درج الدرر في تفسير الآي والسور ط الفكر
الجرجاني، عبد القاهر
بسم الله الرحمن الرحيم قال الله سبحانه وتعالى: {إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [الإسراء:9] وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (خيركم من تعلّم القرآن وعلّمه) [صحيح البخاري] وقال ابن الجزريّ: لذاك كان حاملو القرآن … أشراف الامّة أولي الإحسان [طيبة النشر]
القسم الأول: من الفاتحة إلى سورة يونس
مقدّمة {بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ} {الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (2) الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (3) مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} (4) والصّلاة والسّلام على سيّدنا محمد سيّد الأوّلين والآخرين، وعلى آله الطّيّبين الطّاهرين، وصحابته الغرّ الميامين من الأنصار والمهاجرين، والتّابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدّين، أمّا بعد: فإنّ خير الكلام كلام الله، وإنّ خير العلوم ما اتّصل بخدمة هذا الكلام الذي احتواه القرآن الكريم. وقد كان من فضل الله ومنّه عليّ أن كان موضوع رسالتي في الماجستير متّصلا بخدمة هذا الكتاب العزيز، وأردت أن يكون من تمام هذا الفضل أن يأتي موضوع أطروحة الدكتوراه في السّياق نفسه، فاخترت موضوعا غير هذا له صلة بخدمة الكتاب الكريم، ولكنّ أستاذي المشرف رحمه الله أشار عليّ في حينها أن أتابع مسيرة التّحقيق التي بدأتها في الماجستير، وأن يكون موضوعها ذا صلة بعلوم القرآن، وبعد استشارة كثير من أساتذتي الأجلاء، نصحني جلّهم بموافقة رأي أستاذي المشرف، فكان هذا الموضوع المتّصل بتحقيق أثر قيّم من كتب التّفسير هو (درج الدّرر في تفسير القرآن العظيم) الذي أجمعت نسخه المخطوطة على نسبته إلى إمام العربيّة في زمانه الشّيخ عبد القاهر الجرجانيّ. وبسبب كبر حجم المخطوط كان الرّأي أن يقتصر موضوع هذه الأطروحة على نصف الكتاب، وذلك من أول المصحف إلى آخر سورة يونس. وكان النّصف الثاني موضوع أطروحة دكتوراه أخرى لأخ فاضل في كلية العلوم الإسلامية، ولكنّ الظروف التي طرأت فيما بعد جعلت كلّيّته توافق على ما اقترحه أستاذه المشرف بحذف ما بعد سورة السّجدة من عمله. وقد حصلت على ثلاث من النّسخ المخطوطة للكتاب مصوّرة من مكتبة الجامعة الأردنية، لحقتها الرّابعة من مكتبة الأسكوريال بإسبانيا، وذلك كلّه كان بجهود كريمة مشكورة من الشّيخ المحقّق الدكتور محمد شكور امرير، وولده الأديب محمد أديب الذي يشاركني في تحقيق الكتاب، فمعظم الجزء الثاني منه هو موضوع أطروحته للدكتوراه التي توشك على الإنجاز بإذن الله. وبعد إقرار اللّجنة العلميّة في قسم اللّغة العربيّة الموضوع، بدأت متوكّلا على الله عزّ وجلّ، العمل الجادّ لإنجاز دراسة الكتاب وتحقيقه، وإخراجه بأفضل صورة ممكنة رغم الظّروف الصّعبة التي أدّت إلى قلّة المصادر التي أحتاج إليها في توثيق نصوص الكتاب، وتخريج الأقوال الكثيرة فيه،
ثمّ كانت الحرب وما الحرب إلا ما علمتم وذقتم … وما هو عنها بالحديث المرجّم وبعد الحرب جاء الأصعب، فالمصادر التي كانت قليلة أو نادرة صارت مفقودة أو ضائعة، وإذا المكتبات دمّرت، وإذا المراجع نهبت، وإذا الكتب احترقت، فلا نامت أعين التّتار. وقد جاءت هذه الأطروحة في قسمين: أولهما للدّراسة، وثانيهما للنص المحقّق. ولا بدّ من الإشارة إلى أنّ الدّراسة انصبّت أساسا على ما له صلة باللّغة والنّحو والصّرف، تاركا ما يتّصل بعلوم القرآن من تفسير وعلم كلام وحديث وفقه، باتّفاق مع الأخ الفاضل الذي يحقّق الجزء الثّاني من الكتاب، ليكون ذلك موضوع دراسته، فتتكامل الدّراستان بعون الله. وقد انقسمت الدراسة على أربعة فصول سبقتها مقدمة، وتلتها خاتمة تضمّنت أهمّ النّتائج المستخلصة من البحث. واختصّ الفصل الأول من الدّراسة بالحديث عن الجرجانيّ والكتاب، فجاء في مبحثين، تحدّثت في الأول منهما عن الجرجانيّ، حياته، وشيوخه، وتلاميذه، ومنزلته العلميّة، وآثاره، وتحدّثت في المبحث الثاني عن كتاب (درج الدّرر في تفسير القرآن العظيم)، اسمه وتوثيق نسبته إلى المؤلّف، ومنهجه، ومصادره، وأهمّيته، وما انفرد به من آراء وأقوال، وختمت هذا المبحث بالحديث عن المآخذ التي سجّلتها على الكتاب. وتحدّثت في الفصل الثاني عن موقف المؤلّف من أصول اللّغة والنّحو، وجاء في ثلاثة مباحث، تكلّمت في الأوّل منها على موقفه من الشّواهد، وفي المبحث الثّاني عرضت موقفه من السّماع والقياس، ثم بيّنت في المبحث الثّالث موقفه من الكوفيّين والبصريّين. وفي الفصل الثالث تناولت الظّواهر اللّغوية والصّرفية في الكتاب، فعرضت في المبحث الأول مجموعة من الظواهر اللغوية، وفي المبحث الثاني مجموعة من الظواهر الصرفية. وتكلمت في الفصل الرابع على نسخ الكتاب المخطوطة ومنهج التحقيق، وقد ضمّ ثلاثة مباحث: أولها للحديث عن نسخ الكتاب المخطوطة، وثانيها لبيان منهج التحقيق الذي اتّبعته، وثالثها لشرح المصطلحات المستعملة في التحقيق. وضمّ القسم الثاني من الأطروحة النصّ المحقّق من كتاب (درج الدّرر في تفسير القرآن العظيم) الذي يتناول تفسير عشر سور من القرآن الكريم هي: الفاتحة، والبقرة، وآل عمران، والنّساء، والمائدة، والأنعام، والأعراف، والأنفال، والتّوبة، ويونس. وبعد أن استقام هذا العمل على سوقه، ودنا قطافه بإذن الله، لا بدّ لي من أن أتقدّم بأصدق الشكر وأخلصه إلى الأستاذ عدنان سعد الدين الذي كان سببا في قبولي في الدراسات العليا، وهو
صاحب الفضل الكبير على كثير من طلبة العلم، وغيرهم. وأتقدم بوافر الشكر والامتنان إلى أستاذي المغفور له الدكتور محمد صالح التكريتي الذي تفضّل بقبوله الإشراف على هذه الأطروحة، وتلطّف برسم معالمها، وأردف بتقويم معوجّها، فأفدت من غزير علمه، واستهديت بسديد رأيه في سبيل الوصول إلى هذه الحصيلة العلميّة، رغم ما عاناه في مرضه العضال، إلى أن لقي وجه ربّه، صابرا محتسبا، فجزاه الله عني خير الجزاء، وأسكنه فسيح جنّاته مع الأنبياء والصّدّيقين والشّهداء والصّالحين، وحسن أولئك رفيقا. وأتقدم بالشكر الجزيل إلى أستاذي الفاضل الدكتور هاشم طه شلاش الذي لم يتأخّر يوما في تقديم إرشاداته السّديدة، وآرائه القيّمة التي أغنت هذا البحث، وجعلته يرقى إلى الصّورة التي صار عليها، وكان خير مرشد لي في أثناء مرض أستاذي المشرف، فجزاه الله عني كلّ خير، وأمدّ في عمره، وكلّله بتاج الصّحّة والعافية، ووقاه من كلّ مكروه. والشكر الجزيل أقدّمه أيضا إلى أستاذي الجليل الدكتور عبد الجليل العاني لتوجيهاته الكريمة، وما أمدّني به من مصادر وكتب قيّمة من مكتبته العامرة التي لم يمنع عني شيء منها في حضوره أو غيابه. وأتقدم بوافر الشكر والامتنان إلى كلّ من مدّ إليّ يد العون، وساعدني على إنجاز هذا العمل، والوصول به إلى ما صار إليه، وأرجو الله تعالى أن يعينني على ردّ جميلهم، ويجزيهم عني خير الجزاء. ولا أجد من الكلمات ما يوفّي هذا البلد الكريم المصابر، وأهله الطيّبين، أزال الله عنهم هذه الغمّة، ودفع عنهم كيد الكائدين. وختاما هذا عمل ابتغيت به مرضاة الله عزّ وجلّ، وادّخرت ثوابه عنده، فإن كنت قد أحسنت فبتوفيقه وفضله ومنّه، وإن كانت الأخرى فحسبي أنّني بذلت من الجهد والصّبر والمصابرة في سبيل إنجازه ما الله وحده به أعلم. {وَاِصْبِرْ حَتّى يَحْكُمَ اللهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ} وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين الباحث طلعت صلاح الفرحان
الفصل الأول الجرجاني والكتاب
الفصل الأول الجرجاني والكتاب المبحث الأول: الجرجاني أ-حياته ب-شيوخه ج-تلاميذه د-منزلته العلمية هـ-آثاره المبحث الثاني: الكتاب أ-اسمه وتوثيق نسبته إلى المؤلف ب-منهجه ج-مصادره د-أهميته هـ-ما انفرد به و-مآخذ على الكتاب
المبحث الأول الجرجاني
المبحث الأول الجرجاني (¬1) سأوجز الحديث عن الجرجانيّ لسببين: الأول: أنّه درس دراسة وافية من عدد من الباحثين الفضلاء، منهم الدكتور البدراوي زهران في كتابه (عالم اللغة عبد القاهر الجرجاني المفتنّ في العربية ونحوها)، والدكتور أحمد أحمد بدوي في كتابه (عبد القاهر الجرجاني وجهوده في البلاغة العربية)، والدكتور أحمد مطلوب في كتابه (عبد القاهر الجرجاني، بلاغته ونقده) والدكتور كاظم بحر المرجان في مقدمة تحقيق كتاب (المقتصد في شرح الإيضاح). والثاني: أنّ نسبة (درج الدّرر في تفسير القرآن العظيم) إلى عبد القاهر الجرجانيّ غير مسلّمة، بحسب ما تكشّف لي في أثناء التّحقيق، وهو ما سيأتي بيانه مفصّلا في المبحث الثاني من هذا الفصل إن شاء الله. ويمكن اختصار الحديث عن الجرجاني بالآتي: أ-حياته: لم تذكر المصادر السّنة التي ولد فيها أبو بكر عبد القاهر بن عبد الرحمن بن محمد الجرجانيّ، ولا عمره حين وفاته، لنستدلّ منه على سنة ولادته. ولم يكن لعبد القاهر رحلة في طلب العلم في أثناء حياته، إذ ذكر أبو البركات الأنباري أنّه «لم يخرج عن جرجان في طلب العلم» (¬2). أمّا وفاته فمعظم المصادر على أنّها كانت في سنة إحدى وسبعين وأربع مئة (¬3)، وذكرت المصادر قولا آخر يساق في أكثرها بصيغة التّمريض (قيل)، وهو أنّ وفاته كانت في سنة أربع وسبعين وأربع مئة (¬4). والأول هو الرّاجح. ب-شيوخه: ذكر ياقوت (¬5) أنّ من شيوخه: القاضي أبا الحسن علي بن عبد العزيز بن الحسن الجرجاني، ¬
ج-تلاميذه
المتوفّى في سنة 392 هـ (¬1)، صاحب كتاب (الوساطة بين المتنبي وخصومه). كان قاضي جرجان، وولي قضاء قضاة الرّيّ، وكان من مفاخر جرجان. سمع الحديث الكثير، وترقّى في العلوم حتى برع في الفقه والشّعر والنّحو وغير ذلك من العلوم. وأكثر المصادر التي ترجمت لعبد القاهر الجرجانيّ لا تذكر غير شيخ واحد له هو: أبو الحسين، محمد بن الحسن بن محمد بن عبد الوارث الفارسي، المتوفّى في سنة 421 هـ (¬2)، نزيل جرجان، وابن أخت أبي علي الفارسيّ. أحد أعيان العلم والفضل، وإمام النّحو بعد خاله الفارسيّ. ولم يأخذ عبد القاهر عن غيره، «وكان يحكي عنه كثيرا؛ لأنّه لم يلق شيخا مشهورا في علم العربيّة غيره؛ لأنّه لم يخرج عن جرجان في طلب العلم، وإنّما طرأ عليه أبو الحسين فقرأ عليه» (¬3). ج-تلاميذه: رغم ما جاء في بعض مصادر ترجمة عبد القاهر الجرجانيّ من أنّه «لم يزل مقيما بجرجان يفيد الرّاحلين إليه والوافدين عليه» (¬4) لا نجد في مصادر ترجمته إلا اسم تلميذ واحد من تلاميذه هو: عليّ بن أبي زيد محمد بن علي الفصيحيّ (ت 516 هـ) (¬5). وقد سمّي بالفصيحيّ لكثرة إعادته ودرسه كتاب (الفصيح) لثعلب. كان نحويّا حاذقا، أخذ عن الشّيخ عبد القاهر الجرجانيّ، ودرّس الأدب بالمدرسة النّظاميّة. وقد تثقّف على الفصيحيّ جماعة، وأخذوا ما أخذه من عبد القاهر (¬6). د-منزلته العلمية: أصاب عبد القاهر الجرجانيّ حظّا عظيما من الشّهرة، «وصار الإمام المشهور المقصود من جميع الجهات» (¬7)، وهو «أول من دوّن علم المعاني» (¬8). وذاع صيت نظريّته في النّظم التي وضّح من خلالها علاقة النّحو بالبلاغة، وأثارت آراؤه اهتمام المعنيّين بالدّراسات النّقديّة والبلاغيّة. ¬
هـ-آثاره
«وله شعر كثير» (¬1) أيضا، فهو أديب ناقد شاعر. والجرجانيّ من أئمّة النّحاة، «وله فضيلة تامّة في النّحو» (¬2)، وقد «انتهت إليه رئاسة النّحو في زمانه» (¬3)، فهو بالأساس، كما يقول د. كاظم بحر المرجان: «رجل نحوي، وهكذا كان يسمّى قديما، وأقواله بالأساس أيضا دفاع عن النحو، بل إنّ علم المعاني الذي قيل إنّه واضع أصوله لم يكن إلا إحياء لروح المعنى والحسّ والتّذوّق في علم النّحو بعد أن أجهز النّحاة على كلّ هذا بتعليلاتهم وتحليلاتهم وحججهم الدّائرة حول قضيّة الإعراب» (¬4). ويتجلّى دفاع عبد القاهر الجرجانيّ عن النّحو وإعجابه به في ما ذهب إليه في (دلائل الإعجاز) حين عاب على قوم ظنّهم النّحو «ضربا من التكلّف وبابا من التّعسّف»، وغير ذلك من الظّنون والآراء التي بلغ من إنكار الجرجانيّ لها أن قال في معتقديها: إنّهم «لو علموا مغبّتها وما تقود إليه لتعوّذوا بالله منها، ولأنفوا لأنفسهم من الرّضا بها، ذاك لأنّهم بإيثارهم الجهل بذلك العلم في معنى الصّادّ عن سبيل الله والمبتغي إطفاء نور الله تعالى» (¬5). وليس كتاب (المقتصد في شرح الإيضاح) وحده الذي تضمّن آراء عبد القاهر الجرجانيّ النّحويّة، ولكنّنا نجد له ملاحظات نحويّة كثيرة أيضا في (دلائل الإعجاز). هـ-آثاره: فصّل المرحوم الدكتور كاظم بحر المرجان القول في مؤلفات عبد القاهر الجرجاني في مقدمة تحقيقه لكتاب (المقتصد في شرح الإيضاح)، وصنّفها في مجموعات (¬6)، وبلغ من تفصيله أنّه خصّ بالحديث «مجموعة من الكتب نشرت على أنّها له ولم تذكرها كتب التّراجم بين مصنّفاته» (¬7)، ولكنّه مع ذلك أغفل الحديث عن (درج الدّرر). وسأكتفي هنا بذكر أهم تلك المؤلّفات من غير تفصيل: 1 - أسرار البلاغة. 2 - الإيجاز: وهو شرح مختصر لكتاب (الإيضاح). 3 - الجمل. ¬
4 - درج الدرر في تفسير القرآن العظيم، وهو موضوع البحث، وسيأتي الحديث عنه مفصّلا. 5 - دلائل الإعجاز. 6 - العوامل المئة. 7 - المغني في شرح الإيضاح. 8 - المفتاح في الصرف. 9 - المقتصد في شرح الإيضاح. 10 - المقتصد في شرح التكملة.
المبحث الثاني الكتاب
المبحث الثاني الكتاب أ-اسمه وتوثيق نسبته إلى المؤلف: خلت نسخ الكتاب المخطوطة من مقدمة للمؤلف يذكر فيها اسم كتابه ومنهجه فيه. وقد ثبت على صفحة العنوان في نسخة الأصل أن اسم الكتاب: (درج الدّرر في تفسير القرآن العظيم)، والاسم المثبت على صفحتي العنوان في نسختي ك وب: (تفسير القرآن العظيم المسمى بدرج الدرر)، وفي نسخة ع: (درج الدرر تفسير القرآن العظيم)، وهي متقاربة جدّا. وأجمعت النّسخ الأربع على نسبة الكتاب إلى عبد القاهر الجرجانيّ. وأول من ذكر اسم الكتاب حاجي خليفة ولكنه لم يجزم بنسبته إلى عبد القاهر الجرجانيّ، قال (¬1): «درج الدرر في التّفسير، مختصر للشيخ عبد القاهر الجرجاني ظنّا»، وظنّ حاجي خليفة لا يبدو قائما على تثبّت أو اطّلاع على مادّة الكتاب؛ لأنّه كان قبل ذلك أدرج ضمن التّفاسير «تفسير عبد القاهر بن عبد الرحمن الجرجاني»، ولكنّه ذكر أنّه «مختصر في مجلد ولعلّه تفسير الفاتحة» (¬2). وقوله هذا دليل على عدم اطّلاعه على الكتاب، إذ لو كان ذلك لعرف أنّه ليس تفسير الفاتحة. وذكر إسماعيل باشا البغداديّ ضمن تصانيف عبد القاهر الجرجانيّ «درج الدّرر في تفسير الآي والسّور، دلائل الإعجاز في المعاني والبيان، شرح الفاتحة في مجلّد» (¬3)، وهذا يعني بوضوح أنّ (درج الدرر) غير تفسير الفاتحة. والعنوان الذي ذكره البغداديّ للكتاب يبدو الأقرب إلى طريقة كثير من القدماء في إطلاق تسميات مسجوعة على تآليفهم، ولكنّ نسخ المخطوطة الأربع لم تذكر العنوان بهذه الصّيغة، ولعلّ البغداديّ اطّلع على نسخة، أو نسخ أخرى من الكتاب لم تصل إلى خزائن مكتبات المخطوطات العامّة. وفي أثناء تحقيق الكتاب تكشّفت لي قرائن مهمّة تؤيّد الشّكّ في صحّة نسبة الكتاب إلى عبد القاهر الجرجانيّ، وتفصيلها على النحو الآتي: ¬
من المعلوم أنّ الذين ترجموا لعبد القاهر ذكروا أنّه شافعيّ المذهب (¬1)، ولكنّ مؤلّف (درج الدّرر) حنفيّ، يشهد على ذلك تقديمه آراء الحنفيّة الفقهيّة، واقتصاره عليها في أحيان كثيرة، وربّما ذكر اختلاف أبي حنيفة وصاحبيه، ويذكر أحيانا آراء الحنفيّة في مقابلة آراء الشّافعيّة مبيّنا كونها خلافا لهم، وربّما قال عند عرض آرائهم: «وعندنا». ومن الأمثلة على ذلك ذكره رأي أبي حنيفة في أنّ (الصّابئين) أهل كتاب، في قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالنَّصارى وَالصّابِئِينَ} [البقرة:62] وذكر مخالفة صاحبيه له وعدّهما (الصّابئين) عبدة الكواكب، واكتفاؤه بذلك (¬2). وفي قوله تعالى: {إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ} [البقرة:158] بيّن حكم ترك السّعي بينهما بقوله: «والسّعي سنّة يجب بتركه الدّم عندنا، وعند الشافعيّ واجب يلزمه العود لها» (¬3). وفي قوله تعالى: {إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ} [المائدة:33] بيّن رأي الحنفيّة في النّفي المذكور في الآية بقوله: «والنّفي عندنا بالحبس حيث يستصوبه الإمام»، وتحدّث عن الصّلب فقال: «والصّلب بعد القتل»، ثمّ نقل عن أبي حنيفة «أنّه يصلب حيّا ثمّ يطعن في نحره» (¬4). وفي قوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ} [التوبة:60] قال: {وَالْمَساكِينِ:} أهل التّرحّم والرّأفة، وهم أسوأ حالا من الفقراء عندنا» (¬5)، وهذا الذي ذكره قول الحنفيّة. وعبد القاهر الجرجانيّ بصري، وقد بلغ من عنايته بكتاب الإيضاح لأبي عليّ الفارسيّ، أحد أئمّة البصريّين، أن شرحه شرحا مبسوطا في نحو ثلاثين مجلدا وسمّاه (المغني)، ثمّ لخّص هذا الشّرح في كتابه (المقتصد في شرح الإيضاح)، واختصر (الإيضاح) في كتابه (الإيجاز) (¬6). أمّا مؤلّف (درج الدرر) فلم ينقل عن أبي عليّ إلا في موضع واحد من الجزء الذي حقّقته من الكتاب (¬7). وهو أكثر ميلا إلى الكوفيّين، فهو يعتدّ بآرائهم، ويقدّمها في كثير من الأحيان على آراء البصريّين، وقد يكتفي بها. وثمّة تفصيل أوفى عن مذهبه النّحويّ في الكلام على موقفه من الكوفيّين والبصريّين في الفصل الثّالث من هذه الدراسة. ¬
والكتاب يخلو من أيّ إشارة إلى نظريّة النّظم (¬1) التي عرف بها عبد القاهر الجرجانيّ، بل إنّ في الكتاب آراء مناقضة لها، إذ ورد في عدّة مواضع منه أنّه لم يقل كذا لوفق رؤوس الآي، منها في قوله تعالى: {وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظّالِمِينَ} [البقرة:35] قال: «وإنّما لم يقل: ظالمين، لوفق رؤوس الآي» (¬2). وفي قوله تعالى: {كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ} [البقرة:65] قال: «وتقديره: خاسئين قردة، وإلا يقال: قردة خاسئة، لكن التقديم والتأخير لوفق رؤوس الآي» (¬3). وفي قوله تعالى: {بَلى مَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ وَاِتَّقى فَإِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} (76) [آل عمران:76] قال: «وإنّما لم يقل: فإنّ الله يحبّه لنظم الآي» (¬4). وفي قوله تعالى: {وَما لِلظّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ} [آل عمران:192] قال: «وإنّما قال: {مِنْ أَنْصارٍ،} ولم يقل: من ناصر، لنظم رؤوس الآي، أو مقابلة للظّالمين» (¬5). ونظرية النّظم تناقض هذه الأقوال، ويتبيّن ذلك من قول الجرجانيّ: «واعلم أن ليس النّظم إلا أن تضع كلامك الوضع الذي يقتضيه علم النّحو، وتعمل على قوانينه وأصوله» (¬6). فالتّقديم والتّأخير، أو تغيير التّركيب لوفق رؤوس الآي لا يتّفق مع قوله: «أن تضع كلامك الوضع الذي يقتضيه علم النّحو». وقد يجاب عن كلّ ما سبق بأنّ عبد القاهر ربّما ألّف (درج الدرر) في بداية حياته العلميّة، وقبل أن يستوي في تفكيره مفهوم نظريّة النّظم، وأنّه كان حنفيّا ثمّ صار شافعيّا، وليس هذا بدعا بين العلماء قبله وبعده، وأنّه كان يميل إلى آراء الكوفيّين ثمّ استقرّ بعد ذلك على المذهب البصريّ. وأنّ هذا كلّه كان في المرحلة التي ينطبق عليه فيها ما وصفه به القفطيّ من أنّه «كان ضيّق العطن، لا يستوفي الكلام على ما يذكره مع قدرته على ذلك» (¬7). ولا بدّ من الإشارة هنا إلى عبارة مهمّة أوردها المؤلف في القسم الثاني من الكتاب، ففي حديثه عن اسمه تعالى (البارئ) عند الكلام على قوله تعالى: {هُوَ اللهُ الْخالِقُ الْبارِئُ} [الحشر:24] قال: «وقد استوفينا الكلام في الأسماء في مفتاح الهدى» (¬8)، فهو يذكر هنا كتابا له اسمه (مفتاح الهدى)، ولم أقف على ذكر لهذا الكتاب في المصادر التي بين يدي. ومن المعلوم أنّ ¬
لعبد القاهر كتابا اسمه (المفتاح في الصرف) (¬1)، ولم أجد فيه أيّ شيء عن اشتقاق أسماء الله الحسنى، وهذا يعني أنّه لا علاقة لمفتاح الهدى بمفتاح عبد القاهر الجرجانيّ. ولم يذكر المؤلّف (مفتاح الهدى) هذا في غير ذلك الموضع، ولم يشر إليه عند الحديث عن اشتقاق اسم الجلالة (الله) في بداية سورة الفاتحة (¬2). وليس في الجزء الذي حقّقته من الكتاب ما يدلّ على اسم مؤلّفه، ولم يذكر المؤلّف أحدا من شيوخه ليستدلّ بذكره عليه. أمّا محمد بن الحسن الذي ذكر في أثناء حديثه عن اشتقاق اسم الجلالة في سورة الفاتحة (¬3) فيبعد أن يكون شيخ عبد القاهر الجرجانيّ؛ لأنّ المصادر اختلفت في تسميته، ففي معظم مصادر ترجمة الجرجانيّ أنّه محمد بن الحسن، وفي مصادر ترجمة شيخه أنّه محمد بن الحسين، وقد أشرت إلى ذلك عند الحديث عن شيوخه. وثمّة سبب آخر يبعد أن يكون محمد بن الحسن المذكور شيخ عبد القاهر، وهو أنّه لم يذكر غير مرّة واحدة، وهذا يناقض ما قيل في مصادر ترجمة الجرجانيّ من أنّه «كان يحكي عنه كثيرا» (¬4)، وهو قول يؤيّده ما نجده في كتاب (المقتصد في شرح الإيضاح) من كثرة نقله عن شيخه، وتسميته بالشّيخ أبي الحسين، أو شيخنا أو الشّيخ رحمه الله، وعدم ذكره باسمه فقط (¬5). والأرجح أنّ المؤلّف من عصر عبد القاهر الجرجانيّ، أي أنّه من علماء القرن الخامس الهجريّ؛ لأنّ الكتاب خلا من أيّة نقول عن علماء بعد القرن الرّابع، فآخر علم ورد ذكره في الكتاب على وجه اليقين أحمد بن فارس (ت 395 هـ) الذي لم يذكر في الجزء الذي حقّقته، ولكنّه ذكر بعد ذلك ستّ مرات: واحدة في الحديث عن الآية 32 من سورة لقمان (¬6)، وأخرى في الحديث عن الآية 57 من سورة النجم (¬7)، وذكر مرّتين في سورة الحاقّة عند الحديث عن الآيتين 36 و 46 منها (¬8)، ومرّة عند الحديث عن الآية الثّامنة من سورة المدّثّر (¬9)، والمرّة الأخيرة عند الكلام على الآية العاشرة من سورة الشّمس (¬10). ¬
وكون مؤلّف الكتاب قريبا من عصر عبد القاهر ينفي ما يمكن أن يتوهّم من نسبته إلى الشّريف الجرجانيّ، عليّ بن محمد، المتوفّى في سنة 816 هـ (¬1). وهو وهم يمكن أن يستشفّ ممّا ذكره بروكلمان بعد قوله عن (درج الدرر): «وهو تفسير القرآن»، إذ نفى نسبته إلى الشّريف فقال: «وينسب خطأ للشّريف» (¬2). ونفيه هذا يوحي أنّ هناك من يتوهّم النّسبة إليه. ويؤكّد النّفي الذي ذهب إليه بروكلمان أنّ الشريف الجرجانيّ توفّي في سنة 816 هـ، وقد أسلفت أنّ (درج الدرر) خلا من أيّة نقول عن علماء بعد القرن الرابع، ولو كان الشريف مؤلف الكتاب فلا يعقل ألا ينقل عن أعلام بعد ذلك القرن، ولا سيّما الزّمخشريّ الذي ألّف الشريف حاشية على أوائل كشّافه (¬3). وثمّة عبارة وردت في النّصّ المحقّق مرّتين، وهي عبارة «قال الأمير» (¬4). ولعلّها أهمّ إشارة يمكن الاستدلال بها على المؤلف. وقد يكون الأمير المؤلف نفسه، فليس بدعا في كتب القدماء أن يذكر المؤلف باسمه أو بلقبه في كتابه؛ لأنّ كثيرا من تلك الكتب كان إملاء من مؤلفيها على تلامذتهم الذين نشروا كتب شيوخهم فيما بعد، والأمثلة على ذلك كثيرة، منها: (معاني القرآن) للفراء الذي ترد فيه كثيرا عبارة «قال الفراء»، أو «حدثنا الفراء» (¬5)، ومثل هذا نجده أيضا في (إصلاح المنطق) لابن السّكّيت، أبي يوسف يعقوب بن إسحق (ت 244 هـ)، إذ تكثر في الكتاب عبارة «قال أبو يوسف» (¬6). ولأهميّة هذه العبارة بحثت في المصادر عمّن يلقّب بالأمير من علماء القرن الخامس، فلم أجد غير ابن ماكولا (¬7)، الأمير سعد الملك أبي نصر عليّ بن هبة الله بن عليّ بن جعفر، صاحب (الإكمال) المتوفّى في سنة نيّف وسبعين، أو نيّف وثمانين وأربع مئة للهجرة، أي أنّه من عصر عبد القاهر الجرجانيّ، أو بعبارة أخرى، هو من عصر مؤلف (درج الدرر) الذي رجّحت آنفا أنّه من القرن الخامس. وهو من أسرة مقرّبة من الخلفاء، «ووزّره أبوه أبو القاسم هبة الله للإمام القائم بأمر الله، وتولّى عمّه أبو عبد الله الحسين بن علي قضاء بغداد» (¬8). وهذا يعني أنّ الأمير ابن ماكولا نفسه ¬
كان مقرّبا من الحكّام أيضا، إذ بعثه «المقتدي بالله رسولا إلى سمرقند وبخارى لأخذ البيعة له على ملكها» (¬1). وفي (درج الدرر) عبارة توحي بميل مؤلّفه إلى خلفاء عصره، ففي أثناء تفسيره الآية 150 من سورة الأعراف قال: «وفي الآية دلالة أنّ صبر الخليفة على جنايات قومه والتّغافل عنها جائز لابتغاء المصلحة كمنابذته ومضاجرته إيّاهم، ولذلك يصبر خلفاء نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم من آل عبّاس على قبائح هذه الأمّة وافتراق أهوائها» (¬2). ولا بدّ هنا من العودة إلى عبد القاهر الجرجانيّ مرّة أخرى، إذ ليس في مصادر ترجمته ما يشير إلى قربه من حكام عصره، بل إنّ تلك المصادر تنقل عنه بيتين من الشّعر يظهر فيهما تبرّمه بزمانه الذي لم يعد فيه حظّ للعلماء والعقلاء، وإنّما صار زمان السّفهاء والجهّال، بحسب رأيه، يقول (¬3): كبّر على العقل (¬4) … لا ترمه ومل إلى الجهل ميل هائم وعش حمارا تعش سعيدا … فالسّعد في طالع البهائم وواضح أنّ مثل هذه السّخرية المرّة قد لا تصدر إلا عمّن رأى أنّ أولي الأمر يقرّبون الجهلة، وينبذون العلماء. وابن ماكولا «تتبّع الألفاظ المشتبهة في الأسماء والأعلام، وجمع منها شيئا كثيرا» (¬5)، وهو «النّسّابة صاحب التّصانيف» (¬6)، وكتابه (الإكمال) «في غاية الإفادة في رفع الالتباس، والضّبط والتّقييد، وعليه اعتماد المحدّثين وأرباب هذا الشّأن، فإنّه لم يوضع مثله، ولقد أحسن فيه غاية الإحسان» (¬7). «ولا يحتاج هذا الأمير بعده إلى فضيلة أخرى، ففيه دلالة على كثرة اطّلاعه وضبطه وتحريره وإتقانه» (¬8). ومؤلّف (درج الدّرر) كان مشغوفا بالرّوايات التاريخيّة، واستقصاء الأسماء إلى حدّ ذكر أسماء أبناء إبراهيم ويعقوب عليهما السّلام وحتى توأمتي قابيل وهابيل (¬9). ورغم أنّ مصادر ترجمة ابن ماكولا ذكرت أنّه «كان نحويّا مجوّدا وشاعرا مبرّزا» (¬10)، لم ¬
ب-منهجه
أقف في هذه المصادر على تآليف له في النّحو. والأهمّ من ذلك كلّه أنّ مصادر ترجمة ابن ماكولا التي وقفت عليها لم تذكر له تفسيرا. وإلى أن يظهر دليل قطعيّ، ينفي أو يثبت، يظلّ (درج الدّرر في تفسير القرآن العظيم) منسوبا إلى عبد القاهر الجرجانيّ. ب-منهجه: يمكن أن نرسم صورة مجملة تجلّي لنا أهمّ السّمات التي ميّزت منهج (درج الدّرر في تفسير القرآن العظيم) على النّحو الآتي: 1 - يبدأ المؤلف بذكر ألفاظ الآية التي يتوخّى تفسيرها، على وفق ترتيبها في المصحف، ثم يذكر في كثير من الأحيان أسباب نزول الآية، وأقوال المفسّرين فيها، ومعاني الألفاظ واشتقاقها وبنيتها الصّرفيّة، ويذكر بعض وجوه الإعراب، وربّما استدلّ بالآية لبعض الأحكام الفقهيّة. 2 - كانت له عناية بالقراءات القرآنيّة في مواضع مختلفة من الكتاب، فقد استشهد بها متواترة أو شادّة، وسأذكر أمثلة على ذلك عند الحديث عن القراءات في مبحث (موقفه من الشّواهد) في الفصل الثاني. وقد ابتعد عن الخوض في القراءات التي أثارت جدلا كثيرا بين النّحويّين، كقراءة حمزة: {(وَاِتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ)} (¬1)، وقراءة ابن عامر: (وكذلك زيّن لكثير من المشركين قتل أولادهم شركائهم) (¬2)، وقراءة: (معائش) التي رويت عن نافع (¬3). 3 - عني كثيرا بذكر معاني الألفاظ التي يعرض لتفسيرها، فحكى معنى (الرّبّ) في قوله تعالى: {رَبِّ الْعالَمِينَ} [الفاتحة:2] فقال: «الرّبّ: السيّد والمولى، قال يوسف عليه السّلام: {اُذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ} [يوسف:42]، وقال: {اِرْجِعْ إِلى رَبِّكَ} [يوسف:50]. وربما يراد به المالك، قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (أربّ إبل أنت أم ربّ غنم، فقال: من كلّ آتاني الله فأكثر وأطيب)» (¬4). وفرّق بين معاني ألفاظ المحاجّة والحجّة والحجّ في أثناء كلامه على قوله تعالى: {لِيُحَاجُّوكُمْ} [البقرة:76] فقال: «والمحاجّة هي المخاصمة بالحجّة، والحجّة: معنى تثبت به الدّعوى، وتقام مقام البيّنة، والحجّ هو الغلبة بالحجّة» (¬5). ¬
ولمّا تكلّم على قوله تعالى: {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ} [البقرة:78] بيّن معنى الأمّيّ فقال: «والأمّيّ: الذي لا يعرف الكتابة، وهو منسوب إلى الأمّ، والأمّ هو الأصل، قال الله تعالى: {وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ} [الرعد:39]، وإنّما نسب إلى الأصل لأنّه باق على أصل الفطرة» (¬1). وتحدّث عن معنى المحق حين كلامه على قوله تعالى: {يَمْحَقُ اللهُ الرِّبا} [البقرة:276] فقال: «المحق: النّقص، يعني: ذهاب البركة، ومنه محاق القمر» (¬2). وثمّة أمر يستحقّ الإشارة إليه في هذا الموضع وهو أنّ المؤلّف كثيرا ما كان يفسّر اللّفظ بضدّه أو نقيضه، ومن ذلك قوله: «والرّحمة منك إرادتك الخير بمن هو دونك في الرّتبة متّصلة بإنعامك عليه، وضدّه الفظاظة والجفاوة» (¬3)، وقوله: «ونقيض الإيمان: الإنكار، ونقيض الغيب: الشهادة» (¬4)، وقوله: «و (الطّوع): قريب من الرّضا، وهو ضدّ الكره» (¬5)، وقوله: «و (المبارك): الذي بورك فيه أو عليه، وضدّه المشؤوم» (¬6)، وقوله: «الميل: الجور، وهو نقيض الاستقامة» (¬7)، وقوله: «و (العمارة): ضدّ التّخريب» (¬8)، «و (الغلظة): ضدّ الرّقّة» (¬9)، «والحرّ: ضدّ البرد» (¬10)، «والبكاء ضدّ الضّحك» (¬11). 4 - لم يخل الكتاب من العناية بلغات الألفاظ أيضا، وضبطها، وربّما عزاها إلى القبائل التي تنطق بها. ففي نهاية سورة الفاتحة تحدّث عن (آمين) فقال: «فيه لغتان: المدّ والقصر، كلاهما بالتّخفيف» (¬12). وفي أثناء حديثه عن (المرء) في قوله تعالى: {ما يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ} [البقرة:102] قال: «ومرء وامرؤ لغتان، وفي التأنيث: مرأة وامرأة» (¬13). وعند كلامه على (السّلم) في قوله تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اُدْخُلُوا فِي السِّلْمِ} ¬
{كَافَّةً} [البقرة:208] ذكر أنّ معناه الإسلام، وقال بعد ذلك: «وإذا أريد به الصّلح فالفتحة والكسرة لغتان» (¬1). وثمّة أمثلة أخرى عند الحديث عن لغات العرب في مبحث (من الظواهر اللغوية) في الفصل الثالث من هذه الدراسة. 5 - كانت عنايته كبيرة بمسائل الصّرف. ولكنّه ظلّ على منهجه البعيد عن الخوض في الخلافات، كما فعل في حديثه عن (أشياء) (¬2)، إذ اكتفى بتفسير قول الفراء: إنّ أصل (شيء) (شيّئ)، ولم يعرض لغيره. وستأتي أمثلة على عنايته بالظّواهر الصّرفيّة في أثناء الكلام على الظّواهر اللّغوية والصّرفية في الفصل الثالث من هذه الدراسة. 6 - كانت له عناية غير قليلة بالشّواهد الشّعرية، وقد استشهد بها على المسائل النّحويّة والصّرفيّة واللّغويّة، واعتدّ بها. وبعض هذه الشّواهد لشعراء جاهليّين كامرئ القيس والنّابغة الذّبيانيّ، وبعضها لشعراء مخضرمين عاشوا في الجاهليّة والإسلام كحسّان بن ثابت، ولبيد بن ربيعة. وقد عزا بعض هذه الشّواهد إلى قائليها، وترك بعضها من غير عزو. وسنذكر أمثلة على ذلك عند الحديث عن (موقفه من الشّواهد) في الفصل الثاني من هذه الدّراسة بإذن الله. 7 - كانت له عناية أحيانا بحروف المعاني، وقد يفصّل فيها، كما فعل عند قوله تعالى: {حَتّى تَتَّبِعَ} [البقرة:120]، فذكر أن {(حَتّى)} تدخل في الكلام لثلاثة معان: الغاية نحو (إلى)، والتّعليل نحو (كي)، والعطف بمعنى المبالغة» (¬3)، ثم شرح بالتّفصيل هذه المعاني الثلاثة وأحكامها (¬4). 8 - لم يخل الكتاب من عناية بالبلاغة في بعض مواطنه، منها تفصيله القول في المعاني التي يخرج إليها. لفظ الأمر في أثناء كلامه على قوله تعالى: {يا بَنِي إِسْرائِيلَ اُذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ} [البقرة:40] إذ قال في حديثه عن قوله: (اذكروا): «ولفظ (افعل) يحتمل عشرة معان منها: الإيجاب كقوله: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ} [البقرة:43]، والإرشاد كقوله: {وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ} [البقرة:282]، والإباحة كقوله: {فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ} [الجمعة:10]، والإعجاز كقوله: {فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ} [البقرة:23]، والتّهديد كقوله: {اِعْمَلُوا ما شِئْتُمْ} [فصّلت:40]، والسّؤال كقوله: {وَاُعْفُ عَنّا وَاِغْفِرْ لَنا} [البقرة:286]، والنّدب كقوله: {فَكاتِبُوهُمْ} [النور:33]، والحثّ على الاعتبار كقوله: {فَانْظُرْ} ¬
{كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ} [الزخرف:25]، والإكرام كقوله: {اُدْخُلُوا الْجَنَّةَ} [الأعراف:49]، والامتنان كقوله: {فَامْشُوا فِي مَناكِبِها} [الملك:15]» (¬1). وحين تكلّم على قوله تعالى: {يا بَنِي إِسْرائِيلَ اُذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ} (47) [البقرة:47] ذكر أنّه «للإطناب والتأكيد»، ثمّ بيّن أهميّة تنوّع الأساليب في كلام العرب، ومجيء القرآن على نظم هو غاية الفصاحة عندهم فقال: «ومن البلاغة عند العرب العدول عن الإطناب إلى الإيجاز، وعن الإيجاز إلى الإطناب، وعن التجنيس إلى الإطباق، وعن الإطباق إلى التجنيس، وعن التصريح إلى التعريض، وعن التعريض إلى التصريح، وترك لزوم الفنّ الواحد من هذه الفنون. والله تعالى أنزل القرآن على نظم هو غاية الفصاحة عندهم على ما تعارفوه واعتادوه، بلسان عربيّ مبين» (¬2). 9 - اتّبع المؤلف في تفسير الآيات الكريمة منهج التّفسير بالمأثور، أي: تفسير القرآن بالقرآن، أو بالسّنّة، أو بأقوال الصّحابة والتابعين. فمن أمثلة تفسير القرآن بالقرآن ما ذكره في تفسير قوله تعالى: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضّالِّينَ} [الفاتحة:7] إذ قال: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ:} وهم اليهود لقوله تعالى في شأنهم: {فَباؤُ بِغَضَبٍ عَلى غَضَبٍ} [البقرة:90]. {وَلا الضّالِّينَ:} النصارى لقوله تعالى: {وَلا تَتَّبِعُوا أَهْواءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً وَضَلُّوا عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ} [المائدة:77]» (¬3). وفي تفسير قوله تعالى: {فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً} [البقرة:59] بيّن المراد بالظّلم في الآية، واستدلّ لما ذهب إليه بآيتين أخريين، فقال: «و (الظلم) ههنا الكفر، كما في قوله: {وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ} [الأنعام:82]، {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان:13]» (¬4). ومن أمثلة تفسير القرآن بالسّنّة: في قوله تعالى: {وَقالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاّ مَنْ كانَ هُوداً} [البقرة:111] قال: «و (هود) جمع هائد، كما أنّ (عوذا) جمع عائذ، وهو الناقة إذا وضعت وبعد ما تضع أيّاما، وفي الحديث: (ومعهم العوذ المطافيل)» (¬5). وفي قوله تعالى: {لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى} ¬
{التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ} [التّوبة:108] بيّن أنّ المسجد المراد في الآية «مسجد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم»، واستدلّ بحديثين نبويّين شريفين، فقال: «وعن أبي سعيد الخدريّ أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: هو مسجدي هذا، يدلّ عليه ما روى أبو أيّوب وجابر بن عبد الله وأنس بن مالك أنّه لمّا أنزلت: {فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا} قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: يا معشر الأنصار إنّ الله قد أثنى عليكم في الطّهور فما طهوركم هذا؟ قالوا: نتوضّأ للصّلاة ونغتسل من الجنابة ونستنجي بالماء، قال: هو ذلك فعليكموه» (¬1). ومن أمثلة تفسير القرآن بالأقوال المأثورة عن الصحابة والتابعين ما نقله من أقوال عن المراد بالشّجرة في قوله تعالى: {وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ} [البقرة:35] إذ قال: «وهي شجرة السنبلة عن ابن عبّاس وأبي مالك وعطيّة ووهب وقتادة، وشجرة العنب عن ابن مسعود والسدّي وجعدة بن هبيرة وإحدى الروايات عن ابن عبّاس، وشجرة العلم عن الكلبيّ، يعني علم الخير والشرّ» (¬2). وفي قوله تعالى: {فَقُلْنا اِضْرِبُوهُ بِبَعْضِها} [البقرة:73] ذكر أنّ معنى {بِبَعْضِها:} ببعض البقرة»، ثمّ نقل الأقوال في المراد به فقال: «قال ابن عبّاس: إنّه العظم الذي يلي الغضروف، وعن الضحّاك أنّه لسانها، وعن قتادة وعكرمة أنّه فخذها، وخصّ الكلبيّ الفخذ اليمنى، وعن سعيد بن جبير أنّه عجب ذنبها الذي تركّب عليه الخلق ولا تأكله الأرض، وعن السدّي أنّه المضغة التي بين كتفيها، وقيل: هو الأذن» (¬3). 10 - معظم الأحاديث التي ذكرها المؤلف صحيحة مرويّة في كتب الصّحاح والسّنن والمسانيد، وكثير منها في البخاريّ ومسلم، أو في أحدهما (¬4). 11 - لم يكتف المؤلّف بأن يكون مجرّد ناقل لآراء من سبقوه وأقوالهم، فكان يردّ في مواضع متفرّقة من كتابه على ما ينقله، مبيّنا وهما أو معترضا على رأي. ومن الأمثلة على ذلك ما ذكره في أثناء عرضه الأقوال المختلفة في توجيه قوله تعالى: {وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ إِلاّ مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ} [البقرة:130] إذ قال: «وقول أبي عبيدة وأبي عبيد: إنّ معنى قوله: (سفه نفسه): أهلكها وأوبقها، لا معنى له إلا أن يحمل قولهم: سفه الشراب، على معنى استهلك» (¬5). ¬
ج-مصادره
ومن ذلك أيضا بيانه وهم مجاهد في أنّ (رمضان) من أسماء الله في أثناء كلامه على قوله تعالى: {شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} [البقرة:185] (¬1). وفي توجيه إعراب (أحياء) من قوله تعالى: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ} [آل عمران:169]، نقل عن الزجاج أنّه «لو كان منصوبا على تقدير: احسبهم أحياء، لكان جائزا»، واعترض عليه بقوله: «وليس كذلك؛ لأنّ الأمر من الحسبان غير جائز» (¬2). 12 - كان للمؤلّف شغف كبير في مواضع غير قليلة من الكتاب بالرّوايات التّاريخيّة، ولا سيّما في سورة الأعراف، فذكر قصص عدد كبير من الأنبياء عليهم السّلام وما جرى لهم مع أقوامهم، وهو منسجم بذلك مع موضوع السّورة وجوّها العامّ. وقد فصّل في هذه القصص في بعض تلك المواضع إلى حدّ أنّه ذكر لنا أسماء أبناء إبراهيم ويعقوب عليهما السّلام وحتى توأمتي قابيل وهابيل (¬3). وإذا كان هذا التّفصيل قد لا يعني دارسي اللّغة فهو مهمّ بلا شكّ للمعنّيين بالسّير والتّواريخ والأخبار. ج-مصادره: كتاب (درج الدّرر) زاخر بنقول مختلفة، وآراء كثيرة لأئمة التّفسير والحديث واللّغة والنّحو والفقه والقراءة تؤلّف مادّته العلميّة. وهذه النّقول والآراء تفصح عن المصادر التي اعتمد عليها المؤلّف في كتابه وإن خلا الكتاب من ذكر الكتب التي أخذ منها تلك النّقول. وسأذكر عددا من الأعلام الذين أكثر المؤلّف من الإفادة منهم والنّقل عنهم وفاقا لترتيب وفياتهم، وأجتزئ بأمثلة قليلة ممّا أورده عن كلّ واحد منهم، وأمّا الآخرون الذين أقلّ من نقل أقوالهم فسأكتفي بذكر أسماء عدد منهم بحسب ترتيب وفياتهم أيضا. أولا: الأعلام الذين أكثر من الثقل عنهم: أ-أئمة التفسير والحديث: عبد الله بن مسعود (ت 32 هـ): وقد نقل عنه كثيرا من الآثار في التفسير والحديث والفقه، واستدلّ أحيانا بقراءات مرويّة عنه. فنقل عنه أنّ المراد بالحجارة في قوله تعالى: {فَاتَّقُوا النّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النّاسُ وَالْحِجارَةُ} ¬
أبو هريرة، عبد الرحمن بن صخر الدوسي (ت 57 هـ)
[البقرة:24] «حجارة الكبريت» (¬1). وعند تفسير قوله تعالى: {وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ} [البقرة:35] ذكر أقوال المفسّرين في (الشّجرة)، ومنها قول ابن مسعود: إنّها «شجرة العنب» (¬2). وحين تحدّث عن قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللهَ} [البقرة:83] ذكر توجيهين للفراء، أحدهما أنّه «جواب القسم، إذ الميثاق هو العهد الموثّق باليمين»، واستدلّ له بقراءة ابن مسعود فقال: «يدلّ عليه قراءة ابن مسعود: (لا نعبد) بالنّون» (¬3). ولما تكلم على قوله تعالى: {تَظاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ} [البقرة:85] ذكر أنّ الإثم: الفجور، واستدلّ على ذلك بما نقل عن ابن مسعود فقال: «ولقّن ابن مسعود رجلا: {طَعامُ الْأَثِيمِ} [الدخان:44]: طعام الفاجر» (¬4). ومما نقله عن ابن مسعود من الأحاديث النبوية ما ذكره عند كلامه على قوله تعالى: {فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً} (41) [النساء:41] إذ روى «عن ابن مسعود أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال له: اقرأ، قال: أعليك أقرأ يا رسول الله وعليك أنزل؟ قال: إنّي أحبّ أن أسمعه من غيري، فقرأ سورة النّساء، فلمّا انتهى إلى هذه الآية دمعت عينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم» (¬5). أبو هريرة، عبد الرحمن بن صخر الدوسي (ت 57 هـ): نقل عنه كثيرا من الآثار في الحديث والتفسير والفقه، منها ما أورده عند حديثه عن قوله تعالى: {حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى} [البقرة:238] إذ ذكر عن أبي هريرة قوله: «إنّها صلاة العصر» (¬6). ولا غرابة في أن ينقل عن أبي هريرة كثيرا من الأحاديث النبوية الشريفة، ففي كلامه على قوله تعالى: {وَإِنِّي سَمَّيْتُها مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُها بِكَ وَذُرِّيَّتَها مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ} [آل عمران:36] قال: «وعن أبي هريرة أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: (ما من مولود إلا ويمسّه الشّيطان حين ¬
عبد الله بن عباس (ت 68 هـ)
يولد ولذلك يستهلّ صارخا إلا مريم وابنها)» (¬1). وعند حديثه عن أسباب نزول قوله تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} [المائدة:101] نقل عنه حديثين: أحدهما أنّه «لمّا نزل قوله: {وَلِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} [آل عمران:97] قال رجل من الأعراب: أفي كلّ عام يا رسول الله؟ فسكت عنه، فأعاد عليه ثلاث مرّات، فاستغضب، فمكث طويلا ثمّ تكلّم فقال: من هذا السّائل، قال الأعرابيّ: أنا، فقال: ويحك ما يؤمنك أن أقول نعم، لو قلت نعم لوجبت، ولو وجبت لكفرتم، فأنزل الله الآية» (¬2). وفي الحديث الآخر «قال: خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ذات يوم غضبان قد احمرّ وجهه، فجلس على المنبر فقال: لا تسألوني عن شيء إلا أحدّثكم به، فقام رجل وقال: أين أبي؟ قال: في النّار، فقام عبد الله بن حذافة، وكان يطعن في نسبه، فقال: من أبي؟ فقال: أبوك حذافة، فقام عمر وقال: رضينا بالله ربّا وبالإسلام دينا وبالقرآن إماما وبمحمّد نبيّا، يا رسول الله كنّا حديثي عهد في الجاهليّة وشرك فالله أعلم من آباؤنا، قال: فسكن غضبه، ونزلت الآية» (¬3). وفي تفسيره المراد بالحشر في قوله تعالى: {وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلاّ أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ} (38) [الأنعام:38] ذكر حديثا آخر فقال: «عن أبي هريرة عنه صلّى الله عليه وسلّم قال: (تقتصّ الشّاة الجمّاء من القرناء)» (¬4). ولما تكلم على قوله تعالى: {وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (204) [الأعراف:204] استدلّ لمذهب أبي حنيفة في ألا يقرأ المأموم خلف الإمام بحديث نقله عنه فقال: «وعن أبي هريرة عنه صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: (إنّما جعل الإمام إماما ليؤتمّ به)» (¬5). عبد الله بن عبّاس (ت 68 هـ): وقد نقل عنه كثيرا من الأقوال في التفسير والحديث والفقه والقراءات وغيرها، ففي تفسير الآية الأولى من سورة البقرة نقل قولين عن ابن عباس في معنى قوله تعالى: {الم،} فقال: «قال ابن عبّاس رضي الله عنهما: الألف: الله، واللام: جبريل، والميم: محمّد، أي: بعث الله ¬
مجاهد بن جبر المكي (ت 103 هـ)
جبريل إلى محمّد بالقرآن. وعنه قال: معناه: أنا الله أعلم» (¬1). ونقل عنه أنّ المراد بقوله تعالى: {وَمِمّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ} [البقرة:3] الزّكاة (¬2). وفي حديثه عن قوله تعالى: {وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً} [آل عمران:97] نقل عن ابن عباس قوله: «لو وجدت قاتل أبي في الحرم لما هجته» (¬3). وعند تفسير الآية الأولى من سورة الأعراف نقل عنه أنّ معنى {المص:} «أنا الله أعلم وأفصّل» (¬4). ومن القراءات التي نقلها عنه ما ذكره عند كلامه على قوله تعالى: {حَتّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ} [الأعراف:40] إذ قال: «وفي مصحف ابن عبّاس: (الجمّل) بضمّ الجيم وتشديد الميم، وهو حبل السّفينة» (¬5). مجاهد بن جبر المكي (ت 103 هـ): وهو من أئمّة التفسير، وقد نقل عنه المؤلف كثيرا من الأقوال منها ما جاء عند حديثه عن اختلاف المفسّرين في المراد بالكلمات في قوله تعالى: {فَتَلَقّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ} [البقرة:37] إذ نقل عنه أنّها «قوله: اللهمّ لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك، ربّ إنّي ظلمت نفسي فاغفر لي فإنّك أنت خير الغافرين، اللهمّ لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك، ربّ إنّي ظلمت نفسي فارحمني فإنّك أنت خير الراحمين، اللهمّ لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك، ربّ إنّي ظلمت نفسي فتب عليّ إنّك أنت التوّاب الرحيم» (¬6). وحين تكلم على المراد ب (الكتاب والفرقان) في قوله تعالى: {وَإِذْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَالْفُرْقانَ} [البقرة:53] قال: «يعني: التوراة، عن مجاهد، ذكرها باسمين كما يقال: سحقا وبعدا» (¬7). وربّما يبيّن وهم مجاهد في ما ينقله عنه كما فعل في أثناء كلامه على قوله تعالى: {شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} [البقرة:185] إذ قال: «وكان مجاهد يتوهّم أنّ رمضان من ¬
الحسن البصري (ت 110)
أسماء الله لاحتمال كونه اسما لفاعل الرّمضاء أو الرّمض أو الرّميض من حيث إنّه معدول» (¬1). ولمّا ذكر أقوال المفسرين في معنى (مسوّمين) في قوله تعالى: {يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ} [آل عمران:125] نقل عنه قوله: «كانت أذناب خيلهم محزوزة» (¬2). ونقل عنه سبب نزول قوله تعالى: {وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ} [آل عمران:199] فقال: «قال مجاهد: نزلت في عبد الله ابن سلام وأصحابه» (¬3). الحسن البصري (ت 110): في حديثه عن قوله تعالى: {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اِعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ} [البقرة:65] نقل عنه أنّهم «كانوا يرسلون الشّصوص في آخر يوم الجمعة، وكانت الحيتان تعلق بها يوم السبت، فيأخذون يوم الأحد» (¬4). وفي تفسير قوله تعالى: {حَذَرَ الْمَوْتِ} [البقرة:243] نقل عنه أنه «حذر القتل في القتال» (¬5). وعند قوله تعالى: {كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً} [آل عمران:37] نقل عنه أنّ الرّزق «كان يأتيها من الجنّة» (¬6). وفي كلامه على قوله تعالى: {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَيْهِمْ} [النساء:9] نقل عنه «أنّ المأمورين بالخشية عوّاد المريض، كانوا يحرّضونه على إكثار الوصيّة ولا ينظرون للورثة، فحذّرهم الله تعالى عن ذلك، وأمرهم أن يخشوا على ذرّيّة هذا المريض كما لو كانت لهم ذرّيّة كيف يخافون عليهم» (¬7). وفي عرضه أسباب نزول قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ} ¬
قتادة بن دعامة السدوسي (ت 117 هـ)
{اِزْدادُوا كُفْراً لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً} (137) [النساء:137] نقل عنه أنّها نزلت «في الذين آمنوا وجه النّهار وكفروا آخره» (¬1). قتادة بن دعامة السدوسي (ت 117 هـ): ونقل عنه كثيرا من الروايات في التفسير والحديث والفقه، منها ما ذكره عند حديثه عن قوله تعالى: {وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} (42) [البقرة:42] إذ نقل أقوال المفسرين في المراد بقوله: (وأنتم تعلمون)، ومنها: «قال قتادة: تعلمون أنّ الإسلام دين الله» (¬2). وحين تحدّث عن سبب نزول قوله تعالى: {قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ} [البقرة:97] نقل عنه «أنّ السبب في ذلك أنّ عمر رضي الله عنه قال لليهود ذات يوم: بالرّحمن الذي أنزل التوراة على موسى أتحدون محمّدا في كتابكم؟ فتمسّكوا ثمّ قالوا: نعم، ولكنّ صاحبه جبريل عدوّنا، وهو صاحب كلّ عذاب، ولو كان مكانه ميكائيل لآمنّا به فإنّه صاحب كلّ رحمة، فقال عمر: وأين مكانهما، أي: مكانتهما، من الله عزّ وجلّ؟ قالوا: أحدهما، أي: كأنّ أحدهما، عن يمينه، والآخر عن يساره، قال عمر: أشهد أنّ من كان عدوّا لهما كان عدوّا لله تعالى، وانصرف إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليخبره الخبر فإذا جبريل عليه السّلام قد سبقه بالوحي، وقرأ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم القرآن، فقال: والذي بعثك بالحقّ ما جئت إلا لأخبرك، قال صلّى الله عليه وسلّم: لقد وافقك ربّك يا عمر، قال عمر: لقد رأيتني بعد ذلك في دين الله أصلب من الحجر» (¬3). ولمّا تكلّم على عود الهاء في (يعرفونه) في قوله تعالى: {الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ} [البقرة:146] نقل عنه «أنّ الهاء راجعة إلى البيت أو المسجد» (¬4). وفي كلامه على المراد بالنّاس والفضل في قوله تعالى: {أَمْ يَحْسُدُونَ النّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النساء:54] قال: «وقال قتادة: الناس: العرب، والفضل: النّبوّة» (¬5). وعند حديثه عن المراد بالصّعق في قوله تعالى: {فَلَمّا تَجَلّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً} [الأعراف:143] قال: «والمراد بالصّعق الموت عند قتادة، والغشي عند غيره» (¬6). ¬
السدي، إسماعيل بن عبد الرحمن (ت 127 هـ)
السّديّ، إسماعيل بن عبد الرحمن (ت 127 هـ): وقد نقل عنه روايات كثيرة في التفسير، فحين تحدّث عن استخبار الملائكة في قوله تعالى: {قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ} [البقرة:30] قال: «وإنّما علموا الفساد وسفك الدماء بإخبار الله تعالى في رواية السدّي» (¬1). وحين نقل رأي أبي حنيفة في الصّابئين في قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالنَّصارى وَالصّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} (62) [البقرة:62] ذكر بعد ذلك موافقة السدّي له فقال: «والصّابئون: أهل كتاب عند أبي حنيفة تحلّ مناكحتهم وذبائحهم، ووافقه السدّي» (¬2). ولمّا نقل روايات المفسرين عن البقرة في قوله تعالى: {قالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوها وَما كادُوا يَفْعَلُونَ} [البقرة:71] روى عنهم أنّها وحدت عند غلام، ونقل عنه قوله: «كان الغلام بارّا بأبيه، جاءه رجل بلؤلؤ فابتاعه منه بسبعين ألفا، وكان في اللؤلؤ فضل، فقال: إنّ أبي نائم والمفتاح تحت وسادته، فأنظرني ولك عشرة آلاف زيادة، فقال الرجل: وأنا أحطّ عشرة آلاف على أن توقظ أباك، قال الغلام: وأنا أزيد عشرين على أن تنظرني ساعة، فلم يزل يزيد هذا ويحطّ ذلك حتى استيقظ أبوه، فأعقبه الله ببرّه بأبيه نفاسة تلك البقرة حتى اشتروها بوزنها عشر مرّات ذهبا» (¬3). وفي حديثه عن سبب نزول قوله تعالى: {وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَّ إِذا تَراضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة:232] نقل «عن السدّيّ أنّ جابر بن عبد الله عضل ابنة عمّ له فأنزل الله الآية» (¬4). وفي كلامه على قوله تعالى: {إِذْ قالَ اللهُ يا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا} [آل عمران:55] ذكر اختلاف المفسرين في المصلوب بدلا من عيسى عليه السّلام ومنها قول السدي: «المصلوب رئيس من رؤساء اليهود، دخل ليخرج عيسى عليه السّلام من بيته فألقى الله مثاله عليه، ورفعه عليه السّلام» (¬5). ¬
عبد الرحمن بن زيد بن أسلم العدوي (ت 182 هـ)
عبد الرحمن بن زيد بن أسلم العدويّ (ت 182 هـ): عند حديثه عن الآية 121 من سورة البقرة قال: «نزلت في مؤمني أهل الكتاب، عن ابن زيد، وهو عبد الرحمن بن زيد بن أسلم» (¬1). وعند الكلام على (ألوف) في قوله تعالى: {وَهُمْ أُلُوفٌ} [البقرة:243] قال: «وزعم ابن زيد أنّه جمع آلف، أي: مؤتلفة القلوب» (¬2). وعند تفسيره قوله تعالى: {قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ} [آل عمران:64] نقل عنه أنّه «خطاب لوفد نجران» (¬3). وحين تكلّم على قوله تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اِتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ} [آل عمران: 102] نقل عنه «أنّ هذه الآية منسوخة بقوله: {فَاتَّقُوا اللهَ مَا اِسْتَطَعْتُمْ} [التّغابن:16]» (¬4). ولما حكى الأقوال التي دكرت في تفسير قوله تعالى: {وَالصّاحِبِ بِالْجَنْبِ} [النساء:36] نقل عنه موافقته لما حكي عن ابن عباس من أنّ المراد به «هو المنقطع إليك يرجو خيرك ونفعك» (¬5). وفي حديثه عن قوله تعالى: {اِنْفِرُوا خِفافاً وَثِقالاً} [التّوبة:41] نقل كثيرا من الأقوال في تفسير الخفاف والثّقال، منها قول ابن زيد: «الثّقال: أصحاب الضّيعة، والخفاف: غيرهم» (¬6). ب-أئمة اللغة والنحو: الفراء، أبو زكريا يحيى بن زياد (ت 207 هـ): معلوم أنّ الفرّاء من أشهر أئمّة المدرسة الكوفيّة، ولأنّ المؤلّف يميل إلى الكوفيّين فقد أكثر من نقل آراء الفرّاء النّحويّة والصّرفيّة واللّغويّة، بل إنّه قد يكتفي برأيه ولا يذكر غيره، وكان يعزو هذه النّقول إلى الفرّاء في كثير من المواضع، ولكنّه نقل عنه آراء كثيرة أيضا بلا عزو. فعند حديثه عن أصل (صيّب) في قوله تعالى: {أَوْ كَصَيِّبٍ} [البقرة:19] نقل رأي الفراء فقال: «وأصل الصيّب صيوب، وعند الفرّاء صويب» (¬7). ¬
أبو عبيدة، معمر بن المثنى (ت 213 هـ)
وفي توجيه قوله تعالى: {وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ} [البقرة:41] ذكر رأي الفراء فقال: «وقال الفرّاء: تقديره: أوّل من كفر به» (¬1). وقد يقدّم رأي الفراء، ويوحي بضعف غيره إذ يسوقه بصيغة التمريض: قيل، كما فعل في أثناء حديثه عن قوله تعالى: {فَقُلْنا اِضْرِبُوهُ بِبَعْضِها كَذلِكَ يُحْيِ اللهُ الْمَوْتى} [البقرة:73] إذ قدّم رأي الفراء في أصل (ميّت) وبدا كأنّه يضعّف الرّأي الآخر فقال: «و (الموتى): جمع ميّت، وأصله عند الفرّاء: مويت، كصريع وصرعى، وجريح وجرحى، فاستثقلت الكسرة على الواو والخروج من الواو إلى الياء، فجعل ياء، فأدغمت الياء في الياء. وقيل: أصله: ميوت» (¬2). وربّما نقل عنه أكثر من رأي في المسألة الواحدة، كما فعل في توجيه إعراب (لا تعبدون) في قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللهَ} [البقرة:83] إذ قال: «وفي أحد أقوال الفرّاء أنّه خبر بمعنى النهي، وكون الخبر بمعنى النهي ككونه بمعنى الأمر في قوله تعالى: {وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ} [البقرة:233]، ولهذا قرأ أبيّ: (وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدوا إلا الله). وفي قوله الآخر: جواب القسم، إذ الميثاق هو العهد الموثّق باليمين، يدلّ عليه قراءة ابن مسعود: (لا نعبد) بالنون» (¬3). وفي كلامه على قوله تعالى: {وَكَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ} [الأعراف:145] نقل عن الفراء «أنّها كانت لوحين، ويجوز أن يعبّر عن الاثنين بلفظ الجماعة، كقوله: {فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ} [النّساء:11]» (¬4). أبو عبيدة، معمر بن المثنى (ت 213 هـ): صاحب (مجاز القرآن). وقد نقل عنه كثيرا من الآراء في اللّغة والنّحو، فعند حديثه عن توجيه إعراب (إذ) في قوله تعالى: {وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اُسْجُدُوا لِآدَمَ} [البقرة:34] قال: «و (إذ): صلة على قول أبي عبيدة» (¬5). وقد يردّ عليه كما فعل في أثناء عرضه الأقوال المختلفة في توجيه قوله تعالى: {وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ إِلاّ مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ} [البقرة:130] إذ قال: «وقول أبي عبيدة وأبي عبيد: إنّ ¬
الأخفش الأوسط، سعيد بن مسعدة (ت 215 هـ)
معنى قوله: (سفه نفسه): أهلكها وأوبقها، لا معنى له إلا أن يحمل قولهم: سفه الشراب، على معنى استهلك» (¬1). وحين نقل الأقوال المختلفة في معنى الحنف عند حديثه عن قوله تعالى: {قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً} [البقرة:135] ذكر رأيه فقال: «وقال أبو عبيدة: كان الحنيف في الجاهليّة من كان على دين إبراهيم، وسمّي من اختتن وحجّ البيت لمّا تناسخت السنون فكانوا يعبدون الأوثان ويقولون: نحن حنفاء على دين إبراهيم. والحنيف الذي نعرف اليوم هو المسلم» (¬2). وحين تحدّث عن قوله تعالى: {وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اِتَّقى} [البقرة:189] نقل عن أبي عبيدة قوله: «هو في ترك طلب البرّ من وجهه وطلبه من غير وجهه» (¬3). ولما تكلم على المراد ب (الذين يصلون) في قوله تعالى: {إِلاَّ الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ} [النساء:90] نقل عنه قوله: «والمراد بالمتّصلين من رجع إلى هؤلاء في النّسبة؛ لأنّهم دخلوا في عموم أمانه لعشائرهم» (¬4). الأخفش الأوسط، سعيد بن مسعدة (ت 215 هـ): عند حديثه عن تفسير قوله تعالى: {وَاِتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً} [البقرة:48] ذكر رأي الأخفش فقال: «وإنّما لم يقل: (لا تجزي فيه نفس)؛ لأنّ اليوم إذا أضيف إلى الفعل حذف منه (فيه) كقوله: {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ} [الشعراء:88]، {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظّالِمُ عَلى يَدَيْهِ} [الفرقان:27]، {يَوْمَ يَقُومُ الْحِسابُ} [إبراهيم:41]، وهذا قول الأخفش» (¬5). وفي كلامه على قوله تعالى: {وَأَنْزَلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى} [البقرة:57] شرح معنى السّلوى وذكر أنّه «لا واحد له من لفظه عند الأخفش» (¬6). وعند كلامه على (مثابة) في قوله تعالى: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً} [البقرة:125] قال: ¬
ابن قتيبة، عبد الله بن مسلم الدينوري (ت 276 هـ)
«والهاء للمبالغة عند الأخفش كالنّسّابة والعلاّمة» (¬1). ولمّا تحدّث عن توجيه إعراب (يتربّصن) في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ} [البقرة:234] ذكر أنّ «(الذين) اسم مبتدأ، وقوله: {يَتَرَبَّصْنَ} لا يكون إخبارا عنه، والوجه أنّك إذا ابتدأت باسم ثمّ ذكرت اسما مضافا إلى الأوّل أو منه بسبب أجزأك أن تبقي الأوّل وتخبر عن هذا الثاني»، وبيّن بعده رأي الأخفش فقال: «قال الأخفش: إنّما جاز أن يكون (يتربّصن) خبرا بتقدير ضمير عائد إلى المبتدأ تقديره: يتربّصن من بعدهم، والضمير في (يتربّصن) عائد إلى قوله: {أَزْواجاً»} (¬2). ابن قتيبة، عبد الله بن مسلم الدينوري (ت 276 هـ): نقل عنه المؤلّف كثيرا من الآراء في اللّغة والتّفسير، منها ما ذكره حين تحدّث عن معاني (الحنف) في أثناء كلامه على قوله تعالى: {قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً} [البقرة:135] إذ قال: «والحنف: الاستقامة في قول القتبيّ، قال: سمّي الأعرج أحنف تفاؤلا كما سمّي الفلاة مفازة واللّديغ سليما» (¬3). وحين تكلّم على قوله تعالى: {قُولُوا آمَنّا بِاللهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَما أُوتِيَ مُوسى وَعِيسى وَما أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ} [البقرة:136] نقل عنه «أنّ ما أنزل على الأنبياء من الكتاب مئة كتاب وأربعة كتب؛ على شيث خمسون صحيفة، وعلى إدريس ثلاثون صحيفة، وعلى إبراهيم عشرون صحيفة، وعلى موسى التوراة، وعلى داود الزّبور، وعلى عيسى الإنجيل، وعلى نبيّنا القرآن، صلوات الله عليهم أجمعين» (¬4). ونقل عنه في الآية نفسها «عن وهب عن ابن عبّاس أنّ أوّل الأنبياء آدم وآخرهم محمّد عليهم السّلام» (¬5). وحين نقل اختلاف المفسرين في المعنى المراد ب (مواراة سوءاتهما) في قوله تعالى: {فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ لِيُبْدِيَ لَهُما ما وُورِيَ عَنْهُما مِنْ سَوْآتِهِما} [الأعراف:20] قال: «وذكر القتبيّ أنّها كانت بجهلهما سوآتهما، فلمّا أكلا من شجرة العلم علما أنّهما عريانان فتواريا في الأشجار» (¬6). ¬
الزجاج، إبراهيم بن السري (ت 311 هـ)
ولمّا تكلّم على معنى (سنستدرجهم) في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ} (182) [الأعراف:182] نقل عنه قوله: «هو أن يدنيهم من بأسه قليلا قليلا» (¬1). وفي كلامه على معنى (قدم صدق) في قوله تعالى: {وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ} [يونس:2] قال: «عن القتبيّ: ما قدّموه من عمل صالح» (¬2). الزّجّاج، إبراهيم بن السّريّ (ت 311 هـ): في نهاية تفسيره سورة الفاتحة نقل عن الزجاج أنّ (آمين) «معناه: اللهمّ اسمع واستجب» (¬3). وفي أثناء حديثه عن هاء (مثابة) في قوله تعالى: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً} [البقرة:125] نقل عنه رأيا موافقا للفراء فقال: «ولا معنى لها عند الزجّاج والفرّاء كالمقام والمقامة» (¬4). وفي عرضه الأقوال المختلفة في توجيه (من سفه نفسه) من قوله تعالى: {وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ إِلاّ مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ} [البقرة:130] ذكر أربعة أقوال ثانيها ما ذهب إليه الزجاج فقال: «والثاني: أنّه جهل نفسه، ومنه قوله: {عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً} [البقرة:282]، ويحتمل قوله صلّى الله عليه وسلّم: (إلا من سفه الحقّ)، وقولهم: فلان سفه رأيه. وجهل النفس يؤدّي إلى جهل منشئها، قال الله تعالى: {وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ} [الذاريات:21]، وقال صلّى الله عليه وسلّم: (من عرف نفسه فقد عرف ربّه)، وإلى هذا ذهب الزجّاج» (¬5). وفي تفسيره قوله تعالى: {قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ} [آل عمران:137] ذكر رأي الزجاج فقال: «وقال الزّجّاج: قد خلت من قبلكم ذو سنن وطرائق» (¬6). وقد يورد رأيه معترضا عليه، كما فعل في توجيه إعراب (أحياء) من قوله تعالى: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ} [آل عمران:169]، فبعد أن ذكر أنّ قوله: {أَحْياءٌ:} رفع؛ لأنّه خبر مبتدأ محذوف، تقديره: بل هم أحياء»، نقل رأي الزجاج فقال: «وقال الزّجّاج: لو كان منصوبا على تقدير: احسبهم أحياء، لكان جائزا»، واعترض عليه بقوله: «وليس كذلك؛ لأنّ الأمر من الحسبان غير جائز» (¬7). ¬
ابن عرفة، إبراهيم بن محمد (ت 323 هـ)
ابن عرفة، إبراهيم بن محمد (ت 323 هـ): المشهور بنفطويه. وقد نقل عنه المؤلّف كثيرا من الآراء في اللّغة ومعاني الألفاظ، ففي قوله تعالى: {الْحَمْدُ لِلّهِ} [الفاتحة:2] نقل عنه أنّ «الحمد: الرّضا تقول (¬1): حمدت الشّيء إذا رضيته، وأحمدته إذا وجدته مرضيا» (¬2). ولما تكلم على قوله تعالى: {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ} [البقرة:10] نقل عنه أنّ «مرض القلب فتوره عن الحق» (¬3). وحين تفسيره قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطّاغُوتِ} [النساء:51] نقل عنه أنّ «(الجبت): كلّ ما عبد من دون الله تعالى» (¬4). وعند كلامه على قوله تعالى: {ما جَعَلَ اللهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ} [المائدة: 103] حكى عن ابن عرفة أن الوصيلة «ما كان البطن السّابع من ولد الشّاة ذكرا وأنثى توأمين، قالوا للأنثى: وصلت أخاها، فلا يذبح ويكون لحمها حراما على النّساء» (¬5). ولمّا تحدّث عن معنى قوله تعالى: {هُدْنا إِلَيْكَ} [الأعراف:156] نقل عنه أنّ معناه «سكنّا إلى أمرك، ومنه الهوادة» (¬6). هذه أمثلة على الأعلام الذين أكثر من النّقل عنهم، وهناك كثير غيرهم مثل أمّ المؤمنين عائشة بنت أبي بكر الصّدّيق رضي الله عنهما (ت 57 هـ)، وعبد الله بن عمر رضي الله عنهما (ت 73 هـ)، وأبو العالية رفيع بن مهران (ت 93 هـ)، وسعيد بن المسيب (ت 94 هـ)، وسعيد بن جبير (ت 95 هـ)، وعامر بن شراحيل الشعبي (ت 104 هـ)، والضحاك بن مزاحم (ت 105 هـ)، وعكرمة بن عبد الله المدني (ت 107 هـ)، ووهب بن منبّه الصنعاني (ت 110 هـ)، ومحمد بن مسلم بن شهاب الزهري (ت 124 هـ)، ومحمد بن السائب الكلبي (ت 146 هـ)، وابن جريج عبد الملك بن عبد العزيز المكي (ت 150 هـ)، وأبو حنيفة النعمان بن ثابت (ت 150 هـ)، ومقاتل بن سليمان (ت 150 هـ)، وعلي بن حمزة الكسائي (ت 189 هـ)، وأبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت 370 هـ)، وغيرهم. ¬
ثانيا: الأعلام الذين لم يكثر من النقل عنهم
ثانيا: الأعلام الذين لم يكثر من النقل عنهم: ثمّة أعلام أفاد المؤلّف منهم في كتابه، ولكنّه لم يكثر من حكاية أقوالهم، وربّما لم ينقل عن بعضهم أكثر من الرّأي والرّأيين، ولا يجاوز ثلاثة آراء، وسأكتفي بسرد أسماء عدد من هؤلاء الأعلام بحسب سني وفياتهم: زيد بن أرقم (ت 68 هـ) (¬1). المقبريّ، أبو سعيد، كيسان (ت 100 هـ) (¬2). أبو رجاء العطاردي، عمران بن ملحان (ت 105 هـ) (¬3). زيد بن علي (ت 120 هـ) (¬4). رؤبة بن العجّاج (ت 145 هـ) (¬5). مقاتل بن حيّان (ت قبل 150 هـ) (¬6). أبو عمرو بن العلاء الحضرمي (ت 154 هـ) (¬7). الثوري، سفيان بن سعيد بن مسروق (ت 161 هـ) (¬8). الخليل بن أحمد الفراهيدي (ت 175 هـ) (¬9). سيبويه، أبو بشر، عمرو بن عثمان بن قنبر (ت 180) (¬10). أبو يوسف، يعقوب بن إبراهيم (ت 182 هـ) (¬11). يونس بن حبيب (ت 182 هـ) (¬12). مؤرج بن عمرو السّدوسيّ (ت 195 هـ) (¬13). النّضر بن شميل (ت 203 هـ) (¬14). ¬
د-أهميته
يحيى بن كثير العنبري (ت 205 هـ) (¬1). قطرب، محمد بن المستنير، (ت 206 هـ) (¬2). الأصمعي، عبد الملك بن قريب (ت 216 هـ) (¬3). أبو عبيد، القاسم بن سلام (ت 224) (¬4). ابن الأعرابي، محمد بن زياد (ت 231 هـ) (¬5). أبو حاتم، سهل بن محمد بن عثمان السّجستاني (ت 255 هـ) (¬6). أبو العباس المبرّد، محمد بن يزيد (ت 285 هـ) (¬7). ثعلب، أحمد بن يحيى الكوفي (ت 291 هـ) (¬8). الطبري، محمد بن جرير (ت 310 هـ) (¬9). ابن الأنباري، محمد بن القاسم بن بشار (ت 328 هـ) (¬10). الخارزنجي، أبو حامد، أحمد بن محمد (ت 348 هـ) (¬11). أبو علي الفارسي، الحسن بن أحمد بن عبد الغفار (ت 377 هـ) (¬12). د-أهميته: يعدّ كتاب (درج الدرر في تفسير القرآن العظيم) من كتب التفسير القيّمة، ويتميز الكتاب بأنّه ليس من المطوّلات المملّة، ولا من المختصرات المخلّة. وقد حوى الكتاب نقولا غزيرة عن عدد كبير من أعلام التفسير والحديث واللغة والنحو والفقه وعلم الكلام وغيرها من العلوم، وكثير من هؤلاء الأعلام أئمّة في تلك العلوم كابن مسعود وأبي هريرة وابن عباس ومجاهد والفراء وأبي عبيدة والزجاج وابن عرفة والأزهري. فجمع كثيرا من أقوال هؤلاء الأعلام وآرائهم، ولمّ شعثها، وأسكنها في ثنايا كتابه. ¬
هـ-ما انفرد به
وهذه النّقول الكثيرة دليل على سعة اطلاع المؤلّف، وغزارة علمه. وهي أيضا تعطي صورة واضحة عن مرحلة مهمّة من مراحل مسيرة التّأليف في تفسير القرآن الكريم، إذ انصرف اهتمام العلماء في تلك المرحلة التي عاش فيها المؤلّف إلى جمع أقوال العلماء المتقدّمين، وتدوين آرائهم، وقد يناقشون تلك الأقوال والآراء، ويردّون على أصحابها، ويرجّحون بعضها على بعض. وكتاب (درج الدرر) شاهد صدق على هذه المرحلة من مراحل التّأليف. هـ-ما انفرد به: ثمّة آراء وأقوال أوردها المؤلف في كتابه ولم أقف عليها في المصادر التي بين يدي، ولا سيما المصادر التي سبقت عصره، وسأسرد فيما يأتي عددا من الأمثلة على هذه الآراء والأقوال معتنيا بما له صلة باللغة والنحو: في توجيه (عليكم) في قوله تعالى: {فَلَوْلا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ} [البقرة:64] قال: «وإنّما قال: {عَلَيْكُمْ؛} لأنّه رجع إلى المعنى، أعني التّفضّل»، ثمّ انفرد برأي آخر فقال: «أو لأنّه نعمة عليهم» (¬1). وفي قوله تعالى: {وَاِتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة:125] ذكر أنّ (من) «زيادة»، وانفرد برأي آخر فقال: «أو لابتداء الغاية» (¬2). وانفرد برأي آخر في توجيه قوله تعالى: {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ} [البقرة:134] فقال: {تِلْكَ أُمَّةٌ:} أي: تلك الأمّة أمّة» (¬3). وفي توجيه {(مَعَهُمُ)} في قوله تعالى: {وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ} [البقرة:213] نقل أنّ «(معهم) بمعنى: عليهم» (¬4)، وهو قول لم أقف عليه. وفي كلامه على قوله تعالى: {ذلِكُمْ أَزْكى لَكُمْ وَأَطْهَرُ} [البقرة:232] قال: {أَزْكى:} أدخل في باب التّزكية»، ثم نقل قولا لم أجده فقال: «وقيل: أزكى: أطهر لكم، فجمع بين اللّفظين تأكيدا» (¬5). وفي قوله تعالى: {يا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اِسْمُهُ الْمَسِيحُ} [آل عمران:45] ذكر آراء متعدّدة في سبب تسمية المسيح مسيحا، منها اثنان لم أقف عليهما، أولهما «لأنّه تمسّح ¬
بصنع يحيى بن زكريّا من ماء الأردن» (¬1)، والثاني «لأنّه كان يمسح التّراب فينام عليه بلا فراش ولا بساط» (¬2). وفي قوله تعالى: {إِذْ قالَ اللهُ يا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ إِلَيَّ} [آل عمران:55] نقل أقوالا كثيرة للمفسرين عن المصلوب مكان المسيح عليه السّلام، أحدها لم أجده وهو أنّ «المصلوب هو الموكّل الذي كان عليه رقيبا» (¬3). وفي توجيه باء (بالله) في قوله تعالى: {بِما أَشْرَكُوا بِاللهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً} [آل عمران:151] ذكر رأيا لم أجده فقال: {بِاللهِ:} الباء بمعنى (مع)» (¬4). وفي توجيه إعراب (جهد) من قوله تعالى: {أَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ} [المائدة:53] رأى أنّه «نصب بنزع (في)» (¬5). وفي قوله تعالى: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ} [المائدة:72] قال: «قيل: من كلام عيسى، وقيل: استئناف كلام من الله عزّ وجلّ»، ثم انفرد برأي في هاء (إنّه) فقال: «والهاء ضمير الأمر والشّأن» (¬6). وانفرد برأي آخر في توجيه قوله تعالى: {وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ} [الأنعام:1] فقال: «هما صفتان للسّموات والأرض، فكأنّ التّقدير: وجعلهنّ مظلمة ومنيرة، كما قال: {وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ} [النّحل:78]» (¬7). وفي قوله تعالى: {قُلِ اللهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ} [الأنعام:19] انفرد برأي قال فيه: «وإنّما لم يقل: شهيد لي ولكم؛ لأنّ الشّهادة لم تكن لهم، وإنّما لم يقل: عليّ وعليكم؛ لأنّ الشّهادة لم تكن عليه» (¬8). وفي توجيه (من إله) في قوله تعالى: {مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ} [الأنعام:46] رأى أنّ «فحوى الكلام يدلّ على أنّه جواب الشّرط وليس بمبتدأ» (¬9)، ولم أقف على هذا الرأي. ¬
و-مآخذ على الكتاب
وفي قوله تعالى: {المص} [الأعراف:1] نقل عن ابن عباس أنّ معناها: «أنا الله أعلم وأفصّل»، ثم ذكر رأيا لم أقف عليه فقال: «ويحتمل أن تكون الصّاد إشارة إلى الفصل، أي: إلى هذا الفصل، فإنّ السّور فصول لا محالة» (¬1). وفي قوله تعالى: {أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ أَوْ مِمّا رَزَقَكُمُ اللهُ} [الأعراف:50] انفرد برأي قال فيه: «وإنّما لم يقولوا: لا نفيض؛ لأنّ فيه شمّة بخل ولكنّهم ذكروا وجه المنع وعلّته» (¬2). وفي تفسير الفئة في قوله تعالى: {إِلاّ مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ} [الأنفال:16] نقل عن ابن عباس قوله: «إنّها الكتيبة العظمى في المعركة» (¬3)، ولم أجده. وفي بيان سبب تسمية المؤتفكات في قوله تعالى: {أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْراهِيمَ وَأَصْحابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكاتِ} [التوبة:70] ذكر أنّها «سمّيت بهذا لانقلابها ظهرا على بطن»، ثم نقل قولا لم أقف عليه، وهو أنّها سمّيت بذلك «لإفك أهلها» (¬4). وفي توجيه الضمير في (إنّها) في قوله تعالى: {وَيَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ قُرُباتٍ عِنْدَ اللهِ وَصَلَواتِ الرَّسُولِ أَلا إِنَّها قُرْبَةٌ لَهُمْ} [التوبة:99] قال: «والضّمير في {إِنَّها} عائد إلى الصّدقات، وقيل: إلى الصّلوات، وقيل: إليهما جميعا» (¬5)، والقول الأخير لم أقف عليه. و-مآخذ على الكتاب: لا بدّ من التنبيه منذ البداية على أنّ ما سيأتي ذكره من مآخذ على الكتاب لا يقلّل بأيّ حال من الأحوال من الجهد الذي بذله المؤلف، فلا يغضّ من شأنه هفوة هنا، أو زلّة هناك؛ لأنّ أيّ عمل بهذا الحجم الذي تصدّى له لا بدّ من أن يكون فيه ما يقال، وهذا شأن كلّ عمل بشري. ومن المهمّ القول أيضا إنّ بعض تلك الهفوات قد لا يتحمّل وزرها المؤلف؛ لأنّها ربّما كانت من عمل النّسّاخ. ويمكن إجمال هذه المآخذ بالآتي: 1 - خلوّ الكتاب من مقدّمة تبيّن اسم الكتاب، وسبب تأليفه، والمنهج الذي اتّبعه مؤلّفه. ¬
2 - ربّما ناقض قوله، فعند حديثه عن قوله تعالى: {فَسَجَدُوا إِلاّ إِبْلِيسَ} [البقرة:34] ذكر الخلاف في الاستثناء هل هو متّصل أو منقطع، وبيّن أنّ ذلك مترتّب على الخلاف في كون إبليس من الملائكة أو من الجنّ، وعقّب على ذلك بقوله: «ويجوز تناسل الممسوخ عند أكثر النّاس» (¬1)، ولكنّه عند ما تكلّم على قوله تعالى: {فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ} [البقرة:65] ناقض ذلك فقال: «والأمّة الممسوخة لا تتناسل عند أكثرهم؛ لأنّهم لم يعيشوا فوق ثلاث» (¬2). 3 - ربّما كرّر قوله، مناقضا ميله إلى الاختصار، كما فعل في بيانه أنّ العلم «رؤية تنفي الجهالة»، فذكر ذلك في حديثه عن {عَلِيمٌ} [البقرة:29] (¬3)، وكرّره عند حديثه عن قوله تعالى: {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اِعْتَدَوْا} [البقرة:65] (¬4). 4 - رغم عنايته بالأحاديث النّبويّة الشّريفة التي ضمّنها كتابه، وتحرّيه الصّحيح منها نقل حديثا موضوعا في أثناء كلامه على توجيه قوله تعالى: {إِلاّ مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ} [البقرة:130]، وهو قوله: (من عرف نفسه فقد عرف ربّه) (¬5). ونقل حديثا عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ذكر فيه أنّه أمر بهدم الآطام في المدينة، والذي وجدته في المصادر عكس ما رواه (¬6). 5 - عزا بيتا من الشّعر إلى الإمام الشّافعيّ والمصادر تعزوه إلى غيره (¬7)، ووهم في عزو بيت آخر إلى حسّان (¬8) مخالفا موضعين سابقين من كتابه عزاه في أولهما إلى جرير، وهو الصّواب (¬9). ¬
الفصل الثاني موقف المؤلف من أصول اللغة والنحو
الفصل الثاني موقف المؤلف من أصول اللغة والنحو المبحث الأول: موقفه من الشواهد: 1 - القرآن الكريم 2 - القراءات 3 - الحديث الشريف 4 - الشعر العربي 5 - أمثال العرب وأقوالهم المبحث الثاني: موقفه من السماع والقياس: 1 - السماع 2 - القياس المبحث الثالث: موقفه من الكوفيين والبصريين
المبحث الأول موقفه من الشواهد
المبحث الأول موقفه من الشواهد 1 - القرآن الكريم: غنيت العربية بالقرآن الكريم المبين، كتابها الأكبر، وحارسها الخالد الأمين، فألفاظه الكريمة هي لبّ كلام العرب، ونصوصه هي الأصل المكين الذي أوى إليه النحويّون في بناء أصولهم، وإرساء قواعدهم. وقد اعتمد مؤلّف (درج الدّرر) على الشّاهد القرآنيّ كثيرا، واستشهد به على مسائل العربية، وظهر هذا جليّا في توجيهاته آي التّنزيل الحكيم، فنجده يورد نظائر الآية التي يتحدث عنها للاحتجاج على صحة ما يذهب إليه، وفي ما يأتي نوعان من الأمثلة على ذلك: أ-استدلال بالقرآن الكريم لغرض نحوي: عند حديثه عن قوله تعالى: {هُدىً لِلْمُتَّقِينَ} [البقرة:2] قال: «و (هدى) مصدر مثل التّقى والسّرى، يتعدّى إلى مفعولين بغير حرف، كقوله: {وَهَدَيْناهُمَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الصافات:118]» (¬1). وفي قوله تعالى: {وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنّا بِاللهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ} (8) [البقرة:8] تكلّم على توحيد الفعل في أوّل الآية وجمع الضّمير في آخرها مستدلا بآية أخرى فقال: «وإنّما وحّد الفعل في أول الآية وجمع الضمير في آخرها؛ لأنّ (من) لفظه لفظ الوحدان، ولإبهامه يصلح أن يكون اسما للمذكّر والمؤنّث والاثنين والجماعة، يعدل تارة إلى اللفظ وتارة إلى المعنى، كقوله: {وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صالِحاً} [الأحزاب:31]» (¬2). وفي قوله تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ} [البقرة:214] فرّق بين (لم) و (لمّا)، واستدلّ لما ذهب إليه بآيتين أخريين، فقال: «و (لمّا) و (لم) بمعنى، إلا أنّ (لم) يقتضي نفيا مجرّدا، و (لمّا) يقتضي نفيا دون نفي، إذ المنفيّ به مراد إثباته في المستقبل، كقوله: {وَلَمّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا} [آل عمران:142]، {وَلَمّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ} [يونس:39]» (¬3). ¬
ب-الاستدلال بالقرآن الكريم لغرض لغوي
وفي كلامه على قوله تعالى: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ} [البقرة:253] ذكر أن قوله: {دَرَجاتٍ:} نصب على التفسير كقوله: {وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجاتٍ} [الإسراء:21]، وقوله: {هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً} [الكهف:103]» (¬1). وفي أثناء حديثه عن {يُكْفَرُوهُ} في قوله تعالى: {وَما يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ} [آل عمران:115] ذكر أنّ الفعل عدّي بغير باء واستشهد بآية أخرى فقال: «فعدّي بغير باء، قال الله تعالى: {جَزاءً لِمَنْ كانَ كُفِرَ} [القمر:14]» (¬2). ب-الاستدلال بالقرآن الكريم لغرض لغوي: في قوله تعالى: {وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلاّ عَلَى الْخاشِعِينَ} [البقرة:45] بيّن معنى (كبيرة)، واستدلّ له بآيتين أخريين، فقال: {لَكَبِيرَةٌ:} لثقيلة، كقوله: {إِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقامِي} [يونس:71]، وقال: {كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ} [الشورى:13]» (¬3). وعند كلامه على قوله تعالى: {يا أَيُّهَا النّاسُ اِتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَبَثَّ مِنْهُما رِجالاً كَثِيراً وَنِساءً وَاِتَّقُوا اللهَ} [النّساء:1] قال: {وَاِتَّقُوا اللهَ:} للتّكرار»، واستشهد على ما ذهب إليه بآيتين أخريين فقال: «كما في قوله: {فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (19) ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ} (20) [المدّثّر:19 - 20]، وقوله: {أَوْلى لَكَ فَأَوْلى (34) ثُمَّ أَوْلى لَكَ فَأَوْلى} (35) [القيامة:34 - 35]» (¬4). ولمّا تحدّث عن قوله تعالى: {وَلَهُ ما سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهارِ} [الأنعام:13] ذكر أنّ المراد به ما سكن وما تحرّك، وعبّر عن ذلك بأنّه «اقتصار على أحد طرفي الكلام، كقوله: {سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ} [النّحل:81]» (¬5). وفي كلامه على قوله تعالى: {فَهَلْ لَنا مِنْ شُفَعاءَ} [الأعراف:53] ذكر توجيهين للمعنى المراد به، واستدلّ لكلّ منهما بشواهد من القرآن الكريم، فقال: «فيه معنى الطّلب ¬
2 - القراءات
والإرادة، ومثله قوله: {هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ} [الصّافّات:54]. ويحتمل أنّه بمعنى النّفي، كقوله: {هَلْ يَنْظُرُونَ} [البقرة:210]، {هَلْ مِنْ خالِقٍ} [فاطر:3]» (¬1). 2 - القراءات قسّم العلماء القراءات بحسب تواترها وعدمه على ثلاثة أقسام: الأول: متّفق على تواتره، وهو قراءات الأئمّة السّبعة وهم: نافع بن أبي نعيم المدنيّ، وعبد الله بن كثير المكيّ، وعبد الله بن عامر اليحصبيّ الدّمشقيّ، وعاصم بن أبي النّجود، وأبو عمرو بن العلاء، وحمزة بن حبيب الزّيات، وعلي بن حمزة الكسائيّ. الثاني: مختلف فيه، والصّحيح المختار عند المحقّقين من أئمّة القراءة تواتره، وهو قراءات الأئمّة الثلاثة وهم: أبو جعفر المدنيّ، ويعقوب الحضرميّ، وخلف بن هشام. الثالث: متّفق على شذوذه، وهو غير قراءات الأئمّة العشرة (¬2). ولم يخل (درج الدرر) من الاستشهاد بالقراءات القرآنيّة المتواترة والشّادّة، ولكنّ عناية المؤلف بهذه القراءات لم تكن كبيرة، وسأذكر أمثلة لما استشهد به المؤلف من القراءات: أ-القراءات المتواترة: عند توجيهه معنى قوله تعالى: {فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ عَنْها} [البقرة:36] قال: «أوقعهما في الزّلل وحملهما عليه»، وذكر بعده توجيه معنى قراءة متواترة أخرى فقال: «وقرئ: (فأزالهما الشّيطان)، أي: نحّاهما»، ثمّ ذكر توجيه قوله: (عنها) على القراءتين فقال: {عَنْها:} عن الوصيّة على القراءة الأولى، وعن الجنّة على القراءة الأخرى» (¬3). وعند حديثه عن قوله تعالى: {حَتّى تَتَّبِعَ} [البقرة:120]، ذكر أنه إن «كان الفعل المضارع منفيّا ب (لا)، وحسنت (ليس) مكان (لا) فرفعه حسن، قياسا على المنفيّ ب (لا) بعد (أن لا)، نحو قوله: {أَلاّ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ} [طه:89]، {أَلاّ تَكُونَ (¬4)} فِتْنَةٌ [المائدة:71]» (¬5). وفي كلامه على قوله تعالى: {وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا} [البقرة:165] بيّن توجيه إعراب (الذين ظلموا) في قراءتي (يرى) بالتاء وبالياء فذكر أنّه: «في محلّ النصب على قراءة التاء، وفي ¬
ب-القراءات الشاذة
محلّ الرّفع على قراءة الياء» (¬1). وقد يذكر اختلاف توجيه الإعراب للّفظ الذي يتحدّث عنه من غير أن ينبّه على اختلاف القراءة، كما في قوله تعالى: {وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ} [البقرة:240] إذ قال: «(وصيّة): نصب على إضمار الأمر، ورفع بالابتداء» (¬2)، ولم يذكر أنّ النّصب والرّفع قراءتان متواترتان. وكذلك فعل في قوله تعالى: {أَوَأَمِنَ} [الأعراف:98] فحكى أنّه «قيل: على الاستفهام، وقيل: على التّخيير» (¬3)، ولم يبيّن أنّ القول الأول على القراءة بفتح الواو، والثاني على القراءة بتسكينها، وهما متواترتان. وحين تكلّم على قوله تعالى: {فَإِذا أُحْصِنَّ} [النّساء:25] ذكر المعنى المراد به في قراءتي فتح الهمزة وضمّها فقال: «بفتح الهمزة: أسلمن، عن ابن مسعود وزرّ والشّعبيّ، وهو يحتمل التّزوّج أيضا. وبضمّ الهمزة إذا تزوّجن، عن ابن عبّاس ومجاهد، وهو يحتمل أدخلن في الإسلام» (¬4). ب-القراءات الشاذة: عند كلامه على قوله تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا راعِنا} [البقرة:104] ذكر قراءة شاذة فقال: «وقرأ الحسن: (راعنا) منوّنا؛ لأنّه ظنّ أنّها لفظة كالأسماء، فنصبها بوقوع القول عليه»، واستدلّ لها بقراءة شادّة أخرى فقال: «كنصب من نصب: (وقولوا حطّة)» (¬5). وفي حديثه عن قوله تعالى: {فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ ما آمَنْتُمْ بِهِ} [البقرة:137] ذكر أنّ «العرب تذكر المثل مجازا، وتريد به النّفس حقيقة، كقوله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:11]، ويقال: أمثلك يقول لمثلي، فيكون تقدير الآية على هذا: فإن آمنوا بما آمنتم به»، وبيّن أنّ هذا التّقدير قراءة لابن عباس فقال: «هكذا يروى في قراءة ابن عبّاس ومصحفه» (¬6). وفي توجيه إعراب (ما) في قوله تعالى: {إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ} [البقرة:173] ذكر أنّ (الميتة) تقرأ بالرّفع فقال: «و (ما) اسم عند من قرأ: (الميتة) بالرّفع» (¬7). ¬
3 - الحديث الشريف
وعند كلامه على قوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ} [البقرة:184] ذكر قراءة شادّة أخرى فقال: «وعن ابن عبّاس أنّه قرأ: (وعلى الذين يطيّقونه)، أي: يلزمونه» (¬1). وفي حديثه عن قوله تعالى: {كَالَّذِي اِسْتَهْوَتْهُ الشَّياطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرانَ لَهُ أَصْحابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى اِئْتِنا} [الأنعام:71] ذكر أنّ {اِئْتِنا:} حكاية الدّعاء»، وتكلّم بعد ذلك على توجيه قراءة شادّة أخرى فقال: «وفي مصحف عبد الله: (بيّنا)، أي: دعاء بيّنا» (¬2). 3 - الحديث الشريف: اختلف علماؤنا المتقدّمون في الاستشهاد بالحديث النّبويّ الشّريف، وعدّه مصدرا من مصادر الاحتجاج في قضايا النّحو والصّرف، فمنهم من أيّد الاحتجاج به؛ لأنّه أفصح كلام بعد التّنزيل العزيز، ومنهم من رأى أنّ معظم الحديث مرويّ بالمعنى دون اللّفظ، وأنّ معظم رواته أعاجم، وأنّه منقول بروايات مختلفة، فذهب إلى معارضة الاحتجاج به، وتوسّط فريق آخر بين التّأييد والمعارضة فرأى جواز الاحتجاج بالأحاديث التي عني بنقل ألفاظها. وقد فصّل عبد القادر البغداديّ القول في هذه المسألة (¬3)، وأولاها المعاصرون عناية كبيرة في البحث والتّمحيص (¬4). ولم تكن عناية المؤلّف كبيرة في الاستشهاد بالحديث النّبويّ الشّريف لمسائل النّحو واللّغة، على عكس ما فعله في الاستشهاد به في التّفسير والأحكام الفقهيّة. وهذه أمثلة على استشهاده بالحديث في ما له صلة باللّغة: في كلامه على قوله تعالى: {وَلَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ} [البقرة:25] قال: «والوصف بالطّهر أبلغ من الوصف بالحسن؛ لأنّ الحسن ربّما يتضمّن خبثا»، واستشهد بقول النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إيّاكم وخضراء الدّمن» (¬5). وفي قوله تعالى: {فَتَلَقّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ} [البقرة:37] تكلّم على معنى (تلقّى) في اللّغة، واستدلّ على مجيئه بمعنى الاستقبال بحديث شريف، فقال: «تلقّى: أخذ وأصاب، وفي ¬
4 - الشعر العربي
اللغة قريب من الاستقبال، نهى صلّى الله عليه وسلّم عن تلقّي الركبان، أي: عن استقبالهم» (¬1). وفي حديثه عن قوله تعالى: {وَإِذْ واعَدْنا مُوسى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً} [البقرة:51] قال: «وحقيقة الوعد أن يكون للشيء، فإذا كان على الشيء فهو مجاز»، ثمّ استشهد بدعاء نسبه إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وهو قوله: «(يا من إذا وعد وفى وإذا توعّد عفا)» (¬2). ولمّا تكلّم على معاني (الأكل) الحقيقيّة والمجازيّة في أثناء حديثه عن قوله تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا اُدْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْها} [البقرة:58] قال: «و (الأكل) حقيقة: التّلقّف والاستراط، ويستعمل في الإنفاق مثل: أكل الدراهم والدنانير، ويستعمل في الاستيلاء»، واستشهد للمعنى الأخير بقوله صلّى الله عليه وسلّم: «(أمرت بقرية تأكل القرى)» (¬3). 4 - الشّعر العربيّ: يعدّ الشّعر العربيّ الموثوق بروايته من المنابع الأصيلة التي أمدّت النّحو العربيّ بمادّة غنيّة أفادته في بناء أصوله وتقعيد قواعده. وقد عني علماؤنا القدامى بالبحث عن مادّته وجمعها لتكون من مصادرهم الأصيلة في الاحتجاج لمسائل النّحو واللّغة. وفي (درج الدّرر) أشعار كثيرة لشعراء جاهليّين ومخضرمين وإسلاميّين وأمويّين استشهد بها المؤلّف، وعزا قسما منها إلى قائليها، وترك قسما آخر منها بلا عزو. وفي ما يأتي أمثلة من الشّواهد الشّعريّة التي وردت في الكتاب: عند حديثه عن قوله تعالى: {اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} [البقرة:15] بيّن أنّ المراد به أنّه «يجازيهم على استهزائهم» (¬4)، ثم استشهد لذلك بقول عمرو بن كلثوم: ألا لا يجهلن أحد علينا … فنجهل فوق جهل الجاهلينا. وحين تكلم على قوله تعالى: {فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً} [البقرة:74] قال: «وإنّما ارتفع (أشدّ) عطفا على الخبر وهو الكاف، ويجوز أن تكون كاف التشبيه في محلّ الإعراب» (¬5)، واستشهد بقول الأعشى: أتنتهون ولا ينهى ذوي شطط … كالطّعن يذهب فيه الزّيت والفتل ثم قال مستدلا به: «فأخبر عن الكاف، والإخبار عن الاسم لا غير دلّ على أنّه يقبل ¬
5 - أمثال العرب وأقوالهم
الإعراب في التقدير» (¬1). وفي حديثه عن قوله تعالى: {وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ} [البقرة:177] ذكر أكثر من توجيه لإعراب الآية منها أن يكون التّوجيه: «ولكنّ ذا البرّ من آمن بالله» (¬2)، واستشهد له بقول الخنساء: ترتع ما رتعت حتّى إذا ادّكرت … فإنّما هي إقبال وإدبار يعني أنّها تريد: فإنّما هي ذات إقبال وإدبار. وفي كلامه على قوله تعالى: {أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ أَوْ مِمّا رَزَقَكُمُ اللهُ} [الأعراف:50] قال: «وإنّما استعمل الإفاضة على الجميع وإن كان فيه ما لا يتصوّر إفاضته على سبيل الإتباع، كقوله: {أُخْرِجْنا مِنْ دِيارِنا وَأَبْنائِنا} [البقرة:246]» (¬3)، واستشهد ببيت من الشّعر عزاه إلى الشّافعيّ وهو: إذا ما الغانيات برزن يوما … وزجّجن الحواجب والعيونا وفي كلامه على معاني (الإلّ) في قوله تعالى: {لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلاًّ وَلا ذِمَّةً} [التّوبة:8] ذكر أنّ منها «الإلّ: القرابة» (¬4)، واستشهد لهذا المعنى بقول حسّان: لعمرك إنّ إلّك من قريش … كإلّ السّقب من رأل النّعام 5 - أمثال العرب وأقوالهم: اعتدّ علماء اللّغة والنّحو القدامى بأقوال العرب وأمثالهم، وأووا إليها في الأغراض النحويّة والصّرفيّة واللّغويّة. وقد سار مؤلّف (درج الدرر) على خطى من سبقوه في الاعتداد بهذه الأمثال والأقوال، والاستشهاد بها، ومن ذلك: في توجيه لفظ (السّماء) في قوله تعالى: {ثُمَّ اِسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ} [البقرة:29] قال: «ويجوز أن يكون واحدا يراد به الجنس، كما يقال: كثر الدّرهم والدّينار في أيدي الناس» (¬5). ¬
وفي قوله تعالى: {يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ} [البقرة:146] ذكر الأقوال المختلفة في معنى المعرفة ومنها أنّها «سكون النفس إلى ما وقع به العلم»، واستدلّ عليه بجزء من مثل من غير أن يذكر كونه مثلا، فقال: «لقولهم: النّفس عروف» (¬1). وفي موضع آخر استشهد بالمثل نفسه بتمامه، وبيّن في هذه المرّة كونه مثلا، وذلك عند كلامه على معنى (التّحميل) في قوله تعالى: {وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ} [البقرة:286] فقال: «والتّحميل: التّكليف، وفي المثل: النّفس عروف وما حمّلتها احتملت» (¬2). وذكر مثلا آخر موضّحا سبب ضربه في أثناء بيانه معنى (الإعصار) في قوله تعالى: {فَأَصابَها إِعْصارٌ فِيهِ نارٌ فَاحْتَرَقَتْ} [البقرة:266] فقال: «وفي المثل: إن كنت ريحا فقد لاقيت إعصارا، يضرب لمن يعتقد قدرة في نفسه فيبتلى بمن فوقه» (¬3). وفي حديثه عن معاني (الإلّ) في قوله تعالى: {لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلاًّ وَلا ذِمَّةً} [التوبة:8] استشهد على أحد تلك المعاني بقول لأبي بكر الصّدّيق فقال: «والإلّ: اسم الله وربوبيّته، قال أبو بكر الصّدّيق: ويحكم إنّ هذا لم يخرج من إلّ» (¬4). وفي قوله تعالى: {قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ} [التوبة:53] قال: «وقوله: (قل أنفقوا) في معنى الشّرط»، واستشهد لذلك بآية، وقول لأبي الدّرداء، ومثل، فقال: «كقوله: {اِسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ} [التّوبة:80]، وقال أبو الدّرداء: وجدت النّاس اخبر تقله، وفي المثل: عش رجبا تر عجبا» (¬5). ¬
المبحث الثاني موقفه من السماع والقياس
المبحث الثاني موقفه من السماع والقياس 1 - السماع: عرّف السّيوطيّ السّماع بقوله (¬1): «وأعني به ما ثبت في كلام من يوثق بفصاحته، فشمل كلام الله تعالى، وهو القرآن، وكلام نبيّه، وكلام العرب قبل بعثته وفي زمنه وبعده إلى أن فسدت الألسنة بكثرة المولّدين نظما ونثرا عن مسلم أو كافر، فهذه ثلاثة أنواع لا بدّ في كلّ منها من الثّبوت». ومؤلّف (درج الدرر) يعتدّ بالسّماع ويعوّل عليه في التّقعيد لمسائل اللّغة والنّحو، ويشهد له على ذلك كثرة الشّواهد التي ساقها للاستدلال على صحّة الآراء التي يذكرها، وقد عرضنا آنفا أمثلة على تلك الشّواهد. وليس هذا وحده دليلنا على أهميّة السّماع عند المؤلّف، فقد صرّح المؤلّف بموقفه بوضوح في كتابه حين تحدّث عن (المرء) في قوله تعالى: {ما يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ} [البقرة:102] فقال: «ومرء وامرؤ لغتان، وفي التأنيث: مرأة وامرأة»، ثمّ تحدّث عمّا قيل في همزة الوصل في قولهم: (امرؤ وامرأة) فقال: «وكأنّ همزة الوصل إنّما عوّضت من الهمزة الأخيرة إذ لا صورة لها، فسكّنت الميم وهي فاء الفعل وابتدئ بهمزة الوصل كما في الاسم والابن. وقيل: إنّما سكّنت فاء الفعل في مثل هذه الأسماء وابتدئ بهمزة الوصل؛ لأنّها أسماء كثر دورها على الألسنة، فشبّهت بالأفعال التي على صيغة الأمر»، ثمّ بيّن موقفه من مثل هذه العلل المتكلّفة، وتعويله على السّماع في اللّغة فقال: «ومثل هذه العلل واه، واللّغة بالسّماع» (¬2). 2 - القياس: وهو «حمل فرع على أصل بعلّة، وإجراء حكم الأصل على الفرع» (¬3). وقد اختلف علماؤنا القدماء في القياس بين مانع يرى قصر اللّغة على السّماع، ومجيز يرى أنّ ما قيس على كلام العرب فهو من كلامهم (¬4). ¬
وفي الكتاب أمثلة متفرّقة على اعتداد المؤلّف بالقياس، منها ما ذكره في قوله تعالى: {بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً} [البقرة:81] إذ تكلّم على وزن (سيّئة) فقال: «ووزنها (فعيلة) في قياس قول الفرّاء وأهل الكوفة» (¬1). وفي قوله تعالى: {ما يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ} [البقرة:102] قال: «وكأنّ المرء موضوع غير مشتقّ، والتّثنية: مرءان وامرؤان ومرأتان وامرأتان، وهي في التّأنيث أكثر استعمالا، وأمّا الجمع فلم يرو إلا في حديث: (أحسنوا ملأكم أيّها المرؤون)، وقال رؤبة لطائفة رآهم: أين يريد المرؤون؟»، وعقّب على قولهم: (المرؤون) بقوله: «وهذا جمع سلامة جائز بالقياس» (¬2). وفي قوله تعالى: {حَتّى تَتَّبِعَ} [البقرة:120] تحدّث عن نصب الفعل المضارع ورفعه بعد (حتى) فقال: «وإذا وليها فعل مضارع فهو مرفوع أو منصوب»، وبعد أن انتهى من الكلام على النّصب قال: «وإن كان الفعل المضارع منفيّا ب (لا)، وحسنت (ليس) مكان (لا) فرفعه حسن، قياسا على المنفيّ ب (لا) بعد (أن لا)، نحو قوله: {أَلاّ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ} [طه:89]، {أَلاّ تَكُونَ (¬3)} فِتْنَةٌ [المائدة:71]» (¬4). وربّما تكلّم على مجيء الكلام على غير قياس كما في قوله تعالى: {وَاللاّتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ} [النّساء:15] إذ قال: {وَاللاّتِي:} «جمع (التي) على غير قياس» (¬5). ¬
المبحث الثالث موقفه من الكوفيين والبصريين
المبحث الثالث موقفه من الكوفيين والبصريين من خلال القراءة المتأنّية لكتاب (درج الدرر) يتبيّن أنّ مؤلّفه أكثر ميلا إلى المدرسة الكوفيّة، فنراه يقدّم آراء الكوفيّين، وربّما اكتفى بها، أو بتفسيرها، ولا سيّما آراء الفرّاء، أحد أشهر أئمّة الكوفيّين. ولكنّ هذا لا يعني إغفاله آراء البصريّين التي قد يعرضها مع آراء الكوفيّين، وقد يفصّل في توضيحها، وربّما رجّحها على غيرها، ولكنّ ترجيحه هذا قد لا يكون ميلا إلى مذهب نحويّ، وإنّما انسجاما مع مذهبه الفقهيّ. ويمكن تبيان ما ذهبنا إليه من خلال الأمثلة على النّحو الآتي: في قوله تعالى: {ماذا أَرادَ اللهُ بِهذا مَثَلاً} [البقرة:26] قدّم رأي الكوفيّين في انتصاب (مثلا) على القطع، ووضّحه بما يوحي أنّه رأيه، ثمّ أردفه بذكر رأي البصريّين، فقال: {مَثَلاً:} انتصب على القطع، فكأنّه قال: بهذا المثل، فلمّا قطعت الألف واللام انتصب، وعند البصريين انتصب على الحال، كقوله: {وَهذا بَعْلِي شَيْخاً} [هود:72]» (¬1). وفي قوله تعالى: {فَقُلْنا اِضْرِبُوهُ بِبَعْضِها كَذلِكَ يُحْيِ اللهُ الْمَوْتى} [البقرة:73] تحدّث عن أصل (ميّت) عند الفراء، وفصّل فيه، أمّا رأي البصريّين فأوجزه بكلمتين، وأورده بصيغة (قيل)، فقال: «و (الموتى): جمع ميّت، وأصله عند الفرّاء: مويت، كصريع وصرعى، وجريح وجرحى، فاستثقلت الكسرة على الواو والخروج من الواو إلى الياء، فجعل ياء، فأدغمت الياء في الياء. وقيل: أصله: ميوت» (¬2). وقدّم قول الكوفيّين أيضا، وأتبعه بقول البصريّين في كلامه على انتصاب {(مُصَدِّقاً)} في قوله تعالى: {وَيَكْفُرُونَ بِما وَراءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً} [البقرة:91]، فقال: «و {مُصَدِّقاً:} نصب على القطع كوفيّا، وعلى الحال بصريّا» (¬3). وفعل مثل ذلك في قوله تعالى: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفّاراً} [البقرة:109]، فقال: {كُفّاراً:} نصب على القطع؛ لأنّه جاء بعد تمام الكلام، وعند البصريّين نصب على الحال» (¬4). وفي كلامه على (أشياء) في قوله تعالى: {لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} ¬
[المائدة:101] اكتفى بتفسير قول الفراء: إنّ أصل (شيء) (شيّئ)، فقال: «و {أَشْياءَ:} جمع شيء، وشيء في الأصل شئيء على وزن شفيع، فليّنت الهمزة الأولى وأدغمت كما في ميّت وهيّن فصار شيّئا ثم استخفّ بحذف المدغم» (¬1)، وأعرض عن ذكر الأقوال الكثيرة في وزن (أشياء) نفسها. واكتفاؤه بتفسير قول الفراء يوحي بموافقته له في ما ذهب إليه. وقد يذكر رأي البصريّين وحدهم ويفصّل فيه، كما فعل في حديثه عن الضّمير المنفصل في قوله تعالى: {وَقُلْنا يا آدَمُ اُسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} [البقرة:35] إذ قال: «و (أنت) للتّأكيد، كقوله: {اِذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ} [طه:42]، وقوله: {فَإِذَا اِسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ} [المؤمنون:28]»، ثمّ ذكر أنّ ذلك موافق لرأي البصريّين وفصّل فيه، ولم يذكر غيره فقال: «وإنّما اقتضى هذا التّوكيد عطف الظّاهر المرفوع على الضّمير المرفوع في الفعل، إذ ليس يجوز ذلك عند البصريّين إلا بالتّأكيد بضمير مرفوع منفصل، أو بنوع فاصل كقوله: {لَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا} [الأنعام:148]، ولم يقل: وآباؤنا» (¬2). وممّا وافق فيه البصريّين خلافا لمذهب الكوفيّين، ذهابه إلى أنّ الواو لا تفيد التّرتيب، وكرّر ذلك في أكثر من موضع. ففي قوله تعالى: {يا مَرْيَمُ اُقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاُسْجُدِي وَاِرْكَعِي} [آل عمران:43] قال: «وتقديم السّجود لا يوجب تقديمه على الرّكوع؛ لأنّ الواو للجمع والاشتراك دون التّرتيب؛ لأنّ الواو في الاسمين المختلفين كالنّسبة في المتّفقين، وإنّما بدئ بالصّفا (¬3) لقوله: (ابدؤوا بما بدأ الله به)» (¬4). وكرّر ذلك مرّتين عند حديثه عن قوله تعالى: {وَأَوْحَيْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَعِيسى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهارُونَ وَسُلَيْمانَ} [النّساء:163] فقال: «وقدّم عيسى على أيّوب ويونس تشريفا له لكونه من جملة أولي العزم، والواو لا توجب التّرتيب» (¬5)، ثمّ قال عن يونس عليه السّلام أيضا: «وإنّما قدّمه على هارون وداود وسليمان؛ لأنّ الواو لا توجب التّرتيب» (¬6). ولكنّ هذه الموافقة للبصريّين لم تكن انتصارا لمذهب نحويّ، بل جاءت انتصارا لمذهبه الفقهيّ، وموافقة لما ذهب إليه جمهور أصحابه من الحنفيّة الذين يرون أنّ الواو لا توجب التّرتيب، وهذا ما نقل الزركشيّ «أنّه قول الحنفيّة ¬
بأسرهم» (¬1). أمّا المصطلحات فأكثرها بصريّة، وهذا غير مستغرب لدى علماء القرن الخامس وما بعده، ولكنّه استعمل أيضا كثيرا من مصطلحات الكوفيّين، كالكناية (¬2)، والعماد (¬3)، والصّرف (¬4)، والقطع (¬5)، والتّفسير (¬6)، والنّعت (¬7)، والنّسق (¬8)، والجحد (¬9). وربّما استعمل المصطلحين للتّعبير عن الشّيء الواحد في مواضع مختلفة، كاستعمال الضّمير مكان الكناية (¬10)، والصّفة مكان النّعت (¬11)، والعطف مكان النّسق (¬12). ¬
الفصل الثالث الظواهر اللغوية والصرفية في الكتاب
الفصل الثالث الظواهر اللغوية والصرفية في الكتاب المبحث الأول: من الظواهر اللغوية: 1 - الاشتقاق 2 - الترادف 3 - المشترك اللفظي 4 - المعرب 5 - لغات العرب المبحث الثاني: من الظواهر الصرفية: 1 - الإبدال 2 - الإعلال 3 - تعاقب الصيغ 4 - جموع التكسير
المبحث الأول من الظواهر اللغوية
المبحث الأول من الظواهر اللغوية 1 - الاشتقاق هو «نزع لفظ من آخر بشرط تناسبهما معنى وتركيبا، وتغايرهما في الصيغة بحرف أو بحركة، وأن يزيد المشتقّ على المشتقّ منه بشيء» (¬1). أو هو «إنشاء فرع عن أصل يدلّ عليه» (¬2). وذكر السيوطي أنّه «أخذ صيغة من أخرى مع اتّفاقهما معنى ومادّة أصليّة، وهيئة تركيب لها، ليدلّ بالثّانية على معنى الأصل، بزيادة مفيدة لأجلها اختلفا حروفا أو هيئة» (¬3). والاشتقاق من الوسائل التي تنمو عن طريقها اللّغة، ويزداد ثراؤها بالمفردات، فتتمكّن من التّعبير عن الأفكار الجديدة، ووسائل الحياة المستحدثة (¬4). وقد تحدّث العلماء عن أكثر من نوع للاشتقاق، والذي يعنينا هنا هو ما يسمّى بالاشتقاق الأصغر أو العام أو الصّرفي، وسمّاه ابن جنّي الاشتقاق الصّغير وذكر أنّ المراد به «أن تأخذ أصلا من الأصول فتتقرّاه، فتجمع بين معانيه، وإن اختلفت صيغه ومبانيه» (¬5). وهو «الذي نستفيد منه في تنمية الألفاظ واستكمال المادّة اللّغويّة» (¬6). وفي (درج الدرر) أمثلة كثيرة عن مشتقّات الألفاظ ذكرها المؤلّف، منها: في كلامه على البسملة في سورة الفاتحة نقل عن بعضهم أنّ اسم الجلالة (الله) غير مشتقّ، ثمّ نقل رأيين في اشتقاقه فقال: «وقيل: مشتق من وله يوله، وقيل: من لاه يلوه». وتحدّث بعده عن اشتقاق لفظي (الرحمن الرحيم)، فذكر أنّهما «اسمان مشتقّان من الرّحمة» (¬7). وفي قوله تعالى: {حَتّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} [البقرة:120] ذكر معنى (الملّة)، ثمّ بيّن اشتقاقها فقال: «والملّة: معظم الدّين والشريعة، عن ابن الأعرابيّ، قال أبو العبّاس: يعني بالمعظم: الجملة. وكأنّها مستعارة من الملّة التي هي الدّية والأرش؛ لأنّها مسنونة مشروعة مثلها. قيل: اشتقاقها ¬
2 - الترادف
من الملّة وهي الرّمل المحمّى، وقيل: من قولك: تملّيت الثّوب، إذا لبستها ملاوة من الدّهر» (¬1). وفي قوله تعالى: {شَهْرُ رَمَضانَ} [البقرة:185] بيّن معنى (الشّهر)، ثم تحدّث عن جمعه واشتقاقه، فقال: «وجمعه: أشهر وشهور. مشتقّ من الشّهرة» (¬2). ثمّ بيّن معنى (السّفر) واشتقاقه عند كلامه على قوله تعالى في الآية نفسها: {وَمَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ،} فقال: «واسم (السّفر) في اللّغة يشمل أيّ خروج من الوطن ولو مدّة ساعة، إذ اشتقاقه من سفارة السّفير، أو الإسفار وهو الظّهور» (¬3). وفي قوله تعالى: {هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ} [المائدة:112] بيّن معنى (المائدة) واشتقاقها، فقال: «و (المائدة): الخوان حالة كون الطّعام عليه، مشتقّ من الميد، وهو العطاء والنّفع والعون، تقول: مادني ويميدني» (¬4). 2 - الترادف وهو ما اختلف لفظه واتّفق معناه. وحدّه الشريف الجرجاني بقوله: «والمترادف ما كان معناه واحدا وأسماؤه كثيرة» (¬5). فهو «دلالة عدّة كلمات مختلفة ومنفردة على المسمّى الواحد أو المعنى الواحد دلالة واحدة» (¬6). وقد وردت في الكتاب أمثلة كثيرة على التّرادف بالمعنى الذي أشرنا إليه، وذلك من خلال تفسير المؤلّف الألفاظ بما يرادفها، ولكنّه لم يستعمل مصطلح الترادف في ما ذكره. ومن ذلك: في قوله تعالى: {وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ} [البقرة:60] ذكر خمسة أمثلة على التّرادف فقال: «وعثي يعثى وعاث يعيث: أفسد. وجمع اللفظين في معنى واحد نهاية في البلاغة، كقوله: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ،} الآية [الحج:30]، وقوله: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ} [عبس:38]، وقوله: {أَمْ يَحْسَبُونَ أَنّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ} [الزخرف:80]، وقال ذو الرّمّة: لمياء في شفتيها حوّة لعس … وفي اللّثات وفي أنيابها شنب» (¬7). ¬
3 - المشترك اللفظي
ف (عاث) و (أفسد) بمعنى واحد، وكذلك: الرّجس والوثن، والوجه والإسفار، والسّرّ والنّجوى، والحوّة واللّعس. وفي قوله تعالى: {إِنّا أَرْسَلْناكَ} [البقرة:119] قال: «أنفذناك، وقد يكون الإرسال إطلاقا في غير هذا الموضع» (¬1). فالإرسال والإنفاذ والإطلاق مترادفات. وفي أثناء كلامه على قوله تعالى: {لا يَنالُ عَهْدِي الظّالِمِينَ} [البقرة:124] ذكر مثالين على الترادف، فقال: «(النّيل) هو الإدراك والإصابة. و (العهد): الوصيّة والأمانة لقوله: {وَعَهِدْنا إِلى إِبْراهِيمَ»} (¬2). فالنّيل والإدراك والإصابة بمعنى واحد، والعهد والوصيّة والأمانة بمعنى واحد أيضا. وفي بيانه معنى {(عَتَوْا)} في قوله تعالى: {فَعَقَرُوا النّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ} [الأعراف:77] قال: {وَعَتَوْا:} تمرّدوا وطغوا» (¬3). فالعتوّ والتّمرّد والطّغيان مترادفات. وفي تفسيره معنى (لفت) في قوله تعالى: {قالُوا أَجِئْتَنا لِتَلْفِتَنا} [يونس:78] قال: {لِتَلْفِتَنا:} لتصرفنا» (¬4). أي أنّ (لفت) و (صرف) بمعنى واحد. 3 - المشترك اللفظي وهو اتّفاق اللّفظ واختلاف المعنى. وحدّه الأصوليّون بأنّه «اللّفظ الواحد الدّالّ على معنيين مختلفين فأكثر دلالة على السّواء عند أهل تلك اللّغة» (¬5). وفي (درج الدرر) أمثلة كثيرة على المشترك اللّفظي، ولكنّ المؤلّف لا يستعمل هذا المصطلح أيضا، وإنّما يكتفي بذكر اللّفظ الذي يتحدّث عنه ويورد معانيه المختلفة. ومن ذلك: في قوله تعالى: {فَأَنْزَلْنا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزاً} [البقرة:59] قال: «و (الرّجز): العذاب، وقيل: الطاعون» (¬6). وهذا يعني أنّ (الرّجز) من المشترك اللّفظي فيأتي بمعنى العذاب والطّاعون. وفي قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ} [البقرة:63] ذكر عدّة معان ل (أخذ) واستدلّ لكلّ معنى منها بشاهد من القرآن الكريم فقال: «وأخذه: عقده وإحكامه، قال في المنافقين: {قَدْ} ¬
4 - المعرب
{أَخَذْنا أَمْرَنا مِنْ قَبْلُ} [التوبة:50]، وقد يكون بمعنى الأسر كقوله: {وَخُذُوهُمْ وَاُحْصُرُوهُمْ} [التوبة:5]، وبمعنى الغصب كقوله: {يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً} [الكهف:79]، وبمعنى القبول والتّمسّك كقوله: {خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ} [البقرة:63]» (¬1). ف (أخذ) يأتي بمعنى: عقد وأحكم وأسر وغصب وقبل وتمسّك. وفي كلامه على (الطّواف) في قوله تعالى: {أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطّائِفِينَ} [البقرة:125] قال: «الطّواف قريب من الدّوران»، ثمّ ذكر أنّ له ثلاثة معان فقال: «وههنا يحتمل ثلاثة معان: الطواف المعهود المشروع، والسّياحة وهي غير العكوف، والتّعهّد ومنه سمّي الخادم طائفا، قال الله تعالى: {طَوّافُونَ عَلَيْكُمْ} [النور:58]، والبعض قريب من بعض» (¬2). وهذا يعني أنّ (الطّواف) من المشترك اللّفظي. و (الإلّ) يأتي بمعان مختلفة أيضا هي: القرابة والعهد والذّمّة واسم الله وربوبيّته، وقد ذكرها المؤلّف في أثناء كلامه على قوله تعالى: {لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلاًّ وَلا ذِمَّةً} [التوبة:8] واستشهد لكلّ معنى بشاهد من كلام العرب، شعره أو نثره، فقال: «الإلّ: القرابة، قال حسّان: لعمرك إنّ إلّك من قريش … كإلّ السّقب من رأل النّعام والإلّ: العهد والذّمّة، قال: كأنّه لم يكن بيني وبينكم … إلّ ولا خلّة ترعى ولا ذمم والإلّ: اسم الله وربوبيّته، قال أبو بكر الصّدّيق: ويحكم إنّ هذا لم يخرج من إلّ» (¬3). 4 - المعرّب تتأثّر اللّغات بعضها ببعض، والعربيّة كغيرها أثّرت في اللغات المجاورة لها، وتأثّرت بها. وأهمّ ناحية يظهر فيها هذا التّأثير هي تبادل المفردات بين اللّغات. والألفاظ التي أخذتها العربيّة من غيرها هي ما يسمّى بالمعرّب (¬4). وقد اختلف علماؤنا الأوائل في وجود المعرّب في القرآن الكريم وعدمه، فأجازه قسم منهم، وأنكره آخرون حتى قال أبو عبيدة معمر بن المثنى: «من زعم أنّ في القرآن لسانا سوى العربيّة، فقد أعظم على الله القول» (¬5). ¬
5 - لغات العرب
وقد وردت في (درج الدرر) ألفاظ كثيرة ذكر المؤلّف أنّ أصلها من لغات أخرى، وهذا يعني أنّ المؤلّف لا ينكر وجود المعرّب في القرآن الكريم. ومن أمثلة ذلك: في قوله تعالى: {يا بَنِي إِسْرائِيلَ} [البقرة:40] ذكر أنّ (إسرائيل) من أصل غير عربي، فقال: «وسمّي إسرائيل؛ لأنّه كان أساسا للأسباط ومن بعدهم إلى عيسى عليه السّلام، و (إسرو) بالعبرانيّة هو الأساس، و (إيل) اسم الله»، ثمّ قال: «ثمّ لم يكن في لغة العرب ضمّة مشبعة معجمة منحوّا فيها نحو الألف، كما قالوا مكان (إشموئيل): إسماعيل» (¬1). وفي قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا} [البقرة:62] قال: «اليهود: جمع يهوديّ، مثل: عربيّ وعجميّ»، ثمّ قال: «وقيل: اسم عجميّ معرّب، فلمّا عرّب جعل كأنّه اشتقّ من هاد يهود» (¬2). وفي قوله تعالى: {وَأَنْزَلَ التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ} [آل عمران:3] ذكر أكثر من قول عن أصل (التّوراة)، منها أنّها من أصل عبري، فقال: «وقيل: إنّه باللغة العبريّة: توروه، وهو الأدب والمتأدّب» (¬3). وحين نقل الأقوال المختلفة في معنى (الجبت) في قوله تعالى: {يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطّاغُوتِ} [النّساء:51] ذكر منها أنّه «السّحر بلغة الحبشة، يعني: مشتركة بينهم وبين بعض العرب» (¬4). وفي كلامه على المراد ب (عدن) في قوله تعالى: {وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنّاتِ عَدْنٍ} [التّوبة:72] قال: «وسأل ابن عبّاس كعبا عن العدن فقال: هي الكروم والأعناب بالعبرانيّة» (¬5). 5 - لغات العرب والمراد بلغات العرب اختلاف لهجات القبائل العربية. واللهجات في اصطلاح المحدثين «مجموعة من الصفات اللغوية تنتمي إلى بيئة خاصة، ويشترك في هذه الصفات جميع أفراد هذه البيئة» (¬6). وفي (درج الدرر) أمثلة متفرّقة استشهد فيها المؤلف بلغات العرب، منها: في قوله تعالى: {فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ} [البقرة:23] ذكر رأيين في الأصل الذي ¬
أخذت منه (السّورة) أحدهما أنّها «من السّؤر في الإناء، وهو القطعة الباقية منه، وهو بالهمز إلا أنّ لغة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ترك الهمز» (¬1). وهو يريد أنّ ترك الهمز لغة الحجاز. وفي قوله تعالى: {أَنْ يَأْتِيَكُمُ التّابُوتُ} [البقرة:248] بيّن معنى (التّابوت) ووزنه الصرفي، وذكر لغتين في جمعه، فقال: «هو الصندوق، على وزن (فاعول) مثل: كانون، وجمعه: توابيت بلغة قريش، وبلغة الأنصار: التّابوه والتّوابيه» (¬2). وفي قوله تعالى: {حَتّى إِذا أَقَلَّتْ سَحاباً ثِقالاً سُقْناهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ} [الأعراف:57] ذكر أنّ وصف السحاب بالجمع لغة تميم، وعود هاء {(سُقْناهُ)} إليه بالإفراد لغة قريش فقال: «وإنّما وصف السّحاب الثّقال على اعتبار الجمع، وهو لغة تميم، ومثله قوله: {أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ} [الحاقّة:7]»، ثمّ تحدّث عن الهاء في (سقناه) فقال: «الهاء عائدة إلى السّحاب. وهو لغة قريش، يذكرون بلفظ الوحدان كلّ جمع لا فرق بينه وبين واحدته إلاّ بالهاء» (¬3). وفي أثناء كلامه على معاني (الطّوفان) في قوله تعالى: {فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الطُّوفانَ} [الأعراف:133] نقل عن وهب قوله: «هو الطّاعون، بلغة أهل اليمن» (¬4). وفي قوله تعالى: {جاءَتْها رِيحٌ عاصِفٌ} [يونس:22] ذكر أنّ اختصاص العصوف بالرّيح يغني عن علامة التّأنيث، ثمّ نقل في (عاصف) أكثر من لغة، فقال: «قال الفرّاء: تقول: ريح عاصف وعاصفة على لغتين، وأعصفت أيضا» (¬5). ¬
المبحث الثاني من الظواهر الصرفية
المبحث الثاني من الظواهر الصرفية 1 - الإبدال: هو إقامة حرف مكان حرف مع الإبقاء على سائر أحرف الكلمة (¬1). وذهب بعضهم إلى أنّ من سنن العرب إبدال الحروف وإقامة بعضها مقام بعض وأنّه «كثير مشهور قد ألّف فيه العلماء» (¬2). والإبدال «قد يكون لغة من اللغات، وقد يكون إبدالا قياسيّا في عامّة لغات العرب» (¬3). وحروف الإبدال «اثنا عشر حرفا يجمعها قولك: طال يوم أنجدته» (¬4). ومن أمثلة الإبدال التي ذكرها المؤلّف في كتابه ما جاء في أثناء كلامه على قوله تعالى: {وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادّارَأْتُمْ فِيها} [البقرة:72] إذ قال: {فَادّارَأْتُمْ:} تدافعتم. صيّرت التاء دالا وأدغمت في الدال، فصارت المدغمة ساكنة، فابتدئ بها بهمزة الوصل، نظيره: {اِثّاقَلْتُمْ} [التوبة:38] و {تَسائَلُونَ} (¬5) [النّساء:1]» (¬6). وفي قوله تعالى: {قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ} [البقرة:111] ذكر أنّ «(هات): أداة للسّؤال كما أنّ هاء وهاك أداة للإعطاء»، ثمّ بيّن أنّ أصل هذه الأداة فعل، وأنّ هاءها مبدلة من همزة، فقال: «والأصل فيه فعل، أي: آت، فقلبت الهمزة هاء كما في هراق، ثمّ جعل من حيّز الحروف فمنع الصّرف إلا على جهة الأمر» (¬7). وبعد أن بيّن معنى (الاصطفاء) في قوله تعالى: {وَلَقَدِ اِصْطَفَيْناهُ} [البقرة:130]، قال: «وهو على وزن الافتعال، وإنّما جعلت التّاء فيه طاء لموافقتها الصّاد في الإطباق» (¬8). فبيّن سبب الإبدال وهو موافقة الطّاء الصّاد. وفي قوله تعالى: {قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما أَلْفَيْنا عَلَيْهِ آباءَنا} [البقرة:170] قال: ¬
2 - الإعلال
«و (الآباء): جمع أب، والهمزة التي هي فاء الفعل مبدلة لاجتماع الهمزتين» (¬1). أي أنّ أصله (أأباء) على وزن (أفعال) فأبدلت الهمزة الثّانية، وهي فاء الكلمة، ألفا للتّسهيل. وربّما أورد المثال من غير تفصيل، كما فعل في أثناء كلامه على قوله تعالى: {فَدَلاّهُما بِغُرُورٍ} [الأعراف:22] فذكر معاني (دلاهما)، ومنها: «وقيل: جرّأهما، من الدّلّ والدّالّة، فصيّرت إحدى اللامات ياء» (¬2)، أي أنّ أصله دلّلهما، فأبدلت لامه ياء لاجتماع ثلاث لامات، كتظنّيت في تظنّنت فصار: دلّيهما، ثمّ قلبت الياء ألفا لتحرّكها وانفتاح ما قبلها (¬3). وكذلك فعل في قوله تعالى: {فِي سِتَّةِ أَيّامٍ} [الأعراف:54] إذ قال عن (ستّة): «أصله: سدسة» (¬4)، وواضح أنّه يعني أنّ التّاء مبدلة من الدّال والسين، وهو ما ذكره صاحب الكتاب (¬5). 2 - الإعلال: وهو «تغيير حرف العلّة للتّخفيف، ويجمعه القلب والحذف والإسكان، وحروفه الألف والواو والياء» (¬6). ومن الأمثلة التي وردت على الإعلال في (درج الدرر) ما جاء في الكلام على قوله تعالى: {إِيّاكَ نَعْبُدُ وَإِيّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5]، فبعد أن بيّن معنى الاستعانة تكلّم على إ؟؟؟ بالنّقل في (نستعين)، فقال: «وهو في الأصل: نستعون، فنقلت كسرة الواو إلى الساكن قبلها فانكسر ما قبل الواو فانقلبت ياء، نحو: ميعاد وميزان» (¬7). وفي قوله تعالى: {مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ} [البقرة:49] بيّن أصل (الآل) وما حدث فيه من إعلال فقال: «وأصل (الآل): الأهل، فقلبت الهاء همزة كما في (هيّاك) و (هراق)، ثمّ أبدل من الهمزة الساكنة ألفا ك (آخر) و (آدم)» (¬8). وفي الآية نفسها في قوله تعالى: {يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ} تحدّث عن قلب الواو همزة في (أبناء) بعد أن بيّن أصل (الابن) فقال: «وأصل (الابن): بنو، نحو: سمو، وقيل: بني، نحو: يدي، وقيل: بنو استدلالا بقولهم: بنون وبنين. وإنّما انقلب الواو والياء همزة لوقوعهما طرفا وقبلهما ألف كالدّعاء والعطاء؛ لأنّ تقدّم الألف عليه كتقدّم الحرف ¬
3 - تعاقب الصيغ
المفتوح فصار في التقدير ألفا فلمّا حرّكت انقلبت همزة» (¬1). وبعد أن بيّن أصل (التّوراة) عند الكوفيّين في قوله تعالى: {وَأَنْزَلَ التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ} [آل عمران:3] ذكر ما حدث فيها من إعلال، فقال: «أصل التّوراة عند الكوفيّين: تورية بوزن توصية، فلمّا أخرجوا اللّفظ من حيّز الأفعال إلى الأسماء نقلوا حركة عين الفعل إلى الفتحة فانقلبت الياء ألفا لتحرّكها وانفتاح ما قبلها» (¬2). وفي حديثه عن {(السَّماواتِ)} في قوله تعالى: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ} [الأعراف:54] قال: «إنّما لم يجمع سماءات؛ لأنّ الهمزة في وحدانها غير أصليّة، وهي واو انقلبت همزة لوقوعها طرفا بعد ألف زائدة» (¬3). وكان قد ذكر في موضع آخر قبل هذا أنّ (السّموات) جمع (سماوة)، وأنّ (سماء وسماوة) بمعنى، وذلك عند حديثه عن قوله تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ} [البقرة:164] إذ قال عن (السّموات): «جمع سماوة، مثل: حمامات وحمامة. والسّماوة والسّماء بمعنى» (¬4). وفي قوله تعالى: {عَلى شَفا جُرُفٍ هارٍ} [التوبة:109] تحدّث عن نوعين من الإعلال في (هار) أحدهما بالقلب والآخر بالحذف فقال: «(هار): هائر، قدّمت لام الفعل وأخّرت عينه على سبيل القلب، كقولك: هو شاكي السّلاح وشائك. وقد تحذف الهمزة من (هائر) حذفا حقيقيّا من غير قلب، في حديث خزيمة وذكر السّنة قال: تركت المخّ رارا والمطيّ هارا» (¬5). 3 - تعاقب الصيغ: ذكر المؤلّف عددا من الصّيغ الصّرفيّة التي تتعاقب فيما بينها، وتتّفق في المعنى، ففي كلامه على الاستعاذة في بداية الكتاب تحدّث عن مجيء (فعيل) بمعنى (مفعول)، فقال: «الرّحيم: بمعنى المرجوم، كالقتيل بمعنى المقتول، سمّي بذلك لأنّه يرجم بالشّهب، أو لأنّه يلعن ويشتم» (¬6). وذكر تعاقب (فعيل) و (مفعل) عند حديثه عن (بديع) في قوله تعالى: {بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ} [البقرة:117]، واستدلّ له ببيت من الشّعر أيضا، فقال: «فعيل بمعنى المفعل كالسّميع والأليم، قال: ¬
4 - جموع التكسير للقلة والكثرة
أمن ريحانة الدّاعي السّميع … يؤرّقني وأصحابي هجوع» (¬1). وفي قوله تعالى: {وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ} [البقرة:265] ذكر أنّ (التّفعيل) قد يأتي بمعنى (التّفعّل) فقال: {وَتَثْبِيتاً:} تثبّتا، والتّفعيل يجوز مكان التّفعّل عند زوال الاشتباه، قال الله تعالى: {وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً} [المزّمّل:8]» (¬2). وفي حديثه عن قوله تعالى: {فَتَقَبَّلَها رَبُّها بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَها نَباتاً حَسَناً} [آل عمران:37] بيّن بوضوح تعاقب الصّيغ الصرفية، ولم يكتف بما جاء منها في الآية بل استدلّ بغيرها أيضا فذكر أنّه قال: {بِقَبُولٍ:} ولم يقل: بتقبّل؛ لأنّهما بمعنى، وكذلك لم يقل: إنباتا؛ لأنّ في النّبات معنى الإنبات، كقوله: {أَوَكُلَّما عاهَدُوا عَهْداً} [البقرة:100]، ولم يقل: معاهدة، وقوله: {مَتاعاً} [البقرة:236] في آية المتعة، ولم يقل: تمتّعا، وقوله: {إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ} [البقرة:282]، ولم يقل: بتداين» (¬3). وفي قوله تعالى: {رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلاً} [آل عمران:191] قال: «وقيل: الباطل ههنا بمعنى المبطل، أي: ما كنت مبطلا في فعلك» (¬4). 4 - جموع التكسير للقلة والكثرة: دراسة جموع التّكسير مهمّة صرفيّا؛ لأنّها توصل إلى معرفة أصول الأسماء مثلها مثل التّصغير يردّ الأشياء إلى أصولها (¬5)، لذلك قال صاحب الكتاب (¬6): «فالتّصغير والجمع من واد واحد». وجموع التّكسير نوعان: أحدهما: جموع القلّة، والآخر: جموع الكثرة. وجمع القلّة يدلّ حقيقة على ثلاثة فما فوقها إلى العشرة، وجمع الكثرة يدلّ على ما فوق العشرة إلى غير نهاية. وأبنية جموع القلّة أربعة يجمعها قول ابن مالك (¬7): «أفعلة أفعل ثمّ فعله … ثمّت أفعال جموع قلّه» وأبنية جموع الكثرة ثلاثة وعشرون بناء. ¬
وقد وردت أبنية جموع التّكسير في مواضع كثيرة من الكتاب، منها: في أثناء كلامه على (اليتامى) في قوله تعالى: {وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى} [البقرة:83] قال: {وَالْيَتامى:} جمع يتيم ك (ندامى) جمع نديم، وقيل: إنّه مقلوب ك (الخطايا). وقد يجمع اليتيم أيتاما كاليمين والأيمان، والشّريف والأشراف» (¬1). فالأول على غير قياس، والثاني على القول إنّ الخطايا جمع خطيئة على (فعائل)، وهو قول البصريين بخلاف الكوفيين الذين يرون أنّه على (فعالى) (¬2)، أي أنّ اليتيم جمع على (يتايم)، ثمّ حدث فيه قلب فصار (يتامي)، ثمّ قلبت الكسرة فتحة للخفّة فصار (يتامي)، وقلبت الياء ألفا لتحرّكها وانفتاح ما قبلها فصار (يتامى). وواضح أنّ نقله القول الثّاني بصيغة: «قيل» يوحي بتضعيفه. والقولان في جمع يتيم جمع كثرة، سواء على وزن (فعالى) أو (فعائل). أما القول الأخير فهو في القلّة، أي: جمع يتيم على وزن (أفعال). وفي قوله تعالى: {وَلا تُسْئَلُ عَنْ أَصْحابِ الْجَحِيمِ} [البقرة:119] قال: «أصحاب جمع صحاب، وصحاب جمع صحب، مثل ركاب وركب، ثمّ صحب جمع صاحب، ويحتمل أنّ الأصحاب جمع قلّة» (¬3). وفي قوله تعالى: {وَأَرِنا مَناسِكَنا} [البقرة:128] قال: {مَناسِكَنا:} إمّا هي جمع (منسك) بالفتح، وهو المصدر، أو جمع (منسك) بالكسر، وهو موضع النّسك» (¬4). وفي قوله تعالى: {وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ} [البقرة:154] قال: {أَمُوتُ:} جمع مائت، كأصحاب جمع صاحب. وقيل: جمع مويت، كأشراف وشريف. و {أَحْياءٌ:} جمع حيّ، وحيّ على وزن (فعيل) في الأصل» (¬5). وفي قوله تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالاً أَوْ رُكْباناً} [البقرة:239] قال عن (رجالا): «جمع راجل، كتاجر وتجار وصاحب وصحاب»، ثمّ قال: {أَوْ رُكْباناً:} جمع راكب، كفارس وفرسان» (¬6). ¬
الفصل الرابع نسخ الكتاب المخطوطة ومنهج التحقيق
الفصل الرابع نسخ الكتاب المخطوطة ومنهج التحقيق المبحث الأول: نسخ الكتاب المخطوطة المبحث الثاني: منهج التحقيق المبحث الثالث: مصطلحات التحقيق
المبحث الأول نسخ الكتاب المخطوطة
المبحث الأول نسخ الكتاب المخطوطة اعتمدت في تحقيق كتاب (درج الدّرر في تفسير القرآن العظيم) على أربع نسخ مخطوطة منه، وكلّها نسخ كاملة للكتاب باستثناء واحدة فيها نقص يسير، وهذه النسخ هي كلّ ما دكر من نسخ الكتاب في مكتبات المخطوطات، وفي ما يأتي وصف كلّ واحدة من هذه النسخ المخطوطة: النسخة الأولى: وهي نسخة مكتبة كوبريلي الأولى بإستانبول في تركيا ، وهي برقم (95)، ومنها صورة محفوظة بالمايكروفلم في مكتبة الجامعة الأردنية بعمّان برقم (1169)، وتقع في (328) ثلاث مئة وثمان وعشرين ورقة، ويقع الجزء الذي حقّقته من الكتاب في (158) مئة وثمان وخمسين ورقة، وكل ورقة في صفحتين، وفي كل صفحة (23) ثلاثة وعشرون سطرا، وفي كل سطر نحو (15) خمس عشرة كلمة. وهي نسخة كاملة، باستثناء نقص يسير في نهاية سورة آل عمران وبداية سورة النساء، بحدود خمسين آية من السّورتين، وخطّها واضح جدّا، ومشكول، وفي بعض هوامشها تعليقات. وهي نسخة مقابلة ومصحّحة بدليل ما فيها من عبارات نحو: بلغ، وصح. وإذا استثنينا النّقص اليسير المشار إليه آنفا فهذه النّسخة أقلّ النّسخ سقطا، بمعنى أنّها أتّمها عبارة، وهذا ما جعلني أتّخذها أصلا قابلت عليه باقي النّسخ. ولم يذكر تاريخ نسخها، ولا اسم ناسخها، وفي المعلومات المدوّنة عنها في مكتبة الجامعة الأردنية نقلا عن فهرس مخطوطات كوبريلي أنّ هذه النّسخة كتبت في القرن الثامن الهجري، وعلى هذا فهي أقدم النّسخ. وعلى كثير من صفحات هذه النّسخة ختم كتب عليه «إنّما لكل امرئ ما نوى»، وآخر كتب عليه «هذا ما وقف الوزير أبو العباس أحمد بن الوزير أبي عبد الله محمد عرف بكوبريلي أقال الله عثارهما». وعلى هذه النسخة أيضا اسم مالكها الذي كتب على النحو الآتي: «محمد بن محمد بري عامله الله بلطفه وجوده ومنه»، وهو شخص مجهول لم أقف على ترجمة له.
النسخة الثانية: وهي نسخة مكتبة كوبريلي الثانية بإستانبول بتركيا
النسخة الثانية: وهي نسخة مكتبة كوبريلي الثانية بإستانبول بتركيا ، وهي برقم (94)، ومنها صورة محفوظة بالمايكروفلم أيضا في مكتبة الجامعة الأردنية برقم (1168)، وتقع في (285) مئتين وخمس وثمانين ورقة، والجزء الذي حقّقته في (149) مئة وتسع وأربعين ورقة، وكل ورقة في صفحتين، وفي كل صفحة (29) تسعة وعشرون سطرا، وفي السطر الواحد نحو (13) ثلاث عشرة كلمة. وهي نسخة كاملة، كتبت بخطّ واضح ومقروء. ولم يذكر تاريخ نسخها ولا اسم ناسخها، ونقل عن فهرس مخطوطات كوبريلي أنّها كتبت في أواخر القرن التاسع الهجري. وعلى كثير من صفحات هذه النسخة الخاتمان اللذان على النسخة الأولى. ورمزت إليها ب (ك). النسخة الثالثة: وهي نسخة مكتبة نور عثمانية بتركيا ، ورقمها (306)، ومنها نسخة محفوظة بالمايكروفلم في مكتبة الجامعة الأردنية برقم (1173)، وهي تقع في (210) مئتين وعشر أوراق، والجزء الذي حقّقته في (113) مئة وثلاث عشرة ورقة، وكل ورقة في صفحتين، وفي كل صفحة نحو (35) خمسة وثلاثين سطرا، وفي السّطر الواحد نحو (16) ستّ عشرة كلمة. وهي نسخة كاملة، خطّها مقروء وواضح. ولم يذكر اسم ناسخها، أمّا تاريخ نسخها فذكر في الورقة الأخيرة منها أنه تمّ في يوم الأربعاء في التاسع عشر من رجب سنة 967 سبع وستين وتسع مئة للهجرة. وعلى صفحة العنوان من هذه النسخة ختم كتب فيه: «الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله». وفيها وقف جاء فيه: «وقف السلطان السعيد الأعظم، وتخليد الخاقان الأكرم الأفخم، مقر العدل والإحسان، وموضح أحمال الأمور بالرشد والعرفان، السلطان بن السلطان، السلطان أبو المحاسن والمكارم عثمان خان ابن السلطان مصطفى خان، ثبت الله أساس دولته الطاهرة، وخلد خلافته الباهرة، وأنا الداعي لدولته الحاج إبراهيم حنيف المعين الحرمين المحرمين، غفر له». وفي أسفل الصفحة ختم باسم «إبراهيم حنيف» المذكور في نهاية الوقف، ولعلّه يكون الناسخ. ورمزت إلى هذه النسخة ب (ع). النسخة الرابعة: وهي نسخة مكتبة دير الأسكوريال بإسبانيا ، ورقمها (1400)، وتقع في (432) أربع مئة واثنتين وثلاثين ورقة، ويقع الجزء الذي حقّقته في (212) مئتين واثنتي عشرة ورقة، وكل ورقة
في صفحتين، وفي كل صفحة (29) تسعة وعشرون سطرا، وفي كل سطر نحو (10) عشر كلمات. وهي نسخة كاملة كتبت بخط واضح ومقروء، ولكنها تمتاز بكثرة السّقط في عباراتها. ولم يذكر تاريخ نسخها ولا اسم ناسخها. ورمزت إليها ب (ب).
المبحث الثاني منهج التحقيق
المبحث الثاني منهج التحقيق 1 - بعد أن حصلت على نسخ الكتاب المخطوطة شرعت في كتابة النسخة التي اتّخذتها أصلا، وهي نسخة مكتبة كوبريلي الأولى، على وفق قواعد الإملاء الحديثة، وقابلت النسخ الأخرى بها مثبتا في المتن ما رأيته صوابا مع التّنبيه على الفروق بين النّسخ في حواشي التحقيق. 2 - وضعت ما زدته من النّسخ الأخرى بين معقوفتين، ولم أشر إلى ذلك في حواشي التحقيق إن كانت الزّيادة موجودة في سائر النّسخ غير الأصل، وبخلافه أشير إليها. 3 - إذا اختلفت النسخ في ألفاظ نحو: (تعالى، وسبحانه، وعزّ وجلّ) بعد اسم الجلالة، أثبّت ما في الأصل، وتركت غيره، وإذا وجدت هذه الألفاظ في نسخ دون أخرى أثبّت ما هو مناسب منها، ولم أشر إلى ذلك في حواشي التحقيق؛ لأنّ مثل هذه الاختلافات من عمل النّساخ وليس هناك فائدة بإثقال الحواشي بها. 4 - اختلفت النسخ أحيانا في صيغة الصّلاة على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ولأنّ هذه الاختلافات من عمل النّساخ أيضا فقد اخترت من هذه الصّيغ أكملها وهي صيغة صلّى الله عليه وسلّم وتركت غيرها ولم أشر إلى ذلك في الحواشي. 5 - اقتضى السّياق في مواضع قليلة جدّا زيادة كلمة أو أكثر لإقامة العبارة، فوضعتها بين معقوفتين، وأشرت إلى ذلك في الحواشي. 6 - وضعت الآيات المفسّرة والآيات المستشهد بها ضمن أقواس مزهّرة، وراعيت في كتابتها رسم المصحف عند ورودها أول مرة فقط، فإذا تكرّرت وضعتها بين قوسين بالرّسم الإملائيّ. 7 - ضبطت الآيات المفسّرة وفاقا لقراءة حفص، وإذا كانت الآية برسم مخالف في نسخ التّحقيق، كلّها أو بعضها، أشرت إلى ذلك في الحواشي. 8 - ضبطت الآيات القرآنية المستشهد بها وفاقا لقراءة حفص أيضا، وأشرت إلى ما يخالفها في حواشي التّحقيق، وخرّجتها مشيرا إلى السّورة ورقم الآية بين معقوفتين في داخل النص. 9 - وثّقت القراءات القرآنية بالرّجوع إلى المصادر المعتمد عليها في هذا الباب. 10 - خرّجت الأحاديث النّبويّة الشّريفة من كتب الحديث.
11 - وثّقت أقوال المفسرين والنحويين واللغويين من مصادرها الأصلية، أو من المصادر التي ذكرت فيها، مبتدئا بمصنّفات المؤلفين أنفسهم ما أمكن. 12 - ضبطت الشّواهد الشّعريّة، وخرّجتها من مصادرها من كتب اللّغة والأدب، مبتدئا بدواوين الشّعراء، ثمّ المجموعات الشّعريّة، وكتب النحو واللغة والأدب والتفسير، وعزوت ما لم يعزه المؤلف منها ما أمكن، وصحّحت الخطأ في النّسبة إن وجد، ونبّهت على الصواب في حواشي التحقيق. وإن كان ما ورد في النّصّ جزءا من الشاهد أكملته في حواشي التّحقيق. 13 - ضبطت من النّصّ ما يمكن أن يشكل على الفهم. 14 - ترجمت للمغمورين من الأعلام الذين وردت أسماؤهم في النص من المفسّرين والمحدّثين واللّغويين والرّواة وغيرهم، أو من في ترجمته فائدة ما في إثبات نسبة الكتاب إلى المؤلف أو نفيها، أو من في اسمه إشكال، مراعيا الإيجاز في الترجمة، وأحلت على مصادر تراجمهم ملتزما عدم ذكر أكثر من ثلاثة مصادر. 15 - شرحت الألفاظ التي تحتاج إلى بيان، ويصعب على القرّاء معرفتها، وكذا المصطلحات التي وردت في النص. 16 - صححت الأخطاء النحوية القليلة التي وجدتها في نسخ التحقيق في المتن، وأشرت إلى الخطأ في الحواشي، وكذا ما يخصّ الآيات القرآنية، أما غير ذلك من الأخطاء، وهو قليل أيضا، فأثبتّه كما هو في المتن، وأشرت إلى الصواب في الحواشي. 17 - وضعت أرقام صفحات نسخة الأصل بين (قوسين) في داخل النص، ورمزت إلى وجه الورقة وظهرها بما هو مبيّن في مصطلحات التحقيق. 18 - حاولت التّيسير على القارئ للرّجوع إلى ما يبغي بوضع اسم كلّ سورة في أعلى كلّ صفحة من صفحاتها، ووضعت رقم كلّ آية مفسّرة على يمين الصفحة، ملتزما عدم تكرار الترقيم إلى أن تتغيّر الآية. 19 - وضعت أرقام صفحات المطبوع في أعلى الصّفحة، ليتّسق مع ما التزمته من وضع أرقام صفحات نسخة الأصل من المخطوطة في بداية كلّ صفحة. 20 - ألحقت بالنص صور بعض صفحات نسخ الكتاب المخطوطة للتّوثيق. 21 - اتّبعت في التحقيق المنهج الذي يؤكّد عدم إثقال الهوامش، فالتزمت عدم ذكر أكثر من ثلاثة مصادر في تخريج أيّ مسألة من مسائل النص المحقّق.
المبحث الثالث مصطلحات التحقيق
المبحث الثالث مصطلحات التحقيق الأصل-نسخة مكتبة كوبريلي الأولى، وفي موضع النقص منها يكون الأصل هو نسخة كوبريلي الثانية. ك-نسخة مكتبة كوبريلي الثانية. ع-نسخة مكتبة نور عثمانية. ب-نسخة الأسكوريال. و-وجه الورقة في الأصل. ظ-ظهر الورقة في الأصل. النسخ الثلاث-النسخ المخطوطة كافة سوى الأصل. النسختان-النسخ المخطوطة كافة سوى الأصل، وهذا المصطلح مستعمل في موضع النقص من النسخة الأولى فقط. () -ما بينهما الآيات القرآنية المفسّرة والمستشهد بها. () -ما بينهما الكلمات القرآنية المفسّرة، والأحاديث النبوية الشريفة، وأرقام صفحات المخطوطة. «» -لحصر ما نقل من أقوال في المتن والهوامش. []-لحصر الزيادة من النّسخ الأخرى للمخطوطة غير الأصل، أو الزيادة التي يقتضيها السياق، أو تخريج الآيات القرآنية في المتن، أو بحور الشّعر.
