَنهُ وَلَا هِبته وَلَكِنِّي أقدمت عَلَيْهِ. وَقَوله: جَادَتْ يداي ... . إِلَخ أَي: سبقته بالطعن لِأَنِّي كنت أحذق مِنْهُ. والمثقف: الرمْح الْمُقَوّم. والصدق بِالْفَتْح: الصلب. وَمَا بَين كل أنبوبتين كَعْب.) وَقَوله: فشككت بِالرُّمْحِ ... إِلَخ أَي: انتظمت ثِيَابه بِالرُّمْحِ يُرِيد أَن الرماح مولعة بالكرام لحرصهم على الْإِقْدَام. وَقيل: مَعْنَاهُ كرمه لَا يخلصه من الْقَتْل الْمُقدر لَهُ. وَقَوله: وَتركته جزر السبَاع ... إِلَخ الجزر: جمع جزرة بِفَتْح الْجِيم وَالزَّاي وَهِي الشَّاة أَو النَّاقة تنحر وتذبح. أَي: تركته لَحْمًا للسباع. والنوش: التَّنَاوُل. وَقلة رَأسه: أَعْلَاهُ. والمعصم: مَوضِع السوار من الذِّرَاع. وَكَانَ الْوَجْه أَن يَقُول: مَا بَين قلَّة رَأسه والقدم فَلم يُمكنهُ للقافية. وَيحْتَمل أَنه اسْتعَار المعصم لما فَوق الْقدَم من السَّاق لتقاربهما فِي الْخلقَة.

وترجمة عنترة تقدّمت فِي الشَّاهِد الثَّانِي عشر من أَوَائِل الْكتاب. وَأنْشد بعده الوافر (سَمِعت النَّاس ينتجعون غيشاً ... فَقلت لصيدح انتجعي بِلَالًا ) على أَن الْفِعْل التَّالِي لاسم الْعين بعد سمع يجوز أَن لَا يكون بِمَعْنى النُّطْق كَمَا فِي الْبَيْت فَإِن الانتجاع التَّرَدُّد فِي طلب العشب وَالْمَاء وَلَيْسَ قولا والمسموع مُطلق الصَّوْت سَوَاء كَانَ قولا أَو حَرَكَة فَإِن الْمَشْي فِيهِ صَوت تَحْرِيك الْأَقْدَام. وَكَذَا الانتجاع هُوَ طلاب النجعة وَهِي مَكَان الْمَطَر إِذا أجدبوا. والطلب إِمَّا بالسؤال وَهُوَ قَول أَو بالتردد ذَهَابًا ومجيئاً وَفِيه حركات مسموعة. وَالشَّارِح الْمُحَقق مَسْبُوق بِهَذَا الِاخْتِيَار. وَقَالَ ابْن مَالك فِي التسهيل: ألْحقُوا بِرَأْي العلمية الحلمية وَسمع الْمُعَلقَة يعين وَلَا يخبر بعْدهَا إِلَّا بِفعل دَال على صَوت. اه. وَهَذَا مُخَالف لصريح كَلَام الرضي. وَقَوله فِي أَمَالِيهِ إِن قِيَاس سَمِعتك تمشي على سَمِعت أَنَّك تمشي قِيَاس مَعَ الْفَارِق لِأَنَّهُ بِتَقْدِير الْبَاء وَلَيْسَ من هَذَا الْقَبِيل الَّذِي يدْخل على الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر.

أَقُول: مُرَاده أَن سمع فِي المثالين مُتَعَلّقه مُطلق الصَّوْت سَوَاء كَانَ من اسْتِعْمَال وَاحِد أَو من استعمالين. فَإِن سمع فِي أَكثر استعمالاته مُتَعَلقَة الصَّوْت وَلَا يسْتَعْمل فِي غير مسموع إِن اللَّفْظَة مَوْضُوعَة لَهُ وَلَا يلْزم الدّلَالَة على الصَّوْت وضعا بل يَكْفِي الدّلَالَة عَلَيْهِ وَلَو التزاماً.) وَقَول الشَّارِح الْمُحَقق: بِنصب النَّاس فِيهِ رد على الحريري بإنكاره النصب فَإِنَّهُ قَالَ فِي درة الغواص: وَمن أوهامهم فِي هَذَا الْمَعْنى أَنهم ينشدون بَيت ذِي الرمة: سَمِعت النَّاس ينتجعون غيثاً فَيَنْصبُونَ لفظ النَّاس على الْمَفْعُول وَلَا يجوز ذَلِك لِأَن النصب بِجعْل الانتجاع مِمَّا يسمع وَمَا هُوَ كَذَلِك. إِنَّمَا الصَّوَاب أَن ينشد بِالرَّفْع على وَجه الْحِكَايَة. اه. وَقد تبع فِي هَذَا الْمبرد فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْكَامِل: قَوْله سَمِعت النَّاس ينتجعون غيثاً حِكَايَة وَالْمعْنَى إِذا حقق إِنَّمَا هُوَ: سَمِعت هَذِه اللَّفْظَة أَي: قَائِلا يَقُول: النَّاس ينتجعون غيثاً وَمثل هَذَا قَوْله: الوافر (وجدنَا فِي كتاب بني تَمِيم ... أَحَق الْخَيل بالركض المعار) فَمَعْنَاه وجدنَا هَذِه اللَّفْظَة مَكْتُوبَة. فَقَوله: أَحَق الْخَيل ابْتِدَاء والمعار: خَبره. وَكَذَلِكَ النَّاس ابْتِدَاء وينتجعون خَبره. وَمثل هَذَا فِي الْكَلَام: قَرَأت الْحَمد لله رب الْعَالمين إِنَّمَا حكيت مَا قَرَأت وَكَذَلِكَ: قَرَأت على

وَقد روى النصب فِي الْبَيْت جمَاعَة ثِقَات مِنْهُم ابْن السَّيِّد فِي أَبْيَات الْمعَانِي وَمِنْهُم الفارقي فِي شرح أَبْيَات الْإِيضَاح وَمِنْهُم الزَّمَخْشَرِيّ وَغَيره. وَقد أوردهُ بِالرَّفْع الزَّمَخْشَرِيّ أَيْضا فِي أول سُورَة الْبَقَرَة على أَن جملَة: النَّاس ينتجعون محكي والحكاية إِمَّا بقول مُقَدّر على مَذْهَب من اشْترط فِي الْحِكَايَة القَوْل أَو بسمعت على خلاف. وَتَقْدِيره كثير. وَاعْلَم أَن نَحْو: سَمِعت زيدا يَقُول كَذَا اخْتلف فِيهِ: فَعِنْدَ الْأَخْفَش وَأبي عَليّ الْفَارِسِي فِي الْإِيضَاح وَابْن مَالك وَصَاحب الْهَادِي وجم غفير أَنه يتَعَدَّى إِلَى مفعولين: الأول: الذَّات وَالثَّانِي: الْجُمْلَة الْمَذْكُورَة بعد. قَالَ البعلي فِي شرح الْجمل: وَأما سمع فَإِن وليه مَا يسمع تعدى إِلَى مفعول وَاحِد تَقول: سَمِعت الحَدِيث وَسمعت الْكَلَام. وَإِن وليه مَا لَا يسمع تعدى إِلَى مفعولين كَقَوْلِك: سَمِعت زيدا يَقُول كَذَا. وَلم يجز بَعضهم سَمِعت زيدا قَائِلا إِلَّا أَن يعلقه بِشَيْء آخر لِأَن قَائِلا من صِفَات الذَّات والذات لَا تسمع.) وَأما قَوْله تَعَالَى: هَل يسمعونكم إِذْ تدعون فعلى حذف الْمُضَاف تَقْدِيره: هَل يسمعُونَ قَالَ فِي شرح الْهَادِي: وَفِيه نظر فَإِن الثَّانِي من قَوْلنَا: سَمِعت زيدا يَقُول: جملَة وَالْجُمْلَة لَا تقع مَفْعُولا إِلَّا فغي الْأَفْعَال الدَّاخِلَة على الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر نَحْو: ظَنَنْت وَسمعت لَيْسَ مِنْهَا بل الْحق أَنه مِمَّا

يتَعَدَّى إِلَى مفعول وَاحِد وَلَا يكون إِلَّا مِمَّا يسمع. فَإِن عديته إِلَى غير مسموع فَلَا بُد من قرينَة بعده تدل على أَن المُرَاد مَا يسمع فِيهِ. فَإِن قلت: سَمِعت زيدا يَقُول: فزيداً مفعول على تَقْدِير مُضَاف أَي: سَمِعت قَول زيد وَيَقُول فِي مَوضِع الْحَال. اه. وَهَذَا النّظر غير وَارِد وَفِي كَلَامهم مَا يَدْفَعهُ. كَذَا فِي التسهيل وَقد نقلنا عِبَارَته. فَعلم أَن من قَالَ بنصبها مفعولين جعلهَا مِمَّا يدْخل على الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر لِأَن الْحَواس الظَّاهِرَة لما أفادت الْإِدْرَاك وَالْعلم إِذْ كَانَت طَرِيقا لَهُ أجروها مجْرى رأى وَعلم لذَلِك فأعلموا عَملهَا. - وَذهب بَعضهم إِلَى جعل الْجُمْلَة حَالا بعد الْمعرفَة وَصفَة بعد النكرَة. قَالَ القَاضِي فِي تَفْسِير: سمعنَا فَتى يذكرهم. صفة مصححة لِأَن يتَعَلَّق بِهِ السّمع وَهُوَ أبلغ فِي نِسْبَة الذّكر إِلَيْهِ. وَوجه كَونه أبلغ إِيقَاع الْفِعْل على المسموع مِنْهُ وَجعله بِمَنْزِلَة المسموع مُبَالغَة فِي عدم الْوَاسِطَة بَينهمَا ليُفِيد التَّرْكِيب أَنه سَمعه مِنْهُ بِالذَّاتِ. وَضمير هُوَ رَاجع إِلَى التَّعَلُّق. وَهَذَا معنى قَوْله فِي تَفْسِير: سمعنَا منادياً يُنَادي للْإيمَان حَيْثُ قَالَ: أوقع الْفِعْل على المسمع وَقَالَ الْفَاضِل فِي حَوَاشِي الْكَشَّاف: فِي مثل هَذَا يَجْعَل مَا يسمع صفة للنكرة وَحَالا للمعرفة فأغنى عَن ذكر المسموع. لَكِن لَا يخفى أَنه

لَا يَصح إِيقَاع فعل السماع على الرجل إِلَّا بإضمار أَو مجَاز أَي: سَمِعت كَلَامه. وَأَن الأوفق بِالْمَعْنَى فِيمَا جعل وَصفا أَو حَالا أَن يَجْعَل بَدَلا بِتَأْوِيل الْفِعْل على مَا يرَاهُ بعض النُّحَاة لكنه قَلِيل فِي الِاسْتِعْمَال فَلِذَا آثر الوصفية والحالية. اه. وَإِنَّمَا كَانَ الْبَدَل أوفق لِأَنَّهُ يَسْتَغْنِي عَن التَّجَوُّز والإضمار إِذْ هُوَ حِينَئِذٍ بدل اشْتِمَال وَلَا يلْزم فِيهِ قصد تعلق الْفِعْل بالمبدل مِنْهُ حَتَّى يحْتَاج إِلَى إِضْمَار أَو تجوز كَمَا فِي: سلب زيد ثَوْبه إِذْ لَيْسَ زيد مسلوباً. وَلم يؤوله أحد لِأَنَّهُ غير مَقْصُود بِالنِّسْبَةِ بل تَوْطِئَة لما بعده. وإبدال الْجُمْلَة من الْمُفْرد جَائِز نَحْو: وأسروا النَّجْوَى الَّذين ظلمُوا هَل هَذَا إِلَّا بشر مثلكُمْ. وَفِي شرح الْمُغنِي: الْمُحَقِّقُونَ على أَنَّهَا متعدية إِلَى مفعول وَاحِد وَأَن الْجُمْلَة الْوَاقِعَة بعده حَال. ) وَقَالَ التَّفْتَازَانِيّ: أَو بدل أَو بَيَان بِتَقْدِير الْمصدر. وَيلْزم عَلَيْهِ حذف أَن وَرفع الْفِعْل وَجعله بِمَعْنى الْمصدر بِدُونِ سابك وَلَيْسَ مثله بمقيس. وَهَذَا لَيْسَ بوارد لِأَنَّهُ إِشَارَة إِلَى أَن بدل الْجُمْلَة من الْمُفْرد بِاعْتِبَار مُحَصل الْمَعْنى لِأَنَّهُ سبك وَتَقْدِير. بَقِي لسمع استعمالات غير مَا تقدم وَهِي ثَلَاثَة: أَحدهَا: أَن تتعدى إِلَى مسموع. وَقد حقق السُّهيْلي أَن جَمِيع الْحَواس الظَّاهِرَة لَا تتعدى إِلَّا مفعول وَاحِد نَحْو: سَمِعت الْخَبَر وأبصرت الْأَثر ومسست الْحجر ودقت الْعَسَل وشممت الطّيب. ثَانِيهَا: تعديتها بإلى أَو اللَّام وَهِي حِينَئِذٍ بِمَعْنى الإصغاء

وَالظَّاهِر أَنه حَقِيقَة لَا تضمين قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ فِي تَفْسِير قَوْله تَعَالَى: لَا يسمعُونَ إِلَى الملاء الْأَعْلَى. فَإِن قلت: أَي فرق بَين سَمِعت فلَانا يتحدث وَسمعت إِلَيْهِ يتحدث وَسمعت حَدِيثه وَإِلَى حَدِيثه قلت: المعدى بِنَفسِهِ يُفِيد الْإِدْرَاك والمعدى بإلى يُفِيد الإصغاء مَعَ الْإِدْرَاك. قَالَ الْجَوْهَرِي: استمعت لَهُ أَي: أصغيت وتسمعت إِلَيْهِ وَسمعت إِلَيْهِ وَسمعت لَهُ. وَأما قَوْله: سمع الله لمن حَمده فَإِنَّهُ مجَاز عَن المقبول. ثَالِثهَا: تعديتها بِالْبَاء وَهُوَ مَعْرُوف فِي كَلَام الْعَرَب وَمَعْنَاهُ الْإِخْبَار وَنقل ذَلِك إِلَى السَّامع. وَيدخل حِينَئِذٍ على غير المسموع وَلَيْسَت الْبَاء فِيهِ زَائِدَة تَقول: مَا سَمِعت بِأَفْضَل مِنْهُ. وَفِي الْمثل: تسمع بالمعيدي خير من أَن ترَاهُ قابله بِالرُّؤْيَةِ لِأَنَّهُ بِمَعْنى الْإِخْبَار عَنهُ المتضمن للغيبة. - وَقَالَ الحماسي: الْكَامِل وَقَالَ آخر: الْخَفِيف (صَاح هَل ريت أَو سَمِعت براع ... رد فِي الضَّرع مَا قرى فِي العلاب)

وَقَالَ ربيعَة بن مقروم: الْبَسِيط (وَقد سَمِعت بِقوم يحْمَدُونَ فَلم ... أسمع بمثلك لَا حلماً وَلَا جوداً) وَإِنَّمَا أطلت الْكَلَام فِي هَذِه الْكَلِمَة لِأَن الشَّارِح الْمُحَقق أوجز فِيهَا كل الإيجاز. وَالْبَيْت من قصيدة لذِي الرمة مدح بهَا بِلَال بن أبي بردة بن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ. وَبعده:) (تناخي عِنْد خير فَتى يمَان ... إِذا النكباء ناوحت الشمالا) (ندى وتكرماً ولبات لب ... إِذا الْأَشْيَاء حصلت الرجالا) (وأبعدهم مَسَافَة غور عقل ... إِذا مَا الْأَمر ذُو الشُّبُهَات عالا ) وَهِي قصيدة طَوِيلَة جدا وَسَيَأْتِي إِن شَاءَ الله بَيت مِنْهَا أَيْضا فِي أَفعَال الْمَدْح والذم. وَقَوله: سَمِعت النَّاس ... . إِلَخ الْغَيْث: الْمَطَر وَأَرَادَ بِهِ مَا يحصل بِسَبَبِهِ من الكلإ وَالْخصب. وصيدح بإهمال الطَّرفَيْنِ: اسْم نَاقَة ذِي الرمة. وبلال هُوَ الممدوح وَتَقَدَّمت تَرْجَمته فِي الشَّاهِد السِّتين بعد الْمِائَة. قَالَ الْمبرد فِي الْكَامِل: وَكَانَ بِلَال داهية لقناً أديباً.

وَلما سمع قَوْله: سَمِعت النَّاس الْبَيْت قَالَ لغلامه: مر لَهَا بقت وَنوى. أَرَادَ أَن ذَا الرمة لَا يحسن الْمَدْح. اه. فَلَمَّا خرج ذُو الرمة قَالَ لَهُ أَبُو عَمْرو وَكَانَ حَاضرا: هلا قلت لَهُ إِنَّمَا عنيت بانتجاع النَّاقة صَاحبهَا كَمَا قَالَ الله عَزَّ وَجَلَّ: واسأل الْقرْيَة الَّتِي كُنَّا فِيهَا يُرِيد أَهلهَا. وهلا أنشدته قَول الْحَارِثِيّ: الوافر (وقفت على الديار فكلمتني ... فَمَا ملكت مدامعها القلوص) يُرِيد صَاحبهَا. - فَقَالَ لَهُ ذُو الرمة: يَا أَبَا عَمْرو أَنْت مُفْرد فِي عَمَلك وَأَنا فِي عَمَلي وشعري ذُو أشباه. اه. وَقَالَ ابْن عبد ربه فِي العقد الفريد: وَلما أنْشد هَذَا الشّعْر بِلَالًا قَالَ: يَا غُلَام مر لصيدح بقت وعلف فَإِنَّمَا هِيَ انتجعتنا. وَهَذَا من التعنت الَّذِي لَا إنصاف مَعَه لِأَنَّهُ قَوْله: انتجعي إِنَّمَا أَرَادَ نَفسه. وَمثله فِي كتاب الله تَعَالَى: واسأل الْقرْيَة الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعير الَّتِي أَقبلنَا فِيهَا وَإِنَّمَا أَرَادَ أهل الْقرْيَة وَأهل العير. وَقَوله: إِذا النكباء إِلَخ قَالَ الْمبرد فِي الْكَامِل: النكباء: الرّيح الَّتِي تَأتي من بَين ريحين فَتكون بَين الشمَال وَالصبَا أَو الشمَال وَالدبور أَو الْجنُوب وَالدبور أَو الْجنُوب وَالصبَا. فَإِذا كَانَت النكباء تناوح

(الشاهد العشرون بعد السبعمائة)

الشمَال فَهِيَ آيَة الشتَاء. وَمعنى تناوح تقَابل يُقَال: تناوح الشّجر إِذا قَابل بعضه بَعْضًا. وَزعم الْأَصْمَعِي أَن النائحة بِهَذَا سميت لِأَنَّهَا تقَابل صاحبتها. اه. وَيُرِيد ذُو الرمة أَنه يُعْطي فِي هَذَا الْوَقْت الَّذِي هُوَ الجدب والقحط ويبس وَجه الأَرْض. وَقَوله: ندى وتكرماً تَمْيِيز لقَوْله: خير فَتى. وحصلت بِمَعْنى ميزت الشريف من الوضيع.) والمسافة: الْغَايَة. وعال: غلب. وَذُو الشُّبُهَات: مَا اشبته وَلَا يهتدى لَهُ. وترجمة ذِي الرمة تقدّمت فِي الشَّاهِد الثَّامِن من أول الْكتاب. - وَأنْشد بعده (الشَّاهِد الْعشْرُونَ بعد السبعمائة) المتقارب إِذا أَقبلت قلت دباءة على أَن دباءة لَيست وَحدهَا محكية بالْقَوْل بل هِيَ خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي: هِيَ دباءة وَالْمَجْمُوع هُوَ المحكي. وَهَذَا صدر وعجزه: وَالْبَيْت من قصيدة لامرئ الْقَيْس فِي وصف فرس. وَقَبله: (لَهَا حافر مثل قَعْب الْوَلِيّ ... د ركب فِيهِ وظيف عجر) ...

(لَهَا ثنن كخوافي العقا ... ب سود يفين إِذا تزبئر) (لَهَا ذَنْب مثل ذيل الْعَرُوس ... تسد بِهِ فرجهَا من دبر) (لَهَا متنتان خظاتا كَمَا ... أكب على ساعديه النمر ) (لَهَا كفل كصفاة المسي ... ل أبرز عَنْهَا حجاف مُضر) (لَهَا منخر كوجار السبَاع ... فَمِنْهُ تريح إِذا تنبهر) (وَعين لَهَا حدرة بدرة ... وَشقت مآقيهما من أخر) (وَإِن أَدْبَرت قلت أثفية ... ململمة لَيْسَ فِيهَا أثر) (وَإِن أَعرَضت قلت سرعوفة ... لَهَا ذَنْب خلفهَا مسبطر) قَوْله: مثل قَعْب الْوَلِيد ... إِلَخ الْعقب بِفَتْح الْقَاف: قدح من خشب مقعر. وحافر مقعب مشبه بِهِ. والوليد: الصَّبِي. يُرِيد أَن جَوف حافرها وَاسع. وَبَينه عَوْف بن عَطِيَّة بقوله: المتقارب والمغار: بِالْفَتْح الْمسكن. والوظيف من الْحَيَوَان: مَا فَوق الرسغ إِلَى السَّاق وَبَعْضهمْ يَقُول: مقدم السَّاق.) وعجر بِفَتْح المهلة وَكسر الْجِيم قَالَ فِي الصِّحَاح: ووظيف عجر بِكَسْر الْجِيم وَضمّهَا أَي: غليظ.

- وَقَوله: لَهَا ثنن ... . إِلَخ هُوَ جمع ثنة بِضَم الْمُثَلَّثَة وَتَشْديد النُّون وَهِي الشعرات الَّتِي فِي مُؤخر رسغ الدَّابَّة. ويفين غير مَهْمُوز أَي: يكثرن. يُقَال: وَفِي شعره إِذا كثر. يَقُول: لَيست بمنجردة لَا شعر عَلَيْهَا. وتزبئر: تنتفش. والخوافي: مَا دون الريشات الْعشْر من مقدم الْجنَاح. وَقَوله: لَهَا ذَنْب مثل ذيل ... . إِلَخ دبر كل شَيْء: خَلفه وَهُوَ هُنَا حَشْو بغني عَنهُ ذكر الْفرج. وَقَالَ الْآمِدِيّ عِنْد قَول البحتري: الْكَامِل (ذَنْب كَمَا سحب الرِّدَاء يذب عَن ... عرف وَعرف كالقناع المسبل) هَذَا خطأ من الْوَصْف لِأَن ذَنْب الْفرس إِذا مس الأَرْض كَانَ عَيْبا فَكيف إِذا سحبه. وَإِنَّمَا الممدوح من الأذناب مَا قرب من الأَرْض وَلم يَمَسهَا كَمَا قَالَ امْرُؤ الْقَيْس: الطَّوِيل (كميت إِذا استدبرته سد فرجه ... بضاف فويق الأَرْض لَيْسَ بأعزل) والأعزل من الْخَيل: الَّذِي يَقع ذَنبه فِي جَانب وَهُوَ عَادَة لَا خلقَة وَقد عيب قَول امْرِئ الْقَيْس: وَمَا أرى الْعَيْب يلْحقهُ لِأَن الْعَرُوس وَإِن كَانَت تسحب أذيالها وَكَانَ ذَنْب الْفرس إِذا مس الأَرْض عَيْبا فَلَيْسَ بمنكر أَن يشبه بِهِ الذَّنب وَإِن لم يبلغ إِلَى أَن يمس الأَرْض لِأَن الشَّيْء إِنَّمَا يشبه الشَّيْء إِذا

قاربه فَإِذا أشبهه فِي أَكثر أَحْوَاله فقد صَحَّ التَّشْبِيه. وامرؤ الْقَيْس لم يقْصد أَن يشبه طول الذَّنب بطول ذيل الْعَرُوس فَقَط وَإِنَّمَا أَرَادَ السبوغ وَالْكَثْرَة والكثافة. - أَلا ترى أَنه قَالَ: تسد بِهِ فرجهَا من دبر. وَقد يكون الذَّنب طَويلا يكَاد يمس الأَرْض وَلَا يكون كثيفاً فَلَا يسد فرج الْفرس. فَلَمَّا قَالَ تسد بِهِ فرجهَا علمنَا أَنه أَرَادَ الكثافة والسبوغ مَعَ الطول. فَإِذا أشبه الذَّنب الذيل من هَذِه الْجِهَة وَكَانَ فِي الطول قَرِيبا مِنْهُ فالتشبيه صَحِيح وَلَيْسَ ذَلِك بِمُوجب للعيب وَإِنَّمَا الْعَيْب فِي قَول البحتري: ذَنْب كَمَا سحب الرِّدَاء. فأفصح بِأَن الْفرس يسحب ذَنبه. وَمثل قَول امْرِئ الْقَيْس قَول خِدَاش بن زُهَيْر: المتقارب (لَهَا ذَنْب مثل ذيل الْهَدْي ... إِلَى جؤجؤ أيد الزافر) وَالْهَدْي: الْعَرُوس الَّتِي تهدى إِلَى زَوجهَا. والأيد: الشَّديد. والزافر: الصَّدْر لِأَنَّهَا تزفر مِنْهُ) فَشبه الذَّنب الطَّوِيل السابغ بذيل الْهَدْي وَإِن لم يبلغ فِي الطول إِلَى أَن يمس الأَرْض. اه. (ومتنان خظاتان ... كزحلوف من الهضب) يُقَال: لَحْمه خظا بظا إِذا كن كثير اللَّحْم صلبه. والزحلوف: الْحجر الأملس. قَالَ امْرُؤ الْقَيْس: لَهَا متنتان خظاتا الْبَيْت. يُقَال: هُوَ خاظي البضيع إِذا كَانَ كثير اللَّحْم مكتنزه. وَقَوله: خظاتا فِيهِ قَولَانِ:

أَحدهمَا: أَنه أَرَادَ خظاتان كَمَا قَالَ أَبُو دواد فَحذف نون التَّثْنِيَة. يُقَال: متن خظاة ومتنة خظاة. وَالْآخر: أَنه أَرَادَ خظتا أَي: ارتفعتا فاضطر فَزَاد ألفا. وَالْقَوْل الأول أَجود. وَقَوله: كَمَا أكب على ساعديه النمر أَرَادَ: كَأَن فَوق متنها نمراً باركاً لِكَثْرَة لحم الْمَتْن. اه. وَلَا يخفى أَن هَذَا لَا وَجه لَهُ وَالصَّوَاب مَا قَالَه ثَعْلَب أَي: فِي صلابة ساعد النمر إِذا اعْتمد على يَده. وَقَوله: لَهَا كفل ... إِلَخ الصفاة بِالْفَتْح: الصَّخْرَة الملساء. والمسيل: مجْرى السَّيْل شبه كفلها فِي ملاسته بصفاة فِي مسيل أبرزها السَّيْل وكشف مَا كَانَ عَلَيْهَا من التُّرَاب. والجحاف بِضَم الْجِيم بعْدهَا مُهْملَة: السَّيْل الشَّديد. والمضر: الَّذِي يضر بِكُل شَيْء يمر عَلَيْهِ أَي: يهدمه ويقلعه. وَقَوله: لَهَا منخر كوجار ... إِلَخ الوجار بِفَتْح الْوَاو وَكسرهَا بعْدهَا جِيم: جُحر الضَّب شبه بِهِ منخرها لسعته. وتريح: تسنتشق الرّيح تَارَة وترسلها من أراح. والبهر بِالضَّمِّ: ضيق النَّفس عِنْد الجري والتعب. وَقَوله: وَعين لَهَا حدرة ... إِلَخ بِفَتْح الْحَاء وَسُكُون الدَّال الْمُهْمَلَتَيْنِ فِي الصِّحَاح: وَعين حدرة أَي: مكتنزة صلبة. وَعين بدرة أَي: تبدر النّظر وَيُقَال: تَامَّة كالبدر. وَآخر بِضَمَّتَيْنِ فِي الصِّحَاح: وشق ثَوْبه أخراً وَمن أخر أَي: من مؤخره. وَأنْشد الْبَيْت.

وَقَوله: إِذا أَقبلت قلت دباءة هِيَ بِضَم الدَّال وَتَشْديد الْمُوَحدَة بعْدهَا ألف ممدودة. قَالَ أَبُو حنيفَة فِي كتاب النَّبَات: الدُّبَّاء: القرع واحده دباءة وقرعة. وَأنْشد الْبَيْت ثمَّ قَالَ: وَإِنَّمَا شبهها بالدباءة لدقة مقدمها وفعامة مؤخرها.) وَقيل كَذَلِك خلق الْإِنَاث من الْخَيل. وَهَذَا فِي الْإِنَاث والذكور سَوَاء يسْتَحبّ من الْخَيل أَن تطول وَتَكون مآخيرها أعظم من مقاديمها. وامرؤ الْقَيْس وَإِن كَانَ وصف فرسا أُنْثَى هَذَا الْوَصْف فقد وصف ابْن مقبل ذكرا من الْخَيل. اه. وَقَالَ المرزوقي فِي شرح الفصيح: يشبهون إناث الْخَيل بالدباء وَهِي القرع والسلاء وَهُوَ الشوك وَأنْشد الْبَيْت ثمَّ قَالَ: وَيسْتَحب من الذُّكُور غلظ الْمُقدم ودقة الْمُؤخر وَلِهَذَا يشبهونها بالذئاب لكَونهَا زلاً جمع أزل. اه. وَقَالَ ابْن قُتَيْبَة فِي أَبْيَات الْمعَانِي: يَقُول: كَأَنَّهَا من بريقها قرعَة وَلَيْسَ يُرِيد أَنَّهَا مغموسة فِي المَاء وَلكنه أَرَادَ أَنَّهَا فِي ري فَهُوَ أَشد لملاستها. وَهَذَا كَقَوْلِك: فلَان مغموس فِي الْخَيْر. وَقَالَ بَعضهم: إناث الْخَيل تكون فِي الْخلقَة كالقرعة يدق مقدمها ويعظم مؤخرها. اه. وَقَالَ العسكري فِي كتاب التَّصْحِيف عِنْد قَول امْرِئ الْقَيْس: الطَّوِيل مداك عروس أَو صراية حنظل

رَوَاهُ الْأَصْمَعِي: صراية الصَّاد مَفْتُوحَة غير مُعْجمَة وَتَحْت الْيَاء نقطتان وَهِي الحنظلة الخضراء وَقيل: هِيَ الَّتِي اصْفَرَّتْ لِأَنَّهَا إِذا اصْفَرَّتْ برقتْ وَهِي قبل أَن تصفر مُغيرَة. قَالَ: وَمثله: إِذا أَقبلت قلت دباءة أَي: من بريقها كَأَنَّهَا قرعَة. اه. والأثفية: الْحجر الَّذِي ينصب عَلَيْهِ الْقدر. والسرعوفة بِضَم الْمُهْمَلَتَيْنِ قَالَ الصَّاغَانِي فِي الْعباب: هِيَ الجرادة وَيُشبه بهَا الْفرس. وَأنْشد هَذَا الْبَيْت. وَقد أورد ابْن رَشِيق فِي الْعُمْدَة هَذِه الأبيات الثَّلَاثَة الْأَخِيرَة فِي بَاب التَّقْسِيم قَالَ: زعم الْحَاتِمِي أَن أصح تَقْسِيم وَقع لشاعر قَول الأسعر الْجعْفِيّ يصف فرسا: الْكَامِل (أما إِذا استقبلته فَكَأَنَّهُ ... باز يكفكف أَن يطير وَقد رأى) (أما إِذا استدبرته فتسوقه ... سَاق قموص الوقع عَارِية النسا) (أما إِذا استعرضته متمطراً ... فَتَقول: هَذَا مثل سرحان الغضا)

(الشاهد الحادي والعشرون بعد السبعمائة)

وَاخْتَارَهُ أَيْضا قدامَة وَلَيْسَ عِنْدِي بِأَفْضَل من قَول امْرِئ الْقَيْس إِلَّا بشرف الصِّفَات: إِذا أَقبلت قلت دباءة ... ... ... الأبيات الثَّلَاث) وَلَو لم يكن إِلَّا بنسق هَذَا الْكَلَام بعضه على بعض وَانْقِطَاع ذَلِك بعضه من بعض. اه. وَتَقَدَّمت تَرْجَمَة امْرِئ الْقَيْس فِي الشَّاهِد التَّاسِع وَالْأَرْبَعِينَ من أول الْكتاب. وَأنْشد بعده (الشَّاهِد الْحَادِي وَالْعشْرُونَ بعد السبعمائة) مجزوء الوافر (تنادوا بالرحيل غَدا ... وَفِي ترحالهم نَفسِي) على أَن جملَة الرحيل غَدا من الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر محكية بقول مَحْذُوف عِنْد الْبَصرِيين وَالتَّقْدِير: تنادوا بقَوْلهمْ: الرحيل غَدا. وَعند الْكُوفِيّين محكية بتنادوا فَإِنَّهُ يجوز عِنْدهم الْحِكَايَة بِمَا فِي معنى القَوْل فَإِن تنادوا مَعْنَاهُ نَادَى على كل مِنْهُم الآخر وَرفع صَوته بِهَذَا اللَّفْظ وَهُوَ الرحيل غَدا. وَهَذَا الْبَيْت أنْشدهُ ابْن جني فِي سر الصِّنَاعَة وَقَالَ: أجَاز أَبُو عَليّ فِي الرحيل ثَلَاثَة أوجه: الْجَرّ وَالرَّفْع وَالنّصب على الْحِكَايَة. فكأنهم قَالُوا: الرحيل غَدا أَو نرحل الرحيل غَدا أَو نجْعَل الرحيل غَدا أَو أَجمعُوا الرحيل غَدا. فتحكى الْمَرْفُوع والمنصوب. اه.

(الشاهد الثاني والعشرون بعد السبعمائة)

وَنَقله الْقَاسِم بن عَليّ الحريري فِي درة الغواص عَن ابْن جني وَلم يزده شَيْئا. - والترحال: مصدر جَاءَ على التفعال بِالْفَتْح بِمَعْنى الترحل. وَالنَّفس بِسُكُون الْفَاء. وَلم أَقف على هَذَا الْبَيْت بِأَكْثَرَ من هَذَا. وَالله أعلم. وَمثله مَا أنْشدهُ الزَّمَخْشَرِيّ فِي الكاشف قَول الشَّاعِر: الرجز (رجلَانِ من ضبة أخبرانا ... إِنَّا رَأينَا رجلا عُريَانا) قَالَ: إِن بِالْكَسْرِ بِتَقْدِير القَوْل عندنَا وَعِنْدهم يتَعَلَّق بِفعل الْإِخْبَار. وَأنْشد بعده: الرجز جاؤوا بمذق هَل رَأَيْت الذِّئْب قطّ على أَن جملَة: هَل رَأَيْت الذِّئْب قطّ محكية بقول مَحْذُوف تَقْدِيره بمذق مقول فِيهِ: هَل رَأَيْت. . إِلَخ. - وَقد تقدم شَرحه فِي الشَّاهِد السَّادِس وَالتسْعين من أَوَائِل الْكتاب. وَأنْشد بعده (الشَّاهِد الثَّانِي وَالْعشْرُونَ بعد السبعمائة) وَهُوَ من شَوَاهِد س: الوافر (أجهالاً تَقول بني لؤَي ... لعمر أَبِيك أم متجاهلينا)

على أَنه فصل بالمفعول الثَّانِي بَين الْهمزَة وَبَين تَقول. قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَاعْلَم أَن قلت إِنَّمَا وَقعت فِي كَلَام الْعَرَب على أَن يحْكى بهَا وَإِنَّمَا يحْكى بعد القَوْل مَا كَانَ كلَاما لَا قولا نَحْو: قلت زيد منطلق لِأَنَّهُ يحسن أَن تَقول: زيد منطلق وتقولك قَالَ زيد إِن عمرا خير النَّاس. وَكَذَلِكَ مَا تصرف من فعله إِلَّا تَقول فِي الِاسْتِفْهَام شبهوها بتظن وَلم يجعلوها كيظن وأظن فِي الِاسْتِفْهَام لِأَنَّهُ لَا يكَاد يستفهم الْمُخَاطب عَن ظن غَيره وَلَا يستفهم هُوَ إِلَّا عَن ظَنّه. فَإِنَّمَا جعلت كتظن كَمَا أَن مَا كليس فِي لُغَة أهل الْحجاز مَا دَامَت فِي مَعْنَاهَا فَإِذا تَغَيَّرت عَن ذَلِك أَو قدم الْخَبَر رجعت إِلَى الْقَيْس وَصَارَت اللُّغَات فِيهَا كلغة بني تَمِيم. وَلم تجْعَل قلت كظننت لِأَنَّهَا إِنَّمَا عِنْدهم أَن يكون مَا بعْدهَا محكياً فَلم تدخل فِي بَاب ظَنَنْت بِأَكْثَرَ من هَذَا. وَذَاكَ قَوْلك: مَتى تَقول زيدا مُنْطَلقًا وأتقول عمرا ذَاهِبًا وَأكل يَوْم تَقول عمرا مُنْطَلقًا لَا تفصل بهَا كَمَا لم تفصل فِي أكل يَوْم زيدا تضربه. وَتقول: أَأَنْت تَقول زيد منطلق رفعت لِأَنَّهُ فصل بَينه وَبَين حرف الِاسْتِفْهَام كَمَا فصل فِي قَوْلك: أَأَنْت زيدا مَرَرْت بِهِ فَصَارَت بِمَنْزِلَة أخواتها وَصَارَت على الأَصْل كَمَا قَالَ الْكُمَيْت: أجهالاً تَقول بني لؤَي ... ... ... ... الْبَيْت

وَقَالَ عمر بن أبي ربيعَة: الْكَامِل (أما الرحيل فدون بعد غَد ... فَمَتَى تَقول الدَّار تجمعنا) وَإِن شِئْت رفعت بِمَا نصبت فَجَعَلته حِكَايَة. وَزعم أَبُو الْخطاب وَسَأَلته عَنهُ غير مرّة. أَن نَاسا يوثق بعربيتهم وهم بَنو سليم يجْعَلُونَ بَاب قلت أجمع مثل ظَنَنْت. انْتهى كَلَام سِيبَوَيْهٍ. قَالَ الأعلم: الشَّاهِد فِيهِ على أَنه أعمل تَقول عمل تظن لِأَنَّهَا بمعناها وَلم يرد قَول اللِّسَان وَإِنَّمَا أَرَادَ الِاعْتِقَاد بِالْقَلْبِ. وَالتَّقْدِير: أَتَقول بني لؤَي جُهَّالًا أَي: أتظنهم كَذَلِك وتعتقده فيهم فَبنِي لؤَي الْمَفْعُول الأول ومتجاهلينا الْمَفْعُول الثَّانِي. وَأَرَادَ ببني لؤَي جُمْهُور قُرَيْش كلهَا) وَهَذَا الْبَيْت من قصيدة يفخر فِيهَا على الْيمن وَيذكر فضل مُضر عَلَيْهِم فَيَقُول: أتظن قُريْشًا جاهلين أَو متجاهلين حِين استعملوا اليمانيين فِي ولاياتهم وآثروهم على المضربين مَعَ فَضلهمْ عَلَيْهِم. والمتجاهل: الَّذِي يسْتَعْمل الْجَهْل وَإِن لم يكن من أَهله. اه. وَقَالَ ابْن المستوفي: أنْشدهُ سِيبَوَيْهٍ للكميت وَلم أرَاهُ فِي ديوانه. وَالَّذِي فِي ديوانه شعره: الوافر (أنواماً تَقول بني لؤَي ... لعمر أَبِيك أم متناومينا) (عَن الرَّامِي الكنانة لم يردهَا ... وَلَكِن كَاد غير مكايدينا) يَقُول: أتظن أَن قُريْشًا تغفل عَن هجاء شعراء نزار لأَنهم إِن هجوا مُضر والقبائل الَّتِي مِنْهَا هَؤُلَاءِ الشُّعَرَاء فقد تعرضوا لسب قُرَيْش فهم

بِمَنْزِلَة من رمى رجلا فَقيل: لم رميته فَقَالَ: إِنَّمَا رميت كِنَانَته وَلم أرمه وَكَانَ غَرَضه أَن يُصِيب الرجل. فَيَقُول: من هجا بني كنَانَة وَبني أَسد وَمن قرب نسبه من قُرَيْش فقد تعرض لسب قُرَيْش. يحرض الْخُلَفَاء عَلَيْهِم وَالسُّلْطَان. اه. وَقَول سِيبَوَيْهٍ: وَإِن شِئْت رفعت بِمَا نصبت فَجَعَلته حِكَايَة قَالَ الْمَازِني: غلط سِيبَوَيْهٍ فِيهِ وَأجِيب بِأَن مُرَاده: وَإِن شِئْت رفعت فِي الْموضع الَّذِي نصبت أَو أَن الْبَاء زَائِدَة فِي الْمَفْعُول. وَأَقُول: هَذِه القصيدة تقدم أَبْيَات مِنْهَا فِي عدَّة مَوَاضِع وَأول مَا مر فِي الشَّاهِد السَّادِس عشر من أَوَائِل الْكتاب مَعَ تَرْجَمَة الْكُمَيْت وَتقدم هُنَاكَ سَبَب نظمها. وهجا فِيهَا الْأَعْوَر الْكَلْبِيّ فَإِنَّهُ هجا مُضر ومدح أهل الْيمن. وَتقدم بَيت مِنْهَا فِي الشَّاهِد الرَّابِع وَالْعِشْرين. وَقَوله: لعمر أَبِيك مُبْتَدأ مُضَاف وَخَبره مَحْذُوف أَي: قسمي وَجَوَاب الْقسم مَحْذُوف أَيْضا وَالتَّقْدِير: أجهالاً تَقول بني لؤَي أَو متجاهلين. لعمر أَبِيك لتخبرني. - إِلَّا أَن قدم الْقسم وَاعْترض بِهِ بَين الْفِعْل ومفعوله وَحذف الْجَواب لدلَالَة الِاسْتِفْهَام عَلَيْهِ إِذْ مَعْلُوم أَن المستفهم يطْلب من المستفهم مِنْهُ أَن يُخبرهُ عَمَّا استفهمه عَنهُ.

(الأفعال الناقصة)

(الْأَفْعَال النَّاقِصَة) أنْشد فِيهَا (الشَّاهِد الثَّالِث وَالْعشْرُونَ بعد السبعمائة) (فصرنا إِلَى الْحسنى ورق كلامنا ... ورضت فذلت صعبة أَي إذلال) على أَن صَار تَامَّة ونا: فاعلها أَي: رَجعْنَا وانتقلنا. يُقَال: صَار الْأَمر إِلَى كَذَا أَي: رَجَعَ. وَالْحُسْنَى إِمَّا اسْم مصدر بِمَعْنى الْإِحْسَان وَإِمَّا صِيغَة مؤنث أحسن أَي: إِلَى الْحَالة الْحسنى. ورق بِمَعْنى لطف. ورضت فعل وفاعل من رضت الدَّابَّة رياضة: ذللتها. وصعبة مفعول رضت. وذلت من ذلت الدَّابَّة ذلاً بِالْكَسْرِ: سهلت وانقادت فَهِيَ ذَلُول. وذللتها بالتثقيل فِي التَّعْدِيَة وكذل أذللته بِالْهَمْزَةِ. وَقَوله: أَي إذلال مفعول مُطلق عَامله رضت. قَالَ الزّجاج عِنْد تَفْسِير قَوْله تَعَالَى: كتاب الله عَلَيْكُم مَنْصُوب على التوكيد مَحْمُول على الْمَعْنى لِأَن معنى حرمت عَلَيْكُم أُمَّهَاتكُم: كتب الله عَلَيْكُم هَذَا كتابا كَمَا قَالَ الشَّاعِر: ورضت فذلت صعبة أَي إذلال. - لِأَن معنى رضت: أذللت. اه. وَهَذَا الْبَيْت من قصدية لامرئ الْقَيْس تقدم بعض مِنْهَا فِي الشَّاهِد الثَّالِث من أول الْكتاب وَبَعض مِنْهَا فِي التَّاسِع وَالْأَرْبَعِينَ. وَقَبله:

(الشاهد الرابع والعشرين بعد السبعمائة)

وتنازعنا: تجاذبنا. وأسمحت: وَافَقت على مَا أُرِيد مِنْهَا. وهصرت: جذبت وأملت. وَالْبَاء فِي بِغُصْن زَائِدَة فِي الْمَفْعُول. وَأَرَادَ بالغصن قامتها. والشماريخ إِمَّا جموع شِمْرَاخ بِالْكَسْرِ وَإِمَّا جمع شمروخ كعصفور فَإِنَّهُمَا يجمعان على شماريخ وَهُوَ مَا يكون فِي الرطب. وترجمة امْرِئ الْقَيْس تقدّمت فِي الشَّاهِد التَّاسِع وَالْأَرْبَعِينَ. وَأنْشد بعده (الشَّاهِد الرَّابِع وَالْعِشْرين بعد السبعمائة) مجزوء الْكَامِل (أيقنت أَنِّي لَا محا ... لَة حَيْثُ صَار الْقَوْم صائر) على أَن صَار فِيهِ تَامَّة أَي: أيقنت أَنِّي منتقل حَيْثُ انْتقل الْقَوْم. فصائر خبر أَن وَصَارَ بِمَعْنى انثقل وَالْقَوْم فَاعله. وَلَا محَالة بِفَتْح الْمِيم: لَا تَغْيِير وَلَا تَبْدِيل وَأَنِّي بِفَتْح الْهمزَة وأيقنت جَوَاب لما فِي الْبَيْت قبله وَهُوَ: (لما رَأَيْت موارداً ... للْمَوْت لَيْسَ لَهَا مصَادر) (وَرَأَيْت قومِي نَحْوهَا ... يمْضِي الأصاغر والأكابر) (لَا يرجع الْمَاضِي إل ... ي وَلَا من البَاقِينَ غابر) (أيقنت أَنِّي ... ... ....... ... ... ... . الْبَيْت)

والقرون: جمع قرن بِالْفَتْح قَالَ الزّجاج: هُوَ أهل كل مُدَّة كَانَ فِيهَا نَبِي أَو طبقَة من أهل الْعلم سَوَاء قلت السنون أَو كثرت. والموارد: جمع مورد وَهُوَ مَحل الْوُرُود أَي: الإيتان. والمصادر: جمع مصدر وَهُوَ مَوضِع الصُّدُور أَي: الِانْصِرَاف وَالرُّجُوع. وغابر بِالْمُعْجَمَةِ: اسْم فَاعل من غير بِمَعْنى مكث وَبَقِي وَبِمَعْنى مضى أَيْضا فَهُوَ ضد. وَهَذِه الأبيات لقس بن سَاعِدَة. روى أهل السّير وَالْأَخْبَار بِسَنَد مُتَّصِل إِلَى ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ: قدم وَفد إياد على رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فَقَالَ: أَيّكُم يعرف القس بن سَاعِدَة الْإِيَادِي قَالُوا: كلنا نعرفه يَا رَسُول الله. قَالَ: فَمَا فعل قَالُوا: هلك. قَالَ: مَا أنساه بعكاظ على جمل أَحْمَر وَهُوَ يَقُول: أَيهَا النَّاس اجْتَمعُوا واسمعوا وعوا. من عَاشَ مَاتَ وَمن مَاتَ فَاتَ وكل مَا هُوَ آتٍ آتٍ. وَإِن فِي السَّمَاء لخبراً وَإِن فِي الأَرْض لعبراً. مهاد مَوضِع وسقف مَرْفُوع ونجوم تمور وبحار لَا تغور. أقسم قس قسما حتما لَئِن كَانَ فِي الْأَمر رضَا لَيَكُونن سخطاً. إِن لله لدينا هُوَ أحب إِلَيّ من دينكُمْ الَّذِي أَنْتُم عَلَيْهِ. مَالِي أرى النَّاس يذهبون وَلَا يرجعُونَ أرضوا بالْمقَام فأقاموا أم تركُوا فَنَامُوا. - ثمَّ قَالَ: أَيّكُم يروي شعره فأنشدوه: (فِي الذاهبين الأولي ... ن من الْقُرُون لنا بصائر)) إِلَى آخر الأبيات الْخَمْسَة. وَتَقَدَّمت تَرْجَمَة قس فِي الشَّاهِد الثَّانِي وَالتسْعين من أَوَائِل الْكتاب.

(الشاهد الخامس والعشرون بعد السبعمائة)

وَأنْشد بعده (الشَّاهِد الْخَامِس وَالْعشْرُونَ بعد السبعمائة) الطَّوِيل غَدا طاوياً يُعَارض الرّيح هافياً على أَن ابْن مَالك قَالَ: غَدا فعل تَامّ يَكْتَفِي بفاعله والمنصوب بعده حَال كَمَا فِي الْبَيْت. قَالَ فِي التسهيل: وَالأَصَح أَن لَا يلْحق بهَا غَدا وَرَاح. قَالَ شَارِحه ابْن عقيل: خلافًا للزمخشري وَأبي الْبَقَاء فالمنصوب بعدهمَا حَال لَا خير لالتزام وَهَذَا صدر وعجزه: يخوت بأذناب الشعاب ويعسل وَالْبَيْت من القصيدة الْمَشْهُورَة بلامية الْعَرَب للشنفري وَقد تقدم شرح أَبْيَات من أَولهَا مَعَ تَرْجَمته فِي بَاب الِاسْتِثْنَاء وَفِي بَاب الْجمع. وَقَبله: (أَدِيم مطال الْجُوع حَتَّى أميته ... وأضرب عَنهُ الذّكر صفحاً فأذهل) (وأستف ترب الأَرْض كي لَا يرى لَهُ ... عَليّ من الطول امْرُؤ متطول) (وَلَوْلَا اجْتِنَاب الذام لم يلف مشرب ... يعاش بِهِ إِلَّا لدي ومأكل) (وَلَكِن نفسا مرّة لَا تقيم بِي ... على الذام إِلَّا ريثما أتحول) ...

(وأطوي على الخمص الحوايا كَمَا انطوت ... خيوطة ماري تغار وتفتل) (وأغدو على الْقُوت الزهيد كَمَا غَدا ... أزل تهاداه التنائف أطحل) غَدا طاوياً ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... . الْبَيْت قَوْله: أَدِيم مطال الْجُوع ... إِلَخ المطال: مصدر ماطله بِمَعْنى مطله يمطله مطلاً من بَاب قتل إِذا سوفه بوعد الْوَفَاء مرّة بعد مرّة. وَضرب عَن كَذَا وأضرب عَنهُ أَيْضا: أعرض عَنهُ تركا أَو وَذهل عَن الشَّيْء يذهل بِفتْحَتَيْنِ ذهولاً بِمَعْنى غفل وَقد يتَعَدَّى بِنَفسِهِ فَيُقَال: ذهلته وَالْأَكْثَر أَن يتَعَدَّى بِالْألف فَيُقَال: أذهلني فلَان عَن الشَّيْء.) وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: ذهل عَن الْأَمر: تناساه عمدا وشغل عَنهُ. وَفِي لُغَة: ذهل يذهل من بَاب تَعب. وَجُمْلَة: أَدِيم مستأنفة وَحَتَّى بِمَعْنى إِلَى مُتَعَلقَة بأديم. وأضرب معطوفة على أَدِيم وأذهل مَعْطُوف على أضْرب لَا على أَدِيم لِأَن الْفَاء للتَّرْتِيب والتعقيب. وَالذكر مفعول أضْرب وصفحاً تَمْيِيز أَو مصدر فِي مَوضِع الْحَال أَي: معرضًا. يَقُول: أقوى على رد نَفسِي عَمَّا تهوى وأغلبها وأذهل عَن الْجُوع حَتَّى أنساه. - وَقَوله: وأستف ترب ... إِلَخ يُقَال: سففت الدَّوَاء وَغَيره من كل شَيْء يَابِس أسفه من بَاب تَعب سفاً هُوَ أكله غير ملتوت. وَهُوَ سفوف مثل رَسُول. واستففت الدَّوَاء مثل سففته. والطول: مصدر طَال على الْقَوْم يطول من بَاب قَالَ إِذا أفضل عَلَيْهِم. وتطول: تفضل. وكي إِمَّا بِمَعْنى اللَّام حرف جر وَأَن مضمرة أَو بِمَعْنى أَن وَاللَّام مقدرَة. وفاعل

يرى امْرُؤ وَله مُتَعَلقَة بيرى ومفعول يرى مَحْذُوف أَي: شَيْئا وَمن الطَّوِيل بَيَان لَهُ وَقيل نعت لَهُ. وَعند الْأَخْفَش الْمَفْعُول هُوَ الطول وَمن زَائِدَة وَعلي مُتَعَلق بيرى. وَلَا يجوز أَن يتَعَلَّق بالطول لِأَن الْمصدر لَا يتَقَدَّم معموله عَلَيْهِ. وَيجوز عِنْد الشَّارِح الْمُحَقق تعلقه بِهِ لِأَنَّهُ ظرف. وَقَوله: وَلَوْلَا اجْتِنَاب الذام ... إِلَخ الذام: الْعَيْب يهمز وَلَا يهمز. ويلف: يُوجد يتَعَدَّى إِلَى مفعولين أَصلهمَا الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر. ومشرب نَائِب الْفَاعِل وَهُوَ الْمَفْعُول الأول فِي الأَصْل ويعاش بِهِ صفته. وَلَدي ظرف بِمَعْنى عِنْدِي وَهُوَ مُتَعَلق بِمَحْذُوف على أَنه الْمَفْعُول الثَّانِي وَوَقع الْحصْر فِيهِ. ومأكل مَعْطُوف على مشرب أَي: لم يُوجد مشرب يعاش بِهِ ومأكل كَذَلِك إِلَّا حاصلين لدي. وَأَخْطَأ مُعرب هَذِه القصيدة فِي قَوْله: ويعاش بِهِ نعت لمشرب وَالتَّقْدِير: إِلَّا هُوَ لدي مَحْذُوف الْمُبْتَدَأ للْعلم بِهِ وَلَدي خَبره ومأكل مَعْطُوف على هُوَ. اه. - وخطؤه من وَجْهَيْن ظَاهِرين للمتأمل. وَقَوله: وَلَكِن نفسا ... إِلَخ لَكِن هُنَا للتَّأْكِيد فَإِن مَا بعْدهَا مُؤَكد لما قبلهَا من الصِّفَات وخبرها مَحْذُوف تَقْدِيره لي. وَمرَّة صفة نفس بِمَعْنى أبيَّة كالمرة فِي أَن كلا مِنْهُمَا مُمْتَنع على متناوله. وروى: حرَّة بدل مرّة. وَجُمْلَة: لَا تقيم بِي صفة ثَانِيَة لنَفس أَو استئنافية جَوَاب سُؤال مُقَدّر.

وَزعم مُعرب هَذِه القصيدة أَن الْجُمْلَة خبر لَكِن. وتقيم من الْإِقَامَة فِي الْمَكَان وَهُوَ اللّّبْث فِيهِ) وَالْبَاء فِي بِي للمصاحبة على أَنَّهَا فِي مَوضِع الْحَال. وَقَالَ مُعرب هَذِه القصيدة: بِي مُتَعَلق بتقيم وَهَذَا لَا وَجه لَهُ. وعَلى مُتَعَلقَة بتقيم. والاستعلاء هُنَا معنوي نَحْو: لَهُم عَليّ ذَنْب وَيجوز أَن تكون للمصاحبة. وريث فِي الأَصْل مصدر راث أَي: أَبْطَأَ اسْتعْمل هُنَا للظرف الزماني أَي: إِلَّا بِمِقْدَار تحولي. فَمَا مَصْدَرِيَّة وَقيل: مَا زَائِدَة. وَقيل: كَافَّة. وَقيل: نصب ريث على الْحَال. وَقَوله: وأطوي على الخمص ... إِلَخ الخمص بِالضَّمِّ: مصدر خمص الرجل خمصاً فَهُوَ خميص إِذا جَاع مثل قرب قرباً فَهُوَ قريب. كَذَا فِي الْمِصْبَاح. وَقيل: الخمص بِالضَّمِّ: الضمر وبالفتح: الْجُوع. وعَلى هُنَا للمصاحبة مُتَعَلق بأطوي. والحوايا مفعول أطوي جمع حوية وَهِي فعيلة بِمَعْنى مفعولة وَهِي الأمعاء فِي الْجوف. والخيوطة: جمع خيط وَالتَّاء لِكَثْرَة الْجمع نَحْو: حجار وحجارة. وَقَالَ التبريزي: أَتَى بِالْهَاءِ للتأنيث إِذْ كَانَ بِمَعْنى الْجَمَاعَة. والماري: الْقِتَال وَهُوَ الَّذِي يفتل الحبال. وتغار: يحكم فتلها. يُقَال: أغار الفتل أَي: أبرمه وأحكمه. وَمرَاده تفتل وتغار. وَلَا يضر التَّأْخِير فَإِن الْوَاو لَا تدل على التَّرْتِيب. - وَقَوله: كَمَا انطوت الْكَاف نعت لمصدر مَحْذُوف وَمَا مَصْدَرِيَّة. ومصدر انطوت الانطواء وَلَيْسَ بمصدر أطوي وَإِنَّمَا الْمَعْنى أطوي الحوايا فتنطوي كانطواء خيوط الفتال.

وَقَوله: وأغدو على الْقُوت ... إِلَخ. غَدا غدواً من بَاب قعد: ذهب غدْوَة وَهِي مَا بَين صَلَاة الصُّبْح وطلوع الشَّمْس هَذَا أَصله ثمَّ كثر حَتَّى اسْتعْمل فِي الذّهاب أَي وَقت كَانَ. كَذَا فِي الْمِصْبَاح. والغداة والغدوة وَاحِد كَمَا فِي الْقَامُوس. وعَلى هُنَا للتَّعْلِيل بِمَعْنى اللَّام كَقَوْلِه تَعَالَى: ولتكبروا الله على مَا هدَاكُمْ. والزهيد: الْقَلِيل الَّذِي يزهد فِيهِ. وَالْكَاف نعت لمصر مَحْذُوف أَي: غدوا كغدو الْأَزَل وَالْأَزَلُ: الذِّئْب الأرسح بالمهملات أَي: الْقَلِيل لحم الفخذين. وَالْأَزَلُ لَا ينْصَرف للوصف وَوزن الْفِعْل وَكَذَلِكَ أطحل. الذِّئْب الْأَزَل: الْخَفِيف الْوَرِكَيْنِ وَهَذِه صفة لَازِمَة لَهُ. قَالَ التبريزي: الْأَزَل: الأرسح وَبِه يُوصف الذِّئْب. وَمن أمثالهم: لَا أنس فِي الذِّئْب الْأَزَل الجائع) وَقَالَ بَعضهم: قلت لأعرابي: مَا الأرسح فَقَالَ: الَّذِي لَا است لَهُ. وَوصف رجل فَارِسًا فَقَالَ: قَاتله الله أقبل بزبرة الْأسد وَأدبر بعجز ذِئْب. وَذَلِكَ أَنه يحمد من الْفَارِس أَن يكون أشعر الصَّدْر وَأَن يكون مَمْسُوح الاست كالذئب. والتنائف: جمع تنوفة وَهِي الفلاة. وَمعنى تهاداه: تتخذه هَدِيَّة كلما خرج من تنوفة وَدخل فِي أُخْرَى. وَهُوَ مضارع مَحْذُوف من أَوله التَّاء وَأَصله تتهاداه. وَيجوز أَن يكون مَاضِيا وَإِنَّمَا لم يقل تهادته بالتأنيث لِأَن التنائف مؤنث مجازي وَجُمْلَة: تهاداه صفة أزل وَكَذَلِكَ

أطحل. وذئب أطحل وشَاة طحلاء. والطحلة بِالضَّمِّ: لون بَين الغبرة والسواد ببياض قَلِيل. وَقَالَ التبريزي: الأطحل: الَّذِي لَونه لون الطحال. وَقَوله: غَدا طاوياً ... إِلَخ غَدا: يحْتَمل أَن يكون بِمَعْنى ذهب غدْوَة وَيحْتَمل أَن يكون بِمَعْنى دخل فِي الغدوة وَيحْتَمل أَن يكون بِمَعْنى ذهب أَي وَقت كَانَ مجَازًا من بَاب اسْتِعْمَال الْمُقَيد فِي الْمُطلق. فغدا على هَذِه الْوُجُوه تكون تَامَّة وطاوياً يكون حَالا من ضمير غَدا الرَّاجِع إِلَى أزل. وَيحْتَمل أَن يكون بِمَعْنى يكون فِي الغدوة فَيكون غَدا من الإفعال النَّاقِصَة وطاوياً يكون خَبَرهَا وَغدا مَعَ فاعلها الْمُسْتَتر استئنافية مُنْقَطِعَة عَمَّا قبلهَا وَيجوز أَن تكون الْجُمْلَة صفة أُخْرَى لأزل أَو حَالا مِنْهُ بِتَقْدِير قد. وطاوياً يحْتَمل أَن يكون من طوى المتعدية الْمُتَقَدّمَة أَي: طاوياً أحشاءه على الْجُوع فالمفعول مَحْذُوف بِقَرِينَة مَا قبله يُقَال: طوى الشَّيْء طياً فَهُوَ طاو. وَيحْتَمل أَن يكون من طوي يطوى طوى من بَاب فَرح أَي: جَاع فَهُوَ طاو وطوٍ وطيان وَالْأُنْثَى طياً وطاوية. وَبِهَذَا يضمحل قَول المعرب: وَلَيْسَ من قَوْلك طوي يطوى إِذا جَاع لِأَن الِاسْم مِنْهُ طوٍ مثل عَم وشج مَعَ أَنه قَالَ قبل هَذَا: وطاوياً يجوز أَن يكون من طوى المتعدية. فنقض بِكَلَامِهِ الْأَخير مَا قدمه. وَقَالَ التبريزي: يَقُول غَدا طاوياً وطواه من الْجُوع كَأَنَّهُ طوى أمعاءه عَلَيْهِ يُقَال: رجل طاو وطيان وَالْأُنْثَى طاوية وطياً والمصدر الطوى وَهُوَ خمص الْبَطن من أَي شَيْء كَانَ. هَذَا كَلَامه وَلَا يخفى أَنه تَخْلِيط بَين الْمَعْنيين.

ويعارض الرّيح أَي: يستقبلها فِي عرضهَا ويصادمها وَمِنْه الْمُعَارضَة بِمَعْنى الْمُخَالفَة. وهافيا يحْتَمل أَن يكون من هفا الطَّائِر بجناحه يهفو أَي: خَفق وطار. وَيحْتَمل أَن يكون من) هفا الظبي يهفو إِذا اشْتَدَّ عدوه ومصدره الهفو على فعول. - وَيحْتَمل أَن يكون من الهفو وَهُوَ الْجُوع يُقَال: رجل هاف أَي: جَائِع. وَقَالَ التبريزي: هافياً: يذهب يَمِينا وَشمَالًا من شدَّة الْجُوع. ويخوت بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة وَالتَّاء الْمُثَنَّاة أَي: يخْتل ويختلس يُقَال: خات الْبَازِي واختات أَي: انقض على الصَّيْد ليأخذه. وَقَالَ الْفراء: يُقَال مَا زَالَ الذِّئْب يختال الشَّاة بعد الشَّاة أَي: يختلها فيسرقها. وَإِنَّهُم يختاتون اللَّيْل أَي: يَسِيرُونَ ويقطعون الطَّرِيق. فجملة: يُعَارض ويخوت وهافياً أَخْبَار أخر لغدا إِن كَانَت نَاقِصَة أَو أَحْوَال من ضمير طاوياً أَو أَحْوَال متداخلة أَو الجملتان صفتان للنكرة قبلهمَا. وَتجوز هَذِه الْأَوْجه كلهَا مَا عدا الأول إِن كَانَت غَدا تَامَّة وَيجوز حِينَئِذٍ أَيْضا أَن يكون طاوياً مَعَ مَا بعده أحوالاً من الضَّمِير فِي غَدا. وَالْبَاء فِي قَوْله: بأذناب بِمَعْنى فِي. وأذناب: جمع ذَنْب بِفتْحَتَيْنِ وذنب كل شَيْء: مؤخره. وذنابة الْوَادي بِالْكَسْرِ: الْموضع الَّذِي يَنْتَهِي إِلَيْهِ سيله وَكَذَلِكَ ذَنبه وذنابته أَكثر من ذَنبه. والشعاب بِالْكَسْرِ: إِمَّا جمع شعب بِالْكَسْرِ أَيْضا وَهُوَ الطَّرِيق فِي الْجَبَل وَإِمَّا جمع شُعْبَة بِالضَّمِّ وَهُوَ المسيل الصَّغِير. وَقَالَ التبريزي: الشعاب: مسايل صغَار. وأذنابها: أواخرها. ويعسل مَعْطُوف على يخوت بِكَسْر السِّين من بَاب فَرح. فِي

الصِّحَاح: وَالْعَسَل والعسلان: الخبب. يُقَال: عسل الذِّئْب يعسل عسلاً وعسلاناً إِذا أعنق وأسرع. وَكَذَلِكَ الْإِنْسَان. وَالذِّئْب عاسل وَالْجمع الْعَسَل والعواسل. وَعسل الرمْح عسلاناً: اهتز واضطرب وَالرمْح عَسَّال. وَقَالَ التبريزي: ويعسل إِذا مر مرا سهلاً فِي استقامة. وَمن ذَلِك يُقَال للرمح عَسَّال إِذا تتَابع عِنْد الهز وَلم يكن كزاً. ومتعلق يعسل مَحْذُوف يدل عَلَيْهِ مَا قبله. وَأنْشد بعده الطَّوِيل يروح وَيَغْدُو داهناً يتكحل على أَن يروح وَيَغْدُو ون كَانَا بِمَعْنى يدْخل فِي الرواح والغداة فهما تامان والمنصوب حَال. وَإِن كَانَا بِمَعْنى يكون فِي الرواح والغداة فهما ناقصان.) وَقد تقدم الْكَلَام على يَغْدُو. وَأما الرواح فقد قَالَ صَاحب الصِّحَاح: والرواح: نقيض الصَّباح وَهُوَ اسْم للْوَقْت من زَوَال الشَّمْس إِلَى اللَّيْل. وَقد يكون مصدر قَوْلك: رَاح يروح رواحاً وَهُوَ نقيض قَوْلك: غَدا يغدوا غدواً. اه. قَالَ أَبُو سهل الْهَرَوِيّ: الصَّوَاب الرواح: نقيض الغدو. وَقَالَ صَاحب الْمِصْبَاح: رَاح يروح رواحاً وَتَروح مثله يكون بِمَعْنى الغدو وَبِمَعْنى الرُّجُوع. وَقد طابق بَينهمَا فِي قَوْله تَعَالَى: غدوها شهر ورواحها شهر أَي: ذهابها ورجوعها. وَقد يتَوَهَّم بعض النَّاس أَن الرواح لَا يكون

إِلَّا فِي آخر النَّهَار وَلَيْسَ كَذَلِك بل الرواح والغدو عِنْد الْعَرَب يستعملان فِي الْمسير أَي وَقت كَانَ من ليل أَو نَهَار. قَالَه الْأَزْهَرِي وَغَيره. وَعَلِيهِ قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: من رَاح إِلَى الْجُمُعَة أول النَّهَار فَلهُ كَذَا أَي: من ذهب. اه. - فَقَوله يروح إِن كَانَ بِمَعْنى يرجع فِي الرواح أَو يرجع مُطلقًا أَي: فِي أَي وَقت كَانَ من بَاب وَإِن كَانَ بِمَعْنى يكون فِي الرواح فالفعل نَاقص لقَوْله يروح وَيَغْدُو. وَإنَّك كَانَا تامين فداهناً حَال من فَاعل أَحدهمَا وَهُوَ ضمير مستتر وَتَكون حَال الآخر محذوفة. وَالْأولَى أَن يكون حَالا من فَاعل يَغْدُو. وَلَا يقدر ليروح حَال. وداهن: اسْم فَاعل من الدّهن يُقَال: دهنت الشّعْر وَغَيره دهناً من بَاب قتل. والدهن: اسْتِعْمَال الدّهن بِالضَّمِّ وَهُوَ مَا يدهن بِهِ من زَيْت أَو طيب. وَجُمْلَة: يتكحل حَال أَيْضا إِمَّا من فَاعل يَغْدُو وَإِمَّا من فَاعل داهناً. وَيجوز أَن يكون صفة لداهناً. وَإِن كَانَا ناقصين فداهناً خبر يَغْدُو وَيكون خبر يروح محذوفاً وَجُمْلَة: يتكحل إِمَّا خبر بعد خبر أَو حَال من ضمير داهن أَو صفة لَهُ. وَيجوز أَن يكون داهناً خبر يروح وَجُمْلَة: يتكحل خبر يَغْدُو فَلَا حذف. وَهَذَا أولى على تَقْدِير النَّقْص. وَيجوز أَن يكون أحد الْفِعْلَيْنِ تَاما وَالْآخر نَاقِصا. فَتَأمل. وَهَذَا المصراع عجز وصدره: وَلَا خَالف دارية متغزل

وَهَذَا الْبَيْت أَيْضا من لامية الْعَرَب. وَقَبله: ( وَلَا جبإ أكهى مرب بعرسه ... يطالعها فِي شَأْنهَا كَيفَ يفعل)) (وَلَا خرق هيق كن فُؤَاده ... يظل بِهِ المكاء يَعْلُو ويسفل) (وَلَا خَالف دارية متغزل ... يروح وَيَغْدُو داهناً يتكحل) قَوْله: وَلست بمهياف ... إِلَخ قَالَ التبريزي: المهياف الَّذِي يبعد بإبله طلب الرَّعْي على غير علم فيعطشها ويسيء بهَا. وَفِي الْعباب: قَالَ الْأَصْمَعِي: رجل مهياف: سريع الْعَطش. وَأنْشد هَذَا الْبَيْت. وَفِيه أَيْضا: وَقَالَ اللَّيْث: المهياف الَّذِي قد هافت إبِله. ويعشي سوامه: يطْعمهَا عشاءها وَالْعشَاء: الطَّعَام بِعَيْنِه وَهُوَ خلاف الْغَدَاء وَكِلَاهُمَا بِالْفَتْح وَالْمدّ. والسوام: المَال الرَّاعِي اسْم جمع لسائمة. ومجدعة بِالْجِيم وَالدَّال الْمُهْملَة: اسْم مفعول من جدعت الصَّبِي تجديعاً إِذا أَسَأْت غذاءه. وَيُقَال: جدعته بِالتَّخْفِيفِ من بَاب منع. وَفِيه لُغَة أُخْرَى أجدعت الصَّبِي إجداعاً. وجدع الصَّبِي من بَاب فَرح إِذا سَاءَ غذاؤه. وَقيل المجدعة هُنَا: الْمُقطعَة أَطْرَاف الآذان ليصرف عَنْهَا الْعين. وَقَالَ التبريزي: والمجدع: السَّيئ الْغذَاء وَالْأَصْل فِيهِ أَن يطْرَح الرَّاعِي ولد النَّاقة على الضَّرع والسقبان بِالْكَسْرِ: جمع سقب بِالْفَتْح. فِي الصِّحَاح: السقب: الذّكر من ولد النَّاقة وَلَا يُقَال للْأُنْثَى سقبة وَلَكِن حَائِل. وَالضَّمِير الْمُؤَنَّث يرجع إِلَى السوام. قَالَ التبريزي: وروى ثَعْلَب: سقباتها بِجمع الْمُؤَنَّث السَّالِم. وَالْمَحْفُوظ الأول.

- وبهل: جمع بَاهل. فِي الْعباب: وناقة بَاهل: لَا صرار عَلَيْهَا. وَأنْشد هَذَا الْبَيْت. وَقَالَ التبريزي: البهل: جمع باهلة وباهل وَهِي المخلاة لَا يتعهدها راعيها. وَيُقَال: بهل الرجل إِذا مضى لَا قيم عَلَيْهِ. وأبهلته إِذا تركته مخلى. والباهلة أَيْضا: الَّتِي لَا صرار عَلَيْهَا لترضعها أَوْلَادهَا فَتكون أسمن وَأحسن. وَالْبَاء فِي قَوْله: بمهياف زَائِدَة فِي خبر لَيْسَ. ويعشي صفة لَهُ وسوامه مفعول يعشي ومجدعة: حَال سَبَبِيَّة لسوامه. وسقبانها نَائِب فَاعل مجدعة وَجُمْلَة: وَهِي بهل حَال من سوامه. وصف السنفري نَفسه بالجلادة وَحسن التعهد لمَاله وجودة الْقيام عَلَيْهِ. وَقَوله: وَلَا جبإ أكهى ... إِلَخ الجبأ بِضَم الْجِيم وَفتح الْمُوَحدَة الْمُشَدّدَة بعْدهَا همزَة على وزن سكر: هُوَ الجبان والخائف.) والأكهى بالقسر قَالَ التبريزي: هُوَ الكدر الْأَخْلَاق الَّذِي لَا خير فِيهِ. وَقَالَ ثَعْلَب: هُوَ البليد مثل الكهام. والمرب: اسْم فَاعل من أرب بِالْمَكَانِ أَي: لزمَه وَأقَام فِيهِ والعرس بِالْكَسْرِ: يَقُول: لست أُسِيء الرّعية وَلَا أجبن وَلَا أقيم مَعَ النِّسَاء وأشاورهن فِي أموري. وجبإ بِالْجَرِّ مَعْطُوف على مهياف وَلَو عطف بِالنّصب على مَوْضِعه لجَاز. وأكهى ومرب وصفان لجبإ. قَالَ المعرب: الْبَاء فِي بعرسه بِمَعْنى فِي أَي: مُقيم ي بَيت عرسه. وَيجوز أَن تكون بِمَعْنى على أَي: مُقيم على عرسه. وَجُمْلَة: يطالعها حَال من الضَّمِير فِي مرب وَفِي شَأْنه مُتَعَلق بيطالعها. وَقَوله: وَلَا خرق هيق ... إِلَخ هَذَا أَيْضا بِالْجَرِّ مَعْطُوف على مهياف. والخرق بِفَتْح الْمُعْجَمَة وَكسر الْمُهْملَة بعْدهَا قَاف قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: هُوَ المدهوش من الْخَوْف. والهيق بِفَتْح الْهَاء وَسُكُون الْمُثَنَّاة التَّحْتِيَّة هُوَ الظليم أَي: النعام فِي نفاره عِنْد حُدُوث مروع. والمكاء بِالضَّمِّ

(الشاهد السابع والعشرون بعد السبعمائة)

وَالتَّشْدِيد وَالْمدّ: طَائِر أَي: كَأَن فُؤَاده على جنَاح طَائِر. وَهَذَا تَحْقِيق لجبنه وتحيره. وَقَوله: وَلَا خَالف دارية هَذَا أَيْضا بِالْجَرِّ للْعَطْف على مهياف. والخالف بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة: من لَا خير فِيهِ. ودارية بِالْجَرِّ صفة لخالف وَهُوَ الْمُقِيم فِي دَاره لَا يُفَارِقهُ. وَالتَّاء زَائِدَة للْمُبَالَغَة. والداري أَيْضا: الْعَطَّار مَنْسُوب إِلَى دارين: فرضة بِالْبَحْرَيْنِ فِيهَا سوق كَانَ يحمل إِلَيْهَا مسك من نَاحيَة الْهِنْد. قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: ويحتملهما كَلَامه لِأَن الْعَطَّار يكْتَسب من ريح عطره فَيصير بِمَنْزِلَة المتعطر فَالْمَعْنى لست مِمَّن يتشاغل بتطييب بدنه وثوبه أَو يلازم زَوجته فيكتسب من طيبها. والمتغزل: فِي الصِّحَاح: مغازلة النِّسَاء: محادثتهن ومراودتهن. تَقول: غازلتها وغازلتني وَالِاسْم الْغَزل. وتغزل أَي: تكلّف الْغَزل. وَجُمْلَة: يروح صفة متغزل أَو حَال من ضَمِيره. وَأنْشد بعده (الشَّاهِد السَّابِع وَالْعشْرُونَ بعد السبعمائة) الطَّوِيل (بتيهاء قفر والمطي كَأَنَّهَا ... قطا الْحزن قد كَانَت فراخاً بيوضها) على أَن كَانَ فِيهِ بِمَعْنى صَار. والتيهاء: الْمَفَازَة الَّتِي لَا يهتدى فِيهَا فعلاء من التيه وَهُوَ التحير. يُقَال: تاه فِي الأَرْض يتيه تيهاً وتيهاناً أَي: ذهب متحيراً. والقفر: الْمَكَان الْخَالِي يصف الْمطِي بِسُرْعَة السّير كَأَنَّهَا بِمَنْزِلَة قطاً تركت

بيوضاً صَارَت أفراخاً فَهِيَ تمشي بِسُرْعَة إِلَى أفراخها. وَمعنى كَانَت: صَارَت لِأَن البيوض صَارَت أفراخاً لَا أَنَّهَا كَانَت فراخاً. والقطا: طَائِر سريع الطيران. - والحزن بِفَتْح الْمُهْملَة وَسُكُون الْمُعْجَمَة: مَا غلظ من الأَرْض وَهُوَ ضد السهل وأضاف القطا إِلَيْهِ لِأَنَّهُ يكون قَلِيل المَاء فَتكون قطاه أَكثر عطشاً فَإِذا أَرَادَ المَاء كَانَ سريع الطيران. قَالَ الْأَصْمَعِي وَنَقله ابْن قُتَيْبَة فِي كتاب أَبْيَات الْمعَانِي: أَرَادَ أَنَّهَا شربت من الْغدر فِي الرّبيع فَإِذا فرخت وَدخلت فِي الصَّيف احْتَاجَت إِلَى طلب المَاء على بعد فَيكون أسْرع لطيرانها. وَإِنَّمَا تفرخ بيضها إِذا جَاءَ الْحر. فَأَرَادَ أَن يخبر عَن سرعَة طيرانها عِنْد حَاجَتهَا إِلَى المَاء. وَوَجَب تَقْدِير كَانَ بصار هُنَا ليَصِح الْمَعْنى وَلَو قدر بكان لفسد لكَونه محالاً. وَمثله قَول شمعلة بن أَخْضَر من شعراء الحماسة: الوافر (فَخر على الألاءة لم يوسد ... وَقد كَانَ المَاء لَهُ خمارا) قَالَ ابْن جني فِي إعرابه للحماسة: كَانَ هُنَا بِمَنْزِلَة صَار. أنْشد أَبُو عَليّ: بتيهاء قفر والمطي ... ... ... . . الْبَيْت أَي: صَارَت. وَهَذَا وَجه من وُجُوه كَانَ خَفِي. اه. وَمثله قَول رؤبة: الرجز وَالرَّأْس قد كَانَ لَهُ قتير

وَبَقِي وَجه آخر لم يرتضه الشَّارِح الْمُحَقق وَلِهَذَا لم يذكرهُ وَهُوَ أَن تكون كَانَ على بَابهَا) ويدعى الْقلب فِي الْكَلَام وَيكون الأَصْل: قد كَانَت فراخها بيوضاً كَقَوْل الآخر: الْكَامِل ( ... ... ... ... . كَمَا ... كَانَ الزناء فَرِيضَة الرَّجْم) أَرَادَ: كَمَا كَانَ الرَّجْم فَرِيضَة الزِّنَى. وَمَا اخْتَارَهُ الشَّارِح الْمُحَقق هُوَ مَذْهَب ثَعْلَب وَأبي عَليّ وَابْن جني وَهُوَ الْجيد لِأَن الْقلب لَا يُصَار إِلَيْهِ إِذا وجد وَجه آخر. وَأما قَوْله: بيوضها فقد رَوَاهُ ثَعْلَب بِضَم الْبَاء. وَمَشى عَلَيْهِ فِي الْإِيضَاح مستشهداً بِهِ على أَنه جمع بيض كبيت وبيوت وَخَالفهُ فِي التَّذْكِرَة وَجزم بِأَن بيوضها بِفَتْح الْبَاء بِمَعْنى ذَات الْبيض واستبعد رِوَايَة الضَّم وَقَالَ: فَإِن قلت مَا تنكر أَن يكون بيوضها بِضَم الْبَاء فَالْقَوْل فِي ذَلِك أَنه يبعد وَإِن كَانُوا قد قَالُوا التمور لاخْتِلَاف الْجِنْس لِأَن الْبيض هُنَا ضرب وَاحِد وَلَيْسَ بمختلف فَلَا يجوز أَن يجمع. وَهَذَا الاستبعاد مَبْنِيّ على أَن يكون جمع بيض وَالصَّحِيح أَنه جمع بَيْضَة كَمَا أَن مؤوناً جمع مأنة وَهِي السُّرَّة وَمَا حولهَا لَا أَنه جمع بيض لعدم الِاخْتِلَاف المسوغ للْجمع. وَهَذَا أولى من الطعْن فِي رِوَايَة ثَعْلَب. (يضل القطا الكدري فِيهَا بيوضه ... ويعوي بهَا من خيفة الهلك ذيبها)

وَقَول الْجَعْدِي: لَهُنَّ أداحي بِهِ وبيوض فَإِن قَالَ قَائِل: هَذَا جعل بيوضاً جمع بَيْضَة كَمَا جعل سخالاً جمع سخلة ومؤوناً جمع مأنة. فَالْجَوَاب أَن نقُول: إِنَّمَا جعل سخالاً جمع سخلة لَا سخل وَإِن كَانَ بَاب كل وَاحِد مِنْهُمَا أَن لَا يكسر لِأَن امْتنَاع التكسر فِي أَسمَاء الْأَجْنَاس أقوى. أَلا ترى أَن أَسمَاء الْأَجْنَاس كلهَا لَا يجوز تكسير شَيْء مِنْهَا بِقِيَاس. وَقد نَص على ذَلِك سِيبَوَيْهٍ فِي بَاب جمع الْجمع. والآحاد المخلوقة كلهَا يجوز تكسيرها بِقِيَاس فِيمَا عدا هَذَا الْبَاب فَكَانَ جعل سخال جمع سخلى أولى من جعلهَا جمع سخل لذَلِك. وَأما بيوض فَالَّذِي أوجب عَلَيْهِ أَن يَجْعَلهَا جمع بيض لَا بَيْضَة أَنه رأى أَن فعولًا فِي جمع فعل مقيس نَحْو: فلس وفلوس وفعول فِي جمع فعله نَحْو: بدرة وبدور غير مقيس فيرجح عِنْده جعل بيوض جمع بيض لذَلِك. وَمن صخور وتمور وأشباهه.) وَلَيْسَ كَذَلِك فعال فَإِنَّهُ جمع لفعلة وَفعل بِقِيَاس نَحْو: جنان وكلاب. وَجعل مؤوناً جمع مأنة لما لم يسمع مأن. وَأما على قَول أبي عَليّ فَلَا بُد من تَقْدِير مُضَاف وَالتَّقْدِير: كَانَت بيوضها ذَات أفراخ وَلَا قلب فِي الْكَلَام حِينَئِذٍ كَمَا فِي صُورَة جعل كَانَ بِمَعْنى صَار مَعَ رِوَايَة الْبَاء وَإِنَّمَا يدعى الْقلب فِي صُورَة جعل كَانَ على بَابهَا مَعَ رِوَايَة ضم الْبَاء. والقطا: ضرب من الطير وَهُوَ نَوْعَانِ: كدري وجوني. فالكدري غبر الألوان رقش الظُّهُور والبطون صفر الحلوق قصار الأذناب.

والجوني سود الْبُطُون سود بطُون الأجنحة والقوادم بيض الصُّدُور غبر الظُّهُور وَفِي عنق كل وَاحِد مِنْهَا طوقان: أصفر وأسود. وَقَوله: بتيهاء قفر الْجِدَار يتَعَلَّق بقوله: والعيس تجْرِي غروضها فِي بَيت قبله. وَالْبَيْت من أبات لِابْنِ أَحْمَر وَهِي: (لعمري لَئِن حلت قُتَيْبَة بَلْدَة ... شَدِيدا بِمَال المقحمين عضيضها) (فَللَّه عينا أم فرع وعبرة ... ترقرقها فِي عينهَا أَو تفيضها) (أَلا لَيْت شعري هَل أبيتن لَيْلَة ... صَحِيح السرى والعيس تجْرِي غروضها) (بتيهاء قفر والمطي كَأَنَّهَا ... قطا الْحزن قد كَانَت فراخاً بيوضها) وَفِي شرحها: قُتَيْبَة: بطن من باهلة. والمقحمون: الَّذين أقحمتهم السّنة وَهِي القحمة بِالضَّمِّ أَي: الْقَحْط. وعضيضها: عضها. وصحيح السرى أَي: غير جَائِر عَن الْقَصْد فَيكون أسْرع لقصده لصِحَّة سراه. فتمنى أَن يَصح سراه ويستقيم ليعجل إِلَى مقْصده. وغروضها: اتساعها. أَي: إِنَّهَا قد أضمرت حَتَّى قد كَانَت أَي: قد صَارَت. بيوضها: جمع الْبيض. انْتهى. وَمعنى الْبَيْت أَن الْمطِي براها السّير وَحملهَا على المتاعب حَتَّى صَارَت كالفراخ فِي الضعْف والهزال بعد مَا كَانَت قَوِيَّة سماناً كالدجاج البيوض بِإِضَافَة الْفِرَاخ إِلَيْهَا. انْتهى. وَهَذَا كَلَام من لم يقف على الرِّوَايَة. وَالَّتِي فِي عَامَّة نسخ شعره: (أريهم سهيلاً والمطي كَأَنَّهَا ... قطا الْحزن ... ... . الْبَيْت)

. قَالَ شَارِحه: قَوْله أريهم سهيلاً يَعْنِي أَصْحَابه وَإِن لم يجر لَهُ ذكرن لدلَالَة الْحَال عَلَيْهِ أَي:) يُرِيهم مطلعه الَّذِي بِبِلَاد أحبابه الَّتِي يقصدها فَهُوَ يتَمَنَّى أَن يَصح سراه إِلَى مقْصده لِيُرِيَهُمْ مطلع سُهَيْل بِبِلَاد أحبابه الَّتِي يقصدها فَهُوَ يتَمَنَّى أَن يَصح سراه إِلَى مقْصده لِيُرِيَهُمْ مطلع سُهَيْل بِبِلَاد أحبابه وَتَكون الْمطِي على الْحَال الَّتِي وصفهَا من قلق غروضها وأتساعها. لحثه إِيَّاهَا على السرى الَّذِي أهزلها فقلقت أنساعها. وَشبههَا بِسُرْعَة القطا الَّتِي فَارَقت فراخها لتحمل إِلَيْهَا المَاء فتسقيها فَهُوَ أسْرع لطيرانها. وَدلّ كَلَام الشَّاعِر على أَنه أَرَادَ: يُرِيهم سهيلاً من آخر اللَّيْل لِأَن القطا إِنَّمَا تصير كَمَا ذكر فِي الصَّيف. وطلوع سُهَيْل بالحجاز يكون عِنْد فتور الْحر فِي عشري آب من شهور الرّوم. وَقَوله: والمطي كَأَنَّهَا حَال من فَاعل تجْرِي فِي الْبَيْت الْمُتَقَدّم على الرِّوَايَة الأولى وَصَاحب الْحَال فِي الرِّوَايَة الثَّانِيَة ضمير الْجمع فِي أريهم سهيلاً. وَالْعَامِل أرى كَقَوْلِك: جئْتُك وَالشَّمْس طالعة. وَقَوله: قد كَانَت ... إِلَخ حَال من القطا وَالْعَامِل مَا فِي كَانَ من معنى التَّشْبِيه. وفراخاً خبر مقدم لَكَانَ وبيوضها اسْمهَا الْمُؤخر. وَابْن أَحْمَر شَاعِر إسلامي مخضرم تقدّمت تَرْجَمته فِي الشَّاهِد السِّتين بعد الأربعمائة.

(الشاهد الثامن والعشرون بعد السبعمائة)

وَأنْشد بعده (الشَّاهِد الثَّامِن وَالْعشْرُونَ بعد السبعمائة) الوافر (سراة بني أبي بكر تسامى ... على كَانَ المسومة العراب ) على أَن كَانَ فِيهِ زَائِدَة بَين الْجَار وَالْمَجْرُور. وزيادتها عِنْد الشَّارِح قِسْمَانِ: أَحدهمَا: زِيَادَة حَقِيقِيَّة تزاد غير مفيدة لشَيْء إِلَّا مَحْض التوكيد يكون وجودهَا فِي الْكَلَام وَعدمهَا سَوَاء لَا تعْمل وَلَا تدل على معنى. ثَانِيهمَا: زِيَادَة مجازية تدل على معنى وَلَا تعْمل. وَمثل للْأولِ بِهَذَا الْبَيْت وبالآية الشَّرِيفَة وبقولهم: لم يُوجد كَانَ مثلهم. وَمثل للثَّانِي بِمَا كَانَ أحسن زيدا وبقولهم: إِن من أفضلهم كَانَ زيدا وبالبيت أَيْضا فَجعله متردداً بَينهمَا. وَمَا ذكره أحد مَذَاهِب ثَلَاثَة: الأول: مَذْهَب ابْن السراح وَاخْتَارَهُ ابْن يعِيش قَالَ: وَالَّذِي أرَاهُ أَن تكون زَائِدَة دُخُولهَا كخروجها لَا عمل لَهَا فِي اسْم وَلَا خبر وَلَا هِيَ لوُقُوع شَيْء. وَإِلَيْهِ ذهب ابْن السراج قَالَ فِي أُصُوله: وَحقّ الزَّائِد أَن لَا يكون عملا وَلَا مَعْمُولا وَلَا يحدث معنى سوى التَّأْكِيد. وَيُؤَيّد ذَلِك قَوْله تَعَالَى: كَيفَ نُكَلِّم من كَانَ فِي المهد صَبيا أَن كَانَ فِي

الْآيَة زَائِدَة وَلَيْسَت النَّاقِصَة إِذْ لَو كَانَت النَّاقِصَة لأفادت الزَّمَان وَلَو أفادت الزَّمَان لم يكن لعيسى عَلَيْهِ السَّلَام فِي ذَلِك معْجزَة لِأَن النَّاس كلهم فِي ذَلِك سَوَاء فَلَو كَانَت الزَّائِدَة تفِيد معنى الزَّمَان لكَانَتْ كالناقصة فَلم يكن للعدول إِلَى جعلهَا زَائِدَة فَائِدَة. وَمن مَوَاضِع زيادتها قَوْلهم: إِن من أفضلهم كَانَ زيدا فَكَانَ مزيدة لضرب من التَّأْكِيد إِذْ الْمَعْنى أَنه فِي الْحَال أفضلهم وَلَيْسَ المُرَاد أَنه كَانَ فِيمَا مضى إِذْ لَا مدح فِي ذَلِك. ولأنك لَو جعلت لَهَا اسْما وخبراً لَكَانَ التَّقْدِير: إِن زيدا كَانَ من أفضلهَا وَكنت قد قدمت الْخَبَر على اسْم إِن وَلَيْسَ بظرف وَذَلِكَ لَا يجوز. - وَقَول الشَّاعِر: على كَانَ المسومة العراب الْبَيْت كَانَ فِيهِ زَائِدَة. وَعند هَذَا الْقَائِل دلالتها على الزَّمَان يَسْتَدْعِي كَونهَا نَاقِصَة.) الثَّانِي: مَذْهَب السيرافي قَالَ: لسنا نعني أَن دُخُولهَا كخروجها فِي كل معنى وإننا نعني بذلك أَنَّهَا لَيْسَ لَهَا عمل وَلَا هِيَ لوُقُوع شَيْء مَذْكُور وَلكنهَا دَالَّة على الزَّمَان الْمَاضِي وفاعلها مصدرها وَذَلِكَ كَقَوْلِك: زيد كَانَ قَائِم تُرِيدُ كَانَ ذَلِك الْكَوْن وَقد دلّت على الزَّمَان الْمَاضِي وَلَو خلا مِنْهَا الْكَلَام لوَجَبَ أَن يكون ذَلِك فِي الْحَال. وَقَول الشَّاعِر: على كَانَ المسومة العراب كَانَ ذَلِك الْكَوْن. وَإِذا قد هَذَا التَّقْدِير كَانَت كَانَ وَاقعَة لوُقُوع شَيْء مَذْكُور وَهُوَ ذَلِك الْكَوْن.

أَحدهمَا: أَن تلغى عَن الْعَمَل مَعَ بَقَاء مَعْنَاهَا وَالْآخر: أَن تلغى عَن الْعَمَل وَالْمعْنَى مَعًا. وَإِنَّمَا تدخل لضرب من التَّأْكِيد. وَالْأول نَحْو قَوْلهم: مَا كَانَ أحسن زيدا المُرَاد أَن ذَلِك كَانَ فِيمَا مضى مَعَ إلغائها عَن الْعَمَل وَمَعْنَاهُ مَا أحسن زيدا أمس فَهِيَ فِي ذَلِك بِمَنْزِلَة ظَنَنْت إِذا ألغيت بَطل عَملهَا لَا غير نَحْو قَوْلك: زيد ظَنَنْت منطلق. أَلا ترى أَن المُرَاد: فِي ظَنِّي. وَأما الثَّانِي فنحو قَوْله: على كَانَ المسومة العراب وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: كَيفَ نُكَلِّم من كَانَ فِي المهد صَبيا. وَلَو أُرِيد فِيهَا الْمُضِيّ لم يكن لعيسى عَلَيْهِ السَّلَام فِي ذَلِك معْجزَة لِأَنَّهُ لَا اخْتِصَاص لَهُ بذلك الحكم دون سَائِر النَّاس. وَقَوله: سراة بني أبي بكر ... إِلَخ قيل: هُوَ جمع سري وَقيل: اسْم جمع لَهُ وَهُوَ الشريف. قيل: وَيحْتَمل أَن يكون بِالضَّمِّ جمع سَار كقضاة جمع قَاض. وتسامى أَصله تتسامى بتاءين من السمو وَهُوَ الْعُلُوّ. والمسومة: الْخَيل الَّتِي جعلت عَلَيْهِ سومة بِالضَّمِّ وَهِي الْعَلامَة وَتركت فِي المرعى. والعِراب: الْخَيل الْعَرَبيَّة وَهِي خلاف البراذين. وَالْمعْنَى أَن سَادَات بني أبي بكر يركبون الْخُيُول وروى: المطهمة بدل المسومة وَهُوَ التَّام الْخلقَة من كل حَيَوَان. وروى: جِيَاد بني أبي بكر ... إِلَخ وَهُوَ جمع جواد وَهُوَ الْفرس السَّرِيع الْعَدو. وَالْمعْنَى على هَذِه الرِّوَايَة أَن خيل هَؤُلَاءِ تفضل على خُيُول غَيرهم.)

(تتمة)

وَقَالَ ابْن هِشَام فِي شرح الشواهد: السّري: ذُو السخاء والمروءة وروى: جِيَاد فَإِن كَانَ جمع جيد فهما متقاربان أَو جواد فالممدوح خيلهم وَالْمعْنَى حِينَئِذٍ: على المسومة العِراب من جِيَاد غَيرهم. وَهَذِه الرِّوَايَة وَهَذَا التَّفْسِير أظهر إِذْ لَيْسَ بِمَعْرُوف تَفْضِيل النَّاس على الْخَيل وَكَأَنَّهُ فهم أَن تسامى بِمَعْنى التَّفَاضُل وَلَيْسَ كَذَلِك كَمَا ذكرنَا. ثمَّ قَالَ: وتسامى إِمَّا مضارع أَو مَاض على حد: الركب سَار. وَيُؤَيِّدهُ أَنه روى: تساموا. وروى الْفراء: المطهمة الصلاب أَي: ذَوَات الصلابة أَي: الشدَّة. وَهَذَا الْبَيْت مَعَ شهرته وتداوله لم أَقف على خبر لَهُ. وَالله أعلم. 3 - (تَتِمَّة) ذهب ابْن عُصْفُور فِي كتاب الضرائر إِلَى أَن زِيَادَة كَانَ فِي الشّعْر وَأَنَّهَا تكون دَالَّة على الْمُضِيّ دَائِما. وَكِلَاهُمَا خلاف المرضي. قَالَ: وَمِنْهَا زِيَادَة كَانَ للدلالة على الزَّمَان الْمَاضِي نَحْو قَول الفرزدق: الْكَامِل فِي الْجَاهِلِيَّة كَانَ وَالْإِسْلَام وَقَول الآخر أنْشدهُ الْفَارِسِي: الْبَسِيط (فِي غرف الْجنَّة الْعليا الَّتِي وَجَبت ... لَهُم هُنَاكَ بسعيٍ كَانَ مشكور) يُرِيد: بسعي مشكور وَقَوله الآخر أنْشدهُ الْفراء: على كَانَ المسومة العِرابِ

(الشاهد التاسع والعشرون بعد السبعمائة)

وَقَول غيلَان بن حُرَيْث: الرجز إِلَى كناس كَانَ مستعيده يُرِيد: إِلَى كناس مستعيده. وَقَول امْرِئ الْقَيْس فِي الصَّحِيح من الْقَوْلَيْنِ: الطَّوِيل (أرى أم عَمْرو دمعها قد تحدرا ... بكاء على عَمْرو وَمَا كَانَ أصبرا) يُرِيد: وَمَا أَصْبِر أَي: وَمَا أصبرها وَقد تزاد فِي سَعَة الْكَلَام وَمِنْه قَول قيس بن غَالب البدري: ولدت فَاطِمَة بنت الخرشب الكملة من عبس لم يُوجد كَانَ مثلهم. إِلَّا أَن ذَلِك لَا يحسن إِلَّا فِي الشّعْر. وَإِنَّمَا أوردت زيادتها فِي فعل دون زِيَادَة الْجُمْلَة لِأَنَّهَا فِي حَال زيادتها غير مُسندَة إِلَى شَيْء.) وَسبب ذَلِك أَنَّهَا لما زيدت للدلالة على الزَّمَان الْمَاضِي أشبهت أمس فَحكم لَهَا بِحكم أمس. هَذَا كَلَامه. وَأنْشد بعده (الشَّاهِد التَّاسِع وَالْعشْرُونَ بعد السبعمائة) الْكَامِل (فِي لجة غمرت أَبَاك بحورها ... فِي الْجَاهِلِيَّة كَانَ وَالْإِسْلَام) على أَن كَانَ زَائِدَة بَين المتعاطفين لَا عمل لَهَا وَلَا دلَالَة على مُضِيّ.

أما الأول فَظَاهر. وَأما الثَّانِي فَلِأَن الْمَعْنى أَن الْغمر ثَابت فِي زمن الْجَاهِلِيَّة وَفِي زمن الْإِسْلَام لَا أَنه كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّة وَانْقطع لِأَن الْمَعْطُوف يَأْبَى هَذَا الْمَعْنى. وَكَذَا كَانَ فِي قَوْلهم: لم يُوجد كَانَ مثلهم فَإِنَّهَا لَو كَانَت دَالَّة على الْمُضِيّ لاقتضى أَنه يُوجد مثلهم الْآن. وَهَذَا خلاف الْمَقْصُود. وَالْبَيْت من قصيدة للفرزدق هجا بهَا جَرِيرًا. وَقَبله يخاطبه: (وحسبت بَحر بني كُلَيْب مصدرا ... فغرقت حِين وَقعت فِي القمقام) فِي حومة غمرت أَبَاك بحورها ... ... ... ... ... إِلَخ قَوْله: أشبهت أمك ... إِلَخ يُرِيد: أشبه عقلك عقل أمك حِين تفاخر بكليب دارماً. وكليب: رَهْط جرير ودارم: فَخذ شرِيف من قَبيلَة تَمِيم. وأدقة: جمع دَقِيق يُرِيد بِهِ الضَّعِيف الضئيل. والمتقاعس: الْمُتَأَخر عَن الْمجد والشرف. ولئام: جمع لئيم. وَقَوله: وحسبت بَحر ... إِلَخ ويروى: وحسبت حَبل بني كُلَيْب يَقُول: ظَنَنْت أَن بني كُلَيْب ينجونك مِمَّا قد وَقعت فِيهِ حِين تعرضت لي. ومصدر: اسْم فَاعل من أصدرته بِمَعْنى رجعته. والقمقام: الْبَحْر. وَقَوله: فِي جلة غمرت ... إِلَخ اللجة: مُعظم المَاء. وروى بدله: فِي حومة بِمَعْنَاهُ. قَالَ شَارِح المناقضات: حومة المَاء: مجتمعه ومعظمه وَهُوَ بدل من القمقام. وغمرت: غطت. والغمر: المَاء الْكثير. وَقد غمره المَاء يغمره أَي: علاهُ. وَالْبَحْر: المَاء الْكثير وكل نهر عَظِيم. والجاهلية: الزَّمَان الَّذِي كثر فِيهِ الْجُهَّال وَهِي مَا قبل

(الشاهد الثلاثون بعد السبعمائة)

الْإِسْلَام. وَقيل: أَيَّام الفترة. وَقد تطلق على زمن الْكفْر مُطلقًا وعَلى مَا قبل الْفَتْح.) وترجمة الفرزدق تقدّمت فِي الشَّاهِد الثَّلَاثِينَ من أَوَائِل الْكتاب. (الشَّاهِد الثَّلَاثُونَ بعد السبعمائة) الطَّوِيل بدا لَك فِي تِلْكَ القلوص بداء على أَن بداء فَاعل بدا وَهُوَ مصدر بِمَعْنى اسْم الْفَاعِل وَالتَّقْدِير: بدا لَك رَأْي باد وَلما كَانَ ظَاهر هَذَا الشّعْر على طبق ثَبت الثُّبُوت بِجعْل الْمصدر فَاعِلا لفعله وَهُوَ مِمَّا لَا معنى لَهُ أجَاب عَنهُ بِمَا ذكره. وَلَا يخفى أَنه تكلّف. والجيد مَا قَالَه أَبُو عَليّ فِي كتاب الشّعْر قَالَ: أضمر البداء فِي قَوْله تَعَالَى: ثمَّ بدا لَهُم من بعد مَا رَأَوْا الْآيَات ليسجننه لِأَن البداء الَّذِي هُوَ الْمصدر قد صَار بِمَنْزِلَة الْعلم والرأي. أَلا ترى أَن الشَّاعِر قد أظهره فِي قَوْله: (لَعَلَّك والموعود حق لقاؤه ... بدا لَك فِي تِلْكَ القلوص بداء) وَكَذَلِكَ صنع ابْن الشجري فِي الْآيَة وَالْبَيْت وَقَالَ: ألسن الْعَرَب متداولة فِي قَوْلهم: بدا لي فِي هَذَا الْأَمر بداء أَي: تغير رَأْيِي عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ. وَيُقَال: فلَان ذُو بدوات ذَا بدا لَهُ الرَّأْي بعد الرَّأْي. انْتهى.

وَقد وَقع هَذَا التَّرْكِيب فِي سيرة ابْن هِشَام وَنَصه: قَالَ ابْن إِسْحَاق: ظن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أَن قد بدا لِعَمِّهِ بداء. قَالَ السُّهيْلي فِي الرَّوْض: أَي: ظهر لَهُ رَأْي فَسُمي بداء لِأَنَّهُ شَيْء يَبْدُو بَعْدَمَا خفى والمصدر البدو وَالِاسْم البداء. وَلَا يُقَال فِي الْمصدر: بدا لَهُ بَدو كَمَا لَا يُقَال: ظهر لَهُ ظُهُور بِالرَّفْع لِأَن الَّذِي يظْهر ويبدو هَاهُنَا هُوَ الِاسْم نَحْو البداء. وَمن أجل أَن البدو هُوَ الظُّهُور كَانَ البداء فِي وصف الْبَارِي سُبْحَانَهُ محالاً لِأَنَّهُ لَا يَبْدُو لَهُ شَيْء كَانَ غَائِبا عَنهُ. والنسخ للْحكم لَيْسَ ببدو كَمَا توهمه جمَاعَة من الرافضة وَالْيَهُود وَإِنَّمَا هُوَ تَبْدِيل حكم بِحكم بِقدر قدره وَعلم قديم علمه. وَقد يجوز أَن يُقَال: بدا لَهُ أَن يفعل كَذَا وَيكون مَعْنَاهُ أَرَادَ. وَهَذَا من الْمجَاز الَّذِي لَا سَبِيل إِلَى إِطْلَاقه إِلَّا بِإِذن من صَاحب الشَّرْع. وَقد صَحَّ فِي ذَلِك مَا خرجه البُخَارِيّ فِي حَدِيث الثَّلَاثَة: الْأَعْمَى والأقرع والأبرص وَأَنه عَلَيْهِ) السَّلَام قَالَ: بدا لله أَن يبتليهم. فَبَدَا هَاهُنَا بِمَعْنى: أَرَادَ. وَابْن أعين وَمن اتبعهُ يجيزون البداء على الله ويجعلونه والنسخ

شَيْئا وَاحِدًا وَالْيَهُود لَا تجيز النّسخ يَحْسبُونَهُ بداء. وَمِنْهُم من أجَاز البداء. وروى الْأَصْبَهَانِيّ فِي الأغاني أَن رجلا وعد مُحَمَّد بن بشير الْخَارِجِي بقلوص وَهِي النَّاقة الشَّابَّة ومطله فقاله فِيهِ يذمه ويمدح زيد بن الْحسن بن عَليّ ابْن أبي طَالب: الطَّوِيل. (لَعَلَّك والموعود حق لقاؤه ... بدا لَك فِي تِلْكَ القلوص بداء) (فَإِن الَّذِي ألْقى إِذا قَالَ قَائِل ... من النَّاس: هَل أحسستها لعناء) (أول الَّذِي يُبْدِي الشمات وَإِنَّهَا ... عَليّ وإشماتُ الْعَدو سَوَاء) (دَعَوْت وَقد أخلفتني الْوَعْد دَعْوَة ... بزيد فَلم يضلل هُنَاكَ دُعَاء) (بأبيض مثل الْبَدْر عظم حَقه ... رجال من آل الْمُصْطَفى وَنسَاء) فبلغت هَذِه الأبيات زيد بن الْحسن فَبعث إِلَيْهِ بقلوص من جِيَاد إبِله فَقَالَ يمدحه: الطَّوِيل (إِذا نزل ابْن الْمُصْطَفى بطن تلعة ... نفى جدبها واخضر بالنبت عودهَا) (وَزيد ربيع النَّاس فِي كل شتوة ... إِذا أخلفت أنواؤها ورعودها) ...

(الشاهد الحادي والثلاثون بعد السبعمائة)

(حمول لأشتات الدِّيات كَأَنَّهُ ... سراج الدجى إِذا قارنته سعودها) انْتهى. وَقَوله: لَعَلَّك والموعود ... إِلَخ أوردهُ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي فِي الْجُمْلَة المعترضة من الْبَاب الثَّانِي على أَن قَوْله: والموعود حق لقاؤه جملَة اعتراضية بَين مَا أَصله الْمُبْتَدَأ وَبَين خَبره. وأحسستها: استفدتها. وأحسست الشَّيْء: وجدت حسه. وَقَوله: لعناء خبر إِن الَّذِي ألْقى. يَقُول: إِن قلت للسَّائِل الشامت إِنِّي أفدتها فقد كذبت وكذبي وإشمات الْعود سَوَاء. وَقَوله: بزيد الْبَاء زَائِدَة أَي: ناديته مرّة. وَجُمْلَة: وَقد أخلفتني الْوَعْد اعتراضية. وَقَائِل هَذِه الأبيات مُحَمَّد بن بشير بن عبد الله بن عقيل الْخَارِجِي من بني خَارِجَة بن عدوان بن عَمْرو بن قيس بن عيلان بن مُضر ويكنى أَبَا سُلَيْمَان. وَهُوَ شَاعِر فصيح حجاي من شعراء الدولة الأموية وَكَانَ مُنْقَطِعًا إِلَى أبي عُبَيْدَة بن عبد الله بن ربيعَة الْقرشِي أحد بني أَسد بن عبد الْعُزَّى. وَله تَرْجَمَة طَوِيلَة فِي الأغاني.) وانشد بعده (الشَّاهِد الْحَادِي وَالثَّلَاثُونَ بعد السبعمائة) وَهُوَ من شَوَاهِد س:

الوافر (فَكيف إِذا مَرَرْت بدار قوم ... وجيران لنا كَانُوا كرام) على أَن كَانَ فِيهِ نَاقِصَة كَمَا ذهب إِلَيْهِ الْمبرد الْوَاو اسْمهَا وَلنَا: خَبَرهَا وَلَيْسَت زَائِدَة كَمَا وَشبهه بقول الشَّاعِر: (فَكيف إِذا رَأَيْت ديار قوم ... وجيران لنا كَانُوا كرام) اه. قَالَ الأعلم: الشَّاهِد فِيهِ إِلْغَاء كَانَ وزيادتها توكيداً وتبييناً لِمَعْنى الْمُضِيّ وَالتَّقْدِير: وجيران لنا كرام كَانُوا كَذَلِك. وَقد رد الْمبرد هَذَا التَّأْوِيل وَجعل قَوْله: لنا خَبرا لَهَا وَالصَّحِيح مَا ذهب إِلَيْهِ الْخَلِيل وسيبويه من زيادتها لِأَن قَوْله: لنا من صلَة الْجِيرَان وَلَا يجوز أَن تكون خَبرا لَكَانَ إِلَّا أَن تردي معنى الْملك وَلَا يَصح الْملك هَاهُنَا لأَنهم لم يَكُونُوا لَهُم ملكا إِنَّمَا كَانُوا لَهُم جيرة. انْتهى. وَلَا يخفى أَن هَذَا تعسف مِنْهُ وَلَا فرق بَين قَوْلك: جيران لنا وَبَين كَانُوا لنا فَإِن الْوَاو فِي كَانُوا ضمير الْجِيرَان وَاللَّام للاختصاص لَا للْملك. وَقد نسب الزّجاج فِي تَفْسِيره زِيَادَة كَانَ فِي الْبَيْت إِلَى الْمبرد وَنقل عَنهُ غلطة لم يغلطها أصاغر الطّلبَة قَالَ عِنْد قَوْله تَعَالَى: إِنَّه كَانَ فَاحِشَة ومقتاً. قَالَ مُحَمَّد بن يزِيد: جَائِز أَن تكون كَانَ زَائِدَة فَالْمَعْنى على هَذَا إِنَّه فَاحِشَة ومقت. وَأنْشد فِي ذَلِك قَول الشَّاعِر:

وَهَذَا غلط من أبي الْعَبَّاس لِأَن كَانَ لَو كَانَت زَائِدَة لم تنصب خَبَرهَا. انْتهى. وَهَذَا نقل شَاذ وَكلهمْ أَجمعُوا على أَن زِيَادَة كَانَ فِي الْبَيْت إِنَّمَا قَالَ بِهِ سِيبَوَيْهٍ. لَكِن الزّجاج تلميذ الْمبرد وَهُوَ أدرى بِمذهب شَيْخه. وَالله أعلم. وتجويز الْمبرد زِيَادَة كَانَ فِي الْآيَة مَعَ نصب خَبَرهَا خطأ ظَاهر. قَالَ ابْن السَّيِّد فِي أَبْيَات الْمعَانِي: وَكَانَ أَبُو الْعَبَّاس مُحَمَّد بن يزِيد الْمبرد يمْتَنع من زِيَادَة كَانَ فِي الْبَيْت وَيَقُول: إِنَّمَا تلغى إِذا كَانَت مُجَرّدَة لَا اسْم لَهَا وَلَا خبر وَأما فِي الْبَيْت فالواو اسْمهَا وَلنَا:) الْخَبَر وكرام: صفة لجيران. وَقد رد النَّاس هَذَا وَقَالُوا: يجوز أَن تكون الْوَاو حرفا دَالا على الْجمع يُؤَكد بِهِ الْجِيرَان كالواو فِي أكلوني البراغيث. وَهَذَا مَذْهَب كثير من الْبَصرِيين وَبَعض الْكُوفِيّين. وَلِأَنَّهُ يقدر بلنا التَّأْخِير وَهُوَ صفة لجيران وَقد حل مَحَله من حَيْثُ تبع الْمَوْصُوف وَلَا حَاجَة تَدْعُو إِلَى انْتِزَاعه من مَوْضِعه وَتَقْدِيره مُؤَخرا. وَهَذَا حجَّة أبي عَليّ. انْتهى. أَقُول: هَذَا التَّوْجِيه ضَعِيف جدا فَإِن القَوْل بحرفية وَاو الْجمع إِنَّمَا هُوَ إِذا كَانَ بعْدهَا جمع مَرْفُوع كَمَا فِي الْمِثَال وَأما إِذا لم يَأْتِ بعْدهَا جمع مَرْفُوع فَلم يقل أحد إِنَّهَا تَأتي حرفا دَالا على الْجمع. وَالصَّوَاب

مَا وَجه بِهِ الشَّارِح الْمُحَقق وَهُوَ أَن كَانَ زيدت مَعَ الْفَاعِل لِأَنَّهُ كالجزء مِنْهَا لأَنهم قَالُوا: وَالْفَاعِل كالجزء من الْفِعْل. وَاسْتدلَّ صَاحب اللّبَاب على أَنَّهُمَا كالكلمة الْوَاحِدَة بِاثْنَيْ عشر وَجها مِنْهَا زِيَادَة الْفِعْل مَعَ الْفَاعِل فِي نَحْو هَذَا الْبَيْت. قَالَ شَارِحه الفالي: تَقْرِيره أَنهم حكمُوا بِأَن كَانُوا زَائِدَة وَإِن كَانَ الْفِعْل وَهُوَ كَانَ وَحده زَائِدا وَلَكِن لما كَانَ الْفَاعِل كالجزء لم يفكوه عَن الْفِعْل فحكموا بزيادتهما جَمِيعًا. انْتهى. وَأَبُو عَليّ لم يَجْعَل الْوَاو فَاعل كَانَ وَإِنَّمَا جعلهَا ضميراً مؤكداً للضمير الْمُسْتَتر فِي الظّرْف الْوَاقِع صفة لجيران أَعنِي قَوْله: لنا قَالَ: لنا فِي مَوضِع الصّفة لجيران وَفِيه ضميرهم مستتر على مَا عهد من حكم الْجَار وَالْمَجْرُور إِذا وَقع صفة وَالضَّمِير الْمُتَّصِل بكان تَأْكِيد لَهُ وَلم يكن بُد من اتِّصَاله لِأَنَّهُ لَا يقوم بِنَفسِهِ. وَاسْتدلَّ على ذَلِك بقول الشَّاعِر: المنسرح (نَحن بغرس الودي أعلمنَا ... منا بطعن الكماة فِي السدف) قَالَ: ف نَا من أعلمنَا لَا حَاجَة إِلَيْهِ لِأَن أعلم أفعل وأفعل إِمَّا أَن يُضَاف وَإِمَّا أَن يتَّصل بِمن وَيمْنَع من إِضَافَته. وَإِذا كَانَ كَذَلِك فَلَا بُد من تَخْرِيج يَصح عَلَيْهِ الْإِعْرَاب وَذَلِكَ أَنه تَأْكِيد ولقوة تنَاوله قدموه ليدلوا على شدَّة اتِّصَاله. وَإِذا جَازَ ذَلِك فِي أعلم مَعَ مَا بعده كَانَ فِي كَانَ أولى وَأحسن. هَذَا كَلَامه وَنَقله عَنهُ اللَّخْمِيّ فِي شرح أَبْيَات الْجمل.)

وَقد جمع ابْن هِشَام فِي شرح الشواهد جَمِيع مَا للْعُلَمَاء من التخاريج فِي هَذَا الْبَيْت قَالَ: لنا قيل: خبر مقدم ثمَّ اخْتلف على قَوْلَيْنِ: أَحدهمَا: أَنه خبر مُبْتَدأ وَالْأَصْل لنا هم ثمَّ زيدت كَانَ بَينهمَا فَصَارَ لنا كَانَ هم ثمَّ وصل الضَّمِير إصلاحاً للفظ لِأَنَّهُ لَا يَصح وُقُوعه مُنْفَصِلا إِلَى جَانب فعل غير مشتغل بمعمول. وَالثَّانِي: أَنه خبر لَكَانَ وَأَنَّهَا نَاقِصَة وَهُوَ قَول الْمبرد وَجَمَاعَة وَعَلِيهِ فالجملة صفة لجيران وَتَقَدَّمت على الصّفة المفردة وَالْأَكْثَر فِي الْكَلَام تَقْدِيم المفردة. وَقيل: لنا صفة لجيران ثمَّ اخْتلف على قَوْلَيْنِ أَيْضا: أَحدهمَا: أَن كَانَ تَامَّة وَالضَّمِير فَاعل أَي: وجد. ورد بِأَنَّهُ لَا فَائِدَة فِي الْكَلَام على هَذَا القَوْل. وَالثَّانِي: أَنَّهَا زئدة ثمَّ اخْتلف فِي الِاعْتِذَار عَن الضَّمِير على قَوْلَيْنِ: أَحدهمَا: أَن الزِّيَادَة لَا تمنع الْعَمَل فِي الضَّمِير كَمَا لم يمْنَع إِلْغَاء ظن عَملهَا فِي الْفَاعِل مُطلقًا. قَالَه ابْن السَّيِّد وَابْن مَالك. وَفِيه نظر لِأَن الْفِعْل الملغى لم ينزل منزلَة الْحُرُوف حَتَّى لَا يَلِيق الْإِسْنَاد إِلَى الْفَاعِل وَإِنَّمَا هُوَ فعل صَحِيح وضع لقصد الْإِسْنَاد. وَالثَّانِي: أَن الأَصْل: كَانَ هم على أَن الضَّمِير توكيد للضمير الْمُسْتَتر فِي لنا ثمَّ زيدت كَانَ بَينهمَا وَوصل الضَّمِير للإصلاح. انْتهى.

وَقد لخصه فِي الْمُغنِي فِي بحث لَعَلَّ. وَقَوله: على تَقْدِير كَونهَا تَامَّة مَعَ فاعلها أَنه لَا فَائِدَة فِي الْكَلَام مَمْنُوع فَإِنَّهَا صفة لجيران بِمَعْنى ثبتوا وحصلوا. وَمَا أوردهُ أَولا من أَن الأَصْل لنا هم ثمَّ زيدت كَانَ بَينهمَا فاتصل بهَا الضَّمِير هُوَ قَول صَاحب الْكَشَّاف قَالَ فِي قَوْله تعال: وَإِن كَانَت لكبيرة: وَقَرَأَ اليزيدي: لكبيرة بِالرَّفْع ووجهها أَن تكون كَانَ مزيدة كَمَا فِي قَوْله: وجيران لنا كَانُوا كرام. الأَصْل: وَإِن هِيَ لكبيرة كَقَوْلِك: إِن زيد لمنطلق ثمَّ وَإِن كَانَت لكبيرة. انْتهى. قَالَ أَبُو الْقَاسِم عَليّ بن حَمْزَة الْبَصْرِيّ اللّغَوِيّ فِي كتاب التَّنْبِيه على أغلاط أبي زِيَاد الْكلابِي فِي نوادره: روى أَبُو أَحْمد عبد الْعَزِيز بن يحيى بن أَحْمد بن عِيسَى بن يزِيد الجلودي فِي أَخْبَار الفرزدق بِإِسْنَاد مُتَّصِل ذكره أَن الفرزدق حضر عِنْد الْحسن الْبَصْرِيّ فأنشده:) فَقَالَ لَهُ الْحسن: كراماً يَا أَبَا فراس. فَقَالَ الفرزدق: مَا ولدتني إِلَّا ميسانية إِن جَازَ مَا تَقول يَا أَبَا سعيد قَالَ: وَأم الْحسن من ميسَان. فَهَذَا رد الفرزدق عَن نَفسه. وَقد أصَاب وتقدر قَوْله: وجيران كرام كَانُوا لنا. انْتهى.

وميسان: قَرْيَة من قرى الْعرَاق. يُرِيد: إِنِّي لم أكن من الْعَرَب العرباء بل من المولدين إِن صَحَّ مَا لحنتني فِيهِ. وَالْبَيْت من قصيدة للفرزدق يمدح بهَا هِشَام بن عبد الْملك ويهجو جَرِيرًا وأولها: (ألستم عائجين بِنَا لعنا ... نرى العرصات أَو أثر الْخيام) (فَقَالُوا إِن عرضت فأغن عَنَّا ... دموعاً غير راقئة السجام) (فَكيف إِذا مَرَرْت بدار قوم ... وجيران لنا كَانُوا كرام) (أكفكف عِبْرَة الْعَينَيْنِ مني ... وَمَا بعد المدامع من لمام) قَوْله: ألستم عائجين ... . . إِلَخ الْهمزَة للاستفهام التقريري وروى: هَل أَنْتُم بدله. وعائجون: جمع عائج اسْم فَاعل من عدت الْبَعِير أعوجه عوجا: إِذا عطفت رَأسه بالزمام. وَالْبَاء فِي بِنَا بِمَعْنى مَعَ. وروى الْعَيْنِيّ فَقَط: عالجون بِاللَّامِ وَقَالَ: أَي: داخلون فِي عالج وَهُوَ اسْم مَوضِع. وَلم أره لغيره. وَلَيْسَ فِي الصِّحَاح عالج بِمَعْنى دخل فِي عالج. ولعنا أَي: لَعَلَّنَا. وَلعن لُغَة فِي لَعَلَّ. وعرصة الدَّار: ساحتها وَهِي الْبقْعَة الواسعة الَّتِي لَيْسَ فِيهَا بِنَاء وَسميت عَرصَة لِأَن الصّبيان يعرصون فِيهَا أَي: يَلْعَبُونَ ويمرحون. وَقَوله: إِن عرضت كَذَا رَوَاهُ مُحَمَّد بن الْمُبَارك فِي مُنْتَهى الطّلب من أشعار الْعَرَب: قَالَ صَاحب الصِّحَاح: وَعرض الرجل إِذا أَتَى

الرَّوْض وَهِي مَكَّة وَالْمَدينَة وَمَا حولهما. قَالَ: الطَّوِيل فيا رَاكِبًا إِمَّا عرضت فبلغن وَقَول الْكُمَيْت: الطَّوِيل فأبلغ يزِيد إِن عرضت ومنذراً يَعْنِي إِن مَرَرْت بِهِ. انْتهى. وَمَا هُنَا يحْتَمل كلا مِنْهُمَا. وروى أَيْضا: إِن فعلت بدله أَي: فعلت العوج وَهُوَ عطف رَأس النَّاقة بالزمام.) وَقَوله: فأغن عَنَّا هُوَ أَمر من قَوْلهم: أغنيت عَنْك أَي: أَجْزَأت مجزأَة. يُرِيد أَن أَصْحَابه لم يرفقوه على عطف الزِّمَام. وَقَوله: دموعاً أَصله بدموع فَلَمَّا حذفت الْبَاء نصب. وراقئة بِالْهَمْزَةِ من رقأ الدمع رقئاً وَقَوله: فَكيف إِذا مَرَرْت ... إِلَخ كَيفَ: اسْتِفْهَام وفيهَا معنى التَّعَجُّب وَهِي هُنَا ظرف وَالْعَامِل فِيهَا مَحْذُوف دلّ عَلَيْهِ الْكَلَام وَهُوَ أكون وَهُوَ مُقَدّر بعْدهَا لِأَن الِاسْتِفْهَام لَا يعْمل فِيهِ مَا قبله. وَالتَّقْدِير: على

(الشاهد الثاني والثلاثون بعد السبعمائة)

أَي حَال أكون إِذا مَرَرْت بدار قوم إِلَخ وَجَوَاب إِذا مَحْذُوف لدلَالَة مَا تقدم عَلَيْهِ وَهُوَ الْعَامِل فِيهَا. كَذَا قَالَ اللَّخْمِيّ. وَقَالَ ابْن هِشَام: كَيفَ: ظرف لأكفكف. وَفِيه نظر. وَالتَّاء فِي مَرَرْت للمكلم بِدَلِيل لنا وأكفكف. وروى بدله: رَأَيْت. وَقَوله: أكفكف: أحبس. وَالْعبْرَة بِالْفَتْح: الدمعة. واللمام بِكَسْر اللَّام بعْدهَا مِيم. كَذَا فِي مُنْتَهى الطّلب وَالْمَشْهُور من ملام. وترجمة الفرزدق تقدّمت فِي الشَّاهِد الثَّلَاثِينَ من أَوَائِل الْكتاب. وَأنْشد بعده (الشَّاهِد الثَّانِي وَالثَّلَاثُونَ بعد السبعمائة) وَهُوَ من شَوَاهِد س: الوافر على أَن أَبَا الْبَقَاء جوز زِيَادَة يكون بِلَفْظ الْمُضَارع وَادّعى أَنَّهَا هُنَا زَائِدَة على رِوَايَة رفع مزاجها على الْمُبْتَدَأ وَعسل خَبَرهَا. وَكَذَلِكَ قَالَ ابْن السَّيِّد فِي أَبْيَات الْمعَانِي: تكون زَائِدَة لَا اسْم لَهَا وَلَا خبر فَيكون قَوْله: مزاجها عسل جملَة من مُبْتَدأ وَخبر. وَقد عطف مَاء على الْخَبَر فَرفع.

وَذهب ابْن النَّاظِم أَيْضا فِي شرح الألفية إِلَى أَن زيادتها بِلَفْظ الْمُضَارع نَادِر كَقَوْل أم عقيل رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: الرجز (أَنْت تكون ماجد نبيل ... إِذا تهب شمأل بلَيْل) وارتضاه ابْن هِشَام فِي شرح شواهده لكنه أنكر زيادتها فِي الْمُغنِي قَالَ: ويروى برفعهن أَي: بِرَفْع مزاجها عسل وَمَاء على إِضْمَار الشَّأْن. وَأما قَول ابْن السَّيِّد: إِن كَانَ زَائِدَة فخطأ لِأَنَّهَا لَا تزاد بِلَفْظ الْمُضَارع بِقِيَاس وَلَا ضَرُورَة لدعوى ذَلِك هُنَا. انْتهى. وَهَذَا التَّخْرِيج مَشْهُور وَذكره ابْن خلف وَغَيره فَيكون اسْمهَا ضمير الشَّأْن وَالْأَمر وَجُمْلَة: مزاجها عسل من الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر خَبَرهَا. وَذكر ابْن هِشَام اللَّخْمِيّ تخريجاً آخر بعد ذَلِك قَالَ: اسْم يكون ضمير سبيئة وَجُمْلَة: مزاجها عسل فِي مَوضِع الْخَبَر أَو إِن خَبَرهَا مقدم عَلَيْهَا وَهُوَ قَوْله من بَيت رَأس وَجُمْلَة: تكون من بَيت رَأس صفة لسبيئة وَجُمْلَة: مزاجها عسل صفة ثَانِيَة قَالَ: وعَلى هذَيْن الْقَوْلَيْنِ يُقَال: تكون بِالتَّاءِ. وَالسَّابِق إِلَى هَذَا التَّخْرِيج ابْن السَّيِّد فِي أَبْيَات الْمعَانِي. ثمَّ قَالَ: وَالْأَحْسَن أَن تَقول على هَذَا الْوَجْه: تكون بِالتَّاءِ لِأَن السلافة مُؤَنّثَة وَلَو قلت بِالْيَاءِ جَازَ لِأَن التَّأْنِيث غير حَقِيقِيّ وَلَيْسَ بالجيد.

أَقُول: إِذا أسْند الْفِعْل إِلَى ضمير الْمُؤَنَّث الْمجَازِي فالتأنيث وَاجِب إِلَّا فِي الضَّرُورَة وَإِنَّمَا جَوَاز التَّأْنِيث فِي الْإِسْنَاد إِلَى ظَاهره. وَأما بَيت أم عقيل فَلم أر من خرجه. وَأَقُول بعن الله تَعَالَى: إِن اسْم تكون ضمير الْمُخَاطب الْمُسْتَتر فِيهَا وخبرها مَحْذُوف وماجد: خبر أَنْت وَالتَّقْدِير: أَنْت ماجد نبيل تكونه أَو تكون ذَاك وَالْجُمْلَة اعتراضية بَين الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر.) وَأم عقيل هِيَ أم عَليّ بن أبي طَالب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما وَاسْمهَا فَاطِمَة بنت أَسد ابْن هَاشم بن عبد منَاف. وَهَذَا الرجز كَانَت ترقص بِهِ عقيلاً لما كَانَ طفْلا. وَقَبله: الرجز (إِن عقيلاً كاسمه عقيل ... وبيبي الملفف الْمَحْمُول) وَآخره: وَعقيل كل شَيْء: أفضله. وبيبي: بِأبي أَي: يفدى بِأبي أَو مفدى بِهِ. وَرَوَاهُ الْأَزْدِيّ فِي كتاب الترقيص: الزّجر (أَنْت تكون السَّيِّد النَّبِيل ... إِذا تهب الشمأل البليل) وَرِوَايَة سِيبَوَيْهٍ فِي الْبَيْت الْمُتَقَدّم بِنصب مزاجها على أَنه خبر مقدم وَرفع عسل على أَنه اسْم مُؤخر. وَإِن شَاءَ الله يَأْتِي الْكَلَام عَلَيْهَا فِي آخر الْبَاب.

وروى أَيْضا بِرَفْع مزاجها وَنصب عسل على الِاسْم وَالْخَبَر وَيكون ارْتِفَاع مَاء بِفعل مَحْذُوف تَقْدِيره: ومازجها مَاء لِأَن الشَّيْء إِذا خالط شَيْئا فقد خالطه ذَلِك الشَّيْء أَيْضا. وَهَذِه رِوَايَة أبي عُثْمَان الْمَازِني ومختاره نَقله عَنهُ ابْن السَّيِّد وَابْن خلف وَغَيرهمَا. وَخبر كَأَن الْمُشَدّدَة فِي بَيت يَلِيهِ وَهُوَ: الوافر (على أنيابها أَو طعم غض ... من التفاح هصرة اجتناء) فَقَوله: على أنيابها هُوَ الْخَبَر. والأنياب أَرْبَعَة أَسْنَان: ثِنْتَانِ من يَمِين الثنايا: وَاحِدَة من فَوق وَوَاحِدَة من أَسْفَل وثنتان من شمالها كَذَلِك. شبه طعم رِيقهَا بطعم خمر قد مزجت بِعَسَل وَمَاء أَو بطعم تفاح غض قد اجتني. فَطَعِمَ بِالنّصب مَعْطُوف على سبيئة. وهصره: أماله. والاجتناء: أَخذ التَّمْر من الشّجر. ويروى بدله: جناء بِكَسْر الْجِيم وَهُوَ الثَّمر وَالْبَيْت الثَّانِي ثَابت فِي ديوَان حسان وَهُوَ عِنْدِي نُسْخَة قديمَة تَارِيخ كِتَابَته سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وثلثمائة. وَكَذَا رَوَاهُ من تكلم فِي شعره. وَقد أنكرهُ السُّهيْلي فِي الرَّوْض وَقَالَ: قَوْله: كَأَن سبيئة خبر كَأَن فِي هَذَا الْبَيْت مَحْذُوف تَقْدِيره: كَأَن فِي فِيهَا. وَمثله فِي النكرات حسن كَقَوْلِه: المنسرح إِن محلا وَإِن مرتحلاً

أَي: إِن لنا محلا.) وكقول الآخر: وَلَكِن زنجياً طَويلا مشافره وَزعم بَعضهم أَن بعده بَيْتا فِيهِ الْخَبَر وَهُوَ على أنيابها الْبَيْت. وَهُوَ مَصْنُوع لَا يشبه شعر حسان وَلَا لَفظه. انْتهى. والسبيئة: فعيلة بِمَعْنى مفعولة. وَهِي الْخمر الَّتِي تسبأ أَي: تشترى بِالْهَمْزَةِ. قَالَ الْمبرد فِي الْكَامِل وَأنْشد الْبَيْت. يُقَال: سبأت الْخمر سبئاً إِذا اشْتَرَيْتهَا. والسابيء: الْخمار. قَالَ ابْن السَّيِّد: إِنَّمَا السابيء مبتاع الْخمر لَا بَائِعهَا. وَهَذَا مِنْهُ غلط. وَفِي الْقَامُوس: سبأ الْخمر كجعل سبئاً وسباءً ومسبأً: شراها كاستبأها وبياعها السباء. والسبيئة ككريمة: الْخمر. ثمَّ قَالَ فِي المعتل: سبى الْعَدو: أسره. وَالْخمر سبياً وسباء وَوهم الْجَوْهَرِي: حملهَا من بلد إِلَى بلد. انْتهى. والجوهري قيد السبء بشرائها للشُّرْب. قَالَ: فَأَما إِذا اشْتَرَيْتهَا لتحملها إِلَى بلد آخر قلت: سبيت الْخمر. فشراؤها للتِّجَارَة يكون عِنْده بِالْيَاءِ. ورد عله الصَّفَدِي فِي نُفُوذ السهْم فِيمَا وَقع للجوهري من الْوَهم. قَالَ: هَذَا تحكم مِنْهُ وَدَعوى بِلَا بِدَلِيل. وَقَول ابْن هرمة:

المنسرح (خود تعاطيك بعد رقدتها ... إِذا تَلَاهَا الْعُيُون مهدؤها) (كأساً بفيها صهباء معرقة ... يغلو بأيدي التُّجَّار مسبؤها) يشْهد بِخِلَاف هَذَا الْفرق الَّذِي أبداه. وَلَا يجوز سبيت الْخمر بِالْيَاءِ إِلَّا على قَول من يرى تَحْويل الْهمزَة. انْتهى. وروى: كَأَن سلافة والسلافة: الْخمر وَقيل: خُلَاصَة الْخمر وَقيل: مَا سَالَ من الْعِنَب قبل وروى أَيْضا: كَأَن خبيئة وَهِي الْخمر المخبأة المصونة المضنون بهَا. وَقَوله: من بَيت رَأس مُتَعَلق بِمَحْذُوف على أَنه صفة أولى لسبيئة وَجُمْلَة: يكون إِلَخ صفة ثَانِيَة لَهَا كَأَنَّهُ قَالَ: سبيئة مشتراة من بَيت رَأس ممزوجة بِعَسَل وَمَاء.) وَبَيت رَأس: مَوضِع قَالَ ابْن السَّيِّد فِيمَا كتبه على كَامِل الْمبرد: قَالَ عبيد الله بن عبد الله بن خرداذبه: بَيت رَأس: اسْم قَرْيَة بِالشَّام من نَاحيَة الْأُرْدُن كَانَت الْخُمُور تبَاع فِيهَا وَبِه مَاتَت حبابة جَارِيَة يزِيد بن

عبد الْملك فَمَاتَ يزِيد بعد بضع عشرَة جزعاً عَلَيْهَا. انْتهى. وَقيل: بيتُ: مَوضِع الْخمر وَرَأس: اسْم للخمار. وَقصد إِلَى بَيت هَذَا الْخمار لِأَن خمره أطيب الْخمر. وَقيل: الرَّأْس هُنَا بِمَعْنى الرئيس أَي: من بَيت رَئِيس. قَالَ اللَّخْمِيّ: وَهَذَا أحسن الْأَقْوَال لِأَن الرؤساء إِنَّمَا تشرب الْخمر ممزوجة. وَإِنَّمَا اشْترط أَن يمزجها لِأَنَّهَا خمر شامية صليبة فَإِن لم تمزج قتلت شاربها. وَخص الْعَسَل وَالْمَاء لِأَن الْعَسَل أحلى مَا يخالطها وَأَنه يذهب بمرارتها وَأما المَاء فيبردها ويلينها. وَقيل: إِنَّمَا عَنى شراب الرؤساء والملوك على قَول من جعل رَأْسا: بِمَعْنى رَئِيس لِأَنَّهَا إِذا مزجت لَا يشْربهَا إِلَّا الرؤساء وأشراف النَّاس كَرَاهِيَة أَن تخرجهم عَن عُقُولهمْ. لَا ترى إِلَى قَول عدي بن زيد: الرمل وَقد عابت على جذيمة الأبرش أُخْته شرب الْخمر صرفا لأمر لحقها من ذَلِك فَقَالَت لَهُ: الْخَفِيف (ذَاك من شربك المدامة صرفا ... وتماديك فِي الصِّبَا والمجون) وَقد مدح الله خمر الْجنَّة لما لم يكن الشَّارِب يؤوي وَجهه لَهَا فَقَالَ عزمن قَائِل: وأنهار من خمر لَذَّة للشاربين أَي: ن الشَّارِب إِذا شربهَا لم يقطب وَجهه وَلم تخرجه عَن عقله. وَبَيت حسان مَعَ مَا بعده مَأْخُوذ من قَول امْرِئ الْقَيْس وَإِن كَانَ فِي قَول امْرِئ الْقَيْس زِيَادَة أحسن فِيهَا مَا شَاءَ وأتبع دلوه فِي الإجادة الرشاء فَقَالَ:

المتقارب (كَأَن المدام وَصوب الْغَمَام ... وريح الخزامى وَنشر الْقطر) (يعل بِهِ برد أنيابها ... إِذا طرب الطَّائِر المستحر) وَالزِّيَادَة الَّتِي زَادهَا قَوْله: إِذا طرب الطَّائِر المستحر يَعْنِي عِنْد تغير الأفواه. فَشبه حسان ريق هَذِه الْمَرْأَة بِخَمْر ممزوجة بِعَسَل وَمَاء أَو بطعم غض من التفاح. وَالْبَيْت من قصيدة لحسان بن ثَابت قَالَهَا قبل فتح مَكَّة مدح بهَا النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وهجا أَبَا سُفْيَان وَكَانَ هجا النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قبل إِسْلَامه وَهِي هَذِه: (عفت ذَات الْأَصَابِع فالجواء ... إِلَى عذراء منزلهَا خلاء)) (وَكَانَت لَا يزَال بهَا أنيس ... خلال مروجها نعم وَشاء) (فدع هَذَا وَلَكِن من لطيف ... يؤرقني إِذا ذهب الْعشَاء) (لشعثاء الَّتِي قد تيمته ... فَلَيْسَ لِقَلْبِهِ مِنْهَا شِفَاء) (كَأَن خبيئة من بَيت رَأس ... يكون مزاجها عسل وَمَاء) (إِذا مَا الأشربات ذكرن يَوْمًا ... فهن لطيب الراح الْفِدَاء) (نوليها الْمَلَامَة إِن ألمنا ... إِذا مَا كَانَ مغث أَو لحاء) (ونشربها فتتركنا ملوكاً ... وأسداً مَا ينهنهنا اللِّقَاء) (عدمنا خَيْلنَا إِن لم تَرَوْهَا ... تثير النَّقْع موعدها كداء) ...

(يبارين الأسنة مصغيات ... على أكتافها الأسل الظلماء) (تظل جيادنا متمطرات ... تلطمهن بِالْخمرِ النِّسَاء) (فإمَّا تعرضوا عَنَّا اعتمرنا ... وَكَانَ الْفَتْح وانكشف الغطاء) (وَإِلَّا فَاصْبِرُوا لجلاد يَوْم ... يعين الله فِيهِ من يَشَاء) (وَقَالَ الله: قد يسرت جنداً ... هم الْأَنْصَار عرضتها اللِّقَاء) (لنا فِي كل يَوْم من معد ... قتال أَو سباب أَو هجاء) (وَقَالَ الله: قد أرْسلت عبدا ... يَقُول الْحق إِن نفع الْبلَاء) (شهِدت بِهِ وقومي صدقوه ... فقلتم مَا نجيب وَمَا نشَاء) (وَجِبْرِيل أَمِين الله فِينَا ... وروح الْقُدس لَيْسَ لَهُ كفاء) (أَلا أبلغ أَبَا سُفْيَان عني ... مغلغلة فقد برح الخفاء) (بِأَن سُيُوفنَا تركتك عبدا ... وَعبد الدَّار سادتها الْإِمَاء) (هجوت مُحَمَّدًا فأجبت عَنهُ ... وَعند الله فِي ذَاك الْجَزَاء) (أتهجوه وَلست لَهُ بكفء ... فشركما لخيركما الْفِدَاء) (هجوت مُبَارَكًا برا حَنِيفا ... أَمِين الله شيمته الْوَفَاء) (أَمن يهجو رَسُول الله مِنْكُم ... ويمدحه وينصره سَوَاء) (فَإِن أبي ووالده وعرضي ... لعرض مُحَمَّد مِنْكُم وقاء) (لساني صارم لَا عيب فِيهِ ... وبحري لَا تكدره الدلاء)

) وَهَذِه رِوَايَة ابْن هِشَام فِي السِّيرَة. وَفِي الدِّيوَان ثَلَاثَة أَبْيَات أخر من آخر زِيَادَة على هَذَا. قَالَ ابْن هِشَام: قَالَهَا حسان قبل يَوْم الْفَتْح. ويروى: لساني صارم لَا عتب فِيهِ بِالتَّاءِ. وَبَلغنِي عَن الزُّهْرِيّ أَنه قَالَ: لما رأى رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ النِّسَاء يلطمن الْخَيل بِالْخمرِ تَبَسم وَقَوله: عفت ذَات الْأَصَابِع ... إِلَخ عفت: بِمَعْنى: درست. وَذَات الْأَصَابِع: مَوضِع بِالشَّام. والجواء بِكَسْر الْجِيم كَذَلِك. قَالَ السُّهيْلي: وبالجواء كَانَ منزل الْحَارِث ابْن أبي شمر. وَكَانَ حسان كثيرا مَا يرد على مُلُوك غَسَّان بِالشَّام يمدحهم فَلذَلِك يذكر هَذِه الْمنَازل. وعذراء قَالَ السكرِي فِي شرح ديوانه: قَرْيَة على بريد من دمشق وَبهَا قتل مُعَاوِيَة حجر بن عدي وَأَصْحَابه. وَقَوله: ديار من بني الحسحاس بمهملات قَالَ السكرِي: الحسحاس بن مَالك بن عدي بن النجار. وَقَالَ السُّهيْلي: بَنو الحسحاس حب من بني أَسد. قَالَ السكرِي: والروامس: الرِّيَاح الَّتِي ترمس الْآثَار وتغطيها. وَقَالَ السُّهيْلي: يَعْنِي بالسماء الْمَطَر. وَالسَّمَاء لفظ مُشْتَرك يَقع على الْمَطَر وعَلى السَّمَاء الَّتِي هِيَ السّقف. وَلم تعلم ذَلِك من هَذَا الْبَيْت وَنَحْوه وَلَا من قَوْله: الوافر (إِذا سقط السَّمَاء بِأَرْض قوم ... رعيناه وَإِن كَانُوا غضابا) لِأَنَّهُ يحْتَمل أَن يُرِيد مطر السَّمَاء فَحذف الْمُضَاف وَلَكِن إِنَّمَا عَرفْنَاهُ من قَوْلهم فِي جمعه: سمي وأسمية وهم يَقُولُونَ فِي جمع السَّمَاء سماوات فَعلمنَا أَنه اسْم مُشْتَرك بَين شَيْئَيْنِ.

وَقَوله: وَكَانَت لَا يزَال بهَا. . إِلَخ خلال ظرف بِمَعْنى بَين خبر مقدم. وَنعم: مُبْتَدأ مُؤخر. قَالَ السُّهيْلي: النعم: الْإِبِل فَإِذا قيل: الْأَنْعَام دخل فِيهَا الْبَقر وَالْغنم. وَالشَّاء والشوي: اسْم للْجَمِيع كالضأن والضئين وَالْإِبِل والأبيل والمعز والمعيز. فَأَما الشَّاة فَلَيْسَتْ من لفظ الشَّاء لَام الْفِعْل مِنْهَا تَاء. وَقَوله: فدع هَذَا ... إِلَخ الطيف: الْخِيَار. ويؤرقني: يسهرني. فَإِن قيل: كَيفَ يسهره الطيف والطيف حلم فِي الْمَنَام فَالْجَوَاب أَن الَّذِي يؤرقه لوعة يجدهَا عِنْد زَوَاله كَمَا قَالَ الطَّائِي: الْبَسِيط (ظَبْي تقنصته لما نصبت لَهُ ... من آخر اللَّيْل أشراكاً من الْحلم)) (ثمَّ انثنى وبنا من ذكره سقم ... بَاقٍ وَإِن كَانَ معسولاً من السقم) وَقَوله: لشعثاء الَّتِي ... إِلَخ شعثاء: بنت سَلام بن مشْكم الْيَهُودِيّ. وَبَيت: على أنيابها أَو طعم غض إِلَخ لم يُورِدهُ ابْن هِشَام فِي السِّيرَة وَلِهَذَا أنكرهُ السُّهيْلي. وَقَوله: نوليها الْمَلَامَة ... إِلَخ يُقَال: ألام إِذا أَتَى بِمَا يلام عَلَيْهِ. يَعْنِي إِن أَتَيْنَا بِمَا نلام عَلَيْهِ صرفنَا اللوم إِلَى الْخمر واعتذرنا بالسكر. والمغث بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الْغَيْن الْمُعْجَمَة بعْدهَا واللحاء: الملاحاة بِاللِّسَانِ يرْوى أَن حسان مر بفتية يشربون الْخمر

فِي الْإِسْلَام فنهاهم فَقَالُوا: وَالله لقد هممنا بِتَرْكِهَا فزينها لنا قَوْلك: ونشربها فتتركنا ملوكاً ... ... ... ... ... الْبَيْت فَقَالَ: وَالله لقد قلتهَا فِي الْجَاهِلِيَّة وَمَا شربتها مُنْذُ أسلمت. وَلذَلِك قيل: إِن بعض هَذِه القصيدة قَالَهَا فِي الْجَاهِلِيَّة وَقَالَ آخرهَا فِي الْإِسْلَام. وَقَوله: عدمنا خَيْلنَا ... إِلَخ النَّقْع: الْغُبَار. وكداء بِالْفَتْح وَالْمدّ: الثَّنية الَّتِي فِي أَصْلهَا مَقْبرَة مَكَّة وَمِنْهَا دخل الزبير يَوْمئِذٍ وَدخل النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ من شعب أذاخر. وَقَوله: يبارين الأسنة ... إِلَخ مباراتها الأسنة: أَن يضجع الرجل رمحه فَكَانَ الْفرس يرْكض ليسبق السنان. والمصغيات: الموائل المنحرفات المطعن. والأسل: الرماح. وَرِوَايَة ابْن هِشَام: ينازعن الأعنة مصغيات. وَقَوله: تظل جيادنا ... إِلَخ المتمطرات: الْخَوَارِج من جُمْهُور الْخَيل. قَالَ ابْن دُرَيْد فِي الجمهرة: كَانَ الْخَلِيل يروي: يطلمهن بِالْخمرِ النِّسَاء وينكر يلطمهن ويجعله بِمَعْنى ينفضن النِّسَاء بِخُمُرِهِنَّ مَا عَلَيْهِنَّ من غُبَار أَو نَحْو ذَلِك. قَالَ: وَالظُّلم: ضربك خبْزَة الْملَّة بِيَدِك لتنفض مَا عَلَيْهَا من

وَقَوله: فنحكم بالقوافي أحكمه: كَفه وَمنعه. وَمِنْه سمي القَاضِي حَاكما لِأَنَّهُ يمْنَع النَّاس من الظُّلم. قَالَ جرير: الْكَامِل (أبني حنيفَة أحكموا سفهاءكم ... إِنِّي أَخَاف عَلَيْكُم أَن أغضبا) وَقَوله: أَلا أبلغ أَبَا سُفْيَان عني ... إِلَخ المغلغلة: الرسَالَة الذاهبة إِلَى كل بلد من تغلغل إِذا) ذهب. وروى غير ابْن هِشَام مصراعه الثَّانِي كَذَا: فَأَنت مجوف نخب هَوَاء والنخب بِفَتْح النُّون وَكسر الْمُعْجَمَة: الجبان ... وَقَوله: هجوت مُحَمَّدًا قَالَ اللَّخْمِيّ: قَالَ ابْن دُرَيْد: أخبرنَا السكن بن سعيد عَن عباد بن عباد عَن أَبِيه قَالَ: لما انْتهى حسان إِلَى هَذَا الْبَيْت قَالَ لَهُ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: جزاؤك على الله الْجنَّة يَا حسان. وَلما انْتهى إِلَى قَوْله: أتهجوه وَلست لَهُ بكفء وَلما انْتهى إِلَى قَوْله: فَإِن أبي ووالده وعرضي قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: وقاك الله يَا حسان حر النَّار.

(الشاهد الثالث والثلاثون بعد السبعمائة)

وَقَوله: فشركما لخيركما الْفِدَاء قَالَ السُّهيْلي: فِي ظَاهر هَذَا اللَّفْظ شناعة لِأَن الْمَعْرُوف أَن لَا يُقَال: هُوَ شرهما إِلَّا وَفِي كليهمَا شَرّ. وَكَذَلِكَ شَرّ مِنْك وَلَكِن سِيبَوَيْهٍ قَالَ: تَقول: مَرَرْت بِرَجُل شَرّ مِنْك إِذا نقص عَن أَن يكون مثله. وَهَذَا يدْفع الشناعة عَن الْكَلَام الأول. وَنَحْو مِنْهُ قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: شَرّ صُفُوف الرِّجَال آخرهَا يُرِيد: نُقْصَان حظهم عَن حَظّ الصَّفّ الأول كَمَا قَالَ سِيبَوَيْهٍ. وَلَا يجوز أَن يُرِيد التَّفْضِيل فِي الشَّرّ. وَالله أعلم. وَأنْشد بعده (الشَّاهِد الثَّالِث وَالثَّلَاثُونَ بعد السبعمائة) الطَّوِيل على أَن قد فصل بالجار وَالْمَجْرُور أَعنِي الْجُمْلَة القسمية وَهُوَ وَأبي دهماء بَين لَا النافية وَبَين زَالَت. وَهَذَا الْفَصْل شَاذ. وَإِلَيْهِ ذهب ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي إِلَّا أَنه لم يُقَيِّدهُ بالشذوذ وَلَا بالقلة. وَكَأَنَّهُ مطرد عِنْده. قَالَ فِي بحث الْجُمْلَة المعترضة: ويفصل بني حرف النَّفْي ومنفيه كَقَوْلِه: المنسرح وَلَا أَرَاهَا تزَال ظالمة

وَقَوله: فَلَا وَأبي دهماء زَالَت عزيزة قَالَ شَارِحه ابْن الملا الْحلَبِي: وَيجوز أَن تكون لَا ردا وحرف النَّفْي محذوفاً وَلَا اعْتِرَاض. انْتهى. وَقد رد الشَّارِح الْمُحَقق هَذَا الْجَوَاز فَقَالَ: وَلَيْسَ مِمَّا حذف مِنْهُ حرف النَّفْي إِلَخ. وَمرَاده الرَّد على الْفراء فَإِنَّهُ ذهب فِي موضِعين من تَفْسِيره إِلَى أَن حرف النَّفْي مِنْهُ مَحْذُوف: الأول فِي سُورَة يُوسُف عِنْد قَوْله تَعَالَى: تالله تفتؤ تذكر يُوسُف قَالَ: أَي لَا تزَال تذكر يُوسُف. وَلَا قد تضمر مَعَ الْأَيْمَان لِأَنَّهَا إِذا كَانَت خَبرا لَا يضمر فِيهَا لَا لم تكن إِلَّا بلام. أَلا ترى أَنَّك تَقول: وَالله لآتينك. وَلَا يجوز: وَالله آتِيك إِلَّا أَن تكون تُرِيدُ لَا. فَلَمَّا تبين قَالَ امْرُؤ الْقَيْس: الطَّوِيل فَقلت يَمِين الله أَبْرَح قَاعِدا ... ... ... ... الْبَيْت وأنشدني بَعضهم: (فَلَا وَأبي دهماء زَالَت عزيزة ... على قَومهَا مَا فتل الزند قَادِح) يُرِيد: لَا زَالَت.

والموضع الثَّانِي فِي سُورَة الْكَهْف عِنْد قَوْله تَعَالَى: وَإِذ قَالَ مُوسَى لفتاه لَا أَبْرَح. قَالَ: لَا يكون تزَال وأبرح وأفتأ إِلَّا بجحد ظَاهر أَو مُضْمر. فَأَما الظَّاهِر فقد ترَاهُ فِي الْقُرْآن: وَلَا يزالون مُخْتَلفين. والمضمر فِيهِ الْجحْد قَول الله تَعَالَى: تفتؤ مَعْنَاهُ لَا تفتؤ. وَمثله قَول الشَّاعِر:) فَلَا وَأبي دهماء زَالَت عزيزة ... ... ... ... . الْبَيْت وَكَذَلِكَ قَول امْرِئ الْقَيْس: فَقلت يَمِين الله أَبْرَح قَاعِدا ... ... ... ... ... . الْبَيْت انْتهى. وَقد جعله ابْن عُصْفُور من بَاب حذف النَّافِي وَهُوَ مَا لَكِن روى صَدره على خلاف هَذَا (لعمر أبي دهماء زَالَت عزيزة ... على قَومهَا مَا فتل الزند قَادِح) يُرِيد: مَا زَالَت عزيزة. انْتهى. وَكَذَا رَوَاهُ الْمرَادِي فِي شرح التسهيل وخرجه. إِلَّا أَنه قَالَ: أَي لَا زَالَت عزيزة. انْتهى. وَقَوله: فَلَا وَأبي دهماء ... إِلَخ الْفَاء فِي التَّقْدِير دَاخِلَة على وَاو الْقسم أَي: فو أبي دهماء لَا زَالَت عزيزة. أقسم الشَّاعِر بوالد هَذِه الْمَرْأَة. فَأبى مُضَاف إِلَى دهماء وَهِي اسْم امْرَأَة وَاسم زَالَت الضَّمِير الرَّاجِع إِلَى دهماء وعزيزة خَبَرهَا وَهِي من الْعِزَّة بِالْعينِ الْمُهْملَة وبالزاء الْمُعْجَمَة وَجُمْلَة:

لَا زَالَت جَوَاب الْقسم وعَلى قَومهَا مُتَعَلق بعزيزة وَمَا مَصْدَرِيَّة ظرفية. وفتل بِالْفَاءِ بعْدهَا مثناة فوقية روى بشدها وتخفيفها وَهُوَ فعل مَاض والزند مَفْعُوله وقادح فَاعله. وَقد ذكر أَبُو حنيفَة الدينَوَرِي فِي كتاب النَّبَات صفة الزند والزندة وَكَيْفِيَّة الفتل فَلَا بَأْس بإيراده هُنَا قَالَ: أفضل مَا اتَّخذت مِنْهُ الزِّنَاد شجرتا المرخ والعفاء بِفَتْح الْعين المهلمة بعْدهَا فَاء فَتكون الْأُنْثَى وَهِي الزندة السُّفْلى مرخاً وَيكون الذّكر وَهُوَ الزند الْأَعْلَى عفاراً. أَخْبرنِي بعض عُلَمَاء الْأَعْرَاب وَأما المرخ فقد رَأَيْته ينْبت قضباناً سَمْحَة طوَالًا لَا ورق لَهَا. ولفضل هَاتين الشجرتين فِي سرعَة الوري وَكَثْرَة النَّار سَار قَول الْعَرَب فيهمَا مثلا فَقَالُوا: فِي كل الشّجر نَار واستمجد المرخ والعفار أَي: ذَهَبا بالمجد فَكَانَ الْفضل لَهما. وَلذَلِك قَالَ الْأَعْشَى: المتقارب (زنادك خير زناد الملو ... ك خالط فِيهِنَّ مرخ عفارا) ويختار أَن تكون الزندة من المرخ والزند من العفار.) وَمن فَضِيلَة المرخ فِي كَثْرَة النَّار وَسُرْعَة الوري مَا ذكر أَبُو زِيَاد الْكلابِي فَإِنَّهُ قَالَ: لَيْسَ فِي الشّجر كُله أورى زناداً من المرخ قَالَ: وَرُبمَا كَانَ المرخ مجتمعاً ملتفاً وهبت الرّيح فحك بعضه بَعْضًا فأورى فَاحْتَرَقَ الْوَادي كُله. وَلم نر ذَلِك فِي شَيْء من الشّجر.

ثمَّ بعد أَن ذكر الْأَشْجَار الَّتِي تتَّخذ مِنْهَا الزِّنَاد قَالَ: وَصفَة الزندة: عود مربع فِي طول الشبر أَو أَكثر وَفِي عرض إِصْبَع أَو أشف وَفِي صفحاتها فرض وَهِي نقر الْوَاحِدَة مِنْهَا فرضة وَتجمع فراضاً أَيْضا. والزند الْأَعْلَى نَحْوهَا غير أَنه مستدير وطرفه أدق من سائره. فَأَما وصف الاقتداح بهَا فَإِن المقتدح إِذا أَرَادَ أَن يقتدح بالزناد وضع الزندة ذَات الْقَرَاض بِالْأَرْضِ وَوضع رجلَيْهِ على طرفيها ثمَّ وضع طرف الزند الْأَعْلَى فِي فرضة من فراض الزندة وَقد تقدم فَهَيَّأَ فِي الفرضة مجْرى للنار إِلَى جِهَة الأَرْض يحز وَقد حزه بالسكين فِي جَانب الفرضة ثمَّ فتل الزند بكفه كَمَا يفتل المثقب وَقد ألْقى فِي الفرضة شَيْئا من التُّرَاب يَسِيرا يَبْتَغِي بذلك الخشنة ليَكُون الزند أعمل فِي الزندة وَقد جعل إِلَى جَانب الفرضة عِنْد مفضى الحز رية تَأْخُذ فِيهَا النَّار فَإِذا فتل الزند لم يلبث الدُّخان أَن يظْهر ثمَّ تتبعه النَّار فتنحدر فِي الحز وَتَأْخُذ فِي الربة. وَتلك النَّار هِيَ السقط. انْتهى كَلَامه بِاخْتِصَار كثير. وَقد صحف بَعضهم قَوْله: مَا فتل الزند قَادِح وروى: مَا قيل للزند قَادِح على أَنه فعل مَاض مَجْهُول من القَوْل. وجر الزند بِاللَّامِ. وَهَذَا الْبَيْت لم أَقف لَهُ على تَتِمَّة وَلَا قَائِل. وَالله أعلم.

(الشاهد الرابع والثلاثون بعد السبعمائة)

وَأنْشد بعده (الشَّاهِد الرَّابِع وَالثَّلَاثُونَ بعد السبعمائة) مجزوء الْكَامِل (تنفك تسمع مَا حييّ ... ت بهَا لَك حَتَّى تكونه) على أَن حرف النَّفْي مَحْذُوف وَالتَّقْدِير: لَا تنفك. وَظَاهره أَن حذف النَّافِي أَي حرف نفي كَانَ يجوز حذفه من هَذِه الْأَفْعَال سَوَاء وَقعت جَوَاب قسم كالآية وَالْبَيْت الَّذِي بعده أم لَا كَهَذا الْبَيْت فَإِنَّهُ لم يتقدمه شَيْء. وَهُوَ الظَّاهِر أَيْضا من كَلَام الزَّمَخْشَرِيّ فِي الْمفصل وَمن كَلَام ابْن هِشَام فِي شرح الشواهد. لَكِن ابْن يعِيش قيد حرف النَّفْي بِكَوْنِهِ لَا وَأَنه لَا يحذف من هَذِه الْأَفْعَال إِلَّا إِذا وَقعت جَوَاب قسم. قَالَ: إِن حرف النَّفْي قد يحذف فِي بعض الْمَوَاضِع وَإِنَّمَا يسوغ حذفه إِذا وَقع فِي جَوَاب الْقسم وَذَلِكَ لأمن اللّبْس كَقَوْلِه: تزَال حبال مبرمات أعدهَا ... ... ... ... ... الْبَيْت وَلَا يجوز أَن يحذف من هَذِه الْحُرُوف غير لَا لِأَنَّهُ لَا يجوز حذف لم وَمَا لِأَن لم عاملة فِيمَا بعْدهَا وَلَا يجوز أَن تحذف وتعمل وَكَذَلِكَ مَا قد تكون عاملة فِي لُغَة أهل الْحجاز. انْتهى. وَيُؤْخَذ مِنْهُ أَنه لَا يجوز حذف إِن أَيْضا لِأَنَّهَا قد تعْمل عمل لَيْسَ. وَفِي كَلَامه نظر: أما أَولا: فَلِأَنَّهُ قد مثل بِهَذَا الْبَيْت تبعا لصَاحب الْمفصل وتنفك فِيهِ لَيْسَ جَوَاب قسم.

وَأما ثَانِيًا: فَلِأَن الْكَلَام فِي حُرُوف النَّفْي الدَّاخِلَة على الْأَفْعَال وَمَا الحجازية دَاخِلَة على الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر فَأَيْنَ هَذَا من ذَاك وَهل هُوَ إِلَّا اشْتِبَاه. وَقد تبعه الْمرَادِي فِي شرح التسهيل فِي الثَّانِي قَالَ: وينقاس الْحَذف فِي الْمُضَارع جَوَاب قسم وشذ فِي الْمَاضِي جَوَاب قسم كَقَوْلِه: لعمر أبي دهماء زَالَت عزيزة أَي: لَا زَالَت. وَشد فِي الْمُضَارع غير جَوَاب كَقَوْلِه: الوافر (وأبرح مَا أدام الله قومِي ... بِحَمْد الله منتطقاً مجيداً) أَي: لَا أَبْرَح وَقيل: لَا حذف. وَالْمعْنَى: أزول عَن أَن أكون منتطقاً مجيداً أَي: صَاحب نطاق وجواد مَا أدام الله قومِي) فَإِنَّهُم يكفونني ذَلِك. انْتهى. وَدَعوى عدم الْحَذف تعسف وَقع فِي أَشد مِمَّا فر مِنْهُ. وَأغْرب من قَول الْمرَادِي مَا ذهب إِلَيْهِ ابْن عُصْفُور من أَنه ضَرُورَة قَالَ: وَمِنْه إِضْمَار لَا النافية فِي غير جَوَاب الْقسم كَقَوْلِه: تنفك تسمع مَا حييت ... ... ... ... الْبَيْت انْتهى. فَللَّه در الشَّارِح الْمُحَقق مَا أَجود اخْتِيَاره وَمَا أرصن سبكه. وَقَوله: تنفك تسمع ... إِلَخ جملَة: تسمع مَعَ فَاعله الضَّمِير خبر لَا تنفك وَمَا: مَصْدَرِيَّة ظرفية. وحييت بِالْخِطَابِ أَي: مُدَّة حياتك.

وَلَا وَجه لقَوْل بعض أفاضيل الْعَجم فِي شرح أَبْيَات الْمفصل: وَقَوله: مَا حييت بَيَان لقَوْله: تنفك تسمع وتأكيد لَهُ. انْتهى. وبهالك مُتَعَلق بتسمع على تَقْدِير مُضَاف أَي: بِخَبَر هَالك. وَسمع هُنَا لَيست مِمَّا يتَعَدَّى لمفعولين وتعديها بِالْبَاء أحد استعمالاتها كَمَا تقدم كَقَوْلِهِم: تسمع بالمعيدي. وَيجوز أَن تكون الْبَاء زَائِدَة فَتكون متعدية إِلَى مفعول وَاحِد كَقَوْلِك: سَمِعت الْخَبَر. وَهَذَا أَيْضا أحد استعمالاتها. وَحَتَّى حرف جر بِمَعْنى إِلَى وَالْهَاء فِي تكونه ضمير الْهَالِك. وَالْأَكْثَر فِي خبر كَانَ إِذا كَانَ ضميراً أَن يكون مُنْفَصِلا. وَهَذَا من الْقَلِيل. وَقد اسْتشْهد صَاحب اللّبَاب لقلته بِهَذَا الْبَيْت. قَالَ ابْن هِشَام: أَي لَا تزَال تسمع: مَاتَ فلَان حَتَّى تكون الْهَالِك. وَالْخطاب لغير معِين مثله فِي: بشر مَال الْبَخِيل بحادث أَو وَارِث. وَتسمع خبر وَالْبَاء وَحَتَّى متعلقان بِهِ وَمَا ظرف لَهُ وَالْهَاء من تكونه رَاجِعَة للهالك بِاعْتِبَار لَفظه دون مَعْنَاهُ لِأَن السَّامع غير المسموع. وَمثله مَسْأَلَة التَّنَازُع: ظنني وظننت زيدا قَائِما إِيَّاه. وَقد غمض هَذَا الْمَعْنى على ابْن الطراوة فَمنع الْمَسْأَلَة وَخَالف الْأَئِمَّة. وَبعده: (والمرء قد يَرْجُو الرجا ... ء مؤملاً وَالْمَوْت دونه)) وَكَانَ أَبُو بكر الصّديق رَضِيَ اللَّهُ عَنْه كثيرا مَا يتَمَثَّل بهما. انْتهى. وَكَذَا رَوَاهُ الْعَيْنِيّ. وَالَّذِي رَوَاهُ ابْن المستوفي وَغَيره: والمرء قد يَرْجُو الْحَيَاة

(الشاهد الخامس والثلاثون بعد السبعمائة)

ومؤملاً: حَال من ضمير يَرْجُو. وَقَالَ الْعَيْنِيّ: مُؤَمل إِن كَانَ اسْم فَاعل فَهُوَ حَال من الْمَرْء وَإِن كَانَ اسْم مفعول فَهُوَ مفعول ليرجو. هَذَا كَلَامه. فَتَأَمّله. وَدون هُنَا بِمَعْنى أَمَام أَو خلف لِأَنَّهُ من الأضداد. وَجُمْلَة: وَالْمَوْت دونه حَال إِمَّا من ضمير مُؤَمل أَو من ضمير يَرْجُو. والبيتان نسبهما أَبُو عبيد الْقَاسِم بن سَلام فِي كتاب الْأَمْثَال لخليفة بن برَاز وَهُوَ جاهلي. وَقد أَخذ الْبَيْت بَعضهم فَقَالَ: الطَّوِيل وَأنْشد بعده (الشَّاهِد الْخَامِس وَالثَّلَاثُونَ بعد السبعمائة) الطَّوِيل (تزَال حبال مبرمات أعدهَا ... لَهَا مَا مَشى يَوْمًا على خفه جمل) على أَن تزَال جَوَاب قسم وَحذف مِنْهُ حرف النَّفْي أَي: لَا تزَال. وَالْقسم فِي بَيت قبله وَهُوَ: (حَلَفت يَمِينا يَا ابْن قحفان بِالَّذِي ... تكفل بالأرزاق فِي السهل والجبل) تزَال حبال مبرمات ... ... ... ... الْبَيْت (فأعط وَلَا تبخل إِذا جَاءَ سَائل ... فعندي لَهَا عقل وَقد زاحت الْعِلَل) وروى أَيْضا: وتقسم ليلى يَا ابْن حفان بِالَّذِي

إِلَخ. فجلمة: لَا تزَال بِتَقْدِير لَا جَوَاب الْقسم الَّذِي هُوَ تقسم ليلى. ومبرمات: محكمات. وأعدها: أهيئها. وَضمير لَهَا لِلْإِبِلِ فِي شعر قبل هَذَا يَأْتِي آنِفا. وَمَا مَصْدَرِيَّة ظرفية. وجمل فَاعل مَشى وَسكن للقافية. وعقل: جمع عقال وَهُوَ مَا يرْبط بِهِ وَكَانَ من حَدِيث هَذِه الأبيات مَا رَوَاهُ أَبُو تَمام فِي الحماسة: أَن سَالم بن قحفان جَاءَ إِلَيْهِ أَخُو امْرَأَته زَائِرًا فَأعْطَاهُ بَعِيرًا من إبِله وَقَالَ لامْرَأَته: هَاتِي حبلاً يقرن بِهِ مَا أعطيناه إِلَى بعير. ثمَّ) أعطَاهُ بَعِيرًا آخر وَقَالَ: مثل ذَلِك ثمَّ أعطَاهُ مثل ذَلِك فَقَالَت: مَا بَقِي عِنْدِي حَبل فَقَالَ: عَليّ الْجمال وَعَلَيْك الحبال. وَأَنْشَأَ يَقُول: (لقد بكرت أم الْوَلِيد تلومني ... وَلم أجترم جرما فَقلت لَهَا مهلا) (فَلَا تعذليني بالعطاء ويسري ... لكل بعير جَاءَ طَالبه حبلا) (فَإِنِّي لَا تبْكي عَليّ إفالها ... إِذا شبعت من روض أوطانها بقلا) (فَلم أر مثل الْإِبِل مَالا لمقتن ... وَلَا مثل أَيَّام الْحُقُوق لَهَا سبلا) فرمت إِلَيْهِ خمارها وَقَالَت: صيره حبلاً لبعضها. وأنشأت تَقول: حَلَفت يَمِينا يَا ابْن قحفان ... ... ... ... ... الأبيات الثَّلَاثَة انْتهى. وَلم يتَكَلَّم الْخَطِيب التبيريزي بِشَيْء فِي شَرحه على هَذِه الأبيات. والإفال: أَوْلَاد الْإِبِل. قَالَ ابْن المستوفي فِي قَوْله:

(الشاهد السادس والثلاثون بعد السبعمائة)

قَوْلَيْنِ: أَحدهمَا: أَن الْإِبِل بهائم لَا تهتم بِي إِذا مت بل تربع وتشبع وَالثَّانِي: موتِي عِنْدهَا وَأَنا أنحرها أحب إِلَيْهَا فَلَعَلَّهُ يَأْخُذهَا من لَا يَنْحَرهَا وَلَا يغمهما موتى لِأَنِّي جواد. انْتهى وَقَالَ أَبُو عبيد الْبكْرِيّ فِيمَا كتبه على أمالي القالي: إِن هَذَا مَأْخُوذ من قَول ضَمرَة بن ضَمرَة: الْكَامِل (أَرَأَيْت إِن صرخت بلَيْل هامتي ... وَخرجت مِنْهَا بَالِيًا أثوابي) (هَل تخمشن إبلي عَليّ وجوهها ... وتعصبن رؤوسها بسلاب) والسلاب: عصائب سود. يُقَال: امْرَأَة مسْلبَةٌ إِذا لبست السوَاد حداداً. وَسَالم بن قحفان بِضَم الْقَاف وَسُكُون الْمُهْملَة بعْدهَا فَاء لم أَقف لَهُ على خبر وَلَا على زَوجته ليلى. وَالله أعلم. وَأنْشد بعده (الشَّاهِد السَّادِس وَالثَّلَاثُونَ بعد السبعمائة) وَهُوَ من شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ: الطَّوِيل (خراجيج مَا تنفك إِلَّا مناخة ... على الْخَسْف أَو نرمي بهَا بَلَدا قفرا) على أَنه خطئَ ذُو الرمة فِيهِ لِأَن مَا تنفك وأخواته بِمَعْنى الْإِيجَاب من حَيْثُ الْمَعْنى لَا يتَّصل الِاسْتِثْنَاء بخبرها كَمَا بَينه الشَّارِح الْمُحَقق.

وَذكر عَنهُ جوابين: أَحدهمَا: أَن تنفك تَامَّة ومناخة حَال وعَلى الْخَسْف مُتَعَلق بمناخة ونرمي مَعْطُوف على مناخة. وَثَانِيهمَا: أَنَّهَا نَاقِصَة وعَلى الْخَسْف: خَبَرهَا ومناخة حَال. وَذكر مَا ورد على هَذَا الْجَواب. والمخطئ هُوَ أَبُو عَمْرو بن الْعَلَاء. قَالَ المرزباني فِي كتاب الموشح: أَخْبرنِي مُحَمَّد بن يحيى حَدثنَا الْفضل ابْن الْحباب حَدثنَا بكر بن مُحَمَّد الْمَازِني حَدثنَا الْأَصْمَعِي سَمِعت أَبَا عَمْرو بن الْعَلَاء يَقُول: أَخطَأ ذُو الرمة فِي قَوْله: حراجيج مَا تنفك إِلَّا مناخة ... ... ... ... الْبَيْت فِي إِدْخَاله إِلَّا بعد قَوْله: مَا تنفك ... قَالَ الصولي: وَحدثنَا مُحَمَّد بن سعيد الْأَصَم وَأحمد بن يزِيد قَالَا: حَدثنَا يزِيد المهلبي عَن إِسْحَاق الْموصِلِي أَنه كَانَ ينشد هَذَا الْبَيْت لذِي الرمة: حراجيج مَا تنفك آلا مناخة (فَلم تهبط على سفوان حَتَّى ... طرحن سخالهن وصرن آلا) وعَلى هَذَا يكون آل: خبر تنفك ومناخة: صفته وَأَنت الصّفة

لِأَن الشَّخْص مِمَّا يؤنث وَيذكر. فرواية: إِلَّا بِالتَّشْدِيدِ غلط من الرَّاوِي لَا من الْقَائِل. وَيرد عَلَيْهِ أَن ذَا الرمة لما قَرَأَ الْبَيْت عِنْد ابْن الْعَلَاء غلطه فِيهِ بِمَا ذكره النحويون. وَقَالَ ابْن عُصْفُور فِي كتاب الضرائر: إِن ذَا الرمة لما عيب عَلَيْهِ قَوْله مَا تنفك إِلَّا مناخة فطن لَهُ فَقَالَ: إِنَّمَا قلت: آلا مناخة أَي: شخصا. وَكَذَا قَالَ ابْن هِشَام فِي شرح الشواهد قَالَ ابْن الْأَنْبَارِي فِي الْإِنْصَاف: ألال: الشَّخْص. يُقَال: هَذَا آل قد بدا أَي: شخص. وَبِه سمي الْآل لِأَنَّهُ يرفع الشخوص أول النَّهَار وَآخره.) وَبِه يضمحل توقف ابْن الملا الْحلَبِي فِي شرح الْمُغنِي فِي قَوْله بَقِي شَيْء وَهُوَ أَن صَاحب الْقَامُوس على تبحره لم يذكر مَجِيء الْآل بِمَعْنى الشَّخْص. انْتهى. وخرجه الْمَازِني كَمَا قَالَ ابْن يعِيش على زِيَادَة إِلَّا وَتَبعهُ أَبُو عَليّ فِي القصريات وَقَالَ: إِلَّا هَاهُنَا زَائِدَة لَوْلَا ذَلِك لم يجز هَذَا الْبَيْت لِأَن تنفك فِي معنى تزَال وَلَا يزَال لَا يتَكَلَّم بِهِ إِلَّا منفياً عَنْهَا. انْتهى. وَنسب ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي هَذَا التَّخْرِيج إِلَى الْأَصْمَعِي وَابْن جني قَالَ: وَحمل عَلَيْهِ ابْن مَالك أرى الدَّهْر إِلَّا منجنوناً بأَهْله وَإِنَّمَا الْمَحْفُوظ: وَمَا الدَّهْر إِلَّا. ثمَّ إِن ثبتَتْ رايته فتتخرج على

أَن أرى جَوَاب لقسم مُقَدّر وحذفت لَا كحذفها فِي: تالله تفتؤ وَدلّ على ذَلِك الِاسْتِثْنَاء المفرغ. انْتهى. وَلم يذكر ابْن عُصْفُور غَيره وَغير احْتِمَال التَّمام لكنه جعله من الضرائر. قَالَ: وَمِنْهَا زِيَادَة إِلَّا فِي قَوْله: أرى الدَّهْر إِلَّا منجنوناً ... ... ... ... الْبَيْت هَكَذَا رَوَاهُ الْمَازِني يُرِيد: يرى الدَّهْر منجوناً. وَكَذَلِكَ جعلهَا فِي قَول الآخر: الْبَسِيط (مَا زَالَ مذ وجفت فِي كل هاجرة ... بالأشعث الْورْد إِلَّا وَهُوَ مهموم) يُرِيد: هُوَ مهموم فَزَاد إِلَّا وَالْوَاو فِي خبر زَالَ. وَفِي قَول الآخر: الطَّوِيل (وَكلهمْ حاشاك إِلَّا وجدته ... كعين الكذوب جَحدهَا واحتفالها) يُرِيد: وَكلهمْ حاشاك وجدته. وَفِي قَول ذِي الرمة: حراجيج مَا تنفك إِلَّا مناخة ... ... ... ... . الْبَيْت

وَيحْتَمل أَن يَجْعَل زَالَ وتنفك تامتين وَتَكون إِلَّا دَاخِلَة على الْحَال. وَكَذَلِكَ تجْعَل إِلَّا فِي قَوْله: وَكلهمْ حاشاك إِلَّا وجدته إِيجَابا للنَّفْي الَّذِي يُعْطِيهِ معنى الْكَلَام أَي: مَا مِنْهُم أحد حاشاك إِلَّا وجدته. وَعَلِيهِ حمله الْفراء. وَأما أرى الدَّهْر إِلَّا منجنوناً فَلَا تكون إِلَّا فِيهِ إِلَّا زَائِدَة. انْتهى. وَقد رَأَيْت تَخْرِيج ابْن هِشَام بَيت المنجون.) وَأول من ذهب إِلَى أَن تنفك فِي بَيت ذِي الرمة تَامَّة هُوَ الْفراء فِي تَفْسِيره عِنْد قَوْله: لم يكن الَّذين كفرُوا من أهل الْكتاب وَالْمُشْرِكين منفكين حَتَّى تأتيهم الْبَيِّنَة: قد يكون الانفكاك على جِهَة يزَال وَيكون على الانفكاك الَّذِي تعرفه. فَإِذا كَانَت على جِهَة يزَال فَلَا بُد لَهَا من فعل وَأَن يكون مَعهَا جحد فَتَقول: مَا انفككت أذكرك تُرِيدُ: مَا زلت أذكرك. فَإِذا كَانَت على غير معنى يزَال قلت: قد انفككت مِنْك وانفك الشَّيْء من الشَّيْء فَيكون بِلَا جحد وَبلا فعل. وَقد قَالَ ذُو الرمة: قَلَائِص لَا تنفك إِلَّا مناخة ... ... ... ... الْبَيْت فَلم يدْخل فِيهَا إِلَّا إِلَّا وَهُوَ يَنْوِي بهَا التَّمام وَخلاف يزَال لِأَنَّك لَا تَقول: مَا زلت إِلَّا قَائِما. وَنسبه ابْن الْأَنْبَارِي فِي الْإِنْصَاف إِلَى الْكسَائي قَالَ: وَهَذَا الْوَجْه رَوَاهُ هِشَام عَن الْكسَائي.

وَبِمَا ذكرنَا يعلم أَن قَول الْمرَادِي فِي شرح التسهيل: وخرجه قوم مِنْهُم على أَنَّهَا نَاقِصَة خلاف الْوَاقِع. وتنفك على هَذَا مُطَاوع فكه إِذا خلصه أَو فَصله. قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ فِي حَوَاشِي الْمفصل: وَفِي تَصْحِيح الْبَيْت وجيه وَهُوَ أَن يُرِيد لَا تنفك عَن أوطائها أَي: لَا تنفصل عَنْهَا إِلَّا وَلها بعد الِانْفِصَال هَاتَانِ الحالتان: إِمَّا الإناخة على الْخَسْف فِي المراحل أَو السّير فِي الْبَلَد القفر. انْتهى. وَبِهَذَا يظْهر قَول الشَّارِح الْمُحَقق: مناخة حَال ونرمي مَعْطُوف عَلَيْهِ. وَقَالَ ابْن عقيل والمرادي فِي شرحيهما للتسهيل: كَأَنَّهُ قَالَ: مَا تتخلص أَو مَا تنفصل علن السّير إِلَّا فِي حَال إناختها على الْخَسْف وَهُوَ حَبسهَا على غير علف. يُرِيد أَنَّهَا تناخ معدة للسير عَلَيْهَا فَلَا ترسل من أجل ذَلِك فِي المرعى. وأَو بِمَعْنى إِلَى وَسكن الْيَاء للضَّرُورَة. انْتهى. وَالْوَجْه الأول أوجه. والخسف بِفَتْح الْمُعْجَمَة: النقيصة يُقَال: رَضِي بالخسف أَي: بالنقيصة. وَبَات على الْخَسْف أَي: جائعاً. ورطبت الدَّابَّة على الْخَسْف أَي: على غير علف. وعَلى بِمَعْنى مَعَ. تَحِيَّة بَينهم ضرب وجيع يُرِيد أَن الإناخة إِنَّمَا تكون على الْعلف فَجعل الْخَسْف بَدَلا مِنْهُ كَمَا جعل الضَّرْب الوجيع بَدَلا) من التَّحِيَّة. ونرمي بالنُّون مَعَ الْبناء للمعلوم ويروى: يرْمى بِالْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّة مَعَ الْبناء للْمَفْعُول. وَبهَا:

نَائِب الْفَاعِل وبلداً ظرف للرمي وَهُوَ بِمَعْنى الْمَكَان وَالْأَرْض لَا بِمَعْنى الْمَدِينَة. والحرجوج كعصفور: النَّاقة الضامر قَالَه أَبُو زيد. وَقد روى مُناخة بِالرَّفْع أَيْضا. قَالَ ابْن المستوفي: قَالَ أَبُو الْبَقَاء: رُوِيَ مناخة بِالرَّفْع على أَنه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف وَمَوْضِع الْجُمْلَة حَال وَبِالنَّصبِ على الْحَال وَتَكون تنفك تَامَّة. وَكَذَا رَوَاهُ ابْن الْأَنْبَارِي فِي الْإِنْصَاف. وَأم التَّخْرِيج الثَّانِي من التخريجين اللَّذين ذكرهمَا الشَّارِح الْمُحَقق فَهُوَ للأخفش أبي الْحسن سعيد بن مسْعدَة الْمُجَاشِعِي قَالَ فِي كتاب المعاياة: أَرَادَ: لَا تنفك على الْخَسْف أَو نرمي بهَا بَلَدا قفراً إِلَّا وَهِي مناخة لِأَنَّهُ لَا يجوز لَا تنفك إِلَّا مناخة كَمَا لَا تقولك لَا تزَال إِلَّا مناخة. انْتهى. وَقد تبعه على هَذَا جمَاعَة مِنْهُم الزّجاج. قَالَ ابْن جني فِي بعض أَجْزَائِهِ: وَقد قَالَ فِيهِ بعض أَصْحَابنَا قولا أرَاهُ أَبَا إِسْحَاق وَرَأَيْت أَبَا عَليّ قد أَخذ بِهِ وَهُوَ ن يَجْعَل خبر مَا تنفك الظّرْف كَأَنَّهُ قَالَ: مَا تنفك على الْخَسْف وَنصب مناخة على الْحَال وَقدم إِلَّا عَن موضعهَا. وَقد جَاءَ فِي الْقُرْآن وَالشعر نقل إِلَّا عَن موضعهَا. انْتهى. وَمِنْهُم أَبُو الْبَقَاء قَالَ: يجوز أَن تكون تنفك النَّاقِصَة وَيكون على الْخَسْف الْخَبَر أَي: مَا تنفك على الْخَسْف إِلَّا إِذا أنيخت. وَعَلِيهِ الْمَعْنى. انْتهى.

وَقد رده جمَاعَة مِنْهُم صَاحب اللّبَاب وَهُوَ مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أَحْمد الأسفرايني الْمَعْرُوف بِالْفَضْلِ قَالَ فِيهِ: وخطئ ذُو الرمة فِي قَوْله: حراجيج لَا تنفك إِلَّا مناخة والاعتذار بجعله حَالا وعَلى الْخَسْف خَبرا ضَعِيف لما أَن الِاسْتِثْنَاء المفرغ قَلما يَجِيء فِي الْإِثْبَات وَيقدر المستثني مِنْهُ بعده. وَتَقْدِير التَّمام فِي تنفك أحسن مِنْهُ. وَالله أعلم. انْتهى. قَالَ شَارِحه الفالي: مَعْنَاهُ أَن الِاسْتِثْنَاء المفرغ فِي الْإِثْبَات قَلِيل. وَبعد تَسْلِيمه إِنَّمَا يَأْتِي إِذا قدر الْمُسْتَثْنى مِنْهُ قبله لفظا وَهَاهُنَا يقدر بعده لِأَن قَوْله إِلَّا مناخة مُسْتَثْنى من أَحْوَال الضَّمِير الْمُسْتَتر فِي على الْخَسْف أَي: مَا تنفك مهانة مظلومة فِي جَمِيع الْأَحْوَال إِلَّا فِي حَال الإناخة. وَذَلِكَ غير مَعْهُود فِي الِاسْتِثْنَاء المفرغ فَإِن أَعم الْعَام فِي الِاسْتِثْنَاء المفرغ يقدر قبله لَا بعده) فَإنَّك إِذا قلت: مَا ضربت إِلَّا رَاكِبًا فالتقدير: مَا ضربت فِي حَال من الْأَحْوَال إِلَّا فِي حَال وَلذَا جَازَ فِي الْإِثْبَات نَحْو: قَرَأت إِلَّا يَوْم كَذَا التَّقْدِير: قَرَأت فِي جَمِيع الْأَيَّام إِلَّا يَوْم كَذَا. فالمستثنى مِنْهُ يقدر قبل الِاسْتِثْنَاء لَا بعده. انْتهى. وَمِنْهُم الشَّارِح الْمُحَقق كَمَا حَرَّره. وَمِنْهُم ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي قَالَ فِيهِ: قَالَ جمَاعَة كَثِيرَة: هِيَ نَاقِصَة وَالْخَبَر على الْخَسْف ومناخة: حَال. وَهَذَا فَاسد لبَقَاء الْإِشْكَال إِذْ لَا يُقَال: جَاءَ زيد إِلَّا رَاكِبًا. انْتهى. وَقَول أبي الْبَقَاء: وَعَلِيهِ الْمَعْنى مَرْدُود فَإِن الحالية سَوَاء نصبت مناخة أَو رفعتها كَمَا رُوِيَ بِتَقْدِير مُبْتَدأ مَحْذُوف وَالْجُمْلَة حَال

يكون التَّقْدِير فِيهَا: هِيَ مستمرة على الْخَسْف فِي كل حَال إِلَّا حَال الإناخة فَإِنَّهَا تكون حِينَئِذٍ ذَات رَاحَة. وَهَذَا غير مُرَاد الشَّاعِر إِذْ مُرَاده وصف هَذِه الْإِبِل بِأَنَّهَا لَا تتخلص من تَعب إِلَّا إِلَى مثله فَلَيْسَ لَهَا حَال رَاحَة أصلا. وسيبويه قد أورد هَذَا الْبَيْت فِي بَاب أَو الَّتِي ينْتَصب بعْدهَا الْمُضَارع بإضمار أَن قَالَ: وَلَو رفعت لَكَانَ عَرَبيا جَائِزا على وَجْهَيْن: على أَن تشرك بَين الأول وَالْآخر وعَلى أَن يكون مَقْطُوعًا من الأول. قَالَ تَعَالَى: ستدعون إِلَى قوم أولي بَأْس شَدِيد تقاتلونهم أَو يسلمُونَ إِن شِئْت كَانَ على الْإِشْرَاك وَإِن شِئْت كَانَ على: أَو وهم يسلمُونَ. وَقَالَ ذُو الرمة: فَإِن شِئْت كَانَ على لَا تنفك ترمي أَو على الِابْتِدَاء. انْتهى. يُرِيد بِالْأولِ الْعَطف على خبر تنفك وَبِالثَّانِي الْقطع. قَالَ النّحاس: سَأَلت عَنهُ عليا يَعْنِي الْأَخْفَش الصَّغِير فَقَالَ: لَك أَن تجْعَل نرمي مَعْطُوفًا وَلَك أَن تقطعه وَلَك أَن تقدر أَو بِمَعْنى إِلَى أَن وتسكن الْيَاء فِي مَوضِع نصب. وَالْبَيْت من قصيدة طَوِيلَة لذِي الرمة يُقَال لَهَا: أحجية الْعَرَب. وأولها: (لقد جشأت نَفسِي عَشِيَّة مشرف ... وَيَوْم لوى حزوى فَقلت لَهَا: صبرا) (نَحن إِلَى مي كَمَا حن نَازع ... دَعَاهُ الْهوى فارتاد من قَيده قصرا)

جشأت: نهضت. ومشرف وحزوى: موضعان. واللوى: مُنْقَطع الرمل. وصبرا: اصْبِرِي. والنازع: الْبَعِير يحن إِلَى وَطنه. فارتاد من قَيده قصراً أَي: طلب السعَة فَوَجَدَهُ مَقْصُورا. وَيُقَال: ارتاد جدباً وارتاد خَبرا أَي: طلب الخصب فَوَقع على جَدب. إِلَى أَن قَالَ:) (فيا مي مَا أَدْرَاك أَيْن مناخنا ... معرقة الألحي يَمَانِية سجرا) (قد اكتفلت بالحزن واعوج دونهَا ... ضوارب من خفان مجتابة سدرا) حراجيج مَا تنفك إِلَّا مناخة ... ... ... ... ... الْبَيْت (أنخن لتعريس قَلِيل فصارف ... يُغني بنابيه مطلحة صعرا) معرقة الألحي: قَليلَة لحم الألحي جمع لحي. وَإِذا كثر لحم لحيها فَهُوَ عيب. يُقَال: نَاقَة سجراء: تضرب إِلَى الْحمرَة. وَقَوله: قد اكتفلت بالحزن أَي: صيرت النَّاقة الْحزن خلفهَا كَالرّجلِ الَّذِي يركب الكفل فَإِنَّمَا يركب على أقْصَى الكفل كَمَا تَقول: اكتفلت النَّاقة أَي: ركبت مَوضِع الكفل من النَّاقة. والحزن: مَا غلظ من الأَرْض. والضارب: منخفض كالوادي. وخفان: مَوضِع. ومجتابة سدراً أَي: لابسة سدراً. واعوج يَعْنِي: الضوارب لَيست على جِهَة النَّاقة. والحراجيج: الضمر. والخسف: الْجُوع وَهُوَ ن تبيت على غير علف والتعريس: النُّزُول فِي آخر اللَّيْل. وصارف أَي: فبعضها صَارف

(الشاهد السابع والثلاثون بعد السبعمائة)

يصرف بنابيه من الضجر والجهد. ومطلحة: معيية. وصعر: فِيهَا ميل من الْجهد والهزال. وَهَذَا نقلته من شرح ديوانه. وترجمته تقدّمت فِي الشَّاهِد الثَّامِن من أول الْكتاب. وَأنْشد بعده (الشَّاهِد السَّابِع وَالثَّلَاثُونَ بعد السبعمائة) تَحِيَّة بَينهم ضرب وجيع على أَن جعل الضَّرْب الوجيع كالتحية كَمَا جعل الْخَسْف كالأرض الَّتِي يناخ عَلَيْهَا. يُرِيد أَن الْخَسْف جعل بَدَلا من الأَرْض كَمَا أَن الضَّرْب جعل بَدَلا من التَّحِيَّة وَلَا يُرِيد أَنَّهُمَا من بَاب التَّشْبِيه فَإِنَّهُ غير صَحِيح فيهمَا فَإِن الأول لَيْسَ فِيهِ من أَرْكَان التَّشْبِيه غير الْخَسْف وَلَا يُقَال لمثله إِلَّا اسْتِعَارَة وَإِن كَانَ أَصله التَّشْبِيه. فَإِن كَانَ الْمُشبه بِهِ مَذْكُورا والمشبه غير مَذْكُور فَهُوَ اسْتِعَارَة تصريحية وَإِن كَانَ بِالْعَكْسِ فَهُوَ استعالة بِالْكِنَايَةِ. والخسف وَإِن أمكن أَن يَجْعَل من الِاسْتِعَارَة بِالْكِنَايَةِ لكنه لما شبه بِمَا بعده علم أَن مُرَاده أَنه من بَاب التنويع كَمَا يَأْتِي بَيَانه. وَأم الثَّانِي فَهُوَ لَيْسَ من التَّشْبِيه قطعا

إِذْ الْمَعْهُود فِي مثله أَن يشبه الأول بِالثَّانِي لَا الْعَكْس إِذْ لَا يُقَال فِي زيد أَسد: إِن أسداً مشبه بزيد. وَلم يجيزوا أَيْضا أَن تشبه التَّحِيَّة بِالضَّرْبِ لِأَنَّهُ من بَاب التنويع وَهُوَ من خلاف مُقْتَضى الظَّاهِر وَهُوَ ادِّعَاء أَن مُسَمّى اللَّفْظ نَوْعَانِ: مُتَعَارَف وَغير مُتَعَارَف. على طَرِيق التخييل بِأَن ينزل مَا يَقع فِي موقع شَيْء بَدَلا عَنهُ. مَنْزِلَته بِدُونِ تَشْبِيه وَلَا اسْتِعَارَة سَوَاء كَانَ بطرِيق الْحمل كَقَوْلِه: تَحِيَّة بَينهم ضرب وجيع (وبلدة لَيْسَ بهَا أنيس ... إِلَّا اليعافير وَإِلَّا العيس) على معنى أنيسها اليعافير. أَي: إِن كَانَ يعد أنيساً فَلَا أنيس إِلَّا هُوَ. أَو بدونهما كَقَوْلِه: الْكَامِل (غضِبت حنيفَة أَن تقتل عَامر ... يَوْم النسار فأعقبوا بالصيلم) أَي: إِنَّهُم لما طلبُوا إِلَيْنَا العتبى وَضعنَا لَهُم السِّلَاح مَكَانهَا. وَهَذَا تهكم. والصيلم: الداهية. وَحَيْثُ أطلق التنويع فَالْمُرَاد بِهِ هَذَا كَمَا تراهم يَقُولُونَ: من بَاب: تَحِيَّة بَينهم ضرب وجيع

فيجعلون الْمِثَال أساساً وَقَاعِدَة وَلَيْسَ من الْمجَاز فِي شَيْء لِأَن طَرفَيْهِ مستعملان فِي حقيقتهما وَلَا تَشْبِيها كَمَا صَرَّحُوا بِهِ بل التَّشْبِيه يعكس مَعْنَاهُ ويفسده. قَالَ الشَّيْخ فِي دَلَائِل الإعجاز: اعْلَم أَنه لَا يجوز أَن يكون سَبِيل قَوْله: الطَّوِيل) لعاب الأفاعي القاتلات لعابه سَبِيل قَوْلهم: عتابه السَّيْف. وَذَلِكَ لِأَن الْمَعْنى فِي بَيت أبي تَمام على أَنَّك تشبه شَيْئا بِشَيْء لجامع بَينهمَا فِي وصف. وَلَيْسَ الْمَعْنى فِي عتابك السَّيْف على أَنَّك تشبه عتابه بِالسَّيْفِ بَدَلا من العتاب. أَلا ترى أَنه يَصح أَن تَقول: مداد قلمه قَاتل كسم الأفاعي وَلَا يَصح أَن تَقول: عتابك كالسيف اللَّهُمَّ إِلَّا أَن تخرج إِلَى بَاب آخر وَشَيْء لَيْسَ هُوَ غرضهم بِهَذَا الْكَلَام فتريد أَنه قد عَاتب عتاباً خشناً مؤلماً. ثمَّ إِنَّك إِذا قلت السَّيْف عتابك خرجت بِهِ إِلَى معنى ثَالِث وَهُوَ أَن تزْعم أَن عتابه قد بلغ فِي إيلامه وَشدَّة تَأْثِيره مبلغا صَار لَهُ السَّيْف كَأَنَّهُ لَيْسَ بِسيف. انْتهى. وَلَيْسَ هَذَا من قبيل التَّشْبِيه الَّذِي ذكر مَعَه مَا يحل دُخُول أَدَاة التَّشْبِيه كَقَوْلِه: الْكَامِل أَسد دم الْأسد الهزبر خضابه

فَإِنَّهُ لَا سَبِيل إِلَى التَّصْرِيح بأداة التَّشْبِيه لدلَالَة التَّشْبِيه على أَنه دون الْأسد وَدلَالَة الْوَصْف على أَنه فَوْقه. فالوصف مَانع. وَأما هُنَا فالتشبيه يعكس الْمَعْنى المُرَاد. وَأَيْضًا فَإِن الْمَقْصُود نفي مَا صدر بِهِ يَعْنِي لَا تَحِيَّة بَينهم. والتشبيه لَا يُفِيد هَذَا الْمَعْنى. وَلَيْسَ الشَّيْخ أَبَا عذرة هَذَا بل صرح بِهِ النُّحَاة مِنْهُم سِيبَوَيْهٍ وَقد فَصله فِي بَاب الِاسْتِثْنَاء من كِتَابه وَنَقله ابْن عُصْفُور وَابْن الطراوة قَالُوا: إِذا كَانَ الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر معرفتين إِمَّا أَن تكون إِحْدَاهمَا قَائِمَة مقَام الْأُخْرَى أَو مشبهة بهَا أَو هِيَ نَفسهَا. فَإِن كَانَت قَائِمَة مقَامهَا كَانَ الْخَبَر مَا تُرِيدُ إثْبَاته نَحْو قَول عبد الْملك بن مَرْوَان: كَانَ عُقُوبَتك وَلَو قلت: كَانَ عزلك عُقُوبَتك كَانَ معاقباً لَا معزولاً وَلَو قلت: كَانَ زُهَيْر زيدا أثبت التَّشْبِيه لزهير بزيد. قَالَ ابْن الطراوة: وَقد غلط فِي هَذَا أجلة من الشُّعَرَاء مِنْهُم المتنبي فِي قَوْله: الطَّوِيل (ثِيَاب كريم مَا يصون حسانها ... إِذا نشرت كَانَ الهبات صوانها) فذمه وَهُوَ يرى أَنه مدحه. أَلا ترى أَنه أثبت الصون وَنفى الهبات كَأَنَّهُ قَالَ: الَّذِي يقوم لَهَا مقَام الهبات أَن تصان. وَقد أُجِيب عَن المتنبي.

فَإِذا لم يكن فِي شَيْء من أَطْرَافه تجوز وَلم يقْصد التَّشْبِيه فَهُوَ حَقِيقَة يَجْعَل بدل الشَّيْء الْقَائِم) مقَامه فَردا مِنْهُ ادِّعَاء. فالتصرف فِي النِّسْبَة. أَلا ترى لَو قلت إِن كَانَ الضَّرْب تَحِيَّة فَهُوَ تحيتهم كَانَ حَقِيقَة قطعا. فَجعل الْغَرَض الْمُقدر كَالظَّاهِرِ وَهُوَ نوع على حجَّة من خلاف مُقْتَضى الظَّاهِر. وَأما وَجه بلاغته وعَلى مَاذَا يدل فقد حَقَّقَهُ صَاحب الْكَشَّاف فِي مَوَاضِع: مِنْهَا انه قَالَ فِي تَفْسِير قَوْله تَعَالَى: يَوْم لَا ينفع مَال وَلَا بنُون الْآيَة. هُوَ من بَاب: تَحِيَّة بَينهم ضرب وجيع وَمَا ثَوَابه إِلَّا السَّيْف. وَبَيَانه أَن يُقَال: هَل لزيد مَال وبنون فَتَقول: مَاله وَبَنوهُ سَلامَة قلبه. تُرِيدُ وَقَالَ فِي مَوضِع آخر: إِنَّه يدل على إِثْبَات النَّفْي فَمَعْنَى: لَيْسَ بهَا أنيس إِلَّا اليعافير أَي: إِنَّه لَا أنيس بهَا قطعا. لِأَنَّهُ جعل أنيسها اليعافير دون غَيرهَا. وَهِي لَيست بأنيس قطعا. فَدلَّ على أَنه لَا أنيس بهَا. وَهُوَ قريب مِمَّا لَو قلت: إِن كَانَت اليعافير أنيساً فَإِنَّهَا أنيس. وَوجه دلَالَته على إِثْبَات النَّفْي أَنه استعملته الْعَرَب مرَادا بِهِ الْحصْر فَإِن الْكَلَام قد يدل عَلَيْهِ نَحْو: الْجواد زيد وَالْكَرم فِي

الْعَرَب وَشر أهر ذَا نَاب. وَلذَا ذكره النُّحَاة فِي بَاب الِاسْتِثْنَاء. والحصر الملاحظ فِيهِ جَار على نهج الِاسْتِثْنَاء الْمُنْقَطع لِأَنَّهُ من التنويع عِنْد الْخَلِيل. فعلى هَذَا وضح إفادته ثبات النَّفْي وَظهر عدم التَّجَوُّز فِي مفرداته وَأَنه لَا يتَصَوَّر فِيهِ التَّشْبِيه. وَأما قَوْله فِي الْمَائِدَة فِي تَفْسِير: بشر من ذَلِك مثوبة فَإِن قلت: المثوبة مُخْتَصَّة بِالْإِحْسَانِ فَكيف جَاءَت فِي الْإِسَاءَة قلت: وضعت المثوبة مَوضِع الْعقُوبَة على طَريقَة قَوْله: تَحِيَّة بَينهم ضرب وجيع وَمِنْه: فبشرهم بِعَذَاب أَلِيم. انْتهى. فمراده أَن الْآيَة من بَاب الإيجاز وَأَن فِي الْكَلَام تنويعاً مُقَدرا. وَهَذَا تَفْرِيع مَبْنِيّ عَلَيْهِ. وَالتَّقْدِير: إِن نقمتم مِنْهُم وادعيتم لَهُم الْعقُوبَة فعقوبتهم المثوبة. وَقد صرح فِي سُورَة مَرْيَم وَقَالَ فِي تَفْسِير قَوْله تَعَالَى: والباقيات الصَّالِحَات خير عِنْد رَبك ثَوابًا فَإِن قل: كَيفَ قيل خير ثَوابًا كَأَن لمفاخراتهم ثَوابًا حَتَّى يَجْعَل ثَوَاب الصَّالِحَات خيرا مِنْهُ قلت: كَأَنَّهُ قيل: ثوباهم النَّار على طَريقَة قَوْله:

فأعتبوا بالصيلم) وَقَوله: تَحِيَّة بَينهم ضرب وجيع ثمَّ بني عَلَيْهِ خير ثَوابًا. وَفِيه ضرب من التهكم الَّذِي هُوَ أَغيظ للمتهدد من أَن يُقَال لَهُ: عقابك النَّار. انْتهى. وَالْمرَاد أَن بعض التنويع قد يسْتَعْمل فِي مقَام التهكم. وَقد صرح بِهِ ابْن فَارس فِي فقه اللُّغَة للصاحبي فِي بَاب مَا يجْرِي مجْرى التهكم والهزء فَقَالَ: وَمن هَذَا الْبَاب أَتَانِي فقريته جفَاء وأعطيته حرما. وَقَول الفرزدق: قريناهم المأثورة الْبيض انْتهى. وَقد يسْتَعْمل بِدُونِهِ كَمَا فِي قَوْله: يَوْم لَا ينفع مَال وَلَا بنُون الْآيَة. وَفِي الحَدِيث: من كَانَ لَهُ إِمَام فقراءة الإِمَام قِرَاءَة لَهُ وَقد فسر بِهَذَا الْمَعْنى وَلَا يُمكن فِيهِ التهكم. وَهَذَا المصراع عجز وصدره: (وخيل قد دلفت لَهَا بخيل ... تَحِيَّة بَينهم ضرب وجيع)

وَالْخَيْل: اسْم جمع الْفرس لَا وَاحِد لَهُ من لَفظه وَالْمرَاد بِهِ الفرسان كَمَا فِي قَوْله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: يَا خيل الله ارْكَبِي. وَأَرَادَ بِالْخَيْلِ الأول خيل الْأَعْدَاء وَبِالثَّانِي خيله وَالضَّمِير فِي بنهم للخيلين. ودلفت: دَنَوْت وزحفت من دلف الشَّيْخ من بَاب ضرب إِذا مَشى مشياً لينًا. وَالْبَاء للتعدية أَي: جَعلتهَا دالفة إِلَيْهَا. فَاللَّام بِمَعْنى إِلَى. وتحية مُضَاف وَبينهمْ مُضَاف إِلَيْهِ مجرور بِكَسْر النُّون لِأَنَّهُ ظرف متصرف وَلَو فتح كَانَ مَبْنِيا لِإِضَافَتِهِ للمبني. وَزعم ميربادشاه فِي حَاشِيَة الْبَيْضَاوِيّ أَن مَعْنَاهُ إِن ضَربهمْ الوجيع كتحية بَينهم على التَّشْبِيه البليغ المقلوب. وَقد بَينا بُطْلَانه. وَوصف الضَّرْب بالوجيع مجَازًا. وَيجوز أَن يكون وجيع بِمَعْنى موجع وَالْمعْنَى رب خيل للأعداء أَقبلت عَلَيْهِم بخيل أُخْرَى كَانَ التَّحِيَّة بَينهم ضربا وجيعاً أَي: كَانَ مَكَان التَّحِيَّة هَذَا وَقد أوردهُ سِيبَوَيْهٍ فِي بَاب الِاسْتِثْنَاء وَقَالَ: جعلُوا الضَّرْب تَحِيَّة كَمَا جعلُوا اتِّبَاع الظَّن علمهمْ.) وَأوردهُ ثَانِيًا فِي بَاب أَو وَقَالَ: الْعَرَب تَقول: تحيتك الضَّرْب وعتابك السَّيْف وكلامك الْقَتْل. قَالَ الأعلم: الشَّاهِد فِيهِ جعل الضَّرْب تَحِيَّة على الاتساع الْمُقدم ذكره. وَإِنَّمَا ذكر هَذَا تَقْوِيَة لجَوَاز الْبَدَل فِيمَا لم يكن من جنس الأول.

يَقُول: إِذا تلاقوا فِي الْحَرْب جعلُوا بَدَلا من تَحِيَّة بَعضهم لبَعض الضَّرْب الوجيع. وَهَذَا الْبَيْت نسبه شرَّاح أَبْيَات الْكتاب وَغَيرهم إِلَى عَمْرو بن معد يكرب الصَّحَابِيّ وَلم أره فِي شعره. وَالْعجب من شَيخنَا الشهَاب الخفاجي أَنه نسبه إِلَيْهِ فِي حَاشِيَة الْبَيْضَاوِيّ وَقَالَ: هُوَ من قصيدة مسطورة لَهُ فِي المفضليات مَعَ أَنه غير مَوْجُود شعره فِي المفضليات لَا من كَثِيره وَلَا من قَلِيله. قَالَ ابْن رَشِيق فِي الْعُمْدَة فِي بَاب السرقات الشعرية: وَمِمَّا يعد سرقاً وَلَيْسَ بسرق اشْتِرَاك اللَّفْظ الْمُتَعَارف كَقَوْل عنترة: الوافر (وخيل قد دلفت لَهَا بخيل ... عَلَيْهَا الْأسد تهتصر اهتصارا) وَقَول عَمْرو بن معد يكرب: الوافر وَقَول الخنساء ترثي أخاها صخراً: الوافر وخيل قد دلفت لَهَا بخيل فدارت بَين كبشيها رحاها وَقَول الْأَعرَابِي: الوافر (وخيل قد دلفت لَهَا بخيل ... ترى فرسانها مثل الْأسود) وأمثال هَذَا كثير. انْتهى.

(الشاهد الثامن والثلاثون بعد السبعمائة)

وَإِن يكن الْبَيْت لعَمْرو بن معد يكرب فقد تقدّمت تَرْجَمته فِي الشَّاهِد الرَّابِع وَالْخمسين بعد الْمِائَة. وَأنْشد بعده: الرجز إِذْ ذهب الْقَوْم الْكِرَام ليسي على أَن لَيْسَ لنُقْصَان فعليتها جَازَ ترك نون الْوِقَايَة مَعهَا. وصدره: عددت قومِي كعديد الطيس) وَتقدم شَرحه فِي الشَّاهِد الثَّانِي وَالتسْعين بعد الثلمائة. وَأنْشد بعده: الطَّوِيل وَهَذَا صدر وعجزه: ثَلَاثًا وَمن يخرق أعق وأظلم على أَن جملَة: وَالطَّلَاق ألية من الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر اعتراضية. وَتقدم شَرحه مفصلا فِي الشَّاهِد الْخَامِس وَالْأَرْبَعِينَ بعد الْمِائَتَيْنِ. وَأنْشد بعده (الشَّاهِد الثَّامِن وَالثَّلَاثُونَ بعد السبعمائة) الوافر وكوني بالمكارم ذكريني على أَنه جَاءَ خبر كَانَ جملَة طلبية. وَهَذَا مُخْتَصّ بالشعر. وَالْمعْنَى: كوني مذكرة بالمكارم وَلَيْسَ يُرِيد كوني بالمكارم. يُقَوي ذَلِك قَوْله قبله: ...

(أَلا يَا أم فارع لَا تلومي ... على شَيْء رفعت بِهِ سَمَاعي) (وكوني بالمكارم ذكريني ... ودلي دلّ ماجدة صناع) فَالْمَعْنى: لَا تلوميني على شَيْء رفعت بِهِ صيتي وذكري وذكريني بِهِ. قَالَ ابْن عُصْفُور فِي كتاب الضَّرُورَة: جعل ذكريني فِي مَوضِع مذكرة وَهُوَ قَبِيح لِأَن فعل الْأَمر لَا يقوم مقَام الْخَبَر فِي بَاب كَانَ وَإِنَّمَا فعل ذَلِك لِأَن كوني أَمر فِي اللَّفْظ ومحصول الْأَمر مِنْهُ لَهَا إِنَّمَا وَقع على التَّذْكِير فَلَمَّا كَانَ فِي الْمَعْنى أمرا لَهَا بتذكيره اسْتعْمل فِيهِ لفظ الْأَمر. انْتهى. وَقَالَ السكرِي فِيمَا كتب على نَوَادِر أبي زيد: الْمَعْنى: وصيري مذكرة لي بالمكارم. وَتَقْدِيره فِي الْعَرَبيَّة رَدِيء لَو قلت: يَا فلَان كن بِغُلَام بشرني لم يجز. وَهُوَ يُرِيد يَا أم فارعة فَحذف الْهَاء اسْتِخْفَافًا وَذَلِكَ شَاذ لِأَنَّهُ لَيْسَ بمنادى إِنَّمَا المنادى الْأُم. والصناع بِفَتْح الصَّاد: الرفيقة الْكَفّ. والماجدة: الْكَرِيمَة. يَقُول: اضبطي دلالك بِمَنْفَعَة وصنعة وَلَا تَكُونِي خرقاء لَا تَنْفَع أَهلهَا. انْتهى. وَقَالَ أَبُو زيد: قَوْله: سَمَاعي أَي ذكري وَحسن الثَّنَاء عَليّ. ودلي بِفَتْح الدَّال من دلّت تدل ودللت أَنا أدل مثل خجلت أخجل. انْتهى.)

(الشاهد التاسع والثلاثون بعد السبعمائة)

قَالَ ابْن عقيل: الدل قريب الْمَعْنى من الْهَدْي وهما من السكينَة وَالْوَقار فِي الْهَيْئَة والمنظر وَالشَّمَائِل وَغير ذَلِك. قَالَه أَبُو عُبَيْدَة. والصناع: الماهرة الحاذقة بِعَمَل الْيَدَيْنِ. وَقَالَ الْأَخْفَش فِي حَوَاشِيه على النَّوَادِر: قَوْله: كوني بالمكارم ذكريني تَقْدِيره: كوني مِمَّن أَقُول لَهُ ذَكرنِي إِذا سَهَوْت فَجرى هَذَا على الْحِكَايَة كَمَا قَالَ: أَرَادَ: سَمِعت قَائِلا يَقُول: النَّاس ينتجعون غيثاً فَحكى. هَذَا كَلَامه. وَقَالَ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي: جملَة: ذكريني مؤولة بِالْجُمْلَةِ الخبرية أَي: وكوني تذكرينني. انْتهى. وَإِنَّمَا أَوله لما عرف من أَن شَرط خبر كَانَ إِذا كَانَت جملَة أَن تكون خبرية. وَقَالَ السخاوي: يجوز أَن يكون الْخَبَر محذوفاً وذكريني أمرا مستأنفاً أَي: كوني بالمكارم مذكرة ذكريني. وَأنْشد بعده (الشَّاهِد التَّاسِع وَالثَّلَاثُونَ بعد السبعمائة) الطَّوِيل (قنافذ هداجون حول بُيُوتهم ... بِمَا كَانَ إيَّاهُم عَطِيَّة عودا) على أَن كَانَ فِي الْبَيْت عِنْد الْبَصرِيين إِمَّا شأنية وَإِمَّا زَائِدَة فَيكون عَطِيَّة فِي الأول: مُبْتَدأ وعوداً: فعل مَاض وألفه للإطلاق وفاعله ضمير عَطِيَّة ومفعوله إيَّاهُم الْمُتَقَدّم على الْمُبْتَدَأ وَالْأَصْل عودهم فَلَمَّا

تقدم انْفَصل وَجُمْلَة: عودهم خبر الْمُبْتَدَأ وَالْجُمْلَة الْكُبْرَى أَعنِي عَطِيَّة عودهم فِي مَحل نصب خبر كَانَ وَاسْمهَا ضمير الشَّأْن. قَالَ ابْن هِشَام فِي شرح الشواهد: وَيجوز أَن يكون اسْم كَانَ ضميراً مستتراً فِيهَا عَائِدًا على مَا الموصولة أَي: بِسَبَب الْأَمر الَّذِي كَانَ هُوَ عَطِيَّة عودهم إِيَّاه وَجُمْلَة: عَطِيَّة عودهم خبر كَانَ وَحذف الْعَائِد لِأَنَّهُ ضمير مَنْصُوب. وَيجوز أَيْضا أَن يكون عَطِيَّة اسْم كَانَ وَتَقْدِيم مَعْمُول الْخَبَر للضَّرُورَة. وَهَذَا الْجَواب عِنْدِي أولى لاطراده فِي نَحْو قَوْله: الْبَسِيط (باتت فُؤَادِي ذَات الْخَال سالبة ... فالعيش إِن حم لي عَيْش من الْعجب) إِذْ الأَصْل: باتت ذَات الْخَال سالبة فُؤَادِي. وَلَا يجوز تَقْدِير ذَات مُبْتَدأ لنصب سالبة. وَاعْترض على هَذِه الْأَوْجه بِأَن الْخَبَر الْفعْلِيّ لَا يسْبق الْمُبْتَدَأ فَكَذَا معموله. وَالْجَوَاب: أَن الْمَانِع من تَقْدِيم الْفِعْل خشيَة التباس الاسمية بالفعلية وَذَلِكَ مَأْمُون مَعَ تقدم الْمَعْمُول. انْتهى.) وأوضحه فِي الْمُغنِي بقوله: ولانتفاء الْأَمريْنِ وهما تهيئة الْعَامِل للْعَمَل مَعَ قطعه وإعمال الضَّعِيف مَعَ إِمْكَان الْقوي جَازَ عِنْد الْبَصرِيين وَهِشَام تَقْدِيم مَعْمُول الْخَبَر على الْمُبْتَدَأ فِي نَحْو: زيد ضرب عمرا وَإِن لم يجز تَقْدِيم الْخَبَر. وَقَالَ البصريون فِي نَحْو قَوْله: بِمَا كَانَ إيَّاهُم عَطِيَّة عودا إِن عَطِيَّة مُبْتَدأ وإياهم مفعول عود وَالْجُمْلَة خبر كَانَ وَاسْمهَا

ضمير الشَّأْن. وَقد خفيت هَذِه النُّكْتَة على ابْن عُصْفُور فَقَالَ: هربوا من مَحْذُور وَهُوَ أَن يفصلوا بَين كَانَ وَاسْمهَا بمعمول خَبَرهَا فوقعوا فِي مَحْذُور آخر وَهُوَ تَقْدِيم مَعْمُول الْخَبَر حِين لَا يتَقَدَّم الْخَبَر. وَقد بَينا أَن امْتنَاع تقدم الْخَبَر فِي ذَلِك لِمَعْنى مَفْقُود فِي تقدم معموله. انْتهى. وبهذه الْأَجْوِبَة يرد على الْكُوفِيّين قَوْلهم: يجوز أَن يَلِي كَانَ أَو إِحْدَى أخواتها مَعْمُول خَبَرهَا غير الظّرْف. وَاحْتَجُّوا بِهَذَيْنِ الْبَيْتَيْنِ. قَالَ ابْن النَّاظِم وَبِقَوْلِهِ: الْبَسِيط (فَأَصْبحُوا والنوى عالي معرسهم ... وَلَيْسَ كل النَّوَى يلقِي الْمَسَاكِين) وَقد خطأه ابْن هِشَام فِيهِ بِأَنَّهُ لَو كَانَ الْمَسَاكِين اسْما لَكَانَ يجب أَن يُقَال: يلقون أَو تلقي وَإِنَّمَا كَانَ فِيهِ عِنْد الْفَرِيقَيْنِ مُسندَة إِلَى ضمير الشَّأْن. وَالْبَيْت من قصيدة للفرزدق مَذْكُورَة فِي النقائض هجا بهَا جَرِيرًا. وَقَوله: قنافذ هداجون: جمع قنفذ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة الْمُهْملَة وَهُوَ حَيَوَان مَعْرُوف يضْرب بِهِ الْمثل فِي سرى اللَّيْل يُقَال: أسرى من قنفذ. وَهُوَ خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي: هم قنافذ. وَهَذَا تَشْبِيه بليغ كَمَا

حَقَّقَهُ السعد التَّفْتَازَانِيّ لَا اسْتِعَارَة بِالْكِنَايَةِ كَمَا توهم الْعَيْنِيّ مَعَ اعتراضه بِأَنَّهُ خبر مُبْتَدأ كَمَا ذكرنَا. وهداجون: فعالون من الهدج بالإسكان والهدجان بِالتَّحْرِيكِ وَهُوَ السّير السَّرِيع. وَفعله كضرب. ويروى: دراجون من درج الصَّبِي وَالشَّيْخ وَفعله كدخل وَمَعْنَاهُ تقَارب الخطو بِمَنْزِلَة مشي الصَّبِي. وعطية: أَبُو جرير. يَقُول: إِن رَهْط جرير كالقنافذ لمشيهم فِي اللَّيْل للسرقة والفجور وَإِن أَبَا جرير هُوَ الَّذِي عودهم ذَلِك. وَقد هجاه الأخطل بِمثل هَذَا أَيْضا قَالَ من قصيدة: الْبَسِيط) (أما كُلَيْب بن يَرْبُوع فَلَيْسَ لَهَا ... عِنْد التفاخر إِيرَاد وَلَا صدر) (مخلفون وَيَقْضِي النَّاس أَمرهم ... وهم بِغَيْب وَفِي عمياء مَا شعروا) (مثل القنافذ هداجون قد بلغت ... نَجْرَان أَو بلغت سوءاتهم هجر) وترجمة الفرزدق قد تقدّمت فِي الشَّاهِد الثَّلَاثِينَ من أَوَائِل الْكتاب.

(الشاهد الأربعون بعد السبعمائة)

وَأنْشد بعده (الشَّاهِد الْأَرْبَعُونَ بعد السبعمائة) وَهُوَ من شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ: الرجز مَا دَامَ فِيهِنَّ فصيل حَيا على أَنه يجوز فِي بَاب كَانَ الْإِخْبَار عَن النكرَة الْمَحْضَة إِذا حصلت الْفَائِدَة كَمَا هُنَا فَإِن قَوْله: فصيل اسْم دَامَ. وَحيا خَبَرهَا وحصلت الْفَائِدَة من تَقْدِيم فِيهِنَّ وَهُوَ مُتَعَلق بالْخبر وَلَو حذفت فِيهِنَّ انْقَلب الْمَعْنى لِأَنَّك إِذا قلت: مَا دَامَ فصيل حَيا فَالْمُرَاد أبدا كَمَا تَقول: مَا طلعت شمس وَمَا ناح قمري. فَلَمَّا لم تتمّ الْفَائِدَة إِلَّا بِهِ حسن تَقْدِيمه لمضارعته الْخَبَر فِي الْفَائِدَة. وَمثله قَوْله تَعَالَى: وَلم يكن لَهُ كفوا أحد فَإِن قَوْله: لَهُ وَإِن لم يكن خَبرا فَإِنَّهُ بِهِ يتم الْمَعْنى لِأَن سُقُوطهَا يبطل معنى الْكَلَام إِلَى ذكر لَهُ صَار بِمَنْزِلَة الْخَبَر الَّذِي لَا يسْتَغْنى عَنهُ وَإِن لم يكن خَبرا. وَلم يكن بِمَنْزِلَة قَوْله: مَا كَانَ فِيهَا أحد خيرا مِنْك لِأَنَّك لَو حذفت فِيهَا كَانَ كلَاما صَحِيحا. وَهَذَا الْبَيْت أوردهُ سِيبَوَيْهٍ فِي بَاب الْإِخْبَار عَن النكرَة بالنكرة وأمثلته فِي كَانَ وَأَخَوَاتهَا قَالَ فِيهِ: وَتقول: مَا كَانَ فِيهَا أحد خيرا مِنْك وَمَا كَانَ أحد مثلك فِيهَا وَلَيْسَ أحد فِيهَا خير مِنْك إِذا جعلت

فِيهَا مُسْتَقرًّا وَلم تَجْعَلهُ على قَوْلك: فِيهَا زيد قَائِم أجريت الصّفة على الِاسْم. فَإِن جعلته على قَوْلك: فِيهَا زيد قَائِم نصبتها تَقول: مَا كَانَ فِيهَا أحد خيرا مِنْك وَمَا كَانَ أحد خيرا مِنْك فِيهَا إِلَّا أَنَّك إِذا أردْت الإلغاء فَكلما أخرت الَّذِي تلغيه كَانَ أحسن. وَإِذا أردْت أَن يكون مُسْتَقرًّا مكتفى بِهِ فَكلما قَدمته كَانَ أحسن لِأَنَّهُ إِذا كَانَ عَاملا فِي شَيْء قَدمته كَمَا تقدم أَظن وأحسب. وَإِذا ألغيته أَخَّرته كَمَا تؤخرهما لِأَنَّهُمَا ليسَا يعملان شَيْئا. والتقديم هَاهُنَا وَالتَّأْخِير والإلغاء والاستقرار عَرَبِيّ جيد كثير. فَمن ذَلِك قَوْله عَزَّ وَجَلَّ: وَلم) يكن لَهُ كفوا أحد. وَأهل الْجفَاء يَقُولُونَ: وَلم يكن كُفؤًا لَهُ أحد كَأَنَّهُمْ أخروها حَيْثُ كَانَت غير مُسْتَقِرَّة. قَالَ الشَّاعِر: الرجز (لتقربن قرباً جلذياً ... مَا دَامَ فِيهِنَّ فصيل حَيا) وَقد دجا اللَّيْل فهيا هيا انْتهى كَلَام سِيبَوَيْهٍ. قَالَ ابْن يعِيش: سِيبَوَيْهٍ يُسَمِّي الظّرْف الْوَاقِع خَبرا: مُسْتَقرًّا لِأَنَّهُ يقدر باستقر وَإِن لم يكن خَبرا سَمَّاهُ لَغوا. وَتَقْدِيم الظّرْف وتأخيره إِذا كَانَ مُسْتَقرًّا جَائِز عِنْده وَإِنَّمَا يخْتَار تَقْدِيمه. فَإِن قيل: فَمَا تصنع بقوله سُبْحَانَهُ: وَلم يكن لَهُ كفوا أحد قدم الظّرْف . مَعَ أَنه لَغْو قيل: لما كَانَت الْحَاجة ماسة وَالْكَلَام غير مستغن عَنهُ كَأَنَّهُ خبر مقدم لذَلِك. أَلا ترى أَن قَوْله تَعَالَى: الله الصَّمد مُبْتَدأ وَخبر. وَقَوله: وَلم يكن لَهُ كفوا أحد مَعْطُوف عَلَيْهِ وَمَا عطف على الْخَبَر

كَانَ فِي حكم الْخَبَر فَلذَلِك لم يكن من الْعَائِد فِي قَوْله: لَهُ بُد لِأَن الْجُمْلَة إِذا وَقعت خَبرا افْتَقَرت إِلَى الْعَائِد. قَالَ: وَأهل الْجفَاء يَقُولُونَ: وَلم يكن كُفؤًا لَهُ أحد. أَرَادَ بِأَهْل الْجفَاء الْأَعْرَاب الَّذين لم يبالوا بِخَط الْمُصحف وَلم يعلمُوا كَيفَ هُوَ. فَأَما قَوْله: مَا دَامَ فِيهِنَّ فصيل حَيا فَإِنَّهُ قدم الظّرْف هَاهُنَا وَإِن لم يكن مُسْتَقرًّا فَإِنَّهُ مُتَعَلق بالْخبر وَذَلِكَ لجَوَاز التَّقْدِيم عِنْده مَعَ أَنه قد تَدْعُو الْحَاجة إِلَيْهِ وَلَا يسوغ حذفه إِذْ حذفه يُغير الْمَعْنى وَيصير بِمَعْنى الْأَبَد كَقَوْلِك: مَا طلعت الشَّمْس. فَلَمَّا كَانَ الْمَعْنى مُتَعَلقا بِهِ صَار كالمستقر فقدمه لذَلِك. انْتهى. وَقد أورد الشَّارِح الْمُحَقق هَذَا الْكَلَام فِي آخر الْبَحْث فِي الْحُرُوف المشبهة بِالْفِعْلِ وَقَالَ: يجوز الْإِخْبَار عَن النكرَة فِي بَاب إِن وَفِي بَاب كن بالنكرة والمعرفة. وَجوزهُ أَبُو حَيَّان فِي الأول دون الثَّانِي قَالَ فِي تَذكرته: نصب إِن وَأَخَوَاتهَا للنكرات لَا ينْحَصر وَقد أخبر بالمعرفة وَهَذَا غَرِيب وَلَا يجوز فِي الِابْتِدَاء وَلَا فِي كَانَ. حكى سِيبَوَيْهٍ: إِن قَرِيبا مِنْك زيد وَإِن بَعيدا مِنْك زيد. وَأنْشد سِيبَوَيْهٍ:

الطَّوِيل) وَحكى: إِن ألفا فِي دراهمك بيض وَإِن بِالطَّرِيقِ أسداً رابض. وَجَاز عِنْدِي أَن يكون الْمعرفَة خَبرا عَن النكرَة هُنَا لما كَانَ الْمَعْنى وَاحِدًا وَأَنه لما كَانَ فضلَة فَكَأَنَّهُ غير مُسْند إِلَيْهِ فَجَاز تنكيره وَلما كَانَ الْخَبَر مَرْفُوعا صَار كَأَنَّهُ مُسْند إِلَيْهِ فَكَانَ معرفَة. وَذكر الْجرْمِي هَذِه الْمَسْأَلَة فِي الفرخ وَقَالَ: إِنَّه يبتدأ بالنكرة ويخبر بالمعرفة عَنْهَا فِي هَذَا الْبَاب. وَقَالَ: جَائِز ذَلِك لأَنهم لَا يقدمُونَ خبر إِن كَمَا يتسعون فِي ذَلِك فأعطوا إِن مَا منعُوا فِي كَانَ. وَقد منعُوا خبر كَانَ وَمنعُوا أَن يكون خَبَرهَا معرفَة وَاسْمهَا نكرَة فأعطوا كل وَاحِد مِنْهُمَا مَا مَنعه صَاحبه. انْتهى. وَالشَّارِح تَابع فِي ذَلِك لِابْنِ مَالك. وَكَثْرَة السماع يشْهد لصِحَّة قَوْلهمَا. وَهَذِه الأبيات الثَّلَاثَة نَسَبهَا ابْن السيرافي وَابْن خلف لِابْنِ ميادة. وَتَقَدَّمت تَرْجَمته فِي الشَّاهِد التَّاسِع عشر من أَوَائِل الْكتاب. وَقَوله: لتقربن قَالَ ابْن السيرافي: هُوَ جَوَاب قسم مَحْذُوف وَهُوَ بِضَم الرَّاء وَكسر الْبَاء. قَالَ الْجَوْهَرِي: قربت أقرب قرَابَة مثل كتبت أكتب كِتَابَة إِذا سرت إِلَى المَاء وَبَيْنك وَبَينه لَيْلَة. وَالِاسْم الْقرب بِفتْحَتَيْنِ. وَقَالَ الْأَصْمَعِي: قلت لأعرابي: مَا الْقرب قَالَ: سير اللَّيْل لورد الْغَد. قلت: مَا الطلق قَالَ: سير اللَّيْل لورد الغب. وَقَالَ: أقرب الْقَوْم فهم قاربون وَلَا يُقَال: مقربون. قَالَ أَبُو عبيد: هَذَا الْحَرْف شَاذ.

(الشاهد الحادي والأربعون بعد السبعمائة)

أَقُول: قد سمع ثلاثية فَلَا شذوذ. وَقَالَ أَبُو الْحسن الْأَخْفَش: لتقربن: لتردن. وَلَيْلَة الْقرب: لَيْلَة الْورْد. وَهَذَا خطاب لناقته. يَقُول: لتسيرن إِلَى المَاء سيراً حثيثاً. والجلذي بِضَم الْجِيم وَسُكُون اللَّام بعْدهَا ذال مُعْجمَة وَمَعْنَاهُ السَّرِيع الشَّديد فَهُوَ وصف الْقرب. وَقيل. منادى مرخم. وجلذية: اسْم نَاقَته. وَالضَّمِير فِي فِيهِنَّ عَائِد على الْإِبِل وَدلّ عَلَيْهِ سِيَاق الْكَلَام وَذكر النَّاقة فأضمر وَإِن لم يجر لَهَا ذكر. والفصيل: ولد النَّاقة وَغنما ذكره لِأَنَّهُ نَاقَته من جملَة الْإِبِل يَسُوقهَا إِلَى المَاء سوقاً حثيثاً. فَيَقُول: لَا أعذرك مَا دَامَ فِيهِنَّ فصيل يُطيق السّير. ودجا اللَّيْل: أظلم. وهيا هيا زجر لَهَا) وتصويت حَتَّى تسير أَي: مبادرة. وَلَيْسَ مِنْهُ فعل وَهِي مَكْسُورَة الأول. وَقد حكيت بِالْفَتْح. قَالَه ابْن خلف. وَقَوله: وَلَيْسَ مِنْهُ فعل يناقضه قَول الجواليقي فِي شرح أدب الْكَاتِب: يُقَال: هوى يهوي هياً وَمُقْتَضَاهُ أَنه بِالْفَتْح لَا بِالْكَسْرِ وَأَنه مصدر لَا اسْم فعل إِلَّا أَن يكون هَذَا هُوَ الأَصْل ثمَّ نقل إِلَى اسْم الْفِعْل. وَأنْشد بعده (الشَّاهِد الْحَادِي وَالْأَرْبَعُونَ بعد السبعمائة) وَهُوَ من شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ:

الطَّوِيل وَإِن شِفَاء عِبْرَة مهراقة على أَنه يجوز أَن يخبر فِي بَاب إِن أَيْضا عَن النكرَة كَمَا هُنَا فَإِن شِفَاء وَقع اسْم مُنْكرا وَأخْبر عَنهُ ب عِبْرَة. قَالَ الشَّارِح الْمُحَقق: وَكَذَا أنْشدهُ سِيبَوَيْهٍ. أَقُول: هَذَا نَصه فِي بَاب مَا يحسن عَلَيْهِ السُّكُوت فِي هَذِه الأحرف الْخَمْسَة إِن وَأَخَوَاتهَا قَالَ: وَتقول: إِن قَرِيبا مِنْك زيدا إِذا جعلت قَرِيبا مِنْك موضعا. وَإِن جعلت الأول هُوَ الآخر قلت: إِن قَرِيبا مِنْك زيد وَتقول: إِن بَعيدا مِنْك زيد. وَالْوَجْه إِذا أردْت هَذَا أَن تَقول: إِن زيدا قريب أَو بعيد مِنْك لِأَنَّهُ اجْتمع معرفَة ونكرة. (وَإِن شِفَاء عِبْرَة مهراقة ... فَهَل عِنْد رسم دارس من معول) فَهَذَا أحسن لِأَنَّهُ نكرَة. وَإِن شِئْت قلت: إِن بَعيدا مِنْك زيدا. وقلما يكون بَعيدا مِنْك ظرفا لِأَنَّك لَا تَقول: إِن بعْدك وَتقول: إِن قربك فالدنو أَشد تمكيناً فِي الظّرْف من الْبعد. انْتهى كَلَامه. وَالرِّوَايَة الْمَشْهُورَة فِي الْبَيْت: وَإِن شفائي بِالْإِضَافَة إِلَى يَاء الْمُتَكَلّم. وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُور الْمَعْرُوف. وَالْبَيْت من أول معلقَة امْرِئ الْقَيْس وَلم يذكر شراحها تِلْكَ الرِّوَايَة إِلَّا أَن الْخَطِيب التبريزي قَالَ: روى سِيبَوَيْهٍ هَذَا الْبَيْت وَإِن شِفَاء عِبْرَة وَاحْتج فِيهِ بِأَن النكرَة يخبر عَنْهَا بالنكرة. ويروى:) وَإِن شفائي عِبْرَة لَو سفحتها

أَي: صببتها. وَلَو: لِلتَّمَنِّي لَا جَوَاب لَهَا. وَالْعبْرَة بِالْفَتْح: الدمعة وَجَمعهَا عبر كبدرة وَبدر. ومهراقة بِفَتْح الْهَاء أَي: مصبوبة. قَالَ ابْن السَّيِّد فِي شرح أدب الْكَاتِب: قد ذكر ابْن قُتَيْبَة فِي بَاب فعلت وأفعلت هرقت المَاء وأهرقته. وَقد قَالَ مثله بعض اللغويين مِمَّن لَا يحسن التصريف وتوهم أَن هَذِه الْهَاء فِي هَذِه الْكَلِمَة أصل. وَهُوَ غلط وَالصَّحِيح أَن هرقت وَأَهْرَقت فعلان رباعيان معتلان أصهلما أرقت. فَمن قَالَ: هرقت فالهاء عِنْده بدل من همزَة أفعلت كَمَا قَالُوا: أرحت الْمَاشِيَة وهرحتها وأنرت الثَّوْب وهنرته. وَمن قَالَ: أهرقت فالهاء عِنْده عوض من ذهَاب حَرَكَة عين الْفِعْل عَنْهَا ونقلها إِلَى الْفَاء لِأَن الأَصْل أريقت أَو أروقت بِالْيَاءِ أَو بِالْوَاو على الِاخْتِلَاف فِي ذَلِك ثمَّ نقلت حَرَكَة الْوَاو أَو الْيَاء إِلَى الرَّاء فَانْقَلَبَ حرف الْعلَّة ألفا لانفتاح مَا قبلهَا ثمَّ حذف لسكونه وَسُكُون الْقَاف. والساقط من أرقت يحْتَمل أَن يكون واواً فَيكون مشتقاً من راق الشَّيْء يروق وَيحْتَمل ن يكون يَاء لِأَن الْكسَائي حكى: راق المَاء يريق إِذا انصب. وَالدَّلِيل على أَن الْهَاء فِي هرقت وَأَهْرَقت لَيست فَاء الْفِعْل على مَا توهم من ظَنّهَا كَذَلِك أَنَّهَا لَو كَانَت كَذَلِك للَزِمَ أَن يجرى هرقت فِي تصريفه مجْرى ضربت فَيُقَال: هرقت أهرق هرقاً كَمَا تَقول: ضربت أضْرب ضربا أَو مجْرى غَيره من الْأَفْعَال الثلاثية الَّتِي يَجِيء مضارعها بِضَم الْعين وتجيء مصادرها مُخْتَلفَة. وَكَانَ يلْزم أَن يجرى أهرقت فِي تصريفه مجْرى أكرمت وَنَحْوه من الْأَفْعَال الرّبَاعِيّة المصححة

وَلم تقل الْعَرَب شَيْئا من ذَلِك وَإِنَّمَا يَقُولُونَ فِي تصريف هرقت أهريق يفتحون الْهَاء وَكَذَلِكَ يفتحونها فِي اسْم الْفَاعِل فَيَقُولُونَ: مهريق وَفِي سم الْمَفْعُول مهراق لِأَنَّهَا بدل من همزَة لَو ثبتَتْ فِي تصريف الْفِعْل لكَانَتْ مَفْتُوحَة. أَلا ترى أَنَّك لَو صرفت أرقت على مَا يَنْبَغِي من التصريف وَلم تحذف الْهمزَة مِنْهُ لَقلت فِي مضارعه يؤريق وَفِي اسْم فَاعله مؤريق وَفِي اسْم مَفْعُوله مؤريق. وَقَالُوا فِي الْمصدر: هراقة كَمَا قَالُوا إِرَاقَة.) وَإِذا صرفُوا أهرقت قَالُوا فِي الْمُضَارع أهريق وَفِي الْمصدر إهراقة وَفِي اسْم الْفَاعِل مهريق وَفِي اسْم الْمَفْعُول مهراق فأسكنوا الْهَاء فِي جَمِيع تصريف الْكَلِمَة. فَهَذَا يدل على أَنه رباعي معتل وَلَيْسَ بِفعل صَحِيح وَأَن الْهَاء فِيهِ بدل من همزَة. أرقت أَو عوض كَمَا قُلْنَا. قَالَ العديل بن الفرخ: الطَّوِيل (فَكنت كمهريق الَّذِي فِي سقائه ... لرقراق آل فَوق رابية صلد) وَقَالَ ذُو الرمة: الطَّوِيل فَلَمَّا دنت إهراقة المَاء أنصتت وَقَالَ الْأَعْشَى فِي أَرَاك:

الْخَفِيف انْتهى كَلَامه ولجودته سقناه بِتَمَامِهِ. وَقَوله: فَهَل عِنْد رسم ... . إِلَخ الرَّسْم: الْأَثر. والدارس: المنطمس. وَالْفَاء فِي جَوَاب شَرط مُقَدّر قَالَ ابْن جني فِي سر الصِّنَاعَة: وَمن ذَلِك قَول امْرِئ الْقَيْس: وَإِن شقائي عِبْرَة ... ... ... ... . الْبَيْت فَفِي قَوْله معول مذهبان: أَحدهمَا: أَنه مصدر عولت بِمَعْنى: أعولت أَي: بَكَيْت. أَي: فَهَل عِنْد رسم دارس من إعوال وبكاءٍ. وَالْآخر: أَنه مصدر عولت على كَذَا أَي: اعتمدت عَلَيْهِ كَقَوْلِهِم: إِنَّمَا عَلَيْك معولي أَي: اتكالي. وعَلى أَي الْأَمريْنِ حملت الْمعول فدخول الْفَاء على: فَهَل عِنْد رسم حسن جميل أما على الأول فَكَأَنَّهُ قَالَ: إِن شفائي أَن أسفح عبرتي. ثمَّ خَاطب نَفسه أَو صَاحِبيهِ فَقَالَ: إِذا كَانَ الْأَمر على مَا قدمت من أَن فِي الْبكاء شِفَاء وجدي فَهَل من بكاء أشفي بِهِ غليلي فَهَذَا ظَاهره اسْتِفْهَام لنَفسِهِ وَمَعْنَاهُ التحضيض لَهَا على الْبكاء كَمَا تَقول: قد أَحْسَنت إِلَيّ فَهَل أشكرك أَي: فلأشكرنك. وَقد زرتني فَهَل أكافئك أَي: فلأكافئنك. وَإِذا خَاطب صَاحِبيهِ فَكَأَنَّهُ قَالَ: قد عرفتكما سَبَب شفائي وَهُوَ الْبكاء والإعوال فَهَل تعولان وتبكيان معي لأشفي وجدي ببكائكما. فَهَذَا التَّفْسِير على قَول من قَالَ: إِن معولي بِمَنْزِلَة إعوالي.) وَالْفَاء عقدت آخر الْكَلَام بأوله لِأَنَّهُ كَأَنَّهُ قَالَ: إِن كنتما قد عرفتما مَا أوثره من الْبكاء فابكيا معي. كَمَا أَنه إِذا استفهم نَفسه فَكَأَنَّهُ قَالَ: إِذا كنت قد علمت أَن فِي الإعوال رَاحَة لي فَلَا عذر لي فِي ترك الْبكاء. وَأما من جعل معولي بِمَعْنى تعويل على كَذَا أَي: اعتمادي واتكالي عَلَيْهِ فَوجه دُخُول الْفَاء على فَهَل فِي قَوْله: أَنه لما قَالَ: إِن شفائي عِبْرَة

مهراقة فَكَأَنَّهُ قَالَ: إِنَّمَا راحتي فِي الْبكاء فَمَا معنى اتكالي فِي شِفَاء غليلي على رسم دارس لَا غناء عِنْده عني. فسبيلي أَن أقبل على بُكَائِي وَلَا أعول فِي برد غليلي على مَا لَا غناء عِنْده. وَهَذَا أَيْضا معنى يحْتَاج مَعَه إِلَى الْفَاء لتربط آخر الْكَلَام بأوله فَكَأَنَّهُ قَالَ: إِذا كَانَ شفائي إِنَّمَا هُوَ فِي فيض دمعي فسبيلي أَن لَا أعول على رسم دارس فِي دفع حزني وَيَنْبَغِي أَن أجد فِي الْبكاء الَّذِي هُوَ سَبَب الشِّفَاء. انْتهى كَلَامه. وَوَقع فِي رِوَايَة ابْن هِشَام وَهل بِالْوَاو قَالَ فِي الْمُغنِي فِي بحث هَل وَفِي عطف الْإِنْشَاء على الْخَبَر من الْبَاب الرَّابِع: إِن هَل فِيهِ للنَّفْي وَلذَا صَحَّ الْعَطف إِذْ لَا يعْطف الْإِنْشَاء على الْخَبَر. وَقد تقدم فِي الشَّاهِد التَّاسِع وَالتسْعين بعد الْمِائَة عَن الباقلاني فِي إعجاز الْقُرْآن أَن هَذَا الْبَيْت مُنَاقض لما قبله فَرَاجعه. وترجمة امْرِئ الْقَيْس تقدّمت فِي الشَّاهِد التَّاسِع وَالْأَرْبَعِينَ. وَأنْشد بعده: الوافر يكون مزاجها عسل وَمَاء على أَنه يجوز أَن يخبر فِي بَابي كَانَ وَإِن بِمَعْرِِفَة عَن نكرَة فِي الِاخْتِيَار كَمَا هُنَا فَإِن مزاجها رُوِيَ بِالنّصب على أَنه خبر مقدم وَهُوَ معرفَة وَعسل اسْم كَانَ مُؤخر وَهُوَ نكرَة.

وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: لَا يجوز هَذَا إِلَّا فِي ضَرُورَة الشّعْر. وَهَذَا مَذْهَب ابْن جني قَالَ فِي الْمُحْتَسب: رُوِيَ عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ: وَمَا كَانَ صلاتَهم عِنْد الْبَيْت نصبا إِلَّا مكاءٌ وتصديةٌ رفعا. ولحنه الْأَعْمَش. وَقد رُوِيَ هَذَا الْحَرْف أَيْضا عَن أبان بن تغلب أَنه قَرَأَهُ كَذَلِك. ولسنا ندفع أَن جعل اسْم كَانَ نكرَة وخبرها معرفَة قَبِيح فَإِنَّمَا جَاءَت مِنْهُ أَبْيَات شَاذَّة وَهُوَ فِي) ضَرُورَة الشّعْر أعذر وَالْوَجْه اخْتِيَار الْأَفْصَح الأعرب وَلَكِن وَرَاء ذَلِك مَا أذكرهُ. اعْلَم أَن نكرَة الْجِنْس تفِيد مفَاد مَعْرفَته. أَلا ترى أَنَّك تَقول: خرجت فَإِذا أَسد بِالْبَابِ فتجد مَعْنَاهُ معنى قَوْلك: خرجت فَإِذا الْأسد بِالْبَابِ لَا فرق بَينهَا. وَذَلِكَ أَنَّك فِي الْمَوْضِعَيْنِ لَا تُرِيدُ أسداً وَاحِدًا معينا وَإِنَّمَا تُرِيدُ خرجت فَإِذا بِالْبَابِ وَاحِد من هَذَا الْجِنْس. وَإِذا كَانَ كَذَلِك جَازَ هُنَا الرّفْع فِي مكاء وتصدية جَوَازًا قَرِيبا حَتَّى كَأَنَّهُ قَالَ: وَمَا كَانَ صلَاتهم عِنْد الْبَيْت إِلَّا مكاءُ والتصديةُ أَي: إِلَّا هَذَا الْجِنْس من الْفِعْل. وَإِذا كَانَ كَذَلِك لم يجر هَذَا مجْرى قَوْلك: كَانَ قَائِم أَخَاك وَكَانَ جَالس أَبَاك لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي جَالس وقائم من معنى الجنسية الَّتِي تلاقي معنيا نكرتها ومعرفتها. وَأَيْضًا فَإِنَّهُ يجوز مَعَ النَّفْي من جعل اسْم كَانَ وَأَخَوَاتهَا نكرَة مَا لَا يجوز مَعَ الْإِيجَاب فَكَذَلِك هَذِه الْقِرَاءَة لما

دَخلهَا النَّفْي قوي وَحسن جعل اسْم كَانَ نكرَة. هَذَا إِلَى مَا ذكرنَا من مشابهة نكرَة اسْم الْجِنْس لمعرفته. وَلِهَذَا ذهب بَعضهم فِي قَول حسان: (كَأَن سبيئة من بَيت رَأس ... يكون مزاجها عسل وَمَاء) أَنه إِنَّمَا جَازَ ذَلِك من حَيْثُ كَانَ عسل ومكاء جِنْسَيْنِ فَكَأَنَّهُ قَالَ: يكون مزاجها الْعَسَل وَالْمَاء. فَبِهَذَا تسهل هَذِه الْقِرَاءَة وَلَا تكون من الْقبْح واللحن الَّذِي ذهب إِلَيْهِ الْأَعْمَش. انْتهى. وَإِلَيْهِ أَيْضا ذهب ابْن السَّيِّد فِي أَبْيَات الْمعَانِي قَالَ: هَذَا لَا يجوز إِلَّا فِي ضَرُورَة الشّعْر فَأَما فِي الْكَلَام فَلَا يجوز. وَقَالَ اللَّخْمِيّ: حسن ذَلِك أَن مزاجاً مُضَاف إِلَى ضمير نكرَة. قَالَ السيرافي عِنْدَمَا أنْشد سِيبَوَيْهٍ: الوافر أظبي كَانَ أمك أم حمَار إِن ضمير النكرَة لَا تستفيد مِنْهُ إِلَّا نكرَة. أَلا ترى إِذا قلت: مَرَرْت بِرَجُل فكلمته لم تكن الْهَاء بموجبة تعريفاً لشخص بِعَيْنِه وَإِن كَانَت معرفَة من حَيْثُ علم الْمُخَاطب أَنَّهَا ترجع إِلَى ذَلِك المنكور. انْتهى. وَقَالَ ابْن خلف: فِي هَذَا أَرْبَعَة أَقْوَال: قيل هُوَ على وَجه الضَّرُورَة وَقيل: أَرَادَ مزاجاً لَهَا فَنوى) بِالْإِضَافَة الِانْفِصَال فَأخْبر بنكرة عَن نكرَة. وَقَالَ أَبُو عَليّ: نصب مزاجها على الظّرْف الساد مسد الْخَبَر كَأَنَّهُ قَالَ: يكون مُسْتَقرًّا فِي مزاجها. فَإِذا كَانَ ظرفا تعلق بِمَحْذُوف يكون

الناصب لَهُ وَقدم على عسل وَمَاء كعادتهم فِي ثمَّ نقل تَوْجِيه ابْن جني. وَكَذَلِكَ نقل اللَّخْمِيّ عَنهُ قَالَ: وَعَن أبي عَليّ أَن مزاجها ينْتَصب على الظّرْف تَقْدِيره على الْمَعْنى: يكون مَكَان مزاجها عسل وَمَاء. قَالَ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي: وتأويله الْفَارِسِي على أَن انتصاب المزاج على الظَّرْفِيَّة المجازية. وَزعم شَارِحه ابْن الملا أَن كَانَ على تَأْوِيل أبي عَليّ تكون تَامَّة. وَذهب الزَّمَخْشَرِيّ فِي الْمفصل إِلَى أَن هَذَا وَنَحْوه من الْقلب الَّذِي شجع عَلَيْهِ أَمن الإلباس. وَإِلَيْهِ جنح ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي قَالَ فِي الْبَاب الثَّامِن: من فنون كَلَامهم الْقلب وَأكْثر وُقُوعه فِي الشّعْر. وَأنْشد الْبَيْت. وَقَالَ فِي الْبَاب الرَّابِع مِنْهُ: إِنَّه ضَرُورَة. وَلم يذكر الْقلب. وَرُوِيَ فِي الْبَيْت رفع مزاجها وَنصب عسل وَرفع مَاء وبرفع الْجَمِيع. وَقد تقدم كُله مشروحاً مَعَ القصيدة فِي الشَّاهِد الثَّانِي وَالثَّلَاثِينَ بعد السبعمائة. وَأنْشد بعده: الوافر وَلَا يَك موقف مِنْك الوداعا

لما تقدم قبله من أَنه يجوز فِي الِاخْتِيَار أَن يخبر عَن نكرَة بِمَعْرِِفَة فِي ذَيْنك الْبَابَيْنِ. قَالَ ابْن مَالك فِي التسهيل: وَقد يخبر هُنَا وَفِي بَاب إِن بِمَعْرِِفَة عَن نكرَة اخْتِيَارا. وَقَالَ فِي شَرحه: لما كَانَ الْمَرْفُوع هُنَا مشبهاً بالفاعل والمنصوب مشبهاً بالمفعول جَازَ أَن يُغني هُنَا تَعْرِيف الْمَنْصُوب عَن تَعْرِيف الْمَرْفُوع كَمَا جَازَ فِي بَاب الْفَاعِل لَكِن بِشَرْط الْفَائِدَة وَكَون النكرَة غير مَحْضَة. من ذَلِك قَول حسان: يكون مزاجها عسل وَمَاء وَلَيْسَ بمضطر إِذْ يُمكنهُ أَن يَقُول: مزاجها بِالرَّفْع فَيجْعَل اسْم يكون ضمير الشَّأْن. وَقَول الْقطَامِي: وَلَا يَك موقف مِنْك الوداعا وَلَيْسَ بمضطر إِذْ لَهُ ن يَقُول: وَلَا يَك موقفي. والمحسن لهَذَا شبه الْمَرْفُوع بالفاعل والمنصوب) بالمفعول. وَقد حمل هَذَا الشّبَه فِي بَاب إِن كَقَوْل الفرزدق: الطَّوِيل (وَإِن حَرَامًا أَن أسب مجاشعاً ... بآبائي الشم الْكِرَام الخضارم) انْتهى. وَهَذَا مَبْنِيّ على تَفْسِير الضَّرُورَة بِمَا لَا مندوحة للشاعر عَنهُ. وَهَذَا

فَاسد من وُجُوه تقدم بَيَانهَا فِي شرح أول شَاهد. وَعند الْجُمْهُور هُوَ من الضَّرُورَة وَمَعْنَاهَا مَا وَقع فِي الشّعْر سَوَاء كَانَ عَنهُ مندوحة أَو لَا. قَالَ اللَّخْمِيّ: جعل موقفا وَهُوَ نكرَة اسْم يَك والوداع وَهُوَ معرفَة الْخَبَر ضَرُورَة لإِقَامَة الْوَزْن. وَحسن الضَّرُورَة فِيهِ ثَلَاثَة أوجه: أَحدهَا: أَن النكرَة قد قربت من الْمعرفَة بِالصّفةِ. وَالثَّانِي: أَن الْمصدر جنس فمفاد نكرته ومعرفته وَاحِد. وَالثَّالِث: أَن الْخَبَر هُوَ الْمُبْتَدَأ فِي الْمَعْنى. وَقَالَ صَاحب اللّبَاب: وهما أَي: الْمَرْفُوع والمنصوب بكان على شرائطهما فِي بَاب الِابْتِدَاء. وَزعم بعض المنتمين إِلَى هَذِه الصَّنْعَة أَن بِنَاء الْكَلَام على بعضهما من غير تَقْدِير دُخُول على الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر سَائِغ بِدَلِيل قَوْله: وَلَا يَك موقف مِنْك الوداعا وَلَيْسَ بمحمول على الضَّرُورَة إِذْ لَا يتم الْمَعْنى الْمَقْصُود إِلَّا هَكَذَا إِذْ لَو عرفهما لم يؤد أَنه لم يرخص أَن يكون مَا سوى ذَلِك من المواقف وداعاً. وَلَو نكرهما لم يؤد أَن الْوَدَاع قد كره إِلَيْهِ حَتَّى صَار نصب عَيْنَيْهِ. وَلَو عرف الأول ونكر الثَّانِي لجمع بَين الهجنتين. وَالْجَوَاب بعد تَسْلِيم جَمِيع مَا ذكره أَنه لَو أَرَادَ إِيرَاد هَذَا الْمَعْنى بطرِيق النَّفْي دون النَّهْي لَا بُد أَن يَقُول: مَا موقف مِنْك الْوَدَاع بِعَين مَا ذكره. على أَن

الْمَقْصُود أَن لَا يكون الْوَدَاع موقفا مِنْهَا يكون مزاجها عسل وَمَاء انْتهى. أَرَادَ بالهجنتين ترخيص كَون مَا سوى هَذَا الْموقف الْمعِين موقف وداع وفوات النُّكْتَة المستفادة من تَعْرِيف الْوَدَاع. وَحَاصِله أَنه لما اخْتَار أَو وجود شَرَائِط الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر فِي هَذِه الْأَفْعَال لَازم ذهب إِلَى أَن الْبَيْت مَحْمُول على الضَّرُورَة لِأَنَّهَا دعت إِلَى الْقلب.) وَأجَاب عَن اسْتِدْلَال الْمُخَالف بِوَجْهَيْنِ: الأول: أَن يُقَال: لَا نسلم أَنَّهُمَا إِن كَانَا معرفتين يلْزم قبح لِأَن مبناه أَن اللَّام فِي الْموقف للْعهد وَهُوَ مَمْنُوع لجَوَاز أَن تكون للْجِنْس أَي: لَا يَك جنس الْموقف الْوَدَاع. وَفِيه عُمُوم سلمناه لَكِن لَا نسلم أَنَّهُمَا إِن كَانَا منكرين يلْزم قبح لِأَنَّهُ مَبْنِيّ على أَن اللَّام فِي الْوَدَاع للْعهد إِلَى الشَّيْء الْمُكْره عِنْده وَهُوَ مَمْنُوع لجَوَاز كَونه للْجِنْس. سلمناه لكنه منقوض بِنَقْض إجمالي وتوجيهه لَو صَحَّ مَا ذكرت لَكَانَ الْوَاجِب أَن يُقَال عِنْد إِرَادَة هَذَا الْمَعْنى بطرِيق النَّفْي دون النَّهْي: مَا موقف مِنْك الْوَدَاع بِعَين مَا ذكرت. لَكِن التَّالِي بَاطِل لِأَن تنكير الْمُبْتَدَأ وتعريف الْخَبَر بعد النَّفْي لَيْسَ حد الْكَلَام الَّذِي يجب أَن يكون عَلَيْهِ الِاتِّفَاق. وعَلى هَذَا كَانَ الْوَدَاع اسْم كَانَ

(الشاهد الثاني والأربعون بعد السبعمائة)

والموقف خَبره فَقلب بِأَن جعل الِاسْم خَبرا وَالْخَبَر اسْما وَالْقلب مِمَّا يشجع عَلَيْهِ عِنْد أَمن الالتباس. وَهَذَا المصراع عجز وصدره: قفي قبل التَّفَرُّق يَا ضباعا وَالْبَيْت مطلع قصيدة للقطامي تقدم الْكَلَام عَلَيْهِ فِي الشَّاهِد الثَّالِث وَالْأَرْبَعِينَ بعد الْمِائَة. وَأنْشد بعده (الشَّاهِد الثَّانِي وَالْأَرْبَعُونَ بعد السبعمائة) وَهُوَ من شَوَاهِد س: الطَّوِيل (أسكران كَانَ ابْن المراغة إِذْ هجا ... تميماً بجوف الشَّام أم متساكر) على أَن سِيبَوَيْهٍ مثل بِهِ للإخبار عَن النكرَة بالمعرفة. وَهَذَا نَصه: اعْلَم أَنه إِذا وَقع فِي الْبَاب نكرَة وَمَعْرِفَة فَالَّذِي تشغل بِهِ كَانَ الْمعرفَة لِأَنَّهُ حد الْكَلَام وَلِأَنَّهُمَا شَيْء وَاحِد وَلَيْسَ بِمَنْزِلَة قَوْلك: ضرب رجل زيدا لِأَنَّهُمَا شَيْئَانِ مُخْتَلِفَانِ وهما فِي كَانَ بمنزلتهما فِي الِابْتِدَاء. فَإِذا قلت: كَانَ زيد فقد ابتدأت بِمَا هُوَ مَعْرُوف عِنْده مثله عنْدك وَإِنَّمَا ينْتَظر الْخَبَر. فَإِذا قلت: حَلِيمًا فقد أعلمته مثل مَا علمت. فَإِذا قلت: كَانَ حَلِيمًا فَإِنَّمَا ينْتَظر أَن تعرفه صَاحب الصّفة فَهُوَ مبدوء بِهِ فِي الْفِعْل وَإِن كَانَ مُؤَخرا فِي اللَّفْظ. فَإِن قلت: كَانَ حَلِيم

أَو رجل فقد بدأت بنكرة فَلَا يَسْتَقِيم أَن تخبر الْمُخَاطب عَن المنكور. وَلَا يبْدَأ بِمَا فِيهِ يكون اللّبْس وَهُوَ النكرَة. أَلا ترى أَنَّك لَو قلت: كَانَ حَلِيمًا أَو كَانَ رجل مُنْطَلقًا كنت تلبس لِأَنَّهُ لَا يستنكر أَن يكون إِنْسَان هَكَذَا. فكرهوا أَن يبدؤوا باللبس ويجعلوا الْمعرفَة خَبرا لما يكون فِي هَذَا اللّبْس. وَقد يجوز فِي الشّعْر فِي ضعف من الْكَلَام. حملهمْ على ذَلِك أَنه فعل بِمَنْزِلَة ضرب وَأَنه قد يعلم إِذا ذكرت زيدا وَجَعَلته خَبرا أَنه صَاحب الصّفة على ضعف من الْكَلَام. وَذَلِكَ قَول خِدَاش بن زُهَيْر: الوافر (فَإنَّك لَا تبالي بعد حول ... أظبي كَانَ أمك أم حمَار) وَقَالَ حسان: الوافر (كَأَن سبيئة من بَيت رَأس ... يكون مزاجها عسل وَمَاء) وَقَالَ أَبُو قيس بن الأسلت الْأنْصَارِيّ: الوافر وَقَالَ الفرزدق: (أسكران كَانَ ابْن المراغة إِذْ هجا ... تميماً بجوف الشَّام أم متساكر) فَهَذَا إنشاد بَعضهم. وَأَكْثَرهم ينصب بالسكران وَيرْفَع الآخر على قطع وَابْتِدَاء. انْتهى كَلَام سِيبَوَيْهٍ.) وَقَوله: وَأَكْثَرهم ينصب السَّكْرَان أَي: وَيرْفَع ابْن المراغة على أَنه اسْم كَانَ وَيكون الْخَبَر مقدما وَهُوَ سَكرَان. وعَلى هَذَا لَا قبح. وَقَوله: وَيرْفَع الآخر هُوَ متساكر وَيكون رَفعه على الْقطع بجعله خبر

مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي: أم هُوَ متساكر فَتكون أم مُنْقَطِعَة. وَإِذا رفع سَكرَان وَنصب ابْن المراغة وَهَذِه مَسْأَلَتنَا فَفِيهِ قبح لضَرُورَة الشّعْر لِأَنَّهُ جعل اسْم كَانَ ضمير سَكرَان وَهُوَ نكرَة وَيكون ابْن المراغة خبر كَانَ فَيكون قد أخبر بِمَعْرِِفَة عَن نكرَة ويرتفع سَكرَان حِينَئِذٍ بكان محذوفة كَمَا يَأْتِي بَيَانه وَيكون متساكر مَعْطُوفًا عَلَيْهِ وعَلى هَذَا أم مُتَّصِلَة وَيكون الْعَطف من عطف مُفْرد على مُفْرد وَالْجُمْلَة وَاحِدَة. وعَلى الأول جملتان. وَإِنَّمَا قَالَ الشَّارِح الْمُحَقق: وَأورد سِيبَوَيْهٍ للتمثيل بالإخبار عَن النكرَة بالمعرفة وَلم يقل: اسْتشْهد للإخبار لِأَن سِيبَوَيْهٍ لم يذهب إِلَى أَن هَذَا جَائِز فِي الِاخْتِيَار حَتَّى يستشهد لَهُ وَإِنَّمَا هُوَ قَبِيح خَاص بالشعر لم يرتضه فِي الْكَلَام. فأورد هَذِه الأبيات أَمْثِلَة لما استقبحه فِي الشّعْر. وَقد رُوِيَ رفع ابْن المراغة مَعَ رفع سَكرَان فَيكون الْمُعَرّف على هَذَا مُبْتَدأ وَالْمُنكر خَبرا وَكَانَ زَائِدَة. وَجوز ابْن خلف أَن يضمر فِي كَانَ ضمير الشَّأْن. وَهَذَا خطأ تبع فِيهِ يُوسُف بن السيرافي فِي شَرحه لشواهد سِيبَوَيْهٍ. قَالَ ابْن هِشَام: وَضمير الشَّأْن يعود على مَا بعده لُزُوما وَلَا يجوز للجملة المفسرة لَهُ أَن تتقدم هِيَ وَلَا شَيْء مِنْهَا عَلَيْهِ. وَقد غلظ يُوسُف بن السيرافي إِذْ قَالَ فِي قَوْله: أسكران كَانَ ابْن المراغة إِذْ هجا الْبَيْت

فِيمَن رفع سَكرَان وَابْن المراغة: إِن كَانَ شأنية وَابْن المراغة وسكران مُبْتَدأ وَخَبره وَالْجُمْلَة خبر كَانَ. وَالصَّوَاب أَن كَانَ زَائِدَة. وَالْأَشْهر فِي إنشاده نصب سَكرَان وَرفع ابْن المراغة فارتفاع متساكر على نه خبر لَهو محذوفاً. ويروى بِالْعَكْسِ فاسم كَانَ مستتر فِيهَا. انْتهى. قَوْله: أسكران رفع بِفعل مُضْمر تكون كَانَ تَفْسِيرا لَهُ ودليلاً عَلَيْهِ. وَحسن الرّفْع فِي هَذَا) لموْضِع لِأَن التَّقْدِير: أَكَانَ سَكرَان ابْن المراغة فاستفهم عَن سكره لَا عَنهُ فِي نَفسه. وَإِذا كَانَ كَذَلِك كَانَ الأولى أَن يرفع لِأَن النكرَة لما دَخلهَا هَذَا الْمَعْنى من أَن الْقَصْد إِنَّمَا وَقع إِلَيْهَا وَجب أَن يكون الرّفْع فَترفع بكان. وَكَذَلِكَ قَول الآخر: أظبي كَانَ أمك أم حمَار انْتهى. وَمثله لِابْنِ جني فِي الخصائص قَالَ: وَقد حذف خبر كَانَ فِي قَوْله: أسكران كَانَ ابْن المراغة الْبَيْت أَلا ترى أَن تَقْدِيره: أَكَانَ سَكرَان ابْن المراغة فَلَمَّا حذف الْفِعْل فسره بِالثَّانِي وَابْن المراغة الْمَذْكُور خبر كَانَ الظَّاهِرَة وَخبر كَانَ المضمرة مَحْذُوف مَعهَا لِأَن كَانَ الثَّانِيَة دلّت على الأولى. وَكَذَلِكَ الْخَبَر الثَّانِي الظَّاهِر دلّ على الْخَبَر الأول الْمَحْذُوف. انْتهى. وَزعم ابْن الملا الْحلَبِي فِي شرح الْمُغنِي أَن سَكرَان مُبْتَدأ. قَالَ:

وَصحت ابتدائيته مَعَ نكارته لوُقُوعه فِي حيّز الِاسْتِفْهَام وَأَن جملَة كَانَ ابْن المراغة خَبره. هَذَا كَلَامه. وَالْبَيْت من قصيدة للفرزدق هجا بهَا جَرِيرًا. وَأَرَادَ بِابْن المراغة جَرِيرًا وَكَانَ الفرزدق قد لقب أمه بالمراغة ونسبها إِلَى أَنَّهَا راعية حمير. والمراغة: الأتان الَّتِي لَا تمْتَنع من الفحول. وَإِذ: ظرف يتَعَلَّق بكان وفاعل هجا ضمير ابْن المراغة. وَأَرَادَ بتميم هَاهُنَا: بني دارم بن مَالك بن حَنْظَلَة وهم رَهْط الفرزدق وَجَرِير من رَهْط كُلَيْب بن يَرْبُوع بن حَنْظَلَة. فَلم يعْتد الفرزدق برهط جرير فِي تَمِيم احتقاراً لَهُم. وَأَرَادَ بجوف الشَّام: داخلها. وروى أَبُو عَليّ وَابْن جني وَغَيرهمَا: بِبَطن الشَّام وَهُوَ بِمَعْنَاهُ. وَرُوِيَ: بجو الشَّام وَهَذَا تَحْرِيف. وترجمة الفرزدق تقدّمت فِي الشَّاهِد الثَّلَاثِينَ من أَوَائِل الْكتاب. وانشد بعده: الوافر (فَإنَّك لَا تبالي بعد حول ... أظبي كَانَ أمك أم حمَار) لما تقدم قبله. فاسم كَانَ ضمير ظَبْي وَهُوَ نكرَة وأمك بِالنّصب خَبَرهَا وَهُوَ معرفَة. وظبي اسْم لَكَانَ) المضمرة الْمَدْلُول علها بكان الْمَذْكُورَة وَهُوَ نكرَة أَيْضا وَخبر المحذوفة مَحْذُوف أَيْضا مَدْلُول عَلَيْهِ بِخَبَر الْمَذْكُورَة كَمَا تقدم عَن ابْن جني. قَالَ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي الأول أولى لِأَن همزَة الِاسْتِفْهَام بالجمل

الفعلية أولى مِنْهَا بالاسمية. وَعَلَيْهِمَا فاسم كَانَ ضمير رَاجع إِلَيْهِ. وَقَول سِيبَوَيْهٍ إِنَّه أخبر عَن النكرَة بالمعرفة وَاضح على الأول لِأَن ظَبْيًا الْمَذْكُور اسْم كَانَ وَخَبره أمك وَأما على الثَّانِي فخبر ظَبْي إِنَّمَا هُوَ الْجُمْلَة والجمل نكرات وَلَكِن يكون مَحل الاستشهاد قَوْله: كَانَ أمك على أَن ضمير النكرَة عِنْده نكرَة. انْتهى. وَذهب صَاحب الْمِفْتَاح إِلَى أَن تنكير الْمسند إِلَيْهِ غير مَوْجُود بالاستقراء. وَأما هَذَا الْبَيْت وَنَحْوه فتنكير الْمسند إِلَيْهِ إِنَّمَا هُوَ فِي ظَبْي إِذا ارْتَفع بالمضمر لَا فِي ضمير كَانَ الْعَائِد عَلَيْهِ. وَهُوَ وراد على الْقلب وَالْأَصْل: أظبياً كَانَ أمك أم حمارا قَالَ: إِن كَون الْمسند إِلَيْهِ نكرَة والمسند معرفَة سَوَاء قُلْنَا: يمْتَنع عقلا أَو يَصح عقلا لَيْسَ فِي كَلَام الْعَرَب وَأما مَا جَاءَ من نَحْو قَوْله: وَلَا يَك موقف مِنْك الوداعا وَقَوله: يكون مزاجها عسل وَمَاء أظبي كَانَ أمك أم حمَار

فَمَحْمُول على منوال: عرضت النَّاقة على الْحَوْض. وأصل الِاسْتِعْمَال: وَلَا بك موقفا مِنْك الْوَدَاع وَيكون مزاجها عسلاً وَمَاء وأظبياً كَانَ أمك أم حمارا. وَلَا تَظنن بَيت الْكتاب خَارِجا عَمَّا نَحن فِيهِ ذَهَابًا إِلَى أَن اسْم كَانَ هُوَ الضَّمِير وَالضَّمِير معرفَة فَلَيْسَ المُرَاد كَانَ أمك وَإِنَّمَا المُرَاد ظَبْي بِنَاء على أَن ارتفاعه بِالْفِعْلِ الْمُفَسّر لَا بِالِابْتِدَاءِ. وَلذَلِك قَدرنَا الأَصْل على مَا ترى. انْتهى. وَاخْتَارَ السعد فِي المطول هَذَا الْأَخير فَلَيْسَ فِيهِ قلب لَفْظِي وَإِنَّمَا يكون فِيهِ قلب معنوي. قَالَ: قيل: إِنَّه قلب من جِهَة اللَّفْظ بِنَاء على أَن ظَبْي مَرْفُوع بكان الْمقدرَة لَا بِالِابْتِدَاءِ فَصَارَ الِاسْم نكرَة وَالْخَبَر معرفَة.) وَالْحق أَن ظَبْي مُبْتَدأ وَكَانَ أمك خَبره فَحِينَئِذٍ لَا قلب فِيهِ من جِهَة اللَّفْظ لِأَن اسْم كَانَ ضمير وَالضَّمِير معرفَة. نعم فِيهِ قلب من جِهَة الْمَعْنى لِأَن الْمخبر عَنهُ فِي الأَصْل هُوَ الْأُم. انْتهى. وَيشْهد للقلب مَا رَوَاهُ ابْن خلف فِي شرح شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ قَالَ: وَقد ينشد: أظبياً كَأَن أمك أم حمَار على أَنه جعل اسْم كَانَ معرفَة وخبرها نكرَة فَهَذَا جيد إِلَّا أَنه كَانَ يجب أَن ينصب حمَار لِأَنَّهُ مَعْطُوف على ظَبْي. فَيجوز رَفعه على إِضْمَار مُبْتَدأ. قَالَ الْمبرد فِي كِتَابه الْجَامِع: والأجود فِي هَذِه الأبيات نصب الْأَخْبَار الْمُقدمَة وَرفع المعارف وَرفع القوافي على قطع وَابْتِدَاء. انْتهى. وَالْبَيْت من أَبْيَات لثروان بن فَزَارَة العامري الصَّحَابِيّ وَقد تقدم الْكَلَام عَلَيْهَا مفصلا فِي الشَّاهِد الرَّابِع وَالْعِشْرين بعد الْخَمْسمِائَةِ.

(الشاهد الثالث والأربعون بعد السبعمائة)

وَأنْشد بعده (الشَّاهِد الثَّالِث وَالْأَرْبَعُونَ بعد السبعمائة) وَهُوَ من شَوَاهِد س: الوافر (أَلا من مبلغ حسان عني ... أطب كَانَ سحرك أم جُنُون) لما تقدم قبله وَالْكَلَام فِيهِ كَمَا تقدم. والطب بِالْكَسْرِ قَالَ الأعلم: هُوَ هُنَا الْعلَّة وَالسَّبَب أَي: أسحرت فَكَانَ ذَلِك سَبَب هجائك أم جننت. وسحر هُنَا مصدر سحر الْمَبْنِيّ للْمَفْعُول وَهُوَ مُضَاف للْمَفْعُول. وَالْبَيْت لأبي قيس بن الأسلت الْأنْصَارِيّ. وَقد اخْتلف فِي إِسْلَامه. وَحسان هُوَ ابْن ثَابت شَاعِر النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ. وَكَانَ أَبُو قيس من الْأَوْس وَحسان من الْخَزْرَج وَكَانَا يتهاجيان فَقَالَ أَبُو قيس لحسان: أذهب عَنْك عقلك بِسحر حَتَّى اجترأت على هجائي أم أَصَابَك جُنُون فَلم تدر مَا صنعت. يعظم فِي نفس حسان مَا يَأْتِي من هجاء الْأَوْس وشعرائها ويتوعده بالمقارضة. وَرَوَاهُ ابْن دُرَيْد فِي الجمهرة كَذَا: أطيب كَانَ داءك أم جُنُون) وَقَالَ: الطِّبّ هُنَا: السحر. وَرُوِيَ أَيْضا: أطب كَانَ شَأْنك أم جُنُون وهما أحسن من الرِّوَايَة الأولى. وَبعده: (فلست بزائل أبدا تمنى ... بصدرك من وحاوحه فنون)

(الشاهد الرابع والأربعون بعد السبعمائة)

والوحاوح بواوين ومهملتين: الحزازات. وَأنْشد بعده (الشَّاهِد الرَّابِع وَالْأَرْبَعُونَ بعد السبعمائة) وَهُوَ من شَوَاهِد س: الرمل إِنَّمَا يَجْزِي الْفَتى لَيْسَ الْجمل هَذَا عجز وصدره: وَإِذا أقرضت قرضا فاجزه على أَن لَيْسَ يجوز حذف خَبَرهَا كثيرا كَهَذا الْبَيْت أَي: لَيْسَ الْجمل جازياً أَو يَجْزِي. وَقيل: إِن الْجمل هُوَ الْخَبَر وَسكن للقافية وَاسْمهَا ضمير اسْم الْفَاعِل الْمَفْهُوم من يَجْزِي أَي: لَيْسَ الجازي الْجمل فَلَا حذف فِيهِ. وَقيل: إِن لَيْسَ فِيهِ عاطفة وَقد ذكره الشَّارِح فِي لَا العاطفة وَسَيَأْتِي الْكَلَام عَلَيْهِ هُنَاكَ إِن شَاءَ الله. هَذَا وَرِوَايَة الْبَيْت عِنْد سِيبَوَيْهٍ: إِنَّمَا يَجْزِي الْفَتى غير الْجمل وَكَذَا رَوَاهُ الطوسي فِي شرح ديوَان لبيد. وأنشده سِيبَوَيْهٍ على أَن الْفَتى هُوَ معرفَة قد نعت بِغَيْر وَهِي نكرَة وَالَّذِي سوغه أَن التَّعْرِيف بِاللَّامِ يكون للْجِنْس وَلَا يخص وأحداً بِعَيْنِه فَهُوَ مقارب للنكرة وَأَن غيراً مُضَاف إِلَى معرفَة فقاربت المعارف لذَلِك.

وَكَذَا أوردهُ ابْن السراج فِي الْأُصُول قَالَ: إِن غيراً لَا تدخل فِي الِاسْتِثْنَاء إِلَّا فِي الْموضع الَّذِي ضارعت فِيهِ إِلَّا.) أَلا ترى أَنَّك تَقول: مَرَرْت بِرَجُل غَيْرك وَلَا تقع إِلَّا فِي مَكَانهَا لَا يجوز أَن تَقول: جَاءَنِي رجل إِلَّا زيد تُرِيدُ غير زيد على الْوَصْف. فالاستثناء هُنَا محَال. وَلَكِن تَقول: مَا يحسن بِالرجلِ إِلَّا زيد أَن يفعل كَذَا لِأَن الرجل جنس وَمَعْنَاهُ: بِالرجلِ الَّذِي هُوَ غير زيد كَمَا قَالَ: إِنَّمَا يَجْزِي الْفَتى غير الْجمل انْتهى. وَهَذَا الْبَيْت من قصيدة طَوِيلَة للبيد بن ربيعَة الصَّحَابِيّ وَقد تقدم بَعْضهَا فِي الشَّاهِد الثَّامِن وَالْعِشْرين بعد الْمِائَتَيْنِ. وَهَذِه أَبْيَات مِنْهَا: الرمل (اعقلي ن كنت لما تعقلي ... وَلَقَد أَفْلح من كَانَ عقل) (فَلَقَد أعوص بالخصم وَقد ... أملأ الْجَفْنَة من شَحم القلل) (وَلَقَد تحمد لما فَارَقت ... جارتي وَالْحَمْد من خير الخول) (وَغُلَام أَرْسلتهُ أمه ... بألوك فبذلنا مَا سَأَلَ) (أَو نهته فَأَتَاهُ رزقه ... فاشتوى لَيْلَة ريح واجتمل) (من شواء لَيْسَ من عارضة ... بيَدي كل هضوم ذِي نزل) (فَإِذا جوزيت قرضا فاجزه ... إِنَّمَا يَجْزِي الْفَتى لَيْسَ الْجمل) (أعمل العيس على علاتها ... إِنَّمَا ينجح أَصْحَاب الْعَمَل) (وَإِذا رمت رحيلاً فارتحل ... واعص مَا يَأْمر توصيم الكسل) ...

(واكذب النَّفس إِذا حدثتها ... إِن صدق النَّفس يزري بالأمل) (غير أَن لَا تكذبنها فِي التقى ... واخزها بِالْبرِّ لله الْأَجَل) قَوْله: اعقلي إِن كنت ... إِلَخ أعوص بالخصم إِذا لوى عَلَيْهِ أمره. وَقَالَ الطوسي: أعوص: أركب بِهِ الْأَمر العويص أَي: الشَّديد. وَيُقَال: أعوص بِهِ أَي: آتيه بالعويص. وَيُقَال: أعوص بِهِ أَي: أحملهُ على العوصاء وَهِي الشدَّة. والجفنة بِفَتْح الْجِيم: الْقَصعَة. وَأَرَادَ بالقلل الأسنمة: جمع سَنَام وَالْوَاحد قلَّة. وَقلة كل شَيْء: أَعْلَاهُ وأرفعه. يَقُول: إِنِّي وَإِن شبت فَإِنِّي أَنْفَع وأضر.) وَقَوله: وَلَقَد تحمد ... . إِلَخ جارتي فَاعل تحمد. والخول بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة: الْعَطِيَّة. وَقَوله: وَغُلَام أَرْسلتهُ ... إِلَخ الْوَاو وَاو رب. والألوك بِفَتْح الْهمزَة: الرسَالَة وَمِنْه ألكني السَّلَام إِلَى فلَان أَي: أبلغ عني السَّلَام. وَقَوله: أَو نهته فَأَتَاهُ ... إِلَخ مَعْطُوف على أَرْسلتهُ أَي: رب غُلَام نهته أمه عَن السُّؤَال منا حَيَاء أَو قنوعاً فَبَعَثنَا إِلَيْهِ بِمَا اشتوى واجتمل. يُرِيد: إننا ننعم على الْفَقِير على كل حَال سَوَاء جَاءَ يطْلب أَو منع من الطّلب. يُقَال: شويت اللَّحْم واشتويته. وَإِذا شويته فنضج قلت: قد انشوى بالنُّون لَا غير. واجتمل: اتخذ الْجَمِيل بِفَتْح الْجِيم وَهُوَ الشَّحْم الْمُذَاب. يُقَال: اجتمل أَي: أذاب الشَّحْم. وَفِي الحَدِيث: لعن الله الْيَهُود حرمت عَلَيْهِم الشحوم فجملوها فَبَاعُوهَا. وَقَالَ الطوسي: وَيُقَال: اجتمل اللَّحْم أَي: طبخه بالشحم لَيْسَ مَعَه مَاء وَذَلِكَ إِذا قلاه بِهِ. وَقَوله: لَيْلَة ريح أَي: لَيْلَة برد من الشتَاء. وَهَذَا غَايَة الْكَرم فَإِن شدَّة الْعَرَب وبؤسهم فِي الشتَاء لعد النَّبَات. وَهَذَا الْبَيْت اسْتشْهد بِهِ صَاحب الْكَشَّاف عِنْد قَوْله تَعَالَى: وَلَهُم مَا يدعونَ على أَن يدعونَ افتعال من الدُّعَاء أَي: يدعونَ لأَنْفُسِهِمْ كَمَا فِي اشتوى واجتمل أَي: شوى لنَفسِهِ وجمل لنَفسِهِ. وَمثله فِي الصِّحَاح قَالَ: اشتويت: اتَّخذت شواء. وَأنْشد هَذَا الْبَيْت. وَقَوله: من شواء ... إِلَخ من مُتَعَلقَة باشتوى فِي الْبَيْت الْمُتَقَدّم. قَالَ صَاحب الصِّحَاح: شويت اللَّحْم شياً وَالِاسْم الشواء. والعارضة: النَّاقة الَّتِي أَصَابَهَا كسر أَو عرض فنحرت. والهضوم بِفَتْح الْهَاء وَضم الْمُعْجَمَة: الْفَتى الَّذِي يهتضم مَاله يقطع مِنْهُ وَيكسر. والنزل بِفَتْح النُّون وَالزَّاي: الْمَعْرُوف وَالْخَيْر. وَقَوله: فَإِذا أقرضت ... إِلَخ بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول يُقَال: أَقْرضنِي

فلَان أَي: أَعْطَانِي قرضا. وَالْقَرْض: مَا تعطيه من المَال لتقضاه. وَالْقَرْض هُنَا: مَا سلف من إِحْسَان أَو إساءة. قَالَ أُميَّة بن أبي الصَّلْت: الْبَسِيط (لَا تخلطن خبيثات بِطيبَة ... واخلع ثِيَابك مِنْهَا وانج عُريَانا) (كل امْرِئ سَوف يجزى قرضه حسنا ... أَو سَيِّئًا ومدينا كَالَّذي دانا) وَزعم الْعَيْنِيّ أَن قرضا هُنَا مفعول مُطلق.) وَقَالَ الزّجاج عِنْد تَفْسِير قَوْله تَعَالَى: من ذَا الَّذِي يقْرض الله قرضا حسنا: معنى الْقَرْض فِي اللُّغَة: الْبلَاء السَّيئ وَالْبَلَاء الْحسن. الْعَرَب تَقول: لَك عِنْدِي قرض حسن وقرض سيئ. وأصل الْقَرْض مَا يُعْطِيهِ الرجل ليجازى عَلَيْهِ. وَأنْشد بَيت لبيد وَبَيت أُميَّة. وَقَوله: فاجزه أَمر من الْجَزَاء. قَالَ صَاحب الْمِصْبَاح: جزى يَجْزِي مثل قضى يقْضِي وزنا وَمعنى. وَفِي الدُّعَاء: جزاه الله خيرا أَي: قَضَاهُ لَهُ وأثابه عَلَيْهِ وجزيت الدَّين: قَضيته. وَرُوِيَ: فَإِذا جوزيت قرضا فاجزه قَالَ الْعَيْنِيّ: هما بِمَعْنى وَاحِد. وَلَيْسَ كَذَلِك لِأَن الْجَزَاء لَا يكون إِلَّا بعد الْإِقْرَاض لَا على الْجَزَاء. وَقَوله: إِنَّمَا يَجْزِي الْفَتى ... إِلَخ بِالْبِنَاءِ للمعلوم والفتى فَاعله. وَزعم

الْعَيْنِيّ أَنه بِالْبِنَاءِ للْمَجْهُول والفتى نَائِب الْفَاعِل. وَكَأَنَّهُ لم يتَصَوَّر الْمَعْنى. وَمَعْنَاهُ أَن الَّذِي يَجْزِي بِمَا يُعَامل بِهِ من حسن أَو قَبِيح هُوَ الْإِنْسَان لَا الْبَهِيمَة. قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ فِي المستقصى وَقيل: الْفَتى السَّيِّد اللبيب. وَالْعرب تَقول للجاهل: يَا جمل. أَي: إِنَّمَا يَجْزِي اللبيب من النَّاس لَا الْجَاهِل. يضْرب فِي الْحَث على مجازاة الْخَيْر وَالشَّر. انْتهى. وعَلى هَذَا فَيكون للجمل هُنَا موقع لَا أَنه جَاءَ للقافية فَقَط كَمَا زعم الطوسي. والجمل كنيته عِنْد الْعَرَب أَبُو أَيُّوب. قَالَ ابْن الْأَثِير فِي المرصع كني الْجمل بِهِ لِصَبْرِهِ على الْمسير والأحمال تَشْبِيها بصبر أَيُّوب عَلَيْهِ السَّلَام. وَإِلَى هَذَا لمح عَليّ بن الْعَبَّاس الشهير بِابْن الرُّومِي فِي شعر لبيد وَقد ضمنه فِي شعره هاجياً وَزِير المعتضد أَبَا أَيُّوب سُلَيْمَان بن عبد الله فَقَالَ: الرمل (يَا أَبَا أَيُّوب هذي كنية ... من كنى الْأَنْعَام قدماً لم تزل) (وَلَقَد وفْق من كناكها ... وَأصَاب الْحق فِيهَا وَعدل) (أَنْت شبه للَّذي تكنى بِهِ ... ولبعض الْخلق من بعض مثل) (لست ألحاك على مَا سمتني ... من قَبِيح الرَّد أَو منع النَّفْل) (قد قضى قَول لبيد بَيْننَا ... إِنَّمَا يَجْزِي الْفَتى لَيْسَ الْجمل) ...

(كم حدوناك لترقى فِي الْعلَا ... وأبى الله فَلَا تعل هُبل)) وَلم أر ذكر أَيُّوب واشتقاقه فِي كتب اللَّغْو الْمُدَوَّنَة كالقاموس والعباب والصحاح مَعَ كَثْرَة دورانه فِي الْأَلْسِنَة وَلَا فِي مُفْرَدَات الْقُرْآن مَعَ أَنه مَذْكُور فِيهِ. وَفِي المعربات للجواليقي: قَالَ أَبُو عَليّ: وَقِيَاس همزَة أَيُّوب أَن تكون أصلا زَائِدَة لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو أَن يكون فيعولاً أَو فعلولا. فَإِن جعلته فيعولاً كَانَ قِيَاسه لَو كَانَ عَرَبيا أَن يكون من الأوب مثل قيوم وَيُمكن أَن يكون فعولًا مثل سفود وكلوب وَإِن لم يعلم فِي الْأَمْثِلَة هَذَا لِأَنَّهُ لَا يُنكر أَن يَجِيء العجمي على مِثَال لَا يكون فِي الْعَرَبِيّ. وَلَا يكون من الأوب وَقد قلبت الْوَاو فِيهِ إِلَى الْيَاء لِأَن من يَقُول: صيم فِي صَوْم لَا يقلب إِذا تَبَاعَدت من الطّرف فَلَا يَقُول: إِلَّا صوام. وَكَذَلِكَ هَذِه الْعين إِذا تَبَاعَدت من الطّرف وحجز الْوَاو بَينه وَبَين الآخر لم يجز فِيهِ الْقلب. انْتهى. فَأجَاز أَن يكون من مَادَّة أَوب وَمن مَادَّة أيب والمادتان مذكورتان فِي الْقَامُوس وَفِي غَيره الأولى فَقَط.

وَقَوله: أعمل العيس ... إِلَخ أعمل: أَمر من الإعمال وَهُوَ الإشغال. والعيس: الْإِبِل الْبيض. وروى: العنس بالنُّون وَهِي النَّاقة الشَّدِيدَة. والعلات بِالْكَسْرِ: الْحَالَات جمع عِلّة بِمَعْنى الْحَالة. وَقَوله: وَإِذا رمت رحيلاً ... إِلَخ توصيم: فَاعل يَأْمر وَالْمَفْعُول مَحْذُوف أَي: يَأْمُرهُ. والتوصيم بالصَّاد الْمُهْملَة هُوَ فِي الْجَسَد كالتكسير والفترة ووصمته الْحمى بِالتَّشْدِيدِ إِذا أحدثت فِيهِ فَتْرَة وتكسيراً. وَهُوَ من الوصم وَهُوَ الصدع فِي الْعود من غير بينونة. والوصم أَيْضا: الْعَيْب والعار. قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ فِي المستقصى: هَذَا المصراع مثل يضْرب فِي الْحَث على الجسارة أَي: حدثها بالظرف وبلوغ الْأَمر إِذا هَمَمْت بِأَمْر لتنشطها للإقدام وَلَا تنازعها بالخيبة فتثبطها. انْتهى. وَقَوله: إِن صدق ... إِلَخ يَعْنِي إِذا حدثت نَفسك بِالْمَوْتِ لم تعمر شَيْئا وَلم تؤثل مَالا وَفَسَد عَلَيْك عيشك فأزرى ذَلِك بأملك. والإزراء بِتَقْدِيم الْمُعْجَمَة على الْمُهْملَة: النَّقْص. قَالَ بَعضهم: الْكَامِل (وَإِذا صدقت النَّفس لم تتْرك لَهَا ... أملاً ويأمل مَا اشْتهى المكذوب) وَأورد هَذَا الْبَيْت صَاحب الْكَشَّاف عِنْد قَوْله تَعَالَى: ونعلم مَا توسوس بِهِ نَفسه على أَن مَا) مَصْدَرِيَّة فَإِنَّهُ يُقَال: حدث نَفسه بِكَذَا كَمَا يَقُولُونَ: حدثته بِهِ نَفسه.

(الشاهد الخامس والأربعون بعد السبعمائة)

وَقَوله: غير أَن لَا تكذبنها هُوَ اسْتثِْنَاء من قَوْله: اكذب النَّفس. واخزها بالمعجمتين: أَمر من خزاه يخزوه خزواً إِذا ساسه وقهره. وَالْبَاء مُتَعَلقَة بِهِ وَللَّه مُتَعَلق بِالْبرِّ. وَالْأَجَل: أفعل تَفْضِيل. وترجمة لبيد تقدّمت فِي الشَّاهِد الثَّانِي وَالْعِشْرين بعد الْمِائَة. وَأنْشد بعده (الشَّاهِد الْخَامِس وَالْأَرْبَعُونَ بعد السبعمائة) (لم يَك الْحق على أَن هاجه ... رسم دَار قد تعفى بالسرر) على أَن حذف نون يكن المجزوم الملاقى للساكن جَائِز عِنْد يُونُس. وَقَالَ السيرافي: هَذَا شَاذ. وَالْبَيْت أنْشدهُ أَبُو زيد فِي نوادره مَعَ بَيت آخر بعده وَهُوَ: (غير الْجدّة من عرفانه ... خرق الرّيح وطوفان الْمَطَر) وَقَالَ بعدهمَا: لَا أعرف بَيْتا حذفت مِنْهُ النُّون من يكن مَعَ الْألف وَاللَّام غير هَذَا الْبَيْت. وَهَذَا الْحصْر غير صَحِيح فقد سمع فِي غَيره قَالَ ابْن صَخْر الْأَسدي: الطَّوِيل (فَإِن لَا تَكُ الْمرْآة أبدت وسامة ... فقد أبدت الْمرْآة جبهة ضيغم) قَالَ ابْن السراج فِي الْأُصُول: قَالُوا: لم يكن الرجل لِأَن هَذَا مَوضِع تحرّك فِيهِ النُّون وَالنُّون إِذا وَليهَا الْألف وَاللَّام للتعريف

لم تحذف إِلَّا أَن يضْطَر إِلَيْهِ شَاعِر فَيجوز ذك على قبح واضطرار. وَأنْشد هذَيْن الْبَيْتَيْنِ. وَكَذَلِكَ ذهب إِلَى أَنه ضَرُورَة أَبُو عَليّ فِي كتاب الشّعْر وَابْن عُصْفُور فِي الضرائر. وَقَالَ ابْن جني فِي سر الصِّنَاعَة: أنْشد قطرب وقرأناه على بعض أَصْحَابنَا بِرَفْعِهِ إِلَيْهِ: لم يَك الْحق سوى أَن هاجه الْبَيْت أَي: لم يكن الْحق. وَكَانَ حكمه إِذا وَقعت النُّون موقعاً تحرّك فِيهِ فتقوى بالحركة أَن لَا يحذفها وَحذف النُّون من يكن أقبح من حذف التَّنْوِين وَنون التَّثْنِيَة وَالْجمع لِأَن النُّون فِي يكن أصل وَهِي لَام الْفِعْل والتنوين وَالنُّون زائدتان فالحذف فيهمَا أسهل مِنْهُ فِي لَام الْفِعْل. وَحذف النُّون من يكن أَيْضا أقبح من حذف نون من فِي قَوْله: المنسرح غير الَّذِي قد يُقَال م الْكَذِب أَي: من الْكَذِب فَلِأَن يكن أَصله يكون حذفت مِنْهُ الْوَاو لالتقاء الساكنين فَإِذا حذفت مِنْهُ) النُّون أَيْضا لالتقاء الساكنين أجحفت بِهِ لتوالي الحذفين لَا سِيمَا من وَجه وَاحِد عَلَيْهِ. هَذَا قَول أَصْحَابنَا فِي

هَذَا الْبَيْت. وَأرى أَنا شَيْئا آخر غير ذَلِك وَهُوَ أَن يكون جَاءَ بِالْحَقِّ بعد مَا حذق النُّون من يكن فَصَارَ يَك مثل قَوْله: وَلم تَكُ شَيْئا فَلَمَّا قدره يَك جَاءَ بِالْحَقِّ بعد مَا جَازَ الْحَذف فِي النُّون وَهِي سَاكِنة تَخْفِيفًا فَبَقيَ محذوفاً بِحَالهِ فَقَالَ: لم يَك الْحق. وَلَو كَانَ قدره يكن ثمَّ جَاءَ بِالْحَقِّ لوَجَبَ أَن يكسر نونه لالتقاء الساكنين. هَذَا كَلَامه. وَلَا يخفى أَن تعليه يَقْتَضِي قِيَاس هَذَا الْحَذف. وَهَذَا الَّذِي ادَّعَاهُ لنَفسِهِ هُوَ لشيخه أبي عَليّ فِي الْمسَائِل العسكرية قَالَ فِي آخرهَا بعد إنشاد الْبَيْت: إِن قلت فِيهِ إِن الْجَزْم لحقه قبل لحاق وَنَظِير هَذَا إنشاد من أنْشد: الوافر فغض الطّرف إِنَّك من نمير حرك السَّاكِن الأول فلحق السَّاكِن الثَّانِي وَقد مضى الْحَذف بِالْفَتْح للساكن الأول فَكَذَلِك لحق السَّاكِن وَقد مضى الْحَذف فِي الْحَرْف. وَإِن شِئْت قلت: إِن الْحَرَكَة هُنَا كَانَت لالتقاء الساكنين لم يعْتد بهَا وَكَانَ الْحَرْف فِي نِيَّة سُكُون فَكَمَا كَانَ يحذفها سَاكِنة كَذَلِك يحذفها إِذا كَانَت فِي نِيَّة السّكُون. انْتهى كَلَامه. وَقَوله: على أَن هاجه ظرف مُسْتَقر فِي مَوضِع الْخَبَر لَكَانَ. وَالْحق يُطلق على معَان مِنْهَا وَهُوَ المُرَاد هُنَا: الْمَوْجُود بِحَسب مُقْتَضى

الْحِكْمَة أَي: لَيْسَ بلائق بالعاشق أَن يهيج حزنه الرَّسْم الدائر. وهاج هُنَا مُتَعَدٍّ بِمَعْنى أثار وَالْهَاء: مفعول مقدم ضمير العاشق فِي بَيت قبله وَهُوَ على حذف مُضَاف أَي: هاج حزنه ووجده. ورسم: فَاعل هاج وَهُوَ أثر الدَّار وَجُمْلَة: قد تعفى فِي مَوضِع الصّفة لرسم. وتعفى: مُبَالغَة عَفا الرَّسْم أَي: دثر ودرس وَقَوله: بالسرر ظرف مُسْتَقر فِي مَوضِع الصّفة لدار فقد وصف الْمُضَاف والمضاف إِلَيْهِ. والسرر هُنَا ضَبطه أَبُو حَاتِم بِفَتْح السِّين وَالرَّاء الْمُهْمَلَتَيْنِ وَقد يكسر الأول وكل مِنْهُمَا اسْم قَالَ ياقوت فِي مُعْجم الْبلدَانِ: قَالَ نصر: السرر بِالتَّحْرِيكِ: وَاد يدْفع من الْيَمَامَة إِلَى أَرض حَضرمَوْت. والسرر بِكَسْر أَوله قَالَ السكرِي فِي قَول أبي ذُؤَيْب: المتقارب.) (بِآيَة مَا وقفت والركا ... ب بَين الْحجُون وَبَين السرر) هُوَ مَوضِع على أَرْبَعَة أَمْيَال من مَكَّة حرسها الله تَعَالَى عَن يَمِين الْجَبَل بطرِيق منى. وَكَانَ عبد الصَّمد بن عَليّ اتخذ عِنْده مَسْجِدا كَانَ بِهِ شَجَرَة ذكر أَنه سر تحتهَا سَبْعُونَ نَبيا أَي: قطعت سررهم. انْتهى. وَكَذَا قَالَ ياقوت نَاقِلا عَن الْأَزْهَرِي: عَن ابْن عمر أَنه سر تحتهَا سَبْعُونَ نَبيا سمي سرراً لذَلِك. ثمَّ قَالَ ياقوت: وروى المغاربة: السرر: وَاد على أَرْبَعَة أَمْيَال من مَكَّة عَن يَمِين الْجَبَل قَالُوا: هُوَ بِضَم السِّين وَفتح الرَّاء الأولى قَالُوا:

كَذَا رَوَاهُ المحدثون بِلَا خلاف. قَالَ الرياشي: المحدثون يضمونه وَهُوَ إِنَّمَا هُوَ السرر بِالْفَتْح. وَهَذَا الْوَادي هُوَ الَّذِي سر فِيهِ سَبْعُونَ نَبيا أَي: قطعت سررهم بِالْكَسْرِ وَهُوَ الْأَصَح. انْتهى. وروى: ودثر بدل قَوْله: بالسرر أَي: درس وَلم يبْق مِنْهُ شَيْء. وعَلى هَذَا يكون مَعْطُوفًا على تعفى فَيكون صفة لرسم أَيْضا. وَقَوله: غير الْجدّة ... إِلَخ هَذِه الْجُمْلَة صفة لرسم أَيْضا. وَالْجدّة بِكَسْر الْجِيم: مصدر جد الشَّيْء يجد بِالْكَسْرِ جدة هُوَ خلاف الْقَدِيم. والعرفان بِالْكَسْرِ: مصدر عَرفته عَرَفَة بِالْكَسْرِ وعرفاناً إِذا عَلمته بحاسة من الْحَواس الْخمس فَهُوَ مصدر مُضَاف لمفعوله وَالْهَاء ضمير الرَّسْم وفاعله مَحْذُوف. وخرق: فَاعل غير وَهُوَ بِكَسْر الْخَاء الْمُعْجَمَة وَفتح الرَّاء الْمُهْملَة أَي: الْقطع من الرّيح جمع خرقَة. وروى الْأَصْمَعِي: خرق بِضَمَّتَيْنِ جمع خريق وَهِي الرّيح الَّتِي تنخرق فِي الْجبَال وَغَيرهَا. وطوفان الْمَطَر: كثرته. كَذَا قَالَ أَبُو حَاتِم فِيمَا كتبه على النَّوَادِر. يَقُول: غيرت كَثْرَة الرّيح والأمطار مَا استجددناه من معرفتنا لهَذَا الرَّسْم. والبيتان نسبهما أَبُو زيد لحسيل بن عرفطة قَالَ: وَهُوَ شَاعِر جاهلي. وحسيل: مصغر حسل بِكَسْر الْحَاء وَسُكُون السِّين الْمُهْملَة بعدهمَا لَام وَهُوَ ولد الضَّب. قَالَ أَبُو الْعَبَّاس: هُوَ حسيل بِفَتْح الْحَاء وَكسر السِّين وَقَالَ أَبُو حَاتِم: وحسين: مصغر حسن بالنُّون. وغلطه الْأَخْفَش فِيهِ. وَالله أعلم.

(أفعال المقاربة)

(أَفعَال المقاربة) أنْشد فِيهِ (الشَّاهِد السَّادِس وَالْأَرْبَعُونَ بعد السبعمائة) الطَّوِيل (إِذا غير النأي المجين لم يكد ... رسيس الْهوى من حب مية يبرح) على أَن بَعضهم قَالَ: إِن النَّفْي إِذا دخل على كَاد تكون فِي الْمَاضِي للإثبات وَفِي الْمُسْتَقْبل كالأفعال مستمسكاً بِالْآيَةِ وَهَذَا الْبَيْت. وَهَذَا الْفَصْل فِي كَاد هُنَا وبِعَيْنِه عبارَة اللّبَاب بتغيير كَلمه. قَالَ صَاحب اللّبَاب: وَإِذا دخل النَّفْي على كَاد فَهُوَ كَسَائِر الْأَفْعَال على الصَّحِيح وَقيل: يكون للإثبات وَقيل: يكون فِي الْمَاضِي دون الْمُسْتَقْبل تمسكاً بقوله تَعَالَى: وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ وَبقول ذِي الرمة: إِذا غير الهجر المحبين لم يكد إِلَخ وَالْجَوَاب نه لنفي مقاربة الذّبْح وَحُصُول الذّبْح بعد لَا ينافيها وَلم يُؤْخَذ من لفظ: وَمَا كَادُوا بل من لفظ: فذبحوها. انْتهى. قَالَ شَارِحه الفالي: قَوْله: وَإِذا دخل النَّفْي ... إِلَخ مَعْنَاهُ نفي مَا دخل عَلَيْهِ إدراجاً لَهُ فِي الْأَمر الْعَام الْمَعْلُوم من اللُّغَة وَهُوَ أَنه إِذا دخل النَّفْي على فعل أَفَادَ نفي مضمونه. وَقيل: يكون للإثبات أَي: لإِثْبَات الْفِعْل الَّذِي دخل عَلَيْهِ كَاد فِي الْمَاضِي وَفِي الْمُسْتَقْبل. أما فِي الْمَاضِي فَلقَوْله تَعَالَى: وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ وَالْمرَاد أَنهم قد فعلوا الذّبْح. وَأما فِي الْمُضَارع فَلِأَن الشُّعَرَاء خطؤوا ذَا الرمة فِي قَوْله: ...

( ... ... ... ... ... . لم يكد ... رسيس الْهوى من حب مية يبرح) وَهُوَ أَنه يُؤَدِّي إِلَى أَن الْمَعْنى: إِن رسيس الْهوى يبرح وَيَزُول وَإِن كَانَ بعد طول عهد. فلولا أَنهم فَهموا فِي اللُّغَة أَن النَّفْي إِذا دخل على الْمُضَارع من كَاد أَفَادَ إِثْبَات الْفِعْل الْوَاقِع بعده لم يكن لتخطئتهم وَجه. وَقيل: يكون فِي الْمَاضِي للإثبات دون الْمُسْتَقْبل تمسكاً بقوله تَعَالَى: وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ إِذْ الْمَعْنى قد فعلوا كَمَا ذكرنَا. وَبقول ذِي الرمة:) إِذا غير الهجر الْبَيْت إِذْ الْمَعْنى: وَمَا برح حبها من قلبِي. فَهَذَا الْقَائِل تمسك بقول ذِي الرمة وَالْقَائِل الأول تمسك بتخطئة الشُّعَرَاء ذَا الرمة. وَالْجَوَاب أَنه لنفي مقاربة الذّبْح وَحُصُول الذّبْح بعد أَي: بعد أَن نفى مقاربة الذّبْح لَا ينافيها. وَلم يُؤْخَذ من لفظ: كَادُوا بل من لفظ: فذبحوها. وَهَذَا جَوَاب عَن الْقَوْلَيْنِ الْمَذْكُورين فَإنَّا لَا نسلم أَن النَّفْي الدَّاخِل على كَاد يُفِيد الْإِثْبَات لَا فِي الْمَاضِي وَلَا فِي الْمُسْتَقْبل بل هُوَ بَاقٍ على وَضعه وَهُوَ نفي المقاربة. وَلَيْسَ مَا تمسكوا بِهِ بِشَيْء أما فِي الْآيَة فَهُوَ أَن مَعْنَاهُ أَن بني إِسْرَائِيل مَا قاربوا أَن يَفْعَلُوا للإطناب فِي السؤالات وَلما سبق فِي قَوْلهم: أتتخذنا هزوا وَهَذَا التعنت دَلِيل على أَنهم كَانُوا لَا يقاربون فعله فضلا عَن نفس الْفِعْل. وَنفي المقاربة قد يَتَرَتَّب عَلَيْهِ الْفِعْل وَقد لَا يَتَرَتَّب وَهُوَ قَوْله: وَحُصُول الذّبْح بعد لَا ينافيها. وَأما إِثْبَات الذّبْح فمأخوذ من الْخَارِج وَهُوَ قَوْله: فذبحوها

وَأما الْبَيْت فَكَذَلِك مَعْنَاهُ لِأَن حبها لم يُقَارب أَن يَزُول فضلا عَن أَن يَزُول. وَهُوَ مُبَالغَة فِي نفي الزَّوَال فَإنَّك إِذا قلت: مَا كَاد زيد يُسَافر فَمَعْنَاه أبلغ من: مَا يُسَافر زيد أَي: لم يُسَافر وَلم يقرب من أَن يُسَافر أَيْضا. فالبيت مُسْتَقِيم وَلَا وَجه لتخطئة الشُّعَرَاء إِيَّاه. انْتهى. وَقد بَين الشَّارِح الْمُحَقق فَسَاد هذَيْن الْقَوْلَيْنِ فِي آخر الْبَاب. وَقَوله كَغَيْرِهِ: إِن الشُّعَرَاء خطؤوا ذَا قَالَ المرزباني فِي الموشح: حَدثنِي أَحْمد بن مُحَمَّد الْجَوْهَرِي وَأحمد بن إِبْرَاهِيم الْجمال قَالَا: حَدثنَا الْحسن بن عليل الْعَنزي قَالَ: حَدثنَا يزِيد بن مُحَمَّد بن الْمُهلب بن الْمُغيرَة بن حبيب بن الْمُهلب بن أبي صفرَة قَالَ: حَدثنَا عبد الصَّمد ابْن المعذل عَن أَبِيه عَن جده غيلَان بن الحكم قَالَ: قدم علينا ذُو الرمة الْكُوفَة فَوقف على رَاحِلَته بالكناسة ينشدنا قصيدته الحائية فَلَمَّا بلغ إِلَى هَذَا الْبَيْت: إِذا غير النأي المحبين ... ... ... . . إِلَخ فَقَالَ لَهُ ابْن شبْرمَة: يَا ذَا الرمة أرَاهُ قد برح. ففكر سَاعَة ثمَّ قَالَ: (إِذا غير النأي المحبين لم أجد ... رسيس الْهوى ... ... ... إِلَخ)) قَالَ: فَرَجَعت إِلَى أبي الحكم بن البخْترِي بن الْمُخْتَار فَأَخْبَرته

الْخَبَر فَقَالَ: أَخطَأ ابْن شبْرمَة حَيْثُ أنكر عَلَيْهِ وَأَخْطَأ ذُو الرمة حَيْثُ رَجَعَ إِلَى قَوْله. إِنَّمَا هَذَا كَقَوْل الله عَزَّ وَجَلَّ: إِذا أخرج يَده لم يكد يَرَاهَا أَي: لم يَرَاهَا وَلم يكد. انْتهى. وَقَالَ السَّيِّد المرتضى فِي أَمَالِيهِ: روى عبد الصَّمد بن المعذل عَن غيلَان عَن أَبِيه عَن جده غيلَان قَالَ: قدم علينا ذُو الرمة الْكُوفَة فأنشدنا بالكناسة وَهُوَ على رَاحِلَته قصيده الحائية إِذا غير النأي المحبين إِلَخ فَقَالَ لَهُ عبد الله بن شبْرمَة: قد برح يَا ذَا الرمة. ففكر سَاعَة ثمَّ قَالَ: إِذا غير النأي المحبين لم أجد إِلَخ قَالَ: فَأخْبرت أبي بِمَا كَانَ من قَول ذِي الرمة وَاعْتِرَاض ابْن شبْرمَة عَلَيْهِ فَقَالَ: أَخطَأ ذُو الرمة فِي رُجُوعه عَن قَوْله الأول وَأَخْطَأ ابْن شبْرمَة فِي اعتراضه عَلَيْهِ. وَهَذَا كَقَوْل الله تَعَالَى: إِذا أخرج يَده لم يكد يَرَاهَا. انْتهى. وَهَذَا الْبَيْت من قصيدة لذِي الرمة مطْلعهَا: (أمنزلتي مي سَلام عَلَيْكُمَا ... على النأي والنائي يود وَينْصَح) وَبعده: (فَلَا الْقرب يُبْدِي من هَواهَا ملالة ... وَلَا حبها إِن تنزح الدَّار ينْزح) ...

(الشاهد السابع والأربعون بعد السبعمائة)

(أتقرح أكباد المحبين كلهم ... كَمَا كَبِدِي من ذكر مية تقرح) وَقَوله: إِذا غير النأي ... إِلَخ النأي فَاعل غير وَمَعْنَاهُ الْبعد. ورسيس الْهوى: مَسّه. ويبرح: يَزُول وَهُوَ فعل تَامّ لَازم. ومية: اسْم معشوقته. يَقُول: إِن العشاق إِذا بعدوا عَمَّن يحبونَ دب السلو إِلَيْهِم وَزَالَ عَنْهُم مَا كَانُوا يقاسون وَأما أَنا وَزَاد على هَذَا الْمَعْنى قَوْله فِي هَذِه القصيدة: (أرى الْحبّ بالهجران يمحى فينمحي ... وحبك مياً يستجد ويربح) أَي: يزِيد الْحبّ كَمَا يزِيد الرِّبْح. وَقَوله: فَلَا الْقرب يُبْدِي ... إِلَخ نزحت الدَّار: بَعدت. يَقُول: حبها إِن بَعدت الدَّار لم يتَغَيَّر هُوَ لَازم ثَابت. وَقَوله: أتقرح الْقرح: الْجرْح.) وترجمة ذِي الرمة تقدّمت فِي الشَّاهِد الثَّامِن من أول الْكتاب. وَأنْشد بعده (الشَّاهِد السَّابِع وَالْأَرْبَعُونَ بعد السبعمائة) : الْكَامِل (ظَنِّي بهم كعسى وهم بتنوفة ... يتنازعون جوائز الْأَمْثَال) على أَن أَبَا عُبَيْدَة قَالَ: إِن عَسى تَأتي بِمَعْنى الْيَقِين كَمَا فِي الْبَيْت.

وَنَقله عَنهُ عبد الْوَاحِد أَبُو الطّيب اللّغَوِيّ فِي كتاب الأضداد قَالَ فِيهِ: قَالَ أَبُو حَاتِم وقطرب: عَسى تكون شكا مرّة ويقيناً أُخْرَى كَمَا قَالَ تَعَالَى: عَسى ربكُم أَن يَرْحَمكُمْ وَعَسَى فِي الْقُرْآن وَاجِبَة. قَالَ ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما: هِيَ وَاجِبَة من الله. وكل مَا فِي الْقُرْآن من ذَلِك فَهُوَ وَاجِب من الله. قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: وَمِنْه قَول ابْن مقبل: ظَنِّي بهم كعسى الْبَيْت أَي: ظَنِّي بهم كيقين. انْتهى. وَاعْترض عَلَيْهِ الشَّارِح الْمُحَقق بِأَنَّهُ لَا يعرف عَسى فِي غير كَلَام الله لليقين وَيجوز أَن يكون معنى: ظَنِّي بهم كعسى أَي: رَجَاء مَعَ طمع. وَيُؤَيّد توقفه مَا ذهب إِلَيْهِ ابْن السّكيت فِي كتاب الأضداد قَالَ فِيهِ: الظَّن يَقِين وَالظَّن شكّ وَمن الْيَقِين قَول ابْن مقبل: (ظن بهم كعسى وهم بتنوفة ... يتنازعون جوائز الْأَمْثَال) ويروى: جوائب أَي: تجوب الْبِلَاد. يَقُول: الْيَقِين مِنْهُم كعسى وَعَسَى شكّ. انْتهى. فَجعل الْيَقِين للظن وَعَسَى للشَّكّ على أَصْلهَا. وَالرِّوَايَة عِنْده: ظن بهم كعسى بتنوين ظن من غير إِضَافَة إِلَى الْيَاء. وَالْبَاء مُتَعَلقَة بِمَحْذُوف على أَنه صفة لظن وَهُوَ مُبْتَدأ وَخَبره كعسى أَو خَبره مَحْذُوف أَي: للنَّاس ظن بهم فالياء مُتَعَلقَة بِظَنّ وَالْكَاف اسْم

صفة لظن وَجُمْلَة: وهم والتنوفة: الفلاة. ويتنازعون: يتجاذبون. وجوائز الْأَمْثَال أَي: الْأَمْثَال السائرة فِي الْبِلَاد. وَبِمَعْنَاهُ جوائب الْأَمْثَال من جاب الْوَادي أَو الْمَكَان يجوبه جوباً إِذا سلكه وقطعه. وَأما على رِوَايَة ظَنِّي بِالْإِضَافَة فَهُوَ مُبْتَدأ وَخَبره كعسى أَي: يقيني بهم كشك فِي حَال كَونهم فِي الفلاة إِذْ لَيست أعلم الْغَيْب.) يُرِيد أَنه لَا يَقِين لَهُ بهم. وبهذه الرِّوَايَة فسر أَبُو حَاتِم الظَّن فِي الْبَيْت بِالْيَقِينِ نَقله عَنهُ عبد الْوَاحِد الْمَذْكُور قَالَ فِي كِتَابه الأضداد: قَالَ أَبُو حَاتِم: وَأما قَوْله تَعَالَى: وَظن أَنه الْفِرَاق فأظنه يستيقن. قَالَ الشَّاعِر فِي الظَّن بِمَعْنى الْيَقِين. ظَنِّي بهم كعسى الْبَيْت والجوائز: الَّتِي تجوز الْبِلَاد أَي: تقطعها. يَقُول: يقيني بهم كعسى. انْتهى. وَلم أَقف على تَتِمَّة هَذَا الْبَيْت وَهُوَ لِابْنِ مقبل وَهُوَ شَاعِر إسلامي تقدّمت تَرْجَمته فِي الشَّاهِد الثَّانِي وَالثَّلَاثِينَ. ثمَّ رَأَيْت فِي كتاب الأضداد لأبي بكر مُحَمَّد بن الْقَاسِم بن بشار الْأَنْبَارِي قَالَ: عَسى لَهَا مَعْنيانِ متضادان: أَحدهمَا: الشَّك والطمع وَالْآخر: الْيَقِين. قَالَ تَعَالَى: وَعَسَى أَن تكْرهُوا وَقَالَ بعض الْمُفَسّرين: عَسى فِي جَمِيع

(الشاهد الثامن والأربعون بعد السبعمائة)

كتاب الله وَاجِبَة. وَقَالَ غَيره: عَسى فِي الْقُرْآن وَاجِبَة إِلَّا فِي موضِعين فِي سُورَة بني إِسْرَائِيل: عَسى ربكُم أَن يَرْحَمكُمْ يَعْنِي بني النَّضِير فَمَا رَحِمهم رَبهم بل قَاتلهم رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وأوقع الْعقُوبَة بهم. وَفِي سُورَة التَّحْرِيم: عَسى ربه إِن طَلَّقَكُن أَن يُبدلهُ أَزْوَاجًا فَمَا أبدله الله بِهن أَزْوَاجًا وَلَا بن مِنْهُ حَتَّى قبض عَلَيْهِ السَّلَام. وَقَالَ تَمِيم بن أبي بن مقبل فِي كَون عَسى إِيجَابا: (ظن بهم كعسى وهم بتنوفة ... يتنازعون جوائز الْأَمْثَال) أَرَادَ: ظن بهم كيقين. ويروى: سوائر الْأَمْثَال. ويروى: جوائب الْأَمْثَال. وأنشدنا أَبُو الْعَبَّاس: الوافر عَسى الكرب الَّذِي أمسيت فِيهِ الْبَيْت فَعَسَى فِي هَذَا الْبَاب على معنى الشَّك. انْتهى كَلَامه. وَأنْشد بعده (الشَّاهِد الثَّامِن وَالْأَرْبَعُونَ بعد السبعمائة) الرجز على أَن الْمُتَأَخِّرين استدلوا بِهَذَا وبالمثل وَهُوَ: عَسى الغوير أبؤساً بِوُقُوع الْمُفْرد مَنْصُوبًا بعد مَرْفُوع على أَن أنْ وَالْفِعْل فِي قَوْلهم: عَسى

زيد أَن يفعل فِي مَوضِع نصب على أَنه خبر لعسى وَهِي تعْمل عمل كَانَ. قَالَ ابْن هِشَام فِي شرح أَبْيَات النَّاظِم: طعن فِي هَذَا الْبَيْت عبد الْوَاحِد الطراح فِي كِتَابه بغية الآمل ومنية السَّائِل. فَقَالَ: هُوَ بَيت مَجْهُول لم ينْسبهُ الشُّرَّاح إِلَى أحد فَسقط الِاحْتِجَاج بِهِ. وَلَو صَحَّ مَا قَالَه لسقط الِاحْتِجَاج بِخَمْسِينَ بَيْتا من كتاب سِيبَوَيْهٍ فَإِن فِيهِ ألف بَيت قد عرف قائلوها وَخمسين بَيْتا مَجْهُولَة الْقَائِلين. انْتهى. أَقُول: الشَّاهِد الَّذِي جهل قَائِله إِن أنْشدهُ ثِقَة كسيبويه وَابْن السراج والمبرد وَنَحْوهم فَهُوَ مقبل يعْتَمد عَلَيْهِ وَلَا يضر جهل قَائِله فَإِن الثِّقَة لَو لم يعلم أَنه من شعر من يَصح الِاسْتِدْلَال بِكَلَامِهِ لما أنْشدهُ. وَمُرَاد عبد الْوَاحِد أَنه لم ينْسبهُ الشُّرَّاح إِلَى أحد مِمَّن أنْشدهُ من الثِّقَات أَو إِلَى قَائِل معِين يحْتَج بِكَلَامِهِ. ثمَّ قَالَ ابْن هِشَام: وَقد حرف ابْن الشجري هَذَا الرجز فأنشده: الرجز (قُم قَائِما قُم قَائِما ... إِنِّي عَسَيْت صَائِما) وَإِنَّمَا قُم قَائِما صدر رجز آخر يَأْتِي فِي بَاب الْحَال وَلَا يتركب قَوْله: إِنِّي عَسَيْت صَائِما عَلَيْهِ بل أَصله: (أكثرت فِي العذل ملحاً دَائِما ... لَا تكثرن إِنِّي عَسَيْت صَائِما) فَإِن مَعْنَاهُ: أَيهَا العاذل الْملح فِي عذله إِنَّه لَا يُمكن مُقَابلَة كلامك بِمَا يُنَاسِبه من السب فإنني صَائِم. وَهُوَ مقتبس من الحَدِيث: فَلْيقل

إِنِّي صَائِم. ويروى: لَا تلحني مَكَان لَا تكثرن وَهُوَ بِفَتْح التَّاء. يُقَال: لحيته ألحاه لحياً إِذا لمته. وَالشَّاهِد فِي قَوْله: صَائِما فَإِنَّهُ اسْم مُفْرد جِيءَ بِهِ خَبرا عَسى. كَذَا قَالُوا وَالْحق خِلَافه وَإِن عَسى هُنَا فعل تَامّ خبري لَا فعل نَاقص إنشائي. يدلك على أَنه خبري وُقُوعه خَبرا لإن وَلَا يجوز بالِاتِّفَاقِ: إِن زيدا هَل قَامَ وَأَن هَذَا الْكَلَام يقبل التَّصْدِيق) والتكذيب وعَلى هَذَا فَالْمَعْنى: إِنِّي رَجَوْت أَن أكون صَائِما. فصائماً خبر لَكَانَ وَأَن وَالْفِعْل مفعول لعسى. وسيبويه يُجِيز حذف أَن وَالْفِعْل إِذا قويت الدّلَالَة على الْمَحْذُوف. أَلا ترى أَنه قدر فِي قَوْله: من لد شولاً وَمن وُقُوع عَسى فعلا خبرياً قَوْله تَعَالَى: قَالَ هَل عسيتم إِن كتب عَلَيْكُم الْقِتَال أَلا تقاتلوا أَلا ترى أَن الِاسْتِفْهَام طلب فَلَا يدْخل على الْجُمْلَة الإنشائية وَأَن الْمَعْنى قد طمعتم أَن لَا تقاتلوا إِن كتب عَلَيْكُم الْقِتَال. وَمِمَّا يحْتَاج إِلَى النّظر قَول الْقَائِل: عَسى زيد أَن يقوم فَإنَّك قد قدرت عَسى فِيهِ فعلا إنشائياً كَمَا قَالَه النحويون أشكل إِذْ لَا يسند

فعل الْإِنْشَاء إِلَّا إِلَى منشئه وَهُوَ الْمُتَكَلّم كبعت واشتريت وَأَقْسَمت وَقبلت وحررتك. وَأَيْضًا فَمن الْمَعْلُوم أَن زيدا لم يترج وَإِنَّمَا المترجي الْمُتَكَلّم. وَإِن قدرته خَبرا كَمَا فِي الْبَيْت وَالْآيَة فَلَيْسَ الْمَعْنى على الْإِخْبَار وَلِهَذَا لَا يَصح تَصْدِيق قَائِله وَلَا تَكْذِيبه. فَإِن قلت: يخلص من هَذَا الْإِشْكَال أَنهم نصوا على أَن كَانَ وَمَا أشبههَا أَفعَال جَارِيَة مجْرى الأدوات فَلَا يلْزم فِيهَا حكم سَائِر الْأَفْعَال. قلت: قد اعْتَرَفُوا مَعَ ذَلِك بِأَنَّهَا مُسندَة إِذْ لَا يَنْفَكّ الْفِعْل الْمركب عَن الْإِسْنَاد إِلَّا إِن كَانَ زَائِدا أَو مؤكداً على خلف فِي هذَيْن أَيْضا. وَقَالُوا: إِن كَانَ مُسندَة إِلَى مَضْمُون الْجُمْلَة. وَقد بَينا أَن الْفِعْل الإنشائي لَا يُمكن إِسْنَاده لغير الْمُتَكَلّم. وَإِنَّمَا الَّذِي يخلص من الْإِشْكَال أَن يدعى أَنَّهَا هُنَا حرف بِمَنْزِلَة لَعَلَّ كَمَا قَالَ سِيبَوَيْهٍ والسيرافي بحرفيتها فِي نَحْو: عَسى وعساك وعساه. وَقد ذهب أَبُو كبر وَجَمَاعَة إِلَى أَنَّهَا حرف دَائِما. وَإِذا حملناها على الحرفية زَالَ الْإِشْكَال إِذْ الْجُمْلَة الإنشائية حِينَئِذٍ اسمية لَا فعلية كَمَا تَقول: لَعَلَّ زيدا يقوم. فاعرف الْحق ودع التَّقْلِيد واستفت نَفسك وَإِن أفناك النَّاس. هَذَا كَلَام ابْن هِشَام وَهُوَ خلاف مَسْلَك الشَّارِح الْمُحَقق.) وَقَالَ ابْن هِشَام فِي شرح الْمثل: إِن عَسى للإشفاق والغوير: مَاء لكَلْب مَعْرُوف. قَالَ ابْن الْكَلْبِيّ. وَهُوَ فِي الأَصْل مصغر غور أَو غَار. والأبؤس: جمع بؤس وَهُوَ الشدَّة. وأصل الْمثل أَن الزباء لما قتلت جذيمة جَاءَ قصير إِلَى عَمْرو بن عدين فَقَالَ: أَلا تَأْخُذ ثأر خَالك فَقَالَ:

كَيفَ السَّبِيل إِلَى ذَلِك. فَعمد قصير إِلَى أَنفه فجدعها فَقيل: لأمر مَا جدع قصير أَنفه وأتى الزباء وَزعم أَنه فر إِلَيْهَا وَأَنَّهُمْ آذوه بِسَبَبِهَا وَأقَام فِي خدمتها مُدَّة يتجر لَهَا ثمَّ إِنَّه أَبْطَأَ عَنْهَا فِي السّفر فَسَأَلت عَنهُ فَقيل: أَخذ فِي طَرِيق الغوير فَقَالَت: عَسى الغوير أبؤساً. ثمَّ لم يلبث أَن جَاءَ بالجمال عَلَيْهَا صناديق فِي جوفها الرِّجَال فَلَمَّا دخلُوا الْبَلَد خَرجُوا من الصناديق وانضاف إِلَيْهِم الرِّجَال الموكلون بالصناديق فَقتلُوا فِي النَّاس قتلا ذريعاً وَقتلُوا أهل الزباء وأسروها وفقؤوا عينهَا وَأتوا بهَا عمرا فَقَتلهَا. وَقيل: إِنَّهَا امتصت خَاتمًا كَانَ مَعهَا مسموماً. وَمعنى الْمثل: لَعَلَّ الشَّرّ يَأْتِي من قبل الغوير. يضْرب للرجل يتَوَقَّع الشَّرّ من جِهَة بِعَينهَا. وَجَاء رجل إِلَى عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه يحمل لقيطاً فَقَالَ لَهُ عمر: عَسى الغوير أبؤساً. قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: عرض بِهِ أَي: لَعَلَّك صَاحب اللَّقِيط. وَوهم ابْن الخباز فِي أصل الْمثل فَقَالَ: قالته الزباء حِين ألجأها قصير إِلَى غارها. انْتهى. وَفِي الصِّحَاح: قَالَ الْأَصْمَعِي: أَصله أَنه كَانَ غَار فِيهِ نَاس فانهار عَلَيْهِم أَو أَتَاهُم فِيهِ عَدو فَقَتلهُمْ فَصَارَ مثلا لكل شَيْء يخَاف أَن يَأْتِي مِنْهُ شَرّ. قلت: وَتَكون الزباء تَكَلَّمت بِهِ تمثلاً. وَهَذَا حسن لِأَن الزباء فِيمَا زَعَمُوا رُومِية فَكيف يحْتَج بكلامها وَقد يُقَال: وَجه الْحجَّة أَن الْعَرَب تمثلت بِهِ بعْدهَا. وَاخْتلف فِي ناصب أبؤساً فَعِنْدَ سِيبَوَيْهٍ وَأبي عَليّ أَنه عَسى

وَأَن ذَلِك من مُرَاجعَة الْأُصُول. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: يصير محذوفة. وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ: التَّقْدِير: أَن يكون أبؤساً كَقَوْلِه: الوافر لعمر أَبِيك إِلَّا الفرقدان وَمنع سِيبَوَيْهٍ أَن يكون إِضْمَار فِيهِ لِأَن فِيهِ إِضْمَار الْمَوْصُول وَقدر إِلَّا صفة. وَقيل التَّقْدِير: يكون أبؤساً وَفِيه مَجِيء الْفِعْل بعد عَسى بِغَيْر أَن وإضمار كَانَ غير وَاقعَة بعد أَدَاة تطلب الْفِعْل. وَقيل التَّقْدِير: عَسى الغوير يَأْتِي بأبؤس وَفِيه ترك أَن وَإِسْقَاط الْجَار توسعاً.) وَلَكِن يشْهد لَهُ قَول الْكُمَيْت: الْبَسِيط (قَالُوا أَسَاءَ بَنو بكر فَقلت لَهُم ... عَسى الغوير بإبآس وإغوار) وتلخص: أَن أبؤساً خبر لعسى أَو لَكَانَ أَو لصار أَو مفعول بِهِ. وَأحسن من ذَلِك كُله أَن يقدر يبأس أبؤساً فَيكون مَفْعُولا مُطلقًا وَيكون مثل قَوْله تَعَالَى: فَطَفِقَ مسحاً أَي: يمسح مسحاً وَقَول أبي دهبل الجُمَحِي: الطَّوِيل (لَأَوْشَكَ صرف الدَّهْر تَفْرِيق بَيْننَا ... وَلَا يَسْتَقِيم الدَّهْر والدهر أَعْوَج) أَي: لَأَوْشَكَ يفرق بَيْننَا تفريقاً ثمَّ حذف الْفِعْل وأقيم الْمصدر مقَامه وأضيف إِلَى ظرفه.

(الشاهد التاسع والأربعون بعد السبعمائة)

انْتهى كَلَام ابْن هِشَام وَهَذَا خلاف مَا اخْتَارَهُ فِي الْمُغنِي قَالَ فِيهِ: الصَّوَاب أَنَّهُمَا أَي: الْبَيْت والمثل مِمَّا حذف فِيهِ الْخَبَر أَي: يكون أبؤساً وأكون صَائِما لِأَن فِي ذَلِك إبْقَاء لَهما على الِاسْتِعْمَال الْأَصْلِيّ وَلِأَن المرجو كَونه صَائِما لَا نفس الصَّائِم. انْتهى. وَاعْترض عَلَيْهِ بِأَنَّهُ إِنَّمَا يكون ذَلِك إبْقَاء على الِاسْتِعْمَال الْأَصْلِيّ أَن لَو جعل التَّقْدِير أَن يكون وَقد ذكر جَمِيع أوجه عَسى فِي الِاسْتِعْمَال ومذاهب النَّحْوِيين فِيهَا فِي مُغنِي اللبيب. وَقَول الشَّاعِر: أكثرت فِي العذل ... . إِلَخ يجوز أَن يكون بَيْتا مصرعاً من تَامّ الرجز من ضربه الأول وَأَن يكون بَيْتَيْنِ من مشطوره. وَقد نسب إِلَى رؤبة بن العجاج وَلم أَجِدهُ فِي ديوَان رجزه. وَالله أعلم. وَأنْشد بعده: لعمر أَبِيك إِلَّا الفرقدان هَذَا عجز وصدره: وكل أَخ مفارقه أَخُوهُ وَتقدم شَرحه مفصلا فِي الشَّاهِد الْأَرْبَعين بعد الْمِائَتَيْنِ. وَأنْشد بعده (الشَّاهِد التَّاسِع وَالْأَرْبَعُونَ بعد السبعمائة)

الطَّوِيل (هَمَمْت وَلم أفعل وكدت وليتني ... تركت على عُثْمَان تبْكي حلائله) كَذَا قدره أَبُو عَليّ فِي كتاب الشّعْر وَأورد لَهُ نظيراً. وَالْمرَاد: هَمَمْت بقتْله وَلم أَفعلهُ وكدت أَقتلهُ. وَأوردهُ صَاحب الْكَشَّاف عِنْد قَوْله تَعَالَى: وَلَقَد هَمت بِهِ وهم بهَا على أَن الْهم الْقَصْد من هم بِالْأَمر: قَصده وعزم عَلَيْهِ كَمَا فِي الْبَيْت. وَمِنْه الْهمام للْملك لِأَنَّهُ إِذا قصد شَيْئا أَمْضَاهُ. والحلائل: جمع حَلِيلَة وَهِي الزَّوْجَة. وَالْمعْنَى: قصدت قتل عُثْمَان بن عَفَّان رَضِيَ اللَّهُ عَنْه وَلم أفعل مَا قصدته وقاربته وليتني تركت زَوْجَاته يبْكين عَلَيْهِ. وَالْبَيْت من أَبْيَات سَبْعَة لضابئ البرجمي قَالَهَا فِي الْحَبْس وَمَات فِيهِ أوردهَا أَبُو تَمام فِي كتاب مُخْتَار أشعار الْقَبَائِل وَهِي: (من قافل أدنى الْإِلَه ركابه ... يبلغ عني الشّعْر إِذْ مَاتَ قَائِله) (فَلَا يقبلن بعدِي امْرُؤ سيم خطة ... حذار لِقَاء الْمَوْت وَالْمَوْت نائله) (وَلَا تتبعيني إِن هَلَكت ملامة ... فَلَيْسَ بِعَارٍ قتل من لَا تُقَاتِلهُ) (فَإِنِّي وَإِيَّاكُم وشوقاً إِلَيْكُم ... كقابض مَاء لم تطعه أنامله) (هَمَمْت وَلم أفعل وكدت وليتني ... تركت على عُثْمَان تبْكي حلائله) (وقائلة لَا يبعدن ذَلِك الْفَتى ... إِذا احمر من برد الشتَاء أصائله)

وَقَوله: من قافل اسْتِفْهَام أَي: من رَاجع وَجُمْلَة: أدنى الْإِلَه ركابه دعائية أَي: قرب الله إبِله إِلَى وَطنه. وَقَوله: سيم خطة أَي: كلف أمرا. ومفعول يقبلن مَحْذُوف. وَقَوله: وَلَا تتبعيني خطاب لامْرَأَته. وَقَوله: فَلَيْسَ بِعَارٍ ... إِلَخ أَي: قتل من لَا تقدر على مقاتلته لِأَن مَاتَ فِي حبس الإِمَام. وَقَوله: وقائلة أَي: رب قَائِله. وَلَا يبعدن أَي: لَا يهلكن من بعد من بَاب فَرح إِذا هلك. وَقَوله: إِذا احمر من برد ... إِلَخ يُرِيد أَنه مضياف فِي الشتَاء وَهُوَ زمن الْقَحْط عِنْد الْعَرَب لعدم نَبَات الأَرْض.) وَقَوله: لَا يبعد الله من أبعده أَي: أهلكه. وضابئ آخِره همزَة بعد مُوَحدَة وأوله ضاد مُعْجمَة وَهُوَ قَائِل الشّعْر. والكبش: السَّيِّد الشجاع. وضابئ هَذَا هُوَ ضابئ بن الْحَارِث بن أَرْطَاة من بني غَالب بن حَنْظَلَة التَّمِيمِي البرجمي بِضَم الْمُوَحدَة وَسُكُون الْمُهْملَة وَضم الْجِيم نِسْبَة إِلَى البراجم وهم سِتّ بطُون من أَوْلَاد حَنْظَلَة بن مَالك بن زيد مَنَاة بن تَمِيم وهم: قيس وَعَمْرو وغالب وكلفة والظليم ومكاشر لقبوا بالبراجم لِأَن رجلا مِنْهُم اسْمه حَارِثَة بن عَامر قَالَ لَهُم: تَعَالَوْا فلنجتمع مثل براجم يَدي هَذِه

وضابئ أدْرك النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وَكن يقنص الْوَحْش فاستعار من بعض بني جَرْوَل بن نهشل كَلْبا اسْمه قرحان بِضَم الْقَاف وَسُكُون الْمُهْملَة بعْدهَا حاء مُهْملَة وَكَانَ يصيد بِهِ الْبَقر والظباء والضباع فطال مكثه عِنْده فطلبوه فَامْتنعَ فَرَكبُوا يطْلبُونَ كلبهم فَقَالَ لامْرَأَته: اخلطي لَهُم فِي قدرك من لُحُوم الْبَقر والظباء والضباع فَإِن عافوا بَعْضًا وأكلوا بَعْضًا تركُوا كلبك لَك وَإِن هم لم يفرقُوا فَلَا كلب لَك. فَلَمَّا أطْعمهُم أكلوه ثمَّ أخذُوا كلبهم فَغَضب ضابئ وَرمى أمّهم بالكلب وَقَالَ: الطَّوِيل (تجشم نحوي وَفد قرحان سربخاً ... تظل بِهِ الوجناء وَهِي حسير) (فأردفتهم كَلْبا فراحوا كَأَنَّمَا ... حباهم بتاج الهرمزان أَمِير) (وقلدتهم مَا لَو رميت متالعاً ... بِهِ وَهُوَ مغبر لكاد يطير) (فيا رَاكِبًا إِمَّا عرضت فبلغن ... أُمَامَة مني والأمور تَدور) ...

(فأمكم لَا تتركوها وكلبكم ... فَإِن عقوق الوالدات كَبِير ) (فَإنَّك كلب قد ضريت بِمَا ترى ... سميع بِمَا فَوق الْفراش بَصِير) (إِذا عثنت من آخر اللَّيْل دخنة ... يبيت لَهُ فَوق الْفراش هرير) فَلَمَّا بَلغهُمْ الشّعْر وَأَنه رمى أمّهم بالكلب اسْتَعدوا عَلَيْهِ عُثْمَان بن عَفَّان رَضِيَ اللَّهُ عَنْه فَقَالَ لَهُ عُثْمَان رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: مَا أعرف فِي الْعَرَب أفحش وَلَا ألأم مِنْك فَإِنِّي مَا رَأَيْت أحدا رمى أحدا بكلب غَيْرك وَإِنِّي لأظنك لَو كنت فِي زمن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ لنزل فِيك وَحي فحبسه فِي السجْن فَقَالَ فِي الْحَبْس أبياتاً مِنْهَا: الطَّوِيل (وَمن يَك أَمْسَى بِالْمَدِينَةِ رَحْله ... فَإِنِّي وقيار بهَا لغريب) وَسَيَأْتِي إِن شَاءَ الله مَعَ الأبيات فِي إِن الْمُشَدّدَة.) فَلَمَّا سَمعهَا أخرجه من الْحَبْس فَأخذ سكيناً فَجَعلهَا فِي أَسْفَل نَعله ليفتك بعثمان فَأعْلم بذلك فَضَربهُ ورده إِلَى الْحَبْس إِلَى أَن مَاتَ فِيهِ. وَفِي ذَلِك قَالَ الأبيات الَّتِي مِنْهَا: هَمَمْت وَلم فعل وكدت وليتني ... ... ... ... . . الْبَيْت وَلم يزل فِي الْحَبْس حَتَّى أَصَابَته الدُّبَيْلَة فَأَنْتن فَمَاتَ فِي الْحَبْس.

(الشاهد الخمسون بعد السبعمائة)

وَلما قتل عُثْمَان جَاءَ عُمَيْر بن ضابئ فرفسه بِرجلِهِ فَكسر ضلعين من أضلاعه وَقَالَ: حبست أبي حَتَّى مَاتَ وَلما كَانَ زمن الْحجَّاج واستعرض أهل الْكُوفَة ليوجههم إِلَى الْمُهلب عرض عَلَيْهِ فيهم عُمَيْر بن ضابئ وَهُوَ شيخ كَبِير يرعش كبرا فَقَالَ: أَيهَا الْأَمِير إِنِّي من الضعْف على مَا ترى ولي ابْن أقوى على الْأَسْفَار مني أفتقبله بديلاً قَالَ: نعم. فَلَمَّا ولى قَالَ قَائِل: أَتَدْرِي من هَذَا أَيهَا الْأَمِير قَالَ: لَا قَالَ: هَذَا عُمَيْر ابْن ضابئ البرجمي الَّذِي يَقُول أَبوهُ: وَحكى الْقِصَّة فَقَالَ الْحجَّاج: ردُّوهُ عَليّ. فَلَمَّا رد قَالَ: أَيهَا الشَّيْخ هلا بعثت إِلَى عُثْمَان بديلاً يَوْم الدَّار إِن فِي قَتلك لصلاحاً للْمُسلمين يَا حرسي اضْرِب عُنُقه وَسمع ضوضاة فَقَالَ: مَا هَذَا قَالُوا: البراجم جَاءَت لتنصر عُمَيْرًا. قَالَ: أتحفوهم بِرَأْسِهِ فَوَلوا هاربين. وَأنْشد بعده (الشَّاهِد الْخَمْسُونَ بعد السبعمائة) وَهُوَ من شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ:

الوافر (عَسى الكرب الَّذِي أمسيت فِيهِ ... يكون وَرَاءه فرج قريب) على أَنه حذف أَن من خبر عَسى وَهُوَ قَلِيل وَالتَّقْدِير: أَن يكون وَرَاءه ... . إِلَخ. وَكَذَا قَالَ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي وَهُوَ ظَاهر كَلَام سِيبَوَيْهٍ قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَاعْلَم أَن من الْعَرَب من يَقُول: عَسى يفعل يشبهها بكاد يفعل فيفعل حِينَئِذٍ فِي مَوضِع الِاسْم الْمَنْصُوب فِي قَوْله عَسى الغوير أبؤساً. فَهَذَا مثل من أَمْثَال الْعَرَب أجروا فِيهِ عَسى مجْرى كَانَ. قَالَ هدبة: وَقَالَ: الطَّوِيل (عَسى الله يُغني عَن بِلَاد ابْن قَادر ... بمنهمر جون الربَاب سكوب) وَقَالَ: الوافر (فَمَا كيس فنجا وَلَكِن ... عَسى يغتر بِي حمق لئيم) اه. قَالَ الأعلم: الشَّاهِد فِي هَذِه الأبيات إِسْقَاط أَن ضَرُورَة وَرفع الْفِعْل. والمستعمل فِي الْكَلَام أَن يكون كَمَا قَالَ تَعَالَى: عَسى أَن يَبْعَثك رَبك وعَسى الله أَن يَأْتِي بِالْفَتْح. والمنهمر: السَّائِل. والجون: الْأسود. والرباب: السَّحَاب. والحمق بِكَسْر الْمِيم: الأحمق.

وَكَذَا قَالَ ابْن عُصْفُور فِي كتاب الضرائر وَبعد أَن أورد هَذِه الأبيات وَغَيرهَا قَالَ: وَمَا ذكرته من أَن اسْتِعْمَال الْفِعْل الْوَاقِع فِي مَوضِع خبر عَسى بِغَيْر أَن ضَرُورَة هُوَ مَذْهَب الْفَارِسِي وَجُمْهُور الْبَصرِيين. وَظَاهر كَلَام سِيبَوَيْهٍ يُعْطي أَنه جَائِز فِي الْكَلَام لِأَنَّهُ قَالَ: وَاعْلَم أَن من الْعَرَب من يقولك عَسى يفعل تَشْبِيها بكاد. فَأطلق القَوْل وَلم يُقيد ذَلِك بالشعر. إِلَّا أَنه يَنْبَغِي أَن لَا يحمل كَلَامه على عُمُومه لما ذكره أَبُو عَليّ من أَنَّهَا لَا تكَاد تَجِيء بِغَيْر أَن إِلَّا فِي ضَرُورَة. وَأَيْضًا فَإِن الْقيَاس يَقْتَضِي أَن لَا يجوز ذَلِك إِلَّا فِي الشّعْر وَلِأَن اسْتِعْمَالهَا بِغَيْر أَن إِنَّمَا هُوَ بِالْحملِ على كَاد لشبهها بهَا من حَيْثُ جمعتهما المقاربة. وَكَاد مَحْمُولَة فِي اسْتِعْمَالهَا بِغَيْر أَن على الْأَفْعَال الَّتِي هِيَ للأخذ فِي الشُّرُوع من جِهَة أَنَّهَا لمقاربة) ذَات الْفِعْل فقربت لذَلِك من الْأَفْعَال الَّتِي هِيَ للأخذ فِي الْفِعْل وَلَيْسَت عَسى كَذَلِك لِأَن فِيهَا تراخياً. أَلا ترى أَنَّك تَقول: عَسى زيد أَن يحجّ الْعَام وَإِنَّمَا عدت فِي أَفعَال المقاربة مَعَ مَا فِيهَا من التَّرَاخِي من جِهَة أَنَّهَا تدخل على الْفِعْل المرجو وَالْفِعْل المرجو قريب بِالنّظرِ إِلَى مَا لَيْسَ بمرجو. فَلَمَّا كَانَت مَحْمُولَة فِي اسْتِعْمَالهَا بِغَيْر أَن على مَا هُوَ مَحْمُول على غَيره ضعف الْحمل فَلم تَجِيء إِلَّا فِي الضَّرُورَة. انْتهى. وَالْبَيْت من قصيدة لهدبة بن خشرم قَالَهَا فِي الْحَبْس وَهِي: ...

(طربت وَأَنت أَحْيَانًا طروب ... وَكَيف وَقد تعلاك المشيب) (يجد النأي ذكرك فِي فُؤَادِي ... إِذا ذهلت على النأي الْقُلُوب) (يؤرقني اكتئاب أبي نمير ... فقلبي من كآبته كئيب) (فَقلت لَهُ: هداك الله مهلا ... وَخير القَوْل ذُو اللب الْمُصِيب) (فَيَأْمَن خَائِف ويفك عان ... وَيَأْتِي أَهله الرجل الْغَرِيب) (أَلا لَيْت الرِّيَاح مسخرات ... بحاجتنا تباكر أَو تؤوب)

(فتخبرنا الشمَال إِذا أتتنا ... وتخبر أهلنا عَنَّا الْجنُوب) (فَإنَّا قد حللنا دَار بلوى ... فتخطئنا المنايا أَو تصيب) (إِن يَك صدر هَذَا الْيَوْم ولى ... فَإِن غَدا لناظره قريب) (وَقد علمت سليمى أَن عودي ... على الْحدثَان ذُو أيد صَلِيب) (وَأَن خليقتي كرم وَأَنِّي ... إِذا أبدت نواجذها الحروب) (أعين على مكارمها وأغشى ... مكارهها إِذا كع الهيوب) (وَقد أبقى الْحَوَادِث مِنْك ركنا ... صليباً مَا تؤيسه الخطوب) (على أَن الْمنية قد توافي ... لوقت والنوائب قد تنوب) هَذَا مَا أوردهُ القالي فِي أَمَالِيهِ وَزَاد بعده الشريف الْحُسَيْنِي فِي حماسته: الوافر (وَإِنِّي فِي العظائم ذُو غناء ... وأدعى للفعال فأستجيب) (وَإِنِّي لَا يخَاف الْغدر جاري ... وَلَا يخْشَى غوائلي الْقَرِيب) (وَكَمن من صَاحب قد بَان عني ... رميت بفقده وَهُوَ الحبيب)) (مَخَافَة أَن يراني مستكيناً ... عَدو أَو يساء بِهِ قريب) (ويشمت كاشح ويظن أَنِّي ... جزوع عِنْد نائبة تنوب) (فبعدك سدت الْأَعْدَاء طرقاً ... إِلَيّ ورابني دهر يريب) ...

(وَأنْكرت الزَّمَان وكل أَهلِي ... وهرتني لغيبتك الكليب) (وَكنت تقطع الْأَبْصَار دوني ... وَإِن وغرت من الغيظ الْقُلُوب) الطَّرب: خفَّة تصيب الْإِنْسَان لفرح أَو حزن. والنأي: الْبعد. ويؤرقني : يسهرني. والاكتئاب: افتعال من الكآبة وَهِي الْحزن. وَأَبُو نمير قَالَ اللَّخْمِيّ: هُوَ ابْن عَمه وَكَانَ مسجوناً مَعَه. وَقَالَ ابْن هِشَام فِي شرح شواهده: هُوَ رجل كَانَ مسجوناً مَعَه فجالسه يَوْمًا وَأظْهر لَهُ التألم. وَقَالَ الْعَيْنِيّ: هُوَ رجل من قرَابَته زار هدبة أَيَّام حَبسه فأظهر الْحزن. والكآبة. وَقَوله: وَخير القَوْل ذُو اللب أَي: قَول ذِي اللب. وَرَوَاهُ ابْن المستوفي: وَخير القَوْل ذُو العيج الْمُصِيب بِالْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّة وَالْجِيم وَقَالَ: وَهُوَ مَأْخُوذ من قَوْلهم: مَا عجت بِهِ أَي: لم أَرض بِهِ. وَإِن روى: العنج بالنُّون فَهُوَ الِاسْم من عنجت الْبَعِير أعنجه عنجاً وَهُوَ أَن يجذب الرَّاكِب قَالَ ابْن السيرافي: والعيج من القَوْل: مَا ينْتَفع بِهِ وَهُوَ مَأْخُوذ من قَوْلهم: مَا عدت بِكَلَامِهِ أَي: مَا انتفعت. كَذَا وجدته: العيج بِفَتْح الْعين وَالْيَاء. وَقَوله: عَسى الكرب الَّذِي أمسيت فِيهِ ... . إِلَخ الكرب: الْهم. قَالَ ابْن المستوفي: رُوِيَ بِفَتْح التَّاء وَضمّهَا من أمسيت. والنحويون إِنَّمَا يَرْوُونَهُ بِالضَّمِّ وَالْفَتْح عِنْدِي أولى لِأَنَّهُ يُخَاطب ابْن عَمه أَبَا نمير وَكَانَ مَعَه فِي السجْن. وَقَوله هَذَا لِابْنِ عَمه ليسليه بِهِ لما رَآهُ من خَوفه أَجود من أَن يكون يُرِيد بِهِ نَفسه لِأَن فِي قَوْله لِابْنِ عَمه زجرا

لَهُ: مهلا أَي: امهل يدل على مَا ذكرته. وَلَا يجوز أَن يُقَال: إِن اكتئاب ابْن عَمه إِنَّمَا كَانَ حذرا على هدبة لِأَنَّهُ لَو كَانَ كَذَلِك لما قَالَ لَهُ: مهلا وَلِأَن الْإِنْسَان أَكثر عناية بِنَفسِهِ من عنايته بِغَيْرِهِ. وَلَا يمْتَنع ضم التَّاء على أَن يُرِيد بِهِ: لَا يضق صدرك بِشَيْء فَإِن الكرب الَّذِي أمسيت فِيهِ يكون لَهُ فرج قريب فيزول مَا عنْدك. انْتهى.) وَعين اللَّخْمِيّ فتح التَّاء قَالَ: الرِّوَايَة عَن أبي الْقَاسِم الزجاجي ضم التَّاء وَإِنَّمَا هِيَ تَاء الْمُخَاطب لِأَن مَا قبل الْبَيْت يدل عَلَيْهَا لِأَنَّهُ يُخَاطب أَبَا نمير وَهُوَ ابْن عَمه وَكَانَ مسجوناً مَعَه. وَقَالَ ابْن هِشَام: وَرَاء ظرف مؤنث تصغيره على وريئة وَظُهُور الْهمزَة فِي تصغيره دَلِيل على أَنه لَيْسَ من واريت كَمَا قَالَ بَعضهم. وَالْأَظْهَر أَنه بِمَعْنى أَمَام كَقَوْلِه تَعَالَى: من وَرَائه جَهَنَّم وَكَانَ وَرَاءَهُمْ ملك يَأْخُذ كل سفينة غصبا. والفرج: انكشاف الْهم. وَفِي يكون ضمير الكرب وَيجوز أَن تكون نَاقِصَة وتامة وعَلى الأول يكون فرج: مُبْتَدأ وَقَرِيب: صفته والظرف: خبر وَالْجُمْلَة الاسمية خبر يكون. وعَلى الثَّانِي تكون الْجُمْلَة حَالا. وَيجوز على الْوَجْهَيْنِ أَن يكون فرج فَاعِلا بالظرف على أَنه خبر النَّاقِصَة وَحَال من فَاعل التَّامَّة. وَهَذَا أرجح من تَقْدِيره مُبْتَدأ. وَإِنَّمَا لم أقدر فرج اسْم يكون على أَنَّهَا النَّاقِصَة ووراءه الْخَبَر أَو فَاعِلا ليَكُون على أَنَّهَا التَّامَّة ووراءه مُتَعَلق

بيكون كَمَا فعل بَعضهم لِأَن فَاعل الْفِعْل الْوَاقِع فِي بَاب كَاد لَا يكون إِلَّا ضميراً رَاجعا للاسم السَّابِق فَلَا يجوز كَاد زيد يَمُوت أَبوهُ. وَمَا خرج عَن ذَلِك نَادِر فَلَا يحمل عَلَيْهِ مَعَ وجود مندوحة عَنهُ. وَكَذَلِكَ لَا يكون اسْم يكون ضمير الشَّأْن كَمَا قدره جمَاعَة لما ذكرنَا. انْتهى كَلَامه. وعان: أَسِير. وَأَرَادَ بدار بلوى: السجْن. والناظر هُنَا: المنتظر. والأيد: الْقُوَّة. وكع: جبن وَخَافَ. وَمَا تؤيسه: مَا تذلله وَمَا تُؤثر بِهِ بِالْمُوَحَّدَةِ بعد الْهمزَة. وَبَاقِي أَلْفَاظ القصيدة ظَاهِرَة. وهدبة هُوَ هدبة بن خشرم بن كرز بن أبي حَيَّة بن الكاهن وَهُوَ سَلمَة ابْن أسحم بن عَامر بن ثَعْلَبَة بن عبد الله بن ذبيان بن الْحَارِث بن سعد بن هذيم وَسعد: ابْن أسلم بن الحاف بن قضاعة وَيُقَال: بل هُوَ سعد بن أسلم بن هذيم وهذيم عبد لِأَبِيهِ رباه فَقيل: سعد بن هذيم يَعْنِي سَعْدا هَذَا. وهدبة شَاعِر فصيح مُتَقَدم من بادية الْحجاز وَكَانَ شَاعِرًا راوية وَكَانَ يروي للحطيئة والحطيئة يروي لكعب بن زُهَيْر. وَكَانَ جميل راوية هدبة وَكثير راوية جميل. وَكَانَ لهدبة ثَلَاثَة أخوة كلهم شَاعِر وَأمه كَانَت شاعرة أَيْضا. كَذَا فِي الأغاني. وهدبة بِضَم الْهَاء وَسُكُون الدَّال بعْدهَا مُوَحدَة. وخشرم بِفَتْح الْخَاء وَسُكُون الشين) المعجمتين. وكرز بِضَم الْكَاف وَسُكُون الْمُهْملَة. وَأَبُو حَيَّة بِفَتْح الْمُهْملَة وَتَشْديد الْمُثَنَّاة التَّحْتِيَّة.

وَسبب حَبسه على مَا رَوَاهُ الْأَصْبَهَانِيّ بِسَنَدِهِ فِي الأغاني: أَن هدبة بن خشرم وَزِيَادَة بن زيد بن مَالك بن عَامر بن قُرَّة بن حنيش بن عَمْرو بن ثَعْلَبَة بن عبد الله ابْن ذبيان بن الْحَارِث بن سعد بن هذيم الْمَذْكُور اصْطَحَبَا وهما مقبلان من الشَّام فِي ركب من قومهما فَكَانَا يتعاقبان السُّوق بِالْإِبِلِ وَكَانَ مَعَ هدبة أُخْته فَاطِمَة فَنزل زِيَادَة فارتجز فَقَالَ: الرجز (أَلا تَرين الدمع مني ساجما ... حذار دَار مِنْك أَن تلائما) (فعرجت مطرداً عراهما ... فعماً يبذ القطف الرواسما) (كَأَن فِي الْمُثَنَّاة مِنْهُ عائما ... إِنَّك وَالله لِأَن تباغما) (خوداً كَأَن البوص والماكما ... مِنْهَا نقاً مخالط صرائما) (خير من استقبالك السمائما ... وَمن مُنَاد يَبْتَغِي معاكما) وَقَوله: مَا بَين أَن يرى الْبَعِير أَي: مَا بَين مناخ الْبَعِير إِلَى قِيَامه. ومطرد: متتابع السّير وعراهم: شَدِيد. وفعم: ضخم. والرسيم: سير فَوق الْعُنُق. والرواسم: الْإِبِل الَّتِي تسير هَذَا السّير. والمثناة الزِّمَام وعائم: سابح. وتباغم: تكلم. والبوص: الْعَجز. والمأكمتان: مَا عَن يَمِين الْعَجز وشماله. والنقا: مَا عظم من الرمل. والصرائم: دونه. ومعاكماً أَي: يعينك على عكمك حَتَّى تشده.

فَغَضب هدبة حِين سمع زِيَادَة يرجز بأخته فَنزل فرجز بأخت زِيَادَة وَكَانَت تدعى أم خازم وَقيل: أم قَاسم فَقَالَ: الرجز (لقد أَرَانِي والغلام الحازما ... نزجي الْمطِي ضمراً سواهُمَا) (يبلغن أم خازم وخازما ... إِذا هبطن مستحيراً قاتما) (وَرفع الْحَادِي لَهَا الهماهما ... أَلا تَرين الْحزن مني دَائِما) (حذار دَار مِنْك أَن تلائما ... وَالله لَا يشفي الْفُؤَاد الهائما) (تمساحك اللبات والماكما ... وَلَا اللمام دون أَن تلازما) (وَلَا اللئام قبل أَن تفاقما ... وَتَعْلُو القوائم القوائما)) وَقَوله: تَقول القلص ... إِلَخ أوردهُ النحويون شَاهدا على إِعْمَال القَوْل إِعْمَال الظَّن. والعياهم: الشداد. قَالَ: فشتمه زِيَادَة وَشَتمه هدبة وتسابا طَويلا فصاح بهما الْقَوْم: اركبا لَا حملكما الله فَإنَّا قوم حجاج. وخشوا أَن يَقع بَينهمَا شَرّ فوعظوهما حَتَّى أمسك كل وَاحِد مِنْهُمَا على مَا فِي نَفسه وهدبة أشدهما حنقاً لِأَنَّهُ رأى أَن زِيَادَة قد ضامه إِذْ رجز بأخته وَهِي تسمع

قَوْله ورجز هُوَ بأخته وَكَانَت أُخْت زِيَادَة غَائِبَة لَا تسمع قَوْله فمضيا وَلم يتحاورا بِكَلِمَة حَتَّى قضيا حجهما ورجعا إِلَى عشائرهما. وَجعل هدبة وَزِيَادَة يتهاديان الْأَشْعَار. وَلم يزل هدبة يطْلب غرَّة زِيَادَة حَتَّى أَصَابَهَا فَقتله وهرب وعَلى الْمَدِينَة يَوْمئِذٍ سعيد بن الْعَاصِ فَأرْسل إِلَى عَم هدبة وَأَهله فحبسهم بِالْمَدِينَةِ فَلَمَّا بلغ هدبة ذَلِك أقبل حَتَّى أمكن من نَفسه وتخلص عَمه وَأَهله فَلم يزل مَحْبُوسًا حَتَّى شخص عبد الرَّحْمَن بن زيد أَخُو زِيَادَة إِلَى مُعَاوِيَة فأورد كِتَابه إِلَى سعيد بِأَن يُقَيِّدهُ مِنْهُ إِذا قَامَت الْبَيِّنَة. فكره سعيد الحكم بَينهمَا فحملهما إِلَى مُعَاوِيَة فَلَمَّا صَارُوا بَين يَدَيْهِ قَالَ لَهُ مُعَاوِيَة: قل يَا هدبة. فَقَالَ: إِن هَذَا الرجل سجاعة فَإِن شِئْت أَن أقص عَلَيْك قصتنا كلَاما أَو شعرًا فعلت. قَالَ: بل شعرًا. فَقل هدبة هَذِه القصدية ارتجالاً: الطَّوِيل (أَلا يَا لقومي للنوائب والدهر ... وللمرء يردي نَفسه وَهُوَ لَا يدْرِي) (وللأرض كم من صَالح قد تأكمت ... عَلَيْهِ فوارته بلماعة قفر) (فَلَا تتقي ذَا هَيْبَة لجلاله ... وَلَا ذَا ضيَاع هن يتركن للفقر) حَتَّى قَالَ: (رمينَا فرامينا فصادف رمينَا ... منايا رجال فِي كتاب وَفِي قدر) (وَأَنت أَمِير الْمُؤمنِينَ فَمَا لنا ... وَرَاءَك من معدى وَلَا عَنْك من قصر) وَهَذَا الْبَيْت الْأَخير من شَوَاهِد النَّحْوِيين. وتأكمت: صَارَت أكمة. وروى بدله: قد توأدت قد تلمأت وتلأمت أَي: وارته.)

فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَة: أَرَاك يَا هدبة قد أَقرَرت بقتل صَاحبهمْ. ثمَّ قَالَ لعبد الرَّحْمَن: هَل لزِيَادَة ولد فَقَالَ: نعم الْمسور وَهُوَ غُلَام صَغِير لم يبلغ وَأَنا عَمه وَولي دم أَبِيه. فَقَالَ: إِنَّك لَا تؤمن على أَخذ الدِّيَة أَو قتل الرجل بِغَيْر حق والمسور أَحَق بِدَم أَبِيه. فَرده إِلَى الْمَدِينَة فحبس ثَلَاث سِنِين حَتَّى بلغ الْمسور. وَذهب عبد الرَّحْمَن بالمسور وَقد بلغ إِلَى وَالِي الْمَدِينَة وَهُوَ سعيد بن الْعَاصِ وَقيل: مَرْوَان بن الحكم فَأخْرج هدبة فَلَمَّا مُضِيّ بِهِ من السجْن للْقَتْل والتفت فَرَأى امْرَأَته وَكَانَت من أجمل النِّسَاء فَقَالَ: الطَّوِيل (أقلي عَليّ اللوم يَا أم بوزعا ... وَلَا تعجبي مِمَّا أصَاب فأوجعا) (وَلَا تنكحي إِن فرق الدَّهْر بَيْننَا ... أغم الْقَفَا وَالْوَجْه لَيْسَ بأنزعا) (كليلاً سوى مَا كَانَ من حد ضرسه ... أعيبد مبطان العشيات أروعا) (ضروباً بلحييه على عظم زوره ... إِذا النَّاس هشوا للفعال تقنعا) (وحلي بِذِي أكرومة وحمية ... وصبر إِذا مَا الدَّهْر عض فأسرعا)

فمالت زَوجته إِلَى جزار وَأخذت شفرته فجدعت بِهِ أنفها وجاءته تدمي مجدوعة فَقَالَت: أتخاف أَن يكون بعد هَذَا نِكَاح قَالَ: فرسف فِي قيوده وَقَالَ: الْآن طَابَ الْمَوْت فَإِذا هُوَ بأبويه يتوقعان الثكل فهما بِسوء حَال فَقبل عَلَيْهِمَا وَقَالَ: الرمل (أبلياني الْيَوْم صبرا مِنْكُمَا ... إِن حزنا إِن بدا بادئ شَرّ) (لَا أَرَانِي الْيَوْم إِلَّا مَيتا ... إِن بعد الْمَوْت دَار المستقر) (اصبرا الْيَوْم فَإِنِّي صابر ... كل حَيّ لقَضَاء وَقدر) قَالَ النَّوْفَلِي: حَدثنِي أبي عَن رجل من عذرة عَن أَبِيه قَالَ: إِنِّي لفي بِلَادنَا يَوْمًا فِي بعض الْمِيَاه فَإِذا أَنا بِامْرَأَة تمشي أَمَامِي وَهِي مُدبرَة وَلها خلق عَجِيب من عجز وهيئة وَتَمام جسم وَتَمام قامة وَإِذا صبيان قد اكتنفاها يمشيان قد ترعرعا فتقدمتها والتفت إِلَيْهَا وَإِذا هِيَ أقبح منظر وَإِذ هِيَ مجدوعة الْأنف مَقْطُوعَة الشفتين فَسَأَلت عَنْهَا فَقيل لي: هَذِه امْرَأَة هدبة تزوجت بعده رجلا أولدها هذَيْن الصَّبِيَّيْنِ. قَالَ ابْن قُتَيْبَة فِي حَدِيثه: فَسَأَلَ سعيد بن الْعَاصِ أَخا زِيَادَة أَن يقبل الدِّيَة عَنهُ فَقَالَ: أُعْطِيك مَا لم يُعْطه أحد من) الْعَرَب: أعطك مائَة نَاقَة حَمْرَاء لَيْسَ فِيهَا ذَات دَاء. فَقَالَ لَهُ: وَالله لَو نقبت لي قبتك هَذِه ثمَّ

وَلم يزل سعيد يسْأَله حَتَّى عرض عَلَيْهِ سِتّ ديات فَأبى فَدفعهُ إِلَيْهِ حِينَئِذٍ لقَتله بأَخيه فَاسْتَأْذن هدبة فِي أَن يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ فَأذن لَهُ فصلاهما وخفف ثمَّ الْتفت إِلَى من حضر فَقَالَ: لَوْلَا أَن يظنّ بِي الْجزع لأطلتهما فقد كنت مُحْتَاجا إِلَى إطالتهما. ثمَّ قَالَ لأَهله: إِنَّه بَلغنِي أَن الْقَتِيل يعقل سَاعَة بعد سُقُوط رَأسه فَإِن عقلت فني قَابض رجْلي وباسطها ثَلَاثًا فَفعل ذَلِك حِين قتل. وَقَالَ قبل أَن يقتل: الطَّوِيل (إِن تقتلوني فِي الْحَدِيد فإنني ... قتلت أَخَاكُم مُطلقًا لم يُقيد) فَقَالَ عبد الرَّحْمَن أَخُو زِيَادَة: وَالله لَا قتلته إِلَّا مُطلقًا من وثَاقه. فَأطلق لَهُ وَتَوَلَّى قَتله ابْنه الْمسور دفع إِلَيْهِ عَمه السَّيْف وَقَالَ: قُم فَاقْتُلْ قَاتل أَبِيك. فَقَامَ فَضَربهُ ضربتين قَتله فيهمَا. وهدبة أول من سنّ رَكْعَتَيْنِ عِنْد الْقَتْل. هَذَا مَا اختصرته من الأغاني.

(الشاهد الحادي والخمسون بعد السبعمائة)

وَأنْشد بعده (الشَّاهِد الْحَادِي وَالْخَمْسُونَ بعد السبعمائة) الطَّوِيل على أَن السِّين فِي قَوْله: ستطفئ قَائِمَة عِنْد الْمُتَأَخِّرين مقَام أَن لِكَوْنِهِمَا للاستقبال. قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ فِي الْمفصل: وَلما انحرف الشَّاعِر فِي هَذَا الْبَيْت عَمَّا عَلَيْهِ الِاسْتِعْمَال جَاءَ بِالسِّين الَّتِي هِيَ نظيرة أَن يَعْنِي لما لم يَأْتِ الشَّاعِر بِمَا حَقه أَن يَجِيء بِهِ مَعَ عَسى فِي الْخَبَر وَهُوَ أَن أَتَى بِمَا يقوم مقَامه فِي الدّلَالَة على الِاسْتِقْبَال وَهُوَ السِّين. وعَلى أَن ذَلِك شَاذ. وكما دخل أَن فِي خبر لَعَلَّ حملا على عَسى دخل السِّين فِي خبر عَسى حملا على لَعَلَّ. وَالْبَيْت آخر أَبْيَات أَرْبَعَة أوردهَا أَبُو تَمام فِي بَاب المراثي من الحماسة وَعَزاهَا لقسام بن رَوَاحَة السنبسي. وَقَبله: (لبئس نصيب الْقَوْم من أخويهم ... طراد الْحَوَاشِي واستراق النَّوَاضِح) (وَمَا زَالَ من قَتْلَى رزاح بعالج ... دم ناقع أَو جاسد غير ماصح) (دَعَا الطير حَتَّى أَقبلت من ضرية ... دواعي دم مهراقة غير بارح) عَسى طَيئ من طَيئ ... ... ... ... . . الْبَيْت) يُرِيد بأخويهم: صاحبيهم يُقَال: يَا أَخا بكر يُرَاد: يَا وَاحِدًا

مِنْهُم. والحاشية: صغَار الْإِبِل ورذالها. والنواضح: جمع نَاضِح وَهِي الْإِبِل الَّتِي يستسقى عَلَيْهَا المَاء جعلت كَأَنَّهَا تنضح الزَّرْع وَالنَّخْل. وطراد وَمَا عطف عَلَيْهِ بدل من نصيب يَقُول: إِنَّهُم لَا يقدمُونَ على الْقَوْم يَعْنِي: بلغ من جبنهم أَن لَا يتَعَرَّضُوا للرعاة إِلَّا سَرقَة يسرقون النَّوَاضِح ويطردون الْحَوَاشِي فيرضون بذلك من طلب الثأر فبئس الْعِوَض ذَلِك من دم أخويهم يهزأ بهم. وَهَذَا تَعْرِيض بِمن وَجب عَلَيْهِ طلب الدَّم فاقتصر على الْغَارة وسرقة الْإِبِل. وَفِيه بعث على طلب الدَّم. وأكد ذَلِك بقوله: وَمَا زَالَ من قَتْلَى رزاح ... . إِلَخ وَهُوَ برَاء مَفْتُوحَة وزاي وحاء مُهْملَة: قَبيلَة من خولان. وقتلى: جمع قَتِيل. وعالج بِالْجِيم: مَوضِع بالبادية فِيهِ رمل. وَالدَّم الناقع بالنُّون وَالْقَاف قيل: الثَّابِت وَقيل: الطري. وَالدَّم الجاسد بِالْجِيم قيل: الْقَدِيم وَقيل: الْيَابِس. والماصح بالصَّاد الْمُهْملَة من مصح كمنع مصوحاً: ذهب وَانْقطع. يَقُول: لَا يزَال من مقتولي هَذِه الْقَبِيلَة بِهَذَا الْمَكَان دم طري ويابس غير زائل. يَعْنِي: أَن دِمَاءَهُمْ بَاقِيَة بِحَالِهَا مَا لم يثاروا بهَا لِأَن غسل تِلْكَ الدِّمَاء إِنَّمَا يكون بِمَا يصب من دِمَاء أعداءهم. وَلم يكتف بِهَذَا الإغراء حَتَّى قَالَ: دَعَا الطير ... . إِلَخ يَقُول: دَعَا دواعي دِمَائِهِمْ طيور الْأَمَاكِن الْبَعِيدَة وَالْجِبَال المطلة حَتَّى أَتَت سباعهم وطيورها وَقعت عَلَيْهَا تَأْكُل مِنْهَا. ومهراقة: الْهَاء ضمير الدَّم يَعْنِي: أَنه مصبوب فِي مَوْضِعه لم يزل وَلم يحل. قَالَ الطبرسي: وَيجوز أَن يُرِيد بالمهراق الْموضع المصبوب فِيهِ الدَّم. وَفِيه حث على طلب الثأر. وضرية: اسْم بِلَاد تشْتَمل على بِلَاد سميت باسم ضرية بنت ربيعَة بن نزار كَمَا قيل للْمَاء الَّذِي بَين

الْبَصْرَة وَمَكَّة الحوءب كجعفر بِالْحَاء الْمُهْملَة سمي بالحوءب بنت كلب بن وبرة. وَقَوله: عَسى طَيئ ... إِلَخ قَالَ المرزوقي: عَسى لَفْظَة وضعت للترجي والتأميل إِلَّا أَنَّهَا تؤذن بِأَن الْفِعْل مُسْتَقْبل مطموع فِيهِ. وَوضع السِّين بدل أَن فِي خبر عَسى لاشْتِرَاكهمَا فِي الدّلَالَة على الِاسْتِقْبَال مَعَ أَن السِّين أشهر فِيهَا. وَمعنى عَسى طَيئ: لَعَلَّ الْبَطن المغلوب من هَذِه الْقَبِيلَة فِي الْقِتَال ينتصف من الْبَطن الْغَالِب مِنْهَا فِيهِ. وَقَوله: بعد هَذِه إِشَارَة إِلَى الْحَالة الْحَاضِرَة بالتذكير الجامعة لكل مَا ذكره.) والغلات: جمع غلَّة بِالضَّمِّ: حرارة الْجوف. وَالْمعْنَى: المرجو من أَوْلِيَاء الدَّم أَن يطلبوا الثأر فِي الْمُسْتَقْبل وَإِن كَانُوا أخروه إِلَى هَذِه الْغَايَة فتسكن نفوس وتبرد قُلُوب. وَكَانَت القبيلتان مَعًا من طَيئ لِأَن طيئاً قبائل يكون أبدا بَينهم قتال. وطيئ بِالْهَمْزَةِ على وزن السَّيِّد وَقد تحذف الْهمزَة فَيبقى كحي. والكلى: جمع كُلية أَو كلوة. والجوانح: الضلوع جمع جانحة. قَالَ بَعضهم: الْغلَّة إِنَّمَا تكون فِي الْقلب وَلكنه أَرَادَ الْمُبَالغَة أَي: تجَاوز الْقلب والكبد إِلَى الْكُلية. وَقَالَ الْخَوَارِزْمِيّ: إِن سُئِلَ أَي غلَّة للكلى حَتَّى أضيفت إِلَيْهَا أُجِيب بِأَن المزاج عِنْد وُرُود الهموم وَالْأَحْزَان عَلَيْهِ مِمَّا ينفعل ويسخن فَإِذا سخن المزاج حمي الْبَوْل واحتد وَالْبَوْل مَمَره على الكلى فَكَأَنَّهُ قَالَ: ستطفئ الغلل الَّتِي يظْهر أَثَرهَا فِي الْبَوْل. هَذَا كَلَامه.