صفحة العنوان من نسخة كوبريلي الأولى (الأصل)
الورقة الثانية من نسخة كوبريلي الأولى (الأصل)
نهاية سورة يونس في الورقة 158 من نسخة كوبريلي الأولى (الأصل)
الورقة الأخيرة من نسخة كوبريلي الأولى (الأصل)
صفحة العنوان من نسخة كوبريلي الثانية (ك)
الورقة الثانية من نسخة كوبريلي الثانية (ك)
نهاية سورة يونس في الورقة 149 من نسخة كوبريلي الثانية (ك)
الورقة الأخيرة من نسخة كوبريلي الثانية (ك)
صفحة العنوان من نسخة نور عثمانية (ع)
الورقة الثانية من نسخة نور عثمانية (ع)
نهاية سورة يونس في الورقة 113 من نسخة نور عثمانية (ع)
الورقة الأخيرة من نسخة نور عثمانية (ع)
صفحة العنوان من نسخة الأسكوريال (ب)
الورقة الثانية من نسخة الأسكوريال (ب)
نهاية سورة يونس في الورقة 212 من نسخة الأسكوريال (ب)
الورقة الأخيرة من نسخة الأسكوريال (ب)
سورة الفاتحة
(1 ظ) بسم الله الرحمن الرحيم ربّ يسّر الحمد لله ربّ العالمين (¬1) والصلاة على رسوله محمد وآله أجمعين معنى قول القائل عند القراءة: أعوذ بالله، أي: ألوذ بالله، تقول: عذت، أي: لذت (¬2). والأحسن أن وزن الشّيطان: (فيعال) كالبيطار، وهو من الشّطن، وهو البعد (¬3). ويقال: هو الحبل الطّويل المضطرب، وكأنه (¬4) سمّي بذلك؛ لأنّه تباعد عن الخير وطال واضطرب (¬5). ويقال: (فعلان) من شاط السّمن، إذا نضج وكاد يحترق (¬6). الرّحيم: بمعنى المرجوم، كالقتيل بمعنى المقتول، سمّي بذلك لأنّه يرجم بالشّهب، أو لأنّه يلعن ويشتم (¬7). سورة الفاتحة (¬8) 1 - {بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ:} الباء مع الاسم آلة لفعل محذوف، وتقديره: أفتتح وأبتدئ بسم الله، وإنما حذف لدلالة الحال (¬9)، كما يقال في اليمين: بالله (¬10)، أي: أحلف بالله. ويراد بالاسم التّسمية، وهي (¬11) الذّكر، دون المسمّى وهو المذكور (¬12). الله: اسمه الذي لا يشركه في التّسمّي به غيره. وهو (¬13) غير مشتقّ عند محمّد بن ¬
الحسن (¬1)، وقيل (¬2): مشتق من وله يوله، وقيل (¬3): من لاه يلوه. ومعناه: الرّبّ المحمود المستحقّ لأعلى مراتب العبادة (¬4). الرحمن الرحيم: اسمان مشتقّان من الرّحمة (¬5). والرّحمة منك إرادتك (¬6) الخير بمن هو دونك في الرّتبة متّصلة بإنعامك عليه، وضدّه الفظاظة والجفاوة. وأحد الاسمين أرقّ (¬7) من الآخر، ولهذا كرّر الاسمين، وقيل: للتّأكيد (¬8). 2 - {الْحَمْدُ لِلّهِ:} قال ابن عرفة (¬9): الحمد: الرّضا تقول (¬10): حمدت الشّيء إذا رضيته، وأحمدته إذا وجدته مرضيا (¬11). وقيل (¬12): الحمد: الثّناء، ونقيضه: الذمّ دون الكفران. والحمد أعمّ من الشكر (¬13)؛ لأنك تحمد من أنعم عليك أو على غيرك، ولا تشكر إلا من أنعم عليك. ¬
والألف واللام للجنس (¬1). {رَبِّ الْعالَمِينَ:} الرّبّ: السيّد والمولى، قال يوسف عليه السّلام: {اُذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ} [يوسف:42]، وقال (¬2): {اِرْجِعْ إِلى رَبِّكَ} [يوسف:50]. وربما يراد به المالك، قال النبي صلّى الله عليه وسلّم (¬3): (أربّ إبل أنت أم ربّ غنم، فقال: من كلّ آتاني الله فأكثر وأطيب). ويدلّ على نوع تصرّف وتدبير وتعهّد، يقال للقائم بالعلم: ربّانيّا، ويقال: رببت الأديم والعودة (¬4). فالله سيّد عباده، ومالك جميع الأشياء، ومدبّرها ومقدّرها (¬5). العالمون: الإنس والجنّ عن ابن عبّاس رضي الله عنهما، لقوله: {لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً} [الفرقان:1]، وهو جمع الجمع، ولا واحد له من لفظه (¬6). وقيل (¬7): العالم ما حواه (¬8) الفلك، ثمّ كلّ جنس منه عالم على حدة عند التفصيل، وبيانه أنّ الجنّ عالم، والإنس عالم، والطير عالم، والمواشي عالم، ثمّ كلّ جماعة كثيرة من كلّ جنس عالم، وبيانه أنّ العرب عالم، والعجم عالم، (2 و) وأهل كلّ عصر عالم، وأنشد العجّاج (¬9): [من الرّجز] وخندف هامة هذا (¬10) العالم وإنّما جمع جمع العقلاء لتغليب العقلاء على غيرهم (¬11)، كقوله: {وَاللهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ} الآية [النور:45]، وهذه الآية تعليم (¬12) من الله عباده كيف يدعونه. و (قولوا) مقدّر في الابتداء (¬13)، لما أشرنا إليه. 4 - {مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ:} «قاضي يوم الجزاء» (¬14). وتخصيص ذلك اليوم لتعظيم ¬
شأنه (¬1)، كما يقال: ربّ الكعبة، وإله إبراهيم. 5 - {إِيّاكَ نَعْبُدُ وَإِيّاكَ نَسْتَعِينُ:} تقديره: نعبدك ونستعينك، فلمّا قدّم الضمير لكون (¬2) ذكره أهمّ من ذكر (¬3) العبادة قيل كذلك، مثاله قولهم: [إيّاه] (¬4) ضربت. وإنّما حسن العدول عن المغايبة إلى المخاطبة لدلالة الحال أنّ المعنى واحد، كقوله: {وَيَجْعَلُونَ لِما لا يَعْلَمُونَ نَصِيباً [مِمّا رَزَقْناهُمْ] (¬5)} تَاللهِ لَتُسْئَلُنَّ عَمّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ [النحل:56]. و (العبادة): الدّيانة، وهو التمسك بالطاعة في تذلّل وخضوع، منه قولهم: دانت له الرّقاب، ولا يعبد الله إلا من يطيعه (¬6). و (الاستعانة): طلب العون، وهو في الأصل: نستعون، فنقلت كسرة الواو إلى الساكن قبلها (¬7) فانكسر ما قبل الواو فانقلبت ياء، نحو: ميعاد وميزان (¬8). 6 - {اِهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ:} أي: أرشدنا الطريق الواضح الذي لا ينثني ولا يضطرب، ويؤدّيك إلى مقصدك (¬9). وهو شريعة نوح، وملّة إبراهيم، وعلومهما عليهما (¬10) السّلام. والمراد بهذا السؤال التثبّت والاستدامة (¬11) دون الاستئناف، كقولك للقائم (¬12): قم حتى أرجع. 7 - {صِراطَ:} «بدل عن الصراط الأول» (¬13). {الَّذِينَ:} اسم ناقص يحتاج إلى الصلة (¬14). والإنعام ههنا التوفيق والتثبيت والختم بالسعادة. {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ:} وهم اليهود لقوله تعالى في شأنهم: {فَباؤُ بِغَضَبٍ عَلى} ¬
{غَضَبٍ} [البقرة:90]. {وَلا الضّالِّينَ:} النصارى لقوله تعالى: {وَلا تَتَّبِعُوا أَهْواءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً وَضَلُّوا (¬1)} عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ [المائدة:77] (¬2). ويجوز أن يكون المراد بالآية جميع من لم ينعم عليهم بالهداية، لحصول الإجماع أنّ اليهود ضالّون مع كونهم مغضوبا عليهم، وأنّ (¬3) النصارى مغضوب عليهم مع كونهم ضالّين. وقوله: (آمين)، قال الزجّاج (¬4): معناه: اللهمّ اسمع واستجب. وفيه لغتان: المدّ والقصر، كلاهما بالتخفيف (¬5). ¬
سورة البقرة
سورة البقرة وهي مئتان وخمس (¬1) وثمانون آية عند أهل المدينة بسم الله الرحمن الرحيم [ربّ يسّر] (¬2) 1 - {الم:} قال ابن عبّاس رضي الله عنهما (¬3): الألف: الله، واللام: جبريل، والميم: محمّد، أي: بعث الله جبريل إلى محمّد بالقرآن. وعنه قال (¬4): (2 ظ) معناه: أنا الله أعلم. وقيل (¬5): الألف من أنا (¬6)، واللام من لي، والميم من منّي، أي: أنا الإله ولي الخلق والأمر ومنّي النّعمة والخير. وقيل (¬7): الألف: آلاء الله، واللام: لطفه، والميم: مجده، فكأنّه أقسم بآلائه ولطفه ومجده. وقيل (¬8): معناه: أنا الله اللطيف المجيد. وطريق الاختصار (¬9) على حرف من الكلمة مشهورة في لغة (¬10) العرب، قال الشاعر (¬11): [من الرّجز] نادوهم أن ألحموا ألا تا … قالوا جميعا كلّهم ألا فا وقال آخر (¬12): [من الرّجز] بالخير خيرات وإن شرّا فا … ولا أريد الشّرّ إلاّ أن تا 2 - {ذلِكَ الْكِتابُ:} أي: هذا القرآن، عن ابن عبّاس ومجاهد وعكرمة والسّدّي وابن جريج ومحمد بن جرير الطبري (¬13). ¬
وإنّما سمّي القرآن كتابا لما جمع (¬1) فيه من الأمر والنّهي والقصص والمواعظ والوعد والوعيد، وكلّ شيء جمعته فقد كتبته (¬2). {لا رَيْبَ فِيهِ:} لا شكّ فيه (¬3). و (لا) مع ما بعدها جعلا كشيء واحد فبنيا على الفتحة ك (خمسة عشر) (¬4). و (لا) النفي (¬5) تدخل على الاسم بمعنى (ليس)، وعلى الفعل الماضي (¬6) بمعنى (لم)، وعلى المضارع بمعنى (ما). {هُدىً لِلْمُتَّقِينَ:} رشدا لهم (¬7). و (هدى) مصدر مثل التّقى والسّرى (¬8)، يتعدّى إلى مفعولين (¬9) بغير حرف، كقوله: {وَهَدَيْناهُمَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الصافات:118]. (المتّقين) الذين يحذرون عن الشّرك والكفر والفواحش بالتّوحيد والإيمان والأعمال الصّالحة (¬10). 3 - {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ:} يقرّون ويصدّقون بالله تعالى بظهر الغيب قبل المشاهدة والإلجاء (¬11) لقوله: {مَنْ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ} [ق:33]. وقيل (¬12): الغيب ما جاء به النبيّ من أخبار ما لم يشاهد. ونقيض الإيمان: الإنكار، ونقيض الغيب: الشهادة. {وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ:} إذا لم يعطّلوها (¬13). والصّلاة (¬14) في اللغة: الدّعاء. وفي الشّرع: اسم لعبادة معروفة، تشتمل على أفعال وأركان ¬
معهودة، مقترنة بشرائط (¬1). {وَمِمّا رَزَقْناهُمْ:} أعطيناهم (¬2). {يُنْفِقُونَ:} "يتصدّقون" (¬3)، والمراد به الزّكاة عن ابن عبّاس، وقيل: جميع ما يحمد (¬4). 4 - {وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ:} يعني القرآن والسّنّة (¬5) لقوله: {وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى} [النجم:3]، وقوله: {وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} [الحشر:7]، وقوله صلّى الله عليه وسلّم: (أوتيت القرآن ومثله مرّتين) (¬6). {وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ:} ما أتى به النّبيون من قبل (¬7). {وَبِالْآخِرَةِ:} أي: الحياة الآخرة (¬8). {هُمْ يُوقِنُونَ:} يستيقنون (¬9)، وضدّ الإيقان الشّك. 5 - {أُولئِكَ:} أهل هذه الصفة (¬10) {عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ.} {وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ:} [المفلحون] (¬11) الناجون السعداء الباقون في الجنّة (¬12)، قال ابن عبّاس رضي الله عنهما: هم الذين وجدوا ما طلبوا، ونجوا من شرّ ما منه هربوا (¬13). وقيل (¬14): المفلح: الظافر ببغيته المنجح بطلبته. وقيل (¬15): كلّ من أصاب خيرا فهو مفلح. ¬
وقيل (¬1): الفلاح: البقاء ثمّ أخذ منه القطع. وقيل (¬2): أصله القطع (¬3) (3 و) من قولهم: الحديد بالحديد يفلح (¬4)، ويقال للأكّار والمكاري (¬5) فلاحا ثمّ أخذ منه البقاء. 6 - {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا:} نزلت في شأن شيبة وعتبة ابني ربيعة والوليد بن عتبة الذين قتلهم يوم بدر حمزة وعلي وعبيدة بن الحارث بن عبد المطلب (¬6). وقيل (¬7): نزلت في شأن سبعة نفر من اليهود؛ كعب بن الأشرف وحيي وجدي ابني أخطب وسعيد بن عمرو ومالك بن الصيف وأبي لبابة ابن عبد المنذر وأبي ياسر (¬8) بن أخطب. و (إنّ) حرف إثبات، وهي أداة (¬9) القسم، واللام أختها تقول: والله إنّ زيدا لمنطلق، وهي لا تدخل إلا في الأسماء. و (الكفر) في اللغة: السّتر (¬10)، وفي الشرع: إنكار ما يجب الإيمان به (¬11)، بدليل أنّ عليّا كرّم الله وجهه سمّى أهل الشام مؤمنين في كتاب القضية مع إنكارهم حقّه، وكفرانهم بعض نعم الله تعالى. و {سَواءٌ:} مصدر أقيم مقام الصفة، أي: مستو عندهم إنذارك إيّاهم وتركك إنذارهم (¬12)، كقوله: {سَواءٌ عَلَيْنا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْواعِظِينَ} [الشعراء:136]، وقوله: {سَواءٌ عَلَيْنا أَجَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا} [إبراهيم:21]. والإنذار إعلام فيه تخويف (¬13)، ويتعدّى إلى مفعولين. {لا يُؤْمِنُونَ:} البتة إن أجرينا على الثلاثة، وإن أجرينا على السبعة لا يؤمنون (¬14) في الحال؛ لأنّ بعضهم آمن من بعد. ¬
7 - {خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ:} طبع الله على قلوبهم، والختم والطبع: الاستيثاق من المختوم حتى لا يخرج منه شيء ولا يدخله شيء، من ذلك (¬1) ختم الصّرّة والكتاب. والقلوب جمع قلب، وهو أول الأعضاء الرئيسة (¬2)، سمّي قلبا لكثرة تقلّبه بالخواطر والمعاني (¬3). {وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ:} أراد (¬4) بالسمع الأذن، وبالأبصار العيون، إذ العرب تسمّي الشيء باسم الشيء إذا كان قريبا منه، وإنّما لم يقل: على أسماعهم؛ لأنّ العرب تكتفي من جمع المضاف بجمع المضاف إليه (¬5). (غشاوة): "غطاء" (¬6). وهذه الغشاوة تمنع رؤية الاعتبار لا رؤية الاختيار (¬7). {وَلَهُمْ عَذابٌ:} إيذاء مستمر (¬8). {عَظِيمٌ:} يعظم عليهم، فيصغر (¬9) عندهم بجنبه كلّ عذاب. والمراد به في الآخرة (¬10)، وقيل (¬11): المراد به قتلهم وأسرهم يوم بدر. 8 - {وَمِنَ النّاسِ:} نزلت (¬12) في المنافقين: عبد الله بن أبيّ بن (¬13) سلول وجدّ بن قيس ومعتب ابن قشير ومن تابعهم (¬14). وسمّي الإنس إنسا لظهورهم (¬15)، وهم ضدّ الجنّ. وأنست السر، بغير مد إذا أظهرته. وإنّما وحّد الفعل في أول الآية وجمع الضمير في آخرها؛ لأنّ (من) لفظه [لفظ] (¬16) ¬
الوحدان، ولإبهامه يصلح أن يكون اسما للمذكّر والمؤنّث والاثنين (¬1) والجماعة، يعدل تارة إلى اللفظ وتارة إلى المعنى، كقوله: {وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صالِحاً} [الأحزاب:31] (¬2). (واليوم الآخر): الذي لا زمان بعده لعدم انتهائه، وسمّي يوما لأنّ الليل معدوم فيه، وهو يشمل على الساعة (¬3). والباء في قوله: {وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ} لتأكيد النفي (¬4). وفي الآية دليل أنّ مفرد الإقرار ليس بمؤمن عند الله تعالى، لما في قلبه من المرض والشك (¬5). 9 - {يُخادِعُونَ اللهَ:} يظنون أنهم يخادعون (¬6). والمخادعة فعل الخدع من اثنين على وجه المقابلة (¬7). وهو إظهار المحبوب مع إبطان المكروه (¬8). {وَما يَشْعُرُونَ:} بأنّ خداعهم راجع إلى أنفسهم (¬9). والشعر هو العلم الدقيق الذي يتولّد من الفطنة، وهو من شعار القلب، ومنه سمّي الشاعر شاعرا (¬10). 10 - {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ:} والمرض في القلب ظلمة فيه، وقال ابن عرفة: مرض القلب فتوره عن الحق (¬11)، وقيل: علّة فيه تمنعه عن الصواب. {فَزادَهُمُ اللهُ مَرَضاً:} "على مرضهم" (¬12). وإنّما نكّر الثاني (¬13) لأنّه غير الأوّل. {أَلِيمٌ:} مؤلم (¬14)، وقال ابن عرفة: ذو الألم. ¬
{بِما كانُوا يَكْذِبُونَ:} أي: بسبب كونهم كاذبين، أو مكذّبين (¬1). 11 - {وَإِذا قِيلَ لَهُمْ:} نزلت في المنافقين عند أكثر العلماء (¬2). (وإذا) للتوقيت في المستقبل يحلّ محلّ الظرف (¬3). وقيل: لا يليها (¬4) إلاّ فعل على صيغة الماضي. {لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ:} أي: لا تعملوا (¬5) بالعمل الفاسد فيها. وفساد الشيء تغيّره عن استقامة الحال (¬6). و (الأرض) مأخوذة من الإراض وهو البساط، والإراض (¬7) مأخوذ منهما. {قالُوا إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ:} بأن نأتي (¬8) كلّ قوم بوجه ونتذبذب فيما بينهم بقية (¬9) على أنفسنا. و (ما) في (إنّما) (ما) الكافّة (¬10)، ولو لاها لنصب (إنّ) الضمير بعدها، فلمّا دخلت هي قبض (إنّ) عن العمل، تقول: إنّك، وإنّما أنت. و (نحن) جمع (أنا) من غير لفظه؛ لأنّ (أنا) لمّا لم يجمع مفكوكا لم (¬11) يجمع مسبوكا بخلاف (أنت) (¬12) و (هو). 12 - {أَلا:} كلمة وضعت للتنبيه والإعلام قبل الكلام. وهي مركّبة من ألف الاستفهام و (لا) النفي (¬13). {وَلكِنْ:} حرف عطف خصّت لاستدراك بعد نفي، أو ترك جملة إلى جملة (¬14). ¬
وإنّما جمع بين حرفي (¬1) العطف لأنّ الواو أمّ حروف العطف فجاز إدخالها على حرف عطف لقوّتها، كما أنّ الألف أمّ حروف (¬2) الاستفهام، فجاز أن يقال: أهل رأيت زيدا؟ 13 - {وَإِذا قِيلَ لَهُمْ:} نزلت في المنافقين الذين سبق ذكرهم (¬3). {آمِنُوا:} أي: أيقنوا. الإيمان ههنا هو الإيقان دون الإقرار (¬4). {كَما آمَنَ النّاسُ:} أبو بكر مع المهاجرين والأنصار (¬5). {قالُوا أَنُؤْمِنُ:} على وجه التعجّب والإنكار (¬6)، كقوله: {أَتَأْتُونَ الذُّكْرانَ} [الشعراء:165]. {كَما آمَنَ السُّفَهاءُ:} الجهّال (¬7). والسّفيه: الخفيف (¬8) العقل، يقال: تسفّهت الرّياح الشّيء (¬9) إذا استخفّته وحرّكته (¬10). وقيل: نزلت الآية في كعب بن الأشرف وأصحابه، والمراد بالناس عبد الله بن سلام وأصحابه (¬11). 14 - {وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا:} (4 و) نزلت في ابن أبي بن سلول (¬12) وأصحابه، استقبل ذات يوم أبا بكر وعمر وعليّا رضي الله عنهم فأخذ بيد أبي بكر وقال: مرحبا بسيّد بني تيم، خير الناس بعد رسول الله، ثاني اثنين معه في الغار، الباذل نفسه وماله له (¬13)، ثمّ أخذ بيد عمر فقال: مرحبا بسيّد بني عديّ، خير الناس بعد رسول الله، الشديد في دين الله، القائل بالحقّ، ثمّ أخذ بيد (¬14) عليّ فقال: مرحبا بسيّد بني هاشم ما خلا رسول الله، أخيه وابن عمّه وختنه، فقال له عليّ: يا عبد الله لا تنافق فإنّ المنافقين شرّ خليقة الله في الأرض، فقال: مه يا علي فإنّي آمنت مثل ¬
إيمانكم، ثمّ مضى ومضوا، فلمّا انفرد بأصحابه قال لهم: كيف رأيتم ودي (¬1) هؤلاء السفهاء عنكم؟ قالوا: لا نزال بخير ما عشت لنا، فأنزل الله (¬2). واللقاء رؤية تقتضي مصادفة ومعاينة (¬3)، ويستعار لإصابة الخير والشر، قال الله تعالى: {وَلَقّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً} [الإنسان:11]. {وَإِذا خَلَوْا:} مضوا (¬4). {إِلى شَياطِينِهِمْ:} كهنتهم (¬5)، قيل: إنّهم كانوا خمسة نفر: كعب بن الأشرف وأبو بردة الأسلميّ وعبد الدار الجهنيّ وعوف بن عامر الأسديّ وابن السوداء (¬6). {إِنّا:} مركّبة من (إنّ) التي هي للإثبات (¬7) و (نا) كناية للجمع الذين المتكلّم منهم، فلمّا اجتمعت النونات اكتفي بنون مشدّدة (¬8). {مَعَكُمْ:} بالقلوب. وقيل: في التكذيب سرّا (¬9). {مُسْتَهْزِؤُنَ:} بأصحاب محمد بإظهار قول: لا إله إلا الله (¬10). 15 - {اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ:} "يجازيهم على استهزائهم" (¬11)، كقوله: {وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها} [الشورى:40]، وقوله: {فَمَنِ اِعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا} [البقرة:194]، وقال الشاعر (¬12): [من الوافر] ألا لا يجهلن أحد علينا … فنجهل فوق جهل الجاهلينا وفي الخبر [أنّ] (¬13) جزاء استهزائهم أنّهم يدعون إلى الجنّة وهم في النّار فيسيحون أحقابا ¬
حتى يقتربوا من أبوابها، فتغلق الأبواب دونهم، فيرجعون بحسرة (¬1). {وَيَمُدُّهُمْ:} "يمهلهم" (¬2). وفي اللغة قريب من البسط والتطويل (¬3). {طُغْيانِهِمْ:} تماديهم ومجاوزتهم الحدّ (¬4). {يَعْمَهُونَ:} يتردّدون ويتحيّرون (¬5). 16 - {اِشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى:} اختاروا الكفر على الإيمان (¬6)، وقيل (¬7): استبدلوه به، وقيل (¬8): إنّها في شأن اليهود، إذ هم قبلوا التحريف، وتركوا التوراة بعد تحصيلها. {فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ:} أي: "فما ربحوا في تجارتهم" (¬9). والرّبح ضدّ الخسران. {وَما كانُوا:} للجحد والكينونة، إذا اقتضت جوابا فهي بمعنى الصيرورة كما هي ههنا، إذ الاهتداء خبر لها. والاهتداء يقرب من البصارة والإصابة (¬10). 17 - {مَثَلُهُمْ:} شبه المنافقين (¬11). والمثل صفة يوجد لها المثل على وجه المقاربة والموافقة (¬12) دون المشاكلة والمجانسة، ثمّ تؤول هي ومثلها جميعا إلى مدح أو ذمّ. والكلام الذي يسمّى مثلا هو قول سائر يتلفّظ به عند شبه حال الثاني بالأوّل (¬13)، وضرب المثل وضعه (¬14). {اِسْتَوْقَدَ:} أي: أوقد (¬15)، وهي ضدّ أطفأ. ¬
والنار (4 ظ) هي الجسم اللطيف المحرق (¬1)، والنور عرض فيه. {فَلَمّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ:} و (لمّا) ظرف زمان ماض؛ لا يتمّ إلا بصلته، وصلته أوّل العاملين (¬2)، ولا يستقيم إلا بالعامل الثاني، تقول: لمّا دعوتك أجبتني (¬3). و (حول) الشيء موضع حركته، ومبدأ تحوّله (¬4). {ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ:} أي: أذهب الله نورهم (¬5). {وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ:} شدائد جهنّم (¬6). {لا يُبْصِرُونَ:} لا يرون وجه الرجاء والفرج. (النور) ما بين المحسوس والمعقول (¬7)، و (الظلمة) عرض ينسخه النور وينافيه (¬8). وتمثيل مثل المنافقين بمثل المستوقد (¬9) من حيث إنّ المستوقد [قد] (¬10) طفيت ناره، وحبط عمله لمّا طفيت، فكذلك المنافقون افتضحوا، وحبط إظهارهم الإيمان لما ستروا (¬11) به نفاقا وتقية. وقيل (¬12): إنّها نزلت في أولئك المنافقين الذين أخلصوا ثمّ ارتابوا، وهذا أقرب من الأوّل. وقيل (¬13): نزلت في اليهود؛ لأنّهم نزلوا يثرب انتظار المبعث، وكانوا يستنصرون باسم النبيّ صلّى الله عليه وسلّم في وقائعهم، فلمّا جاءهم ما عرفوا كفروا به (¬14)، فإن صحّ هذا القول فإنّها في المنافقين منهم (¬15) دون الكل؛ لأنّ دلالات النفاق ظاهرة فيما تقدّم. تقدير (¬16) الآية: فلمّا أضاءت النار ما حول (¬17) المستوقد طفيت، كقوله: {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ} ¬
{أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذا أَمِنْتُمْ} [البقرة:196]، أي: فإذا أمنتم فاقضوا ما أحصرتم عنه. وقوله: (ذهب (¬1) الله بنورهم) في المنافقين دون المستوقد (¬2)، وإنّما لم يذكر اقتباسهم النور أوّلا ثمّ الذهاب بنورهم؛ لأنّ المثل السابق دلّ عليه فاكتفي بتلك الدّلالة. وقيل (¬3): الضمير في قوله (بنورهم) عائد إلى المستوقد وأصحابه والمعتقد في الجملة ما هو عند الله تعالى. 18 - {صُمٌّ:} من حيث لا يستمعون (¬4) إلى الحق. {بُكْمٌ:} من حيث لا ينطقون بالحق (¬5). {عُمْيٌ:} من حيث لا ينظرون إلى الحق، ولا يلتفتون إليه (¬6). {فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ:} إلى الإخلاص في الحال (¬7)؛ لأنّ بعضهم أخلص بعد ذلك. 19 - {أَوْ كَصَيِّبٍ:} (أو) ههنا للعطف (¬8)، كقوله: {وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً} [الإنسان:24]، قال جرير (¬9): [من البسيط] نال الخلافة أو كانت له قدرا … كما أتى ربّه موسى على قدر وقيل (¬10): (أو) للتخيير كما في كفّارة اليمين، وكأنّما (¬11) خيّر المخاطب بين ضرب المثلين لهؤلاء (¬12) المنافقين، إذ كلّ واحد منهما يليق بحالهم. (كصيّب): كأصحاب صيّب (¬13)، حذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه (¬14)، كقوله (¬15): ¬
{هُمْ دَرَجاتٌ} [آل عمران:163]، أي: ذوو (¬1) درجات. وإنّما سمّي المطر صيّبا لأنّه يصوب من نحو السماء (¬2)، وقال الشاعر (¬3): [من الطويل] فلست لإنسيّ ولكن لملأك … تنزّل (¬4) من جوّ السّماء يصوب وأصل الصيّب صيوب، وعند (¬5) الفرّاء صويب. {فِيهِ ظُلُماتٌ:} ظلمة (¬6) السحاب والماء والليل. {وَرَعْدٌ:} صوت يسمع عند المطر من مصوّت تسبيحا لله تعالى (¬7). {وَبَرْقٌ:} نور يلمع من صفاء الماء في الهواء (¬8)، وقيل (¬9): من نار. {يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ:} (5 و) يصيّرون بنانهم في العضو المختصّ بالسمع (¬10). والصاعقة صوت فيه نار لا تأتي على شيء إلا أحرقته (¬11). وقيل (¬12): اسم للعذاب على أيّ وجه كان؛ لأنّ عادا أهلكت بالريح، وثمود بالرجفة، ومع ذلك قال الله تعالى: {أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ} [فصلت:13]. والمراد بالصواعق ههنا شدّة الظلمة، وشدّة صوت الرعد، وشدّة لمعان البرق، إذ كلّ واحد منها هائل. {حَذَرَ الْمَوْتِ:} أي: لحذر (¬13) الموت، كقولك: زرتك طمعا في برّك، وقال حاتم الطائيّ (¬14): [من الطويل] وأغفر عوراء الكريم ادّخاره … وأعرض عن شتم اللئيم تكرّما ¬
أي: لادّخاره وللتكرّم. والموت ذهاب الحياة (¬1). {مُحِيطٌ:} عالم بأعمالهم (¬2). وهذا عارض دخل في أثناء المثل (¬3). 20 - {يَكادُ:} فعل ليس له مصدر ولا اسم (¬4). كاد يكاد إذا أوهم أن يفعل ولمّا يفعل (¬5)، قال الله تعالى: {تَكادُ السَّماواتُ} [مريم:90]. {وَلا يَكادُ يُبِينُ} [الزخرف:52]، {وَما كادُوا يَفْعَلُونَ} [البقرة:71]، {لَمْ يَكَدْ يَراها} [النور:40] إذا أوهم أن لا يفعل ثمّ فعل (¬6). وقيل (¬7): يكاد يقرب، إلا أنّه يستعمل بغير حرف (أن) بخلاف (¬8) لفظ المقاربة والمداناة. {يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ:} يستلب ويختلس أبصار المنافقين (¬9)، نظيره: {يَكادُ سَنا بَرْقِهِ} [النور:43] (¬10). {كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ:} (كلما) ظرف زمان ماض في محلّ النصب، وعلّة الظرف إضمار (في) في المعنى دون اللفظ كالاسم بنزع الخافض، وهو مبهم يحتاج إلى الصلة، وصلته (أضاء) والعامل فيه {مَشَوْا:} مضوا في الضوء (¬11). {وَإِذا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قامُوا:} أي: صار (¬12) ذا ظلمة، كقولك: ليل مظلم، وبيت مظلم، وقوله تعالى: {قِطَعاً مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِماً} [يونس:27]، وقوله: {فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ} [يس:37]، أي: يخلصون في الظلمة. وإنّما قال: (عليهم)؛ لأنّ وبال الظلمة راجع إليهم. {وَلَوْ شاءَ اللهُ:} معنى (لو) كمعنى الشرط، وهو يكون في الماضي والمستقبل (¬13)، قال الله ¬
تعالى: {لَوْ يَشاءُ (¬1)} اللهُ لَهَدَى النّاسَ جَمِيعاً [الرعد:31]. وأكثر جوابها باللام (¬2). وعدم ما يليها من الفعل لعدم الفعل الذي هو جوابها. والموجب ممّا يليها ومن جوابها (¬3) في اللفظ منفيّ في المعنى، والمنفيّ في اللفظ موجب في المعنى. والمشيئة إرادة تشتمل (¬4) المكروه والمحبوب جميعا. {لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ:} إنّما وحّد السمع اكتفاء بجمع المضاف إليه من جمع المضاف (¬5)، أو أراد الجنس (¬6)، كقوله: {وَالْمَلَكُ عَلى أَرْجائِها} [الحاقّة:17]، وقوله: {أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلى عَوْراتِ النِّساءِ} [النور:31]. {عَلى كُلِّ شَيْءٍ:} (كلّ) اسم يتناول آحاد الجماعة على سبيل الإفراد، يضاف إلى جماعة وواحد منكر (¬7). و (الشيء) اسم عام (¬8). {قَدِيرٌ:} قادر (¬9). وتقرير (¬10) مثل المنافقين من أصحاب الصّيّب من حيث إنّ القرآن نازل عليهم من نحو السماء كالصيّب، وفيه متشابهات ومحكمات، (5 ظ) وبشارة وإنذار، كما أنّ في الصيّب رعدا وبرقا، والمنافقون يكرهون ذلك ويعرضون عنه، ويكبر ذلك عليهم، وتارة ينظرون إلى مبلّغه نظر المغشيّ عليه من الموت، كما أنّ أصحاب الصيّب يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت، والقرآن يكاد يهديهم، أو يكاد يميتهم غيظا كما أنّ البرق يكاد (¬11) يخطف أبصار أصحاب الصيّب، وهم كلّما رأوا دولة أو طمعوا في بشارة قصدوا الإخلاص، وإذا حدثت نكبة أو نزل تكليف بقوا (¬12) متحيّرين شاكّين، كما أنّ أصحاب الصيّب كلّما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا (¬13). ¬
21 - {يا أَيُّهَا النّاسُ:} خطاب للجميع (¬1)؛ لأنّه ذكر فيه النعمة العامّة، وهي الخلق (¬2) والرّزق. وقيل (¬3): نزلت في المشركين بدليل قوله (¬4): {فَلا تَجْعَلُوا لِلّهِ أَنْداداً.} و (يا) حرف نداء، تقول: يا زيد (¬5). و (أيّ) اسم مبهم (¬6)، تقول: أعط أيّهم شئت. و (ها) حرف التنبيه (¬7). و (الناس) كالوصف ل (أيّ) (¬8)؛ لأنّك تقول: يا أيّها الفقيه، ولا تقول: يا أيّها زيد. {اُعْبُدُوا:} وحّدوا وأخلصوا وأطيعوا (¬9). {الَّذِي خَلَقَكُمْ:} ابتدأ تقديركم (¬10)، وقيل (¬11): الخلق هو الإيجاد مقدرا. والواو في {وَالَّذِينَ [مِنْ قَبْلِكُمْ]} (¬12) واو عطف (¬13)، و (من) لابتداء الغاية (¬14). {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ:} لكي تتّقوا مخالفة الخالق (¬15). وقال سيبويه: كلمة (لعلّ) للرجاء (¬16) والطمع. 22 - {الَّذِي:} أي: هو الذي (¬17)، ويقال (¬18): اعبدوا الذي. {جَعَلَ:} صنع وخلق (¬19)، وقيل (¬20): صيّر. ¬
{فَرْشاً:} بساطا ووطاء (¬1). {وَالسَّماءَ بِناءً:} سقفا (¬2)، مأخوذ (¬3) من السموّ، وأراد به السماء المعروفة، ذات البروج، المزيّنة بالكواكب. {وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ:} من السحاب مطرا (¬4). والماء هو الجسم اللطيف المضادّ للنار بانحداره ورطوبته وبرودته (¬5)، وهو في الأصل: موه؛ لأنّك تقول في الجمع والتصغير: أمواه ومويه (¬6). {فَأَخْرَجَ بِهِ:} فأنبت وأبرز بالمطر من التراب من ألوان الثمرات (¬7)، كما في قوله: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ} [الحج:30]. {رِزْقاً:} طعاما (¬8). {فَلا تَجْعَلُوا لِلّهِ أَنْداداً:} أي: لا تصفوا لله أمثالا ونظراء (¬9). {وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ:} أنّهم مخلوقون ومرزوقون لواحد قديم (¬10). 23 - {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ:} قال (¬11) ابن عبّاس: نزلت في اليهود. وهي تحتمل العموم أيضا (¬12). وفي ترتيب إثبات النبوّة على إثبات التوحيد دليل على أنّ الرسول يعرف من قبل الله تعالى، وأنّ وجوب (¬13) معرفة الله تعالى (¬14) مقدّم على وجوب معرفة الرسول. (إن) حرف شرط (¬15)، والشرط قوله: (كنتم في ريب)، ثمّ هذا الشرط معلّق بشرط آخر في آخر الآية وهو قوله: {إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ،} وجوابهما قوله: {فَأْتُوا،} وهذا كمن قال لعبده: ¬
إن دخلت الدار فأنت حرّ إن قعدت فيها (¬1). (6 و) {مِمّا نَزَّلْنا:} يعني القرآن (¬2). والتنزيل والإنزال: الإرسال (¬3) من علو إلى سفل. وفي قوله: (نزّلنا) ضمير محذوف، وتقديره: نزّلناه (¬4)، إلا أنّ الضمير في صلة الاسم الناقص المبهم يجوز حذفه لدلالة الحال عليه، كقوله: {أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللهُ رَسُولاً} [الفرقان:41]. {عَلى عَبْدِنا:} محمد صلّى الله عليه وسلّم (¬5). وقوله: {فَأْتُوا} تحذير وإعجاز، كقوله: {إِنِ اِسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا} (¬6)، الآية [الرحمن:33]. وحدّ الإعجاز هو الإتيان بناقض العادة، الخارج عن طوق من هو مثل صاحب المعجزة في الخلقة، وذلك الشيء يزينه ولا يشينه، ويكون برهانا على صحّة دعوى النبوّة (¬7). وإنّما وقع التحدّي (¬8) ههنا بنظم عجيب بديع، تضمّن (¬9) معنى صحيحا غير متناقض ولا هزل، فيسمّيه (¬10) الفصحاء لطيبه وذوقه وبدوّ أحكامه شعرا وسحرا، ولا يكون كذلك (¬11)، ونظائره: {فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ} [النجم:34]، وقوله: {فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ} [هود:13]، وقوله: {لَئِنِ اِجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ} الآية [الإسراء:88]. و (من) (¬12) زائدة بدليل النظائر. و (السورة): اسم لقطعة من القرآن تشتمل (¬13) على آيات وقف عليها بتوقيف من جهة ¬
النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، مأخوذة (¬1) من سور البناء، وقيل (¬2): من السّؤر في الإناء، وهو القطعة الباقية منه، وهو بالهمز (¬3) إلا أنّ لغة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ترك الهمز. {وَاُدْعُوا شُهَداءَكُمْ:} استعينوا بآلهتكم (¬4). وإنّما سمّوا شهداء لزعمهم أنّهم يشهدون ما قدر لهم من الخير والشر فيقدرون على تغييره، أو يشهدونهم عند احتياجهم إليهم فينصرونهم (¬5)، كقوله: {أَيْنَ شُرَكائِيَ} [القصص:62] على زعمهم. {إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ:} في زعمكم أنّ القرآن ليس من عند الله (¬6). 24 - {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا:} شرط، وجوابه {فَاتَّقُوا،} وقوله: {وَلَنْ تَفْعَلُوا} عارض دخل بين الشرط والجواب (¬7). و (لم) حرف نفي في الماضي جازم (¬8)، و (لن) (¬9) نفي في المستقبل ناصب. معناه: إن لم تأتوا (¬10) بمثله ولن تأتوا أبدا فاتّقوا النار التي تحذرون (¬11) عنها بترك موجبها وهو الرّيب والتكذيب على ما سبق. {وَقُودُهَا النّاسُ:} ولم يقل الكفّار لئلا يأمن العصاة من أهل الإيمان. {وَالْحِجارَةُ:} حجارة الكبريت عن ابن عبّاس وابن مسعود وابن جريج وغيرهم (¬12). وقوله: {أُعِدَّتْ} أي: هيّئت وخلقت، دليل على أنّها موجودة مخلوقة (¬13). ¬
وإنّما خصّ الكافرين (¬1)؛ لأنّهم هم المخاطبون بقوله: {وَإِنْ (¬2)} كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ لا أنّ (¬3) النار لا تصيب المؤمن الفاسق، كتخصيص (¬4) المؤمنين بقوله: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ} الآية [الأعراف:32] (¬5). 25 - فلمّا ذكر مآل الكافرين أعقبه مقر المؤمنين، جمعا بين الإنذار والتبشير على قضية قوله تعالى: {لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ،} الآية [الكهف:2]، فقال (¬6): (بشّر)، أي: فرّح قلوب الذين (¬7). والبشارة اسم للخبر الذي يقع به التبشير، وقد يستعمل في ما يسوء (¬8)، قال الله: {فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ} [آل عمران:21]، وهو على المجاز (¬9)، كقوله: {يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ} [الكهف:29]، وقيل (¬10): هو على الحقيقة؛ لأنّ ما يسوء من الخبر يؤثّر في بشرة الوجه أيضا. {الصّالِحاتِ:} الطاعات (¬11). (6 ظ) {أَنَّ لَهُمْ جَنّاتٍ:} أي: بساتين كثيرة (¬12) الشجر، سمّي جنّة لاستتار بقاعه واجتنانها (¬13) بالأشجار والأنوار. {تَجْرِي:} تنسكب. {مِنْ تَحْتِهَا:} تحت شجرها (¬14). ¬
{الْأَنْهارُ:} الأخدود الذي يجري فيه الماء (¬1). وإنّما أسند إلى الأنهار مجازا (¬2)، كقوله: {فَما (¬3)} رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ [البقرة:16]، وكما في قصّة فرعون: {وَهذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي} [الزخرف:51]. {كُلَّما رُزِقُوا:} أطعموا من الجنّة من ألوان الثمرات (¬4). {رِزْقاً:} طعاما (¬5). {قالُوا هذَا الَّذِي رُزِقْنا مِنْ قَبْلُ:} أي: من نوع ما رزقنا من قبل، كقولك لإنسان: إنّ فلانا أعدّ لك طبيخا وشواء، فيقول (¬6): هذا من طعامي في منزلي كلّ يوم، يريد نوعه لا عينه (¬7). وعن ابن عبّاس وابن (¬8) مسعود وقتادة ومجاهد (¬9): (من قبل)، أي: في الدنيا. وقال يحيى بن كثير (¬10): ثمار الجنّة كلّما نزع منها شيء عاد كما كان، فلذلك يقولون: هذا الذي رزقنا من قبل. وارتفع (قبل) على (¬11) الغاية، كقوله: {لِلّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ} [الروم:4]، وتفسير الغاية أنّه ظرف قطع عن الإضافة التي هي غايته، فصار كبعض الاسم في استحقاق البناء على الحركة لالتقاء الساكنين، وضمّت لأنّها تضمّ في حال (¬12) الإضافة، فكانت أدلّ على البناء. {وَأُتُوا بِهِ:} بالرزق (¬13). {مُتَشابِهاً:} متجانسا، دون مشتبه، إذ الإنسان على الشي المألوف أقدم، وإذا وجد فيه فضل لذّة كان أسرّ (¬14). ¬
{وَلَهُمْ:} الواو للاستئناف (¬1). {فِيها أَزْواجٌ:} جواري (¬2). واسم الزوج يشتمل على الذكر والأنثى (¬3)، قال الله تعالى: {اُسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} [البقرة:35]. {مُطَهَّرَةٌ:} من الحيض والنّفاس والأخلاق الرديّة والآفات (¬4). والوصف بالطّهر أبلغ من الوصف بالحسن؛ لأنّ الحسن (¬5) ربّما يتضمّن خبثا، قال صلّى الله عليه وسلّم: (إيّاكم وخضراء الدّمن (¬6)). {خالِدُونَ:} دائمون مقيمون لا يموتون ولا يخرجون منها أبدا (¬7). 26 - {إِنَّ اللهَ لا يَسْتَحْيِي:} نزلت في المنافقين، قال ابن عبّاس وابن مسعود: إنّ الله تعالى لمّا ضرب المثلين اللّذين سبق ذكرهما قالوا (¬8): إنّ الله أعلى وأجلّ من أن يضرب هذه الأمثال، فأنزل الله الآية (¬9). وقال الحسن وقتادة ومقاتل وغيرهم: إنّ الله تعالى ضرب للأوثان المثل بالذّباب، وللكفّار المثل بالعنكبوت، فقال المشركون: إنّ ربّ محمّد يضرب المثل بالذباب والعنكبوت، فأنزل الله الآية (¬10). الاستحياء امتناع يقضيه (¬11) الكرم، وقد ورد وصفه تعالى به، قال صلّى الله عليه وسلّم مخبرا عن الله تعالى: (الشّيب نوري، وأنا أستحيي أن أحرق نوري بناري) (¬12)، وقال ابن عبّاس: إنّ الله حييّ (¬13) كريم. والكرم ههنا لا يقتضي الامتناع عن وصف ما اقتضت الحكمة إيجاده وتدبيره وحفظه. ¬
{مَثَلاً ما بَعُوضَةً:} (ما) صلة (¬1)، كقوله: {فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ} [آل عمران:159]. {فَما فَوْقَها:} أكبر (¬2) منها مثل (¬3) الذباب والعنكبوت، وقيل (¬4): فما فوقها في الصّغر. والفاء (7 و) لإسقاط (إلى) أو العطف (¬5). {فَأَمَّا:} يقتضي جوابا بالفاء كالشرط (¬6)، ولا عمل له، قال الله تعالى: {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ} [الضحى:9]، {وَأَمّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ} [فصلت:17]. {أَنَّهُ الْحَقُّ:} أنّ المثل واجب كونه ووجوده (¬7). {ماذا:} أيّ شيء (¬8)، وقيل (¬9): ما الذي. و (ما) استفهام، و (ذا) إشارة إلى المراد (¬10). {بِهذا:} "بذكر البعوضة والذباب" (¬11). {مَثَلاً:} انتصب على القطع، فكأنّه قال: بهذا المثل، فلمّا قطعت الألف واللام انتصب (¬12). وعند البصريين انتصب على الحال (¬13)، كقوله: {وَهذا بَعْلِي شَيْخاً} [هود:72]. قال الله: قل يا محمّد: {يُضِلُّ:} يخذل ويهلك (¬14) {بِهِ:} بالمثل (¬15). والإضلال هو الإيقاع في الضلالة (¬16) على وجه التمكين والتقوية والمدّ في ما يستلهوا (¬17) به، على قضية العلم والتقدير الأزليّ لا على معنى الإجبار والخداع. ¬
{الْفاسِقِينَ:} الخارجين من الطاعة (¬1)، قال الكلبيّ (¬2): عنى به اليهود. وأصل الفسق يقال: فسقت الرطبة من قشرها (¬3). 27 - ثمّ نعت الفاسقين (¬4) فقال: {الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ:} ينكثون وصيّة الله وأمره، وهو ما أخذه الله على النبيّين ومن اتّبعهم أن لا يكفروا بالنبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ويبيّنوا نعته وصفته، دليله قوله: {وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ} الآية [آل عمران:81] (¬5). والميثاق (¬6) اسم لعقد من عقود الأحكام بالثقة والإحكام. {وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ:} يعني الأرحام (¬7). {الْخاسِرُونَ:} المغبونون (¬8) في الآخرة. 28 - {كَيْفَ:} استفهام بمعنى الإنكار، وفيه تبيين أنّه موضع لتعجّب (¬9) المتعجّب حيث يكفرون بمن تولّى إنشاءهم وحفظهم وإفناءهم وإعادتهم من النشأة الآخرة، ويخالفون قضيّة اللّبّ، ويكابرون العقل. {وَكُنْتُمْ:} الواو [فيه] (¬10) للحال، و (قد) فيه مضمرة (¬11). {أَمْواتاً:} ترابا غير منتفع به عن الضحّاك عن ابن عبّاس (¬12)، وقيل: أجسادا لا روح (¬13) فيها، يعني في الأرحام. {فَأَحْياكُمْ:} بنفخ الروح (¬14). ¬
{ثُمَّ يُمِيتُكُمْ:} بنزع الروح وإذهاب الحياة (¬1). {ثُمَّ يُحْيِيكُمْ:} عند البعث بنفخ الروح (¬2). {ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ:} عند (¬3) البعث للمجازاة (¬4). وقيل: ثمّ يحييكم وقت السؤال في القبر ثمّ إليه ترجعون عند البعث للمجازاة (¬5). (ثمّ) حرف عطف على سبيل المهلة والتراخي (¬6). 29 - {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً:} يدلّ على (¬7) أنّ جميع ما في الأرض من الأجساد مخلوق الله تعالى، ويدلّ على أنّ الأشياء على الإباحة في الأصل ما لم يكن في تناوله إضرار بخلق الله تعالى، والتحريم يثبت (¬8) بالشرع. {ثُمَّ اِسْتَوى:} عمد وقصد (¬9)، كما يقال: فرغ الأمير من بلد كذا واستوى إلى بلد كذا (¬10). قال ابن عبّاس (¬11): صعد أمره. {السَّماءِ:} لفظه لفظ الوحدان ومعناه معنى الجمع، فجمع (¬12) ما بعده على المعنى. ويجوز أن يكون واحدا يراد به الجنس، كما يقال: كثر الدّرهم والدّينار (¬13) في أيدي الناس. ويجوز أنّه أراد بالجمع نواحيها، كما يقال: ثوب أخلاق (¬14). (7 ظ) ويحتمل أنّه كنّى عمّا لم (¬15) يسبق ذكره، كقوله: {إِنّا أَنْزَلْناهُ} [القدر:31]. ¬
وفي الآية دليل أنّ خلق الأرض وما فيها من الجماد مقدّم على تسوية السموات (¬1). وعن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّ الله خلق (¬2) الأرض يوم الأحد والاثنين، وخلق الجبال يوم الثلاثاء، وخلق يوم الأربعاء الشجر والماء والعمران والخراب، وخلق يوم الخميس السماء، وخلق يوم الجمعة النجوم والشمس والقمر والملائكة وآدم عليهم السّلام (¬3). وأمّا قوله: {وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها} [عبس:30] لا ينقض هذه الآية، يجوز أنّه بسطها بعد ما كانت ربوة مجتمعة الأجزاء، مضمّنة الأشياء (¬4)، وقال مجاهد (¬5): (بعد ذلك دحاها) أي: مع ذلك دحاها، كقوله: {عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ} [القلم:13]، {وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ} [التحريم:4]. وقيل (¬6): (ثمّ) لا تقتضي تأخّر خلق السماء عن خلق الأرض؛ لأنّها تقتضي التراخي في الإخبار لا في المخبر عنها كقوله: {ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اُسْجُدُوا لِآدَمَ} [الأعراف:11]. {عَلِيمٌ} (¬7): عالم بخلقهنّ وغير ذلك (¬8). والعلم رؤية تنفي الجهالة. 30 - {وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ:} نزلت في خزان الجنان، وهم ملائكة خلقوا من نار السّموم، وكان إبليس معهم، وكانوا يسمون (¬9) الجن، وهذا في رواية الضحّاك والسّدّي عن ابن عبّاس، وأحدهما يزيد على الآخر (¬10). ويحتمل في شأن جميع الملائكة (¬11). [التقدير:] (¬12) واذكر إذ قال (¬13)، وابتدأ خلقكم إذ قال (¬14). والألف واللام في الملائكة للجنس، وعن ابن عبّاس للمعهود؛ لأنّ ذكر (¬15) هؤلاء كان متقدّما في الكتب المتقدّمة. ¬
وواحد الملائكة: ملك، وفي الأصل: ملأك، مقلوب من: مألك، فقلبت (¬1) الهمزة استخفافا فقيل: ملك، مأخوذ من المألكة وهي الرسالة (¬2). وقوله: {إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} دليل على ثبوت صفات الفعل قبل المفاعيل. (خليفة): آدم وذرّيّته (¬3)، والهاء للمبالغة والتأكيد (¬4). وهذا اسم لمن يخلف الغير ويقوم مقامه في ما أسند إليه (¬5)، وآدم خلف الملائكة في اتّخاذ الأرض مسكنا (¬6). {قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها:} أتخلف (¬7) فيها. والألف ألف الإيجاب (¬8)، كما قال جرير (¬9): [من الوافر] ألستم خير من ركب المطايا … وأندى العالمين بطون راح (¬10) واستخبارهم على وجه الاستسلام والتعرّف دون الإنكار، كأنّهم قالوا: يا رب إن كان هذا ظنّنا (¬11) فعرّفنا وجه الحكمة فيه (¬12). وإنّما علموا الفساد وسفك الدماء بإخبار الله تعالى في رواية السدّي (¬13)، وبالقياس (¬14) على الجانّ في رواية الضحّاك. وقيل (¬15): إنّ إبليس كان منهم في الخلقة ومن (¬16) الملائكة في الرتبة (¬17)، فسلّطه الله بمن معه من الملائكة عليهم حتى أفسدوا وسفكوا الدماء فأجلوهم إلى الجزائر والخراب من الأرض. {وَيَسْفِكُ الدِّماءَ:} (¬18) يصبّ (¬19). ¬
{[وَنَحْنُ] (¬1)} نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ: نبرّئك من السوء ونصلّي لك (¬2). وقيل: نعبدك بالتحميد، أو نسبّحك مع حمدك (¬3). وقيل: نسبّحك بتوفيقك المستوجب حمدك (¬4). {وَنُقَدِّسُ لَكَ:} نطهّر أنفسنا أو الأرض لك، أو لابتغاء مرضاتك (¬5). وفي قوله: (8 و) {إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ:} زجر (¬6) لهم عن السؤال، ودلالة أنّ المعلوم المقدّر كائن لا محالة. 31 - {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ:} ألهم ووفّق (¬7) لا أنّه أخبر ولقّن؛ لأنّه لو لقّنه لما كان له مزيّة على الملائكة. و (آدم) مشتقّ من أديم الأرض، أو أدمة اللون (¬8). {الْأَسْماءَ كُلَّها:} قال ابن عبّاس (¬9): أسماء جميع المخلوقات حتى القصعة والسكرجة، وعن الربيع بن أنس (¬10): أسماء الملائكة، وعن ابن زيد (¬11): أسماء ذرّيّته، وقيل (¬12): أسماء آحاد الجنس دون المشتركة والمبهمة والمضمرة وأسماء الإشارة. {ثُمَّ عَرَضَهُمْ:} يعني أصحاب الأسماء (¬13)، ولم يقل: عرضها، لتغليب العقلاء، كالعالمين (¬14). وفي الآية دليل أنّ أسماء الحقائق لا تنتفي عن مسمّياتها بحال، إذ لو انتفى لما قدر على تعيين المسمّيات في الأشخاص، ودليل على أنّ المعدوم لا ينطلق عليه اسم الشيء حقيقة ¬
لاستحالة عرض المعدوم، ودليل (¬1) على فضل النطق والعلم (¬2). {فَقالَ أَنْبِئُونِي:} أخبروني (¬3). {صادِقِينَ:} في مقالتكم (¬4). والصدق هو الخبر الحقّ (¬5). 32 - {قالُوا سُبْحانَكَ:} قالت الملائكة عند التحدّي: ما أنزهك (¬6). و (سبحان) مصدر حقيقي عند أهل الكوفة كالغفران والحمران (¬7)، ولذلك انتصب (¬8)، وعند البصريين هو كالمصدر (¬9). وهو في محلّ الخفض (¬10). {لا عِلْمَ لَنا:} بأسماء هؤلاء. {إِلاّ ما عَلَّمْتَنا:} استثناء منقطع، معناه: لكن ما علّمتنا فذلك علمناه (¬11)، وقيل: استثناء متصل، تقديره: لا علم لنا إلا العلم الذي علّمتنا (¬12). {إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ:} بعواقب الأمور (¬13). {الْحَكِيمُ:} المحقّق المتقن في صنعه، البعيد عن الهزل والخسائس (¬14). 33 - {قالَ يا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ:} هذا وحي من الله إليه، وفيه (¬15) دلالة على بعثه بالنبوّة إلى الملائكة، كقوله: {نَبِّئْ عِبادِي} [الحجر:49]، وقوله: {وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ} [الحجر:51]، ويدلّ علمه (¬16) قبل الزلّة والتوبة عنها سبق التحدّي والإعجاز له، ¬
وسبق العهد إليه بغير واسطة حيث قال: {وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ} [طه:115]، وأنّ زلّته لم تقدح في نبوّته كما لم يقدح في نبوّة نوح سؤاله عمّا ليس له به علم، وفي نبوّة موسى سؤاله الرؤية، وفي نبوّة داود ما خطر بقلبه وفتن، وفي نبوّة نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم إذن القاعدين عن الجهاد، فعفا الله عنها. وإذا ثبتت نبوّته إليهم كانت أعظم دليل على فضله على الملائكة. {قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ:} أي: قلت لكم، كقوله: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى} [الأعراف:172] (¬1)، فإن قيل: ثم متى قال (¬2) لهم: {إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ} قلنا: هذا الإطناب في إيجاز قوله: {إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ} (¬3) [البقرة:30]. {غَيْبَ السَّماواتِ:} مكنوناتها (¬4). {ما تُبْدُونَ:} تظهرون (¬5). {وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ:} تخفون وتسرّون (¬6). وإنّما لم يقل: (ما كنتم تبدون)، وقال (¬7): (ما كنتم تكتمون)؛ لأنّه أراد إبداءهم العجز في الحال وكتمانهم من قبل كراهة الخليفة وحبّ (¬8) المكث في الدّنيا (8 ظ) على وجه الأرض، وقيل (¬9): أراد به كتمان إبليس من قبل عزم العصيان والطّغيان والإنكار على ربّه، وقد يسند فعل الواحد إلى الجماعة مجازا، كقوله: {أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ} [يوسف:70]. 34 - {وَإِذْ قُلْنا:} واو الاستئناف، أو لعطف (¬10) قصّة على قصّة. و (إذ): صلة على قول أبي (¬11) عبيدة، وظرف على قول غيره (¬12). ¬
والسّجود (¬1): ميل القامة إلى الأرض، قال حميد (¬2): [من المتقارب] فضول أزمّتها أسجدت … سجود النّصارى لأربابها وفي الشّرع: عبارة عن وضع الجبهة على الأرض تواضعا لله تعالى، وخضوعا بين يديه، منهيّ عنه لغير الله، وكان غير منهيّ عنه في القديم تحيّة للأنبياء (¬3) أو بعضهم عليهم السّلام، كما في قصّة آدم، وقصّة يوسف: {وَخَرُّوا (¬4)} لَهُ سُجَّداً [يوسف:100] (¬5). {فَسَجَدُوا إِلاّ إِبْلِيسَ:} قيل (¬6): استثناء منقطع؛ لأنّ إبليس لم يكن من الملائكة لقوله تعالى: {كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ} [الكهف:50]، ولأنّه (¬7) مخلوق من النار وله نسل وذرّيّة (¬8). ومتّصل على قول الآخرين (¬9) لقوله: {وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اُسْجُدُوا لِآدَمَ} فلو لم يكن منهم لم يتوجّه عليه الخطاب، ولو لم يتوجّه عليه الخطاب (¬10) لما لزمه الذمّ والتكبّر، ولما كان (¬11) أبيّا أمر ربّه، وإنّما قال: (كان من الجنّ)؛ لأنّه كان من (¬12) خزان الجنان، فاشتقّ لهم اسم من الجنّة (¬13)، وأمّا الذرّيّة فقد حصلت له بعد المسخ، ويجوز تناسل الممسوخ عند أكثر النّاس (¬14). وهو (إفعيل) من: أبلس (¬15)، أي: يئس من رحمة الله (¬16)، وقيل (¬17): إنّه اسم أعجميّ لذلك لا ينصرف. ¬
{أَبى وَاِسْتَكْبَرَ:} امتنع وتعظم في نفسه (¬1). {وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ:} حين عزم (¬2) على العصيان والطغيان والإنكار على ربّه، وقيل (¬3): صار من الكافرين، وقيل: إنّه لم يزل في رتبة الكافرين لمقت الله عينه. 35 - {وَقُلْنا يا آدَمُ:} نداء مفرد مبنيّ على الضمّ لمشابهته (قبل) و (بعد) (¬4). {اُسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ:} أي: انزلها (¬5) واتّخذها مسكنا وأقم بها، كقوله: {وَقُلْنا [مِنْ بَعْدِهِ] (¬6)} لِبَنِي إِسْرائِيلَ اُسْكُنُوا الْأَرْضَ [الإسراء:104]، {وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اُسْكُنُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ} [الأعراف:161]. وحقيقة السكون ما يضادّ الحركة (¬7). و (أنت) للتّأكيد (¬8)، كقوله: {اِذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ} [طه:42]، وقوله: {فَإِذَا اِسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ} [المؤمنون:28]. وإنّما اقتضى هذا التّوكيد عطف الظّاهر المرفوع على الضّمير المرفوع في الفعل، إذ ليس يجوز ذلك عند البصريين إلا بالتّأكيد بضمير مرفوع منفصل، أو بنوع فاصل كقوله: {لَوْ (¬9)} شاءَ اللهُ ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا [الأنعام:148]، ولم يقل: وآباؤنا (¬10). (وزوجك): حوّاء، سمّيت حوّاء؛ لأنّها خلقت من شيء حيّ (¬11). وسمّيت جنّة الثواب (¬12) جنّة؛ لأنّها أخفيت، أو لأنّ الغالب فيها الجنان والأشجار، فدخلت الأقضية في الاسم تبعا (¬13). {رَغَداً:} واسعا من النعم التي لا تقدير (¬14) فيه. ¬
{حَيْثُ:} اسم ظرف ينطلق على الزمان والمكان، وههنا للمكان تقديره: من حيث شئتما الأكل منه (¬1). وبني على الضمّ لتضمّنه معنى الجمع (9 و) لإبهامه وتعرّيه عن الاستفهام ك (نحن)، بخلاف (¬2) (أين) و (كيف). {وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ:} وهي شجرة السنبلة عن ابن عبّاس وأبي مالك وعطيّة ووهب وقتادة (¬3)، وشجرة العنب عن ابن مسعود والسدّي وجعدة (¬4) بن هبيرة وإحدى الروايات عن ابن عبّاس، وشجرة العلم عن الكلبيّ (¬5)، يعني علم الخير والشرّ (¬6). {فَتَكُونا:} نصب على جواب النهي بالفاء (¬7)، ويجوز أن يكون جزما على العطف (¬8) على قوله: (ولا تقربا هذه الشجرة). وإنّما اقتضى النهي جوابا مع استعماله بنفسه، وكذلك الأمر، لوجوب الجزاء عند ارتكاب النهي والائتمار بالأمر، فصارا من هذا الوجه كالشرط (¬9). وإنّما لم يقل: ظالمين، لوفق رؤوس الآي. والظلم: العدول عن الصواب (¬10). 36 - {فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ:} أوقعهما في الزّلل وحملهما عليه (¬11). وقرئ (¬12): (فأزالهما ¬
الشيطان)، أي: نحّاهما (¬1). والشيطان ههنا هو إبليس لعنه الله (¬2). {عَنْها:} عن الوصيّة على (¬3) القراءة الأولى، وعن الجنّة على القراءة الأخرى (¬4). {فَأَخْرَجَهُما:} خلّى المكان عنهما. ولم يكن إبليس قادرا على الإخراج، ولكن لمّا حصل خروجهما بسبب وسوسته أسند إليه، كما يقال: نفع الدّواء، وقتل السّمّ (¬5). {مِمّا كانا فِيهِ:} من النعيم (¬6). {وَقُلْنَا:} واو العطف. {اِهْبِطُوا:} انزلوا (¬7). والهبوط ضدّ الصعود (¬8). {بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ:} خطاب لآدم وحوّاء والحيّة (¬9) وإبليس وطاووس؛ لأنّ حيّة دخلت بإبليس في الجنّة، وهي كانت تخدم آدم وحوّاء في الجنّة، ولها قوائم وصورة حسنة. ويروى أنّ إبليس طلب الوصول إلى آدم من خزان الجنّة (¬10) فأبوا عليه إلا الطاووس فإنّه دلّه إلى الحيّة، فأتاها وطلب منها الوصول فمكّنته حتى اختفى في لحييها (¬11) فدخلت به إليهما، ولم يشعر به سائر الخزنة، فمسخ الله الحيّة وسلب قوائمها، وجعل أكلها التراب، وأخرجها والطاووس من الجنّة، وقال للجميع: اهبطوا بعضكم لبعض عدوّ (¬12). وقيل (¬13): خطاب لآدم وحوّاء ومن في صلبه، كقولك لإنسان: كأنّي بك وقد تزوّجت وولد أولاد وكثرتم، إذا فيدخل أولاده في الخطاب ولم يكونوا بعد. ثمّ إنّ أكل آدم إنّما كان طمعا في القرب من الله تعالى بالبقاء في جواره، أو (¬14) القدرة على عبادة الله كملائكة الله، وكان ذلك عند غلبة الحرص وزوال التمالك، قال الله تعالى: {وَلَمْ نَجِدْ} ¬
{لَهُ عَزْماً} [طه:115]. فإن قيل: هل يجوز أن يعتقد نبيّ بأنّ الله (¬1) تعالى نهاه عمّا فيه صلاحه؟ قلنا: يجوز بأن يعتقد أنّ (¬2) الله تعالى نهاه عمّا فيه صلاح من وجه وفساد من وجه، كقتل موسى القبطيّ حيث صار سببا لملاقاته شعيبا ومفارقته فرعون، وكشرب أبي طيبة الحجّام دم النبيّ صلّى الله عليه وسلّم صار سببا لحرمة جسمه (¬3) على النار، والله تعالى قال: {فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنّاسِ} [البقرة:219]، فكذلك ظنّ آدم عليه السّلام نوع صلاح في المنهيّ عنه بغرور إبليس عليه اللعنة من غير أن ظنّ (¬4) المحال بالله. {عَدُوٌّ:} مبغض (¬5). {وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ:} موضع قرار واستقرار (¬6). {وَمَتاعٌ:} منفعة (¬7). وهو اسم لما يتمتّع وينتفع به من حياة أو ملبوس أو مطعوم أو مشروب أو غير ذلك (¬8). {إِلى حِينٍ:} منتهى الآجال وقيام الساعة (¬9). وإنّما ذكر ذلك لينبّههم بالتوقيت على زوال الدنيا، فلا يركنوا إليها (¬10). 37 - {فَتَلَقّى:} تلقّى: أخذ (¬11) وأصاب، وفي اللغة قريب من الاستقبال، نهى صلّى الله عليه وسلّم عن تلقّي الركبان (¬12)، أي: عن استقبالهم. واختلفوا في الكلمات، فعن ابن عبّاس والسدّي وأبي العالية وقتادة أنّ آدم (¬13) قال: يا ربّ ألم تخلقني بيدك؟ قال الله تعالى: بلى، قال: يا ربّ ألم تنفخ فيّ من روحك؟ قال: بلى، قال: ألم ¬
تسكنّي جنّتك؟ قال: بلى، قال: يا ربّ ألم تسبق رحمتك غضبك؟ قال: بلى، قال: أرأيت إن تبت وأصلحت أراجعي أنت إلى الجنّة؟ قال: بلى، وهو قوله: {فَتَلَقّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ} (¬1). وعن عبيد بن عمير هي قوله: يا ربّ خطيئتي التي أخطأتها أشيء كتبته عليّ قبل أن تخلقني أم شي ابتدعته من قبل نفسي؟ فقال الله عزّ وجلّ: بل (¬2) شيء كتبته عليك قبل أن خلقتك (¬3)، قال: فكما كتبته عليّ فاغفر لي (¬4). وعن الحسن وقتادة وابن زيد أنّها قوله: {رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا،} الآية [الأعراف:23] (¬5). وعن مجاهد هي قوله: اللهمّ لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك، ربّ إنّي ظلمت نفسي فاغفر لي فإنّك أنت خير الغافرين، اللهمّ لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك، ربّ إنّي ظلمت نفسي فارحمني فإنّك أنت خير الراحمين، اللهمّ لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك، ربّ إنّي ظلمت نفسي فتب عليّ إنّك أنت التوّاب الرحيم (¬6). وقيل (¬7): هي قوله حين عطس فحمد: يرحمك ربّك. وقيل: هي قوله: {فَإِمّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ، (¬8)} الآية [البقرة:38]. وقيل: إنّها قوله: {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنَا الْمُرْسَلِينَ،} الآية [الصافات:171]. وقيل: إنّها قوله: {إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} [البقرة:30]. وقيل: إنّها جميع ما ذكرنا. {فَتابَ عَلَيْهِ:} قبل توبته، والتّوب: العود والرّجوع (¬9). وإنّما لم يقل: عليهما؛ لأنّ آدم (¬10) استغفر لنفسه ولحوّاء، فإذا ثبت استجابة دعوته ثبت غفران حوّاء. و {التَّوّابُ:} كثير المراجعة، أي (¬11): قبول توبة التائبين. ¬
38 - {قُلْنَا اِهْبِطُوا مِنْها:} كرّر الهبوط؛ لأنّ الأوّل كان من الجنّة إلى السماء في ما يروى، والثاني من السماء إلى الأرض (¬1). وقيل (¬2): لتبيين الحال التي يقع عليها الهبوط؛ هذا الهبوط على أنّ من {تَبِعَ هُدايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ،} والهبوط الأوّل على عداوة بعضهم لبعض، فلمّا كان لهم حالتان عند الهبوط (10 و) ذكر الهبوط مرّتين، كقولك: اذهب إلى فلان سريعا وقل له كذا وكذا اذهب مخفيا. وقيل (¬3): للتوكيد. وقيل (¬4): لأنّه خطاب خاصّة؛ لأنّه يعقبه (¬5) قوله: {فَإِمّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً.} وهو خطاب لهما والمراد ذرّيّتهما (¬6). (فإن يأتكم) (¬7): ودخول النون في الشرط للتأكيد لمراعاة اللفظ؛ لأنّ حرف (ما) يشبه حروف القسم؛ لأنّ له حظّا في القسم بدليل أنّه يجاب به عن القسم فيقال: والله ما قام زيد (¬8). وقيل (¬9): الجزاء إذا جاء في الفعل معها (¬10) النون الثقيلة أو الخفيفة لزمتها (ما) للتأكيد. وفتحت الياء لالتقاء الساكنين عند سيبويه (¬11)، وعند غيره كاسمين ركبا مثل: خمسة عشر. {مِنِّي هُدىً:} كتاب ورسول (¬12)، وقيل (¬13): وحي وشريعة. قال القتبي: في التوراة: أنزل الله على آدم عليه السّلام تحريم الميتة والدم ولحم الخنزير وحروف المعجم في إحدى وعشرين ورقة هو أوّل كتاب كان في الدنيا حذا (¬14) الله عليه الألسنة كلّها. {فَمَنْ تَبِعَ:} شرط ثان جوابه {فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ،} فصار الجملة جزاء للشرط الأوّل (¬15). ¬
و (تبع) و (اتّبع) بمعنى (¬1). {فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ:} في ما يستقبلهم من العذاب (¬2)، وقيل (¬3): إذا ذبح الموت. {وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ:} بالدوام على ما خلفوا من أهوال الدنيا (¬4)، وقيل (¬5): إذا طبقت النار. ويقال: لا خوف عليهم أن يحشروا يوم القيامة في طاعة الله ولا هم يحزنون يوم تكون وجوههم مسفرة ضاحكة مستبشرة (¬6). والحزن نقيض السرور (¬7). 39 - {وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا:} جمع بين الكفر والتكذيب للتأكيد (¬8). {بِآياتِنا:} بمحمّد والقرآن (¬9). ثمّ ذكر منّته على بني إسرائيل. 40 - {يا بَنِي إِسْرائِيلَ:} "يا أولاد يعقوب" (¬10)، يعني: بني قريظة والنّضير (¬11). وسمّي إسرائيل؛ لأنّه كان أساسا للأسباط ومن بعدهم إلى عيسى عليه السّلام، و (إسرو) (¬12) بالعبرانيّة هو الأساس (¬13)، و (إيل) اسم الله، وكذلك (إيلوهيم)، يعنون: أساس الله تعالى تشريفا له وتعظيما ك: {كِتابَ (¬14)} اللهِ [النساء:24]، و {ناقَةَ اللهِ} [الشمس:13]، ثمّ لم يكن في لغة العرب ضمّة مشبعة معجمة منحوّا فيها نحو الألف، كما قالوا مكان (إشموئيل): إسماعيل. {اُذْكُرُوا:} واشكروا واحفظوا (¬15)، أي: كونوا ذاكرين شاكرين ولا تتركوا طاعتي (¬16). ¬
والذّكر ما يضادّ النّسيان، وقد يكون ضدّ السكوت (¬1). وظاهر (¬2) الأمر يقتضي الوجوب لجواز انتفاء لفظ الأمر عن (¬3) غير الواجب. ولفظ (افعل) (¬4) يحتمل عشرة معان منها: الإيجاب كقوله: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ} [البقرة:43] (¬5)، والإرشاد كقوله: {وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ} [البقرة:282]، والإباحة كقوله: {فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ} [الجمعة:10]، والإعجاز كقوله: {فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ} [البقرة:23] (¬6)، والتّهديد كقوله: {اِعْمَلُوا (¬7)} ما شِئْتُمْ [فصّلت:40] (¬8)، والسّؤال كقوله: {وَاُعْفُ (¬9)} عَنّا وَاِغْفِرْ لَنا [البقرة:286] (¬10)، والنّدب كقوله: {فَكاتِبُوهُمْ} [النور:33]، والحثّ على الاعتبار كقوله: {فَانْظُرْ (¬11)} كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ [الزخرف:25]، والإكرام كقوله: (10 ظ) {اُدْخُلُوا (¬12)} الْجَنَّةَ [الأعراف:49]، والامتنان كقوله: {فَامْشُوا فِي مَناكِبِها} [الملك:15]. والظاهر من الجميع الإيجاب، وإنّما يحمل على غيره بدليل، ثمّ (¬13) هذا اللفظ يكون أمرا لمن هو دونه في الرّتبة لصيغته (¬14) ولا يشترط إرادة الأمر؛ لأنّ الله تعالى أمر بذبح ابن إبراهيم ولم يرده، ولأنّ الإرادة انفصلت (¬15) عن الأمر، يقال: أريد أن تفعل (¬16) كذا ولكن لا آمرك به، فيفيد الإيجاب دون كونه مرادا لعدم الإرادة في النهي. {نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ:} منّتي التي مننت على آبائكم بالكتاب والرسول والمنّ ¬
والسلوى والنجاة من فرعون والغرق، ورزقتهم (¬1) من الطيّبات، وفضّلتهم على عالمي زمانهم (¬2). {وَأَوْفُوا بِعَهْدِي:} أتمّوا عهدي الذي أخذت عليكم في هذا النبيّ الأمّيّ (¬3)، وقيل (¬4): فرائضي التي فرضت عليكم. والإيفاء والوفاء بمعنى (¬5). والعهد: الوصيّة (¬6). (أوف): مجزوم لأنّه جواب الأمر (¬7). {فَارْهَبُونِ:} "فخافون في نقض العهد" (¬8)، وقيل (¬9): فاخشوا من عذابي في كتمان نعت محمّد صلّى الله عليه وسلّم وصفته. وسقطت الياء لتساوي الفواصل (¬10). 41 - {بِما أَنْزَلْتُ:} بالكتاب الذي أنزلت جبريل به (¬11). {مُصَدِّقاً:} موافقا بالتوحيد وصفة محمّد صلّى الله عليه وسلّم وببعض الشرائع لما معكم من التوراة (¬12). و {مَعَكُمْ} ظرف يقتضي المقارنة في الغالب، وهو صلة (¬13) ل (ما). {وَلا تَكُونُوا:} معشر قريظة والنّضير (¬14) {أَوَّلَ:} حزب أو قبيل (¬15) أو فريق {كافِرٍ بِهِ:} بمحمّد والقرآن (¬16). وقال الفرّاء (¬17): تقديره: أوّل من كفر به. ¬
وعن أبي حاتم أنّه اقتصر بالتأكيد الذي في لفظة (أوّل) عن تثنية اللفظة وجمعها، كقوله: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنّاسِ} [آل عمران:96]. فإن قيل: كيف نهاهم عن أن يكونوا أوّل كافر به وقد كفرت به (¬1) قريش من قبل؟ قلنا: المراد به أوّل من كفر من بعدهم متابعا لهم كقوله: {وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام:163] (¬2)، ويحتمل عند حادثة بعينها. {وَلا تَشْتَرُوا:} تختاروا (¬3). {بِآياتِي} بكتمان نعت محمّد وصفته (¬4). {ثَمَناً قَلِيلاً:} عوضا يسيرا من المأكل والهدايا من أهل اليسار (¬5)، وقيل (¬6): حبّ الرّياسة؛ لأنّهم كانوا متبوعين ولو آمنوا لصاروا أتباعا. و (الآيات): علامات خروج نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم في التوراة. و (الثّمن): اسم للبدل في البيع (¬7). و (القليل): ضدّ الكثير (¬8). 42 - {وَلا تَلْبِسُوا:} ولا تخلطوا (¬9)، كقوله: {لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْباطِلِ} [آل عمران:71]، {وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ} [الأنعام:82]، {أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً} [الأنعام:65]. {الْحَقَّ بِالْباطِلِ:} "الصدق بالكذب" (¬10). وهو صفة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بصفة الدجّال (¬11)، وتحرّفون التوراة عن مواضعه (¬12). وإنّما سمّى الصدق حقّا والكذب باطلا؛ لأنّ معنى الصدق ما تحقّق كونه، ومعنى الكذب ¬
ما عدم كونه، وتحقيق الشيء إثباته (¬1) وإبطاله نفيه. {وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ:} معطوف على النهي مجزوم (¬2)، وإن شئت جعلته منصوبا على الصّرف (¬3). "و (الكتمان): الإخفاء" (¬4). {وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ:} تحريفه (¬5) وكتمانه. وقيل: تعلمون الذي (11 و) بشّر به موسى وعيسى والنبيّون من قبل (¬6). قال قتادة (¬7): تعلمون أنّ الإسلام دين الله. 43 - {وَآتُوا الزَّكاةَ:} أعطوها إذا وجبت عليكم (¬8). والزّكاة في اللغة: نموّ الخير، يقال: زكا (¬9) الزرع، إذا نما، وفي الشرع: عبارة عن جزء معهود من النّصاب يعتبر فيه الحول. وإنّما سمّي زكاة لأنّ الله تعالى يكثر وينمي ثواب مؤدّيها (¬10)، وقيل (¬11): لوقوع التزكية بها، قال الله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها} [التوبة:103]. {وَاِرْكَعُوا مَعَ الرّاكِعِينَ:} أي: صلّوا الصلوات الخمس مع محمّد وأصحابه في الجماعات (¬12). والركوع في اللغة: الانحناء (¬13)، وفي الشرع (¬14): انحناء معهود في الصلاة. وفي الآية دليل أنّ الكفّار مخاطبون بالشرائع بشرط تقديم الإيمان، وإليه ذهب كثير من ¬
أصحابنا (¬1)، فإن قيل: لو كانوا مخاطبين لما سقط القضاء عنهم كالمسلمين، قلنا: القضاء فرض مبتدأ لا يتبع المقضيّ كفوت الجمعة وفوت صلاة الحائض لا إلى قضاء (¬2). ومن قال: الكفّار غير مخاطبين بالشرائع (¬3)، قال: نزلت الآية في شأن المؤمنين من بني إسرائيل، ويجوز أن يقول للمؤمنين: آمنوا. 44 - {أَتَأْمُرُونَ النّاسَ:} السّفلة. {بِالْبِرِّ:} بالتّوحيد واتّباع محمّد (¬4). {وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ (¬5)}: تتركون، فلا تتّبعونه. {تَتْلُونَ:} تقرؤون (¬6). {الْكِتابَ:} التوراة والإنجيل (¬7). {أَفَلا تَعْقِلُونَ:} تفهمون أنّه حقّ فتؤمنوا به (¬8). " (البرّ): ضدّ الفجور" (¬9). و (النّسيان) ههنا التّرك، قال الله تعالى: {نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ} [التوبة:67] (¬10). و (النّفس): الذّات (¬11). و (التّلاوة): القراءة (¬12)، وسمّي بذلك لأنّ القارئ يتلو الحروف المنتظمة في الكلام، أي: يتبعها (¬13). و (العقل): نوع فهم يقع به التمييز والاستدلال بالمشاهدة على ما لم يشاهد، وموضعه القلب، ¬
ونظامه بالدّماغ (¬1)، وبه تعلّق الأمر والنّهي، والثّواب والعقاب إذا انضمّت إليه القدرة (¬2). 45 - {وَاِسْتَعِينُوا:} واسألوا الله التوفيق والإعانة على أداء الفرائض {بِالصَّبْرِ} على كفّ المعاصي بأداء الفرائض، وكثرة الصلوات على تمحيص (¬3) الذنوب. {وَإِنَّها:} يعني: الاستعانة (¬4)، وقيل: الصلاة (¬5). {لَكَبِيرَةٌ:} لثقيلة (¬6)، كقوله: {إِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقامِي} [يونس:71]، وقال: {كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ} [الشورى:13]. {إِلاّ عَلَى الْخاشِعِينَ:} المتواضعين (¬7). (الاستعانة): طلب العون (¬8)، ولا بدّ من مستعين ومستعان به ومستعان عليه. و (الصبر): الحبس (¬9) على المكاره، أو عن الشهوات (¬10). والكناية قد ترجع (¬11) إلى المذكورين حقيقة، كقوله: {إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً فَاللهُ أَوْلى بِهِما} [النساء:135]، {وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَبَثَّ مِنْهُما} [النساء:1] (¬12). وقد ترجع (¬13) إلى أحدهما مجازا، كقوله: {وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ} [التوبة:62]، {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللهِ} [التوبة:34]، {وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً اِنْفَضُّوا إِلَيْها} [الجمعة:11] (¬14). والحقيقة ما لا إشكال في وجهه، ولم يصرف عن ظاهره (¬15). والمجاز ما توسّع الناس فيه ¬
لفظا، واصطلحوا عليه، واستجازوه (11 ظ) إمّا ضرورة كتسمية الرجل كلبا أو أسدا، وإمّا اختيارا للتخفيف والعادة كقولهم: طلع الفجر، وأظلم الليل، ونبت الشجر (¬1). والإطناب (¬2) كقولنا في المصائب: انكسر الصّلب، وفي العشق: تقطّع القلب، وفي السرور: قرّت العين. والتفاؤل (¬3) كتسمية الغلام يمنا وسعدا. وهو من البلاغة في الرسائل والخطب والقصائد إذا عري عن التأكيد وعرف منه مراد المريد. 46 - ثمّ نعت (الخاشعين) (¬4): {الَّذِينَ يَظُنُّونَ:} يعلمون ويستيقنون (¬5)، كقوله: {وَأَنّا ظَنَنّا أَنْ لَنْ نُعْجِزَ اللهَ} [الجنّ:12]، و {إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ} [الحاقّة:20]. {وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ راجِعُونَ:} في الآخرة للمجازاة (¬6)، وقيل (¬7): إلى حكمه عائدون، يعني: حال (¬8) التعرّي عن المكاسب والدعاوى والمعذرة، وحال التسليم والاستسلام. والظنّ من الأضداد يطلق على معنى اليقين وحقيقة العلم، ويطلق على معنى الحسبان (¬9) وهو مجاوزة الشكّ قليلا والميل إلى أحد النقيضين (¬10). 47 - {يا بَنِي إِسْرائِيلَ اُذْكُرُوا:} للإطناب والتأكيد (¬11). ومن البلاغة عند العرب العدول عن الإطناب إلى الإيجاز، وعن الإيجاز إلى الإطناب، وعن التجنيس إلى الإطباق، وعن الإطباق إلى التجنيس، وعن التصريح إلى التعريض، وعن التعريض إلى التصريح، وترك (¬12) لزوم الفنّ الواحد من هذه الفنون. والله تعالى أنزل القرآن على نظم هو غاية الفصاحة عندهم على ما تعارفوه واعتادوه، بلسان عربيّ مبين. ونظائر التّكرار قوله في الرحمن: {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ} (¬13) [الرحمن:13]، وقوله ¬
في القمر: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} (¬1) [القمر:17]، وقوله في المرسلات: {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ} (¬2) [المرسلات:15]، وقوله: {أَوْلى لَكَ فَأَوْلى (34) ثُمَّ أَوْلى لَكَ فَأَوْلى} (¬3) [القيامة:34 - 35]، وقوله: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً} [الشرح:5 - 6]، وقوله: {كَلاّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ (3) ثُمَّ كَلاّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ} (¬4) [التكاثر:3 - 4]، وقوله: {لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ} (¬5) [الكافرون:2]. {وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ:} بالكتاب والرسول والإسلام على عالمي زمانكم (¬6). وقيل (¬7): فضّلتكم بإنزال المنّ والسّلوى، وتتابع الأنبياء، وفرق البحر، والملك العظيم. وقيل (¬8): تفضيلهم على سائر الحيوانات كقوله: {إِنَّ اللهَ اِصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً،} الآية [آل عمران:33]، {وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ،} الآية [الإسراء:70]، وتخصيصهم ههنا؛ لأنّهم هم المخاطبون بهذا الخطاب. والتفضيل هو التصيير ذا فضيلة، والفضيلة (¬9) هي الخصلة التي يترجّح بها الشيء على غيره (¬10). 48 - {وَاِتَّقُوا يَوْماً:} عذاب يوم (¬11)، أو (¬12) حساب يوم. {لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ:} لا تشفع (¬13) نفس كافرة ولا نفس مؤمنة لنفس كافرة (¬14)، لقوله (¬15): {لا يَمْلِكُونَ الشَّفاعَةَ إِلاّ مَنِ اِتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً} [مريم:87]، {يَوْمَئِذٍ لا} ¬
{تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ إِلاّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ} [طه:109]، وقال صلّى الله عليه وسلّم: (شفاعتي لأهل الكبائر من أمّتي) (¬1). وإنّما لم يقل: (لا تجزي فيه نفس)؛ لأنّ اليوم إذا أضيف إلى الفعل حذف منه (¬2) (فيه) كقوله: {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ} (12 و) {وَلا بَنُونَ} [الشعراء:88]، {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظّالِمُ عَلى يَدَيْهِ} [الفرقان:27]، {يَوْمَ يَقُومُ الْحِسابُ} [إبراهيم:41]، وهذا قول الأخفش (¬3). وقيل: انتصاب الظرف يشبه بالمفعول، كقولك (¬4): صمت يوما ويوما صمته، وقمت ليلة وليلة قمتها، فتقديره: واتّقوا يوما لا تجزيه نفس، ثمّ أسقط الضمير كما أسقط عن صلة الموصول كقوله: {وَآمِنُوا بِما أَنْزَلْتُ} [البقرة:41]، وقوله: {بَعَثَ اللهُ رَسُولاً} [الفرقان:41] (¬5). {شَيْئاً:} نفعا، مصدر (¬6)، وقيل: قائم مقام اسم محذوف تقديره: جزى يجزي، أي: أسقط (¬7) واجبا أو دينا أو حقّا (¬8)، وعلى (¬9) لغة تميم: أجزى يجزي عقابا أو ملاما أو وزرا. {وَلا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ:} ولا (¬10) يشفع لها شافع (¬11). {وَلا يُؤْخَذُ:} "لا يقبل" (¬12). {مِنْها عَدْلٌ:} فداء (¬13)، لو جاء الكافر بعدل نفسه لا يقبل منه (¬14). {وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ:} يمنعون ممّا نزل بهم من العذاب (¬15). (القبول): التمكين والارتضاء (¬16). ¬
و (الشفاعة): الاستيهاب والاستعتاب. و (الشفيع): الذي يصير شفعا (¬1) للمجرم في الاستعتاب. "و (الأخذ): القبض" (¬2). و (العدل): الفداء (¬3)، قال الله تعالى: {وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لا يُؤْخَذْ مِنْها} [الأنعام:70]. و (النصر): المنع (¬4)، كقوله: {وَيا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ (¬5)} اللهِ [هود:30]، وقد يكون بمعنى الإعانة، قال الله تعالى: {مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ} [آل عمران:52] (¬6). 49 - {نَجَّيْناكُمْ:} "خلّصناكم" (¬7). {مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ:} من عبوديّة فرعون وآله (¬8)، كقوله: {فَقَدْ (¬9)} آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ [النساء:54]، {وَيَوْمَ تَقُومُ السّاعَةُ (¬10)} أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ [غافر:46]، وقال صلّى الله عليه وسلّم: (إنّا آل محمّد لا تحلّ لنا الصّدقة) (¬11)، وقال: (اللهمّ صلّ على آل أبي أوفى) (¬12). وأصل (الآل): الأهل، فقلبت الهاء همزة كما في (هيّاك) و (هراق)، ثمّ أبدل من الهمزة الساكنة ألفا ك (آخر) و (آدم) (¬13). وتصغير الآل: أهيل إلا عند الكسائي فإنّ عنده: أويل (¬14). وآل الرجل: من يؤول إليه ويؤولون إليه، ويعتمد عليه ويعتمدون عليه من الذرّيّة والعشيرة والأتباع (¬15). و (فرعون): اسم (¬16) لأيّ ملك من ملوك العمالقة ك (قيصر) في الرّوم و (خاقان) في ¬
التّرك، واسم المراد ههنا: الوليد بن مصعب (¬1). {يَسُومُونَكُمْ:} يولونكم (¬2)، وقيل (¬3): يعذّبونكم. وإن جعلت (يسومونكم) في موضع الحال يكون (¬4) معناه: سائمين إيّاكم. {سُوءَ الْعَذابِ:} أي: أسوأ العذاب وأشدّ العذاب (¬5). {يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ:} قطعا لنسلكم (¬6). والأقرب أنّه ابتداء كلام (¬7)، ألا ترى أنّه قال في موضع آخر: {يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ وَيُذَبِّحُونَ (¬8)} أَبْناءَكُمْ [إبراهيم:6]، وقيل (¬9): تفسير العذاب. وإنّما قال: (يذبّحون) على التكثير (¬10). "وأصل الذبّح: الشّقّ" (¬11). وأصل (الابن): بنو، نحو: سمو، وقيل: بني، نحو: يدي، وقيل: بنو استدلالا بقولهم: بنون وبنين (¬12). وإنّما انقلب الواو والياء همزة (¬13) لوقوعهما طرفا وقبلهما ألف كالدعاء والعطاء (¬14)؛ لأنّ تقدّم الألف عليه كتقدّم الحرف (12 ظ) المفتوح فصار في التقدير ألفا فلمّا حرّكت انقلبت همزة. {وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ:} يستبقون حياة إناثكم رجاء لخدمتهنّ (¬15)، وهو أشدّ العذاب لمكان ضياعهنّ وبقائهنّ أيامى بلا أكفاء (¬16). ¬
وذلك أنّه (¬1) رأى في المنام أنّ نارا خرجت من قبل بيت المقدس فأحرقت بيوت القبط بمصر، ولم تتعرّض (¬2) لبيوت بني إسرائيل، فاستفتى المعبّرين فأخبروه بخروج نبيّ من بني إسرائيل يولد في تلك الأيّام، فأخذ يقتل غلمانهم حتى خيف الفناء، فكان (¬3) بعد ذلك يذبح سنة ويترك سنة ليقلّوا فلا يغلبوا، ويبقوا فيخدموا، فولد هارون عليه السّلام في السنة التي لم يكن يقتل فيها، وولد موسى في السنة الأخرى، فأوحى الله إلى أمّه إلهاما أن اقذفيه في التابوت فاقذفيه في اليمّ، وكان من أمره ما كان (¬4). {وَفِي ذلِكُمْ:} إنجاء الله إيّاكم من عبوديّة آل فرعون (¬5) {بَلاءٌ:} "نعمة عظيمة" (¬6) {مِنْ رَبِّكُمْ.} وقيل (¬7): وعذاب فرعون وذبحه الغلمان واستحياؤه النساء قهر من ربّكم {عَظِيمٌ} حيث سلّط عليكم. وأصل البلاء: الاختبار، والاختبار قد يكون بالخير والشرّ (¬8)، قال الله تعالى: {وَبَلَوْناهُمْ بِالْحَسَناتِ وَالسَّيِّئاتِ} [الأعراف:168]. وإنّما وصف بعظم لأنّه يصغر بجنبه غيره (¬9). 50 - {وَإِذْ فَرَقْنا:} فلقنا وفصلنا وشققنا (¬10). {بِكُمُ الْبَحْرَ} بعبوركم (¬11) أو لعبوركم بحر قلزوم (¬12)، فكان كلّ فرق كالطّود العظيم. {فَأَنْجَيْناكُمْ} من فرعون ومن الغرق بعد قولكم: إنّا لمدركون (¬13). {وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ:} أهلكناه وآله حين التطم البحر (¬14). {وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ} إلى التطامه عليهم بعد خروجكم منه (¬15)، وقيل (¬16): إلى أشخاصهم (¬17) ¬
بعد ثلاثة أيّام حين لفظهم البحر. وحقيقة النّظر: تعمّد الرؤية، وهو مستعمل في العين والقلب، كالإبصار والرؤية والرأي (¬1). 51 - {وَإِذْ واعَدْنا مُوسى:} وحقيقة الوعد أن يكون للشيء، فإذا كان على الشيء فهو مجاز (¬2)، والمراد به التخويف بالجائز الممكن، كقوله: {الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ} [البقرة:268]، وقال صلّى الله عليه وسلّم في دعائه: (يا من إذا وعد وفى وإذا توعّد عفا) (¬3). و (موسى): اسم أعجميّ أصله: موشي، أي: الماء والشجر؛ لأنّهم التقطوه بين الماء والشجر، فعرّبته العرب (¬4). والموعود ما كان {أَرْبَعِينَ لَيْلَةً} من المناجاة ومشاهدة الملكوت والآيات وإعطاء التوراة (¬5). وقد صام عليه السّلام وتنزّه عن الشهوات مكان (¬6) يوم يوما، ثمّ انطلق إلى الميقات بأمر ربّه. وفيه يقول الله تعالى: {وَواعَدْنا مُوسى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْناها بِعَشْرٍ} [الأعراف:142] (¬7). والدليل على أنّ المراد بالأربعين وقت المناجاة دون وقت صومه أنّ بني إسرائيل عدّوا بعده عشرين يوما وعشرين ليلة ثمّ اتّخذوا العجل (¬8)، وفي ذلك قوله: {أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ} [الأعراف:150]، وفي التوراة: (أربوعين يوم أربوعين يوم أربوعين يوم) (¬9)، فحمل بعضهم على إثبات ثلاث مواقيت (¬10)، وإنّما هو (¬11) تكرار اللفظ للتأكيد (¬12). وحدّ الوعد في اللغة هو الضمان، يقال: هذا الغلام يعد رشدا، وهذه الغداة (13 و) تعد (¬13) بردا، إذا (¬14) كان مضمّنا ذلك، قال الله تعالى: {بِما أَخْلَفُوا اللهَ ما وَعَدُوهُ} [التوبة:77]، أي: ضمنوا له. ¬
{ثُمَّ اِتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ:} من حليّكم (¬1). وإنّما عرّفه لأنّه يعرف بالوصف في سورة طه (¬2)، وقيل (¬3): الألف واللام للمعهود. وإنّما سمّاه عجلا مجازا (¬4). "والعجل ولد البقرة" (¬5). {مِنْ بَعْدِهِ:} من بعد انطلاقه إلى الجبل (¬6). 52 - {ثُمَّ عَفَوْنا عَنْكُمْ:} محونا الذنب عنكم (¬7) من قولك: عفت الريح الأثر (¬8)، وقيل (¬9): تركناكم ولم نستأصلكم بالقتل. {مِنْ بَعْدِ ذلِكَ:} "من بعد اتّخاذكم العجل إلها" (¬10). والكاف في ذلك موحّد؛ لأنّه علامة للخطاب، وليس باسم، ألا ترى لو قال: من ذا، جاز، فإذا جاز إسقاطه جاز توحيده (¬11). {لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ:} لكي تظهروا ثناء الله وتحمدوه على عفوه عنكم، إذ الشكر قضيّة الإحسان سواء أريد أو لم يرد، فما أراد الله كان وما لم يرد لم يكن وهو على كلّ شيء قدير (¬12). 53 - {وَإِذْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَالْفُرْقانَ:} يعني: التوراة، عن مجاهد، ذكرها باسمين كما يقال: سحقا وبعدا (¬13). ويقال (¬14): الكتاب: التوراة، والفرقان: نعته، والواو زائدة، قال الله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى وَهارُونَ الْفُرْقانَ وَضِياءً وَذِكْراً لِلْمُتَّقِينَ} [الأنبياء:48]. وقيل (¬15): الفرقان: النصرة على فرعون، كقوله: {يَوْمَ الْفُرْقانِ يَوْمَ اِلْتَقَى الْجَمْعانِ} [الأنفال:41]، ¬
يعني: يوم (¬1) بدر. وقيل (¬2): الفرقان: فرق البحر. وهو مصدر كالخسران والرّجحان (¬3). وقال قطرب (¬4): أعطينا موسى التوراة كما أعطينا محمّدا الفرقان، كأنّه خاطب عبد الله بن سلام فقال: قد أعطيناكم علم موسى ومحمّد. وقيل (¬5): أعطينا موسى التوراة (¬6) والفرقان، يعني صحفا كان قبل التوراة وفيه تبيان الحلال والحرام، والأمر والنهي، وغير ذلك. 54 - ثمّ عدل إلى المغايبة فقال: {وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ} بني إسرائيل (¬7). والقوم: اسم للجماعة لا واحد له من لفظه، يطلق على العقلاء خاصّة (¬8). {يا قَوْمِ:} تقديره: يا قومي، إلا أنّه اكتفى بكسرة الميم عن الياء، كما تقول: يا ربّ (¬9). {ظَلَمْتُمْ:} ضررتم بأنفسكم في المآل بسلوك طريق الجور، فقالوا لموسى: فماذا تأمرنا؟ فقال لهم: {فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ:} خالقكم (¬10) من اتّخاذكم العجل إلها (¬11)، قالوا: وما توبتنا؟ قال: {فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ:} ليقتل الذين لم يعبدوا العجل الذين عبدوا العجل (¬12). والقتل: إبطال البنية (¬13) ونقضها. وقيل (¬14): المراد به سلّموا أنفسكم للقتل، فكان الرجل يجلس بفنائه محتبيا لتضرب عنقه، فإن حلّ حبوته أو دافع لم تقبل توبته، وإلا كان كفّارة له، فلمّا كان وقت العشيّة نسخ الله ذلك الحكم ودفع عنهم الإصر. {ذلِكُمْ:} القتل والتوبة (¬15)، أو أحدهما (¬16). ¬
{خَيْرٌ لَكُمْ} من الإباء والعناد (¬1). {عِنْدَ بارِئِكُمْ} أي: في حكمه، كما يقال: عند أبي حنيفة (¬2). ويقال بالعبرانيّة (¬3) مكان قولنا: برأ الله: بوروا (¬4) إيلوهيم. والبريّة في الأصل مهموزة، وهي الخليقة (¬5). 55 - {وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى:} خطاب (13 ظ) للسبعين الذين اختارهم موسى للميقات (¬6) فقالوا: لن نشهد لك (¬7) بالحقّ عند بني إسرائيل إلى أن نرى الله {جَهْرَةً:} معاينة (¬8). وإنّما قالوا: جهرة ليؤكّدوا قولهم، وينفوا إيهام الرؤيا والرؤية بالقلب (¬9). {فَأَخَذَتْكُمُ:} أحرقتكم (¬10). {الصّاعِقَةُ:} العذاب الذي فيه هلاك (¬11). وإنّما عوقبوا لتمرّدهم وامتناعهم عن الشهادة إلى تحصيل منيتهم. {وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ:} إلى الصاعقة حين نزلت، أي: ينظر بعضكم إلى هلاك بعض (¬12). 56 - {ثُمَّ بَعَثْناكُمْ:} "أحييناكم" (¬13) {مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ:} حرقكم وهلاككم (¬14). وهذه الرّجعة مثل رجعة الطيور الأربعة لإبراهيم، ورجعة (عاميل) في قصّة البقرة، ورجعة الذين قال لهم الله: موتوا ثمّ أحياهم (¬15)، ورجعة عزير وحماره، ورجعة الموتى لعيسى، خلاف قول المتناسخة. ¬
57 - {وَظَلَّلْنا عَلَيْكُمُ الْغَمامَ:} أي: وجعلنا (¬1) عليهم الغمام ظلّة. والظّلّ: الستر، والظّلّة: السترة، والفرق بينهما أنّ الشيء يكون تحت الظلّ (¬2) دون الستر، إلا أنّه يقال: الشمس مستظلّة، إذا كانت محتجبة بالسحاب، وفرق آخر أنّ الرائي يتخيّل الظلّ ولا يتخيّل الستر. وجمع الظلّ: ظلال، وجمع الظّلّة: ظلل. والظّليل هو الطيّب، قال الله تعالى: {وَنُدْخِلُهُمْ (¬3)} ظِلاًّ ظَلِيلاً [النساء:57]، وقال في ضدّه: {لا ظَلِيلٍ وَلا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ} [المرسلات:31]. وأظلّك الطائر: إذا حاذاك وقرب منك وألقى ظلّه عليك، أعني ما يتخيّل. ويستعار للشهر والزمان فيقال: أظلّ الشهر والزمان (¬4). والغمام: غيم أبيض، وإنّما سمّي غماما لأنّه يغمّ السماء (¬5) ويسترها، وللقاحه بالماء لأنّه يغمّ الماء في جوفه. وغمغمة السّحاب: صوته. والغمام واحد وجماعة، قال الحطيئة (¬6) يمدح رجلا: [من الطويل] إذا غبت عنّا غاب عنّا ربيعنا … ونسقى الغمام الغرّ حين (¬7) تؤوب و (المنّ) (¬8) كان شيئا من جنس التّرنجبين، و (السّلوى) كان طيرا يشبه السّمانى (¬9)، ولا واحد له من لفظه عند الأخفش (¬10)، وقال الخليل (¬11): الواحد: سلواة، ويقال (¬12): السّلوى: العسل، وقال (¬13): [من الطويل] وقاسمها بالله (¬14) … جهدا لأنتم ألذّ من السّلوى إذا ما نشورها ¬
وإنّما أنعم عليهم بهذه في التّيه حين احتاجوا إلى الطعام وتأدّوا من حرّ الشمس (¬1). والقول (¬2) ههنا مضمر، وتقديره: (وقلنا: كلوا من طيّبات) (¬3)، كقوله: {كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ كُلُوا وَاِشْرَبُوا} [البقرة:60]، وقوله: {مِنْ كُلِّ بابٍ (23) سَلامٌ عَلَيْكُمْ} [الرعد: 23 - 24]، [وقوله:] (¬4) {فَأَمَّا الَّذِينَ اِسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ} [آل عمران:106] (¬5)، وقال امرؤ القيس (¬6): [من الطويل] أفاطم مهلا بعض (¬7) … هذا التدلّل وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي و" (من) للتبعيض" (¬8). والطّيّب: ما لا تعافه طبعا، ولا تكرهه شرعا (¬9)، وكان غير الطيّب من رزقهم ما رفعوا للغد؛ لأنّهم كانوا منهيّين عنه إلا في يوم الجمعة للسبت (¬10). (14 و) وههنا اختصار وتقديره: فعصوا {وَما ظَلَمُونا:} بعصيانهم (¬11). وإنّما لم يقل: ولكن كانوا يظلمون أنفسهم (¬12)؛ لأنّ ذكر (¬13) المظلوم كان أهمّ (¬14). 58 - {وَإِذْ قُلْنَا اُدْخُلُوا:} الوحي كان إلى يوشع بن نون، وهو ابن أخت موسى، ووزيره (¬15) بعد هارون، وهو أحد النّقباء الذين قال الله تعالى [فيهم] (¬16): {وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اِثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً} [المائدة:12]. وجملة قصّة بني إسرائيل أنّ الله تعالى لمّا أنجاهم من فرعون، وفرق بهم البحر أتوا على قوم ¬
يعكفون على أصنام لهم، فقالوا (¬1): يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة، قال: أغير الله أبغيكم إلها، ثمّ كان انطلاق موسى إلى الميقات، ثمّ اتّخاذهم العجل، ثمّ التوبة، ثمّ رجوعهم إلى ما أورثهم (¬2) الله تعالى ممّا أخرج منه آل فرعون من جنّات وعيون وكنوز ومقام كريم، وهناك حديث حادثة البقرة (¬3)، والخرجة إلى مجمع البحرين مع يوشع، وخسف قارون في إحدى الرّوايتين. ثمّ خرج بهم موسى عليه السّلام إلى قتال الجبابرة وقال لقومه: ادخلوا الأرض المقدّسة، فقالوا (¬4): {فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا} الآية [المائدة:24]، فغضب عليهم، وقال: {رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلاّ نَفْسِي وَأَخِي،} الآية [المائدة:25]، ثمّ أخذ عصاه وتشمر وخرج من بينهم، فلقي عوج بن عنق، فوثب وثبة وضربه بعصاه فأصاب كعبه، فخرّ (¬5) عوج ميتا، ففرح موسى، ورجع إلى قومه وبشّرهم بذلك، وحرّضهم على الإقدام، فإذا الله تعالى حرّمها عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض، ثمّ إنّ الله تعالى ظلّل عليهم الغمام في التّيه، وأنزل عليهم المنّ والسّلوى، وفجّر لهم من الحجر اثني عشر عينا، ثمّ عادوا إلى الكفران والطغيان، وقالوا: {[يا مُوسى] (¬6)} لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ [البقرة:61]، فقال موسى تهديدا وتقريعا: {اِهْبِطُوا مِصْراً (¬7)} فَإِنَّ لَكُمْ ما سَأَلْتُمْ [البقرة:61]، وليس لهم إلى (¬8) ذلك سبيل لحبس الله إيّاهم في التّيه إلى أن توفّى الله هارون وموسى عليهما السّلام، واستأثر (¬9) بهما وهم في التّيه بعد، ثمّ (¬10) قادهم يوشع بن نون بعد ذلك من التّيه إلى قتال الجبابرة، وأخذ الأرض المقدّسة، وفتح (¬11) الله له أريحا ثمّ إيليا ثمّ بلقاء وهي العظمى، وكان بالق ملك الجبابرة (¬12) وبلعم بن باعورا صاحب الاسم الأعظم فيها، فخذلهما (¬13) الله عزّ وجلّ، وفيها أنزلت: {وَاُدْخُلُوا الْبابَ} ¬
{سُجَّداً وَقُولُوا،} وقيل (¬1): نزلت في إيليا وهي آخر بيت المقدس، وباب (حطّة) (¬2) معروفة بها. وفتح الله على يديه بعد ذلك الجبال وسائر بلاد العواصم. و (الدخول) هو الولوج (¬3). و {هذِهِ:} تأنيث. و {الْقَرْيَةَ:} بقعة يجتمع الناس فيها، ويقال للحوض: المقراة والمقرى (¬4)؛ لأنّ الماء يجمع فيه (¬5)، وقرية النمل: جحرها، والمراد بها بلده (¬6). و (الأكل) (¬7) حقيقة: التّلقّف والاستراط (¬8)، ويستعمل في الإنفاق مثل: أكل الدراهم والدنانير، ويستعمل في الاستيلاء قال صلّى الله عليه وسلّم: (أمرت (14 ظ) بقرية تأكل القرى) (¬9)، يعني المدينة. و [إن] (¬10) أراد ههنا الإنفاق والتّوسعة. وقوله: (سجّدا): منحنين (¬11) متواضعين لله عزّ وجلّ (¬12). وروي أنّه صلّى الله عليه وسلّم دخل يوم الفتح مكّة وقد بلغ عثنونه سرجه تواضعا لربّه (¬13). و (حطّة) لفظة تعبّدهم الله تعالى بالتلفظ بها، ومعناها: لا إله إلا الله (¬14)، ورفعت (¬15): ليكن منك حطّة لذنوبنا (¬16)، أو فقلنا: هذا حطّة لذنوبنا (¬17)، مأخوذ من حطّ يحطّ، أي: وضع (¬18). ¬
والغفر (¬1): ستر الذنب، وقيل (¬2): إلباس الغفر (¬3). و (خطايا): جمع خطيئة، كهديّة وهدايا، ومطيّة ومطايا (¬4)، وأصله: (خطائئ) بكسر ك (قلائل) و (طرائق) (¬5)، فلمّا اجتمعت الهمزتان قلبت الثانية ياء، ثمّ فتحت الأولى طلبا للخفّة (¬6). والخطيئة والخطأ اسمان للإثم، وخطئ الرجل، إذا تعمّد غير الصواب، وأخطأ، إذا لم يتعمّد (¬7). و (الزّيادة): المدّ والإنماء (¬8). و (المحسن): ضدّ المسيء (¬9). 59 - {فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا (¬10)}: التبديل: تصيير الشيء بدلا عن شيء (¬11) إمّا بالصرف مثل فرس من فرس أو بالتقليب مثل قميص من عمامة. و (الظلم) ههنا الكفر، كما في قوله: {وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ} [الأنعام:82]، {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان:13]. والمراد ب (القول) (¬12): المقول، كإطلاق اسم العلم للمعلوم، وهو ذكر لا يضادّه النّسيان. و (الرّجز): "العذاب" (¬13)، وقيل (¬14): الطاعون، وهو الموتان، وفي (¬15) اللغة: اسم لمعنى (¬16) غير ¬
مرضيّ، وإنّما كان رجزا لأنّ الإنسان إذا مات في سخط الله قيل: أهلكه (¬1) الله ودمّره، وإذا (¬2) مات في مرضاته قيل: توفّاه الله واستأثر به. {بِما كانُوا:} بسبب كونهم فاسقين (¬3). ويروى (¬4) أنّ السفهاء منهم والمستهزئين قالوا: (حطا (¬5) سمقاثا) يعنون: حنطة سمراء التي يخالطها الشّعير، فسلّط الله عليهم الطاعون أربعين (¬6) يوما جزاء (¬7) لفعلهم. 60 - {وَإِذِ اِسْتَسْقى مُوسى لِقَوْمِهِ:} كسرة الذال (¬8) لالتقاء الساكنين. وفي الآية حروف مضمرة: واذكروا إذ استسقى موسى (¬9). و (الاستسقاء): طلب السقي (¬10)، وهو إنالة (¬11) الشراب أو الشرب (¬12)، ولم يتحقّق ما لم يكن إشرابا. (لقومه): أي: لأجل قومه. و (الضّرب) (¬13) بالعصا كالجلد بالسّوط والقرع بالمقرعة. و (العصا): قضيب طوله على قامة الرجل يتّخذه رعاء (¬14) الغنم والرجالة من المسافرين، قال موسى: {أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها} [طه:18]، فجعلها آية له (¬15). وقيل: طوله كان عشرة أذرع، ¬
على قامة موسى، كانت من آس الجنّة، أعطاه (¬1) شعيب عليه السّلام. و (الحجر): ما تحجّر من أجزاء (¬2) الأرض. قيل: كان حجرا مربعا عليه اثنا (¬3) عشر ثقبا. وروي أنّ موسى عليه السّلام كان يعمد (¬4) إلى أقرب حجر يجده حيثما نزل فيضربه بالعصا، فينفجر بالماء، فقالت بنو إسرائيل: لئن فقد موسى عصاه لمتنا عطشا، فكان يكلّم الحجر بعد ذلك فينفجر بالماء بأمر الله تعالى، فقالوا (¬5): لئن نزلنا في الرمل يوما (¬6) لمتنا عطشا، فرفع موسى حجرا فحيثما نزلوا ألقاه (¬7). وقال ابن عبّاس (¬8): هو حجر خفيف مثل (15 و) رأس الإنسان لمّا نزلوا وعطشوا أمره الله أن يأخذه ويضعه في المخلاة ثمّ يضربه. وروي أنّه كان يضربه اثنتي عشرة ضربة فيتفجّر (¬9) بالماء من (¬10) موضع الضربات. و (العين): اسم يشتمل [على] (¬11) معان كثيرة، والمراد ههنا الينبوع (¬12). "و (الانفجار): الانشقاق" (¬13)، قال الله تعالى: {وَفَجَّرْنا خِلالَهُما نَهَراً} [الكهف:33]، ومنه سمّي الفجر لشقّه الظلام، والفاجر لشقّه غطاء (¬14) المسلمين، وقيل: الانفجار: الانتشار. و {اِثْنَتا عَشْرَةَ:} اسمان (¬15) جعلا اسما واحدا. [{عَيْناً:}] (¬16) نصب على التمييز. و {كُلُّ:} اسم جامع يتناول كلّ واحد على سبيل الإفراد. ¬
و (الأناس): جمع، تقديره: كلّ حزب أو جماعة (¬1). و (المشرب): موضع الشرب (¬2)، كالمذبح والمشهد، وأكثر هذا الوزن في المصادر كالمقتل. وعثي يعثى وعاث يعيث: أفسد (¬3). وجمع اللفظين في معنى (¬4) واحد نهاية في البلاغة، كقوله: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ،} الآية [الحج:30]، وقوله: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ} [عبس:38]، وقوله: {أَمْ يَحْسَبُونَ أَنّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ} [الزخرف:80]، وقال ذو الرّمّة (¬5): [من البسيط] لمياء في شفتيها حوّة لعس … وفي اللّثات وفي أنيابها شنب و {مُفْسِدِينَ:} نصب على الحال (¬6). 61 - {وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ:} " (الطعام): اسم لما يطعم" (¬7)، والمراد به المنّ والسّلوى (¬8)، وإنّما سمّوهما واحدا؛ لأنّهما كانا سماويّين، فكانا (¬9) من جنس واحد، وقيل (¬10): إنّهم كانوا يعجنونهما، وهذا كتسميتك الخبيص طعاما واحدا وإن جمع الحلاوة والسّمن والدّقيق. و (الواحد): اسم (¬11) لعماد الأعداد. و (الدّعاء) (¬12): نظير النّدبة، ودعاؤك من فوقك بمعنى الاستنجاد والاستعانة (¬13). واللام في (لنا) أي (¬14): لأجلنا. و (يخرج): جزم على جواب الأمر (¬15). ¬
واللام في {(لَنا)} للتخصيص كقولك: الثوب لعبدي. و (من) في (ممّا) صلة (¬1)، أو قائم مقام اسم يتضمّنه (¬2). و (الإنبات): تنمية وتربية على بنية قابلة للنّماء (¬3). و {(مِنْ)} في قوله: {مِنْ بَقْلِها} للتفسير (¬4). و (البقل): اسم شامل أجناس الخضراوات من رطاب الأرض (¬5)، واحدها: بقلة (¬6). و (القثّاء): "الخيار" (¬7). و (الفوم) والثّوم: كالجدث والجدف (¬8)، ويقال: زيد فمّ عمرو، أي: ثمّ، قال (¬9): [من المتقارب] وأنتم عبيد لئام الأصول … طعامكم الفوم (¬10) والحوقل وقيل (¬11): الفوم: الحنطة، يقال: فوّموا الناس، أي: اختبزوا، وقيل (¬12): الفوم: اسم للحبوب، قال الشاعر (¬13): [من الكامل] قد كنت أحسبني كأغنى واحد … ورد المدينة عن زراعة فومي و (العدس): حبه يستوي كيله ووزنه، ويقال له: البلسن (¬14). و (البصل): الحوقل، والبرّيّ: العنصل (¬15). و (الأدنى): الأدنأ (¬16)، حذفت الهمزة تخفيفا (¬17)، وقيل (¬18): الأدنى: الأقرب متناولا ووجوب ¬
وذلك الوصف ينبئ عن الكساد والهوان (¬1). وقوله: {اِهْبِطُوا} على التّقريع (¬2). وصرف {مِصْراً} لأنّها غير معرّفة، يعني مصرا من الأمصار، وهو اسم للمدينة (¬3). وأصل المصر (¬4) الحدّ، ومصور الدار: حدودها (¬5)، وقال الشاعر (¬6): [من البسيط] وجاعل الشمس مصرا لا خفاء به … بين النهار وبين الليل قد فصلا {فَإِنَّ لَكُمْ ما سَأَلْتُمْ:} (15 ظ) أي: سؤلكم (¬7) بها إن هبطتم. والسؤال ههنا بمعنى الاستنالة دون الاستخبار. {وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ:} ألزموها (¬8)، ومنه الضرائب. وكان ابتداء ذلّتهم من وقت (بختنصر) فإذا هي تتزايد (¬9) كلّ يوم. والذّلّة: "الصّغار" (¬10). {وَالْمَسْكَنَةُ:} ذهاب العزّ والملك وفقر القلب (¬11). {وَباؤُ:} حادوا عن درجة السعداء ورتبة المفلحين، وقد صحبهم موجبات غضب الله (¬12). {ذلِكَ:} إشارة فعلهم باؤوا (¬13). {بِآياتِ اللهِ:} آيات أرميا (¬14) النبي وآيات عيسى وغيرهما عليهما السّلام (¬15). {وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ:} زكريّا ويحيى عليهما السّلام (¬16)، وقاتلوا داود، وقصدوا عيسى عليه السّلام. ¬
وإنّما قال: {بِغَيْرِ الْحَقِّ} على وجه التأكيد (¬1)، أو لاستوائهم مع (¬2) غيرهم في حكم القصاص وسائر الأحكام وإن كانوا معصومين. و (العصيان) (¬3): ترك الأمر عمدا أو إباء أو زلّة (¬4). و (الاعتداء): مجاوزة الحدّ (¬5). 62 - {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا:} عارضة في خطاب بني إسرائيل حثّا على الإيمان والعمل الصالح، إذ المقصود ذلك. تقدير الآية: إنّ المؤمنين واليهود والنّصارى. وإنّما جمع بين المؤمنين وهؤلاء في الذّكر لما جمع بين الإيمان والعمل الصالح في الشرط. اليهود: جمع يهوديّ، مثل: عربيّ وعجميّ، من قول موسى والسبعين: {إِنّا هُدْنا إِلَيْكَ} (¬6) [الأعراف:156]. وقيل (¬7): نسبوا إلى يهوذا بن يعقوب، وهذا لا يصحّ؛ لأنّه سبط واحد ولا يشملهم، ولأنّ إسلامهم يزيل الاسم عنهم، والنسبة لم تزل (¬8) بالإسلام، وفيه إبدال حرف بلا (¬9) فائدة. وقيل (¬10): لتهوّدهم، أي: تحرّكهم عند (¬11) القراءة. ويحتمل أنّه متأخّر موضوع (¬12) لأجلهم. وقيل: اسم عجميّ معرّب، فلمّا عرّب جعل كأنّه اشتقّ من (¬13) هاد يهود. {وَالنَّصارى:} جمع نصران، مثل: حيران وحيارى (¬14)، أو جمع نصريّ، مثل: بعير مهريّ وإبل مهارى (¬15)، مأخوذ من نصرهم عيسى إذ {قالَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ} [آل عمران:52] (¬16)، ¬
ويقال (¬1): لنسبتهم إلى قرية ناصرة. ويجوز أن يكون للمعنيين جميعا. والصّابئون (¬2): أهل كتاب عند أبي حنيفة تحلّ (¬3) مناكحتهم وذبائحهم، ووافقه السدّي (¬4). وقيل (¬5): هم قوم يؤمنون بإدريس عليه السّلام، ويوحّدون، ويعظّمون الكواكب السيّارة كتعظيم القبلة. ويحتمل أنّه عنى الفلاحين من نصارى بني تغلب الذين (¬6) لا يمسكون بجميع شرائع النصارى. وقال ابن عبّاس: هم قوم من النصارى ألين (¬7) منهم قلوبا. ويحتمل أنّه عنى المتهوّد أو المتنصّر من المجوس وعبدة الأوثان؛ لأنّهم يقرّون (¬8) على ما ينتقلون إليه عندنا بخلاف المرتدّين. ويحتمل أنّه عنى قوما وقد انقرضوا (¬9). وقال صاحباه (¬10): هم عبدة الكواكب، ووافقهما قتادة (¬11). و (الأجر) (¬12): الخير الموجب على السعي. (عند ربّه): في حكمه وعلمه ورأيه (¬13)، وفلان (¬14) عند فلان، أي: بيديه، والشيء عند فلان، أي: في قبضته. (16 و) وعن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاس أنّ الآية كانت في شأن من آمن بالله واليوم الآخر فقط، وهو ثابت على ملّته محسن (¬15) فيها، فصارت منسوخة بقوله: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً} [آل عمران:85] (¬16)، وهذا التأويل محمول على قوم لم يتكلّفوا على الإيمان بنبيّ آخر وكتاب آخر حتى ماتوا (¬17). ¬
وفي هذه الرواية دلالة على جواز نسخ الجزاء في المستقبل عند الإسلام (¬1)، كنسخ الواجبات من الأمر والنهي بخلاف الواقعات من الأخبار، إذ نسخ الأخبار غير متصوّر. 63 - ثمّ عاد إلى خطاب بني إسرائيل فقال: {وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ} (¬2): وأخذه: عقده وإحكامه، قال في المنافقين: {قَدْ أَخَذْنا أَمْرَنا (¬3)} مِنْ قَبْلُ [التوبة:50]، وقد يكون بمعنى الأسر (¬4) كقوله: {وَخُذُوهُمْ وَاُحْصُرُوهُمْ} [التوبة:5]، وبمعنى الغصب (¬5) كقوله: {يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً} [الكهف:79]، وبمعنى القبول والتّمسّك كقوله: {خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ} [البقرة:63]. {وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ [الطُّورَ] (¬6)}: أي: قلعنا وحبسنا (¬7) فوق رؤوسكم. وذلك أنّ الله لمّا أنزل التوراة على موسى فأبى قومه أن يقبلوه، فأمر الله تعالى بملائكة فنتقت الجبل فوقهم، ونودوا (¬8) أن اقبلوا التوراة وإلا رضختم (¬9) به، فخرّوا لله ساجدين على شقّ وجوههم يلاحظون الجبل، وقبلوا التوراة مكرهين (¬10). وفي رواية عطاء وابن عبّاس: رفع الله الطّور فوقهم، وبعث نارا من قبل وجوههم، وأتاهم البحر الملح (¬11) من خلفهم، فقال لهم موسى: إن لم تقبلوا التوراة أحرقكم الله بهذه النار، وغرقكم في هذا البحر، وأطبق عليكم هذا الجبل، فأخذوا كارهين (¬12). و (الرّفع): نقيض الوضع (¬13). و (فوق) الشيء: ما لم يلحقه لعلوّه وارتفاعه من حدّ أو حال أو محلّ كها (¬14) هنا. ¬
و (الطّور): الجبل (¬1)، وقيل (¬2): الجبل المنبت. قال ابن عبّاس (¬3): هو طور سيناء. و (القوّة) (¬4): شدّة تنافي الانثناء (¬5) والانكسار. وأراد ههنا القوّة في القبول (¬6) والإقبال. و (الذّكر) ههنا المحافظة والتذكّر والاعتبار (¬7). وقوله: {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} راجع إلى قوله: {أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ،} وقيل (¬8): إلى قوله: {خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ.} 64 - {ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ:} أعرضتم (¬9)، كقوله: {عَبَسَ وَتَوَلّى} [عبس:1]. والمراد به إعراضهم عمّا أخذ عليهم الميثاق لأجله (¬10). و (لولا): لفظة شرط تقتضي توهّم عدم المحيل لتوهّم وجود المحال، وفائدتها التنبيه على تأثير المحيل، ويليها اسم مرفوع، وجوابها باللام فعل مثبت باللفظ أو منفيّ (¬11). {فَضْلُ اللهِ:} تفضّل الله، وهو زيادة ما يستحقّونه من الملادّ والمهلة (¬12). أو زيادة الدعوة والاستتابة (¬13) مع التمكين من الإجابة (¬14). وإنّما قال: {عَلَيْكُمْ؛} لأنّه رجع إلى المعنى، أعني التّفضّل (¬15)، أو لأنّه نعمة عليهم. 65 - {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اِعْتَدَوْا:} نزلت في شأن هؤلاء اليهود أيضا، يذكّرهم قصّة قوم منهم كانوا يسكنون (أيلة) (¬16) على ساحل البحر، ابتلاهم (16 ظ) بإتيان الحيتان آمنة يوم سبتهم شرّعا، ويوم لا يسبتون لا تأتيهم مخافة الاصطياد، وذلك بإلهام الله تعالى الحيتان كإلهامه ¬
الصيد في الحرم فلا ينفر، فاعتدوا في سبتهم حرصا وشرها، فمسخهم الله قردة خاسئين (¬1). قال ابن عبّاس: اعتداؤهم حقيقة الاصطياد في يوم السبت (¬2). وقال الحسن: كانوا يرسلون (¬3) الشصوص في آخر يوم الجمعة، وكانت الحيتان تعلق بها يوم السبت، فيأخذون يوم الأحد (¬4)، وكانوا منهيين عن الحيل، ثمّ وضع الإصر عن هذه الأمّة وأباح الحيل في ما لا يستقبح. وفي لفظة (¬5) (قد) نوع (¬6) تأكيد لإثباته الفعل الواقع حيثما كان، ولا يدخل على الأفعال المجزومة؛ لأنّها ليست بواقعة، ولا (¬7) على الأفعال التي أكّدت بالنون لاستثقال التأكيدين (¬8). والقسم مقدّر فيه فكأنّه قيل: والله لقد علمتم (¬9). و (العلم): رؤية تنفي الجهالة، أو رؤية تعمّ (¬10) الغيب والشهادة. ويتعدّى (¬11) إلى مفعول واحد كقولك: علمت (¬12) الخير والشرّ (¬13)، وإلى مفعولين كقولك: علمته (¬14) كذا. {فِي السَّبْتِ:} أي: في يوم السبت (¬15)، وقيل (¬16): في استخفاف شأن السبت. والسبت: الذي يلي الجمعة (¬17)، وهو مصدر (¬18) لقوله: {وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ} [الأعراف:163]، وهو عبارة عن الفراغ والاستراحة، قال الله تعالى: {وَجَعَلْنا نَوْمَكُمْ سُباتاً} [النبأ:9] (¬19). {فَقُلْنا لَهُمْ:} حقيقة القول عند أهل السنّة. ¬
{كُونُوا:} أمر تكوين وإيجاد (¬1)، كقوله: {إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ} (¬2) الآية [النحل:40]، وقوله: {فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيا طَوْعاً} الآية [فصلت:11]. وقول الله تعالى حقيقة، وقد أكّد بقوله: {وَكَلَّمَ اللهُ مُوسى تَكْلِيماً} [النساء:164]، والتأكيد لنفي إيهام الاستعارة، وفي فحوى قوله: {وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلاّ وَحْياً،} الآية [الشورى:51] ما يدلّ على أنّ القول صفته حقيقة (¬3)، والأدلّة عليه موجودة في سائر قصصه وأخباره وأوامره ونواهيه ووعده وإيعاده، وقول الجماد؛ فلأنّ الله تعالى قد (¬4) أنشأ النطق في الأجزاء المؤلّفة على بنية حيوانيّة، قال الله تعالى: {وَسَخَّرْنا مَعَ داوُدَ الْجِبالَ يُسَبِّحْنَ} [الأنبياء:79] فلولا أنّ تسبيح الجبال بالقول حقيقة وإلا لم يكن لتخصيصه معنى. {قِرَدَةً:} واحده (¬5) قرد، كالفيل والفيلة، وهو ضرب (¬6) من الوحوش يأتلف كالدّبّ، وتسمّى الأنثى: قشّة (¬7). والأمّة الممسوخة لا تتناسل عند أكثرهم؛ لأنّهم لم يعيشوا فوق ثلاث (¬8). وقيل: إنّ هذه القردة منهم، ويجوز تناسل الممسوخ وبقاؤه (¬9)، وقد روي أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم تحرّج عن أكل الضّبّ (¬10) وقال: (إنّ أمّة من بني إسرائيل مسخت دوابّ في الأرض ولا أدري أيّ الدوابّ هي) (¬11). {خاسِئِينَ:} متباعدين على الذّلّ والصّغار (¬12)، وتقديره: خاسئين قردة، وإلا يقال: قردة خاسئة، لكن التقديم والتأخير لوفق رؤوس الآي (¬13). 66 - {فَجَعَلْناها:} أي: القرية، أو القردة، أو الأمّة، أو العقوبة (¬14). ¬
{نَكالاً:} (17 و) عقوبة تنكل الناس عن الإقدام على مثل جريمة حلّت لأجلها (¬1)، ويطلق على المعاقب أيضا. وهو (¬2) اسم كالسّحاب والشّراب (¬3). {لِما بَيْنَ يَدَيْها:} قدّامها. وبين الشيئين ما توسّطهما من المكان أو الحال. و (اليد): اسم للجارحة التي هي بمنزلة الجناح، ويطلق على معنى النعمة والقدرة والقضيّة (¬4) وغيرها. والأصل: يدي (¬5)، والجمع: الأيدي (¬6). و (خلف) الشيء: المكان الذي هو يعرض عنه (¬7). والمراد {لِما بَيْنَ يَدَيْها وَما خَلْفَها:} من وراءها من الأمم والقرى (¬8). وقيل (¬9): من شاهدها ومن سمع بها. و (الموعظة) (¬10): مصدر كالموحدة (¬11)، ولم يلحق الهاء بالأكثر كالموعد والموثق. وهو قريب من النصيحة والإنذار (¬12). وتخصيص (المتّقين)؛ لأنّهم هم المرادون بالاتّعاظ وإن لزمت الحجّة الكافّة كقوله: {هُدىً لِلْمُتَّقِينَ} [البقرة:2] (¬13). 67 - {وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ} إلى ستّ آيات أو سبع: نزلت في قصّة (عاميل) المقتول في بني إسرائيل بعد رجوع موسى عليه السّلام بهم إلى مصر، قتله ابنا عمّ له ليرثاه، فطرحاه (¬14) بين قريتين عظيمتين (¬15). وروي أنّ ابن أخ له قتله لينكح ابنته (¬16). وروي ¬
أنّه طرح (¬1) على باب من أبواب المسجد، وكان لمسجدهم اثنا عشر بابا، لكلّ سبط باب، فتخاصم الناس وتحاكموا إلى موسى عليه السّلام، فحكم بحكم القسامة (¬2)، وهو في التوراة على نحو ما في شريعتنا، غير أنّهم كانوا متعبّدين (¬3) في ما يروى بأن يضعوا أيديهم على بقرة مذبوحة، ثمّ يحلفوا بالله الذي لا إله إلا هو إله بني إسرائيل ما قتلناه وما علمنا قاتله، فلمّا وقعت هذه الواقعة أبوا إلا تعيين القاتل، ولم يدفنوا المقتول أيّاما، وآل بهم الأمر إلى الاختلاف والاقتتال، فلمّا طال الشرّ شكوا إلى موسى عليه السّلام، فوعدهم الله تعالى إحياء المقتول على شريطة ذكرها في هذه الآي لتبيين القاتل، ويكون ذلك آية على البعث والنّشور، فاتّهموا نبيّ الله، وغلوا في دين الله، وما كادوا يأتون بالشريطة لكثرة تمرّدهم وتردّدهم، ثمّ قست قلوبهم من بعد مشاهدة الآية، أو وقوع العلم بها، فهي كالحجارة أو أشدّ قسوة، على ما وصفه الله تعالى (¬4). و (إذ): ظرف على ما تقدّم، ويحتمل أن يكون العامل فيه {قالُوا.} ويحتمل أن يكون التقدير في (قالوا): فقالوا، إلا أنّه أسقط حرف العطف لاستقامة الجواب بذاته كما في قوله: {قالَ [فِرْعَوْنُ] (¬5)} وَما رَبُّ الْعالَمِينَ (23) قالَ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ، الآيات [الشعراء:23 - 24] (¬6). {بَقَرَةً:} واحدة البقر (¬7). "والبقر: اسم الجنس" (¬8)، والجمع: باقر وبقور (¬9). وفي الآية دليل على ثبوت العموم؛ لأنّ تقديرها: أن تذبحوا بقرة ما (¬10)، كما تقول للغلام: ناولني حصاة، وادع لي رجلا، فحملوه على طريق الإجمال، ولم يتسارعوا إلى الائتمار والإقبال، فزلّوا وأضلّوا (¬11). وقال صلّى الله عليه وسلّم: (والذي نفس محمّد بيده لو اعترضوا على أيّة بقرة كانت فذبحوها ¬
لأجزأت عنهم، ولكن شدّدوا فشدّد الله (17 ظ) على أنفسهم) (¬1). و (الهزو) (¬2): مصدر أقيم مقام المفعول، كقوله: {وَالسَّماءَ بِناءً} [البقرة:22]، يعني: مستهزأ به (¬3). "و (الجهل): نقيض العلم" (¬4)، والشيء المجهول ما لا يثبت معلوما مفعولا. وقد (¬5) يكون بمعنى الاعتداء (¬6)، قال الشاعر (¬7): [من الوافر] ألا لا يجهلن (¬8) … أحد علينا فنجهل فوق جهل الجاهلينا والوجهان محتملان ههنا؛ لأنّ من استهزأ في غير (¬9) موضع الاستهزاء كان جاهلا بقبحه، متعدّيّا في أمره. 68 - {يُبَيِّنْ لَنا:} تبيينك الشيء: تصييرك إيّاه بيّنا. والبيان والإبانة والاستبانة بمعنى (¬10). وهو الامتياز والاتّضاح. والتمييز والإيضاح (¬11) والتّبيين: نقيض التّلبيس، وغير التبيين. {ما هِيَ:} استفهام عن صفة (¬12) البقرة. والاستفهام عن الصفة (¬13) قد يكون تارة بلفظ (أيش) وتارة بلفظ (ما) وتارة بلفظ (من)، تقول (¬14): أيش هذا، وما هذا، ومن هذا. والاستفهام عن (¬15) الحال والهيئة يكون بلفظ (كيف). وفيه دليل على أنّ الصّفة لا تباين الذّات بخلاف الحال والهيئة (¬16). وقوله: {إِنَّها} يدلّ على أنّ تخصيص العموم لا يكون نسخا وإلا لما صحّت الكناية عن الأوّل؛ لأنّ النسخ عبارة عن الرفع والإزالة، والتخصيص عبارة عن النصّ والإفراد (¬17). ¬
{لا فارِضٌ وَلا بِكْرٌ:} ليست بمسنّة ولا التي لم تنتج (¬1)، وقيل (¬2): البكر: التي لم تحمل إلا بطنا واحدا. {عَوانٌ:} دون المسنّة وفوق البكر (¬3). ورفع لأنّه خبر مبتدأ محذوف، أي: هي (¬4) عوان. {بَيْنَ ذلِكَ:} اختصار، وتقديره: بين ذلك وذلك (¬5)، قال الله تعالى: {مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ} [النساء:143]، {وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ} [الفرقان:67]. وقيل: معناه: بين ذلك الوصف في الآيتين، بين فعلهم وبين فعله. وقوله: {فَافْعَلُوا ما تُؤْمَرُونَ} يدلّ على أنّ الأمر غير مجمل، وأنّهم لم يكونوا محتاجين إلى التفسير، ولكن شدّدوا وتكلّفوا ممّا لم يكن عليهم (¬6). 69 - {ما لَوْنُها:} اللون اسم يعمّ أعراضا يتبيّن به الجوهر لحاسّة العين (¬7). {صَفْراءُ:} أي: لون اليرقان والزعفران، إلا أنّ الصفراء قد يكون نعتا (¬8) للسود من الإبل، وذلك لأنّ سوادها لا يخلو من صفرة (¬9). والدليل على أنّه لم يرد ههنا السواد تأكيده ب {فاقِعٌ؛} لأنّه يقال: أسود حالك، وأصفر فاقع (¬10). {تَسُرُّ النّاظِرِينَ:} صفة للبقرة (¬11). والسرور: نقيض الحزن (¬12). ويدلّ على أنّ المراد به الصفرة؛ لأنّ الصفرة هي التي تسرّ الناظرين (¬13). 70 - {تَشابَهَ:} اشتبه والتبس (¬14). وإنّما لم يقل: تشابهت؛ لأنّ البقر اسم الجنس (¬15). ¬
قال صلّى الله عليه وسلّم: (لولا أنّهم استثنوا (¬1) لما اطّلعوا على قاتله). وفي هذا ونظائره دليل على أنّ الأمور (¬2)، خيرها وشرّها، بمشيئة الله (¬3). 71 - {لا ذَلُولٌ:} إنّما ارتفع لأنّه صفة معيّنة وليس بجنس (¬4)، ومن حقّ (لا) أن تبنى مع الأجناس، فكأنّه قال: ليس بذلول لإثارة الأرض (¬5). والذّلول: المسخّر (¬6). وإثارة الأرض: حرثها (¬7) وقلبها. وقيل (¬8): {تُثِيرُ الْأَرْضَ} مستأنف غير متّصل (¬9) بما قبله، واستحسن (¬10) الوقف (18 و) على قوله: (لا ذلول). وقيل: (لا ذلول)، أي: ليس بذّلول للحمل والرّكوب. و {الْحَرْثَ} اسم ههنا، ويجوز أن يكون مصدرا كالحراثة (¬11). وهو يطلق على ما لم ينبت من البذر فإذا نبت فهو زرع (¬12). ويجوز تبقية اسم الحرث ولا يجوز تقديم اسم الزرع. وإنّما تسقي البقر الأرض بالدّوالي إذا كانت مرتفعة. {مُسَلَّمَةٌ:} صفة للبقرة (¬13)، ويجوز أن تكون خبر مبتدأ محذوف (¬14). ومعناه: مصونة عن الآفات، وهي (¬15) العيوب والتسخير (¬16). {لا شِيَةَ:} "لا لمعة" (¬17). وعن سعيد بن جبير والحسن: كانت صفراء الظّلف والقرن (¬18). ¬
و {الْآنَ:} اسم للوقت الموجود، أعني: الحال (¬1). وهو منتصب على الظرف، والعامل فيه {جِئْتَ.} و"المجيء: الإتيان" (¬2). {بِالْحَقِّ:} أي: ما لا يندفع بالدفع، ولا يلتبس (¬3). وههنا اختصار، وتقديره: فوجدوها واشتروها فذبحوها (¬4). جاء في التفسير أنّهم وجدوها عند غلام، قال ابن عبّاس: كان أبوه استودع الله تعالى هذه البقرة، وهي عجل، فشبّت في الغيضة (¬5) كالوحش، فلمّا كبر الغلام مكّنته من نفسها فأتى بها أمّه، فلمّا ساوموا بها اليتيم قالت أمّه: لا تبعها حتى تشاورني، وكان حينئذ (¬6) ثمن البقرة [يساوي] (¬7) ثلاثة دنانير، فأبى الغلام وأمّه بيعها إلا بملء مسكها ذهبا، فاشتروا بذلك (¬8). وقال السدّي: كان الغلام بارّا بأبيه، جاءه رجل بلؤلؤ فابتاعه منه بسبعين ألفا، وكان في اللؤلؤ فضل، فقال: إنّ أبي نائم والمفتاح تحت وسادته، فأنظرني ولك عشرة آلاف زيادة (¬9)، فقال الرجل: وأنا أحطّ عشرة آلاف على (¬10) أن توقظ أباك، قال الغلام: وأنا أزيد عشرين على أن تنظرني ساعة، فلم يزل يزيد هذا ويحطّ ذلك حتى استيقظ أبوه، فأعقبه الله ببرّه بأبيه نفاسة تلك البقرة حتى اشتروها بوزنها عشر مرّات ذهبا (¬11). قال وهب (¬12): كانت البقرة للقاتل. وعن أبي العالية: كانت لعجوز قيّمة على أيتام (¬13). {وَما كادُوا يَفْعَلُونَ:} على الذمّ لكثرة تردّدهم (¬14). ¬
72 - {فَادّارَأْتُمْ} (¬1): تدافعتم. صيّرت التاء دالا وأدغمت في الدّال، فصارت المدغمة ساكنة، فابتدئ بها بهمزة الوصل (¬2)، نظيره: {اِثّاقَلْتُمْ} [التوبة:38] و {تَسائَلُونَ} (¬3) [النّساء:1]. والدّرء: الدفع (¬4). {مُخْرِجٌ:} مظهر (¬5)، والإخراج: الإبراز والإظهار (¬6). 73 - {اِضْرِبُوهُ:} الهاء كناية عن الميّت أو المقتول (¬7) أو الشخص أو الإنسان أو الرجل (¬8). {بِبَعْضِها:} ببعض البقرة (¬9)، قال ابن عبّاس (¬10): إنّه العظم الذي يلي الغضروف، وعن الضحّاك أنّه لسانها (¬11)، وعن قتادة وعكرمة أنّه فخذها (¬12)، وخصّ الكلبيّ الفخذ اليمنى (¬13)، وعن سعيد ابن جبير أنّه عجب ذنبها الذي تركّب عليه الخلق ولا تأكله الأرض (¬14)، وعن السدّي أنّه المضغة التي بين كتفيها (¬15)، وقيل (¬16): هو الأذن. والكاف (¬17) للتشبيه. و (ذلك): إشارة إلى إحياء عاميل (¬18). ¬
والإحياء ههنا (18 ظ) تركيب الروح في الجسد. و (الموتى): جمع ميّت (¬1)، وأصله عند الفرّاء: مويت، كصريع وصرعى، وجريح وجرحى، فاستثقلت الكسرة على الواو والخروج من الواو إلى الياء، فجعل ياء، فأدغمت الياء في الياء (¬2). وقيل (¬3): أصله: ميوت. {وَيُرِيكُمْ آياتِهِ:} والرؤية: حقيقة المشاهدة، واراءتك الشيء شيئا تحصيلك رؤيته إياه (¬4). قيل: المخاطبون (¬5) هم اليهود، والمراد آباؤهم، والآيات إحياء عاميل وغيره ممّا كان في بني إسرائيل (¬6). وقيل: هم اليهود والعرب، والآيات إخبار النبيّ صلّى الله عليه وسلّم عمّا لم يشهده ولم يسمع به من الثّقلين (¬7). {لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ:} تفقهون (¬8)، والمراد ههنا استعماله والانتفاع به (¬9). 74 - {قَسَتْ:} جفت وصلبت، وهي صلابة مذمومة (¬10)، يقال: درهم قسيّ على وزن شقيّ، وهو الرّديّ المغشوش، وذلك لأنّه أشدّ صلابة من الفضّة المحضة. {مِنْ بَعْدِ ذلِكَ:} أي: بعد إحياء عاميل (¬11). {فَهِيَ كَالْحِجارَةِ:} أي: مثل الحجارة (¬12). و {أَوْ} بمعنى الواو (¬13). وقيل (¬14): بمعنى (بل) إلا أنّه (¬15) في مثل هذا الموضع لاستدراك الصواب بالأصوب. ¬
{أَشَدُّ:} أي: أغلظ (¬1). وإنّما ارتفع (أشدّ) عطفا على الخبر وهو الكاف (¬2)، ويجوز أن تكون (¬3) كاف التشبيه في محلّ الإعراب، قال الشاعر (¬4): [من البسيط] أتنتهون ولا ينهى ذوي شطط … كالطّعن يذهب فيه الزّيت والفتل فأخبر عن الكاف، والإخبار عن الاسم لا غير دلّ على أنّه يقبل الإعراب في التقدير. ولفظة (أشدّ) ههنا للمبالغة في التفضيل (¬5)، يقال: اليوم أشدّ بردا من أمس. ونصب {قَسْوَةً} على التفسير (¬6). والألف واللام في {الْحِجارَةِ} لاستغراق الجنس (¬7). و (ما) (¬8): بمعنى الذي (¬9)، وهو في محلّ النصب لمكان (إنّ) (¬10). والهاء في {مِنْهُ} كناية عن (ما) (¬11). {يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ:} أي: ماء الأنهار (¬12)، كقولهم: سال الميزاب أو الوادي. {يَشَّقَّقُ:} يتشقّق (¬13) وينفلق فيخرج منه بلل وماء لا يبلغ الأنهار (¬14). وهذا يدلّ على جواز التضمين والتوليد. {مِنْ خَشْيَةِ اللهِ:} أي: من سبب رهبة الله (¬15). وهذا يدلّ على أنّ الجوهر محلّ للمعاني من الإرادة والتمييز والخشية والنطق والألم واللذّة إن أوجد الله فيه، سواء كانت فيه الحياة والقدرة أو لم تكن، ولأنّه لا تعلّق لهذه المعاني بالحياة والقدرة (¬16) كالظهور والخفاء والقيام والبقاء، بخلاف الكسب والاختيار لأنّهما مختصّان بالحياة، ¬
لأنّا نشاهد (¬1) الجماد واهتزازه ونضارته ودبوله، وتعرّي الحيوان عن هذه المعاني كلّها أو بعضها (¬2). وهذه المسألة يمكن أن تبنى على مسألة عذاب القبر، أو تبنى مسألة عذاب القبر عليها. و (الغافل) (¬3): نقيض الخبير، وقد يكون نقيض المشغول، يقال: غفل عنه، أي: شغل عنه (¬4). 75 - وقوله: {أَفَتَطْمَعُونَ:} نزلت شأن المؤمنين [من] (¬5) حيث طمعوا في شهادة اليهود لهم، ورجوا نصرهم إيّاهم على مشركي العرب (¬6). والطمع قريب من الرجاء والتوقّع (¬7)، قال إبراهيم: {وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي} [الشعراء:82]. وهذا يقتضي تفخيم الطمع وتبعيد ما طمعوا فيه (¬8). ثمّ بيّن جهة التفخيم (¬9) والتبعيد (19 و) فقال: {وَقَدْ كانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ} أي: طائفة وقطعة منهم، وهم الأحبار يسمعون كلام الله من رسلهم ثمّ يحرّفونه؛ يعوجونه باللحن كقولهم (¬10): حطا مكان حطّة. أو التأويل كتوجيههم الخطاب في التوراة بقوله: تمسّكوا بهذه الشريعة أبدا ما دامت رؤوسكم على أبدانكم أو ما دامت السموات والأرض إلى المكلّفين بشريعة صاحب الحمار وصاحب الجمل، المذكورين في التوراة، المرسلين بالإعجاز، وهما عيسى ابن مريم ومحمّد خاتم النبيّين صلوات الله عليهما وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، فهذا ونحوه تحريفهم (¬11). {مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ:} أي: فهموه (¬12). {وَهُمْ يَعْلَمُونَ:} معناه وقت التفهم (¬13)، أو يعلمون أنهم محرّفون (¬14). ¬
ويروى أنّ المراد بال (فريق) من حرّف كلام الله من جملة السبعين الذين كانوا مع موسى عليه السّلام، وذلك أنّهم سمعوا كلام الله: (أنا الله (¬1) ربّكم لا إله إلا أنا الحيّ القيّوم، فلا تعبدوا إلها غيري، ولا تشركوا بي شيئا، ولا تجعلوا لي شبها)، فلمّا سمعوا ذلك خرجت أرواحهم (¬2) من أجسادهم ثمّ عادت إليهم، فقالوا وهم سجود: إنّا لا نستطيع كلام ربّنا، فكن أنت يا موسى بيننا وبين ربّنا، فكانوا يسمعون بوساطة (¬3) موسى عليه السلام بعد ذلك، فلمّا رجعوا إلى قومهم سألهم قومهم فصدقوهم (¬4) المقال إلا الذين لم يرد الله أن يطهّر قلوبهم فإنّهم حرّفوا وقالوا: إنّ الله عزّ وجلّ أتبع أوامره ونواهيه قوله: (إن لم (¬5) تستطيعوا فلا عليكم وافعلوا كذا وكذا)، فعيّر الله تعالى كفرة بني إسرائيل في وقت النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بمتقدّميهم أولئك (¬6). 76 - {وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا:} نزلت في منافقي أهل التوراة (¬7). {أَتُحَدِّثُونَهُمْ:} ألف الاستفهام للتقريع واللّوم (¬8). والتحديث (¬9) كالتّكليم، والحديث هو الكلام. و (ما): في محلّ الجرّ بالباء، وتقديره: بحديث (¬10). {بِما فَتَحَ اللهُ:} قال مجاهد والسدّي (¬11): بما حكم الله عليكم من المسخ والعذاب، أو الإيمان والنّصرة. وعن ابن عبّاس والحسن وأبي العالية وقتادة (¬12): هو حلّ ما ينعقد وينغلق، أي: بما كشف الله عليكم من نعت خاتم النبيّين، عن الكلبيّ. {لِيُحَاجُّوكُمْ:} "ليخاصموكم" (¬13). والمحاجّة هي المخاصمة بالحجّة، والحجّة: معنى تثبت به الدّعوى، وتقام (¬14) مقام البيّنة، والحجّ هو الغلبة بالحجّة (¬15). ¬
والهاء في {بِهِ} (¬1) كناية عن الحديث (¬2). ومحاجّة المؤمنين إيّاهم عند ربّهم مخاصمتهم إيّاهم على قضيّة حكم ربّهم في الدنيا للدعوة، وفي الآخرة للشهادة عليهم، كما تقول (¬3): خاصمه عند القاضي. {عِنْدَ:} بمعنى (في) (¬4)، وقيل (¬5): تقديره: عند ذكر ربّكم. 77 - {أَوَلا يَعْلَمُونَ:} ألف استفهام للتقريع واللّوم (¬6). {ما يُسِرُّونَ:} [ما] (¬7) يكتمون، والمراد به تلاومهم (¬8). {وَما يُعْلِنُونَ:} إقرارهم (¬9). وفي الآية دلالة (¬10) أنّ الحجّة لازمة إيّاهم بعلمهم، كما أنّه لازمة (¬11) بقولهم. 78 - {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ:} نزلت في المقلّدين من أهل الكتاب (¬12). (19 ظ) و (أمّيّون): رفع على الابتداء عند البصريّين (¬13)، وعند الكوفيّين على أنّه خبر بحرف خافض وليس باسم بحرف (¬14). والأمّيّ: الذي لا يعرف الكتابة، وهو منسوب إلى الأمّ، والأمّ هو الأصل، قال الله تعالى: {وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ} [الرعد:39]، وإنّما نسب إلى الأصل لأنّه باق على أصل الفطرة (¬15). {لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ:} أي: معناه وكتابته (16). {إِلاّ أَمانِيَّ:} جمع أمنيّة، وهي القراءة، قال الله تعالى: {إِلاّ إِذا تَمَنّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي} ¬
{أُمْنِيَّتِهِ} [الحج:52] (¬1). ونصب (الأمانيّ)؛ لأنّه مستثنى عن منصوب، كقولك: ما رأيت زيدا إلا وجهه (¬2). {وَإِنْ هُمْ إِلاّ يَظُنُّونَ:} أي: وما هم إلا ظانّين، قال الله تعالى: {إِنْ أَنْتَ إِلاّ نَذِيرٌ} [فاطر:23] (¬3). 79 - {فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ:} نزلت في أحبار اليهود (¬4)، وفيها دلالة أنّهم أسوأ حالا، وأشدّ ذمّا من الأمّيّين. و (الويل): الحزن والبؤس ومشقّة العذاب (¬5)، قال الفرّاء (¬6): الأصل فيه (وي)، ثمّ وصلت به اللام وأعرب. وعن أبي سعيد الخدري عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّ الويل واد في جهنّم يهوي الكافر أربعين خريفا لا يصل إلى قعره (¬7). وعن ابن عبّاس (¬8) وأبي عياض: الويل صهريج في النار (¬9)، والصهريج كالحوض (¬10). وإنّما أكّد الكتابة باليد لأنّه أراد به (¬11) كتابتهم أشياء من تلقاء أنفسهم في التوراة، كقوله (¬12): {ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ} [التوبة:30]. {مِمّا كَتَبَتْ:} أي: من أجل ما. و (الأيدي): جمع يد، وأصله: يدي، وتصغيره: يديّة (¬13). و (الكسب) (¬14): قريب من الاجتلاب لا يوجد إلا مع الوسع (¬15). ¬
80 - {وَقالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النّارُ:} نزلت في اليهود أيضا حيث زعموا أنّهم لا يعذّبون في النار إلا سبعة أيّام عند الله، وهي سبعة آلاف سنة من أيّام الدنيا، وهي مدّة الناس في الدنيا، عن ابن عبّاس (¬1). وعنه أنّهم زعموا أنّهم لا يعذّبون إلا سنين بعدد الأيّام التي عبدوا فيها العجل (¬2). وكذلك يروى عن قتادة وعن أبي العالية أنّهم زعموا أنّ الله عزّ وجلّ غضب عليهم في أمر فأقسم أن يعذّبهم في النار، فلا يعذّبهم إلا أيّاما قلائل لتحلّة القسم (¬3). وقولهم هذا يحتمل وجوها أربعة: إمّا يعتقدون فناء النار كالدنيا (¬4)، أو كانوا يظنّون أنّ أيّام الآخرة تداول بين الناس كأيّام الدنيا، أو كانوا يرون أنفسهم مؤمنين مجرمين فأثبتوا شفاعة الأنبياء والصالحين لأنفسهم كما نثبتها، أو كانوا وجدوا في كتبهم: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاّ وارِدُها كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا (71) ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اِتَّقَوْا} [مريم:71 - 72] فعدّوا أنفسهم من المتّقين، فأنزل الله ردّا عليهم وتكذيبا لهم. و (المسّ): قريب من الإصابة، قال الله تعالى: {أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ} [الأنبياء:83]، {مَسَّنا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ} [يوسف:88] (¬5). وحقيقة المسّ اللمس، وهو يكون بحس ولا يكون بحس (¬6). و (الأيّام) (¬7): جمع يوم، وأصله: أيوام، اجتمعت الياء والواو على ما قدّمنا (¬8). و (العدد): اسم كميّة المجموع بين الواحد والعدم (¬9)، وإنّما أعني بالواحد الجزء الذي لا يضمن العدد في نفسه، وبالعدم ما (¬10) لا يثبت معقولا موجودا. (20 و) وقد حصل العرف بإطلاق العدد على الجمع القليل، قال الله تعالى: {أَيّاماً مَعْدُوداتٍ} [البقرة:184]، و {أَيّاماً مَعْدُودَةً} [البقرة:80]، و {دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ} [يوسف:20]، و {أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ} (¬11) [هود:8]، و {لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ} [هود:104]، وذلك لأنّ عدّ الجمع ¬
القليل في مقدور العامّة بخلاف الجمع الكثير (¬1). وحرفا الاستفهام ههنا للتلجئة (¬2) إلى أحد معنيين: إمّا إثبات الخلاف بإبراز الحجّة، أو الاعتراف بثبوت ما يدّعيه الخصم، نظيره قوله: {أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ بَناها} [النازعات:27]، وقوله: {أَآلِهَتُنا خَيْرٌ أَمْ هُوَ} [الزخرف:58]. وقيل (¬3): ألف الاستفهام ههنا للإنكار، و (أم) بمعنى (بل). وإنّما لم يقل: (أاتّخذتم)؛ لأنّ همزة الوصل للابتداء، وقد أمكن الابتداء ههنا بغيرها فلم تثبت (¬4). وإخلاف الوعد والعهد تقليبهما عن وجوههما. و (المخالفة): المضادّة (¬5). 81 - {بَلى:} نقيض (نعم)، وهو نفي لقولهم: {لَنْ تَمَسَّنَا النّارُ إِلاّ أَيّاماً مَعْدُودَةً} (¬6). و (بلى) (¬7) موضوع على أصله مثل (على) عند البصريّين (¬8)، وعند الكوفيّين أصله: (بل) ثمّ زيد الياء لمّا جعلوه مستقلا بنفسه فرقا بينه وبين ما لا يستقلّ بنفسه (¬9). {سَيِّئَةً:} خصلة سيّئة، نقيض: خصلة (¬10) حسنة. ووزنها (فعيلة) في قياس قول الفرّاء وأهل الكوفة (¬11). {وَأَحاطَتْ:} إحاطة الأعراض: عمومها، وإنّما يكون عموم الخطايا (¬12) عند عدم الإيمان، نعوذ بالله (¬13). ¬
83 - {لا تَعْبُدُونَ} (¬1): رفع عند الكسائي لحذف (¬2) الناصب، تقديره: أن لا يعبدوا (¬3)، وأنشد (¬4): [من الطّويل] ألا أيّهذا الزّاجري أحضر الوغى … وأن أشهد اللذّات هل أنت مخلد نظيره: {أَفَغَيْرَ اللهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ} [الزمر:64]، وقوله: {وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ} [المدّثر:6] (¬5). وفي أحد أقوال الفرّاء (¬6) أنّه خبر بمعنى النهي، وكون الخبر بمعنى النهي (¬7) ككونه بمعنى الأمر [في قوله تعالى] (¬8): {وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ} [البقرة:233]، ولهذا قرأ أبيّ (¬9): (وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدوا (¬10) إلا الله). وفي قوله الآخر (¬11): جواب القسم، إذ الميثاق هو العهد الموثّق (¬12) باليمين، يدلّ عليه قراءة ابن مسعود (¬13): (لا نعبد) بالنون، ومجازه: يعبدون الله؛ لأنّ الاستثناء مع المستثنى منه أحد اسمي الباقي. {وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً:} أي: أمرناهم وأوصيناهم (¬14). والوالدان: الأب والأمّ، غلّب المذكّر على المؤنّث كقولهم: أبوان (¬15). وحقيقة الولادة إثمار الجوهر، وهو استحالة جزء منه بصفة معهودة (¬16)، والتّوليد: التّثمير. والحسن ضدّ السّوء (¬17). {وَذِي الْقُرْبى:} أي: ذي القرابة في النسب (¬18). ¬
و (القربى) يحتمل أنّه (¬1) اسم كاليسرى والعسرى (¬2)، ويحتمل أنّه فعل كالرّجعى. {وَالْيَتامى:} جمع يتيم ك (ندامى) جمع نديم (¬3)، وقيل: إنّه مقلوب ك (الخطايا). وقد يجمع اليتيم أيتاما كاليمين والأيمان، والشّريف والأشراف (¬4). والمصدر منه: يتم (¬5)، وفي الحديث: (لا يتم بعد البلوغ) (¬6). واليتيم من البهائم ما لا أمّ له، ومن الناس من لا أب له (¬7). (20 ظ) {وَالْمَساكِينِ:} جمع مسكين، وهو ذو المسكنة، والمسكنة (¬8) حالة تؤدّي إلى السّكون والقعود (¬9) عن التّجارة والكسب. وإنّما جمع (¬10) بين التّولّي والإعراض (¬11) لأنّ المراد بالتّولّي ما سبق، وبالإعراض إعراضهم في الحال إذ الواو للحال (¬12). ويحتمل أنّه للتّوكيد (¬13). وعرض الشيء ناحيته، فكأنّ الإعراض هو التّنحّي (¬14). 84 - {لا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ:} والدم هو النّفس السائل (¬15). والأصل: دمي (¬16)؛ لأنّ تصغيره: دميّ، وفي النسبة: دمويّ، والفعل: دمى، وربّما ردّت الياء في التّثنية (¬17)، قال الشاعر (¬18): [من الوافر] فلو أنّا على حجر ذبحنا … جرى الدّميان بالخبر اليقين ¬
{مِنْ دِيارِكُمْ:} وهو جمع الدار، والدار: الناحية والربع، والدّور لغة كالنّياق والنّوق (¬1). {ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ:} اعترفتم (¬2) وكأنّه أخذ من تقرير الدّعوى. والخطاب فيه متحقّق إلى الموجودين في الحال (¬3). {وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ:} على آبائكم، بأخذ الميثاق عليهم (¬4). وقيل (¬5): تشهدون على أنفسكم بتوجيه الخطاب عليكم. والشّهادة هي إخبار عن ثبوت الشيء لأحد أو على أحد، كأنّها من شهود البيّنة حالة وقوع الأمر، أو شهودهم عند القاضي (¬6). 85 - {ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ:} نزلت في طائفة من اليهود، قريظة حلفاء (¬7) الأوس، والنّضير حلفاء الخزرج، بني أخوين من اليهود نزلا يثرب انتظارا للمبعث، فكأنّهم يعينون حلفاءهم (¬8) المشركين على بني أعمامهم في القتل والأسر والإجلاء والشرّ كلّه، ثمّ يفدي بعضهم أسارى بعض تمسّكا بعهد الله تعالى في هذه الخصلة الواحدة وصلة الرحم وكراهة لرقّ أولاد يعقوب عليه (¬9) السّلام، فأنزل الله هذه الآية ذمّا (¬10) لهم في عداوتهم، وتناقض صنيعهم وآرائهم. و {(أَنْتُمْ)}: كناية عن المخاطبين (¬11). و {(هؤُلاءِ)}: مرفوع في التقدير، وتقديره الخبر أو النّعت أو النّداء، أمّا الخبر فكأنّه قال: أنتم الذين تقتلون أنفسكم (¬12)، ويجوز إقامة المبهم التامّ مقام المنصوص كقوله: {وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى} [طه:17]، أي: وما التي بيمينك (¬13)، والنّعت فكقولك (¬14): ها هو ذا، ثمّ يكون ¬
النّعت والمنعوت بمنزلة اسم واحد كما في التأكيد، والنّداء فكأنّه قال: أنتم يا هؤلاء (¬1). {تَظاهَرُونَ عَلَيْهِمْ:} تعاونون عليهم (¬2)، قال الله تعالى: {سِحْرانِ (¬3)} تَظاهَرا [القصص:48]. {بِالْإِثْمِ:} أي: الفجور (¬4). ولقّن ابن مسعود رجلا: {طَعامُ الْأَثِيمِ} [الدخان:44]: طعام الفاجر (¬5). {وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسارى تُفادُوهُمْ:} (الأسر): أخذ العدوّ وربطه (¬6). و (الفداء): فكّ الأسير، وإبدال الشيء مكان الشيء في الإتلاف وإلحاق المشقّة (¬7). {وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْراجُهُمْ:} {(وَهُوَ)}: عماد جاءت لتعذّر صلة (¬8) هذه الواو، وإنّما هو فعل في التقدير ألا ترى لو أسقطت (هو) لم يقل: ومحرم عليكم إخراجهم، ولقلت: وقد حرّمنا عليكم إخراجهم (¬9). وقيل (¬10): (هو) كاسم مبهم، و (إخراجهم) بيانه، كقولك: هذا على الباب زيد. وقيل (¬11): هو ضمير الأمر والشأن. (21 و) والحرمان: منع إلجاء، والتحريم قد يكون منع إلجاء كقوله: {وَحَرَّمْنا عَلَيْهِ الْمَراضِعَ} [القصص:12]، وقد يكون منع ابتلاء كقوله: {قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ} [الأنعام:151]، وهو الحظر. {فَما جَزاءُ:} (ما) يحتمل للنّفي، ويحتمل للاستفهام، والمراد به النفي (¬12). و (الجزاء): فعل يقتضيه فعل الآخر من خير أو شرّ (¬13). ¬
{مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ:} (من): بمعنى الذين، فعدّي (يفعل) إلى اللفظ و {يُرَدُّونَ} إلى المعنى. (ذلك): إشارة إلى الأخذ ببعض الكتاب دون بعض. {إِلاّ خِزْيٌ:} هوان وفضيحة (¬1). والمراد به الإخزاء، وإنّما ذكر الخزي دون الإخزاء لكي لا يوهم (¬2) الخزاية وهي الاستحياء. {فِي الْحَياةِ الدُّنْيا:} العيش الأدنى، والدّنوّ هو القرب (¬3). وإنّما أبدلت الياء من الواو في (الدنيا)؛ [لأن] (¬4) الألف في حالة التذكير مقرّبة من الياء بدلالة أنّها تمال، وقد تنقلب ياء محضة في التثنية، فقلبت الياء في التأنيث ياء أيضا لئلا تختلف الياءات (¬5) بين ذوات الواو وذوات الياء (¬6)، نحو: السقيا، والفتيا أمثلة معدودة على الأصل لتدلّ عليه نحو: القصوى (¬7). {وَيَوْمَ الْقِيامَةِ:} يوم البعث (¬8). وهو فعل كالعبارة والعبادة والكتابة. {يُرَدُّونَ:} يرجعون (¬9). وإنّما ذكر الرّدّ لأنّهم ينصرفون من الموقف إلى العذاب، أو لأنّ كتاب الشقاء سابق عليهم فكأنّه صدروا عنه فردّوا إليه. {إِلى أَشَدِّ الْعَذابِ:} لأنّه أشدّ من عذاب الدنيا والقبر (¬10). 86 - {فَلا يُخَفَّفُ:} لا يرفّه، والتخفيف: التّرفيه (¬11)، قال الله تعالى: {الْآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ} [الأنفال:66]. والخفّة ضدّ الثقل (¬12). 87 - {وَقَفَّيْنا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ:} أتبعنا وأردفنا (¬13)، يقال: قفّيت الشيء، بالتشديد، ¬
وقفوته، بالتخفيف، بمعنى، وهو الإتباع. والتّقفية بالشيء: إردافه وإتباعه، ولهذا سمّيت القافية قافية (¬1). و (الرّسل): جمع رسول (¬2)، كالزّبور والزّبر. والرسالة: المألكة، والإرسال: إنفاذ، وقد يكون إطلاقا. {وَآتَيْنا عِيسَى اِبْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ:} عيسى هو الذي أنزل عليه الإنجيل. ومريم هي ابنة عمران المحرّرة الحبيسة لعبادة الله، التي أرسل الله إليها روحه، فتمثّل لها بشرا سويّا، ونفخ في ما أحصنت (¬3)، فحبلت العذراء البتول بالمسيح الرسول. و (البيّنات): جمع بيّنة، وهي ما يشهد من المعاني لثبوت حقّ. وبيّنات عيسى إبراء الأكمه والأبرص، وإحياء الموتى بإذن الله، والإنباء بما يأكلون وما يدّخرون (¬4) في بيوتهم. {وَأَيَّدْناهُ:} "قوّيناه" (¬5)، والتأييد هو جعل الشيء ذا (¬6) الأيد والقوّة. {بِرُوحِ الْقُدُسِ:} والرّوح من أمر الله تعالى، ويسمّى (¬7) ما يحيا به الجسد والنفس روحا، ويعبّر به عن القرآن أيضا (¬8)، وعن الملك النازل بالقرآن كذلك أعني: جبريل عليه السّلام (¬9)؛ لأنّ حياة القلب وهو الإيمان بسببهما. وكان عيسى عليه السّلام روح الله (¬10)، والملائكة يسمّون الروحانيّين (¬11). والفلاسفة يسندون (¬12) علم النبوّة والتّنسّك (21 ظ) وعلم المصالح والكهانة إلى روح القدس، وعلم السّحر والنيرنجات إلى الأرواح الخبيثة، والكهانة عندنا من الخبر (¬13) النوع الثاني. ومثال روح القدس من الأسماء: زيد الخيل وامرؤ القيس وملك الموت. وفي الحديث: ¬
(اللهمّ أيّده بروح القدس) (¬1)، يعني حسّان بن ثابت في منافحته عن الله ورسوله. {أَفَكُلَّما} (¬2): استفهام للإنكار (¬3)، والفاء لتعقب الاستنكار عن مجيء الرسل عليهم السّلام. {بِما لا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ:} يعني تحليل ما تعوّدوا تحريمه، وتحريم ما تعوّدوا تحليله، وما يشبهه (¬4) من الابتلاء. و (الهوى): داعية النفس إلى لذّة عاجلة، وهو ضدّ الحكمة؛ لأنّها داعية العقل إلى ذخيرة آجلة. {فَفَرِيقاً:} منصوب ب {كَذَّبْتُمْ} (¬5). والمكذّب مثل سليمان وأرميا وعزير وعيسى (¬6) ومحمّد عليهم السّلام (¬7). {وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ:} مثل زكريّا ويحيى عليهما السّلام (¬8). (تقتلون): مستقبل (¬9) بمعنى الماضي، كقوله: {خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [آل عمران:59]. 88 - {قُلُوبُنا غُلْفٌ:} جمع أغلف كمرد وأمرد (¬10). والأغلف والأقلف لأنّ بعضه (¬11) في غلاف وغطاء، وهذا كقول غيرهم: {قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ} [فصلت:5] (¬12). وإنّما أرادوا به الصّون (¬13) والحفظ، وأرادوا بذلك إياس الناس عن إيمانهم (¬14). وقيل: ال (غلف) في الأصل: غلف بضمّة اللام، وهو جمع غلاف كحمار وحمر (¬15)، وعنوا ¬
به إحاطتهم بالعلوم (¬1). وكلاهما محتملان. فكذّبهم الله تعالى وقال: {بَلْ لَعَنَهُمُ اللهُ بِكُفْرِهِمْ،} أي: طردهم وخذلهم (¬2). ومن تحيّة الملوك: أبيت اللّعن، ومجازه: لا لعنتنا، أو نعوذ بك من لعنك (¬3). {فَقَلِيلاً ما يُؤْمِنُونَ:} أي: قليلا يؤمنون، فيكون القليل نعت اسم محذوف، و (ما) صلة لنوع تأكيد (¬4). وقيل (¬5): (ما) للنفي، أي: لا يؤمنون إيمانا قليلا. وقيل (¬6): قليلا ما وقلّما معدولان إلى حيّز الحروف، والمراد بهما نفي كالنفي في (لمّا) و (لا يكاد). وإن (¬7) أخذنا بالقولين الأوّلين (قليلا): نصب لوقوع الفعل عليه (¬8)، وإن أخذنا بالقول الثالث فيكون (قليلا) مسموعا غير محل للإعراب (¬9). 89 - {وَلَمّا جاءَهُمْ كِتابٌ:} نزلت في ذكر استفتاح اليهود من الله تعالى على العرب في (¬10) وقائعهم مع حمير وبني كهلان باسم محمّد صلّى الله عليه وسلّم، وذلك أنّهم كانوا ينشدون الله باسمه، ويرون أنّهم أنصاره وأعوانه لما ينتظرون من (¬11) مبعثه، فلمّا رأوه حسدوه وحسدوا العرب بكونه منهم لا عرق فيه من اليهود، ولم تطاوعهم أنفسهم في ترك ما اعتادوه، فكفروا به وحرّفوا التأويل (¬12). والمراد بالفتح في {يَسْتَفْتِحُونَ:} الظّفر والنّصرة (¬13). 90 - {بِئْسَمَا اِشْتَرَوْا بِهِ:} (بئس) و (نعم) فعلان ماضيان مثل: لعب وشهد فمنعا الصرف، وكلّ واحد منهما يقتضي اسمين غالبا، ويكون الأوّل عامّا لعموم المدح والذّمّ، ¬
والثاني خاصّا لأنّ المقصود مخصوص، ثمّ الاسم الأوّل (22 و) إمّا اسم (¬1) جنس فيرتفع بالفعل (¬2)، وإمّا نكرة فينتصب على التفسير، والاسم الثاني مرفوع أبدا؛ لأنّه خبر مبتدأ محذوف (¬3). والاسم الأوّل ههنا: {بِئْسَمَا اِشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ} والثاني: {أَنْ يَكْفُرُوا،} وهذا قول البصريّين (¬4). وعند الكوفيّين هما حرفان يشبهان الفعل، وفيهما معنى الصّفة، والدليل على كونهما حرفين لزومهما صورة واحدة في التذكير والتأنيث والجمع والخطاب والحكاية عن النفس والغائب، ولأنّهما لو كانا فعلين لدخلهما (قد)، والدليل على أنّهما يشبهان الأفعال جواز قولك: بئس وبئست، ونعم ونعمت، والدليل على أنّ فيهما معنى الصفة استقلال قولك: بئس الرجل زيد، ونعم الرجل عمرو، وأيّ مذموم زيد ومحمود عمرو (¬5). وعلى هذا (ما اشتروا به أنفسهم) ههنا اسم (¬6)، و (الكفر) مشترى به، و (الأنفس) مشترى لها فانتصب بنزع الخافض. {بَغْياً:} حسدا (¬7)، حسدوا {أَنْ يُنَزِّلَ (¬8)} اللهُ تعالى فضله، وهو وحيه ورحمته {عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ،} يعني نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم (¬9). والعباد جمع عبد، والعبد من هو مملوك الرّقبة (¬10). {مُهِينٌ:} يهانون فيه" (¬11). والإهانة قريبة من الإذلال (¬12). 91 - {وَإِذا قِيلَ لَهُمْ:} نزلت (¬13) في من تكبّر من اليهود أن يقول عند الدعوة: نعم، وتحرّج (¬14) أن يقول: بلى، فكانوا يعدلون عن الجواب إلى قولهم: {نُؤْمِنُ بِما أُنْزِلَ عَلَيْنا،} يعنون التوراة، ويظنّون أنّ جوابهم مخلّص عن الكفر، كما أنّ المؤمنين يقولون عند الشّكّ: آمنّا بجميع ما أنزل الله على رسله (¬15)، فخطّأ الله اليهود وحكم بكفرهم إذ قال: {وَيَكْفُرُونَ بِما} ¬
{وَراءَهُ} يعني القرآن (¬1). ونصب {(وَراءَهُ)} على الظرف (¬2). وكلّ شيئين أحدهما (¬3) أقرب منك فهو دون الآخر، والآخر وراءه، وإن شئت كلّ مشغول عنه وراء الشاغل. {وَهُوَ:} راجع إلى (ما)، و (ما) قائم (¬4) مقام القرآن. و {مُصَدِّقاً:} نصب على القطع كوفيّا (¬5)، وعلى الحال بصريّا (¬6). و (لم) (¬7) أداة لطلب الحجّة، وهو في الأصل (لماذا)، وتقديره: لأجل أيّ شيء ذلك الفعل وذلك القول، ونظيره في الاختصار: (عمّ) و (ممّ) (¬8). {تَقْتُلُونَ:} مستقبل بمعنى الماضي بدلالة قوله: {فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ} [آل عمران:183] (¬9). 92 - وكرّر اتّخاذ العجل (¬10). والتّكرار ربّما (¬11) اتّصل بزيادة فائدة وربّما (¬12) لم يتّصل، فما يتّصل ثلاثة أنواع: أحدها: مثل هذا، إذ الأولى لإلزام الحجّة وتذكير النّعم بدلالة أنّه أتبعها: {ثُمَّ عَفَوْنا} [البقرة:52]، والثانية لتكذيبهم في دعواهم بدلالة قوله: {فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِياءَ اللهِ} [البقرة:91] (¬13). والنوع الثاني: مثل قوله: {وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ} وقال في موضع: {وَاُذْكُرُوا ما فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:63]، وقال في ¬
الموضع الثاني: {وَاِسْمَعُوا قالُوا سَمِعْنا وَعَصَيْنا} [البقرة:93]، وكلّ واحدة من الآيتين تتضمّن من المعنى [ما] (¬1) لا تتضمّنه الأخرى لا محالة (¬2). والثالث: وصف الجنّة والنّار، وفائدة (22 ظ) التّكرار (¬3) تجديد الحثّ والإنذار (¬4). وما لا يتّصل بفائدة نوع واحد، وهو ما يوجد في سورتين. والوجه في الأنواع الثلاثة أنّ تضمّن (¬5) الفوائد كلّها لا يجب في قصّة واحدة، ثمّ إذا وقعت (¬6) الحاجة إلى ذكر فائدة لم تذكر في القصّة فالأحسن تكرار القصّة لاستدراك ذكر الفائدة في محلّها، وربّما لا يتصوّر غير ذلك. والوجه في هذا النوع الواحد أنّ السورتين بمنزلة كتابين، والله يقول: {فِيها كُتُبٌ قَيِّمَةٌ} [البيّنة:3]، ووجود قصّة واحدة في كتابين معروف واجب، وذلك لا يسمّى تكرارا (¬7) إذ كلّ كتاب في الحاجة إليها كمثله، وكذلك تضمين قصّة واحدة في قصيدتين أو خطبتين. وقيل: الفائدة في هذا النوع موجودة، وهي شهود قوم نزول الثانية لم يشهدوا نزول الأولى. 93 - وتكرار قوله: {وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ} أيضا على وجه اللّوم والتّكذيب (¬8)، ألا ترى أنّه أعاد قوله: {إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ.} و (السّمع) (¬9): الإجابة، ومنه قول المصلّي: سمع الله (¬10) لمن حمده، وقال الشاعر (¬11): [من الوافر] دعوت الله حتّى خفت ألاّ … يكون الله يسمع ما أقول واختلف في قوله: {سَمِعْنا وَعَصَيْنا،} فحمله بعض المفسّرين على الاعتراف والاستعتاب. وبعضهم جعل (¬12) {(سَمِعْنا)} من إدراك المسموع لا من (¬13) الإجابة، وقوله: ¬
{(عَصَيْنا)} تمرد وإباء (¬1). وحمل بعضهم قولهم: (سمعنا) في وقت، (وعصينا) في وقت آخر (¬2). {وَأُشْرِبُوا:} سقوا (¬3)، والإشراب قريب من السّقي حقيقة، ومن المزج مجازا، يقال: وجه مشرب حمرة ودما (¬4). وروي عن بعضهم ما يدلّ على حقيقة الشّرب، قال: أنكر بعضهم عبادة العجل فلمّا نسف العجل في اليمّ نسفا أمروا بشرب ذلك الماء، فتشرب قلوب المنافقين وظهرت العلامة على وجوههم فأخذوا وقتلوا (¬5). والواو في (¬6) {(أُشْرِبُوا)} ضمير ذوي القلوب، وهم الذين قالوا: سمعنا وعصينا. وقوله: {فِي قُلُوبِهِمُ} كنوع من إبدال (¬7) البعض من الكلّ، كقولك: ضربت زيدا على صدره. و {الْعِجْلَ} قائم مقام المضاف إليه، وتقديره: حبّ العجل (¬8)، وعلى القول الآخر: أجزاء العجل ممّا نسف مع الماء الذي شربوه (¬9). {بِكُفْرِهِمْ:} بشؤم كفرهم (¬10)، وهو قولهم السابق: {اِجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ} [الأعراف:138]، وغيره من الإباء والعناد والتهمة (¬11). {قُلْ:} أمر من القول، لمّا حذفت الواو وأعطيت القاف حركتها، وقع الاستغناء عن همزة الوصل (¬12). {بِئْسَما يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمانُكُمْ:} كقولك لسفيه متعاقل: بئسما يأمرك عقلك شتم الناس (¬13)، أو لغاش يدّعي الأمانة: بئسما تأمرك (¬14) الأمانة إن كنت أمينا (¬15). ¬
{إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ:} والكون في مثل هذا الموضع للإثبات في الحال دون الماضي من الزمان، وتقديره: إن أنتم مؤمنون. 94 - {قُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدّارُ الْآخِرَةُ:} (23 و) نزلت في اليهود حيث زعموا أنّهم يبعثون ويثابون، وسائر الناس لا بعث لهم ولا نشور. والمراد بالدار الآخرة الجنّة (¬1). وإنّما توجّه عليهم تمنّي الموت (¬2) بهذه الدعوى لمعنيين: أحدهما مجمع عليه؛ لأنّهم لو باينوا سائر الناس في حكم البعث والنشور لباينوا في حكم كراهية الموت وتمنّيه (¬3)، دليله رجلان في حبس حكم أحدهما أن يخرج فيقتل، وحكم الآخر أن يخرج فيطلق. والآخر مختلف فيه، وهو جواز التمنّي لمن يرجو ثواب الله وعفوه، من العلماء من يجيزه، ومنهم (¬4) من لا يجيزه. و (من) في قوله: {مِنْ دُونِ النّاسِ} (¬5) صلة، كما في قولك: من فوق، ويحتمل أنّها في الموضعين مكان (في) أو (على). والشيء الخالص هو المتفرّد عن غيره المتمحّص في نفسه (¬6). و (تمنّي) الشيء: تشهّيه (¬7)، وهو إرادة غير المقدور (¬8)، ومن أدواته (ليت) (¬9). 95 - {وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً:} كان حكم هذا التحدّي في الآية السابقة حكم التحدّي للمباهلة مع النصارى (¬10)، قال صلّى الله عليه وسلّم: (والذي نفسي بيده لو تمنّى أحدهم لغصّ بريقه) (¬11). و (الأبد) هو الأمد البعيد، وقد يطلق على بعيد دون بعيد، ومن ذلك قولهم: إلى أبد الأبيد، وأبد الآباد، ويطلق على بعيد للأبعد (¬12) منه، وهو آخر جزء من أجزاء حياة الرجل أو مدّة الدنيا، وإيّاه عنى فتية الكهف بقولهم (¬13): {وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذاً أَبَداً} [الكهف:20] (¬14). وهو ¬
منصوب على الظرف (¬1). والمراد به آخر جزء من أجزاء حياتهم الدنيا (¬2) بدلالة أنّهم يقولون في النار: {يا لَيْتَها كانَتِ الْقاضِيَةَ} [الحاقّة:27] (¬3). والباء في {بِما} للسبب (¬4). وقوله: {وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظّالِمِينَ} على التهديد (¬5). 96 - {وَلَتَجِدَنَّهُمْ:} اللام للقسم، تقديره: والله لتحدنّهم (¬6)، أي: لتلفينّهم (¬7). وهو يقتضي مفعولين، وقوله: {أَحْرَصَ} مفعول ثان ههنا، كقولك: وجدت الرجل صالحا (¬8). والحرص: شدّة التمنّي (¬9). ووزن (أفعل) للتفضيل ههنا، والتفضيل على الجنس لا يحتاج إلى (من)، كقولك: الياقوت أفضل الجواهر، وإن (¬10) وقع على غير الجنس لم يجز إلا بإدخال (من)، تقول: الياقوت أفضل من الزجاج، والدهن ألين من الماء (¬11). {وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا:} هم المجوس (¬12). ويحتمل وجوها أربعة: أحدها: أنّه معطوف على (الناس) فجيء ب (من)؛ لأنّ المجوس غير جنس اليهود، كقولك: الإنسان أحسن الخلائق ومن الحور العين، فالخلائق (¬13) اسم جنس والحور العين غير جنس (¬14). والثاني: أن تقدّر (¬15) التّكرار فتجعل في التقدير: أحرص الناس وأحرص من الذين أشركوا (¬16). ¬
والثالث: أن تجعل الواو للاستئناف، وتجعل في التقدير: ومن الذين أشركوا من يودّ أن يعمّر ألف سنة، كأنّه وقع العدول من قصّة إلى قصّة ليتبيّن أنّ من الناس من يودّ عمر ألف سنة ومع ذلك فإنّ اليهود أحرص منهم، ويجوز حذف (من) إذا ذكر قبله (من)، قال الله تعالى: {وَما مِنّا إِلاّ لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ} [الصافّات:164]، أي: إلا من له، وقال: {مِنَ الَّذِينَ هادُوا} (23 ظ) {يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ} [النساء:46] (¬1). والرابع: أنّه معطوف على كناية الجمع، تقديره: ولتجدنّهم والذين أشركوا أحرص الناس على حياة، و (من) (¬2) صلة. وقيل (¬3): المراد بالمشركين مشركو العرب. والشركة: اجتماع الحقّين في محلّ واحد، والإشراك نصب الشريك (¬4). {يَوَدُّ:} يحبّ (¬5). {أَحَدُهُمْ:} أحد الجمع اسم عام يتناول الكلّ على سبيل الإفراد، قال الله تعالى: {يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ} [الأحزاب:32]، وتقول العرب: يلبث أحدنا أيّاما لا يأكل ولا يشرب (¬6). وربّما تميّز وصار بمعنى الأوّل في إثبات، قال الله تعالى: {أَمّا أَحَدُكُما (¬7)} فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً وَأَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ [يوسف:41]، والآخر الآخر لا محالة (¬8). ويسمّى اليوم الذي بعد السبت يوم الأحد، وهو في العربيّة الأولى (¬9) اليوم الأوّل، وهو في الأصل: وحد فقلبت الواو همزة كما في (أناة) (¬10). وجملة قوله: {لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ} في محلّ النصب لوقوع الودّ عليها (¬11). ¬
و (التعمير): إطالة (¬1) العمر، والعمر المدّة، والعمر بقاء الحيوان (¬2). و (الألف): آخر أسماء العدد (¬3)، وللعدد أحد عشر اسما موضوعا، فالثمانية الأولى للآحاد وهي تعرض للاشتقاق (¬4) وكذلك التاسع وهو العشرة، والعاشر المئة، والحادي عشر الألف. وإنّما انتصب (الألف) على معنى الظرف (¬5)، وخفض (السّنة)؛ لأنّها مضافة إليها. و (السّنة): اسم لاثني عشر شهرا (¬6). {وَما هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ:} و (ما) للنفي (¬7). والزحزحة هي التّنحية (¬8). و (البصير): المبصر إلا أنّ البصير أبلغ في الوصف؛ لأنّه أشدّ عدولا عن الفعل (¬9). 97 - {قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ:} نزلت في اليهود، وعن قتادة والشّعبيّ أنّ السبب في ذلك أنّ عمر رضي الله عنه قال (¬10) لليهود ذات يوم: بالرحمن الذي أنزل التوراة على موسى أتجدون محمّدا في كتابكم؟ فتمسكوا ثمّ قالوا: نعم، ولكنّ صاحبه جبريل عدوّنا، وهو صاحب كلّ عذاب، ولو كان مكانه ميكائيل لآمنّا به فإنّه صاحب كلّ رحمة، فقال عمر: وأين مكانهما، أي: مكانتهما، من الله عزّ وجلّ؟ قالوا: أحدهما، أي: كأنّ أحدهما، عن يمينه، والآخر عن يساره (¬11)، قال عمر: أشهد أنّ من كان عدوّا لهما كان عدوّا لله تعالى، وانصرف إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليخبره الخبر فإذا جبريل (¬12) عليه السلام قد سبقه بالوحي، وقرأ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم القرآن، فقال: والذي بعثك بالحقّ ما جئت إلا لأخبرك، قال صلّى الله عليه وسلّم: لقد وافقك ربّك (¬13) يا عمر، قال عمر: لقد رأيتني بعد ذلك في دين الله أصلب من الحجر (¬14). وقيل: زعم (¬15) ابن صوريا أنّ جبريل ¬
عدوّهم؛ لأنّه حال بينهم وبين قتل بختنصر إذ هو صبيّ ليتمّ أمر الله فيه وفيهم، فأنزل الله هذه الآية (¬1). وبعد الشرط إضمار وتقديره: من كان عدوّا لجبريل كان عدوّا لله، وقد أظهر هذا المعنى في الشرط (24 و) الثاني (¬2). ويجوز أن تجعل {فَإِنَّهُ} جوابا للشرط مجازا (¬3) من غير تقدير إضمار، كقوله: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [المائدة:118]. وفي ضمير الهاء في (فإنّه) ثلاثة أقوال: راجع إلى المضمر وهو اسم الله تعالى (¬4)، أو إلى (إيل) وهو اسم الله أيضا (¬5) بالعبرانيّة، أو إلى جبريل (¬6). وفي ضمير الهاء في {نَزَّلَهُ} قولان (¬7): راجع إلى جبريل، أو إلى القرآن (¬8). و (الإذن) (¬9): يتناول معاني كثيرة: أحدها: إباحة المطلوب (¬10)، قال الله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ اِئْذَنْ لِي} [التوبة:49]، وقال: {حَتّى يُؤْذَنَ لَكُمْ} [النور:28]. والثاني: التّمكين (¬11)، قال الله تعالى: {وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاّ بِإِذْنِ اللهِ} [البقرة:102]، وقال: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاّ بِإِذْنِهِ} [البقرة:255]. والثالث: المشيئة (¬12)، قال الله تعالى: {وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاّ بِإِذْنِ اللهِ} [آل عمران:145]، وقال: {أَنْ تُؤْمِنَ إِلاّ بِإِذْنِ اللهِ} [يونس:100]. {وَبُشْرى:} الخبر السارّ خاصّة (¬13)، قال الله تعالى: {لا بُشْرى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ} ¬
[الفرقان:22]، وقال في المؤمنين: {[لَهُمُ الْبُشْرى] (¬1)} فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ [يونس:64]. و (جبر) و (ميك) اسما عبد، و (إيل) اسم الله عزّ وجلّ (¬2). 98 - وإنّما ذكرهما (¬3) بعد دخولهما في عموم الملائكة تشريفا لهما (¬4)، كقوله: {وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسَى اِبْنِ مَرْيَمَ} [الأحزاب:7]. وإنّما أجاب بقوله: {فَإِنَّ اللهَ عَدُوٌّ لِلْكافِرِينَ،} ولم يقل: فهو كافر؛ لأنّ الكفر مقدّر (¬5) في نفس العداوة، فصار كالمنطوق به في الشرط، ومثاله قولك: إن غصبت حقّي فإنّ الله لا يحبّ الظالمين، وإن أنجيتني فإنّ الله يجزي المحسنين (¬6). 99 - {وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ:} الآية كأنّها (¬7) تعزية للنبيّ صلّى الله عليه وسلّم لما ساءه من قول اليهود: {نُؤْمِنُ بِما أُنْزِلَ عَلَيْنا وَيَكْفُرُونَ بِما وَراءَهُ} [البقرة:91]. {آياتٍ بَيِّناتٍ:} هذا الكلام المعجز، وتبيين النبيّ صلّى الله عليه وسلّم لهم كثيرا ممّا يخفون من الكتاب، واستجماعه خصال (¬8) الأنبياء كلّها في سمته (¬9) وهديه وحركته وسكونه، مع ما خصّه الله عزّ وجلّ به من نعوت نعته بها في الصحف الأولى (¬10). 100 - {أَوَكُلَّما عاهَدُوا عَهْداً:} نزلت في اليهود (¬11). واختلف في نقضهم (¬12) العهود، قيل: هو عهود أنبيائهم من طاعة هارون عند الميقات، ومحافظة السبت، وأن لا يرفعوا طعام يومين في التّيه، وأن يتوبوا، وأن يؤمنوا بعيسى ونبيّنا عليهما السلام (¬13). وقيل: هو همّهم بقتل ¬
النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وشتمهم إيّاه، وإرجافهم في المدينة (¬1)، وإيمانهم وجه النهار مع كفرهم في آخره، ومعاونتهم الأحزاب (¬2) يوم أحد. والاستفهام للإنكار (¬3)، كأنّهم تبرّؤوا من النّقض (¬4) وقالوا: إنّما نقض فريق منّا، فكذّبهم الله في تبرّئهم وقال: {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ} (¬5). وقيل (¬6): أنكروا على فريق منهم نقض العهد، فأتى بقوله: (بل (¬7) أكثرهم لا يؤمنون) لئلا يوهم أنّ كلّ من لم ينقض العهد منهم محمود. والواو للاستئناف، ويحتمل العطف (¬8) على ما سبق من قصّة اليهود. وإنّما جوّز (24 ظ) دخول ألف (¬9) الاستفهام على الواو؛ لأنّها أبدا تلي صدر الكلام سواء وليها اسم أو فعل أو حرف، فكذلك مع الواو (¬10). و (النّبذ): هو الطّرح (¬11)، والانتباذ: التّنحّي، والمنبوذ: اللّقيط (¬12). 101 - {وَلَمّا جاءَهُمْ رَسُولٌ:} نزلت في اليهود أيضا (¬13). والعرب تقول (¬14) لكلّ من أعرض عن شيء: نبذه وراء ظهره (¬15). و (الظهر): هو المتن. و (كأنّ): حرف التشبيه، وإنّما ينصب لأنّه يفيد التشبيه (¬16). والتشبيه: فعل واقع على المشبّه، ويستعمل عند الظنّ والحسبان (¬17) أيضا، وذلك لأنّ (¬18) الظانّ يشبّه المحسوس بالموهوم. ¬
وفي الآية دلالة على امتياز الخبر المتواتر عن غيره. 102 - {وَاِتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ:} نزلت في ذمّ اليهود، وبيان أصل السحر (¬1)، وتزكية سليمان عليه السّلام (¬2). ونحن نقدّم قصصا يحتاج إلى علمها، وشواهد لا بدّ من ذكرها، وأحكاما يجب (¬3) إحصاؤها، ثمّ نأخذ في التفسير إن شاء الله تعالى. اعلم أنّ هاروت وماروت ملكان من الملائكة ببابل الكوفة، من أتاهما من الوجه المقدّر سمع كلامهما ولم يرهما، هكذا روي عن عائشة (¬4)، وعن عليّ في حديث المسوخ (¬5)، وعن ابن عمر (¬6). وسئل الضحّاك بن مزاحم فقال: كانا علجين (¬7). والحسن البصريّ أخذ بقول عائشة مرّة (¬8) وبقول الضحّاك أخرى (¬9)، وكان يقرأ: (الملكين) بكسر اللام (¬10)، وهو شاذ، وإن صحّ فيجوز أن يكون: (ملكين ملكين)، كما في حديث المسوخ (¬11). وقيل: إنّهما شيطانان (¬12)، وذلك لا يدلّ على نفي كونهما ملكين من قبل كإبليس لعنه الله. وأحسن ما قيل فيهما: إنّهما ملكان لا يعصيان الله في ما أمرهما بتبيان السحر، ويحذّران منه بأمر الله تعالى، وهذا غير مستنكف كقوله (¬13) تعالى: {فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها} [الشمس:8]، وقال لآدم عليه السّلام: {وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ} [البقرة:35]، ولو شاء لصرفهما عنها وحال بينهما وبينها ولم يمكّنهما من التناول، إلا أنّه فعل ذلك للابتلاء، ولأنّ الثواب إنّما يجب بالامتناع بعد القدرة (¬14). وسحر البابليين شيء فاش، وقد عرف الضحاك ذو الحيتين (¬15) بذلك في سابق الدهر. ¬
ويروى عن فريدون أيضا أنّه أرسل بنيه (¬1) إلى ملك مصر ليخطبوا منه (¬2) بناته، فلمّا رجعوا استقبلهم فريدون في الطريق متمثّلا ثعبانا يبتليهم بذلك، ففرّ (سلم) وحمل (¬3) عليه (طوش) وانذار (إيرج) (¬4)، فلمّا رأى ذلك قسم الملك بينهم على قضيّة (¬5) ما رأى، وقال الشاعر (¬6): [من الطويل] يعقّد سحر البابليّين طرفها … مرارا وتسقينا سلافا من الخمر وقول (¬7) من يزعم أنّ قوله: {وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ} للنفي منتقض بقوله (¬8): {وَما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ حَتّى يَقُولا (¬9)} إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما (¬10). ثمّ (¬11) يحتمل أنّهما باقيان بعد، ولكنّ الله تعالى صرف أكثر الناس عنهما لنوع من المصالح (¬12)، ويحتمل أنّه قد انقرض أمرهما. فإن قيل: زهرة أحد الكواكب (25 و) السبعة التي ركّب الله فيها مصالح الدنيا، وقد روي في حديث المسوخ (¬13) ما روي، وهو محال فلا يجوز قبوله والاستدلال به، قلنا: ومن يسلّم بأنّ مصالح الدنيا متعلّقة بالكواكب، وأنّها سبعة منذ خلقت الدنيا، وإن صحّ أنّها (¬14) لم تزل سبعة، فيحمل أنّ الكوكب (¬15) لم يكن يسمّى زهرة، فلمّا مسخ الله تلك المرأة وأودعها هذا الكوكب تعذيبا لها سمّي الكوكب باسمها (¬16). واعلم أنّ الجنّ أمّة (¬17) كالإنس، قال الله تعالى: {وَحُشِرَ لِسُلَيْمانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ} ¬
{وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ} (¬1) [النمل:17]، وقال: {وَأَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِّ} [الجن:6]، وقال: {وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ} [الأنعام:121]. ثمّ يجوز رؤيتهم أجمعين؛ لأنّهم مركّبون من روح وجسد لا محالة غير أنّ نصيب الروح لهم أكثر، وفي الحديث أنّ الحمار والكلب يريان الشيطان، ولذلك أمرنا بالاستعاذة عند نهيق الحمار (¬2). وعن عمر أنّه صارع جنّيّا (¬3)، وعن أبي أيّوب الأنصاريّ أنّه أسر جنّيّا (¬4). غير أنّ الله تعالى صرف أبصارنا عنهم كما صرف أبصار قريش عن نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم حين أرادوا أن يغتالوه، وهذا شيء لا يمكن تواطؤهم عليه، فمن أنكر هذا فقد أنكر العيان. ثمّ منهم شياطين ومن الإنس شياطين {يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً} [الأنعام:112]، وهؤلاء وضعوا (¬5) كثيرا من علم السحر وأسندوا إلى سليمان صلوات الله عليه للترويج (¬6). واعلم أنّ بعض الناس أفرط في إثبات السحر، وزعم أنّهم يقدرون على تقليب العين، والإيجاد من العدم (¬7)، وقصّر بعض فأنكر تأثير الرقى (¬8) والعقد والتمائم، وحمل تأثيرها على نوع من التخويف والتطميع بالتمويه (¬9). وقولنا على قضيّة اللغة (¬10) وما سبق من القواعد هو (¬11) أنّ علم السحر يسمّى سحرا لصرفه عن جهة الحقّ، قال الله تعالى: {فَأَنّى تُسْحَرُونَ} [المؤمنون:89]، أي: تؤفكون وتصرفون (¬12)، ولأنّه سبب لكثير من العلل، والشيء المسحّر: المعلّل (¬13)، قال لبيد (¬14): [من الطويل] فإن تسحرينا فيم (¬15) … نحن فإنّنا عصافير من هذا الأنام المسحّر ¬
ثمّ هو أربعة أنواع (¬1): النوع الأوّل: تلبيس على الأفهام (¬2)، وهو اللحن المذموم، والمعاريض المذمومة، قال الله تعالى في المنافقين: {وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ} [محمّد:30]، وقال صلّى الله عليه وسلّم: (إنّ من البيان لسحرا) (¬3)، وكذلك (¬4) ذمّ المتفيهقين (¬5) المتشدّقين. والنوع الثاني: تلبيس على الإحساس بالنيرنجات والتمويهات قال الله تعالى: {فَإِذا حِبالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى} [طه:66] (¬6). والنوع الثالث: تأثير في الأجساد بالفساد، وهو بالطبّ أو بمطاوعة (¬7) الجنّ، (25 ظ) قال الشاعر (¬8): [من الوافر] وإنّك لا تبالي بعد حول (¬9) … أسحرا كان طبّك أم جنونا وفي حديث بئر أروان (¬10) قال أحد الملكين: طبّ الرجل، فقال آخر: من طبّه؟ قال: لبيد بن أعصم اليهوديّ (¬11). وممّا يختصّ به من علم الأطبّاء علم الخواصّ. وكذلك الجنّيّ يمس فيضرّ (¬12) بالنفس في طاعة وليّه من الإنس، كما قال صلّى الله عليه وسلّم في الطاعون: (هو وخز أعدائكم من الجنّ) (¬13)، وقال في دم الاستحاضة: (هو (¬14) ركضة من الشيطان) (¬15). فهذه الأنواع الثلاثة ممّا يجوز أن ¬
يبتلى بها كلّ أحد من الناس، الأنبياء وغيرهم، إذ (¬1) النبيّ يفارق غيره في حكم العقل والقلب دون النفس. والنوع الرابع: تأثير في العقول والصدور بالخيال (¬2) والعرف، وهو بالطبّ أو بمطاوعة الجنّ أيضا، والأنبياء مصونون عن هذا النوع، معصومون بعصمة الله، لا يضرّهم منه شيء. والكلّ لا يؤثّر إلا بإذن الله تعالى ومشيئته. وحكم الساحر أن يقتل إن كان يقتل بسحره (¬3)، وهذا الشرط مرويّ عن أبي يوسف (¬4)، وكذلك إن كان سحره كلمة كفر أو اتّخاذ معبود (¬5)، وكذلك إن استحلّ شيئا من السحر قليلا أو كثيرا إمّا هو كفر في نفسه أو غير كفر؛ لأنّه مقطوع الحكم (¬6) بتحريمه لا يسوغ الاجتهاد فيه، فإذا (¬7) استحلّه كفر فوجب قتله (¬8). والحكم فيما عدا (¬9) هذه الأوجه الثلاثة الإنذار والنكال (¬10). و (اتّبعوا): افتعال من تبع يتبع. (ما تتلو): مستقبل بمعنى الماضي (¬11). {عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ:} (على) بمعنى (في) (¬12)، كانت الشياطين تقرأ السحر فيتلقّى منهم مردة الإنس. وقيل (¬13): تقديره: على عهد ملك سليمان. وزعموا أنّه كان يضبط أمره بالسحر، واستخرجوا من تحت سريره كتابا من السحر كتبوها بأيديهم، ويروى أنّ سليمان عليه السّلام دفنه توهينا وإبطالا فسمّوه كنزا، فبرّأه الله ممّا قالوا على لسان نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم (¬14). وهو سليمان بن داود بن إيشا الذي فهّمه الله حكم الغنم والحرث وهو صبيّ، وآتاه النبوّة ¬
والملك العظيم الذي لا ينبغي لأحد من بعده (¬1). وظاهر الآية يقتضي أنّ الشياطين كانوا يعلّمون الناس نوعين من السحر: ما هو من تلقاء أنفسهم، وما أخذوه من هاروت وماروت (¬2). [وهاروت وماروت] (¬3): اسمان أعجميّان مثل: طالوت وجالوت (¬4). وقيل: هاروت من الهرت، وماروت من المرت، والهريت الفصيح (¬5)، قال الشاعر (¬6): [من البسيط] عاد الأذلّة في دار وكان بها … هرت الشّقاشق ظلاّمون للجند والمرت مفازة لا ماء فيها ولا كلأ (¬7)، قال الشاعر (¬8): [من البسيط] أنّى طربت ولا تلحي (¬9) … على طرب ودون إلفك أمرات أماليس {وَما يُعَلِّمانِ:} للنفي (¬10). {حَتّى يَقُولا:} للغاية (¬11)، تجرّ الاسم، وتنصب الفعل بتقدير (أن)، وربّما لا تنصب (¬12). و (الفتنة) (¬13): الامتحان (¬14)، وقد تكون الفتنة إيقاعا في الشيء. ويحتمل أن (26 و) يكون الفعل في قوله: {فَيَتَعَلَّمُونَ} للشياطين (¬15)، فيكون معطوفا على قوله: {يُعَلِّمُونَ} (¬16)، وتعليمهم السحر كاستراقهم السمع أو نحوه (¬17). ويحتمل أن يكون الفعل للاثنين، فيكون معطوفا على مضمر وتقديره: فيأبون (¬18) فيعلمان فيتعلمون. ¬
و {ما يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ:} البغضاء والتّأخيذ (¬1). ومرء وامرؤ لغتان، وفي التأنيث: مرأة وامرأة، وكأنّ همزة الوصل إنّما عوّضت من الهمزة الأخيرة إذ لا صورة لها (¬2)، فسكّنت الميم وهي فاء الفعل (¬3) وابتدئ بهمزة الوصل كما في الاسم والابن. وقيل: إنّما سكّنت فاء الفعل في مثل هذه الأسماء وابتدئ بهمزة الوصل؛ لأنّها أسماء (¬4) كثر دورها على الألسنة، فشبّهت بالأفعال التي على صيغة الأمر. ومثل هذه العلل واه (¬5)، واللغة بالسماع. وكأنّ المرء موضوع غير مشتقّ، والتثنية: مرءان وامرؤان ومرأتان وامرأتان، وهي في التأنيث أكثر استعمالا، وأمّا الجمع فلم يرو إلا في حديث: (أحسنوا ملأكم أيّها المرؤون) (¬6)، وقال رؤبة لطائفة رآهم: أين يريد (¬7) المرؤون؟ وهذا جمع سلامة جائز بالقياس. {وَما هُمْ بِضارِّينَ:} والضّرّ: إلحاق (¬8) الضّرّ والضّرر بالشّيء، وهما البؤس والمكروه، وفيهما معنى النقصان، ونقيضهما: النّفع (¬9). والهاء في {بِهِ} كناية عن السّحر (¬10)، أو عمّا يفرّقون به (¬11). وتقديره: وما هم بضارّين به أحدا، إلا أنّه أدخل [من] (¬12) للتأكيد كما قال: {هَلْ يَراكُمْ مِنْ أَحَدٍ} [التوبة:127]، وقال الشاعر (¬13): [من البسيط] وقفت فيها أصيلانا (¬14) … أسائلها أعيت جوابا وما بالرّبع (¬15) من أحد ¬
{ما يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ:} أي: في الآخرة (¬1). ويحتمل أنّه نفى النّفع وأثبت الضرّ؛ لأنّ الضرّ في نفسه على معنى الطبيعة والنّفع بالتقدير (¬2). {وَلَقَدْ عَلِمُوا:} يعني اليهود (¬3). {مِنْ خَلاقٍ:} نصيب جميل (¬4)، قال الله تعالى: {فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكُمْ كَمَا اِسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ (¬5)} قَبْلِكُمْ بِخَلاقِهِمْ [التوبة:69]. و {أَنْفُسَهُمْ:} منصوبة لنزع الخافض، فهي مشترى لها والآخرة مشترى بها والسحر مشترى. ويحتمل أنّ (أنفسهم) (¬6) مشترى بها، فيكون حينئذ {شَرَوْا} بمعنى: باعوا (¬7)، وإنّما باعوا (¬8) أنفسهم بتفويت حظّها من الآخرة. وفعلهم مذموم سواء علموا أو لم يعلموا، إلا أنّ المراد به كونه مذموما عندهم، وهو كقوله: {وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كانُوا} [العنكبوت:41]. وإنّما قال (¬9): {وَلَقَدْ عَلِمُوا،} ثمّ قال: {لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ؛} لأنّ العلم الأوّل راجع إلى فوات المعاد فهو مثبت، والعلم الثاني راجع إلى قبح الصّنيع (¬10) وهو منفيّ، إذ كلّ أمّة زيّن لهم سوء عملهم (¬11). 103 - {لَمَثُوبَةٌ:} لثواب (¬12)، وهو الجزاء (¬13)، وأكثر استعماله في الخير. ووزنه (مفعلة) عند بعضهم، و (مفعولة) عند الآخرين (¬14). و (الخير) (¬15): اسم عامّ للمحمود كلّه، ونقيضه: الشرّ، يقال (¬16): فلان خير من فلان، ¬
أو شرّ منه. والمراد به التفضيل (¬1)، وإنّما وقع التفضيل ههنا على المتاع القليل من العاجلة. 104 - {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا راعِنا:} (26 ظ) نزلت في النهي (¬2) عن لفظة كان المسلمون يتلفّظون بها، ويلحن (¬3) فيها اليهود ليّا بألسنتهم يريدون الشتم (¬4)، وهي لفظة (راعنا) (¬5). قال ابن عرفة: هو من المراعاة (¬6)، والعرب تقول: راعني، أي: تعهّدني، وافهم عنّي وأفهمني. وقال الأزهري: ظاهرها: أرعنا سمعك (¬7). وكانت اليهود تذهب بها إلى الرعونة (¬8)، والأرعن: الأحمق (¬9). وقيل (¬10): كانوا يقولون: راعينا، يعنون راعي السائمة. فنسخ الله تعالى تلك الكلمة بقوله: {اُنْظُرْنا،} أي: انتظر وارتقب ما يكون منّا من سؤال أو نحوه (¬11). والإنظار: التمهيل، والنّظرة: المهلة، ونظرت (¬12) الشيء، أي: انتظرته، قال الله تعالى: {فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلاّ سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ} [فاطر:43]، وقال: {اُنْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ} [الحديد:13] (¬13). وقرأ الحسن (¬14): (راعنا) منوّنا؛ لأنّه ظنّ أنّها لفظة كالأسماء، فنصبها بوقوع (¬15) القول عليه، كنصب من نصب: (وقولوا حطّة) (¬16). 105 - {ما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا:} نزلت في الإخبار عن حسد الكفرة، وما يضمرونه من ¬
الضغن (¬1) ليفتضحوا به، ويزداد الذين آمنوا شكرا لله تعالى، وشدّة على الكفّار (¬2). و (ما): للنفي (¬3). {مِنْ:} للتنويع (¬4)، وهي مقدّرة في قوله (¬5): {وَلا الْمُشْرِكِينَ،} عنوا به (¬6): وقع الاكتفاء بالأولى. {أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ:} الجملة في موضع النصب لوقوع الفعل المنفيّ عليها (¬7). {مِنْ:} للتفسير (¬8). {خَيْرٍ:} نصرة ووحي ونحوهما (¬9). {مِنْ رَبِّكُمْ:} " (من): لابتداء الغاية" (¬10). ومجازه: أن ينزّل الله عليكم من خير من عنده (¬11). واسم الله (¬12) مرتفع بالابتداء، أو بالفعل. {يَخْتَصُّ:} تخصيص الشيء: اقتطاعه من جنسه (¬13). والعموم ضدّ الخصوص (¬14). {مَنْ يَشاءُ:} (من) (¬15): في محلّ النصب لوقوع الاختصاص عليه، [أي:] (¬16) من يشاء اختصاصه (¬17). ¬
{وَاللهُ:} رفع بالابتداء، و {ذُو:} خبره. وذو الشيء: من له الشيء على وجه التخصيص أو التمليك، وقد يجعل الشيء ذا معناه: وهو نفسه، كقولهم: الإنسان ذو روح وجسد، والأمر ذو بال. وهو يشبه الأخ والأب في التوحيد والتثنية، والجمع: دوو مثل: أولو وسنو (¬1). وذات الشيء: نفسه، وقد تجعل التاء فيه من نسج (¬2) الكلمة فتثبت في (¬3) النسبة. 106 - {ما نَنْسَخْ:} (ما): بمعنى الذي، إلا أنّ فيه معنى الشرط بدلالة جزم الفعل، نظيره: {وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ} [البقرة:110] (¬4). والنّسخ في اللغة: الإزالة والإزاحة، يقال: نسخت الشمس الظلّ، والريح الأثر (¬5). وتسمّى كتابة ما هو في كتاب سابق نسخا مجازا، وكذلك تسمّى نقلا، وحقيقة النقل ما يكون به فراغ محلّ لشغل محلّ (¬6). واعلم أنّ نسخ الشريعة يأباه اليهود (¬7) والإماميّة من الشّيعة، ولا يفرّقون بينه وبين البداء، فحجّة اليهود قول موسى عليه السّلام: من جاءكم بخلاف ما أتيتكم به فلا تقبلوه، وحجّة الإماميّة قوله: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصّى بِهِ نُوحاً} [الشورى:13]، وقوله: {ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ} [ق:29]. ويجعلون ما تجده (¬8) منسوخا من الأحكام مؤقّتا بوقت معيّن (27 و) مقدّر (¬9) يعلمه النبيّ أو الوصيّ من بعده، فينتهي بانتهاء وقته من غير نسخ، ويفسّرون هذه الآية بانتساخ القرآن (¬10) من اللوح المحفوظ. قلت (¬11): أمّا قول موسى عليه السّلام فمعناه: من جاءكم مكذّبا بي مخطّئا إيّاي فلا تصدّقوه، ولم يرد به من يبتني على المعلوم الأوّل إذ هذا لا يكون مخالفا، ألا ترى أنّك إذا تيقّنت الخبر ثمّ جاء إنسان وقال: إنّ ما علمت لم يكن، فإنّك تكذّبه (¬12) لا محالة، ولو أخبرك بزواله بعد كونه لم تكذّبه، ولكنّك طالبته بالبيّنة والبرهان. ¬
والمراد بالآية ما بقي من شرائعهم غير منسوخ، والآية الأخرى على ما قال الله تعالى لكنّه في تبديل على وجه البداء دون النسخ بدلالة قوله: {بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ} [النحل:101]. وتأويل النسخ ههنا بالانتساخ خطأ (¬1) بدليل ما تلونا من قوله: {وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ} (¬2)، وقوله: {يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ} [الرعد:39] (¬3). ولو كان توقيت أمر القبلة يعلمه النبيّ صلّى الله عليه وسلّم لما كان لتقلّب وجهه في السماء معنى (¬4). والدليل على جواز النسخ قوله تعالى: {أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} [الأعراف:54]، ثمّ نسخ الخلق بالخلق لا يؤدّي إلى البداء فكذلك نسخ الأمر بالأمر، ولأنّ النسخ يثبت بالعقل (¬5)، ألا ترى أنّ قطع العضو محظور، ثمّ إذا أصابته آفة يرجو صاحبه السلامة بالقطع كان له أن يقطعه. وإذا ثبت النسخ بالعقل ثبت بالوحي إذ هما معنيان موجبان، ولأنّه ثبت بالنقل العامّ الذي لا يمكن دفعه تزويج آدم أولاد صلبه بعضهم من بعض، وثبت بالعقل أيضا لأنّ إثبات النسل الأوّل إذ أمكن برجل وامرأة فلا بدّ في إثبات النسل في الدرجة الثانية إلا بتزويج ذوي الأرحام، وقد ثبت المحسوس على ذلك إلى اليوم (¬6). وثبت بالنقل العامّ أيضا جمع يعقوب عليه السّلام بين أختين، لايان وراحيل (¬7) ابنتا خاله، ثمّ حرم ذلك التوراة، وأحدث حكم القربان لا بني آدم، وحكم الختان لإبراهيم، والسبت، وتحريم طبخ الجدي بلبن، وصوم مدّة معيّنة، والإفطار في يوم معلوم لموسى عليه السّلام لم يتقدّمها إيجاب من أحد، ولا لزوم في عقل فثبت جواز النسخ (¬8). والفرق بين النّسخ والبداء أنّ النسخ إزالة ما سبق العلم في كونه صلاحا في وقت دون وقت بما سبق العلم في كونه (¬9) غير صلاح في الوقت الأوّل صلاحا في الوقت الثاني. والبداء هو الاستدراك عند اتّضاح الملتبس، تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا (¬10). فإن قيل: قولكم في بيان النّسخ يؤدّي إلى الشكّ في الأوامر المطلقة، هل بقي كونها صلاحا ¬
أم لا؟ قلنا: لا يؤدّي إلى ذلك لأنّا علمنا أنّ صلاحها إمّا يرتفع بأمر حادث وإمّا بتعذّر (¬1) الإتيان (27 ظ) بها، وقد فات حدوث الأمر بانقطاع الوحي، والتّعذّر معدوم في الحال فلا وجه للشكّ، ثمّ إن وحد التّعذّر وقع اليقين بارتفاع الصلاح حالة التّعذّر (¬2). فإن قيل: قولكم هذا يؤدّي إلى أنّ الصحابة لم يعتقدوا في الأوامر المطلقة وجوبا على التأبيد، قلنا: الواجب على السامعين اعتقاد الوجوب على شريطة بقاء الحكم دون اعتقاد الوجوب على التأبيد؛ لأنّهم لا يدرون لعلّ الله يحدث بعد ذلك أمرا (¬3). وإذا ثبت جواز النّسخ على طريق الإجمال فلنا (¬4) أن نقتصر على ذكر مذهبنا فيه. اعلم أنّ ما لا يجوز نسخه ستّة أنواع: أحدها: نسخ ما يستحيل نسخه بغير جحد أو اعتراف بالكذب، كنسخ قصّة عاد وثمود وغيرهم، وكالإخبار عن نفسه بقوله: {إِنَّ اللهَ جامِعُ الْمُنافِقِينَ وَالْكافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً} [النساء:140]، وعن قول الشيطان {لَمّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللهَ وَعَدَكُمْ [وَعْدَ الْحَقِّ]} [إبراهيم:22]، وعن قول الضعفاء والمستكبرين في النار وقول الملائكة لهم (¬5). والثاني: نسخ ما لا يجيز العقل نسخه، كنسخ الإحسان والإذعان والإيمان (¬6). والثالث: نسخ يؤدّي إلى اللوم والغرور، كنسخ ما أوجب الله تعالى من جزاء الإحسان. والرابع: نسخ يؤدّي إلى الحنث، كنسخ قوله: {لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ،} الآية [الأعراف:18]، وقوله: {فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} [الحجر:92]، {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاّ وارِدُها،} الآية [مريم:71]. ولو لم يكن للقسم مزيّة على الوعد والوعيد لما ذكر القسم. والخامس: نسخ حكم لم يفد شيئا، كنسخ ما لم ينزله جبريل عليه السّلام بعد، إذ هو يؤدّي إلى البداء. والسادس: نسخ (¬7) لم يبيّن؛ لأنّه محال إذ ترك تبيين النسخ إبقاء للحكم الأوّل، فلا يجتمعان. وما يجوز نسخه ستّة أنواع: ¬
[الأوّل:] (¬1) الأثقل بالأخفّ، كنسخ تحريم الرّفث ليالي الصوم بالإباحة (¬2). والثاني: نسخ المثل بالمثل، كنسخ التّوجّه إلى قبلة بإيجاب التّوجّه إلى قبلة (¬3). والثالث: نسخ ما هو أقلّ ثوابا بما هو أكثر ثوابا (¬4)، كنسخ صوم يوم عاشوراء بصوم شهر رمضان (¬5). والرابع: نسخ ما أفاد معنى قبل نسخه، كنسخ خمسين صلاة ليلة المعراج بخمس صلوات (¬6). وفائدة الحكم الأوّل اعتقاد نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم وجوبها، وإكرام الله إيّاه بالتّشفيع (¬7) وإمضاء ثواب خمسين صلاة بخمس صلوات (¬8). وهذا النوع (¬9) يأباه بعض المتكلّمين من المعتزلة وغيرهم. والخامس: نسخ ما يحمد، كنسخ ما أوجب الله تعالى أهل (¬10) الارتكاب من العذاب بالعفو، وإنّما جاز لوقوعه محمودا حسنا، لأنّه (¬11) تعالى شرط لنفسه المشيئة فيه. وهذا النوع يأباه فريق من المعتزلة أيضا، ويجعلونه من حيّز الأخبار. والسادس (¬12): نسخ التلاوة مع بقاء المعنى؛ لأنّ التلاوة وحدها تتفرّد (¬13) بحكم غير حكم المعنى، وهو ترك مسّه محدثا، وإقامة التحريم (¬14) بها، فلم يقف نسخها على نسخه (¬15). وهذا النوع يأباه الزجّاج في ما روي عنه (¬16). وقد زعم بعض الزّيديّة أنّه لا ينسخ الحكم مع بقاء التلاوة، (28 و) وهو غير صحيح لما بيّنّا أنّ نسخ أحدهما لا يقف على نسخ (¬17) الآخر، وقد أجمع أهل الإسلام أنّ قوله: {لَكُمْ} ¬
{دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} (¬1) [الكافرون:6] منسوخ بآية السيف (¬2). وخلق النسيان جائز في الأنواع الاثني عشر كلّها، وهو مثل نسخ وليس بنسخ. ولا يختلف عندنا الحكم بين نسخ القرآن بالقرآن (¬3)، ونسخ السنّة بالسنّة، ونسخ أحدهما بالآخر؛ لأنّ الكلّ من عند الله، والرسول أمين {وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى} [النجم:3] (¬4). وزعم بعض المخالفين أنّ نسخ القرآن بالسنّة لا يجوز (¬5)، ويتعيّن في بعض الأحكام على ما نذكره إن شاء الله تعالى (¬6). 107 - {أَلَمْ تَعْلَمْ:} بمعنى الإثبات، كقوله: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ} [الأعراف:172] (¬7)، قال الشاعر (¬8): [من الوافر] ألستم خير من ركب المطايا … وأندى العالمين بطون راح {أَنَّ اللهَ لَهُ:} من حقّ اسم (أنّ) أن (¬9) يكون في محلّ الخبر (¬10) مجرورا باللام، كقوله: {إِنَّ الْأَرْضَ لِلّهِ} [الأعراف:128]، فلمّا وقع الابتداء باسمه تعالى لكونه أهمّ وجب ذكر (¬11) ضمير عائد إليه وهو الهاء في (له) (¬12)، كقوله: {إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السّاعَةِ} [لقمان:34]. إن فسّر (الوليّ) (¬13) بالذي يلي الأمر حلاّ وعقدا بغير إذن من جهة من يلي أمره (¬14)، فالخطاب عامّ، قال الله تعالى: {أَمِ اِتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ فَاللهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِ الْمَوْتى} [الشورى:9]، وإن فسّر بالودود، نقيض: العدوّ (¬15)، فالخطاب متوجّه إلى المؤمنين خاصّة، قال الله تعالى: {إِنَّ أَوْلَى النّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اِتَّبَعُوهُ وَهذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ} ¬
{آمَنُوا وَاللهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ} [آل عمران:68]. و (النّصير): النّاصر، على طريق المبالغة، كالشّهيد والقعيد (¬1). 108 - {أَمْ تُرِيدُونَ:} اختلف في سبب نزولها، قيل (¬2): إنّها نزلت حيث قالوا: {لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً} (90). . . {حَتّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ} [الإسراء:90 - 93]، وهذا بعيد؛ لأنّ ظاهر الخطاب ههنا للمؤمنين دون الكافرين. وقيل: سأل (¬3) النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قوم ممّن حدث إسلامهم أن يتّخذوا عيدا (¬4) عند شجرة أنواط كما كانت الكفّار تتّخذ، فقال صلّى الله عليه وسلّم: (إن تريدون منّي إلا كما قالت بنو إسرائيل لموسى عليه السّلام: {اِجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ} [الأعراف:138]) (¬5)، وهذا أقرب إلى الصواب. ويحتمل أنّهم كانوا يقولون: (راعنا) متابعة لليهود، ويظنّون أنّه أحسن للخطاب، ويستدلّون بكون اليهود أعرف بخطاب الأنبياء منهم لقراءتهم الكتب، فنهاهم الله تعالى عن ذلك، وأعلمهم قبح موافقة اليهود، وما يؤدّون إليه من الكفر والضّلال، إذ هم الذين (¬6) قالوا: {أَرِنَا اللهَ [جَهْرَةً]} (¬7) [النساء:153]، و {اِجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ} [الأعراف:138]، {فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ [فَقاتِلا]} (¬8) [المائدة:24]، و {آذَوْا مُوسى فَبَرَّأَهُ اللهُ مِمّا قالُوا} [الأحزاب:69]. و (أم) ههنا بمعنى (بل)، كقولك: إنّها لإبل أم شاء (¬9). والدليل على أنّه منقطع لم يسبقه في بابه استفهام فيكون بمعنى (أو) (¬10) على جهة النسق. إلا أنّ بين (بل) وبين (أم) فرقا (¬11)؛ لأنّ ما يلي (بل) يقع مقطوعا به (¬12)، وما يلي (أم) يقع موهوما (¬13). ويحتمل أنّ المراد بقوله (¬14): {أَلَمْ تَعْلَمْ:} ¬
ألم تعلموا؟ فيكون (أم) متّصلا (28 ظ) مردودا على ألف الاستفهام (¬1). {وَمَنْ:} بمعنى (الذي)، وفيه معنى الشرط؛ لأنّه جزم الفعل واقتضى الجزاء، نظيره: {وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلّهِ وَرَسُولِهِ} [الأحزاب:31]، و {مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً} [طه:74] (¬2). {وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ:} [بعد الإيمان] (¬3)، والتّبدّل: اتّخاذ البدل (¬4)، كما أنّ التّزوّد اتّخاذ الزّاد. {سَواءَ السَّبِيلِ:} قصدها (¬5). والمراد بالسّبيل النّهج (¬6). 109 - {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ:} قيل (¬7): سبب نزولها قول حيي بن أخطب وأبي ياسر بن أخطب وكعب بن الأشرف لحذيفة بن اليمان وعمّار بن ياسر بعد يوم أحد شامتين: أما رأيتم ما أصابكم فارجعا (¬8) إلى دينكما الأوّل، قال أحدهما: إنّي عاهدت الله أن لا أكفر بمحمّد، وقال الآخر (¬9): الله ربّي والقرآن إمامي ومحمّد رسولي. وقيل: هي عامّ. والكثير ضدّ القليل (¬10). {كُفّاراً:} نصب على القطع؛ لأنّه جاء بعد تمام الكلام (¬11)، وعند البصريّين نصب على الحال (¬12). {حَسَداً:} "مفعول له" (¬13)، فانتصب بنزع الخافض. والحسد أن لا تؤهل ذا نعمة لها (¬14). وإنّما قال: {مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ} لتأكيد وصفهم بالعدوان، وأنّه لا وجه لحسدهم عند غيرهم (¬15). ¬
{مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ:} من نعت نبيّنا (¬1) صلّى الله عليه وسلّم في ما قبل، وظهور (¬2) معجزاته في الحال. {فَاعْفُوا وَاِصْفَحُوا:} أحدهما قريب من الآخر في الاستعمال إلا أنّ أصل الصفح من الإعراض (¬3). وهذا الحكم منسوخ بآية السيف (¬4)، وقيل (¬5): منسوخ بحكم قتل بني قريظة وإجلاء بني النّضير، وهو الأصحّ. 110 - {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ:} الألف واللام في (الصلاة) و (الزكاة) للجنس. وهما مجملان، وتفسيرهما ما ثبت (¬6) عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّ الصلاة على المكلّف في اليوم والليلة خمس أوّلها الظهر من حين تزول الشمس إلى دخول وقت العصر إلى الغروب (¬7)، ثمّ المغرب إلى العشاء، ثمّ العشاء إلى طلوع الفجر، ثمّ الفجر (¬8) إلى طلوع الشمس. ولا يتداخل وقتان ما عدا عرفة بعرفات وليلة الجمع (¬9) بالجمع لقوله: {إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً} [النساء:103]. وروي عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: (إنّ الله تعالى زادكم صلاة ألا وهي صلاة الوتر، فصلّوها ما بين العشاء إلى طلوع الفجر) (¬10)، رواه أبو يعفور عمّن حدّثه عن عبد الله بن عمرو بن العاص، واسم أبي يعفور وقدان الكوفيّ العبديّ، سمع ابن أبي أوفى وأنسا وعرفجة، روى عنه أبو حنيفة والثّوريّ وشعبة (¬11). وأمّا الزكاة فهو النّصاب المقدّر في المال عند المكلّف دون العفو مؤجّلة بحول الحول (¬12). ¬
وأموال الزكاة الذّهب والفضّة وما في حكمهما من أموال التّجارة، والأنعام وهي ثلاثة أجناس: الإبل والبقر والغنم، وأمّا الخيل فهي في حكم البغال والحمير من وجه كراهة لحومها، وفي حكم الأنعام من وجه وجوب الزكاة (29 و) فيها؛ لأنّ الله تعالى ذكرها في موضعين، ورويت الأخبار من الجانبين راعيناه احتياطا. والحرث وهو ما ينبت على الجنس في غير أرض الخراج، ولا نصاب فيه. ويجوز أخذ الأموال في الزكوات (¬1) لورود الأخبار. والأمر المؤقّت يجب (¬2) في أوّل الوقت موسّعا ويتضيّق بآخره، ولآخره تأثير في أوّله؛ لأنّ ورود الأمر يسبق التأجيل الإقبال فيجب في الحال (¬3) كالأمر المطلق، ثمّ طريان التأجيل ينتج التأخير ولا يرفع الوجوب، كتأجيل الدّيون والمبيعات، غير أنّ العذر الواقع في آخر الوقت كالعذر الواقع في أوّل الوقت، كما في عقد الكتابة وإسقاط كلّ الصلاة عند الحيض وشطرها عند السفر. {وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ:} تقديم الشيء جعله قبل الآخر، والمراد به إسلاف الخير والشرّ قبل الموت والانتقال إلى حكم الآخرة (¬4). {تَجِدُوهُ:} أي: تجدوا ثوابه [{عِنْدَ اللهِ}] (¬5). 111 - {وَقالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ:} الآية، نزلت في إخبار من نزل فيه قوله: {قُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدّارُ الْآخِرَةُ} [البقرة:94] (¬6). و (هود) (¬7) جمع هائد، كما أنّ (عوذا) جمع عائذ (¬8)، وهو الناقة إذا وضعت وبعد ما (¬9) تضع أيّاما، وفي الحديث: (ومعهم العوذ المطافيل) (¬10). وقيل: هود اسم فعل معهود مبهم وهو تهودهم، فأدخلت التاء (¬11) الضمير صاحب الفعل ثمّ أسقطت ههنا للتخفيف فرجع إلى ما كان (¬12). ويحتمل أنّ يهود وهودا لمّا تشابها في اللفظ أقيم هود مقام يهود للتخفيف مع عدم ¬
الإيهام، قال الله تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ} [الفتح:29]، {وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اِسْمُهُ أَحْمَدُ} [الصف:6]. {تِلْكَ:} إشارة إلى كلمات القبيلتين (¬1). {أَمانِيُّهُمْ:} الأماني جمع أمنيّة (¬2)، وهي اسم من التّمنّي وهو (¬3) التّشهّي. {قُلْ هاتُوا:} (هات): أداة للسّؤال كما أنّ هاء وهاك أداة للإعطاء (¬4). والأصل فيه فعل، أي: آت، فقلبت الهمزة هاء كما في هراق، ثمّ جعل من حيّز الحروف فمنع (¬5) الصّرف إلا على جهة (¬6) الأمر. و (البرهان) (¬7): الحجّة الواضحة، يقال: برهن الرجل، إذا ذكر حجّة قوله (¬8). وكان البرهان المطلوب منهم (¬9) تمنّي الموت. 112 - {بَلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ:} ردّ لزعمهم (¬10) {لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاّ مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى.} وإسلام الوجه للشيء صرف الإقبال إليه، وتسليم النفس، وتفويض الأمر (¬11)، ومنه يقال في عقد السّلم: أسلم كذا وكذا إليه. وهذه صفة المسلمين دون اليهود والنصارى، قال زيد بن عمرو بن نفيل (¬12): [من المتقارب] وأسلمت وجهي لمن أسلمت … له المزن تحمل عذبا زلالا إذا (¬13) … هي سيقت إلى بلدة أطاعت فصبّت عليها سجالا {وَهُوَ مُحْسِنٌ:} شرط ضمّ الإحسان إلى الإسلام لئلا يأمن المسيء من جملة المسلمين (¬14). ¬
{فَلَهُ أَجْرُهُ:} يعني إدخال الجنّة (¬1). (29 ظ) 113 - {وَقالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصارى عَلى شَيْءٍ:} نزلت في جماعة وفد نجران ويهود المدينة، تجادلوا وحاجّ بعضهم بعضا على قضيّة (¬2) التوراة، فجحد كلّ فريق حجّة خصمه ومنعها على طريق الجدال مع تلاوتهم التوراة وإقرارهم بها جميعا، كما جحد كفّار قريش حيث {قالُوا سِحْرانِ (¬3)} تَظاهَرا [القصص:48]، ولم يذهبوا في المحاجّة مذهب المسلمين (¬4) بأن يقولوا: {تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ (¬5)} سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ [آل عمران:64]، فأنزل الله الآية ذمّا لهم (¬6). و (ليس): أداة نفي تشبه اللفظ الماضي (¬7). (على شيء): طريق أو رأي متجه أو نحوهما (¬8). {فَاللهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ:} والحكم هو القضاء المانع عن الخلاف إلجاء أو غير إلجاء (¬9)، وأراد ههنا الإلجاء وذلك بإنطاق الجلود وشهادة الرسل على الأمم وغير ذلك ممّا يشاء الله تعالى وقدّره. و (الاختلاف) (¬10): نقيض الاتّفاق (¬11). 114 - {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ:} قال ابن عبّاس: نزلت في الروم لغزوهم بيت المقدس (¬12)، وإلى هذا ذهب مجاهد والفرّاء (¬13)، يدلّ عليه سبق ذكر النصارى ودخول النصارى خائفين في البيت المقدّس إلى يومنا هذا. وعن الحسن وقتادة والسدّي أنّها نزلت في بختنصر، يدلّ عليه أنّه لمّا جرى ذكر اليهود والنصارى ومشركي العرب والوعد بالحكم في اختلافهم ذكر المجوس أيضا وأشركهم في الذّمّ من وجه آخر (¬14). وعن ابن زيد أنّها نزلت في قريش وغيرهم ¬
من مشركي العرب (¬1)، وهذا هو الأقرب؛ لأنّهم كانوا يصدّون عن المسجد الحرام بعد عامهم هذا، وفيهم نزل قوله: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ} [التوبة:28]. (ومن أظلم): ورد ورود الاستفهام ومعناه الإنكار. {مَساجِدَ اللهِ:} جمع وهو واحد؛ لأنّ العرب تجمع الشيء بنواحيه فتقول: ثوب أسمال. ويحتمل أنّه جمع (مسجد) بفتح الجيم، وذلك موضع السجود (¬2). ويحتمل أنّ المراد به المسجد الحرام ومسجد الخيف والمشعر الحرام (¬3)؛ لأنّ الصّدّ كان عن جميعها. و (عن) مضمر، [أي] (¬4) عن {أَنْ يُذْكَرَ،} كما يقال: نهيته أن يفعل، أي: عن أن يفعل (¬5) كذا. {وَسَعى فِي خَرابِها:} والسّعي في الشيء بالصلاح والفساد هو الشّروع (¬6). وإنّما وحّد الفعل ب (من)، وقال (¬7): {أُولئِكَ} لما سبق القول في مثله (¬8). {ما كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلاّ خائِفِينَ:} نفى دخولهم فيها إلا على الصفة المستثناة بعد صدّهم عنها، وإنّما كان ذلك عام حجّة الوداع بعد الحجّ الأكبر (¬9)، أو عام فتح الله تعالى بيت المقدس على يدي عمر (¬10)، فمن دخل من الكفّار، منافقا أو أسيرا أو بعهد أو بذمّة، هذين المسجدين أو غيرهما من المساجد، وهو مستثنى؛ لأنّه مقهور خفيّ خائف، وإن كان خوف دون خوف. {لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ:} قتلهم يوم بدر، وقهرهم يوم الفتح، وصدّهم عام حجّة الوداع، (30 و) ومضيّ الجهاد إلى آخر الدهر (¬11)، أو [هو] (¬12) فتح الشام وهلاك قيصر وفتح الروم ¬