(الشاهد الثاني والخمسون بعد السبعمائة)

وَقَائِل هَذِه الأبيات شَاعِر جاهلي وَهُوَ فِي بعض نسخ الحماسة: قسام بن رَوَاحَة وَفِي بعض آخر مِنْهَا: قسَامَة بن رَوَاحَة بِزِيَادَة الْهَاء. وَهُوَ بِفَتْح الْقَاف وَتَخْفِيف السِّين الْمُهْملَة. وَفِي كل مِنْهُمَا رُوِيَ ابْن رَوَاحَة السنبسي والعنبسي. وَقد أوردهُ الْآمِدِيّ فِي المؤتلف والمختلف فِيمَن يُقَال لَهُ ابْن رَوَاحَة قَالَ: وَمِنْهُم قسام بن رَوَاحَة العنبسي لَيْسَ لَهُ عِنْدِي فِي شعراء طَيئ ذكر. وَأنْشد لَهُ الطَّائِي فِي الحماسة: لبئس نصيب الْقَوْم الأبيات الْأَرْبَعَة. هَذَا مَا ذكره وَلم يرفع نسبه. وَهَذَا نسبه من جمهرة الْأَنْسَاب وَقَالَ: قسَامَة الشَّاعِر ابْن رَوَاحَة بن جلّ بِضَم الْجِيم وَتَشْديد اللَّام ابْن حق بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الْقَاف ابْن ربيعَة ابْن عبد رضى بِضَم الرَّاء الْمُهْملَة وَفتح الضَّاد الْمُعْجَمَة بعْدهَا ألف مَقْصُورَة ابْن ود بِفَتْح الْوَاو وَتَشْديد الدَّال ابْن ود بضبط مَا قبله أَيْضا ابْن معن بن عتود بِفَتْح الْمُهْملَة بعْدهَا مثناة فوقية مَضْمُومَة ابْن عنين بِضَم الْمُهْملَة وَبَين النونين مثناة تحتية ابْن سلامان ابْن ثعل بِضَم الْمُثَلَّثَة وَفتح الْعين الْمُهْملَة ابْن عَمْرو بن وَلم أر فِي نسبه لَا سنبسا وَلَا عنبسا وَالله أعلم. وَأنْشد بعده (الشَّاهِد الثَّانِي وَالْخَمْسُونَ بعد السبعمائة)

الوافر (فعادى بَين هاديتين مِنْهَا ... وَأولى أَن يزِيد على الثَّلَاث) على أَن أولى من مرادفات كَاد وَلَا تسْتَعْمل إِلَّا مَعَ أَن. كَذَا قَالَ ابْن مَالك فِي التسهيل وَمثل لَهُ شراحه بِهَذَا الْبَيْت. قَالَ ابْن عقيل: عادى من العداء بِكَسْر الْعين وَهُوَ الْمُوَالَاة بَين الصيدين بصرع أَحدهمَا على أثر الآخر فِي طلق وَاحِد وَمِنْه قَول امْرِئ الْقَيْس: الطَّوِيل (فَعَاد عداء بَين ثَوْر ونعجة ... داركاً وَلم ينضح بِمَاء فَيغسل) والهادية: أول الْوَحْش وَمِنْه قَول امْرِئ الْقَيْس: (كَأَن دِمَاء الهاديات بنحره ... عصارة حناء بشيب مرجل) وَقَالَ صَاحب الصِّحَاح: أنْشد الْأَصْمَعِي هَذَا الْبَيْت وَقَالَ: أَي قَارب أَن يزِيد. قَالَ ثَعْلَب: وَلم وَاسْتظْهر الشَّارِح الْمُحَقق أَن يكون أولى الْمُسْتَعْمل مَعَ أَن فعلا تَاما مُتَعَدِّيا وَأَن مَعَ منصوبه مَفْعُولا لأولى فَإِنَّهُ بِمَعْنى قَارب وَهُوَ فعل مُتَعَدٍّ. وَإِنَّمَا اسْتَظْهرهُ للُزُوم أَن مَعَ الْفِعْل وَهَذَا خلاف شَأْن أَفعَال المقاربة. وَأما أولى الْمُسْتَعْمل مَعَ اللَّام فِي قَوْلهم: أولى لَك وَأولى لَهُ وَأولى لي فَهُوَ اسْم للوعيد غير منصرف للعلمية وَوزن الْفِعْل. لَا أفعل تَفْضِيل لأَفْعَل بِدَلِيل قَوْلهم: أولاة الْآن. وَهُوَ من الْوَلِيّ وَهُوَ الْقرب. قَالَ الْمبرد فِي الْكَامِل عِنْد إنشاد قَول الخنساء:

المتقارب (هَمَمْت بنفسي كل الهموم ... فَأولى لنَفْسي أولى لَهَا) يَقُول الرجل إِذا حاول شَيْئا فأفلته من بعد مَا كَاد يُصِيبهُ: أولى لَهُ. وَإِذا أفلت من عَظِيمَة قَالَ: أولى لي. ويروى عَن ابْن الْحَنَفِيَّة رَحْمَة الله عَلَيْهِ أَنه كَانَ يَقُول: إِذا مَاتَ ميت فِي جواره أَو فِي دَاره: أولى لي كدت أكون السوَاد المخترم. وَأنْشد لرجل يقتنص الصَّيْد فَإِذا أفلته الصَّيْد قَالَ: أولى لَك. فَكثر ذَلِك مِنْهُ فَقَالَ: الطَّوِيل (فَلَو كَانَ أولى يطعم الْقَوْم صدتهم ... وَلَكِن أولى يترق الْقَوْم جوعا) اه.) وَقَالَ الْفَارِسِي فِي كتاب الشّعْر: أولى: اسْم مُبْتَدأ وَلَك: الْخَبَر. وَلَا يجوز أَن يكون أفعل من كَذَا لِأَن أَبَا زيد حكى أَنهم يَقُولُونَ: أولاة الْآن إِذا أوعدوا. فدخول عَلامَة التَّأْنِيث على أفعل يدلك على أَنه لَيْسَ بأفعل من كَذَا وَأَنه مثل أرملة وأضحاة فِي أَنه على أفعل لَا يُرَاد بِهِ اتِّصَال الْجَار بِهِ إِلَّا أَنهم جعلُوا الْمُؤَنَّث فِيهِ أَيْضا معرفَة كَمَا جعلُوا الْمُذكر كَذَلِك فَصَارَ بِمَنْزِلَة شَيْء سمي بأضحاة فَلم ينْصَرف. فَأَما فِي قَوْله: أولى فَأولى يَا امْرِئ الْقَيْس فَالْخَبَر مِنْهُ مَحْذُوف للْعلم بِهِ. أَلا ترى أَن الْكَلِمَة اسْتعْملت كثيرا فِي الْوَعيد حَتَّى صَارَت علما لَهُ فَحذف الْخَبَر لذَلِك. فَإِن قلت: أَيجوزُ أَن يكون أولى اسْما للْفِعْل وَفِيه ضمير الْمُخَاطب كأف ووشكان وَيكون لَك فِي أولى لَك لَا يكون الْخَبَر وَلكنه

(الشاهد الثالث والخمسون بعد السبعمائة)

بِمَنْزِلَة قَوْلهم لَك فِي: هَلُمَّ لَك للتبيين وَفِي سقيا لَك وَنَحْو ذَلِك وَيكون امْتنَاع التَّنْوِين من الدُّخُول عَلَيْهِ كامتناعه على وشكان وَنَحْوه لَا كَمَا امْتنع من الدُّخُول على غير المنصرف فَالْجَوَاب مَا قدمْنَاهُ من أَن مَوضِع أولى رفع بِالِابْتِدَاءِ. وَيدل على صِحَة ذَلِك أَن أَبَا زيد حكى أَنهم يَقُولُونَ: أولاة الْآن بِالرَّفْع وَهَذَا تَأْنِيث أولى وَلَو كَانَ اسْما للْفِعْل لم يرفع. أَلا ترى أَنَّك لَا تَجِد فِيمَا سمي بِهِ الْفِعْل شَيْئا مَرْفُوعا فَيجْعَل أولى مثله. والآن فِي قَوْلهم: أولاة وَأنْشد بعده: الطَّوِيل وَمَا كدت آيباً على أَنه اسْتعْمل كَاد فِي الضَّرُورَة مثل كَانَ فجَاء خَبَرهَا مُفردا فِي قَوْله: وَمَا كدت آيباً كَمَا يَجِيء خبر كَانَ مُفردا. وَهَذَا قِطْعَة من بَيت وَهُوَ: (فَأَبت إِلَى فهم وَمَا كدت آيباً ... وَكم مثل فارقتها وَهِي تصفر) وَتقدم الْكَلَام عَلَيْهِ مشروحاً فِي الشَّاهِد السَّابِع وَالثَّلَاثِينَ بعد الستمائة. وَأنْشد بعده (الشَّاهِد الثَّالِث وَالْخَمْسُونَ بعد السبعمائة) وَهُوَ من شَوَاهِد س: الرجز قد كَاد من طول البلى أَن يمصحا

على أَنه جَازَ اقتران خبر كَاد ب أَن لما ذكره. قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَقد جَاءَ فِي الشّعْر كَاد أَن يفعل شبهوه بعسى. قد كَاد من طول البلى أَن يمصحا وَقد يجوز فِي الشّعْر أَيْضا لعَلي أَن أفعل بِمَنْزِلَة عَسَيْت أَن أفعل. اه. وَمثله لِابْنِ عُصْفُور فِي الضرائر قَالَ: وَمن ذَلِك عِنْد بعض النَّحْوِيين دُخُول أَن فِي خبر كَاد نَحْو قَول رؤبة: قد كَاد من طول البلى أَن يمصحا وَقَول الآخر: الْخَفِيف (كَادَت النَّفس أَن تفيظ عَلَيْهِ ... إِذْ ثوى حَشْو ريطة وبرود) وَالصَّحِيح أَن دُخُولهَا فِي خبر كَاد ضَرُورَة غلا أَنَّهَا لَيست مَعَ ذَلِك بزائدة لعملها النصب والزائدة لَا تعْمل بل هِيَ مَعَ الْفِعْل الَّذِي

نصبته بِتَأْوِيل مصدر وَذَلِكَ الْمصدر فِي مَوضِع خبر كَاد على حد قَوْلهم: زيد إقبال وإدبار. اه. قَالَ عَليّ بن حَمْزَة الْبَصْرِيّ فِيمَا كتبه على نَوَادِر أبي عَمْرو الشَّيْبَانِيّ وَكَانَ أَبُو عَمْرو والأصمعي يَقُولَانِ: لَا يَقُول عَرَبِيّ: كَاد أَن وَإِنَّمَا يَقُولُونَ: كَاد يفعل. وَهَذَا مَذْهَب جمَاعَة النَّحْوِيين وَالْجَمَاعَة مخطؤون وَقد جَاءَ فِي الشّعْر الفصيح مِنْهُ مَا فِي بعضه مقنع. فَمِمَّنْ ذَلِك مَا أنْشدهُ ابْن الْأَعرَابِي: الرجز وَأنْشد هُوَ وَغَيره: الرجز (حَتَّى ترَاهُ وَبِه إكداره ... يكَاد أَن يَنْطَحُهُ أمجاره) لَو لم ينفس كربه هراره وَأنْشد أَبُو زيد وَغَيره فِي صفة كلب: الرجز (يرثم أنف الأَرْض فِي ذَهَابه ... يكَاد أَن ينسل من إهابه) وَقَالَ بعض الرجاز:) يكَاد من طول البلى أَن يمصحا

وَقَالَ ذُو الرمة: الطَّوِيل (وجدت فُؤَادِي كَاد أَن يستخفه ... رجيع الْهوى من بعض مَا يتَذَكَّر) اه. أقولك مرادهما بقولهمَا: لَا يَقُول عَرَبِيّ كَاد أَن: أَنه لَا يَقُول ذَلِك فِي الْكَلَام وَأما الشّعْر فَهُوَ مَحل الضَّرُورَة. فَلَا خطأ فِي قَوْلهمَا. وَأما مَا ورد فِي صَحِيح البُخَارِيّ: وَكَاد أُميَّة بن أبي الصَّلْت أَن يسلم وَجَاء فِي الحَدِيث أَيْضا: كَاد الْفقر أَن يكون كفرا فنادر. وَقَبله: ربع عَفا من بعد مَا قد انمحى وأنشده ابْن يعِيش: ربع عفاه الدَّهْر طولا فامحى وَرَوَاهُ اللَّخْمِيّ: ربع عفاه الدَّهْر دأباً وامتحى وَلم أر هَذَا الرجز فِي ديوَان رؤبة. وَكَذَلِكَ قَالَ ابْن السَّيِّد فِي شرح أَبْيَات أدب الْكَاتِب وَاللَّخْمِيّ فِي شرح أَبْيَات الْجمل بِأَنَّهُمَا لم يرياه فِي ديوانه. وَالرّبع: الْمنزل حَيْثُ كَانَ. وروى بدله: رسم. والرسم: أثر الدَّار. وَعَفا يكون لَازِما كالرواية الأولى يُقَال: عَفا الْمنزل يعْفُو عفوا وعفواً

وعفاء بِالْفَتْح وَالْمدّ أَي: درس. وَيكون مُتَعَدِّيا كالرواية الثَّانِيَة. يُقَال: عفته الرّيح أَي: محته وامحى أَصله انمحى مُطَاوع محوته محواً أَي: أزلته فامحى أَي: زَالَ وَذهب أَثَره. وَيُقَال: محيته محياً بِالْيَاءِ من بَاب نفع. وَزعم الْعَيْنِيّ أَن من فِي قَوْله: من بعد زَائِدَة وَمَا مَصْدَرِيَّة وَاسم كَاد ضمير رَاجع إِلَى ربع. وَمن تعليلية مُتَعَلقَة بكاد لَا بيمصح لِأَنَّهُ صلَة أَن. والبلى بِالْكَسْرِ وَالْقصر: مصدر بلي الثَّوْب يبْلى إِذا أخلق. وبلي الْمنزل إِذا درس. فَإِن فتحت الْبَاء مددته. ويمصح بِفَتْح الْيَاء وَالصَّاد: مضارع مصح بِفَتْح الصَّاد أَيْضا. قَالَ الْجَوْهَرِي: مصح الشَّيْء) مصوحاً: ذهب وَانْقطع. قَالَ: ومصح الثَّوْب: أخلق. وَللَّه در الْقَائِل: الْكَامِل (يَا بدر إِنَّك قد كُسِيت مشابهاً ... من وَجه أم مُحَمَّد ابْنه صَالح) (وأراك تمصح فِي المحاق وحسنها ... بَاقٍ على الْأَيَّام لَيْسَ بماصح) وَهُوَ فِي الْأَشْهر فعل لَازم وَلم يذكروه مُتَعَدِّيا. وَفِي كثير من كتب اللُّغَة مَا يُخَالِفهُ. فقد ذكره الْهَرَوِيّ وَابْن شُمَيْل والصاغاني مُتَعَدِّيا. وَفِي الْقَامُوس: مصح الله مرضك أَي: أذهبه كمسحه. وَفِي الذيل والصلة للصاغاني: يُقَال للْمَرِيض: مصح الله مَا بك وَمسح وَالصَّاد أَعلَى. وَقَالَ ابْن بري فِيمَا كتبه على درة الغواص: هَذَا غلط لِأَن مسح لَا يتَعَدَّى إِلَّا بِالْبَاء يُقَال: مسحت بالشَّيْء أَي: ذهبت بِهِ. فَلَو كَانَ بالصَّاد قيل: مصح الله بِمَا بك أَي: أذهبه فتعديه بِالْبَاء أَو بِالْهَمْزَةِ فَيُقَال: أمصح الله مَا بك إِذْ لَا يُقَال مصحه بِدُونِ بَاء. اه.

(الشاهد الرابع والخمسون بعد السبعمائة)

وَهَذَا مَأْخُوذ من الجواليقي قَالَ فِي تَكْمِلَة إصْلَاح الْمنطق: مَا تغلط فِيهِ الْعَامَّة. وَيَقُولُونَ فِي الدُّعَاء للْمَرِيض: مسح الله مَا بك. وَكَانَ النَّضر بن شُمَيْل يَقُول: مصح الله مَا بك أَي: أذهبه وَقَالَ اللَّخْمِيّ فِي شرح أَبْيَات الْجمل: سُئِلَ أَبُو بكر الزبيدِيّ عَن قَول الْقَائِل: مصح الله عَنْك بِيَمِينِهِ الشافية أبالسين يكْتب أم بالصَّاد فَقَالَ: الَّذِي أقوله وأعتقده وأرويه أَنه بِالسِّين لَا بالصَّاد فَإِن من كتبه بالصَّاد فَإِنَّمَا ذهب إِلَى قَوْلهم: مصح الظل إِذا ذهب. وَهُوَ قَول النَّضر بن شُمَيْل. وَلَا يلْتَفت إِلَيْهِ لِأَن الصَّاد إِنَّمَا اسْتعْملت فِي الظل خَاصَّة. وَأنْشد بعده (الشَّاهِد الرَّابِع وَالْخَمْسُونَ بعد السبعمائة) الوافر (وَقد جعلت قلُوص ابْني زِيَاد ... من الأكوار مرتعها قريب) على أَنه قد جَاءَ نَادرا خبر جعل جملَة اسمية وَهُوَ قَوْله: مرتعها قريب. قَالَ ابْن جني فِي إِعْرَاب الحماسة: أوقع الْجُمْلَة من الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر موقع الْجُمْلَة من الْفِعْل وَالْفَاعِل أَرَادَ: وَقد جعلت قلُوص ابْني سُهَيْل يقرب مرتعها من الأكوار كَمَا قَالَ:

الطَّوِيل (فقد جعلت نَفسِي على النأي تنطوي ... وعيني على فقد الحبيب تنام) اه. أَقُول: الصَّوَاب فِي التَّقْدِير: تقرب من المرتع بِإِسْنَاد الْفِعْل إِلَى ضمير القلوص فَإِن جَمِيع أَفعَال المقاربة لَا يكون فَاعل خَبَرهَا الْفعْلِيّ إِلَّا ضمير اسْمهَا كَمَا نَص عَلَيْهِ الشَّارِح الْمُحَقق. وَقَالَ الْخَطِيب التبريزي فِي شرح الحماسة: وَقد جعلت قلُوص ابْني سُهَيْل يقرب مرتعها من الأكوار أَي: لم تتباعد فِي الرَّعْي لما حط رَحلهَا لما بهَا من الإعياء فبركت مَكَانهَا. وَجعلت هَاهُنَا بِمَعْنى طفقت وَأَقْبَلت وَلذَلِك لَا يتَعَدَّى. ومرتعها قريب فِي مَوضِع الْحَال. أَي: أَقبلت قلُوص هذَيْن الرجلَيْن قريبَة المرتع من رحالهم. وَهَذِه غَفلَة من الْخَطِيب فَإِنَّهُ بعد أَن قَالَ: إِن جعلت بِمَعْنى طفقت كَيفَ يسوغ لَهُ أَن يَجْعَل الجلمة حَالية. وَسَبقه إِلَى جعل الْجُمْلَة حَالية الإِمَام المرزوقي وتبعهما خضر الْموصِلِي فِي شرح شَوَاهِد التفسيرين. ثمَّ قَالَ الْخَطِيب: قَالَ أَبُو الْعَلَاء: ويروى: فقد جعلت قلُوص ابْني سُهَيْل بِنصب قلُوص وَكثير من النَّاس يرفع القلوص وَهُوَ وَجه رَدِيء لِأَن الْقَائِل إِذا قَالَ: جعلت وَهُوَ يُرِيد المقاربة لم يكن بُد من إِتْيَانه بِالْفِعْلِ كَمَا قَالَ: الطَّوِيل (جعلت وَمَا بِي من جفَاء وَلَا قلى ... أزوركم يَوْمًا وأهجركم شهرا)

وعَلى ذَلِك جَمِيع مَا يرد فَإِذا قَالَ الْقَائِل: جعل زيد فعله جميل وَلم يَأْتِ بِلَفْظ الْفِعْل فَإِنَّمَا يحملهُ على الْمَعْنى كَأَنَّهُ قَالَ: جعل زيد يجمل. وَأحسن من هَذِه الرِّوَايَة أَن تنصب قلوصاً وَيكون فِي جعلت ضمير يعود على الْمَرْأَة الْمَذْكُورَة) وَلَيْسَت جعلت فِي هَذَا القَوْل فِي معنى المقاربة وَإِنَّمَا هِيَ بِمَعْنى صيرت فَلَا تفْتَقر إِلَى فعل وَيكون قَوْله: مرتعها قريب جملَة فِي مَوضِع الْمَفْعُول الثَّانِي كَمَا يُقَال: جعلت أَخَاك مَاله كثير. اه. وَذكر الشلوبين فِيمَا كتب على الحماسة أَن بعض النَّاس أجَاز أَن يكون جعل بِمَعْنى صير وَحذف من جعلت ضمير الشَّأْن وَالتَّقْدِير: وَقد جعلته أَي: جعلت الْأَمر والشأن مرتعها قريب من الأكوار. وَأَن آخر أجَاز أَن يكون على إِلْغَاء جعلت مَعَ تقدمها على حد إجَازَة أبي الْحسن: ظَنَنْت عبد الله منطلق. اه. فَإِن أَرَادَ بِبَعْض النَّاس أَبَا الْعَلَاء فَلَا يَصح نِسْبَة حذف ضمير الشَّأْن إِلَيْهِ فَإِنَّهُ روى بِنصب القلوص على أَنه مفعول أول لجعل بِمَعْنى صير وَالْفَاعِل ضمير الْمَرْأَة. وَيرد على القَوْل الآخر أَن الإلغاء لَا يكون فِي أَفعَال التصيير وَإِنَّمَا يجوز فِي أَفعَال الْقُلُوب. وَقد أَخطَأ الْعَيْنِيّ فِي هَذِه الْكَلِمَة من وَجْهَيْن: الأول: أَنه قَالَ: جعل هُنَا من أَفعَال المقاربة وَإِنَّمَا هِيَ من أَفعَال الشُّرُوع. وَالثَّانِي: أَنه قَالَ: وَجعلت هُنَا على صِيغَة الْمَجْهُول أسندت إِلَى

(الشاهد الخامس والخمسون بعد السبعمائة)

قلُوص. وَإِنَّمَا جعلت بِالْبِنَاءِ للمعلوم وقلوص اسْمهَا وَجُمْلَة: مرتعها قريب من الأكوار فِي مَحل نصب على أَنه خَبَرهَا. والقلوص: النَّاقة الشَّابَّة. ويروى: ابْني سُهَيْل بدل ابْني زِيَاد. والأكوار: جمع كور بِالضَّمِّ وَهُوَ الرحل بأداته. والمرتع: مَوضِع الرتوع وَهُوَ أكل الْمَاشِيَة مَا شَاءَت. تَقول: رتعت الْمَاشِيَة رتوعاً. وَهَذَا الْبَيْت أحد أَبْيَات ثَلَاثَة فِي الحماسة تقدّمت مشروحة فِي الشَّاهِد الثَّانِي وَالْخمسين بعد الثلثمائة. وَأنْشد بعده (الشَّاهِد الْخَامِس وَالْخَمْسُونَ بعد السبعمائة) الْبَسِيط (وَقد جعلت إِذا مَا قُمْت يشقلني ... ثوبي فأنهض نَهَضَ الشَّارِب الثمل) على أَنه قد يَجِيء خبر جعل جملَة شَرْطِيَّة مصدرة بإذا. فجملة: إِذا مَا قُمْت يثقلني ثوبي فِي مَحل نصب على أَنه خبر جعل. (وَقد جعلت إِذا مَا حَاجَة عرضت ... بِبَاب دَارك أدلوها بِأَقْوَام) أَي: أوصلها إِلَيْك بِأَقْوَام. وكقول عبد الله بن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما:

فَجعل الرجل إِذا لم يسْتَطع أَن يخرج أرسل رَسُولا. وعَلى هَذَا يكون ثوبي فَاعل يثقلني وَيكون وُقُوع الْجُمْلَة الشّرطِيَّة خَبرا لجعل موقع الْفِعْل الْمُضَارع نَادرا. وَقد تبع الشَّارِح الْمُحَقق فِي هَذَا ابْن مَالك فِي التسهيل قَالَ فِيهِ: وَرُبمَا جَاءَ خبر جعل جملَة اسمية وفعلية مصدرة بإذا. وَلَا يخفى أَنه إِذا جَازَ تخريجها على مَا ثَبت لَهَا لَا يَنْبَغِي الْعُدُول عَنهُ إِلَى ادِّعَاء الندرة فَإِنَّهُ لَا مَانع من جعل يثقلني خَبرا لَهَا وَيكون ثوبي بدل اشْتِمَال من التَّاء فِي جعلت وَذَلِكَ بِتَقْدِير إِذا ظرفية لَا شَرْطِيَّة. وَكَذَا الْحَال فِي الْبَيْت الثَّانِي وَفِي الْأَثر وَلَكِن فِيهِ شذوذ وَهُوَ مَجِيء الْمَاضِي خَبرا فَلَا يخرج هَذَا عَن قَوْله سَابِقًا: وَيتَعَيَّن فِي جَمِيع أَخْبَار أَفعَال المقاربة ن يكون فَاعل أَخْبَارهَا ضميراً عَائِدًا إِلَى اسْمهَا. واليه ذهب ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي قَالَ: اشترطوا الْإِضْمَار فِي بعض المعمولات. وَمن ذَلِك مَرْفُوع خبر كَاد وَأَخَوَاتهَا إِلَّا عَسى. وَمن الْوَهم قَول جمَاعَة فِي قَول هدبة : إِن فرج قريب اسْم يكون. وَالصَّوَاب أَنه مُبْتَدأ خَبره الظّرْف وَالْجُمْلَة خبر يكون وَاسْمهَا ضمير الكرب وَأما قَوْله: ...

(وَقد جعلت إِذا مَا قُمْت يثقلني ... ثوبي ... ... ... ... . الْبَيْت) فثوبي بدل اشْتِمَال من تَاء جعلت لَا فَاعل يثقلني. اه. إِلَّا أَن مَا اسْتَثْنَاهُ ابْن هِشَام فِي عَسى لم يذكرهُ الشَّارِح الْمُحَقق. قَالَ ابْن هشم: تَقول: كَاد زيد يَمُوت وَلَا تَقول: يَمُوت أَبوهُ. وَيجوز عَسى زيد أَن يقوم أَبوهُ فَترفع السَّبي. وَلَا يجوز رَفعهَا) الْأَجْنَبِيّ نَحْو: عَسى زيد أَن يقوم عَمْرو عِنْده. اه. وَمَا اسْتَثْنَاهُ الشَّارِح الْمُحَقق فِي كَاد نَحْو: كَاد زيد تخرج نَفسه لم يذكرهُ ابْن هِشَام. فَأفَاد كل مِنْهُمَا فَائِدَة لَيست عِنْد الآخر. وَلَقَد صدق الْقَائِل فِي قَوْله: (مَا حوى الْعلم جَمِيعًا أحد ... لَا وَلَو مارسه ألف سنة) لَكِن ابْن مَالك جوز بقلة فِي خبر جَمِيع هَذِه الْأَفْعَال أَن يرفع غير ضمير الِاسْم قَالَ فِي التسهيل: وَيتَعَيَّن عود الضَّمِير من الْخَبَر إِلَى الِاسْم. وَكَون الْفَاعِل غَيره قَلِيل. اه. وَقع فِي بعض نسخ التسهيل: وَرُبمَا جَاءَ خبر جعل جملَة اسمية وفعلية مصدرة بإذا أَو كلما وندر إسنادها إِلَى ضمير الشَّأْن وَدخُول النَّفْي عَلَيْهَا. اه. قَالَ شَارِحه الْمرَادِي: وَلم يتَعَرَّض المُصَنّف لهَذِهِ الزِّيَادَة فِي شَرحه. وَمِثَال تصدره بكلما: جعل زيد كلما جَاءَ عَمْرو ضربه. وَيحْتَاج إِلَى سَماع إِلَّا أَن فِي صَحِيح البُخَارِيّ: فَجعل كلما جَاءَ ليخرج رمى فِي

فِيهِ بِحجر. وَيُمكن تَمْثِيل الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة بِمَا حَكَاهُ الزَّاهِد غُلَام ثَعْلَب: أَنه يُقَال: عَسى زيد قَائِم بِرَفْع الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر بعد عَسى. فيتخرج على أَن فِي عَسى ضمير الشَّأْن. هَذَا إِن جعلنَا الضَّمِير فِي إسنادها إِلَى أَفعَال الْبَاب. وَإِن جَعَلْنَاهُ عَائِدًا إِلَى جعل احْتَاجَ إِلَى سَماع. وَمِثَال الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة: مَا جعل زيد يتَكَلَّم وَقَول أنس: فَمَا جعل يُشِير بِيَدِهِ إِلَى نَاحيَة من السَّمَاء إِلَّا انفرجت. وَلَا يَنْبَغِي أَن يعود الضَّمِير إِلَى أَفعَال الْبَاب إِذْ لم ينْدر دُخُول النَّفْي عَلَيْهَا. اه. وَالْبَيْت من أَبْيَات خَمْسَة لعَمْرو بن أَحْمَر الْبَاهِلِيّ إِلَّا أَن قافيتها رائية لَا لامية كَمَا وَقع فِي إنشاد النَّحْوِيين. والأبيات رَوَاهَا لعَمْرو الْمَذْكُور المرزباني فِي الموشح ورأيتها كَذَلِك بِخَط ابْن نباتة السَّعْدِيّ الْبَغْدَادِيّ صَاحب الْخطب النباتية كتبهَا فِي آخر ديوَان مُحَمَّد ابْن بشير الْخَارِجِي وَرَوَاهَا عَن أبي سعيد السكرِي عَن ابْن حبيب عَن ابْن الْأَعرَابِي وَقد أقوى فِي بَيْتَيْنِ مِنْهَا نَص عَلَيْهِمَا المرزباني وَهِي: الْبَسِيط (مَا للكواعب يَا عيساء قد جعلت ... تزور عني وتطوى دوني الْحجر))

(قد كنت فراج أَبْوَاب مغلقة ... ذب الرياد إِذا مَا خولس النّظر) (فقد جعلت أرى الشخصين أَرْبَعَة ... وَالْوَاحد اثْنَيْنِ مِمَّا بورك النّظر) (وَكنت أَمْشِي على رجلَيْنِ معتدلاً ... فصرت أَمْشِي على رجل من الشّجر) (وَقد جعلت إِذا مَا قُمْت يثقلني ... ثوبي فأنهض نَهَضَ الشَّارِب السكر) قَوْله: مَا للكواعب اسْتِفْهَام إنكاري أنكر إِعْرَاض الكواعب عَنهُ وَهِي جمع كاعب ويه الشَّابَّة الَّتِي نتأ ثديها وَظهر. وعيساء: اسْم امْرَأَة. وازور عَن الشَّيْء وتزاور عَنهُ: مَال عَنهُ. وتطوى بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول. ودوني: أَمَامِي. وَالْحجر بِضَم فَفتح: جمع حجرَة. يُرِيد أَنَّهُنَّ لَا يقبلن عَليّ ويسددن أَبْوَاب الْحجر أَمَامِي. وفراج: مُبَالغَة فارج من فرجت الْبَاب من بَاب ضرب إِذا فَتحته. وذب الرياد بِالنّصب: خبر آخر لَكَانَ وَهُوَ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة أَي: كثير الْحَرَكَة وَالدُّخُول وَالْخُرُوج. يُقَال: فلَان ذب الرياد: وخولس: مَجْهُول خالس الشَّيْء: فَاعل من خلست الشَّيْء إِذا اختطفته بِسُرْعَة على غَفلَة.

يُرِيد أَن النِّسَاء كن يتسارقن النّظر إِلَيّ لحسني وشبابي عِنْدَمَا كنت خَفِيف الْحَرَكَة. وَجعلت من أَفعَال الشُّرُوع. وَإِنَّمَا رأى الشخصين أَرْبَعَة لضعف بَصَره من شيخوخته وسنه. وَقَوله: مِمَّا بورك النّظر تهكم واستهزاء ببصره جعل ضعف بَصَره بركَة لِأَنَّهُ يرِيه الشَّيْء مضاعفاً. وَقَوله: على رجل من الشّجر أَرَادَ الْعَصَا فَإِن الشُّيُوخ يعتمدون عَلَيْهَا فِي الْمَشْي. ويروى: على أُخْرَى من الشّجر أَي: على رجل أُخْرَى من الشّجر. وَقَوله: إِذا مَا قُمْت مَا: زَائِدَة وزيادتها بعد أَدَاة الشَّرْط جَازِمًا أَو غير جازم مطردَة حَتَّى نظمها بَعضهم بقوله: (خُذ لَك ذِي الفائده ... مَا بعد إِذا زائده) وَزعم الْعَيْنِيّ أَن مَا مَصْدَرِيَّة وَأَن التَّقْدِير حِين قيامي. وَقَوله: يثقلني من أثقله الشَّيْء: إِذا أجهده وَأتبعهُ بجعله ثقيلاً. وَقَوله: فأنهض مَعْطُوف على يثقلني فَهُوَ خبر بعد خبر لَا على جعلت كَمَا زعم الْعَيْنِيّ لوَجْهَيْنِ: وَثَانِيهمَا: تناسب المتعاطفين فِي المضارعية وَفِي السَّبَبِيَّة: فَإِن كلا مِنْهُمَا سَبَب للْآخر.) وَزعم الْعَيْنِيّ أَن التَّحْقِيق فِيهِ أَنه أَقَامَ السَّبَب وَهُوَ الإثقال مقَام الْمُسَبّب وَهُوَ النهوض نَهَضَ الشَّارِب. هَذَا كَلَامه.

وأنهض: أقوم وَله مصدران أَحدهمَا مَا فِي الْبَيْت. وَالثَّانِي النهوض. ونهض الشَّارِب: صفة مفعول مُطلق نَائِب عَنهُ أَي: فأنهض نهضاً كنهض الشَّارِب. وَقَالَ الْعَيْنِيّ: نَهَضَ الشَّارِب مَنْصُوب على الْإِطْلَاق وَهَذَا لَا معنى لَهُ وَكَأَنَّهُ يُرِيد على الْمَفْعُول الْمُطلق. وَالسكر بِكَسْر الْكَاف: صفة مشبهة من السكر. وَكَذَلِكَ الثمل بِكَسْر الْمِيم صفة مشبهة وَهُوَ الَّذِي أَخذ مِنْهُ الشَّرَاب قواه. وقافية هَذَا الْبَيْت وَالَّذِي قبله فيهمَا إقواء بِخِلَاف مَا قبلهمَا فَإِن قافيته مَرْفُوعَة. وَعَمْرو بن أَحْمَر الْبَاهِلِيّ شَاعِر إسلامي تقدّمت تَرْجَمته فِي الشَّاهِد السِّتين بعد الأربعمائة. وَقَالَ الْعَيْنِيّ: قَائِل الْبَيْت الشَّاهِد أَبُو حَيَّة النميري. وَقد نسب للْحكم بن عبدل الْأَعْرَج الْأَسدي. وَلَيْسَ بِصَحِيح لِأَنَّهُ لَا يُوجد فِي ديوانه. ويروى الشّطْر الثَّانِي: فَقُمْت قيام الشَّارِب السكر وَمِمَّنْ رَوَاهُ هَكَذَا الجاحظ فِي بَاب العرجان من كتاب الْحَيَوَان لَهُ وَنسبه لأبي حَيَّة النميري هَكَذَا:

(وَقد جعلت إِذا مَا قُمْت يوجعني ... ظَهْري فَقُمْت قيام الشَّارِب) السكر (وَكنت أَمْشِي على رجْلي معتدلاً ... فصرت أَمْشِي على أُخْرَى من الشّجر)

(فعل التعجب)

(فعل التَّعَجُّب) أنْشد فِيهِ: الْبَسِيط يَا مَا أميلح غزلاناً شدن لنا تَمَامه: من هؤليائكن الضال والسمر وَتقدم الْكَلَام عَلَيْهِ فِي خَواص الِاسْم من أول الْكتاب. قيل إِن هَذَا الْبَيْت من أَبْيَات لعَلي بن مُحَمَّد المغربي. وَهُوَ مُتَأَخّر لَهُ قصيدة فِي مدح عَليّ بن عِيسَى وَزِير المقتدر. وَقتل المقتدر فِي شَوَّال سنة عشْرين وثلثمائة. وَأنْشد بعده (الشَّاهِد السَّادِس وَالْخَمْسُونَ بعد السبعمائة) الوافر (ونأخذ بعده بذناب عَيْش ... أجب الظّهْر لَيْسَ لَهُ سَنَام) على أَن نصب الظّهْر على التَّشْبِيه بالمفعول بِهِ. أَقُول: روى ابْن النَّاظِم وَغَيره الظّهْر فِي هَذَا الْبَيْت على ثَلَاثَة أوجه:

الأول: بِالنّصب وَهُوَ ضَعِيف كَمَا قَالَ الشَّارِح الْمُحَقق. وَقَالَ ابْن الجاجب فِي أَمَالِيهِ: وَنصب الظّهْر كنصب الْوَجْه فِي: مَرَرْت بِرَجُل حسن الْوَجْه وَهِي لُغَة فصيحة على التَّشْبِيه بالمفعول. وَمِنْهُم من جعله نصبا على التَّمْيِيز وَلَا حَاجَة إِلَيْهِ لكَونه معرفَة والتمييز الْمَنْصُوب إِنَّمَا يكون بالنكرة. وَفِيه رد على من قَالَ إِنَّه تَمْيِيز كالبيضاوي فَإِنَّهُ اسْتشْهد بِهِ عِنْد قَوْله تَعَالَى: إِلَّا من سفه نَفسه قَالَ: نَفسه مَنْصُوب على التَّمْيِيز كالظهر فِي الْبَيْت. الثَّانِي: رفع الظّهْر على الفاعلية. وَأم أجب فَهُوَ مجرور لَا غير. قَالَ ابْن الجاجب: أوجب مخفوض عَلامَة خفضه الفتحة صفة لذنابٍ أَو عَيْش. وَالْفَتْح إِنَّمَا هُوَ على رفع الظّهْر ونصبه وَأما على جَرّه فأجب مجرور بالكسرة للإضافة. وَأما قطعه إِلَى الرّفْع على أَنه خبر لمبتدأ مَحْذُوف أَو إِلَى النصب بِتَقْدِير: أَعنِي فَلَا يجوز لِأَن) قطع النكرَة غير الموصوفة نَادِر. وَقد خلط الْعَيْنِيّ وَنسب إِلَى ابْن النَّاظِم مَا لم يقلهُ. قَالَ: الاستشهاد فِي قَوْله: أجب الظّهْر فَإِنَّهُ يجوز فِيهِ ثَلَاثَة أوجه: الأول: أجب الظّهْر بِرَفْع أجب وَنصب الظّهْر. وَهَذَا من أَقسَام الضَّعِيف وَهُوَ على تَقْدِير: هُوَ أجب. الثَّانِي: نصب أجب على الحالية وَرفع الظّهْر. وَالثَّالِث: جر أجب على الصّفة لعيش وجر الظّهْر على الْإِضَافَة.

هَذَا كَلَامه. وَتَبعهُ على هَذَا خضر الْموصِلِي فِي شرح أَبْيَات التفسيرين. وأنشده سِيبَوَيْهٍ بِنصب الظّهْر ب أجب على أَن فِي أجب تنويناً مُقَدرا وَلم يظْهر لِأَنَّهُ لَا وَالْبَيْت من أَبْيَات للنابغة الذبياني وَهِي: (ألم أقسم عَلَيْك لتخبرني ... أمحمول على النعش الْهمام) (فَإِنِّي لَا ألومك فِي دُخُول ... وَلَكِن مَا وَرَاءَك يَا عِصَام) (فَإِن يهْلك أَبُو قَابُوس يهْلك ... ربيع النَّاس والشهر الْحَرَام) (ونأخذ بعده بذناب عَيْش ... أجب الظّهْر لَيْسَ لَهُ سَنَام) وَمن حَدِيث هَذِه الأبيات أَن النَّابِغَة كَانَ عِنْد النُّعْمَان ملك الْعَرَب بالحية كَبِيرا عِنْده خَاصّا بِهِ وَكَانَ من ندمائه وَأهل أنسه فحسد على مَنْزِلَته مِنْهُ فاتهموه بِأَمْر ذَكرْنَاهُ فِي مَوَاضِع من هَذَا الْكتاب فَغَضب عَلَيْهِ النُّعْمَان وَأَرَادَ الْبَطْش بِهِ. وَكَانَ للنعمان بواب يُقَال لَهُ: عِصَام بن شهير الْجرْمِي قَالَ للنابغة: إِن النُّعْمَان موقع بك فَانْطَلق فهرب النَّابِغَة إِلَى مُلُوك غَسَّان مُلُوك الشَّام فَكَانَ يمدحهم وَترك النُّعْمَان فَاشْتَدَّ ذَلِك عَلَيْهِ وَعرف أَن الَّذِي بلغه كذب. فَبعث إِلَيْهِ: إِنَّك لم تعتذر من سخطَة إِن كَانَت بلغتك وَلَكنَّا تغيرنا لَك عَن شَيْء مِمَّا كُنَّا عَلَيْهِ وَلَقَد كَانَ فِي قَوْمك مُمْتَنع وحصن فتركته ثمَّ انْطَلَقت إِلَى قوم قتلوا جدي وبيني وَبينهمْ مَا قد علمت. وَكَانَ النُّعْمَان وَأَبوهُ وجده قد أكْرمُوا النَّابِغَة وشرفوه وَأَعْطوهُ مَالا عَظِيما. وَبلغ النَّابِغَة أَن النُّعْمَان ثقيل من مرض أَصَابَهُ حَتَّى أشْفق عَلَيْهِ مِنْهُ فَأَتَاهُ النَّابِغَة فَأَلْقَاهُ مَحْمُولا على رجلَيْنِ ينْقل) مَا بَين الْغمر وقصوره الَّتِي بَين الْحيرَة

فَقَالَ لِبَوَّابِهِ عِصَام: ألم أقسم عَلَيْك لتخبرني ... ... ... ... . الأبيات الْمَذْكُورَة قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: كَانَت مُلُوك الْعَرَب إِذا مرض أحدهم حَملته الرِّجَال على أكتافها يتعاقبونه لِأَنَّهُ عِنْدهم أوطأ من الأَرْض. فعافاه الله وَعَفا عَن النَّابِغَة. قَالَ حسان بن ثَابت: وفدت إِلَى النُّعْمَان فحسدت النَّابِغَة على ثَلَاث لَا أَدْرِي على أيتهن كنت أحسد: أَعلَى إدناء النُّعْمَان لَهُ بعد المباعدة ومسايرته لَهُ وإصغائه إِلَيْهِ أَو على جودة شعره أَو على مَائه بعير من عصافيره أَمر لَهُ بهَا قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: قيل لأبي عَمْرو: أَمن مخافته امتدحه وَأَتَاهُ بعد هربه مِنْهُ أم لغير ذَلِك قَالَ: لَا لعمر الله مَا لمخافته فعل إِن كَانَ إِلَّا آمنا من أَن يُوَجه إِلَيْهِ النُّعْمَان جَيْشًا. وَمَا كَانَ النَّابِغَة يَأْكُل وَيشْرب إِلَّا فِي آنِية الذَّهَب وَالْفِضَّة من عطايا النُّعْمَان وَأَبِيهِ وجده وَلَا يسْتَعْمل غير ذَلِك. وَقَوله: ألم أقسم عَلَيْك ... إِلَخ هُوَ اسْتِفْهَام تقريري وَقَوله: لتخبرني جَوَاب الْقسم. وَقَوله: أمحمول ... . إِلَخ خبر مقدم والهمام مُبْتَدأ مُؤخر وَالْجُمْلَة فِي مَوضِع الْمَفْعُول لتخبرني. وَالتَّحْقِيق أَن الْوَاقِع مَفْعُولا مَحْذُوف مُضَاف إِلَى هَذَا الِاسْتِفْهَام وَالتَّقْدِير: جَوَاب هَذَا الِاسْتِفْهَام.

وَقَالَ الْعَيْنِيّ: وَقيل معنى أمحمول على النعش أَي: هَل مَاتَ فَحمل على النعش أم لَا انْتهى. أَقُول: هَذَا كَلَام من لم يصل إِلَى العنقود. والهمام: الْملك الْعَظِيم الهمة. وَقَوله: فَإِنِّي لَا ألومك ... إِلَخ لَا ألومك فِي تَركك الْإِذْن لي فِي الِانْتِهَاء إِلَى الْملك وَلَكِن أَخْبرنِي بكنه أمره. وَرَوَاهُ الْعَيْنِيّ: فَإِنِّي لَا ألام على دُخُول وَقَالَ: أَي لَا ألام على ترك الدُّخُول عَلَيْهِ لِأَنِّي مَحْجُوب لَا أصل إِلَيْهِ لغضبه عَليّ. وَهَذَا خلاف مَا رَوَاهُ النَّاس. وَقَوله: مَا وَرَاءَك يَا عِصَام صَار مثلا عِنْد الْعَرَب وَأوردهُ الزَّمَخْشَرِيّ فِي أَمْثَاله قَالَ فِيهِ: هُوَ من قَول النَّابِغَة يضْرب فِي الاستخبار عَن الشَّيْء وَهُوَ عِصَام بن شهبر الْبَاهِلِيّ حَاجِب النُّعْمَان.) وَمن شعر عِصَام هَذَا: الرجز (نفس عِصَام سودت عصاما ... وعلمته الْكر والإقداما) وَالْبَيْت الأول من هَذَا مثل أَيْضا يضْرب لمن شرف بِنَفسِهِ لَا بآبائه. وَفِي الْأَمْثَال أَيْضا: كن عصامياً وَلَا تكن عظامياً أَي: افتخر بِنَفْسِك لَا بعظام آبَائِك البالية.

قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: وَهُوَ عِصَام الْخَارِجِي وَإِنَّمَا سمته الْعَرَب خارجياً لِأَنَّهُ خرج عَن غير أولية كَانَت لَهُ. ويحكى أَن الْحجَّاج ذكر عِنْده رجل بِالْجَهْلِ فَأَرَادَ اختباره فَقَالَ: أعظامي أم عصامي أَرَادَ: أشرفت بآبائك الَّذين صَارُوا عظاماً أم بِنَفْسِك فَقَالَ الرجل: أَنا عصامي عِظَامِي. فَقَالَ الْحجَّاج: هَذَا أفضل النَّاس فَقضى حَوَائِجه وَمكث عِنْده ثمَّ فتشه فَوَجَدَهُ أَجْهَل النَّاس فَقَالَ لَهُ: تصدقني أَو لأَقْتُلَنك كَيفَ أجبتني بِمَا أجبتني حِين سَأَلتك عَمَّا سَأَلتك قَالَ: لم أعلم أعصامي خير أم عِظَامِي فَخَشِيت أَن أَقُول أَحدهمَا فَقلت: كليهمَا فَإِن ضرني أَحدهمَا نَفَعَنِي الآخر. فَقَالَ الْحجَّاج عِنْد ذَلِك: الْمَقَادِير تصير العيي خَطِيبًا. وَقَوله: فَأن يهْلك أَبُو قَابُوس ... إِلَخ هُوَ كنية النُّعْمَان وقابوس: مُعرب كاووس كطاووس اسْم أحد مُلُوك الْفرس. وَقَوله: ربيع النَّاس إِلَخ يُرِيد أَنه كَانَ كالربيع فِي الخصب لمجتديه وكالشهر الْحَرَام لجاره أَي: لَا يُوصل إِلَى من أجاره كَمَا لَا يُوصل فِي الشَّهْر الْحَرَام إِلَى أحد. وَالْمعْنَى: إِن يمت النُّعْمَان يذهب خير الدُّنْيَا عَنْهَا كَانَت تعمر بِهِ وبجوده وعدله ونفعه للنَّاس. وَمن كَانَ فِي ذمَّته وسلطانه فَهُوَ آمن على نَفسه محقون الدَّم كَمَا يَأْمَن النَّاس فِي الشَّهْر الْحَرَام على دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالهمْ. وروى بدله: وَالنعَم الركام بِالضَّمِّ أَي: المتراكمة. وَقَوله: ونأخذ بعده ... إِلَخ الذناب والذنابة بكسرهما والذنابى بِالضَّمِّ وَالْقصر: الذَّنب. قَالَ الشنتمري: الْمُسْتَعْمل للبعير وَنَحْوه الذَّنب وللطائر الذنابي وللعين وَنَحْوهَا الذنابة ولمالا خير فِيهِ. والأجب بِالْجِيم: الْجمل الْمَقْطُوع السنام والسنام: حدبة الْبَعِير. يَقُول: إِن مَاتَ بَقينَا

فِي طرف عَيْش قد مضى صَدره ومعظمه وَخَبره وَقد بَقِي مِنْهُ ذَنبه وَيكون الْعَيْش كبعير قد جب سنامه.) يُرِيد: صَار النَّاس بعده فِي أسوإ حَال وأضيق عَيْش وَذَلِكَ وتمسكوا مِنْهُ بِمثل ذَنْب بعير أجب الظّهْر. والسنام يستعار كثيرا للعز حَتَّى كَأَنَّهُ غلب فِيهِ. وَقد أورد أَبُو الْقَاسِم الزجاجي هَذِه الأبيات الثَّلَاثَة فِي أَمَالِيهِ الصُّغْرَى وَالْوُسْطَى وَقَالَ فيهمَا: أما عِصَام فحاجب النُّعْمَان. يَقُول: لَا ألومك إِن منعتني من الْوُصُول إِلَيْهِ وَلَكِن عرفني خَبره. وَكَانَ الْملك إِذا مرض يَجْعَل فِي وَأما قَوْله: ونأخذ بعده فَيجوز فِيهِ الرّفْع وَالنّصب والجزم. وَأما الْجَزْم فعلى الْعَطف على قَوْله: يهْلك ربيع النَّاس. وَالرَّفْع على الْقطع والابتداء وَالنّصب بِالصرْفِ على إِضْمَار أَن. وَكَذَلِكَ كل مَعْطُوف بعد جَوَاب الْجَزَاء من الْأَفْعَال الْمُسْتَقْبلَة تجوز فِيهِ هَذِه الْأَوْجه الثَّلَاثَة. وَقَوله: أجب الظّهْر يَعْنِي مَقْطُوع الظّهْر. وَهَذَا تَمْثِيل وتشبيه. ويروى: أجب الظّهْر بخفضهما جَمِيعًا على إِضَافَة أجب إِلَى الظّهْر ويروى: أجب الظّهْر بِفَتْح أجب وَنصب الظّهْر على أَن يكون مَوضِع أجب خفضاً وَلكنه لَا ينْصَرف وبنصب الظّهْر على التَّشْبِيه بالمفعول بِهِ ويضمر فِي أجب الْفَاعِل كَأَنَّهُ قَالَ: أجب الظّهْر بِالتَّنْوِينِ ثمَّ مَنعه من التَّنْوِين لِأَنَّهُ لَا ينْصَرف وَهُوَ فِي تَقْدِير قَوْلك: مَرَرْت بِرَجُل حسن الْوَجْه وَكثير المَال وَطيب الْعَيْش. ويروى: أجب الظّهْر على أَنه فِي مَوضِع خفض وَرفع الظّهْر بِهِ كَأَنَّهُ قَالَ: أجب ظَهره فَأهل الْكُوفَة

يجْعَلُونَ الْألف وَاللَّام عقيب الْإِضَافَة وَأهل الْبَصْرَة يضمرون مَا يعلق الذّكر بِالْأولِ وَتَقْدِيره عِنْدهم: أجب الظّهْر مِنْهُ. انْتهى. وَتَقَدَّمت تَرْجَمَة النَّابِغَة الذبياني فِي الشَّاهِد الرَّابِع بعد الْمِائَة. وَأنْشد بعده وَهُوَ من شَوَاهِد س: الطَّوِيل وَللَّه عينا حبتر أَيّمَا فَتى على أَنه قد يُسْتَفَاد من الِاسْتِفْهَام معنى التَّعَجُّب كَمَا هُنَا فَإِن فِيهِ معنى التَّعَجُّب من الفتوة كَمَا تَقول: أَي رجل زيد وَقد تَضَمَّنت أَي معنى الْمَدْح والتعجب الَّذِي تضمنته نعم وحبذا. وَأي: إِذا أضيفت إِلَى مُشْتَقّ من صفة يُمكن الْمَدْح بهَا كَانَت للمدح بِالْوَصْفِ الَّذِي اشتق مِنْهُ الِاسْم الَّذِي أضيفت إِلَيْهِ. فَإِذا قلت: مَرَرْت بِفَارِس أَي فَارس فقد أثنيت عَلَيْهِ بالفروسية خَاصَّة.) وَإِن أضيفت إِلَى غير مُشْتَقّ فَهِيَ للثناء عَلَيْهِ بِكُل صفة يُمكن أَن يثنى عَلَيْهِ بهَا فَإِذا قلت: مَرَرْت بِرَجُل، أَي رجل، فقد أتيت عَلَيْهِ ثَنَاء عَاما فِي كل مَا يمدح بِهِ الرجل. قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَسَأَلته - يَعْنِي الْخَلِيل - عَن قَوْله: ...

(فأومأت إِيمَاء خفِيا لحبتر ... وَللَّه عينا حبتر أَيّمَا فَتى) فَقَالَ: أَيّمَا تكون صفة للنكرة، وَحَالا للمعرفة، وَتَكون استفهاماً مَبْنِيا عَلَيْهَا، ومبنية على غَيرهَا، وَلَا تكون لتبيين الْعدَد، وَلَا فِي الِاسْتِثْنَاء نَحْو قَوْلك: أَتَوْنِي إِلَّا زيدا. أَلا ترى أَنَّك لَا تَقول لَهُ: عشرُون أَيّمَا رجل وَلَا أَتَوْنِي إِلَّا أَيّمَا رجل. وَالنّصب فِي مثله رجلا كالنصب فِي عشْرين رجلا. فأيما لَا تكون فِي الِاسْتِثْنَاء، وَلَا يخْتَص بهَا نوع من الْأَنْوَاع، وَلَا يُفَسر بهَا عدد. وَأَيّمَا فَتى اسْتِفْهَام. أَلا ترى أَنَّك تَقول سُبْحَانَ الله من هُوَ وَمَا هُوَ؟ فَهَذَا اسْتِفْهَام فِيهِ معنى التَّعَجُّب. وَلَو كَانَ خَبرا لم يجز ذَلِك، لِأَنَّهُ لَا يجوز فِي الْخَبَر أَن تَقول: من هُوَ، وتسكت. انْتهى. قَالَ النّحاس: قد فسر الْخَلِيل أَيّمَا بقوله تكون صفة للنكرة، كَقَوْلِك: مَرَرْت بِرَجُل أَيّمَا رجل، وَحَالا للمعرفة، أَي: إِن شِئْت، رويت: (فَللَّه عينا حبتر أَيّمَا فَتى) بِالنّصب، أَي: كَامِلا ن ومبنياً عَلَيْهَا، كَقَوْلِك: أَيّمَا رجل، مَبْنِيَّة على غَيرهَا، نَحْو: زيد أَيّمَا رجل، وَلَا تكون لتبيين الْعدَد، وَلَا فِي الِاسْتِثْنَاء، لِأَنَّهَا لم تقو فِي الصِّفَات. على أَن الْأَخْفَش قد أجَاز ذَلِك. انْتهى. وَقَالَ الأعلم: رفع: " أَيّمَا " بِالِابْتِدَاءِ وَالْخَبَر مَحْذُوف، وَالتَّقْدِير: أَي فَتى هُوَ، وَمَا زَائِدَة مُؤَكدَة. وَفِي أَي معنى الْمَدْح والتعجب. وصف أَنه أَمر ابْن أُخْت لَهُ يُقَال لَهُ: حبتر، بنحر نَاقَة من أَصْحَابه، لِأَنَّهُ كَانَ فِي غير مَحَله، ليخلفها عَلَيْهِ إِذا لحق بأَهْله. وَأَوْمَأَ إِلَيْهِ بذلك حَتَّى لَا يشْعر بِهِ أحد، ففهم عَنهُ وَعرف إِشَارَته لذكائه، وحدة بَصَره. والإيماء: الْإِشَارَة بِعَين أَو يَد. انْتهى.

وروى الْمبرد فِي الْكَامِل الرّفْع وَالنّصب فِي أَيّمَا فَتى فِي الْبَيْت قَالَ عِنْد الْكَلَام على قَول ليلى الأخيلية: الطَّوِيل قَوْلهَا: أَي نظرة نَاظر يصلح فِيهِ الرّفْع وَالنّصب على قَوْله: نظرت أَي نظرة وأية نظرة وأيتما نظرة وَأَيّمَا نظرة كَمَا تَقول: مَرَرْت بِرَجُل أَيّمَا رجل. وتأويله: بِرَجُل كَامِل. فأيما فِي مَوضِع: كَامِل. وَتقول: مَرَرْت بزيد أَيّمَا رجل على الْحَال. وَمن قَالَ أَي نظرة هِيَ فعلى الْقطع والابتداء) والمخرج مخرج اسْتِفْهَام وَتَقْدِيره أَي نظرة هِيَ كَمَا تَقول: سُبْحَانَ الله أَي رجل زيد. وَهَذَا الْبَيْت ينشد على وَجْهَيْن: فأومأت إِيمَاء خفِيا لحبتر وَللَّه عينا حبترٍ أَيّمَا فَتى وَأَيّمَا إِن شِئْت على مَا فسرنا. انْتهى كَلَامه. وَقد أنْشدهُ ابْن مَالك فِي بَاب الْمَوْصُول من شرح التسهيل بِنصب أَيّمَا على أَنه حَال من حبتر. وَأنْكرهُ أَبُو حَيَّان فِي شَرحه وَقَالَ: أَصْحَابنَا أنشدوه بِالرَّفْع على أَنه مُبْتَدأ أَو خبر مُبْتَدأ وقدروه: أَي فَتى. وَلم يذكر أَصْحَابنَا كَون أَي تقع حَالا وَإِنَّمَا ذكرُوا لَهَا خَمْسَة أَقسَام: مَوْصُولَة وشرطية واستفهامية وَصفَة لنكرة ومنادى. هَذَا كَلَامه على مَا ذكره الْعَيْنِيّ وَمَا نَقَلْنَاهُ من كَلَام الْأَئِمَّة يرد عَلَيْهِ. وَقَول الْمرَادِي فِي شَرحه تبعا لأوّل كَلَام أبي حَيَّان: أنْشدهُ المُصَنّف بِنصب أَي على الْحَال وَلَا أكاد أَقْْضِي الْعجب من قَول الْعَيْنِيّ: الاستشهاد فِيهِ أَن أياً فِيهِ صفة وَقد علم وروى الْمبرد فِي الْكَامِل الرّفْع وَالنّصب فِي أَيّمَا فَتى فِي الْبَيْت قَالَ عِنْد الْكَلَام على قَول ليلى الأخيلية: الطَّوِيل قَوْلهَا: أَي نظرة نَاظر يصلح فِيهِ الرّفْع وَالنّصب على قَوْله: نظرت أَي نظرة وأية نظرة وأيتما نظرة وَأَيّمَا نظرة كَمَا تَقول: مَرَرْت بِرَجُل أَيّمَا رجل. وتأويله: بِرَجُل كَامِل. فأيما فِي مَوضِع: كَامِل. وَتقول: مَرَرْت بزيد أَيّمَا رجل على الْحَال. وَمن قَالَ أَي نظرة هِيَ فعلى الْقطع والابتداء) والمخرج مخرج اسْتِفْهَام وَتَقْدِيره أَي نظرة هِيَ كَمَا تَقول: سُبْحَانَ الله أَي رجل زيد. وَهَذَا الْبَيْت ينشد على وَجْهَيْن: فأومأت إِيمَاء خفِيا لحبتر وَللَّه عينا حبترٍ أَيّمَا فَتى وَأَيّمَا إِن شِئْت على مَا فسرنا. انْتهى كَلَامه. وَقد أنْشدهُ ابْن مَالك فِي بَاب الْمَوْصُول من شرح التسهيل بِنصب أَيّمَا على أَنه حَال من حبتر. وَأنْكرهُ أَبُو حَيَّان فِي شَرحه وَقَالَ: أَصْحَابنَا أنشدوه بِالرَّفْع على أَنه مُبْتَدأ أَو خبر مُبْتَدأ وقدروه: أَي فَتى. وَلم يذكر أَصْحَابنَا كَون أَي تقع حَالا وَإِنَّمَا ذكرُوا لَهَا خَمْسَة أَقسَام: مَوْصُولَة وشرطية واستفهامية وَصفَة لنكرة ومنادى. هَذَا كَلَامه على مَا ذكره الْعَيْنِيّ وَمَا نَقَلْنَاهُ من كَلَام الْأَئِمَّة يرد عَلَيْهِ. وَقَول الْمرَادِي فِي شَرحه تبعا لأوّل كَلَام أبي حَيَّان: أنْشدهُ المُصَنّف بِنصب أَي على الْحَال

وَلَا أكاد أَقْْضِي الْعجب من قَول الْعَيْنِيّ: الاستشهاد فِيهِ أَن أياً فِيهِ صفة وَقد علم أَنه صفة لمعْرِفَة وَحَال من نكرَة وَلَا يُضَاف إِلَّا إِلَى نكرَة. انْتهى. وَهَذَا من نمط اختراع الخراع الَّذِي صنعه الصَّفَدِي وَقصد بِهِ التحميض. وَالْبَيْت من قصيدة لِلرَّاعِي النميري وَأورد مِنْهَا أَبُو تَمام فِي الحماسة ثَلَاثَة عشر بَيْتا وَكَانَ نزل بالراعي رجل من بني كلاب فِي ركب مَعَه لَيْلًا فِي سنة مُجْدِبَة وَقد عزبت عَن الرَّاعِي إبِله فَأَشَارَ إِلَى حبتر بخفية فَنحر لَهُم نَاقَة وأحلهم وصبحت الرَّاعِي إبِله فَأعْطى رب النَّاقة نَاقَة مثلهَا وزاده نَاقَة ثنية فَقَالَ هَذِه القصيدة فِي هَذِه الْقَضِيَّة. وهجاه بَعضهم فِي نحر نَاقَة ضَيفه بِأَبْيَات وَأجَاب عَنْهَا الرَّاعِي بقصيدة وَالْجمع مَذْكُور فِي بَاب الهجاء من الحماسة. قَالَ الطبرسي فِي شرح الحماسة: حبتر بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الْمُوَحدَة وَفتح الْمُثَنَّاة من فَوق هُوَ ابْن أخي الرَّاعِي وَمَعْنَاهُ فِي اللُّغَة الْقصير من النَّاس وَإِنَّمَا رسم لَهُ عرقبتها فِي السِّرّ بعد أَن اخْتَارَهَا مَخَافَة أَن يمْتَنع صَاحبهَا بِمَا هم بِهِ فِيهَا. وَقَوله: وَللَّه عينا حبتر اعْتِرَاض. وَإِذا عظموا الشَّيْء نسبوا ملكه إِلَى الله تَعَالَى. وَأَيّمَا فَتى

(الشاهد الثامن والخمسون بعد السبعمائة)

ينشد بِالرَّفْع وَالنّصب فالرفع على تَقْدِير أَيّمَا فَتى هُوَ وَالنّصب على الْحَال. انْتهى. وَأنْشد بعده) (الشَّاهِد الثَّامِن وَالْخَمْسُونَ بعد السبعمائة) الْبَسِيط (وَقد وجدت مَكَان القَوْل ذَا سَعَة ... فَإِن وجدت لِسَانا قَائِلا فَقل) لما ذكره من معنى أحسن أَي: صفة بالْحسنِ كَيفَ شِئْت. فَإِن فِيهِ مِنْهُ كل مَا يُمكن أَن يكون فِي شخص كالبيت فَإِن مَعْنَاهُ وجدت مَكَانا لِلْقَوْلِ بِكَثْرَة مَا فِيهِ من المناقب فَإِن كَانَ لَك لِسَان قَائِل فَقل مَا شِئْت أَي: فلست تحْتَاج فِي شَيْء غَائِب إِلَى مدحه. وَالْبَيْت من قصيدة للمتنبي مدح بهَا سيف الدولة. وَقَبله: (والمدح لِابْنِ أبي الهيجاء تنجده ... بالجاهلية عين العي والخطل) تنجده: تعينه. والخطل: اضْطِرَاب القَوْل. وَهَذَا تَعْرِيض بِأبي الْعَبَّاس النامي فَإِنَّهُ مدح سيف الدولة بقصيدة ذكر فِيهَا آبَاء الَّذين

كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّة. يَقُول: إِذا مدحت وأعنته بكر آبَائِهِ الجاهليين كَانَ ذَلِك عين العي ثمَّ وضح هَذَا الْمَعْنى وتممه بقوله: أَي: لَيْت مَا مدح بِهِ من الشّعْر استوفى ذكر مناقبه وَمَتى يتفرغ الشّعْر لذكر كُلَيْب وَأهل الدهور السَّابِقَة. (خُذ مَا ترَاهُ ودع شَيْئا سَمِعت بِهِ ... فِي طلعة الشَّمْس مَا يُغْنِيك عَن زحل) يَقُول: امدحه بِمَا تشاهده واترك مَا سَمِعت فَإِن الشَّمْس تغنيك عَن زحل. وَجعله كَالشَّمْسِ وآباءه كزحل. وَالْمعْنَى: فِيمَا قرب مِنْك عوض عَمَّا بعد عَنْك وَلَا سِيمَا إِذا كَانَ الْقَرِيب أفضل من الْبعيد. وَقد وجدت مَكَان القَوْل ذَا سَعَة ... ... ... ... . الْبَيْت وترجمة المتنبي تقدّمت فِي الشَّاهِد الْحَادِي وَالْأَرْبَعِينَ بعد الْمِائَة. وَهَذَا الْبَيْت إِنَّمَا أوردهُ لتنظير معنى بِمَعْنى.

(أفعال المدح والذم)

(أَفعَال الْمَدْح والذم) أنْشد فِيهِ (الشَّاهِد التَّاسِع وَالْخَمْسُونَ بعد السبعمائة) الرمل على أَن طرفَة اسْتعْمل نعم على الأَصْل بِفَتْح النُّون وَكسر الْعين. قَالَ ابْن جني فِي الْمُحْتَسب عِنْد قِرَاءَة يحيى بن وثاب: فَنعم عَقبي الدَّار: أصل قَوْلنَا: نعم الرجل زيد: نعم كعلم. وكل مَا كَانَ على فعل وثانيه حرف حلقي فَلهم فِيهِ أَربع لُغَات وَذَلِكَ نَحْو: فَخذ ونغر بِفَتْح الأول وَكسر الثَّانِي على الأَصْل. وَإِن شِئْت أسكنت الثَّانِي وأقررت الأول على فَتحه. وَإِن شِئْت أسكنت ونقلت الكسرة إِلَى الأول. وَإِن شِئْت أتبعت الكسرَ الْكسر. وَكَذَلِكَ الْفِعْل نَحْو: ضَحِك وَإِن شِئْت ضَحْك وَإِن شِئْت ضِحْكَ. وَإِن شِئْت ضِحِك. فعلى هَذَا القَوْل نَعِم الرجل وَإِن شِئْت نَعْم وَإِن شِئْت نِعْم وَإِن شِئْت نِعِم. فَعَلَيهِ جَاءَ: فَنعم عُقبى الدَّار وأنشدنا أَبُو عَليّ لطرفة: (ففداء لبني قيس على ... مَا أصَاب النَّاس من سر وضر) (مَا أقلت قدمي إِنَّهُم ... نِعَم الساعون فِي الْأَمر المبر) وروينا عَن قطرب: نَعٍ مَ الرجل زيد بإشباع كسرة الْعين وإنشاء

يَاء بعْدهَا المطافيل والمساجيد. وَلَا بُد من أَن يكون الْأَمر على مَا ذكرنَا لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي أَمْثِلَة الْأَفْعَال فَعِيلَ الْبَتَّةَ. انْتهى. وَقد بسط القَوْل على نعم وَبئسَ ابْن الْأَنْبَارِي فِي مسَائِل الْخلاف وَابْن الشجري فِي الْمجْلس السِّتين من أَمَالِيهِ وَقيد قِرَاءَة يحيى بن وثاب بِفَتْح الْفَاء وَسُكُون الْعين. وَقَوله: ففداء لبني قيس ... إِلَخ قَالَ شرَّاح أَبْيَات الْمفصل وَغَيره: أَي: أَنا فدَاء لهَذِهِ الْقَبِيلَة. والسر والضر بضمهما: السَّرَّاء وَالضَّرَّاء. وَمَا: دوامية. والإقلال: الرّفْع. وَقدمي: فَاعل أقلت. وَرُوِيَ: قدمايَ بالتثنية. وَعَلَيْهِمَا فمفعول أقلت مَحْذُوف التَّقْدِير: أقلتني. وَإِنَّهُم تَعْلِيل لقَوْله ففداء. وَرُوِيَ أَيْضا:) مَا أقلت قدم ناعلها والناعل: لابس النَّعْل أَي: سَاتِر الْقدَم بالنعل. وَرُوِيَ أَيْضا: ثمَّ نادوا أَنهم فِي قَومهمْ أَي قَالُوا: هَؤُلَاءِ الْقَوْم هم الَّذين قَالَ النَّاس فِي حَقهم: نعم الساعون هم فِي الْأَمر المبر. فالمخصوص بالمدح مَحْذُوف. والمبر: اسْم فَاعل من أبر فلَان على أَصْحَابه أَي: غلبهم. أَي: هم نعم الساعون فِي الْأَمر الْغَالِب الَّذِي عجز النَّاس عَن دَفعه. هَذَا مَا قَالُوا، والمروي فِي ديوَان طرفَة فِي عدَّة نسخ الْبَيْت الأول كَمَا رَوَاهُ ابْن جني وَالْبَيْت الثَّانِي كَذَا: (خَالَتِي وَالنَّفس قدماً إِنَّهُم ... نعم الساعون فِي الْقَوْم الشّطْر)

قَالَ شَارِح ديوانه الأعلم الشنتمري: يَقُول: نَفسِي فدَاء لبني قيس على مَا أصَاب النَّاس من أَمر يسر هم أَو يضرهم. والسر والضر: السَّرَّاء وَالضَّرَّاء. وَقَوله: فِي الْقَوْم الشّطْر يَعْنِي الْبعدَاء من النَّاس الغرباء. وَوَاحِد الشّطْر شطير. وأصل الشطير: النَّاحِيَة. وكل من بعد عَن أَهله فقد أَخذ فِي نَاحيَة من الأَرْض. يَقُول: سَعْيهمْ فِي الغرباء أحسن سعي. انْتهى. وَفهم من كَلَامه أَن قَوْله: خَالَتِي مُبْتَدأ وَالنَّفس مَعْطُوف عَلَيْهِ. وَقَوله: فدَاء خبر لَهما مقدم. لَكِن ينظر: مَا وَجه ذكر الْخَالَة هَاهُنَا وقدماً بِالْكَسْرِ: ظرف مُتَعَلق بنعم وَلَا يمْنَع مِنْهُ ذكر إِن الْمَكْسُورَة لِأَنَّهُ ظرف اغتفر فِيهِ التَّقَدُّم. وَقيس: أَبُو قَبيلَة الشَّاعِر وَإِنَّمَا جعل نَفسه فدَاء لِبَنِيهِ لأَنهم يتبادرون فِي إغاثة الملهوف. وَهَذَا نسب طرفَة الشَّاعِر: طرفَة بن العَبْد بن سُفْيَان بن سعد بن مَالك بن ضبيعة ابْن قيس بن ثَعْلَبَة بن عكابة بن صَعب بن عَليّ بن بكر بن وَائِل. والبيتان من قصيدة طَوِيلَة لطرفة تقدم بعض أَبْيَات مِنْهَا فِي بَاب اسْم الْفَاعِل فِي الشَّاهِد السَّابِع بعد الستمائة. وَهَذِه أَبْيَات قبل الْبَيْت الشَّاهِد: ...

(نَحن فِي المشتاة نَدْعُو الجفلى ... لَا ترى الآدب فِينَا ينتقر) (حِين قَالَ النَّاس فِي مجلسهم ... أقتار ذَاك أم ريح قطر)) (بجفان تعتري نادينا ... من سديف حِين هاج الصنبر) (كالجوابي لَا تني مترعة ... لقرى الأضياف أَو للمحتضر) (وَلَقَد تعلم بكر أننا ... آفَة الجزر مساميح يسر) (وَلَقَد تعلم بكر أننا ... فاضلو الرَّأْي وَفِي الروع وقر) (يكشفون الضّر عَن ذِي ضرهم ... ويبرون على الآبي المبر) (فضل أحلامهم عَن جارهم ... رحب الأذرع بِالْخَيرِ أَمر) (ذلق فِي غَارة مسفوحة ... ولدى الْبَأْس حماة مَا نفر) (نمسك الْخَيل على مكروهها ... حِين لَا يمْسِكهَا إِلَّا الصَّبْر) (حِين نَادَى الْحَيّ لما فزعوا ... ودعا الدَّاعِي وَقد لج الذعر) (أَيهَا الفتيان فِي مَجْلِسنَا ... جردوا مِنْهَا وراداً وشقر) ثمَّ وصف الْخَيل بِأَبْيَات تِسْعَة، وَقَالَ: (ففداء لبني قيس على ... مَا أصَاب النَّاس من سر وضر) (خَالَتِي وَالنَّفس قدماً إِنَّهُم ... نعم الساعون فِي الْقَوْم الشّطْر) قَوْله: نَحن فِي المشتاة ... إِلَخ قَالَ شَارِحه الأعلم الشنتمري: يُرِيد زمن الشتَاء وَالْبرد وَذَلِكَ أَشد الزَّمَان. والجفلى: أَن يعم بدعوته إِلَى الطَّعَام وَلَا يخص وَاحِدًا دون آخر. والآدب: الَّذِي يَدْعُو إِلَى المأدبة

وَهِي كل طَعَام يدعى إِلَيْهِ. والانتقار: أَن يَدْعُو النقرى وَهُوَ أَن يخصهم وَلَا يعمهم. يَقُول: لَا يخص الْأَغْنِيَاء وَمن يطمعون فِي مكافاته وَلَكنهُمْ يعمون طلبا للحمد ولاكتساب الْمجد. وَقَوله: حِين قَالَ النَّاس ... إِلَخ القتار بِالضَّمِّ: رَائِحَة اللَّحْم إِذا شوي. والقطر بِضَمَّتَيْنِ: الْعود الَّذِي يتبخر بِهِ. يَقُول: نَحن نطعم فِي شدَّة الزَّمَان إِذا كَانَ ريح القتار عِنْد الْقَوْم بِمَنْزِلَة رَائِحَة الْعود لما فِيهِ من الْجهد وَالْحَاجة إِلَى الطَّعَام. وَقَوله: يجفان تعتري ... إِلَخ أَي: ندعوهم إِلَى الجفان. وَمعنى تعتري: تلم بِهِ وتأتيه. والنادي: مجْلِس الْقَوْم ومتحدثهم. والسديف: قطع السنام. والصنبر أَشد مَا يكون من الْبرد. قَالَ ابْن جني فِي الخصائص الصنبر بنُون مُشَدّدَة وباء سَاكِنة. وَكَانَ حَقه إِذا نقلت الْحَرَكَة أَن تكون الْبَاء مَضْمُومَة لِأَن الرَّاء مَرْفُوعَة وَلكنه قدر الْإِضَافَة إِلَى الْفِعْل يَعْنِي الْمصدر كَأَنَّهُ قَالَ:) حِين هيج الصنبر. يَعْنِي: أَنه نقل الكسرة فِي الْوَقْف إِلَى الْبَاء الساكنة وسكنت الرَّاء. قَالَ الدماميني فِي الْحَاشِيَة الْهِنْدِيَّة بعد أَن نقل الْكَلَام: وَهَذَا من الغرائب فَإِن الصنبر لَا شكّ فِي كَونه فَاعِلا بهاج لكنه أعربه بالكسرة نظرا إِلَى أَن الْفِعْل فِي معنى الْمصدر الْمُضَاف إِلَى هَذَا الْفَاعِل ثمَّ نقل الكسرة. وَقد نظمته لغزاً فَقلت: الطَّوِيل (أيا عُلَمَاء الْهِنْد إِنِّي سَائل ... فمنوا بتحقيق بِهِ يظْهر السِّرّ) ...

(أرى فَاعِلا بِالْفِعْلِ أعرب لَفظه ... بجر وَلَا حرف يكون بِهِ الْجَرّ) (وَلَيْسَ بمحكي وَلَا بمجاور ... لذِي الْخَفْض وَالْإِنْسَان للبحث يضْطَر) فَهَل من جَوَاب مِنْكُم أستفيده فَمن بحركم مَا زَالَ يستخر الدّرّ وَقد اسْتشْهد الْجَوْهَرِي بِبَيْت طرفَة على أَن الصنبر بِكَسْر الْبَاء: شدَّة الْبرد فَجعل الكسرة أَصْلِيَّة وَجوز أَن تكون الْبَاء سَاكِنة فِي الأَصْل وَلَكِن حركت بِالْكَسْرِ للضَّرُورَة. وعَلى هَذَا لَا يلغز. انْتهى كَلَامه. قَالَ الشمني: وَقد سبق الدماميني إِلَى اللغز فِي ذَلِك بِأبي سعيد فرج الْمَعْرُوف بِابْن لب النَّحْوِيّ الأندلسي فِي منظومته النونية فِي الألغاز النحوية فَقَالَ: وَفِي شرحها: يَعْنِي الصِّنَبِر من قَول طرفَة. اه. وَقَوله: كالجوابي لاتني ... . إِلَخ الجوابي: جمع جابية وَهُوَ الْحَوْض الْعَظِيم يجبى فِيهِ المَاء أَي: يجمع. شبه الجفان بهَا فِي سعتها وعظمها. والمترعة: المملوءة. قَوْله: لَا تني أَي: لَا تفتر وَلَا تزَال. والقرى: الْقيام بالضيف. والمحتضر: النَّازِل على المَاء اسْم فَاعل من احْتضرَ. والمحاضر: الْمِيَاه وَاحِدهَا محْضر كجعفر. يَقُول: لَا تزَال جفاتنا مترعة لم جَاءَنَا ضيفاً أَو لمن كَانَ حَاضرا مَعنا نازلاً على مائنا. وَقَوله: وَلَقَد تعلم بكر ... إِلَخ الجزر: جمع جزور. والمساميح: الأسخياء. واليسر: الداخلون فِي الْيُسْر. يُرِيد: تفضل اراؤنا وسياستنا

رَأْي غَيرنَا وَلَا نخف عِنْد الروع بل نثبت ونتوقر. وَقَوله: ويبرون أَي: يغلبُونَ ويظهرون. على الآبي أَي: الْمُمْتَنع. أيك نَحن نغلب الآبي الْغَالِب. وَقَوله: فضل أحلامهم يَقُول: إِن جهل جارهم حلموا عَنهُ حلماً فَاضلا وَلم يكافئوه على جَهله.) وَقَوله: رحب الأذرع أَي: واسعو الصَّدْر بِالْمَعْرُوفِ. وَأمر: جمع أُمُور وَهُوَ الْكثير الْأَمر. وَقَوله: ذلق فِي غَارة أَي: مسرعون إِلَى الْغَارة متقدمون فِيهَا. وَأَصله من ذَلِك السَّيْف إِذا كَانَ والمسفوحة: المصبوبة وَيُقَال: هِيَ الْكَثِيرَة. والحماة: جمع حام وَهُوَ الَّذِي يحمي حريمه وعشيرته. وَقَوله: نمسك الْخَيل يَقُول: نصبر على ارتباط الْخَيل وَالْقِيَام عَلَيْهَا. وَقَوله: على مكروهها أَي: نمسكها على شدَّة الزَّمَان وجوع النَّاس ونؤثرها على أَنْفُسنَا. وَيحْتَمل أَن يُرِيد نمسك الْخَيل على مَا نَلْقَاهُ من شدَّة الْحَرْب وجهدها وَلَا ننهزم. وَإِنَّمَا ذكر مَكْرُوه الْخَيل لِأَنَّهُ إِذا أَصَابَهَا مَكْرُوه فِي الْحَرْب فهم أَجْدَر أَن يصيبهم. وَالْبَيْت الَّذِي بعده يدل على هَذَا التَّفْسِير الثَّانِي. وَقَوله: وَقد لج الذعر أَي: دَامَ الذعر فِي الْقلب وَاشْتَدَّ. والذُّعر: الْفَزع وحرك الْعين إتباعاً لحركة الذَّال. وَقَوله: أَيهَا الفتيان ... إِلَخ جردوا مِنْهَا وراداً أَي: ألقوا عَنْهَا جلالها

وأسرجوها للقاء. وَقيل: الجريدة من الْخَيل وَهِي الَّتِي تخْتَار فتجرد أَي: تكمش فِي مُهِمّ الْأُمُور. والوراد: جمع ورد. وشقر: جمع أشقر وحرك الثَّانِي إبتاعاً للْأولِ. وَتَقَدَّمت تَرْجَمَة طرفَة بن العَبْد فِي الشَّاهِد الثَّانِي وَالْخمسين بعد الْمِائَة. وَأنْشد بعده: الْكَامِل تقدم شَرحه مُسْتَوْفِي عَلَيْهِ الْكَلَام فِي الشَّاهِد الْحَادِي والثمانين بعد الْمِائَتَيْنِ. وَأنْشد بعده: الْكَامِل فمضيت ثمت قلت لَا يعنيني على أَن ثمَّ إِذا لحقتها التَّاء اخْتصّت بعطف قصَّة على قصَّة. تقدم هَذَا من الشَّارِح الْمُحَقق فِي بَاب الْمُذكر والمؤنث أَيْضا وَهُوَ الْمَشْهُور. وَقد وَقع فِي شعر رؤبة عطف الْمُفْرد بهَا قَالَ: الرجز (فَإِن تكن سوائق الْحمام ... ساقتهم للبلد الشآم) فبالسلام ثمت السَّلَام

وَقَول الشَّارِح الْمُحَقق: وَقد جوزه ابْن الْأَنْبَارِي وَلَا أَدْرِي مَا صِحَّته أَقُول: تجويزه مَأْخُوذ من) شعر رؤبة. وَحِينَئِذٍ صِحَّته وَاضِحَة. وَالْمَذْكُور عجز وصدره: وَلَقَد أَمر على اللَّئِيم يسبني وَتقدم الْكَلَام عَلَيْهِ مرَارًا وَأول مَا ذكر فِي الشَّاهِد الْخَامِس وَالْخمسين. وَأنْشد بعده السَّرِيع (ماوي يَا ربتما غَارة ... شعواء كاللذعة بالميسم) على أَن التَّاء لحقت رب للإيذان بِأَن مجرورها مؤنث وَمَا زَائِدَة بَين رب ومجورها كَمَا قَالَه الشَّارِح الْمُحَقق فِي رب من حُرُوف الْجَرّ. وَالْبَيْت أول أَبْيَات أَرْبَعَة لضمرة بن ضَمرَة النَّهْشَلِي أوردهَا أَبُو زيد فِي نوادره. وَبعده: (ناهبتها الْغنم على طيع ... أجرد كالقدح من الساسم) (ماوي بل لست برعديدة ... أبلخ وجاد على المعدم) (لَا وألت نَفسك خليتها ... للعامريين وَلم تكلم) وماويَّ: منادى مرخم ماوية اسْم امْرَأَة. وَيَا فِي قَوْله: يَا ربتما

للتّنْبِيه لَا للنداء. وَفِي رِوَايَة أبي زيد: ماوي بل ربتما قَالَ أَبُو زيد: الشعواء: الْغَارة المنتشرة وَهِي بِالْعينِ الْمُهْملَة. والذعة بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة وَالْعين الْمُهْملَة من لذعته النَّار إِذا أحرقته. هَذَا مَا رَوَاهُ أَبُو زيد قَالَ الْعَيْنِيّ: وَإِنَّمَا اللدغة بِالدَّال المهلمة والغين الْمُعْجَمَة: المكوى. اه. وَهَذَا مُعَارضَة النَّقْل بِالرَّأْيِ. قَالَ أَبُو زيد: والميسم: مَا يوسم بِهِ الْبَعِير بالنَّار. وَقَوله: ناهبتها جَوَاب رب أَي: نهبت بالغارة الْغنم بِالضَّمِّ وَهِي الْغَنِيمَة. والغارة: اسْم من أغار الْقَوْم إغارة أَي: أَسْرعُوا فِي السّير. وَقَوله: على طيع أَي: فرس طيع وَهُوَ فيعل من الطوع وَهُوَ الانقياد. قَالَ أَبُو زيد: طيع: فرس لين الْعَنَان طوع. وأجرد بِالْجِيم وَالرَّاء قَالَ أَبُو زيد: هُوَ قصير الشّعْر. وَهُوَ صلب كَأَنَّهُ قدح من خشب الساسم الآبنوس وَهُوَ الساسم. والقدح بِكَسْر الْقَاف: السهْم قبل أَن يراش وينصل. والساسم بسينين مهملتين مفتوحتين قَالَ) أَبُو الْحسن الْأَخْفَش فِيمَا كتبه هُنَا: وأنشدت عَن ابْن الْأَعرَابِي: ناهبتها الْغنم على صُنْتُع وَزعم أَنه الصلب الشَّديد وَهُوَ بِضَم الصَّاد الْمُهْملَة وَسُكُون النُّون وَضم الْمُثَنَّاة من فَوق بعْدهَا عين مُهْملَة. قَالَ أَبُو زيد: رجل رعديد ورعديدة إِذا كَانَ يرعد عِنْد الْقِتَال. والأبلخ

بِالْمُوَحَّدَةِ وَالْخَاء الْمُعْجَمَة صفة رعديدة قَالَ أَبُو زيد: المتكبر الفخور. ووجاد بتَشْديد الْجِيم صفة ثَانِيَة لرعديدة. قَالَ أَبُو زيد: وجاد: كثير الْغَضَب وَهُوَ مُبَالغَة فَاعل من الوجد وَهُوَ الْغَضَب. وَيُقَال: الموجدة أَيْضا. والمعدم: الْفَقِير وَهُوَ اسْم فَاعل من أعدم فلَان إِذا افْتقر. وَقَوله: لَا وألت نَفسك ... . إِلَخ هَذَا دُعَاء على رجل استأسر لأعدائه دون أَن يجرح. قَالَ أَبُو زيد: وألت: نجت. والموئل: المنجى. وَتكلم: تجرح بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول من الْكَلم وَهُوَ الْجرْح. وضمرة بن ضَمرَة شَاعِر جاهلي تقدّمت تَرْجَمته فِي الشَّاهِد الثَّامِن والثمانين. وَأنْشد بعده: الرجز (يَا صاحبا ربت إِنْسَان حسن ... يسْأَل عَنْك الْيَوْم أَو يسْأَل عَن) على أَنه جَاءَ مجرور ربت مذكراً على خلاف الْقيَاس. وَقد تقدم الْكَلَام عَلَيْهِ فِي بَاب الْمُذكر والمؤنث فِي الشَّاهِد الْوَاحِد وَالْخمسين بعد الْخَمْسمِائَةِ. وَأنْشد بعده: الْبَسِيط وَالْمُؤمن العائذات الطير على أَن العائذات كَانَ فِي الأَصْل صفة للطير فَقدم عَلَيْهِ وَصَارَ الطير بَدَلا من العائذات. والعائذات مفعول بِهِ لِلْمُؤمنِ وَالْمُؤمن

مَعْطُوف على مقسم بِهِ مُتَقَدم. وَقد تقدم الْكَلَام عَلَيْهِ فِي الشَّاهِد السَّابِع وَالْأَرْبَعِينَ بعد الثلثمائة. وَأنْشد بعده الطَّوِيل لنعم السيدان وجدتما هُوَ قِطْعَة من بَيت وَهُوَ: 761 - لنعم السيدان وجدتما هُوَ قِطْعَة من بَيت، وَهُوَ: (يَمِينا لنعم السيدان وجدتما ... على كل حَال من سحيل ومبرم)) على أَنه قد يدْخل الْفِعْل النَّاسِخ على الْمَخْصُوص بالمدح أَو الذَّم سَوَاء تقدم الْمَخْصُوص كَمَا فِي الْمِثَال أَو تَأَخّر كَمَا فِي هَذَا الْبَيْت. وَأَصله لنعم السيدان أَنْتُمَا فَدخل عَلَيْهِ النَّاسِخ فَصَارَ وجدتما فضمير التَّثْنِيَة نَائِب الْفَاعِل لوجد وَهُوَ الْمَفْعُول الأول لَهُ. وَقَوله: لنعم السيدان جَوَاب الْقسم وَالْقسم وَجَوَابه فِي مَوضِع الْمَفْعُول الثَّانِي لوجد. وَكَذَا إعرابه على مُقْتَضى مُخْتَار الشَّارِح الْمُحَقق فِي جعل الْمَخْصُوص مُبْتَدأ وَجُمْلَة الْمَدْح أَو الذَّم خَبره. والسحيل بالمهملتين: الْخَيط الَّذِي لم يحكم فتله. والمبرم: الْخَيط الَّذِي أحكم فتله. وَأَرَادَ بِالْأولِ: الْأَمر السهل وَبِالثَّانِي: الْأَمر الشَّديد. وَالْبَيْت من معلقَة زُهَيْر بن أبي سلمى وَقد شرحناه مَعَ أَبْيَات مِنْهَا فِي الشَّاهِد السَّادِس وَالْخمسين بعد الْمِائَة من بَاب الِاشْتِغَال.

(الشاهد الثاني والستون بعد السبعمائة)

وَقَوله: فيدخله عوامل الْمُبْتَدَأ يَشْمَل بَاب كَانَ وَظن وَإِن وَأَخَوَاتهَا. والأولان جائزان وَالثَّالِث لَا يجوز فَإِنَّهُ لَا يُقَال: نعم الرجل إِن زيدا فَكَانَ يَنْبَغِي أَن يَقُول كَمَا قَالَ ابْن مَالك فِي التسهيل فِي صُورَة تَأْخِير الْمَخْصُوص: أَو أول معمولي فعل نَاسخ ليحترز عَن إِن وَأَخَوَاتهَا. وَمِثَال الأول قَوْله: الطَّوِيل (لعمري لَئِن أنزفتم أَو صحوتم ... لبئس الندامى كُنْتُم آل أبجرا ) وتعميم النواسخ إِنَّمَا هُوَ فِي صُورَة تَقْدِيم الْمَخْصُوص كَقَوْلِه: مجزوء الْكَامِل (إِن ابْن عبد الله نع ... م أَخُو الندى وَابْن الْعَشِيرَة) وَقَول الآخر: الطَّوِيل (إِذا أرسلوني عِنْد تعذير حَاجَة ... أمارس فِيهَا كنت نعم الممارس) وَمِثَال ظن نَحْو: ظَنَنْت زيدا نعم الرجل. وَأنْشد بعده (الشَّاهِد الثَّانِي وَالسِّتُّونَ بعد السبعمائة) الرجز على أَن حرف الْجَرّ دَاخل على مَحْذُوف أَي: بمقول فِيهِ: نَام صَاحبه

فَحذف القَوْل وَبَقِي المحكي بِهِ. وَذهب صَاحب اللّبَاب إِلَى أَنه من بَاب حذف الْمَوْصُوف غير القَوْل قَالَ: تَقْدِيره: بلَيْل نَام صَاحبه فِيهِ فالجر دخل فِي الْحَقِيقَة على الْمَوْصُوف الْمُقدر لَا على الصّفة. وَأَقُول: لَا فرق بَينهمَا فَإِن كلا مِنْهُمَا ضَرُورَة يخْتَص بالشعر. إِلَّا أَن مَا ذهب إِلَيْهِ الشَّارِح الْمُحَقق أقرب إِلَى الْقيَاس وَهُوَ قَول أبي عَليّ فِي التَّذْكِرَة قَالَ فِيهَا: وَمن زعم أَن نعم اسْم لدُخُول حرف الْجَرّ عَلَيْهِ فِي قَول حسان: الطَّوِيل (أَلَسْت بنعم الْجَار يؤلف بَيته ... أَخا ثلة أَو معدم المَال مصرم) فَلَا حجَّة لَهُ فِيهِ لِأَنَّهُ يقدر فِيهِ الْحِكَايَة وَيلْزمهُ على هَذَا أَن يكون نَام اسْما كَقَوْلِه: (وَالله مَا زيد بنام صَاحبه ... وَلَا مخالط الليان جَانِبه) اه. وَكَذَا قَالَ ابْن الْأَنْبَارِي وَابْن الشجري إِلَّا أَن روايتهما: مَا ليلِي بنام صَاحبه. وَنقل الْعَيْنِيّ عَن ابْن سَيّده فِي الْمُحكم أَن رِوَايَته كَرِوَايَة أبي عَليّ. وَقَالَ: إِنَّه قَالَ: قيل إِن نَام صَاحبه علم رجل. وَإِذا كَانَ كَذَلِك جرى مجْرى شَاب قرناها. ثمَّ قَالَ: فَإِن قلت: إِن قَوْله وَلَا مخالط الليان جَانِبه لَيْسَ علما وَإِنَّمَا هُوَ صفة وَهُوَ مَعْطُوف على نَام صَاحبه فَيجب أَن

(الشاهد الثالث والستون بعد السبعمائة)

يكون قَوْله: نَام صَاحبه أَيْضا صفة. قيل: قد يكون فِي الْجمل إِذا سمي بهَا مَعَاني الْأَفْعَال. أَلا ترى أَن شَاب قرناها اسْم عليم وَفِيه مَعَ ذَلِك معنى الذَّم. وَإِذا كَانَ كَذَلِك جَازَ أَن يكون قَوْله: وَلَا مخالط الليان جَانِبه: مَعْطُوفًا على مَا فِي قَوْله نَام صَاحبه من معنى الْفِعْل. هَذَا كَلَامه. قَالَ شَارِح اللّبَاب: الليان بِالْكَسْرِ: الملاينة. وبالفتح: مصدر لَان بِمَعْنى اللين. يُقَال: هُوَ فِي ليان من الْعَيْش أَي: فِي نعيم وخفض. اه. وروى صَدره: عمرك مَا ليلى إِلَخ) فَيكون عمرك مُبْتَدأ خَبره مَحْذُوف أَي: قسمي. وَجُمْلَة: مَا ليلِي إِلَخ جَوَاب الْقسم وزيدت الْبَاء فِي خبر مَا. وَالْبَيْت مَعَ كَثْرَة دورانه فِي كتب النَّحْو غير مَعْلُوم قَائِله. وَالله أعلم بِهِ. وَأنْشد بعده: (يَمِينا لنعم السيدان وجدتما ... على كل حَال من سحيل ومبرم) وَأنْشد بعده (الشَّاهِد الثَّالِث وَالسِّتُّونَ بعد السبعمائة) الوافر (أَبُو مُوسَى فجدك نعم جدا ... وَشَيخ الْحَيّ خَالك نعم خالا) على أَنه قد يكون فَاعل نعم ضميراً مُفَسرًا بنكرة مَعَ تقدم الْمَخْصُوص بالمدح كَمَا هُنَا. فَإِن أَبُو مُوسَى هُوَ الْمَخْصُوص وفاعل نعم ضمير

فسره بقوله: جدا. وَكَذَا المصراع الثَّانِي فَإِن قَوْله: شيخ الْحَيّ هُوَ الْمَخْصُوص وخالك بدل مِنْهُ وفاعل نعم ضمير مُفَسّر بقوله: خالا. وَأما قَوْله: فجدك تَحْرِيف وَقع فِي نسخ هَذَا الشَّرْح وَلم يتَنَبَّه لَهُ أحد وَلَا فتش ديوَان قَائِله حَتَّى يُؤْخَذ المَاء من مجاريه. وَقد تمحل لإعرابه الْمولى حسن الفناري فِي حَاشِيَة المطول وَهُوَ مَعْذُور. قَالَ: قَوْله: فجدك بدل من أَبُو مُوسَى وَالْأَقْرَب أَن أَبُو مُوسَى مُبْتَدأ فجدك خَبره وَالْفَاء زَائِدَة فِي الْخَبَر على مَا جوزه الْأَخْفَش. أما زيادتها فِي الْبَدَل فَلم أظفر بِهِ والمخصوص بالمدح مَحْذُوف على قِيَاس نعم العَبْد. وَهَذَا أولى لشيوعه. وَالْبَيْت من قصيدة طَوِيلَة عدتهَا مائَة بَيت مدح بهَا بِلَال بن أبي بردة بن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ. وَلَيْسَ الْبَيْت للأخطل كَمَا زعم الشَّارِح فَإِن الأخطل هلك قبل ظُهُور بِلَال فَإِن الأخطل كَانَ من شعراء مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان وبلال كَانَ فِي زمن عمر بن عبد الْعَزِيز. وَالْبَيْت مَوْجُود فِي قصيدة من شعر ذِي الرمة. وغالب شعر ذِي الرمة فِي مدح بِلَال. وَقَبله: ...

(بنى لَك أهل بَيْتك يَا ابْن قيسٍ ... وَأَنت تزيدهم شرفاً جلالا) (مَكَارِم لَيْسَ يحصيهن مدح ... وَلَا كذبا أَقُول وَلَا انتحالا)) (أَبُو مُوسَى فحسبك نعم جدا ... وَشَيخ الركب خَالك نعم خالا) (كَأَن النَّاس حِين تمر حَتَّى ... عواتق لم تكن تدع الحجالا) (قيَاما ينظرُونَ إِلَى بِلَال ... رفاق الْحَج أَبْصرت الهلالا) (فقد رفع الْإِلَه بِكُل أفق ... لضوئك يَا بِلَال سنا طوَالًا) (كضوء الشَّمْس لَيْسَ بِهِ خَفَاء ... وَأعْطيت المهابة والجمالا) والجلال بِضَم الْجِيم: الْجَلِيل. وَمَكَارِم: مفعول بنى لَك. وَقَوله: أَبُو مُوسَى فحسبك ... إِلَخ هُوَ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيّ الصَّحَابِيّ. وَقَوله: فحسبك الْفَاء فِي فَحسب زَائِدَة لَازِمَة. وَحسب: اسْم بِمَعْنى ليكف كَمَا قَالَ الشَّارِح الْمُحَقق فِي بَاب الْإِضَافَة مَرْفُوع بِالِابْتِدَاءِ وَخَبره مَحْذُوف تَقْدِيره: هَذَا النّسَب أَو هَذَا الْمَدْح. وَالْجُمْلَة اعتراضية بَين الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر. وَقَوله: وَشَيخ الركب أَي: الْقَافِلَة. وروى بدله: وَزَاد الركب وَمَعْنَاهُ أَنه لَا يدع أحدا من الركب يحمل زَاد السفرة بل هُوَ يجْرِي النَّفَقَات على جَمِيع من صَحبه فِي السّفر. ومدحه فِي هَذَا الْبَيْت بشرف النسبين: نسب الْأَب وَنسب الْأُم. وَقَوله: كَأَن النَّاس ... . إِلَخ خبر كَأَن قَوْله: رفاق الْحَج فِي الْبَيْت بعده. وَحَتَّى: حرف جر غَايَة للنَّاس وَمَا بعْدهَا دَاخل فِي المغيا. وعواتق مجرور بالفتحة جمع عاتق وَهِي الْبِنْت الَّتِي أدْركْت فِي بَيت أَبَوَيْهَا

وَلم تكن متزوجة. والحجال: جمع حجلة بِالتَّحْرِيكِ وَهُوَ بَيتهَا الَّذِي تلازمه وَلَا تخرج مِنْهُ. وقياماً مَنْصُوب على الْحَال. أَرَادَ: كَأَن النَّاس فِي حَال قيامهم حِين يمر بِلَال رفاق الْحَج إِذا نظرُوا إِلَى الْهلَال. والسنا بِالْقصرِ: الضَّوْء. والطوال: مُبَالغَة الطَّوِيل. وَفِي هَذِه القصيدة أَبْيَات أخر شَوَاهِد مِنْهَا: الوافر و (وميه أحسن الثقلَيْن جيدا ... وسالفه وَأَحْسَنهمْ قذالا) القذال: مَا بَين الْأذن والنقرة وهما قذالان. وَمِنْهَا: (سَمِعت النَّاس ينتجعون غيثاً ... فَقلت لصيدح انتجعي بِلَالًا) وَتقدم شَرحه فِي أَفعَال الْقُلُوب. وَقد تقدّمت تَرْجَمَة بِلَال هَذَا فِي الشَّاهِد السِّتين بعد الْمِائَة. وترجمة ذِي الرمة فِي الشَّاهِد الثَّامِن) من أول الْكتاب. وَأنْشد بعده: ويلمها رَوْحَة هُوَ قِطْعَة من بَيت وَهُوَ: الْبَسِيط (ويملها رَوْحَة وَالرِّيح معصفة ... والغيث مرتجز وَاللَّيْل مقترب)

(الشاهد الرابع والستون بعد السبعمائة)

وَتقدم شَرحه فِي الشَّاهِد الْحَادِي عشر بعد الْمِائَتَيْنِ. وَأنْشد بعده: فيا لَك من ليل هَذَا أَيْضا من بَيت وَهُوَ: الطَّوِيل (فيا لَك من ليلٍ كَأَن نجومه ... بِكُل مغار الفتل شدت بيذبل) وَأنْشد بعده (الشَّاهِد الرَّابِع وَالسِّتُّونَ بعد السبعمائة) الوافر (تزَود مثل زَاد أَبِيك فِينَا ... فَنعم الزَّاد زَاد أَبِيك زادا) على أَنه قد يَجِيء بعد الْفَاعِل الظَّاهِر تَمْيِيز للتوكيد. قَالَ ابْن يعِيش: اخْتلف الْأَئِمَّة فِي هَذِه الْمَسْأَلَة فَمنع سِيبَوَيْهٍ من ذَلِك وَأَنه لَا يُقَال: نعم الرجل رجلا زيد وَكَذَلِكَ السيرافي وَابْن السراج وَأَجَازَهُ الْمبرد وَأَبُو عَليّ. وَاحْتج فِي ذَلِك سِيبَوَيْهٍ بِأَن الْمَقْصُود من الْمَرْفُوع والمنصوب الدّلَالَة على الْجِنْس وَأَحَدهمَا كَاف عَن الآخر. وَأَيْضًا فَإِن ذَلِك رُبمَا أوهم بِأَن الْفِعْل الْوَاحِد لَهُ فاعلان وَذَلِكَ إِن رفعت اسْم الْجِنْس بِأَنَّهُ فَاعل. وَإِذا نصبت النكرَة بعد ذَلِك آذَنت بِأَن الْفِعْل فِيهِ ضمير فَاعل لِأَن النكرَة المنصوبة لَا تَأتي إِلَّا كَذَلِك.

وَحجَّة الْمبرد فِي الْجَوَاز الغلو فِي الْبَيَان والتأكيد وَالْأول أظهر. تزَود مثل زَاد أَبِيك ... ... ... ... . إِلَخ فَإِن الْمبرد أنْشدهُ شَاهدا على مَا ادّعى من جَوَاز ذَلِك. فَإِن رفع الزَّاد الْمُعَرّف بِاللَّامِ بِأَنَّهُ فَاعل) نعم وَزَاد أَبِيك هُوَ الْمَخْصُوص بالمدح وَزَادا تَمْيِيز وَتَفْسِير فَالْقَوْل عَلَيْهِ أَنا لَا نسلم أَن زاداً مَنْصُوب بنعم وَإِنَّمَا هُوَ مفعول بِهِ بتزود وَالتَّقْدِير: تزَود زاداً مثل زَاد أَبِيك فِينَا فَلَمَّا قدم صفته عَلَيْهِ نصبها على الْحَال. وَيجوز أَن يكون مصدرا مؤكداً مَحْذُوف الزَّوَائِد وَالتَّقْدِير: تزَود مثل زَاد أَبِيك فِينَا تزوداً. وَيجوز أَن يكون تمييزاً لمثل كَمَا يُقَال: مَا رَأَيْت مثله رجلا. وعَلى تَقْدِير أَن يكون الْعَامِل فِيهِ نعم فَإِن ذَلِك من ضَرُورَة الشّعْر وَلَا يَجْعَل قِيَاسا. وَمثله قَول الآخر: الوافر (ذَرِينِي أصطبح يَا بكر إِنِّي ... رَأَيْت الْمَوْت نقب عَن هِشَام) (تخبره وَلم يعدل سواهُ ... وَنعم الْمَرْء من رجل تهامي) فَقَوله: من رجل كَقَوْلِه رجلا لِأَن من تدخل على التَّمْيِيز. وَذَلِكَ كُله من ضَرُورَة الشّعْر. وَقَالَ ابْن جني فِي الخصائص: إِن الرجل من نَحْو قَوْلهم: نعم الرجل زيد غير الْمُضمر فِي نعم إِذا قلت: نعم رجلا زيد لِأَن الْمُضمر

على شريطة التَّفْسِير لَا يظْهر وَلَا يسْتَعْمل ملفوظاً بِهِ. وَلذَلِك قَالَ سِيبَوَيْهٍ هَذَا بَاب مَا لَا يعلم فِي الْمَعْرُوف إِلَّا مضمراً أَي: إِذا فسر بالنكرة نَحْو: نعم رجلا زيد فَإِنَّهُ لَا يظْهر أبدا. وَإِذا كَانَ كَذَلِك علمت زِيَادَة الزَّاد فِي قَول جرير: تزَود مثل زَاد أَبِيك فِينَا ... ... ... ... الْبَيْت وَذَلِكَ أَن فَاعل نعم مظهر فَلَا حجَّة بِهِ إِلَى أَن يُفَسر. فَهَذَا يسْقط اعْتِرَاض الْمبرد على صَاحب الْكتاب فِي هَذَا الْموضع. اه. وَهَذَا جَوَاب خَامِس. وَقَالَ الْمرَادِي فِي شرح التسهيل: منع سِيبَوَيْهٍ الْجمع بَين التَّمْيِيز وَالْفَاعِل الظَّاهِر وَأَجَازَ ذَلِك الْمبرد والفارسي. قَالَ المُصَنّف: وَهُوَ الصَّحِيح. اه. وبالجواز قَالَ ابْن السراج. وَفصل بَعضهم فَقَالَ: إِن أَفَادَ التَّمْيِيز معنى لَا يفِيدهُ الْفَاعِل جَازَ نَحْو: نعم الرجل رجلا فَارِسًا زيد وَإِلَّا فَلَا. قَالَ المُصَنّف: وَالْحَامِل لسيبويه على الْمَنْع كَون التَّمْيِيز فِي الأَصْل مسوقاً لدفع الْإِبْهَام والإبهام إِذا ظهر الْفَاعِل زائل فَلَا حَاجَة إِلَى التميز. وَهَذَا الِاعْتِبَار يلْزم مِنْهُ منع التَّمْيِيز فِي كل مَا لَا إِبْهَام فِيهِ كَقَوْلِك: عِنْدِي من الدَّرَاهِم عشرُون درهما. وَمثل هَذَا جَائِز بِلَا خلاف. اه.) وَمَا ذكره من أَن الْحَامِل لسيبويه مَا ذكر لَيْسَ هُوَ فِي كِتَابه. وَفرق بَين نعم رجل رجلا يزِيد وَبَين: لَهُ من الدَّرَاهِم عشرُون درهما وَنَحْوه بِأَن عشْرين وأمثالها محتاجة إِلَى التَّمْيِيز فِي الأَصْل بِخِلَاف نعم الرجل

زيد. والتمييز مبناه على التَّبْيِين ثمَّ يعرض لَهُ فِي بعض الْمَوَاضِع أَن يقْتَرن بالْكلَام مَا يُغني عَنهُ فَيصير مؤكداً. وَقد تَأَول الْفَارِسِي كَلَام سِيبَوَيْهٍ على أَن مَعْنَاهُ لَا يكون الْفَاعِل ظَاهرا حِين يلْزم التَّمْيِيز بل الْفَاعِل فِي حَال لُزُوم التَّمْيِيز مُضْمر لَا غير وَأما مَعَ الظَّاهِر فَلَا يكون لَازِما. وَفِيه بعد. وَاسْتدلَّ المُصَنّف على الْجَوَاز بِالْقِيَاسِ وَالسَّمَاع. أما الْقيَاس فَقَالَ بعد التَّمْثِيل ب لَهُ من الدَّرَاهِم عشرُون درهما وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: إِن عدَّة الشُّهُور عِنْد الله اثْنَا عشر شهرا وَقَوله تَعَالَى: وَاخْتَارَ مُوسَى قومه سبعين رجلا وَقَوله تَعَالَى: فتم مِيقَات ربه أَرْبَعِينَ لَيْلَة وَقَوله تَعَالَى: فَهِيَ كالحجارة أَو أَشد قسوة. فَكَمَا حكم بِالْجَوَازِ فِي مثل هَذَا وَجعل سَبَب الْجَوَاز التوكيد لَا رفع الْإِبْهَام فَكَذَلِك يفعل فِي نَحْو: نعم الرجل رجلا. وَلَا يمْنَع لِأَن تَخْصِيصه بِالْمَنْعِ كَحكم بِلَا دَلِيل. هَذَا لَو لم تستعمله الْعَرَب فَكيف وَقد استعملته. اه. وَقد تقدم مَا فرق بِهِ بَين مَا ذكرته من التَّمْثِيل وَبَين نعم الرجل. قَالَ: وَمن وُرُوده التَّمْيِيز للتوكيد لَا لرفع الْإِبْهَام قَول أبي طَالب: الْكَامِل وَقَول الآخر: المتقارب (فَأَما الَّتِي خَيرهَا يرتجى ... فأجود جوداً من اللافظة)

اه. وَلَا يَتَأَتَّى ذَلِك الْفرق هُنَا. وَأما السماع فَقَوْل جرير: الْبَسِيط (والتغلبيون بئس الْفَحْل فحلهم ... فحلاً وأمهم زلاء منطيق) وَقَوله جرير أَيْضا: تزَود مثل زَاد أَبِيك ... ... ... ... الْبَيْت وَأنْشد غير المُصَنّف: الْبَسِيط (نعم الفتاة فتاة هِنْد لَو بذلت ... رد التَّحِيَّة نطقاً أَو بإيماء) وَحكي من كَلَام الْعَرَب: نعم الْقَتِيل قَتِيلا أصلح بَين بكر وتغلب. وَهَذَا وَارِد فِي الِاخْتِيَار.) وَقد تَأَول المانعون السماع. أما فحلاً وفتاة فعلى الْحَال الْمُؤَكّدَة. وَأما زاداً فعلى أَنه مصدر مَحْذُوف الزَّوَائِد مَنْصُوب بتزود. وَقد حكى الْفراء اسْتِعْمَاله مصدرا. أَو على أَنه مفعول بِهِ وَمثل مَنْصُوب على الْحَال لِأَنَّهُ لَو تَأَخّر لَكَانَ صفة. وَقَالَ أَبُو حَيَّان: وَعِنْدِي تَأْوِيل غير مَا ذَكرُوهُ وَهُوَ أقرب. وَذَلِكَ أَن يدعى أَن فِي نعم وَبئسَ ضميراً وفحلاً وفتاة وَزَادا تَمْيِيز لذَلِك الضَّمِير وَتَأَخر عَن الْمَخْصُوص على جِهَة الندور. فالفحل والفتاة والزاد هِيَ الْمَخْصُوصَة وفحلهم وَزَاد أَبِيك أبدال من الْمَرْفُوع قبلهَا. هَذَا مَا أوردهُ الْمرَادِي ولفوائده سقناه برمتِهِ.

وَالْبَيْت من قصيدة لجرير مدح بهَا عمر بن عبد الْعَزِيز مِنْهَا: (وسدت النَّاس قبل سِنِين عشر ... كَذَاك أَبوك قبل الْعشْر سَادًّا) (وَثَبت الْفُرُوع فهن خضر ... وَلَو لم تحي أصلهم لبادا) تزَود مثل زَاد أَبِيك فِينَا ... ... ... ... ... . الْبَيْت (فَلَمَّا كَعْب بن مامة وَابْن سعدى ... بأجود مِنْك يَا عمر الجوادا) (وتبني الْمجد يَا عمر بن ليلى ... وتكفي الممحل السّنة الجمادا) (يعود الْحلم مِنْك على قُرَيْش ... وتفرج عَنْهُم الكرب الشدادا) (وَتَدْعُو الله مُجْتَهدا ليرضى ... وتذكر فِي رعيتك المعادا) وباد: هلك. وأتبع الْجواد لموْضِع عمر وَهُوَ من شَوَاهِد المنادى. وَكَعب هُوَ ابْن مامة الْإِيَادِي أحد أجواد الْعَرَب. قَالَ الواحدي فِي

أَمْثَاله: كَانَ كَعْب فِيمَا يُقَال أَجود من حَاتِم الطَّائِي. حُكيَ أَنه خرج فِي ركب وَفِيهِمْ رجل من النمر بن قاسط فِي القيظ فضلوا فتصافنوا المَاء بالمقلة فَقعدَ أَصْحَاب كَعْب لشرب المَاء فَلَمَّا دَار الْقَعْب إِلَى كَعْب أبْصر النمري يحدد النّظر إِلَيْهِ فآثره كَعْب بمائه وَقَالَ للساقي: اسْقِ أَخَاك النمري يصطبح فَذَهَبت مثلا. فَشرب النمري نصيب كَعْب ذَلِك الْيَوْم ثمَّ نزلُوا من الْغَد منزلا آخر فتصافنوا بَقِيَّة مَائِهِمْ فَنظر النمري إِلَى كَعْب كنظره بالْأَمْس فَفعل كَعْب فعلته بالْأَمْس وارتحل الْقَوْم وَقَالُوا: يَا كَعْب ارتحل. فَلم يكن بِهِ قُوَّة النهوض وَكَانُوا قد قربوا من المَاء فَقيل: رد كَعْب إِنَّك وراد. فعجز عَن الْإِجَابَة فَلَمَّا يئسوا مِنْهُ خيلوا عَلَيْهِ بِثَوْب يمنعهُ من السبَاع وتركوه مَكَانَهُ فَمَاتَ فَقَالَ أَبوهُ) يبكيه: الْبَسِيط (أوفى على المَاء كَعْب ثمَّ قيل لَهُ ... رد كَعْب إِنَّك وراد فَمَا وردا) قَالَ: وَكَانَ من جوده أَنه إِذا مَاتَ جَار لَهُ أدّى دِيَته إِلَى أَهله وَإِن هلك لجاره بعير أَو شَاة أخلفه عَلَيْهِ فجاوره أَبُو دواد الْإِيَادِي فعامله بذلك فَصَارَت الْعَرَب إِذا حمدت مستجاراً بِهِ لحسن جواره قَالُوا: كجار أبي دواد. وَمِنْه قَول قيس بن زُهَيْر: الوافر (سأفعل مَا بدا لي ثمَّ آوي ... إِلَى جَار كجار أبي دواد) اه. قَالَ الْمبرد فِي الْكَامِل: والتصافن: أَن يطْرَح فِي الْإِنَاء حجر ثمَّ يصب فِيهِ من المَاء مَا يغمره لِئَلَّا يتغابنوا. والمقلة: اسْم ذَلِك الْحجر.

وَابْن سعدى هُوَ كَمَا فِي كَامِل الْمبرد: أَوْس بن حَارِثَة بن لأم الطَّائِي. وَكَانَ سيداً مقداماً فوفد هُوَ وحاتم بن عبد الله الطَّائِي على عَمْرو بن هِنْد وَأَبوهُ الْمُنْذر بن الْمُنْذر بن مَاء السَّمَاء فَدَعَا أَوْسًا فَقَالَ: أَنْت أفضل أم حَاتِم فَقَالَ: أَبيت اللَّعْن لَو ملكني حَاتِم وَوَلَدي ولحمتي لوهبنا فِي غَدَاة وَاحِدَة ثمَّ دَعَا حاتماً فَقَالَ: أَنْت أفضل أم أَوْس فَقَالَ: أَبيت اللَّعْن إِنَّمَا ذكرت بأوس ولأحد وَلَده أفضل مني. وَكَانَ النُّعْمَان بن الْمُنْذر دَعَا بحلة وَعِنْده وُفُود الْعَرَب من كل حَيّ فَقَالَ: احضروا فِي غَد فَإِنِّي ملبس هَذِه الْحلَّة أكْرمكُم. فَحَضَرَ الْقَوْم جَمِيعًا إِلَّا أَوْسًا فَقيل لَهُ: لم تتخلف فَقَالَ: إِن كن المُرَاد غَيْرِي فأجمل الْأَشْيَاء أَن لَا أكون حَاضرا وَإِن كنت المُرَاد فسأطلب وَيعرف مَكَاني. فَلَمَّا جلس النُّعْمَان لم ير أَوْسًا فَقَالَ: اذْهَبُوا إِلَى أَوْس فَقولُوا لَهُ: احضر آمنا مِمَّا خفت. فَحَضَرَ فألبسه الْحلَّة فحسده قوم من أَهله فَقَالُوا للحطيئة: اهجه وَلَك ثلثمِائة نَاقَة فَقَالَ: الحطيئة: كَيفَ أهجو رجلا لَا أرى فِي بَيْتِي أثاثاً وَلَا مَالا إِلَّا من عِنْده ثمَّ قَالَ: الْبَسِيط (كَيفَ الهجاء وَمَا تنفك صَالِحَة ... من آل لأم بِظهْر الْغَيْب تَأتِينِي فَقَالَ لَهُم بشر بن أبي خازم أحد بني أَسد بن خُزَيْمَة: أَنا أهجوه لكم. فَأخذ الْإِبِل وَفعل فَأَغَارَ أَوْس عَلَيْهَا فاكتسحها فَجعل لَا يستجير حَيا إِلَّا قَالَ: قد أجرتك إِلَّا من أَوْس. وَكَانَ فِي هجائه قد ذكر أمه فَأتي بِهِ فَدخل أَوْس على أمه فَقَالَ: قد أَتَيْنَا ببشر الهاجي لَك ولي.

(الشاهد الخامس والستون بعد السبعمائة)

قَالَت: أَو تطيعني قَالَ: نعم. قَالَت: أرى أَن ترد عَلَيْهِ مَاله وَتَعْفُو عَنهُ وتحبه وأفعل) مثل ذَلِك فَإِنَّهُ لَا يغسل هجاءه إِلَّا مدحه. فَخرج فَقَالَ: إِن أُمِّي سعدى الَّتِي كنت تهجوها قد أمرت فِيك بِكَذَا وَكَذَا فَقَالَ: لَا جرم وَالله لَا مدحت حَتَّى أَمُوت أحدا غَيْرك. فَفِيهِ يَقُول: الوافر (إِلَى أَوْس بن حَارِثَة بن لأم ... ليقضي حَاجَتي فِيمَن قَضَاهَا) (فَمَا وطئ الثرى مثل ابْن سعدى ... وَلَا لبس النِّعَال وَلَا احتذاها) وَأنْشد بعده: الوافر أَنا ابْن جلا وطلاع الثنايا على أَن الْمَوْصُوف مَحْذُوف وَصفته جملَة فعلية وَهِي جلا على أَنه فعل مَاض وفاعله ضمير مستتر فِيهِ وَالتَّقْدِير: أَنا ابْن رجل الْأُمُور وكشفها. وَهَذَا أحد التخريجين فِي الْبَيْت وَقد ذكرناهما مشروحين فِيمَا لَا ينْصَرف وَفِي النَّعْت. (الشَّاهِد الْخَامِس وَالسِّتُّونَ بعد السبعمائة) الْكَامِل (نعم الْفَتى فجعت بِهِ إخوانه ... يَوْم البقيع حوادث الْأَيَّام) على أَن الْمَخْصُوص بالمدح مَحْذُوف وَهُوَ مَوْصُوف بجملة أُقِيمَت مقَامه تَقْدِيره: نعم الْفَتى فَتى فجعت بِهِ إِلَخ.

قَالَ ابْن جني فِي إِعْرَاب الحماسة: الْهَاء فِي بِهِ عَائِدَة على مَوْصُوف مَحْذُوف أَي: نعم الْفَتى فَتى فجعت بِهِ حوادث الْأَيَّام. وَيَوْم البقيع ظرف وَيجوز أَن تنصبه على أَنه فِي الْمَعْنى مفعول بِهِ لِأَن الْفِعْل فِي هَذَا النَّحْو يسند إِلَى ظرف الزَّمَان نَحْو قَوْلك: شفني يَوْم كَذَا وسرني وَقت كَذَا فتنسب الْفِعْل إِلَى ذَلِك الْيَوْم وَالْوَقْت. اه. وَقَالَ الطبرسي فِي شرح الحماسة: جملَة فجعت بِهِ ... . إِلَخ صفة فَتى مَحْذُوف وَهُوَ الْمَخْصُوص بالمدح خصصته حَتَّى صَار كالمعرفة. والحذف فِي مثل هَذَا إِنَّمَا يصلح إِذا كَانَ الممدوح مَشْهُور الْبَيَان. وَيَوْم البقيع ظرف مَنْصُوب. وحوادث الْأَيَّام فَاعل فجعت. والفجيعة: وَالْبَيْت أول أَبْيَات ثَلَاثَة لمُحَمد بن بشير الْخَارِجِي أوردهَا أَبُو تَمام فِي بَاب المراثي من الحماسة وَبعده:) (سهل الفناء إِذا حللت بِبَابِهِ ... طلق الْيَدَيْنِ مؤدب الخدام) (وَإِذا رَأَيْت صديقه وشقيقه ... لم تدر أَيهمَا أَخُو الْأَرْحَام) وَقَالَ الطبرسي: سهل الفناء: خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف وَجعل فناءه سهلاً للزوار والعفاة وَذَلِكَ مثل لِكَثْرَة إحسانه إِلَيْهِم. وَقَوله: مؤدب الخدام تَنْبِيه على اقتدائهم بمولاهم فِي تفقد الوراد وإكرامهم وَالسَّعْي

(الشاهد السادس والستون بعد السبعمائة)

فِي أُمُورهم. والشقيق من إخْوَان الْولادَة. وَالصديق من إخْوَان الْمَوَدَّة. يَقُول: لَا يتَمَيَّز صديقه عَن شقيقه فِي شُمُول تفقده لَهما وتساويهما فِي الْمجد عِنْده. وَهَذَا هُوَ الْغَايَة فِي الْكَرم. وَمُحَمّد بن بشير الْخَارِجِي: شَاعِر إسلامي تقدّمت تَرْجَمته فِي الشَّاهِد الثَّلَاثِينَ بعد السبعمائة وَهُوَ من خَارِجَة عدوان: قَبيلَة. وَلَيْسَ من الْخَوَارِج. وَنقل ابْن خلكان فِي تَرْجَمَة يزِيد بن مزِيد الشَّيْبَانِيّ أَن المرزباني ذكر فِي كتاب مُعْجم الشُّعَرَاء أَن هَذِه الأبيات لعمير بن عَامر مولى يزِيد بن مزِيد الشَّيْبَانِيّ رثى بهَا سَيّده. وَأنْشد بعده (الشَّاهِد السَّادِس وَالسِّتُّونَ بعد السبعمائة) الْكَامِل نعم الْفَتى المري أَنْت هُوَ قِطْعَة من بَيت وَهُوَ: (نعم الْفَتى المري أَنْت إِذا هم ... حَضَرُوا لَدَى الحجرات نَار الموقد)

على أَنه يجوز وصف فَاعل نعم فَإِن المري صفة الْفَتى لَا بدل مِنْهُ خلافًا لِابْنِ السراج كَمَا بَينه الشَّارِح الْمُحَقق. وَهَذِه عبارَة أبي بكر بن السراج فِي الْأُصُول: وَيجوز توكيد الْمَرْفُوع بنعم. قَالُوا: وَقد جَاءَ فِي الشّعْر منعوتاً. وأنشدوا: نعم الْفَتى المري أَنْت ... ... ... ... الْبَيْت وَهَذَا يجوز أَن يكون بَدَلا غير نعت فَكَأَنَّهُ قَالَ: نعم المري أَنْت. اه. وَقد نَقله أَبُو عَليّ عَنهُ فِي تَذكرته وَأقرهُ قَالَ قرئَ على أبي بكر من الْأُصُول: نعم الْفَتى المري أَنْت الْبَيْت قَالَ أَبُو بكر: حمله قوم على الصّفة وَهُوَ عندنَا على الْبَدَل لِأَن وَصفه قَبِيح. قَالَ أَبُو عَليّ: لِأَن فَاعل نعم إِذا كَانَ ظَاهرا فالمقصود بِهِ الْجِنْس وَلَيْسَ بعد الْجِنْس شَيْء يلبس فيفصل بَينهمَا. هَذَا كَلَامه. ورد عَلَيْهِمَا الشَّارِح الْمُحَقق بِأَن هَذَا الْمَنْع لَيْسَ بِشَيْء لِأَن الْإِبْهَام مَعَ مثل هَذَا التَّخْصِيص بَاقٍ. وَهُوَ فِي مثل هَذَا الرَّد والتوجيه تَابع لِابْنِ جني فَإِنَّهُ قَالَ فِي بَيت الحماسة ليزِيد بن قنافة: الطَّوِيل (لعمري وَمَا عمري عَليّ بهين ... لبئس الْفَتى الْمَدْعُو بِاللَّيْلِ حَاتِم) قَالَ أَصْحَابنَا فِي قَول الشَّاعِر: نعم الْفَتى المري أَنْت إِن المري بدل من الْفَتى قَالُوا: وَذَاكَ أَن فَاعل نعم وَبئسَ لَا يجوز وَصفه من حَيْثُ كَانَ وَاقعا على الْجِنْس وَالْجِنْس أبعد شَيْء عَن الْوَصْف لفساد

مَعْنَاهُ فَلَمَّا كَانَ كَذَلِك عدلوا بِهِ عَن الْوَصْف إِلَى الْبَدَل. فَقِيَاس هَذَا أَن يكون الْمَدْعُو بَدَلا من الْفَتى. وَأما أَنا فأجيزه. وَذَلِكَ أَن يكون الْمَدْح والتفضيل إِنَّمَا وَقع على أَن يفضل حَاتِم على الفتيان المدعوين بِاللَّيْلِ أَي: فاق حَاتِم جَمِيع الفتيان المدعوين بِاللَّيْلِ وَلم يرد أَن يفضله على جَمِيع الفتيان عُمُوما.) وَلَو أَرَادَ ذَلِك لما جَازَت الصّفة وَلكنه وصف الْفَتى وَفضل حاتماً على جَمِيع الفتيان المدعوين وَكَذَلِكَ تَقول: نعم لرجل الطول زيد أَي: فاق زيد فِي الرِّجَال الطوَال خَاصَّة. وَهَذَا معنى مَعَ أول تَأمل يَصح. انْتهى كَلَامه. وَلَا بَأْس بإيراد كَلَام الْمرَادِي فِي شرح التسهيل فَإِن فِيهِ فَوَائِد. قَالَ بعد قَول التسهيل: وَلَا يُؤَكد فاعلها توكيداً معنوياً بِاتِّفَاق مَا نَصه: لِأَن الْقَصْد بالتوكيد الْمَعْنَوِيّ رفع توهم إِرَادَة الْمَخْصُوص مِمَّا ظَاهره الْعُمُوم أَو رفع توهم الْمجَاز مِمَّا ظَاهره الْحَقِيقَة وفاعل نعم وَبئسَ فِي الْغَالِب بِخِلَاف ذَلِك لِأَنَّهُ قَائِم مقَام الْجِنْس إِن كَانَ ذَا جنس أَو مؤول بالجامع لأكمل خِصَال الْمَدْح اللائقة بمسماه إِن كَانَ فَاعل نعم وبالجامع لأكمل خِصَال الذَّم إِن كَانَ فَاعل بئس والتوكيد الْمَعْنَوِيّ منَاف للقصدين فاتفق على مَنعه. وعَلى القَوْل بِأَن أل عهدية فقد يُمكن

أَن يجوز توكيده توكيداً معنوياً لانْتِفَاء الْمَانِع. قَالَ فِي الشَّرْح: وَأما التوكيد اللَّفْظِيّ فَلَا يمْتَنع لَك أَن تَقول نعم الرجل الرجل زيد. اه. قيل: وَيَنْبَغِي أَن لَا يقدم على جَوَاز ذَلِك إِلَّا بِسَمَاع لِأَن بَاب نعم وَبئسَ لَهُ أَحْكَام مُغَايرَة وَأما النَّعْت فَلَا يَنْبَغِي أَن يمْتَنع على الْإِطْلَاق بل يمْنَع إِذا قصد بِهِ التَّخْصِيص مَعَ إِقَامَة الْفَاعِل مقَام الْجِنْس لِأَن تَخْصِيصه حِينَئِذٍ منَاف لذَلِك الْقَصْد. وَإِذا تؤول بالجامع لأكمل الْخِصَال فَلَا مَانع من نَعته حِينَئِذٍ لِإِمْكَان أَن ينوى فِي النَّعْت مَا ينوى فِي المنعوت. نعم الْفَتى المري أَنْت ... ... ... ... ... الْبَيْت وَحمل ابْن السراج وَأَبُو عَليّ مثل هَذَا على الْبَدَل وأبيا النَّعْت. وَلَا حجَّة لَهما. اه. قيل: أما منع وَصفه فَهُوَ قَول الْجُمْهُور. وَقَالَ بَعضهم: لَا يجوز عِنْد الْبَصرِيين. اه. وَأَجَازَ أَبُو الْفَتْح فِي بَيت الحماسة: لبئس الْفَتى الْمَدْعُو بِاللَّيْلِ حَاتِم أَن يكون الْمَدْعُو وَصفا للفتى. وَمُقْتَضى سكُوت المُصَنّف عَن الْبَدَل والعطف جوازهما. قيل: وَيَنْبَغِي أَن لَا يجوز مِنْهُمَا إِلَّا مَا يباشره نعم وَبئسَ. انْتهى كَلَام الْمرَادِي. وَالْبَيْت من قصيدة لزهير بن أبي سلمى عدتهَا سَبْعَة وَعِشْرُونَ بَيْتا مدح بهَا سِنَان بن أبي حَارِثَة المري بَدَأَ بِذكر حبيبته سلمى ثمَّ انْتقل إِلَى وصف نَاقَته إِلَى أَن قَالَ:)

(وتيممت عرض الفلاة كَأَنَّهَا ... غراء من قطع السَّحَاب الأقهد) (وَإِلَى سِنَان سَيرهَا ووسيجها ... حَتَّى تلاقيه بطلق الأسعد) (نعم الْفَتى المري أَنْت إِذا هم ... حَضَرُوا لَدَى الحجرات نَار الموقد) (خلط أُلُوف للْجَمِيع ببيته ... إِذْ لَا يحل بجيزة المتوحد) قَوْله: وتيممت عرض الفلاة ... إِلَخ تيممت: قصدت وفاعله ضمير النَّاقة. وَالْعرض بِالضَّمِّ: النَّاحِيَة والجانب. والغراء: الْبَيْضَاء. والأقهد: الْأَبْيَض من كل شَيْء. أَي: كَأَن النَّاقة سَحَابَة بَيْضَاء فِي سرعتها. والسحابة الْبَيْضَاء أخف وأسرع ذَهَابًا لقلَّة مَائِهَا. وَقَوله: إِلَى سِنَان سَيرهَا هُوَ سِنَان بن أبي حَارِثَة بن مرّة بن نشبة بن غيظ ابْن مرّة بن عَوْف بن سعد بن ذبيان. وَكَانَ زُهَيْر مادحاً لسنان هَذَا ولابنه هرم بن سِنَان المري الذبياني وغالب مدحه فِي ابْنه هرم. وشيجها بالشين الْمُعْجَمَة وَالْجِيم قَالَ شَارِح ديوانه صعوداء: الوسيج: سير خَفِيف هُوَ أَلين سير الْإِبِل وَهُوَ سير النجائب. وطلق: سليم من كل سوء ومكروه يُقَال: يَوْم طلق وَلَيْلَة طَلْقَة: لَيْسَ فِيهَا حر وَلَا برد وَلَا مَكْرُوه. والأسعد: جمع سعد النُّجُوم. وَقَوله: نعم الْفَتى المري مَنْسُوب إِلَى مرّة أحد أجداده الْقَرِيب أَو الْبعيد. وَأَنت: هُوَ الْمَخْصُوص بالمدح. وَإِذا: ظرفية وهم: فَاعل لفعل مَحْذُوف يفسره مَا بعده كَقَوْلِه تَعَالَى: إِذا السَّمَاء انشقت. وهم

ضمير الْوُفُود والضيوف ولدى: ظرف مُتَعَلق بحضروا والحجرات بِضَمَّتَيْنِ قَالَ شَارِحه: هِيَ حجرات الأضياف. يُرِيد: الْبيُوت الَّتِي تنزل فِيهَا الضيوف. ونار: مفعول حَضَرُوا. والموقد: اسْم فَاعل قَالَ يُرِيد: أَنه أَشد النَّاس إِكْرَاما لضيوفه إِذا حَضَرُوا دَار ضيافته وَاسْتَدَلُّوا عَلَيْهَا بالنَّار الَّتِي يوقدها خادمه ليقبل عَلَيْهَا من رَآهَا. وَقَالَ الْعَيْنِيّ: إِذا للمفاجأة وهم: مُبْتَدأ وحضروا: خَبره. والحجرات: جمع حجرَة وَهِي شدَّة الشتَاء. هَذَا كَلَامه. وَكَأَنَّهُ لم يفهم معنى الْبَيْت. والحجرات بِالْمَعْنَى الَّذِي ذكره بِفتْحَتَيْنِ. وَقَوله: خلِط أُلُوف ... إِلَخ خلِط بِكَسْر اللَّام بِمَعْنى مخالطٍ للنَّاس ومعاشرهم وَله ألفة بهم فِي بَيته. والمتوحد: الْمُنْفَرد عَن الْحَيّ ينزل بَعيدا مِنْهُم حَتَّى لَا يَقْصِدهُ ضيف.) والجيزة يفتح الْحَاء الْمُهْملَة قَالَ شَارِحه: هُوَ الْموضع الَّذِي انحاز إِلَيْهِ لِئَلَّا يعرف العفاة والضيوف مَوْضِعه وَهَذَا أَشد شَيْء تشب الْعَرَب بِهِ الرجل. يَقُول: سِنَان يألف الْحَيّ وَينزل بَينهم. وَقَوله: يسط الْبيُوت ... إِلَخ هُوَ مضارع وسط وسطا. قَالَ الْأَصْمَعِي: يسط الْبيُوت: ينزل وَسطهَا. والمظنة قَالَ شَارِحه: هُوَ الْموضع الَّذِي لَا يشك فِيهِ. وَالْعرب تَقول: اطلب الْأَمر فِي مظانه أَي: فِي الْموضع الَّذِي لَا يشك. وَالظَّن يكون يَقِينا وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: وَرَأى المجرمون النَّار فظنوا أَنهم مواقعوها

(الشاهد السابع والستون بعد السبعمائة)

أَي: أَيقَن بِمَا فتناه وخر عِنْد الْيَقِين. وَهَذَا كثير فِي كَلَامهم وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: يظنون أَنهم ملاقو رَبهم أَي: موقنون. والمسترفد: الَّذِي يطْلب الرفد وَهُوَ النّيل وَالعطَاء. والجفنة: الْقَصعَة الَّتِي يطعم فِيهَا الطَّعَام. وترجمة زُهَيْر تقدّمت فِي الشَّاهِد الثَّامِن وَالثَّلَاثِينَ بعد الْمِائَة. وَأنْشد بعده (الشَّاهِد السَّابِع وَالسِّتُّونَ بعد السبعمائة) الْبَسِيط (فَنعم مزكأ من ضَاقَتْ مذاهبه ... وَنعم من هُوَ فِي سر وإعلان) على أَن من الثَّانِيَة مَوْصُولَة بِمَعْنى الَّذِي وَقعت فَاعِلا لنعم عِنْد أبي عَليّ والمبرد وَهُوَ: مُبْتَدأ وَخَبره مَحْذُوف تَقْدِيره مثله وَالْجُمْلَة صلَة من والمخصوص بالمدح مَحْذُوف تَقْدِيره: بشر. وَأما قَوْله: فِي سر وإعلان فَهُوَ مُتَعَلق بنعم وَلَا يجوز أَن يتَعَلَّق بِمَحْذُوف على أَنه خبر هُوَ الْوَاقِع صلَة الْمَوْصُول لما بَينه أَبُو عَليّ. وَقد بسط الْكَلَام على هَذَا المصراع فِي احْتِمَال وُجُوه ثَلَاثَة لمن فَلَا بَأْس بِنَقْل كَلَامه قَالَ فِي قَالَ الشَّاعِر:

الْبَسِيط (وَكَيف أرهب أمرا أَو أراع لَهُ ... وَقد زكأت إِلَى بشر بن مَرْوَان) (فَنعم مزكأ من ضَاقَتْ مذاهبه ... وَنعم من هُوَ فِي سر وإعلان) القَوْل فِي الظّرْف أَنه يتَعَلَّق بنعم وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو من أَن يكون خبر هُوَ فِي الصِّلَة أَو يكون مُتَعَلقا بنعم. فَلَا يجوز أَن يكون مُتَعَلقا بِمَحْذُوف على أَن يكون فِي مَوضِع خبر هُوَ الَّتِي فِي) الصِّلَة لِأَن التَّقْدِير قبل كَون الْكَلَام صلَة يكون: هُوَ فِي سر وإعلان وَهَذَا لَا معنى لَهُ. فَإِذن الْمَعْنى: كرم هَذَا الْإِنْسَان فِي سره وعلانيته أَي: لَيْسَ مَا يَفْعَله من الْخَيْر لتصنع فيفعل الْخَيْر فِي السِّرّ كَمَا يَفْعَله فِي الْعَلَانِيَة. وَإِذا كَانَ كَذَلِك احْتَاجَ " هُوَ " إِلَى جُزْء حَتَّى تستقل الصِّلَة، وَذَلِكَ الْجُزْء يَنْبَغِي أَن يكون الَّذِي هُوَ مثله، وَلَا يكون الَّذِي هُوَ هُوَ، لتَكون الصِّلَة شائعة فَلَا تكون مَخْصُوصَة، لِأَنَّهَا فَاعل نعم. فَإِن قدرت الَّذِي هُوَ هُوَ، وَأَنت تُرِيدُ الَّذِي هُوَ مثله، فتحذف الْمُضَاف، فَيصير الَّذِي هُوَ هُوَ مَعْنَاهُ مثله، جَازَ أَيْضا. وَقد يجوز فِي الْقيَاس أَن تجْعَل " من " نكرَة. فَإِذا جعلت نكرَة احْتَاجَت إِلَى صفة، فَتكون الْجُمْلَة الَّتِي قدرتها صلَة لَهَا مقدرَة صفة، وَيكون الْمَقْصُود بالمدح مضمراً، لِأَن ذكره قد جرى، كَمَا جرى ذكر أَيُّوب قبل قَوْله تَعَالَى: " نعم العَبْد " فاستغني [بذلك] عَن ذكر مَا يَخُصُّهُ بالمدح وإظهاره. وَيجوز فِي الْقيَاس أَن تجْعَل من نكرَة وَلَا تجْعَل لَهُ صفة كَمَا فعل ذَلِك بِمَا، فِي قَوْله تَعَالَى: " فَنعما هِيَ ". فَإِذا جَعلتهَا كَذَلِك

كَانَ كَأَن قَالَ: فَنعم رجلا، فَيكون مَوضِع " من " نصبا، وَيكون هُوَ كِنَايَة عَن الْمَقْصُود بالمدح. وَوجه الْقيَاس فِي الحكم على " من " أَنَّهَا نكرَة غير مَوْصُوفَة: أَنهم جعلُوا " مَا " بِمَنْزِلَة شَيْء، وَهُوَ أَشد إِشَاعَة، وإبهاماً من " من ". فَإِذا جَازَ أَن لَا تُوصَف مَعَ أَنَّهَا أَشد إبهاماً من " من " كَانَ أَن لَا تُوصَف " من " أجوز، لِأَنَّهَا أخص مِنْهَا، فَيصير كَأَنَّهُ قَالَ: نعم رجلا هُوَ، لِأَنَّهَا تخص النَّاس، وَمن أشبههم، كَمَا كَانَت مَا تعم الْأَشْيَاء، إِلَّا أَنا لم نعلمهُمْ فِي الِاسْتِعْمَال تركُوا من بِغَيْر صفة، كَمَا تركُوا مَا غير مَوْصُوفَة فِي الْخَبَر، نَحْو التَّعَجُّب وَالْآيَة الَّتِي تلوناها. انْتهى كَلَام أبي عَليّ. وَقد نسب ابْن هِشَام فِي " الْمُغنِي " هَذَا التَّخْرِيج الْأَخير إِلَى أبي عَليّ، وَنسب الأول إِلَى غَيره. قَالَ فِي بحث " من "، وَفِي الْبَاب الثَّالِث: إِن من تَأتي نكرَة تَامَّة عِنْد أبي عَليّ، قَالَه فِي قَوْله: (وَنعم من هُوَ فِي سر وإعلان) فَزعم أَن الْفَاعِل مستتر، وَمن تَمْيِيز، وَقَوله هُوَ: مَخْصُوص بالمدح، فَهُوَ: مُبْتَدأ، وَخَبره مَا قبله أَو خبر لمبتدأ مَحْذُوف. وَقَالَ غَيره: من مَوْصُول فَاعل وَقَوله: هُوَ مُبْتَدأ خَبره هُوَ آخر مَحْذُوف على حد قَوْله: والظرف مُتَعَلق بالمحذوف لِأَن فِيهِ معنى الْفِعْل أَي: وَنعم من هُوَ الثَّابِت فِي حالتي السِّرّ وَالْعَلَانِيَة. قلت: ويحتادج إِلَى تَقْدِير هُوَ ثَالِث يكون مَخْصُوصًا بالمدح. انْتهى.)

وَصَاحب هَذَا القَوْل هُوَ ابْن مَالك قَالَ فِي شرح الكافية: هُوَ مُبْتَدأ خَبره هُوَ آخر مَحْذُوف وَالتَّقْدِير: وَنعم من هُوَ هُوَ فِي سر وإعلان. وَفِي مُتَعَلق بهو الْمَحْذُوف لِأَن فِيهِ معنى الْفِعْل. اه. وَعرف ضعف تَقْدِيره هُوَ هُوَ من كَلَام أبي عَليّ. وَقد رد ابْن مَالك فِي شرح التسهيل الْوَجْه الثَّالِث قَالَ: لَا يَصح لوَجْهَيْنِ: أَحدهمَا: أَن التَّمْيِيز لَا يَقع فِي الْكَلَام بالاسقتراء إِلَّا نكرَة صَالِحَة للألف وَاللَّام ومَنْ بِخِلَاف ذَلِك فَلَا يجوز كَونهَا تمييزاً. الثَّانِي: أَن الحكم عَلَيْهَا بالتمييز عِنْد الْقَائِل بِهِ مُرَتّب على كَون من نكرَة غير مَوْصُوفَة وَذَلِكَ مُنْتَفٍ بِإِجْمَاع فِي غير مَحل النزاع فَلَا يُصَار إِلَيْهِ بِلَا دَلِيل عَلَيْهِ. فصح القَوْل بِأَن مَنْ فِي مَوضِع رفع بنعم إِذْ لَا قَائِل بقول ثَالِث. اه. ورفعها بنعم عِنْده إِنَّمَا يكون على جعلهَا مَوْصُولَة بِمَعْنى الَّذِي لِأَنَّهُ الَّذِي ذكره. وَأما جعلهَا نكرَة مَوْصُوفَة بِالْجُمْلَةِ الَّتِي بعْدهَا كَمَا هُوَ الْوَجْه الثَّانِي فِي كَلَام أبي عَليّ فَلَا. وَهُوَ وَارِد على قَوْله: إِذْ لَا قَائِل بقول ثَالِث فَتَأمل. وَيكون هَذَا من لُغَة من يرفع بنعم النكرَة كَمَا يَأْتِي بعد هَذَا. وَأجَاب التبريزي فِي شرح الكافية بِأَن نَحْو نعم غُلَام رجل زيد بِنصب الْغُلَام تَمْيِيز. وَلم يقبل اللَّام. وَأَيْضًا كَونه فعلا لَا يَصح إِلَّا إِذا كَانَ مُعَرفا بِاللَّامِ أَو مُضَافا إِلَى الْمُعَرّف بِاللَّامِ. وَمن لَيْسَ شَيْئا من ذَلِك. وَأما الثَّانِي فمعارض بِمثلِهِ فِي هَذِه الصُّورَة فِيمَا تقدم. أما فِي هَذِه

الصُّورَة إِنَّمَا يجوز أَن يَقع فَاعِلا إِذا كَانَ مُعَرفا بِاللَّامِ أَو مُضَافا إِلَيْهِ وَلَيْسَ كَذَلِك. وَأما فِي غير هَذِه الصُّورَة إِنَّمَا تقع مَا فَاعِلا معرفَة إِذا كَانَ فِي غير صُورَة: نعما هِيَ ثَبت كَونهَا معرفَة غير مَوْصُولَة وَلَا يُصَار إِلَيْهِ من غير دَلِيل. وَأما المصراع الَّذِي قبل هَذَا وَهُوَ: وَنعم مزكأ من ضَاقَتْ مذاهبه فقد قَالَ ابْن مَالك: إِن مَن فِيهِ مَوْصُولَة أَيْضا قَالَ فِي شرح تسهيله: وَمِمَّا يدل على أَن فَاعل نعم قد يكون مَوْصُولا ومضافاً إِلَى مَوْصُول قَول الشَّاعِر: وَنعم مزكأ من ضَاقَتْ مذاهبه ... ... ... ... ... الْبَيْت قَالَ: فَلَو لم يكن فِي هَذَا إِلَّا إِسْنَاد نعم إِلَى الْمُضَاف إِلَى مَن لَكَانَ فِيهِ حجَّة على صِحَة إِسْنَاد) نعم إِلَى مَن لِأَن فَاعل نعم لَا يُضَاف فِي غير ندور إِلَى مَا يصلح إِسْنَاد نعم إِلَيْهِ فَكيف وَفِيه نعم قَالَ الْمرَادِي: وَلَا حجَّة فِي الْبَيْت لاحْتِمَال أَن تكون من فِي قَوْله: مزكأ مَن نكرَة مَوْصُوفَة وَتَكون نعم قد رفعت الْمُضَاف إِلَى النكرَة على مَا تقدم نَقله عَن الْأَخْفَش. اه. وَقَوله: وَكَيف أرهب ... إِلَخ الرهب محركة: الْخَوْف. وأراع بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول من الروع وَهُوَ الْفَزع. وزكأ بالزاي الْمُعْجَمَة والهمز فِي آخِره أَي: لَجأ. يُقَال: زكأت إِلَيْهِ: لجأت إِلَيْهِ. والمزكأ مفعل اسْم مَكَان مِنْهُ بِمَعْنى الملجأ.

(الشاهد الثامن والستون بعد السبعمائة)

وَبشر هُوَ ابْن مَرْوَان بن الحكم بن أبي الْعَاصِ بن أُميَّة الْقرشِي العبشمي الْأمَوِي. كَانَ سَمحا جواداً. ولي إمرة العراقين لِأَخِيهِ عبد الْملك وَهُوَ أول أَمِير مَاتَ بِالْبَصْرَةِ وَذَلِكَ سنة خمس وَسبعين عَن نَيف وَأَرْبَعين سنة. والبيتان لم أَقف على قائلهما. وَالله أعلم. وَأنْشد بعده (الشَّاهِد الثَّامِن وَالسِّتُّونَ بعد السبعمائة) الْبَسِيط فَنعم صَاحب قوم لَا سلَاح لَهُم قَالَ الْمرَادِي فِي شرح التسهيل بعد قَول ابْن مَالك: وَقد يُنكر مُفردا أَو مُضَافا: حكى الْأَخْفَش أَن نَاسا من الْعَرَب يرفعون ب نعم النكرَة مُفْردَة ومضافة فَيُقَال على هَذَا: نعم امْرُؤ زيد وَنعم صَاحب قوم عَمْرو. وَوَافَقَ الْأَخْفَش فِي كَون الْفَاعِل نكرَة مُضَافَة. وَإِلَى هَذَا وَنَحْوه أَشَارَ بقوله: وفاعل فِي الْغَالِب. وَنقل إجَازَة كَونه مُضَافا إِلَى نكرَة عَن الْكُوفِيّين وَابْن السراج. وَمنع ذَلِك عَامَّة النَّحْوِيين إِلَّا فِي الضَّرُورَة كَقَوْلِه: الْبَسِيط. (فَنعم صَاحب قوم لَا سلَاح لَهُم ... وَصَاحب الركب عُثْمَان بن عفانا)

وَقد كَانَ يُمكن تَأْوِيل هَذَا الْبَيْت على حذف التَّمْيِيز لَوْلَا أَن الْأَخْفَش حكى أَن ذَلِك لُغَة للْعَرَب. وَزعم صَاحب الْبَسِيط أَنه لم يرد نكرَة غير مُضَافَة. وَلَيْسَ كَمَا زعم بل ورد وَلكنه أقل من الْمُضَاف. وَمِنْه قَوْله: الوافر) (وسلمى أكمل الثقلَيْن حسنا ... وَفِي أثوابها قمر وريم) (نياف القرط غراء الثنايا ... وريد للنِّسَاء وَنعم نيم) والنيم: الضجيع والضجيعة. وَأَجَازَ بعض النَّحْوِيين أَن يكون فَاعل نعم وَبئسَ مُضَافا إِلَى ضمير مَا فِيهِ الْألف وَاللَّام فَأجَاز: الْقَوْم نعم صَاحبهمْ أَنْت. وَأنْشد: الطَّوِيل. فَنعم أَخُو الهيجا وَنعم شهابها قَالَ بَعضهم: وَالصَّحِيح الْمَنْع. وَهَذَا مِمَّا يحفظ وَلَا يُقَاس عَلَيْهِ. اه. وَبَقِي فِي الْقِسْمَة النكرَة الموصوفة كَمَا تقدم فِي الشَّاهِد قبل هَذَا. وَقَالَ أَبُو عَليّ فِي الْمسَائِل البصرية: علم أَن الْعَرَب تجْعَل مَا أضيف إِلَى مَا لَيْسَ فِيهِ ألف وَلَام بِمَنْزِلَة مَا فِيهِ الْألف وَاللَّام فترفعه

كَمَا ترفع ذَلِك فَتَقول: نعم أَخُو قوم زيد. قَالَ: فَنعم صَاحب قوم لَا سلَاح لَهُم هُوَ بِمَنْزِلَة صَاحب الْقَوْم. فَإِن قلت: لَعَلَّه ينشد بِالنّصب صَاحب قوم قلت: لَا يكون ذَلِك لِأَنَّك لَا تعطف معرفَة مَرْفُوعَة على نكرَة مَنْصُوبَة. وَهَذَا ضَعِيف. وَلَو قلت: نعم رجلا فِي الدَّار وَزيد لم يجز لِأَنَّهُ لَيْسَ قبل زيد شَيْء يعْطف عَلَيْهِ لِأَنَّهُ فِي الدَّار لَيْسَ باسم ورجلاً نكرَة مَنْصُوبَة. اه. وَقَالَ ابْن بري فِي شرح أَبْيَات الْإِيضَاح لأبي عَليّ: زعم الْأَخْفَش أَن قوما من الْعَرَب يرفعون النكرَة المضافة إِلَى مَا لَيْسَ فِيهِ الْألف وَاللَّام بنعم. قَالَ أَبُو عَليّ: وَلَا يجوز ذَلِك على مَذْهَب سِيبَوَيْهٍ لِأَن المرفعوع بنعم لَا يكون إِلَّا على الْجِنْس. وَلَو قلت: أهلك النَّاس شَاة وبعير لم يدل على الْجِنْس كَمَا دلّت عَلَيْهِ الشَّاة وَالْبَعِير. وَلَا يجوز صَاحب قوم بِالنّصب لقَوْله: وَصَاحب الركب وَلَا يعْطف مَرْفُوع على مَنْصُوب. وَلَا يكون مَعْطُوفًا على مُضْمر فِي نعم لِأَنَّهُ مُضْمر يحْتَاج إِلَى التَّفْسِير فَكَأَنَّهُ لم يتم فَلَا يجوز إِظْهَاره وَلَا تأكيده وَلَا الْعَطف عَلَيْهِ. وَإِذا قبح الْعَطف على الْمُضمر الْمَرْفُوع بِالْفِعْلِ دون تأكيده فَأن لَا يجوز هَذَا أولى لما بَيناهُ. انْتهى كَلَامه. قَالَ ابْن يعِيش: وَلَو نصبت صَاحب قوم فِي غير هَذَا الْبَيْت على التَّفْسِير لجَاز كَمَا تنصب النكرَة المفردة فِي نَحْو: نعم رجلا لكنه ضَعِيف هَاهُنَا لعطفك فِي قَوْلك: وَصَاحب الركب) عُثْمَان وَالْمَرْفُوع

لَا يعْطف على الْمَنْصُوب. وَكَأن الَّذِي حسن ذَلِك فِي الْبَيْت قَوْله: وَصَاحب الركب لما عطف عَلَيْهِ مَا فِيهِ الْألف وَاللَّام دلّ على أَنَّهَا فِي الْمَعْطُوف عَلَيْهِ مُرَادة لِأَن الْمَعْنى وَاحِد فاعرفه. وَالْبَيْت لكثير بن عبد الله النَّهْشَلِي الْمَعْرُوف بِابْن الغريزة. وَقيل لحسان بن ثَابت. اه. وَقد راجعت ديوَان حسان فَلم أَجِدهُ. وَقَالَ الْعَيْنِيّ: عزاهُ ابْن السيرافي فِي شرح أَبْيَات الْإِيضَاح لكثير بن عبد الله الْمَذْكُور. وَقَالَ أَيْضا: وَنسبه صَاحب الموعب فِي اللُّغَة وَأَبُو حَاتِم فِي كتاب إصْلَاح الْمُفْسد إِلَى أَوْس بن مغراء. وَقَبله: الْبَسِيط (صحوا بأشمط عنوان السُّجُود بِهِ ... يقطع اللَّيْل تسبيحاً وقرآنا) وَأَقُول: ذكر الذَّهَبِيّ فِي تَارِيخه أَن هَذَا الْبَيْت من أَبْيَات لحسان بن ثَابت. وَقد راجعت ديوانه فَرَأَيْت أبياتاً على هَذَا الْوَزْن وَمَا فِيهَا هَذَا الْبَيْت. وَالله أعلم. وَكثير ابْن عبد الله الْمَذْكُور أوردهُ ابْن حجر فِي قسم المخضرمين

من الْإِصَابَة قَالَ: هُوَ كثير بن عبد الله بن مَالك بن هُبَيْرَة بن صَخْر بن نهشل بن دارم بن مَالك بن حَنْظَلَة يعرف بِابْن الغريزة النَّهْشَلِي ذكره المرزباني فِي مُعْجم الشُّعَرَاء وَقَالَ: شَاعِر مخضرم بَقِي إِلَى إمرة الْحجَّاج. وَهُوَ الَّذِي يَقُول فِي قصيدة رثى بهَا عُثْمَان بن عَفَّان: المتقارب (لعمر أَبِيك فَلَا تجزعن ... لقد ذهب الْخَيْر إِلَّا قَلِيلا) (وَقد فتن النَّاس عَن دينهم ... وخلى ابْن عَفَّان شرا طَويلا) وَقَالَ أَبُو الْفرج الْأَصْبَهَانِيّ: كَانَ شَاعِرًا مخضرماً أدْرك الْجَاهِلِيَّة وَالْإِسْلَام وغزا الطالقان فِي عهد عمر مَعَ الْعَبَّاس بن مرداس وأخيه. وَأنْشد لَهُ فِي ذَلِك أَبْيَات مِنْهَا: الوافر (سقى مزن السَّحَاب إِذا استهلت ... مصَارِع فتية بالجوزجان) وَقَوله: ضحوا ... إِلَخ أَي: ذبحوه كالأضحية. فِي الْمِصْبَاح: وضحى تضحية إِذا ذبح الْأُضْحِية وَقت الضُّحَى. هَذَا أَصله ثمَّ كثر حَتَّى قيل ضحى فِي أَي وَقت كَانَ من أَيَّام التَّشْرِيق. وَيَتَعَدَّى أَي: بالحرف. فَيُقَال: ضحيت بِشَاة. قَالَ ابْن بري: قَوْله: ضحوا أَي: جَعَلُوهُ بدل الْأُضْحِية كَأَنَّهُمْ قَتَلُوهُ فِي أَيَّام لُحُوم الْأَضَاحِي وَذَلِكَ يَوْم الْجُمُعَة لثمان عشرَة لَيْلَة خلت من ذِي الْحجَّة سنة خمس وَثَلَاثِينَ من الْهِجْرَة. انْتهى.) والشمط بِالتَّحْرِيكِ: بَيَاض الشّعْر من الرَّأْس يخالط سوَاده وَالرجل أشمط وَالْمَرْأَة شَمْطَاء. وشمط يشمط من بَاب فَرح. وعنوان مُبْتَدأ بِمَعْنى

(الشاهد التاسع والستون بعد السبعمائة)

عَلامَة وَبِه خَبره وَالْجُمْلَة صفة شمط. وَقَالَ الْعَيْنِيّ: عنوان السُّجُود حَال من ضمير يقطع وَيجوز جَرّه على النَّعْت لأشمط كَأَنَّهُ قَالَ: بأشمط ظَاهر الْخَيْر. قَالَ أَبُو الْحجَّاج: وَقد يكون حَالا من أشمط وَإِن كَانَ نكرَة لِأَنَّهَا مَفْهُوم من يُرَاد بهَا. هَذَا كَلَامه. وَأَقُول: الحالية ل تجوز لَا لفظا وَلَا معنى على الأول وَلَا لفظا على الثَّانِي للتعريف. وَقَوله: فَنعم صَاحب قوم ... إِلَخ قَالَ الْعَيْنِيّ: إِشَارَة إِلَى فضل عُثْمَان رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَأَنه يُغني يَوْم الْقِيَامَة بالشفاعة غنى من دَافع فِي الدُّنْيَا بسلاحه عَن عزل الْجَمَاعَة. وَقد يكون هَذَا كَلَامه. وَلَيْسَ معنى الشّعْر إِنَّمَا مَعْنَاهُ إِشَارَة إِلَى قَوْله يَوْم الدَّار: من رمى سلاحه كَانَ حرا. وَقَوله: صَاحب الركب أَي: ركب الْحَج. وَأنْشد بعده (الشَّاهِد التَّاسِع وَالسِّتُّونَ بعد السبعمائة) الْبَسِيط (أَو حرَّة عيطل ثبجاء مجفرة ... دعائم الزُّور نعمت زورق الْبَلَد) على أَنه قد يؤنث نعم لكَون الْمَخْصُوص بالمدح مؤنثاً وَإِن كَانَ الْفَاعِل مذكراً فَإِنَّهُ أنث نعم مَعَ أَنه مُسْند إِلَى مُذَكّر وَهُوَ زورق الْبَلَد.

لِأَنَّهُ يُرِيد النَّاقة فأنث على الْمَعْنى كَمَا أنث مَعَ الْبَلَد فِي قَوْلهم: هَذِه الدَّار نعمت الْبَلَد حِين أَرَادَ بِهِ الدَّار. وكقول الراجز: الرجز (نعمت جَزَاء الْمُتَّقِينَ الْجنَّة ... دَار الْأَمَانِي والمنى والمنه) والحرة: الْكَرِيمَة وَأَرَادَ بهَا النَّاقة. والعيطل: الطَّوِيلَة الْعُنُق. وثبجاء بِفَتْح الْمُثَلَّثَة وَسُكُون الْمُوَحدَة بعْدهَا جِيم: الضخمة الثبج وَهُوَ الصَّدْر. كَذَا جَاءَ فِي تَفْسِير هَذَا الشّعْر. والثبج بِفتْحَتَيْنِ: مَا بَين الْكَاهِل إِلَى الظّهْر. أَي: هَذَا مِنْهَا عَظِيم. وَقَالَ ابْن يعِيش: ثبجاء: عَظِيمَة السنام. والمجفرة بِضَم الْمِيم وَسُكُون الْجِيم وَكسر الْفَاء: الْعَظِيمَة الْجنب الواسعة الْجوف. والجفرة بِالضَّمِّ: الْوسط يُقَال: فرس مجفر وناقة مجفرة إِذا كَانَت عريضة الجرم. وصفهَا بِأَنَّهَا عَظِيمَة القوائم وكنى عَن ذَلِك بدعائم الزُّور. والدعائم: القوائم. والزور بِفَتْح الزَّاي: أَعلَى الصَّدْر. وَقَالَ ابْن المستوفي: دعائم الزُّور: الضلوع وكل ضلع دعامة. وانتصب دعائم الزُّور على التَّشْبِيه بالمفعول بِهِ فَهُوَ من بَاب الْحسن الْوَجْه. وَقيل: انتصابه على التَّمْيِيز وَهُوَ ضَعِيف لِأَنَّهُ معرفَة. وَأَخْطَأ من وَجْهَيْن صَاحب التخمير والموشح فِي قَوْلهمَا: إِنَّه مَنْصُوب على التَّمْيِيز للمخصوص بالمدح الْمَحْذُوف وناصبه نعمت. وزورق فَاعل نعم والمخصوص بالمدح مَحْذُوف وَهُوَ ضمير الْحرَّة أَي: هِيَ. والزورق: السَّفِينَة. والبلد: الأَرْض والمفازة. وَهَذَا كَقَوْلِهِم: الْإِبِل سفن الْبر فَإِن

الْإِبِل تشبه بالسفن والمفاوز قَالَ أَبُو عبيد فِي الْغَرِيب المُصَنّف: البوصي: الزورق. وَتعقبه عَليّ بن حَمْزَة الْبَصْرِيّ بِأَن البوصي إِنَّمَا هُوَ من سفن الْبَحْر وَهُوَ بِالْفَارِسِيَّةِ: بوزي والزورق بالنبطية وَقد تَكَلَّمت بِهِ) الْعَرَب وَجمعه الزوارق. والزورق مِمَّا يجْرِي فِي المَاء العذب بدجلة والفرات. انْتهى. وَالْبَيْت من قصيدة لذِي الرمة مدح بهَا بِلَال بن أبي بردة. وَقَبله: الْبَسِيط (ومنهل اجن قفر محاضره ... خضر كواكبه ذِي عرمض لبد) (فرجت عَن خَوفه الظلماء يحملني ... غوج من الْعِيد والأسراب لم ترد) (بَاقٍ على الأين يُعْطي إِن رفقت بِهِ ... معجاً رقاقاً وَإِن تخرق بِهِ يخد) أَو حرَّة عيطل ثبجاء مجفرة ... ... ... ... ... ... الْبَيْت (لانت عريكتها من طول مَا سَمِعت ... بَين المفاوز تنآم الصدى الغرد) (حنت إِلَى نعم الدهنا فَقلت لَهَا ... أُمِّي بِلَالًا على التَّوْفِيق والرشد) المنهل: المورد وَالْوَاو: وَاو رب. والآجن: المَاء الْمُتَغَيّر الطّعْم واللون.

وأجن المَاء يأجن من بَاب ضرب وَنصر أجناً وأجوناً. وَحكي أجن من بَاب فرج. والمحاضر: جمع محْضر كجعفر وَهُوَ الْمرجع إِلَى الْمِيَاه. وكوكب الشَّيْء: معظمه. والعرمض كجعفر بإهمال الأول وإعجام الآخر: الطحلب وَهُوَ الْأَخْضَر الَّذِي يَعْلُو المَاء. والظلماء مفعول فرجت وَجُمْلَة: يحملني حَال من تَاء فرجت. والغوج بِفَتْح الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْوَاو بعْدهَا جِيم: اللين المعاطف من الْإِبِل وَالْخَيْل. والعيد بِكَسْر الْمُهْملَة: فَحل منجب من الْإِبِل. والأسراب: جمع سرب بِالْكَسْرِ وَهُوَ القطيع من القطا والظباء والوحش وَالنِّسَاء. وَترد من وُرُود المَاء. والأين: التَّعَب. والمعج بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة بعْدهَا جِيم: سرعَة السّير. والرقاق بِضَم الرَّاء: الرَّقِيق. وتخرق بِفَتْح الرَّاء: مضارع خرق بِكَسْرِهَا خرقاً بِفتْحَتَيْنِ إِذا عمل شَيْئا فَلم يرفق بِهِ وَالِاسْم الْخرق بِالضَّمِّ وَهُوَ العنف. ويخد من الوخد وَهُوَ ضرب من سير الْإِبِل وَهُوَ أَن يَرْمِي بقوائمه كمشي النعام. والعريكة: الْخلق. والتنآم: تفعال من النئيم وَهُوَ صَوت فِيهِ

(الشاهد السبعون بعد السبعمائة)

ضعف كالأنين. والصدى: ذكر البوم. والغرد بِكَسْر الرَّاء: المتطرب فِي الصَّوْت. والغرد بِفَتْحِهَا: الْغناء يُقَال: غرد الطَّائِر من بَاب فَرح. وَالنعَم بِفتْحَتَيْنِ: الْإِبِل. والدهنا: مَوضِع بِبِلَاد تَمِيم يمد وَيقصر. وَأمي: أقصدي.) وترجمة ذِي الرمة تقدّمت فِي الشَّاهِد الثَّامِن من أول الْكتاب. (الشَّاهِد السبعون بعد السبعمائة) الطَّوِيل بعد مَا متأملي وَهُوَ قِطْعَة من بَيت من معلقَة امْرِئ الْقَيْس وَهُوَ: (فعدت لَهُ وصحبتي بَين ضارج ... وَبَين العذيب بعد مَا متأملي) على أَن بعد فِيهِ للمدح والتعجب وَأَصله بعد بِفَتْح الْبَاء وَضم الْعين أَصَالَة ألحق بِفعل الْمَدْح. وَيجوز فِي بائه وَجْهَان: فتحهَا وتسكين عينهَا بِحَذْف حركتها وَضمّهَا بِنَقْل حَرَكَة عينهَا إِلَيْهَا كَمَا يجوز فِي كل فعل المُرَاد بِهِ الْمَدْح أَو التَّعَجُّب كَمَا قَالَ الشَّارِح الْمُحَقق فِي آخر الْفَصْل وصوره بِهَذَا الْبَيْت. وَقد رُوِيَ أَيْضا بِالْوَجْهَيْنِ. قَالَ العسكري فِي كتاب التَّصْحِيف: رَوَاهُ أَبُو إِسْحَاق الزيَادي عَن الْأَصْمَعِي بعد مَضْمُومَة الْبَاء وَمَعْنَاهُ يَا بعد مَا تَأَمَّلت على التَّعَجُّب أَي: تثبت فِي النّظر أَيْن يسْقِي. وَرَوَاهُ أَبُو حَاتِم: بَعْدَ بِفَتْح الْبَاء وَقَالَ: خفف بعد فأسكن الْعين وَبقيت الْبَاء مَفْتُوحَة مثل

وَفِيه رد على ابْن مَالك فِي التسهيل فِي اشْتِرَاط نقل ضم الْعين إِلَى الْفَاء بِكَوْن الْفَاء حرفا حلقياً كحب وَحسن. وَمَا بعد بُعْدَ إِمَّا زَائِدَة ومتأملي فَاعل بعد وَهُوَ مُضَاف إِلَى الْيَاء وَالرَّفْع فِيهِ مُقَدّر والمخصوص بالمدح مَحْذُوف. وَإِمَّا اسْم نكرَة مَنْصُوبَة الْمحل على التَّمْيِيز للضمير الْمُسْتَتر فِي بعد ومتأملي هُوَ الْمَخْصُوص بالمدح والتعجب فَتكون مَا كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: فَنعما هِيَ. وَقبل هَذَا الْبَيْت: (أصاح ترى برقاً أريك وميضه ... كَلمعِ الْيَدَيْنِ فِي حبي مكلل) (يضيء سناه أَو مصابيح رَاهِب ... أهان السليط بالذبال المفتل) قعدت لَهُ وصحبتي ... ... ... ... ... ... الْبَيْت قَوْله: أصاح ترى ... إِلَخ الْهمزَة لنداء الْقَرِيب. وَصَاح: مرخم صَاحب وَحذف همزَة) الِاسْتِفْهَام بعده للضَّرُورَة. والوميض والإيماض: اللمعان. يُقَال: ومض الْبَرْق يمض وأومض إِذا لمع وتلألأ. واللمع: التحرك والتحريك جَمِيعًا. والحبي بِالْحَاء الْمُهْملَة وَكسر الْمُوَحدَة وَهُوَ السَّحَاب المتراكم سمي بِهِ لِأَنَّهُ حبا بعض إِلَى بعض أَي: تراكم. وَجعله مكللاً لِأَنَّهُ صَار أَعْلَاهُ كالإكليل لأسفله. وَمِنْه قَوْلهم: كللت الرجل إِذا توجته. ويروى: مكلل بِكَسْر اللَّام: اسْم فَاعل من كلل تكليلاً إِذا تَبَسم.

يَقُول: يَا صَاحِبي هَل ترى برقاً أيك لمعانه وتلألؤه وتألقه فِي سَحَاب متراكم صَار أَعْلَاهُ كالإكليل لأسفله أَو فِي سَحَاب متبسم بالبرق يشبه برقه تَحْرِيك الْيَدَيْنِ. أَرَادَ يَتَحَرَّك تحركهما. وَتَقْدِير الْبَيْت: أريك وميضه فِي حبي مكلل كَلمعِ الْيَدَيْنِ. شبه لمعان الْبَرْق وتحريكه بتحرك الْيَدَيْنِ. وَقَوله: يضيء سناه ... إِلَخ السنا بِالْقصرِ: الضَّوْء يُقَال: سنا يسنو. والسليط: الزَّيْت وَقيل: الشيرج وَسمي سليطاً لإضاءته السراج وَمِنْه السُّلْطَان لوضوح أمره. والذبال: جمع ذبالة وَهِي الفتيلة. وَمعنى أهان السليط أَنه لم يعزه وَأكْثر الإيقاد بِهِ. وروى: أما السليط فَقيل من المقلوب وَتَقْدِيره أمال الذبال بالسليط إِذا صبه عَلَيْهِ. وَقَالَ بَعضهم: تَقْدِيره: أمال السليط مَعَ الذبال يُرِيد أَنه يمِيل الْمِصْبَاح إِلَى جَانب فَيكون أَشد إضاءة لتِلْك النَّاحِيَة من غَيرهَا. يَقُول: هَذَا الْبَرْق يتلألأ ضوءه فَهُوَ يشبه فِي تحريكه لمع الْيَدَيْنِ أَو مصابيح الرهبان الَّتِي أميلت فتائلها بصب الزَّيْت عَلَيْهَا فِي الإضاءة يُرِيد أَن تحركه يَحْكِي تحرّك الْيَدَيْنِ وضوءه يَحْكِي ضوء ومصابيح بِالْجَرِّ مَعْطُوف على لمع. وَقَوله: قعدت لَهُ ... إِلَخ قَالَ الْخَطِيب التبريزي: صُحْبَة بِالضَّمِّ:

(الشاهد الحادي والسبعون بعد السبعمائة)

اسْم جمع صَاحب. وضارج والعذيب: مكانان أَي: قعدت لذَلِك الْبَرْق أنظر من أَيْن يَجِيء بالمطر. وَمعنى قَوْله: بعد مَا متأملي: مَا أبعد مَا تَأَمَّلت. وَحَقِيقَته أَنه نِدَاء مُضَاف. وَهِي تحْتَمل مَعْنيين: أَحدهمَا: أَن الْمَعْنى بَعُد ثمَّ حذف الضمة. وَيجوز أَن يكون الْمَعْنى بعد مَا تَأَمَّلت. هَذَا كَلَامه. وَقَالَ الزوزني: يَقُول قعدت للنَّظَر إِلَى السَّحَاب وأصحابي بَين هذَيْن الْمَوْضِعَيْنِ وَكنت مَعَهم) فَبعد متأملي وَهُوَ المنظور إِلَيْهِ أَي: بعد السَّحَاب الَّذِي كنت أنظر إِلَيْهِ وأرقب مطره وأشيم برقه. يُرِيد أَنه نظر إِلَى هَذَا السَّحَاب من مَكَان بعيد فتعجب من بعد نظره. انْتهى. وَحَاصِله أَن بَعْدَ بِالْفَتْح فعل مَاض مسكن الْعين وَمَا زَائِدَة ومتأملي اسْم مفعول وَاقع على السَّحَاب مُضَاف إِلَى يَاء الْمُتَكَلّم كَمَا سبق من تَقْرِير كَلَام الشَّارِح الْمُحَقق من أَنه مصدر مُضَاف إِلَى الْيَاء. ثمَّ قَالَ الزوزني: وَقَالَ بَعضهم: إِن مَا فِي الْبَيْت بِمَعْنى الَّذِي وَتَقْدِيره: بَعُدَ مَا هُوَ متأملي وترجمة امْرِئ الْقَيْس تقدّمت فِي الشَّاهِد التَّاسِع وَالْأَرْبَعِينَ. وَأنْشد بعده (الشَّاهِد الْحَادِي وَالسَّبْعُونَ بعد السبعمائة) الطَّوِيل وَحب بهَا مقتولة حِين تقتل

على أَن حب فِيهِ للمدح وَالْعجب وَأَصلهَا حبب بِضَم الْعين للتحويل الْمَذْكُور. فَإِن نقلنا حَرَكَة الْعين إِلَى الْفَاء بعد حذف حركتها صَار حب بِضَم الأول. وَإِن حذفنا ضمة الْعين صَار حب بِفَتْح الأول والإدغام فِي الصُّورَتَيْنِ وَاجِب لِاجْتِمَاع المثلين وَالْأول مِنْهُمَا سَاكن. وفاعلها الضَّمِير الْمُؤَنَّث الْمَجْرُور بِالْبَاء لِأَن هَذِه الصِّيغَة تعجبية لكَونهَا بِمَعْنى أحبب بهَا. قَالَ ابْن الْحَاجِب فِي أمالي الْمفصل: مقتولة نصب على الْحَال من الضَّمِير فِي بهَا وَبهَا فَاعل حب زيدت فِيهِ الْبَاء على غير قِيَاس كَقَوْلِه: كفى بِاللَّه شَهِيدا. وَقَالَ صَاحب التخمير: الْبَاء فِي بهَا هَاهُنَا للتعجب وَنَظِيره قَوْلهم: كَفاك بزيد رجلا. وَقَالَ ابْن السراج: الْبَاء دخلت لِأَنَّهَا دَلِيل التَّعَجُّب كَمَا قَالُوا: إِنَّك من رجل عَالم لم تسْقط من قَالَ ابْن يعِيش: حب من المضاعف الَّذِي عينه ولامه من بَاب أحد وَفِيه لُغَتَانِ حب وَأحب وَأحب أَكثر فِي الِاسْتِعْمَال. وَأما حب فوزنه فعل بِفَتْح الْعين قَالَ الشَّاعِر:

الطَّوِيل (فوَاللَّه لَوْلَا تمره مَا حببته ... وَلَا كَانَ أدنى من عبيد ومشرق) فَإِذا أُرِيد بِهِ الْمَدْح نقل إِلَى فعل فَتَقول: حب زيد أَي: صَار محبوباً وَمِنْه قَوْله: حب بهَا مقتولة حِين تقتل وَكَذَلِكَ قَول الآخر: الْكَامِل) هجرت غضوب وَحب من يتَجَنَّب وَذهب الْفراء إِلَى أَن حب أَصله حَبُب مضموم الْعين وَاسْتدلَّ بقَوْلهمْ: حبيب وفعيل بَابه فعل كظريف وكريم من ظرف وكرم. وَالصَّوَاب مَا ذَكرْنَاهُ لِأَنَّهُ قد جَاءَ مُتَعَدِّيا وَفعل لَا يكون مُتَعَدِّيا. فَأَما قَوْلهم: حبيب فَلَا دَلِيل فِيهِ لِأَنَّهُ مفعول فحبيب ومحبوب وَاحِد فَهُوَ كجريح وقتيل. وحبِيب من حب إِن أُرِيد بِهِ الْمَدْح فَاعل كظريف. وَحب فعل متصرف تَقول مِنْهُ: حبه يُحِبهُ بِالْكَسْرِ وَهُوَ من الشاذ لِأَن فعل إِذا كَانَ مضاعفاً مُتَعَدِّيا فمضارعه يفعل بِالضَّمِّ نَحْو: رده يردهُ وشده يشده. وَقَالُوا فِي الْمَفْعُول مَحْبُوب وَقل محب. وَجَاء محب فِي اسْم الْفَاعِل وَقل

هَذَا وَالرِّوَايَة فِي الْبَيْت: وَأطيب بهَا مقتولة حِين تقتل بِصِيغَة التَّعَجُّب من الطّيب. وَقَبله: فَقلت اقتلوها عَنْكُم بمزاجها وَقتل الْخمر: مزجها وَكسر قوتها بِالْمَاءِ. جعل مزجها بِالْمَاءِ قتلا لَهَا. وَرَوَاهُ أَبُو حنيفَة الدينَوَرِي فِي كتاب النَّبَات. (فلذت لمرتاح وَطَابَتْ لشارب ... وأحبب بهَا مقتولة حِين تقتل) وَقَالَ: إِذا كَانَت الْخمر طيبَة فَهِيَ لَذَّة نعت لَهَا. وَقد لذت لشاربها تلذ لَذَّة ولذها شاربها يلذها لذاً ولذاذة. انْتهى. وَهَذَا مركب من بَيْتَيْنِ كَمَا يَأْتِي. وَالْبَيْت من قصيدة للأخطل النَّصْرَانِي مدح بهَا خَالِد بن عبد الله بن أسيد بن أبي الْعيص بن أُميَّة وَكَانَ أحد أجواد الْعَرَب فِي الْإِسْلَام. وَهَذِه القصيدة أول ديوانه وَقَبله: الطَّوِيل (وجاؤوا ببيسانية هِيَ بَعْدَمَا ... يعل بهَا الساقي ألذ وأسهل) (فلذت لمرتاح وَطَابَتْ لشارب ... وراجعني مِنْهَا مراح وأخيل) (فَمَا لبثتنا نشوة لحقت بِنَا ... توابعها مِمَّا نعل وننهل) ...

(الشاهد الثاني والسبعون بعد السبعمائة)

(تدب دبيباً فِي الْعِظَام كَأَنَّهُ ... دَبِيب نمال فِي نقاً يتهيل)) (فَقلت اقتلوها عَنْكُم بمزاجها ... وَأطيب بهَا مقتولة حِين تقتل) وبيسان هِيَ بَلْدَة بغور الشَّام تنْسب إِلَيْهَا الْخمر. والعلل: الشّرْب الثَّانِي. والشواء: الكباب. والمرعبل: المقطع. والمراح بِالْكَسْرِ: السرُور. والأخيل: الْخُيَلَاء وَالْعجب. ونشوتها: رائحتها. والنشوة: السكر أَيْضا. وتوابعها: مَا لحق من سكرها. والنهل: الشّرْب الأول. كَذَا فِي شرح ديوانه. ونمال بِالْكَسْرِ: جمع نمل. والنقا: الْكَثِيب من الرمل. ويتهيل: يتصبب. وترجمة الأخطل تقدّمت فِي الشَّاهِد الثَّامِن وَالسبْعين. وَأنْشد بعده (الشَّاهِد الثَّانِي وَالسَّبْعُونَ بعد السبعمائة) الْبَسِيط على أَن حسن يه للمدح والتعجب وَيجوز فِي مثله أَن تنقل ضمة الْعين إِلَى الْفَاء كَمَا فعل الشَّاعِر وَأَن تحذف وَتبقى الْفَاء على فتحهَا. وَالْبَيْت أنْشدهُ الْجَوْهَرِي قَالَ: وَقد حسن الشَّيْء وَإِن شِئْت خففت الضَّم فَقلت: حسن الشَّيْء وَلَا يجوز أَن تنقل الضَّم إِلَى الْحَاء لِأَنَّهُ

خبر وَإِنَّمَا يجوز النَّقْل إِذا كَانَ بِمَعْنى الْمَدْح أَو الذَّم لِأَنَّهُ يشبه فِي جَوَاز النَّقْل بنعم وَبئسَ وَذَلِكَ أَن الأَصْل فيهمَا نعم وَبئسَ فسكن ثَانِيهمَا ونقلت حركته إِلَى مَا قبله. وَكَذَلِكَ كل مَا كَانَ فِي مَعْنَاهُمَا. قَالَ الشَّاعِر: لم يمْنَع النَّاس مني مَا أردْت ... ... ... ... ... الْبَيْت أَرَادَ: حسن هَذَا أدباً فَخفف وَنقل. انْتهى كَلَامه. وَقَالَ ابْن السيرافي: يُرِيد أَن يقهر النَّاس فيمنعهم مَا يُرِيدُونَ مِنْهُ وَلَا يمنعونه مِمَّا يُرِيد مِنْهُم لعزه وقهره. وَاسْتحْسن هُوَ هَذَا وَجعله أدباً حسنا. وَذَا: فَاعل حسن وأدباً مَنْصُوب على التَّمْيِيز. انْتهى. وَقَالَ الجواليقي فِي شرح أدب الْكَاتِب: الْأَدَب الَّذِي كَانَت الْعَرَب تعرفه هُوَ مَا يحسن من الْأَخْلَاق وَفعل المكارم مثل ترك السَّفه وَبِذَلِك المجهود وَحسن اللِّقَاء. لم يمْنَع النَّاس مني مَا أدرت ... ... ... ... . الْبَيْت) كَأَنَّهُ يُنكر على نَفسه أَن يُعْطِيهِ النَّاس وَلَا يعطيهم. واصطلح النَّاس بعد الْإِسْلَام بِمدَّة طَوِيلَة على أَن يسموا الْعَالم بالنحو وَالشعر وعلوم الْعَرَب أديباً ويسمون هَذِه الْعُلُوم الْأَدَب وَذَلِكَ كَلَام مولد لِأَن هَذِه الْعُلُوم حدثت فِي الْإِسْلَام. واشتقاقه من شَيْئَيْنِ: يجوز أَن يكون من الْأَدَب وَهُوَ الْعجب وَمن الْأَدَب مصدر قَوْلك: أدب فلَان الْقَوْم يأدبهم أدباً إِذا دعاهم قَالَ طرفَة: الرمل (نَحن فِي المشتاة نَدْعُو الجفلى ... لَا ترى الآدب فِينَا ينتقر)

فَإِذا كَانَ من الْأَدَب الَّذِي هُوَ الْعجب فَكَأَنَّهُ الشَّيْء الَّذِي يعجب مِنْهُ لحسنه لِأَن صَاحبه الرجل الَّذِي يعجب مِنْهُ لفضله. وَإِذا كَانَ من الْأَدَب الَّذِي هُوَ الدُّعَاء فَكَأَنَّهُ الشَّيْء الَّذِي يَدْعُو النَّاس إِلَى المحامد وَالْفضل فينهاهم عَن المقابح وَالْجهل. وَالْفِعْل مِنْهُ أدبي آدب أدباً من بَاب فَرح فَأَنا أديب. والمتأدب: الَّذِي قد أَخذ من الْأَدَب بحظ وَهُوَ متفعل من الْأَدَب يُقَال مِنْهُ أدب الرجل يأدب إِذا صَار أديباً مثل كرم إِذا صَار كَرِيمًا. انْتهى. وَالْبَيْت من قصيدة لسهم بن حَنْظَلَة الغنوي أورد بَعْضهَا أَبُو تَمام فِي كتاب مُخْتَار أشعار الْقَبَائِل. وَهَذَا مَا أوردهُ: (إِذا افْتَقَرت نأى وَاشْتَدَّ جَانِبه ... وَإِن رآك غَنِيا لَان واقتربا) (وَإِن أَتَاك لمَال أَو لتنصره ... أثنى عَلَيْك الَّذِي تهوى وَإِن كذبا) (مدلى الْقَرَابَة عِنْد النّيل يَطْلُبهُ ... وَهُوَ الْبعيد إِذا نَالَ الَّذِي طلبا) (حُلْو اللِّسَان بعيد الْقلب مُشْتَمل ... على الْعَدَاوَة لِابْنِ الْعم مَا اصْطَحَبَا) (الله مخلف مَا أنفقت محتسباً ... إِذا شكرت ومؤتيك الَّذِي كتبا) ...

(لَا بل سل الله مَا ضنوا عَلَيْك بِهِ ... وَلَا يمن عَلَيْك الله مَا وهبا) (يَا للرِّجَال لأقوام أجاورهم ... مستقبسين وَلما يقبسوا لهبا) (يصلونَ نَارِي وأحميها لغَيرهم ... وَلَو أَشَاء لقد كَانُوا لَهَا حطبا) (من الرِّجَال رجال لَا أعاتبهم ... وَلَا تفزع مِنْهُم هامتي رعْبًا) (من لَا يزل غَرضا أرمي مقاتله ... لَا يَتَّقِي وَهُوَ مني وَاقِف كثبا)) (وَلَا أسب امْرأ إِلَّا رفعت لَهُ ... عاراً يسب بِهِ الأقوام أَو لقبا) (قد يعلم النَّاس أَنِّي من خيارهم ... فِي الدَّين دينا وَفِي أحسابهم حسبا) قَالَ التبريزي فِي شرح إصْلَاح الْمنطق لِابْنِ السّكيت: يُرِيد أَنه يقهر النَّاس فيمنعهم مَا يُرِيدُونَ مِنْهُ وَلَا يمنعونه مَا يُرِيد مِنْهُم لعزته. وَجعله أدباً حسنا. هَذَا تَفْسِير أبي مُحَمَّد. وَقَالَ أَبُو الْعَلَاء فِي معنى هَذَا الْبَيْت: كَأَنَّهُ يُنكر على نَفسه أَن يُعْطِيهِ النَّاس وَلَا يعطيهم ويمنعهم. وَهُوَ الصَّوَاب لِأَن مَا قبله يدل عَلَيْهِ. وَذَا: فَاعل حسن. وأدباً تَمْيِيز. وَأَرَادَ حسن فَخفف وَنقل لِأَن

هَذَا مَذْهَب التَّعَجُّب. وَقَالَ الصفار: إِن الشَّاعِر أنكر على نَفسه بِأَن النَّاس يعطونه ويمنعهم ثمَّ قَالَ: حسن ذَا أدباً أَي: مَا أحسن هَذَا الْأَدَب على سَبِيل الْإِنْكَار والتهكم. انْتهى. وَسَهْم بن حَنْظَلَة: شَاعِر مخضرم أدْرك الْجَاهِلِيَّة وَالْإِسْلَام. ذكره ابْن حجر فِي قسم الخضرمين من الْإِصَابَة عَن المرزباني. وَقَالَ الْآمِدِيّ فِي المؤتلف والمختلف: سهم بن حَنْظَلَة بن جأوان بن خويلد أحد بني شبيبة بن غَنِي بن أعصر فَارس مَشْهُور وشاعر محسن وَهُوَ الْقَائِل: الْكَامِل (كم من عَدو قد رماني كاشح ... ونجوت من أَمر أغر مشهر) (وحذرت من أَمر فَمر بجانبي ... لم يبكني وَلَقِيت مَا لم أحذر) (تدني الْفَتى فِي الْغنى للراغبين إِذا ... ليل التَّمام أهم المقتر العزبا)

(حَتَّى تمول يَوْمًا أَو يُقَال فَتى ... لَاقَى الَّتِي تشعب الأقوام فانشعبا) انْتهى. وَقد أَخطَأ فِي هَذَا فَإِن صَاحب القصيدة هُوَ سهم الَّذِي ذكره أَولا والبيتان من تِلْكَ القصيدة وَقد نَسَبهَا إِلَيْهِ أَبُو تَمام وَغَيره. وَقد اشْتبهَ على الْآمِدِيّ فَظن سَهْما اثْنَيْنِ وَأَن صَاحب القصيدة غير سهم الغنوي وَالصَّوَاب مَا ذكرنَا. وَسَهْم الَّذِي ذكره ثَانِيًا مَجْهُول وَلِهَذَا لم يرفع نسبه لَا إِلَى أَب وَلَا إِلَى جد. وَلم يذكرهُ غير الْآمِدِيّ أحد. وَالله أعلم بِالصَّوَابِ.

(حروف الجر)

(حُرُوف الْجَرّ) أنْشد فِيهَا، وَهُوَ (الشَّاهِد الثَّالِث وَالسَّبْعُونَ بعد السبعمائة) وَهُوَ من شَوَاهِد س: الرجز باتت تنوش الْحَوْض نوشاً من علا على أَن علا فِيهِ مَبْنِيّ على الضَّم كَقَوْلِهِم: من عل بِحَذْف الْمُضَاف إِلَيْهِ. وَبَيَانه مَا قَالَ ابْن جني فِي شرح تصريف الْمَازِني نقلا عَن أبي عَليّ: إِن الْألف فِي علا منقلبة عَن الْوَاو لِأَنَّهُ من عَلَوْت وَإِن الْكَلِمَة فِي مَوضِع مَبْنِيّ على الضَّم نَحْو: قبلُ وَبعد لِأَنَّهُ يُرِيد نوشاً من أَعْلَاهُ فَلَمَّا اقتطع الْمُضَاف من الْمُضَاف إِلَيْهِ وَجب بِنَاء الْكَلِمَة على الضَّم نَحْو: قبل وَبعد فَلَمَّا وَقعت الْوَاو مَضْمُومَة وَقبلهَا فَتْحة قلبت ألفا. وَهَذَا مَذْهَب حسن. انْتهى. وَقَالَ أَبُو عَليّ فِي التَّذْكِرَة: يجوز أَن يكون علا مُبينًا معرفَة وَيجوز أَن يكون معرباً نكرَة. فَإِن كَانَ مَبْنِيا كَانَت الْألف منقلبة عَن الْوَاو لتحركها بالضمة. وَإِن كَانَ معرباً كَانَت منقلبة عَن الْوَاو لتحركها بِالْجَرِّ. فَإِن قيل: لَا يكون إِلَّا مَبْنِيا لِأَنَّهُ معرفَة لتقدم الْحَوْض وَالْمعْنَى من علا الْحَوْض. قيل: قد قَالَ الله تَعَالَى: لله الْأَمر من قبلُ وَمن بعدُ فهما نكرتان وَإِن كَانَ ذكر الْغَلَبَة قد تقدم وَكَانَ مَعْلُوما أَن معنى الْكَلَام من قبل الْغَلَبَة وَمن بعْدهَا. انْتهى.

فَعلم من هَذَا أَنه لَا يتَعَيَّن بناؤها على ضمة على الْوَاو المنقلبة ألفا لتحركها وانفتاح مَا قبلهَا لقطعه عَن الْإِضَافَة وَنِيَّة مَعْنَاهُ لجَوَاز أَن يكون معرباً بِالْجَرِّ والتنوين المقدرين على الْوَاو المنقلبة وَلَا ينوى الْمُضَاف إِلَيْهِ لَا لَفظه وَلَا مَعْنَاهُ وَيكون كَسَائِر الْأَسْمَاء النكرَة كَمَا فِي قِرَاءَة: من قبلُ وَمن بعد بِالْجَرِّ والتنوين. وَاسْتشْهدَ بِهِ سِيبَوَيْهٍ فِي بَاب مَا ذهب لامه من أَبْوَاب التحقير. قَالَ الأعلم: اسْتدلَّ بِهِ على أَن قَوْلهم من عل مَحْذُوف اللَّام وَإِذا صغرته اسْما ردَّتْ لامه فَقيل عَليّ لِأَن أَصله من الْعُلُوّ. انْتهى. وكسيبويه أوردهُ ابْن السراج فِي الْأُصُول. وروى سِيبَوَيْهٍ: وَهِي تنوش الْحَوْض بدل: باتت تنوش.) قَالَ الْفراء فِي تَفْسِيره: النوش: التَّنَاوُل. قَالَ الشَّاعِر: الرجز (فَهِيَ تنوش الْحَوْض نوشاً من علا ... نوشاً بِهِ تقطع أجواز الفلا) ق ال الأعلم: وصف إبِلا وَردت المَاء فِي فلاة من الأَرْض فعافته وتناولته من أَعْلَاهُ وَلم تمعن فِي شربه. انْتهى. وَقَالَ الجواليقي فِي شرح أَبْيَات أدب الْكَاتِب: يصف إبِلا تشرب من مَاء الْحَوْض وتتناول مَا فِيهِ من المَاء تناولاً من فَوق تقطع بِهِ أَرضًا بعيدَة وتستغني بِهِ عَن الْمُبَالغَة فِيهِ. والأجواز: جمع جوز بِفَتْح الْجِيم وَهُوَ الْوسط. وَقَالَ ابْن السَّيِّد فِي شحر أبياته أَيْضا:

(الشاهد الرابع والسبعون بعد السبعمائة

لَا أعلم هَذَا الرجز لمن هُوَ يصف نَاقَة شربت المَاء من الْحَوْض. وَقد يُمكن أَن يصف أبلاً وَيُرِيد بقوله: بِهِ تقطع أجواز الفلا أَنهم كَانُوا إِذا حاولوا سفرا سقوا إبلهم المَاء على نَحْو مَا يقدرونه من بعد الْمسَافَة وقربها وَكَانُوا يجْعَلُونَ أظماء إبلهم ثلثا وربعاً وخمساً إِلَى الْعشْر وَالْعشر نِهَايَة الأظماء. وَكَانُوا رُبمَا احتاجوا فِي الفلاة إِلَى المَاء وَلَا مَاء عِنْدهم فينحرون الْإِبِل ويستخرجون مَا فِي أجوافها من المَاء ويشربونه وَهُوَ معنى قَول زيد الْخَيل الطَّائِي: الوافر (نصول بِكُل أَبيض مشرفي ... على اللائي بقى فِيهِنَّ مَاء) (عَشِيَّة نؤثر الغرباء فِينَا ... فَلَا هم هالكون وَلَا رواء) انْتهى. وَهَذَا الْبَيْت من أَبْيَات سِيبَوَيْهٍ الْخمسين الَّتِي لَا يعلم قَائِلهَا وَالله أعلم. وأنشده صَاحب الصِّحَاح فِي نوش وَفِي علا. وَقَالَ ابْن بري فِي حَاشِيَته عَلَيْهِ: هَذَا الرجز لغيلان بن حُرَيْث الربعِي. وَلم أَقف على خبر لغيلان. وَالله أعلم. وَأنْشد بعده (الشَّاهِد الرَّابِع وَالسَّبْعُونَ بعد السبعمائة ) (لمن الديار بقنة الْحجر ... أقوين من حجج وَمن دهر) على أَن الْكُوفِيّين أَجَازُوا اسْتِعْمَال من الابتدائية فِي الزَّمَان أَيْضا

كَمَا فِي الْبَيْت. وَسلم الشَّارِح الْمُحَقق هَذِه الدَّعْوَى مِنْهُم وَطعن فِي الدَّلِيل قَالَ: الإقواء لم يبتدأ من الْحجَج بل الْمَعْنى من أجل مُرُور حجج وَشهر. فَمن فِيهِ تعليلية لَا ابتدائية. اعْلَم أَن مَحل النزاع بَين أهل البلدين إِنَّمَا هُوَ فِي وُرُود من لابتداء الْغَايَة فِي الزَّمَان فَأهل الْكُوفَة يثبتونه وَأهل الْبَصْرَة يمنعونه. وَأما وُرُودهَا لابتداء الْغَايَة فِي الْمَكَان والأحداث والأشخاص فَلَا خلاف فِيهَا عِنْدهمَا. وَاسْتدلَّ أهل الْكُوفَة لوُرُود من فِي ابْتِدَاء الْغَايَة فِي الزَّمَان بقوله تَعَالَى: لمَسْجِد أسس على التَّقْوَى من أول يَوْم أَحَق أَن تقوم فِيهِ. وَأول يَوْم من الزَّمَان. وَقَوله تَعَالَى: إِذا نُودي للصَّلَاة من يَوْم الْجُمُعَة وبالبيت الْمَذْكُور. وَأجَاب البصريون عَن الْآيَة الأولى بِأَن فِيهَا مُضَافا محذوفاً وَالتَّقْدِير: من تأسيس أول يَوْم. فمجرور من حدث لَا زمَان. وَضَعفه أَبُو الْبَقَاء بِأَن التأسيس لَيْسَ بمَكَان. ورد عَلَيْهِ السمين بِأَنَّهُم إِنَّمَا منعُوا من كَون من لابتداء الْغَايَة فِي الزَّمَان وَلَيْسَ فِي كَلَامهم أَنَّهَا لَا تكون إِلَّا فِي ابْتِدَاء الْغَايَة فِي الْمَكَان. وَهَذَا رد ورد الشَّارِح الْمُحَقق دَلِيل الْكُوفِيّين بِأَنَّهُ لَيْسَ التأسيس حَدثا ممتداً وَلَا أصلا للمعنى الممتد وَإِنَّمَا هُوَ حدث وَاقع فِيمَا بعد من فَتكون ظرفية كَمَا فِي الْآيَة الثَّانِيَة. فَهُوَ يوافقهم فِي مَجِيء من لابتداء الْغَايَة فِي الزَّمَان تبعا للمبرد وَابْن

درسْتوَيْه وَلِهَذَا لم يؤول كَمَا أول البصريون فِي الْآيَة. وَأَجَابُوا عَن الْآيَة الثَّانِيَة بِأَن من فِيهِ ظرفية وَإِلَيْهِ ذهب الشَّارِح أَيْضا. وَأَجَابُوا عَن الْبَيْت بِمَا أجابوا بِهِ فِي الْآيَة الأولى بِأَن فِيهِ مصدرا محذوفاً أَي: من مر حججٍ فَيكون مجرورها حَدثا لَا زَمَانا. وَأجَاب الشَّارِح الْمُحَقق بِأَن من فِيهِ تعليلية مَعَ تَقْدِير الْمُضَاف لَا ابتدائية. وَهُوَ الْحق فَإِن عِلّة إقواء الديار مُرُور الدهور عَلَيْهَا لابتداء مرورها. وَأجَاب بَعضهم بِأَن من هُنَا على مَذْهَب الْأَخْفَش زَائِدَة وَالْأَصْل أقوين حجَجًا ودهراً. نَقله ابْن الْأَنْبَارِي فِي مسَائِل الْخلاف. فَيكون مَنْصُوبًا على الظَّرْفِيَّة. وأهون من هَذَا ادِّعَاء من ظرفية) كَمَا فِي الْآيَتَيْنِ. وَلم أر من قَوْله. وَأجَاب بَعضهم بِأَن الرِّوَايَة: مذ حجج ومذ دهر وَأنكر الأولى. وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْء. فَإِن الْبَيْت الْوَاحِد يَأْتِي على رِوَايَات شَتَّى وَكلهَا صَحِيحَة إِذا كَانَ رواتها ثِقَات. قَالَ العسكري فِي كتاب التَّصْحِيف: قَوْله: قَالَ الْأَصْمَعِي: أقوين مذ حجج ومذ دهر. وَمن روى: من حجج. قَالَ: مَعْنَاهُ من مر حجج وَمن مر دهر. قَالَ الزّجاج: قَوْله تَعَالَى: من أول يَوْم دخلت من فِي الزَّمَان وَالْأَصْل مذ ومنذ. هَذَا أَكثر الِاسْتِعْمَال فِي الزَّمَان. وَمن جَائِز دُخُولهَا لِأَنَّهَا أصل فِي ابْتِدَاء الْغَايَة وَفِي التَّبْعِيض. انْتهى.

- وَقَوله: لمن الديار الظّرْف خبر مقدم والديار: مُبْتَدأ مُؤخر. وَهَذَا الِاسْتِفْهَام تعجب من شدَّة خرابها حَتَّى كَأَنَّهَا لَا تعرف وَلَا يعرف سكانها وأصحابها. وَبَعض المصنفين حرفه فَفتح اللَّام وَكسر الْمِيم وَقَالَ إِن من فِي الْبَيْت شَاهد لدُخُول من الجارة على الْمَكَان. وَهَذَا مِمَّا يتعجب مِنْهُ. والقنة بِضَم الْقَاف وَتَشْديد النُّون: أَعلَى الْجَبَل. والقلة بِاللَّامِ مَوضِع النُّون مثله. وَالْحجر بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة: منَازِل ثَمُود بِنَاحِيَة الشَّام عِنْد وَادي الْقرى. قَالَ صعوداء فِي شرح ديوَان زُهَيْر: قَالَ أَبُو عَمْرو: لَا أعرف إِلَّا حجر ثَمُود وَلَا أَدْرِي أَرَادَهُ بِعَيْنِه أم لَا وَأما حجر بِفَتْح الْمُهْملَة فَهِيَ الْيَمَامَة وَلَكِن لَا يدخلهَا الْألف وَاللَّام فَلذَلِك أنكرها أَبُو عَمْرو. انْتهى. وَكَذَا قَالَ غَيره. قَالَ ابْن السَّيِّد: هَذَا هُوَ الْمَرْوِيّ هُنَا وَقد أَوله جمَاعَة على زِيَادَة آل. يَا لَيْت أم الْعُمر كَانَت صَاحِبي أَرَادَ: أم عَمْرو. وَقَالَ الآخر: الطَّوِيل وجدت الْوَلِيد بن اليزيد مُبَارَكًا

أَرَادَ: الْوَلِيد بن يزِيد. هَذَا مَا قَالُوا. وَالصَّوَاب دُخُول الْألف وَاللَّام عَلَيْهِ. قَالَ عَاصِم: الْحجر بِالْفَتْح: مَدِينَة الْيَمَامَة وَالْحجر بِالْكَسْرِ: حجر ثَمُود. وَقَالَ الْجَوْهَرِي: الْحجر بِالْفَتْح: قَصَبَة الْيَمَامَة يذكر وَيُؤَنث ويؤيدهما الْبَيْت الْمُتَقَدّم وَبَيت النَّابِغَة: الطَّوِيل) (وهم قتلوا الطَّائِي بِالْحجرِ عنْوَة ... أَخا جَابر واستنكحوا أم جَابر) وَالْبَاء فِي قَوْله: بقنة ظرفية مُتَعَلقَة بِمَحْذُوف على أَنه حَال من الضَّمِير الْمُسْتَتر فِي الْجَار وَالْمَجْرُور وَالْعَامِل فِيهِ الِاسْتِقْرَار الْمَحْذُوف وَالتَّقْدِير: لمن الديار كائنة بقنة الْحجر. وأقوين: أقفرن يُقَال: أقوت الدَّار إِذا خلت من سكانها وأقفرت. وَالنُّون ضمير الديار وَجُمْلَة: أقوين حَال من ذَلِك الضَّمِير أَيْضا. والحجج بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة وَفتح الْجِيم: جمع حجَّة بِكَسْرِهَا أَيْضا وَهِي السّنة. والدهر: الْأَبَد الْمَمْدُود. وروى بدله: وَمن شهر وَأَرَادَ من شهور فَوضع الْوَاحِد مَوضِع الْجمع اكْتِفَاء بِهِ. قَالَ اللَّخْمِيّ: وَمن رَوَاهُ مذ حجج كَانَت مذ: حرف جر وَالْعَامِل فِيهَا أقوين وَهِي بِمَنْزِلَة فِي لِأَن الْمَعْنى أقوين فِي حجج. وَالْبَيْت مطلع قصيدة لزهير بن أبي سلمى مدح بهَا هرم بن سِنَان بن أبي حَارِثَة المري عدتهَا تِسْعَة عشر بَيْتا وَبعده: الْكَامِل (لعب الرِّيَاح بهَا وَغَيرهَا ... بعدِي سوافي المور والقطر) (قفر بمندفع النحائت من ... ضفوي أولات الضال والسدر) (دع ذَا وعد القَوْل فِي هرم ... خير الكهول وسد الْحَضَر)

. والسوافي: جمع ساف اسْم فَاعل من سفت الرّيح التُّرَاب تسفيه سفياً إِذا ذرته. والمور بِالضَّمِّ: الْغُبَار بِالرِّيحِ. والقطر: الْمَطَر. قَالَ صعوداء فِي شَرحه: قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: لَيْسَ للقطر سواف وَلكنه أشركه فِي الْجَرّ. انْتهى. وَلَيْسَ هَذَا من الْجَرّ على الْجوَار لِأَنَّهُ لَا يكون فِي النسق. وَوَجهه أَن الرِّيَاح السوافي تذري التُّرَاب من الأَرْض وتنزل الْمَطَر من السَّحَاب. وَقَوله: قفر أَي: تِلْكَ الديار قفر. والمندفع بِفَتْح الْفَاء. النحائت بِفَتْح النُّون بعْدهَا حاء مُهْملَة وَآخره مثناة فوقية قَالَ صعوداء: هِيَ آبار. ومندفعها: مندفع مياهها ولعلها أَوديَة. والآبار تَفْسِير أبي عَمْرو. قَالَ: وَيُقَال: مَوضِع فِيهِ آبار. والضفوان بالضاد الْمُعْجَمَة بعْدهَا فَاء: الجانبان الْوَاحِد ضفاً كقفا. وَأولَات الضال والسدر: مَوَاضِع فِيهَا سدر. والضال هُوَ السدر الْبري. وَقَوله: دع ذَا وعد ... إِلَخ قَالَ صعوداء:) عد القَوْل: اصرفه إِلَيْهِ. والحضر جمع واحده حَاضر مثل صحب وَصَاحب. انْتهى. والحاضر: الْحَيّ الْعَظِيم. والحاضر: خلاف البادي. والأبيات الثَّلَاثَة الأول قد نَسَبهَا نقاد الشّعْر إِلَى حَمَّاد الراوية وَقَالُوا: أول القصيدة إِنَّمَا هُوَ: دع ذَا وعد القَوْل ... ... ... ... . الْبَيْت روى الْأَصْبَهَانِيّ بِسَنَدِهِ فِي الأغاني عَن جمَاعَة أَنهم كَانُوا فِي دَار أَمِير الْمُؤمنِينَ الْمهْدي بعيساباد وَقد اجْتمع فِيهَا الْعلمَاء بأيام الْعَرَب

وآدابها وَأَشْعَارهَا ولغاتها إِذْ خرج بعض أَصْحَاب الْحَاجِب فَدَعَا بالمفضل الضَّبِّيّ الراوية فَدخل فَمَكثَ مَلِيًّا. ثمَّ خرج ذَلِك الرجل بِعَيْنِه فَدَعَا بحماد الراوية فَمَكثَ مَلِيًّا ثمَّ خرج وَمَعَهُ حَمَّاد والمفضل جَمِيعًا وَقد بَان فِي وَجه حَمَّاد الانكسار وَالْغَم وَفِي وَجه الْمفضل السرُور والنشاط ثمَّ خرج الْخَادِم مَعَهُمَا فَقَالَ: يَا معشر من حضر من أهل الْعلم إِن أَمِير الْمُؤمنِينَ يعلمكم أَنه قد وصل حماداً الشَّاعِر بِعشْرين ألف دِرْهَم لجودة شعره وأبطل رِوَايَته لزيادته فِي أشعار النَّاس مَا لَيْسَ مِنْهَا وَوصل الْمفضل بِخَمْسِينَ ألف دِرْهَم لصدقه وَصِحَّة رِوَايَته. فَمن أَرَادَ أَن يسمع شعرًا جيدا مُحدثا فليسمع من حَمَّاد وَمن أَرَادَ رِوَايَة صَحِيحَة فليأخذها عَن الْمفضل. فسألنا عَن السَّبَب فَأخْبرنَا أَن الْمهْدي قَالَ للمضل لما دَعَا بِهِ وَحده: إِنِّي رَأَيْت زُهَيْر بن أبي سلمى افْتتح قصيدته بِأَن قَالَ: دع ذَا وعد القَوْل فِي هرم وَلم يتَقَدَّم قبل ذَلِك قَول فَمَا الَّذِي أَمر نَفسه بِتَرْكِهِ فَقَالَ لَهُ الْمفضل: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ مَا سَمِعت فِي هَذَا شَيْئا إِلَّا أَنِّي توهمته كَانَ يفكر فِي قَول يَقُوله أَو يروي فِي أَن يَقُول شعرًا قَالَ: عد إِلَى مدح هرم وَقَالَ: دع ذَا أَو كَانَ مفكراً فِي شَيْء من شَأْنه فَتَركه وَقَالَ: دع ذَا أَي: دع مَا أَنْت فِيهِ من الْفِكر وعد القَوْل فِي هرم. ثمَّ دَعَا بحماد فَسَأَلَهُ عَن مثل مَا سَأَلَ عَنهُ الْمفضل فَقَالَ: لَيْسَ هَكَذَا قَالَ زُهَيْر يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ. قَالَ: فَكيف قَالَ فأنشده:

الأبيات الثَّلَاثَة.) دع ذَا وعد القَوْل فِي هرم ... ... ... ... الْبَيْت قَالَ: فَأَطْرَقَ امهدي سَاعَة ثمَّ أقبل على حَمَّاد فَقَالَ: قد بلغ أَمِير الْمُؤمنِينَ عَنْك خبر لَا بُد من استحلافك عَلَيْهِ. ثمَّ استحلفه بأيمان الْبيعَة ليصدقنه عَمَّا يسْأَل عَنهُ. فَحلف حَمَّاد لَهُ فَلَمَّا توثق مِنْهُ قَالَ لَهُ: اصدقني عَن حَال هَذِه الأبيات وَمن أضافها إِلَى زُهَيْر. فَأقر لَهُ حِينَئِذٍ أَنه قَالَهَا. فَأمر فِيهِ وَفِي الْمفضل بِمَا أَمر بِهِ من شهر أَمرهمَا وكشفه. انْتهى. وَحَمَّاد قد تَرْجمهُ صَاحب الأغاني فَلَا بَأْس بإيراد شَيْء من أخباره فَإِنَّهُ كَانَ من أَعَاجِيب الدُّنْيَا ولكونه صَاحب الْبَيْت الشَّاهِد اسْتحق أَن نترجمه. وَهُوَ مِمَّن يَصح الاستشهاد بِكَلَامِهِ. قَالَ: هُوَ حَمَّاد بن ميسرَة فِيمَا ذكره الْهَيْثَم بن عدي. وَكَانَ صَاحبه وراويته وَأعلم النَّاس بِهِ. وَزعم أَنه مولى بني شَيبَان. وَكَانَ من أعلم النَّاس بأيام الْعَرَب وأخبارها وَأَشْعَارهَا وأنسابها ولغاتها وَكَانَت مُلُوك بني أُميَّة تقدمه وتؤثره وتسني بره. وَقَالَ لَهُ الْوَلِيد بن يزِيد: بِمَا استحققت هَذَا اللقب فَقيل لَك: حَمَّاد الراوية قَالَ: لِأَنِّي أروي لكل شَاعِر يعرفهُ أَمِير الْمُؤمنِينَ أَو سمع بِهِ ثمَّ أروي لأكْثر مِنْهُم مِمَّن لَا تعرف بأنك لَا تعرفهم وَلَا سَمِعت بهم ثمَّ لَا أنْشد شعرًا لقديم

أَو مُحدث إِلَّا ميزت الْقَدِيم مِنْهُ من الْمُحدث. قَالَ: إِن هَذَا لعلم وَأَبِيك كثير فكم مِقْدَار مَا تحفظ من الشّعْر قَالَ: كثير وَلَكِنِّي أنْشدك على أَي حرف شِئْت من حُرُوف المعجم مائَة قصيدة كَبِيرَة سوى المقطعات من شعر الْجَاهِلِيَّة. قَالَ: سأمتحنك. وَأمره الْوَلِيد بالإنشاد. فأنشده حَتَّى ضجر الْوَلِيد ثمَّ وكل بِهِ من استحلفه أَن يصدقهُ عَنهُ ويستوفي عَلَيْهِ. فأنشده ألفي قصيدة وَتِسْعمِائَة قصيدة للجاهليين وَأخْبر الْوَلِيد بذلك فَأمر لَهُ بِمِائَة ألف دِرْهَم. وروى أَحْمد بن عبيد عَن حَمَّاد أَنه قَالَ: كَانَ انْقِطَاع إِلَى يزِيد بن عبد الْملك فَكَانَ هِشَام يجفوني لذَلِك فَلَمَّا مَاتَ يزِيد وأفضت الْخلَافَة إِلَى هِشَام جفاني وَمَكَثت فِي بَيْتِي سنة لَا أخرج إِلَّا لمن أَثِق بِهِ من إخْوَانِي سرا فَلَمَّا لم أسمع أحدا يذكرنِي أمنت وَخرجت فَصليت الْجُمُعَة ثمَّ جَلَست عِنْد بَاب الْفِيل فَإِذا شرطيان قد وَقفا عَليّ فَقَالَا لي: يَا حَمَّاد أجب الْأَمِير يُوسُف بن عمر. فَقلت فِي نَفسِي: هَذَا مَا كنت أحذر: فصرت إِلَيْهِ فَرمى كتابا إِلَيّ فِيهِ: من عبد الله هِشَام أَمِير الْمُؤمنِينَ إِلَى يُوسُف بن عمر أما بعد فَإِذا قَرَأت كتابي هَذَا فَابْعَثْ إِلَى حَمَّاد الراوية من) يَأْتِيك بِهِ غير مروع وادفع إِلَيْهِ خَمْسمِائَة دِينَار وجملاً مهرياً يسير عَلَيْهِ اثْنَتَيْ عشرَة لَيْلَة إِلَى دمشق. فأخذتها وركبته وسرت حَتَّى وافيت بَاب هِشَام فاستأذنت فَأذن لي فَدخلت عَلَيْهِ فِي دَار مفروشة بالرخام وَبَين كل رخامتين قضيب ذهب وحيطانها كَذَلِك وَهِشَام جَالس على طنفسة حَمْرَاء وَعَلِيهِ ثِيَاب خَز حمر وَقد تضمخ بالمسك والعنبر وَبَين يَدَيْهِ مسك مبثوث فِي أواني الذَّهَب

يقلبه بِيَدِهِ فتفوح روائحه. فَسلمت عَلَيْهِ فَرد عَليّ السَّلَام واستدناني فدنوت حَتَّى قبلت رجله فَإِذا جاريتان لم أر مثلهمَا فِي أذن كل وَاحِدَة مِنْهَا حلقتان فيهمَا لؤلؤتان توقدان فَقَالَ لي: كَيفَ أَنْت يَا حَمَّاد وَكَيف حالك قلت: بِخَير يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ. قَالَ: أَدْرِي فِيمَا بعثت إِلَيْك قلت: لَا. قَالَ: بعثت إِلَيْك لبيت خطر ببالي لم أدر من قَالَه قلت: وَمَا هُوَ قَالَ: الْخَفِيف (فدعَتْ بالصبوح يَوْمًا فَجَاءَت ... قينة فِي يَمِينهَا إبريق ... قلت: هَذَا يَقُوله عدي بن زيد فِي قصيدة لَهُ. قَالَ: أنشدنيها. فأنشدتها: (بكر العاذلون فِي فلق الصب ... ح يَقُولُونَ لي: أَلا تستفيق) (ويلومون فِيك يَا ابْنة عبد الل ... هـ وَالْقلب عنْدكُمْ موهوق) (لست أَدْرِي إِذْ أَكْثرُوا العذل عِنْدِي ... أعدو يلومني أم صديق) (زانها حسنها وَفرع عميم ... وأثيث صلت الجبين أنيق) (فدعَتْ بالصبوح يَوْمًا فَجَاءَت ... قينة فِي يمنها إبريق)

) (قَدمته على عقار كعين ال ... ديك صفى سلافها الراووق) (ثمَّ كَانَ المزاج مَاء غمام ... غير مَا آجن وَلَا مطروق) قَالَ: فطرب وَقَالَ: أَحْسَنت وَالله يَا حَمَّاد سلني حوائجك. فَقلت: كائنة مَا كَانَت قَالَ: نعم. قلت: إِحْدَى الجاريتين. قَالَ: هما جَمِيعًا بِمَا عَلَيْهِمَا وَمَا لَهما لَك. فوهبهما لَهُ وأنزله فِي دَاره ثمَّ نَقله من غَد إِلَى منزل أعده لَهُ فانتقل إِلَيْهِ فَوجدَ فِيهِ الجاريتين وَمَا لَهما وكل مَا يحْتَاج إِلَيْهِ. فَأَقَامَ عِنْده مُدَّة فوصل إِلَيْهِ مِنْهُ مائَة ألف دِرْهَم. وَرُوِيَ أَيْضا بِسَنَدِهِ أَن جَعْفَر بن أبي جَعْفَر الْمَنْصُور وَالْمَعْرُوف بِابْن الكردية كَانَ يستخف مُطِيع بن أياس وَيُحِبهُ وَكَانَ مُنْقَطِعًا إِلَيْهِ وَله مِنْهُ منزلَة حَسَنَة. فَذكر مُطِيع حماداً وَكَانَ) صديقه وَكَانَ مطرحاً مجفواً فِي أيامهم فَقَالَ لَهُ: ائتنا بِهِ لنراه. فَأتى مُطِيع حماداً فَأعلمهُ بذلك وَأمره بِالْمَسِيرِ إِلَيْهِ وَمَعَهُ فَقَالَ لَهُ حَمَّاد: دَعْنِي فَإِن دَوْلَتِي كَانَت مَعَ بني أُميَّة وَمَا لي مَعَ هَؤُلَاءِ خير. فَأبى مُطِيع إِلَّا الذّهاب بِهِ فاستعار حَمَّاد سواداً وسيفاً ثمَّ أَتَاهُ فَمضى بِهِ إِلَى جَعْفَر فَلَمَّا دخل سلم عَلَيْهِ وَأثْنى عَلَيْهِ فَرد عَلَيْهِ السَّلَام وَأمره بِالْجُلُوسِ ثمَّ قَالَ لَهُ جَعْفَر: أَنْشدني لجرير. قَالَ حَمَّاد: فوَاللَّه لقد سلخ شعر جرير كُله من قلبِي إِلَّا قَوْله: (بَان الخليط برامتين فودعوا ... أَو كلما اعتزموا لبين تجزع

) فَانْدفع ينشده إِيَّاهَا حَتَّى قَالَ: الْكَامِل (وَتقول بوزع قد دببت على الْعَصَا ... هلا هزئت بغيرنا يَا بوزع) قَالَ حَمَّاد: فَقَالَ: لي جَعْفَر: أعد هَذَا الْبَيْت. فأعدته. فَقَالَ: بوزع أيش هُوَ قلت: اسْم امْرَأَة. فَقَالَ: هُوَ بَرِيء من الله وَرَسُوله وَنفي من الْعَبَّاس إِن كَانَت بوزع إِلَّا غولاً من الغيلان تَرَكتنِي وَالله يَا هَذَا لَا أَنَام اللَّيْل من فزع بوزع يَا غلْمَان قَفاهُ قَالَ: فصغت حَتَّى لم أدر أَيْن أَنا. ثمَّ قَالَ: جروا بِرجلِهِ. فجروا برجلي حَتَّى أخرجت من بَين يَدَيْهِ مسحوباً فنخرق السوَاد وانكسر جفن السَّيْف وَلَقِيت شرا عَظِيما. وَكَانَ أشر من ذَلِك غرامتي ثمن السوَاد وجفن السَّيْف. وَكتب حَمَّاد إِلَى بعض الرؤساء الْأَشْرَاف: الْخَفِيف (إِن لي حَاجَة فرأيك فِيهَا ... لَك نَفسِي فدى من الأوصاب) (وَهِي لَيست مِمَّا يبلغهَا غي ... ري وَلَا يستطيعها فِي كتاب) (غير إِنِّي أقولها حِين ألقا ... ك رويداً أسرها فِي حجاب) (إِنَّنِي عاشق لجبتك الدكن ... اء عشقاً قد حَال دون الشَّرَاب) (فاكسنيها فدتك نَفسِي وَأَهلي ... أتباهى بهَا على الْأَصْحَاب) (وَلَك الله وَالْأَمَانَة أَن أج ... علها عمرها أَمِير ثِيَابِي)

فَبعث بهَا إِلَيْهِ. قَالَ ابْن النطاح: كَانَ حَمَّاد فِي أول أمره يتشطر ويصحب الصعاليك واللصوص فَنقبَ لَيْلَة على رجل وَأخذ مَاله فَكَانَ فِيهِ جُزْء من أشعار الْأَنْصَار فقرأه حَمَّاد فاستحلاه وَحفظه ثمَّ) طلب الْأَدَب وَالشعر وَأَيَّام الْعَرَب ولغاتها بعد ذَلِك وَترك مَا كَانَ عَلَيْهِ فَبلغ فِي الْعلم مَا بلغ. وروى بِسَنَدِهِ أَيْضا عَن ابْن الْأَعرَابِي أَنه قَالَ: سَمِعت الْمفضل الضَّبِّيّ يَقُول: قد سلط على الشّعْر حَمَّاد الراوية فأفسده. فَقلت لَهُ: وَكَيف أيخطئ فِي رِوَايَته أم يلحن فَقَالَ: ليته كَانَ ذَلِك فَإِن أهل الْعلم يردون من أَخطَأ إِلَى الصَّوَاب وَلكنه رجل عَالم بلغات الْعَرَب وَأَشْعَارهَا ومذاهب الشُّعَرَاء ومعانيها فَلَا يزَال يَقُول الشّعْر يشبه بِهِ مَذْهَب رجل ويدخله فِي شعره وَيحمل ذَلِك عَنهُ فِي الْآفَاق فيختلط بأشعار القدماء وَلَا يتَمَيَّز الصَّحِيح مِنْهَا إِلَّا عِنْد عَالم ناقد وَأَيْنَ ذَاك. وروى أَيْضا بِسَنَدِهِ أَن الطرماح قَالَ: أنشدت حماداً الراوية فِي مَسْجِد الْكُوفَة وَكَانَ أذكى بَان الخليط بسحرة فتبددوا وَهِي سِتُّونَ بَيْتا فَسكت سَاعَة وَلَا أَدْرِي مَا يُرِيد ثمَّ أقبل عَليّ فَقَالَ: هَذِه لَك قلت: نعم. قَالَ: لَيْسَ الْأَمر كَذَلِك. ثمَّ ردهَا عَليّ كلهَا وَزِيَادَة عشْرين بَيْتا زَاد فِيهَا فِي وقته فَقلت لَهُ: وَيحك إِن هَذَا شعر قلته مُنْذُ أَيَّام مَا اطلع عَلَيْهِ أحد. فَقَالَ: قد وَالله قلت هَذَا الشّعْر مُنْذُ عشْرين سنة وَإِلَّا فعلي وَعلي. فَقلت: لله عَليّ حجَّة أحجها حافياً رَاجِلا إِن

(الشاهد الخامس والسبعين بعد السبعمائة)

جالستك بعْدهَا أبدا فَأخذ فبضة من حَصى الْمَسْجِد ثمَّ قَالَ: عَليّ لله بِكُل حَصَاة مائَة حجَّة إِن كنت أُبَالِي. فَقلت لَهُ: أَنْت رجل ماجن وَالْكَلَام مَعَك ضائع. ثمَّ انصرفت. وروى بِسَنَدِهِ أَيْضا أَنه كَانَ بِالْكُوفَةِ ثَلَاثَة نفر يُقَال لَهُم الْحَمَّادُونَ: حَمَّاد عجرد وَحَمَّاد الراوية وَحَمَّاد بن الزبْرِقَان يتنادمون على الشَّرَاب ويتناشدون الْأَشْعَار ويتعاشرون معاشرة جميلَة وَكَانُوا كَأَنَّهُمْ نفس وَاحِدَة وَكَانُوا يرْمونَ بالزندقة جَمِيعًا. وَقد هجاه أَبُو الغول الطهوي بقوله: الْكَامِل (نعم الْفَتى لَو كَانَ يعرف ربه ... أَو حِين وَقت صلَاته حَمَّاد) (ضمت مشافره الشُّمُول فأنفه ... مثل الْقدوم يسنها الْحداد) وَأنْشد بعده (الشَّاهِد الْخَامِس وَالسبْعين بعد السبعمائة)

(الشاهد السادس والسبعون بعد السبعمائة)

الطَّوِيل (فليت لنا من مَاء زَمْزَم شربة ... مبردة باتت على طهيان) على أَن من قد تَأتي للبدل. أَي: فليت لنا شربة بدل مَاء زَمْزَم. - وطيهان بِفَتْح الطَّاء الْمُهْملَة وَالْهَاء والمثناة التَّحْتِيَّة: جبل. وَرَوَاهُ الصَّاغَانِي فِي الْعباب: باتت على الْهِمْيَان وَقَالَ: هَكَذَا الرِّوَايَة والنحاة يَرْوُونَهُ: على طهيان. والهميان: قَوَائِم من صَخْر شاخصة فِي بِلَاد غطفان. وأنشده فِي مَادَّة برد قَالَ: وَبَردت المَاء تبريداً وَلَا يُقَال: أبردته إِلَّا فِي لُغَة رَدِيئَة. وَنسب الْبَيْت إِلَى الْأَحْوَال الْكِنْدِيّ. وَهَذَا خلاف مَا عَلَيْهِ الروَاة فَإِنَّهُم قَالُوا: إِن الْبَيْت آخر قصيدة ليعلى الْأَزْدِيّ تقدّمت فِي الشَّاهِد الثَّالِث والثمانين بعد الثلثمائة. وَأنْشد بعده (الشَّاهِد السَّادِس وَالسَّبْعُونَ بعد السبعمائة) (لَا تنتهون وَلنْ ينْهَى ذَوي شطط ... كالطعن يهْلك فِيهِ الزَّيْت والفتل) على أَنه لَو صَحَّ قَول المُصَنّف فِي تَوْجِيه كَلَام الْعَرَب: قد كَانَ من مطر بِأَن أَصله: قد كَانَ شَيْء من مطر فَحذف الْفَاعِل الْمَوْصُوف بالظرف لجَاز أَن تكون الْكَاف فِي هَذَا الْبَيْت حرف جر وَيكون الْفَاعِل

محذوفاً وَقد أقيم الظّرْف مقَامه فَلَا يَصح الِاسْتِدْلَال بِالْبَيْتِ على أَن الْكَاف اسْم مَعَ أَنَّهَا اسْم وجوبا فِي الْبَيْت. وَقد رد ابْن السراج فِي الْأُصُول مَا ذكره المُصَنّف قَالَ: فِي الْكَلَام والأشعار مَا يُوجب للكاف أَنَّهَا اسْم. - قَالَ الْأَعْمَش: أتنتهون وَلَا ينْهَى ذَوي شطط ... ... ... ... ... الْبَيْت فالكاف هِيَ الفاعلة. فَإِن قَالَ الْقَائِل: إِنَّمَا هِيَ نعت لمَحْذُوف أَرَادَ شَيْء كالطعن وَهِي حرف. قيل لَهُ: إِنَّمَا يخلف الِاسْم وَيقوم مقَامه مَا كَانَ اسْما مثله نَحْو: جَاءَنِي عَاقل ومررت بظريف. وَلَيْسَ بالْحسنِ إِلَّا فِيمَا يشكل من النعوت وَلَو كَانَ غير الِاسْم يخلفها لصلح أَن تَقول: جَاءَنِي يقوم وَكلمت يضْرب تُرِيدُ إنْسَانا ورجلاً وَنَحْو ذَلِك. وَكَذَلِكَ يلزمك أَن تَقول: جَاءَنِي) فِي الدَّار تُرِيدُ: رجل فِي الدَّار. انْتهى. وَالْبَيْت من قصيدة للأعشى مَيْمُون تقدم بَعْضهَا فِي الشَّاهِد التَّاسِع والثلاثني بعد الستمائة. وَقَبله: الْبَسِيط (إِنِّي لعمر الَّذِي حطت مناسمها ... تخدي وسيق إِلَيْهِ الباقر الغيل) (لَئِن قتلتم عميداً لم يكن صدداً ... لَنَقْتُلَنَّ مثله مِنْكُم فنمتثل) (وَإِن منيت بِنَا عَن غب معركة ... لَا تلفنا عَن دِمَاء الْقَوْم ننتفل) (لَا تنتهون وَلنْ ينْهَى ذَوي شطط ... كالطعن يهْلك فِيهِ الزَّيْت والفتل) (حَتَّى يظل عميد الْقَوْم مرتفقاً ... يدْفع بِالرَّاحِ عَنهُ نسْوَة عجل ) (أَصَابَهُ هندواني فأقصده ... أوذابل من رماح الْخط معتدل)

قَوْله: إِنِّي لعمر الَّذِي ... إِلَخ اللَّام للتوكيد وعَمر بِالْفَتْح مُبْتَدأ خَبره مَحْذُوف يقدر بعد تَمام الْبَيْت تَقْدِيره قسمي. وَعمر مُضَاف إِلَى الَّذِي بِتَقْدِير مَوْصُوف أَي: لعمر الله الَّذِي. وَمعنى لعمر الله: أَحْلف بِبَقَاء الله ودوامه. وَالْبَيْت الَّذِي بعده جَوَاب الْقسم وَالْقسم وَجَوَابه خبر إِنِّي. وحطت بِالْحَاء الْمُهْملَة بِمَعْنى اعتمدت. ومناسمها فَاعله والمناسم: جمع منسم كمجلس وَهُوَ طرف خف الْإِبِل. وَالضَّمِير الْمُؤَنَّث ضمير الْإِبِل وَإِن لم يجر لَهَا ذكر لِأَن المناسم تدل عَلَيْهَا. والعائد إِلَى الَّذِي مَحْذُوف تَقْدِيره إِلَيْهِ أَي: إِلَى بَيته وَيدل عَلَيْهِ مَا بعده. وتخدي بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة وَالدَّال الْمُهْملَة أَي: تسير سيراً شَدِيدا وفاعله ضمير المناسم فِيهِ وَالْجُمْلَة حَال من المناسم. وَإسْنَاد الخدي إِلَى المناسم مجَاز عَقْلِي وَفِي الْحَقِيقَة إِنَّمَا هُوَ لِلْإِبِلِ. وروى أَبُو عُبَيْدَة: لَهُ بدل تخدي فالعائد حِينَئِذٍ مَذْكُور. وَقَوله: وسيق عطف على حطت أَي: وَعمر الَّذِي سيق إِلَيْهِ. والباقر نَائِب فَاعل سيق وَهُوَ اسْم جمع مَعْنَاهُ جمَاعَة الْبَقر. والغيل بِضَمَّتَيْنِ: جمع غيل بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْمُثَنَّاة التَّحْتِيَّة بِمَعْنى الْكثير. يُرِيد: إِنِّي أقسم بِاللَّه الَّذِي تسرع الْإِبِل إِلَى بَيته ويساق إِلَيْهِ الْهَدْي. والخطيب التبريزي لم يَأْتِ فِي شرح هَذَا الْبَيْت بِشَيْء مَعَ أَنه اخْتلفت الروَاة فِيهِ وَخطأ الْعلمَاء بَعضهم بَعْضًا فِيهِ.) وَقد روى أَبُو الْقَاسِم عَليّ بن حَمْزَة الْبَصْرِيّ فِي أول كِتَابه: التَّنْبِيهَات على أغلاط الروَاة. مَا وَقع للأئمة الْأَعْلَام من الردود وتخطئة بَعضهم بَعْضًا فَلَا بَأْس بإيراده قَالَ:

وَنقل إِلَيْنَا من غير وَجه أَن أَبَا عَمْرو الشَّيْبَانِيّ قَالَ: روى أَبُو عُبَيْدَة بَيت الْأَعْشَى: وسيق إِلَيْهِ الباقر العَثلُ أَي: بِعَين مُهْملَة وثاء مُثَلّثَة مفتوحتين فَأرْسلت إِلَيْهِ: صحفت إِنَّمَا هُوَ الغيل أَي: وروى عَنهُ أَيْضا أَنه قَالَ: الغيل: السمان من قَوْلهم: ساعد غيلٌ. وَكَانَ أَبُو عُبَيْدَة يروي هَذَا الْبَيْت. (إِنِّي لعمر الَّذِي حطت مناسمها ... تخدي وسيق إِلَيْهِ الباقر العثل) وَحكى ابْن قُتَيْبَة أَن أَبَا حَاتِم قَالَ: سَأَلت الْأَصْمَعِي عَنهُ فَقَالَ: لم أسمع بالعثل إِلَّا فِي هَذَا الْبَيْت. وَلم يفسره. قَالَ: وَسَأَلت أَبَا عُبَيْدَة عَنهُ فَقَالَ: العثل: الْكثير. قَالَ ابْن قُتَيْبَة: وخبرنا غَيره أَن الْأَصْمَعِي كَانَ يروي: وجد عَلَيْهَا النافر الْعجل يُرِيد: النفار من منى. والنافر لَفظه لفظ وَاحِد وَهُوَ معنى جمع. وَقد اخْتلف عَنهُ فِي الْعجل فَقَالَ بعض: العُجُل بِضَم الْعين وَقَالَ بعض العِجِل أَي: فتح فَكسر وَجعله وَصفا لوَاحِد. قَالَ: وَرَوَاهُ أَبُو عُبَيْدَة: حطت مناسمها بِالْحَاء غير مُعْجمَة وَقَالَ: يَعْنِي حطاطها فِي السّير وَهُوَ الِاعْتِمَاد. وَرَوَاهُ الْأَصْمَعِي: خطت مناسمها بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة أَي: شقَّتْ التُّرَاب. - وَأنْشد للنابعة: الْكَامِل فَمَا خططت غباري أَي: شققته. وَقَالَ الْأَصْمَعِي: حطت خطأ.

فَانْظُر إِلَى اخْتلَافهمْ فِي هَذَا الْبَيْت. ورد بَعضهم على بعض ومراسلة أبي عَمْرو أَبَا عُبَيْدَة فِيهِ. وَقد أصَاب أَبُو عَمْرو فِي الغيل وصحف أَبُو عُبَيْدَة لِأَن لتفسيري أبي عَمْرو وَجْهَيْن صَحِيحَيْنِ معروفين وَتَفْسِير أبي عُبَيْدَة غير مسموع من غَيره وَلَا مَعْرُوف. وَلَا تلتفتن إِلَى قَول ابْن دُرَيْد: نعم عَثلٌ وعثِلٌ: كثير وَلَا إِلَى قَوْله: العَثَل: الغلظ والفخامة عَثِلَ يَعثَل عَثلاً. وكل كثير عَثَل. فَكل هَذَا عَن أبي عُبَيْدَة. وَأصَاب أَبُو عُبَيْدَة فِي حطت لِأَنَّهُ وَجه صَحِيح وَأَخْطَأ الْأَصْمَعِي فِي قَوْله: حطت بِالْمُهْمَلَةِ) خطأ. وَلِأَن تكون مُعْتَمدَة فِي سَيرهَا بمناسمها خير من أَن تكون خاطة. والحظ بِالْمُهْمَلَةِ: الِاعْتِمَاد يُقَال: حَطَّ يحُطُّ حطَّاً إِذا اعْتمد. وَلما لم يعرفهُ الْأَصْمَعِي رده. قَالَ عَمْرو بن الْأَهْتَم: الطَّوِيل (ذَرِينِي فَإِن الشَّيْخ يَا أم هَيْثَم ... لصالح أَخْلَاق الرِّجَال سروق) (ذَرِينِي وحطي فِي هواي فإنني ... على الْحسب الزاكي الرفيع شفيق ) وَمن هَذَا أَخذ: حط الْأَدِيم وَهُوَ صقله ودلكه وَذَاكَ لِأَن صاقله

يعْتَمد عَلَيْهِ. يُقَال: حطه يحطه حطاً فَهُوَ أَدِيم محطوط. والخشبة الَّتِي يصقل عَلَيْهَا يُقَال لَهَا: المحط. (كَأَن محطاً فِي يَدي حارثية ... صناع علت مني بِهِ الْجلد من عل) شبه برْقَان بدنه لماء الشَّبَاب وترارته بالأديم المصقول. انْتهى مَا أرده أَبُو الْقَاسِم. وَقَالَ العسكري فِي كتاب التَّصْحِيف: وَقد رووا بَيْتا من شعر الْأَعْشَى على عشرَة أوجه وَهُوَ: إِنِّي لعمر الَّذِي حطت مناسمها ... ... ... ... ... الْبَيْت وَذكرت الْأَوْجه ليعلم قدر عنايتهم بِالْعلمِ وَصرف اهتمامهم إِلَيْهِ. رَوَاهُ الْأَصْمَعِي: إِنِّي لعمر الَّذِي خطت بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة. وَرِوَايَة عسل عَنهُ بِالْحَاء غير الْمُعْجَمَة. وَقَالَ الْأَصْمَعِي: خطت يَعْنِي أَنَّهَا تشق التُّرَاب. قَالَ: وَمثله قَول النَّابِغَة: (أعلمت يَوْم عكاظ حِين لقيتني ... تَحت العجاج فَمَا خططت غباري) أَي: قصرت عَنهُ أَن تُدْرِكهُ. قَالَ: وَلَا يكون حطت لِأَن الحطاط

الِاعْتِمَاد فِي الزِّمَام. وَرَوَاهَا أَبُو عَمْرو: حطت بِالْحَاء وَقَالَ: هُوَ أَن يعْتَمد فِي أحد شقيه. وَرَوَاهُ: تخدي بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة وَقَالَ: الباقر العيل بِعَين غير مُعْجمَة بعْدهَا بَاء تحتهَا نقطتان. - وَفِي رِوَايَة الزيَادي عَن الْأَصْمَعِي: الباقر العثل بِعَين وثاء فَوْقهَا ثَلَاث نقط وَفَسرهُ فَقَالَ: العثل والعنج وَاحِد وَهُوَ الْجَمَاعَة. وَفِي رِوَايَة عسل: حطت بِالْحَاء غير الْمُعْجَمَة وَقَالَ: مَعْنَاهُ أسرعت. قَالَ: والعثل الْكَبِير الثقيل: يُقَال: انْكَسَرت يَده ثمَّ عثلت تثعل أَي: ثقلت عَلَيْهِ. هَذِه رِوَايَة الْأَصْمَعِي. وَرَوَاهُ أَبُو عُبَيْدَة: حطت بِالْحَاء وَهُوَ الِاعْتِمَاد فِي أحد شقيها إِذا سَارَتْ. وروى: العثل وَقَالَ: هِيَ القطيع وَالْجَمَاعَات يُقَال: ذَلِك فِي النَّاس وَالْإِبِل. وَكَذَلِكَ العثج وَلم يعرف الغيل.) وَرَوَاهُ أَبُو عَمْرو الشَّيْبَانِيّ: الغيل بغين مُعْجمَة وَتَحْت الْيَاء نقطتان وَفَسرهُ بالكثير وَقَالَ: يُقَال: مَاء غيل إِذا كَانَ كثيرا. والغيل أَيْضا السمان. يُقَال: ساعد غيل إِذا كَانَ ممتلئاً رياً. قَالَ: وروى أَبُو عُبَيْدَة: العثل بالثاء منقوطة بِثَلَاث فَأرْسلت إِلَيْهِ: أَن قد صحفت إِنَّمَا هُوَ الغيل. وروى بَعضهم عَن الْأَصْمَعِي أَنه قَالَ: الرِّوَايَة: وجد عَلَيْهَا النافر الْعجل بِالْجِيم. والنافر بالنُّون وَالْفَاء. أَي: خطت مناسمها تخدي ذَاهِبَة ثمَّ جدت عَلَيْهَا النفار من منى حَيْثُ نفروا. وَقَالَ أَبُو الْحباب: قلت لَهُ: إِنَّمَا قَالَ النافر وَهُوَ وَاحِد ثمَّ قَالَ الْعجل فَقَالَ: كَقَوْلِك: يَا أَيهَا الرجل وكلكم ذَلِك الرجل. وَكَثِيرًا مَا يَجِيء الْوَاحِد فِي معنى الْجَمِيع.

وَرَوَاهُ أَبُو عبيد الْقَاسِم بن سَلام عَن أَصْحَابه خطت بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة وَقَالَ: يَعْنِي أَنَّهَا تشق التُّرَاب. قَالَ: فَمَا خططت غباري يَعْنِي مَا شققته أَي: قصرت عَنهُ وَلم تُدْرِكهُ. وروى بَعضهم حطت مناسمها تحدى بحاء مُهْملَة بَدَلا من تخدي. فَانْظُر إِلَى هَذَا الْبَيْت وَكم تَعب من الروَاة وَالْعُلَمَاء وَاحْتَمَلُوهُ لطلب الْفَائِدَة فِيهِ. انْتهى كَلَام العسكري. وَقَوله: لَئِن قتلتم ... إِلَخ اللَّام هِيَ الموطئة للقسم. وَقَوله: لَنَقْتُلَنَّ جَوَاب الْقسم وَجَوَاب الشَّرْط مَحْذُوف دلّ عَلَيْهِ جَوَاب الْقسم. وَقَوله: وَإِن منيت بِنَا ... . إِلَخ يَأْتِي إِن شَاءَ الله شَرحه فِي الشَّاهِد الثَّالِث وَالثَّلَاثِينَ بعد التسْعمائَة فِي حُرُوف الشَّرْط. وَالْخطاب ليزِيد بن مسْهر الشَّيْبَانِيّ فَإِنَّهُ كَانَ أغوى بني سيار فِي أَن يقتلُوا سيداً من رَهْط الْأَعْشَى على مَا تقدم سَببه هُنَاكَ. والعميد: السَّيِّد الَّذِي يعمد أَي: يقْصد. والصدد بقتحتين: المقارب. وَقَوله: فنمتثل أَي: نقْتل الأمثل. وأماثل الْقَوْم: خيارهم. يَقُول: وَالله إِن قتلتم منا دون السَّيِّد لنقتل أمثلكم. وَقَوله: لَا تنتهون ... إِلَخ أَي: لَا تنزجرون. وَقَوله: وَلنْ ينْهَى ... إِلَخ الْبَيْت: جملَة مُعْتَرضَة بَين لَا تنتهون وَبَين مُتَعَلّقه وَهُوَ حَتَّى يظل) الْبَيْت الْآتِي. وَزعم الْعَيْنِيّ أَن الْجُمْلَة حَالية. وعذره أَنه لم ينشد الْبَيْت الَّذِي

بعده. ويروى: أتنتهون بالاستفهام الإنكاري وَلنْ ينْهَى بِفَتْح الْهَاء وَذَوي مفعول مقدم. يُقَال: ينهاه أَي: يزجره ويمنعه. والشطط بِفتْحَتَيْنِ: الْجور وَالظُّلم. فِي الْمِصْبَاح: شط فلَان فِي حكمه شطوطاً وشططاً: جَار وظلم. وشط فِي القَوْل شططاً وشطوطاً: أغْلظ فِيهِ. وشط فِي السّوم: أفرط. والجميع من بَابي ضرب وَقتل. وَالْكَاف من قَوْله كالطعن اسْم فَاعل ينْهَى والطعن مُضَاف إِلَيْهِ وَهُوَ مصدر طعنه بِالرُّمْحِ طَعنا من بَاب قتل. وَيهْلك بِكَسْر اللَّام من بَاب ضرب. وَجُمْلَة: يهْلك ... إِلَخ صفة لِلطَّعْنِ لِأَن اللَّام فِيهِ للْجِنْس. والفتل بِضَمَّتَيْنِ: جمع فَتِيلَة أَرَادَ فَتِيلَة الْجراحَة. وَالْمعْنَى: لَا ينْهَى أَصْحَاب الْجور مثل طعن جائف أَي: نَافِذ إِلَى الْجوف يغيب فِيهِ الزَّيْت والفتل. يُرِيد أَنه لَا يمْنَع الجائرين من الْجور إِلَّا الْقَتْل. وَقَوله: حَتَّى يظل ... إِلَخ حَتَّى جَارة بِمَعْنى إِلَى مُتَعَلقَة بقوله: لَا تنتهون. ويظل بِمَعْنى يسْتَمر والمرتفق: الطَّالِب الرِّفْق والإعانة. والراح: جمع رَاحَة الْيَد. والعجل بِضَمَّتَيْنِ جمع عجول وَهِي الثكلى. يَقُول: حَتَّى يظل سيد الْحَيّ تدفع عَنهُ النِّسَاء بأكفهن لِئَلَّا يقتل لِأَن من يدْفع عَنهُ من الرِّجَال قتل. وَقيل الْمَعْنى: يدفعن لِئَلَّا يُوطأ بعد الْقَتْل. وَهُوَ الْمُنَاسب لقَوْله: أَصَابَهُ هندواني أَي: سيف مَنْسُوب إِلَى الْهِنْد. وأقصده: قَتله مَكَانَهُ. وذابل هُوَ الرمْح. والخط بِالْفَتْح: مَوضِع بِالْيَمَامَةِ تنْسب إِلَيْهِ الرماح وَهِي لَا تنْبت بالخط إِنَّمَا هُوَ سَاحل للسفن الَّتِي تحمل القنا إِلَيْهِ وتعمل بِهِ.

(الشاهد السابع والسبعون بعد السبعمائة)

وترجمة الْأَعْشَى تقدّمت فِي الشَّاهِد الثَّالِث وَالْعِشْرين من أَوَائِل الْكتاب. - وَأنْشد بعده (الشَّاهِد السَّابِع وَالسَّبْعُونَ بعد السبعمائة) الطَّوِيل (وَأَنت الَّتِي جببت شغباً إِلَى بدا ... إِلَيّ وأوطاني بِلَاد سواهُمَا) على أَن إِلَى الأولى فِيهِ للانتهاء أَي: مُضَافا إِلَى بدا. وَذكر الْمُتَعَلّق لإِفَادَة أَن إِلَى مَعَ مجرورها وَاقعَة موقع الْحَال من شغب ولإفادة أَن الْغَايَة دَاخل فِي المغيا. وَزعم الْكُوفِيُّونَ أَنَّهَا هُنَا بِمَعْنى مَعَ وَهُوَ خلاف الأَصْل من غير ضَرُورَة تلجئ إِلَيْهِ. وَمن الْغَرِيب قَول ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي: إِنَّهَا بِمَعْنى الْفَاء. قَالَ: إِذْ الْمَعْنى شغباً فَبَدَا وهما موضعان. وَيدل على إِرَادَة التَّرْتِيب قَوْله بعده: الطَّوِيل (حللت بِهَذَا حلَّة ثمَّ حلَّة ... بِهَذَا فطاب الواديان كِلَاهُمَا) وَهَذَا الْمَعْنى غَرِيب لِأَنِّي لم أر من ذكره. اه. وَقد رد عَلَيْهِ شَارِحه الدماميني بِأَن من حق النُّحَاة أَن لَا يذكروه مستندين إِلَى هَذَا الدَّلِيل فَإنَّا لَا نسلم إِرَادَة التَّرْتِيب فِي الْبَيْت الأول لاحْتِمَال أَن يكون إِلَى فِيهِ للمعية كَمَا قَالَه جمَاعَة كَثِيرَة ومتعلقة بِمَحْذُوف إِن لم نقل بذلك أَي: مَعَ بدا أَو مضموماً إِلَى بدا. وَالْبَيْت الثَّانِي

لَا يدل على إِرَادَة التَّرْتِيب فِي الأول إِذْ حلولها بِأحد المكانين بعد حلولها بِالْآخرِ لَا يَقْتَضِي أَن الْمَكَان الأول حبب إِلَيْهِ أَولا بسب حلولها فِيهِ وَأَن الثَّانِي حبب إِلَيْهِ بعد ذَلِك لحلولها بِهِ إِذْ من الْجَائِز أَن يكون حب المكانين حصل لَهُ فِي آن وَاحِد بعد حلولها فيهمَا على ثمَّ وَلَو سلم دلَالَة الْبَيْت الثَّانِي على التَّرْتِيب فِي الأول لم يدل على دَعْوَاهُ لِأَن التَّرْتِيب الْوَاقِع فِي الثَّانِي إِنَّمَا هُوَ ب ثمَّ لَا بِالْفَاءِ. وَفِي بعض النّسخ: حلَّة بعد حلَّة. اه. وَأما إِلَى الثَّانِيَة فقد شرحها الشَّارِح الْمُحَقق بعد أسطر. والبيتان فِي الحماسة ونسبهما لكثير عزة. وَالرِّوَايَة فِيهَا كَذَا: (وحلت بِهَذَا حلَّة ثمَّ أَصبَحت ... بِهَذَا فطاب ... ... ... إِلَخ) قَالَ المرزوقي: خاطبها فِي الْبَيْت معتداً عَلَيْهَا بِأَنَّهُ كَمَا آثرها على أَهله وعشيرته آثر بلادها على بِلَاده فَذكر طرفِي محالها فَقَالَ: أحب لَك وفيك شغباً إِلَى بدا وبلادي بِلَاد غَيرهمَا. ثمَّ أخبر عَنْهَا فِي الْبَيْت الثَّانِي فَقَالَ: نزلت بِهَذَا يُشِير إِلَى شغب نزلة ثمَّ أَصبَحت ببدا ففاح) الواديان وتضوعا برياها. وَمثله قَوْله الآخر: المنسرح (اسْتوْدعت نشرها الرياض فَمَا ... تزداد طيبا إِلَّا على الْقدَم) وَفِي بعض نسخ الحماسة بَيت بَينهمَا وَهُوَ: (إِذا ذرفت عَيْنَايَ أعتل بالقذى ... وَعزة لَو يدْرِي الطَّبِيب قذاهما

) أَي: عزة سَبَب قذاهما. وشغب بِفَتْح الشين وَسُكُون الْغَيْن المعجمتين. وبداً بِفَتْح الْمُوَحدَة قَالَ العسكري فِي كتاب التَّصْحِيف: هما من بِلَاد عذرة يُرِيد أَنَّهُمَا من بِلَاد الْيمن. ويناسبه مَا نَقله أَبُو عبيد الْبكْرِيّ فِي مُعْجم مَا استعجم بعد قَوْله: شغب: قَرْيَة الزُّهْرِيّ الْفَقِيه: عَن ابْن أبي أويس قَالَ: خرج عبد الله بن السَّائِب المَخْزُومِي نَحْو الْيمن وَمَعَهُ ابْنه فَنزلَا على غدائهما فَقَالَ عبد الله بن السَّائِب: الطَّوِيل (فَلَمَّا علوا شغباً تبينت أَنه ... تقطع من أهل الْحجاز علائقي) فَقَالَ ابْنه: الطَّوِيل (فَلَا زلن حسرى ظلعاً لم حملننا ... الى بلد ناء قَلِيل الأصادق) فَقَالَ أَبوهُ: أمك طَالِق إِن تغدينا أَو تعشينا إِلَّا على هذَيْن الْبَيْتَيْنِ. وَلكنه قَالَ: شغب قد تقدم ذكره وتحديده فِي رسم بدا. وَالَّذِي قَالَه فِي بدا: أَنه مَوضِع بَين طَرِيق مصر وَالشَّام. قَالَ كثير: وَأَنت الَّتِي حببت شغباً إِلَى بدا ... ... ... ... ... . الْبَيْت وشغب: منهل بَين طَرِيق مصر وَالشَّام أَيْضا. قَالَ جميل:

(الشاهد الثامن والسبعون بعد السبعمائة)

الطَّوِيل وَقد ورد بدا فِي شعر زِيَادَة بن زيد ممدوداً فَلَا أَدْرِي أمده ضَرُورَة أم فِيهِ لُغَتَانِ. قَالَ: الطَّوِيل ( وهم أطْلقُوا أسرى بداء وأدركوا ... نسَاء ابْن هِنْد حِين تهدى لقيصرا) هَذَا مَا ذكره. وَهُوَ لَا يُنَاسب شعر ابْن السَّائِب وَلَا شعر جميل فَإِنَّهُ عُذْري. وَلم يزدْ ابْن ولاد والقالي فِي الْمَقْصُور والممدود لَهما على قَوْلهمَا: بدا: اسْم مَوضِع مَقْصُور) يكْتب بِالْألف. يُقَال: بَين شغب وبدا. وَأنْشد الْبَيْت الشَّاهِد. وَالله أعلم. وترجمة كثير عزة تقدّمت فِي الشَّاهِد الثَّالِث وَالسبْعين بعد الثلثمائة. وَأنْشد بعده (الشَّاهِد الثَّامِن وَالسَّبْعُونَ بعد السبعمائة) الطَّوِيل (فَلَا تتركني بالوعيد كأنني ... إِلَى النَّاس مَطْلِي بِهِ القار أجرب) على أَنه قيل إِلَى فِيهِ بِمَعْنى فِي وَالْوَجْه أَن تكون على أَصْلهَا للانتهاء لِأَن قَوْله: مَطْلِي بِهِ القار مَعْنَاهُ مكره مبغض. وَهُوَ يتَعَدَّى بإلى. وَهَذَا تَوْجِيه ابْن عُصْفُور قَالَ فِي كتاب الضرائر: إِنَّمَا وَقعت فِيهِ إِلَى موقع فِي لِأَنَّهُ إِذا كن بِمَنْزِلَة الْبَعِير الأجرب المطلي الَّذِي يخَاف

عدواه فيطرد عَن الْإِبِل إِذا أَرَادَ الدُّخُول بَينهَا كَانَ مبغضاً إِلَى النَّاس فعومل مَطْلِي كَذَلِك مُعَاملَة مبغض. - وَقَالَ فِي مَوضِع آخر: هُوَ على تضمين مَطْلِي معنى مبغض. وَلَو صَحَّ مَجِيء إِلَى بِمَعْنى فِي لجَاز زيد إِلَى الْكُوفَة. اه. وَقَالَ بَعضهم: إِلَى مُتَعَلقَة بِمَحْذُوف أَي: مَطْلِي بالقار مُضَافا إِلَى النَّاس فَحذف وقلب الْكَلَام. وَلَا يخفى سماجته. والوعيد: التهديد. والقار هُنَا: القطران. وَإِنَّمَا شبه نَفسه بالبعير الأجرب المطلي بالقطران لِأَن النَّاس يطردونه إِذا أَرَادَ الدُّخُول بَين إبلهم لِئَلَّا يعرها بالقطران ويعديها بدائه. والقار نَائِب فَاعل مَطْلِي وَبِه مُتَعَلق بمطلي. وَالْأَصْل مَطْلِي بالقار فمرفوع مَطْلِي هُوَ الْمُسْتَتر لكنه قلب. وَقيل: رُوِيَ: القار بِالْجَرِّ على أَنه بدل من ضمير بِهِ فَلَا قلب. وَالْبَيْت من قصيدة للنابغة الذبياني يعْتَذر بهَا إِلَى النُّعْمَان بن الْمُنْذر اللَّخْمِيّ فِي شَيْء اتهمَ بِهِ عِنْده فهرب مِنْهُ إِلَى مُلُوك الشَّام بني جَفْنَة الغسانيين كَمَا تقدم بَيَانه فِي تَرْجَمته وَاعْتذر إِلَيْهِ بعدة قصائد فِي انضمامه إِلَى بني جَفْنَة والتبري مِمَّا رمي بِهِ أَوله: الطَّوِيل إِلَى أَن قَالَ: (حَلَفت فَلم أترك لنَفسك رِيبَة ... وَلَيْسَ وَرَاء الله للمرء مطلب) ...

(لَئِن كنت قد بلغت عني جِنَايَة ... لمبلغك الواشي أغش وأكذب)) (وَلَكِنِّي كنت امْرأ لي جَانب ... من الأَرْض فِيهِ مستراد وَمذهب) (مُلُوك وإخوان إِذا مَا أتيتهم ... أحكم فِي أَمْوَالهم وَأقرب) (كفعلك فِي قوم أَرَاك اصطنعتهم ... فَلم ترهم فِي شكر ذَلِك أذنبوا) (فَلَا تتركني بالوعيد كأنني ... إِلَى النَّاس مَطْلِي بِهِ القار أجرب ) (ألم تَرَ أَن الله أَعْطَاك سُورَة ... ترى كل ملك دونهَا يتذبذب) (فَإنَّك شمس والملوك كواكب ... إِذا طلعت لم يبد مِنْهُنَّ كَوْكَب) (فلست بمستبق أَخا لَا تلمه ... على شعث أَي الرِّجَال الْمُهَذّب) (فَإِن أك مَظْلُوما فعبد ظلمته ... وَإِن تَكُ غضباناً فمثلك يعتب) وَقَوله: أَبيت اللَّعْن جملَة دعائية اعْتِرَاض بهَا بَين الْفِعْل وفاعله يخاطبون الْمُلُوك بهَا تَحِيَّة. وَمَعْنَاهُ أَبيت أَن تفعل شَيْئا تلعن بِهِ. قَالَ ابْن الْأَنْبَارِي فِي شرح المفضليات: أَي: أَبيت أَن تَأتي من الْأَخْلَاق المذمومة مَا تلعن بِهِ. وَكَانَت هَذِه تَحِيَّة مُلُوك لخم وجذام وَكَانَت مَنَازِلهمْ الْحيرَة وَمَا يَليهَا. وتحية مُلُوك غَسَّان: يَا خير الفتيان. وَكَانَت مَنَازِلهمْ الشَّام. وَتلك: إِشَارَة إِلَى الْمَلَامَة المفهومة من لمتني إِذْ الْمَعْنى: أَتَتْنِي ملامتك إيَّايَ. وأهتم أصير ذَا هم. وأنصب: مضارع نصب كفرح أَي: أتعب وأعيا. وَقَوله: حَلَفت قسم وَجَوَابه: لَئِن كنت وَمَا بَينهمَا اعْتِرَاض. والريبة: الشَّك وَجُمْلَة: وَلَيْسَ وَرَاء الله ... إِلَخ جملَة مُؤَكدَة لمضمون

مَا قبلهَا فَإِنَّهُ إِذا لم يكن وَرَاء الله مطلب لأحد لم يحلف بأعظم مِنْهُ فَكيف يحلف بِهِ كَاذِبًا. - وَهَذَا الْبَيْت وَمَا بعده من الأبيات الْأَرْبَعَة اسْتشْهد بِهِ أهل البديع على النَّوْع الْمُسَمّى عِنْدهم بِالْمذهبِ الكلامي وَهُوَ إِيرَاد حجَّة للمطلوب على طَريقَة أهل الْكَلَام. وَالْجِنَايَة: الذَّنب. والوشي: النمام. وغشه: لم يخلص لَهُ النصح. ولي جَانب من الأَرْض صفة امْرأ وَفِيه إِعَادَة الضَّمِير الرابط ضمير تكلم. وَأَرَادَ بالجانب أَرض الشَّام. والمستراد: مَوضِع يتَرَدَّد فِيهِ لطلب الرزق. وملوك وإخوان: بدل من مستراد وَمذهب أَو بِتَقْدِير: فِيهِ مُلُوك وإخوان. وَمعنى أحكم: أتصرف فِي أَمْوَالهم كَيفَ أَشَاء. وَقَوله: كفعلك ... إِلَخ قَالَ الْأَصْمَعِي: يُرِيد كَمَا فعلت أَنْت بِقوم قربتهم وأكرمتهم فتركوا) وَالسورَة بِالضَّمِّ: الْمنزلَة الرفيعة والشرف. وبالبيت اسْتشْهد الْبَيْضَاوِيّ لِمَعْنى السُّورَة. وَملك بِسُكُون اللَّام: لُغَة فِي كسرهَا. ويتذبذب: يضطرب. وَقَوله: فَإنَّك شمس قَالَ الْمبرد: هَذَا من أعجب التَّشْبِيه. وَأَرَادَ بِهَذَا الْبَيْت وَالَّذِي قبله تَسْلِيَة النُّعْمَان عَمَّا حصل عِنْده من

(الشاهد التاسع والسبعون بعد السبعمائة)

مدحه آل جَفْنَة ثمَّ كرّ معتذراً عَن زلته فَقَالَ: وَلست بمستبق أَخا إِلَخ يَقُول: أَي الرِّجَال يكون مبراً من الْعُيُوب فَإِن قطعت إخوانك بذنب لم يبْق لَك أَخ. وتلمه: تصلحه وَتصْلح مَا تشعث من أمره وَفَسَد. وَالْبَيْت اسْتشْهد بِهِ عُلَمَاء الْبَيَان للتذييل وَهُوَ تعقيب الْكَلَام بجملة تشْتَمل على مَعْنَاهُ للتوكيد. وَقَوله: فَإِن أك مَظْلُوما أَي: باستمرار غضبك عَليّ. جعل غَضَبه ظلما لَهُ لِأَنَّهُ عَن غير مُوجب. فَأَنت إِنَّمَا ظلمت عبدا من عبيدك وَلَيْسَ لأحد اعْتِرَاض فِيهِ. وَقَوله: وَإِن تَكُ غضباناً ... إِلَخ رُوِيَ أَيْضا: وَإِن تَكُ ذَا عتبى فمثلك يعتب بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول أَي: يرجع لَهُ إِلَى مَا يحب. وَيُقَال: لَك العتبى أَي: الرُّجُوع إِلَى مَا تحب. وَقيل: يعتب بِالْبِنَاءِ للْفَاعِل أَي: يُعْطي العتبى يُقَال: أعتبه إِذا أعطَاهُ الرِّضَا وَهُوَ العتبى. وترجمة النَّابِغَة تقدّمت فِي الشَّاهِد الرَّابِع بعد الْمِائَة. (الشَّاهِد التَّاسِع وَالسَّبْعُونَ بعد السبعمائة) الطَّوِيل (وَإِن يلتق الْحَيّ الْجَمِيع تلاقني ... الى ذرْوَة الْبَيْت الْكَرِيم المصمد) على أَن إِلَى فِيهِ على أَصْلهَا وَهِي مَعَ مجرورها حَال من الْيَاء فِي تلاقني مُتَعَلقَة بِمَحْذُوف تَقْدِيره: تلاقني منتسباً إِلَى ذرْوَة الْبَيْت ... إِلَخ. وَلَيْسَت هُنَا بِمَعْنى فِي كَمَا قيل حَكَاهُ ابْن السراج قَالَ فِي الْأُصُول: وَقَالُوا فِي قَول طرفَة:

وَإِن يلتق الْحَيّ الْجَمِيع تلاقني إِلَخ إِن إِلَى بِمَعْنى فِي. - وَمَا ذهب إِلَيْهِ الشَّارِح الْمُحَقق هُوَ قَول الزوزني شَارِح المعلقات فِي شرح هَذَا الْبَيْت يَقُول: وَإِن اجْتمع الْحَيّ للافتخار تلاقني أَنْتَهِي إِلَى ذرْوَة الْبَيْت الشريف أَي: إِلَى أَعلَى الشّرف. يُرِيد أَنه أوفاهم حظاً من الْحسب وَأَعْلَاهُمْ سَهْما من النّسَب. وَقَوله: تلاقني إِلَى يُرِيد: أعتزي إِلَى ذرْوَة فَحذف الْفِعْل لدلَالَة الْحَرْف عَلَيْهِ. اه. وَكَذَا فِي شرح أدب الْكَاتِب لِابْنِ السَّيِّد البطليوسي قَالَ: قيل مَعْنَاهُ فِي ذرْوَة. وَهَذَا لَا يلْزم لِأَنَّهُ يُمكن أَن يُرِيد آوياً إِلَى ذرْوَة كَمَا قَالَ تَعَالَى: سآوي إِلَى جبل يعصمني من المَاء فَلَا حجَّة فِيهِ. وَقَالَ الأعلم الشنتمري فِي شرح الْمُعَلقَة: يَقُول: إِذا التقى الْحَيّ الْجَمِيع بعد افتراقهم وجدتني فِي مَوضِع الشّرف مِنْهُم وعلو الْمنزلَة. وَقَوله: إِلَى ذرْوَة أَي: فِي ذرْوَة الْبَيْت. وذروة كل شَيْء: أَعْلَاهُ. والمصمد: الَّذِي يصمد إِلَيْهِ النَّاس لشرفه ويلجؤون إِلَيْهِ فِي حوائجهم. والصمد: الْقَصْد. اه. وَقَالَ ابْن السّكيت فِي شرح ديوَان طرفَة أَي: إِذا التقى الْحَيّ الْجَمِيع الَّذين كَانُوا مُتَفَرّقين وجدتني فِي الشّرف. وَقَالَ أَبُو جَعْفَر النّحاس والخطيب التبريزي: يُرِيد: وَإِن يلتق

الْحَيّ للمفاخرة وَذكر الْمَعَالِي تجدني مَعَهم. قَالَ أَبُو الْحسن: معنى إِلَى ذرْوَة أَي: مَعَ ذرْوَة وَهُوَ تَمْثِيل. وَإِنَّمَا يُرِيد بِالْبَيْتِ هَاهُنَا الْأَشْرَاف الَّذين يقصدون فشبههم هَاهُنَا بِالْبَيْتِ الرفيع. اه. ) فَهَذَا معنى ثَالِث لإلى فِي الْبَيْت. وَهُوَ من معلقَة طرفَة بن العَبْد. وَقَبله: الطَّوِيل (فَإِن تبغني فِي حَلقَة الْقَوْم تلقني ... وَإِن تقتنصني فِي الحوانيت تصطد) (مَتى تأتني أصبحك كأساً روية ... وَإِن كنت عَنْهَا ذَا غنى فاغن وازدد) وَإِن يلتق الْحَيّ الْجَمِيع تلاقني ... ... ... ... ... ... الْبَيْت (نداماي بيض كَالنُّجُومِ وقينة ... تروح علينا بني برد ومجسد) (رحيب قطاب الجيب مِنْهَا رَفِيقَة ... بجس الندامى بضة المتجرد) قَوْله: وَلست بحلال التلاع ... إِلَخ تقدم شَرحه مَعَ الَّذِي بعده فِي الشَّاهِد السَّادِس وَالتسْعين بعد الستمائة. وَكَذَلِكَ تقدم شرح قَوْله: نداماي

(الشاهد الثمانون بعد السبعمائة)

بيض مَعَ الْبَيْت الَّذِي بعده فِي الشَّاهِد الْوَاحِد بعد الثلثمائة وَفِي الشَّاهِد الَّذِي بعد الثَّانِي عشر والستمائة. وَقَوله: مَتى تأتني أصبحك ... إِلَخ فِي الصِّحَاح: الصبوح: الشّرْب بِالْغَدَاةِ وَهُوَ خلاف الغبوق. تَقول: صبحته صبحاً. اه. يَقُول: أسقك صَبُوحًا. وَالرِّوَايَة: المروية. والكأس: الْخمر فِي الْإِنَاء وَهِي الْإِنَاء أَيْضا إِذا كَانَ فِيهِ خمر. وَمعنى فاغن وازدد: فاغن بِمَا عنْدك أَي: استغن بِهِ وازدد غنى. وترجمة طرفَة تقدّمت فِي الشَّاهِد الثَّانِي وَالْخمسين بعد الْمِائَة. (ألْقى الصَّحِيفَة كي يُخَفف رَحْله ... والزاد حَتَّى نَعله أَلْقَاهَا) تقدم شَرحه مُسْتَوفى فِي الشَّاهِد السَّابِع وَالْخمسين بعد الْمِائَة من بَاب الِاشْتِغَال. وَأنْشد بعده (الشَّاهِد الثَّمَانُونَ بعد السبعمائة) الطَّوِيل ( وأكفيه مَا يخْشَى وأعطيه سؤله ... وألحقه بالقوم حتاه لَاحق) على أَن الْمبرد زعم أَن حَتَّى هُنَا جرت الضَّمِير. وَلَيْسَ كَذَلِك

وَإِنَّمَا حَتَّى هُنَا ابتدائية وَالضَّمِير أَصله هُوَ فَحذف الْوَاو ضَرُورَة كَمَا تقدم بَيَانه فِي شرح قَول: الطَّوِيل فبيناه يشري رَحْله قَالَ قَائِل أَي: بَينا هُوَ يشري رَحْله فِي الشَّاهِد الثَّمَانِينَ بعد الثلثمائة فحتى حرف ابْتِدَاء دَاخِلَة على الْجُمْلَة وَهُوَ الضَّمِير الْمَحْذُوف واوه ضَرُورَة فِي مَحل رفع على الِابْتِدَاء ولاحق خَبره. وَلَو كَانَت حرف جر لم يكن لذكر لَاحق بِالرَّفْع وَجه. وَلم يتَنَبَّه لهَذَا صَاحب اللب وَإِنَّمَا قَالَ: واختصت بِالظَّاهِرِ خلافًا للمبرد. و: لَا يعْتد بِهِ. قَالَ شَارِحه السَّيِّد: لندوره وشذوذه وَلَو أورد الْبَيْت الثَّانِي لَكَانَ مناسباً. وَمَا ذهب إِلَيْهِ الشَّارِح الْمُحَقق هُوَ قَول ابْن عُصْفُور فِي الضرائر قَالَ: وَمِنْه حذف الْيَاء من هِيَ وَالْوَاو من هُوَ نَحْو: دَار لسعدى إذه من هواكا أَي: إِذْ هِيَ. وَقَول الآخر: وألحقه بالقوم حَتَّى لَاحق وَقَول العجير: فبيناه يشري رَحْله قَالَ قَائِل

(الشاهد الحادي والثمانون بعد السبعمائة)

أَي: حَتَّى هُوَ وَبينا هُوَ وحذفهما يُؤَدِّي إِلَى بَقَاء الضَّمِير الْمُنْفَصِل على حرف وَاحِد وَذَلِكَ قَبِيح لِأَنَّهُ عرضة للابتداء فَلَا اقل من أَن يكون على حرفين: حرف يبتدأ بِهِ وحرف يُوقف عَلَيْهِ. اه. وأكفيه: مضارع كَفاهُ الشَّيْء مُتَعَدٍّ إِلَى مفعولين بِمَعْنى منعته الشَّيْء. وَمَا الْمَفْعُول الثَّانِي مَوْصُولَة أَو نكرَة مَوْصُوفَة. والسؤل: مَا يسْأَل مفعول ثَان لأعطى. وألحقه: مضارع ألحقهُ بِكَذَا أَي: أتبعه بِهِ فلحق هُوَ بِهِ. وَأما ثلاثيه فَيُقَال: لحقته وَلَحِقت بِهِ من بَاب تَعب لَحقا بِالْفَتْح: أَدْرَكته يتَعَدَّى تَارَة بِنَفسِهِ وَتارَة بِالْبَاء. كَذَا فِي الْمِصْبَاح. وصلَة) لَاحق فِي الْبَيْت مَحْذُوف تَقْدِيره: حَتَّى هُوَ لَاحق بهم. وَالْبَيْت لم أَقف على خبر لَهُ. وَالله أعلم. وَأنْشد بعده (الشَّاهِد الْحَادِي وَالثَّمَانُونَ بعد السبعمائة) الوافر (فَلَا وَالله لَا يلقاه نَاس ... فَتى حتاك يَا ابْن أبي يزِيد ) على أَن الْمبرد تمسك بِهِ على أَن حَتَّى تجر الضَّمِير. وَأجَاب الشَّارِح الْمُحَقق بِأَنَّهُ شَاذ. وَالْأَحْسَن أَن يَقُول ضَرُورَة فَإِنَّهُ لم يرد فِي كَلَام منثور. وَلم يظْهر لي معنى الْغَايَة فِي حَتَّى هُنَا. وفتى حَال من الْهَاء أَو بدل مِنْهُ. وَرُوِيَ: لَا يلقى أنَاس ففتى مفعول يلقى. وروى الْعَيْنِيّ: لَا يلقِي أنَاس بِكَسْر الْفَاء فأناس فَاعله وَينظر أَيْن: مَفْعُولا ألفى

(الشاهد الثاني والثمانون بعد السبعمائة)

فَإِن ألفى من نواسخ الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر. والغاية فِي هَذَا الْبَيْت ظَاهِرَة: الوافر (أَتَت حتاك تقصد كل فج ... ترجي مِنْك أَنَّهَا لَا تخيب) وَهُوَ من أَبْيَات مُغنِي اللبيب. ثمَّ رَأَيْت فِي شرح التسهيل لأبي حَيَّان وَقد أنْشد بَيت: فَتى حتاك يَا ابْن أبي يزِيد أَنه قَالَ: وانتهاء الْغَايَة فِي حتاك لَا أفهمهُ وَلَا أَدْرِي مَا عَنى بحتاك فَلَعَلَّ هَذَا الْبَيْت مَصْنُوع. اه. - وَأنْشد بعده (الشَّاهِد الثَّانِي وَالثَّمَانُونَ بعد السبعمائة) وَهُوَ من شَوَاهِد س: الطَّوِيل (فوا عجبا حَتَّى كُلَيْب تسبني ... كَأَن أَبَاهَا نهشل أَو مجاشع) على أَن حَتَّى فِيهِ ابتدائية وفائدتها هُنَا التحقير. أنْشدهُ سِيبَوَيْهٍ وَقَالَ: فحتى هُنَا بِمَنْزِلَة إِذا وَإِنَّمَا هِيَ هَاهُنَا كحرف من حُرُوف الِابْتِدَاء. وَقَالَ الأندلسي فِي شرح الْمفصل: يَقع بعْدهَا الْجُمْلَة الفعلية

والاسمية. وَتسَمى حرف ابْتِدَاء وتفيد مَعْنَاهَا الَّذِي هُوَ الْغَايَة إِمَّا فِي التحقير أَو فِي التَّعْظِيم كَمَا فِي بَيت الفرزدق: فوا عجبا حَتَّى كُلَيْب تسبني أَي: تعجبوا لسب النَّاس إيَّايَ حَتَّى كُلَيْب كَأَنَّهُ يَقُول: كل النَّاس تسبني حَتَّى كُلَيْب على حقارتها. وَلَو خفض هُنَا كُلَيْب لجَاز وَيكون تسبني إِمَّا حَال من كُلَيْب أَو مُسْتَأْنف وَحَتَّى كُلَيْب مُتَعَلق بِهِ. قَالَ ابْن المستوفي بعد أَن نَقله: قَوْله أَي تعجبوا فِي تَفْسِير وَاعجَبا غير صَحِيح لِأَنَّهُ يُنَادي الْعجب على مَا ذكره الْعلمَاء تأدباً لَا يَأْمر أحدا بِهِ. - وَقَوله: وَلَو خفض كُلَيْب هُنَا لجَاز محَال لَان الْخَفْض بعد حَتَّى إِمَّا أَن يكون بالْعَطْف على الْمَجْرُور قبلهَا أَو يكون بِمَعْنى إِلَى وَلَا مجرور قبلهَا فتعطف عَلَيْهِ. وَلَيْسَت بِمَعْنى الْغَايَة إِذْ لَيْسَ مَا قبلهَا مُفردا من جنس مَا بعْدهَا. فَبَقيَ الرّفْع لَا غير. وَذكر قسميها فِي التَّعْظِيم والتحقير. وَلم يَأْتِ إِلَّا بالتحقير. وَقَوله: ويكن تسبني إِمَّا حَال من كُلَيْب أَو مُسْتَأْنف بِالرَّفْع فيهمَا وَصَوَابه: النصب فيهمَا. وَلَا أعلم مَا أَرَادَ بقوله: وَحَتَّى كُلَيْب مُتَعَلق بِهِ. اه. أما الأول فَيحْتَمل أَن يكون عجبا منادى مُنْكرا وَيحْتَمل أَن يكون

يَا حرف تَنْبِيه وعجباً مصدر مَنْصُوب بِفعل مَحْذُوف ي: تعجبوا عجبا. وَيحْتَمل أَن تكون يَا حرف نِدَاء والمنادى مَحْذُوف أَي: يَا قوم وعجباً كَذَلِك. فَكَلَام الأندلسي جَار على كل من هذَيْن الْوَجْهَيْنِ. وَأما الثَّانِي فَإِنَّهُ أَرَادَ: فيا عجبي فَقلب يَاء الْمُتَكَلّم ألفا وَهِي لُغَة. وَأما قَوْله: خفض كُلَيْب محَال ... . إِلَخ فَنَقُول: هِيَ جَارة والمغيا غير مَذْكُور وَالتَّقْدِير: فوا) عجبا النَّاس تسبني حَتَّى كُلَيْب. وَهَذَا الْمَذْكُور لَا بُد مِنْهُ فِي الابتدائية أَيْضا. وَقَوله: وَلم يَأْتِ إِلَّا بالتحقير نقُول: لَا يضر ذَلِك. وَمِثَال التَّعْظِيم: حَتَّى مَاء دجلة أشكل الْبَيْت الْآتِي وَقَوله: صَوَابه النصب فيهمَا يَعْنِي أَنه يجب أَن يَقُول: وَيكون يسبني إِمَّا حَالا من كُلَيْب أَو مستأنفاً بنصبهما لِأَنَّهُ خبر كَانَ وَكَأَنَّهُ رفع على تَقْدِير يكون إِمَّا تَامَّة أَو زَائِدَة. وَقَوله: لَا أعلم مَا أَرَادَ بقوله: وَحَتَّى كُلَيْب مُتَعَلق بِهِ أَقُول: إِنَّه يُرِيد أَن حَتَّى الجارة تكون مُتَعَلقَة بيسبني إِذْ كل جَار لَا بُد لَهُ من مُتَعَلق. وَهَذَا ظَاهر. قَالَ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي: وَلَا بُد من تَقْدِير مَحْذُوف قبل حَتَّى من هَذَا الْبَيْت بِكَوْن مَا بعد وَالْبَيْت من قصيدة للفرزدق هجا بهَا جَرِيرًا تقدم بعض مِنْهَا فِي الشَّاهِد السَّادِس بعد السبعمائة.

وَقَوله: فوا عجبا هُوَ من قبيل الندية للتوجع كَأَنَّهُ يَقُول: أَنا أتوجع لعدم حضورك يَا عجبي فَاحْضُرْ لهَذَا الْأَمر الَّذِي يتعجب مِنْهُ. وكليب: جد رَهْط جرير وَهُوَ جرير بن عَطِيَّة بن الخطفى بن بدر بن سَلمَة بن كُلَيْب بن يَرْبُوع بن حَنْظَلَة بن مَالك بن زيد مَنَاة بن تَمِيم. ويجتمع مَعَ الفرزدق فِي حَنْظَلَة بن مَالك. ونهشل ومجاشع أَخَوان ابْنا دارم بن مَالك بن حَنْظَلَة. ومجاشع قَبيلَة الفرزدق وَهِي أشرف من كُلَيْب. وَأما نهشل فهم أعمام الفرزدق لَا آباؤه وَإِن كَانَت الْعَرَب تسمي الْعم أَبَا. جعلهم فِي الصّفة بِحَيْثُ لَا يسبون مثله لشرفه. يَقُول: يَا عجبا لسب النَّاس إيَّايَ حَتَّى كُلَيْب على ضعفها فِي الْقَبَائِل وَبعدهَا من الْفَضَائِل كَأَنَّهُ لَهَا أَبَا كَرِيمًا وحسباً صميماً كَمَا لنهشل ومجاشع. والسَّبُّ: الشتم. والسِّبُّ بِالْكَسْرِ: الَّذِي يسابك وتسابه. - قَالَ حسان بن ثَابت: الْخَفِيف (لَا تسبني فلست بسبي ... إِن سبي من الرِّجَال الْكَرِيم) قَالَ ابْن طَلْحَة الإشبيلي فِي شرح جمل الزجاجي: كَأَن للتشبيه وَقد يَجِيء فِي ضمنهَا الظَّن والتوهم كَمَا قَالَ الشَّاعِر: كَأَن أَبَاهَا نهشل أَو مجاشع) الْمَعْنى: توهمت أَبَاهَا نَهْشَلَا أَو مجاشعاً. وَلَو بقيت على معنى التَّشْبِيه

(الشاهد الثالث والثمانون بعد السبعمائة)

من غير أَن تضمن معنى الظَّن لانقلب الهجو على الهاجي. اه. وترجمة الفرزدق تقدّمت فِي الشَّاهِد الثَّلَاثِينَ. وَأنْشد بعده (الشَّاهِد الثَّالِث وَالثَّمَانُونَ بعد السبعمائة) الطَّوِيل (فَمَا زَالَت الْقَتْلَى تمج دماءها ... بدجلة حَتَّى مَاء دجلة أشكل ) على أَن فَائِدَة حَتَّى الابتدائية هُنَا التَّعْظِيم وَالْمُبَالغَة وَهُوَ تغير مَاء دجلة من كثر دِمَاء الْقَتْلَى حَتَّى صَار أشكل وَهُوَ حمرَة مختلطة ببياض. الشكلة كالحمرة وزنا وَمعنى لَكِن يخالطها بَيَاض. وَهُوَ مَأْخُوذ من أشكل الْأَمر أَي: الْتبس. فَإِن قلت: أَيْن مَا اشْترط الشَّارِح الْمُحَقق من كَون خبر الْمُبْتَدَأ بعد حَتَّى من جنس الْفِعْل الْمُقدم عَلَيْهَا قلت: مَا قبل حَتَّى فِي قُوَّة قَوْله: فَمَا زَالَت الْقَتْلَى تغير مَاء دجلة بالدماء. والقتلى: جمع قَتِيل. وتمج: تقذف يتَعَدَّى إِلَى مفعول وَاحِد يُقَال: مج الرجل المَاء من فِيهِ مجاً من بَاب قتل:: رمى بِهِ. ويروى بدله: يمور دماؤها مضارع مار الدَّم: سَالَ. ومار الشَّيْء: تحرّك بِسُرْعَة. ومار: تردد فِي غَرَض. ومار الْبَحْر: اضْطربَ فَهُوَ فعل لَازم ودماؤها فَاعله. قَالَ صَاحب الْمِصْبَاح: ويعدى بِنَفسِهِ وبالهمزة أَيْضا فَيُقَال: ماره وأماره إِذا أساله. فعلى هَذَا يجوز نصب دماءها بِهِ على أَنه

مُتَعَدٍّ. ودجلة بِفَتْح الدَّال وَكسرهَا: النَّهر الَّذِي يمر بِبَغْدَاد لَا ينْصَرف للعلمية والتأنيث. وَالْبَاء بِمَعْنى فِي. وَالْبَيْت من قصيدة لجرير هجا بهَا الأخطل وَذكر مَا أوقعه الجحاف ببني تغلب قَالَ بعد أَبْيَات: الطَّوِيل (بَكَى دوبل لَا يرقئ الله دمعه ... أَلا إِنَّمَا يبكي من الذل دوبل) (جزعت ابْن ذَات القلس لما تداركت ... من الْحَرْب أَنْيَاب عَلَيْك وكلكل) (فَإنَّك والجحاف يَوْم تحضه ... أردْت بِذَاكَ الْمكْث والورد أعجل) (سما لكم لَيْلًا كَأَن نجومه ... قناديل فِيهِنَّ الذبال المفتل) (فقد قذفت من حَرْب قيس نِسَاؤُهُم ... بِأَوْلَادِهَا مِنْهَا تَمام ومعجل )) (ومقتولة صبرا ترى عِنْد رجلهَا ... بقيراً وَأُخْرَى ذَات بعل تولول) (وَقد قتل الجحاف أَزوَاج نسْوَة ... يَسُوق ابْن خلاس بِهن وعزهل) ...

(تَقول لَك الثكلى الْمُصَاب حَلِيلهَا ... أَبَا مَالك مَا فِي الظعائن مغزل) (حضضت عَن الْقَوْم الَّذين تَركتهم ... تعل الردينيات فيهم وتنهل) (عِقَاب المنايا تستدير عَلَيْهِم ... وشعث النواصي لجمهن تصلصل) (بدجلة إِذْ كروا وَقيس وَرَاءَهُمْ ... صُفُوفا وَإِن راموا المخاضة أَو حلوا) (فَمَا زَالَت الْقَتْلَى تمج دماءها ... بدجلة حَتَّى مَاء دجلة أشكل) (فَإِن لَا تعلق من قُرَيْش بِذِمَّة ... فَلَيْسَ على أسياف قيس معول) (لنا الْفضل فِي الدُّنْيَا وأنفك راغم ... وَنحن لكم يَوْم الْقِيَامَة أفضل) (وَقد شققت يَوْم الحروب سُيُوفنَا ... عواتق لم يثبت عَلَيْهِنَّ محمل) (أَجَارَ بَنو مَرْوَان مِنْهُم دماءكم ... فَمن من بني مَرْوَان أَعلَى وَأفضل) وَيَنْبَغِي أَن نقدم أَولا سَبَب مَا أوقعه الجحاف ببني تغلب ثمَّ نشرح الأبيات فَنَقُول: إِن عُمَيْر بن الْحباب السّلمِيّ خرج على عبد الْملك فِي أول خِلَافَته

فاجتمعت إِلَيْهِ قيس وعامر وَكَانَ نازلاً فِي الْقرب من بني تغلب قَبيلَة الأخطل وَكَانَت مَنَازِلهمْ بَين الخابور والفرات ودجلة فأساء الْمُجَاورَة مَعَ تغلب فَوَقع بَينهم شَرّ فَمَا زَالَ الْحَرْب بَينهم سجالاً إِلَى أَن قتل بَنو تغلب عُمَيْرًا وَأَرْسلُوا بِرَأْسِهِ إِلَى عبد الْملك فِي سنة سبعين من الْهِجْرَة فأنعم عبد الْملك على الْوَفْد وكساهم. ثمَّ إِن الأخطل وَفد على عبد الْملك فَدخل عَلَيْهِ الجحاف بن حَكِيم السّلمِيّ فَقَالَ عبد الْملك: أتعرف هَذَا يَا أخطل قَالَ: وَمن هُوَ قَالَ: الجحاف. فَقَالَ الأخطل: الطَّوِيل (أَلا سَائل الجحاف هَل هُوَ ثَائِر ... بقتلى أُصِيبَت من سليم وعامر) حَتَّى فرغ من القصيدة وَكَانَ الجحاف يَأْكُل رطبا فَجعل النَّوَى يتساقط من يَده غيظاً ثمَّ أَجَابَهُ فَقَالَ: الطَّوِيل (بلَى سَوف نبكيهم بِكُل مهند ... ونبكي عُمَيْرًا بِالرِّمَاحِ الشواجر) ثمَّ قَالَ: يَا ابْن النَّصْرَانِيَّة مَا ظننتك تجترئ عَليّ بِمثل هَذَا وَلَو كنت مأسوراً لَك فَحم الأخطل خوفًا. فَقَالَ عبد الْملك: أَنا جَارك مِنْهُ. فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ هبك أجرتني مِنْهُ فِي) الْيَقَظَة فَمن يجيرني مِنْهُ فِي النّوم ثمَّ قَامَ الجحاف وَمَشى يجر ثَوْبه وَهُوَ لَا يعقل حَتَّى دخل بَيْتا من بيُوت الدِّيوَان فَقَالَ لِلْكَاتِبِ: أَعْطِنِي طوماراً من طوامير العهود فَأَتَاهُ بطومار وَلَيْسَ فِيهِ كتاب فَخرج إِلَى أَصْحَابه من القيسية فَقَالَ: إِن أَمِير الْمُؤمنِينَ ولاني صدقَات بكر وتغلب. فَلحقه زهاء ألف فَارس فَسَار حَتَّى أَتَى الرصافة ثمَّ قَالَ لمن مَعَه: إِن الأخطل قد أسمعني مَا علمْتُم وَلست بوال فَمن كَانَ يحب أَن يغسل عَنهُ الْعَار فليصحبني فَإِنِّي قد آلَيْت أَن لَا أغسل رَأْسِي حَتَّى أقع ببني تغلب. فَرَجَعُوا غير ثلثمِائة فَسَار ليلته فَصبح الرحوب وَهُوَ مَاء لبني جشم بن بكر رَهْط

الأخطل فصادف عَلَيْهِ جمَاعَة كَثِيرَة من تغلب فَقتل مِنْهُم مقتلة عَظِيمَة وَأخذ الأخطل وَعَلِيهِ عبائة وسخة فظنوه عبدا وَسُئِلَ فَقَالَ: أَنا عبد فَخلوا سَبيله فخشي أَن يرَاهُ من يعرفهُ فَرمى بِنَفسِهِ فِي جب فَلم يزل فِيهِ حَتَّى انصرفت القيسية فنجا وَقتل أَبوهُ غوث وأسرف الجحاف فِي الْقَتْل وشق الْبُطُون عَن الأجنة وَفعل أمرا عَظِيما. فَلَمَّا عَاد عَنْهُم قدم الأخطل على عبد الْملك فأنشده: الطَّوِيل (لقد أوقع الجحاف بالبشر وقْعَة ... إِلَى الله مِنْهَا المشتكى والمعول) والبشر بِكَسْر الْمُوَحدَة وَسُكُون الْمُعْجَمَة: اسْم مَاء. فَطلب عبد الْملك الجحاف فهرب إِلَى الرّوم فَكَانَ يتَرَدَّد فِيهَا ثمَّ بعث إِلَى بطانة عبد الْملك من قيس فطلبوا لَهُ الْأمان فآمنه فَلَمَّا ثمَّ تنسك الجحاف وَصلح وَمضى حَاجا فَتعلق بِأَسْتَارِ الْكَعْبَة وَجعل يَقُول: اللَّهُمَّ اغْفِر لي وَمَا أَظُنك تفعل فَسَمعهُ مُحَمَّد بن الْحَنَفِيَّة فَقَالَ: يَا شيخ قنوطك شَرّ من ذَنْبك. وَمن هُنَا نرْجِع إِلَى شرح الأبيات. فَقَوله: بَكَى دوبل هُوَ اسْم الأخطل. قَالَ شَارِحه: كَانَ الأخطل يلقب بِهِ صَغِيرا. وبكاؤه لقَوْله: لقد أوقع الجحاف بالبشر وقْعَة ... ... ... ... الْبَيْت وَابْن منادى. والقلس بِفَتْح الْقَاف: حَبل ضخم من لِيف أَو خوص أَرَادَ بِهِ زنار النَّصَارَى. والجحاف بِفَتْح الْجِيم وَتَشْديد

الْحَاء الْمُهْملَة. وتحضه: تحثه. يُقَال: حضه على الْأَمر أَي: حمله عَلَيْهِ. والمكث: البطء. والورد بِالْكَسْرِ: الْوُرُود. وذر قرن الشَّمْس: طلعت. والكردوس بِالضَّمِّ: الْقطعَة من الْخَيل الْعَظِيمَة والكراديس: الْفرق) مِنْهُم. يُقَال: كردس الْقَائِد خيله أَي: جعلهَا كَتِيبَة كَتِيبَة. ويهديهن: يدلهن ويقودهن. والورد: الْأسد عَنى بِهِ الجحاف. وأتمت الحبلى فَهِيَ متم إِذا تمت أَيَّام حملهَا وَولدت لتَمام بِفَتْح التَّاء وَكسرهَا وَولد الْمَوْلُود لتَمام كَذَلِك. ومعجل: خلاف التَّمام. وَالصَّبْر: الْقَتْل أسراً. والبقير: المبقور وَهُوَ الَّذِي شقّ بَطْنه. وتولول: تصوت وتصيح. وخلاس وعزهل: رجلَانِ من قيس. والحليل: الزَّوْج. وَأَبُو مَالك: كنية الأخطل. والظعائن: جمع ظَعِينَة وَهِي الهودج. والمغزل كجعفر قَالَ شَارِحه: من الْغَزل وَهُوَ محادثة النِّسَاء واللعب. وَإِنَّمَا هزئ بِهِ. يَقُول: قد شغلك مَا صنعت عَن التغزل. اه. والردينيات: الرماح. والنهل: الشّرْب الأول. والعلل: الشّرْب الثَّانِي. وعقاب المنايا: الرَّايَة شبهها بالعقاب. واللجم: جمع لجام. وتصلصل: تصوت. وَأَرَادَ بشعث النواصي الْخَيل. وأوحلوا بِالْبِنَاءِ للْفَاعِل أَي: وَقَعُوا فِي الوحل. وَقَوله: فَإِن لَا تعلق استهزاء فِي معرض النَّصِيحَة أَي: إِن لم تتَعَلَّق بِذِمَّة قُرَيْش فَلَا طَاقَة لكم بسيوف قيس.

وَقَوله: لنا الْفضل فِي الدُّنْيَا الْبَيْت أوردهُ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي على أَن اللَّام تَأتي بِمَعْنى من أَي: وَنحن أفضل مِنْك. وشققت: قطعت. وعواتق: جمع عاتق وَهُوَ مَا بَين الْمنْكب والعنق. والمحمل بِكَسْر الْمِيم الأولى: سيور السَّيْف. والمصراع الْأَخير تَقْدِيره: فَمن أَعلَى وَأفضل من بني مَرْوَان. وترجمة جرير تقدّمت فِي الشَّاهِد الرَّابِع من أول الْكتاب. - وَأنْشد بعده الْكَامِل بَطل كَأَن ثِيَابه فِي سرحة على أَن فِي بِمَعْنى على فِيهِ لِأَنَّهُ مَعْلُوم أَن ثِيَابه لَيست فِي جَوف سرحة وَهِي الشَّجَرَة الْعَالِيَة وَإِنَّمَا هِيَ على بدنه. قَالَ الشَّارِح الْمُحَقق: وَالْأولَى أَن تكون على بَابهَا لِأَن ثِيَابه إِذا كَانَت عَلَيْهَا فقد صَار السرحة موضعا لَهَا.) وَهَذَا المصراع صدر وعجزه: يحذى نعال السبت لَيْسَ بتوأم وَالْبَيْت من معلقَة عنترة الْعَبْسِي وَقَبله: (ومشك سابغة هتكت فروجها ... بِالسَّيْفِ عَن حامي الْحَقِيقَة معلم) ...

(ربذ يَدَاهُ بِالْقداحِ إِذا شتا ... هتاك غايات التُّجَّار ملوم) (بَطل كَأَن ثِيَابه فِي سرحة ... يحذى نعال السبت لَيْسَ بتوأم) (فطعنته بِالرُّمْحِ ثمَّ علوته ... بمهند صافي الحدية مخذم ) (لما رَآنِي قد نزلت أريده ... أبدى نَوَاجِذه لغير تَبَسم) قَوْله: ومشك سابغة بِكَسْر الْمِيم وَفتح الشين الْمُعْجَمَة قَالَ الأعلم فِي شرح الْأَشْعَار السِّتَّة: أَرَادَ رب مشك درع سابغة. والمشك: الَّتِي شكّ بَعْضهَا فِي بعض. والمشك: مسامير الدروع. والسابغة: الْكَامِلَة. وَقَالَ الْخَطِيب التبريزي: مشك الدرْع: حَيْثُ يجمع جيبها بسير. وَكَانَت الْعَرَب تجْعَل سيراً فِي جيب الدرْع يجمع جيبها فَإِذا أَرَادَ أحد الْفِرَار جذب السّير فَقَطعه واتسع الجيب فألقاها عَنهُ وَهُوَ يرْكض. وَقيل: الدرْع الَّتِي شكّ بَعْضهَا إِلَى بعض. وَقيل: المشك: المسامير الَّتِي تكون فِي حلق الدرْع. وَمن جعل المشك الدرْع يكون من إِضَافَة الصّفة إِلَى الْمَوْصُوف وتأويله عِنْد الْبَصرِيين: ومشك حَدِيدَة سابغة. وهتكت: جَوَاب رب. وَكَذَلِكَ على قَول من جعله بِمَعْنى السّير والمسامير لِأَنَّهُمَا من الدرْع فَيصير الْإِخْبَار عَن الدرْع. وهتكت فروجها أَي: شققتها وخرقتها. وفروجها: جيبها وكماها وَاحِدهَا فرج بِفَتْح الْفَاء. وحامي الْحَقِيقَة أَي: يحمي مَا يحِق عَلَيْهِ أَن يحميه. والمعلم: اسْم فَاعل من أعلم نَفسه بعلامة وَهُوَ

الَّذِي شهر نَفسه بعلامة إدلالاً بشجاعته وإعلاماً بمكانه. وَقَالَ أَبُو جَعْفَر: هُوَ اسْم مفعول وَكَذَلِكَ المسوم يقالان بِالْفَتْح. والسومة بِالضَّمِّ: الْعَلامَة. وَقَالَ الزوزني: الْمعلم بِكَسْر اللَّام: الَّذِي أعلم نَفسه بعلامة يعرف بهَا فِي الْحَرْب حَتَّى تبرز لَهُ الْأَبْطَال. يَقُول: وَرب مشك درع أَي: رب مَوضِع انتظام درع وَاسِعَة شققت أوساطه بِالسَّيْفِ عَن رجل حام لما يجب عَلَيْهِ حفظه شاهر نَفسه فِي حومة الْحَرْب أَو مشار إِلَيْهِ فِيهَا. يُرِيد أَنه هتك مثل هَذِه الدرْع على مثل هَذَا الشجاع فَمَا الظَّن بِغَيْرِهِ) وَقَوله: ربذ يَدَاهُ هُوَ بِالْجَرِّ صفة لحامي الْحَقِيقَة. وَكَذَا: هُنَاكَ. والربذ بِفَتْح الرَّاء الْمُهْملَة وَكسر الْمُوَحدَة: السَّرِيع. قَالَ أَبُو جَعْفَر والخطيب: لم يقل ربذة يَدَاهُ لِأَن الْيَد مُؤَنّثَة وَوَجهه أَن قَوْله: يَدَاهُ بدل من الضَّمِير الْمُسْتَتر فِي ربذ الْعَائِد إِلَى حامي الْحَقِيقَة كَمَا تَقول: ضربت زيدا يَده. وَمذهب الْفراء فِي هَذَا أَنه يجوز أَن يذكر الْمُؤَنَّث فِي الشّعْر إِذا لم يكن فِيهِ عَلامَة التَّأْنِيث. والقداح هِيَ سِهَام الميسر جمع قدح بِالْكَسْرِ أَي: هُوَ حاذق بالقمار وَالْميسر خَفِيف الْيَد بِضَرْب القداح. وَهَذَا كَانَ مدحاً عِنْد الْعَرَب فِي الْجَاهِلِيَّة. وَقَوله: إِذا شتا يُرِيد أَنه إِذا اشْتَدَّ الزَّمَان وَكَانَ أَشد الزَّمَان عِنْدهم زمن الشتَاء وَكَانَ لَا ييسر فِيهِ إِلَّا أهل الْجُود وَالْكَرم. وَقَوله: هُنَاكَ غايات التُّجَّار هُوَ جمع تجر وَهُوَ جمع تَاجر كَمَا يجمع صَاحب على صحب وَصَحب على صِحَاب. وَأَرَادَ بهم تجار الْخمر. والغايات: عَلَامَات تكون للخمارين. يَقُول: فَهُوَ يهتك رايات تجار الْخمر لِأَنَّهُ لَا يتْرك شَيْئا من الْخمر إِلَّا اشْتَرَاهُ

وَإِذا فني مَا عِنْدهم رفعوا علاماتهم. وَقيل الْمَعْنى: أَنه يعطيهم مَا يطْلبُونَ فِي السّوم بهَا. والملوم: الَّذِي يكثر اللوم عَلَيْهِ فِي تبذير مَاله. - وَقَوله: بَطل كَأَن ثِيَابه ... . إِلَخ بَطل بِالْجَرِّ صفة حامي الْحَقِيقَة وَيجوز رَفعه على تَقْدِير: هُوَ بَطل وَهُوَ الشجاع الَّذِي تبطل عِنْده شجاعة غَيره. والسِّرحة بِفَتْح السِّين وَسُكُون الرَّاء الْمُهْمَلَتَيْنِ فحاء مُهْملَة: وَاحِدَة السِّرْح وَهُوَ الشّجر الْعَظِيم العالي. يُرِيد أَنه طَوِيل الْقَامَة كَامِل الْجِسْم فَكَأَن ثِيَابه على شَجَرَة عالية. وَالْعرب تمدح بالطول وتذم بِالْقصرِ. قَالَ أَثَال بن عَبدة بن الطَّبِيب: الطَّوِيل (وَلما التقى الصفان وَاخْتلف القنا ... نهالاً وَأَسْبَاب المنايا نهالها) (تبين لي أَن القماءة ذلة ... وَأَن أعزاء الرِّجَال طوالها) يرد أَن القنا وَردت الدَّم وَلم تثن وَذَلِكَ أَن الناهل الَّذِي يشرب أول شربة فَإِذا شرب ثَانِيَة فَهُوَ علل. وَقَوله: نهالها أَي: أول مَا يَقع مِنْهَا يكون سَببا لما بعده. وَقَالَ بعض بني العنبر:

الطَّوِيل) وَقَالَ آخر: الطَّوِيل (أَشمّ طَوِيل الساعدين كَأَنَّمَا ... تناط إِلَى جذع طَوِيل حمائله ) ولسلم الخاسر: الطَّوِيل (يقوم مَعَ الرديني قَائِما ... وَيقصر عَنهُ طول كل نجاد) وَقَوله: يحذى نعال السبت يحذى بِالْحَاء الْمُهْملَة والذال الْمُعْجَمَة على الْبناء للْمَفْعُول ونائب الْفَاعِل ضمير البطل. ونعال مفعول ثَان لَهُ أَي: تجْعَل لَهُ النِّعَال السبتية حذاء بِالْكَسْرِ وَالْمدّ. فِي الصِّحَاح: الْحذاء: النَّعْل. واحتذى: انتعل. وأحذيته نعلا إِذا أَعْطيته نعلا. والسبت بِكَسْر السِّين الْمُهْملَة وَسُكُون الْمُوَحدَة: الْجلد المدبوغ بالقرظ وَلم ينجرد من شعره. قَالَ أَبُو حنيفَة الدينَوَرِي فِي النَّبَات: الْجلد مَا لم يدبغ فَهُوَ محرم وَكَذَلِكَ إِذا دبغ فَلم يُبَالغ فِيهِ الدّباغ فَفِيهِ تَحْرِيم. والفطير مثله وَهُوَ الخام. وأجود مَا يدبغ بِهِ الإهاب بِأَرْض الْعَرَب الْقرظ وَهُوَ يدبغ بورقه. وَيُقَال للَّذي يَأْخُذهُ من شَجَره: القارظ وَالَّذِي يَبِيعهُ: الْقَرَّاظ. فَمَا كَانَ مِنْهَا من جُلُود الْبَقر خَاصَّة فَإِن الْأَصْمَعِي زعم أَنه السِّبت. وَمَا أَبُو عَمْرو فَزعم أَن كل جلد مدبوغ سِبْتٌ بالقرظ أَو بِغَيْرِهِ. وَقد اخْتلف علينا فِي ذَلِك فروى مَا حكيناه عَن الْأَصْمَعِي عَن أبي عَمْرو وَمَا ذَكرْنَاهُ عَن أبي عَمْرو عَن الْأَصْمَعِي. وَقَالَ أَبُو زِيَاد: السبت: جُلُود الْبَقر. قَالَ: وَلَا تَقول للجلد سِبت حَتَّى

يصير حذاء فَذَاك حِين تنسبه إِلَى السبت فَتَقول: نعل سبتٍ ونعال سِبت. وَأنْشد قَول عنترة: يحذى نعال السبت لَيْسَ بتوأم وَقَالَ أَبُو زيد: نعل سبت وَهِي من جُلُود الْبَقر خَاصَّة وَقَالَ: السبت جُلُود الْبَقر خَاصَّة مدبوغة وَلَا يُقَال لغير جُلُود الْبَقر سبت والجميع سبوت وأسبات. فَأَما مَا كَانَ من جُلُود الضَّأْن خَاصَّة فَهُوَ السّلف والواحدة سلفة وَهِي أَضْعَف من الماعز وألين. وَقَالَ أَبُو زِيَاد: خَيرهَا مَا دب بالقرظ ثمَّ الأرطى ثمَّ السّلم. وشرها مَا دبغ بالآلاء. وَقَالَ: الألاء شَدِيد المرارة شَدِيد الخضرة طيب الرّيح. انْتهى مَا أردنَا مِنْهُ. وَقَول عنترة: يحذى نعال السِّبت يُرِيد أَنه من الْمُلُوك الَّذين يلبسُونَ النِّعَال السبتية الرقيقة الطّيبَة) الرّيح. وهم يتمدحون بجودة النِّعَال كَمَا يتمدحون بجودة الملابس. قَالَ النَّابِغَة: الطَّوِيل (رقاق النِّعَال طيب حجزاتهم ... يحيون بالريحان يَوْم السباسب) أَرَادَ أَنهم مُلُوك لَا يخصفون نعَالهمْ إِنَّمَا يخصفها من يمشي. والحجزة: الْوسط. أَرَادَ أَنهم يشدون أزرهم على عفة. والسباسب: يَوْم الشعانين. وَأَرَادَ برقة النِّعَال أَن نعَالهمْ لَيست بمطبقة. وَقَالَ النَّجَاشِيّ:

الطَّوِيل لَا يَأْكُل الْكَلْب السروق نعالنا إِنَّمَا يَأْكُل الْكَلْب الفطير من النِّعَال. وَأما السِّبت فَلَا. - وَقَالَ كثير وَذكر نعلا: الطَّوِيل (إِذا طرحت لَا يطبي الْكَلْب رِيحهَا ... وَإِن طرحت فِي مجْلِس الْقَوْم شمت) أَي: هِيَ طيبَة الرّيح لَيست بفطير لِأَن النَّعْل إِذا كنت غير مدبوغة وظفر بهَا الْكَلْب أكلهَا. وَقَوله: لَيْسَ بتوأم يُرِيد أَنه لم يزاحمه أَخ فِي بطن أمه فَيكون ضَعِيف الْخلقَة. والتوأم: الَّذِي يكون مَعَ آخر فِي بطن أمه. فنفى عَنهُ ذَلِك وَوَصفه بِكَمَال الْخلق وَتَمام الشدَّة وَالْقُوَّة. يَقُول: هُوَ بَطل مديد الْقَامَة كَأَن ثِيَابه ألبست شَجَرَة عَظِيم من طول قامته واستواء خلقه ويتخذ النِّعَال من جُلُود الْبَقر المدبوغة وَلم تحمله أمه مَعَ غَيره. وَقد بَالغ فِي وَصفه بالشدة وَالْقُوَّة بامتداد قامته وَعظم أَعْضَائِهِ وَتَمام غذائه عِنْد إرضاعه إِذْ كَانَ غير توأم. وَقَوله: بمهند هُوَ السَّيْف الْهِنْدِيّ. وَقَوله: صافي الحديدة أَي: مجلو صقيل. والمخذم بِكَسْر الْمِيم والمعجمتين: الْقَاطِع من خذمه أَي: قطعه.

وَقَوله: لما رَآنِي قد نزلت ... إِلَخ النواجذ: آخر الأضراس. وَمعنى أبدى نَوَاجِذه أَي: كلح غيظاً عَليّ. وَيُقَال: بل كلح كَرَاهَة لِلطَّعْنِ. وَقيل: الْمَعْنى لما رَآنِي قَاصِدا لَهُ كلح وكشر أَسْنَانه فَصَارَ كَأَنَّهُ متبسم. وَقيل: الْمَعْنى لما قتلته تقلصت شفتاه عَن أَسْنَانه فصرت إِذا نظرت إِلَيْهِ كَأَنَّهُ يتبسم. يَقُول: لما) نزلت عَن فرسي أُرِيد قَتله كشر عَن أَسْنَانه غير متبسم. أَي: لفرط كلوحه من كَرَاهِيَة الْمَوْت تقلصت شفتاه عَن أَسْنَانه. وَقَوله: عهدي بِهِ أَي: مشاهدتي لَهُ وَقد تخضب بدمه فَكَأَنَّهُ قد خضب بالعظم كزبرج وَهُوَ شجر يتَّخذ مِنْهُ الوسمة. يُقَال: إِنَّه الكتم. وَإِنَّمَا شبه الدَّم بِهِ لم انْعَقَد وَضرب إِلَى السوَاد. وَيُقَال: عهدته أعهده عهدا إِذا لَقيته. قَالَ الْخَطِيب: عهدي بِهِ مُبْتَدأ وَالْخَبَر فِي الِاسْتِقْرَار. وَقَوله: مد النَّهَار بدل من الِاسْتِقْرَار كَمَا تَقول: الْقِتَال الْيَوْم وكما تَقول: عهدي قَرِيبا أَي: وقتا قَرِيبا. إِلَّا أَنه يجوز فِي هَذَا أَن تَقول قريب على أَن تجْعَل الْقَرِيب الْعَهْد. وَمد النَّهَار: ارتفاعه. وروى: شدّ النَّهَار بِمَعْنَاهُ. وَيُرِيد بالبنان الْأَصَابِع. وروى بدله: اللبان بِفَتْح اللَّام وَهُوَ الصَّدْر. يَقُول: رَأَيْته طول النَّهَار وامتداده بعد قَتْلِي إِيَّاه وجفوف الدَّم عَلَيْهِ كَأَن بنانه أَو سدره وَرَأسه مخضوب بِهَذَا النبت. وترجمة عنترة تقدّمت فِي الشَّاهِد الثَّانِي عشر من أَوَائِل الْكتاب.

(الشاهد الخامس والثمانون بعد السبعمائة)

وَأنْشد بعده (الشَّاهِد الْخَامِس وَالثَّمَانُونَ بعد السبعمائة) الطَّوِيل (ويركب يَوْم الروع فِيهَا فوارس ... بصيرون فِي طعن الأباهر والكلى) على أَنه قيل إِن فِي بِمَعْنى الْبَاء أَي: بصيرون بطعن الأباهر. وَالْأولَى أَن تكون بمعناها أَي: لَهُم بصارة وحذق فِي هَذَا الشَّأْن. قَالَ ابْن عُصْفُور فِي الضرائر: إِنَّمَا عدي بَصِير بَقِي لِأَن قَوْلك: هُوَ بَصِير بِكَذَا يرجع إِلَى معنى وَالْبَيْت من أَبْيَات تِسْعَة لزيد الْخَيل الطَّائِي رَوَاهَا أَبُو زيد فِي نوادره وَأَبُو الْعَبَّاس الْأَحول فِي شرح ديوَان كَعْب بن زُهَيْر وَأَبُو عَليّ القالي فِي ذيل الأمالي وَهِي: الطَّوِيل (أَفِي كل عَام مأتم تبعثونه ... على محمر عود أثيب وَمَا رضَا) (تَجِدُونَ خمشاً بعد خَمش كَأَنَّهُ ... على فاجع من خير قومكم نعا) (تحضض جباراً عَليّ ورهطه ... وَمَا صرمتي مِنْهُم لأوّل من سعى) ...

(ترعى بأذناب الشعاب ودونها ... رجال يردون الظلوم عَن الْهوى) (ويركب يَوْم الروع فِيهَا فوارس ... بصيرون فِي طعن الأباهر والكلى) (فلولا زُهَيْر أَن أكدر نعْمَة ... لقاذعت كَعْبًا مَا بقيت وَمَا بقا) (قد انبعثت عرسي بلَيْل تلومني ... وَأقرب بأحلام النِّسَاء من الردى) (تَقول: أرى زيدا وَقد كَانَ مقتراً ... أرَاهُ لعمري قد تمول واقتنى) (وَذَاكَ عَطاء الله فِي كل غَارة ... مشمرة يَوْمًا إِذا قلص الخصى) وَقَوله: أَفِي كل عَام ... إِلَخ اسْتِفْهَام توبيخي. والمأتم مَهْمُوز وَهُوَ الْجَمَاعَة من النِّسَاء يجتمعن لحزن أَو فَرح وَالْمرَاد هُنَا الْحزن وَلِهَذَا أعَاد الضَّمِير إِلَيْهِ من تبعثونه مذكراً. - وَقَالَ شرَّاح أَبْيَات الْكتاب: الضَّمِير عَائِد على مَحْذُوف أَي: أَفِي كل عَام اجْتِمَاع مأتم فَيكون وَلِهَذَا قَالَ أَبُو زيد: أَرَادَ: أَفِي كل عَام حُدُوث مأتم فَحذف الْمُضَاف وَأقَام الْمُضَاف إِلَيْهِ مقَامه. اه

وَإِنَّمَا قَالَ كَذَا لِئَلَّا يَقع ظرف الزَّمَان خَبرا عَن الجثة. وتبعثونه: تهيجونه وتحركونه. وَرُوِيَ بدله: تجمعونه. والمحمر بِكَسْر الْمِيم الأولى وَفتح الثَّانِيَة وَسُكُون الْحَاء الْمُهْملَة بَينهمَا قَالَ أَبُو زيد: هُوَ الْفرس) الَّذِي يشبه الْحمار وَهُوَ أَيْضا اللَّئِيم من الرِّجَال أَرَادَ هُنَا أَنه فرس هجين أخلاقه كأخلاق الْحمير بطيء الْحَرَكَة. وعَلى هُنَا تعليلية. وَالْعود بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة قَالَ أَبُو زيد: هُوَ المسن. وأثيب: جعل لنا ثَوابًا. وَالثَّوَاب: الْجَزَاء. وروى الْجرْمِي: على محمر ثوبتموه وَمَا رضَا يُقَال: أثابه وثوبه أَي: أعطَاهُ الثَّوَاب. ورضا بِضَم الرَّاء بِمَعْنى رَضِي فعل مَجْهُول وَهُوَ لُغَة طَيئ يكْرهُونَ مَجِيء الْيَاء المتحركة بعد الكسرة فيفتحون مَا قبلهَا لتنقلب إِلَى الْألف لخفتها. يَقُولُونَ فِي بَقِي: بقا وَفِي نعي: نعا كَمَا هُنَا. يَقُول: إِنَّكُم تجمعون نسَاء ليبكين على فقد هَذَا الْفرس الَّذِي جعلتموه جَزَاء لنا على جميل فَعَلْنَاهُ بكم وَالْحَال أننا لم نرض بِهَذَا الْفرس الَّذِي يشبه الْحمار. وَقَوله: تَجِدُونَ خمشاً ... إِلَخ يُقَال: أجد فلَان الشَّيْء واستجده إِذا أحدثه فتجدد. والخمش: مصدر خمشت الْمَرْأَة وَجههَا بظفرها من بَاب ضرب أَي: جرحت ظَاهر الْبشرَة. وفاجع: الَّذِي فجعهم بِنَفسِهِ. يُقَال: فجعته الْمُصِيبَة أَي: أوجعته. وروى بدله: على سيد. ونعا أَصله نعي يُقَال: نعيت الْمَيِّت نعياً من بَاب نفع إِذا أخْبرت بِمَوْتِهِ. يَقُول: إِنَّكُم تخمشون وُجُوهكُم مرّة بعد مرّة على هَذَا البرذون كأنكم فقدتم خير قومكم.

وَقَوله: تحضض جباراً ... إِلَخ هَذَا خطاب لكعب بن زُهَيْر. قَالَ الجواليقي فِي شرح أدب الْكَاتِب: يُقَال حضضت الرجل إِذا حثثته على الْخَيْر وَالشَّر جَمِيعًا وحضضته بِالتَّخْفِيفِ إِذا حثثته على الْخَيْر. وحثثته: إِذا حرضته على سوق أَو سير. وَلَا يكون الحض فِي السّير والسوق. وجبار بِفَتْح الْجِيم وَالْمُوَحَّدَة الْمُشَدّدَة: اسْم رجل. وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس الْأَحول: هُوَ رجل من فَزَارَة. والصرمة يكسر الصَّاد الْمُهْملَة: الْقطعَة من الْإِبِل مَا بَين الثَّلَاثِينَ إِلَى الْأَرْبَعين. والهط: النَّفر وهم مادون الْعشْرَة من الرِّجَال. يَقُول: تغري هَذَا الرجل ليغير على إبلي وَلَيْسَت وَقَوله: ترعى بأذناب ... إِلَخ أَصله تترعى بتاءين فَهُوَ مضارع. وَقَالَ الجواليقي: أَي: ترعي يُرِيد أَنه مُبَالغَة ترعى بِالتَّخْفِيفِ. والأذناب: جمع ذَنْب بِفتْحَتَيْنِ. وروى بدله: بأطراف.) قَالَ الجواليقي: والشعاب: جمع شعب وَهُوَ الْموضع المنفرج بَين جبلين وَهُوَ جمع نَادِر كقدح وقداح. ودونها أَي: دون هَذِه الصرمة رجال يردون الظَّالِم عَن هَوَاهُ. وَقَوله: ويركب يَوْم الروع بِفَتْح الرَّاء هُوَ الْفَزع. وفيهَا أَي: من أجل الصرمة. قَالَ الْأَحول: الأباهر والكلى مقتلان وَالْأَبْهَر: عرق فِي الْمَتْن. وَقَالَ الجواليقي: أَي هم بصراء عالمون بمواضع الطعْن. والأباهر: جمع أبهر وَهُوَ عرق مستبطن الصلب. - والكلى: جمع كُلية. وللإنسان وَالْحَيَوَان كليتان وهما لحمتان حمراوان منتبرتان لازقتان بِعظم

الصلب. اه. وَكَذَا قَالَ ابْن السَّيِّد. وَصفهم بالحذق فِي الطعْن فهم يتعمدون الْمقَاتل. وَالْأَبْهَر: عرق مستبطن الْمَتْن مُتَّصِل بِالْقَلْبِ. وَقَوله: فلولا زُهَيْر أَن أكدر نعْمَة ... . إِلَخ هَذَا الْبَيْت فِي رِوَايَة الْأَحول وَفِي رِوَايَة القالي آخر الأبيات. والملاصق لقَوْله: ويركب يَوْم الروع عِنْدهمَا. تَقول: أرى زيدا الْبَيْت. وَلَيْسَ عِنْدهمَا قد انبعثت عرسي بلَيْل تلومني الْبَيْت. وَهَذَا هُوَ الْمُنَاسب لسياق الْكَلَام. وَبَيت: قد انبعثت عرسي إِنَّمَا هُوَ من شعر كَعْب كَمَا سَيَأْتِي لَكِن كتبنَا الأبيات كَمَا وجدناها ثَابِتَة فِي نسختين صحيحتين من نَوَادِر أبي زيد. وَقَوله: فلولا زُهَيْر وَهُوَ وَالِد كَعْب. وَقَوله: أَن أكدر نعْمَة هُوَ بدل اشْتِمَال من زُهَيْر بِتَقْدِير الرابط وَالتَّقْدِير: فلولا تكدير نعْمَة لزهير. وَقَوله: لقاذعت جَوَاب لَوْلَا. والقذع بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة: الْفُحْش والخنى. يُقَال: قذعته إِذا رميته بالفحش وشتمته. وَقَوله: قد انبعثت عرسي ... إِلَخ هَذَا الْبَيْت أول أَبْيَات كَعْب بن زُهَيْر الْآتِيَة وَلَا مُنَاسبَة لَهُ هُنَا. والمصراع الأول فِي رِوَايَة الْأَحول: أَلا بكرت عرسي توائم من لحا قَالَ الْأَحول: توائم: تعَارض وَتفعل مَا يَفْعَلُونَ. وأصل المواءمة المباراة فِي الطَّعَام. - وَقَوله: وَأقرب بأحلام ... إِلَخ هُوَ صِيغَة تعجب.

والأحلام: الْعُقُول. قَالَ الْأَحول: هُوَ من مثل تضربه الْعَرَب لب النِّسَاء إِلَى حمق.) وَقَوله: تَقول أرى زيدا ... . إِلَخ هَذَا خطاب لكعب لَا حِكَايَة قَول عرسه وَإِن كَانَ ظَاهرا. وروى بدله: مصرماً من أَصْرَم الرجل إِذا صَار ذَا صرمة. وتمول: صَار ذَا مَال. وَالْمَال عِنْد الْعَرَب: الْإِبِل والماشية. واقتنى هُوَ من قنيت الشَّيْء إِذا اتخذته لنَفسك لَا للتِّجَارَة. ويروى بدله: وافتلى أَي: صَار ذَا فَلَو وَهُوَ الْمهْر. والفلو كفعول وَيُقَال: فَلَو بِكَسْر الْفَاء وَسُكُون اللَّام. وَيُقَال: افتلى بِمَعْنى ربى أَيْضا وَبِمَعْنى فطم الصَّغِير عَن اللَّبن. وَقَوله: وَذَاكَ عَطاء الله ... إِلَخ الْإِشَارَة للتمول والاقتناء. والغارة: الْغُزَاة. ومشمرة من شمر إزَاره تشميراً إِذا رَفعه. ويروى: قلص الخصى بتَخْفِيف اللَّام وتشديدها بِمَعْنى انضمت وانزوت. وتقلص الخصى يكون عِنْد الرعب والفزع. وَسبب هَذِه الأبيات مَا رَوَاهُ القالي فِي ذيل الأمالي قَالَ: حَدثنَا أَبُو بكر قَالَ: أخبرنَا أَبُو حَاتِم عَن أبي عُبَيْدَة عَن أبي عَمْرو بن الْعَلَاء قَالَ: خرج بجير بن زُهَيْر بن أبي سلمى فِي غلمة يجتنون جنى الأَرْض فَانْطَلق الغلمة وَتركُوا ابْن زُهَيْر فَمر بِهِ زيد الْخَيل الطَّائِي فَأَخذه وَدَار طَيئ متاحمة لدور بني عبد الله بن غطفان فَسَأَلَ الْغُلَام: من أَنْت فَقَالَ: أَنا بجير بن زُهَيْر. فَحَمله على نَاقَة ثمَّ أرسل بِهِ إِلَى أَبِيه

فَلَمَّا أَتَى الْغُلَام أخبرهُ أَن زيدا أَخذه ثمَّ خلاه وَحمله وَكَانَ لكعب بن زُهَيْر فرس من جِيَاد خيل الْعَرَب وَكَانَ كَعْب جسيماً وَكَانَ زيد الْخَيل من أعظم النَّاس وأجسمهم وَكَانَ لَا يركب دَابَّة إِلَّا أَصَابَت إبهامه الأَرْض فَقَالَ زُهَيْر: مَا أَدْرِي مَا أثيب بِهِ زيدا إِلَّا فرس كَعْب. فَأرْسل بِهِ إِلَيْهِ وَكَعب غَائِب فجَاء كَعْب فَسَأَلَ عَن الْفرس فَقيل لَهُ: قد أرسل بِهِ أَبوك إِلَى زيد. - فَقَالَ كَعْب لِأَبِيهِ: كَأَنَّك أردْت أَن تقَوِّي زيدا على قتال غطفان. فَقَالَ زُهَيْر لَهُ: هَذِه إبلي فَخذ ثمن فرسك. وَكَانَ بَين بني زُهَيْر وَبَين بني ملقط الطائيين إخاء وَكَانَ عَمْرو بن ملقط وفاداً إِلَى الْمُلُوك وَهُوَ الَّذِي أصَاب بني تَمِيم مَعَ عَمْرو بن هِنْد يَوْم أوارة فَقَالَ كَعْب شعرًا يُرِيد أَن يلقِي بِهِ بَين بني ملقط وَبَين رَهْط زيد الْخَيل شرا فَعرف زُهَيْر حِين سمع الشّعْر مَا أَرَادَ بِهِ وَعرف ذَلِك زيد الْخَيل وَبَنُو ملقط فَأرْسلت إِلَيْهِ بَنو ملقط بفرس نَحْو فرسه.) وَكَانَت عِنْد كَعْب امْرَأَة من غطفان لَهَا حسب فَقلت لَهُ: أما استحيت من أَبِيك لشرفه وسنه أَن تؤبسه فِي هِبته عَن أَخِيك ولامته. وَكَانَ قد نزل بكعب قبل ذَلِك ضيفان فَنحر لَهُم بكرا كَانَ لامْرَأَته فَقَالَ: مَا تلوميني إِلَّا لمَكَان بكرك الَّذِي نحرت فلك بِهِ بكران. وَكَانَ زُهَيْر كثير المَال وَكَانَ كَعْب مجدوداً. (أَلا بكرت عرسي بلَيْل تلومني ... وَأقرب بأحلام النِّسَاء إِلَى الردى)

وَذكر فِيهَا زيدا فَقَالَ زُهَيْر لِابْنِهِ: هجوت رجلا غير مفحم وَإنَّهُ لخليق أَن يظْهر عَلَيْك. فَأَجَابَهُ زيد فَقَالَ: أَفِي كل عَام مأتم تجمعونه إِلَى آخر الأبيات اه. وَهَذِه أَبْيَات كَعْب من ديوانه بِرِوَايَة أبي الْعَبَّاس الْأَحول: ( أَلا بكرت عرسي توائم من لحا ... وَأقرب بأحلام النِّسَاء من الردى) وَتقدم شَرحه. (أَمن أجل بكر قطعتني ملامة ... لعمري لقد كَانَت ملامتها ثنى) الْبكر بِالْفَتْح: الفتي من الْإِبِل. قَالَ الْأَحول: أَمن أجل بكر نَحرته وَأَطْعَمته أَصْحَابِي بكرت عَليّ باللوم مَعَ من يلوم. وَقَوله: ثنى بِفَتْح النُّون بعْدهَا مُثَلّثَة أَي: مرّة بعد مرّة. (أَلا لَا تلومي ويب غَيْرك عَارِيا ... رأى ثَوْبه يَوْمًا من الدَّهْر فاكتسى) يَقُول: لَا تلومي فِي أَن نحرت بكرا وكسوت رجلا عَارِيا فاكتسى. وويب: يذهب بِهِ مَذْهَب وَيْح. ...

(وَقيل رجال لَا يبالون شَأْننَا ... غوى أَمر كَعْب مَا أَرَادَ وَمَا ارتأى) قَالَ الْأَحول: يَقُول لَوْلَا قَول رجال لَا يبالون مَا ذكرُوا من أَمْرِي وأمرك ويثنون عَليّ وَعَلَيْك أمرا لم أرتئه وَلم أَفعلهُ. (لقد سكنت بيني وَبَيْنك حقبة ... بأطلائها الْعين الملمعة الشوى) قَالَ الْأَحول: ويروى: لقد رتعت بيني وَبَيْنك. وَالْعين: الْوَحْش. قَالَ الْأَحول: ويروى: لقد رتعت بيني وَبَيْنك. وَالْعين: الْوَحْش. والشوى: القوائم. يَقُول: يكون بيني وَبَيْنك تفرق دهر لَا نَجْتَمِع على بعد منزل وتنائي مَحل هَذِه صفته تسكنه الْوَحْش.) وَالْمعْنَى: لفارقتك مُفَارقَة لَا نَجْتَمِع مَعهَا. (فيا رَاكِبًا إِمَّا عرضت فبلغن ... بني ملقط عني إِذا قيل: من عَنى) (فَلَمَّا خلتكم يَا قوم كُنْتُم أَذِلَّة ... وَمَا خلتكم كُنْتُم لمختلس جنى) (لقد كُنْتُم بالسهل والحزن حَيَّة ... إِذا نهشت لم يشف نهشتها الرقى) (وَإِن تغضبوا أَو تدركوا لي بِذِمَّة ... لعمركم أَو مثل سعيكم كفى) ...

(لقد نَالَ زيد الْخَيل مَال أخيكم ... فَأصْبح زيد قد تمول واقتنى) (وَإِن الْكُمَيْت عِنْد زيد ذمَامَة ... وَمَا بالكميت من خَفَاء لمن رأى) قَالَ أَبُو عَمْرو: إِذا أَتَى مَا لَا يَشْتَهِي صَاحبه فقد أَذمّ بِهِ. وَقَالَ غَيره: يَقُول: إِن فرسي ذمام عِنْد زيد وَمَا بِهِ خَفَاء لمن رَآهُ. (يبين لأفيال الرِّجَال وَمثله ... يبين إِذا مَا قيد بِالْخَيْلِ أَو جرى) أفيال الرِّجَال: الَّذين لَا رَأْي لَهُم وَلَا فهم. يَقُول: إِذا رَآهُ الَّذِي لَا علم لَهُ بِالْخَيْلِ وَلَا بصر يُقَاد أَو يجْرِي علم كرمه وعتقه وَلم يحْتَج إِلَى أَن يسْأَل عَن نسبه. ثمَّ وَصفه ببيتين آخَرين. قَالَ أَبُو الْعَبَّاس الْأَحول: وَإِنَّمَا قَالَ كَعْب هَذِه الأبيات وأجابه زيد الْخَيل وَذَلِكَ أَن بجير بن زُهَيْر والحطيئة ورجلاً من بني بدر خَرجُوا يقتنصون الْوَحْش وَلَا سلَاح مَعَهم وَمَعَ زيد الْخَيل عدَّة من أَصْحَابه فَقَالَ: استأسروا فَقَالُوا: لَا غلا على الطَّاقَة. فَأَخذهُم. فَأَما الحطيئة فخلى سَبيله لخبث لِسَانه وَفَقره وَأَنه لم يكن عِنْده مَا يفْدي بِهِ نَفسه. - وَأما بجير ففدى نَفسه بفرس كَانَ يُقَال لَهُ: الْكُمَيْت. وَأما أَخُو بني بدر فَافْتدى نَفسه بِمِائَة من الْإِبِل. فَقَالَ كَعْب بن زُهَيْر وبلغه حَدِيث الْقَوْم وَكَانَ نازلاً فِي بني ملقط من طَيئ فَقَالَ يحرضهم على زيد الْخَيل

(الشاهد السادس والثمانون بعد السبعمائة)

ليَأْخُذ الْكُمَيْت. وَزعم أَن الْكُمَيْت كَانَ لَهُ دون بجير فَقَالَ فِي ذَلِك قصيدة: أَلا بكرت عرسي وأجابه زيد الْخَيل: أَفِي كل عَام مأتم فزعموا أَن زهيراً قَالَ لكعب: هجوت امْرأ غير مفحم وَإنَّهُ لخليق أَن يظْهر عَلَيْك. ثمَّ نقل أَبُو الْعَبَّاس أَرْبَعَة أَبْيَات للحطيئة مدح بهَا زيد الْخَيل. وَالله أعلم أَي ذَلِك قد كَانَ.) وَزيد الْخَيل وَكَعب صحابيان تقدّمت ترجمتهما. وَأنْشد بعده (الشَّاهِد السَّادِس وَالثَّمَانُونَ بعد السبعمائة) الطَّوِيل (نحابي بهَا أكفاءنا ونهينها ... وَنَشْرَب فِي أثمانها ونقامر) على أَن فِي قيل: إِنَّهَا بِمَعْنى الْبَاء فِي الْبَيْت أَي: وَنَشْرَب بأثمانها. وَالْأولَى أَيْضا أَن تكون على مَعْنَاهَا بِجعْل أثمانها ظرفا للشراب والقمار مجَازًا. وَالْبَيْت آخر أَبْيَات أَرْبَعَة لسبرة بن عَمْرو الفقعسي أوردهَا أَبُو تَمام فِي الحماسة. وَهِي: (أتنسى دفاعي عَنْك إِذْ أَنْت مُسلم ... وَقد سَالَ من نصر عَلَيْك قراقر)

. (أعيرتنا أَلْبَانهَا ولحومها ... وَذَلِكَ عَار يَا ابْن ريطة ظَاهر) تحابي بهَا أكفاءنا ... ... ... ... ... . . الْبَيْت قَوْله: أتنسى دفاعي ... إِلَخ اسْتِفْهَام توبيخي يُخَاطب ضَمرَة بن ضَمرَة النَّهْشَلِي. وَإِذ: ظرف لدفاعي أَي: لم تنس مدافعتي عَنْك حِين كنت مخذولاً لَا نَاصِر مَعَك. وَمُسلم: اسْم مفعول من أسلمته بِمَعْنى خذلته وَهُوَ أَن تخلي بَينه وَبَين من يُرِيد النكاية فِيهِ. قَوْله: وَقد سَالَ من نصر ... إِلَخ رَوَاهُ شرَّاح الحماسة: وَقد سَالَ من ذل قَالَ المرزوقي وَغَيره: قُراقر بِضَم الْقَاف الأولى: اسْم وَاد وَيكون ذكره مثلا. وَمن كَلَامهم: سَالَ عَلَيْهِ الذل كَمَا يسيل السَّيْل. وَلَا يمْتَنع أَن يكون لحقه مَا لحقه من الذل من نَاحيَة قراقر فَلذَلِك خصّه وَالْجُمْلَة حَال. انْتهى. وَأول من حرفه أول شَارِح للحماسة وَهُوَ أَبُو عبد الله النمري قَالَ: يَقُول: سَالَ هَذَا الْوَادي عَلَيْك فَلم تستطع الِانْتِقَال عَنهُ ذلاً وضعفاً. ورد عَلَيْهِ أَبُو مُحَمَّد الْأسود الْأَعرَابِي فِيمَا كتبه على شرح النمري وَقَالَ: الصَّوَاب: وَقد سَالَ من نصر يَعْنِي نصر بن قعين بن الْحَارِث بن ثَعْلَبَة بن دودان بن أَسد بن خُزَيْمَة. - يَقُول: دافعتهم عَنْك حِين سَالَ الْوَادي بهم عَلَيْك. كَمَا قَالَ الآخر: الطَّوِيل يَعْنِي: أَنهم أسالوه بِالرِّجَالِ. ولبيت سُبْرَة قصَّة طَوِيلَة الذيل ذكرتها فِي كتاب السلَّة وَالسَّرِقَة. انْتهى.)

أَقُول: قد ذكرهَا فِي ضَالَّة الأديب أَيْضا وَنحن نذكرها. إِن شَاءَ الله بعد الأبيات. وَقَوله: ونسوتكم فِي الروع ... إِلَخ هَذِه الْجُمْلَة معطوفة على جملَة الْحَال السَّابِقَة. قَالَ المرزوقي: وصف الْحَال الَّتِي مني بهَا حِين نَصره مخاطبه. وَالْمرَاد: وَنِسَاؤُكُمْ تشبهن بالإماء مَخَافَة السَّبي حَتَّى تبرجن وبرزن مكشوفات ناسيات للحياء وَإِن كن حرائر. وَإِنَّمَا قَالَ هَذَا لأَنهم كَانُوا يقصدون بسبي من يسبون من النِّسَاء إِلْحَاق الْعَار لَا اغتنام الْفِدَاء وَالْمَال. وَلما كَانَ الْأَمر على هَذَا فالحرة كَانَت فِي مثل ذَلِك الْوَقْت تتشبه بالأمة لكَي يزهد فِي سبيهَا. وَمعنى وَالْإِمَاء حرائر: واللاتي يَحسبن إِمَاء حرائر. وَلَو قَالَ: يخلن إِمَاء وَهن حرائر لَكَانَ مَأْخَذ الْكَلَام أقرب لكنه عدل إِلَى: وَالْإِمَاء حرائر ليَكُون الذّكر أفخم. وَقَوله: أعيرتنا أَلْبَانهَا ... . إِلَخ اسْتِفْهَام للإنكار والتقريع أَي: لم عيرتنا ألبان الْإِبِل ولحومها واقتناء الْإِبِل مُبَاح وَالِانْتِفَاع بلحمها وَأَلْبَانهَا جَائِز دينا وعقلاً. - وَقَوله: وَذَلِكَ عَار ظَاهر أَي: زائل. (وعيرها الواشون أَنِّي أحبها ... وَتلك شكاة ظَاهر عَنْك عارها) وَيُقَال: عيرته كَذَا وَهُوَ الْأَفْصَح وعيرته بِكَذَا. قَالَ عدي:

أَيهَا الشامت الْمُعير بالدهر وَالْوَاو للْحَال أَي: أتعيرنا ذَلِك وَالْحَال ذَلِك. وَقَوله: نحابي بهَا ... إِلَخ قَالَ المرزوقي: بَين وُجُوه تصرفهم فِيمَا عيرهم بِهِ فَقَالَ: نَجْعَلهَا حباء لنظرائنا فنتهادى بهَا ونسهل تمكن الزوار والعفاة مِنْهَا بابتذالها وإهانتها وَحذف ذكر من أهينت لَهُ لِأَن المُرَاد مَفْهُوم ونبيعها فنصرف أثمانها إِلَى الْخمر والإنفاق ونضرب بِالْقداحِ عَلَيْهَا فِي الميسر عِنْد اشتداد الزَّمَان فنفرقها فِي الضُّعَفَاء والمحتاجين. وَفِي تعداد هَذِه الْوُجُوه إبِْطَال لكل مَا أوهم أَن يلْحق من الْعَار فِي اقتنائها وادخارها. انْتهى. - قَالَ ابْن الشجري فِي أَمَالِيهِ: حابى: بارى يُقَال: حابيت فلَانا أَي: باريته فِي الحباء مثل باهيته فِي الْعَطاء كَمَا يُقَال: كارمته أَي: باريته فِي الْكَرم. فَقَوله: تحابي بهَا أكفاءنا لَا يكون إِلَّا بِمَعْنى نباريهم فِي الحباء. وَقد ورد أحابي فِي شعر زُهَيْر) (أحابي بِهِ مَيتا بِنَخْل وأبتغي ... إخاءك بالقيل الَّذِي أَنا قَائِل) قَالُوا: أَرَادَ أحابي بِهَذَا الشّعْر مَيتا بِنَخْل يَعْنِي بِالْمَيتِ أَبَا الممدوح أَي: أخصه بِهِ. ونخل: أَرض بهَا قَبره. وَذهب ابْن جني فِي قَول المتنبي:

الطَّوِيل (وَإِن الَّذِي حابى جديلة طَيئ ... بِهِ الله يُعْطي من يَشَاء وَيمْنَع) إِلَى أَن حابى بِمَعْنى حبا مَأْخُوذ من الحباء وَهُوَ الْعَطِيَّة وَاسم الله مُرْتَفع بِهِ أَي: إِن الَّذِي حبا الله بِهِ جديلة يُعْطي فالجملة الَّتِي هِيَ يُعْطي وفاعله خبر إِن. وخولف فِي هَذَا القَوْل: على أَن عَلَيْهِ أَكثر مفسري شعر المتنبي. وَالَّذِي رد عَلَيْهِ قَالَ: إِن حابيته بِكَذَا بِمَعْنى حبوته بِهِ لَيْسَ بِمَعْرُوف. فعلى هَذَا القَوْل يكون فَاعل حبا مضمراً فِيهِ يعود على الَّذِي وَاسم الله مَرْفُوعا بِالِابْتِدَاءِ وَخَبره الْجُمْلَة الَّتِي هِيَ يُعْطي وفاعله ومفعوله. أَي: إِن الَّذِي بارى جديلة فِي الحباء الله يُعْطي بِهِ من يَشَاء. ومفعول بِمَنْع مَحْذُوف دلّ عَلَيْهِ مفعول يُعْطي ومفعول يَشَاء الْمَذْكُور ويشاء الْمَحْذُوف محذوفان. فالتقدير: يُعْطي الله بِهِ من يَشَاء أَن يُعْطِيهِ. وَيمْنَع بِهِ من يَشَاء أَن يمنعهُ. على أَن المضمرين فِي وَالْمعْنَى أَنه ملك قد فوض الله إِلَيْهِ أَمر الْخلق فِي الْإِعْطَاء وَالْمَنْع. فالمدح على هَذَا يتَوَجَّه إِلَيْهِ وَإِلَى عشيرته: لِأَن المباراة فِي الْعَطاء أَنهم يُعْطون فيعطي مباهياً لَهُم بعطائهم. وَالْمعْنَى فِي قَول ابْن جني أَن الَّذِي حبا الله بِهِ جديلة بِأَن جعله مِنْهُم يُعْطي من يَشَاء إعطاءه وَيمْنَع من يَشَاء مَنعه لِأَنَّهُ يُعْطي تكرماً لَا قهرا وَيمْنَع عزة لَا بخلا. وَأَقُول: إِن أصل فاعلته أَن يكون من اثْنَيْنِ فَصَاعِدا وَإِن فَاعله مفعول فِي الْمَعْنى ومفعوله فَاعل فِي الْمَعْنى كخاصمته وسابقته. وَلم يَأْتِ

من وَاحِد إِلَّا فِي أحرف نَوَادِر كطارقت النَّعْل وعاقبت اللص وعافاك الله وَقَاتلهمْ الله. فَابْن جني ذهب بقَوْلهمْ: حابيت زيدا مَذْهَب هَذِه الْأَلْفَاظ الْخَارِجَة عَن الْقيَاس. وَقد جَاءَ حابى بِمَعْنى حبا فِي قَول أَشْجَع بن عَمْرو السّلمِيّ يمدح جَعْفَر بن يحيى الْبَرْمَكِي حِين ولاه الرشيد خُرَاسَان: السَّرِيع (إِن خُرَاسَان وَإِن أَصبَحت ... ترفع من ذِي الهمة الشانا)) (لم يحب هَارُون بهَا جعفراً ... لكنه حابى خراسانا) أَي: لم يحب جعفراً بخراسان وَلَكِن حبا خُرَاسَان بِجَعْفَر. فَهَذَا يعضد قَول ابْن جني. وَهَذِه قصَّة سُبْرَة الفقعسي مَعَ ضَمرَة بن ضَمرَة من ضَالَّة الأديب لأبي مُحَمَّد الْأَعرَابِي قَالَ: إِن ضَمرَة بن ضَمرَة بن جَابر بن قطن بن نهشل وَكَانَ جاراً لنوفل بن جَابر بن شجنة بن حبيب بن مَالك بن نصر وَأم نَوْفَل عَاتِكَة بنت الأشتر بن حجوان بن فقعس بن طريف بن عَمْرو بن قعين. وَكَانَ ضَمرَة كثير المقامرة فَنحر نَوْفَل جزوراً فَدَعَا الْحَيّ فَأَكَلُوا فَدَعَا ضَمرَة فَقَالَ: يَا معشر بني قعين هَذَا جاركم وَأَنا مِنْهُ خلو. ثمَّ إِن ضَمرَة قامر فقمر مَاله كُله وانتجعت أَسد نَحْو أَرض بني تَمِيم وهم مقحمون مضعفون فَأرْسل ضَمرَة إِلَى من يليهم من بني تَمِيم أَن ميلوا عَلَيْهِم فَإِنَّهُم لأوّل من أَتَاهُم. فَأتى بني نصر الْخَبَر فانصرفوا وأتمروا بضمرة أَن يأكلوه حِين ينزلون فَأمر نسوته سرا

أَن يتأخرن ويلحقن بظعن بني فقعس وَسَار هُوَ فِي سلف بني نصر وَقد علم أَنهم آكلوه إِذا نزلُوا فَلَمَّا نزلُوا ركض نَحْو بني فقعس فَقَالَ: أَنا جَار لكم: فَقَالُوا: إِنَّك لست بجار وَلَك أَمَان العائذ الغادر ومنعوه من بني نصر وَإِذا مَاله فِي بني نصر قد أحرزوه. فَلَمَّا جَاءَت ظعن بني فقعس إِذا نسوته فِيهِنَّ فَعدل لَهُ بَنو فقعس خمسين شَائِلَة ونحروا الْجَزُور وَكَانَ فيهم زَمَانا ثمَّ لحق بقَوْمه. فنافر معبد بن نَضْلَة بن الأشتر بن حجوان خَالِد بن وهب الصَّيْدَاوِيُّ وجمعهما وضمرة مجْلِس النُّعْمَان فَأرْسل ضَمرَة إِلَى خَالِد: نافره واجعلني الْكَفِيل وَهُوَ بيني وَبَيْنك نِصْفَيْنِ فَإِنَّهُ لَا يخافني واجعلهما مائَة فِي مائَة فِي خفرة النُّعْمَان وَاجعَل بَيْنكُمَا بهَا رهنا فَإِنَّهُ لَا بُد من أَدَائِهَا إِذا كنت أَنا الْكَفِيل. فَلَمَّا راحوا إِلَى النُّعْمَان سبّ خَالِد معبدًا فَقَالَ: أتسابني وَلم تنافرني. قَالَ: أنافرك. قَالَ: مَا بدا لَك. قَالَ خَالِد: إِنِّي أجعَل الْكَفِيل من شِئْت وَإِن شِئْت ولي نعمتكم هَذَا. قَالَ معبد: فَإِنِّي قد فعلت. واعتقد عَلَيْهِ بِمَا أمره بِهِ ضَمرَة ثمَّ تغاديا على ضَمرَة فَقَالَ ضَمرَة: وَالله إِن بني طريف لمن أكْرم النَّاس وَمَا رَأينَا قطّ أكْرم من خَالِد. فنفره على معبد فِي مَجْلِسه فحبس قيس بن معبد عِنْد النُّعْمَان رهينة بِمِائَة من الْإِبِل فَقَالَ معبد لبني جَابر بن شجنة: اكفلوني يَا بني عمي فَإِنِّي لم يشني غدر ضَمرَة وَلَا كذبه. قَالَ بَنو) جَابر: ترى بني فقعس مقرين بِهَذَا قَالَ: نعم يرَوْنَ أَنَّهَا خِيَانَة

وَلَا تَضُرهُمْ. فكفل بَنو جَابر الْإِبِل فَلَمَّا أَتَى معبد بني فقعس قَالَ بَنو دثار وَبَنُو نَوْفَل بن فقعس: وَالله مَا نرضى بِهَذَا أبدا مَا بَقِي منا إِنْسَان. فَنَهَضت بَنو فقعس إِلَى النُّعْمَان فوجدوا عِنْده ضَمرَة فَقَالَ سُبْرَة بن عَمْرو بن الْحَارِث بن دثار ابْن فقعس بن طريف: الرجز (إِنِّي لمن أنكر وَجْهي سُبْرَة ... الرجل الأشم فِيهِ الزعره) كالميسم الحامي عَلَيْهِ الغبره (وَالله مَا نعقل مِنْهَا بكره ... أَو يَأْمر النُّعْمَان فِيهَا أمره) فَأَمرهمْ النُّعْمَان أَن يقاضوا إِلَى الْعُزَّى: صنم كَانَ بنخلة. فَعندهَا قَالَ سُبْرَة: الطَّوِيل (أضمر بن ضمر أبلق الاست والقفا ... وَهل مثلنَا فِي مثلهَا لَك غَافِر) (أتنسى دفاعي عَنْك إِذْ أَنْت مُسلم ... وَإِذ سَالَ من نصر عَلَيْك قراقر) (ونسوتكم فِي الروع باد وجوهها ... يخلن إِمَاء وَالْإِمَاء حرائر) (يسلخن بِاللَّيْلِ الشوي بأذرع ... كأيدي السبَاع والرؤوس حواسر) (وعيرتنا أَلْبَانهَا ولحومها ... وَذَلِكَ عَار يَا بن ريطة ظَاهر) (وَإِنَّا لتغشانا حُقُوق وَلم تكن ... تقربنا للمخزيات الأباعر) ...

(الشاهد السابع والثمانون بعد السبعمائة)

(نحابي بهَا أكفاءنا ونهينها ... وَنَشْرَب فِي أثمانها ونقامر) (وتكسبها فِي غير غدر أكفنا ... إِذا عقدت يَوْم الْحفاظ الدوابر) (وَإِنَّا لنقري الضَّيْف فِي لَيْلَة الشتا ... عَظِيم الجفان فوقهن الحوائر) جمع الحوير وَهُوَ الشَّحْم الْأَبْيَض. وَبعد هَذَا ثَلَاثَة أَبْيَات أخر. ثمَّ أورد لسبرة الفقعسي أشعاراً كَثِيرَة يُخَاطب بهَا ضَمرَة ويهجوه بهَا. - وَفِي سِيَاقه هَذَا نقص فَإِنَّهُ لم يذكر فِيهِ وَجه تعييره بِالْإِبِلِ وَلَا إِلَى أَي شَيْء تمّ حَالهمَا. وَالله وسبرة: شَاعِر جاهلي. وَذكر نسبه فِيمَا سقناه. وترجمة ضَمرَة تقدّمت فِي الشَّاهِد الثَّامِن والثمانين. وَأنْشد بعده (الشَّاهِد السَّابِع وَالثَّمَانُونَ بعد السبعمائة) الْخَفِيف مَا بكاء الْكَبِير بالأطلال على أَن الْبَاء فِيهِ للظرفية أَي: فِي الأطلال. وَهَذَا صدر وعجزه: وسؤالي وَمَا يرد سُؤَالِي وَهَذَا مطلع قصيدة للأعشى مَيْمُون مدح بهَا الْأسود بن الْمُنْذر اللَّخْمِيّ أَخا النُّعْمَان بن الْمُنْذر وَسَيَأْتِي بعض مِنْهَا فِي رب. وَبعده: الْخَفِيف (دمنة قفرة تعاورها الصي ... يَفِ بريحين من صبا وشمال

) أَرَادَ بالكبير نَفسه وعذلها بِالْوُقُوفِ على الأطلال وسؤاله إِيَّاهَا ثمَّ رَجَعَ وَقَالَ: وَمَا ترد سُؤَالِي يَقُول: مَا بكاء شيخ كَبِير مثلي فِي طلل. والطلل: مَا شخص من بقايا الْمنزل. والدمنة: مَا اجْتمع من التُّرَاب والأبعار وَغير ذَلِك. فتعاوره الصَّيف بريحين مُخْتَلفين وهما الصِّبَا ومهبها من نَاحيَة الْمشرق وَالشمَال ومهبها من القطب الشمالي إِلَى الْجنُوب. والجنوب من ريَاح الْيمن. قَالَ أَبُو عَليّ فِي كتاب الشّعْر: اعْلَم أَن قَوْله: سُؤَالِي بعد قَوْله: مَا بكاء الْكَبِير حمل للْكَلَام على الْمَعْنى وَذَلِكَ أَن الْكَبِير لما كَانَ الْمُتَكَلّم فِي الْمَعْنى حمل سُؤَالِي عَلَيْهِ. أَلا ترى أَن مَا بكاء الْكَبِير إِنَّمَا هُوَ مَا بُكَائِي وَأَنا كَبِير وبكاء الْكَبِير بالأطلال مِمَّا لَا يَلِيق بِهِ لِأَنَّهُ اهتياج لصباً أَو تصاب وَذَلِكَ مِمَّا لَا يَلِيق بالكبير. وَمن ثمَّ قَالَ الآخر: الطَّوِيل (أتجزع إِن دَار تحمل أَهلهَا ... وَأَنت امْرُؤ قد حَملتك العشائر) فَحمل سُؤَالِي على الْمَعْنى. فَأَما قَوْله: وَمَا يُرِيد سُؤَالِي دمنة قفرة فَإِن مَا تحْتَمل ضَرْبَيْنِ: أَحدهمَا: أَن تكون استفهاماً فِي مَوضِع نصب كَأَنَّهُ قَالَ: أَي شَيْء يرجع عَلَيْك سؤالك من النَّفْع وَقد يَقُول: عَاد عَليّ نفع من كَذَا ورد عَليّ كَذَا نفعا وَرجع عَليّ مِنْهُ نفع. وَيكون دمنة منتصباً بِالْمَصْدَرِ الَّذِي هُوَ سُؤَالِي. وَالْبَيْت على هَذَا مضمن. وَالْآخر: أَن يكون نفيا كَأَنَّهُ قَالَ: مَا يرد سُؤَالِي أَي: جَوَاب سُؤَالِي دمنة فالدمنة فَاعل قَوْله:) ترد. - وَمثل هَذَا قَوْله: وقمنا فسلمنا فَردَّتْ تَحِيَّة

إِنَّمَا هُوَ جَوَاب تَحِيَّة. وَكَذَلِكَ قَوْله سُبْحَانَهُ: فَحَيوا بِأَحْسَن مِنْهَا أَو ردوهَا أَي: ردوا جوابها. وَقد قيل فِي قَوْله: فَردَّتْ تَحِيَّة قَولَانِ: أَحدهمَا: ردَّتْ التَّحِيَّة أَي: لم تقبلهَا. وَالْآخر: ردَّتْ تَحِيَّة أَي: جوابها كَمَا تقدم. وَذَلِكَ لما رَأينَا فِي وَجههَا من البشاشة وَإِن لم تَتَكَلَّم. فالتقدير: وَمَا يرد جَوَاب سُؤَالِي دمنة. وَالْبَيْت على هَذَا مضمن أَيْضا لِأَن الْفَاعِل الَّذِي هُوَ دمنة فعله فِي الْبَيْت الَّذِي هُوَ قبل الْبَيْت الثَّانِي. فَيجوز أَن يَقُول: وَمَا ترد فيؤنث على لفظ الدمنة وَيذكر على الْمَعْنى. انْتهى. وَقَالَ ابْن السَّيِّد البطليوسي فِي شرح أدب الْكَاتِب: وسؤالي فَهَل ترد سُؤَالِي ويروى: فَمَا ترد وَلَا ترد. ويروى: بِالتَّاءِ وَالْيَاء. فَمن روى فَهَل ترد على لفظ التَّأْنِيث رفع الدمنة وَجعلهَا فَاعِلا وَجعل وَمن روى: فَهَل يرد بِلَفْظ التَّذْكِير نصب دمنة مَفْعُولا وَجعل سُؤَالِي فَاعِلا وَمَعْنَاهُ: إِن سُؤَالِي لَا يرد الدمنة إِلَى مَا كَانَت عَلَيْهِ. وَمن روى: وَمَا واعتقد أَنَّهَا نفي جَازَ أَن يَقُول ترد بِلَفْظ التَّأْنِيث وَيرْفَع الدمنة لَا غير وَجَاز أَن يَقُول: يرد بِلَفْظ التَّذْكِير وَينصب الدمنة إِن شَاءَ ويرفعها إِن شَاءَ. ون اعْتقد أَن مَا اسْتِفْهَام قَالَ: يرد على لفظ التَّذْكِير وَجعل مَا فِي مَوضِع نصب بيرد وسؤالي فِي مَوضِع رفع وَنصب دمنة بسؤالي لَا غير. - وَمن روى: وَلَا يرد سُؤَالِي على لفظ التَّذْكِير نصب

الدمنة وَإِن شَاءَ رَفعهَا. وَمن روى: وَلَا ترد على لفظ التَّأْنِيث رفع الدمنة لَا غير. ثمَّ قَالَ ابْن السَّيِّد: وَرويت فِي هَذَا الْبَيْت حِكَايَة مستظرفة رَأَيْت إِثْبَاتهَا فِي هَذَا الْموضع. روى نَقله الْأَخْبَار أَن طليحة الْأَسدي كَانَ شريفاً وَكَانَ يفد على كسْرَى فيكرمه ويدني مَجْلِسه. قَالَ طليحة: فوفدت عَلَيْهِ مرّة فَوَافَقت عيداً من أعياد الْفرس فَحَضَرت عِنْد كسْرَى فِي جملَة من حضر من أَصْحَابه فَلَمَّا طعمنا وضع الشَّرَاب فطفقنا نشرب فغنى الْمُغنِي: الْبَسِيط) لَا يتأرى لما فِي الْقدر يَطْلُبهُ فَقَالَ كسْرَى لِترْجُمَانِهِ: مَا يَقُول ففسره لَهُ فَقَالَ كسْرَى: هَذَا قَبِيح. ثمَّ غناهُ الْمُغنِي: الوافر فَقَالَ كسْرَى لِترْجُمَانِهِ: مَا يَقُول فَقَالَ: لَا أَدْرِي. فَقَالَ بعض جُلَسَائِهِ: شاهانشاه أشتراف أُفٍّ مَعْنَاهُ: يَا ملك الْمُلُوك هَذَا جمل ينْفخ. واشتر بلغتهم: الْجمل وأف: حِكَايَة النفخ. قَالَ طليحة: فأضحكني تَفْسِيره الْعَرَبيَّة بِالْفَارِسِيَّةِ. قَالَ: ثمَّ غناهُ الْمُغنِي بِشعر فَارسي لم أفهمهُ فطرب كسْرَى وملئت لَهُ كأس وَقَامَ فَشربهَا قَائِما ودارت

(الشاهد الثامن والثمانون بعد السبعمائة)

الكأس على جَمِيع الجلساء. قَالَ طليحة: وَكَانَ الترجمان إِلَى جَانِبي فَقلت لَهُ: مَا هَذَا الشّعْر الَّذِي أطرب الْملك هَذَا الطَّرب فَقَالَ: خرج يَوْمًا متنزهاً فلقي غُلَاما حسن الصُّورَة وَفِي يَمِينه ورد فَاسْتَحْسَنَهُ وَأمر أَن يصنع لَهُ فِيهِ شعر فَإِذا غناهُ الْمُغنِي ذَلِك الشّعْر طرب وَفعل مَا رَأَيْت. فَقلت: مَا فِي هَذَا مِمَّا يطرب حَتَّى يبلغ فِيهِ هَذَا الْمبلغ فَسَأَلَ كسْرَى الترجمان عَمَّا حاورني فِيهِ فَأخْبرهُ فَقَالَ: قل لَهُ: إِذا كَانَ هَذَا لَا يطرب فَمَا الَّذِي يطربك أَنْت فَأدى إِلَيّ الترجمان قَوْله فَقلت: قَول الْأَعْشَى: مَا بكاء الْكَبِير بالأطلال الْبَيْت فَأخْبرهُ الترجمان بذلك فَقَالَ كسْرَى: وَمَا معنى هَذَا فَقلت: هَذَا شيخ مر بمنزل محبوبته فَوَجَدَهُ خَالِيا قد عَفا وَتغَير وَجعل يبكي. فَضَحِك كسْرَى وَقَالَ: وَمَا الَّذِي يطربك من شيخ وَاقِف فِي خربة وَهُوَ يبكي أوليس الَّذِي أطربنا نَحن أولى بِأَن يطرب لَهُ قَالَ طليحة: فثقل عَلَيْهِ جَانِبي بعد ذَلِك. وَقَوله: لات هُنَا ذكري جبيرَة بِضَم الْجِيم: اسْم امْرَأَة وَهُوَ من شَوَاهِد النَّحْوِيين وَتقدم تَوْجِيهه فِي الشَّاهِد الثَّالِث والثمانين بعد الْمِائَتَيْنِ. - وَأنْشد بعده (الشَّاهِد الثَّامِن وَالثَّمَانُونَ بعد السبعمائة) الْكَامِل غلب تشذر بِالدُّخُولِ

وَهُوَ قِطْعَة من بَيت وَهُوَ: (غلب تشذر بِالدُّخُولِ كَأَنَّهَا ... جن الْبَدِيِّ رواسياً أَقْدَامهَا) على أَن الْبَاء فِيهِ للسبية. قَالَ الزوزني فِي شرح معلقَة لبيد: يَقُول: هم رجال غِلَاظ الْأَعْنَاق كالأسود أَي: خلقُوا خلقه الْأسود ويهدد بَعضهم بَعْضًا بِسَبَب الأحقاد الَّتِي بَينهم. ثمَّ شبههم بجن هَذَا الْموضع فِي ثباتهم فِي الْخِصَام والجدال. يمدح خصومه وَكلما كَانَ الْخصم أقوى وَأَشد كَانَ غالبه أقوى وَأَشد. وَالْبَيْت من معلقَة لبيد الصَّحَابِيّ وَقَبله: (وكثيرة غرباؤها مَجْهُولَة ... ترجى نوافلها ويخشى ذامها) وَبعده: (أنْكرت باطلها وبؤت بِحَقِّهَا ... عِنْدِي وَلم يفخر عَليّ كرامها) قَوْله: وكثيرة الْوَاو وَاو رب وجوابها: أنْكرت باطلها قَالَ ابْن السَّيِّد فِي شرح أدب الْكَاتِب: يُرِيد قبَّة ملك فِيهَا قوم غرباء من كل قَبيلَة فاخروه بَين يَدي الْملك فَغَلَبَهُمْ وَظهر عَلَيْهِم. وَقَوله: مَجْهُولَة أَرَادَ مَجْهُول من فِيهَا وَلم يرد أَن الْقبَّة نَفسهَا مَجْهُولَة. والنافلة: الْفضل. والذم: الْعَيْب والعار. يُرِيد أَن من حضرها يَرْجُو أَن يكون لَهُ الظُّهُور والشرف ويرهب أَن يغلب وَيظْهر عَلَيْهِ فَيكون ذَلِك عاراً يبْقى فِي عقبه فَهُوَ لذَلِك يذب عَن نَفسه وَلَا يدع غَايَة من الْمُفَاخَرَة إِلَّا قَصدهَا. وشبههم بِجَمَال غلب تشذر بأذنابها إِذا تصاولت وهاجت. يُقَال: تشذر الْبَعِير بِذَنبِهِ إِذا اسْتنْفرَ بِهِ وتشذر الرجل بِثَوْبِهِ عِنْد الْقِتَال إِذا تحزم وتهيأ للحرب.

والغلب: الْغِلَاظ الْأَعْنَاق الْوَاحِد أغلب. والبدي: وَاد تسكنه الْجِنّ فِيمَا يَزْعمُونَ. والرواسي: الثَّابِتَة الَّتِي لَا تَبْرَح وَالْأَصْل: مَجْهُولَة غرباؤها فَحذف الْمُضَاف وَأقَام الضَّمِير) الْمُضَاف إِلَيْهِ مقَامه فاستتر فِي الصّفة. انْتهى. وَمَا ذهب إِلَيْهَا من أَن المُرَاد بكثيرة قبَّة الْملك هُوَ الرَّاجِح الصَّحِيح وَهُوَ قَول الزوزني قَالَ: الْمَعْنى رب قبَّة أَو دَار كثرت غرباؤها وغاشيتها وجهلت لَا يعرف بعض الغرباء بَعْضًا. افتخر بالمناظرة الَّتِي جرت بَينه وَبَين الرّبيع بن زِيَاد فِي مجْلِس النُّعْمَان بن الْأسود ملك الْعَرَب وَلها قصَّة طَوِيلَة. أَقُول: قد ذكرتها أَنا فِي تَرْجَمَة النُّعْمَان بن الْمُنْذر فِي الشَّاهِد الْخَامِس وَالْخمسين بعد الْمِائَة وَسَتَأْتِي فِي رب أَيْضا. - وَكَذَا ذهب إِلَى هَذَا أَبُو الْحسن الطوسي فِي شرح ديوَان لبيد قَالَ: يَعْنِي قبَّة كَانَت تضرب على بَاب الْملك يقْعد فِيهَا النَّاس حَتَّى يُؤذن لَهُم. ونوافلها: فضول من شرف وجوائز ومنازل. يخْشَى سقاط من كَلَام أَو فعل يلْحقهُ مِنْهُ ذام أَي: عيب. أَو أَنهم يرجعُونَ بِغَيْر جَائِزَة فَيكون ذَلِك عَيْبا عَلَيْهِم. أَحدهَا: أَن الْمَعْنى وَجَمَاعَة كَثِيرَة غرباؤها. وَإِلَيْهِ ذهب الجواليقي فِي شرح أدب الْكَاتِب قَالَ: أَي: رب جمَاعَة كَثِيرَة غرباؤها. ثمَّ حذف الْمَوْصُوف وَأقَام الصّفة مقَامه. هَذَا أصح مَا قيل فِيهِ.

ثَانِيهَا: أَن الْمَعْنى رب خطة وشأن قد جهل الْقَضَاء فِيهَا وجهلت جهاتها. ثَالِثهَا: أَن الْمَعْنى رب حَرْب كَثِيرَة غرباؤها لِأَن الْحَرْب مُؤَنّثَة. وَجعلهَا كَثِيرَة الغرباء لما يحضرها من ألفاف النَّاس وَغَيرهم. وَجعلهَا مَجْهُولَة لِأَن الْعَالم بهَا وَالْجَاهِل يجهلان عَاقبَتهَا. وَقَوله: ترجى نوافلها أَي: الْغَنِيمَة وَالظفر. ويخشى ذامها أَي: خلَافهَا. رَابِعهَا: أَن الْمَعْنى رب أَرض كَثِيرَة غرباؤها يُرِيد: أَرضًا يضل بهَا من سلكها إِذا جهل طرقها. قَالَ أَبُو جَعْفَر والجواليقي والخطيب: وَإِنَّمَا وَقع الِاخْتِلَاف فِي ذَلِك أَنه أَقَامَ الصّفة مقَام الْمَوْصُوف فَاحْتمل هَذَا الْمعَانِي إِلَّا أَن الْأَشْبَه بِمَا يرد الْجَمَاعَة لِأَن بعده: أنْكرت باطلها وبؤت بِحَقِّهَا وَإِقَامَة الصّفة مقَام الْمَوْصُوف فِي مثل هَذَا قَبِيح لما يَقع بِهِ من الْإِشْكَال. أَلا ترى أَنَّك لَو قلت: مَرَرْت بجالس كَانَ قبيحاً وَلَو قلت: بظريف كَانَ حسنا. وغرباؤها مَرْفُوع بكثيرة أَي: كثرت غرباؤها. ) وَقَوله: غلب تشذر ... إِلَخ هُوَ خبر لمبتدأ مَحْذُوف هُوَ ضمير الغرباء أَي: هم غلب جمع أغلب وَالْأُنْثَى غلباء. قَالَ الطوسي: غلب: أَسد غِلَاظ الرّقاب. وَقَالَ ابْن السَّيِّد: شبههم بِالْإِبِلِ. وَعَلَيْهِمَا فَهُوَ اسْتِعَارَة تصريحية. وتشذر أَصله تتشذر بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة. وَفِيه أَقْوَال: أَحدهَا: أَن التشذر رفع الْيَد ووضعها أَي: إِنَّهُم كَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِك إِذا تفاخروا

وتثالبوا. وَإِلَيْهِ ذهب الجاحظ فِي كتاب الْبَيَان والتبيين قَالَ: كَانَت الْعَرَب تخْطب بالمخاصر وتعتمد على الأَرْض بالقسي وتشير بِالْعِصِيِّ والقني. وَقَالَ لبيد فِي الْإِشَارَة: غلب تشذر بالذحول ... ... ... ... ... . الْبَيْت وَقيل: التشذر: الإيعاد أَي: يوعد بَعضهم بَعْضًا. وَحكى ابْن السّكيت: تشذرت النَّاقة. إِذا شالت بذنبها. وَقَالَ الطوسي: التشذر من الْفَحْل بالذنب تغْضب وإيعاد. وَمن هُنَا قَالَ ابْن السّكيت: شبههم بِالْإِبِلِ. وروى: غلب تشازر بِتَقْدِيم الْمُعْجَمَة. وتشازرهم: نظر بَعضهم إِلَى بعض بمؤخر عينه. والذحول: جمع ذحل بِفَتْح الذَّال الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْحَاء الْمُهْملَة وَهُوَ الحقد. وَجُمْلَة: كَأَنَّهَا جن حَال من ضمير غلب فِي تشذر. والبدي بِفَتْح الْمُوَحدَة وَكسر الدَّال الْمُهْملَة وَتَشْديد الْيَاء من غير همز قَالَ أَبُو عبيد: الْبَادِيَة وَقَالَ ابْن السَّيِّد: وَاد تسكنه الْجِنّ. وَقَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: هُوَ وَاد لبني عَامر وَقيل: مَوضِع. وَقَالَ أَبُو عبيد الْبكْرِيّ فِي مُعْجم مَا استعجم: وَاد لبني عَامر. وَقَالَ أَبُو حَاتِم عَن الْأَصْمَعِي: وَاد لبني سعد. وَذكره أَبُو عبيد أَحْمد بن مُحَمَّد بن الْهَرَوِيّ مهموزاً وَذَلِكَ أَنه ذكر حَدِيث ابْن الْمسيب فِي حَرِيم الْبِئْر فَقَالَ: البديء الْبِئْر الَّتِي ابتدئت فحفرت وَلَيْسَت عَادِية. قَالَ: والبدي فِي غير هَذَا الْموضع: بلد تسكنه الْجِنّ. فَإِن كَانَ هَذَا الَّذِي ذكره الْهَرَوِيّ صَحِيحا

(الشاهد التاسع والثمانون بعد السبعمائة)

فَهُوَ مَوضِع آخر وَالله أعلم لِأَن الْبَدِيِّ الْمَذْكُور فِي الشواهد آهل يسكنهُ النَّاس ويرعونه. أَقُول: قَول الْهَرَوِيّ: والبدي فِي غير هَذَا الْموضع: بلد يُرِيد: غير مَهْمُوز بِدَلِيل أَن كَلَامه فِي المهموز وَقَول الْبكْرِيّ آهل يسكنهُ النَّاس يُرِيد عَلَيْهِ بَيت هَذِه الْمُعَلقَة. ورواسياً حَال من اسْم كَانَ لِأَنَّهُ فِي الْمَعْنى مفعول لأشبه وَصَرفه للضَّرُورَة. وأقدامها فَاعل رواسي جمع قدم.) وَقَوله: أنْكرت باطلها ... . إِلَخ هَذَا جَوَاب رب. قَالَ الزوزني: بَاء بِكَذَا: أقرّ بِهِ وَمِنْه قَوْلهم فِي الدُّعَاء: أَبُوء لَك بِالنعْمَةِ. يَقُول: أنْكرت بَاطِل دعاوي تِلْكَ الرِّجَال الغلب وأقررت بِمَا كَانَ حَقًا مِنْهَا عِنْدِي أَي: فِي اعتقادي وَلم تَفْخَر عَليّ كرامها أَي: وَلم يغلبني بالفخر كرامها من قَوْلهم: فاخرته ففخرته أَي: غلبته بالفخر. وَكَانَ يَنْبَغِي أَن يَقُول: وَلم تفخرني كرامها وَلكنه ألحق عَليّ حملا على معنى: وَلم تتعال عَليّ وَلم تتكبر عَليّ. قَالَه الزوزني. وَأنْشد بعده (الشَّاهِد التَّاسِع وَالثَّمَانُونَ بعد السبعمائة) الرجز نضرب بِالسَّيْفِ وَنَرْجُو بالفرج

على أَن الْبَاء الثَّانِيَة زَائِدَة فِي المعفول بِهِ سَمَاعا. قَالَ ابْن عُصْفُور فِي الضرائر: وَزِيَادَة الْبَاء هُنَا ضَرُورَة. قَالَ ابْن السَّيِّد فِي شرح أدب الْكَاتِب: إِنَّمَا عدى الرَّجَاء بِالْبَاء لِأَنَّهُ بِمَعْنى الطمع والطمع يتَعَدَّى بِالْبَاء كَقَوْلِك: طمعت بِكَذَا. قَالَ الشَّاعِر: الطَّوِيل (طمعت بليلى أَن تجود وَإِنَّمَا ... تقطع أَعْنَاق الرِّجَال المطامع) وَقَالَ فِي شرح أبياته: وَزَاد يَعْقُوب قبله: نَحن بني جعدة أَرْبَاب الفلج وَنحن: مُبْتَدأ وأرباب: خَبره وَبني جعدة: مَنْصُوب على الِاخْتِصَاص وَرُوِيَ بِالرَّفْع أَيْضا. والفلج بِفَتْح الْفَاء وَاللَّام. قَالَ أَبُو عبيد فِي مُعْجم مَا استعجم: مَوضِع لبني قيس وَهُوَ فِي أَعلَى بِلَاد قيس. قَالَ الراجز: (نَحن بَنو جعدة أَرْبَاب الفلج ... نضرب بالبيض وَنَرْجُو بالفرج) وَأَصله النَّهر الصَّغِير. انْتهى.) وَالْبيض بِالْكَسْرِ: السيوف أَي: نُقَاتِل بِالسُّيُوفِ. وَقَالَ ياقوت فِي مُعْجم الْبلدَانِ: الفلج مَدِينَة بِأَرْض الْيَمَامَة لبني جعدة وقشير ابْني كَعْب بن ربيعَة بن عَامر بن صعصة كَمَا أَن حجرا مَدِينَة بني ربيعَة بن نزار بن معد بن عدنان. قَالَ الْجَعْدِي: ...

(نَحن بَنو جعدة أَرْبَاب الفلج ... نَحن منعنَا سبله حَتَّى اعتلج) وَقَالَ ابْن السَّيِّد: الفلج الْجَارِي من الْعين. والفلج: الْبِئْر الْكَبِير عَن ابْن كناسَة. - وَمَاء فلج: جَار قَالَ عبيد: مخلع الْبَسِيط (أَو فلج مَا بِبَطن وَاد ... للْمَاء من تَحْتَهُ قسيب) انْتهى. وتوهم الدماميني فِي شرح الْمُغنِي أَن الفلج هُنَا بِمَعْنى الظفر. قَالَ: وَالظَّاهِر أَن المُرَاد بالفلج: الظفر والفوز لَكِن لم يحك صَاحب الصِّحَاح غير سُكُون اللَّام فَيحْتَمل أَن يكون الشَّاعِر فتحهَا اتبَاعا لفتحة الْفَاء للضَّرُورَة. هَذَا كَلَامه. وَتَبعهُ الْحلَبِي فِي شَرحه وَنقل كَلَامه وَزَاد عَلَيْهِ بِأَن صَنِيع صَاحب الْقَامُوس أَيْضا يَقْتَضِي سُكُون اللَّام. وَتَبعهُ شَيخنَا الشهَاب الخفاجي أَيْضا فِي شرح درة الغواص وَتعقبه: بِأَن فتح اللَّام لُغَة أَصْلِيَّة فِيهِ وتوقفه من عدم الإطلاع. ثمَّ نقل من شرح مقامات الزَّمَخْشَرِيّ لَهُ مَا يُؤَيّد كَونه بِالْفَتْح. وَالْمَشْهُور: نَحن بَنو ضبة وَهُوَ من تَغْيِير النساخ وَالَّذِي فِيهِ ضبة قافية لامية وَهُوَ: الرجز نَحن بَنو ضبة أَصْحَاب الْجمل وَآخره:

(الشاهد التسعون بعد السبعمائة)

وَهَذَا من أَبْيَات الْمفصل وَهُوَ مِمَّا قيل فِي يَوْم الْجمل وَهُوَ مَذْكُور فِي الحماسة وَغَيرهَا وقائله مَعْلُوم مَذْكُور. وَقَوله: نَحن منعنَا سبله هُوَ جمع سَبِيل وَهُوَ الطَّرِيق. واعتلجت الأَرْض: طَال نباتها. وَهَذَا الرجز لم ينْسبهُ أحد إِلَى قَائِله. وَالله أعلم. وَأنْشد بعده (الشَّاهِد التِّسْعُونَ بعد السبعمائة) الطَّوِيل (وَلَكِن أجرا لَو فعلت بهين ... وَهل يُنكر الْمَعْرُوف فِي النَّاس وَالْأَجْر) على أَن الْبَاء تزاد سَمَاعا بقلة فِي خبر لَكِن. قَالَ ابْن جني فِي سر الصِّنَاعَة: وَقد زيدت فِي خبر لَكِن لشبهه بالفاعل. وَأنْشد الْبَيْت وَقَالَ: أَرَادَ وَلَكِن أجرا لَو فعلته هَين. وَقد يجوز فِيهِ أَن يكون مَعْنَاهُ: وَلَكِن أجرا لَو فعلته بِشَيْء هَين أَي: أَنْت تصلين إِلَى الْأجر بالشَّيْء الهين كَقَوْلِك: وجوب الشُّكْر بِالْبرِّ الهين. فَتكون الْبَاء على هَذَا غير زَائِدَة. انْتهى.

(الشاهد الواحد والتسعون بعد السبعمائة)

- وَأنْشد بعده (الشَّاهِد الْوَاحِد وَالتِّسْعُونَ بعد السبعمائة) الطَّوِيل (أَلا هَل أَتَاهَا والحوادث جمة ... بِأَن امْرأ الْقَيْس بن تملك بيقرا) على أَن الْبَاء قد تزاد بقلة مَعَ أَن الْوَاقِعَة مَعَ معموليها فِي تَأْوِيل مصدر مَرْفُوع على أَنه فَاعل أَتَاهَا. وَقَالَ ابْن السيرافي فِي شرح أَبْيَات الْغَرِيب: فَاعل أَتَاهَا يجوز أَن يكون مضمراً دلّ عَلَيْهِ معنى الْكَلَام كَأَنَّهُ قَالَ: هَل أَتَاهَا الْخَبَر. ولكثرة اسْتِعْمَال الْخَبَر أضمر وَيكون: بِأَن امْرأ الْقَيْس فِي مَوضِع نصب. هَذَا كَلَامه. وَلَا مَفْهُوم لقَوْله مَعَ أَن فَكَانَ يَنْبَغِي أَن يَقُول وتزاد بقلة فِي الْفَاعِل فِي غير مَا ذكر قِيَاسا. وَهَذَا عِنْد ابْن عُصْفُور وَغَيره ضَرُورَة. وَمن زيادتها فِي الْفَاعِل ضَرُورَة بِدُونِ أَن قَوْله: الوافر ( ألم يَأْتِيك والأنباء تنمي ... بِمَا لاقت لبون بني زِيَاد) فالباء فِي بِمَا زَائِدَة وَمَا: فَاعل يَأْتِيك. وَقَالَ ابْن الضائع: الْبَاء مُتَعَلقَة ب تنمي وَإِن فَاعل يَأْتِي مُضْمر وَالْمَسْأَلَة من التَّنَازُع. وَمن ذَلِك: السَّرِيع (مهما لي اللَّيْلَة مهما ليه ... أودى بنعلي وسرباليه)

التَّقْدِير: أودى نعلاي. وَقَالَ ابْن الْحَاجِب: الْبَاء للتعدية. وَتقدم شرحهما مفصلا.) وَمن ذَلِك قَول النمر بن تولب: الْكَامِل (ظَهرت ندامته وَهَان بسخطه ... شَيْئا على مربوعها وعذارها) التَّقْدِير: هان سخطه. قَالَ ابْن عُصْفُور: وَبِالْجُمْلَةِ لَا تنقاس زِيَادَة الْبَاء فِي سَعَة الْكَلَام إِلَّا فِي خبر مَا وَخبر لَيْسَ وفاعل كفى ومفعوله وفاعل أفعل بِمَعْنى مَا أَفعلهُ. وَمَا عدا هَذَا الْمَوَاضِع لَا تزاد فِيهِ الْبَاء إِلَّا فِي ضَرُورَة شعر أَو شَاذ من الْكَلَام يحفظ وَلَا يُقَاس عَلَيْهِ. انْتهى. وَلَقَد أَجَاد ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي فِي تَحْرِير زِيَادَة الْبَاء. وَالْبَيْت من قصيدة طَوِيلَة لامرئ الْقَيْس قَالَهَا بعد أَن ذهب إِلَى الرّوم مستنجداً بقيصر للأخذ بثأر أَبِيه. وأولها: (سما لَك شوق بَعْدَمَا كَانَ أقصرا ... وحلت سليمى بطن ظَبْي فعرعرا ) إِلَى أَن قَالَ: قَوْله: سما لَك ... إِلَخ سما: علا وارتفع. وأقصر: كف. وحلت: نزلت. وبطن ظَبْي: مَوضِع وَيُقَال: مَاء من مياه كلب. وعرعر: وَاد.

وَقَوله: أَلا هَل أَتَاهَا الضَّمِير لحبيبته. وَقَوله: والحوادث جمة أَي: كَثِيرَة جملَة اعتراضية بَين الْفِعْل وفاعله. وَأوردهُ الزَّمَخْشَرِيّ عِنْد قَوْله تَعَالَى: وَاتخذ الله إِبْرَاهِيم خَلِيلًا على أَنَّهَا جملَة اعتراضية كَقَوْل امْرِئ الْقَيْس: والحوادث جمة وَفَائِدَة الِاعْتِرَاض الْإِخْبَار بِأَن هجرته عَن بِلَاده حَادِثَة من الْحَوَادِث. وَالْعرب تتمدح بِالْإِقَامَةِ فِي البدو قَالَ أَبُو الْعَلَاء: الْبَسِيط (ويوقدون بِنَجْد نَار بادية ... لَا يحْضرُون وفقد الْعِزّ فِي الْحَضَر) قَالَ أَبُو عبيد فِي الْغَرِيب المُصَنّف: بيقر الرجل بيقرة إِذا هَاجر من أَرض إِلَى أَرض. وَأنْشد هَذَا الْبَيْت. وَقَالَ الْجَوْهَرِي: بيقر الرجل: أَقَامَ بالحضر وَترك قومه بالبادية. وَأنْشد هَذَا الْبَيْت. وَقَالَ ابْن دُرَيْد: بيقر الرجل إِذا خرج من الشَّام إِلَى الْعرَاق. وَلم يذكر ابْن جني فِي شرح تصريف الْمَازِني غير هَذَا. وَأنْشد لَهُ الْبَيْت وَالْوَاقِع يُخَالِفهُ. وتملك بِفَتْح الْمُثَنَّاة الْفَوْقِيَّة: اسْم امْرَأَة لَا ينْصَرف. قَالَ شَارِح ديوانه: تملك: بعض أمهاته. قَالَ صَاحب الأغاني: أم امْرِئ الْقَيْس فَاطِمَة بنت ربيعَة أُخْت كُلَيْب ومهلهل ابْني ربيعَة. وَأم) امْرِئ الْقَيْس بن السمط اسْمهَا تملك بنت عَمْرو بن ربيعَة بن زبيد ابْن مذْحج رَهْط عَمْرو بن معد يكرب. وَقد ذكر ذَلِك امْرُؤ الْقَيْس فَقَالَ:

(الشاهد الثاني والتسعون بعد السبعمائة)

بِأَن امْرأ الْقَيْس بن تملك بيقرا انْتهى. وَمثله فِي مُخْتَصر الجمهرة لياقوت وَغَيره قَالَا: وَمن بني امْرِئ الْقَيْس بن عَمْرو بن مُعَاوِيَة السمط وَأمه تملك بنت عَمْرو من مذْحج هم التملكيون بهَا يعْرفُونَ. وامرؤ الْقَيْس بن السمط بن امْرِئ الْقَيْس بن عَمْرو بن مُعَاوِيَة بن الْحَارِث الْأَكْبَر الَّذِي يَقُول فِيهِ امْرُؤ الْقَيْس بن حجر: يَأن امْرأ الْقَيْس بن تملك بيقرا نسبه إِلَى جدته تملك. انْتهى. وَكَذَا قَالَ العسكري فِي كتاب التَّصْحِيف عِنْد مَا ذكر الْمُسلمين بامرئ الْقَيْس. وَهَذَا خلاف مَا ذكره شرَّاح شعره من أَنه أَرَادَ نَفسه. وَهُوَ الْأَغْلَب على الظَّن. فَمنهمْ من قَالَ: أمة تملك وَمِنْهُم من قَالَ: جدته. وَيحْتَمل أَن تكون جدته من قبل أمه أَو أمهاتها. وَالله أعلم. وَقد ذكرنَا أبياتاً كَثِيرَة من هَذِه القصيدة وَذكرنَا أَيْضا طرفا من حَال امْرِئ الْقَيْس فِي الشَّاهِد السَّابِع وَالسِّتِّينَ بعد الستمائة. وَأنْشد بعده (الشَّاهِد الثَّانِي وَالتِّسْعُونَ بعد السبعمائة) الطَّوِيل ( فَأَصْبَحْنَ لَا يسألنه عَن بِمَا بِهِ ... أصعد فِي علو الْهوى أم تصوبا) على أَنه من الْغَرِيب زِيَادَة الْبَاء فِي الْمَجْرُور فَإِنَّهَا زيدت مَعَ مَا المجرورة ب عَن.

قَالَ ابْن جني فِي سر الصِّنَاعَة: وَأما قَول الشَّاعِر: فَأَصْبَحْنَ لَا يسألنه عَن بِمَا بِهِ فَإِنَّهُ أَرَادَ الْبَاء وَفصل بهَا بَين عَن وَمَا جرته. وَهَذَا من غَرِيب موَاضعهَا. انْتهى. وَقَالَ الْفراء فِي آخر تَفْسِير سُورَة الْإِنْسَان: قَرَأَ عبد الله: وللظالمين أعد لَهُم فكرر اللَّام فِي الظَّالِمين وَفِي لَهُم. وَرُبمَا فعلت الْعَرَب ذَلِك. (فَأَصْبَحْنَ لَا يسألنه عَن بِمَا بِهِ ... أصعد فِي علو الْهوى أم تصوبا) فكرر الْبَاء مرَّتَيْنِ. وَلَو قَالَ: لَا يسألنه عَمَّا بِهِ لَكَانَ أبين وأجود وَلَكِن الشَّاعِر رُبمَا زَاد أَو نقص ليكمل الشّعْر. انْتهى. وعده ابْن عُصْفُور كالفراء من ضرائر الشّعْر قَالَ: وَمِنْهَا إِدْخَال الْحَرْف على جِهَة التَّأْكِيد لاتِّفَاقهمَا فِي اللَّفْظ وَالْمعْنَى أَو فِي الْمَعْنى لَا فِي اللَّفْظ نَحْو قَول بعض بني أَسد: الوافر (فَلَا وَالله لَا يلفى لما بِي ... وَلَا للما بهم أبدا دَوَاء) فَزَاد على لَام الْجَرّ لاماً أُخْرَى للتَّأْكِيد. وَنَحْوه قَول الآخر وأنشده الْفراء: الرمل (فلئن قوم أَصَابُوا عزة ... وأصبنا من زمَان رنقا) (للقد كُنَّا لَدَى أزماننا ... لصنيعين لبأس وتقى)

(الشاهد الثالث والتسعون بعد السبعمائة)

فَزَاد على لَام لقد لاماً أُخْرَى للتَّأْكِيد. وَنَحْوه قَول الآخر: فَأَصْبَحْنَ لَا يسألنه عَن بِمَا بِهِ ... ... ... . . الْبَيْت فَأدْخل عَن على الْبَاء تَأْكِيدًا لأَنهم يَقُولُونَ: سَأَلت عَنهُ وَسَأَلت بِهِ. وَالْمعْنَى وَاحِد. انْتهى. وَصعد فِي الْجَبَل بالتثقيل إِذا علاهُ. وَصعد فِي الْجَبَل من بَاب تَعب لُغَة قَليلَة. وَصعد فِي الْوَادي تصعيداً إِذا انحدر. والهواء: مَا بَين السَّمَاء وَالْأَرْض. والتصوب: النُّزُول. كَذَا فِي وَهَذَا الْبَيْت لم أَقف على قَائِله وَلَا تتمته. وَالله أعلم. ) وَأنْشد بعده (الشَّاهِد الثَّالِث وَالتِّسْعُونَ بعد السبعمائة) الوافر لدوا للْمَوْت وَابْنُوا للخراب على أَن اللَّام فِي قَوْله للْمَوْت تسمى لَام الْعَاقِبَة وَهِي فرع لَام الِاخْتِصَاص. أَقُول: تَسْمِيَتهَا بلام الْعَاقِبَة وبلام الصيرورة هُوَ قَول الْكُوفِيّين ومثلوه بقوله تَعَالَى: فالتقطه آل فِرْعَوْن ليَكُون لَهُم عدوا وحزنا وَبقول الشَّاعِر: الطَّوِيل (فللموت تغذو الوالدات سخالها ... كَمَا لخراب الدّور تبنى المساكن)

وَبقول الآخر: المتقارب (فَإِن يكن الْمَوْت أفناهم ... فللموت مَا تَلد الوالده) وَقَالَ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي: وَأنكر البصريون وَمن تَبِعَهُمْ لَام الْعَاقِبَة. قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: وَالتَّحْقِيق أَنَّهَا لَام الْعلَّة وَأَن التَّعْلِيل فِيهَا وَارِد على طَرِيق الْمجَاز دون الْحَقِيقَة. وَبَيَانه: أَنه لم يكن داعيهم إِلَى غير أَن ذَلِك لما كَانَ نتيجة التقاطهم لَهُ وثمرته شبهه بالداعي الَّذِي يفعل الْفِعْل لأَجله فَاللَّام مستعارة لما يشبه التَّعْلِيل كَمَا استعير الْأسد لمن يشبه الْأسد. انْتهى. وَفهم مِنْهُ أَن اللَّام فِي هَذِه الأبيات للتَّعْلِيل. وَجعلهَا من فروع الِاخْتِصَاص أولى لِأَن التَّعْلِيل أَيْضا من فروع الِاخْتِصَاص. وَهَذَا المصراع من أَبْيَات فِي الدِّيوَان الْمَنْسُوب إِلَى عَليّ بن أبي طَالب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه وَهِي: الوافر (عجبت لجازع باك مصاب ... بِأَهْل أَو حبيب ذِي اكتئاب) (شَقِيق الجيب دَاعِي الويل جهلا ... كَأَن الْمَوْت كالشيء العجاب) (وَسوى الله فِيهِ الْخلق حَتَّى ... نَبِي الله عَنهُ لم يحاب) (لَهُ ملك يندي كل يَوْم ... لدوا للْمَوْت وَابْنُوا للخراب

) قَالَ شَارِح ديوانه حُسَيْن الميبذي: الْمُصَاب: من أَصَابَته مُصِيبَة. والاكتئاب: الْحزن. فَإِن قلت: الْكَاف مغنية عَن كَأَن قلت: قَالَ التَّفْتَازَانِيّ فِي المطول: إِن كَأَن تسْتَعْمل فِي مقَام يظنّ بِثُبُوت الْخَبَر دون التَّشْبِيه. وَلَام للْمَوْت لَام الْعَاقِبَة وَهِي فرع لَام الِاخْتِصَاص. انْتهى.) وَحَتَّى: ابتدائية وَنَبِي الله مفعول مقدم ليحاب بِمَعْنى يخص كَمَا تقدم مَجِيئه بِهَذَا الْمَعْنى فِي وَرَأَيْت فِي الْفُصُول الْقصار من نهج البلاغة لسيدنا عَليّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: إِن لله ملكا يُنَادي فِي كل يَوْم: لدوا للْمَوْت واجمعوا للفناء وابنو للخراب. وَرَأَيْت أَيْضا فِي جمهرة أشعار الْعَرَب لمُحَمد بن أبي الْخطاب: قد رُوِيَ أَن بعض الْمَلَائِكَة قَالَ: (لدوا للْمَوْت وَابْنُوا للخراب ... فكلكم يصير إِلَى ذهَاب) وَالْبَيْت الثَّانِي هُوَ من أَبْيَات مُغنِي اللبيب وَلم يعرفهُ شراحه وَهُوَ لسابق الْبَرْبَرِي. قَالَ ابْن عبد ربه فِي العقد الفريد: وَفد عبد الْعَزِيز بن زُرَارَة سد أهل الْكُوفَة على مُعَاوِيَة فَخرج مَعَ يزِيد بن مُعَاوِيَة إِلَى الصائفة فَهَلَك هُنَاكَ فَكتب بِهِ يزِيد إِلَى مُعَاوِيَة فَقَالَ مُعَاوِيَة لِأَبِيهِ زُرَارَة: أَتَانِي

الْيَوْم نعي سيد شباب الْعَرَب فَقَالَ زُرَارَة: يَا سَيِّدي هُوَ ابْني أَو ابْنك قَالَ: بل ابْنك. قَالَ: للْمَوْت مَا تَلد الوالدة. أَخذه سَابق الْبَرْبَرِي فَقَالَ: وللموت تغذو الوالدات سخالها الْبَيْت وتغذو بمعجمتين من الْغذَاء بِالْكَسْرِ وَالْمدّ: مَا بِهِ نَمَاء الْجِسْم وقوامه. وغذوت الصَّبِي بِالطَّعَامِ وَاللَّبن فاغتذى بِهِ. وَأما الْغَدَاء بِالْفَتْح وإهمال الدَّال فطعام الغدوة وَهُوَ خلاف الْعشَاء. والسخال بِالْكَسْرِ: جمع سخلة وَهِي ولد الشَّاة من الضَّأْن والمعز ذكرا كَانَ أَو أُنْثَى. وَفِيه وَكَذَا نسبه إِلَى سَابق الْبَرْبَرِي صَاحب كتاب التفسح فِي اللُّغَة وَقَالَ بعد أَن أوردهَا: إِنَّمَا ابْتَنَوْا دُورهمْ للعمران وغذوا أَوْلَادهم للبقاء لَا للفناء فَلَمَّا علمُوا أَن الْمصير إِلَى الْمَوْت والخراب تركُوا الشَّيْء الَّذِي غذوا لَهُ أَوْلَادهم وابتنوا دُورهمْ وأخبروا بمصيرهم لذَلِك اعْتِبَارا كَمَا قَالَ تَعَالَى: فالتقطه آل فِرْعَوْن ليَكُون لَهُم عدوا وحزنا وَإِنَّمَا التقطوه ليَكُون لَهُم قُرَّة عين وَلَكِن الله عَزَّ وَجَلَّ وصف أمره بتصيره إِلَى ذَلِك. فَهَذَا على الْإِخْبَار بالصيرورة. انْتهى. وسابق الْبَرْبَرِي هُوَ أَبُو سعيد سَابق بن عبد الله. لَهُ أشعار حَسَنَة فِي الزّهْد. وَهُوَ من موَالِي بني أُميَّة سكن الرقة ووفد على عمر بن

عبد الْعَزِيز وَله مَعَه حكايات لَطِيفَة روى عَنهُ مَكْحُول ومُوسَى بن أعين والمعافي بن عمرَان وَغَيرهم. والبربري: نِسْبَة إِلَى البربر وَهِي بِلَاد كَثِيرَة فِي الْمغرب. قَالَ ابْن الْأَثِير فِي الْأَنْسَاب: لَيْسَ سَابق مَنْسُوبا إِلَى البربر وَإِنَّمَا هُوَ لقب لَهُ.) وَالْبَيْت الثَّالِث هُوَ من أَبْيَات مُغنِي اللبيب أَيْضا. وَلم يعرفهُ شراحه أَيْضا. وَهُوَ من أَبْيَات أوردهُ ابْن الْأَعرَابِي فِي نوادره لنهيكة بن الْحَارِث الْمَازِني من مَازِن فَزَارَة وَهِي: (لَا يبعد الله رب العبا ... د وَالْملح مَا ولدت خالده) (هم يكسرون صُدُور الرما ... ح فِي الْخَيل تطرد أَو طارده) (يذكرنِي حسن آلائهم ... تفجع ثكلانة فاقده) (فَإِن يكن الْقَتْل أفناهم ... فللموت مَا تَلد الوالده ) انْتهى. وَنسبه الْمفضل بن سَلمَة فِي كتاب الفاخر لشتيم بن خويلد الْفَزارِيّ. قَالَ: وَالْملح هُنَا: الْبركَة. يُقَال: اللَّهُمَّ لَا تبَارك فِيهِ وَلَا تملحه. وَكِلَاهُمَا جاهليان.

وَقَالَ أَبُو الْوَلِيد الوقشي فِيمَا كتبه على كَامِل الْمبرد على هَذَا الْبَيْت: خالدة: هِيَ بنت أَرقم أم كردم وكريدم ابْني شُعْبَة الفزاريين وكردم هُوَ الَّذِي طعن دُرَيْد بن الصمَّة يَوْم قتل أَخُوهُ عبد الله. وَهَذَا المصراع وَقع فِي شعر عبيد بن الأبرص الجاهلي أَيْضا لما قَتله الْمُنْذر بن مَاء السَّمَاء قَالَ لَهُ بعض الْحَاضِرين: مَا أَشد جزعك للْمَوْت. فَقَالَ: المتقارب (لَا غرو من عيشة نافده ... وَهل ير مَا ميتَة واحده) (لَهَا مُدَّة فنفوس الْعباد ... إِلَيْهَا وَإِن كرهت قاصده) (فَلَا تجزعوا لحمام دنا ... فللموت مَا تَلد الوالده) وَوَقع فِي شعر سماك بن عَمْرو الْبَاهِلِيّ أَيْضا وَهُوَ أول من قَالَ: لَا أطلب أثرا بعد عين وَهُوَ جاهلي أَيْضا. قَالَ لما خير بَين أَن يقتل هُوَ أَو أَخُوهُ مَالك فَقَتَلُوهُ دون أَخِيه من أَبْيَات: (فأقسم لَو قتلوا مَالِكًا ... لَكُنْت لَهُم حَيَّة راصده) (بِرَأْس سَبِيل على مرقب ... وَيَوْما على طرق وارده ) فَأم سماك فَلَا تجزعي فللموت مَا تَلد الوالده) وَأنْشد بعده: (فَلَا وَالله لَا يلفى لما بِي ... وَلَا للما بهم أبدا دَوَاء) وَتقدم شَرحه فِي الشَّاهِد الرَّابِع وَالثَّلَاثِينَ بعد الْمِائَة فِي بَاب المنادى.

(الشاهد الرابع والتسعون بعد السبعمائة)

وَأنْشد بعده (الشَّاهِد الرَّابِع وَالتِّسْعُونَ بعد السبعمائة) الْكَامِل على أَن رب فِيهِ للتكثير. أَي: كثيرا مَا لففت هيضلاً بهيضل. وَرب على اخْتِيَار الشَّارِح اسْم ومحلها رفع على الِابْتِدَاء والموجب لبنائها تضمنها معنى الْإِنْشَاء الَّذِي حَقه أَن يُؤدى بالحرف كالاستفهام وَالْأَمر وَالنَّهْي. وَرب هُنَا مُخَفّفَة مَفْتُوحَة الْبَاء. قَالَ أَبُو عَليّ فِي كتاب الشّعْر: الْحُرُوف على ضَرْبَيْنِ: حرف فِيهِ تَضْعِيف وحرف لَا تَضْعِيف فِيهِ. - فَالْأول قد يُخَفف بالحذف مِنْهُ كَمَا فعل ذَلِك فِي الِاسْم وَالْفِعْل بالحذف وَالْقلب وَذَلِكَ نَحْو: إِن وَأَن وَلَكِن وَرب وَالْقِيَاس إِذا حذف المدغم فِيهِ أَن يبْقى المدغم على السّكُون. وَقد جَاءَ: (أزهير إِن يشب القذال فَإِنَّهُ ... رب هيضل لجب لففت بهيضل ) وَيُمكن أَن يكون الآخر مِنْهُ حرك لما لحقه الْحَذف والتأنيث فَأشبه بهما الْأَسْمَاء كَمَا حرك الآخر من ضرب. انْتهى المُرَاد مِنْهُ. وَرَوَاهُ ابْن جني فِي الْمُحْتَسب بِسُكُون الْبَاء. أنْشد الْبَيْت وَقَالَ: أَرَادَ رب فَحذف إِحْدَى الباءين وبقى الثَّانِيَة مجزومة كَمَا كَانَت قبل الْحَذف. وَرَوَاهُ العسكري فِي كتاب التَّصْحِيف بِالْوَجْهَيْنِ. أنْشد الْبَيْت

وَقَالَ: رب فِيهِ خَفِيفَة. وَرَوَاهُ وَأنْشد: الوافر (أَلا رب نَاصِر لَك من لؤَي ... كريم لَو تناديه أجابا) وَتقول الْعَرَب: رب بِالتَّشْدِيدِ وَرب بِالتَّخْفِيفِ وَرب رجل فيسكنون الْبَاء ثمَّ يَقُولُونَ: رُبَّت رجل ورُبَتَ رجل ورَبَّ رجل فيفتحون الرَّاء ويشددون وَرُبمَا رجل مشدد ومخفف وربتما فيفتحون. حكى ذَلِك قطرب. انْتهى.) وَبِهَذَا النَّقْل يرد على أبي عَليّ وعَلى ابْن يعِيش فِي قَوْله تبعا لَهُ: إِنَّهُم قَالُوا: رب بِضَم الرَّاء وَفتح الْبَاء خَفِيفَة وَيحْتَمل ذَلِك وُجُوهًا: أَحدهَا: أَنهم حذفوا إِحْدَى الباءين تَخْفِيفًا كَرَاهِيَة التَّضْعِيف وَكَانَ الْقيَاس أَن يسكن آخرهَا لِأَنَّهُ لم يلتق فِيهَا ساكنان كَمَا فعلوا بإن ونظائرها حِين خففوها إِلَّا أَن المسموع رب بِالْفَتْح نَحْو قَوْله: رب هيضل لجل لففت بهيضل كَأَنَّهُمْ أَبقوا الفتحة مَعَ التَّخْفِيف دلَالَة على أَنَّهَا كَانَت مثقلة مَفْتُوحَة. وَيُمكن أَن يكون إِنَّمَا فتح بَاء رب لِأَنَّهُ لما لحقه الْحَذف وتاء التَّأْنِيث أشبهت الْأَفْعَال الْمَاضِيَة ففتحت. وَقد قَالُوا: رب بِالتَّخْفِيفِ وَسُكُون الْبَاء على الْقيَاس حذفوا المتحرك لِأَنَّهُ أبلغ فِي التَّخْفِيف. انْتهى. وَقد نقض أول كَلَامه بِآخِرهِ.

وَالْبَيْت من قصيدة لأبي كَبِير الْهُذلِيّ وأولها: الْكَامِل (أزهير هَل عَن شيبَة من معدل ... أم لَا سَبِيل إِلَى الشَّبَاب الأول) (أم لَا سَبِيل إِلَى الشَّبَاب وَذكره ... أشهى إِلَيّ من الرَّحِيق السلسل) (ذهب الشَّبَاب وَفَاتَ مني مَا مضى ... ونضا زُهَيْر كريهتي وتبطلي) (وصحوت عَن ذكر الغواني وانْتهى ... عمري وأنكرني الْغَدَاة تقتلي) (أزهير إِن يشب القذال فَإِنَّهُ ... رب هيضل مرس لففت بهيضل) (فلففت بَينهم لغير هوادة ... إِلَّا لسفك للدماء مُحَلل) وَقَوله: أزهير ... إِلَخ الْهمزَة للنداء. وَزُهَيْر: مرخم زُهَيْر وَهِي ابْنَته. قَالَ السكرِي وَكَذَا قَالَ أَبُو سعيد: وَمِنْهُم من يَقُول امْرَأَة وَمِنْهُم من يَقُول: رجل. - أَقُول: يرد الْأَخيرينِ قَوْله فِي الرائية كَمَا يَأْتِي. والمعدل: الْعُدُول. والرحيق: الْخمر. والسلسل: العذب يتسلسل فِي الْحلق تسلسلاً. ونضا بالنُّون وَالضَّاد الْمُعْجَمَة بِمَعْنى انْسَلَخَ وَمضى. وَزُهَيْر منادى مرخم. وكريهته: شدته على الكريهة وَالْحَرب. وتبطله: أَخذه فِي الْبَاطِل.) والغواني: جمع غانية وَهِي الْمَرْأَة الَّتِي غنيت بحسنها عَن الزِّينَة. والتقتل بِالْقَافِ: التلين والتكسر والتثني. وَقَوله: أزهير إِن يشب ... إِلَخ هَذَا أَيْضا منادى مرخم. والقذال: مَا بَين النقرة وَأَعْلَى الْأذن وَهُوَ أَبْطَأَ الرَّأْس شيباً. والهيضل بِفَتْح الْهَاء وَالضَّاد الْمُعْجَمَة: الْجَمَاعَة. وَقَوله: لففت بهيضل يُرِيد: جمعت بَينهم فِي الْقِتَال. واللجب بِفَتْح اللَّام وَكسر الْجِيم فِي

الصِّحَاح: وجيش لجب: عَرَمْرَم أَي: ذُو جلبة وَكَثْرَة. واللجب بِفَتْح الْجِيم: الصَّوْت والجلبة. وروى بدله: مرس بِكَسْر الرَّاء أَي: شَدِيد. وَقَوله: فلففت بَينهم ... إِلَخ قَالَ السكرِي: يَقُول: إِنَّمَا لففت بَينهم ليقتتلوا لَا لهوادة وَلَا لصداقة وَهُوَ قَوْله: إِلَّا لسفك للدماء مُحَلل أَي: مُحَلل النّذر إِذا بلغه. ومحلل: مِمَّا يسْتَحل. الهوادة: الصُّلْح وَأَصله من اللين يُقَال: هود فِي السّير إِذا لين. قَالَ ابْن قيبة فِي كتاب الشُّعَرَاء: أَبُو كَبِير هُوَ عَامر بن حليس وَله أَربع قصائد أَولهَا كلهَا شَيْء وَاحِد. وَلَا يعرف أحد من الشُّعَرَاء فعل ذَلِك. انْتهى. (أزهير هَل عَن شيبَة من مقصر ... أم لَا سَبِيل إِلَى الشَّبَاب الْمُدبر) (فقد الشَّبَاب أَبوك إِلَّا ذكره ... فاعجب لذَلِك فعل دهر واهكر) قَالَ السكرِي: الهكر من أَشد الْعجب. وَهَذَا خطاب لنَفسِهِ. وَثَالِثهَا: الْكَامِل ( أزهير هَل عَن شيبَة من مصرف ... أم لَا خُلُود لباذل متكلف) وَرَابِعهَا: الْكَامِل (أزهير هَل عَن شيبَة من مَعكُمْ ... أم لَا خُلُود لباذل متكرم) قَالَ السكرِي: من مَعكُمْ: من مرجع يقل: عكم يعكم.

وَأَبُو كَبِير الْهُذلِيّ صَحَابِيّ تقدّمت تَرْجَمته مَعَ شرح أَبْيَات من هَذِه القصيدة فِي الشَّاهِد الثَّامِن بعد الستمائة. وَأنْشد بعده: (ماوي يَا ربتما غَارة ... شعواء كاللذعة بالميسم ) وَتقدم شَرحه قَرِيبا فِي الشَّاهِد السِّتين بعد السبعمائة.) وَأنْشد بعده الطَّوِيل (فَإِن تمس مهجور الفناء فَرُبمَا ... أَقَامَ بِهِ بعد الْوُفُود وُفُود) على أَن رُبمَا فِيهِ للتكثير. وَهُوَ ظَاهر. وَأوردهُ الزَّمَخْشَرِيّ عِنْد قَوْله تَعَالَى: قد يعلم الله الَّذين يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُم لِوَاذًا على أَن قد إِذا دخلت على الْمُضَارع كَانَت بِمَعْنى رُبمَا فتوافقها فِي خُرُوجهَا إِلَى معنى التكثير كَمَا فِي الْبَيْت فَإِن الْمُضَارع كَانَت بِمَعْنى رُبمَا فتوافقها فِي خُرُوجهَا إِلَى معنى التكثير كَمَا فِي الْبَيْت فَإِن الْمقَام مقَام مدح لَا يُنَاسب التقليل وَإِلَّا لَكَانَ ذماً. وَرب هُنَا مَكْفُوفَة بِمَا عَن عمل الْجَرّ ومهيئة للدخول على الْجُمْلَة الفعلية. وَلَا يَتَأَتَّى هُنَا مَا اخْتَار الشَّارِح من أَنَّهَا اسْم مُبْتَدأ إِذْ لَا مجرور مَوْصُوف بجملة فعلية. وَلَا يعرف على اخْتِيَاره مَا موقع الْجُمْلَة بعد رب المكفوفة.

وَالْبَيْت من أَبْيَات أَرْبَعَة أوردهَا أَبُو تَمام فِي بَاب المراثي من الحماسة لأبي عَطاء السندي رثى بهَا يزِيد بن هُبَيْرَة الْفَزارِيّ وَهِي: ( أَلا إِن عينا لم تَجِد يَوْم وَاسِط ... عَلَيْك بجاري دمعها لجمود) (عَشِيَّة قَامَ النائحات وشققت ... جُيُوب بأيدي مأتم وخدود) (فَإنَّك لم تبعد على متعهد ... بلَى كل من تَحت التُّرَاب بعيد) وَقيل رثاه بهَا معن بن زَائِدَة الشَّيْبَانِيّ وَكَانَ من أَتبَاع ابْن هُبَيْرَة وَمن أكبر أعوانه فِي الحروب وَغَيرهَا. وَابْن هُبَيْرَة مولده الشَّام فِي سنة سبع وَثَمَانِينَ ولي قنسرين للوليد بن يزِيد بن عبد الْملك وَكَانَ مَعَ مَرْوَان بن مُحَمَّد آخر مُلُوك بني أُميَّة يَوْم غلب على دمشق وَجمع لَهُ ولَايَة العراقين فَلَمَّا أَدْبَرت دولة بني مَرْوَان خرج قَحْطَبَةَ بن شبيب فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَمِائَة أحد دعاة بني الْعَبَّاس فِي جيوش خُرَاسَان ثمَّ وَلَده الْحسن من بعده فهزموه وَلحق ابْن هُبَيْرَة بِمَدِينَة وَاسِط فحاصره أَبُو جَعْفَر الْمَنْصُور مَعَ الْحسن وَجَرت السفراء بَين أبي جَعْفَر وَابْن هُبَيْرَة حَتَّى جعل لَهُ أَمَانًا وَكتب بِهِ كتابا. فَمَكثَ يشاور فِيهِ الْعلمَاء أَرْبَعِينَ لَيْلَة حَتَّى رَضِي بِهِ ابْن هُبَيْرَة ثمَّ أنفذه إِلَى أبي جَعْفَر فأنفذه) أَبُو جَعْفَر إِلَى أَخِيه السفاح فَأمره بإمضائه لَهُ. وَلما تمّ الْكتاب خرج ابْن هُبَيْرَة إِلَى أبي جَعْفَر فِي ألف وثلثمائة فَأَرَادَ أَن يدْخل الْحُجْرَة على دَابَّته فَقَامَ إِلَيْهِ الْحَاجِب فَقَالَ: مرْحَبًا أَبَا خَالِد انْزِلْ راشداً وَقد أطاف بالحجرة عشرَة آلَاف من أهل خُرَاسَان. فَنزل ودعا لَهُ بوسادة ثمَّ قَالَ لَهُ الْحَاجِب: ادخل أَبَا خَالِد.

- فَقَالَ لَهُ: أَنا وَمن معي من القواد. فَقَالَ لَهُ: إِنَّمَا اسْتَأْذَنت لَك وَحدك. فَدخل على أبي جَعْفَر وحادثه سَاعَة ثمَّ انْصَرف. فَقَالَ أَبُو جَعْفَر للحاجب: قل لِابْنِ هُبَيْرَة يدع الْجَمَاعَة ويأتينا بحاشيته. وَجَاء بعد فِي نَحْو من ثَلَاثِينَ فَكَانَ بعد ذَلِك يَأْتِي فِي ثَلَاثَة من أَصْحَابه يتغذى ويتعشى عِنْده وألح أَبُو الْعَبَّاس على أبي جَعْفَر يَأْمُرهُ بقتْله وَهُوَ يُرَاجِعهُ فَكتب إِلَيْهِ: وَالله لتقتلنه أَو لأرسلن إِلَيْهِ من يُخرجهُ من حجرتك ثمَّ يقْتله. فعزم على قَتله وَأرْسل الْهَيْثَم بن شُعْبَة فِي نَحْو من مائَة فأرسلوا إِلَى ابْن هُبَيْرَة: إِنَّا جِئْنَا لنأخذ هَذَا المَال. فَقَالَ ابْن هُبَيْرَة لحاجبه: انْطلق فدلهم عَلَيْهِ. فأقاموا عِنْد كل بَيت نَفرا ثمَّ جعلُوا ينظرُونَ فِي نواحي الدَّار وَمَعَ ابْن هُبَيْرَة ابْنه دَاوُد وكاتبه وحاجبه وعدة من موَالِيه وَبني لَهُ صَغِير فِي حجره فَأَقْبَلُوا نَحوه فَقَامَ حَاجِبه فِي وُجُوههم فَضَربهُ الْهَيْثَم فَقتله وَقَاتل ابْنه دَاوُد فَقتل وَقتل موَالِيه ونحي الصَّبِي من حجره وخر سَاجِدا فَقتل وَهُوَ ساجد. وَكَانَ قَتله بواسط يَوْم الِاثْنَيْنِ لثلاث عشرَة لَيْلَة بقيت من ذِي الْقعدَة سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَمِائَة. وَلما قتل كَانَ معن بن زَائِدَة غَائِبا عِنْد السفاح فَسلم فرثاه أَبُو عَطاء السندي بِهَذِهِ الأبيات قَالَ ابْن عَسَاكِر فِي تَارِيخه الْكَبِير: كَانَ ابْن هُبَيْرَة إِذا أصبح أَتَى بعس وَهُوَ الْقدح الْكَبِير وَفِيه لبن قد حلب على عسل وَأَحْيَانا على

سكر فيشربه فَإذْ صلى الْغَدَاة جلس فِي مُصَلَّاهُ حَتَّى يحركه اللَّبن فيدعو بالغداء فيأكل دجاجتين وفرخي حمام وَنصف جدي وألواناً من لحم ثمَّ يخرج فَينْظر فِي أُمُور النَّاس إِلَى نصف النَّهَار ثمَّ يدْخل فيدعو جمَاعَة من خواصه وأعيان النَّاس وَيَدْعُو بالغداء فيتغدى ويعظم اللقم ويتابع فَإِذا فرغ من الْغَدَاء دخل إِلَى نِسَائِهِ حَتَّى يخرج إِلَى صَلَاة الظّهْر ثمَّ ينظر فِي أُمُور النَّاس.) فَإِذا صلى الْعَصْر وضع لَهُ سَرِير وَوضعت الكراسي للنَّاس فَإِذا أخذُوا مجَالِسهمْ أتوهم بعساس اللَّبن وَالْعَسَل وألوان الْأَشْرِبَة ثمَّ تُوضَع السفرة وَالطَّعَام للعامة وَيُوضَع لَهُ ولإخوانه خوان مُرْتَفع فيأكل مَعَه الْوُجُوه ثمَّ يتفرقون للصَّلَاة ثمَّ يَأْتِيهِ سماره فيحضرون مَجْلِسه فيسامرونه حَتَّى يذهب عَامَّة اللَّيْل. وَكن يسْأَل كل لَيْلَة عشر حوائج فَإِذا أَصْبحُوا قضيت. وَكَانَ رزقه سِتّمائَة ألف دِرْهَم فَكَانَ يقسم كل شهر فِي أَصْحَابه من قومه وَمن الْفُقَهَاء وَالْوُجُوه وَأهل البيوتات أَكثر من نصفهَا. رُوِيَ أَن شريك بن عبد الله النمري سايره يَوْمًا فبرزت بغلة شريك فَقَالَ لَهُ ابْن هُبَيْرَة: غض من لجامها. فَقَالَ شريك: إِنَّهَا مَكْتُوبَة أصلح الله الْأَمِير فَقَالَ ابْن هُبَيْرَة: مَا ذهبت حَيْثُ أردْت. وَقَول ابْن هُبَيْرَة: غض من لجامها يُشِير إِلَى قَول جرير: الوافر (فغض الطّرف إِنَّك من نمير ... فَلَا كَعْبًا بلغت وَلَا كلابا) فَعرض لَهُ شريك بقول ابْن دارة: الْبَسِيط (لَا تأمنن فزارياً خلوت بِهِ ... على قلوصك واكتبها بأسيار) وَكَانَ بَنو فَزَارَة فِي الْعَرَب يرْمونَ بإتيان الْإِبِل. وأخبار ابْن هُبَيْرَة ومحاسنه كَثِيرَة.

وَقَوله: أَلا إِن عينا لم تَجِد ... إِلَخ افْتتح كَلَامه بِحرف التَّنْبِيه ثمَّ أَخذ يعظم أَمر الفجيعة وَيبين موقعها من النُّفُوس وتأثيرها فِي الْقُلُوب فَقَالَ: إِن عينا لم تَجِد بدمعها عَلَيْك يَوْم وَاسِط لشديدة الْبُخْل بِمَا فِي شؤونها من المَاء. قَالَ الجواليقي فِي شرح أدب الْكَاتِب: لم تَجِد: لم تسمح بالبكاء. وجمود: قَليلَة الدمع يُقَال: عين جامدة وجمود. وَسنة جماد: قَليلَة الْقطر. وَقَوله: عَشِيَّة قَامَ النائحات ... إِلَخ عَشِيَّة بدل من يَوْم وَاسِط. قَالَ ابْن السَّيِّد فِي شرح أدب الْكَاتِب إِن قيل: كَيفَ جَازَ أَن يعْمل فِيهِ لم يجد وَقد حَال الْخَبَر وَهُوَ الجمود بَين الْعَامِل والمعمول. وَلَو قلت: إِن الضَّارِب أَخُوك زيدا أَو إِن خَارِجا غير مُصِيب يَوْم الْجُمُعَة لم يجز وَإِنَّمَا يجب فيهمَا تَقْدِيم الْمَعْمُول على الْخَبَر قلت: إِن العشية لما كَانَت بَدَلا من يَوْم والمبدل يقدر من جملَة) أُخْرَى وَيقدر مَعَه إِعَادَة الْعَامِل جَازَ ذَلِك. وَقد أجَاز النحويون تَأَخّر الصّفة بعد الْخَبَر فِي نَحْو: إِن زيدا خَارج الْكَرِيم وَالصّفة أَشد اتِّصَالًا بالموصوف من الْبَدَل. وأجازوا ذَلِك فِي الْمَعْطُوف نَحْو: إِن زيدا خَارج وعمراً وَعَمْرو: على اللَّفْظ وعَلى الْموضع. وَإِذا جَازَ فِي الصّفة كَانَ فِي الْبَدَل أجوز. وَقَوله: قَامَ النائحات أَي: تهيأن للنوح. والمأتم: النِّسَاء

يجتمعن فِي الْخَيْر وَالشَّر قَالَ الْخَطِيب: وَأَصله من الأتم وَهُوَ التقاء المسلكين وَمِنْه الأتوم فِي صفة النِّسَاء. وَقَوله: فَإِن تمس مهجور ... إِلَخ الفناء بِكَسْر الْفَاء وَالْمدّ: ساحة الدَّار. والوفود: الزوار وطلاب الْحَاجَات. قَالَ المرزوقي: الرِّوَايَة المختارة: وَرُبمَا أَقَامَ بِالْوَاو. وَذَلِكَ أَن جَوَاب الشَّرْط فِي قَوْله: فَإنَّك لم تبعد على متعهد وَالْمعْنَى: إِن مت وصرت مهجور الساحة وَرُبمَا كَانَت الْوُفُود تزدحم على بابك فَإنَّك السَّاعَة لم تبعد على من يتعهدك وَيُرِيد قَضَاء حَقك وَإِقَامَة الرَّسْم فِي زيارتك. ثمَّ قَالَ مستدركاً على نَفسه: بلَى كل من تَحت التُّرَاب بعيد وَيُرِيد بالمتعهد متتبع العهود بِالْحِفْظِ لَهَا ومنعها من الدُّرُوس. وَإِذا رويت فَرُبمَا وَجَعَلته جَوَاب الشَّرْط يكون فَإنَّك لم تبعد اسْتِئْنَاف كَلَام. وَالْمعْنَى: إِن هجر فناؤك الْيَوْم فَرُبمَا كَانَ مألفاً للوفود أَيَّام حياتك. وَتقول الْعَرَب: هَذَا بِذَاكَ أَي: عوض من ذَاك. وَقَالَ ابْن جني فِي إِعْرَاب الحماسة: يَنْبَغِي أَن يكون جَوَاب الشَّرْط مُسْتَقْبلا وَرُبمَا جَاءَت مَكَانَهُ جملَة مَاضِيَة وَالشّرط لَا يَصح إِلَّا بالاستقبال والمستقبل لَا يكون عِلّة للماضي لِئَلَّا

يتَقَدَّم الْمَعْلُول على علته. وَإِذا كَانَ الْأَمر كَذَلِك فَالْكَلَام مَحْمُول على مَعْنَاهُ دون لَفظه. أَلا ترى أَن مَعْنَاهُ إِن أمسيت هَكَذَا فتسل عَنهُ بِذكر مَا مضى أَي: فَلْيَكُن هَذَا بِإِزَاءِ ذَلِك. انْتهى. وَهَذَا الْبَيْت من الِاسْتِدْرَاك وَهُوَ من محَاسِن الشّعْر. والاستدراك: أَن يَأْخُذ الشَّاعِر فِي معنى وَأَبُو عَطاء السندي قيل اسْمه مَرْزُوق وَهُوَ قَول ابْن قُتَيْبَة. وَقَالَ أَبُو عبيد الْبكْرِيّ فِي شرح) أمالي القالي: هُوَ أَفْلح بن يسَار مولى لبني أَسد. وَكَانَ يسَار سندياً أعجمياً لَا يفصح وَأَبُو عَطاء ابْنه عبد أسود لَا يكَاد يفصح أَيْضا جمع بَين لثغة ولكنة وَهُوَ مَعَ ذَلِك من أحسن النَّاس بديهة وأشدهم عارضة وتقدماً. وَهُوَ شَاعِر فَحل فِي طبقته أدْرك الدولتين. وَكَانَ من شعراء بني أُميَّة وشيعتهم وهجا بني هَاشم وَمَات عقب أَيَّام الْمَنْصُور. وَدخل يَوْمًا على الْمَنْصُور وَهُوَ يسحب الوشي والخز فَقَالَ لَهُ الْمَنْصُور: أَنى لَك هَذَا يَا أَبَا عَطاء فَقَالَ: كنت ألبس هَذَا فِي الزَّمن الصَّالح. ثمَّ ولى ذَاهِبًا فاستخفى فَمَا ظهر حَتَّى مَاتَ الْمَنْصُور. فمما قَالَ فِي بني هَاشم: الطَّوِيل (بني هَاشم عودوا إِلَى نخلاتكم ... فقد قَامَ سعر التَّمْر صَاع بدرهم) (فَإِن قُلْتُمْ رَهْط النَّبِي صَدقْتُمْ ... فهذي النَّصَارَى رَهْط عِيسَى بن مَرْيَم) انْتهى.

وَقَالَ ابْن قُتَيْبَة فِي كتاب الشُّعَرَاء: أَبُو عَطاء السندي اسْمه مَرْزُوق وَكَانَ جيد الشّعْر وَكَانَت قَالَ حَمَّاد الراوية: كنت يَوْمًا وَحَمَّاد عجرد وَحَمَّاد بن الزبْرِقَان مُجْتَمعين فَنظر بَعْضنَا إِلَى بعض فَقُلْنَا: لَو بعثنَا إِلَى أبي عَطاء. فَبَعَثنَا إِلَيْهِ فَقُلْنَا: من يحتال حَتَّى يَقُول: جَرَادَة وزج وَشَيْطَان فَقلت: أَنا. وَجَاء فَقَالَ: من هَاهُنَا فَقُلْنَا: ادخل. فَدخل فَقُلْنَا: أتتعشى فَقَالَ: قد تأسيت. قلت: أفتشرب قَالَ: بلَى. فَشرب حَتَّى استرخى. فَقَالَ حَمَّاد الراوية: كَيفَ بَصرك باللغز قَالَ: هسن. قَالَ: الوافر ( فَمَا صفراء تكنى أم عَوْف ... كَأَن رجيلتيها منجلان) فَقَالَ: زرادة. قَالَ: أصبت. ثمَّ قَالَ: الوافر (فَمَا اسْم حَدِيدَة فِي الرمْح ترسى ... دوين الصَّدْر لَيست بِالسِّنَانِ) قَالَ: زز. قَالَ: أَحْسَنت. ثمَّ قَالَ: الوافر (أتعرف مَسْجِدا لبني تَمِيم ... فويق الْميل دون بني أبان) قَالَ: بني سيتان. فَقُلْنَا: أصبت يَا أَبَا عَطاء وضحكنا. انْتهى. وَفِي رِوَايَة غَيره أَنه أَجَابَهُ فِي الأول بِبَيْت وَهُوَ:) (فَتلك زرادة وَأذن ذناً ... بأنك قد عنيت بِهِ لساني) يُرِيد بالزرادة: الجرادة. وَأذن ذناً أَي: أَظن ظنا.

(الشاهد السادس والتسعون بعد السبعمائة)

هَذَا سراقَة لِلْقُرْآنِ يدرسه على أَن الضَّمِير فِي يدرسه ضمير الْمصدر الْمَفْهُوم من يدرس أَي: يدرس الدَّرْس. وَقد تقدم شَرحه فِي الشَّاهِد الثَّانِي والثمانين. وَتَمَامه: والمرء عِنْد الرشا إِن يلقها ذيب وَأنْشد بعده: المديد (غير مأسوف على زمن ... يَنْقَضِي بالهم والحزن) وَتقدم شَرحه فِي الشَّاهِد الثَّالِث وَالْخمسين من بَاب الْمُبْتَدَأ. وَأنْشد بعده (الشَّاهِد السَّادِس وَالتِّسْعُونَ بعد السبعمائة) وَهُوَ من شَوَاهِد س: الرجز يَا رب هيجا هِيَ خير من دَعه على أَنه يجوز أَن تقع الْجُمْلَة الاسمية نعتاً لمجرور رب ف هِيَ مُبْتَدأ وَخير خَبره وَالْجُمْلَة نعت والدعة: الْخَفْض والراحة. وَالْهَاء عوض من الْوَاو تَقول مِنْهُ: ودُع الرجل بِالضَّمِّ فَهُوَ وديع أَي: سَاكن ووداعٌ أَيْضا. وَالْمُوَادَعَة:

الْمُصَالحَة. وَيَا: حرف تَنْبِيه أَو حرف نِدَاء والمنادى مَحْذُوف. وَرب هُنَا للتكثير وَهِي اسْم مُبْتَدأ على مَا اخْتَارَهُ الشَّارِح الْمُحَقق لَا خبر لَهَا وَالْجُمْلَة الَّتِي هِيَ نعت مجرورها قد سدت مسد الْخَبَر لَا يقدر لَهَا جَوَاب يعلم فِي مَحل مجرورها. وَهُوَ من رجز للبيد بن ربيعَة العامري الصَّحَابِيّ أوردهُ ثَعْلَب فِي أَمَالِيهِ وَهُوَ: (لَا تزجر الفتيان عَن سوء الرعه ... يَا رب هيجا هِيَ خير من دَعه) (فِي كل يَوْم هامتي مقزعه ... نَحن بَنو أم الْبَنِينَ الأربعه) (نَحن خِيَار عَامر بن صعصعه ... المطعمون الْجَفْنَة المدعدعه) (والضاربون الْهَام تَحت الخيضعه ... يَا واهب المَال الجزيل من سعه)) (إِلَيْك جاوزنا بلاداً مسبعه ... إِذْ الفلاة أوحشت فِي المعمعه) يُخْبِرك عَن هَذَا خَبِير فاسمعه فَقَالَ النُّعْمَان: مَا هُوَ فَقَالَ: مهلا أَبيت اللَّعْن لَا تَأْكُل مَعَه إِن استه من برص ملمعه قَالَ النُّعْمَان: وَمَا عَليّ قَالَ: (وَإنَّهُ يدْخل فِيهَا إصبعه ... يدخلهَا حَتَّى يواري أشجعه) كَأَنَّمَا يطْلب شَيْئا ضيعه الرعة: حَالَة الأحمق الَّتِي رَضِي بهَا. وَقَوله: مقزعة يَقُول: أَنا

أقَاتل فِي كل يَوْم وأقاتل. والمدعدعة: المملوءة. والخيضعة: أصوات الْحَرْب. انْتهى. وَهَذَا السِّيَاق مبتور لَا ينْتَفع بِهِ وأوفى مَا رَأَيْته مَا رَوَاهُ السَّيِّد المرتضى علم الْهدى فِي أَمَالِيهِ الْمُسَمَّاة بغرر الفرائد ودرر القلائد قَالَ: إِن عمَارَة وأنساً وقيساً وَالربيع بني زِيَاد العبسيين وفدوا على النُّعْمَان ابْن الْمُنْذر ووفد عَلَيْهِ العامريون بَنو أم الْبَنِينَ وَعَلَيْهِم أَبُو برَاء عَامر بن مَالك بن جَعْفَر بن كلاب وَهُوَ ملاعب الأسنة وَكَانَ العامريون ثَلَاثِينَ رجلا وَفِيهِمْ لبيد ابْن ربيعَة بن مَالك بن جَعْفَر بن كلاب وَهُوَ يَوْمئِذٍ غُلَام لَهُ ذؤابة. وَكَانَ الرّبيع بن زِيَاد الْعَبْسِي ينادم النُّعْمَان وَيكثر عِنْده ويتقدم على من سواهُ وَكَانَ يدعى الْكَامِل لشطاطه وبياضه وكماله فَضرب النُّعْمَان قبَّة على أبي برَاء وأجرى عَلَيْهِ وعَلى من كَانَ مَعَه النزل وَكَانُوا يحْضرُون النُّعْمَان لحاجتهم فافتخروا يَوْمًا بِحَضْرَتِهِ فكاد العبسيون يغلبُونَ الْعَامِرِيين. وَكَانَ الرّبيع إِذا خلا بالنعمان طعن فيهم. وَذكر معايبهم فَفعل ذَلِك مرَارًا لعداوتهم لبني جَعْفَر لأَنهم كَانُوا أسروه فصد النُّعْمَان عَنْهُم حَتَّى نزع الْقبَّة عَن أبي برَاء وَقطع النزل ودخلوا عَلَيْهِ يَوْمًا فَرَأَوْا مِنْهُ جفَاء وَقد كَانَ قبل ذَلِك يكرمهم وَيقدم مجلسهم فَخَرجُوا من عِنْده غضاباً وهموا بالانصراف ولبيد فِي رحالهم يحفظ أمتعتهم وَيَغْدُو بإبلهم فيرعاها فَإِذا أَمْسَى انْصَرف بهَا. ) فَأَتَاهُم تِلْكَ اللَّيْلَة وهم يتذاكرون أَمر الرّبيع فَقَالَ لَهُم: مَا لكم تتناجون فَكَتَمُوهُ وَقَالُوا لَهُ: إِلَيْك عَنَّا.

فَقَالَ: أخبروني فَلَعَلَّ لكم عِنْدِي فرجا. فزجروه فَقَالَ: لَا وَالله لَا أحفظ لكم وَلَا أسرح لكم بَعِيرًا أَو تخبروني. وَكَانَت أم لبيد عبسية فِي حجر الرّبيع فَقَالُوا لَهُ: إِن خَالك قد غلبنا على الْملك وَصد عَنَّا وَجهه. فَقَالَ لَهُم: هَل تقدرون أَن تجمعُوا بيني وَبَينه غَدا حِين يقْعد الْملك فأرجز بِهِ رجزاً ممضاً مؤلماً لَا يلْتَفت إِلَيْهِ النُّعْمَان بعده أبدا قَالُوا لَهُ: وَهل عنْدك ذَلِك قَالَ: نعم. قَالُوا: إِنَّا نبلوك بشتم هَذِه البقلة وقدامهم بقلة دقيقة القضبان قَليلَة الْوَرق لاصقة فروعها بِالْأَرْضِ تدعى التربة فاقتلعها من الأَرْض وَأَخذهَا بِيَدِهِ وَقَالَ: هَذِه البقلة التربة الثفلة الرذلة الَّتِي لَا تذكي نَارا وَلَا تسر جاراً عودهَا ضئيل وفرعها ذليل وَخَيرهَا قَلِيل. بَلَدهَا شاسع ونبتها خاشع وآكلها جَائِع والمقيم عَلَيْهَا قَانِع. أقصر الْبُقُول فرعا وأخبثها مرعى وأشدها قلعاً فحرباً لجارها وجدعاً. القوا بِي أَخا عبس أرجعه عَنْكُم بتعس ونكس وأتركه من أمره فِي لَيْسَ. فَقَالُوا: نصبح ونرى فِيك رَأينَا. فَقَالَ لَهُم عَامر: انْظُرُوا إِلَى غلامكم هَذَا فَإِن رَأَيْتُمُوهُ نَائِما فَلَيْسَ أمره بِشَيْء إِنَّمَا تكلم بِمَا جرى على لِسَانه. وَإِن رَأَيْتُمُوهُ ساهراً فَهُوَ صَاحبكُم. فرمقوه بِأَبْصَارِهِمْ فوجدوه قد ركب رحلاً يكدم واسطته حَتَّى أصبح. فَلَمَّا أَصْبحُوا قَالُوا: أَنْت وَالله صَاحبه. فحلقوا رَأسه وَتركُوا لَهُ ذؤابتين وألبسوه حلَّة وغدوا بِهِ مَعَهم فَدَخَلُوا على النُّعْمَان فوجدوه يتغدى وَمَعَهُ الرّبيع لَيْسَ مَعَه

غَيره وَالدَّار والمجالس مَمْلُوءَة بالوفد. فَلَمَّا فرغ من الْغَدَاء أذن للجعفريين فَدَخَلُوا عَلَيْهِ وَالربيع إِلَى جَانِبه. فَذكرُوا للنعمان حَاجتهم فاعترضهم الرّبيع فِي كَلَامهم فَقَالَ لبيد وَقد دهن أحد شقي رَأسه وأرخى إزَاره وانتعل نعلا (يَا رب هيجا هِيَ خير من دَعه ... إِذْ لَا تزَال هامتي مقزعه) (نَحن بني أم الْبَنِينَ الْأَرْبَعَة ... وَنحن خير عَامر بن صعصعه) (المطعمون الْجَفْنَة المدعدعه ... والضاربون الْهَام تَحت الخيضعه) (مهلا أَبيت اللَّعْن لَا تَأْكُل مَعَه ... إِن استه من برص ملمعه)) (وَإنَّهُ يدْخل فِيهَا إصبعه ... يدخلهَا حَتَّى يواري أشجعه) كَأَنَّمَا يطْلب شَيْئا ضيعه فَلَمَّا فرغ لبيد الْتفت النُّعْمَان إِلَى الرّبيع يرمقه شزراً. قَالَ: أَكَذَلِك أَنْت قَالَ: كذب وَالله ابْن الْحمق اللَّئِيم فَقَالَ النُّعْمَان: أُفٍّ لهَذَا الطَّعَام لقد خبث عَليّ طَعَامي. فَقَالَ الرّبيع: أَبيت اللَّعْن أما إِنِّي قد فعلت بِأُمِّهِ لَا يكني. وَكَانَت فِي حجره. فَقَالَ لبيد: أَنْت لهَذَا الْكَلَام أهل أما إِنَّهَا من نسْوَة غير فعل وَأَنت الْمَرْء قَالَ هَذَا فِي يتيمته. - وَوجدت فِي رِوَايَة أُخْرَى: أما إِنَّهَا من نسْوَة فعل. وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِك لِأَنَّهَا كَانَت من قوم الرّبيع فنسهبا إِلَى لقبيح وَصدقه عَلَيْهَا تهجيناً لَهُ ولقومه.

فَأمر الْملك بهم جَمِيعًا فأخرجوا وَأعَاد أبي برَاء الْقبَّة وَانْصَرف الرّبيع إِلَى منزله فَبعث إِلَيْهِ النُّعْمَان بِضعْف مَا كَانَ يحبوه بِهِ وَأمره بالانصراف إِلَى أَهله. فَكتب إِلَيْهِ: إِنِّي قد تخوفت أَن يكون قد وَقع فِي صدرك مَا قَالَ لبيد وَلست برائم حَتَّى تبْعَث من يجردني ليعلم من حضرك من النَّاس أَنِّي لست كَمَا قَالَ. فَأرْسل إِلَيْهِ إِنَّك لست صانعاً بانتفائك مِمَّا قَالَ لبيد شَيْئا وَلَا قَادِرًا على رد مَا زلت بِهِ الألسن فَالْحق بأهلك ثمَّ كتب إِلَيْهِ النُّعْمَان فِي جملَة مَا كتبه أبياتاً جَوَابا عَن أَبْيَات كتبهَا إِلَيْهِ الرّبيع مَشْهُورَة: الْبَسِيط (شمر برحلك عني حَيْثُ شِئْت وَلَا ... تكْثر عَليّ ودع عَنْك الأقاويلا) (قد قيل ذَلِك إِن حَقًا وَإِن كذبا ... فَمَا اعتذارك من شَيْء إِذا قيلا) وَقد جَاءَنَا هَذَا الْخَبَر من عدَّة طرق وَفِي كل زِيَادَة على الآخر وَلم نأت بِجَمِيعِ الْخَبَر على وَجهه بل أسقطنا مِنْهُ مَا لم نحتج إِلَيْهِ. انْتهى. وَقَالَ أَبُو الْحسن الطوسي فِي شرح ديوَان لبيد: إِن بني أم الْبَنِينَ وَجَمَاعَة مِنْهُم أَتَوا النُّعْمَان أول مَا ملك فِي أُسَارَى من بني عَامر يشترونهم مِنْهُ. إِلَى آخر مَا أوردناه فِي الشَّاهِد الثَّامِن وَالْأَرْبَعِينَ بعد الْمِائَتَيْنِ فِي شرح قَوْله: قد قيل ذَلِك إِن حَقًا وَإِن كذبا ... ... ... ... الْبَيْت وسَاق هَذَا الْخَبَر كالطوسي الْخَطِيب التبريزي فِي شرح ذيل

المعلقات وَأورد الأبيات كثعلب إِلَّا) الْبَيْت الأول. وَقَوله: يُخْبِرك عَن هَذَا خَبِير فاسمعه فَإِنَّهُ أسقطهما. وَقَوله: فِي كل يَوْم هامتي مقزعه قَالَ السَّيِّد المرتضى: القزع: تساقط بعض الشّعْر وَالصُّوف وَبَقَاء بعضه. يُقَال: كَبْش أقزع وناقة قزعاء. وَقَوله: نَحن بَنو أم ... . إِلَخ هَذَا الْبَيْت من شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ أوردهُ فِي بَاب الِاخْتِصَاص الَّذِي يجْرِي على مَا جرى عَلَيْهِ النداء. قَالَ: وَأما قَول لبيد: نَحن بَنو أم الْبَنِينَ الْأَرْبَعَة فَلَا ينشدونه إِلَّا رفعا لِأَنَّهُ لم يرد أَن يجعلهم إِذا افْتَخرُوا أَن يعرفوا بِأَن عدتهمْ أَرْبَعَة وَلكنه وَخَالفهُ الْمبرد وَقَالَ: النصب فِيهِ جيد على وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَن أم الْبَنِينَ امْرَأَة شريفة وبنوها الْأَرْبَعَة كلهم سيد فينصب بني على الْفَخر. وَالْوَجْه الآخر: على معنى أَعنِي بِلَا مدح وَلَا ذمّ. قَالَ النّحاس بعد مَا نَقله: هَذَا الَّذِي ذهب إِلَيْهِ سِيبَوَيْهٍ صَحِيح أَلا ترَاهُ قَالَ: إِنَّه لم يرد أَن يجعلهم ... إِلَخ فَهَذَا قَول صَحِيح. فَيجوز أَن يكون بَنو خبر نَحن وَالْأَرْبَعَة نعت كَمَا قَالَ سِيبَوَيْهٍ والمطعمون

خبر بعد خبر. - وَيجوز أَن يكون بَدَلا من نَحن والمطعمون خبر وَالْأَرْبَعَة صفة للبنين. فَإِذا رفع فَإِنَّمَا أَفَادَ هَذَا النّسَب. فَإِذا نصب فَالْخَبَر مَا بعده ونصبه على الِاخْتِصَاص. انْتهى. وَكَذَا ذهب ثَعْلَب فِي أَمَالِيهِ قَالَ بَعضهم ينصب بني وَلَيْسَ بِالْوَجْهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مدحاً يمدح نَفسه بِأَن عَددهمْ أَرْبَعَة. وَالْعرب تفعل هَذَا فِي بني ورهط ومعشر وَآل. قَالَ الْفراء: كَأَنَّهُمْ قَالُوا: نَحن جَمِيعًا نقُول ذَلِك. انْتهى.) وَأم الْبَنِينَ: اسْمهَا ليلى بنت عَامر. قَالَه السُّهيْلي فِي الرَّوْض. وَقَالَ السَّيِّد المرتضى: هِيَ بنت عَمْرو بن عَامر بن ربيعَة بن صعصعة وَكَانَت تَحت مَالك بن جَعْفَر بن كلاب ولدت لَهُ عَامر بن مَالك ملاعب الأسنة. وطفيل ابْن مَالك فَارس قرزل وَهُوَ أَبُو عَامر بن الطُّفَيْل وقرزل: فرس كَانَت لَهُ. وَرَبِيعَة ابْن مَالك أَبَا لبيد وَهُوَ ربيع المقترين. وَمُعَاوِيَة بن مَالك معود الْحُكَمَاء. وَإِنَّمَا لقب بِهَذَا لقَوْله: الوافر (أعوذ مثلهَا الْحُكَمَاء بعدِي ... إِذا مَا الْحق فِي الأشياع نابا) وَولدت عُبَيْدَة الوضاح. فَهَؤُلَاءِ خَمْسَة. وَقَالَ لبيد: أَرْبَعَة لِأَن الشّعْر لَا يُمكنهُ غير ذَلِك. قَالَ السُّهيْلي: وَسمي ملاعب الأسنة فِي وَيَوْم سوبان وَهُوَ يَوْم كَانَت فِيهِ وقْعَة فِي أَيَّام جبلة وَهِي أَيَّام حَرْب كَانَت بَين قيس وَتَمِيم. وجبلة: اسْم لهضبة عالية. وَسبب تَسْمِيَته ملاعب الأسنة أَن أَخَاهُ

الَّذِي يُقَال لَهُ فَارس قرزل وَهُوَ الطُّفَيْل كَانَ أسلمه فِي ذَلِك الْيَوْم وفر فَقَالَ شَاعِر: الطَّوِيل (فَرَرْت وَأسْلمت ابْن أمك عَامِرًا ... يلاعب أَطْرَاف الوشيج المزعزع) فَسُمي ملاعب الرماح وملاعب الأسنة. قَالَ لبيد: ( وأبنا ملاعب الرماح ... ومدره الكتيبة الرداح) انْتهى. وَقَالَ مغلطاي فِي الزهر الباسم: يخدش فِيهِ مَا ذكره سَابِقًا: أَن عَامر بن مَالك ملاعب الرماح ثمَّ قَالَ السُّهيْلي: وَسمي مُعَاوِيَة معود الْحُكَمَاء بقوله: (يعود مثلهَا الْحُكَمَاء بعدِي ... إِذا مَا الْأَمر فِي الْحدثَان نابا) وَفِي هَذَا الشّعْر: (إِذا سقط السَّمَاء بِأَرْض قوم ... رعيناه وَإِن كَانُوا غضابا) وَقَول السَّيِّد المرتضى: إِن لبيداً إِنَّمَا قَالَ أَرْبَعَة وهم خَمْسَة لضَرُورَة الشّعْر هَذَا قَول الْفراء وَهُوَ قَول فارغ. وَالصَّوَاب كَمَا قَالَ ابْن عُصْفُور فِي الضرائر: لم يقل إِلَّا أَرْبَعَة وهم خَمْسَة على جِهَة الْغَلَط. وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِك لِأَن أَبَاهُ كَانَ مَاتَ وَبَقِي أَعْمَامه وهم أَرْبَعَة. وَهُوَ مَسْبُوق بالسهيلي فَإِنَّهُ قَالَ: وَإِنَّمَا قَالَ الْأَرْبَعَة لِأَن أَبَاهُ كَانَ

قد مَاتَ قبل ذَلِك لَا كَمَا قَالَ بعض النَّاس. وَهُوَ قَول يعزى إِلَى الْفراء أَنه قَالَ: إِنَّمَا قَالَ أَرْبَعَة وَلم يقل خَمْسَة من أجل القوافي.) فَيُقَال لَهُ: لَا يجوز للشاعر أَن يلحن لإِقَامَة وزن الشّعْر فَكيف بِأَن يكذب لإِقَامَة الْوَزْن. وأعجب من هَذَا أَنه اسْتشْهد بِهِ على تَأْوِيل فَاسد تَأَوَّلَه فِي قَوْله سُبْحَانَهُ: وَلمن خَافَ مقَام ربه جنتان وَقَالَ: أَرَادَ جنَّة وَاحِدَة وَجَاء بِلَفْظ التَّثْنِيَة لتتفق رُؤُوس الْآي وكلاماً هَذَا مَعْنَاهُ. فصمي صمام مَا أشنع هَذَا الْكَلَام وأبعده عَن الْعلم وَفهم الْقُرْآن وأفل هَيْبَة قَائِله من أَن يتبوأ مَقْعَده من النَّار فحذار مِنْهُ حذار. وَمِمَّا يدلك أَنهم كَانُوا أَرْبَعَة حِين قَالَ لبيد هَذِه الْمقَالة أَن فِي الْخَبَر يتم لبيد وَصغر سنه وَأَن أَعْمَامه الْأَرْبَعَة استصغروه أَن يدخلوه مَعَهم إِلَى النُّعْمَان. فَبَان بِهَذَا أَنهم كَانُوا أَرْبَعَة. وَلَو سكت الْجَاهِل لقل الْخلاف. انْتهى. وَقَوله: المطعمون الْجَفْنَة المدعدعة الْجَفْنَة بِفَتْح الْجِيم: الْقَصعَة الْكَبِيرَة. قَالَ أَبُو حنيفَة فِي كتاب النَّبَات: وَلَا آنِية أكبر من الْجَفْنَة. والمدعدعة فِي قَول لبيد هِيَ المملوءة فَهُوَ بِالدَّال الْمُهْملَة. قَالَ فِي الصِّحَاح: دعدعت الشَّيْء: ملأته.

وجفنة مدعدعة أَي: مَمْلُوءَة. وَقَوله: تَحت الخيضعة بِالْخَاءِ وَالضَّاد المعجمتين. قَالَ السَّيِّد: ذكر الْأَصْمَعِي أَن لبيداً قَالَ: تَحت الخضعة يَعْنِي الجلبة والأصوات فغيرته الروَاة. وَقيل: إِن الخيضعة أصوات وَقع السيوف. والخيضعة أَيْضا: الْبَيْضَة الَّتِي تلبس على الرَّأْس. والخيضعة: الْغُبَار. وَالْقَوْل يحْتَمل كل ذَلِك. انْتهى. وَقَالَ أَبُو عبيد فِي الْغَرِيب المُصَنّف: الخيضعة: الْبَيْضَة. وَأنْشد هَذَا الْبَيْت. ورد عَلَيْهِ عَليّ بن حَمْزَة فِي كتاب التَّنْبِيهَات بِأَن هَذَا لم يقلهُ أحد قطّ وَإِنَّمَا اخْتِلَاف أهل الْعلم فِي رِوَايَة الشّعْر فَرَوَاهُ قوم: تَحت الخيضعة كَمَا رُوِيَ وفسروه بِأَن قَالُوا: الخيضعة: اخْتِلَاط الْأَصْوَات فِي وَرَوَاهُ آخَرُونَ: تَحت الخضعة وَقَالُوا: هِيَ السيوف. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: إِنَّمَا قَالَ لبيد تَحت الخضعة فزادوا الْيَاء فِرَارًا من الزحاف. انْتهى. وَقَوله: بلاداً مسبعَة الْبِلَاد: الْأَرَاضِي. وَأَرْض مسبعَة بِالْفَتْح أَي: ذَات سِبَاع. والمعمعة قَالَ صَاحب الصِّحَاح: هِيَ صَوت الْحَرِيق فِي الْقصب وَنَحْوه وَصَوت الْأَبْطَال فِي الْحَرْب. والملمع: الَّذِي يكون فِي جسده بقع تخَالف سَائِر لَونه. والأشجع: أصُول الْأَصَابِع الَّتِي تتصل بعصب ظَاهر الْكَفّ.) وترجمة لبيد تقدّمت فِي الشَّاهِد الثَّانِي وَالْعِشْرين بعد الْمِائَة.

وَأورد ابْن الْحباب السَّعْدِيّ فِي كتاب مساوي الْخمر حِكَايَة مُنَاسبَة رَأينَا إيرادها هُنَا قَالَ: ذكر بديع الزَّمَان الهمذاني أَنه لاعب أَبَا سعيد خَليفَة أبي عَليّ الْحُسَيْن بن أَحْمد بجرجان الشطرنج على خاتمين قمره البديع عَلَيْهِمَا فَأبى أَن يُعْطِيهِ إيَّاهُمَا فَذكر قصَّة طَوِيلَة أفضت الْحَال فِيهَا بَينهمَا بعد مراسلات بِهِجَاء من البديع وإغلاظ من الآخر إِلَى أَن اجْتمع هُوَ والبديع على مائدة صَاحب أبي عَليّ الْحُسَيْن. قَالَ البديع: وَكَانَ هَذَا الرجل أَقرع وَلم يكن أحد يَجْسُر أَن يذكر بِحَضْرَتِهِ القرع وَلَا الْقرعَة وَلَا تقارع الأقران وَلَا الْأَقْرَع بن حَابِس وَلَا بني قريع وَلَا يقْرَأ سُورَة القارعة. فَلَمَّا وضعت الْمَائِدَة ( مهلا أَبيت اللَّعْن لَا تَأْكُل مَعَه ... استقذرته وتجنب قرعه) (فَإِنَّهُ ينحي عَلَيْهَا إصبعه ... يحك تِلْكَ الهامة الملمعه) (لَا تدنه وَذَلِكَ الرَّأْس مَعَه ... ومره إِن أدنيته أَن يَضَعهُ) (إِن لم يزايل عَن حماك مَوْضِعه ... فارسم لفراشك ذَا أَن يصفعه) قَالَ: فأطرقت الْجَمَاعَة وَبَقِي الْأُسْتَاذ داهشاً ثمَّ قَالَ: يَا مولَايَ إِن لم يحتشمني مَا يحتشم الْمَائِدَة فَقلت لَهُ: أَطَالَ الله بَقَاءَك مَا أسْرع

(الشاهد السابع والتسعون بعد السبعمائة)

مَا أَرَاك تتقذر وحياتك عَليّ لأنشدنك فِيهِ ألف بَيت بَعْضهَا يلعن بَعْضًا إِلَّا أَن يعطيني خاتميه عَطاء صغرياً. فَقَالَ الْأُسْتَاذ: أَمر الخاتمين أسهل فَمَا السَّبَب فقصصت الْقِصَّة عَلَيْهِ فَمَال إِلَيْهِ وَقَالَ: أشهد أَنَّك سَاقِط الهمة أما علمت أَنه إِن قمر أَو قمر أعْطى الْخطر ثمَّ تنَاول الخاتمين وناولنيهما وسألني السُّكُوت عَنهُ وعاهدني أَن لَا أَزِيد. انْتهى. ونشد بعده (الشَّاهِد السَّابِع وَالتِّسْعُونَ بعد السبعمائة) الْخَفِيف على أَن الْأَكْثَر مُرَاعَاة الأَصْل فِي وُقُوع صفة مجرور رب جملَة فعلية سَوَاء كَانَت مَذْكُورَة أَو مقدرَة. - وَقد اجْتَمَعنَا فِي هَذَا الْبَيْت. أما الأول فَهُوَ جملَة: هرقته صفة لرفد وَهُوَ الْقدح الْكَبِير. وإراقة الرفد كِنَايَة عَن الْقَتْل والإماتة. وَأما الثَّانِي فَإِن أسرى مجرور ب رب الْمَذْكُورَة بطرِيق التّبعِيَّة وَمن معشر مُتَعَلق بأسرى وَصفَة أسرى مَحْذُوف تَقْدِيره: حصلت لي وَلَا جَوَاب لرب فِي الْمَوْضِعَيْنِ لِأَن معنى الْكَلَام تَامّ لَا يفْتَقر إِلَى شَيْء سوى الصّفة الْمقدرَة. وَرب اسْم محلهَا الرّفْع على الِابْتِدَاء لَا خبر لَهَا للاستغناء بِالصّفةِ عَن الْخَبَر. هَذَا تَقْدِير كَلَامه. وَأَقُول يُؤْخَذ من تَقْدِيره حصلت لي أَن تَاء هرقته مَضْمُومَة. وَلَيْسَ كَذَلِك فَإِن هَذَا الْكَلَام خطاب للأسود بن الْمُنْذر كَمَا يَأْتِي بَيَانه فَكَانَ يَنْبَغِي أَن يَقُول: حصلت لَك بِالْخِطَابِ. وَقد أصَاب فِيمَا يَأْتِي قَرِيبا: وَأسرى من معشر أقيال أَي: أسرتهم.

وَقَوله: رفد الرفد: الْقدح الضخم وَهُوَ قَول الْأَصْمَعِي فِيمَا نَقله أَبُو حنيفَة فِي كتاب النَّبَات عِنْد ذكر أَقسَام الْأَوَانِي وَضَبطه بِكَسْر الرَّاء وَأنْشد هَذَا الْبَيْت وَقَالَ: وَكَذَلِكَ المرفد بِكَسْر الْمِيم. وَكَذَا نقل ابْن الْأَنْبَارِي فِي شرح المفضليات عَن أَحْمد بن عبيد تلميذ الْأَصْمَعِي. قَالَ: وروى أَحْمد: رب رفد الرفد بِالْكَسْرِ وَقَالَ: هُوَ الْقدح. والرفد بِالْفَتْح: الْعَمَل. قَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: الرفد بِفَتْح الرَّاء: الْقدح الضخم بِمَا فِيهِ من الْقرى. والرفد بِالْكَسْرِ: المعونة. يُقَال: رفدته عِنْد الْأَمِير أَي: أعنته. هرقته أَصله أرقته فالهاء بدل من الْهمزَة. وَقَوله: هريق رفده كِنَايَة عَن الْمَوْت هُوَ أحد قَوْلَيْنِ. قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ فِي أساس البلاغة: هريق رفد فلَان إِذا قتل كَمَا يُقَال: صفرت وطابه وكفئت جفنته. وَقَالَ ابْن الْأَنْبَارِي عِنْد قَول سَلمَة بن الخرشب الْأَنمَارِي: الطَّوِيل ( هرقن بساحوق جفاناً كَثِيرَة ... وغادرن أُخْرَى من حقين وحازر)) قَوْله: هرقن يَعْنِي الْخَيل. وساحوق: مَوضِع. أَي: قتلت أَصْحَاب الجفان وَمن كَانَ يقري فِيهَا ويحتلب فَكَأَنَّهَا لما قتلت أَصْحَابهَا هراقتها كَمَا قَالَ الْأَعْشَى: رب رفد هرقته ذَلِك الْيَوْم إِلَخ. وَمثله قَول امْرِئ الْقَيْس: الوافر (وأفلتهن علْبَاء جريضاً ... وَلَو أدركنه صفر الوطاب)

وعلباء: رجل. والجريض: الَّذِي قَارب الْمَوْت فَهُوَ يجرض بريقه أَي: يغص. والوطاب: جمع وطب وَهُوَ سقاء اللَّبن. وَقَوله: وغادرن أُخْرَى أَي: تركن جفاناً لم يرقنها. وروى: وأدين أُخْرَى أَي: جئن بأسرى وَغير ذَلِك. فاللفظ على اللَّبن وَالْمعْنَى على الْقَوْم. وَقَوله: من حقين وحازر أَي: من سيد وشريف وَدون ذَلِك. وَمثله قَول أبي زبيد: الْبَسِيط. (يَا جَفْنَة كنضيح الْحَوْض قد كفئت ... بثني صفّين يَعْلُو فَوْقهَا القتر) أَي: قتل صَاحبهَا فَذَهَبت وَبَطلَت. وَمثله قَول الآخر: الوافر ( وماذا بالقليب قليب بدر ... من الشيزى تكلل بالسنام) انْتهى. وَكَذَا فِي شرح الفصيح للمرزوقي قَالَ فِيهِ: الصفر بِالْكَسْرِ: الْخَالِي يُقَال: صفرت الْآنِية تصفر صفراً فَهِيَ صفرَة. وَقيل اشتقاق الصفر فِي الشُّهُور مِنْهُ لِأَن وطابهم كَانَت حِينَئِذٍ تَخْلُو من الألبان. وَيُقَال فِي الْكِنَايَة عَن الْهَلَاك: صفرت وطابهم. وَهَذَا كَمَا يُقَال: أريق جفانهم. انْتهى. وَكَذَا نقل ابْن المستوفي عَن الْأَصْمَعِي قَالَ: يُرِيد قتلت صَاحب ذَلِك الرفد فَبَطل رفده. والرفد: اللَّبن والعطية والمعونة. والرفد الْمصدر.

وَيُقَال للقدح الَّذِي يقرى فِيهِ رفد. والرفد: المحلب الَّذِي يحلب فِيهِ. وَأما القَوْل الآخر فَهُوَ نهب الْمَاشِيَة وَأَخذهَا. قَالَ شَارِح ديوَان الْأَعْشَى: مَعْنَاهُ رب رجل كَانَت لَهُ إبل يحلبها فاستقتها فَذهب مَا كَانَ يحلبه فِي الرفد وَهُوَ الْقدح. وَقَوله: وَأسرى: هُوَ جمع أَسِير كجرحى جمع جريح. والمعشر: الْجَمَاعَة من النَّاس. وأقيال:) رُوِيَ بِالْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّة والفوقية. أما الأول فَهُوَ جمع قيل بِفَتْح الْقَاف مخفف قيل كسيد وَهُوَ الْملك مُطلقًا وَقيل: الْملك من مُلُوك حمير وَقيل: هُوَ دون الْملك الْأَعْلَى سمي بِهِ لِأَنَّهُ يَقُول مَا يَشَاء فَينفذ. وَالْمَرْأَة قيلة وَيجمع على أَقْوَال أَيْضا حَكَاهُ ابْن السّكيت. فَالْأول على اللَّفْظ وَالثَّانِي بِالنّظرِ إِلَى الِاشْتِقَاق من القَوْل كَمَا قَالُوا فِي جمع: ريح أرياح وأرواح. وَقَالَ الدماميني فِي الْحَاشِيَة الْهِنْدِيَّة: وَقَالَ جمَاعَة: لهَذِهِ الْكَلِمَة اشتقاقان: فَمن قَالَ أَقْوَال فَهُوَ من القَوْل وَمن جمعه على أقيال فَهُوَ من قَوْلهم: تقيل أَبَاهُ أَي: اتبعهُ فِي النّسَب كَمَا تسمي تبعا قَالَ هَؤُلَاءِ: وَلَو كَانَ من القَوْل لم يجز فِي جمعه إِلَّا أَقْوَال كَمَا لَا يُقَال فِي الْمَيِّت المخفف إِلَّا أموات وَلَا يُقَال أميات على اللَّفْظ. قَالَ ابْن الشجري: وَلَا يلْزم ذَلِك لأَنهم قَالُوا من جفوت وَمن الشوب: مجفو ومشوب على الأَصْل ومجفي ومشيب على لفظ جفي وشيب. وَلم يطردوا ذَلِك فِي نَحْو: مغزو ومدعو فَلم يَقُولُوا: مغزي ومدعي وَإِن قَالُوا: غزي ودعي. فَكَذَلِك قَالُوا: أقيال على لفظ قيل وَإِن لم يَقُولُوا أميات. قلت: يرد هَذَا بِأَنَّهُ لَا يُصَار إِلَى خلاف الأَصْل مَا وجد عَنهُ

مندوحه. وَلَا شكّ أَن جمع قيل الْمُشْتَقّ من القَوْل على أقيال رِعَايَة للفظ الْيَاء خَارج عَن الأَصْل فَإِذا وجد مشتقاً عِنْد جمعه كَذَلِك من التقيل لم يخرج عَن الأَصْل لَكَانَ قَول أُولَئِكَ الْجَمَاعَة بالاشتقاقين هُوَ الرَّاجِح لَا محَالة. انْتهى كَلَامه. وَأما الرِّوَايَة بِالْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّة فَهُوَ جمع قتل بِكَسْر الْقَاف وَسُكُون الْمُثَنَّاة وَله مَعْنيانِ: أَحدهمَا: الْعَدو الْمقَاتل. وَالثَّانِي: الشّبَه والنظير أَي: الْعدْل فِي الْمُقَاتلَة كَمَا يُقَال: سبّ للعديل فِي المسابة. يُقَال هما: قتلان أَي: مثلان. وكل مِنْهُمَا قيل بِهِ هُنَا. وَأما أَبُو عُبَيْدَة فَإِنَّهُ قَالَ: هم الْأَشْبَاه. وَأنْشد فِي أَنهم الْأَعْدَاء لِابْنِ قيس الرقيات: الْخَفِيف (واغترابي عَن عَامر بن لؤَي ... فِي بِلَاد كَثِيرَة الأقتال ) وَأنْشد أَحْمد فِي الْقَتْل الْمثل والشبه فِي وصف بَعِيرَيْنِ: الرجز) (من كل قتلين إِذا مَا ازدحما ... أدْرك هَذَا غرب هَذَا بَعْدَمَا) أغرب ذَاك ذرعه فانصرما وَقَول الشَّارِح الْمُحَقق: إِن صفة أسرى محذوفة تقديرها مَا ذكره هَذَا مُسْتَغْنى عَنهُ يَجْعَل من معشر مُتَعَلقا بِفعل صفة لأسرى وَالتَّقْدِير:

وَأسرى حصلت من معشر أقيال كَمَا قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ فِي الْمفصل: هرقته وَمن معشر: صفتان لرفد وَأسرى. وَكَأن الشَّارِح علق من معشر بأسرى لِأَنَّهُ بِمَعْنى رب مأخوذين من معشر. وَلَا ضَرُورَة إِلَيْهِ. وَاعْلَم أَن مَا اخْتَارَهُ الشَّارِح من جعل رب مُبْتَدأ لَا خبر لَهُ مُخَالف للبصريين والكوفيين. أما البصريون فقد قَالُوا: إِنَّهَا حرف لِأَنَّهَا لَا تقبل شَيْئا من خَواص الِاسْم من الْإِخْبَار عَنهُ وَالْإِضَافَة وعود الضَّمِير إِلَيْهِ وَدخُول أل والتنوين. وَلِأَنَّهَا لَو كَانَت اسْما لجَاز أَن يتَعَدَّى إِلَيْهَا الْفِعْل بِنَفسِهِ إِن كَانَ مُتَعَدِّيا وبحرف الْجَرّ إِن كَانَ لَازِما فَيُقَال: رب رجل أكرمت وبرب رجل مَرَرْت كَمَا يُقَال: كم رجل أكرمت وبكم رجل مَرَرْت إِذْ لَيْسَ فِي كَلَامهم اسْم يتَعَدَّى إِلَيْهِ الْفِعْل بِنَفسِهِ إِلَّا وَيجوز أَن يتَعَدَّى إِلَيْهِ الْفِعْل اللَّازِم بِوَاسِطَة حرف الْجَرّ. وَالشَّارِح معترف بِجَمِيعِ هَذَا. وَأما الْكُوفِيُّونَ فقد قَالُوا: إِنَّهَا اسْم مثل كم وَقَالُوا: محلهَا رفع بِالِابْتِدَاءِ قَوْلنَا: رب رجل كريم لَقيته وَفِي نَحْو: وَرب قتل عَار. ومحلها نصب على الْمصدر فِي نَحْو: رب ضرب ضربت مثل كم ضَرْبَة ضربت. وعَلى الظّرْف فِي نَحْو: رب يَوْم سرت مثل: كم يَوْم سرت. وعَلى الْمَفْعُول بِهِ فِي نَحْو: رب رجل ضربت نَحْو: كم رجل ضربت. - وَالشَّارِح تبع الْكُوفِيّين فِي اسميتها وَخَالفهُم فِي جعلهَا مُبْتَدأ لَا خبر لَهُ أبدا. وَهَذَا لَا يتمشى لَهُ فِي نَحْو: رب ضَرْبَة ضربت وَلَا يطرد لَهُ

فِي المكفوفة بِمَا كَقَوْلِه تَعَالَى: رُبمَا يود الَّذين كفرُوا كَمَا اعْترف بِهِ وَجعلهَا فِي هَذَا حرفا. وَجعلهَا نَوْعَيْنِ بِحَسب الاستعمالين مَعَ اتِّحَاد الْمَعْنى تعسف لَا ضَرُورَة تَدْعُو إِلَيْهِ. وَمَا أوردهُ من الإشكالين على حرفيتها يضمحلان بجعلها حرفا زَائِدا لَا يتَعَلَّق بِشَيْء وَهُوَ مَذْهَب جمَاعَة من النَّحْوِيين كالباء وَمن الزائدتين فِي نَحْو: كفى بِاللَّه شَهِيدا وهَل من خَالق وَلَعَلَّ الجارة فِي لُغَة عقيل وَلَوْلَا الجارة الضَّمِير نَحْو: لولاي ولولاك ولولاه وكاف التَّشْبِيه) فَهَذِهِ الْحُرُوف كلهَا لَا تتَعَلَّق بِشَيْء. ذكرهَا ابْن هِشَام فِي الْبَاب الثَّالِث من الْمُغنِي. فَيكون مَحل مجرور رب فِي نَحْو: رب رجل كريم عِنْدِي رفعا على الِابْتِدَاء وَمِنْه: وَرب قتل عَار وَفِي نَحْو: رب رجل كريم لقِيت نصبا على المفعولية وَلَا يجوز أَن يكون مُبْتَدأ وَالْجُمْلَة بعده خبر والرابط مَحْذُوف أَي: لَقيته لِأَن فِي ذَلِك تهيئة الْعَامِل للْعَمَل وقطعه عَنهُ. وَمثله: رب رفد هرقته الْبَيْت. وَكَذَلِكَ: أسرى من معشر فَإِنَّهُ بِتَقْدِير: أسرتهم. وَفِي نَحْو: رب رجل كريم لَقيته رفعا أَو نصبا وَفِي نَحْو: رب ضرب ضربت نصبا على الْمَفْعُول الْمُطلق وَفِي نَحْو: رب يَوْم سرت نصبا أَيْضا على الظّرْف.

- وَالدَّلِيل على مَا ذكرنَا أَنه يجوز مُرَاعَاة مَحل مجرورها كثيرا نَحْو: رب امْرَأَة صَالِحَة لقِيت ورجلاً صَالحا وَإِن لم يجز نَحْو: مَرَرْت بزيد وعمراً إِلَّا قَلِيلا كَمَا يَأْتِي نَقله من الْمُغنِي. لكنه قَالَ فِي الْكَلَام على أَقسَام الْعَطف على الْمحل: إِنَّه لَهُ ثَلَاثَة شُرُوط: أَحدهَا: إِمْكَان ظُهُور ذَلِك الْمحل فِي الفصيح. وَهَذَا الشَّرْط مَفْقُود هُنَا وَلَعَلَّه مُسْتَثْنى مِنْهُ. وَقد ذهب ابْن هِشَام فِي الْبَاب الثَّالِث من الْمُغنِي إِلَى أَنَّهَا لَا تتَعَلَّق بِشَيْء فَقَالَ: الرَّابِع أَي: مِمَّا اسْتثْنِي من قَوْلهم: لَا بُد لحرف الْجَرّ من مُتَعَلق: رب فِي نَحْو: رب رجل صَالح لَقيته أَو لقِيت لِأَن مجرورها مفعول فِي الثَّانِي ومبتدأ فِي الأول أَو مفعول على حد: زيدا ضَربته وَيقدر الناصب بعد الْمَجْرُور بِهِ لَا قبل الْجَار لِأَن رب لَهَا الصَّدْر من بَين حُرُوف الْجَرّ وَإِنَّمَا دخلت فِي المثلين لإِفَادَة التكثير أَو التقليل لَا لتعدية عَامل. هَذَا قَول الرماني وَابْن طَاهِر. وَقَالَ الْجُمْهُور: هِيَ فيهمَا حرف جر معد. فَإِن قَالُوا: إِنَّهَا عدت الْعَامِل الْمَذْكُور فخطأ لِأَنَّهُ يتَعَدَّى بِنَفسِهِ ولاستيفائه معموله فِي الْمِثَال الأول. وَإِن قَالُوا: عدت محذوفاً تَقْدِيره حصل أَو نَحوه كَمَا صرح بِهِ جمَاعَة فَفِيهِ تَقْدِير لما معنى الْكَلَام مستغن عَنهُ وَلم يلفظ بِهِ فِي وَقت. انْتهى. وَقَالَ أَيْضا فِي بحث رب من الْبَاب الأول: وتنفرد رب بِوُجُوب تصديرها وَوُجُوب تنكير مجرورها ونعته إِن كَانَ ظَاهرا وإفراده وتذكيره وتمييزه بِمَا يُطَابق الْمَعْنى إِن كَانَ ضميراً وَغَلَبَة) حذف معداها

ومضيه وإعمالها محذوفة بعد الْفَاء كثيرا وَبعد الْوَاو أَكثر وَبعد بل قَلِيلا وبدونهن أقل. وبأنها زَائِدَة فِي الْإِعْرَاب دون الْمَعْنى فَمحل مجرورها فِي نَحْو: رب رجل صَالح عِنْدِي رفع على الِابْتِدَاء. وَفِي نَحْو: رب رجل صَالح لقِيت نصب على المفعولية. وَنَحْو: رب رجل صَالح لَقيته رفع أَو نصب كَمَا فِي زيدا لَقيته. وَيجوز مُرَاعَاة مَحَله كثيرا وَإِن لم يجز نَحْو: مَرَرْت بزيد وعمراً إِلَّا قَلِيلا. قَالَ: الطَّوِيل ( وَسن كسنيق سناء وسنماً ... ذعرت بمدلاج الهجير نهوض) فعطف سنماً على مَحل سنّ. وَالْمعْنَى: ذعرت بِهَذَا الْفرس ثوراً وبقرة عَظِيمَة. وسنيق: جبل بِعَيْنِه. وسناء: ارتفاعاً. وَزعم الزّجاج وموافقوه أَن مجرورها لَا يكون إِلَّا فِي مَحل نصب. وَالصَّوَاب مَا قدمْنَاهُ. انْتهى. وَقَوله: بِوُجُوب تصدرها أَي: فِي جُمْلَتهَا وَإِن كَانَت مَبْنِيَّة على مَا قبلهَا. أَلا ترى أَن مَا حرف نفي لَهُ صدر الْكَلَام وَأَنه يَصح: إِن زيدا مَا قَامَ. وَكَذَلِكَ رب تقع جُمْلَتهَا خَبرا لإن نَحْو: الطَّوِيل (أماوي إِنِّي رب وَاحِد أمه ... أخذت فَلَا قتل لدي وَلَا أسر) وخبراً لِأَن المخففة كَقَوْلِه: الطَّوِيل (تيقنت أَن رب امْرِئ خيل خائناً ... أَمِين وخوان يخال أَمينا) وجواباً للواو. هُوَ غَرِيب كَقَوْلِه:

الطَّوِيل وَمنع أَبُو حَيَّان وجوب تصدرها بِهَذِهِ الأبيات وَغلط فِيهِ. وَقَوله: وَغَلَبَة حذف معداها أَي متعلقها. وَكَانَ يَنْبَغِي أَن لَا يذكر هَذَا فَإِنَّهُ لَا يُنَاسب مَا اخْتَارَهُ من عدم التَّعَلُّق بِشَيْء. وَأجَاب عَنهُ الشمني بِأَن مُرَاده بِهِ الْفِعْل الَّذِي مجرورها مَفْعُوله. - وَقَوله: وبأنها زَائِدَة فِي الْإِعْرَاب أورد عَلَيْهِ بِأَن هَذَا لَا يخْتَص بِرَبّ بل لَعَلَّ وَلَوْلَا وأخواتهما كَذَلِك. وَهُوَ حق. وَيُمكن أَن يُجَاب بِأَن رب تنفرد بِجَمِيعِ مَا ذكر لَا بِكُل وَاحِد. وَقَوله: لِأَن مجرورها مفعول فِي الثَّانِي قيل فِيهِ أَمْرَانِ: الأول: أَن كَونه مَفْعُولا لَا يُنَافِي التَّعَلُّق.) وَالثَّانِي: أَن التَّعَلُّق مَعْنَاهُ أَن الْمُتَعَلّق مَعْمُول بِحَسب الْمحل إِلَّا أَن يُرَاد أَنه مفعول لفعل يتَعَدَّى بِنَفسِهِ فَلَا حَاجَة لتَعلق الْحَرْف بِمَعْنى تعديته للْفِعْل بِدَلِيل مُقَابلَته هَذَا الْكَلَام بقوله: وَقَالَ الْجُمْهُور هِيَ فيهمَا حرف جر معد. ثمَّ إِنَّه يُمكن الْجَواب عَن اعتراضه على الْجُمْهُور بِاخْتِيَار الشق الأول وتعدي الْفِعْل بِنَفسِهِ لَا يمْنَع تعديه بالحرف إِذا قصد معنى لَا يحصل بِدُونِ تعديه بذلك الْحَرْف فَإِنَّهُ لَو عدي هُنَا بِنَفسِهِ فَاتَ معنى التقليل أَو التكثير. وَنَظِيره صِحَة قَوْلك: أخذت من الدَّرَاهِم فعديت الْفِعْل بِمن لإِفَادَة معنى التَّبْعِيض وَإِن كَانَ يتَعَدَّى بِنَفسِهِ. وَأخذ مَفْعُوله فِي الْمِثَال الثَّانِي لَا يمْنَع جعله مَعْمُولا لمثله كَمَا فِي: زيدا ضَربته. وَاعْترض الدماميني على الْجُمْهُور بِأَنَّهُ لَو كَانَ كَمَا يَقُولُونَ لم يعْطف على مَحل مجرورها رفعا ونصباً فِي الفصيح وَقد جَازَ كَمَا تَقول: رب رجل وأخاه أكرمت فيجعلون لَهَا حكم الزَّائِد فِي الْإِعْرَاب وَإِن لم تكن زَائِدَة فِي الْمَعْنى. وَلَا يجوز فِي الفصيح: بزيد وأخاه مَرَرْت.

وَالْبَيْت الشَّاهِد من قصيدة للأعشى مَيْمُون أَولهَا: (مَا بكاء الْكَبِير بالأطلال ... وسؤالي وَمَا يرد سُؤَالِي) وَتقدم شَرحه مَعَ أَبْيَات مِنْهَا قَرِيبا. ومدح بِهَذِهِ القصيدة الْأسود بن الْمُنْذر أَخا النُّعْمَان بن الْمُنْذر اللَّخْمِيّ وَكَانَ قد أغار على الحليفين أَسد وذبيان ثمَّ أغار على الطف فَأصَاب نعما وَأسرى وسبى من بني سعد بن ضبيعة بن قيس بن ثَعْلَبَة رَهْط الْأَعْشَى والأعشى غَائِب فَلَمَّا جَاءَ إِلَيْهِ وأنشده هَذِه القصيدة سَأَلَهُ أَن يهب لَهُ الأسرى فَفعل. وَهَذِه أَبْيَات مِنْهَا يُخَاطب نَاقَته: (لَا تشكي إِلَيّ من ألم النس ... ع وَلَا من حفى وَلَا من كلال) (فرع نبع يَهْتَز فِي غُصْن المج ... د غزير الندى شَدِيد الْمحَال) (عِنْده الْبر والتقى وأسا الش ... ق وَحمل للمعضلات الثقال) (وصلات الْأَرْحَام قد علم النا ... س وَفك الأسى من الأغلال) (وهوان النَّفس الْكَرِيمَة للذك ... ر إِذا مَا الْتَقت صُدُور العوالي) (ووفاء إِذا أجرت فَمَا عز ... ت حبال وصلتها بحبال)) (وَعَطَاء إِذا سَأَلت إِذا الع ... ذرة كَانَت عَطِيَّة البخال) (أريحي صلت تظل لَهُ القو ... م ركوداً قيامهم للهلال) (إِن يُعَاقب يكن غراماً وَإِن يع ... ط جزيلاً فَإِنَّهُ لَا يُبَالِي) (يهب الجلة الجراجر كالبس ... تان تحنو لدردق أَطْفَال) (والبغايا يركضن أكسية الإض ... ريج والشرعبي ذَا الأذيال) ...

(والمكاكيك والصحاف من الف ... ضة والضامرات تَحت الرّحال) (وجياداً كَأَنَّهَا قضب الشو ... حط يحملن شكة الْأَبْطَال) (ودروعاً من نسج دَاوُد فِي الْحر ... ب وسوقاً يحملن فَوق الْجمال) (لم ينشرن للصديق وَلَكِن ... لقِتَال الْعَدو يَوْم الْقِتَال ) (وشيوخ حربى بشط أريك ... وَنسَاء كأنهن السعالي) (وشريكين فِي كثير من الما ... ل وَكَانَا محالفي إقلال) (قسما الطارف التليد من الغن ... م فآبا كِلَاهُمَا ذُو مَال) (لن يزَالُوا كذلكم ثمَّ لَا زل ... ت لَهُم خَالِدا خُلُود الْجبَال) قَوْله: لَا تشكي إِلَيّ من ألم النسع ... . إِلَخ هُوَ بِكَسْر النُّون وَسُكُون الْمُهْملَة واحده نسعة وَهِي الَّتِي تنسج عريضاً للتصدير. والحفى بِفَتْح الْمُهْملَة وَالْقصر: رقة الْخُف والحافر والقدم من كَثْرَة الْمَشْي. والكلال: مصدر كل الْبَعِير وَغَيره من الْمَشْي إِذا أعيا. والندى: الْجُود. والفعال بِالْفَتْح: الْكَرم والجميل. وغزير: كثير. والمحال بِالْكَسْرِ: الْقُوَّة كَقَوْلِه تَعَالَى: وَهُوَ شَدِيد الْمحَال. كَذَا فِي الْعباب. وَقَوله: وأسا الشق قَالَ شَارِح ديوانه: أَي التئام اشق وَمن ذَلِك سمي الآسي الَّذِي يأسو الْجرْح. والمعضلة: المشكلة أَي: وَعِنْده حمل للأمور المعضلات وَعِنْده فك الأسرى. والأغلال: جمع غل بِالضَّمِّ وَهُوَ مَا يوضع فِي عنق الْأَسير وَنَحْوه من سلسلة حَدِيد أَو قد.

وَقَوله: وهوان أَي: وَعِنْده هوان أَي: إهانة النَّفس فِي الْحَرْب. - وَقَوله: ووفاء أَي: وَعِنْده وَفَاء إِذا أجرت أحدا من أَن يَظْلمه ظَالِم فيفي بِإِجَارَة من أَجَارَ من أصدقائه فَكيف لَا يَفِي هُوَ بِإِجَارَة من يجيره. وَهَذَا خطاب لكل من يصلح مَعَه الْخطاب.) وَكَذَا قَوْله: وَعَطَاء إِذا سَأَلت أَي: وَعِنْده عَطاء إِذا سَأَلته. والعذرة بِالْكَسْرِ: الْعذر أَي: هُوَ يُعْطي وَلَا يعْتَذر كَمَا أَن البخلاء يَعْتَذِرُونَ وَلَا يُعْطون. وَعز من الْعِزَّة وَهِي الْقلَّة. والحبال مستعارة للعهود. والأريحي: الَّذِي يرتاح للعطاء. والصلت بِالْفَتْح قَالَ شَارِحه: هُوَ الْقَاطِع. والراكد: الْقَائِم فَيكون قيامهم مصدرا تشبيهياً. والغرام بِالْفَتْح قَالَ شَارِحه: هُوَ الموجع. وَقَوله: يهب الجلة بِالْكَسْرِ جمع جليل وَهِي الْإِبِل المسنة. والجراجر بجيمين قَالَ صَاحب الصِّحَاح: هِيَ الْعِظَام من الْإِبِل. وَأنْشد هَذَا الْبَيْت. قَالَ: وَكَذَلِكَ الجرجور. وَقَالَ شَارِحه: ويروى: الجراجير جمع جرجور وَهِي الْإِبِل الْكَثِيرَة. وتحنو: تعطف. والدردق: الصغار من أَوْلَادهَا شبهها بالبستان. وَقَوله: والبغايا أَي: ويهب البغايا قَالَ شَارِحه: البغايا هُنَا: أَوْلَاد الْإِمَاء. والإضريج: الْأَخْضَر من الْخَزّ. وَفِي الصِّحَاح: الشرعبي: ضرب من البرود.

وَقَوله: والمكاكيك أَي: ويهب المكاكيك قَالَ شَارِحه: المكاكيك: آنِية يشرب فِيهَا الْخمر. والصحاف: القصاع. والضامرات: النجب من الْإِبِل. وَقَوله: وجياداً أَي: ويهب خيلاً جياداً. والقضب: جمع قضيب وَهُوَ فرع الشّجر شبهها بِهِ لضمرها. والشوحط: ضرب من شجر الْجبَال يتَّخذ مِنْهُ القسي. قَالَ شَارِحه: والشكة: السِّلَاح الْكَامِل. - وَقَوله: ودروعاً أَي: ويهب دروعاً. قَالَ شَارِحه: الوسوق: الْأَحْمَال جمع وسق. ويحملن: بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول. وَكَذَلِكَ قَوْله: لم ينشرن. وَقَوله: رب رفد هرقته ... إِلَخ خطاب مَعَ الْأسود بن الْمُنْذر يمدحه بِكَثْرَة قَتله وَكَثْرَة أسره. وَقَوله: وشيوخ بِالْجَرِّ عطف على مَدْخُول رب. وَكَذَا قَوْله: وَنسَاء يقدر فِي الثَّلَاثَة سبيتهم. وحربي: جمع حريب من حَرْب الرجل مَاله أَي: سلبه فَهُوَ محروب وحريب. وَقَوله: وشريكين مَعْطُوف أَيْضا على مجرور رب وَهُوَ فِي مَحل رفع على الِابْتِدَاء. وَفِي كثير مُتَعَلق بِهِ وَجُمْلَة: قسما من الْفِعْل وَالْفَاعِل خَبره.) وصرعى: جمع صريع أَي: مقتول. والمحالفة: المصاحبة. والإقلال: الْفقر وَالْحَاجة. والطارف: المَال المستحدث. والتليد: المَال الْقَدِيم وحرف الْعَطف مِنْهُ مَحْذُوف. وَالْغنم بِالضَّمِّ: الْغَنِيمَة. وآبا: رجعا. يَقُول: كَانَا فقيرين فَلَمَّا غزوا مَعَك استغنيا قسما بَينهمَا مَال الْغَنِيمَة الَّذِي كَانَ عِنْد صَاحبه طارفاً وتليداً. قَالَ أَبُو عبيد الْبكْرِيّ فِي مُعْجم مَا استعجم: أريك بِفَتْح الْهمزَة وَكسر الرَّاء المهلمة وَآخره كَاف: مَوضِع فِي ديار غَنِي بن يعصر. وَقَالَ

أَبُو عُبَيْدَة: أريك فِي بِلَاد ذبيان قَالَ: وهما أريكان: أريك الْأسود وأريك الْأَبْيَض. والأريك: الْجَبَل الصَّغِير. قَالَ: وبشط أريك قتل الْأسود بني ذبيان وَبني دودان وسبى نِسَاءَهُمْ. قَالَ الْأَعْشَى فِي مدح الْأسود: وشيوخ صرعى بشط أريك ... ... ... ... الْبَيْت ويدلك على أَن أريكاً جبل مشرف قَول جَابر بن حني يصف نَاقَة: الطَّوِيل (تصعد فِي بطحاء عرق كَأَنَّمَا ... ترقى إِلَى أَعلَى أريك بسلم) وَقَالَ الْأَخْفَش: إِنَّمَا سمي أريكاً لِأَنَّهُ جبل كثير الْأَرَاك. انْتهى. وَقَالَ أَيْضا فِي شرح أمالي القالي: هَذَا الْيَوْم الَّذِي ذكره فِي قَوْله: رب رفد هرقته ذَلِك الْيَوْم هُوَ الْيَوْم الَّذِي أغار فِيهِ الْأسود بن الْمُنْذر على الطف فَأصَاب نعما وَأسرى من بني سعد بن ضبيعة رَهْط الْأَعْشَى وَذَلِكَ منصرفة من غَزْو الحليفين أَسد وذبيان. وَكَانَ الْأَعْشَى غَائِبا فَلَمَّا قدم وجد الْحَيّ مُبَاحا فأنشده هَذِه القصيدة وَسَأَلَهُ أَن يهب لَهُ الأسرى فَفعل. انْتهى. والطف: مَوضِع بِنَاحِيَة الْعرَاق من أَرض الْكُوفَة وَهُنَاكَ الْموضع الْمَعْرُوف بكربلاء الَّذِي قتل فِيهِ الْحُسَيْن بن عَليّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما. وَقَول الْبكْرِيّ فِي مُعْجَمه: وَالصَّحِيح أَن الطف على فرسخين من الْبَصْرَة غلط وَخطأ. وَسبب غَزْو الحليفين هُوَ مَا ذكره الْأَصْبَهَانِيّ فِي الأغاني: أَن الْحَارِث

بن ظَالِم المري لما قتل خَالِد بن جَعْفَر بن كلاب العامري وَهُوَ نَازل عِنْد النُّعْمَان بن الْمُنْذر سَأَلَ الْأسود بن الْمُنْذر عَن أَمر يبلغ من الْحَارِث فَقَالَ عُرْوَة بن عتبَة: إِن لَهُ جارات وَلَا أَرَاك تنَال مِنْهُ شَيْئا هُوَ أغْلظ عَلَيْهِ) من أخذهن وَأخذ أموالهن. فَفعل فَبلغ ذَلِك الْحَارِث بن ظَالِم فَخرج من الْحَيَّيْنِ فَدخل فِي غمار النَّاس حَتَّى عرف مَوضِع جاراته ومرعى إبلهن فجمعهن مَعَ أموالهن وَسَار مَعَهُنَّ حَتَّى استقذهن. - قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: وَلحق بِبِلَاد قومه مستخفياً وَكَانَت أُخْته سلمى بنت ظَالِم عِنْد سِنَان بن أبي حَارِثَة المري وَكَانَ الْأسود بن الْمُنْذر دفع إِلَيْهَا ابْنه شُرَحْبِيل تكفله وَكَانَت بنت كثير بن ربيعَة من بني غنم بن دودان امْرَأَة سِنَان ترْضِعه وَهِي أم هرم. فجَاء الْحَارِث بن ظَالِم وَكَانَ قد اندس بِلَاد غطفان فاستعار سرج سِنَان وَلَا يعلم سِنَان وهم نزُول بالشربة فَأتى أُخْته سلمى فَقَالَ: يَقُول لَك بعلك: ابعثي بِابْن الْملك مَعَ الْحَارِث حَتَّى أستأمن لَهُ مِنْهُ وَهَذَا سَرْجه آيَة إِلَيْك. فزينته ثمَّ دَفعته إِلَى الْحَارِث فَأتى بالغلام نَاحيَة من الشربة فَقتله وهرب فغزا الْأسود بني ذبيان وَبني أَسد إِذْ نقضوا الْعَهْد بشط أريك. قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: هما أريكان: الْأسود والأبيض وَلَا أَدْرِي بِأَيِّهِمَا كَانَت الْوَقْعَة. قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: إِن سلمى امْرَأَة سِنَان الَّتِي أَخذ الْحَارِث شُرَحْبِيل من عِنْدهَا من بني أَسد فَقتل فيهم قتلا ذريعاً وسبى لدفع الأَسدِية ابْنه إِلَى الْحَارِث. وَفِي ذَلِك يَقُول الْأَعْشَى يمدح الْأسود: ...

(وشيوخ صرعى بشط أريك ... وَنسَاء كأنهن السعالي) (من نواصي دودان إِذْ نقضوا العه ... د وذبيان والهجان الغوالي) (رب رفد هرقته ذَلِك اليو ... م وَأسرى من معشر أقتال) (هؤلا ثمَّ هؤلا كلا احذي ... ت نعالاً محذوة بمثال) قَالَ: وَوجدت نعل شُرَحْبِيل عِنْد أضاخ بِضَم الْألف وبالمعجمتين وَهِي من الشربة من ديار بني محَارب بن خصفة بن قيس عيلان. قَالَ: فأحمى لَهُم الْأسود الصَّفَا بصحراء أضاخ وَقَالَ لَهُم: إِنِّي أحذيكم نعالاً. فأمشاهم على ذَلِك الصَّفَا فتساقط لحم أَقْدَامهم. - فَلَمَّا كَانَ الْإِسْلَام هجا جوشن الْكِنْدِيّ بني محَارب فعيرهم بتحريق الْأسود أَقْدَامهم فَقَالَ: الطَّوِيل (على عهد كسى نعلتكم مُلُوكنَا ... صفا من أضاخ حامياً يتهلب)) وَصَارَ ذَلِك مثلا يتوعد بِهِ الشُّعَرَاء. وَمثل ذَلِك أَن ابْن عباد الْكلابِي ورد على بني البوس من جديلة طَيئ فسرقوا سهاماً لَهُ فَقَالَ يُحَذرهُمْ: الطَّوِيل (بني البوس ردوا أسهمي إِن أسهمي ... كنعل شُرَحْبِيل الَّتِي فِي محَارب) وَإِنَّمَا فعل الْأسود ذَلِك ببني محَارب من أجل نعل شُرَحْبِيل الَّتِي وجدت عِنْدهم. انْتهى. وَقَوله: لن يزَالُوا بِالْيَاءِ التَّحْتِيَّة بضمير الْغَيْبَة الرَّاجِع لمجموع من ذكر مِمَّن قتلوا وأسروا ونهبواً من الْأَعْدَاء وَمِمَّنْ غزا مَعَه وَقتل وغنم من الْأَوْلِيَاء. وَقَوله: لَا زلت بِالْخِطَابِ وَلَهُم بضمير الْغَيْبَة. فَظهر من هَذَا أَن رِوَايَته فِي كتب النَّحْو لن تزالوا بِالْخِطَابِ وَلَا زلت

(الشاهد الثامن والتسعون بعد السبعمائة)

لكم بالتكلم وَالْخطاب على خلاف الرِّوَايَة الصَّحِيحَة. وترجمة الْأَعْشَى تقدّمت فِي الشَّاهِد الثَّالِث وَالْعِشْرين من أَوَائِل الْكتاب. وَهُوَ شَاعِر جاهلي. وَقد اشْتبهَ على الْعَيْنِيّ فَقَالَ: قَائِل: (رب رفد هرقته ذَلِك اليو ... م ... ... ... ... ... الْبَيْت ) أعشى هَمدَان واسْمه عبد الرَّحْمَن بن عبد الرَّحْمَن. وَلَا يخفى أَن هَذَا الشَّاعِر إسلامي فِي الدولة المروانية زمن الْحجَّاج وَلم يكن فِي زمن الْأسود بن الْمُنْذر. وَأنْشد بعده (الشَّاهِد الثَّامِن وَالتِّسْعُونَ بعد السبعمائة) الْكَامِل (إِن يَقْتُلُوك فَإِن قَتلك لم يكن ... عاراً عَلَيْك وَرب قتل عَار) على أَن الْأَخْفَش اسْتدلَّ بِهِ على اسمية رب فَهِيَ مُبْتَدأ وعار خَبَرهَا. وَأَقُول: مَفْهُوم أَنه يجوز على خلاف الأولى مَا ذكره الْأَخْفَش وَهُوَ خلاف مَا اخْتَار فِيهَا من أَنَّهَا مُبْتَدأ لَا خبر لَهُ فَكَانَ الظَّاهِر على مذْهبه أَن لَا يذكر الأولى. وَمن جعل رب حرف جر زَائِدا لَا يتَعَلَّق بِشَيْء قَالَ: قتل الْمَجْرُور فِي مَحل مُبْتَدأ مَرْفُوع وعار خَبره وَمَا فِي رب من معنى التكثير هُوَ الْمُخَصّص لابتدائيه قتل.

- وَاقْتصر ابْن عُصْفُور فِي كتاب الضرائر على أَن الضَّمِير الْوَاقِع مُبْتَدأ مَحْذُوف وَالْجُمْلَة صفة لقتل لَكِن جعل حذفه ضَرُورَة. وَكَذَا خرجه ابْن هِشَام فِي الْأَشْيَاء الَّتِي تحْتَاج إِلَى الرَّبْط من الْبَاب الرَّابِع من الْمُغنِي إِلَّا أَنه لم يُقَيِّدهُ بضرورة. وَقيل فِيهِ غير ذَلِك. وروى أَيْضا: وَبَعض قتل عَار فَلَا شَاهد فِيهِ. قَالَ ابْن السَّيِّد فِيمَا كتبه على كَامِل الْمبرد: قَالَ أَبُو الْعَبَّاس الْمبرد: هَكَذَا أنْشدهُ النحويون وَرب قتل عَار على إِضْمَار هُوَ عَار. وأنشدنيه الْمَازِني: وَبَعض قتل عَار وَهُوَ الْوَجْه. وَالْبَيْت من قصيدة لِثَابِت قطنة رثى بهَا يزِيد بن الْمُهلب بن أبي صفرَة أورد مِنْهَا أَرْبَعَة أَبْيَات الشريف الْحُسَيْنِي فِي حماسته وَبعده: (شهدتك من يمن عصائب ضيعت ... ونأى الَّذين بهم يصاب الثار) (حَتَّى إِذا شَرق القنا وجعلتهم ... تَحت الأسنة أسلموك وطاروا) وَاقْتصر الجاحظ فِي الْبَيَان والتبيين مِنْهَا على الثَّلَاثَة أَبْيَات وَكَذَلِكَ صَاحب الأغاني وَهِي: (كل الْقَبَائِل بايعوك على الَّذِي ... تَدْعُو إِلَيْهِ طائعين وَسَارُوا) (حَتَّى إِذا حمي الوغى وجعلتهم ... نصب الأسنة أسلموك وطاروا) إِن يَقْتُلُوك فَإِن قَتلك لم يكن ... ... ... ... ... ... الْبَيْت والعصائب: جمع عِصَابَة وَهِي الْجَمَاعَة. وشرق القنا أَي: احْمَرَّتْ

الرماح بِالدَّمِ. وأسلموك: خذلوك وَلم يعينوك. والأسنة: جمع سِنَان وَهِي حَدِيدَة الرمْح الَّتِي يطعن بهَا. وَنصب الأسنة:) قبالتها وجهتها. والوغى: الْحَرْب. وحميها عبارَة عَن اشتدادها. - وَقَوله: إِن يَقْتُلُوك فَإِن قَتلك أَرَادَ: إِن يفتخروا بِسَبَب قَتلك أَو إِن يتَبَيَّن أَنهم قتلوك. وَقَوله: كل الْقَبَائِل بايعوك ... إِلَخ يُرِيد أَنه خلع يزِيد بن عبد الْملك ورام الْخلَافَة لنَفسِهِ فِي الْبَصْرَة فَجهز يزِيد بن عبد الْملك لقتاله أَخَاهُ مسلمة بن عبد الْملك وَخرج يزِيد بن الْمُهلب واستخلف على الْبَصْرَة وَلَده مُعَاوِيَة بن يزِيد وَسَار حَتَّى نزل الْعقر ويه عقر بابل عِنْد الْكُوفَة بِالْقربِ من كربلاء ثمَّ أقبل مسلمة بن عبد الْملك حَتَّى نزل على يزِيد بن الْمُهلب فاصطفوا فَشد أهل الْبَصْرَة على أهل الشَّام فكشفوهم. ثمَّ إِن أهل الشَّام كَثُرُوا عَلَيْهِم فكشفوهم وَمَا زَالَ الْحَرْب بَينهم ثَمَانِيَة أَيَّام حَتَّى كَانَ يَوْم الْجُمُعَة لأَرْبَع عشرَة لَيْلَة مَضَت من صفر سنة اثْنَتَيْنِ وَمِائَة وَشرع أَصْحَاب ابْن الْمُهلب يَتَسَلَّلُونَ من حوله وَبقيت مَعَه جمَاعَة فقاتل حَتَّى قتل هُوَ وَأَخُوهُ مُحَمَّد بن الْمُهلب وَجَمَاعَة من أَهله. وثابت قطنة هُوَ كَمَا فِي الأغاني ثَابت بن كَعْب وَقيل: ابْن عبد الرَّحْمَن بن كَعْب ويكنى أَبَا الْعَلَاء أَخُو بني أَسد بن الْحَارِث بن العتيك. وَقيل: بل هُوَ مولى لَهُم. ولقب قطنة لِأَن سَهْما أصَاب إِحْدَى عَيْنَيْهِ فَذهب بهَا فِي بعض حروب التّرْك فَكَانَ يحشوها قطنة. وَهُوَ شَاعِر فَارس شُجَاع من شعراء الدولة الأموية. وَكَانَ من أَصْحَاب

يزِيد بن الْمُهلب وَكَانَ يوليه أعمالاً من أَعمال الثغور فيحمد فِيهَا مَكَانَهُ لكفايته وشجاعته. وَكَانَ ولي عملا من أَعمال خُرَاسَان فَلَمَّا صعد الْمِنْبَر يَوْم الْجُمُعَة رام الْكَلَام فَتعذر عَلَيْهِ وَحصر فَقَالَ: سَيجْعَلُ الله بعد عسر يسرا وَبعد عي بَيَانا وَأَنْتُم إِلَى أَمِير فعال أحْوج مِنْكُم إِلَى أَمِير قَوَّال. (وَإِلَّا أكن فِيكُم خَطِيبًا فإنني ... بسيفي إِذا جد الوغى لخطيب) فبلغت كَلِمَاته خَالِد بن صَفْوَان وَقيل الْأَحْنَف بن قيس فَقَالَ: وَالله مَا علا الْمُنِير أَخطب مِنْهُ فِي كَلِمَاته هَذِه وَلَو أَن كلَاما استخفني فَأَخْرجنِي من بلادي إِلَى قَائِله اسْتِحْسَانًا لَهُ لأخرجتني وَرُوِيَ عَن دعبل بن عَليّ قَالَ: كَانَ يزِيد بن الْمُهلب تقدم إِلَى ثَابت قطنة أَن يُصَلِّي بِالنَّاسِ يَوْم الْجُمُعَة فَلَمَّا صعد الْمِنْبَر وَلم يطق الْكَلَام قَالَ حَاجِب الملقب بالفيل ابْن ذبيان الْمَازِني:

الْبَسِيط (أَبَا الْعَلَاء لقد لقِيت معضلة ... يَوْم الْعرُوبَة من كرب وتحنيق) (أما الْقرَان فَلم تخلق لمحكمه ... وَلم تسدد من الدُّنْيَا لتوفيق)) (لما رمتك عُيُون النَّاس هبتهم ... فكدت تشرق لما قُمْت بالريق) (تلوي اللِّسَان وَقد رمت الْكَلَام بِهِ ... كَمَا هوى زلق من شَاهِق النيق) وَمن هجوه فِيهِ: الْبَسِيط (لَا يعرف النَّاس مِنْهُ غير قطنته ... وَمَا سواهَا من الْأَنْسَاب مَجْهُول) قَالَ دعبل: بَلغنِي أَن ثَابت قطنة قَالَ هَذَا الْبَيْت فِي نَفسه وخطر بِبَالِهِ يَوْمًا فَقَالَ: لَا يعرف النَّاس مِنْهُ غير قطنته ... ... ... ... ... الْبَيْت وَقَالَ: هَذَا بَيت سَوف أهجى بِهِ. وأنشده جمَاعَة من أَصْحَابه وَأهل الرِّوَايَة وَقَالَ: اشْهَدُوا إِنِّي قَائِله. فَقَالُوا: وَيحك مَا أردْت أَن تهجو نَفسك بِهِ وَلَو بَالغ عَدوك مَا زَاد على هَذَا. فَقَالَ: لَا بُد من أَن يَقع على خاطر غَيْرِي فَأَكُون قد سبقته إِلَيْهِ فَلَمَّا هجاه بِهِ حَاجِب الْفِيل استشهدهم على أَنه هُوَ قَائِله. فَشَهِدُوا على ذَلِك فَقَالَ يرد على حَاجِب: الْبَسِيط قَالَ أَبُو الْفرج الْأَصْبَهَانِيّ: وَنسخت من كتاب بِخَط المرهبي الْكُوفِي فِي شعر ثَابت قطنة قَالَ: لما ولي سعيد بن عبد الْعَزِيز بن الْحَارِث

بن الحكم بن أبي الْعَاصِ بن أُميَّة خُرَاسَان بعد عزل عبد الرَّحْمَن بن نعيم جلس يعرض النَّاس وَعِنْده حميد الرُّؤَاسِي وَعبادَة الْمحَاربي فَلَمَّا دَعَا بِثَابِت قطنة تقدم وَكَانَ تَامّ السِّلَاح جواد الْفرس فَارِسًا من الفرسان فَسَأَلَ عَنهُ فَقيل: هَذَا ثَابت قطنة وَهُوَ أحد فرسَان الثغور. فأمضاه وَأَجَازَ على اسْمه فَلَمَّا انْصَرف قَالَ لَهُ حميد وَعبادَة: هَذَا أصلحك الله الَّذِي يَقُول: الْكَامِل (إِنَّا لضرابون فِي حمس الوغى ... رَأس الْخَلِيفَة إِن أَرَادَ صدودا) فَقَالَ سعيد: عَليّ بِهِ. فَردُّوهُ وَهُوَ يُرِيد قَتله فَقَالَ لَهُ: أَنْت الْقَائِل: إِنَّا لضرابون الْبَيْت فَقَالَ: نعم أَنا الْقَائِل: (إِنَّا لضرابون فِي حمس الوغى ... رَأس المتوج إِن أَرَادَ صدودا) (عَن طَاعَة الرَّحْمَن أَو خلفائه ... إِن رام إفساداً وكر عنودا) فَقَالَ لَهُ سعيد: أولى لَك لَوْلَا أَنَّك خرجت مِنْهُ لضَرَبْت عُنُقك. وروى الْأَصْبَهَانِيّ بِسَنَدِهِ إِلَى أبي عُبَيْدَة قَالَ: كَانَ ثَابت قطنة قد جَالس قوما من الشراة وقوماً) من المرجئة كَانُوا يَجْتَمعُونَ فيتجادلون بخراسان فَمَال إِلَى قَول المرجئة وأحبه فَلَمَّا اجْتَمعُوا بعد ذَلِك أنشدهم قصيدة قَالَهَا فِي الإرجاء: الْبَسِيط (يَا هِنْد إِنِّي أَظن الْعَيْش قد نفدا ... وَلَا أرى الْأَمر إِلَّا مُدبرا نكدا) (إِنِّي رهينة يَوْم لست سابقه ... إِلَّا يكن يَوْمنَا هَذَا فقد أفدا) (بَايَعت رَبِّي بيعا إِن وفيت بِهِ ... جَاوَرت قلبِي كراماً جاوروا أحدا) يَا هِنْد فاستمعي لي إِن سيرتنا أَن نعْبد الله لم نشْرك بِهِ أحدا (نرجي الْأُمُور إِذا كَانَت مشبهة ... ونصدق القَوْل فِيمَن جَار أَو عندا) (الْمُسلمُونَ على الْإِسْلَام كلهم ... وَالْمُشْرِكُونَ اسْتَووا فِي دينهم قددا)

(الشاهد التاسع والتسعون بعد السبعمائة)

(وَلَا أرى أَن ذَنبا بَالغ أحدا ... م النَّاس شركا إِذا مَا وحدوا الصمدا) (لَا نسفك الدَّم إِلَّا أَن يُرَاد بِنَا ... سفك الدِّمَاء طَرِيقا وَاحِدًا جددا) (من يتق الله فِي الدُّنْيَا فَإِن لَهُ ... أجر التقي إِذا وفى الْحساب غَدا) (وَمَا قضى الله من أَمر فَلَيْسَ لَهُ ... رد وَمَا يقْض من شَيْء يكن رشدا) (كل الْخَوَارِج مخط فِي مقَالَته ... وَلَو تعبد فِيمَا قَالَ واجتهدا) (وَكَانَ بَينهمَا شغب وَقد شَهدا ... شقّ الْعَصَا وبعين الله مَا شَهدا) (يجزى عَليّ وَعُثْمَان بسعيهما ... وَلست أَدْرِي بِحَق أَيَّة وردا) (الله يعلم مَاذَا يحْضرَانِ بِهِ ... وكل عبد سيلقى الله مُنْفَردا) وَأطَال الْأَصْبَهَانِيّ تَرْجَمته وَفِيمَا أوردنا كِفَايَة. وَأنْشد بعده: يَا رب هيجا هِيَ خير من دَعه وَتقدم شَرحه قبل بَيْتَيْنِ. وَأنْشد بعده (الشَّاهِد التَّاسِع وَالتِّسْعُونَ بعد السبعمائة) الْخَفِيف (رُبمَا ضَرْبَة بِسيف صقيل ... بَين بصرى وطعنة نجلاء) على أَن مَا الْمُتَّصِلَة ب رب فِيهِ زَائِدَة لَا كَافَّة وَلذَا عملت رب الْجَرّ فِي ضربةٍ.

وَمن الْعَجَائِب قَول الْعَيْنِيّ: كلمة رب دخلت عَلَيْهَا مَا الكافة وَلَكِن مَا كفتها عَن الْعَمَل هَاهُنَا وَقَوله: بِسيف مُتَعَلق بضربة. صقيل بِمَعْنى مصقول أَي: مجلو صفة لسيف. وطعنة بِالْجَرِّ مَعْطُوف على ضَرْبَة. ونجلاء: بالنُّون وَالْجِيم. والنجلاء: الواسعة الْبَيِّنَة الاتساع من قَوْلهم: عين نجلاء أَي: وَاسِعَة. وَهِي صفة طعنة وجرها بالكسرة للضَّرُورَة. وَقَوله: بَين بصرى ظرف مُتَعَلق بضربة وَيقدر مثله لطعنة. وَبصرى بِضَم الْمُوَحدَة وَسُكُون الصَّاد الْمُهْملَة وَالْقصر: بلد قرب الشَّام هِيَ كرْسِي حوران كَانَ يقوم فِيهَا سوق للجاهلية. وَقد قدمهَا رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ مرَّتَيْنِ: مرّة مَعَ عَمه أبي طَالب وَأُخْرَى فِي تِجَارَة لسيدتنا خَدِيجَة أم الْمُؤمنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها. وَإِنَّمَا صَحَّ إِضَافَة بَين إِلَى بصرى لاشتمالها على مُتَعَدد من الْأَمْكِنَة أَي: بَين أَمَاكِن بصرى ونواحيها. وروى الشريف الْحُسَيْنِي فِي حماسته: دون بصرى. وَدون هُنَا بِمَعْنى قبل أَو بِمَعْنى خلف. وَقَالَ الْعَيْنِيّ: بِمَعْنى عِنْد. وَالْبَيْت أول أَبْيَات سِتّ لعدي بن الرعلاء الغساني أوردهَا الأعلم والشريف الْحُسَيْنِي فِي حماستيهما. وَبعده: (وغموس تضل فِيهَا يَد الآ ... سي ويعيا طبيبها بالدواء) (فصبرنا النُّفُوس لِلطَّعْنِ حَتَّى ... جرت الْخَيل بَيْننَا فِي الدِّمَاء) (لَيْسَ من مَاتَ فاستراح بميت ... إِنَّمَا الْمَيِّت ميت الْأَحْيَاء) (إِنَّمَا الْمَيِّت من يعِيش كئيباً ... كاسفاً باله قَلِيل الرخَاء)

وَقَوله: وغموس بِالْجَرِّ عطف على نجلاء يُقَال: طعنة غموس: نَافِذَة. وَقَوله: تضل فِيهَا ... إِلَخ صفة كاشفة لغموس أَشَارَ بِهِ إِلَى سَعَة الطعنة وَبعد غورها. والآسي: المعالج الْجراح. ويعيا من عيي بِالْأَمر من بَاب تَعب: أَي: عجز عَنهُ وَلم يهتد) لوجهه. وَفِيه إِشَارَة إِلَى إِصَابَة الطعنة المقتل واليأس من علاجها. وَقَوله: رفعوا راية الضراب ... إِلَخ الرَّايَة: علم الْجَيْش قيل: أَصْلهَا الْهَمْز لَكِن الْعَرَب آثرت تَركه تَخْفِيفًا. وَقد أنكر هَذَا القَوْل بِأَنَّهُ لم يسمع الْهَمْز أصلا. والضراب: مصدر ضاربه بِالسَّيْفِ وَغَيره مُضَارَبَة وضراباً. - وَقَوله: وأعلوا مَعْطُوف على رفعوا وَإِنَّمَا رفعوا الرَّايَة وأعلوها تَأْكِيدًا للضراب وتشديداً. ويذودون: يطردون وَيمْنَعُونَ. والسامر: اسْم جمع بِمَعْنى السمار وهم الْقَوْم يتحدثون بِاللَّيْلِ. والملحاء بِفَتْح الْمِيم والحاء الْمُهْملَة: مَوضِع يدْفع فِيهِ وَادي ذِي الحليفة. كَذَا قَالَ الْبكْرِيّ فِي المعجم. وَهَذَا المصراع هُوَ معنى قَوْله: رفعوا راية الضراب. وَقَوله: إِنَّمَا الْمَيِّت ... إِلَخ الْمَيِّت بِسُكُون الْيَاء: مخفف ميت بتشديدها. وَفرق بَعضهم بِأَن الأول من وَقع عَلَيْهِ الْمَوْت وَالثَّانِي هُوَ الْحَيّ الَّذِي سيموت. وَقد ضمن البحتري هَذَا الْبَيْت فِي أَمْرَد طلعت لحيته فَقَالَ: الْخَفِيف (يَا قَتِيلا باللحية السَّوْدَاء ... آفَة المرد فِي خُرُوج اللحاء) ...

(شَاهِدي فِي ادِّعَاء موتك بَيت ... قَالَه شَاعِر من الشُّعَرَاء) (لَيْسَ من مَاتَ فاستراح بميت ... إِنَّمَا الْمَيِّت ميت الْأَحْيَاء) والكئيب: الحزين. وكاسفاً وقليلاً منصوبان من كسفت حَال الرجل من بَاب ضرب إِذا ساءت. والبال: الْحَال فَاعل كاسفاً. والرخاء الْمُعْجَمَة: اسْم من رخي الْعَيْش ورخو من بَابي تَعب وَقرب إِذا اتَّسع فَهُوَ رخي على فعيل. وَهَذَا الْبَيْت أوردهُ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي على أَن الْحَال قد يتَوَقَّف معنى الْكَلَام عَلَيْهَا كَمَا هُنَا فَإِن كئيباً حَال وَلَا معنى لما قبله بِدُونِهِ. - وَهَذِه الأبيات من قصيدة أوردا مِنْهَا هَذَا الْمِقْدَار. وَبعد السَّادِس: وَمِنْهَا: (كم تركنَا مِنْكُم بِعَين أباغ ... من مُلُوك وسوقة ألقاء) (فرقت بَينهم وَبَين نعيم ... ضَرْبَة فِي صفيحة نجلاء)) والعشار: جمع عشراء وَهِي النَّاقة. وأباغ بِضَم الْهمزَة وَفتحهَا بعْدهَا

مُوَحدَة ثمَّ غين: مَوضِع بِطرف الشَّام. وهنالك أوقع الْحَارِث الغساني الحراب وَهُوَ يدين لقيصر بالمنذر بن الْمُنْذر وبعرب الْعرَاق وهم يدينون لكسرى وَقتل الْمُنْذر يَوْمئِذٍ قَتله شمر بن عَمْرو من بني حنيفَة. كَذَا فِي المعجم للبكري. وعدي بن الرعلاء شَاعِر جاهلي. والرعلاء اسْم أمه اشْتهر بهَا. وَهِي بِفَتْح الرَّاء وَسُكُون الْعين الْمُهْمَلَتَيْنِ بعْدهَا لَام فألف ممدودة. كَذَا ضَبطه العسكري فِي كتاب التَّصْحِيف. وَأنْشد بعده: ماوي يَا ربتما غَارة وَتقدم شَرحه قَرِيبا وَأنْشد بعده الْخَفِيف (وَرُبمَا الجامل المؤبل فيهم ... وعناجيج بَينهُنَّ المهار) على أَن رب المكفوفة بِمَا لَا تدخل على الْفِعْل عِنْد سِيبَوَيْهٍ. وَهَذَا الْبَيْت شَاذ عِنْده لدُخُول رب المكفوفة فِيهِ على الْجُمْلَة الاسمية فَإِن الجامل مُبْتَدأ والمؤبل صفته وَفِيهِمْ هُوَ الْخَبَر وَتَكون رب كَمَا قَالَ أَبُو حَيَّان من حُرُوف الِابْتِدَاء تدخل على الْجمل فعلية كَانَت أَو اسمية للقصد إِلَى تقليل النِّسْبَة المفهومة من الْجُمْلَة. فَإِذا قلت: رُبمَا قَامَ زيد كَأَنَّك قللت النِّسْبَة المفهومة من قيام زيد. وَكَذَلِكَ إِذا قلت: رُبمَا زيد

شَاعِر قللت نِسْبَة شعر زيد. وَنقل التبريزي عَن المُصَنّف فِي شرح هَذِه الْمُقدمَة أَن رب المكفوفة نقلت من معنى التقليل إِلَى معنى التَّحْقِيق كَمَا نقلت قد الدَّاخِلَة على الْمُضَارع فِي نَحْو قَوْله تَعَالَى: قد يعلم مَا أَنْتُم عَلَيْهِ من معنى التقليل إِلَى معنى التَّحْقِيق. ودخولها على الْجُمْلَة الاسمية مَذْهَب الْمبرد والزمخشري وَابْن مَالك. - قَالَ فِي التسهيل: وَإِن ولي رُبمَا اسْم مَرْفُوع فَهُوَ مُبْتَدأ بعده خبر لَا خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف. وَمَا نكرَة مَوْصُوفَة خلافًا لأبي عَليّ. انْتهى. فَمَا عِنْد أبي عَليّ بِمَعْنى شَيْء والجامل خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي: هُوَ الجامل وَالْجُمْلَة الاسمية) صفة لَهُ فَيكون كَقَوْلِه: يَا رب هيجا هِيَ خير من دَعه وَقد تطلق على ذَوي الْعلم. حكى أَبُو زيد: سُبْحَانَ مَا سخركن لنا. وَقَالَ تَعَالَى: وَالسَّمَاء وَمَا بناها. وَقَالَ الشّعْر: الْخَفِيف رُبمَا ظاعن بهَا ومقيم أَي: رب إِنْسَان هُوَ ظاعن بِقَلْبِه مَعَ أحبته الَّذين ظعنوا عَن بلدته. قَالَ الْمرَادِي فِي شرح التسهيل: وخرجه ابْن عُصْفُور على تَخْرِيج أبي عَليّ. وَنسبه بَعضهم إِلَى الْجُمْهُور قَالَ: وَهُوَ الصَّحِيح إِذْ لَو كَانَ مَا اخْتَارَهُ المُصَنّف لسمع من كَلَامهم: رُبمَا زيد قَائِم بتصريح الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر. وَلم يسمع ذَلِك فِيمَا أعلم. انْتهى.

أَقُول: قَائِل هَذَا أَبُو حَيَّان. فَإِن قلت: أَلَيْسَ الْخَبَر وَهُوَ فيهم مُصَرحًا فِي الْبَيْت فَكيف يَدعِي عدم السماع. قلت: لَهُ أَن يمنعهُ بجعله ظرفا مُسْتَقرًّا على أَنه حَال من الضَّمِير فِي المؤبل. لَكِن مَا ذهب إِلَيْهِ فَاسد لِأَنَّهُ صحّح مَذْهَب الْفَارِسِي بِمَا أبْطلهُ لِأَنَّهُ هُوَ الْقَائِل بِأَن الْمَرْفُوع بعد رُبمَا خبر مُبْتَدأ أَي: رُبمَا هُوَ الجامل. فَذهب إِلَى أَنه لَو كَانَ هَذَا التَّقْدِير صَحِيحا لسمع من كَلَامهم: رُبمَا زيد قَائِم لَكِن لم يسمع. فَيلْزم من هَذَا أَن مَا ذهب إِلَيْهِ الْفَارِسِي بَاطِل من إِضْمَار الْمُبْتَدَأ وَإِظْهَار الْخَبَر إِذْ لَو جَازَ لسمع إِظْهَار الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر فِي كَلَامهم. على أَن نقُول: قد يُمكن أَن يكون فِي الْبَيْت مَا يُوجب تَصْحِيح مَا يُرِيد إِبْطَاله بِجعْل الجامل مُبْتَدأ وَفِيهِمْ الْخَبَر وَالْجُمْلَة صفة لما وَهِي بِمَعْنى نَاس وَلَا حذف لصِحَّة المعني عَلَيْهِ فَيكون الجزءان قد سمعا بعد رُبمَا. وَهُوَ عين مَا ادّعى عدم سَمَاعه. وَالله أعلم. وَالْبَيْت من قصيدة طَوِيلَة عدتهَا ثَمَانِيَة وَسَبْعُونَ لأبي دواد الْإِيَادِي. وَهَذِه أَبْيَات من أَولهَا: (أوحشت من سروب قومِي تعار ... فأروم فشابة فالستار) (بعد مَا كَانَ سرب قومِي حينا ... لَهُم الْخَيل كلهَا والبحار) (فَإلَى الدّور فالمروراة مِنْهُم ... فجفير فناعم فالديار)) (فقد امست دِيَارهمْ بطن فلج ... ومصير لصيفهم تعشار) (رُبمَا الجامل المؤبل فيهم ... وعناجيج بَينهُنَّ المهار) (وجواد جم الندى وضروب ... برقاق الظبات فِيهِ صعار) (ذَاك دهر مضى فَهَل لدهور ... كن فِي سالف الزَّمَان انكرار)

قَالَ شَارِح ديوانه يَعْقُوب بن السّكيت: أوحشت: أقفرت. وسروب: جمع سرب بِفَتْح فَسُكُون: المَال السارح من إبل وخيل وغنم وَغَيرهَا. وتعار وأروم وشابة والستار: مَوَاضِع وَالْأول بِكَسْر الْمُثَنَّاة الْفَوْقِيَّة بعْدهَا عين مُهْملَة. وَالثَّانِي بِفَتْح الْهمزَة وَضم الرَّاء الْمُهْملَة وَالثَّالِث بالشين الْمُعْجَمَة وَالْبَاء الْمُوَحدَة وَالرَّابِع بِكَسْر السِّين الْمُهْملَة بعْدهَا مثناة فوقية. والبحار: الرِّيف. قَالَ الْأَصْمَعِي: وَكَذَلِكَ البحور: الرِّيف. وَقَوله: فَإلَى الدّور ... إِلَخ قَالَ شَارِحه: الدّور: جوب تنجاب فِي الرمل. وَمَا بعد الدّور فأسماء مَوَاضِع وَالْأول بِفَتْح الْمِيم وَالرَّاء وَالثَّانِي بِفَتْح الْجِيم وَكسر الْفَاء وَالثَّالِث بالنُّون وَكسر الْعين الْمُهْملَة. وفلج بِفَتْح الْفَاء وَسُكُون اللَّام بعْدهَا جِيم. وَكَذَلِكَ تعشار بِكَسْر الْمُثَنَّاة الْفَوْقِيَّة وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة بعْدهَا شين مُعْجمَة. قَالَ شَارِحه: أَي: يحْضرُون فِي الصَّيف تعشاراً. وَقَوله: رُبمَا الجامل ... إِلَخ قَالَ شَارِحه: الجامل: الْجَمَاعَة من الْإِبِل لَا وَاحِد لَهَا من لَفظهَا. وَيُقَال: إبل مؤبلة إِذا كَانَت للْقنية. والعناجيج: الْخَيل الطوَال الْأَعْنَاق وَاحِدهَا عنجوج. انْتهى. فالجامل: اسْم جمع الْجمل كالباقر اسْم جمع الْبَقر. وَقَالَ الْجَوْهَرِي: الجامل: القطيع من الْإِبِل مَعَ رعاته وأربابه. والمؤبل: اسْم مفعول من أبل الرجل تأبيلاً أَي: اتخذ الْإِبِل واقتناها. وَضمير فيهم رَاجع لِقَوْمِهِ إِن كَانَت مَا بِمَعْنى شَيْء أَو كَافَّة وَلما إِن كنت بِمَعْنى نَاس وعناجيج بِالرَّفْع مَعْطُوف على الجامل. وَجُمْلَة: بَينهُنَّ المهار صفة لعناجيج

فالرابط مَحْذُوف أَي: فيهم. والمهار: جمع مهر بِكَسْر الْمِيم فِي الْجمع وَضمّهَا فِي الْمُفْرد وَهُوَ ولد الْفرس وَالْأُنْثَى مهرَة. قَالَ أَبُو حَيَّان فِي الارتشاف: وَرَوَاهُ بَعضهم: رُبمَا الجامل بجر الجامل على أَنه مجرور بِرَبّ وَمَا زَائِدَة. وَقَوله: وَرِجَال من الْأَقَارِب ... إِلَخ بانوا: بعدوا. وحذاق. مرخم حذاقة فِي غير النداء) وَهُوَ بِضَم الْمُهْملَة بعْدهَا ذال مُعْجمَة وقاف. قَالَ شَارِحه: حذاقة: بطن من إياد. وَرِجَال بِالرَّفْع مَعْطُوف على الجامل وَمن الْأَقَارِب فِي مَوضِع الصّفة لرجل وبانوا خبر رجال وَمن حذاق مُتَعَلق ببانوا. وَقَوله: وجواد ... إِلَخ الْجواد: الْكَرِيم وجم الندى كثير الْمَعْرُوف. والندى: السخاء يُقَال: فلَان أندى من فلَان كفا. والظبات: جمع ظبة وَهِي طرف السَّيْف. والصعار بِفَتْح الْمُهْمَلَتَيْنِ: العظمة وَالْخُيَلَاء. كَذَا فِي شَرحه. وجواد: مَعْطُوف على الجامل وجم: نَعته وضروب مَعْطُوف على جم وَجُمْلَة: فِيهِ صعار خبر جواد. وَقَوله: انكرار قَالَ شَارِحه: هُوَ انفعال من كريكر. وَأَبُو دواد بدالين مهملتين أولاهما مَضْمُومَة بعْدهَا وَاو: شَاعِر جاهلي. وَقَالَ ابْن قُتَيْبَة فِي كتاب الشُّعَرَاء قَالَ بَعضهم: اسْمه جَارِيَة بن الْحجَّاج. وَقَالَ الْأَصْمَعِي: هُوَ حَنْظَلَة بن الشَّرْقِي. وَكَانَ فِي عصر كَعْب بن مامة الْإِيَادِي الَّذِي أثر بِنَصِيبِهِ من المَاء رَفِيقه النمري فَمَاتَ عطشاً فَضرب بِهِ الْمثل فِي الْجُود. ورثاه أَبُو دَاوُد بقصيدة مِنْهَا: (لَا أعد الإقتار عدماً وَلَكِن ... فقد من قد رزئته الإعدام) ...

(من رجال من الْأَقَارِب بادوا ... من حذاق هم الرؤوس الْعِظَام) (فيهم للملاينين أَنَاة ... وعرام إِذا يُرَاد عرام) (فعلى إثرهم تساقط نَفسِي ... حسرات وَذكرهمْ لي سقام) وَكَانَ أجارة بعض الْمُلُوك فَأحْسن إِلَيْهِ. فَضرب الْمثل بجار أبي دواد. قَالَ طرفَة: الْبَسِيط (إِنِّي كفاني من أَمر هَمَمْت بِهِ ... جَار كجار الحذاقي الَّذِي انتصفا) وَهُوَ أحد نعات الْخَيل المجيدين. قَالَ الْأَصْمَعِي: هم ثَلَاثَة: أَبُو دواد فِي الْجَاهِلِيَّة وطفيل والجعدي. قَالَ: وَالْعرب لَا تروي شعر أبي دواد وعدي لِأَن ألفاظهما لَيست بنجدية. وَيُقَال: إِنَّمَا أجاره الْحَارِث بن همام بن مرّة بن ذهل بن شَيبَان. وَذَلِكَ أَن قباذ سرح جَيْشًا إِلَى إياد فيهم الْحَارِث بن همام فَاسْتَجَارَ بِهِ قوم من إياد فيهم أَبُو دواد فأجارهم. قَالَ قيس بن زُهَيْر بن جذيمة: الوافر (أَطُوف مَا أَطُوف ثمَّ آوي ... إِلَى جَار كجار أبي دواد))

وَقيل للحطيئة: من أشعر النَّاس قَالَ: الَّذِي يَقُول: (لَا أعد الإقتار عدماً وَلَكِن ... فقد من قد رزئته الإعدام) الأبيات: ويتمثل من شعره: المتقارب (أكل امْرِئ تحسبين امْرأ ... ونار تحرق بِاللَّيْلِ نَارا) وَمِمَّا سبق إِلَيْهِ فَأخذ عَنهُ قَوْله: المتقارب (نرى جارنا آمنا وَسطنَا ... يروح بِعقد وثيق السَّبَب) (إِذا مَا عَقدنَا لَهُ ذمَّة ... شددنا العناج وَعقد الكرب) (قوم إِذا عقدوا عقدا لجارهم ... شدوا العناج وشدوا فَوْقه الكربا) هَذَا مَا أوردهُ ابْن قُتَيْبَة. تمّ الْجُزْء التَّاسِع من خزانَة الْأَدَب

(الشاهد الواحد بعد الثمانمائة)

وَأنْشد بعده (الشَّاهِد الْوَاحِد بعد الثَّمَانمِائَة) (قتلنَا ونال الْقَتْل منا وَرُبمَا ... يكون على الْقَوْم الْكِرَام لنا الظفر) على أَن الربعِي زعم أَن الْمُضَارع بعد رُبمَا بِمَعْنى الْمَاضِي وَإِنَّمَا أَوله بكان لِأَن الْمَعْنى عَلَيْهَا إِذْ مُرَاد الشَّاعِر: إِن فَشَا فِينَا الْقَتْل فكثيراً مَا قتلنَا قوما كراماً قبل فَإِن الْحَرْب سِجَال: يَوْم لنا وَيَوْم علينا. وَبِهَذَا يحسن الِاعْتِذَار والتمدح لَا بانه سيحصل لَهُم الظفر. وَقد تقع كَانَ فِي مَوضِع يكون كَمَا قَالَ الشَّاعِر: (فأدركت من قد كَانَ قبلي وَلم أدع ... لمن كَانَ بعدِي فِي القصائد مصعدا) أَرَادَ: لمن يكون بعدِي. وقتلنا بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول ونال مِنْهُ بِمَعْنى أوهنه وفت فِي عضده. وَيُقَال: نَالَ من عدوه ينَال من وَأنْشد بعده

(الشاهد الثاني بعد الثمانمائة)

(الشَّاهِد الثَّانِي بعد الثَّمَانمِائَة) وَلَقَد يكون أَخا دم وذبائح على أَن الْمُضَارع مؤول بالماضي أَي: وَلَقَد كَانَ. وَإِنَّمَا أَوله بالماضي لِأَنَّهُ فِي مرثية ميت وَهُوَ إِخْبَار عَن شَيْء وَقع وَمضى لَا إِخْبَار عَمَّا سيقع لِأَنَّهُ غير مُمكن. قَالَ ابْن الشجري فِي أَمَالِيهِ: قَالَ أَبُو الْفَتْح عُثْمَان بن جني: قَالَ لي أَبُو عَليّ: سَأَلت يَوْمًا أَبَا بكر بن السراج عَن الْأَفْعَال يَقع بَعْضهَا موقع بعض فَقَالَ: كَانَ يَنْبَغِي للأفعال كلهَا أَن تكون مِثَالا وَاحِدًا لِأَنَّهَا لِمَعْنى وَاحِد وَلَكِن خُولِفَ بَين صيغها لاخْتِلَاف أَحْوَال الزَّمَان فَإِذا اقْترن بِالْفِعْلِ مَا يدل عَلَيْهِ من لفظ أَو حَال جَازَ وُقُوع بَعْضهَا فِي موقع بعض. قَالَ أَبُو الْفَتْح: وَهَذَا الْكَلَام من أبي بكر عَال سديد. انْتهى. وَهَذَا المصراع من قصيدة طَوِيلَة عدتهَا خَمْسُونَ بَيْتا لزياد الْأَعْجَم رثى بهَا الْمُغيرَة بن الْمُهلب بن أبي صفرَة أوردهَا القالي فِي ذيل الأمالي وَأورد أَكْثَرهَا ابْن خلكان فِي تَرْجَمَة وَالِده الْمُهلب (قل للقوافل والغزاة إِذا غزوا ... والباكرين وللمجد الرَّائِح) (إِن الشجَاعَة والسماحة ضمنا ... قبراً بمرو على الطَّرِيق الْوَاضِح) (فَإِذا مَرَرْت بقبره فاعقر بِهِ ... كوم الجلاد وكل طرف سابح) (وانضح جَوَانِب قَبره بدمائها ... فَلَقَد يكون أَخا دم وذبائح)

وَرويت هَذِه القصيدة للصلتان. فَقَالَ: هِيَ لزياد الْأَعْجَم أنْتَهى والقوافل جمع قافلة وَهِي الرّفْقَة الراجعة من سفرها إِلَى وطنها. والغزاة جمع غاز. وَبكر بكوراً من بَاب قعد: أسْرع فِي الذّهاب من أول النَّهَار. وَأَجد فِي الْأَمر: اجْتهد. والرائح: الرَّاجِع. وَقَوله: إِن الشجَاعَة والسماحة ... الخ هَذَا مقول القَوْل. وروى أَيْضا: إِن السماحة والمروءة. والسماحة: الْجُود وَالعطَاء. والمروءة: آدَاب نفسانية تحمل مراعاتها الْإِنْسَان على الْوُقُوف عِنْد محَاسِن الْأَخْلَاق وَجَمِيل الْعَادَات. يُقَال: مرؤ الْإِنْسَان وَهُوَ مريء كقرب فَهُوَ قريب أَي: ذُو مُرُوءَة. قَالَ الْجَوْهَرِي: وَقد تشدد فَيُقَال مروة. وضمنا بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول مُتَعَدٍّ لمفعولين أَحدهمَا: نَائِب) الْفَاعِل وَهُوَ ضمير التَّثْنِيَة وَالثَّانِي: قبراً. وَهُوَ مقلوب لِأَنَّهُ يُقَال: ضمنت الشَّيْء كَذَا أَي: وَفِي الْقلب هُنَا نُكْتَة كَأَنَّهُمَا لكثرتهما لَا يسعهما الْقَبْر فهما اشتملا على الْقَبْر وأحاطا بجوانبه. ومرو هُنَا هِيَ مرو الشاهجان لَا مرو الروذ وَكِلَاهُمَا فِي إقليم خُرَاسَان. قَالَ ابْن خلكان: وَمن سراة أَوْلَاد الْمُهلب أَبُو فراس الْمُغيرَة وَكَانَ أَبوهُ يقدمهُ فِي قتال الْخَوَارِج وَله مَعَهم وقائع مَشْهُورَة أبان فِيهَا عَن نجدة وصرامة وَكَانَ مَعَ أَبِيه فِي خُرَاسَان واستنابه بمرو الشاهجان وَتُوفِّي فِي حَيَاة أَبِيه سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ فِي رَجَب. انْتهى. وَرَأَيْت فِي هَامِش كتاب الشُّعَرَاء لِابْنِ قُتَيْبَة قَالَ الشريف: هَذَا الَّذِي رثاه

زِيَاد هُوَ الْمُغيرَة بن أبي صفرَة أَخُو الْمُهلب بن أبي صفرَة. انْتهى وَالله أعلم. وَهَذَا الْبَيْت اسْتشْهد بِهِ النحويون على أَنه أعَاد الضَّمِير إِلَى المؤنثين بضمير المذكرين. وَكَانَ الْقيَاس أَن يَقُول: ضمنتا وعده ابْن عُصْفُور من قبيل الضَّرُورَة. وَقد وَجهه الْفراء كَمَا نَقله السَّيِّد المرتضى فِي أَمَالِيهِ قَالَ: ذهب إِلَى أَن الشجَاعَة والسماحة مصدران وَالْعرب تَقول: قصارة الثَّوْب يُعجبنِي لِأَن تَأْنِيث المصادر يرجع إِلَى الْفِعْل وَهُوَ مُذَكّر. انْتهى. وَقَوله: فَإِذا مَرَرْت بقبره ... إِلَخ عقر الْبَعِير بِالسَّيْفِ عقراً من بَاب ضرب إِذا ضرب قوائمه والكوم بِالضَّمِّ: جمع كوماء بِالْفَتْح وَالْمدّ وَهِي النَّاقة السمينة. والجلاد بِكَسْر الْجِيم: جمع جلدَة بِفَتْحِهَا وَسُكُون اللَّام وَهِي أدسم الْإِبِل لَبَنًا. - والطرف بِالْكَسْرِ: الْأَصِيل من الْخَيل. والسابح بِالْمُوَحَّدَةِ من سبح الْفرس إِذا جرى. يُقَال: فرس سابح إِذا جرى بِقُوَّة. وَقَوله: انْضَحْ جَوَانِب. . إِلَخ النَّضْح بِالْحَاء الْمُهْملَة: الرش الْقَلِيل وبالخاء الْمُعْجَمَة: البل. يُقَال: نضح ثَوْبه إِذا بله فَهُوَ أبلغ من الأول. قَالَ ابْن السَّيِّد فِيمَا كتبه على كَامِل الْمبرد: اخْتلف فِي سَبَب عقرهم الْإِبِل على الْقُبُور فَقَالَ قوم: إِنَّمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِك مُكَافَأَة للْمَيت على مَا كَانَ يعقر من الْإِبِل فِي حَيَاته وينحره للأضياف. وَاحْتَجُّوا بقول الشَّاعِر:)

(وانضح جَوَانِب قَبره بدمائها ... فَلَقَد يكون أَخا دم وذبائح) وَقد قَالَ قوم: إِنَّمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِك إعظاماً للْمَيت كَمَا كَانُوا يذبحون للأصنام. وَقيل: إِنَّمَا كَانُوا يَفْعَلُونَهُ لِأَن الْإِبِل كَانَت تَأْكُل عِظَام الْمَوْتَى إِذا بليت فكأنهم يثأرون لَهُم فِيهَا. وَقيل: إِن الْإِبِل أنفس أَمْوَالهم فَكَانُوا يُرِيدُونَ بذلك أَنَّهَا قد هَانَتْ عَلَيْهِم لعظم الْمُصِيبَة. انْتهى. وَزِيَاد الْأَعْجَم هُوَ من شعراء الدولة الأموية أَبُو أُمَامَة زِيَاد بن سلمى مولى عبد الْقَيْس أحد بني عَامر. كَانَ ينزل إصطخر وَكَانَت فِيهِ لكنة فَلذَلِك قيل لَهُ الْأَعْجَم. قَالَه ابْن قُتَيْبَة فِي كتاب الشُّعَرَاء. وَقيل: كَانَت فِي لِسَانه عجمة ولأجلها قيل لَهُ: الْأَعْجَم. وَقيل: لِأَن مولده ومنشأه كَانَ بِفَارِس. وَكَانَ جزل الشّعْر وَحسن الْأَلْفَاظ على لكنته فِي لِسَانه. رُوِيَ أَنه دَعَا غُلَاما لَهُ ليرسله فِي حَاجَة فَأَبْطَأَ عَلَيْهِ فَلَمَّا جَاءَهُ قَالَ لَهُ: مُنْذُ دأوتك إِلَى أَن قلت لبي مَا كنت تصنأ يُرِيد: مُنْذُ دعوتك إِلَى أَن قلت لبيْك مَا كنت تصنع قَالَ ابْن قُتَيْبَة: هم الفرزدق بِهِجَاء عبد الْقَيْس فَبعث إِلَيْهِ زِيَاد: لَا تعجل حَتَّى أهدي لَك هَدِيَّة. فانتظرها زَمَانا ثمَّ بعث إِلَيْهِ: (فَمَا ترك الهاجون لي إِن هجوته ... مصحاً أرَاهُ فِي أَدِيم الفرزدق) (وَمَا تركُوا عظما يرى تَحت لَحْمه ... لكاسره أبقوه للمتعرق) (سأكسر مَا أبقوه لي من عِظَامه ... وأنكت مخ السَّاق مِنْهُ وأنتقي) ...

(وَإِنَّا وَمَا تهدي لنا إِن هجوتنا ... لكالبحر مهما يلق فِي الْبَحْر يغرق) وَفِي الأغاني: كَانَ الْمُهلب بن أبي صفرَة بخراسان فَخرج إِلَيْهِ زِيَاد ومدحه فَأمر لَهُ بجائزة وَأقَام أَيَّامًا فَبَيْنَمَا هُوَ يشرب مَعَ حبيب بن الْمُهلب فِي دَار لَهُ فِيهَا دالية عَلَيْهَا حمامة إِذْ سجعت الْحَمَامَة فَقَالَ: (تغني أَنْت فِي ذممي وعهدي ... وَذمَّة وَالِدي من أَن تضاري) (فَإنَّك كلما غنيت صَوتا ... ذكرت أحبتي وَذكرت دَاري) (وَإِمَّا يَقْتُلُوك طلبت ثأراً ... يباء بِهِ لِأَنَّك فِي جواري) فَقَالَ حبيب: يَا غُلَام هَات الْقوس. فَقَالَ لَهُ زِيَاد: وَمَا تصنع بهَا قَالَ: أرمي جارتك هَذِه.) قَالَ: وَالله لَئِن رميتها لأستعدين الْأَمِير عَلَيْك فَأتي بِالْقَوْسِ فَنزع لَهَا سَهْما فَقَتلهَا فَدخل زِيَاد على الْمُهلب فحدثه الحَدِيث فَقَالَ الْمُهلب: عَليّ بِهِ. فَأتي بحبيب فَقَالَ: أعْط أَبَا أُمَامَة دِيَة جارته ألف دِينَار. فَقَالَ: أَطَالَ الله بَقَاء الْأَمِير إِنَّمَا كنت أَلعَب فَقَالَ: أعْطه كَمَا أَمرتك. فَأعْطَاهُ وَشرب مَعَه مرّة ثَانِيَة فعربد عَلَيْهِ حبيب وَقد كَانَ مضطغناً عَلَيْهِ فشق قبَاء ديباج كَانَ عَلَيْهِ فَقَالَ: ...

(الشاهد الثالث بعد الثمانمائة)

(لعمري مَا الديباج خرقت وَحده ... ولكنما خرقت جلد الْمُهلب) فأحضر الْمُهلب حبيباً وَقَالَ: صدق زِيَاد مَا خرقت إِلَّا جلدي تبْعَث عَليّ هَذَا فيهجوني. - وَفِي تَارِيخ الذَّهَبِيّ: أَن زياداً شهد فتح إصطخر مَعَ أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ وَطَالَ عمره وَحدث عَن أبي مُوسَى وَعبد الله بن عمر وَحدث عَنهُ طَاوُوس وَغَيره. وَله وفادة على هِشَام بن عبد الْملك. وامتدح عبد الله بن جَعْفَر بن أبي طَالب. وَأنْشد بعده: رُبمَا تكره النُّفُوس. هُوَ قِطْعَة من بَيت من قصيدة لأمية بن أبي الصَّلْت وَهُوَ: رُبمَا تكره النُّفُوس من الْأُم ر لَهُ فُرْجَة كحل العقال وَتقدم شَرحه مفصلا فِي الشَّاهِد السَّابِع وَالثَّلَاثِينَ بعد الأربعمائة. وَأنْشد بعده (الشَّاهِد الثَّالِث بعد الثَّمَانمِائَة) (فَذَلِك إِن يلق الْمنية يلقها ... حميدا وَإِن يسْتَغْن يَوْمًا فَرُبمَا) على أَنه قد يحذف الْفِعْل بعد رُبمَا وَالتَّقْدِير: رُبمَا يتَوَقَّع ذَلِك.

وَقدره بَعضهم: رُبمَا أعانك أَو هُوَ معِين لَك. (لحا الله صعلوكاً مناه وهمه ... من الدَّهْر أَن يلقى لبوساً ومطعما) (ينَام الضُّحَى حَتَّى إِذا اللَّيْل جنه ... تبيت مسلوب الْفُؤَاد مورما) (وَلَكِن صعلوكاً يساور همه ... ويمضي على الهيجاء ليثاً مصمما) (فَذَلِك إِن يلق الكريهة يلقها ... حميدا وَإِن يسْتَغْن يَوْمًا فَرُبمَا) قَالَ صَاحب الأغاني: هَذَا الشّعْر يُقَال إِنَّه لعروة بن الْورْد وَيُقَال هُوَ لحاتم الطَّائِي وَهُوَ الصَّحِيح. أَقُول: أَبْيَات عُرْوَة رائية وَلَيْسَت هَذِه لَهُ. ولحاتم قصيدة على هَذَا الروي وَلَيْسَ فِيهَا هَذِه الأبيات وفيهَا مَا يشبهها وَهُوَ: (وليل بهيم قد تسربلت هوله ... إِذا اللَّيْل بالنكس الضَّعِيف تجهما) (وَلنْ يكْسب الصعلوك مَالا وَلَا غنى ... إِذا هُوَ لم يركب من الْأَمر مُعظما.) (يرى الخمص تعذيباً وَإِن يلق شبعةً ... يبت قلبه من قلَّة الْهم مُبْهما) (وَلَكِن صعلوكاً يساور همه ... ويمضي على الْأَيَّام والدهر مقدما)

. (يرى رمحه ونبله ومجنه ... وَذَا شطب لين المهزة مخذما) (وأحناء سرج قاتر ولجامه ... معداً لَدَى الهيجاء طرفا مسوما) وَرَأَيْت فِي ذيل أمالي القالي أبياتاً على هَذَا النمط غير معزوة لقائلها وَهِي: (لحا الله صعلوكاً إِذا نَالَ مذقةً ... توسد إِحْدَى ساعديه فهوما) (مُقيما بدار الذل غير مناكر ... إِذا ضيم أغضى جفْنه ثمَّ برشما) (يلوذ بأذراء المشاريب طامعاً ... يرى الْمَنْع والتعبيس من حَيْثُ يمما) (يضن بِنَفس كدر الْبُؤْس عيشها ... وجود بهَا لَو صانها كَانَ أحزما) (فَذَاك الَّذِي إِن عَاشَ عَاشَ بذلة ... وَإِن مَاتَ لم يشْهد لَهُ النَّاس مأتما) (بأرضك فاعرك جلد جَنْبك إِنَّنِي ... رَأَيْت غَرِيب الْقَوْم لَحْمًا موضما)) وَالله أعلم بقائل أَبْيَات الشَّاهِد.

وَقَوله: لحا الله صعلوكاً أَي: قبحه الله وشوهه. والصعلوك بِالضَّمِّ: من لَا يملك شَيْئا. واللبوس: اللبَاس. وجنه اللَّيْل: ستره. ومورماً: منتفخاً من الْغم. يَعْنِي: قبح الله الصعلوك الَّذِي يكسل عَن اكْتِسَاب مَا يَكْفِيهِ. ويساور يواثب. والهم: أول الْعَزْم وَهُوَ إِرَادَة الشَّيْء بِدُونِ فعله. والهم: الْحزن أَيْضا. وَاللَّيْث: الْأسد. والمصمم: الْمَاضِي فِي عزمه لَا يثنيه شَيْء وَقَوله: فَذَلِك أَي: ذَلِك الصعلوك الَّذِي يساور همه وَلَا يثنيه شَيْء عَن الْغَزْو للغنائم إِن أَدْرَكته الْمنية قبل بُلُوغ الأمنية لقيها مَحْمُودًا إِذْ كَانَ قد فعل مَا وَجب عَلَيْهِ وَأقَام عذره فِي مَطْلُوبه باستفراغ الوسع فِي السَّعْي لَهُ. وَإِن نَالَ الْغنى يَوْم فكثيراً مَا يحمد أمره. فالمحذوف بعد رب هُوَ مَا ذَكرْنَاهُ بعد كثيرا. وَهُوَ الْمُنَاسب للمعنى لَا مَا تقدم. وَخبر قَوْله: وَلَكِن صعلوكاً مَحْذُوف يقدر بعد تَمام الْبَيْت أَي: وَهُوَ الْمَدْعُو لَهُ بِالْخَيرِ والممدوح عِنْد النَّاس بِدَلِيل مَا قبله وَهُوَ لحا الله صعلوكاً إِلَخ فَإِنَّهُ ضد لَهُ وَتَكون الجملتان يساور ويمضي صفتين لصعلوك وَيكون قَوْله: فَذَلِك إِن يلق ... . إِلَخ تَفْصِيلًا لجِهَة الدُّعَاء والمدح. فَذَلِك مُبْتَدأ وَالْجُمْلَة الشّرطِيَّة خَبره. وَقَالَ شرَّاح الحماسة مِنْهُم المرزوقي: قَوْله: إِن يلق الْمنية خبر قَوْله: وَلَكِن صعلوكاً كَمَا لَو انْفَرد عَن قَوْله فَذَلِك لكنه لما ترَاخى الْخَبَر عَن الْمخبر عَنهُ وتباعد الْمُقْتَضى عَن الْمُقْتَضِي لَهُ أَتَى بقوله: فَذَلِك مُشِيرا بِهِ إِلَى الصعلوك فَصَارَ إِن يلق خَبرا عَنهُ. وساغ ذَلِك لِأَن المُرَاد بِالْأولِ وَالثَّانِي شَيْء وَاحِد. هَذَا كَلَامه.

وَقد وَقع هَذَا الْبَيْت فِي شعر عُرْوَة بن الْورْد بقافية رائية كَذَا: أَي: إِن نَالَ الْغنى يَوْمًا فَمَا أحقه بذلك وَمَا أليقه بِهِ. وَقد اسْتشْهد بِهِ شرَّاح الألفية وَغَيرهم على أَن أَجْدَر صِيغَة تعجب حذف مِنْهُ المتعجب مِنْهُ حذفا غير قياسي إِذْ لَا يجوز ذَلِك فِي أفعل بِهِ إِلَّا إِذا كَانَ مَعْطُوفًا على آخر مَذْكُور مَعَه المتعجب مِنْهُ كَقَوْلِه تَعَالَى: أسمع بهم وَأبْصر أَي: وَأبْصر بهم. وَكَذَلِكَ التَّقْدِير فِي الْبَيْت.) وأجدر بِهِ أَي: بالاستغناء. وَقَالَ الْعَيْنِيّ: بِهِ أَي: بِكَوْنِهِ حميدا. فَتَأمل. وَهَذَا الْبَيْت آخر قصيدة لعروة بن الْورْد اخْتَار مِنْهَا أَبُو تَمام ثَمَانِيَة أَبْيَات أوردهَا فِي الحماسة وَهِي: (لحا الله صعلوكاً إِذا جن ليله ... مصافي المشاش آلفاً كل مجزر) (يعد الْغنى من نَفسه كل لَيْلَة ... أصَاب قراها من صديق ميسر) (ينَام عشَاء ثمَّ يصبح ناعساً ... يحت الْحَصَا عَن جنبه المتعفر) (يعين نسَاء الْحَيّ مَا يستعنه ... ويمسي طليحاً كالبعير المحسر) (وَلَكِن صعلوكاً صفيحة وَجهه ... كضوء شهَاب القابس المتنور) (مطلاً على أعدائه يزجرونه ... بِسَاحَتِهِمْ زجر المنيح المشهر) (فَذَلِك إِن يلق الْمنية يلقها ... حميدا وَإِن يسْتَغْن يَوْمًا فأجدر)

وَقَوله: لحا الله صعلوكاً ... إِلَخ قَالَ المرزوقي: لحا الله: كلمة تسْتَعْمل فِي السب وَأَصله اللوم والقشر. يَقُول: زَاد الله فقرا لكل فَقير يرضى من عيشه بِأَن يطوف فِي المجازر إِذا أظلم اللَّيْل ويلتقط المشاش مِنْهَا كَأَنَّهُ يصافيها ويلازمها حبا. وَإِنَّمَا قَالَ هَذَا على وَجه الْإِنْكَار أَي: لم يقنع بذلك وَمَاله يسف لمثل هَذِه المطامع الخسيسة وَلَا يطْلب معالي الْأُمُور. والمشاش: كل عظم هش دسم. ومصافي المشاش صفة لصعلوك وَالْإِضَافَة لفظية وَسكن الْيَاء من مصافي ضَرُورَة. والمجزر بِفَتْح الزاء وَكسرهَا: الْموضع الَّذِي ينْحَر فِيهِ الْإِبِل. وَقَوله: يعد الْغنى ... إِلَخ يَقُول: لفرحه بِمَا يَنَالهُ من كَسبه الدنيء يعد إِذا أصَاب الْقرى لَدَى صديق ولدت لَهُ شِيَاه فاتسع اللَّبن عِنْده الْغنى حَاصِلا عِنْده. وَالْميسر: ضد المجنب يُقَال: يسر الرجل ويسرت غنمه وجنب الرجل إِذا قلت الحلوبة فِي إبِله وغنمه وأضاف الْقرى إِلَى ضمير اللَّيْلَة مجَازًا وَالْمرَاد قراه فِيهَا. وَقَوله: ينَام عشَاء ... إِلَخ يَقُول: ينَام هَذَا الصعلوك لدناءة عمته واستيلاء الكسل عَلَيْهِ ومكسبه قبل اللَّيْل لِأَن همته فِي رَاحَته وحرصه على مَا يسد جوعه بِهِ ثمَّ يَأْتِي الصَّباح عَلَيْهِ) وَهُوَ ناعس بعد غير قَاض حَاجته من الرقاد وَلَا ضجر فِي مضطجعه بالتساقط يَنْفِي عَن جنبه مَا لصق بِهِ من الْحَصَا وَالتُّرَاب لِأَنَّهُ نَام بِلَا وطاء. - وَقَوله: يحت الْحَصَا أَي: يسْقطهُ فَهُوَ قريب من يحط. والعفر: التُّرَاب.

وَقَوله: وَلَكِن صعلوكاً ... إِلَخ صفحة الرجل وصفيحته: عرض وَجهه أَي: ضوء صفحة وَجهه. يَقُول: وَلَكِن فَقِيرا مشرق الْوَجْه صافي اللَّوْن لَا يتخشع لفقره فَكَأَن ضوء وَجهه ضوء القابس أَي: ذِي القبس أَي: النَّار. والمتنور: المستضيء بضوء النَّار. وَقَوله: مطلاً على أعدائه ... إِلَخ اطل على كَذَا: أوفى عَلَيْهِ. والمنيح: قدح لَا نصيب لَهُ. يَقُول: وَلَكِن الْفَقِير المضيء الْوَجْه الَّذِي يسْعَى فِي غناهُ فيشرف على أعدائه غازياً وهم يزجرونه وقتا بعد وَقت كَمَا يزْجر هَذَا الْقدح فِي خُرُوجه وَمَعَ ذَلِك يرد. قَالَ التبريزي: كَانَ الأيسار يقفون عِنْد المفيض فيتكلم كل وَاحِد مِنْهُم كَأَنَّهُ يُخَاطب قدحه فيأمره بالفوز ويزجره من أَن يخيب فَذَلِك زَجره. وَقَوله: إِذا بعدوا ... إِلَخ يَقُول: لَا يأمنونه وَإِن بعدوا بل يتشوفونه تشوف الْغَائِب المنتظر. وَأنْشد بعده وَهُوَ من شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ: (وبلدة لَيْسَ بهَا أنيس ... إِلَّا اليعافير وَإِلَّا العيس) على أَن الْوَاو فِي وبلدة وَاو رب وبلدة مجرورة بِرَبّ المحذوفة.

وَكَذَا أنْشدهُ سِيبَوَيْهٍ فِي بَاب مَا يضمر فِيهِ الْفِعْل الْمُسْتَعْمل إِظْهَاره بعد حرف على أَن بَلْدَة جر بإضمار رب. وَجعل هَذَا تَقْوِيَة لإضمار الْفِعْل مَعَ قوته إِذْ جَازَ إِضْمَار حرف الْجَرّ مَعَ ضعفه. وَالْوَاو عِنْده حرف عطف غير عوض من رب إِلَّا أَنَّهَا دَالَّة عَلَيْهَا وأضمرت لذَلِك وَهِي عِنْده غير عوض من رب. وَقد أوضحه ابْن الْأَنْبَارِي فِي مسَائِل الْخلاف وَبَينه دَلَائِل: أَن رب محذوفة وَأَن الْجَرّ بهَا وَأَن الْوَاو للْعَطْف لَا لِأَنَّهَا عوض عَنْهَا. وحقق أَن رب حرف لَا اسْم خلافًا للكوفيين فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ. وأنشده سِيبَوَيْهٍ ثَانِيًا فِي بَاب مَا يخْتَار فِيهِ النصب لِأَن الآخر لَيْسَ من نوع الأول من أَبْوَاب الِاسْتِثْنَاء قَالَ: النصب لُغَة الْحجاز وَذَلِكَ مَا فِيهَا أحد إِلَّا حمارا جاؤوا بِهِ على معنى) وَلَكِن حمارا وكرهوا أَن يبدلوا الآخر من الأول فَيصير كَأَنَّهُ من نَوعه. وَأما بَنو تَمِيم فَيَقُولُونَ: لَا أحد فِيهَا إِلَّا حمَار أَرَادوا: لَيْسَ فِيهَا إِلَّا حمَار وَلكنه ذكر أحد توكيداً ليعلم أَن لَيْسَ بهَا آدَمِيّ ثمَّ أبدل فَكَأَنَّهُ قيل: لَيْسَ فِيهَا إِلَّا حمَار وَإِن شِئْت جعلته إنسانها كَقَوْلِك: مَا لي عتاب إِلَّا السَّيْف. وَمثل ذَلِك: (وبلدة لَيْسَ بهَا أنيس ... إِلَّا اليعافير ... ... . الْبَيْت) فاليعافير بدل من أنيس. وَكَذَا اورده الْفراء فِي تَفْسِيره عِنْد قَوْله تَعَالَى: إِلَّا قوم يُونُس شَاهدا للإبدال فِي الِاسْتِثْنَاء الْمُنْقَطع على لُغَة تَمِيم. وَكَذَا أوردهُ صَاحب الْكَشَّاف عِنْد تَفْسِير قَوْله تَعَالَى: قل لَا يعلم من فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض الْغَيْب إِلَّا الله.

والبلدة: الْقطعَة من الأَرْض وَمُطلق الأَرْض. والأنيس: من يؤنس بِهِ من النَّاس. واليعافير: جمع يَعْفُور وَهُوَ ولد الظبية وَولد الْبَقَرَة الوحشية أَيْضا. وَقَالَ بَعضهم: اليعفور: تَيْس الظباء. والعيس: إبل بيض يخالط بياضها شقرة جمع اعيس وَالْأُنْثَى عيساء. والبيتان من رجز لجران الْعود وأوله: (قد نَدع الْمنزل يَا لميس ... يعتس فِيهِ السَّبع الجروس) (إِلَّا اليعافير وَإِلَّا العيس ... وبقر ملمع كنوس) كَأَنَّمَا هن الْجَوَارِي الميس هَذَا مَا رَأَيْته فِي ديوانه. وَقَالَ شَارِحه مُحَمَّد بن أبي الْقَاسِم بن عُرْوَة الْأَزْدِيّ: لميس: اسْم امْرَأَة. ويعتس: يطْلب بِاللَّيْلِ مَا يَأْكُلهُ. والجروس: بِالْجِيم: فعول من الجرس وَهُوَ الصَّوْت الْخَفي. وَالذِّئْب بدل من السَّبع. وَذُو لبد: الْأسد. ولبد بِكَسْر فَفتح: جمع لبدة بِكَسْر فَسُكُون وَهُوَ مَا بَين كَتفيهِ من الْوَبر المتلبد. والهموس: الْخَفِيف الْوَطْء. ويروى: بسابساً لَيْسَ بهَا أنيس) بدل قَوْله: وبلدة لَيْسَ بهَا أنيس. فَلَا شَاهد فِيهِ وَهُوَ جمع بسبس وَهُوَ القفر والملمع: الَّذِي فِيهِ لمع جمع لمْعَة وَهِي بَيَاض وَسَوَاد. والكنوس: المتخذة كناساً. والكناس: مأوى الظباء وبقر الْوَحْش. والجواري: جمع جَارِيَة. والميس: جمع ميساء من الميس وَهُوَ التَّبَخْتُر فِي الْمَشْي. (دَار لليلى خلق لبيس ... لَيْسَ بهَا من أَهلهَا أنيس) (إِلَّا اليعافير وَإِلَّا العيس ... وبقر ملمع كنوس)

والخلق: الداثر الدارس. واللبيس: المتلبس على من كَانَ يعرفهُ فَلَا يتحققه. ورأيته أَيْضا فِي كتاب أَبْيَات الْمعَانِي بِخَط أبي الْفَتْح بن جني وَعَلِيهِ إجَازَة بِخَط أبي عَليّ الْفَارِسِي كتبهَا لِابْنِ جني لما قَرَأَهُ عَلَيْهِ وَهُوَ تأليف أبي عُثْمَان الأشنانداني سعيد بن هَارُون من رِوَايَة ابْن دُرَيْد كَذَا: (يَا لَيْتَني وَأَنت يَا لميس ... فِي بلد لَيْسَ بِهِ أنيس) إِلَّا اليعافير وَإِلَّا العيس وعَلى هَاتين الرِّوَايَتَيْنِ لَا شَاهد فِيهِ. وجران الْعود لقب شَاعِر من بني ضنة بن نمير بن عَامر بن صعصعة. والجران بِكَسْر الْجِيم. وَالْعود بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الْوَاو وَآخره دَال مُهْملَة هُوَ المسن من الْإِبِل. كتب ياقوت بن عبد الله الْحَمَوِيّ فِي حَاشِيَة مُخْتَصر جمهرة ابْن الْكَلْبِيّ: وَمن بني ضنة بن نمير: جران الْعود الشَّاعِر واسْمه عَامر بن الْحَارِث بن كلفة وَقيل: كلدة. وَإِنَّمَا سمي جران الْعود لقَوْله يُخَاطب امرأتيه: (خُذ حذرا يَا ضرتي فإنني ... رَأَيْت جران الْعود قد كَاد يصلح) والجران: بَاطِن الْعُنُق الَّذِي يَضَعهُ الْبَعِير على الأَرْض إِذا مد عُنُقه لينام وَكَانَ يعْمل مِنْهُ الأسواط. فَهُوَ يهددهما. انْتهى.

وَكتب أَيْضا فِي الْهَامِش الدَّاخِل: وَمن بني ضنة بن نمير جران الْعود صَاحب الضرتين اللَّتَيْنِ ضربتاه وخنقتاه فَعمد إِلَى جمل فنحره وسلخ جرانه وَهُوَ جلد مَا بَين اللبة إِلَى اللحيين من بَاطِن ثمَّ مرنه وَجعل مِنْهُ سَوْطًا وَهُوَ يَقُول:) عَمَدت لعود فالتحيت جرانه ... ... ... ... . الْبَيْتَيْنِ فَسُمي جران الْعود وَذهب اسْمه فَلَا يعرف. انْتهى. وضنة بِكَسْر الْمُعْجَمَة وَتَشْديد النُّون. قَالَ ابْن قُتَيْبَة فِي كتاب الشُّعَرَاء كَانَ جران الْعود والرحال خدنين فَتزَوج كل وَاحِد مِنْهُمَا امْرَأتَيْنِ فلقيا مِنْهُمَا مَكْرُوها فَقَالَ جران الْعود قصيدةً يذمهما ويشكو مِنْهُمَا تقدم مِنْهَا بيتان. وَمِنْهَا: (أَلا لَا تغرن امْرأ نوفلية ... على الرَّأْس بعدِي أَو ترائب وضح) (وَلَا فَاحم يسقى الدهان كَأَنَّهُ ... أساود يزهيها لعينك أبطح) وفيهَا يَقُول: (جرت يَوْم جِئْنَا بالركاب نزفها ... عِقَاب وتشحاج من الطير متيح) (فَأَما الْعقَاب فَهِيَ منا عُقُوبَة ... وَأما الْغُرَاب فالغريب المطوح) (هِيَ الغول والسعلاة حلقي مِنْهُمَا ... مكدح مَا بَين التراقي مجرح) (خذا نصف مَالِي واتركا لي نصفه ... وَبينا بذم فالتعزب أروح)

(الشاهد الخامس بعد الثمانمائة)

وَقَالَ الرّحال: (فَلَا بَارك الرَّحْمَن فِي عود أَهلهَا ... عَشِيَّة زفوها وَلَا فِيك من بكر) (وَلَا الزَّعْفَرَان حِين مسحنها بِهِ ... وَلَا الْحلِيّ مِنْهَا حِين نيط إِلَى النَّحْر) (وَلَا فرش ظوهرن من كل جَانب ... كَأَنِّي أطوى فوقهن من الْجَمْر) (فيل لَيْت أَن الذِّئْب خلل درعها ... وَأَن كَانَ ذَا نَاب حَدِيد وَذَا ظفر) (وجاؤوا بهَا قبل المحاق بليلة ... وَكَانَ محاقاً كُله ذَلِك الشَّهْر) (لقد أصبح الرّحال عَنْهُن صادفاً ... إِلَى يَوْم يلقى الله فِي آخر الْعُمر) وَقَوله: وَكَانَ محاقاً كُله ذَلِك الشَّهْر فِيهِ إقواء. وروى: وَكَانَ محاقاً كُله آخر الشَّهْر (الشَّاهِد الْخَامِس بعد الثَّمَانمِائَة) (رسم دَار وقفت فِي طلله ... كدت أَقْْضِي الْحَيَاة من جلله) على أَن رسماً مجرور بِرَبّ المحذوفة وَهُوَ شَاذ فِي الشّعْر كَمَا بَينه الشَّارِح الْمُحَقق. وَهُوَ مطلع قصيدة لجميل بن معمر العذري. وَبعده: (موحشاً مَا ترى بِهِ أحدا ... تنسج الرّيح ترب معتدله)

إِلَى أَن قَالَ: (يَا خليلي إِن أم جسير ... حِين يدنو الضجيع من غلله) (رَوْضَة ذَات حنوة وخزامى ... جاد فِيهَا الرّبيع من سبله) (بَيْنَمَا نَحن بالأراك مَعًا ... إِذْ بدا رَاكب على جمله) (فتأطرت ثمَّ قلت لَهَا ... أكرميه حييت فِي نزله) (فظللنا بِنِعْمَة واتكأنا ... وشربنا الْحَلَال من قلله) (قد أصون الحَدِيث دون أَخ ... لَا أَخَاف الأذاة من قبله) (وخليل صافيت مرتضياً ... وخليلاً فَارَقت من ملله) وَقَوله: رسم دَار ... إِلَخ الرَّسْم: مَا كَانَ لاصقاً بِالْأَرْضِ من آثَار الدَّار كالرماد وَنَحْوه. والطلل: مَا شخص من آثارها كالوتد والأثافي وإضافته إِلَى ضمير الرَّسْم بِتَقْدِير مُضَاف أَي: طلل دَاره. وَقيل: يَنْبَغِي أَن يُرَاد بالرسم هُنَا الْأَثر أَو بَقِيَّته لإضافة الطلل إِلَى ضَمِيره إِن لم تجْعَل الْإِضَافَة لأدنى مُلَابسَة. وَجُمْلَة: وقفت فِي مَحل الصّفة لرسم. وكدت: جَوَاب رب. وَكَاد من أَفعَال المقاربة. وأقضي الْحَيَاة: خبر كَاد من قضيت الشَّيْء إِذا أديته. وَرُوِيَ: كدت أَقْْضِي الْغَدَاة من قضى فلَان إِذا مَاتَ. والغداة: ظرف بِمَعْنى الضحوة. وَقَالَ الدماميني: الْغَدَاة مَا بَين صَلَاة الْفجْر وطلوع الشَّمْس. وَقَوله: من جلله بِفَتْح الْجِيم فِيهِ تفسيران قَالَ القالي فِي أَمَالِيهِ: قَرَأت على أبي

بكر بن دُرَيْد كتاب الْأَبْوَاب للأصمعي فعلت ذَلِك من جلل كَذَا أَي: من عظمه فِي صَدْرِي. وَقَالَ أَبُو نصر: فعلت ذَلِك لجللك وجلالك أَي: لعظمتك فِي صَدْرِي.) وَأنْشد الْأَصْمَعِي لجميل: رسم دَار وقفت فِي طلله الْبَيْت وَرويت من غير هَذَا الْوَجْه تَفْسِير من جلله: من أَجله وَيُقَال: فعلت ذَلِك من أَجلك وجلك وجلالك. - وَأنْشد الْأَصْمَعِي فِي جلالك: (وغيد نشاوى من كرىً فَوق شزب ... من اللَّيْل قد نبهتهم من جلالك) أَي: من أَجلك. انْتهى. وَقَالَ ابْن السّكيت فِي كتاب الأضداد: يُقَال: فعلته من أَجلك أَي: من أجل عظمتك عِنْدِي. قَالَ جميل: كدت أَقْْضِي الْغَدَاة من جلله أَي: من عَظمته فِي صَدْرِي. وَبِهَذَا الْمَعْنيين ذكره ابْن هِشَام: فِي جلل من الْمُغنِي. وَبِمَا نقلنا يضمحل كَلَام الدماميني لَيْسَ بِمَعْنى الْعظم حَتَّى يُفَسر بِهِ وَإِنَّمَا هُوَ بِمَعْنى الْعَظِيم. فَلَو قيل: أَرَادَ من عظم أمره فِي عَيْني لَكَانَ مناسباً. انْتهى. وَأي فرق بَين من عظمه وَمن عظم أمره وَهل هما إِلَّا سَوَاء. وأعجب من هَذَا قَول ابْن الملا: وَقع فِي الصِّحَاح تَفْسِير الجلل فِي الْبَيْت بالعظم لَكِن لَا على أَنه اسْم جامد

وَلَا يخفى أَن كليهمَا جامد والمادة متحدة ومعناهما مُتَقَارب والجلل يَأْتِي بِمَعْنى الْجَلِيل والعظيم كَمَا قَالَ الشَّاعِر فِي قتل قومه أَخَاهُ: (فلئن عَفَوْت لأعفون جللاً ... وَلَئِن سطوت لأوهنن عظمي) وَيَأْتِي بِمَعْنى الحقير كَقَوْل امْرِئ الْقَيْس فِي قتل أَبِيه: أَلا كل شَيْء سواهُ جلل قَالَ القالي فِي أَمَالِيهِ هُنَاكَ: الجلل: الْيَسِير. وَقَالَ أَبُو نصر: والجلل: الْعَظِيم أَيْضا. وَكَانَ الْأَصْمَعِي قَول: الجلل: الصَّغِير الْيَسِير وَلَا يَقُول الجلل للعظيم. والجلى: الْأَمر الْعَظِيم. وَجل كل شَيْء: الْعَظِيم مِنْهُ. انْتهى. وَأَرَادَ باليسير الحقير فَإِنَّهُ الْغَالِب. وَقَوله: موحشاً: حَال وَجُمْلَة: مَا ترى بِهِ أحدا صفة كاشفة لَهُ. وَقَوله: تنسج الرّيح إِلَخ نسج الرّيح: هبوبها من جِهَات) شَتَّى فتثير التُّرَاب فتغطي المعالم فَلَا تعرف. والترب بِالضَّمِّ: لُغَة فِي التُّرَاب وَفِيه حذف مُضَاف أَي: ترب مَكَانَهُ المعتدل. وروى: تمسح الرّيح يُقَال: مسحته الرّيح إِذا غيرته. وَأم جسير بِضَم الْجِيم. والغلل بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَاللَّام: دَاء. وَقَالَ الْعَيْنِيّ: هُوَ المَاء بَين الْأَشْجَار. وروضة خبر لإن. والحنوة بِفَتْح الْمُهْملَة

وَسُكُون النُّون: نبت طيب الرّيح. والخزامى بِضَم الْمُعْجَمَة وَالْقصر هُوَ خيري الْبر. والسبل بِفتْحَتَيْنِ: الْمَطَر. وَقَوله: بَيْنَمَا نَحن بالأراك قَالَ أَبُو عبيد الْبكْرِيّ فِي مُعْجم مَا استعجم: هُوَ مَوضِع بِعَرَفَة. روى مَالك بن عَلْقَمَة عَن أمه أَن عَائِشَة أم الْمُؤمنِينَ كَانَت تنزل بِعَرَفَة بنمرة ثمَّ تحولت إِلَى الْأَرَاك فالأراك من مَوَاقِف عَرَفَة من نَاحيَة الشَّام ونمرة من مَوَاقِف عَرَفَة من نَاحيَة الْيمن انْتهى. وَزعم الْعَيْنِيّ وَتَبعهُ السُّيُوطِيّ أَن الْأَرَاك هُنَا هُوَ الشّجر الْمَعْرُوف. وَهَذَا الْبَيْت أوردهُ ابْن هِشَام فِي بحث مَا الكافة من الْمُغنِي. وَقَوله: فتأطرت أَي: ملت نَحوه من تأطر الرمْح إِذا تثنى. والنزل بِضَمَّتَيْنِ: طَعَام النزيل الَّذِي يهيأ لَهُ. وَقَوله: فظللنا بِنِعْمَة ... إِلَخ واتكأنا مَهْمُوز قَالَ ابْن قُتَيْبَة: مَعْنَاهُ طعمنا وأكلنا من قَوْله تَعَالَى: وأعتدت لَهُنَّ متكأً أَي: طَعَاما. وَقَالَ الْبَيْضَاوِيّ: وَقيل: متكأً طَعَاما أَو مجْلِس طَعَام فَإِنَّهُم كَانُوا يتكئون للطعام وَالشرَاب تترفاً وَلذَلِك نهي عَنهُ. قَالَ جميل: فظللنا بِنِعْمَة واتكأنا الْبَيْت وَقيل: المتكأ: طَعَام يحز حزاً. كَانَ الْقَاطِع يتكئ عَلَيْهِ بالسكين. انْتهى. والحلال على لفظ ضد الْحَرَام. قَالَ الْعَلامَة الشِّيرَازِيّ: هُوَ النَّبِيذ وَسَماهُ حَلَالا على وَجه الخلاعة.

وَلَا يخفى أَن حمله على ظَاهره أنسب لِأَن قَائِله مُؤمن وَكَانَ فِي عَرَفَة فِي موسم الْحَج. وَيبعد أَن يكون على مَا قَالَه الشِّيرَازِيّ. وَأغْرب من هَذَا مَا قَالَه الْخضر الْموصِلِي: وَيجوز أَن يكون تَسْمِيَته بالحلال على رَأْي من يرَاهُ حَلَالا كالحنفية مثلا. هَذَا كَلَامه وَلَا يخفى قبحه. والقلل: جمع قلَّة وَهُوَ إِنَاء للْعَرَب كالجرة. وَقَوله: غير أَنِّي أشحت من وجله أشاح بالشين الْمُعْجَمَة والحاء الْمُهْملَة بِمَعْنى حذر وَخَافَ. وترجمة جميل العذري تقدّمت فِي الشَّاهِد الثَّانِي وَالسِّتِّينَ من أَوَائِل الْكتاب. وَأنْشد بعده:) وقاتم الأعماق خاوي المخترق على أَن رب المحذوفة بعد الْوَاو تجر فِي الشّعْر وقاتم: مجرور بهَا. قَالَ الْأَصْمَعِي: القتمة: الغبرة. وأسود قاتم. أَي: رب بلد مغبر. والأعماق: جمع عمق بِفَتْح الْعين وَضمّهَا وَهُوَ مَا بعد من أَطْرَاف المفاوز. والخاوي: الْخَالِي. - والمخترق بِفَتْح الرَّاء: مَكَان الاختراق من الْخرق وَهُوَ الشق اسْتعْمل فِي قطع الْمَفَازَة. تَقول: خرقت الأَرْض إِذا قطعتها. ومخترق الرِّيَاح وَنَحْوهَا: ممرها.

وَهَذَا الْبَيْت من أرجوزة لرؤبة تقدم شَرحه مفصلا فِي الشَّاهِد الْخَامِس من أول الْكتاب. وَأنْشد بعده (فَإِن أهلك فذي حنق لظاه ... عَليّ تكَاد تلتهب التهابا) على أَن رب المحذوفة بعد الْفَاء تعْمل الْجَرّ فِي الشّعْر. وَذي حنق مجرور بهَا. قَالَ ابْن جني فِي إِعْرَاب الحماسة: ذِي مجرورة بِرَبّ أَي: فَرب ذِي حنق. وحذفها للْعلم بموضعها كَقَوْل الآخر: ورسم دَار وقفت فِي طلله كدت أَقْْضِي الْغَدَاة من جلله أَي: وَرب رسم دَار. وَهَذَا يدْفع قَول أبي الْعَبَّاس إِن الْوَاو فِي نَحْو قَوْله: وبلد تحسبه مكسوحاً هِيَ الَّتِي جرت بَلَدا لما خلفت رب فَكَانَت عوضا. أَلا ترى أَنه قَالَ: فذي حنق أَي: فَرب ذِي حنق. وَلَا يَقُول أحد إِن الْفَاء عوض من رب. وَقَول الآخر:

بل بلد ملْء الفجاج قتمه وَلَا يَدعِي أحد أَن بل عوض من رب. فَإِذا صَحَّ هَذَا وَثَبت فِي الْفَاء وبل كَانَت الْوَاو مَحْمُولَة على حكمه. انْتهى. وَرِوَايَة بَيت جميل بالخزم وَهُوَ زِيَادَة الْوَاو فِي أَوله هُنَا رِوَايَة غير مَشْهُورَة وَبهَا يخرج الْبَيْت ولظاه: مُبْتَدأ وَالْهَاء ضمير ذِي حنق. وَجُمْلَة: تكَاد تلتهب خَبره وكل مِنْهُمَا مُسْند إِلَى ضمير مؤنث يعود إِلَى اللظى فهما بِالْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّة. وَجوز الشمني بِالْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّة مسندين إِلَى ضمير مُذَكّر يعود إِلَى اللظى لاكتسابه التَّذْكِير من الضَّمِير الْمُضَاف إِلَيْهِ.) وَعلي مُتَعَلق بتلتهب وَقيل: مُتَعَلق بلظاه لما فِيهِ من معنى الاشتداد والتوقد. وَفِيه نظر لِأَن الْمَعْنى لَيْسَ عَلَيْهِ. واللظى: النَّار استعيرت للحنق بِفَتْح الْمُهْملَة وَالنُّون وَهُوَ الغيظ وَقيل: شدته. وَهلك جَاءَ من بَابي ضرب وَعلم. وَذُو بِمَعْنى صَاحب وَالْفَاء مَعهَا للربط للجواب بِالشّرطِ فَإِنَّهَا تجب مَعَ كل جَوَاب لَا يَصح وُقُوعه شرطا وَالْجَوَاب هُنَا فِي الْحَقِيقَة هُوَ جَوَاب رب وَهُوَ مخضت أول الْبَيْت الْآتِي. وَإِنَّمَا قدمت رب عَلَيْهِ لِأَن لَهَا الصَّدْر وَرب تحذف بعد الْفَاء مُطلقًا سَوَاء كَانَت فَاء الْجَواب كَمَا هُنَا أَو عاطفة كَمَا فِي قَول امْرِئ الْقَيْس: (فمثلك حُبْلَى قد طرقت ومرضع ... فألهيتها عَن ذِي تمائم محول) قَالَ ابْن هِشَام فِي بحث الْفَاء من الْمُغنِي: السَّادِسَة أَي: من الْمسَائِل الَّتِي تكون فِيهَا الْفَاء رابطة للجواب حَيْثُ لَا يَصح أَن يَقع شرطا: أَن يقْتَرن بِحرف لَهُ الصَّدْر كَقَوْلِه:

فَإِن أهلك فذي حنق الْبَيْت وَقَوله: لَهَا الصَّدْر جَوَاب سُؤال مُقَدّر وَهُوَ أَن جَوَاب الشَّرْط فِي مثل هَذَا إِنَّمَا هُوَ جَوَاب رب وَهُوَ فعل مَاض يجب مَعَه ترك الْفَاء فَكيف وَجَبت الْفَاء أجَاب بِأَن رب لما وَجب تَقْدِيمهَا على جوابها لصدارتها كَانَت فِي الظَّاهِر هِيَ الْوَاقِعَة جَوَاب الشَّرْط وَهِي لَا تصح أَن تقع شرطا فَوَجَبَ أَن تقترن بِالْفَاءِ وَفَاء بِمُقْتَضى الضَّابِط. وَلم أر أحدا من شرَّاح الْمُغنِي بَين معنى قَوْله: وَأَنَّهَا لَهَا الصَّدْر. وَقَالَ الإِمَام المرزوقي فِي شرح الحماسة وَتَبعهُ جَمِيع شراحها: فَإِن قيل: إِن الْفَاء فِي جَوَاب الْجَزَاء إِنَّمَا تَجِيء إِذا خَالف الْجُمْلَة الَّتِي تكون جَزَاء الْجُمْلَة الَّتِي تكون شرطا بِأَن تكون مُبْتَدأ وخبراً فَكيف يكون تقديرهما بعد الْفَاء هَا هُنَا قلت: يكون التَّقْدِير: إِن أهلك فَالْأَمْر والشأن: رب ذِي حنق بِهَذِهِ الصّفة فعلت بِهِ كَذَا. فَقَوله: رب ذِي حنق خبر الْمُبْتَدَأ الَّذِي أظهرناه. انْتهى. وَفِيه نظر من وَجْهَيْن: الأول: لَا ينْحَصر وجوب اقتران الْفَاء بِالْجُمْلَةِ الاسمية الْوَاقِعَة جَوَابا لشرط بل الْحصْر فِي سِتّ صور كَمَا بَينهَا صَاحب الْمُغنِي. الثَّانِي: أَن رب لَهَا الصَّدْر لَا تقع خبر مُبْتَدأ أبدا إِذْ الْعَامِل فِي الْخَبَر هُوَ الْمُبْتَدَأ وَلم يسمع) تقدم عَامل لَهَا عَلَيْهَا. على أَن قَوْله هَذَا لَا يَصح مَعَ قَوْله: إِن مخضت فِي الْبَيْت الْآتِي جَوَاب رب. فَتَأمل.

وَالْعجب من السُّيُوطِيّ حَيْثُ تبعه فِي شرح أَبْيَات الْمُغنِي فَقَالَ: قَوْله: فذي حنق ... إِلَخ جَوَاب الْجَزَاء وَالتَّقْدِير: إِن أهلك فَالْأَمْر والشأن رب ذِي حنق. وَهَذَا الْبَيْت من أَبْيَات ثَمَانِيَة لِرَبِيعَة بن مقروم الضَّبِّيّ أوردهَا أَبُو تَمام فِي الحماسة وَهِي: (أَخُوك أَخُوك من يدنو وترجو ... مودته وَإِن دعِي استجابا) (إِذا حَارَبت حَرْب من تعادي ... وَزَاد سلاحه مِنْك اقترابا) (وَكنت إِذا قريني جاذبته ... حبالي مَاتَ أَو تبع الجذابا) فَإِن أهلك فذي حنق ... ... ... . الْبَيْت (مخضت بدلوه حَتَّى تحسى ... ذنُوب الشَّرّ ملأى أَو قرابا) (بمثلي فاشهد النَّجْوَى وعالن ... بِي الْأَعْدَاء وَالْقَوْم الغضابا) (فَإِن الموعدي يرَوْنَ دوني ... أسود خُفْيَة الغلب الرقابا) (كَأَن على سواعدهن ورساً ... علا لون الأشاجع أَو خضابا) قَوْله: أَخُوك أَخُوك من تَدْنُو ... إِلَخ قَالَ المرزوقي: أَخُوك مُبْتَدأ وَكرر تَأْكِيدًا وَمن يدنو وَالْمعْنَى: مخالصك فِي الْأُخوة والود من يقرب مَكَانَهُ مِنْك وتحسن شفقته مِنْك وَإِن استغثت بِهِ لملمة أغاثك. وَيجوز أَن يكون من يدنو أَرَادَ بِهِ قرب النصح والشفقة لَا تقَارب الدَّار. وَقَالَ ابْن جني: لَك فِي أَخُوك الثَّانِي أَن تَجْعَلهُ بَدَلا وَأَن تَجْعَلهُ خبر الأول إِنَّمَا يسْتَحق أَن تَدْعُو الرجل أَخَاك إِذا كَانَ أَخَاك فِي الْحَقِيقَة كَقَوْلِك: فعلته إِذْ النَّاس نَاس ثمَّ أبدل مِنْهُ من يدنو. انْتهى.

وَقَالَ التبريزي: وَيجوز أَن يَجْعَل أَخُوك الثَّانِي خَبرا للْأولِ كَقَوْلِه: (فَقلت لَهُ تجنب كل شَيْء ... يعاب عَلَيْك إِن الْحر حر) وَأما قَول الآخر: (سَلام هِيَ الدُّنْيَا قروض وَإِنَّمَا ... أَخُوك أَخُوك المرتجى فِي الشدائد) فَهُوَ مثل الأول. وَإِن شِئْت جعلت قَوْله: أَخُوك الثَّانِي توكيداً وَجعلت المرتجى خَبرا. وَإِن شِئْت جعلت قَوْله:) أَخُوك خَبرا والمرتجى نعتاً لَهُ وَيكون قَوْله: من يدنو من الْبَيَان الدَّاخِل فِي صفته بَدَلا من قَوْله: أَخُوك الثَّانِي. فَهَذَا الْمَعْنى يحْتَمل أَن يكون حثاً على إكرام الْغَرِيب إِذا نصح وأخلص كَمَا قَالَ الْأَعْشَى: وَيجوز أَن يكون وصاة بالأخ الْمُنَاسب وإخباراً أَن المؤاخي بِغَيْر النّسَب لَا ينْتَفع بإخائه. هَذَا كَلَامه. وَقَوله: إِذا حَارَبت ... إِلَخ قَالَ المرزوقي: يجوز أَن يكون هَذَا مُتَّصِلا بِمَا قبله وَالضَّمِير فِي حَارب لأخوك وَمن تعادي مفعول حَارَبت. وَالْمعْنَى إِذا حَارَبت من تعادي حَارب هَذَا المؤاخي لَك مَعَك وَزَاد نصرته وعدته مِنْك قرباً مَا دمت مُحَاربًا. وَيجوز أَن يكون مُنْقَطِعًا مِمَّا قبله وَيكون مثلا مَضْرُوبا فَيَقُول: إِذا كاشفت عَدوك بَعثه ذَلِك على مكاشفتك وازداد عدته من الكيد وَغَيره مِنْك دنواً. وَإِذا جاملته وداجيته بَقِي على مَا ينطوي عَلَيْهِ مساتراً لَا مجاهراً.

وَزَاد التبريزي: أَرَادَ أَنَّك إِذا حَارَبت قرب مِنْك وَمَعَهُ سلاحه ليعينك. فَذكر قرب السِّلَاح ليدل على أَنه أَرَادَ إعانته على عدوه. وَلَو ذكر أَنه يقرب نَفسه مِنْهُ لم يدل على ذَلِك لِأَنَّهُ يجوز أَن يقرب مِنْهُ وَلَا يُعينهُ. وَقَوله: وَكنت إِذا قريني ... إِلَخ يَقُول: إِذا جاذبني قرين لي حبلاً بيني وَبَينه فإمَّا أَن يَنْقَطِع دون شأوي إِلَى الجذاب فَيهْلك وَإِمَّا أَن يتبع صاغراً فينقاد. - وَقَوله: فَإِن أهلك ... إِلَخ هَذَا الْكَلَام تسل عَن الْعَيْش بعد قَضَاء حَاجته وَإِدْرَاك ثَأْره وَلَوْلَا مَا تسهل لَهُ من ذَلِك لَكَانَ لَا يسهل عَلَيْهِ انْقِطَاع الْعُمر وَلَو مَاتَ لمات بغصة. فَيَقُول: إِن أمت فَرب رجل ذِي غيظ وَغَضب تكَاد نَار عداوته تتوقد توقداً أَنا فعلت بِهِ كَذَا. وَقَوله: مخضت بدلوه ... إِلَه هَذَا جَوَاب رب يَقُول: رب إِنْسَان هَكَذَا أَنا حركت بدلوه الَّتِي أدلاها فِي الْأَمر الَّذِي خضنا فِيهِ حَتَّى ملأتها. وَجعل الدَّلْو كِنَايَة عَن السَّبَب الَّذِي جاذبه فِيهِ والطمع الَّذِي جرأه عَلَيْهِ. قَالَ: فتحسى دلو الشَّرّ مَمْلُوءَة أَو قريبَة من الامتلاء. وقراب الملء: أَن يُقَارب الامتلاء. وَيُقَال:) قرَاب بِكَسْر الْقَاف وَضمّهَا. وَالْمعْنَى: جعلت شربه من الشَّرّ شرباً مروياً. فَكَأَن المُرَاد أَن هَذَا المعادي الممتلئ غيظاً لما ألْقى دلوه يَسْتَقِي بهَا المَاء من بئري ملأتها شرا وَجَعَلته سقياه. والمخض بِالْخَاءِ وَالضَّاد المعجمتين: تَحْرِيك الدَّلْو فِي الْبِئْر ليمتلئ. والذنُوب: الدَّلْو الَّتِي يكون لَهَا ذَنْب وَهِي هُنَا مثل: يَقُول: جنيت عَلَيْهِ الشَّرّ حَتَّى مله. وَقَوله: بمثلي ... هَذَا الْبَيْت وَمَا بعده لم يَقع فِي أصل المرزوقي حَتَّى يشرحه أَي: جاهر بمثلي

(الشاهد السابع بعد الثمانمائة)

وَقَوله: فَإِن الموعدي ... قَالَ التبريزي: يُرِيد الغلب رقابا وانتصابه على التَّشْبِيه بالضارب الرجل. وَقَوله: كَأَن على سواعدهن أَي: كَأَن على سواعد هَذَا الْأسود الورس أَو الخضاب من كَثْرَة مَا افترست الفرائس. والأشاجع: عروق ظَاهر الْكَفّ وَالْوَاحد أَشْجَع. وَرَبِيعَة بن مقروم: شَاعِر مخضرم تقدّمت تَرْجَمته فِي الشَّاهِد الرَّابِع وَالْأَرْبَعِينَ بعد الستمائة. وَأنْشد بعده (الشَّاهِد السَّابِع بعد الثَّمَانمِائَة) بل بلد ذِي صعد وأصباب على أَن رب المحذوفة بعد بل تعْمل الْجَرّ فِي الشّعْر. والبلد: القفر. والصعد بِضَمَّتَيْنِ: جمع صعُود بِفَتْح أَوله وَهُوَ الْمُرْتَفع من الأَرْض خلاف الهبوط. والأصباب بِفَتْح الْهمزَة: جمع صبب بِفتْحَتَيْنِ وَهُوَ مَا انحدر من الأَرْض. وَالْبَيْت من ارجوزة طَوِيلَة لرؤبة بن العجاج ذكر فِي أَولهَا أَن امْرَأَته لامته على كبره وعجزه لِكَثْرَة أَسْفَاره ومدح نَفسه بأَشْيَاء: مِنْهَا انه لَا يسفه على النَّاس وَلَا يحقد عَلَيْهِم. ...

(سيعرفون الْحق عِنْد الميجاب ... دعهم سيلقون أعد الْحساب) (وَالْأَمر يقْضى فِي الشقا للخياب ... بل بلد ذِي صعد وأصباب) (قطعت أخشاه بعسف جَوَاب ... بِكُل وجناء وناج هرجاب) والميجاب بِالْجِيم: الميعاد الَّذِي وَجب لَهُم. وَأعد: أفعل تَفْضِيل. والحساب: جمع حاسب. والشقاء: خلاف السَّعَادَة. والخياب بِالضَّمِّ: جمع خائب وَهُوَ الخاسر. وَقَوله: بل بلد ... إِلَخ بل هُنَا: للإضراب والانتقال وَهَذَا يشبه الاقتضاب وَهُوَ انْتِقَال من كَلَام) إِلَى آخر من غير مُنَاسبَة وَلَيْسَت بل هُنَا عاطفة كَمَا زعم الشَّارِح. ثمَّ وصف الْبَلَد بصعوبة المسالك وَكَثْرَة المهاوي والمهالك فِي تِسْعَة أَبْيَات إِلَى أَن قَالَ: قطعت أخشاه ... إِلَخ من قطع الطَّرِيق بِمَعْنى سلكه وتجاوزه وَهُوَ جَوَاب رب. وأخشاه: أهوله وأخوفه وَهُوَ أفعل تَفْضِيل وَالضَّمِير رَاجع للبلد وَالْبَاء فِي قَوْله: بعسف مُتَعَلقَة بقطعت وَهُوَ مُضَاف إِلَى جَوَاب. والعسف: سلوك الأَرْض على غير الجادة. وَالْجَوَاب: مُبَالغَة جائب من جاب الأَرْض يجوبها جوباً إِذا قطعهَا أَرَادَ بِهِ الْبَعِير. وَقَوله: بِكُل وجناء ... إِلَخ بدل من قَوْله بعسف جَوَاب. والوجناء: النَّاقة الشَّدِيدَة. وناج: اسْم فَاعل من نجا ينجو نجاء إِذا أسْرع. والناجية: النَّاقة السريعة تنجو بِمن ركبهَا وَالْبَعِير نَاجٍ. والهرجاب بِالْكَسْرِ وَالْجِيم: الْبَعِير الطَّوِيل الضخم وَكَذَلِكَ النَّاقة.

(الشاهد الثامن بعد الثمانمائة)

وترجمة رؤبة تقدّمت فِي الشَّاهِد الْخَامِس من أول الْكتاب. وَأنْشد بعده (الشَّاهِد الثَّامِن بعد الثَّمَانمِائَة) (وَلَيْلَة نحس يصطلي الْقوس رَبهَا ... وأقطعه اللَّاتِي بهَا يتنبل) على أَن وَاو رب إِن كَانَت فِي أثْنَاء القصيدة فَهِيَ للْعَطْف على سَابق كَهَذا الْبَيْت فَإِنَّهُ من أَوَاخِر قصيدة لامية للشنفرى وَالْوَاو فِيهِ للْعَطْف والمعطوف عَلَيْهِ مُتَقَدم عَلَيْهِ بِثَلَاثَة وَثَلَاثِينَ بَيْتا. وَيَنْبَغِي أَولا أَن نبين الْمَعْطُوف قبل الْمَعْطُوف عَلَيْهِ فَنَقُول: إِن لَيْلَة مجرورة بِرَبّ المحذوفة وَهِي حرف زَائِد صناعَة عِنْد الْجُمْهُور لَا يتَعَلَّق بِشَيْء وجوابها أول الْبَيْت بعْدهَا وَهُوَ: (دعست على غطش وبغش وصحبتي ... سعار وإرزيز ووجر وأفكل) (فأيمت نسواناً وأيتمت إلدةً ... وعدت كَمَا ابدأت وَاللَّيْل أليل) فدعست هُوَ: جَوَاب رب. قَالَ الْخَطِيب التبريزي فِي شَرحه: دعست: دفعت دفعا بإسراع وعجلة. يَقُول: سريت على هَذِه الْحَال فليلة مجرورة لفظا مَنْصُوبَة محلا على الظَّرْفِيَّة لدعست أَي: سريت ليَالِي كَثِيرَة من مثل هَذِه اللَّيْلَة. وَلَا يجوز أَن يكون مَفْعُولا بِهِ لدعست لِأَنَّهُ فعل لَازم.) وَهَذِه الصُّورَة خَارِجَة عَن قَول ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي إِن مجرور رب فِي نَحْو: رب رجل صَالح عِنْدِي رفع على الِابْتِدَاء وَفِي نَحْو: رب رجل صَالح

لقِيت نصب على المفعولية وَفِي نَحْو: رب رجل صَالح لَقيته رفع أَو نصب كَمَا فِي: هَذَا لَقيته. انْتهى. فليلة ظرف لدعست وقدمت عَلَيْهِ لِأَنَّهَا جرت بِرَبّ الْوَاجِبَة التصدر. فالمعطوف بِالْوَاو هُوَ دعست لَا لَيْلَة لما بَينا. وَجُمْلَة: دعست إِحْدَى الْجمل المعطوفات والمعطوف عَلَيْهِ بعد عشْرين بَيْتا من أول القصيدة وَهُوَ: (أَدِيم مطال الْجُوع حَتَّى أميته ... وأضرب عَنهُ الذّكر صفحاً فأذهل) وأديم هُوَ الْمَعْطُوف عَلَيْهِ عدَّة جمل من أَحْوَال افتخر بهَا الشَّاعِر سَاقهَا مساق المباهاة بهَا والتمدح. أَولهَا: افتخاره بصبره على الْجُوع وَهُوَ خَمْسَة أَبْيَات. - وأغدو على الْقُوت الزهيد ثَالِثهَا: افتخاره بسبقه القطا إِلَى المنهل وَأَنَّهَا لَا تشرب إِلَّا سؤره وَهُوَ سِتَّة أَبْيَات أَولهَا: وتشرب أسآري القطا رَابِعهَا: افتخاره بِأَنَّهُ إِذا نَام لَا فرَاش لَهُ إِلَّا الأَرْض وَلَا وسَادَة لَهُ إِلَّا ذراعه مَعَ استطراد شَيْء آخر وَهُوَ تِسْعَة أَبْيَات أَولهَا: وآلف وَجه الأَرْض عِنْد افتراشها خَامِسهَا: افتخاره بِأَنَّهُ لَا يجزع من فقر وَلَا يبطر من غنى وَهُوَ ثَلَاثَة أَبْيَات وَهِي: ...

(وأعدم أَحْيَانًا وأغنى وَإِنَّمَا ... ينَال الْغنى ذُو البعدة المتبذل) (فَلَا جزع من خلة متكشف ... وَلَا مرح تَحت الْغنى أتخيل) (وَلَا تزدهي الأجهال حلمي وَلَا أرى ... سؤولاً بأعقاب الْأَقَاوِيل أنمل) وَلَيْلَة نحس يصطلي الْقوس رَبهَا فَإِن قلت: لم عطفت على الْأَبْعَد وَلم تعطفه على الْأَقْرَب قلت: الأَصْل فِي المعطوفات أَن تعطف على الأول مَا لم يكن مَانع كَأَن يكون العاطف حرفا مُرَتبا كالفاء وَثمّ وَحِينَئِذٍ يكون الْعَطف على الْأَقْرَب. فَإِن قلت: إِن جملَة أَدِيم استئنافية لَا مَحل لَهَا من الْإِعْرَاب فَأَي تشريك للعاطف بالْعَطْف) عَلَيْهَا إِذْ التَّابِع كل ثَان أعرب بإعراب سَابِقَة من جِهَة وَاحِدَة قلت: هَذَا فِيمَا إِذا كَانَ للمعطوف عَلَيْهِ إِعْرَاب وَأما إِذا لم يكن لَهُ إِعْرَاب فَهُوَ مَا قَالَه السَّيِّد فِي شرح الْمِفْتَاح: فَائِدَة الْعَطف بِالْوَاو فِيمَا لَا مَحل لَهُ من الْإِعْرَاب هِيَ التَّشْرِيك وَالْجمع بَين مضموني الجملتين فِي التحقق بِحَسب نفس الْأَمر. فَإِن قلت: اجْتِمَاعهمَا واشتراكهما فِي ذَلِك التحقق مَعْلُوم بِدُونِ الْوَاو لدلَالَة الجملتين على تحقق مضمونهما فِي الْوَاقِع فيجتمعان فِيهِ قطعا. قلت: مَا ذكرته إِنَّمَا هُوَ بِدلَالَة عقلية رُبمَا لم تكن مَقْصُودَة فبالعطف يتَعَيَّن الْقَصْد إِلَى بَيَان الِاجْتِمَاع وتتقوى الدّلَالَة الْعَقْلِيَّة بالوضعية ويندفع أَيْضا توهم الإضراب عَن الْجُمْلَة الأولى إِلَى الثَّانِيَة. انْتهى. وَقَالَ فِي الْهَامِش أَيْضا مَا نَصه: يَعْنِي انك إِذا قلت: زيد قَائِم وَعَمْرو قَاعد فقد دلّ الجملتان على تحقق مدلوليهما فِي الْوَاقِع فيفهم اجْتِمَاعهمَا فِيهِ

بِلَا حَاجَة إِلَى الْوَاو. فَأجَاب بِأَن هَذِه دلَالَة عقلية يجوز أَن تكون مَقْصُودَة وَأَن لَا تكون فَإِذا أُتِي بِالْوَاو تعين الْقَصْد وتأيدت الدّلَالَة فَانْدفع توهم الإضراب فِيمَا يحْتَملهُ فَكَأَنَّهُ قيل: اجْتمع قيام زيد وقعود عَمْرو فِي الْوَاقِع. وَمِنْهُم من جعل دفع توهم الإضراب هُوَ الْمَقْصُود الْأَصْلِيّ من الْعَطف فِي هَذَا الْبَاب. وَلَيْسَ بِذَاكَ. فَإِذا قيل: اكس زيدا وأطعمه كَانَ الْمَعْنى: اجْمَعْ بَينهمَا. فَتَأمل. انْتهى. وَقد خلا الْمُغنِي وشروحه من هَذِه الْفَائِدَة ومحلها هِيَ الْجُمْلَة التابعة لجملة لَا مَحل لَهَا من الْإِعْرَاب. وَجوز الزَّمَخْشَرِيّ وَغَيره فِي شرح هَذِه القصيدة أَن يكون جملَة أَدِيم خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي: أَنا أَدِيم وَعَلِيهِ فَلَا إِشْكَال. وَقد شرحنا ثَمَانِيَة أَبْيَات من أول هَذِه القصيدة فِي الشَّاهِد السَّادِس وَالْعِشْرين بعد الْمِائَتَيْنِ وَقد شرح أَرْبَعَة أَبْيَات أخر بعْدهَا فِي الشَّاهِد السَّادِس وَالْعِشْرين بعد السبعمائة. وَقد شرح الْبَيْت الْمَعْطُوف عَلَيْهِ مَعَ خَمْسَة أَبْيَات فِي الشَّاهِد الْخَامِس وَالْعِشْرين بعد السبعمائة. وَبَيت وتشرب أسآري القطا قد شرح مَعَ خَمْسَة أَبْيَات فِي الشَّاهِد السَّابِع وَالْخمسين بعد الْخَمْسمِائَةِ. ولنشرح هُنَا هَذِه الأبيات السِّتَّة فَنَقُول:

قَوْله: وأعدم أَحْيَانًا ... إِلَخ أعدم الرجل يعْدم إعداماً إِذا افْتقر فَهُوَ معدم وعديم. وأغنى) من غَنِي من المَال غنى من بَاب رَضِي. قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: أعدم الرجل بِالْألف إِذا صَار ذَا عدم كأجرب الرجل إِذا صَار ذَا إبل جربى والبعدة قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: بِضَم الْبَاء وَكسرهَا: اسْم للبعد يُقَال: بَيْننَا بعدة من الأَرْض والقرابة. والمتبذل: الَّذِي لَا يصون نَفسه. - وَقَوله: فَلَا جزع ... إِلَخ هَذَا تَفْرِيع مِمَّا قبله وجزع خبر مُبْتَدأ أَي: أَنا جزع. والخلة بِفَتْح الْمُعْجَمَة: اختلال الْحَال بالفقر. والمتكشف: الَّذِي يظْهر فقره. والمرح بِكَسْر الرَّاء: الشَّديد الْفَرح. والتخيل: التكبر. وَتَحْت: ظرف لمرح وَيجوز أَن يكون لأتخيل. وَقَوله: وَلَا تزدهي الأجهال ... إِلَخ الازدهاء: الاستخفاف. والأجهال: جمع جهل وَهُوَ قَلِيل وَالْكثير جهول. والحلم بِالْكَسْرِ: الأناة وَالْوَقار. وَلَا أرى بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول من رُؤْيَة الْعين. وسؤولاً: حَال أَي: ذُو سُؤال وَجُمْلَة: أنمل صفة لسؤول وَالْبَاء مُتَعَلقَة بأنمل. يُقَال: أنمل الرجل إنمالاً إِذا نم وَنقل الْكَلَام على وَجه الْإِفْسَاد. والنملة بِالضَّمِّ: النميمة. وَقَوله: وَلَيْلَة نحس ... إِلَخ النحس: ضد السعد. قَالَ الْخَطِيب التبريزي والزمخشري: أَرَادَ بِهِ الْبرد. وَجُمْلَة: يصطلي الْقوس رَبهَا فِي مَوضِع الصّفة لليلة وربها أَي: صَاحبهَا فَاعل مُؤخر. والقوس مَنْصُوب بِنَزْع الْخَافِض لِأَنَّهُ يُقَال اصطليت بالنَّار فَهُوَ على حذف مُضَاف أَيْضا أَي: يصطلي بِنَار الْقوس. والقوس مؤنث سَمَاعي وَلذَا أعَاد ضميرها مؤنثاً. والاصطلاء هُوَ التدفؤ بالنَّار وَهُوَ أَن يجلس البردان قَرِيبا مِنْهَا لتصل حَرَارَتهَا إِلَيْهِ. وأقطعه بِالنّصب

عطفا على الْقوس وَهُوَ جمع قطع بِكَسْر الْقَاف وَسُكُون الطَّاء وَهُوَ سهم يكون نصله قَصِيرا عريضاً. ويتنبل: يَرْمِي بهَا. وَإِذا اصطلى الْأَعرَابِي بقوسه وسهامه لشدَّة الْبرد فَلَيْسَ وَرَاء ذَلِك فِي الشدَّة شَيْء. - وَقَوله: دعست على غطش ... إِلَخ الغطش بِفَتْح الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْمُهْملَة هُوَ الظلمَة من قَوْله تَعَالَى: وأغطش لَيْلهَا أَي: أظلمه. والبغش بِفَتْح الْمُوَحدَة وَسُكُون الْمُعْجَمَة: الْمَطَر الْخَفِيف. وَجُمْلَة: وصحبتي سعار ... إِلَخ حَال من التَّاء فِي دعست. والصحبة بِالضَّمِّ: مصدر صَحبه يَصْحَبهُ وَأَرَادَ بِهِ الصاحب. والسعار بِضَم السِّين الْمُهْملَة) بعْدهَا عين مُهْملَة وَهُوَ حر يجده الْإِنْسَان فِي جَوْفه من شدَّة الْجُوع وَالْبرد. والإرزيز بِكَسْر الْهمزَة وَسُكُون الْمُهْملَة قَالَ صَاحب الصِّحَاح: هِيَ الرعدة. وَقَالَ التبريزي: إرزيز إفعيل يكون من شَيْئَيْنِ من الارتزاز أَي: الثُّبُوت يُرِيد أَن يجمد فِي مَكَانَهُ من شدَّة الْبرد وَمن الرز وَهُوَ صَوت أحشائه من الشدَّة. والوجر بِفَتْح وَسُكُون الْجِيم بعْدهَا رَاء مُهْملَة قَالَ التبريزي: هُوَ الْخَوْف وَمِنْه يُقَال: أَنا أوجر والأفكل: أفعل قَالَ صَاحب الصِّحَاح: هِيَ الرعدة وَلَا يبْنى مِنْهُ فعل يُقَال: أَخذه أفكل إِذا ارتعد من برد أَو خوف وَهُوَ منصرف فَإِن سميت بِهِ رجلا لم تصرفه فِي الْمعرفَة للتعريف وَوزن الْفِعْل وصرفته فِي النكرَة. وعَلى هَذَا فَمَعْنَى الإرزيز مَا ذكره التبريزي. قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: وَمَوْضِع لَيْلَة نحس نصب بدعست أَي: دعست فِي لَيْلَة نحس. وَيجوز أَن يكون دعست صفة لليلة والعائد مَحْذُوف أَي: دعست فِيهَا وَيكون جَوَاب رب محذوفاً وَهُوَ تَعَمّدت أَو قصدت. وعَلى غطش مَوْضِعه حَال أَي: دَاخِلا فِي ظلمَة ومطر.

وَقَوله: فأيمت نسواناً هُوَ مَعْطُوف على دعست أَي: جعلت النِّسَاء أيامى جمع أيم كسيد وَهِي الَّتِي لَا زوج لَهَا. وأيتمت إلدة أَي: جعلت الْأَوْلَاد أيتاماً. يُرِيد أَنه قتل أَزوَاج النِّسَاء وآباء الْأَوْلَاد. إلدة بِكَسْر الْهمزَة أَصله ولدة جمع وليد وَهُوَ الصَّبِي. قَالَه صَاحب الصِّحَاح. - قَالَ التبريزي: يُقَال: ولدة وإلدة إِذا كَانَت الْوَاو مَكْسُورَة قلبتها همزَة مَكْسُورَة إِن شِئْت وَكَذَلِكَ إِذا كَانَت الْوَاو مَضْمُومَة قلبتها همزَة مَضْمُومَة كَمَا قَالُوا فِي وُجُوه أجوه فَهَذَا مطرد فِيهَا. انْتهى. وَقَالَ المعرب: إِبْدَال الْوَاو الْمَكْسُورَة همزَة قَلِيل غير مطرد بِخِلَاف المضمومة. وَقَوله: وعدت كَمَا أبدأت قَالَ التبريزي: أبدأت: ابتدأت يُقَال من أَيْن أبدأ الركب أَي: من أَيْن ابْتَدَأَ وطلع. وأليل: ثَابت الظلمَة جدا مستحكم. يُقَال: نَهَار أنهر وَشهر أشهر ودهر أدهر إِذا كمل. انْتهى. وَقَالَ صَاحب الصِّحَاح: وليل أليل أَي: شَدِيد الظلمَة. قَالَ المعرب: الْكَاف فِي كَمَا نعت لمصدر مَحْذُوف وَمَا مَصْدَرِيَّة أَي: عدت عوداً كإبدائي. وَجُمْلَة: وَاللَّيْل أليل حَال من التَّاء فِي عدت. والشنفرى: شَاعِر جاهلي تقدّمت تَرْجَمته فِي الشَّاهِد السَّادِس وَالْعِشْرين بعد الْمِائَتَيْنِ.)

وَأنْشد بعده: أشارت كُلَيْب بالأكف الْأَصَابِع على أَن كليباً مجرور بإلى المحذوفة وَهُوَ شَاذ. وَهَذَا عجز وصدره: إِذا قيل أَي النَّاس شَرّ قَبيلَة وَتقدم شَرحه مفصلا فِي الشَّاهِد السَّادِس بعد السبعمائة. وَأنْشد بعده: تبينن هَا لعمر الله ذَا قسما على أَنه إِذا جِيءَ بهَا التنيبه بَدَلا من حرف الْقسم فَلَا بُد من مَجِيء ذَا بعد الْمقسم بِهِ سَوَاء كَانَت لَفْظَة الْجَلالَة مُفْردَة مجرورة بالحرف الْمُقدر نَحْو: لَا هَا الله ذَا وإي هَا الله ذَا أَي: وَالله فيهمَا أَو كَانَت مجرورة بِإِضَافَة لعمر إِلَيْهَا نَحْو: تبينن هَا لعمر الله ذَا قسما قَالَ سِيبَوَيْهٍ فِي بَاب مَا يكون مَا قبل الْمَحْلُوف بِهِ عوضا من اللَّفْظ بِالْوَاو: قَوْلك: إِي هَا الله ذَا تثبت ألف هَا لِأَن الَّذِي بعْدهَا مدغم وَمن الْعَرَب من يَقُول: إِي هَا لله ذَا فيحذف الْألف الَّتِي بعد الْهَاء وَلَا يكون فِي الْمقسم بِهِ إِلَّا الْجَرّ لِأَن قَوْلهم: هَا صَار عوضا من اللَّفْظ بِالْوَاو فحذفت

تَخْفِيفًا على اللِّسَان. أَلا ترى أَن الْوَاو لَا تظهر هَا هُنَا كَمَا تظهر فِي قَوْلك: وَالله. فتركهم الْوَاو الْبَتَّةَ يدلك أَنَّهَا ذهبت من هَذَا تَخْفِيفًا على اللِّسَان وعوضت مِنْهَا هَا. وَلَو كَانَت تذْهب من هُنَا كَمَا تذْهب من قَوْلهم: الله لَأَفْعَلَنَّ إِذا لأدخلت الْوَاو. وَأما قَوْلهم: ذَا فَزعم الْخَلِيل أَنه الْمَحْلُوف عَلَيْهِ كَأَنَّهُ قَالَ: إِي وَالله لِلْأَمْرِ هَذَا فَحذف الْأَمر لِكَثْرَة استعمالهم هَذَا فِي كَلَامهم وَقدم هَا كَمَا قدم قوم هَا هُوَ ذَا وَهَا أَنا ذَا. وَهَذَا قَول الْخَلِيل. وَقَالَ زُهَيْر: وَمن ذَلِك قَوْلهم: آللَّهُ لتفعلن صَارَت الْألف هَا هُنَا بِمَنْزِلَة هَا ثمَّ. أَلا ترى أَنَّك لَا تَقول أَو الله كَمَا لَا يَقُولُونَ: هَا وَالله فَصَارَت الْألف هَا هُنَا وَهَا يعاقبان الْوَاو لَا يثبتان جَمِيعًا. وَقد تعاقب ألف اللَّام حرف الْقسم كَمَا عاقبته ألف الِاسْتِفْهَام وَهَا فتظهر فِي ذَلِك الْموضع) الَّذِي يسْقط فِي جَمِيع مَا هُوَ مثله للمعاقبة وَذَلِكَ قَوْلك: أفأ لله لتفعلن. أَلا ترى لَو قلت أفو الله لم تثبت وَتقول: نعم الله لتفعلن وإي الله لتفعلن لِأَنَّهُمَا ليسَا بِبَدَل. أَلا ترى أَنَّك تَقول: إِي وَالله نعم وَالله. انْتهى كَلَام سِيبَوَيْهٍ وَإِنَّمَا نَقَلْنَاهُ برمتِهِ لتعرف مَا فِي كَلَام الشَّارِح من الْخلَل. قَالَ الأعلم: الشَّاهِد فِيهِ تَقْدِيم هَا الَّتِي للتّنْبِيه على ذَا وَقد حَال بَينهمَا بقوله: لعمر الله وَالْمعْنَى: تعلمن لعمر الله هَذَا مَا أقسم بِهِ. وَنصب قسما

(الشاهد التاسع بعد الثمانمائة)

على الْمصدر الْمُؤَكّد مَا قبله لِأَن مَعْنَاهُ أقسم فَكَأَنَّهُ قَالَ: أقسم لعمر الله قسما. وَمعنى تعلمن اعْلَم وَلَا يسْتَعْمل إِلَّا فِي الْأَمر. وَقَوله: فاقصد بذرعك أَي: اقصد فِي أَمرك وَلَا تتعد طورك. وَمعنى تنسلك: تندخل. يَقُول: هَذَا لِلْحَارِثِ بن وَرْقَاء الصَّيْدَاوِيُّ وَكَانَ قد أغار على قومه وَأخذ إبِلا وعبداً فتوعده بالهجاء إِن لم يرد عَلَيْهِ مَا أَخذ مِنْهُ. وَقد تقدم شرح هَذَا مفصلا فِي الشَّاهِد الثَّانِي عشر بعد الأربعمائة. (الشَّاهِد التَّاسِع بعد الثَّمَانمِائَة) وَهُوَ من شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ: فَقلت يَمِين الله هُوَ قِطْعَة من بَيت وَهُوَ: (فَقلت يَمِين الله أَبْرَح قَاعِدا ... وَلَو قطعُوا رَأْسِي لديك وأوصالي) على أَن يَمِين الله رُوِيَ مَرْفُوعا ومنصوباً بِالْوَجْهَيْنِ. أما الرّفْع فعلى الِابْتِدَاء وَالْخَبَر مَحْذُوف أَي: لازمي وَنَحْوه. وَأما النصب فعلى أَن أَصله أَحْلف بِيَمِين الله فَلَمَّا حذف الْبَاء وصل فعل الْقسم إِلَيْهِ بِنَفسِهِ ثمَّ حذف فعل الْقسم وَبَقِي مَنْصُوبًا بِهِ.

وَأَجَازَ ابْنا خروف وعصفور أَن ينْتَصب بِفعل مُقَدّر يصل إِلَيْهِ بِنَفسِهِ تَقْدِيره ألزم نَفسِي يَمِين الله. ورد بِأَن ألزم لَيْسَ بِفعل قسم وتضمين الْفِعْل معنى الْقسم لَيْسَ بِقِيَاس. وَجوز النّحاس خفضه أَيْضا بِالْبَاء المحذوفة. وَلم يذكر ابْن مَالك فِي تسهيله فِي نَحْو هَذَا إِلَّا النصب قَالَ: وَإِن حذفا مَعًا نصب الْمقسم بِهِ. يَعْنِي: إِن حذف فعل الْقسم وحرف الْجَرّ نصب الْمقسم بِهِ. وَهُوَ أَعم من أَن يكون الْمقسم بِهِ) لفظ الْجَلالَة أَو غَيرهَا. قَالَ الأعلم: النصب فِي مثل هَذَا على إِضْمَار فعل أَكثر فِي كَلَامهم من الرّفْع على الِابْتِدَاء. وأنشده سِيبَوَيْهٍ بِالرَّفْع وَقَالَ: هَكَذَا سمعناه من فصحاء الْعَرَب. وَالْبَيْت من قصيدة طَوِيلَة لامرئ الْقَيْس مطْلعهَا. أَلا عَم صباحاً أَيهَا الطلل الْبَالِي وَقد شرحنا من أَولهَا فِي الشَّاهِد الثَّالِث من أول الْكتاب عشْرين بَيْتا إِلَى قَوْله: (سموت إِلَيْهَا بعد مَا نَام أَهلهَا ... سمو حباب المَاء حَالا على حَال) فَقَالَت: سباك الله إِنَّك فاضحي أَلَسْت ترى السمار وَالنَّاس أحوالي فَقلت يَمِين الله أَبْرَح قَاعِدا ... ... ... . الْبَيْت والسمو: الْعُلُوّ وَأَرَادَ بِهِ النهوض. يَقُول: جِئْت إِلَيْهَا لَيْلًا بعد مَا نَام أَهلهَا. والحباب بِالْفَتْح: النفاخات الَّتِي تعلو المَاء وَقيل: الطرائق الَّتِي فِي المَاء كَأَنَّهَا الوشي. وسباك: أبعدك وأذهبك إِلَى غربَة. وَقيل: لعنك الله. وَقَالَ

أَبُو حَاتِم: مَعْنَاهُ سلط الله عَلَيْك من يسبيك. والسمار: المتحدثون بِاللَّيْلِ فِي ضوء الْقَمَر وَقَوله: أَبْرَح قَاعِدا أَي: لَا أَبْرَح قَاعِدا. فَلَا محذوفة من جَوَاب الْقسم باطراد كَمَا يَأْتِي فِي الشَّرْح. وَرُوِيَ أَيْضا: فَقلت يَمِين الله مَا أَنا بارح فَلَا حذف. وَرُوِيَ أَيْضا: فَقلت لَهَا تالله أَبْرَح قَاعِدا فَلَا شَاهد فِيهِ هُنَا وَإِن كَانَ فِيهِ شَاهد من جِهَة حذف لَا. وَبِه أوردهُ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي وَشرح الألفية. وأبرح: فعل نَاقص وَقَاعِدا خَبره. والأوصال: المفاصل وَقيل: مُجْتَمع الْعِظَام. وَجمع وصل بِكَسْر الْوَاو وَضمّهَا: كل عظم لَا ينكسر وَلَا يخْتَلط بِغَيْرِهِ. كَذَا فِي الْقَامُوس. - وترجمة امْرِئ الْقَيْس تقدّمت فِي الشَّاهِد التَّاسِع وَالْأَرْبَعِينَ. وَأنْشد بعده: كلا مركبيها تَحت رجليك شَاجر) أوردهُ مثلا لاستبعاد أَن يكون همزَة أَيمن فِي الأَصْل مَكْسُورَة ثمَّ فتحت تَخْفِيفًا إِذْ هُوَ مُشكل سَوَاء قدرتها زَائِدَة أم أَصْلِيَّة فَإِن قدرتها زَائِدَة لزم أَن

يكون وزن إيمن إفعلاً بِكَسْر الْهمزَة وَإِن قدرتها أَصْلِيَّة لزم أَن يكون وَزنه فعللاً بسكر الْفَاء وَضم اللَّام الأولى وَهَذَا الْوَزْن أَيْضا غير مَوْجُود كَذَلِك. فَهُوَ مُشكل على كل اعْتِبَار فَلَا يَصح فرض كَونهَا مَكْسُورَة فِي الأَصْل. وَيجب أَن تكون همزَة وصل أَصْلهَا السّكُون كَمَا هُوَ أصل كل همزَة وصل فَإِذا احْتِيجَ إِلَى تحريكها بِأَن يبتدأ بهَا فِي النُّطْق حركت بِالْكَسْرِ لدفع أصل التَّخَلُّص من التقاء الساكنين. وَكَذَلِكَ همزَة أَيمن وضعت ابْتِدَاء سَاكِنة فِي الدرج وَلما ابتدئ بهَا حركت بِالْكَسْرِ ثمَّ عرض لَهَا كَثْرَة الِاسْتِعْمَال ففتحت تَخْفِيفًا. وَهَذَا المصراع عجز وصدره: فَأَصْبَحت أَنى تأتها تبتئس بهَا. - وَهُوَ من شعر للبيد تقدم الْكَلَام عَلَيْهِ فِي الشَّاهِد الثَّالِث عشر بعد الْخَمْسمِائَةِ. يَقُول: من أَي جَانب أتيت هَذِه النَّاقة وجدت كلا مركبيها شاجراً دافعاً لَك. وتبتئس يصبك مِنْهَا بؤس أَي: كَيْفَمَا ركبت مِنْهَا الْتبس عَلَيْك الْأَمر. وشاجر: ملتبس. ومركباها: ناحيتاها اللَّتَان ترام مِنْهُمَا. يُرِيد أَنَّهَا شموس إِذا ركبهَا الرَّاكِب رمته عَن ظهرهَا. يُخَاطب رجلا بأنك ركبت أمرا لَا خلاص لَك مِنْهُ فَأَنت بِمَنْزِلَة من ركب نَاقَة صعبة لَا يقدر على النُّزُول عَنْهَا سالما لِأَن رجلَيْهِ قد اشتبكا بركابيها وكلا مركبيها لَا يسْتَقرّ عَلَيْهِ إِن ركب على مركبها الْمُقدم وَهُوَ الرحل0

(الشاهد العاشر بعد الثمانمائة)

وَأنْشد بعده (الشَّاهِد الْعَاشِر بعد الثَّمَانمِائَة) بِدينِك هَل ضممت إِلَيْك ليلى على أَن جَوَاب قسم السُّؤَال يكون استفهاماً. فَإِن قَوْله: هَل ضممت ... إِلَخ جَوَاب الْقسم الَّذِي هُوَ قَوْله: بِدينِك وَهُوَ قسم سُؤال وَيُقَال لَهُ: الْقسم الاستعطافي يستعطف بِهِ الْمُخَاطب. وَفِي جعله هَذَا قسما تَابع لِابْنِ مَالك. قَالَ أَبُو حَيَّان: لَا نعلم أحدا ذهب إِلَى تَسْمِيَة هَذَا قسما إِلَّا ابْن مَالك. وَفِي يعَض شُرُوح الْكتاب وَقد ذكر عمرتك وعمرك وقعدك وقعيدك مَا نَصه: وَزعم بعض النَّحْوِيين أَن هَذِه أَقسَام. فَابْن مَالك وَافق من قَالَ بذلك. وَأما أَصْحَابنَا فالجملة القسمية لَا تكون إِلَّا خبرية عِنْدهم. انْتهى. وَيُؤَيِّدهُ أَن ابْن جني قَالَ: الْقسم جملَة إنشائية يُؤَكد بهَا جملَة أُخْرَى. فَإِن كَانَت خبرية فَهُوَ الْقسم لغير الاستعطاف وَإِن كَانَت طلبية فَهُوَ الاستعطاف. انْتهى. وَأغْرب ابْن عُصْفُور فِي قَوْله فِي شرح الْجمل الصَّغِير: وَالْقسم كل جملَة أكد بهَا جملَة أُخْرَى كلتاهما خبرية. وَالصَّوَاب أَن جملَة الْقسم إنشائية لَا خبرية كَمَا قَالَ ابْن جني وَغَيره. وَاعْتذر عَنهُ بِأَن مُرَاده أَن الجملتين إِذا اجْتمعَا كَانَ مِنْهُمَا كَلَام مُحْتَمل للصدق وَالْكذب.

ثمَّ قَالَ ابْن عُصْفُور بعد تَعْرِيفه: فَإِذا جَاءَ مَا صورته كصورة الْقسم وَهُوَ غير مُحْتَمل للصدق وَالْكذب حمل على أَنه لَيْسَ بقسم نَحْو قَول الشَّاعِر: (بِاللَّه رَبك إِن دخلت فَقل لَهُ ... هَذَا ابْن هرمة وَاقِفًا بِالْبَابِ) وَقَول الآخر: (بِدينِك هَل ضممت إِلَيْك ليلى ... وَهل قبلت قبل الصُّبْح فاها) قَالَ: فَلَا يكون مثل هَذَا قسما لِأَن الْقسم لَا يتَصَوَّر إِلَّا حَيْثُ يتَصَوَّر الصدْق والحنث. وَقَالَ فِي شرح الْإِيضَاح: وَأما هَذَانِ البيتان فليسا بقسمين لِأَن الجملتين غير محتملتين للصدق وَالْكذب وَإِنَّمَا المُرَاد بهما استعطاف الْمُخَاطب وَالتَّقْدِير: أَسأَلك بِدينِك وَأَسْأَلك بِاللَّه. - إِلَّا أَنهم أضمروا الْفِعْل لدلَالَة الْمَعْنى عَلَيْهِ. وَقد يحذفون الْبَاء وينصبون فِي الضَّرُورَة نَحْو قَوْله: (أَقُول لبواب على بَاب دارها ... أميرك بلغَهَا السَّلَام وأبشر) قَالَ: ويدلك على أَن قَوْلك: بِاللَّه هَل قَامَ زيد وَبِاللَّهِ إِن قَامَ زيد فَأكْرمه وأشباهه لَيْسَ بقسم) ثَلَاثَة أَشْيَاء: أَحدهَا: أَنه لم يَجِيء فِي كَلَام الْعَرَب وُقُوع الْحَرْف الْخَاص بالقسم نَحْو التَّاء وَالْوَاو موقع الْبَاء فَلم يَقُولُوا: تالله هَل قَامَ وَلَا: وَالله إِن قَامَ زيد فَأكْرمه. ثَانِيهَا: إِنَّهُم إِذا أظهرُوا الْفِعْل الَّذِي يتَعَلَّق بِهِ الْبَاء لم يكن من أَفعَال الْقسم لَا يُقَال: أقسم بِاللَّه هَل قَامَ زيد.

ثَالِثهَا: أَن الْقسم لَا يَخْلُو من حنث أَو بر وَلَا يَصح ذَلِك إِلَّا فِيمَا يَصح اتصافه بِالصّدقِ وَالْكذب. انْتهى. وَقَوله: إِن مثل هَذَا استعطاف وَلَيْسَ بقسم هُوَ الظَّاهِر وَلَا شكّ أَن كَونه قسما غير مذوق لَكِن كَلَام ابْن هِشَام ظَاهره يُعْطي أَنه سَمَّاهُ قسما استعطافياً وَذَلِكَ أَنه لما ذكر قَول أبي عَليّ الْقسم جملَة يُؤَكد بهَا الْخَبَر قَالَ: لَيْسَ كل قسم يُؤَكد الْخَبَر وَقد تقدم أَن الْبَاء يقسم بهَا على جِهَة الاستعطاف نَحْو: بِاللَّه أحسن إِلَيّ. قَالَ: وَمِنْه أَقْسَمت عَلَيْك لتفعلن كَذَا وَأَقْسَمت عَلَيْك إِلَّا فعلت وَأَقْسَمت عَلَيْك لما فعلت. قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَسَأَلت الْخَلِيل عَن قَوْلهم: أَقْسَمت عَلَيْك لما فعلت وَإِلَّا فعلت لم جَازَ هَذَا فِي هَذَا الْموضع وَإِنَّمَا أَقْسَمت هُنَا كَقَوْلِك وَالله فَقَالَ: وَجه الْكَلَام لتفعلن وَلَكنهُمْ أَجَازُوا هَذَا لأَنهم شبههوه بنشدتك الله إِذْ كَانَ فِيهِ معنى يُرِيد أَن الْعَرَب تَقول: نشدتك الله إِلَّا فعلت وَمَعْنَاهُ سَأَلتك بِاللَّه وَقَالُوا: إِلَّا فعلت بِمَعْنى إِلَّا أَن تفعل وَتَحْقِيق الْمَعْنى: لَا أطلب مِنْك إِلَّا أَن تفعل فَدَخلَهَا معنى النَّفْي فصلحت إِلَّا لذَلِك. وَتقول فِي الِاسْتِفْهَام: آللَّهُ لتقومن. قَالَ: فَكل هَذَا لَيْسَ بتأكيد وَلذَلِك تستفهم بعد الْيَمين فَتَقول: بِاللَّه أَقَامَ زيد لِأَن الْمَعْنى هُنَا أَخْبرنِي. قَالَ: وَقد منع من هَذَا أَبُو عَليّ فَقَالَ: لَا يجوز فِي الْقسم الَّذِي هُوَ استعطاف فِي الْحَقِيقَة: تالله هَل قُمْت لِأَنَّهُ لَيْسَ بمقسم. انْتهى كَلَامه. وَمُقْتَضَاهُ إِن الْقسم قِسْمَانِ قسم يقْصد بِهِ توكيد وَقسم يقْصد بِهِ الاستعطاف وَالسُّؤَال. وَفِي تَسْمِيَة مَا يقْصد بِهِ الاستعطاف قسما نظر وَكَيف يتَصَوَّر قسم دون جَوَاب لَا ملفوظ بِهِ وَلَا مُقَدّر. وَلِهَذَا سَأَلَ سِيبَوَيْهٍ بِأَن أَقْسَمت يَقْتَضِي جَوَابا وَلما فعلت لَيْسَ بِجَوَاب فَكيف جَازَ وأجابه) الْخَلِيل بِأَنَّهُم شبهوه بنشدتك الله إِذْ كَانَ فِيهِ معنى الطّلب. فَأفَاد أَن الْقسم لَيْسَ بِمُرَاد فِي الْمُشبه كَمَا أَن ذَلِك غير مُرَاد فِي الْمُشبه بِهِ.

فَمَا ذكره ابْن عُصْفُور أقرب وَهُوَ كَلَام أبي عَليّ كَمَا ظهر من نقل ابْن هِشَام. وَاعْلَم أَنه يُقَال: نشدتك بِاللَّه ونشدتك الله على نزع الْخَافِض وَالنّصب وَمَعْنَاهُ سَأَلتك بِاللَّه وَقَالَ ابْن مَالك فِي شرح التسهيل: معنى قَول الْقَائِل نشدتك الله: سَأَلتك مذكراً الله. وَمعنى عمرتك الله: سَأَلت الله تعميرك ثمَّ ضمنا معنى الْقسم الطلبي. قَالَ أَبُو حَيَّان فِي شَرحه: إِن عَنى المُصَنّف أَنه تَفْسِير معنى لَا إِعْرَاب فممكن وَإِن عَنى أَنه تَفْسِير إِعْرَاب فَلَيْسَ كَذَلِك بل نشدتك الله انتصاب الْجَلالَة فِيهِ على إِسْقَاط الْخَافِض فنصبه لَيْسَ بمذكر. وَأما عمرتك الله فَلفظ الْجَلالَة فِيهِ مَنْصُوب بِإِسْقَاط الْخَافِض أَيْضا وَالتَّقْدِير: عمرتك بِاللَّه أَي: ذكرتك تذكيراً يعمر الْقلب وَلَا يَخْلُو مِنْهُ. انْتهى. وَلَا يخفى أَنه أَرَادَ تفسيرهما لُغَة قبل أَن يضمنا مَا ذكره. وَقَوله: ثمَّ ضمنا يدْفع أَن يكون أَرَادَ تَفْسِير الْإِعْرَاب. وعمرتك الله بتَشْديد الْمِيم. واستعملوا عمرك الله بَدَلا من اللَّفْظ بعمرتك الله. قَالَ الشَّاعِر: (عمرك الله يَا سعاد عديني ... بعض مَا أَبْتَغِي وَلَا تؤيسيني)

وَقَالَ آخر: (يَا عمرك الله أَلا قلت صَادِقَة ... أصادقاً وصف الْمَجْنُون أم كذبا) وَقَالَ الْأَخْفَش فِي كِتَابه الْأَوْسَط: أَصله أَسأَلك بتعميرك الله وَحذف زَوَائِد الْمصدر وَالْفِعْل وَالْبَاء فانتصب مَا كَانَ مجروراً بهَا. قَالُوا: وَيدل على صِحَة قَول الْأَخْفَش إِدْخَال بَاء الْجَرّ عَلَيْهِ. قَالَ ابْن أبي ربيعَة: (بعمرك هَل رَأَيْت لَهَا سمياً ... فشاقك أم لقِيت لَهَا خدينا) قَالَ نَاظر الْجَيْش: وَيدل لَهُ أَيْضا قَوْلهم: لعمرك إِن زيدا قَائِم وَقَالَ تَعَالَى: لعمرك إِنَّهُم لفي سكرتهم يعمهون التَّقْدِير: لعمرك قسمي فَكَانَ الْعُمر نَفسه هُوَ الْمقسم بِهِ فَلْيَكُن هُوَ الْمقسم بِهِ فِي نَحْو عمرك الله وَيكون الأَصْل: بتعميرك الله.) وَيُمكن أَن يُقَال إِن من نصب عمرك الله على الْمصدر وَقَالَ: عمرك الله تعميراً لم يَجعله قسما وَإِنَّمَا يكون قسما على قَول الْأَخْفَش وَهُوَ قسم طلبي على رَأْي من لَا يُثبتهُ ومسؤول بِهِ على رَأْي من لَا يُثبتهُ. وَأَجَازَ الْمبرد والسيرافي أَن ينْتَصب على تَقْدِير الْقسم كَأَنَّهُ قيل: أقسم عَلَيْك بعمرك الله وَالْأَصْل بتعميرك الله أَي: بإقرارك لَهُ بالدوام والبقاء وَيكون مَحْذُوف الْجَواب فَتكون الْكَاف فِي مَوضِع رفع. وَالظَّاهِر من كَلَام سِيبَوَيْهٍ أَنه مصدر مَوْضُوع مَوضِع الْفِعْل على أَنه مفعول بِهِ. قَالَ أَبُو حَيَّان: وَالِاسْم الْمُعظم فِي عمرك الله ينصب وَيرْفَع. أما النصب فقد قَالَ صَاحب

أَحدهمَا: أَن التَّقْدِير: أَسأَلك تعميرك الله أَي: باعتقادك بَقَاء الله فتعميرك مفعول ثَان وَاسم الله مَنْصُوب بِالْمَصْدَرِ. وَالثَّانِي: أَن يَكُونَا مفعولين أَي: أسأَل الله تعميرك. وَأما الرّفْع فقد ذكر ابْن مَالك عَن أبي عَليّ أَن المُرَاد عمرك الله تعميراً فأضيف الْمصدر إِلَى الْمَفْعُول وَرفع بِهِ الْفَاعِل. وَكَذَا تقدم عَن الْأَخْفَش فقد اتّفق قولاهما على أَن اسْم الله تَعَالَى مَرْفُوع بِالْمَصْدَرِ على الفاعلية وَلَكِن أَبُو عَليّ يرى أَن نصب عمرك على الْمصدر والأخفش يرى أَنه مَنْصُوب على نزع الْخَافِض وَلِهَذَا كَانَ الْفِعْل الَّذِي يقدره أَبُو عَليّ: عمرتك وَالْفِعْل الَّذِي يقدره الْأَخْفَش: أَسأَلك. وَأما قعدك الله بِكَسْر الْقَاف وَفتحهَا وَيُقَال: قعيدك الله أَيْضا فهما منصوبان بِتَقْدِير: أقسم بعد إِسْقَاط الْبَاء وهما مصدران بِمَعْنى المراقبة كالحس والحسيس وَقيل وصفان كخل وخليل بِمَعْنى الرَّقِيب الحفيظ فالمعني بهما هُوَ الله تَعَالَى وَالله بدل مِنْهُمَا وعَلى الأول مَنْصُوب بهما. وَهُوَ الْجيد إِذْ لم يسمع أَنَّهُمَا من أَسمَاء الله تَعَالَى. وَبَقِي على الشَّارِح الْمُحَقق ذكر عزمت وَأَقْسَمت فَإِنَّهُمَا يستعملان فِي قسم الطّلب. وَأما وَقَوله: بِدينِك هَل ضممت إِلَيْك ليلى. - هَذِه الْبَاء عِنْد من لم يثبت قسم السُّؤَال اسْمهَا بَاء الطّلب وَيجوز ذكر متعلقها كنشدتك بِاللَّه وَأَسْأَلك بِاللَّه. وحذفه أَكثر وَمِنْه هَذَا الْبَيْت. قَالَ ابْن مَالك فِي التسهيل: ويضمر الْفِعْل فِي الطّلب كثيرا اسْتغْنَاء بالمقسم بِهِ مجروراً بِالْيَاءِ) وَيخْتَص الطّلب بهَا. انْتهى.

وَلَو كَانَت للقسم لجَاز أَن يُقَال: أَحْلف بِاللَّه قُم وَنَحْوه. وَقد تحذف الْبَاء مَعَ الْمُتَعَلّق فِي الشّعْر كَمَا تقدم. وضممت إِلَيْك أَي: عانقتها وحضنتها. وَقَوله: قبيل الصُّبْح أوقبلت فاها رُوِيَ بدله: وَهل قبلت بعد النّوم فاها. يُرِيد: هَل قبلته وشممت طيب رَائِحَته فِي وَقت تغير الأفواه. وَخص مَا بعد النّوم لِأَن الأفواه تَتَغَيَّر حِينَئِذٍ. وَالْمرَاد تَحْقِيق طيب نكهتها. وَبعده: (وَهل مَالَتْ عَلَيْك ذؤابتاها ... كَمثل الأقحوان على نداها) وَرُوِيَ بدله: رفت بِفَتْح الرَّاء الْمُهْملَة من رف لَونه يرف بِالْكَسْرِ رَفِيقًا ورفاً إِذا برق وتلألأ. أَرَادَ شدَّة سَواد شعرهَا. والرفيف يُوصف بِهِ خضرَة النَّبَات وَالْأَشْجَار. - قَالَ الشَّاعِر: فِي ظلّ أحوى الظل رفاف الْوَرق وصحفه ابْن الملا فِي شرح الْمُغنِي يَجْعَل الْمُهْملَة مُعْجمَة فَقَالَ: الزفيف إهداء الْعَرُوس إِلَى بَعْلهَا. وغفل عَن قَوْله: رفيف الأقحوانة وَهِي البابونج. وقيدها بِكَوْنِهَا فِي نداها لِأَنَّهَا لَا أعطر مِنْهَا فِي تِلْكَ الْحَالة. والقرون: الذوائب جمع قرن بِفَتْح الْقَاف وَسُكُون الرَّاء.

والبيتان أوردهما الْأَصْفَهَانِي فِي الأغاني ونسبهما إِلَى الْمَجْنُون بن الملوح من بني عَامر وَقَالَ: مر الْمَجْنُون ذَات يَوْم بِزَوْج ليلى وَهُوَ جَالس يصطلي فِي يَوْم شات وَقد أَتَى ابْن عَم لَهُ فِي حَيّ الْمَجْنُون لحَاجَة فَوقف عَلَيْهِ ثمَّ أنشأ يَقُول: (بِرَبِّك هَل ضممت إِلَيْك ليلى ... قبيل الصُّبْح أَو قبلت فاها) (وَهل رفت عَلَيْك قُرُون ليلى ... رفيف الأقحوانة فِي نداها) فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِذْ حلفتني فَنعم. قَالَ: فَقبض الْمَجْنُون بكلتا يَدَيْهِ من الْجَمْر قبضتين فَمَا فارقهما حَتَّى سقط مغشياً عَلَيْهِ وَسقط الْجَمْر مَعَ لحم راحتيه فَقَامَ زوج ليلى مغموماً بِفِعْلِهِ مُتَعَجِّبا وَزَاد ابْن جني فِي شرح تصريف الْمَازِني بَيْتا بعدهمَا وَهُوَ:) (كَأَن قرنفلاً وسحيق مسك ... وَصوب الغاديات شملن فاها) وَتَقَدَّمت تَرْجَمَة مَجْنُون بني عَامر فِي الشَّاهِد التسعين بعد الْمِائَتَيْنِ. وَأنْشد بعده: قعيدك أَن لَا تسمعيني ملامةً

هُوَ صدر وعجزه: ولاتنكئي قرح الْفُؤَاد فييجعا على أَن أَن فِيهِ زَائِدَة وَالْجَوَاب إِنَّمَا هُوَ النَّهْي. وَهَذَا جَوَاب سُؤال مُقَدّر وَتَقْدِيره: أَنَّك ذكرت أَن جَوَاب قسم السُّؤَال أَن يكون أمرا أَو نهيا أَو استفهاماً أَو مصدرا بإلا أَو لما وَهَذَا لَيْسَ أحد تِلْكَ الْخَمْسَة. فَأجَاب بِأَن أَن زَائِدَة وَالْجَوَاب هُوَ النَّهْي. وَهَذَا وَإِن أمكن هُنَا فَلَا يَتَأَتَّى فِي نَحْو: نشدتك بِاللَّه أَن تقوم. وَقد اعْتَبرهُ غَيره قَالَ أَبُو حَيَّان فِي شرح التسهيل: إِن الْجَواب يكون بِأحد سِتَّة أَشْيَاء وَهِي الِاسْتِفْهَام وَالْأَمر وَالنَّهْي وَإِلَّا وَلما وَأَن. وَمثل لَهُ بِمَا ذكرنَا. وَلم يذكرَا تصدر الْجَواب بإن الشّرطِيَّة نَحْو: بِاللَّه رَبك إِن دخلت فَقل لَهُ الْبَيْت وَالظَّاهِر أَن إِن إِذا حلت هَذَا الْمحل يجب أَن يكون جوابها فعلا طلبياً كَمَا فِي الْبَيْت لِأَن الطّلب هُوَ الْمَقْصُود من هَذَا الْكَلَام وَجُمْلَة الشَّرْط لَيْسَ فِيهَا طلب فَتعين أَن يشْتَمل جملَة الْجَزَاء عَلَيْهِ. وَلَيْسَ المُرَاد بِالطَّلَبِ هُنَا أَن يكون بصيغته بل المُرَاد بِهِ أَن يكون الْجَواب مَطْلُوبا للمتكلم سَوَاء كَانَ الطّلب بالصيغة أم بغَيْرهَا مِمَّا يفِيدهُ سِيَاق الْكَلَام وَلذَلِك جعلُوا من صور الْمَسْأَلَة نشدتك إِلَّا فعلت أَو لما فعلت وَقَالُوا: الْمَعْنى فِيهِ: مَا أَسأَلك إِلَّا أَن تفعل أَو مَا أطلب مِنْك إِلَّا أَن تفعل.

وَزَاد الشَّارِح الْمُحَقق على أبي حَيَّان وُقُوع اللَّام فِي الْجَواب نَحْو: بِاللَّه لتفعلن. وَقد أوردهُ الشَّارِح هُنَا مكرراً مرَّتَيْنِ مَعَ قرب مَا بَينهمَا. وَالْبَيْت من قصيدة متمم بن نُوَيْرَة الصَّحَابِيّ رثى بهَا أَخَاهُ مَالك بن نُوَيْرَة. وَقد تقدم الْكَلَام عَلَيْهِ وعَلى عمرتك وعمرك وقعدك وأمثالها فِي الْمَفْعُول الْمُطلق فِي الشَّاهِد الْخَامِس والثمانين وَمَا بعده.) وَأنْشد بعده (لأورث بعدِي سنة يقْتَدى بهَا ... وأجلو عمى ذِي شُبْهَة إِن توهما) على أَن اللَّام فِيهِ لَام الِابْتِدَاء دخلت على الْمُضَارع للتوكيد وَلَيْسَت فِي جَوَاب قسم. قَالَ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي: اخْتلف فِي هَذِه اللَّام الدَّاخِلَة على الْمُضَارع فَأَجَازَهُ ابْن مَالك والمالقي وَغَيرهمَا. زَاد المالقي الْمَاضِي الجامد نَحْو: لبئس مَا كَانُوا يعْملُونَ. وَبَعْضهمْ الْمُتَصَرف المقرون بقد نَحْو: وَلَقَد كَانُوا عَاهَدُوا الله من قبل لقد كَانَ فِي يُوسُف وَإِخْوَته آيَات وَالْمَشْهُور أَن هَذِه لَام الْقسم. وَقَالَ أَبُو حَيَّان فِي: وَلَقَد علمْتُم: هِيَ لَام الِابْتِدَاء مفيدة لِمَعْنى التَّأْكِيد وَيجوز أَن يكون قبلهَا قسم مُقَدّر وَأَن لَا يكون. انْتهى.

وَنَصّ جمَاعَة على منع ذَلِك كُله. قَالَ ابْن الخباز فِي شرح الْإِيضَاح: لَا تدخل لَام الِابْتِدَاء على الْجمل الفعلية إِلَّا فِي بَاب إِن. انْتهى. وَهُوَ مُقْتَضى كَلَام ابْن الْحَاجِب وَهُوَ أَيْضا قَول الزَّمَخْشَرِيّ قَالَ فِي تَفْسِير: ولسوف يعطيك رَبك: لَام الِابْتِدَاء لَا تدخل إِلَّا على الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر. وَقَالَ فِي لأقسم: هِيَ لَام الِابْتِدَاء دخلت على مُبْتَدأ مَحْذُوف وَلم يقدرها لَام الْقسم لِأَنَّهَا عِنْده مُلَازمَة للنون. وَكَذَا زعم فِي: ولسوف يعطيك رَبك. وَقَالَ ابْن الْحَاجِب: اللَّام فِي ذَلِك لَام التوكيد وَأما قَول بَعضهم إِنَّهَا لَام الِابْتِدَاء وَإِن الْمُبْتَدَأ مُقَدّر بعْدهَا ففاسد من جِهَات: إِحْدَاهَا: أَن اللَّام مَعَ الِابْتِدَاء كقد مَعَ الْفِعْل وَإِن مَعَ الِاسْم فَكَمَا لَا يحذف الْفِعْل وَالِاسْم ويبقيان بعد حذفهما كَذَلِك اللَّام بعد حذف الِاسْم. - وَالثَّانيَِة: أَنه قدر الْمُبْتَدَأ فِي نَحْو: لسوف يقوم زيد يصير التَّقْدِير: لزيد سَوف يقوم. وَلَا يخفى مَا فِيهِ من الضعْف. وَالثَّالِثَة: أَنه يلْزم إِضْمَار لَا يحْتَاج إِلَيْهِ الْكَلَام. انْتهى. وَقَول الشَّاعِر: لأورث مضارع مَبْنِيّ للْفَاعِل وَهُوَ ضمير الْمُتَكَلّم متعهد إِلَى مفعولين تَقول: ورث زيد المَال فتعديه بِالْهَمْزَةِ إِلَى اثْنَيْنِ وَتقول أورثته المَال أَي: أكسبته إِيَّاه وَالْمَفْعُول الأول هُنَا مَحْذُوف وَالتَّقْدِير: لأورث النَّاس وَسنة الْمَفْعُول الثَّانِي.) وَالسّنة: السِّيرَة حميدةً كَانَت أَو ذميمة وَهِي

الطَّرِيقَة. وَجُمْلَة: يقْتَدى بهَا بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول صفة لسنة. وأجلو مَعْطُوف على أورث من جلوت السَّيْف وَنَحْوه إِذا كشفت صدأه جلاء بالكسلا وَالْمدّ. والعمى هُنَا: عمى الْقلب مستعار للضلالة والعلاقة عدم الاهتداء. والشبهة: الظَّن المشتبه بِالْعلمِ ذكره أَبُو الْبَقَاء. وَقَالَ بَعضهم: الشُّبْهَة: مشابهة الْحق للباطل وَالْبَاطِل للحق من وَجه إِذا حقق النّظر فِيهِ ذهب. وَأَن توهم الْألف للإطلاق وَيجوز فِي أَن الْكسر وَالْفَتْح وفاعل توهم ضمير ذِي شُبْهَة ومفعوله مَحْذُوف للتعميم. والتوهم: الْخَطَأ فِي دَرك الشَّيْء. وَيُقَال: توهمت أَي: ظَنَنْت. وَهَذَا الْبَيْت للمتلمس وَهُوَ شاهر جاهلي تقدّمت تَرْجَمته فِي الشَّاهِد التَّاسِع وَالسِّتِّينَ بعد الأربعمائة. وَالْبَيْت من قصيدة عدتهَا تِسْعَة عشر بَيْتا أَولهَا: (يعيرني أُمِّي رجال وَلَا أرى ... أَخا كرم إِلَّا بِأَن يتكرما) (وَمن كَانَ ذَا عرض كريم فَلم يصن ... لَهُ حسباً كَانَ اللَّئِيم المذمما) (أحارث لَو أَنا تساط دماؤنا ... تزيلن حَتَّى مَا يمس دم دَمًا) (أمنتفلاً من آل بهثة خلتني ... أَلا إِنَّنِي مِنْهُم وَإِن كنت أَيْنَمَا) (أَلا إِنَّنِي مِنْهُم وعرضي عرضهمْ ... كذي الْأنف يحمي أَنفه أَن يهشما) ...

(وَهل لي أم غَيرهَا إِن تركتهَا ... أَبى الله إِلَّا أَن أكون لَهَا ابنما) (وَمَا كنت إِلَّا مثل قَاطع كَفه ... بكف لَهُ أُخْرَى فَأصْبح أجذما) (فَلَمَّا استقاد الْكَفّ بالكف لم يجد ... لَهُ دركاً فِي أَن تَبينا فأحجما) (يَدَاهُ أَصَابَت هَذِه حتف هَذِه ... فَلم تَجِد الْأُخْرَى عَلَيْهِ مقدما) (فَأَطْرَقَ إطراق الشجاع وَلَو يرى ... مساغاً لنابيه الشجاع لصمما) (وَقد كنت ترجو أَن أكون لعقبكم ... زنيماً فَمَا أجررت أَن أتكلما) لأورث بعدِي سنة ... ... ... ... ... ... ... الْبَيْت) قَالَ جَامع ديوانه أَبُو الْحسن الْأَثْرَم: قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: كَانَ سَبَب هَذِه القصيدة أَن المتلمس كَانَ فِي أَخْوَاله بني يشْكر يُقَال: إِنَّه ولد فَمَكثَ فيهم حَتَّى كَادُوا يغلبُونَ على نسبه فَسَأَلَ عَمْرو بن هِنْد ملك الْحيرَة يَوْمًا الْحَارِث بن التوأم الْيَشْكُرِي عَن نسب المتلمس فَقَالَ: يزْعم أَنه من بني ضبيعة أضجم. فَقَالَ عَمْرو: مَا هُوَ إِلَّا كالساقط بَين الفراشين. فَبلغ ذَلِك المتلمس فَقَالَ هَذِه القصيدة. والمتلمس اسْمه جرير بن عبد الْمَسِيح أَخُو بني ضبيعة بن ربيعَة بن نزار. وَقَوله: أحارث منادى. وتساط: تخلط. وتزيلن: افترقن. والمنتفل

(الشاهد الثاني عشر بعد الثمانمائة)

والمنتفي والمتبري سَوَاء. وبهثة هُوَ ابْن حَرْب بن وهب بن جلي بن أحمس ابْن ضبيعة بن ربيعَة بن نزار. وَإِن كنت أَيْنَمَا أَي: حَيْثُ مَا كنت. وَقَوله: جعلت لَهُم فَوق العرانين يَقُول: هجوتهم هجاء يلْزمهُم لُزُوم الميسم للأنف. والأجذم: الْمَقْطُوع إِحْدَى يَدَيْهِ يَقُول: لَو هجوت قومِي كنت كمن قطع بِيَدِهِ يَده الْأُخْرَى. والزنيم: الملصق بالقوم وَلَيْسَ مِنْهُم. والإجرار: أَن يشق لِسَان الفصيل لِئَلَّا يرضع أمه. انْتهى. وَبَقِي أَبْيَات من أَبْيَات القصيدة لَا حَاجَة لنا بهَا. وَأنْشد بعده (الشَّاهِد الثَّانِي عشر بعد الثَّمَانمِائَة) (وقتيل مرّة أثأرن فَإِنَّهُ ... فرغ وَإِن أَخَاهُم لم يقْصد) على أَنه قد يَخْلُو الْمُضَارع عَن اللَّام اسْتغْنَاء بالنُّون كَمَا هُنَا وَالْأَكْثَر لأثأرن بهما جَمِيعًا. وَهَذَا كَقَوْل ابْن مَالك فِي التسهيل: وَإِن كَانَ أول الْجُمْلَة مضارعاً مثبتاً مُسْتَقْبلا غير مُقَارن حرف تَنْفِيس وَلَا مقدم معموله لم تغنه اللَّام غَالِبا عَن نون التوكيد. وَقد يسْتَغْنى بهَا عَن اللَّام. انْتهى.

وَذهب ابْن عُصْفُور فِي كتاب الضرائر إِلَى أَن حذف اللَّام ضَرُورَة. وَتَبعهُ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي فَقَالَ: حذف لَام لَأَفْعَلَنَّ يخْتَص بِالضَّرُورَةِ. وَأنْشد الْبَيْت. وَهَذَا مَذْهَب الْبَصرِيين وَالْأول مَذْهَب الْكُوفِيّين كَمَا بَينه الشَّارِح الْمُحَقق. وَالْبَيْت من قصيدة لعامر بن الطُّفَيْل العامري تقدم شرح أَبْيَات من أَولهَا فِي الشَّاهِد الثَّامِن وَالسِّتِّينَ بعد الْمِائَة. وَقبل هَذَا الْبَيْت: (ولأثأرن بِمَالك وبمالك ... وَأخي المروراة الَّذِي لم يسند) وَقَوله: ولأثأرن اللَّام فِي جَوَاب قسم مُقَدّر أَي: وَالله لأثأرن أَي: لآخذن بثأرهم وأقتلن بهم من بني مرّة من عَوْف الذبياني. والثأر بِالْهَمْزَةِ ويخفف: الذحل يُقَال: ثأرت الْقَتِيل وثأرت بِهِ من بَاب نفع إِذا قتلت قَاتله. والمروراة بِفَتْح الْمِيم والرائين الْمُهْمَلَتَيْنِ وَسُكُون الْوَاو بَينهمَا: أجبل لأشجع بن ريث بن غطفان. وَأَرَادَ بأخي المروراة الحكم بن الطُّفَيْل العامري وَهُوَ أَخُو عَامر بن الطُّفَيْل خنق نَفسه تَحت شَجَرَة بالمروراة خوفًا من الْأسر كَمَا يَأْتِي بَيَانه. وَقَول: الَّذِي لم يسند أَي: لم يدْفن بل أَكلته السبَاع والطيور. وَقَوله: وقتيل مرّة أثارن ... إِلَخ قَالَ ابْن الْأَنْبَارِي فِي شرح المفضليات: رَوَاهُ الضَّبِّيّ: بخفض أما الأول فعلى أَن الْوَاو للقسم وقتيل مقسم بِهِ وَأَرَادَ بِهِ أَخَاهُ الحكم بن الطُّفَيْل وَأَعَادَهُ مُبْهما تفخيماً لَهُ. وَمرَّة: أَبُو قَبيلَة وَهُوَ مرّة بن عَوْف بن

سعد بن ذبيان بن بغيض بن ريث بن غطفان بن سعد بن قيس بن عيلان بن مُضر. وَقَول بن الملا فِي شرح الْمُغنِي: مرّة: قَبيلَة من قُرَيْش كَلَام من لم يصل إِلَى العنقود. وأثارن جَوَاب) الْقسم ومفعول أثرن مَحْذُوف وَالتَّقْدِير: أثارنه أَو أثارن بِهِ. وعَلى هَذَا يكون الاستشهاد. وَإِن كَانَت الْوَاو للْعَطْف على مَالك فأثرن تَأْكِيد لقَوْله: لأثأرن. - وَأما النصب فعلى الْعَطف على مَحل مَالك وأثأرن تَأْكِيدًا لذَلِك وَقيل مفعول بِفعل يفسره أثرن. وَلَا يجوز أَن يكون مَفْعُولا لَهُ لِأَن الْمُؤَكّد لَا يتَقَدَّم عَلَيْهِ معموله. وَأما الرّفْع فعلى الِابْتِدَاء وَجُمْلَة: أثأرن خَبره والعائد مَحْذُوف أَي: أثأرن بِهِ أَو أثأرنه. والتأكيد على هَذَا شَاذ. وَالضَّمِير فِي فَإِنَّهُ رَاجع لقتيل. وَفرغ بِكَسْر الْفَاء وَسُكُون الرَّاء الْمُهْملَة بعْدهَا مُعْجمَة: الهدر يُقَال: ذهب دم فلَان فرغا وهدراً إِذا لم يقتل قَاتله. وَقَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: روى فرع أَيْضا أَي: بِفَتْح الْفَاء وَالْعين الْمُهْملَة وَهُوَ الرَّأْس العالي فِي الشّرف وَضمير الْجمع فِي أَخَاهُم لمرة بِاعْتِبَار كَونه حَيا وَأَرَادَ بأخيهم سِنَان بن أبي حَارِثَة المري أَو الْحَارِث بن عَوْف فان أَحدهمَا كَانَ رَئِيس بني مرّة. قَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: وَقَوله: لم يقْصد: لم يقتل يُقَال: أقصد الرجل إِذا قتلته.

وروى بدله فِي مُغنِي اللبيب وَغَيره: لم يثأر وَهُوَ خطأ معنى وقافية. وَهَذَا الشّعْر قَالَه عَامر بن الطُّفَيْل بعد يَوْم الرقم بِفَتْح الرَّاء وَالْقَاف وَهُوَ مَاء لبني مرّة وَهُوَ يَوْم كَانَ لغطفان على بني عَامر. - قَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: أغار بَنو عَامر على غطفان بِالرَّقْمِ فَلَقوا غلمة من أَشْجَع بن ريث بن غطفان فَقَتَلُوهُمْ ثمَّ استبطن عَامر بن الطُّفَيْل بني عَامر فِي الْوَادي فَأَغَارُوا على بني فَزَارَة بن ذبيان بن بغيض بن ريث بن غطفان فَأصَاب بني سُفْيَان بن غراب ابْن ظَالِم بن فَزَارَة وأتى الصَّرِيخ بني فَزَارَة فَرَكبُوا هم وَبَنُو مرّة بن عَوْف وعَلى بني فَزَارَة عُيَيْنَة بن حصن وعَلى بني مرّة سِنَان بن أبي حَارِثَة وَيُقَال الْحَارِث بن عَوْف. فانهزمت بَنو جَعْفَر بن كلاب بن ربيعَة بن عَامر وَأَقْبل عَامر بن الطُّفَيْل منهزماُ حَتَّى دخل بَيت أَسمَاء بنت قدامَة الْفَزارِيّ وَهِي حَدِيثَة عهد بعرس وَزوجهَا شبث بن حوط الْفَزارِيّ وَمَضَت بَنو جَعْفَر فَدَخَلُوا فِي شعاب لَا يَدْرُونَ مَا هِيَ فَلَمَّا انْتَهوا إِلَى أقْصَى الْوَادي لم يَجدوا منفذاً وَأَقْبَلت غطفان حَتَّى وقفُوا على فَم الْوَادي فَقَالَ لَهُم عيينه: قفوا فَإِن الْقَوْم منصرفون إِلَيْكُم.) فَلَمَّا لم يَجدوا منفذاً انصرفوا فَقَالَ بَعضهم لبَعض: إِنَّه لن ينجيكم الْيَوْم إِلَّا الصدْق فارموهم بنواصي الْخَيل. فَفَعَلُوا فَقتل يَوْمئِذٍ من بني جَعْفَر: كنَانَة والْحَارث ابْنا عُبَيْدَة بن مَالك بن جَعْفَر وَقيس بن الطُّفَيْل بن مَالك. فَلَمَّا خرجت بَنو جَعْفَر من الشّعب خرج عَامر من بَيت أَسمَاء فَرجع زَوجهَا فَقَالَ: أصنع بك عَامر شَيْئا قَالَت: إِي وَالله لقد فَقل وَلَو كنت أَنْت لنكحك عَامر فَمر جَبَّار بن

سلمى بن مَالك بن جَعْفَر بعامر فارتدفه على فرسه وَأما الحكم بن الطُّفَيْل أَخُو عَامر فَإِنَّهُ انهزم فِي نفر من بني عَامر وَفِيهِمْ رجلَانِ من غَنِي فنظروا إِلَى بني جَعْفَر منهزمين فحسبوهم بني ذبيان فَقَالَ الحكم: وَالله لَا تأسرني بَنو ذبيان الْيَوْم فيتلعبون بِي فَمَضَوْا حَتَّى انْتَهوا إِلَى مَوضِع يُقَال: لَهُ المروراة وَقد يكَاد الْعَطش يُهْلِكهُمْ فاختنق الحكم تَحت شَجَرَة مَخَافَة الْمثلَة فَمَاتَ وَأخذت بَنو عمار فرسا لَهُم يُقَال لَهُ: عزلاء فَجعلُوا يَمرونَ ذكره حَتَّى بَال فَشَرِبُوا بَوْله من آخر النَّهَار وقتلهم الْعَطش وَبَقِي الغنويان فَسَأَلَهُمَا عَامر عَن الحكم فَأَخْبَرَاهُ أَنه خنق نَفسه. فزعموا أَن عَامِرًا كَانَ يرفع يَدَيْهِ وَيَقُول: اللَّهُمَّ أدْرك لي بِيَوْم الرقم ثمَّ اقتلني إِذا شِئْت. فَسَمت غطفان ذَلِك الْيَوْم يَوْم المروراة ويم التخانق. وَزَعَمت غطفان أَنهم أَصَابُوا يَوْمئِذٍ من بني عَامر أَرْبَعَة وَثَمَانِينَ رجلا فدفعوهم إِلَى أهل بَيت من أَشْجَع كَانَت بَنو عَامر قد أَصَابُوا فيهم فَجعل رجل مِنْهُم يُقَال لَهُ: عقبَة بن حليس يَقُول: من أَتَانِي بأسير فَلهُ فداؤه. فَجعلت غطفان يأتونه بالأسرى فَجعل يذبحهم حَتَّى أَتَى على آخِرهم فَسُمي مذبحاً وَبَنوهُ إِلَى الْيَوْم يُقَال لَهُم: بَنو مذبح. قَالَ عُرْوَة بن الْورْد الْعَبْسِي فِي بني جَعْفَر: (عجبت لقوم يخنقون نُفُوسهم ... ومقتلهم تَحت الوغى كَانَ أعذرا) (يشد الْحَلِيم مِنْهُم عقد حبله ... أَلا إِنَّمَا يَأْتِي الَّذِي كَانَ حذرا) انْتهى بِاخْتِصَار.

(الشاهد الثالث عشر بعد الثمانمائة)

وَأنْشد بعده (الشَّاهِد الثَّالِث عشر بعد الثَّمَانمِائَة) (تألى ابْن أَوْس حلفةً ليردني ... إِلَى نسْوَة كأنهن مفائد) على أَنه اسْتغنى بلام التوكيد عَن النُّون. وَهَذَا ظَاهر. وَرُوِيَ أَيْضا بِكَسْر اللَّام وَفتح الدَّال على نصب الْفِعْل بِأَن مضمرة على أَنَّهَا لَام كي. - وَذكر سِيبَوَيْهٍ أَن لَام الْقسم يلْزمهَا إِحْدَى النونين. وَقَالَ أَيْضا: وَقد تحذف النُّون فِي الشّعْر. وَقد جَاءَ أعجب من هَذَا وَأبْعد فِي الِاسْتِعْمَال وَحذف اللَّام وَإِثْبَات النُّون. قَالَ: وقتيل مرّة أثأرن ... ... ... ... ... ... الْبَيْت فَأَما من روى بِكَسْر اللَّام فَالْمَعْنى: حلف لهَذَا الْأَمر. وَجَوَاب الْقسم يكون محذوفاً مُقَدرا ويستدل عَلَيْهِ بِمَا ذكره. وَقَالَ بعض الْمُتَقَدِّمين: تَقول حلف ليفعلن فَإِذا حذفت النُّون كسرت اللَّام وأعملتها إِعْمَال لَام كي والموضع مَوضِع الْقسم وَالْمعْنَى مَعْنَاهُ. وَقيل: مثل تألى ليردني: أَرَادَ ليفعل كَذَا كَأَن الْفِعْل دلّ على الْمصدر. وَاللَّام مَعَ الِاسْم الْمَجْرُور بِهِ فِي مَوضِع الْخَبَر لذَلِك الْمصدر الْمُبْتَدَأ كَأَنَّهُ قَالَ: إرادتي كَذَا انْتهى. وَسَيَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى بَقِيَّة الْكَلَام على هَذَا فِي نون التوكيد.

وَهَذَا الْبَيْت أول أَبْيَات أَرْبَعَة لزيد الفوارس بن حُصَيْن بن ضرار الضَّبِّيّ أوردهَا أَبُو تَمام فِي الحماسة. وَبعده: (دَعَاني ابْن مرهوب على شنء بَيْننَا ... فَقلت لَهُ إِن الرماح مصايد) (وَقلت لَهُ كن عَن شمَالي فإنني ... سأكفيك إِن ذاد الْمنية ذائد) قَالَ المرزوقي: آلى الرجل وتألى بِمَعْنى. وَهَذِه الْأَبْنِيَة من الألية وَهِي الْيَمين. وحلفة: انتصب على أَنه مصدر من غير لَفظه. والمفائد جمع المفأد بِكَسْر الْمِيم وَفتح الْهمزَة وَهِي المسعر والسفود. والفأد فِي اللُّغَة: التحريك وَقيل إِن الْفُؤَاد مِنْهُ اشتق لِأَنَّهُ ينبض. وَمعنى الْبَيْت: حلف هَذَا الرجل حلفة ليأسرنني ثمَّ يمتن عَليّ فيردني على نسْوَة كأنهن مساعير) لاحتراقهن وجدا بِي وغماً عَليّ فَفعلت أَنا بِهِ مثل مَا هم بِهِ فِي. وَقَوله: دَعَاني ابْن مرهوب إِلَى آخِره حول كَلَامه إِلَى قصَّة أُخْرَى فَقَالَ: اسْتَغَاثَ بِي هَذَا الرجل على مَا بَيْننَا من عَدَاوَة وبغضاء فأجبته بعد أَن هونت عَلَيْهِ مَا خَوفه وبينت أَن الرماح حبائل الرِّجَال الْكِرَام فِي الْحَرْب ومصايدهم فَلَا تبال بِالْمَوْتِ إِذا كَانَ على وَجهه لَا يتعقبه عَار. وَقَوله: على شنء بَيْننَا فِي مَوضِع الْحَال يُقَال: شنئته ومشنأة. وَقَوله: وَقلت لَهُ كن. . إِلَخ وَإِنَّمَا قَالَ لَهُ: كن عَن شمَالي لِأَن الضَّرْب والطعن وَالرَّمْي فِي الْعَطف وَمَا شاكل ذَلِك من الْجَانِب الايسر امكن من الايمن0

وَوجه آخر وَهُوَ أَن الْعَطف فِي الْجَانِب الْأَيْسَر فَقَالَ لَهُ: كن فِي الْجَانِب الَّذِي أَنا معني بِهِ. وَقيل إِنَّمَا قَالَ: كن عَن شمَالي لِأَنَّهُ مَوضِع المعان الْمَنْصُور واليمنى مَوضِع النَّاصِر يُقَال: أَنا على يَمِينك وَعَن يَمِينك أَي: ناصرك. كَأَنَّهُ أمره أَن يكون على ميسرَة الْجَيْش وَيكون على الميمنة لأَنهم يجْعَلُونَ على ميمنة الْعَسْكَر كل موثوق بِهِ. وَهَذَا أحسن وَجه. وَقَالَ الْخَطِيب التبريزي: قَالَ أَبُو رياش: كَانَ من خبر هَذِه الأبيات أَن زيد الفوارس أقبل هُوَ وعلقمة بن مرهوب وَرجل من بني هَاجر وَرجل من بني صبيح وَحسان بن الْمُنْذر بن ضرار حَتَّى نزلُوا ببني جديلة من طَيئ وَكَانَ بَنو جديلة قد ولدُوا جَبَّار بن صَخْر بن ضرار فَأبى زيد وعلقمة أَن ينزلا مَعَ حسان وركبا وُجُوههمَا. فَقَالَ أَوْس بن حَارِثَة بن لأم لحسان: من هَذَانِ مَعَك قَالَ: زيد الفوارس وعلقمة بن مرهوب. فَقَالَ لِابْنِهِ قيس بن أَوْس: اركب فارددهما عَليّ. فَركب فَقَالَ: إِن أبي يقسم عَلَيْكُمَا لترجعان. فأبيا فَأَغْلَظ لَهما فَرجع إِلَيْهِ زيد فَقتله فَلَمَّا رأى ذَلِك ابْن مرهوب وَكَانَ مصارماً لزيد قَالَ: يَا زيد أذكرك الله أَن تتركني. فربع عَلَيْهِ فَلَمَّا أَبْطَأَ على أَوْس ابْنه تحذر حسان الَّذِي كَانَ عِنْده فَركب هُوَ وصاحباه فَلَمَّا انْتَهوا إِلَى زيد وَرَأَوا مَا صنع قَالَ لبريمة وَهُوَ أَهْون من مَعَه: ارْجع إِلَى دِرْعِي نسيتهَا عِنْد أَوْس فأتني بهَا فَرجع بريمة إِلَيْهِ فَقَالَ لَهُ: من أَنْت فَقَالَ: أَنا ابْن ضرار. فَقتله وَقَالَ: كريم بكريم. وَقيل إِن قيس بن أَوْس لما لحق زيدا ناداه: يَا زيد ارْجع فَقَالَ زيد: إلام أرجع فَقَالَ قيس: وَاللات والعزى لأردنك أَسِيرًا إِلَى نسْوَة تركتهن. فَقتله زيد وَقَالَ: تألى ابْن أَوْس حلفة ... ... . . الأبيات. انْتهى.)

(الشاهد الرابع عشر بعد الثمانمائة)

- وَزيد الفوارس: شَاعِر جاهلي تقدّمت تَرْجَمته فِي الشَّاهِد السَّابِع والثمانين بعد الْمِائَة. وَأنْشد بعده (الشَّاهِد الرَّابِع عشر بعد الثَّمَانمِائَة) (لَئِن تَكُ قد ضَاقَتْ عَلَيْكُم بُيُوتكُمْ ... ليعلم رَبِّي أَن بَيْتِي وَاسع) على أَن الْمُضَارع الْوَاقِع جَوَابا لقسم إِن كَانَ للْحَال وَجب الِاكْتِفَاء بِاللَّامِ كَمَا هُنَا فَإِن الْمَعْنى: ليعلم الْآن رَبِّي. قَالَ ابْن النَّاظِم: وَلَو كَانَ الْمُضَارع بِمَعْنى الْحَال أكد بِاللَّامِ دون النُّون لِأَنَّهَا مُخْتَصَّة بالمستقبل وَذَلِكَ قَوْله: وَالله ليفعل زيد الْآن. وَمنع البصريون هَذَا الِاسْتِعْمَال اسْتغْنَاء عَنهُ بِالْجُمْلَةِ المصدرة بالمؤكد كَقَوْلِه: وَالله إِن زيدا ليفعل الْآن. وَأَجَازَ الْكُوفِيُّونَ وَيشْهد لَهُم قِرَاءَة ابْن كثير: لأقسم بِيَوْم الْقِيَامَة وَقَول الشَّاعِر: أنْشدهُ الْفراء: لَئِن تَكُ قد ضَاقَتْ عَلَيْكُم بُيُوتكُمْ الْبَيْت انْتهى. - أَقُول: أوردهُ الْفراء فِي تَفْسِيره عِنْد قَوْله تَعَالَى: وَلَقَد علمُوا لمن اشْتَرَاهُ من سُورَة الْبَقَرَة على أَن لَام لقد وَلَام لَئِن هِيَ المؤذنة بالقسم لَا لكَون يعلم حَالا تجرد من النُّون فِي وُقُوعه جَوَابا للقسم.

وَقد نسب الْعَيْنِيّ إِلَى ابْن النَّاظِم شَيْئا لم يقلهُ قَالَ: الاستشهاد فِيهِ فِي قَوْله: ليعلم إِذْ أَصله ليعلمن بنُون التوكيد فحذفها. هَذَا كَلَامه وَلَا أَدْرِي كَيفَ تَقوله عَلَيْهِ وَقَالَ فِي الْبَيْت: اللَّام فِي لَئِن للتَّأْكِيد. وَلَا يخفى أَن هَذِه اللَّام يُقَال لَهَا: اللَّام الموطئة لقسم مُقَدّر. وَيُقَال لَهَا أَيْضا: اللَّام المؤذنة وَلَا يُقَال لَهَا لَام التَّأْكِيد. وَقَالَ أَيْضا: وتك هَذِه زَائِدَة لِأَن الْمَعْنى يتم بِدُونِهِ. فَإِذا كَانَ كَانَ زَائِدَة لَا تعْمل شَيْئا. أَو تكون تَامَّة وَالْمعْنَى: لَئِن يكن الشَّأْن قد ضَاقَتْ ... إِلَخ. وَفِيه أَمْرَانِ: أَحدهمَا: الْمَعْهُود زيادتها بِلَفْظ الْمَاضِي وَلَا تزاد إِلَّا بَين شَيْئَيْنِ متلازمين كالمبتدأ وَخَبره وَالْفِعْل ومرفوعه والموصول وصلته والموصوف وَصفته وَهنا لَيست كَذَلِك. وَلَا تزاد بِلَفْظ الْمُضَارع إِلَّا بندور مَعَ نزاع فِيهِ تقدم الْكَلَام عَلَيْهِ.) ثَانِيهمَا: يلْزم من زيادتها بِلَفْظ الْمُضَارع أَن يُقَال: لَئِن قد ضَاقَتْ وَإِن لَا تدخل على قد. وَقَوله: أَو تكون تَامَّة وَالْمعْنَى. . إِلَخ الرِّوَايَة إِنَّمَا هِيَ تَكُ بِالْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّة فَالْوَاجِب أَن يَقُول لَئِن تكن الْقِصَّة وَعَلِيهِ يكون جملَة قد ضَاقَتْ مفسرة لضمير الشَّأْن والقصة. - وَلَا يَنْبَغِي الْحمل على هَذَا مَعَ إِمْكَان غَيره. وَلَا مَانع هُنَا من كَونهَا نَاقِصَة وَيكون اسْمهَا ضميراً مستتراً فِيهَا أَي: هِيَ ويفسره

فَاعل ضَاقَتْ وَهُوَ بُيُوتكُمْ وَجُمْلَة قد ضَاقَتْ ... . إِلَخ: خَبَرهَا وَتَكون الْمَسْأَلَة من بَاب التَّنَازُع بإعمال الثَّانِي على مَذْهَب الْبَصرِيين. وَيجوز عِنْدهم أَن يكون بُيُوتكُمْ اسْم تَكُ وَفِي ضَاقَتْ ضميرها وَعَلَيْكُم مُتَعَلق بضاقت. وَقَالَ الْعَيْنِيّ: قَوْله: عَلَيْكُم فِي مَحل النصب على المفعولية. وَقَوله: ليعلم رَبِّي هُوَ جَوَاب الْقسم الْمُقدر وَجَوَاب الشَّرْط مَحْذُوف يفسره جَوَاب الْقسم. وَالْبَيْت أنْشدهُ الْفراء فِي أَوَائِل الْبَقَرَة وَمَا عزاهُ لأحد. وأنشده ثَانِيًا فِي آخر سُورَة الْإِسْرَاء عِنْد قَوْله تَعَالَى: قل لَئِن اجْتمعت الْإِنْس وَالْجِنّ على أَن يَأْتُوا بِمثل هَذَا الْقُرْآن الْآيَة قَالَ: أَنْشدني الْكسَائي للكميت بن مَعْرُوف: وَهَذَا الْكُمَيْت شَاعِر إسلامي وَتقدم ذكره فِي تَرْجَمَة جده الْكُمَيْت بن ثَعْلَبَة فِي الشَّاهِد السّبْعين بعد الْخَمْسمِائَةِ. هَذَا. وَلابْن عُصْفُور كَلَام فِي الْمَسْأَلَة بَين بِهِ مَذْهَب الْبَصرِيين فَلَا بَأْس بإيراده قَالَ: وَإِن كَانَ الْمُضَارع حَالا فَمن النَّاس من قَالَ: إِنَّه لَا يجوز أَن يقسم عَلَيْهِ لِأَن مشاهدته أغنت عَن أَن يقسم عَلَيْهِ. وَهَذَا بَاطِل لِأَنَّهُ قد يعوق عَن الْمُشَاهدَة عائق فَيحْتَاج إِذْ ذَاك إِلَى الْقسم وَالصَّحِيح أَنه يجوز أَن يقسم عَلَيْهِ إِلَّا أَنه لَا يَخْلُو من أَن يكون مُوجبا أَو منفياً. فَإِن كَانَ منفياً نفيت بِمَا خَاصَّة فَهُوَ قَوْلك: وَالله مَا يقوم زيد وَلَا يجوز حذفهَا. - وَإِن كَانَ مُوجبا فَإنَّك تبني من الْفِعْل اسْم فَاعل وتصيره خبر الْمُبْتَدَأ ثمَّ تقسم على الْجُمْلَة الاسمية فَتَقول: وَالله إِن زيدا لقائم وَوَاللَّه إِن زيدا قَائِم وَوَاللَّه لزيد قَائِم. وَإِنَّمَا لم يجز أَن تبقي الْفِعْل على لَفظه وَتدْخل اللَّام لِأَنَّك لَو قلت: وَالله ليقوم زيد لَأَدَّى ذَلِك إِلَى الإلباس فِي

(الشاهد الخامس عشر بعد الثمانمائة)

بعض الْمَوَاضِع. وَذَلِكَ إِذا قلت: إِن زيدا وَالله ليقومن لِأَن النُّون تخلص للاستقبال. وَقد تدخل عَلَيْهِ اللَّام وَحدهَا وَلَا يلْتَفت إِلَى اللّبْس إِلَّا أَن ذَلِك قَلِيل جدا بَابه الشّعْر نَحْو) قَوْله: انْتهى. وَأنْشد بعده: يَمِينا لنعم السيدان وجدتما على أَن نعم إِذا وَقعت جَوَاب قسم لَا يربطها بالقسم إِلَّا اللَّام وَحدهَا كَمَا هُنَا. وَقد تقدم الْكَلَام عَلَيْهِ فِي الشَّاهِد الْحَادِي وَالسِّتِّينَ بعد السبعمائة وَفِي الشَّاهِد السَّادِس وَالْخمسين بعد الْمِائَة. - وَأنْشد بعده (الشَّاهِد الْخَامِس عشر بعد الثَّمَانمِائَة) (حَلَفت لَهَا بِاللَّه حلفة فَاجر ... لناموا فَمَا إِن من حَدِيث وَلَا صالي)

على أَن قَوْله: لناموا جَوَاب الْقسم وَجَاز الرَّبْط بِاللَّامِ من غير قد لضَرُورَة الشّعْر وَيجب تَقْدِير قد بعد اللَّام لِأَن لَام الِابْتِدَاء لَا تدخل على الْمَاضِي الْمُجَرّد. وَفِيه أُمُور: أَحدهَا: كَيفَ يَصح دَعْوَى الضَّرُورَة مَعَ قَوْله قبل: فَإِن كَانَ الْفِعْل الْمَاضِي مثبتاً فَالْأولى الْجمع بَين اللَّام وَقد. وَهل فِيهِ إِلَّا ترك الأولى وَلم يقل أحد إِنَّه ضَرُورَة. على أَنه قد جَاءَ فِي أفْصح الْكَلَام قَالَ تَعَالَى: وَلَئِن أرسلنَا ريحًا فرأوه مصفراً لظلوا من بعده يكفرون وَقَالَ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لَوَدِدْت أَن أقَاتل فِي سَبِيل الله فأقتل ثمَّ أَحْيَا ثمَّ أقتل ثمَّ أَحْيَا ثمَّ أقتل أخرجه البُخَارِيّ. - وَفِي الحَدِيث عَن امْرَأَة من غفار أَنَّهَا قَالَت: وَالله لنزل رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ إِلَى الصُّبْح فَأَنَاخَ. وَفِي حَدِيث سعيد بن زيد أشهد لسمعت رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يَقُول: من أَخذ شبْرًا من الأَرْض ظلما الحَدِيث.

وَإِنَّمَا فِي ثَلَاثَة أَقْوَال: أَحدهَا: أَنَّهَا أحد الجائزين ذكرهَا أكثري وحذفها كثير وَذهب إِلَيْهِ الزَّمَخْشَرِيّ وَغَيره. قَالَ فِي الْمفصل: وَلَام جَوَاب الْقسم فِي نَحْو: وَالله لَأَفْعَلَنَّ وَتدْخل على الْمَاضِي كَقَوْلِك: وَالله لكذب.) وَقَالَ امْرُؤ الْقَيْس: حَلَفت لَهَا بِاللَّه الْبَيْت. وَالْأَكْثَر أَن تدخل عَلَيْهِ قد كَقَوْلِك: وَالله لقد خرج. انْتهى. وَقَالَ ابْن مَالك فِي شرح التسهيل: إِن كَانَ الْفِعْل متصرفاً فالأكثر أَن يقْتَرن بِاللَّامِ مَعَ قد كَقَوْلِه تَعَالَى: تالله لقد آثرك الله علينا وَقد يَسْتَغْنِي بِاللَّامِ فِي النثر وَالنّظم. ثمَّ أورد الْآيَة وَالْأَحَادِيث وَالشعر. ثَانِيهَا: أَنَّهَا لابد مِنْهَا إِمَّا لفظا وَإِمَّا تَقْديرا كالماضي الْوَاقِع حَالا. قَالَ ابْن جني فِي سر الصِّنَاعَة لَام الْقسم تدخل على فعلين أَحدهمَا الْمَاضِي كَقَوْلِه تَعَالَى: تالله لقد آثرك الله علينا وَرُبمَا حذفت اللَّام قَالَ تَعَالَى: قد أَفْلح من زكاها أَي: لقد أَفْلح. وَقد حذفت قد كَقَوْلِه: حَلَفت بِاللَّه حلفة فَاجر الْبَيْت

أَي: لقد نَامُوا. وَكَذَلِكَ قَالَ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي: قَالَ الْجَمِيع: حق الْمَاضِي الْمُثبت المجاب بِهِ الْقسم أَن يقرن بِاللَّامِ. وَقد قيل فِي: أَصْحَاب الْأُخْدُود: إِنَّه جَوَاب الْقسم على إِضْمَار اللَّام وَقد جَمِيعًا للطول. وَقَالَ: حَلَفت لَهَا بِاللَّه حلفةً ... ... ... ... . الْبَيْت أَي: لقد نَامُوا. فأضمر قد. قَالَ ابْن جني: وَأما قَوْله تَعَالَى: وَلَئِن أرسلنَا ريحًا الْآيَة. فَقَالَ الْخَلِيل: مَعْنَاهَا ليظلن فأوقع الْمَاضِي موقع الْمُسْتَقْبل. وَقَالَ ابْن هِشَام: زعم قوم أَن قد هُنَا مضمرة وَهُوَ سَهْو لِأَن ظلوا مُسْتَقْبل لِأَنَّهُ مُرَتّب على الشَّرْط وساد مسد جَوَابه فَلَا سَبِيل فِيهِ إِلَى قد إِذْ الْمَعْنى ليظلن. وَلَكِن النُّون لَا تدخل فِي الْمَاضِي. ثَالِثهَا: إِن كَانَ الْمَاضِي قَرِيبا من زمن الْحَال أدخلت عَلَيْهِ اللَّام وَقد نَحْو: تالله لقد آثرك الله علينا. وَإِن كَانَ بعيداُ من زمن الْحَال أدخلت عَلَيْهِ اللَّام وَحدهَا كَهَذا الْبَيْت. وَهَذَا مَذْهَب ابْن عُصْفُور وَمن تبعه. - قَالَ ابْن هِشَام: وَالظَّاهِر فِي الْآيَة وَالْبَيْت عكس مَا قَالَ إِذْ المُرَاد فِي الْآيَة: لقد فضلك الله علينا بِالصبرِ وسيرة الْمُحْسِنِينَ وَذَلِكَ مَحْكُوم بِهِ فِي الْأَزَل وَهُوَ متصف بِهِ مذ عقل. وَالْمرَاد فِي) الْبَيْت أَنهم نَامُوا قبل مَجِيئه. أَقُول وَرُبمَا أوردهُ إِنَّمَا هُوَ بِحَسب نفس الْأَمر فيهمَا وَأما بِحَسب الْوُقُوع والظهور فزمان الإيثار حَالي قطعا. وَمُرَاد الشَّاعِر أَنهم استغرقوا فِي النّوم لَا أَنهم فِي أول النّوم. وَهَذِه الْإِرَادَة كَاذِبَة فِي نفس الْأَمر وَإِنَّمَا قَالَهَا للْمَرْأَة لتأمن انتباههم فتطاوعه. وَيدل على مَا قُلْنَا قَوْله: حَلَفت لَهَا بِاللَّه حلفة فَاجر وَلَو كَانَ مُرَاده أَنهم فِي أَوَائِل نومهم لنفرها عَن المطاوعة. فَتَأمل.

الْأَمر الثَّانِي: أَنه ذكر جَوَاز الِاقْتِصَار على أَحدهمَا فِي طول الْكَلَام فأفهم أَنه لَا يجوز حذف أَحدهمَا دون الطول وحذفهما مَعَ الطول. أما الأول فقد قَالَ أَبُو حَيَّان فِي شرح التسهيل: لَا حَاجَة إِلَى قيد الطول فقد جَاءَ فِي كَلَام الفصحاء حذف اللَّام وإبقاء قد. قَالَ زُهَيْر: (تالله قد علمت نفس إِذا قذفت ... ريح الشتَاء بيُوت الْحَيّ بالعنن) وَقَالَ أَيْضا: تالله قد علمت سراة بني ذبيان عَام الْحَبْس والأصر وَأما الثَّانِي فَجَائِز حذفهما كَقَوْلِه تَعَالَى: قتل أصحب الْأُخْدُود وَهُوَ جَوَاب قَوْله: وَالسَّمَاء ذَات البروج. الْأَمر الثَّالِث: لم يعادل اللَّام مَعَ رُبمَا أَو بِمَا كَمَا عادلها مَعَ قد وَقد عادلها ابْن مَالك بهما أَيْضا. قَالَ فِي التسهيل: وَلَا يَخْلُو دون استطالة الْمَاضِي الْمُثبت المجاب بِهِ من اللَّام مقرونة بقد أَو رُبمَا أَو بِمَا مرادفتها إِن كَانَ متصرفاً وَإِلَّا فَغير مقرونة. وَقد يَلِي لقد أَو لبما الْمُضَارع الْمَاضِي وَمثل فِي شَرحه للام المقرونة بربما فِي الْمَاضِي بقول الشَّاعِر: ...

(لَئِن نزحت دَار للبنى لربما ... غنينا بِخَير والديار جَمِيع) وَبقول عمر بن أبي ربيعَة: (فلئن بَان أَهله ... لبما كَانَ يؤهل) وَمثل فِي الْمُضَارع بلقد قَول الشَّاعِر:) (لَئِن أمست ربوعهم يباباً ... لقد تَدْعُو الْوُفُود لَهَا وفودا) وبلبما قَول الآخر: (فلئن تغير مَا عهِدت وأصبحت ... صدقت فَلَا بدل وَلَا ميسور) (لبما يساعف فِي اللِّقَاء وَليهَا ... فَرح بِقرب مزارها مسرور) وَقَالَ أَبُو حَيَّان فِي لبما: إِن الْبَاء سَبَبِيَّة وَمَا مَصْدَرِيَّة وَيقدر بعد اللَّام فعل أَي: لبان بِمَا كَانَ يؤهل. الْأَمر الرَّابِع: لم يذكر حكم اللَّام مَعَ مَعْمُول الْمَاضِي إِذا تقدم عَلَيْهِ هَل يَكْتَفِي بهَا أَو يجوز ضم قد إِلَيْهَا. وَكَأَنَّهُ سكت عَنهُ ليعلم حكمه بِالْقِيَاسِ إِلَى مَعْمُول الْمُضَارع إِذا تقدم فَإِنَّهُ يجب الِاكْتِفَاء بِاللَّامِ. قَالَ ابْن مَالك فِي التسهيل: وَيجب الِاسْتِغْنَاء بِاللَّامِ الدَّاخِلَة على مَا تقدم من مَعْمُول الْمَاضِي كَمَا استغني بالداخلة على مَا تقدم من مَعْمُول الْمُضَارع. وَمثل لَهُ فِي شَرحه بقول أم حَاتِم: ...

(لعمري لقدماً عضني الْجُوع عضةً ... فآليت أَن لَا أمنع الدَّهْر جائعا) قَالَ: وَقد اجْتمع شذوذان فِي قَول عَامر بن قدامَة: (فلبعده لَا أخلدن وَمَا لَهُ ... بدل إِذا انْقَطع الإخاء فودعا) أَحدهمَا: عدم الِاسْتِغْنَاء بتقدم اللَّام عَن النُّون. وَالثَّانِي: دُخُولهَا على جَوَاب منفي فَلَو كَانَ مثبتاً لَكَانَ دُخُولهَا عَلَيْهِ مَعَ تقدم اللَّام أسهل. الْأَمر الْخَامِس: قَوْله: إِن هَذِه اللَّام لَام الِابْتِدَاء لَا تدخل على الْمَاضِي الْمُجَرّد فَلَا بُد من تَقْدِير قد مُخَالف لكَلَام ابْن السراج قَالَ فِي الْأُصُول فِي بَاب إِن وَأَخَوَاتهَا: وَإِذا كَانَ خبر إِن فعلا مَاضِيا لم يجز أَن تدخل عَلَيْهِ اللَّام الَّتِي تدخل على خَبَرهَا إِذا كَانَ اسْما فَلَا تَقول: إِن زيدا لقام وَأَنت تُرِيدُ هَذِه اللَّام لِأَن هَذِه اللَّام لَام الِابْتِدَاء. إِلَى أَن قَالَ: فَإِن قَالَ قَائِل: أَرَانِي أَقُول: لأقومن ولينطلقن فأبدأ بِاللَّامِ وأدخلها على الْفِعْل قيل لَهُ: لَيست هَذِه اللَّام تِلْكَ اللَّام. هَذِه تلحقها النُّون وتلزمها وَلَيْسَت الْأَسْمَاء دَاخِلَة فِي هَذَا الضَّرْب وَإِنَّمَا سَمِعت وَالله لقام زيد. - لناموا فَمَا إِن من حَدِيث وَلَا صالي فَهَذِهِ اللَّام الَّتِي تكون مَعهَا النُّون غير مُقَدّر فِيهَا الِابْتِدَاء. تَقول: قد علمت أَن زيدا ليقومن) وَأَن زيدا لقام فَلَا تكسر إِن كَمَا كنت تكسرها فِي قَوْلك: أشهد إِن مُحَمَّدًا لرَسُول الله. انْتهى.

وَقَالَ ابْن عُصْفُور: وَمن النَّاس من زعم أَنه لابد من قد ظَاهِرَة أَو مقدرَة فَإِنَّهُ قَاس ذَلِك على اللَّام الدَّاخِلَة على خبر إِن فَكَمَا لَا تدخل تِلْكَ اللَّام على الْمَاضِي فَكَذَلِك هَذِه اللَّام عِنْده. وَذَلِكَ بَاطِل لِأَن لَام إِن إِنَّمَا لم يجز دُخُولهَا على الْمَاضِي لِأَن قياسها أَن لَا تدخل على الْخَبَر إِلَّا إِذا كَانَ الْمُبْتَدَأ فِي الْمَعْنى نَحْو: إِن زيدا ليقوم فَيقوم يشبه قَائِما لِأَن هَذِه اللَّام هِيَ لَام الِابْتِدَاء فَلَمَّا تعذر دُخُولهَا على الْمُبْتَدَأ دخلت فِي الْخَبَر الَّذِي هُوَ الْمُبْتَدَأ فِي الْمَعْنى أَو مَا أشبه مَا هُوَ الْمُبْتَدَأ فِي الْمَعْنى. وَلَيْسَ كَذَلِك اللَّام الَّتِي فِي جَوَاب الْقسم. وَأَيْضًا فَإِن قد تقرب من الْحَال فَإِذا أردنَا الْقسم على الْمَاضِي الْبعيد من زمن الْحَال لم يجز الْإِتْيَان بهَا. انْتهى. وَكَلَام ابْن السراج نَص مدلل لَا دَافع لَهُ وَهُوَ إِمَام الْبَصرِيين كسيبويه. وَلَيْسَ وَرَاء عبادان قَرْيَة. وَهَذَا الْبَيْت من قصيدة طَوِيلَة لامرئ الْقَيْس مطْلعهَا: وَقد شرحنا فِي مَوَاضِع مُتعَدِّدَة خَمْسَة وَعشْرين بَيْتا من أَولهَا إِلَى هُنَا. وَبعده: (فَأَصْبَحت معشوقاً وَأصْبح بَعْلهَا ... عَلَيْهِ القتام كاسف الْحَال والبال) وَقَوله: فَمَا إِن من حَدِيث ... ... . إِلَخ إِن زَائِدَة مُؤَكدَة للنَّفْي وَكَذَلِكَ من. وَحَدِيث يحْتَمل أَن يكون بِمَعْنى الْكَلَام فَيقدر مُضَاف أَي: ذِي حَدِيث وَيحْتَمل أَن يكون صفة بِمَعْنى محادث كالعشير بِمَعْنى المعاشر. وصالي من

صلي بالنَّار إِذا قرب مِنْهَا وَدفع بحرارتها ألم الْبرد. وَحَدِيث مَرْفُوع تَقْديرا على أَنه مُبْتَدأ وسوغ الِابْتِدَاء بِهِ تقدم النَّفْي وَخَبره مَحْذُوف أَي: مستيقظ. والبعل: الزَّوْج. وَأَرَادَ بالقتام سَواد الْعرض. والكاسف: الْمُتَغَيّر. ذكر ابْن الْحباب السَّعْدِيّ فِي كتاب مساوي الْخمر أَن امْرأ الْقَيْس لما كَانَ منادماً لقيصر رَأَتْهُ ابْنَته فعشقته وراسلها فَصَارَ إِلَيْهَا وفيهَا قَالَ: حَلَفت لَهَا بِاللَّه حلفة فَاجر الْبَيْت مَعَ أَبْيَات أخر وَلم يزل يصير إِلَيْهَا إِلَى أَن أخبر بذلك أَصْحَابه وَفِيهِمْ الطماح بن قيس الْأَسدي فَقَالَ لَهُ: ائتنا بأمارة. فَأَتَاهُ بقارورة من طيب الْملك وَذَلِكَ بِفضل سكره.) وَكَانَ أَبُو امْرِئ الْقَيْس قد قتل قيسا أَبَا الطماح فتحيل الطماح حَتَّى أَخذهَا فأنفذ بهَا إِلَى قَيْصر وَأخْبرهُ بِالْحَدِيثِ فَعرفهُ وَعلم صِحَّته. ثمَّ إِن امْرِئ الْقَيْس نَدم على إفشاء سره إِلَى الطماح فَفِي ذَلِك يَقُول: (إِذا الْمَرْء لم يخزن عَلَيْهِ لِسَانه ... فَلَيْسَ على شَيْء سواهُ بخزان) فَلَمَّا ذهب امْرُؤ الْقَيْس بالجيش الَّذِي أمده بِهِ قَيْصر أَتَى الطماح إِلَى قَيْصر وَقد تغير على امْرِئ الْقَيْس فَقَالَ: أَيهَا الْملك أهلكت جَيْشًا بعثته مَعَ المطرود الَّذِي قتل أَبوهُ وَأهل بَيته وَمَا تُرِيدُ إِلَى نَصره وَكلما قتل بعض الْعَرَب بَعْضًا كَانَ خيرا لَك. قَالَ: فَمَا الرَّأْي قَالَ: أَن تدارك جيشك وترده وتبعث إِلَى امْرِئ الْقَيْس بحلة مَسْمُومَة. فَفعل فَدخل امْرُؤ الْقَيْس الْحمام فاطلى ولبسها وَقد رق جلده لقروح كَانَت بِهِ فتساقط لَحْمه. ورد قَيْصر جَيْشه وَقدم امْرُؤ الْقَيْس أنقرة فَأَقَامَ بهَا يعالج قروحه إِلَى أَن هلك بهَا.

(الشاهد السادس عشر بعد الثمانمائة)

وَأنْشد بعده (الشَّاهِد السَّادِس عشر بعد الثَّمَانمِائَة) وَهُوَ من شَوَاهِد س: (وَأقسم أَن لَو الْتَقَيْنَا وَأَنْتُم ... لَكَانَ لكم يَوْم من الشَّرّ مظلم) على أَن أَن عِنْد سِيبَوَيْهٍ موطئة كاللام فِي: لَئِن جئتني لأكرمنك. فَاللَّام فِي لَكَانَ إِذن جَوَاب الْقسم لَا جَوَاب لَو. - وَهَذَا نَص سِيبَوَيْهٍ: وَسَأَلته يَعْنِي الْخَلِيل عَن قَوْله تَعَالَى: وَإِذ أَخذ الله مِيثَاق النَّبِيين لما آتيتكم من كتاب وَحِكْمَة ثمَّ جَاءَكُم رَسُول مُصدق لما مَعكُمْ لتؤمنن بِهِ ولتنصرنه فَقَالَ: مَا هَاهُنَا بِمَنْزِلَة الَّذِي ودخلتها اللَّام كَمَا فِي إِن وَاللَّام الَّتِي فِي الْفِعْل هُنَا. وَمثل هَذِه اللَّام الأولى أَن إِذا قلت: وَالله أَن لَو فعلت لفَعَلت. وَقَالَ: فأقسم أَن لَو الْتَقَيْنَا ... ... ... ... ... الْبَيْت ف أَن فِي لَو بِمَنْزِلَة اللَّام فِي مَا فأوقعت هُنَا لامين: لَام للْأولِ وَلَام للجواب. وَلَام الْجَواب هِيَ الَّتِي يعْتَمد عَلَيْهَا الْقسم. فَكَذَلِك اللامان فِي قَول الله: لما آتيتكم الْآيَة. لَام للْأولِ وَأُخْرَى للجواب. وَمثل ذَلِك: لمن تبعك مِنْهُم لأملأن جَهَنَّم مِنْكُم إِنَّمَا دخلت اللَّام على نِيَّة الْيَمين. انْتهى) كَلَامه.

قَالَ النّحاس وَتَبعهُ الأعلم أَن هَاهُنَا توكيد كاللام فِي لَئِن. أَلا ترى أَن اللَّام لَا تدخل هَاهُنَا لَو قلت: أقسم لِأَن لَو فعلت لم يجز لِأَن اللَّام إِنَّمَا تدخل فِي الْقسم أَو فِيمَا كَانَ من سببيه نَحْو: وَالله لَئِن دخلت لأقومن فَدخلت فِي لأقومن لِأَنَّهُ الْمقسم عَلَيْهِ. وَدخلت فِي لَئِن لِأَنَّهَا من سَببه فأدخلت أَن مَعَ لَو تَأْكِيدًا مثل اللَّام. انْتهى. وَكَذَا يكون الْجَواب للقسم لَو عدمت نَحْو: وَالله لَو قُمْت لأكرمتك. وَعَلِيهِ خرج الشَّارِح الْمُحَقق الْبَيْت الْآتِي كَمَا أَن اللَّام الموطئة سَوَاء ذكرت أم لم تذكر يكون الْجَواب بعْدهَا للقسم لَا للشّرط نَحْو: وَالله لَئِن تأتني أَو وَالله إِن تأتني أكرمك. وَقد تبع ابْن عُصْفُور سِيبَوَيْهٍ فِي شرح الْإِيضَاح فَقَالَ: وَإِذا توسطت لَو أَو لَوْلَا بَين الْقسم وَالْفِعْل الْوَاقِع جَوَابا لَهُ لزم أَن يكون الْفِعْل الْوَاقِع جَوَابا مَاضِيا لِأَنَّهُ مغن عَن جَوَاب لَو وَلَوْلَا الْمَحْذُوف ودال عَلَيْهِ. وَجَوَاب لَو وَلَوْلَا لَا يكون إِلَّا مَاضِيا فَوَجَبَ أَن يكون الدَّال عَلَيْهِ كَذَلِك. وَقد يدْخلُونَ أَن على لَو تَوْطِئَة لجعل الْفِعْل الْوَاقِع بعْدهَا جَوَابا للقسم كَمَا يدْخلُونَ اللَّام على إِن الشّرطِيَّة. انْتهى. وَبِمَا نقلنا عَن سِيبَوَيْهٍ يعلم أَن قَول ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي: إِن أَن بَين الْقسم وَلَو زَائِدَة عِنْد سِيبَوَيْهٍ خلاف الْوَاقِع. وَهَذَا كَلَامه: الثَّانِي أَي: من الْمَوَاضِع الْأَرْبَعَة الَّتِي تزاد أَن فِيهَا أَن تقع بَين لَو وَفعل الْقسم مَذْكُورا كَقَوْلِه: فأقسم أَن لَو الْتَقَيْنَا ... ... ... ... ... الْبَيْت ...

(أما وَالله أَن لَو كنت حرا ... وَمَا بِالْحرِّ أَنْت وَلَا الْعَتِيق) وَهَذَا قَول سِيبَوَيْهٍ وَغَيره. انْتهى. وَذهب ابْن عُصْفُور فِي شرح الْجمل إِلَى خلاف قَول سِيبَوَيْهٍ فَإِنَّهُ لما أنهى الْكَلَام على روابط الْجُمْلَة الْوَاقِعَة جَوَاب قسم قَالَ: إِلَّا أَن يكون جَوَاب الْقسم لَو وجوابها فَإِن الْحَرْف الَّذِي يرْبط الْمقسم بِهِ بالمقسم عَلَيْهِ إِذْ ذَاك إِنَّمَا هُوَ أَن نَحْو: وَالله أَن لَو قَامَ زيد لقام عَمْرو وَلَا يجوز الْإِتْيَان بِاللَّامِ كَرَاهَة الْجمع بَين لامين فَلَا يجوز: وَالله للو قَامَ زيد قَامَ عَمْرو. انْتهى. - وَأورد عَلَيْهِ نَاظر الْجَيْش فِي شرح التسهيل وَتَبعهُ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي أَن أَن لَو كَانَت للربط لوَجَبَ ذكرهَا وَلَا شُبْهَة فِي جَوَاز قَوْلنَا: وَالله لَو قَامَ زيد لقام عَمْرو. وَترك أَن فِي مثله أَكثر من) ذكرهَا. ونقضه الدماميني فِي شرح الْمُغنِي المزج بِاللَّامِ الدَّاخِلَة على جَوَاب لَو الْمَنْفِيّ كَقَوْلِه: (وَلَو نعطى الْخِيَار لما افترقنا ... وَلَكِن لَا خِيَار مَعَ اللَّيَالِي) قَالَ: فَإِنَّهَا حرف رابط وَالْأَكْثَر تَركهَا نَحْو: وَلَو شَاءَ رَبك مَا فَعَلُوهُ. انْتهى. أَقُول: دُخُول اللَّام على حرف النَّفْي فِي الْجَواب شَاذ وَهِي إِنَّمَا تدخل على الْجَواب الْمُثبت وبالشاذ لَا يرد النَّقْض. وَذهب ابْن مَالك إِلَى عكس

مَذْهَب سِيبَوَيْهٍ فَجعل الْجَواب للو سَوَاء اقترنت بِأَن أم لَا وَجعل جَوَاب الْقسم محذوفاً مدلولاً عَلَيْهِ بِجَوَاب لَو. وَالصَّحِيح مَذْهَب سِيبَوَيْهٍ عملا بقاعدة اجْتِمَاع الْقسم وَالشّرط. وَقَوله: وَأقسم لَو الْتَقَيْنَا وَأَنْتُم أَن بِفَتْح الْهمزَة وروى: وَأقسم لَو أَنا الْتَقَيْنَا فَلَا شَاهد فِيهِ. وعَلى الأول همزَة الْتَقَيْنَا بالوصل نقل كسرتها إِلَى وَاو لَو فَبَقيَ الْجُزْء مفاعلن بِلَا يَاء. وَفِيه ضَرُورَة وَهِي الْعَطف على ضمير الرّفْع الْمُتَّصِل من غير تَأْكِيد بضمير رفع مُنْفَصِل أَو أَن يكون فِي الْكَلَام طول يقوم مقَام التَّأْكِيد. قَالَ ابْن عُصْفُور فِي الضرائر: كَانَ الْوَجْه أَن يُقَال: الْتَقَيْنَا نَحن وَأَنْتُم إِلَّا أَن ضَرُورَة الْوَزْن أوجبت حذف الضَّمِير الْمُؤَكّد. انْتهى. وَمعنى الْبَيْت: لَو الْتَقَيْنَا متحاربين لأظلم نهاركم فصرتم مِنْهُ فِي مثل اللَّيْل. وَكَانَ: تَامَّة أَو نَاقِصَة وَلكم خَبَرهَا. وَالْبَيْت من أَبْيَات للمسيب بن علس يُخَاطب بهَا بني عَامر بن ذهل بن ثَعْلَبَة وعامر هُوَ أَخُو شَيبَان بن ذهل فِي شَيْء صنعوه بحلفائهم. وَقَبله: وَبعده: (رَأَوْا نعما سُودًا فَهموا بِأَخْذِهِ ... إِذا التف من دون الْجَمِيع المزنم) (وَمن دونه طعن كَأَن رشاشه ... عزالى مزاد والأسنة ترذم) (أَلا تَتَّقُون الله يَا آل عَامر ... وَهل يَتَّقِي الله الأبل المصمم)

(الشاهد السابع عشر بعد الثمانمائة)

وَقَوله: لينتحين أَي: يمِيل عَلَيْهِ ويتعمده من انتحى عَلَيْهِ بِالْمُهْمَلَةِ إِذا تَعَمّده. وميسم: فَاعله) يَعْنِي أَنه يهجوه هجواً يسمه بِهِ لَا يُفَارِقهُ عاره. وَأَرَادَ بالوخم: عَامر بن ذهل. وَالنعَم: الْإِبِل الراعية. قَالَ الْفراء: هُوَ مُذَكّر لَا يؤنث يُقَال: هَذَا نعم وَارِد. والمزنم من النَّاس: الْمُسْتَلْحق فِي قوم لَيْسَ مِنْهُم وَمن الْإِبِل: الَّذِي يقطع شَيْء من أُذُنه وَيتْرك مغلقاً. وَإِنَّمَا يفعل ذَلِك بالكرام مِنْهَا. والعزالى: جمع عزلاء كصحارى: جمع صحراء. والعزلاء بِالْعينِ الْمُهْملَة وَالزَّاي الْمُعْجَمَة: فَم المزادة الْأَسْفَل. والمزادة: دلو الْبِئْر الْكَبِير يجر بالثور. وترذم بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة: تسيل وتقطر. والأبل بِالْمُوَحَّدَةِ وَتَشْديد اللَّام قَالَ صَاحب الْعباب: هُوَ الحلاف الظلوم. وَذكر أَبُو عُبَيْدَة انه الْفَاجِر. وَأنْشد الْبَيْت. وَقَالَ الْكسَائي: هُوَ الَّذِي لَا يدْرك مَا عِنْده من اللؤم. والمصمم: من أصمه الله فَصم وَيُقَال: وترجمة الْمسيب بن علس تقدّمت فِي الشَّاهِد الثَّانِي بعد الْمِائَتَيْنِ. وَأنْشد بعده (الشَّاهِد السَّابِع عشر بعد الثَّمَانمِائَة) (فأقسم لَو شَيْء أَتَانَا رَسُوله ... سواك وَلَكِن لم نجد لَك مدفعا)

على أَن الْجَواب فِيهِ مَحْذُوف وَهُوَ جَوَاب الْقسم لَا جَوَاب لَو عملا بِمُقْتَضى الضَّابِط فِي اجْتِمَاع قسم وَشرط. وَالشَّارِح الْمُحَقق استنبط هَذَا الحكم من كَلَام سِيبَوَيْهٍ فَإِنَّهُ لما ذكر أَن الْوَاقِعَة بعد الْقسم موطئة كاللام وَكَانَ الْجَواب للقسم لَا للشّرط جعل هَذَا الحكم مستمراً بعد حذفهَا أَيْضا. وَتَقْدِير الْجَواب كَمَا ذكره الْفراء وَغَيره: لَو أَتَانَا رَسُول سواك لدفعناه بِدَلِيل قَوْله: مدفعا. وَفِيه أَن الْجَواب مَذْكُور فِي الْبَيْت الَّذِي بعده وَهُوَ: (إِذن لرددناه وَلَو طَال مكثه ... لدينا وَلَكنَّا بحبك ولعا) وعَلى هَذَا يكون قَوْله: وَلَكِن لم نجد لَك مدفعا جملَة اعتراضية. وَعذرهمْ فِي تَقْدِير الْجَواب أَن هَذَا الْبَيْت سَاقِط فِي أَكثر الرِّوَايَات وَقد ذكره الزجاجي فِي أَمَالِيهِ الصُّغْرَى والكبرى فِي جملَة (بعثت إِلَيْهَا والنجوم خواضع ... حذاراً عَلَيْهَا أَن تقوم فتسمعا) (فَجَاءَت قطوف الْمَشْي هائبة السرى ... يدافع ركناها كواعب أَرْبعا) (يزجنيها مشي النزيف وَقد جرى ... صباب الْكرَى فِي مخها فتقطعا)) (تَقول وَقد جردتها من ثِيَابهَا ... كَمَا رعت مَكْحُول المدامع أتلعا) (وَجدك لَو شَيْء أَتَانَا رَسُوله ... سواك وَلَكِن لم نجد لَك مدفعا) (إِذن لرددناه وَلَو طَال مكثه ... لدينا وَلَكنَّا بحبك ولعا) (فبتنا نصد الْوَحْش عَنَّا كأننا ... قتيلان لم يعلم لنا النَّاس مصرعا) (إِذا أَخَذتهَا هزة الروع أَمْسَكت ... بمنكب مِقْدَام على الهول أروعا)

قَوْله: بعثت إِلَيْهَا ... إِلَخ قَالَ شَارِح ديوانه خواضع حائلة للمغيب من آخر اللَّيْل حذاراً عَلَيْهَا أَن تقوم فِي سمع وَلَدهَا صَوتهَا وَقَوله: فَجَاءَت قطوف ... إِلَخ هَذَا الْبَيْت سَاقِط من رِوَايَة ديوانه وفاعل جَاءَت ضمير الْمَرْأَة وقطوف بِالنّصب حَال مِنْهُ. والقطف: ضيق الْمَشْي كمشي الْمُقَيد وَالْفِعْل من بَاب ضرب. وَكَذَلِكَ: هائية السرى حَال. وركناها: جانباها. والكواعب: جمع الكاعب وَهِي الْجَارِيَة حِين يَبْدُو ثديها للنهود. وَقَوله: يزجنيها. . إِلَخ هَذَا الْبَيْت أَيْضا سَاقِط من رِوَايَة ديوانه. ويزجنيها: يدفعنها ويسقنها. يُقَال: زجيته تزجيه إِذا دَفعته بِرِفْق للمشي. وَهُوَ بالزاي الْمُعْجَمَة وَالْجِيم. وَالنُّون ضمير الكواعب أَي: يمشينها كمشي النزيف أَي: السَّكْرَان وَهُوَ بالنُّون وَالزَّاي الْمُعْجَمَة. والصبابة: الْبَقِيَّة. والكرى: النُّون يَعْنِي كَأَن فِيهَا فتور النّوم. وَقَوله: تَقول وَقد جردتها ... إِلَخ راعه يروعه روعاً إِذا أفزعه. والمدامع: الأجفان. والأتلع بِالْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّة: الطَّوِيل الْعُنُق. يَقُول: كَأَنَّهَا ظَبْي مَكْحُول الأجفان أَي: أكحل. وَقَوله: وَجدك لَو شَيْء ... إِلَخ هَذَا الْبَيْت وَمَا بعده مقول قَوْلهَا. وَالْوَاو للقسم وَجدك مقسم بِهِ. وَالْجد بِالْفَتْح: العظمة والحظ والغنى وَالِاجْتِهَاد فِي الشَّيْء وَأَبُو الْأَب. وكل من هَذِه الْخَمْسَة مُنَاسِب. وَالْمَشْهُور: وَأقسم لَو شَيْء فالمقسم بِهِ مَحْذُوف أَي: وَأقسم بِمَا يقسم بِهِ كَمَا نبه عَلَيْهِ الشَّارِح الْمُحَقق فِي آخر الْفَصْل.

قَالَ شَارِح ديوانه: شَيْء بِمَعْنى أحد قَالَ تَعَالَى: وَإِن فاتكم شَيْء من أزواجكم إِلَى الْكفَّار أَي: أحد من أزواجكم. تُرِيدُ: لَو أَن إنْسَانا أَتَانَا رَسُوله سواك مَا أَتَيْته وَلَكِن لم نجد مدفعاً ندفعك بِهِ عَنَّا. انْتهى.) وَجُمْلَة أَتَانَا رَسُوله: صفة شَيْء وَسوَاك: إِمَّا ظرف مُتَعَلق بِمَحْذُوف وَإِمَّا اسْم خَارج عَن الظَّرْفِيَّة صفة ثَانِيَة لشَيْء وَيجوز أَن يكون حَالا من الْهَاء فِي رَسُوله. - وَقَوله: إِذن لرددناه هَذَا يدل على أَنه جَوَاب لَولَا جَوَاب الْقسم فَإِذا إِذن فِي الْغَالِب تكون جَوَابا للو أَو لإن الشرطيتين ظاهرتين أَو مقدرتين وَلم يسمع وُقُوعهَا فِي جَوَاب الْقسم. وَهَذَا الْبَيْت سَاقِط من رِوَايَة الدِّيوَان. وَقَوله: فبتنا نصد الْوَحْش عَنَّا ... إِلَخ قَالَ شَارِح ديوانه: لِأَن الْوَحْش لَا تقرب الْقَتْلَى وَلَا النيام وَلَا غير ذَلِك من النَّاس. وَإِنَّمَا قَالَ: قتيلان لِأَنَّهُمَا نائمان فِي الفلاة. وَفِي رِوَايَة الدِّيوَان بَيت بعد هَذَا وَهُوَ: (تجافى عَن الْمَأْثُور بيني وَبَينهَا ... وتدني عَلَيْهَا السابري المضلعا) تجافى: مضارع أَصله تَتَجَافَى أَي: ترْتَفع عَنهُ. قَالَ شَارِحه: الْمَأْثُور: السَّيْف الَّذِي بِهِ أثر أَي: جَوْهَر. والسابري: ضرب من الثِّيَاب. والمضلع: الَّذِي فِيهِ طرائق. يَقُول: ترْتَفع عَنهُ لِئَلَّا يؤذيها يبسه. يصف أَنه متقلد سَيْفا وتدني عَلَيْهَا السابري ليقيها من يبس السَّيْف. وَقَوله: إِذا أَخَذتهَا هزة ... إِلَخ الهزة بِالْفَتْح مصدر هززت الشَّيْء هزاً فاهتز أَي: حركته فَتحَرك والهزة بِالْكَسْرِ: نوع مِنْهُ. والروع: الْفَزع. د قَالَ

شَارِح ديوانه: أَي أَخَذتهَا رعدة الْفَزع إِذا فزعت من شَيْء ترَاهُ أَو من خوف أَن يشعروا بِنَا. وَيُقَال: يعتريها رعدة الْجِمَاع وَيُقَال: تخَاف من الافتضاض فتمسك بمنكبي تضمني إِلَيْهَا لتسكن من شدَّة الْفَزع لِأَنَّهَا لم تخرج من خدرها وَلم تباشر الرِّجَال فَهِيَ فزعة مَذْعُورَة لما يُرَاد مِنْهَا. - وترجمة امْرِئ الْقَيْس تقدّمت فِي الشَّاهِد التَّاسِع وَالْأَرْبَعِينَ. وَقد رويت هَذِه القصيدة لغيره. وَالله أعلم. وَأنْشد بعده: حسب المحبين فِي الدُّنْيَا عَذَابهمْ وَالله لَا عذبتهم بعْدهَا سقر على أَن الْفِعْل الْمَاضِي إِذا نفي بِلَا فِي جَوَاب الْقسم انْقَلب مَعْنَاهُ إِلَى الِاسْتِقْبَال كَمَا هُنَا فَيكون مَاضِيا لفظا مُسْتَقْبلا معنى لِأَنَّهُ حلف على نفي تَعْذِيب النَّار وَذَلِكَ متوقع بِدَلِيل تعلق) الظّرْف بِهِ وَهُوَ بعْدهَا أَي: بعد الدُّنْيَا. فعلى هَذَا يجوز أَن يُقَال: وَالله لَا قَامَ زيد. نَص عَلَيْهِ ابْن السراج. وَقد تقدم الْكَلَام على هَذَا الْبَيْت مفصلا فِي الشَّاهِد التَّاسِع وَالْعِشْرين بعد الستمائة. وَقَوله: فِي الدُّنْيَا مُتَعَلق بعذابهم وَهُوَ جَائِز فِي مثله على الصَّحِيح لَا بِحَسب لِأَن الْمُقَابلَة فِي آخر الْبَيْت تَقْتَضِيه.

(الشاهد الثامن عشر بعد الثمانمائة)

وَأنْشد بعده (الشَّاهِد الثَّامِن عشر بعد الثَّمَانمِائَة) وَأي فعل سيئ لَا فعله على أَن عدم تكَرر لَا فِي الْمَاضِي خَاص بالشعر بِدَلِيل أَنه لَا يجوز فِي غير الدُّعَاء وَالْقسم: لَا قَامَ زيد. وَأما قَوْله تَعَالَى: فَلَا اقتحم الْعقبَة فقد أجَاب عَنهُ الشَّارِح الْمُحَقق بِمَا ذكره. والاقتحام: الدُّخُول فِي الْأَمر الشَّديد. وَذكر الْعقبَة هُنَا مثل ضربه الله لمجاهدة النَّفس والهوى والشيطان فِي أَعمال الْبر فَجعله كَالَّذي يتَكَلَّف صعُود الْعقبَة. يَقُول: لم يحمل على نَفسه الْمَشَقَّة بِعِتْق الرَّقَبَة وَالْإِطْعَام. وَذهب ابْن يعِيش إِلَى أَن نفي الْمَاضِي ب لَا قَلِيل وَهِي مَعَه بِمَعْنى لم سَوَاء تَكَرَّرت أم لَا. وَمثل بالآيتين وَالْبَيْت ثمَّ قَالَ: حملُوا لَا فِي ذَلِك على لم إِلَّا أَنهم لم يُغيرُوا لفظ الْفِعْل بعد لَا كَمَا غيروه بعد لم لِأَن لَا غير عاملة وَلم عاملة فَلذَلِك غيروا لفظ الْفِعْل إِلَى الْمُضَارع ليظْهر فِيهِ أثر وَكَذَلِكَ قَالَ ابْن الشجري فِي أَمَالِيهِ وَلم يُقَيِّدهُ بقلة إِلَّا أَنه قَالَ: وأجود مَا يَجِيء ذَلِك مكرراً. وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْء لاقْتِضَائه جَوَازه قِيَاسا. والجيد قَول ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي: إِن ترك التّكْرَار شَاذ. وَالْبَيْت آخر أَبْيَات خَمْسَة من رجز لشهاب بن العيف وَهِي: (لَا هم إِن الْحَارِث بن جبله ... زنا على أَبِيه ثمَّ قَتله) (وَركب الشادخة المحجله ... وَكَانَ فِي جاراته لَا عهد لَهُ)

فَأَي أَمر سيئ لَا فعله قَوْله: لَا هم ... إِلَخ يُرِيد اللَّهُمَّ أَي: يَا الله فَحذف أل لضَرُورَة الشّعْر. والْحَارث بن جبلة بِفَتْح الْجِيم وَالْمُوَحَّدَة وَهُوَ ملك من مُلُوك غَسَّان بِالشَّام فِي الْجَاهِلِيَّة وَيُقَال لَهُم أَوْلَاد جَفْنَة. والْحَارث بن جبلة أمه مَارِيَة ذَات القرطين يضْرب بهما الْمثل يُقَال: خُذْهُ وَلَو بقرطي مَارِيَة.) وَهُوَ جد جبلة بن الْأَيْهَم بن جبلة بن الْحَارِث بن ثَعْلَبَة بن عَمْرو بن جَفْنَة. فالحارث أَبوهُ جبلة وَابْنه جبلة وَابْن ابْنه جبلة. وَقَوله: زنا على أَبِيه قَالَ ابْن السّكيت فِي بَاب مَا يهمز فَيكون لَهُ معنى وَإِذا لم يهمز كَانَ لَهُ معنى آخر من إصْلَاح الْمنطق: يُقَال: قد زنا عَلَيْهِ بالتثقيل والهمز: إِذا ضيق عَلَيْهِ والزناء: الضّيق. وَقَالَ ابْن الشجري فِي أَمَالِيهِ: يرْوى بتَخْفِيف النُّون وتشديدها. فَمن رَوَاهُ مخففاً فَمَعْنَاه زنى بامرأته وَمن رَوَاهُ مشدداً فأصله زنأ مَهْمُوز وَمَعْنَاهُ ضيق عَلَيْهِ. وَهَذَا القَوْل أوجه وَهِي رِوَايَة ابْن السّكيت. انْتهى. وَقد خاط ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي فنسب المخفف إِلَى يَعْقُوب بن السّكيت وَقَالَ: أَصله الْهَمْز وَفَسرهُ بِضيق فَأَخْطَأَ فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. ثمَّ قَالَ: وَرُوِيَ بتَشْديد النُّون وَالْأَصْل زنى بِامْرَأَة أَبِيه فَحذف الْمُضَاف وأناب على عَن الْبَاء. فَجعله غير مَهْمُوز وَفَسرهُ بِمَعْنى المخفف فهذان خطآن. - وَقَوله: وَركب الشادخة ... إِلَخ قَالَ ابْن السّكيت: أَي ركب فعلة قبيحة مَشْهُورَة. ويُقَال: شدخت الْغرَّة إِذا اتسعت فِي الْوَجْه. وَمِنْه أَخذ شَارِح أبياته البن السيرافي فَقَالَ: الشادخة: الفعلة القبيحة الَّتِي تشدخ فاعلها والشادخة أَيْضا من الْغرَر. يُرِيد أَنه ركب أمرا وَاضحا فِي الْقبْح. والمحجلة:

الْمَشْهُورَة الَّتِي لَا خَفَاء بهَا. وَكَذَا قَالَ التبريزي فِي تَهْذِيب الْإِصْلَاح: الشادخة: الْغرَّة الَّتِي يكنى بهَا عَن الْأَمر الشهير وَكَذَا المحجلة من التحجيل وَهُوَ بَيَاض القوائم. وهم يَقُولُونَ فِي الشَّيْء الْمَشْهُور: هُوَ أغر محجل. وَقَوله: وَأي أَمر سيئ ... إِلَخ يرْوى بِالْوَاو وبالفاء. والسيئ كسيد من السوء وَهُوَ الْفِعْل المتصف بِهِ. وَصفه بالغدر وَقلة الْمَعْرُوف وَأَنه ضيق على أَبِيه فَقتله وَركب الخطة الشنعاء الشهيرة وَلم يرع ذمام جاراته بل انتهك حرمتهن وَمَا ترك أمرا ذَمِيمًا إِلَّا ارْتَكَبهُ. وَرُوِيَ: أَنه كَانَ إِذا أَعْجَبته امْرَأَة من قيس أرسل إِلَيْهَا فاغتصبها حَتَّى قَالَ بعض الكلابيين: (يَا أَيهَا الْملك الْمخوف أما ترى ... لَيْلًا وصبحاً كَيفَ يعتقبان) (هَل تَسْتَطِيع الشَّمْس أَن تَأتي بهَا ... لَيْلًا وَهل لَك بالمليك يدان)) (اعْلَم وأيقن أَن ملكك زائل ... وَاعْلَم بِأَن كَمَا تدين تدان) وَفِي الْبَيْت الْأَخير إقواء. وَكَانَ منشأ تِلْكَ الأبيات مَا رَوَاهُ أَبُو مُحَمَّد الْأَعرَابِي فِي ضَالَّة الأديب قَالَ: كَانَ من قصَّة الشّعْر أَن الْمُنْذر بن مَاء السَّمَاء وَهُوَ ذُو القرنين ملك الْحيرَة اللَّخْمِيّ دَعَا ذَات يَوْم النَّاس فَقَالَ: من يهجو الْحَارِث بن جبلة الغساني. فَقَالُوا: حَرْمَلَة بن عسلة المري فَقَالَ: يَا حَرْمَلَة اهجه وَلَك مائَة من الْإِبِل. فَقَالَ: أَبيت اللَّعْن إِنَّهُم أخوالي وَإنَّهُ لَا يَنْبَغِي لي أَن أهجوهم. فتوعده فَقَالَ حَرْمَلَة بن حَكِيم بن عفير بن طَارق بن قيس بن مرّة بن همام وَأمه عسلة بنت عَامر بن شراكة قَاتل الْجُوع ...

(ألم تَرَ أَنِّي بلغت المشيبا ... وَفِي دَار قومِي عَفا كسوبا) (ون الْإِلَه تنصفته ... بِأَن لَا أعق وَأَن لَا أحوبا) (وَأَن لَا أكافر ذَا نعْمَة ... وَأَن لَا أخيبه مستثيبا) (وغسان قوم هم وَالِدي ... فَهَل ينسينهم أَن أغيبا) (فأوزع بهَا بعض من يعتريك ... فَإِن لَهَا من معد كليبا) (وَإِن لخالي مندوحةً ... وَإِن عَليّ بِغَيْب رقيبا) فانبرى شهَاب بن العيف أَخُو بني سليمَة من عبد الْقَيْس فَقَالَ: لَا هم إِن الْحَارِث بن جبلة الأبيات فأسرهما الْحَارِث بن جبلة فِي هزيمَة الْمُنْذر فَقَالَ: يَا حَرْمَلَة اختر مَا شِئْت فِي ملكي. فَسَأَلَهُ جاريتين ضرابتين فَأَعْطَاهُمَا إِيَّاه فَنزل فِي النمر فَقعدَ يشرب هُوَ وَرجل من النمر يُقَال لَهُ: كَعْب فَلَمَّا أَخذ الشَّرَاب فِي النمري قَالَ: يَا حَرْمَلَة من هَذِه الْمَرْأَة الْحَمْرَاء مرها فلتسقني. فَغَضب حَرْمَلَة ثمَّ أَعَادَهَا فَضَربهُ حَرْمَلَة بِالسَّيْفِ فَقتله وَقَالَ فِي ذَلِك: (يَا كَعْب إِنَّك لَو قصرت على ... حسن الندام وَأَنت ذُو حلم) (وَسَمَاع مسمعة تعللنا ... حَتَّى نؤوب تناوم الْعَجم) مَعَ أَبْيَات خَمْسَة أُخْرَى وَقَالَ لِابْنِ العيف: اختر مني ثَلَاث خلال: إِمَّا أَن أطرحك على أسدين ضاريين فِي بِئْر وَإِمَّا أَن ألقيك من سور دمشق وَإِمَّا أَن يقوم

الدلامص سياف كَانَ لَهُ فيضربك بعصاه هَذِه ضَرْبَة. فَاخْتَارَ ضَرْبَة الدلامص. فَضَربهُ زَعَمُوا على رَأسه) فَانْكَسَرت فَخذه فاحتمله رَاهِب وداواه حَتَّى برأَ وَهُوَ يخمع مِنْهَا فَكَانَ هَذَا والْحَارث يَوْمئِذٍ بِقِنِّسْرِينَ. انْتهى. وَكَذَا أورد هَذِه الْحِكَايَة مُحَمَّد بن حبيب فِي كتاب المقتولين غيلَة. وشهاب بن العيف الْعَبْدي شَاعِر جاهلي. والعيف بِفَتْح الْمُهْملَة وَكسر الْمُثَنَّاة التَّحْتِيَّة الْمُشَدّدَة. والعبدي: نِسْبَة إِلَى عبد الْقَيْس لِأَنَّهُ أحد بني سَلمَة من عبد الْقَيْس بِضَم السِّين وَفتح اللَّام وهما فِي بني شَيبَان. وَقد نسب هَذَا الشّعْر إِلَى شهَاب بن العيف مُحَمَّد بن حبيب والآمدي أَيْضا فِي كتاب أشعار بني شَيبَان وَوَقع فِي كتاب الشُّعَرَاء المنسوبين إِلَى أمهاتهم أَن هَذَا الشّعْر لعامر بن العيف أخي شهَاب بن العيف. وَالله أعلم. وَأنْشد بعده: فَقلت يَمِين الله أَبْرَح قَاعِدا على أَنه يجوز حذف حرف النَّفْي من الْمُضَارع الْوَاقِع جَوَاب الْقسم كَمَا هُنَا وَأَصله: لَا أَبْرَح فَحذف لَا. وَأما حذف النَّافِي من الْمَاضِي وَمن الْجُمْلَة الاسمية فَغير جَائِز اطراداً وَقل الْحَذف مِنْهُمَا. أما الأول فنحو قَول أُميَّة بن أبي عَائِذ الْهُذلِيّ:

فَإِن شِئْت آلَيْت بَين المقا م والركن وَالْحجر الْأسود (نسيتك مَا دَامَ عَقْلِي معي ... أمد بِهِ أمد السرمد) أَي: لَا نسيتك. قَالَ ابْن مَالك: وَيكثر ذَلِك إِن تقدم نفي على الْقسم كَقَوْلِه: فَلَا وَالله نَادَى الْحَيّ ضَيْفِي أَي: لَا نَادَى. وَأما الثَّانِي فكقول عبد الله بن رَوَاحَة: (فوَاللَّه مَا نلتم وَلَا نيل مِنْكُم ... بمعتدل وفْق وَلَا مُتَقَارب) أَرَادَ: مَا نلتم فَحذف مَا النافية وَأبقى الموصولة. وَلَا يجوز الْعَكْس لِأَنَّهُ لَا يجوز حذف الْمَوْصُول وإبقاء صلته عِنْد الْبَصرِيين. والمصراع صدر وعجزه: وَلَو قطعُوا رَأْسِي لديك وأوصالي وَالْبَيْت تقدم شَرحه قَرِيبا قبل هَذَا بِعشْرَة أَبْيَات.)

(الشاهد التاسع عشر بعد الثمانمائة)

(الشَّاهِد التَّاسِع عشر بعد الثَّمَانمِائَة) (تالله يبْقى على الْأَيَّام ذُو حيد ... بمشمخر بِهِ الظيان والآس) على أَنه حذف من يبْقى لَا وَالتَّقْدِير: تالله لَا يبْقى. وأنشده سِيبَوَيْهٍ بِلَفْظ: لله يبْقى على الْأَيَّام الْبَيْت على أَن اللَّام فِيهِ حرف قسم وتعجب وَهَذَا نَصه: وَقد تَقول: تالله وفيهَا معنى التَّعَجُّب. وَبَعض الْعَرَب يَقُول فِي هَذَا الْمَعْنى: لله فَيَجِيء بِاللَّامِ وَلَا يَجِيء إِلَّا أَن يكون فِيهِ معنى التَّعَجُّب. وَأنْشد الْبَيْت. وَهُوَ من قصيدة أَولهَا: (يَا مي إِن تفقدي قوما ولدتهم ... أَو تخلسيهم فَإِن الدَّهْر خلاس) (عَمْرو وَعبد منَاف وَالَّذِي عهِدت ... بِبَطن عرعر آبى الضيم عَبَّاس) (يَا مي إِن سِبَاع الأَرْض هالكة ... والعفر والأدم والآرام وَالنَّاس) (تالله لَا يعجز الْأَيَّام مبترك ... فِي حومة الْمَوْت رزام وفراس) (يحمي الصريمة أحدان الرِّجَال لَهُ ... صيد ومستمع بِاللَّيْلِ هجاس) ثمَّ وصف الْأسد بِثَلَاثَة أَبْيَات فَقَالَ:

ثمَّ وصف الوعل إِلَى آخر القصيدة فِي سَبْعَة أَبْيَات والبيتان الْأَوَّلَانِ من شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ. قَالَ الأعلم: الشَّاهِد فِي قطع عَمْرو وَمَا بعده مَا قبله وَحمله على الِابْتِدَاء. وَلَو نصب على الْبَدَل من الْقَوْم لجَاز. وَمعنى تخلسيهم بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول: تسلبيهم. والخلس: أَخذ الشَّيْء بِسُرْعَة. أَي: إِن أفقدك الدَّهْر إيَّاهُم فَذَلِك شَأْنه. وَأَرَادَ بِعَمْرو: عَمْرو بن عبد منَاف بن قصي وَهُوَ هَاشم بن عبد منَاف. وَأَرَادَ بِالْعَبَّاسِ الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب. وَإِنَّمَا ذكرهم وَقَالَ: ولدتهم لأَنهم كلهم من ولد مدركة بن إلْيَاس بن مُضر. وعرعر: مَوضِع. وَرُوِيَ بدله: بِبَطن مَكَّة. وآبي من الإباء وَهُوَ الِامْتِنَاع. والضيم: الظُّلم. وَقد تقدم شرحهما فِي الشَّاهِد الْخَامِس وَالسِّتِّينَ بعد الثلثمائة. وَقَوله: والعفر والأدم ... إِلَخ العفر بِضَم الْمُهْملَة: الظباء. والأدم: المسر مِنْهَا والآرام: الْبيض مِنْهَا.) وَقَوله: تالله لَا يعجز الْأَيَّام مَعَ الْبَيْت بعده هما من شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ. قَالَ الأعلم: الشَّاهِد فيهمَا جري الصِّفَات على مَا قبلهَا مَعَ مَا فِيهَا من معنى التَّعْظِيم وَلَو نصب لجَاز. قَالَ السكرِي: الْأَيَّام هُنَا: الْمَوْت. والمتبرك: الْمُعْتَمد وَهُوَ الْأسد. وحومة الْمَوْت: الْموضع الَّذِي يَدُور فِيهِ الْمَوْت لَا يبرح مِنْهُ. والرزام: المصوت.

يُقَال: رزم الْأسد يرزم. وَإِذا برك الْأسد على فريسة رزم. وفراس: يدق مَا يُصِيبهُ. والصريمة: مَوضِع. وأحدان الرِّجَال: الَّذين يَقُول أحدهم: أَنا الَّذِي لَا نَظِير لَهُ فِي الشجَاعَة والبأس. يَقُول: هَذَا الْأسد يصيد هَؤُلَاءِ الَّذين يدلون بالشجاعة وَهُوَ مَعَ ذَلِك لَا ينجو من الْمَوْت. وَقَوله: يَا مي لَا يعجز الْأَيَّام ذُو حيد هَكَذَا وَقع فِي جَمِيع الرِّوَايَات وَلَكِن سِيبَوَيْهٍ ثِقَة وَالْقَوْل مَا قَالَت حذام. وَقَوله: ذُو حيد رَوَاهُ الْمبرد بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة والمثناة التَّحْتِيَّة وَجعله مصدرا بِمَنْزِلَة العوج والأود وَهُوَ اعوجاج يكون فِي قرن الوعل. وَرَوَاهُ ثَعْلَب بِكَسْر الْمُهْملَة وَكَذَا السكرِي وَفَسرهُ بِجمع حيدة مثل حيض جمع حَيْضَة. والحيدة: الْعقْدَة فِي قرن الوعل. وَمِنْهُم من جعله جمع حيد وَهُوَ كل نتوء فِي الْقرن والجبل وَغَيرهمَا. وَقَالَ بَعضهم: هُوَ مصدر حاد يحيد حيداً بِالسُّكُونِ فحركه للضَّرُورَة وَمَعْنَاهُ الروغان. - وَرُوِيَ: ذُو جيد بِالْجِيم وَهُوَ جنَاح مائل من الْجَبَل. وَقيل: يَعْنِي بِهِ الظبي. والوعل: التيس الْجبلي. وروى الْحلْوانِي بدله: ذُو خدم بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَالدَّال الْمُهْملَة. وَقَالَ: الخدم: الْبيَاض المستدير فِي قَوَائِم الثور وَاحِدهَا خدمَة. المشمخر: الْجَبَل الشامخ العالي. وَالْبَاء بِمَعْنى فِي مُتَعَلقَة بِمَحْذُوف هُوَ صفة لذِي حيد. وَجُمْلَة بِهِ الظيان: صفة لمشمخر. والظيان بالظاء الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الْمُثَنَّاة التَّحْتِيَّة: ياسمين الْبر. والآس: الريحان. وَإِنَّمَا ذكرهمَا إِشَارَة إِلَى أَن الوعل فِي خصب فَلَا يحْتَاج إِلَى الإسهال فيصاد. وَقَالَ الْحلْوانِي: الآس: نقط من الْعَسَل تقع من النَّحْل على الْحِجَارَة فيستدلون بِهِ أَحْيَانًا.

وَهَذَا الْبَيْت تقدم الْكَلَام عَلَيْهِ أَيْضا فِي الشَّاهِد الْخَامِس وَالسِّتِّينَ بعد الثلثمائة.) وَهَذِه القصيدة نَسَبهَا السكرِي إِلَى أبي ذُؤَيْب الْهُذلِيّ وَتَقَدَّمت تَرْجَمته فِي الشَّاهِد السَّابِع وَالسِّتِّينَ. وَعَزاهَا الْحلْوانِي إِلَى مَالك بن خَالِد الخناعي. وخناعة بِضَم الْمُعْجَمَة وَتَخْفِيف النُّون هُوَ خناعة بن سعد بن هُذَيْل. ونسبها غَيرهمَا إِلَى أُميَّة ابْن أبي عَائِذ الْهُذلِيّ كَمَا تقدم هُنَاكَ. وَقد تقدّمت تَرْجَمته فِي الشَّاهِد الثَّالِث وَالْخمسين بعد الْمِائَة. وَقد وَقع المصراع الأول كَمَا رَوَاهُ الشَّارِح الْمُحَقق فِي قصيدة لساعدة بن جؤية الْهُذلِيّ ميمية هَكَذَا: (تالله يبْقى على الْأَيَّام ذُو حيد ... أدفى صلود من الأوعال ذُو خدم) قَالَ السكرِي: يُرِيد: وَالله لَا يبْقى. وَقَوله: ذُو حيد يَعْنِي الوعل. والحيد: كعوب فِي الْقرن. والأدفى: الَّذِي يذهب قرنه إِلَى نَحْو ذَنبه. والصلود: الَّذِي يقرع الْجَبَل بظلفه. والخدم: خطوط فِي قوائمه. وَهَذِه قصيدة طَوِيلَة رثى بهَا جمَاعَة وغالب ألفاظها ومعانيها على النمط الأول. وترجمة سَاعِدَة بن جؤية تقدّمت فِي الشَّاهِد التَّاسِع وَالسِّتِّينَ بعد الْمِائَة.

وَأنْشد بعده: تنفك تسمع مَا حييّ ت بهالك حَتَّى تكونه على أَنه يجوز حذف لَا من أَخَوَات زَالَ كَمَا هُنَا فَإِن التَّقْدِير: لَا تنفك تسمع. وَفِي غَيرهَا لَا يجوز. وَهَذَا وَإِن كَانَ فِي غير جَوَاب الْقسم خَاص بزال وَأَخَوَاتهَا. وَسمع فِي الشّعْر حذف لَا فِي غَيرهَا. (وَقَوْلِي إِذا مَا أطْلقُوا عَن بعيرهم ... تلاقونه حَتَّى يؤوب المنخل) وخرجه ابْن مَالك على تَقْدِير قسم مُقَدّر أَي: وَالله لَا تلاقونه. قَالَ الدماميني: وَالظَّاهِر أَن رَأْيه أولى ليَكُون من قبيل مَا حذف بِقِيَاس. وَقَوله: وَقَوْلِي مَعْطُوف على أبدالي فِي بَيت قبله وَهُوَ قَوْله: (لعمري لقد أنْكرت نَفسِي ورابني ... مَعَ الشيب أبدالي الَّتِي أتبدل) وأبداله: هِيَ الشيب بعد الشَّبَاب والضعف بعد الْقُوَّة والهزال بعد المسن والسقم بعد) الصِّحَّة. وَالْمقول هُوَ لَا تلاقونه ... إِلَخ. أَي: لَا تلاقون الْبَعِير بعد إطلاقكم إِيَّاه حَتَّى يؤوب المنخل. وَهَذَا القَوْل فِي نفس الْأَمر مِمَّا يريب كَأَنَّهُ يدل على ذُهُول عقل وخرف فَإِن الْبَعِير إِذا أطلق لَيْسَ فِي مسكه جهد عَظِيم.

والمنخل بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة الْمُشَدّدَة: اسْم شَاعِر كَانَ النُّعْمَان بن الْمُنْذر اتهمه مَعَ امْرَأَته فدفنه حَيا فَلم يعرف خَبره إِلَى الْآن. وَالْعرب تضرب الْمثل بِهِ لغَائِب لَا طمع فِي رُجُوعه. وَبعده: (فيضحى قَرِيبا غير ذَاهِب غربَة ... وَأرْسل أيماني فَلَا أتحلل) الغربة بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَالْمُوَحَّدَة: الْبعد أَي: يصير الْبَعِير الَّذِي أَطْلقُوهُ قَرِيبا مِنْهُم وَلَا يذهب ذهَاب بعد وَمَعَ ذَلِك أَنا أذهل وَأَقُول لَهُم ذَلِك القَوْل فَأرْسل أيماني وَلَا أقيدها باستثناء وَلَا أتحلل بقول إِن شَاءَ الله. وَهَذَا الْبَيْت من أَبْيَات الْمُغنِي وَلم يشرحه شراحه وَلِهَذَا شرحته إِجْمَالا. والنمر بن تولب صَحَابِيّ عَاشَ دهراً طَويلا. وَقد ترجمناه فِيمَا مضى. وَأما قَوْله: تنفك تسمع مَا حييت ... ... ... ... ... . الْبَيْت فقد تقدم شَرحه فِي الشَّاهِد الرَّابِع وَالثَّلَاثِينَ بعد السبعمائة. وَأنْشد بعده: فَلَا وَأبي دهماء زَالَت عزيزةً

(الشاهد العشرون بعد الثمانمائة)

على أَن أَصله: فو أبي دهماء لَا زَالَت عزيزة ففصل بَين لَا النافية وَبَين زَالَت بِالْجُمْلَةِ القسمية أَعنِي قَوْله: وَأبي دهماء. أقسم الشَّاعِر بوالد هَذِه الْمَرْأَة. وَلَيْسَ فِيهِ حذف لَا خلافًا للفراء فِي زَعمه ذَلِك وَلَا مَا خلافًا لِابْنِ عُصْفُور فِي دَعْوَاهُ. وَقد تقدم الْكَلَام على هَذَا فِي الشَّاهِد الثَّالِث وَالثَّلَاثِينَ بعد السبعمائة. وَهَذَا صدر وعجزه: على قَومهَا مَا فتل الزند قَادِح (الشَّاهِد الْعشْرُونَ بعد الثَّمَانمِائَة) (هَذَا ثنائي بِمَا أوليت من حسن ... لَا زلت عوض قرير الْعين محسودا) على أَن عوض قد لَا يسْتَعْمل فِي الْقسم كَمَا هُنَا وَهُوَ هُنَا ظرف بِمَعْنى أبدا مُتَعَلق ب لَا زلت. وَتقدم شَرحه مفصلا فِي الشَّاهِد الْعشْرين بعد الْخَمْسمِائَةِ. وَالْبَيْت آخر قصيدة عدتهَا أَرْبَعَة عشر بَيْتا لِرَبِيعَة بن مقروم الضَّبِّيّ أَربع مِنْهَا فِي النسيب وَأَرْبع فِي ذكر نَاقَته وست فِي مدح مَسْعُود بن سَالم بن أبي سلمي بِضَم السِّين وَشد الْيَاء ابْن ربيعَة بن ذبيان بن عَامر بن ثَعْلَبَة بن ذُؤَيْب بن السَّيِّد.

روى صَاحب الأغاني عَن أبي عَمْرو: أَن ربيعَة بن مقروم أسر واستيق مَاله فتخلصه مَسْعُود الْمَذْكُور فمدحه ربيعَة الْمَذْكُور بِهَذِهِ القصيدة. - وَهَذِه سَبْعَة أَبْيَات مِنْهَا يُخَاطب نَاقَته: (لما تشكت إِلَيّ الأين قلت لَهَا ... لَا تستريحين مَا لم ألق مسعودا) (مَا لم ألاق امْرأ جزلاً مواهبه ... سهل الفناء رحيب الباع مَحْمُودًا) (وَقد سَمِعت بِقوم يحْمَدُونَ فَلم ... أسمع بمثلك لَا حلماً وَلَا جودا) (لَا حلمك الْحلم مَوْجُود عَلَيْهِ وَلَا ... يلفى عطاؤك فِي الأقوام منكودا) (وَقد سبقت بغايات الْجِيَاد وَقد ... أشبهت آباءك الصَّيْد الصناديدا) هَذَا ثنائي بِمَا أوليت ... ... ... ... ... إِلَخ وَقَوله: لما تشكت ... إِلَخ الأين: التَّعَب. وَالسَّيِّد: قبيل الممدوح من آل ضبة. قَالَه صَاحب الأغاني. وَقَالَ ابْن الْأَنْبَارِي فِي شرح المفصليات: قَالَ أَبُو جَعْفَر: السَّيِّد: قوم ربيعَة بن مقروم. يَقُول: لَا أخْبرهُم عَنْك بَاطِلا وَإِنَّمَا أمدحك بِالْحَقِّ. وَقَوله: لَا حلمك الْحلم. . إِلَخ قَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: أَي: لم يطش حلمك فيوجد عَلَيْهِ. وَالصَّيْد: جمع أصيد وَهُوَ الَّذِي لَا يكَاد يلْتَفت من التكبر. والصناديد: الْكِرَام. وَقَوله: هَذَا ثنائي ... إِلَخ قَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: أَرَادَ بعوض الدَّهْر وَهُوَ مَبْنِيّ على الضَّم. يَقُول: لَا زلت محسوداً ذَا نعْمَة تحسد عَلَيْهَا. كَقَوْل الآخر: (محسدون على مَا كَانَ من نعم ... لَا يذهب الله عَنْهُم مَا لَهُ حسدوا)) وَمثله قَول الآخر:

(الشاهد الحادي والعشرون بعد الثمانمائة)

(إِن يحسدوني فَإِنِّي غير لائمهم ... قبلي من النَّاس أهل الْفضل قد حسدوا) وَحكى أَبُو عُثْمَان عَن أبي زيد أَن الْعَرَب لَا تَقول: حسد حاسدك أَي: بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول لِأَنَّهُ إِذا قَالَ لَهُ ذَلِك دَعَا لَهُ بِأَن يكون لَهُ مَا يحْسد عَلَيْهِ وَلَكنهُمْ يَقُولُونَ: حسد لحاسدك. انْتهى. وترجمة ربيعَة بن مقروم تقدّمت فِي الشَّاهِد الرَّابِع وَالْأَرْبَعِينَ بعد الستمائة. وَأنْشد بعده (الشَّاهِد الْحَادِي وَالْعشْرُونَ بعد الثَّمَانمِائَة) (وقلن على الفردوس أول مشرب ... أجل جير إِن كَانَت أبيحت دعاثره) على أَن جير قد تسْتَعْمل فِي غير الْقسم كَمَا هُنَا فَإِنَّهَا حرف تَصْدِيق بِمَعْنى نعم بِدُونِ قسم. وصنيع الْجَوْهَرِي يُوهم أَنَّهَا مَعَ الْقسم لِأَنَّهُ قَالَ: قَوْلهم جير لَا آتِيك بِكَسْر الرَّاء: يَمِين للْعَرَب وَمَعْنَاهَا حَقًا. وَأنْشد هَذَا الْبَيْت بِعَيْنِه. - وَالْبَيْت أوردهُ أَبُو مُحَمَّد بن أَحْمد بن الخشاب مَعَ بَيت قبله وَهُوَ: (تحمل من ذَات التنانير أَهلهَا ... وقلص عَن نهي الدفينة حاضره)

وهما من قصيدة لمضرس الْأَسدي أوردهَا الْأَصْمَعِي فِي الأصمعيات وَهِي قصائد اخْتَارَهَا لهارون الرشد فاشتهرت بالأصمعيات. وَأورد مِنْهَا ابْن المستوفي فِي شرح أَبْيَات الْمفصل سِتَّة تحمل من ذَات التنانير أَهلهَا ذَات التنانير غير مَوْجُود فِي المعجم للبكري قَالَ ابْن المستوفي: هُوَ مَوضِع. وَقَالَ الْعَيْنِيّ: هِيَ عقبَة بحذاء زبالة. قَالَ الْبكْرِيّ: زبالة بِضَم أَوله بعده مُوَحدَة قَالَ مُحَمَّد بن سهل: هِيَ بلد من أَعمال الْمَدِينَة سميت بزبالة بنت مَسْعُود من العماليق نزلت فِيهِ فَسُمي بهَا. أَي: ارتحل أهل هَذَا الْبَلَد مِنْهُ. وقلص أَي: ارْتَفع. وَالنَّهْي بِفَتْح النُّون وَكسرهَا وَسُكُون الْهَاء فيهمَا هُوَ الغدير. الدفينة قَالَ الْعَيْنِيّ: هُوَ مَوضِع. وَقَالَ ابْن المستوفي هُوَ فعيلة من

قَوْلهم: دفنت الشَّيْء فَهُوَ مدفون ودفين وركية دَفِين إِذا اندفن بَعْضهَا. وَهَذِه الْكَلِمَة غير مَوْجُودَة أَيْضا فِي مُعْجم الْبكْرِيّ وَإِنَّمَا فِيهِ الدفين بِلَا هَاء قَالَ: وَهُوَ وَاد قريب من مَكَّة. والحاضر: الْحَيّ الْعَظِيم قَالَه ابْن المستوفي. وَقَالَ السُّيُوطِيّ: هُوَ الْمُقِيم.) وَفِي الصِّحَاح: الْحَاضِر: الْحَيّ الْعَظِيم وَهُوَ جمع كَمَا يُقَال: سامر للسمار. وَفُلَان حَاضر بِموضع كَذَا أَي: مُقيم. وَيُقَال: على المَاء حَاضر. وَقوم حضار إِذا حَضَرُوا الْمِيَاه ومحاضر وحضرة مثل كَافِر وكفرة. وَقَوله: وقلن يَعْنِي النِّسَاء يَعْنِي أَنَّهُنَّ قُلْنَ: إِن ارتحلنا عَن هَذَا المَاء فَإِن أول مشرب نرده قَالَ ياقوت فِي مُعْجم الْبلدَانِ قَالَ أَبُو عبيد السكونِي: الفردوس: مَاء لبني تَمِيم عَن يَمِين طَرِيق الْحَاج من الْكُوفَة. وفردوس بِلَا لَام: رَوْضَة دون الْيَمَامَة. وفردوس الإياد فِي بِلَاد بني يَرْبُوع. وَالْهَاء فِي دعاثره يجوز أَن تعود على لفظ الفردوس وَيجوز أَن تعود على مشرب. وَأول مشرب: مُبْتَدأ وعَلى الفردوس: خَبره. ثمَّ اخبر بِأَجل جير أَي: نعم إِن كَانَت دعاثره مُبَاحَة غير مَمْنُوعَة. وَهَذَا من تَسْمِيَة الشَّيْء بِمَا يؤول إِلَيْهِ. وَجَوَاب الشَّرْط مَحْذُوف أَي: إِن كَانَت أبيحت دعاثره فانزلن بِهِ. وَقَالَ الْعَيْنِيّ: على الفردوس: حَال وَالْخَبَر: مَحْذُوف أَي: قُلْنَ حَال كونهن نازلات على الفردوس: لنا أول مشرب.

قَالَ ابْن المستوفي: وجدته يرْوى: أَن كَانَت بِفَتْح الْهمزَة وَتَكون فِي مَوضِع الْمَفْعُول بِهِ. وَكسر إِن أولى أَي: إِن أول مشرب على الفردوس كَمَا ذكرتن مَا لم تمنع دعاثره. ودعاثره مَعَ إِن الشّرطِيَّة غير مُبَاحَة لِأَن الشَّرْط قد يَقع وَقد لَا يَقع وَمَعَ أَن المصدرية مُبَاحَة. وَالْأول أولى بِالْمَعْنَى. وَقَالَ بعض فضلاء الْعَجم فِي شرح أَبْيَات الْمفصل: رُوِيَ أَن بِفَتْح الْهمزَة وَكسرهَا وَالْكَسْر هُوَ رِوَايَة الْمفصل ولكليهما وَجه: أما وَجه الْفَتْح فَهُوَ أَن ذَلِك قد تحقق لأجل إِبَاحَة حياضه. وَأما وَجه الْكسر فَهُوَ أَن ذَلِك مُتَحَقق إِن كَانَ قد حصل الْإِبَاحَة لدعاثره. فَظهر أَن الْفَتْح فِي الْمَعْنى المُرَاد أقوى وَإِن لم يبعد مَعَ الثَّانِيَة. انْتهى. وَهُوَ جمع دعثور بِالضَّمِّ. فِي الصِّحَاح: والعثور: الْحَوْض الْمُتَثَلِّم. وَأنْشد هَذَا الْبَيْت. وَقِيَاسه دعاثير إِلَّا أَنه حذف الْيَاء ضَرُورَة. وَالْمشْرَب: مَوضِع الشّرْب. وَقَالَ بَعضهم: مصدر ميمي أَي: على الفردوس أول شرب نشربه. وَقَوله: إِن كَانَت أبيحت دعاثره من بَاب التَّنَازُع فَإِن رفعت دعاثره بأبيحت فاسم كَانَ ضمير) الدعاثر أَي: هِيَ. وَإِن رفعته بكانت فَفِي أبيحت ضميرها. وَجُمْلَة: أبيحت على الْوَجْهَيْنِ خبر كَانَت. وَأجل: حرف تَصْدِيق وجير توكيد لَهُ. - وَهَذَا الْبَيْت كَذَا فِي الْمفصل وَغَيره وَلم أره كَذَا فِي شعر مُضرس على مَا رَوَاهُ الْأَصْمَعِي وَإِنَّمَا الرِّوَايَة كَذَا: (وقلن أَلا الفردوس أول محْضر ... من الْحَيّ إِن كَانَت أبيرت دعاثره) وَهَذَا لَيْسَ فِيهِ أجل جير. وَالَّذِي فِيهِ الشَّاهِد إِنَّمَا هُوَ شعر طفيل الغنوي وَهُوَ: (فَلَمَّا بدا دمخ وَأعْرض دونه ... غوارب من رمل تلوح شواكله) (تحاثثن واستعجلن كل مواشك ... بلؤمته لم يعد أَن شقّ بازله) وَلِهَذَا قَالَ الصغاني عِنْد الْكَلَام على جير وإنشاد الْبَيْتَيْنِ الْأَخيرينِ من شعر طفيل الْمَذْكُور شَاهدا مَا نَصه: وَقد غير النُّحَاة هَذَا الشَّاهِد وجعلوه خُنْثَى وأنشدوا: (وقلن على الفردوس أول مشرب ... أجل جير إِن كَانَت أبيحت دعاثره) وَهُوَ مغير من شعر مُضرس بن ربعي وَهُوَ: (وقلن أَلا الفردوس أول محْضر ... من الْحَيّ إِن كَانَت أبيرت دعاثره)

وَقَوله: فَلَمَّا بدا دمخ هُوَ بِفَتْح الدَّال وَسُكُون الْمِيم بعْدهَا خاء مُعْجمَة: جبل من جبال ضرية طوله فِي السَّمَاء ميل. قَالَ ابْن السّكيت فِي شرح ديوَان طفيل: غواربه: أعاليه وشواكله: نواحيه وجنوبه. وَقَوله: وقلن مَعْطُوف على بدا بِمَعْنى ظهر وَالنُّون ضمير الظعائن فِي بَيت قبله وَهُوَ: (تبصر خليلي هَل ترى من ظعائن ... تحملن أَمْثَال النعاج عقائله)

النعاج: جمع نعجة شبه النِّسَاء بهَا. وعقيلة كل شَيْء: أفضله. (ظعائن أبرقن الخريف وشمنه ... وخفن الْهمام أَن تقاد قنابله) أبرقن: دخلت أشهر الْحرم فخفن أَن يُغير عَلَيْهِنَّ فتنكبن ناحيته وتباعدن عَنهُ. والشيم: النّظر إِلَى موقع الْغَيْث. والقنابل: جمع قنبلة كقنفذة وَهِي طَائِفَة من الْخَيل مَا بَين الثَّلَاثِينَ إِلَى الْأَرْبَعين وَنَحْوه: (على إِثْر حَيّ لَا يرى النَّجْم طالعاً ... من اللَّيْل إِلَّا وَهُوَ باد مَنَازِله) النَّجْم: الثريا.) يَقُول: هَذَا الْحَيّ لَا يرى النَّجْم طالعاً بظلمة إِلَّا رَحل إِلَى مَكَان آخر يَبْتَغِي النجعة فَكَأَنَّهُ أبدا فِي قفر لَا يُقِيمُونَ للمياه هم أبدا سيارة. (شربن بعكاش الهبابيد شربةً ... وَكَانَ لَهَا الأحفى خليطاً تزايله) فَلَمَّا بدا دمخ ... ... ... ... ... ... ... ... ... الْبَيْت عكاش الهبابيد: مَاء وَهُوَ جمع هبود جمعه بِمَا حوله. والأحفى: بلد أَي: زايلته كَمَا تزايل الخليط. وَقَوله: أَلا البردي أَلا: للتّنْبِيه فتدل على تحقق مَا بعْدهَا من جِهَة تركبها من همزَة الِاسْتِفْهَام وَلَا فَإِن الِاسْتِفْهَام إِذا دخل على النَّفْي أَفَادَ

التَّحْقِيق. قَالَ ابْن السّكيت: يَعْنِي بالبردي غديراً ينْبت البردى. وَقَالَ الْبكْرِيّ فِي مُعْجم مَا استعجم: هُوَ غَدِير لبني كلاب. وَأنْشد هَذَا الْبَيْت. والبردي: مُبْتَدأ وَأول مشرب: خَبره وَالْجُمْلَة: مقول وَقَوله: أجل جير ... إِلَخ مقول لقَوْل مَحْذُوف أَي: فَقيل لَهُنَّ أجل جير إِلَخ. ورواء بِالْكَسْرِ وَالْمدّ: جمع رَيَّان وريا كعطاش جمع عطشان وعطشى. وأسافل: جمع أَسْفَل وَهُوَ الْمَكَان المنخفض. يُرِيد: إِن اجْتمع المَاء فِي أراضيه المنخفضة حَتَّى صَار غديراً فالبردي أول مشرب وَإِلَّا فَلَا. فجواب الشَّرْط مَحْذُوف يدل عَلَيْهِ مَا قبله. وَقد اسْتشْهد ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي بِهَذَا المصراع فَقَط. وَفِي بعض نسخه تَمام الْبَيْت من شعر طفيل كَمَا شرحنا. وَللَّه دره فِي صَنِيعه. وَقَوله: تحاثثن ... إِلَخ هَذَا جَوَاب لما وَالنُّون ضمير الظعائن. والحث: الْإِسْرَاع. وحث الْفرس على الْعَدو: صَاح بِهِ أَو وكزه بِرَجُل أَو ضرب. وتحاثثن: تسارعن. واستعجلت زيدا: طلبت عجلته. فَهُوَ مُتَعَدٍّ وكل مَفْعُوله. ومواشك: اسْم فَاعل واشك أَي: سارع. ومواشك صفة مَحْذُوف أَي: كل بعير مواشك. واللؤمة بِضَم اللَّام وَسُكُون الْهمزَة. قَالَ ابْن السّكيت: هِيَ مَتَاع الْإِبِل وَمَا يلقى عَلَيْهَا من رَحل ومفارش. وَجُمْلَة: لم يعد. . إِلَخ صفة لمواشك وَأَن: مَصْدَرِيَّة أَي: لم يتَجَاوَز شقّ نابه. يُرِيد أَنه كَامِل الفتوة. وشق: بِفَتْح قَالَ ابْن السّكيت: يُقَال شقّ نابه وشقا نابه وَنجم نابه وَفطر نابه وبزل نابه. وَأَصله) الِاشْتِقَاق يُقَال: تبزل مَا بَينهم. انْتهى.