كلّها في آخر الزمان (¬1)، أو فتح العراق وما يليها من بلاد المجوس وهلاك كسرى. والعذاب العظيم في الآخرة (¬2) ما أعدّ الله للكافرين من النار والخسار (¬3). 115 - {وَلِلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ:} نزلت في الصلاة على الراحلة تطوّعا، هكذا روي (¬4). وروي عن ابن عمر (¬5) صلاة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم على الراحلة تطوّعا في الصحارى حيثما توجّهت به راحلته، وعن (¬6) سعد بن أبي وقّاص وعامر بن أبي ربيعة وأبي موسى الأشعري وجابر وأنس. وأفادت الآية حكم جواز البناء بعد الانصراف للحرب، وجواز التوجّه إلى غير القبلة في صلاة الخوف على الراحلة (¬7). والشرق: الطلوع، والإشراق: الإضاءة، والمشرق: مكان شروق الشمس والقمر وسائر (¬8) الطوالع من السماء على الدنيا من نواحي سهيل إلى بنات نعش. والمغرب (¬9) نقيضه من نواحي سهيل إلى بنات نعش. فالصّبا والجنوب (¬10) بالمشرق، والشّمال والدّبور بالمغرب. و (أين) (¬11): استفهام عن المكان، فإذا اتّصلت ب (ما) صارت للشرط وعمّت الأماكن عموم (أيّ) (¬12)، قال الله تعالى: {أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ} [النساء:78]، {أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً} [البقرة:148]. {فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ:} (ثمّ): اسم ظرف مشار إليه (¬13). و (وجه الله) ليس كأوجه خلقه، وهو خالق الوجوه، متعال عن الحلول في الجهات ¬
والأقطار، وهو أقرب من حبل الوريد، سبحانه وتعالى. وقد أوّل من أوّل (¬1) من أصحابنا بأنّه الإقبال بالرحمة والرّضوان والقبول، وهو ممكن أن يكون مرادا (¬2). (الواسع) (¬3): الذي لا يضيق علما ورحمة وقدرة (¬4)، قال زيد بن عمرو (¬5): [من البسيط] إنّ الإله عزيز واسع حكم (¬6) … بكفّه الخير والباساء والنّعم 116 - {وَقالُوا اِتَّخَذَ اللهُ وَلَداً:} زعمت (¬7) اليهود أنّ الله اتّخذ عزيرا ولدا، وقالوا: {نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ وَأَحِبّاؤُهُ} [المائدة:18]، وزعمت النصارى أنّ الله ولد عيسى، وزعم بنو مليح ومن تابعهم من مشركي العرب أنّ الملائكة بنات الله (¬8)، وزعم المجوس أنّ الشمس والقمر ولدان لله تعالى، وقالت طائفة منهم: إنّ الله تعالى اتّخذ الظلمة صاحبة فتولّد العالم منهما، بأفواههم أجمعين التراب، فأنزل الله هذه الآية تنزيها لنفسه، وتصديقا للمؤمنين، وتكذيبا للكفّار. ونكتة الردّ أحد حرفين: إمّا اللام في {لَهُ} إن كان المراد بها التمليك، إذ الملك والتبنّي لا يجتمعان (¬9)، وإمّا الإخبار عن بدء الأشياء بقوله (¬10) وفعله دون استحالة طبيعة من نفسه، وإذا عدمت الطبيعة عدمت الولادة، وكذلك اتّخاذ الولد (¬11). {كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ:} ذكر ابن الأنباري أنّ (¬12) القنوت يفسّر على أربعة أوجه: "الصلاة وطول القيام وإقامة الطاعة والسكوت" (¬13). (30 ظ) أصل القنوت في اللغة هو القيام بالمراد على وجه الانقياد (¬14). وقنوت الكلّ كسجود الكلّ {طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ} [الرعد:15] (¬15). ¬
117 - {بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ:} فعيل بمعنى المفعل كالسّميع والأليم (¬1)، قال (¬2): [من الوافر] أمن ريحانة الدّاعي السّميع … يؤرّقني وأصحابي هجوع الإبداع: الإحداث (¬3)، والشيء المحدث ما حدث بعلّة (¬4) من جهة القادر لا على قضيّة الطبيعة هو الطبع طبع الأشياء كيف شاء حكيما مبرما. {وَإِذا قَضى أَمْراً:} والقضاء: قطع الشيء وإتمامه وإمضاؤه (¬5)، قال (¬6): [من الكامل] وعليهما مسرودتان قضاهما … داود أو صنع السّوابغ تبّع وقد يكون القضاء بمعنى الأداء (¬7). و (الأمر) ههنا المقول، وهو تسمية الشيء (¬8) الكائن فيكون المسمّى بتكوين الفاعل شيئا من لا شيء باسمه الذي وقعت التسمية به، فسبحان الله الذي له الخلق والأمر. ويحتمل أنّ الأمر ههنا هو الشأن المحدث بالإرادة، يعدّ موهوما فيقول له: كن، أي: معقولا، فيكون بأمره وفعله كذلك (¬9). 118 - {وَقالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ:} نزلت في مشركي العرب في أوجه الأقاويل وأقربها (¬10)؛ لأنّه ذكرهم بما سبق ذكرهم به عند مجادلة اليهود والنصارى. {لَوْلا:} ههنا على التحضيض بمعنى لو ما وهلا (¬11)، ونظيره: {فَلَوْلا إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا تَضَرَّعُوا} [الأنعام:43]. {مِنْ قَبْلِهِمْ:} عاد (¬12) إذ قالوا لهود: {فَأْتِنا بِما تَعِدُنا} [الأعراف:70]، وثمود إذ قالوا: {يا صالِحُ اِئْتِنا بِما تَعِدُنا} [الأعراف:77]، وفرعون إذ قال: {إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ} ¬
{فَأْتِ بِها} [الأعراف:106]، وبنو إسرائيل لقولهم: {لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً} [البقرة:55]، والنصارى إذ قالوا: {هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ} [المائدة:112] (¬1). وإنّما يطالبون بهذه الأشياء تمرّدا وتعنّتا، ولم يقصدوا به الاستدلال للطمأنينة والبيان، فذمّهم الله جميعا، وشبّه بعضهم ببعض (¬2). وفي الآية دليل أنّ الكفر كلّه ملّة واحدة. 119 - {إِنّا أَرْسَلْناكَ:} أنفذناك، وقد يكون الإرسال إطلاقا في غير هذا الموضع (¬3). {بِالْحَقِّ:} ودين الحقّ هو (¬4) الإسلام. والباء مكان (مع) (¬5). {بَشِيراً:} مخبرا بالخبر السارّ (¬6). {وَنَذِيراً:} منبّها محذّرا بخبر مكروه (¬7). قال صلّى الله عليه وسلّم: (بشّر أهل الطاعة بالجنّة والرّضوان، وأنذر أهل المعصية بالنار والخسران) (¬8). {عَنْ أَصْحابِ الْجَحِيمِ:} أصحاب جمع صحاب، وصحاب جمع (¬9) صحب، مثل ركاب وركب، ثمّ صحب جمع صاحب، ويحتمل أنّ الأصحاب جمع قلّة. و (الجحيم): النار العظيمة، قال الله تعالى: {فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ} [الصافّات:97]، وقيل: الجحيم: التهاب النار (¬10). 120 - {وَلَنْ تَرْضى عَنْكَ الْيَهُودُ [وَلا النَّصارى] (¬11)}: والرّضا عن الشيء: صرف السخط عنه بوجود (¬12) المرضيّ منه (¬13)، والمرضيّ هو المحمود. ولم يكن الإسلام محمودا عند اليهود والنصارى فلم يرضوا عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم. ¬
{حَتّى تَتَّبِعَ:} (حتى) تدخل في الكلام لثلاثة معان: (31 و) الغاية نحو (إلى)، والتعليل نحو (كي)، والعطف بمعنى المبالغة (¬1). فالغاية (¬2) تدخل على الأسماء والأفعال جميعا، والتعليل مختصّة بالأفعال، والعطف بالأسماء. وإذا وليها فعل مضارع فهو مرفوع أو منصوب، وفي ذلك وجهان: متى رأيت قبلها فعلا يطول أو يكثر منفيّا أو مثبتا، وبعدها فعل مضارع حكمه (¬3) حكم الفعل الأوّل في الماضي والاستقبال [فانصبه] (¬4) بتقدير (أن)، قال الله تعالى: {حَتّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ،} وقال: {وَزُلْزِلُوا حَتّى يَقُولَ الرَّسُولُ} (¬5) [البقرة:214]، وقال: {وَقاتِلُوهُمْ حَتّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ} [البقرة:193]، وقال الشاعر (¬6): [من الطويل] وتنكر يوم الرّوع ألوان خيلنا … من الدّم حتّى تحسب الجون أشقرا لأنّ المراد ترداد الفعل (¬7) وإطالته، فيكون الفعل الثاني في حكم الفعل الأوّل. وإن كان الفعل المضارع منفيّا ب (لا)، وحسنت (ليس) مكان (لا) فرفعه حسن، قياسا على المنفيّ ب (لا) بعد (أن لا)، نحو قوله: {أَلاّ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ} [طه:89]، {أَلاّ تَكُونَ (¬8)} فِتْنَةٌ [المائدة:71]. ومتى رأيت قبلها فعلا ليس فيه معنى الطول والكثرة، وبعدها فعلا لم يكن (¬9) حكمه حكم ما قبلها في الماضي والاستقبال، أو كان الفعل لفاعل الأوّل فارفعه نحو قولك (¬10): جئت حتى أكون قريبا منك؛ لأنّ الفعل (¬11) بعد (حتى) إمّا فعل حال مضت أو حال أنت فيها، وفعل (¬12) الحال لا يقع إلا مرفوعا، فإن كان الفعل لغير فاعل الأوّل فانصبه أو ارفعه، وأكثر النّحويّين على النّصب. وإذا وليها اسم فهو معرب بإحدى الحركات الثّلاث (¬13)، وفي ذلك وجهان أيضا: متى رأيت بعدها اسما لا يصلح أن يكون معطوفا على ظاهر أو مقدّر فاخفضه ¬
كقوله: {حَتّى حِينٍ} [يوسف:35]، و {حَتّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} [القدر:5]. ومتى رأيت بعدها اسما يصلح أن يكون معطوفا على ظاهر أو مقدّر فأتبعه المعطوف في الإعراب كقولك: أكلت السّمكة حتّى رأسها، قال (¬1): [من الطويل] فيا عجبا حتّى كليب تسبّني (¬2) … كأنّ أباها نهشل أو مجاشع (¬3) {مِلَّتَهُمْ:} والملّة: معظم الدّين والشّريعة، عن ابن الأعرابيّ، قال أبو العبّاس: يعني بالمعظم: الجملة. وكأنّها مستعارة من الملّة التي هي الدّية والأرش (¬4)؛ لأنّها مسنونة مشروعة مثلها. قيل (¬5): اشتقاقها من الملّة وهي الرّمل المحمّى (¬6)، وقيل: من قولك: تملّيت الثّوب، إذا لبستها ملاوة من الدّهر (¬7). وفي الآية دليل أنّ الكفر ملّة واحدة (¬8). {وَلَئِنِ:} حرف شرط دخلت عليه اللام لنوع تأكيد، وأكثر ما تدخل (¬9) عند القسم. {بَعْدَ الَّذِي:} أي: بعد العلم الذي جاءك. و (من) الأولى للتّفسير، والثّانية لتأكيد النّفي (¬10). 121 - {الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ:} نزلت في مؤمني أهل الكتاب، عن ابن (¬11) زيد، وهو عبد الرحمن بن زيد بن أسلم (¬12). وفي عامّة المسلمين، عن قتادة (¬13). {يَتْلُونَهُ:} فعل (31 ظ) بمعنى النعت المنصوب على القطع، أو الحال، وتقديره: تالين إيّاه، لا يجوز غير هذا على قول ابن زيد (¬14). ويكون خبرا على قول قتادة (¬15). ¬
والمراد بالتّلاوة: الاتّباع (¬1)، عن ابن عبّاس وابن مسعود ومجاهد وقتادة وعطاء (¬2). والمراد ب (الحقّ) (¬3) الحقيقة. {يُؤْمِنُونَ بِهِ:} بمحمّد، أو الكتاب (¬4). 123 - {وَلا تَنْفَعُها شَفاعَةٌ:} النّفع هو التأثير بالخير (¬5)، ونقيضه: الضرّ (¬6). 124 - {وَإِذِ اِبْتَلى:} الابتلاء: الاختبار (¬7). وابتلاء الله (¬8) عبده ليحدث فعله معلوما لله تعالى حالة (¬9) الحدوث، إذ يستحيل أن يكون (¬10) ما لم يكن معلوما في نفسه، وإن كان العلم سابقا بمعنى المشيئة والتقدير (¬11). و {إِبْراهِيمَ} عليه السّلام هو خليل الله، ابن تارح بن ناحور بن شاروع بن أرغو بن فالغ بن عابر بن شالخ ابن عمّ يعرب بن قحطان بن عابر بن شالخ، وشالخ (¬12) ونوبجهان أبو جم ابنان لأرفخشد، وأرفخشد (¬13) وإرم أبو عاد ابنان لسام بن نوح صلوات الله عليهما، في ما يروى (¬14). وكأنّه سمّي إبراهيم لأنّه فارق أباه في صباه متحيّرا متفكّرا في أمر الرّبوبيّة فسمّي إبراهام وإبراهيم، ثمّ حقّق الله عليه الاسم بأن قال: {إِنّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ وَمِمّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ} [الممتحنة:4]، وهاجر إلى ربّه يهيم. {بِكَلِماتٍ:} هي الأوامر من الأصول والفروع مثل (¬15) قوله: {أَسْلِمْ قالَ أَسْلَمْتُ} [البقرة:131] (¬16)، وقوله: {أَعْرِضْ عَنْ هذا} [هود:76]، وقوله: {يا أَبَتِ اِفْعَلْ ما تُؤْمَرُ} ¬
إلى أن قال (¬1): {يا إِبْراهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا} [الصافّات:102 - 105]. وقيل (¬2): الكلمات هي الخصال اللواتي خمس منهنّ في الرأس وخمس في الجسد. وقيل (¬3): هي الخصال التي في أوّل سورة المؤمنين وما يشاكلها في سائر السّور. {فَأَتَمَّهُنَّ:} يحتمل أنّه فعل الله تعالى فيكون بمعنى القضاء والإبرام (¬4)، ويحتمل أنّه فعل إبراهيم عليه السّلام فيكون بمعنى الوفاء بها (¬5). {لِلنّاسِ إِماماً:} والإمام: الذي ينتهى إلى رأيه وقوله اقتداء (¬6). وليس من شرط الإمام (¬7) الائتمام بالإمام في فعله المجرّد ما لم ينضمّ إليه رأي (¬8) أو قول، وذلك يؤدّي إلى المضاهاة والمساواة. وعلى الإمام رعاية المؤتمّين، قال الله تعالى لإبراهيم: {وَأَذِّنْ فِي النّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالاً} [الحجّ:27]، وقال: {وَعَهِدْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطّائِفِينَ وَالْعاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [البقرة:125]. {قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي:} ذرّيّة الرجل: ما يتفرّق وينتشر منه على وجه الأرض (¬9). وقيل (¬10): هي من ذرأ الله الخلق بالهمزة، فتكون (¬11) الذرّيّة: خليقة الله منه. {لا يَنالُ عَهْدِي الظّالِمِينَ:} (النّيل) هو الإدراك والإصابة (¬12). و (العهد): الوصيّة والأمانة لقوله (¬13): {وَعَهِدْنا إِلى إِبْراهِيمَ.} والظلم ههنا ظلم الاعتقاد لا ظلم السيرة لقوله: {وَالْكافِرُونَ هُمُ الظّالِمُونَ} [البقرة:254] (¬14)، يدلّ عليه قوله في شأن أهل مكّة وهم ذرّيّة إبراهيم: {وَما هِيَ مِنَ الظّالِمِينَ} ¬
{بِبَعِيدٍ} [هود:83]، وفيهم: {رَبَّنا أَخْرِجْنا} (¬1) (32 و) {مِنْ هذِهِ الْقَرْيَةِ الظّالِمِ أَهْلُها} [النساء:75]، وفيهم قوله تعالى: {وَما كانُوا أَوْلِياءَهُ إِنْ أَوْلِياؤُهُ إِلاَّ الْمُتَّقُونَ} [الأنفال:34]. وأمّا ظلم السيرة إذا أكثر الإمام الظلم (¬2) لم تزل ولايته؛ لأنّ يونس ظلم نفسه بعد ما بعث فلم يكن ذلك عزلا. وقال لداود: {وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ} [ص:24]، وكان إماما فلم يؤثّر في إمامته، ولكن كلّف على خلع نفسه إن سهل ذلك من غير فتنة (¬3). 125 - {وَإِذْ جَعَلْنَا:} أراد به الحكم ههنا دون التّصيير (¬4). {الْبَيْتَ:} المسكن، سواء كان خيمة أو جدارا أو سربا في الأرض. وإنّما سمّي البيت بيتا؛ لأنّه يبات فيه (¬5). والجمع: بيوت، وقيل: أبيات (¬6). والمراد ههنا البيت العتيق، أدام الله حراسته (¬7). {مَثابَةً:} (مفعلة) من ثاب يثوب، كالمفازة والمنارة (¬8). ويقال: إنّ فلانا لمثابة، إذا كان يأتيه الناس للرعية ويرجعون مرة بعد أخرى وثانية بعد أولى (¬9). والهاء للمبالغة عند الأخفش (¬10) كالنّسّابة والعلاّمة، ولا معنى لها عند الزجّاج والفرّاء كالمقام والمقامة (¬11). {وَأَمْناً:} "مأمنا" (¬12)، والأمن: نقيض الخوف، والحرم كلّه داخل في (¬13) حكم البيت في هذا المعنى. {مِنْ مَقامِ:} زيادة، أو لابتداء الغاية (¬14). ¬
قيل (¬1): مقام هو الحرم. وقيل (¬2): هو المسجد الحرام، والأصحّ أنّه صخرة قام عليها إبراهيم عليه السّلام (¬3) حين بنى البيت، وقيل (¬4): حين غسلت رأسه كنّته الأخيرة وهي ابنة مضاض. {مُصَلًّى:} موضع صلاة الإمام، وصلاة من يستطيع أن يركع ركعتي الطواف (¬5). {وَعَهِدْنا:} أوصينا (¬6). {وَإِسْماعِيلَ:} هو نبيّ الله ابن خليل الله من (¬7) أمّ ولده هاجر القبطيّة، وقبط من ولد حام. وإسماعيل عليه السّلام أوّل من تكلّم (¬8) بالعربيّة المهذبة من جميع الناس، وقيل: من أولاد أرغو بن عابر (¬9). {أَنْ طَهِّرا:} (أن): لتفسير العهد (¬10). و (الطّهارة) ضدّ النّجاسة، والطاهر: النّقيّ (¬11). قيل: المراد بتطهير البيت تطهيره عن وضع الأصنام فيه (¬12)، ويحتمل على العموم عن كلّ ما لا يجوز فيه (¬13). {بَيْتِيَ:} أضاف إلى نفسه تشريفا وتعظيما (¬14)، مثل: {عَبْداً لِلّهِ} [مريم:30]، و {ناقَةُ اللهِ} [الأعراف:73]. {لِلطّائِفِينَ:} الطّواف قريب من الدّوران (¬15). وههنا يحتمل ثلاثة معان: الطواف المعهود المشروع، والسّياحة وهي غير العكوف، والتّعهّد ومنه سمّي الخادم طائفا، قال الله تعالى: ¬
{طَوّافُونَ عَلَيْكُمْ} (¬1) [النور:58]، والبعض قريب من بعض (¬2). والعكوف هو الإقامة، وفيه معنى اللزوم (¬3). {وَالرُّكَّعِ:} جمع راكع، مثل: خاشع وخشّع (¬4). و {السُّجُودِ:} جمع ساجد، مثل: شاهد وشهود (¬5). 126 - {وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ:} نزلت في دعوة إبراهيم لأهل مكّة (¬6). ذكر الواقديّ بإسناده عن عبد الله بن سلام قال: لمّا غرقت الأرض كانت الأنبياء يحجّون أثر البيت كلّهم حتى كان إبراهيم عليه السّلام، فبؤّأه الله تعالى إيّاه، دلّ أنّه لم (¬7) يتعيّن مكان البيت إلا له (¬8). وروى الواقديّ عن أبي جهم بن حذيفة قال: أقبل إبراهيم عليه السّلام (32 ظ) من الشام على البراق حاملا إسماعيل أمامه وهاجر خلفه، معه جبريل عليه السّلام يدلّه، وإسماعيل إذ ذاك ابن سنتين. وعن مجاهد ما يقرب هذا (¬9). ثمّ إنّ إبراهيم عليه السّلام انصرف إلى الشام فقالت هاجر: إلى من تدعنا؟ فقال (¬10): إلى الله، قالت: رضيت بالله (¬11). فلمّا غاب إبراهيم عليه السّلام وفني ماء القربة جزعت هاجر عطشا وخوفا على ابنها، فظهر لها ملك، قيل: هو جبريل عليه السّلام، فضرب بعقبه مكان بئر زمزم، فظهر الماء فوق الأرض، فتسارعت إليه، وبلّت طرف ردائها، وسقت إسماعيل عليه السّلام فصبّت الماء في فيه، ثمّ انصرفت إلى الماء فجعلت تجمع التراب لئلا يفيض الماء إشفاقا لها عليه، قال ابن عبّاس: لو تركته يفيض لكان يفيض إلى يوم القيامة (¬12). ومكثت هاجر مع إسماعيل عليه السّلام خمسة أيّام يشربان من ذلك الماء، فلمّا كان اليوم السادس أقبل غلامان من العماليق النازلين حول مكّة فأشرفا على الوادي فرأيا الماء فتعجّبا، ¬
وانطلقا إلى قومهما بخبر الماء، فسار منهم جماعة حتى نزلوا الوادي، وقالوا لهاجر: من (¬1) أنت أيّتها المرأة؟ ومن هذا الصبيّ؟ قالت: هذا ابن إبراهيم خليل الله ونبيّه، وهو ابني، وهذا الماء سقي من الله لنا، قالوا: صدقت فإنّ عهدنا بهذا الوادي قريب، وما فيه إذ ذاك ماء، فهل تأذنين لنا أن ننزل بهذا الوادي على أن نواسيكما بأموالنا؟ فأذنت استئناسا بالناس، فأقاموا معها سنين حتى شبّ إسماعيل، فقسموا له من أموالهم قسما، وعظّموه فيما بينهم، وعرفوا له حقّه. قيل: وإنّ امرأته الأولى التي (¬2) لم تلن الكلام لإبراهيم، ولم تستنزله كانت منهم (¬3)، فطلّقها إسماعيل عليه السّلام (¬4)، وقيل (¬5): إنّهما كانتا جرهميّتين. ثمّ أقبل مضاض بن عمرو بن عبد الله بن جرهم بن قحطان من اليمن في قبيلة جرهم، وقيل: إنّ جرهما ليس بابن قحطان، وإنّما هو ابن أخي قحطان، واسم أبيه يفطر بن عابر، حتى انتهى إلى مكّة فزاحم العماليق ونفاهم، وزوّج ابنته من إسماعيل عليه السّلام (¬6). {رَبِّ اِجْعَلْ هذا:} إشارة إلى المكان والوادي (¬7). {بَلَداً آمِناً:} أهله (¬8)، كقوله: {آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً} [النحل:112]. والمراد بالأمن ما (¬9) اقتضاه الحرم من الأحكام المخصوصة به (¬10). {مِنَ الثَّمَراتِ:} أي: شيئا من الثمرات، عند الأخفش (¬11). وقال غيره (¬12): (من) قائم مقام الاسم في كلام العرب كما هو ههنا، وكذلك في قوله: {وَما مِنّا إِلاّ لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ} [الصافّات:164]. {مَنْ آمَنَ:} إبدال البعض من الكلّ (¬13)، مثاله قوله تعالى: {وَلِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اِسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} [آل عمران:97] (¬14). ¬
وإنّما خصّ المؤمنين بالدّعاء لأنّه لا يجوز تولّي الكافرين (¬1). وقيل: توهّما منه أنّ الله تعالى لا يؤجّلهم إذ (¬2) قال: {لا يَنالُ عَهْدِي الظّالِمِينَ} [البقرة:124]، فأخبر الله تعالى بأنّه يمهلهم (33 و) ويمتّعهم متاع الحياة الدنيا لتأكيد الحجّة عليهم (¬3). ويحتمل أنّ الإخبار عن رزقهم إنّما وقع لئلا (¬4) يستدلّ الكافر بالرّزق أنّه مصيب مؤمن، وأنّ دعوة إبراهيم عليه السّلام قد نالته. {ثُمَّ أَضْطَرُّهُ:} فيقال (¬5): من الضّرورة، وهو متعدّ (¬6). {وَبِئْسَ الْمَصِيرُ:} المعاد (¬7). 127 - {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ:} روى الواقديّ عن أبي (¬8) جهم بن حذيفة ابن غانم العدويّ قال: لمّا بلغ إسماعيل ثلاثين سنة، وإبراهيم يومئذ ابن مئة سنة، أوحى الله تعالى إلى إبراهيم عليه السّلام يأمره ببناء البيت، وأنزل السكينة فاتّبعها إبراهيم، وهي ريح لها وجه وجناحان، ومع إبراهيم عليه السّلام الملك والصّرد فانتهوا بإبراهيم عليه السّلام إلى مكّة منزل إسماعيل عليه السّلام (¬9). وفي رواية كان إسماعيل ابن عشرين سنة، فأتاه أبوه وهو قاعد تحت دوحة يبري النّبال (¬10). وموضع البيت يومئذ ربوة حمراء، فحضر إبراهيم وإسماعيل عليهما السّلام، ليس معهما غيرهما، يريدان أساس آدم عليه السّلام، فحفرا (¬11) عن ربض البيت، قال الواقديّ: ربضه: حوله، فوجدا صخرة ما يطيقها إلا ثلاثون رجلا، فبنيا، وجعل القواعد من حراء، وحلّقت السكينة كأنّها سحابة على موضع البيت فقالت: ابن عليّ، فلذلك لا يطوف بالبيت أحد أبدا (¬12) نافرا ولا جبّارا إلا رأيت عليه السكينة. قال: وجعل طوله في السماء تسع أذرع، وعرضه في الأرض ثلاثين ذراعا، وطوله في الأرض اثنتين (¬13) وعشرين ذراعا، وأدخل الحجر وهو سبع أذرع في البيت، وجعل المقام لاصقا بالبيت عن يمين الداخل. ¬
فلمّا أراد إبراهيم عليه السّلام أن يجعل علما لابتداء الطّواف أمر إسماعيل يبغي له حجرا، فأنزل الله تعالى جبريل بالحجر الأسود، فقال إبراهيم لإسماعيل عليهما السّلام لمّا رجع إليه: أتاني به من لم يكلني إليك (¬1). وكان بناء الكعبة من خمسة جبال: طور سيناء وطور زيتا وأحد ولبنان وحراء (¬2). ورفع البنيان (¬3): بناؤها. (يرفع): مستقبل بمعنى الماضي (¬4). و (القواعد): جمع قاعدة (¬5)، والقاعدة (¬6) ما وضع أصلا فبني عليه (¬7). وإنّما دخلت (من) لصرف (القواعد) عن محلّ الإضافة (¬8)، كقوله تعالى: {حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي} [السجدة:13]، و {كِتابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ} [الأنفال:68]. والقول ههنا مضمر وتقديره: قائلين {رَبَّنا} (¬9). وتقبّل (¬10) التّوبة والهديّة والعمل الصالح: قبولها في تقديرها وتحقيقها (¬11)، ونقيضه الردّ في الإبطال والإنكار. و {السَّمِيعُ:} ذو السّماع. 128 - {رَبَّنا وَاِجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ:} المراد به الإسلام في ما يستقبل من العمر (¬12)، مثل قول يوسف عليه السّلام: {تَوَفَّنِي مُسْلِماً} [يوسف:101]. ووجه هذا النوع من دعوات الأنبياء كوجه دعاء المؤمنين: {وَآتِنا ما وَعَدْتَنا} [آل عمران:194]، {وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ} [البقرة:286] (¬13). ¬
{وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا:} يعني: ولد عدنان، وعدنان (¬1) من ولد أدد، (33 ظ) وأدد، قيل: من ولد نابت (¬2) بن إسماعيل، وقيل: من ولد قيذر بن إسماعيل (¬3). (الأمّة) (¬4): الجماعة المجتمعة في زمان أو مكان، أو على شيء من الأشياء (¬5). والمراد ب (الإراءة) (¬6) الهداية والدّلالة (¬7). {مَناسِكَنا:} إمّا هي جمع (منسك) بالفتح، وهو المصدر، أو جمع (منسك) بالكسر، وهو موضع النّسك (¬8). والنّسك: عبادة الله (¬9)، وقد خصّ في الشرع بأفعال الحجّ وأقواله (¬10). وإنّما سأل التّوبة للزّلل يجري على عقله (¬11)، ولذلك كان النبيّ صلّى الله عليه وسلّم يستغفر في اليوم والليلة سبعين مرّة (¬12)، أو مئة مرّة (¬13). 129 - {رَبَّنا وَاِبْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً:} أراد به نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم (¬14)؛ لأنّ العرب من ذرّيّتهما جميعا، وبنو إسرائيل ذرّيّة إبراهيم وحده، ولأنّهما سألا رسولا (¬15) واحدا، ولو عنيا بني إسرائيل لسألا رسلا (¬16). روي أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قيل له: حدّثنا عن نفسك يا رسول الله فقال: (أنا دعوة إبراهيم، وبشرى أخي عيسى عليه السّلام) (¬17). وإنّما كان دعوة إبراهيم مع سبق الحكم به في أمّ (¬18) الكتاب، كما كان يعقوب دعوة إسحق حين قرّب إليه الشوا، وهارون دعوة موسى عليه السّلام حين قال: {وَاِجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ} ¬
{أَهْلِي} [طه:29]، وداود دعوة أشمويل حين أمدّ به طالوت، مع سبق الحكم بهم. وإنّما دعا إبراهيم مع العلم بانتقال النور في إسماعيل لئلا يكون نصيب العرب من محمّد صلّى الله عليه وسلّم كنصيب أهل بابل منه (¬1)؛ حرموا أنواره مع علمه مخافة أن يصيب (¬2) ذلك النور شيء بأن يوضع في غير الطاهر (¬3)؛ لأنّ الوصيّة بذلك كانت قائمة من كلّ سلف إلى خلف حتى عبد الله ابن عبد المطّلب. و (البعث) في اللغة تهييج وإثارة، وهو مستعمل في الإحياء وإنفاذ الرسول وتأمير الأمير وتوجيه (¬4) الجند ونحوها (¬5). {آياتِكَ:} يعني آيات القرآن (¬6). {وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ:} الفرقان (¬7). {وَالْحِكْمَةَ:} ما لا يحتاج في إدراكه إلى الوحي، كالفقه وما في معناه من العلوم المستنبطة في الشريعة (¬8). {وَيُزَكِّيهِمْ:} أراد التسبب لزكاتهم وطهارتهم (¬9). {الْعَزِيزُ:} من يعزّ نيله، أو يعزّ غيره، فالله تعالى لا ينال بعظيم (¬10) الاقتدار، وهو الغالب على أمره، القاهر فوق خلقه (¬11). 130 - {وَمَنْ يَرْغَبُ:} على وجه الإنكار (¬12)، كقوله: {وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللهُ} [آل عمران:135]، و {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاّ بِإِذْنِهِ} [البقرة:255]. والرغبة عن الشيء: [هو] (¬13) الزهد فيه وإيثار النفس عليه (¬14)، والرغبة في الشيء: إرادته ¬
على وجه الطمع (¬1)، والرغبة إلى الشيء: هو الطمع فيه (¬2)، فكأنّ الرغبة في الوجوه كلّها هي صرف الهمّة. وفي {سَفِهَ نَفْسَهُ:} أربعة أقوال: الأوّل: استخفّ نفس إبراهيم حين رغب عن ملّته (¬3)، وكأنّ قولهم: فلان سفه الشراب، إذا أكثر منه، ومثل (¬4) هذا قوله صلّى الله عليه وسلّم: (من سفه الحقّ) (¬5)، وهذا قول لم يرو عن الأئمّة. والثاني: أنّه جهل نفسه، ومنه قوله: {عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً} [البقرة:282]، ويحتمل قوله صلّى الله عليه وسلّم: (إلا من سفه الحق)، وقولهم: فلان سفه رأيه (¬6). وجهل النفس يؤدّي إلى جهل منشئها، قال الله تعالى: {وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ} [الذاريات:21]، وقال صلّى الله عليه وسلّم: (34 و) (من عرف نفسه فقد عرف ربّه (¬7))، وإلى هذا ذهب الزجّاج (¬8). والثالث: سفه في نفسه، فانتصب بنزع الخافض (¬9). ويحتمل هذا قوله (¬10): (إلا من سفه الحق)، وقولهم: فلان سفه رأيه. والرابع: قول (¬11) الفرّاء: إنّ الفعل للنفس، فلمّا أسند إلى (من) انتصب النفس على التفسير، كقوله: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً} [النساء:4]، وقولك (¬12): ضقت به ذرعا، [وهي] (¬13) من المعرفة كالنّكرة، كقوله (¬14): {بَطِرَتْ مَعِيشَتَها} [القصص:58]، وتقول العرب: وجعت بطنك، ووثقت رأيك. والدليل على أنّ السّفه فعل النفس غير واقع على النفس أنّه لا يقال: رأيه سفه زيد، كما لا يقال: دارا أنت أوسعهم، وإنّما يقال: زيد سفه رأيه، ¬
وأنت أوسعهم دارا. وقول (¬1) أبي عبيدة وأبي (¬2) عبيد: إنّ معنى قوله: (سفه نفسه): أهلكها وأوبقها (¬3)، لا معنى له إلا أن يحمل قولهم: سفه الشراب، على معنى استهلك. {وَلَقَدِ اِصْطَفَيْناهُ:} "اخترناه" (¬4)، وفلان اصطفى فلانا، أي: جعله صفيّا (¬5). وهو على وزن الافتعال، وإنّما جعلت التّاء فيه (¬6) طاء لموافقتها الصّاد في الإطباق (¬7). وإنّما اصطفاه في الدنيا بالرسالة والخلة (¬8). و {الدُّنْيا:} هي الحياة الدنيا، والدار الدنيا. واشتقاقه من الدنو (¬9). {لَمِنَ الصّالِحِينَ:} المفلحين الذين يجبرهم الله ويصلحهم للتنعم بالنعيم، ويسلمهم من الآفات المؤثرة بالفساد (¬10)، ومنه الدعاء: أصلح الله الأمير. 131 - {إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ:} قال الحسن (¬11): هذا الخطاب ورد عليه حين أفلت الشمس. في كونه خطاب السرّ أو خطاب العلانية محتمل كلاهما (¬12). وذلك لا يدلّ على أنّه كان من قبل على غير الفطرة، كما قال لنبيّنا صلّى الله عليه وسلّم: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ اللهُ} [محمّد:19]، والمراد بهذا النوع من الأمر الاستقامة والاستدامة (¬13). والعامل في (إذ) قوله: {[قالَ] (¬14)} أَسْلَمْتُ. وتفسيره: {إِنِّي بَرِيءٌ مِمّا تُشْرِكُونَ (78) إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ،} الآية [الأنعام:78 - 79] (¬15). وفي الآية دليل على أنّ الإيمان والإسلام واحد وإلا لما صار مسلما بالقول، إن كان الإسلام هو العمل. ¬
132 - {وَوَصّى بِها إِبْراهِيمُ بَنِيهِ:} والوصيّة: العهد (¬1). (بها): راجعة إلى الملّة، أو إلى كلمته: (أسلمت) (¬2). وبنوه ثلاثة عشر رجلا فيما يروى، منهم إسماعيل نبيّ الله من هاجر، وإسحق نبيّ الله (¬3) من سارة (¬4)، وزمران ونيسان ومذان ويشباو وشوخ من قطورا وهي امرأة من الكنعانيّين، وقد روي مكان نيسان تيشار (¬5) ومكان مذان، مذيان، وسبعة نفر من امرأة أخرى اسمها حجورا (¬6). وإسماعيل منهم بكر أبيه ووصيّه من بعده بولاية بيت الله الحرام وإقامة الحجّ للناس، وإسحق وصيّه في أهله (¬7). واختلف في أنّ الذبيح أيّهما (¬8)، وسنذكره في موضعه إن شاء الله تعالى. {وَيَعْقُوبُ:} هو إسرائيل بن إسحق عليهما السّلام (¬9). عطف على (إبراهيم)، وتقديره: إبراهيم بنيه ويعقوب بنيه (¬10). (34 ظ) وبنوه هم الأسباط، وهم اثنا عشر رجلا؛ ولدت له لايا بنت خاله أربعة نفر: روبيل (¬11) ويهودا وشمعون ولاوي، وولدت له راحيل ابنة خاله الأخرى: يوسف وبنيامين (¬12) وأخوات لهما، ووهبت (¬13) كلّ واحدة منهما له أمة، فولدت كلّ أمة ثلاثة رهط، وأسماؤهم في ما يروى: يساخور وزبولون ونفتالي ودان وجوذ وآشير (¬14). وهذه أسماء أعجميّة كثر التصحيف فيها على ألسنة العرب، وعند الله الصواب. وقوله: {يا بَنِيَّ} محكيّ كما يجيء بعد القول؛ لأنّ في الوصيّة معنى القول (¬15). ¬
والألف واللام في {الدِّينَ} للمعهود (¬1) لا للجنس. والدّين هو المثال من الحكم (¬2) الذي هو أوجب (¬3) من السنّة والعادة. {فَلا تَمُوتُنَّ:} نهي عن غير المنهيّ، كقوله: {فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا} [لقمان:33]، وقولك: لا أرينّك ههنا، ولا تلقينّ الله غير تائب (¬4). ومعنى الآية: لا تكونوا أبدا (¬5) إلا مسلمين حتى تموتوا على ذلك (¬6). 133 - {أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ:} (أم) بمعنى ألف الاستفهام (¬7) على وجه الإنكار (¬8)، كما قال الشاعر (¬9): [من الكامل] كذبتك عينك أم رأيت بواسط … غلس الظّلام من الرّباب خيالا وليس بمعنى (بل)؛ لأنّ ما يجيء من بعد (بل) يجيء محقّقا، ولم يرد به التحقيق ههنا؛ لأنّهم لم يكونوا شهداء، ولا يقال: أثبت (¬10) شهودهم وأراد به آباءهم؛ لأنّه لو كان كذلك لقال: إذ (¬11) قال لكم ما تعبدون من بعدي، ولم يقل: لبنيه. ويحتمل أنّه مرتّب على استفهام مضمر، فيكون تقديره: أشهدتم وصيّة إبراهيم أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت، وممّا يقرّب هذا التأويل إنكارهم الأمرين جميعا، وتحريفهم الكلم في الموضعين جميعا (¬12). ف (شهدوا): فيه معنى النزول والخلق؛ لأنّ الحاضر يستعمل بإزاء البادي، وقولك: حضرني بمنزلة: حضر عندي، فيكون عبارة عن القرب فقط. و {الْمَوْتُ:} مصدر أقيم مقام الاسم. وهو ذهاب الحياة (¬13). و {إِذْ} (¬14): ههنا بدل عن (¬15) الأوّل. ¬
و {ما:} سؤال عن ذات الشيء، فكأنّه قال: أيش تعبدون من بعدي؟ و (ما) أعمّ من (من) (¬1)، قال الله تعالى: {لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ} [البقرة:255]، وقال: {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ} [الشورى:5]. ويحتمل أن يكون (ما) مقام (من) كقوله: {وَما رَبُّ الْعالَمِينَ} [الشعراء:23]، معناه: ومن (¬2). وفائدة السؤال الامتحان كما وردت الأخبار (¬3)، والسؤال في القبر. والآباء (¬4): جمع أب. وفي الأصل: أبو (¬5). وإنّما عدّ إسماعيل مع الآباء؛ لأنّ العمّ يدخل في عداد الآباء، كما أنّ الخالة تدخل في عداد الأمّهات (¬6) من قوله: {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ} [يوسف:100]، أراد أباه (¬7) وخالته؛ لأنّ أمّه قد ماتت (¬8). {إِلهاً واحِداً:} نصب على القطع، تقديره: الإله الواحد. ووحدانيّة الله تعالى إنّما هي تعاليه عن مقابلة الأنداد والأضداد، لم يزل ولا يزال متعاليا عن الجهات والأحوال. 134 - {تِلْكَ أُمَّةٌ:} أي: تلك الأمّة أمّة. و (تلك): إشارة إلى شيء بعيد (¬9) مؤنّث، كما أنّ (ذلك) (35 و) للمذكّر (¬10)، والتاء هي الاسم فقط (¬11). والمراد بالآية هو نفي توجّه إعراضهم عن الآيات المعجزة والمفعول الواجب لاختلافهم في شأن الأمم الماضية وأحوالهم. 135 - {وَقالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى:} نزلت في مثل ما نزل فيه قوله: {وَدَّ كَثِيرٌ} ¬
{مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ} [البقرة:109]، روي أنّ عبد الله بن رومان قال لنبيّنا صلّى الله عليه وسلّم: اتّبع (¬1) اليهوديّة تكن مهتديا، ودعاه وفد نجران إلى النّصرانيّة، فأنزل الله (¬2). وفي {مِلَّةَ} ثلاثة أوجه: أحدها: أنّ معنى قولهم: اتّبعوا اليهوديّة والنّصرانيّة، فنصب الملّة وأضمر الاتّباع اعتبارا بالمعنى (¬3). والثاني: إقامة المضاف إليه مقام المضاف، تقديره: بل أصحاب ملّة إبراهيم (¬4). والثالث (¬5): أنّ (بل) تارة تدخل في الكلام موصولة وتارة مفصولة، وإذا (¬6) كانت مفصولة فمعناها الابتداء ههنا فنصب على التحريض والإغراء (¬7). {حَنِيفاً:} نعت (¬8) إبراهيم عليه السّلام، نصب على القطع (¬9). والحنف: الاستقامة في قول القتبيّ (¬10)، قال: سمّي الأعرج أحنف تفاؤلا كما سمّي الفلاة مفازة واللّديغ سليما (¬11). وقال غيره (¬12): الحنف: الميل، والأحنف: الذي في قدميه ميل، والحنيف: المائل إلى الحقّ كالعادل. قال الضحّاك: الحنيف: المسلم، وإذا كان معه لفظ المسلم فمعناه الحاجّ (¬13). وقال أبو عبيدة: كان الحنيف في الجاهليّة من كان (¬14) على دين إبراهيم، وسمّي من اختتن وحجّ البيت لمّا تناسخت السنون فكانوا يعبدون الأوثان ويقولون: نحن حنفاء على دين إبراهيم. والحنيف الذي نعرف اليوم هو المسلم (¬15). ¬
{وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ:} أي: وما (¬1) كان مشركا. ويحتمل أنّه قال لنفي الموالاة بينه وبين من تولى به من مشركي العرب واليهود والنصارى والمجوس (¬2). والإشراك: نصب الشريك، والشريك هو المساهم في الحقّ (¬3). 136 - وفي قوله (¬4): {قُولُوا آمَنّا بِاللهِ} تعليم من الله عباده كيف يؤمنون، وكيف يردون قول اليهود والنصارى (¬5): {كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى.} {وَما:} بمعنى (الذي)، في محلّ الخفض على العطف (¬6). {وَالْأَسْباطِ:} أولاد يعقوب، واحده: سبط، قال الأزهريّ: اشتقاقه من السّبط وهي (¬7) شجرة كثيرة الأغصان، فجرى هذا الاسم في أولادهم (¬8) مجرى القبيلة في أولاد إسماعيل (¬9). ذكر (¬10) القتبيّ أنّ ما أنزل على الأنبياء من الكتاب (¬11) مئة كتاب وأربعة كتب؛ على شيث خمسون صحيفة، وعلى إدريس ثلاثون صحيفة (¬12)، وعلى إبراهيم عشرون صحيفة (¬13)، وعلى موسى التوراة، وعلى داود الزّبور، وعلى عيسى الإنجيل، وعلى نبيّنا القرآن، صلوات الله عليهم أجمعين (¬14). وذكر أيضا أنّ الله تعالى أنزل على آدم تحريم الميتة والدّم ولحم الخنزير وحروف التّهجّي في إحدى وعشرين صحيفة، فحذا (¬15) الله تعالى عليها الألسنة كلّها. وزعم اليهود أنّ اسم التوراة يشمل كتاب موسى ومن بعده من أنبياء بني إسرائيل، فيكون ما أنزل على موسى بعض التوراة (35 ظ) على هذه القضيّة (¬16). ¬
وذكر القتبيّ عن وهب عن ابن عبّاس أنّ أوّل الأنبياء آدم وآخرهم محمّد عليهم السّلام (¬1). وكانت الأنبياء مئة ألف وأربعة وعشرين ألفا، الرسل منهم ثلاث مئة وثلاثة عشر نبيّا (¬2). {لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ:} لا نقول: نؤمن بما أنزل علينا ونكفر بما وراءه، كما قالت اليهود (¬3). ومن التفريق قولهم: عزير وعيسى ابنا الله، ونسبة سليمان إلى السحر، ومحمّد إلى الاعتداء. {وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ:} منقادون في تصديق أنبيائه أجمعين (¬4). 137 - {بِمِثْلِ ما آمَنْتُمْ بِهِ:} قيل (¬5): الباء زائدة، وتقديره: فإن آمنوا مثل ما آمنتم به، أي: بالله، قال الراجز (¬6): نحن بنو جعدة أصحاب الفلج … نضرب بالسّيف ونرجو بالفرج وقيل: العرب (¬7) تذكر المثل مجازا، وتريد به النّفس حقيقة، كقوله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:11]، ويقال: أمثلك يقول لمثلي، فيكون تقدير الآية على هذا: فإن آمنوا بما آمنتم به (¬8)، هكذا يروى في قراءة ابن عبّاس ومصحفه (¬9). {فِي شِقاقٍ:} في خلاف، قال الله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما} [النساء:35] (¬10). {فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللهُ:} السّين بمنزلة (سوف) (¬11). والكفاية: رفع المؤونة أو دفع المضرة (¬12). وفيه دلالة على نبوّة نبيّنا؛ لأنّه تعالى كفاه إيّاهم، ¬
ومكّنه بعده قتل بني قريظة، وإجلاء بني النّضير، وأخذ الجزية من أهل نجران (¬1). 138 - {صِبْغَةَ اللهِ:} دين الله (¬2)، ردّا على (الملّة)، كأنّها تدلّ عليها (¬3). وهو اسم من الصبغ، وهو تلوين الشيء، سمّي بذلك لأنّه يؤثّر في المتديّن كالصبغ، قال الفرّاء (¬4): كانت النصارى إذا ولد لهم مولود جعلوه في ماء لهم، يعدّون ذلك تطهّرا لهم كالختان. وقيل (¬5): كانت النصارى تصبغ أولادها بماء لهم أصفر، يريدون أنّه يصير بذلك نصرانيّا خالصا، ويقولون للمرتدّ: إن ارتددت فانصبغ بهذا الماء. {وَمَنْ أَحْسَنُ:} استفهام بمعنى الإنكار، معناه: ليس أحد أحسن (¬6). {مِنَ اللهِ صِبْغَةً:} "دينا" (¬7). وممّا قام مقام الصبغ: {سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ} [الفتح:29] (¬8)، وورودهم على الحوض غرّا محجّلين من آثار (¬9) الوضوء. 139 - {قُلْ أَتُحَاجُّونَنا:} استفهام بمعنى الزّجر والإنكار (¬10). ومحاجّتهم تحتمل أوجها ثلاثة: الأوّل: في ذات [الله] (¬11): كقولهم: {نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ وَأَحِبّاؤُهُ} [المائدة:18] (¬12)، و {يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ} [المائدة:64]، و {إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ} [آل عمران:181]، و {ما أَنْزَلَ اللهُ عَلى بَشَرٍ} [الأنعام:91]، وإنّه {ثالِثُ ثَلاثَةٍ} [المائدة:73]، بأفواههم التراب. والثاني: في دين الله (¬13): كقولهم: {كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى} [البقرة:135]، وقولهم لعبدة الأصنام: {هؤُلاءِ أَهْدى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً} [النساء:51]. ¬
والثالث: في الاختصاص برحمة الله: كقولهم: {لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاّ مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى} (¬1) [البقرة:111]، و {لَيْسَ عَلَيْنا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ} [آل عمران:75]. والذي يبعد محاجّتهم إقرارهم بأنّ الله ربّهم متفرّد (¬2) بالقدم يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، يجازي كلّ عامل بعمله (¬3). {وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ:} الواو للاستئناف. وإخلاصنا (¬4) هو الإخلاص بالتّوحيد لله تعالى، بحيث لم ندّع له ولدا ولا شبيها، ولم نثبت (36 و) لله حالا ولا محلاّ، ولا كون العالم شيئا قبل تكوين الله إيّاه (¬5). 140 - {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللهِ:} قال مجاهد وابن نجيح (¬6): كانت عند (¬7) اليهود والنصارى في كتبهم شهادة من الله بإسلام الأنبياء، فكتموها، ولو أظهروها لسلّموا له ما يأتي به من عند الله من الإخبار بإسلام الأنبياء، وهذا بمنزلة قولك (¬8): ومن أبخل ممّن عنده فضل نعمة لم ينفعه من السلطان، فعلى هذا تقديره: تكن الشهادة بإسلامهم عند الله فلا يكتمها لأنّه متعال عن الاتّصاف بالظلم. 142 - قوله (¬9): {سَيَقُولُ السُّفَهاءُ} مقدّمة في التلاوة على قوله: {قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ} [البقرة:144] مؤخّرة عنها (¬10) في النزول. وهي في شأن اليهود عند ابن عبّاس والبراء (¬11)، وفي شأن مشركي العرب عند الحسن (¬12)، والمنافقين عند السّدّي (¬13)، ويحتمل أنّها في شأن الجميع (¬14). والسين بمعنى (سوف). ¬
{ما وَلاّهُمْ:} ما حملهم على التّولّي (¬1) والإعراض. والقبلة (¬2): اسم لما يستقبل (¬3)، وهي مختصّة في الشرع بما يجب استقباله في الصلاة (¬4). {كانُوا عَلَيْها:} أي: استقبالها (¬5)، وهي بيت المقدس (¬6). والمراد بقوله: {لِلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ} جميع المساجد على وجه الأرض (¬7). 143 - {وَكَذلِكَ:} تشبيه إحدى (¬8) حالتيهم بالأخرى، أي: كما ولّيناكم عن قبلتكم التي كنتم عليها (¬9). {جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً:} عدلا وخيارا (¬10). ويحتمل أنّ ذلك إشارة إلى قوله: (من) في قوله (¬11): {يَهْدِي مَنْ يَشاءُ.} والفعل (وسط) بفتح السّين وساطة وسطة، وقيل: وسط بضمّ السين وساطة (¬12). {لِتَكُونُوا:} أي: لكي تكونوا (¬13). {شُهَداءَ:} "جمع شهيد" (¬14). وشهادتهم يوم القيامة على الكفّار بتكذيب (¬15) الأنبياء عليهم السّلام، لما عاينوه، أو ثبت عندهم بالوحي، أو علموه بالإخبار المتواتر (¬16). وقيل (¬17): حجّة على الناس عند إجماعهم. وإنّما صاروا كذلك (¬18)؛ لأنّ كلّ نبيّ كان يتلوه ¬
نبيّ، فكان (¬1) يجب انتظار الأنبياء في الواقعات، فلمّا وقع الختم بنبيّنا ووقع (¬2) اليأس ببعث رسول وجب عليهم الاجتهاد في الواقعات، وصار إجماعهم حجّة إذ لا سبيل إلى الإهمال ولا إلى النصّ. {وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً:} يقول يوم القيامة: تبعني هذا وعصاني هذا {وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً} [النساء:41] (¬3). وقيل (¬4): حجّة على أمّته. واعلم أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان حجّة على أهل عصره لمعاينتهم معجزاته، وعلى العالمين عامّة لعلمهم به من طريق الوحي المعجز والأخبار المتواترة على وجه لا يمكنهم التّشكّك في كونه وكون بعض معجزاته (¬5). واختلف في قوله: {وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها} قيل: هي المنسوخة بدليل قوله: (كنت (¬6) عليها). وقيل: هي الناسخة (¬7)، وقوله: {(كُنْتَ)}، أي: صرت، أو: أنت عليها (¬8)، قال الله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ} [آل عمران:110]، وقال (¬9): {وَإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً.} وروي ما يدلّ أنّ الكعبة كانت قبلة من قبل (¬10)، روي أنّه صلّى الله عليه وسلّم كان في الابتداء يخرج إلى الكعبة أوّل النهار، فيصلّي صلاة الضحى، وتلك الصلاة لا تنكرها قريش. وقوله: {لِنَعْلَمَ،} أي: (36 ظ) لنعلم المتّبع مختارا (¬11) من المنقلب في الظاهر (¬12). والأشياء إنّما تكون معلومة عند الكينونة لا قبلها، إذ يستحيل كون ما لم يكن (¬13)، وإن كان اتّصاف الله تعالى بالعلم لا ابتداء له (¬14). ¬
وقيل (¬1): (لنعلم)، أي: ليعلم (¬2) أولياؤنا، كقوله: {فَلَمّا آسَفُونا اِنْتَقَمْنا} [الزخرف:55]. و (الانقلاب): الانصراف والنّكوص (¬3). وقوله: {عَلى عَقِبَيْهِ} لتأكيد وصف الانقلاب، كقولك: أقبل بوجهه، وولّى على دبره (¬4). "و (العقب): مؤخّر القدم" (¬5). {وَإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً:} أي: وما كانت إلا كبيرة، كقوله: {وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضّالِّينَ} [البقرة:198] (¬6). {وَما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ:} بنسخ القبلة، وذلك أنّ اليهود قالوا للمؤمنين: إن كان دينكم الأوّل حقّا فقد بطل، وإن كان (¬7) باطلا فكيف حال إخوانكم الذين ماتوا عليه من قبل كأسعد بن زرارة والبراء بن معرور، فخطر ببال المؤمنين ذلك وسألوا النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فأنزل (¬8). (وما كان الله ليضيع إيمانكم): هو الأصل، وهو الدّين، بنسخ (¬9) بعض من الشرائع وهي الفروع (¬10). واللام في (ليضيع) لام الجحود (¬11)؛ وما الله ليضيع. و (الإضاعة) نقيض الحفظ (¬12). {لَرَؤُفٌ:} الرّؤوف يرحم على المصاب، ولا أحد من الناس إلا وهو مصاب (¬13) لاختلال حال أو لاكتساب وبال. 144 - {قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ:} عن البراء بن عازب قال: صلّى رسول ¬
الله صلّى الله عليه وسلّم إلى بيت المقدس ستّة عشر شهرا أو سبعة عشر شهرا (¬1)، ثمّ وجّه إلى الكعبة (¬2). وفي التاريخ ستّة عشر شهرا (¬3) وثلاثة أيّام؛ لأنّه صلّى الله عليه وسلّم قدم المدينة لاثنتي عشرة ليلة مضت من شهر ربيع الآخر، فأسند التاريخ إلى المحرّم، وكان التّحويل للنصف من رجب من السنة الثانية (¬4). قيل: والسبب في ذلك أنّ (¬5) الله تعالى لمّا أراد أن يردّ نبيّه صلّى الله عليه وسلّم إلى قبلة أبيه إبراهيم، وأن يجمع القبلة والحجّ في دار واحدة، ويميز المخلصين من المنافقين (¬6) جعل قلب نبيّه مريدا لذلك الأمر، ليكون إحداثه إكراما له، فذكر النبيّ صلّى الله عليه وسلّم لجبريل ما كان في نفسه من ذلك، فقال جبريل: إنّما أنا عبد مثلك فاسأل ربّك، وكان صلّى الله عليه وسلّم يصلّي ويقلّب وجهه في السماء لا ينطق بما يريد مهابة ومحافظة لآداب النبوّة حتى أتمّ الله أمره، فأكرم عبده وأنزل (¬7). ويجوز تمنّي ما يجوز في العقل كونه، كتمنّي تحريم الخمر وحجاب النساء، بخلاف تمنّي إباحة الظلم والفواحش وتحريم العدل والإحسان (¬8). و (التّقلّب) لازم من التّقليب (¬9). و (الوجه): ما يواجه الإنسان به مع انضمام القرب إليه، وذلك من قصاص الناصية إلى أسفل الذقن، ومن الأذن إلى الأذن. {شَطْرَ} (¬10): نحو. {الْمَسْجِدِ الْحَرامِ:} المحدق (¬11) بالكعبة. وإنّما أمرنا باستقبال الكعبة لا (¬12) استقبال المسجد الحرام. والحرام (¬13) اسم من التحريم، كالحلال من التحليل. وإنّما سمّي حراما لكونه حراما على الأفاقي (37 و) أن يدخله ابتداء غير محرم، أو على ¬
كلّ أحد في جميع عمره مرّة. وإنّما قال: {وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} ليعلموا (¬1) أنّه قبلتهم بالمدينة وبغيرها من البلاد، لا قبلة لهم غيره (¬2). وإنّما لم يقل (¬3): فولّوا وجوهكم إليه، لرفع المشقّة إذ لو قال كذلك لوجب على الرجل أن يستقبله استقبالا لو سار على وجهه لصادف عين القبلة، فهذا أمر عسير (¬4). {وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ:} علماء اليهود، تواطؤوا ولبسوا الأمر على غيرهم، وهم يعلمون أنّ التحويل إلى الكعبة حقّ من ربّهم لما قرؤوها في كتابهم (¬5). وقيل: الهاء (¬6) راجعة إلى المسجد الحرام؛ لأنّهم يعلمون فضيلته ويعرفون (¬7) بها. واللام في قوله: {لَيَعْلَمُونَ} (¬8) للتأكيد والقسم. 145 - {وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ:} لمّا قالت اليهود والنصارى: {ما وَلاّهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ} فأنزل الله جوابا محتملا في قوله: {قُلْ لِلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ} [البقرة:142] أردفه قوله: {وَلَئِنْ أَتَيْتَ} (¬9)، فآيس النبيّ صلّى الله عليه وسلّم عن اتّباعهم، وأمّنه من نسخ طارئ يردّه إلى قبلتهم، وقطع المجادلة بينه وبينهم (¬10). ثمّ قال: {وَما بَعْضُهُمْ بِتابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ؛} لأنّهم خربوا البيت المقدس، وخفي مكان الصخرة، فتفرّقوا لخفائه (¬11). وقد أعرض بعضهم عنها وتوجّه إلى المشرق، وتشتّتت أهواؤهم، وتساووا في الضّلالة والغواية، فأخبر الله عن حالهم، وحذّر نبيّه صلّى الله عليه وسلّم عن اتّباعهم (¬12). وإنّما حذّره مع كونه معصوما ليبقى مكلّفا مثابا، فلا يكون استبقاء منه إلجاء واضطرارا، كما قال في ¬
شأن الملائكة: {وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلهٌ مِنْ دُونِهِ فَذلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ} [الأنبياء:29] (¬1). واللام في (لئن) لام التأكيد فلمّا ضمّت إلى (إن) الشرط أحدثت فيها معنى كقوله: {لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ} [الحشر:12]، ولولا اللام لقالوا: لا يخرجوا معهم (¬2). والتّنوين في {إِذاً} عوض عن كلام محذوف، ومجازه: إنّك إذا اتّبعت أهواءهم كنت من الظالمين. ولام التأكيد داخلة على ما يجيء بعد (إذا)، وربّما لم (¬3) تدخل فينصب إذا اعتمد عليها، تقول للقائل: أزورك (¬4): إذا أكرمك. ويجوز كون (إذا) بدلا عن الشرط، وتكون (¬5) حقيقتها للتوقيت، قال (¬6): [من البسيط] لو كنت من مازن لم تستبح إبلي ثمّ قال: إذا لقام ينصري معشر خشن 146 - {يَعْرِفُونَهُ:} عن قتادة والربيع أنّ الهاء راجعة إلى البيت أو المسجد (¬7). وقيل (¬8): كناية عن أمر النبيّ صلّى الله عليه وسلّم. قال عبد الله بن سلام: إنّي لأعرف بمحمّد من يزيد ابني، فقال له عمر بن الخطّاب: وكيف ذلك؟ قال: لأنّي لست أشكّ في محمّد ونعته وصفته أنّه نبيّ، ولعلّ والدة يزيد أحدثت، فقبّل عمر رأسه وقال (¬9): وفّقك الله يا ابن سلام (¬10). والأظهر أنّها في شأن البيت أو المسجد، وما في الأنعام (¬11) في شأن نبيّنا. وإنّما عمّهم بالمعرفة وخصّ فريقا بالكتمان؛ لأنّهم كانوا جماعة لا يمكن تواطؤهم على الكذب، فكتم فريق، ولم يكتم فريق مثل عبد الله بن سلام وكعب ووهب ووفد الحبشة (¬12). ¬
والمعرفة علم بتمييز الذّهن (¬1)، وقيل: تلخيص نقيضه العلم لقوله صلّى الله عليه وسلّم: (37 ظ) (تعرّف إلى الله في الرّخاء يعرفك في الشّدّة) (¬2)، وقيل (¬3): سكون النفس إلى ما وقع به العلم، لقولهم: النّفس عروف (¬4). وضدّ المعرفة الإنكار (¬5)، ولذلك أوجب أبو حنيفة معرفة الله (¬6) في الإيمان. 147 - {الْحَقُّ:} يحتمل أنّه مبتدأ (¬7)، ويريد به الحقّ المذكور من قبل وهو البيت أو المسجد أو نعت نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم، ويكون خبره في {مِنْ (¬8)} رَبِّكَ (¬9). ويحتمل أن يكون (الحقّ) خبر (¬10) مبتدأ محذوف، وتقديره: هو الحقّ (¬11)، فيريد: هو الوحي الذي ذكر فيه حالة أهل الكتاب، هو الصدق من ربّك. {مِنَ الْمُمْتَرِينَ:} والامتراء افتعال من المرية وهي (¬12) الشكّ، نعوذ بالله منه (¬13). 148 - والوجهة والوجهة (¬14): الجهة (¬15). والمراد بها القبلة وما في معناها ممّا يجب أن يقبل عليها ولا يعرض عنها من أمور الدنيا (¬16)، نظيره: {لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً} [المائدة:48]، و {لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً} [الحجّ:67] (¬17). وهذه الآية منسوخة بقوله: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً} [آل عمران:85] (¬18). وقيل: ¬
باقية غير منسوخة، إذ في كلّ كتاب وجوب الإيمان بنبيّنا صلّى الله عليه وسلّم مصرّحا ومعرّضا، وواجبات لم ينسخها الإسلام فهم مدعوّون إليها. {فَاسْتَبِقُوا:} بادروا، والاستباق: المبادرة (¬1)، قال الله تعالى: {وَاِسْتَبَقَا الْبابَ} [يوسف:25] (¬2). {يَأْتِ بِكُمُ اللهُ:} أي: يحضركم الله، ويجمعكم ليوم (¬3) الجمع. وفيه تهديد لمن ترك أمره، وتطميع لمن أطاعه (¬4). 150 - وإنّما كرّر {وَمِنْ حَيْثُ} للتأكيد (¬5)، وقد اتّصل الأوّل (¬6) بالإخبار عن علم أهل الكتاب، والثاني (¬7) بالشهادة المحضة أنّه حقّ، والثالث بنفي حجّة الناس (¬8). {لِئَلاّ يَكُونَ:} اللام للتعليل (¬9). و (أن) الخفيفة تحلّ الفعل محلّ الاسم، تقول: أحبّ أن تفعل كذا، وأكره أن لا تفعل (¬10). وهي أداة لتفسير العلم والحسبان والإيقان والادّعاء والزّعم ونحوها. ومجازه: لئلا يكون لغير الظالمين من الناس عليكم حجّة، إذ الاستثناء مع المستثنى منه أحد اسمي الباقي. وإنّما انتفت حجّة غير الظالمين ولم تنتف حجّتهم؛ لأنّ الحجّة كالبيّنة، والعادل لا يأتي ببيّنة (¬11) الزّور، فكذلك بالحجّة الداحضة، والظالم بخلافه (¬12). وفي الآية دليل على جواز استثناء (¬13) الأكثر من الأقلّ؛ لأنّ الذين ظلموا كانوا أكثر من بقيّة الناس. ¬
و (الخشية) (¬1): الخوف. {وَلِأُتِمَّ:} "عطف على قوله: (لئلا) " (¬2). 151 - {كَما أَرْسَلْنا فِيكُمْ:} تشبيه وقع لإتمام النعمة كقوله (¬3): {وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلى آلِ يَعْقُوبَ كَما أَتَمَّها عَلى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ} [يوسف:6]. {وَيُعَلِّمُكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ:} أي: ما لا تعلمون، يعني: علم الأوّلين وشرائع الدّين (¬4)، وقد تضمّنه قوله: {وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ} إلا أنّه (¬5) أتى بلفظين مختلفين تأكيدا. 152 - {فَاذْكُرُونِي:} عطف بالفاء لتعقيب الاهتداء (¬6). وذكر العبد إلهه هو ذكره مخلصا بالثّناء، وذكر الله إيّاه بالرّحمة وحسن البلاء (¬7). والعبد يصل إلى ذكر الله تعالى بذكره، (38 و) وقد أوجب الله تعالى ذكره على (¬8) ذكره، فإذا ذكر الله هو العلّة والجزاء. {وَلا تَكْفُرُونِ:} ولا تجحدوني (¬9)، نظيره في التّعدّي بغير الباء: {جَزاءً لِمَنْ كانَ كُفِرَ} [القمر:14] (¬10). 153 - وقد سبق القول (¬11) في قوله: {اِسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ،} إلا أنّ الصبر ههنا يحتمل الصبر على القتال (¬12)، وما ذلك في آية (¬13) الاسترجاع. {إِنَّ اللهَ مَعَ الصّابِرِينَ:} بالنّصرة والتأييد وبالتّجلّي لقلوبهم الخاشعة (¬14)، قال الله تعالى في ¬
قصّة موسى عليه السّلام: {كَلاّ إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ} (¬1) [الشعراء:62]، وفي قصّة نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم: {لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنا} [التوبة:40]. 154 - {أَمُوتُ:} جمع مائت، كأصحاب جمع صاحب. وقيل: جمع مويت، كأشراف وشريف (¬2). و {أَحْياءٌ:} جمع حيّ (¬3)، وحيّ على وزن (فعيل) في الأصل. واختلفوا في حياة الشهداء فمن الناس من ذهب إلى المجاز، وإلى بقاء ذكرهم والثّناء عليهم (¬4)، كما قال الشاعر (¬5): [من البسيط] موت التّقيّ حياة لا انقضاء لها … قد مات قوم وهم في النّاس أحياء (¬6) وهذا غير صحيح لقوله: {يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ} [آل عمران:169 - 170]. وذهب بعضهم إلى أنّهم لم يذوقوا الموت وإنّما انسلخوا عن أشباحهم التي هي كالقوالب لهم، وهم أجسام رقيقة حسّاسة من لطائف أشباحهم الكثيفة لا تبلى بعد الإخلاص (¬7). وهو غير صحيح لما روي أنّه كان (¬8) فيما يتلى: بلّغوا عنّا إخواننا أنّا (¬9) لقينا ربّنا فرضي عنّا وأرضانا (¬10)، وقال صلّى الله عليه وسلّم: (من أحبّ لقاء الله أحبّ الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه) (¬11)، والموت دون لقاء الله. وذهب بعضهم إلى بعث نفوسهم التي ذكرنا دون جثثهم الكثيفة بعد ذوقهم الموت في ساعة لطيفة مقدار ما شاء الله لما روي أنّ الله تعالى جعل أرواحهم في حواصل طير خضر تسرح في الجنّة (¬12)، قيل: هي نفوسهم إذ النفس يعبّر عنها بالرّوح (¬13)، روي أنّ جعفرا يطير مع ¬
الملائكة (¬1)، وأنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم صلّى بالأنبياء ليلة المعراج عند الصخرة (¬2)، وفي حديث المعراج أنّه كان بينه وبين موسى عليهما السّلام كلام، وكذلك بينه وبين (¬3) إبراهيم وداود وعيسى عليهم السّلام (¬4). 155 - {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ:} "ولنختبرنّكم" (¬5). {بِشَيْءٍ:} ولم يقل: بأشياء، كراهة لإيهام تواتر الخوف من جهات كثيرة (¬6). ولم يكرّر (شيئا)؛ لأنّ حروف العطف تغني عن التّكرار (¬7). و {مِنَ:} للتّنويع (¬8)، أو للتّبعيض (¬9). {وَالْجُوعِ:} "نقيض الشبع" (¬10). و (النّقص) (¬11) ضدّ الزّيادة. و {الْأَمْوالِ:} جمع مال، كالباب والأبواب، وهو اسم عامّ لجميع ما يتملّك ملك اليمين ويتموّل (¬12). {وَالْأَنْفُسِ:} جمع قلّة للنّفس (¬13). وقيل: أراد به الولادة. وإنّما أفرد (الثّمرات) بالذّكر مع ذكر الأموال؛ لأنّه أراد ما سواها من مباحات الرّزق على وجه الأرض (¬14). 156 - والمصيبة (¬15): والمحنة المصيبة، أو الفتنة المصيبة (¬16). ¬
{إِنّا لِلّهِ:} اللام للتّمليك (¬1). وفائدة قوله: {(إِنّا لِلّهِ)} قطع وجوه الخصومات كلّها، إذ لا ينكر على أحد فعل ما يملك فعله (¬2). وفائدة قوله: {وَإِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ} قطع الجزع عن النّفس، إذ لا بدّ للمنقرض الفاني من الآفات، (38 ظ) ولا وجه للجزع ممّا لا بدّ منه (¬3). 157 - {صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ:} دعاؤه لهم، وذلك قضاؤه الخير لهم (¬4)، قال الله تعالى: {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ} [الأحزاب:43] (¬5)، وقال ابن أحمر (¬6): [من البسيط] صلّى الإله على النّعمان والرّسل 158 - {إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ:} نزلت في شأن السّعي بين الصّفا والمروة (¬7). واتّصالها بما قبلها أنّه لمّا أخبر عن نبيّه أنّه يعلّمهم ما لم يكونوا يعلمون، أتبعه من علم ما لم يعلموه: حياة الشهداء والاسترجاع والسّعي بين الصّفا والمروة، تصديقا لخبره (¬8). و (الصّفا): الصخرة الصلبة الملساء، جمع (صفاة)، كحصى وحصاة (¬9). والمراد به موقف السّاعي عن خارج المسجد ممّا يلي ركن الأسود في أسفل أبي (¬10) قبيس. و (المروة): حجارة رخوة (¬11). والمراد بها موقف السّاعي ممّا يلي ركن العراقي. و (الشّعائر) (¬12): معالم النسك، واحدها: شعيرة، يقال: بيني وبينه شعار، أي: علامة (¬13). و (الحجّ): القصد (¬14)، وقيل (¬15): الإتيان مرّة بعد أخرى، ومنه: المحجّة. ¬
و (الاعتمار) (¬1): هو الإتيان بالعمرة، والعمرة إحرام لا يوجب الوقوف بعرفة (¬2). وأصلها في اللغة هو القصد والزّيارة (¬3)، قال الشاعر (¬4): [من الرّجز] لقد سما ابن معمر حين اعتمر … مغزى بعيدا من بعيد وضبر و (الجناح): الإثم (¬5)، وأصله من الجنوح وهو الميل (¬6). و (التّطوّع): تفعّل من الطاعة. وهو في الشرع عبارة عن النّفل (¬7). والسّعي سنّة يجب بتركه (¬8) الدّم عندنا (¬9)، وعند الشافعيّ واجب يلزمه العود لها (¬10). 159 - {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ:} لمّا ذكّرنا كتمان اليهود أمر القبلة وغيره من الحقّ، وهدّدهم على ذلك، أتى بتصريح عقوبتهم لاتّعاظ السّعداء (¬11). و {الْبَيِّناتِ:} جمع بيّنة، وهي المتّضحة (¬12)، وهي صفة للآية. و (لعنة اللاعنين) (¬13): دعاؤهم باللّعن والسّحق (¬14). والمراد بهم الملائكة، عن قتادة والربيع (¬15). والبهائم عند احتباس المطر، عن مجاهد وعكرمة (¬16). وما سوى الثّقلين حتى يصيح الكافر (¬17) في قبره، عن السدّي (¬18). والمتلاعنون (¬19) ¬
إذا لم يكونوا أهلا لها، عن ابن مسعود مرفوعا (¬1). 160 - {إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا:} إنّما استثنى التائبين (¬2) لئلا ييأسوا فيكفروا ولا يتوبوا (¬3). 161 - {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا:} قيّد الوصف بالموت لئلا يوهم أنّ توبتهم لا (¬4) تقبل، وهم مكلّفون. ولعنة الناس أجمعين (¬5) إنّما هي لعنة المؤمنين فيما نشاهد (¬6)، ولعن الكفّار بعضهم بعضا يوم القيامة (¬7)، ولعن الكافر نفسه؛ يقول: لعن الله الظالم، وهو ظالم (¬8). 162 - {خالِدِينَ فِيها:} أي: في اللّعنة، أو النار (¬9). {لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ:} لا يزال ثقله وشدّته عنهم (¬10). {وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ} (¬11): أي: لا يمهلون عند إدخالهم النار، أو عند انقضاء آجالهم (¬12). 163 - {وَإِلهُكُمْ:} الواو للاستئناف. واتّصالها بما قبلها أنّه لمّا ذكر للأمّة الحنيفة فروع الدّين من الصّبر والصّلاة والسّعي بين الصّفا والمروة أتى بذكر الأصل ليزيدهم مسارعة إليها (¬13). (39 و) وقيل: لمّا ذمّ الكفر أعقبه ما فيه الخلاص من الكفر، لتنبيه من (¬14) قدّر له التنبيه. ورفع الضمير المستثنى لأنّه على المبتدأ الأوّل وهو قوله: {(وَإِلهُكُمْ)}، ولمّا ابتدأ فقال: {لا إِلهَ إِلاّ هُوَ} لم يجز في الاستثناء إلا الرّفع؛ لأنّ المستثنى إمّا ينتصب على الفصل تشبيها ¬
بالمفعول، وإمّا ردّا على المستثنى منه، ولا فصل (¬1) ههنا؛ لأنّ الكلام غير تامّ دونه، إذ الخبر مضمر وتقديره: لا إله لنا أو لكم إلا الله، ولا ينتصب على الرّدّ؛ لأنّ موضع المستثنى منه رفع على الابتداء وإن انتصب ب (لا) النّفي على البناء (¬2). 164 - {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ [وَالْأَرْضِ] (¬3)}: جمع سماوة، مثل: حمامات وحمامة. والسّماوة (¬4) والسّماء بمعنى. وإنّما جمع السموات ولم يجمع الأرض؛ لأنّ السموات من أجناس مختلفة، والأرض من جنس واحد وهو الصّعيد (¬5). وقيل: لأنّ منافع السموات متّصلة إلينا إمّا دنياويّة أو عقباويّة، ولا يصل إلينا إلا منفعة أرض واحدة. وقيل: لأنّ السموات بعضها فوق بعض، والأرض ملصق بعضها ببعض فكأنّها واحدة. وقيل: لأنّ الأرض مصدر في الأصل، والمصادر لا تجمع، وإنّما جمعت أرضين جمع سلامة جمع (¬6) الذّكور نحو: سنين نادرا، وإنّما حرّكت الراء لأنّها متحرّكة في الأصل، تقول: أرضت الخشبة تؤرض أرضا، والأرضة (¬7): الدّابّة. {وَاِخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ:} و {(اللَّيْلِ)}: وقت الظّلام من غروب الشمس إلى طلوع الفجر (¬8). والواحد: ليلة، والجمع: ليال، مثل: أراض (¬9)، وقيل: هو مقلوب ليايل (¬10). و (النّهار): "ضدّ الليل" (¬11)، وجمعه: النّهر (¬12). و (اختلافهما): مخالفتهما في اللون والساعات (¬13)، أو تعاقبهما بأن يعقب كلّ واحد منهما الآخر (¬14). {وَالْفُلْكِ:} جمع وواحد (¬15)، قال الله تعالى: {فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ} [الشعراء:119]، ¬
إلا أنّ الضمّة في الواحد كالضمّة في المهر، وفي الجمع كالضمّة في الأسد (¬1). وجري الفلك (¬2): اندفاعها طافية على وجه الماء (¬3). وما ينفع الناس: البضاعات (¬4). وإحياء الأرض بعد موتها: إثارتها وإصلاحها للإنبات بعد (¬5) تقطّعها. {وَبَثَّ:} فرّق (¬6) ونشر. {مِنَ:} صلة (¬7). {دَابَّةٍ:} اسم عامّ لكلّ نفس تدبّ على وجه الأرض (¬8). {وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ:} صرفها إلى الوجوه المقدّرة، وإسكانها مرّة وتهييجها أخرى (¬9). {وَالسَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ:} هو الغيم (¬10) المذلّل بينهما لا يرتفع فيلحق بالسماء، ولا ينحدر فيلصق بالأرض، وهي مطيعة (¬11) كما قال زيد بن عمرو (¬12): [من المتقارب] إذا هي سيقت إلى بلدة … أطاعت فصبّت عليها سجالا واللام في قوله: {لَآياتٍ} للتأكيد، وهي تدخل على خبر (إنّ)، أو على اسمها إذا حال بينهما اسم مجرور (¬13). وهذه الآيات يقع العلم ببعضها اكتسابا من أن يتيسر (¬14) إحضارها. ¬
والمراد بالعقلاء (¬1) المعتبرون الذين غلب عقلهم على هواهم لحصول فائدة الآيات (¬2). وقيل (¬3): المراد به المخاطبون للزوم الحجّة إيّاهم. 165 - {مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ} (39 ظ) {اللهِ أَنْداداً:} أي: يتّخذ لله أندادا من دونه، إذ لا موازي لله تعالى، وكلّ شيء دونه، ولأنّهم لم يكونوا يزعمون أنّ له شريكا موازيا، إذ كانوا يقولون في تلبيتهم: تملكه وما ملك. و (الحبّ) (¬4) أعلى مراتب الارتضاء. ورفع التشبيه بحبهم تسمية الله وإن لم يعرفوا ذاته حقيقة، على أنّه يجوز حبّ غير المعروف كحبّنا كلّ عبد صالح (¬5). ثمّ إنّ المؤمنين {أَشَدُّ حُبًّا لِلّهِ؛} لأنّهم يعبدونه ليتقرّبوا إليه، والكفّار يعبدون الأصنام ليتقرّبوا (¬6) إلى الله زلفى (¬7)، فمن أحبّ شيئا لنفسه أشدّ حبّا له ممّن يحبّ شيئا لغيره (¬8)، ولأنّ المؤمنين يفدون أنفسهم في سبيله (¬9) ثمّ لا يندمون، والكفّار يفدون أنفسهم في سبيل الطّاغوت ثمّ يندمون (¬10). {وَلَوْ يَرَى (¬11)} الَّذِينَ ظَلَمُوا: في محلّ النصب على قراءة التاء (¬12)، وفي محلّ الرّفع على قراءة الياء (¬13). و {إِذْ} في محلّ النّصب (¬14). وجواب (لو) على قراءة التاء: لرأيت أمرا عظيما، أو لرأيت أنّ القوّة لله جميعا (¬15)، وعلى ¬
قراءة الياء: لتابوا قبله ولما عبدوا الأوثان (¬1). وحذف جواب (لو) لتعظيم الشأن والحال (¬2) كما في قوله: {لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ} [هود:80]. {أَنَّ الْقُوَّةَ لِلّهِ (¬3)}: بأنّ القوّة لله (¬4). والقوّة ما يمنع الانثناء (¬5)، وهي ضدّ الضعف (¬6). وهو عارض دخل بين البدل والمبدل منه (¬7). وإن قرأت بكسر الألف (¬8) لم تحتج إلى إضمار (¬9). 166 - والتّبرّؤ (¬10) تفعّل من البراءة (¬11)، وذلك قولهم: {أَغْوَيْنا أَغْوَيْناهُمْ كَما غَوَيْنا تَبَرَّأْنا إِلَيْكَ} [القصص:63]. {وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ:} أي: انقطعت بهم سبيل النّجاة، وهي الأرحام والوسائل (¬12)، قال صلّى الله عليه وسلّم: (كلّ سبب ونسب ينقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي) (¬13). والسّبب قد يعبّر به عن الطريق (¬14)، قال الله تعالى: {فَأَتْبَعَ سَبَباً} [الكهف:85]، {ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً} [الكهف:89]. 167 - {فَنَتَبَرَّأَ:} منصوب على جواب التّمنّي (¬15) بالفاء. وقوله: {كَذلِكَ،} أي: كما أخبرناك. ¬
{أَعْمالَهُمْ:} أي: جزاء أعمالهم (¬1)، وقيل: أعمالهم التي أحصاها بأعيانها إذ الأعراض تبقى بالتّبعيّة كما ورد في الأخبار (¬2). {حَسَراتٍ:} جمع حسرة، وهي أشدّ النّدامة (¬3)، تجعل صاحبها كليلا حسيرا. وقيل (¬4): هي كشف النّدامة، من قولك: حسر عن ذراعيه، وذلك يكون في الحالة الثانية؛ لأنّهم يسرّون النّدامة عند رؤية العذاب. 168 - {مِمّا فِي الْأَرْضِ:} إن جعلتها للتّبعيض، أو أقمتها مقام شيء، فالآية (¬5) محتملة موقوفة على التفسير، قاله الفرّاء (¬6). وعن الأخفش قريب منه (¬7). وإن جعلتها صلة فالآية عامّة بعوض التّخصيص (¬8). {حَلالاً:} نصب على الحال (¬9)، أو على القطع. وهو ضدّ الحرام (¬10). و (الخطوة) (¬11): ما بين القدمين، والمراد بالخطوات مسالكه ومذاهبه (¬12). 169 - {إِنَّما يَأْمُرُكُمْ:} إذا قيل: إنّ زيدا منطلق، أخبر عن انطلاقه، وإذا قيل: إنّما زيد منطلق، فكأنّه جعل الانطلاق صفته فقط (¬13). و (أمره) على المجاز إذ هو غير واجب (¬14). {بِالسُّوءِ:} ما يسوء العاقل ويوحشه (¬15). وهو مصدر (40 و) أقيم مقام الاسم (¬16). {وَالْفَحْشاءِ:} الخصلة المجاوزة عن الحدّ من البشاعة (¬17). ¬
وقولهم {عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ} قيل: تحريم السائبة والوصيلة (¬1) والحام، أو تحريم اليهود ما ليس بمحرّم عليهم في التّوراة، أو غير ذلك من الكفر والضلالة (¬2). 170 - {وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اِتَّبِعُوا:} نزلت في كفّار قريش (¬3). وعن ابن عبّاس أنّها في اليهود، ومنهم رافع أو أبو رافع بن خارجة (¬4). والكناية عمّا لم يسبق ذكره (¬5)، مثل قوله: {إِنّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} [القدر:1]. وقيل (¬6): راجعة إلى {مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْداداً} [البقرة:165]. و (الإلفاء) (¬7): الوجود. و (الآباء): جمع أب (¬8)، والهمزة التي هي فاء الفعل مبدلة لاجتماع الهمزتين. {أَوَلَوْ:} همزة استفهام دخلت على حرف العطف، كقوله: {أَفَلَمْ} [يوسف:109]، {أَثُمَّ} [يونس:51] (¬9). ولم ينف العقل عن آبائهم، ولكن بيّن قبح إصرارهم على تقليد من لا يجوز (¬10) تقليده، كما يقال: أنا على رأي شيخي (¬11). وقيل: {لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً} من أحكام الشريعة، إذ ذلك لا يعقل إلا بالوحي، أو البناء عليه (¬12). 171 - {وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا:} أي: مثل واعظ الذين كفروا (¬13). ويحتمل أنّ التشبيه مراد {بِما لا يَسْمَعُ إِلاّ دُعاءً وَنِداءً} وإن اتّصل ب {الَّذِي يَنْعِقُ،} كما في قوله: {وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً} [المؤمنون:18] مراد بالنبات وإن اتّصل بالماء، وهذا ¬
سائغ في مجاز الكلام (¬1). وقيل (¬2): ومثل الذين كفروا في دعائهم الأصنام كمثل الذي ينعق بالأنعام. و (النّعيق): صوت الراعي بالغنم (¬3). الدعاء (¬4) والنّداء واحد جمع للتأكيد يقعان جهرا وخفية (¬5). وقيل (¬6): النّداء أعمّ، ويكون عند رفع الصوت. 172 - وقوله: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ} أفادت حكمين: أكل المستطاب من الحيوان كالأنعام والسمك والطيور والصيود دون المستخبث من الحيوان كالفواسق والمسوخ والحشرات والجوارح (¬7)، والثاني: الاعتقاد بأنّ الجميع رزق (¬8). 173 - و (ما) في {إِنَّما حَرَّمَ} (ما) الكافّة (¬9). و (ما) اسم عند من قرأ: (الميتة) بالرّفع (¬10). و {الْمَيْتَةَ:} غير الذّكيّة (¬11) حكما، وما مات حتف أنفه في اللغة (¬12). {وَالدَّمَ:} السائل، إذا سفح انسفح (¬13). والمراد بلحم الخنزير كلّه (¬14). وتخصيص الثلاثة بالتحريم مع بقاء محظورات (¬15) على الأصل للتأكيد كما في نهي الظلم. {وَما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللهِ} (¬16): أي: تسمية الأوثان عند الذّبح والإهلال (¬17). ¬
(الاضطرار) (¬1): المجاعة عند العجز عن غيره (¬2)، كما قال: {فَمَنِ اُضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ} [المائدة:3]. و {غَيْرَ:} نصب على الحال (¬3). و (البغي): الطلب (¬4)، وههنا ابتغاء المحظور عمدا وظلما على نفسه (¬5). و (العدو): مجاوزة الحدّ (¬6)، وههنا عدو حدّ الاضطرار، أو التناول بعد الاستغناء، عن السدّي والمؤرّج وابن عرفة والأزهري (¬7). وقيل (¬8): أن يكون سفره في معصية من ظلم أو عدوان. والأوّل أصحّ. و (الإثم) (¬9): الجناح. 174 - {وَيَشْتَرُونَ:} "بما أنزل الله" (¬10). وإنّما قال: {يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ} (¬11)؛ لأنّه ردّ الكلام إلى المعنى، وهو التّحصيل (¬12)، قال صلّى الله عليه وسلّم: (إنّ المؤمن يأكل في معى واحد، والمنافق يأكل في سبعة أمعاء) (¬13)، (40 ظ) وقال (¬14): [من الوافر] كلوا في نصف بطنكم (¬15) … تعفّوا فإنّ زمانكم زمن خميص. وإنّما سمّى الرّشا نارا (¬16) باسم المآل (¬17)؛ لأنّها تصير نارا. وتكليم الله (¬18) على وجوه: قال الله تعالى: {وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلاّ وَحْياً،} ¬
الآية [الشورى:51]، فالمنفيّ أحد الوجوه والمثبت (¬1) الآخر. وعلى الجنس أنّه على المجاز، والمراد به الإخبار عن شدّة غضبه عليهم، وطرده إيّاهم (¬2). {وَلا يُزَكِّيهِمْ:} ولا يثني عليهم (¬3)، وقيل (¬4): لا يبدّل سيّئاتهم حسنات. 175 - و (المغفرة) (¬5) والغفران بمعنى، وأصله الستر (¬6)، ومعناه إلباس العفو (¬7). وإنّما اشتروا العذاب باشتراء موجبه بموجبها. وقوله: (ما أصبرهم): على التعجّب (¬8)، {عَلَى النّارِ:} على موجبها (¬9). وقيل (¬10): ما أدوم حبسهم عليها. وقيل (¬11): ما أجرأهم عليها كما يقال: ما أصبر فلانا على القتال. 176 - {ذلِكَ:} إشارة إلى العذاب، أو نحوه (¬12). {نَزَّلَ الْكِتابَ:} التوراة، أو الجنس (¬13). و (الاختلاف) (¬14): ضدّ الاتّفاق (¬15)، وهو أن تخالف كلّ طائفة غيرها (¬16). 177 - {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ:} نفى حجّة من يستدلّ بفضيلة قبلته، كإعجاب اليهود بالبيت المقدّس المحدق بالصّخرة التي عليها المعراج (¬17)، وإعجاب النصارى بسراج (¬18) الدنيا، وإعجاب موسى بقبلة إبراهيم ومنشأ إسماعيل ومختلف الحاجّ ومأمن الوحش. وبيّن الله أنّه لا برّ في تولية الوجه قبل المشرق والمغرب بلا إيمان صحيح وصلاة مجزية ¬
وخصلة محمودة، إذ التوجّه يتّفق من الصّبيان والمجانين والدوابّ ثمّ لا يستحقّون مدحا أو ذمّا (¬1). واتّصالها (¬2) بما قبلها من حيث ذكر الاختلاف في الآية السابقة (¬3). {قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ:} نحوه، هذا من قبل فلان، أي: من جهته، ولي حقّ قبل فلان، أي: عنده، وما لي به قبل، أي: طاقة، ورأيته قبلا، أي: معاينة (¬4). {وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ:} قال الفرّاء (¬5): (من آمن بالله) خبر (¬6) (البرّ)، على الاكتفاء بالمعنى الدالّ في الاسم على المصدر، كما قيل (¬7): [من الوافر] قليل همّه والعيب جمّ … ولكنّ الغنى ربّ كريم وقيل: المصدر يطلق (¬8) بمعنى الاسم كما في قوله: {أَوْ أَجِدُ عَلَى النّارِ هُدىً} [طه:10]، أي: هاديا، أي: ولكنّ البارّ من آمن بالله (¬9). وقيل (¬10): الحذف تقديره: ولكنّ البرّ برّ من آمن بالله. وقيل (¬11): ولكنّ ذا البرّ (¬12) من آمن بالله، كما قال (¬13): [من البسيط] ترتع ما رتعت حتّى إذا ادّكرت … فإنّما هي إقبال وإدبار والإيمان بالله: الاعتراف بوحدانيّة الله وأسمائه وصفاته، وباليوم الآخر (¬14) أنّه واجب بوعد الله لتجزى كلّ نفس بما كسبت، وبالملائكة أنّهم عباد الله الروحانيّون، لا يطعمون، وعن العبادة لا يفترون، ولا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، وبالكتاب أنّه كلام الله ووحيه ¬
ومقوله، قاله قولا ولم يخلقه فعلا، وبالنّبيّين أنّهم دعاة إلى الله بوحي منه (41 و) إليهم، لا يتقوّلون ولا يحرّفون ولا يعزلون، ولا ينال وليّ من الشرف ما ينالون (¬1). {عَلى حُبِّهِ:} كناية عن اسم الله تعالى (¬2)، وعن ابن مسعود والسدّي والشّعبيّ عن المال (¬3). ولابن السبيل ثلاثة معان: مارّ الطريق وهو الضيف (¬4)، والمنقطع عن ماله وأهله وهو مستحقّ الزكاة (¬5)، والغازي وإعانته قربة، وربّما يستحقّ (¬6) الزكاة. {وَفِي الرِّقابِ:} إعانة المكاتبين (¬7)، وقيل (¬8): اشتراء المماليك وإعتاقهم. {وَالصّابِرِينَ:} المتعفّفين المشتبهين (¬9) بالأغنياء {فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرّاءِ} فيكون عطفا على (ابن السبيل) (¬10). والثاني: الصبر خصال البرّ فينصب الصابرين على محلّ الممدوح (¬11)، قال (¬12): [من المتقارب] إلى الملك القرم وابن الهمام … وليث الكتيبة في المزدحم وذا الرّأي حين تغمّ الأمور … بذات الصّليل (¬13) وذات اللّجم {الْبَأْساءِ:} المصيبة الشديدة (¬14)، {وَالضَّرّاءِ:} الحالة ذات الضرر (¬15). وقال الأزهري: البأساء في المال، والضراء في النفس (¬16). و {الْبَأْسِ:} الشدّة، وأكثر استعماله في الحرب (¬17). ¬
178 - {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ:} وهذا فصل مبتدأ في الأحكام، نزلت في الأوس والخزرج، قال الأوس للخزرج (¬1): والله لو تأخّر الإسلام لقتلنا بكلّ عبد منّا حرّا منكم، وبكلّ أنثى ذكرا منكم (¬2). وقيل (¬3): نزلت في حيّين من العرب غيرهما. والقصاص مأخوذ من القصّ وهو القطع، يقال: قصصت ما بينهما (¬4). وقيل (¬5): القصاص تبعة على أثر الجناية بالمماثلة. والقصاص واجب في الحال بإيجاب الله تعالى، فأمّا الاقتصاص فغير واجب؛ لأنّه (¬6) لا يجبر عليه، كما في العقوبة والعاقبة. و {الْقَتْلى:} جمع قتيل، كالمرضى جمع مريض (¬7). والمراد التسوية بين المسلمين جميعا وضيعهم وشريفهم كما في قوله: {النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة:45]، وقال صلّى الله عليه وسلّم: (المسلمون تتكافأ (¬8) دماؤهم)، الخبر. و {الْحُرُّ:} الذي لا رقّ عليه (¬9). {وَالْعَبْدُ:} الرّقيق (¬10). {وَالْأُنْثى:} زوج الذّكر (¬11). {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ:} فأيّ قاتل عفي له (¬12) من أخيه المقتول حقّ في القصاص، فعلى من لم يعف حصّته من الأولياء اتّباع بالمعروف، وعلى القاتل أداء إليه بإحسان (¬13). و (المعروف) (¬14): اسم لكلّ خير. ¬
و (الأداء): اسم من التّأدية، وهي التسليم (¬1). و {ذلِكَ:} إشارة إلى حكم العقوبة (¬2). والمراد بالاعتداء (¬3): الرجوع إلى القصاص (¬4). ويحتمل أنّ المراد به أيّ الثلاثة: الرجوع، والامتناع من الأداء، والاتّباع بالمنكر (¬5). {عَذابٌ أَلِيمٌ:} أي: الاقتصاص من الراجع إلى القصاص (¬6)، وقيل (¬7): عذاب الآخرة. 179 - {وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ:} ليس المراد بالحياة منع (¬8) اخترام الآجال؛ لأنّه محال لقوله تعالى: {وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاّ بِإِذْنِ اللهِ} [آل عمران:145]، ولقوله: {لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقالُوا لِإِخْوانِهِمْ إِذا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ} الآية [آل عمران:156]، لكنّ المراد طيب الحياة بعد الممات بالنّجاة من النار، وتهنئة الحياة في الدنيا بالأمن من الغوائل بعد القصاص، والأمن من المقدمين على سفك الدماء إذا علموا (41 ظ) بالقصاص، أو حياة القلب بنور الاتّقاء عن حدود الله (¬9). (أولو) (¬10): جمع لا واحد له، وتأنيثه: أولات، ومعناهما: ذوو وذوات (¬11). و (اللّبّ) من كلّ شيء خالصه (¬12)، قاله (¬13) أبو عبيد. 180 - {إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ:} الحالة (¬14) تعرض من أسباب الموت قبل زوال التكليف بزوال القدرة (¬15). ¬
{إِنْ تَرَكَ خَيْراً:} خلّى مالا (¬1)، قال: {كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنّاتٍ} [الدخان:25]، وقال: {وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ} [العاديات:8]. و {الْوَصِيَّةُ} في اللغة: العهد (¬2). وفي الشرع: عبارة عن إيجاب تصرّف في (¬3) المال على وجه التّوكيل موقّتا بالموت (¬4). وقد نسخ الوصيّة للوالدين والأقربين قوله صلّى الله عليه وسلّم: (إنّ الله تعالى قد (¬5) أعطى كلّ ذي حقّ حقّه فلا وصيّة لوارث) (¬6)، وهذا في حيّز التواتر لما (¬7) تلقّته الفقهاء بالقبول (¬8). وقيل (¬9): نسختها آية المواريث، وذلك غير صحيح للخبر. وقد أعطى الله الأقربين حقّهم في آية المواريث فقال: {لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ} [النساء:7]، وقال: {لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً} [النساء:11]. {بِالْمَعْرُوفِ:} بالمقدار الذي لا ننكر (¬10) لوكس أو (¬11) شطط. {حَقًّا:} نصب على المصدر (¬12)، أو على أنّه مفعول ثان (¬13). 181 - {فَمَنْ بَدَّلَهُ:} أي: الحقّ (¬14)، أو الوصيّة، وهو الإيصاء (¬15). والمراد ب (من) الأوصياء (¬16). ¬
182 - {فَمَنْ خافَ:} والخوف بمعنى العلم (¬1)، قال أبو محجن الثّقفيّ (¬2): [من الطويل] إذا متّ واروني إلى جنب كرمة … يروّي عظامي بعد موتي عروقها ولا تدفنوني في فلاة فإنّني … أخاف إذا ما متّ أن لا أذوقها {جَنَفاً:} ميلا إلى الباطل (¬3). {فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ:} كناية عن الأقربين (¬4)، أو عمّا لم يسبق ذكره (¬5). {فَلا إِثْمَ:} على الوصيّ بهذا التّبديل الذي ورد فيه الوعيد، فإنّ هذا مستثنى منه (¬6). 183 - {كَما كُتِبَ:} تشبيه بمجرّد الصّيام دون الصفات كلّها (¬7)، إذ التشبيه لا يوجب كون المشبّه كالمشبّه به من جميع الوجوه، قال الله تعالى: {إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ} [آل عمران:59]، وقال: {إِنْ هُمْ إِلاّ كَالْأَنْعامِ} [الفرقان:44]، وقال: {حَتّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ} [يس:39]. ويحتمل تشبيه الوجوب بالوجوب (¬8). و {الصِّيامُ} في اللغة عبارة عن الإمساك عن الطعام (¬9)، قال الشاعر (¬10): [من البسيط] خيل صيام وخيل غير صائمة … تحت العجاج وأخرى تعلك اللّجما وعن السكون في البيت، يقال: صامت الرّيح، إذا سكنت (¬11). وعن السكوت، قال الله تعالى حكاية عن مريم: {إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً} [مريم:26] (¬12). وفي الشرع: عبارة عن الإمساك (¬13) عن المفطرات مع النّيّة (¬14). ¬
184 - {أَيّاماً:} نصب على الظرف (¬1). والمراد بها التّقليل (¬2)، أو حسم توهّم الساعات والدقائق كما توهّم اليهود والنصارى دون عدد معيّن لا يزيد ولا ينقص. {فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً:} يضرّه الصوم، أو مسافرا، فأفطر (¬3) فعليه صوم أيّام معدودة {مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ.} و (أخر): جمع أخرى (¬4)، مثل: أول جمع أولى. ولم تصرف لعدولها في البناء وللتّأنيث (¬5). وأمّا القضاء فقد روي (42 و) عن ابن عبّاس ومعاذ وأنس وأبي هريرة ورافع بن خديج وأبي عبيدة أنّه لا بأس بالتّفريق (¬6)، وعن عليّ وابن عمر أنّ التّتابع أفضل (¬7). {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ:} قال سلمة بن الأكوع والشعبيّ: لمّا نزلت الآية كان الغنيّ يفطر ويفدي فنسختها قوله: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة:185] (¬8). وعن ابن عبّاس أنّه قرأ (¬9): (وعلى الذين يطيّقونه)، أي: يلزمونه. وعن سعيد بن جبير عنه: الذين يجشمونه ولا يطيقونه: الكبير والمريض وصاحب العطاش والحبلى والمراضع (¬10)، هؤلاء لهم طاقة مع المشقّة فلذلك لزمهم، فأمّا من لا طاقة له أصلا فغير داخل فيه. ويسقط القضاء عن المريض الذي لا يشفى في المستأنف (¬11). والفدية تجب على الشيخ الهرم والمريض بداء (¬12) ثمّ مات وأوصى. ومقدارها نصف صاع من برّ أو ما هو منه، أو صاع من تمر، أو صاع من شعير (¬13). {فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً:} أراد في الصوم بقوله: {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ،} وعن ابن عبّاس: الزيادة في الإطعام (¬14). ¬
185 - {شَهْرُ:} اسم من حين يطلع (¬1) الهلال إلى مثله (¬2)، فأوّله ليل وآخره نهار. وجمعه: أشهر وشهور (¬3). مشتقّ من الشّهرة (¬4). و {شَهْرُ رَمَضانَ} هو الذي بين شعبان وشوّال (¬5). و (شهر): مبتدأ وخبره {الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} (¬6). وقيل (¬7): خبر مبتدأ محذوف، وتقديره: هي شهر رمضان، أي: الأيّام المعدودات. وكان مجاهد يتوهّم أنّ رمضان من أسماء الله لاحتمال كونه اسما لفاعل الرّمضاء أو الرّمض أو الرّميض من حيث إنّه معدول (¬8). والرّمضاء: الرّمل الحارّ المحترق، والرّمض من فعل الطبائع (¬9)، والرّميض: الحادّ بالدال، يقال: رمضت الفصال، إذا بركت من شدّة حرّ الرّمضاء، ويقال: سكّين رميض (¬10). ولم يصرف (رمضان) للعدول والشهرة (¬11). {أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ:} افتتاح الإنزال فيه حيث كان يتحنّث فيه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في حراء (¬12). وعن ابن عبّاس أنّ القرآن كلّه أنزل من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا في ليلة القدر من شهر رمضان، ثمّ أنزل نجوما في ثلاث وعشرين سنة (¬13). وعنه صلّى الله عليه وسلّم أنّ جبريل عليه السّلام كان يعارضه بالقرآن في شهر رمضان كلّ سنة مرّة، وعارضه عام وفاته مرّتين (¬14). وتلك المعارضة نوع إنزال أيضا لإفادة الأحرف السبعة. و (القرآن): اسم من القراءة، وهو في الأصل مصدر كالرّجحان والخسران (¬15). وقد اختصّ بالمنزّل على نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم، وإن كان مشتقّا كاختصاص اسم الرّحمن بالله. والقرآن في اللغة: الضّمّ ¬
والجمع (¬1)، قال (¬2): [من الوافر] ذراعي عيطل أدماء بكر … هجان اللّون (¬3) لم تقرأ جنينا {وَالْفُرْقانِ:} الحكم الفاصل (¬4)، ولذلك عطفه على {الْهُدى.} وعن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه خرج (42 ظ) عام الفتح صائما في شهر رمضان، فلمّا بلغ الكديد أفطر وأمر بالإفطار (¬5). واسم (السّفر) (¬6) في اللّغة يشمل أيّ خروج من الوطن ولو مدّة ساعة، إذ (¬7) اشتقاقه من سفارة السّفير، أو الإسفار وهو الظّهور (¬8). وفي الشّرع مختصّ بمدّة ثلاثة أيّام (¬9). والمراد بالإرادة: رفع مشيئة الآخر، وهي أخصّ في المرادات من المشيئة، وهي تستعمل (¬10) بمعنى المشيئة والمحبّة والطّلب (¬11). و {الْعُسْرَ:} ما يتعسّر ويشقّ، و {الْيُسْرَ:} نقيضه، ولذلك يقال للعامل بيمينه: يسر (¬12)، وللعامل بيساره: أعسر (¬13). {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ:} عدّة (¬14) شهر رمضان إن كانت ثلاثين فثلاثين، وإن كانت تسعا وعشرين فتسعا وعشرين (¬15). ويحتمل أنّ المراد به الثلاثين عند الاشتباه (¬16). ويحتمل عدّة القضاء في الحالة الثانية (¬17). ¬
والواو فيه للعطف على معنى اليسر المراد، فكأنّه قال: يريد الله لييسّر عليكم ولتكملوا العدّة (¬1)، كما قال: {يُرِيدُ اللهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ} [النساء:26]. ويحتمل أن تكون لام (كي) بمعنى (أن)، التقدير (¬2): يريد الله أن ييسّر عليكم وأن تكملوا العدّة، وكما (¬3) قال: {وَأُمِرْنا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ} [الأنعام:71]، أي: أن نسلم (¬4). {وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ:} أراد (¬5) اعتقاد تعظيم الله في الجملة (¬6). وقيل (¬7): تكبير يوم الفطر، وذلك سنّة أشار إليها القرآن من غير أمر بها. 186 - {وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي:} نزلت في المؤمنين حيث قالوا: أقريب ربّنا فنناجيه أم بعيد فنناديه (¬8)؟ وإنّما سألوا هذا لا لأنّهم لم يعلموا أنّ ربّهم عليّ متعال عن المسّ وقريب (¬9) متعال عن أن تحجزه مسافة، ولكن ليعلموا أنّهم متعبّدون برفع الصوت إشارة إلى علوّه أم متعبّدون بخفضه إشارة إلى دنوّه، وهما صفتان له بلا كيف، فتعبّدهم بخفض الصوت تيسيرا (¬10) عليهم لئلا يجهدوا أنفسهم، وتفضّلا عليهم، وإكراما إيّاهم بذكر مزيّة منهم، كما قال: {إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [الأعراف:56] (¬11). واتّصالها بما قبلها من حيث التكبير والشكر (¬12). وقيل: نزلت في من واقع أهله ليلة الصيام قبل الرّخصة، أو أكل بعد النوم قبل الرّخصة، ثمّ أراد الاستغفار (¬13). وتقديره: أخبرهم (¬14) عن قربتي فإنّي قريب (¬15). ¬
{أُجِيبُ:} أنفذ الدّعوة وأجيز (¬1)، وذلك يكون بالقول والفعل جميعا، ونقيضه الإعراض. فأمّا الرّدّ (¬2) فإنّه نوع إجابة حقيقة أو مجازا (¬3). والإجابة بمعنى الاستجابة (¬4) كالإبشار والاستبشار. والجواب مشتقّ من الإجابة، أو اسم موضوع اشتقّ منه الإجابة (¬5). وإجابة الله إيّانا هي قبول دعوتنا، وإجابتنا إيّاه قبول أمره (¬6). و (الرّشد) (¬7) كالاهتداء، ونقيضه الغيّ (¬8). 187 - {أُحِلَّ لَكُمْ:} قال معاذ بن جبل: قدم النبيّ صلّى الله عليه وسلّم المدينة فصام من كلّ شهر ثلاثة أيّام، وصام يوم عاشوراء حتّى نزل قوله: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ} [البقرة:183]، (43 و) فكان من شاء صام ومن شاء أطعم مسكينا حتى أنزل: {شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي} إلى قوله: {وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة:185]، ففرضه الله تعالى، وأثبت صيامه على الصّحيح المقيم، ورخّص فيه للمريض والمسافر، وثبّت إطعام الشيخ الذي لا يستطيع صيامه، فكانوا يأكلون ويشربون ويأتون النساء، وإذا ناموا امتنعوا عن ذلك، فجاء رجل يقال له: صرمة قد ظلّ يومه يعمل، فجاء صلاة العشاء فوضع رأسه فنام قبل أن يطعم، فأصبح صائما (¬9)، فرآه النبيّ صلّى الله عليه وسلّم من آخر النهار وقد أجهد، فقال: إنّي أراك قد أجهدت، فقال: يا رسول الله ظللت يومي أعمل فجئت صلاة العشاء فنمت قبل أن أطعم، وجاءه عمر بن الخطّاب وقد أصاب من النساء، فنزلت (¬10) الآية. قال ابن عرفة (¬11): {الرَّفَثُ:} الجماع ههنا، والرّفث: التّصريح (¬12) بذكر الجماع. "وقال ¬
الأزهريّ: هي (¬1) كلمة جامعة لكلّ ما يريده الرّجل من المرأة" (¬2). وإنّما عدّاه ب (إلى) اعتبارا بالمعنى وهو الإفضاء (¬3). وكلّ شيء ستر شيئا فهو لباس له (¬4)، "وقال ابن عرفة: اللّباس من الملابسة وهي الاختلاط والاجتماع" (¬5)، وأنشد (¬6): [من المتقارب] إذا ما الضّجيع ثنى عطفه … تثنّت فكانت عليه لباسا {تَخْتانُونَ:} افتعال من الخيانة، وهي النّقص (¬7). والمراد نقصهم أنفسهم الثّواب والفضل حين ترخّصوا بما لم يرخّصه الله تعالى بعد (¬8). قوله: {بَاشِرُوهُنَّ:} على الوجوب في الظاهر إلا أنّا صرفناه إلى الإباحة، وكذلك قوله: {وَكُلُوا وَاِشْرَبُوا} (¬9). والمباشرة: إمساس البشرة البشرة (¬10)، والمراد بها الرّفث (¬11). و (الابتغاء) (¬12): الطّلب. وما كتب الله لهم: هو الخير مثل: إباحة الاستمتاع والأكل والشرب، ومثل: الولد (¬13). {الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ:} بياض الثاني (¬14)، {مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ:} سواد الليل، شبّهها بخيطين لامتدادها (¬15). وقوله: {مِنَ الْفَجْرِ} للتّفسير (¬16). ¬
وهذه الآية تدلّ على جواز صوم الجنب؛ لأنّ المجامعة إذا وقعت في آخر الليل فلا بدّ من أن يقع الغسل بعد الفجر (¬1). وتدلّ (¬2) على جواز الاعتكاف في كلّ مسجد يؤدّن فيه (¬3). قال عليّ: لا اعتكاف إلا في مسجد جماعة، وإليه ذهبت (¬4) عائشة وابن مسعود (¬5). ولا اعتكاف إلا بصوم له أو لغيره، وإليه ذهب عليّ وعائشة وابن عمر ومجاهد وابن (¬6) فاختة عن ابن عبّاس (¬7). و (الحدّ) (¬8) في اللغة بمعنى المنع والحجب (¬9)، قال الشاعر (¬10): [من البسيط] لا تعبدون إلها غير خالقكم … فإن دعيتم فقولوا دونه حدد 188 - {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ:} نزلت في من لأخيه عليه مال ولا بيّنة له عليه (¬11). وقيل: في امرئ القيس بن عياش الكنديّ، خاصمه عيدان بن ربيعة الحضرميّ في أرض، فاختصما إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وأراد الكنديّ أن يحلف (43 ظ) فأنزل الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً} [آل عمران:77] فأبى أن يحلف، فحكم عيدان في أرضه (¬12). وعن ابن عبّاس والحسن وقتادة نزلت في الوديعة تكون عند رجل ولا بيّنة عليه (¬13). (بالباطل): بالكسب الباطل، كالغصب ونحوه (¬14). والواو للعطف، {وَتُدْلُوا:} في محلّ الجزم بدليل قراءة أبيّ: (ولا تدلوا) (¬15). وقيل: في ¬
محلّ النّصب (¬1)، والواو عند البصريّين للجمع (¬2)، وعند الكوفيّين للصّرف (¬3)، قال (¬4): [من الكامل] لا تنه عن خلق وتأتي مثله … عار عليك إذا فعلت عظيم {بِها:} أي: بالحجّة، يقال: أدلى بحجّته (¬5). ويقال: بالأموال، أي: الرشوة، أي: لا تتوسّلوا بها إلى الحكّام (¬6)، وفي حديث عمر حيث استسقى: وقد دلونا به إليك، أي: توسّلنا بالعبّاس قدّس الله روحه (¬7). وأصل الإدلاء إرسال الدّلو (¬8). و {الْحُكّامِ:} جمع حاكم، مثل: شاطر وشطّار. والحاكم الذي يمنع الخصمين بقضائه (¬9) عن التّعدّي. والحكم القضاء الحتم (¬10). 189 - {يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ:} نزلت في معاذ بن جبل وأمثاله {(يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ)}، هكذا روي عن ابن عبّاس وقتادة والرّبيع (¬11)، فبيّن الله لهم وجه الحكمة في زيادة القمر ونقصانه، وهو أن يشترك الناس كلّهم في معرفة مواقيتهم التي هي لمعاملاتهم وحجّهم وصومهم وزكاتهم من غير استخراج بحساب دقيق مخوف عليه من غلط فاحش (¬12). و {(الْأَهِلَّةِ)}: جمع هلال كالإمام والأئمّة (¬13). قال الزجّاج: الهلال يكون ليلتين (¬14) من أوّل الشهر، وقيل: ثلاث ليال، وقال الأصمعيّ: ما لم يتحجر، أي: بخطّ مستدير، وقيل: ما لم يبهر باللّيل، ثمّ يصير قمرا (¬15). ¬
و (المواقيت): جمع ميقات كميزان وموازين (¬1)، والميقات هو الوقت من زمان أو مكان (¬2). والواو في قوله: {وَالْحَجِّ} إن كان للعطف فالأهلّة كلّها مواقيت للحجّ (¬3)، وإن كانت للإشراك (¬4) فستّة أشهر مواقيت الحجّ لا محالة، أشهر الحجّ وثلاثة قبلها؛ لأنّ (¬5) إطلاق الشركة يقتضي (¬6) المساواة. {وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها:} نزلت في غير الخمس، والخمس قريش ومن ولدته قريش (¬7) وكنانة وجديلة قيس، فغير الخمس كانوا إذا أحرموا لم يدخلوا بيوتهم إلا أن يتسوّروا، أو ينقبوا ظهور الأخبية، وكانوا لا يسكنون تحت سقف، ويفيضون من عرفات، فدخل النبيّ صلّى الله عليه وسلّم في بعض إحرامه من باب بستان قد خرب وتبعه رجل من غير الخمس، فأنكر النبيّ صلّى الله عليه وسلّم تركه نسكه برأيه من غير شرع لئلا يؤدّي ذلك إلى ترك الإفاضة من عرفات، فاحتجّ الرجل لدخوله بدخوله صلّى الله عليه وسلّم على طريقة من يرى الأمر حقيقة في الفعل كما في القول، فردّ عليه النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قوله (¬8) وقال: أنا أخمسي، فقال الرجل: إن كنت أخمسيّا فأنا أيضا أخمسي رضيت بهديك، فرفع الله الجناح عن ذلك الرجل لإرادته الخير وعفا عنه ونسخ عادة غير الخمس في هذه الخصلة، وجعل عادة الخمس (¬9) (44 و) فيها شرعا للمسلمين كلّهم (¬10). وقال الزجّاج (¬11): كان بعض من قريش ومن سائر العرب يكره دخول (¬12) البيت من بابه تطيّرا إذا رجع من سفره خائبا. وقال أبو عبيدة (¬13): هو في ترك طلب البرّ من وجهه وطلبه من غير وجهه. 190 - {وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ:} نزلت في قريش عن ابن عبّاس، وذلك حين خاف المسلمون عام الصّلح أن لا يفي أهل مكّة بعهدهم، وكرهوا القتال في الحرم وفي الأشهر الحرم، فأنزل الله الآية ليعتقدوا القتال ولا يكرهوا (¬14). ¬
{الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ:} يعني المقاتلة (¬1). {وَلا تَعْتَدُوا:} بقتل النّسوان والصّبيان (¬2). وروي أنّه صلّى الله عليه وسلّم رأى عام الفتح امرأة مقتولة، فأرسل إلى خالد بن الوليد أن لا تقتل (¬3) ذرّيّة ولا عسيفا (¬4). والآية غير منسوخة على هذا الوجه (¬5). وأصل الاعتداء ههنا مجاوزة القتال في سبيل الله إلى القتال في غير سبيله (¬6)، وقيل (¬7): هو قتال من لم يبلغه الدّعوة، وهي غير منسوخة على هذين أيضا. وقيل: هي مجاوزة القتال على وجه المجازاة إلى القتال على سبيل الابتداء، والآية منسوخة على هذا بآية السيف (¬8). والمقاتلة مفاعلة من القتال (¬9). والقتال الحرب ومعاطاة القتل (¬10). والاعتداء افتعال من العدو. وقوله: {إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} دلالة أنّ إطلاق المحبّة في موضع الإرادة مجازا لانتفائه مرّة وثبوته أخرى لإجماعنا أنّ المعتدين مرادون لله تعالى وإن خالفونا في الاعتداء هل هو مراد أم لا (¬11). 191 - {وَاُقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ:} نزلت في من نزلت الآية المتقدّمة (¬12). و (الثقف): الإدراك والمصادفة، يقال: رجل ثقف لقف، وثقف لقف، إذا كان سريع الإدراك لطلبته (¬13). وهي عامّ خصه (¬14) قوله: {وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ.} {وَأَخْرِجُوهُمْ:} يعني من الحرم (¬15). ¬
{وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ:} مختصّ بحادثة مخصوصة، روي أنّ رجلا من المسلمين قتل رجلا من المشركين في يوم شك من رجب، فعاب (¬1) المشركون ذلك، فنزل. (والفتنة)، أي: كفرهم الموجب لقتلهم أشدّ فسادا من القتل المنهيّ عنه في الأشهر الحرم المأمور به في سائر الأشهر (¬2). و (الفتنة): الابتلاء والامتحان بالشّرّ (¬3). وقوله: {وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ} منسوخ بآية السّيف (¬4). 192 - {فَإِنِ اِنْتَهَوْا:} للانتهاء معنيان: بلوغ النّهاية، قال الله تعالى: {سِدْرَةِ الْمُنْتَهى} [النّجم:14] (¬5)، والانتهاء هو الوقوف على قضيّة النّهي كما أنّ الائتمار هو وقوف على قضيّة الأمر وهو المراد ههنا، أي: امتنعوا عن القتال (¬6). 193 - {وَقاتِلُوهُمْ حَتّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ:} عن مجاهد أنّها ناسخة (¬7)، وقيل (¬8): هي منسوخة. {الدِّينُ لِلّهِ:} أي: التّديّن لله، وهو أن يكون تديّن للإسلام (¬9) الذي ارتضاه دينا. و (الانتهاء) هو عن الكفر على قول مجاهد (¬10)، وعن (44 ظ) القتال على قول من يعدّها منسوخة (¬11). {فَلا عُدْوانَ:} أي: مجاوزة (¬12) العدوان. 194 - {الشَّهْرُ الْحَرامُ:} نزلت في إقامة قتال المشركين في يوم الشكّ من رجب مقابلة قتالهم عام الصدّ في شهر ذي القعدة ليكون قصاصا. وقيل (¬13): هي إقامة عمرة القضاء مقام ¬
العمرة التي (¬1) صدّ عنها المشركون بالحديبية. {وَالْحُرُماتُ:} المحرّمات، أي: بعضها (¬2) قصاص ببعض مثل: القتل بالقتل والجرح بالجرح (¬3). وقيل: الحرمات حرمة الشهر والإحرام والحرم (¬4). وفيه اختصار، وتقديره: الحرمات بالحرمات قصاص. {مَعَ الْمُتَّقِينَ:} بالنّصرة والولاية (¬5). 195 - {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ:} روى حيوة بن شريح عن يزيد بن أبي حبيب عن أسلم قال: حمل (¬6) رجل من المسلمين على صفّ الرّوم حتى دخل فيهم، فصاح به الناس فقالوا: يلقي بيديه إلى التّهلكة، فقام أبو أيّوب الأنصاريّ وقال: أيّها الناس إنّكم لتؤوّلون (¬7) هذه الآية على هذا التأويل، وإنّما هي نزلت فينا معشر الأنصار، لمّا قوي الإسلام وكثر ناصروه هممنا أن نقيم في أموالنا ونصلح ما ضاع منها، فردّ الله تعالى ذلك علينا، وأنزل قوله: {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ،} فكانت التّهلكة الإقامة في الأموال وإصلاحها، فما زال أبو أيّوب شاخصا في سبيل الله حتى دفن بالرّوم (¬8). وروي أنّ رجلا من أزد شنوءة تقدّم وحده إلى الكفّار في محاصرة دمشق، فردّه المسلمون وأتوا (¬9) به عمرو بن العاص، فلامه وأنكر عليه وقال: إنّ الله تعالى يقول: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} (¬10). وقول أبي أيّوب أصحّ؛ لأنّه شهد النّزول وعرف البيان، وما كان من جعفر الطيّار يوم مؤتة، غير أنّ الرجل إذا ضيّع نفسه ولم يقاتل وتعرّض للقتل فإنّا نرى فيه رأي عمرو بن العاص حينئذ؛ لأنّه كالقاتل نفسه (¬11). ¬
و (التّهلكة) اسم من الهلاك (¬1). وقال الخارزنجي (¬2): لا أعرف مصدرا على (التّفعلة) بضمّ العين إلا هذا. والمراد ههنا الهلاك في أمر الدّيانة، والهلاك يستعمل (¬3) في ذلك، قال عمر: "لولا عليّ لهلك عمر" (¬4). {إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ:} محبّة الله عبده ارتضاؤه (¬5) لدينه وسائر كراماته، ومحبّة العبد ربّه ارتضاؤه للعبادة والذّكر. والفرق بين المحبّة والإرادة أنّك تريد عدوّك بالمكروه والسّوء، ولا تحبّه بالمكروه والسّوء (¬6). 196 - {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ:} عطف التّطوّع على الفرض (¬7)، ويجوز ذلك إذا حلّ محلّ الواجب في التأكيد كقوله: {أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء:59]. وقيل: أراد بها العمرة الواجبة بالإحرام المتقدّم؛ لأنّه قال: {وَأَتِمُّوا} والإتمام إنّما هو بعد الشّروع (¬8)، وعلى هذا حجّة (¬9) من لم يأمر القارن بطوافين وسعيين. وقرأ الشعبيّ (¬10): (والعمرة) بالرفع، ويراها تطوّعا (¬11)، ويجوز التّطوّع بما لا أصل لها في الفرائض كالاعتكاف (¬12). {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ:} منعتم بالعوائق من الخوف والمرض والفقر (¬13). وروى إبراهيم بن علقمة: (45 و) فإن أحصرتم من مرض أو حبس، قال: فحدّثت به سعيد بن جبير فقال: هكذا قال ابن عبّاس (¬14). ¬
ونحر هدي الإحصار لا يجوز في غير الحرم لما روي عن ناجية بن جندب الأسلمي عن أبيه أنّه ذهب بهدي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأخذ في شعبة لا يبصرونه (¬1) حتى نحره بالحرم. {فَمَا اِسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ:} شاة فصاعدا (¬2). والهدي والهديّ لغتان (¬3). والحلق والسبت واحد (¬4). ورأس الشخص هو الطرف الأعلى خلفه أو مقدمه (¬5). والحلق المنهيّ ههنا مباح عند الغاية (¬6). والحلق ساقط عن المحصر كسائر أفعال المناسك (¬7). وبلوغ الهدي محلّه بلوغه الحرم (¬8) كقوله: {هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة:95]. {فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً:} نزلت في كعب بن (¬9) عجرة ومن كان في حاله. والفدية من الصيام ثلاثة أيّام (¬10)، ومن (¬11) الصدقة ثلاثة أصوع من الحنطة يصرفها إلى ستّة مساكين (¬12)، ومن النّسك ما تيسّر (¬13)، وهو جمع نسيكة وهي الذّبيحة على وجه القربة (¬14). والمحصر (¬15) مخيّر بين هذه الأشياء (¬16). {فَإِذا أَمِنْتُمْ:} في القابل بعد زوال الإحصار (¬17). ¬
{فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ:} أراد أن يأتي بالعمرة وجبت عليه لتحلّله عن الحجّ بغير فعله، وبالحجّة التي هي قضاء عن الحجّة المفروضة، وأراد أن يجمعهما بإحرامين في أشهر الحجّ في سفر واحد؛ لأنّه (¬1) يكون متمتّعا (¬2)، ولو جمع بينهما جامع تطوّعا أو من نذر فحكمه كذلك. {فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيّامٍ فِي الْحَجِّ:} في أشهر الحجّ (¬3). {تِلْكَ عَشَرَةٌ:} للتأكيد (¬4)، قال (¬5): [من الوافر] ثلاث بالغداة فهنّ حسبي … وستّ حين تدركني العشاء فذلك تسعة في اليوم ربّي … وشرب المرء فوق الرّيّ داء {حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ:} النازلين بين البيت والمواقيت التي وقّتها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم (¬6). 197 - {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ:} نزلت في شؤون كثيرة: ذكر أشهر الحجّ، والنهي عن الأشياء الثلاثة (¬7)، والأمر بالزّاد والرّاحلة، وإباحة التّجارة في الإحرام، وإيجاب الوقوف لذكر الله تعالى بالمشعر الحرام. و (الحجّ) فعل، والأشهر ظرف. وجعل الفعل مبتدأ والظرف خبرا على أحد تقديرين (¬8): أحدهما: على حذف المضاف، أي: مدّة الحجّ أشهر، تقول العرب: الحرّ شهران والبرد شهران (¬9)، والثاني: أن تجعل الظرف مقدّرا للمبتدأ ومقدار (¬10) الشيء صفة له، كما تقول: هذه الحنطة صاع وهذا الشعير قفيز (¬11). والأشهر المعلومات (¬12): شوّال وذو القعدة وعشر من ذي الحجّة (¬13). وإنّما أطلق اسم ¬
الجمع على شيئين وبعض الثالث؛ لأنّ أكثر الشيء يقوم مقام الكلّ، كما قام يومان ونصف مقام ثلاثة أيّام في قوله: {وَاُذْكُرُوا اللهَ فِي أَيّامٍ مَعْدُوداتٍ} [البقرة:203]، وقام يوم ونصف مقام يومين في قوله: {فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ} [البقرة:203] (¬1). {فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ:} عيّن الوجوب فيهنّ بالإحرام، وعن عطاء أنّه التّلبية (¬2). وتلبية النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: لبّيك اللهمّ لبّيك، لبّيك لا شريك لك لبّيك، إنّ الحمد والنّعمة لك والملك، لا شريك لك (¬3). وتجوز الزيادة عليه (¬4). (45 ظ) و (الرّفث) هو الجماع (¬5). و (الفسوق) ما يخرج به الرجل عن طاعة الله من الأشياء التي هي محظورة بعقد الإسلام، أو بعقد الإحرام (¬6). و (الجدال): المجادلة، وهو (¬7) إقامة الحجّة لمقابلة (¬8) الحجّة. والمراد ههنا، قيل (¬9): المدافعة في أمر الحجّ أنّه (¬10) في أيّ شهر. وقيل: أن (¬11) تماري صاحبك حتى تغضبه. وفي فحوى قوله: {يَعْلَمْهُ اللهُ} القبول والإثابة (¬12). {وَتَزَوَّدُوا:} قيل: إنّ قوما متّكلين كانوا يحجّون بغير زاد، فيبقون كلاّ على الناس، ويرونه توكّلا على الله وتقوى (¬13) من أنفسهم، فأمر الله برفع الزّاد للحجّ، وبيّن أنّ خير الزّاد للمعاد التّقوى وترك السؤال، والاتّكال على الله، لا الحجّ بغير زاد (¬14). وعن سعيد بن جبير الزاد الكعك والسويق إفهاما (¬15) للسائل، وهو البلغة. ¬
198 - {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ:} عمر بن ذر عن مجاهد كانوا يخرجون حجّاجا لا يركبون ولا يتجرون ولا يتزوّدون، فأنزل الله {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ،} و {يَأْتُوكَ رِجالاً وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ} [الحجّ:27]، و {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزّادِ التَّقْوى} [البقرة:197]، فرخّص لهم في الركوب والتّجارة وأمروا بالتّزوّد (¬1). وعن سعيد بن جبير كان (¬2) التّجّار ينزلون عن يسار مسجد منى ولا يحجّون، والحاجّ ينزلون عن يمينه ويحجّون حتى نزلت الآية، فحجّوا جميعا (¬3). {فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ:} وهو أن تبيت به ليلة التحريم، تصلّي الفجر بالغلس، ثمّ تقف فتحمد الله تعالى وتثني عليه، وتكبّر وتهلّل وتدعو إلى أن تسفر (¬4)، ثمّ تدفع إلى منى قبل طلوع الشمس (¬5). و {الْمَشْعَرِ الْحَرامِ} هو المزدلفة، كلّها موقف إلا بطن محسّر (¬6). فإن لم (¬7) تبت به ولم تقف ودفعت إلى منى على وجهك من غير عذر فعليك دم وحجّك تامّ (¬8). وروي أنّ النبيّ (¬9) صلّى الله عليه وسلّم قدم ضعفة أهله إلى منى، وهو توقيت وليس بأمر بالوقوف (¬10) بها. و (الإفاضة) هي (¬11) الدفع في السير، وكلام مفاض ومستفاض ومستفيض، أي: جار (¬12). و (عرفات) اسم واحد على صيغة الجمع (¬13). ¬
وإنّما سمّي ذلك الموقف عرفات لوقوف الناس واحتباسهم به، وقيل (¬1): لطيبه، وقيل (¬2): لأنّ آدم اندفع من سرنديب وحوّاء من جدّة فالتقيا من هناك فتعارفا، وقيل (¬3): لأنّ جبريل عرّفه إبراهيم عليه السّلام ليقف هناك. و (المشعر): المعلم والموسم (¬4). 199 - {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النّاسُ:} نزلت في افتراض الوقوف بعرفات (¬5). وعن عطاء كانت قريش تفيض من جمع وهو المزدلفة (¬6) ويقولون: إنّا خمس، لا يرون الإفاضة من الجبل، وغيرهم يفيضون من عرفات، فأمروا أن يفيضوا من حيث أفاض الناس (¬7). و (ثمّ) بمعنى الواو كما في قوله: {ثُمَّ اللهُ شَهِيدٌ} [يونس:46] (¬8). وقيل: الإفاضة من عرفات وجب من فحوى قوله (¬9): {فَإِذا أَفَضْتُمْ} وهذه الإفاضة من جمع إلى منى. (46 و) وهذا مخالف للإجماع. وعرفات كلّها موقف إلا بطن عرنة (¬10). والظاهر أنّ المراد بالناس غير الخمس (¬11)، وقيل (¬12): آدم عليه السّلام، وقيل (¬13): إبراهيم عليه السّلام وحده، وقيل (¬14): إبراهيم ومن حجّ معه من الناس. ومن أدرك الوقوف بعد الظهر إلى أن تمضي ليلة النّحر فقد أدرك الحجّ (¬15). 200 - {فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ:} متعبّداتكم بمنى (¬16)، وقال مجاهد (¬17): ذبائحكم. ¬
واختلفوا في تشبيه ذكر الله بذكر الآباء (¬1)، قيل (¬2): من حيث التّوحيد، فكما لا يدّعي العاقل لنفسه أبوين فكذلك لا يدّعي (¬3) إلهين. وقيل (¬4): من حيث إنّ الصبيّ يفزع في كلّ أموره إلى أبيه فكذلك المؤمن يجب أن يفزع إلى الله تعالى. وقيل (¬5): كان أهل الجاهليّة يقفون بين الجبل والمسجد ويذكرون آباءهم بصالح الأعمال، ويتفاخرون بذلك، فأمر الله سبحانه وتعالى أن يذكروه هناك (¬6) بصفاته الحميدة، فإنّه أولى. {أَوْ أَشَدَّ:} "بل أشدّ" (¬7)، وقيل (¬8): (أو) بمعنى الواو. {فَمِنَ النّاسِ:} قريش (¬9) وأمثالهم. كانوا لا (¬10) يسألون الله تعالى إلا ثواب الدنيا، وكانوا ينكرون المعاد (¬11). 201 - {وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا:} نزلت في المؤمنين (¬12)، وقيل (¬13): أوّل من دعا بها أبو بكر في الحجّ الأكبر. و (الحسنة) (¬14) في الدّارين هي النّعمة عند مجاهد (¬15)، والعافية عند قتادة (¬16). ويحتمل أنّه نعت لاسم (¬17) مضمر، وهو العيشة أو الحالة (¬18). 202 - {لَهُمْ نَصِيبٌ:} ثواب أعمالهم (¬19)، وهو الخلاق المنفيّ في الآية الأولى (¬20). ¬
و (النّصيب): الحظّ والقسم (¬1). و (السرعة) (¬2) ضدّ البطء. والمراد بالحساب عدّ الأعمال (¬3). روي أنّ الله تعالى يحاسب الكلّ مرّة واحدة لا يشغله حساب عن حساب، وينتهي الحساب (¬4) في مقدار حلبة شاة، وروي في مقدار فواق ناقة، وروي في مقدار لحظة (¬5). 203 - {وَاُذْكُرُوا اللهَ فِي أَيّامٍ مَعْدُوداتٍ:} نزلت في الإقامة بمنى لذكر الله عزّ وجلّ، وفي حكم النفر. وأيّام منى هي المعدودات ثلاثة بعد اليوم العاشر الذي هو آخر الأيّام المعلومات (¬6). وأيّام النّحر ثلاثة أيّام أوّلها آخر الأيّام المعلومات (¬7) وآخرها الثاني من المعدودات، أفضلها أوّلها (¬8). أخذ في تفسير المعلومات والمعدودات بقول ابن عبّاس وابن عمر (¬9)، وفي توقيت النّحر بقولهما وبقول عليّ وأنس رضي الله عنهم (¬10). {فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ:} وهو أن يرمي الجمار يومين بعد يوم اليوم النّحر، وينفر مع النّفر الأول (¬11). واختلفوا في رفع الإثم (¬12)، قيل (¬13): هو التّخيير بين الأمرين كما تقول (¬14): من أفطر (¬15) في السفر فلا حرج عليه ومن صام فلا حرج عليه. وقيل (¬16): وجبت الرمي ثلاثة أيّام بقوله (¬17): {وَاُذْكُرُوا اللهَ فِي أَيّامٍ مَعْدُوداتٍ،} فلمّا أباح التّعجيل في اليومين خرج اليوم الثالث من الوجوب، فلو لم ¬
يرفع الإثم عن المتأخّر لما جاز الرّمي فيه إذ التنفل بالرمي عبث. {لِمَنِ اِتَّقى:} أي (¬1): رفع الإثم لمن اتّقى محظورات الإحرام (¬2). روي أنّ رجلا توفّي بمنى، فقيل لعمر: أما تشهد دفنه؟ (46 ظ) فقال: وما يمنعني عن دفن من لم يذنب مذ غفر له (¬3). وقال (¬4) صلّى الله عليه وسلّم: (من حجّ فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمّه) (¬5). والحشر (¬6): الجلاء. 204 - {وَمِنَ النّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ:} قال السدّي وغيره: نزلت في الأخنس بن شريق الثّقفيّ، وكان رجلا حسن المنظر، حلو المنطق، خبيث السّريرة، واسمه فيما يروى أبيّ، وإنّما لقّب بالأخنس (¬7) لأنّه خنس مع (¬8) ثلاث مئة رجل من حلفائه من بني زهرة يوم بدر ولم يشهدوا (¬9). وقال الحسن: نزلت في كلّ منافق ومراء (¬10). وإعجاب الشيء بالشيء أن يسرّه (¬11). {وَيُشْهِدُ اللهَ عَلى ما فِي قَلْبِهِ:} يعني يقول: الله شهيد على ما في قلبي من الوفاء والإخلاص (¬12). {وَهُوَ أَلَدُّ:} شديد (¬13) الخصومة. فإن كان الألدّ ههنا بمعنى النعت ف {الْخِصامِ} مصدر كالقتال (¬14)، وإن كان على معنى التفضيل ف (الخصام) (¬15) جمع خصم نحو: كلب وكلاب (¬16). والمخاصمة قريب من المحاجّة (¬17). ¬
205 - {سَعى:} ذهب (¬1). {وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ:} قيل (¬2): إنّه بيّت قوما من الطائف كان بينه وبينهم جدال بعد ما رجع من عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقتل مواشيهم، وأحرق زروعهم، وقيل (¬3): لم يحرق إلا كدسا واحدا من الشعير، ولم يعقر إلا حمارا واحدا. و (النّسل): الذّرّيّة (¬4). 206 - {أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ:} طالبته المنعة وحملته عليه كما تقول: أخذ فلان فلانا بحقّه، أي: طالبه به (¬5). {فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ:} جزاؤه جهنّم (¬6). أخذت من التّجهّم (¬7) وهو النكرة، قال رؤبة: ركية جهنّام، أي: بعيدة القعر، وقال يونس: اسم أعجميّ، وقال أبو عبيدة: (جهنّم) إنّما لا ينصرف لأنّه اسم مؤنّث زاد على ثلاثة أحرف. والمراد به دار العذاب التي أعدّ الله لأعدائه في الآخرة (¬8). {وَلَبِئْسَ الْمِهادُ:} الوطاء والفراش (¬9)، قال الله تعالى: {فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ} [الرّوم:44]. "وأصل المهد: التّوثير" (¬10). 207 - {وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ:} نزلت في كلّ مؤمن معناها صفته (¬11). والله تعالى جمع بين صفة المنافقين والمؤمنين على سبيل التّنويع والإطباق. وكان عمر وعليّ يؤوّلانها إلى الآمر بالمعروف والنّاهي عن المنكر (¬12). (يشري): يفدي بنفسه ويبذلها في سبيل الله لابتغاء مرضاته (¬13). ¬
والشرى بمعنى البيع، قال الله تعالى: {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ} [يوسف:20] (¬1). وقيل (¬2): نزلت في صهيب بن سنان. واختلفوا في قصّته، قيل (¬3): إنّه اشترى نفسه من مواليه وقال (¬4): لا يضرّكم أكنت منكم أو من غيركم، ثمّ هاجر إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. وقيل (¬5): اشترى نفسه من أهل مكّة جميعا مع جماعة من المستضعفين. وقيل (¬6): كان صهيب (¬7) قد أعتق من قبل إلا أنّه لمّا هاجر تبعه قوم من أهل مكّة (¬8) فنثر كنانته وقال: والله لا أضع سهما إلا في قلب رجل، ثمّ أضرب بسيفي ما بقي في يدي، إن شئتم فتقدس وإن شئتم فخلّوا سبيلي وأدلّكم على مالي بمكّة، فقالوا: نخلّي سبيلك، فدلّهم على ماله. وهو عربيّ من ولد النّمر بن (47 و) قاسط، سبته الروم في صغره، ثمّ وقع بالحجاز وصار مملوكا لزيد بن جدعان، فكان (¬9) يسمّى صهيبا (¬10) الرّوميّ. و (المرضاة): مصدر مثل المرحمة من الرّحمة (¬11). 208 - {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اُدْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً:} نزلت في العامّة (¬12). وقيل (¬13): نزلت في قوم من اليهود كانوا قد أسلموا ويتحرّجون (¬14) عن بعض رخص الإسلام مثل أكل لحوم الإبل ونحوه. و (السّلم) بالكسر: "الإسلام" (¬15)، وإذا أريد به الصّلح فالفتحة والكسرة لغتان (¬16). (كافّة): "نصب على الحال" (¬17)، أو التأكيد (¬18). ويجوز بناء على التّنوين كما في يومئذ. ¬
والكافّة مأخوذة من كفّة الشيء، وهو حرفه (¬1) ونهايته. 209 - وفي فحوى قوله: {فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} تهديد؛ لأنّ العزيز لا يمنعه شيء عن معاقبة المفسدين من عبيده (¬2). 210 - {هَلْ يَنْظُرُونَ:} نزلت في المتثبّطين عن الإيمان مع مشاهدة الآيات على وجه التهديد (¬3). و (هل): أداة استفهام، والمراد به النفي كما تقول: هل بقي بعد هذا شيء (¬4)؟ (ينظرون): ينتظرون (¬5)، كقوله: {اُنْظُرُونا} [الحديد:13]، وقوله: {اُنْظُرْنا} [البقرة:104]. ولقوله: {فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ} ثلاثة معان: أحدها: كون المأتيّ في ظلل من الغمام، كما تقول: أتيت فلانا في بيته فخرج إليّ. والثاني: إتيان الآتي بظلل، كما تقول (¬6): أتاهم السلطان في عسكر لجب. والثالث: لبس الأمر على المأتيّ، كما تقول: أتاه الملك على صورة كذا، وإنّما هو في نفسه على صورته، وإن (¬7) لبّس الأمر على المأتيّ (¬8). والله متعال عن الحلول، وعن أن يحيط به شيء في عظمته (¬9). و (الظّلل): جمع ظلّة (¬10). {وَقُضِيَ الْأَمْرُ:} أمضي حكم الله فيهم (¬11). 211 - {سَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ:} نزلت في تذكير ما نصب الله لبني إسرائيل من الأدلّة، وإعراضهم عنها، وإزالتهم نعم الله تعالى عن أنفسهم بالكفران، ليكون في ذلك تعزية لرسول ¬
الله صلّى الله عليه وسلّم، وتنبيها للمخاطبين (¬1). وقوله: (سل): أمر من السؤال، أصله: اسأل (¬2). وقيل: من سال يسال، مثل (¬3): نال ينال. وفائدة السؤال تذكيرهم حالتهم الأولى، وتقرير (¬4) الأمر عند من لا يؤمن بالتّنزيل (¬5). و {كَمْ:} أداة للسؤال عن عدد الشيء، وقلّته وكثرته (¬6). {مِنْ:} للتفسير (¬7). {وَمَنْ (¬8)} يُبَدِّلْ: يغيّر (¬9). والإنسان لا يبدّل نعمة الله بالبؤس، غير أنّه يكفر فيؤدّي ذلك إلى تبديل النّعمة، وهو كقوله: {إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ} [الرّعد:11] (¬10). و (النّعمة) ههنا أدلّة الحقّ (¬11)، وقيل (¬12): عامّة. 212 - {زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا:} نزلت في أبي جهل وأمثاله، كانوا يسخرون من المستضعفين (¬13). وقيل (¬14): نزلت في بني قريظة والنّضير، كانوا يسخرون من صعاليك المهاجرين. والتّزيين قريب من التّحسين، والزّينة هو الحسن المكتسب (¬15). فالكفّار زيّن لهم الحياة الدنيا حيث نظروا إلى بهجتها المحسوسة، ولم يتفكّروا في عاقبتها، فأعجبوا بها وألهوا (¬16) عن غيرها كما قال: {يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ [هُمْ] (¬17)} غافِلُونَ [الرّوم:7]. ومزيّنها لهم هو الله، قال: {كَذلِكَ زَيَّنّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ} [الأنعام:108]، وقال: {إِنّا} ¬
{جَعَلْنا ما عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَها} [الكهف:7] (¬1). و (السّخرية): الاستهزاء (¬2). {وَالَّذِينَ اِتَّقَوْا فَوْقَهُمْ:} في الرّتبة والحال {يَوْمَ الْقِيامَةِ} (¬3). {بِغَيْرِ حِسابٍ:} (47 ظ) بغير مناقشة في حسابه مثل نعمة سليمان (¬4). وقيل (¬5): بغير أن يكون عليه حساب، يعني: نعيم الآخرة. وقيل (¬6): ما لا يحصيه كلّ أحد لكثرته، يعني: نعيم الآخرة أيضا. 213 - {كانَ النّاسُ أُمَّةً واحِدَةً:} قال ابن عبّاس (¬7): كانوا على شريعة من الحقّ من لدن آدم إلى أن كفروا في عصر نوح عليه السّلام، وقيل (¬8): إلى أن قتل قابيل هابيل. وقيل (¬9): كانوا أمّة على الجاهليّة في عصر نمرود إلى أن أرسل الله إبراهيم وذويه عليهم (¬10) السّلام. {مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ:} نصب على الحال (¬11). {وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ:} أي: ومع إرسالهم (¬12)، وقيل: (معهم) بمعنى: عليهم. والمراد بالكتاب الجنس (¬13). {بِالْحَقِّ:} أي: بالدّين والأحكام التي هي الحقّ (¬14). وما اختلفوا فيه (¬15) هو مثل اختلافهم في آدم عليه السّلام، وفي ملّة إبراهيم عليه السّلام (¬16)، وفي أمر سليمان وعيسى عليهما السّلام، وغير ذلك من الأهواء (¬17). ¬
وما اختلفوا في شيء إلا من بعد أن (¬1) أوتوا علمه للبغي (¬2) فيما بينهم. {فَهَدَى اللهُ} المؤمنين بإذنه إلى الحقّ الذي اختلفوا فيه (¬3). واللام (¬4) مكان (إلى). وفي (¬5) قوله: {مِنَ الْحَقِّ} تفسير لما اختلفوا فيه (¬6). 214 - {أَمْ حَسِبْتُمْ:} قد سبق الكلام في (أم)، إذا كانت متّصلة بنيت (¬7) على استفهام سابق، وإذا كانت منقطعة بنيت على كلام سابق وهو ذكر استهزاء الكفرة بالمؤمنين وما يصيب المؤمنين من ذلك من الحزن (¬8). {وَلَمّا يَأْتِكُمْ:} "ولم يأتكم" (¬9). و (لمّا) و (لم) بمعنى، إلا أنّ (لم) يقتضي (¬10) نفيا مجرّدا، و (لمّا) يقتضي نفيا دون نفي، إذ المنفيّ به مراد إثباته في المستقبل، كقوله (¬11): {وَلَمّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا} [آل عمران:142]، {وَلَمّا يَأْتِهِمْ (¬12)} تَأْوِيلُهُ [يونس:39]. {مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ:} صفتهم، أي: يعوّض لكم حال كحالهم (¬13). {وَزُلْزِلُوا:} أزعجوا وحرّكوا مرّة بعد أخرى من كثرة (¬14) البلايا. {مَتى نَصْرُ اللهِ:} تطلّع لوعد الله تعالى غير تشكّك فيه (¬15). و (متى): استفهام عن أوان الشيء (¬16). ¬
215 - {يَسْئَلُونَكَ ماذا يُنْفِقُونَ:} نزلت في عمرو بن الجموح الأنصاريّ من (¬1) بني سلمة بن جشم، قتل يوم أحد، وكان شيخا كبيرا وعنده مال، سأل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كيف ينفق، وكان ذلك قبل الزكاة فأنزل [الله] (¬2). 216 - {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ:} عن ابن عبّاس: لمّا كتب الجهاد على المسلمين شقّ عليهم ذلك لما فيه من المشقّة، فنزلت الآية (¬3). قال ابن عرفة (¬4): (الكره) بضمّ الكاف: المشقّة، و (الكره) بالفتح: ما أكرهت عليه. تقديره: ذو كره لكم (¬5). {وَعَسى:} لعلّ، وهو حرف يشبه الفعل (¬6). {أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً:} على قضيّة الطبيعة، أو على قضيّة مجرّد العقل (¬7). {وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ:} أي: على قضيّة الوحي، مثل التّقرّب بالرأس وبذل النفس في الجهاد (¬8). {وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً:} يعني على قضيّة الطبيعة (¬9) ومجرّد العقل. {وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ:} على قضيّة الوحي، مثل الانتفاع (¬10) بقليل الخمر، والانتفاع بالميتة قبل أن يتسارع إليه الفساد. {وَاللهُ يَعْلَمُ:} يعني علل النّصوص والمصالح فيها (¬11). 217 - {يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ:} نزلت في أوّل غزاة غزاها المسلمون، (48 و) وذلك أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعث عبد الله بن جحش قبل بدر بشهرين في ثمانية رهط من المهاجرين، منهم واقد بن عبد الله التّميميّ إلى بطن نخلة ترصد عير قريش، فمرّ بهم ¬
عمرو بن الحضرميّ والحكم بن كيسان (¬1) وعثمان بن عبد الله (¬2) بن المغيرة ونوفل بن عبد الله في يوم يراه المسلمون سلخ جمادى الآخرة، وهو غرّة رجب (¬3)، فرمى واقد بن عبد الله التّميميّ فأصاب (¬4) عمرو ابن الحضرميّ فقتله، وأسروا الحكم وعثمان، واستاقوا العير، فلمّا تبيّن أنّ اليوم كان (¬5) من رجب أطنب المشركون في لوم المسلمين، وتخوّف المسلمون أيضا وباله؛ لأنّ القتال في الأشهر الحرم كان محظورا إذ ذاك، فسألوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن ذلك (¬6)، فأنزل الله الآية (¬7). {قِتالٍ فِيهِ:} مكسور على طريق بدل الاشتمال (¬8). وبدل الاشتمال هو إبدال حال الشيء أو ما (¬9) يجري مجراه منه. وإنّما نوّن {قُلْ (¬10)} قِتالٌ؛ لأنّه لم يرد به القتال المسؤول عنه، ولكن أخبر ابتداء بإنشاء يوجد في الشهر الحرام (¬11)، فمنها قتال كبير، ومنها صدّ عن سبيل الله، والصّدّ هو المنع والصّرف (¬12)، ومنها كفر بالله وبالمسجد الحرام. ثمّ استأنف وقال: {وَإِخْراجُ أَهْلِهِ مِنْهُ} (¬13)، وهو الصّدّ المذكور {أَكْبَرُ عِنْدَ اللهِ} إثما ووبالا (¬14). {وَالْفِتْنَةُ:} وهي الكفر (¬15) {أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ} المسؤول عنه أو المخبر به (¬16). ¬
فهوّن القتال مع كبره بجنب الصدّ والكفر اللذين دعوا إلى القتال، لتكون (¬1) الجريمة من جهة (¬2) الكفّار، ولا يحزن المسلمون بمباشرتهم القتال المحظور سهوا (¬3). ثمّ أخبر عن عقيدة الكفّار فقال: {وَلا يَزالُونَ يُقاتِلُونَكُمْ} أي: لا يبرحون عن قتالكم (¬4). {إِنِ اِسْتَطاعُوا:} "إن قدروا" (¬5). ثمّ حذّر المؤمنين {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ،} أي: يرتدّ، وهو لغة (¬6). {فَيَمُتْ وَهُوَ كافِرٌ فَأُولئِكَ حَبِطَتْ [أَعْمالُهُمْ] (¬7)}: بطلت أعمالهم (¬8)، قيل: اشتقاقه من الحبوط، وحبوط العمل من حبط الدابّة وهو أن تفرط في أكل العشب (¬9) حتى تنتفخ بطنها فتموت حبطا (¬10). 218 - قيل: لمّا هوّن الله تعالى أمر القتال وخفّف عن المسلمين ذلك طمعوا أن يكتب ذلك لهم جهادا فيثابوا عليه، فأنزل الله {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا،} ثمّ عطف عليه {وَالَّذِينَ هاجَرُوا} للجمع بين المؤمنين الذين لم (¬11) يبتلوا بالقتال في الشهر الحرام وبين المهاجرين الذين ابتلوا به خاصّة (¬12). و (المهاجرة): المفارقة في اللغة (¬13). وهي في الإسلام رتبة لقوم هجروا أوطانهم وإخوانهم إلى الحبشة ثمّ إلى المدينة لوجه الله (¬14). كما ختم الله النّبوّة بمحمّد صلّى الله عليه وسلّم ختم الهجرة بعمّه عبّاس فيما يروى (¬15). ¬
ومجاهدة الكفّار: المبالغة في قتالهم باستفراغ ما في الوسع (¬1). {يَرْجُونَ:} يطمعون (¬2). 219 - {يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ:} نزلت في ذكر سؤال عمر رضي الله عنه: ما هذه الخمر المضيّعة لأموالنا المفسدة ذات بيننا؟ وفي سؤال بعضهم عن المال الذي يجب إنفاقه (¬3). وقيل: إنّ حمزة (48 ظ) هو الذي سأل عن الخمر والميسر (¬4). وقيل: اتّخذ بعض الصحابة دعوة فيها سعد ابن أبي وقّاص، فشربوا وتفاخروا وأنشد سعد قصيدة فيها هجاء الأنصار، فشجّه بعضهم، ثمّ ترافعوا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأنزل (¬5). والخمر المجمع عليها عصير العنب إذا غلى واشتدّ وقذف بالزّبد (¬6). واشتقاقها من الخمر وهو كلّ ما سترك من شجر أو نبات، ويقال: اختمرت المرأة، إذا لبست الخمار (¬7). وليس كلّ ما يخامر العقل خمرا، كما أنّه ليس كلّ ما يبدع بدعة ولا كلّ ما يبحر بحيرة. وقد روي عن ابن عبّاس: حرّمت الخمر بعينها والسّكر من كلّ شراب (¬8). وقال الحسن: تحريم الخمر ثبت بهذه الآية؛ لأنّ الإثم لا يكون إلا في تناول المحظور مع أنّ (¬9) الله صرّح تحريم الإثم بقوله: {قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ} [الأعراف:33] (¬10). وقال قتادة: ثبت بآية المائدة وهو قوله: {فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} [المائدة:91] يدلّ على النّهي (¬11)، يدلّ عليه ما روي عن عمر أنّه كره شرب الخمر فدعا فقال: اللهمّ بيّن لنا في الخمر، فنزل (¬12) قوله: {فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ} [البقرة:219]، فدعا ثانيا فنزل قوله: {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى} [النساء:43]، فدعا ثالثا فنزل قوله: {فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ،} فقال عمر: ¬
انتهينا انتهينا (¬1). وقد حصل إجماع أهل الإسلام على حرمة الخمر وإن اختلفوا في محرّمها (¬2). و (الميسر): الجزور الذي كانوا يتقامرون عليه بقداح لهم، سمّي ميسرا؛ لأنّه موضع التّجزئة، وكلّ شيء جزّأته فقد يسّرته، والياسر: الجازر (¬3)، قاله الأزهريّ (¬4). وعن مجاهد: الميسر: كعاب فارس وقداح الرّوم (¬5). وعن ابن عمر: الميسر: القمار (¬6). وعن القاسم بن محمد أنّه سئل عن النّرد والشطرنج فقال: كلّ ما صدّ عن ذكر الله وعن الصلاة فهو من الميسر (¬7). وعن ابن سيرين: ما كان من شرب (¬8) أو قيان أو قصف فهو من الميسر (¬9). {وَمَنافِعُ لِلنّاسِ:} هي مثل الرّبح في بيع الخمر، واللّذّة والنّشاط في شربها، والفوز بالأموال في القمار (¬10). {وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما:} لأنّ إثمهما باق ونفعهما فان (¬11). {قُلِ الْعَفْوَ:} نزلت في جواب السائلين عن النّفقة في الآية الأولى (¬12). و (العفو): الفضل الذي يسهل دفعه، يقال: خذ ما عفا لك، أي: جاءك سهلا (¬13). وهذا منسوخ بآية الزكاة، عن (¬14) ابن عبّاس والسدّي (¬15)، وقال مجاهد (¬16): هذا مفسّر بآية الزكاة. {لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ:} التّفكّر تفعّل من الفكر وهو البحث عن المعاني بالاهتمام (¬17). ¬
220 - {وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى:} سأل عبد الله بن رواحة (¬1)، وعن مقاتل أنّ السائل عنهم ثابت بن رفاعة (¬2). والسبب في ذلك أنّه لمّا نزل قوله: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً} [النساء:10] تحرّج (¬3) الناس، وتركوا أموال اليتامى، فكان يفسد اللبن وينتن اللحم ولا يتعرّض أحد، فشقّ ذلك عليهم، فسألوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مخالطتهم (¬4). وعن الشّعبيّ والضّحّاك أنّهم كانوا يتورّعون عن أموال اليتامى، ويتشاءمون بمخالطتهم (¬5) على العادة الجاهليّة (¬6). قوله: (عن اليتامى): أي: عن أموالهم (¬7). {قُلْ إِصْلاحٌ:} الرّعاية والحفظ {خَيْرٌ} من الإضاعة (¬8). (49 و) {وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ:} بالأموال، فتأكلوا (¬9) معا وتشربوا معا من غير تمييز فهم إخوانكم، وقد قال الله: {وَلا عَلى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ،} الآية [النّور:61]. {وَاللهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ:} أي: الذي يخالطهم ليرزأ (¬10) من الذي يخالطهم ليصلح أموالهم (¬11). {لَأَعْنَتَكُمْ:} لكلّفكم ما يشقّ عليكم (¬12). والعنت: المشقّة، وأكمة عنوت، أي: شاقّة المصعد، وعنت البعير، إذا حدث في قوائمه كسر بعد جبر (¬13). وقال ابن الأعرابيّ: "أصل العنت التّشديد (¬14)، يقال: فلان يتعنّت فلانا ويعنته، ثمّ نقل إلى معنى الهلاك" (¬15). ¬
221 - {وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ:} نزلت في مرثد بن أبي مرثد الغنوي (¬1)، وكان رجلا شجاعا، فبعثه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى مكّة ليخرج ببعض المستضعفين سرّا، وكانت له عشيقة (¬2) بمكّة تسمّى عناق، فأبصرته في الطواف فدعته إلى نفسها، فأبى وقال: إنّ الإسلام قد حال بيننا وبين السّفاح، ولكن أستأذن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في نكاحك، فقالت (¬3): أبي تتبرر؟ وصاحت فاجتمع الناس على مرثد وضربوه، فلمّا رجع إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أخبره بالقصّة، واستأذن في نكاحها فأنزل الله الآية (¬4). وهي عامّة في (¬5) المشركين كلّهم أهل الكتاب وغيرهم عن (¬6) ابن عبّاس والحسن ومجاهد والربيع، ثمّ (¬7) خصّصت بآية المائدة (¬8). وقيل (¬9): الآية لم تتناول أهل الكتاب؛ لأنّها نزلت في مشركة غير كتابيّة، والله تعالى فرّق بين المشركين وأهل الكتاب في جميع القرآن. و (النّكاح) في اللغة عبارة عن الوطء حقيقة لقوله (¬10): {الزّانِي لا يَنْكِحُ إِلاّ زانِيَةً} [النّور:3]، ولقوله صلّى الله عليه وسلّم: (ملعون من نكح يده) (¬11)، وعبارة عن العقد الذي وضع لاستباحة الوطء (¬12) مجازا. و (الأمة) (¬13): المرأة المملوكة ملك اليمين، أصلها: أموة مثل: فروة، وتصغيرها: أميّة، وجمعها: إماء (¬14). و (العبد): الرّجل المملوك ملك اليمين (¬15). ¬
{وَلَوْ:} للمبالغة (¬1)، كما قال الشاعر (¬2): [من الطويل] فقلت يمين الله أبرح قاعدا … ولو قطّعوا رأسي لديك وأوصالي 222 - {وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ:} نزلت في مجامعة النّساء في المحيض. والسبب في ذلك أنّ اليهود (¬3) كانوا يخرجون الحائض من البيت، ولا يؤاكلونها ولا يشاربونها، فسألوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأنزل الله الآية (¬4). وهي تقتضي اعتزالا عن العموم في الظاهر، لكنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم خصّصها (¬5) ببيانه وقال: (جامعوهنّ في البيوت واصنعوا كلّ شيء إلا النّكاح)، فقالت اليهود: ما يدع هذا الرجل شيئا إلا خالفنا فيه، فجاء أسيد بن حضير (¬6) وعبّاد بن بشير يخبران رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بقول اليهود، ثمّ قالا: أفلا ننكحهنّ في المحيض؟ فتغيّر وجه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتى ظنّ الناس أنّه قد غضب عليهما (¬7). وأراد بالنّكاح المباشرة في ما تحت الإزار لقول عائشة رضي الله عنها: ربّما باشرني النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأنا حائض فوق الإزار (¬8). وعن عمر أنّه قال: "وأمّا الحائض فلك منها ما فوق الإزار وليس لك ما تحته" (¬9). و (المحيض): مصدر كالمسير والمصير (¬10)، وقيل (¬11): اسم لأوان الحيض (49 ظ) كالمغرب اسم لأوان الغروب. {فَاعْتَزِلُوا:} اجتنبوا، (افتعال) من العزل، وهو قريب من الصرف (¬12). {النِّساءَ:} جمع المرأة، وكذلك النّسوة والنّسوان (¬13). (الأذى): كلّ ما يتأدّى ويتقذّر (¬14) منه. ¬
{حَتّى يَطْهُرْنَ:} من الدم، عن مجاهد والحسن (¬1). {فَإِذا تَطَهَّرْنَ:} بالماء (¬2)، فيأخذ بنفس الطهر فيما إذا كان أيّاما (¬3) عشرا، وبالطهارة أو وجوب الصلاة فيما دون العشر (¬4). {مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ:} باعتزاله عن مجاهد (¬5)، وعن ابن رزين الأمر بالتطهر (¬6). {وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ:} قال عطاء (¬7): أراد بالتطهر بالماء، وعن أبي العالية: أراد بالتطهر من الذّنوب (¬8)، والأوّل أولى لقوله: {يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ} [التّوبة:108]. 223 - {نِساؤُكُمْ حَرْثٌ:} نزلت في إباحة إتيان النساء، وفي (¬9) بيان المأتيّ. والسبب في ذلك ما زعم اليهود أنّ من أتى امرأته من ورائها كان الولد أحول، وهذا السبب مرويّ عن ابن عمر وجابر وأمّ سلمة (¬10). واتّصالها بما قبلها من حيث سبق ذكر الإتيان، وهو المأتيّ فهو موضع ابتغاء (¬11) النسل، وقد روي أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال لذلك الرجل: (فإنّ الله تعالى قد نهاكم أن تأتوا النساء في أدبارهنّ) (¬12). وقوله: {أَنّى شِئْتُمْ} أي: من أين شئتم وكيف شئتم (¬13)، يدلّ عليه: {أَنّى لَكِ هذا} [آل عمران:37]، {أَنّى يُحْيِي هذِهِ اللهُ} [البقرة:259]. واتّصال قوله: {وَقَدِّمُوا} بما قبله من حيث محافظة الشريعة (¬14) واستعمال الأحكام. {وَاِتَّقُوا اللهَ:} في مجاوزة حدوده (¬15). ¬
{وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ:} الذين يؤمنون بهذه الأحكام، ويقبلونها طوعا، يرضون الله تعالى (¬1). 224 - {وَلا تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ:} نزلت في أبي بكر حين حلف أن لا يحسن إلى مسطح، وباقي قصّته في سورة النّور (¬2). وقيل (¬3): نزلت فيه حين حلف أن لا يصل إلى ابنه حتى يسلم. وقيل (¬4): نزلت في عبد الله بن رواحة حين حلف أن (¬5) لا يدخل على ختنه بشير بن النّعمان الأنصاريّ، ولا يكلّمه، ولا يصلح بينه وبين خصمه. واتّصالها بما قبلها من حيث التّقوى. و (للعرضة) معنيان: أحدهما: العدة المبتذلة (¬6)، والثاني: الحائل المانع (¬7). وأصله من اعتراض الجدار أو الجذع أو الخيل أو (¬8) الحيّة لك في طريقك. فتقديرها على المعنى الأوّل: ولا تجعلوا اسم الله عدة مبتذلة لأيمانكم أن لا تبرّوا (¬9)، وعلى المعنى الثاني: ولا تجعلوا اسم الله مانعا لأن تبرّوا، أي: لبرّكم (¬10)، فيكون {أَنْ تَبَرُّوا} في موضع الجرّ بدلا عن الأيمان على طريق بدل (¬11) الاشتمال عند الخليل والكسائيّ (¬12)، وعند سيبويه في محلّ النّصب تقديره: تاركين أن تبرّوا، أو لتبرّوا (¬13). وواحدة (الأيمان): اليمين، وهي الحلف، وإنّما سمّي يمينا لأنّهم كانوا يصافحون بأيمانهم عند ذلك (¬14). وقيل: للتّوثيق والتشديد، واليمين: القوّة عندهم (¬15). وعن ابن عبّاس أنّ اليمين اسم من أسماء الله تعالى، فإن صحّت فاليمين بمعنى اليامن، تقول: يمن الله الإنسان يمنا ويمنا فهو ميمون (¬16)، تقول العرب: يمين الله، وأيمن الله وأيمن ¬
الله، وذلك على الجمع، وربّما يستخفّون فيقولون: وأيم الله (¬1). وقال (50 و) أبو عبيدة (¬2) الهرويّ: يقولون: م (¬3) والله، وم والله، وم والله، وم الله، ومن الله، ومن الله، ومن الله، وإيم الله بالكسر (¬4). 225 - {لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ:} نزلت في تنويع الأيمان، فذكر نوعين منها: اللّغو والغموس، وذكر النوع الثالث في سورة المائدة وهو المعقود (¬5) المأمور بحفظه مع اللّغو. و (المؤاخذة): قريب من المضايقة والمناقشة (¬6)، والمعافاة كالنّقيض له. و (اللّغو): ما لا حكم له، أو ما لا وجه له (¬7). واليمين اللّغو أن يحلف على شيء ماض أو حال سهوا (¬8) فإذا هو بخلافه، عن ابن عبّاس وأبي هريرة والحسن ومجاهد والسدّي والربيع (¬9). وعن ابن عبّاس: ما يجري في اللّفظ من غير قصد، مثل: لا والله، وبلى والله (¬10). واليمين الغموس هو أن يحلف على شيء في الماضي وهو يعلم أنّه كاذب (¬11)، وسمّيت غموسا لغمسها صاحبها في الإثم ثمّ في النار (¬12). {غَفُورٌ:} لم يؤاخذ باللّغو (¬13). {حَلِيمٌ:} لم يتعجّل بالعقوبة، ومكّن من التّوبة عن الغموس (¬14). و (الحليم): الذي لا يقلقه الغضب (¬15). ¬
226 - {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ:} نزلت في حكم الإيلاء، وذلك أنّ أهل الجاهليّة كانوا يحلفون على ترك قرب نسائهم السّنة والسنتين لا يقربوهنّ ولا يسرّحوهنّ، فوقّت الله ذلك بأربعة أشهر (¬1). وحكم الإيلاء {تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ،} ولا تربّص بعدها لحظة (¬2)، كما في المطلّقة بعد (¬3) ثلاثة قروء، وفي المتوفّى عنها زوجها بعد أربعة أشهر وعشر (¬4). وإن وقّت أقلّ من أربعة أشهر لم يكن موليا (¬5). و (الإيلاء): الحلف، والأليّة والألوة (¬6). {فَإِنْ فاؤُ:} يعني في الأربعة الأشهر (¬7)، وفي قراءة (¬8) عبد الله: (فإن فاؤوا فيهنّ). و (الفيء) للقادر بالحنث، وهو الوطء، ولغير القادر بقوله: فئت (¬9)؛ لأنّ الإيلاء لا يزيل الملك في الحال وإنّما يزيل في ثاني الحال، فجاز فيه الاستدراك بالقول إذا لم يكن بالفعل، كالطّلاق الرّجعيّ. 227 - {وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ:} يعني ترك الفيء إلى انقضاء مدّة الإيلاء وقعت تطليقة بائنة، هكذا روي عن عثمان وعليّ وزيد بن ثابت وابن عبّاس وابن عمر (¬10). ولا تتعلّق هذه الفرقة بقضاء القاضي؛ لأنّ ابتداءه غير متعلّق بحكمه، بخلاف فرقة اللّعان والعنّة (¬11). و (العزم): القصد (¬12). و (الطّلاق): التّخلية والتّسريح (¬13). وإنّما يقال للمرأة: طالق؛ لأنّ هذا نعت مختصّ بها، كالحائض والحامل (¬14). ¬
228 - {وَالْمُطَلَّقاتُ:} (المطلّقة): من التّطليق دون الإطلاق، للمبالغة في الوصف؛ لأنّ طلاقها يتأبّد (¬1) ويوجب حرمة، بخلاف الإطلاق المستعمل في الإرسال (¬2). و (التّربّص) بالشيء (¬3): ترقّب نزول الحادثة. وإنّما قال: {قُرُوءٍ،} ولم يقل: أقراء، لذكر المطلّقات، إذ كلّ مطلّقة منهنّ تتربّص ثلاثة أقراء، فتجتمع (¬4) قروء كثيرة. وقيل: (من) فيه مقدّر، أي: ثلاثة من قروء (¬5). قال أبو عمرو بن العلاء: من العرب من يسمّي الحيض قرءا، ومنهم من يسمّي الطّهر قرءا، ومنهم من يجمعهما (50 ظ) فيسمّي الطهر مع (¬6) الحيض قرءا، غير أنّ الحيض أولى (¬7) لكونه لغة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وإليه ذهب في تفسير القرء (¬8) عمر وعليّ وابن مسعود وابن عمر وزيد بن ثابت وأبو الدّرداء ومعاذ وأبو موسى الأشعريّ (¬9). {أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللهُ فِي أَرْحامِهِنَّ:} من الحيض والحبل (¬10)، وعارض بين الشرط والخبر. {وَبُعُولَتُهُنَّ:} والبعل: الزّوج، مثل: فحل وفحولة، ويقال للمرأة: بعلة، والمباعلة: المباشرة (¬11). {أَحَقُّ:} أولى (¬12). {بِرَدِّهِنَّ:} في حالة العدّة إلى حالة لا يعتددن (¬13)، ولا يقتضي للغير فيه حقّ لقوله: {وَكانُوا أَحَقَّ بِها وَأَهْلَها} [الفتح:26] في ذلك الوقت (¬14). ¬
{أَصْلَحا} (¬1): استدراك النّكاح، لا تطويل العدّة (¬2). {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ:} من حقّ الصحبة وحسن العشرة (¬3). {دَرَجَةٌ:} رتبة وشرف لما فضّلهم الله تعالى في العقل وغير ذلك، وبما أنفقوا من أموالهم (¬4). {عَزِيزٌ حَكِيمٌ:} بما شاء، حكيم لا يخطئ في حكمه (¬5). 229 - {الطَّلاقُ مَرَّتانِ:} يفيد وقوع الطّلاق بعد الطّلاق سواء جمع أو فرّق على وجه المباح أو المحظور (¬6). و (المرّة): ظرف زمان للفعل (¬7) الواقع، نظيره: التّارة. {فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ:} يفيد جواز الرّجعة بعد تطليقتين (¬8). و (الإمساك): قريب من الحفظ، ونقيضه: الإرسال (¬9). وقوله: {أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ} بعد الطّلقة الثالثة (¬10). و (التّسريح): قريب من الإخراج والإبراز (¬11). والسّنّة بتفريقهنّ في ثلاثة أطهار لم يجامعها فيها تفسيرا لقوله: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطّلاق:1] (¬12). وقوله: {وَلا [يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ] (¬13)} تَأْخُذُوا مِمّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً نهي عن منع المهر وبخسه واسترداده في جميع الوجوه، ثمّ خصّ الاستثناء بالاغتصاب، وأباح المنهيّ عنه عند الخلع (¬14). ¬
{حُدُودَ اللهِ:} إقامة حقوق النّكاح (¬1). وقوله: {فَلا جُناحَ عَلَيْهِما} يفيد إباحة المنهيّ عنه للزّوج على هذا الوجه، وإباحة الافتداء للمرأة برفع إثم النّشوز عنها (¬2). ويصحّ الخلع في غير مجلس القاضي، وإليه ذهب عمر وعثمان وابن عمر (¬3). وهي تطليقة بائنة سواء ذكر فيه طلاق أو لم يذكر (¬4). 230 - {فَإِنْ طَلَّقَها:} يعني الثالثة (¬5). {حَتّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ:} تطأ زوجا، لقوله صلّى الله عليه وسلّم لأميمة بنت وهب: (لا حتى (¬6) تذوقي من عسيلته ويذوق من عسيلتك) (¬7)، وهو قول عليّ وعائشة وأكثر أهل العلم (¬8). {فَإِنْ طَلَّقَها:} الزوج الثاني (¬9). {فَلا جُناحَ عَلَيْهِما:} على المرأة والزوج (¬10) الأوّل. {أَنْ يَتَراجَعا:} "بنكاح جديد" (¬11). {إِنْ ظَنّا:} إن كان غالب ظنّهما أنّهما يؤدّيان حقوق النّكاح (¬12). {وَتِلْكَ:} إشارة إلى الأحكام المتقدّمة (¬13). 231 - {فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ:} قربن من منتهى أجلهنّ (¬14). و (الأجل): هو الوقت المضروب (¬15). وإنّما عبّر عن القرب بالبلوغ على سبيل التّوسّع، يقال: بلغت قرية كذا (¬16). ¬
{فَأَمْسِكُوهُنَّ:} يعني الرّجعة (¬1). {أَوْ سَرِّحُوهُنَّ:} بترك الرّجعة (¬2). {وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً:} لا تراجعوهنّ للإضرار بهنّ لتطويل العدّة (¬3). {لِتَعْتَدُوا:} عليهنّ، أو لتعتدوا حدود الله (¬4). {ذلِكَ} (¬5): إشارة إلى المنهيّ عنه. والكاف علامة الخطاب، (51 و) فلذلك جاز الاكتفاء بالتّوحيد في خطاب الجمع على تقدير العضل (¬6) أو الحرب. وظلم النّفس بكسب الوبال عليها (¬7). {وَلا تَتَّخِذُوا آياتِ اللهِ هُزُواً:} لا تستخفّوا بحرمتها فيهون عليكم مجاوزتها (¬8). {نِعْمَتَ اللهِ (¬9)}: الإسلام، ويحتمل أنّها عامّة (¬10). {يَعِظُكُمْ بِهِ:} راجع إلى الحكم المذكور في الآية (¬11)، أو إلى الأمر بالذّكر، أو إلى (ما) في قوله: {وَما أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ} (¬12). 232 - {وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ:} نزلت في شأن معقل بن يسار المزنيّ (¬13)، كانت أخته جمل بنت يسار تحت رجل من قضاعة اسمه أبو البداح بن عاصم فطلّقها، فلمّا انقضت عدّتها هويها وهويته، فأرادا أن يتراجعا فمنع معقل، فأنزل الله الآية (¬14). وعن السدّيّ أنّ جابر بن عبد الله عضل ابنة عمّ له فأنزل الله الآية (¬15). ¬
وقوله: {فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ:} أراد انقضاء الأجل (¬1)، ولولا ذلك لكان الزّوج يقدر على الرّجعة من غير نكاح جديد. و (العصل) (¬2): التّحريج والتّضييق، وكذلك الأمر المعضل (¬3). وقال للأزواج: {وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ} [النّساء:19]. وفي الآية دليل على أنّ لهنّ أن يتولّين عقود نكاحهنّ (¬4). وفي تسمية الله إيّاهم أزواجا بعد ارتفاع العقد وانقضاء العدّة دلالة على بقاء التّسمية حقيقة بعد زوال المعنى على سبيل الحكاية (¬5). {إِذا تَراضَوْا:} والتّراضي تفاعل من (¬6) الرّضا، والتّفاعل يكون بين اثنين فصاعدا. {ذلِكَ:} إشارة إلى النّهي والكفّ عن العضل (¬7). {أَزْكى:} أدخل في باب التّزكية (¬8)، وقيل: أزكى: أطهر لكم، فجمع بين اللّفظين تأكيدا. 233 - {يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ:} خبر بمعنى الأمر (¬9)، كقوله (¬10): {تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ} ثمّ قال: {يَغْفِرْ لَكُمْ} [الصّف:11 - 12] بالجزم على سبيل الجواب (¬11). و (الإرضاع) (¬12): سقي اللبن. والرّضيع: الذي يتغذّى بالارتضاع لا يتغذّى بغيره من صغره (¬13). {حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ:} لئلا ينقص منهما (¬14). ¬
{لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ:} يوفي {الرَّضاعَةَ} المفروضة (¬1). والإتمام لا يدلّ على منع الزيادة، كقوله: {وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} [المائدة:3]. والرّضاع والرّضاعة (¬2) اسم من الإرضاع (¬3). {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ:} أي: على الأب نفقة الوالدات المرضعات (¬4). و (الكسوة): ما يكتسى من اللّباس (¬5). وهذا يدلّ أنّها نزلت في المطلّقات وإلا لكانت النّفقة واجبة للنّكاح لا للإرضاع (¬6). {لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ (¬7)} إِلاّ وُسْعَها: التّكلّف (¬8): الأمر بغير المراد. والوسع: الطّاقة (¬9). وقوله: {لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها} يحتمل معنيين: أحدهما: لا تدخل (¬10) الوالدة ضررا (¬11) على أب المولود بمنع الدّرّ عن الولد (¬12)، والثاني: لا يدخل أب (¬13) الولد ضررا على الوالدة بالاسترضاع كرها من غير أجرة، أو بانتزاعه منها كرها (¬14). وقوله: {وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ} يحتمل هذين الوجهين (¬15). {وَعَلَى الْوارِثِ:} المراد كلّ موسر من (¬16) ذي رحم محرم الأقرب فالأقرب، فإذا اشتركوا في استحقاق الميراث لزم كلّ واحد على قدر ميراثه (¬17). (51 ظ) ومأخذ الوارث من الورث والإرث وهو الأصل، يقال: فلان يرجع إلى إرث صدق، ¬
وقيل: الإرث: البقيّة، فالوارث الذي يأخذ الإرث (¬1). و (الفصال): "الفطام" (¬2). {وَتَشاوُرٍ:} مشاورة، وهو أن يعرض بعض القوم رأيه على بعض، من قولهم: شار البائع يشورها، إذا عرضها للبيع (¬3). وفيها دلالة أنّ بعد (¬4) الحولين وقت الرضاع، وعن ابن عبّاس: إن تراضيا على الفصال قبل الحولين أو بعدهما (¬5). {أَنْ تَسْتَرْضِعُوا:} بعد الحولين؛ لأنّه رفع الجناح. 234 - {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ:} ناسخة لقوله: {وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ مَتاعاً إِلَى الْحَوْلِ} [البقرة:240] (¬6). وتقديم النّاسخ على المنسوخ في التّلاوة والكتابة لأحد سببين إمّا التّعبّد وإمّا الاتّفاق (¬7) الذي كان بعد فطم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، كما اتّفق تقديم سورة الجهاد على سورة المتاركة (¬8) وهي {(قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ)}. و {(الَّذِينَ)} اسم مبتدأ، وقوله: {يَتَرَبَّصْنَ} لا يكون إخبارا عنه، والوجه أنّك إذا ابتدأت باسم ثمّ ذكرت اسما مضافا إلى الأوّل أو منه بسبب (¬9) أجزأك أن تبقي (¬10) الأوّل وتخبر عن هذا الثاني (¬11). قال الأخفش (¬12): إنّما جاز أن يكون (يتربّصن) خبرا بتقدير ضمير عائد إلى (¬13) المبتدأ تقديره: يتربّصن من بعدهم، والضمير في (يتربّصن) (¬14) عائد إلى قوله: {أَزْواجاً.} وقال أبو العبّاس (¬15): تقديره: أزواجهم يتربّصن. وقال الزّجّاج (¬16): النّون في قوله: (يتربّصن) قائمة ¬
مقام أزواجهم، فكأنّه قال: يتربّص أزواجهم، والضمير في (¬1) (يتربّصن) عائد إلى المقدّر دون قوله: (أزواجا)، إلا أنّ في هذين نظرا (¬2). و (التّوفّي): القبض، تقول: توفّيت حقّي واستوفيت، والمراد قبض الأنفس عن الدنيا بالموت (¬3). {وَيَذَرُونَ:} يتركون، وهذا فعل لا مصدر له، ولا يشتقّ منه الاسم، ولا يذكر بلفظ الماضي (¬4). {يَتَرَبَّصْنَ:} باجتناب الزّينة والطّيب والكحل بالإثمد وترك النّقلة عن المنزل، هكذا روي عن ابن عبّاس وابن شهاب (¬5). {وَعَشْراً:} أي: عشر ليال (¬6)، وقال ابن (¬7) المسيّب وأبو العالية: إنّما زيدت عشر ليال لأنّ فيها ينفخ الرّوح في الولد (¬8). {فِيما فَعَلْنَ:} من التّخلية بينهنّ وبين ما يردن من التّزيّن للخاطبين (¬9)، والخروج من (¬10) البيت على ما يجوز في الشّريعة ولا ينكر (¬11). 235 - {فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ:} التّعريض بالكلام: صرفه عن الظّاهر وعن المراد (¬12). {خِطْبَةِ:} مصدر كالخطب، وهو مثل قولك: إنّه لحسن المشية والقعدة (¬13) والجلسة والزكاة، وقولك: ما خطبك يا فلان؟ أي: ما شأنك وإرادتك (¬14). فالخطبة من الزّوج، والاختطاب من وليّ المرأة. والخطبة من الخطيب في عقد النّكاح أو في غيره من المجامع بما يخاطب (¬15). ويسمّى التّشهّد خطبة الصلاة (¬16). ¬
{أَكْنَنْتُمْ:} أضمرتم. والكنّ: الستر (¬1). {سِرًّا:} زناء، عن إبراهيم والحسن (¬2)، وقال الشاعر (¬3): [من الوافر] ويحرم سرّ جارتهم عليهم … ويأكل جارهم أنف القصاع وقال [ابن] (¬4) المسيّب: السّرّ أن يواعدها خفية مالا (¬5) لئلا تسبقه بنفسها. و (القول المعروف) (¬6): (52 و) ما أبيح على وجه التّعريض (¬7). {وَلا تَعْزِمُوا:} تقصدوا (¬8). {عُقْدَةَ:} اسم من العقد، وعقد الشيء ضبطه وإحكامه بنوع تأليف (¬9). {الْكِتابُ أَجَلَهُ:} انتهاء العدّة التي أوجبها الله عليها (¬10). وخوف الشيء اتّقاؤه. وإنّما ذكر المغفرة والحلم لئلا يميلهم هذا التّحذير عن الاعتدال بين الخوف والرّجاء، فالله تعالى رفع الجناح عن شيئين: التّعريض والإضمار، وحرّم شيئين (¬11): المواعدة سرّا وعزم عقدة (¬12) النّكاح. أمّا التّعريض فقد قال ابن عبّاس: أن يقول بمشهدها: إنّي أريد أن أتزوّج بزوجة (¬13)، وأمّا الإضمار أن يخطر بباله أو (¬14) ينويه من غير عزم صحيح، وأمّا المواعدة سرّا فقد سبق ذكرها، وأمّا العزم فهو أن يؤكّد رأيه (¬15) عليها ويقصدها من غير تردّد فيعظم عليه فوتها. 236 - {لا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ:} قال الكلبيّ: نزلت في رجل من الأنصار تزوّج (¬16) بامرأة من بني حنيفة ولم يسمّ لها مهرا، ثمّ طلّقها قبل الدخول، فقال صلّى الله عليه وسلّم: (متّعها ولو ¬
بقلنسوتك (¬1)، أما إنّها لا تساوي شيئا ولكنّي أحببت أن أحيي السّنّة). وللآية معنيان: أحدهما: إباحة الطّلاق للرّجال أنّى شاؤوا في الحيض والطّهر واحدة وأكثر ما داموا (¬2) قبل المسيس، والثاني: أن تقيم (ما) (¬3) مقام (اللّواتي) أو مقام (حين) ولا تجعلها شرطا لاستدامة الحال (¬4)، وفائدة الرّخصة على هذا القول نفي تحرّجهم عن ذلك لما يرونه فرارا عن المهر. والمراد بالمسّ المطلق في باب النّساء: الجماع، وكذلك اللّمس المطلق في بابهنّ (¬5). {أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ:} (أو) بمعنى الواو (¬6)، تسمّوا (¬7) لهنّ مهرا صحيحا ثابتا غير فاسد ولا مجهول. و (المتعة) المأمور (¬8) بها واجبة ممّا يصلح لمثلها على مثله، يراعي جنبة الرجل بذكر قدره وجنبة المرأة بقوله: {بِالْمَعْرُوفِ} (¬9) وعن عمر: أدنى ما يجزئ (¬10) في متعة النساء ثلاثون درهما (¬11)، وبذلك أمر شريح رجلا. وعن ابن عبّاس: أعلاها خادم، ودون ذلك ورق، ودون ذلك (¬12) كسوة، وروي أنّه قدّم الكسوة على الورق (¬13). وحكم المتوفّى عنها زوجها قبل المسيس والتّسمية حكم المدخول بها، قضى (¬14) بها عبد الله [بن] (¬15) مسعود باجتهاده، وأخبره معقل بن يسار أنّه وافق قضاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في بروع بنت ¬
واشق الأشجعيّة (¬1). {الْمُوسِعِ:} ذو السّعة (¬2). والسّعة في المعيشة (¬3). و {الْمُقْتِرِ:} الذي ضاقت معيشته (¬4). والقدر والقدر لغتان (¬5)، وهو الحدّ، فقدر الشيء: تقديره، إمّا حدّ ذاته وإمّا حدّ شأنه وإمّا حدّ ما يستحقّه من الذّكر، ويقتضي نوع تدبّر ممّن يحدّ (¬6). {مَتاعاً:} نصب على المصدر (¬7)، أي: متّعوهنّ متاعا (¬8). و {حَقًّا:} نصب على إضمار: حكمنا، أو قلنا، أو أخبرنا حكما أو قولا أو خبرا حقّا، قاله الفرّاء (¬9)، وقال: الحقّ والباطل في الأحكام دون الأسماء. وإنّما خصّ {الْمُحْسِنِينَ} تشريفا لهم، كقوله (¬10): {وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ} [البقرة:66]. 237 - {فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ:} فلهنّ، أو فعليكم نصف المسمّى (¬11). ونصف الشيء أحد جزأيه (¬12). (52 ظ) {إِلاّ أَنْ يَعْفُونَ:} يسقطن هذا النّصف أيضا (¬13). {أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ:} أو يعفو الزّوج عن المرأة استرداد نصف المهر (¬14). وقيل: المراد به وليّ المرأة (¬15)، وليس بصحيح بدلالة قوله: {وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى،} قال ابن عبّاس: هذا خطاب للأزواج والنساء جميعا (¬16)، ولأنّ عقد النّكاح بعد ¬
العقد بيد الزّوج دون الوليّ. وإنّما كان أقرب للتّقوى لأنّ من ترك حقّ نفسه كان أصبر على الكفّ عن حقّ (¬1) غيره. {وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ:} ولا تتركوا في ما بينكم تفضّل بعضكم على بعض بالعفو والمسامحة (¬2). وقوله: {إِنَّ اللهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} تنبيه للمخاطبين، وحثّ على الائتمار بالأوامر (¬3). 238 - وقوله: {حافِظُوا:} الآيتان (¬4) عارضتان في أثناء الأحكام للأزواج (¬5) من حيث التّلاوة والكتابة (¬6). واتّصالهما بما قبلهما من حيث قوله (¬7): {إِنَّ اللهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ،} إذ هو يقتضي المحافظة على الصلاة وغيرها. والمحافظة محافظة (¬8) الأحوال على إقامتها، وهي مفاعلة (¬9) من الحفظ، وهو ضدّ التّضييع (¬10). وقيل (¬11): المحافظة المواظبة، فلذلك عدّاها ب (على). وقيل (¬12): صلاة الوسطى غير داخلة في {الصَّلَواتِ} لأنّها عطف عليها، وقيل (¬13): دخلت فيها إلا أنّه ذكرها ثانيا تشريفا لها. و {الْوُسْطى:} الذي بين شيئين (¬14). قال ابن عبّاس وعائشة وحفصة وأبو هريرة: إنّها صلاة العصر (¬15). وعن أبي روق (¬16) في قوله: {وَالْعَصْرِ} [العصر:1]: أقسم بصلاة العصر (¬17)، وهي ¬
التي شغل عنها سليمان (¬1)، وخبر صلوات الخمس (¬2) يدلّ عليه. {قانِتِينَ:} ساكتين عن كلام النّاس (¬3)، قال زيد بن أرقم: كنّا نتكلّم في الصلاة حتى نزلت الآية (¬4). وقال أبو سعيد الخدريّ: كنّا نردّ السّلام في الصلاة فنهينا عن ذلك (¬5). 239 - {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالاً:} جمع راحل (¬6)، كتاجر وتجار وصاحب وصحاب. {أَوْ رُكْباناً:} جمع راكب (¬7)، كفارس وفرسان. يعني إن خفتم ميلة العدوّ عليكم فصلّوا رجالا على ما فسّر في سورة النّساء (¬8)، أو ركبانا على ما بيّنه النّبيّ (¬9) صلّى الله عليه وسلّم، فإذا زال الخوف فصلّوا صلاة الأمن (¬10). وقيل: فاذكروه بالثّناء والحمد والتّسبيح لإيقاع الفعل بعد الخوف كما شرع قبل الخوف (¬11). ولا تجوز صلاة راجل (¬12) ماشيا، ولا صلاة راكب مسايفا أو طاعنا؛ لأنّ الآية اقتضت عموم الأحوال لا عموم الرّكبان والرّجال (¬13). والمراد الخوف من العدوّ أو ما يقوم مقام العدوّ ممّا (¬14) فيه تلف النّفس. 240 - {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ:} نزلت في رجل من المهاجرين يقال له حكيم بن الحرث، مات في أوّل الهجرة فأمر الله تعالى (¬15). {وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ:} نفقة سنة لا يخرجن مكرهات من بيوت أزواجهنّ، فإن خرجن طائعات بطلت النّفقة ووجبت (¬16) العدّة ثلاثة أقراء (¬17). ¬
وعن مقاتل بن حيان: نزلت في رجل من أهل الطائف قدم المدينة، وله أولاد وأبوان وامرأة، وتوفّي (¬1) فدفع إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأعطى الوصيّة الوالدين والأولاد بالمعروف، والمرأة نفقة سنة (¬2). وكان الحكم أن تسكن المرأة في بيت زوجها (53 و) إن كانت من أهل المدر، وإن كانت من أهل الوبر (¬3) فأن تعتزل، وإن خرجت طائعة بطلت (¬4) النّفقة، فنسخت الوصيّة بالميراث، والعدّة ب {أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً} [البقرة:234]، أجمعوا أنّها منسوخة وإن اختلف في النّاسخ (¬5). (وصيّة): نصب على إضمار الأمر (¬6)، ورفع بالابتداء (¬7). و {مَتاعاً:} نصب بوقوع الوصيّة عليه، والمصدر ينصب كالفعل (¬8). {غَيْرَ إِخْراجٍ:} من غير، نصب بانتزاع الخافض عند الفرّاء (¬9)، وقيل: لا إخراجا (¬10). وقوله: {مِنْ مَعْرُوفٍ} تفسير ل (ما) في قوله: {فِي ما.} 241 - {وَلِلْمُطَلَّقاتِ:} خبر وليس بأمر، لكنّه مستحبّ عندنا لكلّ مطلّقة (¬11). 243 - {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا:} عارضة في أثناء أحكام (¬12) الشريعة، والذي أوجب إيرادها ههنا هو الأمر بالقتال بعدها ليكونوا أقدم على فريضة القتال بعد الاعتبار (¬13). (ألم تر): ألم تنته رؤيتك إليهم، كما تقول (¬14) للطّليعة: أما ترون؟ أما تبصرون إلى موضع كذا غبارا (¬15) أو كيفية. والمراد به رؤية القلب وهو العلم (¬16) كقوله: {وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} [سبأ:6]. ¬
وألف الاستفهام في مثل هذا الموضع لا تقتضي استعلاما ولا نفيا ولا إثباتا، ولكنّها للتّوقيف كقولك: ألم تسمع، أما سمعت، أما بلغك، إلا أنّها مع التّوقيف تقتضي إحداث تعجّب واستجهال في الحقيقة، وأمّا في المجاز فيجوز إطلاقه سواء تعجّبت (¬1) واستجهلت أم لم تتعجّب ولم تستجهل (¬2). والفعل رأى يرأى (¬3) إلا أنّ الهمزة حذفت استخفافا فأعطيت الرّاء حركتها (¬4). و {الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ:} جماعة من بني إسرائيل، روى السدّي عن أبي مالك: كانوا في قرية يقال لها: داوردان، تقرب (¬5) من واسط العراق (¬6). و (الألوف): "جمع ألف" (¬7)، وزعم ابن زيد أنّه جمع آلف، أي: مؤتلفة القلوب (¬8). وعن ابن عبّاس أنّهم كانوا أربعة آلاف (¬9)، وعن مقاتل ثمانية آلاف (¬10)، وعن عطاء سبعين ألفا (¬11)، وعن السدّي وأبي مالك ثلاثين ألفا (¬12)، وعن أبي روق عشرة آلاف (¬13)، وعن الضحّاك عددا [كثيرا] (¬14). {حَذَرَ الْمَوْتِ:} أي: الطّاعون (¬15)، وقال الحسن: حذر القتل في القتال (¬16). {مُوتُوا:} أمر تكوين وتصيير وإلجاء (¬17). {ثُمَّ أَحْياهُمْ:} ردّ إليهم الحياة الدّنياويّة بعد أن صاروا عظاما في قول السدّي وهلال بن يساف ومجاهد ووهب (¬18)، وبعد أن أروحت أجسادهم رائحة الموتى من قول الكلبيّ ومقاتل (¬19). ¬
قالوا: وكان الإحياء بدعوة حزقيل النبيّ عليه السّلام (¬1)، قال القتبيّ: هو حزقيل بن يوذا (¬2)، وقال مقاتل: إنّ (¬3) حزقيل هو ذو الكفل عليه السّلام (¬4). 244 - {وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ:} أمر لأمّة محمّد صلّى الله عليه وسلّم مرتّب على (¬5) الأمر بمحافظة الصلوات (¬6)، وقال مقاتل بن حيان: إنّه أمر لهؤلاء الموتى بعد الإحياء (¬7). 245 - {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ:} يعطي القرض (¬8). والقرض في الأصل هو القطع بالنّاب (¬9)، ثمّ استعير لما تقتطعه من مالك فتدفعه إلى أخيك لينفقه ويغرم مثله من غير عقد ولا تأجيل، ثمّ استعمل في تقديم الحسن والسيّئ (¬10) إذا اقتضت الجزاء، قال أميّة بن [أبي] (¬11) الصّلت: [من البسيط] لا تخلطنّ خبيثات بطيّبة … واخلع ثيابك منها وانج عريانا كلّ امرئ سوف يجزى قرضه حسنا (53 ظ) أو سيّئا ومدينا مثل ما دانا والمضاعفة والتّضعيف أن تزيد على الشيء مثله مرّة فصاعدا (¬12). {وَاللهُ يَقْبِضُ وَيَبْصُطُ:} أراد الأخذ بالقبول والدّفع بالجزاء (¬13). وعن أبي أمامة لمّا نزلت هذه الآية قال رجل من الأنصار: استقرض ربّنا وهو غنيّ، قال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (نعم أراد بذلك أن يدخلكم الجنّة)، فرجع الأنصاريّ (¬14) واستقبل أبا (¬15) الدّحداح عمرو بن الدّحداح الأنصاريّ فأخبره الخبر، فجاء أبو الدّحداح وقال: يا رسول الله إن أقرضت قرضا تضمن لي بالجنّة، قال: نعم، قال (¬16): وزوجتي، قال: نعم، قال (¬17): وصبيتي، قال: نعم، قال: فإنّي ¬
أشهدك يا رسول الله أنّي (¬1) جعلت حائطيّ قرضا لله سبحانه وتعالى، فقال رسول الله: يا أبا الدّحداح إنّا لم (¬2) نسألك كليهما فأمسك أحدهما معيشة لك ولعيالك، قال: إذا فخيرهما لله تعالى، ثمّ رجع حتى أتى أمّ الدّحداح وهي تحت النّخل مع صبيانها وأنشأ يقول: [من الرّجز] هداك ربّي سبيل الرّشاد … إلى سبيل الخير والسّداد تدني من الحائط بالوداد … وقد مضى قرضا إلى التّناد أقرضته الله على اعتماد … طوعا بلا (¬3) منّ ولا ارتداد إلاّ رجاء الضّعف في المعاد … فارتحلي بالنّفس والأولاد والبرّ لا شكّ فخير زاد … قدّمه المرء إلى المعاد قالت أمّ الدّحداح: أما إذا بعت من الله ورسوله فبيع ربيح لا يقال ولا يستقال، وأيم الله لولا ذلك لم تملك إلاّ حصّتك، فأنشأ يقول: [من الرّجز] بشّرك الله بخير وفلح … مثلك أجدى ما لديه ونصح إنّ لك الحظّ إذا الحظّ وضح … قد متّع (¬4) الله عيالي ومنح بالعجوة السّوداء والزّهر البلح … والعبد يسعى وله ما قد كدح طول اللّيالي وعليه ما اجترح ثمّ أقبلت أمّ الدّحداح (¬5) على صبيانها تخرج ما في أفواههم، وتنفض ما في أكمامهم حتى أتوا إلى الحائط الآخر، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (كم من عذق ردّاح وقصر فيّاح لأبي الدّحداح في الجنّة) (¬6). ¬
246 - {أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ:} إلى انتهاء الآية السادسة، في شأن أشمويل بن هلقا، ويروى هلقاثا، وفي شأن داود بن إيشا عليهما السّلام. والقصّة في ذلك أنّ بني إسرائيل مكثوا دهرا ما لهم ملك يقاتل، وقد استولى عليهم أعداء لهم يسكنون ساحل (¬1) بحر الرّوم بين مصر وفلسطين يقال لهم: البلشتاثا، ويروى: البلشتانا، ولهم ملك يدعى جالوت، فلقي بنو إسرائيل منهم بلاء (¬2) شديدا لما غلبوا على كثير من أرضهم، وسبوا كثيرا من أولادهم، وكان عهد الله فيما يروى إلى بني إسرائيل من بعد موسى ويوشع عليهما السّلام ألا يقاتلوا إلا من قاتلهم، فلمّا آل الأمر إلى ما ذكرنا نبغ في بني إسرائيل طاغية ودعاهم إلى أن يملّكوه ويبايعوه ليقودهم إلى القتال، فبايعوه على ذلك، ثمّ جاؤوا إلى (¬3) أشمويل بن هلقا (54 و) واسم أمّه حنّة، وكان يدعى ابن العجوز (¬4). ويروى عن السدّي أنّه كان يسمّى شمعون أيضا وهو بالعربيّة (¬5) سمعون، أي: سمع الله دعاء أمّه فيه واختاره للنّبوّة (¬6)، ويقال: هو المراد بإسماعيل المذكور في سورة الأنعام (¬7) بين إلياس واليسع، وكان من نسل هارون، وطلبوا منه ملكا يرجون (¬8) أن يشيرهم إلى ما بايعوه، فقال أشمويل: هل كدتم تمتنعون عن القتال إن وجب؟ قالوا: لا، فملّك عليهم بوحي من الله طالوت وهو رجل من سبط بنيامين (¬9)، وكان مسكينا راعي حمير، وكان خرج من قريته بطلب (¬10) حمارين له فنزل بأشمويل عليه السّلام، فأعلمهم أنّه ملكهم فأبوا أن يقبلوه؛ لأنّه لم يكن من سبط النّبوّة وهو سبط لاوي بن يعقوب، ولا من سبط الملك وهو سبط يهودا، ولم يكن له (¬11) مال أيضا، فأعلمهم أنّ الله فضّله عليهم (¬12) بالرّأي والمنظر والنّجدة، وهذه المعاني أسباب الملك دون الأصل (¬13). فلمّا كذّبوه أتى بمعجزة على دعواه وهي الإخبار عن التّابوت الذي كانت فيه السّكينة ¬
وبقيّة من تركة موسى وهارون عليهما السّلام، وذلك التّابوت إنّما كان (¬1) من شمشاد مقدار ثلاثة أذرع في ذراع، كانت بنو إسرائيل يقدّمونه (¬2) في الحروب ويجعلونه (¬3) أمام جندهم، فإذا صوّت وسار ساروا خلفه وإذا سكت وقفوا بوقفه (¬4). ثمّ استولى على ذلك التّابوت قوم من العمالقة فذهبوا به، فجعل الله في أعينهم الناسور (¬5)، فعلموا أنّ ذلك أصابهم لغصبهم التّابوت، فحملوه على عجل وشدّوه إلى ثورين وتركوا الثّورين في المفازة، فبعث الله ملائكة تسوق الثّورين إلى (¬6) ديار بني إسرائيل، وأخبرهم أشمويل عليه السّلام بمجيء ذلك التّابوت قبل أن يأتيهم (¬7) ذلك فصدّقوه وقبلوا طالوت عليه السّلام طوعا أو كرها (¬8). ثمّ إنّ طالوت سار بهم إلى العدوّ، فلمّا انتهى إلى نهر فلسطين أخبرهم بإلهام الله تعالى أو بتوقيف من جهة أشمويل عليه السّلام أنّ الله تعالى جعل ذلك النّهر محنة للمخلصين وغيرهم، {فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ} فوق غرفة جبن عن القتال ولم يكن من أصحاب طالوت، ومن اقتصر على مقدار غرفة أيّده الله تعالى وكان من (¬9) أصحابه، {فَشَرِبُوا مِنْهُ} وعصوا أمره إلا ثلاث مئة وثلاثة عشر رجلا من جملة ثمانين ألفا فإنّهم شربوا على مقدار غرفة فجعل الله لهم رواء وعبروا النّهر (¬10). و (¬11) {بَرَزُوا لِجالُوتَ وَجُنُودِهِ} واستنصروا الله (¬12)، ومدّ أشمويل بوحي من الله طالوت الملك بداود وهو إذ ذلك صبيّ، وله (¬13) ستّة إخوة مع طالوت كلّهم أكبر منه، ونادته في مسيرة ثلاثة أحجار كلّ واحد يقول: خذني يا داود فإنّي أصنع (¬14) بجالوت كذا وكذا، فجعلها في مخلاة له، فلمّا شهد الفئتين وجد جالوت بين الصّفّين عليه بيضة من نحاس فيها ¬
ثلاث مئة رطل وبقياسها الجوشن وسائر السلاح، ووجد (¬1) طالوت الملك يطوف على أصحابه ويحرّضهم (54 ظ) ويضمن لمن خرج نصف ملكه وتزويج ابنته، فقال داود: أنا أخرج إليه، فاستحقره، واستحقره النّاس أيضا، وقالت إخوته: إنّما يقول هذا القول من غرّته وصباه، ثمّ قال له طالوت: هل جرّبت نفسك؟ قال: نعم، قصد الأسد ذات يوم سائمة أبي فأخذت بفكّيه وشققته نصفين، قالت إخوته: إنّ هذا لمن غرّته أيضا حيث خاطر بنفسه للسّائمة (¬2)، قال داود عليه السّلام: كان ذلك أمانة منّي وشفقة على مالي، فدعا له طالوت بالبركة فإذا هو طويل عليه، فنزعه وبرز إلى جالوت وفي يده مقلاع، وملقاع لغة، قال جالوت: بم تقاتلني أيّها الصبيّ؟ قال: بمقلاعي هذا، قال: أبمثله (¬3) يقاتل الملوك؟ قال داود: وهل يرمى الكلب إلا بالحجر؟ ثمّ أدخل يده في مخلاته ليستخرج الحجر من تلك الثلاثة فإذا هي تراكمت فصارت (¬4) كتلة واحدة، فأخرجها وجعلها في ملقاعه (¬5) وأدارها من فوق رأسه ثمّ رمى بها جالوت، فلمّا انتهت إليه صارت ثلاثة كما كانت، فوقع أحد الثلاثة في رأسه والآخر في فؤاده والآخر في خاصرته (¬6)، فخرّ جالوت قتيلا، ونفذت الأحجار منه فقتلت أناسا كثيرا (¬7) من الكفّار، وانهزم الباقون (¬8). ثمّ إنّ طالوت ندم على ما ضمن من تزويج ابنته ونصف ملكه، وحسد داود عليه السّلام، وتوارى منه داود عليه السّلام، وافترقت بنو إسرائيل فرقتين، وطال القتال إلى أن صفا الأمر لداود عليه السّلام، وجمع له الملك والنّبوّة، وتاب طالوت بعد شرّ كثير واستشهد هو وبنوه في سبيل الله (¬9). وعن مقاتل (¬10) أنّ أصحاب جالوت (¬11) كانوا من بني إسرائيل أيضا إلا أنّهم كانوا كفّارا. وذكر ابن المقفع (¬12) أنّ جالوت كان من عشيرة (¬13) فرعون. وعن قتادة أنّ هذا النّبيّ هو يوشع ¬
بن نون (¬1)، ولا أدري كيف جمع بينهما (¬2)، يعني يوشع وداود من طول العهد (¬3). وقيل: إنّ الملائكة لم تسق (¬4) الثّورين وإنّما رفعته بين السماء والأرض (¬5). (الملأ): الوجوه والأشراف (¬6)، لا واحد له من لفظه، والأملاء (¬7) جمع الجمع. وقيل (¬8): الملأ: جماعة تمتلئ بها الأعين. وسمع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم رجلا (¬9) يقول يوم بدر: قتلنا عجائز صلعا، فقال صلّى الله عليه وسلّم: (أولئك ملأ من قريش لو حضرت فعالهم احتقرت فعالكم (¬10)). وإنّما حسن (¬11) دخول (هل) (¬12) على (عسى)؛ لأنّ (عسى) (¬13) تشبه الأفعال. {وَما:} للنّفي عند المبرّد، وقوله (¬14): {أَلاّ نُقاتِلَ} في تقدير الابتداء (¬15)، وقال غيره: (ما) للاستفهام (¬16). والعلّة في دخول (أن) اعتبار المعنى، والمعنى: ما يمنعنا أن نقاتل، وكذلك قوله: {وَما لَنا أَلاّ نَتَوَكَّلَ عَلَى اللهِ} [إبراهيم:12] (¬17). {أُخْرِجْنا:} أجلينا. {مِنْ دِيارِنا:} وأخرجنا من بين ظهراني أهالينا وذرّيّاتنا (¬18). ¬
وقيل: إنّما (¬1) خفض قوله: {وَأَبْنائِنا} على الإتباع، والتّقدير: وسبيت أبناؤنا (¬2). ويجوز الإعراب على الإتباع لقوله: {يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظّالِمِينَ} [الإنسان:31]، وقوله: {فَرِيقاً هَدى وَفَرِيقاً} (55 و) {حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ} [الأعراف:30]. 247 - {وَزادَهُ بَسْطَةً:} والبسطة والانبساط: التّوسّع (¬3)، وقيل (¬4): الزّيادة والفضل. {وَالْجِسْمِ:} الجوهر المؤلفة (¬5). 248 - {أَنْ يَأْتِيَكُمُ التّابُوتُ:} هو الصندوق، على وزن (فاعول) مثل: كانون، وجمعه: توابيت بلغة قريش، وبلغة الأنصار: التّابوه والتّوابيه (¬6). و (السّكينة) (¬7): فعل (¬8) في معنى الطمأنينة. والمراد بها ههنا ذات (¬9) السّكينة. واختلف فيها، قال عليّ: إنّها ريح هفافة لها وجه كوجه الإنسان (¬10)، وعن (¬11) مجاهد أنّها كانت من الزّبرجد وكان لها جناحان ورأس كرأس الهرّة (¬12)، وعن وهب بن منبه أنّها كانت روحا من الله يكلّمهم بالبيان (¬13)، وعن السدّي أنّها طست (¬14) من ذهب كان يغسل فيه قلوب الأنبياء عليهم السّلام (¬15). و (البقيّة): هي عصا موسى ورضراض الألواح عن ابن عبّاس وقتادة والسدّي (¬16)، والتوراة وشيء من ثياب موسى ومن كتب العلم عن الحسن (¬17)، وعمامة هارون وقفيز المنّ ¬
أيضا في بعض الرّوايات (¬1). والمراد بآل موسى وآل هارون أنفسهما (¬2). {إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ:} على زعمكم، وذلك لأنّهم كانوا قد كفروا بردّهم على نبيّهم (¬3). 249 - {فَلَمّا فَصَلَ طالُوتُ بِالْجُنُودِ:} خرج من البلد (¬4) كقوله: {وَلَمّا فَصَلَتِ الْعِيرُ} [يوسف:94] (¬5). و (الجنود) جمع الجند وهو الجيش (¬6). {فَمَنْ شَرِبَ:} "من مائة" (¬7). {وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ:} "لم يذقه" (¬8). والطعم يشمل المأكول والمشروب (¬9) جميعا. {إِلاّ مَنِ اِغْتَرَفَ:} الاستثناء (¬10) راجع إلى الشّاربين (¬11) خصّ نهيه به بعد العموم. و (الغرفة) من المائع كالقبضة من الفتيت والذرير (¬12). {فَشَرِبُوا مِنْهُ:} على الوجه المحظور (¬13). {جاوَزَهُ:} عبره (¬14). {طاقَةَ:} وسع، وهو الاستطاعة (¬15). {كَمْ مِنْ فِئَةٍ:} ما (¬16) أكثر من فئة، وإن كانت سؤالا عن كثرة الشيء وقلّته إذا نصب ما بعده، فإنّه يعبّر به عن الكثرة عند المبالغة إذا جرّ ما بعده، وكذلك (كأيّن) إلا أنّ (كم) أعمّ منه (¬17). ¬
و (الفئة): الفرقة، قال: {فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ} [النّساء:88]، وهو مأخوذ من قولك: فأوت رأسه، وفأيته، إذا شققته فانفرق (¬1). و (الغلبة): العزّ بفتح العين (¬2). 250 - {بَرَزُوا:} "خرجوا" (¬3)، قال: {لَبَرَزَ} [آل عمران:154]. والمبارز (¬4): الذي يخرج في وجه خارج غيره للقتال. {أَفْرِغْ عَلَيْنا:} أي: صبّه علينا صبّا يغمرنا كما يغمر الماء الإنسان (¬5). {وَثَبِّتْ أَقْدامَنا:} أي: شجّعنا فلا ننهزم (¬6)، وتثبيتك الشيء إقامتك إيّاه. و (الأقدام): جمع قدم (¬7)، وهي مقدّم الرّجل. 251 - {فَهَزَمُوهُمْ:} كسروهم، وأصل الهزم: الكسر، وسقاء منهزم، أي: منكسر بعضه على بعض (¬8). وتقول: هزمت البئر، والبئر الهزيمة: التي خسفت حتى فاض ماؤها، ومنه الحديث: (زمزم هزمة جبريل) (¬9)، أي: ضربها برجله. وقصب متهزّم: متكسّر (¬10). ثمّ كسر الجند: قهرهم وردّهم والنّيل منهم بالأسر والقتل. {مِمّا يَشاءُ:} والحال يدلّ عليه (¬11). {وَلَوْلا دَفْعُ اللهِ النّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ:} أي: ولولا دفع الله بعض (55 ظ) النّاس ببعض (¬12). {لَفَسَدَتِ:} خربت (¬13). ¬
ثمّ اختلف في كيفيّة الدّفع، قيل (¬1): يدفع الكفّار بالمؤمنين. وقيل (¬2): يدفع الرعاء (¬3) بالملوك. وقيل: يدفع (¬4) الله البلايا عن البعض ببركة (¬5) بعضهم كما روي في الحديث: (لولا رجال خشّع وصبيان رضّع وبهائم رتّع لصبّ عليكم العذاب صبّا) (¬6). 252 - {بِالْحَقِّ:} "بالصّدق" (¬7). والآية دليل على نبوّة نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم؛ لأنّ الوحي الظاهر لا يكون إلا إلى الأنبياء، فأخبر عن رسالته أيضا (¬8) لئلا يتوهّم سامع الآية نبوّة من غير رسالة. 253 - {تِلْكَ:} إشارة إلى المرسلين (¬9). {فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ:} أفاد العلم بتفاضل الرّسل عليهم السّلام بالخصال الشريفة بعد استوائهم في رتبة الرّسالة، كتفاضل المؤمنين فيها بعد استوائهم في (¬10) رتبة الإيمان. وتقدير {كَلَّمَ اللهُ:} "كلّمه الله" (¬11). والذين كلّمهم الله مثل (¬12) آدم وموسى ونبيّنا عليهم السّلام (¬13). و {دَرَجاتٍ:} نصب على التفسير كقوله: {وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجاتٍ} [الإسراء:21]، وقوله: {هَلْ نُنَبِّئُكُمْ (¬14)} بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً [الكهف:103]. و (الدّرجة) كالخطوة، يقال: جاء على أدراجه، وذهب على أدراجه، ودرج القوم إذا مضوا وانقرضوا، إلا أنّ أكثر استعمالها في المعاني ولذلك يسمّى الثنايا الغلاظ مدارج، وتدرّج فلان إذا ترقّى شيئا بعد شيء، فإذا الدّرجة المرقاة (¬15). والمراد ههنا الرّفعة بالشأن دون الجثث. ¬
ومن الذين رفعهم الله درجات آدم بسجود الملائكة وافتتاح النّبوّة وعلم الأسماء، وإدريس برفعته مكانا (¬1) عليّا، ونوح بالنّصرة العامّة ونشر ذرّيّته (¬2)، وإبراهيم بالبركة عليه وعلى آله وبأنّ له لسان صدق في الآخرين (¬3)، وموسى (¬4) بالكلام والكتاب وابتعاث (¬5) الأنبياء على شريعته، وعيسى بالآيات والرّفع (¬6)، ونبيّنا بالدّعوة العامّة والمعجزة الباقية وبنسخ الشرائع وختم النّبوّة وبالمعراج الأعلى والشّفاعة المدّخرة صلوات الله على جميع الأنبياء والمرسلين (¬7). {مَا اِقْتَتَلَ الَّذِينَ:} ما اختلف الذين وما اشتجروا (¬8)، يدلّ عليه قوله: {وَلكِنِ اِخْتَلَفُوا،} وإنّما عبّر عنه بذلك لأنّه قضيّته (¬9) وغايته. {وَلَوْ شاءَ اللهُ مَا اِقْتَتَلُوا:} دليل على أنّه لم يشأ اتّفاقهم وشاء اختلافهم (¬10). {وَلكِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ:} يدلّ أنّه شاء كينونة اختلافهم فخلقه فيهم تمكينا ومدّا على ما أراد من غير إجبار (¬11) ليميز الخبيث من الطّيّب بالحكمة. 254 - {لا بَيْعٌ فِيهِ:} لا دفع بالثّمن، كما أنّ الشّراء أخذ بالثّمن والبيع دفع به (¬12). {وَلا خُلَّةٌ:} صداقة، وهي مصدر الخليل (¬13). وعن الحسن أنّ المراد بالنّفقة الزّكاة (¬14)، وعن ابن جريج التّطوّع (¬15). وإنّما أمر بالمبادرة ليقدّموا خيرا فلا يخسروا يوما لا بيع فيه فيفتدوا، ولا خلّة فيه فينبسطوا في خير أخلاّئهم، ولا استبداد لأحد في الشّفاعة فشفعوه إلى أن يفدي الله تعالى من شاء من المؤمنين بمن شاء من الكافرين، ويزيل الأهوال عن أفئدة (56 و) المتّقين فيعودوا متحابّين متشفعين بإذنه (¬16). ¬
{وَالْكافِرُونَ هُمُ الظّالِمُونَ:} بترك المبادرة (¬1). 255 - عن أبيّ بن كعب أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم سأله: أيّ آية من كتاب الله تعالى أعظم؟ قال (¬2): قلت: الله ورسوله أعلم، قال: أبا المنذر أتدري أيّ آية من كتاب الله تعالى أعظم؟ [قال:] (¬3) قلت: {اللهُ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ،} قال: فضرب على صدري وقال: ليهنك العلم أبا المنذر، وهذا حديث صحيح أخرجه مسلم (¬4). واتّصالها بما قبلها من حيث سبق ذكر الفريقين والإنذار بيوم الدّين ليزيد ذكر الله تعالى خشوع قلوب قدّر لها الخشوع. واسم الله مبتدأ، و (لا إله إلا هو) خبره (¬5). و {الْحَيُّ:} ذو المشيئة والقدرة (¬6). و {الْقَيُّومُ:} الدّائم الفعل (¬7)، وقيل (¬8): الثّابت بنفسه، وقيل (¬9): القائم بالحوائج. وزنه: (فيعول) من القيام (¬10). و (القيّام) فيه لغة (¬11). و (السّنة): الوسن وهو النّعاس ومخامرة النّوم مع اليقظة (¬12). و (النّوم): السّبات وانقباض الرّوح من غير قطع وسبب مع بقاء القوى الحيوانيّة (¬13) في الجسد. وإنّما نفى النّوم بعد الوسن على طريقة قولهم: ما لفلان قليل ولا كثير، ونفي القليل ربّما أثبت الكثير كقولك: غير مرّة، وغير واحد، ولا يطيقه رجل ورجلان، فأكّد النّفي بهما، [كما] (¬14) قال زهير (¬15): [من البسيط] ¬
لا سنة في طوال الدّهر تأخذه … ولا ينام ولا في أمره فند {ما:} قائم مقام الأشياء، أي: له الأشياء التي في السموات والأرض (¬1) من غير عرض وجوهر. {مَنْ ذَا:} استفهام بمعنى النّفي (¬2)، كقوله: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} [مريم:65]، والاستثناء مخصّص للنّفي. وقوله: {يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ} يفيد إحاطة العلم بهم من أوّلهم إلى آخرهم (¬3). {بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ:} أي: بشيء من معلومه (¬4)، إذ الإحاطة بصفة الله من المحال، كما تقول: هذا الدّرهم ضرب الأمير (¬5). وفيه دليل على أنّ العقول قاصرة عن إدراك أقصى العالم وإن كان محدودا متناهيا في علم الله تعالى. و (الكرسيّ) مبنيّ على النّسبة كالدّرديّ والخرثيّ (¬6). والمراد به العلم عند بعضهم (¬7)، والعرش الرّفيع المستوى عليه عند بعضهم (¬8)، وكرسيّ دون العرش عند الآخرين (¬9). وسمّي الكرسيّ المعهود لاستقلاله بما يوضع عليه أو بمن يجلس عليه (¬10). {وَلا يَؤُدُهُ:} أي: لا يوقره ولا يكله ولا يعجزه (¬11). والكناية راجعة إلى الله تعالى عند بعضهم (¬12)، والكناية في {حِفْظُهُما} عائدة إلى الجنسين: السماء والأرض (¬13). ¬
{الْعَلِيُّ:} العالي عن مساواة غيره (¬1). {الْعَظِيمُ:} الممتنع بجلاله عن الإحاطة به (¬2). 256 - {لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ:} عن الحسن وقتادة والضّحّاك نزلت في أهل الكتاب والمجوس إذا بذلوا الجزية (¬3). وعن السدّي وابن زيد أنّها منسوخة بآيات القتال (¬4). وعن ابن عبّاس وسعيد بن جبير نزلت في أبناء الأنصار، كانت في الجاهليّة إذا لم يعش لأحدهم الولد دفع ما ولد له من ولد إلى اليهود (56 ظ) ليعيش تيمّنا بأهل (¬5) الكتاب، فنشأ كثير من أولادهم فيما بين اليهود متهوّدين، فلمّا جاء الله بالإسلام أرادوا أن يجبروا أولادهم على (¬6) الإسلام فنهاهم الله تعالى عن ذلك (¬7). وقيل: الإكراه إنّما يكون قبل الإعجاز وإقامة الحجّة، فأمّا الحمل على الحقّ بعد البيان فلا وإن كان بالسيف، كالمطالبة بالحقّ بعد شهادة الشّهود. والإكراه الحمل على غير المراد إلجاء واضطرارا (¬8). {قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ:} الإصابة والاستقامة، و (الغيّ) ضدّه (¬9). والرّشد والرّشد والرّشاد (¬10) بمعنى [واحد] (¬11). و (الطّاغوت): اسم لكلّ معبود دون الله تعالى، أو مطاع في معصية الله (¬12). وهو واحد يذكّر في لفظه، مشتقّ من الطّغيان، وقال أبو عليّ: هو مصدر يوضع موضع الجمع والواحد (¬13). والاستمساك والتّمسّك بمعنى اللّزوم وشدّة الأخذ (¬14). والعروة المتعلّق، يقال: عروة الجوالق، وعروة الكوز، وعروة الباب، قال الأزهريّ (¬15): ¬
وعروة الكلأ ما له أصل نابت كالشّيح والأرطى (¬1). وهذا مثل للمتمسّك بالمعرفة والتّوحيد بإذن الله (¬2). {لا اِنْفِصامَ:} انكسار وانصداع من غير أن يبين (¬3)، وفي الحديث: (درة بيضاء لا فصم فيها ولا قصم) (¬4)، ويروى: ولا وصم (¬5). 257 - {اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا:} أراد ولاية النص (¬6) ولذلك خصّ المؤمنين. {يُخْرِجُهُمْ:} بالتوفيق والتأييد دون الإلجاء (¬7) فلا يستحقّون ثوابا. وإنّما شبه الكفر بالظلمات لأنّه وإن كان ملّة واحدة فإنّ فيه اعتقادات مختلفة، وجعل النّور مثلا للإيمان لأنّه اعتقاد واحد (¬8). فأمّا ضلالات أهل البدع في الإيمان فليس بإيمان وإن لم يكفروا بها. {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ:} بالتّسويل (¬9) والغرور بعد خذلان الله ومشيئته العامّة التي هي علّة الأشياء كلّها. ومثل {النُّورِ} الفطرة، إذ كلّ مولود يولد على الفطرة (¬10). وقيل: المراد به بعض من الاعتقاد (¬11) الصواب. وقيل: إنّه الإيمان (¬12)، فتكون الآية خاصّة في المرتدّين. وقيل (¬13): إنّه العقل. 258 - {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ:} نزلت في شأن إبراهيم عليه السّلام ودعوته نمرود إلى الإسلام (¬14). والقصّة فيه أنّ نمرود، قيل: هو فريدون بن كنعان بن جم بن نوبجهان بن أرفخشد، علا في الأرض بعد الضحاك بن علوان بن عمليق بن عاد، واعتقد في النّجوم القدرة وتدبير الدنيا ¬
واتّخذ أصناما على أسمائها، ثمّ ادّعى (¬1) الرّبوبيّة لنفسه على أحد الأوجه الثلاثة: إمّا على وجه المخاريق والنيرنجات، وإمّا على وجه ما رزق من الغلبة والقهر واستعباد النار واحتواء الممالك، وإمّا على وجه رأي لنفسه في قضيّة أحكام المنجّمين من العلوّ في الأرض، والوجه الأوّل أظهر لوقاحته وارتكابه بقوله: {أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ} وكان قد اتفق له ظنّ بخروج (¬2) (57 و) إبراهيم عليه السّلام إمّا من جهة أخبار الأنبياء المتقدّمة، وإمّا من جهة الأراجيف والأوهام، وإمّا من جهة أحكام المنجّمين، فكاد يقطع (¬3) النّسل لذلك، وأبى الله إلا إتمام نوره، والقصّة طويلة (¬4). فلمّا بعثه الله إليه دعاه إلى ربّه تعالى فأنكر عليه وسأله: من ربّك؟ قال: {رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ،} فلبّس أمره نمرود على النّاس وقال: {أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ} ودعا رجلين من حبسه استوجبا القتل في حكمه فقتل أحدهما وأطلق الآخر وقال: أمتّ هذا وأحييت هذا ليوهم الناس أنّ إبراهيم كان يعنيه، أو ليوهمهم أنّ إبراهيم كان يجادله فانقطع بالمنع أو نحوه، فلمّا علم إبراهيم (¬5) ذلك منه جادله أيضا وتحدّاه إلى أن يأتي بالشمس من المغرب معارضة فبهت (¬6). وكان عجزه عن الفعل دلالة على كذبه، وعجزه عن الجواب معجزة لإبراهيم عليه السّلام حيث لم يقل: أنا الآتي بها من المشرق (¬7)، أو لا أسلّم أنّ ربّك الآتي بها من المشرق، أو أيّة دلالة على الرّبوبيّة في الإتيان بها من المشرق (¬8)؟ وإنّما جادله إبراهيم بهذه النّكتة الثانية ولم يجادله بحقيقة الإحياء والإماتة؛ لأنّ هذه الثانية كانت أقرب إلى أفهام المستمعين حولهما (¬9)، وقيل: جادله بالنّكتة الأولى وأظهر تمويهه (¬10) وأخذه بالمجاز وأقام الحجّة بتلك النّكتة ثمّ أتى بالنّكتة (¬11) الثانية بعد الاستفتاء (¬12) إلا أنّ الله أوجز القصّة (¬13)، والأصحّ أنّه لم يكن يجادل أوّلا وإنّما ذهب نمرود إلى الجدال. ¬
(ألم تر): يقتضي تعجّبا فكأنّه قيل: هل رأيت كمثله (¬1)؟ والهاء في قوله: {أَنْ آتاهُ} راجعة إلى نمرود (¬2). ويجوز تسليط الكافر ابتلاء (¬3)، كقوله: {بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ} [الإسراء:5]، وقوله: {وَلَوْ شاءَ اللهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ} [النّساء:90]. و (الشّمس): جسم منير جعله الله آية النّهار، وسيّره في فلك. واختلف في حرّها، قيل: شعاعها يوصل إلينا حرارة النّار من دون الفلك بإذن الله تعالى، وقيل: هي نار في الخلقة. واختلف في سيرها، والله أعلم بحقيقتها. و (البهت) كالدهش (¬4)، قال: {فَتَبْهَتُهُمْ} [الأنبياء:40]. {وَاللهُ لا يَهْدِي:} لا يوفّقهم للاهتداء ولا يرشدهم (¬5). والمراد به المقدّر عليهم أن يموتوا على الكفر. 259 - {أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ:} نزلت في عزير عليه السّلام (¬6)، وقيل (¬7): في أرميا النّبيّ عليه السّلام، وقيل (¬8): في الخضر عليه السّلام، وقيل (¬9): في كافر. والأصحّ أنّه عزير أو أرميا عليهما السّلام، وذلك في أيّام بختنصر والتجاء بعض بني إسرائيل إلى صاحب مصر وخراب إيليا، وذكر في قصّة أرميا أنّه توارى بمصر حيث تبعهم بختنصر واستردّهم من صاحب مصر، ثمّ اتّخذ (¬10) جنّتيه بمصر يتعيّش بهما فأوحى الله تعالى إليه ليحزبك هذا البلاء الذي قضيته على إيليا وأهلها وأنّه ليس زمان العمران ولكنّه زمن (¬11) الخراب، فاعمد إلى جنّتيك فاهدم جدرها وانتف بقلها (¬12) وغوّر نهرها والحق بإيليا فلتكن بلادك حتى يبلغ كتابي أجله، فخرج أرميا مذعورا وركب أتانا له معه سلّة فيها عنب وتين وقربة من ماء، فلمّا لحق (57 ظ) ¬
بأرض إيليا رفع له شخص بيت المقدس من بعيد ورأى خرابا عظيما فهاله (¬1) ذلك فخطر بباله {أَنّى يُحْيِي هذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِها} فتلفّظ به من غير إنكار، فابتلاه الله في الحال بما جعله معجزة له في ثاني الحال (¬2). وقوله: (أو كالذي) معطوف على معنى (ألم تر إلى الذي حاجّ)، وقد ذكرنا أنّ معناه: هل رأيت كمثله (¬3)؟ وقيل (¬4): معناه: أو الذي، على طريقة من يعبّر عن يقين بمثله. {خاوِيَةٌ:} خالية (¬5)، ويعبر به عن الزّوال والسّقوط (¬6). {عُرُوشِها:} والعرش: البناء من غير سقف أو (¬7) ظلّ. وكان ابن عمر إذا نظر إلى عروش مكّة قطع التّلبية (¬8). وإحياء القرية عمارتها (¬9). {كَمْ لَبِثْتَ:} أقمت بمكان أو على حال (¬10). وإنّما قال: {يَوْماً؛} لأنّه لم ير الشمس حين (¬11) انتبه، فلمّا حقّق النظر رأى بقيّة أثر الشمس فقال: {أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ} (¬12). وإنّما لم يشعر بمدّة لبثه لأحد معنيين: إمّا لأنّه لمّا غيّر عليه الحال أنساه الحالة الأولى، أعني: حالة الموت، وإمّا لأنّه لم ير في حال الموت شيئا كالنائم الذي لا يحتلم لم يدر مقدار نومه وإن رأى رؤيا استدلّ بها على طول نومه. و (المئة): اسم لعشر عشرات من العدد. وإنّما كتب بزيادة الألف (¬13) لئلا تشتبه ب (منه). و (العام): الحول (¬14). ¬
واختلف في قوله: {لَمْ يَتَسَنَّهْ،} قيل (¬1): هو التسني من السنين والسنوات والمساناة، وقيل (¬2): هو التسنه من المسانهة (¬3)، وقيل (¬4): هو التسنن من الحمأ المسنون. والحمار ما يتولّد بينه وبين الفرس البغل. فالله تعالى حبس الآفات عن طعامه وشرابه، ولم يحبس عن حماره ليشتبه عليه أمره (¬5) ولا يقدر على قياس، ثمّ تبيّن بتبيين الله تعالى. {وَلِنَجْعَلَكَ:} الواو لأحد معنيين: إمّا لكونه معطوفا على سبب مضمر قبله (¬6)، أو لتقديم مسبب بعده (¬7) كقوله: {وَلِتَصْغى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ} [الأنعام:113]. و (العظم): ما جاوز حدّ العصب صلابة من جسد الحيوان (¬8). و (اللّحم): ما جاوز العلقة انعقادا. 260 - {وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ أَرِنِي:} نزلت في إبراهيم. والقصّة فيه أنّ نمرود لمّا لبّس أمر الإحياء والإماتة على الناس أحبّ إبراهيم عليه السّلام أن (¬9) يصير ذلك من جهة الله تعالى محسوسا له بعد أن كان معقولا، والدليل على مزية العلم الضروريّ على غيره أنّك تقول فيما علمته بالإخبار: علمته حتى كأنّي شاهدته، ولا تقول فيما شاهدته: علمته حتى كأنّي عقلته (¬10). وقيل: إنّ نمرود توعّده إن لم يره ما ادّعاه لربّه تعالى من الإحياء والإماتة (¬11). وقيل: إنّ إبراهيم مرّ على جيفة فرأى السباع تصيب منها والطيور، وربّما ألقت الطير بعض (¬12) أجزائها في البحر فتلقمه (¬13) الحيتان، فخطر بباله من كيفيّة الإحياء بعد التّلاشي فسأل ربّه أن يريه كيف يحيي الموتى (¬14). والإراءة إحداث الرؤية في الرائي (¬15) وذلك لا يتعدّى إلى مفعول واحد، وربّما كان إظهار ¬
الموتى له فيتعدّى إلى مفعولين. (58 و) والمراد بقوله: {أَوَلَمْ تُؤْمِنْ} إثبات إيمانه، كما (¬1) قال حسان (¬2): [من الوافر] ألستم خير من ركب المطايا … وأندى العالمين بطون راح وكان هذا السؤال لإظهار شأنه للسامعين، وتزكية (¬3) عن الشكّ والإنكار، كسؤاله عيسى عليه السّلام: {أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنّاسِ} [المائدة:116] (¬4). {قالَ بَلى:} آمنت (¬5)، {وَلكِنْ} أريد هذه الرؤية {لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} ولا يخطر ببالي شيء من الشبهة (¬6). و (الاطمئنان) هو السّكون (¬7). {فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ:} قال محمّد بن كعب وعبد الله بن سلام: أخذ ديكا وحمامة وطاووسا وغرابا (¬8)، وعن ابن عبّاس بدل الطاووس بطّة (¬9). فقطّعهنّ وخلط بعض أجزائهنّ ببعض (¬10). {ثُمَّ اِجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً:} وأمسك الرؤوس (¬11). ففعل ذلك ثمّ ناداهنّ فامتازت أعضاء كلّ واحدة (¬12) منهنّ وائتلفت (¬13)، ثمّ أتينه سعيا، ثمّ دفع إلى كلّ شخص رأسه (¬14). (الصّور): القطع (¬15). و (الجبل): الطود، وهو واحد الأجبل (¬16). و (السعي): العدو والمشي (¬17). قيل: فائدة تخصيص الطير عموم الاعتبار؛ لأنّها تطير كالجنّ والهمج، وتمشي كالإنس (¬18) ¬
والبهائم والحشرات، وتبيض كالحيتان (¬1). 261 - {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ:} نزلت في الحثّ على النفقة من فرض ونفل (¬2). واتّصالها بقوله: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ} [البقرة:245]، وما بينهما من القصص عارض (¬3). وفي الآية مضاف مضمر تقديره: مثل نفقة (¬4)، أو {كَمَثَلِ} زارع (¬5) {حَبَّةٍ.} والحبّة ثمرة السّنبل، والسّنبلة من الزّرع كالعنقود من الكرم والنّخل (¬6). وفيها تشريف عدد السبع (¬7). قيل: الدخن ينبت {سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ (¬8)} وقيل: هذا شيء متصوّر وإن لم يوجد (¬9)، وذلك يكفي في التّمثيل كقوله (¬10): {كَباسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْماءِ لِيَبْلُغَ فاهُ} [الرّعد:14]. {وَاللهُ يُضاعِفُ:} يزيد على سبع مئة مثلها فصاعدا (¬11). 262 - {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ:} نزلت في عثمان بن عفّان وعبد الرحمن بن عوف (¬12). (الإتباع) (¬13): الإعقاب. (المنّ): تذكير النعمة واقتضاء (¬14) الشكر. وذلك لا يحقّ إلا لله تعالى؛ لأنّه هو المنعم على الحقيقة (¬15). ¬
و (الأذى): التكره والتندم على الصّدقة (¬1)، أو إلحاق المكروه بالفقير بتعييره (¬2). 263 - " {قَوْلٌ (¬3)} مَعْرُوفٌ: مبتدأ، {وَمَغْفِرَةٌ} عطف عليه" (¬4). {خَيْرٌ:} على التفضيل. و (الصّدقة): ما يتصدّق به من الخير والمعروف (¬5). {وَاللهُ غَنِيٌّ:} عن الصّدقات، {حَلِيمٌ:} لا يعجل بعقوبة المانّ بصدقته (¬6). 264 - {لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ:} إبطال الصّدقة إحباط ثوابها (¬7). ولا يحبط الخير شيء إلا المنّ لهذه الآية، والكفر لقوله تعالى: {وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ} [المائدة:5]، والرّياء لهذه (¬8) الآية، ولأنّه لا يقع لوجه الله. {كَالَّذِي:} يحتمل أن يكون تشبيها بمشار معروف من (¬9) المنافقين أو من اليهود والمشركين. ويحتمل أن يكون تشبيها لمن يوجد بهذه الصّفة. و (الرّئاء): مصدر كالمراآة (¬10). و (الصّفوان): الحجر الأملس (¬11). و (التّراب): أجزاء (¬12) الأرض. و (الوابل): المطر الشديد (¬13). و (الصّلد): الحجر الذي لا غبار له وهو يبرق (¬14)، ويقال للأرض التي لا تنبت: صلد (¬15). (58 ظ) ¬