قَالَ صَاحب العياب: بزل الْبَعِير بزولاً: فطر نابه أَي: انْشَقَّ فَهُوَ بازل وبزول ذكرا كَانَ أَو أُنْثَى. وَقَالَ ابْن دُرَيْد: رجل بازل إِذا احتنك تَشْبِيها بالبعير النَّازِل. وَفِي حَدِيث عَليّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: بازل عَاميْنِ حَدِيث سني أَي: أَنا فِي استكمال الْقُوَّة كَهَذا الْبَعِير مَعَ حَدَاثَة السن. والبازل أَيْضا: السن الَّتِي طلعت. انْتهى. وَإِنَّمَا قيد بقوله: لم يعد أَن شقّ ... إِلَخ لِأَنَّهُ إِذا تجاوزه يكون ضَعِيف القوى لهرمه. وبزوله إِنَّمَا يكون بِدُخُولِهِ فِي السّنة التَّاسِعَة وَبعدهَا يشرع فِي الْهَرم. وَقد رَأَيْت الْبَيْت الشَّاهِد فِي قصيدة قافية من شعر كَعْب بن زُهَيْر الصَّحَابِيّ وَهُوَ: (وقلن أَلا البردي أول مشرب ... أجل جير إِن كَانَت سقته بوارقه) قَالَ شَارِح ديوانه أَبُو الْعَبَّاس الْأَحول: البردي: مَوضِع. والبوارق: جمع بارقة يُرِيد: سَحَابَة وعدة أبياتها خَمْسَة عشر بَيْتا. وَكَعب قد أَخذه من طفيل الغنوي لِأَن طفيلاً جاهلي مُتَقَدم زَمَانه. وَقد مرت تراجمهم. أما مُضرس فَفِي الشَّاهِد الرَّابِع وَالثَّلَاثِينَ بعد الثلمائة وَأما طفيل فَفِي

(الشاهد الثاني والعشرون بعد الثمانمائة)

الشَّاهِد التسعين بعد الستمائة وهما جاهليان. وَأما كَعْب فَفِي الشَّاهِد الرَّابِع عشر بعد السبعمائة. وَأنْشد بعده (الشَّاهِد الثَّانِي وَالْعشْرُونَ بعد الثَّمَانمِائَة) (وقائله أسيت فَقلت جير ... أسي إِنَّنِي من ذَاك إِنَّه) على أَنه اسْتدلَّ من ذهب إِلَى اسمية جير بِالتَّنْوِينِ اللَّاحِق لَهُ كَمَا هُنَا. وَقَالَ الشَّارِح الْمُحَقق: هِيَ حرف والتنوين لضَرُورَة الشّعْر. وَهَذَا أحد أجوبة ثَلَاثَة عَنهُ. ثَانِيهَا: أَنه يحْتَمل أَن يكون من تَنْوِين الترنم تَشْبِيها لآخر النّصْف بآخر الْبَيْت ذكره الشلوبين. وتنوين الترنم غير مُخْتَصّ بِالِاسْمِ. والوصل بنية الْوَقْف. وَهُوَ وتنوين الغالي كهاء السكت إِنَّمَا يلحقان الْكَلِمَة وَقفا لَا وصلا. ثَالِثهَا: يحْتَمل أَن يكون أَرَادَ توكيد جير بإن الَّتِي بِمَعْنى نعم فَحذف همزتها وخففت بِحَذْف النُّون الثَّانِيَة. وَهُوَ بعيد. وَقد ذكر ابْن مَالك فِي شرح كافيته هَذِه الْأَوْجه الثَّلَاثَة وَقَالَ: الصَّحِيح أَنَّهَا حرف بِمَعْنى نعم لِأَن كل مَوضِع وَقعت فِيهِ جير يصلح أَن تقع

فِيهِ نعم وَلَيْسَ كل مَوضِع وَقعت فِيهِ يصلح أَن يَقع حَقًا. فإلحاقها بنعم أولى. وَقيل: إِن جير ظرف بِمَعْنى أبدا بني لقلَّة نمكنه. وَقيل اسْم فعل. فَهَذِهِ أَرْبَعَة أَقْوَال ذكرهَا ابْن أبي الرّبيع فِي الملخص. وَالْقَائِل بِأَنَّهَا اسْم فعل هُوَ أَبُو عَليّ وَقد نَقله ياقوت الْحَمَوِيّ فِي مُعْجم الأدباء فِي تَرْجَمَة أبي عَليّ فِي ضمن حِكَايَة رَأينَا إيرادها هُنَا مناسباً قَالَ ياقوت: وَقَالَ الْأُسْتَاذ أَبُو الْعَلَاء الْحُسَيْن بن مُحَمَّد بن سهلويه فِي كِتَابه الَّذِي سَمَّاهُ أَجنَاس الْجَوْهَر: كنت بِمَدِينَة السَّلَام أختلف إِلَى أبي عَليّ الْفَارِسِي وَكَانَ السُّلْطَان رسم لَهُ أَن ينْتَصب لي كل أُسْبُوع يَوْمَيْنِ لتصحيح كتاب التَّذْكِرَة لخزانة كَافِي الكفاة. فَكُنَّا إِذا قَرَأنَا أوراقاً مِنْهُ تجارينا فِي فنون الْآدَاب واجتنينا من فَوَائِد ثمار الْأَلْبَاب ورتعنا فِي رياض أَلْفَاظه ومعانيه والتقطنا الدّرّ المنثور من فِيهِ فَأجرى يَوْمًا بعض الْحَاضِرين ذكر الْأَصْمَعِي وأسرف فِي الثَّنَاء عَلَيْهِ وفضله على أَعْيَان وَكَانَ مِمَّا ذكر فِي محاسنه أَن قَالَ: من ذَا الَّذِي يَجْسُر أَن يُخطئ الفحول من الشُّعَرَاء غَيره فَقَالَ أَبُو عَليّ: وَمَا الَّذِي رد عَلَيْهِم فَقَالَ الرجل: قد أنكر على ذِي الرمة مَعَ إحاطته بلغَة الْعَرَب ومعانيها وَفضل مَعْرفَته بأغراضها ومراميها وَأَنه سلك نهج الْأَوَائِل فِي صوف المفاوز إِذا لعب) السراب فِيهَا ورقص الْآل فِي نَوَاحِيهَا. ونعت الحرباء وَقد شبه على جذله

والظليم وَكَيف ينفر من ظله وَذكر الركب وَقد مَالَتْ طلاهم من غَلَبَة الْمَنَام حَتَّى كَأَنَّهُمْ صرعتهم كؤوس المدام فطبق مفصل الْإِصَابَة فِي كل بَاب وساوى الصَّدْر الأول من أَرْبَاب الفصاحة وجار القروم البزل من أَصْحَاب البلاغة. فَقَالَ لَهُ الشَّيْخ أَبُو عَليّ: وَمَا الَّذِي أنكر على ذِي الرمة فَقَالَ: قَوْله: وقفنا فَقُلْنَا إيه عَن أم سَالم لِأَنَّهُ كَانَ يجب أَن ينونه. فَقَالَ: أما هَذَا فالأصمعي مُخطئ فِيهِ. وَذُو الرمة مُصِيب. وَالْعجب أَن يَعْقُوب بن السّكيت قد وَقع عَلَيْهِ هَذَا السَّهْو فِي بعض مَا أنْشدهُ. فَقلت: إِن رأى الشَّيْخ أَن يصدع لنا بجلية هَذَا الْخَطَأ تفضل بِهِ. فأملى علينا: أنْشد ابْن السّكيت: (وقائلة أسيت فَقلت جير ... أسي إِنَّنِي من ذَاك إِنَّه) (أَصَابَهُم الحما وهم عواف ... وَكن عَلَيْهِم تعساً لهنه) (وَكَيف تجيب أصداء وهام ... وأبدان بدرن وَمَا نخرنه) قَالَ يَعْقُوب: قَوْله: جير أَي: حَقًا وَهِي مخفوضة غير منونة فَاحْتَاجَ إِلَى التَّنْوِين.

قَالَ أَبُو عَليّ: هَذَا سَهْو مِنْهُ لِأَن هَذَا يجْرِي مجْرى الْأَصْوَات وَبَاب الْأَصْوَات كلهَا والمبنيات بأسرها لَا ينون إِلَّا مَا خص مِنْهَا بعلة الْفرْقَان فِيهَا من نكرتها ومعرفتها التَّنْوِين فَمَا كَانَ مِنْهَا معرفَة جَاءَ بِغَيْر تَنْوِين فَإِذا نكرته نونته. من ذَلِك أَنَّك تَقول فِي الْأَمر: صه ومه تُرِيدُ السُّكُوت يَا فَتى فَإِذا نكرت قلت: صه ومه تُرِيدُ سكُوتًا. وَكَذَلِكَ قَول الْغُرَاب: غاق أَي: الصَّوْت الْمَعْرُوف من صَوته وَقَول الْغُرَاب غاق أَي: صَوتا. وَكَذَلِكَ إيه يَا رجل تُرِيدُ الحَدِيث. وإيه تُرِيدُ حَدِيثا. وَزعم الْأَصْمَعِي أَن ذَا الرمة أَخطَأ فِي قَوْله: وقفنا فَقُلْنَا إيه عَن أم سَالم وَكَانَ يجب أَن ينونه. وَهَذَا من أوابد الْأَصْمَعِي الَّتِي يقدم عَلَيْهَا من غير علم. فَقَوله: جير بِغَيْر تَنْوِين فِي مَوضِع قَوْله: فَقلت الْحق. وتجعله نكرَة فِي مَوضِع آخر فتنونه فَيكون مَعْنَاهُ: قلت حَقًا. وَلَا مدْخل للضَّرُورَة فِي ذَلِك إِنَّمَا التَّنْوِين للمعنى الْمَذْكُور وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق. وتنوين هَذَا الشَّاعِر على هَذَا التَّقْدِير.) قَالَ يَعْقُوب: قَوْله أَصَابَهُم الحما يُرِيد: الْحمام. وَقَوله: يدرن أَي: طعن فِي بوادرهم بِالْمَوْتِ. والبادرة: النَّحْر. وَقَوله: فَجئْت قُبُورهم بدءاً أَي: سيداً. وبدء الْقَوْم: سيدهم. وبدء الْجَزُور: خير أنصبائها. وَقَوله: وَلما أَي: وَلم أكن سيداً حِين مَاتُوا فَإِنِّي

سدت بعدهمْ. هَذَا مَا أوردهُ ياقوت بِحُرُوفِهِ. وَأورد ابْن فَارس فِي كتاب فقه اللُّغَة هَذِه الأبيات عَن الْمفضل وَزَاد فِي أولهنَّ بَيْتا وَهُوَ: (أَلا يَا طَال بالغربات ليلِي ... وَمَا يلقِي بَنو أَسد بهنه) وَيَا حرف نِدَاء والمنادى مَحْذُوف أَي: يَا قوم وَنَحْوه. والغربات بِضَم الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَالرَّاء الْمُهْملَة بعْدهَا مُوَحدَة: جمع غربَة بِضَمَّتَيْنِ وَهِي الامرأة الغريبة. وَبِدُون هَاء: الرجل الْغَرِيب. يُرِيد التَّزَوُّج بالغربيات. وليلي فَاعل طَال. وَقَالَ ابْن الملا فِي شرح الْمُغنِي: الغربات: مَوضِع. وَيَردهُ الضَّمِير فِي بهنه. وَالْبَاء سَبَبِيَّة وَالْهَاء للسكت. وَقَوله: وقائلة الْوَاو: وَاو رب وقائلة: صفة مجرور رب الْمَحْذُوف أَي: رب امْرَأَة قائلة. وأسيت: بِالْخِطَابِ جَوَاب رب. والأسى: الْحزن. يُقَال: أسي يأسى أسىً كرضي يرضى وأسي: حَزِين وزنا وَمعنى وَهُوَ خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف وَالتَّقْدِير: أَنا أسي وَخبر إِنَّنِي مَحْذُوف مَدْلُول عَلَيْهِ بِمَا قبله وَمن مُتَعَلقَة بالمحذوف تعليلية أَي: إِنَّنِي أسي من أجل مَا لَقِي بَنو أَسد بِسَبَب التَّزَوُّج بالغربيات من المصائب. فاسم الْإِشَارَة رَاجع إِلَى مَا لَقِي بَنو أَسد بسببهن. وَإنَّهُ بِمَعْنى نعم وَالْهَاء للسكت. وَقَالَ ابْن الملا: الْإِشَارَة للحزن أَي: إِنَّنِي مَخْلُوق من الْحزن قصدا للْمُبَالَغَة. وَإِن الثَّانِيَة تَأْكِيد للأولى. هَذَا كَلَامه. وَقَوله: أَصَابَهُم الحما بِكَسْر الْحَاء أَصله: الْحمام وَهُوَ الْمَوْت حذف مِنْهُ الْمِيم للضَّرُورَة وَهِي مَا وَقع فِي الشّعْر وَإِن كَانَ عَنهُ مندوحة. وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح فِي تَفْسِير الضَّرُورَة فَلَا يرد قَول ابْن الملا: وَلَك أَن تَقول: أَيْن الضَّرُورَة وَهُوَ مُتَمَكن من أَن يَقُول:

أَصَابَهُم الْحمام فهم عواف بِسُكُون الْمِيم من غير وصل على الأَصْل.) وعواف: جمع عاف شذوذاً أَو جمع عَافِيَة بِمَعْنى جمَاعَة عَافِيَة من عَفا الْقَوْم بِمَعْنى كَثُرُوا. وَفِي التَّنْزِيل: حَتَّى عفوا. - قَالَ صَاحب الْمِصْبَاح: أَي كَثُرُوا. وَعَفا النبت وَالشعر وَغَيره يعْفُو فَهُوَ عاف: كثر وَطَالَ. وَفِي حَدِيث مُصعب بن عُمَيْر: إِنَّه غُلَام عاف أَي: وافي اللَّحْم كَثِيره. وَجُمْلَة: وهم عواف: حَالية. وَلم يتَنَبَّه ابْن الملا لهَذَا الْمَعْنى وَظن انه من عَفا الْمنزل بِمَعْنى درس ففسره بالرمم البالية وشطب الْوَاو بقلمه وَنزل فَاء على هم وَجعلهَا فهم عواف. وَهَذَا غير جَائِز فِي تَفْسِير الرِّوَايَة على حسب المُرَاد وَضمير جمع الْمُذكر فِي جَمِيع الْمَوَاضِع لبني أَسد وَالنُّون فِي كن ضمير النِّسَاء الغربيات. وَقَوله: تعساً لهنه دُعَاء عَلَيْهِنَّ وَمَعْنَاهُ: أتعسهن الله. قَالَ صَاحب الْمِصْبَاح: التعس: مصدر تعس تعساً من بَاب نفع: أكب على وَجهه فَهُوَ تاعس. وتعس تعساً من بَاب تَعب لُغَة فَهُوَ تعس مثل تَعب. وتتعدى هَذِه بالحركة وبالهمزة فَيُقَال: تعسه الله بِالْفَتْح وأتعسه. وَفِي الدُّعَاء: تعساً لَهُ وتعس وانتكس. فالتعس: أَن يخر لوجهه. والنكس: أَن لَا يسْتَقلّ بعد سقطته حَتَّى يسْقط ثَانِيَة وَهِي أَشد من الأولى. وَاللَّام فِي لهنه مَبْنِيَّة للْمَفْعُول مثل سقيا لزيد وَالْهَاء للسكت. - وَرُوِيَ أَيْضا:

فنحساً خبر كن وَهُوَ ضد السعد. ولعنه بِالْبِنَاءِ للْمَجْهُول من اللَّعْن وَالْهَاء للسكت وَالْجُمْلَة دُعَاء عَلَيْهِنَّ. وَقَوله: فَجئْت قُبُورهم بدءاً ... إِلَخ البدء بِفَتْح الْمُوَحدَة وَسُكُون الدَّال بعْدهَا همزَة: السَّيِّد والشاب الْعَاقِل. ومجزوم لما مَحْذُوف. قَالَ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي: الْخَامِس أَي: من الْأُمُور الَّتِي تفارق لما فِيهَا لم: أَن منفي لما جَائِز الْحَذف لدَلِيل كَقَوْلِه: فَجئْت قُبُورهم بدءاً وَلما أَي: وَلما أكن بدءاً قبل ذَلِك أَي: سيداً وَلَا يجوز وصلت إِلَى بَغْدَاد وَلم تُرِيدُ: وَلم أدخلها.) انْتهى. وَقَوله: وَكَيف تجيب أصداء ... إِلَخ هَذَا استبعاد مِنْهُ لإجابة الْقُبُور لَهُ. وصحف ابْن الملا هَاتين الْكَلِمَتَيْنِ فَكتب بِخَطِّهِ: وَكنت بدل كَيفَ وبحيث بدل تجيب. وَيَنْبَغِي أَن يسْأَل مِنْهُ مَا هَذِه الْحَيْثِيَّة والأصداء: جمع صدىً بِالْقصرِ وَهُوَ ذكر البوم يسكن الْقُبُور. وَكَذَلِكَ الْهَام وَهُوَ جمع هَامة وَهُوَ من طير اللَّيْل. وَقَوله: وأبدان بدرن رُوِيَ أَيْضا: وأجسام بدرن بِضَم الْبَاء وَكسر الدَّال أَي: طعن فِي بوادرهم وَقَوله: وَمَا نخرنه من نخر الْعظم نخراً من بَاب تَعب إِذا بلي وتفتت. وَالنُّون: ضمير الْأَبدَان أَو الْأَجْسَام على اخْتِلَاف الرِّوَايَة. وَالْهَاء للسكت. وَأنْشد بعده: فأقسم لَو شَيْء أَتَانَا رَسُوله

(الشاهد الثالث والعشرون بعد الثمانمائة)

تقدم شَرحه قَرِيبا. وَأنْشد بعده (الشَّاهِد الثَّالِث وَالْعشْرُونَ بعد الثَّمَانمِائَة) ورث السِّيَادَة كَابِرًا عَن كَابر على أَن تَقْدِيره: كَابِرًا متجاوزاً فِي الْفضل كَابِرًا عَن كَابر آخر. وَقَالَ بَعضهم: أَي بعد كَابر. وَالْأولَى إبْقَاء الْحُرُوف على مَعْنَاهَا مَا أمكن. وَذكر متجاوزاً للْإِشَارَة إِلَى أَن عَن مُتَعَلقَة بِمَحْذُوف لَا بكابر لما يَأْتِي. وَأَشَارَ بِذكر الْفضل إِلَى أَن تجَاوز أَحدهمَا عَن الآخر إِنَّمَا هُوَ بِالْفَضْلِ فأحدهما أفضل من الآخر وهم متشاركون فِي الْفضل. وَلَا يخفى أَنه لَيْسَ الْمَعْنى على التَّفْضِيل وَإِنَّمَا الْمَعْنى تساويهم فِي الْفَضَائِل وتناسقهم فِيهَا وَاحِدًا بعد وَاحِد كَقَوْل البحتري: (شرف تتَابع كَابِرًا عَن كَابر ... كالرمح أنبوباً على أنبوب) (وأماتنا أكْرم بِهن عجائزاً ... ورثن الْعلَا عَن كَابر بعد كَابر)

وَأنْشد أَبُو تَمام فِي الحماسة: (بَقِيَّة قدر من قدور تورثت ... لآل الجلاح كَابِرًا بعد كَابر) وَكَذَا قَول حسان بن ثَابت: ورثت الفعال وبذل التلا د وَالْمجد عَن كَابر كَابر وَالْمعْنَى عَن كَابر بعد كَابر كَقَوْلِهِم: تعلمت الْحساب بَابا بَابا وَمَعْنَاهُ: بَابا بعد بَاب. وَإِلَى مَا) قُلْنَا ذهب ابْن جني فِي إِعْرَاب الحماسة قَالَ عِنْد بَيت الحماسة: هَذَا الْبَيْت يُسْتَفَاد مِنْهُ أَن عَن فِي قَول الْأَعْشَى: (سَاد وألفى قومه سادةً ... وكابراً سادوك عَن كَابر) لَيست مُتَعَلقَة بِنَفس كَابر على حد قَوْلك: كَبرت عَنهُ أَي: ارْتَفَعت عَنهُ وَإِنَّمَا هِيَ: بِمَعْنى كَابر بعد كَابر. أَلا ترَاهُ قد ظهر فِي بَيت النَّابِغَة كَابِرًا بعد كَابر. ف عَن فِي قَول الْأَعْشَى كعن فِي قَوْله تَعَالَى: لتركبن طبقًا عَن طبق أَي: بعد طبق. وَهُوَ كَقَوْل الكافة فِي مخاطباتهم: فعلت ذَلِك عوداً عَن بَدْء أَي: بعد بَدْء. وَلَو كَانَت عَن مُتَعَلقَة بِنَفس كَابر لَكَانَ فِي ذَلِك تشنع على الْقَوْم لَا تمدح لَهُم وَذَلِكَ إِذا كبر بَعضهم عَن بعض فَكَانَ ذَلِك غضاً من

الْمَفْضُول. وَإِنَّمَا يَنْبَغِي أَن يُقَال: إِنَّهُم متتابعو الشّرف متشابهو الْفضل. وَهَذَا كَقَوْل الآخر: (من تلق مِنْهُم تقل لاقيت سيدهم ... مثل النُّجُوم الَّتِي يسري بهَا الساري) انْتهى كَلَامه. وَلَا فرق بَين أَن تعلق عَن بكابر أَو بمتجاوز بَاقِيَة على أَصْلهَا فَإِنَّهُ يلْزم التَّفْضِيل فِي كل مِنْهُمَا. وكابر اخْتلف فِي مَعْنَاهُ على ثَلَاثَة أَقْوَال: أَحدهَا: أَنه بِمَعْنى كَبِير قَالَه صَاحب الصِّحَاح وَابْن الشجري وَغَيرهمَا وَهُوَ الْمَشْهُور. ثَانِيهمَا: أَنه اسْم جمع. قَالَ ابْن جني وَمثله للمرزوقي: قَالَ أَبُو عَليّ: كَابر هُنَا لَيْسَ باسم الْفَاعِل كقائم وقاعد لكنه من أَسمَاء الْجمع بِمَنْزِلَة الجامل والباقر والسامر فَكَأَنَّهُ قَالَ: وكبراء سادوك بعد كبراء. فَعَن مُتَعَلقَة بِمَحْذُوف هُوَ فِي الأَصْل صفة لكبراء مثلهمَا فِي قَوْله: لآل الجلاح كَابِرًا بعد كَابر أَي: لآل الجلاح مُتَتَابعين فِي الْفضل متشابهين فِي السودد. انْتهى. ثَالِثهَا: أَنه للمغالبة. قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ فِي الأساس: إِنَّه من كابرته فكبرته أَي: غلبته فِي الْكبر فَأَنا كَابر. انْتهى.

وكابر مَنْصُوب بِنَزْع الْخَافِض وَالتَّقْدِير: من كَابر لِأَن ورث يتَعَدَّى إِلَى مفعول وَاحِد وَهُوَ الْمَوْرُوث مِنْهُ وَتَأْتِي بالموروث بعده بدل اشْتِمَال تَقول: ورثت أبي مَاله ومالاً مِنْهُ. فَإِن عديته إِلَى الْمَوْرُوث جِئْت بالموروث مِنْهُ مجروراً بِمن أَو عَن تَقول: ورثت المَال من أبي ومالاً عَن) أبي. قَالَ صَاحب الصِّحَاح: ورثت أبي وورثت الشَّيْء من أبي. وَمِثَال عَن مَا أنْشدهُ أَبُو حنيفَة: ورثن الْعلَا عَن كَابر بعد كَابر وَقَول حسان الْمُتَقَدّم. وَكَذَلِكَ من محذوفة من قَوْله: لآل الجلاح كَابِرًا بعد كَابر وَكَذَا تقدر من فِي قَوْله: شرف تتَابع كَابِرًا عَن كَابر وتتابع غير مُتَعَدٍّ وَالْمعْنَى على من. وَكَذَا الْحَال فِي بَيت الْأَعْشَى. وَمِمَّا قَررنَا يضمحل مَا تكلفه جمَاعَة من أَنه مَنْصُوب على الْحَال. ثمَّ اخْتلفُوا فَمنهمْ من قَالَ: كَابِرًا عَن كَابر: جملَة حَالية نصب صدرها كَمَا فِي قَوْلهم: كَلمته فَاه إِلَى فِي وَأورد قَول الشَّاعِر: (فتذاكروا آخرا عَن أول ... وتوارثوها كَابِرًا عَن كَابر) وَمِنْهُم من قَالَ: كَابِرًا مُفْرد وَقع حَالا أَي: ورثوه كابرين أَو صاغرين وأفرد لكَونه بِمَعْنى جمعا كَابِرًا.

قَالَ السَّيِّد فِي حَاشِيَة الْكَشَّاف: وَفِيه أَن هَذِه الْعبارَة كَمَا لَا تخْتَلف جمعا وإفراداً لَا تخْتَلف تأنيثاً وتثنية. انْتهى. وَلَا يخفى إِن الحالية لَا تتمشى فِي كل مَوضِع وَلَيْسَ فِي هَذِه الأبيات مَا هُوَ حَال. ومنشأ هَذَا التَّكَلُّف ظن أَن كَابِرًا الأول: هُوَ الْوَارِث وَالثَّانِي: هُوَ الْمَوْرُوث مِنْهُ. وَلَيْسَ كَذَلِك وَإِنَّمَا الأول هُوَ الْمَوْرُوث مِنْهُ. وَهَذَا المصراع من شعر كَعْب بن زُهَيْر إِلَّا أَنه بضمير جمع. وَالشَّارِح الْمُحَقق أوردهُ لَا على أَنه شعر وَلذَا قَالَ: وَكَذَا قَوْلهم. وَقد ورد فِي شعر الفرزدق مَا مثل بِهِ إِلَّا أَن فِيهِ المكارم بدل السِّيَادَة وَهُوَ: (كم من أَب لي يَا جرير كَأَنَّهُ ... قمر المجرة أَو سراج نَهَار) (ورث المكارم كَابِرًا عَن كَابر ... ضخم الدسيعة كل يَوْم فخار) وَأما شعر كَعْب بن زُهَيْر فَهُوَ من قصيدة مدح بهَا الْأَنْصَار رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم وَهِي ثَلَاثُونَ بَيْتا مدحهم فِي ثَمَانِيَة عشر بَيْتا مِنْهَا. وسببها أَن كَعْبًا لما مدح النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بقصيدة) بَانَتْ سعاد أطرى فِيهَا بمدح الْمُهَاجِرين رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم وَعرض فِي آخرهَا بِذكر الْأَنْصَار بِأَنَّهُم سود صغَار القامات لَا يثبتون فِي الحروب فَغَضب الْأَنْصَار فمدحهم بهَا. - قَالَ ابْن هِشَام فِي السِّيرَة: وَيُقَال إِن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قَالَ لَهُ بعد إنشاد القصيدة: لَوْلَا ذكرت الْأَنْصَار بِخَير فَإِن الْأَنْصَار لذَلِك أهل.

وَهَذِه بيات من أَولهَا على رِوَايَة شَارِح ديوانه: (من سره كرم الْحَيَاة فَلَا يزل ... فِي مقنب من صالحي الْأَنْصَار) (ورثوا السِّيَادَة كَابِرًا عَن كَابر ... إِن الْخِيَار هم بَنو الأخيار) (المكرهين السمهري بأذرع ... كسوافل الْهِنْدِيّ غير قصار) (والناظرين بأعين محمرة ... كالجمر غير كليلة الإبصار) (والذائدين النَّاس عَن أديانهم ... بالمشرفي وبالقنا الخطار) (والباذلين نُفُوسهم لنبيهم ... يَوْم الْهياج وقبة الْجَبَّار) (يتطهرون كَأَنَّهُ نسك لَهُم ... بدماء من عَلقُوا من الْكفَّار) والمقنب بِكَسْر الْمِيم: مَا بَين الثَّلَاثِينَ إِلَى الْأَرْبَعين. قَالَ شَارِح ديوانه: السِّيَادَة: مصدر سَاد يسود سُودًا وسيادة. وَالْمَشْهُور فِي مصدره السِّيَادَة. والسود مصدر غَرِيب. وَأما السودد بدالين فقد قَالَ صَاحب الْمِصْبَاح: سَاد يسود سيادة وَالِاسْم السودد وَهُوَ الْمجد والشرف. وَقَالَ أَيْضا: ورثوا الْمجد كَابِرًا عَن كَابر أَي: كَبِيرا شريفاً عَن كَبِير شرِيف. وَقَالَ المرزوقي فِي شرح الحماسة: لم يُوجد كَابر بِمَعْنى كَبِير إِلَّا فِي

هَذَا الْمَكَان. وَقَالَ: أَبُو عَليّ يَقُول: كَابر لَيْسَ باسم فَاعل إِنَّمَا هُوَ صِيغَة للْجمع كالباقر. وَالْمرَاد كبراء بعد كبراء. والسمهري: الرمْح قَالَ شَارِح ديوانه: الْهياج: الْحَرْب وَأَصله الْحَرَكَة فِي الشَّرّ. - وَقَوله: وقبة الْجَبَّار أَرَادَ بَيت الله الْحَرَام. وَقَالَ أَبُو عَمْرو: الْوَاو للقسم. وَالْمَشْهُور فِي هَذَا المصراع: (الباذلين نُفُوسهم لنبيهم ... يَوْم اللقا بتعانق وكرار) وَهِي رِوَايَة ابْن هِشَام. وترجمة كَعْب بن زُهَيْر تقدّمت فِي الشَّاهِد الرَّابِع عشر بعد السبعمائة. وَأنْشد بعده:) (لاه ابْن عمك لَا أفضلت فِي حسب ... عني وَلَا أَنْت دياني فتخزوني) على أَن أفضلت ضمن معنى تجاوزت فِي الْفضل فَلهَذَا تعدى بعن وَلَوْلَا التَّضْمِين لقَالَ: أفضلت عَليّ من قَوْلهم: أفضلت على الرجل إِذا أوليته فضلا. وَأفضل هَذِه تتعدى بعلى لِأَنَّهَا بِمَعْنى الإنعام أَو أَنه من قَوْلهم: أعْطى

(الشاهد الرابع والعشرون بعد الثمانمائة)

وَأفضل إِذا زَاد على الْوَاجِب. وَأفضل هَذِه أَيْضا تتعدى بعلى يُقَال: أفضل على كَذَا أَي: زَاد عَلَيْهِ فضلَة. وَمرَاده من ذكر التَّضْمِين أَن عَن لَيست بِمَعْنى على خلافًا لِابْنِ السّكيت وَلابْن قُتَيْبَة وَمن تبعهما فَإِنَّهُم قَالُوا: عَن نائبة عَن على. وَالْأولَى أَن يكون أفضل من قَوْلهم: أفضل الرجل إِذا صَار ذَا فضل فِي نَفسه فَيكون مَعْنَاهُ: لَيْسَ لَك فضل تنفرد بِهِ عني وتحوزه دوني. فَيكون لتَضَمّنه معنى الِانْفِرَاد تعدى بعن. فَتَأمل. وَالديَّان: الْقيم بِالْأَمر الْمجَازِي بِهِ. وتخزوني: تسوسني سياسة. يَقُول: لله ابْن عمك الَّذِي ساواك فِي الْحسب وماثلك فِي الشّرف فَلَيْسَ لَك فضل تنفرد بِهِ عَنهُ وَلَا أَنْت مَالك أمره فتتصرف بِهِ على حكمك. وَمرَاده بِابْن الْعم نَفسه فَلذَلِك رد الْإِخْبَار بِلَفْظ الْمُتَكَلّم. وَقد تقدم شَرحه بِمَا لَا مزِيد عَلَيْهِ فِي الشَّاهِد الثَّالِث وَالْعِشْرين بعد الْخَمْسمِائَةِ. وَأنْشد بعده (الشَّاهِد الرَّابِع وَالْعشْرُونَ بعد الثَّمَانمِائَة) تَمَامه: ... ... ... ... . . وتتقي بناظرة من وَحش وجرة مطفل على أَن تبدي ضمن معنى تكشف فِي تعديته إِلَى الْمَفْعُول الثَّانِي ب عَن وَأما الْمَفْعُول الأول فَهُوَ مَحْذُوف كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ الشَّارِح الْمُحَقق.

وَإِنَّمَا احْتَاجَ إِلَى التَّضْمِين لِأَن تبدي فعل مُتَعَدٍّ بِنَفسِهِ إِلَى مفعول وَاحِد تَقول: أبداه إبداء أَي: أظهره إِظْهَارًا. فلولا التَّضْمِين لكَانَتْ عَن إِمَّا زَائِدَة بِالنِّسْبَةِ إِلَى تبدي وَإِمَّا بِمَعْنى الْبَاء بِالنِّسْبَةِ إِلَى تصد فَإِنَّهُ يُقَال: صد عَنهُ بِكَذَا وَكِلَاهُمَا خلاف الأَصْل. وَتكشف أَيْضا مُتَعَدٍّ بِنَفسِهِ إِلَى مفعول وَاحِد تَقول: كشفته أَي: أظهرته وأوضحته. وَحَقِيقَة الْكَشْف رفع السَّاتِر والحجاب. وَيَتَعَدَّى إِلَى الْمَفْعُول الثَّانِي ب عَن. وَهَذَا الْبَيْت من بَاب التَّنَازُع. وأعمل ابْن قُتَيْبَة الأول على مذْهبه فعلق عَن أسيل بتصد وَجعل عَن نائبة عَن الْبَاء لِأَن صد إِنَّمَا يتَعَدَّى بِالْبَاء تَقول: صد بِوَجْهِهِ عني. وَيرد عَلَيْهِ أَنه يلْزمه أَن يُقَال: تصد وتبدي عَنهُ عَن أسيل لِأَنَّهُ إِذا أعمل الأول فِي الْمَفْعُول أضمر للثَّانِي على الْمُخْتَار بِاتِّفَاق من الْبَصرِيين والكوفيين. فَحذف مَعْمُول الثَّانِي خلاف الْمُخْتَار. فعلى قَوْله فِيهِ إنابة حرف مَكَان حرف وَحذف على غير الْمُخْتَار. وَالشَّارِح الْمُحَقق لما رأى وُرُود هذَيْن الْأَمريْنِ عدل إِلَى إِعْمَال الثَّانِي على مَذْهَب الْبَصرِيين بتضمينه معنى مَا ذكر فَفِيهِ مُخَالفَة للْأَصْل من وَجه وَاحِد وَهُوَ أسهل من مُخَالفَته من وَجْهَيْن. والجيد أَن يكون أبدى هُنَا لَازِما يتَعَدَّى بعن كَمَا قَالَ ابْن السَّيِّد فِي شرح أَبْيَات أدب الْكَاتِب إِن أبدى يعدى بعن قَالَ: لِأَنَّك تَقول: أبديت عَن الشَّيْء كَمَا قَالَ سحيم يصف ثوراً يحْفر فِي أصل شَجَرَة كناساً لَهُ: (يثير ويبدي عَن عروق كَأَنَّهَا ... أَعِنَّة خراز جَدِيدا وباليا) وَحِينَئِذٍ لَا تضمين فَيكون عَن على بَابه. وَيُؤَيِّدهُ مَا فِي أَفعَال ابْن القطاع قَالَ: بدا الشَّيْء بدواً وَأبْدى: ظهر. انْتهى.

فَيكون أبدى جَاءَ مُتَعَدِّيا ولازماً. وَهَذَا الْبَيْت من معلقَة امْرِئ الْقَيْس وَبعده: (وجيد كجيد الريم لَيْسَ بفاحش ... إِذا هِيَ نضته وَلَا بمعطل)) (وَفرع يزين الْمَتْن أسود فَاحم ... أثيث كقنو النَّخْلَة المتعثكل) (غدائره مستشزرات إِلَى الْعلَا ... يضل العقاص فِي مثنى ومرسل) (وكشح لطيف كالجديل مخصر ... وسَاق كأنبوب السَّقْي الْمُذَلل) قَوْله: تصد وتبدي ... إِلَخ الصد: الْإِعْرَاض. والأسيل: الخد المتطامن المستوي. والأسالة: وَرُوِيَ أَيْضا: عَن شتيت. قَالَ شرَّاح المعلقات: الشتيت: المتفرق وَتَقْدِيره عَن ثغر شتيت. وَلم يفصحوا عَن المُرَاد وَالْمعْنَى عَن ثغر مفلج وَهُوَ أَن تكون الْأَسْنَان متباعدة غير متلاصقة. - يُرِيد: تظهر أسنانها بالتبسم بعد أَن تعرض عَنَّا استحياء. والاتقاء: الحجز بَين الشَّيْئَيْنِ يُقَال: اتقيته بترس أَي: صيرت الترس حاجزاً بيني وَبَينه. قَالَ ابْن السَّيِّد: والناظرة فِيهَا قَولَانِ: قيل: أَرَادَ الْعين وَقيل: أَرَادَ بقرة ناظرة وَفِيه مُضَاف مَحْذُوف أَي: بِعَين بقرة ناظرة فَحذف الْمُضَاف وَأقَام الْمُضَاف إِلَيْهِ مقَامه ثمَّ حذفه وَأقَام صفته مقَامه. وَيجوز أَن يُرِيد: وتتقي من نَفسهَا ببقرة ناظرة فَيكون كَقَوْلِك: لقِيت يزِيد الْأسد أَي: لَقيته فَكَأَنِّي لقِيت الْأسد فَفِي هَذَا الْوَجْه حذف مَوْصُوف لَا غير وَفِي الأول حذف مَوْصُوف ومضاف. والوحش واحده وَحشِي مثل: زنج وزنجي. وجرة بِفَتْح الْوَاو وَسُكُون الْجِيم قَالَ أَبُو عبيد فِي مُعْجم مَا استعجم: قَالَ الْأَصْمَعِي: هُوَ

مَوضِع بَين مَكَّة وَالْبَصْرَة على ثَلَاث مراحل من مَكَّة طولهَا أَرْبَعُونَ ميلًا لَيْسَ فِيهَا منزل فَهِيَ مأوى الوحوش. وَقَالَ الطوسي: وجرة فِي طرف السي وَهِي فلاة بَين مران وَذَات عرق وَهِي ثَلَاثُونَ ميلًا يجْتَمع وَقَالَ عمَارَة بن عقيل: السي: مَا بَين ذَات عرق إِلَى وجرة على ثَلَاث مراحل من مَكَّة إِلَى الْبَصْرَة. وَزعم عمَارَة أَن وجرة مَاء لبني سليم على ثَلَاث مراحل من مَكَّة. وَقَالَ ابْن حبيب: وجرة من سَائِر وَسَائِر قريب من عين ملل. وَقَالَ غَيره: وجرة بِإِزَاءِ غمرة عَلَيْهَا طَرِيق حجاج الْكُوفَة وَالْبَصْرَة. انْتهى بِاخْتِصَار. وَقَالَ ابْن السَّيِّد: وجرة: فلاة تألفها الوحوش وخصها بِالذكر لِأَنَّهَا قَليلَة المَاء فوحشها يجتزئ بالنبات الْأَخْضَر عَن شرب المَاء فتضمر بطونها ويشتد عدوها.) ومطفل: ذَات طِفْل وَخص المطفل لِأَنَّهَا تحنو على وَلَدهَا وتخشى عَلَيْهِ القناص وَالسِّبَاع فتكثر التلفت والتشوف فَذَلِك أحسن لَهَا فِي المنظر وَأَصَح فِي تَشْبِيه الْمَرْأَة بهَا لِأَنَّهُ أَرَادَ أَنَّهَا حذرة من الرقباء فَهِيَ متشوفة كتشوف هَذِه الْبَقَرَة. - وَمن جعل الناظرة الْبَقَرَة كَانَ مطفل صفة لَهَا وَمن جعل الناظرة الْعين جعل مطفلاً بَدَلا من ناظرة على تَقْدِير مُضَاف أَي: وتتقي بناظرة ناظرة مطفل. وَهُوَ بدل كل من كل. وَذهب ابْن كيسَان إِلَى أَنه أَرَادَ بناظرة مطفل بِالْإِضَافَة فَلَمَّا فصل بَين الْمُضَاف والمضاف إِلَيْهِ رد التَّنْوِين الَّذِي كَانَ سقط للإضافة كَقَوْلِه: وَهَذَا لقَوْل خطأ لَا يلْتَفت إِلَيْهِ لِأَن الْعَرَب إِذا فصلت بَينهمَا لم تنون.

وَقَوله: من وَحش وجرة صفة لناظرة. فَإِن كَانَت بِمَعْنى الْبَقَرَة فَفِيهِ حذف مَوْصُوف أَي: ببقرة ناظرة كائنة من وَحش وجرة. وَإِن كَانَت بِمَعْنى الْعين فَفِيهِ مُضَاف مَحْذُوف أَي: من نواظر وَحش وجرة. ومطفل جَاءَ على النّسَب. وَقَالَ الْفراء: لم يقل مطفلة لِأَن هَذَا لَا يكون إِلَّا للنِّسَاء فَهُوَ مثل حَائِض. وَالدَّلِيل على صِحَة قَول سِيبَوَيْهٍ أَنه يُقَال: مطفلة إِذا أردْت أَن تَأتي بِهِ على أطفلت فَهِيَ مطفلة. وَلَو كَانَ مَا يَقع للمؤنث لَا يشركهُ فِيهِ الْمُذكر لَا يحْتَاج فِيهِ إِلَى الْهَاء مَا جَازَ مطفلة. قَالَ تَعَالَى: تذهل كل مُرْضِعَة عَمَّا أرضعت. وَقَالَ الإِمَام الباقلاني فِي إعجاز الْقُرْآن عِنْد معايب هَذِه الْمُعَلقَة: قَوْله: تصد وتبدي عَن أسيل إِنَّمَا يُرِيد خداً لَيْسَ بكز. وَهَذَا متفاوت لِأَن الْكَشْف عَن الْوَجْه مَعَ الْوَصْل دون الصد. - وَقَوله: تتقي بناظرة لَفْظَة مليحة يُقَال: اتَّقَاهُ بِحقِّهِ أَي: جعله بَينه وَبَينه. وَقد أوحشها بقوله: من وَحش وجرة وَكَانَ سَبيله أَن يضيف إِلَى عُيُون الظباء والمها دون إِطْلَاق الْوَحْش فَفِيهِ مَا وَحَاصِل الْمَعْنى: أَنَّهَا تعرض عَنَّا فتظهر فِي إعراضها خدأ أسيلاً وتستقبلنا بِعَين مثل عُيُون ظباء وجرة أَو مهاها الَّتِي لَهَا أَطْفَال. وخصهن لنظرهن إِلَى أَوْلَادهنَّ بالْعَطْف والشفقة. وَهن أحسن عيُونا فِي تِلْكَ الْحَال مِنْهُنَّ فِي سَائِر الْأَحْوَال. وَقَوله: وجيد كجيد الريم مَعْطُوف على أسيل. والجيد: الْعُنُق. والريم: الظبي الْأَبْيَض. ونضته:) رفعته ونصبته. وَقَالَ العسكري فِي

التَّصْحِيف: رَوَاهُ الْأَصْمَعِي: نصته بالصَّاد الْمُهْملَة مُشَدّدَة أَي: رفعته وَبِه سمي المنصة. وَرِوَايَة غَيره: نضته بالضاد الْمُعْجَمَة مُخَفّفَة وَمَعْنَاهُ أبرزته وكشفته. وَفِي بَيته الآخر: (فَجئْت وَقد نضت لنوم ثِيَابهَا ... لَدَى السّتْر إِلَّا لبسة المتفضل) نضت: خلعت ونزعت. ونضا سَيْفه إِذا سَله من غمده. ونضا خضابه ينضو. انْتهى. وَقَوله: وَلَا بمعطل أَي: من الْحلِيّ. يُقَال: جيد عطل بِضَمَّتَيْنِ ومعطل أَي: خَال من الْحلِيّ. وَإِذا ظرف لفاحش أَي: لَيْسَ بكريه المنظر. - قَالَ الباقلاني: لَيْسَ بفاحش فِي مدح الْأَعْنَاق كَلَام فَاحش مَوْضُوع وَإِذا نظرت فِي أشعار الْعَرَب رَأَيْت فِي وصف الْأَعْنَاق مَا يشبه السحر. يَقُول: وتبدي عَن عنق كعنق الظبي غير متجاوز قدره الْمَحْمُود إِذا رفعت عُنُقهَا وَهُوَ غير معطل عَن الْحلِيّ. فَشبه عُنُقهَا بعنق الظبية فِي حَال رَفعهَا عُنُقهَا. وَذكر أَنه لَا يشبه عنق الظبية فِي التعطل عَن الْحلِيّ. وَقَوله: وَفرع يزين الْمَتْن ... إِلَخ هَذَا مَعْطُوف أَيْضا على أسيل. وَالْفرع: الشّعْر التَّام. والمتن والمتنة: مَا عَن يَمِين الصلب وشماله من العصب وَاللَّحم. والفاحم: الشَّديد السوَاد كَأَنَّهُ لون الفحم. والأثيث: الْكثير النبت. والقنو بِكَسْر الْقَاف وَضمّهَا وَهُوَ العذق بِالْكَسْرِ. والمتعثكل: الَّذِي قد دخل بعضه فِي بعض لكثرته من العثكال والعثكول وَهُوَ الشمراخ. وَقيل المتعثكل: المتدلي. يَقُول: وتبدي عَن شعر طَوِيل تَامّ يزين ظهرهَا إِذا أَرْسلتهُ عَلَيْهِ.

وَقَوله: غدائره مستشزرات إِلَى الْعلَا الغدائر: الذوائب جمع غديرة. وَالضَّمِير رَاجع للفرع. قَالَ الزوزني: الاستشزار: الرّفْع والارتفاع جَمِيعًا فَيكون الْفِعْل مِنْهُ تَارَة لَازِما وَتارَة مُتَعَدِّيا. فَمن روى بِكَسْر الزَّاي جعله من اللَّازِم وَمن روى بِفَتْحِهَا جعله من الْمُتَعَدِّي. وجمله غدائره مستشزرات صفة أُخْرَى لفرع. قَالَ التبريزي: وأصل الشزر الفتل على غير جِهَة. وَقَوله: إِلَى الْعلَا يُرِيد بِهِ شدها على الرَّأْس بخيوط. والعقاص: جمع عقيصة وَهُوَ مَا جمع من) - الشّعْر فَفَتَلَ تَحت الذوائب وَهِي مشطة مَعْرُوفَة يرسلون فِيهَا بعض الشّعْر ويثنون بعضه. فَالَّذِي فتل بعضه على بعض هُوَ الْمثنى. والمرسل: المسرح غير مفتول فَذَلِك قَوْله فِي مثنى ومرسل. ويروى: يضل العقاص بِالْيَاءِ التَّحْتِيَّة على أَن العقاص وَاحِد. قَالَ ابْن كيسَان: هُوَ المدرى فَكَأَنَّهُ يسْتَتر فِي الشّعْر لكثرته. ويروى: تضل المداري أَي: من كَثَافَة شعرهَا. والمدرى مثل الشَّوْكَة يصلح بهَا شعر الْمَرْأَة. وَهَذَا الْبَيْت اسْتشْهد بِهِ صَاحب تَلْخِيص الْمعَانِي على أَن فِي مستشزرات تنافراً لثقلها على اللِّسَان وعسر النُّطْق بهَا. وَقَوله: وكشح لطيف ... إِلَخ هَذَا أَيْضا مَعْطُوف على أسيل. والكشح: الخصر وَأَرَادَ باللطيف الصَّغِير الْحسن. وَالْعرب إِذا وصفت الشَّيْء بالْحسنِ جعلته لطيفاً. والجديل: زِمَام يتَّخذ من السيور فَيَجِيء حسنا لينًا يتثنى وَهُوَ مُشْتَقّ من الجدل وَهُوَ شدَّة الْخلق. والمخصر: الدَّقِيق. وسَاق أَيْضا مَعْطُوف على أسيل. والأنبوب: البردي. والسقي: النّخل المسقي. والمذلل فِيهِ أَقْوَال: وَقيل: هُوَ الَّذِي يفيئه أدنى الرِّيَاح لنعومته. وَقيل: الَّذِي قد عطف ثمره ليجتنى. وَقيل:

(الشاهد الخامس والعشرون بعد الثمانمائة)

المَاء الَّذِي قد خاضه النَّاس. شبه سَاقهَا ببردي قد نبت تَحت نخل فالنخل يظله من الشَّمْس وَذَلِكَ أحسن مَا يكون مِنْهُ. قَالَ الزوزني: وتبدي عَن كشح ضامر يَحْكِي فِي دقته زماماً من الْأدم وَعَن سَاق يَحْكِي صفاء لون أنابيب بردي بَين نخل قد ذللت بِكَثْرَة الْحمل. - شبه ضمر بَطنهَا بالزمام وَشبه صفاء لون سَاقهَا ببردي بَين نخيل يظله أَغْصَانهَا ليَكُون أصفى لوناً وأنقى رونقاً. وَمِنْهُم من يَجْعَل السَّقْي نعتاً للبردي أَيْضا وَالْمعْنَى كأنبوب البردي المسقي الْمُذَلل بالإرواء. وترجمة امْرِئ الْقَيْس تقدّمت فِي الشَّاهِد التَّاسِع وَالْأَرْبَعِينَ من أَوَائِل الْكتاب. وَأنْشد بعده (الشَّاهِد الْخَامِس وَالْعشْرُونَ بعد الثَّمَانمِائَة) إِذا رضيت عَليّ بَنو قُشَيْر على أَنه إِنَّمَا تعدى رَضِي ب على مَعَ أَنه يتَعَدَّى ب عَن لحمله على ضِدّه وَهُوَ سخط

فَإِنَّهُ وَهَذَا التَّوْجِيه للكسائي. قَالَ ابْن جني فِي الخصائص: وَمِمَّا جَاءَ من الْحُرُوف فِي مَوضِع غَيره على نَحْو مِمَّا ذكرنَا قَوْله: (إِذا رضيت عَليّ بَنو قُشَيْر ... لعمر الله أعجبني رِضَاهَا) أَرَادَ: عني وَجه ذَلِك أَنَّهَا إِذا رضيت عَنهُ: أحبته وَأَقْبَلت عَلَيْهِ وَلذَلِك اسْتعْمل على بِمَعْنى عَن. وَكَانَ أَبُو عَليّ يستحسن قَول الْكسَائي فِي هَذَا لِأَنَّهُ لما كَانَ رضيت ضد سخطت عدى رضيت ب على حملا للشَّيْء على نقيضه كَمَا يحمل على نَظِيره. وَقد سلك سِيبَوَيْهٍ هَذِه الطَّرِيق فِي المصادر كثيرا فَقَالَ: قَالُوا كَذَا كَمَا قَالُوا كَذَا وَأَحَدهمَا ضد الآخر. وَنَحْو مِنْهُ قَول الآخر: (إِذا مَا امْرُؤ ولى عَليّ بوده ... وَأدبر لم يصدر بإدباره ودي) أَي: ولى عني وَوَجهه انه إِذا ولى عَنهُ بوده فقد ضن عَلَيْهِ بِهِ وبخل فَأجرى التولي بالود مجْرى الضنانة وَالْبخل أَو مجْرى السخط لِأَنَّهُ توليه عَنهُ بوده لَا يكون إِلَّا عَن سخط عَلَيْهِ. وَأما قَول الآخر: (شدوا الْمطِي على دَلِيل دائب ... من أهل كاظمة بِسيف الأبحر) فَقَالُوا مَعْنَاهُ: بِدَلِيل. وَهُوَ عِنْدِي أَنا على حذف الْمُضَاف أَي: شدوا الْمطِي على دلَالَة دَلِيل فَحذف الْمُضَاف وَقَوي حذفه هُنَا شَيْئا لِأَن لفظ الدَّلِيل يدل على الدّلَالَة وَهُوَ كَقَوْلِك: سر على اسْم الله. - وعَلى هَذِه عِنْدِي حَال

من الضَّمِير فِي سر وشدوا وَلَيْسَت بِوَاصِلَةٍ لهذين الْفِعْلَيْنِ وَلكنهَا معلقَة بِمَحْذُوف حَتَّى كَأَنَّهُ قَالَ: سر مُعْتَمدًا على اسْم الله. فَفِي الظّرْف إِذن ضمير لتَعَلُّقه بالمحذوف. انْتهى. وَقد نقل ابْن الْأَنْبَارِي أَيْضا فِي مسَائِل الْخلاف هَذَا التَّوْجِيه عَن الْكسَائي. وَكَذَا ابْن هِشَام نَقله عَنهُ فِي الْمُغنِي وَقَالَ: وَيحْتَمل أَن يكون ضمن رَضِي معنى عطف.) وَقد عد هَذَا ابْن عُصْفُور من الضرائر الشعرية فَقَالَ: وَمِنْه إنابة حرف مَكَان حرف. أورد هَذَا الْبَيْت وَغَيره. وَلم أره لغيره. كَيفَ وَقد ورد فِي الْقُرْآن والْحَدِيث وَغَيرهمَا. وَغَايَة مَا قيل انه لَا يطرد فِي كل مَوضِع. وَقد أفرد لَهُ ابْن جني بَابا فِي الخصائص فَلَا بَأْس بإيراد شَيْء مِنْهُ. قَالَ فِي بَاب اسْتِعْمَال الْحُرُوف بَعْضهَا مَكَان بعض: هَذَا بَاب يتلقاه النَّاس مغسولاً وَمَا أبعد الصَّوَاب عَنهُ وَذَلِكَ أَنهم يَقُولُونَ: إِن إِلَى تكون بِمَعْنى مَعَ ويحتجون بقوله تَعَالَى: من أَنْصَارِي إِلَى الله. -

ولسنا ندفع أَن يكون ذَلِك كَمَا قَالُوا لَكنا نقُول: إِنَّه يكون بِمَعْنَاهُ فِي مَوضِع دون مَوضِع على حسب الْحَال الداعية إِلَيْهِ. فَأَما فِي كل مَوضِع فَلَا. أَلا ترى أَنَّك إِذا أخذت بِظَاهِر هَذَا القَوْل لزمك أَن تَقول عَلَيْهِ: سرت إِلَى زيد وَأَنت تُرِيدُ مَعَه وَأَن تَقول: زيد فِي الْفرس وَأَنت تُرِيدُ عَلَيْهِ وَزيد فِي عَمْرو وَأَنت تُرِيدُ عَلَيْهِ الْعَدَاوَة وَأَن تَقول: رويت الحَدِيث بزيد وَأَنت تُرِيدُ عَنهُ وَنَحْو ذَلِك مِمَّا يطول ويتفاحش وَلَكِن نضع فِي ذَلِك رسماً يعْمل عَلَيْهِ. اعْلَم أَن الْفِعْل إِذا كَانَ بِمَعْنى فعل آخر وَكَانَ أَحدهمَا يتَعَدَّى بِحرف وَالْآخر بآخر فَإِن الْعَرَب قد تتسع فتوقع أحد الحرفين موقع صَاحبه إِيذَانًا بِأَن هَذَا الْفِعْل فِي معنى ذَلِك الآخر فَلذَلِك جِيءَ مَعَه بالحرف الْمُعْتَاد مَعَ مَا هُوَ فِي مَعْنَاهُ وَذَلِكَ كَقَوْلِه تَعَالَى: أحل لكم لَيْلَة الصّيام الرَّفَث إِلَى نِسَائِكُم. وَأَنت لَا تَقول: رفثت إِلَى الْمَرْأَة وَإِنَّمَا تَقول: رفثت بهَا أَو مَعهَا لكنه لما كَانَ الرَّفَث هُنَا فِي معنى الْإِفْضَاء وَكنت تعدِي أفضيت بإلى جِئْت بإلى مَعَ الرَّفَث إِيذَانًا بِأَنَّهُ بِمَعْنَاهُ كَمَا صححوا عور وحول لما كَانَ فِي معنى اعور واحول وكما جاؤوا بِالْمَصْدَرِ فأجروه على غير فعله لما كَانَ فِي مَعْنَاهُ نَحْو قَوْله:

لما كَانَ التعاود أَن يعاود بَعضهم بَعْضًا. وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: من أَنْصَارِي إِلَى الله أَي: مَعَ الله. وَأَنت لَا تَقول: سرت إِلَى زيد أَي: مَعَه لكنه إِنَّمَا جَاءَ لما كَانَ مَعْنَاهُ: من ينضاف فِي نصرتي إِلَى الله إِلَى أَن قَالَ: وَوجدت فِي اللُّغَة من هَذَا الْفَنّ شَيْئا كثيراُ لَا يكَاد يحاط بِهِ وَلَعَلَّه لَو جمع أَكْثَره لجاء كتابا ضخماً. وَقد عرفت طَرِيقه فَإِذا مر بك شَيْء مِنْهُ فتقبله وَأنس بِهِ فَإِنَّهُ فصل من الْعَرَبيَّة لطيف حسن يَدْعُو إِلَى الْأنس بهَا والفقاهة فِيهَا.) وَفِيه أَيْضا مَوضِع يشْهد على من أنكر أَن يكون فِي اللُّغَة لفظان بِمَعْنى وَاحِد حَتَّى تكلّف لذَلِك أَن يُوجد فرقا بَين قعد وَجلسَ وذراع وساعد. أَلا ترى أَنه لما كَانَ رفث بِالْمَرْأَةِ بِمَعْنى أفْضى إِلَيْهَا جَازَ أَن يتبع الرَّفَث الْحَرْف الَّذِي بَابه الْإِفْضَاء وَهُوَ إِلَى. وَكَذَلِكَ لما كَانَ: هَل لَك فِي كَذَا. بِمَعْنى أَدْعُوك إِلَيْهِ جَازَ أَن يُقَال: هَل لَك إِلَى أَن تزكّى كَمَا يُقَال: أَدْعُوك إِلَى أَن تزكّى. انْتهى كَلَامه. وَقَالَ ابْن السَّيِّد البطليوسي فِي شرح أدب الْكَاتِب عِنْد بَاب دُخُول بعض الصِّفَات مَكَان بعض: هَذَا الْبَاب أجَازه أَكثر الْكُوفِيّين وَمنع مِنْهُ أَكثر الْبَصرِيين. وَفِي الْقَوْلَيْنِ جَمِيعًا نظر لِأَن من أجَازه دون شَرط لزمَه أَن يُجِيز: سرت إِلَى زيد وَهُوَ يُرِيد: مَعَ زيد.

ثمَّ مثل بِنَحْوِ مَا مثل بِهِ ابْن جني وَقَالَ: وَهَذِه الْمسَائِل لَا يجيزها من يُجِيز إِبْدَال الْحُرُوف. وَمن منع من ذَلِك على الْإِطْلَاق لزمَه أَن يتعسف فِي التَّأْوِيل لكثير مِمَّا ورد فِي هَذَا الْبَاب لِأَن فِي هَذَا الْبَاب أَشْيَاء كَثِيرَة يتَعَذَّر تَأْوِيلهَا على غير وَجه الْبَدَل وَلَا يُمكن المنكرين لهَذَا أَن يَقُولُوا: إِن هَذَا من ضَرُورَة الشّعْر. لِأَن هَذَا النَّوْع قد كثر وشاع وَلم يخص الشّعْر دون الْكَلَام. فَإِذا لم يَصح إنكارهم لَهُ وَكَانَ المجيزون لَهُ لَا يجيزونه فِي كل مَوضِع ثَبت بِهَذَا أَنه مَوْقُوف على السماع غير جَائِز الْقيَاس عَلَيْهِ وَوَجَب أَن يطْلب لَهُ وَجه من التَّأْوِيل يزِيل الشناعة عَنهُ وَيعرف كَيفَ المأخذ فِيمَا يرد مِنْهُ. وَلم أر فِيهِ للبصريين تَأْوِيلا أحسن من قَول ذكره ابْن جني فِي كتاب الخصائص وَأَنا أوردهُ فِي هَذَا الْموضع وأعضده بِمَا يشاكله من الِاحْتِجَاج. ثمَّ نقل كَلَام ابْن جني وَزَاد عَلَيْهِ أَمْثِلَة وَشَرحهَا وَأطَال الْكَلَام وأطاب. وَكَانَ يَنْبَغِي لنا أَن نذْكر هَذَا الْفَصْل عِنْد أول شَاهد من حُرُوف الْجَرّ لكننا مَا تذكرناه إِلَّا هُنَا. وَالْبَيْت من قصيدة للقحيف الْعقيلِيّ يمدح بهَا حَكِيم بن الْمسيب الْقشيرِي. وَبعده: (وَلَا تنبو سيوف بني قُشَيْر ... وَلَا تمْضِي الأسنة فِي صفاها) وَاقْتصر عَلَيْهِمَا أَبُو زيد فِي نوادره. وَمِنْهَا: (تنضيت القلاص إِلَى حَكِيم ... خوارج من تبَالَة أَو مناها) وأوردهما ابْن الْأَعرَابِي فِي نوادره.

وَقَوله: إِذا رضيت ... إِلَخ إِذا شَرْطِيَّة وجوابها: أعجبني رِضَاهَا وَاللَّام فِي: لعمر الله لَام) الِابْتِدَاء وَعمر الله: مُبْتَدأ وَخَبره مَحْذُوف أَي: قسمي وَجَوَاب الْقسم مَحْذُوف مَدْلُول عَلَيْهِ بِجَوَاب إِذا كَمَا تقدم فِي الشَّرْط من الضَّابِط فِي اجْتِمَاع الشَّرْط وَالْقسم. وقشير بِالتَّصْغِيرِ هُوَ قُشَيْر بن كَعْب بن ربيعَة بتن عَامر بن صعصعة. يَقُول: إِذا رضيت عني بَنو قُشَيْر سرني رِضَاهَا. وَضمير رِضَاهَا عَائِد إِلَى بَنو قُشَيْر وأنثه بِاعْتِبَار الْقَبِيلَة. وَقَوله: وَلَا تنبو سيوف ... إِلَخ نبا السَّيْف عَن الضريبة إِذا كل وَلم يقطع. وَلَا تمْضِي: لَا تنفذ. والأسنة: جمع سِنَان وَهُوَ حَدِيدَة الرمْح الَّتِي يطعن عَلَيْهَا. والصفا: واحده صفاة وَهِي الصَّخْرَة الملساء الصماء لَا يُؤثر فِيهَا الْحَدِيد. يُرِيد أَن سيوفهم تُؤثر فِي غَيرهم وأسنة غَيرهم لَا تُؤثر فِيهِ فَإِنَّهُم كالصخرة الملساء. وَقَوله: تنضيت القلاص ... إِلَخ أَي: جَعلتهَا أنضاءً: جمع نضوة بِالْكَسْرِ أَي: المهزولة من شدَّة الْأَسْفَار. يُقَال: أنضيت الْبَعِير وتنضيته أَي: أهزلته. والقلاص بِالْكَسْرِ: جمع قلُوص بِالْفَتْح وَهِي النَّاقة الشَّابَّة. وَحَكِيم هُوَ ابْن الْمسيب. وخوارج: جمع خَارِجَة. وتبالة بِفَتْح الْمُثَنَّاة الْفَوْقِيَّة بعْدهَا مُوَحدَة: بَلْدَة صَغِيرَة من الْيمن. وَمنى: بِكَسْر الْمِيم قَالَ الْبكْرِيّ فِي مُعْجم مَا استعجم: وَمنى مَوضِع آخر من بِلَاد بني عَامر لَيْسَ منى مَكَّة وَهُوَ محدد فِي رسم ضرية قرب الْمَدِينَة المنورة. وَقَوله: فَمَا رجعت بخائبة ... إِلَخ أوردهُ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي على أَن الْبَاء تزاد فِي الْحَال الْمَنْفِيّ عاملها. أَي: فَمَا رجعت خائبة. وخرجه أَبُو حَيَّان على أَن

التَّقْدِير: فَمَا رجعت بحاجة خائبة فالجار وَالْمَجْرُور هُوَ الْحَال وركاب فَاعل رجعت وَهِي الْإِبِل الَّتِي يسَار عَلَيْهَا الْوَاحِدَة رَاحِلَة وَلَا وَاحِد لَهَا من لَفظهَا. والخيبة: حرمَان الْمَطْلُوب. يَعْنِي: أَن الْإِبِل الَّتِي انْتهى سَيرهَا إِلَى هَذَا الممدوح لم ترجع خائبة بل رجعت بنيل الْمَطْلُوب. وَحَكِيم: مُبْتَدأ ومنتهاها: خَبره أَي: مُنْتَهى سَيرهَا وَالْجُمْلَة صفة ركاب. قَالَ السُّيُوطِيّ فِي شرح أَبْيَات الْمُغنِي: وَالْمُسَيب هَذَا بِالْفَتْح لَا غير وَكَذَا كل مسيب إِلَّا وَالِد سعيد بن الْمسيب فَإِنَّهُ فِيهِ وَجْهَيْن: الْفَتْح وَالْكَسْر. وَهَذَا الْبَيْت لم يعزه أحد من شرَّاح الْمُغنِي إِلَى أحد مَعَ أَن الْبَيْت الشَّاهِد نسبه السُّيُوطِيّ إِلَى القحيف وَلم يقف على أَن هَذَا الْبَيْت من تِلْكَ القصيدة.) والقحيف الْعقيلِيّ شَاعِر إسلامي ذكره الجُمَحِي فِي الطَّبَقَة الْعَاشِرَة من شعراء الْإِسْلَام. وَهُوَ وَهَذَا نسبه: القحيف بن خمير ين سليم الندى بن عبد الله بن عَوْف بن حزن بن مُعَاوِيَة بن خفاجة بن عَمْرو بن عقيل بن كَعْب بن ربيعَة بن عَامر بن صعصعة. كَذَا فِي الجمهرة والعباب للصاغاني. والقحيف بِضَم الْقَاف وَفتح الْمُهْملَة. وخمير بِضَم الْمُعْجَمَة وَفتح الْمِيم. وسليم بِضَم السِّين وَفتح اللَّام. وأضيف إِلَى الندى لاشتهاره بِالْكَرمِ. وَقَالَ الصَّاغَانِي: رَأَيْت بِخَط مُحَمَّد بن حبيب فِي أول ديوَان شعر القحيف الْبَدِيِّ بِالْبَاء الْمُوَحدَة وَتَشْديد الْيَاء. وَعقيل: بِالتَّصْغِيرِ: هُوَ أَخُو قُشَيْر الْمَنْسُوب إِلَيْهِ حَكِيم بن الْمسيب.

وَأنْشد بعده وَهُوَ السَّادِس وَالْعشْرُونَ بعد الثَّمَانمِائَة: رعته أشهراً وخلا عَلَيْهَا تَمَامه: فطار الني فِيهَا واستغارا على أَن على فِيهِ لَيست بِمَعْنى اللَّام كَمَا قَالَه الْكُوفِيُّونَ وَابْن قُتَيْبَة فِي أدب الْكَاتِب لِأَنَّهُ يُقَال: خلا لَهُ الشَّيْء بِمَعْنى تفرغ لَهُ. قَالَ ابْن السَّيِّد: كَانَ الْوَجْه أَن يُقَال: وخلا لَهَا وَلَكِن قَوْله: وخلا عَلَيْهَا يُفِيد مَا يفِيدهُ قَوْله: إِنَّه وقف عَلَيْهَا. ف خلا ضمن معنى وقف وَحبس عَلَيْهَا. وَقَول الشَّارِح فِي الْجَواب عَنهُ: أَي على مذاقها كَأَنَّهُ ملك مذاقها وتسلط عَلَيْهِ فَإِنَّهُ تَحْرِيف مِنْهُ لكلمة خلا الْمُعْجَمَة الْخَاء بحلا الْمُهْملَة يَجعله من الْحَلَاوَة فَأجَاب بِتَقْدِير مُضَاف بعد على وتضمين الْفِعْل. وَلَيْسَت الرِّوَايَة كَمَا توهمه. - وَالْبَيْت من قصيدة لِلرَّاعِي مدح بهَا سعيد بن عبد الرَّحْمَن بن عتاب بن أسيد عدتهَا سَبْعَة وَخَمْسُونَ بَيْتا. وَقَبله: (وَذَات أثارة أكلت عَلَيْهَا ... نباتاً فِي أكمته قفارا) (جمادياً تحن المزن فِيهِ ... كَمَا فجرت فِي الْحَرْث الدبارا) رعته أشهراً وخلا عَلَيْهَا ... ... ... ... الْبَيْت

قَوْله: وَذَات أثارة ... إِلَخ قَالَ الجواليقي فِي شرح أدب الْكَاتِب الْوَاو وَاو رب أَي: رب نَاقَة ذَات سمن.) والأثارة بِفَتْح الْهمزَة والمثلثة: شَحم مُتَّصِل بشحم آخر وَيُقَال: هِيَ بَقِيَّة من الشَّحْم الْعَتِيق. يُقَال: سمنت النَّاقة على أثارة أَي: على بَقِيَّة شَحم. وَقَوله: أكلت عَلَيْهَا نباتاً أَي: على هَذِه الأثارة. وَفِي أكمته أَي: فِي غلفه جمع كمام وَهُوَ جمع كم بِكَسْر الْكَاف وَتَشْديد الْمِيم. والكم: غطاء النُّور وغلافه فأكمة جمع الْجمع. وَقَوله: قفاراً أَي: خَالِيا من النَّاس فرعته وَحدهَا. وقفار وصف نَبَات. قَالَ صَاحب الْمِصْبَاح: القفر: الْخَلَاء والمفازة. وَيَقُولُونَ: أَرض قفار على توهم جمع الْمَوَاضِع لسعتها. وَدَار قفر وقفار كَذَلِك. وَالْمعْنَى خَالِيَة من النَّاس. - وَقَوله: جمادياً وصف آخر لنبات مَنْسُوب إِلَى جُمَادَى بعد حذف أَلفه الْخَامِسَة أَي: نبت فِي جُمَادَى. وَجُمْلَة تحن. . إِلَخ: صفة لجمادي أَي: تعطف عَلَيْهِ. والمزن: جمع مزنة وَهِي السحابة. وَقَوله: كَمَا فجرت فِي مَوضِع الْمَفْعُول الْمُطلق أَي: وفجرت المزن الأَرْض تفجيراً كَمَا فجرت. والتفجير: التشقيق يُقَال: فجر المَاء بِالتَّخْفِيفِ أَي: شقّ الأَرْض فَفتح لَهُ طَرِيقا. وَالتَّشْدِيد للْمُبَالَغَة. والحرث: مصدر حرث الأَرْض إِذا أثارها للزِّرَاعَة بالمحراث. والدبار بِكَسْر الدَّال قَالَ صَاحب الْمِصْبَاح: الدبرة بِالْفَتْح والدبارة بِالْكَسْرِ: المشارة فِي المزرعة وَالْجمع دبر ودبار. وَقَوله: رعته أَي: رعت النَّاقة ذَلِك النَّبَات أشهراً. وتخلت بِهِ: لم يرعه

غَيرهَا. وطار الني أَي: ارْتَفع الشَّحْم. واستغار أَي: هَبَط فِيهَا. والني: مصدر نَوَيْت النَّاقة أَي: سمنت تنوى نواية ونياً فَهِيَ ناوية وجمل ناو وجمال نواء مثل جَائِع وجياع. وَقَالَ ابْن السَّيِّد فِي شَرحه: وصف نَاقَة فَقَالَ: رعت هَذَا الْموضع أشهر الرّبيع وخلا لَهَا فَلم يكن لَهَا فِيهِ مُنَازع فَسَمنت. والني: الشَّحْم. وَمعنى طَار: أسْرع ظُهُوره. وَقَالَ ابْن قُتَيْبَة فِي كتاب الْمعَانِي: استغار وغار وَاحِد كَأَنَّهُ قَالَ: ظهر الني واستتر. وَرَوَاهُ الْبَاهِلِيّ: فَسَار وَقَالَ: معنى سَار: ارْتَفع. واستغار: انهبط من قَوْلك: غَار يغور. وَقَالَ الْحَرْبِيّ: يُقَال استغار الْجرْح إِذا تورم. وَأنْشد: فطار الني فِيهَا واستغارا وَذكر أَنه يرْوى اسْتعَار بِالْعينِ غير مُعْجمَة أَي: ذهب يَمِينا وَشمَالًا من قَوْلهم: عَار الْفرس إِذا) أفلت. وترجمة الرَّاعِي تقدّمت فِي الشَّاهِد الثَّالِث والثمانين بعد الْمِائَة.

(الشاهد السابع والعشرون بعد الثمانمائة)

وَأنْشد بعده (الشَّاهِد السَّابِع وَالْعشْرُونَ بعد الثَّمَانمِائَة) وَهُوَ من شَوَاهِد س: (إِن الْكَرِيم وَأَبِيك يعتمل ... إِن لم يجد يَوْمًا على من يتكل) على أَن على لبست زَائِدَة وَإِنَّمَا هِيَ مُقَدّمَة من تَأْخِير وَالْأَصْل: إِن لم يجد يَوْمًا من يتكل وَهَذَا تَخْرِيج ابْن الشجري فِي أَمَالِيهِ أوردهُ نظيراً لقَوْله تَعَالَى: يَدْعُو لمن ضره أقرب من نَفعه قَالَ: إِن الأَصْل يَدْعُو من لضره أقرب فَقدمت لَام التوكيد كَمَا قدمت على فِي قَول هَذَا الراجز مَعَ أَنَّهَا عاملة وَأَرَادَ: من يتكل عَلَيْهِ. وَهَذَا تَقْدِيم قَبِيح سوغته الضَّرُورَة. انْتهى. وَهَذَا تعسف إِذْ لم يعْهَد تَقْدِيم الْجَار على غير الْمَجْرُور كَمَا لم يعْهَد تَقْدِيم الْجَازِم على غير المجزوم وَإِنَّمَا الْمَعْهُود تقديمهما مَعًا. وَمُرَاد الشَّارِح الرَّد على جَمِيع تخاريجه وَهِي سَبْعَة: الأول لسيبويه: أَن يكون الأَصْل: على من يتكل عَلَيْهِ فَحذف الْعَائِد مَعَ الْجَار. وعَلى الأولى غير زَائِدَة. وَهَذَا نَصه: وَقد يجوز أَن تَقول: بِمن تمرر أمرر وعَلى من تنزل أنزل إِذا أردْت معنى عَلَيْهِ وَبِه. وَلَيْسَ بِحَدّ الْكَلَام وَفِيه

ضعف. وَمثل ذَلِك قَول بعض الْأَعْرَاب: إِن الْكَرم وَأَبِيك الْبَيْتَيْنِ يُرِيد يتكل عَلَيْهِ. وَلكنه حذف. وَهَذَا قَول الْخَلِيل. انْتهى. قَالَ الزجاجي فِي أَمَالِيهِ الْوُسْطَى: زعم بعض النَّاس أَن سِيبَوَيْهٍ غلط فِيهِ وَتَقْدِيره عِنْد سِيبَوَيْهٍ أَن يكون يجد مُتَعَدِّيا إِلَى من بعلى وَلَيْسَ وجدت مِمَّا يتَعَدَّى بِحرف خفض فَلهَذَا خالفوه. - قَالَ الْمَازِني: تَقْدِيره صَحِيح جيد لِأَن الْفِعْل الْمُتَعَدِّي قد يجوز أَن لَا يعدى فَكَأَنَّهُ قصد ذَلِك ثمَّ بدا لَهُ فعداه بعلى كَمَا قَالَ الله تَعَالَى: عَسى أَن يكون ردف لكم وَإِنَّمَا جَازَ أَن يحذف عَلَيْهِ من قَوْله إِن لم يجد من يتكل عَلَيْهِ لذكرها فِي أول الْكَلَام. انْتهى. الثَّانِي لِابْنِ جني قَالَ: أَرَادَ إِن لم يجد يَوْمًا من يتكل عَلَيْهِ فَحذف عَلَيْهِ وَزَاد على قبل من عوضا. وَجوز فِي عَن أَيْضا كَذَلِك كَقَوْلِه:) (أتجزع أَن نفس أَتَاهَا حمامها ... فَهَلا الَّتِي عَن بَين جنبيك تدفع) قَالَ: أَرَادَ: فَهَلا عَن الَّتِي بَين جنبيك تدفع فَحذف عَن وزادها بعد الَّتِي عوضا وَتَبعهُ ابْن مَالك فِي هَذَا وَقَالَ: قد تزاد الْبَاء كَذَلِك. وَأنْشد: (وَلَا يواتيك فِيمَا نَاب من حدث ... إِلَّا أَخُو ثِقَة فَانْظُر بِمن تثق) قَالَ: أَرَادَ من تثق بِهِ وَزَاد الْبَاء قبل من عوضا. قَالَ أَبُو حَيَّان فِي الارتشاف: نَص سِيبَوَيْهٍ على أَن عَن وعَلى لَا يزادان وَتقدم قَول ابْن مَالك فِي عَن: إِنَّهَا تزاد عوضا وَقَالَ: تزاد على. وَأنْشد: (أَبى الله إِلَّا أَن سرحة مَالك ... على كل أفنان العضاه تروق) قَالَ: زَاد على لِأَن راق متعدية. وَمَا استدلوا بِهِ على أَن الْبَاء وَعَن وعَلى تزاد عوضا لم يقم عَلَيْهِ دَلِيل. وَلم يكف ابْن مَالك أَن اسْتدلَّ بِشَيْء مُحْتَمل مُخَالف لنَصّ سِيبَوَيْهٍ حَتَّى قَالَ: وَيجوز عِنْدِي أَن يُعَامل بِهَذِهِ الْمُعَامَلَة من وَاللَّام وَإِلَى وَفِي قِيَاسا على عَن وعَلى وَالْبَاء فَيُقَال: عرفت مِمَّن عجبت وَلمن قلت وَإِلَى من أويت وفيمن رغبت وَالْأَصْل: عرفت من عجبت مِنْهُ وَمن قلت لَهُ وَمن أويت إِلَيْهِ وَمن رغبت فِيهِ فَحذف مَا بعد من وَزيد قبلهَا عوضا. وَمَا أجَازه لَيْسَ بِصَحِيح وَلَو اسْتدلَّ بِشَيْء لَا يحْتَمل التَّأْوِيل لَكَانَ من الْقلَّة بِحَيْثُ لَا يُقَاس عَلَيْهِ. انْتهى. وَأجَاب ابْن عُصْفُور عَن قَوْله: فَهَلا الَّتِي عَن بَين جنبيك بِأَنَّهُ ضَرُورَة لِأَن تَقْدِيم الْمَجْرُور على حرف الْجَرّ من الْقلَّة بِحَيْثُ لَا يلْتَفت إِلَيْهِ. وَأجَاب أَبُو حَيَّان فِي شرح التسهيل عَن قَوْله: فَانْظُر بِمن تثق بِأَن الْكَلَام ثمَّ عِنْد قَوْله: فَانْظُر أَي: فِي نَفسك. ثمَّ استفهم على سَبِيل الْإِنْكَار فَقَالَ: بِمن تثق وَأجَاب أَيْضا عَن قَوْله: على كل أفنان العضاه تروق بِأَن تروق:

مضمن معنى تعلو وترتفع. قَالَ ابْن هِشَام: مَا قَالَه ابْن مَالك فِيهِ نظر لِأَن راقه الشَّيْء بِمَعْنى أعجبه وَلَا معنى لَهُ هَاهُنَا.) - الثَّالِث: ليونس شيخ سِيبَوَيْهٍ وَهُوَ أَن يكون التَّقْدِير: إِن لم يجد يَوْمًا شَيْئا ثمَّ يَبْتَدِئ فَيَقُول مستفهماً: على من يتكل أَعلَى هَذَا أم على هَذَا وَيكون

يتكل فِي مَوضِع رفع وَلكنه سكنه للقافية. ويعتمل بِمَعْنى: يكْتَسب. وَكَانَ الْمبرد يذهب إِلَيْهِ قَدِيما وَذكره فِي كتاب الرَّد على سِيبَوَيْهٍ ثمَّ رَجَعَ عَنهُ. الرَّابِع للفراء قَالَ: معنى لم يجد: لم يدر كَأَنَّهُ قَالَ: إِن لم يدر على من يتكل. قَالَ: وَقيل لامْرَأَة من الْعَرَب: أنزلي قدرك من النَّار فَقَالَت: لَا أجد بِمَ أنزلهَا أَي: لَا أَدْرِي بِأَيّ شَيْء أنزلهَا. الْخَامِس للمازني قَالَ: معنى لم يجد: لم يعلم كَأَنَّهُ قَالَ: إِن الْكَرِيم يعتمل إِن لم يعلم على من يتكل. وَهَذَا مُخْتَار الْمبرد أخيراً. السَّادِس أَن يكون لم يجد فِي معنى: لم يكْتَسب كَأَنَّهُ قَالَ: إِن لم يكْتَسب على من يتكل. نقل هَذِه الْأَقْوَال الْأَرْبَعَة الْأَخِيرَة مَعَ قَول سِيبَوَيْهٍ الزجاجي فِي كِتَابه الْمَذْكُور. السَّابِع للأعلم فِي شرح أيبات سِيبَوَيْهٍ قَالَ: يجوز أَن يكون التَّقْدِير: يعتمل على من يتكل عَلَيْهِ وَقَوله: إِن الْكَرِيم خَبره جملَة يعتمل وَقَوله: وَأَبِيك جملَة قسمية حذف جوابها مُعْتَرضَة بَين اسْم إِن وخبرها. قَالَ صَاحب الصِّحَاح: يعتمل: يضطرب فِي الْعَمَل. وَأنْشد الْبَيْت. وَهُوَ من أَبْيَات سِيبَوَيْهٍ الْخمسين الَّتِي لم يعرف قَائِلهَا. وَأورد السُّيُوطِيّ فِي شرح أَبْيَات الْمُغنِي بَيْتَيْنِ قبلهمَا وهما: (إِنِّي لساقيها وَإِنِّي لكسل ... وشارب من مَائِهَا ومغتسل) وَلَا أعرف حقيقتهما. وَالله أعلم.

(الشاهد الثامن والعشرون بعد الثمانمائة)

وَأنْشد بعده (الشَّاهِد الثَّامِن وَالْعشْرُونَ بعد الثَّمَانمِائَة) وَهُوَ من شَوَاهِد س: (غَدَتْ من عَلَيْهِ بعد مَا تمّ ظمؤها ... تصل وَعَن قيض بزيزاء مجهل) على أَن على يتَعَيَّن أَن يكون اسْما إِذا دخل عَلَيْهَا حرف جر كَمَا هُنَا. وانقلاب ألفها مَعَ الضَّمِير يَاء كانقلاب ألف لَدَى مَعَه. وَقد ذكر سِيبَوَيْهٍ مَعْنَاهَا حَقِيقَة ومجازاً ثمَّ قَالَ: فقد يَتَّسِع هَذَا فِي الْكَلَام وَيَجِيء كالمثل. وَهُوَ اسْم وَلَا يكون إِلَّا ظرفا. ويدلك على أَنه اسْم قَول بعض الْعَرَب: نَهَضَ من عَلَيْهِ. - وَقَالَ الشَّاعِر: غَدَتْ من عَلَيْهِ الْبَيْت قَالَ الأعلم: الشَّاهِد فِيهِ دُخُول من على على لِأَنَّهَا اسْم فِي تَأْوِيل فَوق كَأَنَّهُ قَالَ: غَدَتْ من فَوْقه. وَقَالَ الْخفاف فِي شرح الْجمل: وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: الْمَعْنى: غَدَتْ من عِنْده لِأَنَّهَا بعد خُرُوج الفرخ من الْبَيْضَة انْتَقَلت الْفَوْقِيَّة إِلَى العندية فَصَارَت عِنْده لَا عَلَيْهِ. قَالَ الْأُسْتَاذ ابْن خروف: بل الْفَوْقِيَّة ثَابِتَة مَا دَامَ صفة الفرخ وَإِن لم يكن تَحت. والفوقية بجناحها. انْتهى. وصريح كَلَام سِيبَوَيْهٍ أَن اسميتها إِذا دخلت عَلَيْهَا من غير مُخْتَصّ بِالضَّرُورَةِ. وَهُوَ ظَاهر كَلَام غَيره أَيْضا خلافًا لِابْنِ عُصْفُور فَإِنَّهُ زعم أَن على فِي هَذَا الْبَيْت وَفِي أَبْيَات أخر أوردهَا اسْتعْملت اسْما للضَّرُورَة إِجْرَاء لَهَا مجْرى مَا هِيَ فِي مَعْنَاهُ وَهُوَ فَوق. وَلم أر من قَالَ إِنَّه ضَرُورَة غَيره.

وَمذهب سِيبَوَيْهٍ يرد قوليه: أَحدهَا: للفراء وَمن تبعه من الْكُوفِيّين وَهُوَ أَن: عَن وعَلى إِذا دخل عَلَيْهِمَا من باقيان على حرفيتهما لم ينتقلا إِلَى الاسمية. وَزَعَمُوا أَن من تدخل على حُرُوف الْجَرّ كلهَا سوى مذ وَاللَّام وَالْبَاء وَفِي. وَثَانِيهمَا: لجَماعَة من الْبَصرِيين وَهُوَ ابْن الطراوة وَابْن طَاهِر وَابْن خروف وَأَبُو عَليّ الرندي وَأَبُو الْحجَّاج بن معزوز والأستاذ أَبُو عَليّ فِي أحد قوليه. زَعَمُوا أَن على اسْم دَائِما وَلَا تكون حرفا. وَزَاد الْأَخْفَش على سِيبَوَيْهٍ موضعا آخر من اسميتها وَذَلِكَ: إِذا كَانَ مجرورها وفاعل متعلقها ضميرين لمسمى وَاحِد وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: أمسك عَلَيْك زَوجك وَقَول الشَّاعِر:) (هون عَلَيْك فَإِن الْأُمُور ... بكف الْإِلَه مقاديرها) لِأَنَّهُ لَا يتَعَدَّى فعل الضَّمِير الْمُتَّصِل إِلَى ضَمِيره الْمُتَّصِل فِي غير بَاب ظن وفقد وَعدم. قَالَ أَبُو حَيَّان: وَلَا بدل على اسميتها مَا ذكره الْأَخْفَش فقد جَاءَ: وهزي إِلَيْك واضمم إِلَيْك جناحك وَلَا نعلم أحدا ذهب إِلَى أَن إِلَى اسْم. وَقَالَ ابْن هِشَام: وَفِيمَا قَالَه الْأَخْفَش نظر لِأَنَّهَا لَو كَانَت اسْما فِي هَذِه الْمَوَاضِع لصَحَّ حُلُول فَوق محلهَا وَلِأَنَّهَا لَو لَزِمت اسميتها لما ذكر لزم الحكم

باسمية إِلَى فِي نَحْو: فصرهن إِلَيْك وَهَذَا كُله يتَخَرَّج إِمَّا على التَّعْلِيق بِمَحْذُوف كَمَا قيل: فِي سقيا لَك وَإِمَّا على حذف مُضَاف أَي: هون على نَفسك واضمم إِلَى نَفسك. وَلَا يحسن تَخْرِيج هَذَا على ظَاهره لِأَن بَابه الشّعْر وَلَا على قَول ابْن الْأَنْبَارِي: إِن إِلَى ترد اسْما يُقَال: انصرفت من إِلَيْك كَمَا تَقول: غَدَوْت من عَلَيْك لِأَنَّهُ إِن كَانَ ثَابتا فَفِي غَايَة الشذوذ. وَلَا على قَول ابْن عُصْفُور: إِن إِلَيْك إغراء وَالْمعْنَى: خُذ جناحك أَي: عصاك لِأَن إِلَى لَا تكون بِمَعْنى خُذ عِنْد الْبَصرِيين وَلِأَن الْجنَاح لَيْسَ بِمَعْنى الْعَصَا إِلَّا عِنْد الْفراء وشذوذ من الْمُفَسّرين. انْتهى. - قَالَ أَبُو حَيَّان: وَمن قَالَ: إِن على لَا تكون إِلَّا اسْما يَقُول: إِنَّهَا معربة وَمن جوز أَن تنْتَقل إِلَى الاسمية بِدُخُول من عَلَيْهَا أَو على مَذْهَب الْأَخْفَش اخْتلفُوا: فَقَالَ بعض أشياخنا: هِيَ معربة إِذْ ذَاك. وَقَالَ أَبُو الْقَاسِم بن الْقَاسِم: هِيَ مَبْنِيَّة وألفها كألف هَذَا فَهِيَ كعن وكاف التَّشْبِيه ومذ ومنذ إِذا كن أَسمَاء. انْتهى. وَقد ذهب صَاحب الْكَشَّاف وَتَبعهُ الشَّارِح الْمُحَقق إِلَى أَنَّهُمَا مبنيان قَالَ فِي تَفْسِير حاشا لله من سُورَة يُوسُف: فَإِن قلت: فَلم جَازَ فِي حاشا لله أَن لَا ينون بعد إجرائه مجْرى بَرَاءَة لله قلت: مُرَاعَاة لأصله الَّذِي هُوَ الحرفية. أَلا ترى إِلَى قَوْلهم: جَلَست من عَن يَمِينه. تركُوا عَن غير مُعرب على أَصله وعَلى فِي قَوْله:

وَالْبَيْت من قصيدة لمزاحم الْعقيلِيّ عدتهَا أَرْبَعَة وَثَمَانُونَ بَيْتا مَذْكُورَة فِي مُنْتَهى الطّلب من أشعار الْعَرَب. وَقَبله: (قطعت بشوشاة كَأَن قتودها ... على خاضب يَعْلُو الأماعز مجفل)) (أذلك أم كدرية ظلّ فرخها ... لقىً بشرورى كاليتيم المعيل) (غَدَتْ من عَلَيْهِ بعد مَا تمّ ظمؤها ... تصل وَعَن فيض بزيزاء مجهل) (غدواً طوى يَوْمَيْنِ عَنهُ انطلاقها ... كميلين من سير القطا غير مؤتلي) الشوشاة بِفَتْح الشين الْمُعْجَمَة: النَّاقة الْخَفِيفَة. والقتود بِضَم الْقَاف والمثناة الْفَوْقِيَّة: جمع قتد بِفتْحَتَيْنِ وَهُوَ خشب الرحل وَيجمع على أقتاد أَيْضا. والخاضب بمعجمتين هُوَ ذكر النعام الَّذِي أكل الرّبيع فاحمر ساقاه. - والأماعز: جمع أمعز بِالْعينِ الْمُهْملَة والزاء الْمُعْجَمَة وَهِي الأَرْض الْكَثِيرَة الْحَصْبَاء. ومجفل: اسْم فَاعل من أجفل بِمَعْنى نفر. وَقَوله: أذلك أم كدرية الْإِشَارَة إِلَى الخاضب. والكدرية بِالضَّمِّ: القطاة الغبراء اللَّوْن. قَالَ صَاحب الصِّحَاح: الكدري ضرب من القطا وَهُوَ ثَلَاثَة أضْرب: كدري وجوني بِضَم الْجِيم وغطاط بِفَتْح الْمُعْجَمَة بعْدهَا مهملتان. فالكدري: الغبر الألوان الرقش الظُّهُور والبطون الصَّقْر الحلوق وَهُوَ ألطف من الْجونِي كَأَنَّهُ نسب إِلَى مُعظم القطا وَهُوَ كدر. وَذَلِكَ: خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف. وَالتَّقْدِير: أتلك الشوشاة ذَلِك الخاضب أم كدرية وَهُوَ تَشْبِيه بليغ بِحَذْف أَدَاة التَّشْبِيه. شبه نَاقَته فِي الخفة والسرعة بِأَحَدِهِمَا على طَرِيق الِاسْتِفْهَام التجاهلي. وَلَا وَجه لقَوْل الجواليقي فِي شرح أدب الْكَاتِب: يُرِيد: أذلك الظليم أحب إِلَيْك أم قطاة كدرية.

وَقَالَ ابْن يعِيش: يُرِيد: أذلك الخاضب يشبه نَاقَتي فِي سرعتها أم كدرية يَعْنِي قطاة هَذِه صفتهَا. وَجُمْلَة: ظلّ فرخها لقىً ... إِلَخ صفة لكدرية. واللقى بِفَتْح اللَّام وَالْقَاف: الْملقى والمطروح الَّذِي لَا يلْتَفت إِلَيْهِ. وشرورى بِفَتْح الشين الْمُعْجَمَة والراءين الْمُهْمَلَتَيْنِ وَسُكُون الْوَاو بَينهمَا وَآخره ألف مَقْصُورَة. قَالَ أَبُو عبيد الْبكْرِيّ فِي مُعْجَمه: هُوَ جبل بطرِيق مَكَّة إِلَى الْكُوفَة بَين بني أَسد وَبني عَامر. ومعيل بِفَتْح الْمُثَنَّاة التَّحْتِيَّة الْمُشَدّدَة: الْفَقِير وَقيل: المهمل. قَالَ ابْن السَّيِّد فِي شرح أَبْيَات أدب الْكَاتِب: شبه فرخها فِي انْفِرَاده سوء حَاله باليتيم. - قَالَ الْأَصْمَعِي: وَإِنَّمَا قَالَ: لقىً بشرورى لِأَن القطاة لَا تبيض إِلَّا بِأَرْض فِي فماحص ونقر وَلَا) وَقَوله: غَدَتْ من عَلَيْهِ ... إِلَخ قَالَ الفالي: فِي شرح اللّبَاب غَدا بِمَعْنى صَار يُقَال: غَدا زيد أَمِيرا أَي: صَار وَأنْشد الْبَيْت. وَقَالَ: أَي: انصرفت القطاة من فَوْقه. فَهُوَ غير مَخْصُوص بِوَقْت دون وَقت بِخِلَاف مَا إِذا اسْتعْمل فِي غير معنى صَار فَإِنَّهُ يخْتَص بِوَقْت الْغَدَاة. تَقول: غَدا زيد ذَاهِبًا أَي: ذهب بِالْغَدَاةِ. فَمَعْنَى غَدَتْ صَارَت إِذْ لَا يُرِيد انصرفت وانفلتت فِي وَقت الْغَدَاة فَقَط. انْتهى. وَيُؤَيِّدهُ مَا رَوَاهُ ابْن السَّيِّد وَغَيره عَن أبي حَاتِم أَنه قَالَ للأصمعي: كَيفَ قَالَ: غَدَتْ من عَلَيْهِ والقطاة إِنَّمَا تذْهب إِلَى المَاء لَيْلًا لَا غدْوَة فَقَالَ: لم يرد الْغدر وَإِنَّمَا هَذَا مثل للتعجيل. وَالْعرب تَقول: بكر إِلَيّ العشية وَلَا بكور هُنَاكَ. وَأنْشد أَبُو زيد:

بكرت تلومك بعد وَهن فِي الندى وَإِنَّمَا الوهن فِي اللَّيْل. انْتهى. وَبِمَا ذكرنَا يزيف قَول بعض أفاضل الْعَجم فِي شرح أَبْيَات الْمفصل: يَقُول: غَدَتْ القطاة وطارت غدْوَة إِلَى المَاء من فَوق فرخها. انْتهى. وَاسم غَدَتْ الضَّمِير الْمُسْتَتر فِيهَا الْعَائِد إِلَى كدرية. وَقَوله: من عَلَيْهِ مُتَعَلق بِمَحْذُوف على أَنه خَبَرهَا. وَبعد: ظرف لغدت وَمَا: مَصْدَرِيَّة وظمؤها: فَاعل تمّ. يُرِيد أَنَّهَا أَقَامَت مَعَ فرخها حَتَّى احْتَاجَت إِلَى وُرُود المَاء وعطشت فطارت تطلب المَاء عِنْد تَمام ظمئها. وَأَرَادَ بِذكر الفرخ سرعَة طيرانها لتعود إِلَيْهِ مسرعة لِأَنَّهَا كَانَت تحضنه. والظمءْ بِالْكَسْرِ وَسُكُون الْمِيم مَهْمُوز الآخر: مُدَّة صبرها عَن المَاء وَهُوَ مَا بَين الشّرْب إِلَى الشّرْب. قَالَ ابْن السّكيت فِي كتاب الْمعَانِي: قَوْله بعد مَا تمّ ظمؤها أَي: إِنَّهَا كَانَت تشرب فِي كل ثَلَاثَة أَيَّام أَو أَرْبَعَة مرّة فَلَمَّا دَاء ذَلِك الْوَقْت طارت. وروى الْمبرد فِي الْكَامِل: بعد مَا تمّ خمسها بِكَسْر الْخَاء. وَقَالَ: الْخمس: ظمء من أظمائها وَهِي أَن ترد ثمَّ تغب ثَلَاثًا ثمَّ ترد فيعتد بيومي وردهَا مَعَ ظمئها فَيُقَال: خمس. هَذَا كَلَامه. وَظَاهره أَن الْخمس من أظماء القطا وَلَيْسَ كَذَلِك إِنَّمَا هُوَ

لِلْإِبِلِ. قَالَ ابْن السَّيِّد: الْخمس: وُرُود المَاء فِي كل خَمْسَة أَيَّام. وَلم يرد أَنَّهَا تصبر عَن المَاء خَمْسَة أَيَّام إِنَّمَا هَذَا لِلْإِبِلِ لَا للطير وَلكنه ضربه مثلا. هَذَا قَول أبي حَاتِم وَلأَجل ذَلِك كَانَت رِوَايَة من روى: ظمؤها أحسن وَأَصَح معنى. وَظَاهر هَذَا أَيْضا أَن الظمء لَا يخْتَص بِالْإِبِلِ. وَيُؤَيِّدهُ قَول صَاحب الْقَامُوس: والظمء بِالْكَسْرِ: مَا بَين) الشربين والوردين وَهُوَ من الظمأ كالعطش وزنا وَمعنى أَو أَشد الْعَطش وأهونه وأخفه. قَالَه أَبُو زيد. لَكِن صَاحب الصِّحَاح خصّه بِالْإِبِلِ قَالَ: الظمء مَا بَين الوردين وَهُوَ حبس الْإِبِل عَن المَاء إِلَى غَايَة الْورْد. - وَقَوله: تصل أَي: تصوت جملَة حَالية وَإِنَّمَا يصوت حشاها من يبس الْعَطش فَنقل الْفِعْل إِلَيْهَا لِأَنَّهُ إِذا صَوت حشاها فقد صوتت. وَإِنَّمَا يُقَال لصوت جناحها الحفيف. قَالَ أَبُو حَاتِم: وَمعنى تصل تصوت أحشاؤها من اليبس والعطش. والصليل: صَوت الشَّيْء الْيَابِس يُقَال: جَاءَت الْإِبِل تصل عطشاً. وَقَالَ غَيره: أَرَادَ أَنَّهَا تصوت فِي طيرانها. وَقَوله: وَعَن قيض إِن كَانَ مَعْطُوفًا على لعيه فَفِيهِ شَاهد آخر وَهُوَ اسمية عَن وَإِن كَانَ مَعْطُوفًا على من عَلَيْهِ فَعَن حرف. وَاقْتصر اللَّخْمِيّ على الأول. والقيض بِفَتْح الْقَاف: قشر الْبَيْضَة الْأَعْلَى وَإِنَّمَا أَرَادَ قشر الْبَيْضَة الَّتِي خرج مِنْهَا فرخها أَو قشر الْبَيْضَة الَّتِي فَسدتْ فَلم يخرج مِنْهَا فرخ. وَقَول السيرافي: وغدت عَن قيض يَعْنِي وَعَن فراخ لَا معنى لَهُ هُنَا لِأَنَّهُ إِنَّمَا أَرَادَ أَنَّهَا غَدَتْ عَن فرخ وَعَن قشر بيض خرج مِنْهُ هَذَا الفرخ أَو قشر بيض فسد فَلم يخرج مِنْهُ فرخ. وَالْأول هُوَ الظَّاهِر. وَيُقَال للقيض: الخرشاء أَيْضا بِكَسْر الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْمُهْملَة بعْدهَا سين مُعْجمَة فألف ممدودة. والقشر الرَّقِيق الَّذِي تَحْتَهُ

يُقَال لَهُ: الغرقئ بِكَسْر الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْمُهْملَة بعْدهَا قَاف مَكْسُورَة فهمزة. والمح بِضَم الْمِيم وَتَشْديد الْمُهْملَة: صفرَة الْبيض. قَالَ اللَّخْمِيّ: والآح: بَيَاض وَقَوله: بزيزاء مجهل الْجَار وَالْمَجْرُور مُتَعَلق بِمَحْذُوف على أَنه صفة لقيض. والزيزاء بزاءين معجمتين يرْوى بِكَسْر الأولى وَفتحهَا وَاقْتصر الْمبرد على الْكسر فَقَالَ: الزيزاء: مَا ارْتَفع من الأَرْض وَهُوَ مَمْدُود منصرف فِي الْمعرفَة والنكرة إِذا كَانَ لمذكر كالعلباء والحرباء. انْتهى. - يُرِيد أَن الْألف الممدودة فِيهِ لَيست للتأنيث إِنَّمَا هِيَ للإلحاق بحملاق كالعلباء فوزنه فعلال. وَكَذَلِكَ اقْتصر عَلَيْهِ الْجَوْهَرِي فَقَالَ: الزيزاء بِالْمدِّ: مَا غلظ من الأَرْض. والزيزاء أخص مِنْهُ وَهِي الأكمة والهمزة فِيهِ مبدلة من الْيَاء يدل على ذَلِك قَوْلهم فِي الْجمع: الزيازي. وَمن قَالَ الزوازي جعل الْيَاء الأولى مبدلة من الْوَاو مثل القوافي فِي جمع قيقاءة. انْتهى. وَقَالَ فِي تَفْسِير القيقاءة: إِنَّهَا الأَرْض الغليظة والهمزة مبدلة من الْيَاء وَالْيَاء الأولى مبدلة من) الْوَاو. وَقصر صَاحب الْقَامُوس فِي قَوْله: الزيزاء بِالْكَسْرِ والزيزاء والزيزى والزازية: مَا غلظ من الأَرْض والأكمة الصَّغِيرَة كالزيزاءة والزيزاة. انْتهى. وَقَالَ ابْن يعِيش: الزيزاء: الأَرْض الغليظة المستوية الَّتِي لَا شجر فِيهَا واحدتها زيزاءة. وَقيل: هِيَ الْمَفَازَة الَّتِي لَا أَعْلَام فِيهَا. وهمزته للإلحاق بِنَحْوِ حملاق وَهِي فِي الْحَقِيقَة منقلبة عَن ألف منقلبة عَن يَاء يدل على ذَلِك ظُهُورهَا

فِي درحاية لما بنيت على التَّأْنِيث عَادَتْ إِلَى الأَصْل. ولغة هُذَيْل زيزاء بِفَتْح الزاء كالقلقال فالهمزة على هَذَا منقلبة عَن يَاء ووزنه فعلال وَالْأول فعلال. انْتهى. فالهمزة فِي كل من المكسور الزَّاي ومفتوحها أَصْلهَا يَاء زَائِدَة للإلحاق بِمَا ذكر وَلَيْسَت الْألف الممدودة فيهمَا للتأنيث. أما الأول فَلِأَن فعلاء المكسور الْفَاء وَكَذَا المضموم الْفَاء عِنْد الْبَصرِيين لَا يكونَانِ إِلَّا للإلحاق. وَأَجَازَ الْكُوفِيُّونَ ترك صرف فعلاء بِالْكَسْرِ على أَن يكون ألفها للتأنيث احْتَجُّوا بقوله تَعَالَى: تخرج من طور سيناء فِي قِرَاءَة الْكسر. - وَأجَاب البصريون بِأَن امْتِنَاعه من الصّرْف لَيْسَ من أجل أَن الْهمزَة للتأنيث وَإِنَّمَا هُوَ لِمَعْنى الْبقْعَة أَو الأَرْض فَاجْتمع فِيهِ التَّعْرِيف والتأنيث. وَأما الثَّانِي فللإلحاق أَيْضا. فَإِن قلت: فعلاء بِالْفَتْح خَاص بالمؤنث. قلت: نعم وَلَكِن فِي غير المكرر. فَإِن قلت: فعلال بِالْفَتْح نَادِر وَلَا يلْحق بالنادر. قلت: قَالَ الرضي فِي شرح الشافية إِن فعلالاً إِذا كَانَ فاؤه ولامه الأولى من جنس وَاحِد نَحْو: زلزال وخلخال غير نَادِر اتِّفَاقًا فَيجوز الْإِلْحَاق بِهِ. فَإِن قلت: قَالَ الْخفاف فِي شرح الْجمل: وَبَعْضهمْ يرويهِ زيزاء بِفَتْح الزَّاي والهمزة غير مَصْرُوف للتأنيث اللَّازِم كبيداء. انْتهى. فَهَذَا يدل على أَن الْهمزَة للتأنيث لَا للإلحاق.

قلت: يحمل حِينَئِذٍ على زِيَادَة الْألف المنقلبة همزَة للتأنيث. وعَلى هَذِه الرِّوَايَة يكون مجهل صفة لزيزاء. فَإِن قلت: مَا تصنع بِالْوَجْهَيْنِ الْأَوَّلين وهما كسر الزَّاي وَفتحهَا مَعَ كسر الْهمزَة فيهمَا. قلت: قَالَ الجواليقي وَابْن يعِيش: من روى بزيزاء أَضَافَهُ إِلَى مجهل وَقدر حذف الْمَوْصُوف أَي: مَكَان مجهل. وَبِهَذَا يضمحل قَول ابْن الملا فِي شرح الْمُغنِي: وَالْعجب أَن السُّيُوطِيّ حكى فِي الزاء الْكسر وَالْفَتْح مَعَ أَن وَجه الْكسر لَا يَسْتَقِيم فِي الْبَيْت لِأَن الِاسْم مَعَه منصرف. انْتهى.) وَوجه توقفه أَن مجهلاً صفة لزيزاء وَالْوَصْف إِنَّمَا يتم على الْفَتْح للزاي والهمزة. وَإِمَّا إِن كسرت الأول فَهُوَ منصرف يَقْتَضِي الْإِضَافَة إِلَى الصّفة. وَجَوَابه: أَن الْمُضَاف إِلَيْهِ مَحْذُوف نابت صفته عَنهُ كَمَا قُلْنَا. وروى: ببيداء مجهل بدل قَوْله: بزيزاء مجهل. قَالَ ابْن السَّيِّد وَغَيره: الْبَيْدَاء: القفر الَّذِي يبيد من يسلكه أَي: يهلكه. والمجهل: الَّذِي لَيْسَ لَهُ أَعْلَام يهتدى بهَا. - فَمن روى: ببيداء جعل المجهل صفة لَهَا وَمن روى: بزيزاء أضافها إِلَى المجهل. وَهَذِه رِوَايَة الْبَصرِيين. انْتهى. وَفِي الْقَامُوس: وَأَرْض مجهل كمقعد: لَا يهتدى فِيهَا لَا يثنى وَلَا يجمع. وَزعم الْعَيْنِيّ أَن زيزاء هُنَا علم بقْعَة فَإِنَّهُ بعد أَن نقل عَن الثَّعْلَبِيّ أَنَّهَا الأَرْض الغليظة قَالَ: قلت الزيزاء: منهل معِين من مناهل الْحَج من أَرض

الشَّام ينزل مِنْهَا إِلَى أَرض معَان من بِلَاد الشوبك. ويروى بِفَتْح همزتها وَكسرهَا فَفَتحهَا على أَنه مَمْنُوع من الصّرْف. فَعِنْدَ الْبَصرِيين منع للعلمية والتأنيث لِأَنَّهُ بقْعَة وَعند الْكُوفِيّين لِأَن أَلفه للتأنيث. فعلى هَذَا يكون قَوْله: مجهل صفة لزيزاء. وَأما كسرهَا فعلى الْإِضَافَة إِلَى مجهل. هَذَا كَلَامه وَفِيه خطأ من وُجُوه: أَولهَا: لَا يَصح أَن يكون زيزاء فِي الْبَيْت المنهل الْمَذْكُور لِأَنَّهُ لَو كَانَ كَمَا زعم لم تفارق القطاة فرخها لطلب المَاء وَلم يكن لَهَا ظمء وَلم يكن مَوضِع فرخها مجهلاً. ثَانِيهَا: أَن ذَلِك المنهل إِنَّمَا هُوَ زيزاء بِدُونِ لَام التَّعْرِيف قَالَ ياقوت فِي مُعْجم الْبلدَانِ: زيزاء من قرى البلقاء: كَبِيرَة يَطَؤُهَا الْحَاج وَيُقَال: لَهُم بهَا سوق فِيهَا بركَة عَظِيمَة. وَأَصله فِي اللُّغَة الْمَكَان الْمُرْتَفع وَكَذَلِكَ هِيَ. انْتهى. وَقَالَ صَاحب الْقَامُوس: زيزى كضيزى: مَوضِع بِالشَّام. فَرَوَاهُ بِالْقصرِ. وَلَا يعرف هَل هُوَ مَا ذكره ياقوت أم غَيره. ثَالِثهَا: لم يقل أحد من الْبَصرِيين إِن زيزاء المكسور الأول مَمْنُوع من الصّرْف وَمَوْضِع الْخلاف عِنْدهمَا إِنَّمَا هُوَ فِي زيزاء بِالْكَسْرِ نكرَة فالبصريون يوجبون صرفه لِأَن ألف فعلاء بسكر الْفَاء لَيست للتأنيث.) - وَالْفراء وَمن تبعه يجوز منع الصّرْف على أَن الْألف للتأنيث ويستدل بِقِرَاءَة من طور سيناء بِالْكَسْرِ. وَأجَاب البصريون بِأَن منع صرفه إِنَّمَا هُوَ للعلمية والتأنيث لِأَنَّهُ علم

(الشاهد التاسع والعشرون بعد الثمانمائة)

بقْعَة لَا لِأَن أَلفه للتأنيث كَمَا تقدم. فَهَذَا خبط مِنْهُ وتخليط فِي تَقْرِير الْمَسْأَلَة عِنْد الْفَرِيقَيْنِ. رَابِعهَا: لَا يَصح وصف الْمعرفَة بالنكرة. خَامِسهَا: لَا وَجه لإضافة الْمعرفَة إِلَى النكرَة. وَمن هَذَا الْبَيْت إِلَى آخر القصيدة خَمْسَة وَعِشْرُونَ بَيْتا كلهَا فِي وصف القطا. ومزاحم الْعقيلِيّ شَاعِر إسلامي تقدّمت تَرْجَمته فِي الشَّاهِد الثَّالِث وَالسِّتِّينَ بعد الأربعمائة. وَأنْشد بعده (الشَّاهِد التَّاسِع وَالْعشْرُونَ بعد الثَّمَانمِائَة) وَهُوَ من شَوَاهِد س: (وَلَقَد أَرَانِي للرماح درية ... من عَن يَمِيني مرّة وأمامي) على أَن عَن فِيهِ اسْم بِمَعْنى جَانب لدُخُول حرف الْجَرّ عَلَيْهَا. وَاسْتشْكل هَذَا بِأَن الْكَلِمَة إِنَّمَا تعد حرفا واسماً إِذا اتَّحد أصل معنييهما والجانب لَيْسَ بِمَعْنى الْمُجَاوزَة.

وَأجِيب بِأَن الزَّمَخْشَرِيّ بَين فِي مفصله أَن معنى: جلس عَن يَمِينه أَنه جلس متراخياً عَن بدنه فِي الْمَكَان الَّذِي بحيال يَمِينه. فَمَعْنَى جَلَست عَن يَمِينه: جَلَست من جَانب يَمِينه وَمَوْضِع متجاوز عَن بدنه فِي الْمَكَان الَّذِي بحيال يَمِينه. فَيكون المُرَاد بالجانب الْجِهَة الْمُجَاوزَة لبدنه لَا مُطلق الْجِهَة فيتحد أصل معنى عَن. قَالَ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي: اسمية عَن متعينة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع: أَحدهَا: أَن تدخل عَلَيْهَا من وَهُوَ كثير. وَمن الدَّاخِلَة على عَن زَائِدَة عِنْد ابْن مَالك ولابتداء الْغَايَة عِنْد غَيره. قَالُوا: فَإِذا قيل: قعدت عَن يَمِينه فَالْمَعْنى فِي جَانب يَمِينه وَذَلِكَ مُحْتَمل للملاصقة ولخلافها. فَإِن جِئْت بِمن تعين كَون الْقعُود ملاصقاً لأوّل النَّاحِيَة. وَالثَّانِي: أَن تدخل عَلَيْهَا على وَذَلِكَ نَادِر وَالْمَحْفُوظ مِنْهُ بَيت وَاحِد وَهُوَ قَوْله: (على عَن يَمِيني مرت الطير سنحاً ... وَكَيف سنوح وَالْيَمِين قطيع) وَالثَّالِث: أَن يكون مجرورها وفاعل متعلقها ضميرين لمسمى وَاحِد قَالَه الْأَخْفَش كَقَوْل امْرِئ) (دع عَنْك نهباً صِيحَ فِي حجراته ... وَلَكِن حَدِيثا مَا حَدِيث الرَّوَاحِل)

وَذَلِكَ لِئَلَّا يُؤَدِّي إِلَى تعدِي فعل الْمُضمر الْمُتَّصِل إِلَى ضَمِيره الْمُتَّصِل. وَتقدم الْجَواب عَنهُ. وَمِمَّا يدل على أَنَّهَا لَيست هُنَا اسْما أَنَّهَا لَا يَصح حُلُول الْجَانِب محلهَا. انْتهى. وَالْبَيْت من أَبْيَات أَرْبَعَة أوردهَا أَبُو تَمام فِي الحماسة لقطري بن الْفُجَاءَة وَهِي: (لَا يركنن أحد إِلَى الإحجام ... يَوْم الوغى متخوفاً لحمام) فَلَقَد أَرَانِي للرماح دريةً ... ... ... ... ... ... . . الْبَيْت (حَتَّى خضبت بِمَا تحدر من دمي ... أكناف سرجي أَو عنان لجامي) (ثمَّ انصرفت وَقد أصبت وَلم أصب ... جذع البصيرة قارح الْإِقْدَام) قَوْله: لَا يركنن أحد ... إِلَخ لَا: ناهية وركن إِلَى الشَّيْء: مَال إِلَيْهِ. والإحجام بِتَقْدِيم الْمُهْملَة: التَّأَخُّر والنكوص. والمتخوف: الْخَائِف شَيْئا بعد شَيْء. وَالْحمام بسكر الْمُهْملَة: الْمَوْت. وَهَذَا الْبَيْت أوردهُ شرَّاح الألفية شَاهدا لمجيء الْحَال من النكرَة لوقوعها بعد النَّهْي. - وَأرَانِي: أعلمني ولكونه من أَفعَال الْقُلُوب صَحَّ أَن يَقع فَاعله ومفعوله لمسمىً وَاحِد. ودرية: مَفْعُوله الثَّانِي. قَالَ ثَعْلَب فِي أَمَالِيهِ: الدريئة بِالْهَمْز: الْحلقَة الَّتِي يَرْمِي فِيهَا المتعلم

ويطعن. والدرية بِلَا همز: النَّاقة الَّتِي ترسل مَعَ الْوَحْش لتأنس بهَا ثمَّ يسْتَتر بهَا ويرمى الْوَحْش. انْتهى. وَقَالَ القالي فِي أَمَالِيهِ بعد إنشاد هَذِه الأبيات الْأَرْبَعَة: الدريئة مَهْمُوزَة: الْحلقَة الَّتِي يتَعَلَّم عَلَيْهَا الطعْن وَهِي فعلية بِمَعْنى مفعولة. من درأت أَي: دفعت. والدرية غير المهموز: دَابَّة أَو جمل يسْتَتر بِهِ الصَّائِد فَيَرْمِي الصَّيْد. وَهُوَ من دَريت أَي: ختلت. قَالَ الشَّاعِر: (فَإِن كنت لَا أَدْرِي الظباء فإنني ... أدس لَهَا تَحت التُّرَاب الدواهيا) وَبَنوهُ على وزن خديعة إِذْ كَانَ فِي مَعْنَاهَا. انْتهى. قَالَ شارحها أَبُو عبيد الْبكْرِيّ: هَذَا الْبَيْت لعبد الله بن مُحَمَّد بن عباد الْخَولَانِيّ قَالَه الْهَمدَانِي فِي كتاب الإكليل. وكنى بالظباء عَن النِّسَاء. والصيادون يدفنون للوحش فِي طرقها إِلَى المَاء حدائد أشباه الكلاليب فَإِذا جَازَت عَلَيْهَا) قطعت قَوَائِمهَا. انْتهى. قَالَ شرَّاح الحماسة: وَيُمكن حمل الْبَيْت عَلَيْهِمَا. فَالْمُرَاد على الأول: أَن الطعْن يَقع فِيهِ كَمَا يَقع فِي تِلْكَ الْحلقَة وعَلى الثَّانِي: أَنه يصير ستْرَة لغيره من الطعْن كَمَا تكون تِلْكَ الدَّابَّة ستْرَة وَإِنَّمَا اقْتصر على الْيَمين والأمام أَي: القدام لِأَنَّهُ يعلم أَن الْيَسَار فِي ذَلِك كاليمين. وَأما الظّهْر فَإِن الْفَارِس لَا يُمكن مِنْهُ أحدا. وَمن على قَول ابْن مَالك زَائِدَة ومتعلقة بِمَحْذُوف على قَول غَيره. أَي: تَأتِينِي من هَذِه الْجِهَات. وَقَوله: حَتَّى خضبت ... إِلَخ أكناف السرج: جوانبه جمع كنف بِفتْحَتَيْنِ. وعنان اللجام: سيره الَّذِي تمسك بِهِ الدَّابَّة. وأو للتقسيم وَقَالَ

القالي فِي أَمَالِيهِ: أَرَادَ وعنان لجامي. وَالْمعْنَى: انتصبت للرماح حَتَّى خضبت بِمَا سَالَ من دمي جَوَانِب السرج وعنان فرسي وَذَلِكَ على حسب مواقع الطعْن فالعنان لما سَالَ من أعاليه وجوانب السرج لما سَالَ من أسافله. وَقيل: إِنَّمَا أَرَادَ دم من قَتله فأضافه إِلَى نَفسه لِأَنَّهُ أراقه. وَقَوله: وَقد أصبت وَلم أصب الأول بِالْبِنَاءِ للْفَاعِل وَالثَّانِي للْمَفْعُول وجذع وقارح: حالان. والجذع بِفَتْح الْجِيم والذال الْمُعْجَمَة: الشَّاب الْحَدث والقارح: المنتهي فِي السن. قَالَ الْخَطِيب: هما مثلان وأصلهما فِي الْخَيل وَذَوَات الحوافر. وَذَلِكَ أَن الْمهْر يركب بعد حول سياسة ورياضة فَإِذا بلغ حَوْلَيْنِ فَهُوَ جذع فَحِينَئِذٍ يَسْتَغْنِي عَن الرياضة. يَقُول: أَنا جذع البصيرة لَا أحتاج إِلَى تَهْذِيب كَمَا لَا يحْتَاج الْجذع إِلَى الرياضة وإقدامي قارح أَي: قد بلغ النِّهَايَة كَمَا أَن القروح نِهَايَة سنّ الْفرس. وَهَذَا مَا ذكره الشُّرَّاح. وَمَعْنَاهُ كَمَا ذكره أَبُو الْعَلَاء المعري أَنه يُرِيد أَنه لم يزل شجاعاً فإقدامه قارح لِأَنَّهُ قديم. - وَيَعْنِي بجذع البصيرة أَنه كَانَ فِيمَا سلف لَا يرى رَأْي الْخَوَارِج ثمَّ تبصر فِي آخر أمره فَعلم أَنهم على لَاحق فبصيرته جَذَعَة أَي: محدثة. وَذَلِكَ أَنه كَانَ خارجياً سلم عَلَيْهِ بالخلافة ثَلَاث عشرَة سنة. انْتهى. وَقَالَ القالي: أَي وَأَنا على بصيرتي الأولى. وقارح الْإِقْدَام أَي: متناه فِي الْإِقْدَام. وَقَالَ أَبُو عبيد الْبكْرِيّ فِي شرحها قَالَ النمري: يُرِيد ثمَّ انصرفت وَقد قتلت وَلم أقتل بعد أَن خضبت سرجي ولجامي. يُرِيد أَن الْأَجَل حرز فَلَا يركنن أحد إِلَى الْجُبْن خوف الْمَوْت.) وَقَوله: جذع البصيرة يُرِيد استبصاره الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ فِي أول الْأَمر لم ينْتَقل عَنهُ لما ناله من الْجِرَاحَات وَلم يضعف فِيهِ

قارح الْإِقْدَام أَي: قد بلغ إقدامه النِّهَايَة. وَقَالَ قوم: إِنَّمَا يُرِيد بقوله: وَلم أصب لم ألف على هَذِه الْحَال وَلَكِنِّي قارح البصيرة جذع الْإِقْدَام أَي: رَأْيه رَأْي شيخ وإقدامه إقدام غُلَام. وَيكون البصيرة على هَذَا الرَّأْي وَالتَّدْبِير كالاستبصار فِي الْأَمر وَهُوَ الأعرف فِي كَلَام الْعَرَب فَإِن البصيرة للقلب كالبصر للعين. وَالْحجّة لهَذَا الْمَذْهَب: قَوْله وَلم أصب وَهُوَ قد قَالَ قبل هَذَا: حَتَّى خضبت بِمَا تحدر من دمي والإصابة قد تكون فِيمَا دون النَّفس وَهُوَ الْأَكْثَر. انْتهى. وَبعد هَذِه الْأَرْبَعَة بيتان لم يوردهما أَبُو تَمام وهما: (متعرضاً للْمَوْت أضْرب معلما ... بهم الحروب مشهر الْإِعْلَام) (أَدْعُو الكماة إِلَى النزال وَلَا أرى ... نحر الْكَرِيم على القنا بِحرَام) وقطري هُوَ رَأس الْخَوَارِج كَانَ أحد الْأَبْطَال الْمَذْكُورين خرج فِي مُدَّة ابْن الزبير وَبَقِي يُقَاتل ويستظهر بضع عشرَة سنة وَسلم عَلَيْهِ بإمرة الْمُؤمنِينَ. وجهز عَلَيْهِ الْحجَّاج جَيْشًا بعد جَيش وَهُوَ يستظهر عَلَيْهِم ويكسرهم. وتغلب على نواحي فَارس وَغَيرهَا. وَوَقَائعه مَشْهُورَة. وَقد ذكر الْمبرد كثيرا من أخباره فِي الْكَامِل. وَكَانَ مَعَ شجاعته من البلغاء وَله شعر جيد. وَكَانَ آخر أمره أَن الْحجَّاج ندب لَهُ سُفْيَان بن الْأَبْرَد فِي جَيش كثيف وَاجْتمعَ مَعَه إِسْحَاق بن مُحَمَّد بن الْأَشْعَث فِي جَيش لأهل الْكُوفَة فَأَقْبَلَا فِي طلب قطري فأدركوه فِي شعب من شعاب طبرستان فقاتلوه فَتفرق عَنهُ أَصْحَابه وَسقط عَن دَابَّته فتدهده إِلَى أَسْفَل الشّعب. وَأَتَاهُ علج من أهل الْبَلَد

فحدر عَلَيْهِ حجرا من فَوْقه فَأصَاب وركه فأوهنه وَصَاح بِالنَّاسِ فَأَقْبَلُوا نَحوه وَجَاء نفر من أهل الْكُوفَة فَقَتَلُوهُ وَأَرْسلُوا رَأْيه إِلَى الْحجَّاج فسيره إِلَى عبد الْملك وقطري بِفَتْح الْقَاف والطاء وَتَشْديد الْيَاء قَالَ الْجَوْهَرِي: وقطري بن فجاءة الْمَازِني زعم بَعضهم أَن أصل الِاسْم مَأْخُوذ من قطري النِّعَال. قَالَ الصّلاح الصَّفَدِي فِي حَاشِيَته على الصِّحَاح قلت: بل هُوَ مَنْسُوب إِلَى قطر بِالسَّيْفِ على مَا ذكره بَعضهم. انْتهى. أَقُول: السَّيْف بِكَسْر السِّين: سَاحل الْبَحْر قَالَ أَبُو عبيد الْبكْرِيّ فِي مُعْجم مَا استعجم: قطر) بِفَتْح أَوله وثانيه بعده رَاء مُهْملَة: مَوضِع بَين الْبَحْرين وعمان تنْسب إِلَيْهِ الْإِبِل الْجِيَاد وَهِي اكثر بِلَاد الْبَحْرين حمراً. والفجاءة بِضَم الْفَاء وَالْمدّ قَالَ صَاحب الصِّحَاح: فاجأه الْأَمر مفاجأة وفجئاً وَكَذَلِكَ فجئه الْأَمر وفجأه الْأَمر بِالْكَسْرِ وَالنّصب فجاءة بِالضَّمِّ وَالْمدّ. وَمِنْه قطري بن فجاءة الْمَازِني. قَالَ أَبُو عبيد الْبكْرِيّ فِي شرح أمالي القالي: اخْتلف فِي اسْم الْفُجَاءَة فَقيل: اسْمه جَعونَة وَقيل: مَازِن بن يزِيد بن زِيَاد بن حنثر بن كابية بن حرقوص بن مَازِن بن مَالك بن عَمْرو بن تَمِيم. وَسمي الْفُجَاءَة لِأَنَّهُ غَابَ دهراً بِالْيمن ثمَّ جَاءَهُم فجاءة. انْتهى. وَجزم صَاحب الجمهرة أَن اسْمه جَعونَة بن مَازِن فَجعل مازناً وَالِد جَعونَة لَا وَالِد قطري. وَهُوَ بِفَتْح الْجِيم وَسُكُون الْعين وَبعد الْوَاو نون. وحنثر الْمَشْهُور

أَنه حبتر بِفَتْح الْمُهْملَة وَسُكُون قَالَ الْأَمِير الْحَافِظ أَبُو نصر عَليّ بن مَاكُولَا فِي إكماله: وَقَالَ ابْن الْكَلْبِيّ: قطري بن الْفُجَاءَة وَرفع فِي نسبه إِلَى حنثر بن كابية بِفَتْح الْمُهْملَة وَسُكُون النُّون بعْدهَا ثاء مُعْجمَة بِثَلَاث. ويروى حبتر وَالصَّوَاب بالنُّون والمثلثة. وَالله أعلم. وكابية بموحدة بعْدهَا مثناة تحتية. وحرقوص بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَالْقَاف. وَأنْشد بعده: (باتت تنوش الْحَوْض نوشاً من علا ... نوشاً بِهِ تقطع أجواز الفلا) على أَن علا الاسمية لَا تلْزم الْإِضَافَة كَمَا هُنَا بِخِلَاف عَن فَإِنَّهَا تلزمها. - قَالَ أَبُو عَليّ فِي تَذكرته: بجوز أَن يكون علا مَبْنِيا معرفَة وَيجوز أَن يكون معرباً نكرَة. فَإِن كَانَ مَبْنِيا كَانَت الْألف منقلبة عَن الْوَاو لتحركها بالضمة. وَإِن كَانَ معرباً كَانَت منقلبة عَن الْوَاو لتحركها بِالْجَرِّ. فَإِن قيل: لَا يكون إِلَّا مَبْنِيا لِأَنَّهُ معرفَة لتقدم الْحَوْض وَالْمعْنَى: من علا الْحَوْض. قيل: قد قَالَ الله تَعَالَى: لله الْأَمر من قبل وَمن بعد فهما نكرتان وَإِن كَانَ ذكر الْغَلَبَة قد تقدم وَكَانَ مَعْلُوما إِذْ معنى الْكَلَام من قبل الْغَلَبَة وَمن بعْدهَا. انْتهى. وعَلى هَذَا يقْرَأ قَول الشَّارِح الْمُحَقق أَي: من فَوق بِضَم الْقَاف وَكسرهَا منونة. وَقد أخل ابْن جني فِي شرح تصريف الْمَازِني فِي النَّقْل عَن أبي عَليّ فَإِنَّهُ قَالَ: قد كَانَ أَبُو عَليّ يَقُول فِي علا من هَذَا الرجز أَن الْألف فِي علا منقلبة

عَن الْوَاو لِأَنَّهُ من عَلَوْت وَأَن الْكَلِمَة فِي) مَوضِع مَبْنِيّ نَحْو: قبل وَبعد لِأَنَّهُ يُرِيد نوشاً من علاهُ. فَلَمَّا اقتطع الْمُضَاف من الْمُضَاف إِلَيْهِ وَجب بِنَاء الْكَلِمَة على الضَّم نَحْو: قبل وَبعد فَلَمَّا وَقعت الْوَاو مَضْمُومَة وَقبلهَا فَتْحة قلبت ألفا. وَهَذَا مَذْهَب حسن. انْتهى. فَللَّه در الشَّارِح الْمُحَقق حَيْثُ لم يُقيد. لَكِن أنْشدهُ الشَّارِح فِي أول حُرُوف الْجَرّ على أَن عَلامَة علا فِيهِ مَبْنِيّ على الضَّم لحذف الْمُضَاف إِلَيْهِ وَإِرَادَة مَعْنَاهُ. وَأوردهُ ثَعْلَب فِي أَمَالِيهِ على أَنه يُقَال: من علو بِسُكُون اللَّام وَكسر الْوَاو مَعَ التَّنْوِين وعلو بِضَم الْوَاو وعلو بِفَتْحِهَا وَمن علونا بِضَم الْعين وَكسر الْوَاو وَمن عل وَمن عَال وَمن علا. وَأنْشد الْبَيْتَيْنِ. وَقَالَ: من قَالَ: من علا جعله مثل قفاً وعال مثل فَاعل وعل مثل عَم وَمن معال مثل مفاعل بِضَم الْمِيم وَمن علو مثل قبل وَبعد وَمن علو مثل لَيْت. انْتهى. وَتقدم شَرحه بأبسط مِمَّا هُنَا فِي الشَّاهِد الثَّالِث وَالسبْعين بعد السبعمائة. وَأنْشد بعده يضحكن عَن كَالْبردِ المنهم على أَن الْكَاف يتَعَيَّن اسميتها إِذا انجرت كَمَا هُنَا. فالكاف اسْم بِمَعْنى مثل

صفة مَوْصُوف مَحْذُوف أَي: عَن ثغر مثل الْبرد. قَالَ أَبُو حَيَّان فِي الارتشاف: وَاخْتلفُوا هَل تكون اسْما فِي الْكَلَام أَو يخْتَص ذَلِك بضرورة الشّعْر فَذهب الْأَخْفَش والفارسي فِي ظَاهر قَوْله وتبعهما ابْن مَالك أَنَّهَا تكون اسْما فِي الْكَلَام وَقد كثر جرها بِالْبَاء وعَلى وَعَن وأضيف إِلَيْهَا وَأسْندَ فاعلة ومبتدأة ومفعولة. لَكِن كل هَذَا فِي الشّعْر. وَذهب سِيبَوَيْهٍ إِلَى أَن اسْتِعْمَالهَا اسْما إِنَّمَا يجوز فِي ضَرُورَة الشّعْر. انْتهى. وَمِثَال جرها بِالْبَاء قَول امْرِئ الْقَيْس يصف فرسا: (ورحنا بكابن المَاء يجنب وَسطنَا ... تصوب فِيهِ الْعين طوراً وترتقي) وَابْن المَاء: طَائِر يُقَال لَهُ: الغرنيق شبه الْفرس بِهِ فِي سرعته وسهولة مَشْيه. ويجنب: يُقَاد. وتصوب: تنحدر. وترتقي: ترْتَفع. يُرِيد أَن عين النَّاظر إِلَيْهِ تصعد فِيهِ النّظر وتصوبه إعجاباً بِهِ. وَمِثَال جرها بعلى قَول ذِي الرمة: (أَبيت على مي كئيباً وبعلها ... على كالنقا من عالج يتبطح)) وَمِثَال وُقُوعهَا فاعلة الْبَيْت الْآتِي. وَمِثَال وُقُوعهَا مُبتَدأَة قَول الْكُمَيْت: أَي: علينا مثل النهاء. وَمِثَال وُقُوعهَا مفعولة قَول النَّابِغَة: ...

(لَا يبرمون إِذا مَا الْأُفق جلله ... برد الشتَاء من الإمحال كالأدم) فالكاف مفعول جلله. وَمِثَال وُقُوعهَا مُضَافا إِلَيْهَا قَوْله: (تيم الْقلب حب كالبدر لَا بل ... فاق حسنا من تيم الْقلب حبا) وَالْبَيْت الْآتِي وَهُوَ: فصيروا مثل كعصف مَأْكُول وَبَقِي عَلَيْهِ جرها بِالْكَاف وَسَيَأْتِي. وَمِثَال جرها بعن الْبَيْت الشَّاهِد. وَقَبله: (وَلَا تلمني الْيَوْم يَا ابْن عمي ... عِنْد أبي الصَّهْبَاء أقْصَى همي) (بيض ثَلَاث كنعاج جم ... يضحكن عَن كَالْبردِ المنهم) تَحت عرانين أنوف شم أَبُو الصَّهْبَاء: كنية رجل. والهم بِالْفَتْح الهمة بِالْكَسْرِ: أول الْعَزْم وَهُوَ الْإِرَادَة وَقد يُطلق على الْعَزْم الْقوي فَيُقَال: لَهُ همة عالية. قَالَ ابْن فَارس: الْهم: مَا هَمَمْت بِهِ إِذا أردته وَلم تَفْعَلهُ. وبيض بِالرَّفْع: إِمَّا بدل من أقْصَى همي وَإِمَّا خبر لمبتدأ مَحْذُوف أَي: هُوَ وَالْجُمْلَة جَوَاب سُؤال مُقَدّر. وَقيل: بيض بِالْجَرِّ بدل من همي وَلَا وَجه لَهُ. وَقيل بيض ثَلَاث: مُبْتَدأ. وَجُمْلَة يضحكن خَبره وَقيل: خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي: هن بيض وَقيل: مُبْتَدأ خَبره مَحْذُوف أَي: مِنْهُنَّ بيض. ذكر هَذِه الْأَوْجه الثَّلَاثَة الْأَخِيرَة

الْعَيْنِيّ تبعا لصَاحب التخمير. وَالْبيض: الحسان جمع بَيْضَاء وَهِي الْحَسْنَاء. والنعاج: جمع نعجة فِي الْمِصْبَاح: النعجة الْأُنْثَى من الضَّأْن. وَالْعرب تكنى عَن الْمَرْأَة بالنعجة. انْتهى. وَنقل عَن أبي عبيد أَنه لَا يُقَال لغير بقر الْوَحْش نعاج. وتشبه النِّسَاء بهَا فِي الْعُيُون والأعناق. والجم بِضَم الْجِيم: جمع جماء وَهِي الَّتِي لَا قرن لَهَا يُقَال: جمت الشَّاة جمماً من بَاب تَعب: إِذا لم يكن لَهَا قرن فالذكر أجم وَالْأُنْثَى جماء وجمعهما جم بِالضَّمِّ. وَفَائِدَة الْوَصْف بجم نفي مَا يكسبهن سماجة. وَالْبرد: حب الْغَمَام وَهُوَ شَيْء ينزل من السَّحَاب يشبه الْحَصَى وَيُسمى حب المزن أَيْضا.) والمنهم: الذائب. قَالَ الْجَوْهَرِي: انهم الْبرد والشحم: ذاب. وهمه: أذابه. شبه ثغر النِّسَاء بالبرد الذائب فِي اللطافة والجلاء. والثغر أَصله المبسم وَيُطلق على الثنايا. وَقَوله: تَحت العرانين مُتَعَلق بِمَحْذُوف على أَنه صفة ثَانِيَة للبرد. والعرانين: جمع عرنين وَهُوَ مَا والشمم: ارْتِفَاع قَصَبَة الْأنف مَعَ اسْتِوَاء أَعْلَاهُ. فَإِن كَانَ احديداب فَهُوَ القنا وَالْأنف وَالرجل أقنى وَالْأُنْثَى قنواء. وَهَذَا الرجز للعجاج. وَتَقَدَّمت تَرْجَمته فِي الشَّاهِد الْحَادِي وَالْعِشْرين من أَوَائِل الْكتاب.

وَأنْشد بعده: (أتنتهون وَلنْ ينْهَى ذَوي شطط ... كالطعن يهْلك فِيهِ الزَّيْت والفتل) على أَنه يتَعَيَّن فِيهِ اسميتها أَيْضا إِذا طلبَهَا عَامل رفع كَمَا هُنَا فَإِنَّهَا اسْم بِمَعْنى مثل وَقعت عاملة لينهى. وَقَوله: إِذا ارْتَفَعت مَعْطُوف على قَوْله: إِذا انجرت. وَتقدم كَلَام ابْن السراج فِي تعين اسمية الْكَاف عِنْد الْكَلَام على هَذَا الْبَيْت فِي الشَّاهِد السَّادِس وَالسبْعين بعد السبعمائة. وَقد بسط عَلَيْهَا الْكَلَام ابْن جني فِي سر الصِّنَاعَة وَجوز اسميتها فِي الِاخْتِيَار دون الضَّرُورَة بِخِلَاف ابْن عُصْفُور فِي كتاب ابْن الضرائر. وَلَا بَأْس بإيراد كَلَامهمَا. ولنقدم الثَّانِي فَإِنَّهُ أخصر وأجمل قَالَ: وَمِنْه اسْتِعْمَال الْحَرْف اسْما للضَّرُورَة كَقَوْل الْأَعْشَى: أتنتهون الْبَيْت (وَإنَّك لم يفخر عَلَيْك كفاخر ... ضَعِيف وَلم يَغْلِبك مثل مغلب) فَجعل الْكَاف فاعلة بيفخر. وَالدَّلِيل على أَنَّهَا فاعلة فِي الْبَيْتَيْنِ أَنه لَا بُد للْفِعْل من فَاعل فَلَا يجوز أَن يكون الْفَاعِل محذوفاً وَيكون تَقْدِيره فِي الْبَيْت الأول ناه كالطعن وَفِي الْبَيْت الثَّانِي فاخر كفاخر. لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو بعد الْحَذف أَن يُقَام الْمَجْرُور مقَامه أَو لَا يُقَام. فَإِن لم يقم مقَامه لم يجز ذَلِك لِأَن الْفَاعِل لَا يحذف من غير أَن يُقَام شَيْء مقَامه. وَإِن قدر لزم أَن يكون الْمَجْرُور فَاعِلا وَالْمَجْرُور الَّذِي

حرف الْجَرّ فِيهِ غير زَائِد لَا يكون فَاعِلا. فَلَمَّا تعذر حذف الْفَاعِل على التَّقْدِيرَيْنِ لم يبْق إِلَّا أَن تكون الْكَاف هِيَ الفاعلة عوملت) مُعَاملَة مثل لِأَن مَعْنَاهَا كمعناه. وَحكم لَهَا بِحكمِهِ بَدَلا من حكمهَا للضَّرُورَة. وَمِمَّا اسْتعْملت أَيْضا الْكَاف فِيهِ اسْما قَول ذِي الرمة: وبعله على كالنقا. وَقَول امْرِئ الْقَيْس: ورحنا بكابن المَاء وَالدَّلِيل على أَن الْكَاف فيهمَا لَيست بِحرف جر أَن حرف الْجَرّ لَا يدْخل على حرف الْجَرّ إِلَّا أَن يَكُونَا فِي معنى وَاحِد فَيكون أَحدهمَا تَأْكِيدًا للْآخر. فَإِن قيل: لَعَلَّ الْكَاف حرف جر وَيكون الْمَجْرُور بعلى وَالْبَاء محذوفاً. وَالتَّقْدِير: على كفل كالنقا وبفرس كَابْن المَاء فَالْجَوَاب: أَن ذَلِك لَا يسوغ لِأَنَّك إِن لم تقدر الْمَجْرُور قَائِما مقَام الْمَحْذُوف لزم من ذَلِك أَن يكون الْحَرْف الَّذِي هُوَ الْكَاف مَعَ الِاسْم الْمَجْرُور بِهِ فِي مَوضِع خفض بعلى وَالْبَاء وَذَلِكَ لَا يجوز لِأَن حُرُوف الْجَرّ إِنَّمَا تجر الْأَسْمَاء وَحدهَا فَلَمَّا تعذر أَن تكون الْكَاف حرفا على التَّقْدِيرَيْنِ لم يبْق إِلَّا أَن تكون قد جعلت اسْما. انْتهى. - وَقَالَ ابْن جني: إِن قَالَ قَائِل: هَل يجوز أَن تكون الْكَاف فِي كالطعن حرف جر وَتَكون صفة قَامَت مقَام الْمَوْصُوف. وَالتَّقْدِير: وَلنْ ينْهَى ذَوي شطط شَيْء كالطعن فَيكون الْفَاعِل الْمَحْذُوف الْمَوْصُوف حذف جَائِزا كَمَا حذف الْمَوْصُوف فِي قَوْله: ودانيةً عَلَيْهِم ظلالها أَي: جنَّة دانية وكقول الآخر:

كَأَنَّك من جمال بني أقيش أَي: جمل من جمال بني أقيش فَالْجَوَاب: أَن حذف الْمَوْصُوف وَإِقَامَة الْوَصْف مقَامه قَبِيح وَفِي بعض الْأَمَاكِن أقبح. فَأَما دانية فَالْوَجْه أَن يكون حَالا معطوفة على متكئين فَهَذَا لَا ضَرُورَة فِيهِ. وَأما قَوْله: كَأَنَّك من جمال فَإِنَّمَا جَازَ فِي ضَرُورَة الشّعْر. وَلَو جَازَ لنا أَن نجد من فِي بعض الْمَوَاضِع قد جعلت اسْما لجعلناها هُنَا اسْما وَلم نحمل الْكَلَام على إِقَامَة الصّفة. فَأَما قَوْله: وَلنْ ينْهَى ذَوي شطط كالطعن فَلَو حَملته على إِقَامَة الصّفة مقَام الْمَوْصُوف لَكَانَ أقبح من تَأَول قَوْله تَعَالَى: ودانية على حذف الْمَوْصُوف لِأَن الْكَاف فِي بَيت الْأَعْشَى هِيَ) الفاعلة فِي الْمَعْنى ودانية إِنَّمَا هِيَ مفعول وَالْمَفْعُول قد يكون غير اسْم صَرِيح نَحْو: ظَنَنْت زيدا يقوم وَالْفَاعِل لَا يكون إِلَّا اسْما صَرِيحًا مَحْضا. فَإِن قلت: أَلَسْت تعلم أَن خبر كَأَن يجْرِي مجْرى الْفَاعِل وَقد قَالُوا: كَأَنَّك من جمال بني أقيش وَأَرَادُوا: جمل من جمال بني أقيش فَهَلا أجزت حذف الْفَاعِل وَإِقَامَة الصّفة مقَامه فِي قَول الْأَعْشَى فَالْجَوَاب: أَن بَينهمَا فرقا من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَن خبر كَأَن وَإِن شبه بالفاعل فِي ارتفاعه فَلَيْسَ فِي الْحَقِيقَة فَاعِلا وجعلهم خَبَرهَا فعلا يدل على أَنه لَا يبلغ قُوَّة الْفَاعِل. وَالْآخر: أَن قَوْله: كَأَنَّك من جما لبني أقيش

اضطررنا فِيهِ إِلَى إِقَامَة الصّفة مقَام الْمَوْصُوف وَبَيت الْأَعْشَى لم نضطر فِيهِ إِلَى ذَلِك لِأَنَّهُ قد قَامَت الدّلَالَة الْبَيِّنَة عندنَا على استعمالهم الْكَاف اسْما فِي نَحْو قَوْله: وبعلها على كالنقا فَهَذَا وَنَحْوه يشْهد بِكَوْن الْكَاف اسْما وَبَيت الْأَعْشَى أَيْضا يشْهد بِمَا قُلْنَا. ولسنا نخالف الشَّائِع المطرد إِلَى ضَرُورَة واستقباح إِلَّا بِأَمْر يَدْعُو إِلَى ذَلِك وَلَا ضَرُورَة هُنَا. فَنحْن على مَا يجب من لُزُوم الظَّاهِر ومخالفنا مُعْتَقد لما لَا قِيَاس يعضده. فقد صَحَّ بِمَا قدمنَا أَن كَاف الْجَرّ تكون مرّة اسْما وَمرَّة حرفا. فَإِذا رَأَيْتهَا فِي مَوضِع تصلح فِيهِ أَن تكون اسْما وَأَن تكون حرفا فجوز فِيهَا الْأَمريْنِ وَذَلِكَ كَقَوْلِك: زيد كعمرو فقد تصلح أَن تكون الْكَاف هُنَا اسْما كَقَوْلِك: زيد مثل عَمْرو وَيجوز أَن تكون حرفا كَقَوْلِك: زيد من الْكِرَام. فَكَمَا أَن من حرف جر وَقع خَبرا عَن الْمُبْتَدَأ كَذَلِك الْكَاف تصلح أَن تكون حرف جر. فَإِذا قلت: أَنْت كزيد وَجعلت الْكَاف اسْما فَلَا ضمير فِيهَا كَمَا أَنَّك إِذا قلت: أَنْت مثل زيد فَلَا ضمير فِي مثل كَمَا لَا ضمير فِي الْأَخ وَلَا الابْن إِذا قلت: أَنْت أَخُو زيد وَأَنت ابْن زيد. هَذَا قَول أَصْحَابنَا وَإِن كَانَ قد أجَاز بعض البغداديين أَن يكون فِي هَذَا النَّحْو الَّذِي هُوَ غير مُشْتَقّ من الْفِعْل ضمير كَمَا يكون فِي الْمُشْتَقّ. فَإِذا جعلت الْكَاف فِي: أَنْت كزيد حرفا فَفِيهَا ضمير كَمَا تَتَضَمَّن حُرُوف الْجَرّ الضَّمِير إِذا وَاعْلَم أَنه كَمَا جَازَ أَن تجْعَل هَذِه الْكَاف فاعلة فِي بَيت الْأَعْشَى وَغَيره فَكَذَلِك يجوز أَن تجْعَل) مُبتَدأَة فَنَقُول على هَذَا: كزيد جَاءَنِي وَأَنت تُرِيدُ: مثل زيد جَاءَنِي. فَإِن أدخلت إِن على هَذَا قلت: إِن كبكر غُلَام لمُحَمد فَرفعت

الْغُلَام لِأَنَّهُ خبر إِن وَالْكَاف فِي مَوضِع نصب لِأَنَّهَا اسْم إِن. وَتقول: إِذا جعلت الْكَاف حرفا وخبراً مقدما: إِن كبكر أَخَاك. وَاعْلَم أَن أَقيس الْوَجْهَيْنِ فِي أَنْت كزيد أَن تكون الْكَاف حرفا جاراً بِمَنْزِلَة الْبَاء وَاللَّام لِأَنَّهَا مَبْنِيَّة مثلهمَا وَلِأَنَّهَا أَيْضا على حرف وَاحِد وَلَا أصل لَهَا فِي الثَّلَاثَة فَهِيَ بالحروف أشبه. وَلِأَن اسْتِعْمَالهَا حرفا أَكثر من اسْتِعْمَالهَا اسْما. هَذَا كَلَام ابْن جني وَهُوَ صَرِيح فِي جَوَاز اسميتها فِي الاختبار خلاف مَا نقل عَن سِيبَوَيْهٍ. وَإِلَيْهِ ذهب صَاحب الْكَشَّاف أَيْضا قَالَ فِي: فأنفخ فِيهِ: إِن الضَّمِير للكاف من كَهَيئَةِ الطير أَي: فأنفخ فِي ذَلِك الشَّيْء المماثل فَيصير كَسَائِر الطُّيُور. انْتهى. وجميعهم امْتَنعُوا فِيمَا ذَكرْنَاهُ من جعل الْكَاف حرفا تكون مَعَ مجرورها صفة لمَحْذُوف لِأَن شَرط جَوَازه أَن يكون بَعْضًا من مجرور بِمن أَو فِي نَحْو: منا ظعن وَمنا أَقَامَ. وَلم يلْتَفت أَبُو عَليّ فِي البغداديات إِلَى هَذَا الشَّرْط وخرجه على حذف الْفَاعِل الْمَوْصُوف فَقَالَ: وَلَو قَالَ قَائِل إِن الْكَاف بِمَعْنى الْحَرْف الْجَار لم يكن مخطئاً وَيكون التَّقْدِير: وَلنْ ينْهَى ذَوي شطط شَيْء كالطعن وَنَظِيره من التَّنْزِيل: وَمن آيَاته يريكم الْبَرْق تَقْدِيره: وَمن آيَاته أَنه يريكم فِيهَا الْبَرْق فنصب الظّرْف على الاتساع نصب الْمَفْعُول بِهِ كَأَنَّهُ يريكموها الْبَرْق. مثل وَيَوْما شهدناه ثمَّ حذف الضَّمِير. وَنَظِير ذَلِك: ...

(وَمَا الدَّهْر إِلَّا تارتان فمنهما ... أَمُوت وَأُخْرَى أَبْتَغِي الْعَيْش أكدح) أَي: مِنْهُمَا تَارَة أَمُوت فِيهَا وَأُخْرَى أَبْتَغِي الْعَيْش. وَمن هَذَا الْبَاب قَول أبي الْحسن: قَوْله تَعَالَى: أَو جاؤوكم حصرت صُدُورهمْ أَي: جاؤوكم قوما حصرت صُدُورهمْ. فَكَذَلِك قَوْله: وَلنْ ينْهَى ذَوي شطط يحْتَمل أَن يكون على هَذَا الَّذِي وَصفنَا من حذف الْمَوْصُوف وَلَكِن يدل على كَونهَا اسْما فِي الشّعْر قَول الْقَائِل: فصيروا مثل كعصف مَأْكُول لِأَن الِاسْم لَا يُضَاف إِلَى الْحَرْف. وَكَذَلِكَ: وصاليات ككما يؤثفين) تدل الْكَاف الأولى على أَن الثَّانِيَة اسْم إِذْ لَا يدْخل حرف خفض على مثله انْتهى كَلَامه. وَقد رَجَعَ عَنهُ فِي الْمسَائِل البصريات وَهَذَا نَصه: لَا تَخْلُو الْكَاف من أَن تكون اسْما أَو حرفا. لَا يجوز أَن تكون حرفا لِأَنَّك إِن جَعلتهَا حرفا لزم أَن تجعلها صفة لمَحْذُوف كَأَنَّك قلت: شَيْء كالطعن وَالْفَاعِل لَا يحذف. أَلا ترى إِلَى أَن قَول من قَالَ: ضَرَبَنِي وَضربت زيدا إِن الْفَاعِل مِنْهُ مَحْذُوف خطأ عندنَا. وَكَذَلِكَ إِن جعلت الْكَاف حرفا كَانَ وَصفا وَإِذا صَار وَصفا فالموصوف مَحْذُوف.

وَإِذا جعلته وصف مَحْذُوف بَقِي الْفِعْل لبلا فَاعل وَذَلِكَ غير جَائِز عندنَا. فَإِذا كَانَ كَذَلِك جعلت الْكَاف نَفسهَا فاعلة وموضعها رفع كَمَا أَن موضعهَا جر فِي قَوْله: ككما يؤثفين وكما أَن موضعهَا جر فِي قَوْله: على كالقطا الْجونِي فَإِن قلت: فَهَلا حذفت الْمَجْرُور فِي قَوْله: على كالقطا الْجونِي لِأَنَّهُ لَيْسَ بفاعل قُلْنَا: يفْسد كَمَا يفْسد حذف الْفَاعِل فَإنَّك إِذا حذفته قدرت الْكَاف وَصفا لَهُ وَإِذا كَانَت وَصفا لَهُ كَانَت حرفا وَإِذا كَانَت حرفا أدخلت حرف جر على حرف جر. وَإِذا كَانَ كَذَلِك لم يجز فَمن ثمَّ لزمك أَن تحكم بِأَن الْكَاف فِي قَوْله: على كالقطا اسْم فِي مَوضِع جر بعلى كَمَا أَنَّهَا اسْم فِي مَوضِع رفع بِأَنَّهَا فاعلة فِي بَيت الْأَعْشَى. انْتهى كَلَامه. وعَلى هَذَا مَشى فِي التَّذْكِرَة القصرية وَفِي كتاب الشّعْر. وَمن جَمِيعه تعلم أَن اسميتها عِنْده خَاصَّة بالشعر خلافًا لما نقل عَنهُ. وَمعنى الْبَيْت: لَا يمْنَع الجائرين عَن الْجور مثل طعن نَافِذ إِلَى الْجوف يغيب فِيهِ الزَّيْت مَعَ فَتِيلَة الْجراح. وَتقدم الْكَلَام عَلَيْهِ مفصلا فِي الشَّاهِد السَّادِس وَالسبْعين بعد السبعمائة.

(الشاهد الحادي والثلاثون بعد الثمانمائة)

وَأنْشد بعده (الشَّاهِد الْحَادِي وَالثَّلَاثُونَ بعد الثَّمَانمِائَة) لواحق الأقراب فِيهَا كالمقق على أَن الْكَاف فِيهِ زَائِدَة. قَالَ ابْن جني فِي سر الصِّنَاعَة: المقق: الطول وَلَا يُقَال فِي الشَّيْء كالطول إِنَّمَا يُقَال: فِيهِ طول فَكَأَنَّهُ قَالَ: فِيهَا مقق أَي: طول. انْتهى. وَالْبَيْت لرؤبة بن العجاج. قَالَ الْأَصْمَعِي فِي شَرحه: هُوَ مثل قَوْلهم: هُوَ كذي الْهَيْئَة أَي: هُوَ ذُو هَيْئَة. وَكَذَا قَالَ ابْن السراج فِي الْأُصُول وَأَبُو عَليّ فِي البغداديات قَالَ: وَأما مَجِيء الْكَاف حرفا زَائِدا لغير معنى التَّشْبِيه فكقولهم فِيمَا حدّثنَاهُ عَن أبي الْعَبَّاس: فلَان كذي الْهَيْئَة يُرِيدُونَ فلَان ذُو لواحق الأقراب فِيهَا كالمقق أَي: فِيهَا مقق لِأَنَّهُ يصف الأضلاع بِأَن فِيهَا طولا وَلَيْسَ يُرِيد أَن شَيْئا مثل الطول نَفسه. وَمِنْه: لَيْسَ كمثله شَيْء. وَمِنْه أَيْضا: أَو كَالَّذي مر على قَرْيَة تَقْدِيره: أَرَأَيْت الَّذِي حَاج إِبْرَاهِيم فِي ربه وَالَّذِي مر على قَرْيَة. انْتهى.

قَالَ أَبُو حَيَّان: وَحكى الْفراء انه قيل لبَعض الْعَرَب: كَيفَ تَصْنَعُونَ الأقط قَالَ: كهين يُرِيد هيناً. وَمن زيادتها قَول بَعضهم: كمذ أخذت فِي حَدِيثك جَوَابا لمن قَالَ لَهُ: مذ كم لم تَرَ فلَانا يُرِيد: مذ أخذت. انْتهى. وَمِنْه يعلم أَنه لَا وَجه لتخصيص زيادتها بالضرائر الشعرية كَمَا زعم ابْن عُصْفُور. واللواحق: جمع لاحقة اسْم فَاعل من لحق كسمع لُحُوقا: ضمر وهزل. والأقراب: جمع قرب بضمة فَسُكُون وبضمتين: الخاصرة وَقيل: من الشاكلة إِلَى مراق الْبَطن. يُرِيد أَنَّهَا خماص الْبُطُون. وَضمير فِيهَا للأقراب. والمقق بِفَتْح الْمِيم وَالْقَاف: الطول وَقَالَ اللَّيْث: الطول الْفَاحِش فِي دقة. فَقَوله: كالمقق مَرْفُوع الْموضع على الِابْتِدَاء وَخَبره الظّرْف قبله وَالْجُمْلَة حَال من الأقراب. وَالْبَيْت من قصيدة طَوِيلَة تزيد على مِائَتي بَيت شرحنا قِطْعَة كَبِيرَة مِنْهَا فِي الشَّاهِد الْخَامِس من أول الْكتاب وَهُوَ من جملَة أَبْيَات كَثِيرَة فِي وصف أتن حمَار الْوَحْش الَّتِي شبه نَاقَته بهَا فِي الجلادة والعدو السَّرِيع لَا فِي وصف الْخَيل كَمَا زعم الْعَيْنِيّ وَتَبعهُ غَيره. فَيَنْبَغِي أَن نشرح أبياتاً) قبله حَتَّى يَتَّضِح مَا قُلْنَا. وَقد وصف حمَار الْوَحْش بِأَبْيَات إِلَى أَن قَالَ: (أحقب كالمحلج من طول القلق ... كَأَنَّهُ إِذْ رَاح مسلوس الشمق) فِي الصِّحَاح: الأحقب: حمَار الْوَحْش سمي بذلك لبياض فِي حقْوَيْهِ وَالْأُنْثَى حقباء. والمحلج قَالَ صَاحب الْمِصْبَاح: حلجت الْقطن حلجاً من بَاب ضرب. والمحلج بِكَسْر الْمِيم: خَشَبَة يحلج بهَا حَتَّى يخلص الْحبّ من

الْقطن. قَالَ الْأَصْمَعِي: شبهه بالمحلج لصلابته. وَيَنْبَغِي أَن يُقَال: ولكثرة حركته واضطرابه. وَمن طول القلق هُوَ وَجه الشّبَه وَهُوَ كِنَايَة عَن عدم سكونه. والقلق: الِاضْطِرَاب. د وَرَاح: نقيض غَدا يُقَال: سرحت الْمَاشِيَة بِالْغَدَاةِ وراحت بالْعَشي أَي: رجعت. وَالْعَامِل فِي إِذا مَا فِي كَأَن من معنى التَّشْبِيه. يصف رُجُوعه إِلَى مَأْوَاه. ومسلوس خبر كَأَنَّهُ وَهُوَ من السلاس بِالضَّمِّ وَهُوَ ذهَاب الْعقل. والمسلوس: الْمَجْنُون وَقد سَلس بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول. والشمق: النشاط مصدر شمق كفرح. وَقَالَ اللَّيْث: هُوَ مرح الْجُنُون. (نشر عَنهُ أَو أَسِير قد عتق ... منسرحاً إِلَّا ذعاليب الْخرق) نشر بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول بِالتَّخْفِيفِ والتثقيل أَي: كشف عَنهُ وَهُوَ من النشرة بِالضَّمِّ. قَالَ صَاحب الْقَامُوس: هِيَ رقية يعالج بهَا الْمَجْنُون وَالْمَرِيض وَقد نشر عَنهُ. وانتشر: انبسط كتنشر. وَفِي الصِّحَاح: والتنشير من النشرة وَهِي كالتعويذ والرقية. وَجُمْلَة: نشر حَال من ضمير مسلوس. يَقُول: كَانَ هَذَا الْحمار الأحقب كالاً من كَثْرَة حركته فحين أَرَادَ الرُّجُوع إِلَى مَأْوَاه نشط شوقاً إِلَيْهِ فَكَأَنَّهُ مَجْنُون نشاط زَالَ جُنُونه ومريض شوق ذهب داؤه. وَالتَّعْبِير بالجنون عَن كَثْرَة اللهج بالشَّيْء وفرط الْميل إِلَيْهِ مستفيض. وأسير مَعْطُوف على مسلوس. وَعتق العَبْد من بَاب ضرب وعتاقاً وعتاقة: صَار حرا. وَالِاسْم الْعتْق بِالْكَسْرِ وَهُوَ الْحُرِّيَّة. وَهُوَ عاتق أَي: حر. وَأعْتقهُ: جعله حرا فَهُوَ مُعتق بِكَسْر التَّاء وَذَلِكَ مُعتق بِفَتْحِهَا.

يَقُول: هَذَا الأحقب يشبه أَسِيرًا صَادف غرَّة فتفلت من أسره فهرب أَشد الْهَرَب.) والمنسرح بِالسِّين والحاء الْمُهْمَلَتَيْنِ: الْخَارِج من ثِيَابه وَهُوَ حَال من ضمير رَاح. والذعاليب بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة وَالْعين الْمُهْملَة: جمع ذعلوب كعصفور. والذعالب: جمع ذعلبة بِالْكَسْرِ وهما قطع الْخرق وَقَالَ أَبُو عَمْرو: أَطْرَاف الثِّيَاب وَقَالَ صَاحب الْقَامُوس: أَو مَا تقطع نمه فَتعلق. وثوب ذعاليب: خلق. وَهَذَا تَمْثِيل يُؤَيّد أَن هَذَا الأحقب انسرح من وبره إِلَّا بقايا بقيت عَلَيْهِ. وَهَذَا مِمَّا ينشطه. وروى صَاحب الصِّحَاح: منسرحاً عَنهُ ذعاليب الْخرق فَيكون حَالا سببياً. وَضمير عَنهُ رَاجع للأحقب. وذعاليب فَاعل منسرحاً. وَالْمعْنَى: تساقط عَنهُ وبره كُله. قَالَ ابْن المستوفي فِي شرح أَبْيَات الْمفصل: الحرق بِالْحَاء وَالرَّاء الْمُهْمَلَتَيْنِ المفتوحتين هُوَ تَحت الْوَبر من قَوْلهم: حرق شعره أَي: تقطع ونسل. وَلَيْسَ للخرق هُنَا بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة وَجه. وَهُوَ على مَا أوردته فِي شعر رؤبة. (منتحياً من قَصده على وفْق ... صَاحب عادات من الْورْد الغفق) فِي الصِّحَاح: أنحى فِي سيره أَي: اعْتمد على الْجَانِب الْأَيْسَر. والانتحاء مثله. هَذَا هُوَ الأَصْل ثمَّ صَار الانتحاء الِاعْتِمَاد والميل فِي كل وَجه. انْتهى. وَفِيه نظر فَإِن حَقِيقَة الانتحاء أَخذ النَّحْو أَي: النَّاحِيَة والجانب فَمن أَيْن يدْخل الْأَيْسَر فِي مَفْهُومه

وَالْقَصْد كَمَا فِي الْمِصْبَاح: مصدر قصدت الشَّيْء وَله وَإِلَيْهِ من بَاب ضرب: طلبته بِعَيْنِه. وَهُوَ على قصد أَي: رشد. وَيَأْتِي بِمَعْنى: استقامة الطَّرِيق. والوفق بِفتْحَتَيْنِ كَمَا فِي الْقَامُوس: مصدر وفقت أَمرك كرشدت: صادفته مُوَافقا. وَصَاحب عادات ومنتحياً: حالان من ضمير الأحقب فِي رَاح. والورد بِالْكَسْرِ فِي الْمِصْبَاح: ورد الْبَعِير وَغَيره المَاء يردهُ وروداً: بلغه ووافاه من غير دُخُول وَقد يكون دُخُولا. وَالِاسْم الْورْد بِالْكَسْرِ. - والغفق بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَالْفَاء هُوَ أَن ترد الْإِبِل كل سَاعَة. وَقَالَ الْأَصْمَعِي: ظلّ يتغفق المَاء إِذا جعل يشرب سَاعَة فساعة. وَهُوَ وصف الْورْد بتأويله بوصفه بالمتكرر والمتعدد. وَإِذا كَانَ ورده مُتَعَددًا فِي الْيَوْم فَهُوَ يسْرع ليرد المَاء. فَهَذِهِ الْعَادة مِمَّا تنشطه للإسراع أَيْضا.) (ترمي ذِرَاعَيْهِ بجثجات السُّوق ... ضرجاً وَقد أنجدن من ذَات الطوق) فَاعل ترمي صوادق الْعقب الْآتِي. وَضمير ذِرَاعَيْهِ للأحقب. والجثجات بجيمين ومثلثتين قَالَ الدينَوَرِي فِي كتاب النَّبَات: هُوَ جمع الْوَاحِدَة جثجانة. وَأَخْبرنِي أَعْرَابِي من ربيعَة أَن الجثجاثة ضخمة يستدفئ بهَا الْإِنْسَان إِذا عظمت. ومنابتها القيعان وَلها زهرَة صفراء تنْبت على هَيْئَة العصفر. وَقَالَ غَيره من الْأَعْرَاب: هُوَ من الأمرار وَهُوَ أَخْضَر ينْبت بالقيظ لَهُ زهرَة طيبَة الرّيح تَأْكُله الْإِبِل إِذا لم تَجِد غَيره. وَقَالَ أَبُو نصر: الجثجاث شَبيه بالقيصوم. ولطيب رِيحه ومنابته فِي الرياض. قَالَ الشَّاعِر: ...

(فَمَا رَوْضَة بالحزن طيبَة الثرى ... يمج الندى جثجاثها وعرارها) (بأطيب من فِيهَا إِذا جِئْت طَارِقًا ... وَقد أوقدت بالمجمر اللدن نارها) والسوق بِضَم السِّين الْمُهْملَة وَفتح الْوَاو: مَوضِع وَكَذَلِكَ ذَات الطوق بِضَم الطَّاء الْمُهْملَة وَفتح الْوَاو. وَلم أر من ذكرهمَا. وَقد راجعت مُعْجم مَا استعجم ومعجم الْبلدَانِ والمرصع والصحاح والعباب والقاموس فَمَا وجدتهما فِيهَا. يُرِيد أَن الأحقب يَسُوق أتنه فَهِيَ تمشي قدامه وَمن شدَّة سرعتها يتكسر هَذَا النبت فيتطاير كَسره فتصيب ذِرَاعَيْهِ. وضرجاً بالضاد الْمُعْجَمَة وَالْجِيم: مصدر ضرجه بِمَعْنى شقَّه وَهُوَ هُنَا حَال من الجثجاث بتأويله باسم الْمَفْعُول أَي: مضروجة. وأنجدن: صرن إِلَى نجد. والنجد: مَا ارْتَفع من الأَرْض. وَجُمْلَة قد أنجدن: حَال من فَاعل ترمي. وَفِيه مُبَالغَة فِي جلادتها فَإِن الطُّلُوع من منخفض إِلَى مُرْتَفع أَمر شاق وَهِي مَعَ هَذِه الْحَال يتكسر الجثجاث من شدَّة وَطئهَا. (صوادق الْعقب مهاذيب الولق ... مستويات الْقد كالجنب النسق) صوادق: فَاعل ترمي الْمُتَقَدّم وَهُوَ جمع صَادِقَة اسْم فَاعل من الصدْق وَهُوَ كَمَا يكون فِي القَوْل يكون فِي الْفِعْل بِمَعْنى التحقق. والعقب بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الْقَاف: الجري الَّذِي يَجِيء بعد الجري الأول. يُقَال: لهَذَا

الْفرس عقب حسن. وَفِيه مُبَالغَة حَيْثُ يتَحَقَّق جري هَذِه الأتن بعد تعبها وكلالها) فَهِيَ لَا تفتر أبدا. ومهاذيب: جمع مهذابة كمطاعيم جمع مطعامة مُبَالغَة هاذبة بِمَعْنى مسرعة. يُقَال: هذب هذباً وهذابة أَي: أسْرع. وَيُقَال أَيْضا: أهذب وهذب وهاذب بِمَعْنَاهُ. وَفِي الصِّحَاح: الإهذاب والتهذيب: الْإِسْرَاع فِي الطيران والعدو وَالْكَلَام. وَهُوَ صفة صوادق وَكَذَلِكَ مستويات. والولق بِفَتْح الْوَاو: مصدر ولق يلق من بَاب فَرح بِمَعْنى الْإِسْرَاع. وَالْإِضَافَة بِمَعْنى فِي. يُرِيد: أَنَّهُنَّ سراع فِي عدوهن. - وَالْقد بِكَسْر الْقَاف قَالَ صَاحب الْقَامُوس: الطَّرِيقَة. وَقَالَ الْأَصْمَعِي: الْحذاء يُقَال: حذاؤهن وَاحِد. انْتهى. وَأَرَادَ بالحذاء مصدر حاذيته أَي: قاربته. وَالْجنب هُوَ مَا تَحت الْإِبِط إِلَى الكشح. والنسق فعل بِمَعْنى منسوق يُقَال: در نسق أَي: منسوق وَفعله نسقت الدّرّ نسقاً من بَاب قتل: نظمته. يَقُول: كأنهن فِي قرب بَعضهنَّ لبَعض كأضلاع الْجنب فَلَا تتأخر إِحْدَاهُنَّ عَن صاحبتها. يُرِيد: أَنَّهُنَّ فِي السرعة سَوَاء فَلَا يفضل بَعْضهَا على بعض. (تحيد عَن أظلالها من الْفرق ... من غائلات اللَّيْل والهول الزعق) حاد عَن الشَّيْء حيدة وحيوداً: تنحى وَبعد. وَالْجُمْلَة استئنافية. وَالْفرق: مصدر فرق كفرح بِمَعْنى خَافَ. وَهُوَ عِلّة لقَوْله: تحيد. وحرفا الْجَرّ متعلقان بتحيد. وَهَذَا مثل قَوْلهم: فلَان يفرق من ظله. وغائلات اللَّيْل: الصياد والأسد وَالذِّئْب وَمَا أشبه ذَلِك. وَهَذَا مِمَّا يزِيد الأتن نشاطاً فِي الْإِسْرَاع. والهول: مصدر هاله من بَاب قَالَ بِمَعْنى أفزعه. والزعق بِفَتْح الزَّاي الْمُعْجَمَة وَالْعين الْمُهْملَة: مصدر زعق كفرح وَهُوَ الْخَوْف فِي اللَّيْل. فَهُوَ بدل ...

(الشاهد الثاني والثلاثون بعد الثمانمائة)

(قب من التعداء حقب فِي سوق ... لواحق الأقراب فِيهَا كالمقق) أَي: هَذِه الأتن قب. وَالْجُمْلَة استئنافية. والقب: جمع أقب وقباء من القبب ودقة الخصر وضمر الْبَطن أَي: هن خماص من كَثْرَة عدوهن. والتعداء: مصدر عدا من بَاب قَالَ وَهُوَ أبلغ من الْعَدو. والحقب خبر بعد خبر وَهُوَ جمع حقباء وَتقدم شَرحه. والسوق بِفتْحَتَيْنِ: طول السَّاق.) والأسوق: الطَّوِيل السَّاقَيْن وَقَالَ ابْن دُرَيْد: غليظهما وَقيل: حسنهما. وَهِي سوقاء. ولواحق خبر ثَالِث. - فَظهر بسوق هَذِه الأبيات أَن الْبَيْت الشَّاهِد فِي وصف الأتن الوحشية لَا فِي وصف الْخَيل. وَالله أعلم. وترجمة رؤبة تقدّمت فِي الشَّاهِد الْخَامِس من أول الْكتاب. وَأنْشد بعده (الشَّاهِد الثَّانِي وَالثَّلَاثُونَ بعد الثَّمَانمِائَة) وَهُوَ من شَوَاهِد س: فَأَصْبحُوا مثل كعصف مَأْكُول قَالَ ابْن جني فِي سر الصِّنَاعَة: وَأما قَوْله:

فصيروا مثل كعصف مَأْكُول فَلَا بُد من زِيَادَة الْكَاف فَكَأَنَّهُ قَالَ: فصيروا مثل عصف مَأْكُول فأكد الشّبَه بِزِيَادَة الْكَاف كَمَا أكد الشّبَه بِزِيَادَة الْكَاف فِي قَوْله تَعَالَى: لَيْسَ كمثله شَيْء إِلَّا أَنه فِي الْآيَة أَدخل الْحَرْف على الِاسْم وَهَذَا سَائِغ وَفِي الْبَيْت أَدخل الِاسْم على الْحَرْف فَشبه شَيْئا بِشَيْء. انْتهى. وأنشده سِيبَوَيْهٍ على أَنَّهَا فِيهِ اسْم لضَرُورَة الشّعْر قَالَ: إِن نَاسا من الْعَرَب إِذا اضطروا فِي الشّعْر جعلوها بِمَنْزِلَة مثل. قَالَ الراجز: فصيروا مثل كعصف مَأْكُول وَقَالَ الآخر: وصاليات ككما يؤثفين قَالَ الأعلم: أَدخل مثلا على الْكَاف إِلْحَاقًا لَهَا بنوعها من الْأَسْمَاء ضَرُورَة. وَجَاز الْجمع بَينهمَا جَوَازًا حسنا لاخْتِلَاف لفظيهما مَعَ مَا قَصده من الْمُبَالغَة فِي التَّشْبِيه. وَلَو كرر الْمثل لم يحسن. وَقَالَ صَاحب الْكَشَّاف عِنْد قَوْله: لَيْسَ كمثله شَيْء: وَلَك أَن تزْعم أَن كلمة التَّشْبِيه كررت للتَّأْكِيد كَمَا كررها من قَالَ. وَأنْشد الْبَيْت وَمَا بعده. وَأورد عَلَيْهِ أَن الْكَاف تفِيد كَونهَا التَّشْبِيه لَا تَأْكِيد النَّفْي وَنفي الْمُمَاثلَة الْمُهْملَة أبلغ من نفي الْمُمَاثلَة الْمُؤَكّدَة فَلَيْسَتْ الْآيَة نظيراً للبيت. وَأجِيب بِأَنَّهَا

تفِيد تَأْكِيد التَّشْبِيه إِن سلباً فسلب وَإِن إِثْبَاتًا فإثبات. قَالَ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي: وَفِي الْآيَة قَول ثَالِث وَهُوَ أَن الْكَاف ومثلاً لَا زَائِد مِنْهُمَا. ثمَّ اخْتلف) فَقيل: مثل بِمَعْنى الذَّات. وَقيل: بِمَعْنى الصّفة وَقيل: الْكَاف اسْم مُؤَكد بِمثل كَمَا عكس ذَلِك من قَالَ: فصيروا مثل كعصف مَأْكُول وَأورد عَلَيْهِ الدماميني بِأَنَّهُ يلْزم عَلَيْهِ إِضَافَة الْمُؤَكّد إِلَى التَّأْكِيد والبصريون لَا يعتدون بهَا لِأَنَّهَا فِي غَايَة الندرة فَلَا يَنْبَغِي تَخْرِيج التَّنْزِيل عَلَيْهَا. وَالشَّارِح الْمُحَقق لما حكم بِزِيَادَة الْكَاف فِي الْبَيْت ورد عَلَيْهِ سُؤال وَهُوَ مَا مجرور مثل فَأجَاب بجوابين: أَولهمَا: لِابْنِ جني فِي سر الصِّنَاعَة وَثَانِيهمَا: مَأْخُوذ أَيْضا من تَقْرِيره وَقد بسط الْكَلَام فِيهِ فَلَا بَأْس بإيراده لِكَثْرَة فَوَائده قَالَ: فَإِن قَالَ قَائِل: إِذا جر العصف أَبَا لكاف الَّتِي تجاوره أم بِإِضَافَة مثل إِلَيْهِ على أَنه فصل بِالْكَاف بَين الْمُضَاف والمضاف إِلَيْهِ فَالْجَوَاب: أَنه لَا يجوز أَن يكون مجروراً إِلَّا بِالْكَاف وَإِن كَانَت زَائِدَة كَمَا أَن من وَجَمِيع حُرُوف الْجَرّ فِي أَي مَوضِع وقعن زَوَائِد فَلَا بُد من أَن يجررن مَا بعدهن. فَالْجَوَاب: أَن مثلا وَإِن لم تكن مُضَافَة فِي اللَّفْظ فَإِنَّهَا مُضَافَة فِي الْمَعْنى وجارة لما هِيَ مُضَافَة إِلَيْهِ فِي التَّقْدِير. وَذَلِكَ أَن التَّقْدِير: فصيروا مثل عصف

فَلَمَّا جَاءَت الْكَاف تولت جر العصف وَبقيت مثل غير جَارة وَلَا مُضَافَة فِي اللَّفْظ وَكَانَ احْتِمَال هَذِه الْحَال فِي الِاسْم الْمُضَاف أسوغ مِنْهُ فِي الْحَرْف الْجَار. وَذَلِكَ أَنا لَا نجد حرفا جاراً مُعَلّقا غير عَامل فِي اللَّفْظ وَقد نجد بعض الْأَسْمَاء مُعَلّقا عَن الْإِضَافَة جاراً فِي الْمَعْنى غير جَار فِي اللَّفْظ وَذَلِكَ نَحْو قَوْلهم: جِئْت قبل وَبعد وَقَامَ زيد لَيْسَ غير. وَقَالَ: بَين ذراعي وجبهة الْأسد أَي: بَين ذراعي الْأسد وجبهته. وَهَذَا كثير. وَإِنَّمَا أردْت أَن أوجدك أَن الْأَسْمَاء تعلق عَن الْإِضَافَة فِي ظَاهر اللَّفْظ وَأَن الْحُرُوف لَا يُمكن أَن تعلق عَن الْجَرّ فِي اللَّفْظ الْبَتَّةَ. فَأَما قَول الشَّاعِر: (جِيَاد بني أبي بكر تسامى ... على كَانَ المسومة العراب) فَإِنَّمَا جَازَ الْفَصْل بكان من قبل أَنَّهَا زَائِدَة مُؤَكدَة فجرت مجْرى مَا الْمُؤَكّدَة فِي نَحْو قَوْله: فبمَا نقضهم ميثاقهم وعَمَّا قَلِيل) وَلَا يجوز فِي قَوْله: ككما يؤثفين أَن تكون مَا مجرورة بِالْكَاف الأولى لِأَن الْكَاف الثَّانِيَة عاملة للجر وَلَيْسَت كَانَ جَارة فتجري مجْرى الْكَاف فِي ككما. فَإِن قبل: فَمن أَيْن جَازَ تَعْلِيق الْأَسْمَاء عَن الْإِضَافَة فِي اللَّفْظ وَلم يجز فِي حُرُوف الْجَرّ إِلَّا أَن تتصل بالمجرور فَالْجَوَاب أَن ذَلِك جَائِز فِي الْأَسْمَاء من وَجْهَيْن:

أَحدهمَا: أَن الْأَسْمَاء أقوى وأعم تَصرفا من الْحُرُوف وَهِي الأول الْأُصُول فَغير مُنكر أَن يتجوز فِيهَا مَا لَا يتجوز فِي الْحُرُوف. أَلا ترى أَن تَاء التَّأْنِيث فِي الِاسْم نَحْو: مسلمة قد أبدلوها هَاء فِي الْوَقْف وَلم يبدلوها فِي ربت وثمت. وَالْفِعْل أَيْضا فِي هَذَا جَار مجْرى الْحَرْف. وَالثَّانِي: أَن الْأَسْمَاء لَيست فِي أول وَضعهَا مَبْنِيَّة على أَن تُضَاف ويجر بهَا وَإِنَّمَا الْإِضَافَة فِيهَا ثَان لَا أول فَجَاز فِيهَا أَن تعرى فِي اللَّفْظ من الْإِضَافَة وَإِن كَانَت الْإِضَافَة فِيهَا منوية. وَأما حُرُوف الْجَرّ فَوضعت على أَنَّهَا للجر الْبَتَّةَ وعَلى أَنَّهَا لَا تفارق الْمَجْرُور لِضعْفِهَا وَقلة استغنائها عَن الْمَجْرُور فَلم يُمكن تَعْلِيقهَا عَن الْجَرّ وَالْإِضَافَة لِئَلَّا يبطل الْعرض. فَإِن قيل: فَمن أَيْن جَازَ للاسم أَن يدْخل على الْحَرْف فِي قَوْله: مثل كعصف فَالْجَوَاب: أَنه إِنَّمَا جَازَ لما بَين الْكَاف وَمثل من المضارعة فِي الْمَعْنى فَكَمَا حَاز أَن يدخلُوا الْكَاف على الْكَاف فِي ككما يؤثفين لمشابهته لمثل حَتَّى كَأَنَّهُ قَالَ: كَمثل مَا يؤثفين كَذَلِك أدخلُوا مثلا على الْكَاف فِي قَوْله: كعصف وَجعلُوا ذَلِك تَنْبِيها على قُوَّة الشّبَه بَين الْكَاف وَمثل. فَإِن قيل: فَهَل تجيز أَن تكون الْكَاف مجرورة بِإِضَافَة مثل إِلَيْهَا وَيكون العصف مجروراً بِالْكَاف فَتكون قد أضفت كل وَاحِد من مثل والْكَاف فيزول عَنْك الِاعْتِذَار بتركهم مثلا غير مُضَافَة وَيكون جر الْكَاف بِإِضَافَة مثل إِلَيْهَا كجرها بِدُخُول الْكَاف على الْكَاف فِي ككما يؤثفين فَكَمَا أَن الْكَاف الثَّانِيَة هُنَا مجرورة بِالْأولَى كَمَا انجرت بعلى فِي قَوْله: على كالقطا الْجونِي

فَالْجَوَاب: أَن قَوْله: مثل كعصف قد ثَبت أَن مثلا أَو الْكَاف فِيهِ زَائِدَة كَمَا أَن إِحْدَاهمَا زَائِدَة فِي لَيْسَ كمثله شَيْء وَإِذا ثَبت ذَلِك فَلَا يجوز أَن تكون مثل هِيَ الزَّائِدَة لِأَنَّهَا اسْم والأسماء لَا تزاد إِنَّمَا تزاد الْحُرُوف فالزائد الْكَاف فَإِذا كَانَت هِيَ الزَّائِدَة فَهِيَ حرف وَإِذا) كَانَت حرفا بَطل أَن تكون مجرورة وَإِذا لم تكن مجرورة بَطل أَن تكون مثل مُضَافَة إِلَيْهَا. على أَن أَبَا عَليّ قد كَانَ أجَاز أَن تكون مثل مُضَافَة إِلَى الْكَاف وَتَكون الْكَاف هُنَا مجرورة اسْما. وَفِيه عِنْدِي ضعف لما ذكرته. وَأما قَوْله: ككما يؤثفين فقد استدللنا بِدُخُول الْكَاف الأولى على الثَّانِيَة أَن الثَّانِيَة اسْم وَأَن الأولى حرف قد جر الثَّانِيَة وَهُوَ مَعَ ذَلِك زَائِد. وَلَا يُنكر وَإِن كَانَ زَائِدا أَن يكون جاراً. انْتهى كَلَام ابْن جني. وَكَأن الدماميني لم يقف على كَلَام الشَّارِح الْمُحَقق وَلَا على كَلَام ابْن جني فَقَالَ فِي الْحَاشِيَة الْهِنْدِيَّة: يَنْبَغِي أَن تكون الْكَاف فِي الْبَيْت اسْما أضيف إِلَيْهِ مثل فَيكون عمل كل من الْكَلِمَتَيْنِ موفراً. أما إِذا جعلت حرفا وَجعل مثل مُضَافا إِلَى عصف لزم قطع الْحَرْف الْجَار عَن عمله بِلَا كَاف اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يُقَال: ينزل منزلَة الْجُزْء من الْمَجْرُور. هَذَا كَلَامه. قَالَ الْعَيْنِيّ: الْبَيْت من شعر لرؤبة بن العجاج. وَقَبله: (ومسهم مَا مس أَصْحَاب الْفِيل ... ولعبت طير بهم أبابيل) (ترميهم حِجَارَة من سجيل ... فصيروا مثل كعصف مَأْكُول) وَلم يذكر مَا مرجع الضَّمِير وَمن الَّذين جرى عَلَيْهِم هَذَا الْأَمر.

وَأَصْحَاب الْفِيل: أَبْرَهَة بن الصَّباح الأشرم ملك الْيمن من قبل أَصْحَمَة النَّجَاشِيّ وجيشه. وَكَانَ من أَمر أَبْرَهَة أَنه بنى كَنِيسَة بِصَنْعَاء وَأَرَادَ صرف الْحَاج إِلَيْهَا فَخرج رجل من بني كنَانَة فَقضى حَاجته فِيهَا فأغضبه ذَلِك وَحلف ليهدمن الْكَعْبَة. فَخرج بجيشه وَمَعَهُ الفيلة وفيل قوي يُسمى مَحْمُودًا فَلَمَّا نهي لدُخُول الْحرم عبى جَيْشه وَقدم الْفِيل فَكَانَ كلما وجهوه إِلَى الْحرم برك وَلم يبرح وَإِذا وجهوه إِلَى الْيمن أَو إِلَى جِهَة أُخْرَى هرول. فَأرْسل الله طيراً أبابيل فِي منقار كل مِنْهَا حجر وَفِي رجلَيْهِ حجران أكبر من العدسة وأصغر من الحمصة فرمتهم فَكَانَ الْحجر يَقع فِي رَأس الرجل فَيخرج من دبره. فهلكوا جَمِيعًا. السجيل: الطين المتحجر. مُعرب: سنك كل. والأبابيل: الْجَمَاعَات من الطير جمع إبالة بِكَسْر الْهمزَة وَتَشْديد الْمُوَحدَة وَهِي الحزمة الْكَبِيرَة شبهت بهَا الْجَمَاعَة من الطير لتضامها. وَقيل: هِيَ الْجَمَاعَات من الطير لَا وَاحِد لَهَا. - وَقَوله: فَأَصْبحُوا رُوِيَ بدله: فصيروا بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول. وَبِه اسْتشْهد ابْن هِشَام فِي شرح الألفية) لتعدية صير إِلَى مفعولين: أَحدهمَا: نَائِب الْفَاعِل. وَثَانِيهمَا: مثل. والعصف قَالَ صَاحب الْعباب: قَالَ الْفراء: هُوَ بقل الزَّرْع. وَعَن الْحسن الْبَصْرِيّ: الزَّرْع الَّذِي أكل حبه وَبَقِي تبنه.

وترجمة رؤبة تقدّمت فِي الشَّاهِد الْخَامِس من أول الْكتاب. وَأنْشد بعده: وصاليات ككما يؤثفين وَلَا للما بهم أبدا دَوَاء أَوله: فَلَا وَالله لَا يلفى لما بِي وَتقدم شَرحه فِي الشَّاهِد الرَّابِع وَالثَّلَاثِينَ بعد الْمِائَة. وَأنْشد بعده: يَا تيم تيم عدي تَمَامه: ( ... ... ... ... . . لَا أَبَا لكم ... لَا يلقينكم فِي سوءة عمر) وَتقدم شَرحه فِي الشَّاهِد الثَّانِي وَالثَّلَاثِينَ بعد الْمِائَة.

(الشاهد الثالث والثلاثون بعد الثمانمائة)

وَأنْشد بعده (الشَّاهِد الثَّالِث وَالثَّلَاثُونَ بعد الثَّمَانمِائَة) وَلَا ترى الضَّب بهَا ينجحر على أَن قَوْله تَعَالَى: لَيْسَ كمثله شَيْء النَّفْي فِيهِ منصب على مثل مثله وعَلى مثله جَمِيعًا فَلَيْسَ لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مثل حَتَّى يكون لمثله شَيْء يماثله. فالمنفي الْمثل وَمثل الْمثل جَمِيعًا وَهَذَا كَقَوْل عَمْرو بن أَحْمَر فِي وصف فلاة: لم يرد أَن بهَا أرانب لَا تفزعها أهوالها وَلَا ضباباً غير منحجرة وَلكنه نفى أَن يكون بهَا حَيَوَان. وَقد أوردهُ صَاحب الْكَشَّاف عِنْد قَوْله تَعَالَى: سنلقي فِي قُلُوب الَّذين كفرُوا الرعب بِمَا أشركوا بِاللَّه مَا لم ينزل بِهِ سُلْطَانا الْآيَة. على أَن المُرَاد نفي السُّلْطَان يَعْنِي الْحجَّة وَالنُّزُول جَمِيعًا لَا نفي التَّنْزِيل فَقَط بِأَن يكون ثمَّة سُلْطَان لكنه لم ينزل. كَمَا أَن الْمَنْفِيّ فِي الْبَيْت الضَّب والانجحار جَمِيعًا لَا الانجحار فَقَط إِذْ المُرَاد وصف هَذِه الْمَفَازَة بِكَثْرَة الْأَهْوَال بِحَيْثُ لَا يُمكن أَن يسكنهَا حَيَوَان. والإفزاع: الإخافة. والأرنب: مفعول مقدم وأهوالها: فَاعل يفزع وَالضَّمِير للمفازة والفلاة وَهِي جمع هول وَهِي الشدائد الَّتِي تفزع. والهول: مصدر هاله الشَّيْء أَي: أفزعه. - والضب: حَيَوَان مَعْرُوف. والانجحار بِتَقْدِيم الْجِيم على الْحَاء الْمُهْملَة: الدُّخُول فِي الْجُحر بِضَم الْجِيم وَهُوَ مَا حفره الْهَوَام السبَاع لأنفسها. وَفِي أساس البلاغة: جحرت الضباب

فانجحرت أَي: دخلت فِي جحرتها. يَقُول: لَا تفزع أهوال تِلْكَ الْمَفَازَة الأرنب لِأَنَّهُ لَا أرنب حَتَّى تفزع من أهوالها لِأَنَّهُ لَا يُمكنهَا السّكُون فِيهَا لشدَّة أهوالها وَلَا تشاهد الضَّب فِيهَا منجحراً لِأَنَّهُ لَا ضَب فِيهَا فينجحر. وَهَذَا الْبَيْت نسبه ابْن الْأَنْبَارِي فِي شرح المفضليات لعَمْرو بن أَحْمَر الْبَاهِلِيّ وَهُوَ شَاعِر إسلامي تقدّمت تَرْجَمته فِي الشَّاهِد السِّتين بعد الأربعمائة. وَالْمَشْهُور والمستعمل فِي هَذَا الْمَعْنى قَول امْرِئ الْقَيْس: (على لاحب لَا يهتدى بمناره ... إِذا سلفه الْعود الديافي جرجرا) فَإِنَّهُ لم يرد أَن فِيهِ مناراً لَا يهتدى بِهِ وَلكنه نفى أَن يكون بِهِ منار. وَالْمعْنَى: لَا منار فِيهِ فيهتدى بِهِ. واللاحب بِالْحَاء الْمُهْملَة: الطَّرِيق الْوَاضِح.) والمنار: جمع مَنَارَة وَأَصلهَا منورة مفعلة من النُّور وَسمي بذلك لِأَنَّهَا فِي الأَصْل كل مُرْتَفع عَلَيْهِ نَار وَلذَلِك قَالُوا فِي جمعهَا: مناور. وسافه: شمه ومصدره السوف. وَالْعود: بِفَتْح الْمُهْملَة: الْبَعِير الْهَرم. الديافي مَنْسُوب إِلَى دياف: قَرْيَة بِالشَّام وَقيل: بالجزيرة. وَقيل: بل دياف أَنْبَاط بِالشَّام. وَفتح بَعضهم أَوله. والجرجرة: صَوت يردده الْبَعِير فِي حنجرته. وَإِنَّمَا يجرجر فِي الطَّرِيق إِذا شمه لما يعرف من شدته وصعوبة مسلكه.

(الشاهد الرابع والثلاثون بعد الثمانمائة)

وَأنْشد بعده (الشَّاهِد الرَّابِع وَالثَّلَاثُونَ بعد الثَّمَانمِائَة) على أَن الْكَاف قد تدخل على الضَّمِير الْمَنْصُوب الْمُنْفَصِل لضَرُورَة الشّعْر كَمَا هُنَا. قَالَ ابْن عُصْفُور فِي كتاب الضرائر: وَمِنْه وضع صِيغَة ضمير النصب الْمُنْفَصِل بدل صِيغَة ضمير الرّفْع الْمُنْفَصِل المجعول فِي مَوضِع خفض بكاف التَّشْبِيه. وَذَلِكَ قَوْله: فأجمل وَأحسن ... ... . . الْبَيْت يُرِيد: كَأَنْت آسر فَوضع إياك مَوضِع أَنْت للضَّرُورَة وَإِنَّمَا قضى على إياك بِأَنَّهَا فِي مَوضِع أَنْت لِأَن الْكَاف لَا تدخل فِي سَعَة الْكَلَام على مُضْمر إِلَّا أَن تكون صيغته ضمير رفع مُنْفَصِل نَحْو قَوْلهم: مَا أَنا كَأَنْت وَلَا أَنْت كأنا. انْتهى. وَمثله لثعلب فِي أَمَالِيهِ قَالَ: وَمَا رَأَيْت كإياك إِلَّا فِي الشّعْر. وَأنْشد هَذَا الْبَيْت. وَقَالَ أَبُو حَيَّان فِي أَمَالِيهِ: أنْشد الْفراء وَهِشَام عَن الْكسَائي: وَأحسن وأجمل فِي أسيرك إِنَّه الْبَيْت نصب إياك فِي مَوضِع الْخَفْض لتقارب مَا بَين النصب والخفض وَالنّصب على إياك أغلب كَمَا أَنْت بِالرَّفْع أشهر وَأعرف. انْتهى. وَقَوله: فأجمل بِقطع الْهمزَة الْمَفْتُوحَة وَكسر الْمِيم أَي: عَامل بالجميل. وَأحسن بِفَتْح الْهمزَة وَكسر السِّين أَي: افْعَل الْحسن. وأسرته أسراً من

(الشاهد الخامس والثلاثون بعد الثمانمائة)

بَاب ضرب فَهُوَ أَسِير وَذَاكَ آسر. وَهُوَ وَأنْشد بعده (الشَّاهِد الْخَامِس وَالثَّلَاثُونَ بعد الثَّمَانمِائَة) وَهُوَ من شَوَاهِد س: (فَلَا أرى بعلاً وَلَا حلائلا ... كه وَلَا كهن إِلَّا حاظلا) على أَن الْكَاف قد تدخل أَيْضا على الضَّمِير الْمَجْرُور فِي ضَرُورَة الشّعْر. قَالَ سِيبَوَيْهٍ فِي بَاب مَا لَا يكون فِيهِ الْإِضْمَار من حُرُوف الْجَرّ: وَذَلِكَ الْكَاف الَّتِي فِي: أَنْت كزيد وَحَتَّى ومذ. وَذَلِكَ أَنهم استغنوا بقَوْلهمْ: مثلي وشبهي عَنهُ فأسقطوه. - واستغنوا عَن الْإِضْمَار فِي حَتَّى بقَوْلهمْ: دَعه حَتَّى يَوْم كَذَا وَكَذَا وبقولهم: دَعه حَتَّى ذَاك. وبالإضمار فِي إِلَى قَوْلهم: دَعه إِلَيْهِ لِأَن الْمَعْنى وَاحِد. كَمَا استغنوا بمثلي وبمثله عَن كي وكه. واستغنوا عَن الْإِضْمَار فِي مذ بقَوْلهمْ: مذ ذَاك لِأَن ذَاك اسْم مُبْهَم وَإِنَّمَا يذكر حِين يظنّ أَنَّك قد عرفت مَا يَعْنِي. إِلَّا أَن الشُّعَرَاء إِذا اضطروا أضمروا فِي الْكَاف فيجرونها على الْقيَاس. قَالَ العجاج: وَقَالَ: (فَلَا ترى بعلاً وَلَا حلائلا ... كه وَلَا كهن إِلَّا حاظلا) شبهوه بقوله: لَهُ ولهن. وَلَو اضْطر شَاعِر فأضاف الْكَاف إِلَى نَفسه قَالَ: كي. وكي خطأ من قبل أَنه لَيْسَ من حرف يفتح قبل يَاء الْإِضَافَة. انْتهى. قَالَ النّحاس: هَذَا عِنْد سِيبَوَيْهٍ قَبِيح. وَالْعلَّة لَهُ أَن الْإِضْمَار يرد الشَّيْء إِلَى أَصله. فالكاف فِي مَوضِع مثل فَإِذا أضمرت مَا بعْدهَا وَجب أَن تَأتي بِمثل. وَأَبُو الْعَبَّاس فِيمَا حكى لنا عَليّ بن سُلَيْمَان يُجِيز الْإِضْمَار فِي هَذَا على الْقيَاس لِأَن الْمُضمر عقيب الْمظهر وَقد نطقت بِهِ الْعَرَب. وَقد ذكرنَا قبل مَا ذكره بعض النَّحْوِيين من إجازتهم: أَنا كَأَنْت وكإياك ورد أبي الْعَبَّاس لذَلِك. انْتهى كَلَامه. وَقَالَ ابْن عُصْفُور فِي كتاب الضَّرُورَة: وَمِنْه أيسْتَعْمل الْحَرْف للضَّرُورَة اسْتِعْمَالا لَا يجوز مثله فِي الْكَلَام نَحْو قَول العجاج: وَأم أوعال كها أَو أقربا

فجر بِالْكَاف الضَّمِير الْمُتَّصِل. وَحكمهَا فِي سَعَة الْكَلَام أَن لَا تجر إِلَّا الظَّاهِر أَو الضَّمِير الْمُنْفَصِل لجريانه مجْرى الظَّاهِر فَيُقَال: مَا أَنا كَأَنْت وَلَا أَنْت كأنا.) - حكى الْكسَائي عَن بعض الْعَرَب أَنه قيل لَهُ: من تَعدونَ الصعلوك فِيكُم فَقَالَ: هُوَ الْغَدَاة كأنا. لكنه لما اضْطر أبدلها من حكمهَا حكم مَا هِيَ فِي مَعْنَاهُ وَهُوَ مثل فَجَعلهَا تجر الضَّمِير الْمُتَّصِل كَمَا تجر الضَّمِير الْمُنْفَصِل كَمَا يجره مثل. وَمن ذَلِك قَوْله:

وَإِذا الْحَرْب شمرت لم تكن كي حِين تَدْعُو الكماة فِيهَا نزال أنْشدهُ الْفراء وَقَالَ: أنشدنيه بعض أَصْحَابنَا وَلم أسمعهُ أَنا من الْعَرَب. قَالَ الْفراء: وَحكي عَن الْحسن الْبَصْرِيّ: أَنا كك وَأَنت كي. وَاسْتِعْمَال هَذَا فِي حَال السعَة شذوذ لَا يلْتَفت إِلَيْهِ. انْتهى. وَمن دُخُولهَا على الضَّمِير قَول أبي مُحَمَّد اليزيدي اللّغَوِيّ النَّحْوِيّ أَخذ عَن أبي عَمْرو وَيُونُس وأكابر الْبَصرِيين وَكَانَ معلم الْمَأْمُون بن هَارُون الرشيد: (شكوتم إِلَيْنَا مجانينكم ... ونشكو إِلَيْكُم مجانيننا) (فلولا المعافاة كُنَّا كهم ... وَلَوْلَا الْبلَاء لكانوا كُنَّا) وَقَالَ آخر: (لَا تلمني فإنني كك فِيهَا ... إننا فِي الملام مشتركان) وَكتب بعض الْفُضَلَاء إِلَى ابْن المقفع كتابا يباريه فِي الوجازة: بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم. نَحن صَالِحُونَ فَكيف أَنْتُم فَكتب إِلَيْهِ ابْن المقفع: نَحن كك. وَالسَّلَام. وَبِمَا نقلنا عَن سِيبَوَيْهٍ يعرف أَن نسبه جَوَاز ذَلِك إِلَيْهِ مُطلقًا غير صَحِيح. وَمِمَّنْ نسب الْجَوَاز إِلَيْهِ مُطلقًا أَبُو حَيَّان قَالَ فِي الارتشاف وَفِي الْوَاضِح: أجَاز سِيبَوَيْهٍ وَأَصْحَابه أَنْت كي وَأَنا كك. وَضَعفه الْكسَائي وَالْفراء وَهِشَام. وَقَالَ فِي تَذكرته أَيْضا: وَاخْتلفُوا فِي دُخُول الْكَاف على الْيَاء وَالْكَاف فَأجَاز سِيبَوَيْهٍ وَأَصْحَابه: أَنْت كي وَأَنا كك. وَضعف هَذَا الْكسَائي وَالْفراء

وَهِشَام وَاحْتَجُّوا بِأَنَّهُ قَلِيل فِي كَلَام الْعَرَب. وَقَالَ الْفراء: أَنْشدني بعض أَصْحَابنَا: وَإِذا الْحَرْب شمرت لم تكن كي الْبَيْت قَالَ الْفراء: وَمَا سَمِعت أَنا هَذَا الْبَيْت من الْعَرَب. وَقَالَ هِشَام: مَا قَالَت الْعَرَب: أَنا كك) وَأَنت كي. قَالَ: وَالْبَيْت الَّذِي ينشد فِي كي مؤلف من قَول بشار لَا يلْتَفت إِلَيْهِ. وَقَالَ الْفراء: قد حُكيَ عَن الْحسن الْبَصْرِيّ: أَنا كك وَأَنت كي. وَقَالَ الْفراء: لم تقل الْعَرَب: أَنْت كي وآثروا أَنْت كأنا وَلم يَقُولُوا: أَنا كك وآثروا أَنا كَأَنْت وَجعلُوا أَنْت وَأَنا للخفض كَمَا جعلُوا هُوَ للخفض فَقَالُوا: أَنا كَهُوَ. وَالرَّفْع أغلب على أَنا وَأَنت وَهُوَ وَلم يصيروهن مخفوضات وَالرَّفْع أغلب عَلَيْهِنَّ إِلَّا لِأَن الكنى تجْرِي مجْرى حُرُوف الْمعَانِي فتعرف بالدلالات فَلذَلِك قَالُوا: ضربتك أَنْت ومررت بك أَنْت فَجعلُوا أَنْت للنصب والخفض وَكَذَلِكَ هُوَ وَأَنا. قَالَ الْكسَائي: قيل لبَعض الْعَرَب: من تَعدونَ الصعلوك فِيكُم فَقَالَ: هُوَ الْغَدَاة كأنا. وَلما صلحت الْكَاف للرفع وَالنّصب والخفض فِي قيامك وضربتك وَبِك لم يستنكر كَون أَنْت مَنْصُوبًا مخفوضاً وَكَذَلِكَ أَنا وَهُوَ. انْتهى كَلَام أبي حَيَّان. - وَيُسْتَفَاد مِنْهُ أَن دُخُول الْكَاف على ضمير الرّفْع الْمُنْفَصِل جَائِز فِي السعَة عِنْد الْكُوفِيّين. وَنقل عَنْهُم خِلَافه فِي الارتشاف قَالَ: وَفِي الْبَسِيط: وَقد

ورد أَيْضا فِي ضمير الرّفْع فِي قَوْلهم: أَنْت كأنا وَأَنا كَهُوَ. وَأنْكرهُ الْكُوفِيُّونَ. انْتهى. وَكَيف ينكرونه وهم الَّذين نقلوه عَن الْعَرَب سَمَاعا. وَللَّه در الشَّارِح الْمُحَقق فِي قَوْله: قد تدخل فِي السعَة على الْمَرْفُوع نَحْو أَنا كَأَنْت لوُرُود السماع بِهِ. وَفِي جعله دُخُولهَا على الضَّمِير الْمَنْصُوب والمخفوض خَاصّا بالشعر لعدم ورودهما عَن الْعَرَب. وَقد سوى أَبُو حَيَّان فِي الارتشاف بَين الْمَرْفُوع والمنصوب فَقَالَ: وَقد أدخلت الْعَرَب الْكَاف على ضمير الرّفْع الْمُنْفَصِل وعَلى ضمير النصب الْمُنْفَصِل قَالَت: مَا أَنا كَأَنْت وَقَالَ: وَهَذَا غير جيد لِأَن الثَّانِي إِنَّمَا ورد فِي الشّعْر. وَذهب ابْن مَالك فِي التسهيل إِلَى أَن دُخُولهَا على الضَّمِير الْغَائِب الْمَجْرُور قَلِيل وعَلى الْمَرْفُوع والمنصوب أقل. ونازعه شراحه فِيهِ فَقَالُوا: إِن لم يَكُونَا أَكثر من المخفوض فَيَنْبَغِي أَن يَكُونَا مساويين لَهُ. وَالْبَيْت من أرجوزة لرؤبة بن العجاج. وَقَبله: (تحسبه إِذا استتب دائلاً ... كَأَنَّمَا ينحي هجاراً مائلا) وهما فِي صوف حمَار وأتنه. وَقَوله: تحسبه بِالْخِطَابِ وَالْهَاء ضمير العير وَهُوَ الْحمار.) - واستتب: جد فِي عدوه حَتَّى انْقَطع. وأصل التباب الخسران والهلاك. ودائلاً حَال مُؤَكدَة لعاملها وَهُوَ من الدالان بِفَتْح الدَّال

الْمُهْملَة وَفتح الْهمزَة وَهُوَ الْعَدو. وَجُمْلَة: كَأَنَّمَا ينحي إِلَخ مفعول ثَان لحسب وَجَوَاب إِذا مَحْذُوف يدل عَلَيْهِ الْفِعْل قبلهَا. وينحي بالنُّون والحاء الْمُهْملَة: يعْتَمد. فِي الصِّحَاح: أنحى فِي سيره أَي: اعْتمد على الْجَانِب الْأَيْسَر. هَذَا هُوَ الأَصْل ثمَّ صَار الانتحاء الِاعْتِمَاد والميل فِي كل وَجه. والهجار بِكَسْر الْهَاء بعْدهَا جِيم: حَبل يشد بِهِ وظيف الْبَعِير. يُرِيد أَنه يعدو فِي شقّ فَكَأَنَّهُ وَقَوله: فَلَا ترى بعلاً ... إِلَخ هُوَ بِالْخِطَابِ أَيْضا. وَترى بِمَعْنى تعلم مُتَعَدٍّ إِلَى مفعولين أَولهمَا بعلاً وَثَانِيهمَا مَا بعد إِلَّا. وَالْجَار وَالْمَجْرُور وَهُوَ كه صفة لبعل أَي: لَا ترى بعلاً كَهَذا الْحمار وَلَا حلائل كهذه الأتن إِلَّا مَانِعا لَهَا عَن أَن يقربهَا غَيره من الفحول لِأَن الْحمار يمْنَع أتنه من حمَار آخر. والبعل: الزَّوْج. والحلائل: جمع حَلِيلَة وَهِي الزَّوْجَة. والحاظل بِالْحَاء الْمُهْملَة والظاء الْمُعْجَمَة المشالة قَالَ الأعلم: هُوَ والعاضل سَوَاء وَهُوَ الْمَانِع. وَقَالَ النّحاس: يُقَال: حظل أنثاه إِذا منعهَا عَن التَّزَوُّج. كَذَا فِي نُسْخَتي الَّتِي قرأتها على أبي إِسْحَاق. وَسَأَلت أَبَا الْحسن فَقَالَ: الحظلان مشْيَة فِيهَا تثاقل. وَقَوله: كه وَلَا كهن أَي: مثله وَلَا مِثْلهنَّ. وَأعَاد الْكَاف مَعَ الْمَعْطُوف لما قَالَ جُمْهُور الْبَصرِيين: لَا يعْطف على الضَّمِير الْمَجْرُور إِلَّا بِإِعَادَة الْجَار نَحْو: مَرَرْت بك وبزيد. وَلم يشْتَرط الْكُوفِيُّونَ وَيُونُس والأخفش ذَلِك وأجازوا فِي الْكَلَام: مَرَرْت بك وَزيد. وَعَلِيهِ جَاءَ الْبَيْت الْآتِي وَهُوَ قَوْله: كها وأقربا. وَهَذَا إِذا كَانَ الضَّمِير الْمَجْرُور بطرِيق الْأَصَالَة وَأما إِن كَانَ بطرِيق الِاسْتِعَارَة كَأَن يستعار ضمير قَالَ أَبُو حَيَّان فِي الارتشاف والتذكرة: قَالَ الْفراء: وَمن لم يقل مَرَرْت بِي وَزيد على اخْتِيَار قَالَ مُخْتَارًا: أَنْت كأنا وَزيد وَأَنا كَأَنْت وَزيد. انْتهى.

قَالَ الأعلم: الْوَقْف على كه بِالْهَاءِ لِأَنَّهُ ضمير جر مُتَّصِل بِالْكَاف اتِّصَاله بِمثل وَالْوَقْف عَلَيْهِ هُنَا كالوقف عَلَيْهِ ثمَّة. انْتهى.) ويروى فِي بعض النّسخ من كتب النَّحْو: كَهُوَ وَلَا كهن برسم ضمة الْهَاء المشبعة واواً. وَذَلِكَ غير جيد. وَمن هُنَا قَالَ الْمرَادِي فِي شرح التسهيل: وَلَا حجَّة فِي قَوْله: كهن وَلَا كه لاحْتِمَال أَن يكون كَهُوَ وَيجْعَل هُوَ وكهن ضمير رفع منفضل بنيابة ضمير الرّفْع عَن ضمير الْجَرّ. وَقد شرح الْعَيْنِيّ هذَيْن الْبَيْتَيْنِ بِمَا لَا يظْهر مَعَه مَعْنَاهُمَا بل يزِيد الطَّالِب خبط عشواء. قَالَ: استتب: استقام. ودائلاً من الدألان وَهُوَ مشي يُقَارب فِيهِ الخطو كَأَنَّهُ مثقل من الْحمل. والهجار: حَبل يشد فِي رسغ رجل الْبَعِير ثمَّ يشد إِلَى حقوه إِن كَانَ عرياً وَإِن كَانَ مرحولاً يشد فِي الحقب. تَقول مِنْهُ: هجرت الْبَعِير أهجره هجراً. وهجار الْقوس: وترها. وبعلاً: زوجا. وحليلة الرجل: امْرَأَته. والحاظل: الْمَانِع من التَّزْوِيج كالعاضل بالضاد. وَجُمْلَة لَا ترى: منفية من الْفِعْل وَالْفَاعِل وبعلاً مَفْعُوله وَلَا حلائلاً عطف عَلَيْهِ. وَقَوله كه: الْكَاف للتشبيه وَمحله النصب لِأَنَّهُ مفعول ثَان لترى وَلَا كهن عطف على كه وحاظلاً اسْتثِْنَاء من قَوْله بعلاً وَلَا حلائلاً. هَذَا كَلَامه فَتَأمل واعجب. وترجمة رؤبة تقدّمت فِي الشَّاهِد الْخَامِس من أول الْكتاب.

(الشاهد السادس والثلاثون بعد الثمانمائة)

وَأنْشد بعده (الشَّاهِد السَّادِس وَالثَّلَاثُونَ بعد الثَّمَانمِائَة) وَهُوَ من شَوَاهِد س: وَأم أوعال كها أَو اقربا لما تقدم قبله. وَهُوَ من أرجوزة للعجاج مطْلعهَا: (مَا هاج دمعاً ساكباً مستسكبا ... من أَن رَأَيْت صاحبيك أكأبا) أَي: دخلا فِي الكآبة وَهِي الْحزن. ثمَّ وصف فِيهَا حمَار الْوَحْش وأتنه أَرَادَ أَن يرد المَاء فَرَأى الصياد فهرب بأتنه. إِلَى أَن قَالَ: ذَات الْيَمين غير مَا أَن ينكبا نحاه تنحية: أبعده عَنهُ وَجعله فِي نَاحيَة. وفاعل نحى ضمير يعود إِلَى حمَار وَحش ذكره. يَعْنِي أَنه مضى فِي عدوه نَاحيَة فَجعل الذنابات فِي جَانب شِمَاله وَأم أوعال فِي نَاحيَة يَمِينه. وروى خلى الذنابات وَشمَالًا على الأول ظرف وعَلى الثَّانِي ظرف أَيْضا فِي وضع الْمَفْعُول الثَّانِي لتضمين خلى معنى جعل. - والذنابات قَالَ الأندلسي فِي شرح الْمفصل: هُوَ جمع ذنابة بِكَسْر الذَّال وَهِي آخر الْوَادي يَنْتَهِي إِلَيْهِ السَّيْل. وَكَذَلِكَ آخر النَّهر. ووجدتها فِي مَوضِع آخر: الذبابات بالموحدتين وَهِي الْجبَال الصغار. انْتهى. وَقَالَ غَيره: الذنابات بِالذَّالِ وَالنُّون: اسْم مَوضِع. وَلم أره فِي المعجم لأبي عبيد الْبكْرِيّ وَلَا فِي مُعْجم الْبلدَانِ لياقوت الْحَمَوِيّ وَلَا فِي كتب اللُّغَة الْمُدَوَّنَة.

وَفَسرهُ شَارِح اللّبَاب بالجبال الصغار وَقَيده الْعَيْنِيّ بِفَتْح الذَّال وَقَالَ: اسْم مَوضِع بِعَيْنِه. والكثب بِفَتْح الْكَاف والمثلثة: الْقرب وَأَرَادَ الْقَرِيب وَهُوَ صفة الشمَال. وَأم أوعال قَالَ الْبكْرِيّ: على لفظ جمع وعل: هضبة فِي ديار بني تَمِيم وَيُقَال لَهَا: ذَات أوعال. وَأنْشد هَذَا الشّعْر. وَقَالَ ياقوت: هضبة مَعْرُوفَة قرب برقة أنقد وَهِي أكمة بِعَينهَا. قَالَ ابْن السّكيت: وَيُقَال لكل هضبة فِيهَا أوعال: أم أوعال. وَأنْشد هَذَا الشّعْر وَغَيره وَقَالَ: والوعل: كَبْش الْجَبَل.) والهضبة: الْجَبَل المنبسط على وَجه الأَرْض. والأكمة: تل وَقيل: شرفة كالرابية وَهُوَ مَا اجْتمع فِي مَكَان وَاحِد وَرُبمَا لم يغلظ. وَقَوله: كها الضَّمِير للذنابات. قَالَ ابْن السيرافي: أم أوعال: مُبْتَدأ وكها هُوَ الْخَبَر وَأقرب مَعْطُوف على مجرور الْكَاف من غير إِعَادَة الْجَار. يَعْنِي أَنه مضى فِي عدوه نَاحيَة من الذنابات فَكَأَنَّهُ نحاها عَن طَرِيقه وَهِي عَن شِمَاله فِي الْموضع الَّذِي عدا فِيهِ بِالْقربِ من الْموضع وَلَيْسَت ببعيدة. وَأم أوعال من الْموضع الَّذِي عدا فِيهِ كالذنابات مِنْهُ أَو اقْربْ إِلَيْهِ مِنْهَا. انْتهى. - وَقَالَ ابْن يعِيش وَصدر الأفاضل: الْمَحْفُوظ أَن أم أوعال بِالنّصب فَيكون مَعْطُوفًا على الذنابات. وَقَالَ صدر الأفاضل: وَالْمعْنَى نحى الذنابات عَن طَرِيقه جَانب شمال قريب مِنْهُ بِأَن مضى نَاحيَة مِنْهَا ونحى أم أوعال فِي جَانب يَمِينه مثل الذنابات فِي الْقرب مِنْهُ أَو أقرب مِنْهَا إِلَيْهِ. وَقَوله: غير مَا أَن ينكبا بِنصب غير على الِاسْتِثْنَاء وَمَا زَائِدَة وَأَن ناصبة وفاعل ينكب قَالَ الْأَصْمَعِي فِي كتاب الْإِبِل:

(الشاهد السابع والثلاثون بعد الثمانمائة)

نكب ينكب نكباً ونكوباً إِذا انحرف عَن الطَّرِيق. وَأنْشد هَذَا الْبَيْت. وَهُوَ من بَاب نصر. قَالَ ابْن السيرافي: يَقُول: هما عَن يَمِين طَرِيقه وشماله وَمِقْدَار مَا بَين كل وَاحِد من الْمَوْضِعَيْنِ وَبَين طَرِيقه مُتَقَارب إِلَّا أَن يجوز فِي عدوه فَتَصِير الذنابات إِن مَال إِلَيْهَا أقرب من أم أوعال وَإِن مَال فِي الْعَدو إِلَى أم أوعال صَارَت أقرب إِلَيْهِ من الذنابات. وَقَالَ الْعَيْنِيّ: أم أوعال: مُبْتَدأ وَخَبره: كها وَأقرب: مَعْطُوف على الضَّمِير الْمَجْرُور. وَيجوز نصب أم أوعال بالْعَطْف على الذنابات على معنى جعل أم أوعال كالذنابات أَو أقرب فَيكون أقرب حِينَئِذٍ مَعْطُوفًا على مَحل الْجَار وَالْمَجْرُور. هَذَا كَلَامه. يُرِيد أَن مَوضِع الْجَار وَالْمَجْرُور النصب على أَنه مفعول ثَان لجعل وَأقرب مَعْطُوف على الْمحل. وترجمة العجاج تقدّمت فِي الشَّاهِد الْحَادِي وَالْعِشْرين من أَوَائِل الْكتاب. وَأنْشد بعده (الشَّاهِد السَّابِع وَالثَّلَاثُونَ بعد الثَّمَانمِائَة) (فَإِن الْحمر من شَرّ المطايا ... كَمَا الحبطات شَرّ بني تَمِيم) على أَن الْكَاف المكفوفة بِمَا. قد تكون لتشبيه مَضْمُون جملَة بمضمون جملَة أُخْرَى. ومضمون الأولى كَون الْحمر من شَرّ المطايا ومضمون الثَّانِيَة كَون

الحبطات سر بني تَمِيم. فَشبه ذَاك الْكَوْن بِهَذَا الْكَوْن وهما مَضْمُونا الجملتين وَوجه الشّبَه الْحُصُول فِي الْوُجُود. وَكَذَا تَقول فِي الْآيَة قبله. وَكَذَا الْحَال إِن كَانَ بعد كَمَا أَن. وَقد فرق بَينهمَا ابْن الخباز فِي النِّهَايَة قَالَ: قد كفوا الْكَاف بِمَا كَمَا كفوا رب فتليها الْجُمْلَة الاسمية والفعلية. تَقول: زيد قَاعد كَمَا عَمْرو قَائِم شبهت جملَة بجملة بكونهما حاصلين فِي الْوُجُود. وَتقول: زيد قَاعد كَمَا أَن عمرا قَائِم وَالْمعْنَى: قعُود زيد لَا محَالة وَقيام عَمْرو لَا محَالة. فَالْأولى فِيهَا تَشْبِيه جملَة بجملة وَهَذِه توجب حُصُول الْأَمريْنِ فِي الْوُجُود. فَهَذَا فرق مَا بَينهمَا. وَتقول: زرني كَمَا أزورك فتحتمل مَا أَن تكون مَصْدَرِيَّة أَي: زرني كزيارتي إياك أَو تكون بِمَعْنى لَعَلَّ أَي: لعَلي أزورك. انْتهى. وَزعم أَبُو عَليّ أَن مَا فِي الْآيَة وَالْبَيْت مَوْصُولَة وَصدر الصِّلَة مَحْذُوف قَالَ: وَأما قَوْله: قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَل لنا إِلَهًا كَمَا لَهُم آلِهَة فالتقدير: اجْعَل لنا إِلَهًا مثل الَّتِي هِيَ لَهُم آلِهَة وَحذف الْمُبْتَدَأ من الصِّلَة كَمَا حذف فِي قَوْله تَعَالَى: تَمامًا على الَّذِي أحسن بِالرَّفْع التَّقْدِير: الَّذِي هُوَ أحسن. وَمثله قِرَاءَة رؤبة: مثلا مَا بعوضة بِرَفْع بعوضة. فالتقدير أَن يضْرب الَّذِي هُوَ بعوضة مثلا. وعَلى هَذَا حمل الْأَخْفَش قَول الشَّاعِر:

وجدنَا الْحمر من شَرّ المطايا الْبَيْت قَالَ: مَعْنَاهُ كَالَّذِين هم الحبطات. قَالَ: وَإِن شِئْت جعلت مَا زَائِدَة وجررت الحبطات بِالْكَاف. انْتهى. وَهَذَا غير جيد فَإِنَّهُ تَخْرِيج على الْقَلِيل النَّادِر مَعَ إِمْكَانه على التَّخْرِيج الْكثير الشَّائِع. وَكَأَنَّهُ مَبْنِيّ على أَن الْكَاف لَا تكف بِمَا كَمَا زَعمه صَاحب المستوفي. ورد عَلَيْهِ بقوله: (أعلم أنني وَأَبا حميد ... كَمَا النشوان وَالرجل الْحَلِيم)) قَالَ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي: وَإِنَّمَا يَصح الِاسْتِدْلَال بِهَذَا إِذا لم يثبت أَن مَا المصدرية توصل بالجمل الاسمية. انْتهى. فَمَا اللاحقة للكاف عِنْد الْبَصرِيين ثَلَاثَة أَقسَام على خلاف فِيهَا: مَصْدَرِيَّة وموصولة وكافة. وَهَذِه قِسْمَانِ: أَحدهمَا: كَافَّة ومهيئة فَقَط. وَثَانِيهمَا: تَغْيِير معنى الْكَلِمَة مَعهَا. وَلها مَعْنيانِ حِينَئِذٍ إِمَّا معنى: لَعَلَّ وَإِمَّا معنى: الْقرَان فِي وَمِمَّا قيل إِن مَا فِيهِ مَوْصُولَة قَوْلهم: كن كَمَا أَنْت. وللنحويين فِيهِ خَمْسَة أَقْوَال: قَولَانِ على الموصولية وقولان على أَنَّهَا كَافَّة وَقَول بزيادتها.

الأول: أَن الْكَاف بِمَعْنى عَليّ وَمَا مَوْصُولَة وَأَنت مُبْتَدأ حذف خَبره أَي: كن على مَا أَنْت عَلَيْهِ. الثَّانِي: أَنَّهَا مَوْصُولَة وَأَنت: خبر مَحْذُوف مبتدؤه أَي: كَالَّذي هُوَ أَنْت. وَقد قيل بِهِ فِي قَوْله تَعَالَى: اجْعَل لنا إِلَهًا كَمَا لَهُم آلِهَة كَمَا تقدم. الثَّالِث: أَن مَا كَافَّة وَأَنت مُبْتَدأ حذف خَبره أَي: عَلَيْهِ أَو كَائِن. وَقد قيل فِي كَمَا لَهُم آلِهَة أَيْضا. الرَّابِع: أَن مَا كَافَّة وَأَنت فَاعل وَالْأَصْل كَمَا كنت ثمَّ حذفت كَانَ فانفصل الضَّمِير. الْخَامِس: أَن مَا زَائِدَة وَالْكَاف جَارة كَمَا فِي قَوْله: كَمَا النَّاس مجروم عَلَيْهِ وجارم وَأَنت ضمير رفع أنيب عَن الْمَجْرُور وَالْمعْنَى: كن فِيمَا يسْتَقْبل مماثلاً لنَفسك فِيمَا مضى. حكى هَذِه الْخَمْسَة ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي وَقَالَ: تقع كَمَا بعد الْجمل كثيرا صفة فِي الْمَعْنى فَتكون نعتاً لمصدر أَو حَالا ويحتملهما قَوْله تَعَالَى: يَوْم نطوي السَّمَاء كطي السّجل للْكتاب كَمَا بدأنا فَإِن قدرته نعتاً لمصدر فَهُوَ إِمَّا مَعْمُول لنعيده أَي: نعيد أول خلف إِعَادَة مثل مَا بدأناه أَو لنطوي أَي: نَفْعل هَذَا الْفِعْل الْعَظِيم كفعلنا هَذَا الْفِعْل. وَإِن قدرته

حَالا فذو الْحَال مفعول نعيده أَي: نعيده مماثلاُ للَّذي بدأناه. وَتَقَع كلمة كَذَلِك أَيْضا كَذَلِك. فَإِن قلت: فَكيف اجْتمعت مَعَ مثل فِي قَوْله تَعَالَى: وَقَالَ الَّذين لَا يعلمُونَ لَوْلَا يُكَلِّمنَا الله أَو تَأْتِينَا آيَة كَذَلِك قَالَ الَّذين من قبلهم مثل قَوْلهم وَمثل فِي الْمَعْنى نعت لمصدر قَالَ الْمَحْذُوف أَي: كَمَا أَن كَذَلِك نعت لَهُ وَلَا يتَعَدَّى عَامل وَاحِد لمتعلقين بِمَعْنى وَاحِد لَا تَقول:) ضربت زيدا عمرا. وَلَا يكون مثل توكيداً لكذلك لِأَنَّهُ أبين مِنْهُ كَمَا لَا يكون زيد من قَوْلك: هَذَا زيد يفعل كَذَا توكيداً لهَذَا كَذَلِك وَلَا خَبرا لمَحْذُوف بِتَقْدِير: الْأَمر كَذَلِك لما يُؤَدِّي إِلَيْهِ من عدم ارتباط مَا بعده بِمَا قبله. قلت: مثل بدل من كَذَلِك أَو بَيَان أَو نصب بيعلمون أَي: لَا يعلمُونَ اعْتِقَاد الْيَهُود وَالنَّصَارَى. فَمثل بمنزلتها فِي: مثلك لَا يفعل كَذَا أَو نصب بقال. وَالْكَاف: مُبْتَدأ والعائد مَحْذُوف أَي: قَالَه. ورد ابْن الشجري ذَلِك على مكي بِأَن قَالَ: قد استوفى معموله وَهُوَ مثل. وَلَيْسَ بِشَيْء لِأَن وَالْبَيْت من أَبْيَات ثَلَاثَة لزياد الْأَعْجَم وَهِي: (وَأعلم أنني وَأَبا حميد ... كَمَا النشوان وَالرجل الْحَلِيم) (أُرِيد حباءه وَيُرِيد قَتْلِي ... وَأعلم أَنه الرجل اللَّئِيم) (فَإِن الْحمر من شَرّ المطايا ... كَمَا الحبطات شَرّ بني تَمِيم)

كَذَا أوردهَا الْعَيْنِيّ وَلم يُنَبه على أَن الْبَيْت الْأَخير فِيهِ إقواء. وَقَوله: وَأعلم أنني فعل مضارع وروى بدله: لعمرك إِنَّنِي. وعَلى الأول همزَة أنني مَفْتُوحَة وعَلى الثَّانِي مَكْسُورَة. وَقَوله: كَمَا النشوان ... إِلَخ أوردهُ الْمرَادِي فِي شرح الألفية وَابْن هِشَام فِي الْمُغنِي على أَن مَا كفت الْكَاف عَن عمل الْجَرّ. والنشوان: السَّكْرَان. والنشوة: السكر. والحليم: الَّذِي عِنْده تأن وَتحمل لما يثقل على النَّفس. يَقُول: أَنا وَأَبُو حميد كَالسَّكْرَانِ والحليم أتحمل مِنْهُ وَهُوَ يعبث بِي كَالسَّكْرَانِ يسفه على الْحَلِيم وَهُوَ متحمل. وَهَذَا تَشْبِيه تمثيلي شبه حَالَته مَعَه بِحَالَة الْحَلِيم مَعَ السَّكْرَان. والمخبر عَنهُ اثْنَان وَمَا بعد كَمَا خبرهما إِلَّا أَنه أخبر عَن الثَّانِي بِالْأولِ وَعَن الأول بِالثَّانِي لظُهُور الْمَعْنى وَعدم اللّبْس. وتكلف الدماميني فَجعل النشوان: مُبْتَدأ وَالرجل: مَعْطُوفًا عَلَيْهِ وخبرهما محذوفاً أَي: وَتَبعهُ ابْن الملا وَلم يكتف بِهِ بل أَطَالَ لِسَانه على الْجلَال السُّيُوطِيّ وَقَالَ: النشوان: مُبْتَدأ لَا خبر كَمَا وهم الْجلَال: (وَكم من عائب قولا صَحِيحا ... وآفته من الْفَهم السقيم)) وَرُوِيَ: كَمَا النشوان ... إِلَخ يجرهما على جعل مَا زَائِدَة لَا كَافَّة فَيكون الإقواء فِي الْبَيْت الثَّانِي

ويروى: لكالنشوان. وَاللَّام للتوكيد فِي خبر إِن وعَلى هَذَا لَا شَاهد فِي الْبَيْت. - وَقَوله: أُرِيد حباءه وَيُرِيد قَتْلِي أَخذ هَذَا المصراع من قَول عَمْرو بن معديكرب الصَّحَابِيّ فِي ابْن أُخْته قيس بن المكشوح الْمرَادِي: (أُرِيد حباءه وَيُرِيد قَتْلِي ... عذيرك من خَلِيلك من مُرَاد) والحباء: بِكَسْر الْمُهْملَة بعْدهَا مُوَحدَة: الْعَطِيَّة. حدث أَمر بَينهمَا أوجب التقاطع. يَقُول: أُرِيد نَفعه وحباءه مَعَ إِرَادَته قَتْلِي وتمنيه موتِي فَمن يعذرني مِنْهُ. ويروى: أُرِيد حَيَاته بِلَفْظ ضد الْمَمَات. وَكَانَ عَليّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه ينشد هَذَا الْبَيْت كلما يرى عبد الرَّحْمَن بنم ملجم قَاتله الله. وَالْبَيْت من شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ. قَالَ الأعلم: الشَّاهِد فِيهِ نصب عذيرك وَوَضعه مَوضِع الْفِعْل بَدَلا مِنْهُ. وَالْمعْنَى: هَات عذرك وَقرب عذرك. وَالتَّقْدِير: اعذرني مِنْهُ عذرا. وَاخْتلف فِي العذير فَمنهمْ من جعله مصدرا بِمَعْنى الْعذر وَهُوَ مَذْهَب سِيبَوَيْهٍ. وَمِنْهُم من جعله بِمَعْنى عاذر كعليم وعالم. وَالْمعْنَى عِنْده: هَات عذرك. وَامْتنع أَن يَجعله بِمَعْنى الْعذر لِأَن فعيلاً لَا يَأْتِي مصدرا إِلَّا فِي الْأَصْوَات نَحْو: الصهيل. ورد بِأَن الْمصدر يطرد وَضعه مَوضِع الْفِعْل بَدَلا مِنْهُ وَلَا يطرد ذَلِك فِي اسْم الْفَاعِل وَقد جَاءَ فعيل فِي غير الصَّوْت كَقَوْلِهِم: وَجب الْقلب وجيباً إِذا اضْطربَ. انْتهى. وروى الدماميني المصراع الأول كَذَا: (أُرِيد هجاءه وأخاف رَبِّي ... وَاعْلَم أَنه عبد لئيم)

وَقَالَ: ادّعى الْحلم لكنه أبان عَن عدم حلمه بِهَذَا الْبَيْت. وَأي حلم وَأي كف عَن الهجاء مَعَ التسجيل عَلَيْهِ بِهَذَا الْوَصْف الذميم. وغرضه أَن مَا ذكره لَا يعد هجواً لاتصافه بِمَا يكون هَذَا الْمَذْكُور بِالنِّسْبَةِ للمسكوت عَنهُ من أَوْصَافه كالمدح لَهُ. وَفِي الْحَقِيقَة هَذَا غَايَة الذَّم والهجاء. وَقَوله: فَإِن الْحمر ... إِلَخ هُوَ جمع حمَار. والمطايا: جمع مَطِيَّة. قَالَ صَاحب الْمِصْبَاح: والمطا على وزن الْعَصَا: الظّهْر وَمِنْه قيل للبعير: مَطِيَّة فعيلة بِمَعْنى مفعولة لِأَنَّهُ يركب مطاه ذكرا كَانَ أَو أُنْثَى وَيجمع على مطي ومطايا فَلَا يَصح جعل الْحمير من شَرّ المطايا لِأَن الْحمير غير الْإِبِل. والجيد قَول صَاحب الْقَامُوس: المطية: الدَّابَّة الَّتِي تمطو فِي السّير أَي: تَجِد وتسرع. وَفِيه رِوَايَة) فَإِن النيب من شَرّ المطايا والنيب: جمع نَاب وَهِي النَّاقة المسنة. وَأغْرب الْعَيْنِيّ هُنَا فَقَالَ: الْحمر جمع حمَار هَكَذَا وجدته مضبوطاً فِي نُسْخَة صَحِيحَة لأبي عَليّ أَعنِي التَّذْكِرَة. وَوجدت فِي مَوضِع آخر: فَإِن الْخمر بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَهِي الَّتِي تشرب وَهَذَا أقرب وَإِن كَانَ ذَاك أصوب. وَقد شبه الْخمر بالمطية الَّتِي لَا خير فِيهَا وَوجه الشّبَه حُصُول الشَّرّ من كل مِنْهُمَا. هَذَا كَلَامه. وَهَذِه غَفلَة فَإِنَّهُ لَا تَشْبِيه هُنَا وَإِنَّمَا أخبر عَن الْحمر بِكَوْنِهَا من شَرّ المطايا. وَرِوَايَة الْخمر بِالْمُعْجَمَةِ تَحْرِيف على تَصْحِيف. والحبطات بِفَتْح الْمُهْملَة وَكسر الْمُوَحدَة وهم بَنو الْحَارِث بن عَمْرو بن تَمِيم. قَالَ صَاحب الصِّحَاح: الحبط بِالتَّحْرِيكِ: أَن تَأْكُل الْمَاشِيَة فتكثر حَتَّى

تنتفخ لذَلِك بطونها وَلَا يخرج عَنْهَا مَا فِيهَا. - وَقَالَ ابْن السّكيت: وَهُوَ أَن ينتفخ بَطنهَا عَن أكل الذرق وَهُوَ الحندقوق. وَيُقَال: حبطت الشَّاة بِالْكَسْرِ وَفِي الحَدِيث: وَإِن مِمَّا ينْبت الرّبيع مَا يقتل حَبطًا أَو يلم. وَمِنْه سمي الْحَارِث بن عَمْرو بن تَمِيم: الحبط بِفَتْح فَكسر وَقيل لَهُ: الحبط لِأَنَّهُ كَانَ فِي سفر فَأَصَابَهُ مثل ذَلِك. وَولده هَؤُلَاءِ الَّذين يسمون الحبطات من بني تَمِيم وَالنِّسْبَة إِلَيْهِم حبطي. انْتهى. قَالَ ابْن السَّيِّد فِيمَا كتبه على الْكَامِل: الحبطي بِفَتْح الْبَاء كَرَاهَة الكسرات. قَالَ الْمبرد فِي الْكَامِل: يرْوى أَن الفرزدق بلغه أَن رجلا من الحبطات بن عَمْرو بن تَمِيم خطب امْرَأَة من بني دارم بن مَالك بن حَنْظَلَة بن زيد مَنَاة بن تَمِيم فَقَالَ الفرزدق: (بَنو دارم أكفاؤهم آل مسمع ... وَتنْكح فِي أكفائها الحبطات) آل مسمع: بَيت بكر بن واائل فِي الْإِسْلَام وهم من بني قيس بن ثَعْلَبَة بن عكابة بن صَعب بن عَليّ بن بكر بن وَائِل. والحبطات هم بَنو الْحَارِث بن عَمْرو بن تَمِيم: فَقَالَ رجل من الحبطات يجِيبه: (أما كَانَ عباد كفيئاً لدارم ... بلَى ولأبيات بهَا الحجرات) يَعْنِي بني هَاشم من قَول الله عَزَّ وَجَلَّ: إِن الَّذين يُنَادُونَك من وَرَاء الحجرات. انْتهى.)

(الشاهد الثامن والثلاثون بعد الثمانمائة)

- قَالَ ابْن السَّيِّد: عباد هَذَا هُوَ ابْن حُصَيْن صَاحب البغلة. والكفيء: فعيل بِمَعْنى الْكُفْء. وَقَالَ بَعضهم: غنما سمي الْحَارِث حَبطًا لِأَنَّهُ كَانَ فِي سفر فَأكل أكلا فانتفخ بَطْنه فَمَاتَ فَسُمي حَبطًا وعيروا بذلك. فانحطاط قدره وَقدر أَوْلَاده إِنَّمَا هُوَ لهَذَا لَا لما زعم ابْن نباتة فِي وجدنَا النيب من شَرّ المطايا الْبَيْت فلزمهم هَذَا القَوْل. انْتهى. وَلَا يخفى أَن هَذَا الْبَيْت لزياد الْأَعْجَم وَهُوَ من معاصري الفرزدق وَتَقَدَّمت تَرْجَمته فِي الشَّاهِد الثَّانِي بعد الثَّمَانمِائَة. وتسميتهم بالحبطات قديم جدا قبل أَن يخلق أجداد زِيَاد فَكيف لقبوا بقوله. وَالله أعلم. وَأنْشد بعده (الشَّاهِد الثَّامِن وَالثَّلَاثُونَ بعد الثَّمَانمِائَة) وَهُوَ من شَوَاهِد س: لَا تَشْتُم النَّاس كَمَا لَا تَشْتُم على أَن كَمَا أَصْلهَا كَاف التَّشْبِيه المكفوفة بِمَا قد تغير مَعْنَاهَا بالتركيب فَصَارَت بِمَعْنى لَعَلَّ أَي: لَعَلَّك لَا تَشْتُم. وَهِي مُهْملَة لَا تعْمل شَيْئا وَلَا يلْزم من كَونهَا بِمَعْنى لَعَلَّ أَن تعْمل عَملهَا. وَتقدم نقل كَلَام سِيبَوَيْهٍ وَغَيره فِي الشَّاهِد السَّابِع وَالْخمسين بعد الستمائة. وَفِي الارتشاف لأبي حَيَّان: وَذهب الْفراء إِلَى أَن قَوْلهم: انتظرني كَمَا آتِيك وَلَا تَشْتُم النَّاس كَمَا لَا تَشْتُم

(الشاهد التاسع والثلاثون بعد الثمانمائة)

الْكَاف فيهمَا للتشبيه وَالْكَاف صفة لمصدر مَحْذُوف أَي: انتظرني انتظاراً مثل إتياني لَك أَي: ف لي بالانتظار كَمَا أَفِي لَك بالإتيان وانته عَن شتم النَّاس كانتهائهم عَن شتمك. انْتهى. وَقَوله: لَا تَشْتُم لَا: ناهية. وَقَوله: كَمَا لَا تَشْتُم بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول وَرفع الْفِعْل. وَهُوَ من أرجوزة لرؤبة بن العجاج وَتَقَدَّمت تَرْجَمته فِي الشَّاهِد الْخَامِس من أول الْكتاب. وَأنْشد بعده (الشَّاهِد التَّاسِع وَالثَّلَاثُونَ بعد الثَّمَانمِائَة) وَهُوَ من شَوَاهِد س: (وَإِنَّا لمما نضرب الْكَبْش ضَرْبَة ... على رَأسه تلقي اللِّسَان من الْفَم)

على أَن من الجارة لما كفت بِمَا تغير مَعْنَاهَا وَصَارَت بِمَعْنى رُبمَا مفيدة للتكثير أَو للتقليل على خلاف فِي مدلولها. قَالَ سِيبَوَيْهٍ فِي بَاب من أَبْوَاب أَن الَّتِي تكون وَالْفِعْل بِمَنْزِلَة مصدره مَا نَصه: وَتقول: إِنِّي مِمَّا أَن أفعل ذَاك كَأَنَّهُ قَالَ: أَنِّي من الْأَمر أَو من الشَّأْن أَن أفعل ذَاك. فَوَقَعت مَا فِي هَذَا الْموضع كَمَا تَقول الْعَرَب: بئْسَمَا يُرِيدُونَ بئس الشَّيْء. إِلَى أَن قَالَ: وَإِن شِئْت قلت: إِنِّي مِمَّا أفعل فَتكون مَا مَعَ من بِمَنْزِلَة كلمة وَاحِدَة نَحْو: رُبمَا. قَالَ أَبُو حَيَّة النميري: وَإِنَّا لمما نضرب الْكَبْش ... ... ... ... . الْبَيْت انْتهى. قَالَ الأعلم: الشَّاهِد فِي قَوْله: لمما وَمَعْنَاهُ لربما وَهِي من زيدت إِلَيْهَا مَا وَجعلت مَعهَا على معنى رُبمَا فركبت تركيبها. انْتهى. وَفِي البغداديات لأبي عَليّ: قَالَ أَبُو الْعَبَّاس: إِن أَرَادَ سِيبَوَيْهٍ أَن مَا كَافَّة لمن أَنَّهَا كَافَّة لرب فَهُوَ كَمَا قَالَ سِيبَوَيْهٍ. وَإِن أَرَادَ أَنه للتقليل كَمَا أَن رُبمَا للتقليل كَانَ ذَلِك مسوغاً إِذا ثَبت مسموعاً. وَيبعد ذَلِك فِي الْبَيْت فَإِنَّهُ يَنْبَغِي أَن يكون غير مقلل لضربه للكبش على رَأسه انْتهى. وَإِنَّمَا قَالَ هَذَا لِأَن رب وَرُبمَا عِنْده لَا تفِيد إِلَّا الْقلَّة. وَكَأن أَبَا حَيَّان لم يقف على مَا قدمْنَاهُ. قَالَ فِي الارتشاف: وَزعم السيرافي والأعلم وَابْن طَاهِر وَابْن خروف أَن من إِذا كَانَ بعْدهَا مَا كَانَت بِمَعْنى رُبمَا وَزَعَمُوا أَن سِيبَوَيْهٍ يُشِير إِلَى هَذَا الْمَعْنى فِي كَلَامه. وَأنكر الْأُسْتَاذ أَبُو عَليّ وَأَصْحَابه ذَلِك وردوه وتأولوا مَا زعموه من ذَلِك. هَذَا كَلَامه. وَتَبعهُ ابْن هِشَام فِي موضِعين من الْمُغنِي أَحدهمَا: فِي من قَالَ عِنْد مَعَانِيهَا: الْعَاشِر مرادفة رُبمَا وَإِنَّا لمما نضرب الْكَبْش الْبَيْت

قَالَه السيرافي وَابْن خروف وَابْن طَاهِر والأعلم وَخَرجُوا عَلَيْهِ قَول سِيبَوَيْهٍ: إِنَّهُم مِمَّا يحذفون كَذَا. وَالظَّاهِر أَن من فيهمَا ابتدائية وَمَا مَصْدَرِيَّة وَأَنَّهُمْ جعلُوا كَأَنَّهُمْ خلقُوا من الضَّرْب والحذف مثل: خلق الْإِنْسَان من عجل. انْتهى.) وَثَانِيهمَا: فِي مَا الكافة قَالَ: إِنَّهَا تتصل بأحرف فتكفها من عمل الْجَرّ. الرَّابِع: من كَقَوْل أبي حَيَّة: وَإِنَّا لمما نضرب الْكَبْش الْبَيْت قَالَه ابْن الشجري. وَالظَّاهِر أَن مَا مَصْدَرِيَّة وَأَن الْمَعْنى مثله فِي: خلق الْإِنْسَان من عجل وَقَوله: وضنت علينا والضنين من الْبُخْل فَجعل الْإِنْسَان والبخيل مخلوقين من الْعجل وَالْبخل مُبَالغَة. انْتهى. وَسِيَاق الْكَلَام مِنْهُمَا ظَاهر فِي أَن الْمَعْنى الأول لم يقل بِهِ سِيبَوَيْهٍ وَإِنَّمَا هُوَ شَيْء استنبطه خدمَة كِتَابه من كَلَامه وَلَيْسَ كَذَلِك. وَتَخْرِيج ابْن هِشَام فَاسد وَذَلِكَ أَن فعل الصِّلَة فِي المثالين الْأَوَّلين مُسْند إِلَى ضمير الْمُحدث عَنهُ فَيلْزم عِنْد السبك إِضَافَة الْمصدر إِلَى ذَلِك الضَّمِير

فيؤول الْأَمر إِلَى جعلهم كَأَنَّهُمْ خلقُوا من ضَربهمْ وَمن حذفهم. وَذَلِكَ غير مُتَصَوّر الْبَتَّةَ. وَلَا يلْزم هَذَا فِي الْآيَة وَالْبَيْت الْأَخير. والكبش هُنَا: الرئيس وَسيد الْقَوْم لِأَنَّهُ يقارع دونهم ويحميهم. قَالَ ابْن النّحاس: وَإِن شِئْت جعلت مَا بِمَعْنى الَّذِي وَرفعت الْكَبْش. انْتهى. أَقُول: هَذَا لَا يَصح. فَتَأمل. وَمثل هَذَا الْبَيْت قَول الفرزدق: (وَإِنَّا لمما نضرب الْكَبْش ضَرْبَة ... على رَأسه وَالْحَرب قد لَاحَ نارها) وَالظَّاهِر أَن أَبَا حَيَّة ألم بِبَيْت الفرزدق فَإِنَّهُ قبل أبي حَيَّة وَأَبُو حَيَّة توفّي فِي بضع وَثَمَانِينَ وَمِائَة. قَالَ ابْن قُتَيْبَة فِي كتاب الشُّعَرَاء: وَكَانَ يروي عَن الفرزدق. وَهُوَ بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الْمُثَنَّاة التَّحْتِيَّة. وصحفه ابْن الملا بِالْمُوَحَّدَةِ قَالَ: وَرَأَيْت من صحفه بمثناة تحتية. انْتهى. واسْمه الْهَيْثَم بن الرّبيع وَيَنْتَهِي نسبه إِلَى نمير بن عَامر بن صعصعة. - قَالَ صَاحب الأغاني: وَهُوَ شَاعِر مجيد مُتَقَدم من مخضرمي الدولتين الأموية والعباسية. وَقد مدح الْخُلَفَاء فيهمَا جَمِيعًا. وَكَانَ فصيحاً مقصداً راجزاً من سَاكِني الْبَصْرَة. وَكَانَ أهوج جَبَانًا بَخِيلًا كذابا مَعْرُوفا بذلك أجمع. وَكَانَ أَبُو عَمْرو بن الْعَلَاء يقدمهُ. وَقيل: إِنَّه كَانَ يصرع. وَكَانَ من أكذب النَّاس: حدث يَوْمًا أَنه يخرج إِلَى الصَّحرَاء فيدعو) الْغرْبَان فَتَقَع حوله فَيَأْخُذ مِنْهَا

مَا شَاءَ. فَقيل: يَا أَبَا حَيَّة أَفَرَأَيْت إِن أخرجناك إِلَى الصَّحرَاء فدعوتها فَلم تأتك فَمَاذَا تصنع بك قَالَ: أبعدها الله إِذن وَحدث يَوْمًا قَالَ: عَن لي ظَبْي يَوْمًا فرميته فرَاغ عَن سهمي فعارضه السهْم ثمَّ راغ فعارضه فَمَا زَالَ وَالله يروغ ويعارضه حَتَّى صرعه بِبَعْض الجبانات. وَإِلَى هَذَا السهْم لمح ابْن نباتة الْمصْرِيّ بقوله: (وبديع الْجمال لم ير طرفِي ... مثل أعطافه وَلَا طرف غَيْرِي) (كلما حدت عَن هَوَاهُ أَتَانِي ... سهم ألحاظه كسهم النميري) وَقَالَ يَوْمًا: رميت وَالله ظَبْيَة فَلَمَّا نفذ سهمي عَن الْقوس ذكرت بالظبية حَبِيبَة لي فعدوت خلف السهْم حَتَّى قبضت على قذذة قبل أَن يُدْرِكهَا. وَكَانَ لأبي حَيَّة سيف يُسَمِّيه: لعاب الْمنية لَيْسَ بَينه وَبَين الْخَشَبَة فرق. وَكَانَ أجبن النَّاس حدث جَار لَهُ قَالَ: دخل لَيْلَة إِلَى بَيته كلب فَظَنهُ لصاً فَأَشْرَفت عَلَيْهِ وَقد انتضى سَيْفه لعاب الْمنية وَهُوَ وَاقِف فِي وسط الدَّار وَهُوَ يَقُول: أَيهَا المغتر بِنَا والمجترئ علينا بئس وَالله مَا اخْتَرْت لنَفسك: خير قَلِيل وَسيف صقيل لعاب الْمنية الَّذِي سَمِعت بِهِ مَشْهُور ضَربته لَا تخَاف نبوته اخْرُج بِالْعَفو عَنْك قبل أَن أَدخل بالعقوبة عَلَيْك. إِنِّي وَالله إِن أدع قيسا إِلَيْك لَا تقم لَهَا وَمَا قيس تملأ وَالله الفضاء خيلاً ورجلاً سُبْحَانَ الله مَا أَكْثَرهَا وأطيبها. فَبينا هُوَ كَذَلِك إِذْ الْكَلْب قد خرج فَقَالَ: الْحَمد لله الَّذِي مسخك كَلْبا وكفاني حَربًا وَنَظِير هَذِه الْحِكَايَة مَا رَوَاهُ أَبُو إِسْحَاق الحصري صَاحب زهر الْآدَاب

فِي كتاب الْجَوَاهِر فِي الْملح والنوادر قَالَ: نزل أَعْرَابِي من بني نهشل يكنى أَبَا الْأَغَر على بني أُخْت لَهُ من قُرَيْش بِالْبَصْرَةِ وَذَلِكَ فِي شهر رَمَضَان فَخرج الرِّجَال إِلَى ضياعهم وَخرج النِّسَاء يصلين فِي الْمَسْجِد وَلم يبْق فِي الدَّار إِلَّا الْإِمَاء فَدخل كلب فَرَأى بَيْتا فدخله وانصفق الْبَاب فَسمع الْإِمَاء حَرَكَة فظنن أَن لصاً قد دخل الدَّار فَذَهَبت إِحْدَاهُنَّ إِلَى أبي الْأَغَر فَأَخْبَرته فَأخذ عَصا وَجَاء حَتَّى وقف على بَاب الْبَيْت فَقَالَ: أَيهَا اللص وَالله أما إِنِّي بك لعارف فَهَل أَنْت من لصوص بني مَازِن شربت نبيذاً حامضاً خبيثاً حَتَّى إِذا دارت الأقداح فِي رَأسك منتك نَفسك الْأَمَانِي. فَقلت: أطرق دور بني عَمْرو وَالرِّجَال خلوف وَالنِّسَاء يصلين فِي مسجدهن فأسرقهن سوءة لَك وَالله مَا يفعل هَذَا) الْأَحْرَار بئْسَمَا منتك نَفسك فَاخْرُج بِالْعَفو عَنْك وَإِلَّا دخلت بالعقوبة عَلَيْك وَايْم الله لتخْرجن أَو لأهتفن هتفة يلتقي فِيهَا الْحَيَّانِ: عَمْرو وحَنْظَلَة وتسيل عَلَيْك الرِّجَال من هُنَا وَلَئِن فعلت لتكونن أشأم مَوْلُود فِي بني تَمِيم فَلَمَّا رأى أَنه لَا يجِيبه أَخذه باللين فَقَالَ: اخْرُج بِأبي أَنْت مصوناً مَسْتُورا إِنِّي وَالله مَا أَرَاك تعرفنِي وَلَئِن عَرفتنِي لقد وثقت بِقَوْلِي واطمأننت

(تتمة)

إِلَيّ. أَنا أَبُو الْأَغَر النَّهْشَلِي وَأَنا خَال الْقَوْم وجلدة مَا بَين أَعينهم لَا يعصون لي رَأيا وَأَنا كَفِيل خفير أجعلك بَين شحمة أُذُنِي وعاتقي فَاخْرُج فَأَنت فِي ذِمَّتِي وَإِلَّا فعندي قوصرتان أهداهما إِلَيّ ابْن أُخْتِي الْبَار الْوُصُول فَخذ إِحْدَاهمَا فانتبذها حَلَالا من الله وَرَسُوله. فَكَانَ الْكَلْب إِذا سمع هَذَا الْكَلَام أطرق وَإِذا سكت وثب ويروم الْخُرُوج. فتهاتف أَبُو الْأَغَر ثمَّ قَالَ: يَا ألأم النَّاس وأوضعهم أَرَانِي لَك اللَّيْلَة فِي وَاد وَأَنت فِي آخر وَالله لتخْرجن أَو لألجن فَلَمَّا طَال وُقُوفه جَاءَت جَارِيَة وَقَالَت: أَعْرَابِي مَجْنُون وَالله مَا أرى فِي الْبَيْت أحدا. وَدفعت الْبَاب فَخرج الْكَلْب مبادراً وَوَقع أَبُو الْأَغَر مُسْتَلْقِيا فَقُلْنَ لَهُ: قُم وَيحك فَإِنَّهُ كلب فَقَالَ: الْحَمد لله الَّذِي مسخه كَلْبا وَكفى الْعَرَب حَربًا. انْتهى. 3 - (تَتِمَّة) قَالَ الشَّارِح الْمُحَقق: وَقَالَ بَعضهم: إِن بِمَا تَجِيء أَيْضا بِمَعْنى رُبمَا نَحْو: إِنِّي بِمَا أفعل أَي: رُبمَا. هَذَا قَول ابْن مَالك قَالَ: إِن مَا الكافة أحدثت مَعَ الْبَاء معنى التقليل بِالْقَافِ كَمَا أحدثت فِي الْكَاف معنى التَّعْلِيل بِالْعينِ، فى قَوْله تَعَالَى واذكروه كَمَا هدَاكُمْ

قَالَ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي: وَالظَّاهِر أَن الْبَاء وَالْكَاف للتَّعْلِيل وَأَن مَا مَعَهُمَا مَصْدَرِيَّة: وَقد سلم أَن كلا من الْكَاف وَالْبَاء يَأْتِي للتَّعْلِيل مَعَ عدم مَا كَقَوْلِه تَعَالَى: فبظلم من الَّذين هادوا حرمنا عَلَيْهِم طَيّبَات. وَقُرِئَ: وي كَأَنَّهُ لَا يفلح الْكَافِرُونَ. وَقَالَ: التَّقْدِير: أعجب لعدم فلاح الْكَافرين. ثمَّ الْمُنَاسب فِي الْبَيْت معنى التكثير لَا التقليل. انْتهى. وَهَذَا مَأْخُوذ من شرح التسهيل لأبي حَيَّان. ومثاله مَا أنْشدهُ ابْن مَالك والمرادي فيشرح الألفية وَابْن هِشَام فِي الْمُغنِي: (فلئن صرت لَا تحير جَوَابا ... لبما قد ترى وَأَنت خطيب) تحير: مضارع أحار بِالْحَاء الْمُهْملَة أَي: أجَاب. يُقَال: كَلمته فَلم يحر جَوَابا أَي: لم يردهُ. وَاللَّام فِي لَئِن موطئة للقسم لَا للتَّأْكِيد كَمَا وهم الْعَيْنِيّ. وَقَوله: لبما اللَّام فِي جَوَاب الْقسم وَمَا بعْدهَا جَوَاب الْقسم لَا جَوَاب الشَّرْط كَمَا وهم الْعَيْنِيّ) أَيْضا. وَقد ترى بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول. والرؤية بصرية لَا ظنية كَمَا زعم الْعَيْنِيّ. وَجُمْلَة وَأَنت خطيب: حَالية. - وَالْبَيْت فِي رثاء ميت يَقُول: إِن صرت الْآن لَا ترد جَوَابا لمن يكلمك فكثيراً مَا ترى وَأَنت خطيب بِلِسَان الْحَال فَإِن من نظر إِلَى قبرك وتذكر مَا كنت عَلَيْهِ وَمَا ألت الْآن إِلَيْهِ اتعظ بذلك. وَيحْتَمل أَن يكون المُرَاد كثيرا مَا رئيت فِي حَال الْحَيَاة خَطِيبًا. إِلَّا أَنه عبر بالمضارع لاستحضار تِلْكَ الْحَالة.

قَالَ الْعَيْنِيّ: وَقَائِل الْبَيْت مَجْهُول. أَقُول: قَالَ صَاحب تَهْذِيب الطَّبْع لما مَاتَ الاسكندر نَدبه أرسطاليس فَقَالَ: طالما كَانَ هَذَا الشَّخْص واعظاً بليغاً وَمَا وعظ بِكَلَامِهِ موعظة قطّ أبلغ من موعظة الْيَوْم بسكوته فَأَخذه صَالح بن عبد القدوس فَقَالَ: (وينادونه وَقد صم عَنْهُم ... ثمَّ قَالُوا وللنساء نحيب) (مَا الَّذِي عَاق أَن ترد جَوَابا ... أَيهَا الْمَقُول الْخَطِيب الأريب) (إِن تكن لَا تطِيق رَجَعَ جَوَاب ... فبمَا قد ترى وَأَنت خطيب) (ذُو عظات وَمَا وعظت بِشَيْء ... مثل وعظ السُّكُوت إِذْ لَا تجيب) وَاخْتَصَرَهُ أَبُو الْعَتَاهِيَة فِي بَيت فَقَالَ: (وَكَانَت فِي حياتك لي عظات ... فَأَنت الْيَوْم خير مِنْك أمس) انْتهى. وَرَأَيْت فِي أمالي القالي: أنشدنا أَبُو عبد الله نفطويه أنشدنا ثَعْلَب لمطيع بن إِيَاس (وينادونه وَقد صم عَنْهُم ... ثمَّ قَالُوا وللنساء نحيب) (مَا الَّذِي غال أَن تحير جَوَابا ... أَيهَا المصقع الْخَطِيب الأديب) (فِي مقَال وَمَا وعظت بِشَيْء ... مثل وعظ بِالصَّمْتِ إِذْ لَا تجيب) هَذَا مَا أوردهُ وَلم يذكر الْبَيْت الشَّاهِد.

وَأوردهُ أَبُو عبيد الْبكْرِيّ فِي شرح أمالي القالي كصاحب تَهْذِيب الطَّبْع وَقَالَ: مُطِيع بن إِيَاس بن أبي قزعة سلم بن نَوْفَل من بني الدول ابْن بكر بن عبد مَنَاة بن كنَانَة. وَقيل: من بني لَيْث بن بكر بن عبد مَنَاة. والدؤل وَلَيْث أَخَوان لأم وَأب وَأم أمهما أم خَارِجَة) وَهِي الَّتِي يضْرب بهَا الْمثل فَيُقَال: أسْرع من نِكَاح أم خَارِجَة. ويكنى مُطِيع أَبَا سليم. أدْرك الدولتين. وَكَانَ شَاعِرًا ظريفاً حُلْو الْعشْرَة مليح النادرة. وَكَانَ مُتَّهمًا بالزندقة. وَكَانَ يحيى بن زِيَاد الْحَارِثِيّ وَحَمَّاد الراوية وَحَمَّاد عجرد وَابْن المقفع ووالية ابْن الْحباب لَا يفترقون وَلَا يستأثر أحدهم على صَاحبه بِمَال وَلَا ملك شَيْء قل أَو كثر. وَكَانُوا جَمِيعًا مطعونين فِي دينهم. انْتهى بِاخْتِصَار. وَأنْشد بعده: لَا تظلموا النَّاس كَمَا لَا تظلموا وَتقدم الْكَلَام عَلَيْهِ مفصلا فِي الشَّاهِد السَّابِع وَالْخمسين بعد الستمائة.

وَقد نقل ابْن الْأَنْبَارِي فِي كتاب الْإِنْصَاف فِي مسَائِل الْخلاف اخْتِلَاف أهل البلدين فِي هَذِه الْمَسْأَلَة فَلَا بَأْس بإيراده هُنَا قَالَ: ذهب الْكُوفِيُّونَ إِلَى أَن كَمَا تَأتي بِمَعْنى كَيْمَا وينصبون بهَا مَا بعْدهَا وَلَا يمْنَعُونَ جَوَاز الرّفْع. وَاسْتَحْسنهُ أَبُو الْعَبَّاس الْمبرد من الْبَصرِيين. وَذهب البصريون إِلَى أَن كَمَا لَا تَأتي بِمَعْنى كَيْمَا وَلَا يجوز نصب مَا بعْدهَا. أما الْكُوفِيُّونَ فاحتجوا بِأَن قَالُوا: الدَّلِيل على أَن الْفِعْل ينصب بهَا أَنه قد جَاءَ ذَلِك كثيرا فِي كَلَامهم قَالَ صَخْر الغي: (جَاءَت كَبِير كَمَا أخفرها ... وَالْقَوْم صيد كَأَنَّهُمْ رمدوا) أَرَادَ: كَيْمَا أخفرها وَلِهَذَا انتصب أخفرها. وَقَالَ الآخر: (وطرفك إِمَّا جئتنا فاصرفنه ... كَمَا يحسبوا أَن الْهوى حَيْثُ تنظر) أَرَادَ: كَيْمَا يحسبوا. وَقَالَ رؤبة: لَا تظلموا النَّاس كَمَا لَا تظلموا راد: كَيْمَا لَا تظلموا. وَقَالَ عدي بن زيد الْعَبَّادِيّ: وَقَالَ آخر: (يقلب عَيْنَيْهِ كَمَا لأخافه ... تشاوس رويداً إِنَّنِي من تَأمل)

أَرَادَ: كَيْمَا أخافه إِلَّا انه أَدخل اللَّام توكيداً وَلِهَذَا الْمَعْنى كَانَ الْفِعْل مَنْصُوبًا. فَهَذِهِ الأبيات كلهَا تدل على صِحَة مَا ذَهَبْنَا إِلَيْهِ. وَأما البصريون فاحتجوا بِأَن قَالُوا:) إِنَّمَا قُلْنَا: إِنَّه لَا يجوز النصب بهَا لِأَن الْكَاف فِي كَمَا كَاف التَّشْبِيه أدخلت عَلَيْهَا مَا وَجعلا بِمَنْزِلَة حرف وَاحِد كَمَا أدخلت مَا على رب وَجعلا بِمَنْزِلَة حرف وَاحِد ويليها الْفِعْل كربما. وكما أَنهم لَا ينصبون الْفِعْل بعد رُبمَا فَكَذَلِك هَاهُنَا. - وَأما الْجَواب عَن كَلِمَات الْكُوفِيّين: أما الْبَيْت الأول فَلَا حجَّة لَهُم فِيهِ لِأَنَّهُ رُوِيَ: كَمَا أخفرها بالفرع لِأَن الْمَعْنى جَاءَت كَمَا أجيئها. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الْفراء من أصحابكم وَاخْتَارَ الرّفْع فِي هَذَا الْبَيْت. وَهَذِه الرِّوَايَة الصَّحِيحَة. وَأما الْبَيْت الثَّانِي فَلَا حجَّة فِيهِ أَيْضا لِأَن الرِّوَايَة: لكَي يحسبوا. وَأما الْبَيْت الثَّالِث فَلَا حجَّة لَهُم فِيهِ أَيْضا لِأَن الرِّوَايَة فِيهِ بِالتَّوْحِيدِ: لَا تظلم النَّاس كَمَا لَا تظلم كالرواية الْأُخْرَى: وَأما الْبَيْت الرَّابِع فَلَيْسَ فِيهِ أَيْضا حجَّة لِأَن الروَاة اتَّفقُوا على أَن الرِّوَايَة كَمَا يَوْمًا تحدثه بِالرَّفْع كَقَوْل أبي النَّجْم: (قلت لشيبان ادن من لِقَائِه ... كَمَا تغدي الْقَوْم من شوائه) وَلم يروه أحد كَمَا يَوْمًا تحدثه بِالنّصب إِلَّا الْمفضل الضَّبِّيّ وَحده فَإِنَّهُ كَانَ يرويهِ مَنْصُوبًا وَإِجْمَاع الروَاة من نَحْويي الْبَصْرَة والكوفة على خِلَافه والمخالف لَهُ أقوم مِنْهُ بِعلم الْعَرَبيَّة.

(الشاهد الأربعون بعد الثمانمائة)

وَأما الْبَيْت الْخَامِس فَفِيهِ تكلّف قَبِيح وَالْأَظْهَر فِيهِ: يقلب عَيْنَيْهِ لكيما أخافه على أَنه لَو صَحَّ مَا رَوَوْهُ من هَذِه الأبيات على مُقْتَضى مَذْهَبهم فَلَا يخرج ذَلِك عَن حد الشذوذ والقلة فَلَا يكون فِيهِ حجَّة. وَالله أعلم. هَذَا مَا أوردهُ الْأَنْبَارِي. وأنشده بعده (الشَّاهِد الْأَرْبَعُونَ بعد الثَّمَانمِائَة) وَهُوَ من شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ: (صددت وأطولت الصدود وقلما ... وصال على طول الصدود يَدُوم) على أَن مَا فِي قَلما عِنْد بَعضهم زَائِدَة ووصال: فَاعل قَلما. وَهِي عِنْد سِيبَوَيْهٍ كَافَّة ووصال: مُبْتَدأ. أوردهُ سِيبَوَيْهٍ فِي بَابَيْنِ من كِتَابه الأول فِي بَاب مَا يحْتَمل الشّعْر قَالَ: إِنَّمَا الْكَلَام: وقلما يَدُوم وصال. وَالثَّانِي فِي بَاب الْحُرُوف الَّتِي لَا يَليهَا بعْدهَا إِلَّا الْفِعْل وَلَا تغير الْفِعْل عَن حَاله. قَالَ: وَمن تِلْكَ الْحُرُوف رُبمَا وقلما وأشبههما جعلُوا رب مَعَ مَا بِمَنْزِلَة كلمة وَاحِدَة وهيؤوها ليذكر بعْدهَا الْفِعْل لأَنهم لم يكن لَهُم سَبِيل إِلَى رب يَقُول وَلَا إِلَى قل يَقُول فألحقوهما وأخلصوهما للْفِعْل. - وَمثل

ذَلِك: هلا وَلَوْلَا وَألا ألزموهن لَا وَجعلُوا كل وَاحِدَة مَعَ لَا بِمَنْزِلَة حرف وَاحِد وأخلصوهن للْفِعْل حَيْثُ دخل فِيهِنَّ معنى التحضيض. وَقد يجوز فِي الشّعْر تَقْدِيم الِاسْم قَالَ: صددت وأطولت الصدود ... ... ... . الْبَيْت انْتهى. قَالَ النّحاس: أخبرنَا عَليّ بن سُلَيْمَان عَن مُحَمَّد بن يزِيد الْمبرد أَنه خَالف سِيبَوَيْهٍ فِي هَذَا وَجعل مَا زَائِدَة وَقدره: وَقل وصال يَدُوم على طول الصدود. قَالَ: وَالصَّوَاب عِنْدِي مَا ذهب إِلَيْهِ سِيبَوَيْهٍ لِأَنَّهُ إِنَّمَا أَرَادَ تقليل الدَّوَام وقلما نقيضه كثر مَا. وَجعل سِيبَوَيْهٍ مَا كَافَّة. انْتهى. وَقَول الشَّارِح الْمُحَقق: ووصال مُبْتَدأ ظَاهره أَنه عِنْد سِيبَوَيْهٍ مُبْتَدأ. وَلَيْسَ كَذَلِك وَقصد بِهِ أَحدهَا: مَا قدمه من أَن بَعضهم ذهب إِلَى أَن مَا فِي الْأَفْعَال الثَّلَاثَة مَصْدَرِيَّة والمصدر فَاعل الْفِعْل. قَالَ ابْن خلف: لَا يجوز أَن تكون مَا مَصْدَرِيَّة لِأَنَّهَا معرفَة وَقل تطلب النكرَة تَقول: قل رجل يفعل ذَلِك فَلذَلِك حكمت على من فِي قَوْلهم: قل من يفعل ذَلِك أَنَّهَا نكرَة مَوْصُوفَة. وَأَيْضًا لَو كَانَت مَصْدَرِيَّة لجَاز أَن تدخل على الْمَاضِي والمستقبل وَهِي هَاهُنَا لَا تدخل إِلَّا على الْمُسْتَقْبل. انْتهى. ثَانِيهَا: قَول الْمبرد وَهُوَ أَن مَا: زَائِدَة ووصال: فَاعل قل. قَالَ الأعلم: وَهُوَ ضَعِيف لِأَن مَا إِنَّمَا تزاد فِي قل وَرب لتليهما الْأَفْعَال ويصيرا من الْحُرُوف المخترعة لَهَا.)

ثَالِثهَا وَرَابِعهَا: مَا ذهب إِلَيْهِ الأعلم قَالَ: أَرَادَ: وقلما يَدُوم وصال فَقدم وَأخر مُضْطَرّا لإِقَامَة الْوَزْن والوصال على هَذَا التَّقْدِير فَاعل مقدم وَالْفَاعِل لَا يتَقَدَّم فِي الْكَلَام إِلَّا أَن يبتدأ بِهِ وَهُوَ من وضع الشَّيْء غير مَوْضِعه. وَنَظِيره قَول الزباء: مَا للجمال مشيها وئيدا أَي: وئيداً مشيها فَقدمت وأخرت ضَرُورَة. وَفِيه تَقْدِير آخر وَهُوَ أَن يرْتَفع بِفعل مُضْمر يدل عَلَيْهِ الظَّاهِر فَكَأَنَّهُ قَالَ: وقلما يَدُوم وصال يَدُوم. وَهَذَا أسهل فِي الضَّرُورَة وَالْأول أصح معنى وَإِن كَانَ أبعد فِي اللَّفْظ. انْتهى. وَإِلَى الأول مِنْهُمَا ذهب ابْن عُصْفُور فِي الضرائر قَالَ: يُرِيد: وقلما يَدُوم وصال على طول الصدود. ففصل بَين قَلما وَالْفِعْل بِالِاسْمِ الْمَرْفُوع وبالمجرور. خَامِسهَا: مَا ذهب إِلَيْهِ ابْن السراج قَالَ فِي فصل الضرائر من الْأُصُول: لَيْسَ يجوز أَن ترفع وصالاً يَدُوم وَلَكِن يجوز عِنْدِي على إِضْمَار يكون كَأَنَّهُ قَالَ: قَلما يكون وصال يَدُوم على طول الصدود. وَلَا يخفى أَن هَذَا لَيْسَ من مَوَاضِع حذف كَانَ. وَقَالَ أَبُو عَليّ: فَاعل ليثبت أَو يبْقى وَنَحْوه مِمَّا يفسره يَدُوم. وَقد رد أَبُو عَليّ وَابْن يعِيش مَا اخْتَارَهُ الشَّارِح قَالَ فِي البغداديات: وَلَا يصلح ارْتِفَاع وصال بِالِابْتِدَاءِ لِأَنَّهُ مَوضِع فعل كَمَا لَا يصلح أَن يرْتَفع الِاسْم عِنْد سِيبَوَيْهٍ يعد هلا الَّتِي للتحضيض وَإِن الَّتِي للجزاء وَإِذا الدَّالَّة على الزَّمَان

بِالِابْتِدَاءِ وَلَكِن يكون الْعَامِل فِي الِاسْم الْوَاقِع بعد هَذِه الْحُرُوف فعلا يفسروه مَا يظْهر بعْدهَا من الْأَفْعَال. وَقد لخص ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي هَذِه الْأَقْوَال فَقَالَ: وَأما قَوْله: فَقَالَ سِيبَوَيْهٍ: ضَرُورَة. فَقيل وَجه الضَّرُورَة أَن حَقّهَا أَن يَليهَا الْفِعْل صَرِيحًا والشاعر أولاها فعلا مُقَدرا فَإِن وصال مُرْتَفع بيدوم محذوفاً مُفَسرًا بالمذكور. وَقيل: وَجههَا أَنه قدم الْفَاعِل. ورده ابْن السَّيِّد بِأَن الْبَصرِيين لَا يجيزون تَقْدِيم الْفَاعِل فِي شعر وَلَا نثر. وَقيل: وَجههَا أَنه أناب الْجُمْلَة الاسمية عَن الفعلية كَقَوْلِه: فَهَلا نفس ليلى شفيعها) وَزعم الْمبرد أَن مَا زَائِدَة ووصال فَاعل ى مُبْتَدأ. وَزعم بَعضهم أَن مَا مَعَ هَذِه الْأَفْعَال مَصْدَرِيَّة لَا كَافَّة. انْتهى. وَأورد على ابْن السَّيِّد بِأَن نَص سِيبَوَيْهٍ ظَاهر بِأَن وَجه الضَّرُورَة تَقْدِيم الِاسْم على رافعه. وَإِلَيْهِ ذهب ابْن عُصْفُور. وَلَيْسَ هَذَا معنى كَلَام سِيبَوَيْهٍ فَإِن مَعْنَاهُ لما اضْطر الشَّاعِر قدم الِاسْم بعد قَلما وأضمر الْفِعْل لِأَن قَلما من أدوات الْفِعْل فَإِنَّهَا بِمَنْزِلَة حرف النَّفْي. كَذَا قَرَّرَهُ خلف وَغَيره. وَقَول ابْن هِشَام: ووصال فَاعل لَا مُبْتَدأ غير جيد فَإِن الْمبرد مُرَاده أَن وصالاً فَاعل قل لَا أَنه فَاعل يَدُوم وَلَا غَيره من الْأَوْجه الْمَذْكُورَة.

وَاخْتَارَ أَبُو عَليّ على مذْهبه وأيده فَقَالَ: وَلَو قَالَ قَائِل إِن مَا فِي الْبَيْت صلَة ووصال: فَاعل قل ومرتفع بِهِ ويدوم: صفة لوصال فَلَا يكون التَّأْوِيل على مَا ذكره سِيبَوَيْهٍ لِأَن الْفِعْل يبْقى بِلَا فَاعل وَلم نر فِي سَائِر كَلَامهم الْفِعْل بِلَا فَاعل. وَأَيْضًا فَإِن الْفِعْل على تَأْوِيله يصير دَاخِلا على فعل وَهَذَا أَيْضا غير مَوْجُود لَكَانَ عِنْدِي أثبت. وَيُقَوِّي هَذَا أَن الْفِعْل مَعَ دُخُول مَا هَذِه عَلَيْهِ تَجدهُ دَالا على مَا كَانَ يدل عَلَيْهِ قبل دُخُول هَذَا الْحَرْف من الْحَدث وَالزَّمَان فَحكمه أَن يَقْتَضِي الْفَاعِل وَلَا يَخْلُو مِنْهُ كَمَا لَا يخل مِنْهُ قبل. أَلا ترى أَن الِاسْم فِي حَال دُخُول هَذَا الْحَرْف إِيَّاه على مَا كَانَ

عَلَيْهِ قبل من انتصابه بالظرف وتعلقه بِالْفِعْلِ. فَقَوله: (أعلاقة أم الْوَلِيد بَعْدَمَا ... أفنان رَأسك كالثغام المخلس) بعد منتصب بِمَا نصب بِهِ الْمصدر الَّذِي هُوَ علاقَة فَكَذَلِك يَنْبَغِي أَن يكون الْفِعْل على مَا كَانَ عَلَيْهِ قبل دُخُول هَذَا الْحَرْف من اقتضائه للْفَاعِل وَإِسْنَاده إِلَيْهِ. هَذَا كَلَامه. وَقَوله: وَلم نر فِي سَائِر كَلَامهم الْفِعْل بِلَا فَاعل يرد عَلَيْهِ زِيَادَة كَانَ فِي نَحْو: مَا كَانَ أحسن زيدا. - وَفِيه أَيْضا دُخُول فعل على فعل. فَقَوله: غير مَوْجُود مَمْنُوع. وَقَوله: وَيُقَوِّي هَذَا أَن الْفِعْل مَعَ دُخُول مَا هَذِه تَجدهُ دَالا إِلَى آخِره يرد عَلَيْهِ أَن الْحَرْف المكفوف وَقَوله: أَلا ترى أَن الِاسْم فِي حَال دُخُول هَذَا الْحَرْف إِيَّاه على مَا كَانَ عَلَيْهِ قبل انتصابه بالظرف وتعلقه بِالْفِعْلِ ... إِلَخ هَذَا يشْهد عَلَيْهِ لَا لَهُ فَإِن الْكَلَام فِي طلب الْمَعْمُول لَا فِي طلب الْعَامِل) والمعمول لبعد بِالْإِضَافَة مَفْقُود لوُجُود الْمَانِع وَهُوَ الْكَفّ. وَهَذَا هُوَ الْمُدعى. فَلَا يرد على سِيبَوَيْهٍ شَيْء مِمَّا ذكره. وَالله أعلم. وروى أَبُو مُحَمَّد الْأَعرَابِي: (صددت فأطولت الصدود وَلَا أرى ... وصالاً على طول الصدود يَدُوم) وَعَلِيهِ لَا شَاهد فِيهِ. وَالْبَيْت من أَبْيَات للمرار الفقعسي أوردهَا أَبُو مُحَمَّد الْأَعرَابِي فِي ضَالَّة الأديب وَفِي فرحة الأديب وَهِي: (صرمت وَلم تصرم وَأَنت صروم ... وَكَيف تصابى من يُقَال حَلِيم) (صددت فأطولت الصدود وقلما ... وصال على طول الصدود يَدُوم) (وَلَيْسَ الغواني للجفاء وَلَا الَّذِي ... لَهُ عَن تقاضي دينهن هموم) (ولنما يستنجز الْوَعْد تَابع ... هواهن حلاف لَهُنَّ أثيم) الصرم: الْقطع صرمه صرماً من بَاب ضرب وَالِاسْم الصرم بِالضَّمِّ. وَكَيف اسْتِفْهَام إنكاري. وتصابي: مصدر تصابى: تكلّف الصبوة وَهُوَ الْميل إِلَى الْجَهْل والفتوة. يُقَال: صبا يصبو والصدود كالإعراض. وأطولت كَانَ الْقيَاس فِيهِ أطلت لكنه جَاءَ مصححا على الأَصْل كاستحوذ. والغواني: جمع غانية الْجَارِيَة الَّتِي غنيت بزوجها وَقد تكون الَّتِي غنيت بحسنها وجمالها عَن الزِّينَة. والجفاء: خلاف الْبر وجفوته أجفوه إِذا أَعرَضت

عَنهُ. والتقاضي والاقتضاء: طلب الدَّين بِفَتْح الدَّال. وهموم: جمع هم مُبْتَدأ وَله خبر مقدم. ويستنجز: يطْلب النجاز وَهُوَ الْوَفَاء. ويروى: مناهن بدل هواهن. قَالَ أَبُو مُحَمَّد: يَقُول: صرمت وَلم تصرم صرم بتات وَلَك صرم دلال. يُخَاطب نَفسه ويلومها على طول الصدود أَي: لَا يَدُوم وصال الغواني إِلَّا لمن يلازمهن ويخضع لَهُنَّ. وَفسّر ذَلِك بالبيتين بعدهمَا. انْتهى. وَلما كَانَ العاشق لَا يحصل مِنْهُ صرم وَإِنَّمَا الصرم يكون من المعشوق أجَاب بِأَنَّهُ صرم دلالاً. وَأجَاب غَيره بِأَنَّهُ صرم تجلد لَا إِعْرَاض. وَظن ابْن هِشَام أَن الْخطاب مَعَ الحبيبة لَا مَعَ النَّفس فَقَالَ فِي بعض تعاليقه: إِن الصَّوَاب فِي الْبَيْت أَن يُقَال: وقلما وداد عوض وصال وَإِن كَانَ سِيبَوَيْهٍ وَغَيره أوردهُ كَذَلِك. وَنَقله الدماميني عَنهُ فِي الْحَاشِيَة الْهِنْدِيَّة وَقَالَ: يَعْنِي أَن تسليط النَّفْي على دوَام الْوِصَال يَقْتَضِي) ودود أَصله وَلَيْسَ كَذَلِك فَإِنَّهُ لَا وصال أصلا مَعَ الصدود طَال أَو لم يطلّ. انْتهى. وَلَا يخفى أَنه إِذا كَانَ خطابا مَعَ النَّفس فَلَا يرد هَذَا إِذْ من الْجَائِز أَن يبْقى الْوِصَال من المحبوبة مَعَ صدود الْمُحب. وَلما لم يقف الدماميني على الأبيات ظَنّه وارداً فَأجَاب عَنهُ بقوله: قد يُقَال عبر بالوصال عَن إِرَادَته وتوقعه أَو على حذف مُضَاف للقرينة فَإِن الْمُحب قد ييأس من الْوَصْل بطول الصدود واستمرار الْإِعْرَاض فَيَنْقَطِع رجاؤه مِنْهُ وتوقعه لَهُ فَيكون ذَلِك سَببا لسلوه وَعدم إِرَادَته للوصال. وَكَثِيرًا مَا يَقع ذَلِك لبَعض النَّاس. انْتهى.

وَأجَاب غَيره أَيْضا بِأَنَّهُ إِن أَرَادَ لَا وصال مَعَ الصدود فِي زَمَنه فَمُسلم لَكِن من أَيْن أَن ذَلِك مُرَاد الشَّاعِر. وَإِن أُرِيد أَنه لَا وصال مِنْهُ مُطلقًا فَمَمْنُوع لجَوَاز تقدم الْوِصَال على الصدود أَو تَأَخره عَنهُ. هَذَا كَلَامه. وَلَو وقفُوا على الأبيات لما فتحُوا بَاب الْإِيرَاد وَالْجَوَاب. وترجمة المرار الفقعسي تقدّمت فِي الشَّاهِد التَّاسِع وَالتسْعين بعد الْمِائَتَيْنِ. وَأنْشد بعده: يجرح فِي عراقيبها نصلي هُوَ قِطْعَة من بَيت وَهُوَ: فَاعل تعتذر ضمير الْإِبِل. وَالْمحل: انْقِطَاع الْمَطَر ويبس الأَرْض. وَالْمرَاد بِذِي ضروعها: اللَّبن. والنصل: حَدِيدَة السَّيْف. وَمعنى اعتذارها للضيف أَن لَا يرى فِي ضروعها لبن. - يُرِيد إِن عدم لَبنهَا عرقبتها بِالسَّيْفِ وأطعمت لَحمهَا للضيوف بدل لَبنهَا. وَتقدم شَرحه فِي الشَّاهِد الثَّالِث بعد الْمِائَة.

(الحروف المشبهة بالفعل)

(الْحُرُوف المشبهة بِالْفِعْلِ) أنْشد فِيهَا (الشَّاهِد الْحَادِي وَالْأَرْبَعُونَ بعد الثَّمَانمِائَة) وَهُوَ من شَوَاهِد س: يَا لَيْت أَيَّام الصِّبَا رواجعا على أَن الْفراء اسْتشْهد بِهِ على نصب الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر ب لَيْت. وَقدر الْكسَائي رواجع خَبرا لَكَانَ المحذوفة لِأَن كَانَ تسْتَعْمل كثيرا هُنَا قَالَ تَعَالَى: يَا ليتها كَانَت القاضية وَقَالَ تَعَالَى: يَا لَيْتَني كنت مَعَهم وَقَالَ الشَّاعِر: يَا ليتها كَانَت لأهلي إبِلا وَقد بَين الشَّارِح الْمُحَقق ضعفه. وَمثله فِي مُغنِي اللبيب وَاعْترض عَلَيْهِ بِأَن تقدم إِن وَلَو الشرطيتين شَرط لِكَثْرَة حذف كَانَ مَعَ اسْمهَا وَبَقَاء خَبَرهَا. وَلَا مَحْذُور فِي كَون الْبَيْت من الْقَلِيل. والبصريون يقدرُونَ خبر لَيْت محذوفاً ورواجع: حَال من ضَمِيره وَالتَّقْدِير: يَا لَيْت لنا أَيَّام الصِّبَا رواجع وَيَا ليتها أَقبلت رواجع. قَالَ سيبيويه فِي

بَاب مَا يحسن عَلَيْهِ السُّكُوت فِي هَذِه الأحرف الْخَمْسَة يَعْنِي إِن وَأَخَوَاتهَا نَحْو: إِن مَالا وَإِن ولدا. إِلَى أَن قَالَ: وَمثل ذَلِك قَول الشَّاعِر: يَا لَيْت أَيَّام الصِّبَا رواجعا فَهَذَا كَقَوْلِك: أَلا مَاء بَارِدًا كَأَنَّهُ قَالَ: أَلا مَاء لنا بَارِدًا. وَكَأَنَّهُ قَالَ: يَا لَيْت لنا أَيَّام الصِّبَا رواجع أَي: يَا لَيْت أَيَّام الصِّبَا أَقبلت رواجع. انْتهى. وَقَالَ أَبُو حَيَّان فِي الارتشاف: الْمَشْهُور رفع أَخْبَار هَذِه الْحُرُوف. وَذهب ابْن سَلام فِي طَبَقَات الشُّعَرَاء وَجَمَاعَة من الْمُتَأَخِّرين إِلَى جوَار نَصبه وَالْكسَائِيّ إِلَى جَوَازه فِي لَيْت. وَكَذَا فِي نقل عَن الْفراء وَعنهُ أَيْضا فِي لَيْت وَكَأن وَلَعَلَّ. وَزعم ابْن سَلام أَنَّهَا لُغَة رؤبة وَقَومه وَحكي عَن تَمِيم أَنهم ينصبون بلعل وَسمع ذَلِك فِي خبر غن وَكَأن وَلَعَلَّ وَكثر فِي خبر لَيْت قَالَ ابْن المعتز: (مرت بِنَا سحرًا طير فَقلت لَهَا ... طوباك يَا لَيْتَني إياك طوباك)) وَلم يحفظ فِي خبر أَن وَلَا فِي خبر لَكِن. انْتهى. - قَالَ ابْن هِشَام: وَيصِح بَيت ابْن المعتز على إنابة ضمير النصب عَن ضمير الرّفْع. انْتهى. وَزعم أَبُو حنيفَة الدينَوَرِي فِي كتاب النَّبَات أَن نصب الجزأين بليت لُغَة بني تَمِيم. قَالَ عِنْد ذكر أَسمَاء الْقوس وَأورد مثلا من أمثالهم مَا هَذَا نَصه: وَزعم أَبُو زِيَاد أَن يَد الْقوس السية الْيُمْنَى. قَالَ: واليمنى مَا يكون عَن يَمِينك

حِين تقبض عَلَيْهَا وَتَرْمِي ورجلها عَن يسارك حِين ترمي. وَقَالَ: رجل الْقوس أتم من يَدهَا. قَالَ: وَمن أَمْثَال الْعَرَب: لَيْت الْقيَاس كلهَا أرجلاً. كَذَا قَالَهَا نصبا وَهِي لُغَة لبني تَمِيم. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: أرجل القسي إِذا أوترت: أعاليها وأيديها: أسافلها وأرجلها أَشد من أيديها. وَأنْشد: لَيْت القسي كلهَا من أرجل وَالْقَوْل مَا قَالَ أَبُو زِيَاد. انْتهى. وَظهر من كَلَام ابْن الْأَعرَابِي أَن الْمثل الْمَذْكُور بَيت وَأَن خبر لَيْت فِيهِ الْجَار وَالْمَجْرُور لَا كَمَا وَالْبَيْت الشَّاهِد من الأبيات الْخمسين الَّتِي مَا عرف قائلوها. وَالله أعلم. وَبَيت ابْن المعتز من أَبْيَات قَالَهَا حِين مَا سلم لمؤنس للْقَتْل وَهِي: (يَا نفس صبرا لَعَلَّ الْخَيْر عقباك ... خانتك من بعد طول الْأَمْن دنياك) (مرت بِنَا سحرًا طير فَقلت لَهَا ... طوباك يَا لَيْتَني إياك طوباك) (إِن كَانَ قصدك شوقاً بِالسَّلَامِ على ... شاطي الْفُرَات ابلغي إِن كَانَ مثواك) (من موثق بالمنايا لَا فكاك لَهُ ... يبكي الدِّمَاء على إلْف لَهُ باكي)

(الشاهد الثاني والأربعون بعد الثمانمائة)

إِلَى أَن قَالَ: (أَظُنهُ آخر الْأَيَّام من عمري ... وأوشك الْيَوْم أَن يبكي لَهُ الباكي) وَأنْشد بعده (الشَّاهِد الثَّانِي وَالْأَرْبَعُونَ بعد الثَّمَانمِائَة) (كَأَن أُذُنَيْهِ إِذا تشوفا ... قادمةً أَو قَلما محرفا) على أَن أَصْحَاب الْفراء جوزوا نصب الجزأين بالخمسة الْبَاقِيَة أَيْضا وَمِنْهَا كَأَن وَقد نصب الشَّاعِر بهَا الجزأين: الأول أُذُنَيْهِ وَالثَّانِي قادمة. - فَإِن قلت: كَيفَ أخبر عَن الِاثْنَيْنِ بِالْوَاحِدِ قلت: إِن العضوين المشتركين فِي فعل وَاحِد مَعَ اتِّفَاقهمَا فِي التَّسْمِيَة يجوز إِفْرَاد خبرهما لِأَن حكمهمَا وَاحِد. وَقد ذَكرْنَاهُ مفصلا فِي بَاب الْمثنى. وَقد أُجِيب عَن نصب الْخَبَر بأجوبة: أَحدهَا: مَا قَالَه الشَّارِح الْمُحَقق أَنه لحن وَقد خطئَ قَائِله وَقت إنشاده وَأصْلح لَهُ بِمَا ذكر. قَالَ الْمبرد فِي الْكَامِل: حدثت أَن الْعمانِي الراجز أنْشد الرشيد فِي صفة فرس: (كَأَن أُذُنَيْهِ إِذا تشوفا ... قادمةً أَو قَلما محرفا)

فَعلم الْقَوْم كلهم أَنه قد لحن وَلم يهتد أحد مِنْهُم لإِصْلَاح الْبَيْت إِلَّا الرشيد فَإِنَّهُ قَالَ لَهُ: قل: تخال أُذُنَيْهِ إِذا تشوفا والراجز وَإِن كَانَ قد لحن فقد أحسن التَّشْبِيه. انْتهى. وَكَذَا نقل ابْن عبد ربه فِي العقد الفريد وَكَذَا روى الصولي فِي كتاب الأوراق عَن الطّيب بن مُحَمَّد الْبَاهِلِيّ عَن مُوسَى بن سعيد بن مُسلم أَنه قَالَ: كَانَ أبي يَقُول: كَانَ فهم الرشيد فهم الْعلمَاء أنْشدهُ الْعمانِي فِي صفة فرس: كَأَن أُذُنَيْهِ الْبَيْت فَقَالَ لَهُ: دع كَأَن وَقل: تخال أُذُنَيْهِ حَتَّى يَسْتَوِي الشّعْر. وَقَالَ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي: وَقيل أَخطَأ قَائِله وَقد أنْشدهُ بِحَضْرَة الرشيد فلحنه أَبُو عَمْرو والأصمعي. وَهَذَا وهم فَإِن أَبَا عَمْرو توفّي قبل الرشيد. وَتعقبه شراحه بِأَن هَذَا لَا يصلح تعليلاً للوهم فَإِن سبق وَفَاة أبي عَمْرو الرشيد لَا يُنَافِي حُضُور مَجْلِسه وَلَو غير خَليفَة إِلَّا أَن يُرَاد وَهُوَ خَليفَة لِأَن أَبَا عَمْرو توفّي سنة أَربع وَخمسين وَمِائَة والرشيد إِنَّمَا ولي الْخلَافَة سنة سبعين وَمِائَة.

وَاعْترض ابْن السَّيِّد البطليوسي فِي حَاشِيَة الْكَامِل على الْمبرد بِأَن هَذَا لَا يعد لحناً لِأَنَّهُ قد حُكيَ أَن من الْعَرَب من ينصب خبر كَأَن ويشبهها بظننت. وعَلى هَذَا أنْشد قَول ذِي الرمة:) (كَأَن جلودهن مموهات ... على أبشارها ذَهَبا زلالا) وَعَلِيهِ قَول النَّابِغَة الذبياني: (كَأَن التَّاج معصوباً عَلَيْهِ ... لأذواد أصبن بِذِي أبان) فِي أحد التَّأْويلَيْنِ. انْتهى. وَيمْنَع الأول بِجعْل مموهات حَالا من جلودهن لِأَنَّهُ مفعول فِي الْمَعْنى وَالْخَبَر هُوَ قَوْله: على أبشارها. وَالرِّوَايَة مموهات على الخبرية. يصف النِّسَاء. والمموهات: المطليات. والأبشار: جمع بشرة وَهِي ظَاهر الْجلد. وذهباً: الْمَفْعُول الثَّانِي لمموهات. يُقَال: موهه ذَهَبا. وَيمْنَع الثَّانِي أَيْضا بِجعْل عَلَيْهِ هُوَ الْخَبَر ومعصوباً حَالا من التَّاج. وَذُو أبان: مَوضِع. يُرِيد أَنه أغار على قوم فَأخذ مِنْهُم أذواد إبل فيظن نَفسه ملكا. يهزأ بِهِ. وَالْجَوَاب الثَّانِي أَن خبر كَأَن مَحْذُوف وقادمة مَفْعُوله وَالتَّقْدِير: يحكيان قادمة. وَالثَّالِث: أَن الرِّوَايَة: قادمتا أَو قَلما محرفا بألفات من غير تَنْوِين على أَن الأَصْل قادمتان وقلمان محرفان فحذفت النُّون لضَرُورَة الشّعْر. وَعَلِيهِ اقْتصر ابْن عُصْفُور فِي كتاب الضرائر وَقَالَ: هَكَذَا أنْشدهُ الْكُوفِيُّونَ ونظروا بِهِ قَول أبي حناء: قد سَالم الْحَيَّات مِنْهُ القدما بِنصب الْحَيَّات وَحذف النُّون من القدمان. وَالرَّابِع: أَن الرِّوَايَة:

تخال أُذُنَيْهِ لَا: كَأَن أُذُنَيْهِ. حكى هَذِه الْأَجْوِبَة ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي. وَالْعَامِل فِي إِذا مَا فِي كَأَن من معنى التَّشْبِيه. وتشوف: تطلع. وَالْمرَاد نصب الْأذن للاستماع. وَيجوز أَن تكون ضمير الْأُذُنَيْنِ وَأَن تكون للإطلاق. والقادمة: إِحْدَى قوادم الطير وَهِي مقاديم ريشه فِي كل جنَاح عشرَة. والقلم: آلَة الْكِتَابَة. والمحرف: المقطوط لَا على جِهَة الاسْتوَاء بل يكون الشق الوحشي أطول من الشق الْإِنْسِي. وَهَذَا الْمَعْنى أَصله لعدي بن زيد الْعَبَّادِيّ وَهُوَ: (يخْرجن من مستطير النَّقْع داميةً ... كَأَن آذانها أَطْرَاف أَقْلَام) والعماني من مخضرمي الدولتين عَاشَ مائَة وَثَلَاثِينَ سنة. قَالَ ابْن قُتَيْبَة

فِي كتاب الشُّعَرَاء:) الْعمانِي الْفُقيْمِي: هُوَ مُحَمَّد بن ذُؤَيْب وَلم يكن من أهل عمان وَلَكِن نظر إِلَيْهِ دُكَيْن الراجز فَقَالَ: من هَذَا الْعمانِي. وَذَلِكَ أَنه كَانَ مصفراً مطحولاً وَكَذَلِكَ أهل عمان. وَقَالَ الشَّاعِر: (وَمن يسكن الْبَحْرين يعظم طحاله ... ويغبط بِمَا فِي بَطْنه وَهُوَ جَائِع) وَدخل على الرشيد لينشده وَعَلِيهِ قلنسوة وخف ساذج فَقَالَ: إياك وَأَن تدخل إِلَيّ إِلَّا وَعَلَيْك خفان دمالقان وعمامة عَظِيمَة الكور. فَدخل عَلَيْهِ وَقد تزيا بزِي الْأَعْرَاب فأنشده وَقبل يَده وَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ قد وَالله أنشدت مَرْوَان وَرَأَيْت وَجهه وَقبلت يَده وَأخذت جائزته. ثمَّ يزِيد بن الْوَلِيد وَإِبْرَاهِيم بن الْوَلِيد ثمَّ السفاح ثمَّ الْمَنْصُور ثمَّ الْمهْدي كل هَؤُلَاءِ رَأَيْت وجههم وَقبلت أَيْديهم وَأخذت جوائزهم لَا وَالله مَا رَأَيْت فيهم يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أندى كفا وَلَا أبهى منْظرًا وَلَا أحسن وَجها مِنْك. فأجزل لَهُ الرشيد الْجَائِزَة وأضعفها لَهُ على كَلَامه وَأَقْبل عَلَيْهِ فبسطه حَتَّى تمنى جَمِيع من حضر أَنه قَامَ ذَلِك الْمقَام. انْتهى. وَزعم ابْن الملا فِي شرح الْمُغنِي أَن الْعمانِي كنيته أَبُو نخيلة. وَهُوَ خلاف الْوَاقِع بل هما راجزان.

(تتمة)

وعمان بِضَم الْعين وَتَخْفِيف الْمِيم: بلد على شاطئ الْبَحْرين بَين الْبَصْرَة وعدن وَإِلَيْهِ يُضَاف الأزد فَيُقَال: أَزْد عمان. كَذَا بِخَط مغلطاي على هَامِش مُعْجم مَا استعجم للبكري. وَقَالَ الْبكْرِيّ: عمان: مَدِينَة مَعْرُوفَة إِلَيْهَا ينْسب الْعمانِي الراجز سميت بعمان بن سِنَان بن إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ أول من اختطها ذكر ذَلِك الشَّرْقِي بن الْقطَامِي. وَأما عمان بِفَتْح الْعين وَتَشْديد الْمِيم فَهِيَ قَرْيَة من عمل دمشق سميت بعمان بن لوط عَلَيْهِ السَّلَام. انْتهى. 3 - (تَتِمَّة) قَول الشَّارِح الْمُحَقق: وَيجوز عِنْد بعض أَصْحَاب الْفراء نصب الجزأين بالخمسة الْبَاقِيَة أَيْضا تقدم عَن أبي حَيَّان أَنه لم يرد نصب خبر أَن الْمَفْتُوحَة الْهمزَة وَخبر لَكِن فالوارد عِنْدهم إِنَّمَا هُوَ فِي أَرْبَعَة مِنْهَا: فِي لَيْت وَفِي كَأَن وتقدما. الثَّالِث: إِن الْمَكْسُورَة. وأنشدوا: وَخرج على حذف الْخَبَر وَنصب أسداً على الحالية أَي: تلقاهم أسداً. وَأما الحَدِيث فقد أوردهُ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي كَذَا: إِن قَعْر جَهَنَّم سبعين خَرِيفًا بِلَا لَام وَقَالَ:) خرج الحَدِيث على أَن القعر مصدر قعرت الْبِئْر إِذا بلغت قعرها. وَسبعين: ظرف أَي: إِن بُلُوغ قعرها يكون فِي سبعين عَاما. وَهَذَا التَّخْرِيج وَالرِّوَايَة غير مَا ذكره الشَّارِح.

وَالرَّابِع: لَعَلَّ. قَالَ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي: قَالَ بعض أَصْحَاب الْفراء: وَقد تنصبهما. وَزعم يُونُس أَن ذَلِك لُغَة لبَعض الْعَرَب وَحكى لَعَلَّ أَبَاك مُنْطَلقًا وتأويله عندنَا على إِضْمَار يُوجد وَعند الْكسَائي على إِضْمَار يكون. انْتهى. وَذَاكَ الحَدِيث هُوَ كَلَام أبي هُرَيْرَة لَا من كَلَام النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ والمروي: لسَبْعين بِاللَّامِ. والْحَدِيث رَوَاهُ مُسلم فِي أَحَادِيث الشَّفَاعَة فِي أَوَاخِر كتاب الْإِيمَان من أول صَحِيحه عَن أبي هُرَيْرَة وَحُذَيْفَة قَالَا: قَالَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: يجمع الله تبَارك وَتَعَالَى النَّاس فَيقوم الْمُؤْمِنُونَ حَتَّى تزلف لَهُم الْجنَّة فَيَأْتُونَ آدم فَيَقُولُونَ: يَا أَبَانَا استفتح لنا الْجنَّة. فَيَقُول: وَهل أخرجكم من الْجنَّة إِلَّا خَطِيئَة أبيكم آدم. - وَذكر الحَدِيث بِطُولِهِ وَآخره: وَالَّذِي نفس أبي هُرَيْرَة بِيَدِهِ إِن قَعْر جَهَنَّم لسبعون خَرِيفًا. قَالَ النَّوَوِيّ: وَقع فِي بعض الْأُصُول لسبعون بِالْوَاو وَهُوَ ظَاهر وَفِيه حذف تَقْدِيره: إِن مَسَافَة قَعْر جَهَنَّم سير سبعين سنة. وَوَقع فِي مُعظم الْأُصُول وَالرِّوَايَات: لسَبْعين بِالْيَاءِ وَهُوَ صَحِيح أَيْضا إِمَّا على مَذْهَب من يحذف الْمُضَاف ويبقي الْمُضَاف إِلَيْهِ على جَرّه فَيكون التَّقْدِير: سير سبعين. وَإِمَّا على أَن قَعْر جَهَنَّم مصدر يُقَال: قعرت الشَّيْء إِذا بلغت قَعْره وَيكون سبعين ظرف زمَان وَفِيه خبر غن وَالتَّقْدِير: إِن بُلُوغ قَعْر جَهَنَّم لكائن فِي سبعين خَرِيفًا. انْتهى. وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: الأجود رفع لسبعون على الْخَبَر وَبَعْضهمْ يرويهِ: لسَبْعين يتَأَوَّل فِيهِ الظّرْف. وَفِيه بعد. انْتهى.

(الشاهد الثالث والأربعون بعد الثمانمانة)

وَأنْشد بعده (الشَّاهِد الثَّالِث وَالْأَرْبَعُونَ بعد الثمانمانة) (يَا لَيْت أَنِّي وسبيعاً فِي غنم ... والخرج مِنْهَا فَوق كراز أجم) على أَن أَن مَعَ اسْمهَا وخبرها مغنية عَن المعمولين وَهَذَا مِمَّا انْفَرَدت بِهِ لَيْت. قَالَ أَبُو حَيَّان فِي الارتشاف: وَلَا يجوز دُخُول لَعَلَّ على أَن فَتَقول: لَعَلَّ أَن زيدا قَائِم وَلَا كَأَن فَتَقول: كَأَن أَنَّك ذَاهِب وَلَا لَكِن فَتَقول: لَكِن أَنَّك منطلق خلافًا للأخفش فِي هَذِه الثَّلَاثَة. وَلَا دُخُول إِن على أَن فَتَقول: إِن أَن زيدا منطلق حق وَإِن أَنَّك قَائِم يُعجبنِي. خلافًا للفراء وَهِشَام. وَمذهب سِيبَوَيْهٍ أَنه لايجوز شَيْء من هَذَا إِلَّا بفصل أَخْبَار بَينهَا وَبَين أَن إِلَّا مَا جَاءَ فِي لَيْت. فَتَقول: إِن عِنْدِي أَنَّك فَاضل وَكَأن فِي نَفسك أَنَّك عَالم وَكَذَا مَا قبلهَا. انْتهى. وَقَالَ ابْن الخباز فِي النِّهَايَة: يجوز إِدْخَال إِن وَأَن على أَن المصدرية من غير فعل نَحْو: إِن أَن تَزُورنَا خير لَك وَعلمت أَن أَن تطيع الله خير لَك. انْتهى. وَاعْلَم أَنه قد تزاد الْبَاء فِي أَن بعد لَيْت نَحْو قَوْله: فليت بِأَنَّهُ فِي جَوف عكم كَمَا نبه عَلَيْهِ الشَّارِح الْمُحَقق فِي خبر مَا وَلَا وَتقدم الْكَلَام عَلَيْهِ فِي الشَّاهِد السَّابِع وَالسبْعين بعد الْمِائَتَيْنِ.

وَالْبَيْت أنْشدهُ ابْن السّكيت فِي إصْلَاح الْمنطق قَالَ فِيهِ: يُقَال: جعل مَتَاعه فِي خرجه وكرزه والكرز والخرج سَوَاء. وَيُقَال للكبش الَّذِي يحمل خرج الرَّاعِي: كراز. قَالَ الراجز: يَا لَيْت أَنِّي وسبيعاً إِلَخ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: الكرز: الجوالق الصَّغِير وَإِنَّمَا سمي الْكَبْش كرازاً لِأَنَّهُ يحمل خرج الرَّاعِي بزاده وبأداة كنفه وحجارته وزناده. وَقَوله: إِن الخرج والكرز وَاحِد هُوَ الصَّحِيح لِأَن الْكَبْش لَا يحمل الجوالق إِنَّمَا يحمل الخرج. وَقَوله: يَا لَيْت أَنِّي الْبَيْت يَقُول: يَا لَيْتَني وَهَذَا الرجل فِي غنم نسوقها وَقد علقت على كَبْش مِنْهَا خرجا فِيهِ زادي. انْتهى. وَقَالَ شَارِح أبياته يُوسُف بن السيرافي: الأجم بِالْجِيم: الَّذِي لَا قرن لَهُ. وَإِنَّمَا تمنى أَن) يكون الخرج على كَبْش أجم لِأَنَّهُ لَا يَنْطَح وَلَا يُؤْذِي. وسبيع: اسْم رجل. يجوز أَن يكون ابْنه أَو صَاحبه. انْتهى. وَأوردهُ الْجَوْهَرِي فِي موضِعين من الصِّحَاح أَولهمَا فِي كرز قَالَ فِيهِ: ابْن السّكيت: الكرز: الخرج. قَالَ: وَالْجمع الكرزة مثل جُحر وجحرة. والكراز: الْكَبْش الَّذِي يحمل كرز الرَّاعِي وَلَا يكون إِلَّا أجم لِأَن الأقرن يشْتَغل بالنطاح. وَأنْشد: يَا لَيْت أَنِّي وسبيعاً إِلَخ وَلم يكْتب ابْن بري فِي حَاشِيَته عَلَيْهِ هُنَا شَيْئا. وَكَذَلِكَ الصَّفَدِي. وحذا حذوه الصَّاغَانِي فِي الْعباب وَلم أر مِنْهُم من ذكر قَائِله. - وَقَوله: والخرج: مُبْتَدأ وَفَوق: ظرف خَبره وَمِنْه حَال من الضَّمِير الْمُسْتَتر فِي أجم.

(الشاهد الرابع والأربعون بعد الثمانمائة)

وَأنْشد بعده: جاؤوا بمذق هَل رَأَيْت الذِّئْب قطّ على أَن جملَة هَل رَأَيْت ... إِلَخ فِي مَوضِع الصّفة لمذق بِتَأْوِيل وَهُوَ أَن تكون محكية بقول مَحْذُوف هُوَ الْوَصْف وَالتَّقْدِير: جاؤوا بمذق مقول فِيهِ: هَل رَأَيْت إِلَخ. وَتقدم شَرحه فِي الشَّاهِد السَّادِس وَالتسْعين. وَأنْشد بعده (الشَّاهِد الرَّابِع وَالْأَرْبَعُونَ بعد الثَّمَانمِائَة) (وَلَو أَرَادَت لقالت وَهِي صَادِقَة ... إِن الرياضة لَا تنصبك للشيب) على أَن الْجُمْلَة الطلبية يجوز أَن تقع خَبرا ل إِن كَمَا هُنَا فَإِن جملَة النَّهْي وَهِي جملَة: لَا تنصبك خبر إِن. وَكَذَا قَالَ أَبُو عَليّ فِي كتاب الشّعْر وَأنْشد هَذَا الْبَيْت: وَفِي الارتشاف: وَفِي دُخُول إِن على مَا خَبره نهي خلاف صحّح ابْن عُصْفُور جَوَازه فِي شَرحه الصَّغِير للجمل وَتَأَول ذَلِك فِي شَرحه الْكَبِير فِي قَوْله: إِن الرياضة لَا تنصبك للشيب

وعَلى الْمَنْع نُصُوص شُيُوخنَا. وَقَالَ فِي شَرحه الصَّغِير لكتاب الْجمل: أما الْجُمْلَة غير المحتملة للصدق وَالْكذب فَفِي وُقُوعهَا خَبرا لهَذِهِ الْحُرُوف خلاف وَالصَّحِيح أَنَّهَا تقع فِي مَوضِع خَبَرهَا. انْتهى. فَأطلق. وَلَا يَصح أَن يكون فِي لَيْت وَلَعَلَّ وَلَا كَأَن. وَإِن ألحق لَكِن بإن فَيمكن. انْتهى. وَكَانَ عَلَيْهِ أَن يضم إِلَى هَذِه الثَّلَاثَة أَن الْمَفْتُوحَة الْهمزَة كَمَا بَينه الشَّارِح الْمُحَقق. فَظهر أَن وُقُوع الطلبية فِي إِن الْمَكْسُورَة فِيهِ خلاف: مِنْهُم من أجَاز وَمِنْهُم من منع. - وَلم يصب ابْن هِشَام فِي النَّقْل عَن النَّحْوِيين أَنهم منعُوا وُقُوع الطلبية خَبرا لَهَا وأضمر القَوْل فِي قَوْله: (إِن الَّذين قتلتم أمس سيدهم ... لَا تحسبوا ليلهم عَن ليلكم نَامَا) وَقَول الآخر: (إِنِّي إِذا مَا الْقَوْم كَانُوا أنجيه ... واضطرب الْقَوْم اضْطِرَاب الأرشيه) وَالْبَيْت من قصيدة عدتهَا اثْنَا عشر بَيْتا للجميح الْأَسدي ذكر فِيهَا نشوز امْرَأَته لقلَّة مَاله أوردهَا الْمفضل الضَّبِّيّ فِي المفضليات وأولها: (أمست أُمَامَة صمتا مَا تكلمنا ... مَجْنُونَة أم أحست أهل خروب) (مرت بِرَاكِب ملهوز فَقَالَ لَهَا ... ضري الجميح ومسيه بتعذيب) (وَلَو أَصَابَت لقالت وَهِي صَادِقَة ... إِن الرياضة لَا تنصبك للشيب)

أُمَامَة: زوج الجميح. وصمتاً: مصدر وَقع حَالا. وَأهل خروب بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الرَّاء: قَومهَا.) قَالَ ابْن الْأَنْبَارِي فِي شَرحه: يَقُول: مَا لَهَا أمست صامتة أَي: سَاكِنة لَا تكلمنا أخالطها جُنُون أم لقِيت أهل خروب وهم قَومهَا فأفسدوها فَغضِبت. وَقَوله: مرت بِرَاكِب ... إِلَخ يَقُول: مرت بِرَاكِب جمل ملهوز فأفسدها على زَوجهَا. والملهوز: الموسوم فِي أصل لحييْهِ أَي: أمرهَا بمضارة زَوجهَا ليُطَلِّقهَا فيتزوجها. قَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: ملهوز: مَوْسُوم بِغَيْر ميسمه. يَقُول: مرت بِرَجُل من أعدائه وَمن ميسمه غير ميسمي فَأمرهَا بمضارتي. وَيُقَال: مرت بِرَجُل من قَومهَا فأفسدها عَلَيْهِ ليتزوجها. وضري بِضَم الضَّاد: أَمر بالضر. ومسيه بِفَتْح الْمِيم أَي: أوصلي إِلَيْهِ الْعَذَاب. فِي الْمِصْبَاح: مَسسْته من بَاب تَعب وَفِي لُغَة مَسسْته مساً من بَاب قتل: أفضيت إِلَيْهِ من غير حَائِل. هَكَذَا قيدوه. وَقَوله: وَلَو أَرَادَت لقالت رِوَايَة ابْن الْأَنْبَارِي: وَلَو أَصَابَت لقالت. والرياضة: تَهْذِيب الْأَخْلَاق النفسية. وتنصبك: مضارع أنصبه إنصاباً أَي: أتعبه متعدي نصب نصبا من بَاب فَرح إِذا تَعب وأعيا. وللشيب مُتَعَلق برياضة وَهُوَ جمع أشيب. - فِي الْمِصْبَاح: شَاب يشيب شيباً وَشَيْبَة وَالرجل أشيب على غير قِيَاس وَالْجمع شيب. وَلَا يُقَال: امْرَأَة شيباء وَإِن قيل: شَاب رَأسهَا. والمشيب: الدُّخُول فِي حد الشيب. وَقد يسْتَعْمل المشيب بِمَعْنى الشيب وَهُوَ ابيضاض الشّعْر المسود. قَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: يَقُول: أَنا شيخ مجرب

لَا أحفل بمضارتها لعلمي بإرادتها. وَقَالَ الْأَصْمَعِي: قَوْله: لَا تنصبك للشيب نَهَاهُ عَن رياضة المسان. يَقُول: وَلَو أَصَابَت الصَّوَاب ووفقت لَهُ لقالت للرجل الَّذِي أمرهَا بمضارتي: لَا جعلك الله مِمَّن ينصب برياضة المسان فَإِن رياضتك إيَّاهُم عناء عَلَيْك وتعب لَا يجدي عَلَيْك شَيْئا لأَنهم قد يئسوا عَن ذَلِك وجربوا فَلَا يسمعُونَ مَا يؤمرون بِهِ لما مَعَهم من التجربة. وَهَذَا دُعَاء فِي صُورَة النَّهْي. قَالَ بعض الْمُحدثين: (كبر الْكَبِير عَن الْأَدَب ... أدب الْكَبِير من التَّعَب)) والجميح بِضَم الْجِيم وَفتح الْمِيم مصغر قَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: هُوَ لقب واسْمه منقذ بن الطماح بن قيس بن طريف بن عَمْرو بن قعين بن طريف بن الْحَارِث بن ثَعْلَبَة بن دودان بن أَسد بن خُزَيْمَة بن مدركة بن إلْيَاس بن مُضر بن نزار بن معد بن عدنان. قَالَ أَحْمد: والطماح بن منقذ هُوَ صَاحب امْرِئ الْقَيْس الَّذِي دخل مَعَه بِلَاد الرّوم ووشى بِهِ إِلَى قَيْصر فَصَارَ سَببا لهلاكه. وإياه عَنى امْرُؤ الْقَيْس بقوله: (لقد طمح الطماح من بعد أرضه ... ليلبسني من دائه مَا تلبسا) انْتهى. - وَقَالَ أَبُو عبيد الْبكْرِيّ فِي شرح أمالي القالي: الجميح لقبه واسْمه منقذ بن الطماح بن قيس الْأَسدي. وَهُوَ فَارس شَاعِر جاهلي قتل يَوْم جبلة. انْتهى. إِن الَّذين قتلتم أمس سيدهم إِلَخ

لم يعرفهُ شرَّاح الْمُغنِي. وَقد أوردهُ أَبُو مُحَمَّد الْأَعرَابِي فِي ضَالَّة الأديب من جملَة أَبْيَات. قَالَ: خرج غُلَام من بني سعد بن ثَعْلَبَة وَغُلَام من بني مَالك بن مَالك فِي إبل لَهما وَمَعَ السَّعْدِيّ سيف لَهُ فَقَالَ الْمَالِكِي: وَالله مَا فِي سَيْفك هَذَا خير لَو ضربت بِهِ عنقِي مَا قطعه. قَالَ: فَمد عُنُقك. فَفعل فَضرب السَّعْدِيّ عُنُقه فَقَطعه. فَخرجت بَنو مَالك بن مَالك وَأخذُوا السَّعْدِيّ فَقَتَلُوهُ فاحتربت بَنو سعد بن ثَعْلَبَة وَبَنُو مَالك بن مَالك فمشت السفراء بَينهم فَقَالَت بَنو يعد بن ثَعْلَبَة: لَا نرضى حَتَّى نعطى مائَة من صاحبنا وتعطى بَنو مَالك سبعين. فَغَضب لَهُم بَنو سعد بن مَالك فَقَالَ أَبُو مكعت أَخُو بني سعد بن مَالك: (إِن الَّذين قتلتم أمس سيدهم ... لَا تحسبوا ليلهم عَن ليلكم نَامَا) (من يولهم صَالحا نمسك بجانبه ... وَمن يضمهم فإيانا إِذن ضاما) (أَدّوا الَّذِي نقضت سبعين من مائَة ... أَو ابْعَثُوا حكما بِالْحَقِّ علاما) أَي: أدونا مائَة كَامِلَة فَإِذا وضعت سبعين من مائَة بقيت ثَلَاثُونَ فَكَأَنَّهُ قَالَ: أَدّوا الدِّيَة الَّتِي التزمتم مِنْهَا سبعين من مائَة. (أبلغ بني مَالك عني مغلغلةً ... أَن السنان إِذا مَا أكره اعتاما)) وَأَبُو مكعت هُوَ الَّذِي كَانَ يحيض فِي الْجَاهِلِيَّة. انْتهى.

(الشاهد الخامس والأربعون بعد الثمانمائة)

وَأنْشد بعده (الشَّاهِد الْخَامِس وَالْأَرْبَعُونَ بعد الثَّمَانمِائَة) وَهُوَ من شَوَاهِد س: (قَالَت أَلا ليتما هَذَا الْحمام لنا ... إِلَى حمامتنا أَو نصفه فقد) على أَن لَيْت إِذا اتَّصل بهَا مَا جَازَ أَن تعْمل وَأَن تلغى. وَقد رُوِيَ هَذَا الْبَيْت بِالْوَجْهَيْنِ والإلغاء أَكثر. قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَأما ليتما زيدا منطلق فَإِن الإلغاء فِيهِ حسن وَقد كَانَ رؤبة بن العجاج ينشد هَذَا الْبَيْت رفعا وَهُوَ قَول النَّابِغَة الذبياني: أَلا ليتما هَذَا الْحمام الْبَيْت فرفعه على وَجْهَيْن: على أَن يكون بِمَنْزِلَة قَول من قَالَ مثلا مَا بعوضة أَو يكون بِمَنْزِلَة قَوْله: إِنَّمَا زيد منطلق. وَأما لعلما فَهُوَ بِمَنْزِلَة كَأَنَّمَا. قَالَ الشَّاعِر: وَقَالَ الْخَلِيل: إِنَّمَا لَا تعْمل فِيمَا بعْدهَا كَمَا أَن أرى إِذا كَانَت لَغوا لم تعْمل فَجعلُوا هَذَا نظيرها من الْفِعْل كَمَا كَانَ نَظِير إِن من الْفِعْل مَا يعْمل. وَنَظِير إِنَّمَا قَول الشَّاعِر: (أعلاقةً أم الْوَلِيد بَعْدَمَا ... أفنان رَأسك كالثغام المخلس)

جعل بعد مَعَ مَا بِمَنْزِلَة حرف وَاحِد وابتدأ مَا بعده. انْتهى. وَنقل ابْن الشجري هَذَا الْكَلَام وَقَالَ: سِيبَوَيْهٍ وَغَيره من النَّحْوِيين يرَوْنَ إِلْغَاء مَا فِي ليتما حسنا فيرجحون النصب فِي ليتما زيدا منطلق ويجيزون أَن تكون كَافَّة. وتشبيهه لَهَا بأرى يدل على أَنَّهَا رُبمَا أعملت لِأَن أرى لَيست تلغى على كل حَال وتشبيهه إِنَّمَا ببعدما مَانع من إِعْمَال إِنَّمَا كَمَا أَن قَوْله: بَعْدَمَا لَا يَصح إعماله. وَقَوله: لعلما بِمَنْزِلَة كَأَنَّمَا يغلب عَلَيْهَا أَن تكون مَا فِيهَا كَافَّة وَإِنَّمَا ولكنما فِي هَذَا نظيرتان لَيْسَ فيهمَا فِي الْأَغْلَب الْأَكْثَر إِلَّا الْكَفّ فهما فِي إِلْغَاء مَا دون لعلما وكأنما. وَإِنَّمَا غلب على ليتما الْعَمَل لقُوَّة شبه لَيْت بِالْفِعْلِ. أَلا ترى أَن وددت بِمَعْنى تمنيت وليت هِيَ علم التَّمَنِّي فَلذَلِك حسن نصب الْجَواب فِي قَوْلك: وددت أَنه زارني فَأكْرمه. انْتهى.) فَظهر بِمَا نقلنا إِن إِلْغَاء ليتما جَائِز حسن وإعمالها أحسن وَأكْثر خلاف مَا زَعمه الشَّارِح وَذهب الْفراء إِلَى أَنه لَا يجوز كف مَا لليت وَلَا للعل بل يجب إعمالهما. وَقَول الشَّارِح الْمُحَقق لِأَنَّهَا تخرج بِمَا عَن اختصاصها بِالْجُمْلَةِ الاسمية يَعْنِي فَتدخل على الْجُمْلَة الفعلية. وَفِيه خلاف. قَالَ صَاحب الارتشاف: وَأما مَجِيء الْفِعْل بعد لعلما وليتما فَهُوَ مَذْهَب الْبَصرِيين أَجَازُوا: ليتما ذهبت ولعلما قُمْت. وَزعم الْفراء أَن ذَلِك لَا يجوز فَلَا تَجِيء الْجُمْلَة الفعلية بعدهمَا. وَوَافَقَهُ على ذَلِك فِي ليتما خَاصَّة أَصْحَابنَا الْمُتَأَخّرُونَ وَزَعَمُوا أَن ليتما بَاقِيَة على اختصاصها بِالْجُمْلَةِ الاسمية. انْتهى.

وَجزم ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي بالاختصاص تبعا لِابْنِ النَّاظِم وَغَيره قَالَ: وتقترن بهَا مَا الحرفية فَلَا تزيلها عَن الِاخْتِصَاص بالأسماء لَا يُقَال: ليتما قَالَ زيد خلافًا لِابْنِ أبي الرّبيع وطاهر الْقزْوِينِي. وَيجوز: ليتما زيدا أَلْقَاهُ على الإعمال وَيمْتَنع على إِضْمَار فعل على شريطة التَّفْسِير. انْتهى. وَهَذَا هُوَ الْجيد إِذْ لم يسمع دُخُولهَا على الفعلية. وَقَول سِيبَوَيْهٍ فرفعه على وَجْهَيْن: على أَن يكون بِمَنْزِلَة من قَالَ: مثلا مَا بعوضة ... إِلَخ قَالَ النّحاس: يُرِيد أَن مَا مَوْصُولَة وَأَنه يضمر مُبْتَدأ أَي: فيا لَيْت الَّذِي هُوَ هَذَا الْحمام لنا. وَيُرِيد بِالْوَجْهِ الثَّانِي أَن مَا كَافَّة. وَيجوز النصب على أَن تكون مَا زَائِدَة للتوكيد وَيكون الْحمام بَدَلا من هَذَا. وَضعف ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي موصولية مَا فِي بحث لَيْت وَفِي بحث مَا الكافة قَالَ: هُوَ مَرْجُوح لِأَن حذف الْعَائِد الْمَرْفُوع بِالِابْتِدَاءِ فِي صلَة غير أَي مَعَ عدم طول الصِّلَة قَلِيل. وَزَاد فِي بحث مَا: وَسَهل ذَلِك تضمنه إبْقَاء الإعمال. ورد عَلَيْهِ بِأَن الصِّلَة هُنَا قد طَالَتْ بِالصّفةِ وَمَعَ احْتِمَال الموصولية لَا دَلِيل على إهمالها وَلَوْلَا أَن سِيبَوَيْهٍ ذكر الإهمال لمنع. وَالْبَيْت من قصيدة للنابغة الذبياني يُخَاطب بهَا النُّعْمَان بن الْمُنْذر ويعاتبه وَيعْتَذر إِلَيْهِ مِمَّا اتهمَ بِهِ عِنْده. وَقد مضى شرح سَببهَا وأكثرها فِي ماوضع عديدة فلنذكر هُنَا مِنْهَا مَا يتم معنى الْبَيْت. وَقَبله: (فاحكم كَحكم فتاة الْحَيّ إِذْ نظرت ... إِلَى حمام شراع وَارِد الثمد) (يحفه جانبا نيق وتتبعه ... مثل الزجاجة لم تكحل من الرمد) (قَالَت أَلا ليتما هَذَا الْحمام لنا ... إِلَى حمامتنا أَو نصفه فقد)) (فحسبوه فألفوه كَمَا ذكرت ... تسعا وَتِسْعين لم تنقص وَلم تزد)

(فكملت مائَة فِيهَا حمامتها ... وأسرعت حسبَة فِي ذَلِك الْعدَد) قَوْله: فاحكم كَحكم أَي: كن حكيماً كهذه الفتاة أَي: أصب فِي أَمْرِي كإصابتها فِي حدسها بِالنّظرِ الصَّحِيح. وَكَذَا فِي شرح ابْن السَّيِّد قَالَ: هُوَ من الحكم الَّذِي يُرَاد بِهِ الْحِكْمَة لَا من الحكم الَّذِي يُرَاد بِهِ الْقَضَاء. قَالَ تَعَالَى: وَلما بلغ أشده واستوى آتيناه حكما وعلماً أَي: حِكْمَة يُقَال من ذَلِك: حكم الرجل يحكم من بَاب نصر إِذا صَار حكيماً. قَالَ النمر بن تولب: (أحبب حَبِيبك حبا رويداً ... فَلَيْسَ يعولك أَن تصرما) (وَأبْغض بَغِيضك بغضاً رويداً ... إِذا أَنْت حاولت أَن تحكما) انْتهى. وَأَرَادَ بفتاة الْحَيّ: زرقاء الْيَمَامَة. قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ فِي أبْصر من الزَّرْقَاء من مستقصى الْأَمْثَال: هِيَ من بَنَات لُقْمَان بن عَاد ملكة الْيَمَامَة. واليمامة اسْمهَا فسميت الْبَلدة باسمها. وَقيل اسْمهَا: عنز وَهِي إِحْدَى الزرق الثَّلَاث أعينها والزباء والبسوس. وَكَانَت جديسية وَحين قتل جديس طسماً

استجاش قَبيلَة طسم حسان بن تبع إِلَى الْيَمَامَة فَلَمَّا صَارُوا من جو على مسيرَة ثَلَاث لَيَال صعدت الأطم الَّذِي يُقَال لَهُ: الْكَلْب فَنَظَرت إِلَيْهِم وَقد استتر كل بشجرة تلبيساً عَلَيْهَا فارتجزت بقولِهَا: (أقسم بِاللَّه لقد دب الشّجر ... أَو حمير قد أخذت شَيْئا تجر) فكذبها قَومهَا فَقَالَت: وَالله لقد أرى رجلا ينهش كَتفًا أَو يخصف نعلا. فَمَا تأهبوا حَتَّى صبحهمْ الْجَيْش. وَلما ظفر بهَا حسان قَالَ: مَا كَانَ طَعَامك فَقَالَت: درمكة فِي كل يَوْم بمخ قَالَ: فَبِمَ كنت تكتحلين قَالَت: بالإثمد. وشق عينهَا فَرَأى عروقاً سُودًا من الإثمد. وَهِي أول من اكتحل بالإثمد من الْعَرَب. انْتهى الْمَقْصُود مِنْهُ. وَقَالَ ابْن المستوفي: كَانَت زرقاء الْيَمَامَة تبصر الرَّاكِب من مسيرَة ثَلَاثَة أَيَّام وَيضْرب بهَا الْمثل يُقَال: أبْصر من زرقاء الْيَمَامَة. واليمامة بلد وَكَانَ اسْمهَا الجو فسميت باسم هَذِه الْمَرْأَة لِكَثْرَة) مَا أضيف إِلَيْهَا وَقيل: جو الْيَمَامَة. وَقَالُوا: هِيَ من بَنَات لُقْمَان بن عَاد وَقيل: هِيَ من جديس. انْتهى. وَالْحمام قَالَ ابْن قُتَيْبَة فِي أدب الْكَاتِب: يذهب النَّاس إِلَى أَنَّهَا الدواجن الَّتِي تستفرخ فِي الْبيُوت وَذَلِكَ غلط إِنَّمَا الْحمام ذَوَات الأطواق وَمَا أشبههَا مثل الفواخت والقماري والقطا. قَالَ ذَلِك الْأَصْمَعِي وَوَافَقَهُ عَلَيْهِ

الْكسَائي. قَالَ حميد بن ثَوْر: (وَمَا هاج هَذَا الشوق إِلَّا حمامة ... دعت سَاق حر ترحةً وترنما) وَقَالَ النَّابِغَة: واحكم كَحكم فتاة الْحَيّ ... ... ... . . الْبَيْت قَالَ الْأَصْمَعِي: هَذِه زرقاء الْيَمَامَة نظرت إِلَى قطاً. قَالَ: أما الدواجن فِي الْبيُوت فَإِنَّهَا وَمَا شاكلها من طير الصَّحرَاء: اليمام. انْتهى. قَالَ ابْن السَّيِّد فِي شَرحه: مَا نَقله عَن الْأَصْمَعِي وَالْكسَائِيّ صَحِيح وَقد يُقَال لليمام حمام أَيْضا. حكى أَبُو عبيد فِي الْغَرِيب المُصَنّف عَن الْأَصْمَعِي أَنه قَالَ: اليمام ضرب من الْحمام بري. وَحكى أَبُو حَاتِم عَن الْأَصْمَعِي فِي كتاب الطير الْكَبِير: واليمام واحده يمامة الْحمام الْبري. وحمام مَكَّة يمام أجمع. قَالَ أَبُو حَاتِم: وَالْفرق بَين الْحمام الَّذِي عندنَا واليمام: أَن أَسْفَل ذَنْب الْحمام مِمَّا يَلِي ظهرهَا إِلَى الْبيَاض وَكَذَا حمام الْأَمْصَار وأسفل ذَنْب الْيَمَامَة لَا بَيَاض فِيهِ. وَلَيْسَ فِي بَيت النَّابِغَة من الدَّلِيل على أَنه أَرَادَ بالحمام القطا مثل مَا فِي بَيت حميد بن ثَوْر من الدَّلِيل على أَنه أَرَادَ بالحمامة القمرية. وَإِنَّمَا علم ذَلِك بالْخبر الْمَرْوِيّ عَن زرقاء الْيَمَامَة أَنَّهَا نظرت إِلَى قطاً فَقَالَت:

(يَا لَيْت ذَا القطا لنا ... وَمثل نصفه مَعَه) وَقد رُوِيَ أَنَّهَا قَالَت: (لَيْت الْحمام ليه ... إِلَى حمامتيه) (وَنصفه قديه ... تمّ الْحمام ميه) ثمَّ قَالَ: وَكَانَ الْأَصْمَعِي يروي: شراع بالشين الْمَكْسُورَة الْمُعْجَمَة يُرِيد: الَّتِي شرعت فِي المَاء.) وروى غَيره: سراع بِالسِّين غير مُعْجمَة وَهنا جمع شارعة وسريعة. وَالرِّوَايَة الثَّانِيَة أولى لاستغنائها عَن دَعْوَى التَّأْكِيد. والثمد: المَاء الْقَلِيل. وأفرد وارداً وَإِن كَانَ صفة لحمام حملا على معنى الْجمع كَمَا قَالَ تَعَالَى: من الشّجر الْأَخْضَر. انْتهى.

فَإِن الْحمام اسْم جنس يفرق بَينه وَبَين واحده بِالتَّاءِ وَمثله يجوز أَن يعْتَبر جمعا ومفرداً كَمَا هُنَا فَإِن وَصفه جمع تَارَة وَهُوَ شراع وأفرد أُخْرَى وَهُوَ وَارِد. وَهَذَا الْبَيْت من شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ قَالَ الأعلم: الشَّاهِد فِيهِ إِضَافَة وَارِد إِلَى الثمد على نِيَّة التَّنْوِين وَالنّصب وَلذَلِك نعت بِهِ النكرَة مَعَ إِضَافَته إِلَى الْمعرفَة إِذْ كَانَت إِضَافَته غير مَحْضَة. وَقَوله: يحفه جانبا نيق ... إِلَخ أَي: أحَاط بِهِ. وَالضَّمِير للحمام. وجانبا: مثنى جَانب حذفت نونه للإضافة وَهُوَ فَاعل يحفه. والنيق بِكَسْر النُّون قَالَ ابْن قُتَيْبَة فِي أَبْيَات الْمعَانِي: يَقُول: كَانَ الْحمام فِي مَوضِع ضيق قد ركب بعضه بَعْضًا فَهُوَ أَشد لعده. وَقَوله: وتتبعه ... إِلَخ مضارع أتبعه وفاعله ضمير الفتاة وَالْهَاء ضمير الْحمام وَمثل مفعول صفة لمَحْذُوف. قَالَ ابْن قُتَيْبَة: أَي: تتبعه عينا مثل الزجاجة. لم تكحل تِلْكَ الفتاة من الرمد أَي: لم يكن بهَا رمد فتكحل مِنْهُ. مثل قَول الآخر: على لاحب لَا يهتدى بمناره وَقَوله: قَالَت أَلا ليتما ... الخ قَالَ ابْن قُتَيْبَة: أَو نصفه أَرَادَت وَنصفه أَو بِمَعْنى الْوَاو. قَالَ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي: هَذَا قَول الْكُوفِيّين والأخفش والجرمي. وَاحْتَجُّوا بِأَبْيَات مِنْهَا هَذَا الْبَيْت. ويقويه أَنه روى: وَنصفه بِالْوَاو. انْتهى.

- ورد ابْن الْأَنْبَارِي فِي مسَائِل الْخلاف على الْكُوفِيّين بِأَن الرِّوَايَة بِالْوَاو لَا بِأَو وَلَو سلمنَا فَنَقُول: أَو فِيهِ بَاقِيَة على أَصْلهَا وَهُوَ أَن يكون التَّقْدِير ليتما هَذَا الْحمام أَو هُوَ وَنصفه فَحذف الْمَعْطُوف وحرف الْعَطف كَقَوْلِه تَعَالَى: فَقُلْنَا اضْرِب بعصاك الْحجر فانفجرت أَي: فَضرب فانفجرت. أَلا فالبثا شَهْرَيْن أَو نصف ثَالِث) أَي: أَو شَهْرَيْن وَنصف ثَالِث. أَلا ترى أَنَّك لَا تَقول مبتدئاً نصف ثَالِث. وَإِذا وَجب أَن يكون الْمَعْطُوف عَلَيْهِ محذوفاً كَانَت أَو بَاقِيَة على أَصْلهَا. هَذَا كَلَامه. وَلَا يخفى أَن تَخْرِيجه لَا يتمشى على رِوَايَة النصب وَإِنَّمَا هُوَ على رِوَايَة الرّفْع مَعَ أَن الْمَعْنى لَيْسَ عَلَيْهِ فَإِنَّهَا لم تتمن أَحدهمَا وَإِنَّمَا تمنت كليهمَا وَإِن كَانَ لرفع نصفه مَه نصب الْحمام وَجه ذكره ابْن هِشَام فِي شرح الشواهد قَالَ: وَقد يجوز الرّفْع مَعَ نصب الْحمام. وَذَلِكَ على أَن تَجْعَلهُ مَعْطُوفًا على الضَّمِير الْمُسْتَتر فِي لنا وَحسن ذَلِك لأجل الْفَصْل. وَقَوله: فحسبوه فألفوه حسب بتَشْديد السِّين بِمَعْنى المخفف أَي: عدوه. وَالْهَاء فِي موضِعين ضمير الْحمام. وألفوه: وجدوه. قَالَ ابْن قُتَيْبَة: نظرت هَذِه الْمَرْأَة إِلَى حمام مر بهَا بَين جبلين وَكَانَ سِتا وَسِتِّينَ فَقَالَت: لَيْت لي هَذَا الْحمام وَنصفه وَهُوَ ثَلَاث وَثَلَاثُونَ إِلَى حمامتي فَيتم لي مائَة. فنظروا فَإِذا هُوَ كَمَا قَالَت.

- قَالَ حَمْزَة الْأَصْفَهَانِي فِي أَمْثَاله: قَالَ بعض أَصْحَاب الْمعَانِي: إِن النَّابِغَة لما أَرَادَ مدح هَذِه الحكيمة الحاسبة بِسُرْعَة إصابتها شدد الْأَمر وضيقه ليَكُون أحسن لَهُ إِذا أصَاب فَجعله حزر طير إِذْ كَانَ الطير أخف مَا يَتَحَرَّك ثمَّ جعله حَماما إِذْ كَانَ الْحمام أسْرع الطير ثمَّ كثر الْعدَد إِذْ كَانَت الْمُسَابقَة والمنافسة ثمَّ ذكر أَنَّهَا صَارَت بَين نيقين لِأَن الْحمام إِذا كَانَ فِي مضيق من الْهَوَاء كَانَ أسْرع طيراناً مِنْهُ إِذا اتَّسع عَلَيْهِ الفضاء ثمَّ جعلهَا وَارِدَة للْمَاء لِأَن الْحمام إِذا وَردت المَاء أعانها الْحِرْص للْمَاء على سرعَة الطيران. انْتهى. وَأغْرب الجواليقي هُنَا فَقَالَ: قَالَ الْأَصْمَعِي: سَمِعت نَاسا يحدثُونَ أَن ابْنة الخس كَانَت قَاعِدَة فِي جوَار فَمر بهَا قطاً وَارِد فِي مضيق من الْجَبَل فَقَالَت: (يَا لَيْت ذَا القطا لنا ... وَمثل نصفه مَعَه) (إِلَى قطاة أهلنا ... إِذن لنا قطاً ميه) فأتبعت القطا فعدت على المَاء فَإِذا هِيَ سِتّ وَسِتُّونَ. انْتهى. وابْنة الخس بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة وَتَشْديد السِّين الْمُهْملَة وَاسْمهَا عِنْد الإيادية. وَهِي جَاهِلِيَّة قديمَة وَقد أدْركْت القلمس أحد حكام الْعَرَب فِي

الْجَاهِلِيَّة تحاكمت هِيَ وَأُخْتهَا خمعة إِلَيْهِ فِي كَلَام لَهما ومدحته بِأَبْيَات مِنْهَا:) (إِذا الله جازى منعماً بوفائه ... فجازاك عني يَا قلمس بِالْكَرمِ) وَبَعض الروَاة يزْعم أَنَّهَا مَاتَت فِي زمن النُّعْمَان عِنْد هِنْد ابْنَته وَيسْتَشْهد على ذَلِك بقول (وفيت بِعَهْد كَانَ مِنْك تكرماً ... كَمَا لابنَة الخس الْإِيَادِي وفت هِنْد) وَلَيْسَ الْأَمر كَذَلِك وَإِنَّمَا مُرَاد الفرزدق أَن هنداُ وفت لأختها خمعة ابْنة الخس لَا أَنَّهَا عِنْد ابْنة النُّعْمَان. وَقد ترجمها الشريف المرتضى فِي أَمَالِيهِ وَذكر طرفا من أمورها. وَقد أجحف الزَّمَخْشَرِيّ فِي قصَّة الزَّرْقَاء فَنَقُول: إِن الْيَمَامَة كَانَ اسْمهَا جواً فِي الزَّمن الأول وَكَانَ لأمتين إِحْدَاهمَا: طسم بن لوذ بن سَام بن نوح وَالْأُخْرَى: جديس بن جاثر بن إرم بن سَام بن نوح عَلَيْهِ السَّلَام وَكَانُوا أَصْحَاب زرع ونخيل ومواش وَكَانَ ملكهم من طسم يُقَال لَهُ: عملوق

أَو عمليق أفرط فِي جوره على جديس حَتَّى أَمر أَن لَا تزف امْرَأَة من جديس إِلَّا أُتِي بهَا إِلَيْهِ حَتَّى يفتضها قبل زَوجهَا فَلَمَّا افتض بنت غفار خرجت من عِنْده رَافِعَة صَوتهَا ملطخة بدمها وَهِي تَقول: (لاأحد أذلّ من جديس ... أهكذا يفعل بالعروس) فِي أَبْيَات كَمَا تقد م شرح هَذِه الْقِصَّة مفصلا فِي الشَّاهِد الْخَامِس وَالْعِشْرين بعد الْمِائَة. فَلَمَّا سمع قَومهَا ذَلِك اشْتَدَّ غضبهم وَمَشى بَعضهم إِلَى بعض وَكَانَ أَخُوهَا ابْن غفار سيدهم فَلَمَّا رأى ذَلِك من حَال الْقَوْم قَالَ: اطيعوني وَإِلَّا قتلت نَفسِي. قَالَ: اكْتُبْ إِلَى الْملك: إِنِّي قد زوجت أُخْتِي فليحضر الْملك وَجَمِيع أَهله إِلَى طَعَامي. فَإِذا أَتَوْكُم قَامَ كل وَاحِد مِنْكُم على رَأس رجل مِنْهُم وَقد دفن سلاحه تَحت رجله فَإِذا قرب الطَّعَام فَلْيقل كل رجل مِنْكُم من يَلِيهِ. فَقتلُوا جَمِيعهم إِلَّا رجلا يُقَال لَهُ: ريَاح بن مرّة فَإِنَّهُ أفلت مِنْهُم واستصحب كلبة لَهُ وَأخذ جَرِيدَة من جرائد نَخْلهمْ فطلاها بالطين ثمَّ توجه حَتَّى أَتَى حسان بن تبع مذعوراً فَقَالَ لَهُ: مَا وَرَاءَك قَالَ: أَتَيْتُك من عِنْد قوم كُنَّا مُلُوكهمْ وساداتهم وَقد وَثبُوا علينا ظلما وَذكر الْقِصَّة وَفِيهِمْ زروع ومواش وتبر وورق ومسك وَعَنْبَر وَجَمِيع آلَة الدُّنْيَا وَفِيهِمْ امْرَأَة يُقَال لَهَا: عنز تغذى بالزبد والشهد والمخ كَأَنَّهَا الْقَمَر لَيْلَة الْبَدْر.) فَلَمَّا سمع ذَلِك حسان

دَعَا قومه وأسمعهم كَلَام ريَاح فَقَالُوا: مَا لنا وَلأمة قتلت أُخْتهَا لَيْسَ بَيْننَا وَبينهمْ حَرْب على أَن بلدهم شاسع ومسلكهم بعيد. قَالَ الْملك: أَرَأَيْتُم إِن ظلم أَخ أَخَاهُ أَلَيْسَ يجب على الْملك أَن ينصره قَالُوا: بلَى. قَالَ لَهُم ريَاح: كَيفَ يكون بلدي شاسعاً وَهَذِه جَرِيدَة من نخلها رطبَة فَلَو كَانَ بَعيدا يَبِسَتْ وَهَذِه كلبتي قد تبعتني عرجاء. وَكَانَ قد ضربهَا عِنْد دُخُوله فعرجت فَلم يزل بهم حسان حَتَّى أجابوه إِلَى الْمسير فَسَارُوا فِي ثلثمِائة ألف فَلَمَّا كَانَ من جو على مسيرَة ثَلَاثَة أَيَّام قَالَ لَهُم ريَاح: إِن فيهم امْرَأَة يُقَال لَهَا: الْيَمَامَة تبصر الرَّاكِب من مسيرَة ثَلَاثَة أَيَّام فَاقْطَعُوا الشّجر وليضع كل رَاكب مِنْكُم بَين يَدَيْهِ غصناً من أَغْصَانهَا ليشتبه عَلَيْهَا. فَقَامَتْ الْيَمَامَة على رَأس حصن لَهُم يُقَال لَهُ: البتيل فَقَالَت: أَي قوم زحفت إِلَيْكُم حمير وَأرى شَجرا وَخَلفهَا بشرا. فكذبوها وَقَالُوا: مَا تزالين تَأْتِينَا بالإفك ثمَّ رجعت بصرها فوضح لَهَا صدق مَا رَأَتْ فَقَالَت: (خُذُوا حذاركم يَا قوم ينفعكم ... فَلَيْسَ مَا قد أرى بالْأَمْس يحتقر) (إِنِّي أرى شَجرا من خلفهَا بشر ... وَكَيف تَجْتَمِع الْأَشْجَار والبشر) (خُذُوا طوائفكم من قبل داهية ... من الْأُمُور الَّتِي تخشى وتنتظر) ...

(فقد زجرت سنيح الْقَوْم باكرةً ... لَو كَانَ يعلم ذَاك الْقَوْم إِذْ بَكرُوا) (إِنِّي أرى رجلا فِي كَفه كتف ... أَو يخصف النَّعْل خصفاً لَيْسَ يبتدر) (فغوروا كل مَاء قبل ثَالِثَة ... فَلَيْسَ من بعده ورد وَلَا صدر) (وناهضوا الْقَوْم بعض اللَّيْل إِذْ رقدوا ... وَلَا تخافوا لَهُم حَربًا وَإِن كَثُرُوا) فَلم يَلْبَثُوا أَن صبحهمْ حسان بعد أَرْبَعَة فَقتل الرِّجَال وسبى النِّسَاء ودعا بِالْيَمَامَةِ فَقلع عينهَا فَوجدَ فِيهَا عروقاً سُودًا فَسَأَلَ: مَا الَّذِي كَانَت تكتحل بِهِ فَقَالُوا: حجر يُقَال لَهُ الإثمد فاكتحل بالإثمد من ذَلِك الْيَوْم. فَلَمَّا قَتلهَا صلبها على بَاب جو فسميت بذلك الْيَمَامَة. وأتيت عنز بالجمل فَلم تدر مَا الْجمل من الْعِزَّة. وَإِن الْأسود بن غفار أفلت فلحق بجبلي طَيئ فَقتله عَمْرو بن لاغوث بن طَيئ كَمَا تقدم شَرحه) فِي الشَّاهِد الثَّامِن والثمانين من أَوَائِل الْكتاب. وترجمة النَّابِغَة الذبياني تقدّمت فِي الشَّاهِد الرَّابِع بعد الْمِائَة.

(الشاهد السادس والأربعون بعد الثمانمائة)

وَأنْشد بعده (الشَّاهِد السَّادِس وَالْأَرْبَعُونَ بعد الثَّمَانمِائَة) وَهُوَ من شَوَاهِد س: (وَكنت أرى زيدا كَمَا قيل سيداً ... إِذا إِنَّه عبد الْقَفَا واللهازم) قَالَ سِيبَوَيْهٍ: سَمِعت رجلا من الْعَرَب ينشد هَذَا الْبَيْت كَمَا أخْبرك بِهِ أَي: بِالْكَسْرِ فحال إِذا هَاهُنَا كحالها إِذا قلت: هُوَ عبد الْقَفَا واللهازم. وَإِنَّمَا جَاءَت إِن هُنَا لِأَن هَذَا الْمَعْنى أردْت كَمَا أردْت فِي حَتَّى معنى حَتَّى هُوَ منطلق. وَلَو قلت: مَرَرْت فَإِذا أَنه عبد تُرِيدُ فَإِذا الْعُبُودِيَّة واللؤم كَأَنَّك قلت: مَرَرْت فَإِذا أمره الْعُبُودِيَّة واللؤم ثمَّ وضعت إِن فِي هَذَا الْموضع جَازَ. انْتهى. قَالَ الأعلم: الشَّاهِد فِي جَوَاز فتح إِن وَكسرهَا بعد إِذا. الْكسر على نِيَّة وُقُوع الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر بعد إِذا وَالتَّقْدِير: إِذا هُوَ عبد الْقَفَا. وَالْفَتْح على تَأْوِيل الْمصدر مُبْتَدأ والإخبار عَنهُ بإذا. انْتهى. والإخبار بإذا مَبْنِيّ على كَونهَا اسْما وَلَيْسَ الْإِخْبَار بهَا وَاجِبا عِنْد الْقَائِل بِهِ. قَالَ ابْن هِشَام فِي شرح الشواهد كَمَا قَالَ ابْن يعِيش: من يرى أَن ذَا ظرف صَحَّ تقديرها خَبرا وَلم يقدر محذوفاً أَي: فبالحضرة الْعُبُودِيَّة. وَصَحَّ

تقديرها مُتَعَلقَة بِخَير مَحْذُوف أَي: فبالحضرة الْعُبُودِيَّة مَوْجُودَة. وَإِن قيل: إِنَّهَا حرف وَجب دَعْوَى الْحَذف. انْتهى. وَإِذا عِنْد الشَّارِح الْمُحَقق حرف كَمَا قَرَّرَهُ فِي بَاب الْمُبْتَدَأ وَبَاب الظروف وَلِهَذَا قدر الْخَبَر. وَكَذَا هِيَ حرف عِنْد السيرافي إِلَّا أَنه جعل الْمَحْذُوف الْمُبْتَدَأ قَالَ: وَإِذا فتحت قدر مَا بعْدهَا الْمصدر أَي: فَإِذا أمره الْعُبُودِيَّة وَذَاكَ أَن أَن الْمَفْتُوحَة مقدرَة بِالْمَصْدَرِ وَإِذا حرف لَا عَامل لَهَا لِأَنَّهَا دخلت لِمَعْنى المفاجأة وَهِي فِي معنى حُرُوف الْعَطف. انْتهى. وَقد فرق ابْن يعِيش معنى الْكسر عَن معنى الْفَتْح قَالَ: إِذا فتحت أردْت الْمصدر وكأنك قلت: فَإِذا الْعُبُودِيَّة واللؤم كَأَنَّهُ رأى فعل العَبْد. وَإِذا كسرت كَأَنَّهُ قد رَآهُ نَفسه عبدا.) وَقَوله: وَكنت أرى بِضَم الْهمزَة بِمَعْنى أَظن مُتَعَدٍّ إِلَى ثَلَاثَة مفاعيل: أَولهَا: نَائِب الْفَاعِل وَهُوَ ضمير الْمُتَكَلّم وَثَانِيها: زيد وَثَالِثهَا: سيد. وَقَول الشَّارِح الْمُحَقق: أَي عبد قَفاهُ بِرَفْع عبد منوناً أَشَارَ بِهَذَا التَّفْسِير إِلَى أَن عبد الْقَفَا من إِضَافَة الصّفة المشبهة إِلَى فاعلها. وَقصد بِهِ الرَّد على صَاحب المقتبس فِي زَعمه أَن الْقَفَا مقحم ثمَّ فسر كَون قَفاهُ عبدا باللئيم لِأَنَّهُ حَاصِل الْمَعْنى. واللَّئِيم: المهين والدنئ النَّفس والشحيح وَنَحْو ذَلِك لِأَن اللؤم ضد الْكَرم وَلِهَذَا يُضَاف اللؤم إِلَى الْقَفَا كَمَا يشاف الْكَرم إِلَى الْوَجْه فَيُقَال: لئيم الْقَفَا وكريم الْوَجْه.

ثمَّ فسر الشَّارِح جِهَة كَونه لئيماً بصفعان وَهُوَ من يُمكن من صفع قَفاهُ ليَأْخُذ شَيْئا. وَلَا قَالَ الْجَوْهَرِي: الصفع كلمة مولدة وَالرجل صفعان. انْتهى. وَلم يتَعَرَّض لَهُ ابْن بري وَلَا الصَّفَدِي بِشَيْء. ورد عَلَيْهِ الفيومي فِي الْمِصْبَاح قَالَ: صفعه صفعاً. والصفعة: الْمرة وَهُوَ أَن يبسط الرجل كَفه فبضرب بهَا قفا إِنْسَان أَو بدنه. فَإِذا قبض كَفه ثمَّ ضربه فَلَيْسَ بصفع بل يُقَال: ضربه بِجمع كَفه. قَالَه الْأَزْهَرِي وَغَيره. وَرجل صفعان لمن يفعل بِهِ ذَلِك. وَلَا عِبْرَة بقول من جعل هَذِه الْكَلِمَة مولدة مَعَ شهرتها فِي كتب الْأَئِمَّة. انْتهى. وَقَول الشَّارِح الْمُحَقق: واللهزمتان: عظمان ... إِلَخ اللهزمة بِكَسْر اللَّام وَالزَّاي وَسُكُون الْهَاء. والناتئ: اسْم فَاعل من نتأ الشَّيْء بِالْهَمْز ينتأ بِفتْحَتَيْنِ نتوءاً إِذا خرج من مَوْضِعه وارتفع من غير أَن يبين. وَيجوز تَخْفيف الْفِعْل كَمَا يُخَفف قَرَأَ فَهُوَ نات مَنْقُوص. واللحي بِفَتْح اللَّام وَسُكُون الْحَاء الْمُهْملَة: عظم الحنك وَهُوَ الَّذِي يثبت عَلَيْهِ الْأَسْنَان. وَقَوله: جَمعهمَا الشَّاعِر بِمَا حولهما يُرِيد أَن لكل حَيَوَان لهزمتين لَا غير فالجمع على تَأْوِيل جب مذاكير فلَان بِضَم الْجِيم وَتَشْديد الْبَاء. قَالَ صَاحب الْمِصْبَاح: جببته جبا من بَاب قتل: قطعته وَمِنْه جببته فَهُوَ مجبوب بَين الْجبَاب بِالْكَسْرِ إِذا استؤصلت مذاكيره. وَمَا ذكره الشَّارِح من تَفْسِير اللهزمتين هُوَ كَلَام صَاحب الصِّحَاح وَقَالَ بعده: وَيُقَال هما مضغتان علبتان تحتهما. والمضغة اللَّحْم سمي بهَا لِأَنَّهَا مِقْدَار مَا يمضغ.) والعلبة بِالْمُوَحَّدَةِ من غلب اللَّحْم بِكَسْر اللَّام واستعلب إِذا غلظ. وَرُوِيَ أَيْضا: عليتان بِالْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّة الْمُشَدّدَة. وَقَالَ أَبُو جَعْفَر أَحْمد بن مُحَمَّد: اللهازم: عروق فِي الْقَفَا. وَالصَّحِيح مَا قَالَه الْجَوْهَرِي.

قَالَ الأعلم: وَمعنى عبد الْقَفَا واللهازم أَن من بنظرهما يتَبَيَّن عبوديته ولؤمه لِأَن الْقَفَا مَوضِع الصفع واللهزمة مَوضِع اللكز وَهُوَ بِفَتْح اللَّام وَسُكُون الْكَاف وَآخره زاء مُعْجمَة: مصدر لكزه لكزاً من بَاب قتل إِذا ضربه بِجمع كَفه بِضَم الْجِيم وَسُكُون الْمِيم. يُقَال: ضربه بِجمع كَفه أَي: مَقْبُوضَة. وَالْمعْنَى: كنت أَظن زيدا سيداً شريفاً كَمَا قيل فِيهِ إِنَّه سيد فَظهر انه لئيم وَكَانَ مَا قيل فِيهِ بَاطِلا. - وَهَذَا الْبَيْت من أَبْيَات سِيبَوَيْهٍ الْخمسين الَّتِي لَا يعرف قَائِل كل بَيت مِنْهَا. وَالله اعْلَم. وانشد بعده وَهُوَ من شَوَاهِد س: (إِنِّي إِذا خفيت نَار لمرملة ... ألفى بأرفع تل رَافعا نَارِي) (ذَاك وَإِنِّي على جاري لذُو حدب ... أحنو عَلَيْهِ بِمَا يحنى على الْجَار) على أَن إِن فِي هَذَا الْبَيْت لَيْسَ فِيهَا إِلَّا الْكسر. قَالَ سِيبَوَيْهٍ: تَقول ذَاك وَأَن لَك عِنْدِي مَا أَحْبَبْت. وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: وذلكم وَأَن الله موهن كيد الْكَافرين وَقَالَ جلّ ثَنَاؤُهُ: ذَلِكُم فذقوه وَأَن

للْكَافِرِينَ عَذَاب النَّار. وَذَلِكَ لِأَنَّهَا شركت ذَلِك فِيمَا حمل عَلَيْهِ كَأَنَّهُ قَالَ: الْأَمر ذَلِك وَأَن الله. وَلَو جَاءَت مُبتَدأَة لجازت يدلك على ذَلِك قَوْله تَعَالَى: ذَلِك وَمن عاقب بِمثل مَا عُوقِبَ بِهِ وَلَيْسَ مَحْمُولا على مَا حمل عَلَيْهِ ذَلِك فَكَذَلِك يجوز أَن تكون إِن مُنْقَطِعَة من ذَلِك. قَالَ الْأَحْوَص: (عودت قومِي إِذا مَا الضَّيْف نبهني ... عقر العشار على عسري وإيساري) إِنِّي إِذا خفيت نَار لمرملة ... ... إِلَى آخر الشّعْر فَهَذَا لَا يكون إِلَّا مستأنفاً غير مَحْمُول على مَا حمل عَلَيْهِ ذَاك. فَهَذَا أَيْضا يُقَوي ابْتِدَاء إِن فِي الأول. انْتهى.) قَالَ النّحاس: إِنَّمَا لم يجز فِي إِن هَاهُنَا إِلَّا الْكسر لِأَن بعْدهَا اللَّام كَمَا قَالَ تَعَالَى: إِن رَبهم بهم يَوْمئِذٍ لخبير. وَقَالَ الأعلم: الشَّاهِد فِي كسر إِن لدُخُول لَام التَّأْكِيد وَلَو لم تدخل لفتحت حملا على مَا قبلهَا. انْتهى. وَلما كَانَ سِيبَوَيْهٍ فِيهِ بعض خَفَاء لخصه الشَّارِح الْمُحَقق وأوضحه. وَذَلِكَ أَن مُحَصل كَلَام سِيبَوَيْهٍ جَوَاز الْوَجْهَيْنِ فِي إِن الْمَذْكُورَة وَقد جَاءَ على الْفَتْح وَهُوَ أحد الجائزين من قَوْله تَعَالَى: ذَلِكُم وَأَن الله موهن كيد الْكَافرين وَقَوله تَعَالَى: ذَلِكُم فذقوه وَأَن للْكَافِرِينَ عَذَاب النَّار.

فاسم الْإِشَارَة فِي الْآيَة الأولى خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف التَّقْدِير: الْأَمر ذَلِكُم وَأَن مَعَ معموليها فِي تَأْوِيل مصدر مَرْفُوع مَعْطُوف على ذَلِك وَقد شاركته أَن مَعَ معموليها فِي الخبرية للمبتدأ الْمُقدر. وَهَذَا معنى قَول سِيبَوَيْهٍ: وَذَلِكَ لِأَنَّهَا شركت ذَلِك فِيمَا حمل عَلَيْهِ كَأَنَّهُ قَالَ: الْأَمر ذَلِك وَأَن الله. - قَالَ الْبَيْضَاوِيّ: ذَلِكُم إِشَارَة إِلَى الْبلَاء الْحسن أَو الْقَتْل أَو الرَّمْي وَمحله الرّفْع: أَي: الْمَقْصُود أَو الْأَمر ذَلِكُم. وَقَوله تَعَالَى: وَأَن الله ... إِلَخ مَعْطُوف عَلَيْهِ أَي: الْمَقْصُود إبلاء الْمُؤمنِينَ وتوهين وَهَذَا يكون من عطف الْمُفْردَات. وَأما قَول الشَّارِح الْمُحَقق: أَي: الْأَمر ذَلِكُم وَالْأَمر أَيْضا أَن الله موهن فتكرير الْمُبْتَدَأ للإيضاح لَا أَنه من عطف الْجمل. ثمَّ قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَلَو جَاءَت مُبتَدأَة لجازت. . إِلَخ يُرِيد: لَو جَاءَت إِن بعد اسْم الْإِشَارَة مَكْسُورَة كَمَا تكسر فِي ابْتِدَاء الْكَلَام لجازت. وَهَذَا الْوَجْه الثَّانِي من الجائزين وَقد جَاءَ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى: هَذَا ذكر وَإِن لِلْمُتقين لحسن مآب وَقَوله تَعَالَى: هَذَا وَإِن للطاغين لشر مآب فَذَلِك فِي الأولى وَهَذَا فِي الثَّالِثَة خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي: الْأَمر ذَلِك وَالْأَمر هَذَا. وَجُمْلَة إِن معطوفة على الْجُمْلَة قبلهَا فِي الثَّلَاث وَهَذَا من عطف الْجمل وَلَيْسَ من الْعَطف على اسْم الْإِشَارَة حَتَّى تشاركه فِي الخبرية. وَمثل هَذِه الْآيَات قَول الشَّاعِر: ذَاك وَإِنِّي على جاري لذُو حدب

فَذَاك: خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف وَالتَّقْدِير: شأني ذَاك وأمري ذَاك. وَجُمْلَة: إِنِّي على) جاري ... إِلَخ معطوفة على الْجُمْلَة قبلهَا. وَيدل على أَن هَذَا من عطف الْجمل قَوْله تَعَالَى فِي سُورَة الْحَج: ذَلِك وَمن عاقب بِمثل مَا عُوقِبَ بِهِ ثمَّ بغي عَلَيْهِ لينصرنه الله فَقَوله: لينصرنه الله جَوَاب قسم مُقَدّر وَجُمْلَة الْقسم الْمُقدر مَعَ جَوَابه خبر من عاقب ... إِلَخ وَجُمْلَة: من عاقب ... إِلَخ معطوفة على الْجُمْلَة الْمَحْذُوف مبتدؤها أَي: الْأَمر ذَلِك وَمن عاقب ... إِلَخ. فالبيت الْمَذْكُور مثل هَذِه الْآيَة فِي الْإِعْرَاب. وَقَول الشَّارِح الْمُحَقق: فالجملة القسمية عطف على الْجُمْلَة الْمُقدمَة فِيهِ مُسَامَحَة وَأَرَادَ الْجُمْلَة الَّتِي خبر مبتدئها جملَة قسمية. ولنرجع إِلَى شرح الأبيات فَنَقُول: قَوْله: عودت قومِي ... إِلَخ أَرَادَ بقوله: نبهني: طرقني لَيْلًا فنبهني. وعقر: الْمَفْعُول الثَّانِي لعود ومفعوله الأول: قومِي وَهُوَ مصدر عقرت الْبَعِير من بَاب ضرب إِذا ضربت قوائمه بِالسَّيْفِ. وَلَا يكون الْعقر فِي غير القوائم وَرُبمَا قيل: عقره إِذا نَحره. والعشار: جمع عشراء وَهِي النَّاقة الَّتِي أَتَى على حملهَا عشرَة أشهر وَمثله نِفَاس جمع نفسَاء. وَلَا ثَالِث لَهما. والعشار عِنْد الْعَرَب أعز الْإِبِل فذبحها للضيف يكون غَايَة فِي الْجُود وَالْإِكْرَام. وَقَوله: على عسري وإيساري أَي: أعقرها على كل حَالَة سَوَاء كنت مُعسرا أَو مُوسِرًا. والعسر: الْفقر وَهُوَ اسْم للإعسار. يُقَال: أعْسر الرجل إِذا افْتقر. والإيسار: مصدر أيسر وَقَوله: إِنِّي إِذا خفيت ... إِلَخ ألفى جَوَاب إِذا وَجُمْلَة: إِذا خفيت ... إِلَخ خبر إِنِّي. قَالَ الأعلم: قَوْله أَن بِالْفَتْح مَحْمُول على الْبَدَل من الْعقر لِأَن عقر العشار

مُشْتَمل على إيقاد النَّار ودال عَلَيْهِ فَكَأَنَّهُ قَالَ: عودت قومِي أَنِّي أوقد النَّار للطارق. وَكسر إِن هَاهُنَا أَجود على الِاسْتِئْنَاف وَالْقطع. والمرملة: الْجَمَاعَة الَّتِي نفذ زَادهَا. وَرجل مرمل: لَا شَيْء لَهُ مُشْتَقّ من الرمل كَأَنَّهُ لَا يملك غَيره كَمَا يُقَال: ترب الرجل إِذا افْتقر. يُقَال: أرمل الرجل إِذا نفذ زَاده وافتقر فَهُوَ مرمل. وَجَاء أرمل على غير قِيَاس وَالْجمع أرامل. وأرملت الْمَرْأَة فَهِيَ أرملة للَّتِي لَا زوج لَهَا لافتقارها إِلَى من ينْفق عَلَيْهَا.) وَقَالَ الْأَزْهَرِي: لَا يُقَال لَهَا أرملة إِلَّا إِذا كَانَت فقيرة فَإِن كَانَت موسرة فَلَيْسَتْ بأرملة. وَالْجمع أرامل. وألفى بِالْبِنَاءِ للْمَجْهُول من ألفيته إِذا وجدته مُتَعَدٍّ لمفعولين: أَحدهمَا: نَائِب الْفَاعِل وَهُوَ ضمير الْمُتَكَلّم وَثَانِيهمَا: قَوْله رَافعا. والتل: مَا ارْتَفع من الأَرْض. وَإِيقَاد النَّار فِي الْأَمَاكِن الْعَالِيَة من أَخْلَاق الْكِرَام حَتَّى يَهْتَدِي الضَّيْف إِلَيْهِ فِي اللَّيْل المظلم وَيَأْتِي. يَقُول: إِذا خفيت نَار غَيْرِي بِأَن لَا توقد فِي أَيَّام الجدب والقحط فَأَنا أوقدها فِي تِلْكَ الْأَيَّام. وَقَوله: ذَاك إِشَارَة إِلَى عقر العشار وَإِيقَاد النَّار. فَإِن قلت: كَيفَ أُشير بِذَاكَ إِلَى اثْنَيْنِ قلت: صَحَّ لِأَنَّهُ بِتَأْوِيل مَا ذكر. وَكَذَا قَوْله: عوان بَين ذَلِك أَي: بَين الفارض وَالْبكْر. وذَاك: خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي: شأني وأمري ذَاك. وَجُمْلَة: إِنِّي لذُو حدب: معطوفة على الْجُمْلَة الْمَحْذُوف صدرها وَأوجب كسر إِن هُنَا لوُجُود اللَّام فِي الْخَبَر ولولاها لجَاز فتح إِن وَكَانَت مؤولة مَعَ معموليها بمصدر مَرْفُوع مَعْطُوف على ذَاك عطف مُفْرد على مُفْرد. والحدب بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَالدَّال: مصدر حدب عَلَيْهِ كفرح إِذا عطف عَلَيْهِ وأحنو خبر بعد خبر والحنو بِمَعْنى الحدب. فِي الْمِصْبَاح: حنت الْمَرْأَة على وَلَدهَا

تحنى وتحنو حنواً: عطفت وأشفقت فَلم تتَزَوَّج بعد أَبِيهِم. وَقَوله: بِمَا يحنى بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول. والأحوص بمهملتين شَاعِر إسلامي تقدّمت تَرْجَمته فِي الشَّاهِد الْخَامِس والثمانين من أَوَائِل الْكتاب. - وَأنْشد بعده وَهُوَ من شَوَاهِد س: أحقاً أَن أخطلكم هجاني على أَن حَقًا فِي معنى الظّرْف فَأن مَعَ معموليها مؤولة بمصدر فَاعل لثبت محذوفاً أَو فَاعل للظرف على الْخلاف فِي نَحْو: أعندك زيد أَو مُبْتَدأ مُؤخر والظرف قبله خبر. وَإِنَّمَا قَالَ فِي معنى الظّرْف لِأَنَّهُ ظرف مجازي مُشْتَمل على الْمُحَقق كاشتمال الظّرْف على المظروف. وَالدَّلِيل على أَنه جَار مجْرى الظّرْف وُقُوعه خَبرا عَن الْمصدر دون الجثة كَمَا أَن) ظرف الزَّمَان كَذَلِك. قَالَ الأعلم: جَازَ وُقُوعه ظرفا وَهُوَ مصدر فِي الأَصْل لما بَين الْفِعْل وَالزَّمَان من المضارعة وَكَأَنَّهُ على حذف الْوَقْت وَإِقَامَة الْمصدر مقَامه كَمَا قَالُوا: أَتَيْتُك خفوق النَّجْم فَكَأَن تَقْدِيره: أَفِي وَقت حق. انْتهى. وَهَذَا الْوَجْهَانِ معروفان فِي الظّرْف الْمُعْتَمد. هَذَا إِن كَانَ حَقًا مَنْصُوبًا على

الْمصدر فَأن فَاعل لَا غير تَقول: أحقاً أَنَّك ذَاهِب أَي: أَحَق ذَلِك حَقًا. فقولك: حق فعل مَاض هُوَ الناصب لَحقا وَأَن فَاعل الْمصدر أَو فَاعل الْفِعْل على الْخلاف فِيهِ والهمزة للاستفهام. فَإِن قلت: إِذا كَانَ حَقًا تَفْسِيرا لأما فَمن أَيْن جَاءَ الِاسْتِفْهَام حَتَّى قَالَ الشَّارِح الْمُحَقق: أَي: قلت: تَفْسِيرهَا بحقاً أحد قَوْلَيْنِ وَالثَّانِي: أَنَّهَا بِمَعْنى أحقاً مَعَ همزَة الِاسْتِفْهَام وَهُوَ الصَّحِيح. - فَإِن قلت: ظَاهر أما أَنَّهَا حرف فَكيف تكون بِمَعْنى حَقًا أَو أحقاً وَكَيف تكون أَن فِي قَوْلهم: أما أَنَّك قَائِم فَاعِلا أَو مُبْتَدأ قلت: قَالَ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي قَالَ بَعضهم: هِيَ اسْم بِمَعْنى حَقًا وَقَالَ آخَرُونَ: هِيَ كلمتان الْهمزَة للاستفهام ومَا اسْم بِمَعْنى شَيْء حق فَالْمَعْنى أحقاً. وَهَذَا هُوَ الصَّوَاب وَمَوْضِع مَا النصب على الظَّرْفِيَّة كَمَا انتصب حَقًا على ذَلِك فِي نَحْو قَوْله: أحقاً أَن جيرتنا استقلوا وَهُوَ قَول سِيبَوَيْهٍ وَهُوَ الصَّحِيح بِدَلِيل قَوْله: أَفِي الْحق أَنِّي مغرم بك هائم

فَأدْخل عَلَيْهَا فِي وَأَن وصلتها: مُبْتَدأ والظرف: خَبره. وَقَالَ الْمبرد: حَقًا مصدر لحق محذوفاً وَأَن وصلتها: فَاعل. انْتهى. - وَوجه الصَّوَاب فِي كَونهَا بِمَعْنى أحقاً: أَنَّك إِذا قلت: أما أَنَّك قَائِم فِيهِ معنى الِاسْتِفْهَام فَلَو كَانَ أما مجموعها بِمَعْنى حَقًا لزم إِمَّا أَن لَا يكون اسْتِفْهَام وَهُوَ خلاف الْمَعْنى وَإِمَّا أَن يقدر أداته دَائِما. وَيرد أَنه لم يلفظ بِهِ مَعهَا فِي وَقت قطّ مَعَ أَن حذف الْهمزَة بِدُونِ أَن شَاذ عِنْد سِيبَوَيْهٍ ضَرُورَة عِنْد غَيره وَكلهَا بعيدَة عَن الصَّوَاب. وَإِذا كَانَت مركبة من الْهمزَة وَمَا كَانَ كل معنى مستفاداً من لَفظه الْمَوْضُوع لَهُ. ومَا هَذِه) نكرَة تَامَّة لَا تحْتَاج إِلَى صفة أَو صلَة عَامَّة بِمَعْنى شَيْء وَمن مَا صدقاتها حق. وَلذَلِك قَالَ: بِمَعْنى شَيْء وَذَلِكَ حق وَلم يقل ابْتِدَاء بِمَعْنى حق. وَلَيْسَت التَّامَّة الَّتِي فِي قَوْله تَعَالَى: إِن تبدوا الصَّدقَات فنعمل هِيَ لِأَنَّهَا بِمَعْنى الشَّيْء خلافًا لِابْنِ الملا فَإِنَّهُ زعم أَنَّهَا كَالَّتِي فِي الْآيَة وَقَالَ: أَي فَنعم شَيْئا هِيَ. فَأَخْطَأَ فِي موضِعين. وَإِذا كَانَ مَجْمُوع أما بِمَعْنى حَقًا غير صَوَاب فَمَا الظَّن بالْقَوْل بحرفيتها قَالَ ابْن هِشَام: وَهِي حرف عِنْد ابْن خروف وَجعلهَا مَعَ أَن ومعموليها كلَاما تركب من حرف وَاسم كَمَا قَالَ الْفَارِسِي فِي: يَا زيد. انْتهى. وَهَذَا بعيد عَن الصَّوَاب بمراحل كَمَا لَا يخفى. وَقَول ابْن هِشَام: وَأَن وصلتها: مُبْتَدأ والظرف: خَبره هَذَا مَرْجُوح وَالرَّاجِح كَونه فَاعِلا للظرف أَو لثبت محذوفاً. وَمَا نَقله عَن الْمبرد هُوَ الْمَشْهُور. وَزعم الْعَيْنِيّ أَن مذْهبه كَون حَقًا صفة لمصدر مَحْذُوف أَي: أهجاني أخطلكم هجواً حَقًا.

وَفِي التَّذْكِرَة القصرية: قلت لأبي عَليّ: قَوْله: أحقاً أَن أخطلكم هجاني يدل على أَن حَقًا بِمَعْنى: أَفِي الْحق لِأَنَّهُ لَيْسَ يُرِيد أتحقون حَقًا أَن أخطلكم هجاني وَإِنَّمَا يُرِيد أَفِي الْحق أَي: أخبروني هَل هجاني أخطلكم وَلَيْسَ يُرِيد: أتحقون هَذَا الْخَبَر فَلم يُنكر أَبُو عَليّ هَذَا وَصَححهُ وَصَوَّبَهُ. انْتهى. وَبِهَذَا يعلم أَنه لَيْسَ الْمَعْنى أهجاني هجواً حَقًا. وَهَذَا نَص سِيبَوَيْهٍ وَفِيه فَوَائِد كَثِيرَة قَالَ فِي بَاب من أَبْوَاب إِن تكون أَن فِيهِ مَبْنِيَّة على مَا قبلهَا: وَذَلِكَ قَوْلك: أحقاً أَنَّك ذَاهِب وَالْحق أَنَّك ذَاهِب وَكَذَلِكَ: أأكبر ظَنك أَنَّك ذَاهِب وأجهد رَأْيك أَنَّك ذَاهِب. وَكَذَلِكَ هما فِي الْخَبَر. وَسَأَلت الْخَلِيل رَحِمَهُ اللَّهُ فَقلت لَهُ: مَا مَنعهم أَن يَقُولُوا: أحقاً إِنَّك ذَاهِب على الْقلب. كَأَنَّك قلت: إِنَّك ذَاهِب حَقًا وَإنَّك ذَاهِب الْحق فَقَالَ: لِأَن إِن لَا تبتدأ فِي كل مَوضِع وَلَو جَازَ هَذَا لجَاز يَوْم الْجُمُعَة إِنَّك ذَاهِب تُرِيدُ إِنَّك ذَاهِب يَوْم الْجُمُعَة. ولقلت أَيْضا: لَا محَالة إِنَّك ذَاهِب تُرِيدُ: إِنَّك لَا محَالة ذَاهِب. فَلَمَّا لم يجز ذَلِك حملوه على أَحَق أَنَّك ذَاهِب وأفي أكبر ظَنك أَنَّك ذَاهِب وَصَارَت أَن مَبْنِيَّة عَلَيْهِ كَمَا تبني الرحيل على غَد إِذا قلت: غَدا الرحيل. وَالدَّلِيل على ذَلِك إنشاد الْعَرَب كَمَا أَخْبَرتك. زعم يُونُس أَنه سمع الْعَرَب يَقُولُونَ فِي بَيت الْأسود بن يعفر: أحقا بنى سلمى بن جندل ... تهددكم اياى وسط الْمجَالِس

فَزعم الْخَلِيل أَن التهدد هُنَا بِمَنْزِلَة الرحيل بعد غَد وَأَن أَن بِمَنْزِلَتِهِ وموضعه كموضعه. - وَنَظِير أحقاً أَنَّك ذَاهِب من أشعار الْعَرَب قَول الْعَبْدي: (أحقاً أَن جيرتنا استقلوا ... فنيتنا ونيتهم فريق) وَقَالَ عمر بن أبي ربيعَة: (أألحق إِن دَار الربَاب تَبَاعَدت ... أَو انبت حَبل أَن قَلْبك طَائِر) وَقَالَ النَّابِغَة الْجَعْدِي: (أَلا أبلغ بني خلف رَسُولا ... أحقاً أَن أخطلكم هجاني) فَكل هَذِه الْبيُوت سمعناها من أهل الثِّقَة هَكَذَا وَالرَّفْع فِي جَمِيع هَذَا جيد قوي. وَذَلِكَ أَنَّك إِن شِئْت قلت: أَحَق أَنَّك ذَاهِب وأأكبر ظَنك أَنَّك منطلق تجْعَل الآخر هُوَ الأول. انْتهى. يُرِيد أَنَّك تجْعَل أَن مُبْتَدأ مُؤَخرا وَمَا قبلهَا خَبرا مقدما. وَقد تقدم مَا يتَعَلَّق بِهِ فِي الشَّاهِد الرَّابِع وَالسِّتِّينَ فِي بَاب الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر. وَقَوله: (أَلا أبلغ بني خلف رَسُولا ... أحقاً أَن أخطلكم هجاني) الأخطل هُنَا هُوَ الشَّاعِر الْمَشْهُور النَّصْرَانِي وَكَانَت بَينه وَبَين النَّابِغَة الْجَعْدِي الصَّحَابِيّ مهاجاة. وَبَنُو خلف: رَهْط الأخطل من بني تغلب. وَرُوِيَ:

وجشم بِضَم الْجِيم وَفتح الشين الْمُعْجَمَة من بني تغلب أَيْضا. قَالَ الأعلم: الرَّسُول هَاهُنَا بِمَعْنى الرسَالَة وَهُوَ مِمَّا جَاءَ على فعول كَالْوضُوءِ وَالطهُور. ونظيرها الألوك وَهِي الرسَالَة أَيْضا. انْتهى. وَقَالَ ابْن هِشَام فِي شرح أَبْيَات ابْن النَّاظِم: رَسُولا حَال من الْفَاعِل أَو اسْم للمصدر أَو بِمَعْنى الرسَالَة مثلهَا فِي قَوْله: (لقد كذب الواشون مَا بحت عِنْدهم ... بليلى وَلَا أرسلتهم برَسُول) فَيكون مَفْعُولا ثَانِيًا. وَلَو منع مَانع مَجِيء رَسُول بِمَعْنى الرسَالَة محتجاً بِأَنَّهُم لم يستندوا فِي ذَلِك إِلَّا إِلَى هَذَا الْبَيْت وَهُوَ مُحْتَمل للوصفية على أَنه حَال لم يحسن لِأَنَّهُ يلْزم عَنهُ كَون الْحَال مُؤَكدَة لعاملها لفظا وَمعنى ومجيء فعول للْجَمَاعَة وَزِيَادَة الْبَاء فِي الْحَال. وَهَذِه وَإِن كَانَت أموراً ثَابِتَة نَحْو: وأرسلناك للنَّاس رَسُولا وَنَحْو: فَإِنَّهُم عَدو لي وَنَحْو: (فَمَا رجعت بخائبة ركاب ... حَكِيم بن الْمسيب مُنْتَهَاهَا)) إِلَّا أَن اجتماعها بعيد. انْتهى. وَقد أَخذ الْعَيْنِيّ هَذَا الْكَلَام بإخلال فِيهِ وَلم يعزه إِلَيْهِ. وَهَذَا الْبَيْت اسْتشْهد بِهِ ابْن النَّاظِم فِي شرح الألفية على أَنه إِذا غلب الِاسْم بِالْألف وَاللَّام لم يجز نَزعهَا مِنْهُ إِلَّا فِي نِدَاء نَحْو: يَا نَابِغَة وَيَا أخطل أَو إِضَافَة نَحْو: نَابِغَة بني ذبيان وأخطلكم فِي هَذَا الْبَيْت.

والاستفهام هُنَا للتقرير وَمَعْنَاهُ حملك الْمُخَاطب على الْإِقْرَار وَالِاعْتِرَاف بِأَمْر قد اسْتَقر عِنْده ثُبُوته أَو نَفْيه. وَقَالَ الْعَيْنِيّ: الْهمزَة للإنكار التوبيخي فَيَقْتَضِي تحقق مَا بعْدهَا وَأَن فَاعله ملوم على ذَلِك وَكِلَاهُمَا خارجان عَن الِاسْتِفْهَام الْحَقِيقِيّ. وَالْبَيْت من قصيدة للنابغة الْجَعْدِي هجا بهَا الأخطل وَبني سعد بن زيد مَنَاة ومدح بهَا كَعْب بن جعيل لقضائه لَهُ على بني سعد. وَبعده: (فلولا أَن تغلب رَهْط أُمِّي ... وَكَعب وَهُوَ مني ذُو مَكَان) (تراجمنا بصدر القَوْل حَتَّى ... نصير كأننا فرسا رهان) ومطلع القصيدة: (وظل لنسوة النُّعْمَان منا ... على سفوان بوم أروناني) (فأعتقنا حليلته وَجِئْنَا ... بِمَا قد كَانَ جمع من هجان) وسفوان بِالتَّحْرِيكِ: اسْم مَاء. وأروناني: شَدِيد. والحليلة: الزَّوْجَة. والهجان: كرائم الْأَمْوَال وَأَشْرَفهَا. وترجمة النَّابِغَة الْجَعْدِي تقدّمت فِي الشَّاهِد السَّادِس والثمانين بعد الْمِائَة.

(الشاهد التاسع والأربعون بعد الثمانمائة)

وَأنْشد بعده (الشَّاهِد التَّاسِع وَالْأَرْبَعُونَ بعد الثَّمَانمِائَة) (أَفِي حق مواساتي أَخَاكُم ... بِمَالي ثمَّ يظلمني السريس) على أَن مَجِيء فِي مَعَ حق يدل على أَن حَقًا إِنَّمَا ينصب على الظَّرْفِيَّة بِتَقْدِير فِي. وَهَذَا ظَاهر. وَالْبَيْت من قصيدة لأبي زبيد الطَّائِي النَّصْرَانِي أَولهَا: (أَلا أبلغ بني عَمْرو بن كَعْب ... بِأَنِّي فِي مودتكم نَفِيس) وفيهَا يَقُول: (فَمَا أَنا بالضعيف فتظلموني ... وَلَا حظي اللفاء وَلَا الخسيس) (أَفِي حق مواساتي أَخَاكُم ... بِمَالي ثمَّ يظلمني السريس) كَانَ أخوال أبي زبيد تغلب وَكَانَ يُقيم فيهم أَكثر أَيَّامه وَكَانَ لَهُ غُلَام يرْعَى إبِله فغزت بهراء بني تغلب فَمر بَنو تغلب بغلامه فَدفع إِلَيْهِم إبل أبي يزبيد وَقَالَ: انْطَلقُوا أدلكم على عَورَة الْقَوْم وأقاتل مَعكُمْ. والتقوا فانهزمت بهراء وَقتل الْغُلَام وَلم يبْعَث إِلَيْهِ بَنو تغلب دِيَة غُلَامه وَمَا ذهب لَهُ من إبِله. فَقَالَ فِي ذَلِك هَذِه القصيدة. ونَفِيس: رَاغِب فِيهِ لنفاسته يُقَال: نفست فِيهِ نفاسة أَي: رغبت فِيهِ ونافست فِي الشَّيْء مُنَافَسَة ونفاساً إِذا رغبت فِيهِ على وَجه المباراة فِي الْكَرم.

واللفاء بِفَتْح اللَّام بعْدهَا فَاء قَالَ صَاحب الصِّحَاح: هُوَ الخسيس من الشَّيْء وكل شَيْء يسير حقير فَهُوَ لفاء. وَأنْشد هَذَا الْبَيْت وَقَالَ: يُقَال: رَضِي فلَان من الْوَفَاء باللفاء أَي: من حَقه الوافي بِالْقَلِيلِ. وَيُقَال: لفاه حَقه أَي: بخسه. الخسيس: الدنيء. والْمُوَاسَاة: مصدر واساه بِمَالِه قَالَ صَاحب الصِّحَاح: آسيته بِمَالي مؤاساة أَي: جعلته أسوتي فِيهِ. وواسيته لُغَة ضَعِيفَة فِيهِ. وَفِي الْمِصْبَاح: آسيته بنفسي بِالْمدِّ: سويته. وَيجوز إِبْدَال الْهمزَة واواً فِي لُغَة الْيمن فَيُقَال: واسيته. والسريس بسينين مهملتين قَالَ صَاحب الصِّحَاح: هُوَ الَّذِي لَا يَأْتِي النِّسَاء. قَالَ أَبُو عبيد: هُوَ الْعنين. د وَأنْشد لأبي زبيد الطَّائِي: أَقُول: أنْشدهُ أَبُو عبيد فِي الْغَرِيب المُصَنّف. قَالَ شَارِح أبياته ابْن السيرافي: يَقُول: أَيكُون فِي الْحق أَن أبذل مَالِي وأتفضل بِإِعْطَاء مَا لَا) يسْتَحق عَليّ ثمَّ أظلم وَأَمْنَع مَالِي وَيتم عَليّ ذَلِك من رجل سريس. يُرِيد أَن الَّذِي ظلمه لَيْسَ بكامل من الرِّجَال. انْتهى. - وَفِي درة الغواص للحريري: الْعَرَب تسمي الْعنين السريس كَمَا قَالَ الشَّاعِر: (أَلا حييت عَنَّا يَا لميس ... عَلَانيَة فقد بلغ النسيس) (رغبت إِلَيْك كَيْمَا تنكحيني ... فَقلت بِأَنَّهُ رجل سريس) (وَلَو جربتني فِي ذَاك يَوْمًا ... رضيت وَقلت: أَنْت الدردبيس) انْتهى. ولميس: اسْم امْرَأَة. والنسيس بالنُّون بعْدهَا سين مُهْملَة: بَقِيَّة الرّوح. والدردبيس: الداهية.

وترجمة أبي زبيد تقدّمت فِي الشَّاهِد الثَّانِي والثمانين بعد الْمِائَتَيْنِ. وَأنْشد بعده: أحقاً بني أَبنَاء سلمى بن جندل تهددكم إيَّايَ وسط الْمجَالِس فِي أَنه مثل قَوْله: أَفِي حق مواساتي أَخَاكُم فِي أَن تهددكم فَاعل أحقاً أَو مُبْتَدأ وأحقاً ظرف وَقع خَبرا لَهُ. وَكَذَلِكَ مواساتي فَاعل والظرف قبله خَبره. وَقد جَاءَ فيهمَا الْفَاعِل الصَّرِيح أَو الْمُبْتَدَأ الصَّرِيح مَوضِع أَن المؤولة بِأَحَدِهِمَا. وبني: منادى. وَقد أنْشد الشَّارِح هَذَا الْبَيْت ابْتِدَاء فِي بَاب الْمُبْتَدَأ وَفِي بَاب الْمَفْعُول الْمُطلق وَفِي بَاب الْحَال وَلِهَذَا قَالَ الْبَيْت وَلم ينشده كَامِلا. وَقد شرحناه فِي الشَّاهِد الرَّابِع وَالسِّتِّينَ.

(الشاهد الخمسون بعد الثمانمائة)

وَأنْشد بعده (الشَّاهِد الْخَمْسُونَ بعد الثَّمَانمِائَة) وَهُوَ من شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ: (وَلَقَد طعنت أَبَا عُيَيْنَة طعنةً ... جرمت فَزَارَة بعْدهَا أَن يغضبوا) على أَن سِيبَوَيْهٍ قَالَ: جرم فِي الْبَيْت: فعل مَاض بِمَعْنى حق وفَزَارَة: فَاعل وأَن وَقَالَ الْفراء: بل الرِّوَايَة بِنصب فَزَارَة أَي: كسبت الطعنة فَزَارَة الْغَضَب أَي: جرمت لَهُم الْغَضَب. هَذَا كَلَام الشَّارِح وَلَيْسَ فِي كَلَام سِيبَوَيْهٍ مَا نَقله عَنهُ وَهَذَا نَصه: وَأما قَوْله تَعَالَى: لَا جرم أَن لَهُم النَّار وَأَنَّهُمْ مفرطون فَإِن جرم عملت لِأَنَّهَا فعل وَمَعْنَاهَا: لقد حق أَن لَهُم النَّار وَلَقَد اسْتحق أَن لَهُم النَّار. وَقَول الْمُفَسّرين: مَعْنَاهَا حَقًا أَن لَهُم النَّار يدلك على أَنَّهَا بِمَنْزِلَة هَذَا الْفِعْل إِذا مثلت. - فجرم بعد لَا عملت فِي أَن عَملهَا فِي قَول الْفَزارِيّ: (وَلَقَد طعنت أَبَا عُيَيْنَة طعنةً ... جرمت فَزَارَة بعْدهَا أَن يغضبوا) أَي: أحقت فَزَارَة. وَزعم الْخَلِيل أَن جرم إِنَّمَا تكون جَوَابا لما قبلهَا من الْكَلَام يَقُول الرجل: كَانَ كَذَا وَكَذَا فَتَقول: لَا جرم أَنهم سيندمون وَأَنه سَيكون كَذَا وَكَذَا. انْتهى كَلَامه. فَلَيْسَ فِيهِ مَا يَقْتَضِي أَن فَزَارَة: فَاعل وَأَن يغضبوا: بدل وَإِنَّمَا أورد الْبَيْت تأييداً لكَون جرم فِي الْآيَة وَنَحْوهَا فِي الأَصْل فعلا يرفع الْفَاعِل وفاعلها فِي الْبَيْت

ضمير الطعنة وَلَا يُرِيد أَن فَزَارَة مَرْفُوع بهَا وَإِلَّا لما كَانَ لقَوْله: أحقت فَزَارَة وَجه. وَإِنَّمَا أَتَى بِهِ ليفرق بَين مَا فِي الْآيَة وَبَين مَا فِي الْبَيْت فَأفَاد أَنَّهَا فِي الْبَيْت متعدية وَلذَا قَالَ أحقت بِالْألف. قَالَ أَبُو جَعْفَر النّحاس: وَعِنْدِي عَن أبي الْحسن فِي كتاب سِيبَوَيْهٍ: أَي: أحقت فَزَارَة بِالْألف. انْتهى. وَقَالَ الأعلم: الشَّاهِد فِي قَوْله: جرمت فَزَارَة وَمَعْنَاهُ على مَذْهَب سِيبَوَيْهٍ حقتها للغضب. وَغَيره يزْعم أَن معنى: جرمت فَزَارَة أَن يغضبوا أكسبتهم الْغَضَب من قَوْله عَزَّ وَجَلَّ: لَا يجرمنكم شنآن قوم. وَيُقَال: حققته أَن يفعل بِمَعْنى أحققته. وحققته أَي: جعلته حَقِيقا بِفِعْلِهِ. انْتهى. وَكَأن رِوَايَته فِي الْكتاب: أَي: حقت فَزَارَة بِلَا ألف. وحقت متعدية كَمَا بَينهَا.) وَيدل لما قُلْنَا أَيْضا قَول ابْن السَّيِّد فِي شرح أَبْيَات أدب الْكَاتِب قَالَ: قَوْله: جرمت فَزَارَة بعْدهَا أَن يغضبوا أَي: كسبت فَزَارَة الْغَضَب عَلَيْك. وَقَول الْفراء: وَلَيْسَ قَول من قَالَ: حق لفزارة الْغَضَب بِشَيْء ردا مِنْهُ على سِيبَوَيْهٍ والخليل لِأَن مَعْنَاهُ عِنْدهمَا: أحقت فَزَارَة الْغَضَب. فَأن يغضبوا على تأويلهما مفعول سقط مِنْهُ حرف الْجَرّ وَهُوَ على قَول الْفراء مفعول لَا تَقْدِير فِيهِ لحرف الْجَرّ. وكلا التَّأْويلَيْنِ صَحِيح وَجُمْلَة جرمت فَزَارَة: صفة لطعنة كَأَنَّهُ قَالَ: طعنة جازمة. انْتهى. وَكَأَنَّهُ لم يقف على كَلَام الْفراء. وَهَذَا نَصه فِي تَفْسِيره عِنْد قَوْله تَعَالَى: لَا جرم أَنهم فِي الْآخِرَة هم الأخسرون من سُورَة هود قَالَ قَوْله: لَا جرم أَنهم كلمة كَانَت فِي الأَصْل وَالله أعلم بِمَنْزِلَة لَا بُد أَنَّك قَائِم

وَلَا محَالة أَنَّك ذَاهِب فجرت على ذَلِك وَكثر استعمالهم إِيَّاهَا حَتَّى صَارَت بِمَنْزِلَة حَقًا. أَلا ترى أَن الْعَرَب تَقول: لَا جرم لآتينك لَا جرم لقد أَحْسَنت. وَكَذَلِكَ فَسرهَا الْمُفَسِّرُونَ بِمَعْنى الْحق وَأَصلهَا من جرمت أَي: كسبت الذَّنب. وَلَيْسَ قَول من قَالَ: إِن جرمت كَقَوْلِك: حققت أَو حققت بِشَيْء وَإِنَّمَا لبس على قَائِله قَول الشَّاعِر: وَلَقَد طعنت أَبَا عُيَيْنَة ... ... ... . الْبَيْت فَرفعُوا فَزَارَة وَقَالُوا: نجْعَل الْفِعْل لفزارة كَأَنَّهُ بِمَنْزِلَة حق أَو حق لَهَا أَن تغْضب. وفزارة مَنْصُوبَة فِي قَول الْفراء أَي: جرمتهم الطعنة أَن يغضبوا أَي: كسبتهم. وَمَوْضِع أَن مَرْفُوع كَقَوْل الشَّاعِر: (أحقاً عباد الله جرْأَة محلق ... عَليّ وَقد أعييت عاداً وتبعا) ومحلق: رجل. انْتهى كَلَامه ونقلته من خطّ الْخَطِيب الْبَغْدَادِيّ الْمُحدث الْمَشْهُور. - فجرم عِنْد الْفراء اسْم وَعند سِيبَوَيْهٍ فعل مَاض. وَلَيْسَ مَا رده الْفراء مَوْجُودا فِي كَلَام سِيبَوَيْهٍ حَتَّى يكون ردا على كَلَام سِيبَوَيْهٍ والخليل وَإِنَّمَا هُوَ رد على من قَالَه غير سِيبَوَيْهٍ كَأبي عَمْرو بن الْعَلَاء وَأبي زيد وَيُونُس وأضرابهم. وَيُؤَيِّدهُ أَن الشريف المرتضى نقل كَلَام الْفراء وَمَا رده فِي أَمَالِيهِ وَلم يجر لسيبويه ذكرا. قَالَ: فَأَما قَوْله لَا جرم فَقَالَ قوم: معنى جرم كسب.) وَقَالُوا فِي قَوْله تَعَالَى: لَا جرم أَن لَهُم النَّار إِن لَا رد على الْكفَّار ثمَّ ابْتَدَأَ فَقَالَ: جرم أَن لَهُم النَّار بِمَعْنى كسب قَوْلهم أَن لَهُم النَّار. وَقَول الشَّاعِر: ...

(نصبنا رَأسه فِي رَأس جذع ... بِمَا جرمت يَدَاهُ وَمَا اعتدينا) أَي: بِمَا كسبت. وَقَالَ آخَرُونَ: معنى جرم حق وتأولوا الْآيَة بِمَعْنى حقق قَوْلهم أَن لَهُم النَّار. وأنشدوا: وَلَقَد طعنت أَبَا عُيَيْنَة طعنةً الْبَيْت أَرَادَ: حققت فَزَارَة. وروى الْفراء: فَزَارَة بِالنّصب على معنى كسبت الطعنة فَزَارَة الْغَضَب. وَقَالَ الْفراء: لَا جرم فِي الأَصْل مثل لَا بُد وَلَا محَالة ثمَّ استعملته الْعَرَب فِي معنى حَقًا وَجَاءَت فِيهِ بِجَوَاب الْأَيْمَان. انْتهى. وَقد نقل الْجَوْهَرِي كَلَام الْفراء بِعَيْنِه فِي الصِّحَاح. الْعجب من ابْن بري فِي قَوْله تبعا لِابْنِ السَّيِّد: هَذَا رد على الْخَلِيل وسيبويه لِأَنَّهُمَا قدراه أحقت فَزَارَة الْغَضَب أَي: بِالْغَضَبِ فأسقط الْبَاء. - وَفِي قَول الْفراء لَا يحْتَاج إِلَى إِسْقَاط حرف الْجَرّ فِيهِ لِأَن تَقْدِيره كسبت فَزَارَة الْغَضَب عَلَيْك. انْتهى. وَمَا نَقله مِنْهُمَا حق لَا شُبْهَة فِيهِ. وَأما مَا وَجه التَّعَجُّب فَإِنَّهُ كَيفَ يَصح قَوْله: هَذَا رد على الْخَلِيل وسيبويه لِأَنَّهُمَا قدراه: أحقت فَزَارَة الْغَضَب مَعَ قَول الْفراء: فَرفعُوا فَزَارَة بجعله قَول سِيبَوَيْهٍ والخليل وَالَّذِي قَالَه الشَّارِح. رَأَيْته فِي تَفْسِير الزّجاج وَهُوَ مُتَأَخّر عَن الْفراء قَالَ عِنْد قَوْله تَعَالَى: لَا جرم أَن الله يعلم مَا يسرون وَمَا يعلنون من سُورَة النَّحْل مَا نَصه:

معنى لَا جرم حق أَن الله وَوَجَب أَن الله. وَقَوله: لَا رد لفعلهم. قَالَ الشَّاعِر: وَلَقَد طعنت أَبَا عُيَيْنَة ... ... ... الْبَيْت الْمَعْنى: حقت فَزَارَة بِالْغَضَبِ. انْتهى. وَقَالَ أَيْضا فِي هَذِه السُّورَة عِنْد قَوْله تَعَالَى: لَا جرم أَن لَهُم النَّار: لَا رد لقَولهم. الْمَعْنى وَالله) أعلم: لَيْسَ ذَلِك كَمَا وصفوا جرم فعلهم هَذَا أَي: كسب. وَقيل: إِن أَن فِي مَوضِع رفع. ذكر ذَلِك قطرب. انْتهى. وقطرب تلميذ سِيبَوَيْهٍ. وَقَول الشَّارِح رَحِمَهُ اللَّهُ: أَي جرمت لَهُم الْغَضَب كَقَوْلِه تَعَالَى: وَلَا يجرمنكم شنآن قوم أَي: لَا يجرمن لكم ظَاهره أَن هَذَا من كَلَام الْفراء. وَلَيْسَ كَذَلِك كَمَا نقلنا كَلَامه. وَهَذِه عِبَارَته فِي آيَة الْمَائِدَة: وَقَوله: وَلَا يجرمنكم شنآن قوم أَن صدوكم عَن الْمَسْجِد الْحَرَام أَن تَعْتَدوا قَرَأَ يحيى بن وثاب وَالْأَعْمَش: وَلَا يجرمنكم من أجرمت. - وَكَلَام الْعَرَب وَقِرَاءَة الْقُرَّاء يجرمنكم بِفَتْح الْيَاء جَاءَ التَّفْسِير: وَلَا يحملنكم بغض قوم. قَالَ الْفراء: وَسمعت الْعَرَب تَقول: فلَان جريمة أَهله يُرِيدُونَ كاسب لأَهله. وَخرج يجرمهم: يكْسب لَهُم وَالْمعْنَى فيهمَا مُتَقَارب أَي: لَا يكسبنكم بغض قوم أَن تَفعلُوا شرا فَأن فِي مَوضِع نصب. فَإِذا جعلت فِي أَن تَعْتَدوا على ذهبت إِلَى معنى لَا يحملنكم بغضهم على أَن تَعْتَدوا فَيصح طرح على كَمَا تَقول: حَملتنِي أَن أسوءك وعَلى أَن أسوءك. انْتهى كَلَامه. وَقد أَخذه صَاحب الْكَشَّاف وأوضحه قَالَ: جرم يجْرِي مجْرى كسب فِي تعديته إِلَى مفعول وَاحِد واثنين تَقول: جرم ذَنبا نَحْو كَسبه وجرمته ذَنبا نَحْو

كسبته إِيَّاه. وَيُقَال: أجرمته ذَنبا على نقل الْمُتَعَدِّي إِلَى مفعول بِالْهَمْزَةِ إِلَى مفعولين كَقَوْلِهِم: أكسبته ذَنبا. وَعَلِيهِ قِرَاءَة عبد الله: لَا يجرمنكم بِضَم الْيَاء وَأول المفعولين على الْقِرَاءَتَيْن ضمير المخاطبين وَالثَّانِي أَن تَعْتَدوا وَأَن صدوكم بِفَتْح الْهمزَة مُتَعَلق بالشنآن بِمَعْنى الْعلَّة. والشنآن: شدَّة البغض. وَالْمعْنَى: لَا يكسبنكم بغض قوم لِأَن صدوكم الاعتداء وَلَا يحملنكم عَلَيْهِ. انْتهى. وَقَالَ أَيْضا فِي قَوْله تَعَالَى: لَا يجرمنكم شقاقي أَن يُصِيبكُم من سُورَة هود: جرم مثل كسب فِي تعديه إِلَى مفعول وَاحِد وَإِلَى مفعولين. تَقول: جرم ذَنبا وَكَسبه. وجرمته ذَنبا وكسبته إِيَّاه. - قَالَ: جرمت فَزَارَة بعْدهَا أَن يغضبوا وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: لَا يجرمنكم شقاقي أَن يُصِيبكُم أَي: لَا يكسبنكم شقاقي إِصَابَة الْعَذَاب. وَكَذَا قَالَ الزّجاج فِي تَفْسِيره قَالَ: أَي: لَا يحملنكم بغضكم الْمُشْركين على ترك الْعدْل. يُقَال: أجرمني كَذَا وجرمني وجرمت وأجرمت بِمَعْنى وَاحِد. وَقيل لَا يجرمنكم: لَا يدخلنكم فِي) الجرم كَمَا تَقول آثمته: أدخلته فِي الْإِثْم. انْتهى.

وَحَاصِله أَن لَا جرم فعل عِنْد سِيبَوَيْهٍ بِمَعْنى حق يطْلب فَاعِلا ومصدر عِنْد الْفراء يطْلب فَاعِلا أَيْضا. وَهَذَا عِنْدهمَا إِذا كَانَت أَن بعْدهَا وَأما فِي الْقسم نَحْو: لَا جرم لقد كَانَ كَذَا فَلَا. وَلَا عِنْد سِيبَوَيْهٍ زَائِدَة إِلَّا أَنَّهَا لَزِمت جرم لِأَنَّهَا كالمثل. كَذَا قَالَ الأعلم. وَقَالَ أَبُو حَيَّان فِي الارتشاف: وَالْوَقْف على لَا عِنْد سِيبَوَيْهٍ وَلَا يجوز أَن توصل بجرم لِأَنَّهَا لَيست نَفيهَا. انْتهى. وَعند الْفراء لَا ركبت مَعَ جرم وَصَارَت بِمَعْنى لَا بُد وَلَا محَالة ثمَّ اسْتعْملت بِمَعْنى حَقًا كَمَا تقدم. وَقَالَ أَبُو حَيَّان: وَذهب الْفراء إِلَى أَن جرم بِمَعْنى كسب ركبت مَعَ لَا وَصَارَت بِمَنْزِلَة لَا بُد. وَلَا يقف على لَا. وَأَن بعْدهَا على تَقْدِير من كَمَا تَقول: لَا بُد أَنَّك ذَاهِب أَي: من أَنَّك ذَاهِب. هَذَا كَلَامه وَفِيه نظر. وَأما جرم بِدُونِ لَا المتصرفة كَالَّتِي فِي الْبَيْت فَهِيَ فعل مُتَعَدٍّ عِنْد سِيبَوَيْهٍ كَمَا يظْهر من قَوْله: أَي: أحقت فَزَارَة بِالْألف. وَعند الْفراء متعدية تَارَة إِلَى مفعولين كَقَوْلِه فِي سُورَة هود وَلَيْسَ الأول على تَقْدِير حرف الْجَرّ كَمَا أَوله الشَّارِح وَإِلَى وَاحِد تَارَة كَقَوْلِه فِي سُورَة الْمَائِدَة. وَعَلِيهِ مَشى الزّجاج والزمخشري. وَلم يقل أحد فِيمَا رَأَيْت إِنَّهَا فعل لَازم غير قطرب. وَقَول الشَّارِح الْمُحَقق: وَحكى الْكُوفِيُّونَ فِيهَا عَن الْعَرَب وُجُوهًا من التَّغْيِير حكى الْفراء مِنْهَا وَجْهَيْن: قَالَ فِي تَفْسِير آيَة هود: ولكثرتها فِي الْكَلَام

حذفت مِنْهَا الْمِيم فبنو فَزَارَة يَقُولُونَ: لَا جر أَنَّك قَائِم وتوصل من أَولهَا بذا. أَنْشدني بعض بني كلاب: (إِن كلاباً وَالِدي لَا ذَا جرم ... لأهدرن الْيَوْم هدرا فِي النعم) هدر الْمَعْنى ذِي الشقاشيق اللَّهُمَّ انْتهى. قَالَ السَّيِّد المرتضى فِي أَمَالِيهِ وَذكر هذَيْن الْوَجْهَيْنِ وَالشعر: الْمَعْنى: الَّذِي يدْخل الْعنَّة من الْإِبِل وَهِي الحظيرة. وَذَلِكَ أَن الْفَحْل اللَّئِيم إِذا هاج حبس حَتَّى لَا يضْرب فِي النوق الْكِرَام وَمِنْه قَول) الْوَلِيد بن عقبَة: (قطعت الدَّهْر كالسدم الْمَعْنى ... تهدر فِي دمشق فَلَا تريم) وَأَصله المعنن فقلبت إِحْدَى النونات يَاء. واللَّهُمَّ بِكَسْر اللَّام وَفتح الْهَاء: الَّذِي يلتهم كل شَيْء: أَي: يبتلعه. وَقد زَاد لُغَة ثَالِثَة وَهِي لَا جرم بِضَم الْجِيم وتسكين الرَّاء مَعَ الْمِيم. انْتهى. وَهَذِه زِيَادَة على وَنقل الْمفضل بن سَلمَة فِي كتاب الفاخر وَجْهي الْفراء وَقَالَ: وَحكى غير الْفراء لَا أَن ذَا جرم وَلَا ذُو جرم. انْتهى. وَهَذِه الْأَخِيرَة زِيَادَة على مَا ذكره الشَّارِح.

وَزَاد ابْن الْأَعرَابِي ذِي على مَا نَقله عَنهُ ابْن مكرم فَقَالَ: قَالَ ثَعْلَب: الْفراء وَالْكسَائِيّ يَقُولَانِ: لَا جرم تبرئة بِمَعْنى لَا بُد وَيُقَال: لَا جرم وَلَا ذَا جرم وَلَا عَن ذَا جرم وَلَا جر بِلَا مِيم. وَذَلِكَ أَنه كثر فِي الْكَلَام فحذفت الْمِيم كَمَا قَالُوا: حاش لله وَالْأَصْل: حاشا. وسو أفعل وَالْأَصْل: سَوف أفعل. انْتهى. ولنرجع الْآن إِلَى شرح الْبَيْت فَنَقُول: قَالَ ابْن السَّيِّد فِي شرح أَبْيَات أدب الْكَاتِب: الْبَيْت لأبي أَسمَاء بن الضريبة وَقيل بل هُوَ لعطية بن عفيف. وَيقْرَأ طعنت بِضَم التَّاء وَهُوَ غلط وَالصَّوَاب فتحهَا لِأَن الشَّاعِر خَاطب بهَا كرزاً الْعقيلِيّ ورثاه وَكَانَ طعن أَبَا عُيَيْنَة وَهُوَ حصن بن حُذَيْفَة بن بدر الْفَزارِيّ يَوْم الحاجر. وَيدل على ذَلِك قَوْله قبله: (يَا كرز إِنَّك قد فتكت بِفَارِس ... بَطل إِذا هاب الكماة وجببوا) وجببوا بِالْجِيم وَالْبَاء الأولى مُشَدّدَة. قَالَ صَاحب الصِّحَاح: التجبيب: النفار. يُقَال: جبب فلَان فَذهب. وَقَالَ غَيره: التجبيب: الْفِرَار. وكرز بِضَم الْكَاف.

(الشاهد الحادي والخمسون بعد الثمانمائة)

وَأَبُو أَسمَاء جاهلي. والضريبة فعيلة من الضَّرْب. وَكَذَا عَطِيَّة بن عفيف جاهلي. (الشَّاهِد الْحَادِي وَالْخَمْسُونَ بعد الثَّمَانمِائَة) أعن ترسمت من خرقاء منزلَة تَمَامه: مَاء الصبابة من عَيْنَيْك مسجوم على أَن عَن أَصْلهَا أَن فأبدلت الْألف عينا. وَسَيَأْتِي الْكَلَام عَلَيْهِ إِن شَاءَ الله تَعَالَى فِي حُرُوف الْمصدر. - والهمزة للاستفهام وَعَن مَصْدَرِيَّة وَاللَّام مقدرَة قبلهَا عِلّة للمصراع الثَّانِي. وترسمت الدَّار: تَأَمَّلت رسمها. وَالتَّاء للخطاب. وخرقاء: اسْم معشوقة ذِي الرمة غيلَان وَهُوَ قَائِل الْبَيْت وَهُوَ مطلع قصيدة. ومنزلَة مفعول ترسمت. والصبابة: رقة الشوق ومسجوم من سجمت الْعين الدمع أَي: أسالته وَالتَّقْدِير: ألأجل ترسمك ونظرك دارها الَّتِي نزلت فِيهَا بَكت عَيْنك.

(الشاهد الثاني والخمسون بعد الثمانمائة)

وَيَأْتِي إِن شَاءَ الله بَقِيَّة الْكَلَام هُنَاكَ. وَذُو الرمة تقدّمت تَرْجَمته فِي الشَّاهِد الثَّامِن من أول الْكتاب. (الشَّاهِد الثَّانِي وَالْخَمْسُونَ بعد الثَّمَانمِائَة) وَهُوَ من شَوَاهِد س: (وَإِلَّا فاعلموا أَنا وَأَنْتُم ... بغاةً مَا بَقينَا فِي شقَاق) على أَن سِيبَوَيْهٍ اسْتشْهد بِهِ على الْعَطف على مَحل اسْم إِن الْمَكْسُورَة بِتَقْدِير حذف الْخَبَر من الأول وَالتَّقْدِير: إِنَّا بغاة وَأَنْتُم بغاة. هَذَا نَقله وَلم يقل سِيبَوَيْهٍ كَذَا وَإِنَّمَا قَالَ: أَنْتُم فِي نِيَّة التَّأْخِير وبغاة فِي نِيَّة التَّقْدِيم وَهَذَا نَصه. - وَاعْلَم أَن نَاسا من الْعَرَب يغلطون فَيَقُولُونَ: إِنَّهُم أَجْمَعُونَ ذاهبون وَإنَّك وَزيد ذاهبان. وَذَلِكَ أَن مَعْنَاهُ معنى الِابْتِدَاء فَيرى أَنه قَالَ: هم كَمَا قَالَ: وَلَا سَابق شَيْئا إِذا كَانَ جائيا على مَا ذكرت لَك. وَأما قَوْله عَزَّ وَجَلَّ والصائبون فعلى التَّقْدِيم

وَالتَّأْخِير كَأَنَّهُ ابْتِدَاء على قَوْله: والصابئون بعد مَا يمْضِي الْخَبَر. وَقَالَ الشَّاعِر: كَأَنَّهُ قَالَ: نَحن بغاة مَا بَقينَا وَأَنْتُم. انْتهى كَلَامه. قَالَ النّحاس: يَعْنِي أَنه عطف أَنْتُم على الْموضع مثل: إِنِّي منطلق وَزيد. انْتهى. وَكَذَا نقل الزَّمَخْشَرِيّ فِي الْمفصل. وَقَالَ الأعلم: الشَّاهِد فِي قَوْله: وَأَنْتُم على التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير أَي: فاعلموا أَنا بغاة وَأَنْتُم فَأنْتم: مُبْتَدأ وَالْخَبَر: مَحْذُوف لعلم السَّامع وَالْمعْنَى: وَأَنْتُم بغاة. وَيجوز أَن يكون الْمَحْذُوف خبر أَن كَمَا تَقول: إِن هنداً وَزيد منطلق. وَالْمعْنَى إِن هنداً منطلقة وَزيد منطلق فحذفت خبر الأول لدلَالَة الآخر عَلَيْهِ. وَالْآيَة الَّتِي اسْتشْهد بهَا سِيبَوَيْهٍ مَعَ الْبَيْت إِنَّمَا هِيَ آيَة الصائبين كَمَا رَأَيْت. وَأما آيَة بَرَاءَة فَلم يوردها سِيبَوَيْهٍ مَعَ الْبَيْت وَإِنَّمَا أوردهَا قبله بِثَلَاثَة أَبْوَاب وَهُوَ بَاب الْعَطف على اسْم إِن قَالَ: تَقول: إِن عمرا منطلق وَسَعِيد فسعيد يرْتَفع على وَجْهَيْن: حسن وَضَعِيف. فَأَما الْحسن فَأن يكون مَحْمُولا على الِابْتِدَاء لِأَن معنى: إِن زيدا منطلق زيد منطلق وَإِن دخلت توكيداً. وَفِي الْقُرْآن مثله: وأذان من الله وَرَسُوله إِلَى النَّاس يَوْم الْحَج الْأَكْبَر أَن الله بَرِيء) من الْمُشْركين وَرَسُوله. وَأما الْوَجْه الآخر الضَّعِيف فَأن يكون مَحْمُولا

على الِاسْم الْمُضمر فِي المنطلق. فَإِذا أردْت ذَلِك وَإِن شِئْت جعلت الْكَلَام على الأول فَقلت: إِن زيدا منطلق وعمراً ظريف فَجَعَلته على قَوْله عَزَّ وَجَلَّ: وَلَو أَن مَا فِي الأَرْض من شَجَرَة أَقْلَام وَالْبَحْر يمده من بعده. وَقد رَفعه قوم على: لَو ضربت عمرا وَزيد قَائِم مَا ضرك أَي: لَو ضربت عمرا وَزيد فِي هَذِه الْحَال كَأَنَّهُ قَالَ: وَلَو أَن مَا فِي الأَرْض من شَجَرَة أَقْلَام وَالْبَحْر هَذَا أمره مَا نفذت كَلِمَات الله. انْتهى. - قَالَ الشاطبي فِي شرح الألفية: يُمكن أَن يكون رفع الْبَحْر فِي الْآيَة على مثل الرّفْع فِي إِن الْمَكْسُورَة لَا على أَنَّهَا حَالية وَإِن أجَاز ذَلِك سِيبَوَيْهٍ بِدَلِيل الْقِرَاءَة الْأُخْرَى بِالنّصب ليتحد معنى الْقِرَاءَتَيْن. انْتهى. وَإِنَّمَا فسر الشَّارِح الْمُحَقق أَذَان بإعلام لِأَن شَرط أَن الْمَفْتُوحَة فِي الْعَطف على اسْمهَا عِنْد المُصَنّف أَن تقع بعد مَا يُفِيد الْعلم. وَإِلَيْهِ ذهب ابْن مَالك فِي شرح التسهيل قَالَ: وَمثل إِن وَلَكِن فِي رفع الْمَعْطُوف: أَن إِذا تقدمها علم أَو مَعْنَاهُ ثمَّ مثل الْعلم بِالْبَيْتِ وَمَعْنَاهُ بِهَذِهِ الْآيَة. وَقَالَ السيرافي بعد أَن قرر كَلَام سِيبَوَيْهٍ على التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير: يجوز أَن يكون خبر الَّذين محذوفاً لدلَالَة خبر: والصابئون عَلَيْهِ وَهُوَ قَوْله: من آمن بِاللَّه فَيكون على حد قَول الشَّاعِر: (نَحن بِمَا عندنَا وَأَنت بِمَا ... عنْدك رَاض والرأي مُخْتَلف) أَرَادَ: نَحن بِمَا عندنَا راضون وَأَنت بِمَا عنْدك رَاض. ونظم الْآيَة هُوَ: إِن الَّذين آمنُوا وَالَّذين هادوا والصابئون وَالنَّصَارَى من آمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر وَعمل

صَالحا فَلَا خوف عَلَيْهِم وَإِن فِيهَا مَكْسُورَة وَفِي الْبَيْت مَفْتُوحَة. وَقد سوى بَينهمَا سِيبَوَيْهٍ فِي الحكم. وَكَلَام المُصَنّف الَّذِي رده الشَّارِح مَذْكُور فِي شَرحه وَفِي أَمَالِيهِ قَالَ فِيهَا: إِنَّمَا سدت أَن الْمُشَدّدَة والمخففة مِنْهَا مسد المفعولين فِي بَاب ظَنَنْت وَأَخَوَاتهَا لاشتمالها على مَحْكُوم بِهِ ومحكوم عَلَيْهِ وَهُوَ مَا يَقْتَضِيهِ. وتتعلق بهما فِي الْمَعْنى على حسب مَا كَانَ فَلم تقتض أمرا آخر وَمن هَاهُنَا جَازَ كسرهَا عِنْد إِدْخَال اللَّام كَقَوْلِك: ظَنَنْت إِن زيدا لقائم. وَلَوْلَا أَن مَعْنَاهَا مَا ذَكرْنَاهُ لم يجز ذَلِك. أَلا ترى أَنَّك لَا تَقول: أعجبني إِن زيدا لقائم لتعذر تقديرها فِي معنى الْجُمْلَة المستقلة لكَونه) فَاعِلا. وَمن هَاهُنَا أَيْضا عطف على موضعهَا بِالرَّفْع وَإِن كَانَت مَفْتُوحَة لفظا لِأَنَّهَا فِي معنى الْمَكْسُورَة بِاعْتِبَار مَا ذَكرْنَاهُ فَتَقول: ظَنَنْت أَن زيدا قَائِم وَعَمْرو كَمَا تَقول: إِن زيدا قَائِم وَعَمْرو. وَلَا يجوز ذَلِك فِي الْمَفْتُوحَة فِي غَيرهَا كَقَوْلِك: أعجبني أَن زيدا قَائِم وَعَمْرو لكَونهَا لَيست فِي معنى الْجُمْلَة. انْتهى. وَهُوَ مَسْبُوق بِابْن جني قَالَ: فَأَما وَجه الْقيَاس فَهُوَ أَن الْمَفْتُوحَة وَإِن لم تكن من مَوَاضِع الِابْتِدَاء فَإِنَّهَا فِي التَّحْقِيق مثل الْمَكْسُورَة فَلَمَّا اسْتَويَا فِي الْمَعْنى وَالْعَمَل وتقاربا فِي اللَّفْظ صَارَت كل وَاحِدَة كَأَنَّهَا أُخْتهَا. يزِيد ذَلِك وضوحاً أَنَّك تَقول: علمت أَن زيدا قَائِم وَعلمت إِن زيدا لقائم فتجد معنى الْمَكْسُورَة كمعنى الْمَفْتُوحَة تؤكد فِي الْمَوْضِعَيْنِ كليهمَا قيام زيد لَا محَالة وَالْقِيَام مصدر كَمَا ترى. وتأتى هُنَا بِصَرِيح الِابْتِدَاء فَتَقول: قد علمت لزيد أفضل مِنْك كَمَا تَقول: علمت أَن زيدا أفضل مِنْك. أَفلا ترى إِلَى تجاري هَذِه التراكيب إِلَى معنى وتناظر بَعْضهَا إِلَى بعض. وَسبب ذَلِك كُله مَا ذكرت لَك من مشابهة أَن لإن لفظا وَمعنى وَعَملا. انْتهى.

وَقد رد ابْن جني كَلَام السيرافي قِيَاسا وسماعاً كَمَا يَأْتِي فِي الْبَيْت الْآتِي. وَأما قَول سِيبَوَيْهٍ: وَاعْلَم أَن نَاسا من الْعَرَب يغلطون يَأْتِي إِن شَاءَ الله شَرحه فِي الْبَيْت الثَّانِي بعد هَذَا الْبَيْت. وَهُوَ من قصيدة لبشر بن أبي خازم الْأَسدي مطْلعهَا: وفيهَا يَقُول: (وسوف أخص بالكلمات أَوْسًا ... فيلقاه بِمَا قد قلت لاقي) إِلَى أَن قَالَ: (فَإذْ جزت نواصي آل بدر ... فأدوها وَأسرى فِي الوثاق) (وَإِلَّا فاعلموا أَنا وَأَنْتُم ... بغاة مَا بَقينَا فِي شقَاق) وَسبب هَذَا الشّعْر كَمَا فِي شرح ديوانه وَنَقله ابْن السيرافي فِي شرح أَبْيَات سِيبَوَيْهٍ:) أَن قوما من آل بدر الفزاريين جاوروا بني لأم من طَيئ فَعمد بَنو لأم إِلَى الفزاريين فجزوا تواصيهم وَقَالُوا: قد مننا عَلَيْكُم وَلم نقتلكم وَبَنُو فَزَارَة حلفاء بني أَسد فَغَضب بَنو أَسد لأجل مَا صنع بالبدريين فَقَالَ بشر هَذِه القصيدة يذكر فِيهَا مَا صنع ببني بدر وَيَقُول للطائيين: فَإذْ قد جززتم نواصيهم فاحملوها إِلَيْنَا وأطلقوا من قد أسرتم مِنْهُم وَإِن لم تَفعلُوا فاعلموا أَنا نبغيكم ونطلبكم فَإِن أصبْنَا أحدا مِنْكُم طلبتمونا بِهِ فَصَارَ كل وَاحِد منا يَبْغِي صَاحبه فنبقى فِي شقَاق وعداوة أبدا.

وَقد تحرف هَذَا الْكَلَام على ابْن هِشَام فَقَالَ فِي شرح الشواهد وَتَبعهُ الْعَيْنِيّ: وَالسَّبَب فِيهِ أَن قوما من آل بدر جاوروا الفزاريين من بني لأم من طَيئ فجزوا نواصيهم وَقَالُوا: مننا عَلَيْكُم وَلم وَلَا يَصح هَذَا إِلَّا إِذا كَانَ بشر فزارياً وَإِنَّمَا هُوَ من أَسد بن خُزَيْمَة. وَقَوله: وسوف أخص بالكلمات أَوْسًا هُوَ أَوْس بن حَارِثَة بن لأم الطَّائِي أحد الأجواد الْمَشْهُورين. وَقَوله: فَإذْ جزت نواصي ... إِلَخ جزت بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول. والجز: بِالْجِيم وَالزَّاي: قطع الصُّوف وَالشعر. والنواصي: جمع نَاصِيَة وَهِي الشّعْر فِي مقدم الرَّأْس فَوق الْجَبْهَة. وَكَانَت الْعَرَب إِذا أَنْعَمت على الرجل الشريف بعد أسره جزوا ناصيته وأطلقوه فَتكون الناصية عِنْد الرجل يفخر بهَا. وأسرى: جمع أَسِير. والوثاق: الْقَيْد وَالْحَبل وَنَحْوه. وَقَوله: وَإِلَّا أَي: وَإِن لم تُؤَدُّوا النواصي المجزوزة مَعَ الأسرى. وَأَخْطَأ الْعَيْنِيّ فِي قَوْله: أَي وَإِن لم تجزوا نواصيهم وتطلقوا أَسْرَاهُم. انْتهى. وبغاة: جمع بَاغ وَهُوَ الطَّالِب أَو مَعْنَاهُ يَبْغِي بَعْضنَا على بعض. وَفِي ديوانه: بغاء بِكَسْر الْمُوَحدَة وَضمّهَا مَعَ الْمَدّ. أما الْمَكْسُورَة فَهُوَ مصدر بغى أَي: سعى فِي الْفساد. وَأما المضموم فَهُوَ اسْم للمصدر يُقَال: بغيته بغياً: طلبته وَالِاسْم الْبغاء بِالضَّمِّ وَعَلَيْهِمَا يكون فيهمَا مُضَاف مَحْذُوف أَي: ذُو بغاء. وَمَا: مَصْدَرِيَّة

ظرفية أَي: مُدَّة بقائنا. وروى بدله: مَا حيينا من الْحَيَاة. والشقاق: مصدر شاقه مشاقة وشقاقاً أَي: خَالفه. وَحَقِيقَته أَن يَأْتِي كل مِنْهُمَا مَا يشق على صَاحبه فَيكون كل مِنْهُمَا فِي شقّ غير شقّ صَاحبه. والشق بِالْكَسْرِ: الْجَانِب وَالْمَشَقَّة وَنصف الشَّيْء.) - وَأورد عَلَيْهِ بِأَن فِيهِ الْحَذف من الأول لدلَالَة الثَّانِي وَإِنَّمَا الْكثير الْعَكْس. وخرجه بَعضهم كَمَا نَقله الْعَيْنِيّ على أَن: بغاة خبر إِنَّا وَخبر انتم مَحْذُوف وَالتَّقْدِير: إِنَّا بغاة وَأَنْتُم كَذَلِك فَيكون جملَة أَنْتُم كَذَلِك فَيكون جملَة وَأَنْتُم كَذَلِك اعْترض بهَا بَين الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر. وَيرد على التخاريج الثَّلَاثَة أَن الْمُتَكَلّم لَا يثبت لنَفسِهِ الْبَغي والعدوان وَإِنَّمَا ينْسبهُ إِلَى الْمُخَاطب. وَيُجَاب بِأَن الْمَعْنى مَا ذكر فِي سَبَب هَذَا الشّعْر كَمَا تقدم وَلَيْسَ مَعْنَاهُ مَا أورد. وَكَأن الشَّارِح الْمُحَقق لحظ هَذَا الْوُرُود فخرجه على أَن قَوْله مَا بَقينَا فِي شقَاق خبر إِنَّا وَجُمْلَة وَأَنْتُم وَهَذَا التَّخْرِيج لَا غُبَار عَلَيْهِ جيد إعراباً وَمعنى. وَجعل الْجُمْلَة اعتراضية أحسن من جعلهَا عاطفة لِأَنَّهُ يلْزم عَلَيْهِ الْعَطف قبل تَمام الْمَعْطُوف عَلَيْهِ. وَإِلَى هَذَا ذهب صَاحب اللّبَاب قَالَ: وَقد يتَوَهَّم أَن أَن الْمَفْتُوحَة فِي بَاب علمت لَهَا حكم الْمَكْسُورَة فِي صِحَة الْعَطف على الْمحل كَقَوْلِه: وَإِلَّا فاعلموا أَنا وَأَنْتُم الْبَيْت وَلَيْسَ بثبت لاحْتِمَال أَن يكون الْعَطف بِاعْتِبَار الْجمل لَا بِاعْتِبَار التَّشْرِيك فِي الْعَامِل. وَإنَّهُ جَائِز فِي الْجَمِيع.

قَالَ شَارِحه الفالي: يَعْنِي يحْتَمل أَن لَا يكون مَعْطُوفًا عَلَيْهِ عطف الْمُفْرد بِاعْتِبَار تشريكهما فِي عَامل وَاحِد بل بِاعْتِبَار عطف الْجُمْلَة على الْجُمْلَة بِأَن يكون خبر إِنَّا هُوَ فِي شقَاق إِذْ لَيْسَ ينسبون الْبَغي إِلَى أنفسهم بل إِلَى المخاطبين خَاصَّة. فالعطف بِاعْتِبَار الْجمل لَا بِاعْتِبَار التَّشْرِيك. والعطف بِاعْتِبَار الْجمل جَائِز فِي الْجَمِيع. وَقد أوضح صَاحب الْكَشَّاف فِي تَفْسِير سُورَة الْمَائِدَة وَتَبعهُ الْبَيْضَاوِيّ كَلَام سِيبَوَيْهٍ فِي التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير فَقَالَ: والصائبون رفع على الِابْتِدَاء وَخَبره مَحْذُوف وَالنِّيَّة بِهِ التَّأْخِير عَمَّا فِي حيّز إِن من اسْمهَا وخبرها كَأَنَّهُ قيل: إِن الَّذين آمنُوا وَالَّذين هادوا وَالنَّصَارَى حكمهم كَذَا) وَأنْشد سِيبَوَيْهٍ شَاهدا لَهُ: (وَإِلَّا فاعلموا أَنا وَأَنْتُم ... بغاة مَا بَقينَا فِي شقَاق) أَي: فاعلموا أَنا بغاة وَأَنْتُم كَذَلِك. فَإِن قلت: هلا زعمت أَن ارتفاعه للْعَطْف على مَحل أَن وَاسْمهَا قلت: لَا يَصح ذَلِك قبل الْفَرَاغ من الْخَبَر لَا تَقول: إِن زيدا وَعَمْرو منطلقان. فَإِن قلت: لم لَا يَصح وَالنِّيَّة بِهِ التَّأْخِير فكأنك قلت: إِن زيدا منطلق وَعَمْرو قلت: لِأَنِّي إِذا رفعته رفعته عطفا على مَحل إِن وَاسْمهَا وَالْعَامِل فِي محلهَا هُوَ الِابْتِدَاء فَيجب أَن يكون هُوَ الْعَامِل فِي الْخَبَر لِأَن الِابْتِدَاء يَنْتَظِم الجزأين فِي عمله كَمَا تنتظمهما إِن فِي عَملهَا فَلَو رفعت الصابئون الْمَنوِي بِهِ التَّأْخِير بِالِابْتِدَاءِ وَقد رفعت الْخَبَر بإن لأعملت فيهمَا رافعين مُخْتَلفين.

فَإِن قلت: فَقَوله: والصابئون مَعْطُوف لَا بُد لَهُ من مَعْطُوف عَلَيْهِ فَمَا هُوَ قلت: هُوَ مَعَ خَبره الْمَحْذُوف جملَة معطوفة على جملَة قَوْله: إِن الَّذين آمنُوا إِلَخ وَلَا مَحل لَهَا كَمَا لَا مَحل للَّتِي عطفت عَلَيْهَا. فَإِن قلت: مَا التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير إِلَّا لفائدة فَمَا فَائِدَة هَذَا التَّقْدِيم قلت: فَائِدَته التَّنْبِيه على أَن الصابئين يُتَاب عَلَيْهِم إِن صَحَّ مِنْهُم الْإِيمَان وَالْعَمَل الصَّالح فَمَا الظَّن بغيرهم وَذَلِكَ أَن الصابئين أبين هَؤُلَاءِ الْمَعْدُودين ضلالا وأشدهم غياً وَمَا سموا صابئين إِلَّا لأَنهم صبؤوا عَن الْأَدْيَان كلهَا أَي: خَرجُوا. كَمَا أَن الشَّاعِر قدم قَوْله: وَأَنْتُم تَنْبِيها على أَن المخاطبين أوغل فِي الْوَصْف بالبغاة من قومه حَيْثُ عَاجل بِهِ قبل الْخَبَر الَّذِي هُوَ بغاة لِئَلَّا يدْخل قومه فِي الْبَغي قبلهم مَعَ كَونهم أوغل فِيهِ مِنْهُم. وَأثبت قدماً. انْتهى. وَكَون هَذَا عِنْد سِيبَوَيْهٍ من عطف الْجمل لَا من عطف الْمُفْردَات هُوَ صَرِيح كَلَامه. - قَالَ الشاطبي: وَالَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَر أَن الرّفْع فِي الْمَعْطُوف على الِابْتِدَاء هُوَ اسْتِئْنَاف جملَة معطوفة على أُخْرَى وَهُوَ الْأَظْهر من كَلَام سِيبَوَيْهٍ. وَنقل عَن الْأَخْفَش وَالْفراء والمبرد وَابْن السراج والفارسي فِي غير الْإِيضَاح وَابْن أبي الْعَافِيَة والشلوبين فِي آخر قوليه وَجَمَاعَة من أَصْحَابه. وَمِنْهُم من جعل ذَلِك عطفا حَقِيقَة من بَاب عطف الْمُفْردَات وَأَن قَوْلك: إِن زيداُ قَائِم وَعَمْرو) عطف فِيهِ عَمْرو على مَوضِع زيد وَهُوَ الرّفْع كَمَا عطف على مَوضِع خبر لَيْسَ فِي نَحْو: فلسنا بالجبال وَلَا الحديدا

وَإِلَيْهِ ذهب الشلوبين فِي أول قوليه وَابْن أبي الرّبيع. وَهُوَ ظَاهر الْإِيضَاح وجمل الزجاجي وَمَال وَذهب ابْن مَالك فِي شرح التسهيل إِلَى الأول وَنَصره وزيف غَيره وَهُوَ الصَّحِيح من المذهبين الْمُعْتَمد المعضود بِالدَّلِيلِ. وَقد تصدى ابْن أبي الْعَافِيَة لنصره فِي مَسْأَلَة أفردها وَابْن الزبير من شُيُوخ شُيُوخنَا اعتنى بالمسالة جدا وَطول فِيهَا الْكَلَام. وَهُوَ الَّذِي ذهب إِلَيْهِ من اعتمدناه من شُيُوخنَا فتلقيناه عَنْهُم. فَمن أَرَادَ التَّرْجِيح بَين المذهبين فَعَلَيهِ بِكَلَام ابْن الزبير فَفِيهِ غَايَة الشِّفَاء فِي الْمَسْأَلَة. - وَقد احْتج لَهُ ابْن مَالك بِأَنَّهُم اقتصروا فِي هَذَا الْعَطف على الْإِتْيَان بِهِ بعد تَمام الْجُمْلَة. وَلَو كَانَ من عطف الْمُفْردَات لَكَانَ وُقُوعه قبل التَّمام أولى لِأَن وصل الْمَعْطُوف بالمعطوف عَلَيْهِ أَجود من فَصله. وَأَيْضًا لَو كَانَ كَذَلِك لجَاز وُقُوع غَيره من التوابع. وَلم يحْتَج سِيبَوَيْهٍ فِي قَوْله تَعَالَى: قل إِن رَبِّي يقذف بِالْحَقِّ علام الغيوب إِلَى أَن يَجعله خبر مُبْتَدأ أَو بَدَلا من فَاعل يقذف. وَاسْتدلَّ بِغَيْر ذَلِك مِمَّا يطول بِهِ الْكَلَام. انْتهى كَلَامه الْمَقْصُود مِنْهُ. وَبشر بن أبي خازم شَاعِر جاهلي تقدّمت تَرْجَمته فِي الشَّاهِد الثَّالِث وَالْعِشْرين بعد الثلثمائة.

وَأنْشد بعده (فَلَا تحسبي أَنِّي تخشعت بعدكم ... لشَيْء وَلَا أَنِّي من الْمَوْت أفرق) (وَلَا أَنا مِمَّن يزدهيه وعيدكم ... وَلَا أنني بِالْمَشْيِ فِي الْقَيْد أخرق) على أَن تَخْرِيج الْبَيْت السَّابِق وَهُوَ جعل جملَة وَأَنْتُم بغاة اعتراضاً بَين أَنا وَخَبره وَهُوَ قَوْله: مَا بَقينَا فِي شقَاق لَا يتمشى مثله هُنَا لِأَن قَوْله: وَلَا أنني بِالْمَشْيِ فِي الْقَيْد أخرق عطف على أَنِّي تخشعت. فَلَو جعل قَوْله: وَلَا أَنا مِمَّن يزدهيه وعيدكم جملَة اعتراضية لَكَانَ لَا دَاخِلَة على معرفَة بِلَا تَكْرِير وَلَا يجوز ذَلِك إِلَّا عِنْد الْمبرد. وَلَو روى: وَلَا إِنَّنِي بِالْمَشْيِ بِالْكَسْرِ لارتفع الْإِشْكَال وَكَانَ قَوْله: وَلَا أَنا مِمَّن يزدهيه مستأنفاً) وَلَا مكررة. يُرِيد أَن قَوْله: وَلَا أَنا مِمَّن ... إِلَخ مَعْطُوف على اسْم أَن الْمَفْتُوحَة فِي قَوْله: فَلَا تحسبي أَنِّي تخشعت الْبَتَّةَ كَمَا أجَاز سِيبَوَيْهٍ رفع الْمَعْطُوف على اسْم أَن الْمَفْتُوحَة وَلَا يُمكن على وَجه لَا يكون فِيهِ الْعَطف على اسْم الْمَفْتُوحَة كَمَا أمكن تَخْرِيج الْآيَة وَالْبَيْت قبله. وَإِن جعل جملَة ولَا أَنا مِمَّن ... إِلَخ مُعْتَرضَة بَين المتعاطفين منع بِعَدَمِ تكَرر لَا فَإِنَّهَا يجب تكررها عِنْد الْجُمْهُور فِي غير دُعَاء وَغير جَوَاب قسم. وَلَو كَانَت الرِّوَايَة فِي أنني الثَّالِثَة الْكسر لجعلت الْوَاو فِي وَلَا أَنا استئنافية وَكَانَ مدخولها مَعَ مَا بعده جملتين مستأنفتين

وَزَالَ الْإِشْكَال بِتَكَرُّر لَا. وَحِينَئِذٍ لم يتَعَيَّن التَّخْرِيج على قَول سِيبَوَيْهٍ. لكنه لم يرو الْكسر فتحتم التَّخْرِيج على قَول سِيبَوَيْهٍ. وَتَخْرِيج الْآيَة وَالْبَيْت على مَا ذكره الشَّارِح السيرافي فَإِنَّهُ خَالف سِيبَوَيْهٍ وَزعم أَن أَن الْمَفْتُوحَة لَا تلْحق بالمكسورة فِي ذَلِك لِأَن الْمَكْسُورَة على شَرط الِابْتِدَاء وَلَيْسَت الْمَفْتُوحَة كَذَلِك إِنَّمَا تجْعَل الْكَلَام شاناً وحديثاً بِمَنْزِلَة الْمُفْرد. وَلَيْسَ فِي قَوْله تَعَالَى: أَن الله بَرِيء من الْمُشْركين وَرَسُوله دَلِيل لَهُ لصِحَّة حمله على وَجْهَيْن جَيِّدين: أَحدهمَا: أَن يكون وَرَسُوله عطفا على أَن وَمَا بعْدهَا لِأَنَّهَا اسْم مُفْرد فالتقدير: بَرَاءَة الله من الْمُشْركين وَرَسُوله أَي: وَبَرَاءَة رَسُوله. وَهَذَا وَجه جيد كَمَا تَقول: أعجبني أَنَّك منطلق وإسراعك. وَالثَّانِي: أَن يكون وَرَسُوله مَعْطُوفًا على الضَّمِير فِي بَرِيء وَحسن للفصل. وَإِذا كَانَ كَذَلِك لم يكن فِي الْآيَة دَلِيل على مَا قَالُوهُ. فالاستشهاد بهَا وهم جرى على سِيبَوَيْهٍ والنحويين. وَقد رد عَلَيْهِ ابْن جني فِي إِعْرَاب الحماسة وَأثبت مَا ذهب إِلَيْهِ سِيبَوَيْهٍ سَمَاعا وَقِيَاسًا. وَهَذِه عِبَارَته: وَفِي قَوْله: شَاهد لجَوَاز اسْتِدْلَال سِيبَوَيْهٍ بقول الله سُبْحَانَهُ: أَن الله بَرِيء من الْمُشْركين وَرَسُوله بِالرَّفْع على معنى الِابْتِدَاء ورد وردع لإنكار من أنكر ذَلِك

عَلَيْهِ من بعض الْمُتَأَخِّرين. وَقَوله: إِن هَذَا إِنَّمَا يسوغ بعد إِن الْمَكْسُورَة لِأَنَّهَا على شَرط الِابْتِدَاء وَلَيْسَ فِي الْآيَة إِن مَكْسُورَة وَإِنَّمَا فِيهَا أَن مَفْتُوحَة والمفتوحة لَا تصرف الْكَلَام إِلَى معنى الِابْتِدَاء وَإِنَّمَا تجْعَل الْكَلَام شَأْنًا وحديثاً ومواضعها تخْتَص بالمرد لَا بِالْجُمْلَةِ. هَذَا معنى مَا أوردهُ هَذَا الْمُنكر على صَاحب الْكتاب فِي هَذَا الْموضع. وَالْقَوْل فِيمَا بعد مَعَ) صَاحب الْكتاب لاعليه سَمَاعا وَقِيَاسًا. أما السماع فَمَا جَاءَ فِي هَذَا الْبَيْت وَهُوَ قَوْله: فَلَا تحسبوا أَنِّي تخشعت بعدكم ثمَّ قَالَ: وَلَا أَنا مِمَّن يزدهيه وعيدكم فعطف الْجُمْلَة من الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر على قَوْله: أَنِّي تخشعت وَهُوَ يُرِيد معنى أَن الْمَفْتُوحَة. يدل على ذَلِك رِوَايَة من روى: وَلَا أَن نَفسِي يزدهيها وعيكم وَقد جَاءَ ذَلِك أَيْضا فِي التَّنْزِيل قَالَ الله عز اسْمه: وَأَن هَذِه أمتكُم أمة وَاحِدَة وَأَنا ربكُم فاتقوني. فعطف الْجُمْلَة من الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر على أَن وفيهَا

معنى اللَّام كَمَا تقدم. وَهَذَا يزِيل معنى الِابْتِدَاء عِنْده وَيصرف الْكَلَام إِلَى معنى الْمصدر أَي: ولكوني ربكُم فاتقوني. وَنَحْوه أَيْضا قَوْله تَعَالَى: ضرب لكم مثلا من أَنفسكُم هَل لكم مِمَّا ملكت أَيْمَانكُم من شُرَكَاء فِيمَا رزقناكم فَأنْتم فِيهِ سَوَاء أَي: فتستووا. - قَالَ أَبُو عَليّ: فأوقع الْجُمْلَة المركبة من الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر موقع الْفِعْل الْمَنْصُوب بِأَن وَالْفِعْل إِذا انتصب انْصَرف القَوْل بِهِ والرأي فِيهِ إِلَى مَذْهَب الْمصدر. وَمَعْلُوم أَن الْمصدر أحد الْآحَاد وَلَا نِسْبَة بَينه وَبَين الْجُمْلَة وَقد ترى الْجُمْلَة الَّتِي هِيَ قَوْله: وَأَنا ربكُم معطوفة على أَن الْمَفْتُوحَة وعبرتها عِبْرَة الْمُفْرد من حَيْثُ كَانَت مصدرا الْمصدر أحد الْأَسْمَاء المفردة. وَوجدت أَنا فِي التَّنْزِيل موضعا لم أر أَبَا عَليّ ذكره على سَعَة بَحثه ولطف مأخذه وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: أعنده علم الْغَيْب فَهُوَ يرى أَي: فَيرى. أَلا ترى أَن الْفَاء جَوَاب الِاسْتِفْهَام وَهِي تصرف الْفِعْل بعْدهَا إِلَى الانتصاب بِأَن مضمرة وَأَن الْفِعْل الْمَنْصُوب بهَا مصدر فِي الْمَعْنى لَا محَالة حَتَّى كَأَنَّهُ قَالَ: أعنده علم الْغَيْب فرؤيته كَمَا أَن وَأما وَجه الْقيَاس فَهُوَ أَن أَن الْمَفْتُوحَة وَإِن لم تكن من مَوَاضِع الِابْتِدَاء فَإِنَّهَا من مَوَاضِع التَّحْقِيق والاعتلاء كَمَا أَن إِن الْمَكْسُورَة كَذَلِك فَلَمَّا استوتا فِي الْعَمَل وَالْمعْنَى تقاربتا فِي اللَّفْظ صَارَت كل وَاحِدَة كَأَنَّهَا أُخْتهَا.) يزِيد ذَلِك وضوحاً أَنَّك تَقول: علمت أَن زيدا قَائِم وَعلمت إِن زيدا لقائم

فتجد معنى الْمَكْسُورَة كمعنى الْمَفْتُوحَة ويؤكد فِي الْمَوْضِعَيْنِ كليهمَا قيام زيد لَا محَالة وَالْقِيَام مصدر كَمَا ترى. نعم وَتَأْتِي هُنَا بِصَرِيح الِابْتِدَاء فَتَقول: علمت لزيد أفضل مِنْك كَمَا تَقول: علمت أَن زيدا أفضل مِنْك. أَفلا ترى إِلَى تجاري هَذِه التراكيب إِلَى معنى وَاحِد وتناظر بَعْضهَا إِلَى بعض. وَسبب ذَلِك كُله مَا ذكرته لَك من مشابهة أَن لإن لفظا وَعَملا. فَإِذا كَانَ كَذَلِك سقط اعْتِرَاض هَذَا الْمُتَأَخر على مَا أوردهُ سِيبَوَيْهٍ وَأسْقط كلفته عَنهُ. - وَيزِيد فِيمَا نَحن عَلَيْهِ وضوحاً قَوْله فِيمَا بعد: وَلَا أنني بِالْمَشْيِ فِي الْقَيْد أخرق فَعَاد إِلَى أَن الْبَتَّةَ. انْتهى كَلَام ابْن جني. والبيتان من أَبْيَات سَبْعَة لجَعْفَر بن علبة الْحَارِثِيّ أوردهَا أَبُو تَمام فِي أول الحماسة وَهِي: (عجبت لمسراها وأنى تخلصت ... إِلَيّ وَبَاب السجْن دوني مغلق) (عجبت لمسراها وسرب أَتَت بِهِ ... بعيد الْكرَى كَادَت لَهُ الأَرْض تشرق) (ألمت فحيت ثمَّ قَامَت فودعت ... فَلَمَّا تولت كَادَت النَّفس تزهق) (فَلَا تحسبي أَنِّي تخشعت بعدكم ... لشَيْء وَلَا أَنِّي من الْمَوْت أفرق) (وَلَا أَن نَفسِي يزدهيها وعيدكم ... وَلَا أنني بِالْمَشْيِ فِي الْقَيْد أخرق) (وَلَكِن عرتني من هَوَاك ضمانة ... كَمَا كنت ألْقى مِنْك إِذْ أَنا مُطلق)

قَوْله: هواي مَعَ الركب ... إِلَخ أوردهُ الْقزْوِينِي فِي تَلْخِيص الْمِفْتَاح على أَن تَعْرِيف الْمسند إِلَيْهِ بِالْإِضَافَة لكَونه أخصر طَرِيق. قَالَ السعد فِي شَرحه: هواي أَي: مهويي وَهَذَا أخصر من الَّذِي أهواه وَنَحْو ذَلِك. والاختصار مَطْلُوب لضيق الْمقَام وفرط السَّآمَة لكَونه فِي السجْن وحبيبته على الرحيل. ومصعد: ذَاهِب فِي الأَرْض. والجنيب: المجنوب المستتبع. والجثمان: الشَّخْص. والموثق: الْمُقَيد. وَلَفظ الْبَيْت خبر وَمَعْنَاهُ تأسف وتحسر على بعد الحبيب. انْتهى. وَقَالَ أَمِين الدَّين الطبرسي فِي شرح الحماسة: الركب: جمع رَاكب مثل صحب جمع صَاحب والجثمان الْجِسْم قَالَه الْأَصْمَعِي.) وَمعنى الْبَيْت: هواي رَاحِلَة مبعدة مَعَ ركبان الْإِبِل القاصدين نَحْو الْيمن وبدني مُقَيّد بِمَكَّة. وَإِنَّمَا قَالَ هَذِه الأبيات لما كَانَ مَحْبُوسًا بِمَكَّة لدم كَانَ عَلَيْهِ لبني عقيل. وَذكر فِي هَذِه الأبيات صبره على الْبلَاء وَعدم خَوفه من الْمَوْت واستهانته بوعيد المتوعد وحذقه بمشي الْمُقَيد. - وَقَوله: عجبت لمسراها المسرى: مصدر ميمي بِمَعْنى السرى وَالضَّمِير لخيال الحبيبة وَهِي مُؤَنّثَة وَهِي وَإِن لم يجر لَهَا ذكر لَكِنَّهَا مَعْلُومَة من الْمقَام. وأنى مَعْنَاهُ كَيفَ أَو من أَيْن وتخلصت: توصلت. يَقُول: تعجبت من سير هَذِه الخيال وَمن توصلها إِلَيّ مَعَ هَذِه الْحَال وَهُوَ أَن بَاب السجْن مغلق عَليّ.

قَالَ ابْن جني فِي إِعْرَاب الحماسة: لَا يجوز عطف أَنى على مسراها لِأَن الِاسْتِفْهَام لَا يعْمل فِيهِ مَا قبله بل هِيَ مَنْصُوبَة بقوله: تخلصت وَتمّ الْكَلَام على قَوْله: عجبت لمسراها ثمَّ اسْتَأْنف كلَاما آخر بقوله: وأنى تخلصت أَي: وَمن أَيْن تخلصت. هَذَا وضع الْإِعْرَاب وَمُقْتَضى الصَّنْعَة فِيهِ. فَأَما حَقِيقَة الْمَعْنى فَكَأَنَّهُ قَالَ: عجبت لمسراها ولتخلصها إِلَيّ لِأَن الْعجب اشْتَمَل عَلَيْهِمَا جَمِيعًا. وَلَا يستنكر أَن يكون وضع الْإِعْرَاب مُخَالفا لمحصول الْمَعْنى. أَلا تراك تَقول: أهلك وَاللَّيْل فَمَعْنَاه الْحق أهلك قبل اللَّيْل وَإِعْرَابه على غير ذَلِك. انْتهى. وَقَوله: وسرب أَتَت بِهِ السرب بِالْكَسْرِ: الْجَمَاعَة من النِّسَاء يُرِيد نسَاء رآهن مَعهَا فِي نَومه. وأَتَت بِهِ أَي: بالسرب. وأشرقت الأَرْض: أَضَاءَت. وَقَوله: ألمت فحيت ... إِلَخ الْإِلْمَام: الزِّيَارَة الْخَفِيفَة. وحيت من التَّحِيَّة. وزهقت النَّفس: خرجت مسرعة. حكى حَال الخيال فَقَالَ: جاءتنا فَسلمت علينا ثمَّ لم تلبث إِلَّا قَلِيلا حَتَّى قَامَت وأعرضت فَلَمَّا تولت كَادَت النَّفس تخرج فِي أَثَرهَا. وَقَوله: فَلَا تحسبي أَنِّي. . إِلَخ هَذَا الْتِفَات من الْغَيْبَة إِلَى الْخطاب. وتخشع: تكلّف الْخُشُوع. والخشوع يكون فِي الصَّوْت وَالْبَصَر والخضوع فِي الْبدن. وَقَالَ ابْن جني: تخشعت بِمَعْنى خَشَعت وَقد جَاءَ تفعل بِمَعْنى فعل. وأفرق: أَخَاف وَفعله من بَاب فَرح. وَقَوله: وَلَا أَنا مِمَّن ... إِلَخ غَالب رِوَايَة الحماسة: وَلَا أَن نَفسِي

يزدهيها ... إِلَخ وَنبهَ شراحها على الرِّوَايَتَيْنِ. وازدهاه: استخفه من الزهو وَهُوَ الخفة. والأخرق الَّذِي لم يحسن) عمل شَيْء يُقَال: فلَان أخرق إِذا لم يحسن شَيْئا وَفُلَان صنع بِفتْحَتَيْنِ إِذا أحسن عمل كل شَيْء. يَقُول: لَا تظني أَن نَفسِي تستخف من الْوَعيد وَلَا أَنَّهَا تضجر من الْمَشْي فِي الْقَيْد. يستهين بِمَا اجْتمع عَلَيْهِ من الْحَبْس والقيد ويبجح بِالصبرِ على الشدائد. وبهذين الْبَيْتَيْنِ أدخلت هَذِه الأبيات فِي بَاب الحماسة. وَقَوله: وَلَكِن عرتني ... إِلَخ عراه يعروه: أَصَابَهُ وَنزل بِهِ. والضمانة: الزمانة وَهُوَ عدم الِاسْتِطَاعَة على النهوض وَالْقِيَام. قَالَ ابْن جني: يجوز أَن تعلق مِنْك بِنَفس عرتني فَلَا يكون فِيهَا ضمير وَلَا يجوز أَن تكون حَالا من ضمانة على أَنَّهَا صفة فِي الأَصْل لضمانة فَلَمَّا قدمت صَارَت حَالا فَفِيهَا إِذن ضمير لتعلقها بالمحذوف. وَأما الْكَاف فَيجوز أَن تكون وَصفا لضمانة فَتعلق بِمَحْذُوف وتتضمن ضميرها وَيجوز أَن تكون مَنْصُوبَة على الْمصدر أَي: عرتني ضمانة عرواً مثل مَا كَانَت تعروني وَأَنا مُطلق. أَي: لم ينسني مَا أَنا فِيهِ من الشدَّة مَا كنت عَلَيْهِ أَيَّام الرخَاء. فَيجْرِي هَذَا مجْرى قَوْلك: قُمْت فِي حَاجَتك كَمَا كنت أنهض بهَا. انْتهى. وروى: صبَابَة بدل ضمانة وَهِي رقة الشوق. قَالَ الطبرسي: والأجود حِينَئِذٍ أَن تكون مَا مَوْصُوفَة لَا مَوْصُولَة لِأَن الْقَصْد تَشْبِيه صبَابَة مَجْهُولَة بِمِثْلِهَا وَالتَّقْدِير: عرتني صبَابَة تشبه صبَابَة كَمَا كنت أكابدها فِيك زمن إطلاقي. وجَعْفَر بن علبة بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون اللَّام بعْدهَا مُوَحدَة يَنْتَهِي نسبه إِلَى كَعْب بن الْحَارِث. والْحَارث: قَبيلَة من الْيمن. قَالَ الْأَصْفَهَانِي فِي

الأغاني: ويكنى جَعْفَر أَبَا عَارِم بِولد لَهُ. وَهُوَ من مخضرمي الدولتين الأموية والعباسية. وجعفر شَاعِر مقل غزل فَارس مَذْكُور فِي قومه. - وَقتل جَعْفَر فِي قصاص اخْتلف فِي سَببه على ثَلَاثَة أَقْوَال ثَالِثهَا: أَنه كَانَ يزور نسَاء من عقيل بن كَعْب وَكَانُوا متجاورين هم وَبَنُو الْحَارِث. فَأَخَذته عقيل وكشفوا عَوْرَته وكتفوه وضربوه بالسياط ثمَّ أَقبلُوا بِهِ إِلَى النسْوَة اللَّاتِي كَانَ يتحدث إلَيْهِنَّ ليغيظوهن ويفضحوه عِنْدهن فَقَالَ لَهُم: يَا قوم لَا تَفعلُوا فَإِن هَذَا الْفِعْل مثلَة) وَأَنا أَحْلف لكم أَن لَا أَزور بُيُوتكُمْ أبدا. فَلم يقبلُوا مِنْهُ فَقَالَ لَهُم: حسبكم مَا مضى ومنوا عَليّ بالكف عني فَإِنِّي أعده نعْمَة لكم لَا أكفرها أبدا أَو فاقتلوني وأريحوني فَأَكُون رجلا آذَى قومه فِي دَارهم فَقَتَلُوهُ. فَلم يَفْعَلُوا. وَجعلُوا يكشفون عَوْرَته بَين أَيدي النِّسَاء ويضربونه ويغرون بِهِ سفهاءهم حَتَّى شفوا أنفسهم مِنْهُ ثمَّ خلوا سَبيله فَلم تمض إِلَّا أَيَّام قَليلَة حَتَّى عَاد جَعْفَر وَمَعَهُ صاحبان لَهُ فَدفع رَاحِلَته حَتَّى أولجها الْبيُوت ثمَّ مضى. فَلَمَّا كَانَ فِي نقرة من الرمل أَنَاخَ هُوَ وصاحباه وَكَانَت عقيل أقفى خلق الله لأثر فتبعوه حَتَّى انْتَهوا إِلَيْهِ وَلَيْسَ مَعَهم سلَاح وَلَا عَصا فَوَثَبَ عَلَيْهِم جَعْفَر وصاحباه بِالسُّيُوفِ فَقتلُوا مِنْهُم رجلا وجرحوا آخر وافترقوا. فاستعدت عَلَيْهِم عقيل السّري بن عبد الله الْهَاشِمِي عَامل الْمَنْصُور على مَكَّة فأحضرهم وحبسهم وأقاد من الْجَارِح ودافع عَن جَعْفَر وَكَانَ يحب أَن يدْرَأ عَنهُ الْحَد لخؤولة السفاح فِي بني الْحَارِث وَلِأَن أُخْت جَعْفَر كَانَت تَحت السّري وَكَانَت حظيةً عِنْده إِلَى أَن قَامُوا عِنْده قسَامَة أَنه قتل صَاحبهمْ وتوعدوه بِالْخرُوجِ إِلَى أبي جَعْفَر الْمَنْصُور والتظلم

(الشاهد الرابع والخمسون بعد الثمانمائة)

إِلَيْهِ فَحِينَئِذٍ دَعَا جَعْفَر وأقاد مِنْهُ. فَلَمَّا خرج جَعْفَر إِلَى الْقود انْقَطع شسع نَعله فَوقف فأصلحه فَقَالَ لَهُ رجل: مَا يشغلك عَن هَذَا مَا أَنْت فِيهِ فَقَالَ: (أَشد قبال نَعْلي أَن يراني ... عدوي للحوادث مستكينا) وَهن أبي عُبَيْدَة أَنه قَالَ: لما قتل جَعْفَر قَامَ نسَاء الْحَيّ يبْكين عَلَيْهِ وَقَامَ أَبوهُ إِلَى كل شَاة وناقة فَنحر أَوْلَادهَا وَأَلْقَاهَا بَين أيديها وَقَالَ: ابكين مَعنا على جَعْفَر. فَمَا زَالَت النوق ترغو والشياه تثغو وَالنِّسَاء يصحن ويبكين وَهُوَ يبكي مَعَهُنَّ فَمَا رئي يَوْم كَانَ أوجع وأحرق مأتماً وَأطَال صَاحب الأغاني تَرْجَمته وَفِي هَذَا الْقدر كِفَايَة. وَأنْشد بعده (الشَّاهِد الرَّابِع وَالْخَمْسُونَ بعد الثَّمَانمِائَة) وَهُوَ من شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ: (فَمن يَك أَمْسَى بِالْمَدِينَةِ رَحْله ... فَإِنِّي وقيار بهَا لغريب) على أَن قَوْله: قيار مُبْتَدأ: حذف خَبره وَالْجُمْلَة اعتراضية بَين اسْم إِن وخبرها وَالتَّقْدِير: فَإِنِّي وقيار بهَا كَذَلِك لغريب. - وَإِنَّمَا لم يَجْعَل الْخَبَر لقيار وَيكون خبر إِن محذوفاً لِأَن اللَّام لَا تدخل فِي خبر الْمُبْتَدَأ حَتَّى يقدم نَحْو: لقائم زيد. وَكَذَلِكَ الصابئون فِي الْآيَة مُبْتَدأ خَبره مَحْذُوف الْجُمْلَة اعْتِرَاض كَذَلِك كَمَا قَرَّرَهُ الشَّارِح.

وَهَذَا تَخْرِيج لَهُ خلاف مَذْهَب سِيبَوَيْهٍ فَإِن الْجُمْلَة عِنْده فِي نِيَّة التَّأْخِير وَهِي معطوفة لَا مُعْتَرضَة كَمَا تقدم نَصه وإيضاحه فِي كَلَام الْكَشَّاف. وَكَأَنَّهُ عدل عَنهُ لِئَلَّا يلْزم تَقْدِيم الْجُمْلَة المعطوفة على بعض الْجُمْلَة الْمَعْطُوف عَلَيْهَا كَمَا أوردهُ عَلَيْهِ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي. وَجوز السيرافي أَن يكون الْخَبَر للصائبين وَيكون خبر إِن محذوفاً كَمَا تقدم عَنهُ. وَأورد عَلَيْهِ أَيْضا ابْن هِشَام بِأَن فِيهِ الْحَذف من الأول لدلَالَة الثَّانِي وَإِنَّمَا الْكثير الْعَكْس. وَذهب الْفراء إِلَى أَن الصابئون مَعْطُوف على اسْم إِن فيشاركه فِي الْخَبَر فَهُوَ من عطف مُفْرد على مُفْرد وَهَذَا نَصه فِي تَفْسِير الْآيَة وَقَالَ: وَأما الصابئون فَإِن رَفعه على أَن عطف على الَّذين وَالَّذين حرف على جِهَة وَاحِدَة فِي رَفعه ونصبه وخفضه فَلَمَّا كَانَ إعرابه وَاحِدًا وَكَانَ نصب إِن ضَعِيفا وَضَعفه أَنه يَقع على الِاسْم وَلَا يَقع على خَبره جَازَ رفع الصابئين. وَلَا أستحب أَن أَقُول: إِن عبد الله وَزيد قائمان لتبين الْإِعْرَاب فِي عبد الله. وَقد كَانَ الْكسَائي يُجِيزهُ لضعف غن. وَقد أنشدوا هَذَا الْبَيْت رفعا ونصباً: (فَمن يَك أَمْسَى بِالْمَدِينَةِ رَحْله ... فَإِنِّي وقياراً بهَا لغريب) وقيار. وَلَيْسَ هَذَا بِحجَّة للكسائي فِي إِجَازَته: إِن عمرا وَزيد قائمان لِأَن قياراً قد عطف على اسْم مكني عَنهُ والمكني لَا إِعْرَاب لَهُ فسهل ذَلِك كَمَا سهل فِي الَّذين إِذا عطفت عَلَيْهِ الصابئون. وَهَذَا أقوى فِي الْجَوَاز من الصابئون لِأَن المكني لَا يتَبَيَّن فِيهِ الرّفْع فِي حَال. وَالَّذين قد يُقَال) - وأنشدني: ...

(وَإِلَّا فاعلموا أَنا وَأَنْتُم ... بغاة مَا حيينا فِي شقَاق) وَقَالَ آخر: (يَا لَيْتَني وَأَنت يَا لميس ... بِبَلَد لَيْسَ بِهِ أنيس) وأنشدني بَعضهم: (يَا لَيْتَني وهما نخلو بِمَنْزِلَة ... حَتَّى يرى بَعْضنَا بَعْضًا ونأتلف) قَالَ الْكسَائي: نرفع الصابئون على إتباعه الِاسْم الَّذِي فِي هادوا ونجعله من قَوْله: إِنَّا هدنا إِلَيْك لَا من الْيَهُودِيَّة. وَجَاء التَّفْسِير بِغَيْر ذَلِك لِأَنَّهُ وصف الَّذين آمنُوا بأفواههم وَلم تؤمن قُلُوبهم ثمَّ ذكر الْيَهُود وَالنَّصَارَى فَقَالَ: من آمن مِنْهُم فَلهُ كَذَا فجعلهم يهوداً ونصارى. انْتهى كَلَام الْفراء. قَالَ الزّجاج فِي تَفْسِير الْآيَة بعد أَن نقل مَذْهَب الْكسَائي وَالْفراء: هَذَا التَّفْسِير إقدام عَظِيم على كتاب الله وَذَلِكَ أَنهم زَعَمُوا أَن نصب إِن ضَعِيف لِأَنَّهَا إِنَّمَا تغير الِاسْم وَلَا تغير الْخَبَر. وَهَذَا غلط لِأَن إِن قد عملت عملين: الرّفْع وَالنّصب وَلَيْسَ فِي الْعَرَبيَّة ناصب لَيْسَ مَعَه مَرْفُوع لِأَن كل مَنْصُوب مشبه بالمفعول وَالْمَفْعُول لَا يكون بِغَيْر فَاعل إِلَّا فِيمَا لم يسم فَاعله. وَكَيف يكون نصب إِن ضَعِيفا وَهِي تَتَخَطَّى الظروف فتنصب مَا بعْدهَا نَحْو: إِن فِيهَا قوما جبارين وَنصب إِن من أقوى المنصوبات. - وَقَالَ الْكسَائي: الصابئون نسق

على مَا فِي هادوا كَأَنَّهُ قَالَ: هادوا هم والصابئون. وَهَذَا القَوْل خطأ من جِهَتَيْنِ: إِحْدَاهمَا: أَن الصَّابِئ لَا يُشَارك الْيَهُودِيّ فِي الْيَهُودِيَّة. وَإِن ذكر أَن هادوا فِي معنى تَابُوا فَهَذَا خطأ فِي هَذَا الْموضع أَيْضا لِأَن معنى الَّذين آمنُوا هَاهُنَا إِنَّمَا هُوَ إِيمَان بأفواههم لِأَنَّهُ يعْنى بِهِ المُنَافِقُونَ. وَقَالَ سِيبَوَيْهٍ والخليل وَجَمِيع الْبَصرِيين: إِن الصابئين مَحْمُول على التَّأْخِير ومرفوع بِالِابْتِدَاءِ الْمَعْنى: إِن الَّذين آمنُوا وَالَّذين هادوا من آمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر فَلَا خوف عَلَيْهِم والصابئون وَالنَّصَارَى كَذَلِك أَيْضا. وأنشدوا فِي ذَلِك قَول الشَّاعِر: وَإِلَّا فاعلموا أَنا وَأَنْتُم الْبَيْت) الْمَعْنى: أَنا بغاة وَأَنْتُم أَيْضا كَذَلِك. وَزعم سِيبَوَيْهٍ أَن قوما من الْعَرَب يغلطون فَيَقُولُونَ: إِنَّهُم أَجْمَعُونَ ذاهبون وَإنَّك وَزيد ذاهبان. فَجعل سِيبَوَيْهٍ هَذَا غَلطا وَجعله كَقَوْل الشَّاعِر: انْتهى كَلَام الزّجاج. وَمُرَاد سِيبَوَيْهٍ بالغلط توهم عدم ذكر إِن لَا حَقِيقَة الْغَلَط. كَيفَ وَهُوَ الْقَائِل إِن الْعَرَب لَا تطاوعهم ألسنتهم فِي اللّحن وَالْخَطَأ كَمَا نقل عَنهُ فِي الْمَسْأَلَة الزنبورية. قَالَ الشاطبي فِي شرح الألفية: يَعْنِي سِيبَوَيْهٍ أَنهم توهموا أَن لَيْسَ ثمَّ إِن حَتَّى كَأَنَّهُمْ قَالُوا: هم أَجْمَعُونَ ذاهبون وَأَنت وَزيد ذاهبان. وَأنس بِهَذَا عدم ظُهُور الْإِعْرَاب فِي اسْم إِن فِي الْمَوْضِعَيْنِ. وَالدَّلِيل على صِحَة هَذَا أَنه لم

يَجِيء فِيمَا ظهر فِيهِ الْإِعْرَاب نَحْو: إِن زيدا وَعَمْرو قائمان إِذْ لَو كَانَ الرّفْع على غير التَّوَهُّم لَكَانَ خليقاً أَن يَجِيء مَعَ ظُهُوره. فَلَمَّا لم يكن كَذَلِك دلّ على أَنهم اعتقدوا أَن الْمَنْصُوب مَرْفُوع فَعَطَفُوا على اللَّفْظ كَمَا قَالَ الشَّاعِر: وَلَا سَابق شَيْئا بالخفض مُتَوَهمًا أَنه قَالَ: لست بمدرك مَا مضى فَلذَلِك جعله سِيبَوَيْهٍ من بَاب الْغَلَط. وَالله أعلم. انْتهى. وَكَذَا فِي الْمُغنِي لِابْنِ هِشَام قَالَ: أُجِيب عَنهُ بأمرين: أَحدهمَا: أَنه عطف على توهم عدم ذكر إِن. وَالثَّانِي: أَنه تَابع لمبتدأ مَحْذُوف أَي: إِنَّك أَنْت وَزيد ذاهبان. وَعَلَيْهِمَا خرج قَوْلهم: إِنَّهُم أَجْمَعُونَ ذاهبون. انْتهى. وَفِي أمالي الزجاجي الصُّغْرَى: أخبرنَا أَبُو جَعْفَر أَحْمد بن مُحَمَّد بن رستم الطَّبَرِيّ قَالَ: أخبرنَا أَبُو عُثْمَان الْمَازِني قَالَ: قَرَأَ مُحَمَّد بن سُلَيْمَان الْهَاشِمِي وَهُوَ أَمِير الْبَصْرَة على الْمِنْبَر: إِن الله وَمَلَائِكَته يصلونَ على النَّبِي بِالرَّفْع فَعلم أَنه قد لحن فَبعث إِلَى النَّحْوِيين وَقَالَ لَهُم: خَرجُوا لَهُ وَجها. فَقَالُوا: نعطف بِهِ على مَوضِع إِن لِأَنَّهَا دَاخِلَة على الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر. فَأحْسن صلتهم وَلم يرجع عَنْهَا لِئَلَّا يُقَال: لحن الْأَمِير. وَأخْبرنَا أَبُو إِسْحَاق الزّجاج قَالَ: أخبرنَا أَبُو الْعَبَّاس الْمبرد عَن الْمَازِني قَالَ: حَدثنِي الْأَخْفَش قَالَ: كَانَ أَمِير فِي الْبَصْرَة يقْرَأ على الْمِنْبَر: إِن الله وَمَلَائِكَته يصلونَ على النَّبِي بِالرَّفْع فصرت إِلَيْهِ ناصحاً لَهُ ومنبهاً فتهددني وأوعدني وَقَالَ: تلحنون أمراءكم ثمَّ عزل وتقلد مُحَمَّد بن) سُلَيْمَان

الْهَاشِمِي فَكَأَنَّهُ تلقنها من فِي الْمَعْزُول فَقلت: هَذَا هاشمي نصيحته وَاجِبَة فجبنت عَنهُ وخشيت أَن يتلقاني بِمثل مَا تَلقانِي بِهِ الأول. - ثمَّ حملت على نَفسِي فَأَتَيْته فَإِذا هُوَ فِي غرفَة لَهُ وَعِنْده أَخُوهُ والغلمان على رَأسه فَقلت: هَذَا. وأومأت إِلَى أَخِيه فَنَهَضَ أَخُوهُ وتفرق الغلمان فَقلت: أصلح الله الْأَمِير أَنْتُم أهل بَيت النُّبُوَّة ومعدن الرسَالَة والفصاحة وتقرأ: إِن الله وَمَلَائِكَته بِالرَّفْع وَهُوَ لحن وَلَا وَجه لَهُ فَقَالَ: جَزَاك الله خيرا قد نبهت وَنَصَحْت فَانْصَرف مشكوراً. فَانْصَرَفت فَلَمَّا صرت فِي نصف الدرجَة إِذا قَائِل يَقُول لي: قف. فوقفت وَخفت أَن يكون أَخُوهُ أغراه بِي فَإِذا بغلة سفواء وَغُلَام وبدرة وتخت ثِيَاب وَقَائِل يَقُول: هَذَا لَك قد أَمر بِهِ الْأَمِير. فَانْصَرَفت مغتبطاً. انْتهى كَلَامه. هَذَا وَقد أنْشد سِيبَوَيْهٍ الْبَيْت بِنصب قيار وَأوردهُ فِي بَاب التَّنَازُع من أول الْكتاب مستشهداً بِهِ لتقوية مَا جَازَ من حذف الْمَفْعُول الَّذِي هُوَ فضلَة مُسْتَغْنى عَنْهَا فِي قَوْلهم: ضربت وضربني زيد. قَالَ السيرافي: يجوز أَن يكون لغريب خبر إِنِّي وَخبر قيار محذوفاً. وَيجوز الْعَكْس. انْتهى. وَكَذَلِكَ أوردهُ أَبُو زيد فِي نوادره بِالنّصب لَا غير. قَالَ السكرِي: أَرَادَ: فَإِنِّي لغريب وَإِن قياراً أَيْضا لغريب. وَلَو قَالَ لغريبان كَانَ أَجود. قَالَ أَبُو عمر:

بَعضهم ينشد فَإِنِّي وقيار بِالرَّفْع وَالنّصب أَجود كَأَنَّهُ أَرَادَ فَإِنِّي لغريب وقيار ثمَّ قدم هَذَا بعد مَا كَانَ مَوْضِعه التَّأْخِير. فعلى هَذَا يجوز الرّفْع. انْتهى مَا فِي نَوَادِر أبي زيد. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الْمبرد فِي الْكَامِل بِالنّصب وَقَالَ: فَإِن وقياراً بهَا لغريب أَرَادَ: فَإِنِّي لغريب بهَا وقياراً. وَلَو رفع لَكَانَ جيدا. تَقول: إِن زيدا منطلق وعمراً وَعَمْرو. انْتهى. - وَاعْلَم أَن الْعَيْنِيّ قد خبط هُنَا وخلط فَإِن ابْن هِشَام أنْشد الْبَيْت فِي شرح الألفية بِالرَّفْع وَهُوَ قَوْله: فَإِنِّي الضَّمِير اسْم إِن وخبرها مَحْذُوف. وَيُقَال لغريب خبر إِنِّي وقيار مُبْتَدأ وَخَبره مَحْذُوف. وَيُقَال: لغريب خبر عَن الاسمين جَمِيعًا لِأَن فعيلاً يخبر بِهِ عَن الْوَاحِد فَمَا فَوْقه نَحْو: وَالْمَلَائِكَة بعد ذَلِك ظهير. ورده شيخ شَيْخي الخلخالي بِأَنَّهُ لَا يكون للاثنين وَإِن كَانَ يجوز كَونه للْجمع. وَكَذَلِكَ قَالَ فِي فعول فَقَالَ: لَا يُقَال رجلَانِ صبور وَإِن صَحَّ فِي الْجمع. وَقد قيل فِي قَوْله تَعَالَى: عَن الْيَمين) وَعَن الشمَال قعيد إِن المُرَاد قعيدان. ثمَّ كَلَامه يُوهم أَن ذَلِك يُقَال بِالْقِيَاسِ وَلَيْسَ كَذَلِك وَإِنَّمَا الْمَانِع فِي الْبَيْت من أَن يكون غَرِيب خَبرا عَن الاسمين هُوَ لُزُوم توارد عاملين على الْخَبَر وَإِنَّمَا يَصح هَذَا على رَأْي الْكُوفِيّين. هَذَا كَلَامه. وَقَوله: خبر إِن مَحْذُوف هَذَا أحد وَجْهي مَا جوزه السيرافي فِي رِوَايَة النصب كَمَا تقدم. وَأما على رِوَايَة الرّفْع فَيتَعَيَّن جعل قَوْله: لغريب خبر إِنِّي وَلَا يجوز أَن يكون خَبرا لقيار لِأَن خبر الْمُبْتَدَأ لَا يجوز أَن يقْتَرن بِاللَّامِ إِلَّا إِذا تقدم على

الْمُبْتَدَأ نَحْو: لقائم زيد. وَقَوله: وَيُقَال لغريب خبر عَن الاسمين جَمِيعًا هَذَا إِنَّمَا يتَصَوَّر على رِوَايَة نصب قيار لَا على رِوَايَة رَفعه. وَفِي بَقِيَّة كَلَامه مَا لَا يخفى على المتأمل. وَهَذَا الْبَيْت أوردهُ صَاحب تَلْخِيص الْمِفْتَاح فِي أول بَاب الْمسند على أَنه قد يحذف الْمسند لقصد الِاخْتِصَار والاحتراز عَن الْعَبَث فِي الظَّاهِر مَعَ ضيق الْمقَام بِسَبَب التحسر ومحافظة الْوَزْن. وَهَذِه النُّكْتَة تجْرِي فِيهِ على رِوَايَة نصب قيار وَرَفعه فَلَا يَنْبَغِي قصرهَا على رِوَايَة الرّفْع كَمَا صنع السعد فِي المطول وَتَبعهُ العباسي فِي معاهد التَّنْصِيص وَكَأَنَّهُ لم تبلغهما رِوَايَة النصب. - وَلَفظ الْبَيْت خبر وَمَعْنَاهُ التحسر على الغربة والتوجع من الْكُرْبَة. وقيار بِفَتْح الْقَاف وَتَشْديد الْمُثَنَّاة التَّحْتِيَّة قَالَ أَبُو زيد فِي نوادره: هُوَ اسْم جملَة. وَنقل عَن الْخَلِيل أَنه اسْم فرس لَهُ غبراء وَإِلَيْهِ ذهب أَبُو مُحَمَّد الْأَعرَابِي فِي فرحة الأديب وَقَالَ: هُوَ الْفرس الَّذِي أوطأه ضابئ بعض صبيان أهل الْمَدِينَة حِين أَخذه عُثْمَان وحبسه. وَقيل: اسْم رجل. قَالَه الْعَيْنِيّ. والسر فِي تَقْدِيمه على الْأَوَّلين قصد التَّسْوِيَة بَينهمَا فِي التحسر على الاغتراب كَأَنَّهُ أثر فِي غير ذَوي الْعُقُول أَيْضا. وَلَو قَالَ: إِنِّي غَرِيب وقيار لجَاز أَن يتَوَهَّم أَن لَهُ مزية على قيار فِي التأثر عَن الغربة لِأَن ثُبُوت الحكم أَولا أقوى فقدمه لذَلِك. قَالَه السعد.

من يَك أَمْسَى بِالْمَدِينَةِ رهطه بِدُونِ الْفَاء فِي أَوله على الخرم بالراء الْمُهْملَة. وَكَذَا رِوَايَة الْمبرد فِي الْكَامِل. وَهُوَ أول أَبْيَات) لضابئ بن الْحَارِث البرجمي قَالَهَا وَهُوَ مَحْبُوس بِالْمَدِينَةِ فِي زمن عُثْمَان بن عَفَّان رَضِيَ اللَّهُ عَنْه. وَبعده أَبْيَات ثَلَاثَة أوردهَا الْمبرد فِي الْكَامِل وَهِي: (وَمَا عاجلات الطير تدني من الْفَتى ... نجاحاً وَلَا عَن ريثهن يخيب) (وَرب أُمُور لَا تضيرك ضيرةً ... وللقلب من مخشاتهن وجيب) (وَلَا خير فِيمَن لَا يوطن نَفسه ... على نائبات الدَّهْر حِين تنوب) وَزَاد بعْدهَا بَيْتا ابْن قُتَيْبَة فِي تَرْجَمَة قَائِلهَا من كتاب الشُّعَرَاء وَهُوَ: (وَفِي الشَّك تَفْرِيط وَفِي الحزم قُوَّة ... ويخطئ الْفَتى فِي حدسه ويصيب) وَزَاد بعده بَيْتا أَبُو تَمام فِي مُخْتَار أشعار الْقَبَائِل وَهُوَ: (وَلست بمستبق صديقا وَلَا أَخا ... إِذا لم تعد الشَّيْء وَهُوَ يريب) قَوْله: أَمْسَى بِالْمَدِينَةِ رَحْله الرحل: الْمنزل. وَرُوِيَ: رهطه رَهْط الرجل: قومه وقبيلته الأقربون. وَقَوله: وَمَا عاجلات الطير ... إِلَخ قَالَ الْمبرد فِي الْكَامِل: يَقُول: إِذا لم تعجل لَهُ طير سانحة فَلَيْسَ ذَلِك بمبعد خَبرا عَنهُ وَلَا إِذا أَبْطَأت خَابَ فعاجلها لَا يَأْتِيهِ بِخَير وآجلها لَا يدْفع عَنهُ إِنَّمَا لَهُ مَا قدر لَهُ. وَالْعرب تزجر على السانح وتتبرك بِهِ وَتكره البارح وتتشاءم بِهِ. والسانح: مَا أَرَاك

مياسره فَأمكن الصَّائِد. والبارح: مَا أَرَاك ميامنه فَلم يُمكن الصَّائِد إِلَّا أَن يتحرف لَهُ. قَالَ الشَّاعِر: (لَا يعلم الْمَرْء لَيْلًا مَا يصبحه ... إِلَّا كواذب مِمَّا يخبر الفال) (والفال والزجر والكهان كلهم ... مضللون وَدون الْغَيْب أقفال) انْتهى. - وَقَالَ ابْن خلف: إِذا خرج الْإِنْسَان من منزله فَأَرَادَ أَن يزْجر الطير فَمَا مر بِهِ فِي أول مَا يبصر فَهُوَ عاجلات الطير. وَإِن أَبْطَأت عَنهُ وانتظرها فقد راثت أَي: أَبْطَأت. وَالْأول عِنْدهم مَحْمُود وَالثَّانِي مَذْمُوم. يَقُول: لَيْسَ النجح بِأَن يعجل الطَّائِر الطيران كَمَا يَقُول الَّذين يزجرون الطير وَلَا الخيبة فِي إبطائها. وَهَذَا رد على مَذْهَب الْأَعْرَاب.) وَقَوله: وَرب أُمُور لَا تضيرك ... إِلَخ قَالَ الْمبرد: تَقول ضاره يضيره ضيرة وَلَا ضير عَلَيْهِ وَيُقَال: أَصَابَهُ ضرّ بِالضَّمِّ وأصابه ضرّ بِمَعْنى. والضر بِالْفَتْح: مصدر والضر بِالضَّمِّ: اسْم. وَقد يكون الضّر من الْمَرَض والضر عَاما. وَهَذَا معنى حسن. وَقد قَالَ أحد الْمُحدثين وَهُوَ أَبُو الْعَتَاهِيَة: (وَقد يهْلك الْإِنْسَان من بَاب أَمنه ... وينجو بِإِذن الله من حَيْثُ يحذر) وَقَالَ الله عَزَّ وَجَلَّ: فَعَسَى أَن تكْرهُوا شَيْئا وَيجْعَل الله فِيهِ خيرا كثيرا. انْتهى.

(الشاهد الخامس والخمسون بعد الثمانمائة)

والمخشاة: مصدر ميمي بِمَعْنى الخشية وَهِي الْخَوْف. والوجيب: السُّقُوط والخفقان وَالِاضْطِرَاب. وَقَوله: وَلَا خير فِيمَن لَا يوطن نَفسه قَالَ الْمبرد: نَظِيره قَول كثير: (أَقُول لَهَا يَا عز كل مُصِيبَة ... إِذا وطنت يَوْمًا لَهَا النَّفس ذلت) وَكَانَ عبد الْملك بن مَرْوَان يَقُول: لَو كَانَ هَذَا الْبَيْت فِي صفة الْحَرْب لَكَانَ أشعر النَّاس. وَحكي عَن بعض الصَّالِحين أَن ابْنا لَهُ مَاتَ فَلم ير بِهِ جزع فَقيل لَهُ فِي ذَلِك فَقَالَ: هَذَا أَمر كُنَّا نتوقعه فَلَمَّا وَقع لم ننكره. وَقَوله: إِذا لم تعد الشَّيْء أَي: إِذا لم تتعده وتتجاوزه. ويريب من أراب الشَّيْء إِذا أوقع فِي رِيبَة وشبهة. وَأنْشد بعده (الشَّاهِد الْخَامِس وَالْخَمْسُونَ بعد الثَّمَانمِائَة) أم الْحُلَيْس لعجوز شهربه

على أَنه دُخُول اللَّام على خبر الْمُبْتَدَأ الْمُؤخر مُجَردا من إِن كَمَا هُنَا. وَقدر بَعضهم: لهي عَجُوز لتَكون فِي التَّقْدِير دَاخِلَة على الْمُبْتَدَأ. قَالَ ابْن السراج فِي الْأُصُول: قَالَ أَبُو عُثْمَان: وَقَرَأَ سعيد بن جُبَير: إِلَّا أَنهم ليأكلون الطَّعَام فتح أَن وَجعل اللَّام زَائِدَة كَمَا زيدت فِي قَوْله: (أم الْحُلَيْس لعجوز شهربه ... ترْضى من اللَّحْم بِعظم الرقبه) انْتهى. وَعند ابْن جني غير زَائِدَة لَكِنَّهَا فِي الْبَيْت ضَرُورَة. قَالَ فِي سر الصِّنَاعَة: وَأما الضَّرُورَة الَّتِي تدخل لَهَا اللَّام فِي غير خبر إِن فَمن ضرورات الشّعْر وَلَا يُقَاس عَلَيْهَا. وَالْوَجْه أَن يُقَال: لأم الْحُلَيْس عَجُوز شهربه كَمَا يُقَال: لزيد قَائِم. وَقَالَ الآخر: فَهَذَا يحْتَمل أَمريْن: أَحدهمَا: أَن يكون أَرَادَ: لخالي أَنْت فَأخر اللَّام إِلَى الْخَبَر ضَرُورَة. وَالْآخر: أَن يكون أَرَادَ: لأَنْت خَالِي فَقدم الْخَبَر على الْمُبْتَدَأ وَإِن كَانَت فِيهِ اللَّام ضَرُورَة. وَأَخْبرنِي أَبُو عَليّ أَن أَبَا الْحسن حكى: إِن زيدا وَجهه لحسن. فَهَذِهِ أَيْضا ضَرُورَة. وَرُبمَا أدخلوها فِي خبر أَن الْمَفْتُوحَة أخبرنَا عَليّ بن مُحَمَّد يرفعهُ بِإِسْنَادِهِ إِلَى قطرب: (ألم تكن حَلَفت بِاللَّه الْعلي ... أَن مطاياك لمن خير الْمطِي)

وَالْوَجْه هُنَا كسر إِن لنزول الضَّرُورَة إِلَّا أَنا سمعناها مَفْتُوحَة الْهمزَة. انْتهى. وَكَذَا عد هَذَا ابْن عُصْفُور من الضرائر مَعَ أَنه أورد الْآيَة وَمَا حَكَاهُ أَبُو الْحسن الْأَخْفَش وجعلهما من الشاذ. وَأما التَّخْرِيج على إِضْمَار الْمُبْتَدَأ فَلم يرتضه ابْن جني لما فِيهِ من الْجمع بَين حذف الْمُؤَكّد وتوكيده. قَالَ بعد مَا نقلنا عَنهُ: وَأخْبرنَا أَبُو عَليّ أَن أَبَا إِسْحَاق ذهب فِي قَوْله تَعَالَى: إِن هَذَانِ لساحران إِلَى أَن إِن بِمَعْنى نعم وَهَذَانِ مَرْفُوع بِالِابْتِدَاءِ وَأَن اللَّام فِي لساحران دَاخِلَة فِي) موضعهَا على غير ضَرُورَة وَالتَّقْدِير على هَذَا: نعم هَذَانِ لَهما ساحران. وَحكي عَن أبي إِسْحَاق أَنه قَالَ: هَذَا الَّذِي عِنْدِي فِيهِ. وَالله أعلم. وَكنت عرضته على عالمنا مُحَمَّد بن يزِيد وعَلى إِسْمَاعِيل بن إِسْحَاق فقبلاه وذكرا أَنه أَجود مَا سمعناه. وَاعْلَم أَن هَذَا الَّذِي رَوَاهُ أَبُو إِسْحَاق فِي هَذِه الْمَسْأَلَة مَدْخُول غير صَحِيح وَأَنا أذكرهُ لتقف مِنْهُ على مَا فِي قَوْله. وَوجه الْخَطَأ فِيهِ أَن هما المحذوفة الَّتِي قدرهَا مَرْفُوعَة بِالِابْتِدَاءِ لم تحذف إِلَّا بعد الْعلم بهَا والمعرفة بموضعها. وَكَذَلِكَ كل مَحْذُوف لَا يحذف إِلَّا مَعَ الْعلم بِهِ وَلَوْلَا ذَلِك لَكَانَ فِي حذفه مَعَ الْجَهْل بمكانه ضرب من تَكْلِيف علم الْغَيْب للمخاطب. وَإِذا كَانَ مَعْرُوفا فقد استغني بمعرفته عَن تأكيده بِاللَّامِ. أَلا ترى أَنه يقبح أَن تَأتي بالمؤكد وتترك

الْمُؤَكّد فَلَا تَأتي بِهِ أَو لَا ترى أَن التَّأْكِيد من مَوَاضِع الإسهاب والإطناب والحذف من مَوَاضِع الِاكْتِفَاء والاختصار فهما إِذن لما ذكرت من ذَلِك ضدان لَا يجوز أَن يشْتَمل عَلَيْهِمَا عقد كَلَام. ويزيدك وضوحاً امْتنَاع أَصْحَابنَا من تَأْكِيد الضَّمِير الْمَحْذُوف الْعَائِد على الْمُبْتَدَأ فِي نَحْو: زيد ضربت فِيمَن أجَازه فَلَا يجيزون: زيد ضربت نَفسه على أَن تجْعَل النَّفس توكيداً للهاء المرادة فِي ضَربته لِأَن الْحَذف لَا يكون إِلَّا بعد التحقق وَالْعلم وَإِذا كَانَ ذَلِك كَذَلِك فقد استغني عَن تأكيده. ويؤكد عنْدك مَا ذكرت لَك أَن أَبَا عُثْمَان وَغَيره من النَّحْوِيين حملُوا قَول الشَّاعِر: ام الْحُلَيْس لعجوز شهربه على أَن الشَّاعِر أَدخل اللَّام على الْخَبَر ضَرُورَة. وَلَو كَانَ مَا ذهب إِلَيْهِ أَبُو إِسْحَاق جَائِزا لما عدل عَنهُ النحويون وَلَا حملُوا الْكَلَام على الِاضْطِرَار إِذا وجدوا لَهُ وَجها ظَاهرا قَوِيا. وَحذف الْمُبْتَدَأ وَإِن كَانَ سائغاً فِي مَوَاضِع كَثِيرَة فَإِنَّهُ إِذا نقل عَن أول الْكَلَام قبح حذفه. أَلا ترى إِلَى ضعف قِرَاءَة من قَرَأَ: تَمامًا على الَّذِي أحسن قَالُوا: وَوجه قبحه انه حذف الْمُبْتَدَأ فِي مَوضِع الْإِيضَاح وَالْبَيَان لِأَن الصِّلَة وَقعت فِي الْكَلَام فَغير لَائِق بِهِ الْحَذف. وَإِذا طَال الْكَلَام جَازَ فِيهِ من الْحَذف مَا لَا يجوز فِيهِ إِذا قصر.) أَلا ترى إِلَى مَا حَكَاهُ الْخَلِيل من قَوْلهم: مَا أَنا بِالَّذِي قَائِل لَك شَيْئا. وَلَو قلت: مَا أَنا بِالَّذِي قَائِم لقبح. انْتهى.

وَذهب صَاحب اللّبَاب إِلَى أَن اللَّام إِنَّمَا دخلت على الْخَبَر لتوهم ذكر إِن فَكَأَنَّهُ قيل: إِن أم الْحُلَيْس. وَهَذَا الْبَيْت نسبه الصَّاغَانِي فِي الْعباب إِلَى عنترة بن عروس قَالَ فِي مَادَّة شهرب: الشهربة: الْعَجُوز الْكَبِيرَة مثل الشهبرة. قَالَ عنترة بن عروس: أم الْحُلَيْس الْبَيْت. قَالَ بعض النَّاس: اللَّام مقحمة فِي لعجوز. وَأنْشد الْآمِدِيّ فِي تَرْجَمَة عنترة هَذَا: رب عَجُوز من سليم شهربه انْتهى. وَقد رجعت إِلَى المؤتلف والمختلف من أَسمَاء الشُّعَرَاء للآمدي وَلم أر فِيهِ الْبَيْت الَّذِي نَقله عَنهُ. وَهَذَا مَا فِيهِ: وَمِنْهُم: عنترة بن عروس مولى ثفيف وَكَانَ عروس مولداً ولد فِي بِلَاد أَزْد شنُوءَة شَاعِرًا. وَكَانَ يزِيد بن ضبة الثَّقَفِيّ هجاه فَقَالَ يهجو عمَارَة امْرَأَة يزِيد: (تَقول عمَارَة لي يَا عنترة ... شقّ حري هَذَا الْعَظِيم الحوثره) وَهِي أَبْيَات تِسْعَة وقافيتها رائية خلاف مَا نقل. وَالله أعلم. وعروس فِيهِ بِلَفْظ الْعَرُوس الْمَعْرُوف لَا بالشين الْمُعْجَمَة على وزن جَعْفَر كَمَا فِي خطه.

(الشاهد السادس والخمسون بعد الثمانمائة)

وَهَذَا الشّعْر مَذْكُور فِي صِحَاح الْجَوْهَرِي أَيْضا فِي تِلْكَ الْمَادَّة. وَلم يتَعَرَّض لَهُ ابْن بري وَلَا وَقَالَ الْعَيْنِيّ: قَائِله رؤبة بن العجاج. وَنسبه الصَّاغَانِي فِي الْعباب إِلَى عنترة بن عروس وَهُوَ الصَّحِيح. هَذَا كَلَامه. والْحُلَيْس بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَفتح اللَّام ومن فِي الْبَيْت الثَّانِي للبدل أَي: ترْضى بدل اللَّحْم. وَقدر الْعَيْنِيّ مُضَافا قبل عظم وَقَالَ: التَّقْدِير ترْضى بدل اللَّحْم بِلَحْم عظم الرَّقَبَة. هَذَا كَلَامه. وَأنْشد بعده (الشَّاهِد السَّادِس وَالْخَمْسُونَ بعد الثَّمَانمِائَة) (مروا عجالاً وَقَالُوا: كَيفَ صَاحبكُم ... قَالَ الَّذِي سَأَلُوا: أَمْسَى لمجهودا) على أَن دُخُول اللَّام على خبر أَمْسَى شَاذ. وَهَذَا الْبَيْت أنْشدهُ ثَعْلَب فِي آخر الْجُزْء الثَّالِث من أَمَالِيهِ مَعَ بَيت بعده وَهُوَ: (يَا وَيْح نَفسِي من غبراء مظْلمَة ... قيست على أطول الأقوام ممدودا) ومروا من الْمُرُور. وعجالاً: جمع عجل بِضَم الْجِيم كرجال جمع رجل. وَرَوَاهُ الْعَيْنِيّ: عجالى وَقَالَ: هُوَ جمع عجلَان كسكارى جمع سَكرَان.

(الشاهد السابع والخمسون بعد الثمانمائة)

وَوَقع فِي شرح ابْن عقيل على الألفية: سيدكم مَوضِع: صَاحبكُم. وَقَوله: قَالَ الَّذِي سَأَلُوا ... إِلَخ الَّذِي: فَاعل قَالَ وسَأَلُوا: صلته والعائد مَحْذُوف ضَرُورَة أَي: سَأَلُوا عَنهُ. وَجُمْلَة أَمْسَى لمجهودا: مقول القَوْل. وَاسم أَمْسَى ضمير الصاحب. يُرِيد: إِن الْمَرِيض نَفسه أجابهم على طَرِيق الْغَيْبَة بقوله: أَمْسَى لمجهودا ثمَّ رَجَعَ إِلَى التَّكَلُّم بقوله: يَا وَيْح نَفسِي. . إِلَخ. وَقَوله: من غبراء مظْلمَة أَي: تربة غبراء يُرِيد: الْقَبْر. وقيست من الْقيَاس أَي: خفرت تِلْكَ التربة الغبراء على قِيَاس أطول الأقوام حَال كَونه ممدوداً فِيهَا يُرِيد بِهِ نَفسه. وَهَذَا الْبَيْت شَائِع فِي كتب النَّحْو ذكره أَبُو عَليّ فِي غَالب كتبه وَابْن جني كَذَلِك وَكلهمْ يرويهِ عَن ثَعْلَب وثعلب أنْشدهُ غير معزو إِلَى أحد. وَالله أعلم بقائله. وَأنْشد بعده (الشَّاهِد السَّابِع وَالْخَمْسُونَ بعد الثَّمَانمِائَة) (وَمَا زلت من ليلى لدن أَن عرفتها ... لكالهائم المقصى بِكُل مذاد) على أَن زِيَادَة اللَّام فِي خبر زَالَ شَاذَّة. هَكَذَا رَوَاهُ ابْن جني فِي سر الصِّنَاعَة وَنسبه لكثير عزة. والمذاد: مصدر ميمي بِمَعْنى الذود وَهُوَ الطَّرْد. وَوَقع فِي الْمُغنِي وَغَيره: بِكُل

مُرَاد بِفَتْح الْمِيم وَالرَّاء وَهُوَ الْمَكَان الَّذِي يذهب فِيهِ ويجاء من الرود وَهُوَ التَّرَدُّد فِي الْمَجِيء والذهاب. والرود أَيْضا: طلب الْكلأ أَي: العشب. والهائم من الْإِبِل: الَّذِي يُصِيبهُ دَاء الهيام بِالضَّمِّ وَهُوَ الْجُنُون. والمقصى: اسْم مفعول من أقصاه أَي: أبعده. شبه نَفسه فِي طرد ليلى لَهُ بالبعير الَّذِي يُصِيبهُ دَاء الهيام فيطرد عَن الْإِبِل خشيَة أَن يُصِيبهَا مَا أَصَابَهُ. والهائم أَيْضا: اسْم فَاعل من هام على وَجهه أَي: ذهب من عشق أَو غَيره. وَالْبَيْت قافيته مُغيرَة وَصَوَابه: بِكُل سَبِيل. وَأول القصيدة: (أَلا حييا ليلى أجد رحيلي ... وآذن أَصْحَابِي غَدا بقفول) وَمِنْهَا: (أُرِيد لأنسى ذكرهَا فَكَأَنَّمَا ... تمثل لي ليلى بِكُل سَبِيل) وَرُوِيَ الْبَيْت أَيْضا كَذَا: وَلَا شَاهد على هَذِه الرِّوَايَة. وَفِي الرِّوَايَتَيْنِ اسْتِعْمَال لدن بِغَيْر من وَلم تأت فِي التَّنْزِيل إِلَّا مقرونة بهَا. وطر النبت يطر طروراً: نبت. وَمِنْه طر شَارِب الْغُلَام فَهُوَ طَار. وَظن ابْن هِشَام فِي شرح أَبْيَات ابْن النَّاظِم أَن الْبَيْت بالرواية الأولى بالقافية الدالية لَيْسَ من شعر كثير فَإِنَّهُ قَالَ: ولكثير عزة بَيت يشبه هَذَا فِي مَعْنَاهُ وغالب لَفظه فَلَا أَدْرِي من الْآخِذ منت صَاحبه. وَقد يكونَانِ تواردا عَلَيْهِ. انْتهى. وترجمة كثير تقدّمت فِي الشَّاهِد الثَّالِث وَالسبْعين بعد الثلثمائة.

(الشاهد الثامن والخمسون بعد الثمانمائة)

وَأنْشد بعده) (الشَّاهِد الثَّامِن وَالْخَمْسُونَ بعد الثَّمَانمِائَة) (وَأعلم أَن تَسْلِيمًا وتركاً ... للا متشابهان وَلَا سَوَاء) على أَن دُخُول اللَّام على حرف النَّفْي شَاذ. قَالَ ابْن جني فِي سر الصِّنَاعَة: إِنَّمَا أَدخل اللَّام وَهِي للْإِيجَاب على لَا وَهِي للنَّفْي من قبل أَنه شبهها بِغَيْر فَكَأَنَّهُ قَالَ: لغير متشابهين كَمَا شبه الآخر مَا الَّتِي للنَّفْي بِمَا الَّتِي فِي معنى الَّذِي (لما أغفلت شكرك فاصطنعني ... فَكيف وَمن عطائك جلّ مَالِي) وَلم يكن سَبِيل اللَّام الْمُوجبَة أَن تدخل على مَا النافية لَوْلَا مَا ذكرت من الشّبَه اللَّفْظِيّ. انْتهى. وَظَاهر كَلَام الشَّارِح أَن إِن فِي الْبَيْت مَكْسُورَة لوُجُود اللَّام وَلَو كَانَت مَفْتُوحَة لقَالَ أشذ لدخولها فِي خبر أَن الْمَفْتُوحَة وعَلى حرف النَّفْي فَلَمَّا لم يقل أشذ عرف أَنَّهَا مَكْسُورَة. وَبِه صرح ابْن هِشَام فِي شرح أَبْيَات ابْن النَّاظِم قَالَ: إِن بِالْكَسْرِ لدُخُول اللَّام فِي الْخَبَر وَمثله: وَالله يعلم إِنَّك لرَسُوله. وَالرِّوَايَة فِيهِ فتح أَن نَقله ابْن عُصْفُور فِي كتاب الضرائر عَن الْفراء. فَيكون شذوذ اللَّام فِيهِ من جِهَتَيْنِ كَمَا بَيناهُ.

قَالَ ابْن هِشَام: تكْرَار لَا هُنَا وَاجِب لكَون الْخَبَر الأول مُفردا. وإفراد سَوَاء وَاجِب وَإِن كَانَ خَبرا عَن مُتَعَدد لِأَنَّهُ فِي الأَصْل مصدر بِمَعْنى الاسْتوَاء فَحذف زائده وَنقل إِلَى معنى الْوَصْف. وَمثله قَول السموءل: (سَلِي إِن جهلت النَّاس عَنَّا وعنهم ... فَلَيْسَ سَوَاء عَالم وجهول) وَرُبمَا ثني كَقَوْل قيس بن معَاذ: وَمعنى الْبَيْت أَن التَّسْلِيم على النَّاس وَعَدَمه ليسَا مستويين وَلَا قريبين من السوَاء. وَكَانَ حَقه لَوْلَا الضَّرُورَة أَن يَقُول: للا سَوَاء وَلَا متشابهان. انْتهى. قَالَ الْعَيْنِيّ: وَقد قيل إِن الْمَعْنى: أعلم أَن تَسْلِيم الْأَمر لكم وَتَركه ليسَا متساويين وَلَا متشابهين. انْتهى. قَالَ ابْن جني فِي الْمُحْتَسب: مفَاد نكرَة الْجِنْس مفَاد مَعْرفَته من حَيْثُ كَانَ فِي كل جُزْء مِنْهُ معنى مَا فِي جملَته.) أَلا ترى إِلَى قَوْله: وَاعْلَم أَن تَسْلِيمًا وتركاً الْبَيْت فَهَذَا فِي الْمَعْنى كَقَوْلِه: إِن التَّسْلِيم وَالتّرْك لَا متشابهان وَلَا سَوَاء. انْتهى. وَنسب ابْن جني فِي سر الصِّنَاعَة هَذَا الْبَيْت إِلَى أبي حزَام العكلي واسْمه غَالب بن الْحَارِث. وعكل بِضَم الْعين وَسُكُون الْكَاف: قَبيلَة.

(الشاهد التاسع والخمسون بعد الثمانمائة)

وَأنْشد بعده (الشَّاهِد التَّاسِع وَالْخَمْسُونَ بعد الثَّمَانمِائَة) على أَن دُخُول اللَّام على كَأَن شَاذ أَيْضا. وباد الشَّيْء: هلك وَتلف وفاعله ضمير الْهَالِك الْمُتَقَدّم فِي بَيت قبله. وحَتَّى للغاية وَهِي ابتدائية. وكَأَن بِسُكُون النُّون مُخَفّفَة وَاسْمهَا مَحْذُوف وَهُوَ ضمير الشَّيْء الْهَالِك وَجُمْلَة لم يكن: خَبَرهَا. - بقول: لم يبْق أثر لذَلِك الْهَالِك حَتَّى كَأَنَّهُ لم يكن مَوْجُودا. وَكسرت النُّون من يكن للقافية. وَقَوله: فاليوم أبْكِي أَي: عَلَيْهِ. يُقَال: بكيته وبكيت عَلَيْهِ وبكيت لَهُ وبكيته بِالتَّشْدِيدِ. كَذَا فِي الْمِصْبَاح. والْيَوْم: ظرف لأبكي. وَقَوله: وَمَتى لم يبكني اسْتِفْهَام إنكاري. يُرِيد: إِنَّه يبكيني فِي جَمِيع الْأَوْقَات. وَهَذَا الْبَيْت لم أره إِلَّا فِي سر الصِّنَاعَة لِابْنِ جني وَلم أَقف على مَا قبله وَلَا على شَيْء من خَبره. قَالَ ابْن جني: اعْلَم أَن اللَّام قد لحقت بعض الْحُرُوف للتوكيد نَحْو: لَعَلَّ زيدا قَائِم إِنَّمَا هُوَ عل وَاللَّام زَائِدَة مُؤَكدَة. وَقَالَ الراجز: فأكد الْحَرْف بِاللَّامِ. وَقَالَ الآخر: للولا قَاسم ويدا بسيل الْبَيْت

(الشاهد الستون بعد الثمانمائة)

وَأنْشد بعده (الشَّاهِد السِّتُّونَ بعد الثَّمَانمِائَة) (للولا قَاسم ويدا بسيل ... لقد جرت عَلَيْك يَد غشوم) على أَن اللَّام الدَّاخِلَة على لَوْلَا زَائِدَة وَأما لَام لقد بِدُونِ لَوْلَا فَالْمَشْهُور أَنَّهَا لَام الْقسم وَأما مَعهَا فقد قَالَ ابْن جني فِي: وَمثل لَام الْقسم اللَّام الَّتِي دخلت فِي جَوَاب لَو نَحْو: وَالله لَو قُمْت لقمت. وَقد تحذف هَذِه اللَّام من بعد لَو إِذا لم يكن الْقسم ظَاهرا. قَالَ: (فَلَو أَن قومِي أنطقتني رماحهم ... نطقت وَلَكِن الرماح أجرت) أَي: لنطقت. وَمثل هَذِه اللَّام اللَّام الَّتِي فِي جَوَاب نَحْو قَوْله تَعَالَى: وَلَوْلَا رهطك لرجمناك وَقَالَ الشَّاعِر: (فوَاللَّه لَوْلَا الله لاشيء غَيره ... لزعزع من هَذَا السرير جوانبه) قَالَ: (وَكم من موطن لولاي طحت كَمَا هوى ... بأجرامه من قلَّة النيق منهوي)

أَي: لطحت. وَلَا تدخل اللَّام فِي جَوَاب لَو وَلَوْلَا إِلَّا على الْمَاضِي دون الْمُسْتَقْبل. وَكَانَ أَبُو عَليّ قَالَ لي قَدِيما: إِن اللَّام فِي جَوَاب لَوْلَا زَائِدَة مُؤَكدَة واستل على ذَلِك بِجَوَاز سُقُوطهَا. وَكَذَلِكَ مذْهبه فِي لَو على هَذَا الْقيَاس لجَوَاز خلو جوابها من اللَّام. انْتهى. وقَاسم وبسيل: رجلَانِ. والبسيل فِي اللُّغَة: الكريه الْوَجْه. وجرت من جر عَلَيْهِم جريرة أَي: جنى جِنَايَة. وَيَد فَاعل جرت. وغشوم: جائرة والغشم: الظُّلم. وَالْحَرب غشوم لِأَنَّهَا تنَال غير الْجَانِي. وَهُوَ بالغين والشين المعجمتين. وَهَذَا أَيْضا لم أره إِلَّا فِي سر الصِّنَاعَة وَلم أَقف لَهُ على خير. وَالله أعلم. وَأنْشد بعده: وَلَقَد علمت لتأتين منيتي على أَن علمت منزل منزلَة الْقسم وَجُمْلَة لتأتين منيتي: جَوَاب الْقسم. وَقد تقدم شَرحه مفصلا فِي الشَّاهِد السَّادِس عشر بعد السبعمائة. - إِن المنايا لَا تطيش سهامها) وَأنْشد بعده: إِنِّي وجدت ملاك الشيمة الْأَدَب

(الشاهد الحادي والستون بعد الثمانمائة)

على أَن اللَّام الْمُعَلقَة محذوفة وَالْأَصْل: إِنِّي وجدت لملاك. وَتقدم شَرحه فِي الشَّاهِد الثَّالِث عشر بعد السبعمائة. وَهُوَ عجز وصدره: كَذَاك أدبت حَتَّى صَار من خلقي وَأنْشد بعده (الشَّاهِد الْحَادِي وَالسِّتُّونَ بعد الثَّمَانمِائَة) لهنا لمقضي علينا التهاجر على أَن بعض الْعَرَب يَقُول: لهنك لرجل صدق بلامين كَمَا فِي المصراعين. وَقد تحذف الثَّانِيَة فَيُقَال: لهنك رجل صدق كَمَا فِي الْبَيْت. وَيُرِيد أَن الثَّانِيَة لَام الِابْتِدَاء الَّتِي تكون مَعَ إِن. وَلَا وَجه لتقييد الْحَذف بالقلة إِذْ لم يغلب ذكرهَا مَعَ إِن وَلم يكثر حَتَّى يُقَال إِن حذفهَا قَلِيل قَالَ ابْن جني فِي سر الصِّنَاعَة: وَإِذا كَانَت إِن مُشَدّدَة فَأَنت فِي إِدْخَال اللَّام فِي الْخَبَر وَتركهَا مُخَيّر فَإِن خففت لَزِمت اللَّام لِئَلَّا تَلْتَبِس بإن النافية. وَأما اللَّام الأولى فَهِيَ مَعَ الْهَاء على قَول الْفراء والمفضل بن سَلمَة بَقِيَّة لفظ الْجَلالَة. وَأما على قَول سِيبَوَيْهٍ بِجعْل الْهَاء بَدَلا من همز إِن فَلم يظْهر من كَلَام الشَّارِح مَا هِيَ عِنْده. وَرُبمَا يُؤْخَذ مِنْهُ أَنَّهَا زَائِدَة عِنْده وَلِهَذَا أورد كَلَامه فِي ذيل مَبْحَث اللَّام الزَّائِدَة.

وَهُوَ مَذْهَب ابْن مَالك. قَالَ فِي التسهيل: وَرُبمَا زيدت اللَّام قبل همزتها مبدلة مَعَ هَاء مَعَ تَأْكِيد الْخَبَر وتجريده. وَهَذَا ظَاهر قَول الْجَوْهَرِي فِي الصِّحَاح: اللَّام الأولى للتوكيد وَالثَّانيَِة لَام إِن. وَهَذَا لَيْسَ مَذْهَب سِيبَوَيْهٍ وَإِنَّمَا هِيَ عِنْده لَام جَوَاب قسم مُقَدّر وَهَذَا نَصه وَنَقله ابْن السراج فِي الْأُصُول: لهنك لرجل صدق: هَذِه كلمة تَتَكَلَّم بهَا الْعَرَب فِي حَال الْيَمين وَلَيْسَ كل الْعَرَب يتَكَلَّم بهَا فَهِيَ إِن وَلَكنهُمْ أبدلوا الْهَاء مَكَان الْألف كَقَوْلِك: هرقت. وَلَحِقت هَذِه اللَّام إِن كَمَا لحقت مَا حِين قلت: إِن زيدا لما لينطلقن فلحقت إِن اللَّام فِي الْيَمين كَمَا لحقت مَا.) فَاللَّام الأولى فِي لهنك لَام الْيَمين وَالثَّانيَِة لَام إِن وَفِي: لما لينطلقن اللَّام الأولى لإن وَالثَّانيَِة وَفِي شرح قديم لهَذِهِ الْمُقدمَة: مَذْهَب سِيبَوَيْهٍ فِي اللَّام الْوَاحِدَة: أَنَّهَا لَام التَّأْكِيد دخلت على إِن لما غيرت بإبدال همزتها هَاء. وَفِي اللامين: أَن الأولى جَوَاب قسم وَالثَّانيَِة لتأكيد الْخَبَر. انْتهى. وَيدل مَا ذهب إِلَيْهِ سِيبَوَيْهٍ قَول المرار الفقعسي: وَأما لهنك من تذكر أَهلهَا لعلى شفا يأس وَإِن لم تيأس وَوجه الدَّلِيل أَن أما بِالتَّخْفِيفِ يكثر الْإِتْيَان بهَا قبل الْقسم. وَجوزهُ أَبُو عَليّ فِي التَّذْكِرَة القصرية قَالَ: وَيجوز أَن تكون اللَّام فِي لهنك اللَّام فِي لَأَفْعَلَنَّ الَّتِي لَا تدخل إِلَّا على الْفِعْل. وَيدل على ذَلِك لُزُوم لهنك للْيَمِين وَأَنَّهَا لَا تقال إِلَّا فِي الْيَمين. فَإِن قلت: لَام لَأَفْعَلَنَّ لَا تقع إِلَّا

على الْفِعْل. قلت: إِنَّمَا جَازَ لهنك وَإِن لم يكن فعلا لِأَن الْجُمْلَة الاسمية وَقعت موقع الْجُمْلَة الفعلية. انْتهى. وَذهب الزّجاج إِلَى أَن اللَّام الأولى هِيَ لَام إِن وَاللَّام الثَّانِيَة زَائِدَة. وَاخْتَارَهُ أَبُو عَليّ فِي التَّذْكِرَة القصرية وأيده وأوضحه. وَتَبعهُ تِلْمِيذه أَبُو الْفَتْح بني جني. والتذكرة القصرية: هِيَ الْمسَائِل الَّتِي جرت بَينه وَبَين صَاحبه أبي الطّيب مُحَمَّد بن طوسي الْمَعْرُوف بالقصري قَالَ فِيهَا: لهنك لرجل صدق بِمَنْزِلَة مَا جَاءَ على أَصله من العينات المعتلة أوقعت اللَّام الَّتِي كَانَت فِي الْخَبَر إِنَّك لرجل صدق قبل إِن ليدل ذَلِك على أَن حَقّهَا أَن تقع قبل إِن فَأتوا بِهَذَا على أَصله وأبدلوا الْهمزَة هَاء فِرَارًا من إِيقَاع اللَّام قبل إِن فَغير اللَّفْظ على ذَلِك لِأَنَّهُ لَيْسَ يَخْلُو امتناعهم من إِيقَاع اللَّام قبل إِن من أَن يكون ذَلِك من جِهَة الْمَعْنى أَو من جِهَة اللَّفْظ. - فَلَا يجوز أَن يكون من جِهَة الْمَعْنى بِدلَالَة قَوْلهم: إِن فِي الدَّار لزيداً فَاللَّام قد وليت إِن من جِهَة الْمَعْنى فَثَبت أَن الْمَكْرُوه لَفْظهمَا فإبدال الْهمزَة هَاء بِمَنْزِلَة الْفَصْل بَين إِن وَاللَّام بالظرف فَجَاز لهنك. ويؤكد أَن اللَّام فِي لهنك لَام الِابْتِدَاء بإبدال الْهَاء من الْهمزَة. وإبدال الْهَاء من الْهمزَة يُؤَكد أَن اللَّام غير زَائِدَة وَاللَّام الَّتِي فِي لرجل زَائِدَة لِأَنَّهُ لَا يجوز أَن يَكُونَا جَمِيعًا غير زائدتين لِأَنَّك إِن فعلت ذَلِك لزمك أَن تدخل اللَّام فِي لرجل على اللَّام الَّتِي فِي لهنك.)

فَإِن قلت: أجعَل لَام لهنك زَائِدَة. قلت: ذَلِك غير جَائِز لِأَن لَام لهنك قد وَقعت موقعها فَلَا يَسْتَقِيم أَن تقدرها أَنَّهَا لَيست وَاقعَة فِي غير هَذَا الْموضع وَهَذَا يجوز فِي لَام لرجل لِأَنَّهَا لم تقع موقعها الَّذِي هُوَ قبل إِن. وَمثل امْتنَاع تَقْدِير لَام لهنك زَائِدَة لِأَنَّهَا قد وَقعت موقعها فَلَا يَسْتَقِيم أَن يقدر بهَا غير ذَلِك قَوْلك: ضرب زيدا غُلَامه لَا يجوز فِيهِ أَن تَقول: ضرب غُلَامه زيدا لِأَن الْغُلَام قد وَقع موقعه فَلَا يَسْتَقِيم أَن يقدر بِهِ غير ذَلِك. انْتهى. وحققه ابْن جني أَيْضا فِي بَاب إصْلَاح اللَّفْظ من الخصائص وَقَالَ: وَيدل على أَن مَوضِع اللَّام فِي خبر إِن أول الْجُمْلَة قبل إِن أَن الْعَرَب لما جَفا عَلَيْهَا اجْتِمَاع هذَيْن الحرفين قلبوا الْهمزَة هَاء ليزول لفظ إِن فيزول أَيْضا مَا كَانَ مستكرهاً من ذَلِك فَقَالُوا: لهنك قَائِم. وَعَلِيهِ قَوْله فِيمَا روينَاهُ عَن مُحَمَّد بن سَلمَة عَن أبي الْعَبَّاس: (أَلا يَا سنا برق على قلل الْحمى ... لهنك من برق عَليّ كريم) فَإِن قلت: فَمَا تصنع بقول الآخر: (ثَمَانِينَ حولا لَا أرى مِنْك رَاحَة ... لهنك فِي الدُّنْيَا لباقية الْعُمر) وَمَا هَاتَانِ اللامان قيل: أما الأولى فلام الِابْتِدَاء على مَا تقدم. وَأما الثَّانِيَة فِي لباقية الْعُمر فزائدة كزيادتها فِي قِرَاءَة سعيد بن جُبَير: أَلا إِنَّهُم ليأكلون الطَّعَام.

فَإِن قلت: فَلم لَا تكون الأولى هِيَ الزَّائِدَة وَالْأُخْرَى غير زَائِدَة قيل: يفْسد ذَلِك من جِهَتَيْنِ: إِحْدَاهمَا أَنَّهَا قد ثبتَتْ فِي قَوْله: لهنك من برق عَليّ كريم وَثَانِيهمَا: أَنَّك لَو جعلت الأولى هِيَ الزَّائِدَة لَكُنْت قد قدمت الْحَرْف الزَّائِد والحروف إِنَّمَا تزاد لضرب من الاتساع. فَإِذا كَانَت للاتساع كَانَ آخر الْكَلَام أولى بهَا من أَوله. أَلا تراك لَا تزيد كَانَ مُبتَدأَة وَإِنَّمَا تزيدها حَشْوًا أَو آخرا. انْتهى. وَقد رَجَعَ أَبُو عَليّ عَن هَذَا التَّحْقِيق وزيفه فِي كِتَابه نقض الهاذور وَهُوَ كتاب نقض مَا طعن بِهِ ابْن خالويه على كتاب الأغفال لأبي عَليّ الَّذِي صنفه إصلاحاً لمسائل الزّجاج. وَاخْتَارَ مَذْهَب الْفراء وأيده وأدرج فِيهِ مَذْهَب الْمفضل بن سَلمَة وجعلهما قولا وَاحِدًا وَنسبه إِلَى أبي زيد الْأنْصَارِيّ. وَهَذِه عِبَارَته.) قَالَ أَبُو زيد: قَالَ أَبُو أدهم الْكلابِي: لَهُ رَبِّي لَا أَقُول ذَلِك بِفَتْح اللَّام وَكسر الْهَاء فِي الإدراج. وَمَعْنَاهُ: وَالله رَبِّي لَا أَقُول ذَلِك. - وَأنْشد أَبُو زيد: (لهني لأشقى النَّاس إِن كنت غارماً ... لدومة بكرا ضيعته الأراقم)

وَأنْشد أَيْضا: (أبائنة حبى نعم وتماضر ... لهنا لمقضي علينا التهاجر) قَالَ: يَقُول لله إِنَّا. (وَأما لهنك من تذكر عهدها ... لعلى شفا يأس وَإِن لم تيأس) وَأنْشد غير أبي زيد: (لهنك من عبسية لوسيمة ... على هنوات كَاذِب من يَقُولهَا) وَوجه الدّلَالَة أَن اللَّام لَا تَخْلُو من أَن تكون الجارة من قَوْلهم: لله أَو الَّتِي للتعريف أَو الَّتِي هِيَ عين الْفِعْل. فَلَا يجوز أَن تكون الَّتِي للتعريف لِأَن تِلْكَ سَاكِنة وَهَذِه متحركة. فَإِن قلت: ألْقى عَلَيْهَا حَرَكَة الْهمزَة. قلت: لَا يجوز ذَلِك لِأَن حَرَكَة الْهمزَة كسرة وَاللَّام مَفْتُوحَة لِأَن أَبَا زيد قَالَ بِفَتْح اللَّام. وَلَا يجوز أَن تكون الجارة لِأَنَّهَا مَكْسُورَة.

- فَإِن قلت: إِن أُنَاسًا فتحُوا الجارة مَعَ الْمظهر. قلت: ذَلِك لَا يجوز لِئَلَّا يبْقى الِاسْم على حرف وَاحِد وَلَيْسَ فِي الْأَسْمَاء المتمكنة اسْم على حرف وَاحِد. فَثَبت أَنَّهَا عين الْفِعْل وَأَن الْهمزَة فَاء حذفت كَمَا حذفت من قَوْله: (يابا الْمُغيرَة رب أَمر معضل ... فرجته بالنكر مني والدها) فَإِن قلت: يكون قَوْله: لَهُ من القَوْل الآخر فِي الِاسْم لَا من القَوْل الَّذِي الْهمزَة فِيهِ فَاء الْفِعْل. قلت: هَذَا بعيد لِأَنَّهُ يحذف على هَذَا التَّقْدِير عين الْفِعْل وَالْعين لم تحذف إِلَّا فِيمَا لَا حكم لَهُ وَلَا اعْتِدَاد بِهِ قلَّة فَإِذا كَانَ كَذَلِك وَجب الْعُدُول بِهِ والاعتداد لَهُ وَكَانَ الْأَخْذ بالْقَوْل الآخر أولى لِأَن الْألف تحذف فِيهِ كَمَا يقصر الْمَمْدُود. وَهَذَا قد جَاءَ فِي كَلَامهم. أَلا تراهم قَالُوا: الحصد والحصاد. وَقد جَاءَ ذَلِك فِي الِاسْم نَفسه فِي قَوْله:) (أَلا لَا بَارك الله فِي سُهَيْل ... إِذا مَا الله بَارك فِي الرِّجَال) فعلى هَذَا حذفت الْألف فِي الِاسْم من قَوْله: لَهُ رَبِّي على أَن القَوْل الآخر فِي الِاسْم لَيْسَ بالشائع وَلم نعلم أحدا من السّلف ذهب إِلَيْهِ. وَهَذَا القَوْل قد رُوِيَ مُسْندًا عَن ابْن عَبَّاس فروى عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن عِيسَى بن مَرْيَم

قَالَ لرجل: أَتَدْرِي مَا الله الله إِلَه الْآلهَة. وَعَن ابْن عَبَّاس: الله ذُو الألوهية والعبودية على خلقه أَجْمَعِينَ. فَإِن قلت: هلا قلت إِن قَوْله: لهني لأشقى النَّاس ولهنا لمقضي علينا إِنَّمَا هُوَ لإني ولإنا خلافًا لأبي زيد قلت: هَذَا لَا يسوغ لِأَنَّهُ يجمع فِيهِ بَين إِن وَاللَّام وَلم يجمعوا بَينهمَا. أَلا تراهم أخروها إِلَى الْخَبَر من قَوْلهم: إِن زيدا لمنطلق وفصلوا فِي نَحْو: إِن فِي ذَلِك لآيَة. فَإِن قلت: يكون الْقلب فِيهَا بالتغيير لَهَا كالفصل بَينهمَا قلت: لَا يَصح لِأَن الْبَدَل فِي حكم الْمُبدل مِنْهُ عِنْدهم. أَلا ترى أَنَّك لَو سميت رجلا بهرق لم تصرفه كَمَا لَا تصرفه لَو كَانَت الْهمزَة نَفسهَا ثَابِتَة. أَلا ترى أَن الْهمزَة فِي حَمْرَاء لما كَانَت منقلبة عَن ألف التَّأْنِيث كَانَ حكمهَا حكمهَا فِي منع الصّرْف فَكَذَلِك يكون الْبَدَل فِي لهنك فِي حكم الْمُبدل مِنْهُ فِي الِامْتِنَاع من الْجمع بَينهمَا. على أَن هَذَا السُّؤَال لَا يلْزم من وَجه آخر وَهُوَ أَن مَا حَكَاهُ أَبُو زيد من قَوْله: لَهُ رَبِّي لَا يجوز أَن يظنّ فِيهِ أَن الْهَاء بدل من الْهمزَة فَإِذا كَانَ كَذَلِك رددت الْمَوَاضِع إِلَى هَذَا الْموضع الَّذِي لَا يجوز فِيهِ إِبْدَال وَعلمت أَن الْمَعْنى: لله إِنِّي. فَإِن قلت: لم لَا تَقول فِي قَوْلهم: لهنا ولهني ولهنك: إِنَّمَا هُوَ لَهُ إِنَّا لِأَن قطرباً قد حكى أَنهم يَقُولُونَهُ بالإسكان وَإِذا كَانَت الْهَاء سَاكِنة وألقيت عَلَيْهَا حَرَكَة الْهمزَة وَجب أَن تَقول: لهنا فَتكون الأبيات على هَذَا التَّأْوِيل لَا على الْوَجْه الَّذِي ذكرته قلت: يفْسد هَذَا تحريكها الْهَاء بِالْجَرِّ فِي لَهُ رَبِّي. - فَكَمَا كَانَت متحركة فِي الْجَرّ وَلَا همزَة مَكْسُورَة بعْدهَا فتحذف وتلقى حركتها عَلَيْهَا

كَذَلِك تكون الكسرة فِي لهني ولهنك ولهنا الجرة لَا حَرَكَة الْهمزَة المحذوفة للتَّخْفِيف على مَا حَكَاهُ قَالَ ابْن جني فِي الخصائص: وَأما من قَالَ: إِن لهنك أَصله لله إِنَّك فقد ذكرنَا مَا عَلَيْهِ فِيهِ فِي) مَوضِع آخر. على أَن أَبَا عَليّ قد كَانَ قواه بِأخرَة وَفِيه تعسف. انْتهى. وَرَأَيْت فِي شرح قديم لهَذِهِ الْمُقدمَة: وَمذهب أبي زيد وَقواهُ أَبُو عَليّ أَن أصل لهنك لاه إِنَّك فحذفت همزَة إِن وَألف لاه فَبَقيَ لهنك. وَمذهب سِيبَوَيْهٍ أقوى لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إِلَّا إِبْدَال الْهمزَة وَفِي هَذَا توالى حذفان بعد حذف سَابق فِي لاه. انْتهى. أَقُول: مَا نسبه أَبُو عَليّ إِلَى أبي زيد لَعَلَّه فِي غير النَّوَادِر وَإِلَّا فَمَا فِي النَّوَادِر مُوَافق لسيبويه. وَهَذَا مَا فِي نوادره. قَالَ المرار بن سعيد الفقعسي وَهُوَ إسلامي: وَأما لهنك من تذكر أَهلهَا الْبَيْت يُرِيد: أما إِنَّك. أَبُو حَاتِم: لهنك يُرِيد لله إِنَّك فَحذف ثمَّ حذف. انْتهى. قَالَ الْأَخْفَش فِيمَا كتب على النَّوَادِر: قَول أبي حَاتِم لَيْسَ بِشَيْء عِنْد أَصْحَابه الْبَصرِيين لِأَنَّهُ حذف مخل بالْكلَام. وَذَلِكَ أَنه حذف حرف الْجَرّ وَجُمْلَة من الِاسْم الْمَجْرُور. وَهَذَا لَا يجوز عِنْد أهل الْعَرَبيَّة وَلَا نَظِير لَهُ وَلَكِن تَأْوِيل لهنك بلإنك صَحِيح وَفِيه إِبْدَال

وَنقل صَاحب الصِّحَاح عَن أبي عبيد أَن مَا نسبه أَبُو عَليّ لأبي زيد هُوَ قَول الْكسَائي قَالَ: قَالَ أَبُو عبيد: أنشدنا الْكسَائي: (لهنك من عبسية لوسيمة ... على هنوات كَاذِب من يَقُولهَا) وَقَالَ: أَرَادَ لله إِنَّك من عبسية فَحذف اللَّام الأولى من الله وَالْألف من إِنَّك كَمَا قَالَ الآخر: لاه ابْن عمك لَا أفضلت فِي حسب أَرَادَ: لله ابْن عمك. وَالْقَوْل الأول أصح أَي: القَوْل بِأَن أَصله لإنك ذكره مَادَّة لَهُنَّ. وَنقل أَبُو حَيَّان فِي تَذكرته الْمذَاهب الثَّلَاثَة طبق مَا نَقله الشَّارِح الْمُحَقق إِلَّا أَنه نسب الثَّالِث للمفضل بن سَلمَة كَابْن الْأَنْبَارِي فِي مسَائِل الْخلاف لَا أَنه حَكَاهُ عَن بَعضهم. وَاعْلَم أَن المصراع الشَّاهِد عجز بَيت وصدره مَا أوردهُ أَبُو عَليّ وَهُوَ: أبائنة حبى نعم وتماضر وَلم أر من ذكره غَيره وَلم أَقف على قَائِله. والهمزة: للاستفهام. وبَائِنَة: اسْم فَاعل من الْبَين وَهُوَ الْفِرَاق والهجر. وبائنة: مُبْتَدأ) - اسْتغنى بمرفوعه وَهُوَ حبى عَن الْخَبَر لاعتماده على الِاسْتِفْهَام. وحبى: بِضَم الْمُهْملَة وَتَشْديد الْمُوَحدَة بعْدهَا ألف مَقْصُورَة من أَعْلَام النِّسَاء غير منصرف. وَكَذَلِكَ تماضر: علم امْرَأَة بِضَم الْمُثَنَّاة

الْفَوْقِيَّة بعْدهَا مِيم فألف فضاد معدمة مَكْسُورَة. مَنْقُول من فعل مضارع من المضر مصدر مُضر اللَّبن كنصر وَفَرح وكرم أَي: حمض. وَهُوَ مَعْطُوف على حبى عطفا تلقينياً. ونعم تَصْدِيق للاستفهام. والْمقْضِي: اسْم مفعول من قضى عَلَيْهِ قَضَاء بِالْمدِّ وَيقصر. وَالْقَضَاء: الحكم والحتم. والتهاجر: نَائِب الْفَاعِل وَهُوَ تفَاعل من الهجر. وَيَنْبَغِي أَن نشرح الأبيات الَّتِي أوردهَا أَبُو عَليّ تكميلاً للفائدة. فَقَوله: لهني لأشقى النَّاس إِن كنت غارماً يَأْتِي شَرحه بعد هَذَا وَقَوله: وَأما لهنك من تذكر عهدها نسبه أَبُو زيد للمرار كَمَا تقدم وَقَالَ: شفا الشَّيْء: حرفه وناحيته وشرفه. وَيُقَال: هُوَ على شرف خير أَو شَرّ. وَقَوله: لهنك من عبسية لوسيمة (وَبِي من تباريح الصبابة لوعة ... قتيلة أشواقي وشوقي قتيلها) وروى المصراع الثَّانِي غير الْكسَائي كَذَا: (لهنك من عبسية لوسيمة ... على كَاذِب من وعدها ضوء صَادِق)

وَلم أَقف على قائلهما. وعبسية: امْرَأَة منسوبة إِلَى عبس وَهُوَ أَبُو قَبيلَة وَهُوَ تَمْيِيز مجرور بِمن. والوسيمة: الجميلة خبر لهنك. والهنوات: الفعلات القبيحة جمع هنة وَهُوَ مَا يستهجن التَّصْرِيح بِذكرِهِ. وكَاذِب: صفة سَبَبِيَّة لهنوات ومن فَاعل هنوات. وَأنْشد أَبُو زيد:) لَهُنَّ الَّذِي كلفتني ليسير وَهُوَ من شعر رَوَاهُ أَبُو بكر التاريخي وَمُحَمّد بن الْحُسَيْن اليمني كل مِنْهُمَا فِي طَبَقَات النُّحَاة فِي تَرْجَمَة الرياشي لِأَنَّهُ قَالَ: أَنْشدني غُلَام إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد بن أَيُّوب بِالْمَدِينَةِ وَكَانَ لبني سليم: (وَقَالَت: أَلا هَل تقضم الْحبّ موهناً ... من اللَّيْل إِن الكاشحين حُضُور) والقضم: الْأكل بأطراف الْأَسْنَان وَفعله من بَاب علم. والْحبّ بِفَتْح الْمُهْملَة: حب الْبِطِّيخ وَنَحْوه. والموهن بِفَتْح الْمِيم وَكسر الْهَاء: نَحْو من نصف اللَّيْل. وَقَالَ الْأَصْمَعِي: هُوَ حِين يدبر اللَّيْل. وأقتلد بِالْقَافِ قَالَ اليمني: القلد: الشّرْب. وَفِي الْقَامُوس: قلد المَاء فِي الْحَوْض وَاللَّبن فِي السقاء وَالشرَاب فِي الْبَطن يقلده: جمعه فِيهِ. - وَأنْشد أَبُو زيد أَيْضا: لهنك فِي الدُّنْيَا لباقية الْعُمر هُوَ خطاب لمؤنث وصدره: ثَمَانِينَ حولا لَا أرى مِنْك رَاحَة

(الشاهد الثاني والستون بعد الثنمانمائة)

وَأنْشد بعده (الشَّاهِد الثَّانِي وَالسِّتُّونَ بعد الثنمانمائة) لهني لأشقى النَّاس إِن كنت غارماً لما تقدم قبله. وَرَأَيْت هَذَا المصراع صدر بَيت من أشعار ثَلَاثَة. لدومة بكرا ضيعته الأراقم وأَشْقَى أفعل تَفْضِيل. وغارماً من غرمت الدِّيَة وَالدّين وَغير ذَلِك من بَاب تَعب إِذا أديته غرماً بِالضَّمِّ وغرامة ومغرماً بفتحهما. وغرمته تغريماً وأغرمته: جعلته غارماً. وَغرم فِي تِجَارَته مثل خسر: خلاف ربح. ودومة بِفَتْح الدَّال: اسْم امْرَأَة خمارة. والْبكر بِفَتْح الْمُوَحدَة: الفتي من الْإِبِل هُوَ مفعول لغارم وَجُمْلَة ضيعته الأراقم: نعت بكر أَي: جعلته ضائعاً. والأراقم: سِتَّة أَحيَاء من تغلب وَهُوَ جشم وَعَمْرو وَمَالك وثعلبة وَمُعَاوِيَة والْحَارث. وَهُوَ بَنو بكر بن حبيب بِضَم الْمُهْملَة وَفتح الْمُوَحدَة الأولى ابْن عَمْرو بن غنم بِفَتْح الْمُعْجَمَة وَسُكُون النُّون ابْن تغلب بن وَائِل. وَقَالَ ابْن دُرَيْد فِي الجمهرة: الأراقم: بطُون من تغلب يجمعهُمْ هَذَا الِاسْم ذكر أَبُو عبيد أَن أباهم نظر إِلَيْهِم لما ترعرعوا فَإِذا لَهُم جَرَاءَة وحدة فَقَالَ لغلام لَهُ: ذَا جَاءَ اللَّيْل فاستغث حَتَّى أنظر مَا يصنع أَوْلَادِي هَؤُلَاءِ. فَذهب إِلَى حَيْثُ أمره فاستغاث فَسَمِعُوا صَوته فقصدوا قَصده وَقَالُوا: وَيلك مَا دهاك وَأَيْنَ الْقَوْم وَأَقْبلُوا يتجاذبونه بَينهم حَتَّى جَاءَ أبوهم فَقَالَ لَهُ: كف بنيك عني فَإِن عيونهم وَقَالَ ابْن الْكَلْبِيّ: إِنَّمَا سموا

بذلك لِأَن امْرَأَة دخلت على أمّهم وهم نيام ورؤوسهم خَارِجَة من قطيفة فَقَالَت: كَأَن عيونهم عُيُون الأراقم فسموا بِهِ. وَصَاحب الْقَامُوس لم يُحَقّق النّظر هُنَا فَقَالَ: تبعا لصَاحب الصِّحَاح: الأراقم: حَيّ من تغلب وَهُوَ جمع أَرقم وَهُوَ أَخبث الْحَيَّات وأطلبها للنَّاس. وَقيل: مَا فِيهِ سَواد وَبَيَاض وَقيل: ذكر الْحَيَّات. ثَانِيهَا: صدر بَيت من قصيدة لخداش بن زُهَيْر العامري الصَّحَابِيّ وَكَانَ مِمَّن شهد وقْعَة حنين مَعَ الْمُشْركين ثمَّ أسلم بعد زمَان.) تقدّمت تَرْجَمته فِي الشَّاهِد الرَّابِع وَالْعِشْرين بعد الْخَمْسمِائَةِ. وَمن قصيدته: (فيا رَاكِبًا إِمَّا عرضت فبلغن ... عقيلاً إِذا لاقيتها وَأَبا بكر) (بأنكم من خير قوم لقومكم ... على أَن قولا فِي الْمجَالِس كالهجر) (دعوا جانباً إِنَّا سنترك جانباً ... لكم وَاسِعًا بَين الْيَمَامَة والقهر) إِلَى أَن قَالَ: (وَإِنَّا لمن قوم كرام أعزة ... إِذا لحقت قوم بفرسانها تجْرِي) (وَنحن إِذا مَا الْخَيل أدْرك ركضها ... لبسنا لَهَا جلد الأساود بالنمر) ...

(أبي فَارس الضحياء عَمْرو بن عَامر ... أَبى الذَّم وَاخْتَارَ الْوَفَاء على الْغدر) (لهني لأشقى النَّاس إِن كنت غارماً ... لعاقبة قَتْلَى خُزَيْمَة وَالْخضر) وعرضت: أتيت الْعرُوض وَهِي مَكَّة وَالْمَدينَة حرسهما الله تَعَالَى وَمَا حولهما يُقَال: عرض الرجل إِذا أَتَى الْعرُوض. وأَخبث إِذا اتخذ أصحاباً خبثاء والضحياء: فرس عَمْرو بن عَامر. وَاللَّام فِي الْعَاقِبَة بِمَعْنى بعد. وقَتْلَى: مفعول غارماً جمع قَتِيل. والْخضر بِضَم الْخَاء وَسُكُون الضَّاد المعجمتين قَالَ صَاحب الْقَامُوس: وَبَنُو الْخضر: بطن من قيس عيلان مِنْهُم أَبُو شيبَة الخضري. ثَالِثهَا: مَا رَأَيْته فِي كتاب اللُّصُوص للسكري فِي شعر تليد الضَّبِّيّ بِفَتْح الْمُثَنَّاة الْفَوْقِيَّة وَكسر اللَّام وَكَانَ أحد اللُّصُوص على عهد عمر بن عبد الْعَزِيز أَخذ وأقيم للنَّاس بأَمْره ليدفع مَا أَخذه مِنْهُم فَقَالَ فِي ذَلِك: (وَلَو أَن بعض النَّاس يفقد أمه ... لقيل احتواها فِي الرّحال تليد) (لهني لأشقى النَّاس إِن كنت غارماً ... قَلَائِص بَين الجلهتين ترود) (قَلَائِص معزاب أَتَى اللَّيْل دونهَا ... وَمَا النَّاس إِلَّا عَاجز وجليد)

. (تبدلت من سوق الأباعر فِي الضُّحَى ... وَمن قنص الغزلان بني الْمَسَاجِد) (فَأَصْبَحت قد أحدثت لله تَوْبَة ... وَخير عباد الله فِي زِيّ عَابِد) (على أَن فِي نَفسِي إِلَى الْبيض طربةً ... وَأَنِّي قد أَهْوى ركُوب الْمَوَارِد) وَقَالَ أَيْضا:) (يَقُولُونَ: جَاهد يَا تليد بتوبة ... وَفِي النَّفس مني عودة سأعودها) (أَلا لَيْت شعري هَل أقودن عصبَة ... قَلِيلا لرب الْعَالمين سجودها) (وَهل أطردن الدَّهْر مَا عِشْت هجمةً ... معرضة الأنجاد سجحاً خدودها) والرّحال: جمع رَحل بِسُكُون الْمُهْملَة: المأوى والمنزل. وقَلَائِص: مفعول غَارِم جمع قلُوص وَهِي النَّاقة الشَّابَّة. والجلهة بِفَتْح الْجِيم وَسُكُون اللَّام: نَاحيَة الْوَادي. والمعزاب من الْإِبِل وَالشَّاء: الَّتِي تعزب أَي: تبعد عَن أَهلهَا فِي المرعى وَهُوَ بِالْعينِ الْمُهْملَة وَالزَّاي. والجليد وَمثله الْجلد بِفَتْح فَسُكُون من الْجلد بِفتْحَتَيْنِ وَهُوَ الشدَّة وَالْقُوَّة. يَقُول: إِنِّي أَشْقَى النَّاس إِن كنت أغرم كل مَا سرق للنَّاس. والبني بِفَتْح الْمُوَحدَة وَسُكُون النُّون: مصدر بنى يَبْنِي. والهجمة بِفَتْح الْهَاء وَسُكُون الْجِيم: القطيع من الْإِبِل أَولهَا الْأَرْبَعُونَ إِلَى مَا زَادَت. والأنجاد: جمع نجد وَهُوَ الطَّرِيق الْوَاضِح الْمُرْتَفع. والسحج بِتَقْدِيم الْجِيم على الْمُهْملَة: جمع أسحج وسجحاء من سجح الخد كفرح: سهل ولان وَطَالَ فِي اعْتِدَال وَقل لَحْمه

(الشاهد الثالث والستون بعد الثمانمائة)

وَأنْشد بعده (الشَّاهِد الثَّالِث وَالسِّتُّونَ بعد الثَّمَانمِائَة) (أَلا يَا سنا برق على قلل الْحمى ... لهنك من برق عَليّ كريم) على أَنه حذف اللَّام من خبر لهنك حَيْثُ لم يقل: ل عَليّ كريم وَالْكثير إِثْبَاتهَا. وَتقدم مَا فِيهِ. وَهُوَ من جملَة أَبْيَات لرجل من بني نمير. قَالَ أَبُو هِلَال العسكري فِي ديوَان الْمعَانِي أخبرنَا أَبُو أَحْمد. وَقَالَ القالي فِي أَمَالِيهِ: حَدثنِي أَبُو يَعْقُوب وراق أبي بكر بن دُرَيْد قَالَا: حَدثنَا أَبُو بكر بن دُرَيْد قَالَ: حَدثنَا الْفضل بن مُحَمَّد بن العلاف قَالَ: لما قدم بغا ببني نمير أسرى كنت كثيرا مَا أذهب إِلَيْهِم فَأَسْمع مِنْهُم وَكنت لَا أعدم أَن ألْقى الفصيح مِنْهُم فأتيتهم يَوْمًا فِي عقب مطر وَإِذا فَتى حسن الْوَجْه قد نهكه الْمَرَض ينشد: (أَلا يَا سنا برق على قلل الْحمى ... لهنك من برق عَليّ كريم) (فَهَل من معير طرف عين خلية ... فإنسان عين العامري كليم) (رمى قلبه الْبَرْق الملالئ رميةً ... بِذكر الْحمى وَهنا فَبَاتَ يهيم) .

فَقلت: يَا هَذَا إِنَّك لفي شغل عَن هَذَا. فَقَالَ: صدقت وَلَكِنِّي أنطقني الْبَرْق. زَاد عَلَيْهِ القالي: ثمَّ اضْطجع فَمَا كَانَ سَاعَة حَتَّى مَاتَ فَمَا يتَوَهَّم عَلَيْهِ غير الْحبّ. وروى السُّيُوطِيّ فِي شرح أَبْيَات الْمُغنِي عَن ثَعْلَب فِي أَمَالِيهِ بِسَنَد إِلَى مُحَمَّد بن معن الْغِفَارِيّ قَالَ: أقحمت سنة بِالْمَدِينَةِ نَاسا من الْأَعْرَاب فيهم صرم من بني كلاب فأبرقوا لَيْلَة فِي النجد وغدوت عَلَيْهِم فَإِذا غُلَام مِنْهُم قد عَاد جلدا وعظماً وَرفع عقيرته بِأَبْيَات قد قَالَهَا من اللَّيْل. وَأورد الأبيات. قَالَ: فَقلت لَهُ: فِي دون مَا بك مَا يفحم عَن الشّعْر قَالَ: صدقت وَلَكِن الْبَرْق أنطقني. قَالَ: ثمَّ وَالله مَا لبث يَوْمه تَاما حَتَّى مَاتَ قبل اللَّيْل مَا يتهم عَلَيْهِ غير الْحبّ. وَفِي رِوَايَة وَكِيع زِيَادَة بَيت بعد الْبَيْت الثَّانِي وَهُوَ: (فَبت بِحَدّ الْمرْفقين أشيمه ... كَأَنِّي لبرق بالستار حميم) وَقد تصفحت أمالي ثَعْلَب مرَارًا وَلم أر فِيهَا هَذِه الأبيات وَلَعَلَّ ثعلباً رَوَاهَا فِي غير الأمالي وَلِهَذَا لم يُقيد ابْن جني فِي سر الصِّنَاعَة النَّقْل عَنهُ بالأمالي قَالَ: قَرَأت على مُحَمَّد بن الْحسن وَقُرِئَ عَلَيْهِ وَأَنا حَاضر عَن أَحْمد بن

يحيى. وَحدثنَا بِهِ أَيْضا عَن أبي الْعَبَّاس مُحَمَّد بن يزِيد بن) سَلمَة: أَلا يَا سنا برق. الْبَيْت. - فَأَحْمَد بن يحيى هُوَ ثَعْلَب وَمُحَمّد بن يزِيد هُوَ الْمبرد وَمُحَمّد بن سَلمَة هُوَ الرَّاوِي عَن الْمبرد. وَكَذَا صنع فِي الخصائص. وَكَانَ ابْن بري وَقع نظره على سَنَد ابْن جني وَلم يُحَقّق النّظر فنسب الشّعْر فِي حَاشِيَة الصِّحَاح إِلَى مُحَمَّد بن سَلمَة وَتَبعهُ الْعَيْنِيّ فِي ذَلِك. والسنا بِالْقصرِ: ضوء الْبَرْق. والقلل: جمع قلَّة وَهِي من كل شَيْء: أَعْلَاهُ. وَرَوَاهُ ابْن بري: قنن الْحمى جمع قنة بِمَعْنى الْقلَّة. والْحمى هُوَ الْمَكَان الَّذِي يحمى من النَّاس فَلَا يقربهُ أحد وَأَرَادَ بِهِ حمى حبيبته. ومن برق: تَمْيِيز مجرور بِمن. وكريم: خبر لهنك. وعَليّ: مُتَعَلق بِهِ والكريم: من كرم الشَّيْء أَي: نفس وَعز. وَقَوله: لمعت ... إِلَخ لمع الشَّيْء: أَضَاء. واقتذاء بِالْقَافِ والذال الْمُعْجَمَة قَالَ ابْن بري: اقتذاء الطير هُوَ أَن يفتح عينه ثمَّ يغمضها إغماضة. انْتهى. وَكَذَا فِي الْقَامُوس. والمصدر هُنَا قَائِم مقَام الظّرْف. يُرِيد: أَن الْبَرْق لمع وَقت فعل الطير ذَلِك وَذَلِكَ يكون قبيل الصُّبْح. يُقَال: إِن كل طَائِر إِذا كَانَ آخر اللَّيْل فتح عينه ثمَّ أغمضها ثمَّ فتح. وأصل ذَلِك من وروى أَبُو هِلَال: الطّرف بدل الطير. فالطرف هُنَا الْعين وَهُوَ فِي الأَصْل نظر الْعين مصدر طرف الْبَصَر من بَاب ضرب. - قَوْله: فَبت بِحَدّ ... إِلَخ حد كل شَيْء: طرفه. وأَشْيَم: مضارع شمت الْبَرْق إِذا نظرت إِلَى سحابته أَيْن تمطر. أَرَادَ إِنِّي اتكأت على طرفِي مرفقي

فَنَظَرت إِلَيْهِ. والستار بِكَسْر السِّين الْمُهْملَة بعْدهَا الْمُثَنَّاة الْفَوْقِيَّة قَالَ الْبكْرِيّ فِي المعجم: هُوَ جبل مَعْرُوف بالحجاز. وَهَذَا الْبَيْت يبين أَن الْحِكَايَة وَقعت فِي مَدِينَة الرَّسُول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ. وَالْحَمِيم: الْقَرِيب. وَقَوله: الْبَرْق الملالي قَالَ الْبكْرِيّ فِي شرح أمالي القالي: هَكَذَا رَوَاهُ أَبُو عَليّ القالي وَقَالَ: ملال: مَوضِع نسب الْبَرْق إِلَيْهِ. وَغَيره ينشد: الْبَرْق الملألئ بِالْهَمْز من التلألؤ. وَنقل هَذَا الْكَلَام بِعَيْنِه فِي مُعْجم مَا استعجم وَلم يعين الْوَضع. وَلم يُورِدهُ ياقوت فِي مُعْجم الْبلدَانِ أصلا. وروى أَبُو هِلَال بدله: الْبَرْق الْيَمَانِيّ. والعقيرة: الصَّوْت وَأَصله أَن رجلا قطعت إِحْدَى رجلَيْهِ فَرَفعهَا ووضعها على الْأُخْرَى) وصرخ فَقيل لكل رَافع صَوته قد رفع عقيرته. والصرم بِالْكَسْرِ: أَبْيَات من النَّاس مجتمعة. وبغا: أعظم قَائِد من قواد الواثق بِاللَّه بن المعتصم بن هَارُون الرشيد العباسي نقل النويري فِي تَارِيخه نِهَايَة الأرب أَن بني سليم كَانَت تفْسد حول الْمَدِينَة فَقَوِيت شوكتهم واغتصبوا أَمْوَال النَّاس فَوجه الواثق بغا فِي سنة ثَلَاثِينَ بعد الْمِائَتَيْنِ إِلَى الْأَعْرَاب الَّذين أَغَارُوا بنواحي الْمَدِينَة فَقتل مِنْهُم خلقا وَأسر من أكَابِر مفسديهم زهاء ألف رجل وحبسهم فِي الْمَدِينَة فَنقبُوا السجْن وَخَرجُوا فأحس بهم أهل الْمَدِينَة فَقَتلهُمْ سودانها.

(الشاهد الرابع والستون بعد الثمانمائة)

- وَقَالَ الْبكْرِيّ فِي شرح أمالي القالي: ذكر أَبُو عَليّ عَن مفضل بن أَحْمد قَالَ: لما قدم بغا ببني نمير أسرى كَانَ هَذَا الَّذِي ذكره فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ آخر أَيَّام الواثق. وَذَلِكَ أَن عمَارَة بن عقيل بن بِلَال بن جرير امتدح الواثق بقصيدة فَأمر لَهُ بِثَلَاثِينَ ألف دِرْهَم ثمَّ كلم عمَارَة الواثق فِي بني نمير وَأخْبرهُ بعيثهم وإفسادهم فِي الأَرْض وغاراتهم على الْيَمَامَة وَغَيرهَا فَكتب الواثق إِلَى بغا وَهُوَ بِالْمَدِينَةِ أمره بِحَرْبِهِمْ وَأَنَّهُمْ قتلوا أَبَا نصر بن حميد بن عبد الحميد الطوسي الَّذِي رثاه الطَّائِي. فَسَار إِلَيْهِم حَتَّى وافاهم فِي بطن نخل من عمل الْيَمَامَة فَهَزَمَهُ بَنو نمير حَتَّى بلغ مُعَسْكَره وأيقن بالهلكة ثمَّ تشاغلوا بالنهب حَتَّى ثاب إِلَى بغا من كَانَ انْكَشَفَ من أَصْحَابه فَكروا على بني نمير فهزموهم وَقتلُوا مِنْهُم زهاء ألف وَخَمْسمِائة وَنقل إِلَى بَغْدَاد مِنْهُم نَحْو ألفي رجل وَمن بني كلاب وَبني مرّة وفزارة. وَأنْشد بعده (الشَّاهِد الرَّابِع وَالسِّتُّونَ بعد الثَّمَانمِائَة) (أَلا لَا بَارك الله فِي سُهَيْل ... إِذا مَا الله بَارك فِي الرِّجَال) على أَنه حذف الْألف من لفظ الْجَلالَة الأول قبل الْهَاء. - وَهَذَا الْحَذف لضَرُورَة الشّعْر ذكره ابْن عُصْفُور فِي كتاب الضرائر.

وَأنْشد بعده: (أقبل سيل جَاءَ من عِنْد الله ... يحرد حرد الْجنَّة المغلة) وَقَالَ: أنشدهما قطرب. وَقَالَ القَاضِي الْبَيْضَاوِيّ: حذف أَلفه لحن تفْسد بِهِ الصَّلَاة وَلَا ينْعَقد بِهِ صَرِيح الْيمن. وَقد جَاءَ لضَرُورَة الشّعْر: أَلا لَا بَارك الله فِي سُهَيْل الْبَيْت وَهُوَ: فَاعل لَا بَارك مَرْفُوع بضمة ظَاهِرَة. وَظن العصام فِي حَاشِيَة القَاضِي أَن الْهَاء سَاكِنة فَقَالَ: كَمَا أَن حذف الْألف للضَّرُورَة كَذَا وَالْألف المحذوفة هِيَ ألف فعال إِذْ أصل الله الْإِلَه فَتكون زَائِدَة وَلَيْسَت عين الْفِعْل بِنَاء على أَصله لاه مصدر لاه يَلِيهِ ليهاً إِذا احتجب وارتفع فَيكون أَصله ليه تحركت الْيَاء وَانْفَتح مَا قبلهَا فقلبت ألفا. قَالَ ابْن جني فِي الْمُحْتَسب بعد إنشاد هَذَا الْبَيْت: حذف الْألف قبل الْهَاء وَيَنْبَغِي أَن تكون ألف فعال لِأَنَّهَا زَائِدَة كَقَوْلِه تَعَالَى: إِلَه النَّاس وَلَا تكون الْألف الَّتِي هِيَ عين فعل فِي أحد قولي س أَن أَصله لاه كَنَابِ لِأَن الزَّائِد أولى بالحذف من الْأَصْلِيّ. انْتهى. وَكَون الله أَصله لاه فِي أحد قولي س نَقله الزّجاج عَنهُ فَقَالَ: قَالَ سِيبَوَيْهٍ: سَأَلت الْخَلِيل عَن هَذَا الِاسْم يَعْنِي قَوْلنَا الله فَقَالَ: إِلَه وَقَالَ مرّة أُخْرَى: الأَصْل لاه.

ورد عَلَيْهِ الْفَارِسِي فِي الأغفال بِأَن هَذَا الَّذِي حَكَاهُ عَن سِيبَوَيْهٍ عَن الْخَلِيل سَهْو لِأَن سِيبَوَيْهٍ لم يحك عَن الْخَلِيل أَن الله أَصله إِلَه وَلَا قَالَ: سَأَلته عَنهُ وَلَا حكى عَن الْخَلِيل القَوْل الآخر الَّذِي قَالَه أَنه لاه. ورد ابْن خالويه على أبي عَليّ: بِأَنَّهُ قد صَحَّ الْقَوْلَانِ عَن سِيبَوَيْهٍ. وَلَا ننكر أَن تكون هَذِه الْحِكَايَة قد ثبتَتْ عِنْد أبي إِسْحَاق الزّجاج بِرِوَايَة لَهُ عَن سِيبَوَيْهٍ من غير جِهَة كِتَابه فَلَا يكون) حِينَئِذٍ سَهوا. وَقد وَقعت إِلَيْنَا مسَائِل جمة روى سِيبَوَيْهٍ الْجَواب فِيهَا عَن الْخَلِيل وَلم يضمن ورد عَلَيْهِ أَبُو عَليّ فِي نقض الهاذور بِأَن الَّذِي يَحْكِي هَذِه الحكايات عَن سِيبَوَيْهٍ عَن الْخَلِيل وَهن أبي الْحسن متقول كَذَّاب ومتخرص أفاك لَا يشك فِي ذَلِك أحد لَهُ أدنى تنبه وتيقظ. وَلم يصغ إِلَى الْقبُول مِنْهُ والاشتغال بِهِ إِلَّا الأغمار والأغفال الَّذين لَا معرفَة لَهُم بالرواة ورواياتهم وتمييز صادقهم من كاذبهم وضابطهم من مجازفهم ومتجوزهم فِي الرِّوَايَة. وَمَا علمت أحدا من شُيُوخنَا الَّذين أدركناهم مِنْهُم أَبُو إِسْحَاق روى حِكَايَة وَاحِدَة فضلا عَن حِكَايَة عَن الْأَخْفَش عَن الْخَلِيل وَلَا عَن سِيبَوَيْهٍ عَن الْخَلِيل إِلَّا مَا ثَبت فِي كِتَابه. بل رَأَيْت رجلا روى حِكَايَة وَاحِدَة أسندها إِلَى الْأَخْفَش عَن الْخَلِيل فِي شَيْء من الْعرُوض وَلم يكن هَذَا الرجل موثوقاً بِهِ فِي خَبره وَلَا مسكوناً إِلَى حكايته. - فَأَما نَحن فَلم يَقع إِلَيْنَا من الحكايات عَن سِيبَوَيْهٍ مَا لم يثبت فِي كِتَابه إِلَّا حكايتان أَو ثَلَاث: إِحْدَاهَا: عَن مُحَمَّد بن يزِيد عَن أبي زيد عَنهُ وَهِي أَن مُحَمَّد بن السّري روى عَن مُحَمَّد بن يزِيد أَنه قَالَ: لَقِي أَبُو زيد سِيبَوَيْهٍ فَقَالَ

أَبُو زيد لسيبويه: إِنِّي سَمِعت من الْعَرَب من يَقُول: قريت وتوضيت بِالْيَاءِ فيبدل الْيَاء من الْهمزَة. فَقَالَ: فَكيف تَقول أفعل قَالَ: أَقرَأ وَلَا يَنْبَغِي أَن تَقول أقري. والحكاية الْأُخْرَى أَو الحكايتان حَكَاهُمَا أَو حَكَاهَا ابْن سَلام عَنهُ على عَادَة نقلة الْآثَار. هَذَا مَعَ مَا تصفحنا مَا أَخذه مُحَمَّد بن السّري عَن مُحَمَّد بن يزِيد أَو عامته وتصفح مَا جمعه أَبُو عبد الله الْفَزارِيّ وَغَيره وَمَعَ صُحْبَة عَليّ بن سُلَيْمَان وَإِبْرَاهِيم بن السّري وَغَيرهم فَلم نسْمع أحدا روى شَيْئا من ذَلِك. وَإِنَّمَا عمل هَذَا الْإِسْنَاد هَذَا الْكذَّاب الأفاك. وَمِمَّا يدل على غرَّة هَذَا الْإِسْنَاد أَنا لم نجد أَبَا الْحسن يسند إِلَى الْخَلِيل شَيْئا إِلَّا على جِهَة الْإِرْسَال فَيَقُول: قَالَ الْخَلِيل أَو على جِهَة الْحِكَايَة عَن غَيره فَيَقُول: زَعَمُوا أَن الْخَلِيل كَانَ يَقُول. وَلم نعلمهُ قَالَ: سَمِعت الْخَلِيل أَو حَدثنِي الْخَلِيل كَمَا يَقُول ذَلِك فِي عِيسَى وَيُونُس. وَالَّذين يَحْكِي عَنْهُم عَن الْخَلِيل مِمَّن كَانَ اخْتصَّ بملازمته وصحبته نفر. مِنْهُم سِيبَوَيْهٍ وَالنضْر بن شُمَيْل ومؤرج السدُوسِي وَعلي بن نصر. ثمَّ رد على ابْن خالويه فِي نَقله بِأَن من النَّحْوِيين من يَقُول أَصله وَله وغلطه فِيهِ بِأَنَّهُ تَحْرِيف فِي الرِّوَايَة وتزييف.) قَالَ: وَلم نعلم من النَّحْوِيين بصريهم

وَلَا كوفيهم من ذهب فِي هَذَا الِاسْم إِلَى أَنه من الوله وَإِنَّمَا ذهب إِلَيْهِ من لَيْسَ من أهل النّظر فِي الْعَرَبيَّة لوضوح خطأ القَوْل بذلك فِيهَا من جِهَة اللَّفْظ. أَلا ترى أَن من أجَاز أَن يُبدل من الْفَاء الَّتِي هِيَ وَاو الْهمزَة لِأَنَّهَا مَكْسُورَة فِي قَول من رأى الْبَدَل من الْمَكْسُورَة على الاطراد كَمَا يرى الْجَمِيع بدل الْهمزَة من المضمومة فَإِنَّهُم لم يذهبوا إِلَى أَلا ترى أَن من يَقُول فِي الوشاح: إشاح وَفِي الوسادة: إسادة يَقُول: توشح وتوسد. والمستعمل فِي هَذَا الِاسْم تأله. قَالَ: سبحن واسترجعن من تألهي وَلَو كَانَ من الوله لَكَانَ توله. وَلَو كَانَ فِي الْكَلَام لُغَتَانِ لتعاقب الحرفان على الْكَلِمَة كَمَا جَاءَ ذَلِك فِي سنة. فللخطأ الظَّاهِر من جِهَة اللَّفْظ لم يذهب إِلَى هَذَا القَوْل نحوي فِيمَا علمناه. وَمِمَّا يدا على فَسَاد القَوْل بذلك أَيْضا من جِهَة اللَّفْظ أَنهم قَالُوا فِي جَمِيع إِلَه آلِهَة كَمَا قَالُوا فِي جمع إِنَاء آنِية وَأَوَان آونة. وَلَو كَانَ من الوله لوَجَبَ أَن يكون الْجمع أولهة كَمَا قَالُوا أوعية. فللفساد الظَّاهِر من جِهَة اللَّفْظ لم يذهب إِلَيْهِ أحد من أهل الْعَرَبيَّة. فَأَما من جِهَة الْمَعْنى فَلَيْسَ بممتنع وَلَا فِيهِ شَيْء يَنْبَغِي أَن يجْتَنب لِأَن الَّذِي يَقُول من غير النَّحْوِيين إِن إِلَه فعال من الوله إِنَّمَا هُوَ لوله الْعباد إِلَيْهِ ودعائهم لَهُ وإسراعهم إِلَى ذَلِك عِنْدَمَا يدهمهم من الْأُمُور وَهَذَا لَا يمْتَنع الْوَصْف بِهِ كَمَا لَا يمْتَنع فِيهِ التَّسْمِيَة بإلاه. - وَمعنى الإلاهة فِي اللُّغَة: الْعِبَادَة قَالَ ابْن عَبَّاس فِي قَوْله عَزَّ وَجَلَّ:

ويذرك وإلهتك قَالَ: عبادتك. فَكَمَا أَن الْعِبَادَة لَا تكون من الله سُبْحَانَهُ إِنَّمَا تكون من عباده لَهُ كَذَلِك لَا يكون الوله من الله سُبْحَانَهُ وَإِنَّمَا يكون من عباده إِلَيْهِ. إِلَى آخر مَا ذكره أَبُو عَليّ. وَأما الْبَيْت الثَّانِي فقد قَالَ الْمبرد فِي الْكَامِل ذكر أَبُو عبيد أَن أَبَا حَاتِم قَالَ: هَذَا الْبَيْت مَصْنُوع صنعه من لَا أحسن الله ذكره. يَعْنِي قطرباً. قَالَ ابْن الشجري فِي أَمَالِيهِ: قَائِل هَذَا الرجز إِنَّمَا حذف الْألف للضَّرُورَة وأسكن آخِره للْوَقْف عَلَيْهِ ورقق لامه لانكسار مَا قبلهَا وَلَو لم يَأْتِ على قافية الْبَيْت المغله لأمكن أَن يَقُول: جَاءَ من أَمر اللاه فَيثبت أَلفه وَيقف على الْهَاء بِالسُّكُونِ. انْتهى.) وَأوردهُ الْفراء فِي تَفْسِيره عِنْد قَوْله تَعَالَى: وغدوا على حرد قَادِرين قَالَ: على حرد على حد وقدرة فِي أنفسهم. والحرد أَيْضا: الْقَصْد كَمَا يَقُول الرجل للرجل: قد أَقبلت قبلك وقصدت قصدك وحردت حردك. وَأنْشد بَعضهم: (وَجَاء سيل كَانَ من أَمر الله ... يحرد حرد الْجنَّة المغله) يُرِيد: يقْصد قَصدهَا. انْتهى. وَاسْتشْهدَ بِهِ ابْن السّكيت فِي إصْلَاح الْمنطق وَابْن الْأَنْبَارِي فِي شرح المفضليات والبيضاوي فِي

(الشاهد الخامس والستون بعد الثمانمائة)

قَالَ ابْن السيرافي فِي شرح أَبْيَات الْإِصْلَاح: الْجنَّة: الْبُسْتَان. والمغلة: الَّتِي فِيهَا الْغلَّة. يُقَال: أغلت إِذا خرجت فِيهَا غلَّة. - وَقَالَ ابْن السَّيِّد فِي شرح الْكَامِل: هَذَا الرجز لقطرب بن المستنير وَرَوَاهُ بَعضهم: حرد الْحَيَّة المغله بِالْحَاء غير الْمُعْجَمَة وَالْيَاء. وَيجوز أَن يُرِيد بالحية الأَرْض المخصبة. يُقَال: حييت الأَرْض إِذا أخصبت وَمَاتَتْ إِذا أجدبت فَيكون مثل رِوَايَة من روى: الْجنَّة وَيكون معنى المغلة ذَات الْغلَّة. انْتهى. وَأنْشد بعده (الشَّاهِد الْخَامِس وَالسِّتُّونَ بعد الثَّمَانمِائَة) ولكنني من حبها لعميد على أَن الْكُوفِيّين استدلوا بِهِ على جَوَاز دُخُول اللَّام فِي خبر لَكِن. وَمنعه البصريون وَأَجَابُوا عَن هَذَا بِأَنَّهُ: إِمَّا شَاذ وَإِمَّا أَن أَصله لَكِن إِنَّنِي. وَمثله لِابْنِ هِشَام فِي الْمُغنِي قَالَ: وَلَا تدخل اللَّام فِي خَبَرهَا خلافًا للكوفيين احْتَجُّوا بقوله: ولكنني من حبها لعميد وَلَا يعرف لَهُ قَائِل وَلَا تَتِمَّة وَلَا نَظِير. ثمَّ هُوَ مَحْمُول على زِيَادَة اللَّام أَو على أَن الأَصْل: لَكِن إِنَّنِي ثمَّ حذفت الْهمزَة تَخْفِيفًا وَنون لَكِن للساكنين. انْتهى.

- وَهَذَا نَص إِمَام الْكُوفِيّين الْفراء فِي تَفْسِيره: وَإِنَّمَا نصبت الْعَرَب إِذْ شددت نونها لِأَن أَصْلهَا إِن زيدت على إِن: لَام وكاف فصارتا جَمِيعًا حرفا وَاحِدًا. أَلا ترى أَن الشَّاعِر قَالَ: ولكنني من حبها لكميد فَلم تدخل اللَّام إِلَّا أَن مَعْنَاهَا إِن وَهِي فِيمَا وصلت بِهِ من أَولهَا بِمَنْزِلَة قَول الشَّاعِر: (لهنك من عبسية لوسيمة ... على هنوات كَاذِب من يَقُولهَا) وصل إِن هَاهُنَا بلام وهاء كَمَا وَصلهَا ثمَّ بلام وكاف. والحرف قد يُوصل من أَوله وَآخره. انْتهى. وَنسب ابْن الْأَنْبَارِي فِي مسَائِل الْخلاف هَذَا الْكَلَام إِلَى الْكُوفِيّين وَقَالَ: أجَاب البصريون عَنهُ بِأَنَّهُ مَحْمُول على أَن التَّقْدِير: وَلَكِن إِنَّنِي فحذفت الْهمزَة من إِن تَخْفِيفًا فَاجْتمع أَربع نونات فحذفوا نون لَكِن استثقالاً لِاجْتِمَاع الْأَمْثَال. وَلَو حمل على مَا زعمتم فَهُوَ شَاذ لَا يكَاد يعرف لَهُ نَظِير. وَلَو كَانَ قِيَاسا لكثر فِي الْكَلَام كَمَا فِي خبر إِن. وَأما قَوْلهم إِن الأَصْل إِن ثمَّ زيدت عَلَيْهَا اللَّام وَالْكَاف قُلْنَا: لَا نسلم فَإِنَّهُ دَعْوَى بِلَا دَلِيل وَلَا نسلم أَيْضا أَن الْهَاء فِي لهنك مَعَ اللَّام زَائِدَة وَإِنَّمَا هِيَ مبدلة من ألف إِن فَإِن الْهَاء تبدل من الْهمزَة وَلِهَذَا جَازَ أَن يجمع بَين اللَّام وَبَينهَا لتغير صورتهَا. وَقد حُكيَ عَن أصحابكم فِيهِ وَجْهَان.

أَحدهمَا: قَول الْفراء وَهُوَ أَن أَصله: وَالله إِنَّك فحذفت الْهمزَة من إِنَّك وَالْوَاو وَإِحْدَى) اللامين وَالْألف فَبَقيَ لهنك. - وَالْوَجْه الثَّانِي وَهُوَ قَول الْمفضل بن سَلمَة أَن أَصله لله إِنَّك فحذفت لامان والهمزة من إِن. فَسقط الِاحْتِجَاج بِهِ على كلا المذهبين. وَأما قَوْلهم: إِن الْحَرْف قد يُوصل فِي أَوله قُلْنَا: إِنَّمَا جَاءَ قَلِيلا على خلاف الأَصْل فَلَا يُقَاس عَلَيْهِ. انْتهى بِاخْتِصَار. وَاقْتصر الزَّمَخْشَرِيّ فِي الْمفصل على الْجَواب الثَّانِي فَقَالَ: وَقَوله: ولكنني من حبها لعميد أَصله: وَلَكِن إِنَّنِي كَمَا أَن أصل قَوْله تَعَالَى: لَكنا هُوَ الله رَبِّي: لَكِن أَنا. انْتهى. وَنقل الْعَيْنِيّ عَن البعلي بِأَن الْبَصرِيين أجابوا عَنهُ بِأَن أَصله وَلَكِن أَنا من حبها لعميد فحذفت أَقُول: هَذَا فَاسد فَإِنَّهُ يكون حِينَئِذٍ من قبيل: أم الْحُلَيْس لعجوز شهربه وَلَا يجوز تَخْرِيج الشاذ على الشاذ. مَعَ أَن الْبَصرِيين لم يَقُولُوا مَا نَقله عَنْهُم. والعميد: الَّذِي هده الْعِشْق. قَالَ الْجَوْهَرِي: عمده الْمَرَض إِذا فدحه. وَرجل

(الشاهد السادس والستون بعد الثمانمائة)

معمود وعميد أَي: هده الْعِشْق. والكميد: وصف من الكمد وَهُوَ الْحزن. - وَأنْشد بعده: أم الْحُلَيْس لعجوز شهربه وَتقدم شَرحه قَرِيبا. وَأنْشد بعده (الشَّاهِد السَّادِس وَالسِّتُّونَ بعد الثَّمَانمِائَة) إِن الْخَلِيفَة إِن الله سربله هُوَ صدر وعجزه: لِبَاس ملك بِهِ تزجى الخواتيم وَهنا وَقعت جملَة: إِن الله سربله: خَبرا

لقَوْله: إِن الْخَلِيفَة والرابط الْهَاء فِي سربله. وَلَا يجوز فتح إِن هُنَا لِأَنَّهُ يصير فِي تَقْدِير. إِن الْخَلِيفَة سربلته وَلَا يَصح الْإِخْبَار بِالْحَدَثِ عَن اسْم الْعين وَلِهَذَا وَجب كسرهَا. وسربله: ألبسهُ يتَعَدَّى لمفعولين أَولهمَا ضمير الْخَلِيفَة وَالثَّانِي اللبَاس بِمَعْنى الثَّوْب. وَجُمْلَة بِهِ تزجي الخواتيم: صفة لملك والربط الْهَاء فِي بِهِ. - وَيجوز أَن تكون الْجُمْلَة خَبرا لإن الْخَلِيفَة وَحِينَئِذٍ جملَة إِن الله سربله لِبَاس ملك: مُعْتَرضَة بَين اسْم إِن وخبرها كَمَا قَالَ أَبُو حَيَّان فَتكون الْهَاء فِي بِهِ ضمير الْخَلِيفَة. وَيجوز أَيْضا أَن تفتح أَن على تَقْدِير اللَّام. وتزجي بالزاي وَالْجِيم. والإزجاء: السُّوق. والخواتيم: جمع خاتام لُغَة فِي الْخَاتم. يُرِيد: إِن سلاطين الْآفَاق يرسلون إِلَيْهِ خواتمهم خوفًا مِنْهُ فيضاف ملكهم إِلَى ملكه. ويروى: ترجى بالراء الْمُهْملَة من الرَّجَاء. وَهَذِه الراوية أَكثر من الأولى. وَمثل الْوَجْه الأول آيَة سُورَة الْحَج وَهِي: إِن الَّذين أمنُوا وَالَّذين هادوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوس وَالَّذين أشركوا إِن الله يفصل بَينهم يَوْم الْقِيَامَة قَالَ الزّجاج وَتَبعهُ صَاحب الْكَشَّاف: خبر الأولى جملَة الْكَلَام مَعَ إِن الثَّانِيَة. وَقد زعم أَن قَوْلك: إِن زيدا إِنَّه قَائِم رَدِيء وَأَن هَذِه الْآيَة صلحت فِي الَّذين. وَلَا فرق بَين الَّذين وَغَيره فِي بَاب إِن. قلت: إِن زيدا إِنَّه قَائِم كَانَ جيدا. وَمثله قَول الشَّاعِر: إِن الْخَلِيفَة إِن الله سربله وَلَيْسَ بَين الْبَصرِيين خلاف فِي أَن تدخل على كل ابْتِدَاء وَخبر تَقول: إِن زيدا إِنَّه قَائِم. انْتهى كَلَامه. وَهَذَا تَعْرِيض بالفراء فَإِنَّهُ قَالَ فِي تَفْسِيره: وَقَوله: إِن الَّذين أمنُوا وَالَّذين هادوا إِلَى قَوْله:) - وَأَنت لَا تَقول: إِن أَخَاك إِنَّه ذَاهِب فَجَاز ذَلِك لِأَن

الْمَعْنى كالجزاء أَي: من كَانَ مُؤمنا أَو على شَيْء من هَذِه الْأَدْيَان ففصل بَينهم وحسابهم على الله. وَرُبمَا قَالَت الْعَرَب: إِن أَخَاك إِن الدَّين عَلَيْهِ لكثير فيجعلون إِن فِي خَبره إِذا كَانَ إِنَّمَا يرفع باسم مُضَاف إِلَى ذكره كَقَوْل الشَّاعِر: (إِن الْخَلِيفَة إِن الله سربله ... سربال ملك بِهِ ترجى الخواتيم) وَمن قَالَ هَذَا لم يقل: إِنَّك إِنَّك قَائِم وَلَا إِن أَبَاك إِنَّه قَائِم لِأَن الاسمين قد اخْتلفَا فَحسن رفض وَمثل الْبَيْت فِي الْوَجْهَيْنِ آيَة سُورَة الْكَهْف وَهِي قَوْله تَعَالَى: إِن الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات إِنَّا لَا نضيع أجر من أحسن عملا. أُولَئِكَ لَهُم جنَّات عدن فَيجوز أَن يكون إِنَّا لَا نضيع ... إِلَخ خبر إِن الَّذين والرابط الْعُمُوم. وَيجوز أَن يكون الْخَبَر جملَة أُولَئِكَ لَهُم جنَّات عدن وَيكون جملَة إِنَّا لَا نضيع ... إِلَخ مُعْتَرضَة بَين اسْم إِن وخبرها. قَالَ الزّجاج: يجوز أَن يكون الْخَبَر إِنَّا لَا نضيع أجر من أحسن عملا وَمَعْنَاهُ: إِنَّا لَا نضيع أجرهم لِأَن ذكر من كذكر الَّذِي وَذكر حسن الْعَمَل كذكر الْإِيمَان فَيكون كَقَوْلِك:

إِن الله لَا يضيع أجره. وَيجوز أَن يكون خبر إِن أُولَئِكَ لَهُم جنَّات عدن وَيكون قَوْله: إِنَّا لَا نضيع أجر من أحسن عملا قد فصل بِهِ بَين الِاسْم وَخَبره لِأَن فِيهِ ذكر مَا فِي الأول لِأَن من أحسن عملا بِمَنْزِلَة الَّذين آمنُوا. انْتهى. وَزَاد الْفراء وَجْهَيْن آخَرين: أَحدهمَا: أَن يكون جملَة إِنَّا لَا نضيع: بَدَلا من إِن الَّذين. وَالثَّانِي: أَن يكون الَّذين متضمناً لِمَعْنى الشَّرْط لعمومه وَجُمْلَة إِنَّا لَا نضيع الْجَزَاء بِتَقْدِير الْفَاء. وهما ضعيفان لَا يجوزان. إِن الْخَلِيفَة إِن الله سربله كَأَنَّهُ فِي الْمَعْنى: إِنَّا لَا نضيع أجر من عمل صَالحا فَترك الْكَلَام الأول وَاعْتمد على الثَّانِي بنية التكرير كَمَا قَالَ: يسئلونك عَن الشَّهْر الْحَرَام ثمَّ قَالَ: قتال فِيهِ يُرِيد عَن قتال فِيهِ بالتكرير. وَيكون أَن تجْعَل إِن الَّذين آمنُوا فِي مهب جَزَاء كَقَوْلِك: إِن من عمل صَالحا فَإنَّا لَا نضيع أجره.) فتضمر الْفَاء وإلقاؤها جَائِز. وَهُوَ أحب الْوُجُوه إِلَيّ. وَإِن شِئْت جعلت الْخَبَر أُولَئِكَ لَهُم جنَّات عدن. هَذَا كَلَامه. وَالْبَيْت الشَّاهِد من قصيدة لجرير. لَكِن الَّذِي رَأَيْته فِي ديوانه بنسخة صَحِيحَة قديمَة:

يَكْفِي الْخَلِيفَة أَن الله سربله وَعَلِيهِ لَا شَاهد فِيهِ. - وَهَذِه القصيدة مدح بهَا الْعَزِيز بن الْوَلِيد بن عبد الْملك بن مَرْوَان ومطلعها: (أواصل أَنْت سلمى بعد معتبة ... أم صارم الْحَبل من سلمى فمصروم) (قد كنت أضمر حاجات وأكتمها ... حَتَّى مَتى طول هَذَا الوجد مَكْتُوم) وَبعد الْبَيْت الشَّاهِد: (من يُعْطه الله مِنْكُم يُعْط نَافِلَة ... وَيحرم الْيَوْم مِنْكُم فَهُوَ محروم) (قوم أبوهم أَبُو العَاصِي وأورثهم ... جرثومةً لَا تساميها الجراثيم) (قد فَازَ بالغاية الْعليا فأحرزها ... سَام خُرُوج إِذا اصطك الأضاميم) (مَا الْملك منتقل عَنْكُم إِلَى أحد ... وَلَا بناؤكم العادي مهدوم) وَهَذَا آخر القصيدة. وَجَرِير تقدّمت تَرْجَمته فِي الشَّاهِد الرَّابِع من أول الْكتاب.

(الشاهد السابع والستون بعد الثمانمائة)

وَأنْشد بعده (الشَّاهِد السَّابِع وَالسِّتُّونَ بعد الثَّمَانمِائَة) (لقد علم الْحَيّ اليمانون أنني ... إِذا قلت أما بعد إِنِّي خطيبها) على أَنه رُوِيَ أَنِّي الثَّانِيَة بِكَسْر الْهمزَة وَفتحهَا. أما الْكسر فعلى أَن جملَة: إِنِّي خطيبها: خبر أنني الْمَفْتُوحَة الْهمزَة وَلَا يجوز فتحهَا لِئَلَّا يُؤَدِّي إِلَى الْإِخْبَار بِالْحَدَثِ عَن اسْم الْعين كَمَا تقدم قبله. وَأما فتحهَا فعلى أَنَّهَا تَكْرِير للأولى على وَجه التَّأْكِيد وخطيبها: خبر أَن الأولى وَلَا خبر لِأَن الثَّانِيَة لِأَنَّهَا جَاءَت مُؤَكدَة للأولى فَهِيَ عينهَا كَمَا قَرَّرَهُ الشَّارِح فِي الْآيَة. قَالَ شَارِح اللّبَاب: كَانَ الْقيَاس إِذا قلت: أما بعد خطيبها بِدُونِ أَنِّي ليَكُون خطيبها خبر أنني وَالْبَيْت لسحبان وَائِل. وَرُوِيَ صَدره: وَقد علمت قيس بن عيلان أنني وقيس: قَبيلَة كَبِيرَة وَلها أنث علمت لَهُ. وَهُوَ فِي الأَصْل أَبُو قبائل شَتَّى. وَهُوَ لقب واسْمه النَّاس بالنُّون ابْن مُضر بن نزار بن معد بن عدنان. وعيلان بِالْعينِ الْمُهْملَة وَلَيْسَ فِي الْعَرَب عيلان غَيره. وَاخْتلف فِيهِ: فَقيل: عيلان لقب مُضر وَقيل: عيلان عبد لمضر فحضن النَّاس فغلب عَلَيْهِ وَنسب إِلَيْهِ وَقيل: عيلان: اسْم فرس لقيس يُضَاف إِلَيْهِ فَيُقَال: قيس عيلان كَقَوْل العجاج: وَقيس عيلان وَمن تقيسا

وَقيل غير ذَلِك. وخطيب الْقَوْم هُوَ الْمُتَكَلّم عَنْهُم لكَونه أفْصح مِنْهُم وأبلغ مَأْخُوذ من الْخطاب وَهُوَ القَوْل الَّذِي يفهمهُ الْمُخَاطب. وَيُقَال لمن يعظ الْقَوْم: خطيب أَيْضا. يُقَال: خطبهم وخطب عَلَيْهِم من بَاب قتل خطْبَة بِالضَّمِّ وَهِي فعلة بِمَعْنى مفعولة نَحْو: نُسْخَة بِمَعْنى مَنْسُوخَة وغرفة من مَاء بِمَعْنى مغروفة. ومصدره الخطابة وَهُوَ قِيَاس مركب من مُقَدمَات مَقْبُولَة أَو مظنونة من شخص مُعْتَقد فِيهِ وَالْغَرَض مِنْهَا ترغيب النَّاس فِيمَا يَنْفَعهُمْ معاشاً ومعاداً. وأنني الأولى فِي تَأْوِيل مفعول سَاد مسد مفعولي علم وَإِذا ظرف لعلم.) وَكَثِيرًا مَا تَأتي عقب الْحَمد لله وَتسَمى حِينَئِذٍ فصل الْخطاب كَأَنَّهَا فصلت بَين الْكَلَام الأول وَالثَّانِي. وَتَأْتِي عقب الْبَسْمَلَة. وَتَأْتِي ابْتِدَاء كَأَنَّهَا عقب الْفِكر والروية. وَاخْتلف فِي أول من قَالَهَا. قَالَ الزبير بن بكار: أول من قَالَ: أما بعد كَعْب بن لؤَي كَانَ يجمعهُمْ يَوْم الْجُمُعَة ويخطبهم وَكَانَ من قَوْله: أما بعد فعطموا حرمكم وزينونه وكرموه فَإِنَّهُ يخرج مِنْهُ نَبِي كريم. وَقيل: أول من قَالَهَا قس بن سَاعِدَة الْإِيَادِي كَانَ يجمع بنيه وَيَقُول لَهُم: أما بعد فَإِن المعى تكفيه البقلة وترويه المذقة إِلَى آخر

كَلَامه. - وَقيل أول من قَالَهَا دَاوُد النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيّ وَالشعْبِيّ: أما بعد هِيَ فصل الْخطاب فِي قَوْله تَعَالَى: وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَة وَفصل الْخطاب. وَالصَّحِيح أَنه دَاوُد وَإِنَّمَا قيس وَقيل فصل الْخطاب فِي الْآيَة: الْبَيِّنَة على الْمُدعى وَالْيَمِين على من أنكر وَقيل: الْفَصْل بَين الْحق وَالْبَاطِل وَقيل: الْفِقْه فِي الْقَضَاء. وسحبان أوردهُ ابْن حجر فِي الْإِصَابَة فِي قسم المخضرمين الَّذين أَسْلمُوا فِي زمن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وَلم يجتمعوا بِهِ وَهُوَ سحبان بن زفر بن إِيَاس الوائلي وَائِل باهلة. خطيب مفصح يضْرب بِهِ الْمثل فِي الْبَيَان. أدْرك الْجَاهِلِيَّة وَأسلم وَمَات سنة أَربع وَخمسين. وَحكى الْأَصْمَعِي قَالَ: كَانَ إِذا خطب يسيل عرقاً وَلَا يُعِيد كلمة وَلَا يتَوَقَّف وَلَا يقْعد حَتَّى يفرغ. وَقدم على مُعَاوِيَة وَفد من خُرَاسَان فيهم سعيد بن عُثْمَان فَطلب سحبان فَأتي بِهِ فَقَالَ: تكلم. فَقَالَ: انْظُرُوا لي عَصا تقوم من أودي. فَقَالُوا: وَمَا تصنع بهَا وَأَنت بِحَضْرَة أَمِير الْمُؤمنِينَ قَالَ: مَا كَانَ يصنع بهَا مُوسَى وَهُوَ يُخَاطب ربه وَعَصَاهُ فِي يَده. فَضَحِك مُعَاوِيَة وَقَالَ: هاتوا عَصَاهُ فَأَخذهَا ثمَّ قَامَ فَتكلم من صَلَاة الظّهْر إِلَى أَن قَامَت صَلَاة الْعَصْر مَا تنحنح وَلَا سعل وَلَا توقف وَلَا ابْتَدَأَ فِي معنى فَخرج مِنْهُ وَقد بَقِي عَلَيْهِ شَيْء.) فَمَا زَالَت تِلْكَ حَالَته حَتَّى أَشَارَ مُعَاوِيَة بِيَدِهِ فَأَشَارَ إِلَيْهِ سحبان أَن لَا تقطع عَليّ كَلَامي.

فَقَالَ مُعَاوِيَة: الصَّلَاة. فَقَالَ: هِيَ أمامك وَنحن فِي صَلَاة وتحميد ووعد ووعيد. فَقَالَ مُعَاوِيَة: أَنْت أَخطب الْعَرَب فَقَالَ سحبان: والعجم وَالْإِنْس وَالْجِنّ. وَمِمَّا رُوِيَ من خطبه البليغة: إِن الدُّنْيَا دَار بَلَاغ وَالْآخِرَة دَار قَرَار. أَيهَا النَّاس فَخُذُوا من دَار ممركم لدار مقركم وَلَا تهتكوا أستاركم عِنْد من لَا تخفى عَلَيْهِ أسراركم وأخرجوا من الدُّنْيَا قُلُوبكُمْ قبل أَن تخرج مِنْهَا أبدانكم فَفِيهَا حييتُمْ ولغيرها خلقْتُمْ. إِن الرجل إِذا هلك قَالَ النَّاس: مَا ترك وَقَالَت الْمَلَائِكَة: مَا قدم. قَالَ حَمْزَة الْأَصْبَهَانِيّ فِي أَمْثَاله فِي قَوْلهم: هُوَ أبلغ من سحبان وَائِل: كَانَ من خطباء الْعَرَب وبلغائها. وَفِي نَفسه يَقُول: لقد علم الْحَيّ اليمانون أنني الْبَيْت وَهُوَ الَّذِي يَقُول لطلْحَة الطلحات الْخُزَاعِيّ: (يَا طلح أكْرم من مَشى ... حسباً وَأَعْطَاهُمْ لتالد) (مِنْك الْعَطاء فَأعْطِنِي ... وَعلي مدحك فِي الْمشَاهد) فَقَالَ طَلْحَة: احتكم. فَقَالَ: برذونك الْورْد وَقصر بزرنج وغلامك الخباز وَعشرَة آلَاف دِرْهَم. فَقَالَ طَلْحَة: أُفٍّ لم تَسْأَلنِي على قدري وَإِنَّمَا سَأَلت على قدرك وَقدر باهلة وَلَو سَأَلتنِي كل قصر وَعبد ودابة لأعطيتك. ثمَّ أَمر لَهُ بِمَا سَأَلَهُ وَلم يزده شَيْئا وَقَالَ: تالله مَا رَأَيْت مَسْأَلَة مُحكم ألأم مِنْهَا. وزرنج: مَدِينَة بسجستان مَاتَ بهَا طَلْحَة الطلحات.

(الشاهد الثامن والستون بعد الثمانمائة)

وَأنْشد بعده (الشَّاهِد الثَّامِن وَالسِّتُّونَ بعد الثَّمَانمِائَة) (تالله رَبك إِن قتلت لمسلماً ... وَجَبت عَلَيْك عُقُوبَة الْمُتَعَمد) على أَن الْكُوفِيّين استدلوا بِهِ على جَوَاز دُخُول إِن المخففة على غير الْأَفْعَال الناسخة. وَهَذَا عِنْد الْبَصرِيين شَاذ لِأَن مَذْهَبهم إِذا خففت إِن وأهملت لَا يَليهَا غَالِبا إِلَّا فعل نَاسخ كَمَا قَالَ الشَّارِح. وَلم يُقَيِّدهُ بالماضي كَمَا قَيده ابْن مَالك لِأَن شراحه قَالُوا: لَيْسَ بِصَحِيح لقَوْله تَعَالَى: وَإِن نظنك لمن الْكَاذِبين وَقَوله تَعَالَى: وَإِن يكَاد الَّذين كفرُوا ليزلقونك بِأَبْصَارِهِمْ. وَأما الْكُوفِيُّونَ غير الْكسَائي فَلَا يثبتون إِن مُخَفّفَة لَا عاملة وَلَا مُهْملَة وَإِنَّمَا هِيَ عِنْدهم إِن النافية وَاللَّام بِمَعْنى إِلَّا. وَهِي عِنْد الْكسَائي مُخَفّفَة إِن دخلت على اسْم ونافية إِن دخلت على فعل. فَقَوله: إِن قتلت لمسلماً عِنْد جَمِيع الْكُوفِيّين إِن فِيهِ نَافِيَة وَاللَّام بِمَعْنى إِلَّا. وَعند الْبَصرِيين مُخَفّفَة مُهْملَة وَاللَّام فارقة وَمُسلمًا: مفعول قتلت وَجُمْلَة إِن قتلت لمسلماً: جَوَاب الْقسم ورَبك: صفة لله وَجُمْلَة وَجَبت ... إِلَخ اسْتِئْنَاف بياني كَأَنَّهُ قَالَ: مَا شأني فِي قتل مُسلم. وتنوين مُسلم للتعظيم والتهويل. وعقوبة الْمُتَعَمد فَاعل وَجَبت أَي: إِنَّك تعاقب بِمَا يُعَاقب بِهِ من تعمد قتل مُسلم. وَقَالَ الْعَيْنِيّ: جملَة وَجَبت عَلَيْك جَوَاب شَرط مَحْذُوف وَالتَّقْدِير: إِنَّك

إِن قتلت مُسلما وَجَبت عَلَيْك عُقُوبَة الْمُتَعَمد. هَذَا كَلَامه مَعَ أَنه لم يذكر مَا موقع جملَة إِن قتلت من الْإِعْرَاب. وَرِوَايَة صدر الْبَيْت عِنْده: شلت يَمِينك إِن قتلت وَعَلِيهِ فالجملة اسْتِئْنَاف لبَيَان سَبَب الدُّعَاء عَلَيْهِ. قَالَ ثَعْلَب فِي الفصيح فِي بَاب فعلت بِكَسْر الْعين: وَقد شلت يَده تشل وَلَا تشلل يدك أَي: وروى أَيْضا: هبلتك أمك إِن قتلت وثكلتك أمك وهما بِمَعْنى وَمن بَاب فَرح. يُقَال: هبلته أمه أَي: ثكلته ومصدرهما الهبل والثكل بِفتْحَتَيْنِ وَاسم الثَّانِي الثكل كقفل وَهُوَ أَن تفقد الْمَرْأَة وَلَدهَا. ووَجَبت مَعْنَاهُ حقت وَثبتت. وَرُوِيَ أَيْضا: حلت بدل وَجَبت وَهُوَ من الْحُلُول بِمَعْنى) - النُّزُول. وَرُوِيَ أَيْضا: إِن قتلت لفارساً. قَالَ أَبُو عَليّ فِي البغداديات: إِن المخففة قد دخلت على الْفِعْل فِي نَحْو: إِن كَانَ ليضلنا وإِن كَانُوا ليقولون. فَيَقُول الْقَائِل: كَيفَ دخلت على الْفِعْل مُخَفّفَة وامتنعت من الدُّخُول عَلَيْهِ مثقلة فَالْجَوَاب أَنَّهَا امْتنعت من ذَلِك مثقلة لشبهها بِالْفِعْلِ فِي إحداثها الرّفْع وَالنّصب كمل يحدثهما الْفِعْل فَمن حَيْثُ لم يدْخل الْفِعْل على الْفِعْل لم تدخل هِيَ أَيْضا عَلَيْهِ. وَأَصلهَا أَنَّهَا حرف تَأْكِيد وَإِن كَانَ لَهَا هَذَا الشّبَه الَّذِي ذكرنَا بِالْفِعْلِ. وَإِذا خففت زَالَ شبه

الْفِعْل عَنْهَا فَلم تمْتَنع من الدُّخُول على الْفِعْل إِذْ كَانَت الْجمل الخبرية على ضَرْبَيْنِ: مُبْتَدأ وَخبر وَفعل وفاعل. وَقد تحْتَاج المركبة من الْفِعْل وَالْفَاعِل من التَّأْكِيد إِلَى مثل مَا تحْتَاج إِلَيْهِ المركبة من الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر فَدخلت المخففة على الْفِعْل مُؤَكدَة إِذا كَانَ أَصْلهَا التَّأْكِيد وَزَالَ الْمَعْنى الَّذِي لَهُ كَانَ امْتنع من الدُّخُول على الْفِعْل وَهُوَ شبهها بِهِ. ولزوال شبهه بِالْفِعْلِ اختير فِي الِاسْم الْوَاقِع بعده الرّفْع وَجَاء أَكثر الْقِرَاءَة على ذَلِك. وَمن حَيْثُ اختير الرّفْع فِي الِاسْم الْوَاقِع بعْدهَا جَازَ دُخُولهَا على الْفِعْل. فَأَما اللَّام الَّتِي تصحبها مُخَفّفَة ف هِيَ للْفرق بَينهَا وَبَين إِن الَّتِي تَجِيء نَافِيَة بِمَعْنى مَا وَلَيْسَت هَذِه اللَّام بِالَّتِي تدخل على خبر إِن الْمُشَدّدَة الَّتِي هِيَ للابتداء لِأَن تِلْكَ كَانَ حكمهَا أَن تدخل على إِن فأخرت إِلَى الْخَبَر لِئَلَّا يجْتَمع تأكيدان إِذْ كَانَ الْخَبَر هُوَ الْمُبْتَدَأ فِي الْمَعْنى وَمَا هُوَ وَاقع موقعه وراجع إِلَيْهِ. - فَهِيَ لَا تدخل إِلَّا على الْمُبْتَدَأ أَو على خبر إِن إِذْ كَانَ إِيَّاه فِي الْمَعْنى أَو مُتَعَلقا بِهِ. ولاتدخل من الْفِعْل إِلَّا على مَا كَانَ مضارعاً وَاقعا فِي خبر إِن وَكَانَ فعلا للْحَال. فَإِذا لم تدخل إِلَّا على مَا ذكرنَا لم يجز أَن تكون هَذِه اللَّام الَّتِي تصْحَب إِن الْخَفِيفَة إِيَّاهَا إِذْ لَا جَائِز دُخُول لَام الِابْتِدَاء على الْفِعْل الْمَاضِي. وَقد وَقع بعد إِن هَذِه الْفِعْل نَحْو: إِن كَادُوا وإِن وجدنَا أَكْثَرهم لفاسقين وَقد جَاوَزت الْأَفْعَال الْوَاقِعَة بعد إِن فَعمِلت فِيمَا بعد اللَّام. وَمَعْلُوم أَن لَام

الِابْتِدَاء الَّتِي تدخل فِي خبر إِن الشَّدِيدَة لَا يعْمل الْفِعْل الَّذِي قبلهَا فِيمَا بعْدهَا وَذَلِكَ نَحْو: وَإِن كُنَّا عَن عبادتكم) لغافلين وَقَول الْقَائِل: (هبلتك أمك إِن قتلت لفارساً ... حلت عَلَيْك عُقُوبَة الْمُتَعَمد) فَلَمَّا عمل الْفِعْل فِيمَا بعد اللَّام علم أَنَّهَا لَيست الَّتِي تدخل فِي خبر إِن الشَّدِيدَة. وَلَيْسَت أَيْضا الَّتِي تدخل على الْفِعْل الْمُسْتَقْبل والماضي للقسم نَحْو: ليفعلن ولفعلوا. وَلَو كَانَت تِلْكَ للَزِمَ الْفِعْل الَّذِي تدخل عَلَيْهِ إِحْدَى النونين فَلَمَّا لم تلْزم علم أَنَّهَا لَيست إِيَّاه. قَالَ تَعَالَى: إِن كَاد ليضلنا عَن آلِهَتنَا وإِن كَانُوا ليقولون فَلم تلْزم النُّون. وَحكى سِيبَوَيْهٍ أَن هَذِه النُّون قد لَا تلْزم الْفِعْل الْمُسْتَقْبل فِي الْقسم فَيُقَال: وَالله لتفعل وَهُوَ يُرِيدُونَ لتفعلن. قَالَ: إِلَّا أَن الْأَكْثَر على ألسنتهم مَا أعلمتك من دُخُول إِحْدَى النونين فَلَا يَنْبَغِي أَن تَقول: إِن هَذِه اللَّام هِيَ الَّتِي فِي لتفعلن فَتحمل الْآي الَّتِي تلوناها على الْأَقَل فِي الْكَلَام. - على أَن هَذِه اللَّام لَو كَانَت هِيَ الَّتِي ذكرنَا أَنَّهَا للقسم وَتدْخل على الْمُسْتَقْبل والماضي لم تدخل على الْأَسْمَاء فِي مثل: إِن كُنَّا عَن عبادتكم لغافلين وإِن قتلت لفارساً. وَالدَّلِيل على ذَلِك أَنَّهَا لَا تعلق الْأَفْعَال الملغاة قبل إِن إِذا وَقعت فِي حيزها كَمَا تعلقهَا الَّتِي تدخل على الْخَبَر. فقد ثَبت بِمَا ذكرنَا أَن هَذِه اللَّام مَعَ إِن المخففة لَيست الَّتِي مَعَ إِن الْمُشَدّدَة وَلَا الَّتِي تدخل على الْفِعْل للقسم لَكِنَّهَا للفصل بَينهَا وَبَين إِن النافية. فَهَذَا حَقِيقَة إِن الْخَفِيفَة وَاللَّام الَّتِي مَعهَا عِنْدِي. انْتهى كَلَامه. وَقد نقل الشَّارِح الْمُحَقق الْجَواب عَن عدم تَعْلِيق اللَّام.

ثمَّ قَالَ أَبُو عَليّ: وَإِذا ثَبت أَن هَذِه اللَّام لَيست للابتداء لم يمْتَنع أَن تنفتح أَن إِذا كَانَت هَذِه اللَّام مَعهَا وَدخل عَلَيْهِ مَا يُوجب فتحهَا إِذْ اللَّام الْمَانِعَة من انفتاح أَن غَيرهَا. فَلَو أدخلنا علمت فِي مثل: إِن وَجدك زيد لكاذبا وَجب انفتاح أَن إِذْ لَيْسَ فِي الْكَلَام شَيْء يعلق الْفِعْل عَنْهَا وَلم يجب أَن يكون فِي أَن ضمير الْقِصَّة من هَذِه الْمَسْأَلَة كَمَا تَقول: إِن فِي مثل قَوْله تَعَالَى: أَن سَيكون مِنْكُم ضميراً لِأَن هَذَا الضَّمِير إِنَّمَا يكون فِي أَن المخففة من أَن الْمُشَدّدَة. وَلَيْسَت هَذِه تِلْكَ إِنَّمَا هِيَ الَّتِي قبل دُخُول الْفِعْل عَلَيْهَا أَن الَّتِي لَا تمْتَنع من الدُّخُول على الْفِعْل لزوَال الْعلَّة الَّتِي كَانَت تَمنعهُ من الدُّخُول عَلَيْهِ وَهِي ثَقيلَة. فَكَمَا تَقول فِي حَال انكسارها: لَا ضمير فِيهَا كَذَلِك تَقول فِي حَال انفتاحها بعد الْفِعْل فَإِذا) قُلْنَا: علمت أَن وَجدك زيد كَاذِبًا لم تدخل اللَّام كَمَا كَانَت تدخل قبل دُخُول علمت وَلم يمْنَع الْفِعْل من فتح أَن شَيْء وَارْتَفَعت الْحَاجة إِلَى اللَّام مَعَ دُخُول علمت. وَإِذا فتحت لم تَلْتَبِس بإن الَّتِي مَعْنَاهَا مَا وَلَوْلَا فتحهَا إِيَّاهَا لاحتيج إِلَى اللَّام لِأَن علمت من الْمَوَاضِع الَّتِي يَقع فِيهَا النَّفْي كَمَا وَقع بعد ظَنَنْت فِي نَحْو قَوْله: وظنوا مَا لَهُم من محيص فَلَو بقيت إِن على كسرهَا بعد علمت للزمتها اللَّام وَكَانَ ذَلِك وَاجِبا لتخليصه من النَّفْي. فَإِذا لم تبْق على الكسرة فَلَا ضَرُورَة إِلَى اللَّام. فَإِن شِئْت قلت: إِذا أدخلت علمت عَلَيْهَا حذفت اللَّام لزوَال الْمَعْنى الَّذِي كَانَت اللَّام اجتلبت لَهُ بِدُونِ علمت. وَإِن شِئْت قلت: أتركها وَلَا احذفها فَتكون كالأشياء الَّتِي تذكر تَأْكِيدًا من غير ضَرُورَة إِلَيْهِ. وَذَلِكَ كثير فِي الْكَلَام. انْتهى كَلَامه. وَلم أره لغيره وَهُوَ غَرِيب يحْتَاج فِي إثْبَاته إِلَى السماع.

هَذَا وَالْبَيْت لعاتكة بنت زيد بن عَمْرو بن نفَيْل من أَبْيَات رثت بهَا زَوجهَا الزبير بن الْعَوام وَقد قَتله عَمْرو بن جرموز الْمُجَاشِعِي غدراً بعد انْصِرَافه من وقْعَة الْجمل. وَذَلِكَ أَن الزبير كَانَ خرج مَعَ عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما فِي وقْعَة الْجمل وَلما حمي الْقِتَال ناداه عَليّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه فَقَالَ لَهُ: أنْشدك الله يَا زبير أما تذكر يَوْم قَالَ لَك رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: يَا زبير أَتُحِبُّ عليا قلت: وَمَا يَمْنعنِي من حبي وَهُوَ ابْن خَالِي فَقَالَ: ستقاتله وَأَنت ظَالِم لَهُ. فَقَالَ: اللَّهُمَّ بلَى قد كَانَ ذَلِك وَلَكِنِّي قد أنسيت ذَلِك. فَانْصَرف الزبير من الْحَرْب آخِذا طَرِيق مَكَّة فنول على قوم من تَمِيم فأضافه ابْن جرموز وَخرج مَعَه إِلَى وَادي السبَاع وَهُوَ على أَرْبَعَة فراسخ من الْبَصْرَة وَأَرَادَ أَنه يُرِيد مسايرته فَقتله غيلَة وَذَلِكَ فِي سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ من الْهِجْرَة. ورثته زَوجته بِهَذِهِ الأبيات: (غدر ابْن جرموز بِفَارِس بهمة ... يَوْم اللِّقَاء وَكَانَ غير معرد) (يَا عَمْرو لَو نبهته لوجدته ... لَا طائشاً رعش الْجنان وَلَا الْيَد) (شلت يَمِينك إِن قتلت لمسلماً ... حلت عَلَيْك عُقُوبَة الْمُتَعَمد) (إِن الزبير لذُو بلَاء صَادِق ... سمح سجيته كريم المشهد) (كم غمرة قد خاضها لم يثنه ... عَنْهَا طرادك يَا ابْن فقع القردد) (فَاذْهَبْ فَمَا ظَفرت يداك بِمثلِهِ ... فِيمَا مضى مِمَّن يروح وَيَغْتَدِي))

قَالَ الزبير بن بكار فِي أَنْسَاب قُرَيْش: تزوج عبد الله بن أبي بكر الصّديق رض الله تَعَالَى عَنْهُمَا عَاتِكَة بنت زيد بن عَمْرو بن نفَيْل وَكَانَت حسناء جميلَة ذَات خلق بارع فشغلته عَن مغازيه فَأمره أَبوهُ بِطَلَاقِهَا فَقَالَ: (يَقُولُونَ طَلقهَا وخيم مَكَانهَا ... مُقيما عَلَيْك الْهم أَحْلَام نَائِم) (وَإِن فراقي أهل بَيت جمعتهم ... على كبرة مني لإحدى العظائم) ثمَّ طَلقهَا فَمر بِهِ أَبوهُ وَهُوَ يَقُول: (فَلم أر مثلي طلق الْيَوْم مثلهَا ... وَلَا مثلهَا فِي غير جرم تطلق) ...

(لَهَا خلق جزل ورأي ومنصب ... وَخلق سوي فِي الْحَيَاة ومصدق) فرق لَهُ أَبوهُ وَأمره فَرَاجعهَا. ثمَّ شهد مَعَ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ غَزْوَة الطَّائِف فَأَصَابَهُ سهم فَمَاتَ مِنْهُ بعد بِالْمَدِينَةِ فَقَالَت عَاتِكَة تبكيه: (فآليت لَا تنفك عَيْني حزينةً ... عَلَيْك وَلَا يَنْفَكّ جلدي أغبرا) (فَللَّه عينا من رأى مثله فَتى ... أكر وأحمى فِي الْهياج وأصبرا) (إِذا شرعت فِيهِ الأسنة خاضها ... إِلَى الْمَوْت حَتَّى يتْرك الرمْح أحمرا) ثمَّ تزَوجهَا عمر بن الْخطاب فأولم عَلَيْهَا فَكَانَ فِيمَن دَعَا عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا فَقَالَ لَهُ عَليّ: دَعْنِي أكلم عَاتِكَة. فَقَالَ: كلمها يَا أَبَا الْحسن فَأخذ عَليّ بِجَانِب الخدر ثمَّ قَالَ: يَا عدية نَفسهَا:) (فآليت لَا تنفك عَيْني حزينةً ... عَلَيْك وَلَا يَنْفَكّ جلدي أغبرا) فَبَكَتْ فَقَالَ عمر: مَا دعَاك إِلَى هَذَا يَا أَبَا الْحسن كل النِّسَاء يفعل هَذَا. ثمَّ قتل عَنْهَا عمر رض الله تَعَالَى عَنهُ فَقَالَت تبكيه: (عين جودي بعبرة ونحيب ... لَا تملي على الْجواد النجيب) ...

(فجعتني الْمنون بالفارس المع ... لم يَوْم الْهياج والتثويب) (قل لأهل الضراء والبأس موتوا ... مذ سقته الْمنون كأس شعوب) ثمَّ تزَوجهَا الزبير بن الْعَوام رض الله تَعَالَى عَنهُ فَكَانَت تخرج إِلَى الْمَسْجِد لَيْلًا وَكَانَ يكره خُرُوجهَا ويحرج من منعهَا فَخرجت لَيْلَة إِلَى الْمَسْجِد وَخرج الزبير فسبقها إِلَى مَكَان مظلم من طريقها فَلَمَّا مرت بِهِ وضع يَده على بعض جَسدهَا فَرَجَعت تبْكي ثمَّ لم تخرج بعْدهَا فَقَالَ لَهَا الزبير: مَا لَك لَا تخرجين إِلَى الْمَسْجِد كَمَا كنت تفعلين فَقَالَت: فسد النَّاس فَقَالَ: أَنا فعلت ذَلِك فَقَالَت: أَلَيْسَ يقدر غَيْرك أَن يفعل مثله فَلم تخرج حَتَّى قتل عَنْهَا الزبير فَقَالَت ترثيه: غدر ابْن جرموز بِفَارِس بهمة الأبيات السَّابِقَة. وخطبها عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ بعد قتل الزبير فَأرْسلت إِلَيْهِ تَقول: إِنِّي لأضن بِابْن عَم رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ عَن الْقَتْل. انْتهى. كَلَام الزبير بن بكار. وَقد تقدم تَرْجَمَة والدها زيد فِي الشَّاهِد الثَّامِن وَالسبْعين بعد الأربعمائة. وَأنْشد بعده: (فَلَو أَنَّك فِي يَوْم الرخَاء سَأَلتنِي ... طَلَاقك لم أبخل وَأَنت صديق)

على أَن أَن المخففة الْمَفْتُوحَة لَا تعْمل فِي الضَّمِير إِلَّا فِي الشّعْر. وَتقدم عَلَيْهِ الْكَلَام فِي الشَّاهِد الثَّامِن بعد الأربعمائة. وَأنْشد بعده (بأنك ربيع وغيث مريع ... وَأَنَّك هُنَاكَ تكون الثمالا) لما تقدم قبله. وَمثله فِي الْمُغنِي لِابْنِ هِشَام قَالَ: وَشرط اسْم أَن المخففة أَن يكون ضميراً محذوفاً وَرُبمَا ثَبت كَقَوْلِه:) فَلَو أَنَّك فِي يَوْم الرخَاء سَأَلتنِي ... ... ... ... الْبَيْت وَهُوَ مُخْتَصّ بِالضَّرُورَةِ على الْأَصَح. وَشرط خَبَرهَا أَن يكون جملَة وَلَا يجوز إِفْرَاده إِلَّا إِذا ذكر الِاسْم فَيجوز الْأَمْرَانِ. وَقد اجْتمعَا فِي قَوْله: بأنك ربيع وغيث مريع ... ... ... ... الْبَيْت انْتهى. وَتقدم فِي شرح الْبَيْت السَّابِق من بَاب الْمُضمر أَن اسْمهَا عِنْد التَّخْفِيف يجب أَن يكون ضمير شَأْن مَحْذُوف. ونقلنا هُنَاكَ نَص سِيبَوَيْهٍ. فَفِي هَذَا الْبَيْت شذوذ من وَجه آخر وَهُوَ كَون اسْمهَا غير ضمير شَأْن. وَجوزهُ بَعضهم. وَإِلَى الأول يُشِير كَلَام ابْن هِشَام حَيْثُ قَالَ: وَرُبمَا ثَبت أَي: اسْمهَا. وَإِلَى الثَّانِي ذهب ابْن مَالك وَأَبُو قَالَ الأول: إِذا أمكن جعل

الضَّمِير الْمَحْذُوف ضمير حَاضر أَو غَائِب غير الشَّأْن فَهُوَ أولى. وَقَالَ الثَّانِي: لَا يلْزم أَن يكون ضمير الشَّأْن كَمَا زعم بعض أَصْحَابنَا بل إِذا أمكن تَقْدِيره بِغَيْرِهِ قدر. قَالَ سِيبَوَيْهٍ فِي: وناديناه أَن يَا إِبْرَاهِيم قد صدقت بأنك قد صدقت. وَفِي قَوْلهم: أرسل إِلَيْهِ أَن مَا أَنْت وَذَا أَي: بأنك مَا أَنْت وَذَا. انْتهى. هَذَا. وَقد روى الْبَيْت أَبُو حنيفَة الدينَوَرِي فِي كتاب النَّبَات وَإِبْرَاهِيم الحصري فِي زهر الْآدَاب والشريف فِي حماسته هَكَذَا: (بأنك كنت الرّبيع المغيث ... لمن يعتريك وَكنت الثمالا) وَحِينَئِذٍ لَا شَاهد فِيهِ. وَالْبَيْت من قصيدة عدتهَا عشرُون بَيْتا أوردهَا صَاحب زهر الْآدَاب. وَأورد الشريف مِنْهَا فِي حماسته ثَمَانِيَة أَبْيَات وَأَبُو حنيفَة ثَلَاثَة أَبْيَات وَقَالُوا: هِيَ لجنوب رثت بهَا أخاها عمرا ذَا الْكَلْب وَهِي: (سَأَلت بِعَمْرو أخي صَحبه ... فأفظعني حِين ردوا السؤالا) (فَقَالُوا: أتيح لَهُ نَائِما ... أعر السبَاع عَلَيْهِ أحالا) (فأقسمت يَا عَمْرو لَو نبهاك ... إِذن نبها مِنْك أمرا عضالا)) (إِذن نبها لَيْث عريسة ... مُفِيدا مفيتاً نفوساً ومالا) (إِذن نبها غير رعديدة ... وَلَا طائشاً دهشاً حِين صالا) ...

(هزبراً فروساً لأعدائه ... هصوراً إِذا لَقِي الْقرن صالا) (هما مَعَ تصرف ريب الْمنون ... من الأَرْض ركنا ثبيتاً أمالا) (هما يَوْم حم لَهُ يَوْمه ... وَقَالَ أَخُو فهم بطلاً وفالا) (وَقَالُوا قَتَلْنَاهُ فِي غَارة ... بِآيَة أَن قد ورثنا النبالا) (فَهَلا إِذن قبل ريب الْمنون ... فقد كَانَ رجلا وكنتم رجَالًا) (وَقد علمت فهم عِنْد اللقا ... بِأَنَّهُم لَك كَانُوا نفالا) (كَأَنَّهُمْ لم يحسوا بِهِ ... فيخلوا النِّسَاء لَهُ والحجالا) (وَلم ينزلُوا بمحول السنين ... بِهِ فَيَكُونُوا عَلَيْهِ عيالا) (وَقد علم الضَّيْف والمرملون ... إِذا اغبر أفق وهبت شمالا) (بأنك كنت الرّبيع المغيث ... لمن يعتريك وَكنت الثمالا) (وخرق تجاوزت مجهوله ... بوجناء حرف تشكى الكلالا) (وَحي أبحت وَحي منحت ... غَدَاة اللِّقَاء منايا عجالا) (وَكم من قبيل وَإِن لم تكن ... أردتهم مِنْك باتوا وجالا) قَالَ السكرِي فِي شرح هَذِه القصيدة قَالَ أَبُو عَمْرو: قَالَت هَذِه القصيدة عمْرَة بنت العجلان أُخْت عَمْرو ذِي الْكَلْب بن العجلان الْكَاهِلِي ترثي أخاها عمرا. انْتهى.

ونسبها غَيره لأخته جنوب. قَالَ الشريف: كَانَ عَمْرو خرج غازياً فهبط وَاديا من أَوْدِيَتهمْ فَنَامَ فِيهِ فَوَثَبَ عَلَيْهِ نمران فأكلاه. وَقَالَ صَاحب زهر الْآدَاب: قَالَ عمر بن شبة: كَانَ عَمْرو هَذَا يَغْزُو فهما فَيُصِيب نمهم فوضعوا لَهُ رصداً على المَاء فَأَخَذُوهُ فَقَتَلُوهُ ثمَّ مروا بأخته جنوب فَقَالُوا: طلبنا أَخَاك فَقَالَت: لَئِن طلبتموه لتجدنه منيعاً وَلَئِن وصفتموه لتجدنه مريعاً وَلَئِن دعوتموه لتجدنه سَرِيعا. وَالله لَئِن سلبتموه لَا تَجِدُونَ ثنته وافية وَلَا حجزته جافية ولرب ثدي مِنْكُم قد افترشه وَنهب قد احتوشه وضب قد احترشه. ثمَّ قَالَت هَذِه الأبيات. انْتهى. - وَقَوْلها: سَأَلت بِعَمْرو الْبَاء بِمَعْنى عَن وَأخي: عطف بَيَان وَصَحبه: مفعول سَأَلت وَهُوَ) مُضَاف إِلَى ضمير عَمْرو. وصحب: جمع صَاحب كشهد جمع شَاهد. وأفظعني: هدني قبحه وشدته. يُقَال: أفظع الْأَمر إفظاعاً وفظع فظاعة إِذا جَاوز الْحَد فِي وأتيح: مَجْهُول أتاح الله لَهُ بِالْمُثَنَّاةِ والحاء الْمُهْملَة بِمَعْنى قضى وَقدر. وَالْهَاء فِي لَهُ لعَمْرو ونائماً: حَال مِنْهَا وأعر السبَاع: نَائِب فَاعل أتيح وَهُوَ من

العرارة بِالْعينِ وَالرَّاء الْمُهْمَلَتَيْنِ وَهُوَ سوء الْخلق. وأحَال بِالْحَاء الْمُهْملَة قَالَ السكرِي: أَي ركب عَلَيْهِ فَقتله وَأكله. ونمرا أجبل: مثنى نمر مُضَاف إِلَى أجبل: جمع جبل. وتصحفت هَذِه الْكَلِمَة على الْعَيْنِيّ فَقَالَ: قَوْلهَا نمرا جيئل أَي: نمران من جيئل أَي: سبعان من جيئل. والنمر: السَّبع. والجيئل بِفَتْح الْجِيم وَسُكُون الْيَاء وَفتح الْهمزَة وَهُوَ الضبع. وَهَذَا كَلَامه وَهُوَ تَحْرِيف قطعا. وروى الْعَيْنِيّ: وثالا بدل منالا وَقَالَ: ثالا بالثاء الْمُثَلَّثَة يُقَال: ثال عَلَيْهِ الْقَوْم إِذا علوه بِالضَّرْبِ. والْمنون: الْمَوْت. وحمام الْمنون: الْمُقدر. قَالَ السكرِي: قَالَ أَبُو عَمْرو: فنالا وَمَا نَالَ ثمَّ قبالا وَهَذَا الْبَيْت سَاقِط من رِوَايَة الْعَيْنِيّ. وَقَوْلها: فأقسمت ... إِلَخ هَذَا الْتِفَات من الْغَيْبَة إِلَى الْخطاب. وَضمير الْمثنى فِي نبهاك وَقَوْلها: لَيْث عريسة قَالَ الْجَوْهَرِي: العريس والعريسة: مأوى الْأسد. والمفيد مَعْنَاهُ معطي الْفَائِدَة وآخذ الْفَائِدَة كَذَا ورد بالمعنيين. ومفيت بِالْفَاءِ قَالَ السكرِي: أَي مهلك النُّفُوس وَالْمَال. وتصحفت هَذِه الْكَلِمَة على الْعَيْنِيّ فرواها بِالْقَافِ وَقَالَ: مقيتاً أَي: مقتدراً كَالَّذي يُعْطي كل رجل قوته. وَيُقَال المقيت: الْحَافِظ للشَّيْء وَالشَّاهِد لَهُ. والنفوس يرجع إِلَى المقيت وَالْمَال يرجع إِلَى الْمُفِيد. هَذَا كَلَامه

والهزبر: الْأسد الضخم الشَّديد. والفروس: الْكثير الافتراس للمصيد. وهصور من الهصر وَهُوَ الجذب وَالْأَخْذ بِقُوَّة. والْقرن بِالْكَسْرِ. وَهَذَا الْبَيْت سَاقِط من رِوَايَة الْعَيْنِيّ. وريب الْمنون: حوادث الدَّهْر. قَالَ السكرِي: ثبيت: ثَابت وروى غَيره بدله: شَدِيدا.) وَقَوْلها: هما يَوْم حم ... إِلَخ قَالَ السكرِي: هما يَعْنِي النمرين. وحم: قضى وَقدر. وفال بِالْفَاءِ أَي: اخطأ. رجل فائل الرَّأْي وفيل أَي: ضَعِيف الرَّأْي. وفهم: قَبيلَة وَلِهَذَا مَنعه الصّرْف. وَقَوْلها: وَنحن قَتَلْنَاهُ فِي غَارة ورجل قَالَ السكرِي: هُوَ الرجل يُقَال: رجل وَرجل أَي: بِسُكُون الْجِيم وَضمّهَا. وروى غَيره: فَذا بدل رجلا. والفذ بِالْفَاءِ والذال الْمُعْجَمَة هُوَ الْفَرد. والنفال: الْغَنَائِم جمع نفل بِفتْحَتَيْنِ وَهِي الْغَنِيمَة. - وَقَوْلها: كَأَنَّهُمْ لم يحسوا بِهِ. . إِلَخ من حسست بالْخبر من بَاب تَعب أَي: عَلمته وشعرت بِهِ. ويخلوا من أخليته أَي: جعلته خَالِيا. والحجال: جمع حجلة بِالتَّحْرِيكِ وَهِي بَيت يزين بالثياب والأسرة والستور. والمحول: جمع مَحل وَهُوَ الْقَحْط.

وَقَوْلها: وَقد علم الضَّيْف والمرملون هُوَ من أرمل الْقَوْم إِذا نفد زادهم. وروى بدله السكرِي: والمجتدون وَقَالَ: هم الطالبون الجدا وَهِي الْعَطِيَّة. وفاعل هبت ضمير الرّيح وَإِن لم يجر لَهَا ذكر لفهمها من قَوْلهَا إِذا اغبر أفق فَإِن اغبراره إِنَّمَا يكون فِي الشتَاء لِكَثْرَة الأمطار وَاخْتِلَاف الرِّيَاح. والشمَال بِالْفَتْح وَيكسر: ريح تهب من نَاحيَة القطب وَهُوَ حَال وَإِنَّمَا خصت هَذَا الْوَقْت بِالذكر لِأَنَّهُ وَقت تقل فِيهِ الأرزاق وتنقطع السبل ويثقل فِيهِ الضَّيْف فالجود فِيهِ غَايَة لَا تدْرك. (وخلت عَن اولادها المرضعات ... وَلم تَرَ عين لمزن بِلَالًا) وَقَالَ: إِنَّمَا خلت أَوْلَادهَا من الإعواز لم يجدن قوتاً. واغبرار الْأُفق من الجدب. وَأَرَادَ: هبت الرّيح شمالاً. وَهِي تضمر وَإِن لم تذكر لِكَثْرَة مَا تذكر. انْتهى. والمزن: السَّحَاب. والبلال بِالْكَسْرِ: البلل. قَوْلهَا: بأنك ربيع. . إِلَخ الرّبيع هُنَا: ربيع الزَّمَان. قَالَ ابْن قُتَيْبَة فِي بَاب مَا يَضَعهُ النَّاس غير مَوْضِعه وَهُوَ أول كِتَابه أدب الْكَاتِب: وَمن ذَلِك الرّبيع يذهب النَّاس إِلَى أَنه الْفَصْل الَّذِي يتبع) الشتَاء وَيَأْتِي فِيهِ الْورْد والنور وَلَا يعْرفُونَ الرّبيع غَيره. وَالْعرب تخْتَلف فِي ذَلِك: فَمنهمْ من يَجْعَل الرّبيع الْفَصْل الَّذِي تدْرك فِيهِ الثِّمَار وَهُوَ الخريف وَفصل الشتَاء بعده ثمَّ فصل الصَّيف بعد الشتَاء وَهُوَ الْوَقْت الَّذِي تَدعُوهُ الْعَامَّة الرّبيع ثمَّ فصل القيظ بعده وَهُوَ الَّذِي تَدعُوهُ الْعَامَّة الصَّيف. وَمن الْعَرَب من يُسَمِّي الْفَصْل الَّذِي تدْرك فِيهِ الثِّمَار وَهُوَ الخريف: الرّبيع الأول. ويسمي الْفَصْل الَّذِي يتلوه الشتَاء وَيَأْتِي فِيهِ الكمأة والنور: الرّبيع الثَّانِي. وَكلهمْ مجمعون على أَن الخريف هُوَ الرّبيع. انْتهى.

قَالَ شَارِحه ابْن السَّيِّد: مَذْهَب الْعَامَّة فِي الرّبيع هُوَ مَذْهَب الْمُتَقَدِّمين لأَنهم كَانُوا يجْعَلُونَ حُلُول الشَّمْس بِرَأْس الْحمل أول الزَّمَان وشبابه. وَأما الْعَرَب فَإِنَّهُم جعلُوا حُلُول الشَّمْس بِرَأْس الْمِيزَان أول فُصُول السّنة الْأَرْبَعَة وسموه الرّبيع. وَأما حُلُول الشَّمْس بِرَأْس الْحمل فَكَانَ مِنْهُم من يَجعله ربيعاً ثَانِيًا فَيكون فِي السّنة على مَذْهَبهم ربيعان. وَكَانَ مِنْهُم من لَا يَجعله ربيعاً ثَانِيًا فَيكون فِي السّنة على مَذْهَبهم ربيع وَاحِد. وَأما الربيعان من الشُّهُور فَلَا خلاف بَينهم أَنَّهُمَا اثْنَان: ربيع الأول وربيع الآخر. انْتهى. والْغَيْث: الْمَطَر والكلأ ينْبت بِمَاء السَّمَاء وَالْمرَاد بِهِ هَذَا لوصفه بالمريع وَهُوَ الخصيب بِفَتْح الْمِيم وَضمّهَا. وَفِي الْقَامُوس: مرع الْوَادي مُثَلّثَة الرَّاء مراعة: أكلأ كأمرع. والثمال بِكَسْر الْمُثَلَّثَة قَالَ الدينَوَرِي: هُوَ الذخر وَقَالَ غَيره: هُوَ الغياث. وَقَوْلها: خرق هُوَ بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة: الفلاة الواسعة تتخرق فِيهَا الرِّيَاح. ومَجْهُولَة: الَّذِي لَا يسْلك. والوجناء بِالْجِيم: النَّاقة الشَّدِيدَة. والْحَرْف: الضامرة الصلبة. وتشكى مضارع أَصله تتشكى بتاءين. والكلال: الإعياء. وَقَوْلها: وَحي أبحت أَي: رب قَبيلَة جَعلتهَا مُبَاحَة للناهبين وَرب قَبيلَة أَعطيتهم المنايا يَوْم وَرُوِيَ أَيْضا: وَحيا أبحت وَحيا منحت والمنايا: جمع منية وَهِي الْمَوْت. والعجال بِالْكَسْرِ: جمع عجل بِفَتْح فضم بِمَعْنى عَاجل) كَمَا يجمع رجل على رجال.

والْقَبِيل هُنَا: جمع قَبيلَة. والوجال: جمع وَجل بِفَتْح فَكسر وَهُوَ الْخَائِف من الوجل بِفتْحَتَيْنِ وَهُوَ الْخَوْف. وجنوب صَاحِبَة الشّعْر هِيَ امْرَأَة شاعرة جَاهِلِيَّة بِفَتْح الْجِيم وَضم النُّون. وأخوها عَمْرو جاهلي أَيْضا وَهُوَ ابْن العجلان بن عَامر بن برد بن مُنَبّه أحد بني كَاهِل بن لحيان بن هُذَيْل. وَسمي ذَا الْكَلْب لِأَنَّهُ كَانَ لَا يُفَارِقهُ كلب لَهُ قَالَه ابْن الْأَعرَابِي. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: لم يكن لَهُ كلب لَا يُفَارِقهُ وَإِنَّمَا خرج غازياً وَمَعَهُ كلب يصطاد بِهِ فَقَالَ لَهُ أَصْحَابه: يَا ذَا الْكَلْب. فثبتت عَلَيْهِ. وَمن النَّاس من يَقُول لَهُ عَمْرو الْكَلْب بِغَيْر ذُو. وَالله أعلم. وَقيل إِن جنوب هِيَ عمْرَة لَا أَنَّهُمَا ثِنْتَانِ. وَله أُخْت أُخْرَى اسْمهَا ريطة هِيَ شاعرة أَيْضا وَمن شعرهَا فِيهِ: (وكل حَيّ وَإِن عزوا وَإِن سلمُوا ... يَوْمًا طريقهم فِي الشَّرّ دعبوب) (أبلغ هذيلاً وأبلغ من يبلغهَا ... عني رَسُولا وَبَعض القَوْل تَكْذِيب) (بِأَن ذَا الْكَلْب عمرا خَيرهمْ نسبا ... بِبَطن شريان يعوي حوله الذِّئْب)

(الطاعن الطعنة النجلاء يتبعهَا ... مثعنجر من نجيع الْجوف أسكوب) (والتارك الْقرن مصفراً أنامله ... كَأَنَّهُ من نجيع الْجوف مخضوب) (الْمخْرج العاتق الْعَذْرَاء مذعنةً ... فِي السَّبي ينفح من أردانها الطّيب) (تمشي النسور عَلَيْهِ وَهِي لاهية ... مشي العذارى عَلَيْهِم الجلابيب) وَأنْشد بعده: أَن هَالك كل من يحفى وينتعل هَذَا عجز وصدره: فِي فتية كسيوف الْهِنْد قد علمُوا وَتقدم شَرحه فِي الشَّاهِد التَّاسِع وَالثَّلَاثِينَ بعد الستمائة من نواصب الْفِعْل. وَأنْشد بعده وَهُوَ من شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ:) كَأَن وريديه وشاءا خلب

على أَن إِعْمَال كَأَن المخففة فصيح والأفصح إلغاؤها. وَقد جَاءَ إعمالها فِي هَذَا. وَمَا بعده. وَأَرَادَ بالإلغاء عدم إعمالها لفظا بِدَلِيل قَوْله: وَإِذا لم تعملها لفظا فَفِيهَا ضمير شَأْن مُقَدّر عِنْدهم كَمَا فِي أَن المخففة. وعَلى هَذَا فَهِيَ عاملة إِمَّا لفظا وَإِمَّا تَقْديرا. وَهَذَا مَأْخُوذ من كَلَام ابْن يعِيش فَإِن الزَّمَخْشَرِيّ لما قَالَ فِي الْمفصل: وتخفف فَيبْطل عَملهَا وَمِنْهُم من يعملها وَأنْشد الْبَيْتَيْنِ قَالَ ابْن يعِيش: قَوْله: فَيبْطل يُرِيد عَملهَا ظَاهرا. وَأما قَوْله: كَأَن ثدياه حقان فَالْمُرَاد كَأَنَّهُ أَي: الْأَمر والشأن وَالْجُمْلَة بعد كَأَن خَبَرهَا وَمرَاده إرجاع كَلَام الْمفصل إِلَى كَلَام سِيبَوَيْهٍ فَإِن مَذْهَب سِيبَوَيْهٍ أَن كَأَن إِذا خففت لَا يكون اسْمهَا إِلَّا ضميراً محذوفاً وعملها فِي الِاسْم الظَّاهِر خَاص بِالضَّرُورَةِ. وَلما كَانَ ظَاهر قَول الزَّمَخْشَرِيّ فَيبْطل عَملهَا مُحْتملا لإلغائها عَن الْعَمَل لفظا وتقديراً أَوله بِمَا ذكره. إِلَّا أَن قَوْله: وَمِنْهُم من يعملها لَا يُفِيد أَنه مُخْتَصّ بِالضَّرُورَةِ. وَقيد المُصَنّف هُنَا الإلغاء بِقَيْد الأفصحية فَقَالَ: وتخفف فتلغى على الْأَفْصَح. وَلَا يُمكن تَأْوِيل كَلَامه بِمَا ذكره ابْن يعِيش لِأَن إعمالها فِي الِاسْم الظَّاهِر لَيْسَ بفصيح فَكَانَ يَنْبَغِي للشَّارِح الْمُحَقق أَن يُنَبه عَلَيْهِ وَلَا يجاريه فِي كَلَامه. وَقد شَرحه التبريزي على ظَاهره فَقَالَ: أَي: تخفف كَأَن فتلغى على الْأَفْصَح وَجَاء إعمالها على غير الْأَفْصَح. د أما إلغاؤها فلفوات مشابهتها بالماضي لزوَال فتحهَا بِالتَّخْفِيفِ وَأما إعمالها فلبقاء ثَلَاثَة أحرف وَالْمعْنَى الْمُقْتَضى للاسم

وَهُوَ التَّشْبِيه. وَذهب بَعضهم إِلَى أَن كَأَن المخففة مثل أَن الْمَفْتُوحَة تعْمل فِي ضمير الشَّأْن الْمُقدر وَغَيره. انْتهى. وَهَذَا نَص سِيبَوَيْهٍ: وَالْخَامِسَة أَن غضب الله عَلَيْهَا كَأَنَّهُ قَالَ: أَنه غضب الله عَلَيْهَا لَا تخففها فِي الْكَلَام أبدا وَبعدهَا الْأَسْمَاء إِلَّا وَأَنت تُرِيدُ الثَّقِيلَة مضمراً فِيهَا الِاسْم يَعْنِي الْهَاء وَنَحْوهَا. فَلَو لم يُرِيدُوا ذَلِك نصبوا كَمَا ينصبون إِذا اضطروا فِي الشّعْر بكأن إِذا خففوا يُرِيدُونَ معنى كَأَن وَلم يُرِيدُوا الْإِضْمَار. وَذَلِكَ قَوْله:) كَأَن وريديه وشاءا خلب وَهَذِه الْكَاف إِنَّمَا هِيَ مُضَافَة إِلَى أَن فَلَمَّا اضطررت إِلَى التَّخْفِيف فَلم تضمر لم يُغير ذَلِك أَن وَمثل ذَلِك قَول الْأَعْشَى: (فِي فتية كسيوف الْهِنْد قد علمُوا ... أَن هَالك كل من يحفى وينتعل) كَأَنَّهُ قَالَ: أَنه هَالك. وَإِن شِئْت رفعت فِي قَول الشَّاعِر: كَأَن وريداه على مثل الْإِضْمَار الَّذِي فِي قَوْله: من يأتنا نعطه أَو يكون هَذَا الْمُضمر وَهُوَ الَّذِي ذكر كَمَا قَالَ:

كَأَن ظَبْيَة تعطو إِلَى وارق السّلم انْتهى كَلَامه. وَقَوله: وَهَذِه الْكَاف المضافة إِلَى أَن يُرِيد الْكَاف من كَأَن الْمُتَقَدّمَة على أَن. وَقَوله: أَو يكون هَذَا الْمُضمر ... إِلَخ يَعْنِي أَن الضَّمِير الْمُقدر يجوز أَن يكون ضمير الشَّأْن كَمَا فِي: إِنَّه من يأتنا وَيجوز أَن يكون ضمير مَذْكُور مُقَدّر كَمَا فِي كَأَن ظَبْيَة بِالرَّفْع أَي: إِن تِلْكَ الْمَرْأَة كَأَنَّهَا ظَبْيَة. وَإِلَى مَذْهَب سِيبَوَيْهٍ ذهب ابْن مَالك فَقَالَ فِي التسهيل: وتخفف كَأَن فتعمل فِي اسْم كاسم أَن والمقدر وَالْخَبَر جملَة اسمية أَو فعلية مبدوءة بلم أَو قد أَو مُفْرد. وَقد يبرز اسْمهَا فِي الشّعْر. انْتهى. قَالَ الْمرَادِي: إِذا خففت كَأَن لم تلغ بل تعْمل فِي اسْم كاسم أَن الْمَفْتُوحَة إِذا خففت وَيكون كَأَن ثدياه حقان والمبدوءة بلم: كَأَن لم تغن بالْأَمْس وبقد: وَكَأن قد أَي: قد زَالَت. والمفرد: كَأَن ظَبْيَة. وَاسْمهَا البارز كَأَن ظَبْي بِالنّصب. ثمَّ قَوْله: ظَاهر كَلَام سِيبَوَيْهٍ أَن ذَلِك لَا يخْتَص بِالضَّرُورَةِ خلاف مَا نقلنا عَنهُ. وَكَذَا عده من الضَّرُورَة ابْن عُصْفُور فِي كتاب الضرائر.

قَالَ الأعلم فِي كَأَن وريديه: الشَّاهِد فِي إِعْمَال أَن المخففة تَشْبِيها بِمَا حذف من الْفِعْل وَلم يتَغَيَّر عمله نَحْو: لم يَك زيد مُنْطَلقًا. وَالْوَجْه الرّفْع إِذا خففت لخروجها عَن شبه الْفِعْل فِي اللَّفْظ. قَالَ صَاحب الْكَشَّاف: والوريدان: عرقان يكتنفان صفحتي الْعُنُق فِي مقدمهما متصلان بالوتين يردان من الرَّأْس إِلَيْهِ.) وَقيل: سمي وريداً لِأَن الرّوح ترده. وَقَالَ صَاحب الْمِصْبَاح: الوريد: عرق قيل هُوَ الودج وَقيل: بجنبه. وَقَالَ الْفراء: عرق بَين الْحُلْقُوم والعلباوين. وَهُوَ ينبض أبدا فَهُوَ من الأوردة الَّتِي فِيهَا الْحَيَاة وَلَا يجْرِي فِيهَا دم بل هِيَ مجاري النَّفس بالحركات. والرشاء بِكَسْر الرَّاء وَالْمدّ: الْحَبل وَجمعه أرشية وَهُوَ هُنَا مثنى مَرْفُوع بِالْألف وَأَصله رشاوان بِهَمْزَة بَين أَلفَيْنِ حذفت نونه عِنْد الْإِضَافَة لخلب بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة وَاللَّام وبتسكينها. قَالَ صَاحب الصِّحَاح: والخلب: الليف. قَالَ: كَأَن وريداه رشاءا خلب ويروى: وريديه على إِعْمَال كَأَن وَترك الْإِضْمَار. وَكَذَلِكَ الخلب بالتسكين. والليفة خلبة وخلبة. انْتهى. وَكَذَا قَالَ فِي مَادَّة أنن. وَقَالَ النّحاس: قَالَ أَبُو إِسْحَاق: الليف وَقَالَ غَيره: الخلب: الْبِئْر الْبَعِيدَة القعر. انْتهى. وَأوردهُ صَاحب الْكَشَّاف عِنْد قَوْله تَعَالَى: وَنحن أقرب إِلَيْهِ من حَبل

الوريد من سُورَة ق. قَالَ: حَبل الوريد مثل فِي فرط الْقرب. قَالَ ذُو الرمة: وَالْمَوْت أدنى لي من الوريد والْحَبل: الْعرق شبه بِوَاحِد الحبال. أَلا ترى إِلَى قَوْله: كَأَن وريديه رشاءا خلب أَحدهمَا: أَن تكون الْإِضَافَة للْبَيَان كَقَوْلِهِم: بعير سانية. وَالثَّانِي: أَن يُرَاد حَبل العاتق فيضاف إِلَى الوريد كَمَا يُضَاف إِلَى العاتق. لاجتماعهما فِي عُضْو وَاحِد كَمَا لَو قيل: حَبل العلباء مثلا. انْتهى. وَالْبَيْت غفل فِي الْكتاب وَلم ينْسبهُ أحد من خدمَة الْكتاب. وَقَالَ الْعَيْنِيّ: قَائِله رؤبة بن العجاج. - وَهَكَذَا أنْشدهُ سِيبَوَيْهٍ فِي كِتَابه. وَهَذَا بِخِلَاف الْوَاقِع.) وَرَأَيْت فِي التخمير وَهُوَ شرح أَبْيَات الْمفصل لبَعض فضلاء الْعَجم وَتَبعهُ الْكرْمَانِي فِي شرح أَبْيَات الموشح وَهُوَ شرح الكافية للخبيصي أَن مَا قيل هَذَا الْبَيْت: ومعتد فظ غليظ الْقلب

وَبعده: غادرته مجدلاً كَالْكَلْبِ وَقَالا: المعتدي: المتجاوز عَن الْحَد. والفظ من الرِّجَال: الغليظ. والمجدل: الْملقى على الجدالة وَهِي الأَرْض. وَالْمعْنَى: رب خصم مُعْتَد متجاوز عَن الْحَد فِي كل مَا يَفْعَله فظ غليظ الْقلب قاسيه كَأَن وريديه حبلان فَتلا من لِيف النّخل لضخامة عُنُقه غادرته وَتركته ملقىً على الأَرْض كَالْكَلْبِ فِي الذلة. والشجعان يوصفون بِمَا ذكر من الاعتداء والفظاظة وغلظة الْقلب وعبالة الْأَعْنَاق. انْتهى. وَقَول الشَّاعِر: كَأَن وريديه رشاءا خلب كَأَن فِيهِ عاملة ووريديه: اسْمهَا ورشاءا خلب: خَبَرهَا وَهُوَ مَرْفُوع بِالْألف لِأَنَّهُ مثنى كَمَا تقدم. وَيُوجد فِي بعض الْكتب: رشاء خلب بِالْإِفْرَادِ وَلَا يَصح لِأَنَّهُ خبر عَن مثنى. وَضمير وريديه للمعتدي. وَقَول سِيبَوَيْهٍ وَإِن شِئْت رفعت فِي قَول الشَّاعِر: كَأَن وريداه على مثل الْإِضْمَار الَّذِي فِي قَوْله: إِنَّه من يأتنا نعطه. - يُرِيد: أَنه إِذا رفع مَا بعد كَأَن يكون اسْمهَا ضمير شان كَمَا فِي الْمِثَال وَيكون جملَة: ورداه رشاءا خلب من الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر خبر كَأَن. وَقَوله: أَو يكون هَذَا الْمُضمر وَهُوَ الَّذِي ذكر كَمَا قَالَ: كَأَن ظَبْيَة يُرِيد: أَن اسْم كَأَن يكون ضميراً محذوفاً عَائِدًا على مُتَقَدم مَذْكُور وَهُوَ المعتدي وَالتَّقْدِير: كَأَنَّهُ وريداه رشاءا خلب. فالهاء المحذوفة وَهِي ضمير المعتدي اسْم كَأَن وَالْجُمْلَة بعْدهَا خَبَرهَا كَمَا فِي قَوْله: كَأَن ظَبْيَة بِالرَّفْع التَّقْدِير: كَأَنَّهَا

(الشاهد الحادي والسبعون بعد الثمانمائة)

ظَبْيَة. فالهاء المحذوفة ضمير الْمَرْأَة الْمُتَقَدّمَة الذّكر وَهِي اسْم كَأَن وظبية: خَبَرهَا.) وَفِي الْحَقِيقَة لَيْسَ فِيهِ شَيْء يستشهد بِهِ. وَهَذَا كَلَامه. وَأنْشد بعده (الشَّاهِد الْحَادِي وَالسَّبْعُونَ بعد الثَّمَانمِائَة) وَهُوَ من شَوَاهِد س: (وَصدر مشرق النَّحْر ... كَأَن ثدييه حقان) لما تقدم قبله. وَيَأْتِي فِيهِ مَا ذَكرْنَاهُ. قَالَ ابْن الشجري فِي أَمَالِيهِ: وَقد خفف الشَّاعِر وأعملها فِي الِاسْم الظَّاهِر فِي قَوْله: وَصدر مشرق النَّحْر ... إِلَخ. وَأنْشد بَعضهم: ثدياه رفعا على الِابْتِدَاء وحقان: الْخَبَر وَالْجُمْلَة من الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر خَبَرهَا وَاسْمهَا مَحْذُوف فالتقدير: كَأَنَّهُ ثدياه حقان. انْتهى. وَالَّذِي أنْشدهُ مَرْفُوعا سِيبَوَيْهٍ. قَالَ: وروى الْخَلِيل أَن نَاسا يَقُولُونَ: إِن بك زيد مَأْخُوذ فَقَالَ: هَذَا على قَوْله: إِنَّه بك زيد مَأْخُوذ. وَشبهه بِمَا يجوز فِي الشّعْر نَحْو قَوْله وَهُوَ ابْن صريم الْيَشْكُرِي: ...

(وَيَوْما توافينا بِوَجْه مقسم ... كَأَن ظَبْيَة تعطو إِلَى وارق السّلم) أَي: كَأَنَّهَا ظَبْيَة. وَقَالَ الآخر: (وَوجه مشرق النَّحْر ... كَأَن ثدياه حقان) لِأَنَّهُ لَا يحسن هَاهُنَا الْإِضْمَار. وَزعم الْخَلِيل أَن هَذَا يشبه قَول الفرزدق: (وَلَو كنت ضبياً عرفت قَرَابَتي ... وَلَكِن زنجي عَظِيم المشافر) وَالنّصب أَكثر فِي كَلَام الْعَرَب. انْتهى. وَقَوله: هَذَا على قَوْله إِنَّه بك ... إِلَخ يُرِيد أَن اسْم إِن ضمير شَأْن مَحْذُوف وَأما اسْم كَأَن فِي الْبَيْتَيْنِ وَلَكِن فِي بَيت الفرزدق فَغير ضمير الشَّأْن وَمرَاده التَّشْبِيه بِمُطلق الْحَذف لَا بِخُصُوص ضمير الشَّأْن بِدَلِيل قَوْله: أَي كَأَنَّهَا ظَبْيَة وَالضَّمِير للْمَرْأَة الْمُحدث عَنْهَا وبدليل بَيت الفرزدق. قَالَ الأعلم: الشَّاهِد فِيهِ رفع زنجي على الْخَبَر وَحذف اسْم لَكِن ضَرُورَة وَالتَّقْدِير: وَلَكِنَّك) زنجي. وَكَذَا الْبَيْت الثَّانِي. قَالَ ابْن هِشَام فِي شرح أَبْيَات ابْن النَّاظِم: قَوْله كَأَن ثدياه أَصله كَأَنَّهُ وَالضَّمِير للْوَجْه أَو للصدر أَو للشأن وَالْجُمْلَة الاسمية خبر. انْتهى. فجوز أَن يكون ضمير شَأْن وَلم يُوجِبهُ لضَعْفه لِأَنَّهُ لَا يُصَار إِلَيْهِ إِلَّا إِذا لم يكن للضمير مرجع. وَمِنْه تعلم أَن الأولى أَن يقدر الضَّمِير فِي قَوْله تَعَالَى: فَلَمَّا كشفنا عَنهُ ضره مر كَأَن لم يدعنا للرجل الْمُحدث عَنهُ لَا ضمير

شَأْن خلافًا للبيضاوي تَابعا للكشاف فِي قَوْله: الأَصْل كَأَنَّهُ لم يدعنا فَخفف وَحذف الشَّأْن كَقَوْل الشَّاعِر: كَأَن ثدياه حقان وَاقْتصر ابْن يعِيش على الشَّأْن فَقَالَ: المُرَاد كَأَنَّهُ أَي: الْأَمر والشأن وَجُمْلَة ثدياه حقان: خبر كَأَن. وَالْعجب من الْعَيْنِيّ فِي قَوْله: الاستشهاد فِيهِ على تَخْفيف كَأَن وإلغاء عَملهَا وَحذف اسْمهَا وَوُقُوع خَبَرهَا جملَة. وَأَصله: كَأَنَّهُ وَالضَّمِير للْوَجْه أَو للنحر أَو للشأن. انْتهى. وأعجب مِنْهُ إِنْكَار ابْن الْأَنْبَارِي رِوَايَة الرّفْع فِيهِ مَعَ أَن سِيبَوَيْهٍ لم يرو غَيرهَا. كَأَن ثدييه حقان و: كَأَن وريديه رشاءا خلب وَلَا يجوز أَن يُقَال الإنشاد فِي الْبَيْتَيْنِ: كَأَن ثدياه و: كَأَن وريداه لأَنا نقُول: بل الرِّوَايَة الْمَشْهُورَة بِالنّصب. هَذَا كَلَامه. وَقَوله: وَصدر مشرق ... إِلَخ الْمَشْهُور جر صدر بواو رب. وَقَالَ ابْن هِشَام فِي شرح أَبْيَات ابْن النَّاظِم: مَرْفُوع على الِابْتِدَاء وَالْخَبَر مَحْذُوف أَي: لَهَا. ومشرق: من أشرق أَي: أَضَاء. والنَّحْر: مَوضِع القلادة من الصَّدْر وَالْهَاء من ثدييه للصدر. وروى سِيبَوَيْهٍ: وَوجه مشرق النَّحْر وروى غَيره:) وَنحر مشرق اللَّوْن

(الشاهد الثاني والسبعون بعد الثمانمائة)

فالهاء من ثدييه للْوَجْه أَو للنحر بِتَقْدِير مُضَاف أَي: ثديي صَاحبه كَذَا قَالَ الأعلم وَابْن يعِيش (وصدراً مثل حق العاج رخصاً ... حصاناً من أكف اللامسينا) وَلَا حَاجَة إِلَى قَول صَاحب التخمير: الحقة بِالضَّمِّ مَعْرُوفَة وَأَرَادَ حقتان. وَيجوز أَن يكون مِمَّا يحذف مِنْهُ تَاء التَّأْنِيث عِنْد التَّثْنِيَة وَشبه الثديين بالحقتين فِي نهودهما واكتنازهما. وَهَذَا الْبَيْت من أَبْيَات سِيبَوَيْهٍ الْخمسين الَّتِي لَا يعرف لَهَا قَائِل. وَالله أعلم. وَأنْشد بعده (الشَّاهِد الثَّانِي وَالسَّبْعُونَ بعد الثَّمَانمِائَة) (عبأت لَهُ رمحاً طَويلا وألةً ... كَأَن قبس يعلى بهَا حِين تشرع) على أَن كَأَن الْمُهْملَة لفظا يَجِيء يعدها جملَة اسمية خَبرا لَهَا وَاسْمهَا الْمُقدر هُنَا ضمير الشَّأْن.

وَهَذَا تَقْرِير كَلَامه. وَفِي كل مِنْهُمَا نظر: أما أَولا فَلِأَنَّهُ لَا جملَة اسمية بعد كَأَن وَإِنَّمَا بعْدهَا مُفْرد مَوْصُوف بجملة فعلية فَإِن قبساً: نكرَة وَجُمْلَة يعلى: صفته والرابط الضَّمِير الْمُسْتَتر النَّائِب عَن الْفَاعِل وَالْبَاء للإلصاق مُتَعَلقَة بِمَحْذُوف حَال من الضَّمِير وَالْهَاء ضمير الألة. وَلَا يجوز أَن يكن مُبْتَدأ خَبره جملَة يعلى لِئَلَّا يلتبس الْمُبْتَدَأ حِينَئِذٍ بالْخبر كَمَا قَالَه الشَّارِح فِي فَإِن قلت: يكون جملَة يعلى: خَبرا إِذا نصبت قبساً. قلت: الْإِخْبَار عَن النكرَة فِي بَاب إِن جَائِز كَمَا حَقَّقَهُ الشَّارِح فِي آخر الْبَاب. نعم يجوز أَن يكون بهَا ظرفا مُسْتَقرًّا لقبس. وَإِنَّمَا لم نحمل كَلَامه عَلَيْهِ ابْتِدَاء لِأَن كَلَامه الْآتِي فِي رفع ظَبْيَة لَا يلائمه. - وَأما ثَانِيًا فَلَمَّا تقدم من أَن ضمير الشَّأْن لَا يُصَار إِلَيْهِ مَعَ إِمْكَان الْمرجع وَقد أمكن هُنَا يَجعله رَاجعا إِلَى الألة وَهِي الحربة. وَقَالَ المرزوقي فِي شرح الحماسة: قَوْله: كَأَن قبس يجوز فِيهِ الرّفْع وَالنّصب والجر. فَإِذا رفعت فعلى الضَّمِير يُرِيد: كَأَنَّهَا قبس يعلى بهَا حِين أشرعت. والقبس: النَّار. وَمن نصب فَلِأَنَّهُ أعمل كَأَن مُخَفّفَة عَملهَا مثقلة يُرِيد: كَأَن قبساً يعلى بهَا وَيكون الْخَبَر يعلى بهَا وَمن جر فَقَالَ: كَأَن قبس جعل أَن زَائِدَة وأعمل الْكَاف. انْتهى.) وَيجوز على النصب أَن يكون يعلى صفة لقبس وَالْخَبَر قَوْله بهَا.

وَالْبَيْت من أَبْيَات عشرَة أوردهَا أَبُو تَمام فِي الحماسة لمجمع بن هِلَال. قَالَ: غزا مجمع بن هِلَال بن خَالِد بن مَالك بن هِلَال بن الْحَارِث بن تيم الله يُرِيد بني سعد بن زيد مَنَاة فَلم يصب شَيْئا فَرجع من غزاته تِلْكَ فَمر بِمَاء لبني تَمِيم عَلَيْهِ نَاس من بني مجاشع فَقتل فيهم وَأسر فَقَالَ فِي (إِن أمس مَا شَيخا كَبِيرا فطالما ... عمرت وَلَكِن لَا أرى الْعُمر ينفع) (مَضَت مائَة من مولدِي فنضيتها ... وَخمْس تبَاع بعد ذَاك وَأَرْبع) (وخيل كأسراب القطا قد وزعتها ... لَهَا سبل فِيهِ الْمنية تلمع) (شهِدت وغنم قد حويت وَلَذَّة ... أتيت وماذا الْعَيْش إِلَّا التَّمَتُّع) (وعاثرة يَوْم الهييما رَأَيْتهَا ... وَقد ضمهَا من دَاخل الخلب مجزع) (لَهَا غلل فالصدر لَيْسَ ببارح ... شجىً نشب وَالْعين بِالْمَاءِ تَدْمَع) (تَقول وَقد أفردتها من حَلِيلهَا ... تعست كَمَا أتعستني يَا مجمع) (فَقلت لَهَا: بل تعس أُخْت مجاشع ... وقومك حَتَّى خدك الْيَوْم أضرع) (عبأت لَهُ رمحاً طَويلا وألة ... كَأَن قبس يعلى بهَا حِين تشرع) (وكائن تركت من كَرِيمَة معشر ... عَلَيْهَا الخموش ذَات حزن تفجع) قَالَ المرزوقي: قَوْله: إِن أمس مَا شَيخا مَا: زَائِدَة. يَقُول: إِن صرت شَيخا طاعناً فِي السن هدفاً لسهامه فَذَلِك حق لِأَن من يعِيش يكبر وَمن

يكبر يهرم وَطول الْعُمر لَا يجدي إِذْ كَانَ مؤداه إِلَى الضعْف وغايته الْمَوْت. وَمعنى عمرت: بقيت وحييت. والْعُمر: الْحَيَاة والبقاء. وَقَوله: مَضَت مائَة يَقُول: أَتَت عَليّ مائَة سنة من ميلادي فألقيتها ورائي كَأَنِّي لبستها ثمَّ خلعتها واستتبعت بعْدهَا تسعا توالت. ويروى: فنضونها يُقَال: نضى ثَوْبه ينضو وينضي إِذا نَزعه لُغَتَانِ. وَقَوله: وَخمْس تبَاع يُقَال: تبع تباعا فَهُوَ مصدر وصف بِهِ. وَيُقَال أَيْضا رميته بسهمين تباعا وَلَاء وتابع بَينهمَا تباعا. وَقَوله: وخيل كأسراب ... إِلَخ تذكر بِمَا كَانَ مِنْهُ عِنْد تناهي عمره مَا كَانَ مِنْهُ فِي ريعان شبابه فَيَقُول: رب خيل تتوالى مبادرة إِلَى الْمُلْتَقى وتسترسل استرسال فرق القطا عِنْد) اندفاعها للورد أَنا بعثتها وَلها عَارض يمطر بِالْمَوْتِ ويلمع. والسبل: الْمَطَر. ووزعتها يجوز أَن يكون مَعْنَاهُ كففتها عَن التعجل وَيجوز أَن يكون قسمتهَا للتعبية أَو للغارة لِأَنَّهُ يُقَال: وزعت الشَّيْء ووزعته جَمِيعًا. وعَلى الْوَجْهَيْنِ فتدبيرها كَانَ إِلَيْهِ. وَجُمْلَة قد وزعتها: من صفة الْخَيل لِأَن جَوَاب رب فِيمَا بعده. وَلها سبل فِي مَوضِع الْحَال وَفِيه الْمنية من صفة السبل وتلمع حَال من الْمنية وَالْعَامِل مَا يدل عَلَيْهِ الظّرْف. وَقَوله: شهِدت وغنم ... إِلَخ يَقُول: رب خيل على هَذِه الصّفة حضرتها مُدبرا لَهَا وَرب غنيمَة تغنمتها وَرب لَذَّة أتيتها. ثمَّ أقبل كالملتفت فَقَالَ: وَمَا الْعَيْش إِلَّا التَّمَتُّع بِهَذِهِ الْأَشْيَاء.

ووَقَوله: وعاثرة يَوْم ... إِلَخ يَقُول: رب امْرَأَة فِي هَذَا الْيَوْم لتمكن الْخَوْف مِنْهَا وتملك الْجزع قَلبهَا رَأَيْتهَا تعثر لوجهها مَخَافَة السباء وَقد ضمهَا مجزع أَي: استولى عَلَيْهَا الْخَوْف والقلق. وَقَوله: من دَاخل الخلب بَين بِهِ منشأ الْجزع ومقره. والخلب: حجاب الْقلب. وَقَوله: لَهَا غلل فِي الصَّدْر. . إِلَخ الْجُمْلَة صفة لعاثرة. والغلل بِفتْحَتَيْنِ أَصله المَاء الْجَارِي بَين الشّجر فاستعاره لما تداخلها من الشجا. وروى: غلل بِالضَّمِّ: جمع غلَّة. وَلَو كَانَ كَذَا لقَالَ لَيست ببارحة. والبارح: الزائل. وَمَوْضِع قَوْله شجاً نشب رفع على الْبَدَل من غلل. وَيُرِيد بنشب أَنه علق بِهِ كَمَا ينشب الصَّيْد فِي الحبالة. وَقَوله: تَقول وَقد أفردتها. . إِلَخ تَقول جَوَاب رب. وَالْمرَاد: رب عاثرة هَذِه صفتهَا فِي يَوْم الهييما قَالَت لي بعد أَن سبيتها وَفرقت بَينهَا وَبَين زَوجهَا بِالْقَتْلِ: سَقَطت لوجهك وَلَا انتعشت من عثرتك يَا مجمع. وَقَوله: فَقلت لَهَا ... إِلَخ يَقُول: أجبتها بِأَن قلت: بل التعس لَك ولقومك حِين ضيعوك وفعلوا مَا أدّى وباله إِلَى أَن صَار خدك الْيَوْم ضارعاً. وبل للإضراب عَن الأول وَالْإِثْبَات للثَّانِي. وأجرى تعساً فِي الْإِضَافَة مجْرى ويل وَذَاكَ أَن المصادر الَّتِي اشتق الْأَفْعَال مِنْهَا إِذا دعِي بهَا وَمَا لم يشتق الْفِعْل مِنْهُ وَهُوَ ويل وويح وويس إِذا كَانَ مَعهَا اللَّام رفعت وَصَارَت بِاللَّامِ جملا. وَإِذا أفردت عَن اللَّام أضيفت ونصبت.

تَقول: ويل لزيد وويح لعَمْرو فَترفع وويل زيد وويح عَمْرو فتنصب. وَهَذَا الشَّاعِر قَالَ: بل تعس أُخْت مجاشع فأجراه مجْرى ويل وَالْفِعْل مِنْهُ يشتق مِنْهُ. ومجاشع:) قَبيلَة يُقَال: أُخْت مجاشع كَمَا يُقَال: يَا أَخا بكر وَيَا أَخا تَمِيم. وأضرع بِمَعْنى ضارع. والضراعة: الانسفال فِي خضوع. وَقَوله: عبأت لَهُ. . إِلَخ أَخذ يبين كَيفَ تمكن من قتل زَوجهَا. وَيُقَال: عبأت الْخَيل وعبأتها إِذا هيأتها للحرب وعبيتها أَيْضا. وَالْمرَاد هيأت لَهُ رمحاً طَويلا وسناناً لماعاً براقاً كَأَنَّمَا يعلى بِهِ نَار إِذا أشرع لِلطَّعْنِ. والألة بِفَتْح الْهمزَة وَتَشْديد اللَّام تسْتَعْمل فِي الْحَرْب وتشهر بهَا. وأصل الأليل البريق وَالْمرَاد بهَا هُنَا السنان. وَفِي لِسَان الْعَرَب لِابْنِ مكرم: الألة: الحربة الْعَظِيمَة النصل سميت بذلك لبريقها ولمعانها. وَفرق بَعضهم بَين الألة والحربة فَقَالَ: الألة كلهَا حَدِيدَة والحربة بَعْضهَا خشب وَبَعضهَا حَدِيد وَالْجمع أل بِحَذْف الْهَاء والإل ككتاب والأل أَيْضا: مصدر أَله يؤله أَلا: طعنه بالألة. وتشرع من وَقَوله: وكائن تركت. . إِلَخ نبه بِهَذَا الْكَلَام على أَن مَا حَكَاهُ من حَدِيث العاثرة لم يكن بدعاً مِنْهُ بل ذَلِك دأبه مَعَ أَمْثَالهَا. وكائن: لُغَة فِي كأين بِالتَّشْدِيدِ بِمَعْنى كم للتكثير. يَقُول: كم امْرَأَة كَانَت كَرِيمَة عشيرتها تركتهَا وَهِي تخمش وَجههَا وتتفجع جزعاً على قيمها من بعل أَو أَخ أَو ابْن. والخمش فِي الْوَجْه وَفِي سَائِر الْبدن مثل الخدش.

وَمجمع على وزن اسْم الْفَاعِل من جمع يجمع تجميعاً. وَهُوَ شَاعِر جاهلي أوردهُ أَبُو حَاتِم السجسْتانِي فِي المعمرين وَنسبه كَذَا. قَالُوا: وعاش مجمع بن هِلَال بن خَالِد بن مَالك بن هِلَال بن الْحَارِث بن هِلَال بن تيم الله بن ثَعْلَبَة بن عكابة بن صَعب بن عَليّ بن بكر بن وَائِل. عَاشَ مائَة سنة وتسع عشرَة سنة فَقَالَ فِي ذَلِك: (إِن أمس مَا شَيخا كَبِيرا فطالما ... عمرت وَلَكِن لَا أرى الْعَيْش ينفع) إِلَى آخر الأبيات. وَأنْشد بعده: (أزف الترحل غير أَن رِكَابنَا ... لما نزل برحالنا وَكَأن قد) على أَن كَأَن الْمُهْملَة لفظا يَجِيء بعْدهَا جملَة خَبرا وَهِي هُنَا محذوفة وَالتَّقْدِير: قد زَالَت بهَا. وَجَاز حذفهَا لدلَالَة قَوْله: لما تزل برحالنا. وَاسْمهَا الْمَحْذُوف عِنْد الشَّارِح ضمير الشَّأْن. وَالْأولَى جعله ضمير الركاب لما تقدم وَهِي الْإِبِل الَّتِي يسَار عَلَيْهَا الْوَاحِدَة رَاحِلَة وَلَا وَاحِد لَهَا من) لَفظهَا. وأزف بِفَتْح الْهمزَة وَكسر الزَّاي بِمَعْنى قرب ودنا. وروى بدله: أفد بِكَسْر الْفَاء وَهُوَ بِمَعْنَاهُ. والترحل: الرحيل. ولما نَافِيَة بِمَعْنى لم وتزل بِضَم الزَّاي من زَالَ يَزُول بِمَعْنى ذهب وانفصل. يُقَال: زَالَ عَن مَوْضِعه يَزُول زوالاً. وَيَتَعَدَّى بِالْهَمْزَةِ والتضعيف فَيُقَال: أزلته وزولته. وَالْبَاء للمعية. والرّحال بِالْحَاء الْمُهْملَة: جمع رَحل وَهُوَ كل شَيْء يعد للرحيل من وعَاء

(الشاهد الثالث والسبعون بعد الثمانمائة)

للمتاع ومركب للبعير وحلس ورسن وَمَا يستصحبه الْمُسَافِر من الْمَتَاع والأثاث. وَغير هُنَا للاستثناء الْمُنْقَطع. وَالْمعْنَى قرب الارتحال لَكِن إبلنا لم تذْهب بمتاعنا إِلَى الْآن مَعَ عزمنا على الرحيل وَكَأَنَّهَا ذهبت. فجملة قد زَالَت بهَا المحذوفة فِي مَحل رفع خبر لكأن. وقد تروى بِكَسْر دالها للروي وبتنوينه للترنم أَي: لقطعه فَإِن الترنم هُوَ التَّغَنِّي والتغني يحصل بِأَلف الْإِطْلَاق لقبولها لمد الصَّوْت فِيهَا فَإِذا أنشدوا وَلم يترنموا جاؤوا بِهَذَا التَّنْوِين. وبهذين الْوَجْهَيْنِ أوردهُ ابْن هِشَام فِي موضِعين من الْمُغنِي. وَنقل ابْن الملا فِي شَرحه عَن ابْن جني فِي الخصائص أَن الرِّوَايَة هُنَا قدي بِمَعْنى حسبي وَالْيَاء ضمير لَا حرف إِطْلَاق. وَعَلِيهِ يكون خبر كَأَن مُفردا لَا جملَة وَيكون اسْمهَا ضمير الترحل أَي: كَأَنَّهُ قدي أَي: كَأَن ذَلِك الترحل حسبي. وَالْبَيْت من قصيدة للنابغة الذبياني تقدم فِي الشَّاهِد الْخَامِس وَالْعِشْرين بعد الْخَمْسمِائَةِ. وَأنْشد بعده (الشَّاهِد الثَّالِث وَالسَّبْعُونَ بعد الثَّمَانمِائَة) (تمشي بهَا الدرماء تسحب قصبها ... كَأَن بطن حُبْلَى ذَات أونين متئم)

على أَن كَأَن إِذا وَقع بعْدهَا مُفْرد فاسمها يكون غير ضمير شَأْن. وَالتَّقْدِير: كَأَن بَطنهَا بطن حُبْلَى. وَإِنَّمَا عدل عَن ضمير الشَّأْن لِأَن خَبره لَا يكون إِلَّا جملَة. وَهَذَا الْبَيْت ثَانِي بَيْتَيْنِ أوردهما ابْن دُرَيْد عَن أبي عُثْمَان سعيد بن هَارُون الأشنانداني فِي كتاب أَبْيَات الْمعَانِي قَالَ: أَنْشدني لرجل من بني سعد بن زيد مَنَاة: (وخيفاء ألْقى اللَّيْث فِيهَا ذراعه ... فسرت وَسَاءَتْ كل ماش ومصرم) تمشي بهَا الدرماء تسحب قصبها ... ... ... ... ... الْبَيْت خيفاء: رَوْضَة فِيهَا رطب ويبيس وهما لونان: أَخْضَر وأصفر. وكل لونين خيف وَبِه سمي الْفرس إِذا كَانَت إِحْدَى عينيها كحلاء وَالْأُخْرَى زرقاء. وَسمي الْخيف خيفاً لِأَن فِيهِ حِجَارَة سُودًا وبيضاً. - وَقَوله: ألْقى اللَّيْث فِيهَا ذراعه يَقُول: مطرَت بِنَوْء الذِّرَاع وَهِي ذِرَاع الْأسد فسرت الْمَاشِي أَي: صَاحب الْمَاشِيَة وَسَاءَتْ المصرم: الَّذِي لَا مَال لَهُ لِأَن الْمَاشِي يرعيها مَاشِيَته والمصرم يتلهف على مَا يرى من حسنها وَلَيْسَ لَهُ مَا يرعيها. وَقَوله: تمشي بهَا الدرماء يَعْنِي الأرنب وَإِنَّمَا سميت الدرماء لتقارب خطوها وَذَلِكَ لِأَن الأرانب تدرم درماً تقَارب خطوها وتخفيه لِئَلَّا يقص

أَثَرهَا فَيُقَال: درماء. وَكَانَ يَنْبَغِي أَن يَقُول: دارمة. وَقَوله: تسحب قصبها وَهَذَا مثل. والْقصب: المعى مَقْصُور وَالْجمع أقصاب. وَإِنَّمَا أَرَادَ بالقصب الْبَطن بِعَيْنِه واستعاره. يَقُول: فالأرنب قد عظم بَطنهَا من أكل الْكلأ وسمنت فَكَأَنَّهَا حُبْلَى. والأونان: العدلان. يَقُول: كَأَن عَلَيْهَا عَدْلَيْنِ لخُرُوج جنبيها وانتفاجهما. وَيُقَال: أون الْحمار وَغَيره إِذا شرب حَتَّى ينتفخ جنباه. انْتهى. ونقلته من نُسْخَة بِخَط أبي الْفَتْح عُثْمَان بن جني وَعَلَيْهَا خطّ أبي عَليّ الْفَارِسِي فِي أَولهَا وَآخِرهَا بِالْإِجَازَةِ لَهُ وَرَوَاهَا عَن ابْن دُرَيْد عَن الأشنانداني. وَكَذَا شرحهما عبد اللَّطِيف الْبَغْدَادِيّ فِي شرح نقد الشّعْر لقدامة.) وَقَوله: فِيهَا رطب ويبيس الرطب بِضَم الرَّاء: المرعى الْأَخْضَر من بقول الرّبيع. وَبَعْضهمْ يَقُول: الرّطبَة كغرفة: الخلا وَهُوَ الغض من الْكلأ. واليبيس من النَّبَات على فعيل: مَا يبس مِنْهُ. والنوء: سُقُوط نجم من الْمنَازل فِي الْمغرب مَعَ الْفجْر وطلوع رقيبه من الْمشرق يُقَابله من سَاعَته إِلَى ثَلَاثَة عشر يَوْمًا. وَهَكَذَا كل نجم مِنْهَا إِلَى انْقِضَاء السّنة. وَكَانَت الْعَرَب تضيف الأمطار والرياح وَالْحر وَالْبرد إِلَى السَّاقِط مِنْهَا. وَقَالَ الْأَصْمَعِي: إِلَى الطالع مِنْهَا فِي سُلْطَانه فَتَقول: مُطِرْنَا بِنَوْء كَذَا. وذراع الْأسد: كوكبان نيران ينزلهما الْقَمَر. وَاللَّيْث من أَسمَاء الْأسد. والْمَاشِيَة: المَال من الْإِبِل وَالْغنم وَبَعْضهمْ يَجْعَل الْبَقر من الْمَاشِيَة. وَمَشى

(الشاهد الرابع والسبعون بعد الثمانمائة)

الرجل وأمشى إِذا كثرت مَاشِيَته. والمصرم: اسْم فَاعل من أَصْرَم الرجل أَي: افْتقر. وتمشي بتَشْديد الشين الْمَكْسُورَة: مُبَالغَة تمشي. وَضمير بهَا لخيفاء والدرماء بِالدَّال وَجُمْلَة تسحب: حَال من الدرماء. والْقصب بِضَم الْقَاف وَسُكُون الصَّاد الْمُهْملَة: اسْم فَرد كعسر. فِي الصِّحَاح: هُوَ المعى يُقَال هُوَ يجر قصبه. وَذَات: صفة أولى لحبله ومتئم: صفة ثَانِيَة. والأون بِفَتْح الْألف وَسُكُون الْوَاو فِي الصِّحَاح: هُوَ أحد جَانِبي الخرج. تَقول: خرج ذُو أونين وهما كالعدلين. وَمِنْه قَوْلهم: أون الْحمار إِذا أكل وَشرب وامتلأ بَطْنه وامتدت خاصرتاه فَصَارَ مثل الأون. والانتفاج بِالْجِيم: الِارْتفَاع يُقَال: انتفج جنبا الْبَعِير أَي: ارتفعا. ومتئم: اسْم فَاعل من أتأمت الْمَرْأَة كأفعلت إِذا وضعت اثْنَيْنِ فِي بطن فَهِيَ متئم فَإذْ كَانَ ذَلِك عَادَتهَا فَهِيَ متآم كمفعال. والولدان توأمان يُقَال: هَذَا توأم هَذَا على فوعل وَهَذِه توأمة هَذِه. وَأنْشد بعده (الشَّاهِد الرَّابِع وَالسَّبْعُونَ بعد الثَّمَانمِائَة) وَهُوَ من شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ: (وَيَوْما توافينا بِوَجْه مقسم ... كَأَن ظَبْيَة تعطو إِلَى وارق السّلم)

أما الرّفْع فَيحْتَمل أَن تكون ظَبْيَة مُبْتَدأ وَجُمْلَة تعطو: خَبره وَهَذِه الْجُمْلَة الاسمية خبر كَأَن وَاسْمهَا ضمير شَأْن مَحْذُوف. وَيحْتَمل أَن تكون ظَبْيَة خبر كَأَن وتعطو صفته وَاسْمهَا مَحْذُوف وَهُوَ ضمير الْمَرْأَة لِأَن الْخَبَر مُفْرد. هَذَا تَقْرِير كَلَامه على وَجه الرّفْع. وَيرد على الْوَجْه الأول انه لَا يَصح الِابْتِدَاء بظبية لما تقدم فِي قَوْله: كَأَن قبس يعلى بهَا حِين تشرع وَالْوَجْه الثَّانِي هُوَ الظَّاهِر وَهُوَ كَلَام سِيبَوَيْهٍ كَمَا تقدم. وَقَالَ الأعلم: الشَّاهِد فِيهِ رفع ظَبْيَة على الْخَبَر وَحذف الِاسْم وَالتَّقْدِير: كَأَنَّهَا ظَبْيَة. وَكَذَا قَالَ ابْن الشجري وَابْن يعِيش وَغَيرهم. - قَالَ ابْن هِشَام فِي شرح أَبْيَات ابْن النَّاظِم: وَفِيه شذوذ لكَون الْخَبَر مُفردا مَعَ حذف الِاسْم. وَقَالَ ابْن الملا فِي شرح الْمُغنِي: توافينا إِمَّا بِلَفْظ الْغَيْب أَو بِلَفْظ الْخطاب للْمَرْأَة على مَا صرح بِهِ الْعَيْنِيّ فَيكون التَّقْدِير فِي حذف الِاسْم على الِاحْتِمَالَيْنِ: كَأَنَّهَا أَو كَأَنَّك. هَذَا كَلَامه. وَمَا نَقله عَن الْعَيْنِيّ لَا أصل لَهُ وَإِنَّمَا قَالَ توافينا فعل مضارع وفاعله ضمير مستتر فِيهِ وَهُوَ الضَّمِير الرَّاجِع إِلَى الْمَرْأَة الَّتِي يمدحها. وَقَول الشَّارِح: ويروى بِنصب ظَبْيَة على إِعْمَال كَأَن هَذَا الإعمال مَعَ التَّخْفِيف خَاص بضرورة كَأَن وريديه وشاءا خلب وَعَلِيهِ يكون جملَة تعطو: صفة ظَبْيَة وَلَا يجوز أَن تكون خبر كَأَن كَمَا جوزه الْعَيْنِيّ وَاقْتصر عَلَيْهِ السُّيُوطِيّ فِي شرح أَبْيَات الْمُغنِي وَإِن جَازَ الْإِخْبَار عَن

النكرَة فِي بَاب إِن لما قَالَه الشَّارِح الْمُحَقق فِي آخر الْبَاب لِأَنَّهُ لَيْسَ مُرَاد الشَّاعِر الْإِخْبَار عَن الظبية بِمَا ذكر وَإِنَّمَا مُرَاده تَشْبِيه الْمَرْأَة بالظبية فَالْخَبَر مَحْذُوف قدره ابْن النَّاظِم ظرفا قَالَ: وَالتَّقْدِير: كَأَن مَكَانهَا ظَبْيَة. وَقدره الأعلم وَابْن الشجري وَابْن السَّيِّد فِي أَبْيَات الْمعَانِي وَابْن يعِيش وَغَيرهم ضميرها أَو اسْم إشارتها وَالتَّقْدِير: كَأَن ظَبْيَة تعطو إِلَى وارق السّلم هِيَ أَو هَذِه الْمَرْأَة. قَالَ ابْن هِشَام: وَهَذَا إِنَّمَا يَصح على جعل الْمُشبه مشبهاً بِهِ وَبِالْعَكْسِ لقصد الْمُبَالغَة.) وَمن روى بجر ظَبْيَة فعلى أَن أَن زَائِدَة بَين الْجَار وَالْمَجْرُور وَالتَّقْدِير: كظبية. وعد ابْن عُصْفُور زِيَادَة أَن هُنَا من الضرائر الشعرية. وَقَالَ ابْن هِشَام فِي المغمي: هُوَ نَادِر. وَقد أورد الْمبرد هَذِه الْأَوْجه الثَّلَاثَة فِي الْكَامِل قَالَ: حَدثنِي التوزي عَن أبي زيد قَالَ: سَمِعت الْعَرَب تنشد هَذَا الْبَيْت فتنصب الظبية وترفعها وتخفضها: أما رَفعهَا فعلى الضَّمِير يُرِيد: كَأَنَّهَا ظَبْيَة. وَهَذَا شَرط أَن وَكَأن إِذا خففتا إِنَّمَا هُوَ على حذف الضَّمِير. وعَلى هَذَا: علم أَن سَيكون مِنْكُم. وَمن نصب فعلى غير ضمير واعملها مُخَفّفَة عَملهَا مثقلة لِأَنَّهَا تعْمل لشبهها بِالْفِعْلِ فَإِذا خففت عملت عمل الْفِعْل الْمَحْذُوف كَقَوْلِك: لم يَك زيد مُنْطَلقًا. فالفعل إِذا حذف يعْمل عمله تَاما فَيصير التَّقْدِير: كَأَن ظَبْيَة تعطو إِلَى وارق السّلم هَذِه الْمَرْأَة وَحذف الْخَبَر لما تقدم من ذكره. وَمن قَالَ: كَأَن ظَبْيَة جعل أَن زَائِدَة وأعمل الْكَاف أَرَادَ: كظبية وَزَاد أَن. انْتهى. وَهَذَا الْبَيْت اخْتلف فِي قَائِله: فَعِنْدَ سِيبَوَيْهٍ هُوَ لِابْنِ صريم الْيَشْكُرِي. وَكَذَا قَالَ النّحاس والأعلم. وَقَالَ القالي فِي أَمَالِيهِ: هُوَ لأرقم الْيَشْكُرِي. وَقَالَ

أَبُو عبيد الْبكْرِيّ فِيمَا كتبه عَلَيْهَا: هُوَ لراشد ببن شهَاب الْيَشْكُرِي. وَلم يرو الْمفضل هَذَا الْبَيْت فِي قصيدته. أَقُول: رَأَيْت القصيدة الَّتِي أَشَارَ إِلَيْهَا لراشد وَلَيْسَ فِيهَا هَذَا الْبَيْت وَلَا الأبيات الْآتِيَة. وَقَالَ ابْن المستوفي: هُوَ لِابْنِ أَصْرَم الْيَشْكُرِي. وَوَجَدته لعلباء بن أَرقم الْيَشْكُرِي. وَقَالَ ابْن بري فِي حَاشِيَة الصِّحَاح: هُوَ لباغت بن صريم وَيُقَال: لعلباء بن أَرقم الْيَشْكُرِي قَالَه فِي امْرَأَته وَهُوَ الصَّحِيح. وَبعده: (وَيَوْما تُرِيدُ مالنا مَعَ مَالهَا ... فَإِن لم ننلها لم تنمنا وَلم تنم) (فَقلت لَهَا: إِلَّا تناهي فإنني ... أَخُو الشَّرّ حَتَّى تقرعي السن من نَدم) انْتهى. وَضبط ابْن هِشَام باغتاً فَقَالَ: هُوَ مَنْقُول من بغته بِالْأَمر إِذا فاجأه بِهِ. وَنَقله الْعَيْنِيّ عَنهُ وَلم يزدْ عَلَيْهِ. وَنسب ابْن الملا إِلَى الْعَيْنِيّ شَيْئا لم يقلهُ قَالَ: قَالَ الْعَيْنِيّ: هُوَ بالثاء الْمُثَلَّثَة.) وَقَوله: وَيَوْما توافينا ... إِلَخ يَوْم: ظرف مُتَعَلق بتوافينا وَلَا يجوز أَن يجر بِجعْل الْوَاو وَاو رب لِأَنَّهُ لم يرد إنْشَاء التكثير أَو التقليل وَإِنَّمَا أخبر عَن أحوالها فِي الْأَيَّام. وَلم يتَنَبَّه لَهُ الْعَيْنِيّ وَله الْعذر لِأَنَّهُ لم يقف على مَا بعده فَقَالَ: وأنشده بعض شرَّاح الْمفصل بِالْجَرِّ وَقَالَ: الْوَاو فِيهِ وَاو رب. وتوافينا: تَأْتِينَا يُقَال: وافيته موافاة: إِذا أَتَيْته.

وَقَالَ الْعَيْنِيّ وَتَبعهُ السُّيُوطِيّ: الموافاة: هِيَ الْمُقَابلَة بِالْإِحْسَانِ وَالْخَيْر والمجازاة الْحَسَنَة. وفاعل توافينا ضمير الْمَرْأَة الَّتِي يمدحها وَالْبَاء فِي قَوْله: بِوَجْه بِمَعْنى مَعَ. هَذَا كَلَامه. قَالَ الأعلم: الْمقسم: المحسن وَأَصله من القسمات وَهِي مجاري الدُّمُوع وأعالي الْوَجْه وَيُقَال لَهَا أَيْضا: التناصف لِأَنَّهَا فِي منتصف الْوَجْه إِذا قسم وَهِي أحسن مَا فِي الْوَجْه وأنوره فينسب إِلَيْهِ الْحسن فَيُقَال لَهُ: القسام لظُهُوره هُنَاكَ وتبينه. انْتهى. وَقَالَ الْمبرد فِي الْكَامِل: زعم أَبُو عُبَيْدَة أَن القسمات مجاري الدُّمُوع واحدتها قسْمَة بِكَسْر السِّين فيهمَا. وَقَالَ الْأَصْمَعِي القسمات: أعالي الْوَجْه. وَلم يُبينهُ بِأَكْثَرَ من هَذَا. وَقَول أبي عُبَيْدَة مشروح. وَيُقَال من هَذَا: رجل قسيم وَرجل مقسم وَوجه قسيم وَوجه مقسم. وَأنْشد الْبَيْت. وَقَالَ القالي فِي أَمَالِيهِ: يَقُولُونَ قسيم وسيم. فالقسيم: الْحسن الْجَمِيل. والقسام: الْحسن وَالْجمال. وَأنْشد يَعْقُوب بن السّكيت: يسن على مراغمها القسام

وَقَالَ العجاج: وَرب هَذَا الْبَلَد الْمقسم أَي: المحسن. وَقَالَ أَرقم الْيَشْكُرِي. وَأنْشد الْبَيْت مَعَ الْبَيْت الَّذِي بعده فَقَط ثمَّ قَالَ: والوسيم: الْحسن الْجَمِيل أَيْضا. والميسم: الْحسن وَالْجمال. انْتهى. وَفرق بَينهمَا الثعالبي فِي فَقَالَ: إِن الْمَرْأَة إِذا كَانَ حسنها فائقاً كَأَنَّهُ قد وسيم فَهِيَ وسيمة فَإِذا قسم لَهَا حَظّ وافر من الْحسن فَهِيَ قسيمة. وتعطو فسره الْمبرد قَالَ: تعطو: تنَاول يُقَال: عطا يعطو إِذا تنَاول. وأعطيته: ناولته. وَعَلِيهِ لابد من تَضْمِينه معنى تميل لتعديه بإلى. وَفِي الْقَامُوس: العطو: التَّنَاوُل وَرفع الرَّأْس وَالْيَدَيْنِ وظبي عطو مُثَلّثَة وكعدو: يَتَطَاوَل إِلَى الشّجر ليتناول مِنْهُ. انْتهى. وَعَلِيهِ فَلَا) تضمين. ووارق: لُغَة فِي مُورق فَإِن يُقَال: ورق الشّجر يرق وأورق يورق وورق توريقاً إِذا خرج ورقه. وَرُوِيَ بدله: إِلَى ناضر السّلم من النضارة وَهِي الْحسن. وَأَرَادَ بِهِ خضرته. وَالسّلم بِفتْحَتَيْنِ: ضرب من شجر الْبَادِيَة يعظم وَله شوك واحدته سَلمَة. وَقَالَ الْمبرد: السّلم شجر بِعَيْنِه كثير الشوك

فَإِذا أَرَادوا أَن يحتطبوه شدوه ثمَّ قطعوه. وَمن ذَلِك قَول الْحجَّاج: وَالله لأحزمنكم حزم السلمة. وَقَوله: وَيَوْما تُرِيدُ مالنا ... إِلَخ مَا: مَوْصُولَة فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَاللَّام مَفْتُوحَة فيهمَا أَي تطلب مَا فِي أَيْدِينَا من المَال مَعَ مَا فِي يَدهَا من المَال فَإِن لم نعطها مطلوبها آذتنا وكلمتنا بِكَلَام يمنعنا النّوم وَلم تنم هِيَ لتحزننا. قَالَ ابْن السيرافي: يُرِيد أَنه يسْتَمْتع بحسنها يَوْمًا وتشغله يَوْمًا آخر بِطَلَب مَاله فَإِن منعهَا آذته وكلمته بِكَلَام يمنعهُ من النّوم. والخصوم: جمع خصم وَهُوَ مصدر إِي: فِي مخاصمات وَهُوَ منون. وعرامة بِالنّصب وَهِي مصدر عرم يعرم من بَابي نصر وَضرب وعرامة بِالْفَتْح وَهِي والمآلي: جمع مئلاة قَالَ صَاحب الصِّحَاح: والمئلاة بِالْهَمْز على وزن المعلاة: الْخِرْقَة الَّتِي تمسكها الْمَرْأَة عِنْد النوح وتشير بهَا وَالْجمع المآلي. وَرَأَيْت فِي كتاب النِّسَاء الناشزات تأليف أبي الْحسن الْمَدَائِنِي قَالَ: كَانَت امْرَأَة علياء بن أَرقم الْيَشْكُرِي قد فركته فَقَالَ: (أَلا تلكم عرسي تصد بوجهها ... وتزعم فِي جاراتها أَن من ظلم) (أَبونَا وَلم أظلم بِشَيْء عَلمته ... سوى مَا ترَوْنَ فِي القذال من الْقدَم) ...

(نظل كأنا فِي خصوم عرامة ... تسمع جيراني التألي وَالْقسم) فيوماً تُرِيدُ مالنا مَعَ مَا لَهَا ... ... . إِلَى آخر الأبيات وَكَذَا رَأَيْت فِيمَا كتبه ابْن السَّيِّد على كَامِل الْمبرد إِلَّا أَنه قَالَ: لعلباء بن أَرقم الْعجلِيّ. وَكَأَنَّهُ تَحْرِيف من النَّاسِخ. وَرُوِيَ الْبَيْت الثَّانِي كَذَا: سوى مَا أبانت فِي القذال من الْقدَم وَمن نسب إِلَيْهِم هَذَا الشّعْر كلهم شعراء جاهليون. وَأنْشد بعده) - وَهُوَ من شَوَاهِد س: (فلست بآتيه وَلَا أستطيعه ... ولاك اسْقِنِي إِن كَانَ ماؤك ذَا فضل) على أَن حذف النُّون من لَكِن لالتقاء الساكنين ضَرُورَة تَشْبِيها بِالتَّنْوِينِ أَو بِحرف الْمَدّ واللين وَمن حَيْثُ كَانَت سَاكِنة وفيهَا غنة وَهِي فضل صَوت فِي الْحَرْف كَمَا أَن حرف الْمَدّ واللين سَاكن وَالْمدّ فضل صَوت. وَكَذَا أوردهُ سِيبَوَيْهٍ فِي بَاب ضَرُورَة الشّعْر من أول كِتَابه قَالَ الأعلم: حذف النُّون لالتقاء الساكنين ضَرُورَة لإِقَامَة الْوَزْن وَكَانَ وَجه الْكَلَام أَن يكسر لالتقاء الساكنين شبهها فِي الْحَذف بِحرف الْمَدّ واللين إِذا سكنت وَسكن

مَا بعْدهَا نَحْو: يَغْزُو الْعَدو وَيَقْضِي الْحق ويخشى الله وَمِمَّا اسْتعْمل محذوفاً نَحْو: لم يَك وَلَا أدر. انْتهى. وَالْبَيْت من قصيدة للنجاشي الْحَارِثِيّ. وَقَبله: (وَمَاء كلون الْغسْل قد عَاد آجناً ... قَلِيل بِهِ الْأَصْوَات فِي بلد مَحل) (وجدت عَلَيْهِ الذِّئْب يعوي كَأَنَّهُ ... خليع خلا من كل مَال وَمن أهل) (فَقلت لَهُ: يَا ذِئْب هَل لَك فِي فَتى ... يواسي بِلَا من عَلَيْك وَلَا بخل) (فلست بآتيه وَلَا أستطيعه ... ولاك اسْقِنِي إِن كَانَ ماؤك ذَا فضل) (فَقلت عَلَيْك الْحَوْض إِنِّي تركته ... وَفِي صغوه فضل القلوص من السّجل) (فطرب يستعوي ذئاباً كَثِيرَة ... وعديت كل من هَوَاهُ على شغل) وَهَذِه الْقطعَة أوردهَا ابْن قُتَيْبَة فِي كتاب أَبْيَات الْمعَانِي والشريف المرتضى فِي أَمَالِيهِ والشريف الْحُسَيْنِي فِي حماسته. وَكَانَ النَّجَاشِيّ عرض لَهُ ذِئْب فِي سفر لَهُ فَدَعَاهُ إِلَى الطَّعَام وَقَالَ لَهُ: هَل لَك ميل فِي أَخ يَعْنِي نَفسه يواسيك فِي طَعَامه بِغَيْر من وَلَا بخل فَقَالَ لَهُ الذِّئْب: قد دعوتني إِلَى شَيْء لم يَفْعَله السبَاع قبلي من مؤاكلة بني آدم وَهَذَا لَا يمكنني فعله وَلست بآتيه وَلَا أستطيعه وَلَكِن إِن كَانَ فِي مائك الَّذِي مَعَك فضل عَمَّا تحْتَاج إِلَيْهِ فاسقني مِنْهُ. وَهَذَا الْكَلَام وَضعه النَّجَاشِيّ على لِسَان الذِّئْب كَأَنَّهُ اعْتقد فِيهِ أَنه لَو كَانَ مِمَّن يعقل أَو يتَكَلَّم لقَالَ هَذَا القَوْل. وَأَشَارَ

بِهَذَا إِلَى تعسفه للفلوات الَّتِي لَا مَاء فِيهَا فيهتدي الذِّئْب إِلَى) مظانه فِيهَا لاعتياده لَهَا. وَالْغسْل بِكَسْر الْغَيْن الْمُعْجَمَة: مَا يغسل بِهِ الرَّأْس من سدر وخطمي وَنَحْو ذَلِك. يُرِيد أَن ذَلِك المَاء كَانَ متغير اللَّوْن من طول الْمكْث مخضراً ومصفراً وَنَحْوهمَا. والآجن بِالْمدِّ وَكسر وَقَوله: قَلِيل بِهِ الْأَصْوَات يُرِيد أَنه قفر لَا حَيَوَان فِيهِ والْبَلَد: الأَرْض وَالْمَكَان والْمحل: الجدب وَهُوَ انْقِطَاع الْمَطَر ويبس الأَرْض من الْكلأ والخليع: الَّذِي خلعه أَهله لجناياته وتبرؤوا مِنْهُ. وعَلَيْك: اسْم فعل بِمَعْنى الزم والحوض مَفْعُوله. والصغو بِفَتْح الصَّاد الْمُهْملَة وسكرها وَسُكُون الْغَيْن الْمُعْجَمَة: الْجَانِب المائل. والسّجل بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَسُكُون الْجِيم: الدَّلْو الْعَظِيمَة. وطرب فِي صَوته بِالتَّشْدِيدِ: رجعه ومدده. كَذَا فِي الْمِصْبَاح. والنَّجَاشِيّ اسْمه قيس بن عَمْرو بن مَالك من بني الْحَارِث بن كَعْب. قَالَ ابْن قُتَيْبَة فِي كتاب الشُّعَرَاء: كَانَ النَّجَاشِيّ فَاسِقًا رَقِيق الْإِسْلَام وَمر فِي شهر رَمَضَان بِأبي سمال الْأَسدي بِالْكُوفَةِ فَقَالَ لَهُ: مَا تَقول فِي رُؤُوس حملان فِي كرش فِي تنور قد أينع من أول اللَّيْل إِلَى آخِره. قَالَ: وَيحك فِي شهر رَمَضَان تَقول هَذَا قَالَ: مَا شهر رَمَضَان وشوال إِلَّا سَوَاء. قَالَ: فَمَا تسقيني عَلَيْهِ قَالَ: شرابًا كَأَنَّهُ الورس يطيب النَّفس وَيجْرِي فِي الْعِظَام ويسهل الْكَلَام. ودخلا الْمنزل فأكلا وشربا فَلَمَّا أَخذ فيهمَا الشَّارِب تفاخرا وعلت أصواتهما فَسمع جَار لَهما فَأتى عَليّ بن أبي طَالب رَضِيَ اللَّهُ عَنْ

هـ فَأخْبرهُ فَأرْسل فِي طلبهما. فَأَما أَبُو سماك فَإِنَّهُ شقّ الخص فهرب وَأخذ النَّجَاشِيّ فَأتي بِهِ عَليّ بن أبي طَالب فَقَالَ: وَيحك ولداننا صِيَام وَأَنت مفطر فَضَربهُ ثَمَانِينَ سَوْطًا وزاده عشْرين سَوْطًا فَقَالَ: مَا هَذِه العلاوة يَا أَبَا الْحسن قَالَ: هَذِه لجراءتك على الله فِي شهر رَمَضَان. ثمَّ رَفعه للنَّاس فِي تبان. فهجا أهل الْكُوفَة فَقَالَ: (إِذا سقى الله قوما صوب غادية ... فَلَا سقى الله أهل الْكُوفَة المطرا) (التاركين على طهر نِسَاءَهُمْ ... والناكحين بشطي دجلة البقرا) وَمن جيد شعره فِي مُعَاوِيَة: (يَا أَيهَا الْملك المبدي عداوته ... روئ لنَفسك أَي الْأَمر تأتمر) (وَمَا شَعرت بِمَا أضمرت من حنق ... حَتَّى أَتَتْنِي بِهِ الأنباء وَالنّذر) (فَإِن نفست على الأقوام مجدهم ... فابسط يَديك فَإِن الْمجد مبتدر)) (وَاعْلَم بِأَن عَليّ الْخَيْر من بشر ... شم العرانين لَا يعلوهم بشر) (نعم الْفَتى هُوَ إِلَّا أَن بَيْنكُمَا ... كَمَا تفاضل نور الشَّمْس وَالْقَمَر) ...

(الشاهد السادس والسبعون بعد الثمانمائة)

(وَمَا أَظُنك إِلَّا لست منتهياً ... حَتَّى يمسك من أظفارهم ظفر) (إِنِّي امْرُؤ قَلما أثني على أحد ... حَتَّى أرى بعض مَا يَأْتِي وَمَا يذر) (لَا تحمدن أمرأً حَتَّى تجربه ... وَلَا تذمن من لم يبله الْخَبَر) انْتهى. وَأنْشد بعده (الشَّاهِد السَّادِس وَالسَّبْعُونَ بعد الثَّمَانمِائَة) (لعاء الله فَضلكُمْ علينا ... بِشَيْء أَن أمكُم شريم) على أَن لعاء لُغَة فِي لَعَلَّ كَمَا فِي الْبَيْت. وَلم أر من أنْشدهُ كَذَا إِلَّا ابْن الْأَنْبَارِي فِي كتاب الْإِنْصَاف فِي مسَائِل الْخلاف قَالَ: إِنَّمَا حذفت اللَّام الأولى من لَعَلَّ كثيرا فِي أشعارهم لكثرتها فِي استعمالهم وَلِهَذَا تلعبت الْعَرَب بِهَذِهِ الْكَلِمَة فَقَالُوا: لَعَلَّ ولعلن وَلعن بِالْعينِ غير الْمُعْجَمَة. قَالَ الراجز: (حَتَّى يَقُول الراجز الْمنطق ... لعن هَذَا مَعَه مُعَلّق) ولغن بالغين الْمُعْجَمَة. وأنشدوا: (أَلا يَا صَاحِبي قفا لغنا ... نرى العرصات أَو أثر الْخيام)

ورعن وَعَن وغن ولغل وغل ولعاء. قَالَ الشَّاعِر: (لعاء الله فَضله عَلَيْكُم ... بِشَيْء أَن أمكُم شريم) وَقَالَ الآخر: فَلَمَّا كثرت هَذِه الْكَلِمَة فِي استعمالهم حذفوا اللَّام. وَكَانَ حذف اللَّام أولى من الْعين وَإِن كَانَ أبعد من الطّرف لِأَنَّهُ لَو حذف الْعين لَأَدَّى إِلَى اجْتِمَاع ثَلَاث لامات. انْتهى. - والهمزة من لعاء مَفْتُوحَة كَمَا فِي لَعَلَّ. وَلَفظ الْجَلالَة فِي الْبَيْتَيْنِ مَنْصُوبَة على إِعْمَال لعاء عمل إِن. وَلَا يجوز جرها فَإِن الجارة إِنَّمَا هِيَ: لَعَلَّ وعل بِفَتْح لامهما وكسرهما. وَالْمَشْهُور فِي إنشاد هَذَا الْبَيْت: لَعَلَّ الله فَضلكُمْ علينا) وَكَذَا أنْشدهُ ابْن السّكيت بِكَسْر لَام لَعَلَّ وجر الْجَلالَة وَكَذَا رَوَاهُ الْمرَادِي فِي الجنى الداني وَابْن النَّاظِم وَابْن عقيل وَابْن هِشَام فِي شروحهم الألفية. واللغات الْعشْرَة الَّتِي ذكرهَا الشَّارِح الْمُحَقق غير لعاء ذكرهَا ابْن مَالك فِي التسهيل وَزَاد عَلَيْهَا الْمرَادِي فِي الجنى الداني لُغَة أُخْرَى وَهِي رعل

بالراء بدل اللَّام الأولى. وَأورد ابْن الْأَنْبَارِي فِي لغاتها لعلن بإبدال اللَّام الثَّالِثَة نوناً. وَأَرَادَ صَاحب الْقَامُوس أَيْضا فِي لغاتها لون بِفَتْح اللَّام وَالْوَاو وَتَشْديد النُّون الْمَفْتُوحَة فَتَصِير لغاتها أَربع عشرَة لُغَة. وَقد اخْتلف أهل المصرين فِي اللُّغَة الْأَصْلِيَّة: فَقَالَ البصريون: الأَصْل عل. وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ: الأَصْل لَعَلَّ. وَنقل ابْن الْأَنْبَارِي دَلِيل الْفَرِيقَيْنِ وَرجح قَول الْكُوفِيّين. وَلَا بَأْس بإيراده مُخْتَصرا قَالَ: ذهب الْكُوفِيُّونَ إِلَى أَن اللَّام الأولى فِي لَعَلَّ أَصْلِيَّة وَقَالُوا: لِأَنَّهَا حرف وحروف الْجَرّ كلهَا أَصْلِيَّة لِأَن حُرُوف الزِّيَادَة تخْتَص بالأسماء وَالْأَفْعَال. وَالَّذِي يدل على ذَلِك أَيْضا أَن اللَّام خَاصَّة لَا تكَاد تزاد بِمَا تجوز فِيهِ الزِّيَادَة إِلَّا شاذاً نَحْو: زيدل وعبدل وفحجل فِي كَلِمَات مَعْدُودَة. وَذهب البصريون إِلَى أَنَّهَا زَائِدَة: وَقَالُوا: لأَنا وجدناهم يستعملونها كثيرا عَارِية عَن اللَّام وَلِهَذَا حكمنَا بِزِيَادَة اللَّام فِي: عبدل وَنَحْوه لِأَن عبدا أَكثر اسْتِعْمَالا مِنْهُ. وَالَّذِي يدل على زيادتها أَنَّهَا مَعَ أخواتها إِنَّمَا عملت النصب وَالرَّفْع لشبهها بِالْفِعْلِ لِأَن أَن: مثل مد وليت مثل لَيْسَ وَلَكِن أَصْلهَا كن ركبت مَعهَا لَا كَمَا ركبت لَو مَعَ لَا وَكَأن أَصْلهَا أَن أدخلت عَلَيْهَا كَاف التَّشْبِيه. فَلَو قُلْنَا إِن لَعَلَّ أَصْلِيَّة لَأَدَّى ذَلِك إِلَى أَن لَا تكون على وزن من الْأَفْعَال الثلاثية والرباعية.

وَالصَّحِيح مَذْهَب الْكُوفِيّين. وَقَول الْبَصرِيين: إِنَّا وجدناهم يستعملون لَعَلَّ بِغَيْر لَام فجوابهم: إِنَّمَا حذفت كثيرا لِكَثْرَة الِاسْتِعْمَال. وَأما قَوْلهم: لما وجدناهم يستعملونها مَعَ حذف اللَّام فِي معنى إِثْبَاتهَا دلّ على أَنَّهَا زَائِدَة كَلَام عبدل فجوابهم: أَن هَذَا إِنَّمَا يعْتَبر فِيمَا يجوز أَن يدْخل فِيهِ حُرُوف الزِّيَادَة. وَأما الْحُرُوف فَلَا يجوز أَن يدْخل فِيهَا حُرُوف الزِّيَادَة. وَأما قَوْلهم: إِن هَذِه الْحُرُوف إِنَّمَا عملت لشبه الْفِعْل فجوابهم: أَنا لَا نسلم أَنَّهَا إِنَّمَا عملت لشبه) الْفِعْل فِي لَفظه فَقَط وَإِنَّمَا عملت لِأَنَّهَا أشبهته لفظا وَمعنى من عدَّة وُجُوه: أَحدهَا: أَنَّهَا تَقْتَضِي الِاسْم كَمَا أَن الْفِعْل يَقْتَضِيهِ. وَالثَّانِي: أَن فِيهَا معنى الْفِعْل فَإِن وَأَن بِمَعْنى أكدت. وَكَأن بِمَعْنى شبهت وَلَكِن بِمَعْنى استدركت وليت بِمَعْنى تمنيت وَلَعَلَّ بِمَعْنى ترجيت. وَأَنَّهَا مَبْنِيَّة على الْفَتْح كالماضي. وَهَذِه الْوُجُوه من المشابهة بَين لَعَلَّ وَالْفِعْل لَا تبطل بِأَن لَا تكون على وزن من أوزانه وَهِي كَافِيَة فِي إِثْبَات عَملهَا بِحكم المشابهة. انْتهى. - وَقَول الشَّاعِر: لعاء الله فَضلكُمْ علينا جملَة فَضلكُمْ: فِي مَوضِع رفع خبر للعاء بِمَعْنى لَعَلَّ. وَأما على رِوَايَة: لَعَلَّ الله فَضلكُمْ بجر الْجَلالَة فَلَعَلَّ حرف جر لَا يتَعَلَّق بِشَيْء لِأَنَّهُ يشبه الزَّائِد وَلَفظ الْجَلالَة فِي مَوضِع رفع بِالِابْتِدَاءِ منع

(الشاهد السابع والسبعون بعد الثمانمائة)

رَفعه حَرَكَة الْجَرّ وَجُمْلَة فَضلكُمْ: خبر الْمُبْتَدَأ. والشريم وَكَذَلِكَ الشروم: الْمَرْأَة المفضاة وَهِي الَّتِي صَار مسلكاها وَاحِدًا. وَالْبَيْت لم أَقف على تتمته وَلَا على قَائِله. وَالله أعلم. وَأنْشد بعده (الشَّاهِد السَّابِع وَالسَّبْعُونَ بعد الثَّمَانمِائَة) فَقلت: ادْع أُخْرَى وارفع الصَّوْت جهرةً لَعَلَّ أبي المغوار مِنْك قريب على أَن لَعَلَّ فِي لُغَة عقيل جَارة كَمَا فِي الْبَيْت. وَلَهُم فِي لامها الأولى الْإِثْبَات والحذف وَفِي الثَّانِيَة الْفَتْح وَالْكَسْر. قَالَ ابْن جني فِي سر الصِّنَاعَة: حكى أَبُو زيد أَن لُغَة عقيل لَعَلَّ زيد منطلق بِكَسْر اللَّام الْآخِرَة من لَعَلَّ وجر زيد. قَالَ كَعْب بن سعد الغنوي: (فَقلت ادْع أُخْرَى وارفع الصَّوْت ثَانِيًا ... لَعَلَّ أبي المغوار ... ... الْبَيْت) وَقَالَ أَبُو الْحسن: ذكر أَبُو عُبَيْدَة أَنه سمع لَام لَعَلَّ مَفْتُوحَة فِي لُغَة من يجر فِي قَول الشَّاعِر: انْتهى.

وَنقل ابْن مَالك وَغَيره اللغتين الْأُخْرَيَيْنِ فِي عل كَمَا نقل الشَّارِح الْمُحَقق. وَعقيل بِالتَّصْغِيرِ: أَبُو قَبيلَة وَهُوَ عقيل بن كَعْب بن ربيعَة بن عَامر بن صعصعة بن مُعَاوِيَة بن بكر بن هوَازن بن مَنْصُور بن عِكْرِمَة بن خصفة بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَالصَّاد الْمُهْملَة بعْدهَا فَاء ابْن قيس بن عيلان بن مُضر. كَذَا فِي جمهرة الْكَلْبِيّ. وَقَول الشَّارِح الْمُحَقق: وَهِي مشكلة لِأَن جرها عمل مُخْتَصّ بالحروف ... إِلَخ أَقُول: لَا إِشْكَال فَإِنَّهَا مَوْضُوعَة بوضعين: فَهِيَ مَوْضُوعَة عِنْد قوم لعمل النصب وَالرَّفْع مَعًا وَعند قوم أخر لعمل الْجَرّ كوضع لفظ لأمرين مُخْتَلفين. فعملهما للرفع والجر بوضعين لَا بِوَضْع وَاحِد خلافًا للشَّارِح فِي قَوْله: وَكَون حرف عَامل عمل الْحُرُوف وَالْأَفْعَال فِي حَالَة وَاحِدَة مِمَّا لم يثبت. وَإِن أَرَادَ من الْحَالة الْوَاحِدَة كَونهَا لِمَعْنى وَاحِد وَهُوَ الترجي فِي العملين فَلَا بدع وَلها نَظَائِر مِنْهَا: خلا وَعدا وحاشا فِي الِاسْتِثْنَاء فَإِنَّهَا تكون تَارَة فعلا فَترفع وتنصب وَتارَة حرفا فتجر وَالْمعْنَى فِي العملين وَاحِد. وَإِن أَرَادَ الحرفية فِي العملين فَمَمْنُوع أَيْضا فَإِن لات تعْمل عمل لَيْسَ وَتَكون حرف جر أَيْضا وَهِي حرف فِي العملين. بل فِي عمل لَعَلَّ الْجَرّ إدخالها فِي قَوْلهم: مَا اخْتصَّ بقبيل وَلم يكن كالجزء مِنْهُ حَقه أَن يعْمل الْعَمَل الْخَاص بِهِ. فَفِيهِ مُرَاجعَة أصل مرفوض. وَإِنَّمَا خرجت مَعَ أخواتها عَن هَذَا الأَصْل لشبهها) بِالْفِعْلِ وَلذَلِك قَالَ الْجُزُولِيّ: وَقد جروا بلعل منبهة على الأَصْل. وَقَول الشَّارِح الْمُحَقق: وَأَيْضًا الْجَار لَا بُد لَهُ من مُتَعَلق وَلَا مُتَعَلق هَا هُنَا. . إِلَخ أَقُول: هِيَ من جملَة حُرُوف جر لَا تتَعَلَّق بِشَيْء. قَالَ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي: اعْلَم أَن مجرور لَعَلَّ فِي مَوضِع رفع بِالِابْتِدَاءِ لتنزيل لَعَلَّ منزلَة الْجَار الزَّائِد فِي نَحْو: بحسبك دِرْهَم بِجَامِع مَا بَينهمَا من عدم التَّعَلُّق بعامل. وَقَوله:

قريب خبر ذَلِك الْمُبْتَدَأ. وَمثله لولاي لَكَانَ كَذَا على قَول سِيبَوَيْهٍ إِن لَوْلَا جَارة وقولك: رب رجل يَقُول ذَلِك وَنَحْوه. انْتهى. وَقد ذكر فِي الْبَاب الثَّالِث مِنْهُ الْحُرُوف الَّتِي لَا تتَعَلَّق بِشَيْء قَالَ: يَسْتَثْنِي من قَوْلنَا: لَا بُد لحرف الْجَرّ من مُتَعَلق سِتَّة أُمُور: أَحدهَا: الْحَرْف الزَّائِد كالباء وَمن فِي قَوْله: وَكفى بِاللَّه شَهِيدا وهَل من خَالق غير الله. وَذَلِكَ لِأَن معنى التَّعَلُّق الارتباط الْمَعْنَوِيّ. وَالْأَصْل أَن أفعالاً قصرت عَن الْوُصُول إِلَى الْأَسْمَاء فأعينت على ذَلِك بحروف الْجَرّ وَالزَّائِد إِنَّمَا دخل فِي الْكَلَام تَقْوِيَة لَهُ وتوكيداً وَلم يدْخل للربط. الثَّانِي: لَعَلَّ فِي لُغَة عقيل لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَة الْحَرْف الزَّائِد. أَلا ترى أَن مجرورها فِي مَوضِع رفع لَعَلَّ أبي المغوار مِنْك قريب وَلِأَنَّهَا لم تدخل لتوصيل عَامل بل لإِفَادَة معنى التوقع. ثمَّ إِنَّهُم جروا بهَا منبهةً على أَن الأَصْل فِي الْحُرُوف المختصة بِالِاسْمِ أَن تعْمل الْإِعْرَاب الْمُخْتَص بِهِ كحروف الْجَرّ. الثَّالِث: لَوْلَا فِيمَن قَالَ: لولاي ولولاك ولولاه على قَول سِيبَوَيْهٍ: أَن لَوْلَا جَارة للضمير فَإِنَّهَا أَيْضا بِمَنْزِلَة لَعَلَّ فِي أَن مَا بعْدهَا مَرْفُوع الْمحل بِالِابْتِدَاءِ فَإِن لَوْلَا الامتناعية تستدعي جملتين كَسَائِر أدوات التَّعْلِيق.

وَالرَّابِع: رب فِي نَحْو: رب رجل صَالح لَقيته أَو لقِيت لِأَن مجرورها مفعول فِي الثَّانِي ومبتدأ فِي الأول أَو مفعول على حد: زيدا ضَربته وَيقدر الناصب بعد الْمَجْرُور لَا قبل الْجَار لِأَن رب لَهَا الصَّدْر من بَين حُرُوف الْجَرّ وَإِنَّمَا دخلت فِي المثالين لإِفَادَة التكثير أَو التقليل لَا لتعدية عَامل. الْخَامِس: كَاف التَّشْبِيه قَالَه الْأَخْفَش وَابْن عُصْفُور مستدلين بِأَنَّهُ إِذا قيل: زيد كعمرو فَإِن كَانَ الْمُتَعَلّق اسْتَقر فالكاف لَا تدل عَلَيْهِ وَإِن كَانَ فعلا مناسباً للكاف وَهُوَ أشبه فَهُوَ مُتَعَدٍّ بِنَفسِهِ. وَالْحق أَن جَمِيع الْحُرُوف الجارة الْوَاقِعَة فِي مَوضِع الْخَبَر وَنَحْوه تدل على الِاسْتِقْرَار.) السَّادِس: حُرُوف الِاسْتِثْنَاء وَهِي: خلا وَعدا وحاشا إِذا خفضن فَإِنَّهُنَّ لتنحية الْفِعْل عَمَّا دخلن عَلَيْهِ كَمَا أَن إِلَّا كَذَلِك وَذَلِكَ عكس معنى التَّعْدِيَة وَهُوَ إِيصَال معنى الْفِعْل إِلَى الِاسْم. انْتهى بِاخْتِصَار. وَقَول الشَّارِح الْمُحَقق وَفِي الْبَيْت الَّذِي أنشدناه: إِن رُوِيَ بِفَتْح اللَّام الْأَخِيرَة يحْتَمل أَن يُقَال: اسْم لَعَلَّ وَهُوَ ضمير الشَّأْن مُقَدّر ... إِلَخ وَيكون لأبي المغوار خبر مقدم وَقَرِيب: مُبْتَدأ مُؤخر بِتَقْدِير مَوْصُوف ومنك حَال من ضمير قريب وَالْجُمْلَة: خبر ضمير الشَّأْن. وَهَذَا قَول ابْن عُصْفُور قَالَ فِي شرح الْجمل: وَاسْتدلَّ الَّذِي ذهب إِلَى أَن لَعَلَّ مَفْتُوحَة اللَّام من حُرُوف الْخَفْض بقوله: لَعَلَّ أبي المغوار. وَهَذَا لَا حجَّة فِيهِ عِنْدِي لإنه قد اسْتَقر فِي لَعَلَّ الْمَفْتُوحَة اللَّام أَن تنصب وترفع فَإِن أمكن إبقاؤها على مَا اسْتَقر فِيهَا كَانَ أولى. وَقد أمكن ذَلِك بِأَن يكون اسْم لَعَلَّ ضمير الشَّأْن محذوفاً يُرِيد لَعَلَّه على حد حذفه فِي قَول الآخر: ...

(إِن من لَام فِي بني بنت حسا ... ن ... ... ... ... الْبَيْت) وَيكون أبي المغوار مخفوضاً بِحرف جر مَحْذُوف لفهم الْمَعْنى تَقْدِيره: لَعَلَّ لأبي المغوار مِنْك جَوَاب قريب. وَنَظِيره قَول الآخر: لاه ابْن عمك يُرِيد: لله ابْن عمك وَيكون قريب صفة مَوْصُوف مَحْذُوف. وَحمله على هَذَا أولى وَإِن كَانَ فِيهِ ضرورتان: حذف ضمير الشَّأْن وَحذف حرف الْجَرّ وإبقاء عمله. وَاسْتدلَّ الَّذِي ذهب إِلَى أَن لَعَلَّ الْمَكْسُورَة اللَّام حرف جر بقوله: لَعَلَّ الله فَضلكُمْ علينا ... ... ... . الْبَيْت بخفض اسْم الله. وَهَذَا عِنْدِي يَنْبَغِي أَن يحمل على ظَاهره لِأَنَّهُ لم يسْتَقرّ فِي الْمَكْسُورَة اللَّام عمل النصب وَالرَّفْع. انْتهى كَلَامه. - وَكَأَنَّهُ لم يبلغهُ فتح لَام الجارة عَن أبي عُبَيْدَة كَمَا نَقَلْنَاهُ. وَقَول الشَّارِح الْمُحَقق: وَيجوز أَن يُقَال: ثَانِي لامي لَعَلَّ مَحْذُوف ... إِلَخ هَذَا القَوْل وَمَا بعده فِي رِوَايَة كسر اللَّام للفارسي قَالَ فِي كتاب الشّعْر فِي بَاب مَا لحق الْحُرُوف من الْحَذف: يجوز تَخْفيف لَعَلَّ كَمَا يُخَفف أَن وَكَأن. وعَلى التَّخْفِيف يعلم مَا أنْشدهُ أَبُو زيد:) لَعَلَّ أبي المغوار إِن فتحت اللَّام أَو كسرت فَوجه الْكسر ظَاهر. وَأما الْفَتْح فَلِأَن لَام الْجَرّ يفتحها قوم مَعَ الْمظهر كَمَا تفتح

مَعَ الْمُضمر فَإِنَّمَا خفف لَعَلَّ وأضمر فِيهِ الْقِصَّة والْحَدِيث كَمَا أضمر فِي إِن وَأَن وَالتَّقْدِير: لَعَلَّه لأبي المغوار قريب أَي: جَوَاب قريب فَأَقَامَ الصّفة مقَام الْمَوْصُوف. انْتهى. وَكَذَا قَالَ الْمرَادِي فِي شرح التسهيل وتأوله الْفَارِسِي على تَخْفيف لَعَلَّ وَأَن فِيهَا ضمير الشَّأْن ووليها فِي اللَّفْظ لَام الْجَرّ مَفْتُوحَة ومكسورة. فالجر بِاللَّامِ وَلَعَلَّ على أَصْلهَا. انْتهى. وَكَذَا لِابْنِ هِشَام فِي الْمُغنِي قَالَ: وَزعم الْفَارِسِي أَنه لَا دَلِيل فِي ذَلِك لِأَنَّهُ يحْتَمل أَن الأَصْل لَعَلَّه لأبي المغوار جَوَاب قريب فَحذف مَوْصُوف قريب وَضمير الشَّأْن وَلَام لَعَلَّ الثَّانِيَة تَخْفِيفًا وأدغمت الأولى فِي لَام الْجَرّ وَمن ثمَّ كَانَت مَكْسُورَة. وَمن فتح فَهُوَ على لُغَة من يَقُول: المَال لزيد بِالْفَتْح. وَهَذَا تكلّف كثير. وَلم يثبت تَخْفيف لَعَلَّ. انْتهى. وَقَالَ الْمرَادِي فِي الجنى الداني: وَهَذَا التَّخْرِيج ضَعِيف من أوجه: أَحدهَا: أَن تَخْفيف لَعَلَّ لم يسمع فِي غير هَذَا الْبَيْت. وَالثَّانِي: أَنَّهَا لَا تعْمل فِي ضمير الشَّأْن. وَالثَّالِث: أَن فتح لَام الْجَرّ مَعَ الظَّاهِر شَاذ. انْتهى. - وَقد أَخذ ابْن الشجري قَول الْفَارِسِي وَتصرف فِيهِ وَلم يعْتَبر ضمير الشَّأْن قَالَ فِي أَمَالِيهِ: سَأَلَني حبشِي بن مُحَمَّد بن شُعَيْب الوَاسِطِيّ عَن قَول كَعْب بن سعد: لَعَلَّ أبي المغوار فأجبت بِأَنَّهُ أَرَادَ لَعَلَّ لأبي المغوار مِنْك مَكَان قريب فَخفف لَعَلَّ وألغاها كَمَا يلغون إِن وَأَن

وَلما حذف اللَّام المتطرفة بَقِي لَعَلَّ سَاكن اللَّام فأدغمها فِي لَام الْجَرّ لاستثقال الكسرة على المضاعف. وَالْقِيَاس فِي الْخط أَن تكْتب مُنْفَصِلَة من لَعَلَّ. انْتهى كَلَامه. وَقيل جر أبي المغوار على الْحِكَايَة نَقله الْمرَادِي. وَهَذَا كُله تكلّف. وَإِذا صحت اللُّغَة بِنَقْل الْأَئِمَّة كَأبي زيد وَالْفراء فَلَا معنى لتأويل بعض شواهدها. قَالَ ابْن مَالك فِي التسهيل: والجر بلعل ثَابِتَة الأول أَو محذوفته مَفْتُوحَة الآخر أَو مكسورته لُغَة عقيلية. انْتهى. وَقَول الشَّارِح الْمُحَقق: نقل عَن الْأَخْفَش أَنه سمع من الْعَرَب فتح لَام الْجَرّ إِلَخ نقل هَؤُلَاءِ الْجَمَاعَة) إِنَّمَا هُوَ فِي لَام كي لَا فِي اللَّام الدَّاخِلَة على الِاسْم الْمظهر كَمَا يَأْتِي نَقله عَن الْفَارِسِي فِي شرح الْبَيْت الْآتِي. وَقَول الشَّارِح الْمُحَقق: وَيجوز فِي هَذِه الرِّوَايَة أَن يُقَال: الأَصْل لعاً. . إِلَخ رِوَايَة فِي الْبَيْت أثبتها أَبُو زيد فِي نوادره. قَالَ: ويروى: لعاً لأبي المغوار قَالَ أَبُو الْحسن الْأَخْفَش فِيمَا كتبه على نوادره: فلعاً على هَذِه الرِّوَايَة رفع بِالِابْتِدَاءِ وَلأبي المغوار الْخَبَر ولعاً مَقْصُور مثل عَصا وَهِي كلمة تستعملها الْعَرَب عِنْد العثرة والسقطة. وَيَقُولُونَ: لعاً لَك أَي: أنهضك الله. وَإِن كَانَ مُبْتَدأ فَفِيهِ معنى الدُّعَاء. أَلا ترى أَن الْقَائِل إِذا قَالَ الْحَمد لله وَمَا أشبهه فَهُوَ وَإِن كَانَ مُبْتَدأ فَفِيهِ معنى الْفِعْل يُرِيد: أَحْمد الله. وعَلى هَذَا يجْرِي الْبَاب كُله. قَالَ الْأَعْشَى: (بِذَات لوث عفرناة إِذا عثرت ... فالتعس أدنى لَهَا من أَن أَقُول لعا)

يَقُول: أَدْعُو عَلَيْهَا أَحْرَى من أَن أَدْعُو لَهَا. ثمَّ اتَّسع هَذَا فَصَارَ مثلا حَتَّى يُقَال لكل منكوب: لعاً ولعاً لَهُ. انْتهى. وَلكَون لعاً فِي معنى الدُّعَاء أَي: انْتَعش بِالْفِعْلِ الْمَاضِي على وَجه الدُّعَاء. يُقَال: انْتَعش العاثر من عثرته أَي: نَهَضَ. ونعشه الله وأنعشه: أَقَامَهُ. وتنوينه للتنكير كَمَا فِي صه. وَهُوَ مَبْنِيّ على السّكُون وَإِنَّمَا جَازَ الِابْتِدَاء بِهِ مَعَ التنكير لِأَنَّهُ فِي معنى الدُّعَاء. قَالَ ابْن هِشَام فِي بحث مسوغات الِابْتِدَاء بالنكرة: السَّابِع أَن تكون فِي معنى الْفِعْل وَهَذَا شَامِل لنَحْو: عجب لزيد. وضبطوه بِأَن يُرِيد بهَا التَّعَجُّب. ولنحو: سَلام على آل ياسين وويل لِلْمُطَفِّفِينَ. وضبطوه بِأَن يُرَاد بهَا الدُّعَاء. انْتهى. وَلَا يجوز أَن تكون اللَّام للتبيين وَهِي مُتَعَلقَة بِمَحْذُوف استؤنف للتبيين مَعَ رفع لعاً. قَالَ ابْن هِشَام فِي بحث اللَّام المبينة: وَمِثَال المبينة للفاعلية تَبًّا لزيد وويحاً فَإِنَّهُمَا فِي معنى خسر وَهلك. فَإِن رفعتهما بِالِابْتِدَاءِ فَاللَّام ومجرورها خبر ومحلهما الرّفْع وَلَا تَبْيِين لعدم تَمام الْكَلَام. انْتهى. وَمِنْه يظْهر سُقُوط قَول ابْن السَّيِّد فِي شرح أَبْيَات أدب الْكَاتِب: لعاً مُبْتَدأ وَقَوله: لأبي المغوار فِي مَوضِع الصّفة لَهُ وَقَرِيب: خبر الْمُبْتَدَأ. وَإِنَّمَا اضْطر إِلَى جعل لأبي المغوار صفة) لتنكير الْمُبْتَدَأ مَعَ أَنه لَيْسَ الْمَعْنى على الْإِخْبَار بِالْقربِ عَن لعا وَإِنَّمَا قريب خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف هُوَ ضمير أبي المغوار. وَالْجُمْلَة استئنافية فِي مقَام الْعلَّة لقَوْله: ارْفَعْ الصَّوْت. وَنقل أَبُو زيد فِي نوادره عَن أبي عَمْرو أَنه رَوَاهُ: لَعَلَّ أَبَا المغوار مِنْك قريب بِالنّصب.

هَذَا. وَالْبَيْت من قصيدة مرثية جَيِّدَة لكعب بن سعد الغنوي رَوَاهَا القالي فِي أَمَالِيهِ وَمُحَمّد بن الْمُبَارك فِي مُنْتَهى الطّلب من أشعار الْعَرَب قَالَ: رثى بهَا كَعْب أَخَاهُ شبيباً. وَقَالَ القالي: قَرَأت على أبي بكر مُحَمَّد بن الْحسن بن دُرَيْد هَذِه القصيدة فِي شعر كَعْب الغنوي وأملاها علينا أَبُو الْحسن الْأَخْفَش قَالَ: قرئَ على أبي الْعَبَّاس مُحَمَّد بن الْحسن الْأَحول وَمُحَمّد بن يزِيد وَأحمد بن يحيى. قَالَ: وَبَعض النَّاس يروي هَذِه القصيدة لكعب بن سعد الغنوي وَبَعْضهمْ يَرْوِيهَا بأسرها لسهم الغنوي وَهُوَ من قومه وَلَيْسَ بأَخيه. وَبَعْضهمْ يروي شَيْئا مِنْهَا لسهم. والمرثي بِهَذِهِ القصيدة يكنى أَبَا المغوار واسْمه هرم وَبَعْضهمْ يَقُول: اسْمه شبيب ويحتج بِبَيْت رُوِيَ فِي هَذِه القصيدة. أَقَامَ وخلى الظاعنين شبيب وَهَذَا الْبَيْت مَصْنُوع وَالْأول أصح لِأَنَّهُ رَوَاهُ ثِقَة. وأولها فِي رِوَايَة الْجَمِيع: (تَقول سليمى مَا لجسمك شاحباً ... كَأَنَّك يحميك الشَّرَاب طَبِيب) (فَقلت وَلم أعي الْجَواب لقولها ... وللدهر فِي صم السَّلَام نصيب) (تتَابع أَحْدَاث تخرمن إخوتي ... وشيبن رَأْسِي والخطوب تشيب) (لعمري لَئِن كَانَت أَصَابَت مُصِيبَة ... أخي والمنايا للرِّجَال شعوب) (لقد عجمت مني الْحَوَادِث ماجداً ... عروفاً لريب الدَّهْر حِين يريب) (وَقد كَانَ: أما حلمه فمروح ... علينا وَأما جَهله فعزيب) (فَتى الْحَرْب إِن حَارَبت كَانَ سمامها ... وَفِي السّلم مفضال الْيَدَيْنِ وهوب) (هوت أمه مَاذَا تضمن قَبره ... من الْجُود وَالْمَعْرُوف حِين يثيب) (جموع خلال الْخَيْر من كل جَانب ... إِذا جَاءَ جياء بِهن ذهوب) ...

(هوت أمه مَا يبْعَث الصُّبْح غادياً ... وماذا يرد اللَّيْل حِين يؤوب) (مغيث مُفِيد الفائدات معود ... لفعل الندى والمكرمات كسوب)) (غنينا بِخَير حقبةً ثمَّ جلحت ... علينا الَّتِي كل الْأَنَام تصيب) (وَلَو كَانَ حَيّ يفتدى لفديته ... بِمَا لم تكن عَنهُ النُّفُوس تطيب) (بعيني أَو يمنى يَدي وإنني ... ببذل فدَاه جاهداً لمصيب) (فَإِن تكن الْأَيَّام أحسن مرّة ... إِلَيّ فقد عَادَتْ لَهُنَّ ذنُوب) (أخي كَانَ يَكْفِينِي وَكَانَ يُعِيننِي ... على نائبات الدَّهْر حِين تنوب) (عَظِيم رماد الْقَوْم رحب فناؤه ... إِلَى سَنَد لم تحتجنه غيوب) (حَلِيم إِذا مَا الْحلم زين أَهله ... مَعَ الْحلم فِي عين الْعَدو مهيب) (إِذا مَا تراءاه الرِّجَال تحفظُوا ... فَلم ينطقوا العوراء وَهُوَ قريب) (أخي مَا أخي لَا فَاحش عِنْد بَيته ... وَلَا ورع عِنْد اللِّقَاء هيوب) (على خير مَا كَانَ الرِّجَال خلاله ... وَمَا الْخَيْر إِلَّا قسْمَة وَنصِيب) (حَلِيف الندى يَدْعُو الندى فَيُجِيبهُ ... قَرِيبا ويدعوه الندى فيجيب) (هُوَ الْعَسَل الماذي لينًا وشيمةً ... وَلَيْث إِذا يلقى الْعَدو غضوب) (حَلِيم إِذا مَا سُورَة الْجَهْل أطلقت ... حبى الشيب للنَّفس اللجوج غلوب) ...

(كعالية الرمْح الرديني لم يكن ... إِذا ابتدر الْخَيْر الرِّجَال يخيب) (حبيب إِلَى الزوار غشيان بَيته ... جميل الْمحيا شب وَهُوَ أديب) (كَأَن بيُوت الْحَيّ مَا لم يكن بهَا ... بسابس لَا يلقى بِهن عريب) (وداع دَعَا يَا من يُجيب إِلَى الندى ... فَلم يستجبه عِنْد ذَاك مُجيب) (فَقلت ادْع أُخْرَى وارفع الصَّوْت دَعْوَة ... لَعَلَّ أَبَا المغوار مِنْك قريب) (يجبك كَمَا قد كَانَ يفعل إِنَّه ... مُجيب لأبواب الْعَلَاء طلوب) (فَإِنِّي لباكيه وَإِنِّي لصَادِق ... عَلَيْهِ وَبَعض الْقَائِلين كذوب) (إِذا ذَر قرن الشَّمْس عللت بالأسى ... ويأوي إِلَيّ الْحزن حِين تغيب) وَهَذَا آخر القصيدة وحذفت مِنْهَا أبياتاً كَثِيرَة. وَقَوله: هوت أمه مَا يبْعَث الصُّبْح الْبَيْت قَالَ القالي: أَي هَلَكت أمه كَأَنَّهَا انحدرت إِلَى الهاوية. وَأوردهُ صَاحب الْكَشَّاف عِنْد قَوْله تَعَالَى: فأمه هاوية على أَنه من قَوْلهم: إِذا دعوا على) الرجل بالهلكة لِأَنَّهُ إِذا هلك هوت أمه كَمَا فِي الْبَيْت. وَالْمرَاد لَيْسَ الدُّعَاء بالوقوع بل التَّعَجُّب والمدح كَقَوْلِهِم: قَاتله الله مَا أفصحه يَعْنِي أَنه مُسْتَحقّ لِأَنَّهُ يحْسد ويدعى عَلَيْهِ

بِالْهَلَاكِ. وَمَا: نكرَة مَوْصُوفَة أَي: أَي شَيْء يبْعَث الصُّبْح مِنْهُ حِين يَغْدُو إِلَى الْحَرْب وَأي شَيْء يرد اللَّيْل مِنْهُ حِين يرجع إِلَى أَهله. وَفِيه معنى التَّجْرِيد. وَقَوله: وداع دَعَا يَا من يُجيب الْبَيْت الْوَاو وَاو رب. والداعي هُنَا السَّائِل ويجيب من أَجَابَهُ أَي رد جَوَابه ومفعوله مَحْذُوف أَي: يُجيب الدَّاعِي. والندى: الْغَايَة وَبعد ذهَاب الصَّوْت والجود. كَذَا فِي الصِّحَاح. وَقَوله: فَلم يستجبه أوردهُ ابْن قُتَيْبَة فِي الْأَفْعَال الَّتِي تتعدى تَارَة بِنَفسِهَا وَتارَة بِاللَّامِ من أدب الْكَاتِب قَالَ: يُقَال: استجبتك واستجبت لَك. قَالَ شَارِحه ابْن السَّيِّد: كَذَلِك قَالَ يَعْقُوب وَمن كِتَابه نقل ابْن قُتَيْبَة أَكثر مَا أوردهُ هُنَا. وَقد يُمكن أَن يُرِيد فَلم يجبهُ. وَيدل على ذَلِك أَنه قَالَ: مُجيب وَلم يقل مستجيب فَيكون الشَّاعِر قد أجْرى استفعل مجْرى أفعل كَمَا يُقَال اسْتخْلف لأَهله بِمَعْنى أخلف واستوقد بِمَعْنى أوقد. وَأوردهُ صَاحب الْكَشَّاف عِنْد قَوْله تَعَالَى: فَاسْتَجَاب لَهُم رَبهم على أَن الاستجابة تتعدى بِنَفسِهَا كَمَا فِي الْبَيْت وباللام كَمَا فِي الْآيَة. واستجاب لَهُ أَكثر شيوعاً من استجابة. هَذَا فِي التَّعْدِيَة إِلَى الدَّاعِي. - وَأما إِذا عدي إِلَى الدُّعَاء فبدون اللَّام أَكثر شيوعاً نَحْو: اسْتَجَابَ الله دعاءه. وَلِهَذَا قَالَ فِي سُورَة الْقَصَص: الْبَيْت على حذف مُضَاف أَي: لم يستجب دعاءه. وَالْمعْنَى رب دَاع دَعَا هَل من أحد يمنح المستمنحين فَلم يجبهُ أحد. وَقَوله: فَقلت ادْع أُخْرَى أَي: دَعْوَة أُخْرَى. وَقَوله: لَعَلَّ أبي المغوار هَذَا الترجي من شدَّة ذُهُوله من عظم مصابه بأَخيه.

(الشاهد الثامن والسبعون بعد الثمانمائة)

وَكَعب بن سعد الغنوي شَاعِر إسلامي تقدّمت تَرْجَمته فِي الشَّاهِد الثَّانِي وَالسبْعين بعد الستمائة. وَأنْشد بعده (الشَّاهِد الثَّامِن وَالسَّبْعُونَ بعد الثَّمَانمِائَة) (لَعَلَّ الله يمكنني عَلَيْهَا ... جهاراً من زُهَيْر أَو أسيد) على أَنه تتعذر هُنَا تِلْكَ التخريجات الْمُتَقَدّمَة فِي الْبَيْت قبله. فَيتَعَيَّن كَون لَعَلَّ فِيهِ حرف جر وَلَفظ الْجَلالَة مجروراً بِهِ. وَلَا يَصح أَن يَدعِي أَن الأَصْل لعاً لله وَهُوَ ظَاهر تَعَالَى الله عَن ذَلِك علوا كَبِيرا. وَلَا يُمكن أَن يُقَال تَقْدِيره: لَعَلَّه لله يمكنني بِتَقْدِير ضمير الشَّأْن وجر الْجَلالَة إِمَّا بلام مقدرَة كَمَا قَالَ ابْن عُصْفُور وَإِمَّا بِاللَّامِ المدغمة فِي لَام لَعَلَّ المخففة كَمَا قَالَ أَبُو عَليّ سَوَاء كَانَت لَام لَعَلَّ مَكْسُورَة أم مَفْتُوحَة فِي لَعَلَّ الله فَإِن ذَلِك لَا وَجه لَهُ لَا معنى وَلَا صناعَة. - أما الأول فَظَاهر. وَأما الثَّانِي فَلِأَنَّهُ لَا يَصح أَن يكون لله خير ضمير الشَّأْن لِأَنَّهُ لَيْسَ بجملة إِذْ لم يَقع خبر الْمُبْتَدَأ. فَإِن قلت: قدر لَهُ مُبْتَدأ نَحْو: الْقُدْرَة لله. قُلْنَا: يجب التَّصْرِيح بجزأي الْجُمْلَة الْوَاقِعَة خَبرا لضمير الشَّأْن وَلَا يجوز حذف أَحدهمَا. فَإِن قلت: قدره مَعَ مُتَعَلّقه جملَة. قُلْنَا: فَاعله مَجْهُول وَلَا يَصح أَن يكون يمكنني خَبره لِأَنَّهُ يبْقى لله غير مُتَعَلق بِشَيْء إِذا لَا معنى لتَعَلُّقه بِهِ.

وَالْعجب من أبي عَليّ فِي تجويزه الْوَجْهَيْنِ قَالَ فِي الْمسَائِل البصرية قَالَ: أَبُو الْحسن الْأَخْفَش: زعم يُونُس أَن نَاسا من الْعَرَب يفتحون اللَّام الَّتِي فِي مَكَان كي. وَزعم خلف الْأَحْمَر أَنَّهَا لُغَة لبني العنبر. وَقد سَمِعت أَنا ذَلِك من الْعَرَب. وَذَلِكَ أَن أَصْلهَا الْفَتْح وَكسرت فِي الْإِضَافَة للفصل بَينهَا وَبَين لَام الِابْتِدَاء. وأحفظ فِي كتاب أبي الْحسن: (تواعدوني ربيعَة كل يَوْم ... لأهلكها وأقتني الدجاجا) لَعَلَّ الله يمكنني عَلَيْهَا ... ... ... ... الْبَيْت قَالَ أَبُو عَليّ: يكون هَذَا على إِضْمَار الحَدِيث فِي لَعَلَّ مُخَفّفَة كإضماره فِي إِن وأضمر مُبْتَدأ والظرف فِي مَوضِع الْخَبَر ويمكنني: حَال كَأَنَّهُ قَالَ: لَعَلَّ الْقِصَّة الْأَمر لله مُمكنا لي. وَإِن شِئْت جعلت يمكنني فِي مَوضِع خبر لَعَلَّ وأضمرت الحَدِيث كَأَنَّهُ قيل: لَعَلَّه يمكنني الْأَمر لله أَي: لقُوَّة الله. هَذَا كَلَامه. وَنَقله ابْن السَّيِّد فِي كتاب أَبْيَات الْمعَانِي وَلم يتعقبه بِشَيْء. وَفِيه نظر من وُجُوه:) أما أَولا: فَلِأَنَّهُ لَا مُنَاسبَة لذكر فتح لَام كي هُنَا فَإِن اللَّام الَّتِي ادَّعَاهَا دَاخِلَة على الِاسْم الصَّرِيح لَا على الْفِعْل. - وَأما ثَانِيًا: فَلِأَنَّهُ لَا يجوز حذف أحد جزأي الْجُمْلَة كَمَا تقدم. وَأما ثَالِثا: فَلِأَنَّهُ قدر ليمكنني فَاعِلا وَهَذَا لَيْسَ من الْمَوَاضِع الَّتِي يحذف

فِيهَا. وَإِن أَرَادَ أَنه تَفْسِير الضَّمِير الْمُسْتَتر فِي يمكنني الْعَائِد إِلَى ضمير الشَّأْن فَفِيهِ أَن شَرط ضمير الشَّأْن أَن لَا يعود إِلَيْهِ ضمير من جملَة خَبره. وَأما رَابِعا: فَلِأَنَّهُ قدر مُضَافا بعد اللَّام وَلَا دَلِيل عَلَيْهِ. ثمَّ قَالَ بعد هَذَا: فَإِن قلت فَهَل يجوز فِي لَعَلَّ فِيمَن خفف أَن يدخلهَا على الْفِعْل بِلَا شريطة إِضْمَار الْقِصَّة كَمَا جَازَ ذَلِك فِي إِن إِذا خففت أَن تدخل على الْفِعْل نَحْو: إِن كَاد ليضلنا قلت: يَنْبَغِي عِنْدِي أَن يبعد إِدْخَال لَعَلَّ على الْفِعْل. أَلا ترى أَن إِن لَا معنى فِيهَا إِلَّا التَّأْكِيد وَمَعَ ذَلِك فقد أعملت مُخَفّفَة فِي الِاسْم وَنصب بهَا. وَإِذا كَانَ كَذَلِك وَكَانَت لَعَلَّ أشبه بِالْفِعْلِ للمعنى الَّذِي لَهَا وَجب أَن لَا تكون إِذا خففت إِلَّا على شريطة الْإِضْمَار إِذا أدخلت على الْفِعْل. ويؤكد ذَلِك أَن الْمَفْتُوحَة المخففة. أَلا ترى أَنَّهَا لَا تخفف إِلَّا على إِضْمَار الْقِصَّة والْحَدِيث. وَكَذَلِكَ كَأَن فِي قَوْله: كَأَن ثدياه حقان على أَن كَأَن إِنَّمَا هِيَ أَن أدخلت الْكَاف عَلَيْهَا. فَإِذا لم تكن إِن إِلَّا على شريطة إِضْمَار فِيهَا وَإِذا كَانَ كَذَلِك لم يكن قَوْله: لَعَلَّ أبي المغوار وَلَعَلَّ الله يمكنني إِلَّا على إِضْمَار الْقِصَّة والْحَدِيث وَمَا بعده فِي مَوضِع الْخَبَر. هَذَا كَلَامه. وبناؤه على غير أساس فَإِنَّهُ لم يثبت تَخْفيف لَعَلَّ فِي مَوضِع وَإِنَّمَا كَلَامه هَذَا بِمُجَرَّد توهم تخفيفها. وَالله أعلم. وَالْبَيْت من قصيدة لخَالِد بن جَعْفَر. وَهَذِه أَبْيَات من أَولهَا

: (أريغوني إراغتكم فَإِنِّي ... وحذفة كالشجا تَحت الوريد) (لَعَلَّ الله يقدرني عَلَيْهَا ... جهاراً من زُهَيْر أَو أسيد) الإراغة بالراء الْمُهْملَة والغين الْمُعْجَمَة: الطّلب. فِي الصِّحَاح: أريغوني إراغتكم أَي: اطلبوني طلبتكم. وَأنْشد هَذَا الْبَيْت. وحذفة بِضَم الْحَاء) الْمُهْملَة وَسُكُون الذَّال الْمُعْجَمَة بعْدهَا فَاء: اسْم فرس الشَّاعِر وَهُوَ جَعْفَر بن خَالِد. والشجا بِفَتْح الشين وَالْجِيم: مَا ينشب فِي الْحلق من عظم أَو غَيره. شبه نَفسه بالشجا. ومقربة: مفعول: أريغوني. والمقرب من الْخَيل على اسْم الْمَفْعُول من الإقراب والتقريب: الَّذِي يدنى وَيكرم وَالْأُنْثَى مقربة وَلَا تتْرك أَن ترود. قَالَ ابْن دُرَيْد: إِنَّمَا يفعل ذَلِك بالإناث لِئَلَّا يقرعها فَحل لئيم. والإلحاف التغطية. والجليد: الصقيع يُرِيد: فِي شدَّة الْبرد. وَزُهَيْر هُوَ ابْن جذيمة بن رَوَاحَة الْعَبْسِي. وَأسيد هُوَ أَخُو زُهَيْر وَهُوَ بِفَتْح الْهمزَة وَكسر السِّين. وَضمير عَلَيْهَا رَاجع إِلَى مقربة. وَسبب الشّعْر هُوَ مَا رَوَاهُ صَاحب الأغاني وَالسَّيِّد المرتضى فِي أَمَالِيهِ قَالَا: إِن هوَازن لَا ترى زُهَيْر بن جذيمة إِلَّا رَبًّا وهوازن يَوْمئِذٍ لَا خير فِيهَا وَلم تكْثر

عَامر بن صعصعة بعد فهم أذلّ من يَد فِي رحم إِنَّمَا هم رعاء الشَّاء فِي الْجبَال وَكَانَ زُهَيْر يعشرهم فَكَانَ إِذا كَانَ سوق فَجَاءَت عَجُوز من هوَازن بِسمن فِي نحي واعتذرت إِلَيْهِ وَشَكتْ السنين الَّتِي تَتَابَعَت على النَّاس فذاقه فَلم يرض طعمه فَدَفعهَا بقوس كَانَت فِي يَده فَسَقَطت فبدت عورتها فَغضِبت من ذَلِك هوَازن وحقدته إِلَى مَا كَانَ فِي صدرها من الغيظ وَكَانَت قد كثرت عَامر. فآلى خَالِد بن جَعْفَر فَقَالَ: وَالله لأجعلن ذراعي وَرَاء عُنُقه حَتَّى أقتل أَو أقتل. وَفِي ذَلِك قَالَ هَذَا الشّعْر. وَاتفقَ نزُول زُهَيْر بِالْقربِ من أَرض بني عَامر وَكَانَت تماضر بنت عَمْرو بن الشريد امْرَأَة زُهَيْر بن جذيمة وَأم وَلَده فَمر بِهِ أَخُوهَا الْحَارِث بن عَمْرو فَقَالَ زُهَيْر لِبَنِيهِ: إِن الْحمار طَلِيعَة عَلَيْكُم فَأَوْثقُوهُ. فَقَالَت أُخْته لبنيها: أيزوركم خالكم فتوثقونه ثمَّ حلبوا لَهُ وطباً من لبن وَأخذُوا مِنْهُ يَمِينا أَن لَا يخبر عَنْهُم فَخرج حَتَّى أَتَى بني عَامر فَأخْبرهُم فَركب خَالِد بن جَعْفَر وحندج

بن الْبكاء وَمُعَاوِيَة بن عبَادَة وَثَلَاثَة من فوارس بني عَامر وَاقْتَصُّوا فَرَأَوْا إبل بني جذيمة فنزلوا عَن الْخَيل فَقَالَت النِّسَاء: إِنَّا لنرى غابة رماح بمَكَان كُنَّا نرى بِهِ شَيْئا. ثمَّ جَاءَت الرعاء فخبرت بهم وأتى أسيد أَخَاهُ زهيراً فَأخْبرهُ بالْخبر وَقَالَ: قد رَأَتْ راعيتي خيل بني عَامر ورماحها. فَقَالَ زُهَيْر: كل أزب نفور فَذَهَبت مثلا. وَكَانَ أسيد كثير الشّعْر. قَالَ: فَتحمل عَامَّة بني رَوَاحَة وَحلف زُهَيْر لَا يبرح مَكَانَهُ حَتَّى يصبح. وَتحمل من كَانَ مَعَه غير ابنيه: وَرْقَاء) والْحَارث. فَلم يشْعر إِلَّا وَالْخَيْل أحاطت بِهِ. قَالَ زُهَيْر وظنهم أهل الْيمن: يَا أسيد مَا هَؤُلَاءِ قَالَ: هم الْقَوْم الَّذين تغْضب فِي شَأْنهمْ مُنْذُ اللَّيْلَة. قَالَ: وَركب أسيد فرسه وَنَجَا ووثب زُهَيْر على فرسه القعساء وَكَانَت متمردة فَلحقه خَالِد رَاكِبًا فرسه حذفة وَهُوَ يَقُول: لَا نجوت إِن نجا زُهَيْر فاعتنق خَالِد زهيراً وخرا عَن فرسيهما وَوَقع خَالِد فَوق زُهَيْر واستغاث ببنيه فَأقبل إِلَيْهِ وَرْقَاء بن زُهَيْر فَضرب خَالِدا ثَلَاث ضربات فَلم يغن شَيْئا وَكَانَ على خَالِد دِرْعَانِ. ثمَّ ضرب جندج رَأس زُهَيْر فَقتله. وَفِي ذَلِك يَقُول وَرْقَاء بن زُهَيْر: (رَأَيْت زهيراً تَحت كلكل خَالِد ... فَأَقْبَلت أسعى كالعجول أبادر) (إِلَى بطلين ينهضان كِلَاهُمَا ... يُريدَان نصل السَّيْف وَالسيف داثر)

(فشلت يَمِيني يَوْم أضْرب خَالِدا ... ويستره مني الْحَدِيد الْمظَاهر) (فيا لَيْت أَنِّي قبل ضَرْبَة خَالِد ... وَيَوْم زُهَيْر لم تلدني تماضر) وخَالِد فَارس شَاعِر جاهلي وَهُوَ ابْن جَعْفَر بن كلاب بن ربيعَة بن عَامر ابْن صعصعة بن مُعَاوِيَة بن بكر بن هوَازن بن مَنْصُور بن عِكْرِمَة بن خصفة بن قيس بن عيلان بن مُضر. وَأنْشد بعده وَهُوَ من شَوَاهِد س: (فَلَو كنت ضبياً عرفت قَرَابَتي ... وَلَكِن زنجي عَظِيم المشافر) على أَنه لَا يجوز حذف أَسمَاء هَذِه الْحُرُوف غير ضمير الشَّأْن إِلَّا فِي الشّعْر على قلَّة وَضعف كَمَا فِي هَذَا الْبَيْت. وَالتَّقْدِير: وَلَكِنَّك زنجي. فِي الْأُصُول لِابْنِ السراج قَالَ سِيبَوَيْهٍ: النصب أَكثر فِي كَلَام الْعَرَب كَأَنَّهُ قَالَ: وَلَكِن زنجياً عَظِيم المشافر لَا يعرف قَرَابَتي وَلكنه أضمر هَذَا. قَالَ: وَالنّصب أَجود لِأَنَّهُ لَو أَرَادَ الْإِضْمَار لخفف ولجعل الْمُضمر مُبْتَدأ كَقَوْلِك: مَا أَنْت صَالحا وَلَكِن طالح. انْتهى.

- قَالَ الأعلم: الشَّاهِد فِيهِ رفع زنجي على الْخَبَر وَحذف اسْم لَكِن ضَرُورَة. وَالتَّقْدِير: لكنك زنجي. وَالنّصب أَقيس. انْتهى. وَتَقْيِيد الشَّارِح الْمُحَقق حذف الِاسْم بِالضَّرُورَةِ أَجود من إِطْلَاق ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي فِي قَوْله:) وَقد يحذف اسْمهَا. وَإِن كَانَت قد تفِيد الْقلَّة. وَزعم الْخفاف فِي شرح الْجمل أَنه يجوز حذف أَسمَاء هَذِه الْحُرُوف فِي فصيح الْكَلَام إِذا كَانَ فِي الْكَلَام مَا يدل عَلَيْهَا. وَأنْشد هَذَا الْبَيْت. وَقَوله: أَي: فليتك. إِلَّا إِن كَانَت ضمير شَأْن فَلَا يجوز حذفه إِلَّا فِي الشّعْر. وَرُوِيَ أَيْضا: وَلَكِن زنجياً بِالنّصب وَالْخَبَر مَحْذُوف. وَتَقْدِيره عِنْد سِيبَوَيْهٍ: لَا يعرف قَرَابَتي. وَقَالَ ثَعْلَب فِي أَمَالِيهِ: وَقَالَ سِيبَوَيْهٍ: زنجياً غليظ المشافر تشبه فأضمر الْخَبَر. هَذَا نَقله وَهُوَ خلاف الْوَاقِع مَعَ أَن هَذَا التَّقْدِير يَقْتَضِي أَن ونجياً مفعول تشبه لَا اسْم لَكِن. ثمَّ قَالَ: وَقَالَ الْفراء: غليظ المشافر تَابع سد مسد الْخَبَر. وَقَالَ الْكسَائي: وَلَكِن بك زنجياً أَي: يشبهك. انْتهى. والمشافر: جمع مشفر بِكَسْر الْمِيم وَفتح الْفَاء وَهُوَ شفة الْبَعِير واستعير هُنَا لشفة الْإِنْسَان لما قصد من بشاعة الْخلقَة.