265 - {وَتَثْبِيتاً:} تثبّتا (¬1)، والتّفعيل يجوز مكان التّفعّل عند زوال الاشتباه (¬2)، قال الله تعالى: {وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً} [المزّمّل:8]. وقيل (¬3): تثبيت النّيّة أو الثواب. والرّبوة والرّبوة والرّبوة والرباوة وهو ما ارتفع من الأرض عن مسيل الماء، وهي أبهى بقاع الأرض وأبهجها (¬4)، وفي حديث: (الفردوس ربوة الجنّة) (¬5). و (الأكل): الثّمار المأكولة (¬6). {وابِلٌ:} طش، وهو المطر (¬7). وإنّما قال ذلك لأنّ مثل هذه البقعة قلّما يخطئه (¬8) المطر من وابل أو طلّ (¬9). 266 - وقوله: {أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ،} الآية، مثل (¬10) كمثل الصّفوان، وفيه تحذير عن موجبه ونقيضه وهو المنّ والأذى (¬11). {نَخِيلٍ:} جمع نخل (¬12) واحدته نخلة. {وَأَعْنابٍ:} جمع عنب (¬13)، والعنب ما يسمّى يابسه زبيبا (¬14). وإنّما خصّهما لأنّهما أعمّ نفعا؛ لأنّه ينتفع به (¬15) حالة الرطوبة والجفاف والعصر تفكها واقتياتا وتداويا (¬16). {وَأَصابَهُ الْكِبَرُ:} "الشيخوخة" (¬17)، قال زكريّا عليه السّلام: {وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ} [آل عمران:40]. ¬
{ضُعَفاءُ:} جمع ضعيف كالفقراء والشّركاء (¬1). والمراد به النّسوان والولدان الذين لا يهتدون بحيلة ولا كسب (¬2). {فَأَصابَها:} عطف على قوله: {أَنْ تَكُونَ؛} لأنّه بمنزلة: لو كانت، يقال: وددت أن يكون كذا، ووددت أن لو كان كذا (¬3). (الإعصار) من النكباء (¬4). وفي المثل: إن كنت ريحا فقد لاقيت إعصارا، يضرب لمن يعتقد قدرة (¬5) في نفسه فيبتلى بمن فوقه (¬6). و (الاحتراق) افتعال (¬7) من الإحراق. والإحراق: إفساد النّار الشّيء (¬8). 267 - {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا:} فيها أمر بالنفقة فهو على الوجوب، ولذلك قلنا: العشر واجب من قليل (¬9) الخارج وكثيره، ولقوله صلّى الله عليه وسلّم: (فيما تسقيه (¬10) السماء العشر). و (التّيمّم) (¬11): القصد. و (الخبيث): ضدّ الطيّب، والمراد به الحرام (¬12). وقيل: هو الرديء من الجنس (¬13)، كالمهزول والمسنّ من السائمة، والسود من البيض، والدقل من الرّطب، والمتدود من الرطاب. {وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ:} من غرمائكم (¬14) {إِلاّ أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ،} أي: إلا على إغماض، أو بإغماض عن حقّكم مسامحة (¬15). ¬
{حَمِيدٌ:} محمود في صفاته (¬1)، وقيل: شكور مثن (¬2) على عباده بخير وفّقهم هو له فعملوه بإذنه (¬3). 268 - {الْفَقْرَ:} خلوّ اليد عن (¬4) المال. فالشيطان يخوّف المتصدّق به ويأمره بمنع الزكاة (¬5). وعن مقاتل كلّ فحشاء في القرآن فهي (¬6) بمعنى الزّنا إلا (¬7) هذه. 269 - {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ:} اتّصالها بما قبلها من حيث إنّ من أوتي الحكمة اعتقد وعد الله لا وعد الشيطان. 270 - وفي قوله: {وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ:} حثّ على الصدقة والعزم على الخير وإيجابه. و (النّذر): إيجاب خير في الذّمّة والتزام طاعة لم يكتبها الله (¬8)، وفي الحديث: قضى (¬9) عمر وعثمان في الملتاط (¬10) بنصف نذر الموضحة بفتح الذال، يعني الأرش، وهو عبارة عن الواجب أيضا. وفي فحوى قوله: يعلمه الله (¬11) القبول والإثابة (¬12). والهاء راجعة إلى (¬13) الظالمين الآخذين بوعد الشيطان الممسكين عن النفقة (¬14). (59 و) 271 - {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ (¬15)}: تظهروها (¬16)، ومنه البداء وهو ظهور الشّيء في الرّأي (¬17). ¬
"و (نعم): ضدّ (بئس) " (¬1). {تُخْفُوها:} تسرّوها (¬2). فما (¬3) يستحبّ إبداؤه من الصدقات هي الزكاة المفروضة وما تنفقون على سبيل (¬4) التعاون. وما يستحبّ إخفاؤه صدقة التطوّع (¬5). {فَهُوَ خَيْرٌ:} لأنّ ما يخفى لا يخالطه العجب والرّياء (¬6). ويحتمل الوصف من غير تفضيل (¬7). وتكفير السيّئة مغفرتها وتمحيصها (¬8). 272 - {لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ:} نزلت في من دفع الصّدقة المسنونة والمندوبة إليهم. والسبب في ذلك أنّ أسماء بنت عميس (¬9) امرأة أبي بكر (¬10) امتنعت عن الإنفاق على أقاربها من المشركين في عمرة القضاء إلى أن تستأذن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فنزلت (¬11). وقيل: إنّ (¬12) الأنصار أمسكوا عن الإنفاق على أقاربهم من الكفّار ليضطرّوهم إلى الإسلام فأنزل (¬13). ومعناه: لا تسأل عنهم لتؤخذ بضلالتهم (¬14). {وَما تُنْفِقُونَ} (¬15): خاص في المؤمنين المخلصين (¬16)، وقيل: هو خبر بمعنى النّهي (¬17). (التّوفية): التّكملة (¬18) والقضاء. ¬
273 - {لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ:} نزلت في المستحقّين الزكاة (¬1). وفيها إضمار وتقديره: صدقتكم المفروضة للفقراء، أو: ادفعوا إلى الفقراء (¬2). {أُحْصِرُوا:} شغلوا عن الكسب بما ألزموا من الهجرة والغزو وأنواع الصدقات (¬3). {ضَرْباً فِي الْأَرْضِ:} مشيا وتقلّبا (¬4). {يَحْسَبُهُمُ:} يظنّهم من لا يعلم حالهم (¬5) {أَغْنِياءَ} من سبب تعفّفهم عن السؤال والإلحاح (¬6). و {التَّعَفُّفِ:} التّصبّر (¬7)، وقال جرير (¬8): [من الطويل] وقائلة ما للفرزدق لا يرى … عن السّرّ يستغني ولا يتعفّف و (السّيما) (¬9): علامة الحال تبدو في الوجه (¬10)، كالضّيزى والشّعرى. و (الإلحاف): الإلحاح؛ لأنّ السائل إذا ألحّ فقد جعل سؤاله لازما للمسؤول شاملا إيّاه كاللّحاف (¬11). 274 - {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ:} نزلت في (¬12) عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه، كانت له أربعة (¬13) دراهم ليس له غيرها، فسأله سائل بالنّهار فأعطاه درهمين، وسأله سائل بالليل فأعطاه درهمين وخرج عن (¬14) ماله فأنزل الله ثناء عليه (¬15). وقيل (¬16): نزلت في علف دوابّ المجاهدين. ¬
275 - وقوله: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا:} الفضل في المداينات (¬1). وإنّما نزلت في (¬2) فضل الصدقات لأنّه في الأموال. و (الرّبا) في اللغة: عبارة عن الزّيادة والنماء (¬3)، وفي الشرع: عبارة عن عقد فاسد بصفات معهودة (¬4). والأصل فيه حديث أبي سعيد الخدري: (الذهب)، الخبر (¬5)، تلقّته الفقهاء بالقبول فدخل في حيّز التّواتر (¬6). وعلتها بقياس غيرها عليها التقدير مع الجنس؛ لأنّ التقدير تعلق به الحكم كالجنس (¬7). {لا يَقُومُونَ:} "يوم القيامة" (¬8). {يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ:} والخبط باليدين كالزبن (¬9) بالرّكبتين والرّمح بالرّجلين. والتّخبّط (¬10) كمثل، وفيه معنى الصرع (¬11). و {الْمَسِّ:} إلمام الجنّ، وهو الجنون (¬12). و {ذلِكَ:} إشارة إلى قيامهم (¬13). {قالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا:} قاسوا أنّ الزيادة في أخذ العقد بالإنساء كهي (59 ظ) في أوّل العقد، فردّ الله عليهم قياسهم وعاقبهم على ذلك وقال: {وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا} (¬14). ¬
{فَلَهُ ما سَلَفَ:} أي: ما سبق حالة الحظر (¬1). {وَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ:} إن شاء عفا عنه ما ارتكب من الشيء المكروه في العقول بغير إباحة في الشرع (¬2). والدليل على كراهته في العقل أنّه يؤدّي إلى قطع الرّحم والأخوّة (¬3)، ويذمّ فاعله ولا يحمد. 276 - {يَمْحَقُ اللهُ:} المحق: النّقص، يعني: ذهاب البركة، ومنه محاق القمر (¬4). {وَيُرْبِي:} يزيد {الصَّدَقاتِ} بالإثابة عليها (¬5)، جاء على التّجنيس (¬6) كقوله: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا} [النّساء:136]. وقوله: {كُلَّ كَفّارٍ أَثِيمٍ:} في العائد (¬7) على أكل الرّبا مستحلاّ له (¬8). 277 - {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا:} عارضة، وإنّما اقتضى الحثّ على دفع الصدقة وترك الرّبا بالتّرغيب في ثواب الطاعة (¬9). 278 - {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اِتَّقُوا اللهَ:} نزلت في عبّاس وعثمان وخالد قد أسلفوا وأمروا بتركه (¬10). والأظهر أنّها نزلت في مسعود وخبيب وعبد ياليل (¬11) وربيعة بن عمرو بن عمير الثّقفيّ، كانوا يداينون بني المغيرة بن عبد الله المخزوميّ وغيرهم من قريش، وكانوا قد أسلموا على أنّ كلّ ربا عليهم فهو موضوع وكلّ ربا لهم (¬12) فهو غير موضوع، وكان صلّى الله عليه وسلّم أمر بأن (¬13) يكتب لهم أنّ لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين، وكان فعله (¬14) هذا دفعا لهم وحسن نظر في شأنهم من غير خيانة ولا غدر (¬15). كما روي أنّ رجلا أسلم على أن لا يصلّي ¬
إلا صلاتين وقبل (¬1) صلّى الله عليه وسلّم إسلامه، فلمّا تمكّن الإسلام من قلبه دخل في الصلوات كلّها (¬2). وهؤلاء الثّقفيّون ظنّوا أنّه أجابهم إلى ملتمسهم، فلمّا حلّ الأجل طالبوا بني المغيرة، فاختصموا إلى عتاب بن أسيد، فكتب أسيد قصّتهم إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأنزل الله الآية، وبعثها النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إليهم، فأذعنوا لأمر الله وعلموا أنّ حكم المؤمنين (¬3) ذلك لا الذي توهّموه من قبل (¬4). و (البقاء) (¬5): ضدّ الفناء. 279 - و (الحرب) (¬6): ضدّ السّلم. و (رأس المال): أصله. {لا تَظْلِمُونَ:} بأخذ الرّبا، {وَلا تُظْلَمُونَ:} بمنع رأس المال (¬7). 280 - {وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ:} مديونا لكم (¬8). و (العسرة): ضيق المعيشة والحال (¬9)، والعسير (¬10) ضدّ اليسير. {وَأَنْ تَصَدَّقُوا:} أي: تصدّقكم بالإبراء {خَيْرٌ لَكُمْ} من النّظرة (¬11). 281 - {وَاِتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ:} روى الكلبيّ عن أبي صالح عن ابن عبّاس أنّها آخر آية نزل بها جبريل عليه السّلام (¬12)، وقال للنّبيّ (¬13) صلّى الله عليه وسلّم: ضعها في رأس المئتين وثمانين من سورة البقرة (¬14). ونزولها بمنى في حجّة الوداع، وعاش النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بعدها واحدا (¬15) وثمانين يوما (¬16)، وفي ¬
رواية واحدا (¬1) وعشرين يوما (¬2)، وعن ابن جريج تسعة أيّام (¬3)، وهذا يقتضي أن يكون نزولها بالمدينة بعد الرّجوع عن حجّة الوداع. يقال: وفيت (¬4) حقك، ووفيت حقك إليك. {ما كَسَبَتْ:} جزاء ما كسبت من عمل (¬5)، وقيل (¬6): ما كسبت من جزاء بعملها. 282 - {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ:} (التّداين): المداينة (¬7). وإنّما أكّد (بدين) (¬8) لئلا يوهم المجازاة (¬9)، وقيل (¬10): للتأكيد، كما تقول: تكلّمت بكلام. وإنّما قال: {إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى} (60 و) ليعلم أنّ الدّين إنّما يكون مؤجّلا، وأنّ جهالة (¬11) الأجل في البياعات نسيئة تفسدها (¬12)، وإنّما هو لفظ وتسمية لا شيء غيرها، قال ابن عبّاس: أشهد أنّ الله تعالى أباح السّلم المضمون إلى أجل معلوم وأنزل فيه أطول (¬13) آية من كتابه (¬14). {فَاكْتُبُوهُ:} ليكون الصك وثيقة للحقّ (¬15). وهو على النّدب (¬16)، ولهذا أبدل الرّهن منه وجوّز الائتمان بعدهما (¬17). ¬
{كاتِبٌ بِالْعَدْلِ:} لا ينقص من حقّ الدّائن ولا يزيد على المديون، فلذلك استحب تعديل الشروط (¬1). {وَلا يَأْبَ كاتِبٌ:} نهي عن النّدب والاستحباب يدلّ على أنّ الكاتب يجب (¬2) أن يكون عالما بالشروط، وقيل (¬3): شكرا لما علّمه الله. {وَلْيُمْلِلِ:} أي: ليملي (¬4)، كما يقال: تظنّنت وتظنّيت. و (الإملاء): إلقاء الكلمة على الكاتب، وأصله من الإمهال؛ لأنّه يلقي فيمهل ليكتب (¬5). {وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ:} ليكون ذلك (¬6) إقرارا منه. {وَلا يَبْخَسْ:} ينقص (¬7)، قال: {وَلا تَبْخَسُوا النّاسَ أَشْياءَهُمْ} [الأعراف:85]. و (السّفيه): الجاهل عند مجاهد (¬8)، لم يذكر صغرا ولا كبرا، وهو ينصرف إلى الصغر لذكر (¬9) الضّعيف بعده، وبه (¬10) قال السدّيّ (¬11). و (الضّعيف): ضعيف العقل من عته أو جنون (¬12)، وقيل (¬13): من لا يحسن العبارة. {أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ:} لا يقدر لعجمة أو خرس (¬14). {وَلِيُّهُ:} وليّ المديون، عن الضحّاك وابن زيد (¬15). {وَاِسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ:} الأحرار المسلمين (¬16)، كقوله: {وَأَنْكِحُوا الْأَيامى} ¬
{مِنْكُمْ} [النّور:32]. {فَإِنْ لَمْ يَكُونا:} فإن لم يكن الشهيدان {رَجُلَيْنِ (¬1)} فَرَجُلٌ وَاِمْرَأَتانِ شهودا {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ} ممّن تحمدونهم بالصّلاح والعفّة دون الفسّاق والمجّان (¬2). وفسق الديانة من أهل الدّين لا يبطل الشهادة كشهادة أهل (¬3) الكتاب بعضهم على بعض بخلاف فسق (¬4) المجون. والمراد بالضّلال (¬5): النّسيان. والتّذكير والإذكار: الذّكر (¬6)، وزعم ابن عيينة أنّه ما يضادّ (¬7) التأنيث، وفيه (¬8) نظر. {إِذا ما دُعُوا:} لإقامتها إلى الحاكم، عن قتادة والرّبيع (¬9). {وَلا تَسْئَمُوا:} لا تملّوا (¬10). {أَقْسَطُ:} "أعدل" (¬11). {وَأَقْوَمُ:} أبلغ في انتظام الشّهادة وتلخيصها عن الزّيادة والنّقصان، وصونها عن النّسيان (¬12). (التّجارة الحاضرة) (¬13): ما تكون يدا بيد. {تُدِيرُونَها:} صفة ثانية للتّجارة (¬14). والإدارة: التّعاطي (¬15). ¬
{وَلا يُضَارَّ:} إن كانت الرّاء المدغمة مفتوحة فمعناه: أن لا يشغل (¬1) الكاتب والشّهيد عن شغلهما (¬2)، وإن كانت الرّاء المدغمة (¬3) مضمومة فمعناه: أن لا يميلا فيضرّا بأحد المتعاقدين (¬4). 283 - {فَرِهانٌ:} ارتفع لتقدير [خبر محذوف] (¬5). وهو بدل عن الكتاب (¬6). وأجمعوا أنّ الرهن ما يأخذه الدّائن من ملك المديون بحقّ العقد، لا يجوز أن يكون الحرّ والمكاتب وأمّ الولد مرهونا، وكذلك قولنا في المدبر. واتّفقوا أنّ القبض شرط في الرهن، ولذلك لم يجز (¬7) رهن المشاع؛ لأنّه يؤدّي إلى زوال القبض بالمهايأة (¬8). 284 - {لِلّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ:} الآية منسوخة، عن ابن عبّاس وابن مسعود (60 ظ) وأبي هريرة وعطاء وسعيد بن جبير والحسن (¬9). وهذا يدلّ على جواز نسخ الوعيد على ما سبق من وجوه النّسخ. فإن قيل: هل كان يجوز قبل النّسخ تكليف ما لا يطاق؟ قلنا: هو على وجهين: تكليف ما لا يتوصّل (¬10) إليه إلا بطلب النّفس، وهو جائز عقلا وشرعا لجواز طلب الحقّ إذا كان وجوده مرجوّا من غير إلهام (¬11) النفس كقوله: {وَلَوْ أَنّا (¬12)} كَتَبْنا عَلَيْهِمْ أَنِ اُقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ، الآية [النّساء:66]، والآخر تكليف ما لا يتوصّل إليه بوجه ما، وهو جائز على وجه العقاب والعدوان دون التّعبّد (¬13)، قال الله تعالى: {سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً} [المدّثّر:17]، وقال صلّى الله عليه وسلّم: (من ¬
كذب في رؤياه كلّف يوم القيامة أن يعقد بين شعرتين (¬1) ولن يعقدهما أبدا) (¬2). وقيل (¬3): الآية عامّة خصّصها قوله: {لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَها} [البقرة:286]. ويحتمل أنّها عامّة في اللّفظ خاصّة في المعنى لدلالة الحال (¬4). ويحتمل أنّها فيما سبيله الاعتقاد دون العمل (¬5). ويحتمل أن تكون المحاسبة على وجه الإخبار (¬6) دون السؤال والجزاء. 285 - قيل: لمّا نزل قوله (¬7): {وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ} شقّ ذلك على المؤمنين، فشكوا [ذلك] (¬8) إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: قولوا: {سَمِعْنا وَأَطَعْنا،} فأثنى الله تعالى على نبيّه وعلى المؤمنين بذلك وخفّف عنهم (¬9). وعن سعيد بن جبير عن ابن عبّاس قال: بينا (¬10) جبريل قاعد عند النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم سمع نقيضا من فوقه، فرفع رأسه فقال: هذا باب من السماء فتح اليوم، لم يفتح قطّ إلا اليوم، ونزل (¬11) منه ملك، فقال: هذا ملك نزل إلى الأرض لم ينزل قطّ إلا اليوم، فسلّم على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقال (¬12): أبشر بنورين أوتيتهما لم يؤتهما نبيّ قبلك: فاتحة الكتاب وخواتيم البقرة، لم تقرأ (¬13) الحرف إلا أعطيته. فأمّا ابتداء نزول هذه (¬14) الآية فقيل: إنّه كان ليلة المعراج (¬15). وإنّما قال: {كُلٌّ آمَنَ؛} لأنّه ردّ إلى (¬16) اللّفظ، ولو ردّ إلى المعنى لقال: آمنوا (¬17)، وقد ¬
نزل القرآن بالطّريقتين جميعا، قال: {وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْداً} [مريم:95]، وقال (¬1): {وَكُلٌّ أَتَوْهُ (¬2)} داخِرِينَ [النّمل:87] (¬3). وإنّما لم يبن (¬4) (كلّ) إذا انقطع عن المضاف؛ لأنّ فيه معنى الإضافة وإن انقطع، بخلاف (قبل) و (بعد). {لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ:} أي: يقولون: لا نفرّق، ضد ما قالت الكفّار: {نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ} [النّساء:150] (¬5). {سَمِعْنا وَأَطَعْنا:} (السّمع): الإجابة (¬6). و (الإطاعة): إتيان الطاعة واستعمالها، وهي ضدّ المعصية. {غُفْرانَكَ:} نصب على سبيل السؤال والطلب (¬7) قريب من الإغراء. 286 - {لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً:} الآية، قيل: إنّ جبريل عليه السّلام قال للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: إنّ الله تعالى أثنى عليك وعلى أمّتك فسله حاجتك، فدعا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بهذه الدعوات (¬8)، فذكر الله إخبارا عنه وعن أصحابه ليكون ذلك ثناء عليهم أيضا. وعن عليّ قال: "خواتيم سورة البقرة من كنز تحت العرش" (¬9). {إِنْ نَسِينا:} النّسيان (¬10) ضدّ الذّكر (¬11). وكانت المؤاخذة عليه جائزة على ما سبق في تكليف ما لا يطاق، فأمّا من يعرض اليوم للنّسيان فيجوز أن يكون مؤاخذا أيضا (¬12). (61 و) و (الخطأ): ما يقع من غير قصد (¬13)، كتولّد القتل من الضّرب، وإصابة الإنسان برمي (¬14) ¬
الصّيد. {إِصْراً} (¬1): ثقلا (¬2)، كتحريم البقية، وقال صلّى الله عليه وسلّم: (رفع عن أمّتي الخطأ والنّسيان وما استكرهوا عليه) (¬3). {كَما حَمَلْتَهُ:} مثل ما (¬4) أوجبته على من قبلنا من تعليق التّوبة بالقتل، وقطع الجلد بإصابة النّجاسة (¬5). {وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ:} لا تكلّفنا ما يستحيل فعله منّا على وجه العذاب والعقاب، ولا ما يتلف أنفسنا علينا في فعله على وجه الشّرع (¬6). والتّحميل: التّكليف (¬7)، وفي المثل: النّفس عروف وما حمّلتها احتملت (¬8). {وَاُعْفُ:} امح ومحّص {عَنّا} ذنوبنا (¬9). {وَاِغْفِرْ لَنا:} ألبسنا العفو واستر قبائحنا (¬10). {وَاِرْحَمْنا:} أرد بنا الخير. وهذه الأدعية وغيرها عبادة وإظهار للحاجة. وتعرض القضايا المعلّقة (¬11) بالشروط دون أن يطالب الله بإحداث ما لم يشأه ولم يعلمه، إذ ذاك محال. {فَانْصُرْنا:} أعنّا على قهرهم وردّهم، ولا تكلنا في ذلك ولا غيره إلى أنفسنا، فإنّه لا حول ولا قوّة إلا بك (¬12). وعن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم مخبرا عن الله تعالى عند كلّ فصل من هذه الأدعية: فعلت واستجبت (¬13). والله أعلم. ... ¬
سورة آل عمران
سورة آل عمران مدنيّة (¬1)، وهي مئتا آية في غير عدد أهل الشام (¬2) بسم الله الرحمن الرّحيم عن أبي إسحق والرّبيع أنّ نيّفا وثمانين آية من أوّل هذه السّورة نزلت في وفد نجران (¬3). وقد مضى تفسير الحروف (¬4) المقطعة. 3 - {وَأَنْزَلَ التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ:} أصل التّوراة عند الكوفيّين: تورية (¬5) بوزن توصية، فلمّا أخرجوا اللّفظ من حيّز الأفعال إلى الأسماء نقلوا حركة عين الفعل إلى الفتحة فانقلبت الياء ألفا لتحرّكها وانفتاح ما قبلها (¬6). وهو معنى الإيراء؛ لأنّ الله تعالى أورى لموسى عليه السّلام نارا، وكان ذلك (¬7) سبب كتابه فسمّي كتابه بذلك. وقيل: سمّي لكونه (¬8) ضياء وهدى، قال الله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى وَهارُونَ الْفُرْقانَ وَضِياءً وَذِكْراً} [الأنبياء:48]. وقيل: إنّه من التّعريض؛ لأنّ التّعريض في التوراة كثير (¬9). وقيل: إنّه باللغة العبريّة: توروه (¬10)، وهو الأدب والمتأدّب. وعند البصريّين وزن التّوراة: وورية كقوصرة، قلبت الواو الأولى تاء كما في تولج (¬11)، مشتقّ من الإيراء (¬12). و (الإنجيل) إفعيل من النّجل، والنّجل عبارة عن الولادة والتولّد والتوليد، يقال: قبّح الله ناجليه، أي: والديه (¬13)، وإنّما سمّي كتاب عيسى بذلك لأنّ الحكمة تتولّد (¬14) منه. ¬
وقال الأصمعيّ: الإنجيل كلّ كتاب مسطور وافر السطور (¬1). وقيل: إنّ الله تعالى أعطى المسيح أربع كلمات، فأعطاها هو أربعة (¬2) نفر من الحواريّين: يوحنا ومتّى ومرقوش من جملة الاثني عشر، ولوقا من جملة السبعين، فاستخرج هؤلاء الأربعة من تلك الكلمات معانيها بإلهام من الله تعالى، وضمّنوها كتابا (61 ظ) وسمّوه الإنجيل؛ لأنّه كالمتولّد من تلك الكلمات الأربع. وعن (¬3) عبد الله بن سلام وأخيه عبيد الله عن الصابئين باليمن أنّ الإنجيل الصحيح عندهم أملاه (¬4) عليهم المسيح عليه السّلام، وأنّ هذه (¬5) الكتب الأربعة كتب التّلامذة اكتتبها لهم يهوديّ وحرّف الكلم عن مواضعه. 4 - {ذُو اِنْتِقامٍ:} الانتقام: المعاقبة، وهو افتعال من النقمة، والنقمة: العقوبة (¬6). 5 - {إِنَّ اللهَ لا يَخْفى:} لا ينكتم {عَلَيْهِ شَيْءٌ،} وضدّه الظّهور (¬7). وإنّما لم يقتصر على (شيء)؛ لأنّ ذكر السماء والأرض أبلغ في التّهديد وأوقع في النفس (¬8). 6 - {يُصَوِّرُكُمْ:} التّصوير: إحداث الصّورة، والصّورة شكل الأجسام حقيقة، ويعبّر بها عن كيفيّة كلّ متكيّف (¬9)، وأصلها من الإمالة (¬10). و {الْأَرْحامِ:} «جمع رحم» (¬11)، ككبد وأكباد وفخذ وأفخاذ. وهي موضع الحيض والحبل (¬12). {كَيْفَ يَشاءُ:} أي: كما يشاء من غير إلجاء أحد أو أمره إيّاه، إذ هو أعلى من أن يكون أمره تحت أمر ونهي وإباحة وحظر (¬13). ¬
وممّن صوّره في الرّحم عيسى عليه السّلام، والتّصوير يوجب التّخليق (¬1)، والتّخليق يحيل (¬2) ولادته. 7 - {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ:} قال الربيع بن أنس: نزلت في وفد نجران حيث قالوا للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: أليس عيسى روح الله وكلمته؟ قال (¬3): نعم، قالوا: حسبنا هذا، كأنّهم ذهبوا إلى [أنّ] (¬4) روح الله وكلمته هو ما قدّروه نفسا لا هوتيّة وتوهّموها (¬5) فعبدوها، فأنزل الله الآية (¬6). وهي في المتشابه، والمحكم قوله: {قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ} [آل عمران:64]. وقيل: نزلت في اليهود حيث أوّلوا الحروف المقطّعة على مدّة بقاء (¬7) هذه الأمّة من طريق حساب الجمل (¬8). وهي أصل (¬9) يرد إليه كلّ من أوّل (¬10) متشابها لابتغاء فتنة من البدعة والضّلالة (¬11)، عن عائشة قالت (¬12): سئل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن هذه الآية فقال (¬13): (إذا رأيتم الذين يتبعون (¬14) ما تشابه منه فأولئك الذين سمّاهم الله فاحذروهم) (¬15). وسئل محمّد بن إسحق بن خزيمة عن الكلام في الأسماء (¬16) والصفات فقال: بدعة ابتدعوها، ولم يكن أئمّة المسلمين من الصحابة والتابعين وأئمّة الدّين يتكلّمون في تلك، وكانوا ينهون عن ذلك، ويدلّون أصحابهم على الكتاب والسّنّة. و (المحكم): ما أحكم وجهه بتشديد اللفظ وتلخيصه، فلم يترك للمتأوّل (¬17) فيه متعلق. ¬
وإنّما قال: {هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ،} ولم يقل: أمّهات الكتاب؛ لأنّه اعتبر المعنى وهو الأصل، فجعل الآيات شيئا واحدا ثمّ وحّد، وقريب منه قوله: {وَجَعَلْنَا اِبْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً} [المؤمنون:50] (¬1). {وَأُخَرُ:} جمع (¬2) أخرى. وإنّما [لم] (¬3) يصرف للتأنيث والعدل عند البصريّين (¬4)، وقال الكسائي: لأنّه صفة كالاسم مثل: عمر (¬5). {زَيْغٌ:} «ميل عن الحقّ» (¬6)، قال الله تعالى: {فَلَمّا زاغُوا أَزاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ} [الصّفّ:5]، وقال: {وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنا} [سبأ:12]. {فَيَتَّبِعُونَ:} يتتبّعون. و (التّأويل) (¬7): ردّ أحد المحتملين إلى ما يطابق الظّاهر، وقيل: هو تبيين ما يؤدّي إليه فحوى الخطاب على وجه الاستخراج (¬8). (62 و) {وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللهُ:} أي: مآله ومصيره وما يؤدّي إليه (¬9). وههنا وقف تامّ (¬10). وفي قراءة أبيّ (¬11): (ويقول الرّاسخون)، وكذلك روى طاووس عن ابن عبّاس (¬12)، وفي مصحف عبد الله: (إن تأويله إلا عند الله) ثمّ استأنف: (والرّاسخون) (¬13). وقال أبو حاتم: (والراسخون) في تقدير: وأمّا الراسخون (¬14)، وإلى هذا ذهب في مسألة القدر والصفات عليّ وعائشة وأمّ سلمة وغيرهم. وإحدى فوائد نزول (¬15) المتشابه الابتلاء. فإن قيل: هل كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يعلم تأويل هذا النوع ¬
من المتشابه؟ قلنا: يجوز أن يعلم بالتّوقيف لا من جهة نفسه كما علم أشياء من الغيب، فإن قيل: هل يجب الإيمان بغير المعلوم؟ قلنا: نعم للإعجاز الحاصل بالنّظم المعلوم ووقوع بأن معناه موافق للمحكم المعلوم وفي معناه. {وَالرّاسِخُونَ فِي (¬1)} الْعِلْمِ: الرّسوخ: الغاية في الثّبوت (¬2)، وفي الحديث: (الإيمان راسخ في القلب مثل الجبال الرّواسي (¬3)). 8 - {رَبَّنا:} محمول على {آمَنّا} (¬4)، أي: {يَقُولُونَ آمَنّا} ويقولون: {رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا} (¬5)، أي: لا تخذلنا ولا تمسك عنّا توفيقك فتزيغ قلوبنا (¬6)، وقيل: لا تعاقبنا على ذنوبنا على إزاغة قلوبنا (¬7)، وقيل: لا تكلّفنا البحث عن المتشابه فتفترق بنا الأهواء (¬8). {وَهَبْ لَنا:} أي: أعطنا (¬9). وإنّما عبّر عن الإعطاء بالهبة لأنّه تمليك بغير بدل (¬10). {مِنْ لَدُنْكَ:} «من عندك» (¬11). وكلّ ما هو في الغيب أو كان شأنه موقوفا على حكم الله تعالى يقال: هو عند الله؛ لأنّه لا سبيل لغيره إليه بوجه ما. {رَحْمَةً:} «نعمة» (¬12)، وهي الهدى أو العافية أو الجنّة دون اتصاف الرحمن برحمته (¬13). 9 - {لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ:} لشأن يوم (¬14)، أو إلى يوم (¬15)، ويحتمل أنّ اللام هي التي تدخل في التواريخ. و (الجمع): ضمّ أحد المفردين إلى الآخر (¬16). ¬
{لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ:} أي: هو غير متصرف بما يقتضي نقضا أو ذمّا (¬1). و (الميعاد): وقت الوعد. 10 - {مِنَ اللهِ:} من (¬2) عذاب الله وعقابه (¬3). 11 - {كَدَأْبِ:} الكاف بما بعد (¬4) خبر مبتدأ تقديره: دأبهم (¬5) كدأب. ويحتمل أنّ الذين كفروا كدأب آل فرعون، أي: كفرهم (¬6). و (الدّأب): الشّأن المعتاد (¬7). 12 - {سَتُغْلَبُونَ} (¬8): الغلبة: القهر والاستيلاء والاستعلاء (¬9). 13 - {قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ:} الآية: العلامة والعبرة (¬10). {وَأُخْرى} (¬11): رفع على سبيل الابتداء، كأنّك قلت: إحداهما (¬12)، قال الشاعر (¬13): [من الطويل] إذا متّ كان النّاس نصفين شامت … وآخر مثن بالذي كنت أصنع {مِثْلَيْهِمْ:} مثل الشيء ما لا يميّز بينه وبينه على وجه المشابهة والمجانسة، أو على الإحالة (¬14)، فإن كان على سبيل المجانسة فهو غيره؛ لأنّه يتميّز عنه بالمكان أو ببعض الصفات، وإذا كان على طريق الإحالة (¬15) فمثل الشيء نفسه؛ لأنّ التمييز بين الشيء ونفسه محال. والمراد ههنا الكمّيّة والعدد دون الطول والعرض وغيرهما، فإن كان المراد به القلّة فهو صرف رؤيتهم عن المجموع، وإن كان المراد به الكثرة فهو على سبيل اللبس والتّخييل، وتقديره: يرونهم ¬
حينئذ كأنّهم مثلاهم، لاستحالة أن يزيد الشيء على كمّيّته (62 ظ) فيكون واحد اثنين في حالة واحدة. ووقوع الخلاف في المشاهدة مع عدم الحيل البشريّة والأغراض الفاسدة المعهودة من الآل (¬1) ونحوه لا يكون إلا من فعل الله تعالى، فإذا ظهر ذلك لنبيّ من الأنبياء كان ذلك إعجازا. وإنّما قال: {رَأْيَ الْعَيْنِ} للتأكيد (¬2). قال الفرّاء (¬3): مثل الشيء اثنان؛ لأنّ مثل الشيء (¬4) ضعفه، وضعفه كمّيّته مرّتين، وضعفاه هو ومثله (¬5) مرّتين. و (التّأييد) (¬6): الإعانة والمعونة. و (ذلك): إشارة إلى الأمر والشأن (¬7). و (العبرة): فعل المعتبر، كالقعدة والجلسة، والاعتبار: اتّخاذ المذهب والمعبر (¬8) للنفس إلى مقصود يتوصّل إليه بالعقل (¬9). 14 - {حُبُّ الشَّهَواتِ:} على أحد معنيين: حبّ المشتهيات (¬10)، أو الحبّ الشّهويّ فأضافه إلى أصله (¬11)، كقوله: {مِنْ بَهِيمَةِ} [الحجّ:28]. والشّهوة: «توقان النّفس» (¬12). {وَالْقَناطِيرِ:} جمع قنطار (¬13). والقنطار مجموع كثير من المال أقلّه ما قال السدّي إنّه رطل من ذهب أو فضّة، وأكثره (¬14) ما ذكره أبو عبيدة من قول العرب: إنّه وزن شيء لا يجدونه، وفيما بين القولين أقوال (¬15). ¬
{الْمُقَنْطَرَةِ:} المكمّلة (¬1)، كقولهم: ألف مؤلّف، وبدرة مبدّرة (¬2). وقيل (¬3): معناه: المضعفة، فأقلّ ما يفيد اللّفظ تسعة قناطير. و {الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ:} منطبعان من الجوهر جعلهما الله تعالى ثمنين للأشياء، فالذّهب أصفر إلى الحمرة، والفضّة أبيض (¬4). {وَالْخَيْلِ:} اسم جنس للفرس (¬5) والبرذون والحصان والرّمكة (¬6). وهو معطوف على (القناطير) دون الذّهب والفضّة (¬7). و {الْمُسَوَّمَةِ:} الراعية (¬8)، عن ابن عبّاس والحسن وسعيد بن جبير والربيع (¬9)، يقول: أسمتها وسوّمتها فهي سائمة، قال الله تعالى: {شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ} [النّحل:10] (¬10). وعن ابن عبّاس أنّها المعلّمة من السيماء، قال الله تعالى: {يُعْرَفُ (¬11)} الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ [الرّحمن: 41] (¬12). {وَالْأَنْعامِ:} «جمع نعم» (¬13)، والنعم: الماشية من الإبل والبقر والغنم، لا واحد له (¬14) من لفظه. و {الْمَآبِ:} «المرجع» (¬15)، قال عبيد بن الأبرص (¬16): [من مخلّع البسيط] فكلّ (¬17) … ذي غيبة يؤوب وغائب الموت لا يؤوب ¬
15 - {قُلْ أَأُنَبِّئُكُمْ:} طلب الإصغاء من المستمعين، وليس باستئذان، وكذلك قوله: {هَلْ أُنَبِّئُكُمْ} [المائدة:60]، {أَفَأُنَبِّئُكُمْ} [الحجّ:72]. {جَنّاتٌ:} رفع على الابتداء عند البصريّين (¬1)، وعلى أنّه خبر اللام عند الكوفيّين (¬2). وأجاز البصريّون: (جنّات) على الجرّ بدلا عن لفظة {بِخَيْرٍ} (¬3)، وعلى النّصب بدلا من (خير) (¬4) محمولا على محلّه دون لفظه (¬5)، ولم يجز الفرّاء لمكان (¬6) الفاصل. وإنّما كان المعاد خيرا (¬7) من المعاد لمعان (¬8) أحدها: الأمن من زوال النّعمة (¬9). 17 - {بِالْأَسْحارِ:} جمع سحر، كأسفار وسفر، والسّحر (¬10) أوان انفلاق الصّبح (¬11). وإنّما خصّ ذلك الوقت بالدّعاء؛ لأنّ اليقظة في ذلك الوقت أحمز (¬12) على النفس، وأخلص لوجه الله تعالى، ولأنّ القائمين بالليل يفرغون عن الصّلاة تلك الساعة، فيشغلون بالدّعاء والاستغفار كما أخبر الله تعالى: {كانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ (17) وَبِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} (18) [الذّاريات:17 - 18] (¬13). 18 - {قائِماً:} نصب على القطع، وتقديره: شهد الله (63 و) القائم بالقسط (¬14). وقيامه بالقسط (¬15) إقامة القسط في العالم بين العقلاء، كما يقال: فلان قائم بالحوائج. ويحتمل أن يكون القسط صفة من اسمه المقسط، فيكون عبارة عن قيامه مقسطا (¬16)، وثبوته ¬
عادلا من غير كيفيّة وحال، كما يقال: فلان قائم بالخلافة أو الإمارة (¬1). 19 - {الدِّينَ:} الحكم، ولذلك [يقال] (¬2) للحاكم: الدّيّان، وفي حديث بعض التابعين: كان عليّ ديّان هذه الأمّة، قال الأعشى (¬3) للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: [من الرّجز] يا مالك الملك وديّان العرب والدّين: الطاعة من قولهم: دان فلان لفلان (¬4)، وقيل (¬5): العادة والسّنّة، قال الشاعر: (¬6) [من الوافر] تقول إذا درأت لها وضيني … أهذا دينه أبدا وديني و {الْإِسْلامُ:} الانقياد لله تعالى في الناسخ من أحكامه والمنسوخ، وفيما قدّر من خير وشرّ وحلو ومرّ، وترك المنازعة والابتداع (¬7). وقد علم أهل الكتاب هذا ثمّ أبوا قبول الناسخ، وابتدعوا في الدّين. {فَإِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ:} تهديد لمن كفر بآياته (¬8). 20 - {وَمَنِ اِتَّبَعَنِ:} عطف على الضمير في {أَسْلَمْتُ} (¬9). وإنّما كان قوله: (أسلمت) جوابا لهم من أوجه أربعة: أحدها: أنّهم حاجّوه في عبادة المسيح فقال: بل أسلم وجهي لمن استوجب العقول عبادته ضرورة، ولا أعبد غيره اشتهاء ومنية. والثاني: أنّهم أقرّوا بوجوب عبادة الله فسلّموا له دعواه (¬10)، ثمّ ادّعوا عبادة آخر معه، فأجابهم بأنّه أخذ المجموع دون المختلف فيه (¬11). ¬
والثالث: أنهم [رأوا] (¬1) الحق في لزوم سير (¬2) معهودة بعضها منسوخ وبعضها (¬3) بدعة، فقال صلّى الله عليه وسلّم: بل الحق في الانقياد لله فيما يمحو ويثبت. والرّابع: أنّه أعرض عن جدالهم، وأخبر بما يقطع جدالهم (¬4)، كقول موسى عليه السّلام حيث قال فرعون: {إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ (27) قالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَما بَيْنَهُما إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ} (28) [الشّعراء:27 - 28]. {أَأَسْلَمْتُمْ:} بمعنى (¬5) الأمر، كقوله (¬6): {فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [هود:14]، و {هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ} [الصّافّات:54] (¬7). و {الْبَلاغُ:} اسم من التّبليغ، كالعذاب والتّعذيب، والكلام من التّكليم. وتبليغ الرّسالة: أداؤها وإيصالها (¬8). وفي قوله: {فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ} تمهيد لعذر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بعد البلاغ (¬9). وفي قوله: {وَاللهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ} معنى التّهديد (¬10). 21 - {وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ:} عن أبي عبيدة بن الجرّاح أنّ بني إسرائيل قتلوا من أوّل النّهار في ساعة واحدة ثلاثة وأربعين نبيّا، فقام إليهم مئة رجل من الصّالحين ينهونهم فقتلوهم أيضا (¬11). وقد قتلوا زكريّا ويحيى عليهما السّلام، وسعوا في قتل المسيح عليه السّلام أبلغ سعي، وسمّوا نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم. والفاء في قوله (¬12): {فَبَشِّرْهُمْ} على الجزاء لتضمّن الاسم الموصول نوعا من الشّرط (¬13). ¬
22 - حبوط عملهم (¬1) في الدنيا أنّه لم يفد ثناء حسنا، وحبوطه في الآخرة بطلان الثّواب (¬2). {ناصِرِينَ:} من عذاب الله تعالى (¬3). وإنّما جمع {(ناصِرِينَ)} لنظم الآي (¬4). 23 - {أَلَمْ تَرَ:} استفهام يقتضي ذمّ المستفهم عنه (63 ظ) كما تقول: ألم تر إلى خبث فلان؟ {نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ:} ما بقي من التّوراة مصونا عن التّحريف والتّبديل بتغيير اللفظ أو التّأويل. {إِلى كِتابِ اللهِ:} جميع (¬5) التّوراة، وقيل (¬6): هو القرآن المعجز. {لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ:} بإسلام إبراهيم، ونعت نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم، وآية الرّجم، وسائر ما خوطبوا به من أمر الدّين (¬7). وإنّما أكّد التّولّي بالإعراض (¬8) لأنّ من المؤتمرين من يتولّى عن الأمر وينصرف (¬9) من عنده مقبلا على الطاعة، فنفى هذا الإيهام (¬10). 24 - {ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا:} تعليل (¬11) لجرأتهم بقولهم الذي اختلفوا فيه ثمّ اعتقدوه (¬12). {وَغَرَّهُمْ:} خدعهم (¬13). و (ما) (¬14): في محلّ الرّفع لإسناد الغرور إليه مجازا. 25 - {فَكَيْفَ:} في هذا الموضع لتفخيم الأمر وتهويله (¬15). والمستفهم عنه مضمر ¬
تقديره: كيف يصنعون؟ أو كيف يحتالون؟ أو كيف يعتذرون (¬1)؟ 26 - {قُلِ اللهُمَّ:} قيل: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أخبر أصحابه يوم الخندق بفتح فارس وملك الرّوم، فقال بعض المنافقين: هذا الرجل ليس يأمن في بيته حتى صار يخندق على نفسه ثمّ يطمع في ملك الملوك، فأنزل الله الآية ثناء فيه معنى الدّعاء والسّؤال. و (اللهمّ) في الأصل: يا الله، فعلّق بآخره الميمان بدلا عن حروف النّداء عند البصريّين (¬2). وقال الفرّاء (¬3): أرى أنّ الميم في آخره بقيّة كلام، وتقديره: يا الله أمّ بالخير، أي: اقصد، مثل: هلمّ إلينا. وقيل: ميم جمع ألحقت بالاسم، وذلك جمع الخلق، واللهمّ على هذا: إله الخلق وإله العباد، زيدت ميم أخرى للتأكيد، أو زيادة كما زيدت في عبشم ونحوه. وعن الحسن أنّ اللهمّ مجمع الدّعاء (¬4). وعن أبي رجاء العطارديّ: في هذا جماعة سبعين اسما من أسماء الله تعالى (¬5). وعن النّضر بن شميل: من دعا بهذا الاسم فقد دعا الله بجميع أسمائه (¬6). {مالِكَ الْمُلْكِ:} الذي تكون له المملكة وملك اليمين (¬7). {تُؤْتِي الْمُلْكَ:} أي: البسطة والسّلطان (¬8). {وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ:} تجذبه وتسلبه (¬9). {وَتُعِزُّ:} تجعله عزيزا من أيّ وجه كان، دنياويّا كان أو عقباويّا (¬10). {وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ:} تجعله ذليلا من أيّ وجه كان (¬11). {بِيَدِكَ الْخَيْرُ:} أي: تحت يدك وسلطانك وتصرّفك وإحداثك (¬12). وإنّما خصّ الخير دون الشّرّ لمعنيين: أحدهما: أنّ الله يوصف بأنّه ربّ محمّد وربّ إبراهيم، ولا يحسن أن يوصف بربّ الكلب والخنزير إلا عند العموم. والثاني: أنّ كلّ فعل لا يقع منه إلا حميدا فيه ¬
نوع مصلحة عاجلا أو آجلا، والذّمّ ينصرف إلى المكتسبين للأفعال (¬1). 27 - {تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ:} الإيلاج: الإدخال (¬2)، فالله (¬3) تعالى يدخل بعض ساعات الليل في النهار إذا قدر طلوع الشمس بالصيف في البروج الشّماليّة، ويدخل بعض ساعات النهار في الليل إذا قدر طلوع الشمس بالشّتاء في البروج الجنوبيّة، ويجعل كلّ النهار ليلا وكلّ الليل نهارا (¬4) بتفاوت الحساب بين السّنة القمريّة والسّنة الشمسيّة. (64 و) {وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ:} الجماد، كالطّير من البيض، والنّفس من النّطفة، والدّود من الأنداء، والعاقل من السّفيه، والمؤمن الوليّ من الكافر العدوّ. ويخرج الجماد من الحيّ كالشّعر والنّطفة والبيض (¬5) من الحيوان، والسّفيه من العاقل، والكافر العدوّ (¬6) من المؤمن الوليّ. 28 - {لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ:} نهي على (¬7) المغايبة فلا يكن. {مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ:} أي: مع موالاة المؤمنين، إلا أنّه يقتضي نوع خفاء وامتياز، كقوله: {وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ اِمْرَأَتَيْنِ تَذُودانِ} [القصص:23]، وقوله: {حَتّى إِذا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِما قَوْماً} [الكهف:93]. و {ذلِكَ:} إشارة إلى اتّخاذ الأولياء (¬8). {فَلَيْسَ مِنَ اللهِ:} «من دين الله» (¬9)، كقوله: {لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ} [المجادلة:22]، ويحتمل: ليس من رحمة الله وإثابته في شيء (¬10). ثمّ استثنى (¬11) من أظهر موالاتهم خوفا على نفسه، كقوله: {إِلاّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ} ¬
{بِالْإِيمانِ} [النّحل:106]، روي أنّ قريشا (¬1) كلّفوا عمّارا وأصحابه على شتم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ففعل عمّار وأصحابه، ثمّ أخبروا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فصوّبهم جميعا. وأخذ مسيلمة الكذّاب رجلين من المسلمين فقال لأحدهما: أتشهد أنّ محمّدا رسول الله؟ قال: نعم، قال: أتشهد أنّي رسول الله؟ قال: نعم، فخلّى سبيله، وقال للآخر: أتشهد أنّ محمّدا رسول الله؟ قال: نعم، قال: أتشهد أنّي رسول الله؟ قال: إنّي أصمّ، فكرّر عليه قوله مرارا والرجل يقول قوله، فأمر بضرب عنقه، ولمّا سمع ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم [قال:] (¬2) أمّا الأوّل فقبل رخصة الله تعالى، وأمّا الآخر فمضى على صدقه ويقينه وأخذ بفضيلة فهنيئا له. والاختيار الثّبات؛ لأنّه من عزائم الأنبياء لم يكن له رخصة في التقية قط والأخذ به أولى. {وَيُحَذِّرُكُمُ:} ينذركم ويأمركم أن تتّقوا مقته وسخطه (¬3). 30 - {يَوْمَ تَجِدُ:} (يوم): نصب على الظرف لأحد الأشياء الأربعة: أحدها: الخبر الذي في (ليس)، والثاني: {الْمَصِيرُ} [آل عمران:28]، والثالث: العقاب المضمر في التّحذير، والرابع: الجزاء (¬4) في فحوى {يَعْلَمْهُ اللهُ} [آل عمران:29] (¬5). و {ما:} في محلّ النّصب لوقوع الوجود أو الودّ عليه (¬6). و (الأمد) (¬7): «الأجل والغاية» (¬8)، نصب ب (أنّ) (¬9). والكافر إنّما يتمنّى بعد الأمد كما يتمنّى طول الأجل ولا محيص. وإحضار الأعمال (¬10): إحضار ثوابها، وإحضارها في جوهر قابل لها كالمرآة تقبل الصّورة، أو كان العرض عينا قائمة. 31 - {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ:} إن كانت في شأن المؤمنين ف (إن) بمعنى (إذ)، وإن كانت في شأن الكفّار ف (إن) للشّرط على قضيّة زعمهم. ¬
33 - {اِصْطَفى آدَمَ:} أبونا صفيّ الله (¬1). {وَنُوحاً:} وهو نوح بن ليك (¬2) بن متوشالخ بن أنوخ، وأنوخ هو إدريس عليه السّلام بن الياردين بن مهلايل بن قينبن بن أنوش بن شيث (¬3) النبي عليه السّلام. و (نوح): اسم أعجميّ، سمّي نوحا (¬4) لكثرة نياحته وبكائه من خشية الله تعالى (¬5)، بعثه الله إلى (¬6) قومه وهو (64 ظ) ابن خمسين سنة، فلبث فيهم ألف سنة (¬7) إلا خمسين عاما ولم يؤمن به إلا شرذمة، ولمّا أتاح الله له النّصرة والفرج أوحى الله إليه (¬8) أن اصنع الفلك على ما سنذكره. ثمّ إنّه لمّا خرج من السفينة، وعاد إلى الدّنيا بهجتها نشر الله ذرّيّته في أقطار الأرض من بنين ثلاثة: سام (¬9) وهو وليّ (¬10) عهد أبيه وولده إرم وأرفخشد، ويافث وهو المبارك (¬11) المرضي وولده الترك والخزر والاشبان (¬12) والصقالب ويأجوج ومأجوج، وحام وهو الطريد المدعوّ عليه وولده قوط (¬13) وكوش وكنعان منهم الهند والسند والسودان. وأمّا (عمران) قيل: هو (¬14) أبو موسى وهارون، وقيل: هو جدّ عيسى ويحيى وهذا أصحّ (¬15). واصطفاؤهم بالرّسالة لقوله لموسى: {إِنِّي اِصْطَفَيْتُكَ عَلَى النّاسِ بِرِسالاتِي} [الأعراف:144] (¬16). وتخصيص الأربعة (¬17) لأنّ كلّ واحد أصل مؤصل بافتتاح وحي بعد فترة، وغاية في الإسناد والانتشار والاقتداء (¬18). ¬
والعالم الذي اصطفى الله آدم عليهم هم (¬1) الملائكة المأمورين بالسّجود، وأمره (¬2) بأن ينبئهم بأسماء الأشياء. 34 - {ذُرِّيَّةً:} نكرة، نصب على البدل (¬3). {سَمِيعٌ عَلِيمٌ:} لمقالة امرأة عمران (¬4) حنة. 35 - و {عِمْرانَ:} هو ابن ماثان بن يعاقيم، من ولد داود، من أشراف بني إسرائيل وعبّادهم، وكان صهرا لزكريّا النّبيّ عليه السّلام بإيلشفاع أخت مريم (¬5). و (المحرّر) (¬6): الذي يتجرّد للعبادة، ويكون حبيسا لخدمة (¬7) المسجد لا يعمل للدّنيا (¬8). وهو المعتق في اللغة (¬9). 36 - {وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى:} لأنّ الذّكر يمكنه لزوم المسجد (¬10) عامّة أحواله. {وَإِنِّي سَمَّيْتُها مَرْيَمَ:} عارض تلفّظت به لحاجة في نفسها، وليس بمتّصل (¬11) بالدّعاء، فمن قاله جعل (مريم) من أسماء الأعلام. وقيل (¬12): هو متّصل بالدّعاء، و (مريم): التي لا تريد الرّجال، وقيل: التي لا تطاوع في الشّرّ. وعن أبي هريرة أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: (ما من مولود إلا ويمسّه الشّيطان حين يولد ولذلك يستهلّ صارخا إلا مريم وابنها) (¬13). وهذا عموم بمعنى الخصوص؛ لأنّه روي أنّ الملائكة نزلت يحرسون نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم حين ولد. وروي أنّ فاطمة الكبرى (¬14) وضعت عليّا في جوف الكعبة، ¬
ولا سبيل للشيطان إليها (¬1). 37 - {بِقَبُولٍ:} ولم يقل: بتقبّل؛ لأنّهما بمعنى، وكذلك لم يقل (¬2): إنباتا؛ لأنّ في النّبات معنى الإنبات (¬3)، كقوله: {أَوَكُلَّما عاهَدُوا عَهْداً} [البقرة:100]، ولم يقل: معاهدة، وقوله: {مَتاعاً} [البقرة:236] في آية المتعة، ولم يقل: تمتّعا، وقوله: {إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ} [البقرة:282]، ولم يقل: بتداين. (الكفالة): قبول في معنى الضّمان (¬4). و {الْمِحْرابَ:} الصّومعة، سمّيت لبعد ارتفاعها وكونها منفردة منقطعة، ومنه سمّي القصر محرابا، وسمّي صدر المسجد محرابا (¬5). و (الرّزق) الذي كان يجده (¬6) فاكهة الشّتاء في القيظ، وفاكهة القيظ في الشّتاء، عن ابن عبّاس والضحّاك ومجاهد وقتادة والسدّي وابن زيد (¬7). وعن الحسن أنّه كان يأتيها (¬8) (65 و) من الجنّة. وفي هذا أبين دلالة على جواز كرامة الأولياء من عند الله من قضائه وحكمه (¬9). {إِنَّ اللهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ:} يحتمل أن يكون إخبارا من قول مريم (¬10)، ويحتمل أن يكون كلاما مستأنفا (¬11). 38 - {هُنالِكَ:} من الأسماء المشار بها إلى الظّروف (¬12)، ف (هنا) أقرب و (هناك) بعده و (هنالك) أبعد منه ك (ذا) و (ذاك) و (ذلك)، وحقيقتها للأماكن، وقد تستعمل في الأزمنة لإبهامها. {دَعا:} لمّا شاهد كرامة مريم ازداد رجاء أن يرزقه الله ولدا حالة الشّيخوخة وإن كان ¬
مخالفا للعادة (¬1). {طَيِّبَةً:} اعتبارا للفظ أنث النّعت، وذكّر الفعل اعتبارا بالمعنى (¬2). 39 - {فَنادَتْهُ:} قيل: ملك من الملائكة، وقيل: ناداه جبريل، ذكره بلفظ الجمع تشريفا له (¬3). (يحيى): اسم لا ينصرف للعلميّة أو للمضارعة مع التّعريف (¬4). {مُصَدِّقاً:} نصب على القطع (¬5)، أو الحال (¬6). {بِكَلِمَةٍ:} عيسى عليه السّلام (¬7)، أو الإنجيل (¬8)، أو وحي اختص (¬9) يحيى عليه السّلام بتصديقه من قبل أبيه أو من قبل نفسه. {وَسَيِّداً:} إماما ورئيسا (¬10). {وَحَصُوراً:} لا يشتهي النّكاح، عن ابن مسعود (¬11)، وذلك لغلبة حال الخوف عليه. ومن الأنبياء من كان الغالب عليه حالة الرّجاء عيسى عليه السّلام (¬12)، وكان غيرهما يتقلّب في حالة الخوف والرّجاء يخشع مرّة ويبتهج أخرى. {وَنَبِيًّا:} من الأنبياء. وقيل: على التّقديم والتأخير، وحصورا من الصالحين ونبيّا، إلا أنّه قدّم وأخّر النّظم. 40 - وإنّما قال: {أَنّى يَكُونُ لِي غُلامٌ} طمعا منه أن يعيده الله شابّا وامرأته شابّة (¬13)، أو ليريه آية من طريق المشاهدة كقول إبراهيم: {رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى} [البقرة:260]، أو لم يعلم أنّ الغلام المبشّر يكون من امرأته هذه وظنّ (¬14) أنّه من غيرها، أو يأمره الله باتّخاذ (¬15) ولد ولده غيرهما. ¬
و (الغلام): الصّبيّ (¬1). و (العاقر): التي تهلك (¬2) النّسمة في رحمها لانسداد وخلل (¬3) في طبيعتها. {كَذلِكَ:} أي: الأمر كما ذكرنا (¬4). وقيل: عمد جبريل إلى سعفة يابسة فحرّكها فصارت رطبة، فالتّشبيه وقع بها. وقيل (¬5): كذلك تقدير كلام السائل مجازا على وجه الرّفق. {اللهُ:} رفع بالابتداء (¬6). 41 - {اِجْعَلْ لِي آيَةً:} كسؤال إبراهيم. وقيل: كان (¬7) من حين استجيب له إلى أن حبلت امرأته أربعون سنة، فطلب الآية ليعلم أوان الحبل (¬8). {رَمْزاً:} «إيماء» (¬9). {بِالْعَشِيِّ:} العشيّة (¬10)، وهي مدّة ما بين العصر إلى العشاء الآخرة، وقيل: من الظّهر إلى العشاء (¬11). {وَالْإِبْكارِ:} صيرورة الزّمان بكرة، وهي وجه النّهار ومقدّمه، ومنه الباكورة (¬12). 42 - {وَإِذْ قالَتِ:} واو استئناف بدل عن الأوّل. {اِصْطَفاكِ} (¬13): لولادة عيسى من غير زوج (¬14)، وقيل: هذا الاصطفاء بدل عن الاصطفاء الأوّل. {نِساءِ الْعالَمِينَ:} عالمي زمانهم (¬15). ¬
ومعنى (التّطهير): من العيوب والذّنوب (¬1)، وقيل (¬2): من الحيض والأدناس، وقيل: من مسيس الرّجال (¬3). 43 - وتقديم السّجود لا يوجب تقديمه على الرّكوع (¬4)؛ لأنّ (65 ظ) الواو للجمع والاشتراك دون التّرتيب (¬5)؛ لأنّ الواو في الاسمين المختلفين كالنّسبة في المتّفقين، وإنّما بدئ بالصّفا (¬6) لقوله: (ابدؤوا بما بدأ الله [به] (¬7)). 44 - {ذلِكَ:} إشارة إلى النّبأ المذكور (¬8)، والهاء في {نُوحِيهِ} عائدة إليه (¬9). و (الوحي): إعلام في السّرّ بإلقاء وهم في الطّبيعة، أو بخطاب (¬10) يوجب العلم ضرورة. {يُلْقُونَ:} الإلقاء: الطّرح والإيقاع (¬11). (القلم) (¬12): القدح، سمّي به؛ لأنّه يبرى، ومنه سمّي السّهم قلما، وقلم الكاتب قلما، ومنه تقليم الأظفار (¬13). والقصّة في ذلك أنّ عبّاد مسجد بيت المقدس وأحباره تنازعوا في كفالة مريم، وضربوا بالقداح (¬14) فخرج سهم زكريّا عليه السّلام. وقيل: كانت لهم أقلام من الحديد يكتبون بها وحي الله تعالى، فألقوها في الماء، فطفا قلم زكريّا ورسب سائر الأقلام (¬15). وإنّما جعل الله هذا الخبر (¬16) إعجازا لنبيّنا صلّى الله عليه وسلّم؛ لأنّ هذا النّوع من العلم لا يستفاد إلا بالقراءة والكتابة، أو بمجالسة أهل العلم، أو بوحي من عند الله، وقد عدم منه الوجهان الأوّلان ¬
فتعيّن الثالث (¬1). 45 - {بِكَلِمَةٍ:} روح. والرّوح جوهر لطيف مسموع بسمع (¬2) ما فعله الله من غير شيء وأودع كلامه الذي قاله وتكلّم به فهو من كلام الله كالنّفس من كلام خلقه. ومزية الرّوح على الريح كمزية النّفس على التّراب، والحياة تركّب هذين الجوهرين. وإنّما سمّي مسيحا لأنّ زكريّا مسحه (¬3) بالدهن ودعا له بالبركة (¬4)، أو لأنّه تمسح بصنع يحيى ابن زكريّا من ماء الأردن، أو لمساحة (¬5) الأرض بسياحته فيها (¬6)، أو لأنّه كان يمسح التّراب فينام عليه بلا فراش ولا بساط، أو لأنّه كان يمسح الأكمه والأبرص فيبرآن بإذن الله تعالى (¬7)، أو كان أمسح القدمين غير أخمصهما (¬8). (الوجيه): ذو القدر (¬9) والجاه. {الْمُقَرَّبِينَ:} المخصوصين بإمامة الأولياء والخطاب والتّوفّي من غير موت والتّجلّي (¬10). 46 - {وَيُكَلِّمُ:} صفة (¬11)، أي: ومكلما. {فِي الْمَهْدِ:} أي: في حالة الرضاعة حيث {قالَ إِنِّي عَبْدُ اللهِ} [مريم:30] (¬12). {وَكَهْلاً:} نصب على الحال (¬13). والفائدة أنّه ولد لثمانية أشهر، والعادة جارية أنّ المولود لثمانية أشهر لا يعيش (¬14). ¬
وقيل (¬1): الفائدة أنّه رفع وهو شابّ فيكلّم الناس كهلا حين ينزل. و (الكهل): الذي تمّ (¬2) شبابه وقارب الشّيخوخة، وحدّ ذلك بثلاث وثلاثين سنة، واكتهل النّبت إذا تمّ طوله (¬3). 47 - {بَشَرٌ:} إنسان (¬4). روي أنّ زكريّا زوّجها من يوسف بن داود النّجّار، فلمّا صارت إليه وجدها حبلى قبل أن يباشرها، فكفّ عنها، وكان رجلا صالحا، فكره أن يغشى عليها، وائتمن أن يسرحها خفية، فتراءى له ملك في النّوم وبشّره بأمر عيسى حقيقة، ففرح وسكن إلى أن ولدت، ثمّ حملها وابنها إلى ناصرة خوفا من أجاب الملك، وقيل: من هوادش الملك. 49 - {وَرَسُولاً:} عطف على قوله: {وَجِيهاً} [آل عمران:45] (¬5). {أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ:} أي: قائلا إنّي قد جئتكم (¬6). ويحتمل أنّه أراد به (¬7) (66 و) الرّسالة؛ لأنّ الرّسالة في معنى القول (¬8). و (الخلق) (¬9) ههنا بمعنى التأليف والتّصوير دون التّكوين (¬10). {الطِّينِ:} التّراب المؤلف بتأليف (¬11) دون الحجر. {كَهَيْئَةِ:} أي: مثل هيئة. والهيئة كيفيّة البنية (¬12)، يقال: هاء يهاء هيئة (¬13). و (النّفخ): تعمد النفس وغيره (¬14). والهاء (¬15) عائدة إلى المثال أو الطّين. ¬
(الإبراء): إزاحة (¬1) الضّرر من مرض أو دين. و {الْأَكْمَهَ:} «الذي ولد أعمى» (¬2). {وَالْأَبْرَصَ:} الذي به برص، وهو داء تبيضّ (¬3) منه البشرة، وأمّا بياض (¬4) يد موسى نفى الله عنها الدّاء (¬5) حيث قال: {بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ} [طه:22]. و (الادّخار) (¬6): افتعال من الذّخر، فالذّخيرة ما تعدّ لثاني (¬7) الحال من متاع ونحوه. وكانوا يدّعون معرفة الله تعالى، فقال: إن كنتم تعرفون الله ففي هذا آية لكم؛ لأنّ من صفة المعروف جلّ ذكره أن لا يفعل الإعجاز دعوة إلا لنبيّ (¬8) مختار مخيّر. 50 - {وَمُصَدِّقاً:} معطوف على قوله (¬9): {بِآيَةٍ} أو (¬10) مقترنا، أو معجزا بآية من ربّكم. وهو حال للمجيء (¬11). {وَلِأُحِلَّ لَكُمْ:} معطوف (¬12) على (مصدّقا)، أي: لأصدّق ولأحلّ (¬13). وهو لحوم الإبل والثّروب (¬14) وبعض الطيور والحيتان، عن سعيد بن جبير وقتادة ووهب (¬15). وهذا يدلّ أنّ الله أحلّ لهم (¬16) طيّبات حرّم الله على اليهود، ولم يحلّ لهم الظّلم والعدوان والكفر. والأب في كلام عيسى عليه السّلام هو الفاعل؛ لأنّ الرّجال تكنى بأفعالهم، كنّي النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أبا (¬17) القاسم لقسمه بين الناس رزق الله تعالى، وكنّي عليّ أبا تراب لاضطجاعه على التّراب ¬
مرّة، وكنّي أنس أبا حمزة؛ لأنّه (¬1) كان يجتني بقلة تسمّى (¬2) حمزة، ويقال للأرض: أمّ؛ لأنّها مبتدأ الخلق، وقوله: {فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ} [القارعة:9]، أي: مآله، ويقال: ابن كذا، أي: مبلغ زمان بقائه، فسمّي ابنا من غير ولادة. 52 - {فَلَمّا أَحَسَّ:} الإحساس من النّفس كالعقل من الرّوح، وهو مستعمل في معنى الرّؤية والسّمع والعلم، كقوله: {هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ} [مريم:98]، وقوله: {لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها} [الأنبياء:102] (¬3)، وقال صلّى الله عليه وسلّم لرجل: (متى أحسست أم ملدم؟) (¬4) يعني: الحمّى. وقوله: {مَنْ أَنْصارِي} على وجه الحثّ والإغراء (¬5). {إِلَى اللهِ:} كقوله: {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ} [النّساء:2] (¬6)، ويقال: الذود إلى (¬7) الذود إبل (¬8). وقيل (¬9): من أنصاري في السبيل إلى مرضاته. وقيل: من أنصاري إلى الله، كقوله: {هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ} [يونس:35] (¬10). {الْحَوارِيُّونَ:} قال ابن عبّاس: سمّوا بذلك لبياض ثيابهم، وكانوا يصطادون السمك، وكان أفضلهم شمعون الصفا، فقال لهم: هل تصحبونني (¬11) فتصطادوا الناس؟ فآمنوا به. وعن ¬
الضحّاك (¬1) أنّهم كانوا قصارين يحوّرون (¬2) الثّياب. وعن عطاء أنّ مريم أسلمته إلى كبير القصارين ليتعلّم الحرفة، فتعلّم عنده أيّاما، ثمّ عرض لهذا (¬3) الأستاذ سفر مدّة عشرة أيّام، فدفع أثوبة الناس إلى عيسى عليه السّلام، وأمره بأن يصبغ كلّ ثوب منها بلون آخر، وأن يغسل (66 ظ) بعضها، فجعل جميعها في حبّ (¬4) واحد، قال لها: تكوّني (¬5) بإذن الله كما أريد، فلمّا رجع الأستاذ طالبه بالأثوبة، فأشار إلى حبّ واحد، ففزع الأستاذ، وضاق ذرعا، وقال: أيّها الصّبيّ أفسدت أثوبة الناس، قال عليه السّلام: قم وانظر، فجعل الأستاذ يخرج الأثوبة بعضها مغسولا وبعضها مصبوغا بألوان مختلفة من صبغ واحد، فعلم أنّه من فعل الله، فآمن هو وأصحابه بعيسى عليه السّلام، فهم الحواريّون (¬6)، ثمّ لقّب هذا اللّقب كلّ ناصر لنبيّ حتى قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (لكلّ نبيّ حواري، وحواريي طلحة والزّبير (¬7)). وقيل (¬8): الحواري: المتجرّد للنّصرة المتمحّص (¬9) في الموالاة. وقال الزهريّ: هم خلصان الأنبياء، وتأويله: الذين (¬10) أخلصوا ونقوا عن كلّ عيب. {نَحْنُ أَنْصارُ اللهِ:} أولياؤه (¬11). {وَاِشْهَدْ:} وإنّما طلبوا منه ذلك لتحقيق (¬12) الموالاة وتبرّكا، ليتأكّد حالهم بها (¬13). 53 - {فَاكْتُبْنا:} أي: فاكتب أسماءنا مع أسماء المؤمنين (¬14). وقيل: المراد ب {الشّاهِدِينَ:} الشهداء. ¬
54 - {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ (¬1)}: عامل في الظرف. و (المكر): إيصال الشّرّ في السّرّ، فمكرهم ما احتالوا من قتل عيسى وفي صلبه (¬2). {وَمَكَرَ اللهُ:} صونه عيسى عن بأسهم، وصرفه الشّرّ إليهم في الدنيا والآخرة من حيث لا يشعرون (¬3). وإنّما قيل: {خَيْرُ الْماكِرِينَ} لأنّ إيصال الشّرّ ما يمدح، وذلك إذا كان مع العدوّ من غير غدر (¬4) وخيانة فالله متّصف به خير الماكرين. 55 - {إِنِّي مُتَوَفِّيكَ:} قيل: أمات الله عيسى ثلاث ساعات (¬5)، ثمّ أحياه ورفعه من غير صلب ولا قتل، وألقى [الله] (¬6) مثاله على غيره (¬7). وقيل (¬8): «متوفّيك: قابضك». وقال الفرّاء (¬9): في الآية تقديم وتأخير، وتقديرها: إنّي رافعك ومطهّرك من الذين كفروا، أي: في الحال، ومتوفّيك، أي (¬10): بعد الزّوال. وقال السدّي: المصلوب رئيس من رؤساء اليهود، دخل ليخرج عيسى عليه السّلام من بيته فألقى الله مثاله عليه، ورفعه عليه السّلام (¬11). وقيل: المصلوب هو الموكّل الذي كان عليه رقيبا. وقيل: المصلوب الذي ارتدّ من الحواريّين، وسعى (¬12) بعيسى عليه السّلام، ودلّ اليهود عليه (¬13). وقيل: إنّه أخبر برفعه فاتّخذ ضيافة لأصحابه وأطعمهم، ثمّ أتى بماء فتطهّروا به، ثمّ طلب منهم أن يسألوا الله تعالى تبقيته فيما بينهم، وخرج من عندهم، ثمّ اطّلع عليهم فوجدهم ¬
هجوعا، فأعاد الماء إليهم وأيقظهم، وطلب منهم أن يتطهّروا ثانيا ويسألوا الله تبقيته فيما بينهم، فتطهّروا وتشمّروا للصلاة والدّعاء، وخرج عيسى عليه السّلام ثمّ التفت إليهم فوجدهم سامدين نائمين، فأعاد الماء (¬1) إليهم وأمرهم أن يتطهّروا، وقال: سبحان الله أما عهدت إليكم؟ فتسوروا (¬2) منه، وتطهّروا وقصدوا للصلاة (¬3) والدّعاء فخرّوا نائمين، فعند ذلك أيقن عيسى عليه السّلام بأنّه لا محالة مرفوع، فقال (¬4): من الذي يفديني بنفسه (67 و) ويكون معي في الجنّة؟ فاختار ذلك شمعون، فألقى الله تعالى مثاله عليه (¬5)، ورفع عيسى عليه السّلام (¬6). وروي أنّ مريم جاءت بالليل تحت الصليب مع طائفة من الحواريّين يبكون وينوحون، فأظهر الله تعالى لهم عيسى حيّا غير مصلوب حتى كلّمهم وبشّرهم بسلامة نفسه وبأنّه راجع إلى الدنيا، ووجّه أولئك الحواريّين إلى البلاد، وأوصى إلى كلّ واحد وصيّة (¬7). 56 - {فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا:} اليهود والنّصارى (¬8)، أمّا اليهود (¬9) فلدعواهم صلب عيسى عليه السّلام وغير ذلك، وأمّا النصارى فلتسليمهم دعوى اليهود وبغير ذلك. 58 - {ذلِكَ:} إشارة (¬10) إلى ما سبق، و {نَتْلُوهُ} خبر له (¬11)، والباقي خبر ثان (¬12). أو (ذلك) بمعنى الذي، و (نتلوه) صلة له، والخبر قوله: {مِنَ الْآياتِ} (¬13). {الْآياتِ:} آيات الله (¬14). {وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ:} الذي يفيد الحكمة (¬15). ¬
59 - قيل: إنّ (¬1) وفد نجران قالوا لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إنّك سببت (¬2) صاحبنا بأن سمّيته عبدا، فقال صلّى الله عليه وسلّم: ليست العبوديّة بعار على أخي، قالوا: أرنا عبدا مثله وجد بغير أب، فضرب الله تعالى هذا المثل وقال: {إِنَّ مَثَلَ عِيسى،} الآية، شبّهه بآدم في الوجود من غير أب فقط (¬3)، كما شبّه الهلال بالعرجون والكفّار بالأنعام (¬4). «و {آدَمَ:} معرفة» (¬5). {خَلَقَهُ:} كلام مستأنف ليس بصفة ولا حال (¬6). {فَيَكُونُ:} تقديره: فصار؛ تكوّن شيئا بعد شيء على التدريج، وكأنّه لم يكن حيّا دفعة واحدة وذلك سنّة الله في خلق الأشياء (¬7) للتّمكين من الاعتبار. وقيل: تمّ الكلام عند قوله: {كُنْ،} ثمّ ابتدأ فقال: {فَيَكُونُ،} أي: يكون كلّ مأمور بأمر (¬8). 61 - فلمّا نزلت {فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ} دعا صلّى الله عليه وسلّم وفد نجران إلى المباهلة، وخرج بنفسه متيقّنا بما أوحى إليه ربّه، معه عليّ وفاطمة والحسن والحسين، ولم يخرج وفد نجران، وتكعكعوا عن ذلك لما كان فيهم من التّشكّك والظّنّ (¬9)، فقال صلّى الله عليه وسلّم: لو خرجوا للمباهلة لاضطرم الوادي عليهم نارا (¬10). وجعل آله تحت كسائه ثمّ دعا فقال: اللهمّ هؤلاء آلي وال من والاهم، وانصر من نصرهم، واخذل من خذلهم، ورجع مستجابا له بفضل من الله ورحمته. والتزم وفد نجران الجزية، وصالحوا على ألفي حلّة وثلاثين درعا عادية من حديد (¬11). {تَعالَوْا:} «هلمّوا» (¬12). والتّعالي إلى الشيء: التّقارب منه على سبيل العلوّ حقيقة، وعلى غيره (¬13) مجازا. والتّعالي عن الشيء: التّباعد منه على سبيل العلوّ والرّفعة حقيقة لا مجاز له. ¬
و (الابتهال): المبالغة في الدّعاء بالشّرّ، ويقال: عليه بهلة الله، أي: لعنته (¬1). 62 - {الْقَصَصُ:} «الأخبار» (¬2)، والاسم منه: قصّة، والجمع منه: قصص، وإنه في معنى التلاوة. وقوله (¬3): {وَقالَتْ} (67 ظ) {لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ} [القصص:11]، أي: اتبعي أثره (¬4). 63 - وفي فحوى قوله: {فَإِنْ تَوَلَّوْا} تهديد للمتولين فإنّهم مفسدون (¬5). 64 - {قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ:} خطاب لوفد نجران عن الحسن والسدّي وابن زيد (¬6)، ولليهود عن قتادة والرّبيع وابن جريج (¬7)، ولأهل الكتابين في الظاهر (¬8). {إِلى كَلِمَةٍ:} المقالة التي هي قاعدة الدّين والأمر وهو التّوحيد، ثمّ ابتدعت اليهود فادّعت اتّخاذ الولد كاتّخاذ الوليّ والخليل والبيت، فلم يعلموا أنّ ما ادّعوه يقتضي المشابهة أولا، وهو شرك، بخلاف اتّخاذ الوليّ والخليل؛ لأنّه يقتضي إرادة الخير، بخلاف اتّخاذ البيت؛ لأنّه يقتضي اتّخاذ متعبّد للعباد (¬9). وابتدعت النصارى فزعمت أنّ الله تعالى هو الرّوح تزوّج بمريم وهي النّفس، فتولّد منهما المسيح وهو العلم، وزعم بعضهم أنّ المسيح عينه حلّ في العالم، ولم يعلموا أنّ الله سبحانه وتعالى متعال، تقدّس عن الازدواج والانفصال والتّغيّر والانتقال، تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا. {سَواءٍ:} عدل، وكذا سوى وسوى (¬10). وقيل: (سواء): مصدر أقيم مقام الصّفة، ومعناه: كلمة مستوية (¬11). {أَلاّ نَعْبُدَ:} تفسير الكلمة، وبدل عنها (¬12). {اِشْهَدُوا:} يقتضي التمحض في مخالفة (¬13) الخصم، تقول لخصمك: اشهد عليّ ¬
بما أقول وحدّث به عنّي (¬1) من شئت. 65 - ومحاجّتهم من أمر إبراهيم عليه السّلام قد سبق في سورة البقرة. وإنّما دلّ نزول الكتابين بعده على أنّه لم يكن يهوديّا ولا نصرانيّا؛ لأنّه لم يكن فيهما ذلك، ولو كان على أحدهما لذكر كما ذكر (¬2) في القرآن أنّه كان مسلما، ووصفه فيهما بالطاعة والانقياد ولا محالة وهو الإسلام، وكانوا يزعمون أنّ اليهوديّ (¬3) الذي لزم السبت، والنّصرانيّ الذي لزم الصّليب، ولم يكن هذان (¬4) في عصر إبراهيم عليه السلام. وقوله: {أَفَلا تَعْقِلُونَ} على معنى اللّوم والتّسفيه (¬5). 66 - {ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ حاجَجْتُمْ:} والمراد بمحاجّتهم {فِيما لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ} زعمهم ذلك بعد التبديل والتحريف على قراءة قنبل (¬6)، ومحاجتهم المشركين قبل أن غيّروا وبدّلوا إن جعلنا الهاء، ومحاجتهم المشركين بعد التحريف بما لم يحرّفوا ولم يبدّلوا، ومحاجتهم عامّة المشركين فيما لم ينزل الله في القرآن من الشرائع التي بقيت غير منسوخة (¬7). 68 - {أَوْلَى النّاسِ:} أقربهم به (¬8). {لَلَّذِينَ اِتَّبَعُوهُ:} في عصره؛ لأنّهم كانوا أمّته (¬9). {وَهذَا النَّبِيُّ:} صلّى الله عليه وسلّم؛ لأنّه كان دعوته، والمصلّي إلى قبلته، والآخذ في الحجّ بسنّته (¬10). {وَالَّذِينَ آمَنُوا:} لموافقتهم إيّاه بالإيمان والاستسلام لأمر الله طائعين، وهم الأنبياء عليهم السّلام كلّهم (¬11)، وكلّ عبد مؤمن في السماء والأرض. 69 - {وَدَّتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ:} نزلت في مثل ما نزل (68 و) قوله تعالى: {وَدَّ} ¬
{كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ} [البقرة:109] (¬1). و (الإضلال) (¬2) ههنا بالخدع. 70 - {وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ:} بأنّ الله قادر على ما يشاء ولا ينبئكم (¬3) بمثل هذه الآيات، أو تشهدون بخروج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وتشاهدون الآيات وقت بدوها (¬4). 72 - {وَقالَتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ:} قيل: إنّ اليهود أرادوا تشكيك المؤمنين بهذه الحيلة ليشتبه (¬5) الأمر على المؤمنين فيرتدّوا بارتدادهم ويشكّوا بتشكيكهم (¬6). وقيل: أرادوا التقية، وردّ المؤمنين عن أنفسهم بإظهار الإيمان بما يوافق شرائعهم كاستقبال القبلة الأولى ونحوه (¬7). {وَجْهَ النَّهارِ:} أوّله (¬8). وإنّما خصّوا آخر النهار بالكفر؛ لأنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم تحوّل إلى الكعبة في الظّهر أو العصر (¬9). 74 - {يَخْتَصُّ:} يخاص، ويتّخذ خاصّة (¬10). 75 - {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ:} نازلة عند قتادة والسدّيّ وغيرهما في تنويع أهل الكتاب، وذمّ قوم منهم لا يوفون بعهودهم مع العرب قاطبة وكذلك (¬11) سائر الأمم من غير أهل الكتاب، ويرون الخيانة حلالا، ويحتجّون بأنّه {لَيْسَ عَلَيْنا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ} أي: لا حكم ولا حجّة علينا في كتابنا في أخذ أموال الأمّيّن (¬12). {وَيَقُولُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ:} في إباحة نقض العهود (¬13)، وتحليل الغدر والخيانة (¬14). ¬
{وَهُمْ يَعْلَمُونَ:} أنّ الله أمر بالوفاء والأمانة على الإطلاق، ولم ينزل في تركهما إباحة إذ هو باق على أصل الحظر وقضيّة العقل (¬1)، ولذلك لا يجوز في الإسلام لمن دخل دار الحرب بأمان أن يسرق أو يخون. وعن مجاهد والحسن أنّها في قوم من اليهود عاملوا (¬2) المشركين، فمنعت (¬3) اليهود حقوقهم وقالوا: إنّكم بدّلتم دينكم، وليس علينا في كتابنا (¬4) سبيل في منع حقّ من بدّل دينه. و (الدّينار): اسم المضروب من الذّهب للمعاملة (¬5). و (الدّوام): امتداد الحال (¬6). وفي صفات الله صفة تنفي (¬7) حدوث الحال. 76 - وفي قوله: {بَلى مَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ} تأليف، استمالة لقلوب المؤمنين بالعهد. (بل): إضراب عن الكلام الأوّل (¬8)، و (من أوفى): مبتدأ، وهو شرط، {وَاِتَّقى} زيادة في الشرط، جوابه: {فَإِنَّ اللهَ} (¬9). وإنّما لم يقل: فإنّ الله يحبّه لنظم الآي. ولم يقل: يحبّ الموفين بالعهود والمتّقين؛ لأنّ الوفاء بعض التّقى فهو داخل فيه (¬10). 77 - {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ:} نزلت في كنانة (¬11) بن أبي الحقيق وأبي رافع وكعب ابن الأشرف وحيي بن أخطب، عن عكرمة (¬12). وفي الذين قالوا: {لَيْسَ عَلَيْنا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ} [آل عمران:75]، وكتبوا بأيديهم وزعموا أنّه من التّوراة، عن الحسن (¬13). وفي الأشعث بن قيس وخصمه حين اختصما إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في بئر، عن ابن جريج (¬14). وفي من ¬
نفّق سلعة بيمين فاجرة، عن الشعبيّ (¬1). وروى الكلبيّ أنّها نزلت في (68 ظ) امرئ القيس بن عياش الكنديّ وعبدان، وقيل: عيدان بالياء، ابن أشوع الحضرميّ، اختصما في أرض كانت في يدي امرئ القيس ولا بيّنة لعبدان، وقد همّ امرؤ القيس أن يحلف فأنزل الله الآية، فنكل وأقرّ فأنزل الله: {مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى} [النّحل:97] (¬2). وقيل (¬3): خصم امرئ القيس ربيعة بن عيدان. {وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ:} أي: لا يناجيهم مناجاة أوليائه، ولا يخصّهم بالخطاب (¬4). {وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ:} لا يقبل إليهم بالرّحمة، بل يخذلهم ويعرض (¬5) عنهم بلا كيفيّة. 78 - {وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً} (¬6): نزلت في اليهود حيث قدروا ما شاؤوا في التّنزيل مضمرا متأوّلين، ثمّ أظهروه وتلفّظوا به وزعموا أنّه من التّنزيل أيضا، وكذلك فعلت النّصارى (¬7). و (اللّيّ): التّحريف، وتلوّت (¬8) الحيّة إذا تثنّت، ولوّى الغريم ليّا إذا ماطل وأخلف الموعد (¬9). (الألسنة): جمع لسان، وهو آلة النّطق (¬10). 79 - {ما كانَ لِبَشَرٍ:} نزل في وفد نجران وأحبار المدينة حيث تناظروا، ثمّ أقبلوا على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقالت اليهود: ما تريد منّا إلا ما أراد عيسى من هؤلاء فاتّخذوه ربّا، وقالت النّصارى: ما تريد منّا إلا أن نتّخذك ربّا كما اتّخذ هؤلاء عزيرا ربّا، فكذّب الله الطائفتين وأنزل: {ما كانَ لِبَشَرٍ} وسعا أو حكما (¬11). و {يَقُولَ:} نصب، عطف على {أَنْ يُؤْتِيَهُ اللهُ} (¬12). ¬
{تُعَلِّمُونَ:} «من التّعليم» (¬1). و (الرّبّانيّ): منسوب إلى الربان، وهو المدبّر المتعهد (¬2) القائم بالمصالح، ولم يجئ (فعلان) من (فعل) بكسر العين إلا هذا (¬3). وقيل (¬4): هو منسوب إلى (¬5) الرّب، والألف والنّون زائدتان كما يقال: لحيانيّ ورقبانيّ، ويجوز أن ينسب إلى الله على سبيل التّخصيص كما يقال: علم الإلهي، وهو مثل الإضافة. {بِما كُنْتُمْ:} إثبات للحال، وليس بإخبار عن ماض (¬6). و (الدّرس): كالنّسخ والمحو (¬7)، ودرس العلم: حفظه ونقله من الكتاب إلى القلب مجازا (¬8). 80 - {أَيَأْمُرُكُمْ:} استفهام بمعنى الإنكار (¬9). ويحتمل أنّ {إِذْ} للمستقبل من الزمان كقوله: {وَإِذْ قالَ اللهُ يا عِيسَى} [المائدة:116] (¬10)، فتقديره إذا: أهو يأمركم بالكفر بعد أن تسلموا بأمره، على معنى الإحالة (¬11). 81 - {وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ:} أضاف إليهم؛ لأنّه أخذ الميثاق لأجلهم، أو أخذ ميثاق الأمم دون الأنبياء، ولقد صرّح ابن مسعود وقرأ (¬12): (وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب)، حتى ظنّ مجاهد أنّ قراءة ابن مسعود هو لفظ القرآن وأنّ ما انعقد الإجماع من سهو الكاتب (¬13)، وليس كما ظنّ مجاهد؛ لأنّ هذا اللفظ يحتمل ما يحتمله لفظ ابن مسعود ووجهان (¬14) أبدا ولا يبعد دخول الأنبياء مع الأمم (¬15) في حكم الميثاق كدخولهم معهم في حكم التكليف يدلّ عليه قوله: {وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ} [الأحزاب:7]، فنصرة من لم ¬
يدرك نبيّا إيّاه ذكره والوصيّة (69 و) بنصره، ونصرة من أدرك موالاته واتّباعه (¬1). {أَأَقْرَرْتُمْ:} استقرار (¬2). و (أخذ الإصر): قبوله (¬3). ويحتمل أنّ الخطاب للأنبياء والرّبّانيّين، وأنّ أخذ الإصر: توثيقه وإحكامه (¬4). {فَاشْهَدُوا:} أي: ليشهد بعضكم على بعض (¬5). {وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشّاهِدِينَ:} على المجاز، وإنّما جاز ذلك؛ لأنّه وصف نفسه بالشهادة، ووصفهم بالشهادة (¬6). 82 - وقوله: {فَمَنْ تَوَلّى} خاصة في الأمم دون الأنبياء عليهم السّلام (¬7)، ولا يبعد أن تكون عامّة؛ لأنّ الوعيد لمن المعلوم منه أنّه موجبه والذي قضى له بالعصمة عن موجبه سواء، فإذا جاز أحدهما على سبيل التّخويف والزيادة والتّأديب والتّهذيب فكذلك الآخر، يدلّ (¬8) عليه قوله (¬9): {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [الزّمر:65]. 83 - {وَلَهُ أَسْلَمَ:} والكلام في إسلام الكافّة كالكلام في فنونه (¬10). و (الطّوع) (¬11): قريب من الرّضا، وهو ضدّ الكره (¬12). 85 - وقوله: {وَمَنْ يَبْتَغِ} نزلت في عشرة رهط كفروا بعد إسلامهم، ولحقوا بمكّة وهي دار الحرب يومئذ، ثمّ تاب بعضهم، فيستثني الله التّائبين (¬13). وهي ناسخة لقوله: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا} [البقرة:62] في رواية عليّ بن طلحة عن ابن عبّاس (¬14)، ويصحّ الجمع بينهما على ما سبق (¬15). ¬
86 - {كَيْفَ:} استفهام بمعنى البيان لموضع التّعجّب (¬1). وقيل: استفهام بمعنى الإنكار والإحالة؛ لأنّ اجتماع حالتي الكفر والإسلام محال (¬2). {وَاللهُ لا يَهْدِي:} هداية التّوفيق حالة إصرارهم وعتوّهم، ولكن إذا شاء هدايتهم سبّب أسبابا يتّضح بها فساد ما هم فيه فيندمون، ثمّ يلهمهم ويهديهم إلى معرفته (¬3). 89 - {إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا:} التّائب الذي استثناه من جملة العشرة هو الحرث بن سويد بن الصامت (¬4)، وهي عامّة في كلّ تائب (¬5). 90 - {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ:} قيل: لمّا بلغ أصحاب الحارث خبره (¬6) قالوا: نقيم بمكّة ونتربّص محمّدا ريب المنون فإن بدا لنا (¬7) أن نرجع إلى قومنا أيقنّا بقوله كما فعل الحارث، فأنزل الله الآية (¬8). وإنّما نفى قبول توبتهم؛ لأنّهم قصدوا توبة على تردّد ونفاق (¬9). و (ازديادهم الكفر): جهلهم وظنّهم أنّهم قادرون على التّوبة خداعا، فالكفر يتزايد بتزايد الاعتقاد الفاسد، والإيمان يتزايد بتزايد الاعتقاد (¬10) الصحيح في الآيات الناسخة، ولمّا كمل الدّين صار النّقصان في أصل الإيمان وحقيقته كفرا من جميع الوجوه على أيّ تأويل؛ لأنّ تزايد الاعتقاد بعد انقطاع محال (¬11). 91 - وفي قوله: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا} دلالة أنّ التّوبة مقبولة قبل الموت، والتي نفى قبولها هي توبة على نفاق وتردّد، أو توبة عند معاينة البأس وانقطاع الأحكام الدنياويّة (¬12). (إنّ الذين): في معنى الشرط، ويشبه (من) لإبهامه ولذلك أجاب بالفاء (¬13). و {مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَباً:} على سبيل التقدير والتفخيم دون التحقيق، وإنّما خص ذلك؛ لأنّه (69 ظ) ممّا يتعاظمه الناس في معاملاتهم وعاداتهم (¬14) ومبادلاتهم. ¬
92 - قوله: {لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ:} قال الكلبيّ: منسوخة بآية الزكاة (¬1)، وليس كذلك؛ لأنّه لا تنافي بينهما إذ الزكاة إنفاق من بعض المحبوب. و (البرّ) ههنا الجنّة عن السدّي (¬2)، وعن عطاء أشرف مراتب التقوى (¬3)، وقيل (¬4): البرّ: الخير. 93 - {كُلُّ الطَّعامِ كانَ حِلاًّ:} نزلت ردّا على اليهود حيث أنكروا النّسخ وادّعوا أنّ المحظورات كلّها لم تزل كذلك من لدن آدم إلى يومنا هذا، وزعموا أنّ موسى لم يأت بتحريم حادث ولا تحليل إلا في ما اختلفت العقول فيه، فكذّبهم الله وأخبر أنّ الكلّيّات كلّها كانت حلاّ لبني إسرائيل إلا ما حرّمها إسرائيل نذرا، ثمّ حرّم عليهم بعض الطيّبات عقوبة لهم، وكانوا كلّما أذنبوا ذنبا عظيما حرّم عليهم رزق طيّب أو سلّط عليهم الطاعون (¬5). والقصّة في نذر إسرائيل أنّه اشتكى عرق النسا فنذر إن شفاه الله لا يأكل لحوم الإبل وألبانها لو خامتهما وإضرارهما عند ملاومتهما، وكان من أحبّ الطعام إليه (¬6). ووجه القربة فيه أنّه مخالفة لهوى النّفس الأمّارة بالسّوء (¬7) وقهر لها. ووجه جوازه من ذات نفسه أنّ الأنبياء عليهم السّلام كانوا يجتهدون بإذن الله تعالى، يدلّ عليه حكم داود وسليمان عليهما السّلام في الحرث، وكان حكم سليمان (¬8) يفهم لا محالة، وحكم داود ممّا يسوغ الاجتهاد في مقابلته لمثله، وكذلك (¬9) قبل نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم الفداء بالمشاورة والاجتهاد ولم يقتل أسارى بدر وفيه نزل: {لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ} الآية [الأنفال:68]، وأذن للمخلّفين في غزوة تبوك باجتهاده حتى نزل: {عَفَا اللهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ [لَهُمْ]} [التّوبة:43]، وافتتح الصوم بشهادة الواحد (¬10) على سبيل التحري والاجتهاد، وإنّما توقّف وانتظر الوحي في أحكام لم يكن للاجتهاد إليها سبيل، وقوله: {وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى} (3) [النّجم:3] لا ينفي الاجتهاد؛ لأنّ الاجتهاد ليس بهوى، وقوله: {إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ يُوحى} (4) [النّجم:4] خاص في القرآن ¬
وما أوحي إليه من علم الغيب والأحكام دون ما بيّنه على سبيل المشاورة والاجتهاد والنجوى (¬1)، ثمّ لا يجوز في مقابلة اجتهاد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم اجتهاد إلا بتمكينه؛ لأنّ اجتهاده كالنّصّ من حيث تقرير الله كما لو حكم بعض الصحابة حكما بمشهد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ولم ينكر ذلك. {حِلاًّ لِبَنِي إِسْرائِيلَ:} «أي: حلالا» (¬2). {إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ:} في زعمكم، فلم يأتوا بالتّوراة خوف الفضيحة بتأويلهم الفاسد (¬3). 94 - {اِفْتَرى:} (افتعال) (¬4) من الفري (¬5)، وهو القطع، وكأنّ المختلق يقطع شيئا من موهومه الباطل فيتكلّم به (¬6). و {ذلِكَ:} إشارة (70 و) إلى الإتيان بالتّوراة، أو تحريم إسرائيل (¬7). 95 - {صَدَقَ اللهُ:} أي: أخبر بالحقّ عن كيفيّة ابتداء التحريم والتحليل (¬8). {فَاتَّبِعُوا:} استحلّوا لحوم الإبل وألبانها فإنّه ملّة إبراهيم؛ لأنّه سبق نذر إسرائيل (¬9) لا محالة. {حَنِيفاً:} نصب على القطع (¬10). {وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ:} ثناء عليه (¬11). 96 - واتّصال قوله: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ} بما قبلها من حيث اتّباع ملّة إبراهيم (¬12). {وُضِعَ لِلنّاسِ:} ضرب متعبدا (¬13) لهم. {بِبَكَّةَ:} هي الكعبة (¬14). و (بكّة): هي مكّة؛ لأنّ الباء قريبة من الميم في المخرج، يقال: ¬
سبد وسمد (¬1). وقيل: لأنّ الناس يتباكّون، يتزاحمون (¬2) فيها أيّام الموسم. ويقال: بكّة، كأنّها تبكّ أعناق الجبابرة لاتّضاعهم فيها (¬3). و (المبارك): الذي بورك فيه أو عليه، وضدّه المشؤوم (¬4). {وَهُدىً:} سببا من أسباب الهدى، فبقعة الكعبة متخيم آدم فيما (¬5) يروى أنّ الله تعالى أنزل عليه خيمة من خيام الجنّة ليطوف حولها كما يطوف الملائكة (¬6) حول البيت المعمور في السماء الرابعة، وقد طاف حولها (¬7) سفينة نوح عليه السّلام، وحجّ كثير من الأنبياء، وقد دخل خبر وفد عاد في حيّز التواتر، وتواترت الأخبار ببناء إبراهيم البيت العتيق، وقد نزل فيه القرآن (¬8). 97 - {وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً:} من جملة الآيات البيّنات؛ لأنّه حكم ثبت كضرورة (¬9) في الجاهليّة والإسلام، في المثل: آمن من حمام مكّة (¬10)، وآمن من ظبي بالحرم (¬11). وقال ابن عبّاس: لو وجدت قاتل أبي في الحرم لما هجته (¬12)، وعن ابن عمر مثله (¬13). وعن ابن (¬14) الزبير أنه استنزل سعيدا مولى معاوية وجماعة من أصحابه كانوا تحصّنوا بالطائف فأدخلهم الحرم ثمّ استفتى ابن عبّاس فيهم، فلم يرخص له في شيء وقال: هلا قبل أن أدخلتهم الحرم (¬15)، فأخرجهم ابن الزبير من الحرم ثمّ صلبهم (¬16). ولسنا نرى الإخراج، ولكن لا يطعم الجاني ولا يسقى ولا يجالس حتى يضطرّ إلى الخروج ¬
فيخرج فيتبع فيقام عليه الحدّ، وأمّا ما دون القتل وما فعل في الحرم يقام فيه (¬1). وفرض الحجّ على الفور خلافا لمحمّد. {اِسْتَطاعَ [إِلَيْهِ سَبِيلاً] (¬2)}: (السبيل): وجود الزّاد والرّاحلة، والسّلامة من العوائق (¬3)، والعمى عائق عند أبي حنيفة. ومستطيع الإحجاج كمستطيع (¬4) الحجّ حين المرض والحبس فيما تواترت فيه الأخبار (¬5). {وَمَنْ كَفَرَ:} أي: امتنع التزام هذا الفرض وقبوله (¬6). {فَإِنَّ اللهَ:} جواب الشرط (¬7)، إذ الكافر داخل في جملة العالمين. 98 - وإنّما قال: {يا أَهْلَ الْكِتابِ} لإهانتهم (¬8) والإعراض عن خطابهم. وإنّما وقع الإنكار على وجه السؤال (¬9) للتعجيز عن إقامة العذر كقوله: {ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ} [الانفطار:6]. {وَاللهُ شَهِيدٌ:} أعظم توبيخ وتهديد (¬10). 99 - {قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَصُدُّونَ:} نزلت في اليهود، كانوا يغرون بين الأنصار من الأوس والخزرج بتذكير ما بينهم من الوقائع (70 ظ) لينسلخوا من الدّين بالضغائن. والعصبيّة، عن زيد بن أسلم (¬11). وفي اليهود والنّصارى جميعا وإنكارهم نعت نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم، عن الحسن (¬12). {تَبْغُونَها:} «تبغون لها» (¬13)، كقوله: {يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ} [التّوبة:47]. ¬
والهاء عائدة إلى السبيل، و (السّبيل): يذكّر ويؤنّث (¬1). و (العوج) بكسر العين: الزّيغ في الرّأي، والعوج بالفتح: الميل فيما يكون منتصبا (¬2). {وَأَنْتُمْ شُهَداءُ:} بما في كتابكم (¬3). وقيل: أنتم عقلاء، كقوله: {أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} [ق:37]، أي: حاضر بالعقل والهمّة (¬4). 100 - {فَرِيقاً:} للتبعيض والتنويع؛ لأنّ بعض الذين أوتوا الكتاب آمنوا ولم يغيّروا فما كانت طاعتهم (¬5) كفرا. وقيل: عنى به جميع اليهود، وذكر فريقا، بمعنى أحد (¬6)، على التأكيد. 101 - (الاعتصام): الامتناع (¬7)، من قوله: {لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِلاّ مَنْ رَحِمَ} [هود:43]. وإنّما (¬8) بعد الكفر بعد الإيمان لمعنيين: أحدهما: استماع الوحي، والثاني: كونه صلّى الله عليه وسلّم بين أظهر المؤمنين، فالمعنى الأوّل باق لعامّة المؤمنين المستمعين، والثاني أيضا كالباقي لمن يلاقي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالرّوح في المنام، أو يحيي سنّة ويكثر الصلاة عليه ويزور قبره. ثمّ أحال المستبعد (¬9) بإثبات الهداية إلى الصّراط المستقيم في حقّ المعتصمين بالله على الإطلاق؛ لأنّهم بمشاهدة الله تمجدوا بنور الوحدانيّة، وعطلوا عن (¬10) الرسوم القابلة للآفات فهم ممتنعون عن (¬11) الغير والحوادث بالله. 102 - قيل: تقوى الله {حَقَّ (¬12)} تُقاتِهِ: «أن يطاع فلا يعصى، وأن يشكر فلا يكفر، وأن يذكر فلا ينسى» (¬13). وإنّما يكون هذا بتلاشي النّفس في مشاهدته، وأن لا يشارك في حول ولا قوّة، ولا ينازع في اختيار بعزم أو خاطر. وقيل: تقوى الله حقّ تقاته محافظة أحكام ¬
الشّرع (¬1). فالأوّل في المعتصمين بالله (¬2)، والثاني في (¬3) المعتصمين بحبل الله. وعن قتادة والسدّي وابن زيد أنّ هذه الآية منسوخة بقوله: {فَاتَّقُوا اللهَ مَا اِسْتَطَعْتُمْ} [التّغابن:16] (¬4). 103 - {وَاِعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ:} نزلت في الأوس والخزرج وتذكيرهم (¬5) الضغائن واقتتال الطائفتين، قال ابن إسحق: كانت العداوة قائمة بينهم مئة وعشرين سنة، فأزالها الله تعالى بجمعهم على الإسلام (¬6). وقال الحسن: نزلت في جميع القبائل وما كان بينهم من الطوائل، فرفعها الله بالإسلام (¬7). و (الحبل): العهد (¬8)، وعهد الله القرآن والإسلام (¬9). {وَلا تَفَرَّقُوا:} أمر بلزوم الجماعة والائتلاف على الطاعة؛ لأنّ ضدّ التّفرّق واحد وهو الإجماع، والنهي (¬10) عن الشيء الذي له ضدّ واحد أمر بضدّه (¬11). و (التّأليف): التّوفيق وإزالة التّنافر (¬12). و {شَفا حُفْرَةٍ:} حرف أخدود وقبر (¬13)، وهذا على وجه المثل لمن قرب من الهلاك (¬14). {فَأَنْقَذَكُمْ:} أنجاكم من الحفرة والنار (¬15). وإنّما أخبر عنهما وأعرض عن (شفا)؛ لأنّ المقصود فيهما (¬16). 104 - {وَلْتَكُنْ:} لام أمر، وأصلها (71 و) كسر، سكّنت (¬17) لصيرورة الواو من نفس الكلمة (¬18). ¬
و «(من): للتّبعيض» (¬1). والأمر فرض على الكفاية إذا قام به البعض وحصل المعروف وزال المنكر سقط الفرض (¬2) عن الباقين. وقيل (¬3): (من) لتخصيص المخاطبين، وهي مؤكّدة، كقوله (¬4): {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ} [الحجّ:30]. 105 - {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا:} اليهود والنصارى، تفرّقوا بالعداوة (¬5). {وَاِخْتَلَفُوا:} في الدّيانة بالمنازعة في الأصول، وترك الاقتصار على الكلمة السواء التي ارتضاها الله وكان صدر الأمّة عليها (¬6). 106 - {يَوْمَ:} «نصب على الظرف» (¬7)، والمظروف العذاب العظيم (¬8). و (ابيضاض الوجوه): إسفارها ونضارتها، لفراغ القلب وبرد العيش (¬9). و (اسوداد الوجوه): إظلامها بالقتر (¬10) والذّلّة، وذلك إذا تزايدت الحسرات، وغلى الدّم، وصار الإنسان كالمخنوق (¬11). {أَكَفَرْتُمْ:} يقال لهم (¬12): أكفرتم؟ وهو في شأن المرتدّين عن الإسلام (¬13). ويجوز في أهل الكتاب؛ لأنّهم كانوا مؤمنين بما عندهم من نعت نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم إلى أن غيّروا وبدّلوا (¬14). ويحتمل في الكافّة؛ لأنّ (¬15) كلّ مولود يولد على الفطرة (¬16). و (الذّوق): إحساس طبيعته (¬17) بالمس، يستعمل في المطعوم والمشروب حقيقة، وفي الثّواب والعقاب استعارة، قال الله تعالى: {فَأَذاقَهَا اللهُ لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ} [النّحل:112]، ¬
وقال أبو سفيان لحمزة: ذق عقق (¬1). 108 - {وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْماً:} أي: لا يشاء أن يعاملهم على غير قضيّة حكمته، كإخلاف الوعد وكنقص (¬2) الثواب من غير نسخ، والزّيادة في العقاب من غير إنذار (¬3). (يريد): يحبّ، ومعناه: لا يحبّ منهم (¬4) الظّلم فيما بينهم، فاتّصالها بما قبلها من حيث ذكر الثّواب والعقاب، أو من حيث ذكر الوعد والوعيد. 109 - {وَلِلّهِ ما فِي السَّماواتِ:} اتّصالها بما قبلها (¬5)؛ لأنّ الإساءة (¬6) إلى المملوك على الإطلاق لا يكون ظلما ما لم يخالف للحكمة (¬7)، يدلّ عليه إحداث الآلام الدنياويّة في الحيوان ابتداء من غير جزاء. وعلى المعنى الثاني من حيث (¬8) ذكر الوعد والوعيد فأعقب ذكر الملك والاستيلاء ليكون الوعد والوعيد أمكن في قلوب المخاطبين (¬9). 110 - {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ:} ينتظم بقوله: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اِتَّقُوا اللهَ،} إلى قوله: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا} [آل عمران:102 - 105]، وما بينهما عارض (¬10). وزعم الكلبيّ أنّه عنى بالخطاب ابن مسعود وسالما وحذيفة ومعاذ (¬11)، وقال صلّى الله عليه وسلّم: (أنتم تتمون سبعين أمّة أنتم خيرها وأكرمها على الله) (¬12). {(كُنْتُمْ)}: أي: أنتم (¬13)، و (كان) زائدة إلا أنّه للتأكيد كقوله: {مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا} [مريم:29]، {وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً} (¬14) [النّساء:96]. وقيل (¬15): تكوّنتم وحدثتم. وقيل (¬16): كنتم في اللوح المحفوظ. ¬
{أُخْرِجَتْ:} أبرزت وأظهرت من الغيب بتركيب الأرواح والأجساد (¬1). وقيل: أخرجت من الكفر إلى الإسلام. {لِلنّاسِ:} أي: أنتم خير الناس للناس وأظهر لتدعوا الناس، أو ليراها (71 ظ) الناس (¬2). والآية دالّة على صحّة الإجماع (¬3). {لَكانَ خَيْراً لَهُمْ:} أي: لكان الإيمان الموجب للنّعمة الأبديّة مع الأنبياء والصّدّيقين (¬4) والشّهداء خيرا من الكفر المقتضي متاعا قليلا من الرشى ومواريث الكفّار (¬5). {مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ:} عبد الله بن سلام وأمثاله (¬6). {الْفاسِقُونَ:} «الكافرون» (¬7). 111 - {لَنْ يَضُرُّوكُمْ:} اتّصالها بما قبلها من حيث ذكر أهل الكتاب، والحثّ على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالإخبار عن صرف ضررهم (¬8). {إِلاّ أَذىً:} لن يبلغ ضررهم لكم إلا مقدار ما تتأدّون به من القول المكروه وبعض (¬9) العناء في استئصالهم، وأمّا أن يهزموكم أو يقاوموكم أو يستزلّوكم فلا (¬10). {يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبارَ:} يستقبلوكم بأدبارهم حالة إدبارهم منهزمين (¬11). وهو (¬12) مجزوم؛ لأنّه جواب الشّرط (¬13). {ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ:} كلام مستأنف (¬14)؛ لأنّه من قضيّة الكفر قاتلوا أو لم يقاتلوا؛ لأنّ قضيّة القتال وحكم الآية معجزة فضلا عن النظم والمعنى؛ لأنّ الله أنجز وعده وكبت (¬15) يهود ¬
المدينة وبني قريظة وبني النّضير وبني قينقاع ويهود خيبر، وكان الإخبار قد سبق به (¬1). 112 - {إِلاّ بِحَبْلٍ مِنَ اللهِ:} يعني ما نطق به كتابه من المنع عن قتلهم (¬2) وسبيهم عند بذلهم الجزية (¬3). {وَحَبْلٍ مِنَ النّاسِ:} عهود المسلمين وذممهم مؤتمرين بعهد الله، وعهود النصارى والمجوس وعبدة الأوثان لهم، فإنّ اليهود لا عزّة لهم ولا منعة حيث كانوا إلا بعهد وذمّة (¬4). و {ذلِكَ} الثاني بدل عن {ذلِكَ} الأوّل. والعصيان والاعتداء مع الكفر والقتل في معنى واحد (¬5). وقيل: إنّ العقوبة على (¬6) كفرهم وقتلهم وكفرهم وقتلهم (¬7) بشؤم عصيانهم واعتدائهم على سبيل التدريج (¬8). 113 - {لَيْسُوا سَواءً:} كالاستثناء في الحكم؛ لأنّه خص الذّمّ العامّ المتقدّم. والضمير في (ليسوا) لأهل (¬9) الكتاب. (سواء) (¬10): مستوين على الصّفة المذمومة المتقدّمة (¬11). بيّن اختلافهم ومن خالف الصّفة المذمومة المتقدّمة منهم (¬12). {مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ:} مبتدأ (¬13). {قائِمَةٌ:} مستقيمة عادلة، عن الحسن وابن جريج (¬14). وقيل: قائمة (¬15) في الصلاة (¬16). {آناءَ اللَّيْلِ:} ساعاته، واحدها: إني، ك (نحي) وأنحاء (¬17). ¬
114 - {وَيُسارِعُونَ:} يسابقون ويبادرون إلى القرب والطاعات (¬1). وضدّ السّرعة: البطء، وضدّ العجلة: الأناة (¬2). 115 - {فَلَنْ يُكْفَرُوهُ (¬3)}: لن يجحدوا خيرهم، كقوله: {فَلا كُفْرانَ لِسَعْيِهِ} [الأنبياء:94]، فعدّي (¬4) بغير باء، قال الله تعالى: {جَزاءً لِمَنْ كانَ كُفِرَ} [القمر:14]. المعنى أنّ من كسب خيرا لم يحرم جزاءه ولم يظلم بإخلاف الوعد (¬5). 116 - {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا:} خصّهم؛ لأنّ التقدير: من عذاب الله وبأسه، وعذابه على الإطلاق عليهم دون غيرهم، أو لأنّ مال المؤمنين وأموالهم بنفقاتهم من حيث الكفّارة (¬6) والدّعاء والشّفاعة. 117 - {مَثَلُ ما يُنْفِقُونَ:} نزلت في [نفقات] (¬7) أبي سفيان (72 و) يوم بدر على عداوة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وقال مقاتل (¬8): نزلت في نفقة اليهود على رؤسائهم. وهي عامّة فيهما وفي كلّ معصية. {صِرٌّ:} برد (¬9)، نهى صلّى الله عليه وسلّم عن أكل ما قتله الصّرّ من الجراد (¬10)، والصّرصر: ما يضاعف فيه البرد (¬11). وقيل (¬12): الصّرّ: النار ذات الالتهاب. وإنّما شبه نفقتهم بهذا (¬13) الرّيح؛ لأنّها وضعت شرفهم وهدمت مجدهم وأورثهم العار في الدنيا والآخرة كما أهلكت الرّيح الحرث (¬14). ¬
{قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ:} بمعصية الله (¬1)، لا حصدوا زرعهم ولا نالوا ثواب المصيبة. 118 - {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا:} نزلت في قوم أضافوا اليهود والمنافقين لمودّة كانت بينهم (¬2) في الجاهليّة، عن ابن عبّاس (¬3). قدم أبو موسى على عمر الفاروق، وذكر من شأن كاتب نصرانيّ له (¬4)، فأنكر عمر ذلك وتلا هذه الآية، قال أبو موسى (¬5): له دينه ولي كتابته، قال عمر: لا أرفعهم وقد وضعهم الله، ولا أقرّبهم وقد بعّدهم الله تعالى (¬6). (بطانة) الرّجل: خاصّته من أصحابه الذي يستبطن أمره (¬7). {مِنْ دُونِكُمْ:} من دون المؤمنين المخلصين (¬8). {لا يَأْلُونَكُمْ:} «لا يقصرون في أمركم» (¬9). قال الأزهريّ: الألو: يكون جهدا ويكون تقصيرا ويكون استطاعة (¬10). {خَبالاً:} «فسادا» (¬11). {وَدُّوا:} أحبّوا وتمنّوا عنتكم (¬12). و {الْبَغْضاءُ:} حالة شدّة (¬13) الغضب، قال الفرّاء (¬14): هو مصدر. (أفواه): جمع فوه، كأمواه وموه، ولم يستعملوه إلا مضافا لعدم استقلاله، وفوهة الشّعب: فمه. بالفوهة (¬15) الكلمة. وما بدا (¬16) بأفواههم: اللّيّ بألسنتهم والتنقص تعريضا وتصريحا (¬17). ¬
{وَما تُخْفِي صُدُورُهُمْ:} اشتهاء القتل والسبي (¬1). 119 - إذا وقعت الإشارة إلى اسم مكنيّ تقدّمت (ها) التنبيه على الاسم المكنيّ، تقول: ها أنا ذا، وها هو ذا، وربّما عادت (ها) التنبيه بعد الاسم المكنيّ ها أنا هذا (¬2)، وها هو هذا، وها أنت هذا. والمراد بمحبّة المؤمنين للكفّار عطف الرحم والشفقة الطبيعيّة دون اعتقاد المحبّة، كقوله (¬3): {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} [القصص:56]. و (العضّ) من الإنسان كالكدم (¬4) من البعير. و {الْأَنامِلَ:} جمع أنملة، وهي طرف الإصبع (¬5) في المحسوس، وما يقع به (¬6) ابتداء القبض في المعقول. وإنّما فعلوا لما ذاقوا من الغيظ، وكذلك يفعل الإنسان إذا ضاق من تأسف (¬7). و (الغيظ): الحزن الذي يسخن (¬8)، قال الله تعالى: {سَمِعُوا لَها تَغَيُّظاً وَزَفِيراً} [الفرقان:12]. {مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ:} تقريع من جهة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، كقولك (¬9): اخسأ، مقابلة لقولهم: السام عليك. أو الموت مع (¬10) الغيظ حقيقة، حكما من الله أن لا يموتوا إلا مع الغيظ وإن طالت عمرهم (¬11). 120 - {تَسُؤْهُمْ:} «تحزنهم» (¬12). {وَإِنْ تَصْبِرُوا:} عن مخالطتهم (¬13). ¬
و (الكيد): إلطاف الحيلة في مكروه (¬1). فكيد الله إلطاف حيلة أوليائه في مكروه (72 ظ) من يخالفهم. 121 - {وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ:} من أوّل السّورة إلى هذه الآية كفصل واحد، وهذه الآية مبتدأ (¬2) فصل آخر. واتّصالها بالفصل الأوّل من حيث ذكر المنن (¬3) والأحوال الموجودة فيما بين المؤمنين والكفّار. قال ابن عبّاس وعليّ وعائشة وقتادة والسدّي والربيع: نزلت في حرب بدر (¬4) سنة ثلاث، وقال الحسن ومجاهد ومقاتل: في حرب الأحزاب وهي الخندق سنة (¬5) أربع. و (إذ): ظرف العامل فيه قوله: {وَدُّوا ما عَنِتُّمْ} [آل عمران:118]؛ لأنّه يدلّ على زمان، ويحتمل مضمرا وهو: كفيناكم ونصرناكم (¬6). (الغدو): البروز في وجه النهار (¬7)، والرواح بالمساء. قال مقاتل: غدا صلّى الله عليه وسلّم على راحلته، وقال مجاهد (¬8): «على رجليه». (تبوئة) المكان: تهيئته واتّخاذه (¬9). {مَقْعَدِ:} مجالس (¬10). 122 - {طائِفَتانِ:} بنو سلمة وبنو حارثة (¬11)، أشار عليهم عبد الله بن أبيّ بن (¬12) سلول بالانصراف إلى المدينة والمقام بها (¬13). و {إِذْ:} بدل عن (إذ) الأوّل لاتّحاد وقتهما (¬14)، كقوله: {إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثانِيَ} ¬
{اِثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ} [التّوبة:40]. {هَمَّتْ:} كادت (¬1)، على سبيل الاستعارة، كقوله: {يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ} [الكهف:77]. و (الفشل): «الجبن» (¬2). وروي عن بعضهم قال: ما يسرنا أنّا لم نهمّ؛ لأنّ الله أعقب قوله: {وَاللهُ وَلِيُّهُما،} وفيه أعظم رجاء (¬3). وفي جزء عبد الله: (والله وليّهم) كما في قوله: {وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اِقْتَتَلُوا} [الحجرات:9]، وقوله: {خَصْمانِ اِخْتَصَمُوا} [الحجّ:19] (¬4). 123 - (بدر): اسم رجل غفاريّ من بطن يقال لهم: بنو النار، سمّيت بئره باسمه (¬5). وكانت غزوة بدر في شهر رمضان سنة ثنتين (¬6)، وكان لواء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يومئذ (¬7) أبيض مع مصعب بن عمير، وراية سوداء مع عليّ (¬8)، وكانت قريش أخرجت عبّاسا وعقيلا مكرهين مع أنفسهم، وكان عبّاس من مطعمي قريش (¬9) يومئذ. فلمّا التقت الفئتان أهبّ الله (¬10) ريح النصر لأوليائه، وشاهت وجوه الكفّار، وكان كما قال الله: {فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللهَ قَتَلَهُمْ،} الآية [الأنفال:17]، قتل حمزة شيبة بن ربيعة والأسود بن عبد الأسود المخزوميّ، وقتل عليّ العاص بن سعيد والوليد بن عتبة (¬11) وعامر بن عبد الله ونوفل بن خويلد وعبد الله بن حميد، وقتل عمر خالد بن العاص بن هشام، وقتل الزّبير عبيدة بن سعيد بن العاص، وقتل عبيدة بن الحارث عتبة بن ربيعة، وضرب عمرو بن الجموح رجل أبي جهل ووقف عليه ابن مسعود وارتقى ظهره واحتزّ (¬12) رأسه، وقتل عمّار عليّ بن أميّة بن خلف (¬13). عن سعيد بن جبير أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قتل يومئذ ثلاثة صبرا: عقبة بن أبي معيط والنضر بن ¬
الحارث بن كلدة وطعيمة بن عديّ (¬1). وأسر العبّاس وعقيل ونوفل بن الحارث بن عبد المطّلب، (73 و) فالتجأ عبّاس إلى مثل قولها: {وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِها وَكُنّا مُسْلِمِينَ} [النّمل:42]، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: الله أعلم بإسلامك (¬2) فإن كان حقّا فهو يجزيك، وأمّا ظاهر أمرك فكان علينا، وأمره أن يفدي نفسه وابني أخيه، فقال: مالي شيء ولا تترك عمّك يسأل الناس في كفه، قال صلّى الله عليه وسلّم: أين المال الذي وضعته عند أمّ الفضل بمكّة وأوصيت منه لعبد الله كذا وللفضل كذا؟ فقال: والذي بعثك بالحقّ ما علم به أحد غيري وغيرها وإنّي لأعلم أنّك (¬3) رسول الله، فأسلم وأدّى فداء نفسه مئة أوقية وفدى كلّ واحد من ابني أخيه بأربعين أوقية، وأمر عقيلا فأسلم، ولم يسلم نوفل إلى أيّام الخندق (¬4). وفائدة فداء عبّاس كون إسلامهم على سبيل الاختيار دون الاضطرار، وقطع ألسنة الطاعنين المنافقين. {أَذِلَّةٌ:} «جمع ذليل» (¬5)، وهو قليل الشّوكة والمنعة بالسّلاح والعدد (¬6) ودفع الحاجة. 124 - (إمداد) الجيش: الزّيادة فيهم بالعدد والعدد (¬7). والقصّة فيه أنّ فريقا من المؤمنين كرهوا الخروج على ما سنذكره في الأنفال (¬8)، فقال صلّى الله عليه وسلّم هذا بوحي من عند الله، فأجابوه بالسّمع والطاعة. 125 - {بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ:} قال ابن عبّاس: إنّ الملائكة لم تقاتل إلا يوم بدر (¬9). قيل: هي عدة ليوم (¬10) أحد على شريطة الصبر، فلم يصبروا ولم يكن هذا الإمداد (¬11). وقيل: لمّا وعد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بثلاثة آلاف بإذن الله وأجابوه بالسمع والطاعة (¬12) زاد الله في تلك العدة، وهذا أصحّ؛ لأنّه قال: {مِنْ فَوْرِهِمْ،} أي: على وجههم وحالهم دون وقت آخر (¬13). ¬
قيل: كانت جملة الملائكة يومئذ ثمانية آلاف (¬1)؛ لأنّ (بل) يثبت الثاني يدفع (¬2) الأوّل في اللفظ ولا يثبتهما معا، وقال في الأنفال: {بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ} [الأنفال:9] وذلك يكون ألفين (¬3)، وألفان مع ثلاثة آلاف خمسة آلاف (¬4). {مُسَوِّمِينَ:} قال ابن عبّاس والحسن وقتادة ومجاهد والضحّاك: إنّها الصّوف في نواصي الخيل وأذنابها (¬5). وعن ابن عبّاس: عمائم بيض، وكانوا سدلوا بين أكتافهم (¬6). وقيل (¬7): كانت عمائم صفر مثل عمامة الزّبير يومئذ. وقال مجاهد: كانت (¬8) أذناب خيلهم محزوزة (¬9). وقيل (¬10): كانوا على خيل بلق. فالجمع بين الأقاويل ممكن ما خلا لون العمائم فإنّها (¬11) تخيّلت لقوم بلون ولقوم بلون. 126 - {وَما جَعَلَهُ اللهُ:} أي: الإمداد (¬12). وقيل (¬13): الوعد المشروط، وإن عظمت بهذا الإمداد شوكتكم وكثرت عدّتكم وسكنت روعتكم. {وَمَا النَّصْرُ إِلاّ مِنْ} حكم الله وتقديره (¬14). وهذا دليل أنّ العبد محتاج إلى الله تعالى في جميع أحواله (¬15). 127 - (القطع): إبطال التأليف بالحز (¬16). و (الطّرف): حرف الشخص (¬17). و (الكبت): القهر، والمكبوت: الحزين، والكبت والكبد بمعنى كما يقال: سبد رأسه وسبت، ¬
أي: حلقه (¬1). و (الانقلاب): الانصراف (¬2). و (الخيبة): انقطاع الأمل (¬3). ولا بدّ لحروف المعاني من أفعال تتّصل بها (73 ظ) إلى الأسماء فالتقدير (¬4): وأنتم أذلّة ليقطع، أو: منزلين ليقطع (¬5)، أو: مسوّمين ليقطع، أو (¬6): وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم ليقطع (¬7)، ليقتل طائفة منهم وينقصهم. وإنّما استعمل في النقص قطع الطّرف دون الوسط؛ لأنّ قطع الوسط يأتي (¬8) على الكلّ. 128 - {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ:} نزلت حين لعن صلّى الله عليه وسلّم أبا سفيان بن حرب والحارث بن هشام وصفوان بن أميّة، فتاب الله عليهم وأسلموا وحسن إسلام بعضهم أو كلّهم (¬9). وقيل: نزلت في قنوته على عصية وذكوان حين قتلوا سبعين رجلا ببئر معونة من أصحاب الصفّة (¬10). قال ابن مسعود: كاد صلّى الله عليه وسلّم أن يدعو على المنهزمين يوم أحد فأنزل، وعفا عنهم بعدها (¬11). وعن ابن عبّاس وأنس والحسن وقتادة والربيع أنّه صلّى الله عليه وسلّم أراد أن يدعو على الكفّار أجمعين يوم أحد لمّا شجّوا رأسه وكسروا رباعيّته فأنزل (¬12). وقيل: إنّها نزلت في النهي عن المثل والعقوبات (¬13). كانت هند أعطت قلادتها يوم أحد لوحشيّ قاتل حمزة، واتّخذت قلادة من الآذان والأنوف، وبقرت عن كبد حمزة فلاكتها فحرّمها الله عليها فلم تستطع أن تسترطها (¬14) فلفظتها. وعن سعيد بن المسيّب أنّ عبد الله بن جحش قال قبل أحد: اللهمّ إن لاقينا هؤلاء غدا ¬
فإنّي أسألك (¬1) أن يقتلوني ويبقروا بطني ويجدعوا أنفي وأدني ويمثّلوا بي، فتقول لي (¬2) يوم القيامة: فيم فعل بك هذا؟ فأقول: فيك فيك (¬3)، فلمّا كان يوم أحد قيض الله الكفّار ففعلوا به ما تمنّاه، فمرّ به من سمع مقالته فقال: أمّا هذا فقد أعطاه الله في نفسه ما سأله في الدنيا وهو يعطيه ما سأله في الآخرة. ولمّا بلغ الأمر هذا المبلغ همّ صلّى الله عليه وسلّم أن يعمّهم بالدّعاء وأن ينال منهم ضعف ما نالوا فأنزل: {وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا،} الآية [النّحل:126] (¬4). (من الأمر): الشّأن (¬5)، والألف واللام للمعهود، وهو في معنى قوله: {وَمَا النَّصْرُ إِلاّ مِنْ عِنْدِ اللهِ} [آل عمران:126]، وقوله (¬6): {وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ} [الأنفال:17]. {أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ:} معطوف على قوله (¬7): {أَوْ يَكْبِتَهُمْ،} ويحتمل أنّه في معنى: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} [القصص:56]. وقيل: {(أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ)} يعني (¬8): إلا أن يتوب عليهم (¬9) أو يعذّبهم، كقولك: لألزمنّك أو تعطيني حقّي (¬10)، فعلى هذا معناه: ليس لك أن تحكم على أعيانهم بجنّة ولا نار حتما إلى أن يظهر الله أمره ويميز [الله] (¬11) الخبيث من الطيّب. 129 - {وَلِلّهِ ما فِي السَّماواتِ:} يدلّ أنّ إطلاق الملك يوجب نفاذ المشيئة واتجاه العذاب على حكم المشيئة (¬12). 130 - واتّصال آية الرّبا بما تقدّم من حيث ذكر المنن؛ لأنّها توجب الشّكر والانقياد (¬13). وإنّما بدأ بالرّبا؛ لأنّه كان من شرائع الجاهليّة، فنهى المسلمين عنه ليدخلوا في السلم كافّة ولا يتشبّهوا بالكفّار (¬14). ¬
و (الأضعاف): أقلها ثلاثة (¬1)، والأضعاف المضاعفة أقلّها ستّة. وإنّما ذكر لقبحه في (74 و) المعاملة. 132 - {وَأَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ:} إنّما ذكر الرسول ليعلم أنّ أوامره شريعة واجبة وإن لم ينطق بها الكتاب لتقرير الله ذلك بتبقية إعجازه، وقد تواترت الأخبار أنّه صلّى الله عليه وسلّم (¬2) قال: (أوتيت الكتاب ومثله مرّتين) (¬3). وذكر أولي الأمر في النّساء (¬4) ليعلم أنّه يترك (¬5) الاجتهاد لاجتهادهم، وأنّ إليهم إقامة الجمعة والعيد والفيء والحدود، وإن وقع التّنازع في شيء رجعوا إلى كتاب الله وسنّة رسوله. 133 - {وَسارِعُوا:} المسارعة إلى الجنّة، وهي مسابقة بعض الناس بعضا. أو مسابقتهم انقضاء الأجل إلى عمل يوجب الجنّة، فقيل: إنّه التّوبة، وقيل: الغزو، وقيل: الهجرة، وقيل: الوقوف على قضيّة الأمر والنهي، وقيل: الجمعة والجماعات، وعن سعيد بن جبير: الطاعة، وعن أنس بن مالك: التّكبيرة الأولى، وعن عثمان: الإخلاص في العمل، وعن عليّ: الفرائض (¬6). {عَرْضُهَا السَّماواتُ:} أي: كعرض السموات (¬7). وإنّما حذف لعدم الإيهام كقوله صلّى الله عليه وسلّم: (الضّبع نعجة سمينة) (¬8). وذكر العرض دليل على الطّول أنّه زائد، والطّول لا يدلّ على العرض (¬9). قيل: جاء يهوديّ إلى عمر بن الخطّاب فقال (¬10): أرأيت قوله: {وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ،} الآية، فقال عمر لأصحاب محمّد صلّى الله عليه وسلّم: أجيبوه، ولم يكن عندهم فيها شيء، فقال: أرأيت النهار إذا جاء يملأ السموات والأرض، قال: بلى، قال: فأين الليل؟ قال: حيث شاء الله، فقال عمر: والنّار حيث شاء الله (¬11)، فقال اليهوديّ: والذي نفسك بيده يا أمير المؤمنين إنّها لفي كتاب الله ¬
المنزل كما قلت (¬1). 134 - {السَّرّاءِ:} حالة السرور والنّعمة (¬2). و (كظم) الشيء: حبسه عن الظّهور والخروج، يقال: كظم البعير على جرّته، إذا ردّها في حلقه، وكظم فلان القربة (¬3)، والكظام: لوح عريض يسدّ به فم النّهر، وهو مستعمل في الغضب والحزن إذا لم يظهرها الإنسان (¬4). 135 و 136 - {وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً:} الآيتان تدلاّن (¬5) أنّ الله تعالى أحبّ أن يعبد بابتداء الخير والرّجوع إلى الخير بعد الشّرّ (¬6)، وفي الحديث: إنّ الله تعالى يحبّ العبد المفتّن (¬7) التوّاب. و (الفاحشة): الكبيرة، و (ظلم الأنفس): الصّغائر (¬8). وقيل (¬9): الفاحشة: ما يحدوا (¬10)، وظلم النّفس: ما لا يحدوا (¬11). ويحتمل قلب هذا. {ذَكَرُوا اللهَ:} بقلوبهم عند ألوان ذمته عليهم بعد الغفلة (¬12). {وَمَنْ يَغْفِرُ:} استفهام بمعنى التقرير (¬13). {الذُّنُوبَ:} الجرائم التي تكون آثاما دون ما يمكن الناس مغفرته (¬14). واختلف في أرجى آية، قيل (¬15): قوله: {لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ} [الزّمر:53]، وقوله: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى} (5) [الضّحى:5]، وقيل (¬16): هذه الآية. ¬
{وَلَمْ يُصِرُّوا:} لم يعزموا المقام {عَلى ما فَعَلُوا} بترك نيّة الإقلاع عنها والتّوبة منها (¬1)، وقال عطاء: إذا أذنب (¬2) أحدكم فليسرع إلى الرّجوع (74 ظ) يغفر الله له (¬3). {وَهُمْ يَعْلَمُونَ:} عالمين أنّه معصية (¬4)، فأمّا إذا اشتبه عليهم ممّا (¬5) يسوغ فيه الاجتهاد فلا عليهم (¬6). وقيل (¬7): وهم يعلمون أنّ الله يقدر أن يجعل الذّنوب مغفورة. {الْعامِلِينَ:} عاملو الخصال المذكورة من الخيرات. 137 - {سُنَنٌ:} واحدها سنّة، وهو ما وضع من رسم ومثال في السّيرة (¬8). قال الحسن وابن إسحق (¬9): سنن الله تعالى في المكذّبين، وقال الزّجّاج (¬10): قد خلت من قبلكم ذو سنن وطرائق. 138 - {هذا:} إشارة إلى التّنبيه على السّنن الخالية (¬11)، وقيل (¬12): إلى النّظر المأمور به. 139 - (الوهن): الضعف (¬13). وإنّما جاز النّهي عنه؛ لأنّ الإنسان ربّما اكتسبه بالجبن والتّخوّف وتمكّن (¬14) الأهوال من القلب. و (العلوّ): الرّفعة والسّموّ مكانا (¬15) أو مكانة. وأراد ههنا المكانة والغلبة (¬16)، ومنه كان فضيلة هذه الأمّة على بني إسرائيل حيث قال لموسى عليه السّلام وجنده: {إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى} [طه:68]، وقال لهذه الأمّة: {وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ} (¬17). ¬
{إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ:} متّصل بالنّهي، وقيل: بالخبر (¬1). 140 - {إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ:} نزلت في تسلية المؤمنين ممّا أصابهم يوم أحد (¬2). وشاور رسول الله يومئذ أصحابه في الخروج إلى العدوّ وقال: إنّي رأيتني لبست درعا فأوّلتها المدينة، فأشار عليه (¬3) ابن أبيّ بن سلول أن لا يخرج، وأشار عليه رجال من المسلمين أن يخرج، فلبس درعا وخرج في ألف رجل، وانخذل ابن أبيّ بن (¬4) سلول بثلث الناس غيظا أن لم يقبل قوله، واتبعه عمرو بن حزام. ولمّا وصل (¬5) رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى الشّعب في أحد أمّر عبد الله بن جبير أحد بني عمرو بن عوف على خمسين رجلا من الرّماة وأوصاهم أن لا تبرحوا كانت الحرب لنا أو علينا كي لا تأتينا الخيل من ورائنا. وظاهر بين درعين وجعل ظهره إلى أحد وتهيّأ للقتال. ودفع سيفا إلى أبي دجانة ضمن أن يأخذه بحقّه، وتعمّم بعمامة حمراء (¬6) وتبختر بين يدي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: إنّها لمشية يبغضها الله تعالى إلا في مثل هذا الموضع، وقاتل أبو دجانة يومئذ قتالا شديدا موفيا عهده. وحميت الحرب فقتل عليّ بن أبي طالب طلحة بن أبي طلحة وهو يحمل لواء قريش، فخلفه سعد بن أبي طلحة فرمى (¬7) سعد بن أبي وقّاص فقتله، فخلفه شافع فرماه عاصم بن ثابت الأنصاريّ وقتله، فخلفه الحكم بن الأخنس ثمّ عبد الله بن حميد وأبو حذيفة بن حميد وأبو أميّة بن حذيفة (¬8). وأسر أبو عزّة الجمحيّ الشاعر بعد ما منّ عليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم بدر فجيء به إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فضرب عنقه وقال: لا تمسح خدّيك بين الصّفا والمروة وتقول: خدعت محمّدا مرّتين (¬9). وصدق الله وعده عبده، وانهزم الكفّار، فكان كما قال (75 و) الله تعالى: {وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللهُ وَعْدَهُ،} الآية [آل عمران:152]، فلمّا نظر أصحاب المركز إلى القوم قد انكشفوا أقبلوا يريدون النهب والغنائم وخلّوا ظهور المسلمين (¬10) عارية فأتوا من ورائهم، وصرخ صارخ: ألا (¬11) إنّ محمّدا قد قتل، يقال: إنّه كان إبليس، وصار المسلمون ثلاثة أثلاث: ¬
ثلث قتلى وثلث جرحى وثلث منهزمون (¬1). وكان حمزة يقاتل رجلا من الكفّار، فتعرض وحشيّ وطعنه بحربة في أنثييه فقتله (¬2). ثمّ خلصوا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقذفوه بالحجارة، فأدمي وجهه وأصيبت (¬3) رباعيّته، وكان زياد بن السكن الأنصاريّ ممّن شرى نفسه لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم وفداه بنفسه، وترس أبو (¬4) دجانة نفسه دون رسول الله يقع في ظهره النّبل. وقصد عبد الله بن قميئة الليثيّ قتل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فرد (¬5) عنه مصعب بن عمير فقتل مصعبا وهو يرى أنّه رسول الله (¬6)، ورجع إلى أبي سفيان مبشّرا بقتل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأقبل أنس بن النضر عمّ أنس بن مالك إلى عمر وطلحة وغيرهما من المهاجرين فوجدهم (¬7) واقفين متحيّرين فقال: ما بالكم؟ قالوا: قتل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال (¬8): فما تصنعون بالحياة بعده؟ موتوا كراما على ما مات عليه (¬9) نبيّكم، ثمّ انحاز (¬10) إلى القوم فقاتل حتى قتل (¬11). وأوّل من عرف رسول الله بعد هذا كعب بن مالك، قال: عرضت عينيه تحت المغفر تزهران، فناديت بأعلى صوتي: يا معشر المسلمين أبشروا هذا رسول الله، فأشار إليّ أن اسكت (¬12). ثمّ نهض المسلمون إلى رسول الله يقيم نحو الشّعب. ونادى أبو سفيان حين أراد الرّجوع بأعلى صوته: اعل هبل، فوق ذروة الجبل، يوم بيوم (¬13)، يوم أحد بيوم بدر، فأمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عمر بن الخطّاب أن يجيبه، فقال: الله أعلى وأجلّ لا سواء قتلانا في الجنّة يتنعّمون وقتلاكم في النار يعذّبون (¬14)، فلمّا سمع أبو سفيان ذلك فقال: هلمّ يا عمر أنشدك الله هل قتلنا محمّدا؟ قال: كلاّ وإنّه ليسمع كلامك، فقال: والله إنّك عندي أصدق من عبد الله [بن] (¬15) قمية الليثيّ، زعم أنّه قتله (¬16). ¬
وكان صلّى الله عليه وسلّم يقول يومئذ لسعد: ارم فداك أبي وأمّي (¬1). وأصيبت عين قتادة بن النّعمان حتى وقعت [على] (¬2) وجنتيه فردّها رسول الله إلى مكانها فعادت كأحسن ما كانت (¬3). ولمّا انصرف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تبعه أبيّ بن (¬4) خلف يقول: لا نجوت إن نجوت، فقال بعض: ألا يعطف عليه رجل؟ فقال صلّى الله عليه وسلّم: دعوه، حتى إذا دنا تناول حربة من الحارث بن الصمة، ثمّ عطف عليه وأشار بها إلى عنقه، فخدش خدشة وتدهدى (¬5) عن فرسه يقول: قتلني محمّد، وأحاطت به قريش تقول: ما بك (¬6) بأس، وهو يقول: بلى فإنّ محمّدا كان توعّدني أن يقتلني فلو بزق عليّ بعد مقالته (75 ظ) تلك لقتلني (¬7)، فكان كما قال ولم يبلغ مكّة. ولمّا انتهى رسول الله [إلى] (¬8) فم الشّعب استقبلته فاطمة معها قربة من ماء وغسلت الدّم عن وجهه، ثمّ جيء بعليّ وعليه نيّف وستّون (¬9) جراحة من طعنة ورمية وضربة، فجعل رسول الله يمسحها بإذن الله، فتلتئم بإذن الله كأن لم تكن. وجيء بحمزة وسائر الشّهداء فصلّى عليهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتى كبّر سبعين تكبيرة، فلمّا فرغ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من صلاته مال نساء المدينة يبكون لموتاهنّ، فقال (¬10): أمّا حمزة لا بواكي له، فبكى (¬11) نساء المدينة حمزة أوّلا ثمّ بكين قتلاهنّ، وصار (¬12) ذلك عادة لهنّ إلى يومنا هذا. (مداولة الأيّام): صرفها وإدارتها (¬13). {وَلِيَعْلَمَ:} عطف على المعنى، وكأنّه قال: إن يمسسكم قرح فلأنّه مسّ القوم قرح مثله وليعلم. وقيل: فيه إضمار، وتقديره: نداولها بين النّاس لضروب من المصلحة وليعلم الله (¬14). وقيل: أوّل القصّة: {وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللهُ} إلى قوله: {لِيَبْتَلِيَكُمْ} [آل عمران:152]، (وليعلم): عطف عليه. ¬
{وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ:} يجتبيكم (¬1) بالشّهادة. {وَاللهُ لا يُحِبُّ الظّالِمِينَ:} أي: لم يدلهم عليهم (¬2) لمحبّتهم ولكن بهذه المعاني. 141 - و (التّمحيص والمحق) كلاهما إذهاب الشيء، إلا أنّ المراد بتمحيص المؤمنين تمحيص ذنوبهم وما في قلوبهم من الغلّ والعيوب، وبمحق الكافرين سلب عزّهم وشوكتهم وإزهاق أرواحهم بالعقوبة لهم في ثاني الحال أو بالمداولة (¬3). 143 - {وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ:} نزلت في قوم لم يشهدوا بدرا فلمّا شاهدوا الموت في أصحابهم يوم أحد فرّوا فهزموا ولم يقدموا لما تمنّوا، عن الحسن ومجاهد وقتادة والرّبيع (¬4)، وهي وجه العتاب، وإنّما تمنّوا ذلك؛ لأنّهم كانوا متيقنين بمحاربة (¬5) الكفّار وقتلهم بعض المسلمين، فلم يقع تمنّيهم لغلبة الكفّار ولكنه لما رجوه من أن يكون ذلك البعض (¬6). واختلف في رؤية الأعراض، فمن جوّز أراد به رؤية العينين، ومن لم يجوّز فهي رؤية القلب (¬7). 144 - {وَما مُحَمَّدٌ إِلاّ رَسُولٌ:} نزلت في المنهزمين يوم أحد وفي المتشكّكين في أمرهم، إذ سمعوا: ألا إنّ محمّدا قد قتل، فأخبرهم الله تعالى أنّ محمّدا ليس إلا رسولا، وأنّه قد خلت من قبله الرّسل موتا وقتلا، أي: هو صائر (¬8) إلى ما صاروا إليه، وأنكر عليهم الانقلاب على أعقابهم إن مات أو قتل (¬9). وألف الاستفهام داخلة على الشّرط لفظا وعلى الجزاء معنى؛ لأنّ الجزاء كلام مستقلّ بنفسه كقوله (¬10): {أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ} [الأنبياء:34]، أي: أفهم الخالدون إن متّ (¬11)؟ ¬
وفي قوله: {وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً} تهديد ووعيد (¬1)، كما في قوله: {وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ} [آل عمران:97]، {وَما ظَلَمُونا} [البقرة:57]. والمراد ب {الشّاكِرِينَ:} المضادّون للمنقلبين المرتدّين، كخليفة (¬2) رسول الله أبي بكر الصّدّيق وأمثاله (¬3). 145 - (إذن (¬4) الله) ههنا قدر الله (¬5)، وفي الآية تشجيع للمؤمنين (¬6). {كِتاباً} (76 و) {مُؤَجَّلاً:} «مؤقّتا» (¬7). ومثله يجيء للتأكيد كقوله: {وَعْدَ اللهِ} [النّساء:122]، و {كِتابَ اللهِ} [البقرة:101]، و {صُنْعَ اللهِ} [النّمل:88]، و {رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ} [الإسراء:28]، و {جَزاءً مِنْ رَبِّكَ} [النّبأ:36] (¬8). {ثَوابَ الدُّنْيا:} الغنيمة والذّكر (¬9). و {ثَوابَ الْآخِرَةِ:} المغفرة والأجر (¬10). والمراد ب {الشّاكِرِينَ:} مريدو ثواب الآخرة (¬11). وإنّما كرّر وعد جزائهم للتأكيد (¬12)، وقيل: لما يجمع لهم من ثواب الدّارين (¬13). 146 - {وَكَأَيِّنْ:} في معنى (كم) (¬14). والقتل واقع على النّبيّ وعلى الرّبّيّين معه في قراءة من قرأ بغير ألف (¬15)، والوهن منفيّ عن ¬
الباقين كذلك على قراءته كقول الرجل: هزمنا بنو فلان وقتلونا، أي: قتلوا أصحابنا (¬1). و (الرّبّيّون): جمع ربية، وهي الجماعة (¬2). وقيل: الرّبّيّ (¬3) والرّبّانيّ: الرجل المنسوب إلى الرّبّ (¬4). {فَما وَهَنُوا:} أي: بعقولهم وآرائهم (¬5). {لِما أَصابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ:} من الشّدائد والمصائب (¬6). {وَما ضَعُفُوا:} بقلوبهم (¬7). {وَمَا اِسْتَكانُوا:} ما خضعوا وما تضرّعوا ولكن صبروا (¬8). 147 - {قَوْلَهُمْ:} نصب؛ لأنّه خبر (ما) (¬9). و (الذّنوب): هي الآثام (¬10). و (الإسراف): مجاوزة الحدّ والتّمادي والانهماك، والسرف ضدّ القصد (¬11). 148 - وقوله: {فَآتاهُمُ اللهُ} الآية، تحريض للمؤمنين أن يقتدوا بأولئك الماضين لينالوا ما نالوا (¬12). وإنّما قال (¬13): {وَحُسْنَ ثَوابِ الْآخِرَةِ} للتأكيد وإزالة الإيهام فإنّ من المثوبة ما ليس فيه، قال: {هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكَ مَثُوبَةً} [المائدة:60] (¬14). ¬
{وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ:} يدلّ أنّهم كانوا بهذه الخصال محسنين (¬1). 149 - لمّا حذّر الله المؤمنين الانقلاب على أعقابهم إن مات رسوله صلّى الله عليه وسلّم أو قتل ذكر السّبب الدّاعي إلى ذلك ليحذروه، وهو طاعة الكفّار (¬2). 150 - {بَلِ اللهُ:} (بل): للإضراب عن الأوّل والإقبال على الثاني (¬3)، أي: بل الله هو أهل لأن يطاع لا الذين كفروا (¬4). 151 - {سَنُلْقِي:} قيل: لمّا انصرف أبو سفيان عن أحد قال: أين الموعد؟ فأمر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أن يقول: بدر الصّغرى، فرجع على ذلك، فلمّا كان وقت ذلك (¬5) ألقى الله {فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ} (¬6) فلم يحضروا، وأرسلوا نعيم بن مسعود الثّقفيّ يخوّف المسلمين لئلا يخرجوا، وفي ذلك أنزل الله: {الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النّاسُ إِنَّ النّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ} [آل عمران:173]. و {الرُّعْبَ:} «الخوف» (¬7). {بِما أَشْرَكُوا:} الباء للسّبب (¬8). {بِاللهِ:} الباء بمعنى (مع). {بِهِ:} أي: بعبادته وإشراكه. «و (السّلطان): الحجّة والبرهان» (¬9)، قال الله: {لا تَنْفُذُونَ إِلاّ بِسُلْطانٍ} [الرّحمن: 33]، وقال: {لَوْلا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطانٍ بَيِّنٍ} [الكهف:15]. وكلّ معبود دون الله لم ينزّل الله به سلطانا قطّ. و (المثوى): موضع اللبث والثواء (¬10). 152 - {وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللهُ:} أنزل الله تثبيتا للمؤمنين وحسما للخواطر الفاسدة، وبيّن ¬
أنّه (¬1) صدق وعده بالتّمكين من أصحاب الألوية وأبي عزّة الجمحيّ وأمثاله وردّ (¬2) الكفّار أجمعين يوم أحد من أوّل الالتقاء إلى أن عصت الرّماة بتركهم المركز بعد ما أراهم الله ما يحبّون من النصرة والظّفر، وتنازعوا واختلفوا فيما بينهم، وفشلوا بما سمعوا من الإرجاف (76 ظ) أنّ محمّدا قد قتل، ثمّ صرفهم بعد ذلك عن الكفّار بما كسبوا، وأدالهم منهم ليمتحنهم بالقتل والشّدائد عقوبة لتركهم المركز، وإنّما عفا عنهم كما عفا عن بني إسرائيل بعد الموت وقتل الأنفس (¬3). {تَحُسُّونَهُمْ:} تهلكونهم بمشيئته وأمره، يقال: البرد محسّة للنّبت (¬4). وقوله: {مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا،} الآية، قيل (¬5): عارض. وقيل: بيان لحالهم عند تركهم المركز فإنّ بعضهم (¬6) ترك للغنيمة وبعضهم للجهاد ومباشرة القتال والوقت (¬7). 153 - والمراد بقوله: {إِذْ تُصْعِدُونَ} وقت صرفهم وابتلائهم. و (الإصعاد): هو الذهاب في الصّعود وهو الارتقاء (¬8)، وقيل (¬9): الإصعاد: الإبعاد في الأرض، وقيل (¬10): أن تذهب على وجهك (¬11) ولا تميل. {وَلا تَلْوُونَ:} لا تثنون ولا تعرّجون (¬12). {فِي أُخْراكُمْ:} أي: «من ورائكم: (¬13)، يقول: إليّ عباد الله، [إليّ] (¬14) يا أهل سورة البقرة وآل عمران. {غَمًّا بِغَمٍّ:} أي: على (¬15) غمّ. فالأوّل الهزيمة، والثاني ما ذكره ابن جريج أنّ أبا سفيان لمّا توسّط الشّعب وقف فظنّ المسلمون أنّه سوف يميل عليهم فأنساهم ذلك الغمّ الأوّل (¬16). ¬
وقيل (¬1): غمّكم مكان ما غممتم نبيّه لترك إجابته. {لِكَيْلا:} أي: إنّما أثابكم غمّا لئلا {تَحْزَنُوا عَلى ما فاتَكُمْ} من الغنائم {وَلا ما أَصابَكُمْ} من العناء والمشقّة والجراح (¬2)، قيل: هذا الغمّ الثاني (¬3) الذي أنساكم الغمّ الأوّل مخافة الاستئصال. و (الغمّ): حزن كأنّه يغشى القلب ويستره لما يشغله عن كلّ شيء (¬4). 154 - {ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ:} والقصّة أنّ أبا سفيان لمّا وعدهم الرّجوع تهيّأ المسلمون للقتال، وطارت قلوب المنافقين، فأنزل الله {أَمَنَةً} على المسلمين حتى غشيهم النّعاس وامتازوا عن المنافقين (¬5). وذلك أدلّ دليل على وفور الأمن وزوال الخوف، ولذلك قال صلّى الله عليه وسلّم: (النّعاس في الحرب من الرّحمن وفي الصلاة من الشّيطان) (¬6). روى أنس عن أبي طلحة قال: أغشانا (¬7) النّعاس يوم أحد ونحن في مصافّنا (¬8). {أَهَمَّتْهُمْ:} شغلتهم {أَنْفُسُهُمْ} عن كلّ شيء حتى لم يهتمّوا إلا لأنفسهم (¬9). و {غَيْرَ الْحَقِّ:} هو الباطل {ظَنَّ} أهل {الْجاهِلِيَّةِ} (¬10). ثمّ بيّن ظنّهم فقال (¬11): {يَقُولُونَ،} أي: في أنفسهم {هَلْ لَنا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ (¬12)} شَيْءٍ: على وجه الإنكار، أي: ما لنا من الخير والظّفر والفلاح من شيء في متابعة هذا الرجل وفي هذه الحروب (¬13). وقوله: {لَوْ كانَ:} استدلالهم الفاسد واعتبارهم الباطل، فبيّن الله تعالى أنّ المعلوم المقدّر كائن لا محالة (¬14)، وذلك وحده لا يدلّ على حقّ وباطل إذ هو علم في جميع الحيوان. ¬
{كُتِبَ:} قدّر وقضي (¬1). و (المضجع): موضع الإضجاع (¬2). والمراد بالمضاجع ههنا المصارع (¬3). 155 - {إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ:} نزلت في المنهزمين يوم أحد، منهم من انهزم ساعة، ومنهم من رجع إلى المدينة، (77 و) ومنهم من خرج إلى جلعب (¬4)، جبل بالمدينة، فلم يرجع إلا (¬5) بعد ثلاث. {اِسْتَزَلَّهُمُ:} بأن خوّفهم أن يقتلوهم قبل التوبة والإقلاع عن الذّنوب والمظالم. وإنّما توصّل إلى تخويفهم بشؤم (¬6) تركهم المركز، فعفا الله عنهم أجمعين (¬7). 156 - {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا:} نزلت في المؤمنين تحذيرا أن يكونوا كالمنافقين (¬8). وإنّما قال: {إِذا ضَرَبُوا} ولم يقل: إذ ضربوا؛ لأنّ المراد هو الإخبار عن عادتهم في الحال والماضي والمستقبل دون الإخبار عن فعلة واحدة فيما مضى (¬9). و {غُزًّى:} جمع (غازي)، كركّع وسجّد جمع راكع وساجد (¬10). و (الغزو): الخروج إلى القتال (¬11). {لِيَجْعَلَ اللهُ:} «لام العاقبة» (¬12). وإنّما يصير {ذلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ} لافتضاحهم في الدنيا وخسرانهم في الآخرة (¬13). والله هو المحيي والمميت في الحقيقة لا (¬14) هذه الأسباب الموهمة للموت (¬15). ¬
157 - واللام في قوله: {لَمَغْفِرَةٌ} جواب (لئن) (¬1). {خَيْرٌ:} لكم. وذلك لأنّ القتيل والميّت محتاجان إلى مغفرة ورحمة من الله، مستغنيان من حطام الدنيا، فما يحتاجان إليه أبدا هو {خَيْرٌ مِمّا يَجْمَعُونَ} ممّا يستغنيان عنه (¬2). 158 - {وَلَئِنْ مُتُّمْ:} بشرى للعارفين وتطميع (¬3) للمحسنين وتنبيه للمذنبين وتقريع للكافرين (¬4). 159 - {فَبِما رَحْمَةٍ:} (ما): صلة عند الكوفيّين (¬5)، وقائم مقام (شيء) عند البصريّين والرّحمة كالبدل والبيان (¬6). و (اللّين): ضدّ الخشونة والفظاظة، ورجل ليّن الجانب إذا كان رقيقا سهل المأخذ (¬7). و (الفظّ) في الأصل: ما في الكرش من الفرث، ورجل فظّ: سيّئ العشرة والخلق (¬8). وإنّما زاد (غلظ القلب) في الوصف للتّأكيد؛ لأنّ من الناس من يكون رقيق القلب سريع الرّضا حسن المرجع مع (¬9) سوء الخلق والعشرة. و (الانفضاض): التّفرّق والانتشار (¬10). {فَاعْفُ عَنْهُمْ:} يقتضي إباحة العفو (¬11). {وَاِسْتَغْفِرْ لَهُمْ:} على الوجوب (¬12). {وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ:} على النّدب والإباحة (¬13). والمعنى فيه استمالة قلوب القوم بالإصغاء إليهم وبإشراكهم في إمضاء الأمر (¬14). ¬
{فَتَوَكَّلْ:} فرض لازم لا يسع تركه (¬1). 160 - في قوله: {إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللهُ} بيان المعنى الموجب للتّوكّل (¬2). وخذلانك صاحبك: وكولك (¬3) إيّاه إلى قدر نفسه بلا إعانة ولا توفيق إرادة منك هوانه، يقال: ظبية خذول، إذا قعدت عن تعهّد ولدها (¬4). وقالت (¬5) الأشعرية: الخذلان نسخ قدرة الخير بقدرة الشّرّ. 161 - {وَما كانَ لِنَبِيٍّ:} نزلت في يوم بدر، فقدوا قطيفة حمراء فاتّهم بعض المنافقين أو الجهّال رسول الله (¬6). و (الغلول): الخيانة (¬7)، وأصله من انغلال (¬8) الماء بين الأشجار (¬9). وتواترت الأخبار في تعظيم شأن غلول الغزاة في الغنيمة (¬10). 162 - اتّباع رضوان الله: اتّباع ما يرضاه من الأفعال كالأمانة، والذي {باءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللهِ} هو الغالّ ونحوه (¬11). و (السخط): إرادة الخذلان والشّرّ (¬12). 163 - معنى {هُمْ دَرَجاتٌ:} أنّ المتّبعين رضوان الله والذين باؤوا بسخط منه (77 ظ) ليسوا في درجة واحدة ولكنّهم ذوو درجات ومدارج (¬13). وأمّا أهل الجنّة فأمرهم معروف وقد قال صلّى الله عليه وسلّم: إنّ أهل الجنّة ليتراءون (¬14) أهل علّيّين كما ترون الكوكب الدّرّيّ في أفق السماء وإنّ أبا بكر وعمر منهم وأنعما (¬15). وأمّا أهل النار فإنّ لهم دركات لا محالة بعضها أسفل من بعض، ¬
ولا يكون بعضها أسفل إلا وبعضها أعلى، فالأعلى درجة بمقابلة الأسفل (¬1). 164 - {لَقَدْ مَنَّ اللهُ:} اتّصالها بما قبلها من حيث ذكر المنن في قوله: {فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ} [آل عمران:159] (¬2). ووجه المنّة ههنا أنّه لو كان من غير العرب لمنعتهم النّخوة العربيّة عن الإيمان به، ولما فهموا كلامه، ولا نالوا به شرفا ومجدا، فأرسل إليهم {رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ} عرفوه وامتحنوه وسمّوه أمينا قبل دعوته ليزيدهم أسباب الإيمان. وإن أجرينا على العموم فهو من أنفسنا؛ لأنّه آدميّ مثلنا من ذرّيّة نوح تمكننا متابعته في هديه وسمته، ولا تنفر عنه طباعنا (¬3). {وَإِنْ كانُوا:} ما كانوا إلا في ضلالة (¬4)، كقوله: {وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكاذِبِينَ} [الشّعراء:186]، واللام مكان الاستثناء (¬5). وقيل: المبالغة، أي: يرشدهم وإن كانوا غير راشدين، لنوع تأكيد. 165 - {أَوَلَمّا:} استفهام بمعنى الإنكار (¬6). وهو داخل على الفعل العامل في (لمّا)، أعني قوله: {قُلْتُمْ،} والواو للعطف على مضمر، فكأنّه قال: أعصيتم أمر نبيّكم وقلتم (¬7). {قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْها:} عارض، وهو كالوصف لهذه المصيبة المذكورة (¬8). والمراد ب {مِثْلَيْها} ما أصابوا يوم بدر ووجه النّهار (¬9) من يوم أحد إلى أن صرفهم الله عنهم بما كسبوا (¬10). {قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ:} قال الكلبيّ (¬11): هو من عند أنفسهم بتركهم المركز. وعن قتادة بخروجهم من (¬12) المدينة، وكان من رأيه صلّى الله عليه وسلّم أن يتحصّن بالمدينة، وبذلك عبر رؤياه، وأشار ¬
عليه ابن أبيّ بن سلول (¬1). وعن عليّ بأخذهم الفداء يوم بدر، ولو قتلوا الأسارى لما بقيت للكفّار شوكة، وقد عاتبهم الله على أخذ الفداء يومئذ حيث قال: {ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى} [الأنفال:67] (¬2)، وفيه بعد وغموض. 166 - {فَبِإِذْنِ اللهِ:} بمشيئته وتقديره (¬3). والفاء لكونه (¬4) مشبها بجواب الشّرط؛ لأنّ (ما) مناسب (¬5) للشّرط. 167 - {الَّذِينَ نافَقُوا:} خالفوا ظاهر أمرهم، أراد ابن أبيّ بن سلول وأصحابه حين انخزلوا (¬6). وإنّما سمّي المنافق منافقا تشبيها باليربوع (¬7)، وذلك أنّ له جحرين يقال لأحدهما القاصعاء والآخر النّافقاء، فإذا طلب من أحدهما خرج من الآخر، وقيل: اليربوع يخرق الأرض حتى إذا كاد يبلغ ظاهر الأرض أرق (¬8) التراب، فإذا أرابه (¬9) ريب رفع التّراب برأسه فخرج، و (النّفق): السرب، ونفق الشّيء، إذا دخل في السرب، وتنفّقته إذا استخرجته (¬10). {أَوِ اِدْفَعُوا:} قاتلوا دفعا عن حريمكم إن لم تقاتلوا (¬11) حسبة. وقيل (¬12): كثّروا الجيش بخيلكم إن لم تقاتلوا؛ لأنّ تكثير الجيش يؤثّر في قلوب الأعداء. (78 و) {لَوْ نَعْلَمُ قِتالاً:} أي: لا يكون اليوم قتال ولو (¬13) علمنا أنّ اليوم قتال لكنّا معكم (¬14). وإنّما جعلهم يومئذ إلى الكفر أقرب؛ لأنّ المراد ظاهرهم، كانوا قبل ذلك إلى الإيمان أقرب بما يظهرون من موالاة المؤمنين، فصاروا يومئذ إلى الكفر أقرب لإظهارهم العداوة والخذلان، ولو كان باطنهم مرادا لكانوا يومئذ وقبله وبعده سواء في كونهم كفّارا على الحقيقة عند الله (¬15). ¬
168 - {الَّذِينَ:} نصب، بدل عن الأوّل (¬1). {لِإِخْوانِهِمْ:} في النّسبة، وبنو أعمامهم (¬2). وقيل (¬3): إخوانهم في النّفاق الذين قاتلوا رياء لا جهادا فقتلوا. و (القعود): الجلوس، ومجازه التّخلّف عن السّعي في الأمور (¬4). {قُلْ فَادْرَؤُا:} «ادفعوا» (¬5) {الْمَوْتَ:} المكتوب عليكم عن (¬6) أنفسكم. {إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ:} أنّهم لو قعدوا لصرفوا القتل المكتوب عليهم عن (¬7) أنفسهم. 169 - {أَحْياءٌ:} رفع؛ لأنّه خبر مبتدأ محذوف، تقديره: بل هم أحياء (¬8). وقال الزّجّاج (¬9): لو كان منصوبا على تقدير: احسبهم أحياء، لكان جائزا، وليس كذلك؛ لأنّ الأمر من الحسبان غير جائز (¬10). 170 - و (الفرح): السّرور (¬11). و (الفرح) (¬12): ذو الفرح، كالورع والوجل. {وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ:} أي: كما يفرحون بأحوال أنفسهم فكذلك يفرحون بما يبشّرهم الله به من الوعد لإخوانهم {أَلاّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ} (¬13). 172 - {الَّذِينَ اِسْتَجابُوا:} نعت للمؤمنين (¬14). واستجابتهم حين ندبهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى قتال قريش ببدر الصّغرى، وهو ماء لبني كنانة عليها بطن منهم (¬15). وقيل: إنّ قريشا لمّا رجعوا من أحد وكانوا (¬16) بالروحاء قال بعضهم ¬
لبعض: بئس ما صنعتم، لا محمّدا قتلتم ولا الكواعب أردفتم، فبلغ ذلك النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فندب المؤمنين إلى الخروج إليهم (¬1)، فأجابوه بالسّمع والطّاعة، ولمّا بلغ ذلك قريشا مضوا ولم يرجعوا (¬2). 173 - {إِنَّ النّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ:} القائل: نعيم بن مسعود الأشجعيّ وحده، وذلك أنّه (¬3) أراد المدينة فأتاه أبو سفيان وقال: إنّي واعدت محمّدا أن نلتقي ببدر الصّغرى وليس يتأتّى (¬4) لي ذلك الآن، وأكره أن يخرج هو وأصحابه ولا تخرج نحن فيزيده ذلك جرأة (¬5)، فثبّطه عن الخروج ولك عشرة من الإبل، فقدم نعيم بن مسعود وخوّف المؤمنين فلم يصغوا إليه (¬6). {وَقالُوا حَسْبُنَا اللهُ:} «كافينا الله» (¬7). أحسبك الشّيء، إذا كفاك، وأحسبك فلان، إذا أعطاك حتى قلت: حسبي (¬8). و {الْوَكِيلُ:} الذي يوكل الأمر إليه (¬9). 174 - {فَانْقَلَبُوا:} القصّة فيه (¬10) أنّهم لمّا وافوا بدرا الصّغرى سنة أربع من الهجرة أصابوا سوقا وربحوا ربحا كثيرا وكسبوا أجرا عظيما باستجابتهم (¬11) {لَمْ يَمْسَسْهُمْ:} قتال ولا شرّ (¬12). وعن عثمان قال: والله ربحت دينارا بدينار. 175 - {إِنَّما ذلِكُمُ:} الإشارة إليه كقوله: {ذلِكَ الْكِتابُ} [البقرة:2]، و {الشَّيْطانُ} كالبيان للمشار (¬13) إليه. {يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ:} لأنّ قوله إنّما ينجع في قلوب أوليائه من الكفّار والمنافقين دون أولياء الله من المؤمنين، (78 ظ) إذ المؤمن لا يخاف غير الله (¬14). ¬
وقيل (¬1): يخوّف بأوليائه، كقوله: {لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ} [غافر:15]. 176 - {وَلا يَحْزُنْكَ:} نزلت في المنافقين، عن مجاهد وابن إسحق (¬2). وقيل: في رؤساء اليهود الذين كتموا نعت (¬3) النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. والنّهي مصروف إلى غير المنهيّ، كقولك (¬4): لا أرينّك ههنا، ولا يرينّك أحد. والحزن لكفر الكافرين طاعة ما لم يجاوز الحدّ، فالنّهي (¬5) ههنا عن مجاوزة الحدّ في الحزن دون الحزن القليل، كقوله: {فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ} [فاطر:8]، وقوله: {فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ} [الكهف:6] (¬6). و (مسارعتهم في الكفر): مسابقتهم فيما بينهم (¬7). {إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللهَ:} بيان لغير النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، إذ هو كان عالما بذلك قبل هذا البيان بإذن الله عزّ وجلّ، كقوله: {وَما ظَلَمُونا} [البقرة:57]. ثمّ بيّن موجب مسارعتهم في الكفر، وهو إرادته سبحانه وتعالى أن لا يجعل لهم نصيبا في الآخرة (¬8). 178 - {الَّذِينَ كَفَرُوا:} في محلّ الرّفع بإسناد الفعل إليه إذا قرأت بالياء، وفي محلّ النّصب إذا قرأت بالتّاء (¬9). {أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ:} مفعول قائم مقام مفعولين إذا قرأت بالياء، كقولك: لا يظنّنّ زيد أنّه منطلق، وهو المفعول الثاني لفظا إذا (¬10) قرأت بالتّاء، كقولك: لا تظنّنّ زيدا أنّه منطلق، وفي الحقيقة (¬11) المفعول الثاني هو المفعول حقيقة فقط؛ لأنّك تنهى عن ظنّ الانطلاق لا عن زيد نفسه. ¬
و (الإملاء): «الإمهال» (¬1). 179 - {ما كانَ اللهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ:} نزلت في الفرق بين المخلصين والمنافقين، عن ابن جريج ومجاهد وابن إسحق (¬2)، وذلك أنّ القوم تمنّوا أن يعطوا علامة يعرفون بها أحد الفريقين من الآخر (¬3). ومعناه: ما الله (¬4) بتارك للمؤمنين. واللام لام الجحد، وإنّما تنصب لأنّها في الحقيقة لام (كي) (¬5). {عَلى (¬6)} ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ: من حال الالتباس والاختلاط (¬7). {حَتّى:} غاية لمجال (¬8) الالتباس، كقولك: لست أدعك على ما أنت عليه حتى (¬9) أعزّك وأكرمك. {وَما كانَ اللهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ:} أي: لا يعطيكم ما تمنّيتم من العلامة، ولكنّ الله يلهم ويعطي العلامة من اجتباه من رسله، كقوله: {عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ [أَحَداً] (¬10)} (26) الآية [الجنّ:26]. و (الاجتباء): الاختيار (¬11)، أصله من اجتبيت الماء، إذا حصّلته لنفسك (¬12). 180 - {وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ:} نزلت في اليهود، بخلوا بإظهار نعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، عن ابن عبّاس (¬13). وقيل (¬14): مانعي الزّكاة. وقيل (¬15): في الذين امتنعوا عن الإنفاق من الجهاد. و (البخل): الشّحّ، وضدّه: السّخاوة (¬16)، وفي الحديث أنّ البخل والجبن لا يجتمعان في قلب مؤمن (¬17). ¬
{سَيُطَوَّقُونَ:} أي: يجعل ذلك طوقا في أعناقهم، جاء في التّفسير أنّه يجعل شجاعا أقرع فيطوّق به البخيل الذي يمنع الواجبات (¬1). و (الميراث): اسم من ورث، كالميزان من وزن (¬2). 181 - {لَقَدْ سَمِعَ اللهُ:} نزلت في فنحاص بن عازور اليهوديّ من بني قينقاع، وذلك أنّ أبا بكر الصّدّيق رضي الله عنه قرأ ذات يوم: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً} (79 و) {حَسَناً} [البقرة:245]، فقال اليهوديّ على وجه الاستهزاء: لئن كنت صادقا فإنّ الله إذا لفقير، فلطم أبو (¬3) بكر وجهه، فرفع اليهوديّ ذلك إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأنكر قول نفسه، فأنزل الله تصديقا للصّدّيق وتقريعا لليهوديّ (¬4). والآية تدلّ [على] (¬5) أنّه لا يجوز أن (¬6) يوصف الله بما لا يليق به جدّا ولا هزلا ولا على وجه التّشنيع، تعظيما له. {سَنَكْتُبُ ما قالُوا:} في نسخ أعمالهم (¬7). و (القتل): معطوف على (ما قالوا) (¬8). {وَنَقُولُ:} عند إدخالهم النار، أو عند استصراخهم فيها: {ذُوقُوا} (¬9). {الْحَرِيقِ:} اسم (¬10) من الإحراق. 182 - {ذلِكَ:} إشارة إلى كتابة (¬11) قولهم وقتلهم، وإلى القول لهم: ذوقوا (¬12). وإنّما أسند الفعل إلى (اليد)؛ لأنّ أكثر العمل إنّما يكون بها (¬13). {وَأَنَّ اللهَ:} «بأنّ الله» (¬14). وإنّما جعله سببا؛ لأنّ (¬15) كتابة قتل الأنبياء بغير حقّ عدل منه، ولو لم يكتب ذلك لكان ظلما على الأنبياء، تعالى الله عن ذلك، وإبدال المؤمنين عنهم فدا ¬
ظلم (¬1)، والله {لَيْسَ بِظَلاّمٍ لِلْعَبِيدِ،} فبقوا (¬2) في النار غير معذبين، أو لأنّه بتعذيبهم غير ظالم فلذلك يعذّبهم، ولو كان تعذيبهم ظلما لما عذّبهم (¬3). 183 - ثمّ وصف العبيد الذين تقدّم ذكرهم {الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ عَهِدَ إِلَيْنا:} تأويلا (¬4)، قال (¬5) صلّى الله عليه وسلّم: من جاءكم كلام (¬6) ما أتيتكم به فلا تقبلوه. فأخطؤوا في التأويل ولم يعلموا أنّ كلّ ما يقع به الإعجاز شيء واحد، فتعلّقوا (¬7) بالصّورة وطالبوا بالكيفيّة الظاهرة جهلا. وقيل: إنّهم قالوا ذلك اختلاقا وافتراء، لم يكن عندهم شيء ممّا يحتمل هذا المعنى بوجه من الوجوه، ألا ترى نقض الله تعالى عليهم علّتهم بقوله: {قُلْ قَدْ (¬8)} جاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي. وقيل: إنّ في التّوراة: من جاءكم يزعم أنّه رسول نبيّ فلا تصدّقوه حتى يأتيكم بقربان تأكله نار منزلة من السماء حتى يأتيكم المسيح وخاتم النّبيّين، فأظهروا بعضا وكتموا بعضا (¬9)، فكذّبهم الله في ادّعائهم التّمسّك بالعهد (¬10). و (القربان) (¬11): اسم لما يتقرّب (¬12) به إلى الله تعالى من المال، كالنهبان (¬13). وهو مخصوص بالنعم الأهلي (¬14) في الأحكام. وكان بنو إسرائيل قبل أن غيّر الله عليهم يذبحون القرابين ويضعونها في بيت لا سقف له، فتنزل نار بها صوت فتأكلها إن كانت طيّبة متقبّلة، وكذلك قربان هابيل (¬15). 184 - {فَإِنْ كَذَّبُوكَ:} تسلية للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم (¬16). ¬
{وَالزُّبُرِ:} جمع زبور، والزّبور كلّ كتاب ذي حكمة، وزبرت الكتاب، إذا أحكمته (¬1). {الْمُنِيرِ:} المبين (¬2). 185 - {كُلُّ نَفْسٍ:} [فيه] (¬3) تسلية للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أيضا من حيث إنّ نعيم الدنيا وبؤسها لا يبقيان (¬4)، وأنّ الناس إنّما يوفّون أجورهم يوم القيامة، فالاعتبار بالحالة الآخرة دون هذه (¬5). و (ما) (¬6) في {وَإِنَّما:} كافّة، إذ لو كانت بمعنى (الذي) لكان {أُجُورَكُمْ} (¬7) بالرّفع، ولكان قوله: {يَوْمَ الْقِيامَةِ} من الصّلة، والصّلة لا تنفكّ عن الموصول، كقوله (¬8): {إِنَّما تُنْذِرُ} [يس:11]، {إِنَّما يَخْشَى اللهَ} [فاطر:28]، {إِنَّما يَبْلُوكُمُ اللهُ بِهِ} [النّحل:92]. و {أُجُورَكُمْ:} هو المفعول الثاني، (79 ظ) تقول (¬9): وفّيته أجره. و {يَوْمَ:} نصب على الظّرف. و (الفوز): النّجاة. وتسمى المهلكة (¬10) مفازة على وجه التفاؤل. {إِلاّ مَتاعُ الْغُرُورِ:} وإنّما شبّهها به؛ لأنّه يسرّ عاجلا ويسوء آجلا، وكذلك الدنيا (¬11). و (متاع الغرور): كلّ ما استمتعت به مغرّا به، و (الغرور): قريب من الخداع (¬12). 186 - {لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوالِكُمْ:} نزلت في النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأبي بكر الصّدّيق رضي الله عنه، عن ابن عبّاس (¬13). وهي عامّة في الظاهر؛ لأنّ المؤمنين ابتلوا بأموالهم وأنفسهم من وجوه كثيرة (¬14). ¬
و (سمع الأذى): ما سمعوا من وصفهم لله (¬1) بما لا يليق به، ووقيعتهم في النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وتضليلهم المؤمنين (¬2). و (الصّبر) ههنا هو صبر النّفس على مرّ القدر، والتّسليم لله تعالى، والرّضا بقضائه، واحتمال الأذى فيه (¬3). {وَتَتَّقُوا} (¬4): عمّا نهى الله تعالى عنه (¬5). {ذلِكَ:} إشارة إلى كسب الصّبر والاتّقاء (¬6). و {عَزْمِ الْأُمُورِ:} عزيمتها، وهي الشّروع (¬7) فيها بالحزم وابتداؤها بالجدّ. وعن عطاء أنّه حقيقة الإيمان (¬8). 187 - {لَتُبَيِّنُنَّهُ:} الهاء عائدة إلى الكتاب (¬9). 188 - {لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ:} في جماعة من أهل خيبر أتوا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وزعموا أنّهم على دين إبراهيم يطلبون بذلك المحمدة فأنزل الله الآية وفضحهم، فما أتوه هو زعمهم وتلبيسهم (¬10). {بِمَفازَةٍ:} ببعيد، والمفازة: موضع الفوز (¬11). 189 - {وَلِلّهِ مُلْكُ:} اتّصالها بما قبلها من حيث نفى فوز القوم من عذاب الله تعالى لاقتداره وسعة ملكه. 190 - عن ابن عبّاس أنّه بات عند خالته ميمونة، فاضطجعت في عرض الوسادة واضطجع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في طولها فنام، حتى إذا انتصف الليل أو قبله بقليل أو بعده بقليل استيقظ، فجعل يمسح النّوم عن وجهه، وقرأ العشر الخواتم (¬12) من سورة آل عمران، الخبر. وعن ابن عبّاس قال: بعثني أبي إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أحفظ له صلاته، قال: فهبّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ¬
من الليل فتعارّ (¬1) ببصره إلى السماء، ثمّ تلا هؤلاء الآيات من سورة آل عمران: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ} حتى انتهى إلى عشر منها (¬2). 191 - {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ:} عن عمران (¬3) بن حصين قال: سألت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عن صلاة الرّجل وهو قاعد، قال: من صلّى قائما فهو أفضل ومن صلّى قاعدا فله نصف أجر القائم ومن صلّى نائما فله نصف (¬4) أجر القاعد. {وَعَلى:} حرف، وإنّما عطفها على الاسم؛ لأنّها في معناه: قياما وقعودا ومضطجعين (¬5). و (التّفكّر): هو الاعتبار بتأليفها وتصريفها (¬6). {باطِلاً:} نصب بنزع الخافض (¬7)، أي: حرف الصّفة، أي: لأمر أو حكم باطل هزل غير حقّ وجد. وقيل: الباطل ههنا بمعنى المبطل، أي: ما كنت مبطلا في فعلك. في الحديث لمّا نزلت هذه الآية: ويل لمن لاكها بين فكّيه ولم يتأمّل فيها (¬8). 192 - (الإخزاء): الإلجاء إلى الخزاية، وهي الاستحياء، (70 أ) (¬9) أو الإيقاع (¬10) في الخزي وهو الفضيحة (¬11). وههنا أقاويل أربعة (¬12): أحدها: أنّه لا يدخل المؤمنين النّار وإن ارتكبوا الجرائم، بل يغفر لهم ويشفع فيهم؛ لأنّه تعالى لا يخزي {النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ} [التّحريم:8]، [أي:] والمؤمنين، وهذا قول فيه مقال. وقال مقاتل: المراد بالإدخال ههنا التّخليد. وقيل: المراد بالإخزاء ههنا الإلجاء إلى الخزاية، وبقوله: {لا يُخْزِي اللهُ النَّبِيَّ،} الآية [التّحريم:8] الإيقاع في الخزي، فالله تعالى يلجئ بعض المؤمنين إلى الخزاية ولكنّه لا يوقعه في الخزي. وقيل: إنّ النار لا تعمّ أعضاء (¬13) المؤمنين، فلا يكون داخلا فيها وإن مسّته. ¬
وإنّما يتّصل قوله: {وَما لِلظّالِمِينَ} بما (¬1) تقدّم؛ لأنّ الحال يدلّ على أنّ من يدخله النار إنّما أدخله عقوبة لظلم حصل منه على نفسه أو على غيره. وإنّما قال: {مِنْ أَنْصارٍ،} ولم يقل: من ناصر، لنظم رؤوس الآي، أو مقابلة للظّالمين. 193 - و (المنادي) (¬2): القرآن، عن قتادة ومحمّد بن كعب القرظيّ (¬3) كقوله: {هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ} [الجاثية:29]. وعن ابن جريج وابن زيد أنّه (¬4) رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لقوله: {لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} [الأنعام:19]. ويحتمل أن يكون المراد بالسّمع سمع القلب، وبالمنادي نذير الله في قلب كلّ مؤمن. وليس فيها دلالة على نفي وجوب الإيمان قبل السّماع؛ لأنّ الله أثنى على الذين سمعوا ولم يذكر (¬5) غيرهم. واللام بمعنى (إلى) كقوله: {هَدانا لِهذا} [الأعراف:43]، و {أَوْحى لَها} [الزّلزلة:5] (¬6). {أَنْ آمِنُوا:} ترجمة للنّداء (¬7). {وَتَوَفَّنا:} موافقين للأبرار حاصلين في عدادهم كقوله: {فَأُولئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ} [النّساء:146] (¬8). 194 - {رَبَّنا:} تكرار للنّداء (¬9). {وَآتِنا:} عطف على قوله (¬10): {فَاغْفِرْ لَنا.} {عَلى رُسُلِكَ:} «على ألسن رسلك» (¬11)، أو على نصرة رسلك، أو على اتّباع رسلك (¬12). وهذا يدلّ على أنّ خير الآخرة إنّما يستحقّ بوعد الله تعالى لا غير، أو العبد لا يستحقّ ثوابا إلا بوعد سيّده. ¬
195 - والسّبب في نزول قوله: {فَاسْتَجابَ لَهُمْ} أنّ أمّ سلمة قالت: يا رسول الله لم يذكر النّساء في شيء من الهجرة وأنا أوّل من هاجر من النّساء (¬1). {مِنْ:} بدل من قوله: {مِنْكُمْ} (¬2). وقيل (¬3): هو بيان الجنس العاملين. {بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ:} ابتداء وخبره (¬4). والمراد به اتّفاقهم في صفة الإيمان، كما نقول لفرق اليهود والنّصارى والرّوافض والمعتزلة: بعضكم من بعض، أي: يجمعكم أصل واحد من مقالة، وقريب منه قوله: {[وَالْمُؤْمِنُونَ] وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ} [التّوبة:71]، {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات:10] (¬5). ويحتمل نسبة الأرحام؛ لأنّ الجميع ذرّيّة رجل واحد (¬6). {وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي:} مجازه: أوحشوا، وعوملوا (¬7) بالمكروه. و {ثَواباً:} نصب على المصدر (¬8)، وقيل (¬9): على التفسير. 196 - {لا يَغُرَّنَّكَ:} في معنى: ولا يعجبك، ولا تحسبنّ. {تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا:} اختلافهم سالمين غانمين (¬10). {فِي الْبِلادِ:} الأرض والمواضع (¬11)، جمع بلدة. 197 - {مَتاعٌ:} «أي: ذلك متاع {قَلِيلٌ»} (¬12). 198 - {اِتَّقَوْا رَبَّهُمْ:} وخافوا (70 ب) واتّقوا سخطه (¬13). {خالِدِينَ:} نصب على الحال (¬14). ¬
و {نُزُلاً:} على التفسير (¬1). والنّزل والنّزل (¬2) بمعنى، وهو الرّزق يعده المنزل، وهو المضيف للنزول (¬3)، وهم الضيفان. {وَما:} أي: والذي {عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ} من المتاع القليل (¬4). وقيل (¬5): خير وليس بشرّ، خلاف ما عنده للفجّار. 199 - {وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ:} قال (¬6) مجاهد: نزلت في عبد الله بن سلام وأصحابه (¬7). وعن قتادة وابن جريج أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لمّا بلغه وفاة النّجاشيّ صلّى عليه (¬8)، فعيّرهم المشركون وقالوا: صلّى على علج، فأنزل الله (¬9). واتّصال {سَرِيعُ الْحِسابِ} بما قبله من حيث إنّ الجزاء بعد الحساب (¬10). 200 - واتّصال {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} بما قبله من حيث أطمع الله المؤمنين في ما عنده فلذلك دلّهم على ما يعملون به (¬11). (الصّبر): على أيّ مكروه وعن أيّة شهوة (¬12). و (المصابرة): للعدوّ (¬13) وعلى مكروه الحرب وحرّها (¬14). و (المرابطة): مقاومة العدوّ بالثّبات على مرّ الأمر. والظاهر من الرّباط ارتباط الخيل، ولكنّه يستعمل في كلّ ما يلزم ويثبت (¬15). وفي الحديث: ألا أدلّكم (¬16) ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدّرجات؟ قالوا (¬17): بلى يا رسول الله، قال: إسباغ الوضوء في السّبرات (¬18) ونقل الأقدام إلى الجماعات وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرّباط فذلكم الرّباط فذلكم الرّباط. ¬
سورة النساء
سورة النّساء مدنيّة (¬1)، وهي مئة وخمس وسبعون آية، حجازي (¬2) بسم الله الرّحمن الرّحيم 1 - {يا أَيُّهَا النّاسُ اِتَّقُوا رَبَّكُمُ:} هذه السّورة تشتمل على أحكام كثيرة، وإنّما ابتدئت بالموعظة ليكون الكلام بعده أوقع في الأسماع، وأنجع في القلوب (¬3). {خَلَقَكُمْ:} من غير تفصيل بين الشهود والغيب للإيجاز. وهو قريب من تغليب المفرد على المضاف، والمذكّر على المؤنّث، والأعمّ وجودا على الأعزّ وجودا. {نَفْسٍ واحِدَةٍ:} نفس (¬4) آدم عليه السّلام، وإنّما أنّث اعتبارا باللّفظ (¬5). {وَخَلَقَ مِنْها:} من تلك النّفس {زَوْجَها:} حوّاء (¬6)، قال ابن عبّاس والحسن وإبراهيم: خلقت من ضلع من أضلاع آدم (¬7). وفي الحديث أنّ المرأة خلقت من ضلع فإذا أردت أن تقيمها كسرتها وإن تركتها وفيها (¬8) عوج استعنت بها. وروي أنّ الله ألقى النّوم على آدم وخلق حوّاء من ضلعه اليسرى، فلمّا استيقظ قيل له: يا آدم ما هذه؟ قال: المرأة؛ لأنّها خلقت من المرء، فقيل: ما اسمها؟ قال: حوّاء؛ لأنّها خلقت من حيّ (¬9)، وليس من الحوّة واللّعس (¬10)، كما أنّ آدم ليس من الأدمة بل لأنّه من أديم الأرض (¬11). وإنّما لم تخلق من مائه؛ لأنّ الماء يقتضي رحما يستقرّ فيها ولم يكن ثمّة رحم. وإنّما لم تخلق من غيره لتكون شجنة (¬12) منه فيكون إليها أميل وعليها أقبل، وليكون هذا الجنس بعضهم من بعض. ¬
{وَاِتَّقُوا اللهَ:} للتّكرار (¬1)، كما في قوله: {فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (19) ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ} (20) [المدّثّر:19 - 20]، وقوله: {أَوْلى لَكَ فَأَوْلى (34) ثُمَّ أَوْلى لَكَ فَأَوْلى} (35) [القيامة:34 - 35]. وإنّما عرّف نفسه (¬2) سبحانه وتعالى بالخلق والتّساؤل به؛ لأنّ الخالق يستحقّ العبادة، والمخلوق به يستحقّ التّعظيم. [والرّقيب:] (¬3) دائم النّظر على وجه التّحفّظ. 2 - {وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ:} نزلت في رجل من غطفان، وكان لابن أخ له عنده مال، فلمّا بلغ امتنع عن ردّه، فشكا إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فنزلت، فردّ عليه المال (¬4). وسمّى اليتامى بالحالة (71 أ) الماضية (¬5)، كقول عمر لبلال: ألا إنّ العبد قد نام (¬6)، وقول ابن عمر رضي الله عنه (¬7): «ما زدناك على عجوة وزبيب». {وَلا تَتَبَدَّلُوا:} تستبدلوا {الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ:} أي: الحرام بالحلال (¬8)، قال ابن المسيّب والضّحّاك والسدّي والزّهريّ: إنّه أن تأخذ من مال اليتيم شاة سمينة وتعطيه شاة مهزولة (¬9). {إِلى أَمْوالِكُمْ:} «أي: مع أموالكم» (¬10)، كقوله: {مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ} [آل عمران:52]. (الحوب): الإثم (¬11)، وقال الفرّاء (¬12): «الإثم العظيم»، وفي الحديث: (ربّ تقبّل توبتي واغسل حوبتي) (¬13). وقد يطلق بمعنى الحاجة، ومنه قيل في الدّعاء: إليك أرفع حوبتي (¬14). ¬
3 - سأل عروة [بن الزّبير] عائشة عن قول الله: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاّ (¬1)} تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى، الآية، قالت: يا ابن أختي هي اليتيمة تكون في حجر وليّها تشاركه في مالها فيعجبه مالها (¬2) وجمالها، فيريد وليّها أن يتزوّجها من غير أن يقسط في صداقها فيعطيها مثل ما يعطيها غيره، فيقول (¬3): لا تنكحوهنّ إلا أن تقسطوا لهنّ وتبلغوا بهنّ على نسبهنّ (¬4) في الصّداق، وأمروا أن ينكحوا من النّساء سواهنّ، قال عروة: قالت (¬5) عائشة: ثمّ إنّ الناس (¬6) استفتوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعد هذه الآية فأنزل الله: {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ} إلى قوله: {وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} [النّساء:127]، قالت: والذي ذكر الله أنّه يتلى عليكم في الكتاب هذه الآية التي فيها: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى،} قالت عائشة: وقوله (¬7) في الآية الأخرى: {وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ:} رغبة أحدكم عن يتيمته التي تكون في حجره حين (¬8) تكون قليلة المال والجمال، فنهوا أن ينكحوا ما رغبوا في مالها وجمالها من يتامى النّساء إلا بالقسط من أجل رغبتهم عنهنّ إذا لم يكن لهنّ مال وجمال (¬9). و (اليتيمة): الصّغيرة. وفيه دليل على أنّ للوليّ أن يتزوّجها، وهو مذهب عليّ (¬10). {ما طابَ لَكُمْ:} من غير إثم وكراهة. و {(ما)} بمعنى (من) كقوله: {وَالسَّماءِ وَما بَناها} (5) [الشّمس:5]، وقوله: {وَما رَبُّ الْعالَمِينَ} [الشّعراء:23] (¬11). {مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ:} معدولات من اثنتين واثنين وثلاثة وثلاث وأربعة وأربع (¬12). وإنّما لم يقل: اثنين وثلاثا وأربعا لئلاّ يوهم التّسع (¬13). وإنّما لم يقل: أو ثلاث (¬14) أو رباع؛ ¬
لأنّ [مثنى] (¬1) فيه ليس معناه اثنتين، فتوهم الجمع، ولكن معناه: اثنتين اثنتين، وكذلك معنى ثلاث ورباع (¬2). وإنّما (¬3) لم يقل: ومثلث ومربع، ولا ثناء وثلاث ورباع ليجمع بين اللغتين. {أَلاّ تَعْدِلُوا:} بين النّساء في القسمة (¬4). {فَواحِدَةً:} أي: فاختاروا وعاشروا (¬5). {أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ:} ما حلّ لكم من الحرائر دون (¬6) ذوات الأرحام وأمّهات الرّضاع وأخوات الرّضاعة (¬7) والمشركات والذكور. {أَلاّ تَعُولُوا:} لا تجوروا ولا تعتدوا (¬8). و (العول): مجاوزة الحدّ، ومنه العول في الفرائض، ومنه يقال للبكاء الشّديد: العويل، ولو كان من كثر العيال أو (الافتعال) لقال: ألاّ (¬9) تعيلوا، من الإعالة، وألاّ تعيلوا من العيلة (¬10). 4 - وقوله: {وَآتُوا النِّساءَ:} خطاب للأزواج (¬11). وقال الفرّاء (¬12): خطاب لأولياء المرأة، كانوا في الجاهليّة لا يعطونها من صداقها إلاّ بعيرا يحملونها عليه ويرسلونها إلى بيت الزّوج، ويحبسون باقي (¬13) الصّداق لأنفسهم. و (الصّدقات): جمع صدقة (¬14)، مثل: مثلات ومثلة. وعن عليّ بن أبي طالب قال: لا يكون الصّداق أقلّ من عشرة دراهم، وهذا (71 ب) في حكم المرفوع؛ لأنّ المقادير لا تدرك (¬15) قياسا واجتهادا. ¬
{نِحْلَةً:} عطيّة (¬1)، مصدر جاء بخلاف المصدر، فهي في معنى الإيتاء (¬2). وإنّما أجري مجرى العطيّة؛ لأنّه يثبت من غير معاوضة (¬3). وقيل (¬4): النّحلة: ما ينتحله الرّجل من الدّين. وهي نصب؛ لأنّه مفعول له (¬5). {فَإِنْ طِبْنَ:} طاب أنفسهنّ بالخروج {لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ} من الصّداق (¬6)، أي: رضين ببذله. وإنّما قال: (عن شيء) ليتناول القليل والكثير والبعض والكلّ. و (من) في {مِنْهُ} لتبيين الجنس دون التّبعيض (¬7). {هَنِيئاً مَرِيئاً:} سائغا شافيا (¬8)، حال للمفعول (¬9). والمراد به نفي الوبال ورفع الحرج عن الآكلين، تقول (¬10): هنأني الطّعام ومرأني، فإذا لم تقل: هنأني قلت: أمراني، بالألف (¬11). وقال ابن الأعرابيّ: هنئني ومرأني وأمراني، إذا انهضم الطعام، ولا تقول: مرئني (¬12). 5 - {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ:} قال ابن عبّاس: لا تعمل إلى (¬13) ما خوّلك الله من المال وجعله معيشة لك فتعطيه أولادك وتنظر إلى ما في أيديهم، ولكن أمسكه وأصلحه وكن (¬14) أنت الذي تنفق عليهم في كسوتهم ورزقهم (¬15). وقيل: الخطاب للأوصياء، وإنّما قال: {أَمْوالَكُمُ} على سبيل المجاز (¬16)، كقولك: استرق بأموالنا، إذا استرق (¬17) أموال أقربائك وجيرانك (¬18). ¬
وكسوتك نقيض قولك: عرّيته، وكسي (¬1) يكتسي، إذا صار مكتسيا، والكاسي، من كسوت، وهو الملبس، ومن كسى يكسي، هو (¬2) اللباس. {قَوْلاً مَعْرُوفاً:} أن تقول: جبركم الله (¬3) وأصلح بالكم وبصركم (¬4) مصالح معاشكم ومعادكم، وقيل: هو العدة الجميلة وتمنية الخير، وقيل: هو الوعظ. وفي الجملة هو أن تلطف لهم القول بما يرضيهم ولا يسخط ربّه (¬5). 6 - {وَاِبْتَلُوا الْيَتامى:} واختبروهم في المعاملات قبل البلوغ (¬6). {حَتّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ:} تأجيل وتوقيت، وهو بلوغهم وقت الإنزال، ما بين ثنتي عشرة سنة إلى ثماني عشرة سنة (¬7). وقال سعيد بن جبير في قوله: {وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلاّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ} [الأنعام:152]، قال: ثماني عشرة سنة (¬8)، وإليه ذهب أبو حنيفة رحمه الله (¬9). {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً:} شرط، أي: فإن أحسستم (¬10) منهم تهديا في المعاملات. {فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ:} حكم معلّق بشرط، ومجرده لا يدلّ على نفي ما عداه، ولأنّ الآية تضمّنت حكم الدّفع عند وجود الشّرط، ولم تتضمّن الدّفع عند عدمه. وعن ابن سيرين وإبراهيم النّخعيّ لم يريا (¬11) الحجر على الحرّ، وبه أخذ أبو حنيفة رحمه الله (¬12). {وَلا تَأْكُلُوها إِسْرافاً:} أي (¬13): مسرفين، أو بإسراف (¬14). وكلّ نفقة لم يأذن به الله تعالى فهو إسراف (¬15). ¬
{وَبِداراً أَنْ يَكْبَرُوا:} أي: مبادرين كبرهم، مصدر عمل في فعل (¬1). {وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ:} محكم متفق في معناه (¬2). {وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ:} مختلف فيه، قال عمر: يا يرفأ (¬3) إنّي أنزلت مال الله منّي بمنزلة مال اليتيم إن احتجت أخذت منه وإذا (¬4) أيسرت رددته، وهذا يدلّ على أنّه لا يأخذه إلاّ على وجه الاستقراض، وبه قال أبو العالية وعبيدة السّلمانيّ (¬5). وعن ابن عبّاس أنه أباح للوصيّ الطّعام إن احتاج إليه، ولم يبح له الكسوة (¬6). وعنه أنه قال: إنّ المحتاج إنّما يأكل على وجه العمالة (¬7)، وبه قال مجاهد (72 أ) وابن المسيّب (¬8). وقال الشّعبيّ: هو كالمضطرّ فإن أيسر ردّ وإن لم يوسر فهو له حلال (¬9). وعن سعيد بن جبير: إن أيسر ردّ وإن لم يوسر دعا اليتيم (¬10) فاستحلّ منه. وهذا [إذا] (¬11) لم يفرض له الأب والقاضي عمالة، فأمّا إذا فرض فهو له حلال غنيّا كان أو فقيرا. {فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ:} ندب، كقوله: {وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ} [البقرة:282] (¬12). {وَكَفى بِاللهِ حَسِيباً:} كافيا من شاهد (¬13)، وقيل: محاسبا لكم على أعمالكم إن أشهدتم أو لم تشهدوا (¬14). 7 - {لِلرِّجالِ نَصِيبٌ:} نزلت في رفع حكم الجاهليّة، كانت العرب لا تورث إلاّ من يطاعن ويحمي المال، وكانت الفلاسفة تورث الإناث دون الذّكور، فأبطل الله حكمهما (¬15). ¬
والسّبب في نزولها، روي أنّ رجلا توفّي عن امرأة وبنات وأخوين، فأراد الأخوان أن يذهبا بالمال، فجاءت المرأة ورفعت حال (¬1) البنات إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأنزل الله تعالى الآية، فدعاهما رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وتلا عليهما، فقالا: أنورث (¬2) من لا يطاعن بالرّمح ولا يذود عن المال؟ فقال صلّى الله عليه وسلّم: أعطيا البنات الثّلثين والزّوج الثّمن، يعني: أمّهما، وما بقي فلكما، قالا: فمن يلي أموالهنّ يا رسول الله؟ قال: أنتما (¬3). وقوله: {مِمّا قَلَّ مِنْهُ (¬4)} أَوْ كَثُرَ: بدل عن قوله: {مِمّا تَرَكَ} (¬5). (منه): لتبيين الجنس. {نَصِيباً:} نصبه على الحال (¬6). 8 - {أُولُوا الْقُرْبى:} ورثة الرّجل من غير أولاده (¬7). {وَالْيَتامى:} أولاده؛ لأنّهم أكثر مما يبقون صغارا يتامى. {وَالْمَساكِينُ:} أصحاب الوصيّة. و (الرّزق) (¬8): هو قسم المال على فرائض الله. و (القول المعروف): أن يقول: هذه حقوقكم وأنصباؤكم في كتاب الله (¬9). وعن ابن عبّاس، وعبيدة السلماني (¬10) عن سعيد بن جبير والحسن وابن (¬11) سيرين ومجاهد والشّعبيّ أنّ المراد بهؤلاء من حضر منهم غير وارث ولا صاحب وصيّة، وأنّ الأمر بالرّزق واجب محكم (¬12) غير منسوخ، ثمّ اختلفوا، قال بعضهم: يعطون من نصيب البالغين (¬13) برضاهم، وقال بعضهم: يرضخ (¬14) لهم شيء من رأس المال، وقد ذبح لهم عبيدة السلمانيّ شاة ¬
من التّركة وأطعمهم ثمّ قال: كنت أحبّ أن يكون ذلك من مالي لولا هذه الآية (¬1). وهكذا روي عن ابن سيرين وابن المسيّب وأبي مالك والسدّي والضّحّاك أنّ وجوب حكم (¬2) هذه الآية منسوخ، ولكنّه باق (¬3) على سبيل النّدب والاستحباب. والقول المعروف أن يقول: بورك فيكم صنع لكم، وأن يعتذر (¬4) إليهم بقلّة المال. 9 - {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ:} قال ابن عبّاس وابن جبير وقتادة والسدّي والضّحّاك: وإنّما أمروا بالخشية لئلاّ يسرفوا في الوصيّة إذا تركوا ذرّيّة ضعافا يخافون الفقر عليهم، وكأنّهم (¬5) كانوا يخافون الفقر (¬6) على ذراريهم ومع ذلك يكثرون الوصيّة غلوّا (¬7) ورياء، فنهوا عن ذلك وأمروا بالخشية والاتّقاء (¬8). وعن الحسن أنّ المأمورين (¬9) بالخشية عوّاد المريض، كانوا يحرّضونه على إكثار الوصيّة ولا ينظرون للورثة، فحذّرهم الله تعالى عن ذلك، وأمرهم أن يخشوا على ذرّيّة هذا المريض كما لو كانت لهم ذرّيّة كيف يخافون عليهم (¬10). (72 ب) 10 - {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ:} خصّ الأكل بالظّلم لرفع الجناح عن المخالطين (¬11) والآكلين بالمعروف. والصّلى والصّلاء بمعنى، تقول: صلى يصلى صلا وصلاء (¬12) وصليّا وصليّا، إذا مسّها، وصلى (¬13) اللّحم، إذا شواه، والإصلاء والتّصلية على سبيل الإحراق (¬14). و (السّعير): النّار المتّقدة ذات الالتهاب (¬15). 11 - {يُوصِيكُمُ اللهُ:} نزلت في ورثة سعد بن الرّبيع، فيما يروى عن جابر بن عبد الله ¬
قال: عادني (¬1) رسول الله في بني سلمة ومعه أبو بكر فوجدني لا أعقل، فرشّ عليّ الماء، فقلت: كيف أصنع في مالي يا رسول الله، فأنزل الله الآية (¬2). {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ:} بمعنى الأمر (¬3). ومعناه: لكلّ ابن ضعف ما لكلّ ابنة، يرثون جميعا بالتعصيب (¬4). {كُنَّ:} أي: الأولاد، اسم ينطلق على الأنثى، والمراد به البنات حالة الانفراد يرثن بالفرض للابنتين الثّلثان، وقال ابن عبّاس: لهما النّصف، وغيره اعتبر الابنتين بالأختين من الأب والأمّ أو من الأب، فروي أنّ سعد بن الرّبيع استشهد وترك ابنتين وامرأة وعمّا، فورّث النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم الابنتين الثّلثين والمرأة الثّمن وأعطى الباقي العمّ، لأنا (¬5) تيقّنّا باستحقاق إحدى الابنتين ثلث المال وأكثر منه لو كانت واحدة وشككنا في بخسها عنه، ولأنّ (¬6) الاثنين في حكم الجماعة بدليل تقدّم الإمام عليهما. فإن قيل: علّق بالشّرط، قلنا: لفظة (فوق) تزاد في الكلام، قال الله تعالى: {فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ} [الأنفال:12]، أي: الأعناق (¬7)، وقال صلّى الله عليه وسلّم: لا يحلّ لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر سفرا فوق ثلاثة أيّام. . . الخبر (¬8)، وأراد ثلاثة أيّام، فلم يثبت كونها شرطا، وإن ثبت فهو منسوخ لحديث سعد بن الرّبيع. {وَإِنْ كانَتْ واحِدَةً:} أي: الولد واحدة، وتقدير الرّفع: وإن كانت واحدة من الأولاد (¬9). ولكلّ واحد من الأبوين مع الولد (¬10) السّدس. ثمّ بيّن فرض الأمّ إذا لم يكن للميّت ولد، فكان الباقي للأب (¬11). {فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ:} يعني اثنين من الإخوة والأخوات في قول عامّة الصّحابة (¬12)، وفي ¬
قول ابن عبّاس ثلاثة منهم، ردّ الأمّ إلى السّدس (¬1). {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ:} بيان تقديم الوصيّة على الميراث (¬2). ولفظة (أو) تطلق ويراد بها الواو (¬3). ويحتمل أنّه لإباحة تقديم أيّهما كان على الميراث (¬4). {نَفْعاً:} «نصب على التفسير» (¬5). و (النّفع): هو الإيراث (¬6)، لم يكونوا يعلمون حتى أعلمهم الله تعالى. {فَرِيضَةً مِنَ اللهِ:} نصب على المصدر، أي: يوصيكم الله فريضة (¬7). {إِنَّ اللهَ كانَ:} أي: لم يزل {عَلِيماً حَكِيماً} (¬8). 12 - {إِنْ لَمْ (¬9)} يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ: أي: ولد الموروث (¬10) وولد ابنه وإن سفل دون ولد البنت؛ لأنّه ينسب إلى أبيه (¬11)، ودون القاتل ومفارق (¬12) الملّة، ودون المملوك. {يُورَثُ كَلالَةً:} أي: متكلل (¬13) النّسب، نصب على الحال، وقيل: على خبر (كان). وقيل: (الكلالة): مصدر لا بمعنى الاسم، نصب بنزع الخافض، تقديره: بكلالة، أي: بإحاطة (¬14) وإحداق به، ومنه سمّي الإكليل إكليلا. والكلالة يعبّر به عن الموروث مرّة وعلى الوارث أخرى، فالموروث الذي لا يرثه الأب والجدّ من فوقه والولد من دونه، والوارث (¬15) الذي ليس بينه وبين الموروث ولاد (¬16)، وإليه ¬
ذهب أبو بكر الصّدّيق [رضي الله عنه] (¬1) وابن عبّاس وابيّ بن كعب (73 أ) وزيد بن ثابت، وهو قول عمر ثمّ رجع وقال: الكلالة من لا ولد له سواء كان له والد (¬2) أم لم يكن، وروي عنه أنّه لم يقل فيه شيئا (¬3). {وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ:} «من الأمّ» (¬4). {فَإِنْ كانُوا:} أي: كانت الإخوة والأخوات {أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ،} أي: من واحد (¬5). {غَيْرَ مُضَارٍّ:} حال للموصي (¬6)، وهو أن يضارّ (¬7) ورثته بأن يزيد وصيّته على الثّلث. {وَصِيَّةً مِنَ اللهِ:} كقوله (¬8): {فَرِيضَةً،} وقيل: منصوب بإضمار فعل. {عَلِيمٌ} (¬9): لإفادته العلم والحكم (¬10). {حَلِيمٌ} (¬11): لحلمه عن المضارّ بالوصيّة، ومنعه نفاذ وصيّته لئلا يحقّ مضارّته فتحقّ (¬12) عقوبته. 13 - {تِلْكَ:} إشارة إلى هذه الوصايا والفرائض (¬13)، أو إلى جميع الأحكام التي تقدّمت. {وَذلِكَ:} إشارة إلى الدّخول الذي هو من قضيّة الإدخال (¬14). ويحتمل أنّه إشارة (¬15) إلى الخلود (¬16). و {خالِدِينَ:} نصب على الحال ب (من) (¬17)، {وَمَنْ} تصلح للواحد والجماعة. 14 - {وَمَنْ يَعْصِ اللهَ:} يأبى أحكام الله تعالى ويحكم بغيرها فيكفر، وإن حمل على ¬
أدنى معصية فإدخال (¬1) النار جزاء ويجوز نسخه وليس بخبر، والخلود يجوز أن يكون متناهيا. {خالِداً:} نصب على الحال ب (من) (¬2). 15 - {وَاللاّتِي:} «جمع (التي) على غير قياس» (¬3). {الْفاحِشَةَ:} «الزّنا» (¬4). {أَرْبَعَةً مِنْكُمْ:} أي: من المؤمنين، إن ادّعى عليهنّ مدّع أنهّهنّ زنين فاستشهدوا على دعواه أربعة من الرّجال العدول، هذا حكم لم (¬5) ينسخه شيء. {فَأَمْسِكُوهُنَّ:} احبسوهنّ إلى أن يمتن (¬6). {أَوْ يَجْعَلَ اللهُ:} أو إلى أن يحكم الله فيهنّ بحكم آخر. ثمّ صار منسوخا بخبر عبادة بن الصّامت: خذوا عنّي، أي (¬7): خذوا عنّي، الخبر، ثمّ نسخ التّغريب (¬8) والجمع بين الجلد والرّجم (¬9) بخبر ماعز وغيره (¬10). 16 - {وَالَّذانِ:} قال مجاهد: «الرّجلان» (¬11)، وأبطل القاضي أبو عاصم فائدة التّثنية على هذا القول إلاّ أن تكون (الفاحشة) هي اللّواطة (¬12). وقيل (¬13): «الرّجل والمرأة». وعن السدّي أنّ الآية الأولى كانت (¬14) في النّساء الثّيب وهذه الآية كانت في البكر (¬15)، ثمّ نسختا جميعا بالجلد في سورة النّور والرّجم على لسان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم (¬16). ¬
(الإعراض) (¬1): الصّفح. 17 - {التَّوْبَةُ:} إعادة النّعمة والتّوفيق (¬2). {عَلَى اللهِ:} مجازه: في ضمان الله ووعده (¬3). {لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ:} العمل السّيّئ بغير علم بوجوب العقوبة (¬4). {ثُمَّ يَتُوبُونَ:} قبل المعاينة (¬5). 18 - الله نفى توبة الذين يتوبون ويؤمنون عند المعاينة قبل خروج أنفسهم، والذين يموتون سكرى ومصعوقين وفجاءة فلا يعاينون شيئا إلاّ بعد الموت، فالتّوبة على الله غير واجبة لهذين الفريقين، ولكن أمرهم في مشيئته يغفر لمن يشاء ما خلا الشّرك والكفر والنّفاق من غير وعد ولا ضمان ولكن بفضل (¬6) منه ورحمة. {أَعْتَدْنا:} أي: جعلناه عتادا لهم (¬7). و (العتاد): المعتد اللازم، والشّيء العتيد: الحاصل المعدّ (¬8). 19 - {لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً:} كان الرّجل يرث امرأة أبيه في الجاهليّة بالمهر الأوّل إن شاء تزوّجها بذلك، وإن شاء زوّجها ممّن شاء على أن يكون له المهر، هكذا روي عن الحسن وأبي مجلز إلاّ أنّ مجاهدا قال: ابنه لم يتزوّج امرأة أبيه ولكنّه يزوّجها من غيره، وليس ذلك بصحيح إلاّ إن عنى به أمّه (¬9). {وَلا تَعْضُلُوهُنَّ:} نهى (¬10) الأزواج عن إمساكهنّ على وجه مضارّتهنّ ليفتدين بمهورهنّ، عن ابن عبّاس (¬11). وقال الزهريّ: كانوا يطلّقون ويراجعون بغير عدّة يطولون العدّة بذلك (73 ب) مضارّة لا يقربوهنّ ولا يدعوهنّ (¬12) يتزوّجن، فنهوا عن ذلك. ¬
و (الفاحشة المبيّنة): هو النّشوز، عن ابن عبّاس وأبي مجلز يجوز (¬1) للرّجل قبول الفداء حينئذ. وقال قتادة والسدّيّ: هو الزّنا، والحكم على هذا منسوخ (¬2). و (معاشرتهنّ بالمعروف): أن (¬3) يحسن معها المقام والعشرة بالإنصاف في المبيت والنّفقة وحسن القول وبشاشة الوجه (¬4). {فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ:} فيه ترجية (¬5) وتطميع للرّجال في خير يرزقهم الله (¬6) من نساء يكرههنّ لدمامتهنّ أو فقرهنّ، من ولد أو ميراث أو موافقة أو ثواب على حسن معاشرتهنّ. (كرها): نصب بنزع (¬7) الخافض. {خَيْراً كَثِيراً:} إن صبرتم عليها (¬8). 20 - {وَإِنْ أَرَدْتُمُ اِسْتِبْدالَ زَوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ:} [هو أن يطلّق امرأة ويتزوّج أخرى (¬9)، ويتعيّن ذلك على من عنده أربع وأراد خامسة]. {وَآتَيْتُمْ:} أعطيتم أو أوجبتم (¬10) لها من الصّداق. {قِنْطاراً:} مثلا، فلا تستردّوا ولا تحبسوا من ذلك القنطار شيئا، يعني: بغير رضاها (¬11). {أَتَأْخُذُونَهُ} (¬12): استفهام بمعنى النّهي والإنكار (¬13). {بُهْتاناً:} أي: ببهتان (¬14). وهو أن يدّعي الإبراء، أو (¬15) يجحد الوجوب أصلا. والآية في المدخول بها (¬16)، ويدلّ على جواز المفاداة بالصّداق وإن كان مكروها. ¬
21 - {وَكَيْفَ} (¬1): أداة التّعجّب، وهي ههنا بمعنى النّهي والإنكار (¬2). و (الإفضاء إليها): الوصول إليها في الخلوة سواء وجد الجماع أو لم يوجد عند الزّجّاج والفرّاء (¬3)، وعن ابن عبّاس أنّه الجماع (¬4)، فعلى القول (¬5) الأوّل الخلوة أوجبت كمال المهر بالآية، وعلى القول الثاني أوجبت بقضاء الخلفاء الرّاشدين (¬6). و (الميثاق الغليظ): هو العقد والإشهاد (¬7)، وقال الزهري: كان يقال للنّاكح: الله عليك أن تمسكها أو تسرّحها بإحسان (¬8)، وفي الحديث: (أخذتموهنّ بأمانة الله واستحللتم فروجهنّ بكلمة الله) (¬9). فهذا كلّه في الميثاق الغليظ. 22 - {وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ:} تحريم موطوءة الأب ومنكوحته، عن ابن عبّاس وعكرمة وقتادة (¬10). وفي قوله: {إِلاّ ما قَدْ سَلَفَ} أربعة أقوال (¬11): استثناء متّصلا، كأنّه قيل: أنتم منهيّون (¬12) عن نكاحهنّ، وذلك موهم للماضي والحال والمستقبل، فاستثنى ما سلف لإزالة الإيهام. والثاني: أنّ النّهي مقصور على ابتداء العقد دون استبقائه، وهذا لا يصحّ؛ لأنّ الشّرع لم يرد بجواز استبقاء نكاح محرّمة على التّأبيد. والثالث: استثناء منقطعا بمعنى لكن. والرّابع: أن يكون الاستثناء بمعنى واو العطف، كقوله: {إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا} [البقرة:150]، أي: صاروا (¬13). وقيل: كان (¬14) مكروها عند بعض العرب ويسمّون الولد مقيتا (¬15). ¬
وفي قول من قال: كان (¬1) في شريعة من قبلكم، أو (كان) زائدة نظر (¬2). و (المقت): البغض (¬3). {وَساءَ:} بئس ذلك السبيل من سبيل (¬4). 23 - {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ:} يعني الوالدات، واحدتهنّ أمّ (¬5). و (البنات): الإناث (¬6) من الولد، واحدتهنّ بنت. و (الأخوات): بنات الأبوين، واحدتهنّ أخت (¬7). و (العمّات): أخوات الأب (¬8)، واحدتهنّ عمّة. و (الخالات): أخوات الأمّ، واحدتهنّ خالة (¬9). {وَبَناتُ الْأَخِ:} الإناث [من ولد الأخ] (¬10). {وَبَناتُ الْأُخْتِ:} الإناث من ولد الأخت. و (الأمّهات من الرّضاعة): المرضعات في مدّة الرّضاعة بناتهنّ (¬11). و (أمّهات النّساء): واحدتهنّ صهرة. و (الرّبائب): بنات الزّوج من غير الزّوج، واحدتهنّ ربيبة، والصّبيّ في حجر فلان، (74 أ) أي: في كفالته ورعايته (¬12). و (حليلة) الرّجل: امرأته، وإنّما سمّيت حليلة؛ لأنّها نزيلته، أو لأنّها تحل له (¬13). والتّقدير: «حرّم عليكم نكاح أمّهاتكم» (¬14). ¬
وأجناس المحرّمات خمسة: النّسب والرّضاع والمصاهرة والسّبب والجمع. وما يحرم من النّسب سبع: الأمّ والابنة والأخت والعمّة والخالة وابنة الأخ وابنة الأخت. وما يحرم من الرّضاع كلّ ما يحرم مثله من جهة الأمّ أو من جهة الأب في النّسب. وما يحرم من المصاهرة فأربع: أمّ المرأة وابنتها وامرأة الأب وامرأة الابن وموطوءة هؤلاء. وما يحرم بالسّبب فستّ: معتدّة الغير والحامل من الغير والمبتوتة حتى تنكح زوجا غيره والكافرة من غير أهل الكتاب وذات الزّوج والأمة على الحرّة. وما يحرم بالجمع نوعان: كلّ شخصين لو كانا ذكرا وأنثى من وجهين حرم التّناكح بينهما كالأختين، والجمع بين أكثر من أربع للحرّ (¬1) وثنتين للعبد. 24 - {وَالْمُحْصَناتُ:} «ذوات الأزواج» (¬2). {أَيْمانُكُمْ:} جمع يمين (¬3)، وهي اليد اليمنى، وإنّما يسند الملك إليها؛ لأنّها أضبط اليدين وأقواهما غالبا، وأكثر الكسب بها. ومجرد الملك بالسّبي أو الوراثة أو الشّراء لا يوجب فسخ عقد النّكاح ما لم ينضمّ إليه معنى بسبب (¬4) الزّوج من مباينة الدّار أو نحوها. {وَأُحِلَّ لَكُمْ:} وأبيح لكم أن تتزوّجوا بمن وراء هؤلاء اللواتي سبق (¬5) ذكرهنّ. {أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ:} تفسير لما أحلّ (¬6). {مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ:} متزوّجين غير زانين، والسّفاح: الزّنا (¬7). والكناية في {فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} راجعة إلى (ما)، وهي للواحد والجماعة (¬8). (أجورهنّ): «مهورهنّ» (¬9). {فَرِيضَةً:} مقدرة. وفي قوله: {وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ:} إباحة الإبراء والخلع، وفي فحواه أنّ العقد لا يعرى عن المهر إذا اتّصل بالدّخول، وإن جاز إسقاطه بعد الوجوب (¬10). ¬
وذكر العلم والحكمة لإفادة العلم والحكمة في الشّريعة، أو لعلمه بعلل النّصوص وبالمصالح فيها (¬1). 25 - {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ:} نزلت اختيار المؤمنات حرائرهنّ وإمائهنّ على الكتابيّات حرائرهنّ وإمائهنّ، لا في قصر الإباحة على المؤمنات. و (الطّول): الفضل والغنى (¬2)، منصوب على التفسير للاستطاعة المنفيّة (¬3). وعن إبراهيم النخعيّ أنّ المراد به الهوى (¬4)، والتّقدير: من لم يكن عنده قصد رأي وحزم ليصابر (¬5) الهوى فيصبر عن الإماء. {أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ:} «الحرائر» (¬6). {فَمِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ:} فليتزوّج ممّا ملكت أيمانكم من الإماء (¬7). {مِنْ فَتَياتِكُمُ:} إمائكم (¬8) {الْمُؤْمِناتِ.} و (الفتاة): الشّابّة في اللغة (¬9)، وقال صلّى الله عليه وسلّم: لا يقولن أحدكم: عبدي وأمتي بل يقول: فتاي وفتاتي أو غلامي وجاريتي فإنّكم كلّكم عبيد والرّبّ واحد (¬10). وعدم الطّول ليس بشرط في جواز نكاح الإماء المؤمنات، ولكنّه مندوب إليه بقول عليّ رضي الله عنه: إذا تزوّج الحرّة على الأمة قسم للأمة الثّلث وللحرّة الثّلثين (¬11). وقال جابر بن عبد الله: «لا تنكح الأمة على الحرّة وتنكح الحرّة (¬12) على الأمة». {وَاللهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِكُمْ:} يريد الأخذ بالظّاهر ووكول الحقيقة إلى الله تعالى (¬13). {بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ:} أي: الأحرار (74 ب) والعبيد والحرائر والإماء بعضهم من بعض ¬
في باب الإسلام والشّريعة والموالاة (¬1). {فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ:} يفيد وقوف العبد (¬2) على إجازة المولى بخلاف العقد على الحرائر. {مُحْصَناتٍ:} مزوّجات أو عفائف (¬3). {غَيْرَ مُسافِحاتٍ:} زانيات (¬4). {وَلا مُتَّخِذاتِ أَخْدانٍ:} أخلاّء (¬5). وإنّما ذكره؛ لأنّ من (¬6) العرب من لا يعدّ السرّ (¬7) سفاحا. {أُحْصِنَّ:} بفتح الهمزة: أسلمن، عن ابن مسعود وزرّ والشّعبيّ (¬8)، وهو يحتمل التّزوّج أيضا (¬9). وبضمّ الهمزة إذا تزوّجن، عن ابن عبّاس ومجاهد (¬10)، وهو يحتمل أدخلن في الإسلام. {فَإِنْ أَتَيْنَ بِفاحِشَةٍ:} «زنين» (¬11). {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى [الْمُحْصَناتِ]} (¬12) الحرائر من الجلد (¬13). وحكم جلد العبد مستفاد من فحوى الآية، وثبت بالإجماع (¬14). {ذلِكَ:} أي: النّدب إلى نكاح الإماء والتّنبيه عليه (¬15). ¬
{لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ:} الإثم والضّرر في دينه ودنياه من العزوبة أو الهوى (¬1). {وَأَنْ تَصْبِرُوا:} قيل: الصّبر من الكلّ {خَيْرٌ لَكُمْ} (¬2)، وقيل (¬3): الصّبر عن العنت خير لكم، وقيل (¬4): عن نكاح الإماء خير لكم. فإن قيل: كيف ندب إلى ما الصّبر عنه خير؟ قلنا: إنّ فعله خير من وجه، وهو أنّ فيه مندوحة عن الزّنا، والصّبر عنه خير، وهو أن لا يعرّض أولاده للرّقّ (¬5). 26 - {يُرِيدُ اللهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ:} اللام بمعنى (أن) عند الفرّاء والكسائيّ، وكذلك في قوله: {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ} [البقرة:185]، {وَأُمِرْنا لِنُسْلِمَ} [الأنعام:71]، و {يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ} (¬6) [الصّفّ:8]. (ليبيّن لكم): أي: الأحكام الشّرعيّة (¬7). {وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ:} أي: الأنبياء عليهم السّلام (¬8) لقوله تعالى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصّى بِهِ نُوحاً} [الشّورى:13]، و {مِلَّةَ إِبْراهِيمَ} [البقرة:135]، و {فَبِهُداهُمُ اِقْتَدِهْ} [الأنعام:90]، فمن ذلك تحريم الأمّهات والبنات، وما لم ينسخ من الشّرائع المتقدّمة (¬9). والآية وما (¬10) بعدها في أهل البيت وفي أولياء الله دون الذين لم يرد الله أن يطهّر قلوبهم. 27 - {أَنْ تَمِيلُوا:} الميل: الجور، وهو نقيض الاستقامة (¬11). و {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَواتِ:} الكفّار والشّياطين (¬12). 28 - {أَنْ يُخَفِّفَ:} أراد رفع الإصر (¬13). ¬
و (ضعف الإنسان): قلة (¬1) احتماله التّكليف، وسرعة تغيّره بما يلقى من المكروه والمحبوب (¬2). 29 - {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا:} هذا فصل مبتدأ، واتّصاله بما قبله من حيث الأحكام المأمور بها والمنهيّ عنها (¬3). و (الأكل (¬4) بالباطل): بالرّبا والقمار والبخس والظّلم وما يشاكلها، عن السدّيّ (¬5)، وأكلها بغير معاوضة، عن الحسن (¬6). والظاهر أنّه بذل المال في السّفاح دون النّكاح لتقدّم: {أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ} [النّساء:24]. والاستثناء منقطع؛ لأنّ التّجارة عن تراض ليست من جنس المنهيّ عنه (¬7). قيل (¬8): لمّا نزلت هذه الآية امتنع الناس عن التّبسّط حتى نزل: {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ} في سورة النّور [الآية 61]. {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ:} «أي: لا يقتل بعضكم بعضا» (¬9)، وقيل: هو (¬10) نهي عن أن يقتل الرّجل نفسه (¬11). وإنّما وصف نفسه بالرّحمة (¬12)؛ لأنّه أراد بنا الخير حيث نهانا عن أكل المال بالباطل وقتل النّفس المحظورين (¬13) بالعقل قبل الوحي. 30 - {ذلِكَ:} إشارة إلى قتل النّفس، عن عطاء (¬14). وقيل (¬15): إلى الظّلم الموجود في ¬
أكل الأموال وقتل الأنفس جميعا. وقيل (¬1): إلى ما نهى من أوّل السّورة إلى هنا. وقوله: {فَسَوْفَ نُصْلِيهِ:} جزاء وشرط وليس بخبر (¬2). {وَكانَ ذلِكَ:} أي: الإصلاء {يَسِيراً:} غير (75 أ) عسير (¬3). 31 - {إِنْ تَجْتَنِبُوا:} الاجتناب والمجانبة: أن تدع الشّيء جانبا ولا تتعرّض له (¬4). و (الكبائر) المجمع عليها ثلاث (¬5): الشّرك، قال الله تعالى: {إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} [النّساء:48]، والكفر: {وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ} [المائدة:5]، والنّفاق. وما عداها مختلف فيه، فقيل: كلّ ما نهى من أوّل السّورة إلى ههنا من الكبائر، وقيل: كلّ ما أوجب الحدّ، وقيل: كلّ ذنب أوجب الله عليه (¬6) حدّا في الدّنيا أو توعّد (¬7) عليه بالنّار في الآخرة، وقيل: كلّ ذنب كان محظورا في قضيّة العقل قبل الوحي، وقيل: كلّ ما أرسل (¬8) الله في ذلك رسولا وعاقب عليه أمّة، وقيل: ما يرجع إلى فسق الدّيانة والاعتقاد، وقيل: ما يبطل العدالة، وقيل: ما وصفه الله في القرآن بالعظم والكبر أو الاعتداء (¬9). ولو بقيت الكبائر (¬10) لخصّها النّاس بالاجتناب وارتكبوا سائر المناهي اتّكالا على هذه الشّريطة، ولو ارتكبوا لبطل التّفاضل بالورع. 32 - {وَلا تَتَمَنَّوْا:} نزلت في أمّ سلمة، قالت: [ليت] (¬11) الجهاد كتب (¬12) علينا فنصيب من الثّواب ما يصيبه الرّجال، عن مجاهد (¬13). وقيل (¬14): تمنّي الرّجال أن يزادوا (¬15) في ثواب الآخرة كما زيدوا في الميراث في الدنيا. وقيل (¬16): حسد الناس بعضهم بعضا، فنهوا عن ذلك {لِلرِّجالِ نَصِيبٌ:} أي: لكلّ واحد من الفريقين [نصيب من قضيّة ما كسبوا من أجل ¬
كسبه، ويحتمل أنّ معناه: لكلّ واحد من الفريقين] حظّ في الدنيا، إذ جميع كسب الإنسان ربّما لا يكون رزقا له وإنّما يجمع لغيره (¬1). {وَسْئَلُوا اللهَ مِنْ فَضْلِهِ:} إبدال عن المنهيّ عنه، أي: سلوا من فضله (¬2) مكان ما كنتم تتمنّون. وقيل (¬3): في الزّبور: يا ابن آدم لا تقل اللهمّ ارزقني مال فلان ولكن قل: اللهمّ ارزقني مثل مال فلان. {عَلِيماً:} أخبر عن معلومه. 33 - [{وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ مِمّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ}] (¬4): من أنصباء الرّجال والنّساء، تقدير الآية: ولكلّ شيء ممّا ترك الوالدان والأقربون والذين عاقدت أيمانكم جعلنا موالي يستحقّونه، أو تقديره: ولكلّ واحد جعلنا، ثمّ (¬5) بيّنهم من الذين تركهم الوالدان والأقربون. والذين عاقدتهم الأيمان والمولى (¬6) على وجوه. والجميع ينبئ عن نوع قرب واختصاص. وإنّما أسند العقد إلى اليمين؛ لأنّها سبب انعقاده (¬7)، كقوله: {إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النّاسِ} [إبراهيم:36]. والمراد بالمعاقدين [الموالاة] (¬8) عن ابن عبّاس، وعنه هم الذين آخى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بينهم (¬9). ومولى الموالاة يرث عندنا، وهو قول عمر وعليّ وابن مسعود ومسروق (¬10). 34 - {الرِّجالُ قَوّامُونَ:} نزلت في ثابت بن قيس بن شماس وزوجته جميلة بنت عبد الله ابن أبيّ (¬11). وقيل: نزلت في حبيبة بنت سهل. وقيل: نزلت في سعد بن الرّبيع وامرأته حبيبة بنت زيد بن أبي (¬12) زهير لطمها لطمة، فانطلق أبوها إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم واستعدى عليه، فأمرها رسول ¬
الله صلّى الله عليه وسلّم بالقصاص، فأنزل الله الآية، فدعاهما وتلا عليهما الآية وقال: أردنا أمرا وأراد الله أمرا والذي أراد الله خير (¬1). وكان القصاص جاريا بين الرّجال والنّساء في كلّ شيء إلى أن نسخ الله بهذه الآية. وقيل: أمره محمول (¬2) على العفو دون القصاص لاعتبار المساواة في ما دون النّفس. (قوّامون): قيّامون وقيّمون على مصالحهنّ بسبب ما فضّلهم الله عليهنّ في العقل والشّهادة والجهاد والولاية والإمامة، وبسبب إنفاقهم (¬3) على الزّوجات. {فَالصّالِحاتُ:} غير النّاشزات الفاسدات (¬4). {قانِتاتٌ:} «مطيعات لله ولأزواجهنّ» (¬5). {حافِظاتٌ:} لأنفسهنّ وبيوتهنّ بحفظ الله تعالى وعصمته إيّاهنّ، وما حفظ الله عليهنّ من (75 ب) الأحكام الشّرعيّة (¬6)، أو بما حفظ الله لهنّ من حقوقهنّ من المهر والنّفقة (¬7). وإنّما أثنى عليهنّ ليعلم أنّه ما عليهنّ من سبيل (¬8). و (الهجران في المضاجع) هو ألاّ يقربها مدّة ويري (¬9) من نفسها الملال عنها لعلّها تخاف الفرقة فتترك النّشوز وتحسن العشرة والطّاعة (¬10). {وَاِضْرِبُوهُنَّ:} أدّبوهنّ بضرب لا إتلاف فيه ولا تبريح (¬11). {فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ:} في الدّين والفراش (¬12). {فَلا تَبْغُوا:} تطلبوا (¬13). {عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً:} حجّة وعلّة، ولا تتجنّوا عليهنّ (¬14). وإنّما وصف نفسه بالعلوّ والكبرياء لتعاليه عن إباحة التّجنّي والعدوان، والكبر شأنه في ¬
إقامة القسط والأخذ للمظلوم (¬1) من الظّالم المتجنّي. 35 - {فَابْعَثُوا حَكَماً:} حاكما، والظاهر أنّ الحكم (¬2) من تحاكم إليه الخصمان ورضيا بحكمه وجعلاه كالوكيل فيما أسند إليه، والحاكم (¬3) الذي له أن يحكم وإن لم يتحاكم إليه (¬4). وإنّما أمر بحكمين؛ لأنّه أبعد من الجور والميل. {إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً:} أي (¬5): يجعل حكم أحد الحكمين موافقا لحكم الآخر إن أرادا إصلاحا (¬6). وليس للحكمين أن يحكما بالطّلاق والخلع إلاّ أن يكون الزّوجان قد أذنا لهما في ذلك (¬7). (الخبير العليم): كقوله: {نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ} [التّحريم:3]، وقيل: المخبر (¬8) والمخبّر والمعلم واحد. 36 - {وَاُعْبُدُوا اللهَ:} وهذا فصل آخر، وابتناؤه (¬9) على ما تقدّم من حيث إنّ (¬10) الجميع أمر ونهي. و {إِحْساناً:} نصب على الحثّ والتّحريض، ومثله قوله: {وَقَضى رَبُّكَ} إلى قوله: {إِحْساناً} [الإسراء:23] (¬11)، وقوله: {فَضَرْبَ الرِّقابِ} [محمّد:4]. {وَالْجارِ:} النّزيل في الحيّ، وهو المجاور (¬12). {وَالْجارِ ذِي الْقُرْبى:} أدنى الجيران، {وَالْجارِ الْجُنُبِ:} أبعدهم (¬13). وقيل (¬14): ذي القربى: المناسب القريب، والجنب: الأجنبيّ الغريب. ¬
{وَالصّاحِبِ بِالْجَنْبِ:} الرّفيق (¬1) في السّفر، عن ابن عبّاس وابن جبير والحسن ومجاهد والضّحّاك (¬2). وعن ابن عبّاس أيضا هو المنقطع إليك يرجو خيرك ونفعك، وإليه ذهب ابن زيد (¬3). وقال ابن مسعود وإبراهيم وابن أبي ليلى: هو المرأة (¬4). {وَاِبْنِ السَّبِيلِ:} هو الضّيف، عن قتادة وابن زيد (¬5). والمسافر الغريب، عن الرّبيع (¬6). {وَما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ:} من العبيد والإماء (¬7). ويجوز أن يدخل في عمومه الدّوابّ والمواشي (¬8). وقال صلّى الله عليه وسلّم: (كلّكم راع وكلّكم مسؤول عن رعيّته) (¬9)، وقال صلّى الله عليه وسلّم في العبيد والإماء: اكسوهم ما تلبسون وأطعموهم ما تطعمون (¬10)، وقال عند الوفاة: (الصلاة وما ملكت أيمانكم) (¬11). و (الاختيال) (¬12): افتعال من الخيلاء، وهو ركوب الرّأس والذهاب بالنّفس. و (الفخور): الذي يكثر التّفاخر بتقدير المكارم تكبرا وتعظما غير شكر (¬13). وإنّما لا يحبّ لأنّه يأنف عن طاعة الوالدين ومخالطة الأقربين وموافقة (¬14) الجيران ومعاشرة العبيد والإماء، ويخاف الفقر والذّلّ في بذل الأموال فلا يبذلها (¬15). 37 - {وَيَكْتُمُونَ ما آتاهُمُ اللهُ:} عن ابن عبّاس ومجاهد: اليهود خاصّة حيث كتموا [نعت] (¬16) نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم. والظاهر أنّه في البخيل المعتلّ المعتذر عند (¬17) السؤال كذبا وشحّا. ¬
{وَأَعْتَدْنا:} يقتضي مضمرا، فكأنّه قال: هم كافرون وأعتدنا للكافرين (¬1). وإنّما جاز وصفهم بالكفر؛ لأنّ من اعتقد أنّ البخل حسن محمود ورضيه وأوصى به غيره فقد كذب الله ورسول الله فكان كافرا (¬2). 38 - {وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ رِئاءَ النّاسِ:} إنّما ذكرهم لئلاّ يظنّ (¬3) ظانّ أنّ كلّ منفق محمود (76 أ) مأجور، فإنّ المختال الفخور ربّما (¬4) أنفق رياء، وذلك غير مقبول منه ولا محسوب له عند الله إذا لم يبتغ وجهه والدار الآخرة (¬5). {وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطانُ:} يقتضي مضمرا، فكأنّه [قال:] قرينهم الشّيطان ومن يكن الشّيطان (¬6). وإنّما لم يصرّح به لأنّ الملفوظ به يدلّ عليه. 39 - {وَماذا (¬7)} عَلَيْهِمْ: إلزام محض من طريق النّظر، كقولك: هب أنّي مبطل في الإنذار [فهل عليك بأس في الحذر، وهب أنّي غير مستحقّ] فهل عليك لوم في السّخاء، كذلك الإيمان بالله واعتقاد انقضاء الدنيا واجب في العقل (¬8) قبل الدّعوة، ومواساة الفقراء محمود عند كلّ ذي عقل، فماذا عليهم في الإجابة لداع يدعو إلى هذه المعاني سواء كان عدوّا أو صديقا صغيرا أو كبيرا. 40 - {إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ:} لا يخلف الوعد بزيادة العقاب أو نقص الثّواب، ومجازه: إنّ الله لا يظلم شيئا (¬9). وإنّما ذكر ذلك؛ لأنّه أقلّ ما يثبت في القواعد المحسوسة، أو لأنّه أقلّ أجزاء (¬10) الجوهر لا يستتر (¬11) منه بعضه. و (مثقال) الشّيء: مقداره في الوزن (¬12). و (الذّرّة) من الحيوان: النّملة الصّغيرة الحمراء، وهي جسم مؤلف، والذّرّة من الجماد: ¬