- وَالْبَيْت للفرزدق فِي هجو رجل من ضبة نَفَاهُ عَن ضبة وَنسبه إِلَى الزنج. وَأما الْقَرَابَة الَّتِي بَينه وَبَينه فَهِيَ أَن الفرزدق من تَمِيم بن مر بن أد بن طانجة وضبة هُوَ ابْن أد بن طانجة. وَاعْلَم أَن قافية الْبَيْت اشتهرت كَذَا عِنْد النَّحْوِيين وَصَوَابه: وَلَكِن زنجياً غلاظاً مشافره وَهُوَ من قصيدة هجا بهَا أَيُّوب بن عِيسَى الضَّبِّيّ. وَبعده: (متت لَهُ بالرحم بيني وَبَينه ... فَأَلْفَيْته مني بَعيدا أواصره) (فَسَوف يرى النوبي مَا اكتدحت لَهُ ... يَدَاهُ إِذا مَا الشّعْر عنت نوافره) (ستلقي عَلَيْك الخنفساء إِذا فست ... عَلَيْك من الشّعْر الَّذِي أَنْت حاذره) (وَتَأْتِي ابْن زب الخنفساء قصيدة ... تكون لَهُ مني عذَابا يباشره) وَالسَّبَب فِي هَذَا مَا حَكَاهُ صَاحب الأغاني أَن الفرزدق هجا خَالِدا الْقَسرِي وَذكر الْمُبَارك: النَّهر الَّذِي حفره بواسط فَبَلغهُ ذَلِك فَكتب خَالِد إِلَى مَالك بن الْمُنْذر: أَن احْبِسْ الفرزدق فَإِنَّهُ هجا نهر أَمِير الْمُؤمنِينَ بقوله: (أهلكت مَال الله فِي غير حَقه ... على النَّهر المشووم غير الْمُبَارك)

فَأرْسل مَالك إِلَى أَيُّوب بن عِيسَى الضَّبِّيّ فَقَالَ: ائْتِنِي بالفرزدق. فَلم يزل يعْمل فِيهِ حَتَّى أَخذه) - فَلَمَّا قيل لمَالِك: هَذَا الفرزدق انتفخ وريده غَضبا فَلَمَّا أَدخل عَلَيْهِ قَالَ: (أَقُول لنَفْسي حِين غصت بريقها ... أَلا لَيْت شعري مَا لَهَا عِنْد مَالك) (لَهَا عِنْده أَن يرجع الله روحه ... إِلَيْهَا وتنجو من عَظِيم المهالك) فسكن مَالك وَأمر بِهِ إِلَى السجْن فهجا أَيُّوب بن عِيسَى الضَّبِّيّ بِتِلْكَ القصيدة ثمَّ مدح خَالِد بن عبد الله وَمَالك بن الْمُنْذر فَلَمَّا لم يَنْفَعهُ مدحهما مدح هشاماً وَاعْتذر إِلَيْهِ: (ألكني إِلَى راعي الْبَريَّة وَالَّذِي ... لَهُ الْعدْل فِي الأَرْض العريضة نورا) (أينطقها غَيْرِي وأرمى بجرمها ... وَكَيف ألوم الدَّهْر أَن يتغيرا) (لَئِن صبرت نَفسِي لقد أمرت بِهِ ... وَخير عباد الله من كَانَ أصبرا) (وَكنت ابْن أحذار وَلَو كنت خَائفًا ... لَكُنْت من العصماء فِي الطود أحذرا) (وَلَكِن أَتَوْنِي آمنا لَا أَخَافهُم ... نَهَارا وَكَانَ الله مَا شَاءَ قدرا)

ثمَّ إِنَّه مدحه بقصيدة وأشخص بهَا ابْنه إِلَى هِشَام فأعانته القيسية وَقَالُوا: كلما ظهر شَاعِر أَو سيد وثب عَلَيْهِ خَالِد وَكَانَ كتب الفرزدق أبياتاً إِلَى سعيد بن الْوَلِيد بن الأبرش يكلم لَهُ هشاماً وَهِي: (إِلَى الأبرش الْكَلْبِيّ أسديت حَاجَتي ... تواكلها حَيا تَمِيم وَوَائِل) (على حِين أَن زلت بِي النَّعْل زلَّة ... وأخلف ظَنِّي كل حاف وناعل) (فدونكما يَا ابْن الْوَلِيد فَقُمْ بهَا ... قيام امْرِئ فِي قومه غير خامل) فَكلم هشاماً فَكتب بِتَخْلِيَتِهِ. انْتهى بِاخْتِصَار. وترجمة الفرزدق تقدّمت فِي الشَّاهِد الثَّلَاثِينَ من أَوَائِل الْكتاب. وَأنْشد بعده: (إِن من لَام فِي بني أُخْت حسا ... ن ألمه وأعصه فِي الخطوب) (إِن من يدْخل الْكَنِيسَة يَوْمًا ... يلق فِيهَا جآذراً وظباء) على أَن ضمير الشَّأْن يجوز حذفه فِي الشّعْر كثيرا بِخِلَاف حذف اسْم هَذِه الْحُرُوف فَإِنَّهُ وَإِن اخْتصَّ حذفه فِي الشّعْر لكنه بِضعْف وَقلة وَذَلِكَ كَمَا

(الشاهد الثمانون بعد الثمانمائة)

فِي الْبَيْتَيْنِ. وَالتَّقْدِير: إِنَّه من لَام وَإنَّهُ من يدْخل الْكَنِيسَة. وَمن فيهمَا اسْم شَرط جازم وَالْجُمْلَة خبر ضمير الشَّأْن فيهمَا.) - وَتقدم الْكَلَام على الْبَيْت الأول فِي الشَّاهِد السَّابِع بعد الأربعمائة وعَلى الْبَيْت الثَّانِي فِي الشَّاهِد الثَّامِن وَالسبْعين من أَوَائِل الْكتاب. وَأنْشد بعده (الشَّاهِد الثَّمَانُونَ بعد الثَّمَانمِائَة) (كَأَن على عرنينه وجبينه ... أَقَامَ شُعَاع الشَّمْس أَو طلع الْبَدْر) على أَن حذف ضمير الشَّأْن فِي غير الشّعْر يجوز بقلة إِن لم يل هَذِه الأحرف فعل صَرِيح كَمَا فِي الْبَيْت. وَمثله فِي الْكَلَام جَائِز بقلة نَحْو: إِن بك زيد مَأْخُوذ. قَالَ ابْن عُصْفُور فِي كتاب الضرائر: وَمِنْه حذف ضمير الشَّأْن أَو الْقِصَّة إِذا كَانَ اسْما لإن (فَلَا تَشْتُم الْمولى وتبلغ أذاته ... فَإِن بِهِ تثأى الْأُمُور وترأب) يُرِيد: فَإِنَّهُ تثأى الْأُمُور. وَقَول الآخر: كَأَن على عرنينه وجبينه ... ... ... ... الْبَيْت

يُرِيد: كَأَنَّهُ على عرنينه. وَقَول الآخر: إِن من يدْخل الْكَنِيسَة يُرِيد: إِنَّه من يدْخل الْكَنِيسَة. وَلَا يجوز أَن يكون من اسْم إِن لِأَنَّهَا اسْم شَرط وَأَسْمَاء الشَّرْط لَا يتقدمها عَامل إِلَّا الْخَافِض بِشَرْط أَن يكون مَعْمُولا لفعل الشَّرْط نَحْو قَوْلك: بِمن تمرر أمرر. وَمثل ذَلِك قَول الْأَعْشَى: (إِن من لَام فِي بني بنت حسا ... ن ... ... ... ... ... . الْبَيْت) يُرِيد: إِنَّه من لَام. وَقَول أُميَّة بن أبي الصَّلْت: (وَلَكِن من لَا يلق امْرأ ينوبه ... بعدته ينزل بِهِ وَهُوَ أعزل) يُرِيد: وَلكنه من. وَمن ذَلِك قَول جميل: (أَلا لَيْت أَيَّام الصفاء جَدِيد ... ودهر تولى بابثين يعود) فِي رِوَايَة من رفع الْأَيَّام يُرِيد: ليتها أَيَّام فَحذف هَذَا الضَّمِير يحسن فِي الشّعْر وَلَا يقبح فِي الْكَلَام إِلَّا أَن يُؤَدِّي حذفه إِلَى أَن تكون إِن وَأَخَوَاتهَا دَاخِلَة على فعل فَإِنَّهُ إِذْ ذَاك يقبح فِي الْكَلَام وَالشعر لِأَنَّهَا حُرُوف طالبة للأسماء فاستقبحوا لذَلِك مباشرتها للأفعال.) وَإِنَّمَا قبح حذفه فِي الْكَلَام وَإِن لم يؤد الْحَذف إِلَى مُبَاشرَة إِن وَأَخَوَاتهَا للأفعال لِأَنَّهُ مُفَسّر بِالْجُمْلَةِ الَّتِي بعده فَأَشْبَهت الْجُمْلَة الْوَاقِعَة صفة فِي نَحْو قَوْلك: رَأَيْت رجلا يُحِبهُ عَمْرو فِي أَن كل وَاحِدَة من الجملتين مفسره لما قبلهَا. وَالْجُمْلَة الْوَاقِعَة صفة يقبح حذف موصوفها وإبقاؤها فَكَذَلِك أَيْضا يقبح حذف ضمير الشَّأْن والقصة وإبقاء الْجُمْلَة المفسرة لَهُ. وَأَيْضًا يسْتَعْمل فِي مَوضِع التَّعْظِيم والحذف مُنَاقض لذَلِك. وَأما قَول الرَّاعِي: ...

(فَلَو أَن حق الْيَوْم مِنْكُم إِقَامَة ... وَإِن كَانَ سرح قد مضى فتسرعا) وَقَول الآخر: (فليت دفعت الْهم عني سَاعَة ... فبتنا على مَا خيلت ناعمي بَال) فَيحْتَمل أَن يكون الْمَحْذُوف مِنْهَا ضمير الشَّأْن فَيكون التَّقْدِير: فَلَو أَنه حق الْيَوْم مِنْكُم إِقَامَة وفليته دفعت وَيكون البيتان إِذْ ذَاك من قبيل مَا يقبح فِي الْكَلَام وَالشعر لما يلْزم فِي الْبَيْت الأول وَيحْتَمل أَن يكون الْمَحْذُوف ضمير الْمُخَاطب فَيكون التَّقْدِير: فَلَو أَنكُمْ حق مِنْكُم وليتك دفعت الْهم. وَحملهَا على هَذَا الْوَجْه أولى لِأَنَّهُ لَا يلْزم فِيهِ من الْقبْح مَا يلْزم فِي الْوَجْه الأول. انْتهى كَلَام ابْن عُصْفُور. والعرنين بِالْكَسْرِ قَالَ صَاحب الْمِصْبَاح: هُوَ من كل شَيْء: أَوله وَمِنْه عرنين الْأنف لأوله وَهُوَ مَا تَحت مُجْتَمع الحاجبين وَهُوَ مَوضِع الشمم وهم شم العرانين. وَقد يُطلق الْعرنِين على الْأنف. - وَقَالَ أَيْضا: الجبين نَاحيَة الْجَبْهَة من محاذاة النزعة إِلَى الصدغ وهما جبينان عَن يَمِين الْجَبْهَة وشمالها. قَالَه الْأَزْهَرِي وَابْن فَارس وَغَيرهمَا. فَتكون الْجَبْهَة بَين الجبينين. والجبهة: مَوضِع السُّجُود بَين الجبينين. وَلم أَقف على قَائِل الْبَيْت وَلم أره إِلَّا فِي كتاب الضرائر وَهُوَ أحسن من قَول عويف القوافي أابْن عنقاء الْفَزارِيّ: ...

(الشاهد الحادي والثمانون بعد الثمانمائة)

(كَأَن الثريا علقت فِي جَبينه ... وَفِي خَدّه الشعرى وَفِي انفه الْقَمَر) وَمن قَول خَارِجَة بن فليح المللي: (كَأَن على عرنينه وجبينه ... شعاعين لاحا من سماك وفرقد) وَقد اتفقَا فِي المصراع الأول وَلم أدر السَّابِق مِنْهُمَا. وَبعده:) وَأنْشد بعده (الشَّاهِد الْحَادِي وَالثَّمَانُونَ بعد الثَّمَانمِائَة) وَهُوَ من شَوَاهِد س: (إِن محلا وَإِن مرتحلا ... وَإِن فِي السّفر إِذْ مضوا مهلا) على أَنه إِذا علم الْخَبَر جَازَ حذفه سَوَاء كَانَ الِاسْم نكرَة أم معرفَة وَسَوَاء كررت إِن أم لَا. فَالْأول كَمَا فِي المصراع الأول من الْبَيْت وَالتَّقْدِير إِن لنا محلا فِي الدُّنْيَا مَا عِشْنَا وَإِن لنا مرتحلا إِلَى الْآخِرَة.

وَالثَّانِي: مَا حَكَاهُ سِيبَوَيْهٍ قبل إنشاد ذَلِك الْبَيْت قَالَ: وَيَقُول الرجل للرجل هَل لكم أحد إِن النَّاس ألب عَلَيْكُم فَيَقُول: إِن زيدا وَإِن عمرا أَي: إِن لنا. انْتهى. وَفِيه رد على الْكُوفِيّين فِي اشتراطهم تنكير الِاسْم. وَالثَّالِث: نَحْو مَا تقدم من الْبَيْت وحكاية سِيبَوَيْهٍ. وَالرَّابِع: هُوَ كَقَوْل سِيبَوَيْهٍ: وَتقول إِن غَيرهَا إبِلا وَشاء كَأَنَّهُ قَالَ: إِن لنا غَيرهَا إبِلا وَشاء وَعِنْدنَا غَيرهَا إبِلا وَشاء. فَالَّذِي تضمر هَذَا النَّحْو وَشبهه. وانتصب الْإِبِل وَالشَّاء كانتصاب وَفِيه رد على الْفراء فَإِنَّهُ ذهب إِلَى أَنه لَا يجوز حذف الْخَبَر إِلَّا مَعَ تَكْرِير إِن سَوَاء كَانَ الِاسْم معرفَة أم نكرَة. - وَيرد عَلَيْهِ وعَلى الْكُوفِيّين قَول الشَّاعِر: أَو أَن الأكارم نَهْشَلَا ... ... ... ... ... الْبَيْت الْآتِي فَإِن خبر أَن الْمَفْتُوحَة مَحْذُوف تَقْدِيره: تفضلوا بِدلَالَة مَا قبله وَاسْمهَا معرفَة وَهِي غير مكررة. وَسَيَأْتِي الْكَلَام عَلَيْهِ. وَكَذَلِكَ يرد عَلَيْهِم الحَدِيث وَأثر عمر المسطوران فَإِن اسْم إِن فيهمَا معرفَة وَهُوَ اسْم الْإِشَارَة مَعَ عدم تكَرر إِن فيهمَا.

قَالَ ابْن يعِيش: وَكَانَ الْفراء يذهب إِلَى أَنه: إِنَّمَا يحذف مثل هَذَا إِذا كررت إِن ليعلم أَن أَحدهمَا مُخَالف عِنْد من يَظُنّهُ غير مُخَالف. وَحكي أَن أَعْرَابِيًا قيل لَهُ: الزبابة: الْفَأْرَة قَالَ: إِن الزبابة والفأرة. وَمَعْنَاهُ إِن هَذِه مُخَالفَة لهَذِهِ. وَالْخلاف الَّذِي بَين الاسمين يدل على الْخَبَر وَهُوَ غير مرضِي عِنْد أَصْحَابنَا فَإِنَّهُ مَرْدُود) فِي الْوَاحِد الَّذِي لَا مُخَالف مَعَه. قَالَ الأخطل: وَقَالُوا: إِن غَيرهَا إبِلا وَشاء. فَقَوْلهم: غَيرهَا اسْم إِن وَاخْبَرْ مُضْمر كَأَنَّهُ قَالَ: إِن لنا غَيرهَا وانتصب إبِلا وَشاء على التَّمْيِيز. وَيجوز أَن يكون: إبِلا اسْم إِن وَغَيرهَا حَال. وَلَا يحسن أَن يكون عطف بَيَان لِأَن عطف الْبَيَان لَا يكون إِلَّا فِي المعارف. فَأَما مَا حُكيَ عَن عمر بن عبد الْعَزِيز أَنه قَالَ لقرشي وَقد مت إِلَيْهِ بِقرَابَة: إِن ذَلِك. ثمَّ ذكر حَاجته فَقَالَ: لَعَلَّ ذَاك. فَالْخَبَر مَحْذُوف أَي: إِن ذَلِك مُصدق وَلَعَلَّ مطلوبك حَاصِل. - وَإِنَّمَا سَاغَ حذف الْخَبَر هُنَا وَإِن لم يكن ظرفا لدلَالَة الْحَال عَلَيْهِ كَمَا يحذف خبر الْمُبْتَدَأ عِنْد الدّلَالَة عَلَيْهِ نَحْو قَوْلك: من الْقَائِم فَيُقَال: زيد أَي: زيد الْقَائِم. والجيد أَن يقدر الْمَحْذُوف ظرفا نَحْو: إِن لَك ذَلِك أَي: حق الْقَرَابَة وَلَعَلَّ لَك ذَلِك وَالْمعْنَى وَاحِد إِلَّا أَنه من جِهَة اللَّفْظ صَار على منهاج الْقيَاس. انْتهى كَلَامه.

وَقَالَ قبل هَذَا: اعْلَم أَن أَخْبَار هَذِه الْحُرُوف إِذا كَانَت ظرفا أَو جاراً ومجروراً فَإِنَّهُ يجوز حذفهَا وَالسُّكُوت على أسمائها وَذَلِكَ لِكَثْرَة اسْتِعْمَالهَا والاتساع فِيهَا إِلَى أَن قَالَ: وَلم يَأْتِ ذَلِك إِلَّا فِيمَا كَانَ الْخَبَر فِيهِ ظرفا أَو جاراً ومجروراً. انْتهى. وَقَول الشَّارِح الْمُحَقق: إِن الْخَبَر فِي الْآيَة مَحْذُوف تَقْدِيره: هَلَكُوا قدره الزَّمَخْشَرِيّ بِدلَالَة جَوَاب الشَّرْط عَلَيْهِ أَي: نذيقهم من عَذَاب أَلِيم فَإِن الْآيَة هِيَ إِن الَّذين كفرُوا ويصدون عَن سَبِيل الله وَالْمَسْجِد الْحَرَام الَّذِي جَعَلْنَاهُ للنَّاس سَوَاء العاكف فِيهِ والباد وَمن يرد فِيهِ بإلحاد بظُلْم نذقه من عَذَاب أَلِيم وَهِي آيَة سُورَة الْحَج. وَالْعجب من ابْن هِشَام فَإِنَّهُ قَالَ فِي حذف الْخَبَر من بحث المحذوفات من أَوَاخِر الْبَاب الْخَامِس بعد أَن أورد الْبَيْت: وَقد مر الْبَحْث فِي إِن الَّذين كفرُوا ويصدون عَن سَبِيل الله وإِن الَّذين كفرُوا بِالذكر لما جَاءَهُم مُسْتَوفى مَعَ أَن الْآيَة الأولى لم يمر لَهَا ذكر وَلَا وَقع لَهُ عَنْهَا بحث فِي الْمُغنِي لَا مُسْتَوفى وَلَا غير مُسْتَوفى. وَأما الْآيَة الثَّانِيَة وَهِي آيَة حم فصلت فقد مر مِنْهُ الْبَحْث عَنهُ مفصلا مُسْتَوفى فِي الْمِثَال الأول من أَمْثِلَة الْجِهَة الرَّابِعَة. - وَقَوله: إِن محلا ... إِلَخ الْمحل والمرتحل: مصدران ميميان بِمَعْنى الْحُلُول والارتحال أَو اسْما زمَان) أَي وَقت حُلُول وَوقت ارتحال. والحلول بِالْمَكَانِ: النُّزُول

بِهِ. والارتحال عَنهُ: الِانْتِقَال عَنهُ. وبالأول فَسرهَا صَاحب التَّلْخِيص. أَي: إِن لنا فِي الدُّنْيَا حلولاً وَإِن لنا عَنْهَا ارتحالاً. قَالَ السعد: حذف الْمسند وَهُوَ هُنَا ظرف قطعا لقصد الِاخْتِصَار والعدول إِلَى أقوى الدَّلِيلَيْنِ أَعنِي الْعقل مَعَ اتِّبَاع الِاسْتِعْمَال لاطراد الْحَذف فِي نَحْو: إِن مَالا وَإِن ولدا وَإِن زيدا وَإِن عمرا. وَقد وضع سِيبَوَيْهٍ لهَذَا بَابا فَقَالَ: هَذَا بَاب إِن مَالا وَإِن ولدا. قَالَ عبد القاهر: لَو أسقطت إِن لم يحسن الْحَذف أَو لم يجز لِأَنَّهَا الحاضنة لَهُ والمتكلفة بِشَأْنِهِ والمترجمة عَنهُ. وَفِيه أَيْضا ضيق الْمقَام والمحافظة على الشّعْر. انْتهى. وَقَوله: أقوى الدَّلِيلَيْنِ ... إِلَخ أَشَارَ إِلَى أَن قرينَة الْحَذف فِي الْبَيْت حَالية بِخِلَاف مَا قبله من الْأَمْثِلَة فَإِن مقالتها لفظية. قَالَ ابْن يعِيش: قَوْلهم: إِن مَالا وَإِن ولدا وَإِن عددا كَأَنَّهُ وَقع فِي جَوَاب: ألهم مَال وَولد وَعدد فَقيل: ذَلِك أَي: إِن لَهُم مَالا وَإِن لَهُم ولدا. وَلم يحْتَج إِلَى إِظْهَاره لتقدم السُّؤَال عَنهُ. وَقَول السعد: وَقد وضع سِيبَوَيْهٍ لهَذَا بَابا فَقَالَ: هَذَا بَاب إِن مَالا أَقُول: لَيست تَرْجَمَة الْبَاب مَا ذكره وَإِنَّمَا هِيَ: هَذَا بَاب مَا يحسن عَلَيْهِ السُّكُوت فِي هَذِه الأحرف الْخَمْسَة لإضمارك مَا يكون مُسْتَقرًّا لَهَا وموضعاً لَو أظهرته. وَلَيْسَ هَذَا الْمُضمر بِنَفس الْمظهر. وَذَلِكَ إِن مَالا وَإِن ولدا وَإِن عددا أَي: إِن لَهُم مَالا إِلَى آخر مَا ذكره. - وَتَقْدِير الْخَبَر مقدما فِي الْبَيْت وَغَيره إِنَّمَا هُوَ الأولى وَلَيْسَ بِوَاجِب لتنكير الِاسْم لِأَن الْإِخْبَار عَن النكرَة فِي بَاب إِن جَائِز كَمَا قَالَه ابْن مَالك وَتَبعهُ الشَّارِح هُنَا. وَكَأن ابْن الملا لم يمر بِهِ هَذَا لِأَنَّهُ قَالَ فِي شرح الْمُغنِي: وَإِنَّمَا جعل التَّقْدِير إِن لنا حلولاً دون إِن حلولاً لنا مَعَ أَنه الأَصْل لما أَن هَذَا الْخَبَر لَو ذكر

لَكَانَ وَاجِب التَّقْدِيم لكَون الِاسْم نكرَة وكل مُقَدّر صناعَة إِنَّمَا قدر فِي الْموضع الَّذِي يَلِيق بِهِ. هَذَا كَلَامه. وَقَوله: وَإِن فِي السّفر: هُوَ جمع سَافر قَالَ صَاحب الصِّحَاح: سفرت أَسْفر سفوراً: خرجت إِلَى السّفر فَأَنا سَافر وَقوم سفر مثل صَاحب وَصَحب وسفار مثل رَاكب وركاب. وَالسّفر بِفتْحَتَيْنِ: قطع الْمسَافَة. انْتهى. وَإِلَيْهِ ذهب السعد فَقَالَ: السّفر: جمع سَافر. قَالَ: وَالسّفر: الرفاق قد توغلوا فِي الْمُضِيّ لَا) رُجُوع لَهُم. وَنحن على إثرهم عَن قريب. وَقد غفل صَاحب الْقَامُوس عَن كَلَام الصِّحَاح فَقَالَ: السافر: الْمُسَافِر وَلَا فعل لَهُ. وَتَبعهُ ابْن الملا فَقَالَ: السّفر اسْم مُفْرد وضع لِمَعْنى الْجمع عِنْد سِيبَوَيْهٍ بِدَلِيل تصغيره على لَفظه فَهُوَ اسْم جمع لسافر بِمَعْنى مُسَافر لَا فعل لَهُ كَمَا نَص عَلَيْهِ صَاحب الْقَامُوس أَو جمع مكسر لَهُ عِنْد الْأَخْفَش. وَهَذَا الْخلاف جَار فِي كل مَا يَجِيء من تركيبه اسْم يَقع على الْوَاحِد كصاحب من صحب وراكب من ركب بِخِلَاف نَحْو غنم ورهط فَإِنَّهُ اسْم جمع اتِّفَاقًا. والسافر: الْخَارِج إِلَى السّفر. وَالسّفر: الخارجون إِلَيْهِ. هَذَا كَلَامه. وَإِنَّمَا قدر الشَّارِح الْمُحَقق مُضَافا قبل السّفر تبعا لِابْنِ يعِيش ليَصِح الْحمل فَإِن الظّرْف خبر عَن قَوْله: مهلا بِفتْحَتَيْنِ. قَالَ ابْن يعِيش: يَقُول: فِي رحيل من رَحل وَمضى مهل أَي: لَا يرجع. والمهل: السَّبق. انْتهى.

- ومجيئه بهَا الْمَعْنى مَعْرُوف. قَالَ السكرِي فِي شرح ديوَان الأخطل عِنْد قَوْله فِي عبد الله بن مُعَاوِيَة: (قرم تمهل فِي أُميَّة لم يكن ... فِيهَا بِذِي أبن وَلَا خوار) الْمهل: السَّبق والتقدم. والأبن: العوج وَالْعقد تكون فِي الْعود. والخوار: الضَّعِيف. وَلم يذكر هَذَا الْمَعْنى فِي الصِّحَاح وَلَا فِي الْقَامُوس إِلَّا أَنه فِيهِ: الْمهل: التَّقَدُّم بِالْخَيرِ. وَأَرَادَ بِالسَّبقِ والفوت عدم الرُّجُوع. وسبقهما الأعلم قَالَ: أَرَادَ بِالسَّفرِ من رَحل من الدُّنْيَا. فَيَقُول: فِي رحيل من رَحل وَمضى مهل أَي: لَا يرجع. انْتهى. وَذهب ابْن الْحَاجِب فِي أَمَالِيهِ إِلَى أَن الْمهل فِيهِ بِمَعْنى الْإِمْهَال والتأني. قَالَ: مَعْنَاهُ أَنهم يَقُولُونَ إِن لنا محلا فغي الدُّنْيَا وارتحالاً بِالْمَوْتِ وَإِن فِي مُضِيّ من قبلنَا يَعْنِي: موت من يَمُوت مهلة لنا. لأَنا نبقى بعدهمْ وَهُوَ معنى الْإِمْهَال. وَتَبعهُ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي فَقَالَ: أَي إِن لنا حلولاً فِي الدُّنْيَا وارتحالاً عَنْهَا إِلَى الْآخِرَة وَإِن فِي الْجَمَاعَة الَّذين مَاتُوا قبلنَا إمهالاً لنا لأَنهم مضوا قبلنَا وَبَقينَا بعدهمْ. قَالَ ابْن الْحَنْبَلِيّ فِيمَا كتبه على الْمُغنِي: فِيهِ تَنْبِيه على أَن الْمهل هُوَ الْإِمْهَال الْمُتَعَدِّي بِمَعْنى) الإنظار.

وَلم أر فِي كتب اللُّغَة مهلته مهلا بِالْفَتْح: أنظرته. وَلَكِن مهل مهلا بِالْفَتْح: ضد عجل. وأمهلته: أنظرته. وَفِي الحَدِيث: إِذا سِرْتُمْ إِلَى الْعَدو فمهلاً مهلا وَإِذا وَقعت الْعين على الْعين فمهلاً مهلا. فالأولان بِالسُّكُونِ بِمَعْنى التأني والآخران بِالْفَتْح بِمَعْنى التَّقَدُّم. أَي: إِذا سِرْتُمْ فتأنوا وَإِذا لَقِيتُم فاحملوا. انْتهى. وَنقل ابْن الملا عَن أبي عُبَيْدَة انه قَالَ: الْمَعْنى: إِن منا مُقيما وَإِن منا مُسَافِرًا وَإِن فِي السّفر إِذا مضوا مهلا أَي: ذَهَابًا لَا يرجعُونَ بعده وَيجوز أَن يكون مهلا بِمَعْنى عِبْرَة. يُرِيد: إِن فِيمَن مَاتَ عِبْرَة للأحياء. وَإِذ هُنَا: ظرف عَامله مَا بعده. وَظَاهر كَلَام ابْن الْحَاجِب السَّابِق أَنَّهَا بدل من قَوْله: فِي السّفر. وَقيل: هِيَ للتَّعْلِيل هُنَا. وَهل هَذِه حرف بِمَنْزِلَة لَام الْعلَّة أَو ظرف وَالتَّعْلِيل مُسْتَفَاد من قُوَّة الْكَلَام لَا من اللَّفْظ قَولَانِ. وَرِوَايَة سِيبَوَيْهٍ: وَإِن فِي السّفر مَا مضى مهلا وَعَلَيْهَا يكون السّفر مُفردا وَصفا كصعب بِمَعْنى الْمُسَافِر. قَالَ فِي الْقَامُوس: يُقَال: رجل سفر. وَرُوِيَ فِي كِتَابه أَيْضا:

وَإِن فِي السّفر مَا مضى مثلا قَالَ الأعلم: أَي: فِيمَن مضى مثل لمن بَقِي أَي: سيفنى كَمَا فني هَذَا. وَالْبَيْت مطلع قصيدة للأعشى مَيْمُون مدح بهَا سَلامَة ذَا فائش الْحِمْيَرِي. وَبعده: (اسْتَأْثر الله بِالْوَفَاءِ وبال ... عدل وَولى الْمَلَامَة الرجلا) إِلَى أَن قَالَ: (أصبح ذُو فائش سَلامَة ذُو التف ... ضال هشاً فُؤَاده جذلا) (أَبْلَج لَا يرهب الهزال وَلَا ... ينْقض عهدا وَلَا يخون إِلَّا) (يَا خير من يركب الْمطِي وَلَا ... يشرب كأساً بكف من بخلا) (قلدتك الشّعْر يَا سَلامَة ذَا ال ... تفضال وَالشعر حَيْثُمَا جعلا) (وَالشعر يسْتَنْزل الْكَرِيم كَمَا اس ... تنزل رعد السحابة السبلا)) روى صَاحب الأغاني بِسَنَدِهِ إِلَى سماك بن حَرْب أَن الْأَعْشَى قَالَ: أتيت سَلامَة ذَا فائش وأطلت الْمقَام بِبَابِهِ حَتَّى وصلت إِلَيْهِ بعد مُدَّة وأنشدته هَذِه القصيدة قَالَ: صدقت الشّعْر حَيْثُمَا جعل. وَأمر لي بِمِائَة من الْإِبِل وكساني حللاً وَأَعْطَانِي كرشاً مدبوغة مَمْلُوءَة عنبراً فبعتها بِالْحيرَةِ بثلثمائة نَاقَة حَمْرَاء.

(الشاهد الثاني والثمانون بعد الثمانمائة)

- وترجمة الْأَعْشَى تقدّمت فِي الشَّاهِد الثَّالِث وَالْعِشْرين من أَوَائِل الْكتاب. واستأثر الله بِكَذَا أَي: اخْتصَّ بِهِ. وانشد بعده (الشَّاهِد الثَّانِي وَالثَّمَانُونَ بعد الثَّمَانمِائَة) (خلا أَن حَيا من قُرَيْش تفضلوا ... على النَّاس أَو أَن الأكارم نَهْشَلَا) على أَن هَذَا الْبَيْت يرد على الْكُوفِيّين فِي اشتراطهم لحذف الْخَبَر تنكير الِاسْم وعَلى الْفراء فِي اشْتِرَاطه تَكْرِير أَن فَإِنَّهُ حذف خبر أَن الْمَفْتُوحَة الْهمزَة الثَّانِيَة وبدلالة مَا قبله تَقْدِيره: تفضلوا. وَاسْمهَا معرفَة وَهِي غير مكررة. وَأما أَن الأولى الْمَفْتُوحَة الْهمزَة أَيْضا فخبرها مَذْكُور. وَقَول الشَّارِح: وَقَالَ الشَّاعِر مَعْطُوف على قَوْله: رُوِيَ أَن الْمُهَاجِرين قَالُوا: يَا رَسُول الله. . إِلَخ. إِن محلا وَإِن مرتحلا

وأصحابنا يجيزون حذف خبر إِن مَعَ الْمعرفَة والكوفيون يأبون حذف خَبَرهَا إِلَّا مَعَ النكرَة. فَأَما احتجاج أبي الْعَبَّاس عَلَيْهِم بقوله: (خلا أَن حَيا من قُرَيْش تفضلوا ... على النَّاس أَو أَن الأكارم نَهْشَلَا) أَي: وَأَن الأكارم نَهْشَلَا فضلوا. فقد قَالَ أَبُو عَليّ: هَذَا لَا يلْزمهُم لِأَن لَهُم أَن يَقُولُوا: إِنَّمَا منعنَا حذف خبر الْمعرفَة مَعَ إِن الْمَكْسُورَة فَأَما مَعَ أَن الْمَفْتُوحَة فَلَا نمنعه. قَالَ: وَوجه فصلهم فِيهِ بَين الْمَكْسُورَة والمفتوحة أَن الْمَكْسُورَة حذف خَبَرهَا كَمَا حذف خبر نقيضها وَهُوَ قَوْلهم: لَا بَأْس وَلَا شكّ أَي: عَلَيْك وَفِيه. فَكَمَا أَن لَا تخْتَص بالنكرات فَكَذَلِك إِنَّمَا يشبهها نقيضها فِي حذف الْخَبَر مَعَ النكرَة أَيْضا. انْتهى. وَقد أجْرى الْخلاف بَين الْبَصرِيين والكوفيين وَلم يجر للفراء ذكرا وَأفَاد أَن أَو بِمَعْنى الْوَاو وخلا من أدوات الِاسْتِثْنَاء وَأَن فِي الْمَوْضِعَيْنِ مَفْتُوحَة. والحي: الْقَبِيلَة. وَكَأَنَّهُ أَرَادَ بتنكيره بني هَاشم. وَمن قُرَيْش صفة لحي. وتفضلوا: خبر أَن.) وَمَعْنَاهُ: رجحوا على النَّاس بِالْفَضْلِ والمزية. والأكارم: جمع أكْرم. ونهشلاً: بدل من الأكارم. ونهشل هُوَ أَبُو قَبيلَة وَهُوَ نهشل بن دارم بن مَالك بن حَنْظَلَة بن وَالْبَيْت نسبه ابْن يعِيش إِلَى الأخطل. وَله فِي ديوانه قصيدة على هَذَا الْوَزْن والروي وَلم أَجِدهُ فِيهَا. وَالله أعلم.

(الشاهد الثالث والثمانون بعد الثمانمائة)

وَكَذَا نسبه ابْن الشجري فِي أَمَالِيهِ إِلَى الأخطل وَقَالَ: أَرَادَ: أَو أَن الأكارم نَهْشَلَا تفضلوا على النَّاس. وَالْبَيْت آخر القصيدة. هَذَا كَلَامه. وَأنْشد بعده (الشَّاهِد الثَّالِث وَالثَّمَانُونَ بعد الثَّمَانمِائَة) وَهُوَ من شَوَاهِد س: (لَيْت شعري مُسَافر بن أبي عَم ... رو وليت يَقُولهَا المحزون) على أَن الِاسْتِفْهَام بعد لَيْت شعري قد يحذف كَمَا فِي الْبَيْت وَتَقْدِيره: لَيْت شعري أتجتمع أم لَا. وَهُوَ فِي هَذَا تَابع لِابْنِ الْحَاجِب فِي شرح الْمفصل وَهُوَ مَبْنِيّ على رِوَايَة صَاحب الأغاني والسهيلي لهَذَا الشّعْر فَإِنَّهُمَا رويا بعده: (بورك الْمَيِّت الْغَرِيب كَمَا بو ... رك غُصْن الريحان وَالزَّيْتُون) (أَي شَيْء دهاك أم غال مرآ ... ك وَهل أقدمت عَلَيْك الْمنون)

فَهَذَا هُوَ الِاسْتِفْهَام الَّذِي يَأْتِي بعد لَيْت شعري فَلَا حذف فِيهِ. غَايَته أَنه فصل بَينهمَا باعتراض بجملتين: إِحْدَاهمَا: مُسَافر بن أبي عَمْرو. وَالثَّانيَِة: وليت يَقُولهَا المحزون. وكأنهما لم يقفا عَلَيْهِ. وَقَول الشَّارِح الْمُحَقق: ومسافر منادى يَعْنِي أَنه مَبْنِيّ على الضَّم. وَيجوز فَتحه لوصفه بِابْن لِأَن ابْنا مُضَاف إِلَى مَا هُوَ كَالْعلمِ لشهرته بِهِ. قَالَ النّحاس: مُسَافر: نِدَاء وَهُوَ مضموم فِيمَا قرأته على أبي إِسْحَاق. وَقد قيل: إِنَّه مَفْتُوح كَمَا تَقول: يَا زيد بن عبد الله. انْتهى. وَمرَاده الرَّد على الأعلم الشنتمري. من وَجْهَيْن فَإِنَّهُ قَالَ: نصب مُسَافر على معنى شعري خبر) مُسَافر أَي: لَيْتَني أعلم خَبره فَحذف الْخَبَر الْمَنْصُوب بِالْمَصْدَرِ وَأقَام مُسَافر مقَامه. وَيجوز رَفعه على خبر لَيْت. انْتهى. ولغفلته عَن كَونه منادى توهم الْفَتْح أَنه مفعول شعري على حذف مُضَاف. وَفِيه غَفلَة أُخْرَى عَن أَن مفعول شعري هُنَا إِنَّمَا يكون جملَة اسْتِفْهَام وتوهم الضَّم أَنه خبر لَيْت. وَفِيه غَفلَة وَقَول الشَّارِح: وَهَذَا الِاسْتِفْهَام مفعول شعري. . إِلَخ هَذَا التَّحْقِيق لِابْنِ جني كَمَا يَأْتِي. وَقَوله أَيْضا: وَقَالَ المُصَنّف: الِاسْتِفْهَام قَائِم مقَام الْخَبَر هَذَا القَوْل لَيْسَ لَهُ وَإِنَّمَا هُوَ تَابع. قَالَ الْمرَادِي فِي شرح التسهيل وَغَيره: وَذهب الْمبرد والزجاج إِلَى أَن جملَة الِاسْتِفْهَام هِيَ الْخَبَر وموضعها رفع وشعري ملغى. ورد بِأَن الطّلب لَا يكون خَبرا لليت وَبِأَن الْجُمْلَة لَا رابط فِيهَا. وَنسبه فِي الإفصاح إِلَى سِيبَوَيْهٍ قَالَ: وتحقيقه أَن شعري بِمَعْنى مشعوري فالجملة نفس الْمُبْتَدَأ فَلَا يحْتَاج إِلَى رابط. انْتهى.

قَالَ الدماميني فِي شرح التسهيل بعد نقل هَذَا: قلت: يَنْبَغِي أَن يكون أصل التَّقْدِير: لَيْت مشعوري جَوَاب هَل قَامَ زيد فالجملة مُرَاد بهَا لَفظهَا أَي: جَوَاب هَذَا اللَّفْظ ثمَّ حذف الْمُضَاف وأقيم الْمُضَاف إِلَيْهِ مقَامه. وَالْمعْنَى: لَيْت معلومي قيام زيد أَو عدم قِيَامه لِأَن أحد هذَيْن الْأَمريْنِ جَوَاب الِاسْتِفْهَام فَلَو لم يعْتَبر هَذَا الْحَذف لم يستقم ظَاهرا. انْتهى. وَقَوله أَيْضا: وَقَالَ ابْن يعِيش الِاسْتِفْهَام سَاد مسد الْخَبَر هَذَا أَيْضا لَيْسَ لِابْنِ يعِيش وَإِنَّمَا هُوَ لغيره. قَالَ ابْن جني عِنْد قَول الحماسي: (لَيْت شعري ضلةً ... أَي شَيْء قَتلك) وَذَلِكَ أَن قَوْله: أَي شَيْء قَتلك جملَة استفهامية مَنْصُوبَة الْموضع بشعري الَّذِي هُوَ مصدر شَعرت. تَقول: شَعرت بِهِ شَعْرَة فَهِيَ فعلة كالدرية والفطنة غير أَن الْهَاء حذفت مَعَ الْإِضَافَة كَقَوْلِهِم: هُوَ أَبُو عذرها وَإِنَّمَا هِيَ الْعذرَة. قَالَ: (دِمَاؤُهُمْ لَيْسَ لَهَا طَالب ... مطلولة مثل دم العذره) فَهُوَ كَقَوْلِك: لَيْتَني أشعر أَي شَيْء قَتلك كَقَوْلِك: قد علمت أَي شَيْء قَتلك وَالْخَبَر مَحْذُوف تَقْدِيره: لَيْت شعري أَي شَيْء قَتلك وَاقع أَو كَائِن أَو نَحْو ذَلِك. فَحذف الْخَبَر وَصَارَ طول) الْكَلَام بمعمول شعري بَدَلا فِي اللَّفْظ مِنْهُ وساداً بِطُولِهِ مسده. وانتصب صلَة بِمَا دلّ عَلَيْهِ لَيْت شعري. أَلا ترى أَنه إِذا

تمنى علم الشَّيْء فقد اعْترف بضلاله عَنهُ. وَالتَّقْدِير: ضللت عَن معرفَة قَاتلك ضلة. انْتهى. فَصَاحب هَذَا القَوْل اعْترف بِحَذْف الْخَبَر لطول الْكَلَام بجملة الِاسْتِفْهَام وَجُمْلَة الِاسْتِفْهَام نائبة عَن الْخَبَر فورد عَلَيْهِ مَا ذكره الشَّارِح الْمُحَقق. فَإِن قلت: أَلَيْسَ هَذَا مثل ضربي زيدا قَائِما فَإِن الْحَال سدت مسد الْخَبَر كَمَا ذكره الشَّارِح قلت: الْخَبَر يقدر قبلهَا وَلَيْسَت حَالا من زيد. وَالتَّقْدِير عِنْد سِيبَوَيْهٍ وَالْجُمْهُور: ضربي زيدا إِذا كَانَ قَائِما فَالْخَبَر زمَان مُضَاف إِلَى فعل صَاحبهَا الْمُسْتَتر فِي كَانَ. وَعند الْأَخْفَش: ضربي زيدا ضربه قَائِما. فَالْخَبَر ضربه الْمَحْذُوف وصاحبها الْهَاء. فَلَيْسَتْ الْحَال فِي التَّقْدِيرَيْنِ من ذيول الْمصدر الْمَذْكُور. فَظهر وَجه اعْتِرَاض الشَّارِح الْمُحَقق. هَذَا. وَقد أورد سِيبَوَيْهٍ الْبَيْت فِي بَاب تَسْمِيَة الْحُرُوف والكلم الَّتِي تسْتَعْمل وَلَيْسَت ظروفاً وَلَا أَسمَاء وَلَا أفعالاً. قَالَ الأعلم: الشَّاهِد فِي إِعْرَاب لَيْت وتأنيثها لِأَنَّهُ جعلهَا اسْما للكلمة وَأخْبر عَنْهَا كَمَا يخبر عَن الِاسْم الْمُؤَنَّث. والبيتان الْمَذْكُورَان أَولا من تِسْعَة أَبْيَات لأبي طَالب عَم النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ رثى بهَا مُسَافِرًا الْمَذْكُور. وبعدهما:

(أَنا حاميك مثل آبَائِي الزه ... ر لآبائك الَّتِي لَا تهون) (ميت صدق على هيالة أمسي ... ت وَمن دون ملتقاك الْحجُون) (بورك الْمَيِّت الْغَرِيب كَمَا بو ... رك نضح الرُّمَّان وَالزَّيْتُون) (كنت لي عدَّة وفوقك لَا فو ... ق فقد صرت لَيْسَ دُونك دون) (كنت مولى وصاحباً صَادِق الخب ... رة حَقًا وخلةً لَا تخون) (فَعَلَيْك السَّلَام مني كثيرا ... أنفدت ماءها عَلَيْك الشؤون) هَذَا مَا فِي ديوَان أبي طَالب. وروى صَاحب الأغاني مَا بعد الْبَيْت الأول كَذَا: (رَجَعَ الركب سَالِمين جَمِيعًا ... وخليلي فِي مرمس مدفون)) (بورك الْمَيِّت الْغَرِيب كَمَا بو ... رك غُصْن الريحان وَالزَّيْتُون) (ميت صدق على هبالة قد حا ... لت فياف من دونه وحزون) (مَدَرَة يدْفع الْخُصُوم بأيد ... وبوجه يزينه الْعرنِين) (كم خَلِيل رزئته وَابْن عَم ... وحميم قَضَت عَلَيْهِ الْمنون) (فتعزيت بالتأسي وبالصب ... ر وَإِنِّي بصاحبي لضنين)

وَنسب السُّهيْلي هَذَا الشّعْر لأبي سُفْيَان وَأورد بعد الْبَيْت الأول: بورك الْمَيِّت الْغَرِيب إِلَخ وَقَالَ: قَالَه فِي مُسَافر بن أبي عَمْرو بن أُميَّة وَاسم أبي عَمْرو ذكْوَان وَكَانَ مُسَافر مَاتَ فِي حب صعبة بنت الْحَضْرَمِيّ. وَهَذَا بِخِلَاف مَا أوردهُ صَاحب الأغاني قَالَ: إِن مُسَافر بن أبي عَمْرو كَانَ من فتيَان قُرَيْش جمالاً وسخاء وشعراً عشق بنت عتبَة بن ربيعَة فعشقته واتهم بهَا فَحملت مِنْهُ فَلَمَّا بَان حملهَا أَو كَاد قَالَت: اخْرُج. فَخرج حَتَّى أَتَى الْحيرَة. ثمَّ إِنَّه ألْقى أَبَا سُفْيَان فَسَأَلَهُ عَن حَال قُرَيْش وَالنَّاس فَأخْبرهُ وَقَالَ فِيمَا قَالَه: وَتَزَوَّجت عِنْد بنت عتبَة. فدخله من ذَلِك مَا أعله حَتَّى استسقى بَطْنه فدعي لَهُ بالأطباء فَقَالُوا: لَا دَوَاء لَهُ غير الكي فأحمى الَّذِي يعالجه المكاوي فَلَمَّا صَارَت كالنار قَالَ: ادْع أَقْوَامًا يمسكونك. فَقَالَ مُسَافر: لست أحتاج إِلَى ذَلِك. فَجعل يضع المكاوي عَلَيْهِ فَلَمَّا رأى جلده ضرط الطَّبِيب فَقَالَ مُسَافر: العير يضرط والمكواة فِي النَّار فَذَهَبت مثلا. فَلم يَزْدَدْ إِلَّا ثقلاً فَخرج يُرِيد مَكَّة فَلَمَّا انْتهى إِلَى مَوضِع يُقَال لَهُ: هبالة مَاتَ فَدفن بهَا ونعي إِلَى قُرَيْش فَقَالَ أَبُو طَالب هَذَا الشّعْر. وَقَالَ النَّوْفَلِي فِي خَبره: وحَدثني أَنه إِنَّمَا ذهب مُسَافر إِلَى النُّعْمَان بن الْمُنْذر يتَعَرَّض لإصابة مَال ينْكح بِهِ هنداً فَأكْرمه النُّعْمَان واستظرفه ونادمه وَضرب عَلَيْهِ قبَّة من أَدَم. وَكَانَ الْملك إِذا فعل بِرَجُل عرف قدره مِنْهُ ومكانه عِنْده. وَقدم أَبُو سُفْيَان بن حَرْب فِي بعض تجاراته فَسَأَلَهُ مُسَافر عَن حَال النَّاس بِمَكَّة فَذكر أَنه تزوج هنداً فاضطرب مُسَافر واعتل حَتَّى مَاتَ. قَالَ بعض النَّاس: إِنَّه استسقى بَطْنه فكوي فَمَاتَ بِهَذَا السَّبَب.

ثمَّ أورد صَاحب الأغاني حِكَايَة هِنْد بنت عتبَة وطلاقها من زَوجهَا الْفَاكِه بن الْمُغيرَة) وَتَزَوجهَا بِأبي سُفْيَان. انْتهى. وَكَذَا أورد الْحِكَايَة الْمفضل بن سَلمَة فِي كتاب الفاخر قَالَ: روى أَبُو الْحسن الدِّمَشْقِي أَن مُسَافر بن أبي عَمْرو بن أُميَّة بن عبد شمس كَانَ يهوى هنداً بنت عتبَة وَكَانَت تهواه فَقَالَت لَهُ: إِن أَهلِي لَا يزوجونني مِنْك لِأَنَّك مُعسر فَلَو وفدت إِلَى بعض الْمُلُوك لَعَلَّك تصيب مَالا. فَرَحل إِلَى الْحيرَة وافداً إِلَى النُّعْمَان فَبينا هُوَ مُقيم عِنْده. إِذْ قدم عَلَيْهِ قادم من مَكَّة فَسَأَلَهُ عَن خبر أهل مَكَّة بعده فَأخْبرهُ بأَشْيَاء كَانَ فِيهَا أَن أَبَا سُفْيَان تزوج هنداً. فطعن من الْغم فَأمر النُّعْمَان بن أَن يكوى فَأَتَاهُ الطَّبِيب بمكاويه فَجَعلهَا فِي النَّار ثمَّ وضع مكواة مِنْهَا عَلَيْهِ وعلج من علوج النُّعْمَان وَاقِف فَلَمَّا رَآهُ يكوى ضرط فَقَالَ مُسَافر: قد يضرط العير والمكواة فِي النَّار. وَيُقَال إِن الطَّبِيب ضرط. انْتهى. وَأثْنى عَلَيْهِ الزبير بر بكار فِي أَنْسَاب قُرَيْش قَالَ: كَانَ أزواد الركب من قُرَيْش ثَلَاثَة: مُسَافر بن أبي عَمْرو بن أُميَّة وَزَمعَة بن الْأسود بن الْمطلب بن أَسد بن عبد الْعُزَّى وَأَبُو أُميَّة بن الْمُغيرَة بن عبد الله بن عمر بن مَخْزُوم وَإِنَّمَا قيل لَهُم أزواد الركب لأَنهم كَانُوا إِذا سافروا لم يتزود مَعَهم أحد. وَقَوله: أَي شَيْء دهاك من دهاه الْأَمر يدهاه دهياً إِذا نزل بِهِ مَا لَا يُطيق دَفعه بَغْتَة. وَمِنْه الداهية وَهِي النائبة والنازلة. وغاله غولاً إِذا أهلكه على غَفلَة. وَالِاسْم الغيلة بِالْكَسْرِ. والمرأى بِفَتْح الْمِيم: المنظر الْحسن. والمنون بِفَتْح الْمِيم: الْمَوْت.

وَقَوله: أَنا حاميك. . إِلَخ حماه يحميه إِذا دفع عَنهُ مَا يكره من سوء الْمقَال. والزهر: جمع أَزْهَر وَهُوَ الْأَبْيَض يُرِيد بِهِ النقي من الذَّم وَالْعَيْب. وَاللَّام بِمَعْنى من أجل. وتهون: مضارع هان هونا بِالضَّمِّ إِذا ذل وحقر. والمهانة: الذل والضعف. وَقَوله: ميت صدق. . إِلَخ قَالَ الصَّاغَانِي: كل مَا نسب إِلَى الصّلاح وَالْخَيْر أضيف إِلَى الصدْق فَقيل: رجل صدق وصديق صدق. قَالَ تَعَالَى: وَلَقَد بوأنا بني إِسْرَائِيل مبوأ صدق أَي: أنزلناهم منزلا صَالحا. وتبالة بِفَتْح الْمُثَنَّاة الْفَوْقِيَّة بعْدهَا مُوَحدَة: اسْم قَرْيَة بِالطَّائِف. وَقَالَ أَبُو هفان: تبَالَة عرض من أَعْرَاض مَكَّة. وأمسيت بِالْخِطَابِ. والحجون بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَضم الْجِيم: جبل مشرف بِمَكَّة.) وَقَوله: بورك الْمَيِّت. . إِلَخ جملَة دعائية. وَالْبركَة: الزِّيَادَة. والنضح بِفَتْح النُّون وَسُكُون الضَّاد الْمُعْجَمَة بعْدهَا حاء مُهْملَة قَالَ أَبُو هفان: النَّضْح: الْقَلِيل والنضخ: الْكثير. فِي الصِّحَاح: الْأَصْمَعِي: نضح الشّجر إِذا تفطر ليخرج ورقه. وَأَرَادَ بِهِ اسْم الْمَفْعُول أَي: الْفُرُوع المنشقة عِنْدَمَا يخرج. وَالزَّيْتُون: مَعْطُوف على نضح. - وَقَوله: كَانَ مِنْك الْيَقِين ... إِلَخ قَالَ أَبُو هفان: يَقُول: لَا أصدق بِالْيَقِينِ فِي موتك استعظاماً لمَوْته. ورجمتك بتَشْديد الْجِيم: مُبَالغَة رجمه بِالْغَيْبِ أَي: ظن فِيهِ من غير دَلِيل.

وَقَوله: كنت مولى. . إِلَخ قَالَ أَبُو هفان: الْمولى: ابْن الْعم. والخلة بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة: الصّديق وَأَصله الْمصدر أطلق مُبَالغَة. وَقَوله: فَعَلَيْك السَّلَام. . إِلَخ هَذَا سَلام مُودع. وأنفدت بِالدَّال الْمُهْملَة بِمَعْنى أفنت. وماءها: مفعول مقدم. والشؤون: مواصل قبائل الرَّأْس وملتقاها وَمِنْهَا تَجِيء الدُّمُوع. وَقَوله فِي الرِّوَايَة الثَّانِيَة: فِي مرمس مدفون المرمس كالمدفن وزنا وَمعنى. وَقَوله: مدره يدْفع. . إِلَخ المدره بِكَسْر الْمِيم وَآخره هَاء قَالَ الْجَوْهَرِي: درهت عَن الْقَوْم: دفعت عَنْهُم مثل درأت وَهُوَ مبدل مِنْهُ. والمدره: زعيم الْقَوْم والمتكلم عَنْهُم. وَالْأَيْدِي: جمع يَد وَهِي الْقُوَّة. ومسافر الْمَذْكُور مَاتَ فِي الْجَاهِلِيَّة. وَتَقَدَّمت تَرْجَمَة أبي طَالب فِي الشَّاهِد الْحَادِي وَالتسْعين. - وَأنْشد بعده: على أَنه يجوز فِي بَاب إِن الْإِخْبَار عَن نكرَة بنكرة كَمَا فِي هَذَا المصراع. وَتَمَامه: فَهَل عِنْد رسم دارس من معول وَتقدم شَرحه مفصلا فِي الشَّاهِد الْحَادِي وَالْأَرْبَعِينَ بعد السبعمائة.

(الشاهد الرابع والثمانون بعد الثمانمائة)

وَأنْشد بعده: أظبي كَانَ أمك أم حمَار على أَنه يجوز فِي بَاب كَانَ الْإِخْبَار عَن النكرَة بالمعرفة كَمَا فِي هَذَا المصراع. وَهُوَ عجز وصدره: فَإنَّك لَا تبالي بعد حول وَتقدم شَرحه هُنَاكَ فِي الشَّاهِد الرَّابِع وَالْعِشْرين بعد الْخَمْسمِائَةِ.) - وَأنْشد بعده (الشَّاهِد الرَّابِع وَالثَّمَانُونَ بعد الثَّمَانمِائَة) (فليت كفافاً كَانَ خبرك كُله ... وشرك عني مَا ارتوى المَاء مرتوي) على أَنه يجوز أَن يكون كفافاً اسْم لَيْت وَجُمْلَة كَانَ: خَبَرهَا وَاسْمهَا الضَّمِير الْمُسْتَتر فِيهَا الرَّاجِع إِلَى كفاف وخبرها خيرك بِالنّصب فَيكون اسْم كَانَ أَيْضا نكرَة كاسم لَيْت لكَونه رَاجعا إِلَى كفاف. وَهَذَا كَمَا قدمه فِي بَاب النكرَة والمعرفة وَفِي بَاب كَانَ: أَن الضَّمِير الْعَائِد إِلَى نكرَة نكرَة. وَهَذَا مَذْهَب بعض النَّحْوِيين. وَعند الْجُمْهُور معرفَة مُطلقًا. وَقد تكلم على هَذَا الْبَيْت أَبُو عَليّ فِي تَذكرته وتلميذه أَبُو طَالب الْعَبْدي وَابْن الشجري فِي مجلسين من أَمَالِيهِ ولخص مِنْهَا ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي وَابْن الْحَاجِب فِي أَمَالِيهِ وَأَبُو حَيَّان فِي تَذكرته وَغَيرهم. وَلم يذكر

أحد مِنْهُم رِوَايَة نصب خيرك إِلَّا صَاحب اللّبَاب قَالَ فِيمَا علقه عَلَيْهِ: ذكر عبد القاهر فِي هَذَا الْبَيْت وَجها آخر يُخرجهُ عَمَّا نَحن فِيهِ من إِضْمَار الشَّأْن: أَن كفافاً اسْم لَيْت وَفِي كَانَ ضَمِيره وخيرك مَنْصُوب بالخبرية. وَكَذَا شرك على معنى: فليت شَيْئا مكفوفاً كَانَ هُوَ خيرك كُله وشرك. انْتهى. وَأفَاد فائدتين: إِحْدَاهمَا: أَن قَوْله: وشرك مَنْصُوب فِي رِوَايَة نصب خيرك وَالثَّانيَِة: أَن كفافاً مصدر مؤول باسم الْمَفْعُول على تَقْدِير مَوْصُوف. وَفِي مسَائِل الْخلاف لِابْنِ الْأَنْبَارِي مَا يُشِير إِلَى رِوَايَة النصب أَيْضا وَلَكِن الْمَعْنى عَلَيْهَا يكون على الْقلب كَمَا يشْهد بِهِ الذَّوْق السَّلِيم. وعَلى هَذِه الرِّوَايَة يكون عني مُتَعَلقا بِمَحْذُوف على أَنه حَال من شَرّ أَي: حَال كَونه مُنْفَصِلا عني. وَلَا يجوز أَن يتَعَلَّق بالضمير فِي كَانَ الْعَائِد على كفاف كَمَا ذكرُوا أَن الظّرْف يتَعَلَّق بالضمير فِي قَوْله: (وَمَا الْحَرْب إِلَّا مَا علمْتُم وذقتم ... وَمَا هُوَ عَنْهَا بِالْحَدِيثِ المرجم) وَلَا بكفاف الْمَذْكُور أَيْضا لِأَن الْمُبْتَدَأ لَا يعْمل بعد مُضِيّ خَبره وَيكون مرتوي فَاعل ارتوى) وَالْمَاء: مَنْصُوب بِنَزْع الْخَافِض وَمَا: مَصْدَرِيَّة ظرفية أَي: مُدَّة دوَام المرتوي بِالْمَاءِ. وَقَول الشَّارِح الْمُحَقق: وَإِن رُوِيَ بِرَفْعِهِ أَي: بِرَفْع خيرك فاسم لَيْت ضمير شَأْن مَحْذُوف. وَهَذَا على مَا تقدم مِنْهُ قَرِيبا من أَن أَسمَاء هَذِه الْحُرُوف لَا يجوز حذفهَا فِي الشّعْر إِلَّا إِذا كَانَت ضمائر الشَّأْن. وَهُوَ مَذْهَب صَاحب اللّبَاب قَالَ: وَلَا يحذف اسْمهَا إِلَّا إِذا كَانَ ضمير الشَّأْن. وَكَذَا قَالَ ابْن الْحَاجِب فِي أَمَالِيهِ على هَذَا الْبَيْت.

وَجوز غَيرهم أَن يكون الْمَحْذُوف ضمير الْمُخَاطب. قَالَ ابْن الشجري فِي الْمجْلس الأول وَهُوَ الْمجْلس الثَّامِن وَالْعشْرُونَ وَتَبعهُ ابْن هِشَام: إِن اسْم لَيْت ضمير مَحْذُوف. وَحذف هَذَا النَّحْو مِمَّا فَإِن شِئْت قدرته ضمير الشَّأْن والْحَدِيث وَإِن شِئْت قدرته ضمير الْمُخَاطب. وكفافاً مَعْنَاهُ كافاً وَهُوَ خبر كَانَ وخيرك اسْمهَا وَالْجُمْلَة خبر اسْم لَيْت. وَالتَّقْدِير على الأول فليته كَانَ خيرك كفافاً وَلَا يحْتَاج إِلَى الضَّمِير الرابط لِأَن الْجُمْلَة نَفسهَا هِيَ الشَّأْن. وعَلى التَّقْدِير الثَّانِي: فليتك كَانَ كفافاً خيرك والعائد على اسْم لَيْت الْكَاف من خيرك. وَمثله فِي حذف الضَّمِير على التَّقْدِيرَيْنِ قَول الآخر: (فليت دفعت الْهم عني سَاعَة ... فبتنا على مَا خيلت ناعمي بَال) أَرَادَ: فليته أَو فليتك. انْتهى. وَظَاهر كَلَام هَؤُلَاءِ أَنه لَا يجوز جعل كفافاً اسْم لَيْت مَعَ رِوَايَة الرّفْع. وَهُوَ مُسلم إِن كَانَت كَانَ تَامَّة. قَالَ ابْن الشجري وَتَبعهُ ابْن هِشَام: فَإِن قلت: هَل يجوز أَن ينصب بليت وَتجْعَل كَانَ مستغنية بمرفوعها بِمَعْنى حدث وَوَقع ويخبر بِالْجُمْلَةِ الَّتِي هِيَ كَانَ وفاعلها عَن كفاف. فَالْجَوَاب: أَن ذَلِك لَا يَصح لخلو الْجُمْلَة عَن عَائِد. فَلَو قلت: لَيْت زيدا قَامَ عَمْرو لم يجز لعدم ضمير فِي اللَّفْظ وَفِي التَّقْدِير. فَإِن قلت: إِلَيْهِ أَو مَعَه أَو نَحْو ذَلِك صَحَّ الْكَلَام. انْتهى. وَأما إِن كَانَت نَاقِصَة فَجَائِز. قَالَ أَبُو حَيَّان فِي تَذكرته: يَصح جعل كفافاً اسْم لَيْت وخيرك اسْم كَانَ وتضمر الْخَبَر عَائِدًا على كفافاً وَالتَّقْدِير:

كَأَنَّهُ خيرك. وَنَظِيره أحد قولي سِيبَوَيْهٍ فِي: إِن أفضلهم كَانَ زيد. وَمنع الْفَارِسِي من هَذَا فِي التَّذْكِرَة وَقَالَ: لقبح الِابْتِدَاء بالنكرة وَلِأَنَّهُ لَيْسَ بعده فِي الْجُمْلَة ذكر) يعود عَلَيْهِ وَلَا هُوَ هِيَ. وَيَا لَهَا من غَفلَة من إِمَام حبر. وإضمار خبر كَانَ لَا يُحْصى وحذفه كحذف سَائِر الضمائر إِذا كَانَ فِي حكم الْمَوْجُود مثل إِن زيدا ضرب عَمْرو وَإِن كَانَ ضَعِيفا. فَأَما نصب هَذِه الْحُرُوف الْمُنْكَرَات فَلَا ينْحَصر. انْتهى. وَقد تبع ابْن الْحَاجِب أَبَا عَليّ فَقَالَ فِي أَمَالِيهِ: وَلَا يَسْتَقِيم أَن يكون كفافاً اسْما لليت لِأَنَّهُ نكرَة: فَلَا يصلح وَلَو صلح لم يستقم الْمَعْنى لِأَن قَوْله: كَانَ خيرك وَمَا بعده لَا يصلح خَبرا. انْتهى. وَقَول الشَّارِح: وَقَوله خيرك وشرك اسْم كَانَ وكفافاً خَبَرهَا وَلم يثن لكَونه مصدرا فِي الأَصْل. مثله لِابْنِ الْحَاجِب فِي أَمَالِيهِ قَالَ: كفافاً خبر عَن الْخَيْر وَالشَّر مَعًا أَي: لَيْت خيرك وشرك بِالنِّسْبَةِ إِلَيّ لَا يفضل أَحدهمَا عَن الآخر لِأَن الكفاف هُوَ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ فضل. يُرِيد: إِن شرك زَائِد على خيرك فَأَنا أَتَمَنَّى لَو كَانَ غير زَائِد. انْتهى. وَفِيه رد على ابْن الشجري فِي زَعمه أَن كفافاً إِنَّمَا هُوَ خبر خيرك وَخبر شرك مَحْذُوف مَدْلُول وَقَالَ فِي الْمجْلس الثَّانِي وَهُوَ الْمجْلس السَّادِس وَالثَّلَاثُونَ: وَمن روى: وشرك رَفعه بالْعَطْف على خيرك فَدخل فِي حيّز كَانَ فَغير أبي عَليّ يقدر خبر كَانَ الْمُضمر محذوفاً دلّ عَلَيْهِ خبر كَانَ الْمظهر وَيقدر الْمَحْذُوف بِلَفْظ الْمَذْكُور وَهُوَ الْقيَاس. وَنَظِير ذَلِك قَوْله: ...

(نَحن بِمَا عندنَا وَأَنت بِمَا ... عنْدك رَاض والرأي مُخْتَلف) أَرَادَ: نَحن بِمَا عندنَا راضون. انْتهى. وَتَبعهُ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي. وتنبه الدماميني من كَلَام الشَّارِح فَقَالَ مُعْتَرضًا عَلَيْهِ: لَا حَاجَة إِلَى هَذَا التَّقْدِير فَإِن كفافاً يَصح كَونه خَبرا عَنْهُمَا إِذْ هُوَ صَالح للإخبار عَن الِاثْنَيْنِ وَغَيرهمَا. وَقَول الشَّارِح: وعني مُتَعَلق بكفافاً لِأَنَّهُ خبر كَانَ فَهُوَ مُتَأَخّر فِي التَّقْدِير إِلَى جنبه وَالْمعْنَى عَلَيْهِ. - وَقَوله: وَالْمَاء على هَذَا الْوَجْه مَنْصُوب على وَجه أَن يكون كفافاً خَبرا عَنْهُمَا. أَي: وَيكون مرتوي فَاعل ارتوى وَهُوَ مُطَاوع أرويته ورويته من المَاء فارتوى مِنْهُ وتروى. يُقَال: رُوِيَ من المَاء بِكَسْر الْوَاو إِذا شبع مِنْهُ يرْوى بِفَتْحِهَا رياً وَالِاسْم الرّيّ بِالْكَسْرِ فَهُوَ رَيَّان وَالْمَرْأَة ريا كغضبان وغضبى. ويعدى بِالْهَمْزَةِ والتضعيف كَمَا تقدم. كَذَا فِي الْمِصْبَاح. وَقَالَ ابْن الشجري: ارتوى بِمَعْنى رُوِيَ جَاءَ افتعل بِمَعْنى فعل كَقَوْلِهِم: رقي وارتقى. وَمثله) من الصَّحِيح خطف واختطف. انْتهى. وَنصب المَاء بِنَزْع الْخَافِض. قَالَ ابْن الشجري: يُقَال: ارتويت مِنْهُ أَو بِهِ. وَإِلَيْهِ أَشَارَ الشَّارِح بقوله: أَي: مَا ارتوى من المَاء مرتو. وَالْمرَاد من هَذَا التَّأْبِيد كَقَوْلِه تَعَالَى: خَالِدين فِيهَا مَا دَامَت السَّمَوَات وَالْأَرْض الْآيَة.

قَالَ ابْن الشجري: وَأما نصب المَاء فبتقدير حذف الْجَار أَي: مَا ارتوى من المَاء أَو بِالْمَاءِ. وَحذف الْجَار وإيصال الْفِعْل إِلَى الْمَجْرُور بِهِ مِمَّا كثر اسْتِعْمَاله فِي الْقُرْآن وَالشعر. فَمن ذَلِك قَوْله تَعَالَى: وَاخْتَارَ مُوسَى قومه سبعين رجلا أَرَادَ من قومه. وَمن حذف الْبَاء قَوْله تَعَالَى: إِنَّمَا ذَلِكُم الشَّيْطَان يخوف أولياءه أَي: يخوفكم بأوليائه فَلذَلِك قَالَ: فَلَا تخافوهم. وَقَول الشَّارِح: وَقيل شرك مرتو بِتَقْدِير مرتوياً إِلَى آخِره. هَذَا قَول أبي عَليّ فِي تَذكرته فَيكون على قَوْله: كفافاً خَبرا لقَوْله: خيرك فَقَط على معنى أَنه مَا بلغ ذَلِك إِلَى أَن يكون فِيهِ كفاف كَمَا تَقول: لَيْت نَفَقَتك كفافاً أَي: ليتها مِقْدَار الْحَاجة. تُرِيدُ أَنَّهَا انقص فَكَذَلِك هَاهُنَا وَيكون الْعَطف على الأول من عطف مُفْرد على مُفْرد شَاركهُ فِي خَبره. وعَلى قَول أبي عَليّ من عطف الْجمل أخبر عَن كل مُفْرد مِنْهُمَا بِخَبَر خَاص. - قَالَ ابْن الشجري: وَأما قَوْله وشرك فَمن رَفعه فبالعطف على اسْم كَانَ ومرتوي فِي رَأْي أبي عَليّ خَبره. وَكَانَ حق مرتوي أَن ينْتَصب لِأَنَّهُ مَعْطُوف على كفافاً كَمَا تَقول: كَانَ زيد جَالِسا وَبكر قَائِما تُرِيدُ: وَكَانَ بكر قَائِما فَكَأَنَّهُ قَالَ: ليتك أَو لَيْت الشَّأْن كَانَ خيرك كفافاً وَكَانَ شرك مرتوياً عني. وأسكن يَاء مرتوي فِي مَوضِع النصب لإِقَامَة الْوَزْن كَقَوْل بشر: كفى بالنأي من أَسمَاء كَافِي وَكَانَ حَقه: كَافِيا.

وَقَالَ فِي الْمجْلس الثَّانِي: وَذهب أَبُو عَليّ على رِوَايَة رفع وشرك إِلَى أَن الْخَبَر مرتوي وَكَانَ حَقه مرتوياً وَلكنه أسكن الْيَاء لإِقَامَة الْوَزْن والقافية وَهُوَ من الضرورات المستحسنة لِأَنَّهُ رد حَالَة إِلَى حالتين. أَعنِي أَن الشَّاعِر حمل حَالَة النصب على حَالَة الرّفْع والجر وَحسن الْإِخْبَار عَن الشَّرّ بمرتوي لِأَن الارتواء يكف الشَّارِب عَن الشّرْب فَجَاز لذَلِك تَعْلِيق عني بمرتوي. انْتهى.) وَكلهمْ حمل تسكين مرتوي على الضَّرُورَة وَلم يذكر أحد مِنْهُم أَنه وقف على لُغَة ربيعَة فَإِن لغتهم الْوَقْف على الْمَنْصُوب الْمنون بِالسُّكُونِ. قَالَ ابْن الْحَاجِب: وَلَا يجوز أَن يكون شرك مرتوي مُبْتَدأ وخبراً كَقَوْلِك: كَانَ زيد قَائِما وَعَمْرو منطلق لفساد الْمَعْنى لِأَنَّهُ يكون حِينَئِذٍ جملَة مُسْتَقلَّة مُنْقَطِعَة عَن التَّمَنِّي فِي الْمَعْنى مثلهَا فِي قَوْلك: لَيْت زيدا قَائِم وَعَمْرو منطلق لِأَن عَمْرو منطلق فِي مثل ذَلِك مُثبت لَهُ الانطلاق غير دَاخل فِي حيّز التَّمَنِّي بِخِلَاف لَيْت زيدا قَائِم وعمراً منطلق. وَإِذا ثَبت ذَلِك كَانَ جعلك وشرك مرتوي مَرْفُوعا على الِابْتِدَاء يُوجب أَن يكون مخبرا بِإِثْبَات فَيُوجب إخْبَاره بِأَن شَره منكف فَيفْسد الْمَعْنى إِذْ الْمَعْنى أَن شَره زَائِد وَأَنه يتَمَنَّى أَن لَا يكون كَذَلِك فَكيف يحمل على وَجه يثبت مَا مَقْصُود الْمُتَكَلّم نَفْيه. انْتهى. وَقَول الشَّارِح: وَيكون المَاء على هَذَا الْوَجْه مَرْفُوعا أَي: على وَجه جعل مرتوي خَبرا لقَوْله: وشرك. وَقَوله: فَاعل ارتوى أَي مادام المَاء رَيَّان هَذَا أحد وَجْهَيْن فِيهِ. قَالَ ابْن الشجري: وعَلى مَذْهَب أبي عَليّ فِي كَون مرتوي خَبرا لَكَانَ رفع المَاء بتأويلين: أَحدهمَا: تَقْدِير حذف مُضَاف أَي: مَا ارتوى أهل المَاء كَمَا جَاءَ:

واسأل الْقرْيَة أَي: أهل الْقرْيَة وحَتَّى تضع الْحَرْب أَوزَارهَا أَي: يضع أهل الْحَرْب أسلحتهم. وَمن كَلَامهم: صلى الْمَسْجِد أَي: أهل الْمَسْجِد. وَقد كثر حذف الْمُضَاف جدا. وَثَانِيهمَا: مَا أجَازه بعض الْمُتَأَخِّرين وَهُوَ أَن يكون المَاء فَاعل ارتوى من غير تَقْدِير مُضَاف. قَالَ: وَجَاز وصف المَاء بالارتواء للْمُبَالَغَة كَمَا جَازَ وَصفه بالعطش لذَلِك قَالَ المتنبي: وَجَبت هجيراً يتْرك المَاء صاديا وَقد تكلّف بعض الْمُتَأَخِّرين نصب المَاء فِي القَوْل الَّذِي ذهب إِلَيْهِ أَبُو عَليّ وَذَلِكَ على إِضْمَار فَاعل ارتوى قِيَاسا على مَا حَكَاهُ سِيبَوَيْهٍ من قَوْلهم: إِذا كَانَ غَدا فأتني أَي: إِذا كَانَ مَا نَحن فِيهِ من الرخَاء أَو الْبلَاء غَدا. فَقدر مَا ارتوى النَّاس المَاء. وَأنْشد على هَذَا قَول الشَّاعِر: (إِذا كَانَ لَا يرضيك حَتَّى تردني ... إِلَى قطري مَا إخالك رَاضِيا) أَرَادَ: إِن كَانَ لَا يرضيك شأني أَو مَا أَنا عَلَيْهِ فأضمر ذَلِك للْعلم بِهِ. وَأَقُول: إِن الْإِضْمَار فِيمَا) حَكَاهُ سِيبَوَيْهٍ حسن لِأَنَّهُ مَعْلُوم. وَتَقْدِير إِضْمَار النَّاس فِي قَوْله: مَا ارتوى المَاء بعيد. انْتهى. وَلَا يخفى أَن هَذَا القَوْل تعسف من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: حذف الْفَاعِل من غير الصُّور المعدودة. وَثَانِيهمَا: حذف الْبَاء وحرف الْجَرّ لَا يحذف إِلَّا سَمَاعا.

ثمَّ قَالَ ابْن الشجري: وَغير أبي عَليّ وَمن اعْتمد على قَوْله رووا نصب المَاء وَلم يرووا فِيهِ وَأَبُو طَالب الْعَبْدي مِنْهُم وَذَلِكَ أَنه ذكر لفظ أبي عَليّ فِي تعريب الْبَيْت ثمَّ قَالَ: وَأَنا مطَالب بفاعل ارتوى. ثمَّ مثل قَوْله مَا ارتوى المَاء مرتوي بقوله: مَا شرب أَي: أبدا. فَدلَّ كَلَامه على أَنه لم يعرف الْمَعْنى الَّذِي ذهب إِلَيْهِ أَبُو عَليّ من نصب مرتوي على أَنه خبر كَانَ أَو رَفعه على أَنه خبر لَيْت. وَالْقَوْل عِنْدِي فِيهِ أَن الِالْتِزَام بِالظَّاهِرِ على مَا ذهب إِلَيْهِ الْعَبْدي أشبه بمذاهب الْعَرَب فِيمَا يُرِيدُونَ بِهِ التأييد كَقَوْلِهِم: لَا أفعل كَذَا مَا طَار طَائِر وَلَا أُكَلِّمك مَا سمر سامر. - وَقد مر بِي كَلَام لأبي عَليّ ذهب عني مَكَانَهُ يتَضَمَّن تَجْوِيز رفع مرتوي بارتوى. وَأما مُنْذُ زمَان أجيل فكري وطرفي فِي تعرف الْكَلَام الَّذِي سنح لي فِيهِ كَلَامه فَلَا أَقف عَلَيْهِ. انْتهى. وَقَالَ أَبُو حَيَّان: جعل ابْن بابشاذ مرتوي مَنْصُوبًا على الْمصدر أَي: ارتواء ورد عَلَيْهِ بِأَن اسْم الْفَاعِل فِيمَا زَاد على الثَّلَاثَة لَا يكون مصدرا وَإِنَّمَا يكون ذَلِك فِي اسْم الْمَفْعُول نَحْو: ضاربته مضارباً. قَالَ: (أقَاتل حَتَّى لَا أرى لي مُقَاتِلًا ... وأنجو إِذا لم ينج إِلَّا المكيس) وَكَأَنَّهُ قاسه على الثلاثي نَحْو: قُم قَائِما وأ قَائِما وَقد قعد النَّاس. انْتهى. أَقُول: تَجْوِيز هَذَا إِنَّمَا يتَصَوَّر فِي رفع المَاء وَجعل الْمَعْطُوف مشاركاً للمعطوف عَلَيْهِ فِي خَبره.

قَالَ ابْن الشجري: وَمن قَالَ: وشرك بِالنّصب حمله على لَيْت وَلَا يجوز أَن يكون مَحْمُولا على لَيْت الْمَذْكُورَة لِأَن ضمير الشَّأْن لَا يَصح الْعَطف عَلَيْهِ لَو كَانَ ملفوظاً بِهِ فَكيف وَهُوَ مَحْذُوف. وَإِذا امْتنع حمله على لَيْت الْمَذْكُورَة حَملته على أُخْرَى مقدرَة. وَحسن ذَلِك لدلَالَة الْمَذْكُورَة عَلَيْهَا كَمَا حسن حذف كل فِيمَا أورد سِيبَوَيْهٍ من قَول الشَّاعِر: (أكل امْرِئ تحسبين امْرأ ... ونار توقد بِاللَّيْلِ نَارا) أَرَادَ: وكل نَار فَكَأَنَّهُ قَالَ: وليت شرك مرتو عني.) وَقَالَ ابْن هِشَام: يرْوى بِنصب شرك إِمَّا على أَنه اسْم لليت محذوفة وَإِمَّا على الْعَطف على اسْم لَيْت الْمَذْكُورَة إِن قدر ضمير الْمُخَاطب. انْتهى. وَقد غفل صَاحب اللّبَاب فِيمَا علقه عَلَيْهِ عَن عدم جَوَاز الْعَطف على ضمير الشَّأْن فَقَالَ: شرك بِالنّصب عطف على اسْم لَيْت ضمير الشَّأْن. ثمَّ قَالَ ابْن الشجري: فمرتوي فِي هَذَا التَّقْدِير على مَا يسْتَحقّهُ من إسكان يائه لكَونه خَبرا لليت. وعَلى مَذْهَب أبي عَليّ فِي كَون مرتوي خَبرا لَكَانَ أَو لليت يجوز فِي المَاء الرّفْع وَالنّصب وتقدما. وَأَبُو طَالب الْعَبْدي لم يعرف إِلَّا نصب المَاء وَلم يتَّجه لَهُ إِلَّا إِسْنَاد ارتوى إِلَى مرتوي وَذَلِكَ انه ثمَّ قَالَ: وَأما مَا ذكره الشَّيْخ أَبُو عَليّ من قَوْله: وَإِن حملت الْعَطف على

كَانَ كَانَ مرتوي فِي مَوضِع نصب. وَإِن حَملته على لَيْت نصبت قَوْله: وشرك ومرتو مَرْفُوع فَكَلَام لم يفسره رَحِمَهُ اللَّهُ. ثمَّ قَالَ: وَمر بِي بعد هَذَا فِي تعليقي كَلَام الشَّيْخ أبي عَليّ أَنا حاكيه على الْوَجْه وَهُوَ أَنه أورد الْبَيْت ثمَّ قَالَ بعد إِيرَاده: لَيْت مَحْمُول على إِضْمَار الحَدِيث وكفافاً خبر كَانَ. فَأَما قَوْله: وشرك عني مَا ارتوى المَاء مرتوي فَقِيَاس من أعمل الثَّانِي أَن يكون شرك مرتفعاً بالْعَطْف على كَانَ ومرتوي فِي مَوضِع نصب إِلَّا أَنه أسكن فِي الشّعْر مثل: كفى بالنأي من أَسمَاء كَافِي وَمن أعمل الأول نصب شرك بالْعَطْف على لَيْت ومرتوي فِي مَوضِع رفع لِأَنَّهُ الْخَبَر وَمَا ارتوى المَاء فِي مَوضِع نصب ظرف يعْمل فِيهِ مرتوي. هَذَا مَا ذكره أَبُو عَليّ. ثمَّ قَالَ الْعَبْدي: وَقد تقدّمت مطالبتي بفاعل ارتوى وَإِذا ثَبت مَا ذكرته علم أَن الْأَمر مَا قلته وَالْمعْنَى عَلَيْهِ لَا محَالة. انْتهى. فملخص مَا تقدم: أَنه يجوز أَن يكون كفافاً اسْم لَيْت مَعَ نصب خيرك وشرك عني عِنْد عبد القاهر وَمَعَ رفعهما بِتَقْدِير خبر كَانَ ضميراً عِنْد أبي حَيَّان. وَيجوز أَن يكون اسْم لَيْت ضمير شَأْن أَو مُخَاطب وَاسم كَانَ خيرك وشرك وكفافاً خبر كَانَ عَنْهُمَا أَو عَن أَولهمَا وَخبر الثَّانِي مَحْذُوف وعني مُتَعَلّقه وَجُمْلَة: كَانَ خيرك وشرك كفافاً عني: خبر لَيْت عِنْد الْجُمْهُور ومرتوي فَاعل ارتوى وَالْمَاء مَفْعُوله عِنْد الْجَمِيع.) وَعند أبي عَليّ جملَة: كَانَ خيرك كفافاً خبر لَيْت وشرك عني مرتوياً معطوفان على خيرك كفافاً. وَإِن نصب شرك بِتَقْدِير لَيْت فجملة: وشرك عني مرتوي معطوفة على جملَة لَيْت الْمُتَقَدّمَة. وعني فِي الْوَجْهَيْنِ عِنْده مُتَعَلقَة بمرتوي. وَكَذَلِكَ المَاء فِي الْوَجْهَيْنِ عِنْده يجوز رَفعه ونصبه.

هَذَا تَحْرِير الْأَقْوَال فِي الْبَيْت وتمييز مَا لكل قَول عَن الآخر. وَقد لخص ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي كَلَام ابْن الشجري فِي غير وَجهه فَإِنَّهُ لم يبين مَا يَنْبَنِي على كل قَول من الْأَقْوَال. قَالَ: فِي الْبَيْت إِشْكَال من أوجه: أَحدهَا: عدم ارتباط خبر لَيْت باسمها إِذْ الظَّاهِر أَن كفافاً اسْم لَيْت وَأَن كَانَ تَامَّة وَأَنَّهَا وفاعلها الْخَبَر وَلَا ضمير فِي هَذِه الْجُمْلَة. وَالثَّانِي: تَعْلِيق عني بمرتو. الثَّالِث: إِيقَاع المَاء فَاعِلا بارتوى وَإِنَّمَا يُقَال ارتوى الشَّارِب. - وَالْجَوَاب عَن الأول أَن كفافاً إِنَّمَا هُوَ خبر لَكَانَ مقدم عَلَيْهَا وَهُوَ بِمَعْنى كَاف وَاسم لَيْت ضمير الشَّأْن أَو الْمُخَاطب وخيرك اسْم كَانَ وَكله توكيد لَهُ وَالْجُمْلَة خبر لَيْت. وَأما شرك فيروى بِالرَّفْع عطفا على خيرك فخبره إِمَّا مَحْذُوف تَقْدِيره كفافاً فمرتوي فَاعل بارتوى وَإِمَّا مرتوي على أَنه سكن للضَّرُورَة. ويروى بِالنّصب إِمَّا على أَنه اسْم لليت محذوفة وَإِمَّا على الْعَطف على اسْم لَيْت الْمَذْكُورَة إِن قدر ضمير الْمُخَاطب ومرتو على الْوَجْهَيْنِ مَرْفُوع خبر لليت المحذوفة أَو الْمَذْكُورَة. وَعَن الثَّانِي: أَنه ضمن مرتو معنى كَاف لِأَن المرتوي يكف عَن الشّرْب. وَعَن الثَّالِث: أَنه إِمَّا على حذف مُضَاف أَي: شَارِب المَاء وَإِمَّا على جعل المَاء مرتوياً مجَازًا. ويروى بِالنّصب على تَقْدِير من ففاعل ارتوى على هَذَا مرتو. هَذَا تلخيصه.

وَلَا يخفى أَن تضمين مرتو معنى كَاف وَرفع المَاء يختصان بقول أبي عَليّ. وَنصب المَاء مَعَ جعل مرتو فَاعِلا إِنَّمَا هُوَ على غير قَوْله كَمَا ذكرنَا. وَالْبَيْت من قصيدة ليزِيد بن الحكم وَتَقَدَّمت مَعَ تَرْجَمته فِي الشَّاهِد الثَّمَانِينَ بعد الْمِائَة. وَأنْشد بعده) - فَلَو أَن واش بِالْيَمَامَةِ دَاره على أَنه حذف النصب من واش لضَرُورَة الشّعْر وَكَانَ الْقيَاس أَن يَقُول: فَلَو أَن واشياً لِأَن إِعْرَاب نَحْو القَاضِي يقدر فِي الرّفْع والجر لثقل الضمة والكسرة على الْيَاء وتلفظ بِهِ فِي النصب لخفة الفتحة. وَإِسْكَان الْيَاء ضَرُورَة. قيل إِنَّه من أحسن الضرورات وَقد حذفت هُنَا لالتقائها سَاكِنة مَعَ سُكُون نون التَّنْوِين. وَرُوِيَ فَلَو كَانَ واش فَهُوَ على الْقيَاس. والمصراع من قصيدة لمَجْنُون بني عَامر وَهَذِه أَبْيَات مِنْهَا: (خليلي لَا وَالله لَا أملك الَّذِي ... قضى الله فِي ليلى وَلَا مَا قضى ليا) (قَضَاهَا لغيري وابتلاني بحبها ... فَهَلا بِشَيْء غير ليلى ابتلائيا) (فَلَو كَانَ واش بِالْيَمَامَةِ دَاره ... وداري بِأَعْلَى حَضرمَوْت اهْتَدَى ليا) (وماذا لَهُم لَا أحسن الله حفظهم ... من الْحَظ فِي تصريم ليلى حباليا)

وَهَذِه أشهر قصائده وَهِي طَوِيلَة جدا. وَقَوله: قَضَاهَا لغيري الْبَيْت روى صَاحب الأغاني بِسَنَدِهِ أَن الْمَجْنُون لما قَالَه نُودي فِي اللَّيْل: أَأَنْت المتسخط لقَضَاء الله وَقدره والمعترض فِي أَحْكَامه واختلس عقله وتوحش مُنْذُ تِلْكَ والواشي: الَّذِي يزوق الْكَلَام ليفسد بَين شَخْصَيْنِ وَأَصله من وشى الثَّوْب يشيه وشياً إِذا نقشه وَحسنه. واليمامة: اسْم بلد وَكَانَ اسْمهَا فِي الْجَاهِلِيَّة الجو بِفَتْح الْجِيم وَتَشْديد الْوَاو. واليمامة: اسْم جَارِيَة زرقاء كَانَت تبصر الرَّاكِب من مسيرَة ثَلَاثَة أَيَّام سمي الْبَلَد باسمها لِكَثْرَة مَا كَانَ يُضَاف إِلَيْهَا فَيُقَال: جو الْيَمَامَة. وحضرموت بِفَتْح الْمِيم وَضمّهَا مَدِينَة بِالْيمن. وَقَوله: اهْتَدَى ليا اللَّام بِمَعْنى إِلَى. وَرُوِيَ بدله: وداري بِأَعْلَى حَضرمَوْت أَتَى ليا بتنوين حَضرمَوْت للضَّرُورَة. وَقَوله: وماذا لَهُم اسْتِفْهَام وَالضَّمِير للوشاة وَجُمْلَة: لَا أحسن الله حفظهم: دُعَاء عَلَيْهِم. وَمن) الْحَظ مُتَعَلق بِمَا تعلق بِهِ لَهُم. وتصريم: تقطيع وَهُوَ مصدر مُضَاف إِلَى فَاعله وَهُوَ ليلى: اسْم عشيقته. وحاليا مَفْعُوله: جمع حَبل وَهُوَ مستعار للوصلة والألفة بَين شَخْصَيْنِ. وترجمة مَجْنُون بني عَامر تقدّمت فِي الشَّاهِد التسعين بعد الْمِائَتَيْنِ.

(الحروف العاطفة)

- بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم (الْحُرُوف العاطفة) وَأنْشد بعده (الشَّاهِد السَّادِس وَالثَّمَانُونَ بعد الثَّمَانمِائَة) الْكَامِل أَو جونةٍ قدحت وفض ختامها على أَن الْوَاو لَا تدل على تَرْتِيب بل تدخل على مُتَقَدم على مَا قبله كَمَا هُنَا فَإِن فض الختام قبل الْقدح. وَهَذَا المصراع عجز وصدره: أغلي السباء بِكُل أدكن عاتقٍ يُقَال: أغليت الشَّيْء: اشْتَرَيْته غالياً. والسباء بِكَسْر السِّين الْمُهْملَة بعْدهَا مُوَحدَة: اشْتِرَاء الْخمر وَلَا يُقَال فِي غَيرهَا. يُقَال: سبأت الْخمر بِالْهَمْز أسبؤها سباء بِفَتْح عين الْمَاضِي والمضارع فَيكون فِي الأول تَجْرِيد أَي: أدفَع الثّمن الغالي فِي اشْتِرَاء الْخمر. وَالْبَاء فِي بِكُل: ظرفية مُتَعَلقَة بِحَال محذوفة إِذا المُرَاد: أغلي سباء الْخمر كائنه فِي أدكن بِالدَّال الْمُهْملَة وَهُوَ الزق. قَالَ الْجَوْهَرِي: الدكنة: لون يضْرب إِلَى السوَاد. وَقد دكن الثَّوْب من بَاب فَرح وَالشَّيْء أدكن. وَأنْشد الْبَيْت وَقَالَ: يَعْنِي زقاً قد صلح وجاد فِي لَونه ورائحته لعتقه. والزق كَمَا قَالَ صَاحب الْمِصْبَاح: هُوَ بِالْكَسْرِ: الظّرْف وَبَعْضهمْ يَقُول: ظرف زفت أَو قير. وعاتق بِمَعْنى عَتيق صفة أدكن. قَالَ الدينَوَرِي: فِي كتاب النَّبَات عِنْد إنشاده هَذَا الْبَيْت: ذهب بَعضهم إِلَى أَن

العاتق الْخمر الَّتِي لم تفض فِي بعد. ذهب إِلَى معنى الْجَارِيَة العاتق وَهِي الْبكر وَلَيْسَ كَذَلِك بل هُوَ من عتق الْقدَم يُقَال فِي كل مَا تقادم: عتق يعْتق وَيعتق أَي من بَاب ضرب وَنصر فَهُوَ عاتق. والأدكن: الزق. وَقد أَخطَأ الْعَيْنِيّ هُنَا فِي قَوْله: وَإِنَّمَا منع أدكن الْجَرّ لامتناعه من الصّرْف) للعلمية وَوزن الْفِعْل. وَقَوله أَو جونة بِالْجَرِّ عطف على أدكن وَهِي بِفَتْح الْجِيم. قَالَ أَبُو حنيفَة: هِيَ الخابية والباطية المقيرة. وَكَذَا قَالَ الْجَوْهَرِي: الجونة: الخابية مطلية بالقار. وقدحت بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول الْجُمْلَة صفة لجونة. وقدحت: غرفت. والمقدحة: المغرفة. قَالَ أَبُو حنيفَة: إِذا استخمرت الْخمر فضوا عَنْهَا ختامها ثمَّ استخرجوها من أَعلَى الْوِعَاء اغترافاً وَهُوَ الْقدح وَقد قدحت فَهِيَ مقدوحة. انْتهى. وَقيل: معنى قدحت مزجت وَقيل مَعْنَاهُ بزلت يُقَال: بزلت الشَّيْء بزلاً إِذا ثقبته واستخرجت مَا فِيهِ والمبزل: المثقب. وفض بِضَم الْفَاء أَي: كسر. وختامها: طينها. وَالضَّمِير للجونة. قَالَ أَبُو حنيفَة: الفتق والفك والفض شَيْء وَاحِد. وَقد فتق دنه وفضه فاقتدح مَا فِيهِ. فِي الْمِصْبَاح: فضضت الْخَتْم فضاً من بَاب قتل: كَسرته. وفضضت الْبكارَة: أزلتها على التَّشْبِيه بالختم. - قَالَ الفرزدق: الوافر (فبتن بجانبي مصرعاتٍ ... وَبت أفض أغلاق الختام) مَأْخُوذ من فضضت اللؤلؤة إِذا خرقتها وَفِي الصِّحَاح: الختام: الطين الَّذِي يخْتم بِهِ وَقَوله تَعَالَى: ختامه مسكٌ أَي: آخِره لِأَن آخر مَا يجدونه رَائِحَة الْمسك.

(الشاهد السابع والثمانون بعد الثمانمائة)

وَالْبَيْت من معلقَة لبيد الصَّحَابِيّ قَالَ شارحها أَبُو الْحُسَيْن الزوزني: يَقُول أَشْتَرِي الْخمر غَالِيَة السّعر باشتراء كل زقً أدكن أَو خابية سَوْدَاء قد فض ختامها وأغترف مِنْهَا. وتحرير الْمَعْنى: اشْتِرَاء الْخمر للندماء عِنْد غلاء السّعر واشتراء كل زقً مقير أَو خابية مقيرة. وَإِنَّمَا قيرا لِئَلَّا يرشحا بِمَا فيهمَا وليسرع صَلَاحه وانتهاؤه وَهُوَ إِدْرَاكه. وَقَوله: قدحت وفض ختامها فِيهِ تَقْدِيم وَتَأْخِير تَقْدِيره: فض ختامها وقدحت لِأَنَّهُ مَا لم يكسر ختامها لَا يُمكن اغتراف مَا فِيهَا من الْخمر انْتهى. وترجمة لبيد تقدّمت فِي الشَّاهِد الثَّانِي وَالْعِشْرين بعد الْمِائَة. وَأنْشد بعده: السَّرِيع ) (يَا لهف زيابة لِلْحَارِثِ الصا ... بح فالغانم فالآيب) وَتقدم شَرحه فِي الشَّاهِد الْحَادِي وَالْخمسين بعد الثلثمائة فِي أول بَاب الْعَطف. وأنشده بعده (الشَّاهِد السَّابِع وَالثَّمَانُونَ بعد الثَّمَانمِائَة) وَهُوَ من شَوَاهِد س:

الطَّوِيل (فتوضح فالمقراة لم يعف رسمها ... لما نسجتها من جنوبٍ وشمأل) على أَن الْفَاء الدَّاخِلَة على الْأَمَاكِن بِمَعْنى إِلَى أَي: منَازِل بَين الدُّخُول إِلَى حومل إِلَى توضح إِلَى المقراة. - وَهَذَا أحد جوابين أجَاب بهما الشَّارِح عَن إشكاله وَهُوَ أَن الْفَاء تَقْتَضِي التَّفْرِيق وَهُوَ منافٍ لما تفهمه بَين من الِاجْتِمَاع لِأَن البينية نِسْبَة وَأَقل مَا تستدعيه منتسبان. وَأَنت إِذا قلت: المَال بَين زيد وَعَمْرو فقد أفدت احتواءهما واجتماعهما على ملكه. وَلِهَذَا الْإِشْكَال أنكر الْأَصْمَعِي وَمن تبعه رِوَايَة الْفَاء وَقَالَ: إِنَّمَا الرِّوَايَة: وحومل وتوضح والمقراة. قَالَ العسكري فِي كتالب التَّصْحِيف: تكلم النَّاس فِي قَوْله: بَين الدُّخُول فحومل قَالَ أَبُو إِسْحَاق الزيَادي: الرِّوَايَة: بَين الدُّخُول فحومل وَلَا يكون فحومل. لِأَنَّك لَا تَقول: رَأَيْتُك بَين زيد فعمرو. وَهَذَا سَمعه الزيَادي من الْأَصْمَعِي فَسَأَلت ابْن دُرَيْد عَن الرِّوَايَة فَحكى مَا قَالَ الْأَصْمَعِي وَلم يزدْ عَلَيْهِ فَسَأَلت أَبَا بكر مُحَمَّد بن عَليّ بن إِسْمَاعِيل فَقلت: قَالَ الْأَصْمَعِي: لَا يجوز أَن تَقول: رَأَيْته بَين زيد فعمرو. وَكَانَ يُنكر بَين الدُّخُول فحومل. فأملي عَليّ الْجَواب فَقَالَ: إِن لكل حرف من حُرُوف الْعَطف معنى فالواو تجمع بَين الشَّيْئَيْنِ نَحْو: قَامَ زبد وَعَمْرو فَجَائِز أَن يَكُونَا كِلَاهُمَا قاما فِي حَالَة وَاحِدَة وَأَن يكون قَامَ الأول بعد الثَّانِي وَبِالْعَكْسِ. وَالْفَاء إِنَّمَا هِيَ دَالَّة على أَن الثَّانِي بعد الأول وَلَا مهلة بَينهمَا. فَقَالَ الْأَصْمَعِي وَكَانَ ضَعِيفا

فِي النَّحْو غير أَنه كَانَ ذَا فطنة: أطبقت الروَاة على بَين الدُّخُول وحومل وَلَا يجوز فحومل لِأَنَّهُ لَيْسَ يقْصد أَن يكون بَيَانا لشيئين أَحدهمَا بعد الآخر ثمَّ يكون الشَّيْء بَينهمَا إِنَّمَا يُرِيد أَنَّهُمَا لَا يَجْتَمِعَانِ وَهُوَ بَينهمَا كَمَا تَقول: زيد بَين الْكُوفَة) وَالْبَصْرَة وَلَا تَقول: فالبصرة فقد أَجَاد فطنة. انْتهى. - وَقد أجَاب الشَّارِح على تَقْدِير صِحَة رِوَايَة الْفَاء بجوابين: أَحدهمَا: أَنَّهَا بِمَعْنى إِلَى لدخولها فِي الْأَمَاكِن فَلَا تدل على التَّرْتِيب الْمُقْتَضِي للتفريق. وَهَذَا الْجَواب مركب من قَوْلَيْنِ لِأَن الَّذِي يَقُول: إِن الْفَاء بِمَعْنى إِلَى لَا يشْتَرط فِي مدخولها أَن يكون مَكَانا. وَمن ذكر دُخُولهَا على الْمَكَان لَا يَقُول إِنَّهَا بِمَعْنى إِلَى وَإِنَّمَا هِيَ عِنْده بِمَعْنى الْوَاو لمُطلق الْجمع وَلَا تفِيد ترتيباً وَالْأول قَول بعض البغداديين. قَالَ العسكري: قَالَ بعض البغداديين: أَرَادَ قفا نبك مَا بَين الدُّخُول إِلَى حومل إِلَى توضح إِلَى المقراة. فالفاء فِي مَوضِع إِلَى فأضمر مَا مَعَ بَين كَقَوْلِك: هُوَ أحسن النَّاس قرنا فَقدما وَلم يضمر وَنَقله ابْن هِشَام أَيْضا فِي الْمُغنِي فَقَالَ: وَقَالَ بعض البغداديين: الأَصْل مَا بَين الدُّخُول فَحذف مَا دون بَين كَمَا عكس من قَالَ: الْبَسِيط يَا أحسن النَّاس مَا قرنا إِلَى قدمٍ أَصله مَا بَين قرن فَحذف بَينا وَأقَام قرنا مقَامهَا وَمثله: إِن الله

لَا يستحي أَن يضْرب مثلا مَا بعوضةً فَمَا فَوْقهَا قَالَ: وَالْفَاء نائبة عَن إِلَى وَيحْتَاج على هَذَا القَوْل إِلَى أَن يُقَال: وَصحت إِضَافَة بَين إِلَى الدُّخُول لَا شتماله على مَوَاضِع أَو لِأَن التَّقْدِير بَين مَوَاضِع الدُّخُول انْتهى. وَالثَّانِي: هُوَ قَول الْجرْمِي قَالَ أَبُو حَيَّان فِي الارتشاف وَابْن هَاشم فِي الْمُغنِي: وَقَالَ الْجرْمِي: لَا تفِيد الْفَاء التَّرْتِيب فِي الْبِقَاع وَلَا فِي الأمطار بِدَلِيل قَوْله: بَين الدُّخُول فحومل وَقَوْلهمْ: مُطِرْنَا مَكَان كَذَا فمكان كَذَا وَإِن كَانَ وُقُوع الْمَطَر فيهمَا فِي وَقت وَاحِد. انْتهى. وَهَذَا أقرب من الْقَوْلَيْنِ الآخرين وأسهل. وَالْقَوْل الثَّانِي يحْتَاج إِلَى مَعُونَة وَقد بَينهَا ابْن هِشَام بقوله: وَيحْتَاج على هَذَا القَوْل إِلَى أَن يُقَال: وَصحت إِضَافَة بَين إِلَى الدُّخُول لاشْتِمَاله على الْمَوَاضِع ... . إِلَخ. وَذَلِكَ لِأَن الدُّخُول مُفْرد وَالْفَاء غَايَة وَبَين مَوضِع للتوسط إِنَّمَا بَين اثْنَيْنِ منفصلين نَحْو: المَال بَين زيد وَعَمْرو وَإِمَّا بَين اثْنَيْنِ مُجْتَمعين فِي لَفْظَة نَحْو: المَال بَين الرجلَيْن وَإِمَّا بَين جمَاعَة مفرقة نَحْو: المَال بَين زيد وَعَمْرو وَبكر وَإِمَّا بَين جمَاعَة مجتمعة فِي لَفظه نَحْو: المَال بَين الرِّجَال أَو بَين الْقَوْم فَلَا تُضَاف إِلَى مُفْرد لفظا وَمعنى إِلَّا أَن أول بِمَا يدل على التَّعَدُّد. وَفِيه أَيْضا تكلّف وَهُوَ ادِّعَاء حذف مَا.) وَهَذَا لَا يجوز عِنْد الْبَصرِيين سَوَاء كَانَت مَا مَوْصُولَة إِذْ لَا يحذف الْمَوْصُول وَتبقى صلته أم مَوْصُوفَة إِذْ شَرط حذف الْمَوْصُوف بِالْجُمْلَةِ أَو بالظرف أَن يكون بَعْضًا من مجرور بِمن أَو فِي. وَإِنَّمَا احْتَاجَ إِلَى تقديرها لِأَن نبك فعل مُتَعَدٍّ بِنَفسِهِ يطْلب مَفْعُولا

يُقَال: بكيته وَيَتَعَدَّى بالحرف أَيْضا يُقَال: بَكَيْت عَلَيْهِ وَله. وَأما بكيته بِالتَّشْدِيدِ فَمَعْنَاه: جعلته باكياً كأبكيته بِالْهَمْزَةِ. وَتَقْدِير الشَّارِح: أَي منَازِل بَين الدُّخُول خير مِنْهُ أَشَارَ بِهِ إِلَى أَن بَين مفعول لنبك بِتَقْدِير مُضَاف أَي: قفا نبك منَازِل بَين الدُّخُول. وَفِي الْقَوْلَيْنِ إِشَارَة إِلَى أَن بَين لَيْسَ حَالا من سقط اللوى وَلَا صفة لَهُ. قَالَ ابْن الملا تبعا للعيني: بسقط اللوى: صفة منزل وَبَين الدُّخُول صفة سقط اللوى أَي: من منزل كَائِن بسقط اللوى الْكَائِن بَين الدُّخُول. وَإِنَّمَا قَدرنَا مُتَعَلق الصّفة الثَّانِيَة اسْما مُعَرفا وَإِن كَانَ الْمَشْهُور تَقْدِيره فعلا أَو اسْما مُنْكرا رِعَايَة لجَانب الْمَعْنى. وَلَا يحسن جعل الظّرْف حَالا إِذْ لَيْسَ الْقَصْد إِلَّا التَّقْيِيد. - وَلنَا عَنْهُمَا غنية بجعله صفة ثَانِيَة لمنزل أَو بَدَلا من سقط اللوى مَعَ أَن فِي قَوْله مُخَالفَة لقَولهم: الْجمل والظروف بعد المعارف أَحْوَال وَبعد النكرات صِفَات. وَلَا يخفي أَنه لَا حَاجَة إِلَى ادّعاء حذف مَا أَو حذف مُضَاف لِأَن المبكيّ من أَجله مَذْكُور وَهُوَ قَوْله: من ذكرى حبيب ومنزل وَمن فِيهِ بِمَعْنى اللَّام تعليلية والمبكيّ من أَجله والمبكيّ عَلَيْهِ مآلهما وَاحِد. وَالْأولَى حمل تَقْدِير الشَّارِح هَذَا الْمُضَاف عَلَيْهِ بجعله ظرفا لنبك أَو بَدَلا من منزل فَيقْرَأ بِالْجَرِّ فَيكون أَشَارَ بِهِ إِلَى أَن المبكيّ من أَجله منَازِل لَا منزل وَاحِد لِأَن الْمَوَاضِع أَرْبَعَة وأقلّ منازلها مثلهَا. وَالْقَوْل الثَّالِث وَهُوَ قَول الشَّارِح المركّب مِنْهُمَا مُحْتَاج إِلَى المعونة الَّتِي ذَكرنَاهَا إِذْ لَا يصحّ إلاّ بِتَقْدِير بَين أَمَاكِن الدُّخُول إِلَى حومل. وَقد أَشَارَ إِلَيْهَا

ابْن جني فِي سر الصِّنَاعَة قَالَ: إِذا قلت: مُطِرْنَا بَين زبالة فالثّعلبية أردْت أَن الْمَطَر انتظم الْأَمَاكِن الَّتِي مَا بَين القريتين يقروها شَيْئا فَشَيْئًا بِلَا فُرْجَة فَإِذا قلت: مُطِرْنَا مَا بَين زبالة فالثّعلبية أردْت أَن الْمَطَر وَقع بَينهمَا وَلم ترد أَنه اتَّصل فِي هَذِه الْأَمَاكِن من أَولهَا إِلَى آخرهَا انْتهى.) وَفِي صَنِيع الشَّارِح أُمُور: أَحدهَا: قَوْله: وَقد تَجِيء الْفَاء العاطفة للمفرد بِمَعْنى إِلَى أَرَادَ أَنَّهَا كَانَت عاطفة قبل مجيئها بِمَعْنى إِلَى وَأما بعده فَهِيَ متمحّضة للغاية كَمَا هُوَ ظَاهر من كَلَامه على الْبَيْت. وَلَا يُنَافِيهِ قَوْله: حذفه أَي: حذف الْوَاو مَعَ فَاء الْعَطف ... إِلَخ لِأَن المُرَاد فَاء الْعَطف صُورَة لَا حَقِيقَة وَفِيه أَنه لَا ضَرُورَة إِلَى تَقْدِير وَاو الْعَطف مَعهَا فَإِنَّهَا عاطفة. وَلَا يمْنَع من عطفها كَونهَا بِمَعْنى إِلَى فَإِن أَو العاطفة تَأتي بِمَعْنى إِلَى وَبِمَعْنى إِلَّا وَلم يقل أحد إِنَّهَا مُجَرّدَة من الْعَطف فيهمَا والعطف بهَا وَاقع قطعا كَمَا فِي الْمِثَال وَالشعر وَهِي نائبة عَن إِلَى لَا أَنَّهَا بمعناها. ثَانِيهَا: قَوْله: على مَا حكى الزجاجي: مُطِرْنَا مَا بَين زبالة فالثعلبيّة هَذِه الْحِكَايَة والتوجيه إِنَّمَا هما للكسائي وَالْفراء قَالَ فِي تَفْسِير الْآيَة: وَأما الْوَجْه الثَّالِث وَهُوَ أحبّها إليّ فَأن تجْعَل الْمَعْنى على: إِن الله

لَا يستحيي أَن يضْرب مثلا مَا بَين بعوضة إِلَى مَا فَوْقهَا. وَالْعرب إِذا أَلْقَت بَين من كَلَام تصلح إِلَى فِي آخِره نصبوا الحرفين المخفوضين اللَّذين خفض أَحدهمَا ببين وَالْآخر بإلى فَيَقُولُونَ: مُطِرْنَا مَا زبالة فالثّعلبية وَله عشرُون مَا نَاقَة فجملاً وَهِي وَيجوز أَن تجْعَل الْقرن والقدم معرفَة فَتَقول: هِيَ حَسَنَة مَا قرنها فَقَدمهَا. فَإِذا لم تصلح إِلَى فِي آخر الْكَلَام لم يجز سُقُوط بَين من ذَلِك أَن تَقول: دَاري مَا بَين الْكُوفَة فالمدينة فَلَا يجوز أَن تَقول: دَاري مَا بَين الْكُوفَة وَالْمَدينَة لِأَن إِلَى إِنَّمَا تصلح إِذا كَانَ مَا بَين الْمَدِينَة والكوفة كُله من دَارك كَمَا كَانَ الْمَطَر آخِذا مَا بَين زبالة إِلَى الثعلبية. قَالَ الْكسَائي: سَمِعت أَعْرَابِيًا يَقُول وَرَأى الْهلَال: الْحَمد لله مَا إهلالك إِلَى سرارك يُرِيد: مَا بَين إهلالك إِلَى سرارك. فَجعلُوا النصب الَّذِي فِي بَين فِيمَا بعْدهَا إِذا سَقَطت ليعلم أَن معنى بَين يُرَاد. وَحكى الْكسَائي عَن بعض الْعَرَب: الشّنق مَا خمْسا إِلَى خمس وَعشْرين. والشّنق مَا لم تجب فِيهِ الْفَرِيضَة من الْإِبِل. - وَلَا تصلح الْفَاء مَكَان الْوَاو فِيمَا لم تصلح فِيهِ إِلَى كَقَوْلِك: دَار فلَان بَين الْحيرَة والكوفة محَال وَجَلَست بَين عبد الله فزيد محَال إلاّ أَن يكون مَقْعَدك آخِذا للفضاء الَّذِي بَينهمَا وَإِنَّمَا امْتنعت) الْفَاء من الَّذِي لَا تصلح فِيهِ إِلَى لِأَن الْفِعْل فِيهِ لَا يَأْتِي فيتّصل وَإِلَى يحْتَاج إِلَى اسْمَيْنِ يكون الْفِعْل بَينهمَا كطرفة عين. وصلحت الْفَاء فِي إِلَى لِأَنَّك تَقول: أَخذ الْمَطَر أَوله فَكَذَا وَكَذَا إِلَى آخِره. فَلَمَّا كَانَ الْفِعْل كثيرا

وَفِيه فَوَائِد: مِنْهَا قَوْله: هِيَ حَسَنَة مَا قرنها فَقَدمهَا. وَبِه يردّ على الدماميني فِي قَوْله: على مَا قرنا إِلَى قدم: كَون أَصله: مَا بَين قرنٍ دَعْوَى لَا دَلِيل عَلَيْهَا. وَيجوز أَن تكون مَا زَائِدَة وقرناً تَمْيِيز أَو مَنْصُوب على نزع الْخَافِض. انْتهى. وَيَأْتِي فِي كَلَام أبي حَيَّان حَقِيقَة مَا. والقرن بِفَتْح الْقَاف وَسُكُون الرَّاء: الْخصْلَة من الشّعْر بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة. وَمِنْهَا ضَابِط سُقُوط بَين وَهُوَ غير مَوْجُود فِي الشَّرْح. ثَالِثهَا: قَوْله: وَلَا يجوز حذف مَا لكَونه مَوْصُولا فَإِنَّهُ لم يشْبع الْكَلَام على مَا الْوَاقِعَة مَعَ بَين فَإِنَّهُ يجوز حذفهَا فِي غير هذَيْن المثالين وَلم يشْرَح وَجه موصوليتها فيهمَا. وَقد تكفّل بِبَيَان ذَلِك جَمِيعه أَبُو حَيَّان فِي تَذكرته قَالَ: إِذا أتيت ببين صلَة ل مَا فَقيل أعجبني مَا بَيْنكُمَا فسقوط مَا جَائِز وتقضي على بَين بِالرَّفْع ولفظها مَنْصُوب. وَلَك أَن ترفع بَين الْفِعْل وَتُعْطِي حقّ الْأَسْمَاء فتضمر مَا وَلَا تضمر الَّذِي فَإِنَّهَا تكون وقتا ومحلاً فَالْأول كَقَوْلِهِم: لَا أكلّمك مَا دَامَ للزّيت عاصر فَمَا مَوْضُوعَة فِي مَوضِع أبدا وانتصابها فِيهِ كانتصاب لَا أكلّمك القارظ العنزيّ. وَالثَّانِي كَقَوْلِهِم: جلس مَا بَين الدَّاريْنِ واستوى مَا بَين المنزلتين وَأقَام مَا بَين المسجدين فَلَمَّا أَتَت مَا محلاًّ أَي: ظرفا ووقتاً ضارعت المحلّ الَّذِي بعْدهَا فَكفى مِنْهَا. واختصت بَين بالنيابة عَن مَا لأنّ مَا تكون شرطا وَبَين يشرط بهَا فِي قَوْلهم: بَيْنَمَا أنصفني ظَلَمَنِي وبينما اتَّصل بِي قطعني. وَأما

الَّذِي فَلَا يعرف لَهُ ذَلِك وَلَا يسْتَعْمل فِيهِ. ول مَا معنى ثانٍ هُوَ الْجَزَاء فِي أصل البنية وإقرارها على لفظ الَّذِي وَذَلِكَ قَول الْعَرَب: مُطِرْنَا مَا زبالة فالثّعلبية فزرود. حَكَاهُ الْكسَائي عَن الْعَرَب وَمَعْنَاهُ: مُطِرْنَا مَا بَين زبالة إِلَى الثعلبية فنابت زبالة عَن بَين وَجعل نصب بَين فِيهَا ونسقت الثعلبية فزرود عَلَيْهَا ونصبت مَا بمطرنا على أَن لَفظهَا الَّذِي ولزمت الْفَاء مَكَان إِلَى وَلم يصلح مَكَانهَا وَاو وَلَا ثمَّ وَلَا أَو وَلَا لَا لِأَنَّهَا تحفظ تَأْوِيل الْجَزَاء) وتجري فِي هَذَا الْكَلَام مجْراهَا فِي: إِن زرتني فَأَنت محسن وَلَا يجوز: وأَنْت لِأَنَّهُ لَا يُوصل الشَّرْط إِلَّا بِالْفَاءِ إِذْ كَانَت تفعل ذَلِك فِي ضَربته فبكي. وأصل الْكَلَام: إِن اتّصل الْمَطَر إِلَى زبالة فالثعلبية فَهُوَ مُطِرْنَا فَذَلِك الَّذِي يَنْبَغِي. فتحوّلت مَا إِلَى لفظ الَّذِي وَأَصلهَا الشَّرْط ولزمت الْفَاء مراقبة لذَلِك الأَصْل ونابت عَن إِلَى وَلَوْلَا الشَّرْط الَّذِي بنيت الْمَسْأَلَة عَلَيْهِ لم يعْطف وَاحِد بِالْفَاءِ على مخفوض بَين إِذْ لَا يُقَال فِيمَا تعرّى من معنى الشَّرْط: المَال بَين أَبِيك فأخيك. وَحكى الْكسَائي وَالْفراء بن الْعَرَب: هِيَ أحسن النَّاس مَا قرنا فَقدما مَعْنَاهُ: مَا بَين قرن إِلَى قدم فلزمت الْفَاء لأنّ مَا شَرط فِي الأَصْل ومحسّنة ذَلِك حسن إِلَى فِي مَوضِع الْفَاء وانتصب مَا فِي هَذِه الْمَسْأَلَة على التَّفْسِير وانتصب الْقرن بِنصب بَين الْمسْقط وعطفت الْقدَم على الْقرن. ثمَّ نقل كَلَام الْفراء وَقَالَ: وَمَا فِي ذَا الْمَعْنى لَا تسْقط فخطأ أَن يُقَال: مُطِرْنَا زبالة فالثّعلبية لِأَن مَا وَبَين اسْم وَاحِد يدْخل طرفاه فِيهِ وَمَا هِيَ الحدّ بَين

الشَّيْئَيْنِ دَلِيل هَذَا: أَن الَّذِي يَقُول: لَهُ عليّ مَا بَين الْألف إِلَى الْأَلفَيْنِ يدل ب مَا على اسْتِيفَاء مَا بَين الْألف والألفين. وَلَو قَالَ: جَلَست مَا بَين الدَّاريْنِ لم يكن جَامعا لكل مَا بَينهمَا فَأَتَت الْفَاء لمَذْهَب الشَّرْط وَإِن لم يذكر حرف الشَّرْط كَمَا لَزِمت الْفَاء مَعَ أما فَقيل: أمّا عبد الله فقائم لِأَن الْمَعْنى: مهما يكن من شَيْء فعبد الله قَائِم. وَالْفرق بَين جَلَست مَا بَين عبد الله فزيد وَجَلَست بَين عبد الله فزيد: أَن مَا إِذا حضرت كَانَ الَّذِي بَين الطَّرفَيْنِ مجلوساً فِي جَمِيعه وَإِذا لم تكن مَا احْتمل الْكَلَام جُلُوسًا فِي بعض الَّذِي بَين المكانين. فَإِذا قيل: عبد الله مَا بَين أَخِيك وَأَبِيك فَمَا منتصبة على انتصاب المحلّ وَأَصلهَا الشَّرْط وَمَا فَإِن قيل: عبد الله بَين أَخِيك فأبيك فموضع عبد الله بعض مَا بَين الْمَوْضِعَيْنِ وَيجوز استغراق الْمَكَان كلّه. وَلم يذكر الْفراء: زيد مَا أَخَاك وأباك. قَالَ أَبُو بكر: هُوَ عِنْدِي خطأ لِأَن مَا مَوْضُوعَة للْعُمُوم وَبَين لَا تحذف إلاّ بعْدهَا اعْتِمَادًا عَلَيْهَا مَعَ خلَافَة الَّذِي يَليهَا لَهَا. وَبَين من أَسمَاء الْمَوَاضِع الَّتِي لَيست نَاسا فَلَا يخلف بَين بعْدهَا إلاّ مَا لَا يكون من أَسمَاء) الأناسيّ مثل الْقرن والقدم والإهلال والسّرار والناقة والجمل وَمَا يجْرِي مجْرى ذَلِك. وَمن قَالَ: دَاري مَا الْكُوفَة فالحيرة وَهُوَ يذهب إِلَى مَا بَين الْكُوفَة إِلَى الْحيرَة لم يصب لأنّ هَذَا الْكَلَام لَا يَسْتَقِيم إلاّ بِأَن تكون الدَّار مالئة كلّ الْموضع الَّذِي بَين الْكُوفَة والحيرة وَمَا شوهدت دَار كَذَا. فَإِن لم تذكر مَا لم يبطل أَن يُقَال: دَاري بَين الْكُوفَة فالحيرة على أَن الدَّار آخذة بعض مَا بَين الْكُوفَة والحيرة وَلَو قَالَ: لَهُ عليّ مَا الْألف والألفين يُرِيد مَا بَين الْألف إِلَى الْأَلفَيْنِ كَانَ

الْكَلَام مُسْتَقِيمًا لوُقُوع مَا وَبَين على جَمِيع مَا بَين الطَّرفَيْنِ وَدخُول الطَّرفَيْنِ فيهمَا أَعنِي فِي مَا وَبَين. هَذَا مَا لخّصناه من تذكرة أبي حَيَّان وفيهَا فَوَائِد تتَعَلَّق ببين دون مَا تركناها لعدم تعلّق غرضنا بهَا. وَقَول الشَّارِح: وَمثل قَوْله قفا نبك ... إِلَخ مثل: مُبْتَدأ مُضَاف وَقَوله: الْفَاء فِيهِ بِمَعْنى إِلَى هَذِه الْجُمْلَة خبر الْمُبْتَدَأ ويروى فِي بعض النّسخ: وَمثله قَوْله بالضمير على أَنه مُبْتَدأ وَخبر وَهَذِه رِوَايَة فَاسِدَة. وَقَوله: البيتان مُبْتَدأ مَحْذُوف الْخَبَر أَي مقروءان والمعهود فِي مثله الْبَيْتَيْنِ بِالنّصب بِتَقْدِير: اقرا وَالْجُمْلَة فيهمَا اعْتِرَاض. وَإِنَّمَا لم يكتبهما لشهرتهما. وَهَذَا هُوَ الْجَواب الأول. وَأما الْجَواب الثَّانِي فَهُوَ قَوْله: وَيجوز أَن يكون الْمَعْنى: قفا نبك بَين منَازِل الدُّخُول يُرِيد أنّ المتعدد الَّذِي تُضَاف إِلَيْهِ بَين مَحْذُوف دلّ عَلَيْهِ مَا قبله وقدّر فِي الْمَوَاضِع الْأَرْبَع لِأَن الْمَعْطُوف شَرطه غَالِبا أَن يحلّ مَوضِع الْمَعْطُوف عَلَيْهِ. - وقدّره بَعضهم بَين مَوَاضِع الدُّخُول فَتكون بَين مُضَافَة إِلَى مُتَعَدد مَحْذُوف. وَأجَاب بَعضهم بأنّ كلا من الدُّخُول وحومل وتوضح والمقراة مَوضِع وسيع يشْتَمل على منَازِل ومواضع فأضيف بَين إِلَيْهَا لاشْتِمَاله على مُتَعَدد تَقْديرا فَلَا حذف وَعَلَيْهِمَا تكون الْفَاء عاطفة وتفيد تَرْتِيب الْبكاء بَين منَازِل هَذِه الْمَوَاضِع.

وَلم يقدّر الشَّارِح هُنَا مَفْعُولا لنبك فَيحْتَمل أَنه جعل الْمَفْعُول بَين وَيحْتَمل أنّ نبك لَازم أَي: نُحدث الْبكاء بَين منَازِل هَذِه الْمَوَاضِع فَتكون بَين ظرفا للبكاء. وَهَذَا أولى لأنّ المبكيّ من أَجله تقدّم.) وَهَذَا الْجَواب هُوَ الجيّد وَالْجَوَاب الأول غير جيد كَمَا بيّنّاه. وَقَول الشَّارِح الْمُحَقق: وَكَذَا فِي غير هَذَا الْموضع أَشَارَ بِهِ إِلَى مَا تقدم من قَوْلهم: مُطِرْنَا مَا بَين زبالة فالثعلبية فَإِن التَّقْدِير مَا بَين أَمَاكِن زبالة فأماكن الثعلبية. وَمن قَوْلهم: هِيَ أحسن النَّاس مَا بَين قرن إِلَى قدم فإنّك تقدّر مَا بَين أَجزَاء قرن وَمَا بَين قرن فَقدم أَي: مَا بَين أَجزَاء قرن فأجزاء قدم وَمَا قرنا فَقدما: مَا بَين أَجزَاء قرن فأجزاء قدم. وَكَذَا تقدّر فِي قَوْله تَعَالَى: مثلا مَا بعوضة فَمَا فَوْقهَا على قَول الْفراء: مَا بَين أَمْثَال بعوضة فأمثال فَوْقهَا. وَكَذَا يقدّر فِي قَوْلهم: الْحَمد لله مَا إهلالك إِلَى سرارك: مَا بَين أَوْقَات إهلالك. وَسكت ابْن هِشَام عَن الْآيَة وَعَن قَوْلهم: مَا قرنا إِلَى قدم لوضوح التَّقْدِير. وَقَالَ الدماميني: لم يتَعَرَّض إِلَى الِاعْتِذَار عَن بعوضة وَقرن على هَذَا القَوْل فتأمّله. وَقد تأمّله بَعضهم فَقَالَ: وَغَايَة مَا يظْهر أَن تكون إِلَى الَّتِي الْفَاء بمعناها للمعيّة على مَا يَقُول الْكُوفِيُّونَ وَمعنى: مَا بَين قرن مَعَ قدم وَمَا بَين بعوضة مَعَ مَا فَوْقهَا: مَا بَينهمَا. - وَأما إِن بقيت إِلَى على مَعْنَاهَا فَلَا يظْهر لصِحَّة إِضَافَة بَين

إِلَى قرن وبعوضة وَجه إِذْ لايمكن هَذَا كَلَامه وَهُوَ غنيّ عَن الردّ لظُهُور خلله. هَذَا وَقد أورد سِيبَوَيْهٍ المصراع الأول فِي بَاب وُجُوه القوافي فِي الإنشاد من أَوَاخِر كِتَابه قَالَ: أما إِذا ترنّموا فَإِنَّهُم يلحقون الْألف وَالْيَاء وَالْوَاو مَا ينوّن وَمَا لَا ينوّن لأَنهم أَرَادوا مدّ الصَّوْت وَذَلِكَ كَقَوْل امرىء الْقَيْس: قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزلي الْبَيْت إِلَى آخر مَا ذكره. قَالَ الأعلم: الشَّاهِد فِيهِ وصل اللَّام فِي حَال الْكسر بِالْيَاءِ للترنّم وَهُوَ مد الصَّوْت. وَقَوله: قفا نبك فِيهِ أَرْبَعَة أَقْوَال: أَحدهَا: لأكْثر أهل اللُّغَة أَنه خطاب لرفيق وَاحِد قَالُوا: لِأَن الْعَرَب تخاطب الْوَاحِد بخطاب الِاثْنَيْنِ قَالَ الله تَعَالَى مُخَاطبا لمَالِك: ألقيا فِي جهنّم وَقَالَ الشَّاعِر: الطريل (فَإِن تزجراني يَا ابْن عَفَّان أنزجر ... وَإِن تدعاني أحم عرضا ممنّعا) وَقَالَ آخر: الوافر ( وَقلت لصاحبي لاتحبسانا ... بِنَزْع أُصُوله واجدزّ شيحا))

وَحكي عَن الْحجَّاج أَنه قَالَ: يَا حرسي اضربا عُنُقه. وَلعلَّة فِيهِ أَن أقل أعوان الرجل فِي إبِله وَمَاله اثْنَان وَأَقل الرّفْقَة ثَلَاثَة فَجرى كَلَام الرجل على مَا قد ألف من خطابه لصاحبيه. قَالُوا: وَالدَّلِيل على أَن امْرأ الْقَيْس خَاطب وَاحِدًا قَوْله فِي هَذِه القصيدة: الطَّوِيل أصاح ترى برقاً أريك وميضه الْبَيْت وَقَالَ ابْن النّحاس: هَذَا شَيْء يُنكره حذاق الْبَصرِيين لِأَنَّهُ إِذا خُوطِبَ الْوَاحِد مُخَاطبَة الِاثْنَيْنِ وَقع الْإِشْكَال. وَفِيه نظر فَإِن الْقَرِينَة تدفع اللّبْس. ثَانِيهَا: للمبرد قَالَ: التَّثْنِيَة لتأكيد الْفِعْل وَالْأَصْل: قف قف بالتكرير للتَّأْكِيد فَلَمَّا كَانَ الْفِعْل لَا يثني ثني ضَمِيره. وَكَذَا ألقيا واضربا وتزجراني وتدعاني وتحبسانا. ثَالِثهَا: للزجاج أَنه مثنى حَقِيقَة خطابا لصاحبيه. وَكَذَا ألقيا خطاب للملكين. وَيرد عَلَيْهِ مَا عداهما فَإِنَّهُ لَا يتَصَوَّر فِيهِ مَا زَعمه. رَابِعهَا: أَن أَصله قفن بنُون التوكيد الْخَفِيفَة فأبدل النُّون ألفا إِجْرَاء للوصل مجْرى الْوَقْف. ونبك مجزوم فِي جَوَاب الشَّرْط. وَبِه اسْتشْهد الْمرَادِي فِي شرح الألفية. والسقط مثلث الأول: مَا تساقط من الرمل. واللوى كإلى: مَا النَّوَى من الرمل. وَسقط اللوى: حَيْثُ يسترق الرمل فَيخرج مِنْهُ إِلَى الجدد. وَإِنَّمَا وصف الْمنزل بِهِ لأَنهم كَانُوا لَا ينزلون إِلَّا فِي صلابة من الأَرْض لتَكون أثبت لأوتاد الْأَبْنِيَة والخيام وَأمكن لحفر النؤي وَإِنَّمَا يكون ذَلِك حَيْثُ

قَالَ التبريزي فِي شرح المعلقات: الْبَاء من بسقط يجوز أَن تتَعَلَّق بقفا وبنبك وبمنزل. وَقَالَ الزوزني: هِيَ صفة لمنزل أَو لحبيب أَو مُتَعَلق بنبك. فتأملها مَعَ مَا سبق. وَالدُّخُول بِفَتْح الدَّال وَضم الْخَاء الْمُعْجَمَة قَالَ أَبُو عبيد الْبكْرِيّ فِي مُعْجم مَا استعجم: هُوَ مَوضِع اخْتلف فِي تحديده فَقَالَ مُحَمَّد بن حبيب: الدُّخُول وحومل فِي بِلَاد أبي بكر بن كلاب وَأنْشد لكثير: الْكَامِل (أَمن ال قتلة بِالدُّخُولِ رسوم ... وبحوملٍ طللٌ يلوح قديم) وَقَالَ أَبُو الْحسن: الدُّخُول وحومل: بلدان بِالشَّام. وَأنْشد: قفا نبك الْبَيْتَيْنِ. وَقَالَ أَبُو الْفرج: هَذِه كلهَا مَوَاضِع مَا بَين أمرة إِلَى أسود الْعين إِلَّا أَن أَبَا عُبَيْدَة يَقُول: إِن المقراة لَيْسَ موضعا وَإِنَّمَا يُرِيد الْحَوْض الَّذِي يجْتَمع فِيهِ المَاء. وَقَالَ فِي أمرة: بِفَتْح الْهمزَة وَالْمِيم وَالرَّاء الْمُهْملَة: هِيَ بلد كريم سهل فِي حمى ضرية من نَاحيَة) الْبَصْرَة وَبَينه وَبَين الستار الَّذِي هُوَ جبل من حمى ضرية خَمْسَة أَمْيَال. وأسود الْعين: جبل على طَرِيق الْحَاج الْبَصْرِيّ للمصعد بَينه وَبَين حمى ضرية سَبْعَة وَعِشْرُونَ ميلًا فَيكون مَا بَين أمرة وأسود اثْنَيْنِ وَعشْرين ميلًا. وَقَالَ فِي حومل: هُوَ اسْم رملةٍ تركب القف وَهِي بأطراف الشَّقِيق وناحية الْحزن لبني يَرْبُوع وَقَالَ فِي توضح: بِضَم أَوله وَكسر الضَّاد الْمُعْجَمَة بعْدهَا حاء مُهْملَة: مَوضِع مَا بَين رمل السبخة وأود. وَقَالَ الْحَرْبِيّ: توضح من حمى ضرية.

- وَقَالَ فِي أود: هُوَ بِضَم الْهمزَة وبالدال الْمُهْملَة: مَوضِع بِبِلَاد مَازِن. وَقَالَ ابْن حبيب: أود لبني يَرْبُوع بالحزن. وَقيل: أود والمقراة: حدا الْيَمَامَة. وَفِي شعر جرير أود لبني يَرْبُوع. وَضبط المقراة هِيَ بِكَسْر الْمِيم وَإِسْكَان الْقَاف. وَقَالَ التبريزي: هَذِه الْمَوَاضِع الَّتِي ذكرهَا مَا بَين أمرة إِلَى أسود الْعين وَهُوَ جبل وَهِي منَازِل بني كلاب. والمقراة فِي غير هَذَا الْموضع: الغدير الَّذِي يجْتَمع فِيهِ المَاء من قَوْلهم: قريت المَاء فِي الْحَوْض إِذا جمعته. وزبالة بِضَم الزَّاي المجمعة بعْدهَا بَاء مُوَحدَة قَالَ الْبكْرِيّ: بلد ويدلك أَنَّهَا قريب من زرود قَول الشماخ يصف نَاقَته: الطَّوِيل (وراحت رواحاً من زرود فنازعت ... زبالة جلباباً من اللَّيْل أخضرا) قَالَ مُحَمَّد بن سهل: زبالة من أَعمال المدينه سميت بضبطها المَاء وَأَخذهَا مِنْهُ كثيرا من قَوْلهم: إِن فلَانا لشديد الزبل للقرب. وَقَالَ ابْن الْكَلْبِيّ عَن أَبِيه: سمّيت بزبالة بنت مَسْعُود من العماليق نزلت موضعهَا فسمّيت بهَا. وَقَالَ أَيْضا فِي الثعلبية: بِفَتْح الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة هِيَ بِئْر منسوبة إِلَى ثَعْلَبَة بن مَالك بن دودان بن أَسد هُوَ أول من احتفرها وَهِي من أَعمال الْمَدِينَة وَهِي مَاء لبني أَسد. وزرود: حَبل رمل.

- وَقَوله: لم يعف رسمها هُوَ مَوضِع التَّعْلِيل للبكاء لِأَنَّهُ لَو عفت هَذِه الْمَوَاضِع أَو عَفا رسمها لاستراح العاشق وَفِي بَقَائِهَا أَشد حزن لَهُ كَقَوْل ابْن أَحْمَر: الوافر (ألاليت الْمنَازل قد بلينا ... فَلَا يرمين عَن شزنٍ حَزينًا) أَي: فَلَا يرمين عَن تحرّف.) يُقَال: شزن فلَان ثمَّ رمى أَي: تحرّف فِي أحد شقّيه وَذَلِكَ أشدّ لرميه أَي: ليتها بليت حَتَّى لاترمي قُلُوبنَا بالأحزان والأوجاع. وَعَفا الشَّيْء يعْفُو عفوا وعفوّاً وعفاء: درس وانمحى وعفاه غَيره: درسه. والرسم: مَا لصق بِالْأَرْضِ من آثَار الديار مثل البعر والرّماد. وَقَوله: لم نسجتها تَعْلِيل لعدم العفاء والامّحاء. قَالَ الْأَصْمَعِي: إِن الرّيحين إِذا اختلفتا على الرَّسْم لم يعفواه فَلَو دَامَت عَلَيْهِ وَاحِدَة لعفته لِأَن الرّيح الْوَاحِدَة تسفي على الرَّسْم فيدرس وَإِذا اعتورته ريحَان فسفت عَلَيْهِ إِحْدَاهمَا فغطّته ثمَّ هبّت الْأُخْرَى كشفت عَن الرَّسْم مَا وَقيل: مَعْنَاهُ: لم يعف رسمها للريح وَحدهَا إِنَّمَا عَفا للريح والمطر وترادف السنين. وَقيل: مَعْنَاهُ لم يعف رسم حبّها من قلبِي وَإِن نسجتها الرّيحان فعفتها مَعَ الأمطار والسنين. وَالْمعْنَى الْجيد هُوَ الأول. وفاعل نسجت ضمير مَا وهَا ضمير الْمَوَاضِع الْأَرْبَعَة. وَمن بَيَان لما فَتكون مَا عبارَة عَن ريح الْجنُوب وَالشمَال وهما ريحَان متقابلان. - وَهَذَانِ البيتان أول معلقَة امرىء الْقَيْس وَتَقَدَّمت تَرْجَمته فِي الشَّاهِد التَّاسِع وَالْأَرْبَعِينَ من أَوَائِل الْكتاب. وَتقدم أَيْضا شرح غَالب هَذِه القصيدة فِي مَوَاضِع مُتعَدِّدَة مَعَ بَيَان سَبَب نظمها.

ومصراع الْبَيْت الأول مدح بِحسن الِابْتِدَاء وعجزه غير ملائم لَهُ. والممدوح مطلع قصيدة للنابغة الذبياني: الطَّوِيل (كليني لَهُم يَا أُمَيْمَة ناصب ... وليلٍ أقاسيه بطيء الْكَوَاكِب) وَتقدم بَيَان حسنه فِي الشَّاهِد السَّابِع وَالثَّلَاثِينَ بعد الْمِائَة. قَالَ ابْن أبي الإصبع فِي تَحْرِير التحبير: لعمري لقد أحسن ابْن المعتز فِي اخْتِيَاره بَيت النَّابِغَة لحسن الِابْتِدَاء فَإِنِّي أظنّه نظّر بَين هَذَا الِابْتِدَاء وَبَين ابْتِدَاء امرىء الْقَيْس فَرَأى ابْتِدَاء امرىء الْقَيْس على تقدّمه وَكَثْرَة مَعَاني ابْتِدَائه متفاوت الْقسمَيْنِ جدا لِأَن صدر الْبَيْت جمع بَين عذوبة اللَّفْظ وسهولة السّبك وَكَثْرَة الْمعَانِي بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْعَجز وألفاظ الْعَجز غَرِيبَة بِالنِّسْبَةِ إِلَى فَثَبت أنّ بَيت امرىء الْقَيْس وَإِن كَانَ أَكثر معَان من بَيت النَّابِغَة فبيت النَّابِغَة أفضل من جِهَة ملايمة أَلْفَاظه ومساواة قسميه. - وَإِنَّمَا عظّم ابْتِدَاء معلقَة امرىء الْقَيْس فِي النُّفُوس الِاقْتِصَار على سَماع صدر الْبَيْت فَإِنَّهُ يشغل الْفِكر بحسنه عَن النّظر فِي ملايمة عَجزه أَو عدم ملايمته وَهُوَ الَّذِي قيل عِنْد سَمَاعه للمنشد:) حَسبك فَإِن قَائِل هَذَا الْكَلَام أشعر النَّاس لِأَنَّهُ وقف واستوقف وَبكى واستبكى وَذكر الحبيب والمنزل فِي شطر بَيت وَلم يستنشد الْعَجز شغلاً بِحسن الصَّدْر عَنهُ. وَإِذا تَأمل النَّاظر فِي النَّقْد الْبَيْت بِكَمَالِهِ ظهر لَهُ تفَاوت الْقسمَيْنِ. انْتهى.

ولعمري لقد أحسن الإِمَام الباقلاّني فِي كتاب إعجاز الْقُرْآن بإطالة لِسَانه بتزيف هَذَا المطلع حَيْثُ قَالَ: الَّذين يتعصبون لامرىء الْقَيْس ويدّعون محَاسِن الشّعْر يَقُولُونَ: هَذَا من البديع لِأَنَّهُ وقف واستوقف وَبكى واستبكى وَذكر الْعَهْد والمنزل والحبيب وتوجّع واستوجع كلّه فِي بَيت وَنَحْو ذَلِك. وَإِنَّمَا بيّنّا هَذَا لئلاّ يَقع لَك ذهابنا عَن مَوَاضِع المحاسن إِن كَانَت ولاغفلتنا عَن مَوَاضِع الصِّنَاعَة إِن وجدت. تأمّل أرشدك الله تعلم أَنه لَيْسَ فِي الْبَيْتَيْنِ شَيْء قد سبق فِي ميدانه شَاعِرًا ولاتقدّم بِهِ صانعاً. وَفِي لَفظه وَمَعْنَاهُ خلل فأوّل ذَلِك أَنه استوقف من يبكي لذكر الحبيب وذكراه لايقتضي بكاء الخليّ وَإِنَّمَا يصحّ طلب الإسعاد فِي مثل هَذَا على أَن يبكي لبكائه ويرقّ لصديقه فِي شدّة برحائه. فَأَما أَن يبكي على حبيب صديقه وعشيق رَفِيقه فَأمر محَال. فَإِن كَانَ الْمَطْلُوب وُقُوفه وبكاءه أَيْضا عَاشِقًا صحّ الْكَلَام وَفَسَد الْمَعْنى لِأَنَّهُ من السّخف أَن لايغار على حَبِيبه وَأَن يَدْعُو غَيره إِلَى التغازل عَلَيْهِ والتواجد مَعَه فِيهِ. ثمَّ فِي الْبَيْتَيْنِ مَا لَا يُفِيد من ذكر هَذِه الْمَوَاضِع وَتَسْمِيَة هَذِه الْأَمَاكِن من الدّخول وحومل وتوضح والمقراة وَسقط اللّوى وَقد كَانَ يَكْفِيهِ أَن يذكر فِي التَّعْرِيف بعض هَذَا وَهَذَا التَّطْوِيل إِذا لم يفد كَانَ ضربا من العيّ. ثمَّ إِن قَوْله: لم يعف رسمها ذكر الْأَصْمَعِي من محاسنه أَنه بَاقٍ فَنحْن نحزن على مشاهدته فَلَو عَفا لاسترحنا. - وَهَذَا بِأَن يكون من مساويه أولى لِأَنَّهُ إِن كَانَ صَادِق الودّ فَلَا يزِيدهُ عفاء الرسوم إلاّ جدّة عهد وشدّة وجد. وَإِنَّمَا فزع الْأَصْمَعِي إِلَى إِفَادَة هَذِه الْفَائِدَة خشيَة أَن يعاب عَلَيْهِ فَيُقَال: أَي فَائِدَة لِأَن يعرّفنا أَنه لم يعف رسم منَازِل

حَبِيبه وأيّ معنى لهَذَا الحشو فَذكر مَا يُمكن أَن ثمَّ فِي هَذِه الْكَلِمَة خلل آخر لِأَنَّهُ عقّب الْبَيْت بِأَن قَالَ: الطَّوِيل) فَهَل عِنْد رسمٍ دارسٍ من معوّل فَذكر أَبُو عُبَيْدَة أَنه رَجَعَ فأكذب نَفسه كَمَا قَالَ زُهَيْر: الْبَسِيط (قف بالديار الَّتِي لم يعفها الْقدَم ... نعم وغيّرها الْأَرْوَاح والدّيم) وَقَالَ غَيره: أَرَادَ بِالْبَيْتِ الأول أَنه لم ينطمس أَثَره كلّه وَبِالثَّانِي أَنه ذهب بعضه حَتَّى لَا يتناقض الكلامان. وَلَيْسَ فِي هَذَا انتصارا لِأَن معنى عَفا: درس. واعتذار أبي عُبَيْدَة أقرب لَو صحّ وَلَكِن لم يرد هَذَا القَوْل مورد الِاسْتِدْرَاك على مَا قَالَه زُهَيْر فَهُوَ إِلَى الْخلَل أقرب. - وَقَوله: لما نسجتها كَانَ يَنْبَغِي أَن يَقُول: لما نسجها وَلكنه تعسّف فَجعل مَا فِي تَأْوِيل تَأْنِيث لِأَنَّهَا فِي معنى الرّيح وَالْأولَى التَّذْكِير دون التَّأْنِيث وضرورة الشّعْر قد دلّته على هَذَا التعسّف. وَقَوله: لم يعف رسمها كَانَ الأولى أَن يَقُول: لم يعف رسمه لِأَنَّهُ ذكر الْمنزل. فَإِن كَانَ ردّ ذَلِك إِلَى هَذِه الْبِقَاع والأماكن الَّتِي الْمنزل وَاقع بَينهَا فَذَلِك خلل لِأَنَّهُ إِنَّمَا يُرِيد صفة الْمنزل الَّذِي نزله حَبِيبه بعفائه أَو بِأَنَّهُ لم يعف

(الشاهد الثامن والثمانون بعد الثمانمائة)

دون مَا جاوره. وَإِن أَرَادَ بالمنزل الدَّار حَتَّى أنّث فَذَلِك أَيْضا خلل. وَلَو سلم من هَذَا كُله وَمِمَّا نكره ذكره كَرَاهِيَة التَّطْوِيل لم نشكّ فِي أنّ شعر أهل زَمَاننَا لَا يقصر عَن الْبَيْتَيْنِ بل يزِيد عَلَيْهِمَا ويفضلهما. انْتهى مَا أوردهُ الباقلاّني وَلَا يخفى مَا فِي بعضه من التعسّف. وَأنْشد بعده (الشَّاهِد الثَّامِن وَالثَّمَانُونَ بعد الثَّمَانمِائَة) الطَّوِيل (أيا دَار سلمى بالحروريّة اسلمي ... إِلَى جَانب الصّمّان فالمتثلّم) (أَقَامَت بَين البردين ثمّ تذكّرت ... منازلها بَين الدّخول فجرثم) (ومسكنها بَين الْفُرَات إِلَى اللّوى ... إِلَى شعبٍ ترعى بهنّ فعيهم ) على أَنه يسْتَعْمل فِي تَحْدِيد الْأَمَاكِن إِلَى محذوفاً مِنْهَا العاطف كَمَا فِي الْبَيْت الْأَخير فإنّ وَاو الْعَطف محذوفة من إِلَى الثَّانِيَة على خلاف الْقيَاس. وَظَاهر كَلَامه أَن الْوَاو لَا تسْتَعْمل مَعَ إِلَى فِي التَّحْدِيد الْمَذْكُور وَلم يقل بِهِ أحد وَإِن لم يكن هَذَا الظَّاهِر مُرَاده فَكَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَن يَقُول: يجوز بدل يسْتَعْمل على أنّ ذكر تَحْدِيد الْأَمَاكِن لَا فَائِدَة الْجَوَاز سمع أَبُو زيد بن من الْعَرَب: أكلت خبْزًا لَحْمًا تَمرا وَهُوَ مَذْهَب الفارسيّ وَمن تبعه.

وَالْمَنْع وَهُوَ قَول ابْن جني فِي سر الصِّنَاعَة وَمن تبعه وَتَأَول مَا ذكر على أَنه من بدل البداء. وَكَانَ يَنْبَغِي الِاكْتِفَاء بِالْبَيْتِ الثَّالِث لِأَنَّهُ مَوضِع الشَّاهِد وَحذف مَا قبله. وَهَذِه الأبيات مطلع قصيدة للنابغة الْجَعْدِي الصَّحَابِيّ كَذَا أوردهَا الْأَصْبَهَانِيّ فِي الأغاني وَزَاد بعْدهَا بَيْتا وَهُوَ: (ليَالِي تصطاد الرّجال بفاحمٍ ... وأبيض كالإغريض لم يتثلّم) وَرَوَاهَا ابْن الشجري فِي أَمَالِيهِ كَذَا: (أيا دَار سلمى بالحزون أَلا اسلمي ... نحيّيك عَن شحطٍ وَإِن لم تكلّمي) (عفت بعد حيٍّ من سليمٍ وعامرٍ ... تفانوا ودقّوا بَينهم عطر منشم) (ومسكنها بَين الْفُرَات إِلَى اللّوى ... إِلَى شعبٍ ترعى بهنّ فعيهم) (أَقَامَت بِهِ البردين ثمّ تذكّرت ... منازلها بَين الجواء فجرثم) (ليَالِي تصطاد الرّجال بفاحمٍ ... وأبيض كالإغريض لم يتثلّم) ولنتكلم عَن الرِّوَايَة الأولى أَولا: أيا: حرف نِدَاء وَالدَّار: الْمنزل مؤنث سَمَاعي. وسلمى: اسْم امْرَأَة وَالْبَاء من قَوْله بالحرويّة مُتَعَلقَة بِمَحْذُوف حَال من دَار. وَأَرَادَ: بالرّملة الحرورية فَإِن حروراء بالمدّ وَيقصر بالمهملات: اسْم رَملَة وعثة بِنَاحِيَة الدّهناء بِفَتْح الدَّال وَسُكُون الْهَاء) بعْدهَا نون يمدّ وَيقصر. قَالَ ابْن حبيب: الدهناء: رمال فِي طَرِيق الْيَمَامَة إِلَى مكّة وَهِي منَازِل بني تَمِيم لَا يعرف طولهَا وَأما عرضهَا فَثَلَاث لَيَال وَهِي على أَرْبَعَة

لَيَال من هجر وَيُقَال فِي الْمثل: أوسع من الدهناء. كَذَا فِي مُعْجم الْبكْرِيّ. والحروراء أَيْضا: قَرْيَة بِظَاهِر الْكُوفَة ينْسب إِلَيْهَا الحرورية وَهِي طَائِفَة من الْخَوَارِج كَانَ أوّل اجْتِمَاعهم بهَا وتحكيمهم حِين خالفوا عليّاً رَضِيَ اللَّهُ عَنْه وَالنِّسْبَة إِلَيْهِ حروريٌّ. كَذَا فِي الْعباب للصاغاني. وَهَذِه الْكَلِمَة لم يوردها الْبكْرِيّ فِي مُعْجَمه. وَلَيْسَ المُرَاد قَرْيَة الْكُوفَة وإلاّ لقَالَ: بحروراء. وَقَوله: اسلمي دُعَاء لدار سلمى بالسلامة لَهَا. وَقَوله: إِلَى جَانب حَال من دَار أَيْضا: أَي ممتدّة إِلَى جَانب الصّمّان بِفَتْح الصَّاد الْمُهْملَة وَتَشْديد الْمِيم. قَالَ الْبكْرِيّ فِي مُعْجَمه: هُوَ جبل ينقاد ثَلَاث لَيَال وَلَيْسَ لَهُ ارْتِفَاع سوى الصّمان لصلابته وَتخرج من الْبَصْرَة على طَرِيق الْمُنْكَدر لمن أَرَادَ مَكَّة فتسير إِلَى كاظمة ثَلَاثًا ثمَّ إِلَى الدّوّ ثَلَاثًا ثمَّ إِلَى الصّمّان ثَلَاثًا ثمَّ إِلَى الدهناء ثَلَاثًا. وَقَوله: فالمتثلم مَعْطُوف على جَانب قَالَ الْبكْرِيّ: هُوَ بِضَم أَوله وَفتح ثَانِيه وَفتح الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَفتح اللَّام الْمُشَدّدَة: مَوضِع بِالْعَالِيَةِ. انهتى. والعالية: مافوق نجد إِلَى تهَامَة. وَلم يذكرهَا البكريّ فِي مُعْجَمه. وَقَوله أَقَامَت بِهِ البردين بِفَتْح الْمُوَحدَة: مثنّى برد وَأَرَادَ بِهِ طرفِي الشتَاء. والبردان أَيْضا: الْغَدَاة والعشيّ. وَيجب أَن يكون هَذَا الْبَيْت بعد قَوْله: ومسكنها الْبَيْت ليعود ضمير بِهِ إِلَى الْمسكن كَمَا فِي رِوَايَة ابْن الشجري وإلاّ كَانَ يَنْبَغِي أَن يَقُول: أَقَامَت بهَا البردين ليعود ضمير بهَا إِلَى الدَّار فَإِنَّهَا مُؤَنّثَة كَمَا ذكرنَا. وَإِن أرجعنا ضمير بِهِ إِلَيْهَا بِاعْتِبَار الْمنزل فَهُوَ تعسّف. وَقَوله: وَبَين الدّخول فجرثم أَي: بَين مَوَاضِع الدُّخُول فمواضع جرثم. والدّخول تقدّم

شَرحه فِي الشَّاهِد المتقدّم وَالرِّوَايَة الصَّحِيحَة: بَين الجواء فجرثم. قَالَ الْبكْرِيّ فِي مُعْجَمه: جرثم بِضَم الْجِيم وَسُكُون الرَّاء وَضم الْمُثَلَّثَة قَالَ أَبُو سعيد: هُوَ مَاء) من مياه بني أسيد ثمَّ من بني فقعس وجرثم تجاه الجواء يدلّ على ذَلِك قَول الْجَعْدِي. وَقَالَ فِي الجواء: هُوَ بِكَسْر الْجِيم بعْدهَا وَاو وبالمدّ: جبل يَلِي رحرحان بَينه وَبَين الرّبذة ثَمَانِيَة فراسخ. وَقد ذكرته فِي رسم الربذَة وَذكر فِيهَا: هِيَ بِفَتْح الرَّاء والْمُوَحدَة والذال الْمُعْجَمَة هِيَ الَّتِي جعلهَا عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه حمى لإبل الصّدقة. وَأول أجبل حمى الرّبذة فِي غربيّها: رحرحان بَينهمَا بريدان ويلي رحرحان من غربيّه جبل يُقَال لَهُ: الجواء وهم على طَرِيق الرّبذة إِلَى الْمَدِينَة المنوّرة بَينه وَبَين الرّبذة أحد وَعِشْرُونَ ميلًا. وَلَيْسَ بالجواء مَاء وَأقرب الْمِيَاه إِلَيْهِ مَاء للسُّلْطَان يُقَال لَهُ: العزّافة بأبرق العزّاف بَينه وَبَين الجواء ثَلَاثَة أَمْيَال انْتهى. - وَوجه الْعَطف بِالْفَاءِ فِي الْبَيْتَيْنِ قد شَرحه الشَّارِح فِي الْبَيْت الْآتِي. وَقَوله: ومسكنها بَين الْفُرَات ... إِلَخ بعد أَن خَاطب الدَّار بالنداء ودعا لَهَا الْتفت إِلَى الْإِخْبَار عَن مسكن حبيبته فَقَالَ: ومسكنها بَين الْفُرَات هُوَ مُبْتَدأ وَخبر والفرات: نهر الْكُوفَة وَأَرَادَ بَين مَوَاضِع الْفُرَات. وَفِي الأغاني وَبَعض نسخ هَذَا الشَّرْح: العروب بدل الْفُرَات وَهُوَ تَحْرِيف مِنْهُ. وَقَوله: إِلَى اللّوى

مُتَعَلق بِحَال محذوفة وَصَاحب الْحَال الضَّمِير المستقرّ فِي بَين أَي ممتدّاً إِلَى اللوى بِكَسْر اللَّام وَالْقصر وَهُوَ كَمَا قَالَ التّوّزيّ: مَوضِع مَعْرُوف من أَرض بني تَمِيم. وَقَوله: إِلَى شعب مَعْطُوف بواو محذوفة والشّعب: جمع شُعْبَة وَهُوَ مسيل مَاء من ارْتِفَاع إِلَى بطن الْوَادي أَصْغَر من التّلعة قَالَه ابْن الشجري. وترعى: فعل مضارع وفاعله مستتر ضمير سلمى وَهُوَ من رعيت الْمَاشِيَة أرعاها رعياً إِذا أَخَذتهَا إِلَى المرعى وَيُقَال أَيْضا: رعت الْمَاشِيَة ترعى رعياً فَهِيَ راعية إِذا سرحت بِنَفسِهَا يسْتَعْمل مُتَعَدِّيا ولازماً كَذَا فِي الْمِصْبَاح. وَضمير بهنّ للشّعب ومفعول ترعى مَحْذُوف أَي: ترعى ماشيتها فِي الشّعب لكَون نبته أوفر فالباء فِي بهنّ ظرفية مُتَعَلقَة بترعى وَجُمْلَة ترعى: صفة لشعب. وَرَأَيْت فِي هَامِش بعض نسخ هَذَا الشَّرْح: ترعى بِضَم أَوله وَفتح الْعين: اسْم مَوضِع مَنْقُول من الْفِعْل وَمثله توضح انْتهى. وَهُوَ خطأ وَاضح على أَنه غير مَوْجُود هَذَا الْمَكَان فِي مُعْجم الْبكْرِيّ وَغَيره.) وَقَوله: فعيهم أَي: فَإلَى عيهم بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الْمُثَنَّاة التَّحْتِيَّة وَفتح الْهَاء قَالَ الْبكْرِيّ: هُوَ جبل بالغور بَين مكّة وَالْعراق وَقد ذكرته فِي رسم بيشة. وَقَالَ فِيهَا: هِيَ بِكَسْر الْمُوَحدَة والشين الْمُعْجَمَة: وَاد من أَوديَة تهَامَة. - وَلم يجر لعيهم فِيهَا ذكرا البتّة وَأما رِوَايَة ابْن الشجري فنتقول: قَوْله: الحزون: جمع حزن بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الزاء الْمُعْجَمَة وَهُوَ مَا غلظ من الأَرْض وهوخلاف السّهل وَكَأَنَّهُ أَرَادَ حزن بني يَرْبُوع فَجَمعه بِمَا حوله وَلَيْسَ الحزون اسْم مَوضِع بِعَيْنِه. قَالَ الْبكْرِيّ: حزن بني يَرْبُوع: قفٌّ غليظ مسيرَة ثَلَاث لَيَال وَقَالَ السكرِي فِي أشعار اللُّصُوص: الْحزن بِلَاد بني

يَرْبُوع وَهِي أطيب الْبَادِيَة مرعًى ثمَّ الصّمّان. وَقَالَ حنيف الحناتم: من قاظ الشّرف وتربّع الْحزن وتشتّى الصّمّان فقد أصَاب المرعى والشرف: من بِلَاد بني نمير. وَألا: حرف تَنْبِيه واسلمي: فعل أَمر مُسْند إِلَى ضمير الدَّار دَعَا لَهَا بالسلامة. وَقَوله: نحيّيك عَن شحطٍ وَإِن لم تكلّمي نحيّيك: من التَّحِيَّة قَالَ صَاحب الْمِصْبَاح: حيّاه تحيّة أَصله الدُّعَاء بِالْحَيَاةِ ثمَّ كثر حَتَّى اسْتعْمل فِي مُطلق الدُّعَاء ثمَّ اسْتَعْملهُ الشَّرْع فِي دُعَاء مَخْصُوص وَهُوَ: سَلام عَلَيْك انْتهى. والشّحط: الْبعد وَفعله من بَاب منع. وَقَوله: وَإِن لم تكلّمي أَصله تتكلمي بتاءين. قَالَ ابْن الشجري: خَاطب الدَّار بقوله: أيا دَار سلمى وَبِقَوْلِهِ: اسلمي وَبِمَا بعده ثمَّ انْصَرف وَقَوله: عفت: بِمَعْنى درست وَذهب آثارها وَقَالَ ابْن الشجري: وسليم وعامر اللَّذَان ذكرهمَا: سليم بن مَنْصُور بن عِكْرِمَة بن خصفة بن قيس بن عيلان وعامر بن صعصعة بن مُعَاوِيَة بن بكر بن هوَازن بن مَنْصُور بن عِكْرِمَة الْمَذْكُور. وَأَرَادَ بمنشم امْرَأَة من خُزَاعَة يُقَال لَهَا: منشم بنت الْوَجِيه كَانَت تبيع الْعطر فِي الْجَاهِلِيَّة فَلَمَّا وَقعت الْحَرْب بَين جرهم وخزاعة كَانَت إِذا حضر الْقِتَال

تَجِيء بالطّيب مدقوقاً فتطيّب بِهِ فتيَان خُزَاعَة وَكَانَ من مسّ من ذَلِك الطّيب شَيْئا لم يرجع من يَوْمه إلاّ جريحاً أَو قَتِيلا فَضربت الْعَرَب الْمثل بعطرها فِي الشؤم. انْتهى.) وَقد استقصينا الْكَلَام فِي منشم فِي شرح أَبْيَات من معلقَة زُهَيْر من بَاب الِاشْتِغَال. وَقَوله: أفاءت بِهِ قد تقدّم شرحة مَعَ مَا قبله. قَالَ ابْن الشجري: أضمر الْمسكن بعد إِضْمَار الشّعب. وَقَوله: ليَالِي تصطاد ... إِلَخ ظرف مُتَعَلق بأقامت والفاحم: الشّعْر الْأسود كالفحم وَقَوله: وأبيض أَي: بثغر وَاضح برّاق كالإغريض وَهُوَ طلع النّخل شبّه أسنانها بِهِ. وتقدّمت تَرْجَمَة النَّابِغَة الْجَعْدِي فِي الشَّاهِد السَّادِس والثمانين بعد الْمِائَة. وَفِي قصيدة لجَابِر بن حنّي التّغلبيّ بيتان على نمط شعر الْجَعْدِي فِي خطاب الدَّار وهما: (فيا دَار سلمى بالصّريمة فاللّوى ... إِلَى مدفع القيقاء فالمتثلّم ) (أَقَامَت بهَا بالصيف ثمّ تذكّرت ... مصايرها بَين الجواء فعيهم) وَهِي مَذْكُورَة فِي المفضليات. قَالَ شارحها ابْن الْأَنْبَارِي: القيقاء: جمع قيقاءة وَهُوَ مَا غلظ من الأَرْض فِي ارْتِفَاع ومصايرها: موَاضعهَا الَّتِي تصير إِلَيْهَا فِي الشتَاء والجواء وعيهم: موضعان.

(الشاهد التاسع والثمانون بعد الثمانمائة)

وَأنْشد بعده (الشَّاهِد التَّاسِع وَالثَّمَانُونَ بعد الثَّمَانمِائَة) وَهُوَ من شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ: الْبَسِيط يَا دَار ميّة بالعلياء فالسّند هَذَا صدر وعجزه: أقوت وَطَالَ عَلَيْهَا سالف الأمد على أَن الْفَاء فِيهِ لإِفَادَة التَّرْتِيب فِي الذّكر فَتكون عاطفة على مَعْنَاهَا وَلم يُمكن جعلهَا بِمَعْنى إِلَى كَمَا تقدم فِي أول التخريجين فَبِي بَيت امْرِئ الْقَيْس لعدم ظُهُور الْغَايَة. وَقصد بِهَذَا الرّدّ على الجرميّ فِي زَعمه أنّ الْفَاء فِي الْأَمَاكِن لمُطلق الْجمع كالواو فَلَا تدلّ على تَرْتِيب لأنّ الْحَرْف وَغَيره إِذا أمكن بَقَاؤُهُ على مَا وضع لَهُ فَلَا يعدل إِلَى خِلَافه. والعلياء والسّند كلّ مِنْهُمَا لَيْسَ اسْم مَكَان بِعَيْنِه قَالَ صَاحب الصِّحَاح: العلياء: كلّ مَكَان مشرف وَهُوَ بِفَتْح الْعين والمدّ. وَقَالَ صَاحب الْعباب: السّند بِالتَّحْرِيكِ: مَا قابلك من الْجَبَل وَعلا عَن السفح وَأنْشد هَذَا الْبَيْت. وَلِهَذَا لم يذكر الْبكْرِيّ العلياء فِي مُعْجَمه لَكِن أورد السَّنَد فَقَالَ: هُوَ بِفَتْح أَوله وثانيه: مَاء بتهامة مَعْرُوف وَهُوَ الَّذِي عَنى النَّابِغَة بقوله. يَا دَار ميّة بالعلياء فالسّند

وَقد حدّده الْأَحْوَص فِي قَوْله: مجزوء الوافر (غشيت الدّار بالسّند ... دوين الشّعب من أحد) وَقَالَ أَبُو بكر: سَنَد: مَاء مَعْرُوف لبني سعد انْتهى وَهَذَا غير ذَاك. قَالَ أَبُو عَليّ فِي الْمسَائِل البصرية: مَسْأَلَة: يَا دَار ميّة بالعلياء فالسّند يَا دَار ميّة بالعلياء غيّرها الجارّ مُتَعَلق بأقوت وبغيّرها لِأَن دَار ميّة معرفَة فَلَا يكون الْفِعْل صفة. فَأَما قَوْله: الطَّوِيل أداراً بحزوى هجت للعين عِبْرَة فَلَا يكون بحزوى إلاّ مُتَعَلقا بِمَحْذُوف أَلا ترى أنّ دَارا نكرَة وَيجوز فِي الْأَوَّلين أَن يكون الْجَار) مُتَعَلقا بِمَحْذُوف فَيكون فِي مَوضِع حَال كَقَوْلِه: الْبَسِيط يَا بؤس للْجَهْل ضرّاراً لأقوام وَلَا يجوز عِنْدِي فِي قَوْله: الوافر أَلا يَا بَيت بالعلياء بَيت

أَن يكون مُتَعَلقا بِمَحْذُوف على أَن يكون حَالا وَلَكِن مُتَعَلق بِمَحْذُوف على نَحْو: فِي الدَّار رجل لِأَنَّهُ خبر بَيت الثَّانِي وَيكون أقوت وغيّرها منقطعين مِمَّا قبلهمَا كَأَنَّهُ لما نَادَى أقبل على غَيرهَا فخاطبه. وَالدَّلِيل على كَون الظّرْف حَالا فِي بَيت ذِي الرمة وَأَنه يجوز أَن لَا يكون مُتَعَلقا بِالْفِعْلِ الَّذِي هُوَ غيّرها قَوْله فِي أُخْرَى: الْبَسِيط (يَا دَار ميّة بالخلصاء فالجرد ... سقيا وَإِن هجت أدنى الشّوق والكمد) فَإِن قلت: لم لَا تجْعَل بالعلياء فِي قَوْلك: أَلا يَا بَيت بالعلياء بَيت حَالا وَتجْعَل بَيت الثَّانِي بَدَلا من الأول ليخلص الظّرْف حَالا قلت: ذَلِك لَا يجوز. أَلا ترى أَنه لَا يَسْتَقِيم أَن تَقول مبتدئاً: يَا زيد وَلَوْلَا عمرا أكرمت كَمَا قَالَ: وَلَوْلَا حبّ أهلك مَا أتيت وَإِن شِئْت أجزته كَمَا قَالَ: الْخَفِيف (يَا ابْن أمّي وَلَو شهدتك إِذْ تد ... عو تميماً وَأَنت غير مجاب) وَمنعه ابْن جني فِي الْمُحْتَسب فَقَالَ: وسألني قَدِيما بعض من كَانَ يَأْخُذ عني فَقَالَ: لم لَا يكون بَيت الثَّانِي تكريراً على الأول كَقَوْلِك: يَا زيد زيد وَيكون بالعلياء فِي مَوضِع الْحَال من الْبَيْت كَمَا كَانَ قَول النَّابِغَة:

يَا دَار ميّة بالعلياء فالسّند قَوْله: بالعلياء فِي مَوضِع الْحَال أَي: يَا جَار ميّة عالية مُرْتَفعَة فَيكون كَقَوْلِه: يَا بؤس للْجَهْل ضرّاراً لأقوام هَذَا معنى مَا أوردهُ بعد أَن سدّدت السُّؤَال ومكّنته فَقلت: لايجوز ذَلِك هُنَا وَذَلِكَ أَنه لَو لَوْلَا حبّ أهلك مَا أتيت) فَيكون كَقَوْلِك: يَا زيد لَوْلَا مَكَانك مَا فعلت كَذَا وَأَنت لَا تَقول: يَا زيد وَلَوْلَا مَكَانك لم أفعل كَذَا فَإِذا بَطل هَذَا ثَبت مَا قَالَه صَاحب الْكتاب من كَونه كلَاما بعد كَلَام وَجُمْلَة تتلو جملَة وَهَذَا وَاضح. انْتهى كَلَامه وَكَأَنَّهُ لم يستحضر آخر كَلَام أبي عَليّ. وَقد غفل الْعَيْنِيّ عَن حكم وُقُوع الظّرْف بعد الْمعرفَة بجعله حَالا مِنْهَا فَقَالَ: بالعلياء محلّها النصب على أَنَّهَا صفة لدار ميّة وَالتَّقْدِير الكائنة بالعلياء وَهَذَا تحريره والبعرة تدلّ على الْبَعِير. وميّة: اسْم امراة وأقوت: خلت من السّكّان وأقفرت وَفِيه الْتِفَات من الْخطاب إِلَى الْغَيْبَة حَيْثُ لم يقل: أقويت والسالف: الْمَاضِي. والأبد: الدَّهْر. وَهَذَا الْبَيْت مطلع قصيدة للنابغة الذبياني تقدم ذكر سَببهَا مَعَ شرح أَبْيَات من أَولهَا فِي الشَّاهِد السَّابِع وَالْأَرْبَعِينَ بعد الْمِائَتَيْنِ. وَبعده:

الْبَسِيط (وقفت فِيهَا أصيلالاً أسائلها ... أعيت جَوَابا وَمَا بالدّار من أحد ) وَهَذِه الأبيات الثَّلَاثَة أنشدها سِيبَوَيْهٍ فِي بَاب الِاسْتِثْنَاء وَالشَّاهِد فِي الْبَيْت الثَّالِث وَهُوَ رفع الأواريّ فِي لُغَة تَمِيم ونصبه فِي لُغَة الْحجاز. قَالَ الأعلم: الشَّاهِد فِي قَوْله: إلاّ الأواريّ بِالنّصب على الِاسْتِثْنَاء الْمُنْقَطع لِأَنَّهَا من غير جنس الْأَحَد وَالرَّفْع جَائِز على الْبَدَل من الْموضع وَالتَّقْدِير: ومَا بِالربعِ أحد إلاّ الأواريّ على أَن تجْعَل من جنس الْأَحَد اتّساعاً ومجازاً انْتهى. وَقد تقدّم شرح الْبَيْت مفصّلاً فِي الشَّاهِد الثَّانِي وَالسبْعين بعد الْمِائَتَيْنِ. وأنشده بعده: الْكَامِل وَإِذا هَلَكت فَعِنْدَ ذَلِك فاجزعي على أنّ إِحْدَى الفاءين زَائِدَة. وَلم يعيّن الزَّائِد. - قَالَ أَبُو عَليّ فِي التَّذْكِرَة القصرية: الْفَاء الأولى زَائِدَة وَالثَّانيَِة فَاء الْجَزَاء. ثمَّ قَالَ: اجْعَل الزَّائِد أيّهما شِئْت. وعيّن القَاضِي فِي تَفْسِيره الأولى فَإِنَّهُ أورد الْبَيْت نظيراً لقَوْله تَعَالَى: فبذلك فليفرحوا قَالَ:) الْفَاء فِي فبذلك زَائِدَة مثلهَا الْفَاء الدَّاخِلَة على عِنْد فِي الْبَيْت. وَتَقْدِيم عِنْد للتَّخْفِيف كتقديم ذَلِك. وسيبويه لَا يثبت

(الشاهد التسعون بعد الثمانمائة)

زِيَادَة الْفَاء وَحكم بزيادتها هُنَا للضَّرُورَة. وَمن تبعه وجّه مَا أوهم الزِّيَادَة فوجّهها صَاحب اللّبَاب بِأَنَّهَا إِنَّمَا كرّرت هُنَا لبعد الْعَهْد بِالْفَاءِ الأولى كَمَا كرّر الْعَامِل فِي قَوْله: الطَّوِيل (لقد علم الحيّ اليمانون أنّني ... إِذا قلت أمّا بعد أنّي خطيبها) أُعِيد أنّي لبعد الْعَهْد بأنني انْتهى. وَهَذَا لَا يطّرد لَهُ فِي الْآيَة. وَهَذَا المصراع عجز وصدره: لَا تجزعي إِن منفسٌ أهلكته وَالْبَيْت آخر قصيدة للنمر بن تولب الصَّحَابِيّ وَتقدم الْكَلَام عَلَيْهِ مَعَ شرح القصيدة وترجمته فِي الشَّاهِد السَّادِس وَالْأَرْبَعِينَ من أَوَائِل الْكتاب. وَأنْشد بعده (الشَّاهِد التِّسْعُونَ بعد الثَّمَانمِائَة) الْخَفِيف على أنّ ثمّ فِيهِ لمُجَرّد التَّرْتِيب فِي الذّكر إِلَى آخِره. وَهَذَا أحد أجوبة ثَلَاثَة عَن إِشْكَال وَهُوَ أنّ ثمّ هُنَا قد عطفت المتقدّم على المتأخّر وَهُوَ عكس وَضعهَا فَأجَاب الْفراء وَهُوَ مَا ذكره الشَّارِح بأنّ ثمّ

فِيهِ للتَّرْتِيب الذكريّ وَيُقَال لَهُ: التَّرْتِيب الإخباري وترتيب اللَّفْظ أَيْضا. وَذَلِكَ أنّ الْفَاء وثمّ يكونَانِ لترتيب الْأَفْعَال والأقوال وثمّ هُنَا لترتيب القَوْل بِحَسب الذّكر والإخبار والتلفّظ قَالَ الْفراء وَمِنْه: بَلغنِي مَا صنعت الْيَوْم ثمَّ مَا صنعت أمس أعجب. وَإِلَيْهِ ذهب ابْن مَالك فِي التسهيل فَقَالَ: وَقد تقع ثمَّ فِي عطف المتقدّم بِالزَّمَانِ اكْتِفَاء بترتيب اللَّفْظ. انْتهى. وَفِي هَذَا الْجَواب اعْتِرَاف بأنّ ثمّ هُنَا للتَّرْتِيب بِدُونِ تراخٍ ومهلة كَمَا صرح بِهِ الشَّارِح وَهُوَ خلاف وَضعهَا. وَأجَاب ابْن عُصْفُور وَهُوَ الْجَواب الثَّانِي بأنّ ثمّ هُنَا على بَابهَا بِتَقْدِير أنّ الممدوح سَاد أوّلاً ثمَّ سَاد أَبوهُ بسيادته ثمَّ جدّه. قَالَ فِي شرح الْجمل: وَمَا ذكره الْفراء من أنّ الْمَقْصُود بثمّ تَرْتِيب الْأَخْبَار لَا تَرْتِيب الشَّيْء فِي نَفسه فَكَأَنَّهُ قَالَ: اسْمَع منّي هَذَا الَّذِي هُوَ: بَلغنِي مَا صنعت الْيَوْم ثمَّ اسْمَع منّي هَذَا الْخَبَر الآخر الَّذِي هُوَ: مَا صنعت أمس أعجب لَيْسَ بِشَيْء لِأَن ثمّ تَقْتَضِي تَأْخِير الثَّانِي عَن الأول بمهلة وَلَا مهلة بَين الإخبارين. وَأما قَول الشَّاعِر: إنّ من سَاد الْبَيْت فَيَنْبَغِي أَن يحمل على ظَاهره وَيكون الجدّ قد أَتَاهُ السّودد من قبل الْأَب وأتى الْأَب من قبل الابْن. وَذَلِكَ مِمَّا يمدح بِهِ وَإِن كَانَ الْأَكْثَر فِي كَلَامهم توارث السّودد وَيكون الْبَيْت إِذْ ذَاك مثل قَول ابْن الرُّومِي: الْبَسِيط (قَالُوا: أَبُو الصّقر من شَيبَان قلت لَهُم ... كلاّ لعمري وَلَكِن مِنْهُ شَيبَان) (فكم أبٍٍ قد علا بابنٍ ذرا حسبٍ ... كَمَا علت برَسُول الله عدنان) انْتهى.)

قَالَ الْمرَادِي فِي الجنى الداني: مَا ذكره ابْن عُصْفُور فِي تَأْوِيل الْبَيْت لَا يساعد عَلَيْهِ قَوْله: قبل ذَلِك. انْتهى. قَالَ الدماميني فِي الْحَاشِيَة الْهِنْدِيَّة: وَذَلِكَ لأنّ مَضْمُون الْكَلَام على مَا أجَاب بِهِ ابْن عُصْفُور أنّ سودد الابْن سَابق لسودد الْأَب وسدود الْأَب سَابق لسودد الجدّ وَالسَّابِق للسابق لشَيْء سَابق لذَلِك الشَّيْء فَتكون سيادة الابْن سَابِقَة لكل من سيادة أَبِيه وسيادة جدّه وسيادة الْأَب وَأجَاب بَعضهم عَن ابْن عُصْفُور بتحمّل وردّ عَلَيْهِ ويردّ عَلَيْهِ أَيْضا بأنّ ثمّ على التَّرَاخِي فَمَا معنى التَّرَاخِي والمهملة هُنَا وَأجَاب الْأَخْفَش وَهُوَ الْجَواب الثَّالِث بأنّ ثمّ هُنَا بِمَعْنى الْوَاو لمُطلق الْجمع. وردّ عَلَيْهِ بَعضهم بِأَنَّهُ لَو صحّ جريانها مجْرى الْوَاو لجَاز وُقُوعهَا حَيْثُ مَا يصلح إلاّ معنى الْوَاو فَكَانَ يُقَال: اخْتصم زيد ثمَّ عَمْرو كُنَّا يُقَال: اخْتصم زيد وَعَمْرو ولكنّ ذَلِك غير مقول بِاتِّفَاق. - قَالَ الشاطبي فِي شرح الألفية: قَالَ الْمَاوَرْدِيّ: الدَّلِيل على أَن ثمَّ لَا تكون بِمَعْنى الْوَاو إِجْمَاع الْفُقَهَاء على أَنه لَا يجوز أَن يُقَال: هَذَا بيمن الله ويمنك بِالْوَاو وَلَكِن أَجَازُوا أَن يُقَال: هَذَا بيمن الله ثمَّ يمنك. قَالَ: وَلَو كَانَت بِمَعْنى الْوَاو مَا فرّوا إِلَيْهَا. قَالَ: وَفِي الحَدِيث أنّ بعض الْيَهُود قَالَ لأَصْحَاب النَّبِي صلّى الله عَلَيْهِ وَسلم: تَزْعُمُونَ أَنكُمْ لَا تشركون بِاللَّه وَأَنْتُم تَقولُونَ: مَا شَاءَ الله وشئت فَذكر ذَلِك للنَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فَقَالَ: لَا تقولوها وَقُولُوا: مَا شَاءَ الله ثمَّ شِئْت. حدّث بِهِ قَاسم بن أصبغ. انْتهى.

وَأَقُول: هَذَا لَا يرد على الْأَخْفَش فَإِنَّهُ لم يدّع أنّ ثمَّ بِمَعْنى الْوَاو دَائِما وَإِنَّمَا يُرِيد قد تكون بمعناها فِي بعض الْموَاد وَذَلِكَ على سَبِيل الْمجَاز وَلَا يخفى أَن الْبَيْت إِذا حمل على قَوْله لم يرد عَلَيْهِ شَيْء. قَالَ الدماميني: لَا خَفَاء فِي كَون الْقَائِل بِأَن ثمَّ تسْتَعْمل بِدُونِ تَرْتِيب كالواو يَقُول: بِأَن ذَلِك اسْتِعْمَال مجازيّ وَلَا يشْتَرط فِي آحَاد الْمجَاز أَن تنقل بِأَعْيَانِهَا عَن أهل اللُّغَة بل يكْتَفى بالعلاقة على الْمَذْهَب الْمُخْتَار. والعلاقة المصححة هُنَا الِاتِّصَال الَّذِي بَين هذَيْن الحرفين من جِهَة أَن الْوَاو لمُطلق الْجمع وَثمّ لجمع مقيّد وَالْمُطلق دَاخل فِي المقيّد فَثَبت أنّ بَينهمَا اتِّصَالًا معنوياً فَجَاز اسْتِعْمَال ثمَّ بِمَعْنى الْوَاو مجَازًا لذَلِك.) وَحِينَئِذٍ فالسعي فِي تَأْوِيل تِلْكَ الْأَمْثِلَة مِمَّا يصحح التَّرْتِيب فِيهَا نظر فِي أَمر جزئيّ لَا يَقْتَضِي بطلَان المدّعى من أَصله انْتهى. وَهَذَا الْبَيْت من شعرٍ مولّد لَا يوثق بِهِ وأوله مغيّر اشْتهر بِهِ وَهُوَ أول أَبْيَات سَبْعَة لأبي نواس الْحسن بن هَانِيء مدح بهَا الْعَبَّاس بن عبيد الله بن أبي جَعْفَر وَهِي: الْخَفِيف (قل لمن سَاد ثمَّ سَاد أَبوهُ ... قبله ثمَّ قبل ذَلِك جدّه) (وَأَبُو جدّه فَسَاد إِلَى أَن ... يتلاقى نزاره ومعدّه) (ثمَّ آباؤه إِلَى الْمُبْتَدَأ من ... هـ أبٌ لَا أبٌ وأمٌّ تعدّه) (يَا ابْن بحبوحة البطاح عبيد الل ... هـ غوثاً من مستغيثٍ تودّه) ...

(واستزدني إِلَى مكارمك الغ ... رّ وفضلٍ إِلَيْك خيّم مجده) (عبدريًّ إِذا انْتَمَى أبطحيًّ ... تالدٍ نسجه عتيقٍ فرنده) وَالْعَبَّاس هَذَا: عمّ هَارُون الرشيد. وَلم يعرفهُ ابْن الملا فِي شرح الْمُغنِي فَقَالَ: لَعَلَّه الْعَبَّاس بن الْمَأْمُون بن الرشيد وَأَبُو نواس مَاتَ قبل أَن يصير ابْن الْمَأْمُون فِي عداد من يمدح. والمأمون اسْمه عبد الله وَأَبُو الممدوح اسْمه عبيد الله بِالتَّصْغِيرِ كَمَا فِي الشّعْر. وَقَوله: وَأَبُو جده مَعْطُوف على جده وَقَوله: فَسَاد يُرِيد فَسَاد من بَقِي من جدوده وَاحِدًا بعد وَاحِد إِلَى أَن يلاقيه جده نزار بن معد بن عدنان وَهُوَ عَمُود النّسَب المحمدي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ. وَزعم ابْن الملا أَن قَوْله: وَأَبُو جده فَسَاد مُبْتَدأ وَخبر وَالْفَاء زَائِدَة. وَقَوله: ثمَّ آباؤه أَي: بعد معد وَقَوله: إِلَى الْمُبْتَدَأ مِنْهُ أَب هُوَ آدم عَلَيْهِ السَّلَام خلقه الله تَعَالَى من ترابٍ لَا من أبٍ وَأم. - وَقَوله: وَلَا أَب وَأم تعده أَي: لَا لَهُ أَب تعده وَلَا لَهُ أمٌ تعدّها. وَعبيد الله بِالْجَرِّ: بدل من بحبوحة وَقَوله: غوثاً مَنْصُوب بِتَقْدِير أطلب وَهُوَ اسْم الإغاثة

وَقَوله: فاهتبل الاهتبال: الاغتنام والصنيعة: الْفِعْل الْجَمِيل. واذخرني: أَمر من ذخرته ذخْرا من بَاب نفع إِذا أعددته لوقت الْحَاجة إِلَيْهِ وَالِاسْم: الذخر بِالضَّمِّ وأجيده من الإجادة: أَي: أحسّنه وأجده أَي أحدثه جَدِيدا.) وَقَوله: واستزدني إِلَى مكارمك أَي: اجْعَلنِي زِيَادَة مَضْمُومَة إِلَى مكارمك أَي: اجْعَلنِي بعض مكارمك أَي: أفعالك الَّتِي تمدح بهَا والغر: جمع أغر وغرّاء والأغر: الْوَاضِح الْمَشْهُور. وَقَوله: وَفضل بِالْجَرِّ مَعْطُوف على مكارمك وخيّم: أَقَامَ. وَالْمجد: الشّرف والعز. وَقَوله: عبدري بِالْجَرِّ: صفة لفضل مَنْسُوب إِلَى عبد الدَّار وَهُوَ أحد أَوْلَاد قصي بن كلاب. وانتمى: انتسب. وأبطحي بِالْجَرِّ أَيْضا يردي أَنه من قُرَيْش البطاح وهم أشرف من قُرَيْش الظَّوَاهِر. وَقَوله: تالدٍ نسجه بِالْجَرِّ: صفة سَبَبِيَّة لفضل. ونسجه: فَاعل تالد والتالد: الْقَدِيم الْأَصْلِيّ وَالْهَاء فِي نسجه ضمير فضل. وعتيق بِالْجَرِّ أَيْضا. والفرند بكسرتين: الْجَوْهَر وَالْحسن. وترجمة أبي نواس تقدّمت فِي الشَّاهِد الثَّالِث وَالْخمسين من أَوَائِل الْكتاب.

- وَأنْشد بعده الطَّوِيل فَلم أجزنا ساحة الْحَيّ هُوَ قِطْعَة من بَيت من معلقَة امرىء الْقَيْس وَهُوَ: (فَلَمَّا أجزنا ساحة الْحَيّ وانتحى ... بِنَا بطن خبتٍ ذِي قفاف عقنقل) على أَن الْوَاو فِي قَوْله: وانتحى قيل: زَائِدَة وانتحى: جَوَاب لما وأوله البصريون. وَهَذَا الْخلاف فِي الْبَيْت مَبْنِيّ على أَن مَا بعده هَذَا: (إِذا قلت هَاتِي نوليني تمايلت ... عَليّ هضيم الكشح ريا المخلخل) فَإِن لما فِي الْبَيْت السَّابِق تَقْتَضِي جَوَابا وَلَا شَيْء فِي الْبَيْتَيْنِ صَالح لِأَن يكون جَوَابا فَقَالَ الْكُوفِيُّونَ: انتحى هُوَ الْجَواب وَالْوَاو زَائِدَة. وَقَالَ البصريون: الْوَاو عاطفة وَالْجَوَاب مَحْذُوف تَقْدِيره: فَلَمَّا أجزنا وانتحى بِنَا بطن خبتٍ أمنا أَو نلْت مأمولي وَنَحْو ذَلِك وَالْمَشْهُور فِي الرِّوَايَة أَن مَا بعد فَلَمَّا أجزنا ... الْبَيْت هُوَ هَذَا: (هصرت بفودي رَأسهَا فتمايلت ... عَليّ هضيم الكشح ريا المخلخل) وَعَلَيْهَا يكون هصرت جَوَاب لما عِنْد الْفَرِيقَيْنِ فَلَا زِيَادَة وَلَا نقص. - وَاعْلَم أَن الْكُوفِيّين وَجَمَاعَة من الْبَصرِيين أَجَازُوا زِيَادَة الْوَاو قَالَ الْفراء فِي تَفْسِير سُورَة يُوسُف: قَوْله تَعَالَى: فَلَمَّا جهزهم بجهازهم جعل السِّقَايَة جَوَاب وَرُبمَا أدخلت فِي مثلهَا الْوَاو) وَهِي جَوَاب على حَالهَا

كَقَوْلِه فِي أول السُّورَة: فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمعُوا أَن يَجْعَلُوهُ فِي غيابة الْجب وأوحينا إِلَيْهِ وَالْمعْنَى وَالله أعلم أَوْحَينَا إِلَيْهِ. وَهِي فِي قِرَاءَة عبد الله: فَلَمَّا جهزهم بجهازهم وَجعل السِّقَايَة. وَمثله فِي الْكَلَام: لما أَتَانِي وأثب عَلَيْهِ كَأَنَّهُ قَالَ وَثَبت عَلَيْهِ. وَقد جَاءَ الشّعْر فِي ذَلِك قَالَ امْرُؤ الْقَيْس: فَلَمَّا أجزنا ساحة الْحَيّ وانتحى الْبَيْت وَقَالَ آخر: الْكَامِل (حَتَّى إِذا قملت بطونكم ... ورأيتم أبناءكم شبوا) (وقلبتم ظهر الْمِجَن لنا ... إِن اللَّئِيم الْعَاجِز الخب) أَرَادَ: قلبتم. وَقَالَ أَيْضا فِي آخر تَفْسِير سُورَة الْأَنْبِيَاء: وَقَوله تَعَالَى: واقترب الْوَعْد الْحق مَعْنَاهُ وَالله أعلم: حَتَّى إِذا فتحت اقْترب وَدخُول الْوَاو فِي الْجَواب فِي حَتَّى إِذا بِمَنْزِلَة قَوْله تَعَالَى: حَتَّى إِذا جاؤوها وَفتحت. وَفِي قِرَاءَة عبد الله: فَلَمَّا جهزهم بجهازهم وَجعل السِّقَايَة وَفِي قراءتنا بِغَيْر وَاو. وَمثله فِي الصافات: فَلَمَّا أسلما وتله للجبين وناديناه مَعْنَاهُ ناديناه.

فَلَمَّا أجزنا ساحة الْحَيّ وانتحى الْبَيْت يُرِيد: انتحى. انْتهى كَلَامه. وَقد أورد أَن ابْن الْأَنْبَارِي فِي مسَائِل الْخلاف كَلَام الْفَرِيقَيْنِ فَلَا بَأْس بنقله مُخْتَصرا قَالَ: ذهب الْكُوفِيُّونَ إِلَى أَن الْوَاو العاطفة يجوز أَن تقع زَائِدَة وَإِلَيْهِ ذهب أَبُو الْحسن الْأَخْفَش وَأَبُو الْعَبَّاس الْمبرد وَأَبُو الْقَاسِم بن برهَان من الْبَصرِيين. وَذهب البصريون إِلَى أَنه لَا يجوز. وَاحْتج الْكُوفِيُّونَ بقوله تَعَالَى: حَتَّى إِذا جاؤوها وَفتحت أَبْوَابهَا قَالُوا: فتحت جَوَاب إِذا وَالْوَاو زَائِدَة كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي صفة سوق أهل النَّار إِلَيْهَا: حَتَّى إِذا جاؤوها فتحت أَبْوَابهَا وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: حَتَّى إِذا فتحت يَأْجُوج وَمَأْجُوج وهم من كل حدبٍ يَنْسلونَ واقترب الْوَعْد الْحق اقْترب جَوَاب إِذا وَالْوَاو زَائِدَة وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: إِذا السَّمَاء انشقت وأذنت لِرَبِّهَا وحقت التَّقْدِير أَذِنت. وَبقول الشَّاعِر: فَلَمَّا أجزنا ساحة الْحَيّ وانتحى الْبَيْت ) وَبقول آخر: حَتَّى إِذا قملت بطونكم الْبَيْتَيْنِ وَعَن الْآيَة الثَّانِيَة بِأَن التَّقْدِير: وهم من كل حدبٍ يَنْسلونَ

قَالُوا يَا ويلنا. وَقيل الْجَواب: فَإِذا هِيَ شاخصة. وَعَن الثَّالِثَة بِأَن التَّقْدِير: وأذنت لِرَبِّهَا وحقت يرى الْإِنْسَان الثَّوَاب وَالْعِقَاب. وَكَذَا يقدر فِي قَول الشَّاعِر: فَلَمَّا أجزنا وانتحى بِنَا بطن خبتٍ خلونا ونعمنا. وقلبتم ظهر الْمِجَن لنا بَان غدركم ولؤمكم. وَإِنَّمَا حذف الْجَواب فِي هَذِه الْمَوَاضِع للْعلم بِهِ توخياً للإيجاز وَقد جَاءَ حذف الْجَواب. قَالَ تَعَالَى: وَلَو أَن قُرْآنًا سيرت بِهِ الْجبَال أَو قطعت بِهِ الأَرْض أَو كلم بِهِ الْمَوْتَى التَّقْدِير: لَكَانَ هَذَا الْقُرْآن. وَقَالَ تَعَالَى: وَلَوْلَا فضل الله عَلَيْكُم وَرَحمته. وَتَقْدِيره: لفضحكم بِمَا ترتكبون ولعاجلكم بالعقوبة وَحذف الْجَواب أبلغ لتذهب النَّفس إِلَى كل مَذْهَب مُمكن. انْتهى كَلَامه. قَالَ ابْن السَّيِّد فِي شرح أدب الْكَاتِب: وَكَانَ بعض النَّحْوِيين فِيمَا حكى أَبُو إِسْحَاق الزّجاج يذهب فِيمَا كَانَ من هَذَا النَّوْع مذهبا يُخَالف فِيهِ الْبَصرِيين والكوفيين فَكَانَ يَقُول فِي الْآيَة: حَتَّى إِذا جاؤوها جاؤوها وَفتحت أَبْوَابهَا. - وَكَذَلِكَ بَيت امرىء الْقَيْس: فَلَمَّا أجزنا ساحة الْحَيّ أجزناها وانتحى فَالْجَوَاب على رَأْيه وَذهب ابْن عُصْفُور فِي كتاب الضرائر إِلَى مَذْهَب الْكُوفِيّين إِلَّا أَنه خص الزِّيَادَة الْوَاو بالشعر وَهَذَا تحكم مِنْهُ من غير فَارق وَأنْشد تِلْكَ الأبيات وَقَول أبي خرَاش:

الطَّوِيل (لعمر أبي الطير المربة بالضحى ... على خالدٍ لقد وَقعت على لحم) (وَلحم امرىءٍ لم تطعم الطير مثله ... عَشِيَّة أَمْسَى لَا يبين من الْبكم) قَالَ: يُرِيد لحم امرىء. وَهُوَ بدل من لحم الْمُتَقَدّم إِلَّا أَنه اضْطر فَزَاد الْوَاو بَين الْبَدَل والمبدل مِنْهُ. وَأنْشد أَيْضا: الطَّوِيل (فَإِن رشيدا وَابْن مرروان لم يكن ... ليفعل حَتَّى يصدر الْأَمر مصدرا) قَالَ: يُرِيد رشيد بن مَرْوَان فَزَاد الْوَاو بَين الصّفة والموصوف وَأنْشد أَيْضا قَول الآخر: الْكَامِل) (كُنَّا وَلَا تَعْصِي الحليلة بَعْلهَا ... فاليوم تضربه إِذا مَا هُوَ عصى) قَالَ: زَاد الْوَاو فِي خبر كَانَ. هَذَا. وَالْبَيْت الشَّاهِد قبله: (وبيضة خدرٍ لَا يرام خباؤها ... تمتعت من لهوٍ بهَا غير معجل ) (تجاوزت أحراساً إِلَيْهَا ومعشراً ... عَليّ حراساً لَو يسرون مقتلي) (فَجئْت وَقد نضت لنومٍ ثِيَابهَا ... لَدَى السّتْر إِلَّا لبسه المتفضل) (فَقَالَت: يَمِين الله مَا لَك حيلةٌ ... وَمَا إِن أرى عَنْك الغواية تنجلي) (فَقُمْت بهَا أَمْشِي تجر وَرَاءَنَا ... على إثرنا أذيال مرطٍ مرحل) فَلَمَّا أجزنا ساحة الْحَيّ ... ... ... . . إِلَى آخر الْبَيْتَيْنِ (مهفهفةٌ بيضاءٌ غير مفاضةٍ ... ترائبها مصقولةٌ كالسجنجل)

وَقَوله: وبيضة خدر ... إِلَخ أَي: رب امْرَأَة لَزِمت خدرها تشبه الْبَيْضَة فِي الْبيَاض والملاسة تمتعت بهَا غير خَائِف من أحد. وَقَوله: تجاوزت أحراساً ... إِلَخ يسرون بِالْمُهْمَلَةِ: يخفون وبالمعجمة: يظهرون وَيَأْتِي إِن شَاءَ الله شرح هذَيْن الْبَيْتَيْنِ فِي حُرُوف الْمصدر. وَقَوله: إِذا مَا الثريا فِي السَّمَاء ... إِلَخ إِذا: ظرف لقَوْله تجاوزت أَي: تخطيت أحراساً إِلَيْهَا وَقت تعرض الثريا فِي السَّمَاء وَهُوَ آخر اللَّيْل وَذَلِكَ وَقت غَفلَة رقبائها وحرسها. والوشاح: شَيْء ينسج من أَدِيم ويرصع شبه قلادة تلبسه النِّسَاء وَجمعه وشح مثل كتاب وَكتب وتوشح بثوبة وَهُوَ أَن يدخلة تَحت إبطه الْأَيْمن وَيُلْقِيه على مَنْكِبه الْأَيْسَر كَمَا يفعل الْمحرم قَالَه الْأَزْهَرِي. واتشح بِثَوْبِهِ كَذَلِك كَذَا فِي الْمِصْبَاح. وَقَالَ صَاحب الصِّحَاح: الوشاح ينسج عريضاً من أَدِيم ويرصع بالجواهر وتشده الْمَرْأَة بَين عاتقيها وكشحيها. والتعرض: الِاسْتِقْبَال. وأثناء الوشاح: أوساطه جمع ثنى كعصا وثنى مثل إِلَى وَثني بِكَسْر أَوله وَسُكُون ثَانِيَة. وَكَذَلِكَ مُفْرد الآلاء بِمَعْنى النعم ذكرهمَا ابْن الْأَنْبَارِي. والمفصل: الَّذِي قد فصل بالأحجار كالزبرجد والشذر.) يَقُول: تجاوزت إِلَيْهَا فِي وَقت إبداء الثريا عرضهَا فِي السَّمَاء كإبداء الوشاح الَّذِي فصل بَين جواهره وخرزه عرضه وَأنكر قوم هَذَا وَقَالُوا: الثريا لَا تعرض لَهَا. وَقيل: يُرِيد بِالثُّرَيَّا الجوزاء وَأَن هَذَا مثل قَول زُهَيْر: الطَّوِيل ( فتنتج لكم غلْمَان أشأم كلهم ... كأحمر عادٍ ثمَّ ترْضع فتفطم) قَالُوا: يُرِيد كأحمر ثَمُود فغلط. وَقيل: إِنَّهَا إِذا طلعت طلعت على استقامة وَإِذا اسْتَقَلت تعرضت. وَهَكَذَا الوشاح يعْتَرض على الكشح

وَقَالَ أَبُو عَمْرو: تَأْخُذ الثريا وسط السَّمَاء كَمَا يَأْخُذ الوشاح وسط الْمَرْأَة. شبه اجْتِمَاع كواكب الثريا ودنو بَعْضهَا من بعض بالوشاح المنتظم بالودع الْمفصل بَينه. وَقَالَ الْخَطِيب التبريزي: مَعْنَاهُ: أَن الثريا تستقبلك بأنفها أول مَا تطلع فَإِذا أَرَادَت أَن تسْقط تعرضت كَمَا أَن الوشاح إِذا طرح تلقاك بناحيتيه. قَالَ الإِمَام الباقلاني فِي كتاب إعجاز الْقُرْآن بعد نقل هَذِه الْوُجُوه: الْأَشْبَه عندنَا أَن الْبَيْت غير معيب من حَيْثُ عابوه وَأَنه من محَاسِن القصيدة وَلَكِن لم يَأْتِ فِيهِ بِمَا يفوت الشأو ويستولي على الأمد أَنْت تعلم أَنه لَيْسَ للْمُتَقَدِّمين وَلَا للمتأخرين فِي وصف شَيْء من النُّجُوم مثل مَا فِي وصف الثريا وكل قد أبدع فِيهِ وَأحسن فإمَّا أَن يكون قد عَارضه أَو زَاد عَلَيْهِ فَمن ذَلِك قَول ذِي الرمة: الطَّوِيل (وَردت اعتسافاً والثريا كَأَنَّهُ ... على قمة الرَّأْس ابْن ماءٍ محلق ) وَمن ذَلِك قَول ابْن المعتز: الْكَامِل (وَترى الثريا فِي السَّمَاء كَأَنَّهَا ... بيضاتٌ أدحي يلحن بفدفد) وَكَقَوْلِه: الطَّوِيل (كَأَن الثريا فِي أَوَاخِر لَيْلهَا ... تفتح نورٍ أَو لجامٌ مفضض) وَقَوله: الطَّوِيل (فناولنيها والثريا كَأَنَّهَا ... جنى نرجسٍ حَيا الندامى بِهِ الساقي) ...

(ولاحت لساريها الثريا كَأَنَّهَا ... لَدَى الْأُفق الغربي قرطٌ مسلسل) وَلابْن المعتز: الْبَسِيط (وَقد هوى النَّجْم والجوزاء تتبعه ... كذات قرطٍ أَرَادَتْهُ وَقد سقطا)) أَخذه من ابْن الرُّومِي: الْخَفِيف (طيبٌ رِيقه إِذا ذقت فَاه ... والثريا بِجَانِب الغرب قرط) وَلابْن المعتز: مجزوء الْخَفِيف (قد سقاني المدام وَال ... صبح بِاللَّيْلِ مؤتزر) (والثريا كنور غص ... نٍ على الأَرْض قد نثر ) وَلابْن الطثرية: الطَّوِيل (إِذا مَا الثريا فِي السَّمَاء كَأَنَّهُ ... جمانٌ وَهِي من سلكه فتبددا) وَلَو نسجت لَك كل مَا قَالُوا من البديع فِي وصف الثريا لطال وَإِنَّمَا نُرِيد أَن نبين لَك أَن الإبداع فِي نَحْو هَذَا أَمر قريب وَلَيْسَ فِيهِ شَيْء غَرِيب. وَفِي جملَة مَا نَقَلْنَاهُ مَا يزِيد على تشبيهه فِي الْحسن أَو يُسَاوِيه. وَإِذا كَانَ هَذَا بَيت

القصيدة ودرة القلادة وَهَذَا مَحَله فَكيف بِمَا تعداه ثمَّ فِيهِ ضرب من التَّكَلُّف لِأَن قَوْله: تعرضت من الْكَلَام الَّذِي يسْتَغْنى عَنهُ لِأَنَّهُ يشبه أثْنَاء الوشاح بِالثُّرَيَّا سَوَاء كَانَ فِي وسط السَّمَاء أَو عِنْد الطُّلُوع والمغيب فالتهويل بالتعرض والتطويل بِهَذِهِ الْأَلْفَاظ لَا معنى لَهُ. وَفِيه أَن الثريا كقطعة من الوشاح الْمفصل فَلَا معنى لقَوْله تعرض أثْنَاء الوشاح وَإِنَّمَا أَرَادَ أَن يَقُول: تعرض قِطْعَة من أثْنَاء الوشاح فَلم يستقم لَهُ اللَّفْظ حَتَّى شبه مَا هُوَ كالشيء الْوَاحِد بِالْجمعِ انْتهى كَلَامه. وَقَوله: أتيت وَقد نضت ... إِلَخ نضت بالضاد الْمُعْجَمَة يُقَال: نضا ثَوْبه ينضوه نضواً إِذا خلعه. واللبسة بِالْكَسْرِ: هَيْئَة لبس الثَّوْب والمتفضل: الَّذِي يبْقى فِي ثوبٍ وَاحِد لينام أَو ليخف فِي عمله وَاسم الثَّوْب الْمفضل بِكَسْر الْمِيم وَفضل أَيْضا بِضَمَّتَيْنِ وَيُقَال للرجل وَالْمَرْأَة فضل أَيْضا. يَقُول: أتيتها وَقد خلعت ثِيَابهَا للنوم غير الثَّوْب الَّذِي تنام فِيهِ وَقد وقفت لي عِنْد السّتْر منتظرةً وَإِنَّمَا خلعت ثِيَابهَا لترى أَهلهَا أَنَّهَا تُرِيدُ النّوم كَذَا قَالَ الزوزني. - وَبِه يرد على الباقلاني فِي قَوْله: إنّ لَدَى السّتْر حَشْو لَا فَائِدَة لَهُ. وَقَوله: فَقَالَت يَمِين الله ... إِلَخ يرْوى بِالرَّفْع على أَنه مُبْتَدأ خَبره مَحْذُوف أَي قسمي. ويروى بِالنّصب وَتَقْدِيره أَحْلف بِيَمِين الله. وَجُمْلَة: مَا لَك حِيلَة جَوَاب الْقسم أَي: مَا لَك حِيلَة فِي) وَقيل: لَا أقدر أَن أحتال فِي دفعك عني. وَإِن بعد مَا زَائِدَة. والغواية بِالْفَتْح: الضَّلَالَة. وتنجلي: تنكشف.

وَقَوله: فَقُمْت بهَا ... إِلَخ أَي: مَعهَا. وَرُوِيَ: خرجت بهَا أَي: أخرجتها وَجُمْلَة أَمْشِي: حَال من التَّاء وَجُمْلَة تجر: حَال من ضميرها. والإثر بِالْكَسْرِ هُوَ الْأَثر بِفتْحَتَيْنِ. ويروى: على أثرينا ذيل مرطٍ والمرط بِالْكَسْرِ: كسَاء من خَز أَو مَرْعَزِيٌّ أَو صوف وَقد تسمى الملاءة مِرْطًا. والمرحل بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة الْمُشَدّدَة المنقش بنقوش تشبه الرّحال. وَرُوِيَ بِالْجِيم. قَالَ الصَّاغَانِي: وثوب مرجل أَي: معمل وَأنْشد الْبَيْت. وَقَالَ: ويروى: مرحل بِالْحَاء أَي: موشى شَبِيها بالرحال. انْتهى. وَإِنَّمَا جرت ذيلها على الإثر ليعفى لِئَلَّا يقتفي أثرهما فَيعرف موضعهما قَالَ الباقلاني: ذكر مساعدتها إِيَّاه حَتَّى قَامَت مَعَه ليخلوا. وَقَوله: وَرَاءَنَا لَا فَائِدَة فِيهِ لِأَن الذيل إِنَّمَا يجر وَرَاء الْمَاشِي. وَقَول ابْن المعتز أحسن مِنْهُ: الْبَسِيط (فَبت أفرش خدي فِي الطَّرِيق لَهُ ... ذلاً واسحب أكمامي على الْأَثر ) وَقَالَ الْأَصْمَعِي: أجزنا: قَطعنَا وخلفناه وجزنا: سرنا فِيهِ. والساحة والباحة والفجوة والعروة والنالة كلهَا: فنَاء الدَّار وَيُقَال: هِيَ الرحبة كالعرصة. والحي: الْقَبِيلَة وَيُقَال للْقَوْم النُّزُول أَيْضا. وانتحى: اعْترض. والبطن: الْمَكَان المنخفض وَحَوله أَمَاكِن مُرْتَفعَة. والخبت بِفَتْح الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْمُوَحدَة: مَا انخفض من الأَرْض.

وَرُوِيَ: بطن حقف بِكَسْر الْمُهْملَة وَهُوَ رمل مشرف معوج وَالْجمع أحقاف. والقفاف: جمع قف ضم الْقَاف وَهُوَ مَا غلظ من الأَرْض وارتفع وَلم يبلغ أَن يكون جبلا. وَرُوِيَ: ذِي ركام بِالضَّمِّ وَهُوَ المتراكم بعضه على بعض. والعقنقل: الرمل المتعقد المتلبد وَأَصله من الْعقل وَهُوَ الشد. قَالَ الباقلاني: قد أغرب بِهَذِهِ اللَّفْظَة الوحشية وَلَيْسَ فِي ذكرهَا فَائِدَة وَاللَّفْظ الْغَرِيب قد يحمد إِذا وَقع موقع الْحَاجة فِي وصف مَا يلائمه كَقَوْلِه عَزَّ وَجَلَّ فِي وصف يَوْم الْقِيَامَة:) عبوساً قمطريراً. وَأما إِذا وَقع فِي غير هَذَا الْموضع فَهُوَ مَذْمُوم. وَقَوله: إِذا قلت هَاتِي نوليني تمايلت التنويل والإنالة: الْإِعْطَاء. والنوال: الْعَطِيَّة قَالَ الْخَطِيب: معنى التنويل التَّقْبِيل وَهُوَ من النوال: الْعَطِيَّة. وَقَوله فِي الرِّوَايَة الثَّانِيَة: هصرت بفودي رَأسهَا فتمايلت الهصر: جذب الْغُصْن ليؤخذ من ثمره. والفودان: جانبا الرَّأْس شبهها بشجرة وَجعل مَا يَنَالهُ مِنْهَا كالثمر. وهضيم: مَنْصُوب على الْمَدْح وَهُوَ عِنْد الْكُوفِيّين بِمَعْنى مهضومة فَلذَلِك كَانَ بِلَا هَاء. وَعند سِيبَوَيْهٍ على النّسَب. والهضيم: الضامر وأصل الهضم الْكسر وَإِنَّمَا قيل للضامر من الْبَطن: هضيم الكشح لِأَنَّهُ يدق ذَلِك الْموضع من جسده فَكَأَنَّهُ هضم عَن قَرَار الردف والوركين والجنبين.

(الشاهد الثاني والتسعون بعد الثمانمائة)

والكشح: مَا بَين مُنْقَطع الأضلاع إِلَى الورك. وَأَرَادَ هضيم الكشحين كَمَا تَقول: كحلت عَيْني تُرِيدُ عَيْني. وريا فعلى من الرّيّ بِالْكَسْرِ وَهُوَ إنتهاء شرب العطشان فَهُوَ عِنْد ذَلِك يمتلئ جَوْفه فَقيل لكل ممتلئ من شَحم ولحم: رَيَّان. والمخلخل بِضَم الْمِيم: مَوضِع الخلخال. وصف دقة خصرها وعبالة سَاقهَا. وَقَوله: مهفهفة بَيْضَاء ... إِلَخ المهفهفة: الْحَسَنَة الْخلق وَلَا تكون كَذَلِك حَتَّى تكون ضامرة الخاصرة. وَقيل: هِيَ اللطيفة الخصر الضامرة الْبَطن. والمفاضة بِضَم الْمِيم: المسترخية الْبَطن وَقيل: والترائب: جمع تريبة وَهُوَ مَوضِع القلادة من الصَّدْر. والصقل: إِزَالَة الصدأ والدنس وَغَيرهمَا. والسجنجل: الْمرْآة كلمة رُومِية عربتها الْعَرَب. وصفهَا بحداثة السن. وترجمة امْرِئ الْقَيْس تقدّمت فِي الشَّاهِد التَّاسِع وَالْأَرْبَعِينَ من أَوَائِل الْكتاب. - وَأنْشد بعده (الشَّاهِد الثَّانِي والتِّسْعُونَ بعد الثَّمَانمِائَة) الطَّوِيل (وَلما رأى الرَّحْمَن أَن لَيْسَ فيهم ... رشيدٌ وَلَا ناهٍ أَخَاهُ عَن الْغدر) (وصب عَلَيْهِم تغلب بنة وائلٍ ... فَكَانُوا عَلَيْهِم مثل راغية الْبكر) على أَن صب لَيْسَ جَوَاب لما وَالْوَاو زَائِدَة كَمَا يَقُول الْكُوفِيُّونَ بل هِيَ عاطفة على الْجَواب الْمَحْذُوف كَمَا قدره الشَّارِح الْمُحَقق.

وَقَالَ ابْن عُصْفُور: صب هُوَ الْجَواب وَالْوَاو زَائِدَة لضَرُورَة الشّعْر. هَذَا. والبيتان من قصيدة للأخطل التغلبي النَّصْرَانِي والراوية من ديوانه: أمال عَلَيْهِم تغلب بنة وائلٍ (بني عمر لم تثأروا بأخيكم ... وَلَكِن رَضِيتُمْ باللقاح وبالجزر) (إِذا عطفت وسط الْبيُوت احتلبتم ... لَهَا لَبَنًا مَحْضا أَمر من الصَّبْر) وَلما رأى الرَّحْمَن أَن لَيْسَ فيهم ... . . إِلَى آخر الْبَيْتَيْنِ (فسيروا إِلَى أهل الْحجاز فأننا ... نفيناكم عَن منبت الْقَمْح والتَّمْر) وَقَوله: لم تثأروا بأخيكم أَي: لم تَأْخُذُوا بثأره. يَقُول: رَضِيتُمْ بِأَن تغيرُوا على المَال وَتَدْعُو الْقِتَال إِذْ أصبْتُم الْغَنَائِم. واللقاح: جمع لقحة بِكَسْر اللَّام فيهمَا وَهِي النَّاقة ذَات لبن. هَذَا قَول ثَعْلَب. وَقَالَ غَيره: جمع لقوح مثل قلُوص وقلاص وَهِي النَّاقة نتجت إِلَى ثَلَاثَة أشهر وَتسَمى بعْدهَا لبوناً. والجزر بِضَم فَسُكُون وَالْأَصْل بِضَمَّتَيْنِ: جمع جزور وَالْجَزُور من الْإِبِل خَاصَّة تقع على الذّكر والْأُنْثَى وَقيل النَّاقة الَّتِي تنحر. وَقَوله: إِذا عطفت بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول أَي: أميلت. وَالصَّبْر: الدَّوَاء المر بِكَسْر الْبَاء فِي الْأَشْهر وَسُكُون الْبَاء للتَّخْفِيف لُغَة قَليلَة. وَمِنْهُم من قَالَ: لم يسمع تخفيفه فِي السعَة. وَحكى ابْن السَّيِّد فِي مثلث اللُّغَة جَوَاز التَّخْفِيف كَمَا فِي نَظَائِره بِسُكُون الْبَاء مَعَ فتح الصَّاد وَكسرهَا. وَإِنَّمَا جعل اللَّبن أَمر من الصَّبْر لأَنهم يشربونه مَعَ الْحزن على أخيهم وَلَا قدرَة لَهُم بِأخذ ثَأْره.)

وَقَوله: وَلما رأى الرَّحْمَن هُوَ علم على ذَات وَاجِب الْوُجُود كلفظة الله. وَرَأى علمية تطلب مفعولين وَأَن مُخَفّفَة اسْمهَا ضمير شَأْن. وجملَة لَيْسَ فيهم رشيد: خَبَرهَا. وَجُمْلَة أَنا لَيْسَ ... إِلَخ سادة مسد مفعولي علم. والرشيد: من لَهُ رشد وَهُوَ خلاف الغي والضلال وَهُوَ إِصَابَة الصَّوَاب. والغدر: نقض الْعَهْد. وَقَوله: وصب عَلَيْهِم أَي: سلط عَلَيْهِم وَكَذَا معنى أمال عَلَيْهِم. وتغلب: قَبيلَة الأخطل بِفَتْح الْمُثَنَّاة الْفَوْقِيَّة وَسُكُون الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَكسر اللَّام وَالنِّسْبَة إِلَيْهَا تغلبي بِفَتْح اللَّام. قَالَ الْجَوْهَرِي: وتغلب أَبُو الْقَبِيلَة وَهُوَ تغلب بن وَائِل. وَقَوْلهمْ: تغلب بنت وَائِل إِنَّمَا يذهبون بالتأنيث إِلَى معنى الْقَبِيلَة كَمَا قَالُوا تَمِيم بنت مر. انْتهى. فَتَارَة اعْتبر تغلب قَبيلَة فَقَالَ: ابْنة وَائِل وَتارَة اعْتَبرهُ حَيا فَقَالَ: فَكَانُوا. وَضمير عَلَيْهِم لبني عَامر. وَالْبكْر بِفَتْح الْمُوَحدَة: الصَّغِير من الْإِبِل. قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: الْبكر من الْإِبِل بِمَنْزِلَة الْفَتى من النَّاس والبكرة بِمَنْزِلَة الفتاة. والراغية الْغَيْن الْمُعْجَمَة: مصدر بِمَعْنى الرُّغَاء وَهُوَ صَوت الْبَعِير. ورغت النَّاقة أَي: صوتت. وَيُرِيد بالبكر ولد نَاقَة صَالح عَلَيْهِ السَّلَام. وَلما قدار ثَمُود النَّاقة رغا وَلَدهَا فصاح برغائه كل شَيْء لَهُ صَوت فَهَلَكت ثَمُود عِنْد ذَلِك فضربته الْعَرَب مثلا فِي كل هلكة عَامَّة. قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ فِي أَمْثَاله: كَانَ عَلَيْهِ كراغية الْبكر الراغية مصدر بِمَعْنى الرُّغَاء كالعافية والبالية والفاضلة. وَالْبكْر: سقب نَاقَة

صَالح عَلَيْهِ السَّلَام وَذَلِكَ أَنه لما عقرت النَّاقة صعد جبلا فرغا فَأَتَاهُم الْعَذَاب. يضْرب فِي الشؤم. قَالَ الأخطل: الطَّوِيل (لعمري لقد لاقت سليمٌ وعامرٌ ... عى جَانب الثرثار راغية الْبكر) وفال أَيْضا: الطَّوِيل (وَإِن تذكروها فِي معد فَإِنَّمَا ... أَصَابَك بالثرثار راغية الْبكر) الضَّمِير فِي تذكروها للواقعة. - وَقَالَ أَيْضا: وَلما رأى الرَّحْمَن أَن لَيْسَ فيهم الْبَيْتَيْنِ) انْتهى. (فتنتج لَك غلْمَان أشأم كلهم ... كأحمر عادٍ ثمَّ ترْضع فتفطم) والثرثار بمثلثتين: اسْم نهر سمي بِهِ لِكَثْرَة مائَة. وترجمة الأخطل تقدّمت فِي الشَّاهِد الثَّامِن وَالسبْعين من أَوَائِل الْكتاب.

(الشاهد الثالث والتسعون بعد الثمانمائة)

وَأنْشد بعده (الشَّاهِد الثَّالِث وَالتِّسْعُونَ بعد الثَّمَانمِائَة) الْكَامِل (فَإِذا وَذَلِكَ يَا كبيشة لم يكن ... إِلَّا كلمة حالمٍ بخيال) على أَن الْوَاو لَيست زَائِدَة كَمَا يَقُول الْكُوفِيُّونَ بل هِيَ عاطفة على مُبْتَدأ مَحْذُوف وَالتَّقْدِير: فَإِذا إلمامك وَذَلِكَ الْإِلْمَام. كَذَا قدره الشَّارِح فَجعل الْمَعْطُوف والمعطوف عَلَيْهِ شَيْئا وَاحِدًا لأجل قَوْله: لم يكن. - قَالَ صَاحب كتاب تفسيح اللُّغَة: هَذَا الْبَيْت لتميم بن أبي بن مقبل وَأَرَادَ: فَإِذا هَذَا وَذَلِكَ وَلم يخص وَاحِدًا لِأَن كل شَيْء زائلٍ فَهُوَ كالأحلام. وَكَذَا قَول أبي كَبِير الْهُذلِيّ: الْكَامِل إِنَّمَا أَرَادَ: فَإِذا هَذَا وَذَلِكَ وَقَالَ: لَيْسَ إِلَّا ذكره أَي ذكر الْحَاضِر فَأَما الْمَاضِي فمعدوم بالإياس مِنْهُ. انْتهى كَلَامه. وَلَو كَانَ التَّقْدِير كَمَا زعم لقيل فِي الأول: لم يَكُونَا وَفِي الثَّانِي: ليسَا إِلَّا ذكرهمَا مَعَ أَن الْمشَار إِلَيْهِ شَيْء وَاحِد. قَالَ أَبُو كَبِير قبل ذَلِك الْبَيْت: (وجليلة الْأَنْسَاب لَيْسَ كمثلها ... مِمَّن يمْنَع قد أتتها أرسلي) (ساهرت عَنْهَا الكالئين فَلم أنم ... حَتَّى الْتفت إِلَى السماك الأعزل) ...

(فَأتيت بَيْتا غير بَيت سناخةٍ ... وازدرت مزدار الْكَرِيم الْمعول) (وَإِذا وَذَلِكَ لَيْسَ إِلَّا حِينه ... وَإِذا مضى شيءٌ كَأَن لم أفعل) يَقُول: رب امْرَأَة شريفة الْأَنْسَاب ممنعة بعثت إِلَيْهَا رُسُلِي وساهرت عَنْهَا الكالئين أَي: الحافظين فَغَلَبَتْهُمْ فَنَامُوا وَلم وأنم فَأتيت بَيتهَا فزرتها وَهُوَ بَيت طيب لَا مطْعن فِيهِ.) والسناخة: الرَّائِحَة الكريهة. وازدرت: افتعلت من الزِّيَارَة والمعول: الَّذِي يعول بدلالٍ ومنزلة. فاسم الْإِشَارَة رَاجع إِلَى زِيَارَة تِلْكَ الْمَرْأَة الجليلة. وَيُرِيد أَن لَذَّة تِلْكَ الزِّيَارَة لم تكن إِلَّا فِي وَقت الزِّيَارَة فَإِذا مضى مَضَت. (وَلَقَد أصبت من الْمَعيشَة لينها ... وأصابني مِنْهُ الزَّمَان بكلكل) (فَإِذا وَذَاكَ كَأَنَّهُ مَا لم يكن ... إِلَّا تذكرة لمن لم يجهل) فالمشار إِلَيْهِ اثْنَان وَالْإِشَارَة وَاحِدَة كَمَا فِي وَقَوله تَعَالَى: عوانٌ بَين ذَلِك أَي: بَين الْبكر والفارض. وَتَقْدِيره عِنْد الشَّارِح: فَإِذا الْمَذْكُور. قَالَ السكرِي فِي شَرحه: الْوَاو زَائِدَة أَرَادَ وَإِذا ذَلِك لَيْسَ إِلَّا حِينه. يَقُول: إِذا كنت فِيهِ فَلَيْسَ إِلَّا قدر كينونتك فَإِذا أدبر ذهب. وَإِلَيْهِ ذهب ابْن عُصْفُور فِي كتاب الضرائر وَأورد الْبَيْت وَقَالَ: زيدت الْوَاو لضَرُورَة الشّعْر. وَيَنْبَغِي أَن يقدر الشَّارِح فِي ذَلِك الْبَيْت: فَإِذا الْمَذْكُور وَذَلِكَ الْمَذْكُور لم يكن كإلمام خيال بالحالم لِئَلَّا يتحد الْمُشبه والمشبه بِهِ.

وَلم يحضرني ألان مَا قبل الْبَيْت وَلِهَذَا لم أعرف مرجع الْإِشَارَة. واللمة بِفَتْح اللَّام قَالَ صَاحب الصِّحَاح: يُقَال: أَصَابَت فلَانا من الْجنَّة لمة وَهُوَ الْمس وَالشَّيْء الْقَلِيل. قَالَ: ( فَإِذا وَذَلِكَ يَا كبيشة لم يكن ... إِلَّا كلمة حالمٍ بخيال) قَالَ ابْن بري فِي أَمَالِيهِ على الصِّحَاح الْبَيْت لِابْنِ مقبل وَقَوله: فَإِذا وَذَلِكَ مُبْتَدأ وَالْوَاو زَائِدَة وكبيشة: من أَسمَاء النِّسَاء مصغر كَبْشَة بالشين الْمُعْجَمَة. والحالم: اسْم فَاعل من حلم يحلم من بَاب قتل حلماً بِضَمَّتَيْنِ وَإِسْكَان الثَّانِي تَخْفِيفًا أَي: رأى فِي مَنَامه رُؤْيا وَكَذَا احْتَلَمَ. والخيال: كل شَيْء ترَاهُ كالظل وخيال الْإِنْسَان فِي المَاء والمرآة: صُورَة تمثاله. وَرُبمَا مر بك الشَّيْء يشبه الظل فَهُوَ خيال. وَتَقَدَّمت تَرْجَمَة تَمِيم بن أبي بن مقبل فِي الشَّاهِد الثَّانِي وَالثَّلَاثِينَ من أَوَائِل الْكتاب. وَأنْشد بعده: (أَرَانِي إِذا مَا بت بت على هوى ... فثم إِذا أَصبَحت أَصبَحت غاديا)

على أَنه قيل: الْفَاء زَائِدَة.) وَتقدم الْكَلَام عَلَيْهِ فِي الشَّاهِد الْخَامِس وَالْخمسين بعد الستمائة. - وَأنْشد بعده: الطَّوِيل (وقائلةٍ خولان فانكح فَتَاتهمْ ... وأكرومة الْحَيَّيْنِ خلوٌ كَمَا هيا) على أَن الْفَاء زَائِدَة. وَتقدم الْكَلَام عَلَيْهِ فِي الشَّاهِد السَّابِع وَالسبْعين من أَوَائِل الْكتاب. وَخص ابْن عُصْفُور زِيَادَة الْفَاء بالشعر قَالَ فِي كتاب الضرائر: من زِيَادَة الْفَاء قَوْله: الطَّوِيل يُرِيد: الصَّغِير يكبر. وَقَول أبي كَبِير: الْكَامِل (فَرَأَيْت مَا فِيهِ فثم رزئته ... فَلَبثت بعْدك غير راضٍ معمري) يُرِيد: ثمَّ رزئته. وَقَول الْأسود بن يعفر: الْكَامِل (فلنهشلٌ قومِي ولي فِي نهشلٍ ... نسبٌ لعمر أَبِيك غير غلاب ) زَاد الْفَاء فِي أول الْكَلَام لِأَن الْبَيْت أول القصيدة.

(الشاهد الرابع والتسعون بعد الثمانمائة

وَأنْشد بعده: الْبَسِيط (أَبَا خراشة أما أَنْت ذَا نفرٍ ... فَإِن قومِي لم تأكلهم الضبع) على أَن الْفَاء فِيهِ زَائِدَة عِنْد الْبَصرِيين غير زَائِدَة عِنْد الْكُوفِيّين. وَتقدم كَلَام الشَّارِح الْمُحَقق عَلَيْهِ فِي الشَّاهِد التَّاسِع وَالْأَرْبَعِينَ بعد الْمِائَتَيْنِ فِي بَاب خبر كَانَ. وَأنْشد بعده (الشَّاهِد الرَّابِع وَالتِّسْعُونَ بعد الثَّمَانمِائَة ) (يَا دهر أم مَا كَانَ مشيي رقصا ... بل قد تكون مشيتي توقصا) على أَن أَبَا زيد أنْشدهُ وَقَالَ: أم فِيهِ زَائِدَة كَذَا نقل عَنهُ أَبُو عَليّ فِي التَّذْكِرَة وَغَيره وَلَيْسَ مَا نقل عَنهُ مَوْجُودا فِي نوادره وَإِنَّمَا ذكره فِي غَيرهَا. قَالَ ابْن الشجري فِي أَمَالِيهِ: اسْتشْهدُوا على زِيَادَة أم بقول سَاعِدَة بن جؤية: الْبَسِيط (يَا لَيْت شعري وَلَا منجي من الْهَرم ... أم هَل على الْعَيْش بعد الشيب من نَدم) التَّقْدِير: لَيْت شعري هَل على الْعَيْش من نَدم. وَقَالَ أَبُو زيد فِي وَقَوله تَعَالَى: أم أَنا خيرٌ من هَذَا الَّذِي هُوَ مهين: أم زَائِدَة. قَالَ: وَالتَّقْدِير: أَفلا تبصرون أَنا خير من هَذَا الَّذِي هُوَ مهين. وَأنْشد قَول الراجز: ...

(يَا دهر أم مَا كَانَ مشيي رقصا ... بل قد تكون مشيتي توقصا) وَقَول سِيبَوَيْهٍ فِي الْآيَة أَن أم مُنْقَطِعَة قَالَ: كَأَن فِرْعَوْن قَالَ: أَفلا تبصرون أم أَنْتُم بصراء. فَقَوله: أم أَنا خير بِمَنْزِلَة قَوْله: أم أَنْتُم بصراء. لأَنهم لَو قَالُوا: أَنْت خير مِنْهُ كَانَ بِمَنْزِلَة قَوْلهم: نَحن بصراء. فَكَذَلِك أم أَنا خير بِمَنْزِلَة قَوْله لَو قَالَ: أم أَنْتُم بصراء. وَهَذَا التَّأْوِيل فِي أم أحسن من الحكم بزيادتها. انْتهى. وَخص ابْن عُصْفُور زيادتها بالشعر وَقَالَ بعد إنشاد الْبَيْتَيْنِ: وَأَجَازَ الْفَارِسِي فِي قَول أبي (فأجبتها أما لجسمي أَنه ... أودي بني من الْبِلَاد فودعوا) أَن يكون الأَصْل: أم مَا وَتَكون أم زَائِدَة وَمَا بِمَعْنى الَّذِي وَالتَّقْدِير: فأجبتها: الَّذِي لجسمي أَنه أودى وعَلى زِيَادَة أم حمل أَبُو زيد قَوْله تَعَالَى: أَفلا تبصرون أم أَنا خيرٌ وَوَافَقَهُ على جَوَاز ذَلِك أَبُو بكر بن طَاهِر من الْمُتَأَخِّرين. وَالصَّحِيح أَنَّهَا غير زَائِدَة لِأَن زيادتها قَليلَة فَلَا يَنْبَغِي أَن تحمل الْآيَة عَلَيْهَا إِذْ قد يُمكن حملهَا على مَا هُوَ أحسن من ذَلِك. أَلا ترى أَنه يُمكن أَن تكون مُنْقَطِعَة على مَا ذهب إِلَيْهِ سِيبَوَيْهٍ ومتصلة على مَا ذهب إِلَيْهِ الْأَخْفَش. وَقد بَين النحويون الْوَجْهَيْنِ فأغنى ذَلِك عَن ذكره هُنَا. انْتهى. وَقد ذكر الْجَوْهَرِي زيادتها فِي الصِّحَاح وَأنْشد الْبَيْت الأول من الرجز كَذَا: يَا هِنْد أم مَا كَانَ مشيي رقصا)

وَقَالَ ابْن بري فِي أَمَالِيهِ عَلَيْهِ: هَذَا مَذْهَب أبي زيد. وَغَيره يذهب إِلَى أَن أم مَا كَانَ مَعْطُوف على مَحْذُوف تقدم الْمَعْنى كَأَنَّهُ قَالَ: يَا هِنْد أَكَانَ مشيي رقصاً أم مَا كَانَ كَذَلِك انْتهى. وَفِيه نظر تَأمل. وَقَالَ الصَّاغَانِي فِي الْعباب: وَأم قد تكون زَائِدَة. وَأنْشد الرجز ثمَّ قَالَ: وَقَالَ اللَّيْث: أم تكون بِمَعْنى ألف الِاسْتِفْهَام كَقَوْلِك: أم عنْدك غداء حَاضر وَأَنت تُرِيدُ أعندك وَهِي لُغَة حَسَنَة من لُغَات الْعَرَب. قَالَ الْأَزْهَرِي: هَذَا إِذا سبقه كَلَام وَتَكون أم مُبْتَدأ للْكَلَام فِي الْخَبَر وَهِي لُغَة يَمَانِية بقول قَائِلهمْ: أم نَحن خِيَار النَّاس أم نطعم الطَّعَام أم نضرب الْهَام. وهومخبر. انْتهى. وعَلى هَذَا تكون غير زَائِدَة كَأَنَّهَا حرف افْتِتَاح للتّنْبِيه بِمَنْزِلَة أَلا وَأما كَقَوْلِه: الطَّوِيل أما وَالَّذِي لَا يعلم السِّرّ غَيره وَلَا يبعد أَن تكون أم مُخَفّفَة من أما وسكنت. وَالله أعلم. وَقَوله: مَا كَانَ مشيي رقصا مَا: نَافِيَة. والرقص بفتحتي الرَّاء وَالْقَاف قَالَ ابْن دُرَيْد: هُوَ شَبيه بالنقزان من النشاط. قَالَ ابْن فَارس: هُوَ الخبب. وَالْقَوْلَان متقاربان. وَقَوله: توقصا بِالْوَاو وَالْقَاف قَالَ ابْن الشجري: هُوَ تقَارب الخطو وَقيل: شدَّة الْوَطْء وَكِلَاهُمَا من فعل الْهَرم وَهَذَا شكاية من دهره. يَقُول: أَنا فِي حداثتي وشبابي لم أمش بعافية بل تكون مشيتي مستمرة كمشي الشُّيُوخ العاجزين.

(الشاهد الخامس والتسعون بعد الثمانمائة)

وَقَالَ ابْن مكرم فِي لِسَان الْعَرَب: أَرَادَ مَا كَانَ مشيي رقصاً أَي: كنت أتوقص فِي شبيبتي وروى ابْن الشجري وَصَاحب الْعباب وَصَاحب لِسَان الْعَرَب أَوله كَذَا: يَا دهن أم مَا كَانَ وَقَالَ: دهن ترخيم دهناء وَلم يفسراه وَكَأن دهناء من أَسمَاء النِّسَاء كَمَا أَن هنداً فِي رِوَايَة الْجَوْهَرِي من أسمائهن. وَكَذَا رَوَاهُ الْأَزْهَرِي عَن أبي زيد وَقَالَ: أَرَادَ يَا دهناء فرخم. وَأم زَائِدَة. أَرَادَ: مَا كَانَ مشيي رقصاً أَي: كنت أتوقص وأثب فِي مشيتي وَالْيَوْم قد أسننت حَتَّى صَارَت مشيتي رقصاً انْتهى. وَلم أَقف على قَائِل هَذَا الرجز وَالله أعلم بِهِ.) وَأنْشد بعده (الشَّاهِد الْخَامِس وَالتِّسْعُونَ بعد الثَّمَانمِائَة) الطَّوِيل (بَدَت مثل قرن الشَّمْس فِي رونق الضُّحَى ... وَصورتهَا أَو أَنْت فِي الْعين أَمْلَح)

على أَن أَو فِيهِ حرف اسْتِئْنَاف للإضراب وَلَا يحْتَمل أَن تكون عاطفة إِذْ لَا يَصح قيام الْجُمْلَة بعْدهَا مقَام قَوْله: مثل قرن الشَّمْس كَمَا هُوَ حق الْمَعْطُوف. - ثمَّ وصفت جَيْشًا فَقَالَت ورجراجة فَوْقهَا بيضها عَلَيْهَا المضاعف زفنا لَهَا ككرفئة الْغَيْث ذَات الصَّبِي ر الْبَيْت الْمَذْكُور وَقَالَ شَارِح ديوانها الْأَخْفَش الرجراجة الكتيبة كَأَنَّهَا تتحرك وتتمخض من كثرتها والمضاعف من الدروع الَّتِي تنسج حلقتين حلقتين ووزفنا لَهَا مشينا لَهَا باختيال وَهِي بالزاي الْمُعْجَمَة وَالْفَاء زاف يزيف زيفا وزيفانا تبختر فِي مشيته وَشبه الرجراجة فِي كثرتها وحركتها وتمخضها بالكرفئة وَهِي السحابة الْعَظِيمَة الَّتِي يركب بَعْضهَا على بعض حملا للْمَاء وَالْحمل بِالْفَتْح مَا كَانَ فِي الْجوف مستكنا وَالْحمل بِالْكَسْرِ ظَاهر مثل الوقر على الظّهْر شبه الكرفئة بالناقة يكثر لَحمهَا وشحمها يُقَال إِن عَلَيْهَا لكرافئ من اللَّحْم والشحم والصبير سَحَاب أَبيض ترمي السَّحَاب هَذِه الكرفئة أَي تنضم إِلَيْهِ وتتصل بِهِ ويرمى لَهَا بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول أَي يضم إِلَيْهَا حَتَّى يَسْتَوِي ويخلولق قَالَ ابْن الْأَعرَابِي هَذَا الْبَيْت لعامر بن جُوَيْن الطَّائِي وَقَالَ الْأَصْمَعِي الكرفئة وَجمعه كرافئ قطع من السَّحَاب بَعْضهَا فَوق بعض والصبير السَّحَاب الْأَبْيَض ثمَّ قَالَت تخاطب أخاها وبيض منعت غَدَاة الصَّباح وَقد كفت الروع أذيالها) (وهاجرة حرهَا وَاقد ... جعلت رداءك أظلالها) (وجامعة الْجمع قد سقتها ... وأعلمت بِالرُّمْحِ أغفالها) (ورعبوبة من بَنَات الْمُلُوك قعقعت بِالرُّمْحِ خلْخَالهَا) بيض تَعْنِي جواري سبين كفت كشفت والروع الْفَزع وروى ابْن الْأَعرَابِي تكشف للروع أذيالها وَاقد شَدِيد الْحر جعلت رداءك أظلالها أَي استظللت فِيهَا بالرداء وتعني بجامعة الْجمع إبِلا كَثِيرَة قد سقتها أما لتزويج وَإِمَّا لسباء تفكه وروى ابْن الْأَعرَابِي ومعلمة سقتها قَاعِدا معلمة إبل قَاعِدا أَي قَاعِدا على فرسك والأغفال الَّتِي لَا قَالَ الْفراء فِي تَفْسِير سُورَة الْبَقَرَة: الْعَرَب تجْعَل أَو نسقاً مفرقة لِمَعْنى مَا صلحت فِيهِ أحد كَقَوْلِك: اضْرِب أَحدهمَا زيدا أَو عمرا. فَإِذا وَقعت فِي كَلَام لَا يُرَاد بِهِ اُحْدُ وَإِن صلحت جعلوها على جِهَة بل كَقَوْلِك فِي الْكَلَام: اذْهَبْ إِلَى فلَان أَو دع فَلَا تَبْرَح الْيَوْم. فقد دلك هَذَا على أَن الرجل قد رَجَعَ عَن أمره الأول وَجعل أَو فِي معنى بل وَمِنْه قَول الله: وأرسلناه إِلَى مائَة ألفٍ أَو يزِيدُونَ. وأنشدني بعض الْعَرَب: بَدَت مثل قرن الشَّمْس ... ... ... ... ... الْبَيْت انْتهى. وَقَالَ ابْن جني فِي الْمُحْتَسب: أَو هَذِه الَّتِي بِمَعْنى أم المنقطعة وكلتاهما بِمَعْنى بل مَوْجُودَة فِي الْكَلَام كثيرا. وَإِلَى نَحْو هَذَا ذهب الْفراء فِي قَول ذِي الرمة: بَدَت مثل قرن الشَّمْس ... ... ... ... ... الْبَيْت قَالَ: مَعْنَاهُ: بل أَنْت الْعين فِي أَمْلَح. وَكَذَلِكَ قَالَ فِي قَول الله: وأرسلناه إِلَى مائَة ألفٍ أَو يزِيدُونَ قَالَ: مَعْنَاهُ بل يزِيدُونَ.

وَأَشَارَ بقوله: فَإِن هَذَا طَرِيق مذهوب فِيهِ ... . إِلَخ إِلَى مَا قَالَه الشَّارِح الْمُحَقق من أَن أَو فِي الْبَيْت وَالْآيَة متمحضة للإضراب لَا يتَصَوَّر معنى الْعَطف فِيهَا لما ذكره. وَفِيه رد على ابْن عُصْفُور فِي غفلته عَن صِحَة الْعَطف فَزعم أَنَّهَا للشَّكّ فَقَالَ: وَزَاد الْكُوفِيُّونَ فِي مَعَاني أَو أَن تكون بِمَعْنى بل وَاسْتَدَلُّوا عَلَيْهِ بقوله: بَدَت مثل قرن الشَّمْس إِلَخ) قَالُوا: الْمَعْنى بل أَنْت. وَلَا مدْخل للشَّكّ هُنَا. وَالصَّحِيح أَنَّهَا فِيهِ للشَّكّ ويكن الْمَعْنى أبدع كَأَنَّهُ قَالَ: لإفراط شبهها بقرن الشَّمْس لَا أَدْرِي هَل هِيَ مثلهَا أَو أَمْلَح. وَإِذا خرج التَّشْبِيه مخرج الشَّك كَانَ فِيهِ الدّلَالَة على إفراط الشّبَه فَيكون كَقَوْل ذِي الرمة: الطَّوِيل (أَبَا ظَبْيَة الوعساء بَين جلاجلٍ ... وَبَين النقا أَأَنْت أم أم سَالم) أَلا ترى أَن قَوْله: أَأَنْت أم أم سَالم أبلغ من أَن يَقُول: هِيَ كَأُمّ سَالم لِأَن الشَّك يَقْتَضِي إفراط الشّبَه حَتَّى يلتبس أحد الشَّيْئَيْنِ بِالْآخرِ. وَكَذَلِكَ أَيْضا استدلوا بقوله تَعَالَى: إِلَى مائَة ألفٍ أَو يزِيدُونَ قَالُوا: مَعْنَاهُ بل يزِيدُونَ. وَلَا يتَصَوَّر أَن تكون هُنَا للشَّكّ لِأَن الشَّك من الله مُسْتَحِيل. وَالْجَوَاب: أَن الشَّك قد يرد من الله بِالنّظرِ للمخاطبين لَا أَنه يشك فَكَأَنَّهُ قَالَ: وأرسلناه إِلَى جمع تشكون فِي مبلغه فَيكون من مُقْتَضى حالكم أَن تَقولُوا: هم مائَة ألف أَو يزِيدُونَ. وَيحْتَمل أَيْضا أَن تكون أَو فِي الْآيَة للإبهام. هَذَا كَلَامه. وَقَول الشَّاعِر: بَدَت بِمَعْنى ظَهرت وفاعله ضمير الحبيبة وَمثل: حَال من الضَّمِير وَلَا يَسْتَفِيد من إِضَافَته إِلَى الْمعرفَة تعريفاً لتوغله فِي الْإِبْهَام. وَقرن

(الشاهد والتسعون بعد الثمانمائة)

الشَّمْس بِفَتْح الْقَاف قَالَ الْجَوْهَرِي: هُوَ أَعْلَاهَا وَأول مَا يَبْدُو مِنْهَا فِي الطُّلُوع. وَلَا يَصح هُنَا الْمَعْنى الثَّانِي لقَوْله فِي رونق الضُّحَى. وَقَوله: وَصورتهَا بِالْجَرِّ عطف على قرن. وأملح من ملح الشَّيْء بِالضَّمِّ ملاحةً أَي: بهج وَحسن منظره فَهُوَ مليح وَالْأُنْثَى مليحة. وَالْبَيْت نسبه ابْن جني إِلَى ذِي الرمة. وَلم أَجِدهُ فِي ديوانه. وَالله أعلم. وَأنْشد بعده (الشَّاهِد وَالتِّسْعُونَ بعد الثَّمَانمِائَة) الطَّوِيل وَهل أَنا إِلَّا من ربيعَة أَو مُضر على أَن أَو فِيهِ للإبهام على السَّامع. وَقصد بِهِ الرَّد على الْكُوفِيّين فِي زعمهم أَن أَو فِيهِ بِمَعْنى الْوَاو. قَالَ ابْن الشجري فِي أَمَالِيهِ: كَون أَو بِمَعْنى الْوَاو من أَقْوَال الْكُوفِيّين وَلَهُم فِيهِ احتجاجات من الْقُرْآن وَمن الشّعْر الْقَدِيم. فمما احْتَجُّوا بِهِ من الْقُرْآن قَوْله تَعَالَى: لَعَلَّه يتَذَكَّر أَو يخْشَى ولَعَلَّهُم يَتَّقُونَ أَو يحدث لَهُم وَمن الشّعْر قَول تَوْبَة بن الْحمير: الطَّوِيل (وَقد زعمت ليلى بِأَنِّي فاجرٌ ... لنَفْسي تقاها أَو عَلَيْهَا فجورها)

وَقَول جرير: الوافر (أثعلبة الفوارس أَو رياحاً ... عدلت بهم طهية والخشابا) أَي: عدلت هَاتين القبيلتين بِهَاتَيْنِ القبيلتين. وَقَول جرير: الْبَسِيط (نَالَ الْخلَافَة أَو كَانَت لَهُ قدرا ... كَمَا أَتَى ربه مُوسَى على قدر) وَقَول لبيد: (تمنى ابنتاي أَن يعِيش أَبوهُمَا ... وَهل أَنا إِلَّا من ربيعَة أَو مُضر) قَالُوا: أَو هُنَا بِمَعْنى الْوَاو لِأَنَّهُ لَا يشك فِي نسبه حَتَّى لَا يدْرِي أَمن ربيعَة هُوَ أم من مُضر وَلكنه أَرَادَ بربيعة أَبَاهُ الَّذِي وَلَده لِأَنَّهُ لبيد بن ربيعَة. ثمَّ قَالَ: أَو مُضر يُرِيد: وَمُضر يَعْنِي مُضر ين نزار بن معد بن عدنان. وَاخْتلفُوا فِي قَوْله تَعَالَى: وأرسلناه إِلَى مائَة ألفٍ أَو يزِيدُونَ فَقَالَ بعض الْكُوفِيّين: بِمَعْنى الْوَاو وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُم: الْمَعْنى بل يزِيدُونَ. وَهَذَا القَوْل لَيْسَ بِشَيْء عِنْد الْبَصرِيين. وللبصريين فِي أَو هَذِه ثَلَاثَة أَقْوَال: أَحدهمَا: قَول سِيبَوَيْهٍ أَنَّهَا للتَّخْيِير. وَالْمعْنَى إِذا رَآهُمْ الرَّائِي يُخَيّر فِي أَن يَقُول: هم مائَة ألف وَأَن يَقُول: أَو يزِيدُونَ. وَالْقَوْل الثَّانِي عَن الْبَصرِيين: أَنَّهَا لأحد الْأَمريْنِ على الْإِبْهَام.)

وَالثَّالِث لبن جني وَهُوَ أَنَّهَا للشَّكّ وَالْمعْنَى: أَن الرَّائِي إِذا رَآهُمْ شكّ فِي عدتهمْ لكثرتهم. وَمن زعم أَن العمنى بل يزِيدُونَ قَالَ مثل ذَلِك فِي قَوْله تَعَالَى: فَهِيَ كالحجارة أَو أَشد قسوة. وَفِي قَوْله: وَمَا أَمر السَّاعَة إِلَّا كلمح الْبَصَر أَو هُوَ أقرب وَقَوله: فَكَانَ قاب قوسين أَو أدنى. وَمن قَالَ: إِن الْمَعْنى: وَيزِيدُونَ قَالَ: مثل ذَلِك فِي هَذِه الْآي. وَالْوَجْه أَن تكون أَو فِيهِنَّ للتَّخْيِير. وَيجوز أَن تكون أَو فِيهِنَّ للإبهام انْتهى كَلَامه بِاخْتِصَار. وَالْبَيْت الشَّاهِد أول أَبْيَات للبيد بن ربيعَة الصَّحَابِيّ تقدم شرحها فِي الشَّاهِد الْخَامِس بعد الثلثمائة. - وَأنْشد بعده: الْبَسِيط (وَكَانَ سيان أَن لَا يسرحوا نعما ... أَو يسرحوه بهَا واغبرت السوح) على أَن أَو فِيهِ بِمَعْنى الْوَاو. وَقد تقدم شَرحه فِي الشَّاهِد الْخَامِس وَالْخمسين بعد الثلثمائة من بَاب الْعَطف.

(الشاهد السابع والتسعون بعد الثمانمائة)

وَأنْشد بعده (الشَّاهِد السَّابِع وَالتِّسْعُونَ بعد الثَّمَانمِائَة) مجزوء الْكَامِل (سيان كسر رغيفه ... أَو كسر عظمٍ من عِظَامه) على أَن أَو فِيهِ بِمَعْنى الْوَاو. قَالَ أَبُو عَليّ فِي كتاب الشّعْر: كَانَ الْقيَاس أَن يكون الْعَطف فِيهِ بِالْوَاو دون أَو لِأَن الْعَطف بِأَو فِي هَذَا الْموضع فِي الْمَعْنى: سيان أحدهم وَهُوَ كَلَام مُسْتَحِيل كَمَا أَن سَوَاء زيد أَو عَمْرو فَكَمَا لَا يَسْتَقِيم سَوَاء زيد أَو عَمْرو لِأَن الْمَعْنى سَوَاء أَحدهمَا والتسوية إِنَّمَا تكن بَين شَيْئَيْنِ فَصَاعِدا كَذَلِك يَنْبَغِي أَن لَا يَسْتَقِيم. وَالَّذِي حسن ذَلِك للشاعر أَنه يرى: جَالس الْحسن أَو ابْن سِيرِين فيستقيم لَهُ أَن يجالسهما جَمِيعًا وكل الْخبز أَو التَّمْر فَيجوز لَهُ أَن يجمعهما فِي الْأكل. - فَلَمَّا صَارَت تجْرِي مجْرى الْوَاو فِي هَذِه الْمَوَاضِع استجاز أَن يستعملها بعد سي. وَلم نعلم أَنه جَاءَ ذَلِك فِي سَوَاء وَقِيَاسه قِيَاس سيان. وَقد قَالَ بعض الْمُحدثين: (سيان كسر رغيفه ... أَو كسر عظمٍ من عِظَامه) فَهَذَا فِي الْقيَاس كَمَا جَاءَ فِي الشّعْر الْقَدِيم. فَأَما قَوْله: الطَّوِيل (أَلا فالبثا شَهْرَيْن أَو نصف ثالثٍ ... إِلَى ذاكما مَا غيبتني غيابيا)

فَهُوَ من بَاب جَالس الْحسن أَو ابْن سِيرِين: أَلا ترى أَنه إِن لبث شَهْرَيْن فَقَط أَو شَهْرَيْن وَبَعض ثَالِث فقد ائتمر. وَلَيْسَ الْموضع مقتضياً لوُقُوع الْوَاو كَمَا يَقْتَضِي الْوَاو بعد سي وَسَوَاء. انْتهى كَلَامه. وَبَعض الْمُحدثين الَّذِي ذكره أَبُو عَليّ هُوَ أَبُو مُحَمَّد يحيى اليزيدي. (استبق ود أبي المقا ... تل حِين تَدْنُو من طَعَامه) (سيان كسر رغيفه ... أَو كسر عظمٍ من عِظَامه) (ويصوم كرها ضَيفه ... لم ينْو أجرا من صِيَامه) كَذَا نَسَبهَا إِلَيْهِ صَاحب الأغاني وَابْن خلكان فِي تَرْجَمته. وَرَوَاهَا ابْن عبد ربه فِي العقد الفريد كَذَا:) (اكفف يَمِينك عَن طَعَامه ... إِن كنت ترغب فِي كَلَامه ) سيان كسر رغيفه ... ... ... ... ... ... ... . . الْبَيْت وَأورد الوطواط إِبْرَاهِيم الكتبي فِي كِتَابه غرر الخصائص الْوَاضِحَة وعرر النقائص الفاضحة بعدهمَا بَيْتَيْنِ آخَرين وهما: (فالموت أَهْون عِنْده ... من مضغ ضيفٍ والتقامه) (وَإِذا مَرَرْت بِبَابِهِ ... فاحفظ رغيفك من غُلَامه)

وَأَبُو مُحَمَّد هَذَا هُوَ يحيى بن الْمُبَارك بن الْمُغيرَة أحد بني عدي بن عبد شمس بن زيد بن مَنَاة بن تَمِيم. وَيعرف أَبُو مُحَمَّد باليزيدي نِسْبَة إِلَى يزِيد بن مَنْصُور الْحِمْيَرِي خَال الْمهْدي لِأَنَّهُ كَانَ يُؤَدب أَوْلَاده فنسب إِلَيْهِ. قَالَ صَاحب الأغاني: قيل لَهُ اليزيدي لِأَنَّهُ كَانَ فِيمَن خرج مَعَ إِبْرَاهِيم بن عبد الله بن الْحسن بِالْبَصْرَةِ ثمَّ توارى زَمَانا حَتَّى استتر أمره ثمَّ اتَّصل بعد ذَلِك بِيَزِيد بن مَنْصُور خَال الْمهْدي فوصلة بالرشيد فَلم يزل مَعَه. وأدب الْمَأْمُون خَاصَّة من وَلَده. وَهُوَ مقرئٌ نحوي لغَوِيّ صَاحب أبي عَمْرو بن الْعَلَاء وَهُوَ الَّذِي خَلفه فِي الْقيام بِالْقِرَاءَةِ بعده سكن بَغْدَاد وَحدث بهَا عَن أبي عَمْرو بن الْعَلَاء وَابْن جريج وَغَيرهمَا. وروى عَنهُ ابْنه مُحَمَّد وَأَبُو عبيد الْقَاسِم بن سَلام وَإِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم الْموصِلِي وَجَمَاعَة من أَوْلَاده وحفداته وَأَبُو عَمْرو الدوري وَأَبُو شُعَيْب السُّوسِي وَغَيرهم. وَخَالف أَبَا عَمْرو فِي حُرُوف كَثِيرَة من الْقِرَاءَة اخْتَارَهَا لنَفسِهِ. وَأخذ علم الْعَرَبيَّة عَن أبي عَمْرو والخليل بن أَحْمد. - قَالَ ابْن الْمُبَارك: أكثرت السُّؤَال عَن أبي مُحَمَّد وَمحله من الصدْق ومنزلته من الثِّقَة فَقَالُوا: هُوَ ثِقَة صَدُوق لَا يدْفع عَن سَماع وَلَا يرغب عَنهُ فِي شَيْء غير مَا يتَوَهَّم عَلَيْهِ من الْميل إِلَى الْمُعْتَزلَة. وَقد روى عَنهُ الغرائب أَبُو عبيد الْقَاسِم بن سَلام وَكفى بِهِ وَمَا ذَاك إِلَّا عَن مَعْرُوفَة مِنْهُ بِهِ. وَكَانَ مؤدب الْمَأْمُون هَارُون الرشيد.

قَالَ الْأَثْرَم: دخل اليزيدي يَوْمًا على الْخَلِيل بن أَحْمد وَهُوَ جَالس على وسَادَة فأوسع لَهُ وَأَجْلسهُ مَعَه فَقَالَ لَهُ اليزيدي: أحسبني ضيقت عَلَيْك فَقَالَ الْخَلِيل: مَا ضَاقَ مَوضِع على اثْنَيْنِ متحابين وَالدُّنْيَا لَا تسع متباغضين.) وَمن هُنَا أَخذ ابْن عبد ربه قَوْله: الْبَسِيط (صل من هويت وَأَن أبدى معاتبةً ... فأطيب الْعَيْش وصل بَين اثْنَيْنِ) (واقطع حبائل خدنٍ لَا تلائمه ... فقلما تسع الدُّنْيَا بغضين) وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد غَانِم بن الْوَلِيد المالقي: الْبَسِيط (صير فُؤَادك للمحبوب منزلَة ... سم الْخياط مجالٌ للمحبين) (وَلَا تسَامح بغيضاً فِي مخاصمةٍ ... فقلما تسع الدُّنْيَا بغيضين) قَالَ ابْن الزقاق: الطَّوِيل (يضيق الفضا عَن صاحبين تباغضا ... وسم الْخياط بالحبيبين وَاسع) وَقَالَ التهامي: المنسرح (بَين المحبين منجلسٌ وَاسع ... والود حالٌ يقرب الشاسع) (وَالْبَيْت إِن ضَاقَ عَن ثمانيةٍ ... متسعٌ بالود للتاسع)

وروى الْأَصْبَهَانِيّ فِي الأغاني أَن قُتَيْبَة الْخُرَاسَانِي صَاحب عِيسَى بن عمر كَانَ يَأْتِي اليزيدي (إِذا عافى مليك النَّاس عبدا ... فَلَا عافاك رَبك يَا قتيبه) (طلبت النَّحْو مذ أَن كنت طفْلا ... إِلَى أَن جللتك قبحت شَيْبه) (فَمَا تزاد إِلَّا النَّقْص فِيهِ ... فَأَبت لَدَى الإياب بشر أوبه) (وَكنت كغائبٍ قد غَابَ حينا ... فطال مقَامه وأتى بخيبه) وَرُوِيَ عَنهُ أَنه قَالَ: كَانَ عِيسَى بن عمر أعلم النَّاس بالغريب فَأَتَانِي قُتَيْبَة الْخُرَاسَانِي فَقَالَ: أفدني شَيْئا من الْغَرِيب أعايي بِهِ عِيسَى بن عمر فَقلت لَهُ: أَجود المساويك عِنْد الْعَرَب الْأَرَاك وأجود والأراك عِنْدهم مَا كَانَت متمئراً عجارماً جيدا. وَقد قَالَ الشَّاعِر: الطَّوِيل (إِذا استكت يَوْمًا بالأراك فَلَا يكن ... سواكك إِلَّا المتمئر العجارما) يَعْنِي الأير يُقَال: اتمأر الشَّيْء إِذا اشْتَدَّ. والعجارم: الأير الغليظ.

(الشاهد الثامن والتسعون بعد الثمانمائة)

قَالَ: فَكتب قُتَيْبَة مَا قلت لَهُ وَكتب الْبَيْت ثمَّ أَتَى عِيسَى بن عمر فِي مَجْلِسه فَقَالَ: يَا أَبَا عمر مَا أَجود المساويك عِنْد الْعَرَب فَقَالَ: الْأَرَاك. فَقَالَ لَهُ قُتَيْبَة: أَفلا أهدي إِلَيْك مِنْهُ شَيْئا متمئراً عجارماً) فَقَالَ: أهده إِلَى نَفسك وَغَضب وَضحك كل من كَانَ فِي مَجْلِسه وَبَقِي قُتَيْبَة متحيراً فَعلم قَالَ أَبُو مُحَمَّد اليزيدي: فَضَحِك عِيسَى حَتَّى فحص بِرجلِهِ قفال: هَذِه وَالله من مزحاته أرَاهُ عَنْك منحرفاً فقد فَضَحِك فَقَالَ قُتَيْبَة: لَا أعاود مَسْأَلته عَن شَيْء. وَقد أطنب الْأَصْفَهَانِي فِي أخباره ونوادر وأشعاره وأخبار أَوْلَاده وحفدته. وَمَات اليزيدي فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَمِائَتَيْنِ. وَأنْشد بعده (الشَّاهِد الثَّامِن وَالتِّسْعُونَ بعد الثَّمَانمِائَة) الطَّوِيل (تلم بدارٍ قد تقادم عهدها ... وَإِمَّا بأموات ألم خيالها) على أَن إِمَّا قد تَجِيء بالشعر غير مسبوقة بِمِثْلِهَا فتقدر كَمَا فِي هَذَا الْبَيْت الَّذِي أنْشدهُ الْفراء وَالتَّقْدِير: تلم إِمَّا بدار وَإِمَّا بأموات. كَذَا قَالَ أَبُو عَليّ فِي كتاب الشّعْر.

- وَلم ينشده الْفراء لهَذَا بل جعل إِمَّا الثَّانِيَة نائبة عَن أَو وَلَا حذف فِي الْكَلَام وَهَذَا نَصه نَقَلْنَاهُ برمتِهِ لِكَثْرَة فَوَائده قَالَ عِنْد تَفْسِير قَوْله تَعَالَى: إِمَّا أَن تلقي وَإِمَّا أَن نَكُون نَحن الملقين: أَدخل فَإِن قلت: إِن أَو فِي الْمَعْنى بِمَنْزِلَة إِمَّا وَإِمَّا فَهَل يجوز أَن تَقول: يَا زيد أَن تقوم أَو تقعد تُرِيدُ اختر أَن تقوم أَو تقعد قلت: لَا يجوز ذَلِك لِأَن أول الاسمين فِي أَو يكون خَبرا يجوز السُّكُوت عَلَيْهِ ثمَّ تستدرك الشَّك فِي الِاسْم الآخر فتمضي الْكَلَام على الْخَبَر أَلا ترى أَنَّك تَقول: قَامَ أَخُوك وتسكت. وَإِن بدا لَك قلت: أَو أَبوك. فأدخلت الشَّك وَالِاسْم الأول مكتفٍ يصلح السُّكُوت عَلَيْهِ. وَلَيْسَ يجوز أَن تَقول: ضربت إِمَّا عبد الله وتسكت. فَلَمَّا آذَنت إِمَّا بالتخيير من أول الْكَلَام أحدثت لَهَا أَن. وَلَو وَقعت إِمَّا وَإِمَّا مَعَ فعلين قد وصلا باسم معرفَة أَو نكرَة وَلم يصلح الْأَمر بالتخيير فِي مَوضِع إِمَّا لم يحدث فِيهَا أَن كَقَوْلِه تَعَالَى: وَآخَرُونَ مرجون لأمر الله إِمَّا يعذبهم وَإِمَّا يَتُوب عَلَيْهِم. وَلَو جعلت أَن فِي مَذْهَب كي وصيرتها لمرجون تُرِيدُ: أرجئوا لِأَن يعذبوا أَو يُتَاب عَلَيْهِم) صلح ذَلِك فِي كل فعل تَامّ وَلَا يصلح فِي كَانَ وَأَخَوَاتهَا وَلَا فِي ظَنَنْت وَأَخَوَاتهَا. من ذَلِك أَن تَقول: آتِيك إِمَّا أَن تُعْطِي وَإِمَّا أَن تمنع. وَخطأ أَن تَقول: أَظُنك إِمَّا أَن تُعْطِي وَإِمَّا تمنع وَلَا أَصبَحت إِمَّا أَن تُعْطِي وَإِمَّا أَن تمنع. وَلَا تدخل أَو على إِمَّا وَلَا إِنَّا على أَو. وَرُبمَا فعلت الْعَرَب ذَلِك لتآخيهما

فِي الْمَعْنى على التَّوَهُّم فَيَقُولُونَ: عبد الله إِمَّا جَالس أَو ناهض. - وَيَقُولُونَ: عبد الله يقوم وَإِمَّا يقْعد. وَفِي قِرَاءَة أبي: وَإِنَّا أَو إيَّاكُمْ لإما على هدى أَو فِي ضلالٍ فَوضع أَو فِي مَوْضُوع إِمَّا. وَقَالَ الشَّاعِر: الطَّوِيل (فَقلت لَهُنَّ امشين إِمَّا نلاقه ... كَمَا قَالَ أَو نشف النُّفُوس فنعذرا) وَقَالَ آخر: الطَّوِيل (فَكيف بِنَفس كلما قلت أشرفت ... على الْبُرْء من دهماء هيض اندمالها) (تهاض بدارٍ قد تقادم عهدها ... وَإِمَّا بأمواتٍ ألم خيالها) فَوضع إِمَّا فِي مَوضِع أَو. وَهُوَ على التَّوَهُّم إِذا طَالَتْ الْكَلِمَة بعض الطول أَو فرقت بَينهمَا بِشَيْء هُنَالك يجوز التَّوَهُّم كَمَا تَقول: أَنْت ضَارب زيد ظَالِما وأخاه حِين فرقت بَينهمَا بظالم جَازَ نصب الْأَخ وَمَا قبله مخفوض. انْتهى كَلَام الْفراء. فَجعل إِمَّا نائبة عَن أَو لَا أَن مثلهَا مَحْذُوف من أول الْكَلَام. وَمَا قَالَه غَيره أَجود لِأَنَّهُ حمل على الْكثير الشَّائِع. وَخص ابْن عُصْفُور حذفهَا بالشعر كَأبي عَليّ وَالشَّارِح الْمُحَقق. ونسبهما أَبُو عَليّ إِلَى الفرزدق وَهُوَ الصَّحِيح. وَقَالَ الْمرَادِي فِي شرح التسهيل والعيني: هما لذِي الرمة. وَلم أرهما فِي ديوانه. وَقَوله: فَكيف بنفسٍ أَي: كَيفَ نأمل بِصِحَّة نفس هَذِه صفتهَا. وَقيل: الْبَاء زَائِدَة وَنَفس: مُبْتَدأ وَكَيف: خَبره. وأشرفت: أَقبلت. والْبُرْء بِالضَّمِّ:

الْخَلَاص من الْمَرَض. - وَقَوله: من دهماء: أَي: من مرض حبها فَفِيهِ حذف مضافين أَو من تعليلية فَلَا حذف. ودهماء: اسْم امْرَأَة. وروى الْعَيْنِيّ بدله: حوصاء بِالْحَاء وَالصَّاد الْمُهْمَلَتَيْنِ وَقَالَ: وفعلاء من الحوص بِالتَّحْرِيكِ وَهُوَ) ضيق فِي مُؤخر الْعين. وهيض: مَجْهُول هاض الْعظم يهيضه هيضاً إِذا كَسره بعد الْجَبْر. وَقَوله: اندمالها أَي: اندمال جرحها وَالضَّمِير للنَّفس. والاندمال تراجع الْجرْح إِلَى الْبُرْء. يُرِيد: كلما قَارب الْجرْح إِلَى الالتحام أُصِيب بشيءٍ فدمي فَصَارَ جرحا كَالْأولِ أَو أَشد. وَقَوله: تهاض بِالْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّة وَالضَّمِير لتِلْك النَّفس أَي: يَتَجَدَّد جرحها. وَالْبَاء فِي قَوْله بدار وأموات سَبَبِيَّة. وَجعلهَا الْعَيْنِيّ ظرفية وَقدر لمجرورها صفة وَقَالَ: أَي: فِي دارٍ تخرب. وَهَذَا لَا حَاجَة إِلَيْهِ وَجُمْلَة قد تقادم: صفة دَار. وَفِي الْمِصْبَاح: قدم الشَّيْء قدماً كعنب: خلاف حدث فَهُوَ قديم. وعيبٌ قديم أَي: سَابق زَمَانه مُتَقَدم الْوُقُوع على وقته. والعهد قَالَ صَاحب الْمِصْبَاح يُقَال: هُوَ قريب الْعَهْد بِكَذَا أَي: قريب الْعلم وَالْحَال. وَالْأَمر كَمَا عهِدت أَي كَمَا عرفت. وَقَوله: وَإِمَّا بأموات قَالَ الْعَيْنِيّ: أَي: بِمَوْت أموات. وَلَيْسَ الْمَعْنى عَلَيْهِ كَمَا لَا يخفى. وألم قَالَ صَاحب الْمِصْبَاح: ألم الشَّيْء إلماماً أَي: قرب. وَفِي الصِّحَاح: الْإِلْمَام: النُّزُول وَقد ألم بِهِ أَي: نزل بِهِ وَغُلَام ملم: قَارب الْبلُوغ. - وَفِي الحَدِيث: وَإِن مِمَّا ينْبت الرّبيع مَا يقتل حَبطًا أَو يلم أَي: يقرب من ذَلِك. انْتهى. فَيكون التَّقْدِير: ألم خيالها بِنَا. وَالْجُمْلَة صفة أموات والخيال بِالْفَتْح: صُورَة الشَّيْء فِي الذِّهْن. وروى أَيْضا: تلم بدار كَمَا فِي الشَّرْح وَغَيره وَهُوَ من الْإِلْمَام وَقد ذَكرْنَاهُ وفاعله ضمير النَّفس.

(الشاهد التاسع والتسعون بعد الثمانمائة)

وَهَذَا الْبَيْت بَيَان لسَبَب عدم برْء النَّفس. وترجمة الفرزدق تقدّمت فِي الشَّاهِد الثَّلَاثِينَ من أَوَائِل الْكتاب. وَأنْشد بعده (الشَّاهِد التَّاسِع وَالتِّسْعُونَ بعد الثَّمَانمِائَة) (فإمَّا أَن تكون أخي بِحَق ... فأعرف مِنْك غثي أَو سميني) (وَإِلَّا فاطرحني واتخذني ... عدوا أتقيك وتتقيني) على أَنه قد تخلف إِمَّا الثَّانِيَة إِلَّا وَهِي إِن الشّرطِيَّة المدغمة بِلَا النافية أَي: وَإِلَّا تكن أخي بِحَق فاطرحني وَقد تخلفها أَو أَيْضا كَمَا قَالَ الشَّارِح وَغَيره كَقَوْلِه: الطَّوِيل ( فَقلت لَهُنَّ امشين إِمَّا نلاقه ... كَمَا قَالَ أَو نشف النُّفُوس فنعذرا) والبيتان من قصيدة طَوِيلَة للمثقب الْعَبْدي أوردهَا الْمفضل فِي المفضليات: وبعدهما: (وَمَا أَدْرِي إِذا يممت أمرا ... أُرِيد الْخَيْر أَيهمَا يليني) (أألخير الَّذِي أَنا أبتغيه ... أم الشَّرّ الَّذِي هُوَ يبتغيني) وَهَذِه آخر القصيدة وَلم يذكر فِيهَا الْمُخَاطب بهما من هُوَ وَكَأَنَّهُ مَحْذُوف مِنْهَا.

وَقَوله: فإمَّا أَن تكون بِتَأْوِيل مصدر مَنْصُوب على أَنه مفعول لفعل مَحْذُوف وَالتَّقْدِير: بَين إِمَّا كونك أَخا وَإِمَّا كونك عدوا. وَإِمَّا لأحد الشَّيْئَيْنِ. وَجعل بَعضهم ذَلِك الْمصدر مُبْتَدأ مَحْذُوف الْخَبَر تَقْدِيره: فإمَّا أخوتك الصادقة حَاصِلَة. هَذَا كَلَامه. والجيد أَن يكون خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف. وَالتَّقْدِير: إِمَّا شَأْنك كونك أَخا صَادِقا كَمَا قَالَ سِيبَوَيْهٍ فِي قَوْله: كَمَا يَأْتِي. وَجعل مثله أَبُو عَليّ فِي البغداديات مُبْتَدأ مَحْذُوف الْخَبَر قَالَ فِي قَوْله تعال: يَا ذَا القرنين إِمَّا أَن تعذب يَنْبَغِي أَن يكون رفعا وارتفاعه على الِابْتِدَاء أَي: إِمَّا الْعَذَاب شَأْنك أَو أَمرك أَو اتِّخَاذ الْحسن. انْتهى. قَالَ الْعَيْنِيّ: قَوْله: بِحَق فِي مَحل نصب صفة لأخي. وَلَا يخفى أَن الظّرْف بعد الْمعرفَة حَال وَبعد النكرَة صفة بِحَسب الِاقْتِضَاء وَهنا وَقع بعد معرفَة فَكيف يكون صفة على أَنه لَا اقْتِضَاء هُنَا بِحَسب الْمَعْنى وَإِنَّمَا هُوَ نَائِب عَن الْمَفْعُول الْمُطلق وَالتَّقْدِير: تكون أخي كوناً ملتبساً بِحَق. وَقَوله: فأعرف بِالنّصب: مَعْطُوف على تكون. وَقَوله: غثي أَو سميني كَذَا هُوَ ب أَو. فِي المفضليات وَغَيرهَا.) قَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: أَي: فأعرف نصحك من غشك. وَهِي نُسْخَة قديمَة مضبوطة صَحِيحَة جدا. وَرُوِيَ فِي الشَّرْح وَمُغْنِي اللبيب وشروح الألفية: غثي من سمني فَمن الأولى ابتدائية فِي الرِّوَايَتَيْنِ وَمن الثَّانِيَة للبدل كَقَوْلِه تَعَالَى:

أرضيتم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا من الْآخِرَة. وَأنْكرهُ قوم فَقَالُوا: التَّقْدِير: أرضيتم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا بَدَلا من الْآخِرَة فالمفيد للبدلية متعلقها الْمَحْذُوف. وَأما هِيَ فللابتداء. وَقَالَ ابْن مَالك: من الدَّاخِلَة على ثَانِي المتضادين مَعْنَاهَا الْفَصْل نَحْو: وَالله يعلم الْمُفْسد من المصلح. قَالَ ابْن هِشَام: فِيهِ نظر لِأَن الْفَصْل مُسْتَفَاد من الْعَامِل وَالظَّاهِر أَن من للابتداء أَو بِمَعْنى عَن. انْتهى. قَالَ الْعَيْنِيّ: قَوْله: غثي بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الثَّاء الْمُثَلَّثَة من غث اللَّحْم يغث ويغث بِكَسْر الْغَيْن وَفتحهَا غثاثة وغثوثة فَهُوَ غث وغثيث إِذا كَانَ مهزولاً. وَكَذَلِكَ غث حَدِيث الْقَوْم وأغث أَي: ردؤ وَفَسَد. وَالْمعْنَى هَا هُنَا: أعرف مِنْك مَا يفْسد مِمَّا يصلح. انْتهى. وَقَالَ الدماميني: الغث: الرَّدِيء. والسمين: الْجيد. أَي: فأعرف مِنْك مساوي من محاسني فَإِن الْمُؤمن مرْآة أَخِيه. أَو فأعرف مَا يضرني مِنْك مِمَّا يَنْفَعنِي وأميز بَينهمَا. انْتهى. وَقَوله: وَإِلَّا فاطرحني أَي: اتركني. وَهُوَ بتَشْديد الطَّاء افتعال من الطرح. وَقَوله: وَمَا أَدْرِي مَا يممت ... إِلَخ مَا: نَافِيَة وأدري: أعلم وَجُمْلَة أَيهمَا يليني: فِي مَحل المفعولين لأدري لِأَنَّهُ مُعَلّق عَن الْعَمَل باسم الِاسْتِفْهَام. وَإِذا: ظرف لأدري. ويممت: قصدت. وأمراً كَذَا فِي المفضليات وَفِي غَيرهَا: وَجها. وَرُوِيَ أَيْضا: أَرضًا. وَجُمْلَة أُرِيد: حَال من فَاعل يممت.

وَأوردهُ الْفراء عِنْد تَفْسِير قَوْله تَعَالَى: لَيْسُوا سَوَاء من أهل الْكتاب أمةٌ قائمةٌ قَالَ: ذكر أمة وَلم يذكر بعْدهَا أُخْرَى وَالْكَلَام مَبْنِيّ على أُخْرَى لِأَن سَوَاء لابد لَهَا من اثْنَيْنِ فَمَا زَاد كَأَنَّك قلت: لَا تستوي أمة صَالِحَة وَأُخْرَى كَافِرَة وَقد تستجيز الْعَرَب إِضْمَار أحد الشَّيْئَيْنِ إِذا كَانَ فِي الْكَلَام دَلِيل عَلَيْهِ. ثمَّ أنْشد هذَيْن الْبَيْتَيْنِ وَغَيرهمَا.) وَكَذَا أنشدهما عِنْد قَوْله تَعَالَى: إِنَّا جعلنَا فِي أَعْنَاقهم أغلالاً فَهِيَ إِلَى الأذقان قَالَ: كني عَن هِيَ وَهِي للأيمان وَلم تذكر. وَذَلِكَ أَن الغل لَا يكون إِلَّا فِي الْيَمين والعنق جَامعا للْيَمِين والعنق فَيَكْفِي ذكر أَحدهمَا من صَاحبه. ثمَّ أنشدهما فَقَالَ: كنى عَن الشَّرّ وَإِنَّمَا ذكر الْخَيْر وَحده. وَذَلِكَ أَن الشَّرّ يذكر مَعَ الْخَيْر. انْتهى. وَكَأَنَّهُ يُرِيد أَن التَّقْدِير: أُرِيد الْخَيْر لَا الشَّرّ. وَلَا يجوز أَن يكون التَّقْدِير: أُرِيد الْخَيْر وَالشَّر لِأَنَّهُ غير مرادٍ لَهُ بِدَلِيل مَا بعده فَيكون من حذف الْمَعْطُوف بِلَا النافية وَهُوَ غَرِيب. وَقَوله: أألخير الَّذِي ... إِلَخ هَذَا بدل من أَي وَلِهَذَا قرن بِحرف الِاسْتِفْهَام. والهمزة الثَّانِيَة من أألخير همزَة وصل دخلت عَلَيْهَا همزَة الِاسْتِفْهَام وَكَانَ الْقيَاس أَن يَسْتَغْنِي عَنْهَا لَكِنَّهَا لم تحذف وخففت بتسهيلها بَين بَين إِذْ لَولَا ذَلِك لم يتزن الْبَيْت. وَلَا سَبِيل إِلَى دَعْوَى تحقيقها لِأَنَّهُ لَا قَائِل بِهِ. وهمزة بَين بَين عِنْد الْبَصرِيين متحركة بحركة ضَعِيفَة ينحى بهَا نَحْو

السّكُون وَلذَلِك لَا تقع إِلَّا حَيْثُ يَقع السَّاكِن غَالِبا وَلَا تقع فِي أول الْكَلَام بِحَال. وَفِيه ردٌ على الْكُوفِيّين فِي دَعْوَى سكونها لِأَنَّهَا فِي مُقَابلَة ثَانِي حُرُوف وتدٍ مَجْمُوع وَهُوَ لَا يكون سَاكِنا وَلِأَنَّهَا لَو كَانَت سَاكِنة لزم التقاء الساكنين على غير حَده. وَرُوِيَ: أم الشَّرّ الَّذِي لَا يأتليني قَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: أَي لَا يألو فِي طلبي أَي: لَا يقصر فِي طلبي. والمثقب الْعَبْدي: شَاعِر جاهلي قديم كَانَ فِي زمن عَمْرو بن هِنْد. قَالَه ابْن قُتَيْبَة فِي كتاب الشُّعَرَاء وَقَالَ اسْمه مُحصن بن ثَعْلَبَة بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون الْمُهْملَة وَفتح الصَّاد الْمُهْملَة سمي المثقب لقَوْله فِي هَذِه القصيدة: (رددن تَحِيَّة وكنن أُخْرَى ... وثقبن الوصاوص للعيون) وَكَانَ أَو عَمْرو بن الْعَلَاء يَقُول: لَو كَانَ الشّعْر كُله على هَذِه القصيدة لوَجَبَ على النَّاس أَن يتعلموه. انْتهى. - وَقَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: اسْمه: عَائِذ بن مُحصن بن ثَعْلَبَة بن وائلة بن عدي بن عَوْف بن دهن بن عذرة بن مُنَبّه بن نكرَة بن لكيز بن أفصى بن عبد الْقَيْس بن أفصى ابْن دعمي بن جديلة بن) أَسد بن ربيعَة بن نزار بن معد بن عدنان. انْتهى. والمثقب: اسْم فَاعل من ثقبٌ بالثاء الْمُثَلَّثَة وَتَشْديد الْقَاف. وصحفه الدماميني بالنُّون. وَهُوَ لقب لَهُ لقَوْله ذَاك الْبَيْت. والعبدي: نِسْبَة إِلَى عبد الْقَيْس وَيُقَال فِي النِّسْبَة إِلَيْهِ عبقسيٌ أَيْضا.

وَقَوله: رددن تَحِيَّة ... إِلَخ قَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: أَي: أظهرن السَّلَام ورددنه. وكتمن أَي: سترن وَهُوَ مَا يرد من السَّلَام بعينٍ أَو بيد. وَرُوِيَ: ظهرن بكلةٍ وسدلن أُخْرَى والكلة: مَا يرى على الهودج وَهُوَ شَبيه بالستور. والوصاوص: البراقع الصغار. أَرَادَ أَنَّهُنَّ حديثات الْأَسْنَان فبراقعهن صغَار. (لَا تقولن إِذا مَا لم ترد ... أَن تتمّ الْوَعْد فِي شيءٍ نعم) (حسنٌ قَول نعم من بعد لَا ... وقبيحٌ قَول لَا بعد نعم) (إِن لَا بعد نعم فاحشةٌ ... فبلا فابدأ إِذا حفت النَّدَم ) (فَإِذا قلت نعم فاصبر لَهَا ... بنجاح القَوْل إِن الْخلف ذمّ) (وَاعْلَم أَن الذَّم نقصٌ للفتى ... وَمَتى لَا يتق الذَّم يذم) (أكْرم الْجَار وأرعى حَقه ... إِن عرفان الْفَتى الْحق كرم) (لَا تراني راتعاً فِي مجلسٍ ... فِي لُحُوم النَّاس كالسبع الضرم) (إِن شَرّ النَّاس من يكشر لي ... حِين يلقاني وَإِن غبت شتم) (وكلامٍ سيئٍ قد وقرت ... أُذُنِي عَنهُ وَمَا بِي من صمم) (فتصبرت امتعاضاً أَن يرى ... جاهلٌ إِنِّي كَمَا كَانَ زعم) (ولبعض الصفح والإعراض عَن ... ذِي الْخَنَا أبقى وَإِن كَانَ ظلم) والضرم: الشَّديد النهم أخذا من ضرم النَّار وَهُوَ التهابها. والسبع بِضَم الْمُوَحدَة لكنه سكنه للضَّرُورَة. ويكشر: يضْحك. ووقرت أُذُنه بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول توقر وقرا فَهِيَ موقرة من الصمم.

(الشاهد الموفي للتسعمائة)

(الشَّاهِد الموفي للتسعمائة) الْبَسِيط (يَا ليتما أمنا شالت نعامتها ... أما إِلَى جنةٍ أما إِلَى النَّار) على أَن أما الثَّانِيَة تلْزم الْوَاو وَرُبمَا ترد بِلَا وَاو كَهَذا الْبَيْت وَهُوَ غير الْغَالِب. قَالَ ابْن هِشَام فِي حَوَاشِي التسهيل: لَا أحفظ حذف الْوَاو إِلَّا مَعَ تَخْفيف إِمَّا بِالْبَدَلِ كَقَوْلِه: الرجز (لَا تفسدوا آبالكم ... إيما لنا إيما لكم) قَالَ الشَّارِح: ويروى أَيّمَا إِلَى جنَّة وَهِي لُغَة فِي إِمَّا. هَذَا هُوَ الْمَشْهُور فِي رِوَايَة الْبَيْت. - وَكَذَا أنْشدهُ أَبُو تَمام فِي الحماسة وَهُوَ بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون الْيَاء. قَالَ ابْن جني فِي إِعْرَاب الحماسة: قَوْله: أَيّمَا إِلَى جنَّة يدل على أَن إِبْدَال الرَّاء وَالنُّون ياءين فِي قِيرَاط ودينار لَيْسَ للكسرة إِنَّمَا هُوَ للإدغام. أَلا ترى أَن أَيّمَا قد أبدل فِيهَا من مِيم أما وَلَا كسرة قبلهَا. انْتهى. وَكَذَا ذكره ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي قَالَ: وَفِي الْبَيْت شَاهد ثَان وَهُوَ فتح الْهمزَة وثالث هُوَ قَالَ الدماميني فِي المزج عِنْد قَول ابْن هِشَام: وَقد تبدل ميمها الأولى

يَاء أَي: مَعَ فتح الْهمزَة وَكسرهَا كَمَا نَص عَلَيْهِ غير وَاحِد لكِنهمْ فِيمَا رَأَيْت لم يستشهدوا على الْإِبْدَال إِلَّا مَعَ فتح الْهمزَة. انْتهى. وَقَالَ الْمرَادِي فِي شرح التسهيل: حُكيَ الْإِبْدَال مَعَ كسر الْهمزَة وَفتحهَا. فمثاله مَعَ الْكسر قَوْله: يَا ليتما أمنا شالت نعامتها الْبَيْت وَمَعَ الْفَتْح قَول أبي القمقام: الطَّوِيل (تنفخها أَيّمَا شمالٌ عريةٌ ... وَأَيّمَا صبا جنح الظلام هبوب) رَوَاهُ الْفراء بِالْيَاءِ وَفتح الْهمزَة. هَذَا كَلَامه. وَفِيه نظر فَإِن الْبَيْت الشَّاهِد نصوا على فتح همزته مَعَ الْإِبْدَال وَلَو كَانَ الْكسر فِيهِ رِوَايَة أَيْضا لَكَانَ اللَّائِق عزوه إِلَى ناقله. - وَالْبَيْت أول أَبْيَات أَرْبَعَة أوردهَا أَبُو تَمام فِي أَوَاخِر الحماسة قَالَ: وَقَالَت أم النحيف وَهُوَ سعد) بن قرط أحد بني جذيمة وَكَانَ تزوج امْرَأَة نهته أمه عَنْهَا. (لعمري لقد أخلفت ظَنِّي وسؤتني ... فحزت بعصياني الندامة فاصبر) (فقد حزت بالورهاء أَخبث خبثةٍ ... فدع عَنْك مَا قد قلت يَا سعد وَاحْذَرْ) ...

(تربص بهَا الْأَيَّام على صروفها ... سترمي بهَا فِي فِي جاحمٍ متسعر) (فكم من كريمٍ قد مناه إلهه ... بمذمومة الْأَخْلَاق وَاسِعَة الْحر) (فطاولها حَتَّى أتتها منيةٌ ... فَصَارَت سفاةٌ جثوَة بَين أقبر) (فأعقب لما كَانَ بِالصبرِ معصماً ... فتاةً تمشي بَين إتبٍ ومئزر ) (مهفهفة الكشحين محطوطة المطا ... كهم الْفَتى فِي كل مبدىً ومحضر) (لَهَا كفلٌ كالدعص لبده الندى ... وثغرٌ نقيٌ كالأقاح الْمنور) فأجابها ابْنهَا: (يَا ليتما أمنا شالت نعامتها ... أَيّمَا إِلَى جنةٍ ايما إِلَى نَار) (تلتهم الوسق مشدوداً أشظته ... كَأَنَّمَا وَجههَا قد سفع بالقار) (لَيست بشبعي وَلَو أوردتها هجراً ... وَلَا بريا وَلَو صافت بِذِي قار) (خرقاء بِالْخَيرِ لَا تهدي لوجهته ... وَهِي صناع الْأَذَى فِي الْأَهْل وَالْجَار) قَالَ الْخَطِيب التبريزي: والورهاء: الحمقاء. وأخبث خبثة: نعت كل فَاسد. فدع عَنْك مَا قد قلت كَأَنَّهُ كَانَ هم بمباينتها فأنكرت ذَلِك

وَقَالَت: تربص بهَا. والجاحم بِتَقْدِيم الْجِيم على الْمُهْملَة: النَّار الشَّدِيدَة التأجج. والسفاة بِفَتْح الْمُهْملَة: الكبة من التُّرَاب. وأعصم من الشَّرّ واعتصم واستعصم: التجأ وَامْتنع. ومحطوطة المطا أَي: كَأَنَّهَا قد صقلت بالمحط بِالْكَسْرِ وَهُوَ مَا يصقل بِهِ السَّيْف وَالْجَلد. والمهفهفة: الخميصة الْبَطن. وكهم الْفَتى: مَا يهواه ويهمه حَيْثُمَا تصرف. والنحيف: تَصْغِير مرخم نحيف. انْتهى كَلَامه. وَبَقِي فِيهِ كَلِمَات تحْتَاج إِلَى الشَّرْح فَنَقُول: الْقَرِينَة: زَوْجَة الرجل. ومناه: ابتلاه ومضارعه يمنوه وَيَمِينه. وَالْحر بِكَسْر الْمُهْملَة: الْفرج. وَفِي السفا: التُّرَاب والسفاة أخص مِنْهُ. والجثوة مُثَلّثَة الْجِيم: الْحِجَارَة الْمَجْمُوعَة. وأقبر: جمع قبر. وأعقب بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول. - ومعصم: اسْم فَاعل: ملتجئ وفتاة: مفعول ثَان لأعقب. والإتب بِكَسْر الْهمزَة وَسُكُون الْمُثَنَّاة) الْفَوْقِيَّة: ثوب أَو برد يشق فِي وَسطه فتلقيه الْمَرْأَة فِي عُنُقهَا من غير كم وَلَا جيب. والكشح: الخاصرة. والدعص بِالْكَسْرِ: الْكَثِيب من الرمل. وَقَول سعد: يَا ليتما أمنا الْبَيْت يَا: حرف تَنْبِيه وَأمنا بِالنّصب اسْم لَيْت وَجُمْلَة شالت نعامتها: خَبَرهَا. وشالت: ارْتَفَعت. والنعامة قيل: بَاطِن الْقدَم وَقيل: عظم السَّاق. وَقَوْلهمْ: شالت نعامته: كِنَايَة عَن الْمَوْت والهلاك فَإِن من مَاتَ ارْتَفَعت رِجْلَاهُ وانتكس وَفِي الصِّحَاح: النعامة: الْخَشَبَة المعترضة على الزرنوقين وَيُقَال للْقَوْم إِذا ارتحلوا عَن منهلهم أَو تفَرقُوا: شالت نعامتهم. وَقَالَ ابْن بري فِي أَمَالِيهِ عَلَيْهِ: وَشَاهده قَول أُميَّة بن أبي الصَّلْت:

الْبَسِيط (اشرب هَنِيئًا فقد شالت نعامتهم ... وأسبل الْيَوْم فِي برديك إسبالا) وَقَالَ آخر: الْبَسِيط (إِنِّي قضيت قَضَاء غير ذِي جنفٍ ... لما سَمِعت وَلما جَاءَنِي الْخَبَر) (أَن الفرزدق قد شالت نعامته ... وعضه حيةٌ من قومه ذكر ) انْتهى. والزرنوقان: منارتان تبنيان على رَأس الْبِئْر فتوضع عَلَيْهِمَا النعامة. وَقَالَ بَعضهم: الْعَرَب تُرِيدُ بقولِهَا: شالت نعامته الدُّعَاء عَلَيْهِ تَعْنِي هَزَمه الله وراعه حَتَّى يذهب على وَجهه كَمَا نفر النعام. ولشدة هرب النعام وذعره ضرب بِهِ الْمثل للمهزوم. وَقَوله: أَيّمَا إِلَى جنَّة ... إِلَخ أوردهُ صَاحب الصِّحَاح فِي مَادَّة أمو فَقَالَ: وَإِمَّا بِالْكَسْرِ وَالتَّشْدِيد: حرف عطف بِمَنْزِلَة أَو. إِلَى أَن قَالَ: وَقَوْلهمْ: أَيّمَا وَأَيّمَا يُرِيدُونَ: إِمَّا وَإِمَّا فيبدلون من إِحْدَى الميمين يَاء. أَيّمَا إِلَى جنةٍ أَيّمَا إِلَى نَار وَقد يكسر. انْتهى. وَفِيه نظر من وُجُوه: الأول: أَنَّهَا لَيست من هَذِه الْمَادَّة.

الثَّانِي: لَيست حرف عطف. الثَّالِث: فِي نِسْبَة الشّعْر للأحوص وَإِنَّمَا هُوَ للنحيف الْمَذْكُور.) وَلم ينتبه لهَذَا ابْن بريٍ وَلَا الصَّفَدِي. وَفِي قَوْله: وَقد يكسر رد على الدماميني فِي قَوْله: لم يستشهدوا على الْإِبْدَال إِلَّا مَعَ فتح الْهمزَة. فتخلص لنا فِي هَذِه الْكَلِمَة أَن أَيّمَا بِالْفَتْح أَصْلهَا أما الْمَفْتُوحَة وَهِي لُغَة فِي الْمَكْسُورَة وَأَن أَيّمَا بِالْكَسْرِ أَصْلهَا أما بِالْكَسْرِ لَكِن كثر اسْتِعْمَال أَيّمَا بِالْفَتْح. - وَقد خَفِي على ابْن بري مَجِيء الْفَتْح فِي إِمَّا الْمَكْسُورَة فَاعْترضَ على صَاحب الصِّحَاح فِي تجويزه الْوَجْهَيْنِ فِي أَيّمَا فِي هَذَا الشّعْر وَغَيره فَقَالَ: صَوَابه إيما بِالْكَسْرِ لِأَن الأَصْل إِمَّا. فَأَما أَيّمَا فَالْأَصْل فِيهَا أما وَذَلِكَ فِي مثل قَوْلك: أما زيد فمنطلق بِخِلَاف إِمَّا الَّتِي فِي الْعَطف فَإِنَّهَا مَكْسُورَة لَا غير. انْتهى. والأشظة: جمع شظاظ بالمعجمات وَكسر أَوله وَهُوَ الْعود الَّذِي يدْخل فِي عُرْوَة الجوالق. وَقَوله: قد سفع بِضَم السِّين وَسُكُون الْفَاء مخفف مكسورها وَهُوَ مَاض مَجْهُول من السفع بِالْفَتْح وَالِاسْم السفعة بِالضَّمِّ وَهُوَ سَواد مشر حمرَة. والقار: الزفت. وَقَوله: لَيست بشبعي هُوَ مؤنث شبعان. وهجر بِفتْحَتَيْنِ قَالَ السُّيُوطِيّ: قَرْيَة بالحجاز مَعْرُوفَة بِكَثْرَة التَّمْر. وريا: مؤنث رَيَّان. وصافت: فعل مَاض من الصَّيف. وَرُوِيَ: قاظت من القيظ وَهُوَ مُدَّة شدَّة الْحر. وَذُو قار: مَوضِع.

وَقَوله: خرقاء بِالْخَيرِ هُوَ مؤنث أخرق وَهُوَ الَّذِي لَا يحسن أَن يصنع شَيْئا. والصناع بِالْفَتْح: الْمَرْأَة الحاذقة بِعَمَل الْيَدَيْنِ وتحسن كل شَيْء. والنحيف بِضَم النُّون وَفتح الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الْيَاء بعْدهَا فَاء: مصغر نحيف تَصْغِير ترخيم وَإِلَّا لقيل نحيف بتَشْديد الْيَاء الْمَكْسُورَة. وَهُوَ لقب سعد بن قرط بِضَم الْقَاف وَسُكُون الرَّاء بعْدهَا طاء مُهْملَة. وَهُوَ من عبد الْقَيْس وَالنِّسْبَة إِلَيْهِ عبديٌ وعبقسيٌ كَمَا تقدم. وَقَالَ السُّيُوطِيّ فِي شرح أَبْيَات الْمُغنِي: قَالَ ثَعْلَب فِي أَمَالِيهِ: قَالَ أَبُو رزمة الْفَزارِيّ: كَانَت امْرَأَة من عبد الْقَيْس لَهَا ابنٌ يُقَال لَهُ: سعد بن قرط بن سيار يلقب النحيف يعقها وَكَانَ شريراً فَقَالَ: يهجوها: يَا ليتما أمنا شالت نعامتها) الأبيات الْأَرْبَعَة. وسَاق حِكَايَة مَعَ أَبْيَات. وَلم ار شَيْئا مِمَّا نَقله فِي أمالي ثَعْلَب مَعَ أَن نُسْخَتي مِنْهَا كَانَت سخته وَعَلَيْهَا خطه. واستمد ابْن الملا مِمَّا نَقله فصحف نِسْبَة الشَّاعِر فَقَالَ سعد بن قرظ بِفتْحَتَيْنِ ومعجمتين بَينهمَا مُهْملَة ابْن سيار الملقب بالتحيت هَكَذَا بِخَطِّهِ ونقلته مِنْهُ وَهُوَ تَصْحِيف فِي الاسمين لَا شكّ فِيهِ.

(الشاهد الحادي بعهد التسعمائة)

وَأنْشد بعده (الشَّاهِد الْحَادِي بِعَهْد التسْعمائَة) وَهُوَ من شَوَاهِد س: المتقارب (سقته الرواعد من صيفٍ ... وَإِن من ربيعٍ فَلَنْ يعدما) على أَن الأَصْل فِيهِ: سقته الرواعد إِمَّا من صيف وَإِمَّا من خريف. فَحذف لضَرُورَة الشّعْر إِمَّا الأولى وَمَا من إِمَّا الثَّانِيَة وَكَانَ أصل إِمَّا: إِن مَا فَلَمَّا حذفت مَا رجعت النُّون المنقلبة ميماً للإدغام إِلَى أَصْلهَا. - قَالَ سِيبَوَيْهٍ فِي بَاب مَا يضمر فِيهِ الْفِعْل الْمُسْتَعْمل إِظْهَاره بعد حرف: وَأما قَول الشَّاعِر: الوافر (لقد كذبتك نَفسك فاكذبنها ... فَإِن جزعاً وَإِن إِجْمَال صَبر) فَهَذَا على إِمَّا وَلَيْسَ على إِن الْجَزَاء كَقَوْلِك: إِن حَقًا وَإِن كذبا. فَهَذَا على إِمَّا مَحْمُول. أَلا ترى أَنَّك تدخل الْفَاء. وَلَو كَانَت على إِن الْجَزَاء وَقد اسْتقْبلت الْكَلَام لاحتجت إِلَى الْجَواب فَلَيْسَ قَوْله: فَإِن جزعاً كَقَوْلِه: إِن حَقًا وَإِن كذبا وَلَكِن على قَوْله: فإمَّا منا بعد وَإِمَّا فدَاء. وَإِن قلت: فَإِن جوع وَإِن إِجْمَال صبرٍ كَانَ جَائِزا كَأَنَّك قلت: فإمَّا أَمْرِي جزع وَإِمَّا إِجْمَال صَبر لِأَنَّك لَو صححتها فَقلت: إِمَّا جَازَ ذَلِك فِيهَا. وَلَا يجوز طرح مَا من إِمَّا إِلَّا فِي الشّعْر. قَالَ النمر بن تولب: ...

(سقته الرواعد من صيفٍ ... وَإِن من خريف فَلَنْ يعدما) وَإِنَّمَا يُرِيد: وَإِمَّا من خريف. وَمن أجَاز ذَلِك فِي الْكَلَام دخل عَلَيْهِ أَن يَقُول: مَرَرْت بِرَجُل إِن قَالَ ابْن خلف: يَعْنِي سِيبَوَيْهٍ أَن إِن فِي هَذَا الْبَيْت مَحْذُوف مِنْهَا مَا وأصل إِمَّا عِنْده إِن مَا) فَجعل الحرفان حرفا وَاحِدًا. وَإِذا اضْطر شَاعِر حذف مَا من إِمَّا. وَاسْتدلَّ على انها لَيست بإن الَّتِي للشّرط بِأَن الْفَاء دخلت على إِن فِي: فَإِن جزعاً. فَلَو كَانَت للشّرط لَا حتاجت إِلَى جَوَاب. وَذَلِكَ أَن جَوَاب إِن فِيمَا بعْدهَا وَقد يكون مَا قبلهَا مغنياً عَن الْجَواب إِذا لم يدْخل عَلَيْهِ شَيْء من حُرُوف الْعَطف كَقَوْلِك: أكرمك إِن جئتني. فَإِن أدخلت عَلَيْهَا فَاء أَو ثمَّ بَطل أَن يكون مَا قبلهَا مغنياً عَن الْجَواب. لايجوز أَن تَقول: أكرمك فَإِن جئتني. وَلَا: أكرمك ثمَّ إِن جئتني حَتَّى تَأتي بِالْجَوَابِ فَتَقول: أكرمك فَإِن جئتني زِدْت فِي الْإِكْرَام. فَلذَلِك بَطل أَن يكون: فَإِن جزعاً على معنى المجازاة وَصَارَت بِمَعْنى إِمَّا لِأَنَّهَا تحسن فِي هَذَا الْمَوْضُوع وَحذف مَا للضَّرُورَة. وَقَالَ فِي الْبَيْت الثَّانِي: يُرِيد: وَإِمَّا من خريف كَأَنَّهُ قَالَ: إِمَّا من صيف وَإِمَّا من خريف فَلَنْ يعْدم السَّقْي. وَاعْترض عَلَيْهِ مُحَمَّد بن يزِيد الْمبرد فَقَالَ: مَا لايجوز إلقاؤها من إِن إِلَّا فِي غَايَة الضَّرُورَة وَإِمَّا يلْزمهَا أَن تكون مكررة وَإِنَّمَا جَاءَت هُنَا مرّة وَاحِدَة.

ولاينبغي أَن تحمل الْكَلَام على الضَّرُورَة وَأَنت تَجِد إِلَى غَيرهَا سَبِيلا وَلَكِن الْوَجْه فِي ذَلِك مَا فال الْأَصْمَعِي قَالَ: هِيَ إِن الْجَزَاء وَإِنَّمَا أَرَادَ: وَإِن سقته من خريف فَلَنْ يعْدم الرّيّ. وَلم يحْتَج إِلَى ذكر سقته لقَوْله: الرواعد من صيف. قَالَ أَحْمد بن مُحَمَّد بن ولاد: هَذَا الْوَجْه الَّذِي حَكَاهُ الْمبرد عَن الْأَصْمَعِي من جعل إِن فِي الْبَيْت للجزاء قد أجَازه سِيبَوَيْهٍ بعقب الْبَيْت وَذَلِكَ فِي قَوْله فِي إثره: وَإِن أَرَادَ إِن الْجَزَاء فَهُوَ جَائِز لِأَنَّهُ يضمر فِيهَا الْفِعْل. إِلَّا أَنه أَخّرهُ لِأَنَّهُ لم يكن الْوَجْه عِنْده ولامراد الشَّاعِر عَلَيْهِ. - أَلا ترَاهُ قَالَ فِي تَفْسِير الْبَيْت: وَإِنَّمَا يُرِيد: وَإِمَّا من خريف. فَحمل معنى الْبَيْت على إِرَادَة الشَّاعِر وَذَلِكَ أَن الشَّاعِر ذكر وَعلا يُرِيد هَذَا المَاء مَتى شَاءَ فَقَالَ: المتقارب (إِذا شَاءَ طالع مسجورةً ... يرى حولهَا النبع والساسما) سقته الرواعد من صيف ... ... ... ... ... ... ... ... . الْبَيْت فَقَالَ: مسجورة أَي: مَمْلُوءَة من صيف أَو من خريف فَلَنْ يعْدم الوعل رياً على كل حَال.) فَأعْلم أَن ذَلِك ثَابت لَهُ. وَلَيْسَ للجزاء فِي هَذَا الْبَيْت معنى يحسن فِي الشّعْر ويليق بِمُرَاد الشَّاعِر لِأَنَّهُ إِذا حملهَا على الْجَزَاء فَإِنَّمَا يُرِيد: إِن سقته لم يعْدم الرّيّ وَإِن لم تسقه عدم. فَلَا فَائِدَة فِي هَذَا يحسن مَعَهُمَا الشّعْر وَلَا يشبه قَوْله: إِذا شَاءَ طالع مسجورة. فقد جعل ذَلِك لَهُ مَتى شَاءَ وَجعلهَا مَمْلُوءَة. فَلهَذَا أخر سيبلويه معنى الْجَزَاء وَلم يرد أَن الْجَزَاء مُرَاد الشَّاعِر وَإِنَّمَا أَرَادَ أَن مِثَال هَذَا لَو وَقع فِي كَلَام غير هَذَا الْبَيْت لجَاز فِيهِ هَذَا التَّأْوِيل لِأَنَّهُ مُرَاد الشَّاعِر. وَأما قَوْله: لَا يجوز إِلْقَاء مَا من إِلَّا فِي غَايَة الضَّرُورَة فَكَذَا قَالَ سِيبَوَيْهٍ أَنه لَا يجوز إِلَّا فِي الشّعْر للضَّرُورَة. وَقد وَافقه على ذَلِك وَلَيْسَ بَين

الْقَوْلَيْنِ فرق غير زِيَادَته: غَايَة. وَمَعَ هَذَا فالعرب تحذف من نفس الْكَلِمَة للضَّرُورَة مَعَ زَوَال اللّبْس فَمَا بالها لَا تحذف الزَّوَائِد للضَّرُورَة مَعَ زوراله. وَمَا هُنَا زَائِدَة فِي إِمَّا وَقد دلّ على صِحَة ذَلِك وجوازه فِي الشّعْر بِالْبَيْتِ الَّذِي قبله وَهُوَ: فَإِن جزعاً وَإِن إِجْمَال صَبر وَأما قَوْله: إِن التكرير يلْزمهَا فَلَيْسَ الْأَمر على ذَلِك لِأَن الأولى إِنَّمَا هِيَ زَائِدَة ليبادر المخطاب إِلَى أَن الْكَلَام مَبْنِيّ على الشَّك أَو التَّخْيِير وَالْعَمَل على الثَّانِيَة وَالْأولَى زَائِدَة وَلَيْسَت توجب فِي الْكَلَام معنى غير معنى الثَّانِيَة وسبيلها فِي ذَلِك سَبِيل لَا إِذا قلت: مَا قَامَ لَا زيد وَلَا عَمْرو. فَإِن شِئْت أكدت النَّفْي وزدت لَا وَإِن شِئْت حذفتها إِلَّا أَن الْحَذف فِي لَا الأولى أَكثر فِي وَلَا اعْلَم أحدا من النَّحْوِيين الْمُتَقَدِّمين يمْنَع من إجَازَة حذفهَا فِي قَوْلك: خُذ الدَّرَاهِم وَإِمَّا الدِّينَار وجالس زيدا وَإِمَّا عمرا فقياسها مَا ذكرت لَك فِي لَا وَالْكَلَام لَا يلتبس بطرحها وَمَعْنَاهُ بنقصانها كمعناه بزيادتها فَمَا الَّذِي منع مَعَ هَذَا كُله من تَجْوِيز طرحها وَقد يطْرَح من الْكَلَام مَا هُوَ أولى بالإثبات مِنْهَا. انْتهى. وَلَا يخفى أَن حذفهَا خَاص بالشعر وَجَوَاز حذفهَا فِي الْكَلَام لَا قَائِل بِهِ. وَأما قَوْله وَلَا أعلم أحدا من النَّحْوِيين الْمُتَقَدِّمين ... . إِلَخ فالمنقول عَنْهُم خلاف مَا نَقله فَالْأولى تَعْلِيل حذفهَا بِالضَّرُورَةِ أَيْضا. وَقَالَ النّحاس بعد نقل كَلَام الْمبرد: وَلم يحْتَج أَبُو الْحسن لسيبويه فِي هَذَا بِشَيْء وَكَانَ القَوْل عِنْده مَا قَالَ الْأَصْمَعِي وَكَانَ شَدِيد الْميل إِلَى مَا قَالَه

الْأَصْمَعِي فِي اللُّغَة.) أَلا ترى أَن أَبَا زيد قد حكم للأصمعي على سِيبَوَيْهٍ فِي اللُّغَة وَقَالَ: هَذَا أعلم باللغة وَهَذَا أعلم بالنحو يَعْنِي سِيبَوَيْهٍ. وَأَن أستاذ سِيبَوَيْهٍ الْخَلِيل قد أَخذ عَن الْأَصْمَعِي شَيْئا من اللُّغَة وَلم يكن أَبُو إِسْحَاق الزّجاج يمِيل إِلَى شيءٍ من هَذَا وَقَالَ: من نظر إِلَى كتاب سِيبَوَيْهٍ وَمَا ذكر فِيهِ من الْأَبْنِيَة وقف على تقدمه على الْجَمَاعَة فِي اللُّغَة. قَالَ: وَالْقَوْل مَا قَالَه سِيبَوَيْهٍ لِأَنَّهُ وصفهَا بِالْخصْبِ وَأَنَّهَا لَا تعدم الرّيّ مَا سقتها الرواعد إِمَّا من صيف وَإِمَّا من خريف فَلَنْ تعدم الرّيّ. وعَلى مَذْهَب الْأَصْمَعِي والمبرد إِن لم يسقها الخريف عدمته لِأَنَّهُ قَالَ: وَإِن سقتها لن تعدم الرّيّ. وَإِن أَرَادَ لَا تعدم الرّيّ الْبَتَّةَ فَهَذَا قَول سِيبَوَيْهٍ. أَلا ترى أَن قبله: إِذا شَاءَ طالع مسجورة الْبَيْت انْتهى. وَأما قَول الدماميني فِي الْحَاشِيَة الْهِنْدِيَّة: لَا نسلم أَن الْمَقْصُود وصف هَذَا الوعل بِالريِّ على كل حَال وَإِنَّمَا الْغَرَض وصف حَاله بِحَسب الْوَاقِع فَأخْبر أَولا بِمَا وَقع من سقِِي سحائب الصبيف لَهُ وَذَلِكَ مقتضٍ لريه مِنْهَا. ثمَّ اخبر بِأَنَّهُ سحائب الخريف إِن سقته بعد ذَلِك حصل لَهُ الرّيّ المستمر. وَلَو سلم أَن الْمَقْصُود مَا ذكر من وَصفه بِالريِّ دَائِما فَمَعَ الْإِتْيَان بإما الَّتِي هِيَ لأحد الشَّيْئَيْنِ لَا يلْزم ذَلِك. انْتهى. فقد رد عَلَيْهِ ابْن الملا بِوُجُوه: أَحدهَا: كَيفَ لَا يكون الْغَرَض ذَلِك وَهُوَ بصدد بَيَان نجاته من الحتف إِذْ المُرَاد أَنه لَو نجا حَيَوَان من الْمَوْت لنجا هَذَا الوعل الَّذِي تكفل لَهُ ربه برزقه وَأَسْكَنَهُ أخصب أرضه فَهُوَ فِي ريٍ لَا ينقكطع وَطيب عيشٍ مُسْتَمر من غير حيلةٍ مِنْهُ. وَلَو كَانَ المُرَاد وصف حَاله بِحَسب الْوَاقِع لم يكن فِي تَخْصِيصه بِالذكر فَائِدَة إِذْ كل مَخْلُوق شَأْنه من اللطف الإلهي مثل ذَلِك.

ثَانِيهَا: أَنه لَا يلْزم من إخْبَاره بِأَن سحائب الخريف وَإِن سقته بعد ذَلِك حُصُول الرّيّ المستمر لَهُ وَإِنَّمَا يلْزم حُصُول الرّيّ المستمر أَن لَو أخبرهُ أَن سحائب الخريف إِذا سقته بعد ذَلِك يرْوى. ) ثَالِثهَا: أَن دَعْوَاهُ أَن ألإتيان بإما الَّتِي لأحد الشَّيْئَيْنِ لَا يأتى مَعَه الْوَصْف بِالريِّ على الدَّوَام محصلها دَعْوَى الْمُنَافَاة بَين دوَام الرّيّ والسقي من اُحْدُ الشَّيْئَيْنِ وَهِي مَمْنُوعَة لصِحَّة قَوْلنَا دَائِما: الرّيّ حَاصِل إِمَّا من سقِِي سحائب الصَّيف وَإِمَّا من سقِِي سحائب الخريف. فالقضية وَإِن كَانَ حمليه لَكِنَّهَا شَبيهَة بمنفصله مَانِعَة الْخُلُو فَهِيَ فِي حكمهَا. وَقيد الدَّوَام عِنْدهم سور الْإِيجَاب الْكُلِّي فِي بَاب المنفصلات. وَأما الْجَواب بِمَنْع أَنَّهَا لمُجَرّد أحد الشَّيْئَيْنِ بل هِيَ لتفصيل المسقي مِنْهُ وَحِينَئِذٍ مَعَ الْإِتْيَان بهَا يلْزم الرّيّ دَائِما فَفِيهِ أَن الْمُخْتَار فِيهَا وَفِي أَو أَنَّهُمَا لأحد الشَّيْئَيْنِ أَو الْأَشْيَاء. هَذَا كَلَامه. وَمن خطه نقلت. وَالْوَجْه الثَّانِي لَا معنى لَهُ. وَكَأن الدماميني فهم من قَوْلهم: المُرَاد وصف الوعل بِالريِّ على كل حَال أَن ريه إِنَّمَا يكون بِمَجْمُوع المطرين لَا بِأَحَدِهِمَا فَقَالَ: وَلَو سلم أَن الْمَقْصُود ريه دَائِما فَمَعَ أفتيان بإما ... إِلَخ وَلَيْسَ مُرَادهم مَا فَهموا. وَإِنَّمَا أَرَادوا أَن الرّيّ يحصل بِكُل وَاحِد مِنْهُمَا سَوَاء كَانَ مطر الصَّيف فَقَط أَو مطر الخريف فَقَط فَهُوَ على كل حَال مِنْهُمَا مرتو. فَلَو كَانَ الْمَعْنى على الشَّرْط فَلَا يتَحَقَّق الرّيّ لَهُ على كل حَال بل إِن حصل مطر الخريف ارتوى وَإِن لم يحصل فَلم يرتو فَإِن الشَّرْط قد يتَخَلَّف كَمَا هُوَ ظَاهر. وَبَقِي احْتِمَال آخر فِي الْبَيْت على مَذْهَب سِيبَوَيْهٍ. وَهُوَ ان يكون تَقْدِيره: إِن من صيفٍ وَأَن من خريف فحذفت إِن الأولى لدلَالَة الثانيه عَلَيْهَا وأصلهما إِمَّا فحذفت مِنْهُمَا مَا كَمَا فِي قَوْله: فَإِن جزعاً وَإِن إِجْمَال صَبر

بَقِي قَول آخر أوردهُ أَبُو عَليّ فِي كتاب الشّعْر وَنَقله ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي قَالَ وَزعم أَبُو عُبَيْدَة أَن إِن زَائِدَة وَجَاءَت زيادتها هُنَا كَمَا جَاءَت زيادتها نَحْو: مَا إِن فعلت. وَهَذَا كَقَوْلِك: ضرب الْقَوْم زيدا من دَاخل وَمن خَارج. انْتهى. هَذَا وَقد قَالَ أَبُو عَليّ فِي البغداديات: أَقُول إِن الشّعْر قَالَ هَذَا الْبَيْت فِي أَبْيَات يصف فِيهَا وَعلا وَقَبله: (إِذا شَاءَ طالع مسجورةً ... يرى حولهَا النبع والساسما)) (تكون لأعدائه محهلاً ... مضلاً وَكَانَت لَهُ معلما) سقتها الرواعد ... ... ... ... . . الْبَيْت قَوْله: مسجورة يُرِيد: عينا كَثِيرَة المَاء إِذا شَاءَ هَذَا الوعل طالع مسجورة فَقَوله: تكون: صفة لمسجورة وَكَذَلِكَ سقتها يكون صفة لمسجورة. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ ثَعْلَب عَن سَعْدَان عَن الْأَصْمَعِي. وَكِتَابنَا كتاب سِيبَوَيْهٍ: سقته فَيجوز أَن يكون رَجَعَ إِلَى الوعل أَو حمله على الْمَعْنى. وَالْوَجْه أَن يكن للعين فَيكون الْمَعْنى: سقت الرواعد من السَّحَاب هَذِه المسجورة إِمَّا من صيف وَإِمَّا من خريف أَي: فَهِيَ على كل حَال لَا تعدم السَّقْي إِمَّا صيفاً وَإِمَّا خَرِيفًا وَذَلِكَ فِي صفة هَذِه الْعين أرْخى لبال هَذَا الوعل. وفاعل يعْدم على هَذَا الْعين. انْتهى.

أَقُول: إِذْ كَانَ فَاعل يعْدم الْعين المسجورة يجب أَن يكون تعدم بِالْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّة وَالْمَشْهُور إِنَّمَا هُوَ بِالْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّة. ثمَّ جوز أَن تكون إِن شَرْطِيَّة وَالْألف فِي يعدما ضمير مثنى فَقَالَ: وَيحْتَمل أَن يكون الْمَعْنى: سقت الرواعد من السَّحَاب هَذِه الْعين أَو هَذَا الوعل وَإِن سقت الْعين أَو الوعل من الخريف فَلَنْ تعدم الْعين السَّقْي والوعل الرّيّ. وَدفع بَعضهم هَذَا وَقَالَ: لَا معنى لَهُ. - وَلَيْسَ كَذَلِك لِأَنَّهُ غير مُمْتَنع إِلَّا أَن التَّأْوِيل الأول أسهل فِي الْمَعْنى وَأدْخل فِيمَا يَعْتَرِضهُ الشَّاعِر وَإِن اعْترض فِي لَفظه حذف إِمَّا الأولى لِأَن الثَّانِيَة تدل عَلَيْهَا. وَالْفَاء فِي فَلَنْ على هَذَا التَّأْوِيل جَوَاب الْجَزَاء وَفِي التَّأْوِيل الأول عاطفة جملَة على جملَة. انْتهى. وَالْبَيْت من قصيدة للنمر بن تولب الصَّحَابِيّ فِيهَا عدَّة أَبْيَات شَوَاهِد فَلَا بَأْس بإيرادها وَشَرحهَا. وَهِي هَذِه: المتقارب (سلا عَن تذكره تكتما ... وَكَانَ رهيناُ بهَا مغرما) (وأقصر عَنْهَا وآياتها ... يذكرنه داءه الأقدما) (فأوصي الْفَتى بابتناء الْعَلَاء ... وَأَن لَا يخون وَلَا يأثما) (ويلبس للدهر أجلاله ... فَلَنْ يبيني النَّاس مَا هدما) (وَإِن أَنْت لاقيت فِي نجدةٍ ... فَلَا تتهيبك أَن تقدما))

(وَإِن تتخطاك أَسبَابهَا ... فَإِن قصارك أَن تهرما) (فأحبب حَبِيبك حبا رويداً ... فَلَيْسَ يعولك أَن تصرما) (فتصرم بالود من وَصله ... رقيقٌ فتسفه أَو تندما ) (وَأبْغض بَغِيضك بغضاً رويداً ... إِذا أَنْت حاولت أَن تحكما) (وَلَو أَن من حتفه ناجياً ... لألفيته الصدع الأعصما) (بإسبيل أَلْقَت بِهِ أمه ... على رَأس ذِي حبكٍ أَيهمَا) (إِذا شَاءَ طالع مسجورةً ... ترى حولهَا النبع والساسما) (تكون لأعدائه مجهلا ... مضلاً وَكَانَت لَهُ معلما) (سقتها رواعد من صيفٍ ... وَإِن من خريفٍ فَلَنْ يعدما) (أتاح لَهُ الدَّهْر ذَا وفضةٍ ... يقلب فِي كَفه أسهما) (فَأرْسل سَهْما على غرةٍ ... وَمَا كَانَ يرهب أَن يكلما) (فَأخْرج سَهْما لَهُ أهزعاً ... فَشك نواهقه والفما) (فظل يشب كَأَن الولو ... ع كَانَ بِصُحْبَتِهِ مغرما) (فأدركه مَا أَتَى تبعا ... وأبرهة الْملك الأعظما) ...

(ليَالِي حمقٍ فاستحصنت ... إِلَيْهِ فغر بهَا مظلما) (فأحبلها رجلٌ نابهٌ ... فَجَاءَت بِهِ رجلا محكما ) هَذِه القصيدة بِتَمَامِهَا من رِوَايَة مُحَمَّد بن حبيب وَلم يكْتب على البتين الْأَوَّلين شَيْئا سوى قَوْله: الْآيَات: الْآثَار والعلامات. وَقَالَ السُّيُوطِيّ: سلا: أَمر من السُّؤَال للاثنين. وَشَرحه شَارِح ديوانه على أَنه ماضٍ من السلو. قَالَ ابْن الملا: وَمَا عَلَيْهِ هَذَا الشَّارِح هُوَ الظَّاهِر لملايمته لقَوْله فِي الْبَيْت الثَّانِي: وأقصر عَنْهَا. وَأَيْضًا تذكيره بالداء الأقدم إِنَّمَا يُنَاسب أَن يكون خَالِيا عَنهُ الْآن. على أَنه لَو كَانَ من السُّؤَال لَكَانَ حق الْعبارَة: فقد كَانَ رهيفاً بِالْفَاءِ كَمَا لَا يخفى. انْتهى. وفاعل سلا على هَذَا ضمير العاشق وَإِلَيْهِ تعود الْهَاء فِي تذكره وَعَن مُتَعَلقَة بسلا والتذكر مصدر مُضَاف إِلَى الْفَاعِل وَالْمَفْعُول تكْتم بمثناتين فوقيتين أولاهما مَضْمُومَة: علم امْرَأَة ونصبه بِالْمَصْدَرِ الْمُضَاف إِلَى فَاعله والرهين: الْمُرْتَهن. والمغرم: اسْم مفعول من أغرم الشَّيْء أَي: أولع) بِهِ. كَذَا فِي الصِّحَاح. وأقصر عَن الشَّيْء: كف عَنهُ وَنزع مَعَ الْقُدْرَة عَلَيْهِ. فَإِن عجز عَنهُ قيل: قصر عَنهُ. كَذَا فِيهِ أَيْضا. والداء الأقدم أَي: الْقَدِيم هُوَ الْحبّ أَو هُوَ أقدم من كل دَاء. وَقَوله: فأوصي الْفَتى ... إِلَخ أوصِي: فعل مضارع من الْوَصِيَّة. والْعَلَاء بِالْفَتْح وَالْمدّ: الشّرف والرفعة. وَأَن لَا يخون مَعْطُوف على ابتناء. وَقَوله: ويلبس للدهر أجلاله أَي: ثِيَابه: جمع جلّ بِالضَّمِّ هُوَ كَقَوْل بيهسٍ الْفَزارِيّ:

الرجز ( البس لكل حالةٍ لبوسها ... إِمَّا نعيمها وَإِمَّا بوسها) وَقَوله: فَلَنْ يبتني النَّاس مَا هدما يَقُول: إِذا ضيع الْفَتى مجده لم يبنه لَهُ النَّاس. وَقَوله:: إِن أَنْت لاقيت فِي نجدة ... إِلَخ قَالَ مُحَمَّد بن حبيب: النجدة: الْقِتَال. وَقَوله: لَا تتهيبك مَعْنَاهُ: لَا تتهيبها يُرِيد أَن فِيهِ قلباً وَبِه اسْتشْهد فِي آخر الْمُغنِي. وَقَوله: فَإِن الْمنية من يخشها ... إِلَخ هُوَ من أَبْيَات الْجمل الزجاجية. وَأوردهُ ابْن جرير فِي تَفْسِيره على أَن فِي أَيْنَمَا اكْتِفَاء وأينما: ظرف مضمن لِمَعْنى الشَّرْط وَحذف شَرطه وَجَوَابه: أَي: أَيْنَمَا توحه تصادفه. وسوف: للتَّأْكِيد. وَقيل: إِنَّمَا أُتِي بِهِ لإِخْرَاج الْكَلَام على مُقْتَضى طبع النَّفس فِي إذعانها للْمَوْت مَعَ أمل طول الْحَيَاة. قَالَ اللَّخْمِيّ فِي شرح أَبْيَات الْجمل: إِن قيل: كَيفَ قَالَ من يخشها والمنية تصادف من خشيها وَمن لم يخشها فَأَي معنى للشّرط قلت: هُوَ خطاب لمن ظن أَن خَشيته تنجيه من الْمَوْت على جِهَة الرَّد عَلَيْهِ وَإِبْطَال ظَنّه ومعتقده. انْتهى. وَقَالَ الجواليقي فِي شرح أدب الْكَاتِب: النجدة: الشجَاعَة والبأس وَالْقُوَّة وَحذف مفعول لاقيت يُرِيد: إِذا لاقيت قوما ذَوي نجدةٍ فِي حَرْب وَنَحْوهَا فَلَا تتهيب الْإِقْدَام عَلَيْهِم فَإِن الَّذِي يخْشَى الْمنية تَلقاهُ أَيْن ذهب من الأَرْض فَهُوَ من المقلوب.

- وَقَوله: وَإِن تتخطاك أَسبَابهَا ... إِلَخ التخطي: التجاوز. وَأَسْبَاب الْمنية: مَا يُؤَدِّي إِلَيْهَا من مرض وَغَيره. وقصاراك بِضَم الْقَاف: غايتك. والهرم: انحطاط القوى من طول الْعُمر. يَقُول: إِن تتجاوزك أَسبَاب الْمنية فَإِن غايتك الْهَرم) وتبديل وجودك بِالْعدمِ. وَقَوله: فَلَيْسَ يعولك أَن تصرما قَالَ مُحَمَّد بن حبيب: يعولك: يشق عَلَيْك. وعالني الْأَمر: شقّ عَليّ. والعول الْمصدر. قَالَ الخنساء: المتقارب يحملهُ الْقَوْم مَا عالهم قَالَ السُّيُوطِيّ فِي شرح أَبْيَات الْمُغنِي: هَذَا مَأْخُوذ من قَوْله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: أحبب حَبِيبك هونا مَا عَسى أَن يكون بَغِيضك يَوْمًا مَا وَأبْغض بَغِيضك هونا مَا عَسى أَن يكون حَبِيبك يَوْمًا مَا أخرجه التِّرْمِذِيّ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة وَالطَّبَرَانِيّ من حَدِيث ابْن عَمْرو وَابْن عدي من حَدِيث عَليّ بن أبي طَالب. وَكَأن النمر سَمعه من النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فعقده فِي نظمه. وتسفه: تجْهَل. وتظلم تضع ودك فِي غير مَوْضِعه. وتحكم أَي: تكون حكيماً. انْتهى. وَقَوله: وَلَو أَن من حتفه ناجياً ... إِلَخ ناجياً اسْم أَن وَالْمَجْرُور قبله مُتَعَلق بِهِ وخبرها مَحْذُوف أَي: وَلَو أَن شخصا ناجياً من مَوته مَوْجُودا لَكَانَ

ذَلِك النَّاجِي هُوَ الصدع. وهُوَ: ضمير فصل. الحتف: الْهَلَاك. وألفيته: وجدته. والصدع بِفَتْح الصَّاد الْمُهْملَة وَالدَّال بعْدهَا عين مُهْملَة قَالَ ابْن حبيب: هُوَ الوعل بَين الجسيم والضئيل وَهُوَ الْوسط من كل شَيْء يُقَال: رجل صدع وَفرس صدع. والعصمة بِالضَّمِّ: بَيَاض فِي يَده. انْتهى. والوعل: تَيْس الْجَبَل. وَقَوله: بإسبيل أَلْقَت بِهِ أمه ... إِلَخ إسبيل كقنديل قَالَ ابْن حبيب: هُوَ بلد. وَأنْشد لبَعض اليمانين: الرجز والأيهم: أعمى الطَّرِيق لَا يَهْتَدِي طَرِيقه وَلَا يعرفهُ أحد. انْتهى. والحبك بِضَمَّتَيْنِ: الطرائق يُرِيد: أَن أمه وَلدته فِي جبل ذِي طرائق لَا يَهْتَدِي إِلَيْهَا من أَرض إسبيل. وَذي حبك: صفة لموصوف مَحْذُوف وَهُوَ جبل. وأيهم كَذَلِك. وَقَوله: إِذا شَاءَ طالع مسجورةً ... إِلَخ فِي الصِّحَاح: طالعت الشَّيْء أَي: اطَّلَعت عَلَيْهِ. والاطلاع على الشَّيْء: الإشراف عَلَيْهِ. وَقَالَ السُّيُوطِيّ: طالع: أَتَى يُقَال فلَان طالع قرينه) أَي: يَأْتِيهِ. ومسجورة بِالسِّين الْمُهْملَة وَالْجِيم قَالَ ابْن حبيب: أَي مَمْلُوءَة يُرِيد أَنَّهَا صفة الْعين كَمَا قَالَ الدينَوَرِي فِي كتاب النَّبَات وأنشدها هَذَا الْبَيْت: المسجورة: الْعين المملوءة. وَيرى: بالتحتية فَاعله ضمير الصدع ويروى بِالْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّة أَي: أَنْت. والنبع بِفَتْح النُّون وَسُكُون الْمُوَحدَة: شجر يتَّخذ مِنْهُ الْقوس. والساسم: بسينين مهملتين قَالَ ابْن حبيب: يُقَال إِنَّه الآبنوس. قَالَ الدينَوَرِي: زَعَمُوا أَن الْقوس يتَّخذ من

الساسم ومنابته الشواهق حَيْثُ منابت النبع. وَقد وَصفه حميد فِي شعره باللين. وَزعم قوم أَن الساسم الشيز وَلَا أعلم مَا فِي الشيز مَا يَدْعُو إِلَى اتِّخَاذ القسي مِنْهُ. انْتهى. وَقَوله: تكون لأعدائه أَي: تكون تِلْكَ الْعين المسجورة لأعداء الصدع وأعداؤه النَّاس. ومجهل بِفَتْح الْمِيم وَالْهَاء: أَرض يجهل سالكها الطَّرِيق ويضيع فِيهَا. ومضل بِفَتْح الْمِيم وَكسر الصَّاد: أَرض يضلب فِيهَا سالكها لعدم مَعْرفَته طرقها ومعمل بِفَتْح الْمِيم وَاللَّام: أَرض يَهْتَدِي فِيهَا سالكها بعلاماتها. وَقَوله سقته الرواعد الْهَاء ضمير مسجورة. كَذَا رِوَايَة مُحَمَّد بن حبيب وَغَيره كَمَا مر عَن أبي عَليّ. والرواعد: جمع راعدة وَهِي السحابة الماطرة وفيهَا صَوت الرَّعْد غَالِبا. والصيف بتَشْديد الْيَاء الْمَكْسُورَة: الْمَطَر الَّذِي يَجِيء فِيهِ الصَّيف. والخريف: الْفَصْل الْمَشْهُور إِلَّا أَنه أطلق وَأُرِيد بِهِ مطره كَمَا أطلق الرّبيع وَأُرِيد بِهِ مطره مَعَ الصَّيف أَيْضا فِي قَوْله: الطَّوِيل سقى الله نجداً من ربيع وصيفٍ وَقَوله: أتاح لَهُ الدَّهْر ... إِلَخ قَالَ ابْن حبيب: أتاح: قدر. والوفضة الكنانة الَّتِي تكون فِيهَا السِّهَام. انْتهى. - والدهر: فَاعل أتاح ومفعوله: ذَا وَفِضة وَأَرَادَ بِهِ الصياد.

وَقَوله: فَأرْسل سَهْما ... إِلَخ أَي: رَمَاه ذُو الوفضة بِسَهْم على غرَّة بِكَسْر الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَقَوله: وَأخرج سَهْما لَهُ أهزعاً قَالَ ابْن حبيب: الأهزع: آخر سهم يبْقى فِي الكنانة. يُقَال: مَا كِنَانَته أهزع أَي: سهم وَاحِد.) قَالَ ابْن السّكيت: هَذَا مِمَّا لَا يتَكَلَّم بِهِ إِلَّا مَعَ الْجحْد. وَقد أَتَى النمر بِهِ من غير جحد. انْتهى. والنواهق قَالَ السُّيُوطِيّ: العظمان فِي الْوَجْه فِي مجْرى الدمع. وَقَوله: فظل يشب بِكَسْر الشين قَالَ ابْن حبيب يشب: يرفع يَدَيْهِ حِين أَصَابَهُ السهْم. والولوع بِفَتْح الْوَاو: الْقدر والحين. انْتهى. وَقَوله: فأدركه مَا أَتَى تبعا أَي: أدْرك الصدع مَا أَتَى تبعا وَهُوَ الْمَوْت. وَتبع: ملك الْيمن. وأبرهة الأشرم: ملك الْحَبَشَة. وَقَوله: لقيم بن لُقْمَان من أُخْته. . إِلَخ ترك مَا كَانَ فِيهِ وسلك طَرِيقا أُخْرَى بِلَا مُنَاسبَة وَهُوَ الْمُسَمّى فِي البديع بالاقتضاب. وَهُوَ من أَبْيَات ابْن النَّاظِم قَالَ ابْن حبيب: ذكرُوا أَن أُخْت لُقْمَان كَانَت عِنْد رجل فَكَانَت تَلد لَهُ أَوْلَادًا ضعافاً فَقَالَت لامراة لُقْمَان: هَل لَك أَن أجعَل لَك جعلا وتأذني لي أَن آتِي لُقْمَان اللَّيْلَة فأسكرته واندست لَهُ أُخْته فَوَقع عَلَيْهَا لُقْمَان فَلَمَّا كَانَت اللَّيْلَة الْقَابِلَة أَتَتْهُ امْرَأَته فَوَقع عَلَيْهَا فَقَالَ: هَذَا حرٌ مَعْرُوف. وَكَأَنَّهُ استنكره. انْتهى. وَمثله للجاحظ فِي الْبَيَان والتبيين قَالَ: كَانَت الْعَرَب تعظم شَأْن لُقْمَان ابْن عَاد الْأَكْبَر والأصغر لقيم بن لُقْمَان فِي النباهة وَالْقدر وَفِي الْعلم

وَفِي الحكم وَفِي اللِّسَان وَفِي الْحلم. وَهَذَانِ غير لُقْمَان الْمَذْكُور فِي الْقُرْآن على مَا يَقُول الْمُفَسِّرُونَ. - والارتفاع قدره وَعظم شَأْنه قَالَ النمر بن تولب. وَأنْشد هَذِه الأبيات الثَّلَاثَة وَقَالَ: وَذَلِكَ أَن أُخْت لُقْمَان قَالَت لامْرَأَة لُقْمَان: إِنِّي امْرَأَة محمقة ولقمان رجل مُحكم منجب وَأَنا فِي لَيْلَة طهري فهبي لي ليلتك. فَفعلت فباتت فِي بَيت امْرَأَة لُقْمَان فَوَقع عَلَيْهَا فأحبلها بلقيم فَلذَلِك قَالَ النمر بن تولب مَا قَالَ. وَالْمَرْأَة إِذا ولدت الحمقى فَهِيَ محمقة وَلَا يعلم ذَلِك حَتَّى يرى ولد زَوجهَا من غير أكياساً. انْتهى. قَالَ الْعَيْنِيّ: ويروى أَن لُقْمَان كَانَ لَا يُولد لَهُ فَقَالَ امْرَأَته لأخته: أما تَرين لُقْمَان فِي قوته وَعظم خلقه لَا يُولد لَهُ قَالَت:: فَمَا الْحِيلَة قَالَت امْرَأَته لأخته: تلبسين ثِيَابِي حَتَّى يَقع عَلَيْك فِي الظلمَة فَفعلت فواقعها فَولدت مِنْهُ وَسمي لقيماً بِضَم اللَّام وَفتح الْقَاف. وَكَانَ من أحزم) النَّاس. ولقيم: مُبْتَدأ وَقَوله من أُخْته: خَبره وَفِي قَوْله: فَكَانَ ابْن أختٍ لَهُ وابنما دَلِيل على جَوَاز تعاطف الْخَبَرَيْنِ المستقل كلٌ مِنْهُمَا بِنَفسِهِ. وابنم هُوَ ابْن زيدت عَلَيْهِ الْمِيم. وَقَوله: ليَالِي حمق ... إِلَخ بِضَم الْحَاء وَتَشْديد الْمِيم قَالَ ابْن حبيب: أَي: أسكر حَتَّى ذهب عقله. انمتهى. وَيَرْوِيه الْمفضل: حمق بِفتْحَتَيْنِ وَزعم أَنه يُقَال حمق إِذا شرب الْخمر وَالْخمر يُقَال لَهَا الْحمق. وَقَوله: استحصنت بِالْبِنَاءِ للْفَاعِل قَالَ ابْن حبيب: أَي: أَتَتْهُ وَكَأَنَّهَا حصان كَمَا تَأتي الْمَرْأَة زَوجهَا. وَقَوله: فغر بهَا غر بِضَم الْغَيْن من الْغرَّة وَهِي الْغَفْلَة. وَقَوله: مظلماً بِكَسْر اللَّام أَي فِي ظلمَة.

(الشاهد الثاني بعد التسعمائة)

وَقَوله: فأحبلها رجل نابه من النباهة وَهُوَ ارْتِفَاع الذّكر وَهُوَ لُقْمَان. - فَجَاءَت أَي: أُخْته بِهِ أَي: بلقيم. محكما بِفَتْح الْكَاف أَي: حكيماً. وترجمة النمر بن تولب تقدّمت فِي الشَّاهِد السَّادِس وَالْأَرْبَعِينَ من أَوَائِل الْكتاب. وَأنْشد بعده (الشَّاهِد الثَّانِي بعد التسْعمائَة) (لقد كذبتك نَفسك فاكذبنها ... فَإِن جزعاً وَإِن إِجْمَال صَبر) على أَن سِيبَوَيْهٍ قَالَ: الأَصْل فإمَّا جزعاً وَأما إِجْمَال صَبر فَحذف مَا مِنْهُمَا وَبَقِي إِن. قَالَ سِيبَوَيْهٍ فِي موضِعين من كِتَابه: الأول: فِي بَاب مَا يضمر فِيهِ الْفِعْل الْمُسْتَعْمل وَتقدم نَقله فِيمَا قبل هَذَا وَهُوَ قَوْله بعد إنشاد الْبَيْت: هَذَا على إِمَّا وَلَيْسَ على إِن الْجَزَاء

كَقَوْلِك: إِن حَقًا وَإِن كذبا. فَهَذَا على إِمَّا مَحْمُول. - أَلا ترى أَنَّك تدخل الْفَاء وَلَو كَانَت على أَن الْجَزَاء وَقد اسْتقْبلت الْكَلَام لاحتجت إِلَى الْجَواب. فَإِن قلت: فَإِن جزع وَأَن إِجْمَال صَبر كَانَ جَائِزا كَأَنَّهُ قلت: فإمَّا أَمْرِي جزع وَإِمَّا إِجْمَال صَبر. إِلَى آخر مَا نَقَلْنَاهُ هُنَاكَ. وَالثَّانِي فِي: بَاب الْحِكَايَة لَا يُغير فِيهَا الْأَسْمَاء عَن حَالهَا فِي الْكَلَام وَقَالَ فِيهِ: وَالدَّلِيل على أَن مَا مَضْمُومَة إِلَى إِن قَول الشَّاعِر: لقد كذبتك نَفسك ... ... ... ... ... ... ... ... الْبَيْت فَإِنَّمَا يُرِيد إِمَّا وَهِي بِمَنْزِلَة مَا مَعَ أَن فِي قَوْلك: أما أَنْت مُنْطَلقًا انْطَلَقت. انْتهى. قَالَ أَبُو عَليّ فِي كتاب الشّعْر تَقْدِيره: فإمَّا جزعت جزعاً وَأما أجملت صبرا يدل على ذَلِك أَنه لَا يَخْلُو من أَن تكون إِن الْجَزَاء أَو غَيرهَا فَلَو كَانَت للجزاء وألحقت الْفَاء فِي قَوْلك: فإمَّا أَلا ترى أَنَّك لَو قلت: أَنْت ظَالِم إِن فعلت لسد مَا تقدم مسد الْجَواب وَلَو ألحقت الْفَاء فَقلت أَنْت ظَالِم فَإِن فعلت لزمك أَن تذكر للشّرط جَوَابا وَلَا يجزىء مَا تقدم عَمَّا يَقْتَضِيهِ الشَّرْط من الْجَزَاء. فَكَمَا أَن إِن فِي قَوْله: فَإِن جزعاً فِي معنى إِمَّا كَذَلِك فِي: المتقارب وَإِن من خريفٍ فَلَنْ يعدما انْتهى. وَقَالَ أَيْضا فِي البغدايات: لَا يصلح أَن تكون إِن فِي قَوْله: فَإِن جزعاً للجزاء لدُخُول الْفَاء عَلَيْهَا وَأَنَّهَا لَو كات للجزاء للزمها الْجَواب فَلَمَّا لم تصلح أَن تكون للجزاء حملت على أَنَّهَا المحذوفة من إِمَّا. فَهَذَا وَجه اسْتِدْلَال سِيبَوَيْهٍ بِدُخُول الْفَاء. وَذهب بَعضهم إِلَى أَن مَذْهَب سِيبَوَيْهٍ فِي إِمَّا هُوَ أَنَّهَا) إِن

الَّتِي للجزاء ضمت إِلَيْهَا مَا. وَهَذَا عِنْدِي غلط عَلَيْهِ وَقد قَالَ مَا لَا يجوز مَعَه ظن هَذَا بِهِ. أَلا ترَاهُ قَالَ: وَلَو قلت إِن جزع وَإِن إِجْمَال صَبر كَانَ جَائِزا كَأَنَّك قلت: فإمَّا أَمْرِي جزع وَإِمَّا إِجْمَال صَبر. لِأَنَّك لَو صححتها فَقلت إِمَّا جَازَ ذَلِك فِيهَا. وَقَالَ أَيْضا: إِمَّا يجْرِي مَا بعْدهَا على الِابْتِدَاء فَفِيمَا قَالَه فِي هذَيْن الموضعن إجَازَة وُقُوع الْمُبْتَدَأ بعد إِمَّا. وَمن مذْهبه الَّذِي لَا يدفهع أَن لَا يَقع الِابْتِدَاء بعْدهَا فَكيف يكون عِنْده أَن إِمَّا إِنَّمَا هِيَ إِن الْجَزَاء وَذَلِكَ لَا يسوغ. أَلا ترى أَنَّك تَقول: ضربت إِمَّا زيدا وَإِمَّا عمرا وَتقول: ذهب إِمَّا زيد وَإِمَّا عَمْرو فول كَانَت إِن الْجَزَاء لما عمل مَا قبلهَا فِيمَا بعْدهَا ولكان ذهب فعلا فَارغًا لَا فَاعل لَهُ. فَإِن قَالَ: يكون انتصاب الِاسْم بعده بِفعل مُضْمر كَأَنَّهُ قيل: ضربت إِن ضربت زيدا. فَلَيْسَ هَذَا الْغَرَض الْمَوْضُوع لهَذَا الْمَعْنى وَلَا الْمَفْهُوم من هَذَا اللَّفْظ. أَلا ترى أَن المُرَاد إِنَّمَا هُوَ ضربت أَحدهمَا. على أَن ذَلِك فَاسد لِأَن ذهب يبْقى بِلَا فَاعل وَلَا يجوز أَن يضمر. وَيدل أَيْضا على فَسَاده قَوْلك: إِمَّا أَن تقوم وَإِمَّا أَن لَا تقوم وَقَوله: يَا ذَا القرنين إِمَّا أَن تعذب وَإِمَّا أَن تتَّخذ فيهم حسنا. أَلا ترى أَن هَذَا لَو كَانَ إِن فِيهِ للجزاء لم يجز وُقُوع الْمُبْتَدَأ بعده وللزم أَن يجازى بِمَا يجازى بِهِ إِن وَلم يتَقَدَّم مَا يُغني عَن الْجَواب. فَهَذَا التَّوَهُّم على سِيبَوَيْهٍ فَاسد. فَإِن قَالَ:: مَا أنْكرت أَن يكون مَا ذهبت إِلَيْهِ من أَن إِن فِي إِمَّا للشّرط مَذْهَب سِيبَوَيْهٍ لِأَنَّهُ قد ذكر أَن إِن على أَرْبَعَة أوجه: المخففة وَلَيْسَ هَذَا من موَاضعهَا والنافية وَلَا نفي هُنَا وزائدة بعد مَا النافية فَلَمَّا لم يجز أَن تكون

وَاحِدَة من الثَّلَاث وَجب أَن تكون الشّرطِيَّة لِأَنَّك فِي إِمَّا لَا تبت على الشَّيْء كَمَا لَا تبت فِي الْجَزَاء فَلَمَّا شابهتها فِي هَذَا الْموضع وَلم تكن وَاحِدَة من الثَّلَاث لزم أَن تكون إِيَّاهَا. - فَالْجَوَاب: لَيْسَ فِي قَوْله إِن أَن تكون على أَرْبَعَة أوجه مَا يُوجب أَن تكون إِن هَذِه إِن الْجَزَاء لما قدمنَا من الدَّلِيل فِي امْتنَاع ذَلِك أَن تكون إِيَّاهَا وَإِنَّمَا لم يذكر إِن هَذِه فَيَجْعَلهُ قسما خَامِسًا لِأَنَّهُ لَا يسْتَعْمل فِي الْكَلَام إِلَّا فِي الشّعْر. فَإِن قلت: فَمَا جِهَة الْفَائِدَة فِي إِعْلَامه أَن إِن من إِمَّا قلت: يعلم مِنْهُ أَن الْحَرْف المدغم نون وَلَيْسَ بميم لِأَن الشَّاعِر لما اضْطر فَحذف مَا وَأظْهر) النُّون علم بِهِ أَن ذَلِك أَصله وَأَنَّهَا مركبة وَإِن أَرَادَ أَن إِمَّا أَصْلهَا إِن ثمَّ ضم إِلَيْهَا مَا كَمَا ضمت إِلَى لَو فِي لوما. فَذَلِك لَا يمْتَنع وَلَا دلَالَة على أَنَّهَا الْجَزَاء. انْتهى. وَقد أَطَالَ من غير أَن يعين نوعها وَمَا الْمَانِع من كَونهَا فِي الأَصْل للشّرط ثمَّ لما ركبت مَعَ مَا انسلخت عَن الشَّرْط وَصَارَت مَعَ مَا لِمَعْنى آخر. وَإِلَيْهِ أَشَارَ الشَّارِح الْمُحَقق بقوله: وَلَا منع من تغير كعنى الْكَلِمَة وحالها بالتركيب إِلَخ. وَقَول الشَّارِح: وَقَالَ غَيره أَي غير سِيبَوَيْهٍ: هُوَ مُفْرد غير مركب وَأول الْبَيْتَيْنِ بإن الشّرطِيَّة وَشَرطهَا كَانَ المحذوفة أَي: فَإِن كَانَ جزعاً أَقُول: الْبَيْت الأول:

قَالَ الْأَصْمَعِي وَتَبعهُ الْمبرد: إِن إِن فِيهِ شَرْطِيَّة وَالشّرط مَحْذُوف أَي: وَإِن سقته من خريف فَحذف لدلَالَة مَا قبله عَلَيْهِ وَجُمْلَة فَلَنْ يعدما: هُوَ الْجَزَاء. كَمَا تقدم. فالمحذوف فعل مَدْلُول عَلَيْهِ لَا كَانَ. وَأما الْبَيْت الثَّانِي فقد قَالَ بَعضهم: يحْتَمل أَن تكون إِن فِي شَرْطِيَّة حذف جوابها لفهم الْمَعْنى وَالتَّقْدِير: فَإِن كنت ذَا جزع فَلَا تجزع وَإِن كنت مُجمل صبرٍ فأجمل الصَّبْر. حَكَاهُ الْمرَادِي فِي الجنى الداني وَشرح التسهيل. فَكَانَ الْمُنَاسب لتقدير الشَّارِح أَولا: إِمَّا تجزع جزعاً أَن يقدره هُنَا بِالْخِطَابِ. كَمَا حَكَاهُ الْمرَادِي. وَنَقله عَن سِيبَوَيْهٍ أَن التَّقْدِير عِنْده: إِمَّا تجزع جزعاً خلاف الْوَاقِع كَمَا يعلم من نقلنا كَلَامه فِي الْمَوْضِعَيْنِ. وَإِنَّمَا قدر سِيبَوَيْهٍ إِن بإما فَأَرَادَ الشَّارِح أَن يدرج فِي نقل هَذَا أَن جزعاً مَنْصُوب بِفعل مُقَدّر فَقدر تجزع بِالْخِطَابِ بِنَاء مِنْهُ على أَن المصراع الأول خطاب لمذكر بِدَلِيل: فاكذبنها بنُون التوكيد الْخَفِيفَة. وَهَذَا تَحْرِيف من النساخ وَإِنَّمَا الرِّوَايَة فاكذبيها بِالْيَاءِ والكافان مكسورتان لِأَنَّهُ خطاب مَعَ امْرَأَته. والمصراع الثَّانِي فِيهِ الْتِفَات من خطابها إِلَى التَّكَلُّم وَلِهَذَا قدره سِيبَوَيْهٍ فِي وَجه الرّفْع بالتكلم. قَالَ: وَإِن قلت: فَإِن جزع وَإِن إِجْمَال صَبر كَانَ جَائِزا كَأَنَّك قلت: فإمَّا أَمْرِي جزع وَإِمَّا إِجْمَال صَبر كَمَا تقدم. فَكَانَ الْوَاجِب ان يقدر على مَذْهَب سِيبَوَيْهٍ: فإمَّا أجزع جزعاً وَأما

أجمل الصَّبْر إِجْمَالا. وَأَن يقدر على مَذْهَب غَيره: فَإِن أجزع جزعاً فَأَنا مَعْذُور وَإِن أجمل الصَّبْر إِجْمَالا فَأَنا ممدوح.) وَالرَّفْع فِي هَذَا رِوَايَة رَوَاهَا صَاحب الأغاني وَالْأسود بن مُحَمَّد الْأَعرَابِي. وَيَنْبَغِي أَن نورد الآبيات الَّتِي روياها ليتضح مَا ذَكرْنَاهُ قَالَا: قَالَ دُرَيْد بن الصمَّة يرثي مُعَاوِيَة أَخا الخنساء. وقتلته بَنو مرّة: الوافر (أَلا بكرت تلوم بِغَيْر قدرٍ ... فقد أحفيتني وَدخلت ستري) (فَإِن لم تتركي عذلي سفاهاً ... تلمك عَليّ نَفسك أَي أعصر) (أسرك أَن يكون الدَّهْر سدى ... عَليّ بشره يَغْدُو ويسري) (وَإِلَّا ترزئي نفسا ومالاً ... يَضرك هلكه فِي طول عمري) (فقد كذبتك نَفسك فاكذبيها ... فَإِن جزعٌ وَإِن إِجْمَال صَبر) (فَإِن الرزء يَوْم وقفت أَدْعُو ... فَلم يسمع مُعَاوِيَة بن عَمْرو) (رَأَيْت مَكَانَهُ فعطفت زوراً ... وَأي مَكَان زورٍ يَا ابْن بكر) (وبنيان الْقُبُور أَتَى عَلَيْهَا ... طوال الدَّهْر من سنةٍ وَشهر) (وَلَو أسمعته لأتاك ركضاً ... سريع السَّعْي أَو لأتاك يجْرِي) (بشكة حازمٍ لَا عيب فِيهِ ... إِذا لبس الكماة جُلُود نمر) (فإمَّا تمس فِي جدثٍ مُقيما ... بمسهكةٍ من الْأَرْوَاح قفر) (فعز عَليّ هلكك يَا ابْن عمروٍ ... وَمَالِي عَنْك من عزمٍ وصبر)

قَوْله: أَلا بكرت ... إِلَخ فَاعله ضمير امْرَأَته. وَبكر: أسْرع أَي وَقت كَانَ. وَالْقدر بِسُكُون الدَّال: الْمبلغ والمقدار. وَقَوله: فقد أحفيتني ... إِلَخ الْتِفَات من الْغَيْبَة إِلَى خطابها. والإحفاء بِالْحَاء الْمُهْملَة: الِاسْتِقْصَاء فِي الْكَلَام والمنازعة. وَرُوِيَ بدله: فقد أحفظتني يُقَال: أحفظه بِمَعْنى أغضبهُ. وَقَوله: وَدخلت ستري أَي هجمت عَليّ فِي خلوتي وبالغت فِي اللوم. وسفاهاً: مصدر سافهه وَالْمرَاد سفهاً وَهُوَ نقص فِي الْعقل. وَقَوله: تلمك عَليّ جَوَاب إِن. ونفسك: فَاعله أَي تلمك نَفسك بسبي عصراً طَويلا أَي عصرٍ وَهُوَ الدَّهْر. وَرُوِيَ بدله: غير عصر. يَعْنِي: دعيني أبك عَلَيْهِ ليخف مَا بِي الوجد وَإِن تمنعيني أمت وجدا وَقَوله: أسرك اسْتِفْهَام إنكاري وسدى بِمَعْنى أسدي من السدى بِالْفَتْح وَهُوَ مَا يمد فِي) النسج. وَقَوله: وَإِلَّا ترزئي ... إِلَخ أَي: وَإِن لم تتركي عذلي ترزئي. والرزء: الْمُصِيبَة وَالنَّقْص وَفعله من بَاب منع يتَعَدَّى إِلَى مفعلوين: أَحدهمَا: هُنَا نَائِب الْفَاعِل يُقَال: مَا رزأته مَاله أَي: مَا نقصته. وَجُمْلَة يَضرك هلكه: صفة لمَال. وَقَوله: وَقد كذبتك نَفسك. . إِلَخ فِي النِّهَايَة لِابْنِ الْأَثِير عَن الزَّمَخْشَرِيّ: وَقَول الْعَرَب: كَذبته نَفسه أَي: منته الْأَمَانِي وخيلت إِلَيْهِ من الآمال مَا لَا يكَاد يكون وَذَلِكَ مِمَّا يرغب الرجل فِي الْأُمُور ويبعثه على التَّعَرُّض لَهَا. وَيَقُولُونَ فِي

عَكسه: صدقته نَفسه إِذا ثبطته وخيلت إِلَيْهِ الْعَجز والنكد فِي الطّلب. وَمن ثمَّ قَالُوا للنَّفس: الكذوب. انْتهى. وَكذب بِفَتْح الذَّال وَفِي فاكذبيها بِكَسْرِهَا. فَظهر بِهَذِهِ الأبيات أَن الْخطاب لمؤنث. وَلم ينتبه لَهُ من شرَّاح أَبْيَات سِيبَوَيْهٍ غير ابْن السيرافي وَأنْشد الْبَيْتَيْنِ قبله كَذَا: (وَإِلَّا تزرئي أَهلا ومالاً ... يَضرك هلكه وَيطول عمري) فقد كذبتك نَفسك فاكذبيها ... ... ... ... ... ... . الْبَيْت وَقَالَ: يُخَاطب امْرَأَته. - وَلما لم يقف الأعلم على الأبيات وسببها ظن أَنه خطاب لمذكر فَقَالَ وَتَبعهُ ابْن خلف قَالَه دُرَيْد معزيا لنَفسِهِ عَن أَخِيه عبد الله بن الصمَّة وَكَانَ قد قتل: لقد كذبتك نَفسك فِيمَا منتك بِهِ من الِاسْتِمْتَاع بحياة أَخِيك فاكذبنها فِي كل مَا تمنيك بِهِ بعد فإمَّا أَن تجزع لفقد أَخِيك وَذَلِكَ لَا يجدي عَلَيْك شَيْئا وَإِمَّا أَن تجمل الصَّبْر فَلذَلِك أجدى عَلَيْك. هَذَا كَلَامه. وَالرِّوَايَة إِنَّمَا هِيَ فقد إِلَى آخر مَا ذكرنَا.

وَأنْشد الْعَيْنِيّ الْبَيْت بالتذكير وروى أَوله: وَقد كذبتك وَقَالَ: الْوَاو للْعَطْف إِن تقدمه شَيْء وعَلى هَذَا النمط شرح الْبَيْت. وَإِنَّمَا قُلْنَا إِن المصارع الثَّانِي الْتِفَات إل التَّكَلُّم لقَوْل سِيبَوَيْهٍ فِي رَفعه: أَمْرِي جزع. وَإِلَّا فَالظَّاهِر أَنه من بَقِيَّة الْخطاب وَأَن تَقْدِيره فإمَّا تجزعين جوزعاً وَذَلِكَ لَا فَائِدَة فِيهِ وَإِمَّا تجملين) الصَّبْر إِجْمَالا وَهُوَ أجدى. وَقَوله: فَلم يسمع مُعَاوِيَة فعل وفاعل وَرُوِيَ: فَلم أسمع من الإسماع وَمُعَاوِيَة مَفْعُوله. وَقَوله: رَأَيْت مَكَانَهُ فعطفت زوراً أَي: لأجل الزِّيَارَة وَقَوله: وَأي مَكَان زور اسْتِفْهَام أَرَادَ بِهِ النَّفْي. وَيَا ابْن بكر خطاب لنَفسِهِ. وَبكر جده كَمَا يَأْتِي. وَقَوله: على إرم مُتَعَلق بزور الثَّانِي. وإرم بِكَسْر الْهمزَة وَفتح الرَّاء وَهِي حِجَارَة تنصب علما فِي المفاوز. شبه أَحْجَار قَبره بهَا. وصير: جمع صيرة بِكَسْر الصَّاد الْمُهْملَة وَهِي حَظِيرَة الْغنم شبه مَا حول قَبره بهَا. وَرُوِيَ بدله: وأحجار ثقال. والسلمات: جمع سَلمَة وَهِي شجر من أَشجَار الْبَادِيَة تقطع أَغْصَانهَا وتوضع على الْقَبْر ووصفها بالسمر ليبسها. - وَقَوله: وبنيان الْقُبُور مُبْتَدأ وَجُمْلَة أَتَى ... إِلَخ خَبره. وطوال بِالْفَتْح بِمَعْنى طول فَاعل أَتَى. وَقَوله: بشكة حَازِم مُتَعَلق بأتاك. والشكة بِالْكَسْرِ: السِّلَاح. والحازم: المتيقظ. وَقَوله: لَا عيب فِيهِ رُوِيَ بدله: لَا غمز فِيهِ أَي:

لَا مطْعن فِيهِ. والكمأة: الشجعان جمع كمي بِوَزْن فعيل. قَالَ صَاحب الأغاني: أَي: كَأَن ألوانهم ألوان النمر: سَواد وَبَيَاض من السِّلَاح. والجدث: بِفَتْح الْجِيم وَالدَّال: الْقَبْر. والمسهكة بِفَتْح الْمِيم وَالْهَاء وَسُكُون السِّين الْمُهْملَة بَينهمَا: ممر الرّيح. وَإِنَّمَا رثاه بِهَذِهِ القصيدة مَعَ أَنه لم يكن من قومه لما رَوَاهُ صَاحب الأغاني قَالَ: تحالف دُرَيْد بن الصمَّة وَمُعَاوِيَة بن عَمْرو وتواثقاً: إِن هلك أَحدهمَا أَن يرثيه الْبَاقِي بعده وَإِن قتل أَن يطْلب بثأره فَقتل مُعَاوِيَة بن عمروٍ وَقَتله هَاشم بن حَرْمَلَة المري فرثاه دُرَيْد بِهَذِهِ القصيدة. ودريد: مصغر أدرد يُقَال: رجل أدرد وَامْرَأَة درداء وَهُوَ الَّذِي كبر حَتَّى سَقَطت أَسْنَانه فَصَارَ يعَض على دردره. وَمِنْه أَبُو الدَّرْدَاء. والصمة بِكَسْر الصَّاد وَتَشْديد الْمِيم مَعْنَاهُ الشجاع. قَالَ أَبُو حَاتِم السجسْتانِي فِي كتاب المعمرين: عَاشَ دُرَيْد بن الصمَّة الْجُشَمِي نَحوا من مِائَتي سنة حَتَّى سقط حاجباه على عَيْنَيْهِ وَأدْركَ الْإِسْلَام وَلم يسلم وَقتل يَوْم حنين كَافِرًا. وَقَالَ صَاحب الأغاني: دُرَيْد بن الصمَّة اسْمه مُعَاوِيَة بن الْحَارِث بن بكر ابْن عَلْقَمَة ابْن خُزَاعَة بن غزيَّة بن جشم بن مُعَاوِيَة بن بكر بن هوزان ودريد بن الصمَّة فَارس شُجَاع شَاعِر فَحل.) وَجعله مُحَمَّد بن سَلام أول شعراء الفرسان وَقد كَانَ أطول الفرسان الشُّعَرَاء غزواً وأبعدهم أثرا وَأَكْثَرهم ظفراً وأيمنهم نقيبة عِنْد الْعَرَب وأشعرهم. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: كَانَ دُرَيْد سيد بني جشم وفارسهم وَقَائِدهمْ وَكَانَ مضفراً مَيْمُون النقيبة غزا نَحْو مائَة غزَاة وَمَا أخفق فِي وَاحِدَة مِنْهَا وَأدْركَ الْإِسْلَام وَلم يسلم وَخرج مَعَ قومه فِي يَوْم حنين مُظَاهرا للْمُشْرِكين وَلَا فضل فِيهِ للحرب وَإِنَّمَا أَخْرجُوهُ

تيمناً بِهِ وليقتبسوا من رَأْيه فَقتل وَكَانَ لدريد إخْوَة وهم: عبد الله الَّذِي قتلته غطفان وَعبد يَغُوث وَقَتله بَنو مرّة وَقيس وَقَتله بَنو أبي بكر بن كلاب وخَالِد وَقَتله بَنو الْحَارِث بن كَعْب. وأمهم جَمِيعًا: رَيْحَانَة بنت معد يكرب الزبيدِيّ أُخْت عَمْرو بن معد يكرب كَانَ الصمَّة سباها ثمَّ تزَوجهَا فأولدها بنيه وَإِيَّاهَا عَنى عَمْرو أَخُوهَا لقَوْله فِي شعره: الوافر (أَمن رَيْحَانَة الدَّاعِي السَّمِيع ... يؤرقني وأصحابي هجوع) (إِذا لم تستطع شَيْئا فَدَعْهُ ... وجاوزه إِلَى مَا تَسْتَطِيع) وَلما افْتتح رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ مَكَّة لعشر ليالٍ بَقينَ من رَمَضَان سَمِعت بِهِ هوزان فجمعها مَالك بن عَمْرو النصري فاجتمعت إِلَيْهِ ثَقِيف مَعَ هوزان وَلم يجْتَمع إِلَيْهِ من قيس إِلَّا هوزان وناس قَلِيل من بني هِلَال وَغَابَتْ عَنْهَا كَعْب وكلاب فَجمعت نصر وجشم وَسعد وَبَنُو بكر وَثَقِيف واحتشدت وَفِي بني جشم دُرَيْد بن الصمَّة شيخٌ كَبِير فانٍ لَيْسَ فيخ شَيْء إِلَّا التَّيَمُّن بِرَأْيهِ ومعرفته بِالْحَرْبِ. وَكَانَ شجاعاً مجرباً وجماع أَمر النَّاس إِلَى مَالك بن عَوْف فَلَمَّا أجمع مَالك الْمسير حط مَعَ النَّاس أَمْوَالهم وأبناءهم ونساءهم فَلَمَّا نزلُوا بأوطاس اجْتمع إِلَيْهِ النَّاس وَفِيهِمْ دُرَيْد بن الصمَّة فِي شجارٍ لَهُ يُقَاد بِهِ فَقَالَ لَهُم دُرَيْد: بِأَيّ وادٍ أَنْتُم قَالُوا: بأوطاس. قَالَ: نعم مجَال الْخَيل لَيْسَ بالحزن الضرس وَلَا السهل الدهس مَا لي أسمع رُغَاء الْبَعِير ونهاق الْحمير وبكاء الصَّغِير وثغاء الشَّاء قَالُوا: سَاق مَالك بن عَوْف مَعَ النَّاس أَبْنَاءَهُم ونساءهم وَأَمْوَالهمْ. فَقَالَ: أَيْن مَالك فدعى لَهُ بِهِ فَقَالَ لَهُ: يَا مَالك إِنَّك قد أَصبَحت رَئِيس قَوْمك وَإِن هَذَا يَوْم كَائِن لَهُ مَا بعده من الْأَيَّام مَا لي أسمع رُغَاء الْبَعِير ونهيق الْحمير وبكاء الصّبيان وثغاء الشَّاء) قَالَ:

سقت مَعَ النَّاس نِسَاءَهُمْ وأبناءهم وَأَمْوَالهمْ: قَالَ: وَلم قَالَ: أردْت أَن أجعَل خلف كل رجل أَهله وَمَاله لِيُقَاتل عَنْهُم. فوبخه ولامه ثمَّ قَالَ: راعي ضَأْن وَالله أَي: أَحمَق وَهل يرد المنهزم شَيْء إِنَّهَا إِن كَانَت لَك لم ينفعك إِلَّا رجل بِسَيْفِهِ وَرمحه وَإِن كَانَت عَلَيْك فضحت فِي أهلك وَمَالك. ثمَّ قَالَ: مَا فعلت كَعْب وكلاب قَالَ: لم يشْهد مِنْهُم أحد. قَالَ: غَابَ الْجد وَالْحَد لَو كَانَ يَوْم عَلَاء ورفعة لم يغيبوا عَنْك ولوددت أَنكُمْ فَعلْتُمْ مثل مَا فعلوا فَمن شهد مِنْهُم قَالَ: بَنو عَمْرو بن عَامر وَبَنُو عَوْف بن عَامر. قَالَ: ذَانك الجذعان من عَامر لَا يضران وَلَا ينفعان. ثمَّ قَالَ: يَا مَالك إِنَّك لم تصنع شَيْئا بِتَقْدِيم الْبَيْضَة بَيْضَة هوزان إِلَى نحور الْخَيل شَيْئا ارفعها إِلَى أَعلَى بلادها وعلياء قَومهَا ثمَّ الق بِالرِّجَالِ على متون الْخَيل فَإِن كَانَت لَك لحق بك من وَرَاءَك وَإِن كَانَت عَلَيْك كنت أحرزت مَالك وَأهْلك وَلم تفضح فِي حريمك. فَقَالَ: لَا وَالله مَا أفعل ذَلِك أبدا إِنَّك قد خرفت وخرف رَأْيك وعلمك وَالله لتطيعنني يَا معاشر هوَازن أَو لأتكئن على السَّيْف حَتَّى يخرج من ظَهْري. وحسد دريداً أَن يكون لَهُ فِي ذَلِك الْيَوْم ذكر ورأي. فقالو لَهُ: أطعناك وَخَالَفنَا دريداً. فَقَالَ دُرَيْد: هَذَا يَوْم لم أشهده وَلم أغب عَنهُ ثمَّ قَالَ: منهوك الرجز. (يَا لَيْتَني فِيهَا جذع ... أخب فِيهَا وأضع) (أَقُود وطفاء الزمع ... كَأَنَّهَا شاةٌ صدع) فَلَمَّا لَقِيَهُمْ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ انهزم الْمُشْركُونَ فَأتوا الطَّائِف وَمَعَهُمْ مَالك بن عَوْف النصري وعسكر بَعضهم بأوطاس وَتوجه بَعضهم نَحْو نَخْلَة

وتبعت خيل رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ من سلك نَخْلَة فَأدْرك ربيعَة ابْن رفيع السّلمِيّ دُرَيْد بن الصمَّة فَأخذ بِخِطَام جمله وَهُوَ يظنّ أَنه امْرَأَة وَذَلِكَ أَنه كَانَ فِي شجارٍ لَهُ فَأَنَاخَ بِهِ فَإِذا هُوَ بِرَجُل شيخ كَبِير وَلم يعرفهُ الْغُلَام فَقَالَ لَهُ دُرَيْد: مَاذَا تُرِيدُ قَالَ: أَقْتلك. قَالَ: وَمن أَنْت قَالَ: ربيعَة بن رفيع السّلمِيّ. فأنشاً دُرَيْد يَقُول: المتقارب ( فأقسم لَو أَن بِي قُوَّة ... لظلت فرائصه ترْعد) (وَيَا لهف نَفسِي أَن لَا تكو ... ن معي قُوَّة الشامخ الْأَمْرَد) ثمَّ ضربه السّلمِيّ بِسَيْفِهِ فَلم يغن شَيْئا فَقَالَ: بئْسَمَا سلحتك أمك خُذ سَيفي هَذَا من) مؤخرة رحلي فِي القراب فَاضْرب بِهِ وارفع عَن الْعِظَام واخفض عَن الدِّمَاغ فَإِنِّي كَذَلِك كنت أضْرب الرِّجَال ثمَّ إِذا أتيت أمك فَأَخْبرهَا أَنَّك قتلت دُرَيْد بن الصمَّة فَرب بوم قد منعت فِيهِ نِسَاءَك فَلَمَّا ضربه سقط فانكشف فَإِذا عجانه وبطن فَخذيهِ مثل الفراطيس من ركُوب الْخَيل أعراء. فَلَمَّا رَجَعَ ربيعَة أخبر أمه بقتْله إباه فَقَالَت: قد أعتق قتيلك ثَلَاثًا من أمهاتك

(الشاهد الثالث بعد التسعمائة)

وَأنْشد بعده (الشَّاهِد الثَّالِث بعد التسْعمائَة) وَهُوَ من شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ: الطَّوِيل ( لعمري مَا أَدْرِي وَإِن كنت دارياً ... بِسبع رمين الْجَمْر أم بثمان ) على أَن الْهمزَة قد تحذف فِي الشّعْر قبل أم الْمُتَّصِلَة فَإِن التَّقْدِير: أبسبع رمين الْجَمْر أم بثمان. قَالَ سِيبَوَيْهٍ فِي بَاب المنقطعة: زعم الْخَلِيل أَن قَول الأخطل: الْكَامِل كذبتك عَيْنك أم رَأَيْت بواسطٍ الْبَيْت كَقَوْلِك: إِنَّهَا لإبل أم شَاءَ. وَيجوز فِي الشّعْر أَن تُرِيدُ ب كذبتك الِاسْتِفْهَام وتحذف الْألف. قَالَ الْأسود بن يعفر: الطَّوِيل (لعمرك مَا أَدْرِي وَإِن كنت دارياً ... شعيث ابْن سهم أم شعيث ابْن منقر) وَقَالَ أَبُو الْحسن لعمر بن أبي ربيعَة: (لعمرك مَا أَدْرِي وَإِن كنت دارياً ... بِسبع رمين الْجَمْر أم بثمان) انْتهى. قَالَ الأعلم: الشَّاهِد فِي الأخرين حذف ألف الِاسْتِفْهَام ضَرُورَة لدلَالَة أم عَلَيْهَا. وَلَا يكون هَذَا إِلَّا على تَقْدِير الْألف لِأَن قَوْله: مَا أَدْرِي يَقْتَضِي وُقُوع الْألف وأم مُسَاوِيَة لَهَا. انْتهى.

وَكَذَا جعله ابْن عُصْفُور ضَرُورَة وعمم سَوَاء كَانَت مَعَ أم أم لَا. قَالَ: وَمِنْه حذف همزَة الِاسْتِفْهَام إِذا أَمن اللّبْس للضَّرُورَة كَقَوْل الْكُمَيْت: الطَّوِيل (طربت وَمَا شوقاً إِلَى الْبيض أطرب ... وَلَا لعباً مني وَذُو الشيب يلْعَب) يُرِيد: أَو ذُو الشيب يلْعَب. ثمَّ أنْشد الْبَيْتَيْنِ وَقَالَ: وَقد حذفت مَعَ أم فِي الشاذ فِي قِرَاءَة ابْن مُحَيْصِن: سواءٌ عَلَيْهِم أنذرتهم) أم لم تنذرهم بِهَمْزَة وَاحِدَة من غير مد وَكَأن الَّذِي سهل حذفهَا كَرَاهِيَة اجْتِمَاع همزتين مَعَ قُوَّة الدّلَالَة عَلَيْهَا. أَلا ترى أَن سَوَاء تدل عَلَيْهَا بِمَا فِيهَا من معنى التَّسْوِيَة إِذْ التَّسْوِيَة لاتكون إِلَّا بَين اثْنَيْنِ وَيدل عَلَيْهَا مَجِيء أم بعد ذَلِك. انْتهى. وَذهب جمَاعَة إِلَى أَن الْهمزَة يجوز حذفهَا إِن كَانَت مَعَ أم وَإِلَّا فَلَا. وَذهب الْأَخْفَش وَتَبعهُ طَائِفَة إِلَى جَوَاز حذفهَا مُطلقًا. وَهُوَ ظَاهر كَلَام ابْن مَالك فِي التَّوْضِيح قَالَ: قد كثر حذف الْهمزَة إِذا كَانَ معنى مَا حذفت مِنْهُ لَا يَسْتَقِيم إِلَّا بتقديرها كَقَوْلِه تَعَالَى: وَتلك نعْمَة. قَالَ أَبُو الْفَتْح وَغَيره: أَرَادَ: أَو تِلْكَ نعْمَة. ذَلِك قِرَاءَة ابْن مُحَيْصِن: سَوَاء عَلَيْهِم أنذرتهم بِهَمْزَة وَاحِدَة. وَمن ذَلِك قِرَاءَة أبي جَعْفَر: سواءٌ عَلَيْهِم استغفرت لَهُم بِهَمْزَة وصل. وَمن حذفهَا فِي الْكَلَام الفصيح قَوْله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: يَا أَبَا ذَر عيرته بِأُمِّهِ أَرَادَ: أعيرته وَمِنْه قَوْله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: أَتَانِي جِبْرِيل فبشرني من مَاتَ لَا يُشْرك بِاللَّه شَيْئا دخل الْجنَّة. قلت: وَإِن سرق وزنى قَالَ: وَإِن سرق

وزنى. أَرَادَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: أَو إِن سرق وزنى. وَمِنْه حَدِيث ابْن عَبَّاس أَن رجلا قَالَ: إِن أُمِّي مَاتَت وَعَلَيْهَا صَوْم شهر أفأقضيه وَفِي بعض النّسخ: فأقضيه. وَمِنْه أَن الْحسن أَو الْحُسَيْن أَخذ تَمْرَة من تمر الصَّدَقَة فَجَعلهَا فِي فِيهِ فَنظر إِلَيْهِ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فأخرجها من فِيهِ وَقَالَ: أما علمت وَفِي بعض النّسخ: مَا علمت. انْتهى. وَالْبَيْت من قصيدة لعمر بن أبي ربيعَة المَخْزُومِي قَالَهَا فِي عَائِشَة بنت طَلْحَة بن عبيد الله التَّيْمِيّ الصَّحَابِيّ. وَقَبله: (لقد عرضت لي بالمحصب من منى ... مَعَ الْحَج شمسٌ سيرت بيمان) (فَلَمَّا الْتَقَيْنَا بالثنية سلمت ... ونازعني الْبَغْل اللعين عناني) (بدا لي مِنْهَا معصمٌ حَيْثُ جمرت ... وكفٌ خضيبٌ زينت ببنان) فوَاللَّه مَا أَدْرِي وَإِن كنت دارياً ... ... ... ... ... ... . الْبَيْت ...

( فَقلت لَهَا عوجي فقد كَانَ منزلي ... خصيبٌ لكم ناء عَن الْحدثَان)) (فعجنا فعاجت سَاعَة فتكلمت ... فظلت لَهَا العينان تبتدران) عرضت: ظَهرت. والمحصب بِالْحَاء وَتَشْديد الصَّاد الْمَفْتُوحَة الْمُهْمَلَتَيْنِ: مَوضِع رمي الْجمار وشمس: أَي: امْرَأَة كَالشَّمْسِ سيرت فِي طرف يمَان بِخِلَاف الشَّمْس الْحَقِيقِيَّة فَإِنَّهَا تسير نَحْو الْمغرب. وحرفه ابْن الملا فَكَتبهُ: شبهت بيمان وَقَالَ: هُوَ صفة مَحْذُوف أَي: بسيفٍ يمَان شبهها بِهِ فِي البريق واللمعان. هَذَا كَلَامه. والثنية عِنْد جَمْرَة الْعقبَة. وَلَا يبعد أَن يكون سيرت بثمان أَي: مَعَ نسْوَة ثَمَان وَبِه يظْهر وَجه قَوْله: بِسبع رمين الْجَمْر بالنُّون إِلَّا أَنه يكون فِي ثَمَان الْآتِي إيطاء. وَقَوله: ونازعني أَي: جاذبني. والنزع: الجذب. وبدا: ظهر. والمعصم بِكَسْر الْمِيم: مَوضِع السوار من الساعد. وجمرت بِالْجِيم وَتَشْديد الْمِيم: رمت جمتار المنسك وَهِي ثَلَاث جمرات: الْجَمْرَة الأولى وَالْوُسْطَى وجمرة الْعقبَة. وخضيب: مخضوبة بِالْحِنَّاءِ أَو بغَيْرهَا. والبنان: أَطْرَاف الْأَصَابِع وَقيل: الْأَصَابِع. فَإِن قيل: مَا معنى تزين الْكَفّ بالبنان وَهِي من تَمام الْخلقَة والزينة إِنَّمَا تكون بِمَا زَاد عَلَيْهَا فَالْجَوَاب: أَن تِلْكَ الْكَفّ زينت بلطافة البنان وحسنها أَو بمغايرة خضابها فِي اللَّوْن خضاب الْكَفّ. على أَنا نقُول: لَو أُرِيد أَن الزِّينَة حصلت بِذَات البنان لاستقام

وَيكون إِشَارَة إِلَى مَا خص الله بِهِ النَّوْع الإنساني من الْأَعْضَاء المتناسبة بِالنِّسْبَةِ إِلَى سَائِر الْحَيَوَان. كَذَا فِي شرح الْمُغنِي لِابْنِ الملا. وروى ابْن المستوفي المصراع هَكَذَا: وكف لَهَا مخضوبة ببنان فَلَا يرد السُّؤَال وَالْجَوَاب. وَقَوله: لعمري مَا أَدْرِي رُوِيَ كَذَا بِالْيَاءِ وَالْكَاف. وَرُوِيَ أَيْضا: فوَاللَّه مَا أَدْرِي. والدراية: علم يتخيل. وَجُمْلَة مَا أَدْرِي: جَوَاب الْقسم. وأدري: يتَعَدَّى لمفعولين وَهُوَ هُنَا مُعَلّق بالاستفهام الْمُقدر فِي بِسبع وَجُمْلَة وَإِن كنت دارياً:) اعْتِرَاض بَين أَدْرِي وَبَين معموله وَإِن وصلية. فَإِن قلت: كَيفَ يَنْفِي الدِّرَايَة عَنهُ ثمَّ يثبتها لَهُ قلت: اخْتِلَاف زمانهما نفى التَّنَاقُض. وَقَالَ السُّيُوطِيّ فِي شرح أَبْيَات الْمُغنِي: قَوْله: وَإِن كنت يحْتَمل أَن تكون إِن نَافِيَة أَي: وَمَا كنت دارياً فَيكون تَأْكِيدًا للجملة قبلهَا. وَيحْتَمل أَن تكون مُخَفّفَة من الثَّقِيلَة أَي: وَإِنِّي كنت قبل ذَلِك من أهل الدِّرَايَة والمعرفة حَتَّى بدا لي مَا ذكر فسلبت الدِّرَايَة. وَهَذَا الِاحْتِمَال عِنْدِي أظهر. قلت: أما الأول فبعيد مَعَ أَن الْحمل على التأسيس خير من التَّأْكِيد. وَأما الثَّانِي فَكَانَ يلْزمه أَن يَقُول: وَإِن كنت لدارياً بِاللَّامِ الفارقة. وَقَوله: رمين بنُون النسْوَة وَهُوَ وَاضح مَعَ مَا قدمنَا. وَقَالَ ابْن الملا: فَإِن قلت: كَانَ الظَّاهِر رمت فَلم أَتَى بضمير الْجمع قلت: للتعظيم الَّذِي يَلِيق بِأَهْل الود السَّلِيم. انْتهى. - أَقُول: تَعْظِيم الْغَائِب الْوَاحِد بضمير الْجمع غير مَوْجُود فِي لُغَة الْعَرَب.