جزء واحد من أجزاء الغبار، وذلك ليس بجسم، فإنّ الله (¬1) تعالى لا يزيد في عقاب ولا يبخس من ثواب ذلك القدر، فإن كان ذلك القدر حسنة ضاعفها (¬2) إلى عشرة أمثالها إلى سبع مئة إلى ما شاء من فضله (¬3). وإنّما وصف الأجر بالعظم؛ لأنّه لا ينقص ولا ينفد (¬4). 41 - {فَكَيْفَ:} في مثل هذا الموضع يقتضي تهويل الأمر، وتقديره: كيف يحتالون (¬5)؟ وكيف يصنعون؟ أو كيف هم؟ أو كيف حالهم؟ وحذف المستفهم عنه أبلغ في التّهديد لتذهب (¬6) نفس السّامع كلّ مذهب. والمراد بالتّوقيت يوم القيامة كما في قوله: {وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنا بِكَ شَهِيداً عَلى هؤُلاءِ} (¬7) [النّحل:89]. و (الشّهداء): الأنبياء والمرسلون وسائر الأئمّة (¬8)، يقولون: هذا أجاب وهذا لم يجب، وهذا أطاع وهذا لم يطع، وذلك بعد أن يثبت الله أقدامهم وينزل عليهم السّكينة ويذهب بالوجل عن قلوبهم، وأمّا في ابتداء الوهلة فيقولون: لا علم لنا، كما قال: {يَوْمَ يَجْمَعُ اللهُ الرُّسُلَ،} الآية [المائدة:109]، وعميت الأنباء على المشهود عليهم أيضا فلا يتساءلون، ثمّ يوفّق الله من يشاء للجواب الصالح، ويجحد من قدر له الجحود، ثمّ ينطق أسماعهم وأبصارهم وجلودهم بفعلهم (¬9) فحينئذ يقولون: {شَهِدْنا عَلى أَنْفُسِنا} [الأنعام:130]. عن ابن مسعود أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال له: اقرأ، قال: أعليك (¬10) أقرأ يا رسول الله وعليك أنزل؟ قال: إنّي أحبّ أن أسمعه (¬11) من غيري، فقرأ سورة النّساء، فلمّا انتهى إلى هذه الآية دمعت عينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم (¬12)، وفي بعض الرّوايات قال: اللهمّ هذا علمي بمن أنا بين ظهرانيهم فكيف ¬
بمن لم يرني (¬1). 42 - {يَوْمَئِذٍ:} ظرفان من الزّمان أضيف أحدهما إلى الآخر فصارا زمانا معرّفا فكأنّك تقول: يوم إذ يكون كذا، فلذلك تعرّف وصار حكمه حكم الفعل، وهذا على قول من يعرب اليوم من (يومئذ)، وأمّا من لم يعربه فيقول (¬2): هذان اسمان جعلا اسما واحدا بني على صيغة واحدة لزمان معيّن (¬3). {وَلا يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيثاً:} واو استئناف، أي: لا ينكتم شيء ممّا (¬4) يتحدّثون فيما بينهم، أو تحدث به أنفسهم. 43 - {لا تَقْرَبُوا [الصَّلاةَ]:} موضع الصّلاة، وهو (¬5) المسجد دون الدّعاء والصّلاة المعهودة (¬6)؛ لأنّه قال: (76 ب) {إِلاّ (¬7)} عابِرِي سَبِيلٍ، والعبور لا يتصوّر إلاّ في المسجد، فإن قيل: عن أبي عبد الرّحمن السّلميّ أنّ عليّا وعبد الرّحمن بن عوف كانا في دعوة رجل من الأنصار وأصابوا من الخمر (¬8) وقدّموا عليّا في صلاة المغرب وقرأ: {قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ} على غير ما أنزلت فنزلت الآية (¬9)، قلنا: اعتبار عبور السّبيل الذي نطق به الكتاب أولى من اعتبار حادثة عليّ، فإن قيل: لم لا تحملونه عليهما [جميعا]؟ قلنا (¬10): لامتناع حمل اللّفظ الواحد على الحقيقة والمجاز في حالة واحدة، فإن قيل: كيف حملتم قوله: {وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ} [النّساء:22] على العقد والوطء جميعا؟ قلنا: لأنّه حقيقة فيهما كاسم الإخوة في حجب الأمّ، والمعنى المفسد عدم منه. {وَأَنْتُمْ سُكارى:} الواو للحال (¬11). و (سكارى): جمع سكران، وقيل: الجمع سكرى، وسكارى (¬12) جمع الجمع. ¬
{حَتّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ:} يفيد القضاء عند الصّحو. {وَلا جُنُباً:} أي: ولا مجنيين. و (الجنب) واحد وجمع إذا كان نعتا لاسم، يقال: رجل جنب، وامرأة جنب، وقوم جنب (¬1)، وإن أقمته مقام الاسم ثنّيت وجمعت. وإنّما استثنى (عابري سبيل) للضّرورة، قال إبراهيم: هو أن لا يجد طريقا غيره، وقيل: هو أن لا يصل إلى الماء إلاّ به فيتيمّم (¬2) ويدخل. {حَتَّى تَغْتَسِلُوا:} مقدّم على الاستثناء في التّقدير (¬3). {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى:} أي (¬4): بحال تخافون زيادة المرض باستعمال الماء، وقال ابن عبّاس: هو صاحب الجدري وصاحب القرحة (¬5). {أَوْ عَلى سَفَرٍ:} «إن كنتم مسافرين» (¬6). {أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ (¬7)} مِنَ الْغائِطِ: أي: رجع عن قضاء الحاجة (¬8). و (الغائط): اسم للمكان (¬9) المطمئن. و (اللّمس): كناية عن الجماع، عن عليّ وابن عبّاس وأبي موسى الأشعريّ (¬10)، ولأنّه لمس مطلق. والمراد بالماء الماء الشّرعيّ دون اللغويّ لجواز التّيمّم مع وجود الماء النّجس، ولهذا جوّزنا الوضوء بنبيذ التّمر؛ لأنّه ماء شرعيّ (¬11). وقوله: {فَلَمْ تَجِدُوا:} معطوف على المعنى المقدّر (¬12)؛ لأنّ عدم الماء غير شرط في حقّ المريض. ¬
وقوله: {فَتَيَمَّمُوا:} جواب للشّرطين جميعا (¬1). و (التّيمّم): «القصد» (¬2)، والقصد لا يتمّ إلاّ بالفعل، والفعل تيمم من غير حصول الانفعال، فلذلك اكتفينا بضرب اليدين من غير رفع الصّعيد. و (الصّعيد): «وجه الأرض» (¬3) لقوله: {صَعِيداً جُرُزاً} [الكهف:8]، و {صَعِيداً زَلَقاً} [الكهف:40]. و (الطّيّب): الطّاهر (¬4). وإنّما وصف نفسه بالعفو والغفران؛ لأنّه رفع الإصر ولم يؤاخذنا بما يشقّ (¬5) علينا. 44 - {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ:} اتّصالها بما قبلها من حيث ما في ضمنها من النّهي عن موالاة اليهود، والتّحذير عنهم (¬6). {أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ:} أي: تنسوا السّبيل وتضيّعوه. 45 - {وَاللهُ أَعْلَمُ بِأَعْدائِكُمْ:} منكم، فهؤلاء أعداؤكم وإن أظهروا (¬7) مودّة. {وَكَفى بِاللهِ:} خبر بمعنى الأمر، وتقديره: اكتفوا بالله من وليّ (¬8). و (الكافي) (¬9): القائم بالحاجة. والباء في (بالله) دليل على (ما) النّفي، وقيل: للتّعجّب والمبالغة (¬10). و {وَلِيًّا:} نصب على الحال (¬11). 46 - {مِنَ الَّذِينَ:} يحتمل أن تكون (من) تفسيرا وتبيينا ل {الَّذِينَ أُوتُوا} [النّساء:44] (¬12). ويحتمل أن تكون راجعة إلى قوله (¬13): {وَاللهُ أَعْلَمُ.} ويحتمل أن تكون (¬14) ¬
متّصلة بقوله: {نَصِيراً،} (80 و) (¬1) أي: بنصرة منهم (¬2). ويحتمل أن تكون منقطعة مبتدأ تقديره (¬3): من الذين هادوا من يحرّفون الكلم، قال الله تعالى: {وَما مِنّا إِلاّ لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ} [الصّافّات:164]، أي: إلاّ من له مقام، {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاّ وارِدُها} [مريم:71]، أي: إلاّ من (¬4) يردها، ولا يحسن إضمار (من) إلاّ في المبتدأ ب (من) (¬5). {وَاِسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ:} غير صاغر ولا مجبر على الاستماع، كان المؤمنون يريدون بهذا اللّفظ هذا المعنى (¬6). وقيل (¬7): «اسمع لا سمعت»، وقيل: اسمع (¬8) غير ممكّن من الاستماع، وكان المنافقون واليهود يريدون بهذا اللّفظ أحد هذين المعنيين. {لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ:} على أنّه مفعول له (¬9)، أو على التفسير. و (الطّعن في الدّين): هو الطّعن عليه وعيبه (¬10). وقوله: {سَمِعْنا} وما بعده يدلّ على ما (¬11) في قلبه. {وَاُنْظُرْنا:} أي: انتظر وتأنّ بكلامك (¬12). {لَكانَ:} هذا القول الثاني {خَيْراً لَهُمْ وَأَقْوَمَ:} أعدل وأقسط وأبعد عن اللّيّ (¬13). {وَلكِنْ لَعَنَهُمُ:} حرمهم التّوفيق لمثل هذه المقالة المحمودة جزاء لكفرهم أوامره (¬14). {إِلاّ قَلِيلاً:} منهم (¬15)، ويحتمل: فلا يؤمنون إلاّ إيمانا قليلا وذلك قولهم (¬16): {نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ} [النّساء:150]. ¬
47 - {يا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ:} نزلت في شأن اليهود (¬1)، ويحتمل العموم في أهل الكتاب، بادروا وقت هذا الوعيد الكائن (¬2) لا محالة. والوعيد أحد شيئين: إمّا طمس الوجوه وردّها على أدبارها وإمّا اللّعن. واختلف في الطّمس والرّدّ على الأدبار، قيل (¬3): محو آثار الوجوه من أصلها وصرف الأعين إلى الأقفية والمشي قهقرى، عن ابن عبّاس وابن جريج (¬4). وقيل: الطّمس (¬5) كختم القلوب وإغشاء الأسماع والأبصار، وهو الخذلان والذّهاب بالبركة والتّوفيق، والرّدّ على الأدبار هو (¬6) الحشر والإجلاء إلى الشّام (¬7). وقيل: الطّمس إنبات الشّعر على الوجوه كإنباته على الأقفية، وإليه ذهب الزّجّاج (¬8). وهذا الوعيد كائن لا محالة إمّا في الدنيا وإمّا في الآخرة (¬9). ولعن أصحاب السّبت مسخهم (¬10). {وَكانَ أَمْرُ اللهِ:} أي: مأمور الله، كقوله: {هذا خَلْقُ اللهِ} [لقمان:11]، وفائدته على هذا الإخبار عن نفاذ القدرة في جميع المرادات، وقيل: الأمر المفعول: الموعود (¬11)، وفائدته أنّ الله لا يخلف الميعاد (¬12). 48 - {إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ:} نزلت في وحشيّ قاتل حمزة (¬13)، وهي على العموم. وتضمّنت مغفرة من غير توبة؛ لأنّه نفى مغفرة الإشراك، وتضمّنت مغفرة الكبائر (¬14). والإشراك بالله من وجهين: إثبات شيء لا ابتداء له مع الله تعالى، والثاني: إثبات مدبّر متفرّد بفعله دون الله، فالأوّل إشراك الدّهريّة والثنوية، والثاني إشراك عبدة الجنّ والإنس والملائكة والنّجوم والأصنام. ¬
49 - {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ:} قيل في نزولها: إنّ اليهود حملوا أولادهم الأطفال إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقالوا (¬1): هل لهؤلاء ذنب؟ فقال صلّى الله عليه وسلّم: ما عليهم ذنب، فقالوا: ما نحن إلاّ أمثال هؤلاء ما نعمله بالليل يغفر لنا بالنّهار (80 ظ) وما نفعله بالنّهار يغفر لنا بالليل، فأنزل (¬2). وقيل (¬3): سبب نزولها قولهم: {نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ وَأَحِبّاؤُهُ} [المائدة:18]، بأفواههم التّراب. وقيل (¬4): إنّ بعضهم أثنى على بعض. و (التّزكية): وصفه بالعدالة وبأنّه زكيّ (¬5). و (الفتيل) (¬6): الوسخ الذي ينفتل بين الإصبعين، عن ابن عبّاس (¬7)، وقيل (¬8): الهنّة في شقّ النّواة. والنّقير: النّقطة على ظهر النّواة (¬9). والقطمير: القشر الرّقيق على ظاهر (¬10) النّواة. 50 - {اُنْظُرْ:} إنّما أمر بالنّظر للتّعجّب، وموضع التّعجّب شدّة وقاحتهم وغاية جهلهم (¬11). 51 - {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ:} نزلت في كعب بن الأشرف وحيي بن أخطب، قدما مكّة، فأتتهما (¬12) قريش وقالوا: أنتم أهل كتاب وعلم أخبرونا عنّا وعن محمّد صلّى الله عليه وسلّم، قالا: ما أنتم وما محمّد؟ قالوا: ديننا القديم ودينه الحديث، ونحن نسقي اللّبن على الماء ونصل الرّحم ونسقي الحجيج ونفكّ العناة، ومحمّد صنبور (¬13) قطع أرحامنا، واتبعه سراق الحجيج بنو غفار، فنحن أهدى أم هو وأصحابه؟ قالا: بل أنتم أهدى سبيلا (¬14)، وهما يعلمان أنّهما يكذبان لا محالة؛ ¬
لأنّهما كانا يريان (¬1) محمّدا صلّى الله عليه وسلّم يوحّد، ويذكر اسم الله على الذّبيحة، ويتوضّأ ويغتسل، ويذكر الأنبياء بخير ويؤمن بهم، ويأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الزّنا وعن جميع الفحشاء والمنكر والبغي، وهذا هو دين المرسلين، فأدّى بهما (¬2) العدوان والخذلان إلى اختيار المشركين على المؤمنين. وروي أنّهما سجدا لصنم قريش تقرّبا إليهم واستمالة لقلوبهم (¬3). و (الجبت): كلّ ما عبد من دون الله تعالى، عن ابن عرفة وأبي عبيد (¬4). وعن الشّعبيّ: الجبت: الساحر (¬5). وقيل (¬6): السّحر بلغة الحبشة، يعني: مشتركة بينهم وبين بعض العرب. وفي إحدى الرّوايتين (¬7): الجبت: الأصنام، والطّاغوت: مترجم الأصنام، وفي الرّواية الأخرى (¬8): الجبت: كعب ابن الأشرف، والطّاغوت: حيي بن أخطب. 53 - {أَمْ لَهُمْ:} متّصلة معادلة لألف الاستفهام في قوله: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ [أَنْفُسَهُمْ]} (¬9) [النّساء:49]، أو {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا} [النّساء:51]. وقيل: متعلقة (¬10) بمعنى ألف الاستفهام. {فَإِذاً} (¬11): يوجب جواب شرط. و (النّقير): أدنى ما يتعيّن بنقر الأصابع (¬12) أو المنقار. والمعنى أنّ الله تعالى وصفهم بغاية البخل (¬13). 54 - {أَمْ يَحْسُدُونَ النّاسَ:} قال ابن عبّاس (¬14): النّاس: محمّد صلّى الله عليه وسلّم. و (الفضل): إباحة التّزوّج له بكم شاء من النّساء (¬15). ¬
و {آلَ إِبْراهِيمَ:} سليمان عليه السّلام، فالملك العظيم ملكه، وقال السدّي كذلك إلاّ أنّه قال: وآل إبراهيم: داود عليه السّلام وملكه، وسليمان عليه السّلام وملكه، كان قد أبيح لداود عليه السّلام تسع وتسعون امرأة مهرية وثلاث مئة سرّيّة، ولسليمان ثلاث مئة حرّة وسبع مئة سرّيّة. وقيل: إبراهيم وما آتاه الله تعالى في هذه (¬1) النّساء، وذلك أنّ اليهود عيّروا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قالوا: لو كان نبيّا لشغله شأن النّبوّة عن شأن النّساء، فبيّن الله تعالى حالة من مضى من الأنبياء حجّة لنبيّه صلّى الله عليه وسلّم (¬2). وقال قتادة (¬3): الناس: العرب، والفضل: النّبوّة، والوجه أنّهم حسدوهم وقالوا: هذا أمر لا يكون إلاّ في بني إسرائيل، (81 و) فبيّن الله أنّهم وبنو (¬4) إسرائيل شرع سواء؛ لأنّهم جميعا من ابني إبراهيم إسماعيل وإسحق، فكانا ثنتين آتاهما الله تعالى الكتاب والحكمة والملك. وقيل (¬5): الناس: محمّد وأصحابه. وعن الحسن أنّ الملك العظيم النّبوّة (¬6)، وقيل (¬7): الإمداد بالملائكة. 55 - الهاء في {بِهِ} و {عَنْهُ} راجعة إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم (¬8)، وقيل (¬9): إبراهيم، وقيل (¬10): إلى الخبر عن آل إبراهيم. {سَعِيراً:} لمن صدّ عنه (¬11). 56 - {كُلَّما نَضِجَتْ:} الانطباخ والانشواء، وهو (¬12) غاية استرخاء التأليف بالحرارة. {بَدَّلْناهُمْ:} غيّرناها (¬13)، والعذاب للنّفوس دون الجلود إذ لا حياة في الجلود وإن كانت من جوهر النّفوس. وقيل: أن تجدّد (¬14) جلودهم النّضيجة وهي أجسادهم، ويجوز (¬15) إطلاق ¬
اسم الغير عند الانقلاب كقوله: {ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ} [المؤمنون:14]، يعني: غير، وقيل في تفسير قوله: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ} [إبراهيم:48]: إنّما (¬1) هي هذه الأرض ولكنّها تقلب ظهرا عن بطن (¬2). 57 - و (الظّلّ الظّليل) (¬3): هو الظّلّ الذي يستطاب ويستظلّ به، قال الله تعالى في ضدّه: {إِلى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ (30) لا ظَلِيلٍ} [المرسلات:30 - 31] (¬4). والمراد بالظّلّ الظّليل جميع أنواع السلامة عن (¬5) الحرّ والبرد وغيرها في حمى الله وكنفه. 58 - {إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ:} عامّة في الظاهر، تدخل (¬6) على كلّ أمانة من كلام أو مال، ويدخل فيه ما كان عند أهل الكتاب من نعت نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم، ويدخل فيه ما ائتمن الله الأئمّة فيه من العهد. وروي أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أخذ مفتاح الكعبة حرسها الله يوم الفتح من عثمان بن طلحة وجه بني عبد الدار وكانت الحجابة فيهم، فقال عثمان: خذ بأمانة الله، ثمّ إنّ عبّاسا أحبّ أن يدفع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المفتاح إليه لينضمّ له فضيلة الحجابة إلى فضيلة السقاية، فتلا رسول الله الآية وردّ المفتاح إلى عثمان، وقيل: إنّها نزلت حينئذ، ثمّ إنّ عثمان بن طلحة دفعه بعد ذلك إلى أخيه شيبة، وهو في بنيه (¬7) اليوم. 59 - {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ:} طاعة الله (¬8) فريضة، وطاعة رسوله واجبة، وطاعة أولي الأمر في طاعة الله فريضة (¬9) حتما، وفي سائر المصالح حسنة مندوب إليها، ولو كان حتما لما أمر بردّ المتنازع فيه إلى الله ورسوله ونهى (¬10) عن التّنازع أصلا. وأولو الأمر منّا: الولاة من مذهبنا وديننا الذين عقيدتهم طاهرة وملّتهم ظاهرة وبيعتهم سابقة (¬11). والمتنازع فيه: ما اختلف فيه أهل الرّأي والاجتهاد من الفروع دون الأصول. ¬
والرّدّ (¬1) إلى الله وإلى الرّسول: قيل: رفعه إلى رسوله وانتظار نزول القرآن، وهذا كان مختصّا بالصّحابة، كانوا إذا رأوا من أمير (¬2) السّرايا شيئا ينكرونه ذكروا ذلك لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعد رجوعهم. والثاني: بجعل المنصوص (¬3) عليه بالسّنّة والكتاب أصلا وتستنبط (¬4) علّته إن أمكن، ثمّ يردّ المتنازع فيه إلى ذلك الأصل بتلك العلّة. والمنصوصات لغرض التّعليل كالجمع (¬5) بين الأختين في الكتاب، (81 ظ) والتفاضل في الأشياء السّتّة في الحديث إلاّ ما نهي عن تعليله كقضاء الحائض صومها دون صلاتها، وهذا الوجه وجد بين جماعة من الصّحابة وبين عمر في ولايته، فمرّة رجعوا إلى قوله ومرّة رجع (¬6) إلى قولهم، وكذلك وجد في ولاية عثمان وعليّ. والثالث: أن يرجأ (¬7) أمر المتنازع فيه إلى الله إذا تجاذب الأصلان ولم يكن ترجيح لأحدهما، فحينئذ يجعل حكم المتنازع فيه موقوفا. 60 - {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ:} نزلت في المنافقين (¬8). {الطّاغُوتِ:} كعب بن الأشرف وحيي بن أخطب، عن ابن عبّاس (¬9). وقال مجاهد وقتادة والسدّي: الطّاغوت ههنا أبو بردة الأسلميّ الكاهن (¬10). 61 - {وَإِذا قِيلَ لَهُمْ:} في صفة هؤلاء المنافقين أيضا. روي أنّ يهوديّا ومنافقا يسمّى بشرا (¬11) اختصما فيما بينهما فقال اليهوديّ (¬12): بيننا أبو القاسم، فرافعه إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وكان الحقّ بيد اليهوديّ في تلك الخصومة، فحكم على بشر المنافق، فلمّا خرجا من عنده لم يرض المنافق بذلك الحكم، ورافع اليهوديّ إلى أبي بكر الصّدّيق فحكم لليهوديّ أيضا، فلم يرض المنافق بذلك ورافعه إلى عمر، فلمّا أتياه قال المنافق: حكم بيني وبينه رسول الله وأبو بكر فلم ¬
أرض بحكمهما ورضيت بحكمك (¬1) السّاعة، قال: رضيت بحكمي؟ قال: نعم، فدخل بيته ثمّ خرج شاهرا سيفه وضرب رقبة المنافق (¬2). 62 - {مُصِيبَةٌ:} أحد شيئين: إمّا نزول ما يفضحهم من القرآن، وإمّا قتل عمر بشرا (¬3) المنافق. {بِاللهِ:} يجوز أن يكون متّصلا ب {يَحْلِفُونَ} على أنّه محلوف به، ويجوز أن يكون حكاية حلفهم إذ الحلف في معنى القول. {إِنْ أَرَدْنا:} ما (¬4) أردنا بالتّحاكم إلى غيرك {إِلاّ إِحْساناً:} للأمر، {وَتَوْفِيقاً:} بين حكمك وحكم غيرك (¬5). ويحتمل ما أردنا بتوسط غيرك إلاّ الصّلح دون مرّ الحكم الذي هو من قضيّة الدّيانة والتّسليم له (¬6). 63 - {يَعْلَمُ اللهُ ما فِي قُلُوبِهِمْ:} إنّما أبهم لأنّه إن (¬7) كان نفاقا فإظهاره (¬8) يوجب القتل ففيه عنف ومضايقة، وإن كان إيمانا فإظهاره (¬9) يوجب قبول العذر ورفع (¬10) الملام ففيه نوع إخلال بالسياسة، فلذلك أبهم إن شاء الله وردّ حكمهم إلى الإنذار والوعظ. {فَأَعْرِضْ:} عن عقوبتهم، أو عن قبول عذرهم (¬11). و (وعظهم): هو لومهم على الفعل المذموم وحثّهم على الفعل المحمود (¬12). و (القول البليغ) في أنفسهم: تهديدهم بالقتل وسائر العقوبات إن رجعوا إلى مثل فعلهم ليبلغ ذلك القول في نفوسهم كلّ مبلغ من الإنذار والزّجر (¬13). 64 - {إِلاّ لِيُطاعَ:} أي: إلاّ ليستحقّ (¬14) الطّاعة، وكذلك قوله: {إِلاّ لِيَعْبُدُونِ} ¬
[الذّاريات:56]، وتقول المرأة لابنها: لم ألدك إلاّ لتكبر فتبرّ بي (¬1). {بِإِذْنِ اللهِ:} بأمره وحكمه (¬2). {وَلَوْ:} تدخل على الأفعال، وإنّما وليتها ههنا (أنّ) المشدّدة؛ لأنّها تنوب عن الاسم والخبر، تقول: ظننت أنّك عالم، أي: ظننتك عالما (¬3). والكناية في (هم) (¬4) راجعة إلى المنافقين وإلى أوليائهم. و {إِذْ ظَلَمُوا:} ظرف، والعامل فيه {جاؤُكَ،} أي: أتوك تائبين (¬5). {فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ:} «لذنوبهم» (¬6). {لَوَجَدُوا اللهَ:} أي: لأقبل الله عليهم (82 و) بالتّوبة والرّحمة (¬7). 65 - {فَلا وَرَبِّكَ:} نزلت في شأن (¬8) خصم الزّبير بن العوّام من الأنصار، كانت بينهما خصومة في شرج (¬9) من شراج المدينة، فاختصما إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا زبير اسق أرضك ثمّ أرسل إلى جارك، وأوصاه بالمعروف، فلم يرض الخصم بذلك وقال: أن كان ابن عمّتك يا رسول الله؟ فغضب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأمر الزّبير باستيفاء حقّه واستيعابه غاية الاستيعاب على سبيل المضايقة، وقال للزّبير: أمسك الماء حتى يبلغ الجدر، فأنزل الله الآية (¬10). (فلا): نفي لكلام الخصم، أي: ليس كما يزعم، ثمّ ابتدأ القسم وهذا كقوله (¬11): {فَلا أُقْسِمُ} [الواقعة:75]، ولو أنّه لتأكيد النّفي المتأخّر عن القسم على سبيل التّكرار، كما تقول: لا والله لا أفعل كذا، (وربّك): قسم (¬12). ¬
{لا يُؤْمِنُونَ:} لا يكونون مخلصين في الإيمان (¬1). {حَتّى:} إلى أن يتحاكموا إليك ويرجعوا إلى قولك في ما التبس واختلط منهم من الأمر (¬2). سمّي (الشّجر) شجرا لاختلاف أغصانه وفروعه (¬3). {ثُمَّ لا يَجِدُوا:} «معطوف على {يُحَكِّمُوكَ»} (¬4). و (الحرج) (¬5): الضيق (¬6)، ولذلك سمّي موضع الشّجر الملتفّ حرجا (¬7). {وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً:} ويفوّضوا الأمر إليك تفويضا (¬8). 66 - {وَلَوْ أَنّا كَتَبْنا عَلَيْهِمْ:} قيل: لمّا رجع الزّبير وخصمه حاطب بن أبي بلتعة من عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مرّ خصمه على المقداد، وقيل: على ثابت بن قيس، وعنده يهوديّ فقال: لمن كان القضاء؟ قال: لابن عمّته، ولوّى شدقه، ففطن اليهوديّ بذلك وقال (¬9): قاتل الله هؤلاء يزعمون أنّ محمّدا نبيّ (¬10) ثمّ يتّهمونه في حكمه ولا يرضون به، فقال المقداد أو ثابت: والله لو أمرني محمّد أن أقتل نفسي لقتلت، ولو أمرني أن أخرج من (¬11) مالي لخرجت، فأنزل الله [الآية] (¬12). {إِلاّ قَلِيلٌ:} هذا القليل عمّار وابن مسعود (¬13). {ما يُوعَظُونَ بِهِ:} ما يؤمرون به من أمر (¬14). وإنّما قال: {لَكانَ (¬15)} خَيْراً لَهُمْ؛ لأنّه مشقّة توجب (¬16) راحة دائمة، فهو خير من لذّة ¬
عاجلة تؤدّي إلى العقاب (¬1). {وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً:} أي: أثبت ثباتا، وهو في معنى قوله: {وَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَزِينَتُها وَما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ وَأَبْقى} [القصص:60]. 69 - {وَمَنْ يُطِعِ اللهَ:} نزلت في ثوبان مولى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وكان شديد الحبّ لرسول الله، قليل الصّبر عنه، فقال: يا رسول الله إنّي أخاف أن لا ألقاك في الآخرة فإنّك ترفع إلى الرّفيق الأعلى (¬2). وعن مقاتل: نزلت في عبد الله بن زيد الأنصاريّ صاحب الأذان (¬3). وقيل (¬4): نزلت في جماعة من الصّحابة. وهي على العموم في الظاهر (¬5). و (الصّدّيق): فعّيل من الصّدق، وهي لأقصى غاية المبالغة في الوصف بالصّدق أو التّصديق. والصّدّيق (¬6) المجمع عليه أبو بكر (¬7). {وَالشُّهَداءِ:} الأئمّة الذين يشهدون على قومهم، أو المقتولون في سبيل الله، وإنّما (¬8) سمّوا شهداء؛ لأنّهم يبعثون وأوداجهم تشخب دما يشهدون (¬9) الأنبياء على مخالفتهم (¬10)، أو لأنّهم يحضرون حظيرة القدس قبل يوم القيامة (¬11). ويحتمل أنّ المراد بالشّهداء الأشهاد (82 ظ) وبالشّهيد الشّاهد. وشاهد النّبيّ وزيره ومهيمنه، وإنّما سمّي شاهدا لأنّه شهد ما يشهده النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم من علم الغيب دون سائر النّاس، وإمّا من طريق المشاركة مثل هارون عليه السّلام، وإمّا من طريق المتابعة مثل السّبعين. وإنّما قدّم النّبي لأنّ اسم النّبيّ مختصّ بالدّاعي الموحى إليه، فكان لاختصاصه أشرف. والصّدّيق يستجمع معنى الشّهادة كلّها لصدقه، ثمّ يزيد صدقا في سائر المعاني من استواء ظاهره وباطنه، فلزيادته كان أشرف. والشّهيد أخصّ من الصّالح؛ لأنّ كلّ مسلم صالح إذا حافظ الشّريعة سواء كان من أهل المشاهدة أو لم يكن. ¬
{وَحَسُنَ أُولئِكَ:} ما أحسن أولئك، وأحسن بأولئك (¬1). {رَفِيقاً:} مرافقة (¬2). 70 - {ذلِكَ:} يعني: إدخال الجنّة فضلا؛ لأنّه بفضله جعلها موعودة، فلولا فضله (¬3) ووعده لما كانت الجنّة مستحقّة، ولكان يكفي المحسن أن لا يعاقب بعقوبة المفسد (¬4). {عَلِيماً:} أي: من عليم، يعلم المطيع وغيره (¬5). 71 - {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا:} اتّصالها بما قبلها من حيث إنّه لمّا رغّبهم غاية التّرغيب أتبعه بما تكرهه النّفوس ليهون ذلك عليهم في مقابلة ما رغّبهم فيه (¬6). {حِذْرَكُمْ:} (الحذر): السّلاح والعدّة (¬7)، وقيل: الحذر هو الحذر (¬8). {فَانْفِرُوا:} فأخرجوا النفر. والنّفور: الخروج في وجه العدوّ، والنفور: التّباعد، والنفار: التّجافي (¬9). {ثُباتٍ:} جمع ثبة، وهي السّريّة والعصبة وجمعها: ثبات وثبون، فالله تعالى يقول: اخرجوا سرايا أو جندا مجنّدا على حسب الإمكان وموافقة الحال (¬10). 72 - {وَإِنَّ مِنْكُمْ:} نزلت في المنافقين المتثاقلين عن الخروج المتربّصين بالمؤمنين (¬11). {لَمَنْ:} اللام هي التي في قولك: إنّه ليفعل، وإنّه لفاعل، فلمّا قام الاسم مقام الخبر اكتسى بتلك اللام (¬12). واللام في {لَيُبَطِّئَنَّ} لام القسم (¬13)، فكأنّه قال: وإنّ منكم لمن والله ¬
ليبطّئنّ (¬1)، وهي تدخل على صلة المنقوصات والنّكرات. وإنّما قال: (منكم)؛ لأنّهم كانوا في الظاهر من جملة المؤمنين، أو من أهل المدينة (¬2). و (البطء): ضدّ السّرعة، والإبطاء: ضدّ الإسراع (¬3). ولقوله: (ليبطّئنّ) وجهان: أحدهما: ليبطئن بالتّخفيف وإنّما شدّد للمبالغة، والثاني: ليبطّئنّ غيره من الخروج كما أخبر عنهم بقوله: {وَقالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ} [التّوبة:81] (¬4). {مُصِيبَةٌ:} نكبة (¬5). {قَدْ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيداً:} أي: شمت بالمؤمنين، وعدّ تخلّفه عن موجب الأجر والشّهادة نعمة، ولم يعلم أنّه خذلان وخسران، وذلك لفساد اعتقاده وإنكاره الدّار الآخرة (¬6). 73 - {فَضْلٌ:} ظفر وغنيمة (¬7). وقوله: {كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ} عارض، والتّقدير: ليقولنّ يا ليتني (¬8)، ثمّ العارض يجوز أن يكون في موضعه؛ لأنّ الحبيب يفرح بغنيمة الحبيب ولا يتمنّى مشاركته على سبيل المزاحمة. (83 و) ويحتمل أنّه راجع إلى قوله (¬9): {قَدْ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيَّ.} و (يا): حرف نداء، والتّقدير: يا قوم ليتني كنت معهم (¬10). {فَأَفُوزَ:} نصب (¬11)؛ لأنّه جواب التّمنّي. 74 - {الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ:} المؤمنون، والشّرى (¬12) بمعنى البيع. ¬
ويحتمل أنّهم المنافقون، فيكون الشّراء بمعنى الاشتراء، والتفسير هو الأوّل (¬1). وإنّما قال: {فَيُقْتَلْ (¬2)} أَوْ يَغْلِبْ لينبّه على الثّواب والأجر العظيم في الوجهين، إذ كلّ واحد منهما إحدى الحسنيين (¬3). 75 - {وَالْمُسْتَضْعَفِينَ:} أي: وفي سبيل (¬4) المستضعفين، وسبيلهم: نصرتهم. وهم قوم لم يقدروا على الهجرة وبقوا بمكّة مفتونين مستضعفين (¬5). {وَالْوِلْدانِ:} «جمع ولد» (¬6). و {الْقَرْيَةِ:} «مكّة» (¬7)، و {الظّالِمِ:} صفة {أَهْلُها،} ثمّ الصّفة (¬8) والموصوف جملة صفة للقرية فلذلك انجرّ (الظّالم) (¬9). وإنّما لم يقل: الظّالمين؛ لأنّها صفة تشبه الفعل من حيث تقدّمت على الاسم، فكأنّه (¬10) قيل: من هذه القرية التي ظلم أهلها (¬11). و (أهلها): ابتداء في اللّفظ (¬12) وفاعل في المعنى. قال الفرّاء: وفي مصحف [عبد الله] (¬13): (كانت ظالمة). {وَاِجْعَلْ:} وابعث، قيل: استجاب الله دعاءهم فبعث الله نبيّه منتصرا لهم ومؤمّرا (¬14) عليهم عتاب بن أسيد لينتصف من الظالم للمظلوم (¬15). 76 - {الَّذِينَ آمَنُوا:} فيه تحريض للمؤمنين وتشجيع لهم (¬16). و (الكيد): ما يكره الخصم (¬17) من الحيلة. وإنّما قال: {ضَعِيفاً؛} لأنّه يجمع أولياءه ¬
بالغرور ولا يواليهم حقيقة الموالاة، ثمّ يتبرّأ منهم سريعا وينكص على عقبيه (¬1). 77 - {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ:} نزلت في عبد الرّحمن بن عوف وسعد بن أبي وقّاص وطلحة بن عبيد الله والمقداد بن الأسود وقدامة بن مظعون، كانوا يستأذنون رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في قتال قريش قبل الهجرة وقبل نزول آية السّيف، وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول لهم: {كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ،} {فَلَمّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ} كرهه فريق منهم وهو طلحة بن عبيد الله وقال ما قال، فأنزل الله الآية (¬2). وقال مجاهد (¬3): نزلت في اليهود، وذلك أنّ موسى عليه السّلام كان يأمرهم بالصّبر، إذ كان يصبر (¬4) وهم يريدون القتال فلمّا كتب عليهم القتال وهم في التّيه قالوا: اذهب {أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا} [المائدة:24]. وقيل (¬5): نزلت في قوم منافقين. و (الكفّ): الإمساك والحبس (¬6). {فَلَمّا:} ظرف زمان، والعامل [فيه] (¬7) فجاءة الفريق الخشية. و {إِذا:} للتّوقيت إن (¬8) اتّصلت بالفعل، وإن اتّصلت بالاسم أفادت الفجاءة (¬9). {يَخْشَوْنَ:} في معنى الحال (¬10)، وتقديره: فلمّا كتب عليهم القتال فجئ فريق منهم خاشين. والمراد بخشيتهم من النّاس الجبن دون الاعتقاد والجزم (¬11). {كَخَشْيَةِ اللهِ:} أي: مثل خشيتهم من الله (¬12). {أَوْ أَشَدَّ:} أي: وأشدّ (¬13). وإنّما جاز الوصف بالخشية الممثلة دون الأشدّ؛ لأنّ الأقلّ داخل في الأكثر، وقيل: (أو) ههنا للإبهام (¬14)، كأنّهم موصوفون بإحدى الخشيتين لا بعينها. ¬
وقوله: {لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ} إن كان إخبارا عن المؤمنين (83 ظ) فهو سؤال بمعنى الاسترشاد، وإلاّ فهو بمعنى الإنكار (¬1). {لَوْلا:} هلاّ {أَخَّرْتَنا:} على وجه الطّلب، وذلك أنّه لمّا لزمهم فرض الجهاد خافوا (¬2) القتل، وطلبوا التّأخير {إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ:} للتّخلّص في الحال، كما تقول (¬3) للمطالب: خلّني ساعة. وفي قوله: {قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ} تزهيد (¬4) لهم في الدنيا، وقوله: {وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً} ترغيب في الآخرة (¬5). 78 - {أَيْنَما تَكُونُوا:} نزلت في المنافقين الذين قالوا لإخوانهم: {لَوْ كانُوا عِنْدَنا ما ماتُوا وَما قُتِلُوا} [آل عمران:156] (¬6). {وَلَوْ كُنْتُمْ:} تأكيد للشّرط (¬7)، وتقديره: أينما تكونوا ولو كنتم في بروج مشيّدة يدرككم الموت. وواحد (البروج): برج، وهو القصر المرتفع سمّي برجا لظهوره، قيل (¬8): ومنه سمّى الكواكب بروجا (¬9). و (تشييد) البنيان: تكرار الفعل في رفعه وإحكامه (¬10). {وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ:} إخبار عن بعض المنافقين، تشاءموا بالنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وقالوا: نقص بقدومه غلاّتنا وغلت أسعارنا، وهو قريب من قصّة آل فرعون، {فَإِذا جاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قالُوا لَنا هذِهِ،} الآية [الأعراف:131] (¬11). ¬
و (الفقه): إدراك العلم بالفهم، فقه، إذا فهم، وفقه، إذا صار فقيها (¬1). 79 - {ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ:} ليس بين الآيتين تضادّ؛ لأنّه تعالى قال: ما أصابك من حسنة، ولم يقل: ما أصابهم من حسنة فمن الله وما أصابهم من سيّئة فمن نفسك، ولو كان قال هكذا لحملنا الأوّل على الحكاية والثّاني على الاستفهام بمعنى الإنكار. وهذه في معنى (¬2) قوله: {وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ} [النّحل:53]، {وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} [الشّورى:30]، أي: النّعم مبتدأة (¬3) من الله تعالى قبل الاستحقاق والاستيهال، والحوادث إنّما يقضى (¬4) بها لاستيهالنا إيّاها بكوننا محلاّ لها، ولاستيجابنا (¬5) إيّاها بارتكاب الجرائم (¬6). وإنّما قال: {وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً؛} لأنّ [في] (¬7) قوله: {وَأَرْسَلْناكَ لِلنّاسِ} شهادة (¬8). 80 - {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ:} الإطاعة: الائتمار بأمر الآمر والانتهاء إلى قوله دون منة، أو أنه في فعله. وليس يطيع الرّسول من ينكر نسخ القرآن بالسّنّة، وإنّما كانت طاعته (¬9) طاعة الله تعالى؛ لأنّه صلّى الله عليه وسلّم لم ينطق عن الهوى. {فَما أَرْسَلْناكَ:} أي: لم نبعثك جبّارا عليهم لتحفظهم عن التّولّي بالخبر، قيل: وهذا منسوخ بآية السّيف، لم نبعثك رقيبا عليهم لتحفظهم في السّرّ والعلانية (¬10). 81 - {وَيَقُولُونَ طاعَةٌ:} نزلت في المنافقين (¬11). و (طاعة): خبر مبتدأ محذوف (¬12). (يبيّتون): والتّبييت إذا وقع على المعاني هو التّفكير (¬13) باللّيل، وإذا وقع على الذّوات فهو ¬
مكرها باللّيل، قال الله تعالى: {إِذْ يُبَيِّتُونَ} [النّساء:108]، وقال: {لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ} [النّمل:49]. وهو واقع ههنا على غير قولهم، وهي قريبة من قوله: {وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنّا وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنّا مَعَكُمْ} [البقرة:14]. {وَاللهُ يَكْتُبُ [ما يُبَيِّتُونَ] (¬1)}: في اللّوح المحفوظ (¬2)، وقيل (¬3): كتابة الحفظة. {فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ:} أي: اله عنهم ولا يهمنّك أمرهم. {وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ:} في ما يريدون بك وفي جميع أمورك. 82 - {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ:} (84 و) المراد بالاستفهام حثّهم على التّدبّر (¬4)، والتّقدير: ليتدبّروا في القرآن. و (التّدبّر): هو التّأمّل في عواقب الأمور وأدبارها وتصرف الرّأي في مفهومها ومعقولها (¬5). وكأنّ التّدبّر إبدال لهم عن تبييتهم الفاسد. {وَلَوْ كانَ:} أي (¬6): القرآن {مِنْ عِنْدِ:} جنّي أو إنسيّ كما ظنّ بعضهم. {اِخْتِلافاً:} أخبارا غير موافقة للمخبر (¬7) عنها في الإخبار عن (¬8) الماضي والإخبار عمّا في ضمائرهم وعمّا سيكون، كما يجدونه في كتب النّسّاب والمؤرّخين، وفي أحكام الكهنة والمنجّمين. وقيل: لوجدوا فيه تناقضا كثيرا كما يجدونه في كلام كلّ مطنب متفنّن وضّاع قد اختلفت به الأحوال مع مباينة أجناس المخاطبين. والكلام المختلف هو المتناقض الذي لا يمكن توفيقه دون ما اختلف فيه، فإنّ الكتب المنزلة كلّها مختلف فيها (¬9). 83 - {وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ:} جاء في سفهاء المؤمنين والمنافقين والغاغة (¬10) منهم، وإنّما رتبه على التي تقدّمت وهي في ذوي الرّأي من المنافقين؛ لأنّ بعضهم كان من بعض. ¬
وقوله (¬1): (أمر): أي: نبأ وخبر، (من الأمن): من الأعداء، {أَوِ الْخَوْفِ:} منهم. {أَذاعُوا بِهِ} (¬2): «أفشوه». (أولو الأمر): أمراء السّرايا (¬3)، وقيل (¬4): أبو بكر وعمر وعثمان وعليّ رضي الله عنهم، وقيل (¬5): أولو العلم والبصارة. {يَسْتَنْبِطُونَهُ:} يستخرجونه، وإنباط الماء: استخراجه، وسمّي الأنباط أنباطا (¬6) لعلمهم باستخراج المياه. و (القليل): مستثنى من المذيعين، وقيل: من معلوم المستنبطين، وقيل: من المستنبطين (¬7). (فضل الله ورحمته): الكتاب والرّسول، أو بعض أسباب التّوفيق ممّا استغنى عنه الخاصّة دون العامّة كانشقاق القمر والفتح، فعلى (¬8) هذا (القليل) مستثنى من المتّبعين للشّيطان، فإنّ عمرو (¬9) بن زيد وزريبا وقسّا آمنوا من غير كتاب ورسول، وأبو بكر وعليّ وزيد بن حارثة آمنوا قبل انشقاق القمر، والمهاجرون والأنصار آمنوا قبل الفتح. 84 - {فَقُتِلَ:} الفاء جواب الشّرط وهو قوله: {وَمَنْ تَوَلّى} [النّساء:80]، ويحتمل لتعقيب هذا الأمر الأمر (¬10) بالتّوكّل تقديره: وتوكّل على الله فقاتل، أو لتعقيب الكلام الكلام والآية الآية (¬11). {لا تُكَلَّفُ إِلاّ نَفْسَكَ:} يعني التّكليف عنه، تقديره: إنّك لا تكلّف إلاّ فعل نفسك (¬12)، حذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه، أي: لا تؤخذ (¬13) بتخلّف غيرك وإن كانوا مكلّفين مثلك. وقيل: لا تكلّف نفس إلاّ نفسك (¬14)، وهذا بعيد؛ لأنّه لو كان كذلك لضمّ ¬
(نفسك). ثمّ حملناه على التّكليف الضّروريّ دون الشّرعيّ. {وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ:} حثّهم على القتال (¬1). {عَسَى:} من الله إيجاب منه؛ لأنّ الكريم يصدق في التّطميع، ولأنّه تقوية لأحد الموهومين المختلفين على الآخر بالقول فصار كالأمر باعتقاد أحدهما وذلك لا يكون إلاّ بالواجب (¬2). {بَأْسَ:} شدّة الإصابة أو (¬3) الامتناع. (84 ظ) {تَنْكِيلاً:} فعل النّكال (¬4). 85 - {مَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً:} أراد تشفيع العمل، وهو أن يقرن (¬5) بين فعل الماضي وبين فعل الحال، فيضم الحسنة إلى حسنه أو سيّئة (¬6) إلى سيّئه. وعن الضّحّاك ومحمّد بن جرير أنّ الشّفاعة الحسنة موالاة المؤمنين بتشفيع وتوهم، والشّفاعة السّيّئة موالاة الكفّار بتشفيع وتوهم (¬7). وعن مجاهد وابن زيد هي دعاء الرّجل لأخيه المؤمن وعليه. وقيل: شفاعة بعض الصّحابة عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم للفقراء والمحتاجين (¬8) إلى الزّاد والرّاحلة، ولأصحاب الأعذار، وشفاعة بعضهم للمنافقين وللذين وجبت عليهم الحدود (¬9). {يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْها:} من ثوابها (¬10). {كِفْلٌ:} نصيب من وزرها (¬11). {مُقِيتاً:} «مقتدرا» (¬12). 86 - {وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ:} إن حملنا الشّفاعة على الدّعاء والتّحيّة على التّسليم فاتّصالها بها ظاهر، وإلاّ فالأمر بالتّحيّة مرتّب على الشّفاعة الحسنة. ¬
والتّحيّة على وزن التّفعيل من الحياة، وأصله بثلاث ياءات حذفت التي هي لام (¬1) الفعل وعوّض منها هاء وأدغمت إحدى الباقيتين في الأخرى كالتّوصية (¬2). وقولك: التّحيّات لله، قيل: الإحياء لله تعالى، تقول: حيّاك الله، أي: أحياك الله، وقيل: أوصاف الحياة لله، فكأنّك وصفته بالحياة، كما أنّك إذا كبّرته وصفته (¬3) بالكبرياء، وقيل: الممالك لله، وهذا هو الأظهر؛ لأنّ التّحيّة اسم للملك، وسمى الهديّة تحيّة لما فيها من حقيقة التّمليك (¬4) أو لمجاورتها السّلام في العادة. والمراد بالتّحيّة ههنا التّسليم، والتّسليم سنّة وردّه فريضة (¬5). قال صلّى الله عليه وسلّم: لا تبدؤوا اليهوديّ (¬6) بالسّلام فإن سلّم ردّوا عليه (¬7). وقال رجل للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: السّلام عليك يا رسول الله، فقال: عليك السّلام ورحمة الله، فقال آخر: السّلام عليك ورحمة الله، فقال: وعليك (¬8) السّلام ورحمة الله وبركاته، وقال آخر: السّلام عليك ورحمة الله وبركاته، فقال: وعليك (¬9)؛ لأنّه بلغ غاية السّلام، فلم يترك شيئا ليزيده في الجواب (¬10). وقيل: التّحيّة: الهديّة والهبة (¬11)، وردّها مستحقّ ما لم يعوض إلاّ أن يكون ذا محرم. {حَسِيباً:} مدركا للحساب، وقيل: كافيه، قال الله: {كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ (¬12)} حَسِيباً [الإسراء:14]. 87 - {اللهُ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ:} تسلية للمؤمنين وزجر لغيرهم. و {إِلى:} لاعتبار معنى الجمع، وهو الحشر والإرجاء والتّأخير، أو يكون (¬13) يوم القيامة من المجموع كما (¬14) تقول: جمعت الخيل إلى الإبل، أي: ضممت (¬15). ¬
{يَوْمِ الْقِيامَةِ:} يوم يقوم الناس لربّ العالمين (¬1). {فِيهِ:} الهاء عائدة إلى الخبر، أو اليوم (¬2). {وَمَنْ أَصْدَقُ:} استفهام بمعنى النّفي، أي: لا أحد كلامه أصدق من كلام الله؛ لأنّ الكذب غير متصوّر فيه (¬3). 88 - {فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ:} قال ابن عبّاس: نزلت في جماعة من قريش هاجروا منافقين ثمّ اجتووا المدينة (¬4)، واستأذنوا في الرّجوع إلى مكّة، فرجعوا ثمّ خرجوا إلى الشّام تجّارا، واستبضعتهم قريش بضائع وقالوا: إنّ محمّدا لا يتعرّض لكم فإنّكم تظهرون دينه، فلمّا خرجوا انتهى الخبر إلى المدينة، قال (85 و) بعض الصّحابة: نخرج إليهم ونغير عليهم، وقال بعضهم: كيف نخرج إلى قوم مسلمين (¬5). وعن زيد بن ثابت: نزلت في المتخلفين يوم أحد (¬6). وعن ابن زيد أنّها في أهل الإفك (¬7). {فِئَتَيْنِ:} نصب على الحال (¬8). {أَرْكَسَهُمْ:} نكسهم في الكفر (¬9)، والكفر مشبّه بالعمق (¬10)، قال الله تعالى: {وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَكَأَنَّما خَرَّ مِنَ السَّماءِ،} الآية [الحجّ:31]، وليس الإركاس (¬11) بردّ، وقال الله تعالى: {كُلَّما رُدُّوا (¬12)} إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا [فِيها] (¬13) [النّساء:91] بسبب ما اجترموا من إفساد الهجرة، أو التّخلّف (¬14) أو غيره. {أَتُرِيدُونَ:} على وجه التّعجّب والإنكار على إرادتهم صرف القضاء والقدر دون هداية ¬
الكفّار (¬1). {فَلَنْ تَجِدَ لَهُ (¬2)} سَبِيلاً: من الدين (¬3) تيسيرا عليهم سلوكه. 89 - {وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ:} يدلّ على أنّ الآية الأولى في المنافقين من أهل مكّة دون المنافقين من أهل المدينة، وفيهم قوله: {الَّذِينَ تَوَفّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ} [النّساء:97]. {فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِياءَ:} لا توالوهم (¬4) موالاة المسلمين فيما بينهم، ولا موالاة الحلفاء (¬5). {فَإِنْ تَوَلَّوْا:} أعرضوا عن الهجرة، أو هاجروا ثمّ أفسدوا الهجرة (¬6). 90 - {إِلاَّ الَّذِينَ يَصِلُونَ:} نزلت في المتّصلين بسراقة بن جعشم المدلجيّ وهلال بن عويمر الأسلميّ وسائر بني مدلج وأسلم (¬7)، كان بعضهم صالح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن لا يكون له ولا عليه، وبعضهم آمن به وصدّقه ولم يهاجر ولم يدعهم رسول الله إلى الهجرة، وكان هذا حين هاجر ومعه أبو بكر وعامر بن فهير وعبد الله بن أريقط، وكانوا يستقبلونه في الطّريق ليلا ونهارا أفواجا وفرادى، ويشاهدون منه الآيات، فيتّخذون (¬8) لأنفسهم وعشائرهم عنده عهدا يأمنون بها عند ظهوره على قومه. والمراد بالمتّصلين المنضمّون من قريش وسائر أهل الحرب إلى هؤلاء ليكونوا على حكمهم، أمر الله أن يسالمهم أيضا (¬9). وقال أبو عبيدة (¬10): والمراد بالمتّصلين من رجع إلى هؤلاء في النسبة؛ لأنّهم دخلوا في عموم أمانه لعشائرهم. والمراد بقوله: {أَوْ جاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ} جماعة من المستأمنين الذين قدموا المدينة أن يجيرهم (¬11)، كما قال: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اِسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ} [التّوبة:6]. ¬
(حصرت صدورهم): «ضاقت» (¬1)، ونوت (¬2) الإمساك والكفّ عن قتال الفريقين. و «(الحصر): البخيل» (¬3). وقوله: {وَلَوْ شاءَ اللهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ:} يذكر نعمة الدفع إيّاهم ليشكروا وليسارعوا في الإجارة (¬4). و (التّسليط): التّخلية بين القادر والمقدور (¬5). {فَإِنِ اِعْتَزَلُوكُمْ:} اجتنبوكم (¬6). {فَلَمْ يُقاتِلُوكُمْ:} بيان لاعتزالهم. {وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ:} أي: سالموا وأسلموا غير مهاجرين (¬7). {فَما جَعَلَ اللهُ لَكُمْ:} جواب. بهذه الشّرائط لم يجعل الله لكم عليهم (¬8) حجّة في قتالهم ونهب أموالهم. 91 - {سَتَجِدُونَ آخَرِينَ:} نزلت في أمثال نعيم بن مسعود الأشجعيّ وأشباهه، كانوا يظهرون الصّلح مكرا (¬9) وحيلة. ويحتمل أنّها في الذين نافقوا وأظهروا الإسلام، لا هاجروا ولا اتّصلوا بأصحاب (¬10) المواثيق ولكن أقاموا بين ظهراني قريش معتذرين بأنّهم مستضعفون (¬11) وهم كاذبون، فأمر الله بأسرهم وقتلهم حيث ثقفوا. ويجوز قتل المنافق إذا اطّلع على كفره (85 ظ) لقوله تعالى في المنافقين: {أَيْنَما ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً} [الأحزاب:61]، وإنّما لم يقتل ابن أبيّ بن سلول وأصحابه لنوع من المصلحة، ألا ترى أنّه لم ينكر على المستأذن في قتله. 92 - {وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً:} نزلت في عياش بن ربيعة المخزوميّ، كان قد خرج مهاجرا، فتبعه أبو جهل أخوه من أمّه والحارث بن زيد وردّاه إلى مكّة وعذّباه على ¬
إسلامه، ثمّ تخلّص منهما وهاجر، وحلف بالله أن يقتل الحارث حيثما يراه، ثمّ أسلم الحارث ولم يعلم به عيّاش فرآه ذات يوم وحده (¬1) في ظهر فناء فقتله، ثمّ سمع بإسلامه فندم، فأنزل الله الآية (¬2). (ما كان): ما جاز (¬3) لمؤمن أن يقتل مؤمنا عمدا، المستثنى والمستثنى (¬4) منه أحد اسمي الباقي، وليس على هذا التّقدير دليل إباحة القتل خطأ؛ لأنّه كالمسكوت (¬5) عنه، وإثبات الشّيء بالذّكر لا يدلّ على نفي ما عداه. ويحتمل أنّ معناه قتل المؤمن المؤمن منهيّ عنه معاقب عليه إلاّ في الخطأ؛ لأنّ النّهي لا يتصوّر مع عدم القصد، والعقاب على الفعل لا يثبت مع الخطأ والنّسيان. ويحتمل ما جاز لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلاّ خطأ، فإنّ ذلك جائز مباح إذا كان غالب ظنّه أنّه كافر وأنّه (¬6) يريد القتل. {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ:} عتق عبد أو أمة، ويجزئ في ذلك الرّضيع الذي أحد أبويه مسلم (¬7). و (الدّية): قيمة الدّم، وهي مئة من الإبل: عشرون بنت مخاض، وعشرون ابن مخاض، وعشرون بنت لبون، وعشرون حقة، وعشرون جذعة، لما روي عن خشف بن مالك الطّائيّ عن ابن مسعود أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قضى بالدّية في الخطأ أخماسا (¬8). وعن عبيدة السّلمانيّ أنّ عمر جعل الدّية على أهل الذّهب ألف دينار، وعلى أهل الورق عشرة آلاف درهم (¬9). {إِلاّ أَنْ يَصَّدَّقُوا:} أي (¬10): يتصدّقوا الدّية دون الرّقبة؛ لأنّ الرّقبة خالص (¬11) حقّ الله تعالى. {فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ:} أسلم في دار الحرب وأقام به، هكذا روي (¬12) عن عطاء بن السائب عن أبي عياض. ¬
{وَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ:} المقتول من جملة المعاهدين، وهو معاهد غير مؤمن فالواجب عليكم دية {مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ} كما في المسلم (¬1)، أبو داود عن الزهريّ عن سعيد بن المسيب أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قضى في كلّ ذي عهد في عهده يقتل بديته ألف دينار (¬2). {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ:} أي: الرّقبة (¬3). {تَوْبَةً:} نصب؛ لأنّه مفعول له (¬4). 93 - {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً:} على سبيل الاستحلال (¬5)؛ لأنّها نزلت في شأن مقيس بن ضبابة، وذلك أنّ بني النّجّار قتلوا أخاه هشام بن ضبابة (¬6) خطأ، فذكر ذلك لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم فبعث الفهري معه إلى بني النّجّار ليوفوه دية أخيه، فذهب الفهريّ معه فأدّى الرّسالة وأخذ له الدّية ورجعا جميعا، فلمّا كان ببعض الطّريق أنف مقيس (86 و) من الاقتصار على الدّية، وحدّثته نفسه بقتل الفهريّ رسول (¬7) رسول الله فقتله، قال (¬8): [من الطويل] قتلت به فهرا وحملت عقله … سراة بني النجار أرباب فارع فأدركت ثأري واضطجعت موسدا … فكنت إلى الأوثان أوّل راجع فأنزل الله الآية في شأنه (¬9)، وهذا سبب مرويّ فصار كالمتلوّ فوجب تعليق الحكم به. و (التّعمّد) تفعّل من العمد، وهو القصد الصّادق (¬10). وقيل: العمد عندنا ما (¬11) يوجد بالسّلاح أو ما يجري مجرى السّلاح في تفريق الأجزاء، وقال صلّى الله عليه وسلّم: (كلّ شيء خطأ إلاّ السّيف) (¬12). وإن أجرينا على العموم فالمراد بالخلود خلود متناه (¬13). 94 - {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ:} نزلت في أسامة بن زيد أو ¬
مثله، عن أبي ظبيان أنّ أسامة بن زيد قال: بعثني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في سريّة إلى حرقات (¬1) من جهينة، فأتيت على رجل فذهبت لأطعنه فقال: لا إله إلاّ الله، فطعنته وقتلته، فجئت إلى (¬2) النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فأخبرته وقال: قتلته وقد شهد أن لا إله إلاّ الله؟ قلت: يا رسول الله قالها تعوّذا، قال: ألا شققت عن قلبه. وعن خالد بن الوليد أنّه سار في قوم (¬3) من جذيمة يقولون: صبأنا صبأنا، أي: أسلمنا (¬4)، فجعل خالد يقتل منهم ويأسر، فقال صلّى الله عليه وسلّم: اللهمّ إنّي أبرأ إليك من (¬5) صنع خالد. وإنّما قال: (إذا ضربتم)؛ لأنّ هذه الواقعة تقع للمسافرين في الغالب (¬6). {عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا:} ما يعرض من المال في الحياة الدنيا، وجمعه: أعراض، أي: إنّما تبادرونهم بالقتل لتغنموا أموالهم (¬7). {فَعِنْدَ اللهِ مَغانِمُ كَثِيرَةٌ:} صرف لهممهم عن مال المقتول إلى ما عند الله (¬8). {كَذلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ:} مشركين قبل (¬9) إسلامكم، أو مسلمين بين الكفّار (¬10). {فَمَنَّ اللهُ عَلَيْكُمْ:} أنعم الله (¬11) عليكم بصرفكم عن تلك الحالة إلى هذه الحالة. 95 - {لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ:} نزلت في تفضيل المجاهدين على القاعدين (¬12). وفيها دليل بأنّ الجهاد فرض على الكفاية؛ لأنّه وعد القاعد بالحسنى (¬13). عن قتادة قال: أملى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على زيد بن ثابت: {لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ} ¬
{الْمُؤْمِنِينَ،} فجاء (¬1) ابن أمّ مكتوم وهو يمليها قال: يا رسول الله لو استطعت لجاهدت، قال زيد: فأنزل الله [الآية] (¬2) على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وفخذه على فخذي حتى ظننت أنّه يرضّ فخذي، ثمّ سرّي عنه ونزل {غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ:} أصحاب العلل الضّارّة المانعة عن المقاصد سواء كانت في البصر أم غيره (¬3). {دَرَجَةً:} رتبة وشرفا، أو منازل الجنّة (¬4)، نصب على التفسير. و {الْحُسْنى:} نعت (¬5) للحالة، أو للخصلة، ونقيضها: السّوأى. 96 - {دَرَجاتٍ:} نصب على التفسير، وقد يكون التفسير (¬6) بلفظ الواحد، ويكون بلفظ الجمع. 97 - {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفّاهُمُ:} نزلت في منافقي مكّة (¬7). {ظالِمِي:} نصب على الحال، تقديره: ظالمين (¬8). {أَنْفُسِهِمْ:} معرّف بمعنى النّكرة. {فِيمَ:} في ماذا {كُنْتُمْ:} من الدّين، والسّؤال (¬9) سؤال توبيخ. 98 - {لا يَسْتَطِيعُونَ:} حال لهم، تقديره: غير مستطيعين (¬10). {حِيلَةً:} احتيالا (86 ظ) في التّخلّص والهجرة، والحيلة: التّصرّف النّافد اللّطيف (¬11). {وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً:} طريقا من مكّة إلى المدينة (¬12)، أو طريقا في المكايدة والاحتيال (¬13). 99 - {أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ:} زلاّتهم وذنوبهم لا تخلّفهم عن الهجرة؛ لأنّ ذلك لم يكن منهم (¬14). ¬
100 - {وَمَنْ يُهاجِرْ:} الآية، نزلت في من هاجر واتّصل وفي من هاجر ولم يتّصل، روي أنّ رجلا من المؤمنين المستضعفين لمّا سمع وعيد المتخلّفين عن الهجرة قال: لا عذر لي فإنّي أعرف السّبيل، فأمر من حمله، وكان شيخا هرما، فلمّا بلغ التّنعيم مات، فأنزل الله الآية. واختلفوا في اسمه، قيل: جندع بن ضمرة، وقيل: جندب (¬1)، وقيل: ضمرة بن جندب، وقيل: ضمضم بن عمرو الخزاعيّ (¬2). و (المراغم): الذي تراغم (¬3) فيه أعداءك بحسن حالك، والمراغم أشدّ من المعاتبة (¬4). {ثُمَّ يُدْرِكْهُ:} معطوف على الشّرط (¬5). وهو مجاز، وحقيقته: ثمّ يمت (¬6). {فَقَدْ وَقَعَ:} أي: وجب، أي: ضمن الله أجره وأوجب ذلك في حكمه (¬7). 101 - {وَإِذا ضَرَبْتُمْ:} «سافرتم» (¬8). واختلفوا في رفع الجناح، قيل: هو كرفع الجناح عن المتطوّف بالصّفا والمروة، وذلك أفاد الوجوب، كذلك ههنا. وقيل: هو على الإباحة للقصر عن مقدار الواجب. وهو عندنا لرفع الوجوب مما (¬9) زاد على الشّطر من الصّلوات الرّباعيّة. {أَنْ تَقْصُرُوا:} والقصر: النّقص. والإقامة التي توجب الإكمال خمسة عشر يوما. {إِنْ خِفْتُمْ:} على سبيل اعتبار الغالب من أحوالهم، كقوله: {إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً} [النّور:33]، وقوله: {إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً} [النّور:33]، و {أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً} [النّساء:19]. قال يعلى بن منبه: قلت لعمر: ما بالنا نقصر ونحن آمنون؟ فقال (¬10): عجبت ممّا عجبت منه وسألت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: صدقة تصدّق الله بها عليكم فاقبلوها (¬11). ¬
102 - {وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ:} الصّلاة المذكورة في هذه الآية مختصّة بالخوف من العدوّ عند اللّقاء سواء تبيّن ظلمهم وقتالهم أو لم يتبيّن لوجود الخوف فيهما، والإمام يقوم مقام رسول الله كما في الجمعة والكسوف. واختلفوا في صفة الصّلاة (¬1). والسّلاح والحذر: آلة (¬2) القتال. {فَيَمِيلُونَ:} أي: يعطفون ويغترون (¬3). وهو معطوف على {تَغْفُلُونَ.} والرّخصة في وضع السّلاح عند الضّرورة (¬4). 103 - {فَاذْكُرُوا اللهَ:} على عموم أحوالكم (¬5). {فَإِذَا اِطْمَأْنَنْتُمْ:} أقمتم، والاطمئنان: السّكون، وضدّه: الاضطراب (¬6). {فَأَقِيمُوا:} صلاة المقيم (¬7). {كِتاباً مَوْقُوتاً:} واجبا فرضا منجما (¬8). وهذا يدلّ على وجوب التّرتيب في الفوائت (¬9). 104 - {وَلا تَهِنُوا:} نزلت في ما لقي المسلمون يوم أحد من أبي سفيان بن حرب وأصحابه، عن ابن عبّاس يقول: لا تضعفوا في طلب الكفّار قتلا وأسرا {إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ} [آل عمران:140] (¬10). وقيل (¬11): إنّها عامّة، فمعناه: إن كنتم من لحم ودم {تَأْلَمُونَ:} بالقتال، فأعداؤكم أمثالكم. {وَتَرْجُونَ مِنَ اللهِ ما لا يَرْجُونَ:} أي: إحدى الحسنيين، فأنتم أولى بالإقدام (87 و) والشّجاعة (¬12). وذكر العلم والحكمة لبيان كون المؤمنين أولى بالإقدام والشّجاعة. 105 - {إِنّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ:} نزلت الآيات في طعمة بن أبيرق سرق درعا لقتادة ¬
بن النّعمان الأنصاريّ، وكانت (¬1) الدّرع في جراب فيه دقيق، فذهب بها إلى بيت زيد بن السمين اليهوديّ أودعها إيّاه، وافتقد قتادة درعه (¬2) فلم يجدها، فاتبع أثر الدّقيق إلى بيت زيد بن السمين وأخذه فوجد الدّرع عنده، فأتى به رسول الله وادّعى عليه بالسّرقة، قال اليهوديّ: أودعنيها (¬3) طعمة بن أبيرق وإخوته بشر وبشير ومبشر، وأنكر طعمة وإخوته ذلك، ولم يكن لليهوديّ بيّنة، فكان الظّاهر أنّه هو السّارق، وجاء أناس من المسلمين يثنون على طعمة ويزكّونه، فهمّ (¬4) رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بمعاقبة زيد بن السمين، فأنزل الله الآية وبرّأ (¬5) اليهوديّ وفضح بني أبيرق، وفرّ طعمة إلى مكّة مرتدّا، ثمّ سرق هناك أيضا فنفي إلى الشّام، ورافق رفقة في طريق الشّام فسرق منهم أيضا فأخذوه ورجموه (¬6). {بِما أَراكَ اللهُ:} بما هداك الله وبيّن لك (¬7). و (الخصيم) في الباطل، والخصم في الحقّ. 106 - {وَاِسْتَغْفِرِ (¬8)} اللهَ: لما هممت من مبادرة الوحي ومعاقبة (¬9) اليهوديّ. 107 - {وَلا تُجادِلْ:} ولا تخاصم ولا تدافع عن بني أبيرق (¬10). {مَنْ كانَ:} أي: من هو خوّان أثيم. 108 - {يَسْتَخْفُونَ:} ويتوارون (¬11). {وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللهِ:} لا يخفون عليه (¬12). {مُحِيطاً:} لا يفوته (¬13) أعمالهم. 109 - {ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ:} خطاب متوجّه إلى المثنين على بني أبيرق المزكّين إيّاهم، أي: ¬
هب أنّكم دافعتم اليهوديّ عنه {فِي الْحَياةِ (¬1)} الدُّنْيا فهل من يدافع الله عنهم {يَوْمَ الْقِيامَةِ} (¬2). {وَكِيلاً:} «كفيلا» (¬3)، استفهام بمعنى النّهي على سبيل التّهديد. 110 - {وَمَنْ يَعْمَلْ:} ندب ودعوة للذين (¬4) والوا بني أبيرق. {سُوءاً:} ما يسوء به غيره من الغصب والسّرقة ونحوها (¬5). {أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ:} بما لا يتعدّاه من الذّنوب (¬6). {ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللهَ:} بالحزن والنّدامة. 111 - {فَإِنَّما يَكْسِبُهُ عَلى نَفْسِهِ:} يرجع وباله إليه في الحقيقة (¬7). 112 - (الخطيئة): ما أصيب خطأ كالقتل ونحوه، و (الإثم): ما أصيب عمدا (¬8). وقيل (¬9): من المعاصي ما يسمّى خطيئة، ومنها ما يسمّى إثما. {ثُمَّ يَرْمِ بِهِ:} يقذف بذلك الكسب أو الإثم (¬10). {بَرِيئاً:} غير جان. والبراءة: المباينة (¬11) والانفصال. {فَقَدِ اِحْتَمَلَ:} اقترف (¬12) واكتسب. 113 - ثمّ ذكّر نبيّه نعمه ليزيد فرحا وشكرا قال: {وَلَوْلا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ:} توفيقه وعصمته (¬13). {لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ:} كانوا يستزلّونك في الحكم بأن تجري الأمر على ¬
ظاهره غير منتظر للوحي الممكن نزوله عليك (¬1). {الْكِتابَ:} القرآن، {وَالْحِكْمَةَ:} الفقه (¬2). {وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ:} من الأشياء المستورة ممّا يجب الإيمان به عند السّماع (¬3). 114 - {مِنْ نَجْواهُمْ:} مصدر (¬4)، ويطلق بمعنى الاسم، قال (87 ظ) الله تعالى: {فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً} [المجادلة:12]، وقال (¬5): {وَإِذْ هُمْ نَجْوى} [الإسراء:47]: متناجون. فإن كان المراد ههنا الاسم فهم (¬6) بنو أبيرق والاستثناء منقطع بمعنى لكن، وإن كان بمعنى المصدر فالكناية ترجع (¬7) إلى جميع المؤمنين والاستثناء متّصل (¬8). وإنّما أخبر بأنّه لا خير في كثير من نجواهم؛ لأنّ المناجاة في الشّرّ شرّ، وفي المباح الذي لا يمكن إظهاره (¬9) شرّ أيضا، قال صلّى الله عليه وسلّم: لا يتناجى اثنان دون ثالث فإنّ ذلك يحزنه (¬10). {بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ:} ضيافة أو إقراض وغيره (¬11). {أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النّاسِ:} «تأليف بينهم» (¬12). {ذلِكَ:} إشارة إلى التّناجي بهذه الأشياء (¬13). {أَجْراً عَظِيماً:} يعظم (¬14) قدره كثيرا. 115 - {وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ:} يخالفه في الكتاب والسّنّة بالاعتقاد. {مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى:} من بعد ما قامت الحجّة عليه بالبيان والإعجاز (¬15). ¬
{وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ:} يخالف بالاعتقاد إجماعهم بعد انعقاده (¬1). وإنّما صار إجماع هذه الأمّة حجّة بقوله: {لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النّاسِ} [البقرة:143]، وقوله (¬2) صلّى الله عليه وسلّم: لا تجتمع أمّتي على الضّلالة. {نُوَلِّهِ ما تَوَلّى:} نقلده ما تقلد بخذلانه (¬3) وتيسيره للعسرى. وهذا الجزاء إنّما وجد حالة وجود الشّرط، ثمّ لله المشيئة فيه بعد ذلك [على قول] (¬4) من لا يرى نسخ الوعيد، وعلى قولنا فلله أن لا يفعل الوعيد بمن شاء من خلقه. 116 - {إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ:} نزلت في طعمة بن أبيرق، فتكون آية عذاب، وما سبق (¬5) في وحشيّ، فتكون آية رحمة. والمراد بهذه الآية عبدة الأصنام، وبالأولى أهل الكتاب. {بَعِيداً:} يبعد عن الحقّ وقصد الطّريق (¬6)، والبعيد ضدّ القريب. 117 - {إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ:} تقدير الآية: إن يدعون من دونه إلاّ إناثا وشيطانا، كقولك: لا أطيع إلاّ الأمير ولا أطيع إلاّ الوزير (¬7)، أي: لا أطيع غيرهما، ولو أسقطت الواو ليصار (¬8) كلامك بالإبدال على سبيل الاستدراك. {إِلاّ إِناثاً:} جنيّا كوافر حللن في الصخر أو الخشب (¬9) كاللات والعزّى ومناة وبنوانة ونائلة، ويحتمل بالإناث الأنفس المعبودة (¬10) من دون الله على سبيل العموم (¬11). {إِلاّ شَيْطاناً:} جنيّا كافرا متمرّدا وهو إبليس لعنه الله (¬12). ويحتمل أنّ النّفي الثّاني نفي المستثنى المثبت من قبل على سبيل التّحقيق واعتبار الأصل كقوله: {يُخادِعُونَ اللهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَما يَخْدَعُونَ (¬13)} إِلاّ أَنْفُسَهُمْ [البقرة:9]، ¬
وقوله: {وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ [وَلكِنَّ اللهَ رَمى]} (¬1) [الأنفال:17]، وقوله: {فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ} [الأنعام:33]. و (المريد): العاصي (¬2) المتجرّد بالشّرّ، والصخرة المرداء (¬3) هي الملساء، والشجرة المرداء التي تساقطت أوراقها، والجدار الممرّد المملّس، والرّجل الأمرد الذي لا لحية له (¬4). 118 - {لَأَتَّخِذَنَّ:} أي: بعزّتك لأتّخذنّ (¬5)، وهو في معنى قوله: {لَأُغْوِيَنَّهُمْ} [ص:82]. وإنّما قال هذا بعد زوال المعرفة (¬6) وإلاّ يعلم أنّه ليس بمعجز لله ولا بمعاند إيّاه. والمراد بالنّصيب المفروض غير المخلصين، و (المفروض): المقطوع المحدود بالتّقدير (¬7). 119 - {وَلَأُضِلَّنَّهُمْ:} إضلاله: تزيينه (¬8). و (تمنيته): وسوسته (¬9) بالعمل. و (أمره): وسوسته وكلامه (88 و) من جوف (¬10) الأصنام. {فَلَيُبَتِّكُنَّ:} يقطّعنّ (¬11) {آذانَ الْأَنْعامِ:} أي: بحر (¬12) البحيرة. {فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللهِ:} تغيير الدّين والفطرة عن ابن عبّاس (¬13)، والإخصاء عن أنس وعكرمة (¬14)، والوسم عن ابن مسعود والحسن (¬15)، وقيل: هو وصل الشّعور (¬16)، وقيل: هو اكتفاء (¬17) الرّجال بالرّجال والنّساء بالنّساء. ¬
120 - {وَيُمَنِّيهِمْ:} يحملهم على التّمنّي. 121 - {مَحِيصاً:} معدلا ومصرفا (¬1). 122 - {قِيلاً} (¬2): قولا، قال الله تعالى: {وَقِيلِهِ يا رَبِّ} [الزّخرف:88]، أي: قوله، وتقول (¬3): هذا من قيل فلان، أي: من قوله. 123 - {لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ:} نزلت في المنافقين والمشركين، والخطاب لهم، عن مجاهد. وقال غيره: خطاب للمؤمنين، أي: ليس إلاّ بمحكوم على ما تتمنّون (¬4). وقوله: {مَنْ يَعْمَلْ [سُوءاً] (¬5)} يُجْزَ بِهِ: عامّ، و (بل) مقدّر فيه، أي: الوعيد شامل على اعتبار الأفعال من دون الذّوات، إذ الذّوات لا توجب ثوابا ولا عقابا (¬6). روي لمّا نزلت هذه الآية خاف أبو بكر الصّدّيق خوفا شديدا، وأظهر ذلك لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال صلّى الله عليه وسلّم: أمّا أنت يا أبا بكر وأصحابك المؤمنون فتجزون (¬7) بذلك في الدنيا وأمّا الآخرون فيجمع ذلك عليهم حتى يجزوا (¬8) به في الآخرة، وفي بعض الرّوايات: ألست تمرض؟ ألست تحزن؟ ألست يصيبك (¬9) البلاء؟ ومصداق ذلك قوله: {وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ} (30) [الشّورى:30]. 124 - {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصّالِحاتِ:} اشتراط (¬10) الإيمان يدلّ على أنّ غير المؤمن قد يعمل صالحا، وذلك ما يحمد في العقل كالسّخاء والوفاء وصلة الأرحام والصّدق، وإنّما شرط الإيمان؛ لأنّ الجنّة حرام على غير المؤمن، وقد أحبط عمله بكفره وابتغائه غير وجه الله ومنّه على من (¬11) أنعم عليه. ¬
125 - {وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً:} ليس أحد أحسن دينا (¬1). {أَسْلَمَ:} أخلص (¬2). {وَجْهَهُ:} (¬3) أمره، مقبلا معترفا بالتّوحيد (¬4). {وَهُوَ مُحْسِنٌ:} يدلّ أنّ إحسان العمل فرع الإيمان والإسلام (¬5). {حَنِيفاً:} حال لمن (¬6) أسلم. {وَاِتَّخَذَ اللهُ (¬7)} إِبْراهِيمَ خَلِيلاً: أي: جعله مخصوصا بالولاية (¬8). فيه ترغيب في الإسلام والإحسان، وزجر عن العمل السّيّئ. 127 - {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ:} فصل مبتدأ في ذكر النّساء مرتّب على الفصل الأوّل في هذه السّورة عائد إليه (¬9). و (الاستفتاء): طلب الإفتاء، وهو الإجابة ببيان الحكم (¬10). {وَما يُتْلى عَلَيْكُمْ:} إلى قوله: {تَنْكِحُوهُنَّ:} في محلّ الجرّ معطوف على الضّمير في {فِيهِنَّ} (¬11)، وتقديره: ويستفتونك في حكم البالغات وفي ما يتلى عليكم من حكم اليتامى؛ النساء غير البالغات أيضا. {لا تُؤْتُونَهُنَّ:} أي: اللواتي لا تؤتونهنّ ما أوجب لهنّ من مهر المثل (¬12). {وَتَرْغَبُونَ:} في نكاحهنّ بالمهر القليل (¬13). وهذا التفسير للإقساط المنفيّ المتقدّم (¬14) ما هو. ¬
وإفتاؤه سبحانه وتعالى فيهنّ جميعا ما بيّن من حكم أنكحتهنّ ومواريثهنّ صغائر وكبائر، وبيّن في حكم مواريث المستضعفين (¬1). {وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتامى بِالْقِسْطِ:} أي: ويفتيكم في قيامكم لليتامى بالقسط أيضا عند الوصيّة وقسم المواريث (¬2). 128 - {وَإِنِ اِمْرَأَةٌ خافَتْ:} علمت (¬3). {نُشُوزاً:} ترفّعا وخروجا عن الحدّ المحدود في حسن العشرة (¬4). و (الإعراض) ههنا في معنى الهجران (88 ظ) والطّلاق (¬5). والصّلح المأذون فيه تركها القسمة على أن لا يطلّقها، عن عروة (¬6) عن عائشة قالت: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لا يفضل بعضنا (¬7) على بعض في القسم، وكان قلّ يوم إلاّ وهو يطوف علينا جميعا فيصيب من كلّ امرأة من (¬8) غير مسيس حتى يبلغ التي هو يومها فيبيت عندها، ولقد قالت له سودة بنت زمعة حين أسنّت وفرقت أن يفارقها رسول الله: يومي الذي يصيبني منك هو لعائشة، قالت: فيها وفي أمثالها نزلت هذه الآية (¬9). وعن سمية قالت: وجد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على صفيّة بعض الموجدة في شيء فقالت صفيّة لعائشة: هل لك أن ترضي عنّي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولك يومي؟ قالت: نعم، فأخذت خمارا لها مصبوغا بزعفران فرشّته بالماء لتفوح رائحته واختمرت به وقعدت إلى جنب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: إليك عنّي يا عائشة فإنّه (¬10) ليس يومك، قالت أمّ المؤمنين: ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، وأخبرته بالأمر فرضي عن صفيّة (¬11). وعن رافع بن خديج وامرأته ابنة محمّد بن سلمة الأنصاريّ نحو من هذا (¬12). {وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ:} ألزمت إيّاه وقرنت به وجبلت عليه (¬13). ¬
{الشُّحَّ:} الضّنّة، وهي حبّ إمساك المال وسائر الحظوظ (¬1). والمراد به ههنا ضنة المرأة بنصيبها من الرّجل وضنة الرّجل بنفسه، أي: قلّ ما تترك (¬2) المرأة بحظها وقلّ ما يعطيها الرّجل ذلك إذا رغب (¬3). {وَإِنْ تُحْسِنُوا:} معاشرتهنّ (¬4). {وَتَتَّقُوا:} بمحافظة الحدود (¬5). {بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً} (¬6): تنبيه على الجزاء. 129 - {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا:} نفى كل استطاعة كل العدل بينهنّ؛ لأنّ الإنسان وإن سوّى بينهنّ في القسم لم يقدر أن يسوّي بينهنّ في الحبّ والمفاكهة والمطايبة (¬7). {فَلا تَمِيلُوا:} تجوروا كلّ الجور بأن تقبلوا على بعضهنّ وتعرضوا عن بعضهنّ (¬8). {فَتَذَرُوها:} تتركوها كالمعتدّة أو كالمولى عليها (¬9). 130 - {وَإِنْ يَتَفَرَّقا:} وإن لم يصلحا وتفرّقا بالطّلاق (¬10). {يُغْنِ اللهُ كُلاًّ:} كلّ واحد منهما عن صاحبه {مِنْ سَعَتِهِ،} وغناه إمّا بأن يبدله خيرا منه وإمّا أن يرزقه الصّبر والقناعة الوسع (¬11). 131 - وفي قوله: {فَإِنَّ لِلّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ:} تهديد، أي: لا مهرب لكم منه (¬12). {غَنِيًّا:} ينفي الحاجة ويثبت القدرة والوسع (¬13). ¬
{حَمِيداً:} محمود الصّفات لقدمه وإحسانه وأنّه يثني على عباده المطيعين (¬1). 133 - {إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ:} تضمّنت الآية معنيين: التّهديد والإخبار عن القدرة ونفاذ المشيئة (¬2). إن يشأ إذهابكم يذهبكم (¬3): يفنيكم أو ينقلكم من الدنيا إلى الآخرة. {بِآخَرِينَ:} الرزية أو ما الله به أعلم (¬4). 134 - {مَنْ كانَ يُرِيدُ:} أي: من كان مريدا. عمل الشّرط في معنى (كان) دون لفظه فإنّ لفظه ماض والماضي مبنيّ غير معرب، ولذلك أتينا بالماضي إذا توسّط بين حرف الشّرط (89 و) والشّرط متوسّط في نحو قوله: {وَإِنِ اِمْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها [نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً]} (¬5) [النّساء:128]، {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اِسْتَجارَكَ} [التّوبة:6]، ولو أتينا به والمتوسّط بالفعل المستقبل لما حسن ذلك؛ لأنّا إن أعملنا (¬6) الشّرط فيه بطل توسّط المتوسّط وإلاّ بطل معنى الشّرط (¬7). {فَعِنْدَ اللهِ ثَوابُ الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ:} أي: فليطلبه بطاعة الله فإنّه عند الله دون من يطلبونه من الطّواغيت (¬8). 135 - {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا:} فصل آخر مبتدأ، واتّصالها بما قبلها من حيث المواريث والوصايا والأنكحة تحتاج إلى الشّهادة وإقامة القسط (¬9). {وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ:} والشّهادة على الأنفس الإقرار والاعتراف (¬10)، قال الله مخبرا عن الكفّار: {قالُوا شَهِدْنا عَلى أَنْفُسِنا} [الأنعام:130]. {إِنْ يَكُنْ (¬11)}: المشهود عليه. {فَاللهُ أَوْلى:} بكلّ واحد من الغنيّ والفقير، وهو يأمركم بالشّهادة عليهما، أي: ¬
لا يحملنّكم موالاتكم إيّاهما عن كتمان الشّهادة فإنّ من هو أولى منكم بهما (¬1) يأمركم بأدائها. ويحتمل أنّ الكناية راجعة إلى المشهود عليه والمشهود له، وتقديره: فالله أولى به وبخصمه (¬2). {أَنْ تَعْدِلُوا:} لتعدلوا وتقسطوا عند الزّجّاج (¬3) والفرّاء (¬4)، وقال ابن جرير (¬5): هذا من العدول فيكون ترجمة لاتّباع الهوى. 136 - {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا:} أي: آمنوا ببعض آمنوا بالكلّ لما يتلوه (¬6). وقيل: آمنوا بالنّعت آمنوا بالمنعوت، كقوله: {فَلَمّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ} [البقرة:89]. وقيل (¬7): آمنوا وجه النّهار آمنوا آخره، لقوله: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا} [النّساء:137]. وقيل (¬8): آمنوا بألسنتهم (¬9) آمنوا بقلوبكم، لقوله (¬10): {إِنَّ اللهَ جامِعُ الْمُنافِقِينَ وَالْكافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ} [النّساء:140]. وقيل (¬11): آمنوا في ما مضى وفي الحال دوموا على الإيمان في المستقبل، لقوله: {اِهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ} (6) [الفاتحة:6]. وقيل: آمنوا بألسنتهم أخلصوا بعقائدهم تحقّقوا في الإيمان بدوام مراقبتكم وتهذيب خواطركم، لقوله صلّى الله عليه وسلّم لحارثة: كيف أصبحت؟ قال: أصبحت مؤمنا حقّا. . . الخبر (¬12). 137 - {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا:} عن قتادة أنّها نزلت في أهل الكتاب (¬13)، وعن الحسن في الذين آمنوا وجه النّهار وكفروا آخره (¬14)، وعن مجاهد وابن زيد نزلت في المنافقين (¬15)، وهذا أصحّ؛ لأنّهم تردّدوا في أمرهم، وأصرّوا على اعتقاد الكفر وماتوا عليه. ¬
{لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ:} شيئا من كفرهم الأوّل والثّاني والثّالث؛ لأنّ الكفر المتأخّر أحبط العمل المتقدّم (¬1). {وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً:} لا يوفّقهم، والتّوفيق هو التّيسير لليسرى، وذلك غير واجب بعد التّمكين الذي يلزم به الحجّة (¬2). وقبول توبة هؤلاء مختلف فيه (¬3). 139 - {أَيَبْتَغُونَ:} على الإنكار. {فَإِنَّ الْعِزَّةَ:} «أي: المنعة» (¬4). {لِلّهِ جَمِيعاً} يكرم بها من يشاء وقد ردّها (¬5) لرسوله وللمؤمنين. 140 - {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ:} قوله: {وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ} [الأنعام:68] (¬6). و {أَنْ:} لترجمة المنزّل ما هو، والتّقدير: وقد نزّل عليكم في الكتاب شيئا وهو قوله: {إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللهِ} (89 ظ) {يُكْفَرُ بِها وَيُسْتَهْزَأُ بِها (¬7)}: بالقرآن، وهو استخفافه. {فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ:} فطرد المعاشرة دون المجادلة والتقيّة، وإنّما أباح القعود بعد الغاية لرفع الجناح أو لاستمالتهم (¬8). والكناية في (معهم) راجعة إلى (¬9) الكافرين والمستهزئين. و (الخوض) في الحديث هو الشّروع في الكلام، وضدّه الإمساك عنه (¬10). {إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ:} أي: إن قعدتم معهم موالين إيّاهم كنتم مثلهم في الكفر والنّفاق (¬11). ¬
{الْمُنْفِقِينَ:} المضمرين الكفر (¬1)، {وَالْكافِرِينَ:} المظهرين له. 141 - {يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ:} أي: نزول الدّوائر والحوادث (¬2). {فَتْحٌ:} نصرة (¬3). {نَصِيبٌ:} «دولة» (¬4). {أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ:} نشارككم في هذا الغزو، ويطلبون الشّركة في الغنيمة (¬5). {أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ:} ألم نغلبكم ونستول عليكم مع المؤمنين ونحمكم (¬6) ونجركم، يذكّرون أياديهم حالة الاستيلاء (¬7). {فَاللهُ يَحْكُمُ:} يفصل بحكمه (¬8). {سَبِيلاً:} أي: حجّة صحيحة (¬9). ويحتمل أنّ معناه لن (¬10) ينصرهم عليهم فإنّهم وإن غلبوا فهم المخذولون الأخسرون (¬11). 142 - {كُسالى:} جمع كسلان، والكسل: التّثبّط والتّبرّم (¬12). والقليل من الذّكر ما يراؤون ويسمّعون به (¬13). 143 - {مُذَبْذَبِينَ:} متردّدين (¬14) مضطربين، ومنه يقال لأسافل الثّوب: ذباذب (¬15). ويحتمل من الذّبّ، أي: يذبّون كلّ فريق من أنفسهم بنوع من الخداع. {لا إِلى هؤُلاءِ:} أي: ليسوا مع هؤلاء في الإخلاص ولا مع هؤلاء في المحاربة (¬16). ¬
{وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ:} أي: هم ضالّون أضلّهم الله {وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً} يأتيها. 144 - {أَتُرِيدُونَ:} على وجه الإنكار. {أَنْ تَجْعَلُوا:} أي: تقيموا. {سُلْطاناً:} أي: حجّة (¬1). وهذا على المجاز، وحقيقته أتريدون أن تكونوا من الذين لله عليهم سلطان بيّن بالإعذار والإنذار. 145 - {إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ:} لأنّهم شرّ أصناف الكفرة لخبثهم وخداعهم (¬2). والدّركات والأدراك: المنازل والمراتب إلى (¬3) الأسفل. 146 - {إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا:} عن النّفاق (¬4). {وَأَصْلَحُوا:} عقائدهم. {وَاِعْتَصَمُوا:} امتنعوا {بِاللهِ} عن الشّيطان ووساوسه والكفّار ومكائدهم. {وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلّهِ:} أي: نابزوا (¬5) الكفّار وحقّقوا موالاة المؤمنين. وإنّما قال: {فَأُولئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ} ولم يصرّح بإيمانهم تعظيما لشأن النّفاق (¬6). 147 - {ما يَفْعَلُ:} ما يصنع به؟ وأيّ غرض له فيه؟ استفهام بمعنى النّفي (¬7). 148 - {لا يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ:} اتّصالها بما قبلها من حيث إنّ الجهر بالسّوء من خصال المنافقين (¬8)، وفيهم قوله: {سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدادٍ} [الأحزاب:19]، وقد سبق ذكرهم. وعن عبد الرّحمن (¬9) بن زيد أنّ الآية نزلت في أبي بكر الصّدّيق، شتمه رجل مرارا وهو ساكت، ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم [حاضر] (¬10)، ثمّ ردّ أبو بكر مرّة فقام رسول الله كالمنكر عليه. ¬
ومعناه: لا يحبّ الله الجاهر (¬1) بالقول السّيّئ {إِلاّ مَنْ ظُلِمَ:} أي: الجاهر المظلوم، مثل أبي بكر. ويحتمل: لا يحبّ الله جهر أحد بالقول السّيّئ إلاّ جهر من ظلم (¬2). والاستثناء على هذين متّصل، وقيل: منقطع، أي: لكن من ظلم فله أن يجهر (¬3). وعن مجاهد أنّ المظلوم هو الضّيف (90 و) المحتاج إذا مرّ بإنسان فلم يقره (¬4) فله أن يشكوه ويذمّه. (العليم): يعلم الزّجر عن جهر قول السّيّئ وعن إسراره. 149 - وفي قوله: {إِنْ تُبْدُوا،} الآية، ندب إلى الجهر بالقول (¬5) الحسن، وإلى إضماره، وإلى العفو للمظلوم. {عَفُوًّا:} يعني: فافعلوا فإنّ الله عفوّ بقدرته يحبّ أن تستنّوا (¬6) بسنّته، أو فافعلوا فإنّ الله يجازيكم بعفوه (¬7). {قَدِيرٌ أَ} (¬8): على مجازاتكم. 150 - {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ:} نزلت (¬9) في أهل الكتاب. وفي الآية دليل أنّ الإيمان لا يزيد ولا ينقص، وأنّه لا منزلة بين المنزلتين، وأنّ من اتّخذ من (¬10) ذلك سبيلا كان كافرا حقّا؛ لأنّ الله يشهد بالصّدق لجميعهم، فمن كذّب بالبعض فقد كذّب بالكلّ. 153 - {يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ:} نزلت في اليهود، طالبوا (¬11) النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بكتاب مكتوب مثل التّوراة ينزله (¬12) من السماء متحكمين، فأنكر الله ذلك عليهم وبيّن [لهم] (¬13) أنّ موسى أتاهم بذلك فلم يقنعوا به وطالبوه بما هو أجلّ شأنا منه (¬14). وفيه دليل على جواز رؤية الله تعالى. ¬
{ثُمَّ} في قوله: {ثُمَّ (¬1)} اِتَّخَذُوا الْعِجْلَ: لترتيب الإخبار دون المخبر عنها (¬2)؛ لأنّ مطالبة السّبعين بالرّؤية وعبادة الباقين العجل في أوان واحد. {الْبَيِّناتُ:} ما أيّد الله موسى بمصر حين عبر البحر قبل المنقلب (¬3). 155 - {بَلْ طَبَعَ اللهُ:} عارض بين الأسباب المذكورة لتحريم الطّيّبات (¬4). 156 - {وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلى مَرْيَمَ:} من الأسباب المحرّمة للطّيّبات، لمّا علم الله أنّهم سيأتونه لا محالة عجل المسبب، وليس هو كتقديم (¬5) العقوبة على المذنب ولكنّه كخلقه آدم وإسجاد الملائكة له، يعلم (¬6) ما لا يعلمون. 157 - {وَقَوْلِهِمْ:} أي: وبقولهم {إِنّا قَتَلْنَا} (¬7). وهذا من الأسباب المحرّمة للطّيّبات أيضا. ويحتمل أنّ هذا وما قبله من البهتان سبّبا الطّبع (¬8) على القلوب. {وَإِنَّ الَّذِينَ اِخْتَلَفُوا:} من اليهود والنّصارى (¬9). {إِلاَّ اِتِّباعَ الظَّنِّ:} استثناء منقطع عند البعض (¬10)، فالهاء في قوله: {وَما قَتَلُوهُ} راجعة إلى العلم أو الظّنّ (¬11)، أي: لم يحكموه. وقيل: إلى المقتول المصلوب، أي: قتلوه متوهّمين لا بيقين أنّه المسيح عليه السلام (¬12). وقيل: عائدة إلى المسيح، ما قتلوه حقيقة {وَلكِنْ} على زعمهم (¬13). 158 - {بَلْ:} ردّ لكلامهم (¬14). 159 - {لَيُؤْمِنَنَّ (¬15)} بِهِ: بعيسى (¬16)، وعن عكرمة بمحمّد (¬17). والجميع أنّه عند معاينة ¬
البأس يؤمن بالجميع فلا ينفعه إيمانه (¬1). {قَبْلَ مَوْتِهِ:} موت عيسى (¬2) عليه السّلام، يؤمنون به إذا نزل من السّماء (¬3). 161 - وإنّما قيّد أخذ الرّبا بالنّهي؛ لأنّه ليس بمذموم قبل النّهي في العقل بتلة إلاّ أنّ فيه نوع كراهة فيوقف الذّمّ على النّهي، بخلاف الصّدّ (¬4) وأكل أموال النّاس. وخصّ الكافرين منهم؛ لأنّهم لم يكونوا سواء. 162 - والواو في قوله: {وَالْمُؤْمِنُونَ:} للجمع بين صفتي القوم. {وَالْمُقِيمِينَ:} في محلّ الخفض عطفا على الضّمير في {مِنْهُمْ،} أي: الرّاسخون في العلم من جملة اليهود ومن غيرهم من المصلّين (¬5)، أو عطف على قوله: {بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ (¬6)} وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ أي: هؤلاء الرّاسخون يؤمنون بالمقيمين أيضا وهم الأنبياء (¬7). وقيل (¬8): نصب على المدح. 163 - اتّصال قوله: {إِنّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ} (¬9) بما قبله من حيث مقابلة اليهود بتنزيل الكتاب المكنون، يقول: [إنّا] (¬10) أوحينا إليك كما أوحينا إلى هؤلاء (¬11). وإنّما ابتدأ بنوح (¬12)؛ (90 ظ) لأنّه يعرفه الكلّ بالأخبار المتواترة وهو المسمّى آدم الأصغر، ولا يعرف من قبله من الأنبياء (¬13). وعطف إبراهيم على الأنبياء تشريفا له (¬14)، كما قال: {وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْراهِيمَ وَمُوسى} [الأحزاب:7]. ويحتمل (النّبيّين) هم (¬15) الذين كانوا بين نوح وإبراهيم. ¬
وقدّم عيسى على أيّوب ويونس تشريفا له لكونه من جملة أولي (¬1) العزم، والواو لا توجب التّرتيب (¬2). {وَأَيُّوبَ:} عليه السّلام، هو أيّوب بن موص بن زعويل، عن وهب، وكان أبوه ممّن آمن بإبراهيم وهاجر معه، وأمّه بثينة بنت لوط عليه السّلام، وتحته ليّا بنت يعقوب وهي التي ضربها بالضّغث، وكان أيّامه أيّام الأسباط أو بعدهم (¬3). {وَيُونُسَ:} عليه السّلام، هو يونس بن متّى أحد عبّاد بني إسرائيل وزهّادهم، بعثه الله بعد إلياس واليسع إلى أهل نينوى، وهو ذو النّون. وإنّما قدّمه على هارون وداود وسليمان؛ لأنّ الواو لا توجب التّرتيب. {وَهارُونَ:} هو هارون بن عمران أخو موسى، أكبر منه بسنة، أشركه الله في أمر موسى وأرسلهما إلى فرعون. وإنّما قال: {وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً} لينوّه بذكره تعويضا عن تقديمه، أو ليعلم أنّه أتي بالزّبور ولم يأت به مكتوبا من السّماء (¬4). 164 - {وَرُسُلاً:} نصب، عطف على (داود)، أي: أعطيناهم (¬5) زبرا، أو لوقوع القصص عليه (¬6). وإنّما قال: {وَكَلَّمَ اللهُ مُوسى تَكْلِيماً} لينوّه بذكره تعويضا عن تقديمه، أو عامّة (¬7) للحجّة بما أتي من الكلام المعجز وإن لم يكن مكتوبا من السّماء. وأكّد بالمصدر ليعلم أنّ الله كلّمه حقيقة وخاطبه خطابا، وليحسم توهّم المجاز، ونحوه (¬8) قولك: مال برأسه، وقال بيده (¬9). و (التّكليم) صفة لله تعالى حقيقة (¬10) من غير كيفيّة. 165 - {رُسُلاً:} «أي: أرسلنا رسلا» (¬11). {لِئَلاّ} يقبل للإرسال. ¬
166 - {لكِنِ:} يدلّ على مستدرك، نحو قولهم: لن نشهد (¬1) لك بالنّبوّة {حَتّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ} [الإسراء:93]. وشهادة الله هو هذا القرآن المعجز، وما ذكر في التّوراة والإنجيل والزّبور من نعته، وما ألهم أولياءه من التّصديق له (¬2). {أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ:} أي: أنزله وهو عالم غير ساه ولا مخطئ. وشهادة الملائكة إيمانهم به. وإنّما أخبر لتشريف النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم (¬3). 167 - {وَصَدُّوا:} «صرفوا النّاس» (¬4). 168 - {وَظَلَمُوا:} ما ضمّوه إلى كفرهم من سائر الخصال المذمومة. {لِيَغْفِرَ لَهُمْ:} كفرهم (¬5). {وَلا لِيَهْدِيَهُمْ:} التّوفيق، لظلمهم في كفرهم (¬6). {طَرِيقاً:} سبيلا. 169 - {طَرِيقَ جَهَنَّمَ:} هو الكفر (¬7). {خالِدِينَ:} نصب على الحال للمهديّين إلى النّار (¬8). 170 - {خَيْراً:} نصب على القطع عند الكوفيّين (¬9)، وعلى المحلّ عند البصريّين؛ فكأنّك قلت: ائت خيرا (¬10). 171 - {لا تَغْلُوا:} لا تجاوزوا الحدّ (¬11). و (الغالي): الفاحش. وغلوّهم في دينهم: الإفراط (¬12) في أمر المسيح عليه السّلام (¬13). ¬
{وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ:} أب وأمّ وابن، أو روح ونفس وعلم. {إِنَّمَا اللهُ:} إنّما هو خالق الأشياء كلّها. {سُبْحانَهُ:} تنزيها عن السّوء (¬1). 172 - {لَنْ يَسْتَنْكِفَ:} لن يأنف أولاء (¬2)، ردّ على المخاطبين الذين يدعون لعيسى لنظم الكلام، ثمّ ردّ على من يشاكلهم كمن قال للأمير: لا تقاومني (91 و) أنت ولا وزيرك ولا أتباعك. 174 - المراد بالبرهان القرآن (¬3)، وكذلك بالنّور المبين (¬4). 175 - {وَاِعْتَصَمُوا:} بالله، أو بالقرآن (¬5). {فِي رَحْمَةٍ:} نعمة، وهي الجنّة (¬6). {وَفَضْلٍ:} نعمة زائدة على الموعود (¬7). 176 - {يَسْتَفْتُونَكَ:} نزلت في جابر بن عبد الله الأنصاريّ، سأل ما يرث من أخته وما ترث منه أخته (¬8). {إِنِ اِمْرُؤٌ:} مرتفع بإسناد الفعل إليه (¬9). {هَلَكَ:} في محلّ الجزم (¬10). {أَنْ تَضِلُّوا:} «لئلاّ تضلّوا» (¬11)، حذف للاكتفاء، وعند البصريّين (¬12): «كراهة أن تضلّوا». والله أعلم. ¬
سورة المائدة
سورة المائدة مدنيّة إلاّ قوله: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة:3] فإنّها نزلت بعرفات، وحكمها مدنيّة (¬1). وهي مئة واثنتان وعشرون آية حجازي شامي (¬2). بسم الله الرّحمن الرّحيم 1 - {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ:} المواثيق الشّرعيّة التي يكون عقدها طاعة، عن ابن عبّاس (¬3)، والحال تدلّ عليه. وإنّما ابتدأ بهذا الأمر لما أعقبه من الأوامر والنّواهي، وهي عقود وعهود كلّها. {أُحِلَّتْ لَكُمْ:} اتّصالها بما قبلها من حيث التّمسّك بعقد الإحرام في اجتناب الصّيد. {بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ:} الإبل والبقر والغنم (¬4). (البهيمة): كلّ دابّة أبهمت عن العقل والتّمييز واستبهمت عن الكلام (¬5)، وجمعه بهائم. و (الأنعام): جمع النّعم، وهو (¬6) جمع لا واحد له من لفظه. ويقع ههنا على البقر الوحشيّة والظّباء والوعول لقوله: {غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ} (¬7). {إِلاّ ما يُتْلى عَلَيْكُمْ:} استثناء من بهيمة الأنعام (¬8). والمراد به الميتة ونحوها (¬9). {غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ} (¬10): استثناء من حال المخاطبين، تقديره: غير محلّين للصّيد (¬11). والواو في {وَأَنْتُمْ} للحال أيضا (¬12). و (الصّيد) (¬13): اسم لما يصطاد، والمراد ههنا نعم الصّيد، أو كلّ ما يحلّ من الصّيد في غير ¬
حالة الإحرام وإلاّ لما كان لتقييد الوصف بالإحرام فائدة (¬1). {حُرُمٌ:} جمع حرام (¬2)، قال الله تعالى: {الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ} [البقرة:194]، وقال: {أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ} [التّوبة:36]. {ما يُرِيدُ:} تكون الإرادة بمعنى المشيئة فيدلّ على أنّه ليس تحت حكم ولكنّه منصرف على قضيّة مشيئته (¬3)، أو بمعنى المحبّة فيدلّ على أنّ الأحكام الشّرعيّة كلّها محبوبة مرضيّة محمودة. 2 - {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا:} نزلت في شريح بن ضبيعة بن شرحبيل، أتى المدينة وقال لرسول الله: إلى ما تدعو إليه؟ قال: إلى (¬4) شهادة أن لا إله إلاّ الله وإقام الصّلاة وإيتاء الزّكاة، قال: إنّ ما تدعو إليه حسن ولكنّ لي أمراء لا أقطع الأمر دونهم، فقال: لقد دخل هذا بوجه كافر وخرج بعقبى (¬5) غادر وما هو بمسلم، فمرّ (¬6) على سرح المدينة فاستاقها، فلمّا كان العام المقبل خرج هذا الرّجل حاجّا في حجّاج بكر بن وائل، فاستأذن المسلمون رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في التّعرّض لهم فأنزل، وعن السدّي وابن جريج أنّ اسم الرّجل حطم (¬7). {شَعائِرَ اللهِ:} غير المعطوف عليه كالمواقيت الذي لا يجوز مجاوزتها بغير إحرام، وكالحرم لا يجوز القتال فيه (¬8). {الشَّهْرَ الْحَرامَ:} رجب، وعن عكرمة ذو القعدة (¬9). (91 ظ) {وَلا الْقَلائِدَ} (¬10): قال ابن عبّاس: حرّم الله الهدايا (¬11) المقلّدة وغير المقلّدة (¬12). وقيل: كان المشركون يقلّدون الإبل بلحاء الشّجر تشبيها بالهدايا لئلاّ يتعرّض لها، فأمر الله باجتنابها كالهدايا (¬13). وقيل: نهى الله عن إمساك القلائد بعد نحر البدن فإنّ سبيلها الصّدقة وهي من ¬
صوف (¬1). قالت عائشة: كنت أفتل (¬2) قلائد بدن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو في بيته يصنع ما يصنع الحلال. {يَبْتَغُونَ:} حال الآمّين البيت الحرام (¬3). وإنّما نصب {الْبَيْتَ} لوقوع الفعل عليه (¬4). {فَضْلاً:} رزقا ونعمة (¬5). {وَرِضْواناً:} على سبيل الظّنّ، كقولهم (¬6): {ما نَعْبُدُهُمْ إِلاّ لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى} [الزّمر:3]. {وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا:} إباحة (¬7). {وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ:} لا يحملنّكم ولا يستعملنكم (¬8). و (الاعتداء): أخذ البريء بالجاني؛ لأنّ الصّدّ كان من جهة قريش، وهم كانوا يستحلّون حجّاج بكر بن وائل، وقد قال: {وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى} [الأنعام:164]. {تَعْتَدُوا:} في محلّ النّصب ب (أن)، يدلّ عليه سقوط النّون. {وَتَعاوَنُوا:} في محلّ الجزم على سبيل الأمر بدليل سقوط النّون (¬9). 3 - {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ:} الآية، لا بدّ من كون هذه المحرّمات محرّمة قبل نزول الآية، فإنّها نزلت بعرفات عام حجّة الوداع، وفائدة ذكرها التّأكيد إذ {وَاِخْشَوْنِ} رأس آية تامّة حتى يكون النّازل يوم عرفة قوله: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ [دِينَكُمْ] (¬10)}. روي أنّ يهوديّا قال للفاروق: لو نزل علينا مثل هذه الآية يوما لاتّخذناه عيدا، فقال: إنّها نزلت يوم الجمعة وهو عيدنا ويوم عرفة وهو عيدنا (¬11). ¬
واستخرج بعض المنجّمين أنّه يوم دخول الشّمس في برج الحمل، قال صلّى الله عليه وسلّم: (إنّ الزّمان قد استدار كهيئته يوم خلق [الله] (¬1) السّموات والأرض)، فكأنّ هذا المستخرج يقول: قوله صلّى الله عليه وسلّم هذا حجّة على جميع الفلاسفة حيث إنّه علم ولم يكن منجّما ولا صاحب منجّم. ثمّ بيّن الله للمؤمنين محافظة حساب القمر دون الشّمس؛ لأنّه أحوط لأوقات العبادة. وروي أنّ اليوم الذي نزلت فيه هذه الآية كان قد اتفق عيد (¬2) اليهود والنّصارى والمجوس. {وَالْمُنْخَنِقَةُ:} التي ماتت بالمنع عن التّنفّس (¬3). {وَالْمَوْقُوذَةُ:} التي وقذت بالعصا وضربت حتى ماتت (¬4). {وَالْمُتَرَدِّيَةُ} (¬5): التي مات بالتّردّي من أعلى إلى أسفل. {وَالنَّطِيحَةُ:} التي نطحتها صاحبتها فقتلتها (¬6). وذكر الأربع ليبيّن أنّ سبب الموت إذا كان ظاهرا لم يقم مقام الذّكاة (¬7) بخلاف السّمك. {وَما أَكَلَ:} افترس (¬8) {السَّبُعُ إِلاّ ما ذَكَّيْتُمْ:} ذبحتم (¬9)، و (التّذكية): التّطهير (¬10)، وفي الحديث: (ذكاة الأرض يبسها) (¬11). الاستثناء راجع إلى ما أكل السّبع (¬12)، وقيل (¬13): إلى المنخنقة فما بعدها. وشرط الاستدراك أن تكون (¬14) حياتها واضطرابها أكثر من حياة المذبوح (¬15). ¬
و {النُّصُبِ:} ما نصب من الأوثان إلاّ أنّه لا صورة له، والصّنم مصوّر (¬1). {وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ:} وذلك ما يتقامرون به، كانوا يجتمعون عشرة (92 و) ويشترون جزورا ويضربون بالأزلام وهي القداح، واحدها زلم وزلم، يطلبون القسمة فمنهم من ذهب باللّحم ومنهم من غرم الثّمن لما وضعوا من الرّسم، وربّما كانوا يفعلون على وجه البرّ والصّلة بزعمهم ويصرفون ذلك إلى الفقراء مراءاة ومباهاة (¬2)، فحرّم الله ذلك على المسلمين. {ذلِكُمْ:} إشارة إلى الاستقسام بالأزلام (¬3). {الْيَوْمَ:} اللام للمعهود، وهو يوم عرفة (¬4)، وقيل (¬5): المراد به الآن. {يَئِسَ:} قنط، كانوا من قبل (¬6) يطمعون في رجوع المؤمنين لما يشاهدون من النّسخ والتّبديل، فلمّا قرن الله الشّرائع كلّها ونفى المشركين عن الحرم وأبطل النّسيء قنطوا ويئسوا. و (الكامل) لا يحتمل الزّيادة بخلاف التّامّ (¬7). {وَرَضِيتُ} (¬8): الواو ليس للعطف على العامل في {الْيَوْمَ؛} لأنّ الرّضا لم يختصّ بذلك اليوم. {مَخْمَصَةٍ:} مجاعة (¬9)، والأخمص: الضّامر (¬10). {مُتَجانِفٍ:} متمايل إلى الإثم (¬11)، كقوله: {غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ} [البقرة:173]. {فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ:} تقديره: فأكل غفر له (¬12). أو يدلّ على الرّخصة في بيان ¬
المحرّمات عند الضّرورة (¬1)، ولذلك قام مقام الجزاء. 4 - {يَسْئَلُونَكَ:} نزلت في زيد الخيل الذي سمّاه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم زيد الخير، وفي عديّ بن حاتم الطّائيّ، سألا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن حكم الصّيد وما يحلّ منه (¬2). {الطَّيِّباتُ:} المذكّيات، أو غير الخبائث من السّبع والحشرات (¬3). {وَما عَلَّمْتُمْ:} من الشرط، والجواب {فَكُلُوا} (¬4). {الْجَوارِحِ:} الكواسب من الفهود والكلاب (¬5). و (التّكليب): تعليم هذه الجوارح وإشلاؤها (¬6). ونصب {مُكَلِّبِينَ} حال (¬7). {تُعَلِّمُونَهُنَّ:} حال أيضا لمضارعته الاسم (¬8). {أَمْسَكْنَ:} حبسن الصّيد على الصّائد (¬9)، ولا يأكلن منه بالتّعليم لا بالاتّفاق إلاّ (¬10) الدّم المسفوح. {وَاُذْكُرُوا اِسْمَ اللهِ:} على الصّيد حالة إرسال الجوارح (¬11). {وَاِتَّقُوا اللهَ:} في ما أحلّ وحرّم (¬12). ذكر سرعة الحساب لتأكيد الزّجر، والتّحذير في معنى الجزاء (¬13). ومن نوقش في الحساب عذّب (¬14). 5 - {وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ:} «ذبائحهم» (¬15). واذكروا عليه اسم الله وحده (¬16). ¬
وفائدة تحليل طعامنا لهم رفع الجناح عنّا في إطعامهم (¬1). {وَالْمُحْصَناتُ:} العفائف غير الزّانيات (¬2). {أُجُورَهُنَّ:} مهورهنّ (¬3). {وَمَنْ يَكْفُرْ:} يجحد الإسلام وشرائعه (¬4). وحبوط عمله (¬5) إنكاره الثّواب ورضاه بأن يجازى على الإسلام. 6 - إنّما قال: {إِذا قُمْتُمْ} ليعلم أنّ الصّلاة هي المفتقرة إلى الوضوء دون القصد إليها، وليعلم أنّه شرط في صحّة عبادة (¬6) وليست بعبادة في نفسها. إذا قمتم عن النّوم عن ابن عبّاس وابن زيد (¬7)، دلّت الحال على أنّهم كانوا محدثين. وممّن خصّ المحدثين بالخطاب ابن عبّاس وسعد بن أبي وقّاص وأبو موسى الأشعريّ وجابر بن عبد الله وابن عمر (¬8). وصلّى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم الصّلوات كلّها يوم فتح مكّة بوضوء واحد، فقال عمر: فعلت شيئا (¬9) يا رسول الله عمدا، فقال: لتبيين الشّرع (¬10). ويجوز ترك الفضيلة لبيان الشّرع كتأخير المغرب عند تعليم المواقيت. و (الغسل): إمرار الماء على أعضاء (¬11) الوضوء، فلولا قوله: {فَلَمْ تَجِدُوا ماءً} لسقط الوجوب بالغسل (92 ظ) بكلّ مائع. و {إِلَى} (¬12) بمعنى (مع). و (المرفق) (¬13): اسم لجميع (¬14) الذّراع والعضد. ¬
و (المسح): إمساس الماء (¬1). والباء (¬2) للتّبعيض، كقولك (¬3): أخذت بزمام النّاقة، وقيل: للاستيعاب كقوله: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحجّ:29]، وقد روي أنّه صلّى الله عليه وسلّم مسح على ناصيته (¬4). و (الأرجل): الأقدام، واحدها رجل (¬5). {فَاطَّهَّرُوا:} فاغتسلوا (¬6). {وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ:} لابتداء الغاية، وهو أن يرفع (¬7) يديه للمسح من الصّعيد، ويحتمل التّبعيض (¬8). 7 - {وَاُذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ:} إن أجريت الخطاب على العموم فالميثاق المذكور ما التزمناه عند الدّخول في الإسلام، أو حين عقلنا الإسلام، أو ما أخذ الله بقوله علينا قوله (¬9): {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ} قلنا: {بَلى} [الأعراف:172] (¬10). وقيل: الخطاب للمؤمنين من اليهود، والميثاق ما أخذ الله عليهم في التّوراة (¬11). وقيل: الخطاب لأصحاب الشّجرة أو لأصحاب العقبة، والميثاق هي البيعة المأخوذة منهم (¬12). {بِذاتِ الصُّدُورِ:} الضّمائر (¬13). سمّى العرض ههنا ذا جوهر، والجوهر في سائر الموارد ذا عرض، فقال سبحانه وتعالى: {حَدائِقَ ذاتَ بَهْجَةٍ} [النّمل:60]، و {ذاتِ قَرارٍ} [المؤمنون:50]، و {ذاتِ الشَّوْكَةِ} [الأنفال:7] لاتّساع لفظ (ذا) وإطلاقه على جميع ما ينطلق عليه اسم الشّيء، وهو إذا أضيف إلى شيء أعربه وخرج عن كونه مشارا إليه، وهو عند الإضافة هو المضاف إليه في الحقيقة دون ما أضيف إليه. ¬
8 - {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا:} نزلت في النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ذهب إلى اليهود يستقرضهم شيئا في تحمّل الدّية، فهمّوا بقتله فأنزل الله (¬1). وقيل (¬2): هي في صدّ قريش. والعدل مع الكفّار أن لا يجازوا (¬3) بالمثلة وقتل النّساء والصّبيان والمقابلة بالبهتان (¬4). {هُوَ:} عائد إلى القتل (¬5). والتّفضيل وقع على غير العدل مما ذكرنا. 9 - {وَعَدَ اللهُ:} المغفرة والأجر العظيم (¬6). وإنّما ارتفع (¬7) على الابتداء، أو على أنّه خبر اللام، ولم ينتصب؛ لأنّه جاء محكيّا إذ الوعد كالقول. 10 - {وَالَّذِينَ:} الواو للاستئناف. {أُولئِكَ:} مبتدأ آخر مع خبره خبر للمبتدأ الأوّل (¬8). 11 - {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا:} عن جابر أنّ العرب همّوا اغتيال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فبعثوا إليه أعرابيّا، ورسول الله نازل تحت شجرة علّق منها سلاحه، وقد تفرّق عنه أصحابه مستظلّين تحت العضاة، ففجأه الأعرابيّ شاهرا سيفه وقال: من يمنعك منّي؟ قال: الله، وكرّر الأعرابيّ (¬9) كلامه ثلاثا وكرّر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم جوابه ثلاثا (¬10)، فصرف الله المخذول عنه فرجع خائبا، فأنزل (¬11). وعن ابن عبّاس أنّ اليهود صنعوا (¬12) طعاما ودعوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يريدون به القتل (¬13)، فأعلمه الله وصرف كيدهم، ثمّ ذكر منّته على المؤمنين بذلك (¬14). ¬
وعن مجاهد والسدّي وأبي مالك وعكرمة أنّه صلّى الله عليه وسلّم كان صالح اليهود من قريظة والنّضير على أن يقرضوه إذا استقرضهم فيما يحتاج إليهم من الدّيات، ثمّ إنّ عمرو بن أميّة الضمري قتل قتيلين من الأسلميّين خطأ، فذهب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم معه أبو بكر وعمر وعليّ إلى بني قريظة يستقرضهم شيئا في دية القتيلين فقالوا: مرحبا بأبي القاسم، ثمّ قالوا: إخواننا بنو النّضير لا نقضي دونهم شيئا، ترجع اليوم وتأتينا يوم كذا، ثمّ تآمروا فيما بينهم وأجمعوا على الفتك (93 و) به يوم الميعاد، فلمّا أتاهم يوم الميعاد (¬1) أجلسوه مع أصحابه في صفة، وخرجوا يرفعون الأسلحة وينتظرون كعب بن الأشرف وكان غائبا، فلمّا كاد يتمّ كيدهم أطلع الله نبيّه على ذلك، فخرج ولم يعلم أحد من (¬2) أصحابه لئلاّ يقابلوهم بالشّرّ، ثمّ خرج (¬3) واحد بعد واحد في أثره، فأنزل الله الآية (¬4). وسبب اختلاف الرّواة في مثل هذه الآية غيبتهم عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وقت النّزول، ومشاهدتهم إيّاه يتلوها في حادثة مثل ما نزلت فيه وكانوا يظنّون أنّها نزلت في ابتداء. {هَمَّ:} أراد وقصد (¬5). {أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ:} أن يصيبوكم بمكروه ويبسطوا عليكم، يقال: بسط يده سطوة (¬6)، ومنه قوله: {وَالْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ} [الأنعام:93]، وقال هابيل لأخيه: {لَئِنْ بَسَطْتَ (¬7)} إِلَيَّ يَدَكَ [المائدة:28]. 12 - (النّقيب): فوق العريف، سمّي نقيبا لكونه بالمرصاد من قومه لا ينفذ لهم أمر دونه (¬8)، والنّقب: الطّريق (¬9). والنّقباء اثنا عشر الذين اختارهم موسى عليه السّلام وبعثهم عيونا إلى العمالقة، فنصح لله اثنان وخان [منهم] (¬10) عشرة. وقيل (¬11): هم كفلاء الأسباط وضمناؤها، كان لكلّ سبط كفيل ¬
وضمين. وقيل (¬1): هم ملوك بني إسرائيل، منهم من أوفى بالعهد ومنهم من نقض العهد. {إِنِّي مَعَكُمْ:} بالموالاة قبل التّحريف والتّبديل، والخطاب لبني إسرائيل (¬2). و (تعزير الرّسل): موافقتهم ومظاهرتهم (¬3)، وقيل (¬4): تعظيمهم وتوقيرهم. {لَأُكَفِّرَنَّ} (¬5): جواب لقوله: {لَئِنْ.} 13 - {وَنَسُوا:} تركوا (¬6)، وقيل: تغافلوا حتى خفي عليهم وذهب عنهم عمله. {تَطَّلِعُ:} افتعال من الطّلوع، وهو الوقوف على الشّيء (¬7). و (الخائنة): الخائن، دخلت الهاء للمبالغة (¬8)، وقيل (¬9): صفة للطّائفة، وقيل (¬10): مصدر كالعاقبة والكاذبة. وخيانتهم: مكرهم. {إِلاّ قَلِيلاً:} عبد الله بن سلام وأصحابه (¬11). {فَاعْفُ:} اترك محاربتهم ما لم يظهروا عدوانهم (¬12). وقيل (¬13): الآية منسوخة بقوله: {وَإِمّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً،} الآية [الأنفال:58]. 14 - {وَمِنَ الَّذِينَ قالُوا إِنّا نَصارى:} دليل أنّهم التقبوا بهذا اللّقب مبتدعين من عند أنفسهم (¬14). {فَأَغْرَيْنا:} هيجنا وسلّطنا (¬15). ¬
{بَيْنَهُمُ:} بين فرق النّصارى، افترقوا اثنتين وسبعين فرقة (¬1). وقيل (¬2): «بين اليهود والنّصارى». وأسباب المودّة والعداوة وغيرهما لا تنقطع إلاّ يوم القيامة، فيومئذ عمّيت عليهم الأنباء وكانت أفئدتهم هواء. {وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللهُ:} تهديد (¬3). {يَصْنَعُونَ:} يفعلون. 15 - {وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ:} ترك بيان ما بدّلوه من الفروع في شرائعهم، لم نؤمر بها ولا نهينا عنه في شريعتنا. وقيل: عفوه عن كثير كان معلّقا بشرط الإسلام، فإنّ الإسلام يهدم ما قبله. {نُورٌ:} نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم، وقيل: الكتاب (¬4). 16 - {رِضْوانَهُ:} نصب ب {اِتَّبَعَ.} و {سُبُلَ السَّلامِ} بأنّه مفعول ثان للهداية (¬5)، والمفعول الأوّل {مَنِ اِتَّبَعَ.} وذلك من ابتغى رضوان الله بمحافظة الواجبات العقليّة هداه الله بالوحي طريق السّلام، وهي ما وعد الله عليه الجنّة من الفروع السّماعيّة مثل: {دارُ السَّلامِ} [الأنعام:127]. والسّلام: اسم الله، وقيل: السّلامة (¬6) عن الآفات. وإنّما ذكر {وَيُخْرِجُهُمْ} (93 ظ) {مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ} لينبّه على التّوفيق بعد الهداية، ثمّ بيّن أنّ سبل (¬7) السّلام تؤدّي إلى العدل والحقّ، وذكر اللّفظين تأكيدا. 17 - {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ [اِبْنُ مَرْيَمَ] (¬8)}: دخل فيها كلّ نصرانيّ اعتقد أنّ المسيح أو شيء منه غير محدث، أو ادّعى ثلاث أقنومات أو أقنومين (¬9). {قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللهِ شَيْئاً:} أي: لا يقدر أحد صرف مشيئة الله وإرادته (¬10)، وقيل: ¬
إنّ هلاك (¬1) المسيح وأمّه متصوّر. {وَلِلّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ:} وإنّما خصّ لاستيعاب غاية جهات فوق وغاية جهات (¬2) تحت، {وَما بَيْنَهُما:} من الحيوان والنّبات وغيرهما. {يَخْلُقُ ما يَشاءُ:} يدلّ على أنّه يخلق اختيارا واقتدارا من غير احتياج واضطرار (¬3). 18 - {نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ وَأَحِبّاؤُهُ:} إنّما ادّعوا (¬4) البنوّة لما رأوا أنّ الله سبحانه وتعالى قال ليعقوب عليه السّلام: ولدك بكر ولدي (¬5)، فإن صحّ فتأويله عندنا إضافة ملك كما يقول صاحب الماشية: نتاجي ورسلي، وأمّا النّصارى لمتشابهات (¬6) قول المسيح عليه السّلام. ثمّ إنّ بعضهم قال: {وَلَدَ اللهُ} [الصّافّات:152]، وبعضهم قال: {اِتَّخَذَ اللهُ وَلَداً} [البقرة:116]، فكذّب الله الطّائفتين بكونهم بشرا مدبرين مقهورين. ودعواهم المحبّة مبنيّة على دعواهم الأولى، والتّعذيب بالذّنب لا ينافي المحبّة لجواز أن يكون إرادة للخير (¬7)، قال الله تعالى: {وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النّور:2]. {مِمَّنْ خَلَقَ (¬8)}: من جنس سائر النّاس. 19 - {يُبَيِّنُ لَكُمْ:} على وجه الحال (¬9)، تبيينا لكم ما لا يتبيّن بالعقل دون السّماع. {عَلى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ:} على حين فترة، يعني: مدّة ما بين عيسى ونبيّنا عليهما السّلام (¬10). ولد عيسى عليه السّلام بالشّام في ولاية هوادش الإسرائيليّ وهو وال من تحت يد قيصر، فخافته مريم فاحتملته إلى ناصرة فنشأ هناك، وكان الزّمان زمان الطوائف بعد الإسكندر. وقيل: إنّ جرجيس كان بعد عيسى، وكان تلميذ بعض الحواريّين. وقيل: ¬
الفترة ما بين جرجيس ونبيّنا عليهما السّلام، وهذا (¬1) ليس بسديد؛ لأنّ جرجيس لم يوصف بالرّسالة، واختلف في نبوّته. وقيل (¬2): الفترة ما بين الثلاثة المرسلين الذين قصّتهم في سورة يس ونبيّنا صلّى الله عليه وسلّم. وقيل (¬3): الفترة ما بين خالد بن سنان العبسيّ ونبيّنا صلّى الله عليه وسلّم. ولا يعلم كمية سني الفترة أحد (¬4) حقيقة إلاّ الله، آمنّا بالله وبجميع أنبيائه، أرسل نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم على فترة من الرّسل، ختم به النّبوّة فلا نبيّ بعده. {أَنْ تَقُولُوا ما جاءَنا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ:} فإنّ الله تعالى حسم بإرسال الرّسل احتجاجا باطلا لو لم يرسل لما كانت للنّاس حجّة صحيحة (¬5). والخطاب ههنا لأهل الكتاب، ولا خلاف في وجوب الإيمان عليهم. 20 - {وَإِذْ قالَ مُوسى:} العامل في (إذ) قوله: {قالُوا يا مُوسى} [المائدة:22]، والعامل في {إِذْ} (¬6) الثّانية ما في النّعمة من معنى الإنعام. {فِيكُمْ أَنْبِياءَ:} موسى وهارون ومن (¬7) بعدهما من الأسباط. (94 و) {وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً:} باستيلاء يوسف على مصر، ثمّ بردّهم (¬8) إلى ما ترك آل فرعون من جنّات وعيون (¬9). {وَآتاكُمْ ما لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ:} ابتلاء آل فرعون بأنواع من العذاب لأجلهم، وفرق البحر، وإنزال (¬10) التّوراة في الألواح إليهم، ومناجاة السّبعين منهم، والتّوبة عليهم حين اتّخذوا العجل (¬11). 21 - {يا قَوْمِ اُدْخُلُوا:} حين خرج بهم من مصر غازيا غير هارب، وهي الخرجة الثّالثة ¬
له (¬1) والثّانية لقومه. {كَتَبَ اللهُ لَكُمْ:} أوجب الله لكم ملكها ميراثا من أبيكم إبراهيم (¬2). 22 - وقالوا بعد ما رجعت العيون إليهم وهم اثنا عشر نقيبا من اثني عشر سبطا بعثهم موسى عليه السّلام ليأتوه بأخبار (¬3) الجبابرة وهم العمالقة، وقيل: كانوا من ولد روم بن عيصو بن إسحق، وأوصاهم ألاّ يقولوا إذا رجعوا إلاّ ما يزيدهم حرصا وإقداما، فذهبوا وأقاموا بين (¬4) الجبابرة أربعين يوما يتعرّفون مداخل الأمر ومخارجه، فلقيهم رجل من العمالقة فجعلهم في كساه وذهب بهم إلى ملكهم فألقاهم بين يديه، فتعجّب الملك منهم وحذّرهم وصرفهم إلى موسى عليه السّلام، وزوّدهم شيئا من ثمارهم، قيل: أحمل أربعة منهم عنقودا واحدا من العنب وأربعة منهم نصف رمان، فلمّا حصلوا في معسكر بني إسرائيل خالفوا موسى عليه السّلام وذكروا من عظم أجسام القوم وشوكتهم (¬5) ما هال بني إسرائيل إلاّ رجلان يوشع بن نون وكالوب بن يوقنا فإنّهما ذكرا كثرة النّعمة وشدّة خوف العدوّ وما فيهم من الفشل والجبن، فتمكّن الخوف في قلوب بني إسرائيل بقول العشرة، وخرجوا عن أمر موسى عليه السّلام وقالوا: {إِنَّ فِيها قَوْماً جَبّارِينَ (¬6)}: أقوياء عظام الأجسام، وقد يكون الجبّار بمعنى العاتي وبمعنى القاهر (¬7). قيل: إنّهم كفروا بذلك القول، وقيل: لم يكفروا؛ لأنّهم لم (¬8) يمتنعوا عن الدّخول أصلا ولكن جادلوه على سبيل المشاورة كما جادل المؤمنون نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم حين أراد الخروج إلى بدر يدلّ عليه قوله (¬9): {فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْها (¬10)} فَإِنّا داخِلُونَ. 23 - {قالَ رَجُلانِ:} يوشع بن نون وكالوب بن يوقنا (¬11). {يَخافُونَ:} أي: يخافون الله في مخالفة أمره، مثل موسى وهارون عليهما السّلام (¬12). ¬
وقيل (¬1): من الذين يخافون العمالقة لم يتشكّكوا في وعد الله. وقيل (¬2): الرّجلان رجلان من العمالقة آمنا بموسى في السّرّ، وكانا يخبرانه بأخبار قومهما ويحرّضان بني إسرائيل عليهم، وهذا من العمالقة كانوا يخافون بني إسرائيل. 24 - {لَنْ نَدْخُلَها أَبَداً:} نفي في المستقبل (¬3)، نظير (قطّ) في الماضي. {فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ [فَقاتِلا] (¬4)}: يدلّ على جهلهم وكفرهم (¬5). {قاعِدُونَ:} خبر {إِنّا؛} لأنّه رفع (¬6). 25 - {إِلاّ نَفْسِي وَأَخِي:} وإنّما استثنى أخاه دون الرّجلين المنعم عليهما؛ لأنّ أخاه كان رسولا معصوما (¬7). {فَافْرُقْ} (¬8): في الأحكام العقباويّة. وقيل (¬9): أن يخرجه من بينهم، فأجاب الله دعوته (94 ظ) وأخرجه من بينهم، ومكّنه من عوج بن عنق. وقيل (¬10): لا تحبسنا في التّيه معهم، ولذلك روي أنّه وأخاه كانا يقدران على الخروج ولكنّهما كانا يلزمان قومهما؛ لأنّهما كانا مبعوثين إليهم (¬11). 26 - {قالَ:} الله تعالى: {فَإِنَّها،} يعني (¬12) الأرض المقدّسة {مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ:} تحريم كينونة لا تحريم شرع (¬13). {أَرْبَعِينَ سَنَةً:} نصب على الظّرف للتّحريم (¬14). {يَتِيهُونَ:} يحارون ويضلّون (¬15)، قال: أرض تيه، وبلاد تيه. ¬
{فَلا تَأْسَ:} فلا تحزن (¬1). وإنّما سمّاهم (فاسقين) تصديقا لموسى عليه السّلام، وليكون أبلغ في تسليته (¬2). 27 - {اِبْنَيْ آدَمَ:} قابيل وهابيل (¬3). قال وهب: إنّ آدم كان يولد له في كلّ بطن ذكر (¬4) وأنثى، وكان الرّجل منهم يتزوّج أيّة أخته شاء إلاّ توأمته، فأبى قابيل أن تتزوّج (¬5) توأمته أخاه هابيل وقال: أنا أحقّ بها، فغضب آدم وقال: اذهبا وتحاكما إلى الله بالقربان فأيّكما قبل قربانه فهو أحقّ بها، فقرّبا القربان (¬6) بمنى فنزلت نار فرفعت قربان هابيل ولم ترفع قربان قابيل، فازداد قابيل غيظا وحسدا فاغتال هابيل فرضخ رأسه بحجر وهو نائم، واحتمل توأمته وذهب بها إلى واد من أودية اليمن في شرقيّ عدن، فكمن فيه. ووجد آدم هابيل قتيلا وقد نشفت (¬7) الأرض دمه فلعن الأرض، فمن أجل لعنته عليه السّلام تنشف الأرض وأنبت الشّوك (¬8). وقيل: لمّا أراد آدم عليه السّلام أن يخرج إلى حجّ بيت الله تعالى استحفظ السّماء أهله فأبت، واستحفظ الأرض فأبت، واستحفظ الجبال فأبين، وقبلهم قابيل على أمانة الله تعالى، ثمّ خان (¬9) الأمانة فاغتال هابيل. ورأى آدم عليه السّلام الشّجر قد اشتاكت والماء قد ملح والأرض قد تغيّرت عن بهجتها فأنكرها وأحسّ بشرّ، فلمّا رجع إلى أهله لم يجد هابيل فعلم أنّه مقتول (¬10). قال عمر لكعب: لأيّ (¬11) ابني آدم نسل؟ قال: ليس لأحدهما نسل، أمّا المقتول قد رد وأمّا القاتل فهلك نسله في الطّوفان، فالنّاس من بني نوح، ونوح من بني شيث، وفي التّوراة أنّ شيث بدل من هابيل وخلف منه. قيل: اسم توأمة قابيل إقليما، واسم توأمة هابيل لبودا (¬12). ¬
وكان قابيل صاحب حرث، وقربانه شرّ (¬1) شيء من شرّ زرعه، وهابيل كان راعي غنم، وقربانه كان حملا سمينا ولبنا وزبدا (¬2). وقيل: الكبش العظيم الذي فداه ابن إبراهيم عليهما السّلام به هو ذلك الحمل (¬3) الذي كان تقرّب (¬4) به هابيل. وعن الحسن والضّحّاك أنّ ابني آدم رجلان من بني إسرائيل نسبهما إلى أبيهما الأعلى كما نسبنا إليه وقال: {يا بَنِي آدَمَ} [الأعراف:26] (¬5). {قالَ} قابيل: {لَأَقْتُلَنَّكَ:} وهو يدلّ على قسم مضمر، {قالَ} (¬6) هابيل: {إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللهُ} من الذين يتّقون مخالفة الله تعالى في التّزويج (¬7). 28 - {لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ:} قال هابيل (¬8). وإنّما لم يبسط إليه يده؛ لأنّه توعّده بالقتل ولم يقاتله جهرا، فأخبره بذلك ليستحيله بذلك (¬9) ويدعوه إلى السّلم وينبّهه على عظم وبال القتل، وقيل: إنّهم كانوا (95 و) متعبّدين بترك الدّفع (¬10). 29 - {بِإِثْمِي:} أي: بإثم قتلي (¬11). {وَإِثْمِكَ:} أي: وإثم ما ارتكبته وعصيان (¬12) في التّزويج. والإثم ههنا وبال الفجور، فلا إثم عليه: فلا وبال عليه (¬13). 30 - {فَطَوَّعَتْ لَهُ:} أي: جعلت القتل (¬14) فعلا متأتّيا سهلا طوعا (¬15). ¬
{فَأَصْبَحَ:} صار وكان {مِنَ الْخاسِرِينَ:} المغبونين (¬1) بذهاب الدنيا والآخرة. روي أنّ آدم عليه السّلام دعا عليه وقال (¬2): كن خائفا لا يلقاك أحد إلاّ خفته، فصار يفرّ ويتوحّش وكلّ من رآه رماه بحجر حتى قتله بعض ولد ولده (¬3). وعن عليّ بن الحسن بن عليّ قال: أوّل دم وقع على الأرض دم حوّاء من حيضها. وقتل يومئذ سدس النّاس (¬4)، يعني هابيل؛ لأنّه كان أحد السّتّة من أبويه وأخيه وأختيه، وكأنّه لم يكن لآدم عليه السّلام يومئذ ولد غيرهم. قال: ووكّل بقابيل ملكان يطلعان به مع الشّمس ويغربان به مع الشّمس وينضحانه (¬5) بالماء الحارّ إلى يوم القيامة. 31 - {فَبَعَثَ اللهُ غُراباً:} قال: إنّ الله تعالى بعث غرابين وقيّض أحدهما ليقتل الآخر، فقتله ثمّ واراه في التّراب (¬6). و (البحث): رفع ظاهر الأرض لكشف باطنها (¬7). {لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ:} ليدلّه وينبّهه على قبر أخيه فإنّه لم يقبر أحد قبل هابيل (¬8)، عن ابن عبّاس أنّه بقي معه سنة (¬9)، وعن مجاهد أنّه بقي معه مئة سنة (¬10)، وقيل: مئة يوم لا يدري ما يصنع به وكيف يخفيه. وإن أجرينا على قول الحسن والضّحّاك فمعناه: ليذكر قتل (¬11) أخيه، فإنّه تحيّر ودهش ونسي القبر، والأوّل أصحّ. و (السّوأة): العورة، سمّيت سوأة (¬12)؛ لأنّها تسوء الرّائي وتوحشه، وأراد ههنا الجسد كلّه (¬13). {يا وَيْلَتى:} نداء للويلة (¬14). والويل والويلة بمعنى (¬15). والألف في {(وَيْلَتى)} إمّا للنّدبة، ¬
أصله: [يا] (¬1) ويلتاه، وإمّا بدلا من الإضافة، وأصله: يا ويلتي، بترقيق الياء (¬2). والمقصود بنداء ما لا يجيب (¬3) تنبيه النّفس أو السّامعين على فوت (¬4) ذلك الشيء وأوانه. {أَعَجَزْتُ:} استفهام بمعنى التّعجّب (¬5). والعجز عن القدرة كالموت من الحياة، قيل: هو عدمها، وقيل: هو معنى يضادّها. {فَأَصْبَحَ} (¬6): صار {مِنَ النّادِمِينَ} على قتله (¬7). وإنّما لم تنفعه النّدامة لقوله صلّى الله عليه وسلّم: (ثلاث لا تقبل (¬8) توبتهم: إبليس رأس الكفرة وقابيل رأس القتلة ومن قتل نبيّا أو قتله نبيّ) (¬9)، أو النّدامة وحدها (¬10) لم تكن توبة لهم كالذين اتّخذوا العجل، أي: عبدوا (¬11) العجل من بني إسرائيل. وقيل: ندم عند معاينة البأس وحلول العذاب. 32 - {مِنْ أَجْلِ ذلِكَ:} من جرّاه وجرايته وجريرته وخيانته (¬12). (ذلك): «إشارة إلى القتل» (¬13). {بِغَيْرِ نَفْسٍ:} أي: بغير قصاص عن نفس (¬14). {أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ:} ينتج الذّمّ، كزنا المحصن والارتداد ومحاربة الله ورسوله في التّلصّص أو الكفر (¬15). {فَكَأَنَّما قَتَلَ النّاسَ جَمِيعاً:} لأنّه قد سبّب قتلهم وسنّ سنّة (¬16) القتل. وقيل: جميع المقتولين دون غيرهم. ¬
{وَمَنْ أَحْياها:} سبّب حياتها بفداء أو دواء أو نصرة أو عفو (¬1). وإنّما قال: {أَحْيَا النّاسَ} لئلاّ يكون الثّواب أقلّ من العقاب (¬2). {وَلَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُنا بِالْبَيِّناتِ:} (95 ظ) «يعني بني إسرائيل» (¬3). 33 - {إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللهَ (¬4)}: اتّصالها بما قبلها من حيث القتل (¬5). قال ابن عبّاس: نزلت في شأن المشركين، وحكمها يتناول؟؟؟ إلاّ في خصلة واحدة وهي التّوبة قبل القدرة فإنّها مختصّة بالكفّار عند ابن عبّاس (¬6). {(الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللهَ)}: يعني (¬7): يحاربون أولياء الله. والعقوبات مرتّب (¬8) على الجرائم: إن أخافوا (¬9) الطّريق نفوا من الأرض، وإن أخذوا المال ولم يقتلوا قطّعت أيديهم وأرجلهم من خلاف، وإن قتلوا ولم يأخذوا المال قتلوا، وإن أخذوا المال (¬10) وقتلوا قتلهم الإمام وصلبهم، وله أن يقطّعهم ثمّ يقتلهم ثمّ يصلبهم ليكون القطع ثأر الأخذ، والقتل ثأر القتل، والصّلب للجمع بين المحظورين (¬11). والنّفي عندنا بالحبس حيث يستصوبه الإمام (¬12). والصّلب بعد القتل، وروى الحسن بن زياد عن (¬13) أبي حنيفة أنّه يصلب حيّا ثمّ يطعن في نحره (¬14). وإن أخذوا مالا ولم يخص كل واحد عشرة دراهم لم يقطّعوا وضمنوا المال (¬15). ومن تغلب (¬16) في الأمصار فقتل ونهب لم يكن حكمه حكم قطّاع الطّريق (¬17). ¬
قوله: {وَلَهُمْ [فِي الْآخِرَةِ] (¬1)} عَذابٌ عَظِيمٌ: يدلّ على أنّ عقوبتهم من غير توبة لم تقع طهرة لهم، ولذلك لا يصلّى عليهم (¬2). 34 - {إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا:} الاستثناء رفع حكم قطّاع الطّريق دون غيره من الضّمان والقصاص والأرش (¬3). وقيل: عنى (¬4) توبة الحارث بن زيد (¬5)، وقال أبو موسى الأشعريّ وأبو هريرة: توبة فلان الأسديّ (¬6). 35 - {إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ:} «القربة» (¬7). 36 - {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا:} مبتدأ، وخبره جملة من شرط وجواب، فالشّرط {لَوْ،} والجواب (¬8) (ما)، واللام مقدّرة (¬9). 37 - روي عن أبي حنيفة عن يزيد (¬10) بن صهيب عن جابر بن عبد الله قال: سألته عن الشّفاعة قال: يعذّب الله أقواما من أهل الإيمان ثمّ يخرجهم بشفاعة محمّد صلّى الله عليه وسلّم، قلت: فأين (¬11) قوله: {وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنْها} قال: هي في الذين كفروا، اقرأ (¬12) ما قبلها. {يُرِيدُونَ:} «يتمنّون {أَنْ يَخْرُجُوا»} (¬13). {عَذابٌ مُقِيمٌ:} دائم مستمرّ (¬14). 38 - {وَالسّارِقُ وَالسّارِقَةُ:} روى الكلبيّ عن أبي صالح عن ابن عبّاس أنّ الآية ¬
نزلت في طعمة بن أبيرق سارق الدّرع، فيحتمل (¬1) أنّ امرأة كانت معه. {أَيْدِيَهُما:} واحدة من كلّ واحد منهما؛ لأنّ العضو الواحد إذا أضيف إلى اثنين جمع، كقوله (¬2): {فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما} [التّحريم:4]، يدلّ عليه قراءة ابن مسعود (¬3): (فاقطعوا أيمانهما)، ولكلّ إنسان يمين واحد (¬4). 39 - {فَمَنْ تابَ:} من السّارق والسّارقة (¬5). وألفاظ (¬6) العموم: (من) في من يعقل، و (ما) في ما لا يعقل، و (أيّ)، و (كلّ)، و (أحد) (¬7)، و (من أحد)، و (الذي) إذا كان بمعنى الشّرط، ولام التّعريف إذا لم تفد المعهود، والتّنكير في النّفي. 40 - {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ:} اتّصالها بما قبلها من حيث ذكر التّصرّف في المماليك بالقتل والقطع والصّلب على سبيل المجازاة (¬8). 41 - {يا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ:} نزلت في المرجفين من اليهود والمنافقين، منهم أبو لبابة مروان (¬9) بن عبد المنذر الأنصاريّ قال لبني قريظة بلسانه: انزلوا، وأشار إلى حلقه (¬10) بيده ينذرهم بالذّبح حين استنزلهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم (96 و) على حكم معاذ (¬11). وقال: تاب أبو لبابة هذا بعد ذلك، وقال: «ما زالت (¬12) قدماي حتى علمت أنّي خنت الله ورسوله» (¬13). (لا يحزنك): لا يغمّك (¬14)، نهي إلى غير المنهيّ كقوله: {فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ} [التّوبة:55]، والمقصود من النّهي التّسلية. و {مِنَ} الأولى لتبيين الجنس، {وَمِنَ الَّذِينَ هادُوا:} قيل: لتبيين الجنس، وقيل: إنّها ¬
مستأنفة (¬1). {سَمّاعُونَ} (¬2): مبتدأ أو خبر (¬3)، وقيل (¬4): صفة للذين يسارعون. {يَأْتُوكَ:} صفة للآخرين (¬5). {يُحَرِّفُونَ:} في معنى الحال للذين يسارعون أو السّمّاعين أو (¬6) الآخرين. وتحريفهم ما سبق (¬7). {وَمَنْ يُرِدِ اللهُ فِتْنَتَهُ:} من يشأ ابتلاه بتقدير أنّه معصية أو عقوبة (¬8). {أُولئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللهُ:} يدلّ على ثبوت الخذلان وإرادة الكفر مع التّكليف بالتّقصي (¬9) عنه، وذلك من الله عدل وحكمة واقتدار لسبقه الذّم والعيب وانتهائهما دونه (¬10). {لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ:} الجزية أو القتل أو الإجلاء (¬11). 42 - (السّحت): المال الحاصل بالكسب الخبيث، وأصله من الهلاك، قال الله تعالى: {فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذابٍ} [طه:61]، وإنّما أخذ منه؛ لأنّه لا يبارك فيه (¬12). والتّخيير بين الحكم والإعراض منسوخ بقوله: {وَأَنِ اُحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ} [المائدة: 49] (¬13). وقيل (¬14): ليس بمنسوخ. فإذا رفعنا إلينا فلا يسعنا أن لا نحكم بينهم بحكم الإسلام إلاّ في النّكاح بغير شهود ونكاح المعتدّة (¬15). ¬
43 - {وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ:} وكيف: أداة التّعجّب. وهو استبقاء درجة وجوده تحكيمهم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وتسليمهم له وهم له (¬1) منكرون مع مخالفتهم التّوراة وهم (¬2) به مقرّون. 44 - {يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا:} إنّما وصفهم بالإسلام ليميز بينهم وبين الذين هادوا، فإنّ الأنبياء عليهم السّلام بقوا على محض الفطرة المجرّدة (¬3) وهي الإسلام ولم يلقبوا بنبز. {لِلَّذِينَ هادُوا:} يدلّ [على] (¬4) أنّ شريعة التّوراة كانت مختصّة باليهود دون غيرهم في زمانهم إلى أن خوطبنا باتّباع شرائعهم في ما لم ينسخ (¬5). {وَالْأَحْبارُ:} العلماء، واحدهم حبر (¬6). {بِمَا اُسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللهِ:} بدل من قوله: (بها) (¬7). و (الاستحفاظ): المطالبة بالحفظ، وقد منّ الله علينا بأن ضمن حفظ كتابنا ولم يكله إلينا حيث قال: {إِنّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنّا لَهُ لَحافِظُونَ} (9) [الحجر:9] (¬8). (من كتاب): لتبيين (¬9) الجنس. و {عَلَيْهِ:} الهاء عائدة إلى (ما {اُسْتُحْفِظُوا)}، أو إلى {(كِتابِ اللهِ)} (¬10). 45 - {أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ:} فداء أو جزاء أو قصاص، وكذلك ما بعده. {(النَّفْسَ بِالنَّفْسِ)} عامّ بالذّكر والأنثى والحرّ والعبد والمسلم والذّمّيّ (¬11). {وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ:} خاصّ في الأحرار. و {(الْعَيْنَ)}: العضو الذي فيه الحدقة المختصّ بالنّظر إلى الألوان (¬12). ¬
{وَالْأَنْفَ:} العضو الحاجز بين العينين المختصّ بشمّ الرّوائح. {وَالسِّنَّ:} واحد الأسنان، وهي العظام المهيّأة للمضغ (¬1). {وَالْجُرُوحَ:} التي يجري فيها (¬2) القصاص هي ما يمكن المماثلة فيه كالموضحة والسّمحاق (¬3). {فَهُوَ كَفّارَةٌ:} للمتصدّق بالعفو، قال ابن مسعود (¬4): يهدم الله عزّ وجلّ من ذنوبه (¬5) مثل ما تصدّق به، وعن ابن عمر نحوه (¬6). وقال ابن عبّاس: الكفّارة للجاني، أي (¬7): كما سقط عنه الحكم الدنياويّ بالعفو فكذلك العقباويّ (¬8). {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ:} المعتدون في شأن القصاص (¬9). 46 - {مُصَدِّقاً:} حال للمقفّى به (¬10) وهو عيسى، والثّاني للمؤتى وهو الإنجيل (¬11). والتّكرار للإطناب في المدح والوصف. 47 - {الْفاسِقُونَ:} فسق المجانة دون فسق الدّيانة أن لا تقبل شهادة النّصرانيّ الماجن على النّصرانيّ (¬12) المستور. والمراد بالظّلم والفسق هو الكفر (¬13). (96 ظ) 48 - {وَمُهَيْمِناً:} شاهدا أو قاضيا (¬14). {مِنْكُمْ:} يعني النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ومن معه، ويحتمل (¬15) الأنبياء، ويحتمل المتمسّكون (¬16) بالكتب ¬
المنزلة (¬1). {شِرْعَةً:} طريقة واضحة (¬2)، وكذلك (منهاجا) (¬3)، وجمع بينهما للتأكيد (¬4). {وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً:} لتعبدكم شريعة كما دعاكم إليه دين واحد (¬5). {وَلكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ:} ولكن لم يجمعكم للابتلاء في مخالفة الهوى، فالابتلاء يتفاوت بتفاوت الطّباع والعادات والمصالح (¬6). ثمّ قال: إنّ الله ابتلى النّاس بشريعتنا ونسخ بها سائر الشّرائع فقال: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً} [آل عمران:85]، وقال: {وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ} [الأنعام:153]، وقال: {اُدْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً} [البقرة:208]، وما في معناها من السّنّة والإجماع. 49 - {وَأَنِ اُحْكُمْ:} يعني: وممّا نأمرك من استباق الخيرات أن احكم بينهم (¬7). {أَنْ يَفْتِنُوكَ (¬8)}: أي: يستزلّوك (¬9)، قال: {وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ} [الإسراء:76]. وفيه دليل أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم مع كونه مأمون العاقبة كان متعبّدا بالحزن عن الموهومات. {بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ} (¬10): أي: بكلّها، وقيل: البعض صلة، وقيل: يصيبهم ببعضها (¬11) في الدنيا وببعضها في العقبى، وقيل: إنّما ذكر البعض ليبيّن أنّ الكلّ لا غاية له على حسب عزائمهم ونيّاتهم (¬12). 50 - {أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ [يَبْغُونَ] (¬13)}: نزلت في بني النّضير (¬14)، كانوا يتشرفون على بني قريظة، وكانوا (¬15) يأخذون منهم على الرّجل الواحد ديتين ويدفعون إليهم عن الرّجل الواحد ¬
دية امرأة، فشكت بنو قريظة إلى رسول الله، فقال (¬1) صلّى الله عليه وسلّم: أنتم وإخوانكم شرع سواء، فلم يرض بنو النّضير بحكمه وقالوا: لا نبطل رسما رسمه أوّلونا، فأنزل الله الآية (¬2). {(أَفَحُكْمَ)}: استفهام كما في قوله: {أَفَغَيْرَ دِينِ اللهِ يَبْغُونَ} [آل عمران:83] (¬3). {وَمَنْ أَحْسَنُ:} استفهام بمعنى النّفي (¬4). والحكم يتّصف بالحسن والقبح، كالقول والرّأي. {لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ:} يرونه حسنا ويتبيّن لهم حسنه دون المتشكّكين (¬5). 51 - {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا:} يحتمل أنّها نزلت في المنافقين، ويحتمل في المؤمنين (¬6) الذين والوا الكفّار قبل النّهي، ويحتمل المؤمنين الذين كادوا أن يتّخذوا ولم يتّخذوا، روي (¬7) أنّ عبادة ابن الصّامت وابن أبيّ كانا يواليان اليهود قبل النّهي (¬8)، فتبرّأ منهم عبادة، ولم يتبرّأ ابن أبيّ فنزلت فيه وفي أمثاله (¬9). 52 - {فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ:} قال عطيّة (¬10): نزلت في عبد الله بن أبيّ بن (¬11) سلول، كان يتشفع لأسارى بني قينقاع فقال (¬12) صلّى الله عليه وسلّم: لا بارك الله لك فيه، فلم يبق منهم نافخ ضرمة لدعوته صلّى الله عليه وسلّم. وعن مجاهد والسدّي نزلت في جماعة من المنافقين يوالون نصارى نجران ويهود المدينة لما يرتفقون بمعاملاتهم ويرجون بنصرهم (¬13). والفاء في (فترى) (¬14) جواب شرط مقدّر، يعني: إن نهيتهم عن الموالاة فترى. ويحتمل لتعقيب وصفهم النهي. {يُسارِعُونَ فِيهِمْ:} في موالاتهم (¬15). ¬
و {دائِرَةٌ:} نكبة، ضد الدّولة (¬1). {أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ:} فتح قريات اليهود والاستيلاء على نجران، وعن السدّي أنّه فتح مكّة، ويحتمل أنّه الحكم الموعود بإهلاكهم إن لم يؤمنوا (¬2). {أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ:} وهو إظهار نفاقهم (¬3)، وقيل (¬4): موتهم، وعن [السدّي] (¬5) أنّه وضع الجزية على اليهود والنّصارى. {فَيُصْبِحُوا:} عطف على قوله: {أَنْ يَأْتِيَ} (¬6). 53 - {وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا:} بعضهم لبعض على سبيل التّعجّب من أكاذيب المنافقين وأيمانهم الفاجرة (¬7). و {أَقْسَمُوا:} حلفوا، قوله (¬8): أقسم، يمين سواء أضمر المحلوف به أو أظهره. {جَهْدَ:} توكيد، والجهد: المبالغة والمشقّة، نصب بنزع (في) (¬9). وقيل (¬10): على المصدر لما في القسم من معنى الجهد، كقوله: {تُحِطْ (¬11)} بِهِ خُبْراً [الكهف:68]، {وَالْعادِياتِ ضَبْحاً} [العاديات:1]. 54 - {يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ:} أوّل ارتداد عامّ في أيّام أبي بكر، ارتدّ العرب (¬12). {[فَسَوْفَ] (¬13)} يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ: وهم ألفان من النّخع وخمسة آلاف من كندة وبجيلة وثلاثة آلاف من أثناء (¬14) النّاس فجاهدوا في سبيل الله حتى قهروهم فسبوا منهم. ¬
{أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ:} هيّنين ليّنين على إخوانهم (¬1). {أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ:} متجبّرين عليهم (¬2). اللّوم واللّومة: الذّمّ والتّعيير (¬3). (97 و) 55 - والواو في قوله: {وَهُمْ راكِعُونَ} واو الجمع، أي: يتصدّقون في الرّكوع، كما روي أنّ عليّا تصدّق بخاتمه (¬4) وهو راكع، وهذا يدلّ على ولاية عليّ (¬5). وقيل (¬6): للعطف، والمراد به التّنفّل بالنّوافل (¬7). 56 - {وَمَنْ يَتَوَلَّ اللهَ:} جواب الشّرط: فقد غلب، أو كان غالبا (¬8). {حِزْبَ:} القبيل (¬9) والجماعة والجند. 57 - وفائدة تكرار النّهي بالاتّخاذ اتّصال النّهي الأوّل (¬10) بأنّهم سيهزمون وأنّ موالاتهم لا تورث إلاّ حسرة، واتّصال هذا النّهي بالإخبار عن (¬11) اتّخاذهم الدّين هزوا ولعبا، وفيه نوع تحريض على المعاداة إذ العاقل يعادي من يستهزئ به (¬12). و (اللّعب): العبث (¬13). وفي الحديث: (كلّ لعب حرام إلاّ ثلاثة) (¬14). {وَالْكُفّارَ:} جميع أصناف الكفرة (¬15). 58 - {نادَيْتُمْ:} «النّداء: الدّعاء» (¬16). ¬
روي (¬1) أنّ يهوديّا تاجرا كان (¬2) كلّما سمع المنادي (¬3) يتشهّد بالرّسالة قال: أحرق الله الكاذب، فجاء خادمه ليلة بنار فتطاير منها شرر فأحرق البيت والرّجل (¬4). {لا يَعْقِلُونَ:} نفي، لسفاهتهم (¬5) وحمقهم، أو لمكابرتهم العقل وتركهم استعماله (¬6). 59 - {قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنّا:} نزلت في اليهود حيث (¬7) عابوا المؤمنين للإيمان بعيسى عليه السّلام (¬8). وقيل (¬9): نزلت في النّصارى حيث عابوا المؤمنين للإيمان بسليمان عليه السّلام وبنقض شرائع التّوراة وبقولهم: إنّ عيسى عبد، وافتخروا بجحود ذلك. يقول: ولستم تعيبون (¬10) وتنكرون علينا إلاّ إيماننا بالكلّ، وذلك منقبة وليس بمنقصة، وأنتم تتفضّلون (¬11) علينا بأن جحدتم بعض الأنبياء وذلكم (¬12) فسق ونقيصة. وأراد بالأكثر الكلّ، أو الرّفق في الخطاب، أو إخراج بني سلام وأصحابه من الوصف (¬13). 60 - {هَلْ أُنَبِّئُكُمْ:} استفهام على سبيل التّهديد والتّوبيخ. {وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنازِيرَ:} قيل (¬14): شبّان أيلة [مسخوا] (¬15) قردة ومشايخها مسخوا خنازير. وقيل (¬16): هم الذين كفروا من أصحاب مائدة عيسى عليه السّلام. وعن أبي أيّوب الأنصاريّ كانت امرأة مسلمة من بني إسرائيل نابذت ملكهم (¬17) حين نبذ الدّين، وحاربته فنال الملك من عسكرها ثلاث مرّات، فأمست محزونة، ولمّا أصبحت وجدت عسكر الملك قد ¬
مسخوا خنازير (¬1). ويمكن الجمع بين الأقوال؛ لأنّهم مسخوا غير مرّة. والتّفضيل وقع على زعمهم، كقولك إذا خطّأك رجل: بل أنت أضلّ وأخطأ (¬2). 61 - {وَإِذا جاؤُكُمْ قالُوا آمَنّا:} نزلت في المنافقين من اليهود (¬3). ودخولهم بالكفر وخروجهم به عبارة عن دوام حالهم به، أي: لا ينفكّون عن الكفر داخلين ولا خارجين (¬4). 63 - {لَوْلا يَنْهاهُمُ:} هلا ينهاهم، على وجه الحثّ (¬5) والتّحريض. 64 - {وَقالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ:} نزلت في فنحاص بن عازور (¬6) اليهوديّ، كانوا مخاصيب الرجال فلمّا كفروا بنبيّنا صلّى الله عليه وسلّم ابتلاهم الله تعالى بالقحط، وقدر عليهم الرّزق، وأذهب بركة أموالهم، فضاقت صدورهم فقالوا ذلك جرأة (¬7). وإنّما قالوا على سبيل المجاز والتّشبيه كقوله: {وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً} [الإسراء:29]. {غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ:} يحتمل الدّعاء، ويحتمل الإخبار، ولذلك قالوا (¬8) أبخل النّاس. (بسط اليد): نفاذ التّصرّف، آمنّا بما أخبر الله من غير تأويل (¬9). {وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً:} كقوله: {يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً} [البقرة:26]، وقوله: {وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَتْهُمْ رِجْساً} [التّوبة:125] (¬10). {وَأَلْقَيْنا بَيْنَهُمُ:} بين (¬11) فرق اليهود. {كُلَّما أَوْقَدُوا ناراً لِلْحَرْبِ:} أي: هيّجوا فتنة وشرّا، من ذلك إرجافهم بخروج الدّجّال. ¬
كل أوان سيطفئ الله شرّه (¬1). 65 - {آمَنُوا وَاِتَّقَوْا:} ندبهم إلى الإيمان والاتّقاء (¬2) بعد اللّوم ليوفّق بعضا ويؤكّد الحجّة على الباقين. 66 - {لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ:} أعطتهم السّماء مطرها، {وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ:} والأرض نباتها بإذن الله، كقوله: {بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ} [الأعراف:96]، وقوله: {لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً} [الجنّ:16] (¬3). {أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ:} معتدلة متوسّطة في السّيرة (¬4). قيل (¬5): هم أصحاب النّجاشيّ، (97 ظ) وقال مجاهد وقتادة (¬6): هم مؤمنو أهل الكتاب، قيل: قوم تمسّكوا بكتبهم من غير تبديل وتحريف قبل (¬7) نسخها، وقبل (¬8) خروج نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم. 67 - {يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ:} قال محمّد بن كعب القرظيّ: رأى أعرابيّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وحده مستظلاّ تحت شجرة، فأخذ السّيف وصاح برسول (¬9) الله: يا محمّد من يمنعك منّي؟ قال: الله، قال: فسقط سيفه (¬10). وروي صار يضرف رأسه الشّجرة حتى انتثر دماغه (¬11). وفي الحديث: كانت الصّحابة رضي الله عنهم يحرسون النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فلمّا نزلت هذه الآية طلع عليهم وقال لهم: ارجعوا فقد كفيتم (¬12). وهذا التّكليف لاستحقاق الثّواب. وفي الآية دليل أنّه لم يكتم شيئا من الوحي لقيه (¬13)، ولا يجوز للأنبياء ذلك، خلاف (¬14) ما قالت الرّوافض. قالت عائشة (¬15): لو كتم رسول الله شيئا لكتم قوله: {وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا} ¬
{اللهُ مُبْدِيهِ} [الأحزاب:37]، وقيل: لو كتم شيئا لكتم قوله: {لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ،} الآية [الأحزاب:52]، وقيل: لو كتم شيئا لكتم قوله في حمزة: {وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصّابِرِينَ} [النّحل:126]، وقيل: لو كتم شيئا لكتم قوله في (¬1) أبي طالب: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} [القصص:56]. {وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ:} لم تبلّغ كلّ ما أنزل إليك، {فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ:} شيئا من الرّسالة، أي: حبط عملك (¬2). {يَعْصِمُكَ:} قال: ليزيده جرأة وييسره (¬3) للتّبليغ. {الْكافِرِينَ:} في الحال، أو قوم ماتوا على الكفر، أو لا يهديهم طريق الوصول إلى استئصال أمر النّبوّة. 68 - {يا أَهْلَ الْكِتابِ لَسْتُمْ عَلى شَيْءٍ:} قال ابن عبّاس: قالت جماعة من اليهود (¬4) للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: يا محمّد هل تقرّ بأنّ (¬5) التّوراة حقّ؟ قال: نعم، قالوا: فنحن نؤمن بها ولا نؤمن بغيرها؛ لأنّه متّفق عليه، فردّ الله (¬6) عليهم بالمنع في ضمن قوله: {حَتّى تُقِيمُوا التَّوْراةَ} أي: لستم آخذين بها ولا مقيمين إيّاها، وبالتّنبيه على فساد أصل المقالة في ضمن قوله (¬7): {وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ،} أي: ما ثبت من القول الجابر (¬8) بالإعجاز والأمر والنّهي، فإنّ الموجب لقبول الكتاب هذا المعنى دون الإجماع، وإذا كان الموجب هذا لزم الحكم بوجوده وزال (¬9) لعدمه. 69 - {وَالصّابِئُونَ:} ارتفع عطفا على الضّمير في {هادُوا؛} لأنّ الفعل لا يخلو عن ضمير، تقديره: والذين هادوا وهم الصّابئون (¬10). وقيل: بالابتداء على تقدير التّأخير (¬11)، أو على تقدير إلغاء حكم (إنّ) (¬12). ¬
71 - {أَلاّ تَكُونَ فِتْنَةٌ:} استيلاء بختنصر والرّوم عليهم، {ثُمَّ تابَ اللهُ:} أعاد الأمن والرّخاء. وقيل (¬1): فتنة ابتلائهم بنسخ الشّرائع وقبول توبتهم إن تابوا. {كَثِيرٌ:} رفع بالابتداء وخبره، أو بإسناد الفعل، أو بالتّأكيد (¬2). 72 - {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ:} قيل: من كلام عيسى، [وقيل:] (¬3) استئناف كلام من الله عزّ وجلّ. والهاء ضمير الأمر والشّأن. 73 - {ثالِثُ ثَلاثَةٍ:} أحدهم، وثاني (¬4) الاثنين: أحدهما. {وَما مِنْ إِلهٍ إِلاّ إِلهٌ (¬5)} واحِدٌ: من مقالة هؤلاء على سبيل وصفهم بتناقض كلامهم (¬6)، وقيل (¬7): ابتداء كلام من الله تعالى. ودخول (من) للتّأكيد (¬8). و (الانتهاء): التّمسّك بالنّهي، والامتناع عن المنهيّ (¬9) عنه. {لَيَمَسَّنَّ} (¬10): والله ليمسنّ. 74 - {أَفَلا يَتُوبُونَ:} استفهام (¬11) على سبيل الحثّ (¬12) والتّحريض. 75 - {قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ:} عارض، ينبّه على فناء المسيح ومضيّه لسبيله. ولا بدّ للنّبيّ (¬13) من إمامة مطلقة، والمرأة لا تقدر عليها فلذلك لم يصف أمّه بالنّبوّة ووصفها بالصّدق. ¬
{يَأْكُلانِ الطَّعامَ:} تنبيه على احتياجهما، والاحتياج آية للحدوث والعبودة (¬1). {يُؤْفَكُونَ:} يصرفون (¬2)، (98 و) والإفك: ما صرف من الكلام إلى الباطل (¬3). 76 - {أَتَعْبُدُونَ:} استفهام بمعنى الإنكار. وفيه دليل أنّ العبد وإن اتّصف بالقدرة لم يملك لأحد ضرّا ولا نفعا إلاّ بمشيئة الله تعالى وتقديره (¬4). 77 - {يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا:} في شأن النّصارى (¬5)، وقيل (¬6): في اليهود والنّصارى جميعا. {غَيْرَ الْحَقِّ:} قيل (¬7): استثناء منقطع، وقيل (¬8): متّصل. {ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ:} سلفهم (¬9). {وَأَضَلُّوا كَثِيراً:} من إخوانهم (¬10). 78 - {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا [مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ] (¬11)} عَلى لِسانِ داوُدَ: هم الذين ناصبوه مع طالوت وماتوا على ذلك من غير توبة، وأصحاب أيلة وأمثالهم (¬12). والذين لعنوا على لسان عيسى هم اليهود والذين قامت عليهم الحجّة بعيسى عليه السّلام (¬13). 79 - (التّناهي): تفاعل من النّهي، أي: لم ينه بعضهم بعضا (¬14). 80 - {يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا:} المشركون (¬15). ¬
{أَنْ (¬1)} سَخِطَ اللهُ: بيان لما قدّمت لهم أنفسهم، أي (¬2): أن حلّوا محلّ المسخوط عليهم بكسبهم خصالا لا يرضاها الله تعالى. و (السخط): الغضب، وفيه معنى الكراهية (¬3). 81 - {وَلَوْ كانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالنَّبِيِّ:} نزلت في المنافقين من أهل الكتاب؛ لأنّه نفى إيمانهم به وبالنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم (¬4). {وَما:} في شأن الجميع. والنّبيّ (¬5): موسى (¬6)، أو عيسى عليهما السّلام (¬7). 82 - {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النّاسِ عَداوَةً:} في اليهود والمشركين على العموم (¬8). {وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً:} النّصارى على العموم (¬9). وقيل: جماعة مخصوصة من النّصارى وهم أصحاب النّجاشيّ، عن ابن عبّاس وابن (¬10) جبير ومجاهد والسدّي (¬11). وقال قتادة: هم قوم كانوا على دين عيسى عليه السّلام آمنوا بنبيّنا صلّى الله عليه وسلّم (¬12)، اثنان وثلاثون من الحبشة قدموا مع جعفر الطّيّار، وثمانية (¬13) من الشّام، وأربعون من نجران (¬14). (مودّة): محبّة (¬15). {ذلِكَ:} إشارة إلى وجودهم وقربهم (¬16). {قِسِّيسِينَ:} جمع قسّيس، وهو العالم (¬17) بلغة الرّوم. والقسّ في لغة العرب: تتّبع ¬
الخير، والقسّاس: النمام (¬1). {وَرُهْباناً:} جمع راهب (¬2). {وَأَنَّهُمْ:} أي: النّصارى (¬3)، وقيل: القسّيسين (¬4) والرّهبان. 83 - {وَإِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ:} صفة الذين قدموا على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأسلموا (¬5). ويجوز أن يجاب (إذا) بفعل المستقبل (¬6)، قال الله تعالى: {وَإِذا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ} [الصّافّات:14]. {تَفِيضُ:} تمتلئ مع السّيلان، يقال للخبر (¬7) الفاشي: فائض ومستفيض. و {الدَّمْعِ:} ماء العين (¬8)، من فرح كان أم حزن. يحتمل أنّهم بكوا فرحا لإدراك النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ويحتمل خوفا على إفراطهم. 84 - {وَما لَنا لا نُؤْمِنُ:} استفهام على سبيل التّعجّب توجّه إلى من أنكر عليهم إيمانهم (¬9). {(لا نُؤْمِنُ)}: في الحال (¬10). {وَنَطْمَعُ:} عطف على {(لا نُؤْمِنُ)} (¬11)، وقيل (¬12): استئناف كلام. 85 - (الإثابة): جزاء الخير (¬13). 87 - {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللهُ:} قيل: إنّ عليّ بن أبي طالب وعثمان بن مظعون والمقداد وسالما مولى أبي حذيفة وأبا ذرّ تذاكروا القيامة فيما بينهم، فتعاقدوا وتعاهدوا في بيت عثمان بن مظعون على لبس المسوح وإخصاء الأنفس وترك ¬
الشّهوات والسّياحة في الجبال، وقيل: إنّ (¬1) أبا بكر وعمر كانا معهم، وقيل: إنّ ابن مسعود وعمّارا وسلمان الفارسيّ معهم، فأنزل الله هذه الآية، فجاء رسول الله بيت عثمان فلم يجده، واستخبر امرأته فقالت: إن أخبر الله رسوله بشيء فهو الحقّ، فقال: إذا رجع زوجك فقولي: لا تحدث شيئا حتى تراني، فلمّا رجع أخبرته فجاء إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم (98 ظ) وأظهر عليه ضميره، فأنكر عليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقال: لكنّي أصوم وأفطر وأصلّي وأنكح النّساء فمن أخذ بسنّتي فهو منّي ومن لم يأخذ بسنّتي (¬2) فليس منّي (¬3). 88 - {وَكُلُوا:} إباحة، وههنا أمر باعتقاد الاستباحة بدليل النّهي عن اعتقاد التّحريم قبله (¬4). 89 - (الأيمان المعقودة): هي التي محافظتها موهومة، ويجوز أن يؤمر بها وينهى عنها (¬5)، والكفّارة مختصّة بها دون اللّغو والغموس (¬6). وحقيقة الأيمان ما يكون بأسماء الله تعالى وبصفاته التي يوصف بها (¬7) ولا يوصف بضدّها. {كَفّارَةُ:} الحنث، وقيل: العقد، وعلى هذا {أَيْمانِكُمْ:} كفّارة حنث أيمانكم (¬8). ولا يجوز التّكفير قبل الحنث خلافا للشّافعيّ رحمه الله (¬9). و (الإطعام) لكلّ مسكين نصف صاع من بر، أو صاع من تمر، أو صاع من شعير (¬10)، وإن غدّاهم وعشّاهم (¬11) جاز خلافا للشّافعيّ، وإن أطعم واحدا عشرة أيّام جاز خلافا للشّافعيّ، ويجوز دفع القيمة خلافا له (¬12). و (الكسوة): إزار أو رداء (¬13) أو قميص أو قباء، وعن محمّد إجازة السراويل أو المئزر (¬14). ¬
ويجوز فيه الكافرة (¬1) والمسلمة إذا لم تكن مستهلكة المنفعة أو السن أجمع (¬2). ولا يجوز صوم الكفّارة إلاّ متتابعا خلافا للشّافعيّ (¬3) لما روي في قراءة ابن مسعود وأبيّ (¬4): (فصيام ثلاثة أيّام متتابعات). 90 - {رِجْسٌ:} قبيح مستقذر، وفاعله يسمّى رجسا، والعقوبة عليه تسمّى (¬5) رجسا. {مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ:} من رسومه وموضوعاته (¬6). {فَاجْتَنِبُوهُ:} أي: الرّجس (¬7)، أو عمل الشّيطان (¬8)، أو الشّيطان بعينه. 91 - (إيقاعه العداوة) بين الشرب وسوسته بالعربدة، وبين المقامرين وسوسته بالمشاجرة (¬9). و (صدّهم): إلهاؤهم (¬10). {مُنْتَهُونَ:} أمر بالانتهاء (¬11)، كقوله: {هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ} [الصّافّات:54]. 92 - {أَنَّما:} (ما) الكافّة، ولولاها لانتصب {الْبَلاغُ} (¬12). وهذا تعريض بالتّهديد، أي: هو لا يؤاخذكم (¬13) بإعراضكم وأنتم المؤاخذون بذلك (¬14). 93 - {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا:} قال سعيد بن جبير: لمّا نزل قوله: {يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ} [البقرة:219] تأتّم بعض النّاس إلى أن نزل قوله: {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى} [النّساء:43]، فامتنع آخرون عن الشّرب بالنّهار وشربوا باللّيالي (¬15)، فلمّا نزلت هذه الآية قال (¬16) عمر: بعدا لك يا خمر وسحقا قرنت بالأنصاب ¬
والأزلام، وتركها جميع النّاس. ووقع في صدور النّاس شيء وأتوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وسألوه عن حمزة ومصعب بن عمير وعبد الله بن جحش وأمثالهم، أليسوا هم في الجنّة؟ قال (¬1): بلى، قالوا: إنّهم ماتوا يشربون الخمر فما بالنا (¬2) لا نشرب، فأنزل الله: {إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ،} الآية [المائدة:91]، وفي حمزة وأصحابه هذه الآية (¬3). وحدّ الشّرب ثمانون جلدة (¬4)، وعند الشّافعيّ أربعون جلدة (¬5)، قال علي: «إنّه إذا شرب سكر وإذا سكر (¬6) هذى وإذا هذى افترى وعلى المفتري ثمانون جلدة» (¬7). (الاتّقاء) الأوّل: اتّقاء عن الكفر (¬8)، والثّاني: بقاء على الاتّقاء الأوّل، أو اتّقاء عن (¬9) الارتداد بعد الإيمان، والإيمان بقاء على الإيمان السّابق والأحكام النّاسخة المستقبلة كقوله: {آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً} [الأنفال:2]، والثّالث: اتّقاء عن السّيّئات، والإحسان (¬10) الذي قال صلّى الله عليه وسلّم: (هو أن تعبد الله كأنّك تراه (¬11) فإن لم تكن تراه فهو (¬12) يراك). (99 و) 94 - {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللهُ:} نزلت عام الحديبية، وهم كانوا محرمين، فحشر الله الصّيد إليهم، وابتلاهم بكثرتها وتيسير تناولها مع الحظر عنها (¬13)، وتقديره: والله ليبلونّكم (¬14). {مِنَ الصَّيْدِ:} (من) (¬15): لتبيين الجنس. ¬
{تَنالُهُ أَيْدِيكُمْ:} البيض والفراخ التي لا تمتنع (¬1). وما تناله الرّماح: المتوحّش الممتنع كالظّباء والعانة والنّعامة وغيرها (¬2). و (الرّماح): جمع رمح (¬3). {لِيَعْلَمَ اللهُ:} أي: ليعلمه وقد خاف بعد ما علمه سيخاف (¬4). {عَذابٌ أَلِيمٌ:} هو التّعزير والتّأديب (¬5)، وقيل (¬6): وعيد عقباويّ. 95 - وكفّارة الصّيد تجب على القاتل عمدا بنصّ الكتاب، وعلى القاتل خطأ بالسّنّة والاستدلال (¬7)؛ لأنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أوجب في الضبع كبشا مسنّا (¬8) ولم يفصل، وعن عمر: «تمرة خير من جرادة» (¬9). {مِنَ النَّعَمِ:} تبيينا لجنس الجزاء، أو لجنس ما قتل (¬10). (النّعم): نعم المواشي الأهليّة والصّيد (¬11). {فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ:} أي: القيمة؛ لأنّها عامّة (¬12) متأتّية في الصّيد كلّه. {يَحْكُمُ بِهِ:} بالمثل وهو القيمة، ثمّ ينظر المحكوم عليه إن لم يجد بها ما يصحّ في المتعة والقران أطعم أو صام، وإن وجد اختار من الكفّارات الثلاث ما شاء (¬13). {لِيَذُوقَ وَبالَ أَمْرِهِ:} يدلّ أنّ الكفّارة تجري مجرى العقوبات (¬14). (وبال): الخصلة السّيّئة (¬15). (أمره): فعله أو شأنه. ¬
{عَفَا اللهُ:} عن المكفّر (¬1). {وَمَنْ عادَ:} وعيد لا يرفع الكفّارة؛ لأنّ القاتل بدأ قبل القود فقد هتك الحرمة ثمّ الكفّارة لازمة (¬2). وعن سعيد بن جبير وعطاء: إن عاد (¬3) أعيد عليه. 96 - {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ:} خطاب للمحرمين (¬4). {وَطَعامُهُ:} ليس بصيد (¬5) في الظّاهر. وطعامه: ما قذفه البحر من السّمك فمات عطشا أو بسبب دون الطّافي (¬6). وعن ابن عبّاس في رواية وابن جبير ومجاهد وقتادة أنّ الطّريّ من السّمك دخل في اسم الصّيد، والمملّح منه دخل في اسم الطّعام (¬7). {وَلِلسَّيّارَةِ:} وإنّما خصّ لأنّ المخاطبين محرمين كانوا سيّارة فذكر في مثل حالهم من النّاس، ولأنّهم هم المحتاجون إليه في الغالب. ويحتمل أنّه من باب اقتصار أحد طرفي الكلام، كقوله: {سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ} [النّحل:81]، وقوله: {فَكاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ [خَيْراً]} (¬8) [النّور:33]، و {لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً} [النّساء:19]. وقيل: الآية خطاب للمقيمين فذكر السّيّارة ليعمّ الحكم عامّة النّاس. {صَيْدُ الْبَرِّ (¬9)}: كلّ ما كان جنسه متوحّشا مأكول اللّحم أو غيره، قال صلّى الله عليه وسلّم: (خمس يقتلن (¬10) في الحلّ والحرم: الغراب والحدأة والفأرة والحيّة والكلب العقور) (¬11)، حصره بعدد، ويلحق غيرها بها حالة وجود العدوان (¬12)، ثمّ جزاء السبع قيمة (¬13) لحمه عندنا لا قيمة إمساكه للتّفاخر كما في الجارية المغنية (¬14). 97 - {جَعَلَ اللهُ الْكَعْبَةَ:} اتّصالها بما قبلها من حيث إمساك المناسك (¬15). ¬
و {الْبَيْتَ الْحَرامَ:} هي الكعبة حرسها الله. والمكعّب في المساحات: ما له طول وعرض وسمك. {قِياماً لِلنّاسِ:} يكون آمنا لمن التجأ إليها (¬1)، ويتوجّه العالم (¬2) إليها في يوم وليلة خمس مرّات في أقطار الأرضين متحرمين بالصّلاة جموعا وفرادى، وبإحجاج الحاجّين (¬3) عن الموتى وذوي الأعذار، وبحفر الآبار واستخراج المياه في طريقها، (99 ظ) واختلاف السّفر إليها، وتوقير زائريها أبدا ما عاشوا، مع ما انضمّ إليه بيان سمت القبلة، وبناء المساجد والمنارات. {وَالشَّهْرَ الْحَرامَ:} كان قياما لهم لتركهم القتال فيه وتقلّبهم آمنين، {وَالْهَدْيَ:} قياما لهم لانتفاع المحتاجين والفقراء، وكذلك (القلائد) لامتناعهم عن الغارة على أصحاب القلائد (¬4). {ذلِكَ:} إشارة إلى الجعل أو الخبر عنه (¬5). وإنّما كان علّة لعلمنا لوجود (¬6) المصالح فيما جعل إذا اعتبرنا (¬7) الغالب، ولا يكون ذلك إلاّ فعل حكيم (¬8) عليم. 98 - {اِعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ:} نبّه على العقاب للحثّ على محافظة ما هي قيام للنّاس، ثمّ ذكر أنّه {غَفُورٌ رَحِيمٌ} لئلاّ يؤدّي بهم التّخويف إلى القنوط (¬9). 99 - وقوله: {ما عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ:} يفيد خلوص الحجّة على المخاطبين، وخروج المبلّغ عن الملام، وفيه نوع تنبيه كما قال: {فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسابُ} [الرّعد:40] (¬10). {وَاللهُ يَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما تَكْتُمُونَ:} زجرا عن النّفاق والعقائد المذمومة (¬11). 100 - {قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ:} نزلت في المؤمنين حيث أرادوا (¬12) أن يغيروا ¬
على حجّاج اليمامة، فنهاهم الله عن ذلك وزهّدهم فيه (¬1). (الخبيث): الكافرون، و (الطّيّب): المؤمنون، ذكرهم لعموم الخطاب (¬2). {وَلَوْ أَعْجَبَكَ:} على سبيل المبالغة، ولذلك لم يقتض جوابا، كقوله: {أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ} [النّساء:129]، وقال (¬3): [من الطويل] فقلت يمين الله أبرح قاعدا … ولو قطعوا رأسي لديك وأوصالي 101 - {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا:} قال أبو أمامة (¬4) وأبو هريرة: لمّا نزل قوله: {وَلِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} [آل عمران:97] قال رجل من الأعراب: أفي (¬5) كلّ عام يا رسول الله؟ فسكت عنه، فأعاد عليه ثلاث مرّات، فاستغضب، فمكث طويلا ثمّ تكلّم فقال: من هذا السّائل، قال الأعرابيّ: أنا، فقال: ويحك ما يؤمنك أن أقول نعم، لو قلت نعم لوجبت، ولو وجبت لكفرتم، فأنزل الله الآية (¬6). وإنّما أنكر السّؤال؛ لأنّ الأمر المطلق لا يقتضي التّكرار إلاّ بقرينة، ولم يقع سؤاله للضّرورة. أبو صالح عن أبي هريرة قال: خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ذات يوم غضبان قد احمرّ وجهه، فجلس (¬7) على المنبر فقال: لا تسألوني عن شيء إلا أحدّثكم به، فقام رجل وقال: أين أبي؟ قال: في النّار، فقام عبد الله بن حذافة، وكان يطعن في نسبه، فقال: من أبي؟ فقال: أبوك (¬8) حذافة، فقام عمر وقال: رضينا بالله ربّا وبالإسلام دينا وبالقرآن إماما وبمحمّد نبيّا، يا رسول الله كنّا حديثي (¬9) عهد في الجاهليّة وشرك فالله أعلم من آباؤنا، قال: فسكن غضبه، ونزلت الآية (¬10). وعن سعيد بن جبير: نزلت في السّائل عن البحيرة والسّائبة والوصيلة (¬11)، يعني عن (¬12) أسلافهم الذين ماتوا في الجاهليّة متدينين بذلك في البحيرة والسّائبة. وعن مقسم: (100 و) نزلت في الطالبين (¬13) بالآيات الملجئة. وهذه السّؤالات مذمومة لعدم ¬
الفائدة. و {أَشْياءَ:} جمع شيء، وشيء في الأصل شئيء على وزن (¬1) شفيع، فليّنت الهمزة الأولى وأدغمت كما في ميّت وهيّن فصار شيّئا ثم استخفّ بحذف المدغم (¬2). {تَسُؤْكُمْ:} «تحزنكم» (¬3). {عَفَا اللهُ:} أمهل الله، وقيل: عفا الله عن أسئلتكم (¬4) الماضية. 102 - {قَدْ سَأَلَها قَوْمٌ [مِنْ قَبْلِكُمْ] (¬5)}: هم المضيّقون عليهم أمر البقرة، والمطالبون بالرّؤية جهرة، والمستنزلون مائدة، وأمثالهم (¬6). 103 - (البحيرة): للخامس (¬7) من ولد النّاقة، إن كان أنثى بحروا آذانها وحرّموا ركوبها ولحومها على النّساء إن قتلت، وإن ماتت حلّت للنّساء (¬8). و (السّائبة): ما كانوا يخرجونه عن الملك لا إلى مالك، ويحرّمون الانتفاع به من كلّ وجه، ولا يرون ذوده عن المرعى والحمى (¬9). و (الوصيلة): قال ابن عرفة (¬10): ما كان البطن السّابع من ولد الشّاة ذكرا وأنثى (¬11) توأمين، قالوا للأنثى: وصلت أخاها، فلا يذبح ويكون لحمها حراما على النّساء. وقال (¬12) ابن الأنباري: كانت الشّاة إذا ولدت ستة أبطن عناقين عناقين (¬13) وولدت في السّابعة عناقا وجديا قالوا: وصلت أخاها، حلوا لبنها للرّجال دون النّساء. و (الحامي): الفحل الذي ركب ولد ولده (¬14). وقيل: إذا كان من ولده عشرة أبطن قالوا: ¬
حمى ظهره، فلا يركب ولا يمنع عن (¬1) مرعى. نفى الله أن تكون هذه الأحكام دينا له وأمرا منه. والمبتدع لهذه الأحكام عمرو بن لحي، وهو الذي نصب الأنصاب، وبدّل الحنيفيّة، وأدخل الإشراك في التّلبية (¬2). 105 - {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ:} تقديره: حفظ أنفسكم وإصلاحها دون التّعلّق (¬3) بما كان عليه الآباء فإنّهم لا يضرّونكم {إِذَا اِهْتَدَيْتُمْ.} وفيه ما يدلّ على نسخ الأمر بالمعروف (¬4). خطب (¬5) أبو بكر الصّدّيق وقال: يا أيّها النّاس إنّكم تقرؤون هذه الآية وتعدّونها (¬6) رخصة الله، والله ما نزلت آية أشدّ من هذه {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ} (100 ظ) {أَنْفُسَكُمْ} وإنّي سمعت (¬7) رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: إنّ النّاس (¬8) إذا رأوا منكرا فلم يغيّروه يوشك أن يعمّهم الله بعذاب (¬9). 106 - {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ:} ابن جبير عن ابن عبّاس: كان تميم الدّاريّ وعديّ بن بداء (¬10) نصرانيّان يختلفان إلى مكّة بالتّجارة، فخرج مسلم من بني سهم فتوفّي بأرض ليس بها مسلم فأوصى إليهما، فلمّا رجعا من سفرهما دفعا تركته إلى أهله وحبسا جاما من فضّة مخوّصا بذهب، فاستحلفهما (¬11) رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما كتما ولا اطّلعا، ثمّ عرف الجام بمكّة فقال الذين اشتروه: اشتريناه من عديّ وتميم، فقام رجلان من أولياء السّهميّ وأخذا الجام، وفيهم نزلت الآية (¬12). [وفيه] (¬13) دليل أنّ الورثة صدّقوهما في الوصاية واتّهموهما في الأمانة ولذلك استحلفهما على الكتمان والاطّلاع. وفيه دليل أنّ المراد بالشّهادة اليمين، وإنّما وجب عليهما اليمين؛ لأنّ الورثة يدّعون عليهما الزّيادة. وفي أيمان الورثة وجهان: فإن ادّعى الوصيّان وصيّة أو ملكا في ¬
الجام يخرجان به عن حكم الميراث والورثة ينكرون ذلك فهذا حكم قائم، وإن كان يمينهم قائمة مقام البيّنة وإبطال اليمين الأولين فهذا حكم منسوخ (¬1). وعن زيد بن أسلم قال: كان ذلك في رجل توفّي في أرض حرب والنّاس كفّار، وليس عنده أحد من أهل الإسلام، وكان النّاس يتوارثون بالوصيّة، ثمّ نسخت الوصيّة (¬2) وفرضت الفرائض وعمل المسلمون بها (¬3). والمراد بقوله: {(شَهادَةُ بَيْنِكُمْ)} الإخبار أو الأمر (¬4). {إِذا حَضَرَ:} توقيت (¬5)، {حِينَ الْوَصِيَّةِ:} بدل عن التّوقيت (¬6). {اِثْنانِ:} أي: شهادة اثنين، فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه (¬7). {ذَوا عَدْلٍ:} صفة للخبر، أي: ذوا (¬8) عدالة. {أَوْ آخَرانِ:} أو شهادة آخرين عدلين {مِنْ غَيْرِكُمْ} (¬9). و (العدالة) كون الإنسان مرضيّ السّيرة في دينه (¬10). والعدالة في الشّهادة شرط، واليمين ليس بشرط ولكنّه احتياط، فإنّ المنكرين إذا كانوا جماعة فيستحلف عدولهم كما في القسامة (¬11). {تَحْبِسُونَهُما مِنْ بَعْدِ [الصَّلاةِ] (¬12)}: صلاة العصر (¬13)، وفائدة ما بعدها؛ لأنّ أهل الذّمّة يوافقوننا في حرمة ذلك الوقت واجتناب الإثم فيه (¬14)، وقيل (¬15): استحلاف المؤمنين، كانوا في تلك السّاعة أشدّ تورّعا منهم في غيرها. {فَيُقْسِمانِ:} يعني الوصيّ والأمين، لا يحلفان إلاّ عند الرّيبة والتّهمة (¬16). ¬
{لا نَشْتَرِي بِهِ:} باسم الله (¬1). وقوله: {وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى} دليل أنّ الوصيّين كانا قريبين للميّت (¬2). {وَلا نَكْتُمُ:} ما تحملناه عن الميّت من وصيّة. {إِنّا إِذاً:} أي: إن اشترينا وكتمنا (¬3). 107 - {فَإِنْ عُثِرَ:} العثور: الاطّلاع (¬4)، والإعثار: أن تطلع غيرك على شيء، قال: {وَكَذلِكَ أَعْثَرْنا [عَلَيْهِمْ]} (¬5) [الكهف:21]. (الاستحقاق): الاستيجاب (¬6)، وهذا يدلّ على أنّ قضاء القاضي ينفذ في الظّاهر. 108 - ثمّ بيّن وجه الاحتياط: الحبس للاستحلاف بعد الصّلاة {أَنْ يَأْتُوا (¬7)} بِالشَّهادَةِ عَلى وَجْهِها والثّاني: للخوف (¬8) من أن تبطل أيمانهم بأيمان غيرهم إذا عثر على خيانتهم (¬9). وقيل (¬10): {أَوْ} بمعنى الواو، أي: (101 و) الاحتياط أحد المعنيين. 109 - {يَوْمَ يَجْمَعُ:} العامل في الظّرف (اتّقوا) (¬11)، وقيل (¬12): {لا عِلْمَ.} وفائدة السّؤال توبيخ الأمم وتقريعهم، وثناء الرّسل على الله وتبرّيهم عن علم الغيب (¬13). وفيه دليل أنّ السّؤال يكون عن الصادفة (¬14) والصادرة عن العقائد. 110 - {إِذْ:} بدل عن (يوم) (¬15)، وهما للماضي ولكن عنى بهما زمان مستقبل، وإنّما ¬
جاز ذلك لتحقّق وجوبه فكأنّه كان ومضى كقوله: {وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابَ النّارِ} [الأعراف:44] (¬1). (عيسى): اسم في محلّ النّصب (¬2). ومريم لعيسى بمنزلة الأب كمحمّد (¬3) بن الحنفيّة ومحمّد بن زبيدة. والنّعم (¬4) المنعم بها على عيسى ما نطقت به الآية (¬5)، والنّعمة المنعم بها على والدته كلامه في المهد (¬6) شهادة ببراءة والدته، وفي اكتهاله على مسرّة والدته (¬7). و {الْكِتابَ:} القدرة على القراءة (¬8)، وقيل (¬9): الزّبور. {وَالْحِكْمَةَ:} الفقه وسائر ما آتاه (¬10) الله من الحجج والبيان. وكفّ بني إسرائيل صدّهم عنه حين أرادوا قتله وصلبه (¬11). 111 - {وَإِذْ أَوْحَيْتُ:} الوحي ههنا الإلهام (¬12)، وقال السدّي: قذف في قلوبهم (¬13)، وقال الزّجّاج (¬14): أمرهم الله تعالى على لسان عيسى. 112 - و (المائدة) (¬15): الخوان حالة كون الطّعام عليه، مشتقّ من الميد، وهو العطاء والنّفع والعون، تقول: مادني ويميدني (¬16). وإنّما أنكر عليهم إمّا للمطالبة والإعجاز على وجه التّمنّي والشّهوة، وإمّا لجهالة قدرة ¬
القديم الفاعل (¬1). 113 - {نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ:} إمّا للحرص الطّبيعيّ الذي هو في نفس الحيوان، وإمّا للشرف (¬2) والتّبرّك، وإمّا لكسب العلم الضّروريّ وحسم توهّم السّحر واللبس بالذّوق (¬3) والمضغ والابتلاع (¬4). ويحتمل أنّهم تنوّعوا في هذه المعاني أنواعا وافترقوا فرقا على حسب هممهم. 114 - {قالَ عِيسَى:} في الحال، دلالة أنّه استنزل المائدة بعد الإذن في السّؤال والدّعاء. {تَكُونُ:} أي: كانت {لَنا عِيداً.} وهي (¬5) على سبيل المجاز؛ لأنّ المائدة لا يتصوّر أن تكون عيدا ولكن زمانها من السّنة. (عيدا): مأخوذة من عاد يعود (¬6). وقيل (¬7): نزلت المائدة يوم الأحد، فاتّخذوه عيدا، فيوم الأحد (¬8) لهم كيوم السّبت لليهود. {لِأَوَّلِنا وَآخِرِنا:} بدل عن (لنا) (¬9). 115 - {قالَ اللهُ} تعالى: {إِنِّي مُنَزِّلُها عَلَيْكُمْ:} عن الحسن ومجاهد أنّ القوم لمّا سمعوا هذا الوعيد ندموا وتابوا ولم ينزل (¬10) المائدة. والأكثرون على أنّها نزلت، روى الكلبيّ عن بعضهم أنّ عيسى عليه السّلام قال لشمعون، وهو أفضل الحواريّين: هل معك طعام؟ قال: نعم معي سمكتان وستّة أرغفة، فقال: عليّ بها، فجاءه، فقطّعها قطعا صغارا، ثمّ قال للقوم: اقعدوا وترفّقوا رفاقا كلّ رفقة عشرة، ثمّ قام عيسى ودعا الله سبحانه وتعالى فاستجاب له بالبركة فيها، فجعل عيسى عليه السّلام يلقي إلى كلّ رفقة ما تحمل أصابعه ويقول: كلوا باسم الله، والطّعام ينمي حتى بلغ ركبهم، فأكلوا ما شاء الله، وفضل خمسة وثلاثون مكتلا، وقيل: أربعة وعشرون مكتلا، وكان النّاس خمسة ¬
آلاف ونيّفا، فقالوا: نشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّك عبده ورسوله، ثمّ سألوا مرّة أخرى فأنزل الله خمسة أرغفة وسمكتين، فصنع بها (¬1) مثل ما صنع في المرّة الأولى، (101 ظ) فلمّا رجعوا إلى قراهم ونشروا الحديث ضحكوا وقالوا: إنّما سحر أعينكم، فمن أراد الله به الخير ثبّته (¬2) على بصيرته، ومن أراد فتنته رجع إلى كفره فمكثوا ثلاثة أيّام ثمّ مسخوا خنازير، وفي هذه الرّواية (¬3) النزول هو النّموّ والبركة. وعن عمّار بن ياسر وقتادة أنّ المائدة كانت عليها من ثمار الجنّة (¬4)، كانت تنزل عليهم بكرة وعشيّا كالمنّ والسّلوى. وعن بادان (¬5) وأبي ميسرة كان عليها كلّ شيء إلاّ اللّحم (¬6). وعن عطيّة أنّهم وجدوا في السّمك طعم كلّ شيء (¬7). وعن عطاء بن أبي رباح عن (¬8) سلمان الفارسيّ قال: لمّا سألوا المائدة لبس صوفا وبكى وسأل الله (¬9)، فنزلت سفرة حمراء بين غمامتين، غمامة فوقها وغمامة تحتها، وهم ينظرون إليها (¬10) وهي تهوي حتى سقطت بين أيديهم، فبكى عليه السّلام وقال: اللهمّ اجعلها رحمة ولا تجعلها فتنة، ثمّ قام وتوضّأ وصلّى صلاة طويلة، ثمّ كشف المنديل عنها فإذا تحته سمكة مشويّة ليس عليها فلوسها ولا شوك، وعند رأسها ملح وعند ذنبها خلّ، وحولها من أنواع البقل ما خلا الكراث، وروي إلاّ الخسّ (¬11) والكراث، وإذا خمسة أرغفة على (¬12) واحد منها زيتون وعلى الثّاني عسل وعلى الثّالث سمن وعلى الرّابع جبن وعلى الخامس زبيب أو شيء آخر، فقال شمعون: يا روح الله أمن طعام الدّنيا هذا أم من طعام الآخرة، فقال عيسى: ليس ¬
شيء ممّا ترون من طعام الدّنيا ولا من طعام الآخرة فكلوا ممّا (¬1) سألتم، فقال الحواريّون: يا روح الله (¬2) لو أريتنا من هذه الآية آية أخرى، فقال عيسى (¬3) عليه السّلام: يا سمكة احيي بإذن الله، فاضطربت السّمكة وعاد عليها فلوسها وشوكها ففزعوا منها، ثمّ قال: يا سمكة عودي كما (¬4) كنت بإذن الله، فعادت مشويّة كما كانت، فقالوا: يا رسول الله كن (¬5) أنت أوّل آكل منها (¬6)، فقال عيسى: معاذ الله أن آكل منها ولم يأكل من سائل فخافوا أن يأكلوا منها، فدعا عيسى عليه السّلام أهل الفاقة والمرضى وأهل البرص والجذام والمقعدين، فأكلوا وصحّوا كلّهم، وإذا السّمكة كما كانت، ثمّ طارت المائدة إلى السّماء وهم ينظرون، فلبث أربعين صباحا تنزل عليهم المائدة ضحى فلا تزال منصوبة يأكلون منها فوجا فوجا حتى إذا فاء الفيء طارت وهم ينظرون في ظلّها حتى توارت، وكان ينزل غبا فأوحى الله إلى عيسى عليه السّلام: اجعل ما ترى رزقي للفقراء دون الأغنياء، فعظم ذلك على الأغنياء (¬7) فتشكّكوا وشكّكوا النّاس وقالوا: أترون (¬8) أنّها تنزل من السّماء حقّا؟ فقال عيسى: تشمّروا لعذاب الله، فمسخ منهم ثلاث مئة وثلاثة (¬9) وثلاثون رجلا خنازير في ليلة واحدة، ولم يتبوأ الدّواب ولم يأكلوا ولم يشربوا ولكنّهم كانوا يعدون في الطّريق ويتردّدون، ثمّ ماتوا بعد ثلاثة أيّام (¬10). {أُعَذِّبُهُ:} عائد إلى من يكفر. {لا أُعَذِّبُهُ:} عائد إلى الفعل المفعول، وهو العذاب (¬11)، وذلك ما خصّهم من الألم (¬12) المخصوص بهم حالة المسخ، أو ما خصّهم به من عذاب الآخرة. 116 - {وَإِذْ:} بمعنى (إذا) لتحقّق الوجوب (¬13)، وعن السدّي أنّه للماضي، وذلك عند ¬
رفعه إلى السّماء (¬1). فالسّؤال سؤال لوم وتقريع للنّصارى عند الجمهور، وسؤال (¬2) الابتلاء والاختبار. (102 و) عند السدّي. روي أنّ عيسى عليه السّلام لمّا سئل هذا السّؤال أرعد كلّ مفصل منه، وانفجرت من تحت كلّ شعرة عين دم (¬3). {إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ:} تأكيد للنّفي، إذ لا يصحّ شيء من الأشياء لا يعلمه الله تعالى. والعلم أعمّ من السّمع (¬4)، قال: {وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفى} (7) [طه:7]. {تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي:} مضمر ما في قلبي، {وَلا أَعْلَمُ:} ما هو مستور في غيبك (¬5). وإنّما ذكر النفس بمزدوج (¬6) الكلام، ولا يحلّ نفس الله شيء من الحوادث، تعالى الله أن يكون ظرفا (¬7) للأشياء. 117 - {أَنِ اُعْبُدُوا اللهَ:} ترجمة للمستثنى المقول (¬8). {عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ:} أي: شهدت عليهم وعلمت خيرهم وشرّهم (¬9). {الرَّقِيبَ:} الشّهيد (¬10). 118 - {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ:} قول عيسى عليه السّلام، إرجاء منه الأمر إلى الله، وترك للتّحكّم والتّألّي عليه كما قال نوح: {وَلا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ،} الآية [هود:31]، وقال إبراهيم: {فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي} (¬11)، الآية [إبراهيم:36]. وإنّما قال: {الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} ليبيّن أنّ مغفرته لم تقع عن جهل ولا عجز، ولكنّه يغفر (¬12) ¬
مع القدرة على الانتقام، حكيم فيما فعل (¬1). وقيل: إنّما وصف بالعزيز الحكيم (¬2) دون الغفور الرّحيم ليبيّن أنّه غير متشفّع لهم (¬3). 119 - {هذا:} أي: الأمر أو الحكم أو الشّأن (¬4). {يَنْفَعُ الصّادِقِينَ:} عيسى ومن شهد من الأنبياء والصّدّيقين (¬5). {رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ:} صرف عنهم موجبات سخطه بوجود المرضي عنهم وهو الصّدق (¬6). {وَرَضُوا:} صرفوا الكراهة عن نعم الله تعالى بوجودها (¬7) مرضيّة في الحال والمآل، مأمونة الخبال والوبال. والله أعلم. ¬
سورة الأنعام
سورة الأنعام مكّيّة عند ابن عبّاس وعطاء إلاّ ثلاث (¬1) آيات: {قُلْ تَعالَوْا} [الأنعام:151 - 153] نزلن (¬2) بالمدينة أو بين مكّة والمدينة (¬3). وعن ابن المبارك والكلبيّ عن ابن عبّاس هذه مدنيّات وآيتان: {وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ} [الأنعام:91]، {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ اِفْتَرى} [الأنعام:21 و 93] (¬4). وعن الحسن ثلاث آيات نزلن بالمدينة: {ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ} [الأنعام:23]، {وَما قَدَرُوا اللهَ} نزلن في مالك بن الصيف وكعب بن الأشرف، {وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنّاتٍ مَعْرُوشاتٍ} [الأنعام:141] نزلت في ثابت بن قيس (¬5). وعن أبيّ أنّها مكّيّة كلّها نزلت جملة (¬6) واحدة، شيّعها سبعون ألف ملك لهم زجل بالتّسبيح والتّحميد (¬7). وهي مئة وسبع وستّون آية حجازي (¬8). بسم الله الرّحمن الرّحيم 1 - {وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ:} هما صفتان للسّموات والأرض، فكأنّ التّقدير: وجعلهنّ مظلمة ومنيرة، كما قال: {وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ} [النّحل:78]. وإنّما قدّم الظّلمات؛ لأنّها هي المخلوقات أوّلا (¬9)، فيما يروى عن ابن عبّاس، وقيل (¬10): لكونها مجموعة كالسّموات. ثمّ بعد هذه النّعم كلّها والدّلائل بأسرها طفق هؤلاء الكافرون بربّهم يشركون ويجعلون لله عديلا وشريكا (¬11). وعن النضر بن شميل أنّ الباء (¬12) بمعنى (عن)، أي: عن ربّهم يعرضون وينحرفون. ¬
2 - ثمّ خاطب جميع بني آدم: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ،} والمراد به خلقه آدم عليه السّلام من الطّين المبلول بالماء (¬1) (102 ظ) المهيّج بالرّوح المولّد حرارة بالهيجان. والدّليل على أنّ أصل الخلقة من الطّين هو الرّجوع إلى الطّين عند فسخ البنية. والأجل المقضيّ أجل الدّنيا، والأجل المسمّى أجل الآخرة (¬2). وقيل: الأجل المقضيّ أجل اليقظة إلى النّوم، والأجل المسمّى أجل الحياة إلى الموت، وهذا كقوله: {وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفّاكُمْ بِاللَّيْلِ} [الأنعام:60] (¬3). وقيل: الأجلان واحد (¬4)، والتّقدير: ثمّ قضى أجلا وذلك أجل مسمّى عنده. وقيل: الأجل المقضيّ ما جعله من قضيّة الطّبيعة، والأجل المسمّى عنده ما لا يتوصّل إلى علمه من الحوادث (¬5). (الامتراء): من المرية، وهي (¬6) الشّكّ. 4 - {وَما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ:} مختصّة بمن أصرّ (¬7) على الكفر من قريش (¬8). 5 - {فَقَدْ كَذَّبُوا:} التّكذيب من توابع الإعراض، وإتيان (¬9) العذاب من توابع التّكذيب، فلذلك دخلت الفاء (¬10). {أَنْبؤُا:} الأخبار (¬11) العظيمة، وهي العذاب، كما يقال في التّهديد: سيبلغك الخبر (¬12). {ما كانُوا بِهِ:} بالحقّ، وهو القرآن (¬13). 6 - (القرن): مدّة من الزّمان مختلف في مقداره (¬14). وحقيقته مدّة استقامة بقاء العالم غالبا ¬
على رسم واحد، مشتقّ من اقتران أهل العصر واجتماعهم (¬1). والمراد بالقرن أهله (¬2). (التّمكين): كالتّسليط، يقال: مكّنته ومكّنت له (¬3). {السَّماءَ:} "المطر" (¬4). و (المدرار) من الدّرّ على وزن مفعال، لا يؤنّث، تقول: رجل مذكار ومئناث، وامرأة مذكار ومئناث (¬5). {مِنْ تَحْتِهِمْ:} من تحت مساكنهم (¬6). {فَأَهْلَكْناهُمْ:} بالخسف والمسخ والطّاعون ونقل الدّول والولايات دون الموت الذي لا بدّ منه (¬7). و (الإنشاء): الابتداء (¬8). 7 - {وَلَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ:} مختصّة بكفّار قريش الذين قالوا: لن نؤمن لك {حَتّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ} [الإسراء:93]. و (القرطاس): الصّحيفة من أيّ شيء كان (¬9). وإنّما قال: {فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ} لتأكيد العلم الضّروريّ، فإنّ الرّؤية يقع فيها التّخيل ولا يقع لحاسّة المس (¬10). 8 - {وَقالُوا لَوْلا أُنْزِلَ:} طالبوا رسول الله بآية توجب العلم الضّروريّ (¬11) على طريق المشاهدة دون الاستدلال والاجتهاد (¬12)، فبيّن الله أنّ ذلك يوجب الإهلاك ورفع الإمهال (¬13). ¬
9 - ولو جعلنا الرّسول {مَلَكاً لَجَعَلْناهُ} في صورة البشر (¬1)، ولجعلنا الأمر ملتبسا للامتحان والابتلاء وترجية الثّواب والعقاب. 10 - {فَحاقَ:} قال الأزهريّ: "الحيق: ما يشتمل على الإنسان من مكروه فعله" (¬2). {ما كانُوا:} أي: وبال ما كانوا {بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ:} من الأقوال والأفعال. 12 - {قُلْ لِمَنْ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ:} لم يقدروا (¬3) أن يطلقوا إضافة الملك إلى آلهتهم (¬4)، وكرهوا التّسليم للسّائل صلّى الله عليه وسلّم، فأمر الله أن يأتي بجواب سؤال بعينه، وفائدته (¬5) الإفحام. {كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ:} ضمن ووعد (¬6). {الرَّحْمَةَ:} الإمهال (¬7) بعد الدّعوة إن شاء الله. {لَيَجْمَعَنَّكُمْ:} أي: والله ليجمعنّكم (¬8). {الَّذِينَ خَسِرُوا:} مبتدأ في معنى الشّرط، ولذلك (¬9) أجاب بالفاء. 13 - {وَلَهُ ما سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهارِ:} اقتصار على أحد طرفي الكلام (¬10)، كقوله: {سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ} [النّحل:81] (¬11). والمراد بالسّكون وجود الشيء في حيثيته (¬12). (103 و) اللّيل والنّهار (¬13): المراد بهما حالتا القرار والتّقلّب، والجوهر في هاتين الحالتين السّماء فما فوقها والأرض فما تحتها. ¬
14 - {قُلْ أَغَيْرَ اللهِ:} جواب كلام الكفّار في معنى الدّعوة إلى (¬1) الشّرك. {فاطِرِ:} نعت لله (¬2). و (الفطر): الخلق (¬3)، وقيل (¬4): الفتق بعد الرّتق. قال: {وَهُوَ يُطْعِمُ:} لاستحقاق الطّاعة بالإطعام، {وَلا يُطْعَمُ:} لنفي الحاجة (¬5). {أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ:} في زمانه (¬6). {وَلا تَكُونَنَّ:} نهي على قوله: {قُلْ} لا على قوله: {أَنْ أَكُونَ} (¬7). 17 - {وَإِنْ يَمْسَسْكَ:} مسّك الشّيء بالشّيء إمساكه (¬8) إيّاه. و (الكشف): نقيض التّغطية (¬9). 18 - {وَهُوَ الْقاهِرُ:} القهر: التّسخير وصرف الشّيء عن طبيعته (¬10). 19 - {قُلْ أَيُّ شَيْءٍ:} فائدة السّؤال الإفحام، أو تفخيم الأمر في نفوس المخاطبين. وفي الآية دلالة على جواز إطلاق اسم الشّيء على الله (¬11). وإنّما لم يقل: شهيد لي ولكم (¬12)؛ لأنّ الشّهادة لم تكن لهم، وإنّما لم يقل: عليّ وعليكم؛ لأنّ الشّهادة لم تكن عليه. {وَمَنْ بَلَغَ:} دلالة أنّ النّاس كلّهم مخاطبون بالقرآن على شرط العقل والسّماع (¬13). {أَإِنَّكُمْ:} استفهام بمعنى التّقريع واللّوم، والسّؤال ب (أئنّ) للتّقريع (¬14). 23 - {فِتْنَتُهُمْ:} وهذه الفتنة أشدّ فتنة تصيبهم لجهلهم (¬15) بعد الخسار والتجائهم إلى ¬
الإنكار والجحد بين يدي (¬1) الجبّار في دار القرار عند معاينة النّار (¬2). 24 - {اُنْظُرْ:} أمر تعجيب (¬3). {وَضَلَّ:} غاب وفات (¬4). و {ما كانُوا:} هي دعاواهم الكاذبة في الدّنيا (¬5). 25 - {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ:} قيل: إنّ أبا سفيان والوليد بن المغيرة والنضر بن الحارث وعتبة وشيبة ابني ربيعة وأميّة وأبيّ ابني (¬6) خلف استمعوا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثمّ قالوا للنضر: أتعرف ما هذا؟ قال: لا إلاّ أنّي أراه يحرّك لسانه (¬7). {أَكِنَّةً} (¬8): جمع كنان، وهو الستر (¬9). {وَقْراً:} "ثقلا" (¬10). والمراد به الخذلان. و {حَتّى:} غاية لاستماعهم، أي: غايته (¬11) الجدال والإنكار دون الإقبال والإقرار (¬12). {أَساطِيرُ:} واحدتها أسطورة، وقيل: إسطارة (¬13)، وقيل: لا واحد لها، وهي ما سطّره الأوّلون وكتبوه في كتبهم من الأسمار (¬14) والأباطيل. 26 - {وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ:} والمراد بالنّهي ذبّ أبي طالب عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم رواية عن ابن عبّاس (¬15). و (النّأي): تباعده عن القرآن وموجباته، أخبر الله عن تناقض أمره وعجب فعله، إلى هذا ذهب مجاهد وقتادة وابن زيد والحسن (¬16). وروي عن ابن عبّاس: المراد بالنّهي صدّهم ¬
وتنفيرهم النّاس عن الإسلام، والنّأي (¬1) تباعدهم بأنفسهم. و (النّأي): البعد (¬2). 27 - {وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا:} "حبسوا" (¬3). وجواب (لو) محذوف (¬4). 28 - {بَلْ:} ردّ لحقيقة تمنّيهم بما اضطرّهم إلى ذلك، وهو ظهور ما كتموه وجحدوه من الشّرك وغيره بشهادة سمعهم وأبصارهم وجلودهم وأيديهم وأرجلهم (¬5). {وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا:} إخبار عن غاية الموهوم المتصوّر (¬6) من حالهم المعلّقة بشرط الإعادة ولا إعادة. 29 - {إِنْ هِيَ:} "كناية عن الحياة" (¬7). 30 - {عَلى رَبِّهِمْ:} "على سؤال ربّهم" (¬8). و {هذا:} إشارة إلى البعث وأمور الآخرة (¬9). 31 - {حَتّى:} غاية التّكذيب (¬10). {بَغْتَةً:} "فجأة" (¬11)، وهو وقوع عن (¬12) الموهوم. نداء الحسرة مجاز كنداء الويل (103 ظ) والتمني (¬13). و (التّفريط): العجز والتّضييع (¬14). {فِيها:} في (¬15) الآيات. ¬
{أَوْزارَهُمْ:} جمع وزر، وهو الثقل المثقل للظّهر، وقد وزر إذا أكمل الثقل فهو وازر (¬1). و {ما:} صلة (¬2)، وقيل (¬3): تقدير اسم نكرة. 32 - {وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا:} أي: الحياة المقصورة على الاشتغال بالمنافع العاجلة لا حياة من يكسب الآخرة بإذن الله (¬4). و (اللهو): أشدّ من اللّعب، وهو ما يلهيك عمّا يعنيك، تقول: لهوت إذا (¬5) لعبت، ولهيت إذا غفلت (¬6). وإنّما خصّ بأنّ الآخرة للمتّقين خير من الدّنيا؛ لأنّ الأطفال والمجانين تبع للمتّقين غير منفردين بالحكم. 34 - {حَتّى أَتاهُمْ نَصْرُنا:} غاية الصّبر (¬7). و (الإيذاء) (¬8): الإصابة بالمكروه من قول أو فعل (¬9). وممّا لا يبدل قوله: {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنَا الْمُرْسَلِينَ (171) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ} (172) [الصّافّات:171 - 172]، وفيه تسلية للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم (¬10). 35 - {كَبُرَ عَلَيْكَ:} "عظم عليك" (¬11). {إِعْراضُهُمْ:} أي: شأن كفرهم (¬12). وهذا شرط، وجوابه: {فَإِنِ اِسْتَطَعْتَ} مع جزاء مضمر، أي: فافعل (¬13). {نَفَقاً:} "سربا" (¬14). ¬
{سُلَّماً:} مرقاة (¬1). وفي هذا تعجيز للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وفي اليأس إحدى الرّاحتين، أي: ليس بيدك شيء من الآيات الملجئة المضطرّة فإنّما أنت رحمة. {وَلَوْ شاءَ اللهُ:} تنبيه على أنّه شاء أن لا يجمعهم. وإنّما نبّه عليه (¬2) تسلية للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. و (الجهل): أن يتكلّف (¬3) إيجاد ما علم أنّ الله تعالى لم يشأه. 36 - {الَّذِينَ يَسْمَعُونَ:} هم (¬4) الموفّقون لاستماع الحقّ (¬5). والواو للاستئناف، {وَالْمَوْتى:} الكفّار (¬6)، شبّههم بالموتى لعدم روح الإيمان. وذكر المبعث للتّهديد (¬7). 37 - {وَقالُوا لَوْلا نُزِّلَ:} أخبر عن اقتراحهم آية (¬8) ملجئة وأنّها مقدورة له، ولكن لا يعلمون وجه الحكمة في الإمهال إلى تتمّة الآجال وإيمان لمن قدّر من النّساء والرّجال (¬9). 38 - {وَما مِنْ دَابَّةٍ:} اتّصالها بما قبلها من حيث التّنبيه على كمال القدرة (¬10). وجناح الطّير (¬11) بمكان الأيدي. وذكر الجناحين للتّأكيد (¬12) كقوله: {إِلهَيْنِ اِثْنَيْنِ} [النّحل:51]، و {فَأَسَرَّها يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ} [يوسف:77]. والمماثلة بالحاجة إلى الصّانع، وبالدّلالة (¬13) على حدوث ذواتها، وبالشّهادة لله بالوحدانيّة، عن السدّي، وبالتّسبيح لله، عن عطاء (¬14)، وبأنّها أصناف مصنّفة تعرف بأسمائها، عن مجاهد (¬15). ¬
{ما فَرَّطْنا:} ما ضيّعنا وقصّرنا (¬1). {فِي الْكِتابِ:} القرآن، {مِنْ شَيْءٍ:} يحتاج إلى علمه إلاّ ذكرناه مفسّرا أو مجملا (¬2). وقيل (¬3): الكتاب: اللّوح المحفوظ، أو القضاء الذي قضاه الله على خلقه. و (الحشر): الموت، عن عليّ وابن عبّاس (¬4). وقيل (¬5): الحشر: البعث لاقتصاص بعضها من بعض، عن أبي هريرة عنه صلّى الله عليه وسلّم قال: (تقتصّ الشّاة الجمّاء من القرناء) (¬6)، وقيل: إنّ الله يجازيها حقيقة المجازاة على مقدار ما ألهمها من قبح الأفعال وحسنها. ثمّ اختلفوا في حال الحيوانات، قيل (¬7): تصير ترابا بعد الاقتصاص، وقيل (¬8): ما يستأنس به الإنس أدخل الجنّة لينتفع بها أهلها وسائرها يجعل كافورا ومسكا في الجنّة. وقيل: يعوّض هذه الحيوانات عن آلامها الدّنياويّة عوضا متناهيا، وقيل: عوضا غير متناه (¬9). وكلّ (¬10) هذا تحكّم على الله تعالى لا يثبت إلاّ بالوحي (104 و) أو بالأخبار المتواترة. 40 - {أَرَأَيْتَكُمْ:} سؤال إفحام. و {السّاعَةُ:} اسم من أسماء القيامة (¬11) كالآزفة، وهي اسم لجزء (¬12) من أربعة وعشرين من الملوان (¬13)، واسم لكلّ مدّة قريبة. 41 - {بَلْ:} للإثبات بعد النّفي (¬14). وإنّما يدعون الله ويستنجدونه إلى كشف ما أصابهم لما في جبلة (¬15) المخلوق من الفزع إلى الخالق عند الضّرورة. 42 - {فَأَخَذْناهُمْ:} أخذ الله إيّاهم {بِالْبَأْساءِ} كأخذه (¬16) آل فرعون بالطّوفان ¬
وأخواته، وأخذ أهل نينوى. 43 - لمّا عاينوا من البأس (¬1) {تَضَرَّعُوا:} أي: الأنبياء عليهم السّلام، وهم لم يفعلوا إلاّ الفزع إلى الخالق جبلة، وأمّا فرعون وقومه فإنّهم كانوا يخادعون موسى عليه السّلام ولا يتضرّعون حقيقة. والمراد بالحثّ المستقبلون وإن كان اللّفظ في الماضين. 44 - {فَتَحْنا عَلَيْهِمْ:} وهذا فتح على سبيل الاستدراج (¬2)، كقوله: {ثُمَّ بَدَّلْنا مَكانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتّى عَفَوْا} [الأعراف:95]. وإنّما (¬3) يفعل ذلك بهم على وجه المكر والعقوبة ليزدادوا إثما (¬4). و (المبلس) (¬5): الحزين، والإبلاس: الاكتئاب (¬6). 45 - {دابِرُ الْقَوْمِ:} آخرهم (¬7)، وقيل (¬8): أصلهم. ذكر دابر القوم عبارة عن (¬9) الاستئصال، وذكر الحمد نصرة المؤمنين. 46 - {مَنْ إِلهٌ:} فحوى الكلام يدلّ على أنّه جواب الشّرط وليس بمبتدأ (¬10). والهاء (¬11) عائدة إلى المأخوذ أو الإحساس (¬12). وإنّما ذكّرهم بمثل هذا لاقتضاء الطّاعة (¬13) والعبادة. {نُصَرِّفُ الْآياتِ:} عن وجوهها إلى جهات مختلفة وعبارات شتّى (¬14). {يَصْدِفُونَ:} "يعرضون" (¬15). ¬
48 - {وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ:} في الآية دلالة أنّ الأنبياء أتوا بعد الإعجاز من الآيات وهي (¬1) البشارة والإنذار دون الإتيان بالآيات الملجئة إذ ذاك إهلاك، والإهلاك إلى الله تعالى، ودون الإتيان بكلّ ما تقترحه الأمم (¬2) إذ ذاك شيء لا نهاية له ووجود ما لا نهاية له محال. 50 - {خَزائِنُ:} جمع خزينة، والخزينة: الأموال المخزونة المستورة عن أعين النّاس، والخزانة بكسر الخاء لموضع المخزون ولصناعة الخازن، وبفتح الخاء المصدر (¬3). وأراد ههنا غوامض مقدوراته ونعمه المستورة (¬4). {الْغَيْبَ:} ما لم يطلعه الله عليه ولم يخبره عنه (¬5). وفي الآية أربع خصال من الأدب: ترك (¬6) الصلف، وترك الكبر، وحسم التّهم والشّبه، ووضع سنّة يستنّ بها بعد. {الْأَعْمى:} الكافر الجاهل (¬7)، {وَالْبَصِيرُ:} المؤمن العالم (¬8). 51 - {وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ:} نزلت في شأن المؤمنين (¬9). (به): بالقرآن والوحي (¬10). {يَخافُونَ:} يعلمون، قاله الحسن (¬11). وإنّما خصّ المؤمنين لانتفاعهم به (¬12)، كقوله: {إِنَّما تُنْذِرُ مَنِ اِتَّبَعَ} [يس:11]. 52 - {وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ:} نزلت في الموالي والفقراء مثل عمّار وبلال وصهيب وخبّاب وسالم وابن مسعود، كان أبو جهل قال: يا محمّد لو طردت هؤلاء (¬13) لأتاك أشراف قومك. وعن السدّي أنّ الأقرع بن حابس وعيينة بن حصن قالا: يا محمّد تأتيك وفود العرب ونحن ¬
(104 ظ) نستحيى (¬1) أن نجلس معك وعندك هؤلاء فاطردهم عنك إذا حضرنا واجلس معهم إذا صرفنا، فهمّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بالإجابة وأظهر شيئا من ذلك، فطلبا منه كتابا وعهدا فدعا عليّا ليكتب لهم الكتاب، فأنزل الله، فألقى الصّحيفة من يده (¬2) وعانق هؤلاء الفقراء. والطّرد في معنى التنفير والحشر (¬3). {يَدْعُونَ:} يعبدون، لا يريدون بعبادتهم (¬4) إلاّ وجه الله. وجوابه {فَتَكُونَ} (¬5). {فَتَطْرُدَهُمْ:} جواب النّفي العارض بين النّهي وجوابه (¬6)، وذلك قوله: {ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ،} أي: ليس عليك إحصاء أحوالهم وبواطنهم وحفظها ولا عليهم إحصاء أحوالك وبواطنك وحفظها فتجد بذلك (¬7) عليهم سبيلا فتطردهم، وإنّما السّبب الجامع بينك وبينهم اتّصال البلاغ بالقبول فقط، وقد بلّغت وقبلوا فلا سبيل لك عليهم في طردهم. 53 - {أَهؤُلاءِ:} استفهام بمعنى الإنكار (¬8). {أَلَيْسَ:} ابتداء كلام من الله على وجه الإثبات فإنّه دخل على المنفيّ. 54 - {وَإِذا جاءَكَ الَّذِينَ:} نزلت في شأن من تقدّم ذكرهم، وعنه صلّى الله عليه وسلّم كان إذا رآهم بدأهم (¬9) بالسّلام ويقول: الحمد لله الذي جعل في أمّتي من أمرني أن أبدأهم بالسّلام (¬10). {كَتَبَ:} وعد (¬11) وأوجب في حكمه {الرَّحْمَةَ.} 55 - {وَكَذلِكَ:} الواو للاستئناف، والإشارة إلى ما تقدّم (¬12). {وَلِتَسْتَبِينَ:} الواو (¬13) للعطف على مضمر تقديره: لنفصّل (¬14) الآيات ولتستبين، أو ¬
ليتوقّف (¬1) عليها ولتستبين. (الإجرام): ارتكاب الجريمة، والجريمة: الجناية (¬2). 56 - {قَدْ ضَلَلْتُ (¬3)} إِذاً: أي: إن اتّبعت أهواءكم، أكّد جزاء الشّرط (¬4). 57 - {عَلى بَيِّنَةٍ:} بصيرة (¬5) واستبانة من أمري. {ما عِنْدِي:} نفي (¬6). {ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ:} الآيات الملجئة ونزول العذاب (¬7). {إِنِ الْحُكْمُ إِلاّ لِلّهِ:} لا يرفع الاجتهاد في (¬8) الشّريعة؛ لأنّه من أحكام الله تعالى. 58 - وفي قوله: {قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي} دلالة أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان يريد نزول العذاب بهم بعد ما ضاق بهم ذرعا، ولكن لم يكن بيده (¬9). {بِالظّالِمِينَ:} أي: بمن يثبت على كفره فيحق عليه العذاب بمقدار (¬10) استحقاقه. 59 - {مَفاتِحُ:} خزائن، واحدها: مفتح، وآلة الفتح: مفتاح، وجمعها مفاتيح بالياء (¬11). وعن مجاهد أنّ (البرّ): القفار، و (البحر): كلّ قرية فيها ماء (¬12). و (العلم): علمه الأشياء على التّفصيل. (السّقوط): انحدار في الهواء (¬13). {وَرَقَةٍ:} واحدة ورق الشّجر (¬14). {إِلاّ يَعْلَمُها:} علم تقلّبها في الهواء كم مرّة (¬15)، {وَلا حَبَّةٍ.} ¬
و (الرّطب): الماء والرّيح، و (اليابس): النّار والتّراب. وقيل: الرّطب: ما ينمى، واليابس: ما لا ينمى (¬1). والظّاهر الرّطب: ما فيه بلّة، واليابس (¬2): ما فيه جفاف. وفي الآية دلالة أنّ العالم كلّه معلوم مضبوط داخل في الإحصاء محدود ذو نهاية. و (الكتاب): اللّوح (¬3). 60 - {يَتَوَفّاكُمْ:} وفاة النّوم قبض من غير سلب وقطع وإبطال خلقة بخلاف وفاة الموت (¬4). {ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ:} يوقظكم في النّهار (¬5). و (القضاء): يحتمل أن يكون (¬6) فعل الله تعالى على وجه الإلجاء، ويحتمل (105 و) أفعال المخاطبين على سبيل الانطباع. 61 - {حَفَظَةً:} جمع حافظ، وهم الملائكة يحفظون الأعمال والأنفاس (¬7). {أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ:} أي: وقت الموت (¬8) وأوانه. {تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا:} "أعوان ملك الموت" (¬9)، وقال الزّجّاج (¬10): "هم هؤلاء الحفظة". 62 - {إِلَى اللهِ:} أي: إلى حكمه من (¬11) السّؤال والحساب وغير ذلك. 63 - {تَضَرُّعاً:} التّضرّع: التّذلّل وإظهار الخشوع (¬12). {لَئِنْ أَنْجانا:} حكاية الدّعاء. 64 - {قُلِ اللهُ يُنَجِّيكُمْ:} الآية مختصّة بالدّواهي ينجون منها. {كَرْبٍ:} غمّ (¬13). ¬
{ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ (¬1)}: بعد النّجاة، تثبتون على شرك كدتم تتركونه وزال عنكم بزوال القدرة ثمّ عاد بعودها (¬2). 65 - {أَوْ يَلْبِسَكُمْ:} يخلطكم (¬3). [{شِيَعاً}] (¬4): ذوي أهواء مختلفة، وشيعة (¬5) الرّجل خاصّته وقبيلته. قال الحسن: المراد بالخطاب أهل الصّلاة (¬6)، وقيل (¬7): هم وغيرهم. وعنه صلّى الله عليه وسلّم أنّه استعاذ من عذاب تحت وفوق لأمّته فاستجيب له فيهم، ولم يجب إلى أن لا يلبسوا شيعا (¬8)، وقال صلّى الله عليه وسلّم: (إذا وضع السّيف في (¬9) أمّتي لم يرفع إلى يوم القيامة). 66 - {وَكَذَّبَ بِهِ:} أي: بالقرآن أو الخبر أو التّصريف (¬10). {وَهُوَ الْحَقُّ:} في تقدير (¬11) الحال؛ لأنّه جملة. {لَسْتُ عَلَيْكُمْ (¬12)} بِوَكِيلٍ: أي: أمركم غير موكول إليّ. 67 - {لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ:} لكلّ صدق موقع ووقت يحقّ فيه لا يتصوّر تأخيره وتقديمه (¬13). 68 - {فَلا تَقْعُدْ:} للمسامرة والتّحدّث دون الدّعوة والإنذار. {الذِّكْرى:} ما يرفع النّسيان (¬14). 69 - وفي قوله: {وَما عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ} (¬15) دلالة أنّ المؤمنين دخلوا في النّهي بالآية ¬
المتقدّمة. والظّاهر من هذه الآية أنّ القعود لم يكن منهيّا عنه لنفسه، ولكن لمعنى (¬1) الاحتياط. {وَلكِنْ ذِكْرى:} النّهي عظة (¬2). {لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ:} عن مثل خوضهم. 70 - {وَذَرِ:} أي: كفّ يدك عنهم، إن كانت الآية منسوخة، ونابذ، إن لم تكن منسوخة (¬3). {تُبْسَلَ:} ترتهن" (¬4). {كُلَّ عَدْلٍ:} أي: أيّ عدل. (الحميم): الحارّ (¬5). 71 - {أَنَدْعُوا:} استفهام بمعنى النّفي (¬6). {وَنُرَدُّ:} أي: يردّنا أحد {عَلى أَعْقابِنا،} والله (¬7) هادينا. {اِسْتَهْوَتْهُ:} دعته إلى أهوائها (¬8)، وقيل (¬9): زيّنت له متابعة هوى نفسه. {حَيْرانَ:} في الأرض، والحيرة (¬10): الدهش. قيل: التّشبيه وقع بعبد الرّحمن بن أبي بكر، كان كافرا (¬11) وكان أبواه يدعوانه إلى الإسلام. {اِئْتِنا:} حكاية الدّعاء، وفي مصحف عبد الله: (بيّنا) (¬12)، أي: دعاء بيّنا. 73 - {بِالْحَقِّ} (¬13): بالفعل الحقّ غير الباطل (¬14). وهذه متّصلة بما بعدها. ¬
{الصُّورِ:} القرن (¬1)، وقيل (¬2): شيء كهيئة القرن والبوق ينفخ فيه إسرافيل لنداء الخلق، وقيل: جمع (¬3) صورة وهي الجسد، والنّفخ نفخ الأرواح يوم البعث. 74 - {آزَرَ:} لقب تارح (¬4)، وهو كالذّمّ والشّتم بلغتهم (¬5)، بدلا من قوله: (أبيه) (¬6). (الأصنام): جمع صنم، وهو التّمثال (¬7)، كانوا يصوّرون على صور ملوكهم وعلى صورة النّجوم السّيّارة بزعمهم (¬8). 75 - {وَكَذلِكَ نُرِي:} نذكر من (¬9) قصّته، أو كما أريناك، أو على سبيل المجاز له، أي: كما ذمّ الإشراك كذلك أريناه دلائل التّوحيد (¬10). ولفظه للمستقبل ومعناه للماضي، ويجوز (¬11) مع عدم الإيهام. و (الملكوت): صيغة مبالغة من الملك (¬12). (105 ظ) وقيل (¬13): المراد به نجوم السّماء والأرض والجبال والبحار، قال الله تعالى: {أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ} [الأعراف:185]. عن السدّي ومجاهد أنّه فتحت له أبواب السّموات والأرض حتى نظر إلى العرش وإلى ما تحت الثّرى (¬14)، قال السدّي (¬15): رأى مكانه في الجنّة. {وَلِيَكُونَ:} ليقف، أو ليشاهد (¬16). وجملة قصّة (¬17) إبراهيم ببابل أنّ نمرود بن كنعان بن حم، وهو فريدون بلغة العجم، لمّا ¬
استردّ الملك من الضّحّاك العاديّ واجتمع معه عشيرته كلّهم، وهم بنو أرفخشد، تكلف على النّجوم وأعجبه ذلك فاعتقده، ثمّ سوّلت له نفسه دعوى الرّبوبيّة فادّعاها، واصطنع لنفسه سبعة نفر من عشيرته سمّاهم الكوهيارين، وفوّض إلى كلّ واحد منهم أمرا من أموره، ورتّب المراتب فكان آزر بين الأصنام، ثمّ إنّ أمر إبراهيم عليه السّلام وفساد ملك نمرود بسببه [كان] (¬1) شيئا موهوما مخوفا من جهة علم نبويّ كان قد بقي من نوح عليه السّلام، أو من جهة رؤيا رآها إبراهيم نمرودا له، أو من جهة (¬2) ما وضع الله ذلك على ألسنة الكهنة والعامّة على سبيل الإرجاف وفي تقادير المنجّمين، فأمر نمرود بقتل الصّبيان، وأمر بحبس النّساء عن أزواجهنّ، وجعل نساء حضرته في حصن حصين ووكّل آزر عليهنّ، وهو شيخ أمين عنده، ولا مردّ لقضاء الله، فكان من قضاء الله وقدره أن خرجت إليه امرأته (¬3) ذات يوم من الحصن بطعام وقت الهاجرة، فإذا نظر إليها آزر لم يملك نفسه أن واقعها فأعلقها، ولمّا ظهر الحبل سقط في يده وخاف على نفسه، ووعدته امرأته أن تخبره بوضع الحمل الثقيل إن كان غلاما، فلمّا وضعت إبراهيم عليه السّلام أشفقت عليه وأخفته في مفازة، وقالت لآزر: إنّي ولدت ولدا ميّتا فدفنته، فصدّقها، وكانت تأتيه فتجده (¬4) يمصّ إبهامه، ولمّا بلغ سبع سنين أظهرته على آزر، وقد (¬5) ألقى الله عزّ وجلّ عليه محبة فلم يجد آزر من نفسه أن يسلمه للقتل. ثمّ ألهم (¬6) الله عزّ وجلّ إبراهيم التّوحيد وذمّ الأصنام، وكان (¬7) يدعو أباه، وهو يزجره ويهدّده بالملك وبالقتل، ويظنّ أنّه يقول ذلك من غرّه (¬8) وصباه حتى إذا كسر الأصنام وظهر أمره قال نمرود لآزر: ما الذي حملك على كفران نعمتي وكتمان أمر هذا الغلام؟ قال: أيّها الملك لا تعجل فإنّي إنّما فعلت ذلك نصيحة لك ونظرا لرعيّتك فإنّك تفني الرّعيّة خوفا من عدوّك ولا تعرفه، وأنا ربّيت هذا الغلام وظهر (¬9) أنّه عدوّك فاقتله ثمّ استرح وأرح النّاس، ثمّ كان من أمر إبراهيم عليه السّلام ما كان (¬10). ¬
وأمّا هذه القصّة فقد اختلف فيها، قيل: كانت في المفازة قبل (¬1) أن لقي أباه، وهو إذ ذاك ابن سبع سنين (¬2)، وعن محمّد بن إسحق والكلبيّ أنّه كان ابن خمس عشرة سنة. وقيل: كانت (106 و) حين جادل نمرود. وقد رأى زهرة أوّلا في آخر الشّهر فلمّا غاب طلع القمر، ثمّ ضاء (¬3) القمر بضوء الصّبح، ثمّ طلعت الشّمس (¬4). 76 - {جَنَّ:} أي: أظلم (¬5). و (الكوكب): النّور المجتمع في السّماء. {هذا رَبِّي:} أي: أهذا ربّي؟ استفهام على وجه الإنكار، كقول موسى عليه السّلام: {وَتِلْكَ نِعْمَةٌ} [الشّعراء:22]، أو تلك نعمة (¬6)؟ وقيل: هذا ربّي بزعمهم، قال الله تعالى: {أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ} [القصص:62] (¬7). وقيل: استدراج القوم ليطمئنّوا إليها بإظهار الموافقة فيرجعوا برجوعه، ومثله يتصوّر في الشّرع كالتّقيّة (¬8)، وعن بعض الحواريّين نحو هذا (¬9). وقيل: إنّه قول بظنّ، والذي من مقدّمات اليقين ويترتّب اليقين عليه معفوّ عنه إذ هو من حيّز (¬10) الخواطر، ولكنّ الظّنّ المذموم هو الظّنّ اللازم وبعد اليقين. (ربّي): خالقي وفاعلي، وقيل: مدبري وسيّدي بإذن الخالق الفاعل القديم الأوّل (¬11). {أَفَلَ:} "غاب" (¬12). وإنّما {قالَ لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ} لأنّ الأفول يدلّ على اضطراب التّدبير، أو يدلّ على الحدوث (¬13). ¬
77 - {الْقَمَرَ:} النّجم المختصّ بالإمحاق، وهو أحد النّيّرين (¬1). {بازِغاً:} "طالعا" (¬2). وقوله: {لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي} يدلّ [على] (¬3) أنّه كان يعرف الله تعالى على قضيّة العقل حقّ معرفته، ويعلم أنّ التّوفيق منه، ولا حول ولا قوّة إلاّ به، وإن كانت الشّبه تخطر بباله فيتكلّم بها. ويدلّ أيضا أنّ غير المهديّ يكون ضالاّ كافرا وإن لم تبلغه الدّعوة. 78 - {هذا رَبِّي هذا أَكْبَرُ:} يدلّ على أنّه لا يعرف الشّمس وإلاّ لقال: هذه، ويدلّ على أنّ الكبرياء والعظمة من صفة الرّبوبيّة (¬4) على الإجمال. {يا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمّا تُشْرِكُونَ:} يدلّ على أنّ الله تعالى تفضّل عليه وهداه وأزال عنه الشّبه جزاء لاجتهاده وإلاّ لما كان للشّبه موضع. 79 - {وَجَّهْتُ:} توجيه الوجه إلى الله هو الإقبال على مرضاته (¬5). {حَنِيفاً:} نصب على الحال. 80 - {وَقَدْ هَدانِ:} الواو للحال (¬6). {وَلا أَخافُ:} كلام مستأنف جوابا لتخويف (¬7) سبق منهم. {شَيْئاً:} أي: خوفا يقضيه الله عليّ (¬8). {أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ:} الذّكر الذي أذكّركم به من الآيات. 81 - {وَكَيْفَ أَخافُ:} استفهام دخل على شيئين بمعنى الإنكار (¬9): خوف إبراهيم وأمن المخاطبين. {أَنَّكُمْ:} أي: بأنّكم (¬10)، أو لأنّكم. لمّا وقع الإفحام بالسّؤال أتى إبراهيم بالجواب ¬
لسؤاله على (¬1) طريق البيان. 82 - خلط الإيمان بالظلم بالبدع والأهواء والفسق (¬2). 83 - {وَتِلْكَ:} إشارة إلى محاجّته عليه السّلام (¬3). 84 - نصب {إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ} ب (وهبنا)، {وَنُوحاً} ب {هَدَيْنا،} وكذا سائر الأسماء (¬4). {وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ:} ذرّيّة نوح (¬5). وإنّما ذكر نوحا وهؤلاء ليبيّن أنّه سنّته تعالى مع كلّ محسن أوذي في سبيله قديما وحديثا. 85 - {وَإِلْياسَ:} رجل من سبط يوشع بن نون (¬6) بعثه الله إلى بعلبك وملكهم أحاب (¬7) وامرأته أزبيل (¬8)، كان الملك إذا تغيّب استخلفها على ملكه، وكانت بنت ملك صيد (¬9)، وكانت قتّالة للأنبياء، هي التي قتلت زكريا ويحيى وغيرهما، وتزوّجها سبعة من ملوك بني إسرائيل، فلم يؤمن الملك هذا بإلياس ولا امرأته، فسأل الله تعالى (106 ظ) أن يؤخّر مذاقه الموت ويرفعه إليه، فاستجاب دعوته وألبسه ريشا يطير مع الملائكة. 86 - {وَإِسْماعِيلَ:} إسماعيل (¬10) بن إبراهيم، وقيل (¬11): أشمويل بن هلقانا. {وَالْيَسَعَ:} رجل صحب إلياس عليه السّلام وكان تلميذه، فلمّا رفع إلياس نبّأه الله تعالى بمثل روح إلياس (¬12). و (لوط) هو ابن هارون بن تارح. وهارون أخو (¬13) إبراهيم. درح هارون وآمن لوط بعمّه إبراهيم وهاجر معه، ثمّ بعثه الله تعالى إلى المؤتفكات، ثمّ رجع إلى إبراهيم فكان معه إلى أن مضى لسبيله. وقيل: إنّ أبا لوط من مدينة سدوم، صاهر تارح وتزوّج بابنته وهي أخت إبراهيم ¬
فولدت لوطا (¬1)، ثمّ إنّ لوطا (¬2) آمن بخاله إبراهيم وهاجر معه من بابل، ثمّ لحق (¬3) بأهل بيته بمدينة سدوم، وهي ما بين الأردن إلى تخوم أرض العرب، ثمّ كان من أمره (¬4) ما كان. 87 - وهدينا جماعة من آبائهم (¬5). {وَاِجْتَبَيْناهُمْ:} معطوف على {هَدَيْنا} (¬6) [الأنعام:84]. 89 - {فَإِنْ يَكْفُرْ بِها هؤُلاءِ:} الهاء عائدة إلى (¬7) {الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ،} أو إلى (¬8) القصّة. و (هؤلاء): إشارة إلى كفّار مكّة وأمثالهم (¬9). {وَكَّلْنا:} قيّضنا وألزمنا (¬10). {قَوْماً،} أي: المؤمنين إلى يوم القيامة (¬11)، وعن ابن عبّاس وقتادة والضّحّاك والسدّي أنّهم أهل المدينة (¬12)، وعن قتادة أيضا أنّهم الأنبياء الذين سبق ذكرهم (¬13)، وعن أبي رجاء (¬14) أنّهم الملائكة. 90 - (الاقتداء): الائتمام (¬15) والاستنان. ولزمنا شرائع من قبلنا بهذه الآية (¬16)، وقيل (¬17): وجب الاقتداء في الأصول دون الفروع. و {هُوَ:} ضمير يعود إلى القرآن (¬18). ¬
91 - {وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ:} ما عظّموه حقّ عظمته (¬1)، وما عرفوا رتبة ذكره (¬2) ووصفه. قيل: نزلت في مالك بن الصيف، وكان رجلا سمينا فقال رسول الله: أما قرأت في التّوراة أنّ الله تعالى يبغض الحبر السّمين؟ قال: قرأت، قال: فأنت الحبر السّمين، فغضب وقال: {ما أَنْزَلَ اللهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ} (¬3). وعن ابن عبّاس وقتادة ومحمد بن كعب أنّ جماعة من اليهود قالوا لرسول الله: أنزل الله عليك كتابا من السّماء؟ قال: نعم، قالوا: إنّ الله لم ينزل كتابا من السّماء (¬4) على بشر (¬5). وقيل (¬6): نزلت في خطاب قريش، ثمّ قرأها على مالك بن الصيف. ويحتمل أنّها نزلت في خطاب اليهود، وأنّ الجعل والإبداء والإخفاء خبر عن آبائهم الماضين. 92 - {مُصَدِّقُ} (¬7): أي: ليصدّق {الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ.} و {أُمَّ الْقُرى:} مكّة؛ لأنّ مكّة فيها أوّل بيت وضع للنّاس (¬8)، وقيل (¬9): لأنّها قبلة سائر القرى ومثابتها بإنذار أهلها. {وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ:} يدلّ أنّ الكافر به (¬10) كافر بالله وباليوم الآخر في الحقيقة، فإنّ الإيمان لا يتبعّض (¬11). 93 - {وَمَنْ أَظْلَمُ:} قال قتادة: نزلت في مسيلمة الكذّاب والأسود العنسيّ (¬12). وعن عكرمة أنّها في (¬13) مسيلمة الكذّاب (¬14) وابن أبي سرح، وكان ابن أبي سرح كاتبا للوحي (¬15) ¬
وربّما كتب: الغفور الرّحيم، مكان: العزيز الحكيم، والعزيز الحكيم، مكان: الغفور الرّحيم، ولا ينكر عليه رسول الله؛ لأنّ الكلّ قرآن (¬1) بعضه في بعض، وذلك من الله فتنة واستدراج لابن أبي سرح (107 و) حتى نزل قوله: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ،} (12) الآية [المؤمنون:12]، فجرى على لسانه: {فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ} [المؤمنون:14]، فقال صلّى الله عليه وسلّم: اكتب ما جرى على لسانك، فكتب، وكان ذلك سبب كفره، فارتدّ ولحق بمكّة فقال: إن أنزل إلى محمّد قرآن فقد أنزل إليّ كذلك وإلا فقد أتيت بمثله (¬2). {اِفْتَرى:} افتعال من الفري، وهو القطع، والمفتري يقطع من موهومه شيئا فيتقوّله (¬3). {سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللهُ:} ظنّ منه وغرور، وإسناد (¬4) الإنزال إلى نفسه مجاز، كقولهم: {حَتّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ} [الإسراء:93]. {غَمَراتِ:} جمع غمرة، وهو ما يعلو الإنسان ويغطّيه ويغمره (¬5). والمراد بغمرات الموت هو الظّاهر (¬6)، وقيل: عذاب الآخرة (¬7)، وتصديقه (¬8) قوله: {وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ} [إبراهيم:17]. {أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ:} أي: يقولون: موتوا (¬9)، وقيل: تخلّصوا إن استطعتم (¬10). {تَسْتَكْبِرُونَ:} عن قبول الآيات والإيمان بها (¬11). 94 - {فُرادى} (¬12): جمع فريد، كأسير وأسارى (¬13)، بتفرد الأجزاء ثمّ بإحكامها حتى يصير الواحد بالتّأليف ألوفا ولذلك يجحدون بأنفسهم ويشهد عليهم سمعهم وأبصارهم، وكلّ ¬
ذلك لزوال القدرة والتّلاشي والتّفسّخ مشاهدة أو حكما عند مشاهدة الله تعالى وعرضه (¬1) وسؤاله. {خَوَّلْناكُمْ:} أعطيناكم وملّكناكم وأنعمنا به عليكم (¬2). {وَضَلَّ عَنْكُمْ:} بطلت دعاواكم. 95 - {إِنَّ اللهَ فالِقُ:} "الفلق: الشّقّ" (¬3). و {الْحَبِّ:} بزور (¬4) النّبات كلها، واحدها حبّة. {وَالنَّوى:} عجم التّمر وسائر الثّمار، واحدتها نواة (¬5). وكمون (¬6) النّبات في الحبّة ككمون النّطف في الأصلاب، ولا محالة أنّ التّمكين أصل وهو أجزاء المركز وسائر الأجزاء المتركّبة النّامية فهي بعد الظّهور (¬7) من الهواء والغذاء بالإحالة (¬8) والتّقليب من صنع الله تعالى. 96 - {الْإِصْباحِ:} اسم كالإعصار والإبهام، وهو الصّبح (¬9)، يقال: أبين من فلق الصّبح، وكأنّ فلقه شقّ كاذبه لصادقه (¬10) ونسخ بعض الظّلام بالضّوء على ما يشبه التّحلل. {سَكَناً:} ما سكن إليه أو عليه أو فيه من جوهر أو حال (¬11). وقوله: {حُسْباناً:} مصدر، أي: الشّمس والقمر آيتا حسبان أو سببا حسبان لاختلافهما في الفلك وسيرهما (¬12) في البروج. و {ذلِكَ:} إشارة إلى الفعل والتّقدير (¬13). 97 - {النُّجُومَ:} المعروفة في السّماء من السّيّارة والثّابتة دون المجهولة التي هي رجوم ¬
الشّياطين، والنّجم السّماويّ: الكوكب، سمّي نجما لظهوره (¬1). {لِتَهْتَدُوا:} بالنّجوم، أراد اهتداء المسافرين والأقضية التي يمكن المرور فيها على الصوب وفي البحر ولاستقبال القبلة ولمعرفة الرّياح (¬2). 98 - {فَمُسْتَقَرٌّ:} بفتح القاف: موضع القرار والسّكون (¬3)، وبكسره: السّاكن الثّابت (¬4). {وَمُسْتَوْدَعٌ:} موضع الوديعة والأمانة (¬5)، أو عين الأمانة والوديعة. 99 - {نَباتَ كُلِّ شَيْءٍ:} أصل كلّ نجم وشجر، ويجوز دخول الحيوان فيه، قال الله تعالى: {وَاللهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً} (17) [نوح:17] (¬6). {فَأَخْرَجْنا مِنْهُ:} أي: من الماء (¬7). و (الخضر): نعت (¬8) من خضر يخضر. {نُخْرِجُ:} صفة للخضراء، (107 ظ) [أو] (¬9) كلام مبتدأ. {مِنْهُ} (¬10): من النّبات. الحبّ المتراكب: "السّنبل" (¬11). و (الطّلع): الكفرّى (¬12) في رأس النّخلة فيه الجمّار (¬13). {قِنْوانٌ:} جمع قنو، وهو العذق (¬14). {دانِيَةٌ:} "متدانية" (¬15)، قريب بعضها من بعض، أو القريبة التّناول، ولم يذكر غير دانية ¬
اقتصارا (¬1). {وَالزَّيْتُونَ:} ما يتّخذ منه الزّيت (¬2). {وَالرُّمّانَ:} ما يسمّى جبليّه المظّ (¬3). وإنّما خصّهما لكثرة فوائدهما، أو لشهرتهما وإعجابهم بهما، وقال الزّجّاج (¬4): لأنّ الورق يشتمل (¬5) هاتين الشّجرتين من أوّلهما إلى آخرهما. و (الينع): النّضج والإدراك وإنماء (¬6) النّبات. 100 - {الْجِنَّ:} بنو الجان (¬7)، وقيل (¬8): الملائكة. نصب؛ لأنّ الجعل يقتضي مفعولين (¬9). [{وَخَرَقُوا}] (¬10): قطعوا وميزوا من جنس الأمة {لَهُ بَنِينَ وَبَناتٍ} عن السدّي (¬11). "والخرقة: القطعة" (¬12). 101 - {صاحِبَةٌ:} أنثى قديمة مجانسة مفاعلة، وإثباتها لا يتصوّر؛ لأنّ الأنوثة والذكورة من أسباب الحاجة، ولأنّ الجنسيّة دالّة على الوضع والمثال والإحداث، والمفاعلة تحتاج التّقسيم، فإذا لم تثبت هذه المقدّمات كيف يترتّب ثبوت الولد عليها (¬13). 103 - {لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ:} المدرك: المنيل الحاصل، مقدور مقهور محصور متصوّر مهجوم عليه، تعالى الله عن الاتّصاف بهذه المعاني. والموجود المعلوم المعقول المشاهد، حقّ ثابت، تعالى عن نفي هذه الصّفات علوّا كبيرا. ¬
و (البصر): الإحساس بالعين، أو العقل بالقلب (¬1). وأولو الأبصار: ذوو العقول والآراء. و {اللَّطِيفُ:} نافذ العلم دقيق العمل (¬2)، وقيل (¬3): اللّطيف الذي ليس يكشف. 104 - {قَدْ جاءَكُمْ:} (قل) مضمر في أوّل الآية (¬4). و (الحفيظ): في معنى الرّقيب والوكيل (¬5). 108 - {وَلا تَسُبُّوا:} قالت قريش للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وللمؤمنين: لتمسكنّ عن ذكر آلهتنا أو لنهجونّ إلهكم، فنهى الله تعالى عن سبّ آلهتهم، وتعبّد المؤمنين بترك تسبّب الكفر، ولو شاء الله لأخرسهم وختم على أفواههم (¬6). والسّبّ هو الشّتم (¬7) والوقيعة. و (العدو): من الاعتداء (¬8)، كقوله: {بَغْياً وَعَدْواً} [يونس:90]. 110 - {أَفْئِدَتَهُمْ:} جمع فؤاد، وهو أوّل الأعضاء الرّئيسة، وهو مركز الحرارة الغزيرة (¬9)، ولحم فئيد: مشويّ، والمفأد: السّفّود (¬10). {كَما لَمْ يُؤْمِنُوا:} أي: جزاء لكفرهم (¬11) بالنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. {أَوَّلَ مَرَّةٍ:} عند انشقاق القمر، والتّحدّي بالقرآن، والرّجوع من بيت المقدس (¬12). ويحتمل أنّ الوعيد عقباويّ والتّشبيه وقع لحالة الدّنيا (¬13). 111 - وفي (¬14) قوله: {وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا:} الآية دالّة أنّ ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن (¬15)، وهؤلاء الجاهلين القدرية. ¬
112 - {وَكَذلِكَ جَعَلْنا:} عطف على {كَذلِكَ زَيَّنّا} [الأنعام:108]. قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لأبي ذرّ: (هل تعوّذت بالله (¬1) من شياطين الإنس؟). وقال مالك بن دينار: شياطين الإنس أشدّ عليّ (¬2) من شياطين الجنّ؛ لأنّه يذهب بالتّعوّذ وهذا لا يذهب (¬3). {زُخْرُفَ الْقَوْلِ:} الكلام الباطل الحلو، والشّيء المزخرف: المموّه المزيّن (¬4). {غُرُوراً:} نصب على المصدر (¬5)، أو لأنّه مفعول له (¬6). 113 - {وَلِتَصْغى:} معطوف على مقدّر (¬7). والصّغو والصّغو (¬8): الميل (¬9)، يقال: صغى (108 و) يصغى ويصغو وصغي (¬10). و (الاقتراف): الاكتساب الدّنيء (¬11). 114 - (قل) مضمر {أَفَغَيْرَ} (¬12). وهذه جواب لهم حين أرادوا أن يتحاكموا إلى بعض الطّواغيت (¬13). {آتَيْناهُمُ الْكِتابَ:} مؤمنو أهل الكتاب الذين يعرفون ويجحدون (¬14). 116 - {وَإِنْ تُطِعْ:} مثل قوله: {وَلَئِنِ اِتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ} [البقرة:120]، {وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ} [الأحزاب:1]. {يَخْرُصُونَ:} "يكذبون" (¬15)، فلان يتخرص، أي (¬16): يتكذب، وكأنّه قول بتخمين، ومنه ¬
خرص التّمر و {قُتِلَ الْخَرّاصُونَ} (10) [الذّاريات:10] (¬1). 117 - {مَنْ:} مكان (أيّ) على الاستفهام (¬2). 118 - {فَكُلُوا:} ذهب قريش مذهب الفلاسفة وبعض النّصارى والمجوس في استحلال الميتة، وما كان مذهبهم (¬3) من قبل، قالوا: ما قتل الله خير وأطيب ممّا قتلتم بسكاكينكم، ولم يعلموا (¬4) أنّ إزهاق الرّوح من فعل الله تعالى، وليست مزيّة الذّبيحة على الميتة من أجل القطع بالسّكّين ولكن لأجل أنّ الذّبح بإذن الله وعلى اسم الله (¬5)، فأنزل الله الآية لئلاّ يخطر ببال بعض المؤمنين شيء من هذا (¬6). 119 - {وَما لَكُمْ:} أي: وما يمنعكم عن استحلال ما أحلّ الله لكم بعد ما بيّن لكم الحرام في غير حال الضّرورة وبيّن حال الضّرورة (¬7) أيضا، وارتفع الشّبه كلها ولم يبق للاحتياط والتّقزّز موضع (¬8). 121 - {مِمّا لَمْ يُذْكَرِ اِسْمُ اللهِ عَلَيْهِ:} الميتة، وما تعمّد على ذبحه ترك اسم الله، أو ذبح من ليس بأهل للتّسمية (¬9). وأراد مجادلة من كره الذكية واستباح الميتة (¬10). 122 - {نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النّاسِ:} حمزة وأصحابه، ومن {مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ:} أبو جهل وأصحابه (¬11). روي أنّ أبا جهل رمى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالفرث وهو يصلّي وذلك قبل إسلام حمزة، فسمع حمزة (¬12) ذلك فغضب لابن أخيه تعصّبا، وأقبل على أبي جهل يضربه بقوسه، وأبو جهل يتضرّع ويعتذر بأنّه سفّه أحلامهم وعاب آلهتهم، فقال حمزة: ومن أسفه منكم تعبدون الحجارة؟ ثمّ قال: أشهد أن لا إله إلاّ الله وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله (¬13). ¬
وروي أنها عامّة (¬1). والإحياء إحياء في الرّحم (¬2)، والنّور نور الإيمان (¬3). وقيل: الإحياء بروح (¬4) القرآن أو الإيمان، والنّور نور أحدهما (¬5). {مَثَلُهُ:} أي: هو (¬6)، وقيل: إنّ صفته {فِي الظُّلُماتِ} لا يوصف إلاّ بها ولا يتّصف إلاّ بها (¬7). 123 - {وَكَذلِكَ:} عطف على {كَذلِكَ} (¬8). وقيل: استئناف، والتّشبيه بما وقع الإخبار عنه (¬9). {جَعَلْنا} (¬10): قدّرنا. {أَكابِرَ:} جمع أكبر كأفاضل (¬11)، وقيل (¬12): جمع كبير كبعير وأباعر. الآية ردّ على القدريّة. 124 - {حَتّى نُؤْتى مِثْلَ ما أُوتِيَ:} قيل: إنّ الوليد بن المغيرة كان يتعرض للنّبوّة ويترشّح لها ويطمع فيها ويقول: لو كانت حقّا لكنت أحقّ بها (¬13)، وكذلك أميّة بن أبي (¬14) الصلت كان يتوقّعها، فلمّا حرمها أصرّ على كفره ومات عليه، ونزلت الآية فيهما وفي أمثالهما، كانوا يأنفون عن الاتّباع ويريدون أن يخصّوا بوحي سماويّ من غير وساطة بشر. {صَغارٌ:} مذلّة (¬15). ¬
{عِنْدَ اللهِ:} في حكم الله (¬1). 125 - {يَشْرَحْ:} الشّرح: التفسح (¬2)، ومنه شرح اللّحم. و (الضّيّق) (¬3) (108 ظ) ضدّ الواسع. {كَأَنَّما يَصَّعَّدُ:} أي: يتعسّر عليه الإيمان كما يتعسّر عليه الصّعود في السّماء (¬4)، ويحتمل أنّ قلبه يرتفع إلى السّماء عن موضعه من التّضايق كقوله: {وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ} [الأحزاب:10] (¬5). 127 - {دارُ السَّلامِ:} دار الله، أضيف إليه تشريفا لها وتنويها بذكرها، كما قيل (¬6): بيت الله، وعبد الله، وناقة الله. وقيل (¬7): دار السّلامة من الآفات. ويحتمل أنّها دار التّحيّة بالسّلام، الله تعالى يحيّيهم: {سَلامٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ} (58) [يس:58]، وتحيّيهم الملائكة بالسّلام، ويحيّي بعضهم بعضا بالسّلام (¬8). 128 - {يا مَعْشَرَ:} نقول (¬9): يا معشر، والمعشر الجماعة (¬10)، والخطاب للشّياطين. {اِسْتَكْثَرْتُمْ:} أكثرتم الأتباع والقرناء (¬11). {اِسْتَمْتَعَ:} انتفع واستعان (¬12). وهذا عذر منهم وحجّة للإشراك، يريدون أنّهم استمتعوا بهم كما يستمتع (¬13) بعضنا بأهل الذّمّة وأسارى الكفّار، وكما استمتع سليمان عليه السّلام بهم (¬14) بإذن الله. و {خالِدِينَ:} حال للضّمير في قوله: {مَثْواكُمْ} (¬15). ¬
والمستثنى مدّة الحساب في الموقف، أو حالة (¬1) خروجهم من النّار مع الشرر (¬2)، أو للاستهزاء بهم على ما سبق ذلك (¬3). 129 - {وَكَذلِكَ نُوَلِّي:} الآية ردّ على القدريّة (¬4). 130 - ظاهر قوله: {رُسُلٌ مِنْكُمْ:} يدلّ على أنّ الجنّ كانت فيهم الأنبياء وهكذا عن كعب وغيره مما صنفوا من أخبار الجنّ قبل خلق آدم عليه السّلام سمّوا قريبا من نيف وأربعين نبيّا أوّلهم دنخش ومنهم صاعوق بن ياعق (¬5) وغيره. وقيل (¬6): إنّما قال لأنّ التّكليف لجميعهم كأنّهم جنس واحد. وقيل (¬7): هذا من باب قوله: {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ} (¬8) (22) [الرّحمن:22]، وإنّما يخرج من أحدهما. {شَهِدْنا عَلى أَنْفُسِنا:} شهادة الأيدي والأرجل (¬9). 131 - {ذلِكَ:} في موضع نصب، تقديره: فعل ذلك، وقيل: رفع بالابتداء (¬10). {بِظُلْمٍ:} ظلم أهل القرية، أي: لم يهلكهم بظلمهم (¬11) وهم غافلون، ولكن نبّههم أوّلا ونهاهم وأنذرهم. وقيل: أراد به أنّ (¬12) الظّلم منفيّ عن الله تعالى، وإنّما صحّ ذلك من حيث وعد الله تعالى أن لا يهلك أمّة حتى يبعث في أمّها رسولا، فلو أخلف (¬13) الوعد لكان ظالما، تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا (¬14). 133 - {إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ:} تهديد الإهلاك (¬15) دون الوفاة المعهودة. 135 - {اِعْمَلُوا:} توبيخ وتهديد (¬16). ¬
136 - {وَجَعَلُوا لِلّهِ مِمّا ذَرَأَ:} كانوا (¬1) يسيّبون بعض أموالهم للضّيفان ويقولون: هذا لله، ويسيّبون للسّدنة وعمارة بيت الأصنام ويقولون: هذا للأصنام، وهذا كفر منهم، ثمّ ازدادوا كفرا أن نقصوا النّصيب المسمّى لله تعالى الذي هو للضّيفان لجبر نصيب الأصنام عند الحوائج، وكانوا يفعلون هذا بتأويل فاسد، يقولون: الله غنيّ وشركاؤنا فقرة، ولم يعلموا أنّ الغنى لا يوجب بخس النّصيب ولا يجوّزه، فذمّهم الله تعالى على فعلهم ورأيهم (¬2). وليس كذلك تقديمنا ديون النّاس على الزّكوات (¬3) والكفّارات؛ لأنّ قضاء ديون النّاس واجب بإيجاب الله تعالى كالزّكوات والكفّارات، وقد تأكّدت لتعيّن المستحقّ. 137 - {لِيُرْدُوهُمْ:} "أي: ليهلكوهم، والرّدى: الهلاك" (¬4)، قال الله تعالى: {وَاِتَّبَعَ هَواهُ فَتَرْدى} [طه:16]. 138 - المراد بالأنعام والحرث ما سبق ذكره (¬5). {حِجْرٌ:} حرام ممنوع (¬6)، (109 و) قال الله تعالى: {وَحِجْراً مَحْجُوراً} [الفرقان:53]. {حُرِّمَتْ ظُهُورُها:} ما وصفوه من حكم السّائبة والوصيلة والحام (¬7). والتي (¬8) {لا يَذْكُرُونَ اِسْمَ اللهِ عَلَيْهَا} هي التي جعلوها للأصنام (¬9) حتى كأنّهم كانوا يتحرّجون عن ذكر الله تعالى عند إيرادها الماء وعند حلبها وسوقها، وكانوا لا يحجّون عليها كراهة التّلبية عليها بأنّ في التّلبية اسم الله تعالى (¬10). 139 - {سَيَجْزِيهِمْ:} سوف يجزيهم على وصفها الباطل (¬11). 140 - {قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ:} كلّ العرب (¬12) كان يستحلّ وأد البنات إلاّ بني كنانة (¬13). ¬
والتّحريم (¬1) هو التّحريم على وجه الافتراء، وأمّا التّحريم على قضيّة العقل فذلك خارج عن الذّمّ (¬2). 141 - (المعروشات): ما يعرش من النّخيل والآس والعنب والعرعر وما يشبهها (¬3). و {مُخْتَلِفاً:} حال مقدّر على معنى سوف (¬4). والضّمير (¬5) عائد إلى أحدهما من النّخل (¬6) والزّرع. {كُلُوا:} إباحة (¬7)، ويجوز أن يكون على الوجوب، ووقته عند سدّ الرّمق. و (الحصد): القطع والاستئصال (¬8). و (الحقّ): العشر الواجب في ما تخرجه الأرض، فإنّ الزّكاة نزلت بمكّة (¬9). وقال طاووس (¬10): {حَقَّهُ:} زكاته. وقال محمّد بن كعب (¬11): "ما قلّ منه أو كثر". وقال جابر بن زيد (¬12): هو الزّكاة المفروضة، قال (¬13): ولولا ذلك لما قال: {وَلا تُسْرِفُوا.} وعن ابن عبّاس أنّه العشر ونصف العشر (¬14)، وهكذا عن ابن الحنفيّة (¬15). وقال إبراهيم النخعي: في كلّ شيء أخرجت الأرض الصدقة (¬16). والذين روي عنهم النّسخ مطلقا معارض بما ذكرنا، ومن روي عنهم أنّه منسوخ بالزّكاة (¬17) فغير مأخوذ به؛ لأنّه لا تنافي بين العشر وبين حقّ آخر كان، ثمّ قد تواترت الرّوايات عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه أوجب العشر فيما سقت السّماء والأنهار ونصف العشر فيما يسقى بعلا وبالسّواقي من ¬
غير تفصيل وتخصيص (¬1)، وهو قضيّة ظاهر الآية وقضيّة القياس؛ لأنّه لا يتعلّق بالحول فلا يتعلّق بالنّصاب. وروى ابن مسعود مرفوعا وموقوفا: لا يجتمع عشر وخراج في أرض واحدة (¬2). 142 - {حَمُولَةً:} ما يحتمل على ظهره (¬3). {وَفَرْشاً:} صغار الإبل وما لا يحمل عليه من السّوائم (¬4). 143 - {ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ:} اسم عدد الشفع الرّابع. والمراد بالثّمانية الأزواج الذّكور (¬5) والإناث جميعا (¬6). واسم الزّوج ينطلق على الواحد (¬7). و {الضَّأْنِ:} جنس الكبش والنّعجة، و {الْمَعْزِ:} جنس التّيس والعنز (¬8). وواحد الضّأن: ضائنة (¬9)، وواحد المعز: ماعز (¬10). والجدال وقع على سبيل المفاقهة، وذلك لأنّ الشّيء لا يحكم بتحريمه إلاّ لمعنيين: إمّا لمعنى لا يسدّ باب القياس ويطّرد في جميع المعلومات أو أكثرها، وإمّا للتّوقيف بالوحي، وتحريم هؤلاء الكفّار لم يكن (¬11) على شيء من هذين الأصلين؛ لأنّ علّة الذّكورة (¬12) وعلّة الأنوثة منكسر ولا يطّرد في الجميع، وكذلك علّة اشتمال (¬13) الأرحام وهو التحاقها (¬14) واحتواؤها، وعلّة كون الولد بطنا سابعا أو عاشرا، أو علّة كون الولد توأمين كانت سقيمة، لسدّ باب القياس ولكونها ممّا لا يتوصّل إليه إلاّ بالتّوقيف، فبطلت المعاني كلّها ووقع الإفحام واتّضح الالتزام (¬15). 144 - {الْإِبِلِ:} اسم جنس يتناول الجمل والنّاقة. ¬
وفائدة تكرار (¬1) النّظم (109 ظ) الأوّل صحّة السّؤال واستئناف الإلزام (¬2). {أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ:} مطالبة بالتّوقيف (¬3) الذي يكون بالوحي، وفائدة المطالبة هو الإفحام، فلم يجسروا على دعوى الوصيّة لخوفهم المطالبة بالبرهان فأفحموا عن الجواب وانقطعوا في الجدال (¬4). 145 - {لا أَجِدُ:} إخبار عن الحال دون الاستقبال (¬5). و (الميتة): اسم لجمع (¬6) المنخنقة والموقوذة والمتردّية والنّطيحة وما أكل السّبع (¬7). ووصف الدّم بالمسفوح يفيد إباحة غيره كالكبد والطّحال وما يتعلّق باللّحم والمخّ (¬8). وذكر الخنزير بعد ذكر الميتة لئلاّ يظنّ ظانّ أنّه يطهر بالذّكاة بخلاف سائر السّباع. ثمّ بيّن المعنى وقال: {فَإِنَّهُ رِجْسٌ،} أي: نجس مكروه مستقذر تعافه النّفوس غالبا (¬9). أو أن (¬10) يكون {فِسْقاً.} وسائر المحرمات فغير محرم بالكتاب ولكنّه مسكوت عنه (¬11). 146 - {ظُفُرٍ:} اسم عامّ، قال ابن عبّاس: إنّه كلّ ما ليس بمنفرج الأصابع كالبعير والإوزّة والبطّ (¬12)، وعن القتبيّ أنّه كلّ ذي حافر (¬13)، وقيل (¬14): كلّ ذي برثن. {شُحُومَهُما:} جمع شحم. وهو ما يذوب دهنا. {إِلاّ ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما:} ما اختلط باللّحم من البياض (¬15)، وقيل (¬16): "الألية". ¬
و {الْحَوايا:} المباعر والمصارين (¬1). وهي معطوفة على المستثنى (¬2)، وقيل (¬3): على المستثنى منه. {مَا اِخْتَلَطَ بِعَظْمٍ:} ما على العظم من دسم (¬4). 147 - {فَإِنْ كَذَّبُوكَ:} "يعني اليهود" (¬5)، وهم كانوا يأتون مكّة تجّارا، ويأتونها قاصدين رؤية النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. وقيل (¬6): كذّبته قريش. وذكر (¬7) الرّحمة هو للتّنبيه على الإمهال لئلاّ يغترّوا بسلامة الحال، وكذلك ذكر (¬8) البأس بعد الرّحمة. 148 - {لَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكْنا:} لمّا علموا أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يثبت القدر خيره وشرّه من الله وينفي وجود الشّيء من غير مشيئة الله تعالى، توهّموا أنّ كلّ ما شاء الله رضيه كما ظنّت القدريّة، فاحتجّوا بالمشيئة وحسبوها عذرا، فبيّن أن لو أثبتوا المشيئة لأثبتوها على أنفسهم لا لأنفسهم (¬9). {كَذلِكَ:} شبيه بقوله (¬10): {فَإِنْ كَذَّبُوكَ.} 149 - {الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ:} التي بلغت كلّ مبلغ في الصّحّة والبيان (¬11). 150 - {هَلُمَّ:} تعال وأقبل، وإذا قلت: هلمّ كذا، فمعناه: هاته، يجري مجرى الحروف (¬12). ¬
{شُهَداءَكُمُ:} أي: يأتوا بشهداء عدول من غير أنفسهم فإنّهم مدّعون، فلو قامت دعواهم مقام الشّاهد لكان الشّيء المشكوك فيه حجّة لنفسه، وهذا لا يكون إلاّ بالإعجاز، ولذلك قال الله: {فَإِنْ شَهِدُوا فَلا تَشْهَدْ مَعَهُمْ} (¬1). 151 - {إِمْلاقٍ:} إعدام وإعسار (¬2). و {الْفَواحِشَ:} جميع المعاصي (¬3). وقيل: {ما ظَهَرَ مِنْها:} نكاح المحرّمات والزّنا، {وَما بَطَنَ:} اتّخاذ الأخدان (¬4). وقيل: ما ظهر: فعل الجوارح، وما بطن: فعل القلب (¬5). {إِلاّ بِالْحَقِّ:} القصاص قتله الولي وكذلك المرجوم (¬6). 152 - {إِلاّ بِالَّتِي:} بالجهر التي هي (¬7) أحوط والخصلة التي هي أحسن (¬8). (أشدّ): جمع شدّ (¬9)، وأشدّ الرّجل ما بين خمس عشرة إلى ثماني عشرة، أو ثماني عشرة سنة إلى (¬10) أربعين سنة. و {الْكَيْلَ:} اسم لوعاء مقدّر يقدّر به الحبوب (¬11). ورفع الجناح فيما يتعذّر حفظه من الحبّات والقراريط في الكيل والوزن (¬12). {وَإِذا قُلْتُمْ:} أي: شهدتم (¬13). (عهد الله): شرائع الإسلام (¬14)، وقيل: اليمين المعقودة (¬15) باسمه. ¬
153 - {وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً:} قال (110 و) ابن عبّاس: هذه الآيات المحكمات التي لم تنسخ في شريعة، وهي أمّ الكتاب؛ لأنّها أمّ (¬1) التّوراة والإنجيل والقرآن، من أخذ بها أوصلته إلى الجنّة (¬2). وقال ابن مسعود رضي الله عنه: خطّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خطّا وخطّ بجنبه الخطوط. . . الخبر (¬3). وهو التّمسّك بالكتاب والسّنّة وطريق الفقهاء. 154 - {ثُمَّ آتَيْنا:} يعني أنزل هذه الآيات على موسى عليه السّلام أوّلا ثمّ آتاه الكتاب (¬4)، أو لتراخي الإخبار كقوله: {وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ} [الأعراف:11] (¬5). {عَلَى الَّذِي:} على من (¬6) {أَحْسَنَ:} معناه: تتميما على المحسن دينه أو ثوابه أو النّعمة عليه (¬7). 155 - {مُبارَكٌ:} نعت الكتاب (¬8). 156 - {أَنْ تَقُولُوا:} متّصل ب {أَنْزَلْناهُ} (¬9)، أي: لأن تقولوا (¬10). وهذا خطاب لقريش وأمثالهم (¬11). {عَلى طائِفَتَيْنِ:} "اليهود والنّصارى" (¬12). 157 - {أَهْدى مِنْهُمْ:} من الطائفتين (¬13). 158 - {أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ:} دليل أنّ إتيان الرّبّ صفة له لا يجوز حملها على إتيان الأمر (¬14)، إذ الشّيء لا يعطف على نفسه. (آيات): الآيات الملجئة، كخروج (¬15) دابّة الأرض، وطلوع الشّمس من مغربها، وفتح سدّ ¬
يأجوج ومأجوج (¬1). {أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها [خَيْراً] (¬2)}: معطوف على قوله: {إِيمانُها،} إذ هو فعل في الحقيقة (¬3). والمعنى به: لا ينفع إيمان كافر ولا عمل مؤمن بعد المعاينة (¬4). 159 - {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا (¬5)} دِينَهُمْ: يتناول اليهود وأرباب الأهواء والمصلين إلاّ المتمسّكين بالكتاب والسّنّة (¬6). {لَسْتَ مِنْهُمْ:} أي: لا يجمعك وإيّاهم شيء من أسباب الموالاة. ثمّ أرجأ أمرهم إلى الله على سبيل التّهديد (¬7). 160 - {أَمْثالِها:} ثوابها (¬8). والمماثلة تقع بالحسن وبكونها مرضيّة. 162 - وإنّما حسن عطف (المحيا والممات) على (الصّلاة والنّسك) لمعنيين (¬9): أحدهما: أنّ الإضافة إضافة ملك، فكلّها مملوك الله (¬10) تعالى، مخلوق له، موجود بمشيئته وإنشائه وتسببه. والثّاني: أراد بالمحيا ما يوجد في الحياة من نيّة صالحة وهمّة محمودة، وما (¬11) يوجد من التّأهب للموت والاستعداد له. و (المحيا): يجوز أن يكون مصدرا (¬12) كالمركب والمشعر، ويجوز أن يكون اسما كالملبس والمطعم. 163 - {أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ:} في عصره (¬13). 165 - {خَلائِفَ:} "جمع خليفة" (¬14). ¬
{وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ:} أي (¬1): في المعيشة، وقيل (¬2): في العلم والسّيرة. وإنّما قال: {إِنَّ رَبَّكَ؛} لأنّ المخاطب هو رسول الله، يدلّ عليه ما قبله: {قُلْ} [الأنعام:164]، ثمّ ذكر الأحكام، وقوله: {(إِنَّ رَبَّكَ)} خارج عن ذلك الحكم صادر على أصل الخطاب. والوصف ب {سَرِيعُ الْعِقابِ} (¬3) لا يضادّ الوصف ب (الحليم) (¬4)؛ لأنّ السّرعة غير العجلة، يدلّ عليه (¬5) أنّ العجلة لا تدع الرّجل أن يمهل من القلق والضّجر، وأمّا السّرعة فلا تمنعه (¬6) من الإمهال ولكنّه إذا ابتدأ بالأمر لم يبطئه شيء (¬7). والله أعلم. ¬
سورة الأعراف
سورة الأعراف مكّيّة، وعن ابن عبّاس وقتادة إلاّ خمس آيات نزلن (¬1) بالمدينة، [أوّلها] (¬2) قوله: {وَسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ} [الأعراف:163]. وهي مئتان وستّ آيات مدني كوفي، وخمس بصري (¬3). بسم الله الرّحمن الرّحيم 1 - {المص:} قال ابن عبّاس (¬4): «أنا الله أعلم وأفصّل». ويحتمل أن تكون الصّاد إشارة إلى الفصل، أي: إلى هذا الفصل (¬5)، فإنّ السّور (¬6) فصول لا محالة. ويحتمل إشارة إلى الصّدق (¬7)، أي: (110 ظ) أنا الله أعلم وأصدق، أو الرّسول صادق (¬8)، أو الوحي صدق (¬9). 2 - {كِتابٌ:} هذا كتاب (¬10). {حَرَجٌ:} شكّ، عن ابن عبّاس ومجاهد وقتادة والسدّي (¬11): أي: لا تشكنّ (¬12) في ظهوره وانتشاره، أو في نفسه وعينه. وقال الفرّاء والزّجّاج (¬13): المراد بالحرج (¬14) الخوف، أي: لا تخافنّ من عجزك عن القيام به فإنّك موفّق لتبليغه، أو من ردّهم وإنكارهم فإنّك منصور عليهم. والضّمير في {مِنْهُ} (¬15) عائد إلى الإنذار على سبيل التّقديم والتّأخير (¬16). {وَذِكْرى:} عطف على (كتاب) (¬17). 4 - {فَجاءَها بَأْسُنا:} الفاء بمعنى الواو، كقولك: أعطيتني فأحسنت (¬18) إليّ. وقيل: ¬
المراد بالإهلاك مشيئة الإهلاك، وبمجيء البأس إمضاء الحكم وإتمامه، فلذلك (¬1) عقب. وفي قوله: {أَوْ [هُمْ] (¬2)} قائِلُونَ: واو مضمرة للحال، أي: وهم قائلون (¬3). والقيلولة: النّوم والاستراحة في نصف النّهار، تقول (¬4): قلت أقيل قائلة وقيلولة (¬5). 5 - {فَما كانَ دَعْواهُمْ:} قولهم وكلامهم الذي يكرّرونه (¬6) ويتّخذونه عادة، كما في قوله: {دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ اللهُمَّ} [يونس:10]. وإنّما ذكر دعواهم ليعلموا (¬7) أنّ عاقبة أمرهم النّدامة والاعتراف. 6 - {فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ:} فيعمي (¬8) الأنباء عليهم {فَهُمْ لا يَتَساءَلُونَ} [القصص:66]، وأمّا المرسلون فيقولون: {لا عِلْمَ لَنا إِنَّكَ أَنْتَ عَلاّمُ (¬9)} الْغُيُوبِ [المائدة:109]. 7 - (الغيبة): الزّوال عن مكان (¬10). 8 - والموازنة (¬11) والوزن: تسوية الحساب ومقابلة الحسنة بالحسنة والسّيّئة بالسّيّئة، كوزن (¬12) الشّعر، عن قتادة ومجاهد والضّحّاك والأعمش. وفي الحديث أنّ العبد المؤمن يؤتى بتسع وتسعين سجلا (¬13)، كلّ واحد منها مدّ البصر، فيها خطاياه وذنوبه، فتوضع في كفّة الميزان، ثمّ يخرج له بطاقة من تحت العرش بمقدار الأنملة فيها شهادة أن لا إله إلاّ الله، فتوضع (¬14) في كفّة أخرى فيقول: يا ربّ ما تزن (¬15) هذه البطاقة مع هذه (¬16) الصّحف؟ فطاشت الصّحف ¬
ورجحت البطاقة (¬1). فيه دليل على أنّ الموزون هو الدّواوين ونسخ الأعمال، هكذا روي عن ابن عمر (¬2)، ومن فحوى ظاهر قوله: {وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ} [الفرقان:23] أنّ الأعمال تعاد وتقلب جواهر للوزن (¬3). وقوله صلّى الله عليه وسلّم: (ترى الرّجل (¬4) الطّويل العظيم الأكول الشّروب لا يزن عند الله يوم القيامة جناح بعوضة) يدلّ على وزن أجسام العاملين، ولا تنافي بين هذه الأقاويل لإمكان الجمع بين أن يحاسب العبد ثمّ يوزن بدواوينه ثمّ توزن أعماله ثمّ يوزن نفسه، كما يبتلى في الدّنيا مرّة بعد مرّة، وكذلك في القبر (¬5) والقيامة. {الْحَقُّ:} «العدل» (¬6). {فَمَنْ ثَقُلَتْ:} بالخير. {مَوازِينُهُ:} جمع الميزان، إمّا لوزن (¬7) كلّ جنس من عمله على حدة فيصير الميزان موازين (¬8) في حقّه، وإمّا لاعتبار طريقة العرب أنّهم يجمعون الشّيء بأجزائه (¬9). 10 - {مَعايِشَ:} جمع معيشة، وهي ما يعاش (¬10) به من القوت. والعيش امتداد الحياة. 11 - {وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ:} يعني خلق الطّينة (¬11). {ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ:} يعني تصوير النّفس الجامعة لصور النّاس وهو نفس آدم عليه السّلام (¬12). وقيل: (ثمّ) (¬13) لترادف الأخبار دون الأشياء المخبر عنها. و (التّصوير): إمالة الأشكال (¬14). ¬
12 - {قالَ} الله: {ما مَنَعَكَ:} حبسك، {أَلاّ تَسْجُدَ:} (111 و) أي: عن أن تسجد (¬1)، ويحتمل: ما حملك على أن لا تسجد (¬2). 11 - {لَمْ يَكُنْ مِنَ السّاجِدِينَ} (¬3): أي: لم يسجد، وقيل: لم يكن من جنس السّاجدين؛ لأنّه أدخل في جملة المخاطبين على طريق التّبع لكونه دخيلا ملحقا (¬4). 13 - {قالَ (¬5)} فَاهْبِطْ مِنْها: من وجه الزجر (¬6) ونشزاتها (¬7) إلى المستنقعات من السّواحل والجزائر (¬8)، وعن مقاتل: من الجنّة (¬9)، وعن مجاهد: من السّماء (¬10)، وعن أبي روق: من صورته؛ لأنّه مسخ لافتخاره بنفسه (¬11)، وليس لأحد أن يتكبّر في مواضع الملائكة ولا في سلطان غيره وفعل غيره. 14 - {قالَ أَنْظِرْنِي:} أجّلني وأمهلني، قال على وجه المكايدة وإرادة لتأخير العقوبة، فأمهله الله تعالى استدراجا ليزداد إثما فيزاد (¬12) عقوبة. وقيل: ظنّ اللّعين أنّه إن أمهل إلى ذلك الوقت أمهل عن الإماتة وسلم عن ذوق الموت من حيث إنّه يوم حياة لا يوم موت، فآيسه الله تعالى وأبهم الإنطاق (¬13). وقيل: أجابه إثابة له على (¬14) عبادته المتقدّمة لئلاّ يبقى له في الآخرة إلاّ النّار. 16 - {قالَ فَبِما أَغْوَيْتَنِي:} فبإغوائك إيّاي، والباء للقسم والسّبب، أو المقارنة (¬15). و (الإغواء): الإضلال، عن ابن عبّاس (¬16). ¬
{لَأَقْعُدَنَّ:} جواب قسم (¬1)، ومعناه إعراضه عن شرائع الإسلام وسبيل الحقّ ليوسوس ويصدّ ويزلّ ويضلّ (¬2)، قال الله تعالى: {وَاُقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ} [التّوبة:5]، أي: في كلّ مرصد (¬3). 17 - {ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ:} الآخرة، {وَمِنْ خَلْفِهِمْ:} الدّنيا، {وَعَنْ أَيْمانِهِمْ:} الدّين، {وَعَنْ شَمائِلِهِمْ:} الشّهوات (¬4). {وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ:} ظنّا منه بالعسرى التي جعلها الله تعالى من موهومه وخلقه لها ويسّرها (¬5) عليه. 18 - {قالَ اُخْرُجْ مِنْها:} يحتمل على سبيل التّكرار (¬6)، ويحتمل خروج عن معنى آخر (¬7). {مَذْؤُماً:} معيوبا (¬8)، {مَدْحُوراً:} مطرودا مبعدا (¬9). {لَمَنْ تَبِعَكَ:} والله لمن تبعك، وجوابه: {لَأَمْلَأَنَّ} (¬10). 20 - {فَوَسْوَسَ لَهُمَا:} صوّت لهما. ووسوس إليه، أي: ألقى إليه صوتا خفيّا (¬11). واللام (¬12) في {لِيُبْدِيَ} لام (كي). واختلفوا في مواراة سوآتهما، قيل: كانت بالحليّ والحلل، فطارت عنهما بالمعصية. وعن (¬13) ¬
وهب أنّها كانت بنور يغشي العيون ويمنع عن الإدراك (¬1)، فلمّا عصيا ذهب النّور. وذكر القتبيّ (¬2) أنّها كانت بجهلهما سوآتهما، فلمّا أكلا من شجرة العلم علما أنّهما عريانان فتواريا في الأشجار. {أَنْ تَكُونا:} كراهة أن تكونا، عند البصريّين (¬3)، ولئلاّ تكونا، عند الكوفيّين (¬4). 21 - {وَقاسَمَهُما:} أقسم وحلف لهما باسم الله تعالى (¬5). و (النّصح): ضدّ الخيانة (¬6). 22 - {فَدَلاّهُما:} قربهما، من قوله: {فَتَدَلّى} [النّجم:8]، عن أبي الهيثم (¬7). وقيل: جرّأهما، من الدّلّ والدّالّة، فصيّرت إحدى اللامات ياء (¬8). وقيل: «دلاهما من الجنّة إلى الأرض» (¬9). {وَطَفِقا:} «أخذا في الفعل» (¬10). {يَخْصِفانِ:} يضمّان ويجمعان، إطباق طاق على طاق، ومنه خصف النّعل (¬11). روي أنّ الأشجار كلّها امتنعت ولم تمكّنهما من أخذ الورق إلاّ شجرة التّين (¬12). وفي الآية دلالة على وجوب (¬13) الفعل بالعقل، قيل: لمّا خاطب الله تعالى آدم بقوله: {أَلَمْ أَنْهَكُما،} قال: بلى يا ربّ ولكنّي لم أعلم أنّ أحدا يحلف (111 ظ) بك كاذبا (¬14). 23 - {قالا رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا:} لمّا اعترفا بقبح أفعالهما وتعرّضا للمغفرة، واعتقدا الخسران إن لم يغفر الله لهما، وسكتا عن الاحتجاج بالمشيئة والتّقدير استوجبا المغفرة في حكم الله تعالى (¬15). ¬
25 - {قالَ فِيها:} «أي: في الأرض {تَحْيَوْنَ»} (¬1). 26 - {يا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ:} لمّا ذكر الله تعالى قصّة آدم عليه السّلام، كيف بدت سوأته، وكيف طفق [يخصف] (¬2) عليه من ورق الجنّة ذكر منّته الجسيمة على بنيه في رزق (¬3) اللّباس ليشكروه على ذلك، وليستنّوا بسنّة أبيهم في ستر العورة (¬4). وإنّما قال: (أنزلنا)؛ لأنّ تركيب (¬5) النّبات والحيوان من الأصول الأربعة، فالثّلاثة منها منزلة في المشاهدة: الحرارة والماء والرّيح (¬6)، أو لمكان التّقدير والكتابة في اللّوح المحفوظ وذلك في السّماء وإن كانت الأعيان في الأرض، نظيره قوله: {وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ} [الذّاريات:22] (¬7)، أو لمكان الإلهام بالنسج والاكتساء، والإلهام يجيء مجيء الروح وذلك من فوق (¬8)، أو لتفخيم شأن الإعطاء (¬9)، ولذلك سمّيت يد المعطي اليد العليا ويد السّائل اليد السّفلى. ف (اللّباس): كالمئزر الثّخين (¬10). و (الرّيش): هو لباس الرّفاهية والتّجمّل (¬11)، ومنه سمّي الحارث الرائش (¬12) رائشا وهو من ملوك حمير (¬13). {وَلِباسُ التَّقْوى:} الريش؛ لأنّ الإنسان يتعفّف به ليحسب غنيّا، وقيل: ما يستر مواضع الشّهوة سوى السّوأة (¬14)، وقيل: ثياب (¬15) التّواضع كالصّوف والفرو (¬16)، وقيل: الحياء الذي هو من الفطرة (¬17)، وعن ابن عبّاس العمل الصّالح (¬18)، وعنه السّمت الحسن (¬19)، وعن ¬
قتادة والسدّي الإيمان (¬1)، وعن الكلبيّ العفاف والتّوحيد (¬2)، وعن زيد بن عليّ الدّرع وسائر ما يتّقى به في الحرب (¬3)، وعن عروة بن الزّبير قول الرّجل: حسبنا الله ونعم الوكيل (¬4). والخطاب في قوله: {ذلِكَ} راجع إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بدليل ضمير الجماعة في قوله: {لَعَلَّهُمْ.} 27 - {يَنْزِعُ عَنْهُما:} للحال، أو مستقبل بمعنى الماضي (¬5). وإبليس لم يفعل ولكن أسند الفعل إليه لحصوله بسببه، كقوله: {رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً [مِنَ النّاسِ]} (¬6) [إبراهيم:36]. والنزع كالسّلخ (¬7). {وَقَبِيلُهُ:} حزبه وجماعته (¬8). وقوله: {مِنْ حَيْثُ} يقتضي كونهم متستّرين (¬9) عنّا بشيء لو لم يتستّروا لرأيناهم، قال صلّى الله عليه وسلّم: (من احتاج إلى كشف عورته فقال: بسم الله ما شاء الله (¬10) لا قوّة إلاّ بالله، كان سترا بينه وبين الجنّ) (¬11). {إِنّا جَعَلْنَا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ:} قيّضناهم قرناء (¬12). 28 - {وَإِذا فَعَلُوا فاحِشَةً:} وهو تقديمهم (¬13) عند الطّواف، وقيل (¬14): هو عامّ. {قالُوا وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا:} على وجه الاحتجاج إذا ناظرهم مؤمن وبيّن لهم قبحها (¬15)، وقوله: {إِنَّ اللهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ} دليل أنّها موجودة قبل الشّريعة، وهي ¬
ما جبل الطّبائع على ردّها وذمّها كالظّلم والكذب والغدر والتخنث (¬1) ونحوها، لم يوجبها الله تعالى في كتاب ولا لسان نبيّ ولا ندب إليها ولا أباح. 29 - {قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ:} فيه دليل أنّ القسط موجود قبل الشّريعة وإلاّ لما صحّ الأمر به، وهو العدل الذي يتعادل به العقلاء (¬2). (112 و) {وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ:} أي: أخلصوا عزائمكم ونيّاتكم وليكن كلّ واحد منكم ذا (¬3) وجه واحد ولا يكوننّ (¬4) ذا وجهين منافقا مرائيا ولا يكوننّ معرضا. {عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ:} في كلّ متعبّد (¬5). {كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ:} تشبيه العود بالبدء (¬6) من حيث التّقليب والتّركيب والإحياء والإنطاق، وعن ابن عبّاس أنّ التّشبيه لكونهم حفاة عراة غرلا بهما (¬7). وإنّما لم يقل: يعيدكم، لاعتبار نظم رؤوس الآي عند الكوفيّين، ولاعتبار سائر الأفعال المسندة إليهم عند الباقين. 30 - {حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ:} أي: ثبت وظهر وتحقّق، تقول: حقّت الخيانة على فلان، أي: ظهرت (¬8). وإنّما قال: {هَدى،} ولم يقل: أضلّ؛ لأنّ الله متّصف بالهداية من جميع الوجوه، غير متّصف بالإضلال (¬9) من جميع الوجوه. 31 - {خُذُوا زِينَتَكُمْ:} أمر بستر العورة عند الطّواف والصّلاة، عن ابن عبّاس وعطاء ومجاهد (¬10). ويجوز أن يكون حكم التّرجيل والتّطيّب ولبس الجديد والألبسة الحسنة في الجمع والأعياد مأخوذا منها على وجه الاستحباب (¬11). وكان المشركون قد سوّل لهم الشّيطان أن لا يطوفوا في ثياب يبتدلون (¬12) فيها ويقولوا: ¬
لا نطوف في ثوب عصينا الله فيه، فالغنيّ منهم قد أعدّ لطوافه ثوبا، والمتوسّط كان يكتري، والفقير كان يطوف عريانا، وربّما لا يكرون للمرأة الحسناء ثوبا (¬1) لتطوف عريانة فينظروا إلى عورتها، حتى طافت واحدة وقالت (¬2): [من الرّجز] البدن (¬3) … يبدو بعضه أو كلّه فما بدا منه فلا أحلّه فبيّن الله أنّه من تسويل الشّيطان، وأنّه فاحشة كحكم البحيرة والسّائبة، فأمر بستر العورة واستحلال لحوم حرّموها واستباحة ألبان حظروا عنها، ونهى عن مجاوزة الحدّ المعتاد في الأكل والشّرب واللبس حتى يصير شهرة في النّاس. 32 - {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ:} ما كانت الكفّار يحرّمونه على أنفسهم ممّا (¬4) سبق ذكره، وكانت الحمس (¬5) إذا أحرمت لم تتدسم بلحم ولا سمن ولا أقط، فنفى الله تعالى أن يكون ذلك حكمه (¬6). 33 - {قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ:} أحكامهم وشرائعهم المبتدعة (¬7). {وَالْإِثْمَ:} ما اعترفوا بأنّه منكر (¬8)، وقيل (¬9): هو الخمر، قال الشّاعر (¬10): [من الوافر] شربت الإثم حتى ضلّ عقلي … كذاك (¬11) الإثم يذهب بالعقول {وَالْبَغْيَ:} استطالة بعضهم على بعض (¬12). ولم يدخل في جملة الفواحش؛ لأنّهم لم يكونوا يستبيحونه، ولم يدخل في الإثم؛ لأنّهم (¬13) كانوا يفتخرون به ولا يقطعون الحكم بأنّه منكر. وقيل (¬14): الإثم والبغي (¬15) دخلا في الفواحش، وإنّما خصّهما لتعظيم شأنهما. ¬
وإنّما وصف البغي {بِغَيْرِ الْحَقِّ؛} لأنّ ظاهر الجهاد يتصوّر بغيا وهو بالحقّ لمكان الدّعوة إلى الإسلام بإذن الله عزّ وجلّ (¬1). {وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللهِ:} حرّم عليكم أن تشركوا به شيئا ما، وأيّ شيء فإنّ الله (¬2) {لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً.} {وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ:} أي: أن تكذبوا على الله بأن تجعلوا الفواحش من أحكامه (¬3). 34 - {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ:} أجل الموت (¬4)، وعن مقاتل أجل العذاب (112 ظ) والإهلاك (¬5)، وهي خاصّة على هذا القول. اتّصال الآية بما قبلها من حيث التّهديد والإنذار بمجيء الأجل (¬6) ودفعه لكي يبادروه إلى ما فيه الفلاح والنّجاة. و (الاستقدام): التّقدّم إلى الأجل عند دنوّه، و (الاستئخار): التّأخّر (¬7) والتّباعد عنه وهو غير ممكن (¬8). 35 - {يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتِي:} العهد المأخوذ (¬9) على آدم وبنيه. وهو عطف على قوله: {فِيها تَحْيَوْنَ وَفِيها تَمُوتُونَ وَمِنْها تُخْرَجُونَ} [الأعراف: 25]، وفصل ستر العورة وغيره كالعارض في الكلام. 37 - {أُولئِكَ يَنالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتابِ:} ما وعدوا من خير أو شرّ، عن ابن عبّاس (¬10). فإنّ كان المراد به في الدّنيا فجرت الغاية في موضعه، وإن كان المراد به في الآخرة فهو عارض. وعن الرّبيع وابن زيد نصيبهم العمر والرّزق (¬11). وعن مجاهد أعمال لم يعملوها بعد، لا شكّ أنّهم يعملونها (¬12)، أي: على قضيّة العلم والمشيئة والتّقدير. ¬
{جاءَتْهُمْ رُسُلُنا:} الملائكة (¬1). {يَتَوَفَّوْنَهُمْ:} قيل (¬2): عن الدّنيا إلى الآخرة، وقيل (¬3): عن عرصة القيامة إلى النّار. 38 - {قالَ:} الله تعالى، {اُدْخُلُوا فِي أُمَمٍ،} أي: في عدادهم (¬4). و (الأخوّة) بين الاثنين في الدّين (¬5)، أو من حيث اجتماعهما في النّار. {حَتّى إِذَا اِدّارَكُوا:} «أي: تداركوا وتلاحقوا» (¬6). {رَبَّنا هؤُلاءِ أَضَلُّونا:} سنّوا لنا السّنن السّيّئة (¬7) وأسّسوا قاعدة الضّلال. {عَذاباً ضِعْفاً:} مضاعفا (¬8). {قالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ:} عذاب مضاعف (¬9)، قيل: هم الأوّلون دون الآخرين، {وَلكِنْ (¬10)} لا تَعْلَمُونَ: ذلك ليجادلوا الآخرين، فتكون (¬11) مجادلتهم نوع مشقّة وحزن وعذاب. وقيل (¬12): هم الأوّلون والآخرون؛ لأنّ لكلّ أمّة استئناف الضّلالة وتأويل الفاسدة والرّضا بأن تكون بدعتها سنّة لمن بعدها. 39 - {وَقالَتْ أُولاهُمْ لِأُخْراهُمْ:} مجادلة (¬13) منهم عن القول الأوّل. {فَما كانَ لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ:} ليس لكم عذر تتفضّلون به علينا فإنّكم دخلتم في الضّلالة مختارين كما دخلنا من غير إكراه وإجبار (¬14). وكلامهم هذا اتباع لقول [البعض] (¬15): لكلّ أمّة ضعف، على القول الثّاني. ¬
40 - {لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ:} لا ترفع أرواحهم إلى علّيّين ولا أعمالهم إذ ليس لهم كلام طيّب ولا عمل صالح (¬1)، وقيل (¬2): لا يبارك عليهم فإنّ البركات تنزل من السّماء، وقيل (¬3): لا يرحمون. {حَتّى يَلِجَ الْجَمَلُ:} وهو من الإبل كالرّجل من النّاس (¬4). {فِي سَمِّ الْخِياطِ:} ثقب (¬5) الإبرة وخرطها. وفي مصحف ابن عبّاس: (الجمّل) بضمّ الجيم وتشديد الميم (¬6)، وهو حبل السّفينة (¬7)، وفي مصحف ابن مسعود: (في سم المخيط) وهو كالإزار والمئزر (¬8). وولوج الجمل في سمّ الخياط غير متصوّر إلاّ بتقليب أحدهما وتغيير (¬9) التّركيب وحينئذ لا يبقى الاسم، وهي غاية الإياس (¬10)، كقول الشّاعر (¬11): [من الوافر] إذا شاب الغراب أتيت أهلي … وصار القار (¬12) كاللّبن الحليب 41 - {وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ:} «جمع غاشية» (¬13). 42 - {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَها:} فائدة العارض (¬14) بين المبتدأ والخبر هو الأمن من التّكليف بما فوق الطّاقة من الأعمال الصّالحات ووقوف الثّواب عليه (¬15). ¬
43 - {مِنْ غِلٍّ:} تفسير لما في (¬1) صدورهم. والغلّ: الدّخلة والضّغن (¬2) والحقد. (113 و) والمراد بالهداية ما وعد الله المؤمنين بقوله: {يَوْمَ (¬3)} تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ [الحديد:12]، وقيل: الوحي الكتاب؛ لأنّ الإيمان قبل الدّعوة لا يوجب الجنّة وإن كان في نفسه مسقطا للعقاب. والمراد بالرّسل الذين يدخلونهم الجنّة يومئذ. {وَنُودُوا:} أي: ناداهم الله، أو نادتهم الملائكة (¬4)، أو أصحاب الأعراف عند رفعهم أصواتهم بالتّحميد. 44 - {أَنْ قَدْ وَجَدْنا ما وَعَدَنا رَبُّنا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا:} المراد بالوعد في حقّ أهل النّار الوعيد، وإنّما وقعت العبارة عنه بالوعد لازدواج الكلام، كقوله: {وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ} [الكهف:29]. ويحتمل أنّ المراد بالوعد في حقّ الفريقين جميعا هو البعث بعد الموت، قال الله تعالى: {وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللهُ مَنْ يَمُوتُ بَلى وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا} [النّحل:38]. وفائدة السّؤال التّقريع والتّبكيت (¬5). {فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ:} «أعلم معلم» (¬6)، وهو جبريل (¬7)، عن ابن عبّاس. {أَنْ:} أي: بأن {لَعْنَةُ اللهِ} (¬8). 45 - ثمّ وصف الظّالمين في الحياة الدّنيا (¬9). 46 - {وَبَيْنَهُما:} «أي: بين الجنّة والنّار» (¬10). {حِجابٌ:} حاجز وحائل، وهو السّور الذي {باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ} ¬
{الْعَذابُ} [الحديد:13]، وهو العذاب (¬1). وأعراف الرّمال أشرافها، وواحد الأعراف عرف، ومنه عرف الدّيك (¬2). {وَعَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ:} الذين استوت حسناتهم وسيّئاتهم، عن ابن عبّاس وابن مسعود وحذيفة (¬3). وسئل صلّى الله عليه وسلّم عنهم فقال: (هم الذين قتلوا في سبيل الله بمعصية آبائهم) (¬4). وعن مجاهد الذين رضي (¬5) عنهم أحد الأبوين دون الآخر (¬6). وروي عن ابن عبّاس ولد الزّنا (¬7)، وقيل (¬8): أطفال المشركين. والضّمير في قوله: {لَمْ يَدْخُلُوها وَهُمْ يَطْمَعُونَ} [عائد على] (¬9) أصحاب الأعراف. وقال عليّ رضي الله عنه: نحن الأعراف، يعني بني هاشم، نعرف كلاّ بسيماهم (¬10)، كأنّ الضّمير على تأويل عليّ (¬11) [عائد على] أصحاب الجنّة (¬12)، ويجوز إطلاق أصحاب الجنّة قبل الدّخول فيها. 47 - {وَإِذا صُرِفَتْ أَبْصارُهُمْ:} أبصار أهل الأعراف (¬13)، وأصحاب الجنّة على قضيّة تأويل عليّ (¬14). {تِلْقاءَ:} الشّيء: تجاهه (¬15). {قالُوا (¬16)} رَبَّنا لا تَجْعَلْنا: على قضيّة الرّوايات، يدلّ أنّ أصحاب الأعراف مرجون لأمر الله تعالى ويخافون دخول النّار، وعلى تأويل عليّ: قال أصحاب الجنّة عند المرور على الصّراط قبل دخول الجنّة. ¬
48 - {رِجالاً يَعْرِفُونَهُمْ (¬1)} بِسِيماهُمْ: مثل أبي جهل والوليد وشيبة وعتبة، يقول لهم (¬2) أصحاب الأعراف على وجه اللّوم والتّقريع (¬3). 49 - {أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ:} مثل بلال وصهيب وسلمان والمقداد وغيرهم، كانت قريش تستبعد وجه فلاحهم (¬4) وتنكر دخولهم الجنّة. {لا يَنالُهُمُ اللهُ بِرَحْمَةٍ:} لا تنالهم (¬5) رحمة. {اُدْخُلُوا الْجَنَّةَ:} قيل لأصحاب الجنّة على سبيل الرّضا بدخولهم الجنّة (¬6) عند دخولهم، وهو شبيه بالدّعاء، كما تقول للآكل: كل (¬7) هنيئا، وللشّارب: أساغك الله. وقيل: القول مضمر، وتقديره: قيل لأصحاب الأعراف: ادخلوا الجنّة بشفاعته (¬8). وقال ابن عبّاس: أصحاب الأعراف قوم ينتهى بهم إلى نهر يقال له الحيوان (¬9)، جانباه (113 ظ) قضب الذّهب مكلّل بالدّرّ، فيغتسلون فيه ويخرجون وفي نحورهم شامة، فيعودون فيغتسلون فيزدادون (¬10) بياضا وحسنا، فيقال لهم: تمنّوا، فيتمنّون ما شاؤوا، فيقال لهم: لكم سبعون ضعفا، فهم مساكين أهل الجنّة (¬11). وعلى قضيّة تأويل عليّ هذا القول قول أصحاب الأعراف لأصحاب (¬12) الجنّة قبل دخول الجنّة. 50 - {أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ (¬13)} أَوْ مِمّا رَزَقَكُمُ اللهُ: من الأشربة والطّعام (¬14). وإنّما استعمل الإفاضة على الجميع وإن كان فيه ما لا يتصوّر إفاضته على سبيل ¬
الإتباع (¬1)، كقوله: {أُخْرِجْنا مِنْ دِيارِنا وَأَبْنائِنا} [البقرة:246]، وقال الشّافعيّ (¬2): [من الوافر] إذا ما الغانيات برزن (¬3) … يوما وزجّجن الحواجب والعيونا وإنّما لم يقولوا: لا نفيض؛ لأنّ فيه شمّة بخل ولكنّهم ذكروا وجه المنع وعلّته. 51 - {فَالْيَوْمَ نَنْساهُمْ:} من كلام الله، منسوق على قوله: {كَذَّبُوا بِآياتِنا} [الأعراف:36 و 40] في أوّل الفصل. 52 - {وَلَقَدْ جِئْناهُمْ بِكِتابٍ:} أي (¬4): أتيناهم. {فَصَّلْناهُ:} عالمين به وبمعانيه (¬5)، ومجازه: فصّلناه على غير جهل ولا على جهل. {هُدىً وَرَحْمَةً:} يجوز أن يكون مفعولا له من فعل المجيء (¬6)، وأن يكون حالا للضّمير في (فصّلناه) (¬7). 53 - {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاّ تَأْوِيلَهُ:} والمراد بالتّأويل مآل ما تشابه (¬8) من الوعيد وعاقبته وبيانه، كقوله: {فَسَوْفَ يَكُونُ لِزاماً} [الفرقان:77]، {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ} (10) [الدّخان:10]. {فَهَلْ لَنا مِنْ شُفَعاءَ:} فيه (¬9) معنى الطّلب والإرادة، ومثله قوله (¬10): {هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ} [الصّافّات:54]. ويحتمل أنّه بمعنى (¬11) النّفي، كقوله: {هَلْ يَنْظُرُونَ} [البقرة:210]، {هَلْ مِنْ خالِقٍ} [فاطر:3]. ¬
{فَيَشْفَعُوا لَنا:} جواب الاستفهام بالفاء (¬1). {أَوْ نُرَدُّ:} «أو هل نردّ» (¬2). وإنّما خسروا أنفسهم لكونها رهينة بما كسبت. 54 - {إِنَّ رَبَّكُمُ:} فصل في دلائل الرّبوبيّة ترتّب على فصل الوعد والوعيد ليكون أنجع (¬3) في القلوب، وكذلك هو في أوّل سورة البقرة. و {السَّماواتِ:} إنّما لم يجمع سماءات؛ لأنّ الهمزة في وحدانها (¬4) غير أصليّة، وهي واو انقلبت (¬5) همزة لوقوعها طرفا بعد ألف زائدة (¬6). {سِتَّةِ:} اسم عدد الثّلاث مرّتين، أصله: سدسة (¬7). والمراد به الأيّام العقباويّة، كلّ يوم ألف سنة من سني الدّنيا (¬8)، يدلّ عليه ما يروى من خلق آدم عليه السّلام ودخوله في الجنّة وخروجه منها وبكائه على خطيئته وقبول توبته، كلّ ذلك في آخر يوم الجمعة، وقيل: والجمعة الثّانية يوم القيامة. والحكمة في الخلق على المهلة مع كونه مقدورا في أقلّ من لحظة هو (¬9) التّنبيه على حسن الوقار. وقوله: {ثُمَّ اِسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ} يدلّ [على] (¬10) أنّ العرش لم يكن مستوى عليه في هذه الأيّام السّتّة مع كونه موجودا من قبل لقوله: {وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ} [هود:7]. وهذا الكلام يفيد كون العرش آية على الرّبوبيّة يوجب العلم لمن (¬11) شاهده من غير استدلال، فإنّ العيون تتّجه إليه عند رؤية من تعالى عن الجهات، وإنّ الأسماع تصغي إليه عند استماع كلام من تعالى عن المخارج واللهاة (¬12). ¬
وهو سرير كما شاء الله فوق السّموات السّبع، وهو سقف الفردوس فيما يروى (¬1). ولقد سأل (114 و) إسرافيل عليه السّلام الرفيع عن عرش ربّ العزّة قال: سألت الروح (¬2) عن عرش ربّ العزّة قال: سألت القلم (¬3) عن عرش ربّ العزّة قال: إنّ للعرش (¬4) ثلاث مئة وستّين ألف قائمة، كلّ قائمة من قوائمه مثل الدّنيا ستّين ألف مرّة، تحت كلّ قائمة ستّون (¬5) ألف مدينة، في كلّ مدينة ستّون ألف صحراء، في كلّ صحراء ستّون ألف عالم، في كلّ عالم (¬6) مثل الثّقلين الجنّ والإنس ستّين (¬7) ألف مرّة لا يعلمون أنّ الله تعالى خلق آدم ولا إبليس، ألهمهم الله تعالى أن يستغفروا لأبي بكر وعمر وعثمان وعليّ ومحبّيهم، ومصداق هذا الحديث قوله: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ} [البقرة:255]، وقوله: {رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} [التّوبة:129]، وقوله: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا} [غافر:7]. {يُغْشِي اللَّيْلَ:} يكسو (¬8) ظلمة اللّيل نور النّهار ويسترها به، والنّور هو المشبه باللّباس؛ لأنّه عارض طارئ والظّلمة هي (¬9) الأصل. {يَطْلُبُهُ حَثِيثاً:} صفة النّهار على سبيل التّشبيه أيضا، أي (¬10): كأنّه طالب اللّيل مسرعا في أثره (¬11). والطّلب لا محالة قبل التغشية (¬12) فهو الإصباح وهو طلوع الشّمس. و (التّسخير): تصريف الشّيء لا على (¬13) اختياره. {أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ:} الفعل والقول، ليس الخلق بأمر ولا الأمر بخلق (¬14). 56 - {بَعْدَ إِصْلاحِها:} الهاء عائدة إلى الأرض. ¬
وإصلاحها وضع الميزان فيها وإنزال الكتب (¬1) إلى أهلها. و (الخوف) من قضيّة (¬2) الهيبة، و (الطّمع) من قضيّة حسن الظّنّ، فالله (¬3) تعالى عزيز لا يوازيه عزيز، كريم لا يضاهيه كريم (¬4)، ليس يعرفه من لا يهابه خائفا ولا يحسن الظّنّ به راجيا، كما لا يعرف السّرور من لا يرضاه، ولا يعرف الحزن من لا يكرهه (¬5). وإنّما قال: {قَرِيبٌ} لاعتبار المعنى (¬6)، وهو الفعل. 57 - {وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً (¬7)}: منشرة في الآفاق، فإن كانت فاعلة فإنّها تنشر السّحاب بإذن الله تعالى. وبشارتها أداؤها حروف الكلم إلى الأسماع بإذن الله، ويحتمل أنّها إيهام ما جرت به العادة في العلم من الحوادث السّارّة والضّارّة تتبع الرّياح المختلفة. {أَقَلَّتْ:} استقلّت وحملت (¬8). و (السّحاب): اسم جنس، واحدتها سحابة (¬9). و (الثّقال): جمع الثّقيل، كالغلاظ جمع الغليظ (¬10). وإنّما وصف السّحاب الثّقال على اعتبار الجمع، وهو (¬11) لغة تميم، ومثله قوله: {أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ} [الحاقّة:7]. {سُقْناهُ:} الهاء عائدة إلى السّحاب (¬12). وهو لغة قريش، يذكرون بلفظ الوحدان كلّ جمع لا فرق بينه وبين واحدته إلاّ بالهاء (¬13). ¬
{فَأَنْزَلْنا بِهِ:} أي: بالسّحاب وبسببه، أو بذلك البلد وفيه (¬1). {كَذلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتى:} كما أخرجنا النّبات (¬2)، قيل: إنّ الأرض تمطر بماء (¬3) كالمني أربعين صباحا بعد الهمزة، وهي الرقدة أربعين سنة فيما بين النّفختين، فتنبت (¬4) الموتى بإذن الله تعالى كما نبتوا في الأرحام بإذنه تعالى {لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ.} 58 - {وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ:} الأرض السّهل المنبت الذي طبيعته كريمة (¬5). {وَالَّذِي خَبُثَ:} هي السّبخة ونحوها (¬6). {لا يَخْرُجُ إِلاّ نَكِداً:} لا يخرج نباته (114 ظ) إلاّ عسرا قليل الخير (¬7). وهذا تنبيه على صفة المؤمن الكريم والكافر اللّئيم (¬8). 59 - {لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ} (¬9): ذكر جماعة من أهل العلم بالأنساب والتّواريخ أنّ آدم عليه السّلام لمّا قارب أجله أوحى الله إليه يأمره (¬10) باستخلاف شيث عليه السّلام على ذرّيّته، فقام فيهم خطيبا بلغته فقال (¬11): الحمد لله الذي خلقني بيده، ونفخ فيّ من روحه، وأسجد لي ملائكته، وعلّمني أسماءه (¬12)، وأسكنني جنّته، فمضت مشيئته في معصيتي له وإخراجي من جواره، فله الحمد على إقالته عثرتي، ورحمته ضعفي، وتوبته عليّ، ومغفرته لي، ومعونته إيّاي على محاربتي عدوّي إبليس، وله المنّ في ذلك والطّول، وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، الباقي بعد فنائي وانقراض عمري، عليكم يا بنيّ بطاعة الله، والإنابة إلى أمر الله، والرّضا بقضاء الله تبارك وتعالى تنالوا بذلك رضوان الله، وتأمنوا به سخطه (¬13)، واجتنبوا طاعة النّساء، فبئس الشّركاء هنّ ولا بدّ منهنّ. ثمّ أخبرهم بعذاب نازل بعد ألف سنة من وفاته، وبعد ألفي سنة ومئتين في بعض الرّوايات، وكلاهما ممكن؛ لأنّ بعد الشّيء ¬
لا يقتضي الاقتران به، يجوز الاتّصال والانفصال، وأمرهم باحتفاظ جسده إلى أن ينجلي العذاب ثمّ يدفنوه في (¬1) الأرض المقدّسة، وبشّر من يتولّى حفظ التّابوت إلى الأرض المقدّسة بطول العمر وإرجائه إلى يوم القيامة، واستخلف عليهم شيث عليه السّلام، وودّعهم، وفرغ من خطبته، ومرض من يومه، وسمّى لشيث مكانا أرسله إليه لعلّه يلقى الرّوح الأمين عليه السّلام فيستهديه (¬2) شيئا من ثمار الجنّة، فمضى شيث إلى ثمّ (¬3) فإذا هو بجبريل عليه السّلام ينعى إليه أباه ويعزيه ويخبره (¬4) بأنّهم نزلوا للصّلاة عليه، فرجع معهم وغسّل أباه وحنّطه وكفّنه بتعليم جبريل عليه السّلام، ثمّ قدّم جبريل عليه السّلام شيث ليصلّي عليه أبيه، وقام جبريل مع الملائكة خلفه، ثمّ إنّ شيث أودع أباه تابوتا من الساج، وتولّى الأمر وهو ابن ثلاث مئة سنة، وتوفّي وهو ابن ثمان مئة، واستخلف على قومه قينين، فتولّى الأمر بعد أبيه (¬5) وهو ابن خمس مئة سنة، وحارب الجنّ وأثخن فيهم القتل، وتوفّي وهو ابن سبع مئة سنة. فمن وفاة آدم (¬6) إلى وفاة قينين على هذا الحساب سبع مئة سنة، فكأنّه كان قد ولد يوم وفاة آدم. والله أعلم أهذه السنون (¬7) شمسيّة أم قمريّة أم كان النّاس يحسبون في ذلك الزّمان مدّة مسير الشّمس في البروج الشّاميّة سنة كاملة على حدتها (¬8)، ومسيرها في البروج اليمانيّة كذلك، كحساب طائفة من الهنود. ويحتمل أنّ حسابهم كان على حساب سائر النّجوم السّيّارة سوى النيرين. وهذه تواريخ قد فسدت باختلاف العبارات والعادات، فمن المخبرين من يذكر مدّة ما بين ولادة الأوّل إلى ولادة الثّاني، ومنهم من يذكر هذه ما بين وفاة ذلك إلى ولادة هذا، ومنهم (115 و) من يذكر ما بين خروج ذلك إلى خروج هذا، ومنهم من يذكر من وقت فلان إلى وقت فلان لا يقف على مراده من الوقت، ومنهم من يترجم فيغلط في التّرجمة، ومنهم من يستدلّ على الحوادث الماضية بأمارات (¬9) نجوميّة من اجتماعها وافتراقها فيقتضي بأنّ تلك الحادثة كانت عند تلك (¬10) الأمارات، ويقطع الحكم ثمّ يستخرج الحساب على هذه القضيّة (¬11)، ¬
ومنهم من يتعمّد الكذب، فالواجب أن لا يعتمد على شيء من ذلك ما لم يكن ثابتا بالتّواتر أو الإعجاز (¬1). ثمّ قام بالأمر بعد قينين ابنه مهلايل وقام في النّاس خطيبا بلغته وقال: الحمد لله الذي علا في سنائه، وتلألأ في بهائه، وتعظّم في كبريائه، ونفذ أمره في أرضه وسمائه، أحمده على ما ساق إلينا من نعمته، وأفضل علينا من كرامته، أيّها النّاس عليكم بطاعة ربّكم الذي بيده نواصيكم، وإليه منقلبكم ومثواكم، اجتنبوا سخطه وتمسّكوا بدينه تنالوا بذلك رحمته، وتأمنوا به من عذابه، ولا قوّة إلاّ بالله. وامتلأت أرض الحجاز ويمامة في أيّامه من النّاس (¬2)، ووقع بينهم التّباغي والتّحاسد، ففرّقهم خمس فرق، أسكن (¬3) أولاد شيث بالعراق وسيّر الفرق الأربع (¬4) إلى مهبّ الرّياح الأربع، وأمّر عليهم، زعموا، ودّا وسواعا ويغوث ويعوق (¬5) ونسرا، وهم رجال صالحون، فلمّا درج مهلايل ودرجوا من بعده اتّخذ النّاس تماثيل على صورهم يسكنون إلى رؤيتها، ثمّ طال الزّمان وانتشأت الذّرّيّة على ذلك فاعتادت وعبدت التّماثيل، وبقي النّاس فوضى لم يملّكوا أحدا ولم يجتمع (¬6) أمرهم. وكان مهلايل قد ولد له اليارد، ولليارد أخنوخ وهو إدريس النّبيّ (¬7) عليه السّلام. ولم يبلغنا كميّة بقاء مهلايل واليارد في الدّنيا، ولا سمعنا متى ولد أخنوخ عليه السّلام. قالوا: وولد لأخنوخ متوشالخ على رأس ثلاث مئة سنة من عمره، فلمّا بلغ ثلاث مئة وخمسا (¬8) وستّين رفعه الله مكانا عليّا، وكيفيّة قصّته تأتي في موضعها إن شاء الله تعالى. وولد لمتوشالخ لمك (¬9)، وللمك نوح عليه السّلام فأرسله (¬10) الله إلى قومه وهو ابن مئتين وخمسين سنة، فلبث فيهم ألف سنة إلاّ خمسين عاما بعد الدّعوة، أو مع ما مضى قبل الدّعوة، وعايش ثلاثة قرون منهم، فلم يجبه إلاّ (¬11) ثمانون شخصا من رجل وامرأة، كان الرّجل من الكفّار يحمل ولده إلى نوح عليه السّلام فيريه إيّاه ويقول: يا بنيّ لا يفتننّك هذا الشّيخ المجنون عن دينك ودين آبائك، فلمّا ضاق ذرعا دعا على قومه: {رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ} ¬
{الْكافِرِينَ دَيّاراً} [نوح:26]، فاستجاب الله دعاءه وأمره بغرس الشّجر، شجر الساج، فعلم نوح عليه السّلام أنّ في الأمر مهلة، فأمر بغرس الأشجار (¬1) عشر سنين، وأدركت القطع بعد أربعين سنة، ثمّ أمر الله بقطعها واتّخاذ السّفينة منها، وألهمه كيفيّتها فعمل السّفينة على خلقة البطّ، وجعل لها رأسا كرأس الدّيك، وذنبا كذنب الطّاووس، (115 ظ) وصيّرها أربعة أطباق، طبقا له ولأصحابه وطبقا للبهائم والوحوش وطبقا للسّباع (¬2) وطبقا كالسّقف في بعض الرّوايات لئلاّ يصل المطر إليهم من نحو السّماء، وقيّرها داخلا وخارجا، وسدّها بالمسامير، وفرغ من ذلك فبينا (¬3) ابنته تختبز إذ فار (¬4) التّنّور بالماء وفجّرت الأرض عيونا فبادرت إلى أبيها تخبره، فنادى نوح في أصحابه فاجتمعوا إليه ودخلوا السّفينة، وحشر الله إليه (¬5) حيوان الأرض فأخذ من كلّ جنس زوجين، وامتنع الحمار عن الدّخول فزجره نوح وقال: ادخل يا شيطان، فدخل إبليس معه، فلمّا أبصره نوح عليه السّلام قال: من أدخلك (¬6)؟ قال: أنت وليس لك عليّ سلطان فإنّي من المنظرين، ودعا (¬7) نوح ابنه يام فلم يجبه، وحال بينهما الموج فكان من المغرقين. واختلف النّاس في عوج بن عنق، قال بعضهم: لم يغمره الماء ولم تدركه دعوة نوح؛ لأنّه لم يكن ديّارا، أي: صاحب دار. وقال بعضهم: شذّ عن عموم الدّعوة واختصّت الدّعوة بالباقين. ويحتمل أنّه كان من أصحاب السّفينة ثمّ كفر بعد ذلك بهود وسائر الأنبياء. وقيل: إنّه من ذرّيّة إرم بن سام، ولد بعد الطّوفان. فكانت أبواب السّماء مفتّحة بماء منهمر والأرض متفجّرة بالماء أربعين يوما، ثمّ قال (¬8): {يا أَرْضُ اِبْلَعِي ماءَكِ وَيا سَماءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْماءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاِسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ} [هود:44] بعد سبعة وخمسين يوما، وقيل: بعد مئة وخمسين يوما، وقيل: بعد ستّة أشهر، وقال وهب: وإنّما استقرّت لعشر خلون من رجب، وقيل: إنّه خرج من السّفينة لعشر خلون من المحرّم. والجوديّ من جبال الجزيرة، فابتنى نوح عليه السّلام هناك (¬9) مذبحا لله تعالى وقرّب ¬
قربانا، وأنشأ الله تعالى على قربانه ريح الرّاحة (¬1)، وبارك عليه وعلى بنيه، وابتنى نوح هناك قرية الثّمانين. قالوا: وغرس ما كان حمل في السّفينة من الفواكه، وافتقد الكرم، كان إبليس قد استرقه فردّه على شرط أن يكون ثلثاه له. وزعموا أنّ أصحاب السّفينة لم يعقبوا إلاّ ثلاثة منهم: سام وحام ويافث، بنو (¬2) نوح عليه السّلام، ومن النّاس من أنكر هذا القول وقال: لو كان كذلك لقال الله تعالى في سورة بني إسرائيل: ذرّيّة نوح، ولما قال: {ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ} [الإسراء:3]، ويدلّ على هذا المعنى أيضا قوله سبحانه وتعالى: {يا نُوحُ اِهْبِطْ بِسَلامٍ مِنّا وَبَرَكاتٍ عَلَيْكَ وَعَلى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ} [هود:48]، ويحتمل أنّ المراد بمن معه بنوه ونساؤهم دون غيرهم. وأرباب الملك كلّهم في الأقاليم كلّها ما خلا الهنود والمانويّة (¬3) مقرّون معترفون بالطّوفان، ودلّتهم الدّلائل النّجوميّة على كونه أيضا قبل إسكندر بألفي سنة وسبع مئة واثنتين وتسعين (¬4) سنة، وقالت النّصارى: قبل إسكندر بألفي سنة وتسع مئة وستّ وخمسين سنة، (116 و) وقالت اليهود: قبل إسكندر بألف سنة وسبع مئة واثنتين وتسعين سنة، فتاريخ النّصارى أقرب إلى القبول وهو يتقدّم على تاريخ المنجمة بمئة وأربع وستّين، وكذلك على تاريخ مولد باسديو الهند يتقدّم على تاريخ (¬5) الهند بألف كاملة ومئتي سنة. وإنّما اخترنا تاريخ النّصارى؛ لأنّهم أعرف بإسكندر وأضبط للحساب على مذهب اليونانيّة، وعهدهم بالوحي السّماويّ أقرب من اليهود، وكتابهم أقلّ تحريفا وتبديلا، ولأنّ الطّوفان ينبغي أن يكون متقدّما (¬6) على مولد باسديو الهند لا محالة فإنّ الهند تهندت وتبلبلت الألسن، والله أعلم بالحقيقة. قالوا: وعاش نوح عليه السّلام بعد الطّوفان مئتين وخمسين سنة، ثمّ استخلف سام على ولده، وتوفّاه الله تعالى إلى رضوانه، وندب سام أصحاب السّفينة إلى حمل تابوت آدم (¬7) عليه السّلام إلى الأرض المقدّسة بعد ما كثر النّاس وعاد إلى الأرض بهجتها وأنسها، فانتدب الخضر عليه السّلام وحمله إلى بيت المقدس ودفنه هناك، فهو (¬8) حيّ إلى اليوم، وهو صاحب موسى عليهما السّلام، وهو من أولاد قابيل، زعموا. وقيل: الخضر صاحب موسى بليا بن ملكان بن ¬
فالغ بن عابر (¬1) بن شالخ بن أرفخشد ابن سام، وقيل: هو من ذرّيّة قوم آمنوا بإبراهيم عليه السّلام وهاجروا (¬2) معه إلى الشّام، والله أعلم بالحقيقة. قالوا: وولي الأمر سام بعد أبيه مئتي سنة، كان يشتو بأرض جوخى (¬3) ويصيف [بأرض] (¬4) الموصل، وقيل: [كان] (¬5) ممرّه على شطّ دجلة من الجانب الشّرقيّ فسمّي (¬6) سامراه، وهو يدعى اليوم سامرة وسرّ من رآه (¬7). ثمّ توفّي سام، واستخلف على ولده وسائر النّاس ابنه أرفخشد، قيل: وهو الذي تسمّيه العجم إيران، فعمر أرض العراق عمارة تامّة واختصّها لنفسه، وبقي ثلاث مئة سنة، ثمّ توفّي، واستخلف ابنه شالخ، فولي شالخ الأمر بحسن السّيرة والعدل مئتي سنة، ثمّ توفّي، واستخلف ابن أخيه جم بن نويجهان بن أرفخشد، قالوا: وفي أيّامه تبلبلت الألسن (¬8). هذه قصّة نوح بفاتحتها وخاتمتها على الإجمال والإيجاز. وقيل: إنّ الطّوفان كان مختصّا بأرض العراق والجزيرة (¬9) والحجاز، والمراد بالأرض في قوله: {رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ} [نوح:26] هذه البلاد دون غيرها من البلدان. 61 - {لَيْسَ بِي ضَلالَةٌ:} أي: لم يعرض لي هذا المعنى، كما يقال: ما بي (¬10) داء، وما بي آفة. 62 - ونصحته ونصحت له (¬11) بمعنى. {وَأَعْلَمُ مِنَ اللهِ:} من أمره وحكمه. 63 - {أَوَعَجِبْتُمْ:} ألف استفهام دخلت (¬12) على واو العطف، والتّقدير (¬13): أكفرتم وعجبتم (¬14). والعجب استبعاد وجه جواز الشّيء وإمكانه على سبيل اعتبار العادة (¬15). ¬
وإنّما توجّه عليهم الإنكار لمعنيين: لمجيء آدم وشيث وإدريس عليهم السّلام من قبل، ولأنّ إجراء العادة على سننها (116 ظ) غير واجب على الله سبحانه وتعالى. 64 - {وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا:} إن كان عوج من المكذّبين فهذا عموم بمعنى الخصوص وإلاّ فهو عامّ. و (عم) على وزن فعل، من عمي يعمى، تقول: هو عم وهما عميان وهم عمون (¬1). 65 - {وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً} (¬2): ذكر جماعة من أهل العلم بالأنساب والتّواريخ أنّ جم بن نويجهان علا في الأرض وجعل أهلها شيعا، فتنافرت القلوب وتبلبلت الألسن، فخرج أولاد يافث إلى مهبّ الصّبا والشّمال وتفرّقوا في تلك الدّيار، وملكهم، زعموا (¬3)، فراسياب بن ياسر بن بوذاب (¬4) بن الترك بن يافث حتى استولى عليه (¬5) وعليهم غانم بن علوان أخو (¬6) الضّحّاك بن علوان بن عمليق بن عاد بأمر عمّه (¬7) شديد بن عمليق بن عاد، ولمّا زال سلطان عاد عن ديار الشّرق قام بملك أولاد يافث، زعموا (¬8)، فراسياب بن ياسر بن بوذاسب بن الترك بن يافث، فكرّ بجنوده إلى العراق واستولى عليها سنين، وقتل (¬9) منوشهر بن كنعان بن نمرود، وكنعان (¬10) هو المسمّى إيرج (¬11)، ونمرود هو المسمّى فريدون، وامتدّ ملك فراسياب على العراق إلى أن خرج عليه زاب (¬12) بن بوذكاب بن منوشهر مفترصا أيّام الشّتاء، وتفرّق عسكره من أولاد يافث خلف أموالهم المواشي، فانحاز فراسياب من العراق إلى ديار الهياطلة، ثمّ التقت الفئتان بعد ذلك في أرض خراسان، وأصاب فراسياب سهم غرب فخالط (¬13) فؤاده، وانصرفت أولاد يافث إلى ديارهم، ومات زاب فجأة بعد ذلك بشهر. ¬
وأمّا أولاد حام إذ تبلبلت الألسن فقد (¬1) خرجوا إلى مهبّ الدّبور والجنوب فتفرّقوا في تلك الدّيار، واستولى على المغاربة منهم الوليد بن الرّيّان بن عاد بأمر ابن (¬2) عمّه شديد بن عمليق بن عاد، واستولى على المشارقة منهم غانم بن علوان الذي كان قد استولى على أولاد يافث، وقيل: كان فور ملك الهند الذي قتله إسكندر من ذرّيّته، وخرج من بابل من ولاية جم أولاد إرم (¬3) بن سام بعد خروج أولاد يافث وحام، وهم سبعة إخوة: عاد وثمود وضجار وطسم وجديس (¬4) وجاسم ووبار، فكان عاد يمشي أمام ذرّيّته ويرتجز فسار حتى نزل بأرض اليمن، وثمود يمشي أمام قومه ويرتجز فسار حتى نزل بالحجر بين الحجاز والشّام، وكان طسم يمشي أمام قومه ويرتجز فسار حتى نزل ببلاد عمان والبحرين، ونزل جديس بأرض اليمامة ووجّه بعض ولده إلى هجر، ونزل ضجار بتهامة والحجاز، ونزل جاسم مع ضجار وتفرّق ولده في ما بين الحرم إلى سفوان، وسار وبار إلى ما وراء رمل عالج فنزل هناك (¬5) ومسخت أولاده فهؤلاء العمالقة كلّهم يسمّون الجبابرة العاديّة ينسبون إلى العمّ الأكبر. ولمّا خرج هؤلاء (¬6) تحرّكت قلوب الباقين (117 و) فخرج من بابل في يوم واحد خراسان بن عاد بن سام، وفارس بن الأسور بن سام بن نوح، والروم بن اليفر بن سام، ورامين بن تارح (¬7) بن سام، وهيطل بن عالم بن سام، وساروا إلى أن نزلوا ديارهم. فلمّا مات عاد باليمن استخلف عمليقا، ثمّ مات عمليق وقام بالأمر شديد بن عمليق فجنّد الجنود وملك الملوك وأرسل ابني أخيه ضحّاكا وغانما ابني (¬8) علوان بن عمليق إلى بني سام ويافث، كل واحد في عشرة آلاف من الجبابرة، فقتل الضّحّاك جم الملك وأخذ شيئا من بطنه واسترطه (¬9)، وأرسل شديد ابن عمّه الوليد بن الرّيّان بن عاد إلى بني حام على ما سبق، وقعد هو على سرير الملك باليمن فكان ملك الملوك، ولمّا مات هو خلفه شداد بن شديد (¬10) من تحت يد هؤلاء الملوك الثّلاثة، فقهروا العباد وخربوا البلاد وامتدّ سلطانهم ألف سنة يجبى (¬11) خراج الأرض كلّه إلى ¬
شداد باليمن. وأمر شداد مئة قهرمان تحت يد كلّ واحد منهم ألف من الأعوان ليبنوا له جنّة في بعض أفضية اليمن إلى الشّام أطيبها طينة ونسيما، فبنوا مدينة (¬1) عظيمة من الذّهب مفصّصة بالدّرّ والياقوت، وبنى غرفا أساطينها المها والجزع والفيروزج (¬2)، وأجرى فيها من المياه العذبة، وجعل الأنهار مطليّة بالذّهب والفضّة، وجعل ترابها المسك والجاري (¬3)، وصاغ من الذّهب أشجارا على حافّات الأنهار، وعلّق من أغصانها الفصوص كأنّها مثمرة بها. قيل: من حين ابتدئ له البناء إلى تمامه خمس مئة سنة. فبعث الله إليه هود بن خالد بن الخلود بن عيص بن عمليق ابن عاد يدعوه إلى العبادة والتّوحيد، فاستكبر عن الإيمان، وخرج من حضرموت متوجّها إلى جنّته لينزلها في ثلاثين ألف رجل (¬4) من أهل بيته وعشيرته الأقربين واثني عشر ألف رجل من العبيد والخول، فلمّا بقي بينه وبين جنّته مسيرة يوم أرسل الله عليه وعلى من معه وعلى قهارمته (¬5) وأعوانه بهذه الجنّة صيحة من السّماء فخرّوا جميعا هامدين، وغيّب تلك الجنّة عن أعين النّاس حتى دخلها عبد الله بن قلابة في زمن معاوية، كان قد خرج مع (¬6) أصحابه في طلب الإبل، فضلّ (¬7) الطّريق وانفرد عن أصحابه في بعض الأفضية فإذا هو بتلك المدينة، فدخلها وأخذ فيها حاجته، وخرج متوجّها إلى معاوية ليخبره، فأخفاه معاوية واستحضر كعبا وسأله عن حال مدينة على وجه الأرض من (¬8) صفتها كذا وكذا، فقال كعب: نعم يا أمير المؤمنين جنّة شداد وسيدخلها رجل من العرب صفته كذا وكذا، والتفت فإذا هو بعبد الله بن قلابة، فقال: هو هذا فدخلها أو سيدخلها (¬9)، فعجب معاوية من ذلك، ووجّه مع الرّجل سريّة ليدلّهم على تلك المدينة فلم يهتدوا وحيل بينها وبينهم (¬10). ¬
وكان من قصّة الضّحّاك بالعراق أن (¬1) سام النّاس سوء العذاب، وأراد منهم الكفر والشّرك، فهرب منه لام بن عابر (¬2)، أخو قحطان، (117 ظ) حتى انتهى إلى باب المعادن بأرض الرّوم فاستوطنه، وبنى قبّة من رصاص وجعل فيه قبر نفسه وأوصى بنيه أن يدفنوه ويسدّوا (¬3) الباب بالرّصاص، ففعلوا. ولمّا أهلك الله شداد بن شديد حبس المطر وقحط النّاس في الشّرق والغرب، وتضعضع أمر الجبابرة العاديّة، وخرج أولاد يافث على غانم بن علوان، وخرج أولاد أرفخشد على الضّحّاك بن علوان، وزال سلطان عاد عن أقطار الأرض فلم يبقوا ظاهرين إلاّ في ديار اليمن على جهد وضرّ لهلاك مواشيهم وزروعهم، ومع ذلك هم متجبّرون مستكبرون (¬4) عن الإيمان بهود (¬5) عليه السّلام، إلاّ أنّهم يعظّمون الحرم، فوفدوا (¬6) إلى الحرم وفودا للاستسقاء، أحدهم مرثد (¬7) بن سعد بن عفير، والثّاني قيل بن عنز (¬8)، وقيل: قيل بن عمرو، والثّالث لقمان بن هزال، وقيل: لقمان بن عاد، والرّابع لقيم بن هزال، والخامس جلهمة بن فلان، فمرّوا على معاوية بن بكر وهو من عاد أيضا، كان قد التجأ إلى الحرم واعتزل قومه، فأضافهم شهرا ثمّ خرجوا إلى بيت الله، فأمّا مرثد بن سعد فكان (¬9) مؤمنا يكتم إيمانه، فشكا قومه ودعا عليهم بالهلاك، وأمّا لقمان (¬10) فخصّ دعوته وسأل (¬11) عمر سبعة أنسر ودخل (¬12) بعض الشعاب، ووقف سائر الوفود قبالة موضع البيت فبدت لهم ثلاث سحائب بيضاء وحمراء وسوداء، ونودوا: تخيّروا واحدة منهنّ فاختاروا السّوداء، فسيقت نحو اليمن، فلمّا رآها القوم تباشروا بالغيث، فخرج منها ريح صرصر، فلمّا أحسّوا بالرّيح تنادوا وصاحوا، وكان لهم رئيس يسمّى خلّجان (¬13) فذهب مع سبعين رجلا من أشراف قومه مستقبل الرّيح، وهبّت عليهم مثل شرار النّار (¬14)، ¬
فكانت تصيب هودا والذين معه بردا وسلاما (¬1)، والرّيح تقلع الصّخور العظام من رؤوس الجبال فتطير بها في الهواء ثمّ ترضخهم بها فتذوب أجسادهم وعظامهم. وكان ابتداء الرّيح يوم الأربعاء، فلم يبق إلى الأربعاء (¬2) الآخر غير الخلّجان، فأقبل إليه هود عليه السّلام آخذا (¬3) بعضادتي الفج ورأسه مع قلة الجبل وقال: أيّها العاتي المتمرّد (¬4) الجبّار تب إلى الله فارجع عن غيّك فإنّما هو يومك، قال: فهل ربّك محيي أصحابي إن آمنت؟ قال: لا يحييهم ولكن يبارك في الباقين، قال: أفيقيدني من ملائكته؟ قال: إنّ الله لا يقيد أهل معصيته من أهل طاعته (¬5)، قال الخلجان: فلنا أسوة بمن هلك ولا أحبّ أن أظهر استكانة لربّك. وعن ابن سلام أنّ الرّمل بالأحقاف كانت صخورا فصارت بتلك الرّيح رملا، وتلا قوله تعالى: {ما تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ (¬6)} إِلاّ جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ (42) [الذّاريات:42]. قال ابن عبّاس: أرسل الله (¬7) عليهم من الرّيح مقدار خاتم، ولو أرسل أكثر لأهلك الأرض كلّها (¬8)، والرّيح ريح دبور. وخلت ديار اليمن عن الأهل إلى أن سيّر نمرود إليها قحطان بن عابر، أخا لام وفالغ ابني (¬9) عابر، فتزوّج امرأة من العماليق فولدت له يعرب وجرهم وغيرهما، فعاد أخوال ولد قحطان أخوال ولد إسماعيل عليه السّلام، وتحوّل هود عليه السّلام (118 و) إلى حضرموت بعد هلاك قومه، ثمّ هاجر إلى مكّة وتوفّي بها عليه السّلام، وبالأحقاف من شحر (¬10) قبر يقال: هو قبر هود عليه السّلام (¬11). وبقي في الأرض من عاد بقايا إلى أن حاربهم يوشع بن نون بالشّام وجرهم في الحرم، وكان فرعون منهم من أولاد الوليد بن الرّيان (¬12). 68 - {ناصِحٌ أَمِينٌ:} أي: أهل لأن تأمنوني ولا تتّهموني (¬13)، وقيل (¬14): أمين عند الله ¬
في دينه، وقيل (¬1): أمين عندكم قبل الدّعوة. 69 - (الآلاء): النعماء، واحدها (¬2) ألى وإلى. 70 - وقوله: {قالُوا أَجِئْتَنا} يدلّ على أنّ الدّعوة (¬3) كانت مؤخّرة إلى أن مات الآباء على الكفر وانتشأت الذّرّيّة عليه (¬4). 71 - {قَدْ وَقَعَ:} «وجب» (¬5). {أَسْماءٍ:} مسمّيات التي نحتوها (¬6) ونصبوها آلهة وأربابا من عند أنفسهم (¬7). وفي الآية دلالة أنّ الاسم الحقيقيّ معنى ذوويّ وإلاّ لما تبّر (¬8) الله تعالى من تسميتها بالأسماء الأعلام والحروف المصطلحة الجارية مجرى الألقاب. 73 - {وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً} (¬9): عن ابن عبّاس أنّ مهلك ثمود كان في ملك نمرود بن كنعان بن جم، بعد ما ظهر إبراهيم، وذلك بعد مهلك عاد بعد خمس مئة عام. وقصّتهم فيما يروى أنّهم حذوا حذو عاد في التّمرّد والطّغيان والإشراك بالله، فبعث الله تعالى إليهم صالحا وهو ابن أربعين سنة، فكان يدعوهم إلى دين الله، يقف عليهم في مجالسهم ويهجم عليهم في أعيادهم، ويذكّرهم آلاء الله ونعماءه إلى أن شمط (¬10)، فلم يقبلوا منه وشكوه إلى رئيس عشيرته ليسلم لهم اغتياله أو يهاجره وينابذه ويكون (¬11) معهم في معاداته فلم يفعل. وأنّهم خرجوا ذات يوم إلى عيد لهم على سفح جبل لهم قالوا لصالح عليه السّلام: إن أحببت أن نؤمن بك (¬12) فأخرج لنا من هذه الصّخرة الصّمّاء (¬13) ناقة كوماء ذات عرف وناصية، فاستحيا صالح أن يسأل الله تعالى ما يتمنّونه حتى جاءته عزمة من الله تعالى وأذن له في السّؤال ¬
فسأل واستجيب له، وتزحّرت الصّخرة كما تزحر (¬1) النّاقة وتمخّضت كما تمخّض، وخرجت منها ناقة من أحسن ما يكون أملاها النفس، فأقبلت نحوهم حتى إذا أدنت (¬2) منهم بركت ووضعت سقبا (¬3) مثلها، ثمّ نهضت إلى الراعي وتبعها سقبها، فلمّا رأوا ذلك آمنوا بصالح عليه السّلام يومهم، وفي اليوم الثّاني أصبحوا كافرين لما عظم عليهم من ترك عادتهم وقالوا: لا نترك آلهتنا لهذه النّاقة، فقال لهم صالح عليه السّلام: أما إذ نكصتم على أعقابكم فإيّاكم أن تمسّوها بسوء فيأخذكم بعذاب أليم، وقسم الشّرب بينهما، قالوا: لك يا صالح ذلك (¬4) علينا، ومكثت النّاقة ما شاء الله تستوعب الماء يوم شربها ثمّ ترجع وضرعها يسيل لبنا وهم يستقبلونها بالمحالب والأواني فيأخذون حاجتهم من لبنها إلى أن تعشّق قذار (¬5) ومصدع صدوف وعنيزة، فأتياهما ذات يوم فقدّمتا إليهما طعاما كثيرا وخمرا عتيقا، فطلبا الماء ليمزجا الخمر به، فأتتاهما بلبن النّاقة وقالتا: لا ماء لنا اليوم فإنّه شرب النّاقة، قالا: فما لنا إن عقرناها (118 ظ) لنسيغ (¬6) لكم الشرب؟ قالتا: أنفسنا، فنشطا لذلك، فسوّل لهما الشّيطان والنّفس ذلك، وشربا من ذلك الخمر حتى سكرا، فخرجا إلى النّاقة واتبعهما سبعة من السّفهاء، فاستقبلوها وهي تصدر عن الماء، فبدأ قذار وضرب عرقوبها بسيف، وثنى مصدع فضرب عرقوبها الآخر، ثمّ لم يزالوا يرمونها حتى وجبت (¬7) وصاحت برغاء شديد نحو سقبها فرجع السّقب إلى ضخرة مرتفعة ورغا إلى السّماء، فأقبلوا نحوه يرمونه بقسيهم حتى سقط، وتسامعت ثمود بذلك (¬8) فخرج منهم فئام (¬9) بأيديهم السّكاكين واقتسموا لحومها، وبلغ (¬10) ذلك صالحا (¬11) عليه السّلام، فأقبل نحوهم باكيا حزينا حيران يقول: يا قوم عقرتم ناقة الله التي أخرجها لكم آية وحجّة عليكم فتوقّعوا العذاب فقد أظلّكم، قالوا: وما علامة ذلك؟ قال (¬12): تتلوّن وجوهكم ثلاثة ¬
أيّام (¬1) أظنّها يوم دبار، وهو [يوم] (¬2) الأربعاء، ويوم مؤنس، وهو الخميس، والعروبة، وهي الجمعة، ثمّ يصبحكم (¬3) العذاب يوم شيّار، وهو السّبت، فكان (¬4) كما قال. وهاجر صالح إلى مكّة، وقبره بها في المسجد الحرام بين زمزم والمقام على ما يروى. ولم ينزل ديار ثمود أحد (¬5) إلى اليوم فهي موحشة، وبئرها معطّلة، وفي بيوتهم المنقورة في الجبال عظام كعظام الفيلة والجمال، إذا أرادت العرب أن تجتاز تلك الدّيار رفعت الزّاد والماء، وسدّت أفواه الإبل لئلاّ ترتعي من حشيش ذلك الوادي. {هذِهِ ناقَةُ اللهِ:} (ذه): إشارة إلى المؤنّث، وهي في الأصل: ذي، فأبدلت الياء هاء ثمّ زيدت بإشباع (¬6) الهاء عند الحركة. (النّاقة): الأنثى من الإبل (¬7). 74 - {خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ عادٍ:} وكانت قد استولت على النّاس كلّهم، فلمّا درجوا تفرّدت ثمود في تلك النّواحي بالعدد والشّوكة (¬8). و (السّهل): ضدّ الحزن من الأرض (¬9). و (القصر): كالحصن (¬10). (النّحت): أخذ وجه الحجر والخشبة (¬11) ونحوهما. وهذا تنبيه على تسوية سقوفها وجدرانها إن شاء الله، أو لأنّها كانت على وجه الأرض كالبيوت المبنيّة ولم تكن الأرض كالأخاديد. 77 - (عقروا): قتلوا البعير (¬12). {وَعَتَوْا:} تمرّدوا وطغوا (¬13). ¬
78 - {الرَّجْفَةُ:} الحركة الشّديدة، وهي الزّلزلة في أرضهم والرعدة في أبدانهم عند الصّيحة (¬1). و (الجثوم) للنّاس والطّير كالبروك للبعير والربوض للغنم (¬2). 79 - {لا تُحِبُّونَ:} خطاب لجنس الكفرة قاضيهم وتاليهم، أخبر عن عادتهم (¬3). 80 - {وَلُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ} (¬4): وأرسلنا لوطا؛ لأنّ هذه الأقاصيص كلّها منسوقة على قوله: {لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً} [الأعراف:59] (¬5). وقوم لوط عليه السّلام هم سدوم وأدوما وعمورا وصعورا وصابورا، يرجعون في النّسب إلى بعض أولاد حام، أو من وقع في تلك الدّيار من العمالقة إن شاء الله. وهم أجهل خلق الله وأخبث النّاس، كانوا كالأنعام بل هم أضلّ، ولهم أحكام وسير عجيبة لا تطّرد على قضيّة (¬6) وحي إلهيّ ولا عقل منطقيّ ولا عادة صالحة ولا شهوة طبيعيّة، منها ما زعموا أنّ غريبا دخل مدينتهم فرماه أحدهم ببندقة فشجّه (¬7)، (119 و) ثمّ تعلّق به (¬8) يطالبه بدرهم، قال الغريب: رميتني فشججتني ثمّ تطالبني بدرهم، قال: نعم هذا حكم الملك، وشهد له رجال منهم، فقال الغريب: حتى أرى الملك، فجرّوه (¬9) إليه، فاحتال الغريب ليحصّل ثلاث بنادق قبل أن أدخل على الملك، فلمّا أدخل عليه رماه بهنّ وشجّه، فلم يجد بدّا من (¬10) أن يعطيه ثلاثة دراهم إمضاء لحكمه، فأخذ الغريب الدّراهم الثّلاثة ودفع منها واحدا إلى خصمه، وأضمر الملك له حقدا وحاول عليه سبيلا ليقتله، فاستضافه على أجناس اللحمان، فلمّا جلس الغريب على المائدة بدأ (¬11) بالسّمك، فارتفعت الأصوات بوجوب القتل عليه، وأنّ له قبل القتل حاجة مقضيّة (¬12)، فقال الغريب: حاجتي أيّها الملك أن تنادي في البلدان من شهد على غريب (¬13) بأكل السّمكة ¬
كانت عقوبته كذا وكذا، فنودي بذلك، ثمّ عقد الملك مجلس القضاء واستحضر هذا الرّجل ليقتله واستشهد النّاس عليه فلم يشهد عليه أحد، فخلّى سبيله. ومن خصالهم المذمومة الملاعبة والمراودة برمي البنادق، والتّضارط في الأندية، وإبداء السّوأة، والتفل بالبزاق في الوجوه، واللّواطة، وبسبب ذلك إنّهم كانوا أبخل النّاس على ثمارهم، وكانت ثمارهم كثيرة، وقحط ما حولهم من البلدان فكانت الغرباء يأتون ديارهم ويصيبون من ثمارهم، وذلك يشقّ عليهم فيستقبلونهم بالشّتم والضّرب، والمحتاجون لا ينزجرون، فتصوّر (¬1) إبليس لشقيّ منهم في صورة (¬2) صبيّ وضيء مشتهى، وتسوّر حائط بستانه ليأخذ شيئا من ثماره، فقصده ليضربه، فعرض عليه (¬3) إبليس نفسه ووسوس إليه حتى واقعه (¬4)، ثمّ دلّ الملعون أصحابه عليه، واستفاض الفاحشة فيهم وتعوّدوا ذلك (¬5). {ما سَبَقَكُمْ:} يدلّ أنّها لم تكن قبلهم (¬6)، وقيل (¬7): يدلّ على مبالغتهم فيها ولا يدلّ على ابتداعهم إيّاها. ولم يبيّن الله فيها حدّا (¬8). {مِنْ أَحَدٍ:} (من) للتّفسير وتأكيد النّفي (¬9). و {مِنَ الْعالَمِينَ:} لتبيين الجنس (¬10). وإنّما لم يقل: من النّاس، لتعظيم الأمر باللّفظ الأعمّ. 81 - {لَتَأْتُونَ الرِّجالَ:} يدلّ على تعليق الحكم بالجنس، فإنّه لا يفيد (¬11) في هذا الموضع إباحة ولا رخصة ولا شبهة. و (الشّهوة): داعية النّفس، وأراد لما فيها من اللّذّة (¬12). {مِنْ دُونِ النِّساءِ:} أي (¬13): من دون أن تأتوا النّساء، أراد صرف الشّهوة عن وجهها ¬
الاقتصار (¬1) عليها. {بَلْ أَنْتُمْ:} استفهام، إنّكم صرفتم (¬2) بشهوتكم إلى الرّجال دون النّساء على سبيل الإلجاء والاضطرار (¬3) بل أنتم مسرفون فيه باختياركم وقدرتكم. وقيل: جواب كلامهم: نحن نريد بذلك حفظ الأموال وخفّة العيال، فقال: {بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ (¬4)} مُسْرِفُونَ في هذه الفعلة وفي سائر الخصال (¬5). 82 - {أَخْرِجُوهُمْ:} لوطا وابنتيه زعورا وربثا، وقيل: ريّة (¬6) وعروبة. وقيل: لوط وابنتاه (¬7) والملائكة المرسلون. وقيل: كانوا ثلاثة عشر نفسا مع لوط وابنتيه والرابع عشر امرأته، ولذلك قالوا (119 ظ) لإبراهيم: لا نهلك قرية فيها أربعة عشر مؤمنا. {يَتَطَهَّرُونَ:} يتجنّبون عن القاذورات، وكان ذلك عيبا عندهم (¬8)، كالختان عند الهنود، والاستنجاء عند المشركين، والاتّزار (¬9) في الحمّام عند أصحاب (¬10) داود الأصفهانيّ. 83 - {فَأَنْجَيْناهُ وَأَهْلَهُ:} روي أنّ الملائكة لمّا نزلوا داره على هيئة الضّيفان مضت امرأته إلى قومها تخبرهم بهم، بخلا على الطّعام، فتسارعوا إليه، وفزع لوط عليه السّلام، فبشّره جبريل بأنّهم مرسلون لإهلاكهم، فقال مستعجلا: وما يمنعكم إذا؟ قالوا: {أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ} [هود:81]، وأخرج جبريل عليه السّلام ريشة من جناحه (¬11) فاختطفت أبصارهم، فرجعوا عميا يقولون: جاءنا لوط بسحرة. ولمّا جنّ عليهم اللّيل مشى لوط عليه السّلام إلى رجل منهم كان يذبّ عنه ويحسن جواره فأنذره بالهلاك ودعاه ليخرج معه (¬12) فلم يلتفت إلى قوله وأصرّ على كفره، فخرج لوط وقت الصّبح مع أهله، وخرجت معه امرأته فلمّا سمعت ¬
الهرة التفتت فمسخها الله حجرا (¬1). {مِنَ الْغابِرِينَ:} من الباقين في العذاب (¬2). وهاجر لوط إلى حضرة إبراهيم عليه السّلام فآواه وشاطره بماله، ولم يزل معه إلى أن توفّاه الله تعالى (¬3). 84 - {وَأَمْطَرْنا:} أراد الرّجم بالحجارة من سجّيل قبل (¬4) أن اقتلع جبريل تلك القريات، وقيل: بعد ما اقتلعها وقلبها وجعل عاليها سافلها، وكأنّ تلك الحجارة كانت من تربة تلك الأرض نضجت في الهواء وحرارة (¬5) الشّمس، أو بما شاء الله. وكان جبريل عليه السّلام رفعها فيما يروى إلى غاية سمعت ملائكة السّماء نبح (¬6) كلابهم وصقاع (¬7) ديكهم من غير أن انصبّ (¬8) لهم كوز أو تزلزل بهم مكان، ثمّ قلبها من ثمّ وتبعتهم الحجارة إلى أن رسخوا في الأرض، واستولت على تلك النّاحية عيون منتنة من ماء أسود. وكلّ من كان منهم في سفر أصابه حجر فقتله (¬9). {فَانْظُرْ:} أي: تفكّر واعتبر (¬10). (المجرم): الذي يأتي الجريمة، وهي الجريرة (¬11) والجناية. 85 - {وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً} (¬12): قيل: اسم شعيب بالعربيّة يثرون وبالعبريّة شعيب، وهو ابن شمعون بن عقبا (¬13) بن ثابت بن مدين (¬14) بن إبراهيم، وأمّه من أولاد لوط، وقال: هو ابن ميكيل، وأمّ ميكيل (¬15) ابنة لوط. وقيل: إنّ مدين بن إبراهيم عليه السّلام كان قد ¬
تزوّج ربثا بنت لوط، وهو وذرّيّته من ذرّيّة لوط. وعن محمّد بن إسحق أنّه شعيب بن (¬1) يثرون، والله أعلم. أرسله الله (إلى مدين)، وهم بنو مديان بن إبراهيم، حذف المضاف وأقام المضاف (¬2) إليه مقامه، وقيل (¬3): التّقدير: إلى أهل مدين، فإنّ مدين اسم البلدة، اشتقّ اسمها من اسم مديان، كما سمّيت (¬4) مصر مصرا باسم مصر بن قبط بن كنعان بن حام. قيل (¬5): أصحاب مدين هم أصحاب الأيكة، سمّى الله تعالى بلدهم أيكة لالتفاف شجرها (120 و) وإحداق الغياض (¬6) بها، يدلّ عليه (¬7) دعوته القوم في الموضعين جميعا إلى إيفاء الكيل والوزن. وقيل (¬8): أصحاب مدين غير أصحاب الأيكة لكن كانت إحدى البلدتين قريبة من الأخرى، وكان قد تواطأ أهلها على بخس الكيل والوزن، ألا ترى وصفه الله (¬9) تعالى بأخوّة أصحاب مدين؛ لأنّه كان من قبيلتهم، ولم يصفه بأخوّة أصحاب الأيكة؛ لأنّه لم يكن من قبيلتهم. وقال القتبيّ: إنّ شعيبا لم يكن من ولد إبراهيم عليه السّلام، ولكنّه من نسل رهط آمنوا بإبراهيم وهاجروا معه إلى الشّام، والله أعلم (¬10). وأجمعوا أنّه كان عربيّا، ولم يذكروا إلى من يرجع (¬11). وكان مكفوفا، وكان من (¬12) أفصح النّاس في زمانه وأبينهم (¬13) لما يريد، وكان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يسمّي شعيبا عليه السّلام خطيب الأنبياء (¬14). {جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ:} أي: ما ثبت في العقول من دلائل التّوحيد وحسن الإنصاف وقبح الخيانة، أو ما وصل إليهم من سبيل التّواتر من أخبار عاد ونمرود والمؤتفكات، أو ما أكرم الله به ¬
شعيبا من الفصاحة المعجزة والإخبار من المشاهدات مع كونه أعمى، أو العصا التي كانت لموسى عليه السّلام وكان شعيب قد أعطاها إيّاه، أو شيء لم يبلغنا خبره (¬1). {الْكَيْلَ:} تقدير الشّيء بالظّروف (¬2). {وَالْمِيزانَ:} ما تقدّر به ثقلا (¬3). {أَشْياءَهُمْ:} أموالهم وحقوقهم (¬4). {خَيْرٌ لَكُمْ:} من الخيانة. {إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ:} أي: إنصافكم النّاس خير لكم بعد أن تؤمنوا. ويحتمل أنّهم يدّعون الإيمان ببعض الأنبياء كادّعاء أهل الكتاب. 86 - وكانوا يعترضون لمن قصد شعيبا عليه السّلام ويخوّفونه بالقتل والأذى إن آمن به، فنهاهم عن ذلك وقال: {وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِراطٍ تُوعِدُونَ،} الآية (¬5). وعن السدّي أنّهم كانوا يقطعون الطّريق (¬6). {وَتَصُدُّونَ:} معطوف على {(تُوعِدُونَ)}. {فَكَثَّرَكُمْ:} بالعدد والعدد (¬7). 87 - وتعليق الصّبر بإيمان البعض دون البعض يحتمل ثلاثة أوجه: أحدها: أنّكم إن اختلفتم في أمري فانتظروا حكم الله ولا يحملنّكم ذلك على الاقتتال. والثّاني: أنّ المؤمنين لمّا استضعفوا ورأوا بسطة الكفّار كادوا يرتدّون على أدبارهم فقال (¬8): إن كنتم آمنتم وكفر غيركم فانتظروا حكم الله في العاجلة. والثّالث: أنّ المؤمنين منهم شكوا إليه فعزّاهم وأمرهم بالصّبر إلى أن يأتي الفرج من عند الله. وقوله: {وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ} و {خَيْرُ النّاصِرِينَ} [آل عمران:150]، و {أَرْحَمُ الرّاحِمِينَ} [الأعراف:151]، و {أَحْسَنُ الْخالِقِينَ} [المؤمنون:14] كلّه على سبيل المجاز ¬
واعتبار التّسمية واللّفظ دون المعنى، تعالى الله أن يجانس شيئا (¬1) من خلقه علوّا كبيرا. 88 - {لَتَعُودُنَّ:} يحتمل ثلاثة معان (¬2): أحدها: أنّ شعيبا وقومه كانوا على ملّة واحدة من الإيمان والتّوحيد، فلمّا أبدعوا بدعا نبّأ الله شعيبا وأحدث له ما شاء من أمره، وأمره بدعوة قومه كما أمر عيسى بدعوة اليهود، فلذلك دعوا شعيبا إلى العود. والثّاني: أنّ ملّتهم كانت كفرا، ولم يكن شعيب في ملّتهم قطّ (¬3) ولكن أدخلوه في حكم سائر المخاطبين من قومه المؤمنين (120 ظ) على سبيل المجاز. والثّالث: أنّهم ادّعوا الكفر عليه وموافقته إيّاهم من قبل ظنّا منهم، أو وقاحة وبهتا، كما قالت قريش: صبأ محمّد، أي: كان على ديننا فصبأ (¬4)، فقال شعيب عليه السّلام: أتكلّفوننا العود ولو كنّا كرهين، ينبّههم على أنّ العود لا يصحّ مع الإكراه. 89 - {بَعْدَ إِذْ نَجّانَا اللهُ مِنْها (¬5)}: يحتمل ثلاثة معان (¬6): أحدها: أنّ الإيمان والتّوحيد كان ملّتهم ولكنّ الله تعالى نسخ الإصر بالتّخفيف فقال شعيب: لو عدت إلى الإصر بعد ما عفا الله لكنت مفتريا على الله. والثّاني: أجاب عن قومه المؤمنين وأدخل نفسه فيهم على المجاز. والثّالث: عنى نجاة قبل الابتلاء، كقوله: {وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها} [آل عمران:103]، {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اِتَّقَوْا} [مريم:72]، وذلك قبل أن تمسّهم النّار إلاّ أن يشاء (¬7) الله، أي: حالة نسخ الشّرائع، أو حالة التقية في الأصل. {بِالْحَقِّ:} أي: بحكمك الحقّ (¬8)، حذف الاسم وأقيم الصلة مقامه. 90 - {وَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ:} لمؤمنيهم. 91 - قيل (¬9): أهلك الله أصحاب مدين بالرّجفة وأصحاب الأيكة بالظّلّة. وقيل (¬10): ¬
البلدة واحدة جمع الله عليهم بين حرارة الظّلّة وبين الرّجفة، كما جمع على ثمود بين الرّجفة والصّيحة. 92 - {الَّذِينَ كَذَّبُوا:} [مبتدأ] (¬1) وخبره: {كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا} (¬2). ويحتمل أنّ {(الَّذِينَ)} بدل عن الضّمير في {(فَأَصْبَحُوا)} (¬3). {كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا:} أي: لم ينزلوا (¬4)، أو لم يقيموا (¬5)، أو لم يعيشوا (¬6)، أو لم يكونوا فيها (¬7). 93 - {فَتَوَلّى:} أعرض عن دعوتهم عند معاينتهم البأس أو عند هلاكهم، وخاطبهم (¬8) بهذا الخطاب، فأسمعهم الله تعالى ذلك كما أسمع ثمود كلام صالح بعد هلاكهم، وأصحاب القليب كلام نبيّنا (¬9) صلّى الله عليه وسلّم. وهذا دليل على جواز عذاب القبر. {فَكَيْفَ آسى:} «أحزن» (¬10)، على سبيل النّفي والإنكار (¬11). 94 - {وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ:} لمّا ذكر الله تعالى بعض الأنبياء على التّفصيل ذكرهم على سبيل الإجمال ليعمّهم بالإخبار عنهم، وليزيد وعظا وعبرة. والآية مختصّة بالذين كذّبوا الأنبياء، والحال تدلّ عليه (¬12). {لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ:} أي: جعلنا البأساء والضّرّاء من دواعي التّضرّع والإذعان في الظّاهر المعقول دون المعلوم المقدور (¬13). 95 - {ثُمَّ بَدَّلْنا مَكانَ السَّيِّئَةِ [الْحَسَنَةَ] (¬14)}: فائدة التّبديل شيئان: أحدهما: فتنة ¬
الامتحان بالحالتين لئلاّ يبقى لهم عذر، والثّاني: فتنة اللبس والخذلان ليظنّ الجاهل المخذول أنّ صروف الدّهر وتقلّب الأيّام عادة لا تتضمّن (¬1) معنى الدّعوة والإنذار. {حَتّى عَفَوْا:} أي: إلى أن كثروا ونموا (¬2). 96 - {بَرَكاتٍ:} أبواب البركات (¬3). والبركة: النّماء والسّعة وكثرة الخير، وأبوابها: مصادرها التي تتولّد منها كالأمطار النّافعة والرّياح لوقتها (¬4). 97 - {أَفَأَمِنَ:} الفاء لتعقيب أمنهم الإنذار، والاستفهام على سبيل اللّوم والتّقريع (¬5). 98 - {أَوَأَمِنَ:} قيل: على الاستفهام، وقيل: على التّخيير (¬6). من أمن مكر الله كان معتقدا العجز في صفاته تعالى، ودخول فعله تحت الحظر والإباحة، أو نفى سبيله على عباده (¬7) من حيث ذنبهم وتقصيرهم، وكلّ هذه الثّلاثة كفر، ولذلك (121 و) توجّه الإنكار على من أمن مكر الله (¬8) تعالى. 100 - {لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ:} هم الموجودون وقت الإنكار والإنذار (¬9). {وَنَطْبَعُ:} كلام مستأنف (¬10)، وقيل: معطوف على قوله: {أَصَبْناهُمْ} (¬11)، كقوله: {لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ} [يونس:11]. {لا يَسْمَعُونَ:} الشّيء (¬12) النّافع إن شاء الله. وإنّما قال: لا يسمعون، ولم يقل: لا يفقهون، للمبالغة في النّفي، فإنّ الإنسان ربّما يسمع ¬
ولا يفقه، وأمّا أن يفقه ولا يسمع (¬1) فلا. ويحتمل أنّ المراد به نفي الاستمتاع (¬2). 101 - {فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا:} في الحالة الثّانية بما عدّوه كذبا في الحالة الأولى لترجّح اختيارهم الكفر على الإسلام في قلوبهم وآرائهم بخذلان الله تعالى (¬3). {بِما كَذَّبُوا:} باء السّبب وليست بالتي يتعدّى الإيمان بها، فتقديره (¬4) إذا: فما كانوا ليصيروا مؤمنين بسبب تكذيبهم أول مرة (¬5). والآية مختصّة بالمصرّين على الكفر دون الذين تداركهم الله برحمته (¬6). 102 - {مِنْ عَهْدٍ:} من محافظة عهد (¬7)، وقال ابن مسعود: من إيمان (¬8). 103 - {ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسى بِآياتِنا} (¬9): لمّا شدّد فرعون على بني إسرائيل الأمر وكاد يفنيهم لذبحه المواليد أبى الله أن ينشأ موسى إلاّ (¬10) في حجره {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً} [القصص:8]، وكان فرعون قد تبنّاه، فلمّا شبّ موسى عليه السّلام حمله حبّ إقامة القسط وإدحاض الجور وموالاة العشيرة (¬11) على أن وكز القبطيّ {فَقَضى عَلَيْهِ} [القصص:15]، {فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خائِفاً} إلى قوله: {لَغَوِيٌّ مُبِينٌ} [القصص:18] لمداومته على الجدال وملازمته الخصومة {فَلَمّا أَنْ أَرادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُما،} قال الغويّ (¬12): {أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَما قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ} [القصص:19]، وشنّع عليه لجهله وحمقه، واستفاض الخبر في المدينة فجاء خربيل النّجّار، وكان من قوم فرعون إلاّ أنّه قدّرت له السّعادة فقال: {يا مُوسى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النّاصِحِينَ (20) فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ} [القصص:20 - 21]، ¬
{وَلَمّا تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ قالَ عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ} (22) [القصص:22]، فأكرمه الله بصحبة شعيب عليه السّلام وبمصاهرته، وكان شعيب قد عمر بمدين مع المؤمنين من قومه إلى ذلك الزّمان بعد هلاك الكافرين من قومه، وكانت هذه القصّة قبل هلاك الكافرين، والله أعلم. ثمّ رجع من عند شعيب بعد عشر سنين، وقيل: بعد ثنتي عشرة سنة، مع أهله، واتّفقت له في الطّريق أسباب النّبوّة (¬1) بإذن الله تعالى، ونودي من الشّجرة {إِنَّنِي (¬2)} أَنَا اللهُ لا إِلهَ إِلاّ أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي (14) إِنَّ السّاعَةَ آتِيَةٌ أَكادُ أُخْفِيها لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى (15) فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْها مَنْ لا يُؤْمِنُ بِها وَاِتَّبَعَ هَواهُ فَتَرْدى (16) [طه:14 - 16]، وشاهد من عصاه ويمينه ما شاهد، وأرسل إلى فرعون بتينك (¬3) الآيتين، وغفرت له خطيئته في قتل القبطيّ الكافر (¬4) قبل إباحته، وألهم وأمر أن يستشفع في الرّسالة فاستشفع وأجيب إلى ذلك، وشفع بهارون عليه السّلام، وهارون بمصر. فردّ موسى أهله إلى شعيب وتجرّد للرّسالة متوكّلا على الله مطمئنّا على وعده: {أَنْتُما وَمَنِ اِتَّبَعَكُمَا (¬5)} الْغالِبُونَ [القصص:35]. (121 ظ) فلمّا انتهى إلى مصر وجد أباه قد توفّي، ووجد أمّه في الأحياء وكذلك أخاه وأخته، فنزل كهيئة الضّيف فقدّموا إليه طبيخا من خلّ وعدس بلحم، ثمّ تفرّس فيه هارون على المائدة فعرفه، وتباشروا به، وبشّر موسى أخاه بالرّسالة فقال: سمعا وطاعة، وأصبحا على باب فرعون من ساعتهما، فأذن لهما بالدّخول، وقيل: بقيا على بابه سنتين حتى انتهى أمرهما إليه واستحضرهما، وكان من قصّتهما معه ما سنذكره. {بِآياتِنا:} اليد والعصا وانحلال اللّسان وغير ذلك. وكانت العقدة وقعت في لسانه من جهة أنّما أخذ بلحية فرعون وهو رضيع، فهمّ فرعون بقتله متخوّفا أنّه عدوّه الذي سيهلكه، فتشفّعت امرأته وقالت: طفل لا يميز، فامتحنه فرعون بطبقين: طبق من ياقوت وطبق من جمر، فكاد موسى يلتقط ياقوتة لما جبله الله عليه من حسن الاختيار، ولو فعل ذلك لعلم فرعون علمه، فلبس الله الأمر على فرعون فضرب يد موسى إلى جمرة التقطها (¬6) ووضعها في فيه على عادة الصّبيان، فانزوى طرف لسانه إلى أن حلّه الله إكراما له وآية على صدق دعواه. ¬
{فَظَلَمُوا بِها:} أي: كفروا وكذّبوا وذهبوا بها غير المذهب فقالوا: هي سحر (¬1). 105 - {حَقِيقٌ:} «واجب» (¬2)، وقيل (¬3): جريء. {فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرائِيلَ:} أي: خلّ سبيلهم، وأمسك عن قتلهم واستبعادهم (¬4). 106 - {قالَ إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ:} إنّما قال هذا إنكارا لدعوة: {قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} [الأعراف:105]، ولم يرد بهذا السّؤال استرشادا واستبانة (¬5). 107 - {ثُعْبانٌ مُبِينٌ:} الحيّة اسم جنس ما ينساب على بطنه. والله شبّه الحيّة المنقلبة من عصا موسى بالثّعبان في عظم جثّتها والجانّ في سرعة انسيابها (¬6). وقيل (¬7): إنّ عصاه انقلبت مرّة ليلة البعث عند الشّجرة، ومرّة عند فرعون في داره، ومرّة يوم الزّينة بين يديه في عرصاته على أعين النّاس في مقابلة السّحرة (¬8)، فاختلفت الأوصاف لاختلاف الأحوال. 108 - {وَنَزَعَ يَدَهُ:} كان لون موسى إلى السّمرة ما هو، وكان عليه مدرعة صوف مضربة، فأدخل يده في جيبه ثمّ أخرجها إليهم بيضاء دريّة يغلب ضوؤها ضوء الشّمس (¬9). {لِلنّاظِرِينَ:} أي: فحيث مضى لأجل النّاظرين. 109 - {قالَ الْمَلَأُ:} أشراف قومه وخاصّته الذين كانوا سفراء بينه وبين العامّة، سمعوا هذه المقالة ثمّ خرجوا من عنده وقالوا للعامّة مثلها (¬10) تبليغا عنه، فالله تعالى ذكر مقالتهم ههنا ومقالته لهم في سورة الشّعراء (¬11). 110 - قال الملأ للعامّة تبليغا عن فرعون: {يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ (¬12)} مِنْ أَرْضِكُمْ فَماذا تَأْمُرُونَ، استأمرهم لاستمالتهم ولاجتماع الكلمة لئلاّ ينكر عليه بعضهم فعله فيقع بينهم ¬
التجادل (¬1) ويتمكّن بنو (¬2) إسرائيل من قهرهم وإعجازهم. 111 - {أَرْجِهْ:} الإرجاء: التّأخير والإمهال (¬3). وإنّما أشاروا عليه بذلك إمّا للتّثبّت والاستبانة، وإمّا للهدنة وخوف المعاجلة، وإمّا لصرف الله إيّاهم عن هذا الجواب إلجاء كي يتمّ مقدوره في السّحرة وفيهم. (122 و) 113 - {وَجاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ:} قيل: إنّ فرعون كان عنده رجلان مجوسيّان ساحران من أهل نينوى، وكان قد دفع (¬4) إليهما رجالا من قومه يعلّمانهم السّحر، فمهر في ذلك منهم سبعون رجلا وبلغوا النّهاية، وكان فرعون قد شحن بهم مدائنه (¬5) حوالي مصر ورتّبهم فيها، وأجرى عليهم الجرايات ليكونوا ميسه وليزيّنوا أمره إلى العامّة بالتّمويهات، فحضروا عنده لمّا استحضرهم، واستشرطوه لئن غلبوه ليعطيهم الأموال، وإنّما استشرطوه بمشهد النّاس لما علموا من خبثه أنّه لا يعرف لهم حقوقهم من غير ضمان، وعن عكرمة أنّهم كانوا ثلاثة وسبعين، وعن ابن إسحق أنّهم كانوا خمسة عشر ألف رجل (¬6). 114 - {قالَ نَعَمْ:} أجابهم إلى سؤلهم (¬7)، ووعد لهم التّقريب، ودفعه (¬8) الإقرار لشدّة الاضطرار وخوف الفضيحة (¬9). 115 - {إِمّا:} للشّكّ والتّخيير، ولم يعقب كلاما مستقلا بنفسه بخلاف (أو) (¬10). واعلم أنّ {(إِمّا)} ربّما وصلت بالفعلين ب (أن) كههنا، وقوله: {إِمّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمّا أَنْ تَتَّخِذَ [فِيهِمْ حُسْناً]} (¬11) [الكهف:86]، وربّما وصلت بالفعلين بغير (أن) كقوله: {إِمّا (¬12)} يُعَذِّبُهُمْ وَإِمّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ [التّوبة:106]، فإن وصلت ب (أن) حلّ الفعلان محلّ المصدر وكان فيهما معنى الأمر على سبيل التّخيير، وإن وصلت (¬13) بغير (أن) كانا خبرين، والواجب من ¬
الخبرين (¬1) أحدهما لا بعينه (¬2)، وفائدة الآخر الإيهام واللبس، والتّقدير ههنا: إمّا إلقاء منك وإمّا تسليم لنا لنلقي. وإنّما خيّروا موسى لجرأتهم ولاستواء الأمرين عندهم ولقصدهم قطع عذر موسى عليه السّلام من كلّ وجه (¬3). 116 - {قالَ أَلْقُوا:} سلّم لهم الابتداء ليتمكّنوا من سحرهم على طمأنينة وجرأة (¬4) وعقل، فيكون إبطاله بعد إتمامه أدلّ على الحقّ وأوقع في القلوب، ولو ابتدأ موسى لما تمكّنوا من سحرهم دهشا وحيرة (¬5). {وَاِسْتَرْهَبُوهُمْ:} «أرهبوهم» (¬6) واستدعوا رهبتهم (¬7). وإنّما وصف سحرهم بالعظم؛ لأنّهم حرّكوا الحبال والعصيّ في الرّمضاء بالحيل، وشبّهوا (¬8) الجماد بالحيوان بفعل أنفسهم في مقابلة الإعجاز من غير استعانة بالأرواح الخبيثة من الشّياطين مستبدّين (¬9)، فكان يصغر بجنبه كلّ سحر. 117 - {فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ:} «أي: فألقاها فإذا هي تلقف» (¬10). وإنّما قيل على لفظ الاستقبال؛ لأنّها تلقفت (¬11) شيئا بعد شيء (¬12). قال الكلبيّ: عظمت عصا موسى حتى كادت تسدّ الأفق، وفتحت فاها سبعين ذراعا، وأقبلت على فرعون فطوّقت رقبته بذنبها ثمّ فتحت فاها لتبتلعه، فاستعاذ فرعون بموسى (¬13)، فصاح موسى وأخذها فإذا هي عصا كما كانت (¬14). وعن السدّي أنّ فرعون هرب منها وأحدث (¬15). وقيل: ابتلعت الصّخور العظام، ¬
وكانت نار تخرج من فيها. 118 - {فَوَقَعَ:} أي: وجب ولزم وثبت مشاهدة وعيانا (¬1). 120 - {وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ:} أي: ألجئوا من غير اختيارهم، وذلك لعلمهم أنّ ما أتى به موسى عليه السّلام شيء إلهيّ ليس من حيلة الجنّ والإنس بانفراد ولا مشاركة، فإنّ تقليب الأعيان والإيجاد والإفناء من فعل الله تعالى، وإنّما علموا ذلك لتناهيهم في علمهم، (122 ظ) ولو كانوا مبتدئين لتوهّموا أنّه أسحر منهم، ولهذا يحمد التّناهي في كلّ علم ولو كان باطلا (¬2). ومن سنّة الله تعالى أن يجعل آيات أنبيائه أشياء تلتبس بالغالب من دعاوى أهل العصر لتكون الحجّة ألزم، فبعث موسى عليه السّلام في عصر التّمويهات، وعيسى عليه السّلام في زمن الطّبّ، ومحمّد صلّى الله عليه وسلّم في عصر الفصاحة والكهانة. 121 - {قالُوا آمَنّا:} يحتمل إلجاء كالسّجود، ويحتمل إخبارا. 123 - {قالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ:} لمّا رجعت العصا كهيئتها رجع إلى فرعون قدرته، وعاد إلى عادته الخبيثة من الكفر والطّغيان، وأنكر على السّحرة إيمانهم بغير إذنه (¬3)، يري العامّة أنّهم مسيؤون حيث لم ينظروا إذنه، ويريهم أنّهم كانوا قد واطؤوا موسى عليه السّلام في السّرّ من قبل، وأنّ دعوتهم واحدة (¬4). وهدّد السّحرة بقوله: {فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} (¬5). 124 - ثمّ أتبعه التّصريح بالوعيد فقال: {لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ} لعلّهم يخافونه (¬6). وإنّما اجترأ على السّحرة لما شاهد من عجزهم، أو لأنّه علم أنّهم لا يسحرونه بعد إيمانهم، أو لأنّه كان يعلم من قبل أنّهم مموّهون. 125 - {قالُوا إِنّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ:} في مجادلتهم فرعون دلالة على أنّ قدرتهم رجعت إليهم فآمنوا اختيارا بعد ما سجدوا اضطرارا. وإنّما علموا أنّهم صائرون إلى الله تعالى لما ألقى الله في قلوبهم من الإلهام. 126 - {وَقالَ الْمَلَأُ:} الأشراف (¬7) {مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ:} لمّا شاهدوا الآيات ورأوا ¬
إيمان السّحرة وسمعوا مقالة خربيل النّجّار خافوا الانتشار من رعاياهم، فأنكروا على فرعون تركه موسى وقومه مطلقين سالمين، فقالوا: {أَتَذَرُ مُوسى وَقَوْمَهُ} (¬1). {وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ:} أي: ويخلعك، نصب عطفا على التفسير (¬2). وفي مصحف أبيّ (¬3): (وقد تركوك وآلهتك): أصنامك التي نصبتها ليتقرّب الأقاصي بها إليك، يدلّ عليه قوله: {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى} [النّازعات:24] (¬4). وقرأ ابن عبّاس (¬5): (وإلاهتك)، يعني: عبادتك. فقال فرعون: {سَنُقَتِّلُ:} سنستمرّ فيهم على عادتنا قتل البنين وترك البنات (¬6)، ولم يتجاسر على أكثر (¬7) من ذلك لما يتخوّف من تحريك السّاكن في تغيير العادة (¬8). {قاهِرُونَ:} متسلّطون عليهم. 128 - {اِسْتَعِينُوا بِاللهِ:} على الائتمار بأوامره. {وَاِصْبِرُوا:} على أذى فرعون وقومه (¬9). {إِنَّ الْأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُها [مَنْ يَشاءُ] (¬10)}: تنبيه منه إيّاهم على التّسليم والرّضا بالقدر. {وَالْعاقِبَةُ:} عاقبة الخير دون الشّرّ (¬11). {لِلْمُتَّقِينَ:} بشارة وحثّ على التّقوى (¬12). 129 - {قالُوا أُوذِينا:} عن وهب أنّ فرعون صنّف بني إسرائيل أصنافا، فأمّا ذوو (¬13) ¬
القوّة منهم فيحملون إليه السّواري (¬1) من الجبال، وهم يتولّون قلعها ونحتها ونقلها، وأمّا من دونهم في (¬2) القوّة فينقلون إليه الحجارة والتّراب للبناء، وأمّا الضّعفة منهم فيضربون اللّبن ويطبخون الآجر، ومن لم يستطع من ذلك شيئا كانت على رأسه ضريبة يؤدّيها كلّ يوم قبل أن تغرب الشّمس، فإن غربت قبل أن يؤدّيها (¬3) غلّت يداه إلى عنقه شهرا، فضجروا لذلك وضاقوا به ذرعا، وشكوا (123 و) إلى موسى، فصرّح لهم البشارة بإذن الله تعالى ليطمئنّوا إليها (¬4). {فِي الْأَرْضِ:} أرض مصر (¬5)، وقيل: الأرض (¬6) المقدّسة؛ لأنّ بني إسرائيل لم يرجعوا إلى مصر بعد ما هربوا من فرعون، وليس بسديد. 130 - {بِالسِّنِينَ:} القحوط (¬7)، قال صلّى الله عليه وسلّم: (اللهمّ اجعل (¬8) عليهم سنين كسنين يوسف) (¬9). 131 - {يَطَّيَّرُوا بِمُوسى:} التّطيّر: التّشاؤم بالمقدر الموهوم من الشّيء (¬10). {طائِرُهُمْ:} حظّهم المقدّر من خير أو شرّ (¬11). وكأنّه سمّي الطّائر لسرعة وجوده ومجيئه، كما يقال: طارت الكلمة، والصبح المستطير. 132 - {مَهْما:} حرف شرط، ولا بدّ من (¬12) أن يكون كلّه أو بعضه (¬13) اسما موصولا، وهي حرف على صيغة تلك. وقيل: أصله (¬14): (ما ما)، (ما) (¬15) الأولى للشّرط والثّانية للتّأكيد دخلت على الأولى، وقيل: حرفان: (مه) للزّجر، و (ما) للشّرط (¬16). ¬
133 - {الطُّوفانَ} (¬1): جمع، واحدتها: طوفانة، كالرّمّان والحصبان (¬2). وقيل (¬3): مصدر كالرّجحان والخسران. وقال ابن عبّاس: الطّوفان أمر من الله تعالى طاف بهم، ثمّ قرأ: {فَطافَ عَلَيْها طائِفٌ مِنْ رَبِّكَ} [القلم:19] (¬4). وقال عطاء ومجاهد: إنّه الموت الذريع (¬5). وقال وهب: هو الطّاعون، بلغة [أهل] (¬6) اليمن. وعن أبي قلابة: الجدري (¬7). وعن الكلبيّ: المطر الدائم من السّماء من سبت إلى سبت، لم يروا فيه شمسا ولا قمرا، ولم يقدر أحد أن يخرج إلى ضيعته، فكادت مصر تكون بحرا واحدا، فاستغاثوا إلى موسى عليه السّلام ووعدوا له تسريح بني إسرائيل، فدعا الله ليصرف ذلك عنهم، فصرف، وأنبتت الأرض في أثره من الزّروع والثّمار والعشب ما لم يروه (¬8) قطّ، فقالوا: كان المطر خيرا لنا ولم نشعر به، فرجعوا إلى تعذيب بني إسرائيل، فابتلاهم الله بالجراد، وهو الذي ركبتاه من فوق الظّهر، يحلّ أكله من غير ذبح (¬9)، فصار عليهم كالسّحاب، وأكل عامّة زروعهم وثمارهم، فاستغاثوا إلى موسى عليه السّلام، ووعدوا له تخلية بني إسرائيل، فصرف الله الجراد عنهم بالرّيح، فرجعوا إلى إيذاء بني إسرائيل وقهرهم (¬10)، فأرسل الله (¬11) عليهم القمّل، قال الكلبيّ: وإحدى الرّوايتين عن ابن عبّاس: الدّبى، وهي صغار الجراد، لا أجنحة لها (¬12)، فغشيت وجه الأرض وأكلت ما أفضلت الجراد فلم تترك في مصر عودة خضرة ولا حبّة، فاستغاثوا إلى موسى عليه السّلام فأهلكها (¬13) الله بالحرّ (¬14). وعن ابن عبّاس وابن جبير: القمّل: دويبة (¬15) تأكل الحنطة والحبوب يخرج (¬16) منها، قال الأمير (¬17): كأنّها ¬
السّوس. وعن عطاء أنّها دابّة لها سنّ تأكل شعور النّساء. وقيل: هي الحلمة (¬1). وقال الأحمر: واحدة القمّل قملة، وقال الفرّاء: لا واحد لها (¬2). ثمّ عادوا إلى عادتهم الخبيثة فابتلاهم الله بالضّفادع، خرجت إليهم من البحر وزاحمتهم في مجالسهم ومضاجعهم، كان الرّجل منهم (¬3) يستيقظ فيجد على سريره ذراعا من الضّفادع بعضها فوق بعض، والضفدع: الذي صوته النّقيق (¬4)، فشكوا إلى موسى فأمات الله الضّفادع، فقال (¬5) لموسى عليه السّلام (¬6): خلّينا بني إسرائيل فاذهب بهم حيث شئت مجرّدين ولا تذهب بأموالهم ومواشيهم، (123 ظ) قال موسى عليه السّلام: أمرني الله أن أخرج بهم وبأموالهم ولا أخلف لهم بقرة ولا حمارا ولا فضّة ولا ذهبا، قالوا: والله لا نؤمن بك ولا نرسل معك بني إسرائيل، فابتلاهم الله بإحالة مياههم دما، فكانت عيونهم وأنهارهم دما وأنهار بني إسرائيل صافية عذبة، فاستقوا من أنهار بني إسرائيل فصار الماء في أوانيهم دما، فركب فرعون إلى أنهارهم وأمر أناسا من قومه ليخوضوا في أنهار بني إسرائيل ويكرعوا في الماء فإذا الماء ينقلب في أفواههم دما، فكلف أناسا من بني إسرائيل ليسقوا أناسا من قومه بأفواههم فكان الماء إذا خرج من فم الإسرائيليّ إلى فم القبطيّ صار دما، وماتت الأبكار من كلّ شيء، فعجز فرعون وحلف بأيمانه لموسى (¬7) {لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ [بَنِي] إِسْرائِيلَ} [الأعراف: 134]، فدعا موسى فصرف الله ذلك عنهم، فلم يزد فرعون إلاّ تمرّدا وعنادا (¬8). وكانت المهلة بين كلّ عذابين (¬9) شهرين شهرين، وقيل: شهرا واحدا، وقيل: أسبوعا (¬10). 134 - {عَهِدَ:} العهد: الشريطة (¬11). 135 - {كَشَفْنا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلى أَجَلٍ:} أي: على سبيل التّمهيل والإرجاء (¬12)،7 ¬
[لا] (¬1) على سبيل العفو. «و (النكث): نقض (¬2) العهد». 136 - {الْيَمِّ:} البحر (¬3)، وقيل: اسم لبحر إساف (¬4) خاصّة. ولمّا تمّ معلوم الله تعالى من فرعون وقومه في مجادلة موسى عليه السّلام أوحى [الله] (¬5) إلى موسى أن أسر {بِعِبادِي لَيْلاً إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ} [الدّخان:23]، وكان الميعاد ساحل البحر، وتأهّب موسى للخروج وكان لا يتّفق له ذلك، فشاور قومه فذكروا وصيّة من جهة يوسف عليه السّلام، وهو أن يخرجوا بتابوته إذا خرجوا، فطلبوا من يدلّهم فلم يجدوا إلاّ عجوزا قبطيّة دلّتهم عليه على شريطة أن يخرج بها موسى عليه السّلام مع نفسه ويدخل الجنّة معها، فضمن موسى عليه السّلام لها ذلك، فدلّتهم على صخرة مصمّدة (¬6) في قعر الوادي فاستخرجوه، ثمّ استعاروا من حليّ قوم فرعون يستدرجونهم بها، وخرجوا ليلة الأحد التّاسع من المحرّم، وكانت (¬7) علامتهم لطخ الأبواب بدماء الذّبائح، من انتهى إلى باب أخيه ورأى تلك العلامة تيقّن بخروجه ولم ينتظره، فلمّا اجتمعوا بالبرية اعترضهم موسى عليه السّلام فكانوا ستّ مئة ألف وعشرين ألف فارس مقاتل سوى الرجالة والنّساء والمشايخ والصّبيان، وجعل موسى هارون عليه السّلام على مقدّمتهم وأمره بأن (¬8) يقودهم إلى البحر فإنّه ميعاد جبريل عليه السّلام، وكان هو في ساقتهم (¬9) يسوق سبطا سبطا، وانتبه قوم فرعون وقت السّحر فلم يحسّوا بأصوات بني إسرائيل، فتفقّدوهم فوجدوهم قد خرجوا، فأخبروا (¬10) فرعون بذلك فأراد فرعون أن يتغافل عنهم، قالوا: كيف وقد استعاروا أموالنا وحليّنا وذهبوا بها (¬11)، فحملهم ذلك على أن خرجوا في أثر بني إسرائيل غداة يوم الأحد، وقيل: غداة يوم الاثنين، والزّمان زمان الصّيف، وكان هامان على مقدّمتهم في ألف ألف فارس، فلحقوهم وقت الهاجرة ¬
(124 و) {فَلَمّا (¬1)} تَراءَا الْجَمْعانِ قالَ أَصْحابُ مُوسى إِنّا لَمُدْرَكُونَ (61) وقال موسى: {كَلاّ إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ،} فأوحى الله إلى موسى {أَنِ اِضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ} [الشّعراء:61 - 63]، قيل: وكان موسى مأمورا بأن يخاطب البحر ويكنيه بأبي خالد. قالوا: وكان جبريل على رمكة (¬2) بلقاء وفرعون (¬3) على حصان، فتقدّم جبريل بين يدي فرعون والرّمكة كأنّها تستودق (¬4)، فصال عليها الحصان ولم يستطع فرعون أن يمسكه حتى اقتحم البحر، ولم يلتطم، فظنّ العسكر أنّ البحر إنّما انفلق بأمر فرعون فاتّبعوه كلّهم، فلمّا خرجت بنو إسرائيل وحصل فرعون مع قومه كلّهم في البحر أتمّ الله مقدوره فيه (¬5) وفيهم. 137 - {الْأَرْضِ:} أرض فرعون (¬6)، {بارَكْنا فِيها} (¬7): أي: بالخصب (¬8)، وقيل: الأرض (¬9) المقدّسة، وقيل (¬10): كلتاهما. و (الكلمة الحسنى): العدة الجميلة (¬11). وإنّما قال: {عَلى؛} لأنّها نعمة (¬12). {وَدَمَّرْنا:} أهلكنا (¬13). وفائدة إهلاك قصورهم وعروشهم محو آثارهم ليعتبر به غيرهم لقوله: {فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خاوِيَةً بِما ظَلَمُوا} (¬14) [النّمل:52]، أو لأنّها كانت لا تصلح للمسلمين فهدموها ونقصوها وبنوا أبنية إسلاميّة. وكان نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم يأمر (¬15) بهدم الآطام بالمدينة (¬16). ¬
138 - {فَأَتَوْا عَلى قَوْمٍ:} أي: وقعوا واطّلعوا وانتهوا إليهم. وهم قوم من العمالقة من عشيرة فرعون. وقيل: من قبط، وهم قوم فرعون (¬1) ورعيّته. وقيل (¬2): هم قوم من بني لخم بن عديّ بن عمرو بن سبأ بن شحب بن يعرب بن قحطان، كانوا نزولا على ساحل البحر، يعبدون الأصنام، فلمّا عاينت بنو إسرائيل، وكانوا قد عاينوا قوم فرعون، نصب آلهة يتقرّبون بها إلى فرعون، توهّموا جوازه من أهل التّوحيد تقرّبا إلى الله ولم يعلموا أنّه شرك، فحملتهم محاكاة (¬3) على أن قالوا لموسى عليه السّلام: {يا مُوسَى اِجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ.} وهذه القصّة قبل إيراث الأرض. 139 - {مُتَبَّرٌ:} «مهلك، والتّبار: الهلاك» (¬4). {ما كانُوا:} أي: ما هم {يَعْمَلُونَ.} 140 - وقوله: {قالَ أَغَيْرَ اللهِ أَبْغِيكُمْ} إنكار منه عليهم وتذكير لهم (¬5) نعم الله. 142 - {وَواعَدْنا مُوسى:} قيل: إنّ موسى عليه السّلام كان وعد قومه أن يرجع إليهم بعد ثلاثين، ولم يعلم أنّ الله تعالى يزيده في الميقات عشرة (¬6). وقيل: إنّه كان أخبرهم بأنّه قد زيد في ميقاته الثّلاثين عشرة، لكنّهم عدّوا عشرين يوما وعشرين ليلة أربعين (¬7). وفائدة قوله: {فَتَمَّ مِيقاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً} نفي إيهام أن تكون التّتمّة بالعشرة من جملة الثّلاثين (¬8). وكان بين الميقات وبين غرق فرعون عشرة أشهر؛ لأنّه غرق (¬9) يوم عاشوراء، وكان الميقات (¬10) شهر ذي القعدة وعشرا (¬11) من ذي الحجّة. و (الميقات): مفعال من الوقت (¬12). 143 - {قالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ:} قال بعض أهل الزّيغ: سأل عن قومه حيث قالوا: ¬
{أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً} [النّساء:153]، وهذا فاسد؛ لأنّه قال: أرني أنظر إليك، ولم يقل: أرنا ننظر، ولا أرهم ينظرون، وإنّما قال: {تُبْتُ إِلَيْكَ} لما (¬1) ابتلي بالصّعق (¬2). وقال بعضهم: سأل رؤية الآيات، وهذا باطل لمخالفته ظاهر الآيات وفحواها ومشاهدته الآيات (¬3). والقول الصّحيح أنّ موسى عليه السّلام كان عارفا ربّه (¬4) متيقّنا بأنّه جلّ جلاله مرئيّ ولكن خفي عليه أمر نفسه أنّها لا تحتمل (124 ظ) معاينة صانعها في التّركيب الدّنياويّ، فاستزلّته سكرة الاشتياق عن محافظة آداب العبوديّة حتى جاوز (¬5) حدّ تقليب الوجه والتّعريض إلى النطق والتّصريح، فابتلي ب {لَنْ تَرانِي} وشغل بالنّظر إلى الجبل على شريطة أنّ التّركيب الدّنياويّ من الجبل إن احتمل المعاينة احتملها موسى عليه السّلام، وأنّى للجبل ذلك، ثمّ رفع عن الجبل شيء من حجاب الآنيّة المتكوّنة، فأشرق بنور الآنيّة المتكوّنة وتلاشى لجلاله بمرأى من موسى عليه السّلام، وهو المقصود، فصار الروح من موسى (¬6) مختطفا مغلوبا كالسّراج (¬7) في الشّمس {وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً فَلَمّا أَفاقَ} بإذن الله سبّح لله وتاب إليه عن سؤال ما لا ينال بالسّؤال (¬8)، وكان أوّل المؤمنين بتقطّع الجبال لتجلّي ذي الجلال. يروى أنّ الجبل تقطّع قطعا فصارت قطعة منهنّ هباء منثورا، وطارت أربع قطع في الهواء فوقعن (¬9) بمكّة، وطارت أربع فوقعن بالمدينة (¬10). وروي أنّ المياه كلّها عذبت تلك السّاعة، وظهرت المعادن والكنوز، وزال الشّوك عن الشّجر، وخمدت النّيران، وسقطت الأصنام. ويروى أنّ ملائكة السّماء نزلوا من السّماء بإذن الله تعالى إليه (¬11)، وكانوا يقولون له: ¬
أطلبت رؤية ربّ العزّة يا ابن النّساء الحيض (¬1). وأرسل الله على الجبل الضّباب والصّواعق والظّلمات، فأرعدت فرائص موسى، وهم يقولون: اصبر لما سألت (¬2) فإنّما رأيت قليلا من كثير، ثمّ كان التّجلّي بعد هذه المقدّمات (¬3). والمراد بالصّعق الموت عند قتادة (¬4)، والغشي عند غيره (¬5). قيل: ورجع موسى متبرقعا ببرقع، ومكث كذلك أربعين صباحا لئلاّ يخطف نور وجهه بالأبصار (¬6). 144 - {اِصْطَفَيْتُكَ عَلَى النّاسِ:} أي: على أهل عصرك (¬7). {وَبِكَلامِي:} ما أسمعه من كلامه من غير وساطة (¬8) سفير. 145 - {وَكَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ:} وفي الحديث أنّ الله تعالى كتب التّوراة بيده، وخلق7 آدم بيده، وخلق جنّة الفردوس وغرس شجرة طوبى بيده، وقال لسائر المرادات: كوني، فكانت (¬9). و (الألواح)، قال الكلبيّ: كانت من زبرجدة خضراء وياقوتة حمراء، طولها عشرة أذرع (¬10). وعن وهب: من صخرة صمّاء ليّنها الله تعالى لموسى عليه السّلام، فقطعها بيده وشقّقها بأصابعه (¬11). وعن الحسن: من خشبة نزلت من السّماء (¬12). وذكر الزّجّاج والفرّاء أنّها كانت لوحين، ويجوز أن يعبّر عن الاثنين بلفظ الجماعة، كقوله: {فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ} [النّساء:11] (¬13). وعن ابن جريج أنّ الله تعالى كتبها بالقلم الذي كتب به الذّكر، واستمدّ من نهر النّور (¬14). ¬
{مِنْ كُلِّ شَيْءٍ:} أي: علما وخبرا من كلّ شيء، إمّا مجملا وإمّا مفسّرا (¬1). {وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ:} من الحلال والحرام، والحسن والقبيح، والمباح والمكروه (¬2). {بِأَحْسَنِها:} بحسنها؛ لأنّ الله تعالى قد بيّن فيه الخير والشّرّ والحسن والقبيح، فالأحسن هو الحسن، وقيل: بأحسنها (¬3)، أي: أحسن قصصها وسيرها، تعبّدهم الله (¬4) بذلك دون ما دونه من الحسن (¬5). {دارَ الْفاسِقِينَ:} منازل آل فرعون، وعدهم (¬6) الله أن يردّهم إليها ويريهم إيّاها، وقيل: ما أراهم الله من منازل قوم لوط وأمثالهم (125 و) ليعتبروا (¬7). 146 - {الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ:} تقديره: تكبّروا، أي: كانوا يتكبّرون، لاقتضاء أن تكون الجريمة مقدّمة على الجرائم. يحتمل أنّ الآية منزلة على موسى عليه السّلام، والمراد بهؤلاء السّامريّ وقارون والذين قالوا لموسى: اجعل لنا إلها. ويحتمل أنّها مبتدأة الإنزال على نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم، والمراد بهؤلاء اليهود. 148 - {مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً:} قيل (¬8): إنّ هارون قال لقومه: معكم حليّ آل فرعون وهي لا تحلّ لكم فادفنوها في موضع من الأرض، واحتال السّامريّ حتى جعل في تلك الحفرة (¬9) قالب عجل، فلمّا ألقوا الحليّ فيها وواروها بالتّراب أوقد السّامريّ عليها النّار فصارت عجلا منه شبه خوار بالطلسم. وقيل (¬10): إنّه كان رأى فرس جبريل عليه السّلام لا يضع حافره على موضع (¬11) إلاّ اخضرّ بإذن الله تعالى، فأخذ من موقع حافره كفّا من التّراب، ويقول: ليكوننّ لهذا (¬12) شأن، وذلك بإلهام من الله، قال الله تعالى: {فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها} (8) [الشّمس:8]، فلمّا أخرج العجل ألقى التّراب في فيه فصار الجسد ¬
لحما ودما ذا روح له خوار. وقيل (¬1): لم يحصل الخوار من حيلته، ولكنّ الله ابتلاهم به ليمدّهم في طغيانهم عقوبة لسوء اختيارهم. وخوار البقرة كرغاء الإبل وثغاء الضّأن ويعار المعز (¬2). وفي قراءة عليّ (¬3): (له جؤار) بالجيم، وهو الصّوت، قال الله تعالى: {إِذا هُمْ يَجْأَرُونَ} [المؤمنون:64]. 149 - {سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ:} أي: ندموا (¬4)، هذه لفظة موضوعة للنّدامة. 150 - (الأسف) (¬5): الممتلئ غضبا. وقيل (¬6): إنّ الألواح تكسّرت إلاّ سدسها. {بِرَأْسِ أَخِيهِ:} بلحيته، وقيل: قبض على ناصيته، وقيل: أخذ برأسه كما يأخذه (¬7) المصارع. وهذه الفعلة يحتمل أن تكون جائزة من موسى عليه السّلام؛ لأنّه كان متبوعا وهارون تابعا وإن كانا نبيّين، ويحتمل أن تكون زلّة ولكنّ الله لم يؤاخذه بها لزوال التّمالك، ولأنّها كانت في ذاته (¬8). وفي الآية دلالة أنّ صبر الخليفة على جنايات قومه والتّغافل عنها جائز لابتغاء المصلحة كمنابذته (¬9) ومضاجرته إيّاهم، ولذلك يصبر (¬10) خلفاء نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم من آل عبّاس على قبائح هذه الأمّة وافتراق (¬11) أهوائها. و (الشّماتة): سرور العدوّ بما يسوء عدوّه، والإشمات: إنالة العدوّ ذلك (¬12). 151 - {رَبِّ اِغْفِرْ لِي:} لأخذه برأس أخيه (¬13)، {وَلِأَخِي:} لما ظنّ به من التّقصير (¬14). وقيل (¬15): الاستغفار عبادة وإن لم تكن الزّلّة معلومة. ¬
{رَحْمَتِكَ:} «جنّتك» (¬1). 152 - وفي قوله: {إِنَّ الَّذِينَ اِتَّخَذُوا الْعِجْلَ،} الآية، دلالة على نسخ الوعيد؛ لأنّه تعالى عفا عنهم وجعل القتل توبة لهم (¬2). 153 - {عَمِلُوا السَّيِّئاتِ ثُمَّ تابُوا:} هي ما تاب عنها (¬3) أصحاب الصّوامع وأمثالهم من التّهتّك والمجون. وقيل (¬4): التّوبة والإيمان واحد، جمع بين اللّفظين للتّأكيد. وقيل: التّوبة ترك اعتقاد الكفر، والإيمان ابتداء اعتقاد (¬5) الإسلام، وهما شيئان لا محالة. 154 - {سَكَتَ:} سكن (¬6)، ومنه السّكتة، والسّكوت: الكفّ عن النّطق (¬7). {أَخَذَ الْأَلْواحَ:} أي: أعيد له ما تكسّر (¬8) في لوحين. وقيل (¬9): أخذ الباقي، وكانت فيه كفاية؛ لأنّ الأحكام كانت فيه، وإنّما ذهب الأخبار والأمثال والمواعظ. {لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ:} لأجل (¬10) وعيده يخافون. (125 ظ) 155 - {وَاِخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ:} من قومه (¬11). وقيل: اختار موسى عليه السّلام من قومه ستّين شيخا، لم يجد من الشّيوخ المرضيّين غيرهم، فأمره الله بأن يختار من كلّ سبط شابّين، فاختار فأصبحوا شيوخا، ثمّ أراد موسى أن يخلف منهم اثنين ويذهب بالسّبعين، فتشاجروا في ذلك، فقال موسى: من قعد منكم كان له أجر من انطلق معي، فقعد يوشع بن نون وكالوب، وذهب موسى إلى الجبل، فلمّا انتهى إلى سفحه تركهم هناك، وصعد موسى الجبل، وكلّمه الله تكليما، وشاهد ما شاهد (¬12)، ثمّ رجع إليهم كالشّمس الطّالعة فقالوا (¬13): نحبّ أن نسمع كلام الله كما سمعته، فأسمعهم الله كلامه، ¬
فقالوا (¬1): نحبّ أن نرى الله جهرة كما رأيته، قال: إنّي لم أر الله جهرة، ولم تسكن قلوبهم إلى قوله فأخذتهم الرّجفة، فقال موسى: {رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ} فإنّك قادر على ما تشاء ولك السّبيل والحجّة، ثمّ قال: {أَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ} كما قالت الملائكة: {أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها} [البقرة:30] (¬2)، وقال نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم: (أتعذّبهم وأنا فيهم (¬3)؟ أتعذّبهم وهم يستغفرون؟) (¬4). وإنّما علم موسى عليه السّلام فعل السّفهاء بقوله تعالى: {فَإِنّا قَدْ فَتَنّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السّامِرِيُّ} [طه:85]. ثمّ أثنى عليه فقال: {إِنْ هِيَ إِلاّ (¬5)} فِتْنَتُكَ: أي: ما هي إلاّ ابتلاؤك وامتحانك، فإنّه لا طير إلاّ طيرك ولا إله غيرك. {تُضِلُّ بِها:} بالفتنة (¬6) {مَنْ تَشاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشاءُ:} أي: بها وبغيرها. 156 - {وَاُكْتُبْ:} «وأوجب» (¬7). {هُدْنا إِلَيْكَ:} «تبنا إليك» (¬8)، وقال ابن عرفة: سكنّا إلى أمرك، ومنه الهوادة (¬9). قيل (¬10): ومن هذا اللّفظ اشتقاق لقب اليهود، وقيل (¬11): بل اللّفظة من لقبهم. {عَذابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشاءُ:} أي: يسع كلّ شيء إن شئت. {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ:} بالآلاء والنّعماء (¬12). {فَسَأَكْتُبُها:} أي: الحسنة في الدارين والرحمة (¬13)، أو الآخرة (¬14) نفسها للمذكورين ¬
خالصة يوم القيامة. {بِآياتِنا:} كلّها. 157 - {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ:} يحتمل أنّها نزلت على موسى عليه السّلام، ويحتمل أنّها نزلت على نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم مستأنفة ليقطع دعاوى (¬1) اليهود والنّصارى عن الإيمان بالآيات. وإنّما وصف بالأمّيّ لأنّه لم يكن يتلو قبله من كتاب ولا يخطّه بيمينه، ولأنّه كان من أمّ القرى، ولأنّه لم يكن من (¬2) نسل أهل الكتاب (¬3). {يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ:} دليل أنّ اسم الشّيء لا يغاير. و (الإصر) (¬4): ما كلّفهم الله من الأحكام الثّقيلة. {وَالْأَغْلالَ:} ما لزمهم من الضيق والحرج (¬5) عقوبة لجرائمهم لقوله تعالى: {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ} [النّساء:160]. {فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ:} أمثال ورقة وبحيرا الرّاهب، والذين {آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ:} أمثال عبد الله بن سلام والقسّيسين والرّهبان، والذين اتّبعوا {النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ:} أمثال كعب الأحبار إلى يوم القيامة. 159 - {وَمِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ:} أمّة منقرضة (¬6) في سالف الزّمان، تقديره: ومن الأمّة أمّة (¬7) يهدون بالحقّ، قال (¬8): {مِنْهُمُ الصّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذلِكَ} [الأعراف: 168]، ثمّ قال: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ} [الأعراف:169]. وقيل: الأمّة الهادية قوم استقاموا على شرائع التّوراة قبل نسخها بقوله: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ} (126 و) {دِيناً} [آل عمران:85]. وقيل: المراد بها عبد الله بن سلام وأصحابه {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ} [الأعراف:157]. وقيل: المراد بها قوم وقعوا بأرض وراء الصّين رآهم نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم ليلة المعراج ودعاهم إلى الإسلام وتحويل السّبت إلى الجمعة على سنّة الإسلام، فأجابوه وآمنوا به. ¬
وقيل: هؤلاء القوم على شريعة التّوراة بعد، وهم معذورون؛ لأنّهم لم يروا نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم ولم يسمعوا القرآن ولم يبلغهم خبر الإسلام على سبيل التّواتر والاستفاضة، فإنّ جهة الوصول إليهم جهة واحدة وهي واد من رمل جار يخسف بمن يجتازه إلاّ يوم السّبت، ولا يستنكر أن يكونوا قد غيّروا وبدّلوا في أيّامنا، وكانوا (¬1) كما وصفهم الله تعالى حالة نزول الآية: {يَهْدُونَ بِالْحَقِّ:} أي: يهدون من يصل إليهم من كفّار نواحيهم ويهدون صبيانهم بالقول الحقّ والأمر الحقّ (¬2). {وَبِهِ يَعْدِلُونَ:} في ما بينهم. 160 - {فَانْبَجَسَتْ:} «انفجرت» (¬3). 163 - {وَسْئَلْهُمْ:} وفائدة السّؤال التّقرير (¬4). {عَنِ الْقَرْيَةِ:} عمّا أصاب أهلها إذ (¬5) اعتدوا في أمر السّبت. {حِيتانُهُمْ:} جمع حوت، كغيلان جمع غول، والحوت: السّمكة (¬6). {شُرَّعاً:} قال أبو عبيدة معمر (¬7): شوارع في الماء: بادية، قال اللّيث: حيتان شروع: رافعة رؤوسها (¬8). {وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ:} «لا يفعلون السّبت» (¬9)، والسّبت مصدر (¬10). {كَذلِكَ:} يحتمل معنيين: التّشبيه بالإتيان، أي: لا تأتيهم شرّعا، والثّاني: أن يبتدئ، أي (¬11): كما أخبرناك {نَبْلُوهُمْ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ} (¬12). 164 - {وَإِذْ قالَتْ أُمَّةٌ (¬13)} مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ: قيل: الأمّة السّائلة المبالغون في الأمر ¬
بالمعروف والنّهي عن المنكر، قالوا هذه المقالة بمسمع من المعتدين لتأكيد الزّجر. وقيل: هم المداهنون. وقيل: هم المعتدون أنفسهم، سألوا على وجه الاستهزاء (¬1). 166 - {فَلَمّا عَتَوْا:} الآية كالبدل عن الآية الأولى (¬2). {قُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ:} كالبيان للعذاب البئيس (¬3). 167 - {تَأَذَّنَ} وآذن بمعنى، كتوعّد وأوعد (¬4). وعن الزّجّاج: معناه: تألّى (¬5) ربك. و (المبعوثون): هم المسلّطون عليهم من كافر ومسلم (¬6). وفي فحوى الآية بشارة لنا بالاستيلاء على الدّجّال (¬7) وأتباعه، ودلالة على بقاء بقيّة من هؤلاء الأرجاس إلى انتهاء الدّنيا مقهورين مسخّرين. 168 - {وَقَطَّعْناهُمْ:} فرّقناهم (¬8) في أيّام بختنصر وبعده. {وَمِنْهُمْ دُونَ ذلِكَ:} «الوصف» (¬9). {يَرْجِعُونَ:} يتوبون (¬10). 169 - {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ:} نزلت في يهود عصر الوحي ومن يجانسهم (¬11). وقيل: نزلت في الجائرين (¬12) من فقهاء الأمّة وقضاتها. (الخلف) بسكون اللام: العقب السوء (¬13). {وَرِثُوا الْكِتابَ:} أي: وجدوه عن آبائهم ومقدّميهم (¬14). ¬
{يَأْخُذُونَ:} على إظهار ما في الكتاب وكتمانه منافع هذا الزمان {الْأَدْنى} رشوة (¬1). {سَيُغْفَرُ:} أي: يغفر لنا أخذ هذه الرشوة الواحدة، وهم مصرّون وفي عزمهم أنّه إن {يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ،} وهذا القول منهم كفر وافتراء على الله تعالى وتألّ عليه؛ لأنّ الله تعالى لم يعد ولم يوجب لمصرّ (¬2) على الصّغيرة مغفرة فكيف لمصرّ على الكبيرة (¬3). {وَدَرَسُوا ما فِيهِ:} قيل: مستأنف، والواو لعطف جملة على جملة (¬4)، (126 ظ) كقوله: {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى (6)} [الضّحى:6]، أي: وجدك يتيما وضالا وعائلا (¬5) فآوى وهدى وأغنى. 170 - {وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ:} عطف على {(الَّذِينَ)} في الآية المتقدّمة، ويجوز أن يكون مبتدأ، وخبره: نوفّيهم أجورهم، مضمرا بدليل المظهر (¬6)، وقيل: خبره: {إِنّا لا نُضِيعُ أَجْرَ} على اعتبار أنّ {(الَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتابِ)} و {الْمُصْلِحِينَ} شيء واحد (¬7). 171 - {نَتَقْنَا:} النّتق: رفع المظل على ما تحته (¬8)، في حديث علي: البيت المعمور نتاق الكعبة من فوقها (¬9)، ومنه نتق السّقاء وهو أن يرفعه فينفضه (¬10)، ومنه المرأة النّاتق وهي كثيرة الولد (¬11)؛ لأنّها كالمظلة على أولادها، وفي الحديث: (عليكم بالأبكار فإنّهنّ أطيب أفواها وأنتق أرحاما) (¬12). 172 - {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ:} عن أبي العالية (¬13) عن أبيّ بن كعب قال: جمعهم يومئذ جميعا ما هو كائن منه إلى يوم القيامة، فجعلهم أزواجا (¬14) في صورهم، ثمّ استنطقهم وأخذ عليهم ¬
العهد والميثاق {وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا} قال: فإنّي أشهد عليكم السّموات السّبع والأرضين السّبع وأشهد عليكم أباكم آدم {أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ:} لم نعلم بهذا، اعلموا أنّه لا إله غيري ولا ربّ غيري فلا تشركوا بي شيئا فإنّي سأرسل إليكم رسلي يذكّرونكم عهدي وميثاقي، وأنزل عليكم كتبي، قالوا: {شَهِدْنا:} بأنّك إلهنا وربّنا (¬1) لا ربّ لنا غيرك ولا إله لنا غيرك، فأقرّوا له (¬2) يومئذ بالطّاعة. ورفع عليهم أباهم آدم فنظر إليهم فرأى الغنيّ والفقير وحسن الصّورة ودون ذلك، فقال: ربّ لو سوّيت بين عبادك، فقال: إنّي أحببت أن أشكر، ورأى فيهم الأنبياء مثل السّرج عليهم النّور وخصّوا بميثاق آخر في الرّسالة والنّبوّة وهو الذي يقول الله عزّ وجلّ: {وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ} الآية [الأحزاب:7]، وهو الذي يقول: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النّاسَ عَلَيْها} [الرّوم:30]، وفي ذلك قال: {هذا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولى} (56) [النّجم:56]، أي: أخذ عليه الميثاق مع النّذر الأولى (¬3)، وفي ذلك: {وَما وَجَدْنا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ} [الأعراف:102]، وفي ذلك قال: {فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ} [يونس:74]، فكان في علمه يوم أمروا به من يكذّب ومن يصدّق به. قال: فكان روح عيسى عليه السّلام من تلك الأرواح التي أخذ الله عليها العهد والميثاق من زمان آدم عليه السّلام، فأرسل [الله] (¬4) ذلك الروح إلى مريم حين انتبذت من أهلها مكانا شرقيّا فحملته، أي: فحملت الذي خاطبها (¬5) وهو روح عيسى عليه السّلام، دخل في فيها (¬6). وروي في إخراج الذّرّيّة من صلب آدم عليه السّلام أمثال الذّرّ روايات كثيرة عن ابن عبّاس، وإلى هذا القول ذهب أكثر أهل السّنّة، قالوا: أخرج ذلك اليوم أولاد صلبه من صلبه، وأولاد أولاده من أولاده، وأولاد أولادهم من أولادهم، وكذلك إلى انقطاع النّسل، وكانوا أقلّ وأصغر وأخفى من الذّرّ لا محالة، فإنّ الذّرّ مركّب من أجزاء كثيرة فلا شكّ أنّهم كانوا أصغر وأخفى حين كانوا كمنا إلاّ أنّ الله تعالى أنماهم بعد (127 و) الإخراج كما شاء فجعلهم أرواحا كما قال أبيّ، وأمثال الذّرّ كما قال ابن عبّاس، فأسمعهم وبصّرهم وأنطقهم بمشهد أبيهم آدم ¬
عليه السّلام ليشهد عليهم (¬1). قال: وفائدة ذلك أحد أشياء أربعة: إمّا تطييب قلب آدم عليه السّلام وتسليته بشبه عذر من النّاكثين، وإمّا تذكّر الأنبياء والصّدّيقين ذلك الميثاق في مدّة أعمارهم، كالمستيقظ يذكّر ما رأى فيذكره بعينه وصورته، أو تذكير (¬2) غيرهم كالسّكران يفعل شيئا في سكره ثمّ يتخيّله فيتفكّر فيه، وليس يبعد أن يكون توهّم الناسخ (¬3) من جري هذا الميثاق، وإمّا ما (¬4) تذكره من هبة آدم عليه السّلام من (¬5) داود عليه السّلام سنين من عمره ويجوز (¬6) ذلك، وإمّا معنى لم يطلعنا الله عليه (¬7). وقيل: المراد بالإخراج إخراج المواليد في كلّ عصر وقرن، والميثاق الإلهام في قلوب ذوي العقول قبل (¬8) اختيارهم الكفر أو الكتاب السّماويّ والأخبار المتواترة. والمأخوذ به ما هو موافق لظاهر الكتاب وعليه الجمهور (¬9). {مِنْ ظُهُورِهِمْ:} بدل {مِنْ بَنِي آدَمَ} (¬10)، وهو عطف البيان. {وَأَشْهَدَهُمْ:} «أي: أشهد بعضهم على بعض» (¬11). {شَهِدْنا:} من كلامهم (¬12). [{أَنْ تَقُولُوا:}] (¬13) تقديره: لأن لا تقولوا، أي: لردّ قولهم هذا وللنفي اتجاهه من أيّ وجه. 173 - {أَوْ تَقُولُوا إِنَّما أَشْرَكَ آباؤُنا:} لّما كان أخذ هذا الميثاق ممّا يذكره الأنبياء والصّدّيقون (¬14) ويتحيله الشّهداء والصّالحون ويعترف به العوامّ والمقلّدون مع ما نبّه الله عليه كافّة النّاس في القرآن المعجز لم تصحّ دعوى المنكرين بأنّهم (¬15) كانوا مجيبين من جهة آبائهم الأوّلين (¬16). ¬
175 - {وَاُتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا:} نزلت في بلعام بن باعور، كان في مدينة الجبّارين، وكان من ذرّيّة لوط عليه السّلام، وكان يعرف اسم الله الأعظم فدعا به على بني إسرائيل فحبسوا في التّيه أربعين سنة، فدعا موسى عليه السّلام بإذن الله تعالى بنزع (¬1) الاسم الأعظم عنه. ويروى أنّه كان في زمن يوشع عليه السّلام، لمّا حاصر (¬2) يوشع هذه المدينة طلب بالق من بلعام أن يدعو عليهم، وكان يعرفه أنّه مجاب الدّعوة، فلم يفعل بلعام وقال: هؤلاء أولياء (¬3) ربّي لا أدعو عليهم، فرشا بالق امرأته بأموال كثيرة ولؤلؤ وحليّ فاستزلّته امرأته، فركب أتانا له وخرج إلى صومعته ليدعو على بني إسرائيل فلم تسر تحته (¬4) الأتان، فنزل عنها وتوجّه إلى صومعته (¬5) راجلا، فاستقبله ملك من الملائكة وأخذ عليه الطّريق، فخرّ ساجدا ودعا الله تعالى ليخليه، فانكشف عنه الملك، فلمّا انتهى إلى الصّومعة وتهيّأ للدّعاء نساه الله ذلك الاسم، وصار كافرا بعزمه على الدّعاء لنصرة الكافرين على المؤمنين، فلمّا نسي الاسم غضب وسخط على ربّه، ورجع إلى (¬6) بالق وعلّمه حيلة وهي أن يسرّح إلى بني إسرائيل جواري حسانا ليزنوا بهنّ فيخذلهم الله تعالى (¬7). وعن مجاهد والمعتمر بن سليمان عن أبيه أنّ بلعام كان نبيّا (¬8)، وهذا (¬9) محمول على أنّه كان نبيّا عند نفسه، أو عند النّاس، أو يشبه الأنبياء لاطّلاعه على شيء من الغيب على سبيل التّبع والاتفاق كالشّهداء (127 ظ) لا على سبيل التّخصيص والاجتباء كالأنبياء. وعن عبد الله بن عمرو بن العاص وسعيد بن المسيب أنّ الآية نزلت في أميّة بن [أبي] (¬10) الصلت، كان قد قرأ الكتب ووجد فيها نبيّا يبعث من العرب، فطمع أن يكون هو ذلك، وكان مع ذك فاجرا خبيثا يقول بلسانه غير ما يفعله بأركانه، فلمّا بعث نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم كذّب به حسدا ولم يؤمن ومات كافرا، وفيه قال (¬11) صلّى الله عليه وسلّم: (هو رجل آمن بلسانه وكفر قلبه (¬12)). ¬
وقيل: نزلت في راهب بن (¬1) صيفيّ، كان يلبس المسوح وتنسّك في الجاهليّة، ثمّ عادى نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم وذهب إلى قيصر مستمدّا، فأهلكه الله تعالى في الطّريق. وقيل (¬2): نزلت على وجه المثل في كلّ يهوديّ ونصرانيّ. {فَأَتْبَعَهُ:} لحقه (¬3)، يقال: ما زلت أتبعه حتى اتبعته، وقال الفرّاء: تبعه وأتبعه بمعنى، كلحقه وألحقه (¬4). 176 - {لَرَفَعْناهُ بِها (¬5)}: أي: لشرفناه بالآيات وعصمناه عن صفة الإخلاد إلى الأرض واتّباع الهوى (¬6). {وَلكِنَّهُ:} ولكن لم نشأ عصمته ف {أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ:} والإخلاد إلى الأرض هو لزوم المكان والتثبط والتقاعد (¬7). و {الْكَلْبِ:} سباع. و (اللهث): إخراج اللّسان (¬8). إذا أخرج الكلب لسانه من حرّ أو عطش لم يمسكه بزجر ولا تخلية، كذلك المنسلخ من الآيات لم ينزجر عن كفره بإنذار ولا تخلية (¬9). و (الحمل على الشّيء): قصده على وجه الطّرد، وكأنّه أخذ من (¬10) حمل السّلاح عليه. 177 - {ساءَ:} بئس، و {الْقَوْمُ:} مرتفع، و {مَثَلاً:} نصب على التّفسير (¬11). 178 - {مَنْ يَهْدِ اللهُ:} الهداية: التّوفيق للاهتداء، و (الإضلال): الخذلان (¬12). واتّصالها بما قبلها من حيث {وَلَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها} [الأعراف:176]. 179 - {ذَرَأْنا:} أي: شئنا بذرئهم مصيرهم. ¬
واللام لام الغرض، كقوله: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاّ وارِدُها،} الآية [مريم:71]، وقوله صلّى الله عليه وسلّم: (ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن) (¬1)، يدلّ عليه أنّ الله تعالى كان عند ذرء الشّقيّ عالما بمصيره لا محالة فلو لم يشأ مصيره لما ذرأه، ألا ترى أنّ الحكيم لا يغشى النّساء إذا لم يرد النّسل، ولم يتمتّع بالشّهوات إذا لم يرد السّمن. وقوله: {وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلاّ لِيَعْبُدُونِ} (56) [الذّاريات:56] ليس بمناقض لهذه الآية؛ لأنّ العبادة ليست بمضادّة {لِجَهَنَّمَ،} ولاحتماله أوجها سبعة: أحدها: التّسخير لقوله: {وَلِلّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ،} الآية [الرّعد:15]، والثّاني: إظهار الخضوع لا القيام بالأوامر، والثّالث: العبوديّة وهي الكينونة لا العبادة، والرّابع: حالة الطّفولة قد خلقوا على الفطرة، والخامس: الاقتضاء والاستحقاق كقول الوالدة لولدها: ما ولدتك إلاّ لتكبر فتحسن إليّ، والسّادس: العموم بمعنى الخصوص فيصرف إلى أهل السّعادة، والسّابع: كون اللام في قوله: {لِيَعْبُدُونِ} لام العاقبة والمآل وذلك عند معاينة البأس. فلو كان يحتمل معنى واحدا لا يصحّ دعوى التّناقض، كيف وقد احتمل الأوجه. 180 - {وَلِلّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى:} اتّصالها بما قبلها من حيث ذكر الكفّار وهم ملحدون (¬2). (الأسماء): التّسميات التي يكلّم (¬3) الله بها. و (الحسنى): (128 و) تأنيث الأحسن (¬4). {الَّذِينَ (¬5)} يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ: الذين اشتقّوا لأصنامهم أسماء من أسماء الله عزّ وجلّ، كاللاّت من الله، والعزّى من العزيز (¬6)، والذين أنكروا إطلاق تسميتين على مسمّى واحد فقالوا: {وَمَا الرَّحْمنُ أَنَسْجُدُ لِما تَأْمُرُنا} [الفرقان:60]. ويدخل في جملة هؤلاء الذين قالوا: أسماء الله مخلوقة، والذين أطلقوا على الله اسم الجسم (¬7)، والذين فرّقوا بين الأسماء المشتقّة من صفات (¬8) الذّات وبين الأسماء المشتقّة من صفات الفعل. 181 - {أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ:} هم أهل السّنّة والجماعة. وتفسير السّنّة أن يسلكوا ¬
طريق السّلف في كراهة الكلام والجدال في الدّين، والتّعسّف (¬1) في تأويل متشابهات كلام ربّ العالمين وحديث رسوله خاتم النّبيّين، وأن (¬2) يجتهدوا في الفروع بالبحث (¬3) عن النّاسخ والمنسوخ، والظّاهر القريب والخفيّ البعيد، وأن يميزوا الصّحيح من السّقيم، والمتواتر من الآحاد، والمتعارف المعتاد بين النّاس من النّادر والشّادّ، وأن يتحرّوا الأشبه فالأشبه، ويجتنبوا إهمال الحوادث كما يجتنبون مخالفة الأصول الشّرعيّة وتفسير الجماعة، والالتجاء (¬4) إلى الكلمة السّواء عند اقتتال المقتتلين. وهذه (¬5) الآية حجّة في صحّة الإجماع (¬6)؛ لأنّ الله تعالى زكّاهم وعدلهم في أحكامهم. 182 - {وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا:} أنكروها سرّا وجهرا، أو أنكروها سرّا مع الإقرار بها جهرا، وأنكروا ظاهرها المعروف أو تفسيرها المجمع عليه أو سرّها المكتوم لتعسّف في التّأويل من غير حجّة ودليل. {سَنَسْتَدْرِجُهُمْ:} قال الخليل (¬7): «سنطوي عمرهم في اغترار منهم»، وقال الضّحّاك: كلّما جدّدوا (¬8) معصية جدّدنا لهم نعمة، وقال القتبيّ: هو أن يدنيهم (¬9) من بأسه قليلا قليلا. واستدراج الشّيء: تحصيله على المهلة والتّدريج (¬10). 183 - {كَيْدِي:} مكري (¬11)، {مَتِينٌ:} قويّ شديد وثيق (¬12). 184 - {أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا:} قيل: صعد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ذات ليلة (¬13) الصّفا فلم يزل يدعو قريشا فخذا فخذا حتى أصبح، فقال أناس منهم: أصبح الرّجل مجنونا، فأنزل الله (¬14). والمراد بالاستفهام أحد شيئين: إمّا الحثّ والإغراء، وإمّا التّقرير والإثبات، أي: تفكّروا ¬
وعلموا ثمّ أنكروا وجحدوا (¬1). {بِصاحِبِهِمْ} (¬2): الصّاحب: الذي بينك وبينه شأن من خلاف ووفاق. و {ما} (¬3): للنّفي، و {مِنْ:} لتأكيد النّفي. و (الجنّة): «الجنون» (¬4)، ككلّة البصر وكلوله. 185 - {يَنْظُرُوا:} نظر القلب إن شاء الله ولذلك عمّ المخلوقات كلّها بقوله: {وَما خَلَقَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ.} {وَأَنْ عَسى:} في محلّ النّصب معطوفا على قوله (¬5): {ما بِصاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ،} أو محلّ الخفض معطوفا على قوله (¬6): {مَلَكُوتِ السَّماواتِ.} وفائدة النّظر في المخلوقات الاستدلال بها على صانعها (¬7). {بَعْدَهُ:} بعد الحديث، أو بعد تمام الأجل (¬8). 187 - {يَسْئَلُونَكَ عَنِ السّاعَةِ:} لا يتولى مخلوق إلى علم (¬9) أوانها حقيقة، إنّ واحدا من المخلوقين لو توصّل (¬10) إليه من جهة الوحي أو الأمارات المتقدّمة وتعيّنت له السّاعة بكميّة الأيّام والسّاعات والدّقائق لتنكّرت بكميّة الأعداد والأنفاس والأصوات (128 ظ) واللّحظات والخطرات، كيف وهي ممكنة في كلّ لحظة غير واجبة (¬11). {أَيّانَ:} سؤال عن الوقت، يليها الاسم تارة والفعل أخرى، وهي مركّبة من أيّ أوان (¬12). ¬
{مُرْساها:} مواضع إرسائها (¬1). والإرساء: الثّبوت والقيام (¬2). {لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها:} لا يظهرها لوقتها (¬3) غيره. {ثَقُلَتْ:} أي: عظم واستصعب وقوعها (¬4)، أو علمها على أهل السّموات والأرض (¬5). وفائدة الكتمان استواء الأوّلين والآخرين في الإنذار بالسّاعة وعظم شأن المباغتة والمفاجأة (¬6). {حَفِيٌّ:} مبالغ في البرّ أو السّؤال، يقال: استحفى السّؤال، وأحفى في السّؤال (¬7)، قال الله تعالى: {إِنْ يَسْئَلْكُمُوها فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا} [محمّد:37]. {لا يَعْلَمُونَ:} أنّ علمها خاصّة لا يجلّيها لوقتها إلاّ هو، فيظنّون أنّهم يقفون عليها بالبحث عنها (¬8). 188 - {قُلْ لا أَمْلِكُ:} اتّصالها بما قبلها من حيث نفي علم السّاعة (¬9). عن ابن عبّاس أنّ قريشا قالت لرسول الله: ألا يخبرك ربّك بالسّعر لنشتري الطّعام في الرخص وبالخصب (¬10) والجدب لننتقل من الجدب إلى الخصب (¬11) قبل أن تجدب الأرض، فأنزل الله الآية (¬12). {مِنَ الْخَيْرِ:} من حوائج النّفس (¬13)، قال الله تعالى: {وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ} (8) [العاديات:8]. {السُّوءُ:} ما يسوء النّفس من المصائب الدّنياويّة (¬14). ¬
189 و190 - ظاهر قوله: {خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ} ينبئ أنّه (¬1) آدم عليه السّلام، و {زَوْجَها:} حوّاء (¬2)، هكذا ذكر الكلبيّ وغيره، قالوا: لمّا حبلت حوّاء جاءها إبليس متصوّرا بصورة مجهولة متسمّيّا بالحارث، وأوهمها أنّها تلد بهيمة، أو تلد من فيها أو منخريها، أو تلد ولدا لا يعيش، فذكرت ذلك لآدم فأشفقا من ذلك، و {دَعَوَا اللهَ} سبحانه وتعالى، وزعم إبليس أنّه عبد صالح مجاب الدّعوة، ومنّاهما أنّهما إن سمّيا الولد باسمه ووهباه منه دعا الله لهما (¬3)، فشرطا له ذلك، وولدت حوّاء غلاما صالحا فسمّياه عبد الحارث (¬4) كما يقول الصّديق للصّديق: ولدي هذا عبدك، على وجه الإكرام، ولم يعلما مراد إبليس من ذلك ولا عرفاه، فأعظم الله تعالى شأن تلك التّسمية، وأعظم الإنكار عليهما لمكان (¬5) نبوّة آدم عليه السّلام ورفعة رتبته، ولعلمه سبحانه وتعالى بإبليس وبما يريد من تأسيس قاعدة الشّرك والإفك. وليس يبعد (¬6) هذه الزّلّة والأكل من الشّجرة في حالة واحدة بغرور واحد لما يروى (¬7) أنّ قابيل ولد في الجنّة، ويدلّ عليه ضمير الجمع في قوله: {اِهْبِطُوا} [البقرة:36]، والولادة تتصوّر في الجنّة كما يتصوّر (¬8) خلق حوّاء فيها من ضلع آدم. وقيل (¬9): قوله: {صالِحاً} يرجع إلى الجنس، و {جَعَلا:} يرجع إلى التّوأمين فإنّ حوّاء كانت تلد في كلّ بطن توأمين ذكرا وأنثى، فهما اللذان (¬10) جعلا له شركاء لا آدم (¬11) وحوّاء. وقيل (¬12): {(جَعَلا)} يرجع إلى جنس الذّكر وجنس الأنثى من جملة الأولاد والذّرّيّة لقوله تعالى: {فَتَعالَى اللهُ عَمّا يُشْرِكُونَ.} وقيل (¬13): الإشراك فعل الذّرّيّة وإنّما أسند إلى الأبوين مجازا. ¬
وقيل (¬1): (النّفس الواحدة) غير آدم من (¬2) الآباء فإنّهم آحاد إلى نوح عليه السّلام، و (الزّوج) غير حوّاء من الأمّهات لقوله تعالى: {خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها} [الرّوم:21]. وقيل (¬3): الخطاب متوجّه إلى العرب من أولاد عدنان خاصّة، وإنّ (¬4) المراد بالنّفس واحد من آبائهم. {تَغَشّاها:} غشيها. {حَمْلاً خَفِيفاً:} أي: النّطفة (¬5). {فَمَرَّتْ بِهِ:} أي: قامت وقعدت من غير مشقّة (¬6). {أَثْقَلَتْ:} صارت ثقيلة بالحمل (¬7). {صالِحاً:} بشرا سويّا، أو بشرا يولد من موضع الولادة، أو ولدا يعيش (¬8). {شُرَكاءَ:} مصدر (¬9) يراد به الاسم. والمراد من الجمع الوحدان (¬10) كقوله: {فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ} [آل عمران:39]. 191 - {ما:} يرجع إلى الجماد من الأصنام (¬11). {وَهُمْ:} راجع إلى الذين (¬12) صوّر على مثالهم من طواغيت الإنس والجنّ، أو إلى الأصنام على ما يعتقدون فيها من الحياة والعقل (¬13). ¬
193 - {وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى:} الآية غاية في نفي الخير عن هذه المعبودات من حيث إنّ اتّباع الهوى عند الدّعاء مقدور لعابديها غير مقدور لها فهي أوضع رتبة من عابديها (¬1). و (الصّامت): ضدّ النّاطق. 194 - {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ:} سادتهم المعبودون من جملة الملائكة والأنبياء والطّواغيت، وإنّ المماثلة بالعبوديّة. ويحتمل أنّهم الأصنام (¬2). {عِبادٌ أَمْثالُكُمْ:} أي: كعباد. {فَادْعُوهُمْ:} التّحدّي (¬3) بدعاء مستجاب، وأنّى لهم من جهة معبوديهم، فإنّ استجابة الدّعاء قضاء الحاجة أو الجزاء عليه (¬4)، ولا يقدر عليها إلاّ الله. 195 - {يَبْطِشُونَ:} البطش: الأخذ (¬5). والمراد بهذه الأشياء نفي الأفعال دون الأعضاء، كما تقول لضعيف: ألك بدن يحتمل هذا الثقل؟ أو معدة تحتمل هذا الطّعام (¬6). وهذه الآية غاية في نفي الخير عنهم أيضا من حيث إنّهم أوضع من عابديهم (¬7). فإن كانت الآيات في الأصنام المنحوتة والمنصوبة فبعضها على اعتبار كونها جمادا وبعضها على اعتبار اعتقاد المشركين أو على سبيل التّشبيه، وإن كانت بعضها في الأصنام وبعضها في الملائكة والأنبياء والطّواغيت فذلك اعتبار أوهام المخاطبين وعقولهم كأنّ بعضهم لا يعرف إلاّ ما يشاهد وبعضهم متوهّم وراء المشاهدات أزواجا (¬8) وأنفسا، فعمّهم بالإنكار بهذه الآيات بعضها في بعض. 196 - {إِنَّ وَلِيِّيَ اللهُ الَّذِي:} فأمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن يقول هذا القول (¬9). 198 - {وَتَراهُمْ:} خطاب للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم (¬10). والضّمير عائد إلى الأصنام (¬11)، وقيل (¬12): إلى المخاطبين. ¬
199 - {الْعَفْوَ:} الصّفح والمتاركة، وذلك قبل آية السّيف (¬1)، أو بعد ما يظهرون من أنفسهم الإيمان، أو خاصّة في الذّراري والنّسوان. وعن (¬2) ابن عبّاس العفو: الزّكاة (¬3). و (العرف): المعروف كلّه (¬4). وقيل (¬5): إنّه كلمة الإخلاص، وكذلك قوله (¬6): {وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً} (1) [المرسلات:1] هم (¬7) الأنبياء الذين أرسلوا بكلمة لا إله إلاّ الله. 200 - (النّزغ): الهمز (¬8) والوسوسة والأذى والإغراء (¬9). 201 - {إِنَّ الَّذِينَ اِتَّقَوْا:} مبتدأ، وجملة {إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ} خبره. {فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ:} لمفاجأة الإبصار حالة التّذكير (¬10). و (التّذكير:) ذكر الله (¬11). و (الإبصار): إبصار الخير والشّرّ على سبيل التّمييز بعد إمدادهم (¬12). 202 - {لا يُقْصِرُونَ:} ولا يكفون (¬13) بأنفسهم أيضا عن الغيّ (¬14). 203 - {وَإِذا لَمْ تَأْتِهِمْ:} كانت قريش إذا سكت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أيّاما {قالُوا لَوْلا اِجْتَبَيْتَها} ألفاظا حسنة فتقوّلتها، يطالبون بالآيات على ظنّ أنّه ربّما انقطع، فأنزل الله (¬15). 204 - {وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ:} عن أبي هريرة وابن المسيب أنّها نزلت في الصّلاة (¬16). وعن مجاهد أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان يقرأ في الصّلاة (¬17) (129 ظ) فسمع قراءة فتى من الأنصار، فأنزل ¬
[الله] (¬1). وعن أبي هريرة عنه صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: (إنّما جعل الإمام إماما ليؤتمّ به). . . الخبر (¬2). وعن جابر مرفوعا: (من كان له إمام (¬3) فقراءة الإمام له قراءة) (¬4). وعن مجاهد أنّها نزلت في الخطبة (¬5). ويجوز أنّها نزلت فيهما (¬6). و (الإنصات): سكوت في استماع (¬7). 205 - {وَاُذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ:} أي: راقب بالقلب (¬8). {وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ:} إبانة بالتّسبيح والتّهليل، أو القراءة في الصّلاة (¬9). {وَالْآصالِ:} جمع أصيل، وهو ما بين العصر إلى المغرب (¬10). 206 - {[إِنَّ] (¬11)} الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ: هم الذين علمهم (¬12) به علم المشاهدة من غير اجتهاد وكسب، وهم الملائكة والأنبياء والصّدّيقون والشّهداء. والفائدة عن الإخبار عن (¬13) حالهم هو التّطميع لمن اقتدى بهم أن يلحقهم في رتبتهم بإذن الله تعالى (¬14). ¬
سورة الأنفال
سورة الأنفال مدنيّة، نزلت بعد سورة البقرة بالمدينة (¬1). وعن ابن عبّاس وقتادة: إلاّ سبع آيات نزلن بمكّة، [أولها] (¬2) قوله: {وَإِذْ (¬3)} يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا [الأنفال:30]. وقيل (¬4): نزلت آية واحدة بمكّة، وهي قوله: {يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللهُ} [الأنفال:64]. وهي ستّ وسبعون آية حجازي بصري (¬5). {بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ} 1 - {يَسْئَلُونَكَ [عَنِ الْأَنْفالِ] (¬6)}: نزلت في غزوة بدر في شهر رمضان سنة اثنتين (¬7). وسبب غزوة بدر أنّ عيرا لقريش (¬8) قدم من الشّام، فيهم أبو سفيان وعمرو بن العاص، فأراد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أن يخرج إليهم فيغير عليهم، فخرج وهو يريد العير، والله يريد النّفير، فكان ما أراد الله، وذلك (¬9) أنّ أبا سفيان سمع بخروج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فأرسل ضمضم بن عمرو الغفاريّ إلى مكّة مستنجدا مستنفرا، وكانت عاتكة بنت عبد المطّلب قد رأت في المنام قبل مقدم ضمضم أنّ رجلا أقدم على بعير له فوقف بالأبطح وقال: انفروا يا آل غدر (¬10) إلى مصارعكم في ثلاث، ثمّ صعد أبا قبيس وصرخ ثلاثا، ثمّ أخذ صخرة وأرسلها من رأس الجبل فأقبلت تهوي حتى إذا كانت في أسفله ارفضّت فما بقيت دار من دور قريش إلاّ دخل فيها (¬11) بعضها، فقصّت عاتكة رؤياها على أخيها العبّاس بن عبد المطّلب، وكانا يكتمان إيمانهما، فقصّ عبّاس على الوليد بن عتبة، وكان صديقا له، فذكرها الوليد لأبيه فتحدّث (¬12) بها، ففشا الحديث في ما بين النّاس، قال (¬13) عبّاس: غدوت إلى الكعبة لأطوف بها فإذا أبو جهل في نفر من قريش يتحدّثون عن (¬14) ¬
رؤيا عاتكة، ثمّ التفت إليّ فقال: يا أبا الفضل متى حدثت فيكم هذه النّبيّة، أما رضيتم يا بني عبد المطّلب أن تنبّأت رجالكم حتى تنبّأت نساؤكم، سنتربّص بكم هذه الثّلاث فإن كان حقّا فسيكون وإلاّ كتبنا عليكم كتابا أنّكم أكذب أهل (¬1) بيت في العرب، فلمّا كان يوم الثّالث جاءهم ضمضم بن عمرو ووقف بعيره بالأبطح وقد حوّل رحله وشقّ قميصه وأجدع بعيره يقول: يا معشر قريش اللّطيمة اللّطيمة، أموالكم أموالكم مع أبي سفيان قد عرض [لها] (¬2) محمّد وأصحابه، ولّما سمع العبّاس هذا (130 و) شمت بهم، وطلب أبا جهل فوجده في المسجد فتبعه وناداه: كيف رؤيا عاتكة يا مصفرّا إسته؟ قال (¬3) أبو جهل: دعنا عن (¬4) هذا يا أبا الفضل وتأهّب للنّفير، ولم يجد عبّاس من الخروج معهم بدّا إلى أن كان ما كان على ما سبق في آل عمران (¬5). واختلفوا في الأنفال ههنا، قيل (¬6): إنّها الغنائم كلّها. وعن الحسن أنّها ما كان نفّلهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بقوله (¬7): (من قتل قتيلا فله سلبه)، فتسارع الشّبّان وبقي المشايخ تحت الرّايات محدقين برسول الله، فلمّا فرغوا من القتال قالت الشّبّان: هذه الأموال يتنفل (¬8) لنا رسول الله، وقالت المشايخ: نخن كنّا ردءا لكم (¬9) فأشركونا فيها، وقال سعد بن معاذ: يا رسول الله إن (¬10) دفعت المال إلى من نفّلتهم لم يبق لسائر النّاس شيء، فانتزع الله الأمر (¬11) من أيديهم وردّه إلى رسوله ليستأنف فيه حكما على ما يرى فيه من المصلحة (¬12). وعن عطاء عن (¬13) ابن عبّاس: المراد بالأنفال ما شذّ عن الغنائم من عبد أو دابّة (¬14). والآية منسوخة على الأقوال الثّلاثة بقوله: {وَاِعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ،} الآية [الأنفال:41] (¬15). ¬
وقيل (¬1): الآية نزلت في الخمس يحكم فيه الإمام باجتهاده، وقيل (¬2): هي كلّ الغنائم قبل الإحراز، والآية غير منسوخة (¬3) على هذين. النّفل في اللّغة: الزّيادة من الخير (¬4)، قال (¬5): [من الرّمل] إنّ تقوى ربّنا خير نفل … وبإذن الله ريثي (¬6) وعجل والسّؤال عن كيفيّة القسمة وكمّيّتها (¬7). وفي مصحف عبد الله وأبيّ (¬8): (يسألونك الأنفال)، أي: يطلبونها منك، وقد منهم (¬9) الأمران جميعا. {ذاتَ بَيْنِكُمْ (¬10)}: حالتهم التي تجمعهم (¬11). 2 - {وَجِلَتْ:} خافت وفزعت (¬12)، وهذه الحالة (¬13) هي الأولى، وأمّا الحالة الثّانية فالاطمئنان (¬14) والاستئناس، قال الله تعالى: {تَقْشَعِرُّ [مِنْهُ] (¬15)} جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللهِ [الزّمر:23] (¬16). {زادَتْهُمْ إِيماناً:} على الإيمان المعهود من وجهين: أحدهما: الأسباب والأدلّة، والثّاني: الإيمان الحادث بالنّازل الحادث (¬17). 4 - {أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا:} ردّ على (¬18) الذين يشكّون في إيمانهم. ¬
(حقّا): نصب على التّأكيد (¬1). {وَرِزْقٌ كَرِيمٌ:} هو الحظّ الجميل المحمود، يعني في الآخرة إن شاء الله (¬2). 5 - {كَما:} التّشبيه لكون الأفعال لله، أي: هي لله (¬3) كما كان إخراجك من بيتك إلى الله وإن كرهه فريق من المؤمنين. وقيل: التّشبيه لسؤالهم عن الأنفال واختلافهم فيها، أي: جادلوك فيها كما كرهوا الخروج فجادلوك فيه أوّل مرّة (¬4). وإنّما كان السّبب في ذلك أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان قد خرج إلى العير، ووعدهم الله في الطّريق أحد شيئين: إمّا الظّفر بأموال العير الذي خرج قاصدا إليها، وإمّا النّصر على العدوّ (¬5) عند الالتقاء، وكان الظّفر بأموال العير (¬6) أقرب وأسهل على ما قدّروه، وأحبّ (¬7) إليهم من لقاء العدوّ؛ لأنّهم لم يكونوا تأهّبوا للقتال كلّ التّأهّب، فلمّا سمعوا أنّ أبا سفيان أخذ طريقا آخر وأنّهم ملاقو العدوّ لا محالة كرهوا ذلك وقالوا لرسول الله: أخرجتنا قاصدين إلى العير ولم تخبرنا بلقاء العدوّ حتما، وخافوا على أنفسهم خوفا طبيعيّا، (130 ظ) وإن كانوا معتقدين بأنّ (¬8) الله منجز وعده ومسلطهم بإحدى الطّائفتين لا محالة، لذكر الله تعالى حالتهم تلك على وجه الملامة ليتكلّفوا مخالفة الطّبيعة في المسارعة إلى أمره ورسوله. {بِالْحَقِّ:} أي: بالأمر الحقّ، أو بالوعد الحقّ. 6 - {فِي الْحَقِّ:} شأن (¬9) الجهاد. {بَعْدَ ما تَبَيَّنَ:} أي: بعد ما ظهر أنّه أمر الله، أو من بعد ما ظهر (¬10) أمر الله، أو من بعد ما ظهر (¬11) أنّه لهم لا عليهم، وإنّما كان ظهر ذلك لهم بوعد الله. {كَأَنَّما يُساقُونَ:} تشبيه لحالة خوفهم، أي: يخبتون عن الموهوم كأنّهم يحشرون، أي (¬12): يشاهدون فيه الهلاك والموت لا محالة. ¬
7 - {وَإِذْ} (¬1): عطفت على جملة، محله نصب بوقوع الذّكر المقدّر عليه (¬2). قيل: إنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم [لمّا] (¬3) كان ببعض الطّريق بعث عديّ بن أبي الزّغباء عينا (¬4) على العير. ونزل جبريل عليه السّلام مخبرا بنفر قريش ومبشّرا بالاستيلاء على إحدى الطّائفتين: إمّا العير وإمّا النّفير، فأشاروا عليه بالعير، فأعاد كلامه فأشاروا عليه بالعير وقالوا: إنّما أخرجتنا للعير وليست معنا أهبة القتال، فأعاد عليهم كلامه فأشاروا عليه بالعير حتى قام سعد بن عبادة فقال: يا رسول الله انظر (¬5) أمرك وامض فو الله لو سرت إلى عدن ما تخلّف عنك رجل من الأنصار، ففرح النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم حتى عرف السّرور في وجهه. وقال المقداد بن الأسود الكنديّ: إنّا لا نقول كما قال بنو إسرائيل: اذهب {أَنْتَ وَرَبُّكَ [فَقاتِلا إِنّا هاهُنا قاعِدُونَ]} (¬6) [المائدة:24]، ولكنّا نقول: امض لأمر ربّك فإنّا بين يديك مقاتلون ما دامت عين منّا تطرف (¬7). {أَنَّها لَكُمْ:} بدل عن {إِحْدَى الطّائِفَتَيْنِ} (¬8). {الشَّوْكَةِ:} البأس والشّدّة وحدّة [السّلاح] (¬9)، فذات الشّوكة ههنا النّفير وغير ذات الشّوكة العير لتغنموا من غير قتال، وأراد الله أن يسلّطهم على ذات الشّوكة ليقطع دابر الكافرين (¬10). روي أنّهم (¬11) لّما ظفروا بالعدوّ وفرغوا من القتال والأنفال طمعوا في العير، قالوا: يا رسول الله عليك بالعير، فقال عبّاس وهو أسير مشدود: لا ينبغي لك يا رسول الله، قال: ولم (¬12)؟ قال: لأنّ الله وعدك إحدى الطّائفتين وقد أنجز (¬13). وهذا دليل على إيمان عبّاس وعقله وفطنته قبل ظهور إسلامه. 8 - {لِيُحِقَّ الْحَقَّ:} إحقاق الحقّ إثبات في المشاهدة لما ثبت في العقل. وإبطال الباطل ¬
إزهاق (¬1) في المشاهدة لما زهق في العقل. 9 - {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ:} الاستغاثة: طلب الغوث، وهو عون الملهوف (¬2). والرّدافة (¬3) أن تتبع الشّيء الشّيء، قال: {عَسى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ} [النّمل:72]، واللام مقحمة (¬4). «والتّرادف: التّتابع» (¬5). 11 - {إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ:} قيل: إنّ الله تعالى ألقى عليهم النّوم والأمن ليلتئذ حتى احتلم بعضهم ثمّ أصبحوا على غير ماء، فوسوس (¬6) لهم الشّيطان بأنّهم لو كانوا على الحقّ لوجدوا ماء ليتطهّروا (¬7) به لصلاتهم، فأرسل الله عليهم مطرا حتى اغتسلوا وشربوا، وكان الموضع تسوخ فيه الأقدام لكثرة الرّمل فاشتدّ بذلك الوشي (¬8) أيضا فثبتت عليه أقدامهم (¬9). والرّبط على القلب هو عقده (¬10) بالصّبر الحائل بينه وبين الجزع والوجل والهلع والفشل (¬11). {بِهِ:} راجع إلى الماء، أو إلى الرّبط (¬12). (131 و) و {الْأَقْدامَ:} جمع قدم، وهو من الرّجل كالكفّ من اليد (¬13). 12 - {فَثَبِّتُوا:} تثبيت الملائكة المؤمنين إنّما كان على سبيل التّشجيع دون القتال (¬14). وقيل (¬15): تثبيتهم إيّاهم مشاركتهم في القتال تشريفا لهم، ولو شاء الله لأهلكهم بملك واحد منهم. {فَوْقَ الْأَعْناقِ:} ما فوق الأعناق وهو الرّأس (¬16). وقيل: (فوق) زيادة وصلة مثل ¬
(على) (¬1)، تقول: ضربت الشّيء، وضربت عليه بمعنى. و (العنق): الرّقبة، وهو المتوسّط بين الرّأس والذّفرى (¬2). {بَنانٍ:} (¬3) أطراف من الأيدي والأرجل (¬4)، واحدتها: بنانة (¬5). فإن كان الأمر للمؤمنين فالمراد ضربهم بالسّيوف والمقارع، والمراد ببيان هذه المواضع إباحة (¬6) القتل من كلّ وجه، وإن كان الأمر للملائكة فالمراد بالضّرب ضربهم بما شاء الله من سلاح أو جناح على سبيل القتل (¬7) والتسويم أو الرّدّ والطّرد (¬8). 13 - {ذلِكَ:} إشارة إلى الإمداد والإرداف، أو الأمر بالقتل (¬9). 14 - {ذلِكُمْ فَذُوقُوهُ:} خطاب متوجّه إلى الكفّار من جهة الله تعالى أو من جهة الملائكة عند معاينة البأس، تقديره: ذلكم جزاؤكم فذوقوه، أو ذوقوا ذلكم فذوقوه (¬10). {وَأَنَّ لِلْكافِرِينَ:} معطوف على {شَاقُّوا اللهَ وَرَسُولَهُ} (¬11). 15 - {زَحْفاً:} الزّحف: التّقرّب إلى الشّيء قليلا قليلا، وأكثر استعماله في ما له أرجل كثيرة، وهو مصدر ههنا أقيم مقام الاسم، أي: زاحفين (¬12). 16 - {مُتَحَرِّفاً:} مائلا، نصب على الحال (¬13)، وتقديره: ومن يولّهم يومئذ دبره على أيّ حال كان إلاّ متحرّفا لقتال (¬14). و (التّحيّز) والانحياز: التّنحّي (¬15)، وفيه معنى النّقيض. ¬
{إِلى فِئَةٍ:} قال ابن عبّاس (¬1): إنّها الكتيبة العظمى في المعركة، وعن أبي سعيد الخدريّ أنّهم لو تحيّزوا إلى فئة في دار الإسلام لم يكونوا منهزمين (¬2). قال ابن عمر: خرجت سريّة، وأنا فيهم، ففرّوا، فلمّا رجعوا إلى المدينة استحيوا من النّاس، فسألوا رسول الله: أنحن الفرارون؟ قال: بل أنتم العكّارون وأنا فئتكم (¬3). «قال ثعلب: العكّارون: العطّافون» (¬4). ثمّ يحتمل أنّ الآية مجمل لا يمكن العمل بظاهرها، وتفسيره: {مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ} [الأنفال:65]، ويحتمل أنّها كانت عامّة يمكن العمل بظاهرها (¬5) عند الإتيان على النّفس ثمّ خصّصها قوله: {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ} [الأنفال:65]، ثمّ نسخت تلك الآية بقوله: {الْآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ} [الأنفال:66] (¬6). 17 - {وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ:} نفي هذه الأفعال عن فاعلها وإسنادها إلى الله من جهة وقوعها يومئذ معجزة إلهيّة خارجة عن طوق البشر والرسم الموضوع المعهود (¬7). روي أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أخذ كفّا من حصى الوادي يوم بدر ورمى به في وجوه القوم وقال: شاهت الوجوه (¬8). وروى الزهريّ عن ابن المسيب أنّه صلّى الله عليه وسلّم رمى يوم أحد أبيّ بن خلف (¬9). وعن عبد الرّحمن ابن جبير أنّه صلّى الله عليه وسلّم دعا بقوس في محاربة اليهود فرمى عليها بسهم إلى الحصن فأصاب كنانة بن أبي الحقيق وهو على فراشه فقتله (¬10). {وَلِيُبْلِيَ:} معطوف على مضمر، تقديره: ليهلكهم (¬11) وليبلي المؤمنين. 18 و19 - {ذلِكُمْ:} الذي سمعتم حقّ أو صدق واعلموا أنّ الله (¬12). ويجوز أن يكون (ذلكم) في محلّ النّصب بإضمار اعلموا (¬13). (131 ظ) ¬
الإيهان والتّوهين: إحداث الوهن والضّعف (¬1). كان المشركون (¬2) عند خروجهم إلى بدر تعلّقوا بأستار الكعبة وقالوا: اللهمّ انصر أحبّ الفئتين إليك (¬3). وكان أبو جهل يقول يوم بدر (¬4): اللهمّ أقطعنا للرّحم وأفسدنا للجماعة فأحنه (¬5) اليوم، فنزلت (¬6) {إِنْ تَسْتَفْتِحُوا} الآية. 20 - {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا:} اتّصالها بما قبلها من حيث سبق ذكر مجادلتهم في الخروج (¬7). والواو في قوله: {وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ} للحال (¬8)، أي: لا تتولّوا عنه سامعين دعاءه إيّاكم وأمّا (¬9) من لم يسمع فهو معذور (¬10). 21 - {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ:} نزلت في بني عبد الدّار بن قصيّ، لم يسلم منهم إلاّ اثنان، وكان أكثرهم منافقين (¬11). وقيل (¬12): نزلت في الذين قالوا: {قَدْ (¬13)} سَمِعْنا لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا [الأنفال:31]، أو (¬14) أنّهم لم يسمعوا سمع (¬15) الانتفاع والاعتبار. 22 - {شَرَّ الدَّوَابِّ:} «النّاس» (¬16) بدليل قوله: {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ الَّذِينَ كَفَرُوا} [الأنفال:55]، جمعهم جمع العقلاء. {الصُّمُّ الْبُكْمُ:} الذين لا يستمعون إلى الحقّ ولا ينطقون بالحقّ (¬17). ¬
والمراد ب {الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ} المخاذيل عن العمل بقضيّة العقل (¬1). 23 - {وَلَوْ عَلِمَ اللهُ (¬2)} فِيهِمْ خَيْراً: يدلّ على تفاوت طبائع السّعداء والأشقياء (¬3)، وأنّ السّعيد مجبول على خير طبيعيّ متقدّم على الخير الكسبيّ، مظهر عند التّوفيق للكسب، ثمّ يثمر الاستقامة، وأنّ الشّقيّ غير مجبول عليه فلا (¬4) يستقيم وإن وفّق للاستماع والاعتبار. 24 - {لِما يُحْيِيكُمْ:} إحياء القلوب للتّفكّر والاعتبار بروح الإلهام والقرآن، وإحياء الشّهداء للثّواب قبل يوم البعث (¬5). و (الحائل): الحاجز (¬6). وقوله: {يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ،} أي: يملك قلبه فيقلّبه كيف يشاء، إن شاء جعله مشرقا بنور الغيب، وإن شاء جعله ميتا (¬7) محجوبا. 25 - {وَاِتَّقُوا فِتْنَةً:} عامّة، ما يعمّ الفاسق والمداهن عن ابن عبّاس (¬8)، وللعصبية (¬9) عن غيره. {لا تُصِيبَنَّ:} كالصّفة للفتنة (¬10). وإنّما دخلت النّون المشدّدة بإضمار قسم (¬11)، يقيم القسم وجوابه مقام الصّفة. 26 - {إِذْ أَنْتُمْ:} عدد {قَلِيلٌ} (¬12)، أو شيء قليل، ولو وصف آحاد الجماعة بالقلّة لقال: إذ أنتم قليلون. {النّاسُ:} كفّار قريش، عن عكرمة وقتادة والكلبيّ، وقيل: فارس والرّوم (¬13). {فَآواكُمْ:} أراد تبوئة المدينة مراغما ومهاجرا لهم (¬14). ¬
27 - {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا:} نزلت في الغلول (¬1). وقيل: في أبي لبابة (¬2) بن عبد المنذر حيث استشاره بنو قريظة في النّزول عن الحصن على حكم رسول الله فقال لهم بلسانه: انزلوا، وأشار بيده إلى الحلق، أي: إن نزلتم على حكمه ذبحكم (¬3)، وإنّما حمله على ذلك مال له (¬4) كان عندهم في الحصن فخاف عليه النّهب إن فتحوا الحصن، قال أبو لبانة: ما برحت قدماي حتى علمت أنّي خنت الله ورسوله. قيل: ولم يأكل أبو لبانة طعاما ولا شرابا سبعة أيّام، وخرّ مغشيّا عليه حتى بيّن الله (¬5) توبته. 28 - فائدة ذكر الأموال والأولاد التّنبيه على أنّها من دواعي الخيانة (¬6). 29 - {فُرْقاناً:} مخرجا في الدّنيا والآخرة، عن ابن عبّاس ومجاهد والضّحّاك (¬7). 30 - {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ:} اجتمعت جبابرة قريش (132 و) في دار النّدوة يدبّرون في أمر رسول الله، ودخل معهم إبليس لعنه الله في صورة شيخ نجديّ، ثمّ قالوا فيما بينهم: إنّ محمّدا ليس يزداد بمرّ (¬8) الأيّام إلاّ اشتهارا وعظم شأن وإنّا نخشى أن نقاسي منه أكثر ممّا قاسينا إلى (¬9) اليوم، فما الحيلة في تطفية ناره وتجلية غباره؟ فقال عمرو بن هشام: أرى أن تأخذوه وتحبسوه في بيت وتسدّوا عليه الباب وتخلّوا كوّة تطرحون إليه منها قوتا يعيش به إلى أن يموت، فقال إبليس لعنه الله: بئس الرّأي ما رأيت فإنّ أقاربه يتعصّبون له إذا ويستنقذونه (¬10)، قالوا جميعا: صدق الشّيخ النّجديّ، ثمّ قال أبو البختريّ بن هشام: أمّا أنا فأرى أن تحملوه على بعير وتخرجوه من أرضكم يذهب حيث يشاء، قال: بئس الرّأي ما رأيت كأنّي به (¬11) إذا وقد كرّ (¬12) عليكم بعسكر لجب (¬13) لينتقم منكم، قالوا جميعا: صدق الشّيخ النّجديّ، ثمّ قال الفاسق أبو جهل لعنه الله: لكنّي أرى أن يجتمع من كلّ بطن ورهط واحد ومعه سيفه ثمّ نمشي جميعا ونضربه ضربة رجل ¬
واحد، [ثمّ] (¬1) وديناه إلى عشيرته، ولا يقدرون على المطالبة بالقود فإنّهم لا يقاومون قريشا بأجمعهم، قال إبليس: صدق هذا الشّابّ والرّأي ما رآه، وأثنى عليه. فتفرّقوا على ذلك، وهبط جبريل عليه السّلام يخبر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ويأذن له في الهجرة، فلمّا كان ليلة الاغتيال وثب عن (¬2) فراشه وخلّف عليّا مكانه، وخرج من باب بيته وإذا هم وقوف مجتمعون، فصرف الله أبصارهم عنه حتى أخذ التّراب وحثا على رؤوسهم، ثمّ انطلق إلى أبي بكر فصحبه أبو بكر في الهجرة، وكانا قد دبّرا في ذلك من قبل فوفّقهما الله تعالى لذلك، فنزلت الآية بذكر الله نعمته وإن كان هو ذاكرا ليزداد شكرا وليعتبر به المعتبرون (¬3). 31 - {وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا:} نزلت في المشركين الذين تحدّاهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بمثل (¬4) سورة من القرآن عامّة. وفي النضر بن الحارث بن كلدة، كان يتجر إلى الرّوم وفارس ويسمع أقاصيص رستم وإسفنديار فقال (¬5): قد سمعنا القرآن ولو شئنا لقلنا مثله (¬6). وقد كذب الملعون وادّعى ما لا يقدر عليه وأصحابه، ولو قدروا لقالوا شيئا مع طول المحاورة والمجاورة وكثرة التّحدّي، فإنّ ذلك لو قدروا عليه لكان أيسر في ردّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأهون وأوجد (¬7) وأمكن من القتال وبذل الأموال ومصادفة الرّجال، ألا ترى أنّ طليحة الأسديّ ومسيلمة الكذّاب كيف تكلّفا وتوخّيا المقابلة (¬8) بما افتضحا به حتى قال أبو بكر الصّدّيق لطليحة وأصحاب مسيلمة: ويحكم هذا الكلام لم يخرج من إلّ (¬9)، فاعترفوا له بالاغترار والخسران والإدبار. 32 - {وَإِذْ قالُوا اللهُمَّ:} نزلت في النضر بن الحارث أيضا وأصحابه، فلم يمطر بالحجارة ولكن قتل صبرا يوم بدر، فذاق العذاب الأليم (¬10). قال أبو عبيدة (¬11): يقال في (132 ظ) العذاب: أمطر، وفي الرّحمة: مطر. 33 - {وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ:} كأنّهم لمّا دعوا بهذا الدّعاء ولم يمطروا ولم ينزل بهم ¬
عذاب ازدادوا جراءة واتهام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وكان المؤمنون تعجّبوا بتأخير العذاب بعد دعائهم هذا فبيّن الله تعالى وجه تأخير العذاب عنهم فإنّ الله تعالى لم يعذّب قوما قطّ حتى خرج نبيّهم من بينهم، كانت هذه سنّته في الأمم الخالية (¬1). {وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ:} فهم الذين سبق علم الله فيهم أنّهم سيؤمنون ويستغفرون، هكذا عن ابن عبّاس في بعض الرّوايات (¬2). وقال قتادة والسدّي وابن زيد: إنّه على وجه التّرغيب لهم في الإيمان والاستغفار (¬3). 34 - {وَما لَهُمْ أَلاّ يُعَذِّبَهُمُ اللهُ:} الآية في إثبات العذاب وتحقيق نزوله بهم عند ارتفاع المعنيين. (ما لهم): أي: أيش لهم من الحجّة والعذر، {(أَلاّ يُعَذِّبَهُمُ (¬4)} [اللهُ] (¬5)): أن لا يعذّبهم بالاستئصال لتلك الحجّة أو لذلك العذر، فأخبر (¬6) عن موجب العذاب فقال (¬7): {وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَما كانُوا أَوْلِياءَهُ،} أي: يصدّون المؤمنين عن الحجّ والعمرة غضبا (¬8) من غير أن يكون إليهم (¬9) ولاية المسجد الحرام عند الله تعالى وفي حكمه. ثمّ أخبر عن أولياء المسجد (¬10) الحرام فقال: ما أولياؤه {إِلاَّ الْمُتَّقُونَ} (¬11). 35 - {مُكاءً:} صفيرا (¬12)، {وَتَصْدِيَةً:} تصفيقا وتوليد الصّدى (¬13)، والصّدى هو الصّوت المنعكس (¬14). كانت قريش تصفّر وتصفّق وتعتقد أنّها صلاة ودعاء (¬15)، وذلك من ¬
وساوس (¬1) الشّيطان لهم ليصدّهم عن التّسبيح والتّهليل، قال حسّان (¬2): [من الوافر] إذا قام الملائكة اتّبعتم … صلاتكم التّصفّر والمكاء فأنكر الله تعالى ذلك عليهم، وأخبر (¬3) بقبح فعلهم وسوء رأيهم. {فَذُوقُوا الْعَذابَ:} خطاب لهم بلغهم يوم بدر (¬4). 36 - {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ:} نزلت في المطعمين يوم بدر، عن الضّحّاك (¬5). وفي أبي سفيان حين استأجر ألفي رجل من الأحابيش من كنانة واستجاش من سائر العرب يوم أحد، عن قتادة ومجاهد وغيرهما (¬6). 37 - {لِيَمِيزَ اللهُ:} لام المفعول الثّاني، يحشرون إلى جهنّم لهذا (¬7). {الْخَبِيثَ:} جنس الكفّار، {مِنَ الطَّيِّبِ:} جنس المؤمنين (¬8). {أُولئِكَ:} إشارة إلى الخبيث (¬9). {فَيَرْكُمَهُ:} يضع بعضه على بعض (¬10)، ومنه السّحاب المركوم (¬11). 38 - {إِنْ يَنْتَهُوا} (¬12): الانتهاء عن العداوة، ولا يصحّ ذلك إلاّ بالإسلام (¬13). {سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ:} يوم بدر، يهدّدهم [الله] (¬14) بمثله. 39 - {حَتّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ:} كفر إن أجرينا على مشركي العرب، ومحاربة ¬
الكفّار إن (¬1) أجرينا على العموم؛ لأنّ القتال ممتدّ إلى أن يستسلم أهل الشّرق والغرب أجمعون (¬2) أو تنتهي أيّام الدّنيا. {الدِّينُ:} التّديّن. {كُلُّهُ:} للتّأكيد (¬3). {لِلّهِ:} لوجه الله خالصا (¬4). 40 - {وَإِنْ تَوَلَّوْا:} أعرضوا عن الإسلام والاستسلام (¬5). {أَنَّ اللهَ مَوْلاكُمْ:} يواليكم وينصركم (¬6) عليهم. 41 - {وَاِعْلَمُوا:} أي: اعتقدوا. وهو تكليف وليس بمجرّد إعلام ولذلك علّقه بشرط الإيمان (¬7). {مِنْ شَيْءٍ:} تفسير لقوله: (ما غنمتم)، كقوله: {وَمَا اِخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ} [الشّورى:10]. وقوله {فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ:} يدلّ على قوله: {أَنَّما غَنِمْتُمْ.} وروى سفيان الثّوريّ (133 و) عن قيس بن مسلم قال: سألت الحسن بن محمّد بن عليّ بن أبي طالب عن قوله (¬8): {فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ،} قال: هذا مفتاح كلام، لله (¬9) الدنيا والآخرة (¬10). وسهم رسول الله كان ينفق مقدارا على عياله ويصرف الباقي إلى حوائج المسلمين، وقد نقل عنه من طريق الاستفاضة قال: ما لي في ما أفاء الله عليكم إلاّ الخمس والخمس مردود فيكم. ثمّ سقط سهمه بوفاته؛ لأنّ خلفاءه جعلوا لأنفسهم رزقا دارّا في بيت المال فاستغنوا عن هذا السّهم. ولو رأى الإمام أن يفرز هذا السّهم ويجعله في بيت المال عدّة للمسلمين لكان في سعة إن شاء الله (¬11). ¬
وليس في الآية ما يدلّ على أنّ ذوي القربى سوى القائمين؛ لأنّ الخطاب متوجّه إليهم كما في (¬1) قوله: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ} [البقرة:180]، وفي قوله: {قُلْ (¬2)} ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ [البقرة:215]، وقوله: {وَاُعْبُدُوا اللهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَبِذِي الْقُرْبى} [النّساء:36]، لكنّ الدّلالة قد قامت على أنّهم فقراء بني هاشم، كان صلّى الله عليه وسلّم يعطيهم من الخمس مقدار الحاجة يقول لهم: أليس في خمس الفيء ما يغنيكم عن غسالة أيدي النّاس (¬3). ثمّ عندنا استحقاقه بالفقر بعد موت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وعند الشّافعيّ بمجرّد القرابة (¬4). واستحقاق اليتامى بالفقر بالإجماع، والمساكين عامّ في الهاشميّين وغيرهم، وكذلك ابن السّبيل. وفائدة تخصيص ذوي القربى التّنبيه على أنّهم في هذا المال (¬5) بخلاف ما هم في الزكوات (¬6) والصّدقات، أو تشريفهم على غيرهم (¬7) كما في قوله: {وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ} [الأحزاب:7]، وقوله: {وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ} [البقرة:98] (¬8). وتخصيص اليتامى أن لا يوكلوا إلى (¬9) أقاربهم الأغنياء لحقّ الحضانة، أو التّنبيه على تفقد المحتاجين. 42 - {إِذْ أَنْتُمْ:} بدل عن قوله: {يَوْمَ اِلْتَقَى،} وذلك بدل عن قوله: {يَوْمَ الْفُرْقانِ} (¬10). {بِالْعُدْوَةِ:} جانب الوادي (¬11)، قال النّابغة (¬12): [من البسيط] في عدوتين أقام القوم بينهما … والقوم من (¬13) بين محروم ومحتوم {الدُّنْيا:} تأنيث الأدنى، و {الْقُصْوى:} تأنيث الأقصى، أي: الأبعد (¬14). ¬