وَقَالَ الدماميني: الضَّمِير عَائِد إِلَى البنان أَو إِلَى الْمَرْأَة وصواحبها. قَالَ السُّيُوطِيّ: هَذَا الْبَيْت أنْشدهُ الزبير بن بكار بِلَفْظ: (فوَاللَّه مَا أَدْرِي وَإِنِّي لحاسبٌ ... بسبعٍ رميت الْجَمْر أَو بثمان) بتاء الْمُتَكَلّم فِي رميت. وَهَذَا الْوَجْه أوجه بِلَا شكّ فَإِن الْإِخْبَار بذهوله عَن فعله لشغل قلبه بِمَا رأى أبلغ من الْإِخْبَار بذهوله عَن فعل الْغَيْر. وَفِيه سَلامَة من التَّأْوِيل الْمَذْكُور. قَالَ ابْن الملا: وَلقَائِل أَن يَقُول: هَذَا الْكَلَام فِي حيّز الْمَنْع إِذْ لَيْسَ فِي ذُهُول الْإِنْسَان عَن فعل نَفسه وَإِن كَانَ ذَا خطر كَبِير أَمر لَا سِيمَا والشاغل مَا ذكر كَيفَ وَإِن وُقُوعه أَكثر من أَن يُحْصى بِخِلَاف ذُهُول الْإِنْسَان عَن فعل الْغَيْر المتصدي لمراقبته شُهُودًا وغيبة فَإِن الْعَادة تَقْتَضِي وَالْمذهب الغرامي يُوجب أَن من تصدى لمراقبة فعل الأحباب كَانَ أبعد من أَن يذهل وَأما دَعْوَاهُ السَّلامَة من التَّأْوِيل فَظَاهر الْمَنْع لِأَن معنى الْبَيْت على رِوَايَته: فوَاللَّه مَا أَدْرِي الْحساب وَإِنِّي لحساب لِأَن نَفْيه لدراية جَوَاب أبسبعٍ رمين أم بثمان إِنَّمَا هُوَ لانْتِفَاء كَونه دارياً إِذا ذَاك بِالْحِسَابِ كَمَا يشْهد بِهِ التخيل الصَّحِيح. وَيعود الْإِشْكَال فَيحْتَاج إِلَى التَّأْوِيل اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يكون أَرَادَ التَّأْوِيل فِي رمين. انْتهى كَلَامه. وَقَالَ ابْن المستوفي: أَرَادَ أَنه شغل بِهن فَلم يدر عدد مَا رمينه من الجمرات. وَهَذَا معنى مبتذل إِلَّا أَنه عكس مَا ذكره غَيره. وَذَلِكَ أَن الشُّعَرَاء ذكرُوا أَنهم شغلوا وبهتوا بِمَا جرى) عَلَيْهِم فَلم يعلمُوا مَا فعلوا بِأَنْفسِهِم كَقَوْل جران الْعود:

(الشاهد الرابع بعد التسعمائة)

الْبَسِيط ( ثمَّ ارتحلت برحلي قبل برذعتي ... وَالْعقل متلهٌ وَالْقلب مَشْغُول) وَيُمكن أَن يعْتَذر لعمر فَيُقَال: إِنَّه شغل بِهن عَن نَفسه فَلم ينظر إِلَّا إلَيْهِنَّ لَا إِلَى مَا يفعلن. انْتهى. وَقَوله: فَقلت لَهَا عوجي عاج بِالْمَكَانِ يعوج عوجا من بَاب قَالَ أَي: أَقَامَ بِهِ. وعجت غَيْرِي بِالْمَكَانِ أعوجه يتَعَدَّى وَلَا يتَعَدَّى. وعجت الْبَعِير إِذا عطفت رَأسه بالزمام. كَذَا فِي الصِّحَاح. وَتَقَدَّمت تَرْجَمَة عمر بن أبي ربيعَة فِي الشَّاهِد السَّابِع والثمانين من أَوَائِل الْكتاب. (الشَّاهِد الرَّابِع بعد التسْعمائَة) وَهُوَ من شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ: الطَّوِيل (لعمرك مَا أَدْرِي وَإِن كنت دارياً ... شعيث ابْن سهمٍ أم شعيث ابْن منقر) لما تقدم قبله وَتقدم فِيهِ نَص سِيبَوَيْهٍ وَإِعْرَابه.

وَأوردهُ ابْن هِشَام فِي بحث أم من الْمُغنِي وَقَالَ: الأَصْل أشعيث بِالْهَمْزَةِ فِي أَوله والتنوين فِي آخِره فحذفهما للضَّرُورَة. وَالْمعْنَى: مَا أَدْرِي أَي النسبين هُوَ الصَّحِيح. - أَقُول: حكمه هُنَا بِأَن حذف الْهمزَة ضَرُورَة يُنَافِيهِ مَا تقدم مِنْهُ فِي بحث الْألف من إِطْلَاق جَوَاز حذفهَا تقدّمت على أم أم لم تتقدم. وَإِنَّمَا اعْتَبرهُ منوناً حذف تنوينه للضَّرُورَة لِأَنَّهُ أخبر عَنهُ بِابْن وَالْعلم الْمنون إِنَّمَا يحذف تنوينه إِذا وصف بِابْن لَا إِذا أخبر عَنهُ وَمن ثمَّ يكْتب ألف ابْن أَيْضا وَإِن كَانَ وَاقعا بَين علمين. قَالَ ابْن الملا: وَيجوز أَن يكون مَمْنُوعًا من الصّرْف وَلَا ضَرُورَة بِاعْتِبَار الْقَبِيلَة والإخبار عَنهُ بِابْن لَا يمْنَع ذَلِك لجَوَاز رِعَايَة التَّذْكِير والتأنيث باعتبارين. قَالَ السيرافي: يهجو هَذِه الْقَبِيلَة يَقُول: إِنَّهَا لم تَسْتَقِر على أَب لِأَن بَعْضًا يعزوها إِلَى منقر وَقَالَ الأعلم: الْمَعْنى مَا أَدْرِي: أشعيث من بني سهم أم هم من بني منقر. وشعيث: حَيّ من تَمِيم من بني منقر فجعلهم أدعياء وَشك فِي كَونهم مِنْهُم أَو من بني سهم. وَسَهْم هُنَا: حَيّ من قيس. انْتهى. وصحف ابْن الملا سَهْما بِغنم فَقَالَ: قَالَ الأعلم: شعيث: حيٌ من غنم. انْتهى.) وشعيث فِي الْمَوْضِعَيْنِ بِضَم الشين الْمُعْجَمَة وَفتح الْعين الْمُهْملَة وَآخره ثاء مُثَلّثَة قَالَ العسكري فِي كتاب التَّصْحِيف والأعلم: وَرِوَايَته بِالْبَاء الْمُوَحدَة تَصْحِيف.

ومنقر بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون النُّون وَفتح الْقَاف بطن من تَمِيم وَهُوَ منقر ابْن عبيد بِالتَّصْغِيرِ ابْن مقاعس بن عَمْرو بن كَعْب بن سعد بن زيد مَنَاة بن تَمِيم. كَذَا فِي الجمهرة. وَقَوله: وَسَهْم: حيٌ من قيس أَي: من قيس عيلان. وَهُوَ سهم بن عَمْرو بن ثَعْلَبَة بن غنم بن قُتَيْبَة بن باهلة. وَيَنْتَهِي نسبه إِلَى غطفان بن سعد بن قيس بن عيلان بن مُضر. وَفِي قُرَيْش أَيْضا: سهم أَبُو حَيّ وَهُوَ سهم بن عَمْرو بن هصيص بِالتَّصْغِيرِ ابْن عَمْرو بن جمح بِضَم الْجِيم فَفتح الْمِيم ابْن كَعْب بن لؤَي. وَمِنْهُم قيس بن عدي بن سعد بن سهم. وَزعم ابْن الْحَنْبَلِيّ فِيمَا كتبه عَن الْمُغنِي أَن قَول الأعلم حيٌ من قيس هُوَ قيس السَّهْمِي. وَهَذَا غلط مِنْهُ لَا يَصح. وشعيث الْمَذْكُور لم أر لَهُ ذكرا فِي جمهرة الْأَنْسَاب وَلَا فِي الصِّحَاح وَلَا فِي الْعباب. وَذكره صَاحب الْقَامُوس وَقَالَ شعيث كزبير: ابْن مُحرز. وَالْبَيْت أنْشدهُ سِيبَوَيْهٍ للأسود بن يعفر. وَتَقَدَّمت تَرْجَمته فِي الشَّاهِد الرَّابِع وَالسِّتِّينَ من أول الْكتاب. وأنشده الْمبرد فِي موضِعين من الْكَامِل للّعين الْمنْقري. وَالله أعلم. وَنقل أَبُو الْوَلِيد الوقشي عَن الْبَيَان للجاحظ فِيمَا كتبه على كَامِل الْمبرد أَنه قَالَ: ذكرُوا أَن شعيث بن سهم بن مُحرز بن حزن أغير على إبِله فَأتى أَوْس ابْن حجر يستنجده فَقَالَ أَوْس: أَو خيرٌ من ذَلِك أحضّض لَك قيس بن عَاصِم وَكَانَ يُقَال: إِن حزن بن الْحَارِث هُوَ حزن بن منقر فَقَالَ أَوْس:

(الشاهد الخامس بعد التسعمائة)

الطَّوِيل (سَائل بهَا مَوْلَاك قيس بن عَاصِم ... فمولاك مولى السوء إِن لم يعير) (لعمرك مَا أَدْرِي أَمن حزن محرزٍ ... شعيث بن سهمٍ أم لحزن بن منقر) وَكتب الوقشي على الْموضع الثَّانِي من الْكَامِل بعد إنشاد الْبَيْت الثَّانِي: قَالَ الجاحظ: كَانَ يُقَال: إِن حزن بن الْحَارِث يكون أَبَا جد شعيث بن سهم بن مُحرز ابْن حزن بن الْحَارِث أحد بلعنبر بن عَمْرو بن تَمِيم وَهُوَ حزن بن منقر. ولشعيث ابْن سهم وَقَول أَوْس هَذَا فِيهِ خبر أثْبته الجاحظ فِي فَظهر مِمَّا ذكرنَا أَن شعيثاً لَيْسَ بِأبي قَبيلَة وَظهر قَول ابْن هِشَام إِن تنويه حذف للضَّرُورَة. وَلَا) يَتَأَتَّى دَعْوَى منع صرف للعملية والتأنيث بِاعْتِبَار الْقَبِيلَة وَالله أعلم. وَأنْشد بعده (الشَّاهِد الْخَامِس بعد التسْعمائَة) وَهُوَ من شَوَاهِد س: الْكَامِل (كذبتك عَيْنك أم رَأَيْت بواسطٍ ... غلس الظلام من الربَاب خيالا) لما تقدم من أَن الْهمزَة المعادلة ل أم محذوفة مِنْهُ للضَّرُورَة وَالتَّقْدِير: أكذبتك عَيْنك أم رَأَيْت.

وَنقل سِيبَوَيْهٍ عَن الْخَلِيل أَن أم فِيهِ مُنْقَطِعَة وَجوز أَن تكون مُتَّصِلَة بِتَقْدِير الْهمزَة كَمَا تقدم. قَالَ الأعلم: الشَّاهِد فِيهِ إِتْيَانه بِأم مُنْقَطِعَة بعد الْخَبَر حملا على قَوْلهم: إِنَّهَا لإبل أم شَاءَ. وَيجوز أَن تحذف ألف الآستفهام ضَرُورَة لدلَالَة أم عَلَيْهَا وَالتَّقْدِير: أكذبتك عَيْنك أم رَأَيْت وَنَظِير إضرابه على الْخَبَر الأول وتكذيبه لنَفسِهِ بقوله: أم رَأَيْت بواسط قَول زُهَيْر: الْبَسِيط (قف بالديار الَّتِي لم يعفها الْقدَم ... بلَى وَغَيرهَا الْأَرْوَاح والديم) فَقَالَ: لم يعفها الْقدَم ثمَّ أكذب نَفسه فَقَالَ: بلَى وَغَيرهَا الْأَرْوَاح. فَكَذَلِك قَالَ: كذبتك عَيْنك فِيمَا تخيل لَك ثمَّ رَجَعَ عَن ذَلِك ف قَالَ: أم رَأَيْت بواسط خيالاً. وَالْمعْنَى: بل هَل رَأَيْته وَلم تشك فِيهِ. انْتهى. وَذكر الْوَجْهَيْنِ الْمبرد فِي الْكَامِل قَالَ: فِيهِ قَولَانِ: أَحدهمَا: أكذبتك عَيْنك كَمَا قيل فِي: بسبعٍ رمين الْجَمْر أم بثمان وَلَيْسَ هَذَا بالأجود وَلكنه ابْتَدَأَ متيقناً ثمَّ شكّ فَأدْخل أم كَقَوْلِك: إِنَّهَا لإبل ثمَّ تشك فَتَقول: أم شَاءَ يَا قوم. انْتهى. قَالَ ابْن الْحَنْبَلِيّ: إِن جعل الْخَلِيل التَّقْدِير فِي الْمِثَال: بل أَهِي شَاءَ كَانَ مُرَاد الأخطل: كذبتك عَيْنك فِي رُؤْيَة الرِّبَا نَفسهَا بل لم تَرَ خيالاً مِنْهَا فضلا عَن أَن ترَاهَا نَفسهَا على أَن أم بِمَعْنى بل وهمزة الْإِنْكَار. وَإِن جعله: بل هِيَ شَاءَ كَانَ مُرَاده: كذبتك عَيْنك فَلم تكن رَأَيْتهَا بل رَأَيْتهَا خيالاً مِنْهَا. انْتهى.

وَنقل ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي عَن أبي عُبَيْدَة أَنه زعم أَن أم تَأتي بِمَعْنى الِاسْتِفْهَام الْمُجَرّد من الإضارب فَقَالَ فِي قَول الأخطل: كذبتك عَنْك أم رَأَيْت بواسطٍ) إِن الْمَعْنى: هَل رَأَيْت. - وَبعده: (وتغولت لتروعنا جنيةٌ ... والغانيات يرينك الأهوالا) (يمددن من هفواتها إِلَى الصِّبَا ... سَببا يصدن بِهِ الغواة طوَالًا) (مَا إِن رَأَيْت كمكرهن إِذا جرى ... فِينَا وَلَا كحبالهن حِبَالًا) (المهديات لمن هوين مسَبَّة ... والمحسنات لمن قلين مقَالا) (يرعين عَهْدك مَا رأينك شَاهدا ... وَإِذا مذلت يصرن عَنْك مذالا) (وَإِذا وعدنك نائلاً أخلفنه ... وَوجدت عِنْد عداتهن مطالا) (فَإِن دعونك عمهن فَإِنَّهُ ... نسبٌ يزيدك عِنْدهن خبالا) (وَإِذا وزنت حلومهن إِلَى الصِّبَا ... رجح الصِّبَا بحلومهن فمالا) وَمِنْهَا: (فانعق بضأنك يَا جرير فَإِنَّمَا ... منتك نَفسك فِي الْخَلَاء ضلالا) (منتك نَفسك أَن تسامي دارماً ... أَو أَن توازن حاجباً وَعِقَالًا) دارم: قَبيلَة الفرزدق. وحاجب وعقال: من أَشْرَاف قومه. وَرُوِيَ عَن جرير أَنه قَالَ: مَا غلبني الأخطل إِلَّا فِي هَذِه القصيدة وَلَقَد قلت بَيْتا فِي القصيدة ...

(والتغلبي إِذا تنحنح للقرى ... حك استه وتمثل الأمثالا ) كَذَا فِي نَوَادِر ابْن الْأَعرَابِي. وَقَوله: فانعق بضأنك اسْتشْهد بِهِ صَاحب الْكَشَّاف عِنْد قَوْله تَعَالَى: وَمثل الَّذين كفرُوا كَمثل الَّذِي ينعق على أَن النعيق: التصويت يُقَال: نعق الْمُؤَذّن والراعي بغنمه ينعق بِالْكَسْرِ نعيقاً ونعاقاً: صَاح بهَا وزجرها. وَالْمعْنَى: إِنَّك من رُعَاة الْغنم لَا من الْأَشْرَاف وَمَا منتك نَفسك بِهِ فِي الْخَلَاء أَنَّك من العظماء فضلال بَاطِل لِأَنَّك لَا تقدر على إِظْهَاره فِي الْمَلأ وهم الْأَشْرَاف. وَقَوله: كذبتك نَفسك أم رَأَيْت بواسط هَذَا خطاب لنَفسِهِ على طَرِيق التَّجْرِيد. قَالَ ابْن الْأَثِير فِي النِّهَايَة: قد اسْتعْملت الْعَرَب الْكَذِب فِي مَوضِع الْخَطَأ. قَالَ الأخطل: كذبتك نَفسك وَمِنْه حَدِيث عُرْوَة قيل لَهُ: إِن ابْن عَبَّاس يَقُول: إِن النَّبِي صلى الله) عَلَيْهِ وَسلم لبث بِمَكَّة بضع عشرَة سنة فَقَالَ: كذب أَي: أَخطَأ. وَمِنْه قَول عمر لسمرة حِين قَالَ: الْمغمى عَلَيْهِ يُصَلِّي مَعَ كل صلاةٍ صَلَاة حَتَّى يَقْضِيهَا فَقَالَ: كذبت وَلكنه يصليهن مَعًا. أَي: أَخْطَأت. وَقد تكَرر فِي الحَدِيث. انْتهى.

- والغلس بِفتْحَتَيْنِ: ظلمَة آخر اللَّيْل والرباب بِفَتْح الرَّاء من أَسمَاء النِّسَاء. والخيال: الطيف. وَقَالَ ابْن السيرافي: وَاسِط هُنَا: مَوضِع بنواحي الشَّام. وغلطه الْأسود أَبُو مُحَمَّد الْأَعرَابِي فِي فرحة الأديب فَقَالَ: لَيْسَ بنواحي الشَّام مَوضِع يُقَال لَهُ: وَاسِط وَالَّذِي فِي الْبَيْت وَاسِط الجزيرة. وَأَخْبرنِي أَبُو الندى قَالَ: للْعَرَب سَبْعَة أواسط: وَاسِط نجد وَهُوَ الَّذِي ذكره خِدَاش بن زُهَيْر: الطَّوِيل (عَفا واسطٌ أكلاؤه فمحاضره ... إِلَى حَيْثُ نهيا سيله فصدائره) وواسط الْحجاز وَهُوَ الَّذِي ذكره كثير: الطَّوِيل (أجدوا فَأَما آل عزة غدْوَة ... فبانوا وَأما واسطٌ فمقيم) وواسط الجزيرة وَهُوَ الَّذِي ذكره الأخطل فِي ذَاك الْبَيْت وَفِي بَيته الآخر: الطَّوِيل (عَفا واسطٌ من آل رضوى فنبتلٌ ... فمجتمع الحرين فالصبر أجمل) وواسط الْيَمَامَة وَهُوَ الَّذِي ذكره الْأَعْشَى فِي شعر وواسط الْعرَاق. وَقد أنسيت اثْنَيْنِ. انْتهى كَلَامه.

وَقد أبعد السُّيُوطِيّ فِي قَوْله: وَاسِط: بلد بالعراق اختطها الْحجَّاج وَتَبعهُ ابْن الملا. - وَقَالَ ياقوت فِي مُعْجم الْبلدَانِ قَالَ أَبُو حَاتِم: وَاسِط الَّتِي ينجدٍ وَالَّتِي بالجزيرة يصرف وَلَا يصرف. وَأما وَاسِط الْبَلَد الْمَعْرُوف فمذكر لأَنهم أَرَادوا بَلَدا واسطاً أَو مَكَانا واسطاً فَهُوَ منصرف على كل حَال. وَالدَّلِيل على ذَلِك قَوْلهم: وَاسِط بالتذكير وَلَو ذهب بِهِ إِلَى التَّأْنِيث لقالوا: وَاسِطَة. قَالُوا: وَقد يذهب بِهِ مَذْهَب الْبقْعَة وَالْمَدينَة فَيتْرك صرفه. وَأنْشد سِيبَوَيْهٍ فِي ترك الصّرْف: الْبَسِيط (مِنْهُنَّ أَيَّام صدقٍ قد عرفت بهَا ... أَيَّام وَاسِط وَالْأَيَّام من هجرا) وَلقَائِل أَن يَقُول: إِنَّه لم يرد وَاسِط هَذِه. فَيرجع إِلَى مَا قَالَه أَبُو حَاتِم: وَسميت مَدِينَة الْحجَّاج واسطاً لِأَنَّهَا متوسطة بَين الْبَصْرَة والكوفة لِأَن مِنْهَا إِلَى كل وَاحِدَة مِنْهَا خمسين فرسخاً لَا قَول) فِيهِ غير ذَلِك إِلَّا مَا ذهب إِلَيْهِ بعض أهل اللُّغَة حِكَايَة عَن ابْن الْكَلْبِيّ أَنه كَانَ قبل عمَارَة وَاسِط هُنَا مَوضِع يُسمى: وَاسِط قصب فَلَمَّا عمر الْحجَّاج مدينته سَمَّاهَا باسمها. وَالله أعلم. وَشرع الْحجَّاج فِي عمَارَة وَاسِط سنة أَربع وَثَمَانِينَ وَفرغ مِنْهَا فِي سنة سِتّ وَثَمَانِينَ فَكَانَ عمارتها فِي عَاميْنِ فِي الْعَام الَّذِي مَاتَ فِيهِ عبد الْملك بن مَرْوَان وَلما فرغ مِنْهَا كتب إِلَى عبد الْملك: إِنِّي اتَّخذت مَدِينَة فِي كرش من الأَرْض بَين الْجَبَل والمصرين وسميتها واسطاً. فَلذَلِك سمي أهل وَاسِط الكرشيين. وَفِي الْأَمْثَال: تغافل واسطي قَالَ الْمبرد: سَأَلت عَنهُ التوزي فَقَالَ: إِن الْحجَّاج لما بناها قَالَ: فَسُمي

أَهلهَا الكرشيين فَكَانَ إِذا مر أحدهم بِالْبَصْرَةِ نادوا: يَا كرشي فتغافل عَن ذَلِك ويري أَنه يسمع وَأَن الْخطاب لَيْسَ مَعَه وَلَقَد جَاءَنِي بخوارزم أحد أَعْيَان أدبائها وسألني عَن هَذَا الْمثل وَقَالَ لي: قد أطلت السُّؤَال عَنهُ فَلم أظفر بِهِ وَلم يكن لي فِي ذَلِك الْوَقْت علم بِهِ حَتَّى وجدته بعد ذَلِك فأثبته. وَأنْشد التنوخي لفضل الرقاشِي: الوافر (تركت عيادتي ونسيت بري ... وقدماً كنب بِي برا حفياً) (فَمَا هَذَا التغافل يَا ابْن عِيسَى ... أَظُنك صرت بعدِي واسطياً) انْتهى. وَقَالَ ابْن الملا: الْمثل: تغافل كَأَنَّك واسطي لِأَنَّهُ كَانَ يتسخرهم فِي الْبناء فيهربون وينامون بَين الغرباء فِي الْمَسْجِد فَيَجِيء الشرطي يَقُول: يَا واسطي. فَمن رفع رَأسه أَخذه فَلذَلِك كَانُوا بتغافلون. هَذَا كَلَامه. وَهُوَ بعيد. ثمَّ قَالَ ياقوت: وَاسِط أَيْضا قَرْيَة متوسطة بَين بطن مر ووادي نَخْلَة. وواسط أَيْضا: قَرْيَة مَشْهُورَة ببلخ. وواسط أَيْضا: قَرْيَة بحلب قرب بزاعة مَشْهُورَة عِنْدهم وبالقرب مِنْهَا قَرْيَة يُقَال لَهَا: الْكُوفَة. وواسط أَيْضا: قَرْيَة بالخابور قرب قرقيساء وَإِيَّاهَا عني الأخطل فِيمَا أَحسب لِأَن الجزيرة منَازِل تغلب:

عَفا واسطٌ من ارْض رضوى فنتبل وواسط أَيْضا: قَرْيَة بدجيل على ثَلَاثَة فراسخ من بَغْدَاد.) وواسط أَيْضا: مَوضِع بَين العذيب والصفراء. وواسط أَيْضا: من منَازِل بني قُشَيْر لبني أسيدة. - وواسط أَيْضا: بِمَكَّة قَالَ الفاكهي: وَاسِط: قرن كَانَ أَسْفَل من جَمْرَة الْعقبَة بَين المأزمين فَضرب حَتَّى ذهب قَالَ: وَيُقَال لَهُ: وَاسِط لِأَنَّهُ بَين الجبلين اللَّذين دون الْعقبَة. وواسط أَيْضا: بليدَة بالأندلس من أَعمال قبرة. وواسط أَيْضا: قَرْيَة كَانَت قبل وَاسِط فِي موضعهَا كَانَت تسمى وَاسِط الْقصب أخربها الْحجَّاج وَبني مدينته واسطاً. وواسط أَيْضا: قَرْيَة قرب مطيراباذ قرب حلَّة بني مزِيد يُقَال لَهَا: وَاسِط مرزاباد. وواسط أَيْضا: قَرْيَة بِالْيمن بسواحل زبيد قرب العنبرة. وواسط أَيْضا: مَوَاضِع فِي بِلَاد بني تَمِيم. وَقَوله: وتغولت أَي: تهولت. والغانية: الْحَسْنَاء الَّتِي استغنت بحسنها عَن الزِّينَة. والهفوة: الْجَهْل. وَالسَّبَب: الْحَبل. والطوال بِالضَّمِّ: الطَّوِيل.

(الشاهد السادس بعد التسعمائة)

ومذلت من كَلَامه: قلقت وضجرت. والمذيل: الْمَرِيض الَّذِي لَا يتقار وَهُوَ ضَعِيف. ومذل بسره أَي: أفشاه. ومذال: جمع مذلي كعطاش جمع عطشي. وترجمة الأخطل تقدّمت فِي الشَّاهِد الثَّامِن وَالسبْعين من أَوَائِل الْكتاب. وَمن هَذِه القصيدة قَوْله: الْكَامِل ( أبني كليبٍ إِن عمي اللذا ... قتلا الْمُلُوك وفككا الأغلالا) وَتقدم شَرحه فِي الشَّاهِد الثَّالِث وَالْعِشْرين بعد الأربعمائة من بَاب اسْم الْفَاعِل. وَأنْشد بعده (الشَّاهِد السَّادِس بعد التسْعمائَة) الْبَسِيط (أم كَيفَ ينفع مَا تُعْطِي الْعلُوق بِهِ ... رئمان أنفٍ إِذا مَا ضن بِاللَّبنِ) على أَن أم فِيهِ بِمَعْنى بل وَحدهَا بِدُونِ همزَة الِاسْتِفْهَام إِذْ الِاسْتِفْهَام مَوْجُود فَلَا وَجه لجمع

وَفِيمَا ذهب إِلَيْهِ مُخَالفَة للبصريين وميل لقَوْل الْكُوفِيّين لقُوته. وَإِلَيْهِ ذهب ابْن هَاشم أَيْضا فِي الْمُغنِي قَالَ: نقل ابْن الشجري عَن جَمِيع الْبَصرِيين أَنَّهَا أبدا بِمَعْنى بل والهمزة جَمِيعًا وَأَن الْكُوفِيّين خالفوهم فِي ذَلِك. وَالَّذِي يظْهر قَوْلهم إِذْ الْمَعْنى فِي: أم جعلُوا لله شُرَكَاء لَيْسَ على الِاسْتِفْهَام وَلِأَنَّهُ يلْزم الْبَصرِيين دَعْوَى التَّأْكِيد فِي نَحْو: أم هَل تستوي الظُّلُمَات وَنَحْو: أم مَاذَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ أم من هَذَا الَّذِي هُوَ جندٌ لكم. انْتهى. وسبقهما إِلَى هَذَا أَبُو عَليّ قَالَ فِي الْمسَائِل المنثورة بعد إنشاد هَذَا الْبَيْت: هَذِه الْمَسْأَلَة فِيهَا إِشْكَال وَهُوَ أَن أم للاستفهام دخلت على كَيفَ. فَوجه ذَلِك أَن أم هُنَا عاطفة وكَيفَ للاستفهام. كَمَا أَنَّك إِذا قلت: مَا جَاءَنِي زيد وَلَكِن عَمْرو فالواو فِيهِ عاطفة وَخرجت لَكِن من معنى الْعَطف لدُخُول الْوَاو. فَكَذَلِك إِذا قيل: أم هَل تخرج هَل من معنى الِاسْتِفْهَام لدُخُول أم فَكَذَلِك تخرج أم من معنى الِاسْتِفْهَام إِلَى الْعَطف. انْتهى. وَتَبعهُ ابْن جني فِي الخصائص فَقَالَ: فَإِن قلت: فَمَا تَقول فِي قَوْله: أم كَيفَ ينفع الْبَيْت وَجمعه بَين أم وَكَيف فَالْقَوْل: إنَّهُمَا ليسَا لِمَعْنى وَاحِد. وَذَلِكَ أَن أم هُنَا جردت لِمَعْنى التّرْك والتحول وجردت من معنى الِاسْتِفْهَام وأفيد ذَلِك من كَيفَ لَا مِنْهَا. فَإِن قيل: فَهَلا وكدت إِحْدَاهمَا بِالْأُخْرَى توكيداً كتوكيد اللَّام لِمَعْنى الْإِضَافَة وياءي النّسَب لِمَعْنى الصّفة قيل: يمْنَع من ذَلِك

أَن كَيفَ لما بنيت وَاقْتصر بهَا على الِاسْتِفْهَام الْبَتَّةَ جرت مجْرى الْحَرْف الْبَتَّةَ. وَلَيْسَ فِي الْكَلَام اجْتِمَاع حرفين لِمَعْنى وَاحِد لِأَن فِي ذَلِك نقضا لما اعتزم عَلَيْهِ من الِاخْتِصَار فِي اسْتِعْمَال الْحُرُوف. وَلَيْسَ كَذَلِك: يَا بؤس للحرب وأحمري. وَذَلِكَ أَن هُنَا إِنَّمَا انْضَمَّ الْحَرْف إِلَى اسْم فهما مُخْتَلِفَانِ فَجَاز أَن يترادفا فِي موضعهما لاخْتِلَاف جنسيهما. فَإِن قلت: فقد قَالَ: الوافر) وَمَا إِن طبنا جبنٌ فَجمع بَين مَا وَإِن وكِلَاهُمَا بِمَعْنى النَّفْي وهما كَمَا ترى حرفان. قيل لَيست إِن حرف نفي وَإِنَّمَا هِيَ حرف يُؤَكد بِهِ بِمَنْزِلَة مَا وَلَا وَالْبَاء وَمن وَغير ذَلِك. وَأما قَوْله: الوافر ( طعامهم لَئِن أكلُوا معدٌ ... وَمَا إِن لَا تحاك لَهُم ثِيَاب) فَإِن مَا وَحدهَا للنَّفْي وإِن ولَا جَمِيعًا للتوكيد. وَلَا يُنكر اجْتِمَاع حرفين للتوكيد لجملة الْكَلَام. كَلَامه بِاخْتِصَار. فَعلم مِمَّا نَقَلْنَاهُ إِن مَا ادَّعَاهُ ابْن الشجري من إِجْمَاع الْبَصرِيين لَيْسَ بِصَحِيح. وَدَعوى ابْن جني عدم اجْتِمَاع حرفين لِمَعْنى وَاحِد يُبْطِلهَا قَول الشَّاعِر: الوافر وَلَا للما بهم أبدا دَوَاء

وَقَوله: الطَّوِيل فَأَصْبَحْنَ لايسألنه عَن بِمَا بِهِ وَقد تقدم شرحهما فِي الشَّاهِد الرَّابِع وَالثَّلَاثِينَ بعد الْمِائَة وَفِي غَيره. - وَالْبَيْت آخر أَبْيَات تِسْعَة لأفنون التغلبي أوردهَا لَهُ أَبُو عَمْرو الشَّيْبَانِيّ فِي أشعار تغلب والمفضل فِي المفضليات وَهِي: (أبلغ حبيباً وخلل فِي سراتهم ... أَن الْفُؤَاد انطوى مِنْهُم على حزن) (قد كنت أسبق من جاروا على مهلٍ ... من ولد آدم مَا لم يخلعوا رسني) (فالوا عَليّ وَلم أملك فيالتهم ... حَتَّى انتحيت على الأرساغ والثنن) (لَو أنني كنت من عادٍ وَمن إرم ... ربيت فيهم ولقمان وَمن جدن) (لما فدوا بأخيهم من مهولةٍ ... أَخا السّكُون وَلَا جازوا على السّنَن) (سَأَلت قومِي وَقد سدت أباعرهم ... مَا بَين رحبة ذَات الْعيص والعدن) (أَنِّي جزوا عَامِرًا سوءى بفعلهم ... أم كَيفَ يجزونني السوءى من الْحسن) أم كَيفَ ينفع مَا تُعْطِي ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... الْبَيْت قَوْله: أبلغ حبيباً بِضَم الْمُهْملَة وَفتح الْمُوَحدَة الأولى وَهُوَ قَبيلَة أفنون. - وَقَوله: وخلل ... إِلَخ قَالَ ابْن الْأَنْبَارِي فِي شَرحه: سراتهم: خيارهم جمع سري.) وخلل أَي: خصهم بالبلاغ أَي: اجْعَل بلاغك يتخللهم. وَقَوله: أَن الْفُؤَاد ... إِلَخ هَذَا هُوَ الْمبلغ. يُرِيد: أَنه قد تألم مِنْهُم لما طلب مِنْهُم أباعر فخيبوا أمله مِنْهُم وَلم يتحملوا عَنهُ ديات من قَتلهمْ.

وَقَوله: قد كنت أسبق ... إِلَخ على: مُتَعَلقَة بأسبق وَمن بَيَان لمن وَمَا: مَصْدَرِيَّة ظرفية. قَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: أَي كنت أُنَاضِل عَنْهُم وأدفع وأسبق من جارهم. وَقَوله: من ولد آدم أَي: من النَّاس كلهم. وَقَوله: مَا لم يخلعوا ... إِلَخ أَي: كنت أسبق من فاخرهم وَطلب مغالبتهم مَا لم يهملوني ويتخلوا عني. وَجعل خلع الرسن مثلا كَأَنَّهُمْ تبرؤوا مِنْهُ لِكَثْرَة جزائره. وَقَوله: فالوا عَليّ ... إِلَخ بِالْفَاءِ من الفيلولة وَهِي ضعف الرَّأْي. والفيالة بِالْفَتْح الِاسْم. قَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: أَي: اخطؤوا على رَأْيهمْ يُقَال: فال الرجل فِي رَأْيه وَهُوَ فيل الرَّأْي بِالْكَسْرِ. وَقَوله: انتحيت: اعتمدت. والأرساغ: جمع رسغ وَهُوَ من الدَّوَابّ الْموضع المستدق بَين الْحَافِر وموصل الوظيف من الْيَد أَو الرجل. والثنن: جمع ثنة بِضَم الْمُثَلَّثَة وَتَشْديد النُّون وَهُوَ الشّعْر فِي مُؤخر الرسغ. وَحَتَّى بِمَعْنى إِلَى مُتَعَلّقه بفالوا. وضربهما مثلا لأسافل النَّاس. يُرِيد: أما لما أخطؤوا فِي أَمْرِي وأصروا قصدت أرذال النَّاس. وَقَوله: لَو أنني كنت ... إِلَخ من عَاد: خبر كنت وريبت: حَال من الضَّمِير المستقر فِي الْخَبَر قَالَ صَاحب الصِّحَاح: وربوت فِي بني فلَان وربيت أَي: نشأت فيهم. - وإرم بِكَسْر فَفتح: قَبيلَة مَشْهُورَة بِالْقُوَّةِ. وَعظم الْأَبدَان. وَعَاد: اسْم أَبِيهِم ولقمان أَي: وَمن نسل لُقْمَان صَاحب النسور وَهُوَ مَنْسُوب إِلَى عَاد كَمَا قَالَ الشَّاعِر: الوافر (ترَاهُ يطوف الْآفَاق حرصاً ... ليأكمل رَأس لُقْمَان بن عَاد)

وجدن بِفَتْح الْجِيم قَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: قَبيلَة بِالْيمن. انْتهى. وَقيل: هُوَ قيل من أقيال الْيمن وَالْمَشْهُور فِيهِ ذُو جدن فَيكون التَّقْدِير أَيْضا: وَمن نسل ذِي جدن. وَقَوله: لما فدوا اللَّام فِي جَوَاب لَو ودخولها على حرف النَّفْي نَادِر. والسكون بِفَتْح السِّين: قَبيلَة من كِنْدَة فِي الْيمن. وأخا السّكُون: مفعول فدوا هُوَ رجل من السّكُون كَانَ أَسِيرًا عِنْد وَأَرَادَ بأخيهم نَفسه وَالْبَاء للبدل. وَمن مهولة: من أجل مُصِيبَة هائلة. وَلَا جازوا من المجازاة.) وَالسّنَن: جمع سنة وَهِي السِّيرَة. بَالغ فِي ذكر تبرئهم مِنْهُ وجفائهم لَهُ. وَقَوله: سَأَلت قومِي السُّؤَال هُنَا الاستعصاء. وَجُمْلَة: قد سدت ... إِلَخ حَالية. والرحبة: الفضاء. وَقَوله: إِذا قربوا: مُتَعَلق بسألت. . وَقَوله: لله در ... إِلَخ تهكم فِي صُورَة الْمَدْح. والغبن بِفتْحَتَيْنِ: ضَعِيف الرَّأْي يتهكم بهم فِي رَأْيهمْ الضَّعِيف حَيْثُ منعُوهُ الْإِعْطَاء مَعَ السُّؤَال وَهُوَ مِنْهُم وأعطوا الْأَجْنَبِيّ وَلم يسألهم. وَقَوله: أَنى جزوا عَامِرًا ... إِلَخ اسْتِفْهَام تعجبي وأنى: بِمَعْنى كَيفَ وَالْوَاو فِي جزوا ضمير عشيرته وعامر هُوَ عَامر بن صعصعة هُوَ أَبُو قَبيلَة وَالْمرَاد هُنَا: الْقَبِيلَة وَصَرفه بِاعْتِبَار الْحَيّ وَلَو مَنعه الصّرْف لَكَانَ بِاعْتِبَار الْقَبِيلَة. وَالْبَاء للمقابلة وَالْهَاء وَالْمِيم ضمير عَامر. والسوءى: فعلى نقيض الْحسنى وهما مؤنث الأسوأ وَالْأَحْسَن. وَلأَجل القافية قَابل السوءى بالْحسنِ ولولاها لَكَانَ

يَقُول الْحسنى. وَرُوِيَ فِي الأول السوء وَهُوَ اسْم من سَاءَهُ يسوءه سوءا ومساءة نقيض سره. يَقُول أتعجب لقومي كَيفَ عاملوا بني عَامر بالسوء فِي مُقَابلَة فعلهم الْجَمِيل وَقَوله: أم كَيفَ يجزونني أم: للإضارب عَن الأول. وَمن الْحسن قَالَ ابْن الشجري: مُتَعَلق بِحَال محذوفة وَالتَّقْدِير: كَيفَ يجزونني السوءى بَدَلا من الْحسن. مثله فِي التَّنْزِيل: أرضيتم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا من الْآخِرَة أَي: بَدَلا من الْآخِرَة. يَقُول: بل أتعجب من قومِي كَيفَ يعاملونني بالسوء حَال كَونه بَدَلا من الْفِعْل الْحسن والصنع الْجَمِيل. وأضرب عَن الأول للْإِشَارَة إِلَى أَن إساءتهم لبني عَامر سهل بِالنِّسْبَةِ إِلَى إساءتهم بِهِ بادعاء أَنه رُبمَا كَانَ لَهُم عذر فِي الْإِسَاءَة لأولئك وَأما فِي الْإِسَاءَة إِلَيْهِ فَلَا عذر لَهُم أصلا. وَلما تخيل أَنهم رُبمَا غالطوا فاعتذروا ترقى بقوله: أم كَيفَ ينفع. . الْبَيْت كَأَنَّهُ يَقُول: هُوَ ظَاهر لَا يساعده بَاطِن وقالٌ لَا يصدقهُ حَال. وَقَوله: أم كَيفَ ينفع إِلَخ أم هَذِه أَيْضا للإضراب. والعلوق بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة قَالَ ابْن الْأَنْبَارِي فِي شَرحه: الْعلُوق من الْإِبِل: الَّتِي لَا ترأم وَلَدهَا وَلَا تدر عَلَيْهِ جعله هَا هُنَا مثلا. ورئمانها هُنَا: عطفها ومحبتها. - وَقَالَ القالي فِي أَمَالِيهِ: هِيَ النَّاقة الَّتِي ترأم بأنفها وتمنع درها. يَقُول: فَأنْتم تحسنون القَوْل وَلَا) تعطون شَيْئا فَكيف يَنْفَعنِي ذَلِك. انْتهى.

وَقَالَ الزجاجي فِي أَمَالِيهِ الصُّغْرَى: هَذَا الْبَيْت مثل يضْرب لكل من يعد بِلِسَانِهِ كل جميل وَلَا كَأَنَّهُ قيل: كَيفَ يَنْفَعنِي قَوْلك الْجَمِيل إِذا كنت لَا تفي بِهِ. وَأَصله أَن الْعلُوق هِيَ النَّاقة الَّتِي تفقد وَلَدهَا بنحر أَو موت فيسلخ جلده ويحشى تبناً أَو حشيشاً وَيقدم إِلَيْهَا لترأمه أَي: تعطف عَلَيْهِ ويدر لَبنهَا فينتفع بِهِ. فَهِيَ تشمه بأنفها وينكره قَلبهَا فتعطف عَلَيْهِ وَلَا ترسل اللَّبن. فَشبه ذَاك بِهَذَا. انْتهى. وَقَالَ الْمبرد فِي الْكَامِل: النَّاقة إِذا أَلْقَت سقبها أَو نحر فخيف انْقِطَاع لَبنهَا أخذُوا جلد حوارٍ فحشوه تبناً ولطخوه بِشَيْء من سلاها ثمَّ حَشْوًا أنفها بِخرقَة فتجد لذَلِك كرباً. وَيُقَال للخرقة الَّتِي تجْعَل فِي أنفها غمامة ثمَّ تسل تِلْكَ الْخِرْقَة من أنفها فتجد روحاً وَترى ذَلِك البو تحتهَا وَهُوَ جلد الحوار المحشو فترأمه فَإِن درت عَلَيْهِ قيل: نَاقَة درور. وترأمه: تشمه. وَيُقَال فِي هَذَا الْمَعْنى: نَاقَة ظؤور فينتفع بلبنها. وَيُقَال: نَاقَة رائم ورؤوم إِذا كَانَت ترأم وَلَدهَا أَو بوها. فَإِن رئمته وَلم تدر عَلَيْهِ فَتلك الْعلُوق وَلَا خير عِنْدهَا. انْتهى. وَقَالَ أَبُو الْحسن الْأَخْفَش: يُقَال للناقة إِذا مَاتَ وَلَدهَا أَو ذبح: سلوب فَإِن عطفت على غير وَلَدهَا فرئمته فَهِيَ رائم وَإِن لم ترأمه وَلم تدر عَلَيْهِ فَهِيَ علوق. وَيُقَال الْعلُوق: الَّتِي قد علقت فَذهب لَبنهَا وعلقت بِمَعْنى حبلت. - وَقَالَ ابْن الشجري فِي أَمَالِيهِ: الْعلُوق من النوق: الَّتِي تأبى أَن ترأم وَلَدهَا أَو بوها. والبو: جلد الحوار يحشى ثماماً أَو حشيشاً وَيقدم إِلَيْهَا لترأمه فتدر عَلَيْهِ فتحلب. فَهِيَ ترأمه بأنفها وينكره قَلبهَا فرأمها: أَن تشمه فَقَط وَلَا ترسل لَبنهَا. وَهَذَا يضْرب مثلا لمن يعد بِكُل جميل وَلَا يفعل مِنْهُ شَيْئا.

والرئمان بِكَسْر الرَّاء والهمزة: مصدر رئمت النَّاقة وَلَدهَا من بَاب فَرح إِذا أحبته وعطفت عَلَيْهِ وَفِي الْأَمْثَال: لَا أحب رئمان أنف وَأَمْنَع الضَّرع يضْرب لمن يظْهر الشَّفَقَة وَيمْنَع خَيره كَذَا فِي أَمْثَال الزَّمَخْشَرِيّ. وَقَوله: إِذا مَا ضن بِضَم الضَّاد الْمُعْجَمَة أَي: حصل الضن وَهُوَ الشُّح وَالْبخل. قَالَ ابْن جني فِي الْمُحْتَسب: ألحق الْبَاء فِي بِهِ لما كَانَ تُعْطِي فِي معنى تسمح بِهِ. أَلا ترَاهُ قَالَ فِي آخر الْبَيْت: إِذا مَا ضن بِاللَّبنِ فالضن: نقيض السماحة والبذل. انْتهى.) وَالْهَاء فِي بِهِ رَاجِعَة إِلَى مَا وَلَوْلَا التَّضْمِين لقيل: تعطية وَمَا وَإِن كَانَت فِي اللَّفْظ فَاعل ينفع فَهِيَ فِي الْمَعْنى مفعول وَهِي الشَّيْء الْمُعْطى وَهِي اسْم مَوْصُول بِمَعْنى الَّذِي وَاقع على الرئمان كَمَا يَأْتِي بَيَانه وَزعم ابْن الشجري أَنه وَاقع على البو وَهُوَ غير جيد كَمَا سيتضح. وَقد أجَاز الْكسَائي فِي رئمان أنف الرّفْع وَالنّصب والجر قَالَ الزجاجي فِي أَمَالِيهِ: أخبرنَا أَحْمد بن الْحُسَيْن الْمَعْرُوف بِابْن شقير النَّحْوِيّ وَعلي بن سُلَيْمَان قَالَا: أخبرنَا أَحْمد بن يحيى بن ثَعْلَب قَالَ: اجْتمع الْكسَائي والأصمعي بِحَضْرَة الرشيد كَانَا ملازمين لَهُ يقيمان بإقامته ويظعنان بظعنه. فَأَنْشد الْكسَائي: أَنِّي جزواً عَامِرًا سوءا بفعلهم الْبَيْتَيْنِ فَقَالَ الْأَصْمَعِي: إِنَّمَا هُوَ رئمان أنف بِالنّصب. فَقَالَ لَهُ الْكسَائي: اسْكُتْ مَا أَنْت وَهَذَا يجوز بِالرَّفْع وَالنّصب والخفض. أما الرّفْع فعلى الرَّد على مَا لِأَنَّهَا فِي مَوضِع رفع بينفع فَيصير التَّقْدِير: أم كَيفَ ينفع رئمان أنف. وَالنّصب بتعطي والخفض على الرَّد على الْهَاء الَّتِي فِي بِهِ. قَالَ: فَسكت

الْأَصْمَعِي وَلم يكن لَهُ علم بِالْعَرَبِيَّةِ كَانَ صَاحب لُغَة وَلم يكن صَاحب إِعْرَاب انْتهى مَا أوردهُ الزجاجي. وَقَوله: أما الرّفْع فعلى الرَّد على مَا يُرِيد بِهِ الْإِبْدَال وَهِي عبارَة الْكُوفِيّين وَهُوَ بدل كل من كل وَيجوز رَفعه أَيْضا على أَنه خبر لمبتدأ مَحْذُوف أَي: هُوَ رئمان. وَقد جوز هذَيْن الْوَجْهَيْنِ أَبُو عَليّ الْفَارِسِي فِي البغداديات قَالَ فِيهَا: حُكيَ لنا أَن أَبَا الْعَبَّاس مُحَمَّدًا وَأَبا الْعَبَّاس أَحْمد كَانَا يلقيان هَذَا الْبَيْت ويسألان عَن وَجه الْإِعْرَاب فِيهِ. ورئمان بِالرَّفْع وَالنّصب والجر. فأحدهما: أَن تبدل رئمان من الْمَوْصُول فتجعله إِيَّاه فِي الْمَعْنى. أَلا ترى أَن رئمان أنف هُوَ مَا تعطيه الْعلُوق. وَالْآخر: أَن تَجْعَلهُ خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف كَأَنَّهُ لما قَالَ: أم كَيفَ ينفع مَا تُعْطِي الْعلُوق قيل لَهُ: وَمَا تُعْطِي الْعلُوق فَقَالَ: رئمان أنف أَي: هُوَ. كَقَوْلِه تَعَالَى: بشرٍ من ذَلِكُم النَّار أَي: هِيَ. انْتهى. وَقَالَ ابْن الشجري فِي أَمَالِيهِ: مَا بِمَعْنى الَّذِي وَاقعَة على البو وانتصاب الرئمان هُوَ الْوَجْه الَّذِي) يَصح بِهِ الْمَعْنى وَالْإِعْرَاب وإنكار الْأَصْمَعِي لرفعه إِنْكَار فِي مَوْضِعه لِأَن رئمان الْعلُوق للبو بأنفها هُوَ عطيتها لَيْسَ لَهَا عَطِيَّة غَيره. - فَإِذا أَنْت رفعته لم يبْق عَلَيْهَا عَطِيَّة فِي الْبَيْت لفظا وَلَا تَقْديرا. وَرَفعه على الْبَدَل من مَا لِأَنَّهَا فَاعل ينفع وَهُوَ بدل الاشتمال وَيحْتَاج إِلَى تَقْدِير ضمير يعود مِنْهُ على الْمُبدل مِنْهُ كَأَنَّك قلت: رئمان أنفها إِيَّاه. وَتَقْدِير مثل هَذَا الضَّمِير قد ورد فِي كَلَام الْعَرَب وَلَكِن فِي رَفعه مَا ذكرت لَك من إخلاء تُعْطِي من مفعول فِي اللَّفْظ وَالتَّقْدِير. وجر رئمان على الْبَدَل أقرب إِلَى الصَّحِيح قَلِيلا.

وَإِعْطَاء الْكَلَام حَقه من الْمَعْنى وَالْإِعْرَاب إِنَّمَا هُوَ بِنصب الرئمان. ولنحاة الْكُوفِيّين فِي أَكثر وَقد نَقله ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي وَأقرهُ ومنشؤه حمل مَا على البو وَلَو حمله على الرئمان لم يرد شَيْء من هَذَا. وَلَقَد أَجَاد الدماميني فِي الِاعْتِرَاض على ابْن الشجري بقوله: وَلقَائِل أَن يَقُول: لم لَا يجوز أَن يكون الضَّمِير من بِهِ عَائِدًا على مَا لَا على البو وَبِه يتَعَلَّق بتعطي على أَنه مضمن معنى تجود فَلَا يكون مخلى من مفعول مَعَ رفع رئمان. انْتهى. وَيكون نصب رئمان على أحد ثَلَاثَة أوجه غير مَا ذكره. قَالَ أَبُو عَليّ بعد ذَاك. وَأما نصب رئمان فعلى ثَلَاث جِهَات: أَحدهَا: على معنى أم كَيفَ ينفع مَا تعطيه من رئمان فَحذف الْحَرْف وأوصل الْفِعْل. ثَانِيهَا: أَن يكون من بَاب صنع الله ووعد الله كَأَنَّهُ لما قيل تُعْطِي الْعلُوق دلّ على ترأم لِأَن إعطاءها رئمان فنصبه على هَذَا الْحَد لما دلّ عَلَيْهِ تُعْطِي. ثَالِثهَا: أَن ينْتَصب على الْحَال مثل جَاءَ ركضاً على قِيَاس إجَازَة أبي الْعَبَّاس فِي هَذَا الْبَاب وَيجْعَل تُعْطِي بِمَنْزِلَة تعطف كَأَنَّهُ قيل: أم كَيفَ ينفع مَا تعطف بِهِ الْعلُوق رئماناً أَي: كَيفَ ينفع تعطفها رائمة مَعَ منعهَا لَبنهَا. فَهَذِهِ ثَلَاثَة أجوبة فِي النصب. انْتهى.

وَأَشَارَ فِي الْوَجْه الثَّالِث إِلَى أَن مَا مَصْدَرِيَّة وَعَلِيهِ يكون ضمير بِهِ عَائِدًا إِلَى البو الْمَفْهُوم من وَقد اعْترض الدماميني على مُسْتَند ابْن الشجري فِي إِنْكَار الرّفْع بِأَنَّهُ قد يلْتَزم وَلَا مَحْذُور فِيهِ لأنّ الْفِعْل الْمُتَعَدِّي قد يكون الْغَرَض من ذكره إثْبَاته لفَاعِله أَو نَفْيه عَنهُ فَقَط فينزّل منزلَة اللَّام وَلَا يقدّر لَهُ مفعول تَقول: فلَان يُعْطي أَي: يفعل الْإِعْطَاء فَلَا تذكر للْفِعْل مَفْعُولا وَلَا تقدّره) لأنّ ذَلِك يخلّ بالغرض. وَاعْتِبَار هَذَا الْمَعْنى فِي الْبَيْت مُمكن. وَاعْترض عَلَيْهِ ابْن الْحَنْبَلِيّ بأنّ اعْتِبَار هَذَا الْمَعْنى مُمكن فِي نَفسه وأمّا فِي الْبَيْت فَلَا لِأَنَّهُ مخلٌّ بالغرض إِذْ الْغَرَض إِثْبَات عطيّة لَهَا لَا وصفهَا بالإعطاء فَقَط. على أنّا نقُول: المتعدّي وَإِن نزّل منزلَة اللَّازِم لَا يتَحَقَّق مضمونه إلاّ بمفعول فِي نفس الْأَمر فَإِذا لم يكن لَهَا عطيّة إلاّ الرئمان وَقد صَار معطًى بِهِ لإبداله من مَا أَو ضميرها لم يتَحَقَّق الْإِعْطَاء فضلا عَن أَن ينزّل فعله منزلَة اللَّازِم. إلاّ أَن يُقَال: هُوَ مُمكن إِذا فرض مفعول تُعْطِي اللَّبن لتحقّق سَبَب إعطائها إيّاه. وَإِن لم تعْتَبر هِيَ ذَلِك السَّبَب حَتَّى ضنّت بِهِ كمن توفّرت لَدَيْهِ دواعي الْكَرم فَلم يلْتَفت إِلَيْهَا وَبَقِي على بخله. فَلَمَّا ضنّت بِهِ ظهر أنّ عطيّتها لم تكن فِي الْحَقِيقَة إلاّ الرئمان. انْتهى. وَقد منع هُوَ الإخلاء الْمَذْكُور بِتَقْدِير مفعول لتعطي وَهُوَ رئمان آخر. وَالتَّقْدِير: أم كَيفَ ينفع بوٌّ تُعْطِي الْعلُوق بِسَبَبِهِ الرئمان رئمانه. وَلَا يخفى أنّ هَذَا تكلّف. وَدَعوى تضمين تُعْطِي بتجود كَمَا صنع ابْن جني صَحِيح الْمحمل وَقَول ابْن الشجري: وَهُوَ بدل الاشتمال وَيحْتَاج إِلَى تَقْدِير ضمير. أَقُول: إِذا جرّ على الْبَدَلِيَّة من الْهَاء يكون أَيْضا مُحْتَاجا إِلَى الضَّمِير.

وَقَول الدماميني: لَا يتعيّن بدل الاشتمال بل هُوَ بدل كلّ فَلَا يحْتَاج إِلَى ضمير لَا يصحّ لأنّ مَا عِنْد ابْن الشجري عبارَة عَن البو وَإِنَّمَا يَصح على جعل مَا وَاقعَة على الرئمان. وَوجه كَون الْجَرّ أقرب إِلَى الصَّوَاب عَن ابْن الشجري: أَنه يصير مَعْمُولا لتعطي بالبدلية وَقيل: لكَونه غير مُحْتَاج إِلَى الضَّمِير الرابط. وَفِيه أَنه لَا بدّ مِنْهُ كَمَا ذكرنَا فَلَا يصحّ هَذَا التَّوْجِيه. وأفنون: شَاعِر جاهلي يرْوى بِضَم الْهمزَة وَفتحهَا وَسُكُون الْفَاء ونونين. قَالَ أَبُو عَمْرو الشَّيْبَانِيّ: أفنون: لقب لَهُ لقَوْله من قِطْعَة: الْبَسِيط (منّيتنا الودّ يَا مضنون مضنونا ... أيّامنا إنّ للشّبّان أفنونا) واسْمه كَمَا قَالَ أَبُو عَمْرو فِي أشعار تغلب وَابْن الْأَنْبَارِي فِي شرح المفضليات وَابْن قُتَيْبَة فِي كتاب الشُّعَرَاء: صريم بن معشر بن ذهل بن تيم بن مَالك بن حبيب بن عَمْرو بن غنم بن تغلب وَقَالُوا: كَانَ من خَبره أَنه لَقِي كَاهِنًا فَسَأَلَهُ عَن مَوته فَقَالَ: تَمُوت بمَكَان يُقَال لَهُ: إلاه بِكَسْر الْهمزَة. فَمَكثَ مَا شَاءَ الله ثمَّ سَار إِلَى الشَّام فِي تِجَارَة ثمَّ رَجَعَ فِي ركب من بني تغلب فضلّوا) الطَّرِيق فَلَقوا إنْسَانا فاستخبروه فنعت لَهُم فَقَالَ فِي نَعته: إِذا رَأَيْتُمْ إلاهة حيّ لكم الطَّرِيق وإلاهة: قارة بالسّماوة فَلَمَّا أتوها نزل أَصْحَابه وَقَالُوا لَهُ: انْزِلْ. فَقَالَ أفنون: وَالله لَا أنزل فَجعلت نَاقَته

ترتعي عرفجاً فلدغتها أَفْعَى فِي مشفرها فاحتكّت بساقه والحيّة مُتَعَلقَة بمشفرها فلدغته فِي سَاقه فَقَالَ لأخ مَعَه: احْفِرْ لي قبراً فإنّي ميّت ثمَّ رفع صَوته بِأَبْيَات مِنْهَا: الطَّوِيل (لعمرك مَا يدْرِي امْرُؤ كَيفَ يتّقي ... إِذا هُوَ لم يَجْعَل لَهُ الله واقيا) (كفى حزنا أَن يرحل الحيّ غدْوَة ... وَأصْبح فِي أَعلَى الإلهة ثاويا) وَأنْشد بعده: الرمل (لَو بِغَيْر المَاء حلقي شرقٌ ... كنت كالغصّان بِالْمَاءِ اعتصاري) على أنّ الْجُمْلَة الاسمية وَهِي: حلقي شَرق بِغَيْر المَاء وَاقعَة مَوضِع الْجُمْلَة الفعلية وَهِي شَرق حلقي لِأَن لَو مُخْتَصَّة بِالْفِعْلِ. - وَقد تقدم الْكَلَام عَلَيْهِ مفصلا فِي الشَّاهِد التَّاسِع وَالْخمسين بعد الستمائة. وَأنْشد بعده الطَّوِيل (سواءٌ عَلَيْك الْيَوْم أنصاعت النّوى ... بخرقاء أم أنحى لَك السّيف ذابح)

على أنّ الْفِعْل بعد همزَة التَّسْوِيَة وأم يستهجن أَن لَا يكون مَاضِيا كَمَا فِي الْبَيْت. وَمن المستهجن وُقُوع الْجُمْلَة الاسمية كَقَوْل الشَّاعِر. وَقد أنْشدهُ الْفراء عِنْد تَفْسِير قَوْله تَعَالَى: سواءٌ عَلَيْكُم أدعوتموهم أم أَنْتُم صامتون. الطَّوِيل (سواءٌ إِذا مَا أصلح الله أَمرهم ... علينا أدثرٌ مَالهم أم أصارم) وَالْبَيْت من قصيدة لذِي الرمّة مطْلعهَا: (أَمن دمنةٍ جرّت بهَا ذيلها الصّبا ... لصيداء مهلا مَاء عَيْنَيْك سافح ) قَالَ شَارِح ديوانه يُرِيد: أماء عَيْنَيْك سافح أَي: سَائل من أجل دمنة لصيداء. ثمَّ قَالَ: مهلا أَي: لَا تبك. وذيل الرّيح: أواخرها. إِلَى أَن قَالَ:) (أصيداء هَل قيظ الرّمادة راجعٌ ... لياليه أَو أيّامهنّ الصّوالح) يَقُول: هَل ذَاك القيظ الَّذِي قظناه بالرّمادة رَاجع لِأَنَّهُ رأى فِيهِ مَا يسرّه. وَقَوله: عدا النأي أَي: صرف وُجُوهنَا عَن صيداء. وَمِنْه: عداني عَنهُ كَذَا وَكَذَا أَي: صرفني. ثمَّ قَالَ: وقربها لدينا رابح أَي: ذُو ربح وَلَكِن لَا إِلَى ذَلِك سَبِيل. (سواءٌ عَلَيْك الْيَوْم أنصاعت النّوى ... بصيداء أم أنحى لَك السّيف ذابح)

قَالَ شَارِحه: أنصاعت النّوى أَي: انشقت وَذَهَبت بهَا النّيّة إِلَى مَكَان بعيد أم أنحى لَك السَّيْف ذابح يُرِيد: أم قصد لَك بِالسَّيْفِ ذابح. فَهُوَ سَوَاء عَلَيْك. انْتهى. وَعَلَيْك: مُتَعَلق بِسَوَاء. وَفِي الصِّحَاح: وانصاع أَي: انْفَتَلَ رَاجعا ومرّ مسرعاً. وَقَوله: أنصاعت بِفَتْح الْهمزَة وَهِي همزَة الِاسْتِفْهَام وَأَصله أانصاعت فحذفت الثَّانِيَة لكَونهَا همزَة وصل. والنّوى والنّيّة: الْوَجْه الَّذِي ينويه الْمُسَافِر من قرب أَو بعد. وَهِي مُؤَنّثَة لَا غير. وَقَوله: بصيداء مُتَعَلق بانصاعت. وصيداء: اسْم امْرَأَة شبّب بهَا ذُو الرمة فِي هَذِه القصيدة وصرّح باسمها فِي عدَّة أَبْيَات. وَكَذَا رَأَيْته فِي نسختين من ديوانه. وَذكرهَا الصَّاغَانِي فِي الْعباب وَأورد الْبَيْت. وَقد وَقع فِي نسخ الشَّرْح: بخرقاء بدلهَا. وخرقاء: لقب ميّة الَّتِي غَالب شعره فِيهَا. وَكَأن الشَّارِح نَقله من كتاب الشّعْر لأبي عَليّ فَإِنَّهُ أنْشدهُ فِيهِ كَمَا هُنَا. وترجمة ذِي الرمة تقدّمت فِي الشَّاهِد الثَّامِن من أول الْكتاب.

(الشاهد الثامن بعد التسعمائة)

وَأنْشد بعده (الشَّاهِد الثَّامِن بعد التسْعمائَة) وَهُوَ من شَوَاهِد س: الْخَفِيف (مَا أُبَالِي أنبّ بالحزن تيسٌ ... أم لحاني بِظهْر غيبٍ لئيم) لما تقدّم قبله. وأنشده فِي بَاب أَو على أَن أم فِي الْبَيْت وَاقعَة فِي موقعها وَلَا يجوز أَو. وَقَالَ: وَتقول: أتضرب زيدا أَو تَشْتُم عمرا إِذا أردْت: هَل يكون شَيْء من هَذِه الْأَفْعَال. وَإِن شِئْت قلت: أتضرب عمرا أم تَشْتُم زيدا على معنى أيّهما. قَالَ حسان: مَا أُبَالِي أنبّ بالحزن تيسٌ الْبَيْت كَأَنَّهُ قَالَ: أَي الْفِعْلَيْنِ كَانَ. انْتهى. قَالَ الأعلم: الشَّاهِد فِي دُخُول أم عديلةً للألف. وَلَا يجوز أَن تدخل أَو هُنَا لِأَن قَوْله: مَا أُبَالِي وَالْمعْنَى: قد اسْتَوَى عِنْدِي نبيب التّيس بالحزن ونيل اللَّئِيم من عرضي بِظهْر الْغَيْب. ونبيب التيس: صَوته عِنْد هياجه. والحزن: مَا غلظ من الأَرْض. وخصّه لِأَن الْجبَال أخصب للمعز من السّهول. انْتهى. وَالْبَيْت من قصيدة لحسان بن ثَابت الصَّحَابِيّ قَالَهَا فِي غَزْوَة أحد. قَالَ السُّهيْلي فِي الرَّوْض الْأنف: وَهَذِه القصيدة من أَجود شعره وَقَالَهَا حسان لَيْلًا ونادى قومه: أَنا أَبُو الحسام أَنا أَبُو الْوَلِيد وهما كنيتان لَهُ ثمّ أَمرهم أَن يرووها

عَنهُ قبل النَّهَار مَخَافَة أَن يعوقه عائق. فَخر فِيهَا على ابْن الزّبعرى بمقامات لَهُ عِنْد مُلُوك الشَّام من أَبنَاء جَفْنَة افتكّ فِيهَا عناةً من قومه وَذكر مقَام خَاله عِنْد النّعمان الغسّانيّ من آل جَفْنَة وَذكر فِيهَا حماة اللّواء من بني عبد الدَّار وأنّهم صرّعوا حوله حَتَّى أَخَذته امْرَأَة مِنْهُم وَهِي عمْرَة بنت عَلْقَمَة فَلذَلِك قَالَ: (لم تطق حمله الْعَوَاتِق مِنْهُم ... إنّما يحمل اللّواء النّجوم) انْتهى. - وَهَذَا أول القصيدة: (منع النّوم بالعشاء الهموم ... وخيالٌ إِذا تغور النّجوم) (من حبيبٍ أصَاب قَلْبك مِنْهُ ... سقمٌ فَهُوَ داخلٌ مَكْتُوم)) (همّها الْعطر والفراش ويعلو ... هَا لجينٌ ولؤلؤٌ منظوم) (لَو يدبّ الدّبيب من ولد الذّ ... رّ عَلَيْهَا لأندبتها الكلوم) (لم تفقها شمس النّهار بشيءٍ ... غير أنّ الشّباب لَيْسَ يَدُوم) (إنّ خَالِي خطيب جابية الجو ... لَان عِنْد النّعمان حِين يقوم) (وَأبي فِي سميجة الْقَائِل الْفَا ... صل يَوْم التفّت عَلَيْهِ الْخُصُوم) (وَأَنا الصّقر عِنْد بَاب ابْن سلمى ... يَوْم نعْمَان فِي الكبول مُقيم) (وأبيٌّ ووافدٌ أطلقا لي ... ثمّ رحنا وقفلهم محطوم

) (وسطت نسبتي الذّوائب مِنْهُم ... كلّ دارٍ فِيهَا أبٌ لي عَظِيم) (ربّ حلمٍ أضاعه عدم الما ... ل وجهلٍ غطى عَلَيْهِ النّعيم) (مَا أُبَالِي أنبّ بالحزن تيسٌ ... أم لحاني بظهرٍ غيبٍ لئيم) (تِلْكَ أفعالنا وَفعل الزّبعرى ... خاملٌ فِي صديقه مَذْمُوم) قَالَ جَامع ديوانه مُحَمَّد بن حبيب بِرِوَايَة السكرِي عَنهُ: الجولان بِالْجِيم: من عمل دمشق على طَرِيق مصر. وسميجة بِضَم السِّين وَفتح الْمِيم وَالْجِيم: بِئْر بِالْمَدِينَةِ كَانَت لِلْأَوْسِ والخزرج تحاكمت عِنْدهَا ونعمان هَذَا الَّذِي ذكره نعْمَان بن مَالك كَانَ حَبسه النُّعْمَان بن الْمُنْذر فوفد فِيهِ وَفِي غَيره حسان فأطلقوا لَهُ. وأبيٌّ: هُوَ ابْن كَعْب من بني النجّار: ووَافد: هُوَ ابْن عَمْرو بن الإطنابة من بني الْخَزْرَج. وَقَوله: وجهلٍ غطى عَلَيْهِ النّعيم غطى يُغطي غطياً. وَمِنْه يُقَال: غطى اللَّيْل إِذا ستر كلّ شَيْء فَهُوَ غاطٍ. والزّبعرى: هُوَ السّهمي. وَكَانَ ابْن الزّبعرى يهاجي حسان. انْتهى. قَالَ السّهيلي: غطى بتَخْفِيف أنْشدهُ يُونُس بن حبيب وَمَعْنَاهُ: علا وارتفع. - وَكَذَا أنْشد هَذِه القصيدة عبد الْملك بن هِشَام فِي غَزْوَة أحد من سيرته وَزَاد بَيْتا بَين قَوْله: رب حلم ... الْبَيْت وَبَين قَوْله: مَا أُبَالِي أنب ... الْبَيْت وَهُوَ:

الْخَفِيف (لَا تسبني فلست بسبي ... إِن سبي من الرِّجَال الْكَرِيم) والسب بِالْكَسْرِ: الَّذِي يسابك وَهُوَ نظيرك فِي الْمنزلَة. وَزعم الْأسود أَبُو مُحَمَّد الْأَعرَابِي أَن هَذَا الْبَيْت مَعَ مَا بعده ليسَا من شعره وَإِنَّمَا هما لِابْنِهِ) عبد الرَّحْمَن بن حسان وَقَالَ: هجا عبد الرَّحْمَن بن حسان مِسْكين بن عَامر الدَّارمِيّ بِثَلَاثَة أَبْيَات وَهِي: الْخَفِيف (أَيهَا الشاتمي ليحسب مثلي ... إِنَّمَا أَنْت فِي الضلال تهيم) مَا أُبَالِي أنب بالحزن تيسٌ ... ... ... ... ... . الْبَيْت وَأورد ابْن الْحَاجِب فِي أَمَالِيهِ على أَبْيَات الْمفصل هَذِه الأبيات الثَّلَاثَة كَذَا ابْن الْأَعرَابِي غير معزوة إِلَى أحد وَقَالَ: هجا الشَّاعِر بِهَذَا الشّعْر مِسْكين بن عَامر الدَّارمِيّ. وَمَعْنَاهُ: إِنَّك عَالم بِأَن قدرك دون قدري وَأَنَّك لست مِمَّن يسابني وَإِنَّمَا تفعل ذَلِك لتظهر بالمشاتمة أَن هُنَاكَ مماثلة مَعَ علملك بِخِلَافِهِ. ثمَّ رد فِي عجز الْبَيْت هَذَا الْغَرَض الَّذِي قَصده فَقَالَ: إِنَّمَا أَنْت فِي الضلال تهيم. يَعْنِي: أَن المشاتمة إِنَّمَا يسْتَدلّ بهَا على الْمُمَاثلَة عِنْد تقَارب الشخصين فَأَما عِنْد التباعد فَلَا. فَجعله فِي فعله الَّذِي لَا يتم بِهِ الْغَرَض القصود عِنْد الْعُقَلَاء كركوبه التعاسيف الَّتِي تضر وَلَا تنفهع وَلذَلِك قَالَ: تهيم يُقَال: هام على وَجهه إِذا سلك غير الطَّرِيق. - وَمَوْضِع استشهاد الزَّمَخْشَرِيّ فِي قَوْله: الشاتمي فِي صِحَة إِضَافَة مَا فِيهِ الْألف وَاللَّام إِلَى الْمُضمر الْمُتَّصِل. ومفعول مَا لم يسم فَاعله مُضْمر مستتر يعة د على الشاتمي لِأَنَّهُ بِمَعْنى الَّذِي يَشْتمنِي. وَهُوَ وَإِن كَانَ مُخَاطبا إِلَّا أَنه لما وَصفه

بالموصول أجْرى الضَّمِير على لفظ الْغَيْبَة كَقَوْلِك: أَنْت الَّذِي ضرب. وَهُوَ أحسن من: أَنْت الَّذِي ضربت. انْتهى. وَتَقَدَّمت تَرْجَمَة حسان فِي الشَّاهِد الْحَادِي وَالثَّلَاثِينَ من أَوَائِل الْكتاب. فِي قَوْلهم: لَا أُبَالِي قَالَ صَاحب الْمُجْمل: اشْتبهَ عَليّ اشتقاق أُبَالِي حَتَّى قَرَأت فِي سعر ليلى الأخيلية: الطَّوِيل (تبالي رواياهم هبالة بَعْدَمَا ... وردن وجول المَاء بالجم يرتمي) فسروا التبالي بالتبادر إِلَى الاستقاء من قلَّة المَاء. فَلَعَلَّهُ مِنْهُ أَي: لَا أبادر إِلَى اقتنائه وَلَا أَعْتَد بِهِ. - وَقَالَ المرزوقي: هُوَ مفاعلة من الْبلَاء أَي: لَا أحتفل بِهِ حَتَّى أَعَادَهُ بلائي وبلاءه وأفخره. وَحكى سِيبَوَيْهٍ: مَا أباليه بالةً كحالة وَأَصله بالية فذفت ياؤه وَذهب غَيره إِلَى أَنه مقلوب وألفه منقلبة عَن وَاو وَأَصله أباول أَي: أكاثر من قَوْلهم: فلَان كثير الْبَوْل أَي: الْوَلَد.) وَفِي النِّهَايَة لِابْنِ الْأَثِير: وَيُقَال: مَا باليته وَمَا باليت بِهِ أَي: لم أكترث بِهِ. وَمِنْه الحَدِيث: هَؤُلَاءِ فِي الْجنَّة وَلَا أُبَالِي.

حكى الْأَزْهَرِي عَن جمَاعَة من الْعلمَاء أَن مَعْنَاهُ لَا أكره. وَمِنْه حَدِيث ابْن عَبَّاس: مَا أباليه بالة وَأَصله بالية مثل عافاه الله عَافِيَة فحذفوا الْيَاء مِنْهَا تَخْفِيفًا كَمَا حذفوا من لم أبل انْتهى. فجملة أنب يالحزن تَيْس مُعَلّق عَنْهَا الْعَامِل بالاستفهام. وَهِي إِمَّا فِي مَوضِع الْمَفْعُول المسرح أَو وأنشده بعده: الوافر (فَإنَّك لَا تبالي بعد حولٍ ... أظبيٌ كَانَ أمك أم حمَار) وَتقدم شَرحه فِي الشَّاهِد الرَّابِع وَالْعِشْرين بعد الْخَمْسمِائَةِ وَفِي الشَّاهِد الثَّانِي وَالْأَرْبَعِينَ بعد السبعمائة. - وَأنْشد بعده قَول ابْن سيناء وَهُوَ الشهد التَّاسِع بعد التسْعمائَة: الْبَسِيط (سيان عِنْدِي إِن يرَوا وَإِن فجروا ... فَلَيْسَ يجْرِي على أمثالهم قلم) على أَن قَوْله: سيان عِنْدِي دَلِيل جَوَاب الشَّرْط الَّذِي بعده أَي: إِن بروا وَإِن فجروا فهما سيان. وَفِي هَذَا التَّرْكِيب تَقْوِيَة لقَولهم: سَوَاء أَقمت أم قعدت وَقَوْلهمْ: لَا أُبَالِي أَقمت أم قعدت فِي تَقْدِير الشَّرْط وَدَلِيل الْجَواب. وَالْمعْنَى: إِن قُمْت أَو قعدت فالأمران سَوَاء وَإِن قُمْت أَو قعدت فَلَا أُبَالِي بهما.

وَلَا يخفي أنم كَلَام ابْن سيناء كَمَا لَا يَصح الاستشهاد بِهِ لَا يَصح التقوية بِهِ. على أَنه لَا يلْزم من كَون شييئن متفقين معنى اتِّفَاقهمَا إعراباً. وَكَأن الشَّارِح الْمُحَقق لم يستحضر قَول الفرزدق: الْبَسِيط وَلَو استحضره مَا عدل عَنهُ. وَهُوَ بَيت من قصيدة مَشْهُورَة مدح بهَا الإِمَام زين العابدين ابْن الإِمَام الْحُسَيْن بن عَليّ بن أبي طَالب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم. روى السَّيِّد الْأَجَل علم الْهدى المرتضى فِي أَمَالِيهِ: أَن هِشَام بن عبد الْملك حج فِي خلَافَة عبد الْملك أَو الْوَلِيد فَطَافَ بِالْبَيْتِ وَأَرَادَ أَن يسْتَلم الْحجر فَلم يقدر عَلَيْهِ من الزحام فنصب لَهُ) مِنْبَر فَجَلَسَ عَلَيْهِ وأطاف بِهِ أهل الشَّام. فَبينا كَذَلِك إِذا أقبل زين العابدين عَليّ بن الْحُسَيْن وَعَلِيهِ إِزَار ورداء أحسن النَّاس وَجها وأطيبهم رَائِحَة فَجعل يطوف بِالْبَيْتِ وَلما بلغ إِلَى مَوضِع الْحجر الْأسود تنحى النَّاس عَنهُ حَتَّى يستلمه هَيْبَة مِنْهُ وإجلالاً لَهُ فغاظ ذَلِك هشاماً فَقَالَ رجل من أهل الشَّام: من هَذَا الَّذِي هابه النَّاس فَقَالَ هِشَام: لَا أعرفهُ لِئَلَّا يرغب فِيهِ أهل الشَّام. فَقَالَ الفرزدق وَكَانَ حَاضرا: أَنا أعرفهُ. قَالَ الشَّامي: من هُوَ يَا أَبَا فراس فَقَالَ مرتجلاً: الْبَسِيط. (هَذَا ابْن خير عباد الله كلهم ... هَذَا التقى النقي الطَّاهِر الْعلم) (هَذَا الَّذِي تعرف الْبَطْحَاء وطأته ... وَالْبَيْت يعرفهُ والحل وَالْحرم) ...

(يكَاد يمسِكهُ عرفان رَاحَته ... ركن الْحطيم إِذا مَا جَاءَ يسْتَلم) (يغضي حَيَاء ويغضي من مهابته ... فَمَا يكلم إِلَّا حِين يبتسم) (مشتقةٌ من رَسُول الله نبعته ... طابت عناصره والخيم والشيم) (الله شرفه قدماً وفضله ... جرى بِذَاكَ لَهُ فِي لوحة الْقَلَم) (ينشق ثوب الدجى عَن نور غرته ... كَالشَّمْسِ ينجاب عَن إشارقها القتم) (سهل الخليقة لَا تخشى بوادره ... يزينه اثْنَان: حسن الْخلق وَالْكَرم ) (مَا قَالَ لَا قطّ إِلَّا فِي تشهده ... لَوْلَا التَّشَهُّد لم ينْطق بِذَاكَ فَم) (من معشرٍ حبهم دينٌ ويغضهم ... كفرٌ وقربهم منجى ومعتصم) (مقدمٌ بعد ذكر الله ذكرهم ... فِي كل بَدْء ومختومٍ بِهِ الْكَلم) (إِن عد أهل التقى كَانُوا أئمتهم ... أَو قيل خير من أهل الأَرْض قيل هم) (لَا يَسْتَطِيع جدوادٌ بعد غايتهم ... وَلَا يدانيهم قومٌ وَإِن كرموا) (لَا ينقص الْعسر بسطاً من أكفهم ... سيان ذَلِك إِن اثروا وَإِن عدموا) (هَذَا ابْن فاطمةٍ إِن كنت جاهله ... بجده أَنْبيَاء الله قد ختموا) (فَلَيْسَ قَوْلك من الله بضائره ... الْعَرَب تعرف من أنْكرت والعجم) وَهِي أَكثر مِمَّا كتبته. قَالَ: فَغَضب هِشَام وَأمر بِحَبْس الفرزدق بعسفان

بَين مَكَّة وَالْمَدينَة بلغ ذَلِك زين العابدين فَبعث إِلَيْهِ بِاثْنَيْ عشر ألف دِرْهَم وَقَالَ: أعذر يَا أَبَا فراس لَو كَانَ عندنَا) هُنَا أَكثر مِنْهَا لوصلناك بهَا. فَردهَا القرزدق وَقَالَ: يَا ابْن رَسُول اله كَمَا قلت الَّذِي قلته إِلَّا محبَّة فِي الله وَرَسُوله لَا طَمَعا فِي شَيْء. فَردهَا إِلَيْهِ زين العابدين وَأقسم عَلَيْهِ بقبولها وَقَالَ لَهُ: قد رأى الله مَكَانك وَعلم نيتك وشكر لَك وَنحن أهل بيتٍ إِذا أنفذنا شَيْئا لم نرْجِع فِيهِ فقبلها وهجا هشاماً وَهُوَ فِي الْحَبْس فمما هجاه بِهِ قَوْله: الطَّوِيل ( ويحسبني بَين الْمَدِينَة وَالَّتِي ... إِلَيْهَا رِقَاب الْقَوْم يهوي منيبها) (يقلب رَأْسا لم يكن رَأس سيدٍ ... وعيناً لَهُ حولاء بادٍ عيوبها) وكتبت هَذِه الأبيات رَغْبَة فِي الثَّوَاب وَإِنَّمَا الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ. وَأما بَيت ابْن سيناء فَهُوَ من قصيدة طَوِيلَة مطْلعهَا: (يَا ربع نكرك الْأَحْدَاث والقدم ... فَصَارَ عَيْنك كالآثار تتهم) (كَأَنَّمَا رسمك السِّرّ الَّذِي لَهُم ... عِنْدِي ونؤيك صبري الدارس الْهَرم) (أَلا بكاه سحابٌ دمعه همعٌ ... بالرعد مزدفر بالبرق مبتسم) ...

(لم لَا يجود سحابٌ جوده ديمٌ ... من الدُّمُوع والهوامي كُلهنَّ دم) (لَيْت الطول أجابت من بِهِ أبدا ... فِي حبهم صحةٌ فِي حبهم سقم) (أَو علها بِلِسَان الْحَال ناطقةٌ ... قد يفهم الْحَال مَا لَا يفهم الْكَلم) (مَالِي أرى حكم الْأَفْعَال سَاقِطَة ... وأسمع الدَّهْر قولا كُله حكم) (مَالِي أرى فضلا يستهان بِهِ ... قد أكْرم النَّقْص لما استنقص الْكَرم) (جولت فِي هَذِه الدُّنْيَا وزخرفها ... عَيْني فَمَا لقِيت دَارا بهَا أرم ) (الواجدون غنى العادمون نهى ... لَيْسَ الَّذِي وجدوا مثل الَّذِي عدموا) (لَيْسُوا وَإِن نعموا عَيْشًا سوى نعمٍ ... وَرُبمَا نعمت فِي عيشها النعم) (كجيفةٍ دودت فالدود منشؤه ... فِيهَا وَمِنْهَا لَهُ الأذراء والطعم) (سيان عِنْدِي إِن بروا وَإِن فجروا ... فَلَيْسَ يجْرِي على أمثالهم قلم) (لَا تحسدنهم إِن جد جدهم ... فالجد يجدي وَلَكِن مَا لَهُ عصم) (أسكنت بَينهم كالليث فِي أجمٍ ... رَأَيْت ليثاً لَهُ من جنسه أجم)) (بِأَيّ مأثرةٍ ينقاس بِي أحدٌ ... بِأَيّ مكرمةٍ تحكيني الْأُمَم) (قد أشهد الروع مرتاعاً فأكشفه ... إِذا تناكر تياره البهم) (الضَّرْب متحتدمٌ والطعن منتظمٌ ... وَالدَّم مرتكمٌ والبأس مغتلم) ...

(والجو يافوخة من نقعه قترٌ ... والأفق فسطاطة من سفكهم قتم) (وَالْبيض والسمر حمرٌ تخت عثيره ... وَالْمَوْت يحكم والأبطال تختصم) (وَأَعْدل الْقسم فِي حَرْبِيّ وحربهم ... مِنْهُم لنا غنمٌ منا لَهُم غرم) (أما البلاغة فاسألني الْخَبِير بهَا ... أَنا اللِّسَان قويماً وَالزَّمَان فَم) (لَا يعلم الْعلم غَيْرِي معلما علما ... لأَهله أَنا ذَاك الْعَالم الْعلم) (كَانَت فتاة عُلُوم الْحق عاطلةً ... حَتَّى جلاها بشرحي الْفَهم والقلم) وَهِي طَوِيلَة وَلَكِن يَكْفِي من القلادة مَا أحَاط بالعنق. وَابْن سينا هُوَ الرئيس أَبُو عَليّ واسْمه الْحُسَيْن بن عبد الله بن سينا الْحَكِيم الْمَشْهُور. وَكَانَ أَبوهُ من أهل بَلخ وانتقل مِنْهَا إِلَى بُخَارى وَكَانَ من الْعمَّال والكفاءة وَتَوَلَّى الْعَمَل بقريةٍ من ضيَاع بُخَارى يُقَال لَهَا: خرميثن من أُمَّهَات قراها وَبهَا ولد الرئيس فِي سنة سبعين وثلثمائة فِي شهر صفر. وَتُوفِّي بهمذان فِي يَوْم الْجُمُعَة من شهر رَمَضَان وَمن سنة ثَمَان وَعشْرين وَأَرْبَعمِائَة وَدفن بهَا. وَقَالَ ابْن الْأَثِير فِي تَارِيخه الْكَبِير: بأصبهان وَالْأول أشهر. ثمَّ انْتقل أَبوهُ إِلَى بُخَارى. وانتقل الرئيس فِي الْبِلَاد. واشتغل بالعلوم وَحصل الْفُنُون. وَلما بلغ عشر سِنِين كَانَ قد أتقن علم الْقُرْآن الْعَزِيز وَالْأَدب وَحفظ أَشْيَاء من أصُول الدَّين وحساب الهندسة والجبر والمقابلة. ثمَّ توجه الْحَكِيم أَبُو عبد اله الناتلي فأنزله أَبُو الرئيس عِنْده فَقَرَأَ عَلَيْهِ الرئيس إيساغوجي وَأحكم عَلَيْهِ علم

علم الْمنطق وأقليدس والمجسطي وفاقه حَتَّى أوضح لَهُ رموزاً وفهمه إشكالات لم يكن الناتلي يدريها وَكَانَ مَعَ ذَلِك يخْتَلف فِي الْفِقْه إِلَى إِسْمَاعِيل الزَّاهِد ويبحث ويناظر. وَلما توجه الناتلي نَحْو خوارزمشاه اشْتغل أبوعلي بتحصيل الْعُلُوم الطبيعي والإلهي وَغير ذَلِك وَفتح الله عَلَيْهِ أَبْوَاب الْعُلُوم ثمَّ رغب بعد ذَلِك فِي علم الطِّبّ وعالج تأدباً لَا تكسباً حَتَّى) فاق الْأَوَائِل والأواخر فِي أقل مُدَّة. وَاخْتلف إِلَيْهِ فضلاء هَذَا الْفَنّ يقرؤون عَلَيْهِ أَنْوَاعه وسنه إِذْ ذَاك سِتّ عشرَة سنة وَفِي مُدَّة اشْتِغَاله لم ينم ليلةٌ وَاحِدَة بكمالها وَلَا اشْتغل فِي النَّهَار بسوى المطالعة وَكَانَ إِذا أشكلت عَلَيْهِ مَسْأَلَة توضا وَقصد الْمَسْجِد الْجَامِع وَصلى ودعا الله أَن يسهلها وَيفتح لَهُ مغلقها. وَذكر عِنْد الْأَمِير نوح بن نصر الساماني فِي مرض مَرضه فَأحْضرهُ وعالجه حَتَّى برأَ واتصل بِهِ وَقرب مِنْهُ وَدخل إِلَى دَار كتبه وَكَانَ فِيهَا من كل فن مِمَّا لَا يُوجد فِي سواهَا وَلَا سمع باسمه فظفر أَبُو عَليّ بعلوم الْأَوَائِل. وَاتفقَ

بعد ذَلِك احتراق تِلْكَ الخزانة فتفرد أَبُو عَليّ بِمَا حصله. وَلم يستكمل ثَمَانِي عشرَة سنة من عمره إِلَّا وَقد فرغ من تَحْصِيل الْعُلُوم بأسرها الَّتِي عاناها. وَتُوفِّي أَبوهُ وَسن أبي عَليّ اثْنَتَانِ وَعِشْرُونَ سنة وَكَانَ هُوَ وَأَبوهُ فِي الْأَعْمَال السُّلْطَانِيَّة. وَلما اضْطَرَبَتْ أَحْوَال السامانية خرج أَبُو عَليّ إِلَى كركانج وَهِي قَصَبَة خوارزم وَاخْتلف إِلَى خوارزمشاه وَكَانَ أَبُو عَليّ على زِيّ الْفُقَهَاء ويلبس الطيلسان فقرر لَهُ فِي كل شهر مَا يقوم بِهِ. ثمَّ انْتقل إِلَى نسا وأبيورد وطوس وَغَيرهَا ثمَّ إِلَى قزوين وَتَوَلَّى الوزارة لشمس الدولة. ثمَّ تشوش الْعَسْكَر عَلَيْهِ فَأَغَارُوا على دَاره فنبهوها وقبضوا عَلَيْهِ وسألوا شمس الدولة قَتله فَامْتنعَ ثمَّ أطلق فتوارى. ثمَّ مرض شمس الدولة بالقولنج فَأحْضرهُ لمداواته وَاعْتذر إِلَيْهِ وَأَعَادَهُ وزيراً. ثمَّ مَاتَ شمس الدولة وَتَوَلَّى تَاج الدولة فَلم يستوزره فَتوجه إِلَى أَصْبَهَان وَبهَا عَلَاء الدَّين أَبُو جَعْفَر بن كاكويه وَكَانَ أَبُو عَليّ قوي المزاج وتغلب عَلَيْهِ قُوَّة النِّكَاح حَتَّى أنهكته وَعرض لَهُ قولنج فحقن نَفسه فِي يومٍ وَاحِد ثَمَانِي مَرَّات فقرح بعض أمعائه وَظهر لَهُ سحج. وَاتفقَ سَفَره مَعَ عَلَاء الدولة فَعرض لَهُ الصرع عقيب القولنج فَأمر

بِأخذ دانقين من كرفس فِي جملَة مَا يحقن بِهِ فَجعل الطَّبِيب الَّذِي يعالجه فِيهِ خمس دَرَاهِم فازداد السحج بِهِ من حِدة الكرفس وَطرح بعض غلمانه فِي أدويته شَيْئا كثيرا من الأفيون وَكَانَ سَببه أَن غلمانه خانوه فِي شَيْء من مَاله فخافوا عَاقِبَة أمره عِنْد برئه. وَكَانَ يصلح أسبوعاً ويمرض أسبوعاً وَلَا يحتمي ويجامع حَتَّى قصد عَلَاء الدولة بهمذان) فَلَمَّا وصل إِلَى همذان ضعف جدا وأشرفت قوته على السُّقُوط فأهمل المداوة وَقَالَ: الْمُدبر الَّذِي فِي بدني قد عجز فَلَا تنفعني المعالجة. ثمَّ اغْتسل وَتَابَ وَتصدق بِمَا مَعَه على الْفُقَرَاء ورد الْمَظَالِم على من عرفه وَأعْتق مماليكه وَجعل يخْتم فِي كل ثَلَاثَة أيامٍ ختمةً إِلَى أَن مَاتَ فِي ذَلِك التَّارِيخ. وصنف كتاب الشِّفَاء فِي الْحِكْمَة والنجاة والإشارات والقانون وَغير ذَلِك مَا يُقَارب مائَة مُصَنف فِي فنون شَتَّى. وَله رسائل بديعة وَهُوَ أحد فلاسفة الْإِسْلَام وَله شعر جيد باللسانين وَمِنْه قصيدته فِي النَّفس ومطلعها: الْكَامِل وَلها شُرُوح أحْسنهَا الْحَكِيم أفضل الْحُكَمَاء: دَاوُد الضَّرِير الْأَنْطَاكِي.

(الشاهد العاشر بعد التسعمائة)

وَأنْشد يعده (الشَّاهِد الْعَاشِر بعد التسْعمائَة) وَهُوَ من شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ: الطَّوِيل (وَلست أُبَالِي بعد موت مطرفٍ ... حتوف المنايا أكثرت أَو أقلت) على أَنه يجوز الْإِتْيَان ب أَو مُجَردا عَن الْهمزَة يعد سَوَاء وَلَا أُبَالِي بِتَقْدِير حرف الشَّرْط كَمَا فِي الْبَيْت فَإِن أَو لم تسبق بِهَمْزَة وَالتَّقْدِير: إِن أكثرت أَو أقلت فلست أُبَالِي. وَهَذَا قَول السيرافي قَالَ فِي شرح الْكتاب: وَسَوَاء إِذا أدخلت بعْدهَا ألف اسْتِفْهَام لَزِمت أم بعْدهَا كَقَوْلِك: سَوَاء عَليّ أَقمت أم قعدت وَإِذا كَانَ بعد سَوَاء فعلان بِغَيْر اسْتِفْهَام جَازَ عطف أحدعمل على الآخر بِأَو كَقَوْلِك: سَوَاء عَليّ قُمْت أَو قعدت فَإِن الْكَلَام مَحْمُول على معنى المجازاة. فَإِذا قلت: سَوَاء عَليّ قُمْت أَو قعدت فتقديره: إِن قُمْت أَو قعدت فهما عَليّ سَوَاء. انْتهى. وَفِيه رد على أبي عَليّ فِي مَنعه وعَلى ابْن هِشَام فِي قَوْله فِي الْمُغنِي: إِذا عطفت بعد الْهمزَة بِأَو فَإِن كَانَت همزَة التَّسْوِيَة لم يجز. وَقد أولع الْفُقَهَاء وَغَيرهم بِأَن يَقُولُوا: سَوَاء كَانَ كَذَا أَو كَذَا. وَهُوَ نَظِير قَوْلهم: يجب أقل الْأَمريْنِ من كَذَا أَو كَذَا. وَالصَّوَاب الْعَطف فِي الأول بِأم وَفِي الثَّانِي بِالْوَاو وَفِي الصِّحَاح: سَوَاء عَليّ قُمْت أوقعدت. انْتهى. وَلم يذكر غير ذَلِك. وَهُوَ سَهْو. ) وَفِي كَامِل الْهُذلِيّ أَن ابْن محيص قَرَأَ من طَرِيق الزَّعْفَرَانِي: سواءٌ عَلَيْهِم أنذرتهم أم لم تنذرهم وَهَذَا من الشذوذ بمَكَان. انْتهى كَلَامه.

وَهُوَ فِي هَذَا تَابع لأبي عَليّ. وَكَلَام السيرافي وَالشَّارِح الْمُحَقق صَرِيح فِي جَوَازه وَصِحَّته. قَالَ الدماميني فِي الْحَاشِيَة الْهِنْدِيَّة: ثمَّ الْعجب من إِيرَاد المُصَنّف مَا ذكره فِي الْمَعْطُوف بعد همزَة التَّسْوِيَة وَالْفَرْض أَنه لَا همزَة فِي شَيْء من ذَلِك وَكَأَنَّهُ توهم أَن الْهمزَة لَازِمَة بعد كلمة سَوَاء فِي أول جملتيها فَقدر الْهمزَة إِذْ لم تكن مَذْكُورَة وتوصل بذلك إِلَى تخطئة الْفُقَهَاء وَغَيرهم. وَقِرَاءَة ابْن محيص: أنذرتهم أَو لم تنذرهم بِهَمْزَة وَاحِدَة وبأو كَمَا دلّ عَلَيْهِ مَجْمُوع كَلَامه فِي الْألف المفردة وَهنا. ووجهها صَحِيح كَمَا قَالَ السيرافي. وَلَا يَتَأَتَّى الإستشهاد بقرَاءَته على وَأما تخطئة الْفُقَهَاء فِي الثَّانِي فمبني على أَن الْمُبين هوالأمران جَمِيعًا بل الْمُبين أقلهما والأقل هُوَ أَحدهمَا فَجَاز الْعَطف بِأَو بل تعين وَالْحَالة هَذِه. انْتهى. هَذَا وَقد قَالَ سِيبَوَيْهٍ فِي بَاب أَو فِي غير الِاسْتِفْهَام: وَتقول: لأضربنه ذهب أَو مكث كانه قَالَ: لأضربنه ذَاهِبًا أَو ماكثاً ولأضربنه إِن ذهب أَو مكث. وَقَالَ زِيَادَة بن زيد العذري: الطَّوِيل (إِذا مَا انْتهى علمي تناهيت عِنْده ... أَطَالَ فأملي أَو تناهى فأقصرا) وَقَالَ: الطَّوِيل (فلست أُبَالِي بعد موت مطرفٍ ... حتوف المنايا أكثرت أَو أقلت ) وَزعم الْخَلِيل أَنه يجوز: لأضربنه أذهب أَو مكث. وَقَالَ: الدَّلِيل على ذَلِك أَنَّك تَقول: لأضربنه أَي ذَلِك كَانَ. وَإِنَّمَا فَارق هَذَا سَوَاء وَمَا أُبَالِي لِأَنَّك

إِذا قلت: سَوَاء عَليّ أذهبت أم مكثت فَهَذَا الْكَلَام فِي مَوضِع: سَوَاء عليّ هَذَانِ. وَإِذا قلت: ماأبالي أذهبت أم مكثت فَهُوَ فِي مَوضِع: مَا أُبَالِي وَاحِدًا من هذَيْن. وَأَنت لَا تُرِيدُ أَن تَقول فِي الأول: لَأَضرِبَن هذَيْن وَلَا تُرِيدُ أَن تَقول: تناهيت هذَيْن وَلَكِنَّك إِنَّمَا تُرِيدُ أَن الْأَمر يَقع على إِحْدَى الْحَالَتَيْنِ. وَإِن قلت: لأضربنه أذهب أَو مكث لم يجز لِأَنَّك لَو أردْت معنى أَيهمَا قلت: أم مكث وَلَا يجوز لأضربنه مكث. فَلهَذَا لايجوز لأضربنه أذهب أَو مكث كَمَا يجوز: مَا أَدْرِي أَقَامَ زيد أَو) قعد. أَلا ترى أَنَّك تَقول: مَا أَدْرِي أَقَامَ كَمَا تَقول: أذهب وكما تَقول: أعلم أَقَامَ زيد وَلَا يجوز أَن تَقول: لأَضْرِبهُ أذهب. وكل حق لَهُ سميناه أَو نسمّه كَأَنَّهُ قَالَ: وكل حق لَهُ علمناه أَو جهلناه وَكَذَلِكَ كل حقٍّ هُوَ لَهَا دَاخل فِيهَا أَو خَارج مِنْهَا كَأَنَّهُ قَالَ إِن كَانَ دَاخِلا أَو خَارِجا. وَإِن شَاءَ أَدخل الْوَاو. وَقد تدخل أم فِي: علمناه أم جهلناه كَمَا دخلت فِي: أذهب أم مكث. وتدخله أم عَليّ وَجْهَيْن على أَنه صفة للحقّ وعَلى أَن يكون حَالا كَمَا قَالَ: لأضربنه ذهب أَو مكث أَي: لأضربنه كَائِنا مَا كَانَ. فبعدت أم هَا هُنَا حَيْثُ كَانَ خَبرا يَقع فِي مَوضِع مَا ينْتَصب حَالا وفِي مَوضِع الصّفة. أنْتَهى كَلَام سِيبَوَيْهٍ. وَقَالَ ابْن الْحَاجِب فِي أَمَالِيهِ فِي الْبَيْت الشَّاهِد: لَا يجوز فِيهِ إِلَّا أَو من غير همزَة على مَا قَالَ سِيبَوَيْهٍ لِأَنَّهُ لما أعْطى: أُبَالِي مفعولها وَجب أَن يكون مَا بعْدهَا الْمَذْكُور فِي مَوضِع الْحَال فَيصير الْمَعْنى: مَا أُبَالِي حتوف المنايا مكثرة أَو مقلة. وَهَذَا معنى أَو. وَلَو قلته بِأم لفسد من أَحدهمَا: أَن الْمَعْنى

يكون: مَا أُبَالِي حتوف المنايا كَثْرَة وَقلة. وَذَلِكَ غير مُسْتَقِيم فِي قَصده. - وَالْآخر: أَن يكون: مَا أَبَا لي حتوف المنايا كَثِيرَة وقليلة وَذَلِكَ فَاسد لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى اجْتمعَا الْحَالين وَهُوَ محَال فَوَجَبَ اسْتِعْمَال أَو بِخِلَاف قَوْله: مَا أُبَالِي أنب بالحزن تيسٌ ... ... ... ... ... ... الْبَيْت فَإِن أم فِيهِ وَاجِب مَعَ همزَة الِاسْتِفْهَام قَالَ سِيبَوَيْهٍ: لِأَن الْمَعْنى مَا أُبَالِي بنبيب التيس وجفاء اللَّئِيم. وَهَذَا لَا يَسْتَقِيم إِلَّا بِأم وَلَو كَانَ بِأَو لفسد بِوَجْهَيْنِ لِأَن الْمَعْنى يكون: مَا أُبَالِي نيباً أَو جفَاء. وَلم يقْصد الْمُتَكَلّم إِلَى معنى مبالاة أحد الْأَمريْنِ وَإِنَّمَا أَرَادَ نفي المبالاة عَنْهُمَا جَمِيعًا فَيفْسد لمجيء أَو. وَالْآخر: أَن الْمَعْنى يكون: مَا أُبَالِي ناباً أَو جَافيا وَيكون اسْتِعْمَالا للفظ فِي غير مَوْضُوعه لِأَن المُرَاد هَا هُنَا الحاليّة وَتلك إِنَّمَا تكون بِالْمَصْدَرِ لَا باسم الْفَاعِل. انْتهى. وَقَوله: بعد موت مطرف فِي رِوَايَة سِيبَوَيْهٍ: يَوْم مطرف وَالْمعْنَى وَاحِد. ومطرف بِكَسْر الرَّاء الْمُشَدّدَة. يَقُول: لَا أُبَالِي بعد فَقده كَثْرَة من أفقده أَو قلّته لعظم رزيّته وَصغر كلّ مُصِيبَة عِنْده.) وأضاف الحتوف إِلَى المنايا توكيداً وسوّغ ذَلِك اخْتِلَاف اللَّفْظَيْنِ. قَالَه الأعلم.

(الشاهد لحادي عشر بعد التسعمائة)

وَأنْشد بعده (الشَّاهِد لحادي عشر بعد التسْعمائَة) وَهُوَ من شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ: الطَّوِيل ( إِذا ماانتهى علمي تناهيت بعده ... أَطَالَ فأملي أَو تناهى فأقصرا) على أَنه رُوِيَ ب أَو وب أم. فعلى الأولى قَوْله: أَطَالَ الْهمزَة للصيرورة ومصدره الإطالة. وَلَا يجوز أَن تكون همزَة الِاسْتِفْهَام لقَوْل الشَّارِح الْمُحَقق: وَلَا تَجِيء بِالْهَمْزَةِ قبل أَو. وَهَذِه رِوَايَة سِيبَوَيْهٍ. قَالَ الأعلم: الشَّاهِد دُخُول أَو لأحد الْأَمريْنِ على حد قَوْلك: لأضربنه ذهب أَو مكث أَي: لأضربنه على إِحْدَى الْحَالَتَيْنِ ذَاهِبًا أَو ماكثاً. وَكَذَلِكَ معنى: أَطَالَ فأملى أَو تناهى فأقصرا أَي: انْتهى حَيْثُ انْتهى بِي الْعلم وَلَا أتخطاه مطيلاً كَانَ أَو مقصراً. وَمعنى أَطَالَ: صَار إِلَى طول الْمدَّة. وأقصر: صَار إِلَى قصرهَا وأملى من المليّ وَهُوَ الزَّمن الطَّوِيل. انْتهى. وَقَالَ ابْن الْحَاجِب: أَو هُنَا وَاجِبَة لِأَنَّهُ لَو قَالَ بِأم لفسد على الْوَجْهَيْنِ الْمَذْكُورين فِي قَوْله: انْتهى.

وَكَذَا رَوَاهُ صَاحب الْبَاب وَقَالَ شَارِحه الفالي: قَوْله: إِذا مَا انْتهى علمي ... إِلَخ أَي: إِذا بلغ علمي إِلَى موضعٍ بلغت إِلَيْهِ وَلم أتجاوزه أَي: لَا أَتكَلّم بِمَا لَا أعلمهُ سَوَاء كَانَ علمي مطيلاً أَو متناهياً فَيكون أَطَالَ بِوَزْن أفعل. - وَقيل: الْهمزَة للاستفهام وَالْفِعْل هُوَ طَال وَلَا يُنَافِي الِاسْتِفْهَام كَون الْجُمْلَة حَالا لما ذكرنَا من أَن الْهمزَة وَأم مجردتان لِمَعْنى الاسْتوَاء من غير اعْتِبَار الِاسْتِفْهَام فِيهِ كَمَا قُلْنَا فِي: سواءٌ عليّ أَقمت أم قعدت. وَالْمعْنَى: تناهيت عِنْده فِي حَال طوله فإملائه وَفِي حَال تناهيه فَقَصره. وأملى أَي: امْتَدَّ فِي الزَّمَان من الملاوة. أَي: إِذا أمتد علمه حينا طَويلا تبعه وَإِن تناهى وَانْقطع أقصر وَلم يتَكَلَّم. هَذَا كَلَامه. وَهُوَ نَاشِئ عَن غفلةٍ فَإِنَّهُ لَا يجوز أَن تكون فِيهِ الْهمزَة للاستفهام مَعَ أَو كَمَا تقدم. وَمن قَالَ:) إِنَّهَا للاستفهام روى أم بدل أَو. فَتَأمل. وعَلى الرِّوَايَة الثَّانِيَة تكون الْهمزَة للاستفهام وَالْفِعْل طَال ويكن الْبَيْت شَاهدا للخليل فِي تجويزه فِي غير سَوَاء وَلَا أُبَالِي أَن يجْرِي مجراهما فيذكر بعده: أم والهمزة. وأنشده ابْن الْأَعرَابِي لزِيَادَة صَاحب هدبة أول أَبْيَات أَرْبَعَة وَهِي: الطَّوِيل (إِذا مَا انْتهى علمي تناهيت عِنْده ... أَطَالَ فأملى أم تناهى فأقصرا) (ويخبرني عَن غَائِب الْمَرْء هَدْيه ... كفى الْهَدْي عَمَّا غيب الْمَرْء مخبرا) ...

(وَلَا أركب الْأَمر المدوي سادراً ... بعمياء حَتَّى استبين وأبصرا) (كَمَا تفعل العشواء تركب رَأسهَا ... وتبرز جنبا للمعادين معورا) وَقَوله: إِذا مَا انْتهى ... إِلَخ مَا: زَائِدَة بعد إِذا. وَقد نظمه بَعضهم فَقَالَ: ( خُذ لَك ذِي الفائده ... مَا بعد إِذا زائده) وانْتهى: من أنْتَهى ألأمر أَي: بلغ النِّهَايَة وَهِي أقْصَى مَال يُمكن أَن يبلغهُ. والمليّ بتَشْديد الْيَاء كغنيٍّ كَمَا فسره الأعلم. والملاوة بِتَثْلِيث الْمِيم: الْحِين والبرهة. قَالَ المرزباني فِي الموشح: اخبرني الصولي قَالَ: حَدثنِي يحيى بن عَليّ قَالَ: قَالَ أَبُو جَعْفَر مُحَمَّد بن مُوسَى المنجم: كنت أحب أَن أرى شاعرين فأؤدب أَحدهمَا وهوعدي بن الرّقاع لقَوْله: الْكَامِل (وَعلمت حَتَّى مَا أسائل عَالما ... عَن علم واحدةٍ لكَي أزدادها) ثمَّ أسائله عَن جَمِيع الْعُلُوم فَإِذا لم يجب أدبته على قَوْله. وَأَقْبل رَأس ألآخر وَهُوَ زِيَادَة بن (إِذا مَا انْتهى علمي تناهيت عِنْده ... أَطَالَ فأملى أم تناهى فأقصرا) انْتهى. وَقَوله: ويخبرني عَن غَائِب الْمَرْء ... إِلَخ الْهَدْي كفلس: السِّيرَة يُقَال: مَا أحسن هدي فلَان أَي: سيرته. وَمَا أحسن قَول الصفي الحلّي رَحِمَهُ اللَّهُ: الطَّوِيل (إِذا غَابَ أصل الْمَرْء فاستقر فعله ... فَإِن دَلِيل الْفَرْع ينبي عَن الأَصْل) (فقد يشْهد الْفِعْل الْجَمِيل لرَبه ... كَذَاك مضاء الْحَد من شَاهد النصل)

وَقَوله: وَلَا أركب الْأَمر المدوّي ... إِلَخ أَي: لَا ألابسه. والمدوّي بِكَسْر الْوَاو الْمُشَدّدَة: الْمُبْهم والمستتر مَأْخُوذ من دوّى اللَّبن تدوية إِذا ركبته الدّواية بِضَم الدَّال وَهِي القشرة الرقيقة تعلوه) فيستتر مَا تحتهَا. والسادر كَمَا فِي الصِّحَاح هُوَ المتحيّر وَالَّذِي لَا يهتمّ وَلَا يُبَالِي مَا صنع. والسّدر: تحيّر الْبَصَر. يُقَال: سدر الْبَعِير يسدر سدراً من بَاب فَرح إِذا تحيّر من شدّة الْحر. وَقَوله: بعمياء أَي: بِحَالَة عمياء من عمي عَلَيْهِ الْأَمر إِذا الْتبس. وَحَتَّى بِمَعْنى إِلَى. وَقَوله: كَمَا تفعل العشواء وَهِي النَّاقة الَّتِي لَا تبصر أمامها فَهِيَ تخبط بِيَدِهَا كلّ شَيْء. وَقَوله: تركب رَأسهَا فِي الْمِصْبَاح: وَركب الشَّخْص رَأسه إِذا مضى على وَجهه لغير قصد. والمعور: اسْم فَاعل من أَعور لَك الصَّيْد إِذا أمكنك. وأعور الْفَارِس إِذا بدا فِيهِ مَوضِع خلل للضرب وَهُوَ بِالْعينِ الْمُهْملَة. قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: أَي: هِيَ عشواء تبرز جنبا مكشوفاً لأعدائها فيرمونها. انْتهى. وَزِيَادَة بن زيد: شَاعِر إسلامي من بادية الْحجاز من بني عذرة كَانَ فِي أَيَّام مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان وَقَتله هدبة بن خشرم العذريّ وَقتل بِهِ هدبة بِسَبَب ذَكرْنَاهُ فِي تَرْجَمَة هدبة وَفِي الشَّاهِد الْخمسين بعد السبعمائة.

(الشاهد الثاني عشر بعد التسعمائة)

- وَأنْشد بعده (الشَّاهِد الثَّانِي عشر بعد التسْعمائَة) الطَّوِيل (كأنّ دثاراً حلّقت بلبونه ... عِقَاب تنوفي لَا عِقَاب القواعل) على أَن فِيهِ ردّاً على الزجاجي فِي مَنعه مَجِيء لَا العاطفة بعد الْفِعْل الْمَاضِي. قَالَ الْخفاف فِي شرح الْجمل الزجاجية: اخْتلفُوا فِي الْعَطف بِلَا بعد الْمَاضِي نَحْو قَوْلك: قَامَ زيد لَا عَمْرو فَمنهمْ من أجَاز ذَلِك وهم جلّ النَّحْوِيين. وَمِنْهُم من منع ذَلِك وَإِلَيْهِ ذهب أَبُو الْقَاسِم الزجاجي فِي مَعَاني الْحُرُوف وَاسْتدلَّ على ذَلِك بِأَن لَا لَا يَنْفِي الْمَاضِي بهَا وَإِذا عطف بهَا بعده كَانَت نَافِيَة لَهُ فِي الْمَعْنى فَلذَلِك لم يجز الْعَطف بهَا بعد الْمَاضِي لِأَنَّك إِذا قلت: قَامَ زيد لَا عَمْرو كَأَنَّك قلت: لَا قَامَ زيد وَلَا عَمْرو وَهَذَا لَا يجوز فَكَذَلِك مَا فِي مَعْنَاهُ. وَالَّذِي يدل على فَسَاد مَا ذهب إِلَيْهِ أَنه قد يَنْفِي بهَا الْمَاضِي قَلِيلا نَحْو قَوْله تَعَالَى: فَلَا صدق وَلَا صلى يُرِيد: لم يصدق وَلم يصل. فَإِذا جَازَ أَن يَنْفِي بهَا الْمَاضِي فِي اللَّفْظ فالأحرى أَن تكن نَافِيَة لَهُ فِي الْمَعْنى. وَمِمَّا ورد من الْعَطف بهَا بعد الْمَاضِي قَوْله: كَأَن دثاراً حلقت بلبونه الْبَيْت فعطف بهَا بعد حلقت وَهُوَ مَاض. انْتهى. - وَالْبَيْت من أَبْيَات لامريء الْقَيْس الْكِنْدِيّ وَهِي: ...

(دع عَنْك نهباً صِيحَ فِي حجراته ... وَلَكِن حَدِيثا مَا حَدِيث الرَّوَاحِل) (كَأَن دثاراً حلقت بلبونه ... عِقَاب تنوفي لَا عِقَاب القواعل) (تلعب باعثٌ بِذِمَّة خالدٍ ... وأودى دثارٌ فِي الخطوب الْأَوَائِل) (أَبَت أجأ أَن تسلم الْعَام جارها ... فَمن شَاءَ فلينهض لَهَا من مقَاتل) (تيبيت لبوني بالقرية أمنا ... وأسرحها غبا بِأَكْنَافِ حَائِل) (بَنو ثعلٍ جِيرَانهَا وحماتها ... وتمنع من رجال سعدٍ ونائل) (تلاعب أَوْلَاد الوعول رباعها ... دوين السَّمَاء فِي رُؤُوس المجادل) (مكللةً حَمْرَاء ذَات أسرةٍ ... لَهَا حبكٌ كَأَنَّهَا من وصائل)) وسببها أَن امْرأ الْقَيْس بعدان قتل أَبوهُ ذهب يستجير بالعرب فبعض يقبله وَبَعض يردهُ فطمعت فِيهِ الْعَرَب. وَفِي أثْنَاء ذَلِك نزل على خَالِد بن سدوس بن أصمع النبهاني الطَّائِي فَأَغَارَ عَلَيْهِ باعث بن حويص الطَّائِي وَذهب بإبله. - فَقَالَ لَهُ جَاره خَالِد: أَعْطِنِي صنائعك ورواحلك حَتَّى أطلب عَلَيْهَا مَالك. فَفعل امْرُؤ الْقَيْس فانطوى عَلَيْهَا وَيُقَال بل لحق بالقوم فَقَالَ لَهُم: أَغَرْتُم على جاري يَا بني جديلة. قَالُوا: وَالله مَا هُوَ لَك بجار قَالَ: بلَى وَالله مَا هَذِه الْإِبِل الَّتِي مَعكُمْ إِلَّا كالرواحل الَّتِي تحتي. فَقَالُوا: هُوَ كَذَلِك. فأنزلوه وذهبوا بهَا فَقَالَ امْرُؤ الْقَيْس فِيمَا هجاه بِهِ: دع عَنْك نهباً الْبَيْت يَقُول لخَالِد: دع النهب الَّذِي نهبه باعث وَلَكِن حَدثنِي عَن الرَّوَاحِل الَّتِي ذهبت بهَا

أَنْت. وَهَذَا الْبَيْت صَار مثلا يضْرب لمن ذهب من مَاله شَيْء ثمَّ ذهب بعده مَا هُوَ أجل مِنْهُ. وَهَذَا الْبَيْت أوردهُ ابْن هِشَام فِي موضِعين من الْمُغنِي: أَحدهمَا: فِي عَن قَالَ: إِنَّهَا تَأتي اسْما بِمَعْنى جَانب فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع ثَالِثهَا: أَن يكون مجرورها وفاعل متعلقها ضميرين لمسمى وَاحِد. قَالَه الْأَخْفَش وَذَلِكَ كَقَوْل امْرِئ الْقَيْس: دع عَنْك نهباً الْبَيْت وَذَلِكَ لِئَلَّا يُؤَدِّي إِلَى تعدِي فعل الْمُضمر الْمُتَّصِل إِلَى ضَمِيره الْمُتَّصِل. وَقد تقدم الْجَواب عَن هَذَا. وَمِمَّا يدل على أَنَّهَا لَيست هُنَا اسْما أَنَّهَا لَا يَصح حُلُول الْجَانِب محلهَا. انْتهى. يُرِيد: تقدم الْجَواب فِي على بِأَنَّهُ مُتَعَلق بِمَحْذُوف أَو فِيهِ مُضَاف مَحْذُوف أَي: عَن نَفسك. والموضع الثَّانِي فِي أول الْبَاب الْخَامِس أوردهُ كَالْأولِ. والنهب: الْغَنِيمَة وكل مَا انتهب. وَهُوَ على حذف مُضَاف أَي: ذكر نهب. وصيح: مَجْهُول صَاح وَفِي حجراته: نَائِب الْفَاعِل. والحجرات بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَالْجِيم: جمع حجرَة بِسُكُون الْجِيم كتمرات جمع تَمْرَة. والحجرة: وحديثاً: عَامله مَحْذُوف أَي: وَلَكِن حَدثنِي حَدِيثا. وَمَا استفهامية مُبْتَدأ وَحَدِيث: خَبره. يَقُول: اترك ذكر الَّذِي انتهبه باعث وحَدثني عَن الرَّوَاحِل الَّتِي أَنْت ذهبت بهَا.) وَقد أَخطَأ ابْن الملا من جِهَة الْمَعْنى وَالْإِعْرَاب فِي قَوْله: أَي: اترك نهب المَال واشتغل بِأَمْر النِّسَاء ذَوَات الرَّوَاحِل. وَمَا: زَائِدَة وَحَدِيث الرَّوَاحِل بدل من حَدِيثا بدل معرفَة من نكرَة. انْتهى.

وَقَوله: كَأَن دثاراً رحلقت ... إِلَخ دثار: هُوَ راعي امرىء الْقَيْس وَهُوَ دثار بن فقعس بن طريف من بني أَسد. وحلقت: من التحليق وَهُوَ ارْتِفَاع الطير فِي الجو. واللبون بِفَتْح اللَّام وَضم الْمُوَحدَة من الْإِبِل وَالشَّاة: ذَات اللَّبن. وَأَرَادَ الْإِبِل الَّتِي لَهَا ألبان وَهُوَ اسْم جنس مُضَاف فَيعم فيكمون المُرَاد الْأَفْرَاد. قَالَ الدماميني: قلت: وَبِتَقْدِير أَن يكون إِضَافَة اسْم الْجِنْس تفِيد الْعُمُوم لم يتَعَيَّن أَن يكون هَذَا مُرَاد الشَّاعِر إِذْ يحْتَمل أَن يكون المُرَاد بلبونة وَاحِدَة لَا غير وَلَيْسَ فِي اللَّفْظ مَا يَدْفَعهُ فَأَيْنَ الْجَزْم بِالْعُمُومِ انْتهى. وَهَذَا إِيرَاد مِنْهُ على قَول ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي على الْبَيْت: واللبون: نُوق ذَات لبن. وَهَذَا ناشيء من عدم الِاطِّلَاع على منشأ الشّعْر. وَالْعِقَاب بِالضَّمِّ: طَائِر مَعْرُوف. - وَرُوِيَ أَيْضا: ينوفى بِالْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّة من أَوله. وَرُوِيَ أَيْضا: تنوف بِالْوَجْهَيْنِ من أَوله وَبلا ألف فِي آخِره. هَكَذَا ضَبطه أَبُو عبيد الْبكْرِيّ فِي مُعْجم مَا استعجم عِنْد ذكره القواعل وَقَالَ: تنوفي أَي: جبل مشرف وَقَالَ الْأَصْمَعِي: هُوَ مَوضِع بِبِلَاد طَيئ. وَقَالَ ابْن جني: عقبَة مَشْهُورَة سميت بالنوف وَهُوَ مَا علا من الأَرْض وَامْرَأَة نياف أَي: طَوِيلَة قلبت الْوَاو يَاء. والقواعل بِفَتْح الْقَاف وَكسر الْعين الْمُهْملَة على لفظ الْجمع: أجبل من سلمى فِي بِلَاد طَيئ. انْتهى. وَفِي مُعْجم الْبلدَانِ لياقوت قَالَ ابْن الْكَلْبِيّ: القواعل: مَوضِع فِي جبل. وَكَانَ قد أغير على إبل امْرِئ الْقَيْس مِمَّا يَلِي تنوف. وروى أَبُو عبيد:

تنوفاً. وَقَالُوا: هُوَ مَوضِع وَهُوَ جبل عَال. وَقَالَ الْأَصْمَعِي: القواعل واحدتها قاعلة وَهِي جبال صغَار وَقيل: القواعل جبل دون تنوفي. انْتهى. وَفِي شرح أَبْيَات الْمُغنِي للسيوطي: تنوفي بِفَتْح الْمُثَنَّاة الْفَوْقِيَّة: جبل عَال. والقواعل: جبال صغَار.) وَفِي أمالي ثَعْلَب القوعلة والقيعلة وَالْجمع قواعل. وَأنْشد الْبَيْت. قَالَ ابْن الْكَلْبِيّ: أَخبث العقبان مَا أَوَى فِي الْجبَال المشرفة. وَهَذَا مثل. أَرَادَ: كَأَن دثاراً ذهبت بلونه ذَاهِبَة أَي: آفَة. وَأَرَادَ: أَنه أغير عَلَيْهِ من قبل تنوفى. انْتهى. وَكَذَا قَالَ الْعَيْنِيّ. وَقَضِيَّة صَاحب الْقَامُوس أَنه بِالْمدِّ لِأَنَّهُ قَالَ: وتنوفاء كجلولاء: ثنية مشرفة قرب القواعل. وَيُقَال: ينوفاء بالتحتية فَيكون مَحَله ن وف. وَقَالَ فِيهَا: وينوفى أَو تنوفى أَو تنوف: مَوضِع بجبلي طَيئ. انْتهى. وَلم يضبطه أحد بِالْمدِّ وَإِنَّمَا هُوَ شيئ قَالَه ابْن جني بحثا كَمَا يَأْتِي. - وتنوفي من الأوزان الَّتِي استدركت على سِيبَوَيْهٍ بِأَنَّهُ لم يذكرهَا. والأوزان الَّتِي استدركت عَلَيْهِ ثَمَانِيَة وَخَمْسُونَ وزنا على مَا ذكرهَا ابْن جني فِي الخصائص وَأجَاب عَنْهَا وَاحِدًا بعد وَاحِد. قَالَ: وَأما تنوفى فمختلف فِي أمرهَا وَأكْثر أحوالها ضعف رِوَايَتهَا وَالِاخْتِلَاف الْوَاقِع فِي لَفظهَا وَإِنَّمَا رَوَاهَا السكرِي وأسندها إِلَى امْرِئ الْقَيْس فِي قَوْله: عِقَاب تنوفى لَا عِقَاب القواعل وَالَّذِي رويته عَن أَحْمد بن يحيى:

عِقَاب تنوفٍ لَا عِقَاب القواعل وَقَالَ: القواعل: آكام حولهَا. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: هِيَ ثنية طي. كَذَا رَوَاهَا ابْن الْأَعرَابِي وَأَبُو عَمْرو الشَّيْبَانِيّ. وَرِوَايَة أبي عُبَيْدَة: تنوفي. وَأَنا أرى أَن تنوف لَيست فعولًا بل هِيَ تفعل من النوف وَهُوَ الِارْتفَاع وَسميت بذلك لعلوها وَمِنْه: أناف على الشَّيْء إِذا ارْتَفع عَلَيْهِ والنيف فِي الْعدَد من هَذَا. وتنوف فِي أَنه علم على تفعل بِمَنْزِلَة يشْكر ويعصر. وَقلت مرّة لأبي عَليّ وَهَذَا الْموضع يقْرَأ عَلَيْهِ من كتاب أصُول أبي بكر: يجوز أَن يكون تنوفى مَقْصُورَة من تنوفاء بِمَنْزِلَة بروكاء فَسمع ذَلِك وَعرف صِحَّته. وَكَذَلِكَ القَوْل عِنْدِي فِي مسولي فِي بَيت المرار: الطَّوِيل (فَأَصْبَحت مهموماً كَأَن مطيتي ... بِحَيْثُ مسولى أَو بوجرة ظالع ) يَنْبَغِي تكون مَقْصُورَة من مسولاء بِمَنْزِلَة جَلُولَاء فَإِن قلت: فَإنَّا لم نسْمع بتنوفى وَلَا بمسولى) ممدودين وَلَو كَانَا أَو أَحدهمَا ممدوداً لخرج ذَلِك إِلَى الِاسْتِعْمَال. قيل: وَلم يكثر أَيْضا اسْتِعْمَال هذَيْن الاسمين وأنما جَاءَا فِي هذَيْن الْمَوْضِعَيْنِ. بل لَو كثر استعمالهما مقصورين لصَحَّ مَا أوردته فَإِنَّهُ يجوز أَن يكون ألف تنوفى إشباعاً للفتحة لَا سِيمَا وَقد روينَاهُ تنوف مَفْتُوحًا مَا ترى وَتَكون هَذِه الْألف مُلْحقَة مَعَ الإشباع لإِقَامَة الْوَزْن.

ينباع من ذفرى غضوب جسرةٍ إِنَّمَا هُوَ إشباع للفتحة طلبا لإِقَامَة الْوَزْن. أَلا ترى أَنه لَو قَالَ: يَنْبع من ذفرى لصَحَّ الْوَزْن إِلَّا أَن فِيهِ زحافاً هُوَ الخزل. كَمَا أَنه لَو قَالَ: تنوف لَكَانَ الْجُزْء مَقْبُوضا فالإشباع فِي الْمَوْضِعَيْنِ إِذن إِنَّمَا هُوَ مَخَافَة الزحاف الَّذِي مثله جَائِز. انْتهى كَلَامه. هَذَا وَقد رُوِيَ أَيْضا: عِقَاب ملاعٍ لَا عِقَاب القواعل والملاع بِفَتْح الْمِيم وبالعين الْمُهْملَة قَالَ صَاحب الصِّحَاح: هِيَ الْمَفَازَة الَّتِي لَا نَبَات بهَا. - وَمن أمثالهم: أودت بِهِ عِقَاب ملاع قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: يُقَال ذَلِك فِي الْوَاحِد وَالْجمع وَهُوَ شَبيه بقَوْلهمْ: طارت بِهِ العنقاء وحلقت بِهِ عنقاء مغرب. وَفِي الْقَامُوس: الملاع كسحاب: الْمَفَازَة لَا نَبَات بهَا وكقطام وسحاب وَقد يمْنَع. وَأَرْض أضيفت إِلَيْهَا عِقَاب فِي قَوْلهم: أودت بِهِ عِقَاب ملاع أَو ملاعٌ من نعت الْعقَاب أَو عِقَاب ملاع هِيَ العقيب الَّتِي تصيد الجرذان فارسيته: موش خوار. انْتهى. وَقَالَ ابْن دُرَيْد: الملع: السرعة. وعقاب ملاع: سريع وَأنْشد:

قل: وَتَفْسِير هَذَا الْبَيْت أَن الْعقَاب كلما علت فِي الْجَبَل كَانَ أسْرع لانقضاضها. يَقُول: هَذَا عِقَاب ملاع إِذا العالي يهوي من علوه وَلَيْسَت بعقاب القواعل وَهِي الْجبَال الصغار. انْتهى. وَقَالَ حَمْزَة الْأَصْفَهَانِي فِي أَمْثَاله: أبْصر من عِقَاب ملاع قَالَ مُحَمَّد بن حبيب: ملاع: اسْم هضبة. وَقَالَ غَيره: اسْم الصَّحرَاء وَيُقَال للْأَرْض المستوية الواسعة: ملاع. - قَالَ الشَّاعِر: كَأَن دثاراً حلقت بلبونه الْبَيْت وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ فِي مستقصى الْأَمْثَال: أبْصر من عِقَاب ملاع بِالْوَصْفِ ويروى: من عِقَاب ملاع) بِالْإِضَافَة وملاع كقطام: الصَّحرَاء وعقابها أبْصر من عِقَاب الْجَبَل. قَالَ امْرُؤ الْقَيْس: كَأَن دثاراً حلقت الْبَيْت والقواعل: رُؤُوس الْجبَال وَقيل: ملاع صفة لَهَا من الملع هُوَ السرعة. وَلَيْسَ بِوَجْه فِي الْبَيْت لقَوْله: لَا عِقَاب القواعل. وَيجوز أَن تكون غير منصرفة وعَلى هَذَا تنون فِي الْبَيْت لِأَن غير المنصرف سَائِغ صرفه فِي الشّعْر وَلَا يستحسن إِيثَار منع الصّرْف مَعَ الْقَبْض على سَلامَة الْجُزْء مَعَ الصّرْف وبصر الْعقَاب ومدح أَعْرَابِي رجلا فَقَالَ: هُوَ أصح بصراً من الْعقَاب وَأَيْقَظَ عينا من الْغُرَاب وأصدق حسا من الْأَعْرَاب. انْتهى.

وَقَوله: وأعجبني مشي الحذقة خَالِد ... إِلَخ الحزقة بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَالزَّاي الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الْقَاف وَهُوَ الْقصير الْعَظِيم الْبَطن وخالدٍ بِالْجَرِّ: عطف بَيَان لَهُ. وَقَالَ الْعَيْنِيّ: الحزقة لقبٍ وَيُقَال: ضرب من الْمَشْي. فَمن جعله ضربا من الْمَشْي نَصبه وَمن جعله لقباً رَفعه. انْتهى. - وَلم أفهم مَعْنَاهُ على أَن الحزقة لم أره بِمَعْنى الْمَشْي. وحلئت بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول من حلئت الْإِبِل عَن المَاء تحلئة بالهمزٍ. إِذا طردتها عَنهُ. ومنعتها أَن ترده. والأتان: أُنْثَى الْحمار شبهه بهَا تحقيراً لَهُ. والمناهل: جمع منهل كجعفر: المورد وَهُوَ عين مَاء ترده الْإِبِل. كَذَا فِي المصابح. وَقَوله: أَبَت أجأ ... إِلَخ أجأ بِالْهَمْز: جبل. وَجَاء فِي الشّعْر غير مَهْمُوز. قَالَ العجاج: الرجز (فَإِن تصير ليلى بسلمى أَو أجا ... أَو باللوى أَو ذِي حسا أَو يأججا) (إِلَى نضدٍ من عبد شمسٍ كَأَنَّهُمْ ... هضاب أجاً أَرْكَانه لم تقصف)

وَمن الْعَجَائِب قَول الْعَيْنِيّ: أجأ أحد جبلي طَيئ وَهُوَ مؤنث وَمن الْعَرَب من لَا يهمزه. وَكَذَا هُنَا للضَّرُورَة. انْتهى. وَلَا يخفى أَنه لَا يتزن الْبَيْت إِلَّا بِالْهَمْز.) قَالَ ياقوت فِي مُعْجم الْبلدَانِ: أجأ بِوَزْن فعلأ بِالتَّحْرِيكِ مَهْمُوز مَقْصُور وَالنِّسْبَة إِلَيْهِ أجئيٌ بِوَزْن أجعي. وَهُوَ علم مرتجل لاسم رجل سمي بِهِ الْجَبَل. - وَيجوز أَن يكون مَنْقُولًا وَمَعْنَاهُ الْفِرَار كَمَا حكى بن الْأَعرَابِي: أجأ الرجل إِذا فر. قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: أجأ وسلمى: جبلان عَن يسَار سميراء وَقد رأيتهما شاهقان وَلم يقل عَن يسَار القاصد إِلَى مَكَّة أَو المنصرف عَنْهَا. وَقَالَ أَبُو عبيد السكونِي: أجأ: أحد جبلي طَيء وَهُوَ غربي فيدٍ إِلَى أقْصَى أجأ وَإِلَى القريات من نَاحيَة الشَّام. وَبَين الْمَدِينَة والجبلين على غير الجادة ثَلَاث مراحل وَبَين الجبلين وتيماء جبال وَمِنْهَا دبر وعرنان وَغسل وَبني كل جبلين يَوْم وَبَين الجبلين وفدك لَيْلَة وَبَينهمَا وَبَين خَيْبَر خمس لَيَال.

ذكر الْعلمَاء بأخبار الْعَرَب أَن أجأ سمي باسم رجل وسلمى سمي باسم امْرَأَة. وَكَانَ من خبرهما أَن رجلا من العماليق يُقَال لَهُ: أجأ بن عبد الْحَيّ عشق امْرَأَة من قومه يُقَال لَهَا: سلمى وَكَانَ لَهَا حاضنة يُقَال لَهَا: العوجاء فَكَانَا يَجْتَمِعَانِ فِي منزلهَا حَتَّى نذر بهما إخْوَة سلمى وهم: الغميم والمضل وفدك وفائد والحدثان وَزوجهَا. - فخافت سلمى وهربت هِيَ أوجأ والعوجاء وتبعهم زَوجهَا وَأُخُوَّتهَا فَلَحقُوا سلمى على الْجَبَل الْمُسَمّى سلمى فَقَتَلُوهَا هُنَاكَ فَسُمي الْجَبَل باسمها. وَلَحِقُوا العوجاء على هضبة بَين الجبلين فَقَتَلُوهَا هُنَاكَ فَسُمي الْمَكَان بهَا لَحِقُوا أجأ فِي الْجَبَل الْمُسَمّى بأجأ فَقَتَلُوهُ فِيهِ فَسُمي بِهِ وأنفوا ان يرجع إِلَى قَومهمْ فَصَارَ كل وَاحِد إِلَى مَكَان فَأَقَامَ بِهِ فَسُمي ذَلِك الْمَكَان باسمه. قَالَ عبيد الله ياقوت: وَهَذَا أحد مَا استدللنا بِهِ على بطلَان مذ ذكره النحويون من أَن أجأ مُؤَنّثَة غير منصرفة لِأَنَّهُ جبل مُذَكّر سمي باسم رجل وَهُوَ مُذَكّر. وَكَانَ غَايَة مَا التزموا بِهِ قَول امْرِئ الْقَيْس: أَبَت أجأ أَن تسلم الْعَام ... ... ... ... ... ... الْبَيْت وَهَذَا لَا حجَّة لَهُم فِيهِ لِأَن الْحَبل نَفسه لَا يسلم أحدا وَلَا يسلم إِنَّمَا يمْنَع من فِيهِ من الرِّجَال. فَالْمُرَاد: أَبَت قبائل أجأ أَو سكان أجأ وَمَا أشبهه فَحذف الْمُضَاف وأقيم الْمُضَاف إِلَيْهِ يدل على ذَلِك عجز الْبَيْت وَهُوَ قَوْله:)

فَمن شَاءَ فلينهض لَهَا من مقَاتل والجبل نَفسه لَا يُقَاتل والمقاتلة مفاعلة وَلَا تكون من وَاحِد. ووقف على هَذَا من كلامنا نحويٌ من أصدقائنا وَأَرَادَ الِاحْتِجَاج والانتصار لقَولهم فَكَانَ غَايَة مَا قَالَه: أَن الْمُعَامَلَة فِي التَّذْكِير والتأنيث مَعَ الظَّاهِر وَأَنت ترَاهُ قَالَ: أَبَت أجأ فالتأنيث لهَذَا الظَّاهِر وَلَا يجوز أَن يكون للقبائل المحذوفة. فَقلت لَهُ: هَذَا خلاف كَلَام الْعَرَب أَلا ترى إِلَى قَول حسان: الْكَامِل ( يسقون من ورد البريص عَلَيْهِم ... بردى يصفق بالرحيق السلسل) لم يرو أحد قطّ يصفق إِلَّا بِالْيَاءِ آخر الْحُرُوف لِأَنَّهُ يُرِيد: يصفق مَاء بردى فَرده إِلَى الْمَحْذُوف وَهُوَ المَاء وَلم يردهُ إِلَى الظَّاهِر وَهُوَ بردى. وَلَو كَانَ الْأَمر على مَا ذكرت لقَالَ: تصفق لِأَن بردى مؤنث لم يجِئ على زنته مؤنث قطّ. وَقد جَاءَ الرَّد على الْمَحْذُوف تَارَة وعَلى الظَّاهِر أُخْرَى فِي قَوْله عَزَّ وَجَلَّ: وَكم من قريةٍ أهلكناها فَجَاءَهَا بأسنا بياتاً أَو هم قَائِلُونَ. أَلا ترَاهُ قَالَ: فَجَاءَهَا فَرد على الظَّاهِر وَهُوَ الْقرْيَة ثمَّ قَالَ: أَو هم قَائِلُونَ فَرد على أَهلهَا وَهُوَ مَحْذُوف. وَبعد فَلَيْسَ هَا هُنَا مَا يتَأَوَّل بِهِ التَّأْنِيث إِلَّا أَن يُقَال: إِنَّه أَرَادَ الْبقْعَة فَيصير من بَاب التحكم لِأَنَّهُ تَأْوِيله بالمذكر ضَرُورِيّ لِأَنَّهُ جبل والجبل مُذَكّر وَإِنَّمَا سمي باسم رجل بِإِجْمَاع. وَلَو سَأَلت كل أَعْرَابِي عَن أجأ لم يقل إِلَّا: إِنَّه جبل وَلم يقل بقْعَة. وَلَا مُسْتَند للقائل بتأنيثه الْبَتَّةَ. وَمَعَ هَذَا فإنني إِلَى هَذِه الْغَايَة لم أَقف للْعَرَب على شعر جَاءَ فِيهِ أجأ غير منصرف مَعَ كَثْرَة استعمالهم لترك صرف مَا ينْصَرف فِي الشّعْر. ثمَّ إِنِّي وقفت بعد مَا سطرته على جَامع شعر امْرِئ الْقَيْس

وَقد نَص على مَا قلته وَهُوَ أَنه قَالَ: أجأ مَوضِع وَهُوَ أجد جبلي طَيء وَالْآخر سلمى. وَإِنَّمَا أَرَادَ أهل أجأ كَقَوْل الله: واسئل الْقرْيَة يُرِيد: أهل الْقرْيَة. ثمَّ وقفت على نُسْخَة أُخْرَى فِيهَا: أرى أجأ لم يسلم الْعَام جَاره قَالَ: الْمَعْنى أَصْحَاب الْجَبَل لن يسلمُوا جارهم. انْتهى كَلَام ياقوت. - وَقَوله: أَن تسلم من أسلمه أَي: خذله. وَالْجَار هُنَا: المستجير والنزيل. وَهَذَا حث مِنْهُ وإغراء للْقِيَام بنصرته وتخليص مَا ذهب من إبِله. وَمن مقَاتل: بَيَان لمن شَاءَ.) وَقَوله: تبيت لبوني ... إِلَخ هَذَا تَصْوِير لما إِلَيْهِ تؤول حَال إبِله بعد إعانتهم لَهُ. والقُريّة على لفظ مصغر الْقرْيَة وَهُوَ مَوضِع. وَأمن: جمع آمِنَة. هَذَا إِن كَانَ بِضَم الْهمزَة وأسرحها من سرحت الْإِبِل من بَاب نفع أَي: جَعلتهَا ترعى. وَمثله سرحتها تسريحاً. وَيُقَال: سرحت الْإِبِل سرحاً وسروحاً إِذا رعت بِنَفسِهَا يتَعَدَّى وَلَا يتَعَدَّى. وغباً: يَوْمًا بعد يَوْم. والأكناف: النّواحي. وَحَائِل بِالْحَاء الْمُهْملَة والهمزة: اسْم جبل. وَقَوله: بَنو ثعل جِيرَانهَا ثعل بِضَم الْمُثَلَّثَة وَفتح الْعين الْمُهْملَة: حيّ من طَيئ. ونابل بالنُّون الْمُوَحدَة. وَرُوِيَ بِالْهَمْزَةِ. ونابل وَسعد: حَيَّان من طَيئ.

وَقَوله: تلاعب أَوْلَاد الوعول: مفعول ورباعها فَاعل وَهُوَ جمع ربع بِضَم فَفتح وَهُوَ مَا نتج فِي الرّبيع. والوعل: تَيْس الْجَبَل. يُرِيد أَن أَوْلَاد إبِله تلاعب أَوْلَاد الوعول وترعى مَعهَا للأمن. والمعاقل: الْجبَال وَرُوِيَ بدله: المجادل بِالْجِيم الْوَاحِد مجدل وَهُوَ الْقصر وأَرَادَ بهَا الْجبَال. قَالَه الْعَيْنِيّ. وَقَوله: مكلّلة أَي: هَذِه المعاقل وَالْجِبَال مكلّلة بالصخور. والأسرّة: الطّرق جمع سرار بِالْكَسْرِ والحبك بِضَمَّتَيْنِ: الطرائق. والوصائل: جمع وصيلة وَهُوَ ثوب أمعر الْغَزل فِيهِ خطوط. وَقَالَ السُّيُوطِيّ: المجادل: الْجبَال الْعَالِيَة. ومكلّلة: مغطاة. والأسرّة: الطرائق وَكَذَلِكَ الحبك. والْوَسَائِل: ثِيَاب حمر مخطّطة. وَأنْشد بعده: الرمل إنّما يَجْزِي الْفَتى لَيْسَ الْجمل هُوَ عجز وصدره: فَإِذا أقرضت قرضا فاجزه

على أَن بَعضهم قَالَ: لَيْسَ فِيهِ عاطفة. وَالظَّاهِر أَنَّهَا على أَصْلهَا أَي: لَيْسَ الْجمل جازياً. وَالْأول مَذْهَب البغداديين احتجّوا بِهَذَا الْبَيْت على أنّ لَيْسَ عاطفة قَالُوا: كَمَا تَقول: قَامَ زيد لَيْسَ عَمْرو فعمرو مَعْطُوف على زيد بليس كَمَا تَقول: قَامَ زيد لَا عَمْرو. فَلَيْسَ مَحْمُولَة على لَا فِي الْعَطف. قَالَ أَبُو حَيَّان: وَحكى النّحاس وَابْن بابشاذ هَذَا الْمَذْهَب عَن الْكُوفِيّين. وَحَكَاهُ ابْن عُصْفُور) عَن البغداديين. - قَالَ أَبُو الْعَبَّاس ثَعْلَب فِي أَمَالِيهِ: مَرَرْت بزيد لَيْسَ عَمْرو قَالَ الْكسَائي: لَا نجيزه إلاّ مَعَ الْبَاء. وَالْفراء لَا يلْزمه أَن يَقُوله لأنّ الْكسَائي يَقُول: الثَّانِي مَحْذُوف مَطْلُوب وَإِذا جَاءَ الْخَفْض لم يحذف الْخَافِض وَالْفِعْل. وَالْفراء يَقُول: إِذا حسنت لَيْسَ مَوضِع لَا جَازَ. وَأنْشد: قَالَ سِيبَوَيْهٍ: يَقُول: لَيْسَ الْجمل يَجْزِي. فَجعله فعلا محذوفاً واستراح. قَالَ أَبُو الْعَبَّاس: وَأول مَا يَنْبَغِي أَن نقُول للكسائي: لم حذفت الثَّانِي وطلبته. انْتهى كَلَامه. وَلَا عِنْدهم مَخْصُوصَة بعطف الِاسْم كَمَا مثّل. قَالَ صَاحب اللّبَاب: وَلَا لتنفي مَا وَجب للْأولِ وتختصّ بالإسم. وَقد جعل لَيْسَ مرادفاً لَهَا فِي قَوْله: إِنَّمَا يَجْزِي الْفَتى لَيْسَ الْجمل وَالصَّحِيح أَنه على أَصله. انْتهى. وبقاؤها على أَصْلهَا يكون بِأحد شَيْئَيْنِ:

الأول: مَا أجَاب بِهِ الشَّارِح الْمُحَقق من أنّ الْجمل اسْمهَا وَالْخَبَر مَحْذُوف أَي: لَيْسَ الْجمل جازياً أَو لَيْسَ الْجمل يَجْزِي. وَالْعرب قد تحذف خبر لَيْسَ فِي الشّعْر كَقَوْلِه: الْكَامِل ( لهفى عَلَيْك للهفةٍ من خائفٍ ... يَبْغِي جوارك حِين لَيْسَ مجير) فَلَيْسَ فِي هَذَا الْبَيْت لَيست عاطفة بِاتِّفَاق وَلَا يتصوّر الْعَطف فِيهَا وخبرها مَحْذُوف أَي: لَيْسَ مجير فِي الدُّنْيَا. وَالثَّانِي: أَن يكون الْجمل خبر لَيْسَ وَسكن للقافية وَاسْمهَا ضمير اسْم الْفَاعِل الْمَفْهُوم من يَجْزِي أَي: لَيْسَ الجازي الْجمل. كَذَا فِي شرح اللّبَاب للفالي. وَهَذَا الْبَيْت من قصيدة للبيد وَقد شرحنا مِنْهَا جملَة فِي الشَّاهِد الرَّابِع وَالْأَرْبَعِينَ بعد السبعمائة.

(حروف التنبيه)

(حُرُوف التَّنْبِيه) أنْشد فِيهَا: الوافر أَلا رجلا جزاه الله خيرا على أنّ أَلا قد تَجِيء عِنْد الْخَلِيل حرف تحضيض. قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَسَأَلت الْخَلِيل رَحِمَهُ اللَّهُ عَن قَوْله: (أَلا رجلا جزاه الله خيرا ... يدلّ على محصّلةٍ تبيت) فَزعم أَنه لَيْسَ على التمنّي وَلكنه بِمَنْزِلَة قَول الرجل: فهلاّ خيرا من ذَلِك كَأَنَّهُ قَالَ: أَلا ترونني رجلا جزاه الله خيرا. وَأما يُونُس فَزعم أَنه نوّن مضطرّاً. انْتهى. قَالَ الأعلم: الشَّاهِد فِيهِ نصب رجل وتنوينه لِأَنَّهُ حمل على إِضْمَار فعل وَجعل أَلا حرف تحضيض وَالتَّقْدِير: أَلا ترونني رجلا. وَلَو جعلهَا أَلا الَّتِي للتمنّي لنصب مَا بعْدهَا بِغَيْر تَنْوِين. هَذَا تَقْدِير الْخَلِيل وسيبويه. وَيُونُس يرى أَنه مَنْصُوب بالتمني. ونوّن ضَرُورَة. وَالْأول أولى لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَة فِيهِ. وحروف التحضيض مِمَّا يحسن إِضْمَار الْفِعْل بعْدهَا. والمحصّلة: الامرأة الَّتِي تحصّل الذَّهَب من تُرَاب الْمَعْدن وتخلّصه مِنْهُ طلبَهَا للمبيت.

وَفِي الْبَيْت تضمين لأنّ خبر تبيت فِي بَيت بعده وَهُوَ: (ترجّل لمّتي وتقمّ بَيْتِي ... وأعطيها الإتاوة إِن رضيت) وَتقدم شَرحه فِي الشَّاهِد الثَّالِث وَالسِّتِّينَ بعد الْمِائَة. وَأنْشد بعده: الْبَسِيط (تعلّمن هَا لعمر الله ذَا قسما ... فاقدر بذرعك وَانْظُر أَيْن تنسلك) على أَنه يفصل كثيرا بَين هَا التَّنْبِيه وَبَين اسْم الْإِشَارَة بجملة الْقسم. وَهَذَا خلاف مَا تقدّم مِنْهُ فِي بَاب اسْم الْإِشَارَة قَالَ هُنَاكَ: ويفصل هَا التَّنْبِيه عَن اسْم الْإِشَارَة بِأَنا وأخواته كثيرا نَحْو: هأنذا وبغيرها قَلِيل وَذَلِكَ إمّا قسم كَقَوْلِه: تعلّمن هَا لعمر الله ذَا قسما أَو غير قسم كَقَوْلِه: الْبَسِيط ) وَنَحْو: الطَّوِيل فَقلت لَهُم: هَذَا لَهَا هَا وذَا ليا انْتهى.

وتقدّم هُنَاكَ فِي الشَّاهِد الثَّانِي عشر بعد الأربعمائة نقل كَلَام سِيبَوَيْهٍ عِنْد هَذَا الْبَيْت وَلَيْسَ فِيهِ مَا يدل على كَثْرَة وَقلة. قَالَ الأعلم: الشَّاهِد فِيهِ تَقْدِيم هَا الَّتِي للتّنْبِيه على ذَا وَقد حَال بَينهمَا بقوله: لعمر الله وَالْمعْنَى: لعمر الله هَذَا مَا أقسم بِهِ. وَنصب قسما على الْمصدر المؤكّد لما قبله لِأَنَّهُ مَعْنَاهُ أقسم فَكَأَنَّهُ قَالَ: أقسم لعمر الله قسماُ. ف ذَا عِنْد الْخَلِيل هُوَ الْمَحْلُوف عَلَيْهِ فَكَأَنَّهُ قَالَ: وَالله الْأَمر هَذَا فَحذف الْأَمر وقدّم هَا. وَعند غَيره الْمَعْنى: هَذَا مَا أقسم بِهِ. وتعلّم بِمَعْنى اعْلَم لَا يسْتَعْمل إلاّ فِي الْأَمر. وَقَوله: فاقدر بذرعك أَي: قدّر لخطوك. والذّرع: قدر الخطو. وَهَذَا مثل وَالْمعْنَى: لَا تكلّف مَا لَا تطِيق منّي. يتوعّده بذلك وَكَذَلِكَ قَوْله: وَانْظُر أَيْن تنسلك. والانسلاك: الدّخول فِي الْأَمر. وَالْمعْنَى: لَا تدخل نَفسك فِيمَا لَا يَعْنِيك وَلَا يجدي عَلَيْك. هَا إنّ تا عذرةٌ على أنّ الْفَصْل بَين هَا وَبَين تا بإنّ وَهِي غير قسم وَغير ضمير مَرْفُوع مُنْفَصِل قَلِيل. وَهُوَ قِطْعَة من بَيت وَهُوَ: (هَا إنّ تا عذرةٌ إِن لم تكن نَفَعت ... فإنّ صَاحبهَا قد تاه فِي الْبَلَد)

وتا: اسْم إِشَارَة بِمَعْنى هَذِه لما ذكره قبله فِي القصيدة من يَمِينه على أَنه لم يَأْتِ بِشَيْء يكرههُ. وتا: مُبْتَدأ وعذرة: خَبَرهَا. وَهِي بِكَسْر الْعين اسْم للْعُذْر بضَمهَا. وَقَوله: إِن لم تكن ... إِلَخ صَاحبهَا أَي: صَاحب الْعذرَة وَيَعْنِي بِهِ نَفسه. يُرِيد: إِن لم تقبل عُذْري وترض عنّي فإنّ أختلّ حَتَّى إنّي أضلّ فِي الْبَلدة الَّتِي أَنا فِيهَا لعظم الْخَوْف الَّذِي حصل من وعيدك. وتقدّم الْكَلَام عَلَيْهِ فِي الشَّاهِد الثَّالِث عشر بعد الأربعمائة. وَأنْشد بعده: فَقلت لَهُم هَذَا لَهَا هَا وَذَا ليا ) لما تقدّم قبله. وَهَذَا عجز وصدره: وَنحن اقْتَسَمْنَا المَال نِصْفَيْنِ بَيْننَا وَأنْشد بعده: يَا ربّتما غارةٍ هُوَ قِطْعَة من بَيت وَهُوَ: السَّرِيع (ماويّ يَا ربّتما غارةٍ ... شعواء كاللّذعة بالميسم)

على أَن يَا فِيهِ عِنْد ابْن مَالك للتّنْبِيه لدخولها على مَا يُفِيد التقليل وَهُوَ رب. وَفِيه نظر لِأَن رب فِي الْبَيْت للتكثير لَا للتقليل لِأَنَّهُ فِي مقَام الافتخار والتمدح كَمَا يَأْتِي بَيَانه. وَمَا نقل عَن ابْن مَالك هُنَا قَالَه فِي بَاب تَمِيم الْكَلَام على كَلِمَات مفتقرةٍ إِلَى ذَلِك من التنسهيل قَالَ: وَأكْثر مَا يَلِي يَا نِدَاء أَو أَمر أَو تمن أَو تقليل. قَالَ شَارِحه المردي: يَعْنِي بالنداء الْمُنَادِي وَأطلق المُصَنّف على الَّتِي للنداء أَنَّهَا حرف تَنْبِيه لِأَنَّهَا تنبيهٌ للمخاطب. وَقد أَشَارَ إِلَيْهِ سِيبَوَيْهٍ وَكَلَامه هُنَا يدل على أَنَّهَا ذَا وَليهَا فعل أَمر لَا تكون للنداء بل لمُجَرّد التَّنْبِيه. وَهُوَ خلاف مَا قدمه فِي بَاب النداء. وَقد تدخل على الدُّعَاء كَقَوْلِه: الْبَسِيط (يَا لعنة الله والأقوام كلهم ... وَالصَّالِحِينَ على سمعنَا من جَار) وعَلى حبذا كَقَوْلِه: الْبَسِيط انْتهى. وَكَلَامه فِي بَاب النداء أَجود قَالَ فِيهِ: وَقد يحذف المنادى قبل الْأَمر

وَالدُّعَاء فتلزم يَا. وَإِن وَليهَا لَيْت أَو رب أَو حبذا فَهِيَ للتّنْبِيه لَا للنداء. انْتهى. ف يَا إِنَّمَا تكون عِنْده حرف تَنْبِيه إِذا وَليهَا أحد الثَّلَاثَة الْأَخِيرَة. وَقد شرح كَلَامه هَذَا فِي التَّوْضِيح شرحاً شافياً قَالَ عِنْد قَول ورقة بن نَوْفَل: يَا لَيْتَني أكون حَيا إِذْ يخْرجك قَوْمك: يظنّ أَكثر النَّاس أَن يَا الَّتِي تَلِيهَا لَيْت حرف نِدَاء والمنادى مَحْذُوف فتقدير قَول ورقة: يَا مُحَمَّد لَيْتَني كنت حَيا وَتَقْدِير قَوْله تَعَالَى: يَا لَيْتَني كنت مَعَهم: يَا قوم لَيْتَني.) وَهَذَا الرَّأْي عِنْدِي ضَعِيف لِأَن قَائِل ياليتني د يكون وَحده فَلَا يكون معهة منادى لَا ثَابت وَلَا مَحْذُوف كَقَوْل مَرْيَم عَلَيْهَا السَّلَام: يَا لَيْتَني مت قبل هَذَا. وَلِأَن الشَّيْء إِنَّمَا يجوز حذفه مَعَ صِحَة الْمَعْنى بِدُونِهِ إِذا كَانَ الْموضع الَّذِي ادعِي فِيهِ حذفه مُسْتَعْملا فِيهِ ثُبُوته كحذف المنادى قبل أَمر أَو دُعَاء فَإِنَّهُ يجوز حذفه لِكَثْرَة ثُبُوته فَإِن الْآمِر والداعي يحتاجان إِلَى توكيد اسْم الْمَأْمُور والمدعو بتقديمه على الْأَمر وَالدُّعَاء. وَاسْتعْمل ذَلِك كثيرا حَتَّى صَار مَوْضِعه منبهاً عَلَيْهِ إِذا حذف. فَحسن حذفه لذَلِك. فَمن ثُبُوته قبل الْأَمر: يَا آدم اسكن أَنْت وزوجك الْجنَّة ويَا بني إِسْرَائِيل اذْكروا نعمتي ويَا بني آدم خُذُوا زينتكم

ويَا إِبْرَاهِيم أعرض عَن هَذَا ويَا يحيى خُذ الْكتاب ويَا بني أقِم الصَّلَاة ويَا أَيهَا النَّبِي اتَّقِ الله. وَمن ثُبُوته قبل الدُّعَاء: يَا مُوسَى ادْع لنا رَبك ويَا أَبَانَا اسْتغْفر لنا ويَا مَالك ليَقْضِ علينا رَبك. وَمن حذف المنادى الْمَأْمُور فِي قِرَاءَة الْكسَائي: أَلا يَا اسجدوا أَرَادَ: أَلا يَا هَؤُلَاءِ اسجدوا. فَحسن حذف المنادى قبل الْأَمر وَالدُّعَاء اعتياد ثُبُوته فِي مَحل ادِّعَاء الْحَذف. بِخِلَاف لَيْت فَإِن المنادى لم تستعمله الْعَرَب قبلهَا ثَابتا. فادعاء حذفه بَاطِل لخلوه من دَلِيل فَيتَعَيَّن كَون لَا الَّتِي تقع قبلهَا لمُجَرّد التَّنْبِيه مثل أَلا وَهَا وَمثل يَا الْوَاقِعَة قبل لَيْت فِي تجردها للتّنْبِيه الْوَاقِعَة قبل حبذا فِي قَول الشَّاعِر: (يَا حبذا جبل الريان من جبلٍ ... وحبذا سَاكن الريان من كَانَا) وَقبل رب فِي قَول الراجز: الرجز (يَا رب سارٍ بَات مَا توسدا ... إِلَّا ذارع العيس أَو كف اليدا)

انْتهى كَلَامه بِاخْتِصَار. وَقَوله: ماوي يَا ربتما غَارة منادى مرخم ماوية اسْم امْرَأَة. وَمَا فِي ربتما زَائِدَة وغارة: مجروة بربت. وَالشعرَاء بِالْعينِ الْمُهْملَة: الْغَارة المنتشرة. واللذعة بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة وَالْعين الْمُهْملَة: مصدر لذعته النَّار أَي: أحرقته. والميسم: مَا يوسم بِهِ الْبَعِير بالنَّار. وَجَوَاب رب فِي الْبَيْت الَّذِي بعده وَهُوَ: السَّرِيع ( ناهبتها الْغنم على طيعٍ ... أجرد كالقدح من الساسم)) أَي: نهبت بالغارة الْغَنِيمَة على فرس طيع منقاد لراكبه. والقدح بِالْكَسْرِ: السهْم بل أَن يراش. والساسم: خشب الآبنوس. وَهَذَا كَمَا ترى افتخار لَا يَلِيق بِهِ الْقلَّة. وَتقدم الْكَلَام عَلَيْهِ فِي الشَّاهِد السِّتين بعد السبعمائة.

( حُرُوف الْإِيجَاب) أنْشد فِيهَا (الشَّاهِد الثَّالِث عشر بعد التسْعمائَة) الوافر (أَلَيْسَ اللَّيْل يجمع أم عمروٍ ... وإيانا فَذَاك بِنَا تداني) (نعم وَترى الْهلَال كَمَا أرَاهُ ... ويعلوها النَّهَار كَمَا علاني) على أَن نعم نَا لتصديق الْخَبَر الْمُثبت المؤول بِهِ الِاسْتِفْهَام مَعَ النَّفْي فَكَأَنَّهُ قيل: إِن اللَّيْل يجمع أم عَمْرو وإيانا نعم فَإِن الْهمزَة إِذا دخلت على النَّافِي تكون لمحض التَّقْدِير أَي: حمل الْمُخَاطب على أَن يقر بأمرٍ يعرفهُ وَهِي فِي الْحَقِيقَة للإنكار. وإنكار النَّفْي إِثْبَات. وَمُرَاد الشَّارِح الْمُحَقق بِهَذَا التَّوْجِيه وَالشَّاهِد الرَّد على ابْن الطرواة فِي زَعمه أَن مَجِيء نعم بعد الِاسْتِفْهَام الدَّاخِل على النَّافِي لحن وَالْوَاجِب مَجِيء بلَى فَإِنَّهُ قد لحن سِيبَوَيْهٍ بِمثلِهِ فِي بَاب مَا يجْرِي عَلَيْهِ صفة مَا كَانَ من سَببه قَالَ فِيهِ: وَإِن زعم زاعم أَنه يَقُول: مَرَرْت بِرَجُل مخالط بدنه دَاء فَفرق بَينه وَبَين الْمنون. قيل لَهُ: أَلَسْت قد علمت أَن الصّفة إِذا كَانَت للْأولِ فالتنوين وَغير التَّنْوِين سَوَاء إِذا أردْت بِإِسْقَاط التَّنْوِين معنى التَّنْوِين نَحْو قَوْلك: مَرَرْت بِرَجُل ملازم أَبَاك ومررت بِرَجُل ملازم أَبِيك أَو ملازمك فَإِنَّهُ لَا يجد بدّاً من أَن يَقُول: نعم وإلاّ خَالف جَمِيع الْعَرَب والنحويين. فَإِذا قَالَ ذَلِك قلت: أفلست

تجْعَل هَذَا الْعَمَل إِذا كَانَ منوناً وَكَانَ لشَيْء من سَبَب الأول أَو الْتبس بِهِ بِمَنْزِلَتِهِ إِذا كَانَ للْأولِ فَإِنَّهُ قَائِل: نعم. انْتهى كَلَامه. قَالَ أَبُو حَيَّان فِي تَذكرته بعد أَن نقل كَلَام سِيبَوَيْهٍ: قد لحّن ابْن الطّراوة سِيبَوَيْهٍ فِي اسْتِعْمَاله نعم فِي هذَيْن الْمَوْضِعَيْنِ وَقَالَ: إنّما هُوَ مَوضِع بلَى لَا مَوضِع نعم. وَهُوَ كَمَا قَالَ فِي أَكثر مَا يُوجد من كَلَام النُّحَاة وَهُوَ لَا شكّ أَكثر فِي الِاسْتِعْمَال وعَلى ذَلِك جَاءَ مَا يروون عَن ابْن عبّاس من قَوْله فِي قَول الله تَعَالَى: أَلَسْت بربّكم إِنَّهُم لَو قَالُوا: نعم) لكفروا. وَلَكِن قد يُوجد مَعَ ذَلِك خِلَافه. قَالَ الشَّاعِر: أَلَيْسَ اللّيل يجمع أمّ عمرٍ والْبَيْتَيْنِ ويفتقر كَلَام ابْن عَبَّاس مَعَ وجود قَول هَذَا الْقَائِل إِلَى فضل نظر وَهُوَ أَن يَقُول: نعم فِي قَول الشَّاعِر لَيْسَ بِجَوَاب لِأَن الْجَواب ب نعم إِذا جَاءَ بعد الِاسْتِفْهَام إِنَّمَا يكون تَصْدِيقًا لما بعد ألف وَلم يرد الشَّاعِر أَن يصدّق أَنه لَا يجمعه اللَّيْل مَعَ أمّ عَمْرو فَلذَلِك يكون بَنو آدمٍ إِذا قَالُوا فِي جَوَاب: أَلَسْت بربّكم: نعم كفّاراً لِأَن الْجَواب بنعم يكون تَصْدِيقًا لما بعد ألف الِاسْتِفْهَام من النَّفْي وَهُوَ الْأَكْثَر فِي الِاسْتِعْمَال وَلكنه لَا يمْتَنع مَعَ ذَلِك أَن يَقُولُوا: نعم لَا على الْجَواب وَلَكِن على التَّصْدِيق لِأَن الِاسْتِفْهَام فِي أَلَسْت بربّكم تَقْرِير والتقرير خبر مُوجب. فَإِذا كَانَ التَّقْرِير خَبرا مَعْنَاهُ الْإِيجَاب جَازَ أَن يَأْتِي نعم كَمَا يَأْتِي بعد الْخَبَر الْمُوجب للتصديق. وَإِذا كَانَ الْأَمر كَذَلِك لم يكن فِي

إجَازَة نعم فِي الْآيَة وَفِي الشّعْر مُخَالفَة لِابْنِ عَبَّاس فِيمَا قَالَه لِأَنَّهُمَا لم يتواردا على معنى وَاحِد فَإِن الَّذِي مَنعه إِنَّمَا مَنعه على أنّ نعم جَوَاب وَإِذا كَانَ جَوَابا إِنَّمَا يكون تَصْدِيقًا لما بعد ألف الِاسْتِفْهَام وَالَّذِي أجَازه إِنَّمَا أجَازه على أَن تكون نعم غير جَوَاب. وإتمام نعم فِيهِ على وَجه التَّصْدِيق كَمَا فِي قَوْلك: نعم لمن قَالَ: قَامَ زيد. انْتهى كَلَامه. وَاخْتَصَرَهُ الْمرَادِي فِي الجنى الداني. فقد اتّفق الشَّارِح الْمُحَقق وَأَبُو حَيَّان فِي هَذَا التَّوْجِيه. وَقد جَاءَ فِي الحَدِيث مثل ذَلِك الشّعْر وَهُوَ قَول الْأَنْصَار للنَّبِي صلّى الله عَلَيْهِ وسلّم وَقد قَالَ لَهُم: ألستم ترَوْنَ لَهُم ذَلِك قَالُوا: نعم. وَهَذَا التَّوْجِيه نسبه ابْن هِشَام فِي بحث نعم من الْمُغنِي إِلَى جمَاعَة من الْمُتَقَدِّمين والمتأخرين مِنْهُم الشلوبين: إِذا كَانَ قبل النَّفْي اسْتِفْهَام فَإِن كَانَ على حَقِيقَته فَجَوَابه كجواب النَّفْي الْمُجَرّد وَإِن كَانَ مرَادا بِهِ التَّقْرِير فالأكثر أَن يُجَاب بِمَا يُجَاب بِهِ النَّفْي رعياً للفظه. وَيجوز عِنْد أَمن اللّبْس أَن يُجَاب بِمَا يُجَاب بِهِ الْإِيجَاب رعياً لمعناه أَلا ترى أَنه لَا يجوز بعده دُخُول أحدٍ وَلَا الِاسْتِثْنَاء المفرغ لَا يُقَال: أَلَيْسَ أحد فِي الدَّار وَلَا أَلَيْسَ فِي الدَّار إِلَّا زيد. وعَلى ذَلِك جَاءَ قَول الْأَنْصَار وَقَول الشَّاعِر: نعم بعد النَّفْي المقرون بِهَمْزَة الِاسْتِفْهَام. قَالَ ابْن) هِشَام: وعَلى هَذَا جرى كَلَام سِيبَوَيْهٍ والمخطئ مُخطئ. وَقَالَ فِي بحث بلي: أجروا النَّفْي مَعَ التَّقْرِير مجْرى النَّفْي الْمُجَرّد فِي رده ببلى وَلذَلِك قَالَ ابْن عَبَّاس وَغَيره: لَو قَالُوا نعم لكفروا. وَوَجهه أَن نعم تَصْدِيق

للمخبر بِنَفْي أَو إِيجَاب. - وَلذَلِك قَالَ جمَاعَة من الْفُقَهَاء: لَو قَالَ: أَلَيْسَ لي عنْدك ألف. فَقَالَ: بلَى لَزِمته. وَلَو قَالَ: نعم. لم تلْزمهُ. وَقَالَ آخَرُونَ: تلْزمهُ فيهمَا. وجروا فِي ذَلِك على مُقْتَضى الْعرف لَا اللُّغَة. وَنَازع السُّهيْلي وَغَيره فِي المحكي عَن ابْن عَبَّاس وَغَيره فِي الْآيَة مستمسكين بِأَن الِاسْتِفْهَام التقريري خبر مُوجب. وَلذَلِك امْتنع سِيبَوَيْهٍ من جعل أم مُتَّصِلَة فِي قَوْله تَعَالَى: أَفلا تبصرون أم أَنا خير لِأَنَّهَا لَا تقع وَيشكل عَلَيْهِم أَن بلَى لَا يُجَاب بهَا الْإِيجَاب وَذَلِكَ مُتَّفق عَلَيْهِ. قَالَ الدماديني: لَا إِشْكَال فَإِن هَؤُلَاءِ راعوا صُورَة النَّفْي الْمَنْطُوق بِهِ فيجاب ببلى حَيْثُ يُرَاد إبِْطَال النَّفْي الْوَاقِع بعد الْهمزَة وجوزوا الْجَواب بنعم على أَنه تَصْدِيق لمضمون الْكَلَام جَمِيعه: الْهمزَة ومدخولها وَهُوَ إِيجَاب. ودعواه الِاتِّفَاق مُنَازع فِيهَا. أما إِن أَرَادَ الْإِيجَاب الْمُجَرّد من النَّفْي أصلا ورأساً فقد حكى فِيهِ الرضي الْخلاف. وَأما إِن أَرَادَ مَا هُوَ أَعم حَتَّى يَشْمَل التَّقْرِير المصاحب للنَّفْي فَالْخِلَاف مَوْجُود مَشْهُور وَذكره المُصَنّف عَن الشلوبين وَغَيره فِي نعم وَهنا أَيْضا بقوله: إِنَّهُم أجروا النَّفْي مَعَ التَّقْرِير مجْرى النَّفْي الْمُجَرّد فِي رده ببلى. انْتهى. هَذَا وَقد قَالَ أَبُو حَيَّان فِي الارتشاف: وَأما قَول جحدر: أَلَيْسَ اللَّيْل يجمع أم عَمْرو الْبَيْتَيْنِ فَلَيْسَ نصا فِي أَن التَّقْرِير يُجَاب بنعم. انْتهى.

- فَلَا يدْفع التَّنَاقُض بَين كَلَام ابْن عَبَّاس وَكَلَام غَيره بِمَا ذكره الشَّارِح الْمُحَقق فَلَا بُد من دَلِيل سَمْعِي يبين جَوَاز ذَلِك. قَالَ أَبُو حَيَّان: وَلم يذكر سوى بَيْتِي جحدر وَقد ذكر لَهُ عدَّة تأويلات فَلَا يقوم بِمثلِهِ حجَّة وَقد أول بِثَلَاثَة تأويلات: أَحدهَا: لِابْنِ عُصْفُور وَهُوَ أَن تكون نعم فِيهِ جَوَابا لغير مَذْكُور قَالَ أجرت لعرب التَّقْرِير فِي الْجَواب مجْرى النَّفْي الْمَحْض وَإِن كَانَ إِيجَابا فِي الْمَعْنى فَإِذا قيل: ألم أعطك درهما قيل فِي) تَصْدِيقه: نعم وَفِي تَكْذِيبه: بلَى وَذَلِكَ لِأَن الْمُقَرّر قد يوافقك فِيمَا تدعيه وَقد يخالفك فَإِذا قَالَ: نعم لم تعلم هَل أَرَادَ نعم لم تعطني على اللَّفْظ أَو نعم أَعْطَيْتنِي على الْمَعْنى فَلذَلِك أجابوه على اللَّفْظ وَلم يلتفتوا إِلَى الْمَعْنى. وَأما نعم فِي بَيت جحدر فجواب لغير مَذْكُور وَهُوَ مَا قدره فِي اعْتِقَاده أَن اللَّيْل يجمعه وَأم عَمْرو. وَجَاز ذَلِك لأمن اللّبْس لعلمه أَن كل أحدٍ يعلم أَن اللَّيْل يجمعه وَأم عَمْرو. وَأما قَول الْأَنْصَار فَجَاز لزوَال اللّبْس لِأَنَّهُ قد علم أَنهم يُرِيدُونَ نعم نَعْرِف لَهُم ذَلِك. وعَلى هَذَا يحمل اسْتِعْمَال سِيبَوَيْهٍ لَهَا بعد التَّقْرِير. انْتهى. ثَانِيهَا: لِابْنِ عُصْفُور أَيْضا: أَنه جَوَاب لما بعده كَقَوْلِهِم: نعم هَذِه أطلالهم. قَالَ: وَيجوز أَن تكون جَوَابا لقَوْله وَترى الْهلَال الْبَيْت. وَفِيه نظر لِأَن قَوْله: وَترى الْهلَال عطف على مَا قبله فَهُوَ دَاخل تَحت التَّقْرِير. ثالثهما: لأبي حَيَّان وَتَبعهُ ابْن هِشَام قَالَ: الْأَحْسَن أَن تكون جواباُ لقَوْله: فَذَاك بِنَا تداني فَتكون الْجُمْلَة مُعْتَرضَة بَين المتعاطفين وَلَيْسَت دَاخِلَة تَحت التَّقْرِير وَتَقَدَّمت على نعم لفظا وَمعنى.

وَرَأَيْت فِي تَرْجَمَة جميل بن معمر العذري من كتاب الشُّعَرَاء لِابْنِ قُتَيْبَة رِوَايَة الْبَيْت الثَّانِي كَذَا: أرى وضح الْهلَال كَمَا ترَاهُ وَقد رَوَاهُ السكرِي فِي كتاب اللُّصُوص فِي نُسْخَة قديمَة صَحِيحَة: بلَى وَترى الْهلَال كَمَا أرَاهُ وَعَلَيْهِمَا لَا شَاهد فِيهِ. قَالَ ابْن هِشَام: ويتحرر على هَذَا أَنه لَو أُجِيب أَلَسْت بربكم بنعم لم يكف فِي الْإِقْرَار لِأَن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أوجب فِي الْإِقْرَار بِمَا يتَعَلَّق بالربوبية الْعبارَة الَّتِي لَا تحْتَمل غير الْمَعْنى المُرَاد من الْمقر وَلِهَذَا لَا يدْخل فِي الْإِسْلَام بقوله: لَا إِلَه إِلَّا الله بِرَفْع إِلَه لاحْتِمَاله لنفي الْوحدَة فَقَط. وَلَعَلَّ ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما إِنَّمَا قَالَ: إِنَّهُم لَو قَالُوا نعم لم يكن إِقْرَارا كَافِيا. وَجوز الشلوبين أَن يكون مُرَاده أَنهم لَو قَالُوا نعم جَوَابا للملفوظ بِهِ على مَا هُوَ الْأَفْصَح لَكَانَ كفرا إِذا الأَصْل تطابق الْجَواب وَالسُّؤَال لفظا. وَفِيه نظر لِأَن التفكير لَا يكون بِالِاحْتِمَالِ.) وَقَوله: وَلَعَلَّ ابْن عَبَّاس يُرِيد أَن النَّقْل الْمَشْهُور عَنهُ نقل بِالْمَعْنَى قَالَ الدماميني: وَهَذَا لَا وَجه لَهُ فَإِنَّهُ مُعَارضَة للنَّقْل الثَّابِت الْمَشْهُور بِمُجَرَّد احْتِمَال عَدمه من غير ثَبت. انْتهى.

وَقد أورد الدماميني حِكَايَة عَن الْوَجْه الأول من التأويلات لَا بَأْس بإيرادها قَالَ: أخْبرت بِمَكَّة سنة ثَمَانِي عشرَة وَثَمَانمِائَة أَن مَوْلَانَا قَاضِي الْقُضَاة أَبَا الْفضل النويري الشَّافِعِي النَّاظر فِي الحكم للعزيز بِمَكَّة المشرفة سَأَلَ الشَّيْخ جمال الدَّين ابْن هِشَام مُصَنف هَذَا الْكتاب عَمَّا جرى بِهِ الْعرف فِي هَذِه الْأَزْمِنَة من أَن الْإِنْسَان إِذا طرق بَاب صَاحبه يَقُول: نعم نعم يُرِيد الْإِعْلَام بِحُضُورِهِ وَهل لهَذَا أصل فِي لِسَان الْعَرَب فَقَالَ: نعم وَقد ذكرت ذَلِك فِي كتابي مُغنِي اللبيب. فَقَالَ لي ذَلِك الْمخبر: لم أظفر بذلك فِي الْمُغنِي وَسَأَلت عَنهُ جمَاعَة فَلم يحصل جَوَاب. قلت لَهُ: هُوَ فِي موضِعين: أَحدهمَا: قَوْله قبل هَذَا: إِن نعم تقع جَوَابا لسؤال مُقَدّر. وَالثَّانِي: قَول ابْن عُصْفُور إِن نعم فِي بَيت جحدر جَوَاب لغير مَذْكُور. وَكَذَلِكَ قَول هَذَا الطارق: نعم نعم جَوَاب لما قدره فِي اعْتِقَاده من أَن صَاحب الْمنزل لشدَّة احتفاله والتفاته إِلَيْهِ يسْأَل: هَل حضر فلَان وقاضي مَكَّة الْمشَار إِلَيْهِ هَذَا هُوَ أحد مشايخي أَخْبرنِي بمغني اللبيب عَن مُصَنفه وأجازني إجَازَة عَامَّة وَكتب لي خطة بذلك. انْتهى. وَقَول الشَّاعِر: وَذَاكَ بِنَا تداني ذَاك إِشَارَة إِلَى جمع اللَّيْل إيَّاهُمَا. والتداني: التقارب. والبيتان أبرد مَا قيل فِي بَاب القناعة من لِقَاء الأحباب. وَقَالَ ابْن قُتَيْبَة: وَجَمِيل مِمَّن رَضِي بِالْقَلِيلِ فَقَالَ:

الطَّوِيل (أقلب طرفِي فِي السَّمَاء لَعَلَّه ... يُوَافق طرفِي طرفها حِين تنظر) ومنهما أخذت قَوْلهَا عَلَيْهِ بنت الْمهْدي العباسي أوردهُ الصولي فِي ترجمتها من كتاب الأوراق: الطَّوِيل (أليست سليمى تَحت سقفٍ يكنها ... وإياي هَذَا فِي الْهوى لي نَافِع ) (ويلبسها اللَّيْل البهيم إِذا دجا ... وتبصر ضوء الصُّبْح وَالْفَجْر سَاطِع) (تدوس بساطاً قد أرَاهُ وأنثني ... أطاه برجلي كل ذَا لي شَافِع)) والبيتان من قصيدة لجحدر بن مَالك الْحَنَفِيّ قَالَهَا وَهُوَ فِي سجن الْحجَّاج وأرسلها إِلَى الْيَمَامَة. وَقد تقدم سَبَب حَبسه مَعَ تَرْجَمته فِي الشَّاهِد الْحَادِي وَالسِّتِّينَ بعد الْخَمْسمِائَةِ وَهِي هَذِه من (تأوبني فَبت لَهَا كبيعاً ... همومٌ لَا تُفَارِقنِي حواني) (هِيَ العواد لَا عواد قومِي ... أطلن عيادتي فِي ذَا الْمَكَان) (إِذا مَا قلت قد أجلين عني ... ثني ريعانهن عَليّ ثَانِي) (وَكَانَ مقرّ منزلهن قلبِي ... فقد أنفهنه فالقلب آني) (أَلَيْسَ الله يعلم أَن قلبِي ... يحبك أَيهَا الْبَرْق الْيَمَانِيّ) (وأهوى أَن أُعِيد إِلَيْك طرفِي ... على عدواء من شغلٍ وشان)

. (نظرت وناقتاي على تعادٍ ... مطاوعتا الأزمة ترحلان) (إِلَى ناريهما وهما قريبٌ ... تشوقان الْمُحب وتوقدان) (وهيجني بلحنٍ أعجميً ... على غُصْنَيْنِ من غربٍ وَبَان) (فَكَانَ البان أَن بَانَتْ سليمى ... وَفِي الغرب اغترابٌ غير داني ) (أَلَيْسَ اللَّيْل يجمع أم عَمْرو ... وإيانا فَذَاك بِنَا تداني) (بلَى وَترى الْهلَال كَمَا أرَاهُ ... ويعلوها النَّهَار كَمَا علاني) (فَمَا بَين التَّفَرُّق غير سبعٍ ... بَقينَ من الْمحرم أَو ثَمَان) (فيا أخوي من جشم بن سعدٍ ... أقلا اللوم إِن لم تنفعاني) (إِلَى قومٍ إِذا سمعُوا بنعيٍ ... بَكَى شُبَّانهمْ وَبكى الغواني) (وقولا جحدرٌ أَمْسَى رهيناً ... يحاذر وَقع مصقولٍ يماني) (يحاذر صولة الْحجَّاج ظلما ... وَمَا الْحجَّاج ظلاماً لجاني) (ألم ترني غذيت أَخا حروبٍ ... إِذا لم أجن كنت مجن جاني) (فَإِن أهلك فَرب فَتى سيبكي ... عَليّ مخضبٍ رخص البنان) (وَلم أك قد قضيت دُيُون نَفسِي ... وَلَا حق المهند والسنان) قَوْله: تأوبني فَبت لَهَا كبيعا أَي: أَتَانِي لَيْلًا هموم من الأوب وَهُوَ

(الشاهد الرابع عشر بعد التسعمائة)

الرُّجُوع. والكبيع بِفَتْح الْكَاف وَكسر الْمُوَحدَة قَالَ السكرِي: كَبيع وكابع بِمَعْنى أَي: مشدود.) وَقَالَ السُّيُوطِيّ فِي شرح أَبْيَات الْمُغنِي: وكنيعاً من كنع الرجل إِذا خضع ولان. انْتهى. - وَكَأن نسخته الَّتِي نقل مِنْهَا كَانَت بالنُّون. وحواني: جمع حانية من حَنى عَلَيْهِ حنواً أَي: تعطف بِدَلِيل مَا بعده وَهُوَ قَوْله: هِيَ العواد. وَزعم السُّيُوطِيّ أَنه كمن الْحِين بِالْفَتْح وَهُوَ الْهَلَاك. قَالَ السكرِي: وريعانهن: أوائلهن. وأنفهنه قَالَ صَاحب الصِّحَاح: نفهت نَفسه بِالْكَسْرِ: أعيت وكلت وَقد أَنفه فلَان إبِله ونفهها إِذا أكلهَا وأعياها. انْتهى. وَهُوَ بالنُّون وَالْفَاء وَالْهَاء. قَالَ السكرِي: الآني: المنتهي فِي الغليان. وعدوا الشّغل بِضَم الْعين وَفتح الدَّال الْمُهْمَلَتَيْنِ وَالْوَاو وَالْمدّ أَي: موانعه. وَقَوله: فَإِن أهلك فَرب فَتى سيبكي ... إِلَخ أوردهُ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي على أَنه يجوز أَن يكون الْفِعْل بعد ربٌ مُسْتَقْبلا كَمَا فِي الْبَيْت. وروى بدل: مخضب: مهذب وَهُوَ المطهر الْأَخْلَاق. والرخص: الناعم. والبنان: أَطْرَاف الْأَصَابِع. وَأنْشد بعده (الشَّاهِد الرَّابِع عشر بعد التسْعمائَة) الطَّوِيل (وَقد بَعدت بالوصل بيني وَبَينهَا ... بلَى إِن من زار الْقُبُور ليبعدا)

. على أَن بَعضهم زعم أَن بلَى تسْتَعْمل بعد الْإِيجَاب كَمَا فِي الْبَيْت. وَهُوَ شَاذ وَكَانَ الْقيَاس نعم. وَإِنَّمَا قَالَ شَاذ وَلم يقل ضَرُورَة لِأَنَّهُ جَاءَ مثله فِي الحَدِيث الصَّحِيح: أخرج البُخَارِيّ فِي كتاب الْأَيْمَان وَالنُّذُور من صَحِيحه عَن عبد الله بن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: بَيْنَمَا رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ مضيف إِلَى قبَّة من أَدَم يمَان إِذْ قَالَ لأَصْحَابه: أَتَرْضَوْنَ أَن تَكُونُوا ربع أهل الْجنَّة قَالُوا: بلَى. قَالَ: أفلم ترضوا أَن تَكُونُوا ثلث أهل الْجنَّة قَالُوا: بلَى. قَالَ: فوالذي نفس مُحَمَّد بِيَدِهِ إِنِّي لأرجو أَن تَكُونُوا نصف أهل الْجنَّة. وَقَوله: مضيف أَي: مُسْند ظَهره الشريف. وبلى الأولى أُجِيب بهَا الِاسْتِفْهَام الْمُجَرّد عَن النَّفْي وَهُوَ مَوضِع نعم كَمَا ورد فِيهِ عَنهُ. فَإِن البُخَارِيّ قد أخرجه عَنهُ فِي الرقَاق أَيْضا قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فِي قبَّة) فَقَالَ: أَتَرْضَوْنَ أَن تَكُونُوا ربع أهل الْجنَّة قُلْنَا: نعم. قَالَ: وَالَّذِي نفس مُحَمَّد بِيَدِهِ إِنِّي لأرجو أَن تَكُونُوا نصف أهل الْجنَّة. وَذَلِكَ أَن الْجنَّة لَا يدخلهَا إِلَّا نفس مسلمة وَمَا أَنْتُم فِي أهل الشّرك إِلَّا كالشعرة الْبَيْضَاء فِي جلد الثور الْأسود أَو كالشعر السَّوْدَاء فِي جلد الثور الْأَبْيَض. وَكَذَا جَاءَ فِي صَحِيح مُسلم أخرج مُسلم فِي كتاب الْهِبَة عَن النُّعْمَان ابْن بشير قَالَ: انْطلق بِي أبي يحملني إِلَى رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فَقَالَ: يَا رَسُول الله اشْهَدْ أَنِّي قد نحلت النُّعْمَان كَذَا وَكَذَا من مَالِي. فَقَالَ: أكل بنيك قد نحلت مثل مَا نحلت النُّعْمَان قَالَ: لَا. قَالَ: فَأشْهد على هَذَا غَيْرِي. ثمَّ قَالَ: أَيَسُرُّك أَن يَكُونُوا إِلَيْك فِي الْبر سَوَاء قَالَ: بلَى. قَالَ: فَلَا إِذن.

فَفِي الْمَوْضِعَيْنِ أَيْضا وَقعت بلَى فِي جَوَاب الِاسْتِفْهَام الْمُجَرّد وَهُوَ مَوضِع نعم. وَمثله فِي الشّعْر قَول الْكُمَيْت بن ثَعْلَبَة: الوافر (نشدتك يَا فزار وَأَنت شيخٌ ... إِذا خيرت تخطئ فِي الْخِيَار) (أصيحانيةٌ أدمت بسمنٍ ... أحب إِلَيْك أم أير الْحمار) (بلَى أير الْحمار وخصيتاه ... أحب إِلَيّ فَزَارَة من فزار ) وَالتَّمْر الصيحاني: تمر مَعْرُوف بِالْمَدِينَةِ المنورة. وَهَذَا من التقارض فَإِن نعم اسْتعْملت اسْتِعْمَال بلَى فِي بَيْتِي جحدر وَنَحْوه وبلى اسْتعْملت اسْتِعْمَال نعم فِي هَذِه الْأَحَادِيث وهذين الشعرين. وَقَوله: وَقد بَعدت بالوصل ... إِلَخ بعد الشَّيْء بِضَم الْعين ويعدى بِالْبَاء. وفاعل بَعدت ضمير الحبيبة وَبعدهَا عَنهُ هُنَا إِنَّمَا هُوَ مَوتهَا وزيارتها الْقَبْر. وَلِهَذَا قَالَ: بلَى إِن من زار الْقُبُور ... إِلَخ. وبيني وَبَينهَا ظرف مُتَعَلق بِمَحْذُوف حَال من الْوَصْل. وَقَوله: ليبعدا اللَّام للتَّأْكِيد وَهِي الَّتِي تَجِيء فِي خبر إِن وَتسَمى المزحلقة والأف مبدلة من نون التوكيد الْخَفِيفَة فَإِنَّهَا تبدل ألفا فِي الْوَقْف. وفاعل يبعد ضمير من. وَهَذَا الْبَيْت لم أعرفهُ وَلم أنظرهُ إِلَّا فِي هَذَا الشَّرْح. وَالله أعلم. (فَلَا تبعدن يَا خير عَمْرو بن جندبٍ ... بلَى إِن من زار الْقُبُور ليبعدا)

(الشاهد الخامس عشر بعد التسعمائة)

وَأنْشد بعده (الشَّاهِد الْخَامِس عشر بعد التسْعمائَة) وَهُوَ من شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ: مجزوء الْكَامِل ( وَيَقُلْنَ شيبٌ قد علا ... ك وَقد كَبرت فَقلت: إِنَّه) على أَن سِيبَوَيْهٍ قَالَ: إِن فِيهِ حرف تَصْدِيق للْخَبَر بِمَنْزِلَة أجل. وَالْهَاء للسكت قَالَ سِيبَوَيْهٍ فِي بَاب مَا تلْحقهُ الْهَاء لتتبين الْحَرَكَة: وَمثل مَا ذكرت قَول الْعَرَب إِنَّه وهم يُرِيدُونَ إِنَّه وَمَعْنَاهَا أجل. وَأنْشد هَذَا الْبَيْت. قَالَ الأعلم: الشَّاهِد فِيهِ تَبْيِين حَرَكَة النُّون بهاء السكت لِأَنَّهَا حَرَكَة بِنَاء لَا تَتَغَيَّر لإعراب فكرهوا تسكينها لِأَنَّهَا حَرَكَة مَبْنِيّ لَازِمَة. وَمعنى إِن هَا هُنَا نعم. انْتهى. وَقَالَ النّحاس: وَفِي نُسْخَة أبي الْحسن الْأَخْفَش هَذَا الْبَيْت وَلَيْسَ عِنْدِي عَن أبي إِسْحَاق. وَفِي النُّسْخَة: أَي فَقلت أجل. وَسَأَلت عَنهُ أَبَا الْحسن فَقَالَ: إِن بِمَعْنى نعم وَالْهَاء لبَيَان الْحَرَكَة وَكَانَت خطباء قُرَيْش تفتتح خطبتها بنعم. انْتهى. وَقَالَ أَبُو عَليّ فِي البغداديات بعد نقل قَول سِيبَوَيْهٍ فِي الْبَيْت: وَكَانَ أَبُو بكرٍ أجَاز فِيهِ مرّة أَن تكون إِن المحذوفة الْخَبَر كَأَنَّهُ قَالَ: إِن الشيب قد علاني فأضمره فَجرى بذلك ذكره وَحذف خَبره للدلالة عَلَيْهِ. قَالَ: وَحذف الْخَبَر فِي هَذَا أحسن لِأَن عنايته بِإِثْبَات الشيب نَفسه كَمَا أَنه يحذف مَعهَا الْخَبَر لما كَانَ غَرَضه ووكده كإثبات الْمحل فِي قَوْله:

المنسرح إِن محلا وَإِن مرتحلا قَالَ: وَهَذَا أحد مَا تشبه فِيهِ إِن لَا النافية العاملة النصب. انْتهى. وَزعم أَبُو عبيد أَن إِن بمعنمى نعم غير مَوْجُودَة وَهِي فِي الْبَيْت مُؤَكدَة الْهَاء اسْمهَا وخبرها مَحْذُوف أَي: إِنَّه قد كَانَ كَمَا يقلن. قَالَ الْجَوْهَرِي: قَالَ أَبُو عبيد: وَهَذَا اخْتِصَار من كَلَام الْعَرَب يَكْتَفِي مِنْهُ بالضمير لِأَنَّهُ قد علم مَعْنَاهُ. وَأما قَول الْأَخْفَش: إِنَّه بِمَعْنى نعم فَإِنَّمَا يُرِيد تَأْوِيله لَيْسَ أَنه مَوْضُوع فِي أصل اللُّغَة لذَلِك. انْتهى. قَالَ ابْن الشجري فِي أَمَالِيهِ بعد نقل هَذَا الْكَلَام عَن أبي عبيد: وَالْهَاء فِي تَفْسِير أبي عبيدٍ) للشأن. وَلم يتعقبه بِشَيْء. وَلَا يخفي أَن ضمير الشَّأْن لَا يجوز حذف خَبره بل يجب التَّصْرِيح بجزأي الْجُمْلَة من خَبره. وَقَول الشَّارِح الْمُحَقق تبعا لغيره: الْخَبَر مَحْذُوف أَي: إِنَّه كَذَلِك لَيْسَ الضَّمِير فِيهِ للشأن لِأَن شَرط خَبره أَن يكون فِي أصل جملَة مُسْتَقلَّة. وَكَذَلِكَ لَيْسَ جملَة إِنَّمَا هُوَ شبه جملَة بل الضَّمِير فِيهِ رَاجع إِلَى القَوْل الْمَفْهُوم من يقلن أَي: إِن قولهن كَذَلِك. وكالشارح الْمُحَقق نقل ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي أَن التَّقْدِير: إِنَّه كَذَلِك. ولفق لَهُ شَارِحه ابْن الملا من هُنَا وَمن هُنَا كلَاما مختل النظام أعرضنا عَنهُ لعدم جدواه فِي الْمقَام ولقلاقته على الأفهام.

وَقَول الشَّارِح الْمُحَقق فِي إِن وراكبها: إِنَّه لتقدير مَضْمُون الدُّعَاء وَهُوَ خلاف تَصْدِيق الْخَبَر أَقُول: لَا يُخَالِفهُ فَإِن جملَة لعن الله نَاقَة حَملتنِي إِلَيْك هِيَ خبرية لفظا فالتصديق رَاجع إِلَيْهَا بِاعْتِبَار لَفظهَا ووضعها وَقصد الدُّعَاء فِيهَا أَمر معنوي طارٍ عَلَيْهَا. وَقد جَاءَت فِي هَذَا الْبَيْت لتصديق الْخَبَر الْمَنْفِيّ قَالَ سَاعِدَة الْهُذلِيّ: الْبَسِيط (وَلَا أقيم بدار الذل إِن وَلَا ... آتِي إِلَى الْغدر أخْشَى دونه الخمجا) قَالَ السكرِي فِي شَرحه: إِن هُنَا بِمَعْنى نعم. والخمج بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَالْمِيم وَالْجِيم: سوء وَجَاءَت لتصديق الْخَبَر الْمُثبت أَيْضا فِيمَا أنْشدهُ ابْن الشجري وَهُوَ الْكَامِل (قَالُوا غدرت فَقلت إِن وَرُبمَا ... نَالَ المنى وشفا الغليل الغادر) وَمِنْه خبر ابْن الزبير وَجَاءَت بعد الِاسْتِفْهَام أَيْضا فِيمَا أنْشدهُ ابْن هِشَام فِي أَوَاخِر الْبَاب الْخَامِس من الْمُغنِي وَهُوَ: الْكَامِل (قَالُوا أخفت فَقلت إِن وخيفتي ... مَا إِن تزَال منوطةً برجائي ) وَنقل ابْن الملا عَن أبي حَيَّان أَن إِن فِي هَذِه الْمَوَاضِع هِيَ الْمُؤَكّدَة حذف معمولاها فَإِنَّهُ قَالَ: إِن كَلَام ابْن الزبير لَا ينتهض دَلِيلا لِابْنِ مَالك على أَن إِن فِيهِ بِمَعْنى نعم لِأَنَّهُ مِمَّا حذف فِيهِ الِاسْم وَالْخَبَر وَلَا يجوز حذفهما مَعًا إِلَّا مَعَ

إِن وَقد حذفت الْعَرَب الْجُمْلَة إِلَّا حرفا مِنْهَا كَمَا فِي قَوْلهم: قاربت الْمَدِينَة وَلما وَقَوله: الرجز ( ... ... ... ... ... . . وَإِن ... كَانَ فَقِيرا معدماً قَالَت وَإِن)) فَإِن التَّقْدِير: وَلما أدخلها وَإِن كَانَ فَقِيرا معدماً قبلته. هَذَا كَلَامه. وَلَا يخفى أَن الْمَنْصُوص فِي إِن وَأَخَوَاتهَا جَوَاز حذف أحد معموليها فَقَط وَلم يجز أحد حذفهما معاُ مَعَ بَقَاء إِن نعم يجوز أَن يحذف معمولاها مَعهَا. وَالْفرق بَينهَا وَبَين لما وَإِن ظَاهر فَإِن وَإِن لتأكيد نِسْبَة الْكَلَام فجيء لمزيد الاعتناء بِهِ فَلَا يجوز حذفه لِئَلَّا يبطل الْغَرَض. وَأجَاب ابْن الملا بِأَنَّهُ حذف فيهمَا لسبق الْقَرِينَة وَمَا نَحن فِيهِ لَيْسَ من ذَلِك إِلَّا أَن يدعى أَن وُقُوع إِن فِي جَوَاب قَوْله: قرينَة وَيكون التَّقْدِير: إِنَّهَا ملعونة. وَهُوَ تكلّف. وَيشكل عَلَيْهِ عطف جملَة الدُّعَاء على جملَة الْخَبَر وَإِن صَححهُ بَعضهم. هَذَا كَلَامه. وَالْبَيْت شَاهد من جملَة أَبْيَات أوردهَا صَاحب الأغاني لِعبيد الله بن قيس الرقيات وَهِي: ( بكر العواذل فِي الصِّبَا ... ح يلمنني وألومهنه) (وَيَقُلْنَ شيبٌ قد علا ... ك وَقد كَبرت فَقلت إِنَّه) (لابد من شيبٍ فدع ... ن وَلَا تطلن ملامكنه) (وَلَقَد عصيت الناهيا ... ت النازات جيوبهنه)

. (حَتَّى ارعويت إِلَى الرشا ... د وَمَا ارعويت لنهيهنه) وَرُوِيَ الصبوح بدل الصَّباح وَهُوَ مَا يشرب فِي وَقت الصَّباح. وَبكر: جَاءَ بكرَة هَذَا أَصله ثمَّ اسْتعْمل فِي كل وَقت. والعواذل: جمع عاذلة. وَرَوَاهُ صَاحب الصِّحَاح: قَالَ ابْن السيرافي: يلحينني: يلمنني على اللَّهْو والغزل. وألومهن على لومهن لي وَيَقُلْنَ: قد شبت وَكَبرت فَقلت: نعم. يُرِيد أَنه يَأْتِي مَا يَأْتِي على علمٍ مِنْهُ بِأَمْر نَفسه. وَالْمعْنَى وَاضح. انْتهى. والجيوب: جمع جيب وَهُوَ طوق الْقَمِيص. والارعواء: النُّزُوع عَن الْجَهْل وَحسن الرُّجُوع عَنهُ. وَقد ارعوى: رَجَعَ عَن غيه. وَكَبرت بِكَسْر الْيَاء بِمَعْنى صرت كَبِيرا. وَالْهَاء فِي القوافي للسكت. وَابْن قيس الرقيات اسْمه عبيد الله بِالتَّصْغِيرِ وَقد تقدّمت تَرْجَمته فِي الشَّاهِد الثَّالِث وَالثَّلَاثِينَ بعد الْخَمْسمِائَةِ.) قَالَ حَمَّاد الرِّوَايَة: إِذا أردْت أَن تَقول الشّعْر فارو شعر ابْن قيس الرقيات فَإِنَّهُ أرق النَّاس حَوَاشِي شعر. - وَسُئِلَ بَعضهم فِي التَّمْيِيز بَينه وَبَين عمر بن أبي ربيعَة فَأجَاب بِأَن ابْن أبي ربيعَة أشهر بالغزل وَابْن قيس أَكثر أفانين شعر.

(الشاهد السادس عشر بعد التسعمائة)

(حُرُوف الزِّيَادَة) وَمَا إِن طبنا جبنٌ هُوَ قِطْعَة من بَيت وَهُوَ: الوافر (وَمَا إِن طبنا جبنٌ وَلَكِن ... منايانا ودولة آخرينا) على أَن إِن تزاد مَا النافية وَتقدم شَرحه فِي الشَّاهِد السّبْعين بعد الْمِائَتَيْنِ. وَأنْشد بعده (الشَّاهِد السَّادِس عشر بعد التسْعمائَة) مجزوء الْكَامِل (مَا إِن جزعت وَلَا هلع ... ت وَلَا يرد بكاي زنداً) لما تقدم قبله. وَمثل بمثالين إِشَارَة إِلَى أَنَّهَا تزاد بعد مَا النافية مُطلقًا سَوَاء كَانَت الدَّاخِلَة على الْجُمْلَة الأسمية وتكفها عَن عَملهَا عمل لَيْسَ وَتسَمى إِن الزَّائِدَة الكافة أم كنت الدَّاخِلَة على الْجُمْلَة الفعلية كَمَا فِي هَذَا الْبَيْت وَتسَمى إِن الزَّائِدَة فَقَط. وَالْبَيْت من قصيدة لعَمْرو بن معد يكرب أوردهَا أَبُو تَمام فِي أَوَائِل الحماسة. ...

(كم من أخٍ لي صالحٍ ... بوأته بيَدي لحدا) (مَا إِن جزعت وَلَا هلع ... ت وَلَا يرد بكاي زندا) (ألبسته أثوابه ... وخلقت يَوْم خلقت جلدا) (أُغني غناء الذاهبي ... ن أعد للأعداء عدا) (ذهب الَّذين أحبهم ... وَبقيت مثل السَّيْف فَردا) قَوْله: كم من أَخ ... إِلَخ ذكر قبل تبجحه بالشجاعة وَذكر بِهَذَا إِلَى آخِره صبره على الْبلَاء أَي: كم من أخٍ موثوقٍ بِهِ فجعت بِهِ. وبوأته: أنزلته. والمباءة: الْمنزل.) وَقَوله: مَا إِن جزعت وَلَا هلعت. . إِلَخ الْهَلَع: أفحش الْجزع لِأَنَّهُ جزع مَعَ قلَّة صَبر وفعلهما من بَاب فَرح فَكَأَنَّهُ قَالَ: مَا حزنت عَلَيْهِ حزنا شَدِيدا وَلَا هيناً. وَهَذَا نفي الْحزن رَأْسا. وَقد أعْطى التَّرْتِيب حَقه لِأَنَّهُ ارْتقى فِيهِ من الأدون إِلَى الْأَعْلَى. - والزند بِفَتْح الْمُعْجَمَة وَسُكُون النُّون يسْتَعْمل فِي معنى الْقلَّة. ويروى بدله ردا أَي: مردوداً. وَالْمعْنَى: لَا يُغني بكاي شَيْئا وَإِنَّمَا عقب نفي الْجزع بِهَذَا تَنْبِيها على أَن صبره عَن تأدب وتبصر وَمَعْرِفَة بالعواقب فِي حسن التَّأَمُّل. وَقَوله: أُغني غناء ... إِلَخ قَالَ التبريزي: يجوز أَن يُرِيد بالذاهبين من انقرض من عشريته وَأعد بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول يجوز أَن يكون الْمَعْنى: يَقُول فِي الْأَعْدَاء: خُذُوا فلَانا فَإِنَّهُ يعد بِكَذَا من الفرسان. وَيُقَال: إِن عمرا كَانَ

يعد بِأَلف فَارس. وَيجوز أَن يكون الْمَعْنى أهيأ للأعداء معدوداً. فَعدا حَال وضع مَوضِع الْمَعْدُود. وَرُوِيَ: أعد بِالْبِنَاءِ للْفَاعِل أَي: أعد لَهُم السِّلَاح. وَرُوِيَ: أعد بِفَتْح الهزة وَيحْتَمل مَعْنيين: أَحدهمَا أَن يَقُول: أعد لَهُم وقعاتي وأيامي عِنْد الْمُفَاخَرَة. وَالثَّانِي أَن يَقُول: أعد لَهُم كل مَا يحْتَاج إِلَيْهِ من عدد وعدة فَعدا مفعول بِهِ وَالْمعْنَى: أعد لَهُم معدوداتها. وَقَوله: وَبقيت مثل السَّيْف فَردا قَالَ الطبرسي: أَي: بقيت مُنْفَردا بالسيادة كالسيف لَا يجمع اثْنَان مِنْهُ فِي غمد وَيجوز أَن يُرِيد: بقيت كالسيف لنفاذي ومضائي فِي الْأُمُور. وَعَمْرو بن معد يكرب صحابيٌ تقدّمت تَرْجَمته فِي الشَّاهِد الرَّابِع وَالْخمسين بعد الْمِائَة. - وَأنْشد بعده: كَأَن ظبيةٍ تعطو هُوَ قِطْعَة من بَيت وَهُوَ: الطَّوِيل (وَيَوْما توافينا بوجهٍ مقسمٍ ... كَأَن ظبيةٍ تعطو إِلَى وارق السّلم) وَتقدم الْكَلَام عَلَيْهِ فِي الشَّاهِد الرَّابِع وَالسبْعين بعد الثَّمَانمِائَة.

(الشاهد السابع عشر بعد التسعمائة)

وَأنْشد بعده: الطَّوِيل وَمن عضةٍ مَا ينبتن شكيرها وَتقدم شَرحه فِي الشَّاهِد الْحَادِي وَالْخمسين بعد الْمِائَتَيْنِ.) وَأنْشد بعده (الشَّاهِد السَّابِع عشر بعد التسْعمائَة) المتقارب (لَا وَأَبِيك ابْنة العامر ... ي لَا يَدعِي الْقَوْم أَنِّي أفر) على أَن لَا تَجِيء كثيرا زَائِدَة قبل الْمقسم بِهِ للإعلام بِأَن جَوَاب الْقسم منفي فَإِن الْوَاو حرف قسم. وَجُمْلَة: لَا يَدعِي الْقَوْم جَوَاب الْقسم وَهِي منفية فَأتى بالنافي قبل الْقسم للإشعار ابْتِدَاء بِأَن جَوَابه منفي كَقَوْلِه تَعَالَى: فَلَا وَرَبك لَا يُؤمنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوك. قَالَ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي: ورد بقوله تَعَالَى: لَا أقسم بِهَذَا الْبَلَد الْآيَات فَإِن جَوَابه مُثبت وَقيل: زيدت لمُجَرّد التوكيد وتقوية الْكَلَام كَمَا فِي: لِئَلَّا يعلم أهل الْكتاب ورد بِأَنَّهَا لَا تزاد لذَلِك صَدرا بل حَشْوًا. انْتهى.

وَيُجَاب بِأَن زيادتها فِي صدر الْقسم الْمَنْفِيّ جَوَابه أغلبيٌ لَا كلي. وَالْكَاف من أَبِيك مَكْسُورَة لِأَنَّهُ خطاب مؤنث أقسم بأبيها تَعْظِيمًا لَهَا. وَابْنَة العامري: منادى وحرف النداء مَحْذُوف وَهُوَ: يَا ابْنة العامري اسْمهَا هرٌ بِكَسْر الْهَاء وَتَشْديد الرَّاء. وَقد أوردهَا امْرُؤ الْقَيْس فِي هَذِه القصيدة بقوله: (وهرٌ تصيد قُلُوب الرِّجَال ... وأفلت مِنْهَا ابْن عَمْرو حجر) والعامري هُوَ من بني عَمْرو بن عَامر من الأزد واسْمه سَلامَة بن عبد الله. وَقَالَ الْخَطِيب التبريزي فِي شرح معلقته عِنْد قَوْله: الطَّوِيل (أفاطم مهلا بعض هَذَا التدلل ... وَإِن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي) قَالَ ابْن الْكَلْبِيّ: فَاطِمَة هِيَ بنت عبيد بن ثَعْلَبَة بن عَامر. قَالَ: وعامر هُوَ الأجدر بن عَوْف بن عذرة وَلها يَقُول: (لَا وَأَبِيك ابْنة العامر ... ي ... ... ... ... . . الْبَيْت ) قَالَ ابْن عُصْفُور فِي كتاب الضرائر: وَمِنْه تَخْفيف المشدد فِي القوافي نَحْو قَول امْرِئ الْقَيْس: لَا يَدعِي الْقَوْم أَنِّي أفر) وَقد خفف عدَّة قوافٍ من هَذ القصيدة وَإِنَّمَا خفف ليستوي لَهُ بذلك الْوَزْن وتطابق أَبْيَات القصيدة. أَلا ترى أَنه لَو شدد أفر لَكَانَ آخر أَجْزَائِهِ على فعولن من الضَّرْب الثَّانِي من المتقارب وَهُوَ يَقُول بعد هَذَا: (تَمِيم بن مر وأشباعها ... وَكِنْدَة حَولي جَمِيعًا صَبر)

وَآخر جُزْء من هَذَا الْبَيْت فعل وَهُوَ من الضَّرْب الثَّالِث من المتقارب وَلَيْسَ بالجائز لَهُ أَن يَأْتِي فِي قصيدة وَاحِدَة بِأَبْيَات من ضَرْبَيْنِ فَخفف لتَكون الأبيات كلهَا من ضرب وَاحِد. وَسَوَاء فِي ذَلِك الصحح والمعتل. انْتهى كَلَامه. وَبِهَذَا تعلم أَنه لم يصب من قَالَ: إِن أفر فِيهِ مشدد اجْتمع فِيهِ ساكنان واجتماعهما فِي القافية جَائِز وَهُوَ أَبُو الْفرج بن الْمعَافى قَالَ فِي أَمَالِيهِ حَدثنَا صديقنا الْحسن بن خالويه قَالَ: كتب الْأَخْفَش إِلَى صديق لَهُ يستعير مِنْهُ دَابَّة ودابة لَا يَقع فِي الشّعْر لِأَنَّهُ لَا يجمع فِيهِ بَين ساكنين فَقَالَ: المتقارب وَإِنَّمَا امْتنع دُخُول دَابَّة وَنَحْوهَا فِي الشّعْر لِئَلَّا يلتقي فِيهِ ساكنان فِي غير القافية كَقَوْلِه: لَا يَدعِي الْقَوْم أَنِّي أفر وَقد جَاءَ فِي الشّعْر فِي مزاحف للمتقارب وَذَلِكَ قَوْله: ( فَقَالُوا: الْقصاص وَكَانَ التقا ... ص حَقًا وعدلاً على المسلمينا) وَرَوَاهُ بَعضهم: وَكَانَ الْقصاص. هَذَا كَلَامه. وَاعْلَم أَن هَذِه القصيدة من بَحر المتقارب هُوَ فعولن ثَمَان مَرَّات وَفِيه الْحَذف فَإِن أفر وَزنه فعو وَحذف مِنْهُ لن فَأتى بدله فعل. وَفِي أول هَذَا

الْبَيْت ثرم فَإِن وزن قَوْله: لَا وفعل وَأَصله فعولن فَلحقه الثرم فَصَارَ وَزنه مَا ذكر. وَهَذَا الْبَيْت مطلع قصيدة لامريء الْقَيْس على الصَّحِيح عِنْد الْمفضل وَأبي عَمْرو الشَّيْبَانِيّ كَمَا تقدم التَّنْبِيه عَلَيْهِ فِي شرح بَيت مِنْهَا فِي الشَّاهِد الثَّامِن وَالْخمسين من أَوَائِل الْكتاب وَتقدم أَيْضا شرح أبياتٍ مِنْهَا فِي الشَّاهِد الْعشْرين بعد السبعمائة. وَأنْشد بعده: الرجز ) فِي بِئْر لَا حورٍ سرى وَمَا شعر على أَن زِيَادَة لَا بَين المتضايفين شَاذَّة وَالْأَصْل: فِي بِئْر حور فزيدت لَا بَينهمَا لفظا وَمعنى كَمَا نَص عَلَيْهِ الشَّارِح الْمُحَقق فِي بَاب لَا النافية للْجِنْس. أَي: سرى فِي بِئْر هلاكٍ وَمَا شعر بسقوطه فِيهَا. وَهَذَا قَول جمَاعَة. وَذهب الْفراء وَتَبعهُ جمَاعَة إِلَى أَن لَا هُنَا نَافِيَة وَلَيْسَت بزائدة قَالَ: لِأَن الْمَعْنى فِي بِئْر مَاء لَا يحير عَلَيْهِ شَيْئا كَأَنَّك قلت: إِلَى غير رشدٍ توجه وَمَا درى وَوَقع على مَا لَا يتَبَيَّن فِيهِ عمله فَهُوَ جحد مَحْض. وَتقدم الْكَلَام عَلَيْهِ مفصلا فِي الشَّاهِد السِّتين بعد الْمِائَتَيْنِ.

( حرفا التَّفْسِير) أنْشد فيهمَا (الشَّاهِد الثَّامِن عشر بعد التسْعمائَة) الطَّوِيل (وترمينني بالطرف أَي أَنْت مذنبٌ ... وتقلينني لَكِن إياك لَا أقلي) على أَن أَي فِيهِ حرف تَفْسِير للجملة قبله. قَالَ ابْن يعِيش: قَوْله: أَي: أَنْت مذنب تَفْسِير لقَوْله: وترمينني بالطرف إِذا كَانَ معنى ترميني بالطرف: تنظر إِلَيّ نظر مغضب وَلَا يكون ذَلِك إِلَّا عَن ذَنْب. انْتهى. وَقَالَ صَاحب التخمير: الرَّمْي بالطرف: عبارَة عَن النّظر يُقَال: رَمَاه بطرفه إِذا نظر إِلَيْهِ كَأَنَّهُ قَالَ: تَفْسِير رميها بالطرف إيَّايَ أَي: أَنْت مذنب أَي: أشارت إِلَيّ بطرفها إشارةٌ دلّت على أَنِّي مذنب فِي حَقّهَا. هَذَا كَلَامه وَالْمعْنَى هُوَ الأول. وَفسّر الدماميني والسيوطي: ترمينني بتشيرين إِلَيّ. - وَتعقبه ابْن الْحَنْبَلِيّ وَقَالَ: الطّرف: نظر الْعين أَي: وترمينني الطّرف كَأَنَّهُ سهم فكثيراً مَا يستعار السهْم لطرف الْعين. كَمَا قَالَ الشَّافِعِي: الطَّوِيل (خُذُوا بدمي هَذَا الغزال فَإِنَّهُ ... رماني بسهمي مقلتيه على عمد))

وَقَالَ: أَي: أَنْت مذنب على التَّفْسِير لِأَن الرَّمْي بالشَّيْء قد يكون على عمدٍ وَقد لَا يكون وَالْمرَاد الأول لكَون المرمي ذَا ذَنْب وَلَو فِي ظن الرَّامِي. وَالْإِشَارَة وَإِن كَانَت قد تكون بالطرف كَمَا قَالَ: الطَّوِيل أشارت بِطرف الْعين خيفة أَهلهَا وَقُلْنَا: إِن الرَّمْي بِهِ بِهَذَا الْمَعْنى يسْتَلْزم الْإِشَارَة بِهِ فَالْأولى أَلا تكون الْإِشَارَة بِهِ مَقْصُودَة للشاعر مِنْهُ وَأَن لَيست معنى ترمينني وَحده وَلَا لَازِمَة بل لَازم مَجْمُوع ترمينني بالطرف. هَذَا مَا قَرَّرَهُ. وَالْحَاصِل: أَن أَي تفسر الْجُمْلَة وَغَيرهَا وَهِي أَعم من أَن لِأَنَّهُ يُفَسر بهَا الْمُفْرد وَالْجُمْلَة وَالْقَوْل الصَّرِيح وَغَيره. تَقول: رَأَيْت غضنفراً أَي: أسداً وَأمرت زيدا أَي: اضْرِب وَقلت قولا أَي: عبد الله منطلق وَخرج زيد بِسَيْفِهِ أَي: خرج وسيفه مَعَه. وَإِنَّمَا يحْتَاج إِلَى التَّفْسِير إِذا كَانَ فِي الْكَلَام غرابة أَو إِبْهَام أَو حذف شَيْء. وَمَا بعد أَي عطف وَهَذَا ظَاهر فِيمَا إِذا فسرت مُفردا وَأما إِذا فسرت جملَة كَمَا فِي الْبَيْت فَلَا. وَذهب الْكُوفِيُّونَ وتبعهم الْمبرد إِلَى أَنَّهَا حرف عطف إِذا فسرت مُفردا ورد عَلَيْهِم بِأَنَّهَا تفسر الضَّمِير الْمَرْفُوع الْمُتَّصِل بِلَا تَأْكِيد وَلَا فصل وتفسر الضَّمِير الْمَجْرُور بِلَا إِعَادَة الْجَار وَلَو كَانَ مَا بعْدهَا مَعْطُوفًا بهَا لم يستقم الأول بِدُونِ تَأْكِيد أَو فاصل وَلَا الثَّانِي بِدُونِ إِعَادَة الْجَار. وَنسب ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي هَذَا القَوْل إِلَيْهِم وَإِلَى صَحَابِيّ المستوفي والمفتاح ورده بِأَنا لم نر عاطفاً يصلح للسقوط دَائِما وَلَا عطفا ملازماً لعطف الشَّيْء على مرادفه.

وَقَالَ أَبُو حَيَّان فِي الارتشاف: وَأما أَي فَذهب الْكُوفِيُّونَ وتبعهم ابْن السكاكي الْخَوَارِزْمِيّ من أهل الْمشرق وَأَبُو جَعْفَر بن صابر من أهل الْمغرب إِلَى أَنَّهَا حرف عطف تَقول: رَأَيْت الغضنفر أَي: الْأسد وَضربت بالعضب أَي: بِالسَّيْفِ وَالصَّحِيح أَنَّهَا حرف تَفْسِير يتبع بعْدهَا الأجلي للأخفى عطف بَيَان يُوَافق فِي التَّعْرِيف والتنكير مَا قبله. انْتهى. واستفيد مِنْهُمَا أَن ابْن السكاكي هُوَ السكاكي صَاحب الْمِفْتَاح. وَإِذا فسر ب أَي فعل أسْند إِلَى ضمير حُكيَ ذَلِك الضَّمِير بعْدهَا نَحْو استكتمته الحَدِيث أَي سَأَلته كِتْمَانه فالتاء من سَأَلته مَضْمُومَة واستكتمه زيد الحَدِيث أَي: سَأَلَهُ كِتْمَانه واستكتمه يَا زيد الحَدِيث أَي: سَله كِتْمَانه. فَيجب أَن يُطَابق الضَّمِير بعْدهَا لما قبلهَا فِي التَّكَلُّم والغيبة) وَإِن فسرت الْجُمْلَة بالمراد مِنْهَا لم يحك فاعلها كالبيت الشَّاهِد. وَإِذا تقدم تَقول على فعل مُسْند إِلَى تَاء الْمُتَكَلّم وَجئْت بإذا مَكَان أَي وَجب فتح التَّاء لِأَنَّهُ ظرف لتقول. ونظم بَعضهم هَذَا فَقَالَ: الْبَسِيط (إِذا كنيت بِأَيّ فعلا تفسره ... فضم تاءك فِيهِ ضم معترف) (وَإِن تكن بإذا يَوْمًا تفسره ... ففتحك التَّاء أمرٌ غير مُخْتَلف

) وَقَوله: إِذا كنت بِأَيّ مَعْنَاهُ: إِذا جِئْت بضمير مَعَ أَي حَال كونك تفسره فعلا فَإِن الضَّمِير يُقَال لَهُ: الْكِنَايَة وكنيت أَي: أتيت بكناية. وَقَالَ ابْن الملا فِي شرح الْمُغنِي: كنى عَن الْأَمر أَي: تكلم بِغَيْرِهِ مِمَّا يسْتَدلّ بِهِ عَلَيْهِ نَحْو فلَان كثير الرماد تُرِيدُ أَنه كريم وكنيت عَن الشَّيْء: سترته وَهَذَا الْمَعْنى هُوَ المُرَاد هُنَا. وفعلاً مفعول كنيت على التَّوَسُّع بِحَذْف الْجَار. وتفسره: نعت لَهُ أَي: إِذا كنيت عَن فعل تُرِيدُ تَفْسِيره حَال كونك مصاحباً لأي. هَذَا كَلَامه. وَأَجَازَ التَّفْتَازَانِيّ فِي حَاشِيَة الْكَشَّاف أَن يتَقَدَّم يُقَال أَيْضا على ذَلِك الْفِعْل مَعَ قبح قَالَ: إِذا أُرِيد تَفْسِير الْفِعْل الْمسند إِلَى ضمير الْمُتَكَلّم فَإِن أُتِي بِكَلِمَة أَي كَانَ مَا بعْدهَا تَفْسِيرا لما قبلهَا فَيجب تطابقهما. وَيجوز فِي صدر الْكَلَام تَقول على الْخطاب وَيُقَال على الْبناء للْمَفْعُول. وَإِن أَتَى بِكَلِمَة إِذا كَانَ صدر الْكَلَام فِي مَوضِع الْجَزَاء فَيجب أَن يكون مَا بعد إِذا لفظ الْخطاب. وَلَا يَسْتَقِيم فِي صدر الْكَلَام يُقَال إِلَّا إِذا قدر أَن الْقَائِل هُوَ الْمُخَاطب لَكِنَّهَا عبارَة قلقة. انْتهى. وَفِيه مُخَالفَة لغيره فِي جعل إِذا شَرْطِيَّة لَا ظرفية. وَقَوله: ترمينني خطاب لامْرَأَة وَالْيَاء الأولى ضمير خطاب لَهَا فَاعل الْفِعْل وَالْيَاء الثَّانِيَة ضمير الْمُتَكَلّم مَفْعُوله وَالنُّون الأولى عَلامَة الرّفْع لَا تحذف إِلَّا فِي الْجَزْم وَالنّصب وَالنُّون الثَّانِيَة نون الْوِقَايَة. قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ فِي الأساس: رَمَاه بالطرف والفاحشة. والطرف: الْعين. وَلَا يجمع لِأَنَّهُ فِي الأَصْل مصدر: وَقيل: هُوَ اسْم جَامع لِلْبَصَرِ لَا يثنى وَلَا يجمع وَقيل: هُوَ نظر الْعين.

وَقَوله: وتقلينني هُوَ من القلي. - قَالَ ابْن الشجري فِي أَمَالِيهِ: القلى: البغض مكسور مُصَور. وَقد صرفت الْعَرَب مِنْهُ مثالين:) قلاه يقليه مثل: رَمَاه يرميه وقليه يقلاه مثل: رضيه يرضاه. وَهُوَ من الْيَاء بِدلَالَة يقلى وَلَو كَانَ من الْوَاو كَانَ يقلو. وَأنْشد فِي يقلي: وَفِي التَّنْزِيل: مَا وَدعك رَبك وَمَا قلى. روى أَبُو الْفَتْح لُغَة ثَالِثَة قلاه يقلوه قلاء مثل رجاه يرجوه رَجَاء. وَأنْشد: الطَّوِيل (إِن تقل بعد الود أم ملحمٍ ... فسيان عِنْدِي ودها وقلاؤها) انْتهى. وَفِي الْقَامُوس: قلاه كمرماه ورضيه قلى وقلاء ومقلية: أبغضه وَكَرِهَهُ غَايَة الْكَرَاهِيَة فَتَركه. أَو قلاه فِي الهجر وقليه فِي البغض. وَقَوله: لَكِن إياك فِيهِ أَقْوَال: أَحدهَا للفراء: أَصْلهَا عِنْده لَكِن الْخَفِيفَة النُّون وَالنُّون الثَّانِيَة بَقِيَّة أَنا قَالَ فِي تَفْسِير قَوْله تَعَالَى: لَكنا هُوَ الله رَبِّي مَعْنَاهُ: لَكِن أَنا هُوَ الله رَبِّي ترك همزَة الْألف من أَنا وَكثر بهَا الْكَلَام فأدغمت النُّون من أَنا مَعَ النُّون من لَكِن. وَمن الْعَرَب من يَقُول: أَنا قلت بِتمَام الْألف فقرئت لَكنا على تِلْكَ اللُّغَة وأثبتوا الْألف فِي اللغتين فِي الْمُصحف. وَيجوز الْوُقُوف بِغَيْر ألف فِي غير الْقُرْآن فِي أَنا. ومن الْعَرَب من يَقُول إِذا وقف: أَنه وَهِي لُغَة جَيِّدَة وَهِي فِي عليا تَمِيم وسفلى قيس. وترمينني بالطرف الْبَيْت

يُرِيد: لَكِن أَنا إياك لَا أقلي فَترك الْهمزَة فَصَارَ كالحرف الْوَاحِد. وَزعم الْكسَائي أَنه سمع بعض الْعَرَب يَقُول: إِن قَائِم يُرِيد: إِن أَنا قَائِم فَترك الْهَمْز وأدغم وَهِي نَظِيره للكن. انْتهى. كَلَامه. وَقد تبعه صَاحب الْكَشَّاف فِي تَفْسِير هَذِه الْآيَة وَأَبُو حَيَّان فِي تَذكرته وَغَيرهمَا. ثَانِيهَا: أَن تكون من أَخَوَات إِن وَاسْمهَا ضمير شَأْن مَحْذُوف وَالْجُمْلَة بعْدهَا خَبَرهَا وَعَلِيهِ اقْتصر ابْن يعِيش وَصَاحب اللّبَاب وشراحه. وَنقل ابْن المستوفي عَن الزَّمَخْشَرِيّ فِي مناهيه على الْمفصل أَنه قَالَ: وَجهه أَن يكون الأَصْل لكنه إياك لَا أقلي الضَّمِير ضمير الشَّأْن ثمَّ حذفه كَمَا حذفه من قَالَ: الْخَفِيف) (إِن من لَام فِي بني بنت حسا ... ن ألمه وأعصه فِي الخطوب) وَلَو رُوِيَ لَكِن بِكَسْر النُّون اجتزاءً من الْيَاء بِالْكَسْرِ لَكَانَ وَجها سديداً. - ثَالِثهَا: أَن اسْمهَا ضمير مُتَكَلم مَحْذُوف لضَرُورَة الشّعْر أَي: وَلَكِنِّي كَمَا حذف اسْمهَا فِي قَول الآخر: وَلَكِن زنجيٌ عَظِيم المشافر أَي: وَلَكِنَّك زنجيٌ. وَهُوَ قَول الْخَوَارِزْمِيّ نَقله عَنهُ ابْن المستوفي.

فَإِن قلت: إياك ضمير نصب فَهَل يجوز أَن يكون اسْم لَكِن قلت: لَا يجوز لِأَنَّهُ لَو كَانَ اسْمهَا لوَجَبَ أَن يُقَال: وَلَكِنَّك فَإِنَّهُ مَتى أمكن اتِّصَال الضَّمِير لَا يعدل إِلَى انْفِصَاله اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يدعى فَصله لضَرُورَة الشّعْر. قَالَ الأندلسي فِي شرح الْمفصل: وَلَو قلت: أجعَل الضَّمِير الْمُنْفَصِل اسْما وَلَا أقلي خَبرا وأرتكب إِجْرَاء الْمُنْفَصِل مجْرى الْمُتَّصِل وأحذف الرَّاجِع إِلَى اسْم لَكِن وَالْأَصْل: لكنك لَا أقليك لَكُنْت لعمري متعسفاً. انْتهى. فَإِن قلت: حَيْثُ امْتنع فِي الفصيح جعل إياك اسْم لَكِن مَا وَجه فَصله عَن عَامله وتقديمه عَلَيْهِ قلت: وَجهه الْحصْر. فَإِن تَقْدِيم مَا حَقه التَّأْخِير يُفِيد ذَلِك فَأفَاد أَنَّهَا هِيَ الَّتِي لَا تقلى بِخِلَاف غَيرهَا فَإِنَّهُ يقلى. - وَهَذَا الْبَيْت لم أَقف عِلّة تتمته وقائله مَعَ أَنه مَشْهُور قَلما خلا مِنْهُ كتاب نحوي. وَالله أعلم.

(حروف المصدر)

(حُرُوف الْمصدر) أنْشد فِيهَا (الشَّاهِد التَّاسِع عشر بعد التسْعمائَة) وَهُوَ من شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ: الْكَامِل (أعلاقه أم الْوَلِيد بَعْدَمَا ... أفنان رَأسك كالثغام المخلس) على أَن مَا فِيهِ مَصْدَرِيَّة على قَول بَعضهم خلافًا لسيبويه فَإِنَّهُ جعل مَا كَافَّة ل بعد عَن الْإِضَافَة. قَالَ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي: وَكَونهَا فِيهِ المصدرية هُوَ الظَّاهِر لِأَن فِيهِ بَقَاء بعد على أَصْلهَا من الْإِضَافَة وَلِأَنَّهَا لَو لم تكن مُضَافَة لنونت. انْتهى. وسيبويه أوردهُ فِي بَاب الْحُرُوف المشبهة للْفِعْل فَإِنَّهُ بعد أَن ذكر أَن مَا تكفها عَن الْعَمَل قَالَ: وَنَظِير إِنَّمَا قَول المرار الفقعسي: أعلاقة أم الْوَلِيد الْبَيْت جعل بعد مَعَ مَا بِمَنْزِلَة حرف وَاحِد وابتدأه مَا بعده. قَالَ الأعلم وَتَبعهُ ابْن خلف: بعد لَا يَليهَا الْجمل وَجَاز ذَلِك لِأَن مَا وصلت بهَا لتتهيأ للجملة بعْدهَا كَمَا فعل بقلما وَرُبمَا وَمَا مَعَ الْجُمْلَة فِي مَوضِع جر بإضافتها إِلَيْهَا وَالْمعْنَى: بعد شبه رَأسك بالثغام المخلس. ف مَا مَعَ مَا بعْدهَا بِمَنْزِلَة الْمصدر.

هَذَا كَلَامهمَا وَهُوَ خلاف كَلَام سِيبَوَيْهٍ فَتَأمل فَإِنَّهُ جعل مَا كَافَّة وهما جعلاها مَصْدَرِيَّة. وَإِلَيْهِ ذهب صَاحب اللّبَاب قَالَ: وَلَيْسَت مَا فِي الْبَيْت بكافة لبعد عَن الْإِضَافَة بل مهيئة للإضافة إِلَى الْجُمْلَة. وَقَالَ فِي التعليقة: وَمَا فِي الْبَيْت وَإِن حكم بِأَنَّهَا كَافَّة إِلَّا أَن ذَلِك لَا يُعجبنِي فَإِن بعد فِي الْبَيْت على مَعْنَاهُ الْأَصْلِيّ من اقْتِضَاء الْإِضَافَة إِلَى شَيْء وَهُوَ فِي الْمَعْنى مُضَاف لما بعده كَأَنَّهُ قيل: بعد حُصُول رَأسك أشمط كالثغام المخلس. فَمَا ذكرت أقرب إِلَى الصَّوَاب إِن شَاءَ الله تَعَالَى. انْتهى. وَأوردهُ سِيبَوَيْهٍ فِي بَاب مَا جرى فِي الِاسْتِفْهَام من أَسمَاء الفاعلين والمفعولين مجْرى الْفِعْل من أَوَائِل كِتَابه أَيْضا.) قَالَ ابْن خلف: الشَّاهِد فِيهِ إِعْمَال الْمصدر عمل الْفِعْل وَنصب أم الْوَلِيد بعلاقة لِأَنَّهَا بدل من اللَّفْظ بِالْفِعْلِ فَعمِلت عمله كَأَنَّهُ قَالَ: أتعلق أم الْوَلِيد بعد الْكبر يُقَال: علق الرجل الْمَرْأَة يعلقها علقاً من بَاب فَرح وعلاقة إِذا أحبها وتعلقها تعلقاً. والعلاقة: الْحبّ وَتَكون العلاقة أَيْضا الارتباط فِي الْأُمُور المعنوية كعلاقة الْخُصُومَة. والعلاقة: بِالْكَسْرِ هِيَ علاقَة السَّوْط وَنَحْوه من الْأُمُور الحسية. وَفِي الْقَامُوس: العلاقة وتكسر: الْحبّ اللَّازِم للقلب أَو بِالْفَتْح فِي الْمحبَّة وَنَحْوهَا وبالكسر فِي السَّوْط وَنَحْوه. والوليد: مصغر ولد بِفَتْح الْوَاو قَالَ الأعلم وَابْن خلف: وَصغر الْوَلِيد ليدل على شباب الْمَرْأَة لِأَن صغر وَلَدهَا لَا يكون إِلَّا فِي عصر شبابها وَمَا يتَّصل بِهِ من زمَان وِلَادَتهَا. انْتهى. - وَهَذَا الْحصْر غير صَحِيح فَإِنَّهَا قد تكون مُسِنَّة وَلها ولد صَغِير. وَالْأولَى أَن يكون التصغير للتحبيب ونكتة إضافتها إِلَيْهِ دون الْبِنْت للمدح فَإِن قَوْلهم: أم الْوَلِيد وَأم الصَّبِيَّيْنِ صفة مادحة للْمَرْأَة.

وَقَالَ السيرافي: الرِّوَايَة الصَّحِيحَة أم الْوَلِيد بِالتَّكْبِيرِ وَيكون مزاحفاً أَي: بالوقص وَهُوَ إِسْقَاط الْحَرْف الثَّانِي من متفاعلن بعد إسكانه قَالَ: وَإِنَّمَا جعلت الرِّوَايَة بِالتَّصْغِيرِ لِأَنَّهُ أحسن فِي الْوَزْن. والوليد: الصَّبِي. انْتهى. والأفنان: جمع فنن بِفتْحَتَيْنِ وَهُوَ الْغُصْن: وَأَرَادَ بهَا ذوائب شعره على سَبِيل الِاسْتِعَارَة. والثغام بِفَتْح الْمُثَلَّثَة والغين الْمُعْجَمَة قَالَ أَبُو حنيفَة الدينَوَرِي فِي كتاب النَّبَات: أَخْبرنِي بعض الْأَعْرَاب قَالَ: تنْبت الثغامة خيوطاً طوَالًا دقاقاً من أصل وَاحِد وَإِذا جَفتْ ابْيَضَّتْ كلهَا. وَهُوَ مرعى تعلفه الْخَيل. وَإِذا أمحل الثغام كَانَ أَشد مَا يكون بَيَاضًا وَيُشبه بِهِ الشيب. قَالَ حسان: الْكَامِل (إِمَّا ترى رَأْسِي تغير لَونه ... شُمْطًا فَأصْبح كالثغام الممحل) وَإِذا كَانَ الثغام مخلساً شبه بِهِ الشّعْر الشميط وَهُوَ الَّذِي اخْتَلَط بياضه بِالسَّوَادِ والخليس من النَّبَات: الَّذِي ينْبت الْأَخْضَر مِنْهُ فِي خلال يبيسه. قَالَ المرار الفقعسي: أعلاقةً أم الْوَلِيد الْبَيْت) أَي: بعد مَا شمطت. وَالرَّأْس الشميط: الَّذِي نصفه أَبيض وَنصفه أسود. - وَقَالَ بعض الروَاة: إِن رَأسه لثاغم إِذا ابيض كُله. وَقَالَ الدينَوَرِي فِي مَوضِع آخر من كِتَابه: الخلس والخليس

وهما جَمِيعًا: الْكلأ الْيَابِس ينْبت فِي أَصله الرطب فيختلط بِهِ. قَالَ أَبُو زِيَاد: يُقَال أخلست الأَرْض وَهُوَ الخليس. وَمِنْه قيل: أخلس رَأسه إِذا شَاب فاختلط وَقَالَ فِي مَوضِع آخر: وَإِذا كَانَ العشب مِنْهُ الرطب الْأَخْضَر وَمِنْه الْأَصْفَر الهائج قيل: أخلس النبت يخلس إخلاساً. والنبت خيس ومخلس. وَمِنْه قيل للشعر إِذا شمط وَاخْتَلَطَ بياضه بسواده: خليس. انْتهى. والاستفهام فِي الْبَيْت للتوبيخ. يُخَاطب الشَّاعِر نَفسه وَيَقُول: أتعلق أم الْوَلِيد وتحبها وَقد كَبرت وشبت. والمرار ين سعيد الفقعسي: شَاعِر إسلامي تقدّمت تَرْجَمته فِي الشَّاهِد التَّاسِع وَالتسْعين بعد الْمِائَتَيْنِ. وَأنْشد بعده: الْبَسِيط (أعن ترسمت من خرقاء منزلَة ... مَاء الصبابة من عَيْنَيْك مسجوم ) على أَن عَن أَصْلهَا أَن قلب بَنو تَمِيم وَبَنُو أَسد همزتها عينا. قَالَ ابْن يعِيش فِي شرح الْمفصل: وَذَلِكَ فِي أَن وَأَن خَاصَّة إيثاراً للتَّخْفِيف لِكَثْرَة اسْتِعْمَالهَا وطولهما بالصلة قَالُوا: أشهد عَن مُحَمَّد رَسُول الله. وَلَا يجوز مثل ذَلِك فِي الْمَكْسُورَة. انْتهى.

وَقَالَ ابْن المستوفي: إِنَّمَا قلبوها إِلَى الْعين كَرَاهِيَة اجْتِمَاع مثلين وقلبها إِلَى الْهَاء أَكثر من قَلبهَا إِلَى الْعين. انْتهى. وَهِي لُغَة مرجوحة قَالَ ثَعْلَب فِي أَمَالِيهِ: ارْتَفَعت قُرَيْش فِي الفصاحة عَن عنعنة تَمِيم وكشكشه ربيعَة وكسكسة هوزان وتضجع قيس وعجرفية ضبة وتلتلة بهراء. فَأَما عنعنة تَمِيم فَإِن تميماً تَقول فِي مَوضِع أَن: عَن تَقول: عَن عبد الله قَائِم. قَالَ: وَسمعت ذَا الرمة ينشد عبد الْملك: أعن ترسمت من خرقاء منزلَة قَالَ: وَسمعت ابْن هرمة ينشد هَارُون وَكَانَ ابْن هرمة رَبِّي فِي ديار تَمِيم: الْبَسِيط ) (أعن تغنت على ساقٍ مطوقةٌ ... وَرْقَاء تَدْعُو هديلاً فَوق أَعْوَاد) وَأما تلتلة بهراء فَإِنَّهُم يَقُولُونَ: تعلمُونَ وتفعلون وتصنعون بِكَسْر أَوَائِل الْحُرُوف. انْتهى. وَأما ابْن جني فِي سر الصِّنَاعَة بعد نَقله مَا تقدم: فَأَما كشكشة ربيعَة فَإِنَّمَا يُرِيد بهَا قَوْلهَا مَعَ كَاف ضمير الْمُؤَنَّث: إنكش ورأيتكش

وأعطيتكش تفعل هَذَا فِي الْوَقْت فَإِذا وصلت أسقطت الشين وَأما كسكسة هوَازن فَقَوْلهم أَيْضا: أعطيتكس ومنكس وعنكس. وَهَذَا أَيْضا فِي الْوَقْف دون الْوَصْل. انْتهى. والهمزة للاستفهام التقريري خَاطب نَفسه على طَرِيق التَّجْرِيد. وأَن ترسمت فِي تَأْوِيل مصدر وَالتَّقْدِير: الْأَجَل ترسمك ونظرك دارها الَّتِي نزلت بهَا أسالت عَيْنك دموعها وَقَالَ ابْن المستوفي: فِي كتب الزَّمَخْشَرِيّ فِي الْحَوَاشِي: الْمَعْنى أَمن أَن ترسمت أَي: ألأن ترسمت أَي: تخليت مَنْصُوب لِأَنَّهُ مفعول بِهِ وَالتَّقْدِير: ألترسمك من خرقاء منزلَة مسجم مَاء عَيْنَيْك كَقَوْلِه تَعَالَى: أَن تحبط أَعمالكُم. انْتهى. - وَهَذَا غلط من الْكَاتِب وَالصَّوَاب مفعول لَهُ. انْتهى. وَلَيْسَ بغلط كَمَا زعم فَإِن حرف الْجَرّ إِذا حذف انتصب مَا بعده على الْمَفْعُول بِهِ. وَهُوَ مَعْرُوف شَائِع. قَالَ: وترسمت الدَّار: تَأَمَّلت رسمها وَكَذَلِكَ إِذا نظرت وتفرست أَيْن تحفر أَو تبنى. قَالَه الْجَوْهَرِي. وخرقاء: صاحبته وَهِي من بني عَامر بن ربيعَة بن عَامر بن صعصعة. والخرقاء: غير الصناع. انْتهى.

(الشاهد العشرون بعد التسعمائة)

أَقُول: قد تقدم فِي تَرْجَمَة ذِي الرمة فِي الشَّاهِد الثَّامِن من أول الْكتاب. أَن خرقاء هِيَ مية وَهُوَ قَول ثَعْلَب وَقيل: غَيرهَا وَهُوَ قَول ابْن قُتَيْبَة. وَالْبَيْت مطلع قصيدة طَوِيلَة لذِي الرمة. وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس الْأَحول فِي شرح ديوانه: حَدثنَا بعض أَصْحَابنَا عَن النسير ابْن قسيم أبي جهمة الْعَدوي قَالَ: سَمِعت ذَا الرمة يقو ل: من شعري مَا ساعدني فِيهِ القَوْل وَمِنْه مَا أجهدت نَفسِي فِيهِ وَفِيه مَا جننت فِيهِ جنوناً فَأَما الَّذِي جننت فِيهِ جنوناًَ فَقولِي: مَا بَال عَيْنك مِنْهَا المَاء ينسكب) وَأما ماطاوعني فِيهِ القَوْل فَقولِي: خاليلي ععوجا من صُدُور الرَّوَاحِل وَأما مَا أجهدت نَفسِي فِيهِ فَقولِي: أأن ترسمت من خرقاء منزلَة وَتقدم شَرحه مُجملا فِي الشَّاهِد الْحَادِي وَالْخمسين بعد الثَّمَانمِائَة. وَأنْشد بعده (الشَّاهِد الْعشْرُونَ بعد التسْعمائَة) الطَّوِيل عَليّ حراصاً لَو يسرون مقتلي هُوَ عجز من بَيت لامرئ الْقَيْس وَهُوَ:

على أَن لَو فِيهِ مَصْدَرِيَّة. قَالَ الْمرَادِي فِي الجنى الداني: علامتها أَن يصلح فِي موضعهَا أَن كَقَوْلِه تَعَالَى: يود أحدهم لَو يعمر. وَلم يذكر الْجُمْهُور أَن لَو تكون مَصْدَرِيَّة وَذكر ذَلِك الْفراء وَأَبُو عَليّ والتبريزي وَأَبُو الْبَقَاء وتبعهم ابْن مَالك. وَمن أنكرها تَأَول الْآيَة وَنَحْوهَا على حذف مفعول يود وَجَوَاب لَو أَي: يود أحدهم طول الْعُمر لَو يعمر بذلك ألف سنة لسر بذلك. - وَلَا تقع لَو المصدرية غَالِبا إِلَّا بعد مفهم تمن وَقل وُقُوعهَا بعد غير ذَلِك كَقَوْل قتيلة بنت النَّضر: الْكَامِل (مَا كَانَ ضرك لَو مننت وَرُبمَا ... من الْفَتى وَهُوَ المغيظ المحنق) انْتهى. قَالَ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي: وَلَا خَفَاء بِمَا فِي ذَلِك فِي الْجَواب من التَّكَلُّف. وَيشْهد للمثبتين قِرَاءَة بَعضهم: ودوا لَو تدهن فيدهنوا بِحَذْف النُّون فعطف يدهنوا بِالنّصب على تدهن لما كَانَ مَعْنَاهُ أَن تدهن. وَيشكل عَلَيْهِم دُخُولهَا على أَن فِي نَحْو: وَمَا علمت من سوءٍ تود لَو بَينهَا وَبَينه

أمداً بَعيدا. وَأورد ابْن مَالك السُّؤَال فِي: لَو أَن لنا كرة وَأجَاب بِمَا ذَكرْنَاهُ وَبِأَن هَذَا من توكيد اللَّفْظ) بمردافه نَحْو: فجاجاً سبلاً. وَالسُّؤَال فِي الْآيَة مَدْفُوع من أَصله لِأَن لَو فِيهَا لَيست مَصْدَرِيَّة. وَفِي الْجَواب الثَّانِي نظر لِأَن تَأْكِيد الْمَوْصُول قبل مَجِيء صلته شَاذ كَقِرَاءَة زيد ابْن عَليّ: وَالَّذين من قبلكُمْ بِفَتْح الْمِيم. انْتهى. وَقد أورد الشَّارِح هَذِه الْآيَة هُنَا تبعا لِابْنِ مَالك فَيرد عَلَيْهِ أَنَّهَا لَو الَّتِي لِلتَّمَنِّي لَا مَصْدَرِيَّة. وَقد ناقش الدماميني فِي تَوْجِيه دَلِيل المثبتين بأنّ يدهنوا مَنْصُوب بِأَن مضمرة جَوَازًا وَالْمَجْمُوع مِنْهَا وَمن صلتها مَعْطُوف على الْمَجْمُوع من لَو وصلتها فَهُوَ من بَاب عطف مصدر على آخر. وَهَذَا ماشٍ على الْقَوَاعِد بِخِلَاف تَخْرِيج ابْن هِشَام. انْتهى. وَالْبَيْت من معلّقة امْرِئ الْقَيْس الْمَشْهُورَة وَقَبله: (وبيضة خدرٍ لَا يرام خباؤها ... تمتّعت من لهوٍ بهَا غير معجل)

قَوْله: وبيضة خدر ... إِلَخ الْوَاو وَاو ربّ والبيضة اسْتِعَارَة للمراة الْحَسْنَاء قَالَ الزوزنيّ: تشبّه النِّسَاء بالبيض من ثَلَاثَة أوجه: أَحدهَا: بِالصِّحَّةِ والسلامة عَن الطّمث وَمِنْه قَول الفرزدق: الوافر ( خرجن إليّ لم يطمثن قلبِي ... وهنّ أصحّ من بيض النّعام) الثَّالِث: فِي صفاء اللَّوْن ونقائه. وَرُبمَا شبّهت النِّسَاء ببيض النّعامة وَأُرِيد أنهنّ بيضٌ يشوب ألوانهنّ صفرَة. وَكَذَلِكَ بيض النعامة. وَمِنْه قَول ذِي الرمة: الْبَسِيط كَأَنَّهَا فضَّة قد مسّها ذهب انْتهى. والخدر بِالْكَسْرِ: السّتر وَيُطلق الخدر على الْبَيْت إِن كَانَ فِيهِ امْرَأَة. وأخدرت الْجَارِيَة: لَزِمت الخدر. وأخدرها أَهلهَا يتعدّى وَلَا يتعدّى كخدّروها بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيف. وَالْمعْنَى: ستروها وصانوها عَن الامتهان وَالْخُرُوج لقَضَاء الْحَوَائِج. وَقَوله: لَا يرام أَي: لَا يطْلب. وَالروم: الطّلب. والخباء بِكَسْر الْمُعْجَمَة بعْدهَا مُوَحدَة: بَيت يعْمل من وبر أَو صوف أَو شعر وَيكون على عمودين أَو ثَلَاثَة. وَالْبَيْت أكبر مِنْهُ على سِتَّة أعمدة إِلَى تِسْعَة.

وتمتّعت: جَوَاب رب. والتمتّع: التلذّذ بالمتاع وَهُوَ كل مَا ينْتَفع بِهِ كالطعام والبزّ وأثاث) الْبَيْت. واللهو: ترويح النَّفس بِمَا لَا تَقْتَضِيه الْحِكْمَة. وَغير رُوِيَ بِالْجَرِّ على أَنه صفة للهو وَبِالنَّصبِ على أَنه حَال من التَّاء فِي تمتّعت. ومعجل: اسْم مفعول من أعجله أَي: حمله على أَن يعجل. قَالَ التبريزي: غير معجل أَي: غير خَائِف أَي: لم يكن ذَلِك مِمَّا كنت أَفعلهُ مرّة. وَقَالَ أَبُو جَعْفَر: أَي غير خَائِف. وَقَالَ الإِمَام الباقلاني فِي إعجاز الْقُرْآن: قَالُوا: إِنَّهَا كبيضة خدر فِي صفائها. وَهَذِه كلمة حَسَنَة وَلَكِن لم يسْبق إِلَيْهَا بل هِيَ دَائِرَة فِي أَفْوَاه الْعَرَب وتشبيه سَائِر. وعني بقوله: غير معجل أَنه لَيْسَ ذَلِك مِمَّا يتّفق قَلِيلا وَأَحْيَانا بل يتكرّر لَهُ بهَا. وَقد يحمل على أَنه رابط الجأش فَلَا يستعجله إِذا دَخلهَا خوف حصانتها ومنعتها. وَلَيْسَ فِي هَذَا الْبَيْت كَبِير فَائِدَة لأنّ الَّذِي فِي سَائِر أبياته قد تضمّن مطاولته فِي المغازلة واشتغاله بهَا فتكريره فِي هَذَا الْبَيْت مثل ذَلِك قَلِيل الْمَعْنى إِلَّا الزِّيَادَة الَّتِي ذكر من منعهتا. وَهُوَ مَعَ ذَلِك سليم اللَّفْظ فِي المصراع الأول دون الثَّانِي. انْتهى. وَقَوله: تجاوزت أحراساً ... إِلَخ قَالَ التبريزي: هُوَ جمع حرس. انْتهى. وَهُوَ كحجر وأحجار. وحرس: جمع حارس كخدم جمع خَادِم كَذَا قَالَ الزوزني. وَأَجَازَ أَيْضا أَن يكون الأحراس جمع حارس كصاحب وَأَصْحَاب

وناصر وأنصار وَشَاهد وأشهاد. وَمنعه بَعضهم لأنّ جمع فَاعل على أَفعَال لم يثبت. - قَالَ: وَأَصْحَاب إنّما هُوَ جمع صحب بِكَسْر الْحَاء كنمر وأنمار وَصَحب بِسُكُون الْحَاء: اسْم قَالَ الْجَوْهَرِي: فأمّا الأشهاد وَالْأَصْحَاب فَهُوَ جمع شَهِيد وَصَحب. وإليها مُتَعَلق بتجاوزت. وعنى بالمعشر قَومهَا وَهُوَ الْجَمَاعَة من النَّاس. وعَلى مُتَعَلق بحراص وَهُوَ صفة معشر. وَرُوِيَ أَيْضا: (تجاوزت أحراساً وأهوال معشرٍ ... عليّ حراصٍ ... ... ... ... . .) فحراص وصف معشر فِي النصب والجر وَهُوَ جمع حَرِيص ككرام جمع كريم. وَفعله يتعدّى بعلى يُقَال: حرص عَلَيْهِ حرصاً من بَاب ضرب إِذا اجْتهد وَالِاسْم الْحِرْص. وَقَوله: لَو يشرّون ... إِلَخ الْمصدر المؤوّل من لَو وَمَا بعْدهَا بدل اشْتِمَال من الْيَاء فِي عليّ. وَإِلَى مَصْدَرِيَّة لَو ذهب التبريزي قَالَ: يُرِيد أَن يشرّوا. وَأَن تضارع لَو فِي مثل هَذَا الْموضع يُقَال: وددت أَن يقوم زيد ووددت لَو قَامَ إِلَّا أَن لَو يرْتَفع الْمُسْتَقْبل بعْدهَا. وَأَن تنصبه.) قَالَ تَعَالَى: أيودّ أحدكُم أَن تكون لَهُ جنّةٌ من نخيلٍ وأعناب وَقَالَ فِي مَوضِع آخر: ودّوا لَو تدهن فيدهنون. انْتهى. والمقتل: اسْم مصدر بِمَعْنى الْقَتْل. وَقَوله يشرّون قَالَ العسكري فِي كتاب التَّصْحِيف: وَمِمَّا يرْوى على وَجْهَيْن هَذَا الْبَيْت.

- روى الْأَصْمَعِي: يشرّون بالشين الْمُعْجَمَة وَمَعْنَاهُ يظهرون يُقَال: أشررت الشَّيْء إِذا بسطته. وَحَتَّى أشرّت بالأكفّ الْمَصَاحِف أَي: أظهرت. وَمَعْنَاهُ: لَيْسَ يقتل مثلي خَفَاء. فَيكون قَتلهمْ إيّاه هُوَ الْإِظْهَار. وَرَوَاهُ غَيره: لَو يسرّون مقتلي من غيظهم عليّ. وَهَذَا مثل قَول الْقَائِل: هُوَ حَرِيص عليّ لَو يقتلني. يُقَال: أسررت الشَّيْء إِذا أظهرته وَهُوَ من الأضداد. وَمعنى يسرّون أَي: هم حراص على إسرار قَتْلِي وَذَلِكَ غير كَائِن لنباهتي وذكري. انْتهى. وَقَالَ فِي مَوضِع آخر: قَالَ أَبُو عُبَيْدَة فِي قَوْله: لَو يسرّون مقتلي: أَي يظهرونه. وَرِوَايَة الْأَصْمَعِي: لَو يشرّون أَي يظهرون يُقَال: أشررت الثَّوْب إِذا نشرته وشررته أَيْضا. انْتهى. فَمَعْنَى الرِّوَايَتَيْنِ متّفق. وَهَذَا أحسن من قَول التبريزي تبعا لغيره: من رَوَاهُ بسين غير مُعْجمَة احْتمل أَن يكون مَعْنَاهُ يكتمون وَيحْتَمل أَن يكون مَعْنَاهُ يظهرون وَهُوَ من الأضداد. انْتهى. قَالَ الزوزني: يَقُول لَك تجاوزت فِي زيارتي إِلَيْهَا أهوالاً كَثِيرَة وقوماً يحرسونها حراصاً على قَتْلِي جهاراً. وترجمة امْرِئ الْقَيْس تقدّمت فِي الشَّاهِد التَّاسِع وَالْأَرْبَعِينَ من أَوَائِل الْكتاب.

(حروف التحضيض)

(حُرُوف التحضيض) (تَعدونَ عقر النيب أفضل مجدكم ... بني ضوطري لَوْلَا الكمي المقنعا) على أَن الْفِعْل مُقَدّر بعد لَوْلَا التحضيضية أَي: لَوْلَا تَعدونَ. والكمي: الشجاع مفعول أول لهَذَا الْمُقدر بِتَقْدِير مُضَاف. وَالْمَفْعُول الثَّانِي مَحْذُوف وَالتَّقْدِير: لَوْلَا تَعدونَ عقر الكمي أفضل مجدكم. وَالْمقنع: الَّذِي وضع على رَأسه الْبَيْضَة والمغفر وَبني ضوطرى: منادى وَهِي كلمة سبّ وذم وَتقدم شرح الْبَيْت فالشاهد الرَّابِع وَالسِّتِّينَ بعد الْمِائَة. - وَأنْشد بعده: الطَّوِيل (يَقُولَن: ليلى أرْسلت بشفاعةٍ ... إِلَيّ فَهَلا نفس ليلى شفيعها) على أَن مَجِيء الْجُمْلَة الاسمية بعد هلا ضَرُورَة. وَتقدم الْكَلَام عَلَيْهِ فِي الشَّاهِد الْخَامِس وَالسِّتِّينَ بعد الْمِائَة.

(الشاهد الحادي والعشرون بعد التسعمائة)

وَأنْشد بعده (الشَّاهِد الْحَادِي وَالْعشْرُونَ بعد التسْعمائَة) الطَّوِيل على أَنه قد تَجِيء الْجُمْلَة الفعلية بعد لَوْلَا غير التحضيضية. - وَإِنَّمَا كَانَت هُنَا غير تحضيضية لِأَن الحض طلب بحث وإزعاج والشاعر لم يرد أَن يحث نَفسه على مُنَازعَة الشّغل وَإِنَّمَا يُرِيد الِاعْتِذَار عَن الْقيام بمحبتها بِهَذَا الْمَانِع وَهُوَ مجاذبته الشّغل. وَإِنَّمَا لم يقل الشَّارِح الْمُحَقق: وَغير الامتناعية لِأَنَّهَا لَا تدخل على الْفِعْل. وَأجَاب عَنْهَا بجوابين: أَحدهمَا: أَن لَوْلَا لَيست كلمة وَاحِد ركبت من كَلِمَتَيْنِ وَإِنَّمَا هِيَ كلمتان. قَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: لَوْلَا هُنَا غير مركبة بل لَا نَافِيَة على حَالهَا وَلَو على حَالهَا وَإِنَّمَا أول لَا ب لم ليبين أَنَّهَا مُسْتَقلَّة فِي إِفَادَة النَّفْي كلم فِي: لَو لم. وَالْجَوَاب الثَّانِي: أَن لَوْلَا هِيَ الامتناعية لَكِن كَانَ الأَصْل: لَوْلَا أَن يُنَازعنِي شغلي فَلَمَّا حذفت أَن ارْتَفع الْفِعْل كَمَا فِي قَوْلهم: تسمع بالمعيدي لَا أَن ترَاهُ فَيكون أَن المحذوفة مَعَ الْفِعْل فِي تَأْوِيل مُبْتَدأ أَي: لَوْلَا منازعتي شغلي. وَلَا يخفى أَن هَذَا لَيْسَ من مَوَاضِع حذف أَن. وَالْجَوَاب الْجيد هُوَ الأول وَلذَا قدمه الشَّارِح.) وَقد أَشَارَ إِلَيْهِمَا ابْن مَالك فِي التسهيل فَقَالَ: وَقد يَلِي الْفِعْل لَوْلَا غير مفهمة تحضيضاً فيؤول بلو لم أَو تجْعَل المختصة بالأسماء وَالْفِعْل صلَة أَن. قَالَ

شَارِحه ابْن عقيل: يُشِير بِهَذَا تَأْوِيل مَا اسْتشْهد بِهِ الْكسَائي على مَا ذهب إِلَيْهِ من أَن أَلا زعمت أَسمَاء أَن لَا أحبها الْبَيْت وَقَوله: الْبَسِيط (لَا در دَرك إِنِّي قد رميتهم ... لَوْلَا حددت وَلَا عُذْري لمحدود) والتأويل هُوَ أَن لَو حرف امْتنَاع لِامْتِنَاع وَلَا نَافِيَة بِمَعْنى لم أَي: لَو لم يُنَازعنِي وَلَو لم أحد. وَلَا قد نفي بهَا الْمَاضِي نَحْو: فَلَا صدق وَلَا صلى أَي: لم يصدق وَلم يصل. أَو لَوْلَا حرف امْتنَاع لوُجُود وَمَا بعْدهَا مُبْتَدأ بإضمار أَن أَي: لَوْلَا أَن يُنَازعنِي وَلَوْلَا أَن حددت. وَلما حذفت بَطل عَملهَا فِي تنازعني فارتفع. انْتهى. وَلَا حَاجَة إِلَى قَوْله: وَلَا قد نفي بهَا الْمَاضِي ... إِلَخ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْبَيْت الأول لِأَن لَا إِنَّمَا تؤول بلم إِذا دخلت على الْمَاضِي كالبيت الثَّانِي. وَأما إِذا دخلت على الْمُضَارع كالبيت الشَّاهِد فَلَا تؤول بِهِ. وَإِنَّمَا قَالُوا عِنْد إِيرَاده وَحده: إِن لَوْلَا بِمَعْنى لَو لم لما ذكرنَا. وَذهب الإِمَام المرزوقي إِلَى أَن لَوْلَا الامتناعية قد يَليهَا الْفِعْل بقلة وَلَا حَاجَة إِلَى التَّأْوِيل كالبيتين. وَأعلم أَن لَوْلَا فيهمَا سَوَاء كَانَت لَو الشّرطِيَّة مَعَ لَا أَو امتناعية لَا بُد لَهَا من جَوَاب فجوابها إِمَّا فِي مَا أوجبه بلَى قبلهَا أَو الْبَيْت الَّذِي يَليهَا وَهُوَ:

والبيتان أَو لَا قصيدةٍ لأبي ذُؤَيْب الْهُذلِيّ. قَالَ الإِمَام المرزوقي فِي شرحها: قَوْله: أَلا زعمت أَسمَاء ... إِلَخ الزَّعْم يسْتَعْمل فِيمَا يرتاب بِهِ وَلَا يُحَقّق وَيَتَعَدَّى إِلَى مفعولين وَأَن لَا أحبها قد سد مسدهما وَأَن هَذِه مُخَفّفَة من الثَّقِيلَة. أَرَادَ أَنِّي لَا أحبها. أَو أَن الْأَمر والْحَدِيث لَا أحبها كَأَنَّهَا استزادت زيارته لَهَا. وتوفره عَلَيْهَا واستقصرت تهالكه فِيهَا وشغفه بهَا وَادعت عَلَيْهِ أَنه قد حَال عَن الْعَهْد وتحول متراجعاً فِي دَرَجَات الود فَقَالَ مجيباً لَهَا ومبطلاً لدعواها: بلَى أحبك وَأرى من المثابرة عَلَيْك وَالسَّعْي فِي تَحْصِيل بعض المُرَاد بالنيل مِنْك مَا هُوَ الْهوى والمنى لَوْلَا الشّغل المنازع والعائق الْمَانِع. وللا يدْخل لِامْتِنَاع الشَّيْء لوُجُود غَيره وَهُوَ يرْبط جملَة من مُبْتَدأ وَخبر بجملة من فعل وفاعل) إِلَّا أَن خبر الْمُبْتَدَأ يحذف تَخْفِيفًا ويكتفى بِجَوَاب لَوْلَا عَنهُ. وَقد يُؤْتى بِالْفِعْلِ وَالْفَاعِل بَدَلا من الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر وَهَذَا كَمَا نَحن فِيهِ أَلا ترى أَنه قَالَ: لَوْلَا يُنَازعنِي شغلي. وَجَوَاب لَوْلَا فِي قَوْله: بلَى وَقد تقدم وَالتَّقْدِير: لَوْلَا مجاذبة الشّغل الَّذِي أَنا بصدده لقمت فِيك مقَام الْمُحب فَإِنِّي أحبك. وَمثل هَذَا فِي تقدم الْجَواب وَكَون الْفِعْل وَالْفَاعِل مَكَان الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر قَول الآخر: الْبَسِيط وَذكر بَعضهم أَن جَوَاب لَوْلَا فِيمَا بعده وَهُوَ: جزيتك ضعف الود الْبَيْت. والضعف هُنَا بِمَعْنى المضاعف كَقَوْلِه تَعَالَى: فآتهم عذَابا ضعفا من النَّار أَي: مضاعفاً. وَبعده: ...

(فَإِن تَكُ إنثى فِي معدٍّ كَرِيمَة ... علينا فقد أَعْطَيْت نَافِلَة الْفضل) والنافلة: الْغَنِيمَة وَبِه سمي مَا لَا يجب من الطَّاعَات نوافل. وَقيل لمن فعل إحساناً لَا يلْزمه: تنفل بِهِ. وَالْمعْنَى: إِن تكرم علينا امْرَأَة فِي نسَاء معدٍ فقد جعل لَك عَلَيْهَا بعد الْوَاجِب فِي إيثارك وتكرمتك زِيَادَة تفضلين بهَا وَإِنَّمَا أضَاف النَّافِلَة إِلَى الْفضل لما كَانَت تفضل على من وساها بِتِلْكَ النَّافِلَة. ثمَّ قَالَ بعد أَرْبَعَة أَبْيَات: الطَّوِيل (فَإِن تزعميني كنت أَجْهَل فِيكُم ... فَإِنِّي شريت الْحلم بعْدك بِالْجَهْلِ) (وَقَالَ صَحَابِيّ: قد غبنت وخلتني ... غبنت فَمَا أَدْرِي أشكلهم شكلي) (على أَنَّهَا قَالَت: رَأَيْت خويلداً ... تنكر حَتَّى عَاد أسود كالجذل) (فَتلك خطوبٌ قد تملت شبابنا ... زَمَانا فتبلينا الْمنون وَمَا نبلي) (وتبلي الألى يسلئمون على الألى ... تراهن يَوْم الْوَرع كالحدإ الْقبل) وَقَوله: فَإِن تزعميني ... إِلَخ قَالَ المرزوقي: الْأَكْثَر زعمت أَنه كَانَ يفعل كَذَا. وَقد جَاءَ: زعمته كَانَ يفعل فَلهَذَا قَالَ تزعميني. وَقَالَ الله تَعَالَى: زعم الَّذين كفرُوا أَن لن يبعثوا وَقَالَ عز ذكره: بل زعمتم أَن لن نجْعَل لكم موعداً. وَيسْتَشْهد أَصْحَابنَا بِدُخُولِهِ على أَن المخففة والمثقلة على حد مَا يدْخل حسبت وظننت عَلَيْهِمَا أَنه بتعدي لمفعولين. وَقد اسْتشْهد سِيبَوَيْهٍ بِهَذَا الْبَيْت أَيْضا. ) وَأَرَادَ أَبُو ذُؤَيْب الِاعْتِذَار إِلَى الْمَرْأَة لما قَالَت: إِنَّك لَا تحبني فَقَالَ متنصلاً إِلَيْهَا وذاكراً الْوَجْه الَّذِي تداخلها مِنْهُ مَا أشكلها وأخرجها إِلَى عَتبه وَسُوء الظَّن بِهِ: إِن احتججت فِي دعواك عَليّ بِأَنِّي كنت اسْتعْمل الْجَهْل فِي

حبكم فأقدم على ألأمور الْمُنكرَة وأركب الْأَهْوَال المردية والآن قد كَفَفْت وَكنت أتعاطى من اللَّهْو وَالصبَا مَا قد اطرحته السَّاعَة فَذَلِك ذَلِك على زَوَال الْحبّ. فَلَيْسَ استدلالك بِصَحِيح وَمَا حدث لي اسْتغْنَاء عَنْك وَلَا استبدلت بحبك قلاك وَلَكِنِّي تحملت فَجَمِيع مَا ترينه وتنكرينه من الْعَادَات المستجدة نتائج الْحلم وَالْعقل فَأَما الْحبّ فَكَمَا كَانَ وَالْأَيَّام تزيده استحكاماً وشريت واشتريت بِمَعْنى وَهُوَ هُنَا مثل. انْتهى كَلَامه. أَقُول: وَأوردهُ سِيبَوَيْهٍ فِي بَاب ظَنَنْت وَأُخُوَّتهَا من أَوَائِل كِتَابه فَإِنَّهُ بعد أَن ذكر عَملهَا قَالَ: وَمِمَّا وَلم يرد أَن عَملهَا إِنَّمَا يكون فِي الشّعْر وأنما أرا وَمِمَّا جَاءَ فِي الشّعْر شَاهدا على إعمالها هَذَا الْبَيْت. وَالْيَاء الْمَفْعُول الأول وَجُمْلَة كنت أَجْهَل فِيكُم فِي مَوضِع الْمَفْعُول الثَّانِي. وَأوردهُ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي فِي الْجُمْلَة الَّتِي تقع مَفْعُولا ثَانِيًا من الْبَاب الثَّانِي. قَالَ: وَقد أجتمع وُقُوع خبري كَانَ وَإِن وَالثَّانِي من مفعولي بَاب ظن جملَة فِي قَول أبي ذُؤَيْب. وَأنْشد الْبَيْت. وَأوردهُ صَاحب الْكَشَّاف عِنْد قَوْله تَعَالَى: وَلَا تشتروا بآياتي ثمنا قَلِيلا على أَن الاشتراء فِيهِ مستعار للاستبدال كَمَا فِي الْبَيْت. وَزعم بعض من كتب عَلَيْهِ أَن أَجْهَل فِيهِ أفعل تَفْضِيل فَرَوَاهُ بِالنّصب وَقَالَ: أَي: إِن تزعميني أَنِّي أَجْهَل النَّاس فِيكُم لارتكاب بطالات الْهوى فتحولي عَن هَذَا الزَّعْم فَإِنِّي أخذت الْحلم بعْدك بِالْجَهْلِ. وَهَذَا وَإِن كَانَ مَعْنَاهُ صَحِيحا إِلَّا أَنه لَيْسَ بِرِوَايَة.

وَقَوله: وَقَالَ صَحَابِيّ قد غبنت ... إِلَخ قَالَ المرزوقي: يَقُول: أنكر أَصْحَابِي مني مَا تمسكت بِهِ من ارعواء وحلم حَتَّى قَالُوا: إِنَّك مغبون فِيمَا قايضت عَلَيْهِ من صبا وَجَهل. وأظنني الغابن الرابح لَا المخدوع الخاسر. فَلَا أعلم أمقصدهم مقصدي وطريقهم طريقي ثمَّ غلط أَحَدنَا حَتَّى افترقنا أم اخْتَلَفْنَا فِي أصل مَا نَظرنَا فِيهِ وأخذنا بِهِ فَلذَلِك لم يتَّفق معتبرنا. وَقَالَ هَذَا وَهُوَ يعلم اخْتِلَاف أَحْوَالهم وتباين طرقهم زارياً عَلَيْهِم وموبخاً لَهُم. وَمن هَذَا وعَلى هَذَا التَّفْسِير يكون أم لَا مضمراً بعد قَوْله: أشكلهم شكلي وساغ حذفه لما فِي الْكَلَام من الدّلَالَة عَلَيْهِ وَتَكون الْألف للتسوية.) وَيجوز أَن يَكْتَفِي بقوله: أشكلهم شكلي فَلَا يقْصد إِلَى معادلة وَلَا تَسْوِيَة. وَذَلِكَ أَن أَدْرِي من أَخَوَات أعلم وَقد يجوز أَن تَقول: قد علمت أَزِيد فِي الدَّار. وَحكى ذَلِك سِيبَوَيْهٍ. وَلَو قلت: سَوَاء عَليّ أَو مَا أُبَالِي لم يكن بُد من ذكر أم. وَمثل الأول قَول أبي ذُؤَيْب فِي أُخْرَى: الطَّوِيل فَمَا أَدْرِي رشدٌ طلابها وَقد سَمِعت من يَقُول: إِن ألأمر فِي الْكل سَوَاء وَإِن أم حَيْثُ لم ينْطق بِهِ مُقَدّر وَإِن أَبَا الْحسن حكى أَن بَعضهم قَالَ: علمت أزيدٌ عنْدك لَا يَكْتَفِي بِهِ إِلَّا بعد إِضْمَار. وَهُوَ قَول قوي وَفِي هَذَا كَلَام لَيْسَ هَذَا مَوضِع بَسطه. انْتهى. وَقَوله: على أَنَّهَا قَالَت ... إِلَخ يُرِيد أَن هَذِه الْمَرْأَة كَمَا أنْكرت عادتي أنْكرت حالتي فَقلت: رَأَيْت أَبَا ذُؤَيْب وَهُوَ خويلد تغير عَن الْمَعْهُود واسود

حَتَّى صَار كالجذل بِكَسْر الْجِيم وَسُكُون الذَّال الْمُعْجَمَة وَهُوَ الْخَشَبَة الَّتِي تنصب لِلْإِبِلِ الجربي فتحتكط بهَا وَتسود بِمَا يعلقها من طلائها. فَتلك خطوب الْبَيْت يَقُول: إِن الَّذِي غَيرنَا خطوب تناولت من قوانا واستمتعت بِنَا من لدن شبابنا إِلَى يَوْمنَا. والدهر يبلي جدة أَهله وهم لَا يبلونه ويأكلهم وَيشْرب عَلَيْهِم وَلَا ينتقمون مِنْهُ وَأَشَارَ إِلَى أَنْوَاع المنايا وأجناس الْحَوَادِث بقوله: الْمنون. وَقَوله: وتبلى الألى الْبَيْت يَقُول: وتبلي حوادث الدَّهْر الرِّجَال الَّذين يستلئمونه اللأمات وَهِي الدروع راكبين الْخَيل الَّتِي تراهن فِي يَوْم الْفَزع لطموح أبصارهن وتقليب أعينهن ذكاءً وشهامة كأنهن الحدأ الْقبل. ويستلئمون صلَة الألى لِأَنَّهُ فِي معنى الَّذين وعَلى الألى: فِي مَوضِع الْحَال لِأَنَّك إِذا قلت: رَأَيْت زيدا على فرس فَالْمَعْنى رَاكِبًا فرسا وتراهنّ مَعَ مَا بعده صلَة الألى الثَّانِيَة. والحدأ: جمع حدأة كعنب جمع عنبة وَهِي طَائِر تصيد الجرذان. قَالَ الْخَلِيل: وَقد تفتح حاؤه. والقبل: جمع أقبل وقبلاء وَهُوَ من صفة الحدأ. والقبل: أَن تقبل كلّ واحدةٍ من الْعَينَيْنِ على الْأُخْرَى وَهُوَ أشدّ من الْحول وَإِذا كَانَ خلقَة كَانَ مذموماً وهم) يصفونَ الْخَيل بالشّوس والخوص والقبل يُرِيدُونَ أَنَّهَا تفعل ذَلِك لعزّة أَنْفسهَا. وَقد اسْتشْهد شرّاح الألفيّة وَغَيرهم بِهَذَا الْبَيْت على اسْتِعْمَال الألى لجَمِيع الْمُذكر والمؤنث. وَهُوَ الَّذين واللاتي بِدَلِيل مَا عَاد على كلّ مِنْهُمَا من ضَمِيره. - وترجمة أبي ذُؤَيْب تقدّمت فِي الشَّاهِد السَّابِع وَالسِّتِّينَ من أَوَائِل الْكتاب.

( حرف التوقع) أنْشد فِيهِ (الشَّاهِد الثَّانِي وَالْعشْرُونَ بعد التسْعمائَة) وَهُوَ من شَوَاهِد س: الْبَسِيط قد أترك الْقرن مصفرّاً أنامله هُوَ صدر وعجزه: كَأَن أثوابه مجّت بفرصاد على أنّ قد مَعَ الْمُضَارع تكون للتكثير فِي مقَام التمدّح والافتخار. قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَتَكون قد بِمَنْزِلَة ربّما. وَأنْشد الْبَيْت وَقَالَ: كَأَنَّهُ قَالَ: ربّما. وَأَرَادَ بربّما التكثير. وَنَقله عَنهُ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي وَقَالَ: الرَّابِع من مَعَاني قد التكثير قَالَه سِيبَوَيْهٍ فِي قَول الْهُذلِيّ: قد أترك الْقرن مصفرّاً أنامله وَقَالَهُ الزَّمَخْشَرِيّ فِي قد نرى تقلّب وَجهك فِي السَّمَاء قَالَ: أَي: ربّما وَمَعْنَاهُ تَكْثِير الرُّؤْيَة. ثمَّ (قد أشهد الْغَارة الشّعواء تحملنِي ... جرداء معروقة اللّحيين سرحوب) انْتهى.

وَقد جعل الزَّمَخْشَرِيّ فِي تَفْسِير سُورَة التكوير: أصل مفَاد قد وربّما التقليل والتكثير إِنَّمَا جَاءَ من عكس الْكَلَام. قَالَ عِنْد قَوْله تَعَالَى: علمت نفسٌ مَا أحضرت قَالَ: فَإِن قلت: كلّ نفس تعلم مَا أحضرت كَقَوْلِه تَعَالَى: يَوْم تَجِد كلّ نفسٍ مَا عملت من خيرٍ محضراً والأنفس وَاحِدَة فَمَا معنى قَوْله: علمت نفس قلت: هُوَ من عكس كَلَامهم الَّذِي يقصدون بِهِ الإفراط فِيمَا يعكس عَنهُ. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: رُبمَا يودّ الَّذين كفرُوا لَو كَانُوا مُسلمين وَمَعْنَاهُ معنى كم وأبلغ.) وَمِنْه قَول الْقَائِل: قد أترك الْقرن مصفرّاً أنامله وَتقول لبَعض قوّاد الْعَسْكَر: كم عنْدك من الفرسان فَيَقُول: ربّ فارسٍ عِنْدِي أَو: لَا تعدم فَارِسًا عِنْدِي. وَعِنْده المقانب وقصده بذلك التّمادي فِي كَثْرَة فرسانه وَلكنه أَرَادَ إِظْهَار بَرَاءَته من التزيّد وَأَنه ممّن يقلّل كثير مَا عِنْده فضلا أَن يتزيّد فجَاء بِلَفْظ التقليل ففهم مِنْهُ معنى الْكَثْرَة على الصِّحَّة وَالْيَقِين. انْتهى كَلَامه. - وَزعم ابْن مَالك أَن مُرَاد سِيبَوَيْهٍ أَن قد مثل رُبمَا فِي التقليل لَا فِي التكثير. ورد عَلَيْهِ أَبُو حَيَّان وانتصر بَعضهم لَا بن مَالك. وَقد نقل الْجَمِيع الدماميني فِي الْحَاشِيَة الْهِنْدِيَّة وَصحح كَلَام أبي حَيَّان ولابأس بإيراده فَنَقُول:

قَالَ ابْن مَالك: إِطْلَاق سِيبَوَيْهٍ القَوْل بِأَنَّهَا بِمَنْزِلَة رُبمَا مُوجب للتسوية بَينهمَا فِي التقليل وَالصرْف إِلَى المضيّ. وَاعْتَرضهُ أَبُو حَيَّان فَقَالَ: لم يبين سِيبَوَيْهٍ الْجِهَة الَّتِي فِيهَا قد بِمَنْزِلَة رُبمَا وَلَا يدل على ذَلِك التَّسْوِيَة فِي كل الْأَحْكَام بل يسْتَدلّ بِكَلَام سِيبَوَيْهٍ على نقيض مَا فهمه ابْن مَالك وَهُوَ أَن قد بِمَنْزِلَة رُبمَا فِي التكثير فَقَط. وَيدل عَلَيْهِ إنشاد الْبَيْت لِأَن الْإِنْسَان لَا يفخر بِمَا يَقع مِنْهُ على سَبِيل الندرة والقلة وَإِنَّمَا يفتخر بِمَا يَقع مِنْهُ على سَبِيل الْكَثْرَة فَيكون قد بِمَنْزِلَة رُبمَا فِي التكثير. انْتهى. وانتصر بعض الْفُضَلَاء لِابْنِ مَالك رادّاً كَلَام أبي حَيَّان فَقَالَ: أما قَوْله: لم يبين سِيبَوَيْهٍ الْجِهَة ... إِلَخ فإطلاق التَّسْوِيَة كافٍ فِي الْأَحْكَام كلهَا إِلَّا مَا تعين خُرُوجه. وَأما قَوْله: لِأَن الْإِنْسَان ... إِلَخ فَجَوَابه أَن فَخر الْإِنْسَان بِمَا يَقع مِنْهُ كثيرا إِنَّمَا يكون فِيمَا يَقع قَلِيلا وَكَثِيرًا فيفخر بالكثير مِنْهُ أما مَا لَا يَقع إِلَّا نَادرا فَقَط فَإِنَّهُ يفخر بِالْقَلِيلِ مِنْهُ لِاسْتِحَالَة الْكَثْرَة فِيهِ. وَترك الْمَرْء قرنه مصفرّ الأنامل يَسْتَحِيل وُقُوعه كثيرا وَإِنَّمَا يتَّفق نَادرا فَلذَلِك يفتخر بِهِ لِأَن الْقرن هُوَ المقاوم للشَّخْص الْكُفْء لَهُ فِي شجاعته فَلَو فرض مَغْلُوبًا مَعَه فِي الْكثير من الْأَوْقَات لم يكن قرنا لَهُ إِذْ لَا يكون قرنا إِلَّا عِنْد الْمُكَافَأَة غَالِبا. إِذْ تقرر هَذَا فَنَقُول: لما كَانَ قَوْله الْقرن يَقْتَضِي أَنه لَا يغلب قرنه لِأَن القرنين غَالب أَمرهمَا التَّعَارُض ثمَّ قضى بِأَنَّهُ قد يغلبه حملنَا ذَلِك على الْقلَّة صونا للْكَلَام عَن التدافع وَقُلْنَا: المُرَاد) أَنه بِتَرْكِهِ كَذَلِك تركا لَا يُخرجهُ عَن كَونه قرنا. وَذَلِكَ هُوَ التّرْك النَّادِر لِئَلَّا يدْفع آخر الْكَلَام أَوله. والزمخشري فهم مَا فهمه أَبُو حَيَّان من أَن قد فِي الْبَيْت للتكثير فقد اتجهت الْمُؤَاخَذَة على ابْن هِشَام فِي نَقله هَذَا الْمَعْنى عَن سِيبَوَيْهٍ فَإِن سِيبَوَيْهٍ لم يقلهُ نصا وَإِنَّمَا فهمه أَبُو حَيَّان عَنهُ. ثمَّ أَبُو حَيَّان لَيْسَ جَازِمًا بِهِ وَإِنَّمَا قَالَه مُعَارضا لفهم ابْن مَالك وَمثل هَذَا لَا يَكْفِي فِي تسويغ النَّقْل عَن

سِيبَوَيْهٍ أَنه قَالَ: إِن قد فِي الْبَيْت للتكثير وغايته فهمٌ فِي جوّزه أَبُو حَيَّان وَسَبقه الزَّمَخْشَرِيّ إِلَيْهِ وَهُوَ معَارض لفهم ابْن مَالك أحد الْمُجْتَهدين فِي النَّحْو. كَذَا قَالَ ذَلِك الْفَاضِل. قلت: حَاصِل كَلَامه على الْبَيْت أَن التكثير فِيهِ مُلْزم للتناقض بِنَاء على أَن الْقرن هُوَ الْكُفْء وَإِنَّمَا يتم ذَلِك أَن لَو كَانَ المُرَاد بالقرن وَاحِدًا وَهُوَ مَمْنُوع بل الظَّاهِر أَن المُرَاد بِهِ الْجِنْس. فَإِذا فَرضنَا أَنه غلب جَمِيع أقرانه وهم مائَة مثلا كلّ واحدٍ مرّة حصلت كَثْرَة الْغَلَبَة مَعَ انْتِفَاء التَّنَاقُض لتَعَدد الْمحَال وَهَذَا هُوَ اللَّائِق بمقام الافتخار. وَظهر بِهَذَا أَن: قَوْله: لِاسْتِحَالَة الْكَثْرَة فِيهِ مُسْتَدْرك وَأَن قَوْله: إِن ذَلِك فِيمَا يُمكن وُقُوعه قليلاًَ وَكَثِيرًا فَلَا يفتخر مِنْهُ إِلَّا بالكثير لَا يجديه نفعا فِي مرامه بل هُوَ عَلَيْهِ كَمَا عَرفته. هَذَا آخر مَا أوردهُ الدماميني. وَقد أَجَاد فِي ردّه على هَذَا الْفَاضِل. وَقد أورد كَلَام هَذَا الْفَاضِل فِي شرح التسهيل مسلّماً وشنّع على ابْن هِشَام غَايَة التشنيع. وَالْبَيْت من قصيدة لِعبيد بن الأبرص الْأَسدي أوردهَا الْأَصْمَعِي فِي الأصمعيات. - وَهَذَا مطْلعهَا:

الْبَسِيط (طَاف الخيال علينا لَيْلَة الْوَادي ... من آل أَسمَاء لم يلمم بميعاد) (أنّى اهتديت لركبٍ طَال ليلهم ... فِي سبسبٍ بَين دكداك وأعقاد) (يطوفون الفلا فِي كل هاجرةٍ ... مثل الفنيق إِذا مَا حثه الْحَادِي) إِلَى أَن قَالَ: (قد أترك الْقرن مصفرّاً أنامله ... كَأَن أثوابه مجّت بفرصاد) (أبلغ أَبَا كربٍ عني وَإِخْوَته ... قولا سيذهب غوراً بعد إنجاد)) (لَا أعرفنّك بعد الْيَوْم تندبني ... وَفِي حَياتِي مَا زوّدتني زادي) (فَإِن حييت فَلَا أحسبك فِي بلدي ... وَإِن مَرضت فَلَا أحسبك عوّادي) (فَانْظُر إِلَى ظلّ ملكٍ أَنْت تَاركه ... هَل ترسينّ أواخيه بِأَوْتَادٍ) (الْخَيْر يبْقى وَإِن طَال الزّمان بِهِ ... والشّرّ أَخبث مَا أوعيت من زَاد) وَقَوله: أنّى اهتديت الْتِفَات من الْغَيْبَة إِلَى الْخطاب. والسّبسب: الْمَفَازَة والقفر. والدّكداك بِفَتْح الدَّال هُوَ من الرمل: مَا التبد وَلم يرْتَفع. وأعقاد: جمع عقد بِفَتْح فَكسر هُوَ مَا تعقّد من الرمل أَي: تراكم وطوّف: مُبَالغَة طَاف. والفنيق بِفَتْح الْفَاء وَكسر النُّون: الْفَحْل المكرم من الْإِبِل. وَقَوله: اذْهَبْ إِلَيْك فِيهِ حذف مُضَاف أَي: اذْهَبْ إِلَى قَوْمك بِدَلِيل قَوْله: فَإِنِّي من بني اسد فَلَا يرد أَن مجرور إِلَى وفاعل متعلّقها ضميران لشَيْء وَاحِد.

وَقَوله: قد أترك الْقرن هُوَ بكسسر الْقَاف: الْمثل فِي الشجَاعَة. والأنامل: رُؤُوس الْأَصَابِع. وأترك: يحْتَمل أَن يكون من التّرْك بِمَعْنى التَّخْلِيَة وَيَتَعَدَّى إِلَى مفعول وَاحِد فمصفرّاً: حَال من وَيحْتَمل أَن يكون من التّرْك بِمَعْنى التصيير فيتعدّى لمفعولين ثَانِيهمَا مصفرّاً. وَالْمعْنَى: اقتله فينزف دَمه فتصفرّ أنامله. وَقَالَ الأعلم: خصّ الأنامل لِأَن الصُّفْرَة إِلَيْهَا أسْرع وفيهَا أظهر. وَقَالَ ابْن السيرافي فِي شرح أَبْيَات الْغَرِيب المصنّف: يُرِيد أَن يقتل الْقرن فتصفرّ أنامله. وَيُقَال: إِنَّه إِذا مَاتَ الميّت اصفرّت أنامله. وأثواب: جمع ثوب. ومجّت: دميت وَالْمرَاد صبغت. والفرصاد بِكَسْر الْفَاء قَالَ الأعلم: هُوَ التّوت شبّه الدَّم بحمرة عصارته. وَفِي الْقَامُوس: الفرصاد: التوث أَو أحمره أَو صبغ أَحْمَر. والتوث فِيهِ لُغَتَانِ يجوز فِي آخِره بالثاء الْمُثَلَّثَة وبالمثناة. وَأنكر صَاحب الصِّحَاح الأول ورد عَلَيْهِ. حكى أَبُو حنيفَة الدّينوريّ فِي كتاب النَّبَات أَنه بِالْمُثَلثَةِ وَقَالَ: لم يسمع فِي الشّعْر إِلَّا بِهِ. - وَأنْشد لمحبوب النّشهليّ: الْبَسِيط (لروضةٌ من رياض الْحزن أَو طرفٌ ... من الْقرْيَة حزنٌ غير محروث) (أشهى وَأحلى لعَيْنِي إِن مَرَرْت بِهِ ... من كرخ بَغْدَاد ذِي الرّمّان والتوث)) وَقَوله: لَا أعرفنّك لَا: ناهية. وَنهي الْمُتَكَلّم نَفسه قَلِيل. والأواخي: جمع آخية بِالْمدِّ وَالتَّشْدِيد وَالْبَيْت الشَّاهِد قد تداوله الشُّعَرَاء فبعضهم أَخذ المصراع وَبَعْضهمْ أَخذه تَمامًا بِلَفْظِهِ وَبَعْضهمْ أَخذ مَعْنَاهُ. قَالَ أَبُو المثلّم الهذليّ يرثي صَخْر الغيّ الْهُذلِيّ: الْبَسِيط (وَيتْرك الْقرن مصفرّاً أنامله ... كأنّ فِي ربطتيه نضح إرقان)

والإرقان بِكَسْر الْهمزَة وبالقاف: الزّعفران. وَقَالَ المتنخّل الْهُذلِيّ يرثي ابْنه أثيلة: الْبَسِيط (والتّارك الْقرن مصفرّاً أنامله ... كأنّه من عقارٍ قهوةٍ ثمل) وَقَالَ زُهَيْر بن مَسْعُود الضّبّي: الْبَسِيط ( هلاّ سَأَلت هداك الله مَا حسبي ... عِنْد الطّعان إِذا مَا احمرّت الحدق) (هَل أترك الْقرن مصفرّاً أنامله ... قد بلّ من جَوْفه العلق) وَقَالَت ريطة الهذلية ترثي أخاها عمرا ذَا الْكَلْب: الْبَسِيط (الطاعن الطعنة النجلاء يتبعهَا ... مثعنجرٌ من نجيع الْجوف أسكوب) (والتارك الْقرن مصفرّاً أنامله ... كَأَنَّهُ من نجيع الْجوف مخضوب) وَقَالَ زُهَيْر بن أبي سلمى: الْبَسِيط المائح: الَّذِي يمْلَأ الدَّلْو فِي أَسْفَل الْبِئْر عِنْد قلَّة مَائِهَا. والأسن بِفَتْح الْهمزَة وَكسر السِّين: الَّذِي أَصَابَته ريح مُنْتِنَة من ريح الْبِئْر أَو غير ذَلِك فَغشيَ عَلَيْهِ أَو دَار رَأسه. وَقَالَ أحد بني جرم:

الْبَسِيط (وأترك الْقرن مصفرّاً أنامله ... دامي المرادع منكبّاً على العفر) وَقَالَت عمْرَة بنت شَدَّاد الْكَلْبِيَّة ترثي أخاها مَسْعُود بن شَدَّاد: الْبَسِيط ( قد يطعن الطعنة النجلاء يتبعهَا ... مضرّج بعْدهَا تغلي بإزباد) (وَيتْرك الْقرن مصفرّاً أنامله ... كَأَن أثوابه مجّت بفرصاد) وَتَقَدَّمت تَرْجَمَة عبيد بن الأبرص فِي الشَّاهِد السَّادِس عشر بعد الْمِائَة وَوَقع نِسْبَة الْبَيْت الشَّاهِد فِي كتاب سِيبَوَيْهٍ إِلَى بعض الهذليين وَلم أره فِي أشعارهم من رِوَايَة السكرِي. وَالله أعلم.) وَأنْشد بعده: الْكَامِل لما تزل برحالنا وَكَأن قد على أَنه قد يحذف الْفِعْل بعد قد لدليلٍ وَالتَّقْدِير: وَكَأن قد زَالَت فَحذف زَالَت لدلَالَة مَا قبله عَلَيْهِ وَكسرت الدَّال من قد للقافية. وَهَذَا عجز وصدره: أفد الترحل غير أَن رِكَابنَا وَتقدم شَرحه فِي الشَّاهِد الْخَامِس وَالْعِشْرين بعد الْخَمْسمِائَةِ. ( حرفا الِاسْتِفْهَام) وَأنْشد بعده (الشَّاهِد الثَّالِث وَالْعشْرُونَ بعد التسْعمائَة) الرجز أهل عرفت الدَّار بالغريين على أَن هَل فِي الأَصْل بِمَعْنى قد كَمَا فِي الْبَيْت فكون قد حرف اسْتِفْهَام إِنَّمَا تكون بِهَمْزَة الِاسْتِفْهَام ثمَّ حذفت الْهمزَة لِكَثْرَة الِاسْتِعْمَال إِقَامَة لَهَا مقَامهَا. وَقد جَاءَت على اللأصل فِي قَوْله تَعَالَى: هَل أَتَى على الْإِنْسَان أَي: قد أَتَى. هَذَا أحد مَذَاهِب أَرْبَعَة وَهُوَ مَذْهَب الزَّمَخْشَرِيّ ف هَل عِنْده أبدا بِمَعْنى قد وَأَن الِاسْتِفْهَام إِنَّمَا هُوَ مُسْتَفَاد من همزَة مقدرَة. قَالَ فِي الْمفصل: وَعند سِيبَوَيْهٍ أَن هَل بِمَعْنى قد إِلَّا أَنهم تركُوا الْألف قبلهَا لِأَنَّهَا لَا تقع إِلَّا فِي الإستفهام. وَقد جَاءَ دُخُولهَا عَلَيْهَا فِي قَوْله: الْبَسِيط (سَائل فوارس يَرْبُوع بشدتنا ... أهل رأونا بسفح القاع ذِي الأكم ) انْتهى. قَالَ ابْن يعِيش فِي شَرحه: هَذَا هُوَ الظَّاهِر من كَلَام سِيبَوَيْهٍ وَذَلِكَ أَنه قَالَ عِنْد الْكَلَام على من وَمَتى: وَكَذَلِكَ هَل إِنَّمَا هِيَ بِمَنْزِلَة قد وَلَكنهُمْ تركُوا الْألف إِذْ كَانَت هَل إِنَّمَا تقع فِي الِاسْتِفْهَام كَأَنَّهُ يُرِيد أَن هَل تكون بِمَعْنى

قد والاستفهام فِيهَا بِتَقْدِير ألف الِاسْتِفْهَام كَمَا كَانَ ذَلِك فِي من وَمَتى وَالْأَصْل أَمن أمتى وَلما كثر اسْتِعْمَالهَا فِي الِاسْتِفْهَام حذفت أللف وتضمنت مَعْنَاهَا. وَكَذَلِكَ هَل الأَصْل فِيهَا: أهَل وَكثر اسْتِعْمَالهَا فِي الِاسْتِفْهَام فحذفت الْألف للْعلم بمكانها.) انْتهى. وَمَا نَقله عَن سِيبَوَيْهٍ مَذْكُور فِي بَاب بَيَان أم لم تدخل على حُرُوف الِاسْتِفْهَام وَلم تدخل على ألف. وَقد وَقع مثل هَذَا فِي أَوَائِل كتاب سِيبَوَيْهٍ فِي بَاب مَا يخْتَار فِيهِ النصب من ابواب الِاشْتِغَال أَيْضا: وَتقول أم هَل فَإِنَّهَا بِمَنْزِلَة قد وَلَكنهُمْ تركُوا الْألف اسْتغْنَاء إذكان هَذَا الْكَلَام لَا يَقع لَا فِي اسْتِفْهَام. انْتهى. وَلم يقف ابْن هِشَام على هذَيْن النصين من كَلَام سِيبَوَيْهٍ فَاعْترضَ على الزَّمَخْشَرِيّ بقوله: وَلم أر فِي كتاب سِيبَوَيْهٍ مَا نَقله عَنهُ وَإِنَّمَا قالفي بَاب عدَّة مَا يكون عَلَيْهِ الْكَلم مَا نَصه: وَهل هِيَ للاستفهام لم يزدْ على ذَلِك. انْتهى. وَقد رد عَلَيْهِ الدماميني بِأَنَّهُ لَا لُزُوم من عدم رُؤْيَته هُوَ لذَلِك عدم وُقُوعه وَكَانَ الأولى بِهِ تَحْسِين الظَّن بالزمخشري فَإِنَّهُ أَمَام فِي هَذَا الْفَنّ ثَبت فِي النَّقْل وَمَا نَقله عَن سِيبَوَيْهٍ مسطور فِي موضِعين من كِتَابه. ثمَّ نقل كلاميه من كِتَابه وَقَالَ: فَإِن قلت فَمَا تصنع فِي دفع الْمُعَارضَة الَّتِي أَشَارَ إِلَيْهَا وَهِي مُخَالفَة قَول سِيبَوَيْهٍ فِي بَاب عدَّة مَا يكون عَلَيْهِ الْكَلَام لقَوْله فِي غَيره: إِن هَل إِنَّمَا تكون بِمَنْزِلَة قد قلت: أحمل ذَلِك على أَنَّهَا للاستفهام بِاعْتِبَار قِيَامهَا مقَام الْهمزَة

المحذوفة المفيدة للاستفهام لَا أَنَّهَا مَوْضُوعَة للاستفهام بِنَفسِهَا جمعا بَين كلاميه. انْتهى. وَكَلَام الزَّمَخْشَرِيّ فِي كشافه كالمفصل قَالَ: هَل بِمَعْنى قد فِي الِاسْتِفْهَام خَاصَّة وَالْأَصْل أهل بِدَلِيل قَوْله: أهل رأونا بسفح القاع ذِي الأكم وَالْمعْنَى: أقد أَتَى على التَّقْرِير والتقريب جَمِيعًا أَي: أَتَى على ألإنسان قبل زمَان قريب حينٌ من الدَّهْر لم يكن فِيهِ شَيْئا مَذْكُورا أَي: كَانَ شَيْئا منسياً غير مَذْكُور. انْتهى. وَتَبعهُ الْبَيْضَاوِيّ فَقَالَ: هُوَ اسْتِفْهَام تَقْرِير وتقري وَلذَلِك فسر بقد وأصل أهل كَقَوْلِه: أهل رأونا الْبَيْت وَمعنى قَول الزَّمَخْشَرِيّ: فِي الِاسْتِفْهَام خَاصَّة أَن هَل لَا تكون بِمَعْنى قد إِلَّا وَمَعَهَا اسْتِفْهَام لفظا كالبيت الْمُتَقَدّم أوتقديراً كالآية الْكَرِيمَة. فَلَو قلت: هَل جَاءَ زيد بِمَعْنى قد جَاءَ من غير اسْتِفْهَام لم يجز.) وَقَوله: على التَّقْرِير أَي: الْمَفْهُوم من الِاسْتِفْهَام الْمُقدر. وَقَوله: والتقريب أَي: الْمَفْهُوم من هَل بِمَعْنى قد. وَإِنَّمَا اسْتشْهد الشَّارِح بِالْبَيْتِ الَّذِي أوردهُ دون بَيت الْمفضل فَإِنَّهُ طعن فِي ثُبُوته. قَالَ ابْن هِشَام: وَقد رايت عَن السيرافي أَن الرِّوَايَة الصَّحِيحَة: أم هَل رأونا وَأم هَذِه مُنْقَطِعَة بِمَعْنى بل فَلَا دَلِيل فِيهِ. انْتهى. وَلِهَذَا عدل الشَّارِح عَنهُ فَللَّه دره مَا أدق نظره. الْمَذْهَب الثَّانِي أَن هَل بِمَعْنى قد دون اسْتِفْهَام مُقَدّر وَهُوَ مَذْهَب الْفراء. قَالَ فِي تَفْسِير الْآيَة: الْمَعْنى قد أَتَى على الْإِنْسَان حينٌ من الدَّهْر

وَهل قد تكون جحداً وَتَكون خَبرا فَهَذَا من الْخَبَر. - وَقَوله: لم يكن شَيْئا مَذْكُورا يُرِيد: كَانَ شَيْئا وَلم يكن مَذْكُورا ذولك حِين خلقه من طينٍ إِلَى أَن نفخ فِيهِ الرّوح. انْتهى. وَتَبعهُ الإِمَام الواحدي فِي الْوَسِيط: قَالَ الْمُفَسِّرُونَ وَأهل الْمعَانِي: قد أَتَى فَهَل هَا هُنَا خبر وَقَوله: على ألإنسان يَعْنِي آدم حينٌ من الدَّهْر: قدر أَرْبَعِينَ سنة لم يكن شَيْئا مَذْكُورا لَا فِي السَّمَاء وَلَا فِي ألأرض يَعْنِي أَنه جسداً ملقى من طين قبل أَن ينْفخ فِيهِ الرّوح. قَالَ عَطاء عَن ابْن عَبَّاس: إِنَّمَا تمّ خلقه بعد عشْرين وَمِائَة سنة. انْتهى. وَقَالَ ابْن هِشَام: إِن هَل تَأتي بِمَعْنى قد وَذَلِكَ مَعَ الْفِعْل وَبِذَلِك فسر قَوْله تَعَالَى: هَل أَتَى على الْإِنْسَان حينٌ جمَاعَة مِنْهُم ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما وَالْكسَائِيّ وَالْفراء والمبرد قَالَ فِي مقتضبه: هُبل للاستفهام نَحْو: هَل جَاءَ زيد وَتَكون بِمَنْزِلَة قد نَحْو قَوْله تَعَالَى: هَل أَتَى على الْإِنْسَان. انْتهى. وَبَالغ الزَّمَخْشَرِيّ فَزعم: أَنَّهَا ابداً بِمَعْنى قد وَأَن الِاسْتِفْهَام إِنَّمَا هُوَ مُسْتَفَاد من همزةٍ مقدرَة مَعهَا. وفسرها غَيره بقد خَاصَّة وَلم يحملوا قد على معنى التَّقْرِيب بل على معنى التَّحْقِيق. وَقَالَ بَعضهم: مَعْنَاهَا التوقع و: أَنه قيل لقومٍ يتوقعون الْخَبَر عَمَّا أَتَى على الْإِنْسَان وَهُوَ آدم عَلَيْهِ السَّلَام. قَالَ: والحين هُوَ زمن كَونه طيناً. انْتهى. الْمَذْهَب الثَّالِث لِابْنِ مَالك أَنَّهَا تتَعَيَّن لِمَعْنى قد إِن دخلت عَلَيْهَا همزَة الِاسْتِفْهَام وَأَن لم تدخل فقد تكون بِمَعْنى قد تكون بعنى قد وَقد تكون للاستفهام: قَالَ فِي

التسهيل: وَقد تدخل عَلَيْهَا الْهمزَة فَيتَعَيَّن مرادفة قد. انْتهى.) وَمَفْهُومه أَنَّهَا لَا تتَعَيَّن لذَلِك إِذا لم تدخل عَلَيْهَا الْهمزَة بل قد تَأتي لذَلِك مَا فِي الْآيَة وَقد لَا تَأتي لَهُ. - الْمَذْهَب الرَّابِع أَنَّهَا لَا تَأتي بِمَعْنى قد وَإِنَّمَا هِيَ للاستفهام. وَذهب إِلَيْهِ جمَاعَة. ثمَّ اخْتلفُوا فِي الْآيَة فَقَالَ أَبُو حَيَّان: هِيَ على بَابهَا من الِاسْتِفْهَام أَي: هُوَ مِمَّن يسْأَل عَنهُ لغرابته أَتَى عَلَيْهِ حِين من الدَّهْر لم يكن كَذَا لإنه يكون الْجَواب: أَتَى عَلَيْهِ ذَلِك وَهُوَ بِالْحَال الْمَذْكُورَة. وَقَالَ مكي فِي تَقْرِير كَونهَا على بَابهَا من الِاسْتِفْهَام: وَالْأَحْسَن أَن تكون على بَابهَا للاستفهام الَّذِي مَعْنَاهُ التَّقْرِير وَإِنَّمَا هُوَ تَقْرِير لمن أنكر الْبَعْث فَلَا بُد أَن يَقُول: نعم قد مضى دهراً طَوِيل لَا إِنْسَان فِيهِ فَيُقَال لَهُ: من أحدثه بعد أَن يكن وَكَونه بعد عَدمه كَيفَ يمْتَنع عَلَيْهِ بَعثه وإحياؤه بعد مَوته هُوَ معنى قَوْله: وَلَقَد علمْتُم النشأة الأولى فَلَولَا تذكرُونَ أَي: فَهَلا تذكرُونَ فتعلمون أَن من أنشأ شَيْئا بعد أَن لم يكن قَادر على أعادته بعد مَوته وَعَدَمه. انْتهى. قَالَ السمين فِي الدّرّ المصون: قد جعلهَا لاستفهام التَّقْرِير خلافًا لأبي حَيَّان فِي جعله استفهاماً مَحْضا لِأَن التَّقْرِير الَّذِي يجب أَن يكون لِأَن الِاسْتِفْهَام لَا يرد من الْبَارِي تَعَالَى إِلَّا على هَذَا النَّحْو. وَإِلَى القرير ذهب الزجاح أَيْضا. قَالَ: معنى هَل أَتَى على الْإِنْسَان أَي: ألم يَأْتِ على الْإِنْسَان حينٌ من الدَّهْر لم يكن شَيْئا مَذْكُورا. واللمعنى: قد كَانَ شَيْئا إِلَّا أَنه كَانَ تُرَابا وطيناً إِلَى أَن نفخ فِيهِ الرّوح فَلم يكن قبل نفخ الرّوح فِيهِ شَيْئا

مَذْكُورا. وَيجوز أَن يكون يعْنى بِهِ جَمِيع النَّاس وَيكون أَنهم كَانُوا نطفاً ثمَّ علقاً ثمَّ مضغاً إِلَى أَن صَارُوا شَيْئا مَذْكُورا. انْتهى. وَقد اخْتَار هَذَا الْمَذْهَب ابْن جني فَقَالَ فِي بَاب إقار الْأَلْفَاظ على أوضاعها الأول من كتاب الخصائص: وَأما هَل فقد أخرجت عَن بَابهَا إِلَى معنى قد نَحْو قَول الله: هَل أَتَى على الْإِنْسَان قَالُوا: مَعْنَاهُ قد أَتَى عَلَيْهِ ذَلِك. - وَقد يكن عِنْدِي أَن تكون مبقاةً فِي هَذَا الْموضع على بَابهَا من الِاسْتِفْهَام فَكَأَنَّهُ قَالَ: وَالله أعلم: هَل أَتَى على الْإِنْسَان هَذَا. فلابد فِي جَوَابه من نعم ملفوظاً بهَا أَو مقدرَة أَي: فَكَمَا أَن ذَلِك كَذَلِك فَيَنْبَغِي للْإنْسَان أَن) يحتقر نَفسه. وَهَذَا كَقَوْلِك لمن تُرِيدُ الِاحْتِجَاج عَلَيْهِ: بِاللَّه هَل سَأَلتنِي فأعطيتك أم هَل زرتني فأكرمتك أَي: فَكَمَا أَن ذَلِك كَذَلِك فَيجب أَن تعرف حَقي عَلَيْك. ويوؤكد هَذَا قَوْله تَعَالَى: إِنَّا خلقنَا الْإِنْسَان إِلَى هديناه السَّبِيل أَفلا ترَاهُ عز اسْمه كَيفَ عدد عَلَيْهِ أياديه وألطافه لَهُ. فَإِن قلت: فَمَا تصنع بقول الشَّاعِر: أهل رأونا بسفح القف ذِي الأكم أَلا ترى إِلَى دُخُول همزَة الِاسْتِفْهَام على هَل ول كَانَت للاستفهام لم تلاق همزته لِاسْتِحَالَة اجْتِمَاع حرفين لِمَعْنى وَاحِد. وَهَذَا يدل على خُرُوجهَا عَن الِاسْتِفْهَام إِلَى الْخَبَر. فَالْجَوَاب أَن هَذَا يُمكن أَن يَقُوله صَاحب هَذَا الْمَذْهَب. وَمثله خُرُوج همزَة الإستفهام إِلَى التَّقْرِير. أَلا ترى أَن التَّقْرِير ضرب من الْخَبَر وَذَلِكَ ضد الإستفهام. وَيدل على أَنه قد فَارق الِاسْتِفْهَام امْتنَاع النصب بِالْفَاءِ فِي جَوَابه والجزم بِغَيْر الْفَاء. أَلا تراك لَا تَقول: أَلَسْت صاحبنا فنكرمك كَمَا تَقول: لست صاحبنا فنكرمك وَلَا تَقول فِي التَّقْرِير: أَأَنْت فِي الْجَيْش أثبت اسْمك كَمَا تَقول فِي

الا ستفهام الصَّرِيح: أَأَنْت فِي الْجَيْش أُثبت اسْمك كَمَا تَقول: مَا اسْمك أذكرك أَي: إِن أعرفهُ أذكرك. وَلأَجل مَا ذكرنَا من حَدِيث همزَة التَّقْرِير مَا صَارَت تنقل النَّفْي إِلَى الْإِثْبَات وَالْإِثْبَات إِلَى النَّفْي. ( ألستم خير من ركب المطايا ... وأندى الْعَالمين بطُون رَاح) أَي أَنْتُم كَذَلِك. انْتهى كَلَامه. وَقَوله: لِاسْتِحَالَة اجْتِمَاع حرفين لِمَعْنى وَاحِد على نمط مَا تقدم عَنهُ فِي الشَّاهِد السَّادِس بعد التسْعمائَة وَتقدم رده. وَصوب أَبُو حَيَّان هَذَا الْمَذْهَب ورد مَا عداهُ قَالَ فِي شرح التسهيل: إِن مرادفه هَل لقد لم يقم عَلَيْهَا دَلِيل وَاضح إِنَّمَا هُوَ شَيْء قَالَه الْمُفَسِّرُونَ فِي قَوْله تَعَالَى: هَل أَتَى على الْإِنْسَان حِين: إِن مَعْنَاهُ قد أَتَى. وَهَذَا تَفْسِير معنى لَا تَفْسِير إِعْرَاب وَلَا يرجع إِلَيْهِم فِي مثل هَذَا وَإِنَّمَا يرجع فِي ذَلِك إِلَى أَئِمَّة) النَّحْو واللغة لَا إِلَى الْمُفَسّرين. وَإِمَّا الْبَيْت فَيحْتَمل أَن يكون من الْجمع بَين أداتين لِمَعْنى وَاحِد على سَبِيل التوكيد كَقَوْلِه: الوافر وَلَا للما بهم أبدا دَوَاء بل الْجمع بَين الْهمزَة وَهل أسهل لاخْتِلَاف لَفْظهمَا. وَتَبعهُ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي فَقَالَ: وَقد عكس قوم مَا قَالَه الزَّمَخْشَرِيّ فزعموا: أَن هَل لَا تَأتي بِمَعْنى قد أصلا. وَهَذَا هُوَ الصَّوَاب عِنْدِي إِذْ لَا متمسّك لمن أثبت ذَلِك إلاّ أحد ثَلَاثَة أُمُور:

أَحدهَا: تَفْسِير ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما ولعلّه إِنَّمَا أَرَادَ أَن الِاسْتِفْهَام فِي الْآيَة للتقرير وَلَيْسَ باستفهام حَقِيقِيّ. وَقد صرح بِهِ جمَاعَة من الْمُفَسّرين وَقَالَ بَعضهم: لاتكون هَل للإستفهام التقريري وَإِنَّمَا ذَلِك من خَواص الْهمزَة. وَلَيْسَ كَمَا قَالَ. وَالثَّانِي: قَول سِيبَوَيْهٍ الَّذِي شافه الْعَرَب وَفهم مقاصدهم. وَقد مضى أَن سِيبَوَيْهٍ لم يقل ذَلِك. وَالثَّالِث: دُخُول الْهمزَة عَلَيْهَا فِي الْبَيْت والحرف لَا يدْخل على مثله فِي الْمَعْنى وَهُوَ شَاذ وَيُمكن تَخْرِيجه على أَنه من الْجمع بَين حرفين بِمَعْنى وَاحِد على سَبِيل التوكيد. انْتهى بِاخْتِصَار. وَيرد عَلَيْهِمَا أَن مَا ردّاه هُوَ قَول سِيبَوَيْهٍ إِمَام البصيرين والمبرد وَقَول إِمَام الْكُوفِيّين الْكسَائي وتلميذه الْفراء وَكلهمْ أَئِمَّة النَّحْو وَالتَّفْسِير واللغة وَقد خالطوا الْعَرَب الفصحاء وسمعوا كَلَامهم وفهموا مقاصدهم وَثَبت النَّقْل عَنْهُم فَيتَعَيَّن الْأَخْذ بِهِ وردّ من خالفهم فِي هَذَا الْبَاب. وَالله أعلم بِالصَّوَابِ. وَقَوله: أهل عرفت الديار بالغريين هُوَ من قصيدة لخطام الْمُجَاشِعِي تقدم شرح أَبْيَات مِنْهَا فِي الشَّاهِد الْخَامِس وَالثَّلَاثِينَ بعد الْمِائَة مَعَ تَرْجَمته. قَالَ اللَّخْمِيّ فِي شرح ابيات الْجمل: هَذِه القصيدة من بَحر السَّرِيع وَرُبمَا حسب من لَا يحسن الْعرُوض أَنَّهَا من الرجز. وَلَيْسَ كَذَلِك لِأَن الرجز لايكون فِيهِ معولان فَيرد إِلَى فعولان. وَمثله:

قد عرضت أروى بقول إفناد وَهُوَ مستفعلن مستفعلن فعولان. انْتهى. - والغريان: مَوضِع بِالْكُوفَةِ نَحْو فرسخين عَنْهَا وَهُوَ مثنى الغري بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَكسر الرَّاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الْيَاء. قَالَ الْبكْرِيّ فِي مُعْجم مَا استعجم: قَالَ المفجع: الغري: مَوضِع بِالْكُوفَةِ وَيُقَال: إِن قبر عَليّ بن) أبي طَالب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه بالغري. وَيُقَال: الغريان. وَيُقَال أَن النُّعْمَان بناهما على قَبْرِي عَمْرو بن مَسْعُود. وخَالِد بن نَضْلَة لما قَتلهمَا. قَالَت هِنْد بنت معبد بن نَضْلَة ترثيهما: الطَّوِيل (أَلا بكر الناعي بخيري بني أَسد ... بِعَمْرو بن مسعودٍ وبالسيد الصَّمد) انْتهى. وَقَوله: النُّعْمَان خطأ وَصَوَابه الْمُنْذر. والغريان فِي الأَصْل: منارتان على قَبْرِي بن عَمْرو بن مَسْعُود وخَالِد بن نَضْلَة الأسديين كَانَ الْمُنْذر

الْأَكْبَر اللَّخْمِيّ يغريهما بالدماء أَي: يطليهما بهَا. كَذَا فِي كتاب أَسمَاء المغتالين من الْأَشْرَاف فِي الْجَاهِلِيَّة وَالْإِسْلَام لِابْنِ حبيب وَفِي ذيل الأمالي للقالي وَفِي الأغاني وَفِي الْأَوَائِل لأبي ضِيَاء الْموصِلِي. - وَزعم الْجَوْهَرِي وَتَبعهُ جمَاعَة مِنْهُم ابْن نباتة فِي شرح رِسَالَة ابْن زيدون أَنَّهُمَا قبرا مَالك وَعقيل: نديمي جذيمة الأبرش وسميا غريين لِأَن النُّعْمَان كَانَ يغريهما بِدَم من يقْتله فِي يَوْم بؤسه. وَهَذَا غلط واشتباه من وَجْهَيْن: أَحدهمَا أَن بَين جذيمة الأبرش وَبَين النُّعْمَان بن الْمُنْذر سِتَّة مُلُوك أحدهم: عَمْرو اللَّخْمِيّ وَهُوَ ابْن أُخْت جذيمة الأبرش. ثانيهم: امْرُؤ الْقَيْس بن عَمْرو الْمَذْكُور. ثالثهم: النُّعْمَان بن امْرِئ الْقَيْس الْمَذْكُور وَهُوَ النُّعْمَان الْأَكْبَر الَّذِي بنى الخورنق. رابعهم: الْمُنْذر بن امْرِئ الْقَيْس صَاحب الغريين وَهُوَ الْمُنْذر الْأَكْبَر ابْن مَاء السَّمَاء أَخُو النُّعْمَان الْأَكْبَر. خامسهم: الْمُنْذر بن الْمُنْذر وَهُوَ الْأَصْغَر. سادسهم: أَخُوهُ عَمْرو بن الْمُنْذر وَهُوَ عَمْرو بن هِنْد. ثمَّ النُّعْمَان بن الْمُنْذر الَّذِي ذكره الْجَوْهَرِي. وَكلهمْ مُلُوك الْحيرَة وَهِي أَرض بِالْكُوفَةِ. وَإِذا كَانَ الْأَمر على مَا ذكر فَمَا معنى تغريتهما النُّعْمَان بن الْمُنْذر بِالدَّمِ مَعَ كَونهمَا نديمي جذيمة الأبرش. الثَّانِي: أَن الَّذِي كَانَ لَهُ يَوْم بؤس إِنَّمَا هُوَ الْمُنْذر الْأَكْبَر. وَلم يتَنَبَّه لهَذَا ابْن برّي فِي حَاشِيَته على وَهَذِه قصَّة الغريين من عدَّة طرق أَحدهَا: لِابْنِ حبيب قَالَ فِي كتاب المغتالين:

ومهم عَمْرو بن مَسْعُود وخَالِد بن نَضْلَة الأسديان وَكَانَا يفدان على الْمُنْذر الْأَكْبَر فِي كل سنة) فيقيمان عِنْده وينادمانه وَكَانَت أَسد وغَطَفَان لايدينون للملوك ويغيرون عَلَيْهِم. - فوفدا سنة م السنين فَقَالَ النمنذر لخَالِد يَوْمًا وهم على الشَّرَاب: يَا خَالِد من رَبك فَقَالَ خَالِد: عَمْرو بن مَسْعُود رَبِّي وَرَبك فَأمْسك عَلَيْهِمَا ثمَّ قَالَ لَهما: مَا يَمْنَعكُمَا من الدُّخُول فِي طَاعَتي وَأَن تدنوا مني كَمَا دنت تَمِيم وَرَبِيعَة فَقَالَا: أَبيت اللَّعْن هَذِه الْبِلَاد لَا تلائم مواشينا وَنحن مَعَ هَذَا قريب مِنْك بِهَذَا الرم فَإِذا شِئْت أجبناك. فَعلم أَنه لَا يدينون لَهُ وَقد سمع من خَالِد الْكَلِمَة الأولى فَأوحى إِلَى الساقي فَسَقَاهُمَا سما فانصرفا من عِنْده بالسكر على خلاف مَا كَانَا ينصرفان فَلَمَّا كَانَ فِي بعض اللَّيْل أحس حبيب بن خَالِد بِالْأَمر لما رأى من شدَّة سكرهما فَنَادَى خَالِدا فَلم يجبهُ فَقَامَ إِلَيْهِ فحركه فَسقط بعض جسده وَفعل بعمروٍ مثل ذَلِك فَكَانَ حَاله كَحال خَالِد وَأصْبح الْمُنْذر نَادِما على قَتلهمَا. فغذا عَلَيْهِ حبيب بن خَالِد فَقَالَ: أَبيت اللَّعْن أسعدك الْأَهْل نديماك وخليلاك تتابعاً فِي سَاعَة وَاحِدَة فَقَالَ لَهُ: يَا حبيب أَعلَى الْمَوْت تستعديني وهلى ترى إِلَّا ابْن ميت وأخا ميت ثمَّ امْر فحفر لَهما قبران بِظَاهِر الْكُوفَة فدفنا فيهمَا وَبنى عَلَيْهِمَا منارتين فهما الغريان وعقر على كل قبر خمسين فرسا وَخمسين بَعِيرًا وغراهكما بدمائهما وَجعل يَوْم نادمهما يَوْم نعيم ويم دفنهما يَوْم يؤس. هَذَا مَا أوردهُ ابْن حبيب. وَقَالَ القالي فِي ذيل أَمَالِيهِ: حَدثنَا أَبُو بكر بن ديري: أخبرنَا عبد الرَّحْمَن بن عَمه قَالَ: قَالَ لي عمي: سَمِعت يُونُس بن حبيب يَقُول: كَانَ

الْمُنْذر بن مَاء السَّمَاء جد النُّعْمَان بن الْمُنْذر ينادمه رجلَانِ من الْعَرَب: خَالِد بن المضلل وَعَمْرو بن مَسْعُود الأسديان. فَشرب لَيْلَة مَعَهُمَا فراجعاه الْكَلَام فأغضباه فَأمر بهماوفجعلا فِي تابوتين ودفنا بِظَاهِر الْكُوفَة فَلَمَّا أصبح سَأَلَ عَنْهُمَا فَأخْبر بذلك فندم وَركب حَتَّى وقف عَلَيْهِمَا وَأمر بِبِنَاء الغريين وَجعل لنَفسِهِ يَوْمَيْنِ: يَوْم بؤس وَيَوْم نعيم فِي كل عَام فَكَانَ يضع سَرِيره بَينهمَا فَإِذا كَانَ يَوْم نعيمه فَأول من يطلع عَلَيْهِ وَهُوَ على سَرِيره يُعْطِيهِ مائَة من إبل الْمُلُوك وَأول من يطلع عَلَيْهِ فِي بؤسه يُعْطِيهِ رَأس ظريان وَيَأْمُر بدمه فَيذْبَح ويغرى بدمه الغريان. انْتهى. وَكَذَا روى هَذِه الْحِكَايَة إِسْمَاعِيل بن هبة الله الْموصِلِي فِي كتاب الْأَوَائِل عَن الشَّرْقِي بن الْقطَامِي.) وَقد رَجَعَ الْمُنْذر عَن هَذِه السّنة السَّيئَة. روى الْموصِلِي فِي أَوَائِله أَن الْمُنْذر اسْتمرّ على ذَلِك زَمَانا حَتَّى مر بِهِ رجل من طَيئ يُقَال لَهُ: حَنْظَلَة بن عفراء فَقَالَ لَهُ: أَبيت اللَّعْن أَتَيْتُك زَائِرًا ولأهلي من خيرك مائراً فلاتكن ميرتهم قَتْلِي. فَقَالَ: لَا بُد من ذَلِك وسلني حَاجَة قبله أقضها لَك. قَالَ: تؤجلني سنة أرجع فِيهَا إِلَى أهلى وَأحكم أَمرهم ثمَّ أرجع إِلَيْك فِي حكمك. قَالَ: وَمن يتكفل بك حَتَّى تعود فَنظر فِي وُجُوه جُلَسَائِهِ فَعرف مِنْهُم شريك

بن عمروٍ أَبَا الحوفزان بن شريك فَأَنْشَأَ يَقُول: مجزوء الرمل (يَا شَرِيكا يَا ابْن عَمْرو ... هَل من الْمَوْت محاله ) (يَا أَخا كل مصابٍ ... يَا اخا من لَا أَخا لَهُ) (يَا أَخا شَيبَان فك ال ... يَوْم رهنا قد أَنى لَهُ) (إِن شَيبَان قبيلٌ ... أكْرم الله رِجَاله) (وأبيوك الْخَيْر عمروٌ ... وشراحيل الحماله) (وفتاك الْيَوْم فِي المج ... د وَفِي حسن المقاله) فَوَثَبَ شريك وَقَالَ: ابيت اللَّعْن يَده يَدي وَدَمه دمي إِن لم يعد إِلَى أَجله. فَأَطْلقهُ الْمُنْذر فَلَمَّا كَانَ الْقبل جلس فِي مَجْلِسه وَإِذا ركب قد طلع عَلَيْهِم فتأملوه فَإِذا هُوَ حَنْظَلَة قد أقبل متكفناً متحنطاً مَعَه نادبته وَقد قدمت نادبة شريك تندبه فَلَمَّا رَآهُ الْمُنْذر عجب من وفائهما وكرمهما فأطلقهما وأبطل تِلْكَ السّنة. وَقد ذكر فِي إبِْطَال الْمُنْذر هَذِه السّنة غير هَذَا وَأوردهُ الْموصِلِي والميداني فِي مثلٍ وَهُوَ: إِن غَدا لناظره قريب

(الشاهد الرابع والعشرون بعد التسعمائة)

وَهُوَ قِطْعَة من بَيت: الوافر (وَإِن يَك صدر هَذَا الْيَوْم ولى ... فَإِن غذاً لناظره قريب) وَأنْشد بعده (الشَّاهِد الرَّابِع وَالْعشْرُونَ بعد التسْعمائَة) وَهُوَ من شَوَاهِد س: الرجز أطرباً وَأَنت قنسريٌ على أَن همزَة الِاسْتِفْهَام فِيهِ للإنكار. قَالَ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي: هِيَ فِيهِ للإنكار التوبيخي فَيَقْتَضِي أَن مَا بعده وَاقع وَأَن فَاعله ملوم نَحْو: أتعبدون مَا تنحتون. انْتهى. واورده سِيبَوَيْهٍ فِي بَاب مَا ينْتَصب فِيهِ على الْمصدر قَالَ: وَأما مَا ينْتَصب فِي الِاسْتِفْهَام من هَذَا الْبَاب فقولك: أقياماً يَا فلَان وَالنَّاس قعُود وأجلوساً وَالنَّاس يفرون. لَا يُرِيد أَنه يخبر أَنه يجلس وَلَا أَنه قد جلس وانقضى جُلُوسه وَلكنه مخبر أَنه فِي تِلْكَ الْحَال فِي جُلُوس وَفِي قيام. وَقَالَ العجاج: أطرباً وَأَنت قنسريٌ وَإِنَّمَا أَرَادَ: أتطرب أَي: أَنْت فِي حَال تطرب وَلم يرد أَن يخبر عَمَّا مضى وَلَا عَمَّا يسْتَقْبل. انْتهى.

قَالَ الأعلم: الشَّاهِد فِيهِ نصب طرب على الْمصدر الْمَوْضُوع مَوضِع الْفِعْل وَالتَّقْدِير: أتطرب طَربا. وَالْمعْنَى: أتطرب وَأَنت شيخ. والطرب: خفَّة الشوق هُنَا. والطرب أَيْضا: خفَّة السرُور. والقنسري: الشَّيْخ وَهُوَ مَعْرُوف فِي اللُّغَة وَلم يسمع إِلَّا فِي هَذَا الْبَيْت. انْتهى. - وَهُوَ من قصيدة للعجاج أَولهَا: (بَكَيْت والمحتزن البكي ... وَإِنَّمَا يَأْتِي الصِّبَا الصَّبِي) (أطرباً وَأَنت قنسريٌ ... والدهر بالإنسان دواري) محر نجم الجامل والنؤي وَهَذِه القصيدة من مشطور السَّرِيع وضربها كعروضها مشطور مَكْشُوف وَهُوَ الضَّرْب السَّادِس مِنْهُ. قَالَ ابْن الملا: زعم السُّيُوطِيّ فِي شرح الأبيات أَنَّهَا أرجوزة. وَفِيه نظر لِأَنَّهُ جعلهَا من الرجز يُؤَدِّي إِلَى أَن يكون فِي ضربهَا سوى الشّطْر تغييران: حذف نون مستفعلن وتسكين لامه غن) أطلق على مجموعهما اسْم الْقطع. وَجعلهَا من السَّرِيع إِنَّمَا يُؤَدِّي إِلَى أَن يكون فِيهَا تَغْيِير وَاحِد وَهُوَ حذف تَاء

مفعولات الْمُسَمّى بالكشف وتغيير وَاحِد أولى من تغييرين. اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يُقَال: أطلق عَلَيْهَا الأرجوزة وَإِن كَانَت من السَّرِيع لشبهها بِمَا كَانَ مشطور الرجز وزوحف بِالْقطعِ. وَأما ضرب مطْلعهَا فمزاحف بالخبن الَّذِي هُوَ حذف الثَّانِي السَّاكِن فوزن فعولن. - وَإِن جعل من الرجز وَجب أَن يكون فِيهِ ثَلَاث تغييرات. انْتهى. وَقَوله: بَكَيْت هُوَ خطاب لنَفسِهِ. والمحتزن: مفتعل من الْحزن. قَالَ الْجَوْهَرِي: احتزن وتحزن بِمَعْنى. وَأنْشد الْبَيْت. والبكي: الكثيرؤ الْبكاء فعيل من بَكَى يبكي. وَالصبَا بِكَسْر أَوله وَالْقصر: التصابي والميل إِلَى الْجَهْل وَحَقِيقَته أَن يفعل كالصبيان. وَالصَّبِيّ: فعيل قَالَ صَاحب الصِّحَاح: يُقَال: صبيٌ بَين الصِّبَا والصباء إِذا فتحت الصَّاد مددت وَإِذا كسرت قصرت. وَصبي صباءً كسمع سَمَاعا: لعب مَعَ الصّبيان. وَقَوله: أطرباً تقدم إعرابه عَن سِيبَوَيْهٍ. قَالَ ابْن خلف: انتصب طَربا بِفعل مُضْمر دلّ عَلَيْهِ الِاسْتِفْهَام لِأَنَّهُ بِالْفِعْلِ أولى. وَالتَّقْدِير: أتطرب طَربا وَإِنَّمَا ذكر الْمصدر دون الْفِعْل لِأَنَّهُ أَعم وأبلغ فِي المُرَاد. وَقد اسْتشْهد بِهِ ابْن مَالك على وجوب حجذف عَامل الْمصدر الْوَاقِع فِي توبيخ. قَالَ السُّيُوطِيّ: وَالْمَشْهُور أَنه مَنْصُوب على أَنه مفعول مُطلق وَقيل: إِنَّه على الْحَال الْمُؤَكّدَة أَي: أتطرب فِي حَال طرب. حكى ذَلِك أَبُو حَيَّان. انْتهى.

وَلَا يخفى ركاكته. وَقيل: نصب بِفعل مُقَدّر: أتأتي طَربا كَمَا يُقَال: أتأتي مَعْصِيّة على أَنه مفعول بِهِ. والطرب هُنَا: خفَّة من حزن كَمَا يدل عَلَيْهِ السِّيَاق خلافًا للأعلم. وبخ نَفسه على وُقُوع الْحزن مِنْهُ مَعَ حَالَة الشيخوخة على ديار أحبته الخالية وَحقه أَن لَا يستفزه الْحزن وَأَن يكون متثبتاً لكَونه مِمَّن حنكته التجارب. والدواري: مُبَالغَة دَار وَالْيَاء لتأكيد الْمُبَالغَة كالياء فِي أحمري. وَفِي الصِّحَاح: الدواري: وَقَوله: من أَن شجاك من: تعليلية مُتَعَلقَة بطرباً أَو ببكيت. وشجاه بِالْجِيم يشجوه شجواً إِذا حزنه.) والعامي: مَنْسُوب إِلَى الْعَام وَهُوَ الْحول وَالسّنة والمنزل الْعَاميّ: الَّذِي أَتَى عَلَيْهِ حول. والكرسي: مَنْسُوب إِلَى الكرس بِكَسْر الْكَاف وَهِي الأبوال والأبعار يتلبد بَعْضهَا إِلَى بعض. وقدماً بِالْكَسْرِ: ظرف ليرى بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول ونائبة ضمير طلل أَو منزل وَجُمْلَة من عَهده الْكُرْسِيّ: حَال مِنْهُ. ومحرنجم بِفَتْح الْجِيم: مَكَان الاحرنجام وَهُوَ الازدحام وَهُوَ مَعْطُوف على الْكُرْسِيّ وواو الْعَطف محذوفة. والجامل بِالْجِيم: الْجمال وَالْإِبِل وَهُوَ اسْم جمع. والنؤي: جمع نؤى بِضَم النُّون وَسُكُون الْهمزَة بعْدهَا يَاء جمع على فعول وَهُوَ حُفْرَة تحفر حول الخباء تمنع من دُخُول الْمَطَر. وَهَذَا المصراع أوردهُ الزَّمَخْشَرِيّ فِي الْمفصل: قَالَ: أَسمَاء الْمَكَان وَالزَّمَان مَا بني من الثلاثي الْمَزِيد فيهه والرباعي فعلى لفظ اسْم الْمَفْعُول. وأنشده.

وَالْمعْنَى: أَن العجاج يُنكر على نَفسه الطَّرب فِي كبر سنه فَيَقُول: أتطرب طَربا وتخف خفَّة وَالْحَال أَنْت مسن كَبِير لَا يَلِيق بك الطَّرب والدهر دوار بالإنسان يديره من حَال إِلَى حَال ويقلبه وَذَلِكَ الطَّرب من أجل أَن حزنك منزل مضى عَلَيْهِ عَام وَقد خلا أَهله مِنْهُ فاندرس وَكنت قَدِيما تعهده فِيهِ الأكراس وَمَكَان ازدحام الْإِبِل والنؤي والآن اندرس وَلم يبْق مِنْهُ شَيْء. وَقَالَ بعض فضلاء الْعَجم: قَوْله: قدماً يرى ... إِلَخ صفة منزل. ومحرنجم الجامل: بدل من الْكُرْسِيّ بدل الاشتمال والنؤي: عطف عَلَيْهِ وَيجوز أَن يكون صفة منزل. هَذَا كَلَامه. - وترجمة العجاج تقدّمت فِي الشَّاهِد الْحَادِي وَالْعِشْرين من أَوَائِل الْكتاب. وَأنْشد بعده هُوَ الشَّاهِد الْخَامِس وَالْعشْرُونَ بعد التسْعمائَة: الطَّوِيل (وَهل أَنا إِلَّا من غزيَّة إِن غوت ... غويت وَإِن ترشد غزيَّة أرشد) على أَن هَل هُنَا اسْتِفْهَام صوري بِمَعْنى النَّفْي. وَقد رُوِيَ أَيْضا: وَمَا أَنا إِلَّا من غزيَّة.

قَالَ أَبُو حَيَّان فِي الارتشاف: وتنفرد هَل دون الْهمزَة بِأَن يُرَاد بالاستفهام بهَا الْجحْد نَحْو: هَل يقدر على هَذَا غَيْرِي أَي: مَا يقدر. ويعنيه دُخُول إِلَّا نَحْو: وَهل يجازى إِلَّا الكفور وَهل أَنا إِلَّا من غزيَّة أَي: مَا يجازى إِلَّا الكفور وَمَا أَنا إِلَّا من غزيَّة.) وَلَا يجوز أَزِيد لَا قَائِم وَلَا أَقَامَ إِلَّا زيد وَتقول: هَل يكون زيد إِلَّا عَالما وَلَا يجوز: ألم يكن وَالْبَيْت من قصيدة لدريد بن الصمَّة رثى بهَا أَخَاهُ عبد الله بن الصمَّة أوردهَا أَبُو تَمام فِي الحماسة وانتقى منا أبياتاً فِي مُخْتَار أشعار الْقَبَائِل. وأوردها الْأَصْبَهَانِيّ أَيْضا فِي الأغاني وَكَذَلِكَ ابْن عبد ربه أوردهَا فِي العقد الفريد. وَهَذِه أَبْيَات مِنْهَا وَهُوَ أول مَا أوردهُ أَبُو تَمام: (نصحت لعارضٍ وَأَصْحَاب عَارض ... ورهط بني السَّوْدَاء وَالْقَوْم شهدي) (فَقلت لَهُم ظوا بألفي مدججٍ ... سراتهم فِي الْفَارِسِي المسرد) (فَلَمَّا عصوني كنت مِنْهُم وَقد أرى ... غوايتهم وأنني غير مهتد) (أَمرتهم أَمْرِي بمنعرج اللوى ... فَلم يستبينوا الرشد إِلَّا ضحى الْغَد) (وَهل أَنا إِلَّا من غزيَّة إِن غوت ... غويت وَإِن ترشد غزيَّة ارؤشد) (دَعَاني أخي وَالْخَيْل بيني وَبَينه ... فَلَمَّا دَعَاني لم يجدني بقعدد) (تنادوا فَقَالُوا: أردْت الْخَيل فَارِسًا ... فَقلت: أعبد الله ذَلِكُم الردي) (فَجئْت إِلَيْهِ والرماح تنوشه ... كوقع الصَّيَاصِي فِي النسيج الممدد

) (فَكنت كذات البو ريعت فَأَقْبَلت ... إِلَى قطعٍ فِي مسكٍ سقبٍ مقدد) (فطاعنت عَنهُ الْخَيل حَتَّى تبددت ... وَحَتَّى علاني حالك اللَّوْن أسود) إِلَى أَن قَالَ بعد أَبْيَات كَثِيرَة: (وَطيب نَفسِي أنني لم أقل لَهُ ... كذبت وَلم أبخل بِمَا ملكت يَدي) (وَهُوَ وجدي أَن مَا هُوَ فارطٌ ... أَمَامِي وَأَنِّي هَامة الْيَوْم أَو غَد) قَالَ صَاحب الأغاني: كَانَ السَّبَب فِي مقتل عبد الله بن الصمَّة أَنه كَانَ غزا غطفان وَمَعَهُ بَنو جشم وَبَنُو نصر أَبنَاء مُعَاوِيَة فظفر بهم وسَاق أَمْوَالهم فِي يَوْم يُقَال لَهُ: يَوْم اللوى وَمضى بهَا. فَلَمَّا كَانَ مِنْهُم غير بعيد قَالُوا: انزلوا بِنَا. فَقَالَ لَهُ أَخُوهُ دُرَيْد: نشدتك الله أَن لَا تنزل فَإِن غطفان لَيست بغافلةٍ عَن أموالها. فأقسم لَا يذهب حَتَّى يَأْخُذ مرباعه وينتقع نقيعةً فيأكل وَيطْعم. والنقيعة: نَاقَة ينجرها من وسط الْإِبِل ثمَّ يقسم بعد ذَلِك مَا أصَاب على أَصْحَابه. فَأَقَامَ وَعصى أَخَاهُ دريداً فَبَيْنَمَا هم كَذَلِك إِذا سطعت الدواخن إِذا بغبار فقد ارْتَفع أَشد) من دخانهم وَإِذا عبس وفزارة وَأَشْجَع قد أَقبلت فتلاحقوا

بالمنعرج من رَملَة اللوى فَاقْتَتلُوا فَقتل رجلٌ من بني قَارب وهم من بني عبسٍ عبد الله بن الصمَّة فَتَنَادَوْا: قتل عبد الله: فعطف دُرَيْد فذب عَنهُ فَلم يغن شَيْئا وجرح دُرَيْد فَسقط فكفوا عَنهُ وهم يرَوْنَ أَنه قد قتل. واستنقذوا المَال وَنَجَا من هرب فَمر الزهدمان وهما من عبس: زَهْدَم وَقيس: ابْنا حزن بن وهب بن رَوَاحَة. قَالَ دُرَيْد: فَسمِعت زهدماً الْعَبْسِي يَقُول لكردم الْفَزارِيّ: إِنَّنِي أَحسب دريداً حَيا فَانْزِل فأجهز عَلَيْهِ. قَالَ: قد مَاتَ. قَالَ: انْظُر إِلَى سبتة هَل ترمز فشددت من حتارها. قَالَ: فَنظر فَقَالَ: قد مَاتَ. فولى عَنهُ وَمَال بالزج إِلَى سبتة فطعنه فِيهَا فَسَالَ دم كَانَ قد احتقن فِي جَوْفه. قَالَ دُرَيْد: فَعرفت الخفة حِينَئِذٍ حَتَّى إِذا كَانَ اللَّيْل مشيت وَأَنا ضَعِيف قد نزفني الدَّم حَتَّى مَا أكاد أبْصر فمرت بِي جمَاعَة تسير فَدخلت فيهم فَوَقَعت بَين عرقوبي بعيرٍ ظَعِينَة فنفر الْبَعِير فنادت: أعوذ بِاللَّه مِنْك فأنتسب إِلَيْهَا فأعلمت الْحَيّ بمكاني فَغسل عني الدَّم وزودت زاداً وسقاءً فنجوت. ورثاه بِهَذِهِ القصيدة ثمَّ حج كردم بعد ذَلِك فِي نفرٍ من بني عبسٍ فَلَمَّا قاربوا ديار دُرَيْد تنكروا خوفًا وَمر بهم دُرَيْد فأنكرهم ثمَّ عرف كردماً فعانقه وَأهْدى لَهُ فرسا وسلاحاً وَقَالَ لَهُ: هَذَا مَا فعلت بِي يَوْم اللوى. انْتهى.

وَقَوله: نصحت لعَارض ... إِلَخ عَارض: قوم من بني جشم كَانَ دُرَيْد نَهَاهُم عَن النُّزُول حَيْثُ نزلُوا فعصوه ورهط بني السَّوْدَاء فيهم. وَالْقَوْم شهدي أَي: حاضرين مقَامي أَو شهودي أَنِّي قد نهيتهم. وَقَوله: فَقلت لَهُم ظنُّوا ... إِلَخ اسْتشْهد بِهِ صَاحب الْكَشَّاف عِنْد قَوْله تَعَالَى: وَإِنِّي لأظنه كَاذِبًا على أَن الظَّن بِمَعْنى الْيَقِين. وَأنْشد الزجاجي أَيْضا فِي بَاب من مسَائِل إِن الْخَفِيفَة من الْجمل. قَالَ اللَّخْمِيّ: ظنُّوا هُنَا مَعْنَاهُ أيقنوا وَهُوَ من الأضداد يكون شكا وَيكون يَقِينا. وَقَالَ الطبرسي فِي شرح الحماسة: الْمَعْنى أيقنوا أَن سَيَأْتِيكُمْ ألفا فَارس مقنعين فِي الْحَدِيد.) وَيجوز أَن يكون مَعْنَاهُ ظنُّوا كل ظن قَبِيح بهم. قَالَ الإِمَام عبد القاهر: يشبه أَن تكون الْبَاء هُنَا مثلهَا فِي قَوْله: ظَنَنْت بهم خيرا وَمَا ظن بِهِ أَنه يفعل كَذَا ثمَّ يكون قد حذف من الْكَلَام شَيْء كَأَنَّهُ قَالَ: ظنُّوا بألفي مدجج هَذِه صفتهمْ مَا يكون من أَمرهم وأمركم مَعَهم إِذا هم أَتَوْكُم. وَيكون من بَاب التَّعْلِيق كَقَوْلِك: ظن بزيد أَي شَيْء يصنع إِذا قلت لَهُ كَذَا وَكَذَا انْتهى. والمدجج بِفَتْح الْجِيم وَكسرهَا: الْكَامِل السِّلَاح وَقيل: لابس السِّلَاح وَإِن لم يكمل. وَقيل بِالْكَسْرِ للفارس وبالفتح: الْفرس وَإِنَّهُم كَانُوا يدرعون الْخَيل. وسراتهم بِالْفَتْح: أَشْرَافهم مُبْتَدأ وبالفارسي خَبره وَالْبَاء بِمَعْنى فِي. والدرع الْفَارِسِي يصنع بِفَارِس. والمسرد: الْمُحكم النسج وَقيل: هُوَ الدَّقِيق الثقب. وَقَوله: فَلَمَّا عصوني ... إِلَخ الغواية بِالْفَتْح يَقُول: لما أصروا على مَا كَانُوا عَلَيْهِ تبِعت رَأْيهمْ وَأَنا أرى عدولهم عَن الصَّوَاب وأنني غير مصيبٍ مثلهم.

وَقَوله: أَمرتهم أَمْرِي يجوز أَن يُرِيد بِهِ الْمَأْمُور بِهِ وَالْأَصْل: أَمرتهم بأَمْري فَحذف الْبَاء. وَيجوز أَن يكون مصدر أمرت وَجَاء بِهِ لتوكيد لفعل ومنعرج اللوى بِفَتْح الرَّاء: منعطفة. واللوى: مَوضِع الْوَقْعَة. وَلم يستبينوا أَي: لم يتبينوا الرشد فِي الْحَال حَتَّى جَاءَ الْوَقْت الْمُقدر لَهُ. - وَذكر الْغَد يكثر فِيمَا يتراخى من عواقب الْأُمُور وَالْمعْنَى فِي المستأنف من الْوَقْت. وَهَذَا زَاد عَلَيْهِ ضحى لِأَنَّهُ من النَّهَار أَضْوَأ فَكَأَن الْمَعْنى: لم يتَبَيَّن لَهُم مَا دعوتهم إِلَيْهِ إِلَّا فِي الْوَقْت الَّذِي لَا لبس فِيهِ. وَقد تمثل بِهَذَا الْبَيْت أَمِير الْمُؤمنِينَ عَليّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه بعد مَا ظهر من أَمر الْخَوَارِج مَا ظهر من التَّحْكِيم فِي قَوْله: وَقد كنت أَمرتكُم فِي هَذِه الْحُكُومَة أَمْرِي ونخلت لكم مخزون رَأْيِي لَو كَانَ يطاع لقصيرٍ أَمر فأبيتم على إباء الْمُخَالفين الجفاة والمنابذين العصاة حَتَّى ارتاب الناصح بنصحه وضن الزند بقدحه فَكنت وَإِيَّاكُم كَمَا قَالَ أَخُو هوزان: أَمرتهم أَمْرِي ... ... . الْبَيْت. وَقَوله: وَهل أَنا إِلَّا من غزيَّة أَي: مَا أَنا إِلَّا من غزيَّة فِي حَالَة الغي والرشاد فَإِن عدلوا عَن الصَّوَاب عدلت مَعَهم وَإِن اقتحموا اقتحمت مَعَهم. وغزية بِفَتْح الْغَيْن وَكسر الزَّاي المعجمتين:) رَهْط دُرَيْد. وَقَالَ أَبُو تَمام فِي مُخْتَار أشعار الْقَبَائِل: غزيَّة: جد دُرَيْد. يَقُول: أَنا تَابع لقومي على رشدٍ كَانُوا أم غي. قَالَ صَاحب الصِّحَاح: الغي: الضلال. والخيبة أَيْضا. وَقد غوى بِالْفَتْح يغوي بِالْكَسْرِ غياً وغواية. وَأنْشد الْبَيْت. والرشد جَاءَ فعله من بَاب فَرح وَمن بَاب نصر. وَقَوله: دَعَاني أخي ... إِلَخ لم يروه أَبُو تَمام. وَاسْتشْهدَ بِهِ ابْن النَّاظِم وَغَيره فِي دُخُول الْبَاء الزَّائِدَة فِي الْمَفْعُول الثَّانِي لوجد. والقعدد بِضَم الْقَاف وَالدَّال وَيجوز

فتح الدَّال أَيْضا. قَالَ ابْن سَيّده فِي الْمُحكم: هُوَ الجبان اللَّئِيم الْقَاعِد عَن الْحَرْب والمكارم. قَالَ صَاحب الصِّحَاح: وَرجل قعدد وقعدد إِذا كَانَ قريب الْآبَاء إِلَى الْجد الْأَكْبَر. ويمدح بِهِ من وَجه لِأَن الْوَلَاء للكبر ويذم من وجهٍ لِأَنَّهُ من أَوْلَاد الهرمي وينسب إِلَى الضعْف. وَأنْشد الْبَيْت. وَقَوله: تنادوا فَقَالُوا ... إِلَخ يُرِيد: بِالْخَيْلِ الفرسان. يَقُول: نَادَى بَعضهم بَعْضًا: اهلك الفرسان فَارِسًا فَقلت: أعبد الله ذَلِكُم الْهَالِك وَإِنَّمَا دَعَاهُ إِلَى هَذَا القَوْل أَمْرَانِ: أَحدهمَا: سوء ظن الشَّقِيق وَالْآخر: أَنه علم إقدامه فِي الْحَرْب. وَقَوله: فَجئْت إِلَيْهِ أَي: لأقيه بنفسي فلحقته والرماح تنوشه أَي: تنَاوله. والصياصي: جمع صيصية وَهِي شَوْكَة الحائك فِي نسجه الْمَمْدُود إِذا أَرَادَ تَمْيِيز طاقات السّديّ بَعْضهَا من بعض وَسميت بذلك تَشْبِيها بصيصية الديك وَهِي دابرته فِي سَاقه وبصيصية الثور وَهُوَ قرنه. وَأما قَوْله تَعَالَى: من صياصيهم فَمَعْنَاه: من حصونهم وقلاعهم وَقَوله: فَكنت كذات البو ... إِلَخ قَالَ أَبُو تَمام فِي مُخْتَار أشعار الْقَبَائِل: ذَات البو: نَاقَة. وريعت: أفزعت والمسك بِالْفَتْح: الْجلد. والبو: جلد الحوار يحشى بالتبن فَإِذا لم تدر النَّاقة ألقوه إِلَيْهَا فَدرت. انْتهى. يَقُول: فَكنت كناقة لَهَا ولد فأفزعت فِيهِ لما تَبَاعَدت عَنهُ فِي مرعاها فَأَقْبَلت نَحوه فَإِذا هُوَ جلد مقطع كَأَنَّهُ انْتهى إِلَى أَخِيه وَقد فرغ من قلته وقدد أَي: قطع. والسقب بِالْفَتْح: الذّكر من أَوْلَاد الْإِبِل.

وَقَوله: فطاعنت عَنهُ الْخَيل ... إِلَخ أَي: دفعت الفرسان عَنهُ حَتَّى تكشفوا وَإِلَى أَن جرحت) فَسَالَ الدَّم عَليّ. وَقَوله: حالك اللَّوْن أسود فِيهِ إقواء وَهُوَ من عُيُوب القوافي. وَقَوله: قتال امْرِئ ... إِلَخ يَقُول: قَاتَلت عَنهُ قتال رجل جعل نَفسه أُسْوَة أَخِيه أَي: مثله فِيمَا نابه من خيرٍ أَو شَرّ وَعلم أَنه سيموت فَاخْتَارَ مواساة أَخِيه ليسلما مَعًا أَو يموتا مَعًا. - وَقَوله: وَطيب نَفسِي ... إِلَخ أَي: طيب نَفسِي كوني لَك أخالفه فِي شَيْء رَآهُ وَلَا قبحت عَلَيْهِ مَا أَتَاهُ وَلم أبخل عَلَيْهِ بِشَيْء من مَالِي أَي: أعظمته فِي القَوْل عِنْد مخاطبته وَفِي الْفِعْل عِنْد مُعَامَلَته فَأَشَارَ إِلَى القَوْل بقوله: لم أقل لَهُ كذبت وَإِلَى الْفِعْل بقوله: وَلم أبخل ... إِلَخ. وَقَوله: وهون وجدي ... إِلَخ الوجد: الْحزن. والفارط: الَّذِي يتَقَدَّم الواردين فيهيئ الدلاء والحوض ويستقي بِالْمَاءِ. أَي: هون وجدي عَليّ بِأَن لحاقي بِهِ قريب كَمَا يقرب لحاق الواردين بالفارط. والهامة هُنَا: الذَّاهِب من هام على وَجهه يهيم هيماً إِذا ذهب من الْعِشْق أَو غَيره. وترجمة دُرَيْد بن الصمَّة تقدّمت فِي الشَّاهِد الثَّانِي بعد التسْعمائَة.

(الشاهد السادس والعشرون بعد التسعمائة)

وَأنْشد بعده (الشَّاهِد السَّادِس وَالْعشْرُونَ بعد التسْعمائَة) (أم هَل كبيرٌ بَكَى لم يقْض عبرته ... إِثْر الْأَحِبَّة يَوْم الْبَين مشكوم) على أَنه يجوز أَن تَأتي هَل بعد أم. - وَلَيْسَ فِيهِ جمع استفهامين فَإِن أم عِنْد الشَّارِح كَمَا تقدم فِي حُرُوف الْعَطف مُجَرّدَة عَن الإستفهام إِذا وَقع بعْدهَا أَدَاة اسْتِفْهَام حرفا كَانَت أم اسْما. وَأم المنقطعة عَن الشَّارِح حرف اسْتِئْنَاف بِمَعْنى بل فَقَط أَو مَعَ الْهمزَة بِحَسب الْمَعْنى وَذَلِكَ فِيمَا إِذا لم يُوجد بعْدهَا أَدَاة اسْتِئْنَاف. وَلَيْسَت عاطفة عِنْده وفَاقا للمغاربة. قَالَ الْمرَادِي فِي الجنى الداني: إِن قلت: أم المنقطعة هَل هِيَ عاطفة أَو لَيست بعاطفة قلت: المغاربة يَقُولُونَ: إِنَّهَا لَيست بعاطفة لَا فِي مفردٍ وَلَا فِي جملَة. وَذكر ابْن مَالك أَنَّهَا قد تعطف الْمُفْرد كَقَوْل الْعَرَب: إِنَّهَا لإبل أم شَاءَ. قَالَ: فَأم هُنَا لمُجَرّد الإضراب عاطفة مَا بعْدهَا على مَا قبلهَا كَمَا يكون مَا بعد بل فَإِنَّهَا بمعناها. انْتهى. قَالَ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي: لَا تدخل أم المنقطعة على مُفْرد وَلِهَذَا قدرُوا الْمُبْتَدَأ فِي: إِنَّهَا لإبل أم شَاءَ. وخرق ابْن مَالك فِي بعض كتبه إِجْمَاع النَّحْوِيين فَقَالَ: لَا حَاجَة لتقدير مُبْتَدأ. وَزعم أَنَّهَا تعطف الْمُفْردَات كبل وقدرها ببل دون

همزَة. وَاسْتدلَّ بقول بَعضهم: إِن هُنَاكَ) لإبلاً أم شَاءَ بِالنّصب. فَإِن صحت رِوَايَته فَالْأولى أَن يقدر لشاء ناصب أَي: أم أرى شَاءَ. وَمِمَّنْ ذهب إِلَى أَن أم عاطفة ابْن يعِيش ثمَّ اضْطربَ كَلَامه فِي نَحْو: أم هَل وَفِي: أم كَيفَ. فَتَارَة ادّعى تَجْرِيد أم عَن الإستفهام وَتارَة ادّعى التَّجْرِيد عَن هَل. قَالَ فِي فصل حرفي الإستفهام: من الْمحَال اجْتِمَاع حرفين بِمَعْنى وَاحِد. فَإِن قيل: فقد تدخل على هَل أم وَهِي اسْتِفْهَام نَحْو: أم هَل كَبِير بَكَى ... الْبَيْت فَالْجَوَاب أَن أم فِيهَا مَعْنيانِ: أَحدهمَا: الِاسْتِفْهَام. وَالْآخر: الْعَطف فَلَمَّا احْتِيجَ إِلَى معنى الْعَطف فِيهَا مَعَ هَل خلع مِنْهَا دلَالَة الِاسْتِفْهَام وَبَقِي الْعَطف بِمَعْنى بل للترك وَلذَلِك قَالَ سِيبَوَيْهٍ: إِن أم تَجِيء بِمَعْنى لَا بل للتحويل من شَيْء إِلَى شَيْء. وَلَيْسَ كَذَلِك الْهمزَة لِأَنَّهَا لَيْسَ فِيهَا إِلَّا دلَالَة وَاحِدَة. انْتهى كَلَامه. وَقَوله: من الْمحَال اجْتِمَاع حرفين بِمَعْنى وَاحِد هُوَ فِي هَذَا تَابع لِابْنِ جني وَقد ذكرنَا فِي الشَّاهِد السَّادِس بعد التسْعمائَة: أَنه لَا مَانع من اجْتِمَاعهمَا للتَّأْكِيد كَقَوْلِه: وَلَا للما بهم أبدا دَوَاء والعطف هُنَا على قَوْله من عطف الْجمل وَلَيْسَ لَهَا تشريك فِي غير الْوُجُود. وَقَالَ ابْن يعِيش أَيْضا فِي فصل الْحِكَايَة: وَأما مَا حَكَاهُ أَبُو عَليّ من قَوْلهم: ضرب منٌ منا فَهِيَ حِكَايَة نادرة. ووجهها أَنَّهَا جردت من الدّلَالَة على

اسْتِفْهَام حَتَّى صَارَت اسْما كَسَائِر الْأَسْمَاء يجوز إعرابها وتثنيتها وجمعهَا كَمَا جردوا أياً من الِاسْتِفْهَام حَيْثُ وصفوا بهَا فَقَالُوا: مَرَرْت بِرَجُل أَي رجل. وَقد فعلوا ذَلِك فِي مَوَاضِع. فَمن ذَلِك قَول الآخر: أم هَل كبيرٌ بَكَى ... . . الْبَيْت فقد خلع الِاسْتِفْهَام من هَل دون أم لِأَن هَل قد اسْتعْمل فِي غير الِاسْتِفْهَام نَحْو: هَل أَتَى على الْإِنْسَان حينٌ أَي: قد أَتَى. وَنَحْو: هَل جَزَاء الْإِحْسَان إِلَّا الْإِحْسَان أَي مَا جَزَاء الْإِحْسَان فَكَانَ اعْتِقَاد نزع الِاسْتِفْهَام مِنْهَا أسهل من اعْتِقَاد نَزعه من أم. فَأَما قَول الشَّاعِر: أم كَيفَ ينفع مَا تُعْطِي الْعلُوق بِهِ الْبَيْت) فَإِنَّهُ يَنْبَغِي أَن يعْتَقد نزع دَلِيل الِاسْتِفْهَام من أم وقصرها على الْعَطف لَا غير. أَلا ترى أَنا لَو نَزَعْنَا الِاسْتِفْهَام من كَيفَ للَزِمَ إعرابها كَمَا أعربت من. هَذَا كَلَامه وأَنْت ترى اضطرابه. فَللَّه در الشَّارِح الْمُحَقق مَا أبعد مرامه وأدق كَلَامه. وَقَبله: (هَل مَا علمت وَمَا اسْتوْدعت مَكْتُوم ... أم حبلها إِذْ نأتك الْيَوْم مصروم) وَهُوَ مطلع القصيدة وَقد أوردهَا الْمفضل فِي المفضليات وَشَرحهَا ابْن الْأَنْبَارِي وَأورد لَهُ قصيدة أُخْرَى طَوِيلَة مطْلعهَا:

الطَّوِيل (طحا بك قلبٌ فِي الحسان طروب ... بعيد الشَّبَاب عصر حَان مشيب) (يكلفني ليلى وَقد شط وَليهَا ... وعادت عوادٍ بَيْننَا وخطوب) وهما من أَبْيَات تَلْخِيص الْمِفْتَاح. والقصيدتان جيدتان. - روى صَاحب الأغاني بِسَنَدِهِ إِلَى حَمَّاد الراوية قَالَ: كَانَت الْعَرَب تعرض أشعارها على قُرَيْش فَمَا قبلوه مِنْهُمَا كَانَ مَقْبُولًا وَمَا ردُّوهُ مِنْهَا كَانَ مردوداً فَقدم عَلَيْهِم عَلْقَمَة بن عَبدة فأنشدهم قصيدته الَّتِي يَقُول فِيهَا: هَل مَا علمت وَمَا اسْتوْدعت مَكْتُوم فَقَالُوا: هَذِه سمط الدّرّ. ثمَّ عَاد إِلَيْهِم فِي الْعَام الْمقبل فأنشدهم: طحا بك قلبٌ فِي الحسان طروب فَقَالُوا هَاتَانِ سمطا الدّرّ. وَقَوله: هَل مَا علمت ... إِلَخ هَل هُنَا دخلت على الْجُمْلَة الإسمية فَإِن مَا: مَوْصُولَة مُبْتَدأ وَمَا: الثَّانِيَة مَعْطُوف عَلَيْهَا ومكتوم: خبر الْمُبْتَدَأ والفعلان فِي الْخطاب الأول بِالْبِنَاءِ للمعلوم وَالثَّانِي بِالْبِنَاءِ للْمَجْهُول. والمكتوم: المستور. وَأم عِنْد الشَّارِح حرف اسْتِئْنَاف بِمَعْنى بل لِأَنَّهَا مُنْقَطِعَة وفيهَا معنى الْهمزَة كَمَا يَأْتِي وَجُمْلَة حبلها مصروم: من الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر استئنافية وَإِذ: تعليلية مُتَعَلقَة بمصروم بِمَعْنى مَقْطُوع. وَالْحَبل اسْتِعَارَة للوصل والْمحبَّة. ونأتك أَصله نأت عَنْك فَحذف عَن وَوصل الضَّمِير بِالْفِعْلِ) ونأت بِمَعْنى بَعدت. وَالْمعْنَى: هَل تكْتم الحبيبة وَتحفظ مَا علمت من ودها لَك وَمَا استودعته مِنْهَا من قَوْلهَا: أَنا على

الْعَهْد لَا أَحول عَنْك وشيمتي الْوَفَاء لَك. بل انصرم حبلها مِنْك لبعدها عَنْك فَإِن من غَابَ عَن الْعين غَابَ عَن الْقلب. وَهَذِه شِيمَة الغواني كَمَا قَالَ الشَّاعِر: الطَّوِيل ( وَإِن حَلَفت لَا ينْقض النأي عهدها ... فَلَيْسَ لمخضوب البنان يَمِين) وقدرنا الْهمزَة مَعَ أم لِأَن الْمَعْنى يقتضيها كَمَا تقدم من الشَّارِح من أَنَّهَا لَا يجب تقديرها مَعَ أم وَقد قدرهَا ابْن جني فِي الْمُحْتَسب على طَريقَة الْبَصرِيين قَالَ فِي سُورَة الطّور: وَمن ذَلِك قِرَاءَة النَّاس: أم هم قومٌ طاغون وَقَرَأَ مُجَاهِد: بل هم وَهَذَا هُوَ الْموضع الَّذِي يَقُول أَصْحَابنَا فِيهِ: إِن أم المنقطعة بِمَعْنى بل للترك والتحول إِلَّا أَن مَا بعد بل مُتَيَقن وَمَا بعد أم مَشْكُوك فِيهِ مسؤول عَنهُ. وَذَلِكَ كَقَوْل عَلْقَمَة بن عَبدة: هَل مَا علمت الْبَيْت كَأَنَّهُ قَالَ: بل أحبلها إِذْ نأتك مصروم. ويؤكده قَوْله بعده: أم هَل كَبِير بَكَى الْبَيْت أَلا ترى إِلَى ظُهُور حرف الِاسْتِفْهَام وَهُوَ هَل وَفِي قَوْله: أم هَل كَبِير بَكَى حَتَّى كَأَنَّهُ قَالَ: بل هُوَ كَبِير. ترك الْكَلَام الأول وَأخذ فِي اسْتِفْهَام مُسْتَأْنف. انْتهى.

وَلم يذكر ابْن الْأَنْبَارِي فِي شَرحه من هَذَا شَيْئا وَإِنَّمَا نقل مَا يتَعَلَّق بِمَعْنَاهُ قَالَ: قَالَ الضَّبِّيّ: أَي هَل مَا علمت وَمَا اسْتوْدعت من حبها مَكْتُوم عِنْدهَا أم منتشر. وَغَيره قَالَ: مَعْنَاهُ هَل مَا علمت مِمَّا كَانَ بَيْنك وَبَينهَا وَمَا اسْتوْدعت من حبها مَكْتُوم عِنْدهَا فَهِيَ على الْوَفَاء أم قد صرمتك. وَقَالَ الرستمي: الْمَعْنى هَل تكْتم السِّرّ الَّذِي علمت وَمَا كَانَ بَينهَا وَبَيْنك وتكتم مَا هَذَا مَا أوردهُ. وَقَول الرستمي غير مُنَاسِب للنسيب وَالْمذهب الغرامي وَقد تبعه الأعلم فَقَالَ: هَل تبوح بِمَا استودعتك من سرها يأساً مِنْهَا أم تصرم حبلها لنأيها عَنْك وَبعدهَا. انْتهى. وَقَوله: أم هَل كَبِير بَكَى ... . إِلَخ أم: هُنَا مُنْقَطِعَة أَيْضا بِمَعْنى بل ومجردة عَن الِاسْتِفْهَام) لدخولها على هَل كَمَا تقدم عَن الشَّارِح قَالَ ابْن عُصْفُور فِي الضرائر: تقدم كَبِير على بَكَى ضَرُورَة. وَإِذا وَقع بعد أدوات الِاسْتِفْهَام مَا عدا الْهمزَة اسْم وَفعل فَإنَّك تقدم الْفِعْل على الِاسْم فِي سَعَة الْكَلَام وَلَا يجوز تَقْدِيم الِاسْم على الْفِعْل إِلَّا فِي ضَرُورَة شعر كالبيت وَلَوْلَا الضَّرُورَة لقَالَ: أم هَل بَكَى كَبِير. هَذَا كَلَامه وَتَبعهُ ابْن عقيل والمرادي فِي شرح التسهيل. وَأَقُول: هَذَا لَيْسَ مِنْهُ فَإِن هَل دَاخِلَة على جملَة اسميه نَحْو: هَل زيد قَائِم أَي: هَل كَبِير مَوْصُوف بِهَذِهِ الصّفة مشكوم. فكبير: مُبْتَدأ وَبكى: صفته ومشكوم: خَبره فَإِن الْمُحدث بِهِ مشكوم لَا بَكَى كَمَا يشْهد بِهِ الْمَعْنى. وَلَو كَانَ بَكَى هُوَ الْمُحدث بِهِ نَحْو: هَل زيد قَامَ لَكَانَ كَمَا قَالَ ضَرُورَة فِي الشّعْر

وَقَالَ الأعلم: أَرَادَ بالكبير نَفسه أَي: هَل تجازيك ببكائك على إثْرهَا وَأَنت شيخ. والمشكوم: الْمجَازِي. والشكم: الْعَطِيَّة جَزَاء فَإِن كَانَت ابتدائية فَهِيَ الشكد. انْتهى. وَقَالَ الْعَيْنِيّ: أَرَادَ بالكبير قيس بن الخطيم. وَلَا أعلم لَهُ وَجها ومناسبة هُنَا. وَقَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: المشكوم: المجزي وَقد شكمته أشكمه شكماً من بَاب نصرته نصرا وَالِاسْم الشكم بِالضَّمِّ وَهُوَ الْمُكَافَأَة بِحسن الصَّنِيع. وإثر الْأَحِبَّة بِكَسْر الْهمزَة وَسُكُون الْمُثَلَّثَة وفتحهما لُغَة. والبين: الْفِرَاق. وإثر وَيَوْم متعلقان ببكي. وَقَوله: لم يقْض عبرته هُوَ صفة ثَانِيَة لكبير. وَالْعبْرَة بِالْفَتْح: الدمعة. - قَالَ الضَّبِّيّ: لم يقْض عبرته أَي: لم يشتف من الْبكاء لِأَن فِي ذَلِك رَاحَة كَمَا قَالَ امْرُؤ الْقَيْس: الطَّوِيل وَإِن شفائي عبرةٌ لَو صببتها وَقَالَ غَيره: أَي لم ينفذ مَاء شؤونه وَلم يخرج دمعه كُله لِأَنَّهُ إِذا لم يُخرجهُ كَانَ أَشد لأسفه واحتراق قلبه. وَحكي عَن أبي بكر بن عَيَّاش أَنه كَانَ يشْتَد حزنه حَتَّى يكَاد يَحْتَرِق قلبه وَلَا يقدر على إِظْهَاره قطرةٍ من دُمُوعه فَوقف ذُو الرمة بكناسة الْكُوفَة ينشد وحضره أَبُو بكر وَهُوَ ينشد:) الطَّوِيل (لَعَلَّ انحدار الدمع يعقب رَاحَة ... من الوجد أَو يشفي نجي البلابل)

فتعاطى الْبكاء بعد ذَلِك فَكَانَ إِذا حزن وَاشْتَدَّ حزنه يتعاطى الْبكاء فيبكي ويسيل دمعه فيستريح لذَلِك. روى صَاحب الأغاني بِسَنَدِهِ إِلَى الْعَبَّاس بن هِشَام عَن أَبِيه قَالَ: مر رجلٌ من مزينة على بَاب رجلٍ من الْأَنْصَار وَكَانَ يتهم بامرأته فَلَمَّا حَاذَى بَابه تنفس ثمَّ تمثل: (هَل مَا علمت وَمَا اسْتوْدعت مَكْتُوم ... أم حبلها إِذْ نأتك الْيَوْم مصروم) قَالَ: فعلق بِهِ الرجل فرفعه إِلَى عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه فاستعداه عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ المتمثل: وَمَا عَليّ أَن أنشدت بَيت شعر فَقَالَ لَهُ عمر: مَا لَك لم تنشده قبل أَن تبلغ إِلَى بَابه وَلَكِنَّك عرضت بِهِ مَعَ مَا تعلمه من القالة فِيك. ثمَّ أَمر بِهِ فَضرب عشْرين سَوْطًا. انْتهى. وعلقمة بن عَبدة شَاعِر جاهلي تقدّمت تَرْجَمته فِي الشَّاهِد الثَّانِي عشر بعد الْمِائَتَيْنِ. وأنشده بعده: على أَن الِاسْتِفْهَام يجوز أَن يَقع بعد أم الْمُجَرَّدَة من الِاسْتِفْهَام كَمَا ذكرنَا. وَتقدم شَرحه مفصلا فِي الشَّاهِد السَّادِس بعد التسْعمائَة.

(الشاهد السابع والعشرون بعد التسعمائة)

وَأنْشد بعده (الشَّاهِد السَّابِع وَالْعشْرُونَ بعد التسْعمائَة) وَهُوَ من شَوَاهِد س: الْبَسِيط ( هَل مَا علمت وَمَا اسْتوْدعت مَكْتُوم ... أم حبلها إِذْ نأتك الْيَوْم مصروم) (أم هَل كبيرٌ لم يقْض عبرته ... إِثْر الْأَحِبَّة يَوْم الْبَين مشكوم) على أَن أم إِذا جَاءَت بعد هَل يجوز أَن يُعَاد مَعهَا هَل وَيجوز أَن لَا يُعَاد بِخِلَاف أم إِذا جَاءَت بعد اسْم اسْتِفْهَام فَإِنَّهُ يجب أَن يُعَاد مَعهَا ذَلِك الِاسْم كَمَا بَينه الشَّارِح. وَقد اجْتمع فِي الْبَيْتَيْنِ إِعَادَة هَل وَتركهَا فَإِن أم الأولى جَاءَت بعد هَل وَلم تعد هَل مَعهَا وَقد أَعَادَهَا مَعَ أم الثَّانِيَة فِي الْبَيْت الثَّانِي. وَقد مضى شرحهما. وَقد أوردهما سِيبَوَيْهٍ فِي بَاب أَو بعد بَاب أم المنقطعة وَأنْشد فِيهِ قَول مَالك بن الريب: الطَّوِيل وَقَالَ: وَكَذَلِكَ سمعناه مِمَّن ينشده من بني عَمه. وَقَالَ: قَالَ أنَاس أم أضحت على كلامين كَمَا قَالَ عَلْقَمَة: هَل مَا علمت وَمَا اسْتوْدعت الْبَيْتَيْنِ قَالَ الأعلم: الشَّاهِد فِيهِ دُخُول أم المنقطعة فِي الْبَيْتَيْنِ. انْتهى. وَفِي هَذِه القصيدة بَيت من شَوَاهِد الْمفصل وَغَيره فَيَنْبَغِي أَن نشرحه هُنَا مَسْبُوقا بِأَبْيَات ثَلَاثَة وَهِي: ...