{وَالرَّكْبُ:} العير في أسفل منكم بالسّاحل (¬1). ويحتمل أنّ الرّكب جماعة من ركبان إحدى الطّائفتين اللّتين التقتا. {وَلَوْ تَواعَدْتُمْ لاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعادِ:} لكراهتهم لقاء العدوّ ومجادلتهم في ذلك، أو لرفع التقادير التدابير على ما شاهدوه ونجربه. {لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْراً:} ليمضي وليتمّ شأنا (¬2) كان مقدورا محقّقا مثبتا في اللّوح. {لِيَهْلِكَ:} ليموت من مات بعد استبانة ويعيش من عاش بعد استبانة (¬3)، وذلك تتمّة وعد الله تعالى بهلاك قريش في قوله تعالى: {فَسَوْفَ يَكُونُ لِزاماً} [الفرقان:77]، وقال صلّى الله عليه وسلّم: (والله لقد جئتكم بالذّبح) (¬4). وقيل (¬5): ليكفر من كفر بعد اتّضاح قيام الحجّة عليه ويؤمن من آمن بعد اتّضاح قيام الحجّة له، فإنّ الحجّة وإن كانت قائمة فلا شكّ أنّها ازدادت يوم بدر بما ظهرت (¬6) يومئذ وشاهد كثير من الطّائفتين الملائكة يومئذ. 43 - {إِذْ يُرِيكَهُمُ:} بدل ممّا تقدّم في محلّ النّصب (¬7). والظّاهر أنّه صلّى الله عليه وسلّم رأى رؤيا في المنام (¬8). وعلم الرّؤيا علم (¬9) على طريق المثل والإشارة والانعكاس ولذلك يجوز التّفاوت فيه، ومعناه: قلّة شوكتهم، (133 ظ) أو قلّة بقائهم في الدّنيا. وقال الحسن البصريّ: رآهم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قليلا في اليقظة، والمراد بالمنام العين (¬10). {سَلَّمَ:} أي: رزق السّلامة (¬11). 45 - {فَاثْبُتُوا:} أراد به المصابرة وترك الانهزام، أو الوقوف (¬12) والتّكبير عند أوّل وهلة (¬13). أمّا الوقوف فلاجتماع الرّأي، والتّكبير فللاستنصار وتوهين الكفّار. ¬
46 - {وَلا تَنازَعُوا:} في القتال، وهو أن يخالفوا الإمام عند (¬1) التّعبئة فيتقدّموا ويتأخّروا بغير إذنه، وأن يتزاحموا أو يتجادلوا فيتخاذلوا (¬2). {رِيحُكُمْ:} «ريح النّصر» (¬3)، قال (¬4) صلّى الله عليه وسلّم: (نصرت بالصّبا وأهلكت عاد بالدّبور) (¬5). وقيل: الرّيح (¬6) تزايد الأنفاس في الصّدر عند الغضب بطول الاهتمام، واحتباسها قليلا في الصّدر (¬7)، وذلك يزيد في قوّة الأعضاء، فإذا تنازعوا استوفوها في جهة التّنازع ولم يبق للمطاعنة والمسايفة منها شيء. 47 - {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بَطَراً:} قيل: إنّ قريشا لمّا بلغهم سلامة العير [قال] (¬8) بعضهم: ارجعوا فقد كفيتم، وقال أبو جهل وأمثاله: بل (¬9) ننتهي إلى بدر فنطعم الطّعام ونسقي الخمور وتعزف على رؤوسنا القينات لنفتخر به إلى آخر الأبد، فقلب الله عليهم أحوالهم (¬10) وأطعم لحومهم (¬11) السّباع والنّسور والدّيدان، وسقاهم مكان كؤوس الخمور كؤوس المنايا وناحت عليهم النّوائح مكان القينات وأبدلهم من الفخر الخزي والعار وعذاب النّار إلى أبد الآباد. ونهى المؤمنين أن يكونوا أمثالهم في البطر والرّياء؛ لأنّ البطر هو الطّغيان يحمل النّفس على تمنّي المحال والقصد لما لا ينال حتى تقتحم الخسران والوبال، ورياء النّاس (¬12) يحمل النّفس (¬13) على ترك ما يعنيها من الأصلح الأوفق الأوجب والاشتغال بما لا يعنيها (¬14). 48 - {وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ:} قيل: أراد سراقة بن مالك بن جعشم، كانت قريش ¬
حين خرجت تخاف من كنانة وبني بكر، وكان سراقة شاعرا مكينا في كنانة (¬1)، فعرض لهم في الطّريق وقال: إنّي جار لكم (¬2) من كنانة وإنّهم سيتبعونكم وينصرونكم، {فَلَمّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ} (¬3) شاهد سراقة [الملائكة] (¬4) وتولّى مدبرا، وكان قد شاهد مثله حين عرض للنّبيّ (¬5) صلّى الله عليه وسلّم وأبي بكر الصّدّيق حين خرجا من مكّة وهاجرا إلى المدينة، وقال له الحارث [بن] (¬6) هشام: أفرارا من غير قتال؟ فقال: {إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ} (¬7). وأكثر المفسّرين على أنّ الشّيطان هو إبليس لعنه الله تزوى لهم في صورة سراقة بن مالك، أرسل إلى قريش: إنّكم تقولون خذلنا سراقة وانهزم عن النّاس وإنّي والله ما شعرت (¬8) بمسيركم حتى بلغني هزيمتكم (¬9). و (الجار): المجاور في الحقيقة، إلاّ أنّه صار اسما للخفير والمجير؛ لأنّ الجيران كانوا يخفرون ويجيرون (¬10). {نَكَصَ:} رجع وانقلب (¬11). و (العقب): مؤخّر القدم (¬12). 49 - {إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ:} المعتقدون خلاف الإسلام (¬13). {وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ:} شكّ وتردّد، من جملة (¬14) المنافقين. كانوا يستهزئون بالمؤمنين ويقولون: اغترّ هؤلاء بدينهم فيظنّون أنّه حقّ سينصرون به (¬15). ¬
{وَمَنْ يَتَوَكَّلْ:} كلام مستأنف. (134 و) 50 - وجواب (¬1) (لو) محذوف. و {الْمَلائِكَةُ:} أعوان ملك الموت (¬2). والضّرب على الوجوه لزجر المتقدّم، وعلى الأدبار لطرد المتأخّر، كأنّهم يسوقونهم سوق الخيل ويمنعونهم عن الانتشار. ويحتمل (¬3) أنّ الضّرب على الوجوه للتّعذيب لا بمعنى آخر، والضّرب على الأدبار للسّوق والحشر. 51 - {ذلِكَ:} إشارة إلى قوله: {وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلاّمٍ لِلْعَبِيدِ} أو إلى تعقيب (¬4) المؤاخذة وترك المعاجلة. 53 - {لَمْ يَكُ:} لم يكن. وإنّما اختصّ الكون بالإخبار لاقتضائه الآنيّة العامّة. وإنّما سقطت النّون؛ لأنّها تشبه (¬5) حروف المدّ واللّين في خفائها فجاز سقوطها بالجزم (¬6). والمراد ب (النّعمة) سوى نعمة التّوفيق والشّكر. وقيل: نعمة التّوفيق داخلة فيه؛ لأنّ الله لا يخذل ولا يمنع التّوفيق إلاّ مع سوء الاختيار، لا يتقدّم هذا على ذلك ولا ذاك على هذا. {ما بِأَنْفُسِهِمْ:} على أنفسهم من الشّكر، فتغييرهم الشّكر (¬7) تبديله بالكفر. وقيل: (ما بأنفسهم): عند أنفسهم من النّعمة، وتغييرهم إيّاها تسبّبهم (¬8) لزوالها. و (التّغيير): تبديل الكيفيّة في الحقيقة إلاّ أنّه يستعمل في تبديل الأعيان (¬9) مجازا كما يقال: انقلب التّرح فرحا والبكاء ضحكا. 54 - وإنّما كرّر التّشبيه بدأب آل فرعون للحثّ على الاعتبار. وإنّما عيّن فرعون وإهلاكه (¬10) بالغرق؛ لأنّه أشدّ استفاضة من أخبار عاد وثمود والذين من قبلهم. 55 - {فَهُمْ:} الفاء لتعقيب امتناعهم في الحالة الثّانية كفرهم في الحالة الأولى (¬11). ¬
56 - {الَّذِينَ عاهَدْتَ مِنْهُمْ:} نزلت في بني قريظة، نقضوا العهد مرّة بعد أخرى (¬1). و (الذين) بدل عن (الذين) في الآية الأولى (¬2)، وهو إبدال البعض من الكلّ (¬3). 57 - {فَشَرِّدْ بِهِمْ:} التّشريد: التّفريق والتّنكيل (¬4). 58 - {وَإِمّا تَخافَنَّ:} الخوف: العلم أو غلبة الظّنّ (¬5). {خِيانَةً:} مكر المعاهدين (¬6). {فَانْبِذْ:} العهد {إِلَيْهِمْ} جهرا (¬7). {عَلى سَواءٍ:} حال، كقوله: {وَعَلى جُنُوبِكُمْ} [النّساء:103]، تقديره: كائنا، أو كائنين على سواء في العداوة (¬8). 59 - {لا يُعْجِزُونَ:} للإعجاز معنيان: أحدهما: أن تفعل فعلا يعجز عنه غيرك، والثّاني: أن تصير إلى حال تعجز (¬9) غيرك عن الاستيلاء عليك (¬10). 60 - {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اِسْتَطَعْتُمْ (¬11)} مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ: عامّ في كلّ ما يتقوّى به على الأعداء من سلاح وكراع (¬12). عن (¬13) عقبة بن عامر قال: قرأ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اِسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ:} الرّمي (¬14) لهو المؤمن في الخلاء وقوّته عند اللّقاء، قال: ومات عقبة فأوصى بتسعين قوسا مع (¬15) كلّ قوس قرنها وسهامها في ¬
سبيل الله، قال: قرنها سيف، فقال (¬1): قرن الرّجل إذا تقلّد سيفه وتنكّب قوسه (¬2). وعن عقبة قال: إنّ الله تعالى ليدخل الجنّة (¬3) بالسّهم الواحد ثلاثة: صانعه الذي يحتسب بصنعته الخير والرّامي به والممدّ (¬4) به. قال: وقال صلّى الله عليه وسلّم: اركبوا (¬5) واركبوا وأن ترموا خير من أن تركبوا وكلّ شيء يلهو به الرّجل باطل (¬6) إلاّ رمي الرّجل بقوسه وتأديبه (¬7) فرسه وملاعبته امرأته فإنّهنّ من الحقّ (¬8). وعن عروة البارقيّ قال: قال صلّى الله عليه وسلّم: (الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة الأجر والمغنم) (¬9). والمراد بعدوّ الله (¬10) وعدوّهم قوم واحد وهم الكفّار، (134 ظ) كما في قوله: {لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ} [الممتحنة:1] (¬11). وقيل: عدوّ الله الكفّار، وعدوّنا أهل البغي من المؤمنين. {وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ:} الجنّ، عن ابن عبّاس (¬12). وقيل (¬13): سوى بني قريظة والمعروفين من الأعداء. 61 - {لِلسَّلْمِ:} إلى السّلم (¬14). {فَاجْنَحْ لَها:} ضمير المسالمة (¬15) أو الفعلة أو الخصلة (¬16). ¬
والآية غير منسوخة، وقيام الدّلالة على امتناع مشركي (¬1) العرب لا يدلّ على أنّ الآية منسوخة في حقّ غيرهم (¬2). 62 - {أَيَّدَكَ:} «قوّاك» (¬3). {بِنَصْرِهِ:} ما قدّر الله من التّأييد بغير سبب، {وَبِالْمُؤْمِنِينَ:} ما قدّره من التّأييد بسببهم (¬4). 63 - {وَأَلَّفَ:} والتّأليف: الجمع بين شيئين بتوفيق الطّبيعة دون القهر (¬5). والمراد به ما ألّف الله به قلوب أوليائه من معرفته والموالاة في ذاته (¬6) من غير رحم ولا عصبة ولا جوار ولا (¬7) صحبة ولا اصطلاح (¬8) زمان، فهم كنفس واحدة تجسّدت من جوهر طيّب ثمّ نطقت بروح الوحي معصومة من الفتن والبغضاء وأمراض الأهواء (¬9). وقيل (¬10): أراد التّأليف بين الأوس والخزرج من بعد ما كانت بينهم عداوة قديمة. 64 - {وَمَنِ اِتَّبَعَكَ:} في محلّ الخفض عطفا على الضّمير في {حَسْبُكَ،} وقيل: الكاف في (حسبك) في محلّ النّصب، وقيل: إنّه في محلّ الرّفع عطفا على اسم الله (¬11). وتأويله (¬12): حسبك (¬13) تأييد الله بلا سبب وتأييد من اتّبعك من المؤمنين. 65 - ثمّ تعبّد الله المؤمنين بمصابرة عشرة أمثالهم ووعد لهم النّصر عليها، ثمّ نسخ هذا بالمصابرة لمثليهم (¬14). ولم يبلغنا أنّهم عملوا بهذا المنسوخ وغلبوا على هذه الشّريطة قبل نسخ الوجوب، وأمّا بعد نسخ الوجوب (¬15) فقد بلغنا ذلك وأعظم منه (¬16). ¬
{حَرِّضِ:} التّحريض: الحثّ (¬1) والإغراء. وإنّما لم يقتصر على عدد واحد لئلاّ يتوهّم أنّ الحكم أو الوعد مختصّ بالقليل دون الكثير أو الكثير دون القليل، وليشترك (¬2) فيه الحاذق والجاهل (¬3). 67 - {ما كانَ لِنَبِيٍّ:} إخبار عن ما مضى من شأن الأنبياء نزل (¬4) على سبيل الإنكار والعتاب، أي: ما جاز لنبيّ قطّ. {أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى:} يفتدون منه (¬5). {حَتّى يُثْخِنَ:} إلى أن يثخن القتل في أعدائه (¬6). ويحتمل إلى أن يتمكّن في الأرض التقتيل (¬7). وقد كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم منّ على أساراه وأنعم عليهم بقبول الفداء قبل أن يثخن في أعدائه القتل، وكان ذلك بمشاورة بعض الصّحابة، فعاتبه الله على ذلك، وأخبر عن غرض أصحابه في قبول الفداء (¬8). 68 - {لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ:} أن لا يعذّب أهل بدر، عن مجاهد والحسن وقتادة (¬9). وقيل: أن (¬10) يرزق الإسلام بعض الأسارى. وقيل: أن لا يؤاخذ النّاس بالأوامر الشّرعيّة السّماعيّة قبل السّماع (¬11). وقيل: أن تكون (¬12) الغنائم حلالا لأمّة محمّد صلّى الله عليه وسلّم (¬13)، وذلك أنّ الكتاب السّابق ما تقدّم على هذه الحادثة من الآيات النّازلة من قوله: {وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى (3) إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ يُوحى} (4) [النّجم:3 - 4]، وقوله: {وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ} ¬
{فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ [فَانْتَهُوا]} (¬1) [الحشر:7]، وقوله: {وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ} [الأنفال:1]، فالنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم غير مخطئ مراد الله وما فيه المصلحة وما سيأذن الله (¬2) له فيه ويجعله (135 و) شريعة له (¬3)، ولكنّه عجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليه وحيه، وكان (¬4) أصحابه غير مخطئين في طاعته ولكنّهم لم ينتظروا الوحي وعجلوا بالإشارة عليه. ويحتمل أنّ الكتاب السّابق قضاء الله وحكمه أن يغفر لنبيّه ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر. 69 - الغنم: الاستفادة وإصابة (¬5) الخير. 70 - والخير المعلوم: الإيمان، والخير الموعود: الثّواب، وهو على سبيل التّفضيل على المأخوذ. وقال العبّاس عمّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: أبدلني الله مكان عشرين أوقية من الذّهب (¬6) عشرين عبدا كلّهم يضرب بمال كثير وأدناهم يضرب بعشرين ألف درهم، وأعطاني زمزم (¬7) وما أحبّ أنّ لي بها جميع أموال بكّة، وأنا أنتظر المغفرة من ربّي عزّ وجلّ، هذا الذي أخلفه في نفسه وأمّا الذي أخلف على ولده فلا يحصيه إلاّ الله عزّ وجلّ (¬8). 71 - {وَإِنْ يُرِيدُوا:} نزلت في الذين عاهدوا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أن لا يعودوا حربا عليه إن أطلقهم وردّهم إلى مأمنهم (¬9). {فَأَمْكَنَ:} مكّنك {مِنْهُمْ} وسلّطك عليهم. 72 - {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا:} كان صلّى الله عليه وسلّم آخى بين المهاجرين والأنصار على أن يرث بعضهم بعضا، وقطع الموالاة بينهم وبين (¬10) القاعدين من الهجرة المقيمين في دار الحرب إلاّ (¬11) على سبيل النّصرة في الدّين على غير المعاهدين بقضيّة هذه الآية، وفائدته ترغيبهم في الهجرة ¬
وزجرهم (¬1) عن الإقامة في دار الحرب، ثمّ نسخت بقوله: {وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ} [الأنفال:75] (¬2). ويحتمل أن تكون هذه الآية في الذين ليس لهم ذوو أرحام (¬3) من المؤمنين، فلا تكون منسوخة. 73 - وفي قوله: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا،} الآية دليل أنّ الكفر كلّه ملّة واحدة (¬4). {تَفْعَلُوهُ:} يعني النّصر الواجب المأمور به (¬5). 74 - وحكم الموالاة وقطعها أبهم الله تعالى حكم المقيمين في دار الحرب بتخصيص المهاجرين وحكم الممتنعين عن النّصرة بتخصيص الأنصار، لترغيبهم (¬6) بذلك في الهجرة والنّصرة. 75 - {وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ:} ألحق الله (¬7) المهاجرين الآخرين بالمهاجرين (¬8) الأوّلين. فمن المهاجرين الآخرين عبّاس وابنا أخيه عقيل بن عبد المطّلب (¬9) ونوفل بن الحارث. وقد روي عنه صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال لعبّاس: ختم الله بك الهجرة كما ختم بي النّبوّة (¬10)، فقوله: (لا هجرة بعد الفتح) (¬11) على فتح (¬12) بدر على هذه الرّواية. ويحتمل أنّ هجرة بني هاشم ختمت بفتح بدر وهجرة سائر النّاس ختمت بفتح مكّة. وكما ألحق المهاجرين الآخرين بالأوّلين جعل أولي (¬13) الأرحام أولى بالميراث والموالاة من أصحاب العقود (¬14) والمؤاخاة بعد ارتفاع الهجرة المندوب (¬15) إليها، والله أعلم. ¬
سورة التوبة
سورة التوبة «مدنيّة كلّها» (¬1). وعن مجاهد أنّها آخر ما نزلت (¬2). وعن عطاء عن ابن عبّاس: سور القرآن مئة وثلاث عشرة، فكأنّه عدّ الأنفال والتّوبة سورة واحدة. وقال (¬3) ابن عبّاس: قلت لعثمان: ما لكم عمدتم إلى الأنفال (¬4) وهي من (¬5) المثاني وإلى براءة وهي من المئين فقرنتم (¬6) بينهما ولم تكتبوا سطر: بسم الله الرّحمن الرّحيم، قال (¬7): لأنّ سورة التّوبة آخر القرآن نزولا (135 ظ) وقصّتها تشبه بقصّة سورة الأنفال، فقبض رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولم يبيّن لنا حكمها فقرنّا بينهما ولم نكتب بسم الله الرّحمن الرّحيم (¬8)، وكذلك روى القاضي أبو عاصم عن أبيّ بن كعب (¬9). وهي مئة وثلاثون آية في غير عدد الكوفة (¬10). 1 - {بَراءَةٌ مِنَ اللهِ:} إنّ الله كان (¬11) قد أنزل على نبيّه صلّى الله عليه وسلّم في أوّل ما أنزل بالمدينة قوله: {وَإِمّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ} [الأنفال:58]، فكانت ذمم (¬12) النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم منعقدة على هذه الشّريطة، فلمّا فتح الله مكّة وانسلخ شهر رمضان ودخل أشهر الحجّ الأكبر وكثر من القبائل مكرها وغدرها ونكثها أمر الله تعالى نبيّه (¬13) أن ينبذ إليهم عهودهم ويعلمهم ذلك ليكونوا على سواء، وأمرهم أن يردّوا العهود الزّائدة على أربعة أشهر إلى أربعة أشهر، وبرفع (¬14) العهود النّاقصة إلى أربعة أشهر أوّلها غرّة شوّال، وقيل: أوّلها يوم الحجّ الأكبر وذلك اليوم العاشر من ذي القعدة، وكان الموسم انتقل إلى ذلك الوقت بنسيء الكفّار، وآخرها انسلاخ الأشهر الأربعة المحرّمة بالذّمّة والعهد، وقيل: انسلاخ الأشهر الحرم (¬15) انسلاخ رجب، ¬
كان قد بقي من مدّة بني ضمرة وهم من كنانة تسعة أشهر أوّلها غرّة ذي القعدة، فأمر الله نبيّه أن يتمّ إليهم عهدهم إلى مدّتهم، وقيل: فإذا انسلخ الأشهر الحرم في قوم (¬1) لم يكن لهم ذمّة فأجلهم رسول الله بخمسين يوما أوّلها يوم الحجّ الأكبر، وليس هذا بسديد؛ لأنّ من الحجّ الأكبر إلى انسلاخ المحرّم ثمانين يوما على (¬2) التّخمين. وكان صلّى الله عليه وسلّم قد بعث أبا بكر إماما للنّاس في الحجّ ونزل (¬3) جبريل عليه السّلام وأمر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أن يبعث رجلا من أهل بيته بثلاث عشرة آية من أوّل هذه السّورة إلى الموقف والمنحر ليقرأ على النّاس، فبعث عليّا فقرأها عليهم، قالوا: برئنا منك ومن ابن عمّك وبرئتما منّا إلاّ من الضّرب والطّعن، ثمّ ندموا وأقاموا على العهد المذكور إلى أن دخلوا في الإسلام أفواجا (¬4). (براءة): خبر ابتداء محذوف، تقديره: هذه براءة، كقوله (¬5): {سُورَةٌ أَنْزَلْناها} [النّور:1] (¬6). وقيل: (براءة): مبتدأ، {إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ} خبره (¬7)، وكذلك (سورة)، (أنزلناها): خبره (¬8). وإنّما أسندت المعاهدة إلى المؤمنين؛ لأنّ أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأمر المؤمنين واحد (¬9). 2 - {فَسِيحُوا:} تمهيل. والسّياحة هو الضّرب في الأرض (¬10). 3 - {وَأَذانٌ:} إعلام (¬11). {الْحَجِّ الْأَكْبَرِ:} من الحجّة المعروفة ذات الوقوف، والحجّة الصّغرى هي العمرة. وقيل: (الأكبر): صفة اليوم، وهو يوم عرفة فإنّ الوقوف فيه. وقيل: هو يوم النّحر لاشتماله على الرّمي والنّحر والحلق وطواف الزّيارة، ثمّ غلب هذا الحجّ على حجّة أبي بكر سنة تسع وحجّة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وسمّيت بحجّة الوداع (¬12). ¬
4 - {الْمُتَّقِينَ:} المؤمنين الذين يتمّون ويتّقون نقضه من غير سبب موجب للنّقض (¬1). 5 - {اِنْسَلَخَ:} انكشف، فالأشهر ملابسة (¬2) إيّانا فإذا مضت فكأنّها انسلخت عنّا (¬3). والمراد بالقعود الاعتراض، كقوله: {لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ} [الأعراف:16]. (136 و). {مَرْصَدٍ:} الطّريق الذي لا بدّ منه (¬4). {فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ:} يعني بترك (¬5) الاعتراض. والتّخلية أن تجعل الشّيء فارغا خاليا (¬6). لمّا أمر الله برفع ذمم مشركي العرب [أراد] (¬7) أن يضع بين المسلمين وبينهم أسباب الرّسالة لئلاّ تتقطّع السّبل (¬8) فيتعذّر التّبليغ. 6 - {اِسْتَجارَكَ:} أي: طلب منك الجوار والإجارة (¬9). {مَأْمَنَهُ:} دار الحرب (¬10). 7 - {كَيْفَ:} للتّعجّب (¬11)، وأسباب التّعجّب بعدها. والاستثناء عارض [بين التّعجّب] (¬12) وأسبابه، فهؤلاء المستثنون من تقدّم ذكرهم، وقيل: قوم من بني بكر من كنانة، وقيل: هم بنو خزيمة (¬13). ولمّا طال العارض بين التّعجّب وأسبابه أعاد التّعجّب، وقريب منه قوله: {وَلَمّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ} إلى أن قال: {فَلَمّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا [كَفَرُوا]} (¬14) [البقرة:89]، وقوله: {فَبِما نَقْضِهِمْ [مِيثاقَهُمْ]} (¬15) إلى قوله: {فَبِظُلْمٍ} [النّساء:155 - 160]، وقوله: ¬
{فَلَوْلا إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ} (83) إلى قوله: {مَدِينِينَ} [الواقعة:83 - 86]. 8 - {إِلاًّ:} الإلّ: «القرابة» (¬1)، قال حسّان (¬2): [من الوافر] لعمرك إنّ إلّك من قريش … كإلّ السّقب من رأل النّعام والإلّ: العهد والذّمّة (¬3)، قال (¬4): [من البسيط] كأنّه لم يكن بيني وبينكم … إلّ ولا خلّة ترعى ولا ذمم والإلّ: اسم الله وربوبيّته (¬5)، قال أبو بكر الصّدّيق: ويحكم إنّ هذا لم يخرج من إلّ (¬6). 9 - {ثَمَناً قَلِيلاً:} الرّياسة والعصبيّة والخمر والزّنا والقمار (¬7). 10 - {لا يَرْقُبُونَ:} الخبر الأوّل (¬8) خبر عن نيّاتهم معلّق بشرط القدرة، وهذا الخبر خبر عمّا هم يفعلون في الحال. وقيل: الخبران (¬9) واحد والتّكرار للتّأكيد. 12 - {وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ:} نزلت في أبي سفيان بن حرب والحارث بن هاشم وسهيل بن عمرو وعكرمة بن أبي جهل، أعانوا حلفاءهم من بني الدّئل بن (¬10) بكر على خزاعة حلفاء نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم، فقدم على رسول الله عمرو بن سالم وبديل بن ورقاء (¬11) المدينة مستنجدين، وكان بديل يرتجز (¬12): لا همّ إنّي ناشد محمّدا … حلف أبينا وأبيه الأتلدا (¬13) كنت (¬14) … لنا ولدا وكنت والدا ¬
ثمّت أسلمنا (¬1) … ولم ننزع يدا أبيض مثل البدر ينهو صعدا … إنّ قريشا أخلفوك (¬2) الموعدا ونقضوا ميثاقك المؤكّدا فقال رسول الله: لا نصرني الله إن لم أنصركم، ثمّ أمر النّاس (¬3) أن يتجهّزوا إلى مكّة (¬4). وكان أبو سفيان يومئذ عند هرقل بالشّام، فكتبت قريش إليه بالخبر، فلمّا قرأ الكتاب استأذن هرقل في الرّجوع وقال: إنّ محمّدا كان عاهدنا سنين وهو يريد النكث، قال هرقل: ولم ذلك؟ قال: لأنّا أعنّا حلفاءنا على حلفائه، قال: هو معذور فإنّكم إذا قاتلتم حلفاءه فقد (¬5) قاتلتموه. وانصرف أبو سفيان من الشّام يريد الإصلاح حتى دخل المدينة على فاطمة بنت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وطلب منها الإجارة فلم تفعل، وطلب من الحسن والحسين فلم يفعلا، ثمّ خرج إلى أبي بكر فردّه، وإلى عمر فردّه وقال: والله لنضربنّ إستك يا أبا سفيان، فقال: ما أسفهك يا ابن الخطّاب، ثمّ خرج إلى عليّ رضي الله عنه وطلب منه الإجارة، فقال عليّ: يا أبا سفيان أتظنّ برسول الله أنّه يردّ أمرك اخرج إلى النّاس واضرب (136 ظ) إحدى يديك على الأخرى وقل: أجرت بين النّاس، فقال أبو سفيان: أهو كما تقول؟ قال عليّ: سترى (¬6) ما يكون، فخرج أبو سفيان فضرب إحدى يديه على الأخرى وقال: أجرت بين النّاس، ورجع إلى مكّة وقال: أجرت بين النّاس، قالوا: كيف؟ فأخبرهم بالقصّة، قالوا: لم تفعل شيئا وإنّما استهزأ بك عليّ (¬7). ثمّ سار رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في جيوشه إلى مكّة، ولم يلق أحدا مقبلا ولا مدبرا إلاّ حبسه لئلاّ يخبر أهل مكّة بمسيره (¬8) إليهم، فخرج أبو سفيان متحسّسا (¬9) أخبارهم فلقيه العبّاس في جوف اللّيل وأجاره وأردفه خلفه على بغلة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتى (¬10) أدخله عليه (¬11) صلّى الله عليه وسلّم، وأحسّ به عمر فسابقه إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فسبقه وحال بينه وبين أبي (¬12) سفيان، ثمّ ردّه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى مكّة، فلمّا ¬
كان ببعض الطّريق أمر عبّاسا ليتبعه فيحبسه على الطّريق ليمرّ به كتائب العسكر، فلمّا لحقه العبّاس خافه أبو سفيان على نفسه وقال: أغدرا يا بني هاشم، قال: كلاّ ولكن أبصر كتائبنا (¬1)، وكان كلّما مرّ عليه كتيبة قال: أفي هؤلاء محمّد؟ وكان عبّاس يقول: لا هؤلاء بنو فلان وهؤلاء بنو فلان حتى مرّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كالبدر المنير تحت المغفر في ثلاثة آلاف فارس من الأنصار متكفرين بالسّلاح. وأسلم أبو سفيان، فقال عبّاس: يا رسول الله إنّ أبا سفيان رجل (¬2) يحبّ الصيّت فاجعل له شيئا يفتخر به، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: من دخل دار أبي سفيان فهو آمن. وانصرف أبو سفيان إلى مكّة ونادى: من دخل داري فهو آمن، فقامت إليه امرأته هند وأخذت بسباله (¬3) وقالت: اقتلوا هذا الخبيث، فضربوه ضربا شديدا (¬4). وكان خالد بن الوليد على الميمنة فاستقبله جمع من المشركين وعليهم حماس (¬5) بن قيس ومقيس بن ضبابة وعكرمة بن أبي جهل فقاتلهم خالد حتى هزمهم، وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد نهاه عن ذلك، فلمّا (¬6) علم بذلك قال: عسى أن يكون خيرا. وروى ابن (¬7) إسحق أنّهم قتلوا من المسلمين كرز بن جابر وحنش بن خالد، وأصيب من مزينة سلمة بن الميلاء، وأصيب من المشركين قريب من اثني عشر أو ثلاثة عشر، ثمّ هزموا (¬8). وقوله صلّى الله عليه وسلّم: (إنّي أعوذ من صنيع خالد) لم يكن في هذا اليوم وإنّما كان من (¬9) قبله. وجمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الأنصار حواليه يوم فتح مكّة ثمّ أمرهم بأن (¬10) يحضروا أوباش قريش، قال أبو هريرة: وما كنّا إلا قادرين على قتل (¬11) من نشاء أن نقتله، فجاء أبو سفيان وقال: يا رسول الله أبيدت خضراء قريش لا قريش بعد هذا اليوم، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: من أغلق بابه على نفسه فهو آمن (¬12)، واستثنى أربعة من المشركين وأمر بقتلهم (¬13). وأجارت أمّ هانئ رجلين من مخزوم، فأراد أخوها عليّ بن أبي طالب أن ¬
يقتلهما (¬1)، فجاءت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تشكوه والنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يصلّي صلاة (137 و) الضّحى، وذلك قبل أن دخل مكّة، فقال: أجرنا من أجرت (¬2). وعن أبي هريرة أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: يا أبا هريرة اهتف بالأنصار، فنادى: يا معشر الأنصار أجيبوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فجاؤوا كأنّما كانوا على ميعاد، ثمّ قال: اسلكوا هذا الطّريق ولا يشرفن أحد عليكم إلا أنمتموه، أي: قتلتموه (¬3). وسار رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتى دخل المسجد، وما قتل ذلك اليوم إلاّ أربعة، ودخل صناديد قريش الكعبة يظنّون أنّ السّيف لا يرفع عنهم، فأخذ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعضادتي الباب وقال: ما تظنّون؟ فقالوا (¬4): نقول: أخ وابن عم حليم رحيم، فقال رسول الله (¬5) صلّى الله عليه وسلّم: إنّي أقول كما قال يوسف عليه السّلام: {لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ [الْيَوْمَ] (¬6)}، الآية [يوسف:92]، فخرجوا من الكعبة كأنّما نشروا من القبر، ودخلوا في الإسلام (¬7). قالت عائشة: ما من بلدة إلاّ فتحت بالسّيف إلاّ المدينة فإنّها فتحت بلا إله إلاّ الله (¬8). وقوله: {وَلَوْ قاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبارَ} [الفتح:22] في شأن أسد وغطفان، وقيل: في الحديبية (¬9). وكذلك قوله: {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ} [الفتح:24] كان المشركون (¬10) بعثوا أربعين رجلا، وقيل: اثنا عشر لاغتيال أصحاب (¬11) رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عام الحديبية فأظهرهم الله عليهم فأخذوهم وجاؤوا بهم إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فأطلقهم (¬12). قد دلّ كتاب الله وتواترت الرّوايات وأجمع أصحاب السّير أنّ مكّة فتحت عنوة ثمّ منّ عليهم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأطلقهم ولم يقسم أموالهم فسمّوا طلقاء (¬13)، فمن قال: فتحت صلحا (¬14)، فقد ¬
خالف الكتاب والسّنّة وخرق الإجماع. 14 - {وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ:} الشّفاء: إزاحة الأذى من مرض أو غضب أو حزن (¬1). وكان شفاء المؤمنين حين صعد بلال على سطح الكعبة ورفع صوت الأذان، قال خالد بن أسيد: الحمد لله الذي لم يبق أسيدا (¬2) إلى هذا اليوم (¬3)، وقال الحارث [بن] (¬4) هشام: إن كنت لأبغض أن ينهق عليها (¬5) ابن أبي رباح، وقال سهيل بن عمرو: دعوه إنّ لها (¬6) ربّا إن شاء أن ينصرها نصرها، وقالت جويرية بنت أبي جهل حين سمعت اسم رسول الله في الأذان: والله لقد رفع ذكرك، ولّما (¬7) سمعت قوله: قد قامت الصّلاة قالت: أمّا القيام فسأقوم ولكنّي لا أحبّ قاتل أخيه أبدا. والمؤمنون يسمعون منهم أحاديثهم هذه ويضحكون عليهم. 16 - {وَلِيجَةً:} هو الذي يلج عليك وتلج عليه على كلّ حال ولا يكتم عنه سرّه (¬8). 17 - {ما كانَ لِلْمُشْرِكِينَ:} نزلت في الرّدّ على المشركين حين افتخروا بعمارة المسجد الحرام وسقي الحجيج (¬9). وإنّما نزلت هذه السّورة في آخر ما نزلت في المدينة في أيّام فتح مكّة، وتوفّي [رسول] (¬10) الله قبل أن يبيّن موضعها، فالظّاهر أنّ المفتخرين أبو سفيان والحارث بن هشام وعكرمة ابن أبي جهل وسهيل بن عمرو (¬11) وخالد بن أسيد. (ما كان): أي: لم يكن معتدّا به ولم يصحّ ولم يقع موقعه فعلهم ذلك (¬12). و (العمارة): ضدّ التّخريب. (شهادتهم على أنفسهم بالكفر): (137 ظ) جهرهم به وإن لم يعدّوه كفرا (¬13). 18 - وإنّما تصحّ (¬14) العمارة ممّن آمن بالله. 19 - {أَجَعَلْتُمْ:} فضيلة، {سِقايَةَ الْحاجِّ} كفضيلة من {آمَنَ بِاللهِ.} قال الحسن ¬
البصريّ: لّما نزلت هذه الآية قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: لا تدعوها فإنّ لكم فيها أجرا (¬1). فلولا أنّ الآيات نزلت في فتح مكّة ولكنّ رسول الله ولّى السّقاية عمّه عبّاسا وأولاده بعد الفتح، ورآهم (¬2) يوم الفتح وقال: انزحوا ولولا أن يزاحمكم النّاس لنزحت معكم (¬3)، وأذن في البيتوتة بمكّة لأجل السّقاية ليالي منى، فصار عبّاس جامعا بين السّقاية وبين الهجرة والجهاد، وفاز بكلتي الفضيلتين، ثمّ نال فضيلة الاستسقاء على منبر رسول الله في أيّام عمر، مع ما خصّه الله تعالى من عمومة نبيّه صلّى الله عليه وسلّم وولاية مواليه وذرّيّته وأبوّة خلفائه من غير منازع ولا مدافع، فلله الحمد. 20 - {أَعْظَمُ دَرَجَةً:} شرفا، أو ثواب الدّنيا ليصحّ التّفضيل على الكفّار، وإن حمل على درجات الآخرة كان التّفضيل على سبيل التّوسع (¬4) والمجاز. 21 - {نَعِيمٌ:} رفع لقوله: {لَهُمْ،} فيحسن (¬5) الوقوف على (جنّات). ويجوز أن يكون متعلّقا ب (جنّات)، فيوقف على (لهم). 23 - {اِسْتَحَبُّوا:} اختاروا وارتضوا (¬6). 24 - {وَعَشِيرَتُكُمْ:} قرابتكم (¬7). {كَسادَها:} أراد ضدّ الرّواج. {بِأَمْرِهِ:} بفتح مكّة، عن مجاهد (¬8). ويحتمل أنّها نزلت بعد فتح مكّة، والأمر الموعود فتح تبوك، أو تخريب مسجد ضرار، أو صدّ المشركين عن المسجد الحرام، أو الموت الذي لا بدّ منه. 25 - {لَقَدْ نَصَرَكُمُ [اللهُ] (¬9)}: لمّا فرغ رسول الله من فتح مكّة وكسر الأصنام ورجع إليه خالد وسائر السّرايا قصد إلى حنين، وحنين واد بين مكّة والطّائف، فقصد إلى حنين يغزو العرب [الذين] (¬10) كانوا تجمّعوا لقتاله، ثلاثين ألفا (¬11) من هوازن وثقيف وهلال وجشم ¬
يقودهم مالك بن عوف النّصري (¬1)، وكان حمل مع نفسه دريد بن الصمة الجشميّ ليستعين برأيه، وكان دريد معروفا بالبأس والنّجدة وأصالة الرّأي، وكان قد بلغ مئة وعشرين سنة وذهب بصره، وحمله مالك مع نفسه، وكلّف النّاس على (¬2) حمل البيوت والأثقال إلى المعركة، فلمّا نزلوا ببعض المنازل سمع دريد جلبة وأصواتا مختلفة فسأل مالكا (¬3) عنها، فقال: هذه أصوات الصّبيان والنّساء يختلف النّاس على حمل بيوتهم إلى المعركة ليقاتلوا فيها ويحموها عن النّهب والسّلب، قال دريد: بئس الرّأي ما رأيت يا مالك فإنّ هؤلاء يزيدون المقاتلين شغلا وخوفا وفشلا وجبنا، فلم يلتفت مالك إلى قول دريد، حتى إذا كان يوم اللّقاء جاء بأجفان سيوف النّاس إلى دريد وهو في الخيمة، وقال دريد: ما هذه؟ قال: هذه أجفان السّيوف أخذتها لأكسرها إذا اشتدّ الأمر، قال دريد (¬4): ولماذا تكسرها؟ قال: ليعلموا أنّه لا سبيل إلى غمدها وإلى الانهزام، فضحك دريد وقال: يا مالك إنّك راعي الغنم فشأنك به ودع أمر القتال، (138 و) أترى [إلى] (¬5) هؤلاء القوم لئن انهزموا ليمنعنهم (¬6) كسر أجفان سيوفهم فيصبرون على القتل لمكانها. وإنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لّما خرج من مكّة استعار (¬7) من صفوان بن أميّة مئة درع، وكان صفوان مؤجلا إلى أربعة أشهر ليسلم، ولم يسلم بعد، فخرج مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لمكان دروعه. وكان (¬8) النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في عشرة آلاف فارس، وأمر أبا سفيان فخرج في ألفي فارس من طلقاء مكّة، فكانوا اثني عشر ألفا، فلمّا اقتربوا إلى العدوّ صعد (¬9) عبّاس على بعض التّلول واطّلع على عسكر المسلمين وأعجبته الكثرة ونادى: يا رسول الله لن نغلب اليوم عن قلّة، فقال رسول الله: مه يا عمّ {وَمَا النَّصْرُ إِلاّ مِنْ عِنْدِ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} [آل عمران:126]، فلم تمض عليهم ساعة حتى التقت الفئتان، وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يومئذ (¬10) راكبا بغلته الشّهباء، وكان العبّاس آخذا (¬11) ¬
بلجامها وسفيان بن الحارث (¬1) بن عبد المطّلب آخذا بثغرها، وعليّ يقاتل بين يدي رسول الله، فأمر مالك بن عوف جموعه أن يحملوا على المسلمين حملة واحدة لم يقم لها المسلمون وانكشفوا عن رسول الله (¬2)، وكان كما قال الله تعالى: {ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ.} وإنّما ابتلوا (¬3) لكلمة عبّاس وإعجابه بالكثرة، وكما كان عبّاس أعجب بالكثرة كان كثير من النّاس أعجبوا بها، فلم يبق مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلاّ عبّاس وعليّ والفضل (¬4) بن عبّاس وسفيان بن الحارث بن عبد المطّلب وربيعة بن الحارث وأيمن بن عبيدة وأسامة بن زيد ورجل آخر، وفي ذلك يقول ابن (¬5) عبّاس: [من الطويل] نصرنا رسول الله في الحرب سبعة … وقد فرّ من قد فرّ منهم فأقشعوا وثامننا لاقى الحمام بسيفه … بما مسّه في الله لا يتوجّع وفرح أبو سفيان بن حرب ومن معه من طلقاء مكّة فشمتوا بالمسلمين، وقال أبو سفيان: اليوم بطل السّحر، فقال (¬6) له صفوان بن أميّة وهو كافر: فضّ الله فاك لأن يربّنا رجل من قريش خير من أن يربّنا رجل من هوازن. ثمّ أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عمّه عبّاسا لينادي بالأنصار، وكان جهوريّ الصّوت، فقال: يا أصحاب بيعة العقبة ويا أصحاب بيعة الشّجرة ويا أصحاب سورة البقرة، فعرفوا صوته ورجعوا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم (¬7). ونزل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن بغلته وسلّ سيفه وباشر الحرب بنفسه، وكان يقول: (أنا النّبيّ لا كذب أنا ابن عبد المطّلب)، فأنزل الله سكينته عليه وعليهم وأنزل جنودا لم تروها، وهزم الكفّار بعد أن قتلوا منهم مقتلة عظيمة حتى أنّ الرّجل الواحد من المسلمين قد تولّى قتل ثلاثين، أربعين، خمسين نفسا من الكفّار. والتجأ مالك بن عوف إلى الطّائف مذعورا مدحورا في نفر يسير من الأشقياء، وغنم المسلمون أموالهم ونساءهم وذراريهم، وبلغ عدد السّبي ستّة آلاف رأس. وعثر رجل من الأنصار على دريد بن الصمة يريد قتله، قال دريد: ومن أنت؟ فتعرّف له الرّجل، قال (¬8) دريد: أما إنّي قد أنعمت على (¬9) (138 ظ) أمّهاتك وفككت من الرّقّ ثلاثا من جدّاتك قبل أن خلقت، وسمّاهنّ له، ¬
فضرب الرّجل بسيفه ضربة في عنقه فلم يخدشه خدشة فكأنّما ضرب على صمدة (¬1)، فقال دريد: بئس شيء سلحته أمّك خذ سيفك من وراء المحمل واضربني به ولا تضرب على العظم ولا على الجلد المنزى ولكن اتبع اللّحم، ففعل الرّجل كما علّمه دريد فاحتزّ رأسه. وأعطى رسول الله أبا سفيان وأصحابه من هذه الغنيمة أموالا كثيرة يؤلّف قلوبهم بذكر الله، واستوحش الأنصار بذلك، ثمّ رضوا بحكم الله ورسوله، فقال لهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أما ترضون أن يرجع النّاس إلى ديارهم بالأموال وترجعون إلى دياركم بنبيّ الله فاستهلوا بالرّضا والحمد لله. {مَواطِنَ:} جمع موطن، وهو موضع القرار والسّكون (¬2). و (الرّحب): «السّعة» (¬3). وقوله: {بِما رَحُبَتْ،} أي: ضاقت برحبها ومع رحبها (¬4)، وذلك من شدّة الخوف وانسداد سبيل الهزيمة بالدهش واستقبال العدوّ من (¬5) كلّ وجه. 27 - وقوله: {ثُمَّ يَتُوبُ اللهُ} يحتمل أنّها عامّة، ويحتمل أنّها في الذين أتوا رسول الله مستسلمين يفدون الأسارى فمنّ عليهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم (¬6). 28 - {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ:} الحال تدلّ [على] (¬7) أنّهم مشركو العرب؛ لأنّهم كانوا يقربون المسجد الحرام ويختلفون إليه بالحجّ والعمرة دون سائر النّاس، وإن (¬8) اعتبرنا بالغالب من إطلاق الكتاب والسّنّة دلّ [على] (¬9) ذلك أيضا (¬10). وهم عبدة الأوثان دون سائر الكفّار (¬11)؛ لأنّ الله تعالى يقول: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصّابِئِينَ وَالنَّصارى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا} [الحجّ:17]، وقال صلّى الله عليه وسلّم: (من أسلم من أهل الكتاب كان أجره مرّتين وله ما لنا وعليه ما علينا ومن أسلم من المشركين كان له ما لنا وعليه ما علينا) (¬12). وإن اعتبرنا الشّأن والنّزول دلّ ذلك أيضا، قال أبو هريرة: كنت ¬
مع عليّ بن أبي طالب حين بعثه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فنادى بأربع: أنّه لا يدخل الجنّة إلاّ نفس مسلمة ولا يحجّ بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريانا ومن كان بينه وبين رسول الله عهد فأجله إلى أربعة أشهر (¬1). وهكذا روى مقسم عن ابن عبّاس في حديث طويل (¬2). ودلّته (¬3) الدّلائل أن عرفة، في حرمة قربان المشركين، كالمسجد الحرام، وعرفة ليست من الحرم فهي كسائر مساجد الإسلام (¬4). ودلّ كتاب الله أنّ المستجير مستثنى من جملة المشركين، ويجوز له أن ينتهي إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في المسجد الحرام حتى يسمع كلام الله ثمّ يعود إلى مأمنه. أبو الزّبير عن جابر في هذه الآية {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ} إلا أن يكون عبدا أو أحدا من أهل الجزية (¬5). وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد في هذه الآية قال: قال المؤمنون (¬6): كنّا نصيب من متاجر المشركين، فوعدهم الله أن يغنيهم (¬7) من فضله عوضا لهم (¬8)، قال الطحاوي (¬9): العوض هي الجزية المذكورة بعد هذه (¬10)، وقال الفرّاء (¬11): العوض هو خصب تبالة وجرش (¬12) أسلموا وحملوا طعامهم إلى مكّة. (النّجس): شيء مستقذر (¬13)، وإذا (139 و) قرنت به الرّجس كسر النّون، قيل: رجس نجس (¬14). ¬
{عَيْلَةً:} فقرا (¬1). ووجه تعليق الموعود بالمشيئة تصوّر موت كثير منهم (¬2) قبل إنجاز الوعد وتصوّر فقر كثير منهم مع وجود الشّرط وهو خوف العيلة بسائر أسباب الفقر، وكلّ ذلك بتقدير الله. 29 - {قاتِلُوا الَّذِينَ:} عامّة في قتال أهل الكفر (¬3)، وتقديرها: والذين لا يحرّمون، والذين لا يدينون. وقد خرج من (¬4) عمومها النّساء والذّرّيّة والمشايخ غير ذي الرّأي والعميان والزّمنى (¬5) والأساقفة والرّهابين الذين وقع الأمن من جهتهم. قال عليّ: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا بعث جيشا من المسلمين (¬6) قال: انطلقوا بسم الله في سبيل الله، إلى أن قال: ولا تقتلوا وليدا ولا امرأة ولا شيخا كبيرا (¬7). وعن ابن عبّاس قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا بعث جيوشه قال: اغزوا بسم الله تقاتلون في سبيل الله من كفر بالله لا تغدروا ولا تمثّلوا ولا تقتلوا الولدان ولا أصحاب الصّوامع (¬8). وكذا أوصى أبو بكر الصّدّيق إلى يزيد بن أبي سفيان وعمرو بن العاص وشرحبيل بن حسنة حين (¬9) بعثهم إلى الشّام (¬10). ويحتمل أنّ الآية خاصّة في المقاتلين دون من وقع الأمن من جهتهم (¬11)، وإلى هذا أشار صلّى الله عليه وسلّم حين رأى امرأة مقتولة (¬12). و (الجزية): اسم المقضيّ عن الرّقاب (¬13). والظّاهر أن يكفّ عن قتالهم (¬14). {حَتّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ:} نقدا، إلاّ أنّ الدّلالة قامت على وجوب الكفّ بالالتزام على شرط اليسار. {عَنْ يَدٍ:} عن نعمة منكم عليهم وذمّة منكم لهم (¬15). وقيل (¬16): عن قهر. وقيل (¬17): عن ¬
نقد، كقوله في حديث الرّبا: (يدا بيد). ومقدار الجزية ما روي عن عمر أنّه بعث حذيفة بن (¬1) اليمان وعثمان بن حنيف إلى السّواد حتى وضعا عليهم الجزية، فصنّفا (¬2) النّاس ثلاثة أصناف (¬3)، ووضعا على الأغنياء ثمانية وأربعين درهما، وعلى الأوساط المعتملين أربعة وعشرين (¬4)، وعلى الفقراء المكتسبين اثني عشر درهما، ولم يوجبا على النّساء والصّبيان والفقراء الذين لا يقدرون على الكسب شيئا (¬5). ودلّت الآية على سقوط الجزية بالموت والإسلام لفوات القتال (¬6). وفي الآية جواز أخذ الجزية عن (¬7) أهل الكتاب، وليس فيها نفي جوازه عن غيرهم، وقد صحّ عنه صلّى الله عليه وسلّم جواز أخذها عن عبدة الأوثان من العجم وعن مجوس هجر وهم عبدة النّيران (¬8). 30 - {عُزَيْرٌ:} بن سويا، من أولاد فنحس بن عازور بن هارون بن عمران. وكان عزير يوم سبى بختنصر بني إسرائيل ابن ستّ سنين معه أمّه، ثمّ ماتت أمّه وتكفّله دانيال عليه السّلام وعلّمه الكتابة قصدا من التّوراة، وهما دعوا كيرش الملك ملك فارس إلى توحيد الله ودينه وعمارة بيت المقدس وردّ خزائنه وأهله إليه، ثمّ توفّي دانيال وهو ابن مئة وثلاثين سنة فخلفه عزير وهو ابن ثلاث وتسعين سنة فصار قاضي القضاة وحكم الحكماء. وقد ذهب أكثر التّوراة عن اليهود ولم يبق منها نسخة إلاّ نسخة الصّابئين باليمن، ونسخة مدفونة ببيت المقدس بحث عنها المسيح عليه السّلام (139 ظ) فكتبها لهم عزير بإذن الله تعالى وإلهامه بخمسة أقلام، وكان (¬9) يستمدّ بقلم من تلك الأقلام فيكتب (¬10) به ما شاء الله فإذا انقطع المداد كسر القلم ورمى به وأخذ قلما آخر، فانتهت التّوراة بانتهاء هذه الأقلام الخمسة، وكان ذلك آية من آيات الله تعالى معجزة لعزير عليه السّلام. فلمّا فرغ من الكتابة مرض من يومه فختم على التّوراة وسلّمها إلى رجل صالح يسمى زكريّا وأوصى إليه إملاء التّوراة إلى بني إسرائيل، وتوفّي عزير وتوفّي بعده بيومين هذا الرّجل الصّالح، وصارت التّوراة عند ينجايل بن ¬
نيبا وكان رجلا خّميرا شرّيبا، فرفع الختم وحرّف الكلم عن مواضعه، ثمّ ردّ الختم كما كان حتى رفع الختم ثانيا بمشهد من بني إسرائيل وأملاها بالتّبديل والتّحريف ولبس الأمر عليهم. قال ابن عبّاس: كان عزير يصلّي فبينا (¬1) هو كذلك إذ نزل نور ودخل جوفه وعاد إليه ما ذهب من التّوراة فأدّن في قومه وقال: قد ردّ الله عليّ التّوراة، فجعل يعلّمهم، فقابلوا ما أخذوا عنه بما وجدوه في التّابوت فوجدوه مثله، فقالوا (¬2): ما أوتي عزير هذه إلاّ أنّه ابن الله (¬3). وعن الكلبيّ أنّه مات (¬4) مئة سنة ثمّ أحياه الله تعالى فجاء إلى بني إسرائيل بالتّوراة فلم يصدّقوه حتى أخبرهم عن أبيه عن جدّه أنّ نسخة من التّوراة مدفونة في موضع كذا وكذا، فانطلقوا إليه وبحثوا عنها، فلم يجدوه غادر منها حرفا، فعند ذلك وقعت لهم الشّبهة وقالوا: إنّه ابن الله (¬5). وإنّما أسند هذه المقالة إلى جماعة من اليهود على طريق المجاز كما تقول: قالت الرّوافض: عليّ إله، وقالت الخوارج: تعذب الأطفال، وإنّما قالت الإسماعيليّة من الرّوافض والأزارقة من الخوارج فقط (¬6). {يُضاهِؤُنَ:} يشابهون ويماثلون (¬7). {الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ:} هم الذين ادّعوا حلول الباري سبحانه وتعالى في أجسام تربيّة، منهم جمّ الملك والذين عبدوه ونمرود وفرعون والهنود وبنو المليح الذين زعموا أنّ الملائكة بنات الله، تعالى الله عن ذلك (¬8). 31 - {اِتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً:} وهو تركهم كتاب الله بتأويلاتهم وإعراضهم عن القرآن وسائر الآيات المعجزة الإلهيّة إلى اعتقادهم الباطل في المسيح عليه السّلام. 32 - إطفاء نور الله: تمنّيهم إبطال القرآن والإيمان بتأويلاتهم وأكاذيبهم (¬9). {وَيَأْبَى اللهُ إِلاّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ:} أي: ولا يريد (¬10) الله لنوره إلاّ إتمامه وإن كره الكافرون ذلك، فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله. ¬
33 - {بِالْهُدى:} الأصل، {وَدِينِ الْحَقِّ:} الفرع إن شاء الله. ويحتمل (بالهدى): الفرقان، وب (دين الحقّ): الإسلام (¬1). وقيل: هما واحد واختلاف اللّفظين [للتّأكيد] (¬2). {لِيُظْهِرَهُ:} لينصر أهله على أهل الأديان كلّها وليجعله أبين وأوضح من سائر الأديان، وقد كان (¬3) كذا بحمد الله. 34 - وإنّما أخبر عن حال الأحبار والرّهبان ليبيّن أنّهم ليسوا معصومين كالأنبياء فيجوز (¬4) تصديقهم وتقليدهم (140 و) من غير مطالبة بالدّليل. و {(الْأُكُلِ)}: الأخذ (¬5) والإمساك، ولذلك ابتدأ وقال: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ:} وهم المرادون بهذه الصّفة المشروطة. و (الكنز) (¬6): كلّ مال مدّخر لا ينفق، والاكتناز: الاجتماع (¬7). والهاء في {يُنْفِقُونَها} عائدة إلى الأموال والكنوز (¬8)، وقيل (¬9): إلى الذّهب، وقيل (¬10): إلى الفضّة وحدها على [ما] (¬11) قدّمنا. وجواب الشّرط {فَبَشِّرْهُمْ} (¬12). 35 - {يَوْمَ:} نصب على الظّرف، والعامل (العذاب) لا (البشارة) (¬13). {يُحْمى:} يولد الحرارة. يحتمل أن يحمى (¬14) الذّهب على الفضّة في نار جهنّم، ويحتمل يحمى شيء من الحطب والفحم على كنوزهم في نار جهنّم حتى يصير نارا. و (الكيّ): إمساس (¬15) البشرة شيئا حاميا حتى (¬16) تحترق. ¬
و (الجبهة): ما فوق الأنف (¬1)، وكيّها أقبح وأبلغ في العلامة (¬2). وكيّ الجنوب والظّهور يمنع راحة الاضطجاع (¬3). {هذا:} أي: يقال لهم: هذا (¬4) {ما كَنَزْتُمْ.} 36 - {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ:} اتّصالها بما قبلها من حيث الإنكار على الأحبار (¬5) والرّهبان وذكر صدّهم عن سبيل الله، فمن جملة صدّهم عن سبيل الله (¬6) أنّهم وجدوا الزّمان المشتمل على الشّهور الاثني عشر قاصرا عن الاشتمال على (¬7) الفصول الأربعة، نقلوا عن (¬8) مواضعها بعد ما كانت معلّقة بالقمر، أمّا اليهود فجعلوا السّنة المجبورة ثلاثة عشر شهرا وكرّروا السّنة التّاسعة عشرة جامعة لكسوره المجتمعة من الشّرعيّات وسمّوا الشّهر الزّائد آذار (¬9)، فكان لهم في السّنة المجبورة آذاران (¬10)، والسريانيّون جعلوا لها تشرين الأوّل زائدا بيوم والكانون الأوّل زائدا والكانون الآخر زائدا، وجعلوا شباط ثمانية وعشرين في ثلاث سنين وتسعة (¬11) وعشرين يوما في السّنة الرّابعة فاستدركوا بهذا الحساب أوقات زرعهم وتجارتهم وضربهم في الأرض، وأبطلوا مناسكهم وأعيادهم ومواسم دينهم فضلّوا وأضلّوا بتركهم مصالح معادهم لمصالح (¬12) معاشهم، فأنكر الله ذلك عليهم وأخبر أنّ الشّهور في كتاب الله اثنا عشر شهرا يوم خلق السّموات والأرض ودوّر الأفلاك وسيّر الشّمس والقمر والنّجوم في بروجها، فتبيّن أنّ الشّهور معلّقة بالقمر لا محالة، وإلى هذا ذهبت العانانية من اليهود فاتّخذوا رؤوس شهورهم بالأهلّة وعدّوا ثلاثين إذا لم يروا الهلال، واتّخذ (¬13) المغاربة من اليهود رؤوس شهورهم من ليلة القدر. {مِنْها:} من جملة الشّهور الاثني عشر (¬14). ¬
{أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ:} محرّمة، وهي ذو القعدة وذو الحجّة والمحرّم ورجب، ثلاثة سرد وواحد فرد (¬1). وتحريمها تحريم القتال فيها على وجه الابتداء، وكان هذا الحكم فيها (¬2) بين العرب وفي ابتداء الإسلام، وهو اليوم منسوخ ولا يعرف له ناسخ (¬3). وقيل (¬4): تحريمها تشريفها وتعظيمها ليكون الثّواب فيهنّ أعظم وكذلك العقاب. {فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ:} في هذه الأشهر الأربعة (¬5)، ويجوز تخصيص النّهي مع كونه عامّا كقوله في الحرم: {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ،} الآية [الحجّ:25]. (140 ظ) وفائدة تعظيم الذّنب في الزّمان والمكان كفائدة تفضيل العمل فيها، كما أنّه يجوز أن يكون حالا للمأمورين (¬6) ثمّ يسقط الفرض عن القاعدين بكفاية المجاهدين. ويجوز أن يكون حالا للمشركين، ثمّ تخصّص (¬7) هذا العموم في آية الجزية. 37 - {لِيُواطِؤُا:} ليوافقوا ويماثلوا (¬8)، وأصله أن تطأ سيرة غيرك. والهمز وترك الهمز لغتان (¬9). محمّد بن مروان عن الكلبيّ عن أبي (¬10) صالح عن ابن عبّاس قال: كان النّاسئ رجلا من كنانة يقال له: نعيم بن ثعلبة بن عوف، وكان يكون على النّاس بالموسم فإذا همّ النّاس للصدر وفرغوا عن حجّهم قام فخطب النّاس وقال: يا أيّها النّاس أنا الذي لا أعاب ولا أجاب (¬11) ولا مردّ لما قضيت، فيقول له (¬12) المشركون: لبّيك ربّنا، ثمّ يسألونه أن ينسئهم شهرا يغيرون فيه، فإن قال: إنّ صفر العام حرام (¬13). حلّوا الأوتار ونزعوا الأزجّة والقطب (¬14)، وإن قال: ¬
حلال عقدوا الأوتار وشدّوا الأزجّة والقطب وخرجوا فأغاروا على النّاس، قال محمّد: فقلت للكلبيّ: إذا كانوا يحلّونه عاما ويحرّمونه فكيف كان النّاس لا يأخذون حذرهم في نوبة الحلال، قال: إنّما يفعلون ذلك في السّنين وهم أغرّ ما كانوا، فكان التّحريم والتّحليل في هذين الشّهرين المحرّم وصفر، وإنّما فعل ذلك بهم لأنّهم كانوا يصيبون على ظهور الدّوابّ من الغارة وكانت معيشتهم منها، فشقّ عليهم توالي الأشهر الحرم (¬1). محمّد بن إسحق عن الكلبيّ قال: أوّل من أنسأ الشّهر من مضر مالك بن كنانة، وذلك أنّه (¬2) نكح إلى معاوية بن ثور الكنديّ، وكانت النساءة في كندة وهم ملوك ربيعة ومضر وأرداف المقاول، فورثها مالك بن كنانة منهم، ثمّ نسأ ثعلبة بن مالك بن الحارث، ثمّ نسأ بعده سريد (¬3) بن القلمّس، ثمّ كانت النساءة في بني فقيم من بني ثعلبة وكان آخر من نسأ منهم أبو ثمامة جنادة بن عوف بن آمنة بن عبد بن فقيم، قال: وكانوا يسمّون المحرّم صفر الأوّل، فيقولون (¬4): صفران وشهرا ربيع وجماديان ورجب وشعبان وشهر رمضان وذو القعدة وذو الحجّة، فكان النّاسئ ينسئ سنة ويترك سنة ليحلّوا الحرام ويحرّموا الحلال، فإذا قال: نسأت من هذه السّنة صفرا طرحوه ولم يعتدّوا به وقالوا لصفر (¬5) وشهر ربيع الأوّل صفران، ولشهر ربيع الآخر وجمادى الأولى شهرا ربيع، ولجمادى الآخر ورجب جماديان، على هذا التّرتيب، ثمّ يمسك عن الإنساء في السّنة الثّانية ويقول: يا أيّها النّاس لا تحلّوا حرماتكم وعظّموا شعائركم وقد أحللت دماء المحلين طيّئ وخثعم في الأشهر الحرم، وإنّما يحلّ دماء هاتين القبيلتين لاستحلالهما الأشهر الحرم ومخالفتهما سائر العرب في اعتقاد تحريم هذه الأشهر، ثمّ ينسأ في السّنة الثّانية صفر الأوّل عنده، وهو صفر الثّاني في الحساب (¬6) المستقيم، فيقول لشهري (¬7) ربيع صفران، ولجماديين شهرا ربيع، ولرجب وشعبان جماديان، (141 و) على هذا التّرتيب، حتى يستدير الحجّ في كلّ أربع وعشرين سنة إلى الشّهر الذي ابتدأ منه (¬8). وكان الحجّ سنة الفتح، وهي (¬9) سنة ثمان، قد انتهى إلى ذي القعدة، فلم يأمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عتاب بن أسيد، وحجّ أبو بكر سنة تسع، وحجّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سنة عشر فوقف بعرفة وقال: ¬
يا أيّها النّاس إنّ الزّمان قد استدار كهيئته يوم خلق السّموات والأرض فلا شهر ينسئ ولا عدّة تخطئ وإنّ الحجّ في ذي الحجّة (¬1). وعن مجاهد وغيره قال: كانوا يحجّون في كلّ شهر عامين فإذا مضت الثلاث عشرة (¬2) سنة استقبلوا العدّة، وكانت حجّة (¬3) أبي بكر سنة تسع في ذي القعدة، وكذلك كانوا قد حجّوا في ثمان، ثمّ استقبل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ذا الحجّة فذلك قوله: (إنّ الزّمان قد استدار كهيئته يوم خلق السّموات والأرض) (¬4). 38 - {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ما لَكُمْ:} نزلت في شأن غزوة تبوك، استنفرهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حالة العسرة والجدب، والزّمان زمان قيظ، والشقة (¬5) بعيدة، والعدو الرّوم، فتثاقل المؤمنون، وتكاسل المنافقون، وتخوّفوا مثل يوم مؤتة الذي قتل فيه زيد بن حارثة وجعفر بن أبي طالب وعبد الله بن رواحة، فخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في خلاصة المؤمنين واثقا بالله متوكّلا عليه حتى انتهى إلى تبوك فلم يجد من يقابله، وخرج إليه رئيس البلد مستسلما والتزم الجزية، وكذلك التزم الجزية أهل جرباء (¬6) وأدرح، وأرسل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خالد بن الوليد إلى دومة الجندل (¬7) فصادف صاحبها متصيّدا مع نفر يسير، وهو أكيدر بن عبد الملك الكنديّ، من أبناء الملوك، فأخذه وجاء به إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فمنّ عليه وأطلقه بعد أن التزم الجزية. ثمّ رجع (¬8) رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على رغم المنافقين إلى المدينة سالما غانما مظفّرا بفضل من الله ورحمته. {مِنَ الْآخِرَةِ:} أي: بدلا منها وعوضا (¬9). {فِي الْآخِرَةِ:} في قياس الآخرة ومقابلتها (¬10). وكان صلّى الله عليه وسلّم قد استخلف على المدينة في هذه الغزوة عليّ بن أبي طالب. عن مصعب بن سعد عن أبيه أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قد خلف عليّا (¬11) في غزوة تبوك، فقال: يا رسول الله أتخلفني في النّساء ¬
والصّبيان؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أما ترضى أن تكون منّي (¬1) بمنزلة هارون من موسى عليهما السّلام غير أنّه لا نبيّ بعدي. أخرجه مسلم والبخاريّ وأبو عيسى (¬2). 39 - {إِلاّ تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ (¬3)}: قال ابن عبّاس: نزلت في حيّ من أحياء العرب، قعدوا عن الخروج مع رسول الله، فأمسك الله عنهم المطر وابتلاهم بالجدب، فذلك العذاب الأليم (¬4). والمراد بالإبدال اليمن، وقيل: أبناء فارس وسائر الغزاة إلى اليوم (¬5). روي أنّ عليّا خطب يوما، فأتاه الأشعث وهو يخطب على المنبر فقال: غلبتنا عليك هذه الحمراء، يعني الموالي، فقال عليّ: من يعذرني من هذه الضياطرة يتخلّف أحدهم يتقلّب على حشاياه (¬6)، إن طردتهم إنّي إذا لمن الظّالمين، والله (141 ظ) لقد سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: ليضربنكم (¬7) على الدّين كما ضربتموهم عليه بدءا (¬8). عن ابن شهاب قال: قدمت على عبد الملك بن مروان قال: من أين قدمت يا زهريّ؟ قلت: مكّة، قال: من خلفت يسود أهلها؟ قال: قلت: عطاء بن أبي رباح، قال: أمن العرب أم من الموالي؟ قلت: من الموالي (¬9)، قال: وبم سادهم؟ قلت: بالدّيانة والرّواية، قال: إنّ أهل الدّيانة والرّواية لينبغي أن يسودوا، فمن يسود أهل اليمن؟ قلت: طاووس، قال: فمن العرب أم من الموالي؟ قلت: من الموالي، قال (¬10): وبم سادهم؟ قلت: بما ساد عطاء، قال: إنّه لينبغي، قال: فمن يسود أهل مصر؟ قلت: يزيد بن حبيب، قال: من العرب أم من الموالي؟ قلت: من الموالي، قال (¬11): ومن يسود أهل الشّام؟ قلت: مكحول، قال: من العرب أم من الموالي؟ قلت: عبد نوبيّ أعتقته امرأة من هذيل، قال: فمن [يسود] (¬12) أهل الجزيرة؟ قلت: ابن مهران، قال: من العرب أم من الموالي؟ قلت: من الموالي (¬13)، قال: فمن يسود أهل خراسان؟ قلت: الضّحّاك بن مزاحم، ¬
قال: من العرب أم (¬1) من الموالي؟ قلت: من الموالي، قال: فمن يسود أهل البصرة؟ قلت: الحسن، قال: من العرب أم من الموالي؟ قلت: من الموالي، قال: ويلك من يسود أهل الكوفة؟ قلت: إبراهيم النخعيّ، قال: من العرب أم من الموالي؟ قلت: من العرب، قال: ويلك يا زهريّ فرّجت عليّ، والله ليسودنّ الموالي على العرب حتى يخطب لها على المنابر والعرب تحتها، قال الزهريّ: قلت: يا أمير المؤمنين إنّما هو أمر الله ودينه من حفظه ساد ومن ضيّعه سقط (¬2). 40 - {إِلاّ تَنْصُرُوهُ:} نزلت في تذكيرهم نصرة الله (¬3) نبيّه صلّى الله عليه وسلّم وصاحبه أبا بكر الصّدّيق حين خرجا من مكّة (¬4). و {الْغارِ:} الشّقّ الكبير في الجبل (¬5). {إِنَّ اللهَ مَعَنا:} في الموالاة والحفظ (¬6). {سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ:} يحتمل في النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم (¬7)، ويحتمل في أبي بكر (¬8). ويحتمل فيهما لكن كنى عن أحدهما على سبيل الاقتصار كقوله: {وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ} [التّوبة:62] (¬9). وتأييده بالخير (¬10) ويومئذ بإنزال الملائكة ليصرف عنهما (¬11)، وقيل (¬12): أراد تأييده يوم بدر ويوم حنين. وأراد بالكلمة الدّين والدّعوة (¬13). وخرج (¬14) إلى طلبهما سراقة بن مالك بن جعشم. . . القصّة (¬15). ¬
وقصّة مرض النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وقيل: مروا أبا بكر ليصلّي بالنّاس إلى أن بايعوا أبا (¬1) بكر. عن أسيد بن صفوان صاحب رسول الله (¬2) قال: لمّا كان اليوم الذي قبض فيه أبو بكر الصّدّيق فسجّوه بثوب ارتجّت المدينة بالبكاء وأبلس النّاس كيوم قبض فيه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وجاء عليّ بن أبي طالب كرّم الله وجهه مسرعا مسترجعا باكيا وهو يقول: اليوم انقطعت خلافة النّبوّة من أمّة محمّد صلّى الله عليه وسلّم، حتى وقف على باب البيت الذي فيه أبو بكر رضي الله عنه مسجّى فقال: رحمك الله [يا] (¬3) أبا بكر، كنت إلف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأنسه ومستراحه وثقته وموضع سرّه، (142 و) كنت أوّل القوم إسلاما وأخلصهم إيمانا وأشدّهم يقينا وأخوفهم قلبا وأعظمهم غناء في دين الله وأحوطهم على رسوله (¬4) وأحدبهم على الإسلام وأيمنهم على أصحابه وأحسنهم صحبة وأكثرهم مناقب وأفضلهم سوابق وأرفعهم درجة وأقربهم وسيلة من رسول الله وأشبههم به هديا وخلقا وسمتا ورحمة وفضلا وأشرفهم منزلة وأكرمهم عليه وأوثقهم عنده، فجزاك الله عن الإسلام وعن رسوله وعن المسلمين خيرا، صدّقت رسوله (¬5) حين كذّبه النّاس فسمّاك الله في تنزيله صدّيقا فقال عزّ وجلّ: {وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ} [الزّمر:33]، جاء بالصّدق بمحمّد وصدّق به (¬6) أبو بكر [الصّدّيق] (¬7)، وآسيته حين بخلوا، وكنت معه عند المكاره وحين عنه قعدوا، وصحبته في الشّدّة وأكرم صحبة {ثانِيَ اِثْنَيْنِ،} وصاحبه في الغار، والمنزّل عليه السّكينة، ورفيقه في الهجرة، وخليفته في دين الله وأمّته، فأحسنت الخلافة حين ارتدّ النّاس فقمت في دين الله قياما لم يقم به خليفة نبيّ قطّ، فنهضت حين وهن أصحابك، وبرزت (¬8) حين استكانوا، وقويت حين ضعفوا، ولزمت منهاج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذ همّوا، كنت خليفته حقّا لم تنازع ولم تصدّع برغم المنافقين وكبت الكافرين وكره الحاسدين وصغر الفاسقين وغيظ الباغين، فقمت بالأمر حين فشلوا، ونطقت حين تتعتعوا (¬9)، ومضيت بنور الله إذ وقفوا، واتّبعوك فهدوا، كنت أخفضهم صوتا وأعلاهم فوتا وأقلّهم كلاما وأصوبهم منطقا وأطولهم صمتا ¬
وأبلغهم قولا وأكبرهم رأيا وأشجعهم قلبا (¬1) وأشدّهم يقينا وأحسنهم عملا وأعرفهم بالأمور، كنت والله للدّين يعسوبا أوّلا حين تفرّق عنه (¬2) النّاس وآخرا حين فشلوا، كنت للمؤمنين أبا رحيما حين صاروا عليك عيالا، فحملت أثقال ما عنه ضعفوا ووعيت ما أهملوا وحفظت ما أضاعوا وأدركت بعلمك ما جهلوا وشمّرت إذ خنعوا وعلوت إذ هلعوا وصبرت إذ جزعوا فأدركت أوتار ما طلبوا، وراجعوا رشدهم (¬3) برأيك فظفروا، ونالوا (¬4) بك ما لم يحتسبوا، كنت على الكافرين عذابا صبّا وللمؤمنين رحمة وأنسا وللمؤمنين غيثا وخصبا (¬5)، فطرت والله بغنائها وفزت (¬6) بحبائها، وذهبت بفضائلها (¬7)، وأدركت سوابقها، لم تفلل حجّتك (¬8) ولم تضعف بصيرتك ولم يزغ قلبك ولم تجبن نفسك، كنت كالجبل لا تحرّكه العواصف ولا تزلزله القواصف، كنت كما قال رسول (¬9) الله صلّى الله عليه وسلّم: ضعيفا في بدنك قويّا في أمر الله، متواضعا في نفسك عظيما عند الله، جليلا في الأرض كبيرا عند المؤمنين، لم يكن لأحد فيك ولا لقائل فيك مغمز ولا لأحد فيك مطمع ولا لمخلوق عندك هوادة، الضّعيف الذّليل عندك (¬10) قويّ عزيز حتى تأخذ له بحقّه والقويّ العزيز عندك ضعيف ذليل حتى تأخذ منه الحقّ، القريب (142 ظ) والبعيد (¬11) عندك سواء، أقرب النّاس إليك أطوعهم لله وأتقاهم (¬12) له، شأنك الحقّ والصّدق والرّفق، قولك حكم وختم (¬13) أمرك حلم وحزم ورأيك علم وعزم، فأقلعت وقت نهج السّبيل وسهل العسير، وأطفئت النّيران واعتدل الدّين فقوي الإيمان وظهر أمر الله ولو كره الكافرون، فجلّيت (¬14) عنهم فأبصروا فسبقت والله سبقا بعيدا وأتعبت من بعدك إتعابا شديدا وفزت بالخير فوزا مبينا، فجللت عن (¬15) البكاء وعظمت رزيّتك في السّماء وهدّت مصيبتك الأنام، فإنّا لله ¬
وإنّا إليه راجعون، رضينا عن الله عزّ وجلّ قضاءه وأسلمنا لأمره، والله لن يصاب المسلمون بعد رسول الله بمثلك أبدا، كنت للدّين عزّا وحوزا وكهفا وحرزا، وللمؤمنين فئة وحصنا وغيثا وأنسا وعلى المنافقين غلظة وكظما وغيظا، فألحقك الله بنبيّنا (¬1) ونبيّك صلّى الله عليه وسلّم ولا حرمنا أجرك ولا أضلّنا بعدك، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون. قال: وسكت النّاس حتى انقضى كلامه، ثمّ بكى وبكوا حتى علت أصواتهم، وقالوا: صدقت يا ختن رسول الله (¬2). 41 - {اِنْفِرُوا خِفافاً وَثِقالاً:} خفافا: أهل اليسار، وثقالا: المعسرين، عن ابن عبّاس (¬3). وقال مقاتل وطاووس عن ابن عبّاس: نشاطا وغير نشاط (¬4). وقال ابن زيد: الثّقال: أصحاب الضيعة، والخفاف: غيرهم (¬5). وقيل: العزاب والمتأهلون (¬6). وعن عطيّة العوفيّ: الرّكبان والمشاة (¬7). وعن مرّة الهمدانيّ: الأصحّاء والمرضى (¬8). وعن الحسن البصريّ: الشّبّان والشّيوخ (¬9). وعن الحسن أيضا: المتفرّغون والمشاغيل (¬10). وعن الزهريّ أنّ سعيد بن المسيب خرج إلى العدوّ وقد ذهبت إحدى عينيه، فقيل (¬11): ليس عليك حرج فإنّك عليل صاحب ضرر، فقال: استنفر الخفيف والثّقيل وإن لم يمكنّي (¬12) الحرب فكثّرت السّواد وحفظت المتاع (¬13). وهذه الآية منسوخة بقوله: {لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضى} [التّوبة:91] عند بعض النّاس (¬14)، وغير منسوخة عند الأكثرين (¬15). 42 - {لَوْ كانَ:} ما تدعوهم (¬16). ¬
{عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قاصِداً:} مقتصدا دون البعيد فوق القريب (¬1). {الشُّقَّةُ:} النّاحية، عن ابن عرفة، جمعه: شقق. قال الفرّاء (¬2): {وَاللهُ يَعْلَمُ:} يعلمهم كاذبين، العلم واقع على ذواتهم (¬3) وأخبارهم جملة، يدلّ عليه كسرة الهمزة من قوله: {إِنَّهُمْ} ودخول اللام في الخبر، ولو كان العلم واقعا على مجرّد فعلهم لكانت مفتوحة ولما دخلت اللام في الخبر. روي أنّ الحجّاج بن يوسف أخطأ في العاديات فقرأ: أنّ ربّهم، بفتح الهمزة، فلمّا علم أنّه أخطأ استدرك بإسقاط اللام فقال: يومئذ خبير (¬4). 43 - {عَفَا اللهُ عَنْكَ:} إنّما قدّم العفو لتلطيف العتاب كقولك: رحمك الله لم فعلت، وعافاك الله لم فعلت (¬5). كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أذن في التّخلّف للمعتذرين إليه على الفور من غير تثبّت وتمييز بين الصّادقين والكاذبين معتبرا بالظّاهر من أحوالهم، وكان ذلك له جائزا لقوله: {فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ} [النّور:62] إلاّ أنّه سلك سبيل الرّخصة وترك الاحتياط فأنكر الله ذلك عليه وبيّن له أنّه لو فعل غير ذلك لكان أحسن وأحوط (¬6). 44 - الاستئذان (143 و) المنفيّ عن المؤمنين استئذانهم لئلاّ يجاهدوا وكراهة أن يجاهدوا (¬7). والاستئذان المختصّ بالمؤمنين في سورة النّور (¬8) توقّفهم للإذن وتركهم الانسلال والانتشار للحوائج من غير إذن الرّسول صلّى الله عليه وسلّم (¬9). 45 - وفي قوله: {إِنَّما يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ} دليل على أنّ الإيمان لا يصحّ من غير معرفة الله سبحانه؛ لأنّ للرّيب مدخلا وللشّبهة موضعا في الإيمان ما لم يتّصل (¬10) بمعرفة الله تعالى. 46 - وإنّما كره انبعاثهم لأنّ انبعاثهم لو وحد لكان معصية ولم يكن طاعة لقوله (¬11): {لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلاّ خَبالاً،} فهذه الكراهة ككراهة الصّلاة بغير طهارة، كره ¬
فعلها من (¬1) وجه وتركها من وجه. و (التّثبيط): التّعويق، وقيل: التّثقيل، وفلان ثبط (¬2)، أي: ثقيل (¬3). والقول لهم: {اُقْعُدُوا} هو إذن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم (¬4). ويحتمل قول بعضهم لبعض (¬5). ويحتمل أنّه أمر تكوين وتقدير من الله تعالى (¬6). {الْقاعِدِينَ:} النّساء والصّبيان وأصحاب الأعذار (¬7). 47 - إيضاع (¬8) الإبل: حملها على الإسراع في السّير (¬9)، والمراد به إسراع المنافقين في المشي بالنّميمة بين (¬10) المؤمنين وبالأراجيف المكروهة (¬11). وفي قوله: {وَفِيكُمْ سَمّاعُونَ لَهُمْ} دليل أنّ بعض المنافقين أو بعض من كان يخالطهم ويعاشرهم كان قد خرج مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم (¬12). 48 - ابتغاؤهم {الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ:} رجوع ابن أبيّ بن سلول يوم أحد بثلث النّاس، وإرجافهم في المدينة بالأراجيف المكروهة، وإغراؤهم بين المؤمنين (¬13). 49 - {وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ اِئْذَنْ لِي:} نزلت في جد (¬14) بن قيس، قال له النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: هل لك العام في جلاد بني الأصفر؟ فقال: ائذن لي يا رسول الله ولا تفتنّي، أي: لا تؤثمني (¬15)، فإنّي رجل كلف بالنّساء مستهتر (¬16) بهنّ فإذا رأيت بنات [بني] (¬17) الأصفر لم أصبر عنهنّ (¬18). ¬
وبنو الأصفر هم الرّوم ينسبون إلى حبشي ملكهم واستولد نساءهم (¬1). 50 - {أَخَذْنا أَمْرَنا:} شأننا من الحزم والاحتياط (¬2). 51 - {ما كَتَبَ اللهُ:} هو أن يرزقهم إحدى الحسنيين: إمّا النّصرة والغنيمة وإمّا التّمحيص والشّهادة في كلّ جهاد لا محالة (¬3). 52 - {بِعَذابٍ مِنْ عِنْدِهِ:} من عند الله: ما يرسل عليهم في الدّنيا من الشّدائد ليجعلهم نكالا ثمّ يسوقهم إلى عذاب النّار. وما يصيبهم الله بأيدينا: الحدّ والتّعزير في الجنايات، والحبس في التّهم، والقتل على ظهور الكفر منهم (¬4). {فَتَرَبَّصُوا:} تهديد (¬5). 53 - {قُلْ أَنْفِقُوا:} قال ابن عبّاس: نزلت في جدّ بن قيس حيث قال: ائذن لي ولا تفتنّي وهذا مالي خذ منه ما شئت فإنّي أعينك به (¬6). وقوله: (قل أنفقوا) في معنى الشّرط (¬7)، كقوله: {اِسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ} [التّوبة:80]، وقال أبو الدّرداء: وجدت [النّاس] (¬8) اخبر تقله، وفي المثل: عش رجبا (¬9)؟؟؟ عجبا. ويجوز أنّه إنّما لا تقبل نفقاتهم طوعا؛ لأنّ النّفقة لا تكون قربة إلاّ مع بقاء التّكليف وقد زال عنهم تكليف الإنفاق في الغزو مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. ويحتمل أنّهم لو كانوا ينفقون لكانوا يريدون بذلك غير وجه الله (¬10). 54 - {وَما مَنَعَهُمْ:} يجوز أن يكون المنع فعل الله، والمستثنى في محلّ الخفض بإضمار حرف التّعليل، أي: (¬11) وما منعهم الله عن مساواة غيرهم في قبول الصّدقات إلاّ أنّهم كفروا ¬
بالله (¬1). ويجوز أن يكون المنع فعل شيء مجهول، والمستثنى في محلّ الرّفع، أي: ما منعهم شيء عن مساواة غيرهم في قبول الصّدقات إلاّ كفرهم (¬2). {وَلا يَأْتُونَ:} (143 ظ) {وَلا يُنْفِقُونَ:} يحتمل بمعنى الماضي، ويحتمل على ظاهره. 55 - تعذيبهم بأموالهم {فِي الْحَياةِ الدُّنْيا:} تشديد خوفهم على فوتها وتعظيم فوتها على قلوبهم فيمسكونها ويكتمونها ويتباغون عليها ويتحاسدون فيها ولا يزالون في اهتمام وعناء، وإنّما يجمعون لوارث يبغضهم ويبغضونه. وتعذيبهم بأولادهم: ما يصابون فيهم ويرون منهم من المكروه ما لا يرون (¬3) من الأعداء (¬4). وقال ابن عبّاس: في الآية تقديم وتأخير، فلا تعجبك أموالهم وأولادهم في الحياة الدّنيا (¬5). {وَتَزْهَقَ:} تلاشى وتبطل (¬6). 56 - {يَفْرَقُونَ:} الفرق: الخوف والخشية (¬7). وفيه دليل أنّ من تحقّق خوفه من غير الله لم يكن مؤمنا، وفي الحديث: لا يجتمع البخل والجبن في قلب مؤمن ولا تجتمع الشّجاعة والسّخاوة في قلب منافق (¬8). 57 - {مَلْجَأً:} مفرّا وملاذا (¬9). {أَوْ مَغاراتٍ:} كلّ ما يغور الإنسان (¬10) فيه وهو أن يستتر، يقال: غارت الشّمس، أي: غابت، ومنه الغور والغار (¬11). {أَوْ مُدَّخَلاً:} مدخلا (¬12)، أصله: مدتخلا على وزن (مفتعل) (¬13). ¬
وفي قراءة ابن مسعود: (متدخّلا) (¬1). {يَجْمَحُونَ:} يميلون، عن ابن عرفة (¬2). ويسرعون، عن الأزهري (¬3). 58 - {وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ:} كان المنافقون ينسبون رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في قسم الصّدقات إلى الميل ووضعها في غير موضعها، فإن أعطاهم أمسكوا عن العيب وإن لم يعطهم سخطوا، فأنزل الله الآية (¬4). و (اللّمز): العيب (¬5). 59 - وجواب قوله: {وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا} مضمر، وتقديره: لكان خيرا لهم (¬6). وفضل الله: الغنائم والصّدقات وسائر أبواب الرّزق، ندب إلى مثله قول عليّ رضي الله عنه (¬7): [من المتقارب] رضيت بما قسم الله لي … وفوّضت أمري إلى خالقي لقد أحسن الله فيما مضى … كذلك يحسن فيما بقي 60 - {إِنَّمَا الصَّدَقاتُ:} اتّصالها بما قبلها من حيث سبق ذكر الصّدقات، فبيّن الله أنّ أهل الصّدقات هؤلاء دون المنافقين الذين يلمزون رسول الله في الصّدقات. وفيه دلالة أنّ حقّ الأخذ إلى الإمام بدليل قوله: {خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً} [التّوبة:103] (¬8)، ويجوز أن يكون مستحق الأخذ غير مستحق العين كما في الجزية وأموال اليتيم. (الفقراء): المحتاجون (¬9). {وَالْمَساكِينِ:} أهل الترحم والرّأفة، وهم أسوأ حالا من الفقراء عندنا (¬10). {وَالْعامِلِينَ:} الذين يلون جمع الصّدقات وأخذها بإذن الإمام لهم، عماله في ¬
الصّدقات (¬1). وهي مكروهة للهاشميّين (¬2). {وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ:} أبو سفيان بن حرب، ومعاوية بن أبي سفيان ثمّ حسن إسلامه، وحكيم ابن حرام (¬3) ثمّ حسن إسلامه، والحارث بن هشام ثمّ حسن إسلامه، وسهيل بن عمرو ثمّ حسن إسلامه، وحكيم خويطب بن عبد العزّى ثمّ حسن إسلامه، وصفوان بن أميّة والعلاف (¬4) بن حارثة الثّقفيّ وعيينة ابن حصن والأقرع بن حابس ومالك بن عوف النصري، والعبّاس بن مرداس السلميّ ثمّ حسن إسلامه، وقيس بن مخرمة ثمّ حسن إسلامه، وجبير بن مطعم ثمّ حسن إسلامه (¬5). كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم (144 و) يرفع إليهم شيئا من الصّدقات ليقطع به شرورهم عن المسلمين، فكان يعود نفع ذلك إلى الفقراء والمساكين، ثمّ انقطع ذلك فلم يعطهم عمر وعثمان وعليّ شيئا (¬6). وسأل بعضهم عمر، فقال: إنّا لا نعطي على الإسلام شيئا من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر، وإنّما قال ذلك بعد عزّ الإسلام وضعف الشّرّ ووقع الأمن من جهة هؤلاء (¬7). ولكنّ أبا بكر الصّدّيق دفع إلى عديّ بن حاتم من صدقة قومه ثلاثين بعيرا، ولا نعلم أنه من سهم المؤلّفة قلوبهم ليؤلّف قلوب أقربائه، أم من سهم العاملين؛ لأنّه كان حقها، أم من سهم ابن السّبيل؛ لأنّه أمره بأن يلحق بخالد بن الوليد فلحق (¬8) به في زهاء ألف فارس (¬9). {وَفِي الرِّقابِ:} المكاتبون الذين لا يجدون ما يؤدّون به الكتابة (¬10)، ويدخل فيهم من أعتق شقصه (¬11) واستسعى في الباقي، وقال صلّى الله عليه وسلّم: من أعان مكاتبا في رقبته أو غارما في عسرته أو مجاهدا في سبيل الله أظلّه الله يوم لا ظلّ إلاّ ظلّه (¬12). {وَالْغارِمِينَ:} الذين عليهم الدّين ولا يجدون القضاء (¬13). والغرم: اللّزوم والضّمان (¬14). ¬
{وَفِي سَبِيلِ اللهِ:} الجهاد، يدفع إلى فقراء المجاهدين (¬1). {وَاِبْنِ السَّبِيلِ:} المسافر المنقطع عن ماله (¬2). والإسلام شرط في هؤلاء (¬3) لقوله صلّى الله عليه وسلّم: (وأردّها في فقرائكم) (¬4). سعيد بن جبير عن عليّ عن ابن عبّاس: إذا آتى الرّجل الصّدقة صنفا من هذه الأصناف الثّمانية أجزأه (¬5). وروي مثل ذلك عن عمر وسعد بن أبي وقّاص وحذيفة، وتابعهم عليه سعيد بن جبير وإبراهيم وعمر بن عبد العزيز وأبو (¬6) العالية. 61 - {وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ:} كان المنافقون يطعنون الدّين ويتكلّمون بالكفر ويعيبون (¬7) رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ويقولون: إن بلغه قولنا اعتذرنا إليه وحلفنا عنده، فسيقبل عذرنا فإنّما هو أذن سامعة (¬8). وإنّما يوصف بهذا من كان سريع الاستماع سريع التّصديق من غير تحقيق. والمتكلّم بهذه الكلمة جلاس بن سويد أو الحلاس بن سويد (¬9). فبيّن الله أنّه {أُذُنُ خَيْرٍ} وصلاح ورحمة يؤمن بما يخبره الله ويشهد للمؤمنين بالصّدق، وليس أذن شرّ وفساد ليصدّق المنافقين في أعذارهم الكاذبة (¬10). 62 - {يَحْلِفُونَ بِاللهِ:} نزلت في جماعة من المنافقين، كانوا قعودا وفيهم غلام من الأنصار، وقيل: زيد بن أرقم، وقيل: عامر بن قيس، فقال بعض المنافقين: إن كان ما يقوله محمّد حقّا فأنا شرّ من حمار، فقال له المؤمن: والله إنّ ما يقوله محمّد لحقّ وإنّكم لشرّ من حمير، فخاصمهم وخاصموه، ثمّ رافعهم إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأخبره بمقالتهم، وأنكروا وحلفوا، فاستحيى المؤمن من ذلك وقال: اللهمّ لا تفرق بيننا حتى تفرق الصّادق من الكاذب، فأنزل (¬11). قيل: واعترف الجلاس فاستغفر له (¬12) النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فأخلص (¬13) وحسن إسلامه. ¬
وإرضاء الله لفظ مجاز وحقيقته إتيان ما يرضاه الله من الفعل (¬1)، والتغير حاصل في مبتغي الرّضا دون الله. {يُرْضُوهُ} (¬2): عائد إلى الله. وقيل: (144 ظ) إلى رسوله، وهذا لكراهة الجمع بين اسم الله واسم من دونه في كتابة واحدة، ولهذا قال صلّى الله عليه وسلّم لمن قال (¬3): ومن يعصهما فقد غوى: (بئس الخطيب أنت) (¬4). 63 - {يُحادِدِ:} يشاقق ويجانب (¬5). 64 و65 - {يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ:} نزلت في جدّ بن قيس ووديعة بن حرام والجهين بن حميد، كانوا يسيرون فيما بين (¬6) العسكر بين يدي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في غزوة تبوك يتحدّثون ويتضاحكون، وكان من كلامهم: يطمع هذا الرّجل أن يستولي على قصور الشّام وحصونها، فنزل، وقال صلّى الله عليه وسلّم لعمّار بن ياسر: أدركهم قبل أن يحترقوا وسلهم (¬7) عمّا هم فيه، فسيقولون لك: إنّا {كُنّا (¬8)} نَخُوضُ في حديث العسكر {وَنَلْعَبُ،} فأدركهم عمّار فسألهم فقالوا: إنّا كنّا نخوض في حديث العسكر ونلعب، فقال: احترقتم حرقكم الله. فجاؤوا إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم معتذرين، وقال الجهين بن حميد: أنا ما تكلّمت بشيء ولكن كنت أضحك معهما، فمنّاه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الجميل ووعد له التّوبة. وقيل: إنّهم كانوا أربعة نفر، والذي لم يكن يتكلّم هو المختبى، وقيل: المخشى بن حمار (¬9). وكيفيّة حذرهم عن نزول السّورة أنّهم يظنّون أنّ هذه السّورة من جهة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يتقوّلها من جهة نفسه فيهم وفي أمثالهم، فكانوا يكتمون عنه كفرهم لئلاّ ينزل من جهته (¬10) الرّفيعة شيء في شأنهم الوضيع. ¬
ويحتمل أنّه خبر بمعنى الأمر، أي: فليحذر المنافقون (¬1). 66 - {طائِفَةٍ:} اسم يقع على الواحد والجماعة (¬2). {إِنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ:} هو الذي لم يكن يتكلّم واعترف بذنبه وقال: استغفر لي يا رسول الله. والطّائفة المحتوم على عذابها سائر الركب (¬3). 67 - {الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ:} قال قتادة: كانوا يسمّون هذه السّورة الفاضحة؛ لأنّها فضحت المنافقين لم تزل تنزل فيها: ومنهم ومنهم، حتى لم تترك (¬4) منافقا إلاّ نبّهت عليه (¬5). وعن قتادة أيضا: كنّا نسمّي هذه السّورة المثيرة؛ لأنّها أثارت مثالب المنافقين ومخازيهم (¬6). وعن الحسن: كانوا يسمّونها الحفّارة؛ لأنّها حفرت فاستخرجت ما في قلوب المنافقين (¬7). وعن عطاء أنّ سبعين رجلا من المنافقين أنزل الله أسماءهم، ثمّ نسخ تلك الأسماء رحمة منه على خلقه فإنّ أولادهم وعشائرهم (¬8) كانوا مسلمين (¬9). وقيل: لمّا رجع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من غزوة تبوك أعرض له في الطّريق اثنا عشر نفسا من المنافقين في ليلة ظلماء متنكّرين يريدون الفتك برسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وكان عمّار بن ياسر يقود راحلة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وحذيفة يسوقها (¬10)، فقال صلّى الله عليه وسلّم لحذيفة: اضرب وجوه رواحلهم، فضربها حتى نحّاهم وطردهم خائبين، ثمّ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: من عرفت من القوم؟ قال: لم (¬11) أعرف أحدا غير أنّي عرفت جمل فلان، فسمّاهم له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتى عدّهم أحاد أحاد، قال: وفيهم نزل (¬12) قوله: {وَهَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا} [التّوبة:74]، فقال حذيفة: ألا نبعث (¬13) إليهم يا رسول الله من يقتلهم، قال صلّى الله عليه وسلّم: أكره أن تقول العرب: لمّا ظفر محمّد بالعدوّ أقبل (¬14) على ¬
أصحابه يقتلهم ولكنّ الله تعالى يكفيناهم بالدّبيلة، قيل: يا رسول الله وما الدّبيلة؟ (145 و) قال: شهاب من جهنّم يرسل على نياط فؤاد أحدهم (¬1) حتى تزهق نفسه (¬2). وعن المقبريّ (¬3) عن أبي هريرة أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم سمّى (¬4) لحذيفة المنافقين وقال: إيّاك أن تخبر بأحد منهم حتى آذن لك في ذلك، وتوفّي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قبل أن يأذن له، فمكث بذلك (¬5) حذيفة حتى سأله عمر في خلافته فقال: أنشدك الله هل أنا في من سمّى لك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ فقال: لا والله وو الله لا أبرّئ أحدا بعدك (¬6). وإنّما سأل عمر لأجل الطّاعنين والمتّهمين إيّاه بالجور والميل، ولم يكن آمنا من التّخلّق ببعض أخلاقهم، وإنّما قال حذيفة: والله لا أبرّئ، لالتزام وصيّة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أن لا يخبر به، أو خوفه لإعجاب من يبرّئه، أو سمّاهم [على] (¬7) وجه التّنبيه على النّعت دون التّعيين، وقلّ (¬8) ما تجد عاريا عن تلك النّعوت جملة. {نَسُوا اللهَ:} تركوا ذكره ومراقبته، {فَنَسِيَهُمْ:} خذلهم ولم يذكرهم بالرّحمة والخير (¬9). 68 - {وَعَدَ اللهُ:} أوعد الله (¬10). 69 - {كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ:} التّشبيه للوعيد عند الزّجّاج (¬11)، ولأفعالهم عند الفرّاء (¬12). ويحتمل اللعن والعذاب المقيم، ويحتمل لكون بعضهم من بعض، ويحتمل النّسيان والفسوق. والاستمتاع بالخلاق هو الاستمتاع بالرّزق على غير الوجه المباح المأذون في الشّريعة كاستخراج الخمر من العنب ولبس الدّيباج والذّهب وإمساك النّرد والشطرنج للّعب واتّخاذ المعازف واتّخاذ القينات وإخصاء الغلمان ونحوها. ¬
{كَالَّذِي خاضُوا:} «أي: كخوضهم الذي خاضوا» (¬1). 70 - {أَلَمْ يَأْتِهِمْ:} استفهام على سبيل التّقرير والإثبات، وحثّ على اعتبار الآيات (¬2). {وَالْمُؤْتَفِكاتِ:} قريات (¬3) لوط، سمّيت بهذا لانقلابها ظهرا على بطن (¬4)، وقيل (¬5): لإفك أهلها. 71 - {سَيَرْحَمُهُمُ:} أي: سينيلهم ما أراد لهم من الخير في سابق علمه ومشيئته (¬6). 72 - {وَعَدَ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ:} جمع بين صفة المنافقين (¬7) وما وعد لهم في معادهم وصفة المؤمنين وما وعد لهم في معادهم على سبيل الإطباق للجمع بين الوعد والوعيد والبشارة والإنذار (¬8). {عَدْنٍ:} خلود وإقامة (¬9)، تقول: عدنت بأرض كذا وكذا أعدن وأعدن عدونا وعدنا، ومنه المعدن (¬10). وسأل ابن عبّاس كعبا عن العدن فقال: هي الكروم والأعناب بالعبرانيّة (¬11). وعن عطاء أنّه نهر جنّاته على حافّتيه (¬12). وعن الأعمش: وسط الجنّة (¬13). وعن الكلبيّ: أعلى درجة في الجنّة (¬14). {وَرِضْوانٌ:} رفع بالابتداء، وخبره {أَكْبَرُ} (¬15). ثمّ هو يحتمل معنيين: أحدهما: الجنّة من عنده ووعده خير من النّار والعذاب المقيم. والثّاني: رضاؤه (¬16) عنهم أكبر من وعده لهم؛ لأنّ الرّضا يوجب أمن العاقبة ودوام العافية، والجنّة لا توجب ذلك فإنّ آدم وحوّاء أخرجا منها على سبيل التّأديب والتّعذيب، وأخرج منها ¬
الطّاووس والحيّة على سبيل المسخ، وأخرج إبليس على سبيل الطّرد واللّعن وكان من الصّاغرين. وفي الحديث أنّ الله تعالى يقول: هل رضيتم؟ فيقولون: وما لنا لا نرضى يا ربّنا وقد بيّضت وجوهنا ويسّرت لنا الحساب وأنقذتنا (145 ظ) من النّار وأجزتنا على الصّراط وأدخلتنا الجنّة، فيقول الله سبحانه وتعالى: إنّ لكم عندي أفضل من ذلك، فيقولون: وما ذلك يا ربّنا؟ فيقول الله تعالى: رضاي عنكم فلا أسخط عليكم أبدا (¬1). 73 - ومجاهدة المنافقين هو التّعنيف في الملامة والإنذار والتّعزير والحبس ما لم يظهروا أمرهم، فإذا ظهر أمرهم فالسّيف، ومن علم منهم أنّه يتوب بلسانه تقيّة لم تقبل توبته (¬2). و (الغلظة): ضدّ الرّقّة (¬3). ولا تصلح المجاهدة بغير غلظة كما لا تصلح المسالمة بغير رفق. 74 - {يَحْلِفُونَ بِاللهِ ما قالُوا:} هو قول الجلاس بن سويد: إن كان ما يقوله محمّد حقّا فنحن شرّ (¬4) من حمير. وقيل: قولهم: لئن رجعنا إلى المدينة لنعقدنّ (¬5) على رأس ابن أبيّ تاجا (¬6). وقيل: قولهم: ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ (¬7). و {كَلِمَةَ الْكُفْرِ:} كلّ كلمة تخالف مقتضى الإسلام. وفي الآية دلالة أنّ الإيمان والإسلام واحد. وهمّهم (¬8) {بِما لَمْ يَنالُوا:} قصدهم الفتك (¬9). {وَما نَقَمُوا إِلاّ أَنْ أَغْناهُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ:} في إغناء الله إيّاهم بالغنائم الإسلاميّة تحت الرّاية النّبويّة حتى صاروا أهل كنوز وصهيل بعد أن كانوا أهل زرع ونخيل، فلمّا أغناهم الله بيمن رسوله قابلوه بالعيب والطّعن والمكر وبطروا وكفروا نعمة الله فذكر الله حالهم ذلك (¬10). وسئل الحسين بن الفضل عن قولهم: اتّق شرّ من أحسنت إليه، هل يوجد في القرآن؟ فقال: نعم وذلك قوله: {وَما نَقَمُوا (¬11)} إِلاّ أَنْ أَغْناهُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ (¬12). ¬
{فَإِنْ يَتُوبُوا:} تطميع لهم في التّوبة، قيل: لمّا سمع الجلاس هذه الآية قام وتاب إلى الله ورسوله، فاستغفر له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم (¬1). 75 - {وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللهَ:} جاء ثعلبة بن حاطب الأنصاريّ إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله ادع الله أن يرزقني مالا، قال: ويحك يا ثعلبة قليل تؤدّي شكره خير من كثير لا تطيقه، قال: ثمّ رجع إليه فقال: يا رسول الله ادع الله أن يرزقني (¬2) مالا، فقال: ويحك يا ثعلبة أما ترضى (¬3) أن تكون مثل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والله لو سألت الله (¬4) أن يسيل عليّ الجبال ذهبا لسالت، ثمّ رجع وقال: يا رسول الله ادع الله أن يرزقني (¬5) مالا والله لئن آتاني الله مالا لأوتينّ كلّ ذي حقّ حقّه، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: اللهمّ ارزق ثعلبة مالا، فاتّخذ (¬6) غنما فنمت حتى ضاق بها أزقّة المدينة، فتنحّى بها، فكان يشهد الصّلوات مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ثمّ خرج إليها، ثمّ نمت حتى تعذرت عليها مراعي المدينة، فتنحّى بها، وكان يشهد الجمع مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ثمّ خرج إليها، ثمّ نمت فاشتغل بها وترك الجمع والجماعات (¬7)، وجعل يتلقّى الرّكبان فقال: ما وراءكم من الخبر وما كان من أمر النّاس، فأنزل الله على رسوله: {خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها} [التّوبة:103]، قال: واستعمل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على الصّدقات رجلين رجلا من الأنصار ورجلا من بني سليم، (146 و) وكتب لهما (¬8) الصّدقة وأسبابهما، وأمرهما أن يصدّقا النّاس وأن يمرّا بثعلبة فيأخذا من صدقة (¬9) ماله، ففعلا حتى دفعا إلى ثعلبة، فقال: صدّقا النّاس فإذا فرغتما فمرّا بي، ففعلا، فقال ثعلبة: ما أرى هذه إلاّ أخيّة الجزية انطلقا حتى ألقى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأنزل الله على رسوله صلّى الله عليه وسلّم: {وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللهَ} فركب رجل من الأنصار، ابن عمّ ثعلبة، راحلة حتى أتى ثعلبة فقال: ويحك يا ثعلبة هلكت فأنزل الله فيك من القرآن كذا، فأقبل ثعلبة قد وضع على رأسه التّراب وهو يبكي ويقول: يا رسول الله، فلم يقبل (¬10) منه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم صدقته حتى قبض رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ثمّ أتى أبا (¬11) بكر فقال: يا أبا ¬
بكر قد عرفت موضعي من قومي ومكانتي من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فاقبل صدقتي، فأبى أن يقبل منه، ثمّ أتى عمر فأبى أن يقبل منه (¬1)، ثمّ أتى عثمان فأبى أن يقبل منه، ثمّ مات ثعلبة في خلافة عثمان رضي الله عنه (¬2). وترك قتل ثعلبة مع ظهور نفاقه وقوله: {مَلْعُونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً} (61) [الأحزاب:61] إمّا لكراهة تنفير قلوب [المسلمين] (¬3) ووقوع الفتنة فيما بينهم كما روينا في حديث حذيفة حيث أرادوا الفتك به، وإمّا لأنّه لم يصرّح باسم (¬4) ثعلبة ولم يعيّنه (¬5) وهو لم يصرّ [على] (¬6) صريح كفر بل كان يعتذر ويتضرّع. وينبغي للمسلم الرّضا بالقسمة وترك الاختيار والتّسليم لله والوفاء بالعهود، فإنّ ثعلبة لو رضي باليسير من الرّزق وترك مطالبة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بما يتمنّاه لما (¬7) شغل عن الجمع والجماعات، ولو سلّم لله أمره ولم يسمّ الزّكاة أخيّة الجزية لما أعقبه الله في قلبه نفاقا، ولو وفى بعهده لما افتضح في الدّنيا والآخرة. وفي الآية دلالة أنّ النّذر فيما قبل الملك يصحّ بالإضافة وأنّ النّذر بالقرب (¬8) يلزم الإنسان ويجب الوفاء به إمّا بإتيان الملفوظ به بعينه وإمّا إتيان المعبّر عنه بالألفاظ المعدولة عن ظاهرها مثل قوله: عليّ أن أذبح ولدي، أو عليّ أن أصرف بثوبي حطيم الكعبة، أو ثوبي في رتاج الكعبة، أو قال الشّيخ الكبير (¬9): لله عليّ أن أصوم، أو لله عليّ (¬10) أن أتصدّق بمالي (¬11). وأما (¬12) النّذر في [غير] (¬13) المباح والمعصية فكفّارته كفّارة يمين. وقوله: عليّ عهد الله، وبرئت من عهد الله، يمين. وفي الآية دلالة أنّ دفع صدقة الأموال الظّاهرة إلى الإمام، ولولا اشتهار ذلك بين الصّحابة لكان ثعلبة يدفعها إلى الفقراء ويريح نفسه من مذلّة الرّدّ. ¬
وفيه دلالة أنّه كان يعرض على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم والخلفاء من بعده رياء وسمعة وقصدا لإزالة العار لا لوجه الله تعالى؛ لأنّ النّفاق الكامن (¬1) في القلب يضادّ ابتغاء مرضاة الله. 78 - {سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ:} قول ثعلبة: هذه أخيّة الجزية (¬2). 79 - {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ:} قيل: إنّ عبد الرّحمن بن عوف كان عنده ثمانية آلاف دينار، فأمسك أربعة آلاف فجاء إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بأربعة آلاف وقال: أقرضتها ربّي عزّ وجلّ وأمسكت مثلها لنفسي وعيالي، فقال له (¬3) صلّى الله عليه وسلّم: بارك الله لك (146 ظ) فيما أعطيت وفيما أمسكت. وكان عند أبي عقيل الأنصاريّ صاعان من تمر فجاء إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بصاع وأمسك لنفسه صاعا، فقال المنافقون: أمّا عبد الرّحمن فأنفق على وجه الرّياء وأمّا عقيل فأنفق طمعا في الزّيادة والله غنّي عن صدقته، فأنزل (¬4). {إِلاّ جُهْدَهُمْ:} إلاّ مقدار وسعهم وطاقتهم (¬5). 80 - {اِسْتَغْفِرْ لَهُمْ:} ابن عبّاس عن عمر بن الخطّاب قال: لمّا مات ابن أبيّ [بن] (¬6) سلول دعي إليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليصلّي عليه، فلمّا قام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وثبت إليه فقلت: يا رسول الله أتصلّي عليه وقد قال يوم كذا: كذا وكذا، أعدّد عليه قوله، فتبسّم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقال: أخّر عنّي يا عمر، فلمّا أكثرت قال: إنّي خيّرت فاخترت ولو أعلم أنّي لو زدت على السّبعين غفر له لزدت عليها، قال: فصلّى عليه (¬7). وكذلك روى نافع عن ابن عمر (¬8) والشّعبيّ عن جابر بن عبد الله (¬9). والتّخيير قوله (¬10): {اِسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ.} وصلاته عليه محمول على الاستغفار والدّعاء دون صلاة الجنازة لما روى (¬11) نافع عن ابن عمر أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أعطاه قميصه فكفّن به، ثمّ حضره ليصلّي عليه فجذبه عمر وقال: أتصلّي ¬
عليه وقد نهاك الله، فقال: أنا بين خيرتين، فنزل قوله: {وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ} [التّوبة:84] (¬1). وقول عمر: أتصلّي عليه وقد نهاك الله تعالى، تأويل منه لقوله: {لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ.} وقوله صلّى الله عليه وسلّم: أنا بين خيرتين، ردّ منه على عمر تأويله. والدّليل على أنّ قوله: {وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ [ماتَ]} (¬2) نزل في هذه الحادثة بعد قول عمر قبل صلاة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما روى أبو الزّبير عن جابر أنّ؟؟؟ أبيّ بن (¬3) سلول لمّا هلك جاء ابنه إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقال: يا رسول الله إنّك لم تشهده، ولم يزل يعتريه حتى أتاه وقد أدخل حفرته، فقال: يا رسول الله أفلا قبل أن يدخلوه حفرته، فاستخرج فتفل عليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من قرنه إلى قدمه وألبسه قميصه (¬4)، دلّ أنّه لم يصلّ عليه صلاة الجنازة، ولكنّه كان مخيّرا بين الاستغفار وتركه لاستمالة عشائرهم وأولادهم. والمقصود من لفظة السّبعين هي المبالغة دون العدد؛ لأنّها مأخوذة من السبع التي هي نهاية كثير (¬5) من الأعداد منها: عدد آيات فاتحة الكتاب، والسّور الطّوال، والمثاني، وعدد الثّابتين مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم حنين، وعدد السّموات والأرض والأنجم السّيّارة والأقاليم والأبحر والأيّام والألوان وأعضاء السّجود وطبقات النّار وليالي عاد وسني يوسف عليه السّلام والسّنبلات والبقرات وأشواط الطّواف وأشواط السّعي، وأركان الصّلاة وهي: الافتتاح والقيام والقراءة (¬6) والرّكوع والسّجود والتّشهّد والخروج، وأجناس أموال الزّكاة وهي: الذّهب والفضّة والإبل والبقر والغنم والخيل وما أخرجت الأرض، (147 و) وأجناس الحيوان كالطّائر والقافز (¬7) والماشي والزّاحف والعائم (¬8) والمنساب والمختلج، والجهات المستقيمة مع الحيثيّة. وممّا أخذ من السّبع للمبالغة قوله: {كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ} [البقرة:261]، وقوله: {ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِراعاً} [الحاقّة:32]، وقول النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: الحسنة بعشر أمثالها إلى سبع مئة (¬9)، وسمّي السّبع سبعا؛ لأنّ قوّته مضاعفة، وفي الحديث أنّ ¬
المنافق يأكل في سبعة أمعاء (¬1)، وفي الحديث أنّ صاحب اليمين يقول لصاحب الشّمال: أمسك، فيمسك سبع ساعات من النّهار فإن تاب لم يكتب عليه (¬2)، وفي الحديث: سألت الشّفاعة لأمّتي فقال: لك (¬3) سبعون ألفا يدخلون الجنّة بغير حساب ولا عذاب، فقلت: ربّ زدني، فقال: مع كلّ ألف سبعون ألفا (¬4)، فقلت: ربّ زدني، فقال: لك هذا فحثا (¬5) بين يديه وعن يمينه وعن شماله (¬6)، وفي الحديث أنّ سائلا قال: كم أعفو عن الخادم في اليوم؟ فقال: سبعين مرّة (¬7)، وفي الحديث أنّ الكافر يهوي في النّار سبعين خريفا (¬8). وقيل: خصّت السّبعة بالمبالغة؛ لأنّ كمّيّتها مشتملة على ثلاثة من أوتار العدد وثلاثة من الأشفاع. 81 - {فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ:} قيل: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم برز بعسكره (¬9) إلى ثنيّة الوداع حين خرج إلى غزوة تبوك، ونزل ابن أبيّ بن سلول أسفل من الثّنيّة مع المنافقين، فلمّا ارتحل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تخلّف ابن أبيّ مع بضع وثمانين رجلا، فأنزل الله الآية (¬10). و (المقعد): القعود، مصدر، كالمطعم والمشرب والملبس (¬11). {خِلافَ:} مخالفة، مفعول له (¬12). {فِي الْحَرِّ:} في أوان الحرّ (¬13)، وهو القيظ. «والحرّ: ضدّ البرد» (¬14). وقوله: {لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ} كالشّرط لحصول الخبر في علمهم، وتقديره: أعلمهم أنّ نار جهنّم أشدّ حرّا (¬15) لو كانوا يفقهون، قريب منه: {وَلَبِئْسَ ما شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ} [البقرة:102]. ¬
82 - {فَلْيَضْحَكُوا،} {وَلْيَبْكُوا:} أمر كينونة وإلجاء لا أمر شرع وتعبّد بدلالة ذكر الجزاء (¬1). وضحك الشّيء غاية ظهور جماله عند وجود مراده أو مسرّته أو شهوته أو حاجته الطّبيعيّة، يقال: ضحك الفجر إذا طلع، وضحك السّحاب إذا برق، وضحك الشّيب (¬2) إذا تبيّن، وضحكت الشّمس إذا ازداد ضوؤها، وضحكت الأرض إذا اكتست بالأنوار، قال الله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ (¬3)} (38) ضاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ (39) [عبس:38 - 39]. والبكاء ضدّ الضّحك، قال الله تعالى: {وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكى} (43) [النّجم:43]، وقوله: {فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ} [الدّخان:29] (¬4). 83 - {فَإِنْ رَجَعَكَ اللهُ:} نزلت في غزوة تبوك قبل رجوع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى المدينة (¬5). وإنّما قال: {لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً} لمعنيين: أحدهما: الزّجر والمعاقبة، والثّاني: أنّه (¬6) لم يخرج بعد ذلك إلى غزوة حتى قبضه الله تعالى. وقوله: {سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ} [الفتح:16] مختلف فيه، قيل: دعاهم إلى الخروج مع عليّ بن أبي طالب في غزوة طيّئ، فخرج عليّ بهم وأغار على طيّئ وسبى ابنة حاتم الطّائيّ أخت عديّ فمنّ عليها (147 ظ) وأطلقها فتبعت أخاها وأخبرته بالقصّة ولم تزل به حتى حملته على (¬7) أن وفد على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فلمّا رآه قام بين يديه إكراما له، ولم يكن يقوم بين يدي أحد من المشركين، ثمّ خرج إليه من المسجد وأخذ بيده فذهب إلى الحجرة، فلمّا كان ببعض الطّريق استقبلته امرأة ترفع إليه حاجتها فجلس لها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتى سمع قصّتها وقضى حاجتها، ثمّ قام وانطلق مع عديّ إلى البيت، فاستدلّ عديّ بتواضعه على أنّه نبيّ وليس بملك جبّار، ثمّ عرض عليه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم الإسلام فأسلم. وقيل: دعاهم إلى الخروج مع أسامة بن زيد إلى اليمن فتوفّي قبل خروجه وسرّحه أبو بكر مع القوم بعد ما تردّدوا في أمرهم وترفّعوا أن يكونوا تحت راية أسامة وسرّح مع عمر بن الخطّاب وخرج لمشايعته راجلا. وقيل: دعا أبو بكر إلى قتال طليحة بن خويلد الأسديّ ومسيلمة الكذّاب بعد وفاة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم (¬8)، وهذا أصحّ؛ ¬
لأنّه لو كان دعوة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لقال: سأدعوكم. {أَوَّلَ مَرَّةٍ:} أي: أوّل مرّة لما بعدها (¬1). وقيل: أراد بأوّل مرّة كراهتهم الخروج في غزوة بدر. وقيل (¬2): أراد تخلّفهم عن الحديبية قبل (¬3) غزوة خيبر وفتح الطّائف، وهذا أقرب. {الْخالِفِينَ:} المتخلّفين (¬4)، قال موسى عليه السّلام (¬5) لأخيه هارون: {اُخْلُفْنِي فِي قَوْمِي} [الأعراف:142]، وقال الله تعالى: {مَلائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ} [الزّخرف:60]. 84 - {وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً:} نزلت في شأن ابن أبيّ بن (¬6) سلول، روي أنّه لمّا مرض مرضه الذي مات فيه دعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فحضر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقال: أما نهيتكم عن موالاة اليهود؟ قال: لم يوالهم سعد بن معاذ فمه (¬7)، ثمّ قال: إنما دعوتك لتستغفر لي ولم أدعك لتؤنّبني (¬8)، ثمّ سأله أن يعطيه قميصه الذي يلي جسده ليكفّن (¬9) فيه فأعطاه قميصه، فقيل: يا رسول الله أتعطي قميصك منافقا؟ قال (¬10): إنّ قميصي لن يغني عنه من الله شيئا وإنّي أؤمّل أن يدخل في الإسلام بهذا السّبب خلق كثير، فكان كما قال، أخلص وأحسن الإسلام يومئذ ألف من الخزرج (¬11). {أَبَداً:} نصب على الظّرف (¬12). و (القبر): الشّقّ في الأرض يدفن فيه الميّت (¬13). والنّهي عن القيام على القبور؛ لأنّه فعل الأولياء والأحباب وأصحاب المصيبة والتّفجّع. 85 - {وَلا تُعْجِبْكَ:} خطابه، والمراد به كلّ واحد من أمّته (¬14). 86 - {أَنْ آمِنُوا:} ترجمة وبيان للسّورة. ¬
87 - و {الْخَوالِفِ:} النّساء الفواسد، يقال (¬1): نبيذ خالف، أي: فاسد (¬2). 90 - {وَجاءَ الْمُعَذِّرُونَ:} أصحاب الأعذار الصّحيحة، عن (¬3) مجاهد. وأصحاب الأعذار الكاذبة، عن قتادة (¬4). وقد جاء الفريقان ليأذن لهم (¬5) في القعود، ولا تنافي بين القولين. {الْأَعْرابِ:} أصحاب المواشي الذين ينزلون البوادي (¬6). مجاهد عن ابن عمر، وعكرمة عن ابن عبّاس قال: أشار على نمرود بإحراق إبراهيم رجل من الأعراب، فقيل لابن عبّاس: ولهم أعراب؟ قال: نعم، والأكراد أعراب فارس. والمراد بالأعراب ههنا الذين ينزلون حوالي المدينة من أسد وغطفان وغيرهما (¬7). (148 و) {الَّذِينَ (¬8)} كَذَبُوا اللهَ: أي: أظهروا لله (¬9) ورسوله غير ما يعلمه الله من ضمائرهم. 91 - فلمّا تواترت الآيات في المتخلّفين تخوّف منها أصحاب الأعذار الصّادقة فأنزل الله فيهم: {لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ} (¬10). {إِذا نَصَحُوا:} أخلصوا العمل عن (¬11) الغشّ. {ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ:} النّاصحين {مِنْ سَبِيلٍ:} في لومهم على تخلّفهم (¬12). 92 - {وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ:} نزلت في سبعة نفر (¬13) من الأنصار وسابعهم عبد الله بن معقل [بن يسار] (¬14) الأنصاريّ، كانوا فقراء. وقيل (¬15): نزلت في أبي ¬
موسى الأشعريّ. وقيل (¬1): في ابن أمّ مكتوم وأصحابه. {قُلْتَ:} أي: قلت لهم، وهو صفة (الذين)، و (إذا ما أتوك): ظرف له، وتقديره: ولا على الذين قلت لهم (¬2): {لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ} إذا ما (¬3) أتوك لتحملهم. {تَوَلَّوْا:} فتولّوا، وإنّما حسن إسقاط الفاء لحسن الوقوف على ما قبله. {حَزَناً:} أي: من حزن، أو حزنوا حزنا، وقيل: تقديره: حازنين (¬4). {أَلاّ يَجِدُوا:} بيان لسبب الحزن. ونصب (يجدوا) ب (أن) (¬5). 94 - {لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ:} لن نصدّقكم في أعذاركم (¬6). {نَبَّأَنَا:} خبّرنا بأشياء {مِنْ أَخْبارِكُمْ} (¬7). {وَسَيَرَى اللهُ:} في المستقبل من التّوبة والإصرار (¬8). {فَيُنَبِّئُكُمْ:} بعد ما عميت عليكم الأنباء. 95 - والمراد بالإعراض الإعراض (¬9) عن مباحثتهم ومجادلتهم. وإنّما أمروا بالإعراض لتسكين الفتنة التي يبغونها (¬10) بخلابتهم في الجدال. 96 - {يَحْلِفُونَ لَكُمْ:} نزلت في جدّ بن قيس ومعتب [بن] (¬11) قشير. والظّاهر أنّها في شأن الأعراب. 97 - {الْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً:} لغلظ (¬12) أكبادهم وقساوة قلوبهم (¬13)، وهم الفدّادون ¬
الذين نعتهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالجفاء والقسوة (¬1). وأشدّ نفاقا لمكرهم وحيلهم في الحروب. {وَأَجْدَرُ} (¬2): وأحرى وأحقّ. {أَلاّ يَعْلَمُوا حُدُودَ ما أَنْزَلَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ} لبعدهم عن حضرة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وكونهم بمعزل عن الجمع والجماعات ومجالس العلم والوعظ واشتغالهم عن القراءة والتّفقّه في دين الله بمصالح معاشهم (¬3). وقد جعل الله النّهب والفتك والنّخوة والعزّة في أهل البوادي حيث كانوا فهم بمنزلة السّباع، وجعل الرّفق والانقياد والسّخرة والذّلّة في الحواضر حيث كانوا فهم بمنزلة البهائم، وجعل الحكم والعلم والسّلطنة وتصريف الأمور (¬4) في البدويّين الذين نزلوا المدن والأمصار وتركوا التّبدّي فهم بمنزلة النّاس من سائر الحيوان، هذا هو الغالب. 98 - {وَمِنَ الْأَعْرابِ:} نزلت في أسد وغطفان (¬5). {مَنْ يَتَّخِذُ:} أي: يعدّ ويعتقد (¬6). {مَغْرَماً:} «غرما» (¬7)، وهو أن يلزم الإنسان من غير أن يعود إليه (¬8) منه نفع. 99 - {وَمِنَ الْأَعْرابِ:} نزلت في مزينة وجهينة وغفار وأسلم (¬9). {قُرُباتٍ عِنْدَ اللهِ:} أي: الرتبات المضيئة التي يكون صاحبها مراقبا مشاهدا. {وَصَلَواتِ الرَّسُولِ (¬10)}: دعواته الصّالحة (¬11). والضّمير في {إِنَّها} عائد إلى الصّدقات، وقيل: إلى الصّلوات (¬12)، وقيل: إليهما جميعا. ¬
{فِي رَحْمَتِهِ:} في قضيّة رحمته وهي النعمة والجنّة (¬1). 100 - {وَالسّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ:} عن الشّعبيّ أنّ السّابقين الأوّلين {مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ} هم (¬2) الذين بايعوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بيعة الرّضوان (¬3) بالحديبية (148 ظ) تحت الشّجرة (¬4). ويحتمل أنّ (من) لتبيين الجنس (¬5)، كما في قوله: {مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ} الآية [النّساء:69]، والدّليل لزوم اسم التّابعين (¬6) قوما أدركوا الصّحابة وأخذوا العلم منهم ورووا الحديث عنهم فلو كان (من) للتّبعيض لكان اسم التّابعين لازما لسائر المهاجرين والأنصار. 101 - وفي قوله: {لا تَعْلَمُهُمْ} دلالة أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ما كان يعلمهم بأعيانهم علما مقطوعا به لكن بغلبة الظّنّ ولهذا قال: {وَلَوْ نَشاءُ لَأَرَيْناكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيماهُمْ} [محمّد:30]. {سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ:} في الدّنيا مرّة وفي القبر مرّة (¬7). أبو (¬8) مطيع عن أبي حنيفة رحمه الله: من قال: لا أعرف عذاب القبر فهو من الطّبقة (¬9) الخبيثة الجهميّة الهالكة؛ لأنّه أنكر قوله: {سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ،} وقوله: {وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذاباً دُونَ ذلِكَ} [الطّور:47]، فإن قال: أؤمن بالآية ولا أؤمن (¬10) بتأويلها وتفسيرها، فهو كافر؛ لأنّ من القرآن ما تأويله تنزيله. 102 - {وَآخَرُونَ اِعْتَرَفُوا:} قال الكلبيّ: نزلت في ثلاثة: أبي (¬11) لبابة وأوس بن ثعلبة ووديعة بن حزام (¬12)، وعن الضّحّاك وقتادة أنّهم كانوا (¬13) سبعة، وعن زيد بن أسلم كانوا ثمانية (¬14)، وعن ابن عبّاس كانوا عشرة فشدّ منهم سبعة أنفسهم على السّواري (¬15)، قيل: ¬
وحلف أبو لبابة أن لا يحلّ نفسه حتى يحلّه رسول الله فبلغ ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فحلف أن لا يحلّه حتى يأمر الله بأمره فيه (¬1). قيل: وكان أوّل أمر أبي لبابة أنّه خاصم يتيما إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في عذق فقضى له به، ثمّ تشفّع إليه ليعطيه اليتيم فأبى، فقال: أعطه إيّاه ولك مثله في الجنّة فأبى، فانطلق إليه أبو الدّحداح واشتراه منه بحديقة له ثمّ أتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم [وقال] (¬2): أرأيت إن أعطه اليتيم ألي مثله في الجنّة؟ قال: نعم، فأعطاه (¬3) اليتيم، فكان صلّى الله عليه وسلّم يقول (¬4): كم من عذق مذلل (¬5) في الجنّة لأبي الدّحداح. ثمّ إنّ أبا لبابة أدركه شؤم هذه المعصية فخان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين استنزل بني قريظة وأشار إلى حلقه يخوّفهم بالذّبح، ثمّ تخلّف عن غزوة تبوك، ثمّ ألقى الله في قلبه التّوبة والنّدم فشدّ نفسه بالسّارية فبقي كذلك سبعة أيّام حتى غشي عليه، فأنزل الله فيه وفي أصحابه الآية (¬6). {خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً:} كقولك (¬7): خلطت الماء واللّبن، ولو قلت: خلطت الماء باللّبن، لجاز أيضا (¬8). 103 - {خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ:} لمّا أنزل الله (¬9) توبة هؤلاء جاؤوا بأموالهم إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقالوا: هذه خلفتنا عنك فتصدّق بها، وتوقّف (¬10) في ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأنزل الله (¬11). روي أنّه أخذ ثلث أموالهم وترك الباقي عليهم (¬12). {تُطَهِّرُهُمْ:} خطاب للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم (¬13)، وهو في تقدير الحال (¬14). {سَكَنٌ:} سكينة وطمأنينة (¬15). ¬
104 - {هُوَ يَقْبَلُ} و {هُوَ التَّوّابُ:} لتأكيد الوصف (¬1). والأخذ هو (¬2) القبول والإثابة. 105 - {وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ:} عطف على {اللهُ} (¬3) لتشريفهم، أو لتعليق الأحكام الشّرعيّة بهم بعد وفاة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. 106 - {وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ:} نزلت في الثّلاثة الذين خلّفوا: كعب بن مالك وهلال بن أميّة ومرارة بن الرّبيع (¬4). وكلّ المؤمنين بهذه الصّفة إلاّ المبشّرين بالجنّة. 107 - {وَالَّذِينَ اِتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً:} نزلت في سبع عشرة نفسا من بني عمرو بن عوف، بنوا قريبا من مسجد قباء مسجدا لأجل أبي عامر الفاسق، وكانوا (¬5) يسمّونه الرّاهب، وكان بالشّام، (149 و) فبنوا هذا المسجد لأجله ينتظرون قدومه عليهم في ذلك المسجد، وكان يؤمّهم مجمع ابن حارثة كالنّائب عن أبي عامر الفاسق، وكان منافقا قارئا للقرآن، فطلبوا من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قبل خروجه إلى غزوة تبوك أن يحضرهم فيصلّي بهم في مسجدهم، يبتغون بذلك (¬6) عذرا لأنفسهم، فقال صلّى الله عليه وسلّم: حتى أنصرف من هذه الغزوة، فأنزل الله في منصرفه (¬7). (ضرارا): «مضارّة» (¬8)، وهو نصب على أنّه مفعول له (¬9). ومن {حارَبَ اللهَ وَرَسُولَهُ:} هو أبو عامر الفاسق، كان قد ترهّب ولبس المسوح بالمدينة قبل مقدم رسول الله، فلمّا هاجر إليها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أتاه (¬10) أبو عامر الفاسق وقال: ما هذا الدّين جئت به؟ قال صلّى الله عليه وسلّم: هذا دين إبراهيم، قال أبو عامر: فأنا على دين إبراهيم، فقال صلّى الله عليه وسلّم: هذا دين إبراهيم الذي أنا عليه، قال أبو عامر: بلى أدخلت فيه ما ليس منه، قال رسول الله: بل جئت بالحنيفيّة بيضاء نقيّة، قال أبو عامر: أمات الله الكاذب منّا طريدا وحيدا (¬11) لا أجد قوما يقاتلونك إلاّ قاتلتك معهم، وانضوى إلى الكفّار فقاتلوا يوم أحد وبعد ذلك إلى يوم حنين، فلمّا ¬
انهزمت هوازن ويئس الملعون (¬1) عن مشركي العرب خرج (¬2) إلى الشّام ليستنصر قيصر، وكان يأمر المنافقين ببناء هذا المسجد ويخبرهم بأنّه سيأتيهم بجنود لا قبل لأحد بها، فلم يمكنه الله سبحانه وتعالى من ذلك، وأماته بالشّام طريدا وحيدا (¬3). وابن أبي عامر الفاسق إنّما هو حنظلة غسيل الملائكة (¬4). {إِنْ أَرَدْنا:} «ما أردنا» (¬5). {إِلاَّ الْحُسْنى:} إلاّ استمالة أبي عامر ليرجع ويسلم، فكذّبهم الله تعالى. 108 - {لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً:} قال مقاتل: أرسل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بعد نزول هذه الآية مالك بن الدخشم ومعن بن معدي وعامر بن السّكن ووحشيّا قاتل حمزة إلى هذا المسجد الظّالم أهله (¬6) فهدموه وأحرقوه، وأمر أن يتّخذ ذلك الموضع كناسة يلقى فيه الجيف (¬7). وفيه دليل (¬8) لمحمّد على أنّ المسجد إذا خرب وتعطّل رجع إلى الملك، قال أبو يوسف: هم لم يكونوا بنوه على نيّة المسجد حقيقة. {لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ:} مسجد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم (¬9). وعن أبي سعيد الخدريّ أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: هو مسجدي هذا (¬10)، يدلّ عليه (¬11) ما روى أبو أيّوب وجابر بن عبد الله وأنس بن مالك أنّه لمّا أنزلت (¬12): {فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا} قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: يا معشر الأنصار إنّ الله قد أثنى عليكم في الطّهور فما طهوركم هذا؟ قالوا: نتوضّأ للصّلاة ونغتسل من الجنابة ونستنجي بالماء، قال: هو ذلك فعليكموه (¬13). وقيل: إنّه مسجد قباء (¬14)، روي عن عبد الله بن الحارث أنّ أهل قباء أتوا (¬15) النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ¬
فذكروا له الاستنجاء بالماء، فقال: إنّ الله أثنى عليكم فدوموا {رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ.} وعن أبي هريرة أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: نزلت هذه الآية في أهل قباء {فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا،} الآية، قال (¬1): كانوا يستنجون بالماء فنزلت هذه الآية فيهم (¬2). والأصحّ (149 ظ) أنّ المسجد مسجد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأنّ الرّجال المتطهّرين عامّة الأنصار من أهل المسجدين جميعا، ودلّ (¬3) عليه ما روي أنّه حمّ الأنصار فعادهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقال: أبشروا فإنّها كفّارة وطهور، قالوا (¬4): يا رسول الله ادع الله أن يديمها علينا أيّاما حتى تكون كفّارة لنا، فأنزل الله تعالى يثني عليهم: {يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا:} بالحمّى عن معاصيهم (¬5). والتّأسيس: موضع الأساس، والأساس قاعدة البناء (¬6). 109 - من (¬7) {أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى تَقْوى مِنَ اللهِ وَرِضْوانٍ:} هو رسول الله مع أصحابه المهاجرين والأنصار، و {مَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى شَفا جُرُفٍ هارٍ:} هو أبو عامر الفاسق مع أصحابه المنافقين. والأوّل هو التّأسيس على حالة التّقوى أو نيّة التّقوى، والثّاني على وجه المثل (¬8). و (الجرف): هو التّجويف الذي جرفت (¬9) السّيول والأودية حشوه (¬10). (هار): «هائر» (¬11)، قدّمت لام الفعل وأخّرت عينه على سبيل القلب، كقولك: هو شاكي السّلاح وشائك (¬12). وقد تحذف الهمزة (¬13) من (هائر) حذفا حقيقيّا من غير قلب، في حديث خزيمة وذكر السّنة قال: تركت المخّ رارا والمطيّ هارا (¬14). ¬
والهور والانهيار: الميل، ومنه التّهوّر والهوارة، في الحديث: من أطاع ربّه فلا هوارة (¬1) عليه، وروي: من اتّقى الله وقي الهوارة (¬2). 110 - {بَنَوْا رِيبَةً:} أي: سبب ريبة (¬3). {تَقَطَّعَ:} تفسخ (¬4)، فمن حمل الكلام على الغاية والتّوقيت قال: ترتفع الرّيبة عند تقطّع القلوب؛ لأنّ الارتياب في فعل الأحياء دون من هلك وتلاشى، ومن حمل على المبالغة والتّأكيد قال: يجوز بقاء الرّيبة مع تقطّع القلوب لجواز بقاء الحياة والعقل فيها بتبقية الله تعالى كحياة الشّهداء وحياة الذين يسألون في القبور، وهذا أشبه. ويمكن الجمع بين القولين بأن يحمل أحدهما في طائفة من المنافقين والآخر (¬5) في طائفة أخرى منهم. 111 - {إِنَّ اللهَ اِشْتَرى:} اتّصالها بما قبلها من حيث ذكر الرّجال الذين يحبّون أن يتطهّروا. عن عبد الله بن رواحة قال يوم البيعة: اشترط يا رسول الله لربّك ولنفسك، قال: أشترط (¬6) لربّي أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا وأشترط لنفسي أن تمنعوني مما (¬7) تمنعون منه أنفسكم وأهاليكم، قال: فإذا فعلنا ذلك فما لنا؟ قال: الجنّة، قال: ربح البيع لا نقيل ولا نستقيل، فأنزل الله بها (¬8) هذه الآية. واشتراء الله من عباده [المؤمنين] (¬9) ما يملكه عليهم إنّما على سبيل التّفضيل واللّطف، وهو كالاستقراض منهم، وإيجاب الأجر لهم. أبو هريرة يحدّث عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (تكفّل الله لمن جاهد في سبيله لا يخرجه من بيته إلاّ الجهاد في سبيله وتصديق كلمته بأن يدخله الجنّة أو يرجعه إلى مسكنه الذي خرج منه مع ما نال من أجر أو غنيمة) (¬10). 112 - {التّائِبُونَ:} أي: هم التّائبون، وقيل: رفع على المدح (¬11). ¬
{السّائِحُونَ:} السّياحة (¬1) هي رحلة الشّتاء والصّيف في الجهاد والحجّ وطلب العلم وزيارة المشايخ في بيوتهم وقبورهم، قال صلّى الله عليه وسلّم: (سياحة أمّتي الجهاد) (¬2)، وقال صلّى الله عليه وسلّم: (150 و) (الصّوم سياحة أمّتي) (¬3)؛ لأنّ [الصائم] (¬4) يلقى من الشّدّة ما يلقاه السّائح في الأرض (¬5). {وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ:} بأنّ هذه صفتهم عند الله ورسوله مع ما يتعاطونه من الذّنوب سرا وجهرا. 113 - {ما كانَ لِلنَّبِيِّ:} اتّصالها بما قبلها من حيث سبق ذكر محافظة حدود الله (¬6). عن سعيد بن المسيب عن أبيه قال: لمّا حضر أبا طالب الوفاة جاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فوجد أبا جهل وعبد الله ابن أبي (¬7) أميّة عنده، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لأبي طالب: أي عمّ قل: لا إله إلاّ الله، كلمة نجاح أشهد لك بها عند الله، وقال (¬8) أبو جهل وعبد الله بن أبي أميّة: أترغب عن ملّة عبد المطّلب، فلم يزل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يعرضها عليه ويعاودانه بتلك المقالة حتى قال أبو طالب آخر ما كلّمهم: على ملّة عبد المطّلب (¬9)، وأبى أن يقول: لا إله إلاّ الله، فقال النّبيّ (¬10) صلّى الله عليه وسلّم: والله لأستغفرنّ لك ما لم أنه عنه، فأنزل الله الآية، وأنزل (¬11) في أبي طالب: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ،} الآية [القصص:56] (¬12). وعن عبد الله بن مسعود أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خرج يوما وخرجنا معه حتى انتهينا إلى المقابر فأمرنا فجلسنا، ثمّ تخطّى القبور حتى انتهى إلى قبر فجلس إليه فناجاه طويلا، ثمّ ارتفع نحيب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالبكاء فبكينا لبكائه صلّى الله عليه وسلّم، ثمّ إنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أقبل إلينا فتلقّاه (¬13) عمر فقال: ما الذي أبكاك يا رسول الله فقد أبكانا وأفزعنا؟ فأخذ رسول الله بيد عمر ثمّ أقبل إلينا (¬14) فقال: ¬
أفزعكم بكائي؟ فقال: نعم يا رسول الله، فقال: إنّ القبر الذي رأيتموني أناجيه قبر آمنة بنت وهب وإنّي استأذنت ربّي في الاستغفار لها فلم يأذن لي، وأنزل عليّ: {ما كانَ لِلنَّبِيِّ [وَالَّذِينَ آمَنُوا (¬1)}] أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ، الآية، فأخذني ما يأخذ الولد للوالدين من الرّقّة (¬2). قال الأمير: ويمكن الجمع بين الرّوايتين: كان يستغفر لأبي طالب سنين حتى زار قبر أمّه (¬3) يومئذ فأنزل الله الآية فانتهى عن استغفارهما. قال ابن عبّاس: كانوا يستغفرون لهم حتى نزلت الآية فلمّا نزلت أمسكوا عن الاستغفار للأموات ولم ينههم عن الاستغفار للأحياء حتى يموتوا ثمّ أنزل (¬4): {وَما كانَ اِسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ،} الآية، استغفر له ما كان حيّا فلمّا مات أمسك عن الاستغفار له (¬5). 114 - (الأوّاه): كثير التّأوّه خوفا من الله عزّ وجلّ، عن الأزهريّ (¬6). وقال أبو عبيدة (¬7): الأوّاه: المتأوّه شفقا وفرقا ويقينا ولزوما للطّاعة. ويحتمل أنّه كان يتأوّه على هلاك قومه وكفرهم بالله ويتحلّم عنهم ولا يخاشنهم ولا يزيد على التّأوّه؛ لأنّه لم يكن مأمورا بالقتال. 115 - {لِيُضِلَّ:} الإضلال ههنا لومه وتخطئته وتضليله ومؤاخذته إيّاهم بما لا علم لهم به. ثمّ اختلفوا فقيل: نزلت الآية في مؤاخذة الله إيّاهم للعمل بالأحكام المنسوخة قبل العلم بالنّسخ كالصّلاة إلى بيت المقدس وشرب الخمر (¬8)، وقيل: نزلت في مؤاخذة الله إيّاهم (¬9) بالاستغفار للمشركين قبل بيانه (¬10) أنّه لا يجوز. وإنّما وصف بالعلم؛ لأنّ (¬11) هذا الحكم المذكور من قضية علمه وحكمته. 116 - وإنّما وصف نفسه بأنّ {لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ} ليبيّن جواز تصرّفاته (150 ظ) في مملكته من النّسخ والإضلال والمغفرة والعذاب وغير ذلك (¬12). ¬
117 - {لَقَدْ تابَ اللهُ عَلَى النَّبِيِّ:} وهو قوله: {عَفَا اللهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ} [التّوبة:43] (¬1). والتّوبة على المهاجرين والأنصار عفوه عنهم زلاّتهم من التّخلّف وغير ذلك. {فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ:} وقت الضّيق والشّدّة، كان الأمر قد بلغ إلى [أن] (¬2) نحر بعضهم ناقته فعصر أكراشها وشرب عصارتها. وعن مقاتل أنّ التّمرة كانت فيهم بين الاثنين والثّلاثة، يلوك هذا ثمّ يعطي هذا (¬3). وعن الحسن أنّهم كانوا يعتقبون على رواحلهم، وزادهم شيء من دقيق (¬4) الشّعير وإهالة (¬5) منتنة. وعن عمر قال: أصابنا عطش شديد فدعا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فأمطر الله السّماء فعشنا بذلك (¬6). {كادَ يَزِيغُ (¬7)} قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ: لشدّة الابتلاء وقلّة الصّبر وكثرة الوسواس (¬8). 118 - {وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا:} أي: خلّفهم الله بتقديره، أو الشّيطان بغروره، أو أموالهم وأهلوهم بفتنتها. ويحتمل تخليف (¬9) رسول الله إيّاهم عن مجلسه وحضرته ومهاجرته إيّاهم لخمسين (¬10) صباحا. {بِما رَحُبَتْ:} أي: برحبها وسعتها (¬11). {وَضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ:} أي: صدورهم وقلوبهم (¬12). وضيق النّفس: أن تمتلئ بالحزن والهمّ حتى (¬13) تختنق فلا تسع شيئا. {وَظَنُّوا:} أيقنوا (¬14). وإنّما استثنى الملجأ إليه للتّنبيه على رحمته ورأفته بعد ابتلائه ومحنته (¬15). ¬
وفي الآية دلالة أنّ توبة الله عليه توبة العبد. عن (¬1) كعب بن مالك قال: لم أتخلّف عن رسول الله في (¬2) غزوة غزاها حتى كانت غزوة تبوك إلاّ بدرا، ولم يعاتب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أحدا تخلّف عن بدر، إنّما خرج يريد العير فالتقوا عن غير موعد كما قال الله تعالى، ولعمري إنّ أشرف مشاهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في النّاس لبدر، وما أحب أنّي كنت شهدتها مكان بيعتي ليلة العقبة حيث تواثقنا على الإسلام، ثمّ لم أتخلّف عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بعد (¬3) في غزاة غزاها حتى كانت غزوة تبوك، وهي آخر غزوة غزاها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وآذن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم النّاس بالرّحيل وأراد أن يتأهّبوا أهبة غزوهم وذلك حين طاب الظّلال وطابت الثّمار، وكان قلّ ما أراد غزوة إلاّ ورّى بغيرها وكان يقول: الحرب خدعة، فأراد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم غزوة تبوك أن يتأهّب النّاس (¬4) أهبتهم، وأنا أسير ما كنت قد جمعت راحلتين، وأنا أقدر شيء في نفسي على الجهاد وخفّة الحاذ (¬5)، وأنا في ذلك أصغو إلى الظّلال وطيب الثّمار، فلم أزل كذلك حتى قام النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم غاديا بالغداة وذلك يوم الخميس فأصبح غاديا، قلت: أنطلق إلى السّوق وأشتري جهازي ثمّ ألحق بهم، فانطلقت إلى السّوق بالغد فعسر عليّ بعض شأني فرجعت، فقلت: أرجع غدا (¬6) إن شاء الله فألحق بهم، فعسر عليّ بعض شأني أيضا، فلم أزل كذلك حتى التبس بي الذّنب تخلّفت عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فجعلت أمشي في الأسواق وأطوف بالمدينة يحزنني أن لا أرى [إلا] (¬7) رجلا مغموصا عليه في النّفاق، وكان ليس أحد (¬8) تخلّف إلا رأى أنّ ذلك سيخفى (¬9) وكان النّاس كثيرا (¬10) لا يجمعهم ديوان، وكان جميع (151 و) من تخلّف عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بضعة وثمانين رجلا، ولم يذكرني صلّى الله عليه وسلّم حتى بلغ تبوك، قال: ما فعل كعب بن مالك؟ فقال رجل من قومي: خلّفه يا نبيّ الله برداه والنّظر في عطفيه، فقال معاذ: بئس ما قال والله يا نبيّ الله لا نعلم إلاّ خيرا، قال: فبينا (¬11) هم كذلك إذا هم برجل يزول به السّراب، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: كن ¬
أبا خيثمة، فإذا هو أبو خيثمة (¬1). فلمّا قضى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم غزوة تبوك وقفل (¬2) ودنا من المدينة جعلت أتذكّر بماذا أخرج من سخطة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأستعين على ذلك كلّ ذي رأي من أهلي، حتى إذا قيل (¬3): النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم مصبّحكم بالغداة، زاح عنّي الباطل وعرفت أن لا أنجو إلاّ بالصّدق. ودخل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ضحى وصلّى في المسجد ركعتين، وكان إذا جاء من سفر فعل ذلك، دخل المسجد فصلّى ركعتين، ثمّ جلس فجعل يأتيه من تخلّف فيحلفون له ويعتذرون إليه، فيستغفر لهم ويقبل علانيتهم ويكل سرّ أبدانهم إلى الله تعالى، فدخلت المسجد فإذا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جالس، فلمّا رآني تبسّم تبسّم (¬4) المغضب فجلست بين يديه، فقال: ألم تكن (¬5) اتبعت ظهرك؟ قلت: بلى يا رسول الله، قال: فما خلّفك؟ قلت: والله لو بين يدي أحد من النّاس غيرك جلست لخرجت من سخطه عليّ بغير عذر لقد أوتيت جدلا ولكن قد علمت يا نبيّ الله أنّي إن أخبرك اليوم بقول تجد عليّ فيه وهو حقّ فإنّي أرجو فيه عقبى الله وإن حدّثتك اليوم حديثا ترضى عني (¬6) فيه وهو كذب أوشك الله أن يطلعك عليّ والله يا نبيّ الله ما كنت قطّ أيسر ولا أخفّ حادّا منّي حين تخلّفت عنك، فقال: أمّا هذا فقد صدقكم الحديث قم حتى يقضي الله فيك، فقمت، فثار على أثري ناس من قومي يؤنّبونني، فقالوا: والله ما نعلمك أذنبت ذنبا قبل هذا فهلاّ اعتذرت إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بعذر يرضى عنك فيه، وكان استغفار النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم سيأتي من وراء ذنبك ولم تقف نفسك موقفا لا تدري ماذا يقضي الله لك فيه، فلم يزالوا يؤنّبونني حتى هممت أن أرجع فأكذّب (¬7) نفسي، فقلت: هل قال هذا القول أحد غيري؟ قالوا: نعم هلال بن أميّة ومرارة بن ربيعة، ذكروا رجلين صالحين قد شهدا بدرا لي (¬8) فيهما أسوة حسنة، فقلت: والله لا أرجع إليه في هذا أبدا ولا أكذّب نفسي. قال: ونهى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم النّاس عن كلامنا أيّها الثّلاثة، قال: فجعلت أخرج إلى السّوق فلا يكلّمني أحد، وتنكّر لنا النّاس حتى ما هم بالذين نعرف، وتنكّرت لنا الحيطان (¬9) حتى ما هي بالحيطان التي نعرف، وتنكّرت لنا الأرض حتى ما هي ¬
بالأرض التي نعرف (¬1)، وكنت أقوى أصحابي فكنت أخرج وأطوف بالسّوق وإلى المسجد وأدخل فآتي النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فأسلّم عليه فأقول: هل حرّك شفتيه (¬2) بالسّلام، فإذا قمت أصلّي إلى سارية فأقبلت قبل صلاتي نظر إليّ بمؤخّر عينه (¬3) فإذا نظرت إليه أعرض عنّي، واستكان صاحباي فجعلا يبكيان اللّيل والنّهار ولا يطلعان (151 ظ) رؤوسهما. قال: فبينا أنا أطوف بالسّوق وإذا رجل نصرانيّ جاء بطعام له يبيعه يقول: من يدلّ على كعب بن مالك، فطفق النّاس يشيرون له إليّ، فأتاني بصحيفة من ملك غسّان فإذا فيها: أمّا بعد فإنّه بلغني أنّ صاحبك قد جفاك وأقصاك ولست بدار مضيعة ولا هوان فالحق بنا نواسك، فقلت: هو أيضا من البلاء والشّرّ، فسجرت لها التّنّور فأحرقتها. فلمّا مضت أربعون (¬4) ليلة إذا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد أتاني فقال: اعتزل امرأتك، فقلت: أطلّقها؟ قال: لا ولكن لا تقربها، فجاءت امرأة هلال فقالت: يا نبيّ الله إنّ هلال بن أميّة شيخ ضعيف هل تأذن لي أخدمه؟ قال: نعم ولكن لا يقربنك، فقالت: يا نبيّ الله (¬5) والله ما به حركة لشيء ما زال مكبّا يبكي اللّيل والنّهار مذ كان من أمره ما كان. قال (¬6) كعب: فلمّا طال عليّ البلاء اقتحمت على أبي قتادة حائطه، وهو ابن عمّي، فسلّمت عليه فلم يردّ عليّ، فقلت: أنشدك الله يا أبا قتادة أتعلم أنّي أحبّ الله ورسوله؟ فسكت حتى قلتها ثلاثا، فقال أبو قتادة في الثّالثة: الله ورسوله أعلم، فلم أملك نفسي أن بكيت، ثمّ اقتحمت الحائط خارجا. حتى إذا مضت خمسون ليلة من حيث نهى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عن كلامنا صلّيت على ظهر بيت لنا صلاة (¬7) الفجر، ثمّ جلست وأنا في المنزلة التي قال الله: قد ضاقت علينا الأرض بما رحبت وضاقت علينا أنفسنا، إذ سمعت نداء من ذروة سلع أن أبشر يا كعب بن مالك، فخررت ساجدا وعلمت أنّ الله قد جاءنا بالفرج، ثمّ جاء رجل يركض على فرس يبشّرني، فكان الصّوت أسرع من فرسه، فأعطيته ثوبي بشارة ولبست ثوبين آخرين. قال: وكانت توبتي نزلت ثلث اللّيل على النّبيّ (¬8) صلّى الله عليه وسلّم فقالت أمّ سلمة: يا رسول الله ألا نبشّر كعب ابن مالك؟ قال: إذا يحطمكم النّاس ويمنعونكم (¬9) النّوم سائر اللّيل، وكانت أمّ سلمة محسنة في ¬
شأني تحزن بأمري. فانطلقت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فإذا هو جالس في المسجد (¬1) وحوله المسلمون وهو يستنير كاستنارة القمر، وكان إذا سرّ بالأمر استنار، فجئت وجلست بين يديه، فقال: أبشر يا كعب بخير يوم أتى عليك مذ ولدتك أمّك، فقلت: يا رسول الله أمن عند الله أم من (¬2) عندك؟ قال: بل من عند الله، ثمّ قرأ عليه: {لَقَدْ تابَ اللهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ} حتى {رَؤُفٌ رَحِيمٌ} [التّوبة:117]، وفيها أنزل أيضا: {اِتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصّادِقِينَ} [التّوبة:119]، فقلت: يا نبيّ الله إنّ من توبتي أن لا أحدّث إلاّ صدقا وأن أنخلع من مالي كلّه صدقة إلى الله تعالى وإلى رسوله، فقال: أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك، قلت: فإنّي أمسك سهمي الذي بخيبر. قال كعب: فما أنعم الله عليّ نعمة بعد الإسلام أعظم في نفسي من صدقي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حيث صدقته أنا وصاحباي أن لا نكون (¬3) كذبنا فهلكنا كما هلكوا وإنّي لأرجو أن لا يكون الله أبلى أحدا من الصّدق (152 و) مثل الذي أبلاني ما تعمدت للكذب (¬4) بعد، وإنّي لأرجو أن يحفظني الله في ما بقي. قال الزهريّ: هذا ما انتهى إلينا من حديث كعب بن مالك (¬5). 119 - {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا:} قال أبو بكر الصّدّيق: «إيّاكم والكذب فإنّ الكذب مجانب الإيمان» (¬6)، سئل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (أيكون المؤمن جبانا؟ قال: نعم، فقيل: أيكون المؤمن بخيلا؟ قال: نعم، فقيل: أيكون المؤمن كذّابا؟ قال (¬7): لا). 120 - {وَلا يَرْغَبُوا:} «ولا أن يرغبوا» (¬8)، ويحتمل أنّه مجزوم على النّهي. ورغبتهم بأنفسهم عن نفسه إيثارهم أنفسهم على نفسه (¬9). {ظَمَأٌ:} عطش (¬10). {وَلا نَصَبٌ:} تعب (¬11). ¬
{وَلا مَخْمَصَةٌ:} «مجاعة» (¬1). والوطء: موضع القدم، وكذلك الموطئ، ويجوز أن يكون مصدرا (¬2). {يَغِيظُ الْكُفّارَ:} صفة للموطئ، أي: يغيظ الكفّار وطؤهم إيّاه (¬3). و (النّيل): الإصابة (¬4). والضّمير في {بِهِ} عائد إلى كلّ واحد من الأشياء المذكورة (¬5). 121 - (قطع الوادي): سلوكه. والوادي (¬6): ما بين العدوتين. 122 - {وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا (¬7)} كَافَّةً: قال الكلبيّ: لمّا أنزل الله عيوب المنافقين المتخلّفين (¬8) قال المؤمنون: والله لا نتخلّف عن سريّة بعد هذا، فكانوا يخرجون السّرايا ويتركون رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالمدينة فأنزل (¬9). قال الكلبيّ: وفيه وجه آخر وهو أنّ أحياء من بني أسد قدموا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالنّساء والذّراري فنزلوا في سكك (¬10) المدينة وأفسدوا الطّرق (¬11) على النّاس، فأنزل الله تعالى هذه الآية يأمرهم بأن يفد من كلّ قبيلة وفد على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ولا يفدوا بأجمعهم (¬12). وعن مجاهد أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان أرسل بعض أصحابه إلى قبائل العرب (¬13) دعاة يدعونهم إلى الإسلام ويعلّمونهم الشّريعة، فلمّا سمعوا ما نزل في المتخلّفين عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خافوا أن يكونوا من المتخلّفين فالتحقوا بالنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فأنزل الله الآية (¬14). والمتفقّه في الدّين المنذر قومه إذا رجع هذا النّافر إن كان مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بالمدينة (¬15)، والله أعلم بالمراد. وقوله: {وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً} يجوز أن يكون خبرا حقيقيّا، فإنّهم لم ينفروا ¬
كافّة قطّ منذ زمان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى زماننا هذا. ويجوز أن يكون خبرا بمعنى النّهي (¬1). وفي الآية دلالة أنّ خبر الواحد يوجب العمل والحذر وإن لم يوجب العلم (¬2)؛ لأنّ (الطّائفة) اسم لواحد فصاعدا (¬3). 123 - {يَلُونَكُمْ:} يجاورونكم. وفيها دلالة على كراهة أن يترك أهل كلّ ثغر جهتهم ويسيروا (¬4) إلى جهة أخرى إلاّ بعد الكفاية والاستغناء، قال صلّى الله عليه وسلّم: (عصابتان من أمّتي أحرزهما الله تعالى من النّار عصابة تغزو الهند وعصابة تكون مع عيسى عليه السّلام عند نزوله من السّماء) (¬5). أبو هريرة قال: وعدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم غزوة الهند، فإن أدركها (¬6) أنفق فيها نفسي ومالي فإن قتلت كنت من أفضل الشّهداء وإن رجعت فأنا أبو (¬7) هريرة المحرّر (¬8). وكتب عثمان بن عفّان من المدينة إلى عبد الله بن عامر بن كريز يأمره بأن يوجّه إلى ثغر الهند من يعلم علمه وينصرف إليه بخبره، فوجّه (¬9) حكيم بن حزام بن جبلة العبديّ، فلمّا رجع أنفذه إلى عثمان فسأله عن حال البلاد، فقال: يا أمير المؤمنين (152 ظ) ماؤها وشل وتمرها دقل (¬10) ولصّها بطل إن قلّ الجيش ضاعوا وإن كثروا بها جاعوا (¬11). 124 - {وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ:} اتّصالها بما قبلها من حيث ذكر الذين يلوننا من الكفّار، والمنافقون من جملتهم؛ لأنّهم أقرب الكفّار (¬12) إلينا جوارا. كانوا يتساءلون: {أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ} السّورة {إِيماناً} على وجه الإنكار (¬13). وفي قوله: {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا} ردّ من الله عليهم إنكارهم وبيان بأنّ المؤمنين ازدادوا ¬
بهذه السّورة إيمانا. 125 - وقوله: {وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ} قريبة من قوله: {يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً} [البقرة:26]. 126 - فتنتهم {فِي كُلِّ عامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ:} إظهار نفاقهم (¬1)، وعن مجاهد أنّها القحط والشّدّة (¬2)، وعن الحسن وقتادة أنّها الدّعوة إلى الجهاد (¬3). 127 - {نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ:} كان المنافقون إذا رأوا رسول الله قد غشي عليه ليوحى إليه نظر بعضهم إلى بعض (¬4) يتفقّدون المسلمين المخلصين هل يجدونهم ناظرين (¬5) إليهم متتبّعين أحوالهم فإن وجدوهم كذلك سكنوا ونكسوا (¬6) رؤوسهم وقعدوا كارهين، وإن لم يجدوهم كذلك تفرّصوا (¬7) غفلتهم وانصرفوا خوف الفضيحة، فأنزل الله الآية فيهم (¬8). وقوله: {صَرَفَ اللهُ قُلُوبَهُمْ} يجوز أن يكون على وجه الإخبار، ويجوز أن يكون على وجه الدّعاء (¬9). 128 - {لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ:} عن أبيّ بن كعب قال (¬10): آخر آية أنزلت (¬11) على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: {لَقَدْ جاءَكُمْ،} الآية (¬12). {مِنْ أَنْفُسِكُمْ:} أي: من العرب (¬13). قال الزّجّاج (¬14): معناه أنّه بشر مثلكم. وفي الشّواذّ (¬15): (أنفسكم) من النّفاسة وهي الكرم والرّفعة والقدر (¬16). ¬
{عَنِتُّمْ:} «أثمتم» (¬1)، تقول: عزّ عليّ ما نزل بك. {حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ:} على إيمانكم ورشدكم (¬2). {بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ:} مثل قوله: {فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ} [آل عمران:159]. في الحديث أنّ (¬3) النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لم ينتصر من مظلمة (¬4) ظلمها قطّ ما لم (¬5) تنتهك محارم الله سبحانه وتعالى، فإذا انتهك شيء من محارم الله كان من أشدّ النّاس غضبا (¬6). وعنه صلّى الله عليه وسلّم: (ما خيّر (¬7) بين أمرين إلاّ اختار أيسرهما ما لم يكن مأثما) (¬8). وقال صلّى الله عليه وسلّم: (ارحموا الضّعيفين النّساء والذّراري) (¬9). وقال صلّى الله عليه وسلّم: (استوصوا بالنّساء خيرا فإنّهنّ عندكم عوان) (¬10). وقال يوم وفاته: (الصّلاة وما ملكت أيمانكم) (¬11). والله أعلم. ¬
سورة يونس عليه السلام
سورة يونس عليه السّلام مكيّة كلّها (¬1)، وعن ابن عبّاس إلاّ ثلاث آيات: {فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ،} الآيات [يونس:94 - 96] (¬2). وقيل (¬3): الآية نزلت في يهود المدينة وهي قوله: {وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ} [يونس:40]. وهي مئة وتسع (¬4) آيات (¬5) إلاّ عند أهل الشّام (¬6). {بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ} 1 - {الر:} «أنا الله أرى» (¬7). وقيل (¬8): قسم، أقسم بأنيّته (¬9) ولطفه وربوبيّته. وقيل: إشارة إلى رأفة الله تعالى ورحمته وبرّه ببريّته (¬10)، أو إشارة إلى القرآن والذّكر (¬11). {تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ:} جملة مركّبة من مبتدأ وخبر (¬12)، وقيل: خبر لمبتدأ مضمر. {الْحَكِيمِ:} المشتمل على الحكم (¬13). والدّلالات في الخبر أنّ القرآن شافع مشفّع وماحل مصدّق (¬14). 2 - {أَكانَ لِلنّاسِ عَجَباً:} استفهام تعجّب وإنكار الشّيء المستبعد جوازه على قضيّة العادة والطّبيعة (¬15). و (النّاس) (¬16): قريش (153 و) وأمثالهم (¬17). ¬
{أَنْ أَوْحَيْنا:} في محلّ الرّفع على أنّه اسم (كان) (¬1). {إِلى رَجُلٍ مِنْهُمْ:} هو خيرة الله من خلقه خاتم النّبيّين أبو القاسم محمّد بن عبد الله بن عبد المطّلب (¬2). {أَنْ أَنْذِرِ النّاسَ:} ترجمة للوحي (¬3). {أَنْ:} بأنّ {لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ} (¬4): «منزلة رفيعة» (¬5). عن القتبيّ (¬6): ما قدّموه من عمل صالح، وعن (¬7) أبي سعيد الخدريّ: محمّد شفيع صدق لهم يوم القيامة (¬8)، وعن زيد بن أسلم أنّه (¬9) محمّد صلّى الله عليه وسلّم لقوله صلّى الله عليه وسلّم: (أنا فرطكم على الحوض) (¬10). {قالَ الْكافِرُونَ:} حكاية لقولهم الذي قالوه عند (¬11) تعجّبهم بالوحي النّازل على محمّد (¬12). 3 - {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ:} قال ابن سابط: يدبّر أمر الرّسالة أربعة أملاك: جبريل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل عليهم السّلام، فأمّا جبريل فعلى (¬13) الرّياح والجنود وأما ميكائيل فعلى القطر والنّبات وأمّا ملك الموت فعلى الأنفس وأمّا إسرافيل فينزل عليهم بما يؤمرون (¬14). وهذا على المجاز، وهو في تفسير قوله: {فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً} (5) [النّازعات:5]، فأمّا حقيقة التّدبير فهي لله تعالى. {ما مِنْ شَفِيعٍ إِلاّ مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ:} يكفي كلّ شيء ولا يكفيه شيء، ويغني عن كلّ شيء ولا يغني منه شيء. ¬
4 - {وَعْدَ اللهِ حَقًّا:} أي: وعدا حقّا (¬1). {بِالْقِسْطِ:} أي: بأعمالهم التي أقسطوا فيها، وقيل: إنّ الله يجزيهم بالقسط ولا يبخسهم شيئا (¬2). {حَمِيمٍ:} ماء مسخن (¬3)، ومنه الحمام والمستحم. وحميم جهنّم يشوي الوجوه بئس الشّراب. 5 - {ضِياءً:} مصدر كالبناء (¬4). والضّياء أغلب من النّور؛ لأنّه يتعدّى إلى غير ذاته أبدا، والنّور قد يتعدّى وقد لا يتعدّى (¬5). روي أنّ كعبا لقي عبد الله بن عمرو بن العاص والنّاس حوله يستفتونه، قال: هلك أخي عبد الله عند هذا يكون الخبر (¬6) اذهب إليه فقل له: لا تكذبنّ على الله، فإن غضب (¬7) فدعه وإن لم يغضب فاسأله، فأتاه فقال: إنّ كعبا يقول لك (¬8) لا تكذبنّ على الله، قال: نصح لي أخي من كذب على الله سوّد الله وجهه يوم القيامة، قال: إنّه يسألك عن الشّمس والقمر أهما في السّموات السّبع أم في السّماء (¬9) الدّنيا أم في الهواء دون الفلك؟ قال: بل هما في السّموات السّبع (¬10) ووجوههما إلى العرش وأقفيتهما إلى الأرض، قال: {وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِراجاً} (16) [نوح:16] (¬11). وقيل: الشّمس في السّماء الرّابعة والقمر في السّماء الدّنيا (¬12). وقيل: الشّمس في الفلك الرّابع والقمر في الفلك الأدنى، والأفلاك غير السّموات، وقيل: السّماء والهواء واحد. {إِلاّ بِالْحَقِّ:} إلاّ بأمره الحقّ (¬13) بقضيّة حكمه من غير لهو ولا عبث (¬14). ¬
6 - {لَآياتٍ:} دلائل وحدانيّة الله تعالى ودلائل انقضاء الدّنيا والمآل (¬1). 7 - {لا يَرْجُونَ:} أبو عبيدة: لا يخافون (¬2). {لِقاءَنا:} الحساب والعرض، وقيل: لقاء الله (¬3). هم (¬4) الذين أيسوا عن لقائه لجهلهم به. {وَرَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا:} الذين آثروا شهواتها على السّعي للآخرة (¬5)، وقنعوا بالحياة الدّنيا؛ لأنّها مبلغهم من العلم فليست لهم همّة الآخرة (¬6). روي أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بعث أبا عبيدة الجرّاح إلى البحرين يأتي (¬7) بجزيتها، وكان هو صالح أهل البحرين وأمّر عليهم العلاء بن الحضرميّ، فقدم أبو عبيدة بمال من البحرين فسمعت الأنصار بقدومه. (153 ظ) فوافت (¬8) صلاة الفجر مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فلمّا صلّى صلاة الفجر وانصرف تعرّضوا له فتبسّم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين رآهم وقال: أظنّكم قد سمعتم أنّ (¬9) أبا عبيدة قد جاء (¬10) وجاء بشيء، قالوا: أجل يا رسول الله، فقال: أبشروا وأمّلوا ما يسرّكم فو الله ما الفقر أخشى عليكم ولكن أخشى أن تبسط الدّنيا عليكم كما بسطت على من كان قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها فتلهيكم كما ألهتهم، وروي: فتهلككم كما أهلكتهم (¬11). {وَاِطْمَأَنُّوا:} أخلدوا إليها لجهلهم بالآخرة ولكراهة ما قدّمت أيديهم. هم الذين يحجبهم المحسوس عن المعقول. 9 - {يَهْدِيهِمْ:} إلى الفلاح. {بِإِيمانِهِمْ:} بنور إيمانهم وبسبب إيمانهم (¬12). ¬
{فِي جَنّاتِ النَّعِيمِ:} في العقبى. 10 - {دَعْواهُمْ فِيها:} أوّل دعواهم (¬1). دليل على تعجّبهم بكلّ ما يشاهدونه لحسنه وبهجته. {وَآخِرُ دَعْواهُمْ:} دليل على إعجابهم بما يشاهدونه لما يعود إليهم من نفع أو لذّة. {وَتَحِيَّتُهُمْ:} دليل على أمنهم وطهارة صدورهم من الغلّ واستراحتهم من الذّلّة. 11 - {وَلَوْ يُعَجِّلُ اللهُ:} نزلت في النضر بن الحارث بن كلدة وأمثاله حيث قالوا: {اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ} [الأنفال:32] (¬2). وقيل (¬3): في شأن من يدعو على نفسه وولده ودابّته وعبده في غضبه. وقيل: في شأن المستعجل بشرّ يتوهّمه خيرا. {اِسْتِعْجالَهُمْ:} كاستعجالهم (¬4). {فَنَذَرُ:} عطف مستقبل على ماض (¬5) في جواب (لو) كما سبق (¬6). 12 - {وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الضُّرُّ:} نزل في هشام بن المغيرة (¬7). وقيل: عامّة (¬8) في من لزم هوى النّفس والطّبيعة واستهان بالعقل والشّريعة. وفيها تنبيه على قبح (¬9) هذه الخصلة. {لِجَنْبِهِ:} أي: مضطجعا على جنبه، وهو حال مسّ الضرّ أو الدّعاء (¬10). {مَرَّ:} ذهب عن باب الدّعاء معرضا إلى شهواته (¬11). وقال الفرّاء (¬12): معناه: استمرّ على طريقته. 14 - {لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ:} لننظر إلى المشاهد (¬13) من كيفيّة أعمالكم التي قدّرناها ¬
في سابق (¬1) علمنا وعلمناها من سابق مشيئتنا. وفائدة النّظر إيجاب الجزاء (¬2). وعن عرباض بن سارية الأسلميّ قال: وعظنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم موعظة بليغة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب، فقال رجل من أصحابه: إنّ هذه موعظة مودّع فما تعهد إلينا يا رسول الله؟ فقال (¬3): أوصيكم بتقوى الله وبالسّمع والطّاعة وإن كان عبدا حبشيّا، أي: الذي عليكم، فإنّه من يعش منكم ير (¬4) اختلافا كثيرا وإيّاكم ومحدثات الأمور فإنّها ضلالة ومن أدركته منكم فعليه بسنّتي وسنّة الخلفاء الرّاشدين المهديّين عضّوا عليها بالنّواجذ (¬5). 15 - {قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ:} الكلبيّ: وهم خمسة نفر: الوليد بن المغيرة المخزوميّ والعاص بن وائل السّهميّ والأسود بن عبد يغوث (¬6) والأسود بن عبد المطّلب والحارث بن غيطلة، فقتل الله كلّ واحد منهم بغير قتلة صاحبه، وفيهم قوله: {إِنّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ} (95) [الحجر:95] (¬7). {اِئْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ:} له معنيان: أحدهما: محاولتهم سبيلا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بإتيانه بما يقترحونه (¬8)، والثّاني: طمعهم أن لا يكون في الثاني (¬9) سبّ آلهتهم والنّهي عن عبادتهم وأن يكون محلّلا لما يحبّونه محرّما لما يكرهونه (154 و) على قضيّة شهواتهم (¬10). وقوله: {إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ:} الآية منسوخة بقوله: {لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ} [الفتح:2] (¬11). 16 - وفي قوله: {لَوْ شاءَ اللهُ (¬12)} ما تَلَوْتُهُ دلالة أنّ القرآن لم يكن مقدورا لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأنّه لم يمكنه أن يأتي بمثله (¬13). ¬
{عُمُراً:} «حينا» (¬1) {مِنْ قَبْلِهِ؛} لأنّه قد بلغ أشدّه وأونس منه الرشد ولم يكن يتعاطى من القرآن شيئا حتى اكتهل ثمّ انتصب قارئا من غير كتابة ولا تعلّم (¬2). 17 - {فَمَنْ أَظْلَمُ:} اتّصالها بما قبلها من حيث مطالبتهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن يفتري على الله (¬3). 18 - {ما لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ:} ذوات (¬4) معبوديهم. {أَتُنَبِّئُونَ [اللهَ] (¬5)}: أتخبرون الله بلا شيء. وقيل (¬6): أتنبّهون الله على شيء جهله ولم يعلمه. وبما (¬7) لا يعلمه الله في السّموات ولا في الأرض صفات معبوديهم. 19 - {كَلِمَةٌ سَبَقَتْ:} هي كلمة التّمهيل والتّأجيل إلى حين (¬8). 20 - {إِنَّمَا الْغَيْبُ:} علم (¬9) ما كتمه الله عن خلقه من الآيات الملجئة متى يكون وأنّى يكون (¬10). 21 - {وَإِذا:} ظرف، والعامل فيه (¬11) {إِذا} الثّانية مع صلتها. {لَهُمْ مَكْرٌ:} إضافة الشّرط المتقدّم والخير القادم (¬12) إلى آلهتهم وإلى النّجوم والأيّام (¬13). و {اللهُ أَسْرَعُ مَكْراً:} بالطّبع على قلوبهم وباستدراجهم وبإهلاك (¬14) الأوّلين وإتباع الآخرين كذلك يفعل بالمجرمين. 22 - {حَتّى:} غاية للتّسيير (¬15) المتقدّم. ¬
{فِي الْفُلْكِ:} جماعة بدلالة قوله: {وَجَرَيْنَ بِهِمْ} (¬1). {جاءَتْها:} عائد إلى الفلك، وقيل: إلى الرّيح الطّيّبة (¬2). اختصاص العصوف بالرّيح يغني عن علامة التّأنيث (¬3)، قال الفرّاء (¬4): تقول: ريح عاصف وعاصفة (¬5) على لغتين، وأعصفت أيضا. {الْمَوْجُ:} فورة الشّيء الكثير. {مِنْ كُلِّ (¬6)} مَكانٍ: من أمكنة الموج (¬7). {وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ:} أي: ظنّوا أنّهم هالكون، يقال: فلان محاط به، أي: هالك سدّت عليه سبيل النّجاة (¬8). {دَعَوُا اللهَ:} أي: فدعوا الله (¬9). {مِنْ هذِهِ:} أي: الرّيح العاصفة، أو المحنة، أو البليّة (¬10)، أو الحالة. 24 - {إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا:} إنّما وقع تمثيل الحياة الدّنيا بالنّبات الحصيد (¬11) بعد الاكتهال لسرعة زوالها عند الكمال. والمراد من التّمثيل التّزهيد والتّنبيه (¬12). {قادِرُونَ عَلَيْها:} «على الانتفاع بها» (¬13). {أَتاها أَمْرُنا:} قضاؤنا وحكمنا بهلاكها ويبسها وجدبها (¬14). {حَصِيداً:} مستأصلا (¬15). ¬
25 - {دارِ السَّلامِ:} دار السّلامة من الآفات (¬1)، فالسّلام والسّلامة بمعنى كاللّذاذ واللّذاذة (¬2). وقيل: السّلام اسم الله تعالى (¬3)، عن مالك بن يزيد الأشجعيّ قال: الإسلام ثلاث مئة وخمسة عشر سهما فإذا كان يوم القيامة أقبل في صورة حسنة يجرّ ثوبه حتى ينتهي إلى الله تعالى فيقول: يا ربّ أنت السّلام وأنا الإسلام منك بدأت وإليك أعود اللهمّ من جاء متمسّكا بسهم من سهامي فأدخله الجنّة (¬4). 26 - {الْحُسْنى:} الجنّة، و (الزّيادة): النّظر إلى الله تعالى (¬5)، تواترت الأخبار (¬6). {وَلا يَرْهَقُ:} ولا يلحق ولا يصيب، ومنه المراهق (¬7). {قَتَرٌ:} غبار العرصات ودخان الدّركات (¬8). 27 - {جَزاءُ سَيِّئَةٍ:} لهم جزاء سيّئة (¬9). 28 - {وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ:} أي: واذكر يوم نحشرهم، أو نذكرهم يوم نحشرهم (¬10). {مَكانَكُمْ:} أي: قفوا والزموا مكانكم، وذلك قوله: {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ} (24) [الصّافّات:24] (¬11). {فَزَيَّلْنا:} ميّزنا بينهم بعد وقفهم مسؤولين (¬12)، قال الله تعالى: (154 ظ) {لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا} [الفتح:25]: لو تميّز المؤمنون من الكافرين (¬13). 29 - {إِنْ كُنّا عَنْ عِبادَتِكُمْ لَغافِلِينَ:} قول الأصنام المصوّرة (¬14). وقيل (¬15): قول ¬
الملائكة وعزير وعيسى عليهم السّلام، كما قال عيسى: {ما قُلْتُ لَهُمْ إِلاّ ما أَمَرْتَنِي بِهِ،} الآية [المائدة:117]، وقول الملائكة (¬1): {سُبْحانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنا} [سبأ:41]. ويحتمل أنّ الأرواح الخبيثة من طواغيت الإنس والجنّ تتبرّأ عن عابديها وتستشهد (¬2) الله كاذبة كما يحلفون به كاذبين. 30 - {وَرُدُّوا إِلَى اللهِ:} أعيدوا إلى جزائه (¬3). 31 - {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ:} اتّصالها بما قبلها من حيث سبق ذكر الإشراك (¬4). {أَفَلا تَتَّقُونَ:} سخط الله بطاعته (¬5)، أو تتّقون الإشراك بالله بتوحيده (¬6). 32 - {فَذلِكُمُ:} إشارة إلى الله الرّازق من السّماء والأرض المالك للسّمع والبصر المدبّر للأمر (¬7). {رَبُّكُمُ:} سيّدكم وخالقكم (¬8). {الْحَقُّ:} الشّيء الواجب كونه ووجوده، الباطل نفيه وجحوده (¬9). {فَماذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلالُ:} إنكار عليهم على قضيّة انقسام الكلام فإنّه حقّ وباطل، فإذا استحقّ الحقّ نفى للغير (¬10) الباطل، واتّباع الباطل الضّلال (¬11). 33 - {كَذلِكَ:} أي: كما أنّه ليس بعد الحقّ إلاّ الضّلال، أو كما يصرفون، أو كما فسقوا، أو كما نخبرك (¬12). {أَنَّهُمْ لا يُؤْمِنُونَ:} ترجمة الكلمة (¬13). ¬
34 - {ثُمَّ يُعِيدُهُ:} للإعادة معنيان: الإماتة كقوله: {وَفِيها نُعِيدُكُمْ} [طه:55]، والنّشأة للمعاد (¬1). 36 - {وَما يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاّ ظَنًّا:} يعني أوهامهم التي توهّموها. وفي الآية ردّ على القائلين بالهيولى والفضاء وسببيّة (¬2) المعدوم وبحدوث صفات الذّات والفعل وبالجهة والهيئة فإنّها أوهام كلّها. 37 - {أَنْ يُفْتَرى:} في محلّ النّصب على خبر (كان) (¬3). {وَلكِنْ تَصْدِيقَ:} كقوله: {ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللهِ} [الأحزاب:40]. {بَيْنَ يَدَيْهِ:} الكتب (¬4) المتقدّمة. {وَتَفْصِيلَ الْكِتابِ:} أحكامه (¬5). الكتاب هو التّوراة والإنجيل واللّوح المحفوظ، أو (¬6) ما كتب الله علينا. 40 - {وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ:} إخبار عن خاتمتهم ومآلهم دون أحوالهم. 41 - {فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ:} المراد (¬7) منها التّهديد، وقيل: المتاركة (¬8). وهي منسوخة بآية السّيف (¬9). 42 - {مَنْ يَسْتَمِعُونَ:} إن كان الاستماع للانتفاع فالصّمّ قوم آخرون، وإن كان الاستماع للاستهزاء (¬10) فالصّمّ هم المستمعون. والمراد به (¬11) صمم القلب؛ لأنّه قال: {وَلَوْ كانُوا لا يَعْقِلُونَ} (¬12). ¬
45 - {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ (¬1)}: واذكر يوم نحشرهم (¬2). 46 - {أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ:} «قبل أن نريك» (¬3). {مَرْجِعُهُمْ:} محشرهم للحساب والعذاب. فدمّر عليهم يوم بدر ومحقهم في سائر المشاهد واستأصلهم يوم فتح مكّة (¬4). {ثُمَّ اللهُ:} لترادف الأخبار دون المعاني المخبر عنها (¬5). 47 - {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ:} الآية في مثل قوله: {وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلاّ خَلا فِيها نَذِيرٌ} [فاطر:24] (¬6)، وقيل: قوله: {وَما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى [بِظُلْمٍ]} (¬7) [هود:117]. وفيها دلالة أنّ الجماعة وإن عظمت لم ينطلق عليها اسم الأمّة حقيقة ما لم تقرّ برسول الله. {فَإِذا جاءَ رَسُولُهُمْ:} ثبتت (¬8) أحكامهم وشرائعهم وميّز بين الخبيث والطّيّب والهالك والنّاجي. وقيل (¬9): فإذا جاء رسولهم يوم القيامة شهيدا عليهم (¬10) حوسبوا على أعمالهم ووفّوا ثوابها وعقابها. {بِالْقِسْطِ:} ذكر للتّنبيه على قيام الحجّة ووجوب الجزاء (¬11). 48 - {مَتى هذَا الْوَعْدُ:} سؤال (155 و) على وجه الاستعجال بالبوار (¬12). (الوعد): الوعيد. 49 - {قُلْ لا أَمْلِكُ:} لا أقدر على ضرّ نفسي ونفعها فكيف أقدر على تعجيل الوعد الموعود (¬13). ثمّ بيّن وجه تأخّر العذاب فوجوب الهلاك معلّق بإتيان الرّسل وإتيانه معلّق (¬14) ¬
بتتمّة الأجل. 50 - {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتاكُمْ:} وزانها قولك لغريم: أرأيت (¬1) إن أزنك هذه الدّنانير أيش تطالبه، أي: ليس لك عندي سوى هذه الدّنانير شيء، فكذلك ليس للكفّار عند الله إلاّ البوار وإدخال النّار. 51 - {أَثُمَّ} (¬2): معناه: يقول، أو قيل، أو يقال للمجرمين إذا آمنوا عند معاينة البأس: {أَثُمَّ إِذا ما وَقَعَ.} 52 - {ثُمَّ قِيلَ:} بعد ذلك {لِلَّذِينَ ظَلَمُوا} (¬3). 53 - {وَيَسْتَنْبِئُونَكَ:} على وجه الاستهزاء (¬4). {أَحَقٌّ هُوَ:} أكائن (¬5) هذا الوعيد. {إِي:} «نعم» (¬6). {وَرَبِّي:} «قسم، وجوابه: {إِنَّهُ لَحَقٌّ»} (¬7). وقيل (¬8): القسم متّصل بقوله: (إي)، ويكون قوله: (إنّه لحقّ) كلاما مبتدأ. 54 - {وَلَوْ أَنَّ:} جواب مضمر. {وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ:} عند أوّل لحظة ثمّ الحسرة من بعد كما يحلفون ويجحدون ثمّ يعترفون ويتلاعبون (¬9). 55 - اتّصال: {أَلا إِنَّ لِلّهِ} بما قبلها: {وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ ما فِي الْأَرْضِ (¬10)}، فأخبر أنّه لله عزّ وجلّ فكذلك ما في السّموات (¬11). 57 - {وَشِفاءٌ:} برء وزوال علّة. ¬
58 - {بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ:} «الإسلام والقرآن» (¬1). {هُوَ:} أي: الكتاب {خَيْرٌ مِمّا يَجْمَعُونَ:} من المال (¬2). 59 - {قُلْ أَرَأَيْتُمْ:} فيه ضمير تقديره: أرأيتم هذا الرّزق الذي جعلتم منه حراما وحلالا أأنتم (¬3) مأذونون فيه؟ أو أجعلتم (¬4) ذلك بإذن الله؟ فيقول: {آللهُ أَذِنَ لَكُمْ.} 60 - {يَوْمَ الْقِيامَةِ:} نصب بالظّنّ، أي: ما يظنّون (¬5) بالله يومئذ بأن يفعل بهم (¬6). وإنّما ذكر الفضل من حيث ذكر الرّزق، أو من حيث تقديم الدّعوة والإنذار، أو من حيث الإرجاء والإمهال (¬7). {لَذُو فَضْلٍ عَلَى النّاسِ:} دليل على أنّ النّعمة الدّنياويّة عمّت البرّ والفاجر، وأنّ الشّكر (¬8) واجب عليهم في النّفع والدّفع جميعا. 61 - {فِي شَأْنٍ:} أمر وبال (¬9). {مِنْهُ:} أي: من الله (¬10)، وقيل (¬11): من القرآن، وقيل: إلى العمل (¬12). {يَعْزُبُ:} يبعد (¬13). 63 - {الَّذِينَ آمَنُوا:} اعترفوا بقضيّة المعرفة (¬14). {يَتَّقُونَ:} بقضيّة الاعتراف. ¬
64 - {لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا:} هي الرّؤيا الصّالحة يراها المسلم أو ترى (¬1) له، رواه أبو الدّرداء وعبادة بن الصّامت عنه صلّى الله عليه وسلّم (¬2). وعن أبي قتادة الأنصاريّ: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: الرّؤيا من الله والحلم من الشّيطان فإذا حلم أحدكم الحلم يكرهه فليبصق عن يساره وليستعذ بالله منه فلن يضرّه (¬3). وفي الصّحاح عن ابن سيرين عن أبي هريرة: إذا اقترب الزّمان لم تكذب رؤيا الرّجل المسلم وأصدقكم رؤيا أصدقكم حديثا ورؤيا الرّجل المسلم جزء من ستّة وأربعين جزءا من النّبوّة، والرؤيا ثلاث: الرّؤيا الصّالحة من الله تعالى ورؤيا من تحزين الشّيطان ورؤيا من شيء يحدّث الإنسان به نفسه فإذا رأى أحدكم ما يكره فلا يحدث وليقم فليصلّ (¬4). 65 - {وَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ:} ادّعاؤهم العزّة لأنفسهم. ثمّ ردّ عليهم: {هُوَ السَّمِيعُ:} لادّعائهم (¬5) العزّة لأنفسهم، {الْعَلِيمُ:} بضمائرهم (¬6). 66 - {وَما يَتَّبِعُ:} يحتمل وجوها أربعة: العطف وتقديره: وما يتّبعه الذين (¬7)، والجحد، أي: وما يتّبعك، أو (¬8) وما يتّبع الحقّ (¬9)، (155 ظ) والاستفهام على وجه الإنكار، أي: أيّ شيء يتّبع (¬10)، والمصدر، أي: اتّباع الذين (¬11). {إِنْ يَتَّبِعُونَ:} إن هو إلاّ اتّباع الظّنّ. 67 - {فِي ذلِكَ:} إشارة إلى البيان والقرآن، أو إلى الجعل (¬12). 70 - {مَتاعٌ:} أي: لهم متاع، أو متاعهم متاع (¬13). ¬
71 - {إِذْ:} في محلّ النّصب بالذّكر، تقديره: واذكر لهم إذ قال لقومه (¬1). {فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ:} اجعلوا الآراء المختلفة جامعا. {غُمَّةً:} سترة، أي: لا يكوننّ عليكم أمركم مستترا (¬2) ملتبسا. {ثُمَّ اُقْضُوا إِلَيَّ:} أتّموا أمركم (¬3). وكلّ هذا (¬4) تحدّ من نوح عليه السّلام توكّلا على الله وإظهارا لآياته. 72 - {فَما سَأَلْتُكُمْ:} جواب للتّولّي (¬5) المشروط لمعنى خفيّ، فكأنّه يقول: فإن تولّيتم فلم تفوّتوا عليّ أجرا ولم تنقصوني شيئا ولم يعظم عليّ توليتكم. 74 - {إِلى قَوْمِهِمْ:} المراد بهم الهالكون دون المفلحين (¬6)، وإنّما خصّهم لتمحض الوعيد. {فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ:} أي: لم يكن (¬7) الملتزمون بطريقة الماضين بمؤمنين بالذي (¬8) كذّبت به أئمّتهم من قبل. وقيل: فما كانوا ليؤمنوا به في المستقبل من أعمارهم بسبب تكذيبهم أوّل مرّة فإنّه ران على قلوبهم (¬9). 76 و 77 - {أَتَقُولُونَ:} {إِنَّ هذا لَسِحْرٌ (¬10)} مُبِينٌ {لِلْحَقِّ لَمّا جاءَكُمْ.} وقوله: {أَسِحْرٌ:} من كلام موسى عليه السّلام على وجه الإنكار (¬11). 78 - {لِتَلْفِتَنا:} «لتصرفنا» (¬12). {الْكِبْرِياءُ:} العظمة والملك (¬13). ¬
83 - {إِلاّ ذُرِّيَّةٌ:} أربعون أهل بيت من القبط ولدهم نساء بني إسرائيل كانوا يسمّون الذّرّيّة (¬1). {لَعالٍ:} خبر عمّا مضى (¬2). 84 - {فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا:} إنّما أمرهم لئلاّ يخافوا دون الله فيفسد إيمانهم. 85 - {لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً:} كون المسلم فتنة (¬3) للكافر أن تسوء عاقبته العاجلة ويشمت الكافر به ويقيس عليه عاقبته الآجلة وأن يرتدّ المسلم فيزيد الكافر إصرارا (¬4). 87 - {تَبَوَّءا:} اتّخذا المنزل، وأصله البواء وهو اللّزوم (¬5). {بُيُوتاً:} مساجد (¬6). الكلبيّ وغيره: كانت مساجد بني إسرائيل ظاهرة فأمر فرعون بهدمها عند منابذة موسى عليه السّلام إيّاه فأمر الله اتّخاذ المساجد في بيوتهم وأن يجعلوها مستقبلة للكعبة قبلة إبراهيم وإسماعيل (¬7). {وَاِجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً:} مستقبلة القبلة (¬8)، وقيل (¬9): اجعلوها قبلة لكم تصلّون إليها، وقيل (¬10): اجعلوا بعضها مقابل بعض. وقيل (¬11): المراد به المصلّى، وقيل (¬12): المسجد. وإنّما لم يؤمروا بالزّكاة؛ لأنّ أكثرهم كانوا مماليك لآل فرعون، أو كانوا (¬13) فقراء. 88 - {رَبَّنَا اِطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ:} لمّا دعا انقلبت أعيان أموالهم حتى صار سكّرهم حجارة (¬14). {فَلا يُؤْمِنُوا:} «عطف على {لِيُضِلُّوا»} (¬15). وقيل (¬16): نصب على جواب الأمر ¬
بالفاء. وقيل (¬1): جزم على الدّعاء. 89 - {أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما:} كان موسى يدعو وهارون يؤمّن (¬2). 90 - {آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ:} [عن] (¬3) ابن عبّاس عنه صلّى الله عليه وسلّم أنّه ذكر أنّ جبريل عليه السّلام يدسّ في في فرعون الطّين خشية أن يرحمه (¬4)، كان جبريل يعاجل (¬5) فرعون ليتمّ فيه دعوة موسى عليه السّلام، فمن كان يعاجل رحمة الله كفر؛ لأنّه يتقرّب إلى الله بإظهار موالاة نبيّه ومعاداة عدوّه. 91 - {آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ:} قيل (¬6): إنّ جبريل عليه السّلام فرح حين سمع وتيقّن أنّ فعله وقع مرضيّا لله (¬7). 92 - {بِبَدَنِكَ:} «بجسدك» (¬8). فقيل: الآية استفهام على سبيل الإنكار، تقديرها: أفاليوم (¬9) ننجّيك (¬10)، من النّجاة (¬11)، (156 و) فتكون قدوة وحجّة لمن خلفك. وقيل: إنّها على سبيل الخبر (¬12)، ومعناها: اليوم نلقي بدنك بعد إزهاق الرّوح على نجوة من الأرض لتكون عبرة ونكالا لمن خلفك (¬13). 93 - {مُبَوَّأَ صِدْقٍ:} ما أورثهم من ديار آل فرعون (¬14). وقيل: المراد به التّيه حيث ظلّل عليهم الغمام وأنزل عليهم المنّ والسّلوى. وقيل: ديار العمالقة حيث افتتحها (¬15) يوشع عليه السّلام، أو البيت المقدّس حين ابتناه داود وسليمان عليهما السّلام (¬16). ¬
94 - {فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ:} خطاب للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، والمراد به أمّته (¬1)، كقوله: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [الزّمر:65]. وقيل (¬2): هذا شرط لم يوجد والمراد به التّأكيد، كقوله: {قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ،} الآية [الزّخرف:81]. وقيل (¬3): لم يشكّ ولم يسأل، كقوله: {إِنِ اِسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا} [الرّحمن:33]. وقيل: معناه: إن كنت في شكّ ممّا أنزلنا إليك هل هو موجب لك أمن العاقبة والختم على السّعادة فسل (¬4) الأنبياء إذا لقيتهم ليلة المعراج، لقوله (¬5): {قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ،} الآية [الأحقاف:9]، وإن كانت الآية مكّيّة فيكون (ممّا) بمعنى ممّن (¬6) أنزل وهو جبريل عليه السّلام في الصّورة التي ظهر فيها لرسول الله في ابتداء الوحي حتى سألت خديجة له ورقة بن نوفل. وقيل: لما جرى على لسانه في سورة النّجم أنّه شيء ابتلي به وحده وخاف مثله في المستقبل فأخبر الله في سورة الحجّ أنّه ما أرسل من قبله {مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلاّ إِذا تَمَنّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ،} الآية [الحجّ:52]. 97 - {وَلَوْ جاءَتْهُمْ:} أنّث لإضافة {كُلُّ} إلى مؤنّث، كقوله: {وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ} [ق:19] (¬7). 98 - {فَلَوْلا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ:} الإيمان النّافع: الذي يكون عند إحساس العذاب قبل عين اليقين، كما كان من قوم يونس عليه السّلام لمّا غلب على ظنّهم أنّ العذاب سينزل بهم ندموا وتضرّعوا وأنابوا إلى الله ولم ينتظروا عين اليقين (¬8). انتصب {قَوْمَ يُونُسَ؛} لأنّه مستثنى منقطع؛ لأنّهم لم يكونوا من عداد الأمم الهالكة (¬9). وعن ابن عبّاس أنّ يونس بن متّى كان يسكن فلسطين (¬10) هو وقومه فغزاهم ملك من الملوك يقال له يغلث بالعساكر من أهل نينوى، وهي التي تسمّى نصيبين، فغزا بني (¬11) إسرائيل فسبى منهم تسعة أسباط ونصفا وبقي سبطان ونصف، وكانوا من وراء الأردن وهم من سبط ¬
يهوذا ونصف سبط من سبط ميشا، فسبوهم جميعا غير هذين السّبطين ونصف سبط، فرجعوا بهم إلى أرضهم، وقد كان أوحى الله تعالى إلى بني إسرائيل إذا أسركم (¬1) عدوّكم أو أصابتكم مصيبة فادعوني فإذا دعوتموني استجبت (¬2) لكم، فلمّا أسروا نسوا أن يدعوا الله زمانا من الدّهر حتى إذا ذهبت أيّام عقوبتهم ونزلت أيّام عافيتهم أوحى (¬3) الله تعالى إلى نبيّ من أنبياء (¬4) بني إسرائيل يسمّى شعيا فقال: ائت حزقيا، وهو الملك يومئذ، فقل له: ابعث إلى بني إسرائيل نبيّا قويّا أمينا، وكان في ملكه خمسة من الأنبياء، فقد ذهبت أيّام عقوبتهم ونزلت أيّام عافيتهم (¬5) وإنّي (156 ظ) ملق في قلوب ملوكهم وأشرافهم أن يرسلوهم معهم، فجاء شعيا إلى حزقيا حتى أبلغه ذلك، فقال له حزقيا: أنت الذي أمرت بذلك فابعث، فقال له: إنّ الله تعالى أوحى أن آمرك بأن تبعث فابعث، فقال له حزقيا: فيمن تشير عليّ؟ قال: ابعث يونس بن متّى فإنّه قويّ أمين، قال: فأرسل حزقيا الملك إلى يونس فأتاه، فقال له: إنّ (¬6) شعيا النّبيّ عليه السّلام أتاني فقال: إنّ الله أوحى إليّ أن ائت حزقيا فمره يبعث نبيّا إلى بني إسرائيل فإنّه قد ذهبت أيّام عقوبتهم ونزلت أيّام عافيتهم وإنّي ملق في قلوب ملوكهم وأشرافهم أن يرسلوهم معه فأنت نبيّ قويّ أمين فانطلق إلى بني إسرائيل، [قال] (¬7): آلله أمرك بهذا؟ قال: لا، قال: فسمّاني لك؟ قال: لا ولكن أمرت أن أبعث نبيّا قويّا أمينا فأنت نبيّ قويّ أمين، قال: إنّ في بني إسرائيل قويّا أمينا غيري فابعث غيري، فقال حزقيا: بحقّ الملك إلاّ ذهبت، فلمّا عزم الملك على يونس انطلق فلم يجد بدّا، ورجع يونس ليتزوّد، وخرج مغاضبا لحزقيا حتى أتى بحر الرّوم فوجد قوما قد شحنوا سفينتهم، فقال لهم: احملوني معكم، فعرفوه فحملوه، فلمّا كانوا في البحر اضطربت السّفينة وكادت تغرق، فقال ملاّحوها: يا هؤلاء إنّ فيكم رجلا عاصيا؛ لأنّ السّفينة لا تفعل (¬8) هذا من غير الرّيح إلاّ وفيها (¬9) رجل عاص، فقالت التّجّار: إنّا قد جرّبنا مثل هذا وكنّا نقترع بالسّهام فمن خرج سهمه ألقيناه في البحر فإنّه لأن يغرق (¬10) رجل واحد خير من أن يغرق جميع أهل السّفينة، قال: فاقترعوا بسهامهم فخرج سهم يونس عليه السّلام، فقالت التّجّار: نحن أولى ¬
بالمعصية من نبيّ الله، ثمّ اقترعوا الثّانية فخرج سهمه عليه السّلام، فقال: يا هؤلاء أنا والله العاصي، قال: فتلفّف في كسائه ثمّ قام على رأس السّفينة، قال: وإنّ السّمكة التي أمرت به أن تجعله في جوفها لتساير السّفينة من حيث ركب، فرمى يونس بنفسه فابتلعته السّمكة فصار في بطنها وهو يقول: {لا إِلهَ إِلاّ أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظّالِمِينَ} [الأنبياء:87]، فذلك قوله سبحانه وتعالى: {فَساهَمَ،} يقول: فقارع أهل السّفينة {فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ} [الصّافّات:141]، أي: من المقروعين الذين ليست لهم حجّة، وذهبت (¬1) به السّمكة إلى نيل مصر ثمّ إلى بحر فارس ثمّ دخلت به البطائح ثمّ دخلت به دجلة فصعدت به وكان يسدّ جنباه شاطئ دجلة حتى رمته بنصيبين بالعراء على ظهر الأرض بعد أربعين ليلة مكث في بطنها، وهو كهيئة الفرخ المنتوف ليس عليه شعر ولا لحم، فأنبت عليه شجرة من يقطين، قال: وسأل رجل ابن عبّاس: زعموا أنّ اليقطين هو القرع، قال: فقال ابن عبّاس رضي الله عنه: ما الذي جعل القرع أحقّ من البطّيخ وغيره كلّ شيء ينبت بسطا فهو يقطين، فكان يستظلّ في ظلّ ذلك اليقطين ويأكل من ثمرها حتى تشدّد (¬2)، فبينما هو كذلك إذ سلّط الله عليه الأرضة فأكلتها فخرّت من أصلها، فحزن يونس عليه السّلام لذلك حزنا شديدا، (157 و) فقال: يا ربّ كنت أستظلّ تحت هذه الشّجرة من الشّمس والرّيح وأمصّ من ثمرها وقد سقطت منّي (¬3)، فقيل له: يا يونس أتحزن على شجرة أنبتت في ساعة واقتلعت في ساعة ولا تحزن على مئة ألف أو يزيدون لم تذهب إليهم وقد نزلت أيّام عافيتهم؟ فتوجّه يونس عليه السّلام نحوهم حتى دخل أرضهم ومنهم غير بعيد، فأتى بني إسرائيل فقال: إنّي بعثت إليكم، قالوا: إنّك لمصدّق عندنا ولكنّا عبيد أسارى فائت أمراءنا فاذكر لهم ذلك (¬4) فإن خلّونا خرجنا معك، فأتى يونس عليه السّلام ملوكهم وأشرافهم وقال: إنّ الله أرسلني إليكم لتبعثوا معي بني إسرائيل، قالوا: ما نعرف ما تقول ولو علمنا أنّك صادق لفعلنا ولكنّا أتيناكم في دياركم وقراركم فسبيناكم فلو كان كما تقول لمنعكم (¬5) الله، فطاف فيهم ثلاثة أيّام يدعوهم إلى ذلك، فأبوا عليه (¬6)، فأوحى [الله] (¬7) إليه أن قل لهم: إن لم تؤمنوا من ليلتكم هذه صبّحكم العذاب، فأبلغهم ذلك فأبوا، فتزوّد زادا وخرج من عندهم، فلمّا فقدوه ندموا على صنيعهم وقالوا: أيّ شيء صنعنا؟ ثمّ ¬
انطلقوا يطلبونه فلم يجدوه، فأتوا علماءهم وذكروا لهم أمره وأمرهم، فقالت العلماء: انظروا في المدينة فإن كان بها فليس ممّا قال لكم شيء؛ لأنّه لم يكن يجلس فيها والعذاب ينزل بها وإن كان قد خرج فهو كما قال والعذاب (¬1) مصبّحكم، قال: فطلبوه فقيل لهم: قد رأيناه (¬2) خرج بالعشيّ منطلقا، فسألوا بني إسرائيل عنه، فقالوا: ما قال لنا شيئا إلاّ كما قال لكم، فلمّا أمسوا أغلقوا باب مدينتهم فلم يدخلها بقرهم ولا غنمهم وعزلوا الوالدة عن ولدها والوالد عن ولده وعزلوا النّساء والصّبيان، وكذلك الأولاد من الأمّهات من البقر والغنم، وقاموا ينتظرون الصّبح فلمّا انشقّ الصّبح نظروا إلى العذاب ينزل من السّماء وهو شيء أحمر، فشقّوا جيوبهم ووضع الحوامل ما في بطونها وصاحت الصّبيان وثغت الأغنام وخارت البقر، وجعل العذاب ينزل عليهم حتى غشيهم ووجدوا حرّه في أكتافهم، ثمّ رفع عنهم فبعثوا إلى يونس بن متّى (¬3) عليه السّلام فأتاهم فآمنوا به وصدّقوه وبعثوا معه بني إسرائيل، فذلك قوله: {فَلَوْلا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ (¬4)} فَنَفَعَها إِيمانُها إِلاّ قَوْمَ يُونُسَ لَمّا آمَنُوا كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ يقول: رفعنا عنهم العذاب (¬5). {وَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ:} يقول: وأجّلناهم إلى الموت (¬6)، عرف الله الصّدق منهم فرفع العذاب عنهم ولم يقبله من غيرهم (¬7). وعن محمّد بن المنكدر أنّه بلغه أنّ الحوت لمّا التقم يونس عليه السّلام أوحى الله إلى الحوت أن لا تخدش له لحما ولا تكسر له عظما (¬8). 99 - {جَمِيعاً:} نصب على التّأكيد بعد التّأكيد (¬9). {أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النّاسَ حَتّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ:} أي: لست تكرههم (¬10) ليؤمنوا. 101 - {قُلِ اُنْظُرُوا:} أي: تفكّروا (¬11). ¬
القسم الثاني: من سورة هود إلى سورة الناس
تمهيد المطلب الأول نسبة الكتاب لمؤلفه من أهمّ القضايا التي يبدأ المحقّق ببيانها وتوضيحها هي: هل هذا الكتاب لصاحبه أو أنّه منسوب إليه؟ وبخاصة إذا كان المؤلف من الإئمة الأعلام كالإمام عبد القاهر الجرجانيّ العلاّمة الأديب النحويّ البلاغيّ، فهذا يحتاج إلى جهد ومشقّة وعناء، وممّا يزيد الأمور تعقيدا ومشقّة أنّ السيرة الذاتيّة لهذا العالم الكبير، وعلى الرغم من شهرته، لا تسعفنا كثيرا في مثل هذه المسألة. فأوّل من ذكر هذا الكتاب في كتب الفهارس والتي تذكر أسماء الكتب ومؤلّفيها هو حاجي خليفة في كتابه «كشف الظنون» فيقول: «درج الدرر في التفسير، مختصر للشيخ عبد القاهر الجرجانيّ ظنّا» (¬1)، وهذا الكلام يشكّك في نسبة هذا الكتاب للإمام عبد القاهر الجرجانيّ، كما ذكره إسماعيل باشا البغداديّ في «هدية العارفين» إذ يدرج في ضمن الكتب التي ألّفها الجرجاني كتابا باسم «درج الدرر في تفسير الآي والسور» (¬2)، وهذا أيضا يجعل في النفس شيئا من نسبة الكتاب وذلك لاختلاف العنوان. ومما يثبت نسبة الكتاب إلى عبد القاهر الجرجانيّ ما يأتي: 1 - ما ورد في الأصول المخطوطة وعلى الصفحة الأولى من النسخ الأربع، التي تدلّ على أنّ المخطوطة له، إذ جاء في النسخة الأصل ما نصّه: «كتاب درج الدرر في تفسير القرآن العظيم للإمام العلامة علامة العالم، قدوة السلف والخلف عبد القاهر الجرجانيّ»، وفي النسخة الأخرى من مكتبة كوبرلي: «كتاب درج الدرر في تفسير القرآن العظيم، تأليف الإمام العالم العلامة وحيد دهره وفريد عصره عبد القاهر الجرجانيّ تغمّده الله برحمته»، وفي نسخة نور عثمانية يقول: «كتاب تفسير القرآن العظيم المسمّى بدرج الدرر، تأليف الإمام والحجة الهمام عمدة المفسرين وزبدة. . . (¬3) مولانا عبد القاهر بن عبد الرحمن الجرجانيّ تغمّده الله بالرحمة والرضوان». أما نسخة الأسكريال فكتب على صفحتها الأولى: «تفسير القرآن العظيم المسمّى بدرج الدرر، تأليف سلطان. . . (¬4) سيدنا الشيخ المحقّق عبد القاهر الجرجانيّ تغمّده الله برحمته آمين». ¬
3 - نجده يقرّر في كتابه أنّ إعجاز القرآن إنّما كان بالنظم العجيب فيقول: «وحدّ الإعجاز هو الإتيان بناقض العادة، والخارج عن طوق من هو مثل صاحب المعجزة في الخلقة،. . . وإذا وقع التحدّي هاهنا بنظم عجيب بديع، تضمّن معنى صحيحا غير مناقض ولا هزل. . .» (¬1). 4 - وجود كثير من الإشارات البلاغيّة المودعة في هذا التفسير، كالحذف والمجاز والكناية ومعاني (افعل) الأمر، ومعاني الاستفهام، وغيرها. (يرجع إلى مبحث عنايته بالبلاغة في قسم الدراسة). 5 - الاستئناس بما جاء في بعض الترجمات لعبد القاهر الجرجانيّ بأنّ له تفسيرا، كما جاء عند الأدنه وي والسيوطي (¬2)، إذ يقولان عند تعدادهما لمصنفات عبد القاهر: «وصنّف التفسير»، وفي كشف الظنون (¬3) يقول: «تفسير عبد القاهر بن عبد الرحمن الجرجانيّ المتوفّى سنة 474 هـ مختصر في مجلّد، ولعلّه تفسير الفاتحة». 6 - ومما يستأنس به لإثبات أنّ هذا الكتاب له هو ما ورد من أسماء لأعلام كانت وفاتهم قبله، ممّا يدلّ على أنّها في عصر الشيخ الجرجانيّ. 7 - نسب التفسير في فهرس آل البيت لعبد القاهر الجرجاني. (¬4) ومما يشكّك بنسبة الكتاب إلى عبد القاهر الجرجانيّ أمور متعدّدة، منها: 1 - ما دكر فيما سبق أنّ أول ذكر للكتاب جاء في كشف الظنون لحاجّي خليفة، وجاء بشكل مشكّك إذ قال: «درج الدرر في التفسير، مختصر للشيخ عبد القاهر الجرجانيّ ظنّا»، وقوله: ظنّا، مشكل إذ يشكّك في نسبة الكتاب له، ولكنّ هذا القول لم يكن متثبّتا منه إذ في مكان آخر ينسبه إليه من غير شكّ فأدرجه ضمن التفاسير فقال: «تفسير عبد القاهر بن عبد الرحمن الجرجانيّ»، ولكنّه ذكر أنّه «مختصر في مجلّد ولعلّه تفسير الفاتحة» (¬5). وقوله هذا دليل على عدم اطّلاعه على الكتاب، إذ لو اطّلع عليه لعلم أنّه ليس تفسير الفاتحة. 2 - جاء في هديّة العارفين اسم هذا الكتاب ضمن كتب الجرجانيّ «درج الدرر في تناسب الآي والسور دلائل الإعجاز في المعاني والبيان، شرح الفاتحة في مجلّد» (¬6)، وهذا مخالف لما هو مدرج في المخطوطات الأربع بأنّ اسم هذا الكتاب هو «درج الدرر في تفسير القرآن ¬
الكريم». وهذا أيضا يدحض قول حاجي خليفة بأنّ درج الدرر غير تفسير الفاتحة، كما أنّ هذا العنوان الذي ذكره إسماعيل باشا هو الأنسب لهذا الكتاب، وذلك لعادة المؤلفين في ذلك الوقت أن يسمّوا الكتب بأسماء مسجوعة، ولعلّه اطلع على نسخة أخرى من الكتاب لم تصل إلى مكتبات المخطوطات العامّة. 3 - أما بروكلمان فقد ذكر أنّ التفسير ينسب خطأ للشريف الجرجانيّ، فقال: «درج الدرر وهو في التفسير. . . وينسب خطأ للشريف الجرجانيّ» (¬1) وعبارته هذه تحمل ادعاء لأحدهم ينسب الكتاب لغير عبد القاهر الجرجانيّ، وهي في الوقت نفسه نفت هذا الخطأ. كما أنّه بعيد أن يكون له إذ خلا الكتاب في نقله عن علماء من العصور التي بعد عبد القاهر الجرجانيّ، ممّا يجعل النسبة إليه من باب الوهم، فالشريف الجرجانيّ قد توفي سنة 816 هـ (¬2)، كما أنّه لم ينقل من المؤلفات في التفسير أو غيره بعد عصر الجرجانيّ، وبخاصّة الزمخشريّ وأبي حيان وغيرهما من الأعلام الذين جاؤوا بعده. وقد رجعت إلى مظانّ ترجمة السيد الشريف الجرجانيّ، فلم أجد ذكرا لهذه النسبة. (¬3) 4 - المعروف عن عبد القاهر الجرجانيّ وما ذكرته كتب التراجم التي ترجمت له: أنّه شافعيّ المذهب، فقد ذكره الإسنويّ في طبقات الشافعيّة (¬4)، وقال عنه: «كان شافعيّا»، وكذلك في سير أعلام النبلاء، (¬5) وغيرها. وقد بحثت في مذهب المؤلّف الفقهيّ من خلال دراستي لهذا الكتاب، وقد تولّد لديّ أنّ صاحب هذا الكتاب له مذهب فقهيّ هو المذهب الحنفيّ، وذلك من خلال المسائل التي ذكرتها في مبحث (عنايته بالأحكام الفقهيّة) فدرست مذهبه الفقهيّ من خلال ثماني مسائل، هذه المسائل الثماني خالف فيها المؤلف المذهب الشافعيّ أو الرأي الراجح في المذهب الشافعيّ، ووافق فيها أصحاب المذهب الحنفيّ بل المشهور في المذهب الحنفيّ، وأحيانا يصرّح بمخالفته للشافعيّ. أضف إلى ذلك أنّه يذكر الإمام أبا حنيفة فيترضّى عنه أو يترحّم عليه في أكثر من موضع (¬6)، ويستشهد بقوله كذلك، (¬7) بل إنّه يروي عنه بعض الأحاديث والآثار على الرغم من وجودها عند غيره، فيختار طريق أبي حنيفة (¬8). ¬
5 - من المعلوم عن عبد القاهر الجرجانيّ أنّه أشعريّ المذهب عقائديّا، وهذا ما ذكرته كتب التراجم التي ترجمت له. ولكن عند الدراسة في عقيدته في هذا الكتاب يتبيّن أنّ مؤلف الكتاب ليس أشعريّ المذهب، فهو ينهج منهج الإمام أبي حنيفة النعمان في بعض. المسائل العقدية التي ذكرها في تفسيره، ومن هذه المسائل: أ-قوله بأن الإيمان لا يزيد ولا ينقص، فقد جاء في تفسيره قول الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللهِ وَرُسُلِهِ} [النساء:150] إذ يقول: «وفي الآية دليل على أنّ الإيمان لا يزيد ولا ينقص» (¬1)، وهذا القول يقول به الإمام أبو حنيفة رحمه الله تعالى ومن وافقه من بعده فقد جاء في شرح المقاصد (¬2) ما نصّه: «وعند أبي حنيفة (رحمه الله) وأصحابه وكثير من العلماء، وهو اختيار إمام الحرمين، أنه لا يزيد ولا ينقص، لأنّه اسم للتصديق البالغ حد الجزم والإذعان، ولا يتصوّر فيه الزيادة والنقصان». ب-وعند تفسيره قول الله تعالى: {وَلِلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ إِنَّ اللهَ واسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة:115]، يقول: «و (وجه الله) ليس كأوجه خلقه، وهو خالق الوجوه، متعال عن الحلول في الجهات والأقطار، وهو أقرب من حبل الوريد، سبحانه وتعالى. وقد أوّل من أوّل من أصحابنا بأنّه الإقبال بالرحمة والرضوان والقبول، وهو ممكن أن يكون مرادا» (¬3). ج-كذلك عند تفسيره قول الله تعالى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاّ أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ} [الأنعام:158] يقول: «دليل أنّ إتيان الربّ صفة له لا يجوز حملها على إتيان الأمر، إذ الشيء لا يعطف على نفسه». د-أمّا عن صفة الكلام فيقول: «والتكليم صفة لله تعالى حقيقية من غير كيفيّة» وذلك عند تفسيره قول الله تعالى: {وَكَلَّمَ اللهُ مُوسى تَكْلِيماً} [النساء:164]، وأيضا يقول في موضع آخر: «وقول الله تعالى حقيقة، وقد أكّد بقوله: {وَكَلَّمَ اللهُ مُوسى تَكْلِيماً} [النساء:164]، والتأكيد لنفي إيهام الاستعارة، وفي فحوى قوله: {وَما كانَ} ¬
{لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلاّ وَحْياً،} الآية [الشورى:51] ما يدل على أنّ القول صفته حقيقة» (¬1). 6 - ومن المعلوم أيضا عن الإمام عبد القاهر الجرجانيّ أنّه نحويّ بصريّ، فقد تتلمذ على تلميذ الإمام أبي عليّ الفارسيّ، وهو أبو الحسين الفارسيّ، أحد أئمة البصريين، بل لم يكن له شيخ له غيره، وقد شرح كتابه «الإيضاح» واعتنى به عناية فائقة، وسمّاه «المغني» وقد بلغ هذا السفر نحوا من ثلاثين مجلدا، ولكننا نلحظ أنّ مؤلّف هذا الكتاب لم ينقل عن أبي عليّ إلا في موضع واحد فقط (¬2). كما نجده ميّالا إلى مذهب الكوفيين، فهو يقدّم آراءهم في كثير من الأحيان على آراء البصريين، ويعتدّ بها، بل قد يكتفي بذكرها. 7 - هناك أمر يلفت انتباه المتتبع لهذا الكتاب إذ نجد في موضع يقول: «وفي الآية دلالة أنّ صبر الخليفة على جنايات قومه والتغافل عنها جائز لابتغاء المصلحة، كمنابذته ومضاجرته إيّاهم، ولذلك يصبر خلفاء نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم من آل عباس على قبائح هذه الأمّة وافتراق أهوائها» (¬3) وكذلك عند حديثه عن قول الله تعالى: {وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ} بأنّ المراد هو «أمّة محمد عليه السّلام، وقد اختصّت بها الخلفاء الأربعة وبنو عمّه الأئمة المهديّون» (¬4)، ولعلّه يقصد به الخلفاء العباسيّين، وفي هذا الكلام دلالة واضحة على أنّ مؤلف الكتاب كان يميل لخلفاء بني عباس، على عكس ما ذكر في سيرة عبد القاهر الجرجانيّ أنّه كان يكره الحكام، ولا يميل إليهم، ويتبرّم منهم. 8 - أورد في كثير من المواضع ما يخالف نظريّة النظم التي ابتكرها الجرجانيّ، فنلاحظ أنّه في عدد من المواضع يقول: «كذا لوفق رؤوس الآي»، وهذا يتعارض مع نظرية النظم، إذ يقول في دلائل الإعجاز: «واعلم أن ليس النّظم إلا أن تضع كلامك الوضع الذي يقتضيه علم النّحو، وتعمل على قوانينه وأصوله» (¬5). فالتّقديم والتّأخير، أو تغيير التّركيب لوفق رؤوس الآي لا يتّفق مع قوله: «أن تضع كلامك الوضع الذي يقتضيه علم النّحو». وقد يردّ على ما سبق: أنّ عبد القاهر الجرجانيّ ربّما ألّف «درج الدرر» في أوّل حياته العلمية قبل أن تنضج لديه فكرة نظريّة النظم، وكان هذا التفسير بداية طريقه مع هذه النظريّة، لما تضمّن من أمور بلاغيّة كثيرة، تدلّ على بذرة جيّدة لنظرية النظم، كما أنّه لم يتتلمذ على أحد ¬
سوى أبي الحسين الفارسيّ، وكان هذا التتلمذ متأخّرا، فقد كان في بداية حياته العلمية حنفيّ المذهب والاعتقاد، كوفيّا نحويّا، وبعد أن نضج وتتلمذ على يد أبي الحسين الفارسيّ، وقرأ كتبا أخرى، جعلته يغيّر منهجه الذي يسير عليه إلى منهج آخر مختلف تماما، نظرا لسعة اطّلاعه، وسعة أفقه ومداركه. 9 - ومما تجدر الإشارة إليه أنّ المؤلف أورد خلال حديثه عن اسم الله تعالى (البارئ) خلال تفسير الآية 24 من سورة الحشر يقول: «وقد استوفينا الكلام في الأسماء في مفتاح الهدى» (¬1)، وقد استبشرت خيرا بهذا فقد ذكر أنّ للجرجانيّ كتابا هو المفتاح، فقلت: إنّ ضالّتي قد وجدت، فبحثت عن الكتاب، وبعد جهد توصّلت إلى كتاب للجرجانيّ اسمه «المفتاح في الصرف»، وبحثت فيه عن ذلك فلم أجد شيئا يدلّ على ما ذكره، ولو بالإشارة، فكان المفتاح في الصرف ليس له علاقة في اشتقاق بأسماء الله من قريب ولا بعيد، كما أنّي لم أجد كتابا بهذا الاسم فيما لديّ من مصادر يذكر كتابا اسمه مفتاح الهدى، سواء للجرجانيّ أو غيره. وخلال بحثي في الكتاب عن شيء يدلّ على المؤلّف في محاولة لمعرفة المؤلّف وجدت عبارة مهمة وهي: «قال الأمير» (¬2)، ولعلّها من أهمّ العبارات التي تشير إلى المؤلّف، إذ قد يكون الأمير هو مؤلّف الكتاب، إذ من المعتاد في كتب القدماء أن يذكر المؤلف باسمه أو بلقيه، لأنّ كثيرا منهم قد أملى كتابه إملاء على تلاميذه، فقام هؤلاء التلاميذ بذكر أسمائهم فيها، والأمثلة على ذلك كثيرة، منها: «معاني القرآن» للفراء، والذي ترد فيه عبارة «قال الفراء» أو «حدثنا شيخنا» (¬3). ونظرا لأهميّة هذه العبارة قمت بالبحث في المصادر عمّن يلقب بالأمير من العلماء الذين عاشوا في عصر المؤلّف في القرن الخامس، فلم أجد سوى الأمير العالم ابن ماكولا، وهو سعد الملك أبو نصر عليّ بن هبة الله بن عليّ بن جعفر، صاحب كتاب «الإكمال في رفع الارتياب عن المؤتلف والمختلف في الأسماء والكنى والأنساب» المتوفّى سنة نيّف وسبعين، أو نيّف وثمانين وأربع مئة للهجرة، فيكون كما ذكرت، من عصر عبد القاهر الجرجانيّ، وهو العصر الذي رجحت أن يكون قد كتب فيه الكتاب. ¬
المطلب الثاني أهمية الكتاب
ورغم أنّ مصادر ترجمة ابن ماكولا ذكرت «أنّه كان نحويّا مجوّدا وشاعرا مبرّزا» (¬1) لكنّي لم أقف في مصادر ترجمته على تاليف في التفسير، فلم تذكر أنّه كان له تفسير أو حتى تفسير سورة واحدة. كما أنّه ممّا يظهر من هذا التفسير والأحاديث الواردة فيها أنّ صاحب التفسير هذا لم تكن لديه اهتمامات المحدّثين في ضبط الأحاديث وأسانيدها والحكم عليها، بل نجده يستشهد بأحاديث ضيعفة جدّا بل موضوعة، وكذلك يهتمّ بالإسرائيليات والتاريخ، مما يدفع كون مؤلّف الكتاب هو من أهل الحديث كما هو معروف عن ابن ماكولا، ودقته واحترافه لهذا الفنّ، وبخاصّة أنّه ألّف كتابا في نقد الرجال وتاريخهم وهو كتاب «الإكمال في رفع الارتياب عن المؤتلف والمختلف في الأسماء والكنى والأنساب». وخلاصة القول: إنّ كتاب «درج الدرر في تفسير القرآن العظيم» وحسب ما ترجح لديّ، والله أعلم، أنّ الكتاب ليس لعبد القاهر الجرجاني، بل هو لغيره، ولم أستطع نسبته لغيره، إذ لم توجد علامات دالّة على ذلك، فهو، في رأيي المتواضع، منسوب له، ويبقى كذلك حتى يتبيّن لي أو لأحد غيري مؤلّف الكتاب. المطلب الثاني أهمية الكتاب إنّ تفسير «درج الدرر» وبالرغم من أنّه مختصر، إلا أنّه يعدّ من التفاسير القيّمة، فهو ليس من المختصرات المخلّة، ولا من المطولات المملّة، فهو ذو فائدة للقارئ العاديّ غير المختصّ، كما أنّه ذو فائدة عالية للقارئ المختصّ في آن واحد. وقد حوى الكتاب على كثير من النقولات عن علماء سابقين من أعلام التفسير والحديث واللغة والنحو وغيرها من العلوم، فهو بذلك جمع بين التفسير بالمأثور بهذه النقولات، وبين التفسير بالرأي بما كان يبدي من رأي في كثير من المسائل التي فيها اختلاف، سواء في المعاني أو الإعراب أو غيرها. وهذه النقولات تدلّ بشكل لا ريب فيه على غزارة علم المؤلف، وسعة اطّلاعه، كما أنّها تعطي صورة واضحة عن المرحلة التي عاش فيها المؤلّف، وهي مرحلة مهمّة من مراحل سير التأليف في ذلك الوقت، ومنها كتب تفسير القرآن الكريم، إذ انصرف اهتمام العلماء في تلك المرحلة إلى جمع أقوال العلماء المتقدّمين من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، وتدوين آرائهم، فيناقشون أراءهم وأقوالهم، ويردّون على أصحابها، ويرجّحون بعضها على بعض. ونلاحظ هذا في كتاب «درج الدرر»، فنجده ينقل الأقوال من غير ترجيح، وقد يرجّح بينها، وقد يردّها جميعا، وأحيانا يأت برأي مغاير لهم. ¬
المطلب الثالث مصادر المؤلف في الكتاب
المطلب الثالث مصادر المؤلف في الكتاب لقد كان كتاب «درج الدرر» زاخرا بالنقول عمّن سبقه من آراء لأئمّة التفسير والحديث واللغة والسيرة، وغيرها، وهذه النقول التي ذكرها تفصح عن اطلاع واسع، وكثرة مراجع اعتمد عليها، وقد قسّمت المصادر التي اعتمدها المؤلف إلى نوعين: النوع الأوّل مصادره من الأعلام الذين ذكرهم في كتابه، وليس على سبيل الحصر، والنوع الثاني مصادره من الكتب التفسيريّة واللغويّة وغيرها. أولا-الأعلام الذين أكثر من النقل عنهم: أ-أئمة التفسير والحديث: 1 - الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود الهذلي رضي الله عنه (ت 32 هـ). 2 - الصحابي الجليل أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي رضي الله عنه (ت 57 هـ). 3 - أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما (58 هـ). 4 - التابعي العلامة مجاهد بن جبر المكي (103 هـ). 5 - الحسن البصري (110 هـ). 6 - قتادة بن دعامة السدوسي (117 هـ). 7 - إسماعيل بن عبد الرحمن السدي (127 هـ). 8 - عبد الرحمن بن زيد بن أسلم العدوي (182 هـ). ب-أئمة اللغة والنحو: 1 - أبو زكريا يحيى بن زياد الفرّاء (207 هـ). 2 - أبو عبيدة معمر بن المثنى (213 هـ). 3 - عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري (276 هـ). 4 - إبراهيم بن السرّي الزجاج (311 هـ). 5 - إبراهيم بن عرفة الشهير بنفطويه (323 هـ). وثمة أعلام آخرون لم يكثر النقل عنهم، منهم: 1 - أبو عمرو بن العلاء الحضرمي (154 هـ). 2 - النضر بن شميل (203 هـ). 3 - محمد بن المستنير الشهير بقطرب (206 هـ).
ثانيا-مصادره من الكتب
4 - أحمد بن يحيى الكوفي الشهير بثعلب (291 هـ). 5 - محمد بن جرير الطبري (310 هـ). 6 - أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الطحاوي (321 هـ). ثانيا-مصادره من الكتب: ثمة كتب كثيرة أخذ عنها المؤلّف رحمه الله تعالى، لكنّه لم يصرح إلا بما ندر من هذه الكتب، ولكن بعد التحقيق، والرجوع إلى هذه الكتب تبيّن أنّه يعتمد على كثير من الكتب منها: أ-كتب التفسير: 1 - تفسير ابن عباس (68 هـ). 2 - تفسير مجاهد: للإمام مجاهد بن جبر المكي (102 هـ). 3 - تفسير الطبري: للإمام محمد بن جرير الطبري (310 هـ). 4 - تفسير القرآن العظيم مسندا عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والصحابة والتابعين: للإمام عبد الرحمن بن محمد بن إدريس الرازي ابن أبي حاتم (327 هـ). ب-كتب تفسير غريب القرآن: 1 - تفسير غريب القرآن: ابن قتيبة الدينوري (276 هـ). 2 - الغريبين في القرآن والحديث: للعلامة أبي عبد الرحمن أحمد بن محمد الهروي صاحب الأزهري (401 هـ). وهو من الكتب التي اعتمد عليها كثيرا جدّا في تفسيره الكلمات والآيات، وكذلك النقولات عن بعض الأئمة في اللغة والتفسير. ج-كتب الحديث: 1 - صحيح البخاري: للإمام أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري (256 هـ). 2 - صحيح مسلم: للإمام أبي الحسين مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري (ت 261 هـ). 3 - سنن أبي داود: للإمام أبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني الأزدي (275 هـ). 4 - سنن ابن ماجه: للحافظ أبي عبد الله محمد بن يزيد القزويني ابن ماجه (275 هـ). 5 - سنن الترمذي: لأبي عيسى محمد بن عيسى بن سورة الترمذي (279 هـ). 6 - سنن النسائي: للإمام أبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب النّسائي (303 هـ). د-كتب السيرة: 1 - السيرة النبوية: للإمام أبي محمد عبد الملك بن هشام المعافري (213 هـ). 2 - دلائل النبوة: لأبي نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني (430 هـ). هـ-المعجمات: 1 - مقاييس اللغة: لأبي الحسين أحمد بن بن فارس بن زكريا (170 هـ). 2 - تهذيب اللغة: لأبي منصور محمد بن أحمد الأزهري (370 هـ).
المآخذ على الكتاب
المآخذ على الكتاب 1 - عدم وجود مقدمة في الكتاب، ممّا جعل هناك صعوبة في فهم منهجه. 2 - اختصاره في بعض المواضع إلى حدّ الإخلال، وتوسّعه في مواضع أخرى إلى حدّ الإطالة المملّة. 3 - أورد كثيرا من الأحاديث الضعيفة والموضوعة، ولم ينبّه عليها، خاصّة ما يتعلّق بأسباب النزول. 4 - ذكره للإسرائيليات بشكل كبير، ممّا أخرج الكتاب، في بعض الأحيان، من كونه تفسيرا إلى كتاب تاريخي، أو كتاب قصص. 5 - إقلاله من ذكر المصنّفات التي أخذ عنها، والاكتفاء بذكر اسم من ينقل عنه من المفسرين والنحويّين واللغويّين وغيرهم، وأحيانا لا يذكر حتى اسم من يأخذ عنه. 6 - عدم اهتمامه بالقراءات القرآنية.
الفصل الأول منهج المؤلف في «درج الدرر»
الفصل الأوّل منهج المؤلف في «درج الدرر» ويتضمن أربعة مباحث: المبحث الأول: التفسير بالمأثور. المبحث الثاني: عنايته بعلوم اللغة. المبحث الثالث: عنايته بعلوم القرآن. المبحث الرابع: متفرقات.