( كَأَنَّهَا خاضبٌ زعرٌ قوادمه ... أجنى لَهُ باللوى شريٌ وتنوم) (يظل فِي الحنضل الخطبان يُنْفِقهُ ... وَمَا استطف من التنوم مخذوم) (فوهٌ كشق الْعَصَا لأياً تبينه ... أسك مَا يسمع الْأَصْوَات مصلوم) (حَتَّى تذكر بيضاتٍ وهيجه ... يَوْم رذاذٍ عَلَيْهِ الدحن مغيوم) وَقَوله: كَأَنَّهَا خاضب ... إِلَخ قَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: أَي: كَأَن النَّاقة فِي سرعتها ظليم وَهُوَ ذكر النعام. والزعر بِالضَّمِّ: القليلة الريش وَالِاسْم الزعر بِفتْحَتَيْنِ. والقوادم الْعشْر: ريشات فِي مقدم الْجنَاح. قَالَ الْكلابِي: الخاضب: الظليم يخضب فِي الشتَاء وَهُوَ أَن يحمر جلده وساقاه وَيظْهر عَلَيْهِ قَالَ: وَلَا تطلب الْخَلِيل الظليم إِذا خصب فِي الشتَاء فَإِذا قاظ استرخى فانتشر ريشه وَسمن) وبطن فطلبته الْخَيل. وَقَوله: أجنى لَهُ أَي: أدْرك أَن يجتني يُقَال: قد أجنت الشَّجَرَة أَي: أدْرك ثَمَرهَا وآن لَهُ أَن يجتنى. والشري بِفَتْح فَسُكُون: شجر الحنظل واحدته شرية والظليم يَأْكُل حب الحنظل. والتنوم: شجر ينْبت فِي بلادٍ دمثة يطول ذارعاً ورقه أغييبر يشبه ورق الآس وَله ثَمَر مثل الشهدانج. وَقَوله: يظل فِي الحنظل ... إِلَخ إِذا صَار للحنظل خطوط تضرب إِلَى السوَاد وَلم يدْخلهُ بَيَاض وَلَا صفرَة فَهُوَ الخطبان الْوَاحِدَة خطبانة بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة يُقَال: قد أَخطب الحنظل. وَقَالَ الرستمي: الخطبان من الحنظل إِذا صَار فِيهِ خطوط خضر وصفر فَهُوَ أَشد مَا يكون مرارةٌ. وينقفه: يسْتَخْرج

حبه. يُقَال: نقفت الحنظل أنقفه نقفاً بِتَقْدِيم الْقَاف على الْفَاء من بَاب نصر إِذا كَسرته واستخرجت حبه. وَقَوله: وَمَا استطف أَي: وَمَا ارْتَفع وَأمكن. ومخذوم بمعجمتين: مَقْطُوع ومأكول يُقَال: خذمت الدَّلْو إِذا انْقَطَعت عراها. وَقَوله: فوه كشق الْعَصَا ... إِلَخ أَي: فَمه كشق الْعَصَا. وَالضَّمِير للخاضب أَي: فَمه لاصق لَيْسَ مَفْتُوحًا لَا تكَاد ترى شدقه. ولأياً بِسُكُون الْهمزَة وَهُوَ البطء مَنْصُوب بِنَزْع الْخَافِض أَي: بلأيٍ. وتبينه مضارع أَصله بتاءين وَيجوز أَن يكون مصدرا وَذَلِكَ إِذا قرأته بِضَم مَا قبل النُّون. قَالَ الرستمي: قَوْله: كشق الْعَصَا أَي: لَا يستبين مَا بَين منقاريه وَلَا يرى خرقهما إِذا ضمهما فَكَأَنَّهُ من خفائه شقٌ فِي عَصا. والشق: مصدر شققت الْعَصَا وَالشَّيْء شقاً. والأسك: الصَّغِير الْأذن. وَقَوله: أسك مَا يسمع مَوضِع مَا خفض وَإِن شِئْت ابتدأت مَا فكأنك قلت: الَّذِي يسمع بِهِ الصَّوْت مصلوم وَهُوَ الْأذن بِعَينهَا. وَإِن شِئْت كَانَت مَا نَافِيَة. - والمصلو م: الْمَقْطُوع الْأُذُنَيْنِ يُقَال: صلم أُذُنه واصطلمها إِذا استأصل قطعهَا. والنعام كلهَا صلخٌ: والأصلخ: الأصكم الَّذِي لَا يسمع. وَقَوله: حَتَّى تذكر ... إِلَخ حَتَّى: بِمَعْنى إِلَى مُتَعَلّقه بيظل. يَقُول: هَذَا الظليم يرْعَى الخطبان) والتنوم ثمَّ تذكر بيضه فِي أدحيه فراح إِلَى بيضه قبل أَوَان الرواح. والرذاذ: الْمَطَر الْخَفِيف. وَعَلِيهِ: على الْيَوْم. والدجن بِسُكُون الْجِيم: إلباس الْغَيْم وظلمته. وَرُوِيَ أَيْضا: عَلَيْهِ الرّيح وَرُوِيَ أَيْضا: علته الرّيح أَي: علت الرّيح ذَلِك الظليم بشدتها فَزَاد ذَلِك الظليم سرعَة فِي عدوه. قَالَ الرستمي: يَعْنِي أَن الظليم ذكر بيضه فبادر إِلَيْهِ فَهُوَ أَشد لعَدوه. ومغيوم: فِيهِ

غيم. يُقَال: غامت السَّمَاء وأغامت وغيمت وَأكْثر مَا يَجِيء هَذَا معلاً وَكَانَ الْقيَاس مغيم كمبيع فجَاء مغيوم على خلاف الْقيَاس وَهُوَ مَحل الشَّاهِد. وَاسْتشْهدَ بِهِ ابْن النَّاظِم والمرادي فِي شرح الألفية. وَمن أَبْيَات هَذِه القصيدة: (بل كل قومٍ وَإِن عزوا وَإِن كَثُرُوا ... عريفهم بأثافي الشَّرّ مرجوم) عريفهم: سيدهم وعظيمهم. وأثافي الشَّرّ هُنَا: عظائمه. إِنَّمَا أرد الدَّوَاهِي أَي: هِيَ كأمثال الْجبَال. قَالَ الشَّاعِر: الوافر (فَلَمَّا أَن طغوا وبغوا علينا ... رميناهم بثالثة الأثافي) وثالثة الأثافي هِيَ الْجَبَل. ( وَالْحَمْد لَا يشترى إِلَّا لَهُ ثمنٌ ... مِمَّا يضن بِهِ الأقوام مَعْلُوم) قَالَ الضَّبِّيّ: إِلَّا لَهُ ثمن يشق على مُشْتَرِيه. وَقَالَ الرستمي: يَقُول: لَا يحمد الْمَرْء إِلَّا ببذل المضنون من مَاله. وَقَالَ أَحْمد: مَعْنَاهُ: لَا يَشْتَرِي الْحَمد إِلَّا بأثمانٍ تضن بهَا النُّفُوس أَي: يغالي بِهِ فيبذل فِيهِ المضنون بِهِ. (والجود نافيةٌ لِلْمَالِ مهلكةٌ ... وَالْبخل باقٍ لأهليه ومذموم) (وَالْجهل ذُو عرضٍ لَا يستراد لَهُ ... والحلم آوانةً فِي النَّاس مَعْدُوم) لَا يستراد: لَا يُرَاد وَلَا يطْلب أَي: يعرض لَك وَأَنت لَا تريده يَقُول: النَّاس يسرعون إِلَى الشَّرّ فَمَتَى أرادوه وجدوه. (وَمن تعرض للغربان يزجرها ... على سَلَامَته لَا بُد مشؤوم)) يَقُول: من يزْجر الطير وَإِن سلم فلابد أَن يُصِيبهُ شُؤْم والغربان يتشاءم بهَا. فَمن تعرض لَهَا يزجرها ويطردها خوفًا أَن يُصِيبهُ الشؤم فلابد أَن يَقع بِمَا يخَاف ويحذر. (وكل حصنٍ وَإِن طَالَتْ سَلَامَته ... على دعائمه لَا بُد مهدوم

(حروف الشرط)

) (حُرُوف الشَّرْط) أنْشد فِيهَا. (الشَّاهِد الثَّامِن وَالْعشْرُونَ بعد التسْعمائَة) الرمل (لَو يَشَأْ طَار بِهِ ذُو ميعةٍ ... لَاحق الآطال نهدٌ ذُو خصل) على أَن الْجَزْم ب لَو ضَرُورَة لِأَن لَو مَوْضُوعَة للشّرط فِي الْمَاضِي. قَالَ ابْن النَّاظِم: أَكثر الْمُحَقِّقين أَنَّهَا لَا تسْتَعْمل فِي غير الْمُضِيّ. وَذهب قوم إِلَى أَنَّهَا تَأتي للمستقبل بِمَعْنى إِن كَقَوْلِه تَعَالَى: وليخش الَّذين لَو تركُوا من خَلفهم ذُرِّيَّة ضعفافاً. وَلَيْسَ مَا اسْتدلَّ بِهِ بِحجَّة لِأَن غَايَته مَا فِيهِ أم مَا جعل شرطا للو مُسْتَقْبل فِي نَفسه أَو مُقَيّد بمستقبل وَذَلِكَ لَا يُنَافِي امْتِنَاعه فِيمَا مضى لَا متناع غَيره انْتهى. وَفِيه رد لقَوْل وَالِده فِي الألفية والتسهيل قَالَ فِي التسهيل: واستعمالها فِي الْمُضِيّ غَالِبا فَلذَلِك لم يجْزم بهَا إِلَّا اضطراراً وَزعم اطراد ذَلِك على لُغَة. انْتهى. - وَقَالَ فِي شرح الكافية الشافية: أجَاز الجزوم بلها فِي الشّعْر جمَاعَة مِنْهُم ابْن الشجري وَاحْتج لَو يَشَأْ طَار بِهِ الْبَيْت وَهَذَا لَا حجَّة فِيهِ لِأَن من الْعَرَب من يَقُول: جا يجي وشا يشا بترك الْهمزَة فَيمكن قَائِل هَذَا الْبَيْت أَن

يكون من لغته ترك همزَة يَشَاء ثمَّ أبدل الْألف همزَة كَمَا قيل فِي عَالم وَخَاتم: عأ لم وخأتم. قَالَ: وكما فعل ابْن ذكْوَان فِي تَأْكُل منسأته حِين قَرَأَ بِهَمْزَة سَاكِنة وَالْأَصْل منسأة مفعلة من نسأته أَي: زجرته بالعصا فأبدلت الْهمزَة ألفا ثمَّ أبدلت ألف همزَة سَاكِنة. قَالَ المراديّ: فَظَاهر هَذَا الْكَلَام أَنه لَا يُجِيز ذَلِك فِي السعَة وَلَا فِي الضَّرُورَة أَيْضا وَهُوَ ظَاهر كَلَامه فِي آخر بَاب عوامل الْجَزْم. وَقد أجَازه هُنَا فِي الضَّرُورَة وَحكى هُنَا أَن مِنْهُم من زعم اطّراد ذَلِك على لغةٍ قيل: فعل هَذَا يكون ثَلَاثَة مَذَاهِب. انْتهى.) وَقد أجَاب ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي عَن الْبَيْت بِكَلَام ابْن مَالك فِي شرح الكافية وَأجَاب عَن قَوْله: الْبَسِيط (تامت فُؤَادك لَو يحزنك مَا صنعت ... إِحْدَى نسَاء بني ذهل بن شيبانا ) بِأَنَّهُ قد خرّج على أَن ضمة الْإِعْرَاب سكّنت تَخْفِيفًا كَقِرَاءَة أبي عَمْرو: وينصركم عَلَيْهِم ويشعركم ويَأْمُركُمْ. انْتهى. وَمَا نقلوه عَن ابْن الشجري من أَنه جوّز الْجَزْم ب لَو فِي الشّعْر غير مَوْجُود فِي أَمَالِيهِ وَإِنَّمَا أخبرنَا بِأَنَّهَا جزمت فِي بَيت وَقد تكلم عَلَيْهِ فِي مجلسين من

أَمَالِيهِ: الأول هُوَ الْمجْلس الثَّامِن وَالْعشْرُونَ قَالَ: بَيت للشريف الرضي من قصيدة رثى بهَا أَبَا إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن هِلَال الْكَاتِب الصَّابِئ: الْكَامِل (إِن الْوَفَاء كَمَا اقترحت فَلَو تكن ... حيّاً إِذن مَا كنت بالمزداد) جزم بلوٍ وَلَيْسَ حَقّهَا إِن يجْزم بهَا لِأَنَّهَا مُفَارقَة لحروف الشَّرْط وَإِن اقْتَضَت جَوَابا كَمَا تَقْتَضِيه إِن الشّرطِيَّة. وَذَلِكَ أَن حرف الشَّرْط ينْقل الْمَاضِي إِلَى الِاسْتِقْبَال كَقَوْلِك: إِن خرجت غدأً خرجنَا وَلَا تفعل ذَلِك لَو وَإِنَّمَا تَقول: لَو خرجت أمس خرجنَا وَقد جَاءَ الْجَزْم بلو فِي مَقْطُوعَة لَا مرأةٍ من بني الْحَارِث بن كَعْب: (فَارِسًا مَا غادروه ملحماً ... غير زمّيلٍ وَلَا نكس وكل) (لَو يَشَأْ طَار بهَا ذُو ميعةٍ ... لَاحق الآطال نهدٌ ذُو خصل) (غير أَن الْبَأْس مِنْهُ شيمةٌ ... وصروف الدَّهْر تجْرِي بالأجل) اه. - وَكتب على هَامِش النُّسْخَة تِلْمِيذه أَبُو الْيمن الْكِنْدِيّ بخطّه: لَيْسَ للرضيّ وَلَا لأمثاله أَن يرتكب مَا يُخَالف الْأُصُول وَلَكِن لَو جَاءَ مثل هَذَا عَن الْعَرَب فِي ضرورات شعرهم لاحتمل مِنْهُم وَذَلِكَ أَن لَو وَإِن كَانَت تطلب جَوَابا كَمَا يَطْلُبهُ حرف الشَّرْط لَيست كوجبةً للاستقبال كإذا بل يَقع بعْدهَا الْمَاضِي للماضي كَمَا يَقع الْمُسْتَقْبل للمستقبل فَلَا يجْزم بهَا البتّة. وَلَيْسَ فِي قَوْله: يشا شَاهد على الْجَزْم بلو وَلكنه مَقْصُور غير مَهْمُوز كَمَا يقصر الْمَمْدُود فِي الشّعْر. انْتهى.) وَفِيه نظر فَإِنَّهُ مصادمة للمنقول. والمجلس الثَّانِي هُوَ الْمجْلس الْأَرْبَعُونَ قَالَ فِيهِ: وَلَو من الْحُرُوف الَّتِي

تَقْتَضِي الْأَجْوِبَة وتختصّ بِالْفِعْلِ ولكنّهم لم يجزموا بِهِ لِأَنَّهُ لَا ينْقل الْمَاضِي إِلَى الِاسْتِقْبَال كَمَا يفعل ذَلِك حُرُوف الشَّرْط. وَرُبمَا جزموا بِهِ فِي الضَّرُورَة ثمَّ أنْشد هَذِه المقطوعة وَبَيت الشريف الرضيّ. وَكتب تِلْمِيذه أَبُو الْيمن الْكِنْدِيّ هُنَا على هامشه أَيْضا: قد تقدّمت هَذِه الأبيات وَذكره فِي لَو يشا الْجَزْم وحعله إيّاها حجّة للرضي فِي الْجَزْم بلو وَقد رددت ذَلِك هُنَاكَ. يما يُغني عَن الْإِعَادَة. انْتهى. وَهَذِه المقطوعة أوردهَا أَبُو تَمام فِي بَاب المراثي من الحماسة وأوردها الأعلم فِي حماسته أَيْضا. قَالَ ابْن الشجري: الرِّوَايَة نصب فَارس بمضمر يفسّره الظَّاهِر وَمَا صلَة والمفسّر من لفظ المفسّر لِأَن المفسّر متعدّ بِنَفسِهِ إِلَى ضمير الْمَنْصُوب. - وَلَكِن لَو تعدّى بِحرف جر أضمرت لَهُ من مَعْنَاهُ دون لَفظه كَقَوْلِك: أزيداً مَرَرْت بِهِ وَالتَّقْدِير: أجزت زيدا لِأَنَّك إِن أضمرت مَرَرْت أضمرت الجارّ وَذَلِكَ مِمَّا لَا يجوز فالتقدير إِذن: غادروا فَارِسًا. وَيجوز رفع فَارس بِالِابْتِدَاءِ وَالْجُمْلَة الَّتِي هِيَ عادروه وصف لَهُ وَغير زمّيل خَبره وَلَا مَوضِع من الْإِعْرَاب فِي وَجه النصب للجملة الَّتِي هِيَ غادروه لِأَنَّهَا مفسّرة فَحكمهَا حكم الْجُمْلَة المفسّرة وَحسن رَفعه بِالِابْتِدَاءِ وَإِن كَانَ نكرَة لِأَنَّهُ تخصّص بِالصّفةِ وَإِذا نصبته نصبت غير زمّيل وَصفا لَهُ وَيجوز أَن يكون وَصفا للْحَال الَّتِي هِيَ ملحماً. والملحم: الَّذِي ألحمته الْحَرْب وَذَلِكَ أَن ينشب فِي المعركة فَلَا يتّجه لَهُ مِنْهَا مخرج. وَيُقَال للحرب: الملحمة. والزّمّيل: الجبان الضَّعِيف. والنّكس من

الرِّجَال: الَّذِي لَا خير فِيهِ مشبّه بالنّكس من السِّهَام وَهُوَ الَّذِي ينكسر فَوْقه فَيجْعَل أَعْلَاهُ أَسْفَله. والوكل: الَّذِي يكل أمره إِلَى غَيره. والميعة: النشاط وَأول جري الْفرس وَأول الشَّبَاب. والآطال: الخواصر وَاحِدهَا إطلٌ وَقد يخفّف. وَهُوَ أحد مَا جَاءَ من الْأَسْمَاء على فعل وَمِنْه إبل. ولاحق الآطال أَي: قد لصقت إطله بأختها من الضّمر. وجمعت الإطل فِي مَوضِع التَّثْنِيَة) وَذَلِكَ أسهل من الْجمع فِي مَوضِع الْوحدَة كَقَوْلِهِم: شابت مُفَارقَة. وَلَو قَالَت: لَاحق الإطلين بِسُكُون الطَّاء أَعْطَتْ الْوَزْن وَالْمعْنَى حقّهما. والنّهد من الْخَيل: الجسيم المشرف. وَقَوْلها: غير أَن الْبَأْس نصب غير على الِاسْتِثْنَاء الْمُنْقَطع. والبأس: الشّدّة فِي الْحَرْب. والشّيمة: الطبيعة. وصروف الدَّهْر: أحداثه. انْتهى كَلَام ابْن الشجري. وَقد أرود ابْن النَّاظِم وَابْن عقيل الْبَيْت الأول فِي بَاب الِاشْتِغَال من شرح الألفية. - وَقَالَ الْكِنْدِيّ فِيمَا كتبه: الرِّوَايَة بِرَفْع فَارس كَذَا رَوَاهُ أَبُو زَكَرِيَّا عَن المعرّيّ وَغَيره وَكَذَا قرأناه على الشُّيُوخ عَنهُ. انْتهى. وَلَا مَانع من كَون نصب فَارس رِوَايَة غير المعرّيّ فقد رَوَاهُ بِالنّصب شرّاح الحماسة. والملحم: اسْم مفعول من ألحمه إِذا تَركه طعمةً لعوافي السبَاع. وغادروه: تَرَكُوهُ. والزّمّيل بِضَم الزَّاي وَتَشْديد الْمِيم الْمَفْتُوحَة. والنّكس بِكَسْر النُّون وَسُكُون الْكَاف. والوكل وَقَوْلها: لَو يَشَأْ حكت الْحَال وَالْمرَاد: لَو يَشَاء لأنجاه فرس لَهُ ذُو نشاط أَي: لَو اخْتَار الْفِرَار لأمكنه لكنّه كَانَ سجيّته الْبَأْس والأنفة من الْعَار

بالفرار. والميعة بِفَتْح الْمِيم. والنّهد بِفَتْح النُّون وَسُكُون الْهَاء: وصف من نهد الْفرس بِالضَّمِّ نهودةً. وخصل: جمع خصْلَة وَهِي من الشّعْر مَعْرُوفَة وَالْمرَاد ذيله الْكثير الشّعْر. وَأنْشد بعده: الرمل (لَو بِغَيْر المَاء حلقي شرقٌ ... كنت كالغصّان بِالْمَاءِ اعتصاري ) وَتقدم شَرحه فِي الشَّاهِد التَّاسِع وَالْخمسين بعد الستمائة. وأنشده بعده: فهلاّ نفس ليلى شفيعها وتقدّم شَرحه أَيْضا فِي الشَّاهِد الْخَامِس وَالسِّتِّينَ بعد الْمِائَة. وَأَصله: الطَّوِيل (يَقُولُونَ ليلى أرْسلت بشفاعةٍ ... إليّ فهلاّ نفس ليلى شفيعها) وَأنْشد بعده الطَّوِيل) (هما خيّباني كلّ يَوْم غنيمةٍ ... وأهلكتهم لَو أنّ ذَلِك نَافِع ) على أَن خبر أَن الْوَاقِعَة بعد لَو قد يَجِيء بقلّة وَصفا مشتقاً وَلم يشْتَرط أَن يكون فعلا وَإِنَّمَا الْفِعْل أكثريّ.

وَقَالَ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي: قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: يجب كَون خبر أَن فعلا ليَكُون عوضا من الْفِعْل الْمَحْذُوف. وردّه ابْن الْحَاجِب وَغَيره بقوله تَعَالَى: لَو أنّ مَا فِي الأَرْض من شجرةٍ أَقْلَام قَالُوا: إِنَّمَا ذَلِك فِي الْخَبَر المشتقّ لَا الجامد كَالَّذي فِي الْآيَة وَفِي قَوْله: الْبَسِيط (مَا أطيب الْعَيْش لَو أَن الْفَتى حجرٌ ... تنبو الْحَوَادِث عَنهُ وَهُوَ ملموم) وردّ ابْن مَالك قَول هَؤُلَاءِ بِأَنَّهُ قد جَاءَ اسْما مشتقاً كَقَوْلِه: الرجز (لَو أَن حيّاً مدرك الْفَلاح ... أدْركهُ ملاعب الرّماح) وَقد وجدت آيَة فِي التَّنْزِيل وَقع فِيهَا الْخَبَر اسْما مشتقاً وَلم يتنبّه لَهَا الزَّمَخْشَرِيّ كَمَا لم يتنبّه لآيَة لُقْمَان. وَلَا ابْن الْحَاجِب وإلاّ لما منع من ذَلِك. وَلَا ابْن مَالك وإلاّ لما استدلّ بالشعر. وَهِي قَوْله تَعَالَى: يودّوا لَو أنّهم بادون فِي الْأَعْرَاب. وَقد وجدت آيَة الْخَبَر فِيهَا ظرف وَهِي: لَو أَن عندنَا ذكرا من الأوّلين لكنّا. انْتهى. وَقد خطّأه الدماميني فِي هَذَا فَقَالَ: هوّل المُصَنّف بقصور نظر هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّة وتبجّج بالاهتداء إِلَى مَا لم يهتدوا إِلَيْهِ ثمَّ إِن مَا اهْتَدَى إِلَيْهِ دونهم لَيْسَ بِشَيْء وَذَلِكَ أَن لَو فِي هَذِه الْآيَة لَيست مِمَّا الْكَلَام فِيهِ لِأَنَّهَا مَصْدَرِيَّة أَو للتمنّي وَالْكَلَام إِنَّمَا هُوَ فِي لَو الشّرطِيَّة. وَقد كنت قَدِيما ممّا يزِيد

على ثَلَاثِينَ سنة فِي ابْتِدَاء مطالعتي لهَذَا الْكتاب ذكرت ذَلِك لشَيْخِنَا وَكتبه على حَاشِيَة نسخته ثمَّ رَأَيْت فِي شرح الحاجبيّة للرضي أَن لَو فِيهَا المصدرية. وَقد وجدت الْمَسْأَلَة أَيْضا فِي كَلَام ابْن الْحَاجِب نَفسه وَذَلِكَ أَنه قَالَ فِي منظومته: (لَو أنّهم بادون فِي الْأَعْرَاب ... لَو للتمنّي لَيْسَ من ذَا الْبَاب) انْتهى. وَأجَاب بعض مَشَايِخنَا: قد يدّعى أنّ لَو الَّتِي لِلتَّمَنِّي شَرْطِيَّة أشربت معنى التمنّي كَمَا نَقله فِي) الْمُغنِي عَن بَعضهم وصحّحه أَبُو حَيَّان فِي الارتشاف وَذَلِكَ لأَنهم جمعُوا لَهَا بَين جوابين: جَوَاب مَنْصُوب بعد الْفَاء وَجَوَاب بِاللَّامِ كَقَوْلِه: الوافر (بِيَوْم الشّعثمين لقرّ عينا ... وَكَيف لِقَاء من تَحت الْقُبُور ) فَلَعَلَّهُ يخْتَار هَذَا القَوْل فتبجّحه على مختاره. فَقَوْل ابْن الْحَاجِب: لَيْسَ من ذَا الْبَاب أَي: من بَاب لَو الشّرطِيَّة مَمْنُوع عِنْده. انْتهى. أَقُول: لَا يَصح تبجّحه بِشَيْء لَا يعترفون بِهِ وَلَو فِي الشَّاهِد أَيْضا لَيست شَرْطِيَّة كَمَا يَأْتِي. وَالْبَيْت من قصيدة للأسود بن يعفر أوردهَا أَبُو مُحَمَّد الْأَعرَابِي فِي فرحة الأديب وَأَبُو الْفرج الْأَصْبَهَانِيّ فِي كتاب الأغاني وَهَذَا مطْلعهَا: (أَتَانِي وَلم أخش الَّذِي ابتعثا بِهِ ... خفيراً بني سلمى: حريرٌ وَرَافِع) (هما خيّباني كل يَوْم غنيمةٍ ... وأهلكتهم لَو أَن ذَلِك نَافِع) (وأتبعت أخراهم طَرِيق ألاهم ... كَمَا قيل نجمٌ قد خوى متتائع)

. (وَخير الَّذِي أُعْطِيكُم هِيَ شرّةٌ ... مهوّلةٌ فِيهَا سيوف لوامع) (فَلَا أَنا معطيكم عليّ ظلامةً ... وَلَا الْحق مَعْرُوفا لكم أَنا مَانع) (وَإِنِّي لأقري الضَّيْف وصّى بِهِ أبي ... وجار أبي التيحان ظمآن جَائِع) (فقولا لتيحان ابْن عاقرة استها ... أمجرٍ فلاقي الغي أم أَنْت نَازع) (وَلَو أَن تيحان بن بلجٍ أَطَاعَنِي ... لأرشدته إِن الْأُمُور مطالع) وَبَقِي أَبْيَات مِنْهَا. وَالسَّبَب فِيهَا أَن أَبَا جعل البرجمي جمع جمعا من شذاذ أسدٍ وَتَمِيم وَغَيرهم فغزوا بني الْحَارِث بن تيم الله بن ثَعْلَبَة فنذروا بهم وقاتلوهم قتالاً شَدِيدا حَتَّى فضّوا جمعهم فلحق رجل من بني الْحَارِث بن تيم الله بن ثَعْلَبَة جمَاعَة من بني نهشل مِنْهُم الْجراح بن الْأسود بن يعفر وحرير بن شمر ابْن هزان بن زُهَيْر بن جندل وَرَافِع بن صُهَيْب بن حَارِثَة بن جندل وَعَمْرو بن حَرِير والْحَارث بن حَرِير بن سلمى بن جندل وَهُوَ فَارس العصماء. فَقَالَ لَهُم: هَلُمَّ إِلَيّ أَنْتُم طلقاء فقد أعجبني قتالكم وَأَنا خيرٌ لكم من الْعَطش. فَنزل إِلَيْهِم ليوثقهم وتفرس الْجراح فِي فرسه الْجَوْدَة فَوَثَبَ عَلَيْهَا وَنَجَا. فَقَالَ التَّيْمِيّ لرافع وحرير وأصحابهما: أتعرفون هَذَا قَالُوا: نعم وَنحن لَك خفراء بفرسك فَلَمَّا أَتَى الْجراح أَبَاهُ أمره أَن ينْطَلق بهَا فِي بني سعد فابتطنها ثَلَاثَة

أبطن فَلَمَّا رَجَعَ رَافع وحرير) وأصحابهما إِلَى بني نهشل قَالُوا: إِنَّا خفراء فَارس العصماء. وأوعدوا الْجراح. وَكَانُوا بَنو جَرْوَل حلفاء بني سلمى بن جندل على بني حَارِثَة بن جندل. وأعان تيحان بن بلج رَافعا وَحَرِيرًا على الْجراح حَتَّى ردوا إِلَى التَّيْمِيّ فرسه فَقَالَ الْأسود بن يعفر فِي ذَلِك هَذِه القصيدة يهجوهم. وَقَوله: أَتَانِي فَاعله خفيرا بني سلمى وَجُمْلَة: وَلم أخش الَّذِي ابتعثا بِهِ: مُعْتَرضَة. وابتعثا بِالْبِنَاءِ والخفير بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة وَالْفَاء هُوَ الَّذِي يَأْخُذ الشَّيْء فِي ذمَّته ويتعهده من الخفارة بِضَم الْخَاء وَكسرهَا وَهِي الذِّمَّة وَمِنْه الخفير بِمَعْنى المجير. يُقَال: خفرت بِالرجلِ من بَاب ضرب إِذا أجرته وَكنت لَهُ خفيراً تَمنعهُ. وحرير بِالتَّصْغِيرِ وبإهمال أَوله وَرَافِع تقدم نسبهما. وَقَوله: هما خيباني من الخيبة بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة يُقَال: خَابَ الرجل خيبةً إِذا لم ينل مَا طلب وخيبته أَنا تخييباً. وكل: اكْتسب الظَّرْفِيَّة من إِضَافَته إِلَى الظّرْف. وَجُمْلَة أهلكتهم: معطوفة على جملَة أَتَانِي. يُرِيد: أهلكتهم بالهجو لَو أَن ذَلِك الإهلاك نَافِع لي. فَلَو هُنَا لَا يظْهر كَونهَا للشّرط وَالْمعْنَى يَقْتَضِي كَونهَا لِلتَّمَنِّي وَحِينَئِذٍ تكون مِمَّا لَيْسَ الْكَلَام فِيهِ. وَقَوله:: وأتبعت أخراهم ... إِلَخ قَالَ أَبُو عَليّ فِي كتاب الشّعْر: يُرِيد هجوت آخِرهم كَمَا هجوت أَوَّلهمْ أَي: ألحقت آخِرهم بأولهم فِي الهجاء لَهُم. فَأَرَادَ بقوله: ألاهم أولاهم فَحذف الْوَاو الَّتِي هِيَ عين لِأَن هَذِه الْحُرُوف وَإِن كَانَت من أنفس الْكَلم فَهِيَ تشبه الزِّيَادَة لما يلْحقهَا من الانقلاب والحذف. وَقَوله: كَمَا قيل نجم فِي الصِّحَاح: خوت النَّجْم تخوي خيّاً: أَمْحَلت وَذَلِكَ إِذا سَقَطت وَلم تمطر فِي نوئها. ومتتائع بِالْهَمْز لِأَنَّهُ اسْم فَاعل من التتايع بِالْمُثَنَّاةِ

(الشاهد الثلاثون بعد التسعمائة)

التَّحْتِيَّة. قَالَ فِي الصِّحَاح: التتايع: التهافت فِي الشَّرّ واللجاج وَلَا يكون التتايع إِلَّا فِي الشَّرّ. وَقَوله: هِيَ شرة بِكَسْر الشين وَهُوَ الشَّرّ بِفَتْحِهَا. والظلامة بِالضَّمِّ: مَا تطلبه عِنْد الظَّالِم وَهُوَ اسْم مَا أَخذ مِنْك وعاقرة استها: كلمة سبّ وَشتم ومجر: اسْم فَاعل من أجْرى إِجْرَاء بِمَعْنى جارى مجاراة وَنزع عَن الشَّيْء: كف عَنهُ. وانْتهى. والقحم بِفَتْح الْقَاف وَسُكُون الْمُهْملَة: الشَّيْخ المسن الْعَاجِز.) وَالْأسود بن يعفر: جاهلي تقدّمت تَرْجَمته فِي الشَّاهِد الرَّابِع وَالسِّتِّينَ من أَوَائِل الْكتاب. وَأنْشد بعده (الشَّاهِد الثَّلَاثُونَ بعد التسْعمائَة) الْبَسِيط ( أكْرم بهَا خلةً لَو أَنَّهَا صدقت ... موعودها أَو لَو أَن النصح مَقْبُول) لما تقدم قبله. وَالشَّاهِد فِي لَو الثَّانِيَة فَإِن خبر أَن بعْدهَا وصف مُشْتَقّ لَا فعل بِخِلَاف أَن الأولى بعد لَو فَإِن خَبَرهَا فعل مَاض مَعَ فَاعله. وَفِي هَذَا

أَيْضا لَا يتَعَيَّن أَن تكون شَرْطِيَّة بل يجوز أَن تكون لَو فِي الْمَوْضِعَيْنِ للتمنّي فَلَا جَوَاب لَهَا فَلَا تكون مِمَّا الْكَلَام فِيهِ. وَيجوز أَن تكون فيهمَا شَرْطِيَّة وَالْجَوَاب مَحْذُوف يدل عَلَيْهِ أول الْكَلَام تَقْدِيره: لَو صدقت أَو قبلت النّصح لكرمت وَمَا أشبهه. وَكَذَا جوّز الْوَجْهَيْنِ ابْن هِشَام فِي شرح بَانَتْ سعاد قَالَ فِي شرح الْبَيْت: لَو مُحْتَملَة لوَجْهَيْنِ: أَحدهمَا: التَّمَنِّي مثلهَا فِي فَلَو أَن لنا كرّةً. وَالثَّانِي: الشَّرْط ويرجّح الأول سَلَامَته من دَعْوَى حذف إِذْ لَا يحْتَاج حِينَئِذٍ لتقدير جَوَاب. ويرجح الثَّانِي أَن الْغَالِب على لَو كَونهَا شَرْطِيَّة ثمَّ الْجَواب الْمُقدر مُحْتَمل لِأَن يكون مدلولاً عَلَيْهِ بِالْمَعْنَى أَي: لَو صدقت لتمّت خلالها فَتكون مثلهَا فِي قَوْله تَعَالَى: وَلَو ترى إِذْ المجرمون ناكسو رؤوسهم أَي: لرأيت أمرا عَظِيما. وَلِأَن يكون مدلولاً عَلَيْهِ بِاللَّفْظِ أَي: لكَانَتْ كَرِيمَة فَتكون مثلهَا فِي قَوْله تَعَالَى: وَلَو أَن قُرْآنًا سيّرت بِهِ الْجبَال الْآيَة أَي: لكفروا بِهِ بِدَلِيل: وهم يكفرون بالرحمن. والنحويون يقدّرون لَكَانَ هَذَا الْقُرْآن فَيكون كالآية قبلهَا. وَالَّذِي ذكرته أولى لِأَن الِاسْتِدْلَال بِاللَّفْظِ أظهر ويرجح التَّقْدِير الثَّانِي فِي الْبَيْت بِأَنَّهُ اسْتِدْلَال بِاللَّفْظِ وَبِأَن فِيهِ ربطاً للو بِمَا قبلهَا لِأَن دَلِيل الْجَواب جَوَاب فِي الْمَعْنى حَتَّى ادّعى الْكُوفِيُّونَ أَنه جَوَاب فِي الصِّنَاعَة أَيْضا وَأَنه لَا تَقْدِير وَقد يُقَال إِنَّه يبعده أَمْرَانِ: أَحدهمَا: أَن فِيهِ اسْتِدْلَالا بالإنشاء على الْخَبَر.

وَالثَّانِي: أَن الْكَرم وَإِن كَانَ المُرَاد بِهِ الشّرف مثله فِي إِنِّي ألقِي إليّ كتابٌ كريم فَلَا يحسن) بِحَال المحبّ تَعْلِيق كرم محبوبه على شَرط وَلَا سِيمَا شرطٌ مَعْلُوم الانتفاء وَهُوَ شَرط لَو. وَإِن كَانَ المُرَاد بِهِ مُقَابل الْبُخْل لم يكن أكْرم بهَا مناسباً لمقام النسيب بل لمقام الاستعطاء. وَقد يُجَاب عَن الأول بأمرين: أَحدهمَا: منع كَون التَّعَجُّب إنْشَاء وَإِنَّمَا هُوَ خبر وَإِنَّمَا امْتنع وصل الْمَوْصُول بِمَا أَفعلهُ لإبهامه وبأفعل بِهِ كَذَلِك مَعَ أَنه على صِيغَة الْإِنْشَاء لَا لِأَنَّهُمَا إنْشَاء. الثَّانِي: أَن المُرَاد من الدَّلِيل كَونه ملوحاً بِالْمَعْنَى المُرَاد وَإِن لم يصلح لِأَن يسد مسد الْمَحْذُوف. وَعَن الثَّانِي: أَن المُرَاد بِهِ ضد الْبُخْل وَهُوَ أَعم من الْكَرم بِالْمَالِ والوصال. انْتهى. وَهَذَا الْبَيْت من قصيدة بَانَتْ سعاد لكعب بن زُهَيْر بن أبي سلمى فِي مدح النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ. وَقَبله من أول القصيدة إِلَيْهِ أَبْيَات خَمْسَة وَبعده: ( لَكِنَّهَا خلةٌ قد سيط من دَمهَا ... فجعٌ وولعٌ وإخلافٌ وتبديل) (وَلَا تمسك بالعهد الَّذِي زعمت ... إِلَّا كَمَا يمسك المَاء الغرابيل) (فَلَا يغرنك مَا منوا وَمَا وعدوا ... إِن الْأَمَانِي والأحلام تضليل) ...

(كَانَت مواعيد عرقوبٍ لَهَا مثلا ... وَمَا مواعيدها إِلَّا الأباطيل) (أَرْجُو وآمل أَن تدنوا مودتها ... وَمَا إخال لدينا مِنْك تنويل) وَقَوله: أكْرم بهَا خلة ... إِلَخ ضمير بهَا رَاجع إِلَى سعاد فِي أول القصيدة وصفهَا فِي هَذِه الأبيات بالصد وإخلاف الْوَعْد والتلون فِي الود وَضرب لَهَا عرقوباً مثلا ثمَّ لَام نَفسه على التَّعَلُّق بمواعيدها. وَأكْرم بهَا: صِيغَة تعجب بِمَعْنى أمرهَا وخلة تَمْيِيز والخلة بِالضَّمِّ فِي الأَصْل: مصدر بِمَعْنى الصداقة يُطلق على الْوَصْف وَهُوَ الْخَلِيل والخليلة يَسْتَوِي فِيهِ الْمُذكر والمؤنث. وَمن إِطْلَاقه على الْمُذكر قَول الشَّاعِر: المتقارب (أَلا أبلغا خلتي جَابِرا ... بِأَن خَلِيلك لم يقتل) وَصدق: يكون لَازِما ومتعدياً يُقَال: صدق فِي حَدِيثه وَصدق الحَدِيث إِذا لم يكذب وموعودها فِيهِ ثَلَاثَة أوجه: أَحدهَا: أَن يكون اسْم مفعول على ظَاهره ويكن المُرَاد بِهِ الشَّخْص الْمَوْعُود وَأَرَادَ بِهِ نَفسهَا. وَالثَّالِث: أَن يكون مصدرا كالمعسور والميسور أَي: الْوَعْد والعسر واليسر. فَإِن قدرته اسْما) للشَّخْص فانتصابه على المفعولية وَإِن قدرته اسْما للموعود بِهِ احْتمل أَن يكون مَفْعُولا بِهِ على الْمجَاز وَأَن يكون على إِسْقَاط فِي وَالْمَفْعُول مَحْذُوف أَي: صدقتني فِي موعودها. وَإِن قدرته مصدرا كَانَ على التَّوَسُّع. وأَو لأحد الشَّيْئَيْنِ. حاول إِحْدَى هَاتين الصفتين مِنْهَا أَو بِمَعْنى الْوَاو فَيكون قد حاول حصولهما مَعًا والنصح: مصدر نصح ونصح لَهُ وَالِاسْم النَّصِيحَة. وَالْمرَاد: لَو أَن النصح مَقْبُول عِنْدهَا وَقَالَ ابْن هِشَام: أل عوض من الْمُضَاف إِلَيْهِ وَالْأَصْل لَو أَن نصحيها من إِضَافَة الْمصدر إِلَى الْمَفْعُول.

وَقَوله: لَكِنَّهَا خلة ... إِلَخ لَكِن هُنَا لتأكيد مَفْهُوم مَا قبلهَا كَقَوْلِك: لَو كَانَ عَالما لأكرمته لكنه لَيْسَ بعالم وَجُمْلَة قد سيط: صفة خلة. وسيط: مَجْهُول ساطه يسوطه سَوْطًا إِذا خلطه بِغَيْرِهِ وَمِنْه السَّوْط للآلة الَّتِي يضْرب بهَا لِأَنَّهَا تسوط اللَّحْم بِالدَّمِ. وفجع: نَائِب الْفَاعِل وَمن بِمَعْنى فِي مُتَعَلق بسيط. والفجع: مصدر فجعه إِذا فاجأه بِمَا يكره. والولع: الْكَذِب مصدر ولع من بَاب ضرب. والإخلاف: مصدر أخلف يخلف فَهُوَ مخلف وَهُوَ أَن يَقُول شَيْئا وَلَا يَفْعَله فِي الْمُسْتَقْبل والتبديل: الغيير يُقَال: بدل الشَّيْء تبديلاً أَي: غَيره وَإِن لم يَأْتِ لَهُ بِبَدَل. وأبدله بِغَيْرِهِ واستبدل بِهِ إِذا أَخذه مَكَانَهُ. وَالْمعْنَى: أَنَّهَا لَو كَانَ لَهَا صَاحب فجعته بصدها وَلَو وعدت بالوصل كذبت فِي قَوْلهَا وأخلفت وعدها تستبدل بالأخلاء وَلَا تراعي حق الْوَفَاء. - وَهَذَا الْكَلَام وَمن أَمْثَاله من أقاويل العشاق على سَبِيل الشكوى من صد الأحباب وبعدهم بعد الدنو والاقتراب وَمر هجرانهم عقب حُلْو الْوِصَال وبخلهم على مَسَاكِين الْعِشْق بطيف الخيال لَيْسَ بذم صرف إِنَّمَا يوردونه لأحد غرضين: إِمَّا لإِظْهَار التَّلَذُّذ بِالصبرِ على مَا يَفْعَله المعشوق وَالرِّضَا بأفعاله كَمَا قَالَ ابْن أبي الْحَدِيد: الْكَامِل (متغيرٌ متلونٌ متعنتٌ ... متعتبٌ متمنعٌ متدلل) ذكر عدَّة خِصَال من جِنَايَة الحبيب وتجنيه تلونه وتأبيه. ثمَّ قَالَ بعد ذَلِك: (أستعذب التعذيب فِيهِ كَأَنَّمَا ... جرع الْحَمِيم هِيَ البرود السلسل)) وَإِمَّا لتنفير من يسمع بِحسن معشوقهم عَن عشقه بِذكر بخله بوصاله وتعنته ودلاله فيصفو مورد الْعِشْق من كدر الْغيرَة والمزاحم ويخلو العاشق بِمَا يجلو بَصَره من الْمُشَاهدَة. ...

(أَشْكُو إِلَيْهَا رقتي لترق لي ... فَتَقول تطمع بِي وَأَنت كَمَا ترى) (وَإِذا بَكَيْت دَمًا تَقول شمت بِي ... يَوْم النَّوَى فصبغت دمعك أحمرا) (من شَاءَ يمنحها الغرام فدونه ... هذي خلائقها بِتَخْيِير الشرا) وَقد صرح بِهِ ابْن أبي الْحَدِيد فِي قَوْله: الطَّوِيل (فيا رب بغضها إِلَى كل عاشقٍ ... سواي وقبحها إِلَى كل نَاظر) وَقد بَالغ ابْن الْخياط فِي تصريحه بِغَيْرِهِ العشاق فَأحْسن حَيْثُ قَالَ: الطَّوِيل (أغار إِذا آنست فِي الْحَيّ أنةً ... حذاراً وخوفاً أَن يكون لحبه) وَرُبمَا عيب على كعبٍ هَذَا الْكَلَام لِأَنَّهُ يشْعر بِأَن معشوقته تعد وتخلف وتبدل وَيُجَاب بِأَن مُرَاده الْمُبَالغَة فِي فرط دلالها وبخلها بوصالها بِحَيْثُ لَو صاحبت إنْسَانا لاستبدلت بِهِ وفجعته ول وعدت بالوصل لكذبت فِي وعدها ومطلته على أَنَّهَا لَا تصاحب مصادقاً وَلَا تعد بوصالها عَاشِقًا وَهُوَ قريب من قَول الآخر: السَّرِيع وَلَا ترى الضَّب بهَا ينجحر أَي: لَا ضَب ببها فينجحر. وَكَلَام كَعْب هَذَا مُنَاسِب لما تسميه عُلَمَاء البديع تَأْكِيد الْمَدْح بِمَا يشبه الذَّم. وَإِنَّمَا أطنبت

وَقَوله: فَمَا تدوم على حَال ... إِلَخ الْفَاء سَبَبِيَّة أَي: بِسَبَب مَا جبلت عَلَيْهِ من تِلْكَ الْأَخْلَاق لَا تدوم على حَال. وَمَا: نَافِيَة وتدوم: فعل تَامّ لَا نَاقص. وَقَوله: كَمَا تلون الْكَاف نعت لمصدر مَحْذُوف وَمَا مَصْدَرِيَّة أَي: تتلون سعاد تلوناً كتلون الغول لِأَن الَّذِي لَا يَدُوم على حَالَة متلون وتلون أَصله تتلون بتاءين. والغول: جنسٍ من الْجِنّ وَالشَّيَاطِين كَانَت الْعَرَب تزْعم أَنَّهَا تتراءى للنَّاس فِي الفلاة فتتغول تغولاً أَي: تتلون تلوناً فِي صورٍ شَتَّى وتغولهم أَي: تضلهم عَن الطَّرِيق وَقد أبطل النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ زعمهم بقوله: لَا غول أَي: لَا تَسْتَطِيع أَن تضل أحدا. وَقَوله: وَلَا تمسك بالعهد ... إِلَخ مَعْطُوف على فَمَا تدوم. وَتمسك أَصله تتمسك بتاءين. وَيجوز: تمسك بِضَم التَّاء والعهد هُنَا: الموثق أَو الْيَمين أَو الذِّمَّة والزعم: القَوْل عل غير صِحَة) وَيحْتَمل أَن يكون زعمت هُنَا بِمَعْنى كفلت. وَالْمعْنَى: أَنَّهَا لَا يوثق بودها وَلَا يركن إِلَى عهدها لِأَن إِِمْسَاكهَا للْعهد كإمساك الغرابيل للْمَاء فَكَمَا أَن الْمُشبه بِهِ محَال كَذَلِك الْمُشبه وَهَذَا تَشْبِيه مَعْقُول بمحسوس. وَمَا أحسن قَول ابْن نباتة الْمصْرِيّ: الْبَسِيط (لم تمسك الهدب دمعي حِين أذكركم ... إِلَّا كَمَا يمسك المَاء الغرابيل) وَقَوله: فَلَا يغرنك مَا منت ... إِلَخ الْفَاء لمحض السَّبَبِيَّة كالواقعة فِي جَوَاب الشَّرْط كَقَوْلِك: زيد كَاذِب فَلَا تغتر بقوله. وَمَا موصوله أَو مَوْصُوفَة أَو مَصْدَرِيَّة. ومنت أَصله منيت على فعلت فقلبت الْيَاء المتحركة ألفا

لَا نفتاح مَا قبلهَا وحذفت للساكنين يُقَال: تمنيت الشَّيْء تمنياً أَي: اشتيته وطلبته. ومنيت غَيْرِي تمنية إِذا أطمعته بِشَيْء. قَالَ ابْن هِشَام: وَهُوَ مُتَعَدٍّ لمفعولين محذوفين وَالتَّقْدِير إِذا جعلت مَا إسماً: منتكه أَو منتك إِيَّاه. وَإِذا جعلت حرفا: مَا منتك الْوَصْل أَي: فَلَا يغرنك تمنيتها إياك الْوَصْل. وَكَذَا وعدت يتَعَدَّى لاثْنَيْنِ كَقَوْلِه تَعَالَى: وَعدكُم الله مَغَانِم وَالتَّقْدِير: مَا وعدتكه أَو مَا وعدتك إِيَّاه أَو مَا وعدتك الْوَصْل والوعد هُنَا للخير لِأَن الْموضع لَا يحْتَمل غَيره. وَقَوله: إِن الْأَمَانِي والأحلام تضليل مُسْتَأْنف والأماني: جمع أُمْنِية وَهِي مَا يتمناه الْإِنْسَان أَي: يَطْلُبهُ ويشتهيه. والأحلام: جمع حلم بِضَمَّتَيْنِ وَهُوَ مَا يرَاهُ النَّائِم وتضليل: مصدر ضلل يضلل إِذا أوقع غَيره فِي الضلال. - وَقَوله: كَانَت مواعيد عرقوب ... إِلَخ هَذِه جملَة مستأنفة وَكَانَت يجوز أَن تكون على بَابهَا وعرقوب هُوَ ابْن معبد وَيُقَال: ابْن معيد أحد بني عبد شمس بن ثَعْلَبَة كَانَ من العمالقة وَقيل: كَانَ من الْأَوْس والخزرج وعد رجلا ثَمَرَة نخلةٍ لَهُ فَجَاءَهُ الرجل حِين أطلعت فَقَالَ لَهُ: دعها حت تصير بلحاً فَلَمَّا أبلحت جَاءَهُ الرجل فَقَالَ: دعها حَتَّى تصير رطبا. فَلَمَّا أرطبت قَالَ: دعها حَتَّى تصير تَمرا فَلَمَّا أتمرت قطعهَا لَيْلًا وَلم يُعْطه مِنْهَا شَيْئا. فَصَارَ مثلا فِي خلف الْوَعْد. والأباطيل: الأكاذيب جمع أبطولة كأحاديث جمع أحدوثة. وَقَالَ الصَّاغَانِي تبعا للجوهري: الْبَاطِل: ضد الْحق وَجمعه أباطيل على غير قِيَاس.) وَهَذَا الْبَيْت تَأْكِيد للبيت الَّذِي قبله.

(الشاهد الحادي والثلاثون بعد التسعمائة)

وَقَوله: أَرْجُو وآمل الْبَيْت تقدم شَرحه مفصلا من تَرْجَمَة كَعْب فِي الشَّاهِد الرَّابِع عشر بعد السبعمائة. وَلم يَقع فِي الشَّرْح من هَذِه القصيدة غير هذَيْن الْبَيْتَيْنِ. وَأنْشد بعده (الشَّاهِد الْحَادِي وَالثَّلَاثُونَ بعد التسْعمائَة) الرجز على أَن مَجِيء الْمُضَارع خبر أَن الْوَاقِعَة بعد لَو قَلِيل وَالْكثير الْمَاضِي. وَجَوَاب لَو مَحْذُوف دلّ عَلَيْهِ تَشْتَكِي. وَبعده: مس حوايا قَلما نجيفها وَهَذَا الرجز أوردهُ أَبُو زيد فِي نوادره والأصمعي فِي كتاب الأضداد وَقَالَ: تَقول: أشكيت الرجل إِذا أتيت إِلَيْهِ مَا يشكو مِنْهُ. وأشكيته: نزعت عَنهُ شكايته. وَكَذَا قَالَ ابْن السّكيت فِي أضداده وَأنْشد هَذَا الرجز. وَأوردهُ ابْن جني أَيْضا فِي سر الصِّنَاعَة وَفِي الخصائص قَالَ: قد

(الشاهد والثاني والثلاثون بعد التسعمائة)

تَأتي أفعلت للسلب وَالنَّفْي نَحْو: أشكيت زيدا إِذا زلت لَهُ عَمَّا يشكوه وَأنْشد هَذَا الرجز وَقَالَ: أَي لَو أننا نزُول لَهَا عَمَّا تشكوه. وَأوردهُ ابْن السّكيت فِي إصْلَاح الْمنطق أَيْضا قَالَ شَارِح أبياته ابْن السيرافي: وصف إبِلا قد أتعبها فَهِيَ تمد أعناقها. وَالْإِبِل إِذا أعيت ذلت ومدت أعناقها أَو لوتها. وَقَوله: تَشْتَكِي يَقُول: قد ظهر بِهَذِهِ الْإِبِل من الْجهد والكلال والضمور مَا لَو كَانَت ناطقة لشكته وذكرته فظهور مثل ذَلِك بهَا يقوم مقَام شكوى اللِّسَان. انْتهى. والحوايا: جمع حوية وَهِي كسَاء محشو حول سَنَام الْبَعِير وَهُوَ السوية. والحوية لَا تكون إِلَّا للجمال والسوية قد تكون لغَيْرهَا. وأنشده صَاحب الصِّحَاح أَيْضا فِي مَادَّة جَفا قَالَ: جَفا السرج عَن ظهر الْفرس وأجفيته أَنا إِذا رفعته عَنهُ. وأنشده وَقَالَ: أَي قَلما نرفع الحوية عَن ظهرهَا وَلم يتَكَلَّم بِشَيْء ابْن بري فِي) حَاشِيَته على الصِّحَاح وَلَا الصَّفَدِي فِي حَاشِيَته عَلَيْهِ. وَلم أَقف على اسْم الراجز. وَالله أعلم بِهِ. وَأنْشد بعده (الشَّاهِد وَالثَّانِي وَالثَّلَاثُونَ بعد التسْعمائَة) الرجز (وَالله لَوْلَا شَيخنَا عباد ... لكمرونا الْيَوْم أَو لكادوا) على أَن اللَّام فِي لكمرونا فِي جَوَاب الْقسم لَا فِي جَوَاب لَوْلَا عملا بالقاعدة وَهِي أَنه إِذا اجْتمع شَرط وَقسم فَالْجَوَاب بعدهمَا للسابق مِنْهُمَا سَوَاء

كَانَ أَدَاة الشَّرْط إِن أم لَو أم لَوْلَا وفَاقا لِابْنِ جني وَابْن عُصْفُور. قَالَ: وَلزِمَ كَونه مَاضِيا لِأَنَّهُ مغن عَن جَوَاب لَوْلَا وجوابها لَا يكون إِلَّا وَفِيه رد على ابْن مَالك فِي زَعمه فِي التسهيل أَن أَدَاة الشَّرْط إِن كَانَت لَو أَو لَوْلَا فَالْجَوَاب يتَعَيَّن أَن يكون لَهما سَوَاء تقدم الْقسم عَلَيْهِمَا أَو تَأَخّر عَنْهُمَا كَقَوْلِه: الطَّوِيل (فأقسم لَو أبدى الندي سوَاده ... لما مسحت تِلْكَ المسالات عَامر) وَقَول الآخر: الرجز وَالله لَوْلَا الله مَا اهتدينا وَيرد الْبَيْت الأول على الشَّارِح فِي قَوْله: وَكَذَا تَقول: وَالله لَو جئتني مَا جِئتُكُمْ وَلَا تَقول: لما جئْتُك. وَلَو كَانَ الْجَواب للو لجَاز ذَلِك. وَيُجَاب عَنهُ بِأَن دُخُول اللَّام على مَا النافية. وَمَا اخْتَارَهُ الشَّارِح الْمُحَقق هُوَ قَول ابْن عُصْفُور فِي شرح الْإِيضَاح قَالَ: وَقد يدْخلُونَ أَن على لَو لجعل الْفِعْل الْوَاقِع بعْدهَا جَوَابا للقسم كَمَا يدْخلُونَ اللَّام على إِن الشّرطِيَّة: فَيُقَال: أقسم أَن لَو قَامَ زيد قَامَ عَمْرو. وَمِنْه قَوْله: الطَّوِيل (فأقسم أَن لَو الْتَقَيْنَا وَأَنْتُم ... لَكَانَ لكم يومٌ من الشَّرّ مظلم) انْتهى كَلَامه.

وَذهب فِي شرح الْجمل إِلَى خلاف هَذَا فَجعل الشَّرْط وَجَوَابه جَوَاب الْقسم فَإِنَّهُ لما أنهى الْكَلَام على روابط الْجُمْلَة الْوَاقِعَة جَوَاب قسم قَالَ: إِلَّا أَن يكون جَوَاب الْقسم لَو وجوابها فَإِن الْحَرْف الَّذِي يرْبط الْمقسم بِهِ الْمقسم عَلَيْهِ إِذْ ذَاك إِنَّمَا هُوَ أَن نَحْو: وَالله أَن لَو قَامَ زيد لقام) عَمْرو. وَلَا يجوز الْإِتْيَان بِاللَّامِ كَرَاهَة الْجمع بَين لَام الْقسم وَلَام لَو. قَالَ نَاظر الْجَيْش فِي شرح التسهيل: وَقَول ابْن مَالك بعيد لِأَنَّهُ يبعد أَن يكون للقسم جَوَاب مُقَدّر فِي نَحْو: وَالله لَو قَامَ زيد لقام عَمْرو وَالله لَوْلَا زيد لقام عَمْرو بل رُبمَا يَسْتَحِيل ذَلِك أَن الْمقسم عَلَيْهِ إِنَّمَا هُوَ قيام عمروٍ الْمُعَلق على قيام زيد أَو على وجوده. وَإِذا كَانَ الْمقسم عَلَيْهِ كَذَلِك فَكيف يتَّجه تَقْدِير جَوَاب غير الشَّرْط الْمَذْكُور إِذْ لَو قدر جَوَاب غير ذَلِك لَكَانَ شَيْئا غير مُعَلّق على غَيره وَالْفَرْض أَن الْمقسم عَلَيْهِ إِنَّمَا هُوَ أَمر مُعَلّق على شَيْء لَا أَمر مُسْتَقل بِنَفسِهِ. وَإِذا كَانَ الْأَمر كَذَلِك اتجه كَلَام ابْن عُصْفُور فِي شرح الْجمل واضمحل كَلَامه فِي شرح الْإِيضَاح. فَإِن قيل: هَذَا بِعَيْنِه مَوْجُود فِي الشَّرْط غير الامتناعي لِأَن الْمقسم عَلَيْهِ أَيْضا فِي نَحْو: وَالله إِن قَامَ زيد ليقومن عَمْرو إِنَّمَا هُوَ قيام عَمْرو الْمُعَلق على قيام زيد وَمَعَ هَذَا فقد أَتَى الْمقسم بجوابٍ يَخُصُّهُ فَلم لَا يُقَال إِن الشَّرْط يكون جَوَابا للقسم فَالْجَوَاب أَن جَوَاب الشَّرْط الامتناعي مُمْتَنع الْوُقُوع إِمَّا إِذا كَانَ حرف الشَّرْط لَو فَلِأَنَّهُ علق على حُصُول أَمر فقد ثَبت أَن وجوده مُمْتَنع. وَأما إِذا كَانَ لَوْلَا فَلِأَن الِامْتِنَاع مَعهَا علق على وجود شَيْء مَقْطُوع بِأَنَّهُ مَوْجُود. وَإِذا كَانَ

جَوَاب الامتناعي مُمْتَنع الْوُقُوع امْتنع تَقْدِير جَوَاب الْقسم إِذْ يلْزم من تَقْدِيره أَن يكون الْمُقدر مُمْتَنع الْوُقُوع ليتطابق جَوَاب الشَّرْط وَالْقسم لِأَن جملَة الْقسم إِنَّمَا هِيَ مُؤَكدَة لجملة الشَّرْط فَيتَعَيَّن اتِّفَاق المدلولين. وَلَا شكّ أَن جدواب الْقسم إِذا قدرناه لَيْسَ ثمَّ مَا يدل على أَنه مُمْتَنع فَيلْزم من تَقْدِيره حِينَئِذٍ تخَالف الجوابين من حَيْثُ إِن أَحدهمَا مَقْطُوع بامتناعه وَالْآخر لَيْسَ كَذَلِك. وَأما جَوَاب الشَّرْط غير الامتناعي فَلَيْسَ مُمْتَنع الْوُقُوع إِذا لم يكن مُمْتَنع الْوُقُوع فجواب الْقسم مساوٍ لَهُ فِي احْتِمَال الْوُقُوع وَعَدَمه فَلذَلِك جَازَ أَن يقدر مدلولاً عَلَيْهِ بِجَوَاب الشَّرْط لِأَن المتساويين يجوز دلَالَة كل مِنْهُمَا على الآخر. انْتهى كَلَامه. والبيتان من رجزٍ أوردهما صَاحب الصِّحَاح فِي مَادَّة كمر قَالَ: الكمر: جمع كمرة والمكمور: الرجل الَّذِي أصَاب الخاتن طرف كمرته. والكمري: الْعَظِيم الكمرة. وكامرته فكمرته أكمره إِذا) غلبته بِعظم الكمرة. وأنشدهما. - وَلم يتَكَلَّم ابْن بري وَلَا الصَّفَدِي فِي حاشيتهما عَلَيْهِ هُنَا بِشَيْء. وأوردهما ابْن قُتَيْبَة فِي بَاب مَا أبدل من القوافي من أدب الْكَاتِب كَذَا: (وَالله لَوْلَا شَيخنَا عباد ... لكمرونا عِنْدهَا أَو كَادُوا) (فرشط لما كره الفرشاط ... بفيشةٍ كَأَنَّهَا ملطاط) قَالَ ابْن السَّيِّد فِي شرح أبياته: معنى كمرونا غلبونا بِعظم كمرهم. والكمر: جمع كمرة وَهِي رَأس الذّكر. والفرشطة والفرشاط: فتح الفخذين. والملطاط: شَفير الْوَادي وَالنّهر. وَقَالَ ابْن دُرَيْد: الملطاط أَشد انخفاضاً من الْوَادي وأوسع مِنْهُ. وَقَالَ غَيره: الملطاط عظم ناتئ من رَأس

الْبَعِير. وصف قوما تفاخروا بِعظم كمرهم فكاد المفاخرون لَهُم يغلبونهم حَتَّى أخرج شيخهم عباد كمرته فَغَلَبَهُمْ. انْتهى كَلَامه. وَزَاد الجواليقي فِي شَرحه بَيْتَيْنِ بعد الْبَيْتَيْنِ الْأَوَّلين وهما: الرجز (يحمل حوقاء لَهَا أحياد ... لَهَا رئاتٌ وَلها أكباد) وَقَالَ فِي شَرحه: كمرونا: غلبونا بِعظم الكمرة والكمرة: رَأس الذّكر من الْإِنْسَان خَاصَّة وَزعم قوم أَنه لكل ذكر من الْحَيَوَان. وحوقاء: عَظِيمَة الحوق. والحوق بِضَم الْمُهْملَة حرف الكمرة وَهُوَ إطارها. والأحياد: جمع حيد بِفَتْح الْمُهْملَة وَسُكُون الْمُثَنَّاة التَّحْتِيَّة وَهُوَ الْحَرْف الناتئ من الشَّيْء نَحْو حيود الْقرن وحيد الْجَبَل: نَادِر ينْدر مِنْهُ. وَلها رئات: جمع رئة. وأكباد: جمع كبد. وَلَيْسَ ثمَّ رئة وَلَا كبد وأنما أَرَادَ عظمها. وَقَوله: فرشط الفرشطة: أَن يلصق الرجل أليته بِالْأَرْضِ ويتوسط سَاقيه. والملطاط قَالَ ابْن دُرَيْد: ملطاط الرَّأْس: جملَته. والفيشة بِفَتْح الْفَاء: الذّكر. وَعباد هَذَا رجل من إيادٍ لَهُ حَدِيث. وَذَلِكَ أَن حيين كَانَا قد جعلا بَينهمَا خطراً فِي المكامرة فغلب الْحَيّ الَّذِي فِيهِ عباد. انْتهى. وكابن قُتَيْبَة أوردهُ عبد اللَّطِيف الْبَغْدَادِيّ فِي شرح نقد الشّعْر لقدامة قَالَ قدامَة: وَمن عيوبه الإكفاء وَهُوَ اخْتِلَاف حُرُوف الروي فَيكون دَالا وذالاً وسيناً وشيناً وَنَحْو ذَلِك من الْحُرُوف المتقاربة.) قَالَ عبد اللَّطِيف الْبَغْدَادِيّ: اخْتِلَاف حُرُوف الروي فِي قصيدة هُوَ الإكفاء من قَوْلك: كفأت الْإِنَاء إِذا قلبته. وَيُقَال أَيْضا أكفأت الشَّيْء إِذا أملته. فَلَمَّا اخْتلف حرف الروي عَن وَجهه الَّذِي يجب لَهُ قيل لذَلِك: إكفاء.

وَأكْثر مَا يكون هَذَا فِي الْحُرُوف المتقاربة. وَهَذَا فِي النثر المسجوع لَيْسَ بِعَيْب. وَأما فِي النّظم فَأكْثر مَا يرتكبه الْأَعْرَاب دون الفحول والمشاهير وَلِهَذَا لَا أجيزه لشعراء زَمَاننَا كَمَا أُجِيز لَهُم الْعُيُوب الْبَاقِيَة اللَّهُمَّ إِلَّا فِي الأرجاز الحربية الَّتِي تقال بديهاً فَإِنَّهَا تحْتَمل مَا لَا يحْتَمل الشّعْر الْكَائِن عَن روية وتمهل. فَإِن قيل: فَهَل الْعَرَب تعرف حُرُوف المعجم حَتَّى تلْزم بهَا قيل: إِنَّهَا وَإِن لم تعرفها بأسمائها فَإِنَّهَا تعرفها بأجراسها وتميز بَينهَا بأصدائها. وَلِهَذَا يلْتَزم الشَّاعِر مِنْهُم حُرُوف الروي فَلَا يُخَالِفهُ إِلَّا فِي الْأَقَل وَإِلَى مَا يقرب مِنْهُ. وَلِهَذَا قَالَ قَائِلهمْ: (لَو قد حداهن أَبُو الجودي ... برجز مسحنفر الروي) مستويات كنوى البرني وَلَا يبعد أَن يشْعر الْوَاحِد مِنْهُم بمخارج الْحُرُوف ومدارجها بل هُوَ الْغَالِب من حَالهم لَكِن لَا يتقنون تَمْيِيزه. وَقد أنشدوا: وقافية بَين الثَّنية والضرس زعم الْمُفَسِّرُونَ أَنه أَرَادَ الشين أُخْت الضَّاد. والحكاية الْمَشْهُورَة عَن رجلٍ مِنْهُم أَنه قامر على أَن يشرب علبة لبن وَلَا يَتَنَحْنَح فَلَمَّا كده الْأَمر قَالَ: كَبْش أَمْلَح: قيل لَهُ: مَا هَذَا تنحنحت قَالَ: من تنحنح فَلَا أَفْلح. مَعَ أَنه قد ورد عَن بَعضهم تَسْمِيَة بعض الْحُرُوف قَالَ: الطَّوِيل كَمَا كتبت كافٌ تلوح وميمها

قلت لَهَا قفي فَقَالَت قَاف فَإِن قيل: فَلم أجزت الإكفاء للْعَرَب وحظرته على أهل زَمَاننَا فَنَقُول: الْعَرَب مطبوعون غير متعلمين وجفاة لايعرفون الْكتاب بل يَقُولُونَ بالسليقة. وَأما المحدثون فَأهل كِتَابَة وَتعلم وتعمل وَإِن كَانَ الْعَرَب أَيْضا غير خالين من تعلم وتعمل وَكِتَابَة. وَلِهَذَا قَلما يَقع الإكفاء وَغَيره من الْعُيُوب إِلَّا من الْأَعْرَاب الأقحاح الْبعدَاء عَن التَّعْلِيم والتخريج. وَلِهَذَا قَالَ بعض الْعلمَاء: اخْتِلَاف حُرُوف الروي هُوَ الإكفاء وَهُوَ غلط من الْعَرَب وَلَا يجوز) لغَيرهم لِأَن الْغَلَط لَا يَجْعَل أصلا فِي الْعَرَبيَّة يُقَاس عَلَيْهِ وَإِنَّمَا يغلطون فِيهِ إِذا تقاربت الْحُرُوف. وَأنْشد: الرجز (إِن يأتني لصٌ فَإِنِّي لص ... أطلس مثل الذِّئْب إِذْ يعس ) سوقي حداي وصفيري النس وَأنْشد الْأَخْفَش: الرجز (إذانزلت فاجعلاني وسطا ... إِنِّي كبيرٌ لَا أُطِيق العندا)

وَأنْشد غَيره: الرجز وَقَالَ: الرجز (وَالله لَوْلَا شَيخنَا عباد ... لكمرونا عِنْدهَا أَو كَادُوا) (فرشط لما كره الفرشاط ... بفيشةٍ كَأَنَّهَا ملطاط) والملطاط: رحى البزر. وَأنْشد ابْن الْأَعرَابِي: الرجز (أَزْهَر لم يُولد بِنَجْم الشُّح ... ميمم الْبَيْت كريم السنخ) وَمَا كَانَ من هَذَا التَّغْيِير فِي مَوضِع التصريع فقد يُمكن أَن لَا يكون عَيْبا وَأَن يكون الشَّاعِر لم يقْصد التصريع لَكِن أَتَى بِمَا يشبه التصريع فَتوهم عَلَيْهِ الْعَيْب. فَأَما مَا أنْشدهُ ابْن قُتَيْبَة من قَول الشَّاعِر: الرجز (حشورة الجنبين معطاء الْقَفَا ... لَا تدع الدمن إِذا الدمن طفا) إِلَّا بجرعٍ مثل أثباج القطا

فَإِنَّهُ لَيْسَ إكفاء كَمَا زعم لِأَن الروي الْألف لَا الْفَاء. وَمن الإكفاء مَا أنشدنا بَعضهم: الرجز (بنيّ إِن البرّ شيءٌ هَين ... الْمنطق اللين والطعيم) ( قبحت من سالفةٍ وَمن صدغ ... كَأَنَّهَا كشية ضبٍّ فِي صقع) الصقع: شبه مخلاة. وَفِي الحَدِيث أَن سَعْدا قَالَ: رَأَيْت عليا كرم الله وَجهه يَوْم بدر وَهُوَ يَقُول: الرجز (بازل عَاميْنِ حديثٌ سني ... سنحنح اللَّيْل كَأَنِّي جني)) لمثل هَذَا ولدتني أُمِّي فَأَما قَول أبي جهل: الرجز (مَا تنقم الْحَرْب الْعوَان مني ... بازل عَاميْنِ حديثٌ سني) لمثل هَذَا ولدتني أُمِّي وَقد روينَا نَحوه عَن عَليّ كرم الله وَجهه فَفِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال: أَحدهَا: أَن يكون إكفاءً وَمَا قبل الْيَاء هُوَ الروي. وَالثَّانِي: أَن يكون أَرَادَ أَن يُطلق بِالْألف فَيَقُول: منياً

وسنياً فَحذف. وَالثَّالِث: أَن تكون الْيَاء حرف الروي وَيكون مُقَيّدا. وَهَذَا هُوَ الْأَفْصَح. انْتهى. وَهَذِه جملَة منقحة كَافِيَة فِي الإكفاء. أما قَوْله: إِذا نزلت ... الخ فقد قَالَ ابْن السَّيِّد العند بِفتْحَتَيْنِ: الْجَانِب وَرَوَاهُ ابْن دُرَيْد: العند جمع عاند وَهُوَ المائل المنحرف. - وَزَاد بعده: وَلَا أُطِيق البكرات الشردا وَأما قَوْله: كَأَن أصوات القطا ... الخ فقد قَالَ أَيْضا: قَالَ أَبُو عَليّ الْبَغْدَادِيّ: رويته عَن ابْن قُتَيْبَة المنغص بالغين الْمُعْجَمَة وَالصَّاد الْمُهْملَة وَهُوَ من الْغصَص وَمَعْنَاهُ المختنق. ورويته عَن غير ابْن قُتَيْبَة المنقضّ بالضاد الْمُعْجَمَة وَالْقَاف وَهُوَ الصَّوَاب. شبه صَوت انقضاض القطاة إِذا انْقَضتْ بِأَصْوَات الْحَصَا إِذا قرع بَعْضهَا بَعْضًا. والمنقزّ: المتواثب: يُقَال قزّ وانقزّ إِذا وثب. وَأما قَوْله: أَزْهَر لم يُولد بِنَجْم ... إِلَخ فقد قَالَ أَيْضا الميمم: الْمَقْصُود لكرمه. والسنخ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة وَالْجِيم: الأَصْل. وَقد روى السنح بِالْحَاء الْمُهْملَة. وَأما قَوْله حشورة الجنبين ... إِلَخ فقد قَالَ أَيْضا: الحشورة: الْعَظِيمَة. والمعطاء: الَّتِي تساقط شعرهَا. والدمن بِالْكَسْرِ: الزبل. والأثباج الأوساط. يصف نَاقَة قد اشْتَدَّ عطشها فَهِيَ تشرب المَاء

(الشاهد الثالث والثلاثون بعد التسعمائة)

وَأما قَوْله: قبّحت من سالفةٍ ... إِلَخ فقد قَالَ أَيْضا: هَذَا الرجز لجوّاس ابْن هريم.) هجا امْرَأَة وَشبه سالفتها وصدغها فِي اصفرارهما بكشية ضَب فِي صقع من الأَرْض. وَأَرَادَ أَن يَقُول: من سالفتين وصدغين فَلم تمكنه التَّثْنِيَة فَوضع الْوَاحِد مَوْضُوع الِاثْنَيْنِ اكْتِفَاء بفهم السَّامع. - وَقَوله: كَأَنَّهَا كشية إِنَّمَا أفرد الضَّمِير وَلم يقل كَأَنَّهُمَا لِأَنَّهُ أَرَادَ سالفتيها وصدغيها وَهِي أَربع فَحَمله على الْمَعْنى. انْتهى. ونقلنا شرح هَذِه الأبيات تكميلاً للفائدة. وَالْبَيْت الشَّاهِد لم أَقف على قَائِله وَالله أعلم بِهِ. وَأنْشد بعده (الشَّاهِد الثَّالِث وَالثَّلَاثُونَ بعد التسْعمائَة) الْبَسِيط على أَنه يجوز بقلة فِي الشّعْر أَن يكون الْجَواب للشّرط مَعَ تَأَخره عَن الْقسم فَإِن لَام لَئِن موطئة للقسم وَقَوله: لَا تلفنا جَوَاب الشَّرْط دون الْقسم بِدَلِيل الْجَزْم. وَقد خلا عَن ذكر هَذِه الضَّرُورَة كتاب الضرائر لِابْنِ عُصْفُور. وَأجَاب ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي أَن اللَّام زَائِدَة وَلم يَخُصُّهُ بِالضَّرُورَةِ قَالَ: وَلَيْسَت اللَّام موطئة فِي قَوْله:

الطَّوِيل (لَئِن كَانَت الدُّنْيَا عَليّ كَمَا أرى ... تباريح من ليلى فللموت أروح) وَقَوله: الطَّوِيل ( لَئِن كَانَ مَا حدثته الْيَوْم صَادِقا ... أَصمّ فِي نَهَار القيظ للشمس باديا) وَقَوله: الْبَسِيط (ألمم بِزَيْنَب إِن الْبَين قد أفدا ... قل الثواء لَئِن كَانَ الرحيل غَدا) بل هِيَ فِي ذَلِك كُله زَائِدَة. أما الْأَوَّلَانِ فَلِأَن الشَّرْط قد أُجِيب بِالْجُمْلَةِ المقرونة بِالْفَاءِ فِي الْبَيْت الأول وبالفعل المجزوم فِي الْبَيْت الثَّانِي فَلَو كَانَت اللَّام للتوطئة لم يجب إِلَّا الْقسم. هَذَا هُوَ الصَّحِيح. وَخَالف فِي ذَلِك) الْفراء فَزعم أَن الشَّرْط قد يُجَاب مَعَ تقدم الْقسم عَلَيْهِ. وَأما الثَّالِث فَلِأَن الْجَواب قد حذف مدلولا عَلَيْهِ بِمَا قبل إِن فَلَو كَانَ ثمَّ قسم مُقَدّر لزم الإجحاف بِحَذْف جوابين. انْتهى. وَالْجَوَاب الْجيد مَا قَالَه الشَّارِح من أَن هَذَا ضَرُورَة فَإِن جَوَابه لَا يَتَأَتَّى فِي قَوْله: حَلَفت لَهُ إِن تدلج اللَّيْل لَا يزل ... ... ... ... ... ... ... . . الْبَيْت الْآتِي

وَقد نقلوا عَن الْفراء جَوَازه فِي الْكَلَام أَيْضا. وَرَأَيْت كَلَامه مضطرباً فِي هَذِه الْمَسْأَلَة فَتَارَة أجَاز بمرجوحية كَمَا نقلوا وَتارَة جزم بِأَن مَا ورد مِنْهُ فِي الشّعْر ضَرُورَة. أما الأول فقد قَالَه فِي تَفْسِير قَوْله تَعَالَى: وَلَقَد علمُوا لمن اشْتَرَاهُ من سُورَة الْبَقَرَة وَهَذَا نَصه: صيروا جَوَاب الْجَزَاء بِمَا يلقى بِهِ الْيَمين إِمَّا بلام وَإِمَّا بِلَا وَإِمَّا بإن وَإِمَّا بِمَا فَتَقول فِي مَا: لَئِن أتيتني مَا ذَلِك لَك بضائع. وَفِي إِن: لَئِن أتيتني إِن ذَلِك لمشكور. - وَفِي لَا: لَئِن أخرجُوا لايخرجون مَعَهم. وَفِي اللَّام: وَلَئِن نصروهم ليولن الأدبار. وَإِنَّمَا صيروا جَوَاب الْجَزَاء كجواب الْيَمين الأن اللَّام الَّتِي دخلت فِي: وَلَقَد علمُوا لمن اشْتَرَاهُ وَفِي: لما آتيتكم من كتاب وَفِي: لَئِن أخرجُوا إِنَّمَا هِيَ لَام الْيَمين كَانَ موضعهَا فِي آخر الْكَلَام فَلَمَّا صَارَت فِي أَوله صَارَت كاليمين فَلَقِيت بِمَا يلقى بِهِ الْيَمين. وَإِن أظهرت الْفِعْل بعْدهَا على يفعل جَازَ ذَلِك وجزمته فَقلت: لَئِن تقم لَا يقم إِلَيْك. (لَئِن تَكُ قد ضَاقَتْ عَلَيْكُم بُيُوتكُمْ ... ليعلم رَبِّي أَن بَيْتِي وَاسع) وأنشدني بعض بني عقيل: الطَّوِيل (لَئِن كَانَ مَا حدثته الْيَوْم صَادِقا ... أَصمّ فِي نَهَار القيظ للشمس باديا) (وأركب حمارا بَين سرجٍ وفروةٍ ... وأعر من الخاتام صغرى شماليا)

فألغى جَوَاب الْيَمين من الْفِعْل وَكَانَ الْوَجْه فِي الْكَلَام أَن يَقُول: لَئِن كَانَ كَذَا لآتينك وتوهم إِلْغَاء اللَّام كَمَا قَالَ الآخر: الطَّوِيل (فَلَا يدعني قومِي صَرِيحًا لحرةٍ ... لَئِن كنت مقتولاً وتسلم عَامر) فَاللَّام فِي لَئِن ملغاة وَلكنهَا كثرت فِي الْكَلَام حَتَّى صَارَت كَأَنَّهَا إِن. - أَلا ترى أَن الشَّاعِر قد قَالَ: الرمل (فلئن قومٌ أَصَابُوا غرَّة ... وأصبنا من زمانٍ رققا)) (للقد كَانُوا لَدَى أزماننا ... لصنيعين: لبأسٍ وتقى) فَأدْخل على لقد لاماً أُخْرَى لِكَثْرَة مَا تلْزم الْعَرَب اللَّام فِي لقد حَتَّى صَارَت كَأَنَّهَا مِنْهَا. وَأنْشد بعض بني أَسد: الوافر (فَلَا وَالله لَا يلفى لما بِي ... وَلَا للما بهم أبدا دَوَاء) (كَمَا مَا امرؤٌ فِي معشرٍ غير رهطه ... ضَعِيف الْكَلَام شخصه متضائل) قَالَ: كَمَا ثمَّ زَاد مَعهَا مَا أُخْرَى لِكَثْرَة كَمَا فِي الْكَلَام فَصَارَت كَأَنَّهَا مِنْهَا. وَقَالَ الْأَعْشَى: الْبَسِيط لَئِن منيت بِنَا عَن غب معركةٍ الْبَيْت فَجزم لَا تلفنا وَالْوَجْه الرّفْع كَمَا قَالَ تَعَالَى: لَئِن أخرجُوا لَا يخرجُون مَعَهم وَلكنه لما جَاءَ بعد حرف ينوى بِهِ الْجَزْم صير مَجْزُومًا جَوَابا

للمجزوم وَهُوَ فِي معنى رفع. وأنشدني الْقَاسِم بن معن عَن الْعَرَب: الطَّوِيل (حَلَفت لَهُ إِن تدلج اللَّيْل لَا يزل ... أمامك بيتٌ من بيوتي سَائِر) وَالْمعْنَى: حَلَفت لَهُ لَا يزَال بَيت فَلَمَّا جَاءَ بعد المجزوم صير جَوَابا للجزم. - وَمثله فِي الْعَرَبيَّة: آتيتك كي إِن تحدث بِحَدِيث أسمعهُ مِنْك فَلَمَّا جَاءَ بعد الْجَزْم جزم. انْتهى نَصه بِحُرُوفِهِ. وَأما كَلَامه الثَّانِي فقد قَالَه عِنْد تَفْسِير قَوْله تَعَالَى: لَئِن اجْتمعت الْإِنْس وَالْجِنّ على أَن يَأْتُوا بِمثل هَذَا الْقُرْآن لايأتون بِمثلِهِ من سُورَة الْإِسْرَاء قَالَ: لَا يأْتونَ جَوَاب لقَوْله: لَئِن وَالْعرب إِذا أجابت: لَئِن بِلَا جعلُوا مَا بعد لَا رفعا لِأَن لَئِن كاليمين وَجَوَاب الْيَمين بِلَا مَرْفُوع. وَرُبمَا جزم الشَّاعِر لِأَن لَئِن إِن الَّتِي يجازى بهَا زيدت عَلَيْهَا لَام فَوجه الْفِعْل فِيهَا إِلَى فعل وَلَو أَتَى بيفعل لجَاز جزمه. وَقد جزم بعض الشُّعَرَاء ب لَئِن وَبَعْضهمْ بِلَا الَّتِي هِيَ جوابها. قَالَ الْأَعْشَى: (لَئِن منيت عَن غب معركةٍ ... لاتلفنا عَن دِمَاء الْقَوْم ننتقل) وتلقنا بِالْقَافِ أَيْضا. وأنشدتني عقيلية فصيحة: لَئِن كَانَ مَا حدثته الْيَوْم صَادِقا الْبَيْتَيْنِ وأنشدني الْكسَائي للكميت بن مَعْرُوف:) (لَئِن تَكُ قد ضَاقَتْ عَلَيْكُم بِلَادكُمْ ... ليعلم رَبِّي أَن بَيْتِي وَاسع) انْتهى كَلَامه

وَوَافَقَهُ ابْن مَالك فِي التسهيل: وَقد يُغني جَوَاب الأداة مسبوقة بالقسم. يَعْنِي إِن لم يتَقَدَّم مُبْتَدأ أَو أخر الْقسم عَن الشَّرْط وَجب الِاسْتِغْنَاء عَن جَوَابه بِجَوَاب الشَّرْط وَإِن أخر الشَّرْط استغني فِي أَكثر الْكَلَام عَن جَوَابه بِجَوَاب الْقسم وَلَا يمْتَنع الِاسْتِغْنَاء بِجَوَاب الشَّرْط مَعَ تَأَخره. وَمن شَوَاهِد ذَلِك عِنْده قَول الفرزدق: الطَّوِيل ( لَئِن بل لي أرضي بلالٌ بدفعةٍ ... من الْغَيْث فِي يمنى يَدَيْهِ انسكابها) مَعَ أَبْيَات أخر. قَالَ نَاظر الْجَيْش: وَهَذِه الأبيات أَدِلَّة ظَاهِرَة على الْمُدعى غير أَن المُصَنّف لم ينْسب هَذَا الْمَذْهَب لبصري وَلَا كُوفِي جَريا مِنْهُ على طريقتة المألوفة وَهِي أَنه إِذا قَامَ الدَّلِيل عِنْده على شَيْء اتبعهُ ثمَّ إِنَّه قد يُنَبه على خلاف فِي ذَلِك إِن كَانَ وَقد لَا يتَعَرَّض إِلَى ذَلِك. وَالْجَمَاعَة يذكرُونَ أَن هَذَا القَوْل إِنَّمَا هُوَ قَول الْفراء. فال ابْن عُصْفُور: وَلَا يجوز جعل الْفِعْل جَوَابا للشّرط إِذا توَسط بَينه وَبَين الْقسم. فَأَما قَول الْأَعْشَى: لَئِن منيت بِنَا الْبَيْت وَقَوله: لَئِن كَانَ مَا حدثته الْبَيْت فَاللَّام فِي لَئِن يَنْبَغِي أَن تكون زَائِدَة كَالَّتِي فِي قَوْله: أَمْسَى لمجهودا وَمن ثمَّ قَالَ أَبُو حَيَّان: وَهَذَا الَّذِي أجَازه ابْن مَالك هُوَ مَذْهَب الْفراء وَقد مَنعه أَصْحَابنَا وَالْجُمْهُور. ثمَّ نقل كَلَام ابْن عُصْفُور. وَأَقُول: إِن ابْن عُصْفُور لم يذكر دَلِيلا على امْتنَاع مَا ذكره المُصَنّف بل عمد إِلَى

الْأَدِلَّة على هَذَا الحكم فأخرجها عَن ظَاهرهَا بِغَيْر مُوجب وَحكم بِزِيَادَة اللَّام مَعَ إِمْكَان القَوْل بِعَدَمِ الزِّيَادَة. وَبعد فَلَا يخفى على النَّاظر وَجه الصَّوَاب. فالوقوف مَعَ مَا ورد عَن الْعَرَب حَيْثُ لَا مَانع يمْنَع من الْحمل على ظَاهر مَا ورد عَنْهُم. انْتهى كَلَام نَاظر الْجَيْش.) وَالْبَيْت من قصيدة مَشْهُورَة للأعشى تقدم شرح أَبْيَات مِنْهَا قي الشَّاهِد التَّاسِع وَالثَّلَاثِينَ بعد الستمائة. وَقَبله. (إِنِّي لعمر الَّذِي حطت مناسمها ... تخذي وسيق إِلَيْهِ الباقر الغيل) (لَئِن قتلتم عميداً لم يكن صدداً ... لَنَقْتُلَنَّ مثله مِنْكُم فنمتثل) وَإِن منيت بِنَا عَن غب معركةٍ ... ... ... ... ... ... ... . . الْبَيْت يُخَاطب بهَا يزِيد بن مسْهر الشَّيْبَانِيّ وَكَانَ حرض بني سيار أَن يقتلُوا سيداً من رَهْط الْأَعْشَى على مَا تقدم سَببه هُنَاكَ. وَقَوله: حطت مناسمها الْحَط بمهملتين: الِاعْتِمَاد. والمنسم كمجلس: طرف خف الْبَعِير وَالضَّمِير الْمُؤَنَّث ضمير الْإِبِل وَإِن لم يجر لَهَا ذكر لِأَن المناسم خَاصَّة بهَا تدل عَلَيْهَا. والعائد إِلَى وتخدي بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة وَالدَّال الْمُهْملَة: تسير سيراً شَدِيدا فِيهِ اضْطِرَاب لشدتة. وَرُوِيَ: لَهُ بدل تخدي فالعائد مَذْكُور. والباقر: اسْم جمع للبقر. والغيل بِضَم الْغَيْن الْمُعْجَمَة والمثناة التَّحْتِيَّة: جمع غيل بِفَتْح فَسُكُون بِمَعْنى الْكثير. يَقُول: أقسم بِاللَّه الَّذِي تسرع الْإِبِل إِلَى بَيته ويساق إِلَيْهِ الْهَدْي.

ض وَقَوله: لَئِن قتلتم ... ... ... . إِلَخ اللَّام موطئة آذَنت أَن الْجَواب الْآتِي وَهُوَ قَوْله لَنَقْتُلَنَّ جَوَاب الْقسم لَا جَوَاب الشَّرْط. والعميد: الْكَبِير الَّذِي يعمد فِي الْأُمُور الشَّدِيدَة ويقصد. والصدد بِفتْحَتَيْنِ: المقارب. وَقَوله: فنمتثل أَي: نقْتل الأمثل وَهُوَ الْأَفْضَل. يَعْنِي: وَالله لَئِن قتلتم منا دون السَّيِّد لنقتل أعظمكم. وَتقدم شرحهما بِأَكْثَرَ من هَذَا مَعَ أَبْيَات أخر فِي الشَّاهِد السَّادِس وَالسبْعين بعد السبعمائة. وَقَوله: وَإِن منيت هَكَذَا جَاءَت الراوية بالْعَطْف على قَوْله: قتلتم وَالْمَشْهُور فِي كتب النَّحْوِيين: لَئِن منيت بِاللَّامِ الموطئة. وَالْأَمر سهل. ومنيت بِالْخِطَابِ وَالْبناء للْمَفْعُول من مني لَهُ أَي: قدر. ومني يمني كرمي يَرْمِي بِمَعْنى قدر وَالِاسْم بِالْفَتْح والْقصر. (لَا تأمن الْمَوْت فِي حلٍّ وَلَا حرمٍ ... إِن المنايا توافي كل إِنْسَان)) (واسلك طريقك تمشي غير محتشمٍ ... حَتَّى تبين مَا يمني لَك الماني) (فَكل ذِي صاحبٍ يَوْمًا يُفَارِقهُ ... وكل زادٍ وَإِن أبقيته فَانِي) (وَالْخَيْر وَالشَّر مقرونان فِي قرنٍ ... بِكُل ذَلِك يَأْتِيك الجديدان) روى السَّيِّد المرتضي فِي أَمَالِيهِ أَن مُسلما الْخُزَاعِيّ ثمَّ المصطلقي قَالَ: شهِدت رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وَقد أنْشدهُ منشد هَذِه الأبيات لسويد فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: لَو أَدْرَكته لأسلم. وَالتَّاء نَائِب الْفَاعِل بِتَقْدِير الْمُضَاف وَالْأَصْل مني اجتماعك بِنَا فالباء من بِنَا مُتَعَلقَة بِهَذَا الْمُضَاف فَلَمَّا حذف صَار الضَّمِير

الْمَجْرُور ضمير رفع. وَقَوله: عَن غب معركةٍ عَن: هُنَا بِمَعْنى بعد مُتَعَلقَة بقوله منيت. وَبِه اسْتشْهد ابْن النَّاظِم فِي شرح الألفية. وَالْغِب بِالْكَسْرِ والمغبة بِالْفَتْح: الْعَاقِبَة وروى أَيْضا: عَن جد معركة بِكَسْر الْجِيم بِمَعْنى الشدَّة والمجاهدة فِيهَا. والمعركة: مَوضِع الْحَرْب يُقَال: عركت الْقَوْم فِي الْحَرْب عركاً أَي: أوقعتهم فِي الشدَّة. وعراك معاركةً وعراكاً: أَي قَاتل. وأصل العرك الدَّلْك والفرك وَمن لَازمه التليين والتذليل. وَقَوله: لاتلفنا لَا: نَافِيَة وتلفنا: مجزوم بإن بِحَذْف الْيَاء على أَنه جَزَاء الشَّرْط. وألفى كوجد معنى وَعَملا فتتعدى إِلَى مفعولين أَصلهمَا الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر كَقَوْلِه: الْبَسِيط (قد جربوه فألقوه المغيث إِذا ... مَا الروع عَم فَلَا يلوي على أحد) كَذَا قَالَ ابْن مَالك. فالمفعول الأول لألفى فِي الْبَيْت ضمير الْمُتَكَلّم مَعَ الْغَيْر وَجُمْلَة ننتفل: هِيَ الْمَفْعُول الثَّانِي. وَذهب ابْن عُصْفُور إِلَى أَنَّهَا تتعدى إِلَى مفعول وَاحِد وَأَن الْمَنْصُوب الثَّانِي حَال وَاسْتدلَّ بِالْتِزَام تنكيره. ورد بوروده معرفَة كَمَا فِي الْبَيْت وَدَعوى زِيَادَة اللَّام ضَعِيفَة. وَعَن دِمَاء مُتَعَلقَة بقوله ننتفل بِالْفَاءِ. قَالَ صَاحب الصِّحَاح: وانتفل من الشَّيْء أَي: انْتَفَى مِنْهُ وتنصل كَأَنَّهُ إِبْدَال مِنْهُ. وَأنْشد الْبَيْت. قَالَ شَارِح جمهرة الْأَشْعَار: يُقَال: انتفل وانتفى بِمَعْنى وَاحِد كَمَا قَالَ: الطَّوِيل ( أمنتفلاً عَن نصر بهثة خلتني ... إِلَّا إِنَّنِي مِنْهُم وَإِن كنت أَيْنَمَا))

وَقيل: ننتفل: نجحد وَالْمعْنَى: إِن قدر أَن تلقانا بعد المعركة لم ننتف من قتلنَا قَوْمك وَلم نجحد. انْتهى. وَقَالَ الْعَيْنِيّ: قَوْله: لَئِن منيت بِنَا من مني بِأَمْر كَذَا إِذا ابْتُلِيَ بِهِ من مني يمنى من بَاب فتح يفتح وَمنا يمنو من بَاب نصر ينصر. وَأما مني يمني إِذا أنزل الْمَنِيّ فمصدره منياً على وزن فعل بِفَتْح الْفَاء وَسُكُون الْعين وبابه من بَاب ضرب يضْرب. وَمنى أَيْضا بِمَعْنى قدر وَمِنْه الْمنية وَهُوَ الْمَوْت لِأَنَّهُ مُقَدّر على الْخلق كلهم. ومنيت على صِيغَة الْمَجْهُول وبنا جَار ومجرور مفعول نَاب عَن الْفَاعِل. وَقَوله: لاتلفنا جملَة مجزومة لِأَنَّهَا جَوَاب الشَّرْط وننتفل: جملَة وفعت حَالا من الضَّمِير الْمَنْصُوب فِي لَا تلفنا. هَذَا خُلَاصَة كَلَامه فيهذا الْبَاب فَتَأَمّله ترى الْعجب العجاب. وترجمة الْأَعْشَى تقدّمت فِي الشَّاهِد الثَّالِث والْعشْرين من أَوَائِل الْكتاب. ( لَئِن كَانَ مَا حدثته اليرم صَادِقا ... أَصمّ فِي نَهَار القيظ للشمس باديا) على أَنه جَاءَ أَصمّ جَوَابا مَجْزُومًا لإن الشّرطِيَّة بعد تقدم الْقسم الْمشعر بِهِ اللَّام الموطئة وَهُوَ قَلِيل فِي الشّعْر كالبيت الَّذِي قبله.

وَهَذِه اللَّام تدخل على أَدَاة شَرط حرفا كَانَت أم اسْما كَمَا قَالَ الشَّارِح الْمُحَقق تؤذن بِأَن الْجَواب بعْدهَا مَبْنِيّ على قسم قبلهَا لَا على شَرط وَمن ثمَّ تسمى اللَّام المؤذنة وَتسَمى الموطئة أَيْضا لِأَنَّهَا وطأت الْجَواب للقسم أَي: مهدته لَهُ سَوَاء كَانَ الْقسم قبلهَا مَذْكُورا كَقَوْلِه تَعَالَى: وأقسموا بِاللَّه جهد أَيْمَانهم لَئِن جَاءَتْهُم آيَة ليُؤْمِنن بهَا أم غير مَذْكُور كَقَوْلِه تَعَالَى: لَئِن أخرجُوا لَا يخرجُون مَعَهم وَلَئِن قوتلوا لَا ينصرونهم ولءن نصروهم ليولن الأدبار. وَقد يكْتَفى بنيتها عَن لَفظهَا كَقَوْلِه تَعَالَى: وَإِن لم تغْفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين وَالْأَصْل: وَلَئِن لم تغْفر لنا. وَلَوْلَا نِيَّتهَا لقيل: وَإِن لم تغْفر لنا وترحمنا لنكون من الخاسرين كَمَا قيل: وَإِلَّا تغْفر لي وترحمني أكن من الخاسرين وَكَذَا قَوْله تَعَالَى: وَإِن أطعمتموهم إِنَّكُم لمشركون. وَقَول بَعضهم: لَيْسَ هُنَا قسم مُقَدّر وَإِنَّمَا الْجُمْلَة الاسمية جَوَاب الشَّرْط على أضمار الْفَاء فقد قَالَ الشَّارِح وَغَيره: مَرْدُود لِأَن حذفهَا خَاص بالشعر. قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَلَا بُد من هَذِه اللَّام مظهرةً أَو مضمرة. يَعْنِي اللَّام الَّتِي تقارن أَدَاة الشَّرْط.) وَقَالَ ابْن مَالك فِي شرح التسهيل: وَأكْثر مَا تكون اللَّام مَعَ إِن. وَمن مقارنتها غير إِن من أخواتها قَوْله تَعَالَى: وَإِذ أَخذ الله مِيثَاق النَّبِيين لما آتيتكم

من كتابٍ وحكمةٍ ثمَّ جَاءَ رسولٌ مصدقٌ لما مَعكُمْ اتؤمنن بِهِ ولتنصرنه. - وَمثله قَالَ الْقطَامِي: الْكَامِل (وَلما رزقت ليأتينك سيبه ... جلباً وَلَيْسَ إِلَيْك مَا لم ترزق) (لمتى صلحت ليقضين لَك صالحٌ ... ولتجرين إِذا جزيت جميلاً) اه. وَكَذَا فِي الْمُغنِي لِابْنِ هِشَام لكنه قَالَ: وعَلى هَذَا فَالْأَحْسَن فِي قَوْله تَعَالَى: لما آتيتكم من كتابٍ وحكمةٍ إِن لَا تكون موطئة وَمَا شَرْطِيَّة بل للابتداء وَمَا موصلة لِأَنَّهُ حمل على الْأَكْثَر. قَالَ ابْن جني فِي سر الصِّنَاعَة: وَقد شبه بَعضهم إِذْ ترد للتَّعْلِيل وَإِن شَرط وهما متقاربان. قَالَ ابْن هِشَام: وَأغْرب مَا دخلت عَلَيْهِ اللَّام إِذْ وَهُوَ نَظِير دُخُول الْفَاء فِي: فَإِن لم يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِك عِنْد الله هم الْكَاذِبُونَ. شبهت إِذْ بِأَن فَدخلت الْفَاء بعْدهَا كَمَا تدخل فِي جَوَاب الشَّرْط. انْتهى. قَالَ ابْن مَالك: وَلَا بُد من هَذِه اللَّام مظهرةً أَو مضمرة. وَقد يَسْتَغْنِي بعد لَئِن عَن جَوَاب لتقدم مَا يدل عَلَيْهِ فَيحكم بِأَن اللَّام زَائِدَة. فَمن ذَلِك قَول عمر بن أبي ربيعَة:

الْبَسِيط (ألمم بِزَيْنَب إِن الْبَين قد أفدا ... قل الثواء لَئِن كَانَ الرحيل غَدا) وَمثله: الطَّوِيل (فَلَا يدعني قومٌ صَرِيحًا لحرةٍ ... لَئِن قلت مقتولاً وَيسلم عَامر) انْتهى. وَقَالَ ابْن عُصْفُور: وَهَذِه اللَّام الدَّاخِلَة على أَدَاة الشَّرْط عِنْد الْبَصرِيين زَائِدَة للتَّأْكِيد وموطئة لدُخُول اللَّام على الْجَواب ودالة على الْقسم إِذا حذف. انْتهى. وَمثله لِابْنِ جني فِي سر الصِّنَاعَة قَالَ: وَاللَّام فِي لَئِن إِنَّمَا هِيَ زَائِدَة مُؤَكدَة يدلك على أَنَّهَا زَائِدَة وَأَن اللَّام الثَّانِيَة هِيَ الَّتِي تلقت الْقسم جَوَاز سُقُوطهَا فِي نَحْو قَول الشَّاعِر: الطَّوِيل (فأقسمت أَنِّي لَا أحل بصهوةٍ ... حرامٌ على رمله وشقائقه) (فَإِن لم تغير بعض مَا قد صَنَعْتُم ... لأنتحين للعظم ذُو أَنا عارقه )) وَلم يقل: فلئن. ويدلك أَيْضا على أَنَّك إِذا قلت: وَالله لَئِن قُمْت لأقومن أَن اعْتِمَاد الْقسم على اللَّام فِي لأقومن وَأَن اللَّام فِي لَئِن زَائِدَة مِنْهَا بدٌ قَول كثير:

الطَّوِيل (لَئِن عَاد لي عبد الْعَزِيز بِمِثْلِهَا ... وأمكنني مِنْهَا إِذن لَا أقيلها) فرفعه أقيلها يدل على أَن اعْتِمَاد الْقسم عَلَيْهِ وَلَو أَن اللَّام فِي لَئِن عَاد لي هِيَ جَوَاب الْقسم لَا نجزم لَا أقيلها كَمَا تَقول: إِن تقم إِذن لَا أقِم. انْتهى كَلَامه. وَهَذَا الْبَيْت مَا بعده: الطَّوِيل (وأركب حمارا بَين سرجٍ وفروةٍ ... وأعر من الخاتام صغرى شماليا) كَذَا أنشدهما الْفراء وَقَالَ: أنشدنيهما بعض عقيل فصيحة وَلم يُصَرح بقائلهما. وَقَوله: لَئِن كَانَ مَا ... إِلَخ اللَّام زَائِدَة ومَا: عبارَة عَن الْكَلَام وحدثته: بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول وَالتَّاء للخطاب: نَائِب الْفَاعِل وَالْهَاء ضمير مَا. وَقد طَغى قلم الْعَيْنِيّ هُنَا فَقَالَ: حدثته على صِيغَة الْمَجْهُول وَالضَّمِير الْمُسْتَتر فِيهِ نَائِب عَن الْفَاعِل. انْتهى. والْيَوْم: ظرف عَامله حدثته وصادقاً: خبر كَانَ من الْهَاء. وَفِيه إِسْنَاد مجازي لِأَن المتصف بِالصّدقِ حَقِيقَة قَائِل الْكَلَام لَا الْكَلَام. وأَصمّ: جَوَاب الشَّرْط وَفِي مُتَعَلقَة بِهِ. والقيظ: شدَّة الْحر والفصل الَّذِي يَقُول لَهُ النَّاس الصَّيف. وللشمس مُتَعَلق ببادياً. والبادي: البارز. وَرُوِيَ بدله: ضاحياً. بِمَعْنَاهُ. وبادياً: حَال من فَاعل أَصمّ. وَقَوله: أركب بِالْجَزْمِ مَعْطُوف على أَصمّ. والفروة مَعْرُوفَة. وركوب الْحمار بَين السرج والفروة هَيْئَة من يندد بِهِ ويفضح بَين النَّاس. وَقَوله: وأعر:

(الشاهد الخامس والثلاثون بعد التسعمائة)

مجزوم بِحَذْف الْيَاء للْعَطْف على أَصمّ أَيْضا وَهُوَ بِضَم الْهمزَة وَكسر الرَّاء مضارع أعراه إعراء أَي: جعله عَارِيا. والخاتام: كالخيتام لُغَة فِي الْخَاتم بِفَتْح التَّاء وَكسرهَا. وَأَرَادَ بصغرى شِمَاله خنصرها فَإِن الْخَاتم يكون زِينَة للشمال فَإِن الْيَمين لَهَا فَضِيلَة الْيمن فَجعل الْخَاتم فِي الشمَال للتعادل. يَقُول: إِن كَانَ مَا نقلٍ يَعْنِي لَك من الحَدِيث صَحِيحا جعلني الله صَائِما فِي تِلْكَ الصّفة وأركبني حمارا للخزي والفضيحة والنكال وَجعل حنصر شمَالي عَارِية من حسنها وَزينتهَا هَذَا مَا ظهر لي فِيهِ. وَالله أعلم. وَعقيل بِالتَّصْغِيرِ: أَبُو قَبيلَة وَهُوَ عقيل بن كَعْب بن ربيعَة بن عَامر بن صعصعة. وَأنْشد بعده) (الشَّاهِد الْخَامِس وَالثَّلَاثُونَ بعد التسْعمائَة) الطَّوِيل (حَلَفت لَهُ إِن تدلج اللَّيْل لَا يزل ... أمامك بيتٌ من بيوتي سَائِر) على أَنه جزم لَا يزل فِي ضَرُورَة الشّعْر بجعله جَوَاب الشَّرْط وَكَانَ الْقيَاس أَن يرفع وَيجْعَل جَوَابا للقسم لكنه جزم للضَّرُورَة فَيكون جَوَاب الْقسم محذوفاً مدلولاً عَلَيْهِ بِجَوَاب الشَّرْط. وَقَالَ ابْن عُصْفُور: وَلَيْسَ حَلَفت فِيهِ قسما كَمَا ذهب إِلَيْهِ الْفراء بل هُوَ خبر مَحْض غير مُرَاد بِهِ معنى الْقسم لِأَن الْقسم إِذا تقدم على الشَّرْط بني الْجَواب عَلَيْهِ وَلم يبن على الشَّرْط. انْتهى.

وَلَا يخفى تعسفه وَالصَّوَاب مَا ذهب إِلَيْهِ الشَّارِح الْمُحَقق. قَالَ الْفراء: أَنْشدني هَذَا الْبَيْت الْقَاسِم بن معن عَن الْعَرَب وَالْمعْنَى: حَلَفت لَهُ لَا يزَال أمامك بَيت. فَلَمَّا جَاءَ بعد المجزوم صير جَوَابا للجزم. وتدلج: مضارع أدْلج إدلاجاً وَمَعْنَاهُ سَار اللَّيْل كُله فَإِن سَار من آخر اللَّيْل فقد أدْلج بتَشْديد الدَّال. واللَّيْل: ظرف لَهُ. ويزل: مضارع زَالَ يزَال من أَخَوَات كَانَ. وأمامك بِالْفَتْح بِمَعْنى قدامك خَبَرهَا مقدم. وبَيت: اسْمهَا مُؤخر. وَمن بيوتي: صفة لَهُ. وَكَذَا سَائِر. وَأَرَادَ بِالْبَيْتِ جمَاعَة من أَقَاربه وَهَذَا مَشْهُور. يَقُول: إِن سَافَرت فِي اللَّيْل أرْسلت جمَاعَة من أَهلِي يَسِيرُونَ أمامك يخفرونك ويحرسونك إِلَى أَن تصل إِلَى مأمنك. وَهَذَا الْبَيْت لم أَقف على قَائِله وَلَا تتمته. وَالله أعلم بِهِ. وَأنْشد بعده: الرجز إِنَّك إِن يصرع أَخُوك تصرع وَتقدم شَرحه فِي الشَّاهِد الثَّانِي وَالتسْعين بعد الستمائة وَفِي الشَّاهِد الْحَادِي والثمانين بعد الْخَمْسمِائَةِ. فَرَاجعه.

(الشاهد السادس والثلاثون بعد التسعمائة)

وَأنْشد بعده: لَئِن منيت بِنَا عَن غب معركةٍ وَتقدم شَرحه قَرِيبا. (الشَّاهِد السَّادِس وَالثَّلَاثُونَ بعد التسْعمائَة) الطَّوِيل (فَإِن يَك من جنٍ لأبرح طَارِقًا ... وَإِن يَك إنساً مَا كها الْإِنْس تفعل) على أَن أَدَاة الشَّرْط إِذا لم يكن لَهَا جَوَاب فِي الظَّاهِر يجب أَن يكون شَرطهَا مَاضِيا لفظا وَمعنى نَحْو: أكرمك إِن أتيتني وَمعنى فَقَط نَحْو: أكرمك إِن لم تقطعني. وَقد يَجِيء فِي الشّعْر مُسْتَقْبلا. قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَقد يجوز فِي الشّعْر آتِي من يأتني. وَتقدم نَقله فِي الشَّاهِد الرَّابِع وَالتسْعين بعد الستمائة. وَكَذَا شَرط إِن فِي هَذَا الْبَيْت جَاءَ مُسْتَقْبلا مَعَ أَنه لَا جَزَاء لَهَا فِي الظَّاهِر. وَهُوَ خَاص بالشعر. وَقد خلا كتاب الضرائر لِابْنِ عُصْفُور من ذكر هَذِه الضَّرُورَة. وَبَيَان أَن إِن لَا جَوَاب لَهَا هُنَا: أَن قَوْله: لأبرح جَوَاب قسم مُقَدّر وَاللَّام الموطئة محذوفة أَي: وَالله فلئن يَك من جنٍ لأبرح. وَهَذَا دَلِيل جَوَاب الشَّرْط الْمَحْذُوف وَالتَّقْدِير: فَإِن يَك من جنٍ فقد أَبْرَح. وَلَا يجوز أَن يكون لأبرح جَوَاب الشَّرْط لاقترانه بِاللَّامِ الَّتِي يُجَاب بهَا الْقسم فَإِن إِن لَا تَأتي فِي جوابها اللَّام وأبرح وَإِن كَانَ مَاضِيا إِلَّا أَنه فِي معنى الْمُسْتَقْبل لِأَنَّهُ دَلِيل جَوَاب الشَّرْط كَمَا قَالَه الشَّارِح الْمُحَقق بعد هَذِه الأبيات. والماضي الْمُتَصَرف إِذا وَقع جَوَاب

قسم فالأكثر أَن يقْتَرن بِاللَّامِ مَعَ قد نَحْو قَوْله تَعَالَى: تالله لقد آثرك الله علينا أَو رُبمَا كَقَوْل الشَّاعِر: الطَّوِيل (لَئِن نزحت دارٌ لسلمى لربما ... غنينا بخيرٍ والديار جَمِيع) أَو بِمَا مرادفة رُبمَا كَقَوْل آخر: الْخَفِيف (فلئن بَان أَهله ... لبما كَانَ يؤهل) وَقد يَسْتَغْنِي بِاللَّامِ الْمَاضِي الْمُتَصَرف فِي النّظم والنثر قَالَ تَعَالَى: وَلَئِن أرسلنَا ريحًا فرأوه مصفراً لظلوا من بعده يكفرون. وَفِي الحَدِيث عَن امرأةٍ من غفار أَنَّهَا قَالَت: وَالله لنزل رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ إِلَى الصُّبْح فَأَنَاخَ. ) وَفِي حَدِيث سعيد بن زيد: أشهد لسمعت رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يَقُول: من أَخذ شبْرًا من الأَرْض ظلما الحَدِيث. وَإِن وجدت استطالة قسم جَازَ إِفْرَاد الْفِعْل كَقَوْلِه تَعَالَى: وَالسَّمَاء ذَات البروج وَالْيَوْم الْمَوْعُود وشاهدٍ ومشهودٍ قتل أَصْحَاب الْأُخْدُود وكقول النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ وددت أَن اقاتل فِي سَبِيل الله فأقتل الحَدِيث. وَإِن تُوجد استطالة وَالْفِعْل غير متصرف وَجب الاقتران بِاللَّامِ مُفْردَة كَقَوْلِه:

المتقارب لعمري لنعم الْفَتى مالكٌ كَذَا فِي شرح التسهيل لِابْنِ مَالك. وَهَذَا الْبَيْت من لامية الْعَرَب للشنفرى. وَقَبله: (وَلَيْلَة نحسٍ يصطلي الْقوس رَبهَا ... وأقطعه اللَّاتِي بهَا يتنبل) (دعست على غطشٍ وبغشٍ وصحبتي ... سعارٌ وإرزيزٌ ووجرٌ وأفكل) (فأيمت نسواناً وأيتمت إلدةً ... وعدت كَمَا أبدأت وَاللَّيْل أليل) (وَأصْبح عني بالغميصاء جَالِسا ... فريقان: مسؤولٌ وَآخر يسْأَل ) (فَقَالُوا: لقد هرت بليلٍ كلابنا ... فَقُلْنَا: أذئبٌ عس أم عس فرعل) (فَلم يَك إِلَّا نبأةٌ ثمَّ هومت ... فَقُلْنَا: قطاةٌ ريع أم ريع أجدل) فَإِن يَك من جنٍ لأبرح طَارِقًا ... ... ... ... ... . . الْبَيْت قَوْله: وَلَيْلَة نحس الْوَاو وَاو رب وَأَرَادَ بالنحس الْبرد وَلِهَذَا يصطلي بِالْقَوْسِ والسهام صَاحبهَا لشدَّة الْبرد. وَقَوله: دعست ... إِلَخ دعست: دفعت دفعا بإسراع وعجلة وَهُوَ جَوَاب رب. والغطش: الظلمَة. والبغش: الْمَطَر الْخَفِيف. وَجُمْلَة وصحبتي ... إِلَخ حَال من التَّاء. والسعار بِالضَّمِّ: حرٌ يجده الْإِنْسَان فِي جَوْفه من شدَّة الْجُوع وَالْبرد. وإرزيز بِالْكَسْرِ: صَوت أحشائه من الشدَّة. والوجر بِالْجِيم وَالرَّاء الْمُهْملَة: الْخَوْف. والأفكل: الرعدة. وأيمت نسواناً أَي: جعلتهن أيامى بقتل أَزوَاجهنَّ. وأيتمت إلدةً أَي: جعلت الْأَوْلَاد أيتاماً بقتل أبائهم.

وَشرح هَذِه الأبيات الثَّلَاثَة تقدم بِالِاسْتِيفَاءِ فِي الشَّاهِد الثَّامِن بعد الثَّمَانمِائَة.) وَقَوله: وَأصْبح عني ... إِلَخ الغميصاء بِضَم الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَفتح الْمِيم وَبعد الْمُثَنَّاة التَّحْتِيَّة صَاد مُهْملَة قَالَ أَبُو عبيد الْبكْرِيّ فِي مُعْجم مَا استعجم: مَوضِع فِي ديار بني جذيمة من بني كنَانَة. وَقَالَ الشُّرَّاح: مَوضِع بِنَجْد. وَجُمْلَة أصبح: معطوفة على عدت. والجالس: اسْم فَاعل من جلس الرجل إِذا أَتَى الجلس بِفتْحَتَيْنِ وَهُوَ اسْم نجد كَمَا يُقَال: أتهم الرجل إِذا أَتَى تهَامَة. - قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ فِي شَرحه: أصبح تسْتَعْمل نَاقِصَة وتامة والوجهان محتملان. أما كَونهَا تَامَّة فَيحْتَمل أَنه أخبر عَن الْفَرِيقَيْنِ بِأَنَّهُمَا دخلا فِي الصَّباح فِي هَذِه الْحَال وفريقان: الْفَاعِل وجالساً حَال وبالغميصاء: حَال من الضَّمِير فِي جَالس أَي: أصبح جَالِسا وَهُوَ فِي الغميصاء. وَالْوَجْه الآخر: أَن تكون نَاقِصَة وفريقان اسْمهَا وجالساً خَبَرهَا وَالْوَاجِب أَن يُطَابق الْخَبَر الِاسْم فِي التَّثْنِيَة وَالْجمع وَلَكِن اكْتفى بِالْوَاحِدِ عَن الِاثْنَيْنِ وَقد جَاءَ ذَلِك فَمِنْهُ قَوْله: الْكَامِل (وَكَأن فِي الْعَينَيْنِ حب قرنفلٍ ... أَو سنبلاً كحلت بِهِ فانهلت) فأفرد كحلت وَهُوَ يُرِيد كحلتا. وَكَذَلِكَ: فانهلت أَي: فانهلتا. وَأما عني فالعامل فِيهِ فعل مَحْذُوف يفسره يسْأَل تَقْدِيره: أصبح يسْأَل فريقان

عني. والداعي إِلَى هَذَا التَّقْدِير أَن يسْأَل ومسؤول صفة لفريقان فَلَو عمل وَاحِد مِنْهُمَا فِي عني لأعملت الصّفة فِيمَا قبلهَا وَلَا تعْمل فِيمَا قبلهَا لِأَنَّهَا نازلة منزلَة الصِّلَة مَعَ الْمَوْصُول فَكَمَا أَن الصِّلَة لَا تعْمل فِي الْمَوْصُول وَلَا فِيمَا قبله فَكَذَلِك الصّفة. وَيجوز أَن يكون عني صفة لجالس فَلَمَّا قدم صَار حَالا. وبالغميصاء ظرف وَالْعَامِل فِيهِ جَالس أَي: جَالِسا بالغميصاء وَلَا يعْمل فِيهِ مَا هُوَ صفة لفريقان لما ذكرنَا قبل. وَيجوز ان يكون خبر أصبح أَي: أصبح فريقان مستقرين بالغميصاء. فعلى هَذَا يكون جَالِسا وَيجوز أَن يكون حَالا من فريقان لِأَنَّهُ وَإِن كَانَ نكرَة فقد وصف. وَيجوز أَن يكون جَالِسا صفة لفريقين وَإِنَّمَا أفرد لما تقدم فَلَمَّا قدم جَالِسا نصب على الْحَال. ومسؤول: خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي: أَحدهمَا مسؤول وَالْآخر يسْأَل. وَقَالَ شَيخنَا محب الدَّين: الْجيد أَن تقدر الْمُبْتَدَأ هما فريق مسؤول وَآخر يسْأَل. انْتهى كَلَامه. وَقَوله: وَقَالُوا لقد هرت ... إِلَخ قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ هرير الْكَلْب: صَوته ونباحه من قلَّة صبره) على الْبرد. وهر الْكَلْب يهر هريراً. والعس: الطوف بِاللَّيْلِ. وعس الْكَلْب إِذا طَاف وَطلب وَمِنْه سمي العسس. والفرعل بضمتي الْفَاء وَالْعين الْمُهْملَة: ولد الضبع. وَالْفَاء رابطة لما بعْدهَا بِمَا قبلهَا وَاللَّام فِي لقد جَوَاب قسم مَحْذُوف أَي: وَالله لقد. وبليلٍ ظرف لهرت وَيجوز جعله حَالا من كلابنا وَمَوْضِع هَذِه الْجُمْلَة نصب بقالوا. وَقَوله: أذئب يجوز أَن يكون خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي: أهوَ ذِئْب عسٌ فعس على هَذَا صفة ذِئْب أَي: عاسٌ. وَيجوز أَن يكون مَرْفُوعا بِفعل يفسره عس وعَلى هَذَا لَا يكون لعس مَحل لِأَنَّهُ مُفَسّر. وَأم معادلة لهمزة الِاسْتِفْهَام مُتَّصِلَة لِأَنَّهُ يَصح أَن يقدر بِأَيِّهِمَا فَيُقَال: أَيهمَا عسٌ. وَقيل مُنْقَطِعَة لِأَن كل واحدٍ من الاسمين وهما ذِئْب وفرعل قد اخْتصَّ بِخَبَر أسْند إِلَيْهِ. انْتهى.

وَقَوله: فَلم يَك إِلَّا نبأة ... إِلَخ قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: أَصله يكون حذفت حَرَكَة النُّون بالجازم فحذفت الْوَاو لالتقاء الساكنين ثمَّ حذفت النُّون لِكَثْرَة اسْتِعْمَال هَذِه الْكَلِمَة. وَلَا يُقَاس عَلَيْهَا. وَكَانَ هُنَا تَامَّة لِأَنَّهَا بِمَعْنى الوجدان ونبأة فاعلها. والنبأة: الصَّوْت. والتهويم: النّوم وفاعل هومت ضمير الْكلاب. وَثمّ عطفت جملَة هومت على جملَة لم يَك. وريع: أفزع. والروع: الإفزاع. والأجدل: الصَّقْر. وَالْمعْنَى: أَنه لم يُوجد من الْأَصْوَات إِلَّا نباة فَزَالَ نوم الْكلاب كَمَا يَزُول نوم القطاة والأجدل بِأَدْنَى حَرَكَة أَو صَوت. وَالْكَلَام فِي رفع قطاة وَأم كَمَا تقدم. وَترك التَّأْنِيث فِي ريعت شَاذ كَقَوْلِه: المتقارب وَلَا أَرض أبقل إبقالها وَقيل: إِن القطاة طَائِر والطائر اسْم جنس فَلم تلْحق التَّاء حملا على الْجِنْس فَكَأَنَّهُ قَالَ: أطائر ريع. انْتهى. وَقَوله: فَإِن يَك من جن ... إِلَخ اسْم يَك ضمير يعود على الطارق الْمَفْهُوم من الْمقَام. وَمن جن: خَيره. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: اسْم يَك مُضْمر فِيهَا أَي: إِن كَانَ الْمَرْء. وَمن جن خَيره أَي جنياً. وَاللَّام فِي لأبرح جَوَاب قسم مَحْذُوف أَي: وَالله لأبرح وَجَوَابه أُغني عَن جَوَاب الشَّرْط. والبرح:) الشدَّة. وطارقاً تَمْيِيز وَيجوز أَن يكون حَالا من الضَّمِير فِي أَبْرَح وَهُوَ الطارق وَالْكَاف يجوز أَن تكون اسْما فموضعها نصب بتفعل أَي: مَا تفعل الْإِنْس مثلهَا. وَالضَّمِير عَائِد إِلَى الفعلة الَّتِي وجدت. وَالْإِنْس: مُبْتَدأ وَتفعل: خَبره. انْتهى. وَدخُول الْكَاف على الضَّمِير ضَرُورَة وَالضَّمِير لَا عَائِد إِلَى الْمَفْهُوم من الْمقَام أَي: مَا تفعل الْإِنْس مثل هَذِه الفعلة الَّتِي فعلهَا هَذَا الطارق.

وَقَالَ التبريزي فِي شَرحه: أَبْرَح بِمَعْنى كرم وَعظم وَيجوز أَن يكون حكى عَن الْقَوْم فيريد أَنه كَانَ يَأْتِي بالبرحاء وَهِي الداهية. وَقَالَ فِيهِ بعض اللغيون: أَبْرَح: أَتَى بالبرح وَهِي الشدَّة. انْتهى. وترجمة الشنفري تقدّمت فِي الشَّاهِد السَّادِس وَالْعِشْرين بعد الْمِائَتَيْنِ مَعَ شرح أَبْيَات من هَذِه القصيدة. وَأنْشد بعده الطَّوِيل (فَإِن تبتئس بالشنفري أم قسطلٍ ... لما اغتبطت بالشنفري قبل أطول) لما تقدم قبله. من أَن وُقُوع الْمُضَارع شرطا ل إِن الَّتِي لَا جَوَاب لَهَا فِي الظَّاهِر ضَرُورَة وَالْقِيَاس فَإِن ابتأست فَإِن جملَة: لما اغتبطت ... إِلَخ جَوَاب قسم مُقَدّر وَلَام التوطئة قبل إِن مقدرَة وَالتَّقْدِير: فوَاللَّه لئنن لم تبتئس. وَجَوَاب الشَّرْط مَحْذُوف وجوبا مَدْلُول عَلَيْهِ بِجَوَاب الْقسم. وتبتئس: تفتعل من الْبُؤْس بِالضَّمِّ وَسُكُون الْهمزَة وَيجوز تخفيفها. يُقَال: بئس بِالْكَسْرِ إِذا نزل بِهِ الضّر فَهُوَ بائس وابتأس: لَقِي يؤساً وحزناً وَالْبَاء سَبَبِيَّة أَي: بِسَبَب فرق الشنفري وَهُوَ صَاحب هَذِه القصيدة الشهيرة بلامية الْعَرَب. وَهَذَا الْبَيْت مِنْهَا وَالَّذِي قبله أَيْضا. والشنفري بِالْقصرِ قَالَ التبريزي فِي شرح الحماسة قَالَ أَبُو الْعَلَاء: تكلم بعض النَّاس فِي اشتقاق هَذَا الِاسْم فَزعم قوم أَنه يُرَاد بِهِ

الْأسد وَقيل: الْجمل الْكثير الشّعْر وَيجب أَن يكون من قَوْلهم: شنفارة إِذا كَانَ حاداً. - وَإِن كَانَ النُّون زَائِدا فَيجوز أَن يكون من قَوْلهم: أذن شفارية إِذا كَانَت كَثِيرَة الشّعْر والوبر. وَقَالُوا: ضبٌ شفاري إِذا كَانَ طَويلا ضخماً. وَقَالُوا: شفر الرجل إِذا أقل الْعَطِيَّة. وشفر) وَقَالَ فِي شرح القصيدة: قَالَ أَبُو الْعَبَّاس ثَعْلَب: الشنفري: الْبَعِير الضخم وَقَالَ: الشنفري: الْعَظِيم الشفتين. انْتهى. وَتَقَدَّمت تَرْجَمته مَعَ شرح أَبْيَات من أَولهَا فِي الشَّاهِد السَّادِس وَالْعِشْرين بعد الْمِائَتَيْنِ. والقسطل: الْغُبَار. وَأم قسطل: كنية الْحَرْب سميت بِهِ لِأَنَّهَا تثير الْغُبَار وتولده. واغتبطت فَاعله ضمير أم قسطل. واغتبط: مُطَاوع غبطته من الْغِبْطَة يُقَال: غبطت الرجل أغبطه غبطاً من بَاب ضرب وَالِاسْم الْغِبْطَة بِالْكَسْرِ إِذا اشْتهيت أَن يكون لَك مثل مَا لَهُ وَأَن يَدُوم عَلَيْهِ مَا هُوَ فِيهِ. وحسدته أحسده حسداً إِذا اشْتهيت أَن يكون لَك مَا لَهُ وَأَن يَزُول عَنهُ مَا هُوَ فِيهِ. فغبطته: تمنيت أَن أكون مثله. واغتبط صَار مغبوطاً. وَالْبَاء للسَّبَبِيَّة وَقبل بِالْبِنَاءِ على الضَّم أَي: قبل مَوته وَمَا مَصْدَرِيَّة مؤولة مَعَ الْفِعْل بالمبتدأ بِتَقْدِير مُضَاف. وأطول: خَبره وَالتَّقْدِير: لزمن اغتباطها بالشنفري قبل مَوته أطول من زمن بؤسها بِمَوْتِهِ. وَقَالَ شرَّاح القصيدة: مَا بِمَعْنى الَّذِي وَهُوَ مُبْتَدأ وأطول خَبره وَيجوز أَن تكون مَا مَصْدَرِيَّة فَإِذا كَانَت بِمَعْنى الَّذِي كَانَ الْعَائِد محذوفاً تَقْدِيره: للَّذي اغتبطت بِهِ من الشنفري وبسببه هَذَا كَلَامهم وَلَا يخفي تكلفه.

(الشاهد الثامن والثلاثون بعد التسعمائة)

وَقَالَ المعرب: لما اغتبطت جَوَاب قسم مَحْذُوف وَهَذَا الْجَواب أغْنى عَن جَوَاب الشَّرْط وَالشّرط هُنَا موطئ للقسم وَأكْثر مَا يَأْتِي بِاللَّامِ وَقد جَاءَ بِغَيْر لَام. قَالَ تَعَالَى: وَإِن لم ينْتَهوا عَمَّا يَقُولُونَ ليمسن الَّذين كفرُوا. انمتهى. - وَلم يتَعَرَّض أحد مِنْهُم لما تعرض لَهُ الشَّارِح الْمُحَقق. وَأنْشد بعده: الطَّوِيل (لَئِن تَكُ قد ضَاقَتْ عَلَيْكُم بُيُوتكُمْ ... ليعلم رَبِّي أَن بَيْتِي وَاسع) على أَن فعل الشَّرْط المحذوفة جَوَابه قد جَاءَ مضارعاً فِي ضَرُورَة الشّعْر وَالْقِيَاس: لَئِن كَانَت. وَتقدم شَرحه فِي الشَّاهِد الرَّابِع عشر بعد الثَّمَانمِائَة. وَأنْشد بعده (الشَّاهِد الثَّامِن وَالثَّلَاثُونَ بعد التسْعمائَة) الْبَسِيط (إِمَّا ترينا حُفَاة لَا نعال لنا ... إِنَّا كَذَلِك مَا نحفى وننتعل) على أَن مَجِيء الشَّرْط فِيهِ مضارعاً كالأبيات الَّتِي قبله ضَرُورَة وَالْقِيَاس إِمَّا رَأَيْتنَا. وَإِمَّا أَصله إِن الشّرطِيَّة وَمَا الزَّائِدَة وَلَام التوطئة مقدرَة قبل إِن وَجُمْلَة: إِنَّا كَذَلِك ... إِلَخ جَوَاب الْقسم الْمُقدر وَهُوَ دَلِيل جَوَاب الشَّرْط. وَالَّذِي دلنا

على أَن هَذِه الْجُمْلَة جَوَاب الْقسم عدم اقترانها بِالْفَاءِ وَلَا يحسن جعلهَا جَوَاب الشَّرْط بادعاء حذفهَا لِأَن حذفهَا خَاص بالشعر كَمَا يَأْتِي فِي الشَّرْح قَرِيبا. وَلم يصب التبريزي وشارح جمهرة الْأَشْعَار فِي قَوْلهمَا: حذف الْفَاء لعلم السَّامع وَالتَّقْدِير: فَإنَّا كَذَلِك نحفى وننتعل. انْتهى. وَأَشَارَ إِلَى أَن مَا الثَّانِيَة زَائِدَة أَيْضا. وَرُوِيَ بدلهَا: قد نحفى وننتعل وترينا: خطاب لامْرَأَة. وحفاة: جمع حافٍ وَهُوَ الَّذِي يمشي بِلَا نعل. وَجُمْلَة لَا نعال لنا: صفة كاشفة لحفاة قَالَ الشارحان: الْمَعْنى إِن ترينا نتبذل مرّة وننتعم أُخْرَى فَكَذَلِك سبيلنا. وَقيل: الْمَعْنى إِن ترينا نستغني مرّة ونفتقر مرّة وَقيل: الْمَعْنى إِن ترينا نَمِيل إِلَى النِّسَاء مرّة ونتركهن أُخْرَى. انْتهى. وَالْبَيْت من قصيدة للأعشى مَشْهُورَة قد الحقت بالمعلقات وَتقدم شرح أَبْيَات مِنْهَا. وَقَبله: قَالُوا: هَذَا الْبَيْت أخنث بَيت قالته الْعَرَب. وزائرها: حَال من التَّاء بِتَقْدِير زَائِرًا لَهَا. وَإِنَّمَا قَالَت لَهُ كَذَا لسوء حَاله. وَقَوْلها: ويلي عَلَيْك لفقرك وويلي مِنْك لعدم استفادتي شَيْئا مِنْك. - ثمَّ اخذ فِي تَبْيِين سَبَب سوء حَاله بِأَنَّهُ قد أفنى مَاله فِي ملاذ نَفسه وشهواتها فَقَالَ مجيباً لَهَا بقوله: إِمَّا ترينا حُفَاة إِلَخ وَهُوَ بِتَقْدِير القَوْل أَي: فَقلت لَهَا: إِمَّا ترينا ... إِلَخ. وَبعده: (وَقد أخالس رب الْبَيْت غفلته ... وَقد يحاذر مني ثمَّ مَا يئل)) (وَقد أَقُود الصِّبَا يَوْمًا فيتبعني ... وَقد يصاحبني ذُو الشرة الْغَزل) (وَقد غَدَوْت إِلَى الْحَانُوت يَتبعني ... شاوٍ مشلٌ شلولٌ شلشلٌ شول) ...

(فِي فتيةٍ كسيوف الْهِنْد قد علمُوا ... أَن هالكٌ كل من يحفى وينتعل) (نازعتهم قضب الريحان متكئأً ... وقهوةً مزةً راووقها خضل) (لَا يستفيقون مِنْهَا وَهِي راهنةٌ ... إِلَّا بهات وَإِن علوا وَإِن نَهِلُوا) (يسْعَى بهَا ذُو زجاجاتٍ لَهُ نطفٌ ... مقلصٌ أَسْفَل السربال معتمل) (ومستجيبٌ تخال الصنج يسمعهُ ... إِذا ترجع فِيهِ الْقَيْنَة الْفضل) (من كل ذَلِك يومٌ قد لهوت بِهِ ... وَفِي التجارب طول اللَّهْو والغزل) قَوْله: وَقد أخالس رب هَذَا الْبَيْت ... إِلَخ أسارق ويروى: أراقب وغفلته: بِالنّصب بدل اشْتِمَال من رب الْبَيْت. وَإِنَّمَا يراقب غفلته ليلهو بامرأته. وَهَذَا مِمَّا يَقْتَضِي بذل المَال لَهَا حَتَّى توافقه. وَقَوله: مَا يئل أَي: مَا ينجو مني وَلَا يخلص ووأل يئل بِمَعْنى نجا ينجو والموئل مَوضِع النجَاة. وقله: وَقد أَقُود ... إِلَخ الصِّبَا: اسْم من صبا يصبو صبوة أَي: مَال إِلَى الْجَهْل والفتوة. وَفِيه قلب أَي: يقودني الصِّبَا فَأتبعهُ. والشرة بِالْكَسْرِ هِيَ شرة الشَّبَاب وَهُوَ حرصه ونشاطه. ويروى بدله: ذُو الشارة وَهِي الْهَيْئَة الْحَسَنَة. والغزل بِكَسْر الزَّاي وَهُوَ الَّذِي يحب الْغَزل بِفتْحَتَيْنِ وَهُوَ محادثة النِّسَاء وَهَذَا أَيْضا مِمَّا يُوجب بذل الْأَمْوَال. وَقَوله: وَقد غَدَوْت ... إِلَخ أَي: ذهبت غدْوَة. والحانوت: بَيت الْخمار. والشاوي: الَّذِي يشوي اللَّحْم. والمشل بِكَسْر الْمِيم وَفتح الشين: الْخَفِيف فِي الْحَاجة. والشلشل بِضَم الشينين: المتحرك. والشول بِفَتْح أَوله وَكسر ثَانِيه: الَّذِي يحمل الشَّيْء يُقَال: شلت بِهِ وأشلته. وَقيل هُوَ من قَوْلهم: فلَان يشول فِي حَاجته أَي يعْنى بهَا ويتحرك فِيهَا. وَمن رَوَاهُ: شول بِضَم فَفتح فَهُوَ

وَقَوله: فِي فتية ... إِلَخ أَي: مَعَ فتية وشبههم بِالسُّيُوفِ فِي الصرامة والمضاء. وَقَوله: قد علمُوا ... إِلَخ هَذَا عذرهمْ فِي إِتْلَاف المَال فِي اللَّذَّات. وَعدم ادخارهم شَيْئا لِأَنَّهُ لَا وَجه لادخارهم مَعَ علمهمْ أَنه لَا ينجو شرِيف وَلَا وضيع من الْمَوْت وَلَا غنيٌ وَلَا فَقير وروى بدله:) ( ... ... ... ... ... قد علمُوا ... أَن لَيْسَ يدْفع عَن ذِي الْحِيلَة الْحِيَل) أَي: قد علمُوا أَن مَا قدر عَلَيْهِم فَلَا بُد أَن يكون. يُرِيد أَن الفتيان قد علمُوا أَن الْمَوْت يعم النَّاس جَمِيعًا فهم يبادرون إِلَى اللَّذَّات قبل حُلُول الْمَوْت فيهم. - وَهَذَا الْبَيْت من شَوَاهِد كتاب سِيبَوَيْهٍ والمفصل وَغَيره هُوَ تَخْفيف أَن الْمَفْتُوحَة وَاسْمهَا ضمير الشَّأْن الْمَحْذُوف. قَالَ ابْن جني فِي الْمُحْتَسب عِنْد قِرَاءَة الْأَعْرَج وَغَيره: أَن لعنة الله وأَن غضب الله: من خفف وَرفع فَأن عِنْده مُخَفّفَة وَاسْمهَا ضمير الشَّأْن مَحْذُوف وَلم يكن من إضماره بدٌ لِأَن الْمَفْتُوحَة إِذا خففت لم تصر حرف ابْتِدَاء إِنَّمَا تِلْكَ إِن الْمَكْسُورَة وَعَلِيهِ قَول الشَّاعِر: قد علمُوا أَن هالكٌ الْبَيْت أَي: بِأَنَّهُ هَالك كل من يخفى وينتعل. وَسبب ذَلِك أَن اتِّصَال الْمَكْسُورَة باسمها وخبرها اتِّصَال الْعَامِل بالمعمول فِيهِ واتصال الْمَفْتُوحَة باسمها وخبرها اتصالان: أَحدهمَا: اتِّصَال الْعَامِل بالمعمول فِيهِ وألاخر: اتِّصَال الصِّلَة

بالموصول. أَلا ترى أَن مَا بعد الْمَفْتُوحَة صلَة فَلَمَّا قوي مَعَ الْفَتْح اتِّصَال أَن بِمَا بعْدهَا لم يكن لَهَا بدٌ من اسْم مُقَدّر مَحْذُوف تعْمل فِيهِ وَلما ضعف اتِّصَال الْمَكْسُورَة بِمَا بعْدهَا جَازَ إِذا خففت أَن تفارق الْعَمَل وتخلص حرف ابْتِدَاء انْتهى. وَقَالَ السيرافي: وَفِي كتاب مبرمان: هَذَا الْبَيْت مَعْمُول. وَالْبَيْت: أَن لَيْسَ يدْفع عَن ذِي الْحِيلَة الْحِيَل قَالَ: وَالشَّاهِد فِي كلتا الرِّوَايَتَيْنِ وَاحِد لِأَنَّهُ فِي إِضْمَار الْهَاء وَتَقْدِيره أَنه هَالك وَأَنه لَيْسَ. قَالَ ابْن المستوفي: وَالَّذِي ذكره السيرافي صَحِيح وَلَا شكّ أَن النَّحْوِيين غيروه ليَقَع الِاسْم بعد أَن المخففة مَرْفُوعا وَحكمه أَن يَقع بعد أَن المثقلة مَنْصُوبًا فَلَمَّا تغير اللَّفْظ تغير الحكم. وَقَالَ سِيبَوَيْهٍ: أَن هَالك الرّفْع فِيهِ على إِضْمَار الْهَاء. انْتهى. وَقَوله: نازعتهم قضب الريحان. . إِلَخ نازعتهم: جاذبتهم. وقضب: جمع قضيب يُرِيد: تناولت مِنْهُم قضب الريحان عِنْد التَّحِيَّة فَإِنَّهُم يناولون الريحان عِنْد مَا يحيي بَعضهم بَعْضًا. وَقَالَ الْأَصْمَعِي: هَذَا تَمْثِيل يُرِيد: نازعتهم حسن الْأَحَادِيث وطرائفها. والقهوة: الْخمر. والمزة وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: الراووق والناجود: مَا يخرج من ثقب الدن وَالْمَعْرُوف من الكرابيس يروق فِيهِ) الْخمر. والخضل بِفَتْح فَكسر: الدَّائِم الندي.

وَقَوله: لَا يستفيقون ... إِلَخ أَي: شربهم دَائِم لَيْسَ لَهُم وَقت مَعْلُوم يشربون فِيهِ. والراهنة بالنُّون: الدائمة وَقيل الْمعدة. والراهية بِالْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّة: الساكنة. وَقَوله: إِلَّا بهات أَي بقَوْلهمْ: هَات أَي: إِذا ابطأ عَنْهُم قَالُوا: هَات. وَقَوله: إِن علوا أَي: إِن شربوا مرّة بعد مرّة. والعلل: الشّرْب الثَّانِي. وَقَوله: نَهِلُوا أَي: شربوا مرّة وَاحِدَة. وَقَوله: يسْعَى بهَا أَي: بالقهوة والنطف بِفتْحَتَيْنِ: القرطة والواحدة نُطْفَة وَقيل: اللُّؤْلُؤ الْعِظَام. ومقلص بِكَسْر اللَّام: مشمر وَهُوَ صفة ذُو زجاجات. والسربال: الْقَمِيص. والمعتمل: الَّذِي يعْمل وَهُوَ النشيط. وَقيل النطف: التبَّان بلغَة أهل الْيمن من جلد أَحْمَر. وَقَوله: ومستجيب ... إِلَخ أَي: وَعِنْدنَا مستجيب وَأَرَادَ بِهِ الْعود أَي: إِنَّه يُجيب الصنج فَكَأَن الصنج دَعَاهُ فَأَجَابَهُ. قَالَ أَبُو عَمْرو: يَعْنِي بالمستجيب الْعود شبه صَوته بِصَوْت الصنج فَكَأَن الصنج دَعَاهُ فَأَجَابَهُ. وَرُوِيَ بِالْجَرِّ فَيكون مَعْطُوفًا على فتيةٍ قبله بأَرْبعَة أَبْيَات. ويسمعه: رُوِيَ بِالْبِنَاءِ للْفَاعِل وَالْفضل بِضَمَّتَيْنِ قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: هِيَ الَّتِي عَلَيْهَا ثوب بِلَا درع. وَقَالَ أَبُو عَمْرو: هِيَ الَّتِي لبست فضول ثِيَابهَا وَهِي ثِيَاب الْخدمَة. وَقَوله: والساحبات بِالرَّفْع والجر كَالَّذي قبله. والرافلات: النِّسَاء اللواتي يرفلن بثيابهن أَي: يجررنها. والعجل بِكَسْر فَفتح: هُوَ جمع عجلة وَهِي مزادة كالإداوة. قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: شبه أعجازهن لضخمها بالعجل. وَقَالَ الْأَصْمَعِي: أَرَادَ أَنَّهُنَّ يخدمنه مَعَهُنَّ الْعجل فِيهِنَّ الْخمر.

وَقَوله: من كل ذَلِك ... إِلَخ خَبره مقدم وَيَوْم: مُبْتَدأ مُؤخر وَقد لهوت بِهِ صفته وَفِي التجارب خبر مقدم: جمع تجربة وَطول: مُبْتَدأ والغزل: مَعْطُوف عَلَيْهِ بقول: لهوت فِي تجاربي وغازلت النِّسَاء. وترجمة الْأَعْشَى تقدّمت فِي الشَّاهِد الثَّالِث وَالْعِشْرين من أَوَائِل الْكتاب. وأنشده بعده: لَئِن منيت بِنَا) تَمَامه: ( ... ... ... عَن غب معركةٍ ... لَا تلفنا عَن دِمَاء الْقَوْم ننتفل ) وَأنْشد بعده: الْبَسِيط من يفعل الْحَسَنَات الله يشكرها تَمَامه: وَالشَّر بِالشَّرِّ عِنْد الله مثلان وَتقدم الْكَلَام عَلَيْهِ فِي الشَّاهِد الْحَادِي وَالتسْعين بعد الستمائة.

(الشاهد التاسع والثلاثون بعد التسعمائة)

وَأنْشد بعده (الشَّاهِد التَّاسِع وَالثَّلَاثُونَ بعد التسْعمائَة) الرجز (فَإِن عثرت بعْدهَا إِن وألت ... نَفسِي من هاتا فقولا: لَا لعا) على أَنه إِن دخل الشَّرْط على شَرط بِدُونِ فَاء كَانَ الْجَواب للشّرط الأول وَكَانَ الشَّرْط الأول مَعَ جَوَابه جَوَاب الشَّرْط الثَّانِي. وَالتَّقْدِير: إِن وألت نَفسِي فَإِن عثرت بعْدهَا فقولا: لَا لعا. وَهَذَا الْبَيْت من مَقْصُورَة ابْن دُرَيْد الْمَشْهُورَة وَهُوَ من المولدين فَكَانَ الأولى الاستشهاد بِكَلَام من يوثق بِهِ كَقَوْلِه: الْبَسِيط أَي إِن تذعروا فَإِن تستغيثوا بِنَا تَجدوا ... إِلَخ وَفِيه ضَرُورَة وَهُوَ وُقُوع الشَّرْط الثَّانِي الْمَحْذُوف جَوَابه مضارعاً وَالْقِيَاس مضيه كَمَا تقدم. وَنقل شرَّاح التسهيل عَن ابْن مَالك أَن الشَّرْط الثَّانِي مُقَيّد للْأولِ بِمَثَابَة الْحَال فَكَأَنَّهُ قيبل فِي الْبَيْت: إِن تستغيثوا بِنَا مذعورين. وَجعله بَعضهم مُؤَخرا فِي التَّقْدِير فَكَأَنَّهُ قَالَ: إِن تستغيثوا بِنَا تَجدوا معاقل عزٍ إِن تذعروا وَمَا قبله الْجَواب فَهُوَ على هَذَا مقدم فِي الْمَعْنى. قَالَ ابْن عقيل: وَالصَّحِيح فِي مَسْأَلَة توالي الشُّرُوط أَن الْجَواب للْأولِ وَجَوَاب الثَّانِي مَحْذُوف لدلَالَة الشَّرْط الأول وَجَوَابه عَلَيْهِ وَجَوَاب الثَّالِث مَحْذُوف لدلَالَة الشَّرْط الثَّانِي وَجَوَابه عَلَيْهِ. فَإِذا قلت: إِن دخلت الدَّار إِن كلمت زيدا إِن

جَاءَ إِلَيْك فَأَنت حر فقولك: فَأَنت حر جَوَاب إِن دخلت وَإِن دخلت وَجَوَابه دَلِيل جَوَاب إِن كلمت وَجَوَابه دَلِيل جَوَاب إِن جَاءَ.) وَالدَّلِيل على الْجَواب جَوَاب فِي الْمَعْنى وَالْجَوَاب مُتَأَخّر فَالشَّرْط الثَّالِث مقدم وَكَذَا الْبَاقِي وَكَأَنَّهُ قيل: إِن جَاءَ فَإِن كلمت فَإِن دخلت فَأَنت حر. فَلَا يعْتق إِلَّا إِذا وَقعت هَكَذَا: مجيئٌ ثمَّ كَلَام ثمَّ دُخُول. وَالسَّمَاع يشْهد لهَذَا القَوْل قَالَ: إِن تستغيثوا بِنَا الْبَيْت. وَعَلِيهِ عمل فصحاء المولدين وَقَالَ ابْن فَإِن عثرت بعْدهَا إِن وألت الْبَيْت وَقَالَ بعض الْفُقَهَاء: الْجَواب للأخير وَالشّرط الْأَخير وَجَوَابه جَوَاب الثَّانِي وَالشّرط الثَّانِي وَجَوَابه جَوَاب الأول وعَلى هَذَا لَا يعْتق حَتَّى يُوجد كَذَلِك دخولٌ ثمَّ كَلَام ثمَّ مَجِيء. وَقَالَ بَعضهم: إِذا اجْتمعت حصل الْعتْق تقدم الْمُتَأَخر أَو لَا. وَمَا ذكر مَحْمُول على مَا إِذا كَانَ التوالي بِلَا عاطف فَإِن عطف أحد الشَّرْطَيْنِ على الآخر فَإِن كَانَ الْعَطف بِأَو فَالْجَوَاب لأَحَدهمَا من الأول وَالثَّانِي دون تعْيين نَحْو: إِن جئتني أَو إِن أكرمت زيدا أحسن إِلَيْك. وَقَالُوا: فِيمَا إِذا دخلت الْفَاء على أَدَاة شَرط بعد أُخْرَى نَحْو: إِن جئتني فَإِن أَحْسَنت إِلَيّ جئْتُك: إِن الْجَواب للثَّانِي وَمَا دخلت عَلَيْهِ الْفَاء من الشَّرْط وَجَوَابه جَوَاب الأول. وَهَذَا فِيهِ إِخْرَاج الْفَاء عَن الْعَطف وَجعلهَا لربط جملَة الْجَزَاء بِالشّرطِ. وَقَالَ ابم مَالك فِي شرح الكافية: إِذا اجْتمع شَرْطَانِ بعطفٍ فَالْجَوَاب لَهما كَقَوْلِه تَعَالَى: وَإِن تؤمنوا وتتقوا يُؤْتكُم أجوركم وَلَا يسئلكم أَمْوَالكُم إِن يسئلكموها فيحفكم تبخلوا وَيخرج أضغانكم. وَهَذَا على مُقْتَضى مَا سبق فِيمَا إِذا كَانَ الْعَطف بِالْوَاو وَإِن تَكَرَّرت أَدَاة الشَّرْط وَفِيمَا إِذا كَانَ

الْعَطف بِالْفَاءِ وَإِنَّمَا تكَرر الشَّرْط بِلَا أَدَاة فِي المكرر. وَأما الْمَعْطُوف بِأَو فَلَا يدْخل فِي هَذَا لماعلم أَن ان أَو لأحد الشَّيْئَيْنِ أَو الْأَشْيَاء فَلَيْسَ الْمَقْصُود مَجْمُوع الشَّرْطَيْنِ بل أَحدهمَا وَهَذَا بِخِلَاف مَا نَحن فِيهِ فَإِن الْمَقْصُود الْمَجْمُوع فالتوالي على الْجَواب لم يتَحَقَّق فِي الْعَطف بِالْوَاو وَالْفَاء. قَالَ ابْن عقيل: وَثَبت فِي نُسْخَة من التسهيل عَلَيْهَا خطه بعد قَوْله: وَإِن توالى شَرْطَانِ أَو قسم وَشرط استغني بِجَوَاب سابقهما مَا نَصه: وَثَانِي الشَّرْطَيْنِ لفظا أَو لَهما معنى فِي نَحْو: إِن تتب إِن تذنب ترحم. وَظَاهر هَذَا الْكَلَام يَقْتَضِي أَنه إِنَّمَا يرى تَقْدِيم الْمُؤخر فِيمَا كَانَ نَحْو هَذَا وَهُوَ مَا يكون فِيهِ) الأول مترتباً على الثَّانِي وقوعاً عَادَة فَهُوَ مُوَافق لِلْقَوْلِ الأول الصَّحِيح من وجهٍ ومخالفه من وَجه. فالموافقة فِي اعْتِقَاد التَّقْدِيم من تَأْخِيره والمخالفة فِي الْإِشْعَار باالتفصيل إِذْ قَضيته أَنَّهُمَا إِذا لم يَكُونَا كَذَلِك فَكل مِنْهُمَا وَاقع موقعه نَحْو: إِن جئتني أَن أَحْسَنت إِلَيّ أكرمتك. وَأَصْحَاب القَوْل الأول لَا يفرقون بَين الْمرتبَة وَغَيرهَا فالمتأخر عِنْدهم مُتَقَدم مُطلقًا. انْتهى. وَبَيت أبن دُرَيْد قبله: (مَا كنت أَدْرِي مَا الزَّمَان مولعٌ ... بِشَتٍّ ملومٍ وتنكيت قوى) (أَن الْقَضَاء قاذفي فِي هوةٍ ... لَا تستبل نفس من فِيهَا هوى) (وَإِن تكن مدَّتهَا مَوْصُولَة ... بالحتف سلطت الأسى على الأسى) وَقَوله: مَا كنت أَدْرِي ... إِلَخ المولع: من أولع بالشَّيْء على مَا لم يسم فَاعله فَهُوَ مولع بِفَتْح اللَّام أَي: مغرم بِهِ وَالْبَاء مُتَعَلقَة بِهِ. والشت: مصدر

شت الْأَمر يشت بِالْكَسْرِ شتاً وشتاتاً أَي: تفرق. وَجُمْلَة وَالزَّمَان مولع إِلَى آخر الْبَيْت اعْتِرَاض بَين أَدْرِي وَبَين مَا سد مسد مفعوليها وَهُوَ أَن الْقَضَاء الْبَيْت الْآتِي. والملوم: الْمُجْتَمع. والتنكيث: النَّقْض. والقوى: جمع قُوَّة وَهِي فِي الأَصْل إِحْدَى طاقات الْحَبل ثمَّ استعير. وَيكْتب بِالْألف عِنْد الْبَصرِيين لِأَن أَلفه منقلبة عَن وَاو. وبالياء عِنْد الْكُوفِيّين لانضمام أَوله. وَهَذَا الْمَعْنى مَأْخُوذ من قو جرير: الْبَسِيط (لَا يأمنن قويٌ نقض مرته ... إِنِّي أرى الدَّهْر ذَا نقضٍ وإمرار) وَقَوله: أَن الْقَضَاء ... إِلَخ أَن بِفَتْح الْهمزَة مَعَ معمولها سدت مسد المفعولين لأدري فِي الْبَيْت السَّابِق. والقاذف: الرَّامِي وَهُوَ مُضَاف إِلَى يَاء الْمُتَكَلّم. والهوة بِضَم الْهَاء: حُفْرَة يضيق أَعْلَاهَا ويتسع وَلَا تستبل: لَا تَبرأ من بل من مَرضه وأبل وَإِذا برأَ مِنْهُ. وَكَانَ حَقه أَن يَقُول: لَا تنجو وَلَا تخلص وَنَحْوهمَا. وَجُمْلَة: لَا تستبل ... إِلَخ صفة هوة. وَهوى: سقط يكْتب بِالْيَاءِ. وَهَذَا الْمَعْنى مَأْخُوذ من قَول الأفوه الأودي: الرمل (فصروف الدَّهْر فِي أطباقه ... خلفةٌ فِيهَا ارْتِفَاع وانحدار)) (بَيْنَمَا النَّاس على عليائها ... إِذْ هووا فِي هوةٍ مِنْهَا فغاروا) وَقَوله: فَإِن عثرت ... إِلَخ عثرت: سَقَطت ومصدره العثار. وَأما العثور فَهُوَ مصدر عثرت عَلَيْهِ بِمَعْنى اطَّلَعت عَلَيْهِ. وألت: نجت وخلصت وَفعله وأل يئل وَألا من بَاب ضرب. والموئل: مَوضِع النجَاة. وَالضَّمِير فِي بعْدهَا

رَاجع إِلَى الهوة وَقيل: رَاجع إِلَى العثرة المفهومة من عثرت. وَنَفْسِي: فَاعل وألت. هاتا بِمَعْنى هَذِه والمشار إِلَيْهِ الهوة. وَهَا: حرف تَنْبِيه. وتا: اسْم إِشَارَة للمؤنث وَهِي تسْتَعْمل على أَرْبَعَة أضْرب: إِمَّا أَن تسْتَعْمل مُفْردَة وَلَيْسَ مَعهَا هَا تَنْبِيه وَلَا حرف خطاب كَقَوْلِك: تا وَهَذَا أخصر مَا يكون. وَإِمَّا أَن يكون مَعهَا حرف التَّنْبِيه مثل هاتا. وَإِمَّا أَن يكون خطاب وتنبيه مثل: هَا تاك أَو وَقَوله: لَا لعا قَالَ الْخَلِيل: لعاً كلمة تقال عِنْد العثرة. وَقَالَ ابْن سَيّده: لعاً كلمة يدعى بهَا للعاثر مَعْنَاهَا الِارْتفَاع. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد بن السَّيِّد: لعاً من أَسمَاء الْفِعْل مَبْنِيّ على السّكُون والتنوين فِيهِ عَلامَة التكير كالتنوين فِي صهٍ ومهٍ. وَهِي كلمة يُرَاد بهَا الانجبار والارتفاع. - وَقد بَين أَبُو عُثْمَان سعيد بن عُثْمَان الْقَزاز الْفِعْل الَّذِي لعاً اسْمه فَقَالَ: يُقَال لعا لَك الله أَي: نَعشك الله ورفعك. ف لعا اسْم لنعش كَمَا أَن هَيْهَات اسْم لبعد وصه اسْم لاسكت. وَلَا فِي قَوْله لَا لعا: نفي للدُّعَاء. ولعا تكْتب بِالْألف لِأَنَّهَا منقلبة عَن وَاو وَلذَلِك أدخلها الْخَلِيل وَغَيره فِي بَاب الْعين وَاللَّام وَالْوَاو. وَحكى أَبُو عبيد فِي الْأَمْثَال: وَمن دُعَائِهِمْ لَا لعاً لفُلَان أَي: لَا أَقَامَهُ الله فَجعل لعا اسْما لأقامة الله. وَهُوَ قريب من القَوْل الأول لِأَنَّهُ إِذا اقامه فقد رَفعه وَإِذا رَفعه فقد نعشه. وَقد رد عَلَيْهِ ذَلِك أَبُو عبيد الْبكْرِيّ وَقَالَ: هَذَا مَا قَالَه أحد وَإِنَّمَا قَالَ

اللغويون: لعاً: كلمة تقال للعاثر فِي معنى اسْلَمْ وَكَذَلِكَ دعدع. وَقد رُوِيَ فِي حَدِيث مَرْفُوع: أَن كره أَن يُقَال للعاثر دعدع وَليقل لَهُ: اللَّهُمَّ ارْفَعْ وانفع. (بِذَات لوثٍ عفراناةٍ إِذا عثرت ... فالتعس أدنى لَهَا من أَن يُقَال لعا)) وَمعنى الْبَيْت ينظر إِلَى قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ: لَا يلْدغ الْمُؤمن من جحرٍ مرَّتَيْنِ وتأويله: أَنه يَنْبَغِي لَهُ إِذا نكب من وجهٍ أَن لَا يعود لمثله فَابْن دُرَيْد يَقُول: إِن عثرت بعد أَن نجت نَفسِي من هَذِه فحقي أَن يُقَال لي: لَا لعهاً لِأَنِّي خَالَفت قَول النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ. وَقَوله: وَإِن تكن مدَّتهَا ... إِلَخ أَي: مُدَّة النكبة المفهومة من قَوْله: أَن الْقَضَاء قاذفي فِي هوة وموصولة: مُتَّصِلَة. والحتف: الْمَوْت يُقَال: مَاتَ فلَان حتف أَنفه وحتف أنفيه إِذا مَاتَ على فارشه من غير قتل. والأسى الأول بِكَسْر الْهمزَة وَضمّهَا وَالْقصر جمع إسوة بِكَسْر الْهمزَة وَضمّهَا وَهُوَ الْقدْوَة وَمَا يتأسي بن الحزين أَي: يتعزى ويتسلى يكْتب بِالْيَاءِ على مَذْهَب الْكُوفِيّين وبالأف عِنْد الْبَصرِيين لِأَن أَلفه منقلبة عَن الْوَاو. والأسى الثَّانِي بِفَتْح الْهمزَة وَالْقصر هُوَ الْحزن وَيكْتب بهما لِأَن التَّثْنِيَة أسيان وأسوان. وَأما الإساء بِكَسْر الْهمزَة وَالْمدّ

(الشاهد الأربعون بعد التسعمائة)

فَهُوَ الدَّوَاء وَاسم الْفَاعِل الآسي كَالْقَاضِي وَهُوَ المداوي والطبيب وَجمعه الإساء كرَاع ورعاء وَيجمع على أساة أَيْضا كرام ورماة. (وَمَا يَبْكُونَ مثل أخي وَلَكِن ... أعزي النَّفس عَنهُ بالتآسي) وَقَالَ الشمردل بن شريك وَقيل غَيره: الطَّوِيل (وَلَوْلَا الأسى مَا عِشْت فِي النَّاس سَاعَة ... وَلَكِن إِذا ماشئت جاوبني مثلي ) وترجمة ابْن دُرَيْد تقدّمت مَعَ شرح أبايت من هَذِه الْمَقْصُورَة فِي الشَّاهِد الثَّامِن وَالسبْعين بعد الْمِائَة. وَأنْشد بعده (الشَّاهِد الْأَرْبَعُونَ بعد التسْعمائَة) الطَّوِيل فَأَما الصُّدُور لَا صُدُور لجعفرٍ على أَنه لَا تحذف الْفَاء من جَوَاب أما إِلَّا فِي الضرروة كَمَا هُنَا فَإِن التَّقْدِير: فَلَا صُدُور لجَعْفَر. والصدور: مُبْتَدأ وَجُمْلَة: لَا صدرو لجَعْفَر من اسْم لَا النافية للْجِنْس وخبرها فِي مَحل رفع خبر الْمُبْتَدَأ. وَهَذَا كَقَوْلِه:

الطَّوِيل وَتقدم الْكَلَام عَلَيْهِ فِي الشَّاهِد السَّادِس والسسبعين من أَوَائِل الْكتاب. ورابط الْجُمْلَة بالمبتدأ هُوَ الْعُمُوم الْمُسْتَفَاد من النَّفْي فَإِن قَوْله: لَا صُدُور عَام يَشْمَل الصُّدُور الْمُتَقَدّمَة وَغَيرهَا فَصَارَ بِمَنْزِلَة الذّكر الْعَائِد وَقد بَين هُنَاكَ. وَهَذَا المصارع صدر وعجزه: وَلَكِن أعجازاً شَدِيدا ضريرها هَكَذَا أنْشدهُ جمَاعَة من النَّحْوِيين مِنْهُم أَبُو عَليّ فِي التَّذْكِرَة وَغَيرهَا وَابْن جني فِي سرالصناعة وَغَيره وَابْن يعِيش وَابْن خلف وَغَيرهم. وَوَقع فِي نسخ الشَّرْح: لديكم بدل لجَعْفَر. وَهُوَ تَخْلِيط من النساخ. وَقَبله: (تزاحمنا عِنْد المكارم جعفرٌ ... بأعجازها إِذا أسلمتها صدورها) كَذَا أنشدهما يَعْقُوب بن السّكيت عَن الْمفضل لرجلٍ من الضباب فِي كتاب أَبْيَات الْمعَانِي وَقَالَ: يَقُول: بَنو جَعْفَر ضعفاء عَن حربنا استعانوا بِالنسَاء. وَذَلِكَ أَن قطية بنت الْحَارِث تزَوجهَا بشر بن الْوَلِيد بن عبد الْملك بن مَرْوَان فَكَانَ بَين الضباب وجعفر حَرْب فأعانت بَنو أُميَّة بني جَعْفَر على الضباب. انْتهى كَلَامه. وجعفر: أَبُو قَبيلَة وَهُوَ جَعْفَر بن كلاب بن ربيعَة بن عَامر بن صعصعة. وَقَوله: بأعجازها مُتَعَلق بتزاحمنا. والأعجاز: جمع عجز. وَالْعجز من كل شَيْء: مؤخره. وَالْعجز من الرجل وَالْمَرْأَة: مَا بَين الْوَرِكَيْنِ.) وَأَرَادَ

بالأعجاز هُنَا النِّسَاء لِأَنَّهُنَّ متأخرات عَن الرِّجَال. وأسلمتها: خذلتها وَمَا اعانتها. والصدور: جمع صدر وَهُوَ من الْإِنْسَان وَغَيره فَوق الْبَطن. وَأَرَادَ بالصدور هُنَا أكابرهم وأشارفهم. والضرير بالضاد المعجم: المضارة وَأكْثر مَا يسْتَعْمل فِي الْغيرَة يُقَال: مَا أَشد ضريره عَلَيْهَا. والضرير أَيْضا: التَّحَمُّل وَالصَّبْر يُقَال: إِنَّه لذُو ضَرِير على الشَّيْء إِذا كَانَ ذَا صبرٍ عَلَيْهِ ومقاساةٍ لَهُ. وناقة ذَات ضَرِير إِذا كَانَت بطيئة التَّعَب. والضرير أَيْضا حرف الْوَادي يُقَال: نزل فلَان على أحد ضريري الْوَادي أَي: على أحد جانبيه. - يَقُول: إِن بني جَعْفَر لَا رجال فيهم فهم كالنساء وَأما نِسَاؤُهُم فهن شديدات الضَّرَر فهن كالرجال فِي المقاومة والمادفعة وإيصال الضَّرَر. وقطية بنت الْحَارِث على لفظ مصغر القطاة. والضباب بِكَسْر الضَّاد الْمُعْجَمَة هُوَ أَخُو جَعْفَر بن كلاب الْمَذْكُور واسْمه مُعَاوِيَة وأمهما ذؤيبة بنت عَمْرو بن مرّة بن صعصعة. وَهُوَ أَبُو قَبيلَة أَيْضا سمي الضباب بأسماء أَوْلَاد ابْنه عَمْرو فَإِن ابْنه عمرا ولد لَهُ ضبٌ ومضب وضباب وحسلٌ وحسيل. وبهذه الْأَسْمَاء سمو الضباب. وَقَائِل الْبَيْتَيْنِ شَاعِر إسلامي. وَالله أعلم. وَأنْشد بعده: الْخَفِيف لَا أرى الْمَوْت يسْبق الْمَوْت شيءٌ وَتَمَامه: نغص الْمَوْت ذَا الْغنى والفقيرا

(الشاهد الحادي والأربعون بعد التسعمائة)

وَتقدم شَرحه فِي الشَّاهِد السِّتين من أَوَائِل الكتناب فِي بَاب الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر. - وَأنْشد بعده: الطَّوِيل وقائلةٍ خولان فانكح فَتَاتهمْ وَتَمَامه: وأكرومة الْحَيَّيْنِ خلوٌ كَمَا هيا وَأنْشد بعده) (الشَّاهِد الْحَادِي وَالْأَرْبَعُونَ بعد التسْعمائَة) الطَّوِيل (رَأَتْ رجلا أَيّمَا ذَا الشَّمْس عارضت ... فيضحى وَأَيّمَا بالْعَشي فيخصر) على أَن ابْن خروف قَالَ: قد يُبدل الْمِيم الأول من أما يَاء كَمَا فِي الْبَيْت. - أَقُول: أوردهُ أَبُو الْعَبَّاس الْمبرد فِي الْكَامِل فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع فَرَوَاهُ فِي أول الثُّلُث الثَّالِث بالإبدال فِي الْموضع الأول فَقَط وَرَوَاهُ فِي آخر الثُّلُث الأول: أما بِالتَّشْدِيدِ على الأَصْل فِي الْمَوْضِعَيْنِ بِلَا إِبْدَال وَرَوَاهُ فِي أَوَائِله: أَيّمَا بالإبدال فِي الْمَوْضِعَيْنِ فَإِنَّهُ أورد بعض أَبْيَات لجميل بن معمر مِنْهَا فِي وصف قَوس:

الطَّوِيل (على نبعةٍ زوراء أَيّمَا خطامها ... فمتنٌ وَأَيّمَا عودهَا فعتيق) وَقَالَ: قَوْله: أَيّمَا يُرِيد: أما واستثقل التَّضْعِيف فأبدل الْيَاء من أحد الميمين. وينشد بَيت ابْن أبي ربيعَة. (رَأَتْ رجلا أَيّمَا إِذا الشَّمْس عارضت ... فيضحى وَأَيّمَا بالْعَشي فيخصر) وَهَذَا يَقع وَإِنَّمَا بَابه أَن يكون قبل المضاعف كسرة فِيمَا يكون على فعال فيكرهون التَّضْعِيف والكسرة فيبدولن من المضعف الأول يَاء للكسرة وَذَلِكَ قَوْلهم: دِينَار وقيراط وديوان وَمَا أشبه ذَلِك. فَإِن زَالَت الكسرة وانفصل أحد الحرفين من الآخر رَجَعَ التَّضْعِيف فَقلت: دَنَانِير وقراريط ودواوين وَكَذَلِكَ إِن صغرت فَقلت: قريريط ودنينير انْتهى كَلَامه. وَقَوله: وَهَذَا يَقع يُرِيد أَنه نَادِر. وَهَذَا الْبَيْت من قصيدة لعمر بن أبي بربيعة وَقد سقناها برمتها مَعَ شرح أبياتٍ مِنْهَا فِي الشَّاهِد التسعين بِعْ الثلثمائة شرح أَبْيَات أخر مِنْهَا فِي بَاب الْعدَد. قَالَ الْمبرد فِي الْموضع الثَّانِي: وَمِمَّا يستظرف فِي النحافة قَول ابْن أبي ربيعَة: ( رَأَتْ رجلا أما إِذا الشَّمْس عارضت ... فيضحى وَأما بالْعَشي فيخصر) (أَخا سفرٍ جَوَاب أرضٍ تقاذفت ... بِهِ فلواتٌ فَهُوَ أَشْعَث أغبر) (قَلِيلا على ظهر المطية ظله ... سوى مَا نفى عِنْد الرِّدَاء المحبر)

وَمن أعجب مَا قيل فِي النحافة قَول مَجْنُون بني عَامر: الطَّوِيل) (أَلا إِنَّمَا غادرت يَا أم مالكٍ ... صدى أيمنا تذْهب بِهِ الرّيح يذهب) (فَلَو أَن مَا بقيت مني معلقٌ ... بِعُود ثمامٍ مَا تأود عودهَا) انْتهى. قَوْله: رَأَتْ رجلا ... إِلَخ فَاعل رَأَتْ ضمير تنعم أَو أَسمَاء فِي بَيت قبله: (قفي فانظري يَا أسم عل تعرفينه ... أَهَذا المغيري الَّذِي كَانَ يذكر) (فَقَالَت: نعم لَا شكّ غير لَونه ... سرى اللَّيْل يحيى نَصه والتهجر) والقائلة قفي محبوبته نعم. والمغيري: نِسْبَة إِلَى جده الْمُغيرَة بن عبد الله وَتقدم شرحهما هُنَاكَ. وَجُمْلَة أَيّمَا إِذا الشَّمْس ... إِلَخ صفة لرجلاً وَالْأَصْل رجلا يضحى وَقت مُعَارضَة الشَّمْس إِيَّاه ويخصر بالْعَشي فَهُوَ أَخُو سفرٍ يصلى الْحر وَالْبرد بِلَا سَاتِر فجيء ب أَيّمَا للتفصيل. وَإِذا: ظرف ليضحى قدم عَلَيْهِ لوُجُوب الْفَصْل بَين أما وَالْفَاء. وَالشَّمْس فَاعل فعلٍ مَحْذُوف يفسره مَا بعْدهَا وعارضت: قابلت وَالْمَفْعُول مَحْذُوف أَي: عارضته. ومعارضة الشَّمْس: ارتفاعها حَتَّى تصير فِي حِيَال الرَّأْس. - قَالَ ابْن السَّيِّد فِيمَا كتبه على الْكَامِل: عارضت: صَارَت قبالة الْعُيُون فِي الْقبْلَة. قَالَ صَاحب الصِّحَاح: وضحيت بِالْكَسْرِ ضحى: عرقت. وضحيت أَيْضا للشمس ضحاء بِالْمدِّ إِذا برزت. وضحيت بِالْفَتْح مثله. والمستقبل أضحى فِي اللغتين جَمِيعًا. انْتهى.

وَقَالَ الْمبرد فِي الثُّلُث الثَّالِث: قَوْله يضحى: يظْهر للشمس. وَقَوله: فيخصر يَقُول فِي البردين. وَإِذا ذكر الْعشي فقد دلّ على عقيب الْعشي. قَالَ: الله تبَارك وَتَعَالَى: وَأَنَّك لَا تظمأ فِيهَا وَلَا تضحى. انْتهى. وَقَالَ الْفراء فِي تَفْسِير قَوْله تَعَالَى: وَلَا تضحى: لَا تصيبك شمس مؤذية. وَفِي بعض التَّفْسِير: وَلَا تضحى: لَا تعرق. وَالْأول أشبه بِالصَّوَابِ. قَالَ الشَّاعِر: رَأَتْ رجلا أما إِذا الشَّمْس الْبَيْت فقد بَين. انْتهى. وَقَوله: وَأَيّمَا بالْعَشي فيخصر الظّرْف مُتَعَلق بِمَا بعده وَقدم عَلَيْهِ وجوبا للفصل بَين أما وَالْفَاء. والعشي والعشية من صَلَاة الْمغرب إِلَى الْعَتَمَة. كَذَا فِي الصِّحَاح. ويقابله الْغَدَاة. وَيُقَال لَهما:) البردان والأبردان. وَإِذا برد الرجل فِي الْعشي فَمن الضَّرُورَة أَن يبرد بِالْغَدَاةِ فَهُوَ يُرِيدهُمَا لاستلزام أَحدهمَا للْآخر كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ الْمبرد. ويخصر بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة وَالصَّاد الْمُهْملَة قَالَ صَاحب الصِّحَاح: الخصر بِالتَّحْرِيكِ: الْبرد يُقَال: قد خصر الرجل إِذا آلمه الْبرد فِي أَطْرَافه. يُقَال: خصرت يَدي. وخصر يَوْمنَا: اشْتَدَّ برده وَمَاء خصر: بَارِد. انْتهى. وَقَوله: أَخا سفر صفة أُخْرَى لرجلاًَ. وَالْجَوَاب: صفة مُبَالغَة من جاب الأَرْض يجوبها جوباً إِذا قطعهَا بالسير. والتقاذف: الترامي. والفلاة:

الأَرْض الَّتِي لَا مَاء فِيهَا. والأشعث: وصف من شعث الشّعْر شعثاً فَهُوَ شعث من بَاب تعبٍ أَي: تغير وَتَلَبَّدَ لقلَّة تعهده بالدهن. وَرجل أَشْعَث. وَامْرَأَة شعثاء. والشعث أَيْضا: الْوَسخ وَرجل شعث: وسخ الْجَسَد. وشعث الرَّأْس أَيْضا وَهُوَ أَشْعَث أغبر أَي: من غير استحداد وَلَا تنظف. والشعث أَيْضا: الانتشار والتفرق كَمَا يتشعث رَأس المسواك وَفِي الدُّعَاء: لم الله شعثكم أَي: جمع أَمركُم. كَذَا فِي الْمِصْبَاح. وَقَوله: قَلِيلا على ظهر المطية ... إِلَخ هَذَا وصف آخر لرجلاً وَمعنى النحافة الَّتِي ذكرهَا الْمبرد فِي هَذَا الْبَيْت وبيانها أَن الْعَرَب تسْتَعْمل الْقلَّة بِمَعْنى الحقارة فَيَقُولُونَ لكل شَيْء حقير: قَلِيل ويجعلون الْقلَّة أَيْضا بِمَعْنى النَّفْي فَيَقُولُونَ: قل رجل يَقُول ذَلِك إِلَّا زيد. وَيُقَال لشخص كل شَيْء ظلّ. فَالْمَعْنى أَنه لَا شخص لَهُ من النحافة إِلَّا أَن رِدَاءَهُ المحبر يعظم جِسْمه فينفي عَنهُ بعض (فَانْظُر إِلَى جسمي الَّذِي موهته ... للناظرين بِكَثْرَة الأثواب) وَهَذَا نَحْو قَول المتنبي: الْبَسِيط (روحٌ تررد فِي مثل الْخلال إِذا ... أطارت الرّيح عَنهُ الثَّوْب لم يبن) وَقد يجوز أَيْضا أَن يُرِيد الظل بِعَيْنِه أَي: لَوْلَا ظلّ ثَوْبه لم يكن لظل جِسْمه ظلٌ يرى. وَقيل: معنى ظله: استضلاله أَي: لَا يأوي إِلَى ظلّ فَلَا يَنْفِي عَنهُ حر الشَّمْس إِلَّا مَا كَانَ من رِدَائه. والرداء: مَا يلبس على النّصْف الْأَعْلَى. وإلإزار:

مَا يلبس فِي النّصْف الْأَسْفَل. وهما إِذا كَانَا من جنس وَاحِد حلَّة.) والمحبر بِالْحَاء الْمُهْملَة: المزين والمنقش يُقَال: حبرت الشَّيْء حبرًا من بَاب قتل. إِذا زينته وحبرته بِالتَّشْدِيدِ مُبَالغَة. وترجمة عمر بن أبي ربيعَة تقدّمت فِي الشَّاهِد السَّابِع والثمانين من أَوَائِل الْكتاب.

( تَاء التَّأْنِيث الساكنة) أنْشد فِيهَا: الطَّوِيل بحوران يعصرن السليط أَقَاربه وَتقدم شَرحه وَالْكَلَام عَلَيْهِ فِي الشَّاهِد السَّادِس وَالسبْعين بعد الثلثمائة من بَاب الْعلم. وَمر فِي بَاب التَّأْنِيث أَيْضا.

(الشاهد الثاني والأربعون بعد التسعمائة)

( التَّنْوِين) أنْشد فِيهِ: الوافر وَقَوْلِي إِن أصبت لقد أصابن وَتقدم شَرحه مفصلا فِي الشَّاهِد الرَّابِع من بَاب الْإِعْرَاب من أول الْكتاب. وَأنْشد بعده: الرجز وحاتم الطَّائِي وهاب المئي وَتقدم شَرحه فِي الشَّاهِد الرَّابِع وَالْأَرْبَعِينَ بعد الْخَمْسمِائَةِ فِي بَاب الْعدَد. وَفِي بَاب الْجمع أَيْضا. وَأنْشد بعده (الشَّاهِد الثَّانِي وَالْأَرْبَعُونَ بعد التسْعمائَة) وَهُوَ من شَوَاهِد س: المتقارب (فَأَلْفَيْته غير مستعتبٍ ... وَلَا ذَاكر الله إِلَّا قَلِيلا)

على أَن حذف التَّنْوِين من ذَاكر الله لضَرُورَة الشّعْر فَإِن ذَاكِرًا بِالنّصب والتنوين مَعْطُوف على غير وَلَفظ الْجَلالَة مَنْصُوب بذاكراً وَلَو كَانَ مُضَافا إِلَى الْجَلالَة لَكَانَ حذف التَّنْوِين وَاجِبا لَا ضَرُورَة. وَإِنَّمَا آثر حذف التَّنْوِين للضَّرُورَة على حذفه للإضافة لإِرَادَة تمثل المتعاطفين فِي التنكير والتنوين يحذف وجوبا للإضافة نَحْو: غلامك ولشببها نَحْو: لَا مَال لزيد إِذا لم تقدر اللَّام مقحمة فَإِن قدرت فَهُوَ مُضَاف ولدخول أل كَالرّجلِ ولمانع الصّرْف نَحْو: فَاطِمَة وللوقف فِي غير النصب وللاتصال بالضمير نَحْو: ضاربك فِيمَن قَالَ إِنَّه غير مُضَاف وللبناء فِي النداء وَغَيره نَحْو: يَا رجل وَلَا رجل وَلكَون الِاسْم علما مَوْصُوفا بِابْن كَمَا فِي الشَّرْح. وحذفه فِي غير ذَلِك فَإِنَّمَا سَببه مُجَرّد التقاء الساكنين وَهُوَ غير جَائِز إِلَّا فِي الشّعْر. وَقد نَص سِيبَوَيْهٍ عَلَيْهِ فِي بَاب الَّذِي تَرْجَمته بَاب من اسْم الْفَاعِل جرى مجْرى الْفِعْل الْمُضَارع فِي الْمَفْعُول فِي الْمَعْنى قَالَ: وَزعم عِيسَى أَن بعض الْعَرَب ينشد هَذَا الْبَيْت: فَأَلْفَيْته غير مستعتبٍ الْبَيْت لم يحذف التونين اسْتِخْفَافًا ليعاقب الْمَجْرُور وَلكنه حذفه لالقتاء الساكنين. وَذَا اضطرار. قَالَ الأعلم: الشَّاهِد فِيهِ حذف التَّنْوِين من ذَاكِرًا لالتقاء الساكنين وَنصب مَا بعده وَإِن كَانَ الْوَجْه إِضَافَته وَفِي حذف تنوينه لالتقاء الساكنين وَجْهَان: أَحدهمَا: أَن يشبه بِحَذْف النُّون الْخَفِيفَة إِذا لقيها سَاكن كَقَوْلِك: اضْرِب الرجل يُرِيد: اضربن الرجل. وَالْوَجْه الثَّانِي: أَن يشبه بِمَا حذف تنوينه من الْأَسْمَاء الْأَعْلَام إِذا وصف بِابْن مُضَاف إِلَى علم. وَأحسن مَا يكون حذف التَّنْوِين للضَّرُورَة فِي مثل قَوْلك: هَذَا زيد الطَّوِيل لِأَن النَّعْت والمنعوت كالشيء الْوَاحِد يشبه الْمُضَاف والمضاف إِلَيْهِ انْتهى.

وَقَالَ ابْن خلف: تَحْرِيك التَّنْوِين لالتقاء الساكنين أَجود من حذفه إِذْ هُوَ حرف يحْتَمل التحريك) وَالَّذِي يحذفه يُشبههُ بحروف الْمَدّ واللين. قَالَ الْمبرد: قد قَرَأت الْقُرَّاء:: قل هُوَ الله أحد الله الصَّمد وَلَيْسَ الْوَجْه حذف التَّنْوِين لالتقاء الساكنين إِنَّمَا يحذف من الْحُرُوف لالتقاء الساكنين حُرُوف الْمَدّ واللين وَيجوز هَذَا فِي التَّنْوِين تَشْبِيها بِهن. وَقَالَ أَبُو الْحسن: سَمِعت مُحَمَّد بن يزِيد بن الْمبرد يَقُول سَمِعت عمَارَة يقْرَأ: وَلَا اللَّيْل سَابق النَّهَار. قَالَ أَبُو الْحسن: وَالْأولَى: سَابق النَّهَار وَلَا ذَاكر الله. وَإِنَّمَا الضرروة قَوْله: الْكَامِل وَهُوَ فِي النَّعْت أسهل مِنْهُ فِي الْخَبَر كزيد الظريف قَائِم. انْتهى. وَحذف التَّنْوِين فِي الِاثْنَيْنِ لَا شكّ فِي شذوذه كَمَا قَالَ الشَّارِح الْمُحَقق. وَجعل ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي حذف التَّنْوِين لالتقاء الساكنين من الْقلَّة وَأورد الْبَيْت والآيتين. وَهُوَ فِي هَذَا مُخَالف لسيبويه وَالْجُمْهُور. وَمِمَّنْ تبع سِيبَوَيْهٍ ابْن الشجري قَالَ فِي أَمَالِيهِ: وَمن حذف التَّنْوِين لالتقاء الساكنين مَا رُوِيَ عَن أبي عَمْرو فِي بعض طرقه: قل هُوَ الله أحد الله الصَّمد وحذفه على هَذَا الْوَجْه متسع فِي الشّعْر وَكَقَوْلِه: المتقارب (حميد الَّذِي أمجٌ دَاره ... أَخُو الْخمر ذُو الشيبة الأصلع) وكقول الآخر: الرجز (حيدة خَالِي ولقيطٌ وَعلي ... وحاتم الطَّائِي وهاب المئي

) وَقَالَ عبد الله بن قيس الرقيات: الْخَفِيف (كَيفَ نومي على الفارش وَلما ... تَشْمَل الشَّام غارةٌ شعواء) (تذهل الشَّيْخ عَن بنيه وتبدي ... عَن خدام العقيلة العذارء) أَرَادَ: وتبدي العقيلة العذارء لَهَا عَن خدام. والخدام: الخلخال. أَي: ترفع الْمَرْأَة الْكَرِيمَة ثوبها للهرب فيبدو خلْخَالهَا. وَالْجُمْلَة الَّتِي هِيَ تبدي العقيلة موضعهَا رفع بالْعَطْف على جملَة تذهل الْوَاقِعَة نعتاً لغارة والعائد إِلَى الْمَوْصُوف من الْجُمْلَة المعطوفة مَحْذُوف تَقْدِيره: وتبدي العقيلة العذارء لَهَا عَن خدام أَي: لأَجلهَا. والشعواء: المتفرقة. وَحكي عَن القَاضِي أبي سعيد السيرافي أَنه قَالَ: حضرت فِي مجْلِس أبي بكر بن دُرَيْد وَلم أكن قبل ذَلِك رَأَيْته فَجَلَست فِي ذيله فَأَنْشد أحد الْحَاضِرين بَيْتَيْنِ يعزيان إِلَى) آدم عَلَيْهِ السَّلَام قالهما لما قتل ابْنه قابيل هابيل وهما: الوافر (تَغَيَّرت الْبِلَاد وَمن عَلَيْهَا ... فَوجه الارض مغبرٌ قَبِيح) (تغير كل ذِي حسنٍ وطيبٍ ... وَقل بشاشة الْوَجْه الْمليح) فَقَالَ أَبُو بكر: هَذَا شعر قد قيل فِي صدر الدُّنْيَا وَجَاء فِيهِ الإقواء. فَقلت: إِن لَهُ وَجها يُخرجهُ من الإقواء فَقَالَ: مَا هُوَ قلت:: نصب بشاشة وَحذف التَّنْوِين مِنْهَا لالتقاء الساكنين لَا للإضافة فَتكون بِهَذَا التَّقْرِير نكرَة منتصبة على التَّمْيِيز ثمَّ رفع الْوَجْه وَصفته بِإِسْنَاد قل إِلَيْهِ فَيصير اللَّفْظ: وَقل بشاشة الْوَجْه الْمليح فَقَالَ: ارْتَفع فرفعني حَتَّى أقعدني إِلَى جنبه. انْتهى كَلَام ابْن الشجري.

أَقُول: وتوجيه السيرافي فِيهِ تخلص من ضَرُورَة إِلَى ضَرُورَة. وَقد اسْتشْهد بِالْبَيْتِ الشَّاهِد الزَّمَخْشَرِيّ والبيضاوي عِنْد قِرَاءَة الْأَعْمَش: كل نفسٍ ذائقة الْمَوْت بترك التَّنْوِين وَنصب الْمَوْت. وَأوردهُ الْفراء قبلهمَا عِنْد هَذَا الْآيَة. قَالَ: لَو نونت ذائقة ونصبت الْمَوْت كَانَ صَوَابا وَأكْثر مَا يخْتَار الْعَرَب التَّنْوِين وَالنّصب فِي الْمُسْتَقْبل فَإِذا كَانَ مَعْنَاهُ مَاضِيا لم يكادوا يَقُولُونَ إِلَّا بِالْإِضَافَة ويختارون أَيْضا التَّنْوِين إِذا كَانَ مَعَ الْجحْد. من ذَلِك قَوْلهم: مَا هُوَ بتاركٍ حَقه لَا يكادون يتركون التَّنْوِين وَتَركه كثير جَائِز وينشدون قَول أبي الْأسود: (فَأَلْفَيْته غير مستعتبٍ ... وَلَا ذَاكر الله إِلَّا قَلِيلا) فَمن حذف النُّون وَنصب قَالَ: النِّيَّة التَّنْوِين مَعَ الْجحْد وَلَكِنِّي أسقطت النُّون للساكن وأعلمت مَعْنَاهَا. وَمن خفض أضَاف. هَذَا كَلَامه وَهُوَ صَرِيح فِي جَوَازه فِي الْكَلَام وَالصَّحِيح مَذْهَب سِيبَوَيْهٍ. وَالْبَيْت من أَبْيَات لأبي الْأسود الدئلي. وروى الْأَصْبَهَانِيّ فِي كتاب الأغاني بِسَنَدِهِ عَن أبي عوَانَة قَالَ: كَانَ أَبُو الْأسود يجلس إِلَى فنَاء امرأةٍ بِالْبَصْرَةِ فيتحدث إِلَيْهَا وَكَانَت جميلَة فَقَالَت لَهُ: يَا أَبَا الْأسود هَل لَك أَن أتزوجك فَإِنِّي صناع الْكَفّ حَسَنَة التَّدْبِير قانعة بالميسور قَالَ: نعم. فَجمعت أَهلهَا وتزوجته فَوَجَدَهَا بِخِلَاف مَا قَالَت وأسرعت فِي مَاله ومدت يَدهَا إِلَى جبايته وأفشت سره فغدا على من كَانَ حضر تَزْوِيجه إِيَّاهَا فَسَأَلَهُمْ أَن يجتمعوا عِنْده فَفَعَلُوا) فَقَالَ لَهُم:

المتقارب (أريت أمرأً كنت لم أبله ... أَتَانِي فَقَالَ اتَّخَذَنِي خَلِيلًا) (فخاللته ثمَّ أكرمته ... فَلم أستفد من لَدَيْهِ فتيلا) (وألفيته حِين جربته ... كذوب الحَدِيث سروقاً جميلاً) (فَذَكرته ثمَّ عاتبته ... عتاباً رَفِيقًا وقولاً جميلاً) (فَأَلْفَيْته غير مستعتبٍ ... وَلَا ذَاكر الله إِلَّا قَلِيلا) (أَلَسْت حَقِيقا بتوديعه ... وإتباع ذَلِك صرماً طَويلا) فَقَالَ لَهُ: بلَى وَالله يَا أَبَا الْأسود فَقَالَ: تِلْكَ صاحبتكم وَقد طَلقتهَا وَأَنا أحب أَن أتسر مَا أنكرته من أمرهَا. فَانْصَرَفت مَعَهم. انْتهى. وَقد أورد ابْن السيرافي فِي شرح أَبْيَات الْكتاب سَببا لهَذِهِ الأبيات لَا يلائمها وَتَبعهُ ابْن خلف وَابْن المستوفي وَغَيرهمَا وَهُوَ مَا لَا يكَاد يقْضِي مِنْهُ الْعجب قَالَ: سَبَب هَذَا الشّعْر أَن رجلا من بني سليم يُقَال لَهُ: نسيب بن حميد كَانَ يغشي أَبَا الْأسود وَيظْهر لَهُ محبَّة شَدِيدَة ثمَّ إِن نسيباً قَالَ لأبي الْأسود: قد أصبت مستقة أصبهانية وَهِي جُبَّة فراء طَوِيلَة الكمين فَقَالَ لَهُ أَبُو الْأسود: أرسل بهَا إِلَيّ حَتَّى أنظر إِلَيْهَا. فَأرْسل بهَا فَأَعْجَبتهُ فَقَالَ لِنَسِيبٍ: بعنيها

بِقِيمَتِهَا. فَقَالَ: لَا بل أكسوكها. فَأبى أَبُو الْأسود يقبلهَا إِلَّا بشرَاء فَقَالَ لَهُ: أرها لمن يبصرها ثمَّ هَات قيمتهَا. فأراها أَبُو الْأسود فَقيل لَهُ: هِيَ ثمن مِائَتي دِرْهَم. فَذكر ذَلِك لِنَسِيبٍ فَأبى أَن يَبِيعهُ فزاده أَبُو الْأسود حَتَّى بلغ بِالثّمن مِائَتي دِرْهَم وَخمسين درهما فَأبى نسيب أَن يَبِيعهَا وَقَالَ: خُذْهَا إِذن هبة فَيَقُول: ذكرته مَا بَيْننَا من الْمَوَدَّة فَأَلْفَيْته أَي: وجدته غير مستعتب أَي: غير رَاجع بالعتاب عَن قَبِيح مَا يفعل. هَذَا كَلَامه. وَقَوله: أريت امْرأ ... إِلَخ سلك أَبُو الْأسود بِهَذَا الْكَلَام طَرِيق التعمية على مُخَاطبَة ليتم مَا يُرِيد وَلَو نسب هَذِه الْعُيُوب إِلَيْهَا مُصَرحًا بهَا لربما دافعوا عَنْهَا. وأريت بِمَعْنى أَخْبرنِي وَأَصله الْهمزَة فِيهِ للاستفهام وريت أَصله رَأَيْت حذف الْهمزَة وَهِي عين الْفِعْل تَخْفِيفًا. قَالَ صَاحب الصِّحَاح: وَرُبمَا جَاءَ ماضيه بِلَا همزَة قَالَ الشَّاعِر: الْخَفِيف (صَاح هَل ريت أَو سَمِعت براعٍ ... رد فِي الضَّرع مَا قوى فِي الحلاب)) وَكَذَلِكَ قَالُوا فِي: أَرَأَيْت وأرأيتك وأريتك بِلَا همزَة.

- أريت امْرأ كنت لم أبله الْبَيْت وَقَالَ الْكرْمَانِي فِي شرح البُخَارِيّ: أَرَأَيْت بِمَعْنى أَخْبرنِي وَفِيه تجوز إِطْلَاق الرُّؤْيَة وإرداة الْإِخْبَار لِأَن الرُّؤْيَة سَبَب الْإِخْبَار. وَجعل الِاسْتِفْهَام بِمَعْنى الْأَمر بِجَامِع الطّلب. انْتهى. والرؤية هُنَا منقولة من رُؤْيَة الْبَصَر وَلِهَذَا تعدت إِلَى مفعول وَاحِد وَزعم ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي أَن أرأيتك مَنْقُول عَن الرُّؤْيَة العلمية تقضي مفعولين فَيقدر الثَّانِي إِذا لم يُوجد وَهُوَ تكلّف. وأبله من بلاه يبلوه بلواً: إِذا جربه واختبره وخاللته: تخذته خَلِيلًا والفتيل: الشَّيْء الحقير وَأَصله مَا يُوجد فِي بطن النواة. والرفيق من الرِّفْق: ضد العنف. وَقَوله: فَأَلْفَيْته غير مستعتب ألفي: بِمَعْنى وجد يتَعَدَّى لمفعولين كَمَا تقدم وَعند بَعضهم الْمَفْعُول الثَّانِي حَال. ومستعتب: اسْم فَاعل الرَّاجِع بالإعتاب. واستعتب وأعتب بِمَعْنى وعتب عَلَيْهِ عتباً من بَاب ضرب وَقتل إِذا لامه فِي تسخط وأعتب: أَزَال الشكوى فالهمزة للسلب. واستعتب: طلب الإعتاب. والعتبي اسْم للإعتاب. وَالْمعْنَى ذكرته مَا كَانَ بَيْننَا من العهود وعاتبته على تَركهَا فَوَجَدته غير طَالب رضائي. وَقَوله: لَا ذَاكر الله روى بِنصب ذَاكر وجره فالنصب للْعَطْف على غير. وَقَالَ بعض فضلاء الْعَجم فِي شرح أَبْيَات الْمفصل: نصب ذَاكِرًا على أَن لَا بِمَعْنى غير وَقد

والجر للْعَطْف على مستعتب وَلَا لتأكيد النَّفْي الْمُسْتَفَاد من غير وعَلى هَذِه الرِّوَايَة اقْتصر ابْن الشجري فَقَالَ: عطف نكرَة على نكرَة مجرورة بِإِضَافَة غير إِلَيْهَا وانتصاب غير على الْحَال. انْتهى. والتوديع هُنَا الْفِرَاق. والصرم بِالضَّمِّ: الهجر. وترجدمة أبي الْأسود تقدّمت فِي الشَّاهِد الْأَرْبَعين من أَوَائِل الْكتاب.

نون التوكيد

(نون التوكيد) أنْشد فِيهِ. (الشَّاهِد الثَّالِث وَالْأَرْبَعُونَ بعد التسْعمائَة) وَهُوَ من شَوَاهِد س: الْكَامِل أفبعد كِنْدَة تمدحت قبيلا على أَنه أكد الْفِعْل وَهُوَ تمدح بالنُّون لوُقُوعه بعد الِاسْتِفْهَام وَهُوَ الْهمزَة. قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَمن موَاضعهَا الْأَفْعَال غير الْوَاجِبَة الَّتِي تكون بعد حُرُوف الِاسْتِفْهَام وَذَلِكَ لِأَنَّك تُرِيدُ: أعلمني إِذا استفهمت. وَهِي أَفعَال غير وَاجِبَة فَصَارَت بِمَنْزِلَة أَفعَال الْأَمر وَالنَّهْي فَإِن شِئْت أقحمت النُّون وَإِن شِئْت تركت كَمَا فعلت ذَلِك فِي الْأَمر وَالنَّهْي وَذَلِكَ قَوْلك: هَل تقولن وأتقولن ذَاك وَكم تمكثن وَانْظُر مَتى تفعلن. وَكَذَلِكَ جَمِيع حُرُوف الِاسْتِفْهَام. وَقَالَ الْأَعْشَى: المتقارب (فَهَل يَمْنعنِي ارتيادي البلا ... د من حذر الْمَوْت أَن يَأْتِين ) وَقَالَ: الطَّوِيل فَهَذِهِ الْخَفِيفَة. وَقَالَ:

أفبعد كِنْدَة تمدحن قبيلا وَقَالَ: الرجز هَل تحلفن يَا نعم لَا تدينها هَذِه الْخَفِيفَة. انْتهى. قَالَ الأعلم فِي الْبَيْت الأول: الشَّاهِد فِيهِ توكيد يَمْنعنِي بالنُّون الثَّقِيلَة لِأَنَّهُ مستفهم عَنهُ غير وَاجِب كالأمر فيؤكد كَمَا يُؤَكد الْأَمر. والارتياد: الْمَجِيء والذهاب أَي: لَا يمْنَع من الْمَوْت التَّحَوُّل فِي آفَاق الأَرْض حذرا مِنْهُ وَلَا الْإِقَامَة فِي الديار تقربه قبل وقته فاستعمال السّفر أجمل لِأَن الْمَوْت بِأَجل. وَقَالَ فِي الثَّالِث: الشَّاهِد فِي قَوْله: تمدحن بالنُّون الثَّقِيلَة. وَكِنْدَة: قَبيلَة من الْيمن من كهلان بن سبأ. والقبيل: الْجَمَاعَة من قوم مُخْتَلفين. والقبيلة: بَنو أبٍ وَاحِد. وَأَرَادَ بالقبيل هُنَا الْقَبِيلَة لتقارب) الْمَعْنى فيهمَا. انْتهى. وَالْبَيْت الرَّابِع سَاقِط من رِوَايَته وَرَوَاهُ النّحاس قَالَ: قَالَ أَبُو الْحسن: نعم ترخيم نعْمَان. وَبعد: ظرف يتَعَلَّق بتمدح محذوفاً بتمدح لِأَن الْمُؤَكّد بالنُّون لَا يتَقَدَّم معموله عَلَيْهِ. وَقيل: إِذا كَانَ ظرفا يجوز وَقد علقه بِهِ الْعَيْنِيّ. وَهَذَا الشّعْر من أَبْيَات سِيبَوَيْهٍ الْخمسين الَّتِي لَا يعرف لَهَا قَائِل وَالله أعلم.

(الشاهد الرابع والأربعون بعد التسعمائة)

وَأنْشد بعده (الشَّاهِد الرَّابِع وَالْأَرْبَعُونَ بعد التسْعمائَة) وَهُوَ من شَوَاهِد س: الطَّوِيل (وَأَقْبل على رهطي ورهطك نبتحث ... مساعينا حَتَّى ترى كَيفَ نفعلا) على أَنه أكد الْفِعْل وَهُوَ يفعل بالنُّون الْخَفِيف المنقلبة ألفا للْوَقْف لوُقُوعه بعد اسْم اسْتِفْهَام وَهُوَ كَيفَ. وَتقدم قبله نَص سِيبَوَيْهٍ. وَأَقْبل بِفَتْح الْهمزَة وَكسر الْمُوَحدَة: فعل أَمر من الإقبال. ورهط الرجل: قومه وقبيلته الأقربون والرهط بِالْإِضَافَة فِي تَعْيِينه خلاف قيل: هُوَ مَا دون عشرَة من الرِّجَال لَيْسَ فِيهَا امْرَأَة وَقيل: من سَبْعَة إِلَى عشرَة وَمَا دون السَّبْعَة إِلَى الثَّلَاثَة نفر. وَقَالَ أَبُو زيد: الرَّهْط والنفر: مَا دون الْعشْرَة من الرِّجَال. وَقَالَ ثَعْلَب: الرَّهْط والنفر وَالْقَوْم والمعشر وَالْعشيرَة معناهم الْجمع لَا وَاحِد لَهُ من لَفظه وَهُوَ للرِّجَال دون النِّسَاء وَقَالَ الْأَصْمَعِي: الرَّهْط: مَا فَوق الْعشْرَة إِلَى الْأَرْبَعين. كَذَا فِي الْمِصْبَاح. - وَقَوله: نبتحت مجزوم فِي جَوَاب الْأَمر وَهُوَ على نفتعل من الْبَحْث قَالَ الْجَوْهَرِي: بحثت عَن الشَّيْء وابتحثت عَنهُ أَي: فتشت عَنهُ واستقصيت فَيكون مساعينا مَنْصُوبًا بِنَزْع الْخَافِض. والمساعي: جمع مسعاةٍ وَالْأَصْل

مسعية مفعلى من السَّعْي قَالَ صَاحب الْمِصْبَاح: أصل السَّعْي التَّصَرُّف فِي كل عمل. قَالَ الْحَرَّانِي: السَّعْي: الْإِسْرَاع فِي الْأَمر حسا أَو معنى. وَفِي الْمُفْردَات: السَّعْي: الْمَشْي السَّرِيع دون الْعَدو وَيسْتَعْمل للْجدّ فِي الْأَمر خيرا كَانَ أَو شرا. وَقل صَاحب الصِّحَاح: المسعاة: وَاحِدَة المساعي فِي الْكَرم والجود. وَالْمرَاد بهَا المناقب والمآثر الَّتِي حصلت بسعيهم. قَالَ الشَّاعِر: الطَّوِيل) (وَلَو قدرت مسعاتكم يَا بني الْخَنَا ... على قاب شبرٍ قصرت عَن مدى الشبر) وَحَتَّى هُنَا: بِمَعْنى كي التعليلية. وَترى: بِمَعْنى تنظر بِالْخِطَابِ. وَقَالَ الْعَيْنِيّ: حَتَّى بِمَعْنى إِلَى. وَترى من الرَّأْي وَهُوَ الِاجْتِهَاد. انْتهى. ويفعلن بِالْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّة كَمَا يظْهر من كَلَام الأعلم فَإِنَّهُ قَالَ: يَقُول لمن فاخره: أقبل على ذكر مفاخر قَوْمك وَأَقْبل على مِثَال ذَلِك من مفاخر قومِي ونبحث عَن مساعيهما حتي يتَبَيَّن فضل بعضهما على بعض وَترى فعلي فِي مفاخرتك وفعلك فِي مفاخرتي. انْتهى. وَزعم ابْن الطرواة أَن النُّون فِي يفعلا هِيَ نون الترنم أبدلت ألفا فِي الْوَقْف. - ورد عَلَيْهِ أَن نون الترنم لَا تغير حَرَكَة مَا قبلهَا وَقد غيرت آخِره هُنَا بِالْفَتْح وَهَذَا لَا يكون إِلَّا لنون التوكيد. وَهَذَا الْبَيْت أَيْضا من الأبيات الْخمسين الَّتِي مَا عرف أَصْحَابهَا. وَالله أعلم.

(الشاهد الخامس والأربعون بعد التسعمائة)

وَأنْشد بعده (الشَّاهِد الْخَامِس وَالْأَرْبَعُونَ بعد التسْعمائَة) وَهُوَ من شَوَاهِد س: الطَّوِيل (فمهما تشأ مِنْهُ فَزَارَة تعطكم ... وَمهما تشأ مِنْهُ فَزَارَة تمنعا) على أَنه يجوز أَن تدخل نون التوكيد اخْتِيَارا فِي جَوَاب الشَّرْط إِذا كَانَ الشَّرْط مِمَّا يجوز دُخُولهَا فِيهِ. وَهُوَ أقل من دُخُولهَا فِي الشَّرْط. وَقَوله: تمنعا جَوَاب الشَّرْط وَقد أكد دون الشَّرْط بالنُّون الْخَفِيفَة المنقلبة ألفا للْوَقْف. وَقَوله: إِذا كَانَ الشَّرْط مِمَّا يجوز ... إِلَخ احْتَرز بِهِ عَمَّا إِذا كَانَ الشَّرْط مَاضِيا أَو مضارعاً بِمَعْنى الْحَال وَحِينَئِذٍ لَا يُؤَكد جَوَابه. وَقَوله: اخْتِيَارا مَعَ قَوْله: وَهُوَ أقل من دُخُولهَا فِي الشَّرْط مَذْهَب ابْن مَالك وَهُوَ مُخَالف لقَوْل سِيبَوَيْهٍ: إِنَّه ضَرُورَة. قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَقد تدخل النُّون بِغَيْر مَا فِي الْجَزَاء وَذَلِكَ قَلِيل فِي الشّعْر فشبهوه بِالنَّهْي حِين كَانَ مَجْزُومًا غير وَاجِب. وَقَالَ الشَّاعِر: نبتم نَبَات الخيزراني الْبَيْت) وَقَالَ ابْن الخرع: فمهما تشا مِنْهُ فَزَارَة الْبَيْت وَقَالَ: من يثقفن مِنْهُم فَلَيْسَ بآيبٍ الْبَيْت

وَقَالَ: يحسبه الْجَاهِل مَا لم يعلمَا الْبَيْت شبهه بالجزاء حَيْثُ كَانَ مَجْزُومًا وَكَانَ غير وَاجِب وَهَذَا لَا يجوز إِلَّا فِي اضطرار وَهِي فِي وَكَذَا قل الْفراء إِنَّه ضَرُورَة قَالَ عِنْد تَفْسِير قَوْله تَعَالَى: ابْعَثْ لنا ملكا نُقَاتِل فِي سَبِيل الله مَا نَصه: فَمن ذَلِك قَوْله تَعَالَى: يَا أَيهَا النَّمْل ادخُلُوا مَسَاكِنكُمْ لَا يحطمنكم. وَالْمعْنَى وَالله أعلم: إِن لم تدخل حطمتن. وَهُوَ نهي مَحْض لِأَنَّهُ لَو كَانَ جَزَاء لم تدخله النُّون الشَّدِيدَة وَلَا الْخَفِيفَة. أَلا ترى أَنَّك لَا تَقول: إِن تضربني أضربنك إِلَّا فِي ضَرُورَة شعر كَقَوْلِه: فمهما تشأ مِنْهُ فَزَارَة الْبَيْت انْتهى. وَكَذَا فِي الْمفصل قَالَ: فَإِن دخلت فِي الْجَزَاء بِغَيْر مَا فَفِي الشّعْر تَشْبِيها للجزاء بِالنَّهْي. وَكَذَا فِي كتاب الضرائر لِابْنِ عُصْفُور. وَخَالف ابْن مَالك فَأَجَازَهُ فِي الْكَلَام قَالَ فِي التسهيل: وَقد تحلق جَوَاب الشَّرْط اخْتِيَارا وَقَالَ قبله: وتلحق الشَّرْط مُجَردا من مَا. وَكَذَا قَالَ فِي الألفية. قَالَ الشاطبي: فَإِذا قلت إِن تقومن أكرمتك وَمهما تَطْلُبن أعطك وَمهما تَأتِينِي أكرمك وحيثما تكونن أذهب إِلَيْك وَكَذَلِكَ سَائِر أدوات الشَّرْط

فَهُوَ جَائِز وَلكنه قَلِيل. وَيحْتَمل أَن كَلَام النَّاظِم أَن أدوات الشَّرْط مسوغة لدُخُول النُّون مُطلقًا سَوَاء أَكَانَ الْفِعْل مَعهَا فِي جملَة الشَّرْط أَو فِي جملَة الْجَزَاء. إِذْ لم يُقيد ذَلِك بِفعل الشَّرْط. فَيجوز على هَذَا أَن تَقول: إِن تكرمنني أكرمنك. انْتهى. وَقَوله: فمهما تشأ ... إِلَخ قَالَ الأعلم: أَرَادَ مهما تشأ فَزَارَة إعطاءه تعطكم وَمهما تشأ مَنعه تمنعكم فَحذف الْفِعْل لعلم السَّامع وَإِدْخَال النُّون الْخَفِيفَة على تمنعا وَهُوَ جَوَاب الشَّرْط ضرروة وَلَيْسَ من مَوَاضِع النُّون لِأَنَّهُ خبر يجوز فِيهِ الصدْق وَالْكذب.) إِلَّا أَن الشَّاعِر إِذا اضْطر أكده بالنُّون تَشْبِيها بِالْفِعْلِ فِي الِاسْتِفْهَام لِأَنَّهُ مُسْتَقْبل مثله. انْتهى. وَالْبَيْت غير مَوْجُود فِي ديوَان ابْن الخرع وَإِنَّمَا هُوَ من قصيدة للكميت بن ثَعْلَبَة أوردهَا أَبُو مُحَمَّد الْأَعرَابِي فِي ضَالَّة الأديب وَهِي: الطَّوِيل (من مبلغٌ عليا معدٍ وطيئاً ... وَكِنْدَة من أصغى لَهَا وتسمعا) (يمانيهم من حل نَجْرَان مِنْهُم ... وَمن حل أَطْرَاف الغطاط فلعلعا) (ألم يَأْتهمْ أَن الْفَزارِيّ قد أَبى ... وَإِن ظلموه أَن يتل فيصرعا ) (وَلما رأى أَن الْحَيَاة ذميمةٌ ... وَأَن حُكيَ الْمَوْت أدْرك تبعا) (شرى نَفسه مجد الْحَيَاة بضربةٍ ... ليرحض خزياً أَو ليطلع مطلعا) (أَبَت أم دينارٍ فَأصْبح فرجهَا ... حصاناً وقلدتم قلائد بوزعا) (خُذُوا الْعقل إِن أَعْطَاكُم الْعقل قومكم ... وَكُونُوا كمن سيم الهوان فأرتعا) ...

(وَلَا تكثروا فِيهَا الضجاج فَإِنَّهُ ... محا السَّيْف متا قَالَ ابْن دارة أجمعا) (وَأَقْبل أقوامٌ بَحر وُجُوههم ... وَأدبر أقوامٌ بلطمةٍ أسفعا) (فمهما تشأ مِنْهُ فَزَارَة تعطكم ... وَمهما تشأ مِنْهُ فَزَارَة تمنعا) (فَزَارَة عوفٌ لَا عَزِيز بأرضه ... وَيمْنَع عوفٌ مَا أَرَادَ ليمنعا) (فَإِن مَاتَ زملٌ فالإله حسيبه ... وَإِن عَاشَ زملٌ فاسقياه المشعشعا) قَوْله: ألم يَأْتهمْ أَن الْفَزارِيّ ... إِلَخ أَرَادَ بالفزاري هُنَا زميل بن أبير أحد بني عبد الله بن عبد منَاف. وَيُقَال لأم زميل: أم دِينَار كَانَ سَالم بن دارة الْغَطَفَانِي هجاه بقصيدة مِنْهَا: الْبَسِيط (بلغ فَزَارَة أَنِّي لن أسالمها ... حتي ينيك زميلٌ أم دِينَار ) وهجا بني فَزَارَة بقصائد تقدم بَعْضهَا فِي الشهد الْخَامِس بعد الْمِائَة وَبَعض آخر فِي الشَّاهِد السَّابِع بعد الْمِائَتَيْنِ. فَحلف زميل أَن لَا ياكل لَحْمًا وَلَا يغسل رَأسه وَلَا يَأْتِي امْرَأَة حَتَّى يقْتله. ثمَّ بعد مُدَّة لقِيه زميل فَضَربهُ بِالسَّيْفِ ضَرْبَة كَانَت سَبَب مَوته وافتخر بتخلصه من الْعَار بقتْله وَقَالَ: الرجز وَتقدم شَرحه فِي الشَّاهِد الْخَامِس بعد الْمِائَة. فَحكى الْكُمَيْت هَذَا الْحِكَايَة وتهكم بغطفان.)

وَقَوله: أَن يتل فيصرعا كِلَاهُمَا بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول. والتل: الْإِلْقَاء على الْوَجْه. والصرع: الْقَتْل. وَقَوله: وَإِن حكى الْمَوْت بِالْحَاء الْمُهْملَة فعيل بِمَعْنى مفعول من أحكيت الْعقْدَة إِذا قويتها وشددتها. ووقله: شرى نَفسه أَي: اشْترى لنَفسِهِ مجد الْحَيَاة أَي: شرفها. وَقَوله: ليرحض خزياً أَي: ليغسل عاراً. والرحض بالراء والحاء الْمُهْمَلَتَيْنِ وَالضَّاد الْمُعْجَمَة هُوَ الْغسْل. والخزي بِالْكَسْرِ: المذلة والعار. والحصان بِفَتْح الْمُهْملَة: الْعَفِيف. وَقَوله: وقلدتم بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول وَالْخطاب لبني غطفان. وبوزع بِفَتْح الْمُوَحدَة وَالزَّاي قالاسود أَبُو مُحَمَّد أَعْرَابِي فِي ضَالَّة الأديب: بوزع هِيَ أم زِيَاد بن الْحَارِث وَهِي ذَات القلائد وَكَانَت أول من نصبت رايةً فِي بني مسلية وفيهَا تضرب الْعَرَب الْأَمْثَال فِي قَوْلهم: قلائد بوزع. وَقَالَ موءلة بن الْحَارِث جد المحجل بن حزن بن موءلة: الوافر ( من تَكُ أمه زانته يَوْمًا ... فقد شانتك أمك يَا زِيَاد) فلست إِلَى بني عِلّة بن جلدٍ وَلَا سعدٍ وَلَا حييّ مُرَاد وَقَالَ آخر: الوافر (قلائد بوزعٍ جرت عَلَيْكُم ... مواسم مثل أطواق الْحمام) وَقد أَخطَأ أَبُو عبد الله بن الْأَعرَابِي فِي هَذَا الشّعْر من جِهَتَيْنِ: أولاهما: أَنه نسب هَذَا الشّعْر إِلَى الْكُمَيْت بن مَعْرُوف وَهُوَ للكميت بن ثَعْلَبَة. والكميت بن ثَعْلَبَة مخضرم وجد كميت بن مَعْرُوف.

وأخراهما: أَنه صحف فِي قَوْله بوزع بِالْبَاء فَقَالَ: قوزع بِالْقَافِ وَفَسرهُ على التخمين بالخزي والعر. انْتهى كَلَام أبي مُحَمَّد وَمَا ادَّعَاهُ من التحريف حق لَا شُبْهَة فِيهِ. والأبيات الَّتِي أنشدها تشهد لما قَالَه من أَن بوزع امْرَأَة لكنه لم يشْرَح قلائدها وَلم يبين وَجه كسبها للعار لابنها. وَقد راجعت كتب الْأَمْثَال فَلم أظفر فِيهَا بِشَيْء وَلَعَلَّ الله يطلعني على شرحها فألحقه هُنَا. وَمَا نَقله عَن ابْن الْأَعرَابِي مَوْجُود فِي نوادره وَقد نَقله عَنهُ أَرْبَاب اللُّغَة خلف بعد سلف وَلم) يطلعوا على مَا قَالَه أَبُو مُحَمَّد الْأَعرَابِي وَلَو اطلعوا عَلَيْهِ لحكوه. قَالَ الصَّاغَانِي فِي الْعباب فِي فصل الْقَاف من بَاب الْعين: قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: يُقَال: قلدتم قلائد قوزعٍ يَا هَذَا ولأقلدنك قلائد قوزع وَمَعْنَاهُ: طوقتم أطواقاً لَا تفارقكم أبدا. وَأنْشد: (قلائد قوزعٍ جرت عَلَيْكُم ... مواسم مثل أطواق الْحمام) وَقَالَ مرّة: قلائد بوزع ثمَّ رَجَعَ إِلَى الْقَاف. انْتهى. - ولخص من هُنَا صَاحب الْقَامُوس فَقَالَ: وقلدتم قلائد قوزع: طوقتم أطواقاً لَا تفارقكم أبدا. وَنَقله الْعَيْنِيّ أَيْضا. وَقَالَ مُحَمَّد بن المكرم فِي لِسَان الْعَرَب: قوزع: اسْم الخزي والعار عَن ثَعْلَب. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: قلدته قلائد قوزع يَعْنِي الفضائح. وَأنْشد للكميت بن مَعْرُوف: ...

(أَبَت أم دينارٍ فَأصْبح فرجهَا ... حصاناً وقلدتم قلائد قوزعا) وَقَالَ مرّة: قلائد بوزع ثمَّ رَجَعَ إِلَى الْقَاف. انْتهى. وَلَو كَانَ اسْما للخزي لَكَانَ مصروفاً وَلَا وَجه لمَنعه إِلَّا أَن يدعى أَنه علم جنس كزوبر علم للكلبة. انْتهى. وَلم يتَعَرَّض الْجَوْهَرِي لهَذِهِ الْكَلِمَة بِشَيْء. وأوردها ابْن بري فِي أَمَالِيهِ على صحاحه فَقَالَ: وَقَوله: فيا رَاكِبًا إِمَّا عرضت أَي: أتيت الْعرُوض وَهِي مَكَّة زَادهَا الله شرفاً. قَالَ أَبُو مُحَمَّد: سحيم وباعث والمرقع كلهم من بني عبد الله بن غطفان. وَقَوله: خُذُوا الْعقل إِن أَعْطَاكُم الْعقل قومكم هَذَا تهكم بهم. وَالْعقل: الدِّيَة. وَإِنَّمَا قَالَ قومكم لِأَن فَزَارَة هُوَ ابْن ذبيان بن بغيض بن ريث بن غطفان وَبَنُو عبد الله هم بَنو عبد الْعُزَّى بن غطفان. وَلما وَفد عبد الله على النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فَقَالَ: من أَنْتُم قَالُوا: بَنو عبد الْعُزَّى قَالَ: أَنْتُم بَنو عبد الله. فلزمهم هَذَا الِاسْم. - وَقَوله: وَكُونُوا كمن سيم الهوان فأرتعا سيم: مَجْهُول سامه الشَّيْء يسومه سوماً أَي: كلفه إِيَّاه. والهوان: الذل. وأرتعا من أرتع إبِله وَقوم مرتعون أَي: ترتع إبلهم يُقَال: رتعت الْمَاشِيَة ترتع رتوعاً أَي: أكلت مَا شَاءَت.)

وَقَوله: وَلَا تكثروا فِيهَا الضجاج أَي: لَا تكثروا فِي هَذِه الْقَضِيَّة وَهِي قتل سَالم بن دارة قَالَ الْجَوْهَرِي: وضاجه مضاجة وضجاجاً: شاغبه وشاره وَالِاسْم الضجاج بِالْفَتْح. وَقَوله: محا السَّيْف مَا قَالَ ابْن دارة أجمعا أوردهُ الزَّمَخْشَرِيّ فِي أَمْثَاله قَالَ: هُوَ سَالم بن دارة الْغَطَفَانِي هجا بعض بني فَزَارَة بقوله: فَقتله زميل الْفَزارِيّ فَقَالَ الْكُمَيْت ذَلِك يُرِيد أَن الْفِعْل أفضل من القَوْل وَإِنَّمَا قلت أَنْت وَفعلنَا نَحن يضْرب للجبان يتوعد وَلَا يفعل. انْتهى. وَقَوله: وَأَقْبل أَقوام بَحر وجوهم هم قوم زميل الْفَزارِيّ وَمَا بعده قوم ابْن دارة. وَقَوله: بلطمة أسفعا أَي: بلطمة خد أسفع أَي: لطموا على خدودهم حَتَّى اسودت. والسفعة بِالضَّمِّ: سَواد يخالطه حمرَة. والأسفع هوم المتصف بالسفعة. وَقَوله: فمهما تشأ مِنْهُ فَزَارَة ... إِلَخ مَعْنَاهُ: كل شيءٍ شَاءَت مِنْهُ فَزَارَة أَعْطَتْ وكل شَيْء شَاءَت منعت مغفعول تشأ مَحْذُوف كَمَا تقدم وَمِنْه مُتَعَلق بتعطكم وَمِنْه الثَّانِي مُتَعَلق بتمنع محذوفاً لَا بالمذكور لِأَن الْمُؤَكّد بالنُّون لَا يتَقَدَّم معموله عَلَيْهِ. وَيجوز أَن يتَعَلَّق بِهِ بِنَاء على أَنه يتوسع فِي الظروف مَا لَا يتوسع فِي غَيرهَا. والضميرفي الْمَوْضِعَيْنِ رَاجع إِلَى مهما وَقَالَ الْعَيْنِيّ: رَاجع إِلَى ابْن دارة ومفعول تمنعا مَحْذُوف أَي: تمنعكم. - يَعْنِي: إِن أَرَادَت فَزَارَة إِعْطَاء شَيْء من الدِّيَة أَعْطَتْ وَأَن أَرَادَت منعكم من الدِّيَة فعلت لأنكم أذلاء مَعَهم

(الشاهد السادس والأربعون بعد التسعمائة)

لَا تقدرون على أَخذ قوم وَلَا طلب دِيَة. وَقَوله: فَزَارَة عَوْف مُبْتَدأ وَخبر والعوف بِالْفَتْح: الْأسد وَاسم الذِّئْب أَيْضا. وعَوْف الثَّانِي هُوَ عَوْف بن هِلَال بن شمخ بِفَتْح الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْمِيم بعْدهَا خاء مُعْجمَة ابْن فَزَارَة. ووقله: فَإِن مَاتَ زمل بِكَسْر الزَّاي هُوَ زميل قَاتل ابْن دارة بِالتَّصْغِيرِ. والمشعشع: الشَّرَاب الممزوج بِالْمَاءِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّد الْأَعرَابِي: كَانَت هَذِه الْقَضِيَّة فِي زمن عُثْمَان بن عَفَّان رَضِيَ اللَّهُ عَنْه ثمَّ حدث فِي زمن عبد الْملك شَرّ بَين بِي رياب وَبَين بني الْكُمَيْت بن ثَعْلَبَة فَقتل ذَيَّال بن مقاعس الريابي عبيد الله بن صَخْر أَخا الميدان فَعرض ذَيَّال الدِّيَة على بني الْكُمَيْت فقبلوا فَقَالَ عبد الرَّحْمَن بن دارة يعيرآل الْكُمَيْت: الطَّوِيل (ألم تَرَ أَن الله لَا شَيْء بعده ... شفاني من آل الْكُمَيْت فأسرعا)) (وَأصْبح ذيالٌ يذيل وَقد سقى ... بكفيه صدر الرمْح حَتَّى تضلعا) (خُذُوا القعل با آل الْكُمَيْت وَأَقْبلُوا ... بأنفٍ وَإِن وافى المواسم أجدعا) وترجمة الْكُمَيْت بن ثَعْلَبَة تقدّمت فِي الشَّاهِد السّبْعين بعد الْخَمْسمِائَةِ. وَأنْشد بعده (الشَّاهِد السَّادِس وَالْأَرْبَعُونَ بعد التسْعمائَة) وَهُوَ من شَوَاهِد س: الطَّوِيل لما تقدم قبله من جَوَاز دُخُول نون التوكيد اخْتِيَارا فِي جَوَاب الشَّرْط فَإِن ينفعا جَوَاب الشَّرْط وَقد أكد بالنُّون المنقلبة ألفا. وَتقدم فِيمَا قبله نقل كَلَام سِيبَوَيْهٍ وَأَنه مُخَالف لَهُ. وَهَذَا الْبَيْت كَذَا رَوَاهُ سِيبَوَيْهٍ وَتَبعهُ من جَاءَ بعده وَلم يذكر خدمَة كِتَابه تتمته وَلَا شرحوه شرحاً وافياً بِمَعْنَاهُ وَإِنَّمَا قَالَ الأعلم: هجا قوما فوصفهم بحدثان النِّعْمَة. والخيزراني: كل نبت ناعم وَأَرَادَ بِالْخَيرِ المَال. هَذَا كَلَامه بِحُرُوفِهِ. وَقد رَوَاهُ غير سِيبَوَيْهٍ بِكَسْر الْعين من ينفع. على أَنه جَوَاب مجزوم. وَكَذَا رَوَاهُ الْأَصْمَعِي بِلَفْظ: مَتى مَا يدْرك الْخَيْر ينفع وَقَالَ: يَقُول: نميتم نَمَاء حسنا كَمَا ينْبت الخيزران فِي نعْمَته وَلينه أَي: وَإِن كُنْتُم نبتم بِأخرَة فَإِن الخيزران مَتى يدْرك ينفع. انْتهى. وَهَذَا يَقْتَضِي أَن الْخَيْر بِمَعْنى الخيزران. وَهَذَا غير مَعْهُود بِهَذَا الْمَعْنى وَأما اسْتِعْمَاله فِي المَال فكثير قَالَ تَعَالَى: إِن ترك خيرا أَي: مَالا. وَقَالَ تَعَالَى: لَا يسأم الْإِنْسَان من دُعَاء الْخَيْر أَي: لَا يفتر من طلب المَال. وَإِن كَانَت الرِّوَايَة: مَتى يدْرك الخيز بالزاي الْمُعْجَمَة لُغَة فِي الخيزران فَمَا قَالَه صَحِيح لكني لم أرها فِي كتب اللُّغَة. وَمِمَّنْ رَوَاهُ كالأصمعي الجاحظ نَقله عَنهُ ابْن عبد ربه قَالَ فِي كِتَابه العقد الفريد فِي بَاب مَا غلط فِيهِ على الشُّعَرَاء: وَأكْثر مَا أدْرك على الشُّعَرَاء لَهُ مجَاز وتوجيه حسن وَلَكِن أَصْحَاب اللُّغَة لَا ينصفونهم وَرُبمَا غلطوا عَلَيْهِم وتأولوا غير معانيهم الَّتِي ذَهَبُوا إِلَيْهَا. فَمن

ذَلِك قَول سِيبَوَيْهٍ وَاسْتشْهدَ بِبَيْت فِي كِتَابه فِي إِعْرَاب الشَّيْء على الْمَعْنى لَا على اللَّفْظ وَهُوَ: الوافر (معاويّ إننا بشر فَأَسْجِحْ ... فلسنا بالجبال وَلَا الحديدا)) كَذَا رَوَاهُ بِالنّصب وَزعم أَن إعرابه بالْعَطْف على خبر لَيْسَ وَإِنَّمَا قَالَه الشَّاعِر بالخفض وَالشعر كُله مخفوض. وَنَظِير هَذَا الْبَيْت ماذكره أَيْضا فِي كِتَابه وَاحْتج بِهِ فِي بَاب النُّون الْخَفِيفَة: (نبتم نَبَات الخيزراني فِي الثرى ... حَدِيثا مَتى مَا يأتك الْخَيْر ينفعا) وَهَذَا الْبَيْت للنجاشي وَقد ذكره عَمْرو بن بَحر الجاحظ فِي فَخر قحطان على عدنان فِي شعر كُله مخفوض وَهُوَ قَوْله: (يَا رَاكِبًا إِمَّا عرضت فبلغن ... بني عامرٍ عني وَأَبْنَاء صعصع) (نبتم بَنَات الخيزرانة فِي الثرى ... حَدِيثا مَتى مَا يأتك الْخَيْر ينفع) انْتهى كَلَام ابْن عبد ربه. وَقد تقدم فِي الشَّاهِد الرَّابِع وَالْعِشْرين بعد الْمِائَة أَن الْبَيْت الأول من أَبْيَات مَنْصُوبَة القوافي. وَكَذَا يُمكن أَن يكون هَذَا الْبَيْت من أَبْيَات مَنْصُوبَة القوافي وَإِن جَاءَ من أبياتٍ مجرورة القوافي كَمَا جَاءَ فِي ذَلِك الْبَيْت كَذَلِك. وَلَهُمَا نَظَائِر أوردناها فِي مَوَاضِع من هَذَا الْكتاب فَإِن الْبَيْت الْوَاحِد قد يَجِيء فِي شعرين لشاعرين فِي أَحدهمَا مجرور وَفِي الآخر مَرْفُوع أَو مَنْصُوب كَمَا تقدم فِي الشَّاهِد الْخَامِس بعد الْخَمْسمِائَةِ من بَاب الظروف. - وسيبويه إِمَام ثِقَة راوية لم يُورد

فِي كِتَابه شَيْئا إِلَّا مَا يعرفهُ حق الْمعرفَة وَلَكنَّا لقصورنا وَلعدم المساعدة قد لَا نطلع على بعض ذَلِك. وَالله أعلم بحقائق الْأُمُور. وَقَوله: إِمَّا عرضت أَي: إِن أتيت الْعرُوض وَهِي مَكَّة زَادهَا الله شرفاً. وصعصع: مرخم صعصعة للضَّرُورَة وعامر هُوَ ابْنه وَإِنَّمَا فَصله عَن ابنائه لشهرة من سواهُ من أَوْلَاده بالأبناء. قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الْأَبْنَاء ولد صعصعة مَا خلا عَامِرًا وَله سِتَّة عشر ولدا ذكرا. وَقَوله نبتم نَبَات ... الخ نبت نبتاً من بَاب قتل والإسم النَّبَات. وَالْمعْنَى: نبتم كَمَا ينْبت الخيزراني. والخيزران بِفَتْح الْخَاء وَضم الزَّاي قَالَ الصَّاغَانِي فِي الْعباب: هُوَ شَجَرَة وَلَيْسَ من نَبَات أَرض الْعَرَب وَإِنَّمَا ينْبت بِبِلَاد الْهِنْد. وَهُوَ عروق ممتدة فِي الأَرْض. وَقد يُقَال لكل طريٍ ولكونه عروقاً قَالَ فِي الثرى. وحديثاً: حَال من الخيزراني. وَمَعْنَاهُ: الْقَرِيب يُقَال: هُوَ حَدِيث عهدٍ بِكَذَا. والْحَدِيث أَيْضا: ضد الْقَدِيم. والْحَدِيث أَيْضا: الْحَادِث يُقَال: حدث الشَّيْء بعد أَن) لم يكن أَي: وجد. والْحَدِيث أَيْضا: الطري. وَهَذِه الْمعَانِي كلهَا مُنَاسبَة. يَقُول: لَسْتُم بأرباب نعمةٍ قديمَة وَإِنَّمَا حدثت فِيكُم عَن قرب فقد نميتم كَمَا ينمي الخيزران بنعومة وطراوة فَإِن المَال مَتى مَا جَاءَ نفع. وعَلى هَذِه طَريقَة إرْسَال الْمثل. وَقَالَ الْعَيْنِيّ: حَدِيثا مَنْصُوب بِفعل مَحْذُوف تَقْدِيره: حدث حَدِيثا. هَذَا كَلَامه. وَتَقَدَّمت تَرْجَمَة النَّجَاشِيّ فِي الشَّاهِد الْخَامِس وَالسبْعين بعد الثَّمَانمِائَة.

(الشاهد السابع والأربعون بعد التسعمائة)

- وَأنْشد بعده (الشَّاهِد السَّابِع وَالْأَرْبَعُونَ بعد التسْعمائَة) وَهُوَ من شَوَاهِد س: الْكَامِل (من نثقفن مِنْهُم فَلَيْسَ بآيبٍ ... أبدا وَقتل بني قُتَيْبَة شافي) على أَنه رُبمَا دخلت النُّون فِي الشَّرْط بِلَا تقدم مَا الزَّائِدَة. وَتقدم قبله أَن هَذَا التوكيد عِنْد سِيبَوَيْهٍ ضَرُورَة. وَكَذَا قَالَ ابْن عُصْفُور فِي كتاب الضرائر: إِنَّه قَالَ الأعلم: الشَّاهِد فِي إِدْخَال النُّون على فعل الشَّرْط وَلَيْسَ من موَاضعهَا إِلَّا أَن يُوصل حرف الشَّرْط بِمَا الْمُؤَكّدَة. يَقُول: من ظفرنا بِهِ من آل قُتَيْبَة بن مُسلم فَلَيْسَ بآيب إِلَى أَهله لما فِي قَتلهمْ من شِفَاء النُّفُوس. يصف قَتله وانتقال دولته وَإِظْهَار الشماتة بِهِ. انْتهى. وَلَيْسَ قُتَيْبَة مَا ذكره وَلَو اطلع على الشّعْر مَا قَالَه. وَالْبَيْت أحد أبياتٍ ثَلَاثَة لبِنْت مرّة بن عاهان الْحَارِثِيّ وَرَوَاهَا أَبُو عبد الله مُحَمَّد ابْن عمرَان المرزباني فِي كتاب أشعار النِّسَاء قَالَ: كتب إِلَيّ أَحْمد بن عبد الْعَزِيز قَالَ: أخبرنَا عمر بن شبة قَالَ: قَالَت بنت مرّة بن عاهان أبي الْحصين لما قتلته باهلة: الْكَامِل (إِنَّا وباهلة بن أعصر بَيْننَا ... دَاء الضرائر: بغضةٌ وتقافي) (من نثقفن مِنْهُم فَلَيْسَ بآيب ... أبدا وَقتل بني قُتَيْبَة شافي) (ذهبت قُتَيْبَة فِي اللِّقَاء بفارسٍ ... لاطائشٍ رعشٍ وَلَا وقاف)

وحَدثني أَحْمد بن مُحَمَّد الْجَوْهَرِي قَالَ: حَدثنَا الْعَنزي قَالَ: حَدثنَا التوزي قَالَ: حَدثنَا أَبُو عُبَيْدَة قَالَ: كَانَ الْمُنْتَشِر بن وهب الْبَاهِلِيّ يغاور أهل الْيمن فَقتل مرّة بن عاهان الْحَارِثِيّ فَقَالَت نائحته: الْبَسِيط (يَا عين بكي لمرة بن عاهانا ... لَو كَانَ قَاتله من غير من كَانَا)) قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: ماهجوا بِمثلِهِ لِأَنَّهَا صغرت بهم وَإِنَّمَا أَرَادَت باهلة. انْتهى. وَكَذَا رَوَاهَا الْأسود أَبُو مُحَمَّد الْأَعرَابِي فِي فرحة الأديب. قَوْله: إِنَّا وباهلة بن أعصر أُرِيد بباهلة الْقَبِيلَة المنسوبة إِلَيْهَا ثمَّ إِلَى أعصر لِأَن باهلة هِيَ بنت صَعب بن سعد الْعَشِيرَة من مذْحج تزَوجهَا مَالك بن اعصر بن سعد بن قيس بن عيلان بن مُضر فَولدت باهلة من مَالك سعد مَنَاة. ثمَّ تزَوجهَا ابْن زَوجهَا معن بن مَالك بن أعصر فَولدت باهلة من معن أوداً وجئاوة. وَكَانَ لِمَعْنٍ بن مَالك أَوْلَاد من غَيرهَا وهم: شَيبَان وَزيد وَوَائِل والْحَارث وَحرب ووهيبة وَعَمْرو وأمهم أرنب بنت شمخ بن فَزَارَة. وقتيبة وقعنب وأمهما سَوْدَة بنت عَمْرو بن تَمِيم. فحضنت باهلة هَؤُلَاءِ التِّسْعَة فَغلبَتْ عَلَيْهِم. فانتسبوا إِلَيْهَا. فقتيبة فِي هَذَا الشّعْر هُوَ ابْن زوج باهلة وَهُوَ قُتَيْبَة بن معن بن مَالك بن أعصر. وَمَا ذكره الأعلم باهلي أَيْضا وَهُوَ من ولد وَائِل فَإِنَّهُ قُتَيْبَة بن مُسلم بن

عَمْرو بن حُصَيْن بن ربيعَة بن خَالِد بن أسيد الْخَبَر بن كَعْب بن قضاعي بن هِلَال بن سَلامَة بن ثَعْلَبَة بن وَائِل. فَانْظُر مَا بَينهمَا. وَلَكِن حصل للأعلم اشْتِبَاه من تشارك الاسمين. وَكَانَ قُتَيْبَة بن مُسلم أَمِير خُرَاسَان لعبد الْملك بن مَرْوَان والمنتشر بن وهب كَانَ من ولد وَائِل وَكَانَ الْمُنْتَشِر مِمَّن كَانَ يعدو أَشد من عَدو الظبي هُوَ وأوفى بن مطر الْمَازِني وسليك بن السلكة وتأبط شرا. والشنفري. وَقَوله: كَانَ يغاور أهل الْيمن أَي: يُغير عَلَيْهِم. وبالآخرة قَتله بَنو الْحَارِث بن كَعْب كَمَا تقدم فِي تَرْجَمته فِي الشَّاهِد السَّابِع وَالْعِشْرين من أول الْكتاب. والأصمعي الْعَالم الراوية الْمَشْهُور باهلي أَيْضا. وَهُوَ من ولد قُتَيْبَة بن معن واسْمه: عبد الْملك بن قريب بِالتَّصْغِيرِ ابْن عَليّ بن أصمع بن مظهر بن ريَاح بن عبد شمس بن أعيا بن سعد بن عبد بن غنم بن قُتَيْبَة. وَكَانَ الْأَصْمَعِي يَقُول: لست من باهلة لِأَن أم قُتَيْبَة بن معن تميمية وَلَكِن حضنته فَغلبَتْ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا تَبرأ مِنْهَا لِأَن باهلة قَبيلَة مذمومة فِي الْعَرَب. وَقَوله: بَيْننَا دَاء الضَّرِير جمع ضرَّة بِالْفَتْح. وضرة الْمَرْأَة: امْرَأَة زَوجهَا. وَهَذَا الْجمع نَادِر لَا يكَاد يُوجد لَهُ نَظِير فَإِن فعائل يكون جمع فعلية لَا فعلة. وداء الضَّرِير هُوَ التباغض والتضارب وَهُوَ) مَعْرُوف فَيكون قَوْلهَا:

بغضه وتقافي تَفْسِيرا للداء. وبغضه إِمَّا بدل من دَاء أَو خبر لمبتدأ مَحْذُوف. والبغضة بِالْكَسْرِ والبغضاء بِالْمدِّ: شدَّة البغض. والتقافي: تفَاعل من قفيته أقفيه قفياً إِذا وَرُوِيَ: نقاف بِكَسْر النُّون وَهُوَ مصدر ناقفه. قَالَ اللَّيْث: المناقفة: هِيَ الْمُضَاربَة بِالسُّيُوفِ على الرؤوس. وعَلى هَذَا يكون بغضة بِالْجَرِّ بَدَلا من الضرائر. - وَقَوْلها: من نثقفن مِنْهُم ... . إِلَخ بنُون الْمُتَكَلّم مَعَ الْغَيْر يُقَال: ثقفت الرجل فِي الْحَرْب: أَدْرَكته. وثفقته: ظَفرت بِهِ. وثقفته: أَخَذته. وثقفت الحَدِيث: فهمته بِسُرْعَة. وَالْكل من بَاب تَعب. وآئب: رَاجع من آب من سَفَره يؤوب أوباً: رَجَعَ. والإياب: اسْم مِنْهُ أَي: من نظفر بِهِ من باهلة نَقْتُلهُ وَلَا ندعه يرجع إِلَى أَهله سالما. فَمن مُبْتَدأ وَجُمْلَة الشَّرْط وَالْجَزَاء: خَبره وَجُمْلَة لَيْسَ بآئب: هُوَ الْجَزَاء وَاسم لَيْسَ ضمير من وَالْبَاء زَائِدَة فِي خَبَرهَا. وَرُوِيَ: من تثقفن منا بِالْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّة للتأنيث فَيكون فَاعله ضمير باهلة. وروى أَبُو مُحَمَّد الْأَعرَابِي فِي فرحة الأديب: من يثقفوا منا فَلَيْسَ بوائل. والوائل: الملتجىء من وأل يئل وَألا إِذا لَجأ. والمؤل: الملجأ. وَلَا تناسب هَاتين الرِّوَايَتَانِ مَا بعدهمَا وَلَا الْمقَام. وَقَوْلها: ذهبت قُتَيْبَة فِي اللِّقَاء هُوَ الْحَرْب. والطائش: المتحير. والرعش: المرتعش من الْخَوْف. والوقاف: الَّذِي لَا يبارز الْعَدو جبنا.

وَمرَّة بن عاهان بن الشَّيْطَان بن أبي ربيعَة بن خَيْثَمَة بن ربيعَة بن كَعْب بن الْحَارِث بن كَعْب: أحد قبائل الْيمن. وَكَانَ عاهان شريفاً عَظِيما بَينهم وَيُقَال لَهُ هاعان أَيْضا. وَهُوَ جاهلي قديم. والعيني لم يَأْتِ فِي شرح هَذَا الْبَيْت بِشَيْء. وَالله أعلم. وَأنْشد بعده: الطَّوِيل وَمن عضةٍ مَا ينبتن شكيرها على أَنه يجوز فِي الِاخْتِيَار بقلة تَأْكِيد الْفِعْل الْمُسْتَقْبل فِي غير الشَّرْط إِذا كَانَ فِي أَوله مَا الزَّائِدَة. قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَمن موَاضعهَا أَفعَال غير الْوَاجِب الَّتِي فِي قَوْلك: بجهدٍ مَا تبلغن وأشباهه. وَإِنَّمَا) كَانَ ذَلِك لمَكَان مَا. وتصديق ذَلِك قَوْلهم فِي مثل: وَمن عضةٍ مَا ينبتن شكيرها وغفي مثل آخر: بألمٍ مَا تختننه وَقَالُوا: بِعَين ماأرينك. فَمَا هَا هُنَا بمنزلتها فِي الْجَزَاء. انْتهى. وَقد تقدم الْكَلَام عَلَيْهِ فِي الشَّاهِد الْحَادِي وَالْخمسين بعد الْمِائَتَيْنِ.

(الشاهد الثامن والأربعون بعد التسعمائة)

(الشَّاهِد الثَّامِن وَالْأَرْبَعُونَ بعد التسْعمائَة) وَهُوَ من شَوَاهِد س: المديد ( رُبمَا أوفيت فِي علمٍ ... ترفعن ثوبي شمالات) على أَن توكيد ترفع بالنُّون الْخَفِيفَة ضَرُورَة وَإِنَّمَا حسن التوكيد زِيَادَة مَا فِي رب وَوُقُوع ترفع فِي حيّز رُبمَا. قَالَ سِيبَوَيْهٍ بعد إنشاد الْبَيْت للضَّرُورَة: وَزعم يُونُس أَنهم يَقُولُونَ: رُبمَا تقولن ذَاك وَأكْثر مَا تقولن ذَاك. انْتهى. وَالْبَيْت من ابيات لملك الْحيرَة جذيمة الأبرش قَالَ الْآمِدِيّ فِي المؤتلف والمختلف: جذيمة الأبرش الْملك كَانَ شَاعِرًا وَكَانَ أَبوهُ مَالك بن فهم ملكا على الْعَرَب بالعراق عشْرين سنة وَكَانَ يُقَال لجذيمة الأبرش: الوضاح لبرصٍ كَانَ بِهِ. وَملك بعد أَبِيه سِتِّينَ سنة. وَكَانَ ينزل الأنبار وَهُوَ الْقَائِل: المديد (رُبمَا أوفيت فِي علم ... ترفعن ثوبي شمالات) على أَن توكيد ترفع بالنُّون الْخَفِيفَة ضَرُورَة وَإِنَّمَا حسن التوكيد زِيَادَة مَا فِي رب وَوُقُوع ترفع فِي حيّز رُبمَا قَالَ سِيبَوَيْهٍ: بعد إنْشَاء الْبَيْت للضَّرُورَة وَزعم يُونُس أَنهم يَقُولُونَ رُبمَا تقولن ذَاك وَأكْثر مَا تقولن ذَاك انْتهى. وَالْبَيْت من أَبْيَات الْملك الْحيرَة جذيمة الأبرش قَالَ الآحدي فِي الْمُؤلف والمختلف جذيمة الأبرش الْملك كَانَ شَاعِرًا وَكَانَ أَبوهُ مَالك بن فهم ملكا على الْعَرَب بالعراق عشْرين سنة وَكَانَ يُقَال لجذيمة الأبرش الوضاح لبرص كَانَ بِهِ وملل بعد أَبِيه سِتِّينَ سنة وَكَانَ ينزل الأبغار وَهُوَ الْقَائِل المديد.) (رُبمَا أوفيت فِي علمٍ ... ترفعن ثوبي شمالات) (فِي فتوٍ أَنا كالئهم ... فِي بلايا عورةٍ باتوا) (ثمَّ أبنا غَانِمِينَ مَعًا ... وأناسٌ بَعدنَا مَاتُوا) (لَيْت شعري مَا أماتهم ... نَحن أدلجنا وهم باتوا) فِي أبياتٍ. ولجذيمة فِي كتاب الأزد أشعار. انْتهى.

يصف سَرِيَّة أسرى بهَا أَو انْقِطَاعًا عرض لَهُ من جَيْشه فِي بعض مغازيه فَكَانَ ربيئة لَهُم وَلم يكل ذَلِك إِلَى أحدٍ أخذا بالحزم والثقة. قَالَ الأعلم: وصف أَنه يحفظ أَصْحَابه فِي رَأس جبل إِذا خَافُوا من عَدو فَيكون طَلِيعَة لَهُم. والشمالات: جمع الشمَال من الرِّيَاح وخصها لِأَنَّهَا تهب بشدةٍ فِي أَكثر أحوالها. وَجعلهَا ترفع ثَوْبه لإشراف المرقبة الَّتِي يربأ فِيهَا لأَصْحَابه انْتهى كَلَامه. وَلَيْسَ فِي أبياته مَا يدل على أَن أَصْحَابه فِي رَأس جبل يخَافُونَ عدوا وَهَذَا ذمّ. وَإِنَّمَا الْمَعْنى: أَنا أنظر لَهُم وأصعد على موضعٍ عَال أرقبهم. وَأنْظر من يَأْتِيهم. وَقَوله: لِأَنَّهَا تهب بِشدَّة يَكْفِي عَنهُ قَوْله: ترفع ثَوْبه لإشراف المرقبة إِذْ الرّيح وَلَو أَنَّهَا الصِّبَا إِذا هبت على ثوب من مَكَان عَال رفعته. كَذَا قَالَ ابْن المستوفي. وَفِي الأول نظر. وأوفيت على الشَّيْء: أشرفت عَلَيْهِ فَفِي بِمَعْنى على وَيجوز أَن تكون بمعناها على تَقْدِير أوفيت على مَكَان عَال فِي جبل. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: يُقَال: أوفيت رَأس الْجَبَل. قَالَ ابْن يسعون: فعلى هَذَا فِي الْبَيْت حذف مفعول تَقْدِيره رُبمَا أوفيت مرقبة أَو شرفاً فِي رَأس علم. وَالْعلم بِفتْحَتَيْنِ: الْجَبَل. وَالشمَال بِالْفَتْح وَيجوز الْكسر بقلة وَهِي الرّيح الَّتِي تهب من نَاحيَة القطب. وفيهَا لُغَات: شَمل بِسُكُون الْمِيم وَفتحهَا وشمأل بِالْهَمْز كجعفر وَقد يشدد لامه وشأمل مقلوب مِنْهُ وشيمل كصيقل وشومل كجوهر وشمول كصبور وشميل كأمير. وَجمع الأول شمالات وَبِه أنْشدهُ الْجَوْهَرِي وَيجمع على شمائل أَيْضا بِخِلَاف الْقيَاس. وَفِي قَوْله: ترفعن ... إِلَخ إِشَارَة إِلَى أَن قَمِيصه لَا يلصق بجلده لخصمه. وَهَذَا مدح عِنْدهم لَا سِيمَا من كَانَ مثله من أهل النِّعْمَة. قَالَ ابْن الملا:

وَجُمْلَة ترفعن ... إِلَخ حَال من تَاء أوفيت أَو صفة لعلم والعائذ مَحْذُوف أَي:) فِيهِ. وَاقْتصر الْعَيْنِيّ على الْأَخير. وَفِي الأول نظر فَإِنَّهُم قَالُوا: يجب تجرد الْجُمْلَة الحالية من علم الِاسْتِقْبَال وَلِهَذَا غلط من أعرب جملَة سيهدين حَالا من قَوْله تَعَالَى: إِنِّي ذاهبٌ إِلَى رَبِّي سيهدين. قَالَ شَارِح أَبْيَات الْإِيضَاح للفارسي: ترفعن كَلَام مُنْقَطع مِمَّا قبله كَأَنَّهُ اسْتَأْنف الحَدِيث. وَلَيْسَ فِي مَوضِع حَال لِأَن هَذِه النُّون لَا تدخل على الْحَال. انْتهى. وَاسْتشْهدَ بِهِ الْفَارِسِي فِي الْإِيضَاح على وُقُوع الْمَاضِي بعد رب إِذا كفت بِمَا قَالَ: وربٌ مَوْضُوعَة للإخبار عَمَّا مضى وَهَذَا مَوضِع التكثير بِهِ أولى من التقليل لِأَنَّهُ الْمُنَاسب للمدح. وَكَذَا قَالَ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي: إِنَّه مسوق للافتخار وَلَا يُنَاسِبه التقليل. قَالَ شَارِح أَبْيَات الْإِيضَاح: يحْتَمل بَقَاء هُنَا رب على مَعْنَاهَا من التقليل لِأَن جذيمة ملك جليل لَا يحْتَاج مثله إِلَى أَن يبتذل فِي الطَّلَائِع لكنه قد يطْرَأ على الْمُلُوك خلاف الْعَادة فيفخرون بِمَا ظهر مِنْهُم عِنْد ذَلِك من الصَّبْر والجلادة. وَأورد على ابْن هِشَام بِأَن قد يَقع لَا من حَيْثُ قلته بل من كَونه عَزِيز المنال لَا يُوصل إِلَيْهِ إِلَّا بشق الْأَنْفس فالظفر بِهِ مَعَ هَذِه الْحَالة يُنَاسب الافتخار.

وَأجِيب بِأَنَّهُ لم يدع عدم مُنَاسبَة الْقَلِيل بل التقليل وَهُوَ غير مُنَاسِب للافتخار وَإِن كَانَ الْقَلِيل قد يُنَاسِبه بِغَيْر جِهَة قلته. وورى صَاحب الأغاني الْبَيْت كَذَا: ترفع أثوابي شمالات وَرَوَاهُ أَيْضا: ترفع الأثواب شمالات. وَقَوله: فِي فتوً أَنا كالئهم فِي مُتَعَلقَة بأوفيت وفتو: جمع فَتى وَهُوَ السخي الْكَرِيم والشاب أَيْضا جمع على فعول وَفِي بِمَعْنى مَعَ مُتَعَلقَة بأوفيت. وكالئهم: اسْم فَاعل من كلاه الله يكلؤه مَهْمُوز بِفتْحَتَيْنِ أَي: حفظه وحرسه. - والبلايا: جمع بلية. والعورة بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة: مَوضِع خللٍ يتخوف مِنْهُ فِي ثغر أَو حَرْب وَبَاتُوا: ماضي يبيت مبيتاً ومباتاً. وَله مَعْنيانِ: أشهرهما: اخْتِصَاص ذَلِك الْفِعْل بِاللَّيْلِ كَمَا اخْتصَّ لفعل فِي ظلّ بِالنَّهَارِ. فَإِذا قلت: بَات يفعل كَذَا فَمَعْنَاه: فعله بِاللَّيْلِ وَلَا يكون إِلَّا مَعَ سهر اللَّيْل. وَالثَّانِي: بِمَعْنى صَار يُقَال: بَات بِموضع كَذَا أَي: صَار سَوَاء كَانَ بلَيْل أَو نَهَار وَعَلِيهِ قَوْله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: فَإِنَّهُ لَا يدْرِي أَيْن باتت يَده. والمعنيان هُنَا محتملان. وروى) (فِي شبابٍ أَنا رائبهم ... هم لَدَى العورات صمَات) ورابئ: اسْم فَاعل من ربأت الْقَوْم بِالْهَمْزَةِ ربئاً وارتبأتهم أَي: رقبتهم وَذَلِكَ إِذا كنت لَهُم طَلِيعَة فَوق شرف. والربيء والربيئة على وزن فعيل وفعلية: الطليعة. والمربأة على مفعلة وَكَذَلِكَ المربأ: المرقبة. والعورة تقدم شرحها. وصمات: جمع صَامت وصمتهم للحراسة. وروى الْجَوْهَرِي: ...

(فِي فتوً أَنا رابئهم ... من كلال غزوةٍ مَاتُوا) والكلال بِالْفَتْح: التَّعَب. وَهُوَ مُضَاف إِلَى غَزْوَة. والغزوة بمعجمتين وَجُمْلَة مَاتُوا: صفة ثَانِيَة لفتوً. وأردا بِالْمَوْتِ: مقاساة الْأَهْوَال والشدائد. وَقَوله: ثمَّ أبنا غَانِمِينَ: من آب يؤوب إِذا رَجَعَ. وَرَوَاهُ صَاحب الأغاني كَذَا: (ثمَّ أبنا غَانِمِينَ وَكم ... من أناسٍ قبلنَا مَاتُوا ) وَقَوله: نَحن أدلجنا يُقَال: أدْلج إدلاجاً إِذا سَار اللَّيْل كُله وَبَاتُوا بِالْمُوَحَّدَةِ. وروى صَاحب الأغاني المصراع الأول كَذَا. لَيْت شعري مَا أطاف بهم وروى غَيره: وجذيمة الأبرش بِفَتْح الْجِيم وَكسر الذَّال الْمُعْجَمَة قَالَ الجاحظ فِي الْبَيَان والتبيين: عَن هِشَام بن مُحَمَّد بن السَّائِب الْكَلْبِيّ أَن جذيمة الوضاح هُوَ الأبرش التنوخي الْأَزْدِيّ وَهُوَ آخر مُلُوك قضاعة بِالْحيرَةِ وَهُوَ أول من حذا النِّعَال وَاتخذ المنجنيق وَضعه على الْحُصُون وَأول من أدْلج من الْمُلُوك وَأول من رفع لَهُ الشمع. وَكَانَ جذيمة من أفضل مُلُوك الْعَرَب رَأيا وأبعدهم مغاراً وأشدهم نكاية وأظهرهم حزماً. وَهُوَ أول من استجمع لَهُ الْملك بِأَرْض الْعرَاق وَضم إِلَيْهِ الْعَرَب وغزا بالجيوش وَكَانَ بِهِ برص وَكَانَت الْعَرَب تكنى عَن أَن تسميه بِهِ وتنسبه إِلَيْهِ

إعظماً لَهُ فَقيل لَهُ: جذيمة الوضاح وجذيمة الأبرش. وَكَانَت منازلة فِيمَا بَين الْحيرَة والأنبار وبقة وهيت وناحيتها وَعين التَّمْر وأطراف الْبر وتجبى إِلَيْهِ الْأَمْوَال وتفد عَلَيْهِ الْوُفُود وَكَانَ غزا طسماً وجديساً فِي منازلهما من جو وَمَا حوله وجو هِيَ الْيَمَامَة فَوَافَقَ خُيُول حسان بن أسعد أبي كرب قد أغارت على طسم وجديس فانكفأ) جذيمة رَاجعا. انْتهى. وَتقدم ذكر مَقْتَله فِي الشَّاهِد الرَّابِع وَالثَّلَاثِينَ بعد الْخَمْسمِائَةِ. - وَأنْشد بعده وَهُوَ من شَوَاهِد س: الرجز (يحسبه الْجَاهِل مَا لم يعلمَا ... شَيخا على كرسيه معمما) على أَن نون التوكيد تدخل بعد لم تَشْبِيها لَهَا بِلَا النَّهْي عِنْد سِيبَوَيْهٍ. وَأنْشد هَذَا الشّعْر. وَتقدم نقل كَلَامه قبل أَرْبَعَة أَبْيَات وَأَنه عِنْد ضَرُورَة وَأَصله مَا لم يعلمن فقلبت النُّون ألفا للْوَقْف. قَالَ ابْن الْأَنْبَارِي فِي مسَائِل الْخلاف: يدل على أَن النُّون الْخَفِيفَة لَيست مُخَفّفَة من الثَّقِيلَة أَنَّهَا تَتَغَيَّر فِي الْوَقْف وَيقف عَلَيْهَا بِالْألف قَالَ تَعَالَى:

لنسفعاً بالناصية وَقَالَ تَعَالَى: ليسجنن وليكوناً من الصاغرين أجمع الْقُرَّاء على أَن الْوَقْف فيهمَا بِأَلف لَا غير. وَقَالَ الشَّاعِر: يحسبه الْجَاهِل مَا لم يعلمَا وَلَا يجوز أَن يكون هَا هُنَا بالنُّون لمَكَان قَوْله: معمما بِالْألف لِأَن النُّون لَا تكون وصلا مَعَ الْألف فِي لُغَة من يَجْعَلهَا وصلا وَلَا روياً مَعَ الْمِيم إِلَّا فِي الإكفاء وَهُوَ عيب فِي قوافي الشّعْر. وَلَو جَازَ أَن تقع روياً مَعهَا لما جَازَ هَا هُنَا لِأَن النُّون مُقَيّدَة وَالْمِيم مُطلقَة فَإِن أُتِي بتنوين الْإِطْلَاق على لُغَة بعض الْعَرَب فَقَالَ: معممنٍ جَازَ أَن يَقُول: يعلمن لأَنهم يجْعَلُونَ فِي القافية مَكَان الْألف وَالْوَاو وَالْيَاء تنويناً وَلَا فرق عِنْدهم فِي ذَلِك بَين أَن تكون هَذِه الأحرف أَصْلِيَّة أَو منقلبة أَو زَائِدَة فِي اسْم أَو فعل كَقَوْلِه: والعتابن وَلَقَد أصابن وَنَحْو ذَلِك. انْتهى. وَهَذَا الشّعْر من قصيدة مرجزة أوردهَا الْأسود أَبُو مُحَمَّد الْأَعرَابِي فِي ضَالَّة الأديب وَهِي: الرجز (عبسيةٌ لم ترع قفاً أدرما ... وَلم تعجم عرفطاً معجما) (كَأَن صَوت شخبها إِذا همى ... بَين أكف الحالبين كلما) (شدا عَلَيْهِنَّ البنان المحكما ... سحيف أَفْعَى فِي خشِي أعشما) (وَقد حلبن حَيْثُ كَانَت قيمًا ... مثنى الوطاب والوطاب الزمما))

(وقمعاً يكسى ثمالاً قشعما ... يحسبه الْجَاهِل مالم يعلمَا ) (شَيخا على كرسيه مععما ... لَو أَنه أبان أَو تكلما) (لَكَانَ إِيَّاه وَلَكِن أعجما ... أتعبن ذَا ضبعية ملوما) (عِنْد كرامٍ لم يكن مكرما ... عذبه الله بهَا وأغرما) (وليداً حَتَّى عسا واعرنزما ... قد سَالم الْحَيَّات مِنْهُ القدما) (الأفعوان والشجاع الشجعما ... وَذَات قرنين ضروساً ضرزما) (يتبع مِنْهَا الدلحات الروما ... يعرفن مِنْهُ الرز والتكلما) قَوْله: عبسة أَي: هَذِه الْإِبِل عبسية أَو لنا إبل عبسية منسوبة إِلَى عبس أَبُو قَبيلَة. وَلم ترع من الرَّعْي. والقف بِضَم الْقَاف وَالتَّشْدِيد الْفَاء: مَا ارْتَفع من الأَرْض وَغلظ وَلم يبلغ أَن يكون جبلا. وَقفا: ظرف لقَوْله: لم ترع. والأورم فِي الْقَامُوس هُوَ المستوي. وَقَالَ الْعَيْنِيّ: الَّذِي لَا نَبَات فِيهِ. وَقَوله: لم تعجم بِالتَّشْدِيدِ من عجمت الْعود أعجمه بِالضَّمِّ عجماً إِذا عضضته لتعرف صلابته من خوره وَالْمرَاد لم تمضغ. والمعجم: المعضض. والعرفط كقنفذ: شجر من أَشجَار الْبَادِيَة. قَالَ أَبُو حنيفَة الدينَوَرِي فِي كتاب ألنبات: العرفط من العضاه وَهُوَ مفترش على الأَرْض لَا يذهب فِي السَّمَاء وَله ورقة عريضة وشوكة حجناء وَهُوَ مَا يلتحى لحاؤه ويصنع مِنْهُ الأرشية وَيخرج فِي برمه غلفة كَأَنَّهُ الباقلّى تَأْكُله الْإِبِل وَالْغنم. وَهُوَ خَبِيث الرّيح وَبِذَلِك يخْبث ريح راعيته وأنفاسها حَتَّى تتنحى عَنْهَا. وَهُوَ من أَخبث المراعي. انْتهى.

وَقَالَ الْأَزْهَرِي: العرفط: شَجَرَة قصبيرة متدانية الأغصان ذَات شوك كثير تنْبت فِي الْجبَال. انْتهى. والشخب بِفَتْح الشين وَسُكُون الْخَاء المعجمتين: مصدر شخب اللَّبن يشخب بفتحهما ويشخب بِالضَّمِّ إِذا خرج من الضَّرع والأشخوب بِالضَّمِّ: صَوت الدرة. وهمى يهمي إِذا سَالَ. وَقَوله: شدا عَلَيْهِنَّ ... إِلَخ شدا بالشين الْمُعْجَمَة وَالدَّال الْمُهْملَة بِمَعْنى غنى وفاعله الشخب والبنان مَفْعُوله بِتَقْدِير اللَّام وَضمير عَلَيْهِنَّ للأكف يُقَال: شدا شعرًا أَو غناء إِذا) غنى بِهِ أَو ترنم بِهِ. وَقَوله: سحيف أَفْعَى هُوَ خبر كَأَن. والسحيف بمهملتين كأمير: الصَّوْت جعله للأفعى وَأَصله صَوت الشخب قَالَ الصغاني: السحيف: صَوت الشخب. - وَقَالَ أَبُو مَالك:: نَاقَة أسحوف الأحاليل إِذا كَانَت كَثِيرَة اللَّبن كَأَنَّهُ يسمع لصوت شخبها سحفة وَهِي سحيفها. وَأنْشد الْأَصْمَعِي: الرجز (حسبت أَن شخبها وسحفه ... أَفْعَى وأفعى طافياً بنشفه) والنشفة: الْحِجَارَة المحرقة من حِجَارَة الْحرَّة وَيُقَال أَيْضا: سَمِعت حفيف الرَّحَى وسحيفها أَي: صَوتهَا إِذا طحنت. انْتهى. وَفِي الْقَامُوس: الخشي بالمعجمتين: يَابِس النبت وألأعشم بإهمال

الْعين وإعجام الشين: الْيَابِس من الحماض يُقَال العيشوم أَيْضا. وَفِي الْقَامُوس: الْأَعْشَم: الشّجر الْيَابِس وكل شَجَرَة يابسها أَكثر من رطبها. وَرُوِيَ بدله: صَوت الأفاعي فِي خشيٍ أخشما والأخشم والأشخم: الَّذِي ابيض بعد خضرته. وَمثل قَول الآخر: الرجز (كَأَن صَوت شخبها المرفض ... كشيش أَفْعَى أَجمعت لعض) فَهِيَ تحك بَعْضهَا بِبَعْض شبه صَوت شخبها بكشيش الأفعى إِذا هَمت بِأَن تثب للعض. والمرفض: المتفرق لكثرته وأجمعت: عزمت. وَقَوله: قيمًا: جمع قَائِمَة وَالْقِيَاس: قوم. وَقَوله: مثنى الوطاب: هُوَ مفعول حلبن على حذف مُضَاف أَي: ملْء مثنى الوطاب. والمثنى هُنَا بِمَعْنى المكررة كَمَا فِي قَوْلهم: مثنى الأيادي أَي: يُعِيد معروفه مرَّتَيْنِ أَو ثَلَاثًا. قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: مثنى الأيادي: الْأَنْصِبَاء الَّتِي كَانَت تفضل من الْجَزُور فِي الميسر فَكَانَ الرجل وَقَالَ أَبُو عَمْرو: هِيَ أَن يَأْخُذ الْقسم مرّة بعد مرّة. والوطاب: جمع وطب وَهُوَ سقاء اللَّبن خَاصَّة.) قَالَ ابْن السّكيت: هُوَ جلد الْجذع فَمَا فَوْقه وَجمعه فِي الْكثير أوطاب وَفِي الْقَلِيل أوطب. والزمم: بِضَم الزاء وَتَشْديد الْمِيم: جمع زامٍّ من زم. قَالَ صَاحب الْقَامُوس: زم الْقرْبَة: ملأها.

وَقَوله: وقمعا وَرُوِيَ بدله: وقصعاً يكسى ... إِلَخ بِكَسْر الْقَاف وَفتح الْمِيم: آلَة تجْعَل فِي فَم السقاء وَنَحْوه وَيصب فِيهَا اللَّبن وَنَحْوه وقمعت الرطب أَي: وضعت فِي رَأسه القمع. والثمال بِضَم الْمُثَلَّثَة قَالَ صَاحب الْعباب: هِيَ الرغوة والقطعة ثمالة. قَالَ أَبُو زيد فِي نوادره: كل شَيْء يكون ضخماً فَهُوَ قشعم. وَأنْشد: الرجز وقصعاً تُكْسَى ثمالاً قشعما والثمال: الرغوة. انْتهى. وَلم أر القشعم بِهَذَا الْمَعْنى إِلَّا فِيهَا. وَقَوله: يحسبه أَي: يحْسب الثمال. وَمَا: مَصْدَرِيَّة ظرفية. وَيعلم هُنَا بِمَعْنى يعرف ومفعوله مَحْذُوف وَهُوَ ضمير الثمال وشيخاً هُوَ الْمَفْعُول الثَّانِي ليحسبه وَمَا بعده صفتان لَهُ. شبه الرغوة الَّتِي تعلو القمع بشيخ معمم جَالس على كرْسِي. وَهَذَا تشبيهٌ ظريف جيد. - وَلم يصب الأعلم فِي قَوْله: وصف جبلا قد عَمه الخصب وحفه النَّبَات وعلاه فَجعله كشيخ مزمل فِي ثِيَابه معصب بعمامته وَخص الشَّيْخ لوقارته فِي مَجْلِسه وَحَاجته إِلَى الاستكثار من النَّاس. هَذَا كَلَامه وكانه لم يقف على هَذِه الأبيات. ووقله: لَو أَنه أبان أَي: لَو أَن ذَلِك الثمال الَّذِي يشبه الشَّيْخ وَأَبَان أَي: جَاءَ بِالْبَيَانِ وَهُوَ الإفصاح عَمَّا فِي الضَّمِير. وَقَوله: لَكَانَ إِيَّاه أَي: لَكَانَ الثمال ذَلِك الشَّيْخ. والأعجم: من لَا يقدر على الْكَلَام أصلا. والأعجم أَيْضا: الَّذِي لَا يفصح وَلَا يبين كَلَامه وَإِن كَانَ من الْعَرَب والأعجم أَيْضا: الَّذِي فِي لِسَانه عجمة وَإِن أفْصح بالعجمية وَالْمرَاد هُنَا الأول.

وَقَوله: أتعبن ذَا ضبعية أَي: أَتعبت هَذِه الْإِبِل رَاعيا ذَا ضبعيةٍ أَي: ذَا قُوَّة ضبعية نِسْبَة إِلَى الضبع بِفَتْح الضَّاد الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْمُوَحدَة وَهُوَ الْعَضُد. والملوم: الَّذِي يلام لوماً كثيرا لسوء مَا يَأْتِي. وَقَوله: عِنْد كرام بالنُّون وَرُوِيَ أَيْضا: عبد كرام بِالْمُوَحَّدَةِ. وَقَوله: عذبه الله بهَا أَي: بِخِدْمَة هَذِه الْإِبِل وَالْجُمْلَة خبرية أَو دعائية. وأغرم من أغرمه الله أَي: جعلة الله ذَا غرام فَهُوَ مغرم. والغرام: الشَّرّ الدَّائِم.) وَقَوله: وليداً ... إِلَخ هُوَ مصغر وليد كأمير صغرة تحقيراً لَهُ وعسا هُنَا من عسا الشَّيْء قَالَ الْأَخْفَش: عست يَده تعسو: غلظت من الْعَمَل. واعرنزم بِالْعينِ وَالرَّاء الْمُهْمَلَتَيْنِ بعْدهَا نون وزاي أَي: اجْتمع وأشتد. وَقَوله: قد سَالم الْحَيَّات ... إِلَخ أنْشدهُ سِيبَوَيْهٍ إِلَى قَوْله: ضموزاً ضرزماً بِرَفْع الْحَيَّات وَنصب الأفعوان وَمَا بعده وَقَالَ: فَإِنَّمَا نصب الأفعوان والشجاع لِأَنَّهُ قد علم أَن الْقدَم هَا هُنَا مسالمة كَمَا أَنَّهَا مسالمة فَحمل الْكَلَام على أَنَّهَا مسالمة. انْتهى. - فَيكون الأفعوان وَمَا بعده مَنْصُوبًا بإضمار فعل كَأَنَّهُ قَالَ: وسالمت الْقدَم الأفعوان والشجاع فالمسالمة وَاقعَة مِنْهُمَا. قَالَ ابْن السَّيِّد فِي أَبْيَات الْمعَانِي وَفِي شرح أَبْيَات الْجمل: كَانَ الْقيَاس رفع الأفعوان وَمَا بعده على الْبَدَل من الْحَيَّات لكنه جمله على فعل مُضْمر يدل عَلَيْهِ سَالم لِأَن المسالمة إِنَّمَا تكون من اثْنَيْنِ فَصَاعِدا فَلَمَّا اضْطر إِلَى النصب حمل الْكَلَام على الْمَعْنى. وَقَالَ الْفراء: الْحَيَّات بِالنّصب مفعول بهَا وَالْفَاعِل القدمان وَهُوَ مثنى فَحذف نونه للضَّرُورَة. انْتهى.

وَقَالَ ابْن هِشَام فِي آخر الْمُغنِي: نصب الْحَيَّات هُوَ على الفاعلية فَإِنَّهُ قد ينصب الْفَاعِل عِنْد أَمن اللّبْس. وَأَقُول: الْفراء إِنَّمَا رَوَاهُ كسيبويه قَالَ فِي تَفْسِير قَوْله تَعَالَى: إِذْ الأغلال فِي أَعْنَاقهم والسلاسل يسْحَبُونَ ترفع الأغلال والسلاسل وَلَو نصبت السلَاسِل تُرِيدُ: يسْحَبُونَ سلاسلهم فِي جَهَنَّم. وَذكر الْكَلْبِيّ عَن أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ: وهم فِي السلَاسِل يسْحَبُونَ فلايجوز خفض السلَاسِل والخافض مُضْمر وَلَكِن لَو أَن مُتَوَهمًا. قَالَ: إِنَّمَا الْمَعْنى إِذْ أَعْنَاقهم فِي الأغلال وَفِي السلَاسِل يسْحَبُونَ جَازَ الْخَفْض فِي السلَاسِل على هَذَا الْمَذْهَب وَمثله مِمَّا رد إِلَى الْمَعْنى قَول الشَّاعِر: (قد سَالم الْحَيَّات مِنْهُ القدما ... الأفعوان ... ... ... ... . إِلَخ) فنصب الشجاع والحيات قبل ذَلِك مَرْفُوعَة لِأَن الْمَعْنى قد سالمت رجله الْحَيَّات وسالمتها فَلَمَّا أجتاج إِلَى نصب القافية جعل الْفِعْل من الْقدَم وَاقعا على الْحَيَّات. انْتهى كَلَامه. - وَعزا ابْن جني فِي الخصائص رِوَايَة نصب الْحَيَّات إِلَى الْكُوفِيّين ونسبها بَعضهم إِلَى البغداديين.) وَالله أعلم. وَقد رَجحه اللَّخْمِيّ فِي شرح أَبْيَات الْجمل قَالَ: ويدوى بِنصب الْحَيَّات فَتكون الْقدَم فَاعله. وَأَرَادَ القدمان فَحذف النُّون ضَرُورَة وَمِمَّا يدل على أَن الْقَدَمَيْنِ قد حذف نونه للضَّرُورَة قَوْله بعد هَذَا:

فَقَوله: هممن فِي رجلَيْهِ دَلِيل على القدما تَثْنِيَة. وَقَوله: ثمَّ اغتدين ... إِلَخ دَلِيل على أَن بَعْضهَا قد سَالم بَعْضًا. ووقله: واغتدى إِخْبَار عَن صَاحب الْقَدَمَيْنِ لَا عَن الْقدَم لِأَنَّهُ إِذا سلمت قدماه فَهُوَ مُسلم وَمعنى هممن: دببن. هَذَا كَلَامه. والأفعوان بِالضَّمِّ: الذّكر من الأفاعي. والشجاع: الذّكر من الْحَيَّات. والشجعم: الجريء وَقيل: الطَّوِيل مَعَ عظم جسم وَالْمِيم فِيهِ زَائِدَة. وَقَوله: وَذَات قرنين هِيَ الأفعى القرناء وَضرب من الأفاعي يكون لَهُ قُرُون من جلده وَلَيْسَت كالقرون الْمَعْرُوفَة. قَالَ اللَّخْمِيّ: ذَات قرنين: حَيَّة لَهَا قرنان وهما لحمتان فِي رَأسهَا من عَن يَمِين وشمال وَقيل: يَعْنِي الْعَقْرَب. والضروس: فعول من الضرس وَهُوَ العض الشَّديد بالأضراس. ووري بدله: الضموز بالمعجمتين كصبور وَهِي الْحَيَّة المطرقة الَّتِي لَا تصفر لخبثها فَإِذا عرض لَهَا إِنْسَان ساورته وثباً. والضرزم بِكَسْر المعجمتين بَينهمَا رَاء مُهْملَة سَاكِنة: الْحَيَّة المسنة وهوأخبث لَهَا وَأكْثر لسمها. وَقيل: هِيَ الشَّدِيدَة النهش. وَصفه بغلظ الْقَدَمَيْنِ وصلابتهما لطول الحفى فَذكر لِأَنَّهُ يطَأ على الْحَيَّات والعقارب فيقتلها فقد سالمت قَدَمَيْهِ فَمَا تقدم أَن تدخل تحتهَا كَمَا سالمت القدمان الْحَيَّات فاغتدين مسلمات واغتدى الرِّجَال سَالم الْقَدَمَيْنِ. - وَقَوله: يبتن عِنْد عطفيه أَي: تبيت الْحَيَّات عِنْد قَدَمَيْهِ. وَرُوِيَ بدله: (هممن فِي رجلَيْهِ ثمَّ هوما ... ثمَّ اغتدين ... . . إِلَخ) فِي الصِّحَاح: الهميم: الدبيب وَقد هَمَمْت أهم بِالْكَسْرِ هميماً. وهوم الرجل إِذا هز رَأسه من النعاس.) ووقله: يتبع مِنْهَا ... إِلَخ رَجَعَ إِلَى ذكر الْإِبِل. وَضمير مِنْهَا لِلْإِبِلِ. ودلح: جمع دالحة بِالْحَاء الْمُهْملَة من دلح الرجل إِذا مَشى بِحمْلِهِ غير منبسط

الخطو لثقله عَلَيْهِ. وَالروم: جمع رائمة من رئمت النَّاقة وَلَدهَا رئماناً إِذا أحبته. والرز بِكَسْر الرَّاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الزَّاي: الصَّوْت. قَالَ الْجَوْهَرِي: تَقول: سَمِعت رز الرَّعْد وَغَيره. وَقد تحرفت هَذِه الْكَلِمَة على الْعَيْنِيّ فَقَالَ: الزر بِفَتْح الزَّاي الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الرَّاء وَهُوَ العض. انْتهى. وَهَذَا لَا وَجه لَهُ هُنَا. وَقد روى الْحلْوانِي فِي كتاب الشُّعَرَاء المنسوبين إِلَى أمهاتهم الأبيات الْأَخِيرَة من قَوْله: إِلَى آخرهَا باختلافٍ فِي بعض الْأَلْفَاظ وَنسب الشّعْر إِلَى ابْن جباية بِضَم الْجِيم وَبعدهَا موحدتان خفيفتان. وَهُوَ شَاعِر جاهلي لص. قَالَ: وَهُوَ من بني سعد ثمَّ بني عَوْف بن سعد بن جباية وَهِي أمه واسْمه المغوار بن الْأَعْنَق وَاسم الْأَعْنَق حيدة بن كَعْب وَكَانَ لصاً. انْتهى. وَنسب ابْن السَّيِّد وَاللَّخْمِيّ هَذَا الشّعْر إِلَى مساور الْعَبْسِي وَنسبه بَعضهم إِلَى العجاج. قَالَ ابْن السيرافي فِي شرح أَبْيَات الْغَرِيب المُصَنّف: للعجاج قصيدة يشبه أَن تكون هَذِه الأبيات مِنْهَا وَالرِّوَايَة تخْتَلف وأبيات العجاج فِي صفة فَحل من فحول الْإِبِل. انْتهى. وَقَالَ الْعَيْنِيّ: قَالَ ابْن هِشَام: هُوَ لأبي حَيَّان الفقعسي. وَقَالَ السيرافي: قَائِله الدبيري. وَقَالَ الصَّاغَانِي: قَائِله عبد بني عبس. انْتهى.

ومساور العبسسي هُوَ مساور بن هِنْد بن قيس بن زُهَيْر بن جذيمة الْعَبْسِي شَاعِر شرِيف فَارس مخضرم إسلامي ذكره ابْن حجر فِي الْإِصَابَة فِيمَن أدْرك النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وَلم يجْتَمع بِهِ وَكَانَ جده قيس مَشْهُورا فِي الْجَاهِلِيَّة وَهُوَ صَاحب حَرْب داحس والغبراء. وروى الْأَصْمَعِي عَن أبي عَمْرو بن الْعَلَاء أَنه قَالَ: حَدثنِي من رأى مساور بن هِنْد أَنه ولد فِي وَذكره المرزباني فِي مُعْجم الشُّعَرَاء وَذكر لَهُ قصَّة مَعَ عبد الْملك وَكَانَ أَعور. وَهُوَ من الْمُتَقَدِّمين فِي الْإِسْلَام وَهُوَ وَأَبوهُ وجده أَشْرَاف شعراء فرسَان. انْتهى مَا ذكره ابْن حجر. وَقَالَ ابْن قُتَيْبَة فِي كتاب الشُّعَرَاء: مساور بن هِنْد كنيته أَبُو الصمعاء وجده قيس هُوَ صَاحب الْحَرْب بَين فَزَارَة وَعَبس وَهِي حَرْب داحس والغبراء. وَكَانَ الْمسَاوِر يهاجي المرار الفقعسي) ويهجو بني أَسد. قَالَ: الْبَسِيط (مَا سرني أَن أُمِّي من بني أسدٍ ... وَأَن رَبِّي ينجيني من النَّار) (وَأَنَّهُمْ زوجوني من بناتهم ... وَأَن لي كل يومٍ ألف دِينَار ) وَقَالَ المرار يجِيبه: الْبَسِيط (لست إِلَى الْأُم من عبسٍ وَمن أسدٍ ... وَإِنَّمَا أَنْت دِينَار بن دِينَار) (وَإِن تكن أَنْت من عبسٍ وأمهم ... فَأم عبسكم من جَارة الْجَار) وَفِيه يَقُول الشَّاعِر: الْكَامِل (شقيت بَنو أسدٍ بِشعر مساورٍ ... إِن الشقي بِكُل حبلٍ يخنق) وَقَالَ لَهُ الْحجَّاج: لم تَقول الشّعْر بعد الْكبر قَالَ: أَسْقِي بِهِ المَاء وأرعى بِهِ الْكلأ وتقضي لي

(الشاهد الخمسون به التسعمائة)

وَهُوَ من المعمرين وَلم يذكرهُ أَبُو حَاتِم السجسْتانِي فِي المعمرين. وَمن هجوه لبني أَسد قَوْله: الوافر (زعمتم أَن إخوتكم قريشٌ ... لَهُم إلفٌ وَلَيْسَ لكم إلاف) (أُولَئِكَ أومنوا جوعا وخوفاً ... وَقد جاعت بَنو أسدٍ وخافوا) وَاسْتشْهدَ بِالْبَيْتِ الأول لقِرَاءَة أبي جَعْفَر: لإلف قُرَيْش من ألف يألف إلفاً. وَالْبَيْت قد جمع الْقِرَاءَتَيْن. - وَأنْشد بعده (الشَّاهِد الْخَمْسُونَ بِهِ التسْعمائَة) الرجز (أريت إِن جِئْت بِهِ أملودا ... مرجلاً ويلبس البرودا) أقائلن أحضري الشهودا على أَن نون التوكيد قد تلْحق اسْم الْفَاعِل ضَرُورَة تَشْبِيها لَهُ بالمضارع. قَالَ ابْن جني فِي بَاب الِاسْتِحْسَان من كتاب الخصائص: الِاسْتِحْسَان علته ضَعِيفَة غير أربت إِن جِئْت بِهِ أملودا إِلَخ

فَألْحق نون التوكيد اسْم الْفَاعِل تَشْبِيها لَهُ بِالْفِعْلِ الْمُضَارع فَهَذَا إِذن اسْتِحْسَان لَا عَن قُوَّة عِلّة وَلَا عَن اسْتِمْرَار عَادَة. أَلا تراك لَا تَقول: أقائمن يَا زيدون وَلَا أمنطلقن يَا رجال إِنَّا تَقوله بِحَيْثُ سمعته وتعتذر لَهُ وتنسبه إِلَى أَنه اسْتِحْسَان مِنْهُم على ضعفٍ مِنْهُ وَاحْتِمَال بِالشُّبْهَةِ لَهُ انْتهى. وَقَالَ أَيْضا فِي سر الصِّنَاعَة: وَشبه بعض الْعَرَب اسْم الْفَاعِل بِالْفِعْلِ فألحقه النُّون توكيداً فَقَالَ: أريت إِن جِئْت بِهِ أملودا إِلَى آخر الشّعْر. - يُرِيد: أقائلون فأجراه مجْرى: أتقولون. وَقَالَ الآخر: الرجز (يَا لَيْت شعري عَنْكُم حَنِيفا ... أشاهرن بَعدنَا السيوفا) انْتهى. وَهَذَا من رجز أوردهُ السكرِي فِي أشعار هُذَيْل لرجل مِنْهُم بِلَفْظ: أقائلون قَالَ: وَقَالَ رجل (أرايت إِن جَاءَت بِهِ أملودا ... مرجلاً ويلبس البرودا) أَي: إِن جَاءَت بِهِ ملكا أملوداً أملس. وَلَا ترى مَالا لَهُ معدودا أَي: لَا يعد مَاله من جوده. (أقائلون أعجلي الشهودا ... فظلت فِي شَرّ من اللذ كيدا)) كاللذ تزبى صائداً فصيدا ويروى: فاصطيدا: تزبى زبية: حفر زبية. واللذ يُرِيد الَّذِي. يَقُول:

أرايت إِن ولدت هَذِه الْمَرْأَة رجلا هَذِه صفته أيقال لَهَا: أقيمي الْبَيِّنَة إِنَّك لم تَأتي بِهِ من غَيره انْتهى. وَكَذَا اورده ابْن دُرَيْد فِي أَمَالِيهِ بِدُونِ: وَلَا ترى مَالا لَهُ معدودا قَالَ: أخبرنَا أَبُو عُثْمَان التوزي عَن أبي عُبَيْدَة قَالَ: أَتَى رجل من الْعَرَب أمة فَلَمَّا حبلت جَحدهَا فأنشأت تَقول: أرايت إِن جَاءَت بِهِ إِلَى آخِره وعَلى هَذَا لم تلْحق النُّون اسْم الْفَاعِل فَلَا ضَرُورَة فِيهِ. وعَلى رِوَايَة النُّون فَقَوله: أقائلن جمع وَأَصله: أقائلون كَمَا ورد بِهِ الرِّوَايَة وَصرح بِهِ ابْن جني. وَيلْزم مِنْهُ أَن تكون لامه مَضْمُومَة فَلَمَّا أكد وَصَارَ: أقائلونن حذفت نون الْجمع لتوالي الْأَمْثَال وحذفت الْوَاو لاجتماعها سَاكِنة مَعَ نون التَّأْكِيد وَبقيت الضمة دَلِيلا عَلَيْهَا. وَلَا يجوز أَن يكون أَصله: أقائل أَنا لِأَنَّهُ مقَام الْخطاب لَا مقَام التَّكَلُّم. وَبِمَا نقلنا يرد على الدماميني قَوْله فِي الْحَاشِيَة الْهِنْدِيَّة وَفِي شرح التسهيل: وَلقَائِل أَن يَقُول: لانسلم أَن فِي قَوْله أقائلن توكيداً لاحْتِمَال أَن يكون أَصله أقائل إِنَّا فحذفت الْهمزَة اعتباطاً ثمَّ أدغم التَّنْوِين فِي نون إِنَّا على حد: لَكنا هُوَ الله رَبِّي كَمَا قيل فِيهِ. انْتهى. وَهُوَ فِي هَذَا مَسْبُوق بقول المراكشي: يمْنَع أَنه تَأْكِيد بِجعْل الأَصْل: أقائل

إِنَّا فَفعل كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: لَكنا هُوَ الله رَبِّي. ورد عَلَيْهِ بِأَنَّهُ لَو كَانَ كَذَلِك لَكَانَ الْبَيْت: أقائلونا بِأَلف بعد النُّون. وَقد رد الشَّيْخ خَالِد فِي التَّصْرِيح على الدماميني بِمَا ذكرنَا وَبِهَذَا فَقَالَ: وَعَلِيهِ اعْتِرَاض من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَنه يعْتَبر فِي الْمَقِيس أَن يكون على وزان الْمَقِيس عَلَيْهِ وَهنا لَيْسَ كَذَلِك لِأَن الْألف الثَّانِيَة فِي الْمَقِيس عَلَيْهِ مَذْكُورَة وَفِي الْمَقِيس محذوفة. وَالثَّانِي: أَن هَذَا الِاحْتِمَال إِنَّمَا يتمشى حَيْثُ كَانَ الْمَعْنى: أقائل إِنَّا على التَّكَلُّم أما إِذا كَانَ وَاعْترض على هَذَا الشنواني بِأَن فِي إِعْطَاء مَا ذكر نظرا لجَوَاز أَن الْمُتَكَلّم جرد من نَفسه نفسا خاطبها. انْتهى.) وَلَا يخفى أَن ادِّعَاء التَّجْرِيد لَا مساغ لَهُ هُنَا كَمَا يعلم مِمَّا نقلنا عَن ابْن دُرَيْد. وَاعْترض على الأول أَيْضا بِوَجْهَيْنِ: الأول: أَنه يعْتَبر فِي الْمَقِيس أَن يكون على وزان الْمَقِيس عَلَيْهِ فِي عِلّة الحكم لَا فِي غَيرهَا. الثَّانِي: سلمنَا مَا ذكره. لَكِن نقُول: إِن الْألف الثَّانِيَة فِي الْمَقِيس عَلَيْهِ محذوفة فِي قِرَاءَة غير ابْن عَامر لِأَن ابْن عَامر قَرَأَ بِإِثْبَات الْألف وصلا ووقفاً وَالْبَاقُونَ بحذفها وصلا وبإثباتها وَقفا. وَكفى ذَلِك فِي كَون الْمَقِيس على وزان الْمَقِيس عَلَيْهِ. انْتهى. وَفِي كل مِنْهُمَا نظر أما أَولا فَلِأَن الْألف الثَّانِيَة إِذا حذفت لم يبْقى دَلِيل على أَن النُّون بَقِيَّة أَنا حَتَّى تقاس على غَيرهَا فِي الأدغام. وَأما ثَانِيًا فَلِأَن من قَرَأَ

بِحَذْف الْألف من لَكنا وصلا لَا يحذفها خطا والْخط يدل عَلَيْهَا. وَاو وقف الدماميني على رِوَايَة الشّعْر وعَلى كَلَام سر الصِّنَاعَة لم يقل ذَاك وَلَا قَوْله: سَمِعت شُيُوخنَا ينشدونه بِضَم اللَّام من أقائلن. وَلم أَقف عَلَيْهِ مضبوطاً كَذَلِك فِي كتاب مُعْتَمد. انْتهى فَأن ضم اللَّام من لَازم جمعه بِالْوَاو وَالنُّون. ثمَّ قَوْله: فَإِن ثبتَتْ رِوَايَة الضَّم فِيهِ علم أَن الْعَرَبِيّ لَا يبنيه عِنْد إِلْحَاق هَذِه النُّون الْمُتَّصِلَة بِهِ لَكِن يسْأَل حِينَئِذٍ: لم أعرب مَعَ قيام الشّبَه الْمُقْتَضِي للْبِنَاء انْتهى. يُرِيد بالشبه شبه اسْم الْفَاعِل الْمُتَّصِلَة بِهِ النُّون بِفعل الْأَمر كَمَا صرح بِهِ. وَهَذَا السُّؤَال واهٍ جدا نَاشِئ عَن غَفلَة فَإِن مشابهة الِاسْم للْفِعْل إِنَّمَا تَقْتَضِي مَنعه من الصّرْف لَا بناءه. وَتلك المشابهة إِنَّمَا تكون فِي علتين من الْعِلَل التسع لَا فِي مُطلق المشابهة. والشبه الْمُقْتَضِي للْبِنَاء إِنَّمَا يكون لمشابهته للحروف. على أَن النُّون غير مُتَّصِلَة بِاللَّامِ للفصل بِالْوَاو. والْفِعْل الْمُؤَكّد بهَا مَعَ فصل ضمير بارز لايبني على الصَّحِيح فَكيف الِاسْم وَأغْرب من هَذَا قَول الشَّيْخ خَالِد بعد اعترافه بِأَن اللَّام مَضْمُومَة: يسْلك بِالْوَصْفِ مَعَ نون التوكيد مَسْلَك الْفِعْل من الْبناء على الْفَتْح مَعَ الْمُفْرد وعَلى الضَّم مَعَ جمَاعَة الذُّكُور. وَلم أَقف على نَص فِي ذَلِك. انْتهى. مَعَ أَن الدماميني صرح فِي أَنه عِنْد ضم اللَّام لايكون مَبْنِيا جزما إِلَّا أَنه غفل من عدم اتِّصَال) النُّون بِاللَّامِ. وَغَايَة مَا أجَاب الشمني عَن عدم الْبناء بِأَن النُّون إِنَّمَا تدخل

الْوَصْف لشبهه بالمضارع لفظا وَمعنى وَالْأَصْل فِي الْأَسْمَاء الْإِعْرَاب فَيبقى على أَصله مَعَ أَنه لاضرورة فِي بنائِهِ بل فِي لحاق النُّون بِهِ. هَذَا كَلَامه. وَقد اعْترض الشنواني على الشَّيْخ خَالِد بِأَن بِنَاء الْفِعْل الْمُؤَكّد بالنُّون على الضَّم مَعَ وَاو الْجَمَاعَة الذُّكُور لم أَقف على نَص فِي ذَلِك فَإِن الَّذِي وقفنا عَلَيْهِ بنائِهِ مَعَ نون التوكيد وَإِن لم تباشره. وَأما أَن بناءه على الضَّم مَعَ الولو وعَلى الْكسر مَعَ الْيَاء فَلم نره فِي شَيْء مِمَّا رقفنا عَلَيْهِ. فَإِن كَانَ هُوَ أطلع على نقل فِي ذَلِك فسمعاً وَطَاعَة وَإِلَّا فَهُوَ مَحل توقف. انْتهى. وَهَذَا نقد جيد وَعلم معنى الشّعْر مِمَّا نَقَلْنَاهُ عَن ابْن دُرَيْد وَعَن السكرِي. وَقَول الدماميني فِي مَعْنَاهُ: تَقول أَخْبرنِي إِن جَاءَت هَذِه الْمَرْأَة بشاب يَتَزَوَّجهَا رجل الشّعْر حسن اللبَاس كالغصن الناعم أتأمر بإحضاري الشُّهُود لعقد نِكَاحهَا عَلَيْهِ يُنكر وُقُوع ذَلِك مِنْهُ. اه. شرح من عِنْده بالتخمين مُخَالف للمنقول. وَقد تبعه عَلَيْهِ الشَّيْخ خَالِد وَابْن الملا فِي شرح الْمُغنِي حَتَّى قَالَ الزراقي فِيمَا كتبه على التَّصْرِيح: قَوْله: يُنكر وُقُوع ذَلِك مِنْهُ أَي: يُنكر وُقُوع إِحْضَار الشُّهُود وَذَلِكَ لِأَن الِاسْتِفْهَام فِي أقائلن إنكاري وَوجه إِنْكَار ذَلِك أَن من كَانَ على الصّفة الْمَذْكُورَة كَانَ من أهل الْحَضَر وَذَلِكَ لَا يصاهرهم. قَالَه بعض شُيُوخنَا. انْتهى. قَالَ الشَّارِح فِي شرح الشافية: تحذف الْهمزَة فِي رَأَيْت مَعَ ألف الِاسْتِفْهَام

فَيُقَال: أريت وَهُوَ قِرَاءَة الْكسَائي فِي جَمِيع ماأوله همزَة الِاسْتِفْهَام من رأى الْمُتَّصِل بِهِ التَّاء وَالنُّون. وَإِنَّمَا كثر ذَلِك فِي رَأَيْت وأخواته لِكَثْرَة الِاسْتِعْمَال. انْتهى. وَقَوله: إِن جِئْت بالتكلم عَن لِسَان الْمَرْأَة وَهِي رِوَايَة ابْن جني فِي سر الصِّنَاعَة والخصائص والمحتسب. هَذَا إِذا كَانَ الْقَائِل غَيرهَا فَإِن كَانَت هِيَ القائلة فَهُوَ على مُقْتَضى الظَّاهِر. وَرَوَاهُ السكرِي وَابْن دُرَيْد: إِن جَاءَت فَهُوَ على رِوَايَة السكرِي يكون على لسانها وعَلى رِوَايَة ابْن دُرَيْد يكون كَلَامهَا نزلت نَفسهَا منزلَة الغائبة فَأخْبرت عَنْهَا. والأملود بِالضَّمِّ قَالَ صَاحب الصِّحَاح: غُصْن أملود أَي: ناعم وَرجل أملود وَامْرَأَة أملودة عَن يَعْقُوب وشاب أملد وَجَارِيَة ملداء بَينا الملد أَي: النعومة. والمرجل بِفَتْح الْجِيم الْمُشَدّدَة: اسْم مفعول من رجل شعره ترجيلاً أَي: سرحه. وَفِي النِّهَايَة) لِابْنِ الْأَثِير: التَّرَجُّل والترجيل: تَسْرِيح الشّعْر وتنظيفه وتحسينه. وَفِي الْمِصْبَاح: ورجلت الشّعْر ترجيلاً: سرحته سَوَاء كَانَ شعرك أَو شعر غَيْرك. وترجلت إِذا كَانَ شعر نَفسك. قَالَ الدماميني: الْمرجل: الَّذِي شعره بَين الجعودة والسبوطة. انْتهى. وَلَا يخفى أَن الْمُسْتَعْمل بِهَذَا الْمَعْنى إِنَّمَا هُوَ رجل الشّعْر رجلا من بَاب تَعب فَهُوَ رجل بِالْكَسْرِ والسكون تَخْفيف أَي: لَيْسَ شَدِيد الجعودة وَلَا شَدِيد السبوطة بل بَينهمَا. كَذَا فِي الْعباب وَالنِّهَايَة والمصباح وَغَيرهَا. وَقَالَ الْعَيْنِيّ: وَضَبطه بَعضهم بِالْحَاء الْمُهْملَة وَهُوَ برد يصور عَلَيْهِ الرّحال. وَيُقَال الْمرجل بِالْجِيم: ثوب فِيهِ صور الرِّجَال والمرحل بِالْحَاء: ثوب فِيهِ صور تشبه الرّحال. انْتهى. وَتَبعهُ السُّيُوطِيّ وَغَيره. وَهَذَا الضَّبْط بالاختلاف إِنَّمَا أوردهُ عِنْد قَول امْرِئ الْقَيْس فِي معلقته:

(الشاهد الحادي والخمسون بعد التسعمائة)

الطَّوِيل أذيال مرطٍ مرجل وَأما مَا هُنَا فَلَيْسَ فِي شَيْء مِمَّا نَقله. وسياقه يرهم أَن هَذَا الِاخْتِلَاف هُنَا. والبرود: جمع برد بِالضَّمِّ قَالَ صَاحب النِّهَايَة: الْبرد: نوع من الثِّيَاب مَعْرُوف وَالْجمع أبراد وبورد. والبردة: الشملة المخططة وَقيل: كسَاء أسود مربع فِيهِ صفر تلبسه الْأَعْرَاب وَجَمعهَا برد. وَقَوله: وَلَا ترى مَالا لَهُ معدودا مَعْنَاهُ عِنْدِي: لَا يُمكن عد مَاله لكثرته وَهَذَا كُله على سَبِيل التفاؤل. وَقَوله: أقائلن خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف وَالتَّقْدِير: أفأنتم قائلن. وَالْجُمْلَة جَوَاب الشَّرْط وَالْخطاب وَرَوَاهُ الْعَيْنِيّ: أحضروا بواو الْجمع وَلَا وَجه لَهُ كَمَا لَا وَجه لنسبة الشّعْر إِلَى رؤبة بن العجاج. وَالله أعلم. وَشرح بَقِيَّة الشّعْر تقدم فِي الشَّاهِد الْحَادِي وَالْعِشْرين بعد الأربعمائة. وَأنْشد بعده (الشَّاهِد الْحَادِي وَالْخَمْسُونَ بعد التسْعمائَة) الرجز ( يَا لَيْت شعري عَنْكُم حَنِيفا ... أشاهرن بَعدنَا السيوفا)

لما تقدم قبله وَأَصله: أشاهرونن فَفعل بِهِ مثل مَا تقدم. وَهُوَ من رجز أوردهُ ابْن دُرَيْد فِي الجمهرة كَذَا: الرجز (يَا لَيْت شعري عَنْكُم حَنِيفا ... وَقد جدعنا مِنْكُم الأنوفا) (أتحملون بَعدنَا السيوفا ... أم تغزلون الخرفع المندوفا) قَوْله: يَا لَيْت شعري ... إِلَخ يَا الدَّاخِلَة على لَيْت: حرف تَنْبِيه قَالَ الشَّارِح الْمُحَقق: وَالْتزم حذف الْخَبَر فِي لَيْت شعري مردفاً باستفهام وَهَذَا الِاسْتِفْهَام مفعول شعري أَي: لَيْت علمي بِمَا وَعند ابْن الْحَاجِب: الِاسْتِفْهَام قَائِم مقَام الْخَبَر. ورده الشَّارِح. وعنكم: مُتَعَلق بشعري وَعَن: بِمَعْنى الْبَاء لِأَنَّهُ يُقَال: شَعرت بِهِ وحنيفا بِلَا تَنْوِين: منادى مرخم بن حنيفَة وحرف النداء مَحْذُوف وَالْألف للإطلاق. وحنيفة: أَبُو قَبيلَة وَهُوَ حنيفَة بن لجيم بِضَم اللَّام وَفتح الْجِيم ابْن صَعب ابْن عَليّ بن بكر بن وَائِل. وَجُمْلَة وَقد جدعنا ... إِلَخ حَال من شعري لِأَنَّهُ مفعول فِي الْمَعْنى. وجدع أَنفه جدعاً بِالْجِيم وَالدَّال الْمُهْملَة من بَاب نفع أَي: قِطْعَة. وَكَذَا الْأذن وَالْيَد والشفة. والأنوف: جمع أنف وَجُمْلَة: أتحملون ... إِلَخ فِي مَوضِع الْمَفْعُول لشعري. وَكَذَا على رِوَايَة أشاهرن بِتَقْدِير مُبْتَدأ أَي: أأنتم شاهرن من شهر الرجل سَيْفه من بَاب نفع أَي: سَله وأبرزه من غمده والخرفع بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة وَسُكُون الرَّاء الْمُهْملَة بعْدهَا فَاء مَضْمُومَة وَعين مُهْملَة قَالَ ابْن دُرَيْد: هُوَ قطن البردي. وَقَالَ صَاحب الْعباب: هُوَ الْقطن الَّذِي يفْسد فِي براعيمه أَي: فِي أكمامه قبل أَن تنفتق. وَقَالَ أَبُو مسحل: الْقطن يُقَال لَهُ: الخرفع بِالْكَسْرِ كزبرج وَقد أورد الْعَيْنِيّ هُنَا مَا يتعجب مِنْهُ قَالَ: الحنيف هُوَ الْمُسلم هَا هُنَا وَله معَان أخر. وَيَا: فِي مثل هَذَا الْموضع تكون لمُجَرّد التبيه وَقد يُقَال إِنَّهَا على

أَصْلهَا. والمنادى مَحْذُوف تَقْدِيره: يَا قوم لَيْت شعري أَي: لَيْتَني أشعر فأشعر هُوَ الْخَبَر وناب شعري عَن أشعر ونابت) الْيَاء عَن اسْم لَيْت. وأشعر فعل مُتَعَدٍّ مُعَلّق عَن الْعَمَل فَيكون مَوضِع الِاسْتِفْهَام وَمَا بعده نصبا بِالْمَصْدَرِ. وحنيفا: نصب على أَنه مفعول الْمصدر الْمُضَاف إِلَى فَاعله ومنكم: فِي مَحل النصب على أَنه صفة لحنيفا وَالتَّقْدِير لَيْتَني اشعهر حَنِيفا كَائِنا مِنْكُم. وشاهرن: اسْم فَاعل فِي معنى الْمُسْتَقْبل لِأَن تَقْدِير الْكَلَام لَيْتَني أشعر حَنِيفا مُسلما مِنْكُم يشهر بَعدنَا السيوفا. هَذَا كَلَامه وليته لم يسطره. وَهَذَا الرجز لم أَقف على قَائِله وَنسبه الْعَيْنِيّ إِلَى رؤبة بن العجاج وَلم أره فِي ديوانه. وَالله أعلم. وَأنْشد بعده: الْبَسِيط وَلَيْسَ حاملني إِلَّا ابْن حمال وَتقدم شَرحه فِي الشَّاهِد الْخَامِس وَالتسْعين بعد الْمِائَتَيْنِ. وَأنْشد بعده: الطَّوِيل هُوَ عجز وصدره: لَئِن تَكُ قد ضَاقَتْ عَلَيْكُم بُيُوتكُمْ

(الشاهد الثاني والخمسون بعد التسعمائة)

على أَن عدم توكيد ليعلم بالنُّون شَاذ عِنْد الْبَصرِيين وَهَذَا يُخَالف مَا ذكره فِي حُرُوف الْقسم من أَن الْمُضَارع إِذا كَانَ للْحَال يجب الِاكْتِفَاء بِاللَّامِ وَلَا تَأتي بالنُّون وَأنْشد هَذَا الْبَيْت هُنَاكَ. وَأما الشذوذ فَفِي الْمُضَارع الْمُسْتَقْبل إِذا جَاءَ بِاللَّامِ دون النُّون فَهَذَا الَّذِي نَقله عَن الْبَصرِيين هُنَاكَ وَتقدم شرح الْبَيْت فِي الشهد الرَّابِع عشر بعد الثَّمَانمِائَة. وَأنْشد بعده (الشَّاهِد الثَّانِي وَالْخَمْسُونَ بعد التسْعمائَة) وَهُوَ من شَوَاهِد س: المتقارب ( فإمَّا تريني ولي لمةٌ ... فَإِن الْحَوَادِث أودى بهَا) على أَن إِن الشّرطِيَّة المقرونة ب مَا الزَّائِدَة يلْزم توكيد شَرطهَا بالنُّون عِنْد الزّجاج. وَترك توكيد جيد عِنْد غَيره. وَهَذَا الْبَيْت يدل لغير الزّجاج فَإِنَّهُ لم يُؤَكد فعل الشَّرْط فِيهِ. فإمَّا تثقفنهم فِي الْحَرْب وإِمَّا تخافن من قومٍ خِيَانَة. وَقد تَخْلُو من التوكيد بهَا. كَمَا فِي قَوْله:

فإمَّا تريني ولي لمةٌ الْبَيْت وَقَول الآخر: الْبَسِيط (يَا صَاح إِمَّا تجدني عير ذِي جدةٍ ... فَمَا التخلي عَن الخلان من شيمي) انْتهى. وَقَالَ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي: يقرب التوكيد من الْوُجُوب بعد إِمَّا. وَذكر ابْن جني أَنه قرئَ: فإمَّا تَرين بياء سَاكِنة بعْدهَا نون الرّفْع على حد قَوْله: الْبَسِيط لم يُوفونَ بالجار فَفِيهَا شذوذان: ترك نون التوكيد وَإِثْبَات نون الرّفْع مَعَ الْجَازِم. انْتهى. وَقد اسْتشْهد بِهِ سِيبَوَيْهٍ على حذف التَّاء من أودت فَإِن فَاعله ضمير الْحَوَادِث وَفِي مثله يجب التَّأْنِيث فَتَركه الشَّاعِر لضَرُورَة الشّعْر. قَالَ الأعلم: دَعَاهُ إِلَى حذفهَا أَن القافية مردفة بِالْألف وسوغ لَهُ حذفهَا أَن تَأْنِيث الْحَوَادِث غير حَقِيقِيّ وَهِي فِي معنى الْحدثَان. وَقَالَ ابْن خلف: ذكر أودى وَفِيه ضمير الْحَوَادِث وَهُوَ يحْتَمل أَحدهمَا: أَن يكون حمل الْحَوَادِث على معنى الْحدثَان فَذكر أَو على حذف مُضَاف كَأَنَّهُ قَالَ: فَإِن مر الْحَوَادِث أودى

بهَا. وَالْوَجْه الأول أَجود فِي الْقيَاس. فَإِن قيل: فهلاَّ قَالَ: أودت بهَا وَمَا الضَّرُورَة إِلَى ذَلِك فَالْجَوَاب أَن القوافي مردفة بِالْألف فَلَو قَالَ أودت لذهب الردف وَهُوَ الْألف وَذَهَبت القافية. وَرُوِيَ أَيْضا:) فَإِن تنكري لامريءٍ لمةً وَرُوِيَ: فإمَّا تري لمتي بدلت وَرُوِيَ أَيْضا: فَإِن تعهديني ولي لمةٌ يُرِيد: أَن القافية مؤسسة. والتأسيس هُوَ الْألف الْوَاقِع قبل حرف الروي وَهُوَ الْبَاء هُنَا. واللمة بِالْكَسْرِ: الشّعْر الَّذِي يلم بالمنكب. والحوادث: جمع حَادِثَة. وأودى بهَا: ذهب بهَا وَالْمرَاد ذهب بمعظمها لِأَن قَوْله: ولي لمة: حَال من الْيَاء ومحال أَن تكون لَهُ لمة فِي حَال قد ذهب الْحَوَادِث بجميعها. وَمعنى أودى بهَا: ذهب ببهجتها وحسنها. وَمعنى بدلت: ذهب بَعْضهَا بالصلع وشاب بقيتها فَإِن جوادث الدَّهْر أهلكتها. يَعْنِي أَن مُرُور الدَّهْر يُغير كل شَيْء. وَقَالَ الْعَيْنِيّ: لم يقل: أودت لِأَن تَأْنِيث الْحَوَادِث مجازي لِأَنَّهُ جمع وَاسم الْجمع وَاسم الْجِنْس كلهَا تأنيثها مجازي لِأَنَّهُنَّ فِي معنى الْجَمَاعَة وَالْجَمَاعَة مؤنث مجازي. وَلأَجل هَذَا جَازَ التَّأْنِيث فِي قَوْله تَعَالَى: كذبت قبلهم قوم نوحٍ والتذكير أَيْضا نَحْو: وَكذب بِهِ قَوْمك هَذَا كَلَامه وَكَأَنَّهُ

لم يعرف الْفرق بَين الْإِسْنَاد إِلَى مجازي التَّأْنِيث الظَّاهِر وَبَين الْإِسْنَاد إِلَى ضَمِيره. والرؤية هُنَا بصرية. وَقَوله: ولي لمة أَي: لمة مُغيرَة. وَقَوله: فَإِن الْحَوَادِث ... إِلَخ هَذَا عِلّة الْجَواب الْمَحْذُوف وَالتَّقْدِير: فَلَا عجب فَإِن الْحَوَادِث ... . إِلَخ. وَالْبَيْت من قصيدة للأعشى مَيْمُون مدح بهَا أساقفة نَجْرَان وَقَبله: (لجارتنا إِذْ رَأَتْ لمتي ... تَقول: لَك الويل أَنى بهَا) (بِمَا قد ترى كجناح الغدا ... ف ترنو الكعاب لإعجابها ) فإمَّا تريني ... إِلَخ. وجارة الرجل: زَوجته. وَقَوله: أَنى بهَا أَي: كَيفَ صنعت بهَا حَتَّى تَغَيَّرت كَذَا. ووقله: بِمَا قد ترى ... إِلَخ الْبَاء سَبَبِيَّة مُتَعَلقَة بترنو وَهِي مَكْفُوفَة بِمَا وَترى بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول ونائب الْفَاعِل ضمير اللمة والغداف بِضَم الْغَيْن الْمُعْجَمَة: الْغُرَاب الْأسود.) وترنو: نديم النّظر. والكعاب بِفَتْح الْكَاف: الْجَارِيَة الَّتِي نهد ثديها وارتفع وَيُقَال الكاعب أَيْضا. والإعجاب: مصدر أعجبه الشَّيْء أَي: استحسنه. وَمن أبياتها يُخَاطب نَاقَته: (فكعبة نَجْرَان حتمٌ عَليّ ... ك حَتَّى تناخي بأبوابها) (تزوري يزِيد وَعبد الْمَسِيح ... وقيساً هم خير أَرْبَابهَا)

(الشاهد الثالث والخمسون بعد التسعمائة)

وكعبة نَجْرَان: هِيَ ذُو الخلصة وهدمها جرير بن عبد الله بِأَمْر رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: وَيزِيد هُوَ ابْن عبد المدان الْحَارِثِيّ وَقيس هُوَ ابْن معد يكرب الْكِنْدِيّ. وَمن أبياتها: المتقارب (وكأسٍ شربت على لذةٍ ... وَأُخْرَى تداويت مِنْهَا بهَا) (لكَي يعلم النَّاس أَنِّي امرؤٌ ... أتيت الْمَعيشَة من بَابهَا) وَهُوَ أول من ابتكر هَذَا الْمَعْنى وَأَخذه قيس بن ذريح فَقَالَ: الطَّوِيل ( تداويت من ليلى بليلى من الْهوى ... كَمَا يتداوى شَارِب الْخمر بِالْخمرِ) (دع عَنْك لومي فَإِن اللوم إغراء ... وداوني بِالَّتِي كَانَت هِيَ الدَّاء) وترجمة الْأَعْشَى تقدّمت فِي الشَّاهِد الثَّالِث وَالْعِشْرين من أَوَائِل الْكتاب. وَأنْشد بعده (الشَّاهِد الثَّالِث وَالْخَمْسُونَ بعد التسْعمائَة) الطَّوِيل (إِذا قَالَ قطني قلت بِاللَّه حلفةً ... لتغنن عني ذَا إنائك أجمعا) على أَن الْفراء نقل عَن طَيئ أَنهم يحذفون الْيَاء الَّذِي هُوَ لَام فِي الْوَاحِد الْمُذكر بعد الْكسر وَالْفَتْح فِي المعرب والمبني.

والمعرب: هُوَ الْمُضَارع وَهُوَ مُعرب قبل اتِّصَال النُّون بِهِ وَيكون مَا قبله الْيَاء فِيهِ مكسوراً نَحْو: ليرمن زيد. وكقول الشَّاعِر: لتغنن عني الْبَيْت ومفتوحاً نَحْو: ليخشن زيد. وَالْأَصْل وَهُوَ الْكثير الِاسْتِعْمَال ليرمين ولتغنين وليخشين فحذفوا والمبني: هُوَ الْأَمر وَكَذَلِكَ يكون مَا قبل الْيَاء فِيهِ مكسوراً نَحْو: ارمن وكقول الشَّاعِر: الْبَسِيط (وابكن عَيْشًا تقضي بعد جدته ... طابت أصائله فِي ذَلِك الْبَلَد) ومفتوحاً نَحْو: اخشن يَا زيد وَالْأَصْل ارمين وابكين واخشين فحذفت الْيَاء كَذَلِك. وَغير طَيئ يبقون الْيَاء أَيْضا على حَالهَا. هَذ تَقْرِير كَلَامه. وَأَرَادَ بِفعل الْوَاحِد الْمُذكر أَن لَا يتَّصل بِهِ ضمير مؤنث فَيدْخل فِيهِ: لتخشن الْجَمَاعَة وَأَن أنث بِالتَّاءِ من أَوله. وَلم يستشهد لمفتوح الْيَاء فيهمَا بِشَيْء. وَقد جَاءَ فِي الحَدِيث وَهُوَ قَوْله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: لتؤدن الْحُقُوق إِلَى أَهلهَا يَوْم الْقِيَامَة حَتَّى يُقَاد للشاة الجلحاء من الشَّاة القرناء تنطحها رَوَاهُ أَحْمد فِي مُسْنده وَالْبُخَارِيّ فِي الْأَدَب وَالتِّرْمِذِيّ. قَالَ التوربشتي: هُوَ على بِنَاء الْمَفْعُول والحقوق مَرْفُوع هَذِه هِيَ

الرِّوَايَة المعتد بهَا. - وَيَزْعُم بَعضهم ضم الدَّال وَنصب الْحُقُوق وَالْفِعْل مُسْند إِلَى الْجَمَاعَة الَّذين خوطبوا بِهِ وَالصَّحِيح الأول. قَالَ الطيي: إِن كَانَ الرَّد لأجل الرِّوَايَة فَلَا مقَال وَإِن كَانَ بِحَسب الدِّرَايَة فَإِن بَاب التغليب وَقد أنمر ابْن مَالك الرِّوَايَة الأولى وَقَالَ: لَا تصح فِي الْعَرَبيَّة وَكَانَ الْوَاجِب لتؤدين الْحُقُوق بِإِثْبَات) الْيَاء. وَهُوَ فِي هَذَا مَعْذُور فَإِن لُغَة طَيئ فِي حذف الْيَاء إِذا كَانَت لَام الْفِعْل فِي الْوَاحِد الْمُذكر غير مَشْهُورَة وَلم أر نقلهَا عَن الْفراء عَنْهُم إِلَّا من الشَّارِح الْمُحَقق وَهُوَ ثِقَة فِيمَا يَنْقُلهُ. وَإِنَّمَا الْمَشْهُور عَن الْفراء عَنْهُم حذف يَاء الضَّمِير بعد الفتحة. قَالَ ابْن مَالك فِي التسهيل: وَحذف آخر الْفِعْل إِن كَانَ يَاء لُغَة فزارية. ثمَّ قَالَ: وَحذف يَاء الضَّمِير بعد الفتحة طائية. قَالَ شراحه فِي الأول: الْمَشْهُور فِي لِسَان الْعَرَب فتح آخر الْفِعْل صَحِيحا كَانَ أَو مُعْتَلًّا إِلَّا فَزَارَة فانهم يحذفونها إِذا تلت كسرةً فَإِنَّهُم يَقُولَن: ارمن وليرمن زيد وَغَيرهم: ارمين وليرمين. وَقَالُوا: فِي الثَّانِي: لُغَة الْعَرَب الْيَاء بعد الفتحة تثبت متحركة بِالْكَسْرِ وَلَا تحذف يَقُولُونَ: هَل تخشين يَا هِنْد. وَنقل الْفراء عَن طئ أَنهم يحذفونها فَيَقُولُونَ: اخشن يَا هِنْد.

قَالَ السمين فِي شَرحه: لم يتَعَرَّض المُصَنّف لحركة مَا قبلهَا حِين حذفهَا هَل تبقى الفتحة أَو تكسر دلَالَة على الْيَاء وَهَذَا الَّذِي يَنْبَغِي. انْتهى. - وَمَا نسبه ابْن مَالك إِلَى فَزَارَة نسبه ثَعْلَب إِلَى طَيئ. قَالَ ثَعْلَب فِي الْجُزْء الْحَادِي عشر من أَمَالِيهِ وَفِي لُغَة غَيرهم: لتغنين وَاللَّام لَام الْأَمر أدخلها فِي المخاطبة وَالْكَلَام: أغنن عني. انْتهى كَلَامه. وَالرِّوَايَة الأولى: لتغني بِكَسْر اللَّام وَآخره يَاء مَفْتُوحَة. وَالثَّانيَِة: لتغنن بِفَتْح اللَّام وَكسر النُّون الأولى وَتَشْديد الثَّانِيَة. وَقَوله: وَفِي لُغَة غَيرهم: لتغنين ... إِلَخ. يَعْنِي أَن الْيَاء لَا تحذف فِي غير لُغَة طَيئ إِلَّا إِذا كَانَ أمرا للْأُنْثَى وَإِذا كَانَ أمرا لَهَا فالفصيح أغنن عني بِصِيغَة الْأَمر لَا بلام الْأَمر وَذَلِكَ بِفَتْح الْهمزَة وَكسر النُّون الأولى وَبعدهَا نون التوكيد. وَقد نقل أَبُو عَليّ الْفَارِسِي كَلَام ثَعْلَب برمتِهِ فِي الْمسَائِل البصريات وَنَقله غَيره أَيْضا. وَقد نقل أَبُو عَليّ فِي كتاب الشّعْر أَيْضا أَن ثعلباً روى لتغنن بِفَتْح اللَّام وَكسر النُّون الأولى. وَكَذَا روى العسكري فِي كتاب التَّصْحِيف عَن المعمري عَن ثَعْلَب. وَالْبَيْت الثَّانِي أَيْضا خطاب لمذكر بِدَلِيل مَا قبله: (يَا عَمْرو أحسن نماك الله بِالرشد ... واقرأ سَلاما على الأنقاء والثمد

) كَذَا أنشدهما ابْن الْأَنْبَارِي فِي شرح المفضليات. وَبِه يرد على الدماميني فِي الْحَاشِيَة الْهِنْدِيَّة فِي) زَعمه أَن قَوْله: وابكن خطاب لامْرَأَة مَعَ أَن سِيَاق كَلَام الْمُغنِي يأباه فَإِنَّهُ بعد أَن روى: لتغنن قَالَ: وَذَلِكَ على لُغَة فَزَارَة فِي حذف آخر الْفِعْل لأجل النُّون إِذا كَانَ يَاء تلِي كسرة. وَأنْشد فَإنَّك إِذا قلت ابكي يَا هِنْد كَانَت الْيَاء ضمير المخاطبة وَأَنا لَام الْكَلِمَة فَهُوَ مَحْذُوف لالتقاء الساكنين وَأَصله: تبكيين على وزن تفعلين تحركت الْيَاء الأولى وَهِي لَام الْفِعْل وَانْفَتح مَا قبلهَا فقلبت ألفا وحذفت لالتقاء الساكنين. وَأما الرِّوَايَة الأولى لثعلب وَهِي لتغني عني بِكَسْر اللَّام وَفتح الْيَاء بِدُونِ توكيد فقد نَسَبهَا الْجُمْهُور إِلَى أبي الْحسن الْأَخْفَش مِنْهُم أَبُو عَليّ فِي كتاب الشّعْر وَغَيره. وَاخْتلف فِي لَام كي فَمنهمْ من أجَاز أَن يتلَقَّى بهَا الْقسم وَمِنْهُم من منع. قَالَ ابْن عُصْفُور فِي شرح الْجمل: زعم أَبُو الْحسن أَن جَوَاب الْقسم قد يكون لَام كي مَعَ الْفِعْل نَحْو: تالله ليقوم زيد. قَالَ: فعلى هَذَا يكون الْجَواب من قبيل الْمُفْرد لِأَن لَام كي إِنَّمَا تنصب بإضمار أَن. وَأَن وَمَا بعْدهَا يتَأَوَّل بِالْمَصْدَرِ فكأنك قلت: تالله للْقِيَام. إِلَّا أَن الْعَرَب أجرت ذَلِك مجْرى الْجُمْلَة لجَرَيَان الْجُمْلَة بِالذكر بعد لَام كي فَوضعت ذَلِك لتفعل مَوضِع لتفعلن.

وَقَالَ فِي شرح الْإِيضَاح: زعم أَبُو الْحسن أَن الْعَرَب قد تتلقى الْقسم بلام كي وَحمل على ذَلِك قَوْله تَعَالَى: يحلفُونَ لله لكم ليرضوكم. وَاسْتدلَّ أَبُو عَليّ فِي العسكريات على صِحَة مَا ذهب إِلَيْهِ بقوله: قَالَ أَبُو عَليّ: فَإِن قيل: إِن الْمقسم بِهِ إِنَّمَا يكون جملَة وَلَيْسَ هَذَا بجملة لِأَن أَن وَالْفِعْل فِي تَقْدِير اسْم مُفْرد. قيل: إنة ذَلِك لَا يمْنَع من وُقُوعه موقع الْجُمْلَة الَّتِي يقسم عَلَيْهَا وَإِن كَانَ مُفردا وَذَلِكَ أَن الْفِعْل وَالْفَاعِل اللَّذين جَريا فِي الصِّلَة يسدان مسد الْجُمْلَة لَكِن رَجَعَ أَبُو عَليّ عَن ذَلِك فِي التَّذْكِرَة والبصريات وَقَالَ: إِن ذَلِك لم يرد فِي كَلَام الْعَرَب. وَأما قَوْله تَعَالَى: يحلفُونَ بِاللَّه الْآيَة فَاللَّام مُتَعَلقَة بيحلفون وَلَيْسَ الْقسم بِمُرَاد إِنَّمَا المُرَاد الْإِخْبَار عَنْهُم بِأَنَّهُم يحلفُونَ أَنهم مَا فعلوا ذَلِك ليرضوا بحلفهم الْمُؤمنِينَ. وَكَذَا الْبَيْت يحْتَمل أَن يكون لتغني مُتَعَلقا بآليت على مَا رَوَاهُ أَبُو عَليّ فِي البصريات وَلم يرد الْقسم إِنَّمَا أَرَادَ أَن يخبر مخاطبه أَنه قد آلى كي يشرب جَمِيع مَا فِي إنائه. وَرَوَاهُ أَبُو عَليّ: قلت بِاللَّه حلفة وَلَا حجَّة فِيهِ أَيْضا لاحْتِمَال أَن يكون بِاللَّه مُتَعَلقا بِفعل) مُضْمر لَا يُرَاد بِهِ الْقسم بل الْإِخْبَار وَيكون قَوْله لتغني عني مُتَعَلقا بِهِ وَالتَّقْدِير: حَلَفت بِاللَّه كي تغني عني. وَيجوز أَيْضا أَن يكون الْمقسم عَلَيْهِ محذوفاً لدلَالَة الْحَال عَلَيْهِ تَقْدِيره: لتشربن لتغني عني. وعَلى هَذَا حمله أَبُو عَليّ فِي التَّذْكِرَة. انْتهى كَلَام ابْن عُصْفُور. وَكَأن ابْن هِشَام لم يطلع على كَلَام أبي عَليّ فِي التَّذْكِرَة والبصريات على رُجُوعه عَن مُوَافقَة

أجَاز أَبُو الْحسن أَن يتلَقَّى الْقسم بلام كي وَجعل مِنْهُ: يحلفُونَ بِاللَّه لكم ليرضوكم يُقَال: الْمَعْنى: ليرضنكم. قَالَ أَبُو عَليّ: وَهَذَا عِنْدِي أولى من أَن يكون مُتَعَلقا بيحلفون والمقسم عَلَيْهِ مَحْذُوف. انْتهى. - وَفِي لتغني عني رِوَايَة أُخْرَى وَهِي فتح اللَّام وَالْيَاء على إِرَادَة النُّون الْخَفِيفَة ونسبها ابْن يعِيش فِي شرح الْمفصل إِلَى الْأَخْفَش ولم أر من نَسَبهَا إِلَيْهِ غَيره والمنسوبة إِلَيْهِ هِيَ الرِّوَايَة بِكَسْر اللَّام وَفتح الْيَاء على الْمَشْهُور. قَالَ ابْن يعِيش: أنْشدهُ أَبُو الْحسن بِفَتْح اللَّام للقسم وَفتح آخر الْفِعْل على إِرَادَة نون التوكيد وحذفها ضَرُورَة. انْتهى. وَكَذَا قَالَ بعض أفاضل الْعَجم فِي شرح أَبْيَات الْمفصل. وعَلى هَذِه الرِّوَايَة صدر كَلَامه السَّيِّد فِي شرح الْمِفْتَاح ثمَّ ذكر رِوَايَة كسر اللَّام. وَفِي الْبَيْت شَوَاهِد أخر: أَحدهَا: قَوْله قطني وَفِي رِوَايَة قدني وَبِه اسْتشْهد ابْن النَّاظِم بنُون الْوِقَايَة لحفظ السّكُون عِنْد الْبَصرِيين وَمَعْنَاهَا عِنْدهم: حسب أَو لِأَنَّهَا اسْم فعل عِنْد الْكُوفِيّين وَمَعْنَاهَا: يَكْفِي. ثَانِيهَا: أَن ذَا بِمَعْنى صَاحب وَبِه اسْتشْهد صَاحب الْكَشَّاف عِنْد قَوْله تَعَالَى: إِنَّه عليم بِذَات الصُّدُور من سُورَة الْمَلَائِكَة على أَن ذَات مؤنث ذُو وَهُوَ مَوْضُوع لِمَعْنى الصُّحْبَة لِأَن اللَّبن يصحب الْإِنَاء والمضمرات تصْحَب الصُّدُور قَالَ: ذَات الصُّدُور: مضمراتها وَهِي تَأْنِيث

ذُو فِي نَحْو قَول أبي بكر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: ذُو بطن بنت خَارِجَة جَارِيَة وَقَوله: لتغني عني ذَا إنائك أجمعا الْمَعْنى مَا فِي بَطنهَا من الْحَبل وَمَا فِي إنائك من الشَّرَاب لِأَن الْحَبل وَالشرَاب يصحبان الْبَطن) والإناء. أَلا ترى إِلَى قَوْلهم: مَعهَا حَبل. وَكَذَلِكَ الْمُضْمرَات تصْحَب الصُّدُور وَهِي مَعهَا. وَذُو مَوْضُوع لِمَعْنى الصُّحْبَة. انْتهى. ثَالِثهَا: إِضَافَة إِنَاء إِلَى ضمير الْمُخَاطب للملابسة قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ فِي الْمفصل: ويضاف الشَّيْء إِلَى غَيره بِأَدْنَى مُلَابسَة بَينهمَا. وَأنْشد الْبَيْت وَغَيره. قَالَ ابْن يعِيش: الشَّاهِد فِيهِ أَنه أضَاف الْإِنَاء إِلَى الْمُخَاطب لملابسته إِيَّاه وَقت أكله مِنْهُ أَو شربه مَا فِيهِ من اللَّبن. وَذُو الْإِنَاء: مَا فِيهِ من لبنٍ أَو مَأْكُول. انْتهى. وَفِيه تَقْصِير حَيْثُ قصر الملابسة على إِضَافَة الْإِنَاء مَعَ أَنَّهَا جَارِيَة فِي إِضَافَة ذَا أَيْضا وَقد نبه أَحدهمَا: أَن الْإِنَاء للمضيف وَقد أَضَافَهُ إِلَى الضَّيْف لملابسته إِيَّاه فِي شربه مِنْهُ وَفِي جعل هَذِه الملابسة بِمَنْزِلَة الِاخْتِصَاص الملكي مُبَالغَة فِي إكرام الضَّيْف واللطف. وَالثَّانِي: أَن ذَا بِمَعْنى صَاحب وَأُرِيد بِهِ اللَّبن وأضيف إِلَى الْإِنَاء لملابسته إِيَّاه لكَونه فِيهِ. فَهَذِهِ أَيْضا إِضَافَة لأدنى مُلَابسَة. انْتهى.

رَابِعهَا: التَّأْكِيد بأجمع مَعَ أَنه لم يسْبق بِكُل وَهُوَ تَأْكِيد لقَوْله: ذَا إِنَاء بِمَعْنى اللَّبن. وَقَوله: إِذا قَالَ فَاعله ضمير الْغُلَام القليعي وَهُوَ الضَّيْف فِي بَيت قبله كَمَا يَأْتِي. وَقَوله: قلت الْمُتَكَلّم هُوَ الشَّاعِر وَهُوَ المضيف وَأوردهُ جمَاعَة: إِذا قَالَ قطني قَالَ مِنْهُم الزَّمَخْشَرِيّ فِي الْمفصل وَتَبعهُ السَّيِّد فَقَالَ: أَي: إِذا قَالَ الضَّيْف: حسبي مَا شربت قَالَ المضيف. انْتهى. وَهَذَا على أَن الشَّاعِر مخبر حاكٍ عَن شَخْصَيْنِ فَهُوَ لَا ضيف وَلَا مضيف. وَأورد بعض آخر: إِذا قلت قطني قَالَ: فَيكون الشَّاعِر هُوَ الضَّيْف. وَالصَّوَاب مَا شرحناه أَولا كَمَا يظْهر من سِيَاق القصيدة. وَقَوله: لتغني عني قَالَ ابْن يعِيش: الْعَرَب تَقول: أغن عني وَجهك أَي: اجْعَلْهُ بِحَيْثُ يكون غَنِيا عني لَا يحْتَاج إِلَى رؤيتي. يَقُول لَهُ الضَّيْف: حسبي مَا شربت فَيَقُول لَهُ المضيف: اشرب جَمِيع مَا فِي الْإِنَاء وَلَا ترده عَليّ. وَقَالَ السَّيِّد: أَي لتبعدن ذَا إنائك عني ولتجعله فِي غنى مني كَأَن الطَّعَام مُحْتَاج إِلَى من يطعمهُ. وَقد نقل الْعَيْنِيّ فِي شرح الْبَيْت جَمِيع كَلَام ابْن هِشَام من غير زِيَادَة عَلَيْهِ وَلم يعزه إِلَيْهِ.) وَالْبَيْت من قصيدة لحريث بن عناب الطَّائِي أوردهَا ثَعْلَب فِي أَمَالِيهِ وَهِي: (عوى ثمَّ نَادَى هَل أحستم قلائصاً ... وَسمن على الأفخاذ بالْأَمْس أَرْبعا) (غلامٌ قليعيٌ يحف سباله ... ولحيته طارت شعاعاً مقزعاً) ...

(غلامٌ أضلته النبوح فَلم يجد ... بِمَا بَين خبتٍ فالهباءة أجمعا) (أُنَاسًا سوانا فاستمانا فَلم يرى ... أَخا دلجٍ أهْدى بليلٍ وأسمعا) (فَقلت أجرا نَاقَة الضَّيْف إِنَّنِي ... جديرٌ بِأَن تلقى إنائي مترعا) (فَمَا بَرحت سحواء حَتَّى كَأَنَّمَا ... تغادر بالزيزاء برساً مقطعاً) (كلا قادميها بِفضل الْكَفّ نصفه ... كَجلْد الْحُبَارَى ريشه قد تزلعا ) (دفعت إِلَيْهِ رسل كوماء جلدةٍ ... وأغضيت عَنهُ الطّرف حَتَّى تضلعا) (إِذا قَالَ قطني قلت آلَيْت حلفةً ... لتغني عني ذَا إنائك أجمعا) (يدافع حيزوميه سخن صريحها ... وحلقاً ترَاهُ للثمالة مقنعا) هَذَا آخر مَا أوردهُ ثَعْلَب. وَقَوله: عوى ثمَّ نَادَى ... إِلَخ فَاعل عوى هُوَ غُلَام فِي أول الْبَيْت الَّذِي بعده. يُرِيد أَن هَذَا الْغُلَام شَردت لَهُ قَلَائِص أَربع فَخرج فِي طلبَهَا حَتَّى أظلم عَلَيْهِ اللَّيْل فضل عَن الطَّرِيق فعوى حَتَّى سَمِعت الْكلاب صَوته فنبحته فاستدل بصوتها علينا فجَاء فَسَأَلَ عَن قلائصه. قَالَ السَّيِّد المرتضى رَحِمَهُ اللَّهُ فِي أَمَالِيهِ: إِن الْعَرَب تزْعم أَن ساري اللَّيْل إِذا أظلم عَلَيْهِ وادلهم فَلم يستبن محجة وَلم يدر أَيْن الْحلَّة أَي: الْقَوْم النُّزُول وضع وَجهه مَعَ الأَرْض وعوى عواء الْكَلْب لستمع ذَلِك الصَّوْت الْكلاب إِن كَانَ الْحَيّ قَرِيبا مِنْهُ فتجيبه فيقصد الأبيات. قَالَ الفرزدق:

الطَّوِيل (وداعٍ بلحن الْكَلْب يَدْعُو ودونه ... من اللَّيْل سجفا ظلمةٍ وغيومها) (دَعَا وَهُوَ يَرْجُو أَن يُنَبه إِذْ دَعَا ... فَتى كَابْن ليلى حِين غارت نجومها) (بعثت لَهُ دهماء لَيست بلقحةٍ ... تدر إِذا مَا هَب نحساً عقيمها) ابْن ليلى: هُوَ أَبُو الفرزدق. وَمعنى بعثت لَهُ دهماء أَي: رفعتها على أثافيها وَيَعْنِي بالدهماء الْقدر. واللقحة: النَّاقة. أَرَادَ أَن قدره تدر إِذا هبت الرّيح عقيماً لَا مطر فِيهَا. وَمَا أحسن قَول ابْن هرمة: الطَّوِيل ) (عوى فِي سَواد اللَّيْل بعد اعتسافه ... لينبح كلبٌ أَو ليفزع نوم) (فجاوبه مستسمع الصَّوْت للقرى ... لَهُ مَعَ إتْيَان المهبين مطعم) (يكَاد إِذا مَا أبْصر الضَّيْف مُقبلا ... يكلمهُ من حبه وَهُوَ أعجم) يُقَال: فزعت لفُلَان إِذا أغثته. والمهبون: الموقظون لَهُ ولأهله وهم الأضياف. وَإِنَّمَا كَانَ لَهُ مَعَهم مطعم لأَنهم ينْحَر لَهُم مَا يُصِيب مِنْهُ. وَأَرَادَ بقوله: يكلمهُ من حبه ... إِلَخ بصبصته وتحريكه ذَنبه. وَمثله قَوْله أَيْضا: الْكَامِل (وَإِذا أَتَانَا طارقٌ متنورٌ ... نبحت فدلته عَليّ كلابي) (وفرحن إِذْ أبصرنه فلقينه ... يضربنه بشراشر الأذناب) يُقَال: شرشر الْكَلْب إِذا ضرب بِذَنبِهِ وحركه للأنس. وَأما قَول الأخطل:

الطَّوِيل (دَعَاني بصوتي واحدٍ فَأَجَابَهُ ... منادٍ بِلَا صوتٍ وَآخر صيت) فَمَعْنَاه: أَن ضيفاً عوى بِاللَّيْلِ والصدى من الْجَبَل يجِيبه فَذَلِك معنى قَوْله: بصوتي وَاحِد. وَقَوله: فَأَجَابَهُ منادٍ بِلَا صَوت أَي: نَار رَفعهَا لَهُ فَرَأى سناها فقصدها. وَالْآخر: الصيت: وَقَوله: هَل أحستم قَلَائِص قَالَ ثَعْلَب: يُرِيد أحسستم. انْتهى. قَالَ الْجَوْهَرِي: وَرُبمَا قَالُوا: مَا أحست مِنْهُم أحدا فَألْقوا أحد السينين استثقالاً وَهُوَ من شواذ التَّخْفِيف. انْتهى. وَهُوَ من أحس الرجل الشَّيْء إحساساً: علم بِهِ يتَعَدَّى بِنَفسِهِ مَعَ الْألف وَرُبمَا زيدت الْبَاء فَقيل: أحس بِهِ على معنى شعر بِهِ. كَذَا فِي الصَّباح. والقلائص: جمع قلُوص وَهِي النَّاقة الشَّابَّة. وَجُمْلَة وَسمن على الأفخاذ: صفة قَلَائِص من الوسم وَهُوَ الْعَلامَة بكي حَدِيدَة محماة. وأربعاً: صفة ثَانِيَة لقلائص. وَقَوله: غُلَام قليعي الْغُلَام يُطلق على الرجل مجَازًا باسم مَا كَانَ عَلَيْهِ كَمَا يُقَال للصَّغِير شيخ مجَازًا باسم مَا يؤول إِلَيْهِ. كَذَا فِي الْمِصْبَاح. وقليعي مَنْسُوب إِلَى قليع بِضَم الْقَاف وَفتح اللَّام وَهِي قَبيلَة أَو هُوَ مَنْسُوب إِلَى القليعة مصغر قلعة وَهِي مَوضِع فِي طرف الْحجاز وَاسم مَوَاضِع أخر.) وَقَوله: يحف سباله بِالْحَاء الْمُهْملَة يُقَال: حف الرجل شَاربه حفاً من بَاب قتل إِذا أحفاه أَي: بَالغ

فِي قصه. والسبال بِالْكَسْرِ: الشَّارِب. والشعاع بِالْفَتْح: المتفرق يَسْتَوِي فِيهِ الْمُذكر والمؤنث. والمقزع بِالْقَافِ وَفتح الزَّاي الْمُشَدّدَة: يَعْنِي أَن لحيته من الْهَوَاء وَالْبرد تَفَرَّقت وَصَارَت كالفتائل. وَهُوَ من القزع بِفتْحَتَيْنِ. قَالَ الْأَزْهَرِي: وكل شَيْء يكون قطعا مُتَفَرِّقَة فَهُوَ قزع. وَنهي عَن القزع وَهُوَ حلق بعض الرَّأْس دون بعض. - وَقَوله: غُلَام أضلته النبوح أَي: هُوَ غُلَام. وأضلته: أضاعته. والنبوح بِضَم النُّون وَالْمُوَحَّدَة وحاء مُهْملَة: ضجة الْحَيّ وأصوات كلابهم وخبت بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْمُوَحدَة: اسْم كاء لكَلْب وَقيل: لكندة وَمَوْضِع آخر. والهباءة بِفَتْح الْهَاء وَالْمُوَحَّدَة وبالمد: مَوضِع فِي أَطْرَاف الربذَة خَارج الْمَدِينَة المنورة وَكَانَت فِيهِ حَرْب من حروب داحس لعبس على ذبيان. وَقَوله: أُنَاسًا هُوَ مفعول قَوْله: فَلم يجد وسوانا: صفته أَي: غَيرنَا. وَقَوله: فاستمانا قَالَ ثَعْلَب: أَي: تصيدنا. والمستمي: المتصيد. والمسماة: جورب يلْبسهُ الصَّائِد فِي الْحر. انْتهى. يُرِيد: أَنه ظفر بِنَا كَمَا يظفر بالصيد. وَهَذَا تَمْثِيل لشدَّة احْتِيَاجه من هول مَا قاساه فِي اللَّيْل من الظلام وَالْبرد والضلال فَلَمَّا وجدنَا فَكَأَنَّمَا ظفر بخزائن قَارون. وَهُوَ من السمو وَهُوَ الْعُلُوّ والرفعة. قَالَ صَاحب الصِّحَاح: والسماة: الصيادون مثل الرُّمَاة. وَقد سموا واستموا إِذا خَرجُوا وَقَوله: فَلم يرى هَذِه الْألف نشأت من إشباع فَتْحة الرَّاء وَهُوَ بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول بِمَعْنى يعلم وَالضَّمِير فِيهِ للغلام. وأخا بِمَعْنى صَاحب مَفْعُوله الثَّانِي. والدلج بِفتْحَتَيْنِ: اسْم مصدر من أدْلج إدلاجاً كأكرم إِكْرَاما أَي: سَار اللَّيْل كُله. فَإِن خرج آخر اللَّيْل فقد أدْلج بتَشْديد الدَّال. كَذَا فِي الصَّباح. وَأهْدى: أفعل تَفْضِيل من الاهتداء إِلَى الطَّرِيق. قَالَ صَاحب الصِّحَاح: هدى واهتدى بِمَعْنى. وَكَذَا أسمع: أفعل تَفْضِيل والمفضل عَلَيْهِ مَحْذُوف أَي: مِنْهُ.

وَقَوله: فَقلت أجرا هَذَا خطاب لخادميه. وَأَجرا بِفَتْح الْهمزَة وَكسر الْجِيم: أَمر من أجررته رسنه إِذا تركته يصنع مَا شَاءَ.) يَعْنِي: خُذُوا رسنها ودعوها تَأْكُل مَا شَاءَت. وناقة الضَّيْف: النَّاقة الَّتِي جَاءَ رَاكِبًا عَلَيْهَا. وَهَذَا من أَخْلَاق الْكِرَام فَإِن إكرام دَابَّة الضَّيْف غَايَة الْإِكْرَام عِنْد الضَّيْف. - وَقَوله: إِنَّنِي جدير ... إِلَخ قَالَ ثَعْلَب: أَي من عادتي هَذَا. انْتهى. وفاعل تلقى ضمير نَاقَة الضَّيْف وإنائي بِالْمدِّ وَالْإِضَافَة إِلَى الْيَاء. والإناء: الْوِعَاء. ومترع من ترعت الْإِنَاء بِالتَّشْدِيدِ وأترعته أَي: ملأته. وَهَذَا كِنَايَة عَن الخصب وَالْكَثْرَة. وَقَوله: فَمَا بَرحت أَي: نَاقَة الضَّيْف. وسحواء بِالنّصب خبر برح وسحواء بالمهملتين وَالْمدّ والزيزاء بِكَسْر الْيَاء الأولى وَالْمدّ: الْموضع الصلب من الأَرْض. والبرس بِكَسْر الْمُوَحدَة وإهمال الرَّاء وَالسِّين: الْقطن شبه مَا سقط من اللَّبن بِهِ. انْتهى. يَعْنِي: مازالت نَاقَة الضَّيْف ترعى وتأكل مَا تشَاء حَتَّى كثر اللَّبن من ضروعها فَصَارَ مَا تقاطر من لَبنهَا فِي الْأَرَاضِي الصلبة الَّتِي لم تتشرب النداوة كالقطن المندوف. وَقَوله: كلا قادميها يفضل الْكَفّ: مفعول مقدم نصفه فَاعل مُؤخر. والقادمان والقادمتان: الخلفان المتقدمان من أخلاف النَّاقة اللَّذَان يليان السُّرَّة. يَعْنِي: أَن خلفا من قادميها يفضل الْكَفّ وَلَا يَسعهُ لحفله بِاللَّبنِ. وَقَوله: كَجلْد الْحُبَارَى بِضَم الْمُهْملَة بعْدهَا مُوَحدَة وبالقصر: طَائِر على شكل الإوزة بِرَأْسِهِ وبطنه غبرة ولون ظَهره وجناحيه كلون السمانى غَالِبا. كَذَا فِي الْمِصْبَاح. وَقَوله: تزلعا بالزاي وَاللَّام قَالَ ثَعْلَب: تزلع: تقلع. انْتهى.

وَفِي الصِّحَاح: تزلعت يَده: تشققت. يُرِيد أَن جلد ضروعها تشقق من حفل اللَّبن كَجلْد الْحُبَارَى إِذا تساقط ريشه. وَخص الْحُبَارَى لِأَن اللَّوْن يجمعهما. - وَقَوله: دفعت إِلَيْهِ ... إِلَخ أَي: إِلَى الْغُلَام الضَّيْف. ذكر إكرام نَاقَته أَولا ثمَّ ذكر إكرامه. وَالرسل بِكَسْر الرَّاء قَالَ ثَعْلَب: هُوَ اللَّبن. انْتهى. والكوماء بِفَتْح الْكَاف وَالْمدّ: النَّاقة الْعَظِيمَة السنام. والجلدة بِفَتْح الْجِيم وَسُكُون اللَّام قَالَ صَاحب الصِّحَاح: هِيَ أدسم الْإِبِل لَبَنًا وَالْجمع الجلاد بِالْكَسْرِ. وَقَوله: وأغضيت يُقَال: أغصنى الرجل عينه أَي: قَارب بَين جفنيها. يَقُول: أغمضت عَيْني عِنْد شربه لِئَلَّا يستحي أَن يشرب رياً. وَهَذَا أَيْضا من أَخْلَاق الْكِرَام. والطرف: الْعين. وتضلع قَالَ ثَعْلَب: امْتَلَأَ مَا بَين أضلاعه.) وَقَوله: إِذا قَالَ قطني. . إِلَخ قَالَ ثَعْلَب قطني: حسبي أَي: قلت قد حَلَفت أَن تشرب جَمِيع مَا فِي إنائك. انْتهى. وَقَوله: يدافع حيزوميه قَالَ ثَعْلَب: حيزوماه: مَا اكتنف حلقومه من جَانِبي الصَّدْر. انْتهى. والسخن: الْحَار. والصريح: اللَّبن الَّذِي ذهبت رغوته. والثمالة بِضَم الْمُثَلَّثَة قَالَ ثَعْلَب: هِيَ رغوة اللَّبن. يُرِيد: أَنه يرفع حلقه لِاسْتِيفَاء اللَّبن. انْتهى. ومقنع: اسْم مفعول من أقنع رَأسه إِذا رَفعه. كَذَا فِي الصِّحَاح. وَقَوله: إِذا عَم خرشاء ... إِلَخ الخرشاء بِكَسْر الْخَاء الْمُعْجَمَة وَسُكُون الرَّاء الْمُهْملَة بعْدهَا شين مُعْجمَة. قَالَ صَاحب الصِّحَاح: الخرشاء كالحرباء: كل شَيْء فِيهِ انتفاخ وتفتق وخروق.

- قَالَ مزرد: الطَّوِيل يَعْنِي بهَا الرغوة. انْتهى. وَكَذَا فِي الْعباب. فَإِن صَحَّ أَن هَذَا الْبَيْت لمزرد يكون ابْن عناب الطَّائِي أَخذه مِنْهُ. وَلم يتَعَرَّض لَهُ ابْن بري وَلَا الصَّفَدِي فِيمَا كتباه على الصِّحَاح بِشَيْء. وَالله أعلم. وَعم بِمَعْنى: شَمل. وخرشاء: فَاعل وَأَنْفه: مفعول. وتقاصر مِنْهَا للصريح أَي: تراجع من الثمالة إِلَى الصَّرِيح فشربه كُله. يُقَال: أقمعت مَا فِي السقاء أَي: شربته كُله. كَذَا فِي الْعباب عَن الْأمَوِي. وأقنعا فِي بَيت مزرد بِمَعْنى رفع رَأسه كَمَا تقدم. والمشفران: الشفتان. وثنى: عطف. هَذَا وحريث بن عناب بِضَم الْحَاء المهلمة وَآخره ثاء مُثَلّثَة وعناب بِفَتْح الْعين المهلمة وَتَشْديد النُّون كَذَا ضَبطه العسكري فِي كتاب التَّصْحِيف عَن المعمري عَن ثَعْلَب. والجوهري فِي الصِّحَاح والصاغاني فِي الْعباب. قَالَ الْأَصْفَهَانِي فِي الأغاني: هُوَ حُرَيْث بن عناب النبهاني وَهُوَ نَبهَان بن عَمْرو بن الْغَوْث بن طَيئ وَهُوَ شَاعِر إسلامي من شعراء الدولة الأموية وَلَيْسَ بمذكور فِي الشُّعَرَاء لِأَنَّهُ كَانَ بدوياً مقلاً غير متصد بِشعر للنَّاس فِي مدحٍ وَلَا هجاء وَلَا كَانَ يعدو بِشعرِهِ أَمر مَا لَا يَخُصُّهُ ثمَّ أورد لَهُ أشعاراً وحكايات.

(الشاهد الرابع والخمسون بعد التسعمائة)

(الشَّاهِد الرَّابِع وَالْخَمْسُونَ بعد التسْعمائَة) المنسرح (لَا تهين الْفَقِير علك أَن ... تركع يَوْمًا والدهر قد رَفعه) على أَن نون التوكيد الْخَفِيفَة تحذف لالتقاء الساكنين وَالْأَصْل: لَا تهينن الْفَقِير فحذفت النُّون وَبقيت الفتحة دَلِيلا عَلَيْهَا لكَونهَا مَعَ الْمُفْرد الْمُذكر. فَإِن لم تلاق النُّون سَاكِنا فَلَا تحذف إِلَّا للضَّرُورَة. وَرَوَاهُ الجاحظ فِي الْبَيَان: لَا تحقرن الْفَقِير وَرَوَاهُ غَيره: وَلَا تُعَاد الْفَقِير فَلَا شَاهد فِيهِ. قَالَ ابْن عُصْفُور فِي كتاب الضرائر: وَذَلِكَ نَحْو مَا أنْشدهُ أَبُو زيد فِي نوادره: المنسرح (اضْرِب عَنْك الهموم طارقها ... ضربك بِالسَّيْفِ قونس الْفرس) قَالَ ابْن خروف: إِنَّمَا جَازَ ذَلِك على التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير فَتوهم اتِّصَال النُّون من اضربن بالساكن بعده. وَالصَّحِيح أَنه حذفهَا تَخْفِيفًا لما كَانَ حذفهَا لَا يخل بِالْمَعْنَى وَكَانَت الفتحة الَّتِي فِي الْحَرْف قبلهَا دليلةً عَلَيْهَا. وَيدل على صِحَة ذَلِك قَول الشَّاعِر أنْشدهُ الجاحظ فِي الْبَيَان لَهُ:

الطَّوِيل (خلافًا لقولي من فيالة رايه ... كَمَا قيل قبل الْيَوْم خَالف تذكرا) وَقَوله الآخر أنْشدهُ الْفَارِس: الْبَسِيط (إِن ابْن أحوص مغرورٌ فَبَلغهُ ... فِي ساعديه إِذا رام الْعلَا قصر) يُرِيد: فبلغنه. وَقَول الآخر: السَّرِيع ( يَا رَاكِبًا بلغ إِخْوَاننَا ... من كَانَ من كِنْدَة أَو وَائِل) يُرِيد: بلغن إِخْوَاننَا. أَلا ترى أَن النُّون من خالفن وبلغنه وبلغن لَا يُمكن أَن يُقَال إِنَّهَا حذفت على توهم اتصالها بساكن. وَمثل ذَلِك مَا أنْشدهُ أَبُو زيد فِي نوادره: الرجز (فِي أَي يومي من الْمَوْت أفر ... أيوم لم يقدر أم يَوْم قدر) يُرِيد: لم يقدرن وَدخلت النُّون على الْفِعْل الْمَنْفِيّ بلم كَمَا دخلت عَلَيْهِ فِي قَول الآخر: يحسبه الْجَاهِل مَا لم يعلمَا

وَلَا يجوز مثل هَذَا فِي سَعَة الْكَلَام إِلَّا شاذاً نَحْو قِرَاءَة أبي جَعْفَر الْمَنْصُور: ألم نشرح لَك) صدرك: بِفَتْح الْحَاء. وَالْبَيْت من أَبْيَات للأضبط بن قريع السَّعْدِيّ أوردهَا القالي فِي أَمَالِيهِ عَن ابْن دُرَيْد عَن ابْن (لكل هم من الهموم سعه ... والمسي وَالصُّبْح لَا فلاح مَعَه) (مَا بَال منسره مصابك لَو ... يملك شَيْئا من أمره وزعه ) (أذود عَن حَوْضه ويدفعني ... يَا قوم من عاذري من الخدعه) (حَتَّى إِذا مَا انجلت عمايته ... أقبل يلحى وغيه فجعه) (قد يجمع المَال غير آكله ... وَيَأْكُل المَال غير من جمعه) (فاقبل من الدَّهْر مَا أَتَاك بِهِ ... من قر عينا بعيشه نَفعه) (وصل حبال الْبعيد إِن وصل ال ... حَبل وأقص الْقَرِيب إِن قطعه) (وَلَا تُعَاد الْفَقِير علك أَن ... تركع يَوْمًا والدهر قد رَفعه) انْتهى. وَرَوَاهَا أَيْضا ابْن الْأَعرَابِي والجاحظ وَصَاحب الحماسة البصرية والشريف فِي حماسته وَابْن قُتَيْبَة فِي كتاب الشُّعَرَاء وَصَاحب الأغاني وَغَيرهم بِتَقْدِيم بَعْضهَا على بعض وَطرح أَبْيَات مِنْهَا.

قَالَ الْجَوْهَرِي: المسي بِضَم الْمِيم وَكسرهَا وَسُكُون السِّين: اسْم من الإمساء. وَالصُّبْح: اسْم من الإصباح. وَأنْشد هَذَا الْبَيْت. والفلاح: الْبَقَاء. وَرُوِيَ بِهِ أَيْضا. وَرُوِيَ أَيْضا: مَا بَال من غيه مصيبك. والغي: الخيبة والحرمان. وَيُقَال: غوى من بَاب رمى. قَالَ المرقش: الطَّوِيل (فَمن يلق خيرا يحمد النَّاس أمره ... وَمن يغو لَا يعْدم على الغي لائما) وَجُمْلَة: لَو يملك من الشَّرْط وَالْجَزَاء حَالية ويروى: لَا مَوضِع لَو وَهُوَ غير صَحِيح. ووزعه يزعه وزعاً: كَفه وَمنعه بالزاي الْمُعْجَمَة. يَقُول: مَا بَال من تتألم لخيبته وَفَقره فَإِذا وجد شَيْئا من الْخَيْر كَفه عَنْك. وَقَوله: أذود عَن حَوْضه هَذَا مثل للحماية وَدفع الْمَكْرُوه عَنهُ. والخدعة بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة وَفتح الدَّال: بطن من بني سعد بن زيد مَنَاة ابْن تَمِيم وهم قومه. قَالَه صَاحب الأغاني وَغَيره.) والعماية بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة: الشدَّة الَّتِي تَلْتَبِس مِنْهَا الْأُمُور. يُقَال: عمي عَلَيْهِ الْأَمر: إِذا الْتبس. وَأَقْبل: شرع ويلحى: يلوم. وغيه: ضلاله. وفجعه: أَصَابَهُ بمكروه. وَقَوله: وصل حبال الْبعيد يَعْنِي: تقرب إِلَى الْبعيد من النّسَب إِذا طلب قربك واهجر الْقَرِيب من نسبك إِذا هجرك. وَمَا قَالَه تَمْثِيل لما قُلْنَا.

وَقَوله: لَا تهين الْفَقِير ... إِلَخ الإهانة: الْإِيقَاع فِي الْهون بِالضَّمِّ والهوان بِالْفَتْح وهما بِمَعْنى الذل وَمثله فِي الْمَعْنى قَول الآخر: الطَّوِيل (عَسى سائلٌ ذُو حاجةٍ إِن منعته ... من الْيَوْم سؤالاً أَن يكون لَهُ غَد) وَاسْتشْهدَ بِهَذَا الْبَيْت فِي التَّفْسِير عِنْد قَوْله تَعَالَى: واركعوا مَعَ الراكعين على أَن الرُّكُوع هُوَ الخضوع والانقياد كَمَا فِي الْبَيْت. وَجُمْلَة والدهر قد رَفعه: حَال من ضمير تركع. وَقَالَ الْعَيْنِيّ: الرُّكُوع: الانحناء والميل وَمن ركعت النَّخْلَة إِذا انحنت ومالت. أَرَادَ بِهِ الانحطاط من الْمرتبَة والسقوط من الْمنزلَة. انْتهى. وَنقل الشَّيْخ خَالِد فِي التَّصْرِيح أَن هَذَا الشّعْر قيل قبل الْإِسْلَام بِخَمْسِمِائَة عَام. - وَكَانَ سَبَب هَذَا الشّعْر على مَا فِي الأغاني عَن أبي ملحم أَن أم الأضبط كَانَت عَجِيبَة بنت دارم بن مَالك بن حَنْظَلَة وخالته الطموح بنت دارم. فحارب بَنو الطارح قوما من بني سعد فَجعل الأضبط يدس إِلَيْهِم الْخَيل وَالسِّلَاح وَلَا يُصَرح بنصرهم خوفًا من أَن يتحزب قومه حزبين مَعَه وَعَلِيهِ

وَكَانَ يُشِير عَلَيْهِم بِالرَّأْيِ فَإِذا أبرمه نقضوه وخالفوا عَلَيْهِ وأروه مَعَ ذَلِك أَنهم على رَأْيه فَقَالَ فِي ذَلِك هَذِه الأبيات. وَهُوَ الأضبط بن قريع بن عَوْف بن كَعْب بن سعد بن زيد مَنَاة بن تَمِيم. وقريع بِضَم الْقَاف قَالَ ابْن قُتَيْبَة فِي كتاب الشُّعَرَاء: الأضبط بن قريع السَّعْدِيّ هُوَ من عَوْف ابْن كَعْب بن سعد رَهْط الزبْرِقَان بن بدر ورهط بني أنف النَّاقة. وَكَانَ قومه أساؤوا مجاورته فانتقل مِنْهُم إِلَى غَيرهم فَرجع إِلَى قومه وَقَالَ: بِكُل وادٍ بَنو سعد. وَهُوَ جاهلي قديم. وَكَانَ أغار على بني الْحَارِث بن كَعْب فَقتل مِنْهُم وَأسر وجدع وخصى ثمَّ بنى أطماً وَبنت الْمُلُوك حول ذَلِك الأطم مَدِينَة صنعاء فَهِيَ الْيَوْم قصبتها. وَهُوَ الْقَائِل: يَا قوم من عاذري من الخدعه) وَأول الشّعْر: لكل ضيقٍ من الْأُمُور سعه مَعَ أَرْبَعَة أَبْيَات أخر. انْتهى. وَزعم خضر الْموصِلِي أَن أول هَذَا الشّعْر عِنْد ابْن قُتَيْبَة هُوَ المصراع الْمُتَقَدّم. وَلَيْسَ كَذَلِك كَمَا ترى. قَالَ صَاحب الأغاني: كَانَ الأضبط بن قريع مفركاً بتَشْديد الرَّاء الْمَفْتُوحَة وَهُوَ الَّذِي تبْغضهُ زَوجته. وَكَانَ فِي الْحَرْب يتَقَدَّم أَمَام الصَّفّ وَيَقُول: الرجز (أَنا الْفَتى تفركه حلائله ... أَلا فَتى معشقٌ أنازله)

وَاجْتمعَ نساؤه لَيْلَة يتسامرن فتعاقدن على أَن يصدقن الْخَبَر عَن فرك الأضبط فأجمعن أَن ذَلِك لِأَنَّهُ بَارِد الكمرة فَقَالَت لإحداهن خَالَتهَا: أفتعجز إحداكن إِذا كَانَت لَيْلَتهَا أَن تسخن كمرته بِشَيْء من دهن. فَلَمَّا سمع قَوْلهَا صَاح: يَا آل عَوْف فثار النَّاس وظنوا أَنه قد أُتِي فتسارعوا إِلَيْهِ. فَقَالُوا: مَا بالك فَقَالَ: أوصيكم أَن تسخنوا الكمر فَإِنَّهُ لَا حظوة لبارد الكمرة. فانصرفوا ضاحكين وَقَالُوا: تَبًّا لَك أَلِهَذَا دَعوتنَا. انْتهى. وَنقل السُّيُوطِيّ فِي شرح أَبْيَات الْمُغنِي عَن الحماسة البصرية أَن الأضبط ابْن قريع السَّعْدِيّ من شعراء الدولة الأموية. وَلم يتعقبه بِشَيْء. وَهَذَا عَجِيب مِنْهُ. والأضبط مَعْنَاهُ فِي اللُّغَة: الَّذِي يعْمل بكلتا يَدَيْهِ. وَالْمَرْأَة ضبطاء. يُقَال: صبط الرجل بِالْكَسْرِ يضْبط بِالْفَتْح ضبطاً بِالسُّكُونِ. وَأنْشد بعده: وحاتم الطَّائِي وهاب المئي وَتقدم شَرحه فِي الشَّاهِد الرَّابِع وَالْأَرْبَعِينَ بعد الْخَمْسمِائَةِ. وَفِي غَيره أَيْضا.

(هاء السكت)

(هَاء السكت) أنْشد فِيهِ (الشَّاهِد الْخَامِس وَالْخَمْسُونَ بعد التسْعمائَة) الرجز يَا مرحباه بِحِمَار عفراء على أَن هَاء السكت فِيهِ قد رُوِيَ بِالْوَجْهَيْنِ بِالضَّمِّ وَالْكَسْر. وَظَاهر كَلَامه أَن تحريكها بِمَا ذكر فِي إِثْبَاتهَا وصلا بعد الْألف لُغَة. وَتقدم مِنْهُ فِي بَاب الندية أَن ثُبُوتهَا فِي الْوَصْل مَكْسُورَة أَو مضمموة ضَرُورَة عِنْد الْبَصرِيين وَجَائِز عِنْد الْكُوفِيّين. وَزَاد هُنَا أَنَّهَا بعد الْوَاو أَيْضا تكسر وتضم وَأَنَّهَا بعد ألف تفتح أَيْضا. وَذكر فِي بَاب الْعلم أَن جَوَاز تحريكها بِالضَّمِّ وَالْكَسْر فِي السعَة إِنَّمَا هُوَ فِي: يَا هَناه وأخواته. فَوَجَبَ أَن يحمل مَا هُنَا على مَا تقدم من كلاميه ليُوَافق كرمه فِي جَمِيع الْمَوَاضِع مَذْهَب الْبَصرِيين. وَكَانَ يَنْبَغِي أَن يقدم الْكسر على الضَّم فَإِنَّهُ الأَصْل فِي التَّخَلُّص من التقاء الساكنين وَأما وَتقدم فِي الشَّاهِد السَّابِع وَالْأَرْبَعِينَ بعد الْمِائَة تَوْجِيه تحريكها فِي الْوَصْل من الخصائص لِابْنِ جني بِأَنَّهُ منزلَة بَين منزلتي الْوَقْف والوصل. وَذهب ابْن جني فِي بعض كتبه وَهُوَ شرح ديوَان المتنبي إِلَى أَن

تحريكها شَاذ ضَعِيف عِنْد الْبَصرِيين لَا يثبتونه فِي الرِّوَايَة وَلَا يَحْفَظُونَهُ فِي الْقيَاس من جِهَة أَنه لايخلو من أَن تجْرِي الْكَلِمَة على حد الْوَقْف أَو على حد الْوَصْل. فَإِن أجراها على حد الْوَصْل فسبيله أَن يحذف الْهَاء وصلا لاستغنائه عَنْهَا. وَإِن كَانَ على حد الْوَقْف فقد خَالف ذَلِك بإثباته إِيَّاهَا متحركة وَهِي فِي الْوَقْف بِلَا خلاف سَاكِنة وَلَا يعلم هُنَا منزلَة بَين الْوَصْل وَالْوَقْف يرجع إِلَيْهَا وتجري هَذِه الْكَلِمَة عَلَيْهَا. فَلهَذَا كَانَ إِثْبَات الْهَاء المتحركة خطأ عندنَا. انْتهى. وَقد رَجَعَ عَن هَذَا فِي الخصائص كَمَا نَقَلْنَاهُ هُنَاكَ. وَقَوله: إِثْبَات الْهَاء متحركة خطأ تبعه فِيهِ الزَّمَخْشَرِيّ فِي الْمفصل قَالَ: وتحريكها لحن. وَكَذَا قَالَ صَاحب اللّبَاب. وَهَذَا مِمَّا لَا يَنْبَغِي فَإِن الْعَرَب معصومون عَن الْخَطَأ واللحن فِي) الْأَلْفَاظ حَتَّى قيل: إِن البدوي لَا يطاوعه لِسَانه فِي ذَلِك. وَالْبَيْت الشهد لعروة بن حزَام العذري وَهُوَ من صميم الْعَرَب فِي صدر الْإِسْلَام. (يَا رب يَا رباه إياك أسل ... عفراء يَا رباه من قبل الْأَجَل) وَكَذَا قَالَ الْمَجْنُون قيس العامري وَهُوَ من اللِّسَان بمَكَان: الطَّوِيل (فَقلت أيا رباه أول سؤلتي ... لنَفْسي ليلى ثمَّ أَنْت حسيبها) وَمثل هَذَا مِمَّا يَقع نظماً لَا نثراً ضَرُورَة.

وَقَوله: يَا مرحباه بِحِمَار عفراء بعده: الرجز (إِذا أَتَى قربته لما شَاءَ ... من الشّعير والحشيش وَالْمَاء) عفراء: هِيَ محبوبة عُرْوَة بن حزَام العذري. قَالَ عِيسَى بن إِبْرَاهِيم الربعِي فِي نظام الْغَرِيب وَهُوَ تأليف قديم فِي اللُّغَة: ولد الظبية سمي بذلك لِأَن لَونه لون العفر وَهُوَ التُّرَاب لذَلِك قيل: ظَبْي أعفر وظبية عفراء وَبِه سميت الْمَرْأَة عفراء. وَأنْشد هَذِه الأبيات الثَّلَاثَة. وَقَالَ ابْن يعِيش: كَانَ عُرْوَة يحب عفراء وفيهَا يَقُول: يار ب يَا رباه إياك أسل ثمَّ خرج فلقي حمارا عَلَيْهِ امْرَأَة فَقيل لَهُ: هَذَا حمارعفراء. فَقَالَ: فَرَحَّبَ بحمارها لمحبته لَهَا وَأعد لَهُ الشّعير والحشيش وَالْمَاء. وَنَظِير مَعْنَاهُ قَول الآخر: الوافر (أحب لحبها السودَان حَتَّى ... أحب لحبها سود الْكلاب) انْتهى.

وَلم أجد هَذَا الرجز فِي ديوَان عُرْوَة وَلَعَلَّه ثَابت فِيهِ من رِوَايَة أُخْرَى. وَتَقَدَّمت تَرْجَمته فِي الشَّاهِد السَّادِس وَالتسْعين بعد الْمِائَة. وَقَالُوا فِي هَذِه الأبيات: يجوز أَن تروى بِالْمدِّ وَالْقصر فَإِذا مدت كَانَت من الضَّرْب الْخَامِس من السَّرِيع المشطور المخبون الْمَوْقُوف: فعولان أَو مفاعيل. وَمثله: الرجز) (يمتسكون من حذار الْإِلْقَاء ... بتلعاتٍ كجذوع الصيصاء) وَإِذا قصرت كَانَت من الضَّرْب السَّادِس من مشطور السَّرِيع المخبون. وَأما قَوْله: يَا رب يَا رباه إياك أسل فقد تقدم شَرحه فِي الشَّاهِد الثَّانِي وَالثَّلَاثِينَ بعد الْخَمْسمِائَةِ. وَأما قَول الْأُخَر: الرجز فقد تقدم شَرحه فِي الشَّاهِد السَّابِع وَالْأَرْبَعِينَ بعد الْمِائَة.

( شين الكشكشة) أنْشد فِيهِ (الشَّاهِد السَّادِس وَالْخَمْسُونَ بعد التسْعمائَة) الرجز (تضحك مني أَن رأتني أحترش ... وَلَو حرشت لكشفت عَن حرش) على أَن نَاسا من تَمِيم وَمن أَسد يجْعَلُونَ مَكَان الْكَاف الْمُؤَنَّث شيناً فِي الْوَقْف كَمَا فِي حرش وَأَصله حرك. قَالَ الْمبرد فِي الْكَامِل: بَنو عَمْرو بن تَمِيم إِذا ذكرت كَاف الْمُؤَنَّث فوقفت عَلَيْهَا أبدلت مِنْهَا شيناً لقرب الشين من الْكَاف فِي الْمخْرج فَإِنَّهَا مهموسة مثلهَا فأرادوا الْبَيَان فِي الْوَقْف لِأَن فِي الشين تفشياً فَيَقُولُونَ للْمَرْأَة: جعل الله الْبركَة فِي دارش. وَالَّتِي يدرجونها يدعونها كافاً. انْتهى. وَرُبمَا فعلوا هَذَا فِي الْكَاف الْأَصْلِيَّة الْمَكْسُورَة أنْشد ثَعْلَب فِي أَمَالِيهِ عَن ابْن الْأَعرَابِي: الرجز (عَليّ فِيمَا أَبْتَغِي أبغيش ... بَيْضَاء ترضيني وَلَا ترْضينَ) (وتطلبي ود بني أبيش ... إِذا دَنَوْت جعلت تنئيش ) حَتَّى تنقي كنقيق الديش قَالَ ثَعْلَب: يجْعَلُونَ مَكَان الْكَاف الشين وَرُبمَا جعلُوا بعد الْكَاف

الشين وَالسِّين يَقُولُونَ: إنكش وإنكش وَهِي الْكَاف الْمَكْسُورَة لَا غير يَفْعَلُونَ هَذَا توكيداً لكسر الْكَاف بالشين وَالسِّين كَمَا يَقُولُونَ: ضَربته وضربته لقرب مخرجها مِنْهَا. انْتهى. وَالشَّاهِد فِي قَوْله: كنقيق الديش فَإِن أَصله الديك وكاف أصليه وَفِي جَمِيع مَا عداهُ الشين بدل من كَاف المخاطبة.) وَالْبَيْت الشَّاهِد أنْشدهُ ابْن الْأَعرَابِي فِي نوادره كَمَا هُنَا. وَقَوله: أَن رأتني ... إِلَخ بدل اشْتِمَال من الْيَاء المجرورة بِمن. والاحتراش: صيد الضَّب خَاصَّة وَالْعرب تَأْكُله قَالَ صَاحب الْعباب: احترش الضَّب: اصطاده. وَعَن ثَابت بن زيد الْأنْصَارِيّ أَنه أَتَى النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ رجل بضباب قد احترشها فَقَالَ: أمةٌ مسخت من بني إِسْرَائِيل دَوَاب فَقَالَ: لَا أَدْرِي أَي الدَّوَابّ هِيَ فَلم يأكلها وَلم ينْه عَنْهَا. انْتهى. وَيُقَال أَيْضا: حرش الضَّب يحرشه حرشاً من بَاب ضرب أَي: صَاده فَهُوَ حارش الضباب. وَهُوَ أَن يُحَرك يَده على جُحر ليظنه حَيَّة فَيخرج ذَنبه ليضربها فَيَأْخذهُ. وَقَالَ الْمفضل بن سَلمَة فِي كتاب الفاخر: الحرش أَن يُؤْتى إِلَى بَاب جُحر الضَّب بأسود الْحَيَّات فيحرك عِنْد فَم الْجُحر فَإِذا سمع الضَّب حس الْأسود خرج إِلَيْهِ ليقاتله فيصاد. انْتهى.

(الشاهد السابع والخمسون بعد التسعمائة)

- وَالْمَشْهُور الأول. وَمِمَّا تحكي الْعَرَب عَن الضَّب من أكاذيبهم أَنه إِذا ولد للضب ولد قَالَ: يَا بني اتَّقِ الحرش. قَالَ: وَمَا الحرش قَالَ: إِذا سَمِعت حَرَكَة بِبَاب الْجُحر فَلَا تخرج. فَسمع يَوْمًا صَوت فأس يحْفر بِهِ جحرهما فَقَالَ: يَا أَبَت أَهَذا الحرش فَقَالَ: هَذَا أجل من الحرش فَصَارَ مثلا يضْرب لمن يخَاف شَيْئا فَيَقَع فِي أَشد مِنْهُ. وَإِنَّمَا ضحِكت مِنْهُ اسْتِخْفَافًا بِهِ لما رَأَتْهُ يصيد الضَّب لِأَنَّهُ صيد العجزة والضعفاء. وَرَوَاهُ الزجاجي فِي أَمَالِيهِ الْوُسْطَى كَذَا: تعجبت لما رأتني أحترش وَقَوله: وَلَو حرشت الْتِفَات من الْغَيْبَة إِلَى الْخطاب يَعْنِي لَو كنت تصيدين الضَّب لأدخلته فِي فرجك دون فمك إعجاباً بِهِ وإعظاماً للذته. وَالْحر بِالْكَسْرِ للمهملة: فرج الْمَرْأَة وَأَصله حرح بِسُكُون الرَّاء فحذفت الْحَاء الْأَخِيرَة مِنْهُ وَاسْتعْمل اسْتِعْمَال يدٍ وَدم وَيدل عل أَصله تصغيره وَجمعه فَإِنَّهُ يُقَال: حريح وأحراح. وَلم أَقف على قَائِله وَلَا على تتمته. وَالله أعلم. وَأنْشد بعده (الشَّاهِد السَّابِع وَالْخَمْسُونَ بعد التسْعمائَة) وَهُوَ آخر الشواهد:

الطَّوِيل ( فعيناش عَيناهَا وجيدش جيدها ... سوى أَن عظم السَّاق منش دَقِيق) عل أَنه كَانَ الْقيَاس فِي هَذَا الشين المبدلة من كَاف المخاطبة أَن تحذف فِي الدرج لَكِنَّهَا أجريت فِي حَاله الْوَصْل مجْرى حَالَة الْوَقْف. قَالَ ابْن جني فِي سر الصِّنَاعَة: وَمن الْعَرَب من يُبدل كَاف الْمُؤَنَّث فِي الْوَقْف شيناً حرصاً على الْبَيَان لِأَن الكسرة الدَّالَّة على التَّأْنِيث فِيهَا تخفى فِي الْوَقْف فاحتاطوا للْبَيَان بِأَن أبدلوها شيناً فَقَالُوا: عليش ومنش ومررت بش. وتحذف فِي الْوَصْل. وَمِنْهُم من يجر ي الْوَصْل مجْرى الْوَقْف فيبدل مِنْهُ أَيْضا. وأنشدوا للمجنون: فعيناش عَيناهَا وجيدش جيدها قَالَ الفالي فِي شرح اللّبَاب: وَإِنَّمَا سميت هَذِه اللُّغَة أَعنِي إِلْحَاق الشين بِالْكَاف الكشكشة لِاجْتِمَاع الْكَاف والشين فِيهَا. وَإِنَّمَا كسرت الكافان فِي لفظ الكشكشة لحكاية الْكسر لكَون الْكَاف للمؤنث. وَمِنْهُم من يفتحهما على حد قَوْلهم فِي التَّعْبِير عَن بِسم الله بالبسملة وَكَذَلِكَ الكسكسة بِالْوَجْهَيْنِ. قَالَ الْمبرد فِي الْكَامِل: حَدثنِي من لَا أحصي من أَصْحَابنَا عَن الْأَصْمَعِي عَن شُعْبَة عَن قَتَادَة قَالَ: قَالَ مُعَاوِيَة يَوْمًا: من أفْصح النَّاس فَقَامَ رجل من السماط فَقَالَ: قوم تباعدوا عَن فراتيه الْعرَاق وتيمانوا عَن كسشكشة تَمِيم وتياسروا عَن كسكسة بكر لَيْسَ فيهم غمغمة قضاعة وَلَا طمطمانية حمير. - فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَة: من أُولَئِكَ فَقَالَ: قَوْمك يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ. فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَة: من أَنْت قَالَ: رجل من جرم قَالَ الْأَصْمَعِي: وجرم من فصحاء النَّاس. قَوْله: تيامنوا عَن كشكشة تَمِيم فَإِن بني

عَمْرو بن تَمِيم إِذا ذكرت كَاف الْمُؤَنَّث فوقفت عَلَيْهَا أبدلت مِنْهَا شَيْئا لقرب الشين من الْكَاف فِي الْمخْرج وَأَنَّهَا مهموسة مثلهَا فأرادوا الْبَيَان فِي الْوَقْف لِأَن فِي الشين تفشياً.) فَيَقُولُونَ للْمَرْأَة: جعل الله لَك الْبركَة فِي دارش وويحك مالش. فالتي يدرجونها يدعونها كافاً وَالَّتِي يقفون عَلَيْهَا يبدلونها شيناً. وَأما بكر فتختلف فِي الكسكسة فقوم مِنْهُم يبدلون من الْكَاف سيناً كَمَا فعل التَّمِيمِيُّونَ فِي الشين وهم أقلهم. وَقوم يبينون حَرَكَة كَاف الْمُؤَنَّث فِي الْوَقْف بالشين فيزيدونها بعْدهَا فَيَقُولُونَ: أعطيتكش. وَأما الغمغمة فقد تكون من الْكَلَام وَغَيره لِأَنَّهُ صَوت لَا يفهم تقطيع حُرُوفه. والطمطمة: أَن يكون الْكَلَام مشبهاً لكَلَام

الْعَجم. انْتهى. وَكَذَا أوردهُ الزَّمَخْشَرِيّ فِي الْمفصل. والسماط بِالْكَسْرِ: الصَّفّ من النَّاس والجانب. قَالَ ابْن يعِيش قَالَ: جرمٌ بطْنَان من الْعَرَب. أَحدهمَا: فِي قضاعة وَهِي جرم بن زبان. وَالْآخر: فِي طَيئ يوصفون بالفصاحة والفراتية: لُغَة أهل الْفُرَات الَّذِي هُوَ نهر أهل الْكُوفَة. والفراتان: الْفُرَات ودجيل. ويروى: لخلخانية الْعرَاق واللخلخانية: العجمة فِي الْمنطق يُقَال: رجل لخلخاني إِذا كَانَ لَا يفصح والغمغمة: أَن لَا يتَبَيَّن الْكَلَام وَأَصله أصوات الثيران عِنْد الذعر وأصوات الْأَبْطَال عِنْد الْقِتَال. وقضاعة: أَبُو حَيّ فِي الْيمن وَهُوَ قضاعة بن مَالك بن سبأ. والطمطمانية بِضَم الطاءين: أَن يكون الْكَلَام مشبهاً لكَلَام الْعَجم يُقَال: رجل من طمطم بِكَسْر الطاءين أَي: فِي لِسَانه عجمة لَا يفصح. والطمطماني مثله. وحمير: أَبُو قَبيلَة وَهُوَ حمير بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان. وَمِنْهُم كَانَت الْمُلُوك الأول. وصف هَذَا الْجرْمِي قومه بالفصاحة وَعدم اللكنة والتباعد عَن هَذِه اللُّغَات المستهجنة. انْتهى. وَأورد الحريري فِي درة الغواص هَذَا الْخَبَر عَن الْأَصْمَعِي كَذَا فَقَالَ: قوم تباعدوا عَن عنعنة

تَمِيم وتلتلة بهراء وكشكشة ربيعَة وكسكسة بكر لَيْسَ فيهم غمغمة قضاعة ... . إِلَخ. قَالَ: وَأَرَادَ بعنعنة تَمِيم أَن تميماً يبدلون من الْهمزَة عينا كَمَا قَالَ ذُو الرمة: الْبَسِيط) أعن ترسمت من خرقاء منزلَة يُرِيد: أأن ترسمت. وَأما تلتلة بهراء فيكسرون حُرُوف المضارعة فَيَقُولُونَ: أَنْت تعلم. - وحَدثني أحد شيوخي أَن ليلى الأخيلية مِمَّن كَانَت تَتَكَلَّم بِهَذِهِ اللُّغَة وَأَنَّهَا اسْتَأْذَنت ذَات يَوْم على عبد الْملك بن مَرْوَان وبحضرته الشّعبِيّ فَقَالَ لَهُ: أتأذن لي يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فِي أَن أضْحكك مِنْهَا قَالَ: افْعَل. فَلَمَّا اسْتَقر بهَا الْمجْلس قَالَ لَهَا الشّعبِيّ: يَا ليلى مَا بَال قَوْمك لَا يكتنون فَقَالَت لَهُ: وَيحك أما نكتني فَقَالَ: لَا وَالله وَلَو فعلت لاغتسلت. فخجلت عِنْد ذَلِك واستغرب عبد الْملك فِي الضحك. انْتهى الْمَقْصُود مِنْهُ. وَرَأَيْت فِي أمالي ثَعْلَب: ارْتَفَعت قُرَيْش فِي الفصاحة عَن عنعنة تَمِيم وكشكشة ربيعَة وكسكسة هوَازن وتضجع قيس وعجرفية ضبة وتلتلة بهراء. فَأَما عنعنة تَمِيم فَإِن تميماً تَقول فِي مَوضِع أَن: عَن تَقول: عَن عبد الله قَائِم. وَأما تلتلة بهراء فَإِنَّهَا تَقول: تعلمُونَ وتفعلون وتصنعون بِكَسْر أَوَائِل الْحُرُوف. انْتهى. رَجعْنَا إِلَى الْبَيْت الشَّاهِد. قَالَ ابْن الْمبرد فِي الْكَامِل. عين الْإِنْسَان مشبهة بِعَين الْبَقَرَة فِي كَلَامهم المنثور وشعرهم المنظوم. قَالَ الْمَجْنُون: (فعيناك عَيناهَا وجيدك جيدها ... وَلَكِن عظم السَّاق مِنْك دَقِيق) (فَلم تَرَ عَيْني مثل سربٍ رَأَيْته ... خرجن علينا من زقاق ابْن وَاقِف) (طلعن بأعناق الظباء وأعين ال ... جآذر وامتدت لَهُنَّ الروادف ) انْتهى. فَروِيَ الْبَيْت على الأَصْل من غير إِبْدَال وَهُوَ الْمَشْهُور فِي الرِّوَايَة. وَكَذَا القالي فِي ذيل أَمَالِيهِ بِسَنَدِهِ قَالَ: كَانَ مَجْنُون بني عَامر فِي بعض مجالسه وَكَانَ يكثر الْوحدَة والتوحش فَمر بِهِ أَخُوهُ وَابْن عَمه قد قنصا ظَبْيَة فَهِيَ مَعَهُمَا فَقَالَ: الْبَسِيط (يَا أخوي اللَّذين الْيَوْم قد أخذا ... شبها لليلى بحبلٍ ثمَّ غلاها) ...

(إِنِّي أرى الْيَوْم فِي أعطاف شاتكما ... مشابها اشبهت ليلى فحلاها)) فامتنعا بهَا مِنْهُ فهم بهما وَكَانَ جلدا قبل مَا أُصِيب بِهِ فخافاه فدفعاها إِلَيْهِ فأرسلها فَوَلَّتْ تَفِر ثمَّ أَقبلت تنظر إِلَيْهِ فَقَالَ: الطَّوِيل (أيا شبه ليلى لَا تراعي فإنني ... لَك الْيَوْم من وحشيةٍ لصديق) (تَفِر وَقد أطلقتها من وثاقها ... فَأَنت لليلى إِن شكرت طليق) (فعيناك عَيناهَا وجيدك جيدها ... وَلَكِن عظم السَّاق مِنْك دَقِيق) انْتهى. (أرى فِيك من خرقاء يَا ظَبْيَة اللوى ... مشابه جنبت اعتلاق الحبائل ) (فعيناك عَيناهَا ولونك لَوْنهَا ... وجيدك إِلَّا أَنَّهَا غير عاطل) وَتَقَدَّمت تَرْجَمَة الْمَجْنُون فِي الشَّاهِد التسعين بعد الْمِائَتَيْنِ. وَهَذَا آخر الْكَلَام على شرح الشواهد الغزيرة الْفَوَائِد والناظم للنكت الفرائد وَالْحَاوِي للطارف والتالد وَالْجَامِع بَين الشوارد والأوابد وَالْحَمْد لله من البدء إِلَى الختام على توفيق هَذَا النظام والتيسير إِلَى الْإِتْمَام وَالْبُلُوغ إِلَى المرام. وَأفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام على محمدٍ خير الْأَنَام وَأفضل الرُّسُل

الْكِرَام وَآله السَّادة الْأَعْلَام وَصَحبه قادة الْإِسْلَام على تعاقب اللَّيَالِي وَالْأَيَّام وترادف الشُّهُور والأعوام. وَكَانَ ابْتِدَاء التَّأْلِيف بِمصْر المحروسة فِي غرَّة شعْبَان من سنة ثَلَاث وَسبعين وَألف وانتهاؤه فِي لَيْلَة الثُّلَاثَاء الثَّانِي وَالْعِشْرين من جُمَادَى الْآخِرَة من سنة تسع وَسبعين فَيكون مُدَّة التَّأْلِيف سِتّ سِنِين مَعَ مَا تخَلّل فِي أَثْنَائِهَا من العطلة بالرحلة فَإِنِّي لما وصلت إِلَى شرح الشَّاهِد التَّاسِع وَالسِّتِّينَ بعد الستمائة سَافَرت إِلَى قسطنطينة فِي الثَّامِن عشر من ذِي الْقعدَة من سنة سبع وَسبعين وَلم يتَّفق لي أَن أشرح شَيْئا إِلَى أَن دخلت مصر المحروسة وَفِي الْيَوْم السَّابِع من ربيع الأول من الْعَام الْقَابِل ثمَّ شرعت فِي ربيع الآخر وَقد يسر الله التَّمام وَحسن الختام. فَلهُ الْحَمد والْمنَّة وأسأله أَن ينفع بِهِ وَأَن يخْتم عَمَلي بِكُل خير ويدرأ عني كل ضير وَأَن يفعل كَذَلِك بِجَمِيعِ أحبائي وَسَائِر أودائي إِنَّه على ذَلِك قدير وبالإجابة جدير. وحسبنا الله وَنعم الْوَكِيل نعم الْمولى وَنعم النصير. قَالَه بفمه وزبرة بقلمه مُؤَلفه الْفَقِير إِلَى الله فِي جَمِيع أَحْوَاله: عبد الْقَادِر بن عمر الْبَغْدَادِيّ لطف الله بِهِ وبأسلافه وَأَوْلَاده وأحبائه وَجَمِيع الْمُسلمين. آمين.

§1/1