المبحث الأول التفسير بالمأثور
المبحث الأول التفسير بالمأثور المطلب الأول تفسير القرآن بالقرآن عند ما يقبل العالم على تفسير كتاب الله تعالى، فإنّ عليه في المقام الأوّل أن ينظر في آيات القرآن الكريم نفسها، لأنّ آيات القرآن الكريم يفسّر بعضها بعضا، ويوضّح بعضها الآخر، فإنّ القرآن الكريم قد اشتمل على الإيجاز والإطناب، والإجمال والتبيين، والإطلاق والتقييد، والعامّ والخاصّ، وما أوجز في مكان فقد بسط في مكان آخر. وكذلك نجد في قصص القرآن تأتي القصة في مكان مختصرة، ثمّ تفصّل في موضع آخر، وقد يذكر في مكان جزء منها لا يذكر في المكان الآخر، فعندما تجمع الآيات تعطي صورة واضحة لهذه القصّة أو تلك. يقول ابن تيمية رحمه الله تعالى: «إنّ أصحّ الطرق في ذلك: أن يفسّر القرآن بالقرآن، فما أجمل في مكان، فإنّه قد فسّر في مكان آخر، وما اختصر في مكان فقد بسط في موضع آخر» (¬1)، فهو كتاب الله تعالى المعجز، {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اِخْتِلافاً كَثِيراً} (82) [النساء:82]. فإذن ينبغي على المفسّر عند ما يفسّر آية من القرآن أن يستذكر الآيات الأخرى في موضوعها ويستحضرها، فقد يحتاج إلى بعضها، لتوضيح معنى الآية التي هو بصددها. وهذا يتطلّب منه أن يكون متمكّنا من القرآن الكريم، وتعبيره عن الموضوع الواحد في عدّة سور، إذ إن من طبيعة القرآن في عرض موضوعاته أنّه لا يعرض الموضوع الواحد في موضع واحد، وسورة واحدة، وإنّما يوزّعه على سور ومواضع متعددة، لحكم تربوية وتشريعية،. . . . ونجد المؤلّف رحمه الله تعالى قد اهتمّ بهذا النوع من التفسير كثيرا، واعتمد عليه اعتمادا كبيرا، فقد أكثر من ظاهرة الاستشهاد بالآيات الكريمة لبيان معاني القرآن الكريم، وقد نوّع أساليبه على أشكال متعددة منها: 1 - يفسّر آية بآية أخرى: ففي تفسيره لقول الله تعالى: {فِي جَوِّ السَّماءِ} [النحل:79]، يفسّرها بالهواء، ويقول: «مجملة تفسيرها: {صافّاتٍ وَيَقْبِضْنَ} [الملك:19]» (¬2). وعند ¬
تفسيره قول الله تعالى: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} [الفاتحة:7] يقول: «هم اليهود؛ لقول الله تعالى: {فَباؤُ بِغَضَبٍ عَلى غَضَبٍ} [البقرة:90]. {وَلا الضّالِّينَ} [الفاتحة:7]: النصارى؛ لقول الله تعالى: {وَلا تَتَّبِعُوا أَهْواءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً وَضَلُّوا عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ} [المائدة:77]». (¬1) 2 - استشهاده على معنى كلمة بآية: مثال ذلك عند تفسيره كلمة {الْمُسَوَّمَةِ} [آل عمران:14]، فبعد أن فسّرها بالراعية، يستشهد على هذا المعنى بقول الله تعالى: {شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ} [النحل:10]. وعند بيانه لمعنى (التظاهر) في قول الله تعالى: {تَظاهَرُونَ عَلَيْهِمْ} [البقرة:85]، يقول: «تعاونون عليهم، قال الله تعالى: {سِحْرانِ تَظاهَرا} [القصص:48]». (¬2) 3 - يستشهد بآية في معرض حديثه عن القضايا النحويّة: ففي قوله: {إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا وَاللهُ وَلِيُّهُما} [آل عمران:122]، يقول: «و {إِذْ:} بدل عن {إِذْ} الأوّل، لاتّحاد وقتهما، كقوله: {إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثانِيَ اِثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ} [التوبة:40]». (¬3) وفي قوله تعالى: {أَوْ كَصَيِّبٍ} [البقرة:19] يقول: «أو هاهنا للعطف، كقوله: {وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً} [الإنسان:24]». (¬4) 4 - في تفسيره لقوله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ} [آل عمران:110]، يستشهد بقول الله تعالى: {مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا} على أنّ (كان) في (كنتم) هي زائدة، كما في الآية الأخرى. (¬5) 5 - يشابه بين حالين في آيتين من حيث المعنى: فعند قوله تعالى: {وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ} [النساء:78]، يقول: «إخبار عن بعض المنافقين، تشاءموا بالنبيّ صلّى الله عليه وسلّم وقالوا: نقص بقدومه غلاّتنا، وغلت أسعارنا، وهو قريب من قصّة آل فرعون، {فَإِذا جاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قالُوا لَنا هذِهِ} الآية [الأعراف:131]». (¬6) فشابه بين حال المنافقين في عهد النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وحال بني إسرائيل في معاملة نبيّهما عليهما السّلام. 6 - يستشهد بالآية على معنى بلاغيّ: ففي قوله تعالى: {الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ} [هود:87] يبين أن معنى هذا هو السفيه الجاهل، فيستشهد بقوله تعالى: {ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ} [الدخان:49]، (¬7) فخرج بهذا من المعنى الظاهر إلى المعنى المجازيّ في الآيتين. ¬
المطلب الثاني تفسير القرآن بالسنة
7 - يستشهد بأكثر من آية مؤيّدا قولا ذهب إليه: ففي قوله تعالى: {وَأَوْحَيْنا} [يوسف:15]، فيقول عن الواو: إنّها مقحمة، فيؤكّد ذلك بأنّها كما في قوله تعالى: {وَفُتِحَتْ أَبْوابُها} [الزمر:73]، وقوله تعالى: {فَلَمّا أَسْلَما وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ} (103) [الصافات:103]. (¬1) 8 - يستشهد بالآية ليرجّح رأيا على آخر: يقول عن (ما) في {(إِنَّما)} في قول الله تعالى: {وَإِنَّما تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ} [آل عمران:185]، إنّ (ما) هنا كافّة، إذ لو كانت بمعنى (الذي) لكان {أُجُورَكُمْ} بالرفع، ولكان قوله: {يَوْمَ الْقِيامَةِ} من الصلة، والصلة لا تنفك عن الموصول، كقوله تعالى: {إِنَّما تُنْذِرُ} [يس:11]، {إِنَّما يَخْشَى اللهَ} [فاطر:28]، {إِنَّما يَبْلُوكُمُ اللهُ بِهِ} [النّحل:92]. (¬2) المطلب الثاني تفسير القرآن بالسنة تأتي هذه المرحلة بعد المرحلة الأولى التي هي تفسير القرآن بالقرآن، والسنّة هي المصدر الثاني من مصادر التشريع، وهي موضّحة للقرآن الكريم. يقول ابن تيمية رحمه الله تعالى: «فإن أعياك ذلك فعليك بالسنّة، فإنّها شارحة وموضّحة له، بل قد قال الإمام محمد بن إدريس الشافعيّ: (كلّ ما حكم به رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فهو ممّا فهمه من القرآن). قال الله تعالى: {إِنّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النّاسِ بِما أَراكَ اللهُ وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً} (105) [النساء:105]، وقال تعالى: {وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل:44]، وقال تعالى: {وَما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ إِلاّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اِخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} (64) [النحل:64]، ولهذا قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ألا إنّي أوتيت القرآن ومثله معه». (¬3) والغرض: أنّك تطلب تفسير القرآن منه، فإن لم تجده فمن السنّة». (¬4) وعلى المفسّر أن يكون حذرا في اعتماده على أحاديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وذلك أن يأخذ بالصحيح الثابت منها، ويترك الضعيفة والموضوعة، فينزّه تفسيره عنها. ومؤلف درج الدرر رحمه الله تعالى اعتمد اعتمادا كبيرا على السنّة النبويّة المطهّرة ليفسّر بها القرآن الكريم، وبأوجه مختلفة ومتنوّعة، موليا اهتمامه لهذا النوع من التفسير، لكنّه لم ينقّح الأحاديث التي أوردها في هذا التفسير، فنجده يروي الأحاديث الصحيحة الثابتة، والأحاديث ¬
الضعيفة، بل والموضوعة كذلك. والملحوظة العامّة المهمّة أنّه لا يذكر إسناد الحديث، فيكتفي بذكر المتن، ولا يذكر درجة الحديث أو مصدره من كتب الحديث، وقد يعتمد في تفسيره لآية على حديث ضعيف أو موضوع، فيبني عليه آراء معيّنة، مستندا في ذلك على ما أورده من قول الإمام أحمد بن حنبل رحمة الله عليه، مبرّرا استشهاده بهذه الأحاديث الضعيفة، فعن أحمد بن حنبل قال: إذا روينا عن رسول الله في الحلال والحرام والسنن والأحكام تشدّدنا في الأسانيد، وإذا روينا في فضائل الأعمال، وما لا يضع حكما ولا يرفعه تساهلنا في الأسانيد. (¬1) وأظنّ أنّ الإمام أحمد لم يرد بهذه المقولة الأحاديث الضعيفة المتهالكة التي لا تجبّر، أو الأحاديث الموضوعة المختلقة على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ولكنّه أراد الأحاديث التي يمكن أن تجبر بغيرها سواء بالمتابعة أو الشواهد، فهذا القول ليس مبرّرا أن يورد هذه الكثرة من الأحاديث الضعيفة والضعيفة جدّا والموضوعة، وهذه آفة كثير من المفسرين. ونجد أنّ أسلوبه في ذكر الأحاديث النبويّة المطهّرة في التفسير جاء على النحو الآتي: 1 - يذكر الحديث بشكل مباشر لمعنى الآية، إذ يذكر الآية في ضمن الحديث، والمثال عليه: في سورة هود عليه السّلام يقول: «عن أبي موسى، عنه عليه السّلام: أنّ الله تعالى يملي للظّالم، أو قال: يمهل، حتى إذا أخذه لم يفلت، ثم قرأ: {وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ. . .} الآية [هود:102]». (¬2) 2 - يستشهد بحديث على معنى استنبطه من معنى آية: مثال ذلك عند تفسير قوله تعالى: {وَأَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ} [آل عمران:132]، يقول: «إنما ذكر الرسول ليعلم أن أوامره شريعة واجبة، وإن لم ينطق بها الكتاب لتقرير الله ذلك بتبقية إعجازه، وقد تواترت الأخبار أنه صلّى الله عليه وسلّم قال: «أوتيت القرآن ومثله مرتين» (¬3)». 3 - يستشهد بحديث على معنى بلاغي، وهو الحذف، في الآية: ففي تفسير قوله تعالى: {عَرْضُهَا السَّماواتُ} [آل عمران:133]، يقول: «أي: كعرض السماوات، وإنما حذف لعدم الإيهام، كقوله صلّى الله عليه وسلّم: (الضبع نعجة سمينة) (¬4)». 4 - يستشهد بالحديث على معنى عام يمكن أن يؤخذ من الآية، فبعد أن يعطي معنى (المرابطة) في قوله تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اِصْبِرُوا وَصابِرُوا وَرابِطُوا وَاِتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [آل عمران:200] إذ يقول: «والظاهر من الرباط ارتباط الخيل، ولكنه يستعمل في كل ما يلزم ويثبت» فيستشهد بالحديث بقوله: «وفي الحديث: ألا أدلكم ما يمحو الله به الخطايا، ويرفع به ¬
الدرجات؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: إسباغ الوضوء في السّبرات، ونقل الأقدام إلى الجماعات، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرّباط فذلكم الرّباط فذلكم الرّباط» (¬1)». (¬2) 5 - ويستشهد بحديث على حكم فقهي: فعندما يتحدث عن ميراث البنات حالة الانفراد فإنهن يرثن بالفرض: للابنتين الثلثان، فيقول مستشهدا بما روي من أن سعد بن الربيع استشهد وترك ابنتين وامرأة وعمّا، فورث النبي عليه السّلام الابنتين الثّلثين والمرأة الثّمن وأعطى الباقي العمّ. (¬3) 6 - يذكر الحديث أو معناه ولا يشير إليه: من ذلك حين فسر قول الله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ} (39) [الشورى:39]، قال: «المستبّان ما قالا من شيء فعلى البادئ، حتى يعتدي المظلوم» (¬4) وهذا نص حديث للنبي صلّى الله عليه وسلّم، ولكنه لم يذكر أنه حديث ولم يشر إليه بشيء. ويقول في تفسير قول الله تعالى: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا:} نفى كل استطاعة كل العدل بينهن لأنّ الإنسان وإن سوّى بينهنّ في القسم لم يقدر أن يسوّي بينهنّ في الحبّ والمفاكهة والمطايبة، (¬5) مشيرا إلى الحديث: عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقسم فيعدل، ويقول: «اللهم هذا قسمي فيما أملك، فلا تلمني فيما تملك ولا أملك». يعني القلب. (¬6) ، وكذلك أشار إلى قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «من نوقش الحساب فقد عذب» (¬7)، في معرض بيان معنى قوله تعالى: {وَاِتَّقُوا اللهَ} [المائدة:4] ولم يبين أنه حديث. 7 - يعلل أمرا في الآية بحديث ليزيد من توضيح الآية: فعندما يتحدث عن قول الله تعالى: {فَأَصْبَحَ مِنَ النّادِمِينَ} [المائدة:31]، يعلل هذا الندم من القاتل بحديث عن النبي صلّى الله عليه وسلّم بقوله: «وإنما لم تنفعه الندامة لقوله صلّى الله عليه وسلّم: (ثلاث لا تقبل توبتهم: إبليس رأس الكفرة، وقابيل رأس القتلة، ومن قتل نبيّا أو قتله نبي) (¬8)». (¬9) 8 - يستشهد بأحاديث مرسلة: فمثلا عن ابن المسيب قال: لما نزلت {وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنّاسِ} الآية [الرعد:6]، قال عليه السّلام: «لولا عفو الله وتجاوزه ما هنأ أحدا عيش، ولولا وعيده وعقابه لاتّكلّ كل أحد». (¬10) وكذلك في قوله تعالى: {يَضِيقُ صَدْرُكَ} ¬
[الحجر:97] يروي حديثا «عن الحسن البصري رحمه الله يقول: كان عند النبي صلّى الله عليه وسلّم رجل، فجعل يعرض عليه الإسلام، قال: فقال: والله إنّي لكاره لما تدعوني إليه، قال: «وأنا، والله، لقد كنت كارها له، ولكني أكرهت عليه، إنّ الله بعثني بالرسالة، فضقت ذرعا، ووعدني فيها: لأبلغنّ أو ليعذبنّي». فقال الحسن: فبلّغ، والله، رسول الله حتى عذره الله، فقال: {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَما أَنْتَ بِمَلُومٍ} (54) [الذاريات:54]». (¬1) 9 - يستشهد بأكثر من حديث على معنى الآية: ففي تفسيره قول الله تعالى: {فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً} [الكهف:110]، وبعد ذكر سبب نزول الآية، فإنه يذكر حديثين ليؤكد أن المعنى الآية هو ما جاء في سبب النزول، والحديثان هما: عن سهل بن سعد الساعدي قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «المؤمن نيّته خير من عمله، وعمل المنافق خير من نيّته، وكل يعمل على نيته، وليس من مؤمن يعمل عملا إلا سار في قلبه سورتان، فإن كانت الأولى لله، فلا تهدم الآخرة»، والحديث الآخر: عن أبي سعد بن أبي فضالة الأنصاري قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إذا جمع الناس يوم القيامة ليوم لا ريب فيه نادى مناد: من كان أشرك في عمل عمله لله أحدا، فليطلب ثوابه عند غير الله، فإن الله أغنى الشركاء عن الشريك». (¬2) 10 - ونجده يذكر أحاديث تدل على معنى واحد ولكن في أماكن مختلفة: فمثلا قسم أحاديث فضل السجود وسجود التلاوة على مواطن كثيرة، فعندما يصل إلى قوله تعالى: {وَلِلّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ} (15) [الرعد:15]، يذكر حديثا عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول إذا سجد: «سجد وجهي للذي خلقه، وشق سمعه وبصره» (¬3)، وكذلك يورد حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عنه عليه السلام قال: «إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد، اعتزل الشيطان يبكي ويقول: أمر ابن آدم بالسجود فسجد، فله الجنة، وأمرت بالسجود فعصيت فلي النار» (¬4)، وذلك عند قول الله تعالى: {وَمِمَّنْ هَدَيْنا وَاِجْتَبَيْنا إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُ الرَّحْمنِ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيًّا} [مريم:58]. 11 - أكثر من الاستشهاد بأحاديث ضعيفة، مثال ذلك: ما روي عن النبيّ عليه السّلام: «إن لربكم نفحات في أيام دهركم، فتعرضوا لها، فعسى أن تدرككم، فلا تشقوا أبدا» (¬5)، وذلك في تفسير قول الله تعالى: {إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ} [يوسف:94]. ¬
المطلب الثالث التفسير بأقوال الصحابة والتابعين
12 - يستشهد بأحاديث موضوعة: كما في سورة النور وعند تفسير معنى النور في قول الله تعالى: {اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ} [النور:35]، يورد الحديث القدسي الموضوع: «الشيب نوري»، (¬1) وكذلك يورد قصة الغرانيق عند تفسيره قول الله تعالى: {وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً} [الإسراء:88]. (¬2) المطلب الثالث التفسير بأقوال الصحابة والتابعين أولا-أقوال الصحابة بعد أن يفسر المفسّر الآية بالآيات الأخرى من القرآن الكريم، ثم بما صح من أحاديث عن النبي عليه السّلام، ينتقل إلى المرحلة الثالثة، وهي البحث عن أقوال الصحابة رضوان الله عليهم، فإن وجد أقوالا صحيحة عنهم اعتمدها وقال بها في تفسير الآية، فإن الصحابة أدرى الناس بالقرآن؛ لما شاهدوه من القرائن والأحوال التي اختصوا بها عن غيرهم، ولما لهم من الفهم والعلم الصحيح، ولا سيما علماؤهم وكبراؤهم رضي الله عنهم. ويكون اعتماد المفسّر على الصحيح منها، لأن كثيرا من الأقوال لا تصح نسبتها إليهم، وقد يتعارض بعضها مع ظاهر كتاب الله تعالى أو سنة رسوله صلّى الله عليه وسلّم، فهي كالحديث النبوي الشريف منها الصحيح والضعيف والموضوع. وقد اهتم المؤلف بهذا النوع اهتماما بالغا، إذ نقل من أقوال الصحابة في تفسير كتاب الله تعالى الكثير، وقد اتبع في ذلك أساليب مختلفة، منها: 1 - يفسر آية بقول صحابي: مثال ذلك: «قيل: جاء يهوديّ إلى عمر بن الخطّاب فقال: أرأيت قوله: {وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ،} الآية [آل عمران:133]، فقال عمر لأصحاب محمّد صلّى الله عليه وسلّم: أجيبوه، ولم يكن عندهم فيها شيء، فقال: أرأيت النهار إذا جاء يملأ السموات والأرض، قال: بلى، قال: فأين الليل؟ قال: حيث شاء الله، فقال عمر: والنّار حيث شاء الله، فقال اليهوديّ: والذي نفسك بيده، يا أمير المؤمنين، إنّها لفي كتاب الله المنزل كما قلت» (¬3). 2 - يورد أكثر من قول للصحابة في معنى الآية: في تفسيره قول الله تعالى: {أَوْ خَلْقاً مِمّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ} [الإسراء:51]، يذكر عن ابن عباس: أنه الموت يوم بدر. وعن عبد الله بن عمرو: المراد به البعث. (¬4) 3 - يستشهد بقول الصحابي على معنى كلمة نحو: «قيل لعليّ: هلا احترزت من ظهرك؟ قال: ¬
فإذا أمكنت من ظهرك، فلا وألت» (¬1)، وذلك في تفسير قول الله تعالى: {مَوْئِلاً} [الكهف:58]. يفسر كلمة بقول صحابي: ومنها ما جاء في تفسيره قول الله تعالى: {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً} [النحل:72] «عن ابن عباس قال: البنون: الصغار، والحفدة: ما قد أعان والده على عمله. (¬2) وقال ابن مسعود: البنون: الأولاد، والحفدة: (183 و) الأختان» (¬3). 4 - يستشهد كثيرا جدّا بأقوال ابن عباس رضي الله عنهما، ولكنه كثيرا ما يذكر قوله عن طريق: الكلي عن أبي صالح عن ابن عباس، والأمثلة عليه كثيرة، منها: عند تفسيره قول الله تعالى: {وَأَضَلَّهُمُ السّامِرِيُّ} [طه:85]، يقول: «وروى الكلبي عن أبي صالح، عن ابن عباس: أن السامري كان من جملة صبيان غيّبهم الآباء والأمهات مخافة أن يذبحهم فرعون، فربّتهم الملائكة، وكان جبريل هو الذي تولى تربية السامري، فكان يمص إبهام يمينه سمنا، والأخرى عسلا ولبنا، فمن ثم عرفه حين رآه، فقبض قبضة من أثره». (¬4) ومن المعروف أن رواية الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس من أضعف الروايات وأوهاها، فلا يستشهد بها. 5 - ويستشهد بقول صحابي على معنى تدل عليه الآية: يروي عن عمر بن الخطاب قوله: لخطيئة أصبتها بمكة أعز عليّ من سبعين خطيئة أصبتها بركبة. (¬5) وذلك في معرض تفسيره قول الله تعالى: {ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُماتِ اللهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ} [الحج:30]. 6 - يستشهد بقول صحابي على أهمية سورة: عند تفسيره قول الله تعالى: {سُورَةٌ أَنْزَلْناها} [النور:1]، يروي عن عمر بن الخطاب أنه كتب: علموا نساءكم سورة النور. (¬6) 7 - يذكر قولين متعارضين لصحابي ويوفق بينهما: ففي تفسيره قول الله تعالى: {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّماءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمّا تَعُدُّونَ} (5) [السجدة:5] يورد قولين لابن عباس في تفسير مقدار اليوم فالقول الأول هو: في يوم من أيام الدنيا، ولو سار أحد من بني آدم لم يسره في ألف سنة. (¬7) والقول الثاني هو ما جاء في تفسيره قول الله تعالى {وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمّا تَعُدُّونَ} [الحج:47]: «وعن ابن أبي مليكة قال: مررت أنا وعبد الله بن فيروز مولى عثمان على ابن عباس فسلّمنا عليه، فقال لصاحبي: من أنت؟ فانتسب له فعرفه فقال: يا أبا العباس، {تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} (4) [المعارج:4]، أيّ يوم هذا؟ فقال: ¬
ثانيا-أقوال التابعين
إنّما سألتك لتخبرني، قال: فهي أيّام سمّاها الله تعالى في كتابه، وهو أعلم بها، أكره أن أقول في كتاب الله ما لا أعلم، قال ابن أبي مليكة: فضرب الدهر ضربة، فجلست إلى سعيد بن المسيّب، سئل عن المسألة، فلم يدر ما يقول، فقلت له: ألا أخبرك بما شهدته من ابن عباس؟ ثمّ ذكرته له، فسرّى ذلك عنه، وقال: هذا ابن عباس قد اتّقى أن يقول فيها وهو أعلم منّي». فيقول في سورة السجدة: «وهذه الرواية مخالفة لما سبق عن ابن عباس في هذا الباب، فإن صحت فيحمل: أنه فسّر هذه الآية لتوقيف، أو لدلالة قامت له. ويحتمل: أن ما سبق قوله الأول، وهذا قوله الثاني استفاده من عليّ أو أبيّ أو غيرهما، أو فتح عليه بالإلهام، وأدركته دعوة النبي عليه السّلام: «اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل» (¬1)». يمكن القول بأن المؤلف رحمه الله تعالى قد أكثر بالأخذ بأقوال الصحابة، ولكن لم يمحص هذه الأقوال تمحيصا تامّا، فذكر الصحيح منها والضعيف والموضوع، كما أنه أورد الإسرائيليات على ألسنة الصحابة، التي تجعل القارئ يحذر كثيرا من مثل هذه الأقوال. ثانيا-أقوال التابعين: يعدّ تفسير التابعين من قبيل التفسير بالمأثور، ويشمل التفسير بالمأثور ما جاء في القرآن نفسه من البيان والتفصيل لبعض آياته، وما نقل عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، وما نقل عن الصحابة رضوان الله عليهم، وما نقل عن التابعين من كل ما هو بيان وتوضيح لمراد الله تعالى من نصوص كتابه الكريم. والواقع أنّ كثيرا من أقوال التابعين في كثير من القضايا التي لا يمكن أن تكون من أقوالهم، وليس للاجتهاد مجال فيها، من مثل أسباب النزول والنسخ وغيرها، فهذه الأقوال لا بد أن تكون قد أخذت من الصحابة رضوان الله عليهم، هذا إن كان التابعي الذي نقل هذا القول ثقة، فلا يمكن أخذه على أنه كذب، وإن لم يكن مورده فيها. والصحيح أنه يكون من المرسل الذي يقع فيه سقط للصحابي، ويكون حكمه كحكم المرسل في المعاملة والأخذ به. (¬2) أما ما كان في مجال الاجتهاد والرأي، فالرأي الراجح في ذلك أنه رأي قابل للصواب والخطأ، وإنما يستأنس به في التفسير، لأنهم قد شاهدوا وعايشوا الصحابة الذين بدورهم شاهدوا النبي صلّى الله عليه وسلّم، وعاصروا التنزيل. وقد نهج مؤلف درج الدرر رحمه الله تعالى نهجا واسعا في الأخذ بأقوال التابعين، وذكر أقوالهم، وأكثر النقل عنهم، سواء ذكر أن هذه الأقوال لهم أو لم يذكر، وقد اتبع الأساليب الآتية: 1 - أقوال يذكر أصحابها: وهي كثيرة وأكثر نهجه على ذلك، وأمثلته كثيرة منها: في تفسير قول الله تعالى: {قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ} [يوسف:10]، يقول: «قتادة ¬
وابن إسحاق: روبيل. مجاهد: شمعون» (¬1). وكذلك في تفسير قول الله تعالى: {وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ} (24) [الحجر:24]، يقول: {الْمُسْتَقْدِمِينَ:} القرون الماضية، و {الْمُسْتَأْخِرِينَ} القرون الباقية، عن مجاهد. وهم المسارعون في الخيرات، والمتثاقلون عنها، عن الحسن، وهم من يسلم، ومن لا يسلم، عن سفيان بن عيينة» (¬2). 2 - أقوال لا يذكر أصحابها: بل يذكر على صيغة (قيل)، وهذا أمثلته كثيرة جدا أيضا، ومن هذه الأمثلة: ففي تفسير قول الله تعالى: {هذا رَبِّي} [الأنعام:76] يقول: «. . . وقيل: هذا ربي بزعمهم، قال الله تعالى: {أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ} [القصص:62]. (¬3) وقيل: استدراج القوم ليطمئنوا إليها بإظهار الموافقة فيرجعوا برجوعه، ومثله يتصور في الشرع كالتقية، وعن بعض الحواريين نحو هذا. وقيل: إنه قول بظن، والذي من مقدمات اليقين. . .»، وقيل: العجل: الطين، قاله الكلبي وغيره. وفي تفسير قوله: {مَسْنُونٍ} [الحجر:26] يورد أقوالا عديدة في تفسير هذه الكلمة، فيقول: «وقيل: مصبوب. وقيل: خلق الله تعالى قالبا من سلالة الأرض على صورة آدم. . .» (¬4). 3 - يذكر أقوالا ولا يرجح بينها: ومنه في تفسير (الرياح اللواقح) في قول الله تعالى: {وَأَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ} [الحجر:22]، يقول: «التي تحمل الندى، والثرى؛ ليتكون غيوما في أثنائها بإذن الله. وقيل: الملقحات للغيوم، والأشجار. وقيل: هي التي ينتفع بها؛ لما ضمّنها الله تعالى من النفع، بخلاف العقيم، وهي الدّبور. وقيل: اللواقح ريح واحدة، وهي الجنوب وحدها، وإنما جمع على الجنس. وقيل: كل ريح أتى بالمطر النافع، فهي من جملة اللواقح» (¬5). فبعد ذكر هذه الأقوال لم يرجح قولا منها، وهذا كثير، كما في الأمثلة على ما سبق. 4 - يذكر أقوالا ثم يردها أو يرد بعضها: يرد قولا من هذه الأقوال: ومثاله ما جاء في تفسير قول الله تعالى: {رَبَّنا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ} [آل عمران:192]، يقول: «(الإخزاء): الإلجاء. . . وههنا أربعة أقوال أحدها: أنّه لا يدخل المؤمنين النّار وإن ارتكبوا الجرائم، بل يغفر لهم ويشفع فيهم؛ لأنّه تعالى لا يخزي {النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ} [التّحريم:8]، [أي:] والمؤمنين، وهذا قول فيه مقال. . .» (¬6). ¬
المبحث الثاني عنايته بعلوم اللغة
المبحث الثاني عنايته بعلوم اللغة المطلب الأول عنايته باللغة يعدّ الاهتمام بمعاني المفردات، وتحقيق الألفاظ القرآنية من أول ما ينبغي أن يشتغل به المقبل على كتاب الله تعالى، فقد نص الراغب الأصبهاني في مستهل كتابه «معجم مفردات ألفاظ القرآن الكريم (¬1)» على «أن أول ما يحتاج أن يشتغل به من علوم القرآن العلوم اللفظية، ومن العلوم اللفظية تحقيق الألفاظ المفردة، فتحصيل معاني مفردات ألفاظ القرآن في كونه من أوائل المعاونين لمن يريد أن يدرك معانيه، كتحصيل اللبن في كونه من أول المعاون في بناء ما يريد أن يبنيه، وليس ذلك نافعا في علم القرآن فقط، بل هو نافع في كل علم من علوم الشرع، فألفاظ القرآن هي لب كلام العرب وزبدته، وواسطته وكرائمه، وعليها اعتماد الفقهاء والحكماء في أحكامهم وحكمهم» ويشكل البيان اللغوي لألفاظ القرآن الرافد الأول المؤدي إلى فهم معاني القرآن الكريم واستيعابه، ولذلك قال الإمام مالك فيما روي عنه: «لا أوتى برجل يفسر كتاب الله غير عالم بالعربية إلا جعلته نكالا». (¬2) ولقد اهتم المؤلف رحمه الله تعالى بمفردات القرآن الكريم أيّما اهتمام، وهذا واضح بيّن من خلال تفسيره لمعاني الكلمات القرآنية الشريفة التي تحتاج إلى بيان وتوضيح، وذلك ليكون القارئ لكتاب الله تعالى على علم بأصول كلام العرب الذي به نزل القرآن، وليكون أقدر على فهم النصوص التي تتألف من مثل هذه المفردات. وقد كان أسلوبه في توضيح ذلك على الشكل الآتي: 1 - بيان معنى المفردة القرآنية بالاعتماد على آية أو حديث نبوي شريف. 2 - بيان معنى الآية القرآنية بالاعتماد على الشعر. 3 - يوضح معنى الكلمة بالاشتقاق. وقد عقدت مبحثا خاصّا لكل من الأنواع السابقة، فلا حاجة للتكرار. 4 - ينقل أقوال المفسرين واللغويين الذين سبقوه، كالفراء وأبي عبيد وأبي عبيدة وغيرهم ممن سبقوا المؤلف في التأليف في معاني ألفاظ القرآن الكريم، مما جعل المفسر يعتمد عليهم ¬
المطلب الثاني عنايته بالنحو
كثيرا، وينتفع منهم، وينقل الكثير من أقوالهم، سواء ذكر أنّ هذه الأقوال لهم، أم لم يذكر ذلك، بل حتى إنه لا يشير إليهم بمجرد إشارة، وكانت طريقته على النحو الآتي: أ-ينقل الأقوال مبينا أصحاب الأقوال: فمثلا عند تفسيره قول الله تعالى: {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً} [الرعد:17]، ينقل أقوال العلماء، فيقول: «قال أبو عمرو بن العلاء: أجفأت القدر، إذا غلت فعلاها الزبد، فإذا سكنت لم يبق منه شيء. وقال أبو عبيد الهروي: جفا الوادي، وأجفأ: إذا ألقى غثاء على جانبيه، وأجفأت القدر: إذا ألقت زبدها» (¬1). ب-ينقل أقوال العلماء، ولا يبين أصحاب الأقوال، وإنما يذكر أن هذه الأقوال ليست له بل هي أقوال لغيره بقوله: «قيل». والأمثلة على ذلك كثيرة، منها ما جاء في تفسيره قول الله تعالى: {يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ} [الأنبياء:104]، ففسره هو بأنه الصك يطوى، ثم جاء بقول غير منسوب لأحد، لكنه بيّنه بأنه منقول عن أحدهم، فقال: «وقيل: السجل: الوراق الكاتب» (¬2). ج-يذكر معاني للكلمات وهي أقوال لعلماء سابقين له وموجودة في كتبهم من غير أن يشير إلى ذلك، وأمثلتها كثيرة، ومنها ما جاء في تفسير قول الله تعالى: {وَاِسْتَعْمَرَكُمْ فِيها} [هود:61]، فيقول: «ويحتمل من قوله: أعمرته الدار، أي: جعلتها له مدة عمره، وهي العمرى» (¬3)، وهذا القول بنصه تقريبا في كتاب الغريبين لأبي عبيد، لكنه لم يشر إلى ذلك. وكذلك عند تفسيره قول الله تعالى: {أَوْزِعْنِي} [النمل:19]، يقول: «ألهمني واجعلني مولعا بشكرك وبالعمل الصالح، وفي الحديث: «كان موزعا بالسواك»، أي مولعا به» (¬4). وهذا القول موجود بنصه في كتاب الغريبين (¬5)، وغريب القرآن لابن قتيبة (¬6). وقد انتقيت هذه الأمثلة لأنه استشهد بأقوال أصحابها كثيرا، وذكر أنها لهم، وأخذ عنهم أقوالا كثيرة من غير أن يذكر أنها لهم. المطلب الثاني عنايته بالنحو الألفاظ قوالب المعاني، والمعاني تتغير تبعا لتغير حركات الإعراب، فالموقع الإعرابي للكلمة يحدد معنى السياق اللغوي، ومن عناية المؤلف رحمه الله تعالى بالعربية، اهتمامه بالإعراب في تفسير كلمات القرآن، وقد جاءت عنايته بالشكل الآتي: ¬
أ-يذكر وجها إعرابيا واحدا: ومنه ما جاء في إعرابه كلمة (قتال) في قول الله تعالى: {قِتالٍ فِيهِ} [البقرة:217]، فيقول: «مكسور على طريق بدل الاشتمال»، ثم يعرّف بدل الاشتمال بأنه: «هو إبدال حال الشيء أو ما يجري مجراه منه». (¬1) ب-يذكر أكثر من وجه إعرابي للكلمة: ومن هذا النوع ما جاء في قول الله تعالى: {وَتِلْكَ عادٌ جَحَدُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ} [هود:59]، فيقول: {وَتِلْكَ} مبتدأ، و {عادٌ} خبرها، والتقدير تلك الأمة عاد. وقيل: {وَتِلْكَ} مبتدأ، و {عادٌ} كالبدل عنه، والخبر {جَحَدُوا،} أي: أنكروا» (¬2). وكذلك في قوله تعالى: {إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ} [هود:11]، يقول: «إن كان المراد بالإنسان: عبد الله بن أمية المخزومي، أو رجلا معيّنا مثله فالاستثناء منقطع، وإن كان المراد به: الجنس، فالاستثناء متصل؛ لأنه مستثنى من مثبت» (¬3). ج-وفي قول الله تعالى: {وَما ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ} [النحل:13]، ذكر محل إعراب ما الموصولة، فيقول: «في محل النصب عطفا على {اللَّيْلَ وَالنَّهارَ} [النحل:12]، وقيل: في محل الخفض عطفا على قوله: {إِنَّ فِي ذلِكَ} [النحل:12]، وقيل: في محل الرفع بالابتداء، وخبره الجملة» (¬4). د-وفي حديثه عن قول الله تعالى: {فَآمِنُوا خَيْراً لَكُمْ} [النساء:170]، يذكر خلافا بين البصريين والكوفيين، فيقول: «نصب على القطع عند الكوفيين، وعلى المحل عند البصريين، فكأنك قلت: ائت خيرا» (¬5). وقد يذكر رأي أحدهما من غير ذكر رأي الآخر، فمثلا عند تفسيره قول الله تعالى: {أَنْ تَضِلُّوا} [النساء:176]، قال: «لئلا تضلوا، حذف للاكتفاء، وعند البصريين: كراهة أن تضلوا» (¬6). وكأنه يقول: إن الرأي الأول هو رأي الكوفيين الذي يتبناه، وخالفهم البصريون الذين قالوا القول الثاني. وكذلك عند تفسيره قول الله تعالى: {بِئْسَمَا اِشْتَرَوْا بِهِ} [البقرة:90] يقول: «(بئس) و (نعم) فعلان ماضيان مثل: لعب وشهد فمنعا الصرف، وكلّ واحد منهما يقتضي اسمين غالبا، ويكون الأوّل عامّا لعموم المدح والذّمّ، والثاني خاصّا لأنّ المقصود مخصوص، ثمّ الاسم الأوّل إمّا اسم جنس فيرتفع بالفعل، وإمّا نكرة فينتصب على التفسير، والاسم الثاني مرفوع ¬
أبدا؛ لأنّه خبر مبتدأ محذوف، والاسم الأوّل ههنا: {بِئْسَمَا اِشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ} والثاني: {أَنْ يَكْفُرُوا،} وهذا قول البصريّين. وعند الكوفيّين هما حرفان يشبهان الفعل، وفيهما معنى الصّفة، والدليل على كونهما حرفين لزومهما صورة واحدة في التذكير والتأنيث والجمع والخطاب والحكاية عن النفس والغائب، ولأنّهما لو كانا فعلين لدخلهما (قد)، والدليل على أنّهما يشبهان الأفعال جواز قولك: بئس وبئست، ونعم ونعمت، والدليل على أنّ فيهما معنى الصفة استقلال قولك: بئس الرجل زيد، ونعم الرجل عمرو، وأيّ مذموم زيد ومحمود عمرو، وعلى هذا (ما اشتروا به أنفسهم) ههنا اسم، و (الكفر) مشترى به، و (الأنفس) مشترى لها فانتصب بنزع الخافض» (¬1). في هذا انتصار للمذهب الكوفي. هـ-استعماله لمصطلحات الكوفيين خلال إعرابه لكثير من الكلمات والأمثلة عليها كثيرة، منها: ما جاء في تفسيره قول الله تعالى: {لَكُمْ آيَةً} [هود:64]، إذ يستعمل مصطلح «نصب على القطع» (¬2). وكذلك استعماله لمصطلح (العماد)، مثاله: عند تفسيره قول الله تعالى: {إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ} [الكهف:39]، إذ يقول: «(أنا): عماد» (¬3). وكذلك استعماله لمصطلحات أخرى مثل: التفسير (¬4)، والنعت (¬5)، والنسق (¬6)، والجحد (¬7)، والكناية (¬8). و-اهتم في بعض الأماكن بتعريف أدوات الاستفهام، ومن الأمثلة عليها: في تفسيره قول الله تعالى: {وَلِلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ إِنَّ اللهَ واسِعٌ عَلِيمٌ} (115) [البقرة:115] يقول: «(أين) استفهام عن المكان، فإذا اتصلت ب (ما) صارت للشرط، وعمت الأماكن عموم (أيّ)، قال الله تعالى: {أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ} [النساء:78]، {أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً} [البقرة:148]». (¬9) وفي تفسيره قول الله تعالى: {قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِياءَ اللهِ} [البقرة:91] يقول: «و (لم) أداة لطلب الحجّة، وهو في الأصل (لماذا)، وتقديره: لأجل أيّ شيء ذلك الفعل وذلك القول، ونظيره في الاختصار: (عمّ) و (ممّ)». (¬10) ¬
تناوب الحروف
تناوب الحروف «وهذا الباب في العربية دقيق المداخل والمخارج، يفضي إلى غير قضية. وهو باب يمسك النحاة منه بطرف وأهل البيان بطرف، لأنه باب يسلط فيه النظر على المبنى والمعنى. وللعلماء فيه مذاهب شتى، ودروب متباينة، وتأويلات مختلفة، ولكنه، على ما فيه من عناء، ممتع شائق لطيف، لأن النظر فيه عمل من إعمال العقل، تنقدح الحقائق للناظر فيه بعد طول تأمل، وإمعان نظر، وبعد نفاذ في بواطن المسائل، وتجاوز الظاهر المكشوف الخفي المستتر.» (¬1) ومعاني الحروف من أعمال اللغوي الباحث عن دلالات الألفاظ المفردة، وإنما احتفى بها النحاة، وأفردوا لها كتبا؛ لأن الحروف روابط التركيب، وعلى التركيب ينصب عمل النحوي. وفي بعض كتب النحو نرى أن النحاة يسوقون معاني الحروف، ومنها حروف الجر أو الإضافة أو الصفات. (¬2) فالعلماء في تناوب الحروف على رأيين: فالبصريون لا يجيزون وقوع بعض الحروف موقع بعضها الآخر، والكوفيون يجيزون ذلك. ويبدو أن تأدية الحرف معنى حرف آخر، عند الكوفيين، تأدية حقيقية لا مجازية، وإلا فما معنى التنويع في معاني الحرف الواحد؟ وما معنى أن يكون للحرف الواحد عدة معان؟ (¬3) وكأن المؤلف رحمه الله قد تبنّى رأي الكوفيين في هذه المسألة، فنجده كثيرا ما يخرج الحرف إلى معنى حرف آخر، والأمثلة على ذلك كثيرة جدا في تفسيره، وأحاول أن أوضح طريقته على الشكل الآتي: 1 - تناوب (أو): تكون بمعنى (الواو)، كما في قوله تعالى: {فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً} [البقرة:74]، فجعلها هو بمعنى (الواو)، ونقل قول غيره بأنها بمعنى (بل)، وسوّغ قوله: إنها بمعنى (الواو) بقوله: «إلا أنه في مثل هذا الموضع لاستدراك الصواب بالأصوب» (¬4). وفي قوله تعالى: {فَاذْكُرُوا اللهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً} [البقرة:200]، جعل (أو) بمعنى (بل)، ونقل قولا بأنها بمعنى (أو) (¬5)، أي: عكس سابقتها. 2 - تناوب (ثم): فقد جعلها بمعنى (الواو)، وذلك في قوله تعالى: {ثُمَّ أَفِيضُوا} [البقرة:199]، وشبهها بالآية الأخرى من سورة يونس قول الله تعالى: {ثُمَّ اللهُ شَهِيدٌ} [يونس:46]. (¬6) 3 - تناوب (على): ومثال ذلك ما جاء في تفسيره قول الله تعالى: {وَاِتَّبَعُوا ما تَتْلُوا} ¬
{الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ} [البقرة:102]، فقال: «(على) بمعنى (في)» (¬1)، وكذلك في قول الله تعالى: {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى} [النور:61]، إذ ينقل قول الفرّاء بأنّ (على) مكان (في) (¬2)، فيكون المعنى على هذا الرأي: ليس في الأعمى حرج، ولا في الأعرج حرج. 5 - تناوب (الباء): جعل (الباء) في قول الله تعالى: {سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِما أَشْرَكُوا بِاللهِ} [آل عمران:151]، بمعنى (مع). (¬3) وفي قول الله تعالى: {ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} [الأنعام:1] جعل (الباء) بمعنى (عن) نقلا عن النضر بن شميل، فيكون معناها كما يقول: «عن ربهم يعرضون وينحرفون» (¬4). وكذلك في قوله تعالى: {الرَّحْمنُ فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً} [الفرقان:59]، (¬5) وقول الله تعالى: {سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ} (1) [المعارج:1]، جعل (الباء) مكان (عن)، وذلك في معرض تفسيره قول الله تعالى: {عَنْ قَوْلِكَ} [هود:53]. 6 - تناوب اللام: ففي الآيتين الكريمتين: {هَدانا لِهذا} [الأعراف:43]، {بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها} (5) [الزلزلة:5]، جعل معنى (اللام) (إلى) (¬6). كما نجده ينقل عن الفراء والكسائي: بأن معنى اللام هو (أن) وذلك في قول الله تعالى: {يُرِيدُ اللهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ} [النساء:26]، وذكر أنها بهذا المعنى في قول الله تعالى: {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ} [البقرة:185]، وقول الله تعالى: {وَأُمِرْنا لِنُسْلِمَ} [الأنعام:71]، وغيرها، وقول الله تعالى: {يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللهِ} [الصف:8]. (¬7) وكذلك في قول الله تعالى: {أُولئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ} [الرعد:25] يقول: «عليهم اللعنة، و (اللام) مكان (على)» (¬8). 7 - تناوب (الفاء): ومثالها ما جاء في تفسير قول الله تعالى: {فَجاءَها بَأْسُنا بَياتاً} [الأعراف:4]، إذ يقول: «(الفاء) بمعنى (الواو)» (¬9). وكذلك في قول الله تعالى: {فَلا يَمْلِكُونَ} [الإسراء:56]، إذ يقول: «جواب شرط مضمر، أو هي جملة معطوفة على ما مضى، و (الفاء) بمعنى (الواو)» (¬10). ¬
المطلب الثالث عنايته بالبلاغة
المطلب الثالث عنايته بالبلاغة البلاغة القرآنية هي روح المعاني، في جوانبها دلائل الإعجاز، وفي ميدانها يتسابق المتسابقون، فأعرف الناس بالبلاغة أكثرهم فهما لكلام الله تعالى، وما آمن العرب الفصحاء البلغاء إلا لطول باعهم، وعلوّ كعبهم في بلاغة الكلام. واعتنى المؤلف بفنون البلاغة، واستند إليها في بيان معاني الآيات، ويشمل ذلك موضوعات: علم المعاني وعلم البيان وعلم البديع، وإليك التفصيل والأمثلة: أولا-علم المعاني: ويشمل: أ-أسلوب التعريف: من الأساليب البلاغية التي تقتضيها أحوال المخاطبين، ويقصدها المتكلم، ولها من الأسرار التي تضفي على الكلام روعة وجمالا لا يحدثه غيابهما. (¬1) 1 - التعريف ب (أل) التي تفيد الجنس: ومثالها ما جاء في تفسير قول الله تعالى: قال تعالى: {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كَالْحِجارَةِ} [البقرة:74]، إذ يقول: «الألف واللام في {كَالْحِجارَةِ} لاستغراق الجنس». (¬2) وكذلك في قوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ} [البقرة:110] يقول: والألف واللام في (الصلاة) و (الزكاة) للجنس. (¬3) 2 - التعريف ب (أل) لإفادة العهد: ففي تفسيره قول الله تعالى: {إِنَّ اللهَ اِصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ} [البقرة:132] يقول: «والألف والام في (الدين) للمعهود لا للجنس». (¬4) وفي قوله تعالى: {ثُمَّ اِتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ} [البقرة:51] يقول: «وقيل: الألف واللام للمعهود». (¬5) 3 - التعريف بضمير الشأن والقصة: وفائدته الدلالة على تعظيم المخبر عنه وتفخيمه بأن يذكر أولا مبهما ثم يفسر. (¬6) والمثال عليه ما جاء في تفسيره قول الله تعالى: {وَأُوحِيَ إِلى نُوحٍ أَنَّهُ} [هود:36] إذ يقول في الضمير في قوله: {أَنَّهُ:} «الهاء ضمير الأمر والشأن» (¬7). وكذلك في قوله تعالى: {وَهُوَ} ¬
ب-التقديم والتأخير
{مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْراجُهُمْ} [البقرة:85] يقول: «وقيل: هو ضمير الأمر والشأن». (¬1) ب-التقديم والتأخير: وهو باب من أبواب البلاغة قال عنه عبد القاهر الجرجاني في كتابه دلائل الإعجاز (¬2): «هو باب كثير الفوائد، جم المحاسن، واسع التصرف، بعيد الغاية، لا يزال يفتر لك عن بديعة، ويلطف لديك موقعه، ثم تنظر فتجد سبب أن راقك ولطف عندك أن قدم فيه شيء، وحول اللفظ عن مكان إلى مكان»، والمؤلف رحمه الله تعالى وقف مع بعض آيات الكتاب الكريم مبينا ما فيها من أسرار أسلوب التقديم والتأخير مشتملا على أمرين: الأمر الأول: التنبيه على وجود تقديم وتأخير، وبيان أسراره في الآية. الأمر الثاني: الاكتفاء بالإشارة إلى وجود هذا الأسلوب في الآية الكريمة متخذا منه وسيلة لفهم المعنى من غير تعقيب. والأمثلة عليه كثيرة منها: فمن النوع الأول: ما جاء في قول الله تعالى: {وَأَنِ اِسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ} [هود:3] إذ يقول: «وإنما قدم الاستغفار على التوبة لأن الإنسان يستقبح الشر ويعرض عنه مستغفرا، ثم يستفتح الخير ويقبل عليه مستوفيا» (¬3). وعند تفسيره قول الله تعالى: {كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ} [البقرة:65]، إذ يقول: {خاسِئِينَ} متباعدين على الذلّ والصّغار، وتقديره: خاسئين قردة، وإلا يقال قردة خاسئة، لكن التقديم لوفق رؤوس الآي». (¬4) وفي قوله تعالى: {وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً (1) قَيِّماً لِيُنْذِرَ} [الكهف:1 - 2]، يقول: «وفيها تقديم وتأخير، تقديرها: أنزل على عبده الكتاب قيّما، ولم يجعل له عوجا» (¬5). وكذلك في قوله تعالى: {رَسُولاً نَبِيًّا} [مريم:51]، يقول: «على التقديم والتأخير، لاعتبار نظم الآي، ومعناه أنه كان نبيّا رسولا» (¬6). ومن النوع الثاني: ما جاء في تفسير قوله تعالى: {حَتّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا} [النور:27] يقول: «وفيه تقديم وتأخير، أي: حتى تسلموا وتستأنسوا» (¬7). وعند قوله تعالى: {ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ} [النور:40] يقول: «وقيل: فيه تقديم وتأخير، تقديره: ¬
ج-أسلوب الحذف
ظلمات بعضها فوق بعض، ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور إذا أخرج يده لم يكد يراها» (¬1). ج-أسلوب الحذف: وهو نوع من أنواع الإيجاز، فالحذف إسقاط كلمة للاجتزاء عنها بدلالة غيرها من الحال أو فحوى الكلام، والفائدة منه أنه تذهب فيه النفس كل مذهب. ومثال ذلك: ما جاء في تفسير قول الله تعالى: {وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ} [آل عمران:133] إذ يقول: «أي: كعرض السماوات، وإنما حذف لعدم الإيهام». (¬2) وكذلك في قوله تعالى: {يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ} [آل عمران:175] فيقول: «وقيل: يخوف بأوليائه». (¬3) فحذف حرف الجر. وفي قول الله تعالى: {أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ} [الرعد:33] يقول: «حذف جوابه اكتفاء؛ لأنه يدل على الخبر بصفته، تقديره: أفمن هذه صفته كمن ليست هذه صفته، أو: أفمن صفته خير أحقّ بأن يعبد أم من ليست هذه صفته» (¬4). وفي قوله تعالى: {اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ} [النور:35]، يقول: «وقيل: الله جاعل نور السماوات والأرض، حذف المضاف، وأقام المضاف إليه مقامه» (¬5). د-معاني الأمر: تعريف الأمر: هو طلب الفعل على جهة الاستعلاء. (¬6) وقد استطاع المؤلف أن ينظر إلى صيغة الأمر في القرآن الكريم، ويحدد مطلوبها وفق سياقها مبرزا أهم معانيها التي تدل عليها، ويقول المؤلف رحمه الله تعالى: وظاهر الأمر يقتضي الوجوب، ولكن يمكن أن يخرج الأمر إلى غير الوجوب، «ولفظ (افعل) يحتمل عشرة معان: (¬7) 1 - الإيجاب، كقوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ} [البقرة:43]. 2 - الإرشاد، كقوله تعالى: {وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ} [البقرة:282]. 3 - الإباحة، كقوله تعالى: {فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ} [الجمعة:10]. وفي قوله: {فَكُلُوا مِنْها} [الحج:36]، يقول: «أمر إباحة، وهو عام في كل بدنة. . .». 4 - الإعجاز، كقوله تعالى: {فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ} [البقرة:23]. ¬
هـ-أسلوب الاستفهام
5 - التهديد، كقوله تعالى: {اِعْمَلُوا ما شِئْتُمْ} [فصلت:40]. وكذلك في قوله تعالى: {اِعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنِّي عامِلٌ} [هود:93] يقول: «فقال على سبيل التهديد» فذكر الآية. 6 - السؤال، كقوله تعالى: {وَاُعْفُ عَنّا وَاِغْفِرْ لَنا} [البقرة:286]. 7 - الندب، كقوله تعالى: {فَكاتِبُوهُمْ} [النور:33]. 8 - الحث على الاعتبار، كقوله: {فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ} [الزخرف:25]. 9 - الإكرام، كقوله تعالى: {اُدْخُلُوا الْجَنَّةَ} [الأعراف:49]. 10 - الامتنان، كقوله: {فَامْشُوا فِي مَناكِبِها} [الملك:15]. ثم يقول: «والظاهر من الجميع الإيجاب، وإنما يحمل على غيره بدليل، ثم هذا اللفظ يكون أمرا لمن هو دونه في الرتبة لصيغته». 11 - وخلال حديثه عن قول الله تعالى: {اُنْظُرْ كَيْفَ} [الإسراء:48] يقول: «أمر على سبيل التعجب» (¬1)، فزاد هنا نوعا آخر من خروج الأمر عن حقيقته. هـ-أسلوب الاستفهام: أسلوب الاستفهام من الأساليب البيانية العظيمة التي عني بها القرآن عناية كبيرة لكونه وسيلة مهمة في إيصال الأفكار والأهداف، وتثبيت المفاهيم والاتجاهات، فهو أسلوب تربوي ناجح في زرع الفكرة أو المعلومة لدى المخاطب بأسلوب فائق لا تعقيد فيه؛ لأنه أوقع في النفس، وأدل على الإلزام، وهو في الحقيقة الاستخبار عن الشيء الذي لا علم لنا به. ولقد وقف المؤلف رحمه الله تعالى أمام هذا الأسلوب، وكشف عن معانيه وأغراضه بعبارة مختصرة دالة على المقصود، ومن أبرز هذه الأغراض: 1 - التقرير: ومعناه حمل المخاطب على الإقرار والاعتراف بأمر قد استقر عنده. (¬2) ومثاله ما جاء في قوله تعالى: {سَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ} [البقرة:211] يقول: «وفائدة السؤال تذكيرهم حالتهم الأولى وتقرير الأمر عند من لا يؤمن بالتنزيل». (¬3) وكذلك في قوله تعالى: {وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ} [آل عمران:135] يقول: «استفهام بمعنى التقرير». (¬4) 2 - الاستفهام الإنكاري: ومعناه النفي، والمقصود منه هو الإنكار على المخاطب فعل أمر قام به في الماضي أو يمكن أن يحدث في المستقبل. والمثال عليه ما جاء في قول الله تعالى: {أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ} ¬
[الإسراء:62] إذ يقول: «استفهام بمعنى الإنكار» (¬1). وكذلك في قوله تعالى: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ} [البقرة:28]، فيقول: «استفهام بمعنى الإنكار». (¬2). وقد يخرج الاستفهام إلى معان أخرى غير التقرير والإنكار، ومن هذه المعاني التي ذكرها المؤلف ما يأتي: 3 - الإثبات: فعند تفسيره قول الله تعالى: {أَلَمْ تَعْلَمْ} [البقرة:107] يقول: «بمعنى الإثبات، كقوله: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ} [الأعراف:172]، قال جرير (¬3) [من الوافر]: ألستم خير من ركب المطايا … أندى العالمين بطون راح» (¬4) 4 - الزجر والإنكار: ففي تفسيره قول الله تعالى: {قُلْ أَتُحَاجُّونَنا} [البقرة:139] يقول: «استفهام بمعنى الزجر والإنكار». (¬5) 5 - النفي: ومثال ذلك ما جاء في تفسير قوله تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاّ بِإِذْنِهِ} [البقرة:255] إذ قال: «استفهام بمعنى النفي، كقوله: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} [مريم:65]». (¬6) 6 - الأمر: كما في قوله تعالى: {أَأَسْلَمْتُمْ} [آل عمران:20]، فيقول: «بمعنى الأمر، كقوله: {فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [هود:14]، و {هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ} [الصّافّات:54]» (¬7). وكذلك في قوله تعالى: {هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ} [الشعراء:39] إذ يقول: «استفهام بمعنى الأمر» (¬8). 7 - البيان لموضع التعجب: وذلك كما في قوله تعالى: {كَيْفَ يَهْدِي اللهُ قَوْماً} [آل عمران:86] إذ يقول: «استفهام بمعنى البيان لموضع التعجب». (¬9) 8 - النهي والإنكار: كما في قوله تعالى: {أَتَأْخُذُونَهُ} [النساء:20]، يقول: «استفهام بمعنى النهي والإنكار». (¬10) 9 - اللوم والتقريع: فيقول عند قول الله تعالى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاّ أَنْ تَأْتِيَهُمُ} [النحل:33]: «استفهام بمعنى اللوم والتقريع» (¬11). ¬
و-أسلوب التكرار
و-أسلوب التكرار: عند تفسير المؤلف رحمه الله تعالى قول الله تعالى: {وَلَقَدْ جاءَكُمْ مُوسى بِالْبَيِّناتِ ثُمَّ اِتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ} [البقرة:92] يقول: «والتكرار ربما اتصل بزيادة فائدة، وربما لم يتصل، وفيما يتصل ثلاثة أنواع: أحدها: مثل هذا، إذ الأولى لإلزام الحجة وتذكير النعم بدلالة أنه أتبعها: {ثُمَّ عَفَوْنا} [البقرة:52]، والثانية: لتكذيبهم في دعواهم بدلالة قوله: {فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِياءَ اللهِ مِنْ قَبْلُ} [البقرة:91]. والنوع الثاني: مثل قوله: {وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ} وقال في موضع: {وَاُذْكُرُوا ما فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:63]، وقال في الموضع الثاني: {وَاِسْمَعُوا قالُوا سَمِعْنا وَعَصَيْنا} [البقرة:93]، وكلّ واحدة من الآيتين تتضمّن من المعنى ما لا تتضمّنه الأخرى لا محالة. والثالث: وصف الجنة والنار، وفائدة التكرار: تجديد الحث والإنذار. وما لا يتصل بفائدة نوع واحد، وهو ما يوجد في سورتين. والوجه في الأنواع الثلاثة أنّ تضمّن الفوائد كلّها لا يجب في قصّة واحدة، ثمّ إذا وقعت الحاجة إلى ذكر فائدة لم تذكر في القصّة فالأحسن تكرار القصّة لاستدراك ذكر الفائدة في محلّها، وربّما لا يتصوّر غير ذلك. والوجه في هذا النوع الواحد أنّ السورتين بمنزلة كتابين، والله يقول: {فِيها كُتُبٌ قَيِّمَةٌ} [البيّنة:3]، ووجود قصّة واحدة في كتابين معروف واجب، وذلك لا يسمّى تكرارا إذ كلّ كتاب في الحاجة إليها كمثله، وكذلك تضمين قصّة واحدة في قصيدتين أو خطبتين. وقيل: الفائدة في هذا النوع موجودة، وهي شهود قوم نزول الثانية لم يشهدوا نزول الأولى. وتكرار قوله: {وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ} أيضا على وجه اللّوم والتّكذيب، ألا ترى أنّه أعاد قوله: {إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ.».} (¬1) ثانيا-علم البيان: ويشتمل على: أ-الحقيقة: في الاصطلاح: هي الكلمة المستعملة فيما وضعت له في اصطلاح التخاطب. (¬2) والمؤلف رحمه الله تعالى بعد أن بين أن اللفظ حقيقة ومجاز في سورة الإسراء وخلال تفسيره ¬
ب-المجاز
قول الله تعالى: {وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ} [الإسراء:59]، (¬1) جاء فعرفها بأنها: «ما لا إشكال في وجهه، ولم يصرف عن ظاهره» (¬2). ففي تفسيره قول الله تعالى: {مَسْحُوراً} [الإسراء:101]، قال: «وقيل: مسحورا حقيقة؛ لقوله: {إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ} [الشعراء:27]» (¬3). وعند تفسيره قول الله تعالى: {أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْياءٍ} [النحل:21]، يقول: «ويحتمل الأصنام على سبيل الحقيقة عند من يجعل الموت والجمود شيئا واحدا» (¬4). ب-المجاز: هو الكلمة المستعملة في غير ما وضعت له في اصطلاح التخاطب على وجه يصح مع قرينة عدم إرادتها. (¬5) وعرفه عبد القاهر الجرجاني بأنه: «ما توسع الناس فيه لفظا، واصطلحوا عليه واستجازوه، إما ضرورة كتسمية الرجل كلبا أو أسدا، وإما اختيارا للتخفيف والعادة، كقولها: طلع الفجر، وأظلم الليل، ونبت الشجر». (¬6) وقد استعمل المؤلف هذا الأسلوب على الشكل الآتي: أ-المجاز العقلي: وهو إسناد الفعل أو ما في معناه إلى ما هو له لعلاقة مع قرينة مانعة من إرادة الإسناد الحقيقي: وهذا النوع ينسب ابتكاره إلى الإمام الجرجاني رحمه الله، فقد قال صاحب الطراز: «واعلم أن ما ذكرناه في المجاز الإسناد العقلي هو ما قرره الشيخ النحرير عبد القاهر الجرجاني، واستخرجه بفكرته الصافية، وتابعه على ذلك الجهابذة من أهل الصناعة كالزمخشري وابن الخطيب الرازي وغيرهما». (¬7) ومن الأمثلة عليه: 1 - ما علاقته الزمانية: فعند تفسيره قول الله تعالى: {ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ سَبْعٌ شِدادٌ يَأْكُلْنَ} [يوسف:48]، يقول: «أسند الأكل إلى السنين على طريق المجاز، كقولك: ليل نائم، وسيوف قائمة» (¬8). وكذلك عند تفسيره لقول الله تعالى: {اِشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عاصِفٍ} [إبراهيم:18] يقول: «وإنما يوصف اليوم بأنه عاصف؛ لأن اليوم يوصف بما يحدث فيه على سبيل ¬
ج-من المحسنات اللفظية رد العجر على الصدر
المجاز، وقال الراجز: يومين غيمين … ويوما شمسا» (¬1). 2 - ما علاقته الجزئية: مثالها ما جاء في تفسيره قول الله تعالى: {وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ} [الإسراء:13]، إذ يقول: «وقيل: أصل الكلمة تقال، وذكر العنق على سبيل المجاز؛ لأنه موضع ما يلزم الإنسان من قلادة أو طوق، أو غل أو نحوه» (¬2). 3 - ما علاقته السببية: يقول المؤلف في تفسيره قول الله تعالى: {فَوَجَدا فِيها جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ} [الكهف:77]: «من مجاز الكلام، أي: يكاد الله يسقطه» (¬3)، وهنا يقرر بما ذكره من المعنى أن إسناد الفعل إلى غير فاعله، فيكون هذا مجازا عقليا بعلاقة تسبب إرادة السقوط لقربه. (¬4) وقد جعله بعضهم استعارة مكنية وتخييلية. (¬5) وهذا ما قرره المؤلف رحمه الله في موضع آخر حينما قال في تفسيره لقول الله تعالى: {إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ} [آل عمران:122]: «(همت: كادت، على سبيل الاستعارة، كقوله تعالى: {يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ} [الكهف:77]» (¬6). وكذلك في قوله تعالى: {تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ} [البقرة:25] يقول: «وإنما أسند إلى الأنهار مجازا، كقوله: {فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ} [البقرة:16]». (¬7) 4 - ما علاقته الكلية: ففي قوله تعالى: {يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ} [البقرة:19] يقول: «يصيرون بنانهم في العضو المختص بالسمع»، فالبنان جزء من الأصابع، والأصبع لا يمكن إدخاله كله في الأذن. (¬8) 5 - ما علاقته المفعولية: ومثال ذلك ما جاء في قوله تعالى: {لَأَظُنُّكَ يا مُوسى مَسْحُوراً} [الإسراء:101]، إذ يقول: «ساحرا، بدليل سائر النظائر» (¬9). 6 - ما علاقته الفاعلية: ومن ذلك ما جاء في قول الله تعالى: {حِجاباً مَسْتُوراً} [الإسراء:45]، إذ يقول: «ساترا، كقوله: {وَماءٍ مَسْكُوبٍ} (31) [الواقعة:31]: ساكب» (¬10). ج-من المحسنات اللفظية ردّ العجر على الصدر: ومن الأمثلة على ذلك ما جاء في تفسيره قول الله تعالى: {لَقَدْ أَنْزَلْنا آياتٍ مُبَيِّناتٍ} ¬
د-الاستعارة
[النور:46] إذ يقول: «وجه تكراره حسن رد الكلام على صدره» (¬1). وفي تفسيره قول الله تعالى: {قالَ لَهُمْ مُوسى وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى اللهِ كَذِباً فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذابٍ وَقَدْ خابَ مَنِ اِفْتَرى} (61) [طه:61]، يقول: «ونظم الآية على طريقة مستحسنة غاية للبلاغة وآية للفصاحة، وهي ردّ آخر الكلام على أوّله، وإنّما قال لتقديم الدعوة والإنذار مرّة بعد أخرى» (¬2). د-الاستعارة: وهي: «أن الاستعارة نقل اللفظ من معناه الذي عرف به ووضع له إلى معنى آخر لم يعرف به». (¬3) والمثال عليه ما ذكره في قول الله تعالى: {إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ} [هود:87]، إذ يقول: «السفيه الجاهل، كقوله: {ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ} [الدخان:49]» (¬4). وهو من الاستعارة العنادية، والتي تفيد التهكم والسخرية. (¬5) المطلب الرابع عنايته بأبنية الكلمات القرآنية من الأمور التي اهتم بها المؤلف رحمه الله هو بناء الكلمة، وذلك لأن معرفة بناء الكلمة يزيد من بيان معنى الكلمة وتوضيحها، وأورد بعض الأمثلة التي توضح عنايته بذلك: أ-يبيّن أصل الكلمة من غير أن يورد خلافا بين العلماء: فمثلا عند تفسير قول الله تعالى: {إِنَّ زَلْزَلَةَ السّاعَةِ} [الحج:1]، يقول في أصل الزلزلة نقلا عن علقمة قوله: «إن الزلزلة قبل الساعة، وهو الاضطراب الشديد، وأصله من الزلل» (¬6). وفي قوله تعالى: {فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ} [الروم:44] يقول: «المهد والتمهيد بمعنى، وهي توطئة المسير، وأصله من توثير الفراش» (¬7). ب-يذكر الوزن الصرفي للكلمة: فمثلا عند قول الله تعالى: {وَالصِّدِّيقِينَ} [النساء:69]، يذكر وزن كلمة (الصّدّيق) فيقول: «فعّيل من الصدق، وهي لأقصى غاية المبالغة في الوصف أو التصديق، والصديق المجمع عليه هو أبو بكر» (¬8). ¬
وكذلك عند بيانه معنى كلمة (طوبى) في قوله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ طُوبى لَهُمْ} [الرعد:29]، يقول: «اسم على وزن فعلى، وهو اسم جامع لكل ما يستطاب، فكأنها الحياة الطيبة بروح الاتحاد» (¬1). ففي هذين المثالين بين وزن الكلمة ليوضح معنى كل منهما وما فيهما من معنى يدل عليه، ففي الأولى معنى المبالغة، وفي الأخرى معنى الجمع لكل ما يستطاب. ج-ونجده يذكر اختلاف البصريين والكوفيين في أصل كلمة: فعند حديثه عن أصل كلمة (التوراة) في قول الله تعالى: {وَأَنْزَلَ التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ} [آل عمران:3]، يقول: «أصل التوراة عند الكوفيّين: تورية بوزن توصية، فلمّا أخرجوا اللفظ من حيّز الأفعال إلى الأسماء نقلوا حركة عين الفعل إلى الفتحة، فانقلبت الياء ألفا لتحرّكها وانفتاح ما قبلها»، ويذكر أصلها عند البصريين فيقول: «وعند البصريين وزن التوراة: وورية كقوصرة، قلبت الواو الأولى تاء، كما في تولج، مشتق من الإيراء» (¬2). د-يبيّن الفرق بين معنى كلمتين لهما اعتمادا على وزن الكلمة: فمن ذلك ما جاء في تفسير قول الله تعالى: {تَبْغُونَها عِوَجاً} [آل عمران:99]، إذ يقول: «والعوج، بكسر العين: الزيغ في الرأي، والعوج، بالفتح: الميل فيما يكون منتصبا» (¬3). وكذلك عند تفسيره قول الله تعالى: [آل عمران:170] يقول: «و (الفرح): السّرور. و (الفرح): ذو الفرح، كالورع والوجل» (¬4). فكلا الكلمتين لهما الصورة نفسها، لكنهما مختلفتان في الوزن، لكنه لم يذكر وزن الكلمة. هـ-يوضح كلمة بكلمة أخرى أكثر شهرة منها ومشتركة معها بالوزن: ومثالها ما جاء في تفسير قول الله تعالى: {أَوْ كانُوا غُزًّى} [آل عمران:156]، فيقول: «جمع غازي، كركع وسجد، جمع راكع وساجد» (¬5). و-أحيانا يبين مفرد الكلمة: فعند حديثه عن كلمة (الآلاء) في قول الله تعالى: {فَاذْكُرُوا آلاءَ اللهِ} [الأعراف:69]، يقول: «الآلاء: النعماء، واحدها ألى وإلى» (¬6). وكذلك عند تفسيره قول الله تعالى: {أَراذِلُنا} [هود:27]، يقول: «جمع أرذل، وأرذال جمع رذل: وهو النذل الخسيس» (¬7). وكذلك يبين مفرد (أفئدة) في قوله تعالى: {فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النّاسِ} [إبراهيم:37]، فيقول: «واحدها فؤاد»» (¬8). ¬
المطلب الخامس عنايته بالشواهد الشعرية
ز-قد يعلل مجيء كلمة على صيغة معينة: ومنه قوله جل وعز: {وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى وَأَضَلُّ سَبِيلاً} (72) [الإسراء:72]، يقول: «إنما جاءت التفضيل على لفظة أعمى عند الفراء، بخلاف التفضيل في الألوان؛ لأن المراد به: عمى القلوب، وعمى القلب من فعل الإنسان بغفلته. يجوز أن يقال: فلان أعمى من فلان في القلب، ولا يجوز في العين» (¬1). المطلب الخامس عنايته بالشواهد الشعرية كان للشواهد الشعرية عند مؤلف درج الدرر رحمة الله عليه حضور في تفسيره، لكن هذا الحضور لم يكن كبيرا، ففي أول الكتاب اهتم به أكثر من وسطه وآخره، ولذلك سنجد أن أكثر الاستشهادات من أول الكتاب. وذكره للشواهد على الشكل الآتي: 1 - في أكثر الأحيان يذكر البيت من الشعر كاملا، وقد يذكر جزءا منه، كما في استشهاده بقول الشاعر: وروضة سقيت فيها نضوتي …. . . في تفسير قوله تعالى: {رَوْضَةٍ} [الروم:15]، فذكر الشطر الأول من البيت. (¬2) 2 - قد يعزو البيت من الشعر إلى قائله: كعزوه إلى جرير (¬3) وحاتم الطائي (¬4) وذو الرمة (¬5) ولبيد (¬6)، وغيرهم. أما طريقته في الاستشهاد بالشعر فكانت على الشكل الآتي: 1 - الاستشهاد بالشعر لبيان المعاني اللغوية لألفاظ القرآن الكريم وتوضيح غريبها: فعند حديثه عن السجود، وأن معناه اللغوي: ميل القامة إلى الأرض، يستشهد بقول حميد (¬7) [من المتقارب]: فضول أزمّتها أسجدت … سجود النّصارى لأربابها وكذلك عند تفسيره قول الله تعالى: {هارُوتَ وَمارُوتَ} [البقرة:102]، قال: «اسمان أعجميان، مثل طالوت وجالوت. وقيل: هاروت من الهرت، وماروت من المرت، والهريت ¬
الفصيح، قال الشاعر (¬1): [من البسيط] عاد الأذلّة في دار وكان بها … هرت الشّقاشق ظلاّمون للجند والمرت مفازة لا ماء فيها ولا كلأ، قال الشاعر (¬2): [من البسيط] أنّى طربت ولا تلحي على طرب … ودون إلفك أمرات أماليس» (¬3) وفي تفسيره قول الله تعالى: {بَلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ} [البقرة:112]: يقول: «وإسلام الوجه للشيء صرف الإقبال إليه، وتسليم النفس، وتفويض الأمر، ومنه يقال في عقد السلم: أسلم كذا وكذا إليه. وهذه صفة المسلمين دون اليهود والنصارى، قال زيد بن عمرو بن نفيل (¬4): [من المتقارب] وأسلمت وجهي لمن أسلمت … له المزن تحمل عذبا زلالا إذا هي سيقت إلى بلدة … أطاعت فصبّت عليها سجالا» (¬5) 2 - ويستشهد بالشعر على أن الاختصار على حرف من الكلمة مشهورة في لغة العرب: وذلك عند تفسير قول الله تعالى: {الم} [البقرة:1]، وقد استشهد بأكثر من بيت: قال الشاعر (¬6): [من الرجز] نادوهم أن ألحموا ألا تا … قالوا جميعا كلّهم ألا فا وقال آخر (¬7): [من الرّجز] بالخير خيرات وإن شرّا فا … ولا أريد الشّرّ إلاّ أن تا وذلك تأكيدا على قول من قال: إن لكل حرف من هذه الأحرف معنى خاصّا. (¬8) 2 - الاستشهاد النحوي: نجد أن المؤلف يستشهد في بعض الأحيان على إعراب الكلمة، فمثلا عند تفسيره قول الله تعالى: {وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ} [البقرة:177] ينقل قول الفراء: {مَنْ آمَنَ بِاللهِ} خبر (البرّ)، على الاكتفاء بالمعنى الدالّ في الاسم على المصدر، كما قيل (¬9): [من الوافر] ¬
قليل همّه والعيب جمّ … ولكنّ الغنى ربّ كريم (¬1) وعند تفسيره قول الله تعالى: {وَأُخْرى} [آل عمران:13]: رفع على سبيل الابتداء، كأنّك قلت: إحداهما، فيستشهد بقول الشاعر: [من الطويل] إذا متّ كان النّاس نصفين شامت … وآخر مثن بالذي كنت أصنع (¬2) ويتحدث عن (حتى) في قول الله تعالى: {حَتّى تَتَّبِعَ} بأن يقدر بعدها (أن) الناصبة، وبعد أن يستشهد بآية، يستشهد بقول الشاعر: [من الطويل] وتنكر يوم الرّوع ألوان خيلنا … من الدّم حتّى تحسب الجون أشقرا (¬3) 3 - الاستشهاد على معنى بلاغي: في تفسير قول الله تعالى: {وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ وَلكِنْ لا تَشْعُرُونَ} (154) [البقرة:154]، يقول: «واختلفوا في حياة الشهداء، فمن الناس من ذهب إلى المجاز، وإلى بقاء ذكرهم، والثناء عليهم، كما في قول الشاعر (¬4): [من البسيط] موت التّقيّ حياة لا انقضاء لها … قد مات قوم وهم في النّاس أحياء»» (¬5) وفي قوله تعالى: {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ} [البقرة:107]، هنا يخرج الاستفهام من معناه إلى معنى الإثبات، ويستشهد بقول جرير (¬6): ألستم خير من ركب المطايا … وأندى العالمين بطون راح (¬7) ويستشهد بقول الشاعر: لدوا للموت وابنوا للخراب …. . . على أن الأمر في قوله تعالى: {وَقالَ اُدْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ} [يوسف:99]، خرج من معناه الأصلي إلى معنى الخبر (¬8). 4 - الاستشهاد بالشعر على معنى عقدي: ففي تفسيره قول الله تعالى: {اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} [البقرة:15]، أخرج الاستئهزاء من معناه الحقيقي إلى المعنى المجازي، فقال: «يجازيهم على استهزائهم»، واستشهد بقول الشاعر (¬9): [من الوافر] ¬
ألا لا يجهلن أحد علينا … فنجهل فوق جهل الجاهلينا (¬1) والسبب في هذا الخروج إلى المجاز هو أن فعل الاستهزاء لا يجوز في حق الله تعالى، وكما يقول البلاغيون: هو على سبيل المشاكلة. 5 - يستشهد بالشعر على أن الحروف في الكلمة قد تتناوب: فعند تفسير الفوم في قول الله تعالى: {وَفُومِها} [البقرة:61]، يقول: و (الفوم)، والثوم: كالجدث والجدف، ويقال: زيد فمّ عمرو، أي: ثمّ، قال (¬2): [من المتقارب] وأنتم عبيد لئام الأصول … طعامكم الفوم والحوقل (¬3) 6 - يستشهد بالشعر على معنى اسم من أسماء الله تعالى وهو (الواسع): «الذي لا يضيق علما ورحمة وقدرة، قال زيد بن عمرو (¬4): [من البسيط] إنّ الإله عزيز واسع حكم … بكفّه الخير والباساء والنّعم» (¬5) ¬
المبحث الثالث عنايته بعلوم القرآن
المبحث الثالث عنايته بعلوم القرآن المطلب الأول الأحرف المقطعة اختلف العلماء والمفسرون في تفسير الأحرف المقطعة التي صدّرت بها تسع وعشرون سورة من سور القرآن الكريم، على قولين رئيسين: الأول: أن هذا علم مستور، وسر محجوب استأثر الله تعالى به، فهو من المتشابه. الثاني: أن المراد منها معلوم، وذكرت فيها أوجها كثيرة تصل إلى عشرين وجها، منها المحتمل القريب، ومنها غير المحتمل البعيد، ومن هذه الأقوال: 1 - إنها أسماء للسور. 2 - إن كلا منها مأخوذ من اسم من أسماء الله تعالى، وكذلك اختلفوا في ذلك كثيرا. 3 - إن هذه الحروف ذكرت لتدل على أن القرآن مؤلف من الحروف الهجائية العربية التي ينطق بها العرب، ولم يأت بغيرها. 4 - إنها كالمهيجة لمن سمعها من الفصحاء، والموقظة للهمم الراقدة من البلغاء لطلب التساجل والأخذ في التفاصيل. (¬1) ونجد أن المؤلف رحمه الله تعالى قد أكثر من ذكر الأقوال في تفسير هذه الأحرف، وكانت على الشكل الآتي: 1 - ففي مفتتح سورة البقرة وعند حديثه عن قوله تعالى: {الم،} يذكر أقوالا عدة في معناها ناقلا ذلك عن ابن عباس أكثر من قول، وعن غيره، بأنها مختصرات لكلمات محددة، سواء كانت أسماء لله تعالى أو صفات ونعم، وبعد انتهائه من ذكر هذه الأقوال، يقول: «وطريق الاختصار على حرف من الكلمة مشهور في لغة العرب»، ويستشهد ببيت من الشعر على ذلك. (¬2) 2 - ونجده يذكر قولا لابن عباس في تفسير قوله تعالى: {المص،} ولكنه هنا يذكر احتمالات يفسر فيها هذه الأحرف، فيقول: «ويحتمل أن تكون الصاد إشارة إلى الفصل، أي: إلى هذا الفصل، فإن السور فصولا لا محالة. ويحتمل إشارة إلى الصدق، أي: أنا الله أعلم ¬
المطلب الثاني أسباب النزول
وأصدق، أو الرسول صادق، أو الوحي صدق». (¬1) 3 - أما مفتتح سورة مريم {كهيعص} (1) فإنه يذكر أكثر من قول ثم يتبع ذلك باحتمال آخر فيقول: «ويحتمل: أنّه يتّصل بما بعده، والتقدير: كتابنا هدانا بها العالم الصادق» (¬2) يزيد فيه على تلك الأقوال قولا. 4 - وفي تفسير قول الله تعالى: {طه} (1) يذكر قولا يعتمد هذا القول على حساب الجمّل، فيقول بعد أن ذكر عددا من الأقوال: «وقيل: الطاء تسعة، والهاء خمسة من حساب الجمل، وهم أربعة عشر، والليلة الرابعة عشر ليلة البدر، فكأنه قيل: أيها البدر» (¬3)، يستشهد بحديث على أن النبي عليه السّلام كان وجهه كالبدر. 5 - وفي تفسير قول الله تعالى: {طسم} (1) [الشعراء:1] ينقل عن ابن عباس رضي الله عنهما قوله: عمي على العلماء علمه (¬4). 6 - وفي سورة الشورى في تفسيره قوله تعالى: {حم (1) عسق} (2) [الشورى:1 - 2]، يذكر أقوالا تبين أن هذه الأحرف هي إشارة إلى أشياء معينة، مثل: العين إشارة إلى العلم، وفي السين إشارة إلى سر الله في افتراق الفرق،. . . (¬5). فعلى هذا يمكن القول: إن رأيه هو أنه يمكن تفسيرها، سواء كانت مختصرات لكلمات معينة، كأسماء الله تعالى، أو صفات له، أو صفات للنبي عليه السّلام، أو غير ذلك، بدليل قوله: ويحتمل كذا أو يحتمل كذا. والله أعلم. المطلب الثاني أسباب النزول أسباب النزول اصطلاحا: فقد عرفة الشيخ الطاهر بن عاشور بقوله: «هي حوادث يروى أن آيات من القرآن الكريم نزلت لأجلها، كبيان حكمها، أو لحكايتها، أو إنكارها، أو نحو ذلك». (¬6) وأسباب النزول لآي القرآن يتعدى كونه علما من علوم القرآن إلى كونه أصلا من أصول التفسير، التي لا يمكن للمفسر-مهما أوتي من العلم-أن يستغني عنها، لأن قضية أسباب النزول تشكل قضية هامة على فهم بعض آي التنزيل، إذ إن بعض آيات القرآن الكريم يتوقف فهمها على معرفة سبب النزول، فعندما نقرأ مثلا قول الله تعالى: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى} ¬
أهمية معرفة سبب النزول
{التَّهْلُكَةِ} [البقرة:195] نجد أن بعض الجهلة يستشهد بهذه الآية الكريمة في معرض الدفاع عن النفس حين يجبنوا ويتخاذلوا في الدفاع عن الدين والأرض والعرض، فيأتي سبب النزول لهذه الآية الكريمة موضحا ومفسرا لهذه الآية الكريمة يوضح معناها، ويزيل الغشاوة عن عيون أولئك، فقد جاء في الحديث الذي يخرجه الترمذي في سننه (¬1) عن أسلم بن أبي عمران قال: كنا بمدينة الروم، فأخرجوا إلينا صفّا عظيما من الروم، فخرج إليهم من المسلمين مثلهم أو أكثر، وعلى أهل مصر عقبة بن عامر، وعلى الجماعة فضالة بن عبيد، فحمل رجل من المسلمين على صف الروم حتى دخل فيهم، فصاح الناس، وقالوا: سبحان الله، يلقي بيده إلى التهلكة، فقام أبو أيوب فقال: يا أيها الناس، إنكم تتأولون هذه الآية هذا التأويل، وإنما أنزلت هذه الآية فينا معشر الأنصار لّما أعز الله الإسلام، وكثير ناصروه، فقال بعضنا لبعض سرّا دون رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إن أموالنا ضاعت، وإن الله قد أعز الإسلام وكثر ناصروه، فلو أقمنا في أموالنا، فأصلحنا ما ضاع منها. فانزل الله على نبيه صلّى الله عليه وسلّم يردّ علينا ما قلنا {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة:195]، فكانت التهلكة الإقامة على الأموال وإصلاحها، وتركنا الغزو، فما زال أبو أيوب شاخصا في سبيل الله حتى دفن بأرض الروم. وقال الترمذي هذا حديث حسن صحيح غريب. ولكن عند ما يدرس موضوع أسباب النزول في كثير من الكتب-سواء المختصة بها أو كتب التفسير-نجد فيها الصحيح الذي يعتمد عليه، ونجد فيها الضعيف والواهي، بل نجد فيها الموضوع المختلق، وهذه آفة من آفات كتب التفسير والتاريخ وغيرها، هذا من جهة أما الجهة الأخرى لأسباب النزول فإنها تلقي ضوءا على الحياة والبيئة التي نزل فيها القرآن الكريم، وجاء بها الوحي، ليصحح المعوج منها، ويرسم معالم صورة واضحة للحياة التي يريدها الإسلام للناس، كما تساعد على فهم صور الصراع بين الدعوة الإسلامية وأعدائها، إلى آخر ما يمكن الاستفادة منه في أسباب النزول. (¬2) أهمية معرفة سبب النزول: إن إدراج علم أسباب النزول في علوم القرآن نابع من أهمية معرفة المفسر له، فتكون معرفته من جملة المعارف التي تكون آلة المفسر، وقد أفرده بعض العلماء في كتب مستقلة دلالة على أهميته. يقول الإمام الشاطبي رحمه الله في الموافقات (¬3): «معرفة أسباب النزول لازمة لمن أراد علم القرآن، والدليل على ذلك أمران: ¬
أحدهما: أن علم المعاني والبيان الذي يعرف به إعجاز نظم القرآن فضلا عن معرفة مقاصد الكلام إنما مداره على معرفة مقتضيات الأحوال فحال الخطاب من جهة نفس الخطاب، أو المخاطب أو الجميع، إذ الكلام الواحد يختلف فهمه بحسب حالين، وبحسب مخاطبين، وبحسب غير ذلك. . . والوجه الثاني: هو أنّ الجهل موقع في الشبه والإشكالات، ومورد للنصوص مورد الإجمال حتى يقع الاختلاف، وذلك مظنّة النّزاع». ولذلك نجد أن صاحب الكتاب رحمه الله قد اهتم بأسباب النزول اهتماما كبيرا، يوضحه كثرة ذكره لأسباب نزول الآيات، وهذا من عادة المفسرين السابقين الذين أولعوا بأسباب النزول، وتلقفوا الروايات فيها من غير تمحيص ولا تدقيق، من حيث هي صحيحة أو ضعيفة، ولكن المؤلف رحمه الله تعالى لم يكتف بذكر الضعيف فيها فحسب، بل نجده يذكر الموضوع الذي لا أصل له، وهذه بعض الأمثلة على ذلك: 1 - أسباب نزول صحيحة الرواية: فعند قول الله تعالى: {وَما نَتَنَزَّلُ إِلاّ بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ ما بَيْنَ أَيْدِينا وَما خَلْفَنا وَما بَيْنَ ذلِكَ وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} (64) [مريم:64]، يأتي برواية عن ابن عباس قوله: قال النبي عليه السّلام: «يا جبريل، ما لك لا تزورنا أكثر مما تزورنا»، فأنزل الله (¬1). هذا حديث أخرجه الإمام أحمد والبخاري والترمذي وغيرهم. وعن مصعب بن سعد، عن أبيه، قال: أنزل الله تعالى القرآن على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فتلاه عليهم زمانا، فقيل: يا رسول الله، لو قصصت علينا، فأنزل الله تعالى: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ} الآية [يوسف:3]، فتلا عليهم زمانا، قيل: يا رسول الله، لو حدثتنا، فأنزل {اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً} الآية [الزمر:23]. وروي فقيل: لو خوّفتنا، فأنزل: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ} الآية [الحديد:16]. (¬2) 2 - أسباب نزول ضعيفة وموضوعة: وعند تفسير قوله تعالى: {لَيَفْتِنُونَكَ} [الإسراء:73]، يذكر سبب النزول لهذه الآية فيقول: وعن المطلب بن عبد الله بن حنطب: رأى رسول الله من قومه كفا عنه، فجلس خاليا يتمنى أن لا ينزل عليه شيء ينفرهم عنه، وقاربهم، وقاربوه، ودنوا منه، وألقى الشيطان في أمنيته في سورة النجم ما ألقى، فرضوا بما تكلم به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وقالوا: قد عرفنا أن الله هو يحيي، ويميت، ويرزق، ولكن آلهتنا هذه تشفع لنا (¬3)، ولما سجد في آخر السورة سجدوا معه أجمعون، ورفع الوليد بن المغيرة، وأبو أحيحة سعيد بن العاص التراب إلى وجوههما يسجدان عليهما من ضعفهما، وعجزهما، وقال أبو أحيحة: يا ¬
قوله بتعدد النزول
محمد، إن لك أن تراجع، ولقد أصبت حيث ذكرت آلهتنا بخير، فاغتم رسول الله، وجلس في بيته حزينا، فلما أتاه جبريل عليه السّلام قرأ عليه سورة والنجم، قال: ما جئتك بهاتين الكلمتين، فقال عليه السّلام: قلت عليه ما لم أقل فأنزل. وهذا حديث باطل بلا شك، موضوع مختلق على النبي عليه السّلام. (¬1) ولم يكن المؤلف رحمه الله تعالى يميز بين ما كان سببا للنزول حقيقة أو كان في حكم سبب النزول، فإنه يستعمل تعبير «فنزلت الآية، فنزل قوله. .»، وهذا ليس بكاف على كون هذا الحدث سببا لنزول هذه الآية أو تلك، فقد تكون الحادثة التي قال إنها سبب للنزول حادثا حدث في الجاهلية أو بعد نزول الآية فتلاها النبي عليه السّلام ليبين أن حكم هذه الحادثة كحكم الآية التي نزلت بسببها هذه الآية، أو أن الصحابي قرأ الآية ليدل على ذلك أيضا. والأمثلة على ذلك كثيرة: ففي سورة النحل وعند تفسيره الآية: {يَتَوارى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ ما بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلى هُونٍ أَمْ. . .} [النحل:59]، وبعد بيان معنى الدس، يقول: «كانوا يقتلون أؤلادهم خشية إملاق، فأنزل: {وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ} (8) [التكوير:8]» (¬2). وهذا ليس سببا للنزول، أعني: أنه لم تحدث هذه الحادثة فنزل القرآن ليحرم هذه المسألة، وإنما كانت تحدث في الجاهلية كوضع عام سائد، فجاء القرآن الكريم محرما لها ابتداء ليعالج هذه الحالة من حالات المجتمع الجاهلي. قوله بتعدد النزول: فقد ذكر في معرض كلامه عن قول الله تعالى: {وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ} (24) [الحجر:24]، هل هي مكية أو مدنية بعد أن يذكر رواية عن ابن عباس أن الآية نزلت بالمدينة، في الذين قصدوا بيع دورهم القاصية عن المسجد، واشتروا دورا قريبة من المسجد، لازدحامهم على الصف الأول. يقول: «فعلى هذا القول مكية، أي سورة الحجر، إلا هذه الآية، أو الآية نزلت مرتين» (¬3). والقول بتعدد النزول أكثر من مرة، هو محاولة للتخلص من قبول بعض الأقوال وردّ بعضها الآخر، مع صعوبة الجمع بينهما، فيصار إليهما جميعا، والحكم عند ذلك بتعدد النزول. وهذا الكلام غير مقنع البتة، فقد ذكر الآلوسي الاعتراض على القول بتعدد النزول بعد أن عرف النزول بأنه ظهور من عالم الغيب إلى الشهادة، والظهور بها لا يقبل التكرار، فإن ظهور ¬
المطلب الثالث التناسب بين الآيات
الظاهر ظاهر البطلان. (¬1)، وقال الأستاذ الدكتور فضل عباس: «وتعدد النزول على الرغم من أن بعض العلماء لا يرى به بأسا، إلا أن الذي يبدو لنا بعد نظر ثاقب، أن الأمر ليس كذلك، فليس هناك داع لأن تنزل الآية أكثر من مرة واحدة». (¬2) المطلب الثالث التناسب بين الآيات القرآن الكريم كتاب الله تعالى، أنزله على نبيه محمد صلّى الله عليه وسلّم منجما على فترة من الزمن، امتدت ثلاثة عشر عاما، ولكن هذا الكتاب ليس كباقي الكتب، فإنه وحدة واحدة متماسكة مترابطة، يأخذ بعضها بحجز بعض، فلا يجد القارئ لآياته اختلافا بينها نتيجة لهذا الوقت. وعلم المناسبة علم شريف دقيق، حتى قيل فيه: أكثر لطائف القرآن مودعة في الترتيبات والروابط. وقيل: ارتباط آي القرآن بعضها ببعض حتى تكون كالكلمة الواحدة، متسقة المعاني، منتظمة المباني. (¬3) المناسبة في اللغة: المشاكلة والمقاربة. (¬4) اصطلاحا: «هو المعنى الرابط بين الآيات، عام أو خاص، عقلي أو حسي، خيالي أو غير ذلك من أنواع العلاقات، أو التلازم الذهني، كالسبب والمسبب، والعلّة والمعلول، النظيرين والقيدين ونحوه» (¬5). وفائدته: جعل أجزاء الكلام بعضها آخذ بأعناق بعض، فيقوى بذلك الارتباط، ويصير التأليف حاله حال البناء المحكم المتلائم الأجزاء. (¬6) والمناسبة على ضربين: الأول: مناسبة في المعاني: وهي أن يبتدئ المتكلم بمعنى ثم يتم كلامه بما يناسبه من معنى دون لفظه. الثاني: مناسبة لفظية: وهي دون رتبة المعنوية، فهي الإتيان بكلمات تامة أو غير تامة. فالتامة تكون مقفاة موزونة، وغير التامة، أي: ناقصة، موزونة غير مقفّاة. (¬7) لم يهتم المؤلف رحمه الله تعالى بمناسبة السور بعضها مع بعض، لكنه في كثير من المواضع نجده يربط الآية بسابقتها واتصالها بها، وفي بعض الأحيان يذكر صلة نهاية الآية بالآية نفسها، ونجده يصرح في أكثر تلك المواضع بقوله: واتصال الآية بما قبلها من حيث. . . فمن الأمثلة على ذلك ما يأتي: ¬
أولا-مناسبة الآية لما قبلها: وهذا كثير، نضرب عليه بعض الأمثلة: 1 - في سورة آل عمران آية 96 يقول: «واتصال قوله: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ} بما قبلها من حيث اتباع ملة إبراهيم». (¬1) 2 - وعند قوله تعالى: {فَإِذا قَرَأْتَ} [النحل:98] يقول: «اتصالها من حيث إن الاستعاذة من الأعمال الصالحة» (¬2). 3 - وقد يذكر أكثر من اتصال للآية مع ما سبقها: ففي السورة نفسها وعند قوله تعالى: {وَلِلّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ} [آل عمران:109] يقول: «اتصالها بما قبلها لأن الإساءة إلى المملوك على الإطلاق لا يكون ظلما ما لم يخالف للحكمة، يدل عليه إحداث الآلام الدنياوية في الحيوان ابتداء من غير جزاء. وعلى المعنى الثاني من حيث ذكر الملك والاستيلاء ليكون الوعد والوعيد أمكن في قوالب المخاطبين». (¬3) ثانيا-مناسبة نهاية الآية للآية: وهذا النوع قليل جدّا، ونعطي عليه الأمثلة الآتية: 1 - يقول عند قوله: {سَرِيعُ الْحِسابِ} [آل عمران:199]: «واتصال هذا القول بما قبله من حيث إن الجزاء بعد الحساب». (¬4) 2 - وفي الآية {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً} (29) [النساء:29]، يقول: «وإنّما وصف نفسه بالرّحمة؛ لأنّه أراد بنا الخير حيث نهانا عن أكل المال بالباطل وقتل النّفس المحظورين بالعقل قبل الوحي». 3 - ويقول: «وذكر المغفرة والرحمة لترغيب التائبين الذين ركبوا السفينة» (¬5)، وذلك في قوله تعالى: {وَقالَ اِرْكَبُوا فِيها بِسْمِ اللهِ مَجْراها وَمُرْساها إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} (41) [هود:41]. ثالثا-مناسبة قصة لما سبقها من آيات: وهذا نادر عنده، لم أجد عنده إلا مثالا واحدا، وهو: عند قوله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ فَسْئَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ إِذْ جاءَهُمْ فَقالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يا مُوسى مَسْحُوراً} (101) [الإسراء:101]، يقول: «اتصالها من حيث اقتراحهم الآيات» (¬6). ¬
المطلب الرابع ذكره عدد آيات السورة
المطلب الرابع ذكره عدد آيات السورة يذكر المؤلف، رحمه الله تعالى، عدد آيات كل سورة من سور القرآن الكريم التي يفسرها، ويذكر معه العدد الذي ذكره، سواء كان العدد مكيا أو مدنيا، أو. . . . وفي ذكر هذا العدد فوائد عديدة، لم يذكرها المؤلف، وذلك أن بعض أهل العلم قد أفرد هذا العلم بكتب مخصوصة، فصّلت القول في هذا، ومن هذه الفوائد ما يأتي (¬1): 1 - معرفة الوقف. 2 - إن الإجماع منعقد على أن الصلاة لا تصح بنصف آية. (¬2) وقال بعض العلماء: تجزئ بآية. وقال غيرهم: تجزئ بثلاث آيات. 3 - إن الإعجاز القرآني لا يقع بدون آية. وقال بعضهم: بثلاث آيات. والسبب في الاختلاف في عدد آي القرآن أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان يقف على رؤوس الآي للتوقيف، ثم إن بعض العلماء يعدّ البسملة آية من الفاتحة، وبعضهم لا يعدّها. (¬3) ومما ينبغي التنبيه إليه الاختلاف في عدد الآيات للسورة، كثرة وقلّة، لا يعني زيادة القرآن أو نقصانه، وإنما هو معرفة للفواصل القرآنية فحسب. (¬4) ومن المفيد أن أذكر أنواع العدد التي ذكرها المؤلف، وأبين المراد منها كي تكون الصورة واضحة للقارئ: «العدد المكي: هو ما روي عن عبد الله بن كثير القارئ عن مجاهد بن جبر عن ابن عباس عن أبي بن كعب عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وعدد آي القرآن الكريم عنده هو 6210 آية. العدد المدني الأول: هو ما رواه نافع عن شيخيه لكن اختلف أهل الكوفة والبصرة في روايته عن المدنيين. فأما أهل الكوفة فرواه عن أهل المدينة بدون تعيين أحد منهم، ورواه أهل البصرة عن ورش عن نافع عن شيخه، وعدد آي القرآن في رواية الكوفيين عن أهل المدينة 6217، وفي رواية أهل البصرة 6214، والذي اعتمده الإمام الشاطبي رواية أهل الكوفة، قد تبع في ذلك الإمام الداني. العدد المدني الأخير: وهو ما يرويه إسماعيل بن جعفر عن يزيد وشيبة (بوساطة) نقله عن سليمان بن جماز عن شيبة ويزيد، وعدد آي القرآن عنده 6214. العدد الدمشقي (الشامي): وهو ما رواه يحيى الذماري عن عبد الله بن عامر اليحصبي عن أبي الدرداء، وينسب هذا العدد إلى عثمان بن عفان رضي الله عنه، وعدد الآي فيه 6227، وقيل:6226. ¬
العدد البصري: هو ما يرويه عطاء بن يسار وعاصم الجحدري، وهو منسوب بعد إلى أيوب بن المتوكل، وعدد آي القرآن عنده 6204. العدد الكوفي: هو ما يرويه حمزة وسفيان عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه (بوساطة) ثقات ذوي علم وخبرة، وهذا العدد الذي اشتهر بالعدد الكوفي، فيكون لأهل الكوفة عددان: أحدهما مروي عن أهل المدينة، وهو المدني الأول، السابق ذكره، وثانيهما: ما يرويه حمزة وسفيان، كما تقدم. والحاصل أن ما يروى عن أهل الكوفة موقوفا على أهل المدينة فهو المدني الأول، وما يروى عنهم موصولا إلى علي بن أبي طالب فهو المنسوب إليهم، وعدد آي القرآن فيه 6236». (¬1) وهناك أمثلة كثيرة ذكرها المؤلف في مطلع كل سورة من سور القرآن نذكر أمثلة على ذلك: أولا-في مطلع سورة هود عليه السّلام يذكر أن عدد آياتها هو: «مئة واثنتان وعشرون آية عند أهل المدينة والشام» (¬2). مما يدل على أنه يتبنى هذا القول، إذ لم يذكر بقية العادّين لآيات هذه السورة، كما أنه لم يبين أن العدد المدني هو العد الأول أو الأخير، مما يشكل أنه هذا العدد للمدني الأول والأخير، لكن في كتاب البيان في عد آي القرآن يوضح أن هذا العدد الذي ذكره هو العد المدني الأول والشامي، أما العدد المدني الأخير والمكي والبصري لهذه السورة هو (مئة وإحدى وعشرون آية). وكذلك سورة الإسراء يذكر أن عدد آياتها هو «مئة وعشر آيات في غير عدد أهل الكوفة» (¬3)، ولم يذكر كم عدد آياتها عند أهل الكوفة الذي هو مئة وإحدى عشرة آية. ثانيا-هناك بعض السور يذكر عددها وأنه لا خلاف في هذا العدد كما في سورة يوسف، فيقول: «مئة وإحدى عشرة آية بلا اختلاف» (¬4)، وكذلك سورة الفرقان (¬5). ثالثا-وبعض السور يذكر العد الحجازي فقط، وهو العدد الذي يشمل العدد المدني الأول والأخير والمكي، وكأنه يتبنى هذا العدد أو يميل إليه، ففي سورة الرعد يذكر أنها «أربع وأربعون آية حجازي» (¬6)، وسورة الكهف «مئة وخمس آيات في عدد أهل الحجاز» (¬7)، إلى غير ذلك من السور. رابعا-وسور أخرى يذكر عدد آياتها من غير أن يبين أنه لا اختلاف فيه، أو هو لعدد معين، كما نجد ذلك في سورة الحجر إذ يقول: «وهي تسع وتسعون آية» (¬8). وسورة النحل «مئة ¬
المطلب الخامس فضائل السور والآيات
وثمان وعشرون آية» (¬1)، وكذلك سورتي القصص والعنكبوت. وهو في الحقيقة لا اختلاف فيه، وأجمع العادّون على عدد آيات هذه السور. خامسا-في سورة مريم يقول: «وهي ثمان وتسعون آية في غير عدد أهل مكة وإسماعيل» (¬2)، وسورة المؤمنون «مئة وتسع عشرة آية في غير عدد أهل الكوفة» (¬3). وذكر هنا أن العدد لإسماعيل مخالف ما ذكره في غيرها بأنه عدد أهل المدينة الأخير. المطلب الخامس فضائل السور والآيات وردت أحاديث كثيرة في فضائل سور القرآن الكريم، بيد أن قسما من هذه الأحاديث ليس صحيحا، كما قرر أهل العلم، قال ابن تيمية (¬4)، رحمه الله تعالى: «وفي التفسير من هذه الموضوعات قطعة كبيرة مثل الحديث الذي يرويه الثعلبي والواحدي والزمخشري في فضائل سورة القرآن سورة سورة، فإنه موضوع باتفاق أهل العلم». وقد ذكر المؤلف، رحمه الله تعالى، في كثير من السور فضائل لهذه السور وبعض آياتها: أولا-فضائل بعض الآيات: ومن الأمثلة على ذلك: 1 - في مطلع سورة الكهف يذكر ثلاثة أحاديث في فضل أوائل سورة الكهف، فيقول: عن أبي الدرداء، عنه عليه السّلام: «من حفظ أول الكهف عصم من فتنة الدجال»، وعنه مرفوعا: «من قرأ ثلاث آيات من أول الكهف عصم من الدجال»، وروي عنه عليه السّلام: «من قرأ عشر آيات من أول الكهف عصم من فتنة الدجال». (¬5) 2 - وفي آخر سورة الكهف يذكر حديثا في فضل قوله تعالى: {فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً} [الكهف:110]، عن عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أنه أوحي إليّ من قال: {فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً} كان له نور من عدن أبين إلى مكة حشوه الملائكة» (¬6). 3 - وفي سورة المؤمنون يذكر فضل الآيات في مطلع السورة فيقول: «وعن عمر بن الخطاب قال: كان النبي عليه السّلام إذا نزل عليه الوحي سمع عند وجهه دوي كدوي النحل، فأنزل عليه يوما فمكثنا ساعة فسرّي عنه، فاستقبل الكعبة، فرفع يديه وقال: «اللهم زدنا ولا ¬
ثانيا-فضائل السور: ومن الأمثلة عليه
تنقصنا، وأكرمنا ولا تهنّا، وأعطنا ولا تحرمنا، وآثرنا ولا تؤثر علينا، وارضنا وارض عنّا»، ثم قال: «أنزل عليّ عشر آيات من أقامهن دخل الجنة»، ثم قرأ: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} (1) [المؤمنون:1] حتى ختم عشر آيات» (¬1). ثانيا-فضائل السور: ومن الأمثلة عليه: 1 - ما جاء في آخر سورة الكهف: «قال البراء بن عازب: بينما رجل يقرأ سورة الكهف إذا رأى دابته تركض، فنظر فإذا مثل الغمامة أو السحابة، فأتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فذكر ذلك له، فقال عليه السّلام: «تلك السكينة نزلت مع القرآن، أو نزلت على القرآن»» (¬2). 2 - ونجده يذكر في كثير من السور حديث أبي بن كعب في فضل القرآن الكريم سورة سورة، ففي آخر سورة مريم يقول: عن أبي بن كعب، عنه عليه السّلام: «من قرأ سورة مريم أعطي عشر حسنات بعدد من كذب زكريا، وصدّق به، ويحيى وعيسى وإبراهيم وإسحاق ويعقوب وموسى وهارون وإدريس، وبعدد من دعا لله ولدا، لا إله إلا الله، وبعدد من لم يدع لله ولدا» (¬3). وهذا حديث موضوع باتفاق العلماء كما ذكرنا قول ابن تيمية في صدر هذا المبحث، وفي تخريج الحديث في موضعه هناك. 3 - وكذلك مطلع سورة طه، فيذكر حديثا في فضل سورة طه وسورة يس ما نصه: «عن أبي هريرة، عنه عليه السّلام: «أن الله تبارك وتعالى قرأ طه ويس قبل أن يخلق آدم بألفي سنة، فلما سمعت الملائكة القرآن قالت: طوبى لأمة ينزل هذا عليها، وطوبى لأجواف تحمل هذا، وطوبى لألسن تتكلم بهذا»» (¬4). وهو حديث موضوع. وكذلك يذكر قول عمر ابن الخطاب رضي الله عنه في سورة النور، فيقول: «عن أبي عطية قال: كتب عمر: علموا نساءكم سورة النور» (¬5). المطلب السادس القراءات القرآنية القراءات: جمع قراءة، وهي في اللغة مصدر سماعي لقرأ. (¬6) وتدل في أصل معناها على الجمع والضم. (¬7) أما في الاصطلاح: فقد عرفه ابن الجزري (¬8) بأنها: «علم بكيفية أداء كلمات القرآن ¬
واختلافها معزوّا للناقلة». والقراءات القرآنية هي جزء من الأحرف السبعة التي جاء بها الحديث الشريف عن النبي عليه السّلام: «أنزل القرآن على سبعة أحرف كلها شاف كاف»، فالأحرف السبع هي أعمّ من القراءات، قال مكي بن طالب رحمه الله: «فإن سأل سائل فقال: هل القراءات السبعة التي يقرأ بها الناس اليوم، وتنسب إلى الأئمة، هي الأحرف السبعة التي أباح النبي صلّى الله عليه وسلّم القراءة بها. . . أو هي بعضها، أو هي واحدة منها؟ فالجواب أن هذه القراءات كلها التي يقرأ بها الناس اليوم، وصحت روايتها عن الأئمة، إنما هي جزء من الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن، ووافق اللفظ بها خط المصحف، مصحف عثمان، الذي أجمع الصحابة فمن بعدهم عليه، واطرح ما سواه مما خالف خطه. .». (¬1) والقراءات القرآنية على أنواع ستة هي (¬2): النوع الأول: القراءات المتواترة: وهي التي نقلت جمعا عن جمع لا يمكن تواطؤهم على الكذب عن مثلهم إلى منتهاه. النوع الثاني: القراءات المشهورة: وهي ما صح سندها، ولم تبلغ درجة التواتر، ووافقت العربية والرسم العثماني، واشتهرت عند القرّاء، فلم يعدوها من الغلط، ولا من الشذوذ، ويقرأ به. النوع الثالث: القراءات الآحاد: وهي ما صح سندها، وخالفت الرسم العثماني أو العربية، ولا يقرأ به. النوع الرابع: القراءات الشاذة، وهي ما لم يصح سنده. النوع الخامس: القراءات الموضوعة. النوع السادس: المدرج: وهو ما زيد في القراءات على وجه التفسير. وبناء على هذا التقسيم السداسي قسمت القراءة إلى قسمين: الأول: القراءة المقبولة، وتشمل: المتواترة والمشهورة. الثاني: القراءة غير المقبولة، وتشمل الأنواع الأخرى. فحكم القسم الأول هو جواز القراءة بها، وتجزئ في الصلاة، أما القسم الثاني فلا يعدّ قرآنا، ولا تجوز القراءة بها في الصلاة ولا خارجها، لكن يحتج بها في اللغة والإعراب والتفسير. رغم أهمية القراءات القرآنية في تفسير القرآن وفهمه، نجد أن المؤلف رحمه الله تعالى لم يولها اهتماما يذكر، إلا أنّه ذكرها في مواضع نادرة جدا، ومن هذه المواضع: 1 - ففي حديثه عن قوله تعالى: {ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ حاجَجْتُمْ} [آل عمران:66] يقول: ¬
«زعمهم ذلك بعد التبديل والتحريف على قراءة قنبل» (¬1) وقد قرأ قنبل: هأنتم، بغير ألف بعد الهاء، على معنى أأنتم. (¬2) 2 - وفي سورة الروم وعند قوله تعالى: {غُلِبَتِ الرُّومُ} (2) [الروم:2] ينقل عن ابن عباس أنه قال: غلبت، وغلبت. وهاتان قراءتان فالجمهور من القراء على أنها غلبت، بالضم، والقراءة الأخرى بالفتح أي: غلبت. (¬3) 3 - وعند قول الله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ} [آل عمران:81]، يقول: «ولقد صرّح ابن مسعود وقرأ: (وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب)»، (¬4) ذلك أنه فسر الآية على القراءة الأولى، بأن أخذ الميثاق من الأمم وليس من الأنبياء، واستشهد بهذه القراءة. ولكنا نجده ينقل قول مجاهد: «حتى ظنّ مجاهد أنّ قراءة ابن مسعود هو لفظ القرآن وأنّ ما انعقد الإجماع من سهو الكاتب»، ويرد على هذا القول بقوله: «وليس كما ظنّ مجاهد؛ لأنّ هذا اللفظ يحتمل ما يحتمله لفظ ابن مسعود». ويذكر ما جاء في مصحف عبد الله بن مسعود، ومصحف أبي بن كعب، ومصحف ابن عباس مستدلا على معنى من المعاني التي يريدها أو فسر بها الآية، ومن الأمثلة على ذلك: 1 - فعند تفسيره قول الله تعالى: {وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللهُ} [آل عمران:7]، يقول: «وفي مصحف عبد الله: (إن تأويله إلا عند الله)» (¬5) مستشهدا على أن المعنى لقوله: {تَأْوِيلِهِ} هو مآله ومصيره وما يؤدي إليه، وأنه هاهنا وقف تام. 2 - وفي معرض الحديث عن قوله تعالى: {حَتّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ} [الأعراف:40] يقول: «وفي مصحف ابن عباس (الجمّل)، بضم الجيم وتشديد الميم» (¬6) ليأتي بمعنى آخر وهو حبل السفينة. 3 - وفي سورة النمل وعند قوله تعالى: {أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النّارِ وَمَنْ حَوْلَها} [النمل:8]، يستشهد بما في مصحف عبد الله بن مسعود وأبي بن كعب على المعنى الذي قاله: «من في طلب النار» (¬7). ¬
المطلب السابع المحكم والمتشابه
المطلب السابع المحكم والمتشابه «ولقد جاء في القرآن الكريم ما يدل على أنه محكم كله، إذ قال سبحانه: {كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ} [هود:1]، وجاء ما يدل على أنه كله متشابه، إذ قال جل ذكره: {اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً} [الزمر:23]، وجاء فيه ما يدل على أن بعضه محكم وبعضه متشابه، إذ قال عز اسمه: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ} [آل عمران:7]، ولا تعارض بين هذه الإطلاقات الثلاثة، لأن معنى إحكامه كله أنه منظم رصين، متقن متين، لا يتطرق إليه خلل لفظي ولا معنوي،. . .، ومعنى كونه كله متشابها أنه يشبه بعضه بعضا في إحكامه وحسنه، وبلوغه حد الإعجاز في ألفاظه ومعانيه،. . .، وأما أن بعضه محكم وبعضه متشابه، فمعناه أن من القرآن ما اتضحت دلالته على مراد الله تعالى منه، ومنه ما خفيت دلالته على هذا المراد الكريم، فالأول هو المحكم، والثاني هو المتشابه، على خلاف يأتي بين العلماء في ذلك». (¬1) المحكم: لغة: الإحكام: المنع، وأحكم الأمر أي أتقنه ومنعه من الفساد. (¬2) والمتشابه: لغة: من شبه، وهو «أصل واحد يدل على تشابه الشيء وتشاكله لونا ووصفا. . . والمشبهات من الأمور: المشكلات، واشتبه أمران إذا أشكلا». (¬3) أما كلاهما من حيث الاصطلاح، فقد ورد فيهما أقوال عدة (¬4): فالمحكم: هو ما وضح معنا. والمتشابه نقيضه. المحكم: ما لا يحتمل من التأويل إلا وجها واحدا، والمتشابه: ما احتمل أوجها. المحكم: ما كان معقول المعنى، والمتشابه بخلافه. المحكم: ما استقل بنفسه، والمتشابه ما لا يستقل بنفسه إلا برده إلى غيره. وهناك أقوال أخرى، ليس مجالها الحصر هنا. أما المؤلف رحمه الله فقد عرف المحكم بقوله: «والمحكم: ما أحكم وجهه بتشديد اللفظ وتلخيصه، فلم يترك للمتأول فيه متعلق» (¬5). ولم أجده يعرّف المتشابه. ويقول الراغب في مفردات القرآن (¬6): «الآيات عند اعتبار بعضها ببعض على ثلاثة أضرب: محكم على الإطلاق، ومتشابه على الإطلاق، ومحكم من وجه متشابه من وجه. فالمتشابه بالجملة على ثلاثة أضرب: متشابه من جهة اللفظ فقط، ومن جهة المعنى فقط، ¬
ومن جهتهما. والمتشابه من جهة اللفظ ضربان: أحدهما يرجع إلى الألفاظ المفردة، إما من جهة الغرابة نحو (الأبّ) و (يزفون)، أو الاشتراك: كاليد والعين. وثانيهما: يرجع إلى جملة الكلام المركب، وذلك على ثلاثة أضرب: ضرب لاخصار الكلام، نحو {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ} [النساء:3]، وضرب لبسطه، نحو {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:11] كان أظهر للسامع، وضرب لنظم الكلام، نحو {أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً (1) قَيِّماً} [الكهف:1 - 2] تقديره: أنزل على عبده الكتاب قيّما ولم يجعل له عوجا. والمتشابه من جهة المعنى: أوصاف الله تعالى، وأوصاف القيامة، فإن تلك الصفات لا تتصور لنا إذ كان لا يحصل في نفوسنا صورة ما لم نحسّه، أو لم يكن من جنس ما نحسّه. والمتشابه من جهتهما خمسة أضرب: الأول: من جهة الكمية كالعموم والخصوص، نحو {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة:5]. والثاني: من جهة الكيفية، كالوجوب والندب، نحو {فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ} [النساء:3]. والثالث: من جهة الزمان، كالناسخ والمنسوخ، نحو {اِتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ} [آل عمران:102]. والرابع: من جهة المكان، والأمور التي نزلت فيها، نحو {وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها} [البقرة:189]، {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ} [التوبة:37]، فإن من لا يعرف عادتهم في الجاهلية يتعذر عليه تفسير هذه الآية. والخامس: من جهة الشروط التي يصح بها الفعل أو يفسد كشرط الصلاة والنكاح». وقد قسم المؤلف رحمه الله تعالى آيات القرآن الكريم إلى نوعين هما: المحكم والمتشابه، وذلك كما جاء في تفسيره قول الله تعالى: {يَكادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ} [البقرة:20] إذ يقول: «وتقرير مثل المنافقين من أصحاب الصّيّب من حيث إنّ القرآن نازل عليهم من نحو السماء كالصيّب، وفيه متشابهات ومحكمات» (¬1). ويذكر المؤلف رحمه الله تعالى أن إحدى فوائد نزول المتشابه هو الابتلاء. ويسأل سؤالا: هل يجب الإيمان بغير المعلوم؟ يقول مجيبا على هذا السؤال: نعم للإعجاز الحاصل بالنّظم المعلوم ووقوع بأن معناه موافق للمحكم المعلوم وفي معناه. ¬
أما الأصل الذي يرجع إليه في المتشابه والمحكم، فقد جعله قول الله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ} الآية [آل عمران:7]، (¬1) فكل من أوّل متشابها لابتغاء فتنة من البدعة والضلالة، يكون ضمن هذه الآية، فيكون زائغ القلب، مبتعدا عن الحق. ويستشهد بحديث عن النبي صلّى الله عليه وسلّم الذي يقول فيه: «إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه، فأولئك الذين سمّاهم الله فاحذروهم». وقول لمحمد بن إسحق بن خزيمة عند ما سئل عن الكلام الأسماء والصفات، فقال: بدعة ابتدعوها، ولم يكن أئمّة المسلمين من الصحابة والتابعين وأئمّة الدّين يتكلّمون في تلك، وكانوا ينهون عن ذلك، ويدلّون أصحابهم على الكتاب والسّنّة. (¬2) وفي موضع آخر وفي تفسيره لقول الله تعالى: {أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ} [الأعراف:181]، يتحدث عن تفسير السنة، فيقول: «أن يسلكوا طريق السلف في كراهة الكلام، والجدال في الدين، والتعسف في تأويل متشابه كلام رب العالمين. . .» (¬3). مما يدل أنه يميل في تفسيره إلى عدم التفصيل في المسائل العقدية التي تتحدث عن كلام الله تعالى، وكيفيته وصفته إلى غير ذلك. وهذا ملاحظ في تفسيره رحمه الله تعالى. وعند تفسيره قول الله تعالى: {يا أَيُّهَا النّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ} [الحج:73]، يصفها بأنها متشابهة، يجب التماس حكمها من المحكمات (¬4). ولم يحدد المحكمات، ولم يفصل القول في معنى الآية. وفي تفسير {أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ} [النور:31]، يقول: «من المتشابه المختلف في تأويله». وكذلك (التابعون) في الآية نفسها. (¬5) وفي تفسيره قول الله تعالى: {وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [النحل:44] يقول: «يدلّ: أنّ فيه ما يعلم بالتفكير والتدبر، فأما ما لا يعلم تأويله إلا الله، فذلك جنس ثالث، وقد بين ذلك في أثناء المحكمات على طريق الإجمال دون اليقين، وما يعلم معناه عند ورود الخطاب من غير توقيف ولا تفكر جنس رابع، وهو الحجة على جميع العقلاء» (¬6). فقسم آيات القرآن الكريم بهذا إلى ثلاثة أقسام: الأول: ما يعلم بالتفكير. الثاني: ما يعلم بالتدبر. الثالث: الذي لا يعلم تأويله إلا الله تعالى، فهذا الجنس الثالث هو المتشابه، الذي ذكر في قوله تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ اِبْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَاِبْتِغاءَ} ¬
المطلب الثامن المكي والمدني
{تَأْوِيلِهِ وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللهُ} [آل عمران:7]، فمهما تدبر الإنسان أو تفكر في هذه الآيات فلا يستطيع معرفة تأويلها، لكن الله قد وضح كثيرا منها على طريق الإجمال دون اليقين، أو ما يبينه الرسول صلّى الله عليه وسلّم كما جاء في تفسيره قول الله تعالى: {لِتُبَيِّنَ لِلنّاسِ} [النحل:44]، إذ يقول: «ما نزّل إليهم، يدل أن في القرآن ما لا يعلم إلا بالتوفيق النبوي»، ويقول في مكان آخر: «هل كان النبي صلّى الله عليه وسلّم يعلم تأويل هذا النوع من المتشابه؟ قلنا: يجوز أن يعلم بالتوقيف لا من جهة نفسه، كما علم أشياء من الغيب» (¬1). مما يجعل مرد معرفة المتشابه إلى شيء واحد ألا وهو الوحي من الله تعالى لرسوله سواء أكان القرآن الكريم أم السنة النبوية المطهرة. المطلب الثامن المكي والمدني اختلف العلماء في تعريف المكي والمدني إلى ثلاثة أقوال كلّ على اعتبار خاصّ: الأول: اعتبار زمن النزول، فيكون معنى المكي: هو ما نزل قبل الهجرة، والمدني: ما نزل بعدها سواء نزل بالمدينة أم بغيرها كمكة، أو بالأسفار. والمؤلف يميل إلى هذا التقسيم إذ ذكر في مطلع سورة المائدة أنها «مدنية إلا قوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة:3]، فإنها نزلت بعرفات، وحكمها مدنية» (¬2). مما يبين أن ما نزل بعد الهجرة هو مدني وإن نزل بغير المدينة. الثاني: اعتبار مكان النزول، فيكون معنى المكي: ما نزل بمكة ولو بعد الهجرة، والمدني: ما نزل بالمدينة. الثالث: اعتبار الذين توجه إليهم الخطاب، وعلى هذا يكون معنى المكي: ما وقع خطابا لأهل مكة، والمدني: ما وقع خطابا لأهل المدينة. وأشهر الأقوال وأصحها وأشملها هو القول الأول. (¬3) وفائدة معرفة المكي والمدني هي: أولا-العلم بالمتأخر، فيكون ناسخا أو مخصصا على رأي من يرى تأخير المخصص. (¬4) ثانيا-التعرف على مراحل الدعوة الإسلامية، وخطواتها الحكيمة المتدرجة الأحداث. ثالثا-الوقوف على أساليب الدعوة المختلفة في مخاطبة المؤمنين والمشركين وأهل الكتاب. (¬5) ¬
وفي درج الدرر نجد المؤلف رحمه الله تعالى يهتم بهذا الموضوع اهتماما كبيرا، فكل سورة يريد تفسيرها يكون أول شيء يتحدث عنه هو مكية السورة ومدنيتها، وله في ذلك أكثر من أسلوب، ومن ذلك: 1 - أن تكون السورة مكية، فيذكر ذلك، مثل سورة الحجر وفي أولها يقول: «مكية» (¬1). وكذلك مريم (¬2) وطه (¬3). ففي سورة الحجر جزم بمكية السورة، ولم يستثن شيئا منها بأنه مدني، لكن هذا يتعارض مع الحديث الذي أخرجه الترمذي والحاكم وغيرهما، والذي يتبين منه أن في السورة آية مدنية، وهي قوله تعالى: {وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ} (24) [الحجر:24]. وهذا ما ذكره المؤلف عند تفسير هذه الآية، ولم يذكره في مقدمة السورة، عند بيانه مكية السورة. 2 - أن تكون السورة مدنية عنده، مثل: سورة النور (¬4) وآل عمران (¬5)، وفي أول حديثه عنهما يقول: «مدنية»، وفي هذين الأسلوبين يتبنى هذا القول، فلا يذكر رأيا آخر مغايرا لهذا الرأي. 3 - تكون السورة مكية، لكنه لا يتبنى هذا الرأي، فيقول في أول سورة المؤمنون: «مكية في قولهم» (¬6)، ولم يعط رأيا مغايرا أو موافقا لهذا الرأي. 4 - لكن أكثر السور القرآنية قد ذكر فيها اختلافا وأقوالا، لكنه يتبنى رأيا معينا في أول السورة، ثم يذكر الآراء المخالفة، ففي بداية سورة الأعراف يصدر القول بمكية السورة، ثم يروي عن ابن عباس وقتادة إلا خمس آيات نزلن بالمدينة، قوله: {وَسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ.} (¬7) هكذا من غير أن يوضح الآيات الخمس. وكذلك في مطلع سورة يونس عليه السّلام بعد أن يؤكد أن السورة كلها مدنية، يذكر رواية عن ابن عباس يستثني من مكية السورة ثلاث آيات وهي: {فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ} الآيات [يونس:94]، ويأتي برواية أخرى من غير أن ينسب القول لصاحبه فيقول: الآية نزلت في يهود المدينة، وهي قوله: {وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ} [يونس:40]. (¬8) 5 - وقد يذكر مكان نزول الآية: مثل نزول قوله تعالى: {قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ} [الأنعام:151]، فينقل عن عطاء أن السورة مكية إلا ثلاث آيات، هذه الآية وما ¬
بعدها، نزلن بالمدينة أو بين مكة والمدينة. (¬1) وكذلك قوله تعالى: {وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاِجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً} (80) [الإسراء:80] نزلت بين مكة والمدينة، فيما يرويه عن ابن عباس رضي الله عنهما. ويذكر أكثر من قول في أنها نزلت بين مكة والمدينة، أو أنها مدنية إلا بعضها نزل في السفر، من غير تحديد للمكان. (¬2) 6 - وفي سورة التوبة وبعد أن يذكر أن السورة مدنية كلها، يروي عن مجاهد أنها آخر ما نزلت (¬3)، أي: آخر ما نزل من السور. 7 - ويحدد وقت نزول آية: فعند الحديث عن مكية سورة النحل، يقول: «وعن ابن عباس وعطاء وابن المبارك وجماعة إلا قوله: {وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصّابِرِينَ} (126) [النحل:126]، فإنها نزلت في منصرف النبي عليه السّلام من أحد. (¬4) ويمكن تقسيم السور القرآنية إلى المجموعات الآتية حسب ما ذكر المؤلف فيها: أولا-السور المكية: هي السور المتفق على مكيتها، حسب رأيه، ولم يذكر فيها أي خلاف، وهي: الحجر، مريم، طه، الأنبياء، النمل، الأحزاب، سبأ، فاطر، الصافات، ص، فصلت، الزخرف، الدخان، الذاريات، الطور، الملك، الحاقة، المعارج، نوح، الجنّ، المدثر، القيامة، النبأ، النازعات، عبس، التكوير، الانفطار، الانشقاق، البروج، الطارق، الأعلى، الغاشية، الفجر، البلد، الشمس، الليل، الضحى، الشرح، العلق، القارعة، التكاثر، الهمزة، الفيل، قريش، النصر، المسد. ثانيا-السور المدنية: هي السور المتفق على مدنيتها، حسب رأيه، ولم يذكر فيها خلاف، وهي: آل عمران، النساء، المائدة، التوبة، النور، الفتح، الحجرات، الحديد، المجادلة، الحشر، الممتحنة، الجمعة، المنافقون، الطلاق، التحريم، الإنسان. ثالثا-المختلف فيها: وهي السور التي ذكر فيها خلافا بمكيتها ومدنيتها سواء من قوله أو قول غيره، وهي: الرعد، العنكبوت، القمر، الرحمن، الصف، التين، القدر، البينة، الزلزلة، العاديات، العصر، الماعون، الكوثر، الكافرون، الإخلاص، الفلق، الناس. رابعا-السور التي فيها استثناء: وهي السور التي ذكر فيها استثناء سواء من قوله أو قول ¬
غيره، وهي: الأنعام، الأعراف، الأنفال، يونس، هود، يوسف، إبراهيم، النحل، الإسراء، الكهف، الحج، المؤمنون، الفرقان، الشعراء، القصص، الروم، لقمان، السجدة، يس، الزمر، غافر، الشورى، الجاثية، الأحقاف، محمد، ق، النجم، الواقعة، التغابن، القلم، المزمل، المرسلات، المطففين. ملحوظة: سورة الفاتحة والبقرة لم يذكر فيهما شيء.
المبحث الرابع متفرقات
المبحث الرابع متفرقات المطلب الأول الناسخ والمنسوخ إن معرفة الناسخ والمنسوخ في القرآن العظيم له أهمية كبيرة، تنبع من أهمية التشريع الآتية من هذا الكتاب الكريم المعجز، واهتم العلماء بهذا النوع من أنواع علوم القرآن، وتوسعوا فيه، وأهميته يمكن إيجازها بما يأتي: 1 - أنه يكشف النقاب عن سير التشريع الإسلامي، ويطلع الإنسان على حكمة الله تعالى في تربيته للخلق، وسياسته للبشر، وابتلائه لهم. 2 - أنه ركن عظيم في فهم الإسلام، وفي الاهتداء إلى صحيح الأحكام، خصوصا إذا ما وجدت أدلة متعارضة لا يندفع التناقض بينها إلا بمعرفة سابقها من لاحقها، وناسخها من منسوخها. 3 - أنه تناول مسائل دقيقة، كانت مثارا لخلاف الباحثين الأصوليين. (¬1) والمؤلف رحمة الله عليه منطلقا من أهمية هذا العلم، تكلم عن النسخ بشكل موسع نوعا ما، وذلك عند حديثه عن قول الله تعالى: {*ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (106) [البقرة:106]. (¬2) تعريف النسخ عنده: «في اللغة: هو الإزالة والإزاحة، آخذا ذلك من قول القائل: نسخت الشمس الظل، والريح الأثر» (¬3)، لكنه لم يبين كما بين غيره ممن تحدث عن النسخ بأن كلا من هاتين الجملتين تدل على معنى خاص: فالجملة الأولى: نسخت الشمس الظل، إذا أزالته وحلت محله، أي: أن النسخ هنا يكون ببدل، بمعنى أن الشمس أزالت الظل فأذهبته، وحلّت محله. أما الجملة الثانية: نسخت الريح الأثر: فهي بمعنى أن الريح أزالت الأثر، بيد أنها لم تحل محله، بل زالا جميعا، فهو نسخ إلى غير بدل. (¬4) ¬
ويتم قوله في المعنى اللغوي: «وتسمى كتابة ما هو في كتاب سابق نسخا مجازا، وكذلك تسمى نقلا، وحقيقة النقل ما يكون به فراع محلّ لشغل محلّ» (¬1). وعرّف النسخ أنه: «إزالة ما سبق في كونه صلاحا في وقت دون وقت بما سبق في كونه صلاح في الوقت الأول صلاحا في الوقت الثاني» (¬2). فهذا التعريف جاء به المؤلف في معرض رده على اليهود والإمامية، ليفرق بين النسخ والبداء، فركز في تعريفه على أن علم الله تعالى عام في الحكم الأول الذي جاء النسخ عليه يعلم أنه ينتهي في هذا الوقت، وأنه صالح لهذا الوقت الذي حدده الله تعالى، وليس صالحا لأن يستمر، وإنما يستمر مدة من الزمن، ينتهي عند موعد نزول الحكم الآخر الذي يبدأ من هذا الوقت الذي انتهى عنده الحكم الأول، وأن الحكم الثاني صالح لهذا الوقت، وكذلك صالح للاستمرارية، فهو في علمنا، نحن البشر، أنه استجد حكم بعد حكم وبدا لنا فيه أمر، أما في علم الله تعالى فهو معلوم في الأزل. وعرف البداء بأنه فيعرفه ليبين أنه غير النسخ، فالبداء: «هو الاستدراك عند اتّضاح الملتبس. تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا». (¬3) فالبداء هو عند ما يتضح عند صاحبه أمر شيء جديد ليس في معلومه، فإنه يبدل ويحول فيما كان يريد أن يقوم به، بسبب ما اتضح واستجد لديه من أمور كانت خافية عليه من قبل. وهذا لا ينطلق على علم الله تعالى، فالله تعالى عالم علما كاملا بكل شيء ما كان وما يكون وما لم يكن لو كان كيف يكون. وقد أثبت النسخ من الناحية العقلية والنقلية: أولا-الناحية النقلية: أثبت النسخ بأدلة من القرآن الكريم، هي (¬4): 1 - قول الله تعالى: {أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} [الأعراف:54]، ووجه الاستدلال «نسخ الخلق بالخلق لا يؤدّي إلى البداء فكذلك نسخ الأمر بالأمر». 2 - قول الله تعالى: {وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ} [النحل:101]. 3 - قول الله تعالى: {يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ} (39) [الرعد:39]. وكلتا الآيتين استشهد بهما في معرض رده على اليهود والإمامية. لكنه لم يذكر أدلّة في جواز النسخ من السنة النبوية المطهرة. إلا أنه ذكر أمثلة من الأمم السابقة على جواز النسخ، ومن هذه الأمثلة: 1 - تزويج آدم أولاد صلبه بعضهم من بعض. ¬
2 - جمع يعقوب عليه السّلام بين أختين، لايان وراحيل ابنتا خاله، ثمّ حرّمت ذلك التوراة. 3 - حكم الختان لإبراهيم. كما أنه أثبت النسخ من الناحية العقلية بقوله: «أن قطع العضو محظور، ثم إذا أصابته آفة يرجو صاحبه السلامة بالقطع، كان له أن يقطع». ويذكر مذهبه في النسخ، فيما يجوز فيه النسخ وما لا يجوز فيه: أولا-ما لا يجوز النسخ فيه: أحدها: نسخ ما يستحيل نسخه بغير جحد أو اعتراف بالكذب، كنسخ قصّة عاد وثمود وغيرهم، وكالإخبار عن نفسه بقوله: {إِنَّ اللهَ جامِعُ الْمُنافِقِينَ وَالْكافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً} [النساء:140]، وعن قول الشيطان: {لَمّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللهَ وَعَدَكُمْ [وَعْدَ الْحَقِّ]} [إبراهيم:22]، وعن قول الضعفاء والمستكبرين في النار وقول الملائكة لهم. والثاني: نسخ ما لا يجيز العقل نسخه، كنسخ الإحسان والإذعان والإيمان. والثالث: نسخ ما يؤدّي إلى اللوم والغرور، كنسخ ما أوجب الله تعالى من جزاء الإحسان. والرابع: نسخ يؤدّي إلى الحنث، كنسخ قوله: {لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ،} الآية [الأعراف:18]، وقوله: {فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} [الحجر:92]، {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاّ وارِدُها،} الآية [مريم:71]. ولو لم يكن للقسم مزيّة على الوعد والوعيد لما ذكر القسم. والخامس: نسخ حكم لم يفد شيئا، كنسخ ما لم ينزله جبريل عليه السّلام بعد، إذ هو يؤدّي إلى البداء. والسادس: نسخ لم يبيّن؛ لأنّه محال إذ ترك تبيين النسخ إبقاء للحكم الأوّل، فلا يجتمعان. أما ما يجوز النسخ فيه: الأوّل: الأثقل بالأخفّ، كنسخ تحريم الرّفث ليالي الصوم بالإباحة. والثاني: نسخ المثل بالمثل، كنسخ التّوجّه إلى قبلة بإيجاب التّوجّه إلى قبلة. والثالث: نسخ ما هو أقلّ ثوابا بما هو أكثر ثوابا، كنسخ صوم يوم عاشوراء بصوم شهر رمضان. والرابع: نسخ ما أفاد معنى قبل نسخه، كنسخ خمسين صلاة ليلة المعراج بخمس صلوات. وفائدة الحكم الأوّل اعتقاد نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم وجوبها، وإكرام الله إيّاه بالتّشفيع وإمضاء ثواب خمسين صلاة بخمس صلوات. وهذا النوع يأباه بعض المتكلّمين من المعتزلة وغيرهم. والخامس: نسخ ما يحمد، كنسخ ما أوجب الله تعالى أهل الارتكاب من العذاب بالعفو، وإنّما جاز لوقوعه محمودا حسنا، لأنّه تعالى شرط لنفسه المشيئة فيه. وهذا النوع يأباه فريق من المعتزلة أيضا، ويجعلونه من حيّز الإخبار.
والسادس: نسخ التلاوة مع بقاء المعنى؛ لأنّ التلاوة وحدها تتفرّد بحكم غير حكم المعنى، وهو ترك مسّه محدثّا، وإقامة التحريم بها، فلم يقف نسخها على نسخه. وهذا النوع يأباه الزجّاج في ما روي عنه. ثم يقول: «وخلق النسيان جائز في الأنواع الاثني عشر كلبها، وهو مثل النسخ وليس بنسخ». وهذا القول هو ما يذكره غيره بالنوع الآخر من أنواع النسخ وهو النسخ إلى غير بدل، من مثل ما جاء في الحديث: بأن سورة الأحزاب كانت تعدل سورة البقرة طولا، فنسخ الله منها ما شاء بغير عوض، وذهب حفظه من القلوب. (¬1) وأنواع النسخ عنده هي: 1 - نسخ القرآن بالقرآن: والمثال عليه، ما جاء في تفسير قول الله تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ} [آل عمران:85]، يقول: «وهي ناسخة لقوله: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا} [البقرة:62]، في رواية علي بن طلحة عن ابن عباس، ويصح الجمع بينهما على ما سبق». (¬2) 2 - نسخ السنة بالسنة. 3 - نسخ القرآن بالسنة. ويقول في موضع آخر مؤكدا على هذا المعنى بقوله: «وليس يطيع الرسول من ينكر نسخ القرآن بالسنة، وإنما كانت طاعته طاعة الله تعالى؛ لأنه عليه السّلام لم ينطق عن الهوى». ويؤكد على هذا القول في معرض قوله تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ} [النور:63]، فيقول: «دليل على وجوب الأمر، على جواز نسخ الكتاب بالسنة» (¬3). لكنه لم يحدد هل هذا النسخ يكون بالسنة المتواترة أو المشهورة أو الآحاد؟ 4 - نسخ السنة بالقرآن. وأن هذا كله جائز، ولا يختلف الحكم فيه، والسبب في هذا القول هو: أن الكلّ من عند الله، والرسول أمين {وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى} (3) [النجم:3]. ويذكر بعض المذاهب في النسخ أو أنواعا من النسخ على الشكل الآتي: أولا-اليهود والإمامية: فهم لا يقولون بنسخ الشريعة، وأنهم لا يفرقون بين النسخ والبداء. وحجة اليهود في ذلك وهي قول موسى عليه السّلام: من جاءكم بخلاف ما أتيتكم به، فلا تقبلوه. فأجاب عن قولهم هذا بما يأتي: «أما قول موسى عليه السّلام، فمعناه من جاءكم مكذبا بي مخطّئا إياي فلا تصدقوه، ولم يرد به من يبتني على المعلوم الأوّل إذ هذا لا يكون مخالفا، ألا ترى أنّك إذا تيقّنت الخبر ثمّ جاء إنسان وقال: إنّ ما علمت لم يكن، فإنّك تكذّبه لا محالة، ولو أخبرك بزواله بعد كونه لم تكذّبه، ولكنّك طالبته بالبيّنة والبرهان». ¬
أما حجة الإمامية فهي: 1 - قول الله تعالى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصّى بِهِ نُوحاً} [الشورى:13]، ورده بقوله: «بأن المراد بالآية ما بقي من شرائعهم غير منسوخ». 2 - قول الله تعالى: {ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ} [ق:29]، وردّه بقوله: «والآية الأخرى على ما قال الله تعالى، لكنه في تبديل على وجه البداء دون النسخ، بدلالة قول الله تعالى: {وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ} [النحل:101]». 3 - ويجعلون ما تجده منسوخا من الأحكام مؤقّتا بوقت معين مقدّر يعلمه النبيّ أو الوصيّ من بعده، فينتهي بانتهاء وقته من غير نسخ. والجواب عليه هو «ولو كان توقيت القبلة يعلمه النبي صلّى الله عليه وسلّم لما كان لتقلب وجهه في السماء معنى». 4 - يفسرون الآية بانتساخ القرآن من اللوح المحفوظ. وجوابه عليه: «وتأويل النسخ بالانتساخ خطأ، بدليل ما تلونا من قوله: {وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ} [النحل:101]، وقول الله تعالى: {يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ} [الرعد:39]». ثانيا-أن الزجاج يأبى نسخ التلاوة مع بقاء المعنى. وردّ عليه في معرض تعليله هذا النوع من النسخ، وهو أن التلاوة وحدها تنفرد بحكم غير حكم المعنى، وهو ترك مسه محدثّا، وإقامة التحريم بها، فلم يقف نسخها على نسخه. ثالثا-أن بعض الزيدية زعم أنه لا ينسخ الحكم مع بقاء التلاوة. ورد هذا بقوله: «وهو غير صحيح، لأن أحدهما لا يقف على نسخ الآخر» وجاء بمثال على ذلك ألا وهو: «وقد أجمع أهل الإسلام على أن قوله: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} (6) [الكافرون:6]، منسوخ بآية السيف». أما منهجه في الآيات الناسخة والمنسوخة، فهو كالآتي: 1 - يذكر أن هذه الآية ناسخة لآية أخرى: فعندما يتحدث عن قوله تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ} [آل عمران:85]، يقول: وهي ناسخة لقوله: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا} [البقرة:62]، في رواية علي بن طلحة عن ابن عباس، ويصح الجمع بينهما. (¬1). 2 - يورد قولا بنسخ آية ويرده: ومثال ذلك عند ما نقل عن الكلبي في قوله تعالى: {لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ} [آل عمران:92]، فيرد هذا القول بقوله: «وليس كذلك، لأنه لا تنافي بينهما إذ الزكاة إنفاق من بعض المحبوب» (¬2). وكذلك في سورة النحل نجده يورد قولا ولا يذكر القائل أو أنه قول لأحد، فعند قوله تعالى: {اُدْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ} [النحل:125]، يقول: «الآية ¬
منسوخة بآية السيف، وليس فيها ما يوجب كونها منسوخة» (¬1). 3 - ويرد على اليهود مستنبطا من قوله تعالى: {كُلُّ الطَّعامِ كانَ حِلاًّ} [آل عمران:93]، فيقول: «نزلت ردّا على اليهود حيث أنكروا النسخ. . .» (¬2). 4 - وقد يبين أن آية يتحدث عنها هي ناسخة لآية أخرى نقلا عن غيره ولا يبين رأيه في ذلك: ومن ذلك عند الحديث عن قوله: {حَقَّ تُقاتِهِ} [آل عمران:102]، نجده ينقل عن السدي وقتادة وابن زيد: أنّ هذه الآية منسوخة بقوله: {فَاتَّقُوا اللهَ مَا اِسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:16]، (¬3) ولم يعلق على هذا القول بشيء. 5 - يذكر معنى كلمة، وبناء على هذا المعنى يبين أن الحكم منسوخ: والمثال عليه هو عند تفسيره (الفاحشة المبينة): هو النّشوز، عن ابن عبّاس وأبي مجلز يجوز للرّجل قبول الفداء حينئذ. وقال قتادة والسدّيّ: هو الزّنا، والحكم على هذا منسوخ. (¬4) وفي سورة الحجر وعند قوله تعالى: {الصَّفْحَ الْجَمِيلَ} [الحجر:85]، يقول: «إن كان متاركة فهو منسوخ بآية السيف، وإن كان ما يضاد الإكراه، فهو باق في حق العرب؛ لأنهم إذا قبلوا الجزية صفحنا عنهم، وإن كان المراد به ترك الفحش والشتم، فهو باق في حق الكافّة» (¬5). 6 - يبين أن الحكم منسوخ، ويذكر قولا يردّ هذا القول: والمثال عليه: ما جاء في تفسير قول الله تعالى: قال تعالى: {يا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ} [المائدة:41]، يقول: ««والتخيير بين الحكم والإعراض منسوخ بقوله: {وَأَنِ اُحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ} [المائدة:49]. وقيل: ليس بمنسوخ». (¬6) 7 - يبني المعنى للكلمة على النسخ: فعند قوله: {وَذَرِ} [الأنعام:70] يقول: «أي: كفّ عنهم، إن كانت الآية منسوخة، ونابذ، إن لم تكن منسوخة». (¬7) 8 - ونجده يقول بنسخ القرآن بالسنة، هكذا مطلقا دون تحديد بمتواتر أو آحاد أو غيره، فيقول: «وليس يطيع الرسول من ينكر نسخ القرآن بالسنة، وإنما كانت طاعته طاعة الله تعالى؛ لأنه عليه السّلام لم ينطق عن الهوى». ويؤكد على هذا القول في معرض قوله تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ} [النور:63]، فيقول: دليل على وجوب الأمر، على جواز نسخ الكتاب بالسنة (¬8). ¬
المطلب الثاني الإسرائيليات
9 - يقول بنسخ الوعيد، فيقول عند تفسيره قوله تعالى: {نُوَلِّهِ ما تَوَلّى} [النساء:115]: «ثم لله المشيئة فيه بعد ذلك على قول من لا يرى نسخ الوعيد، وعلى قولنا فله أن لا يفعل الوعيد بمن شاء من خلقه». (¬1) 10 - يبين سبب تقدم الناسخ على المنسوخ في المكان في القرآن الكريم: فيقول عند قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ} [البقرة:234]: «ناسخة لقوله: {وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ مَتاعاً إِلَى الْحَوْلِ} [البقرة:240]، وتقديم الناسخ على المنسوخ في التلاوة والكتابة لأحد سببين: إما التعبد، وإما الاتفاق الذي كان بعد فطم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، كما اتفق تقديم سورة الجهاد على سورة المتاركة وهي {قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ»} (1). (¬2) المطلب الثاني الإسرائيليات تعريف الإسرائيليات لغة: جمع مفرده إسرائيلية، نسبة إلى بني إسرائيل، وإسرائيل كلمة عبرانية تعني عبد الله، وإسرائيل هو نبي الله يعقوب بن إسحاق عليهما السّلام، وإليه ينتسب بنو إسرائيل. (¬3) اصطلاحا: هي قصة أو حادثة تروى عن مصدر إسرائيلي. (¬4) إلا أن علماء التفسير والحديث يطلقونه على ما هو أوسع من ذلك واشمل، فهو في اصطلاحهم: يدل على ما تطرق إلى التفسير والحديث من أساطير قديمة منسوبة في أصل روايتها إلى مصدر يهودي أو نصراني أو غيرهما، وما دسّه أعداء الإسلام من أخبار لا أصل لها؛ ليفسدوا بها عقائد المسلمين. (¬5) ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية: «ولكن هذه الأحاديث الإسرائيلية تذكر للاستشهاد لا للاعتقاد، فإنها على ثلاثة أقسام: أحدها: ما علمنا صحته مما بأيدينا مما يشهد له بالصدق، فذاك صحيح. والثاني: ما علمنا كذبه بما عندنا مما يخالفه. والثالث: ما هو مسكوت عنه لا من هذا القبيل، ولا من هذا القبيل، فلا نؤمن به ولا نكذبه، وتجوز حكايته لما تقدم، وغالب ذلك مما لا فائدة فيه». (¬6) والإسرائيليات تدخل في موضوعها في العقائد والأحكام الشرعية، ومعظمها في المواعظ والقصص وبدء الخلق، وقد اعتمد أهل التفسير في رواية هذه الأقاويل عن أهل الكتاب على ما ¬
جاء عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «بلغوا عنّي ولو آية، وحدّثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، ومن كذب عليّ متعمدا فيتبوأ مقعده من النار». (¬1) لكن هذه الأحاديث الإسرائيلية تذكر للاستشهاد لا للاعتقاد، كالذي يرد في أسماء أصحاب الكهف ولون كلبهم وعدّتهم، وعصا موسى من أي الشجر هي، وأسماء الطيور التي أحياها الله تعالى لإبراهيم،. . . إلى غير ذلك مما أبهمه الله تعالى في القرآن مما لا فائدة من تعيينه تعود على المكلفين في دنياهم ولا دينهم. وقد شحنت كتب التفسير بالمأثور وغيرها بالأحاديث الإسرائيلية. والمؤلف رحمه الله تعالى من الذين أولعوا بهذه الإسرائيليات إلى حد كبير، فنجدها كثيرة في ثنايا الكتاب، وتكون على أشكال متعددة، منها ما هو على شكل أقوال للنبي عليه السّلام، ومنها ما هو على شكل أقوال للصحابة، ومنها ما هو على شكل قصة مختلقة لا يقبلها العقل، ومن هذه الأشكال التي يوردها: 1 - أن يوردها على شكل حديث للنبي عليه السّلام: مثال ذلك ما يذكره عند تفسير قول الله تعالى: {وَيَسْئَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُوا عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْراً} (83) [الكهف:83]، يقول: «عن عقبة بن عامر قال: كنت أخدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فخرجت من عنده، فوجدت ناسا من أهل الكتاب معهم كتب ومصاحف، قالوا: استأذن لنا على محمد رسول الله، قال: فدخلت، فأخبرته بمكانهم، قال: «ما لي ولهم يسألونني عما لا أعلم، وإنما أنا عبد لا أعلم شيئا إلا ما علمني ربي، أبغني وضوءا»، فتوضأ، ثم دخل في مصلى بيته، فصلى ركعتين، فلم ينصرف حتى رأيت البشر في وجهه، فقال: «اخرج إليهم، فأذن لهم، وانظر من كان بالباب من أصحابي، فأدخله»، فلما دخلوا قال: «إن شئتم أنبأتكم بالذي جئتم له، وإن شئتم سألتموني فأخبركم»، قالوا: بل أخبرنا لأي شيء جئنا؟ وعن أي شيء نسألك؟ قال: «جئتموني تسألونني عن ذي القرنين، وكيف كان أوّل شأنه؟ فقال: وسأخبركم ما تجدونه في كتابكم إن شاء الله، إنه غلام من الروم، فأتى ساحلا من سواحل مصر، فبنى له مدينة، يقال لها: الاسكندرية، فلما فرغ من بنائه بعث الله إليه ملكا، فرفعه إلى السماء، فقال له: انظر ما ترى؟ فقال: أرى مدينتي قد اختلطت في المدائن، قال: ثم رفعه، فقال: انظر ما ترى؟ قال: أرى مدينتي وحدها، ولا أرى غيرها، قال: هذه التي ترى الدنيا، والمدير بها البحر الأخضر، قيل له: فاذهب فحدث العالم، وعلم الجاهل، قد جعل الله لك سلطانا، فانطلق حتى أتى مغرب الشمس، أتى مطلعها، وأتى الدين، وهو جبلان زلقان يزل عنهما كل شيء، فبناهما، ثم أتى يأجوج ومأجوج، ثم جاوزهما، فأتى على قوم قصار يقاتلون يأجوج ومأجوج، ثم جاوزهم، فوجد أمة من الغرانيق يقاتلون القوم الذي وجوههم على وجوه الكلاب، ثم جاوزهم، فوجد أمة من الحيّات، الحية الواحدة تلتقم الصخرة العظيمة، ثم جاوزها حتى انتهى إلى البحر المستدير بالدنيا. فقالوا: ¬
نشهد أنا نجده هكذا.» (¬1). متن هذا الحديث ظاهر النكارة، فلا يمكن أن يخرج من النبي صلّى الله عليه وسلّم مثل هذا القول. والله تعالى أعلم. 2 - أن يورد القصة على شكل قول لأحد الصحابة: والمثال عليها ما جاء في تفسيره لقول الله تعالى: {فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ} [الأنبياء:79]، قوله: «وعن ابن عباس قال: إن غنم قوم وقعت في كرم قوم ليلا حين خرج عناقيده فأفسدتها، فاختصموا إلى داود بن أنشا النبيّ عليه السّلام، فقوّم داود الغنم والكرم،. . . نعم ما قضيت، فقضى داود بينهم بذلك، فقوّموا بعد ذلك الكرم، وقوّموا ما أصاب أهل الكرم من الغنم، فوجدوه مثل ثمن الكرم، فقضى به داود عليه السّلام، وحكم سليمان عليه السّلام وهو ابن أحدى عشرة سنة» (¬2). 3 - يورد الإسرائيلية نقلا عن مؤرخ: والمثال على ذلك ما رواه عند تفسيره قول الله تعالى: {وَتَاللهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ} [الأنبياء:57] يقول: «عن الواقدي عن أشياخه قال: كان آلهتهم العظمى عشرة من نحاس على سرر من ذهب، مكللة بالياقوت والزبرجد،. . . وإذا خرجوا لم يخرجوا حتى يسجدوا لها، وإذا نزل بأحدهم أمر ذهب إليها» (¬3). 4 - يأتي بالإسرائيلية على شكل قول غير منسوب لأحد لكنه يبين أنه من قول أحدهم ولم يعرّفه، والمثال على ذلك ما جاء في تفسيره لقول الله تعالى: {إِذْ رَأى ناراً فَقالَ لِأَهْلِهِ اُمْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً} [طه:10] فيقول: «وكانت القصة في زمن كيقباذ. . . وأما الباكون من خشيتي فهم في الرفيق الأعلى من الجنة لا يشاركون فيها، ولا يلحقهم أحد» (¬4). 5 - أن يوردها في سياق تفسير الآية: وذلك بأن يورد الآية، ثم يذكر القصة أو الإسرائيلية بشكل مباشر أو استطرادا منه، إذ يعتبر ذلك توضيحا لمعنى الآية، والمثال على ذلك: «فلما دخل عليه يوسف كلمه بلسان أهل مصر، فجعل الملك يكلمه بألسنة أخرى، وجعل يوسف يجيبه بتلك الألسنة حتى تكلما سبعين لغة، ثم إن يوسف دعا له بالعبرية، وأثنى عليه بالعربية، فلم يعرفها الملك، وانقطع عن الجواب، واستحسن جميع ذلك من يوسف، فقال: {فَلَمّا كَلَّمَهُ قالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنا مَكِينٌ أَمِينٌ} [يوسف:54]» (¬5). أما ما كان على الشكل الثاني وهو الاستطراد، فالمثال عليه: عند تفسيره لقول الله تعالى: {إِذْ رَأى ناراً فَقالَ لِأَهْلِهِ اُمْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النّارِ هُدىً} (10) [طه:10]، يقول: «وقيل: كانت القصة في زمن. . . في الرفيق الأعلى من الجنة لا ¬
المطلب الثالث عنايته بالأحكام الفقهية
يشاركون فيها، ولا يلحقهم أحد» (¬1). فيذكر فيها تفاصيل كثيرة. 6 - أن يورد الإسرائيلية في معرض مناقشة الأقوال: فعند شروعه بتفسير الآية يأتي بأقوال متعددة، تكون على شكل إسرائيليات، لكنها من أقوال بعض التابعين، ولم يرجح بينها سواء بترجيح أحد الأقوال أو قولا آخر يذكره، وأمثل عليه بما يأتي: فعند تفسيره قول الله تعالى: {لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ} [يوسف:24]، يذكر عددا من الأقوال، قيقول: «قيل: صورة يعقوب عاضّا على أصبعه يقول: مثلك قبل المواقعة كذا، وبعد المواقعة كذا. مقاتل: سمع صوتا: إياك ومواقعتها، فإنك إن واقعتها صرت كالطير الواجد. وقيل: سمع صوتا: أتهمّ بعمل السفهاء، وأنت مكتوب في الأنبياء. وقيل: رأى مكتوبا في السقف: {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَساءَ سَبِيلاً} (32) [الإسراء:32]» (¬2). 7 - يذكر الإسرائيلية على شكل قصة ينسبها إلى راويها: والمثال على ذلك عند تفسيره لقول الله تعالى: {قالُوا حَرِّقُوهُ وَاُنْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ} (68) [الأنبياء:68]، يقول: «عن الواقدي، عن شيوخه قالوا: أمر نمرود بإبراهيم. . .» (¬3) فيذكر في ذلك كلاما كثيرا، لا داعي لإعادته. وذكر هذه الإسرائيليات في التفاسير أمر ليس منه فائدة ترتجى، فإنّ أكثرها من نسج خيال اليهود وغيرهم، وفيها من الدسائس على دين الإسلام الكثير، مما يشوّه التفاسير ويخرجها من غرضها الأساس، وهو فهم كتاب الله تعالى وتوضيحه للعامّة، إلى أن يكون كتاب تاريخ فيه الغث والسمين، والصالح والطالح، والأولى بالمفسر الاكتفاء بما جاء في القرآن أو السنة النبوية المطهرة واللغة العربية وغيرها من أصول التفسير التي تعطي ثمارها في شرح وتوضيح كتاب الله تعالى، ولا تشتت فكر القارئ في موضوعات لا تنفع، وفي الغالب تضرّ، والله تعالى أعلم. المطلب الثالث عنايته بالأحكام الفقهية إن تعرض المؤلف رحمه الله تعالى للأحكام الفقهية لم يكن بشكل واسع كما نجده عند غيره من المفسرين الذين اهتموا في تفاسيرهم بالأحكام الفقهية، ولكون تفسير «درج الدرر» مختصرا فإنّ تعرضه للأحكام الفقهية مقتضب، وهو إن تعرض لحكم في آية فإنه يكون بكثير من الاختصار والإيجاز، أو على شكل استنباط لهذا الحكم أو ذاك من هذه الآية أو تلك، لأنه لم يضع تفسيره من أجل المسائل الفقهية أو الأصولية. ويمكن تبيّن ملامح طريقته في عرض الأحكام الفقهية من خلال ما يأتي: ¬
1 - يستدل بالآية على مذهبه الذي ذهب إليه في حكم من الأحكام من غير أن يبين أن هذا الحكم هو على مذهب معين: فمثلا: عند تفسيره قول الله تعالى: {لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ} [النساء:95] يقول: «وفيها دليل بأن الجهاد فرض على الكفاية؛ لأنه وعد القاعد بالحسنى». (¬1) وكذلك في تفسيره {سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ} [الحج:25]، يستدل على حكم ويدعم قوله بحديث عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، فيقول: «يدل على أن المقيم برباع مكة ليس بأولى من الحاج. عن عبد الله بن عمرو بن العاص، عن النبي عليه السّلام قال: «حرم مكة، فحرام بيع رباعها، وأكل ثمنها». وفي رواية: «وحرام أجر بيوتها».» (¬2). وقد يبين أنّ هذا الحكم لواحد من الصحابة أو التابعين أو غيرهم، فيستدل على ذلك متبنيا هذا الحكم، ومشعرا أنه مذهبه الذي يسير عليه. فمثلا: عند بيان معنى (اليتيمة) في قول الله تعالى {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى} [النساء:3]، يقول: «الصّغيرة، وفيه دليل على أنّ للوليّ أن يتزوّجها، وهو مذهب عليّ». (¬3) فانتصر بالآية لمذهب علي بن أبي طالب في هذه المسألة. 2 - ولما كان تفسير درج الدرر، كما أشرت، ليس الغرض منه استنباط الأحكام الفقيهة، كما هو شأن بعض كتب التفسير وأحكام القرآن، فإن مؤلفه لم يسرف في ذكر الأحكام، ولم يشغل نفسه كثيرا بتقرير المسائل الخلافية على مذهبه الذي يتبناه، فنجد أنه لم يذكر المذهب المالكي أو الحنبلي في كل تفسيره، فهو يتطرق إلى مذهب الإمام أبي حنيفة، ومذهب الإمام الشافعي، رحمهما الله تعالى، ولم يفصّل القول في هذين المذهبين، بل يشير إليهما إشارة بذكر قول المذهب الذي هو عليه، والمخالف له. ومن أمثلة ذلك ما جاء في تفسيره قول الله تعالى: {ذلِكَ كَفّارَةُ أَيْمانِكُمْ} [المائدة:89]، إذ يقول: «ولا يجوز التكفير قبل الحنث، خلافا للشافعي رحمه الله». (¬4) وكذلك يقول في الآية نفسها عند ما يتحدث عن الإطعام يكون لكل مسكين نصف صاع من برّ، أو صاع من تمر، أو صاع من شعير: «وإن غدّاهم وعشّاهم جاز خلافا للشافعي، وإن أطعم واحدا عشرة أيام جاز، خلافا للشافعي، ويجوز دفع القيمة خلافا له». (¬5) ففي هذا المثال بيّن المؤلف رحمه الله أن هناك رأيين: أحدهما المذهب الذي يتبناه، وهو رأي مذهب أبي حنيفة، الذي يخالف رأي الإمام الشافعي رحمه الله تعالى، وجاء به مختصرا من غير تفصيلات دقيقة، وأيضا لم يأت برأي المذاهب الأخرى، كما ذكر. ¬
وقد يذكر الرأي الذي يذهب إليه، والرأي المناقض له، وينتصر للرأي الذي يتبناه، فمثلا عند تفسيره قول الله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَاِرْكَعُوا مَعَ الرّاكِعِينَ} (43) [البقرة:43]، يقول: «وفي الآية دليل أنّ الكفّار مخاطبون بالشرائع بشرط تقديم الإيمان، وإليه ذهب كثير من أصحابنا، فإن قيل: لو كانوا مخاطبين لما سقط القضاء عنهم كالمسلمين، قلنا: القضاء فرض مبتدأ لا يتبع المقضيّ كفوت الجمعة وفوت صلاة الحائض لا إلى قضاء» (¬1). 3 - يذكر رأي مذهبه فقط من غير أن يذكر رأيا مخالفا لهذا الرأي: فمثلا عند حديثه عن صيد البر في قوله تعالى: {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ} [المائدة:96]، يقول: «كلّ ما كان جنسه متوحّشا مأكول اللّحم أو غيره، قال صلّى الله عليه وسلّم: «خمس يقتلن في الحلّ والحرم: الغراب والحدأة والفأرة والحيّة والكلب العقور»، حصره بعدد، ويلحق غيرها بها حالة وجود العدوان، ثمّ جزاء السبع قيمة لحمه عندنا لا قيمة إمساكه للتّفاخر كما في الجارية المغنية». (¬2) وفي هذا المثال ذكر فقط المذهب الذي تبناه فقال: عندنا، ولم يذكر رأي مذهب آخر مخالف. 4 - ونجده أحيانا قليلة يتحدث عن بعض الأمور المتعلقة بأصول الفقه، ويشير إليه إشارة، فيعرّف فرض الكفاية في معرض حديثه عن الأمر بأنه فرض كفاية، فيقول: «إذا قام به البعض، وحصل المعروف، وزال المنكر سقط الفرض عن الباقين» (¬3) وذلك في معرض تفسيره لقول الله تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (104) [آل عمران:104]. وعند تفسيره قول الله تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ} [المائدة:101]، بين أن الأمر المطلق لا يقتضي التكرار إلا بقرينة، معللا ذلك بإنكار رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سؤال الأعرابي له: أفي كل عام يا رسول الله؟ بقوله: «لو قلت: نعم لوجبت، ولو وجبت لكفرتم». (¬4) وعند حديثه عن قول الله تعالى: {وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء:115]، يبيّن أن إجماع هذه الأمة حجة، ويستدل على ذلك بقول الله تعالى: {لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النّاسِ} [البقرة:143]، وقول الرسول صلّى الله عليه وسلّم «لا تجتمع أمتي على الضلالة» (¬5)، وكذلك يستدل على حجية الإجماع في تفسيره قول الله تعالى: {وَمِمَّنْ خَلَقْنا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ} (181) ¬
مذهبه الفقهي في هذا الكتاب
[الأعراف:181]، إذ يقول: «وهذه الآية حجة في صحة الإجماع؛ لأن الله تعالى زكّاهم وعدّلهم في أحكامهم». (¬1) وفي فعل الأمر وصيغة الأمر، نجده يخرجه عن الأمر الحقيقي إلى أمور متعددة منها: الندب والاستحباب والإباحة، وغيرها. والأمثلة كثيرة منها: ما جاء في تفسيره لقول الله تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ} [آل عمران:104]، إذ يقول عن اللام في (ولتكن): لام أمر،. . .، والأمر فرض على الكفاية. كما نجده في سورة الحج وعند الحديث عن قوله تعالى: {فَكُلُوا} [الحج:36]، يقول: «أمر إباحة». وفي المثالين كليهما لم يبين وجه إخراج الأمر من حقيقته إلى ما خرج إليه. مذهبه الفقهي في هذا الكتاب وردت أحكام فقهية خلال هذا التفسير تشير إلى المذهب الفقهي لمؤلف الكتاب، ومن هذه الأحكام ما يأتي: 1 - في تفسير قول الله تعالى: {وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً} [آل عمران:97] يقول: «وفرض الحج على الفور خلافا لمحمد»، (¬2) أي: محمد بن الحسن، وهذا يعني أنه يتبنى القول بأن الحج متى ملك الإنسان الاستطاعة فإن عليه أن يحج على الفور لا على التراخي. يقول النووي في المجموع: «فقد ذكرنا أن مذهبنا أنه على التراخي، وبه قال الأوزاعي والثوري ومحمد بن الحسن، ونقله الماوردي عن ابن عباس وأنس وجابر وعطاء وطاوس رضي الله عنهم، وقال مالك وأبو يوسف: هو على الفور، وهو قول المزني، كما سبق، وهو قول جمهور أصحاب أبي حنيفة في ذلك» (¬3). 2 - وفي سورة النساء وعند قوله تعالى: {أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً} [النساء:43] يقول: «والمراد بالماء الماء الشرعي دون اللغوي لجواز التيمم مع وجود الماء النجس، ولهذا جوّزنا الوضوء بنبيذ التمر؛ لأنه ماء شرعي». (¬4) وهذا الرأي الذي قال به المؤلف هو ذاته رأي أبي حنيفة رحمه الله تعالى. (¬5) قال النووي في المجموع: «وهو أن رفع الحدث وإزالة النجس لا يصح إلا بالماء المطلق، فهو مذهبنا ولا خلاف فيه عندنا» (¬6). 3 - عند تفسيره قول الله تعالى: {أَنْ تَقْصُرُوا} [النساء:101] قال: «والقصر: النّقص. ¬
والإقامة التي توجب الإكمال خمسة عشر يوما». (¬1) وهذا ما قال به الحنفية ففي المبسوط قال: «وأقل مدة الإقامة خمسة عشر يوما» وهو قول ابن عمر، وقال الشافعي رضي الله عنه: أربعة أيام، وهو قول عثمان رضي الله عنه» (¬2). 4 - ويستشهد بقول الله تعالى: {فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل:20] فيقول: «وفي الآية دليل على جواز الصلاة بقراءة ما تيسر من القرآن من غير تخصيص فاتحة أو غيرها. وعن ابن مسعود قال: من اقترى منكم بالثلاث الآيات التي في سورة البقرة فقد أكثر وأطاب» (¬3). وهذا قول الحنفية، إذ يقول صاحب الهداية: «وأدنى ما يجزئ من القراءة في الصلاة آية عند أبي حنيفة رحمه الله، وقالا (¬4): ثلاث آيات قصار أو آية طويلة؛ لأنه لا يسمى قارئا بدونه فأشبه قراءة ما دون الآية. . .» (¬5). 5 - ويتحدث عن كفارة اليمين في تفسيره قول الله تعالى: {لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ} [المائدة:89]، فيقول: «ولا يجوز صوم الكفّارة إلا متتابعا خلافا للشافعي، لما روي في قراءة ابن مسعود وأبي: (فصيام ثلاثة أيام متتابعات)» (¬6). وهذا ما قاله في المبسوط وهذا نصه: «فأما صوم كفارة اليمين فثلاثة أيام متتابعة عندنا خلافا للشافعي رحمه الله تعالى، قال: إنه مطلق في القرآن، ونحن أثبتنا التتابع بقراءة ابن مسعود فإنها كانت مشهورة إلى زمن أبي حنيفة رحمه الله تعالى. . .» (¬7). وقال الماوردي في الإقناع (¬8): «ولا يجب تتابع في الصوم لإطلاق الآية. . .». 6 - واستشهد على جواز الزيادة في المهر بقول الله تعالى: {فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ} [القصص:27] قال: «دليل على جواز الزيادة في المهر» (¬9). يقول الجصاص في أحكام القرآن (¬10): «وقد اختلف الفقهاء في الزيادة في المهر، فقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد: الزيادة في الصداق بعد النكاح جائزة، وهي ثابتة إن دخل بها أو مات عنها، وإن طلقها قبل الدخول بطلت الزيادة، وكان لها نصف المسمى في العقد، وقال زفر بن الهذيل والشافعي: الزيادة بمنزلة هبة مستقبلية إذا قبضتها جازت في قولهما جميعا، وإن لم تقبضها بطلت». 7 - وعند تفسيره قول الله تعالى: {فَكَفّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ مِنْ أَوْسَطِ ما} ¬
{تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ} [المائدة:89]، يتحدث عن الإطعام فيقول: «وإن غدّاهم وعشاهم جاز خلافا للشافعي، وإن أطعم واحدا عشرة أيام جاز خلافا للشافعي» (¬1). فهو بهذا يأخذ بالرأي الأول المخالف للإمام الشافعي رحمه الله تعالى، وهو مذهب الإمام أبي حنيفة في هذه المسألة، «عن أبي يوسف أنه قال: إذا أطعم مسكينا واحدا غداء وعشاء أجزأه من إطعام مساكين،. . . ». (¬2) وقال في المجموع: «إذا ثبت هذا فعليه أن يطعم ستين مسكينا،. . .، ولا يجوز أن ينقص من عدد المساكين ولا من ستين مدا، وبه قال أحمد، وقال أبو حنيفة: إن أعطى الطعام كله مسكينا واحدا في ستين يوما جاز،. . .» (¬3). 8 - وفي تفسيره قول الله تعالى: {يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان:13]، يقول: «. . فإن الشرك أخفى في هذه الأمة من أثر النملة في الصخرة الصمّاء، ولهذا كره للإمام الراكع إذا سمع خفق نعل أن ينتظره» (¬4). يقول النووي في المجموع: «فرع في انتظار الإمام وهو راكع قد ذكرنا أن الأصح عندنا استحبابه،. . .، وعن أبي حنيفة ومالك والأوزاعي وأبي يوسف والمزني وداود لا ينتظره،. . . واحتج هؤلاء بعموم الأحاديث الصحيحة في الأمر بالتخفيف، وبأن فيه تشريكا في العبادة، وبالقياس على الانتظار في غير الركوع» (¬5). ومما سبق يتبين أن المؤلف رحمه الله تعالى يذهب مذهب الإمام أبي حنيفة رحمه الله، وليس كما هو معروف عن الجرجاني، كما ذكر من ترجم له، أنه شافعي المذهب. ¬
الفصل الثاني نسخ الكتاب المخطوطة ومنهج التحقيق
الفصل الثّاني نسخ الكتاب المخطوطة ومنهج التحقيق ويتضمن ثلاثة مباحث: المبحث الأول: نسخ الكتاب المخطوطة. المبحث الثاني: منهج التحقيق. المبحث الثالث: مصطلحات التحقيق.
المبحث الأول نسخ الكتاب المخطوطة
المبحث الأول نسخ الكتاب المخطوطة حصلت على أربع نسخ مخطوطة لكتاب (درج الدرر في تفسير القرآن العظيم)، وهي ما ذكرته كتب وفهارس المخطوطات سواء المختصة بالمكتبات أو غيرها، وقد استطعت الوصول إلى هذه النسخ عن طريق مكتبة الجامعة الأردنية مشكورة على هذا الجهد الطيب، فأول الأمر حصلت على ثلاث نسخ من تركيا، نسختين من مكتبة كوبرلي، والأخرى من مكتبة نور عثمانية، وجميعها نسخ كاملة للكتاب، وقد كان وصف المخطوطات على الشكل الآتي: 1 - نسخة مكتبة كوبرلي ذات الرقم (95)، بالشريط رقم (1169) في مكتبة الجامعة الأردنية من المخطوطات المصورة هناك، وهي نسخة واضحة، بخط النسخ، وعناوين السور كتبت بالخط الثلث، وتقع في (328 ورقة)، بمقياس (5,2012 سم)، وعدد الأسطر فيها 23 سطرا، وقد اختلف عدد الكلمات في كل سطر إلى ما بين (11 - 15 كلمة تقريبا)، والسبب في ذلك أن هذه المخطوطة قد تعاقب عليها أكثر من ناسخ فيما يبدو لأن الخط اختلف أكثر من مرة. وعلى الآيات والكلمات المفسرة خط أحمر كذلك ليميزها القارئ. وعليها قيود تفيد أنها من مكتبة محمد بن محمد بري وفي نوبته. وجاء في فهرس مخطوطات مكتبة كوبرلي (¬1): أن عناوين السور قد كتبت في هامش المخطوطة باللون الأحمر. وقد اعتمدت هذه النسخة المخطوطة لأنّ عليها كثيرا من الهوامش والتصحيحات، وكأنها قد قورنت مع غيرها، أو درست على يد شيخ فكتب التلميذ عليها بعض التعليقات في الهامش، كما يقدر القرن الذي كتبت فيه هذه المخطوطة، كما جاء في فهرس مخطوطات كوبرلي، هو القرن الثامن الهجري، فتكون بذلك هي أقدم المخطوطات الأربع. 2 - النسخة الأخرى من كوبرلي أيضا، وهي النسخة التي تحمل الرقم (94)، ورقم شريطها في المكتبة الأردنية هو (1168)، وهي أيضا واضحة، بخط النسخ، وتقع في (285 ورقة)، بمقياس (5,514,21 سم)، وعدد الأسطر فيها (29 سطرا)، وعدد الكلمات في كل سطر تقريبا (19 كلمة). وفي فهرس المخطوطات لمكتبة كوبرلي (¬2) أن فيها إطارا بالحبر الأحمر، وكذلك الآيات كتبت بالخط الأحمر، في جلد جيد مزخرف. ويقدّر أنها بخط أواخر القرن التاسع الهجري. ¬
وفيها نقص كلمات في مواطن متعددة. 3 - النسخة الثالثة، وهي نسخة مكتبة نور عثمانية والتي تحمل الرقم (306)، ورقم شريطها في الجامعة الأردنية (1173)، كتبت بالخط النسخ، وهي واضحة، وعدد أوراقها 210 ورقة، وعدد الأسطر في كل صفحة (35 سطرا)، وعدد الكلمات في كل سطر (18 كلمة). وعليها وقف السلطان عثمان خان ونصه: «وقف السلطان السعيد الأعظم وتخليد الخاقان الأكرم الأفخم مفسر العدل والإحسان، وموضح إجمال الأمور بالرشد والعرفان، السلطان بن السلطان أبو المحاسن والمكارم عثمان خان ابن السلطان مصطفى خان، ثبت الله أساس دولته الطاهرة، وخلّد خلافته الباهرة، وأنا الداعي لدولته الحاج إبراهيم حنيف الحرمين المحرمين غفر له». وقد جاء في آخر المخطوطة: «تمّ الكتاب بعون الله وتوفيقه، والصلاة والسّلام على نبيه وصّديقه، بتاريخ يوم الأربعاء المبارك، تاسع عشر رجب، سنة سبع وستين وتسع مئة». مما يدل على أنها قد كتبت في النصف الثاني من القرن العاشر. 4 - أما النسخة الرابعة فهي من مكتبة الأسكوريال في مدريد أسبانيا، وتحمل الرقم (1400)، وليس لها رقم في الجامعة الأردنية، لأنها حديثة، فلم تدخل الترقيم بعد، إذ جاءت بها مكتبة الجامعة الأردنية بناء على طلب مني مشكورة، وعدد صفحاتها (432 ورقة) في كل ورقة (29 سطرا)، وفي كل سطر (10 كلمات تقريبا)، وهي مكتوبة بخط النسخ، وواضحة، إلا أن فيها نقص بعض الكلمات.
المبحث الثاني منهج التحقيق
المبحث الثاني منهج التحقيق 1 - بعد الحصول على النسخ الأربع المخطوطة من الكتاب، اخترت النسخة الأصل، وهي أقدم النسخ، النسخة التركية من مكتبة كوبرلي ذات الرقم (1168)، وشرعت في كتابتها وفق القواعد الإملائية الحديثة، ومن ثمّ قابلتها مع النسخ الثلاث الأخرى. 2 - قمت بزيادة كلمة أو أكثر في بعض المواضع التي اقتضاها السياق لإقامة العبارة، والتي تكون مشكلة في فهمها لولا هذه الزيادة، فوضعتها بين معقوفتين، وأشرت إلى ذلك بالحواشي. 3 - وضعت رقم الآية المفسرة في بداية تفسيرها على يمين الصفحة، فإذا تكرر ورود الآية أو جزء منها في الموضع نفسه لا أذكر رقمها مرّة أخرى. 4 - نسبت الآيات القرآنية المستشهد بها أو محال عليها، ووضعت اسم السورة ورقم الآية بجوارها بهذا الشكل [اسم السورة: رقم الآية]. 5 - وضعت الآيات بالرسم العثماني، ضمن قوسين مزهرين. 6 - في بعض الأحيان يذكر المؤلف الكلمة ويفسرها، ولكن لا يكتبها كما في المصحف، فأقوم بوضعها بين (قوسين). 7 - وردت في مواضع قليلة جدّا بعض الآيات من غير رواية حفص عن عاصم، فكتبت الآية برواية حفص، ثم أشرت إلى القراءة التي ذكرها في الحاشية. 8 - خرجت الأحاديث النبوية الشريفة، وأقوال الصحابة والتابعين من كتب الحديث الشريف قدر المستطاع. 9 - وثقت أقوال المفسرين والنحويين واللغويين من مصادرها الأصلية، أو من المصادر التي ذكرت فيها، مبتدئا بمصنفات المؤلفين أنفسهم ما أمكن. 10 - علّقت بشكل مقتضب على بعض المسائل، ولم أجعله مضطردا كي لا أثقل الكتاب بالهوامش الطويلة. 11 - ضبطت الشواهد الشعرية، وخرجتها من مصادرها من كتب اللغة والأدب، مبتدئا بدواوين الشعر، وإن كان في النص جزء من الشاهد أكمل البيت في حواشي التحقيق إن استطعت. 12 - ضبطت من النص ما يمكن أن يشكل على القارئ. 13 - ترجمت للأعلام الذين وردت أسماؤهم في النص، باستثناء المشهورين، كالأنبياء عليهم السّلام، والخلفاء الراشدين رضي الله عنهم، وأحلت على مصادر الترجمة ملتزما عدم ذكر أكثر من أربعة مصادر.
14 - شرحت بعض الألفاظ التي تحتاج إلى بيان، ويصعب على القارئ معرفتها، وكذا المصطلحات التي وردت في النص. 15 - صححت الأخطاء النحوية القليلة التي وجدتها في نسخ التحقيق في المتن، وأشرت إلى ذلك في الحاشية، وكذا ما يخصّ الآيات القرآنية. 16 - وضعت أرقام صفحات نسخة الأصل بين (قوسين) في داخل النصّ، ورمزت إلى وجه الورقة بالرمز (و)، وظهرها بالرمز (ظ). 17 - وضعت اسم السورة في أعلى كل صفحة من صفحات الكتاب، محاولا التيسير على القارئ بذلك. 18 - ألحقت بالنص بعض صفحات من النسخ المخطوطة للتوثيق. 19 - اتبعت في التحقيق المنهج الذي يؤكّد عدم إثقال الهوامش، فالتزمت عدم ذكر أكثر من أربعة مصادر في تخريج أيّ مسألة من مسائل النص المحقق.
المبحث الثالث الرموز والمصطلحات
المبحث الثالث الرموز والمصطلحات
الخاتمة
الخاتمة وفي نهاية المطاف مع هذا الكتاب المفسر لكتاب الله تعالى، والعيش مع ظلال هذا الكتاب العظيم، ألخص فيه أهم النتائج التي توصلت إليها: 1 - مؤلف هذا الكتاب حنفي المذهب، وهذا يخالف ما عرف عن عبد القاهر الجرجاني من أنه شافعي. 2 - أنه ليس أشعري المذهب العقدي، فهناك أراء تدل على أنه يميل إلى مذهب الإمام أبي حنيفة النعمان في الاعتقاد. 4 - مؤلف الكتاب يميل إلى المذهب النحوي الكوفي، على عكس ما عرف عن عبد القاهر الجرجاني بأنه بصري المذهب. 5 - هناك تشكيك بنسبه الكتاب لعبد القاهر الجرجاني، ولم أهتد إلى مؤلفه الحقيقي، إذ لم أستطع أن أنسب الكتاب له بشكل قاطع، ولم أستطع أن أحدد المؤلف الحقيقي له. وكان التشكيك بسبب أن المعروف عن الجرجاني أنه شافعي المذهب الفقهي، وصاحب الكتاب حنفي المذهب، كما أن الجرجاني أشعري المذهب العقدي، وصاحب الكتاب ليس كذلك. 6 - تنوع أسلوب المؤلف في تفسير الآيات الكريمة، فأحيانا يفسرها بآيات أخرى، وأحيانا بأحاديث شريفة، وأحيانا. . .، وفي بعض الأحيان يجمع أكثر من أسلوب في تفسير آية. 7 - استشهد بأحاديث كثيرة ضعيفة وبعضها موضوعة. 8 - اهتمامه بالتاريخ، مما أخرج الكتاب، في بعض الأحيان، من كونه تفسيرا إلى مؤلف تاريخي. 9 - هذا التفسير من الكتب المختصرة اختصارا غير مخلّ.
القسم الثاني النص المحقق
سورة هود (عليه السلام)
(157 ظ) سورة هود (عليه السّلام) مكية (¬1). وعن المعدل، عن ابن عباس (¬2) رضي الله عنه: إلا آية نزلت بالمدينة، وهي قوله: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ. .} الآية [هود:114] (¬3). وهي مئة واثنتان وعشرون آية عند أهل المدينة والشام (¬4). بسم الله الرّحمن الرّحيم عن عكرمة (¬5)، عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال أبو بكر الصّدّيق رضي الله عنه: يا رسول الله قد شبت؟ قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «شيّبتني هود والواقعة والمرسلات، وعمّ يتساءلون، وإذا الشّمس كوّرت» (¬6). عن أبي جحيفة (¬7)، قال: قالوا (¬8): يا رسول الله، نراك قد شبت؟ قال: «شيبتني هود وأخواتها». واعلم أنّ المعنى المشيب لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إما سر من أسرار الله تعالى في القرآن، لم يطلع عليه إلا نبيّه. وإما أحد أشياء أربعة: أحدها: أنّ بعض السور اختصت بالاسترقاء، (¬9) وبعضها بالتّنفّل، (¬10) وبعضها بالتّعوّذ، (¬11) ¬
وبعضها بتلقين الموتى، (¬1) وهذه السّور (¬2) بالتّرهيب، والتشيب للطيفة من القوي، كما بلغنا أنّ بعض أهل الإلحاد تصوّر (¬3) له أنّه يحاكي القرآن بهذيان، فلمّا انتهى إلى قوله: {وَقِيلَ يا أَرْضُ اِبْلَعِي ماءَكِ وَيا سَماءُ أَقْلِعِي} [هود:44]، انشقّت مرارته. والثاني: أنّ هذه السّور كلّهن مكيّات، فلعلّهنّ (¬4) نزلن أيّام النّفير إلى الشّعب (¬5)، وأيّام وفاة خديجة (¬6)، رضي الله عنها، وأبي طالب (¬7)، فقوله: «شيّبتني هود وأخواتها» من كثرة ما لقي (¬8) من مكروه المشركين. والثالث: أنّ نزول الوحي عليه (¬9) قد كان سهلا، وقد كان ثقيلا. روي أنّ النّبيّ عليه السّلام كان إذا نزل عليه الوحي يتبرّد وجهه، ويجد بردا في ثناياه. (¬10) وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن، [عن أبي أروى الدوسي (¬11) رضي الله عنه] (¬12) قال: رأيت الوحي ينزل على النّبيّ عليه السّلام وإنّه على راحلته، فترغو، وتفتل يديها حتى أظنّ أنّ ذراعها تنفصم (¬13)، فربّما بركت، وربّما قامت موتّدة (¬14) يديها حتى يسرّى عنه؛ من ثقل الوحي، وإنّه ليتحدّر (¬15) منه مثل الجمان (¬16). (¬17) فيحتمل: أنّ جبريل عليه السّلام أنزل عليه سورة هود، وأخواتها على هذه الطّريقة الشّديدة؛ فلذلك شيّبنه. ¬
والرابع: هو تكرار المعنى المزعج، يعني: [في] (¬1) سورة هود: تكرار لفظة (بعد) (¬2) أي: هلك، وفي سورة الواقعة: تكرار (أنتم) (¬3)، أو (نحن) (¬4)، وفي سورة المرسلات: تكرار لفظة (ويل) (¬5)، وفي سورة عمّ يتساءلون: تكرار لفظة (وكان) (¬6)، و (كانت) (¬7)، وفي سورة التكوير: تكرار لفظة (إذا) (¬8) على سبيل الوعيد. 1 - قوله: {أُحْكِمَتْ} بمعنى: الخصوص، وهو إحكام التلاوة، وتهذيبها (158 و) ممّا يلقي الشّيطان في الأمنيّة. {ثُمَّ فُصِّلَتْ} من عنده بلا وساطة، أو التفصيل: هو تفسير رسول الله مجملات الآي. 2 - {أَلاّ تَعْبُدُوا:} مضمر آتيناكه لتقوم بالوعظ أن لا يعبدوا. 3 - وإنما قدّم الاستغفار على التّوبة (¬9) لأنّ الإنسان يستقبح الشّرّ، ويعرض عنه مستغفرا، ثم يستفتح الخير، ويقبل عليه مستوفيا، والمراد (¬10) بالاستغفار كسب سبب المغفرة، وهو إصلاح العقيدة، وبالتّوبة سبب الاستقامة، بإصلاح العزيمة. (¬11) ويوفّ (¬12) الله تعالى {كُلَّ ذِي فَضْلٍ:} خصلة فاضلة (¬13). {فَضْلَهُ:} فضيلتها من الثّواب. 5 - {أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ} ابن عباس رضي الله عنه: نزلت في الأخنس [بن] شريق بن عمرو بن وهب الثّقفيّ (¬14)، (¬15) وقال أبو بكر (¬16) محمد بن عزيز ¬
السّجستانيّ (¬1): إنّ قوما من المشركين كانوا قد قالوا فيما بينهم: أرأيتم لو أغلقنا أبوابنا، وأرخينا ستورنا، واستغشينا ثيابنا، وثنينا صدورنا على عداوة محمد عليه السّلام كيف يعلم بنا؟ فأنبأ الله عزّ وجلّ عمّا كتموه، وقال: {أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهُمْ. . .} الآية (¬2). 7 - سئل ابن عبّاس رضي الله عنه عن قوله عز وجل: {وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ} على أيش (¬3) كان الماء؟ قال (¬4): على متن الريح. (¬5) 8 - {أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ:} مدة معلومة، (¬6) قال الله تعالى: {وَاِدَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ} [يوسف:45]. 9 - (اليؤوس): القنوط، (¬7) أي: إنّه ليؤوس كفور إدّا (¬8). 10 - {لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئاتُ} أي: ليسندنّ الفعل إلى ما لا فعل له في الحقيقة، غير معترف بالله الذي صرف عنه السّيئات، وأبدله منها نعمة. {لَفَرِحٌ فَخُورٌ:} لأشر بطر في حال الرّفاهية. 11 - {إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا:} إن كان المراد بالإنسان: عبد الله بن أبي أمية المخزوميّ (¬9)، أو رجلا معينا (¬10) مثله، فالاستثناء (¬11) منقطع (¬12)، (¬13) وإن كان المراد به: الجنس، فالاستثناء ¬
متصل؛ (¬1) لأنّه مستثنى من مثبت (¬2). 12 - {فَلَعَلَّكَ تارِكٌ} أي: تكاد تترك إبلاغ {بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ} على سبيل الفور. {وَضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ} أي: وتكاد تضيق صدرا (¬3) بهذا البعض على سبيل الضعف، وقلّة الاحتمال، دون الكراهة، وسوء الاختيار، وإنّما قال: {وَضائِقٌ} ولم يقل: وضيّق؛ للتوفيق بينه وبين قوله: {تارِكٌ،} ولنفي إيهام تحقيق الوصف في الحال. (¬4) {أَنْ يَقُولُوا:} مخافة أو كراهة أن (¬5) يقولوا. (¬6) 13 - {اِفْتَراهُ:} الضّمير عائد إلى القرآن. (¬7) والتّحدّي بعشر سور. (¬8) وقيل: التّحدّي بسورة، وبحديث (¬9)؛ لأن الآية مكيّة، ونزول سورة هود متقدم على نزول سورة الطّور. {مِثْلِهِ:} بدل من (عشر سور مفتريات)، ويجوز أن يكون حالا للسّور المأتيّ بها. (¬10) ويجوز أن يكون تقديره: سور مفتريات مثله على زعمكم. 14 - {فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ:} إن كان خطابا للمأمورين بدعاء من استطاعوا، (¬11) فهو كقوله: {إِنَّ (¬12)} الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ عِبادٌ أَمْثالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ ¬
[الأعراف:194]، وإن كان خطابا للنّبيّ عليه السّلام ولأمّته، (¬1) فهم تبع له، شهداء منه، كقوله: {لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً} [البقرة:143]. 15 - {يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا:} يؤثرها، والمؤمن المخلص لا يؤثرها على الآخرة، ولكن يريدها؛ لاستدراك (¬2) (158 ظ) الفائت، وإصلاح الفاسد، وهو المطلع، فهو من الآخرة. {نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ:} المحمودة لظواهرها، لا لوجه الله تعالى، (¬3) كقوله عليه السّلام: «من كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها، أو امرأة يتزوجها، فهجرته إلى ما هاجر إليه» (¬4). 16 - {ما صَنَعُوا فِيها:} في الحياة الدّنيا. {وَبَطَلَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ:} لوقوعها باطلا عند الله في الأحكام العقباويّة. 17 - {أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ:} أي (¬5): هو كمن ليس على بيّنة من ربه. الذي هو على بيّنة من ربه روح النّبيّ عليه السّلام وقلبه وضميره. {وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ:} هو منظره يتبع مخبره، قال محمد بن الحنفية (¬6): قلت لعليّ بن أبي طالب رضي الله عنه: إنّ النّاس يزعمون في قوله: {وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ،} أنّك أنت التّالي؟ فقال: وددت أنّي هو، ولكنّه لسان محمد عليه السّلام (¬7). وقيل: {يَتْلُوهُ:} القرآن، {شاهِدٌ مِنْهُ:} من ربّه، هو (¬8) جبريل عليه السّلام. (¬9) ويحتمل: أنّ الشاهد هو نفسه، أو من عشيرته، أو رجل من أمّته، ألا ترى أن جعفرا (¬10) ¬
كان مبلّغا عنه بالحبشة، وأنّ عليّا كان مبلّغا عنه في الحجّ الأكبر (¬1)، وابن عباس كان مبلّغا عنه في تفسير كتاب الله تعالى. {وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزابِ:} عامّ في الملل كلّها. (¬2) 18 - {أُولئِكَ يُعْرَضُونَ عَلى رَبِّهِمْ:} عن قتادة (¬3)، عن صفوان بن محرز (¬4) المازنيّ، قال: بينما أنا أطوف مع ابن عمر (¬5) بالبيت، إذ عارضه [رجل] (¬6)، فقال: يا ابن عمر، كيف سمعت رسول الله يذكر النّجوى؟ قال: يدنو المؤمن من ربه حتى يضع عليه كنفه، فيقرّره بذنوبه، فيقول: هل تعرف؟ فيقول له: [ربّ] (¬7) أعرف ربّ أعرف، حتى يبلغ، فيقول: فإنّي قد سترتها عليك في الدّنيا، وإنّي لأغفرها (¬8) لك اليوم، قال: ثم يعطيه (¬9) صحيفة حسناته بيمينه، وأما الكافر فينادى به على رؤوس الأشهاد: {هؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلى رَبِّهِمْ. . .} الآية (¬10). 20 - {يُضاعَفُ لَهُمُ الْعَذابُ:} أي: عليهم. {ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ} أي: لشدّة عداوتهم بعد اختيارهم العداوة أوّل مرّة، فتيسّرت عليهم العسرى، وتعسّرت عليهم اليسرى. (¬11) 22 - {لا جَرَمَ:} قال الزجاج (¬12): لا، ردّ لظنّهم، وقولهم الباطل، جرم، أي: كسب لهم ¬
فعلهم الخسران (¬1). وقال الفرّاء (¬2): لا جرم: كلمة بمنزلة (¬3) لا بدّ، لا محالة، فجرت على ذلك، وكثر استعمالهم إيّاها حتى صارت بمنزلة حقّا (¬4). 23 - {وَأَخْبَتُوا:} اطمأنّوا، (¬5) والخبت: الأرض المطمئنة. (¬6) 24 - {مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ:} أحدهما: {مَنْ يَكْفُرْ بِهِ} [هود:17]، الذين افتروا على الله كذبا، والآخر: من هو على بينة من ربه. (¬7) و (الشّاهد): التّالي (¬8) منه، والذين آمنوا وعملوا الصّالحات. 26 - {يَوْمٍ أَلِيمٍ:} عذابه، وهو يوم الطّوفان، أو يوم القيامة. 27 - {أَراذِلُنا:} جمع: أرذل (¬9)، وأرذال: جمع رذل: وهو النّذل الخسيس، (¬10) وإنّما استحقروا المؤمنين؛ لقلّتهم، وفقرهم، ولكونهم بمنزلة السّفهاء عندهم. (¬11) 28 - {قالَ (¬12)} يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ: المعنى: أنّهم تخوّفوا من نوح عليه السّلام ومن اجتماع أصحابه وكثرتهم على أنفسهم الإكراه والقهر، وطالبوه أن يطردهم، وينفّرهم، فأبى نوح عليه السّلام أن يطردهم، وقال: أرأيتموني وأصحابي نجبركم ونكرهكم على الدّين إن كثرنا؟ أي: لا نفعل ذلك؛ فإنّه {لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ} [البقرة:256]. 29 - {لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ} (159 و) {مالاً:} لست أطالبكم على الدّين، واجتماع الأصحاب، كفعل الملوك (¬13)، فتمنعوني عن ذلك لما يصيبكم من المؤونة. {وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ:} بأن تمنعوني عن الدعوة إلى الرشّاد بغير حجّة ثبتت لكم. ¬
31 - {وَلا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللهِ:} كدعوى الذين يدّعون الكيمياء. {وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ:} كدعوى الكهنة والقائفين. {وَلا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ:} كدعوى الأرواح الخبيثة الملابسة من السّحرة. {وَلا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللهُ خَيْراً:} كدعوى المصدقين للطّواغيت طمعا في برّهم وخيرهم. فتبرّأ نوح عليه السّلام من هذه الدعاوى كلّها؛ لأنّ دعواه كانت نبوته بقوة إلهيّة، كان نوح عليه السّلام يدعوهم إلى توحيد الله تعالى وخلع الأنداد. 32 - {قالُوا يا نُوحُ قَدْ جادَلْتَنا فَأَكْثَرْتَ جِدالَنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا. . .} الآية: وعدهم الطوفان. 34 - {إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ:} النّصيحة: مرضيّة حميدة مأمور بها، بخلاف الإغراء، والنّفع مفتقر إلى وجود النصيحة، وهي لا توجد إلا بإرادتها. (¬1) 35 - {قُلْ إِنِ اِفْتَرَيْتُهُ:} خطاب موجه (¬2) لنبيّنا عليه السّلام، وهو عارض في أثناء القصة، والمراد به تحقيق القصة وتوكيدها، وقطع أوهام المستمعين، ودعاويهم. {مِمّا تُجْرِمُونَ:} أي: من إجرامكم، وهو تهمتهم، وتكذيبهم وإنكارهم. (¬3) 36 - {إِلى نُوحٍ} عليه السّلام {أَنَّهُ:} الهاء ضمير الأمر والشأن. {فَلا تَبْتَئِسْ:} تفتعل من البؤس، والمراد: الحزن والجزع، (¬4) وكان دعوة نوح عليه السّلام {رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ. . .} الآية [نوح:26]، بعد ما أوحى الله تعالى بهذه الآية. 37 - {بِأَعْيُنِنا:} أي: بنظر خاصّ منّا إلى ما تصنع يفيد الكلاءة. {وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا:} لا تدع عليهم بعد، فإنّا قد استجبنا لك، أو لا تتشفع لهم عند معاينة الأهوال من الرّقّة، وقلّة الاحتمال، أو أنّه نهي عمّا علم الله أنّه سيكون، وهو ذكر ابنه «يام». 38 - {سَخِرُوا مِنْهُ:} استهزؤوا، وإنّما فعلوا؛ لأنّهم رأوه يصلح سفينة لا على ساحل ¬
بحر، ولا على شط نهر. (¬1) {فَإِنّا (¬2)} نَسْخَرُ مِنْكُمْ: سنجهّلكم ونسفّهكم. (¬3) 39 - {مَنْ:} بمعنى: الذين: في محل النّصب. (¬4) وقيل: بمعنى: أي، في محل الأمر بالابتداء (¬5). 40 - {حَتّى:} غاية؛ لامتداد حاله وحالهم إلى مجيء الأمر. {وَفارَ:} الفور: الغليان، والخروج على السرعة. {التَّنُّورُ:} تنّور الخابزة. (¬6) وقيل: عين ماء معروفة (¬7). وعن عليّ: أنّه وجه الأرض (¬8). {إِلاّ:} استثناء منقطع، (¬9) والذي سبق عليه القول من جملة الأهل، امرأته و «يام». 41 - {مَجْراها وَمُرْساها:} في محل الرّفع، الباء في {بِسْمِ اللهِ،} [متعلق بما قبله، والتقدير: بسم الله إجراؤها وإرساؤها] (¬10) ويحتمل: أنّ قوله: {بِسْمِ اللهِ} متصل بما قبله، أي: اركبوا بسم الله، وأنّ مجراها، ومرساها (¬11)، أي: حال إجرائها، وإرسائها، أي: إثباتها، والمنع عن جريانها. وذكر المغفرة والرحمة؛ لترغيب التائبين الذين ركبوا في السّفينة. 42 - {فِي مَعْزِلٍ:} موضع عزله عن أبيه وإخوته، يقال: إنّا بمعزل من كذا. 43 - {لا عاصِمَ الْيَوْمَ:} لا معصوم، (¬12) كقوله: {مِنْ ماءٍ دافِقٍ} [الطارق:6]، و {عِيشَةٍ راضِيَةٍ} [الحاقة:21]، وتقدير: لا عاصم اليوم من أمر الله إلا لمن رحم. (¬13) وقيل: الاستثناء ¬
منقطع، لا عاصم اليوم البتة من أمر الله لكن من رحمه الله. (¬1) 44 - {اِبْلَعِي:} البلع: الاستراط في المتصل، يقال: (159 ظ) بلعت ريقي، وأبلعته، وابتلعت ما في فمي، ولا يقال: ابتلعت ما في القصعة والكأس. {أَقْلِعِي:} أمسكي. يقال: أقلع فلان من المعاصي، أي: تاب وأمسك عنها. {وَغِيضَ الْماءُ} أي: غاضت الأرض الماء، ونشّفته الرّيح والحرارة، فنقص، (¬2) وربما كان الغيض لازما. 45 - {وَنادى نُوحٌ رَبَّهُ:} يحتمل أنّه كان قد خوطب في الأهل بعموم، وظنّ كذلك، فلذلك تعرض للوعد. (¬3) ويحتمل أنّه ظنّ أنّ المستثنى من أهله امرأته وحدها دون ابنه «يام». (¬4) ويحتمل أنّ ابنه كان يظهر الإيمان، والموافقة على سبيل النّفاق، فخاطب بظاهره. {وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ:} يعني: النجاة. 46 - {لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ:} الموعود لهم، (¬5) أو من أهلك الذين أسباب الموالاة متصل بينك وبينهم. 47 - {أَنْ أَسْئَلَكَ:} من أن أسألك: أطلبك. 48 - {بِسَلامٍ مِنّا:} بتحية لك من عندنا، أو بتقدير السّلامة لك من عندنا. (¬6) {وَبَرَكاتٍ عَلَيْكَ:} وببركات، (¬7) والبركة: النماء وزيادة (¬8) الخير. {عَلى أُمَمٍ:} أهل السّعادة من ذرّيتهم، (¬9) كآل هود وصالح وأمثالهم. {وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ:} أهل الشّقاوة، كسائر عاد وثمود، وأمثالهم. 49 - {تِلْكَ:} القصة، أو تلك الأنباء. (¬10) {مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ:} لأنّه لا يعلم كيفيّتها إلا آحاد النّاس، وفي كتب مندرسة لا تقوم ¬
الحجة بمثلها. {ما كُنْتَ تَعْلَمُها أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ:} لأنّهم لم يكونوا سمعوا بها أصلا، والثاني: أنّ علمهم لم يقع بها؛ لأنّ العلم بالخبر لا يقع إلا عند الإعجاز والتّواتر، ولم يحصل إلا بالقرآن. 51 - {لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً:} لّما اتّهموه أنّه يدّعي النّبوة ليزاحمهم، حسم أوهامهم بذلك. {عَلَيْهِ:} أي: على الدعاء والإنذار. 52 - {يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ:} إنّما وعد درّ السماء على شريطة التّوبة والاستغفار؛ لاحتياجهم إلى ذلك، وقد ذهب وفدهم للاستقساء (¬1) على ما قدمنا. 53 - {بِبَيِّنَةٍ:} معجزة، التي توجب العلم ضرورة على سبيل الإلجاء، طالبوه بها جهلا منهم. {عَنْ قَوْلِكَ:} بقولك. وضع (عن) مكان (الباء)، كما وضع (الباء) مكان (عن) في قوله: {فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً} [الفرقان:59]، و {سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ} [المعارج:1]. وقيل: معناه: {وَما نَحْنُ بِتارِكِي آلِهَتِنا} صادرين عن رأيك، وقولك. (¬2) 54 - {اِعْتَراكَ:} مسّك، وعرض لك، تقول (¬3): عروته، واعتريته، وعورته، واعتورته: إذا أتيته بطلب حاجة، (¬4) ومحلّه النّصب بالاستثناء. {بِسُوءٍ:} بخبال (¬5) وجنون، وإنّما قالوا ذلك؛ لاعتقادهم أنّ النّفع والضّر من عندها. (¬6) {قالَ:} هود عليه السّلام. (¬7) {إِنِّي أُشْهِدُ اللهَ:} أنّي بريء من آلهتكم. {وَاِشْهَدُوا:} أنتم عليّ أنّي بريء من آلهتكم التي اتّخذتموها من دون الله. 55 - {فَكِيدُونِي:} أنتم وآلهتكم أجمعون، ولا تمهلوني، وإنّما قال ذلك ليعرّفهم عجزهم وعجزها، وينبّئهم على بطلان دعاويهم. ¬
56 - {آخِذٌ بِناصِيَتِها:} عبارة عن ملك الأمر والاستيلاء، والقدرة على وجوه التّصاريف، (¬1) والنّاصية: هي العرف. قال عليه السّلام: «الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة» (¬2). وأنّ النّبيّ عليه السّلام حسر عمامته، ومسح على ناصيته (¬3). (¬4) {إِنَّ رَبِّي عَلى} (160 و) {صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ:} أي: فعله وقوله على قضيّة علمه وحكمته. (¬5) 57 - {فَإِنْ تَوَلَّوْا:} تتولّوا وتعرضوا. (¬6) {فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ:} جواب للشّرط (¬7)، وكأنّه (¬8) قال: إن تعرضوا فلا عليّ، فإنّي قد قضيت ما عليّ. {وَيَسْتَخْلِفُ:} يجوز أن يكون معطوفا على جواب الشّرط بالفاء، (¬9) ويجوز أن يكون مستأنفا. (¬10) والاستخلاف: اتخاذ الخليفة (¬11)، كالاستيزار (¬12) والاستقضاء. {شَيْئاً:} في شيء. وقيل: لا تنقصونه (¬13) شيئا. (¬14) {مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ:} إن أراد به الريح، (¬15) فهي جسم؛ لأنّها تشاهد إذا تلوّنت بالغبار، فغلظها تراكم أجزائها، وشدّة ائتلافها بخلاف الرّيح الطّيبة. وإن أراد به ما حصل من التّعذيب، فغلظه عظمته وشدّته وفخامته. ¬
59 - {وَتِلْكَ:} مبتدأ (¬1). {عادٌ:} خبرها، (¬2) والتقدير: تلك الأمة عاد. وقيل (¬3): {وَتِلْكَ:} مبتدأ، و {عادٌ:} كالبدل عنه، والخبر: {جَحَدُوا} أي: أنكروا. (¬4) {وَعَصَوْا رُسُلَهُ:} نوح وهود، ومن قبلهما، أو هود والملائكة، أو هود وحده، جمع على سبيل التّشريف. ويحتمل أنّ هودا عليه السّلام كان معه رسل كما أن هارون مع موسى، وبعض الحواريّين مع عيسى عليه السّلام ومثل هذا لا يثبت إلا بالسماع. (العنيد): العاند، والعنود: الذي لا يطيع. 60 - {وَيَوْمَ الْقِيامَةِ:} أي: وأتبعوا لعنة يوم القيامة. وقوله: {أَلا إِنَّ عاداً:} خبر مستأنف. ويحتمل أنّ يوم القيامة (¬5) متصل به، وتقديره: ويوم القيامة ألا إنّ عادا كفروا ربّهم، أي: بربهم. 61 - {وَاِسْتَعْمَرَكُمْ فِيها:} أي: جعلكم عمّارها. (¬6) ابن عرفة (¬7): أطال الله عمركم فيها. (¬8) ويحتمل من قوله: أعمرته الدار، أي: جعلتها له مدة عمره، وهي العمرى. (¬9) 62 - {كُنْتَ فِينا مَرْجُوًّا:} نتفرّس فيك الخير. (¬10) {قَبْلَ هذا:} قبل (¬11) دعوتك إيانا إلى التوحيد والرشد، وأمّا اليوم فقد أيسنا من خيرك. 63 - {فَما تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ:} يجوز أن يكون استفهاما، وأن يكون نهيا. {تَخْسِيرٍ:} تضليل، ونسبته إلى الخسران، وقيل: بخس ونقص ومضرّة (¬12)، من قولهم: صديق مخسر عدوّ مبين. ¬
64 - {لَكُمْ آيَةً:} نصب على القطع أو الحال، (¬1) وقوله: {لَكُمْ} متّصل بما بعده، لا بما قبله. 65 - {تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيّامٍ:} إخبار عن انتهاء تمتّعهم، (¬2) كقوله: {فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ} [التوبة:2]. {مَكْذُوبٍ:} مصروف عن جهة الصدق. 66 - {بِرَحْمَةٍ مِنّا:} يجوز أن يكون {مِنّا} متّصلا (¬3) برحمة، أي: برحمة من عندنا، ويجوز أن يكون متّصلا ب {نَجَّيْنا،} أي: نجّيناهم من أمرنا. وإن أراد الأول، فالخزي: معطوف على مضمر، تقديره: منه، ومن خزي يومئذ. وإن أراد الثاني فهما ظاهران. وقيل: الواو في قوله: {وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ} مقحمة (¬4)، كما في قوله: {جاؤُها وَفُتِحَتْ أَبْوابُها} [الزمر:71]. 69 - {قالُوا سَلاماً:} نصب بوقوع القول عليه، (¬5) كما تقول لمن قال: لا إله إلا الله: قلت صوابا، أو حقّا وحتما. {قالَ سَلامٌ:} رفع على الحكاية، تقديره: سلام عليكم. (¬6) {أَنْ جاءَ:} نصب بنزع الخافض (¬7)، تقديره: فما لبث عن مجيئه، وقيل: [رفع] (¬8)، ¬
تقديره: فما لبث مجيئه، أي: ما أبطأ. (¬1) {حَنِيذٍ:} ما شوي في الحفائر بالرّضف. (¬2) وقيل: منضّج. (¬3) 70 - {رَأى أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ:} أي: رآهم ممسكين عن الطعام. (¬4) {نَكِرَهُمْ:} استنكرهم، وأنكرهم. (¬5) (160 ظ) وقيل: ظنّ أنّهم لصوص لا يتحرّمون بطعامه؛ لئلاّ يدخل في نعتهم. (¬6) و (الإيجاس): شيء من الإحساس، وما خاف حقيقة، ولكن ثمّ (¬7) مكروه لعل الله يوصله إليه من جهتهم. 71 - {فَضَحِكَتْ:} بالسّرور من جهتهم، حيث قالوا: {لا تَخَفْ} [هود:70]. (¬8) وقيل: ضحكت سرورا بنصرتهم لوطا عليه السّلام وفرحا بالولد. (¬9) {وَمِنْ وَراءِ:} خلف إسحاق يعقوب. (¬10) وقيل: الوراء: اسم لولد الولد، فتقديره: ومن جهة إسحاق الوراء. وعن الشّعبيّ (¬11): الوراء: ولد الولد. (¬12) 72 - {يا وَيْلَتى:} الدعاء بالويل حقيقة عند شدة الأمر، وخوف الهلاك، إلا أنّه كثر استعمالها، تلفظوا بها عند كل تعجب توسّعا ومجازا. ويحتمل: أنّه توهّمت أنّها تهلك، ثم تنشأ ثانيا للولادة؛ فلذلك دعت بالويل. {بَعْلِي:} زوجي، وربّ الدار. {شَيْخاً:} حال (¬13). ¬
73 - {قالُوا أَتَعْجَبِينَ:} إنّما أنكروا عليها التّعجب من أمر الله؛ لأنّه جميل لا يستبعد منه فعل ما يستحق الحمد. {مَجِيدٌ:} لا نهاية لمجده. {رَحْمَتُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ:} خبر، أو (¬1) دعاء. (¬2) {أَهْلَ:} نصب على النّداء، (¬3) ول (أهل) معنيان: أحدهما: من يسكن بيته من عياله، كقوله: {يا نِساءَ النَّبِيِّ. . .} إلى قوله: {أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً} [الأحزاب:32 - 33]. والثاني: بنو أبيه، ومواليه، قال عليه السّلام: «سلمان منّا أهل البيت» (¬4). وإن كان المراد بأهل البيت بيت إبراهيم عليه السّلام [من] (¬5) الصّنف الأوّل، فلم تشتمل التّسمية على لوط عليه السّلام وإن كان الثّاني، فاشتملت. 74 - {الرَّوْعُ:} الفزع والخوف. (¬6) وفي الحديث: أنّهم خرجوا ذات ليلة إلى صوت، فإذا رسول الله عليه السّلام يستقبلهم (¬7) على فرس يقول: «لن تراعوا، لن تراعوا» (¬8). {يُجادِلُنا} أي: طفق يجادل رسلنا، (¬9) وهو قوله: {فَما خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ} [الحجر:57]، وقوله: {إِنَّ فِيها لُوطاً} [العنكبوت:32]، وقوله: أتهلكون قرية فيها كذا كذا مؤمنا، وكل ذلك بإذن الله. (¬10) 75 - {لَحَلِيمٌ أَوّاهٌ مُنِيبٌ:} يتحلّم عن قوم لوط وثناؤه عليهم، منيبا إلى الله في حوائجه ¬
وأموره. والإنابة: الرّجوع. 76 - {يا إِبْراهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هذا:} لمّا سمع هذا تيقّن بهلاك قريات [قوم لوط] (¬1)، والمراد (¬2) في الخطاب غير ملفوظ به واستثناء منقطع معناه: لكن (¬3) يخبرنا به ابتداء، لا على سبيل الحكاية. 77 - {سِيءَ بِهِمْ:} سيء بمجيئهم؛ لما يخاف عليهم من فعل قومه. (¬4) {وَضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً:} أي: ضاق ذرعه بهم. ذرعه: طاقته، واستطاعته. {عَصِيبٌ:} شديد. (¬5) 78 - {يُهْرَعُونَ:} يستحثّون، ويزعجون على سرعة، (¬6) والمستحثّ: المزعج قضاء الله وقدره. {يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ:} أفعالهم الخبيثة. {هؤُلاءِ بَناتِي:} إشارة إلى نسائهم، وإنّما دعاهنّ بنات على سبيل التلطف في الخطاب، إذ النّبيّ من أمته بمنزلة الأب من أولاده، ألا ترى أنّ لوطا لم يكن له إلا ابنتان. (¬7) ويحتمل أنّه كان له بنات غيرهما، فعرضهنّ عليهم بالتّزويج، (¬8) وكان ينعقد النّكاح من الكفّار والمسلمين يومئذ (¬9). ويحتمل أنّ لوطا عبّر عن ابنتيه بالبنات، وعرضهما على رئيسين؛ ليمنعا الباقين. و (الضيف): النازل عند الإنسان بزاده. 79 - {ما لَنا فِي بَناتِكَ مِنْ حَقٍّ:} ليس لنا في بناتك من حاجة ومراد، (¬10) ويحتمل: أنّهم أرادوا نفي عقد النّكاح. (¬11) ¬
{لَتَعْلَمُ ما نُرِيدُ:} كناية عن فعلتهم الخبيثة. (¬1) 80 - {لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ:} جواب (لو) مضمر (¬2) (161 و) تقديره: شديد لمنعتكم عن هؤلاء الضيف. أراد ب (الركن الشديد): ولي يعتضد به، من جار أو عشيرة. 81 - {أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ:} يدل على استعجال لوط عليه السّلام. (¬3) 82 - {مَنْضُودٍ:} متراكم، تراكمت أجزاء السّجيل حتى تحجّر. 83 - {مُسَوَّمَةً:} نصب على الحال، (¬4) أو القطع، أي: معلمة بخطوط من الألوان. (¬5) {وَما هِيَ:} أي: العقوبة (¬6) أو الحجارة. (¬7) {مِنَ الظّالِمِينَ:} قوم لوط، (¬8) ويحتمل أهل مكة، فتلك الحجارة لم تكن ببعيد عنهم (¬9)؛ لأنّهم كانوا يمرّون بها في أسفارهم إلى الشام، وقد كان وقع بمكة من جنسها عام الفيل. ويحتمل: أنّه على سبيل الوعيد لأهل مكة، ومن يعمل عمل قوم لوط، أي: لا يبعد أن يمطر عليهم مثلها؛ فإنّهم مستحقون لها، لولا فضل من الله ورحمته. وإنّما أسقط التأنيث من (بعيد) لكون التأنيث غير حقيقي، أو لتقدير: شيء، أي: وما هي بشيء بعيد، أو لوفق رؤوس الآي. 84 - {أَراكُمْ بِخَيْرٍ:} بحالة حسنة، ونعمة وافرة غير محتاجين إلى الخيانة. (¬10) 86 - {بَقِيَّتُ اللهِ:} ما يحدثه الله من النماء والبركة من غير بخس وتطفيف. (¬11) 87 - كان شعيب عليه السّلام كثير الصّلاة والعبادة والدّعاء، وكانوا يستحسنون ذلك منه، فلمّا دعاهم إلى خلع الأنداد، وإيثار القسط، رأوه قبيحة، فقالوا تعجبا: أصلاتك الحسنة أثمرت، وأفادت هذه الدعوة؟ وفيها اختصار، تقديرها: تأمرك، وتحملك على تكليفنا أن نترك، ¬
وقيل: تقديره: أصلاتك تأمرك، وإيانا أن نترك ما يعبد آباؤنا، وتنهاك وإيّانا أن نفعل في أموالنا ما نشاء. (¬1) {الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ:} السّفيه الجاهل، (¬2) كقوله: {ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ} [الدخان:49]. وقيل: هو على ظاهره، أي: كنت الحليم الرشيد حتى الآن، كقول ثمود لصالح: {كُنْتَ فِينا مَرْجُوًّا قَبْلَ هذا} [هود:62]. (¬3) 88 - {أَرَأَيْتُمْ:} المستفهم مضمر، (¬4) تقديره: أرأيتم إن كنت بهذه أكنت جاهلا؟ أو أرأيتم إن كنت بهذه الصّفة أكنتم تجيبونني؟ وفائدته: الاستدراك. 89 - {لا يَجْرِمَنَّكُمْ:} كقولك: لا تحملنّك مخالفتي على أن تدحرج نفسك من شاهق إلى بئر. (¬5) 90 - {وَاِسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ:} أتى بالدعوة على سبيل التّرغيب، بعد الدعوة على سبيل التّرهيب؛ لتبلغ الدّعوة كلّ مبلغ، وتلزم (¬6) الحجة كلّ اللّزوم. {وَدُودٌ:} متحبب، (¬7) في الحديث: «إنّ الله تعالى يتحبّب إلى عبده بالنّعم، والعبد يتمقّت إليه بالمعاصي» (¬8). 91 - لّما انقطعوا في المناظرة والجدال، أخذوا في السّفاهة (¬9)، عادة الجهّال، {قالُوا يا شُعَيْبُ.} {ضَعِيفاً} (¬10): مكفوفا. (¬11) {رَهْطُكَ:} عشيرتك. (¬12) والرّهط: ما دون العشرة من الأنفس. (¬13) ¬
{لَرَجَمْناكَ} (¬1): شتمناك، وقذفناك. (¬2) ويحتمل: الرجم بالحصى. (¬3) {وَما أَنْتَ عَلَيْنا بِعَزِيزٍ:} لا يعزّ (¬4) علينا مكروهك، ولكنه يعزّ علينا مكروه رهطك. (¬5) 92 - {قالَ يا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللهِ:} يكذّبهم، ويقول: ليس (¬6) لعشيرتي عندكم ذمام وحرمة، فإنّكم أعرضتم عن حق الله، فكيف يرجى منكم رعاية حق العشيرة؟ والثاني: كان يحتجّ عليهم بحفظ ذمام العشيرة، ويقول: إن كنتم تحفظون ذمام العشيرة، فلم لا تراعون حقّ الله، ولم تعرضوا عنه؟ فإنّه أحق وأوجب. {وَاِتَّخَذْتُمُوهُ وَراءَكُمْ ظِهْرِيًّا:} اتخذتم (¬7) الرهط ملجأ (161 ظ) وعده لكم من ورائكم. وقيل: اتخذتم حقّ الله شيئا لا تلتفتون إليه. (¬8) 93 - قوم شعيب كانوا يخوّفونه بأن يعتريه بعض آلهتهم بسوء وعذاب، ويسمّونه كاذبا، فقال على سبيل التّهديد (¬9): {وَيا قَوْمِ اِعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ:} على حالتكم التي هي حالة التمكين من الاختيار. (¬10) {إِنِّي عامِلٌ:} عملي على هذه الحالة. {سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كاذِبٌ:} عند نسخ حالة الاختيار بحالة الإلجاء والاضطرار. 97 - {فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ:} إيّاهم، أن استخفّهم فأطاعوه في عبادته وتعبّد بني إسرائيل. {بِرَشِيدٍ:} مرشد. (¬11) 98 - {يَقْدُمُ قَوْمَهُ:} يقال: قدم يقدم، بضم العين فيهما، إذا صار قديما أو مقدما، ¬
وقدم يقدم، بكسر العين في الماضي، وفتحها في الحاضر (¬1)، إذا تلقّى واستقبل، وقدم يقدم، بفتح العين في الماضي، وضمّها في الحاضر، إذا تقدّم. {فَأَوْرَدَهُمُ النّارَ:} على سبيل التّسبّب، دون التّسلط. وقال ابن عرفة: الورود: موافاة المكان قبل دخوله، وحقيقته: الوصول والبلوغ. (¬2) 99 - {الرِّفْدُ:} اسم للقوام المستفاد، (¬3) والرّفد: بدل القوم، فلمّا كان قيام بؤس آل فرعون، وانتظام وبالهم، وتتمّة المقدور فيهم باللّعنة بعد اللّعنة، وقعت العبارة عنها بالرّفد. ويحتمل: أنّهم أطاعوا فرعون طمعا في الرّفد، فبدّله الله باللّعنة، فوقعت العبارة عن البدل. 100 - {قائِمٌ:} باق. {حَصِيدٌ:} فان، يقال: حصدهم بالسّيف، (¬4) فالباء في مثل: مصر (¬5)، وجنّة شداد، وأخواتهما، والفاء في مثل: حجر، والمؤتفكات، وأخواتهما. 101 - {تَتْبِيبٍ:} تخسير، والتّباب: الخسار. (¬6) 102 - عن أبي موسى (¬7)، عنه عليه السّلام: «أنّ الله تعالى يملي للظّالم، أو قال: يمهل (¬8)، حتى إذا أخذه لم يفلت»، ثم قرأ: {وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ (¬9)}. . . الآية (¬10). 104 - {نُؤَخِّرُهُ:} الضّمير عائد إلى اليوم الموعود. (¬11) 105 - {يَأْتِ:} يشبه التّرخيم (¬12). ويحتمل: أن يكون شرطا؛ لأنّ (يوما) يشبه الميم ¬
الموصول، وقد ينقلب حرف شرط. قال [من الكامل] (¬1): استغن ما أغناك ربّك بالغنى … وإذا تصبك خصاصة فتجمّل والجواب قوله: {فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ،} شقيّ: محروم مكدود، وسعيد: محظوظ مجدود. عن (¬2) عمر بن الخطّاب، قال: لّما نزلت (¬3) هذه الآية، سألت النّبيّ عليه السّلام فقلت: يا نبيّ الله، فعلى ما نعمل؟ على شيء قد فرغ منه، أو على شيء لم يفرغ منه (¬4)؟ فقال: «بل على شيء فرع عنه، وجرت به الأقلام يا عمر، ولكن كل ميسر لما خلق له». (¬5) 106 - {زَفِيرٌ:} صوت الصّدر. {وَشَهِيقٌ:} صوت الحلق، وكلاهما من أصوات المكروبين. (¬6) ويحتمل: أنّ هذا في نهيق الحمار. (¬7) ويحتمل: هذا في القبر، كقوله تعالى: {النّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا} [غافر:46]، وقوله عليه السّلام: «القبر روضة من رياض الجنّة، أو حفرة من حفر النّيران» (¬8). 107 - {ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ:} يحتمل: كون أنفسهم اللطيفة في النار قبل مجيء القيامة، وانفطار السّماء، وتبدّل الأرض، وبعثرة ما في القبور (¬9)، والاستثناء حالة الرّقدة والصّعقة. ويحتمل: أنّ المراد بالسّماوات: سقوف النّار ودركاتها، والاستثناء حالة العرض والحساب، (162 و) أو حالة عقوبة الاستهزاء. ويحتمل: أن المراد ببقاء السّماوات والأرض: بقاء أجزائهما لا بقاء تآليفهما، ولا دلالة على فناء الأجزاء المتلاشية بعد الوجود، والاستثناء حالة الدّنيا. وقيل: جرى مجرى الأمثال (¬10)، كقولهم: لا آتيك سنّ الحسل (¬11)، ¬
ومعز (¬1) الفزر. وقيل: مقدار دوام السّماوات والأرض. (¬2) {إِلاّ ما شاءَ رَبُّكَ:} من الزيادة، قاله (¬3) الفرّاء (¬4). وقيل: {ما شاءَ رَبُّكَ:} من شاء ربك، وهم طائفة من أهل الإيمان، جمعوا بين شقوة المعاصي، وسعادة الإيمان، فهم مستثنون من الأشقياء؛ لانقطاع خلودهم، مستثنون من السّعداء؛ لتأخّر دخولهم. (¬5) والمراد بكونهم في الجنّة: بحياة الشّهداء. ويحتمل: سائر الوجوه المذكورة. 108 - {عَطاءً:} أي: أعطيناهم عطاء. {غَيْرَ مَجْذُوذٍ:} مقطوع. (¬6) 110 - والفائدة من ذكر موسى عليه السّلام وكتابه هو التّنبيه على جواز التّمثيل مع وجود الاختلاف كيلا يظنّ ظانّ أنّه معنى اختصّ بالقرآن. 113 - {وَلا تَرْكَنُوا:} ولا تميلوا. (¬7) {وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ. . .} الآية: كالعارض بين مسّ النّار، وابتغاء النّصرة. 114 - {طَرَفَيِ النَّهارِ:} الفجر والظهر والعصر. (¬8) {وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ:} ساعاته المترادفة، (¬9) أراد: صلاة المغرب والعشاء والوتر. وعن موسى بن طلحة (¬10)، عن أبي اليسر (¬11)، قال: أتتني امرأة تبتاع تمرا، فقلت: إنّ في البيت تمرا أطيب منه، فدخلت معي في البيت، وأهويت إليها، فقبّلتها، فأتيت أبا (¬12) بكر، رضي ¬
الله عنه، فذكرت له ذلك، فقال: استر على نفسك، وتب. فأتيت عمر، رضي الله عنه، فذكرت له ذلك، فقال: استر على نفسك، وتب، ولا تخبر أحدا، ولم أصبر، فأتيت (¬1) النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فذكرت له ذلك، فقال: «أخلفت غازيا في سبيل الله في أهله بمثل هذا؟»، حتى تمنّى أنّه لم يكن أسلم تلك إلا السّاعة، حتى ظنّ أنّه من أهل النّار. وأطرق رسول الله عليه السّلام طويلا (¬2) حتى أوحى الله (¬3) إليه: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ. . .} الآية، قال أبو اليسر: فأتيت رسول الله، فقرأها عليّ، وقال أصحابه: يا رسول الله، ألهذا خاصّة أم للنّاس عامّة؟ قال: «بل للنّاس عامّة» (¬4). وروى الكلبيّ (¬5)، عن أبي صالح (¬6)، عن ابن عبّاس، رضي الله عنهما: أنّ الآية نزلت في عمرو بن غزيّة الأنصاريّ (¬7)، وكان يبيع التّمر، فأتته امرأة تبتاع منه تمرا، فأعجبته، وقال: إنّ في البيت تمرا أجود من هذا، فانطلقي حتى أعطيك منه، قال: فانطلقت معه المرأة، فلمّا دخلت المرأة بيته، فوثب إليها، فلم يترك شيئا مما يصنع الرّجل بالمرأة إلا وقد فعله، إلا أنّه حذف، ولم يجامعها، (163 و) وحذف (¬8) شهوته، فلما حذف شهوته، ندم على ما صنع بالمرأة، فاغتسل، ثمّ أتى النّبيّ عليه السّلام يسأله عن ذلك؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما أدري ما أردّ عليك؟ حتى يأتيني فيك شيء من الله». قال: فبينما هم كذلك إذ (¬9) حضرت العصر، فلمّا فرغ من صلاته نزل جبريل عليه السّلام بتوبته، فقال: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ. . .} الآية. فقرأها رسول الله من القرآن، فقال عمر بن الخطّاب: أخاصّ أم عامّ؟ قال: «لا، بل عامّ». (¬10) 116 - {أُولُوا بَقِيَّةٍ:} أولو بقاء على أنفسهم؛ لتمسّكهم بالدين. (¬11) ويحتمل: بقيّة ¬
سنن الصّالحين، أي: هلاّ كان منهم (¬1) من يتمسّك بالبقيّة من سنن آدم وشيت وإدريس، عليهم السّلام، ينهون عن البدع في الأرض. {قَلِيلاً:} نصب على الاستثناء. (¬2) (الإتراف): الإنعام فوق المقدار والكفاية. 117 - {وَما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها مُصْلِحُونَ:} أي: ما كان ليهلكهم بذنب؛ وأهلها موحدون. وقيل: ما كان الله ليهلكها؛ وأهلها متمسّكون بعدل السّيرة. (¬3) وقيل: ما كان ليهلكهم بظلم نادر؛ وأهلها غير مستحقّين للعقاب. (¬4) وقيل: ما كان بظالم لو أهلكها، وإن كان أهلها مصلحين. (¬5) 119 - {وَلِذلِكَ:} إشارة أن يكونوا أمة واحدة على الإسلام، وقيل: للاختلاف. (¬6) وقيل: للإمساك عن الاختلاف. (¬7) وقيل: للاستثناء بالرحمة. (¬8) 120 - {فِي هذِهِ:} إشارة إلى السورة. (¬9) ¬
سورة يوسف
سورة يوسف مكية. وعن ابن عباس: إلا أربع آيات: ثلاث من أولها، والرابعة (¬1): {لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ} [يوسف:111]. (¬2) وهي مئة وإحدى عشرة آية بلا خلاف. (¬3) بسم الله الرّحمن الرّحيم 2 - {إِنّا أَنْزَلْناهُ:} الضمير عائد إلى الكتاب. (¬4) {قُرْآناً:} اسم من القراءة، أو مصدر (¬5). {عَرَبِيًّا:} بلغة العرب. (¬6) قال عليه السّلام: «إنّ العربية ليست باب والد، ولكن كل من تكلم بالعربية فهو عربيّ» (¬7). 3 - {أَحْسَنَ (¬8)} الْقَصَصِ: ما كان غاية في إفادة الصدق والعجب، الباعث على مكارم الأخلاق، الزاجر عن اللوم، بنظم سهل ممتنع (¬9)، وهو (¬10) القرآن، لتضمّنه أقاصيص الأنبياء والأولياء، وذكر عاقبة المتقين، وقصارى عمل المفسدين. (¬11) وقيل: قصة يوسف عليه السّلام؛ لاشتماله على حسن تعبير يعقوب، وحسن موعظته يوسف، وحسن صبره في حزنه، وحسن تعزّيه في مصيبته، وحسن رجائه من الله، وحسن (163 ظ) معاشرته فيه حيث لم يهاجرهم، ولم ينابذهم، ولاشتماله على حسن صورة يوسف، وحسن رؤياه في صباه، وحسن إمساكه عن زليخا، وحسن اختياره السجن، وحسن تعبيره رؤيا الفتيين (¬12)، وحسن صبره في السجن، ¬
وحسن تدبيره في ادّخاره الميرة، وحسن كيده في حبس أخيه، وحسن ردّه على إخوته بضاعتهم، وحسن عفوه عنهم، ولاشتماله على حسن اختيار زليخا والنسوة والملك، وحسن توبة إخوة يوسف، وحسن اعترافهم واعتذارهم، وحسن عاقبة الجميع، وحسن ذكر الله إيّاهم. (¬1) والقول الأول الأصحّ؛ لقوله: {بِما أَوْحَيْنا إِلَيْكَ.} عن مصعب بن سعد، عن أبيه، قال: أنزل الله تعالى القرآن على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فتلاه عليهم زمانا، فقيل: يا رسول الله، لو قصصت علينا، فأنزل الله تعالى: {الر تِلْكَ. . .} الآية، فتلا عليهم زمانا، قيل: يا رسول الله، لو حدّثتنا، فأنزل: {اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ. . .} الآية [الزمر:23]. وروي فقيل: لو خوّفتنا، فأنزل: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا. . .} الآية [الحديد:16]. (¬2) {وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ:} أي: من قبل الوحي إلا (¬3) غافلا عن هذه (¬4) الأنباء. 4 - {يا أَبَتِ:} الفراء (¬5): كانت ها وقفة، واستجازوا تحريكها، كتحريك هاء الندبة، ثم قلبوها تاء كهاء التأنيث، فأدخلوها عليها، الإضافة بالكسر، والندبة بالفتح. (¬6) وقيل: التاء عوض عن ياء المتكلّم؛ لأنّها لا تثبت مع الياء. (¬7) وإنّما جمع جمع العقلاء (¬8) لاعتبار فعل العقلاء، وهو السّجود، أو لأنّ تأويله: أبواه وإخوته. (¬9) 5 - {لا تَقْصُصْ:} لأنّه علم غيرتهم ومنافستهم في (¬10) طريق المشاهدة، أو من طريق (¬11) القياس على أمر أخيه"عيصو". ¬
و (¬1) ذكر (¬2) الشيطان؛ لأنّه كان يعلم أنّهم يفهمون (¬3) التأويل؛ لأنّ البيت كان بيت النّبوة والعلم، فيتخوف على يوسف من البوائق، وعلى إخوته البغي من وسوسة الشيطان. وعن وهب (¬4): رأى هذه الرؤيا وهو ابن اثنتي عشرة سنة، وكان رأى قبل ذلك، وهو ابن سبع سنين: إحدى (¬5) عشرة عصا طوالا مركوزة في الأرض كهيئة الدائرة، وإذا عصا صغيرة تثب على هذه العصيّ، فتغلبها، وتفوقها. (¬6) 6 - {وَكَذلِكَ:} إشارة إلى السجود والاختصاص بالرؤيا. فإنّما بشّره بالاجتباء لرؤياه، فإنّ الرؤيا من الله، والحلم من الشيطان، وبشّره بعلم التأويل؛ (¬7) لافتتاح أمره بخصلة نبوّته، وهي الرؤيا، وبشّره بإتمام النعمة عليه؛ لأنّ الله متمّ نوره، وعلم بذلك لوقوع أمثلتهم في الرؤيا: كواكب (¬8)، والكواكب نور يقتدى. 8 - {إِذْ قالُوا:} (164 و) فيما بينهم. {وَأَخُوهُ:} لأمّه. (¬9) {عُصْبَةٌ:} ما بين العشرة إلى الأربعين. (¬10) وضلّلوا أباهم في التدبير الدنياوي؛ لكون يوسف وأخيه غلامين ضعيفين، وكونهم عصبة أقوياء على الحماية، والانتصار من العدوّ، ولم يقصدوا ذمّ أبيهم، وإنّما قصدوا العتاب. (¬11) 9 - {اُقْتُلُوا يُوسُفَ:} بغير حق؛ لأنّهم لم يكونوا بلغوا رتبة النبوّة، (¬12) ولا يوسف بعد، وقتل غير النّبيّ ليس بكفر، والكبائر قبل النبوّة ممكنة. (¬13) ويحتمل: أنّهم قالوا نصيحة ¬
لأبيهم، وصرف محبّته إليهم، إذ هو الأصلح فيما بينهم. {أَوِ اِطْرَحُوهُ:} أسقطوه. {أَرْضاً:} بأرض (¬1) غير (¬2) أرضهم. {يَخْلُ لَكُمْ:} يفرع ويحصل لكم. (¬3) {مِنْ بَعْدِهِ:} من بعد هذا الذنب. (¬4) {صالِحِينَ:} تائبين، عن ابن عباس. (¬5) وقال مقاتل (¬6): أراد إصلاحهم فيما بينهم. (¬7) 10 - {قالَ قائِلٌ:} قتادة وابن إسحاق (¬8): روبيل. (¬9) مجاهد: شمعون. (¬10) وقيل: يهوذا. (¬11) {الْجُبِّ:} الركيّة لم تطو، فإذا طويت فهي بئر. (¬12) و (الالتقاط): رفع المنبوذ. (¬13) {السَّيّارَةِ:} مارّة الطريق، وهي (¬14) العير. {فاعِلِينَ:} حائلين بين يوسف وأبيه لا محالة، فحولوا كذلك. ¬
11 - {ما لَكَ لا تَأْمَنّا:} كان يعقوب كان يتخوف على يوسف من (¬1) إخوته؛ لما كان يعلم من غيرتهم ومنافستهم، وكان لا يرسله معهم للحشّ، ولا التماشي، ويحبسه عند نفسه؛ فلذلك قالوا: {وَإِنّا لَهُ لَناصِحُونَ} على اعتقادهم أنّ إخراجه من بين أظهرهم خير له ولهم. أرادوا بقولهم: {إِنّا لَهُ لَحافِظُونَ:} حفظه وحبسه في البئر إلى أن يلتقطه بعض السيّارة. 13 - يقال: حزنني، وأحزنني. (¬2) وإنّما خاف أكل الذئب، لأنّه كان رأى في المنام أنّ الذئب قد اختطفه. (¬3) وقيل: لأنّ الذئاب كانت كثيرة عادية (¬4) في أرض كنعان. (¬5) وإنّما أظهر هذه العلة دون تخوّفه من كيدهم للرّفق، وحسن العشرة. 14 - لما قالوا: {لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ} سكن إلى قولهم، وأحبّ أن يرسله معهم؛ لعلّ الله يؤلّف بينهم، ولئلا يزيدهم حقدا بردّهم خائبين. 15 - {وَأَوْحَيْنا:} واو مقحمة، (¬6) كما في قوله: {وَفُتِحَتْ أَبْوابُها} [الزمر:72]، {وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ} [الصافات:103]. قيل: إيحاء جبريل. (¬7) وقيل: الإلهام. (¬8) {إِلَيْهِ:} إلى يوسف. (¬9) {لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ:} وهو قوله: {هَلْ عَلِمْتُمْ ما فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ (¬10)} وَأَخِيهِ [يوسف:89]. 16 - {يَبْكُونَ:} يكلّفون البكاء، (¬11) كعادة (¬12) الجاني إذا تبرّأ [أكثر] (¬13) من البكاء. ¬
17 - {نَسْتَبِقُ:} نسابق بالرمي والتعادي. (¬1) ويحتمل: أنّهم لم يقصدوا الكذب بخبرهم من الاستباق وتركه؛ لأنّه ممكن، وعنوا بالذئب ما كان رآه أبوهم (164 ظ) في المنام، وتأويله السارق، أو الغاصب مثلا أو مجازا. وإنّما قالوا: {وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا} لشدّة خوفهم، كما يقال: كاد المريب يقول: خذوني. 18 - {بِدَمٍ كَذِبٍ:} على قميصه، أي: الدم المكذوب. (¬2) كانوا قد لطخوا القميص بدم جدي، يوهمون أنّه دم يوسف. (¬3) وإنّما اعتذروا بهذا لما يرجون من تصديق أبيهم، وتسليمه لهم هذا العذر بعد خوفه عليه من قبل هذا المعنى، وإنّما علم الخلاف بوحي أو إلهام، أو صدق فراسته، أو اعتبار القميص غير ممزّق. {سَوَّلَتْ:} زيّنت. (¬4) {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ:} أي: فعلي صبر جميل، وهو ما عرى من الشّكوى والعويل. (¬5) {عَلى ما تَصِفُونَ:} على استبانة ما تصفون. 19 - {وَجاءَتْ سَيّارَةٌ:} الرفقة، (¬6) كانوا من خزاعة، يريدون مصر. {وارِدَهُمْ:} مالك بن ذعر الخزاعي. (¬7) {فَأَدْلى:} أرسل إلى أسفل البئر. (¬8) {وَأَسَرُّوهُ:} يحتمل: إخوة يوسف. (¬9) ويحتمل: السيارة. (¬10) {بِضاعَةً:} قطعة من المال يتّجر بها، وهي منصوبة على الحال. (¬11) ¬
20 - {شَرَوْهُ:} يحتمل: البيع من إخوة يوسف. ويحتمل: الاشتراء من السيارة. (¬1) ذكر (¬2) في التواريخ: أنّ إخوة يوسف لما رجعوا من الغد إلى البئر، لم يجدوا يوسف فيها، فافتقدوه، فوجدوه في هذه الرفقة، فأوهموه (¬3) أنه عبد آبق، وباعوه منهم بعشرين درهما. (¬4) وقيل: باثنين وعشرين. (¬5) {بَخْسٍ:} باخس، (¬6) أو مبخوس. (¬7) {دَراهِمَ:} مضروب من الفضة للمعاملة. الزهد في الشيء: الرغبة عنه. (¬8) الذي اشتراه من مصر هو عزيز مصر، اسمه قطيفرع. وقيل: قطفير، (¬9) اشتراه من مالك بن ذعر دخل به السوق، وعرضه للبيع، فبلغ ثمنه في العرض مقدارا من مسك (¬10) وحرير وذهب وفضة، فاشتراه العزيز بذلك لامرأته زليخا. (¬11) وقيل: راعيل. (¬12) وإنّما وكله إليها لتربّيه تربية الأمّ ولدها. 21 - {أَكْرِمِي مَثْواهُ:} اجعلي منزلته حميدة حسنة؛ (¬13) لئلا يفسد بتربية السوء، فيتطرق إليه خيانة العبيد. {عَسى أَنْ يَنْفَعَنا:} تفرس لما فيه من مخايل (¬14) الكرم (¬15)، وشمائل الأحرار، (¬16) ¬
كفراسة ابنة شعيب في موسى عليه السّلام، (¬1) وفراسة خديجة في نبينا عليه السّلام. (¬2) {أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً:} لأنّه كان غنيّا لا وارث له، عنّينا لا يولد له. (¬3) {وَكَذلِكَ} أي: فكما نخبرك. {وَلِنُعَلِّمَهُ:} معطوف على ضمير، أي: ليتمكّن ولنعلّمه. (¬4) {عَلى أَمْرِهِ:} قيل: أمر الله. (¬5) وقيل: أمر يوسف. (¬6) 23 - وقيل: إنّ يوسف إذ وقع بمصر كان [عمره] (¬7) سبع عشرة سنة، فلما بلغ (165 و) ثماني عشرة سنة بلغ أشدّه، وآتاه الحكم والحلم، وذلك حين رأى برهان ربّه ليصرف عنه السوء والفحشاء، ثم بقي بعد ذلك على حالته ستّ سنين، ثم ابتلاه الله بالسجن سبع سنين، وأتاح له الفرج على رأس ثلاثين سنة من عمره. وقيل: بلوغ أشدّه بلوغه ثلاثين سنة. (¬8) والمراد بالحكم: ما حكم بين الناس، (¬9) وبالعلم: ادخار الميرة، وغيره. 23 - {وَراوَدَتْهُ:} طالبته عن نفسه. (¬10) {عَنْ:} للتعدية، كما يقال: سأل عن كذا. {وَغَلَّقَتِ الْأَبْوابَ:} لئلا يدخل عليهما داخل. {مَعاذَ اللهِ:} أي (¬11): ألتزم معاذ الله، وأعوذ بالله من هذا الفعل القبيح. ¬
{إِنَّهُ (¬1)} رَبِّي أَحْسَنَ (¬2): أي (¬3): الله تعالى. (¬4) {الظّالِمُونَ:} الزانون. (¬5) وتقديم جواب لولا عليه، كتقديم الجزاء على الشرط، وجواب لو هاهنا: همّ يوسف، تقديرها: ولقد همت به، ولولا أن رأى برهان ربّه لهمّ بها. (¬6) 24 - {بُرْهانَ رَبِّهِ:} قيل: صورة يعقوب عاضّا على أصبعه يقول: مثلك قبل المواقعة كذا، وبعد المواقعة كذا. (¬7) مقاتل: سمع صوتا: إيّاك ومواقعتها، فإنّك إن واقعتها صرت كالطير الواجد. (¬8) وقيل: سمع صوتا: أتهمّ بعمل السفهاء، وأنت مكتوب في الأنبياء. (¬9) وقيل: رأى مكتوبا في السقف: {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً} [الإسراء:32] (¬10) (¬11). {كَذلِكَ:} أي: عصمناه عن الفاحشة كذلك. 25 - {وَاِسْتَبَقَا:} تبادرا إلى الباب، أما يوسف فللإعراض عن الفاحشة، وأما المرأة فللولوع بيوسف. (¬12) {قَدَّتْ:} شقّت. (¬13) {مِنْ دُبُرٍ:} من خلف؛ لأنّها لحقته، وتعلّقت به، لئلا يخرج من الباب. {وَأَلْفَيا سَيِّدَها:} زوجها. (¬14) ¬
{قالَتْ ما جَزاءُ مَنْ أَرادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً:} قالت؛ لخوفها من أن يفضحها يوسف عند زوجها، وإنّما أشارت بالسجن لصرفه عن بيعه وقتله. (¬1) وقيل: لانعكاس المحبة؛ لأنّ الشيء إذا تناهى انعكس. (¬2) 26 - {وَشَهِدَ شاهِدٌ:} مقاتل والضحاك (¬3): رجل كبير ابن عمّها. (¬4) وقيل: رجل حكيم من قرابتها. (¬5) وقيل: ابن خالها، وهو صبي في المهد، (¬6) وشهادته على طريق الاستدلال، كشهادة خزيمة بن ثابت. (¬7) {مِنْ قُبُلٍ:} قدّام (¬8) واستدل بدلالة الحال رجع (¬9) الزوج إلى شهادته، فتبيّن له أنّ الجناية (¬10) من قبلها. 29 - {يُوسُفُ:} يا يوسف، (¬11) تغافل عن هذا الحديث، فلا تذكره لأحد. {وَاِسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ:} دليل أنّ الزنا والبهتان كانا محظورين عندهم، وإنّما لم يجاوز ¬
إنكاره وغيرته لأنّ عنّته كانت (165 ظ) ذهبت بحميّته. 30 - {وَقالَ نِسْوَةٌ:} اللائمات، كنّ خمسا: امرأة الساقي، وامرأة الخبّاز، وامرأة صاحب الدوابّ، وامرأة صاحب السجن، وامرأة الحاجب أفشين حديثهما في البلد على ما جرت به عادة النساء. (¬1) {قَدْ شَغَفَها حُبًّا:} أي: أصاب يوسف شغاف قلبها من حبّ، كما يقال: كبده ورأسه إذا أصاب ذلك. والشغاف: «غلاف القلب» (¬2)، وقيل: حبّة القلب، وهي علقة سوداء في صميمه. (¬3) وإنّما ضلّلنها في رأيها لإيثارها عبدا مملوكا مقدورا عليه، موجودا عنده على عزيز مصر. (¬4) 31 - {أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ:} دعتهن للضيافة. {وَأَعْتَدَتْ:} أحضرت، وحصلت. {مُتَّكَأً:} معتمدا عليه. (¬5) قيل: الطعام. (¬6) وقيل: متكا. (¬7) قيل: هو الأترنج (¬8) وقيل: الزّماورد. (¬9) {وَآتَتْ كُلَّ واحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّيناً:} دليل على طعام، أو فاكهة يحتاج فيه إلى السكين، والسكين: الشفرة. (¬10) ¬
{اُخْرُجْ عَلَيْهِنَّ:} أمرته (¬1)؛ لأنّه كان لا يجد من الخدمة والائتمار بأمرها بدّا. (¬2) {أَكْبَرْنَهُ:} أعظمنه من أن يكون بشرا. (¬3) نصب {بَشَراً} لنزع الخافض. (¬4) {كَرِيمٌ:} في حسن الصورة، وصفاء الخلقة. وإنّما عرضت المحبوب على صواحباتها لكون المحبوب مصونّا مأمونا، أو لرجاء العون والإعانة. 32 - {فَاسْتَعْصَمَ:} استمسك بالرشد والعصمة. {وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ ما آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ:} وعيد منها، وذلك في حال امتزاج المحبة بحظوظ النفس قبل صفائها، فلما صفت المحبة قالت: {الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ.} 35 - {ثُمَّ بَدا لَهُمْ:} الفعل منه مسند إلى الجملة متركبة من جواب (¬5) وقسم، تقديره: ثم بدا لهم أن والله ليسجننّه، وهذا كقوله: نويت لأذهبنّ إلى فلان. وإنّما بدا لهم ذلك لأنّهم رأوا تجنية يوسف وحبسه، وتبرئة المرأة أسهل من تبرئة الغلام، وفضيحة المرأة، وتشويش البيت، فأقدموا على تجنية البريء الصادق، وتخلية الجانية الخائنة لمصلحة الحال بعد مشاهدة الآيات على الكيفية. 36 - {وَدَخَلَ مَعَهُ:} حصل معه داخل السجن، كقوله: {وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ} [البقرة:214]. قال وهب: كانا عبدين لفرعون، أحدهما: خبازه، والآخر: ساقيه. (¬6) وكان سبب وقوعهما في السجن أنّ جماعة (166 و) من أهل مصر خرجوا على فرعون، وأرادوا المكر به، فرشوا إلى هذين فضمّنوا لهما مالا، ليسمّا فرعون، فأجاباهم إلى ذلك، ثم ندم الساقي، وقبل الخبّاز الرشوة، فسمّ طعام فرعون، فلما حضروا منه، قال الساقي: أيّها الملك، لا تأكل فإنّ الطعام مسموم، وقال الخبّاز: لا تشرب؛ فإنّ الشراب مسموم، فقال فرعون للساقي: اشرب أنت هذا الشراب، فشرب، ولم يضره، وقال للخبّاز: كل هذا الطعام، فأبى أن يأكله، فجرّب الطعام على حيوان، فنفذ السمّ فيه، فأمر بهما الملك إلى السجن، فكانا في السجن سنة، فأتياه ¬
وقصّا عليه الرؤيا. قيل: إنّ الساقي قال: إنّي أرى وأنا (¬1) في بستان، فإذا أنا بأصل حبلة (¬2) عليها ثلاث عناقيد عنب، فقطعتها، وكان كأس الملك بيدي، فعصرتها فيها، وسقيتها (¬3) الملك، فشربه، فقال يوسف: نعم ما رأيت، أما العناقيد الثلاث، فإنّها ثلاثة أيّام تبقى في السجن، ثم يخرجك الملك اليوم الرابع، وتعود إلى ما كنت عليه. فقال الخبّاز: إنّي أراني وفوق رأسي ثلاث سلال في أعلاها الأطعمة، وإذا سباع الطير تقع (¬4) عليها، فتأكل منها. قال يوسف: أما السلال الثلاث، فثلاثة أيّام تبقى في السجن، ثم يخرجك الملك، فيصلبك، فتأكل الطير من رأسك، فقال: إنّي لم أر شيئا، وإنّما كنت ألعب، فقال يوسف: إن رأيتما رؤياكما، أو لم ترياها (¬5)، فقد قضي الأمر الذي فيه تستفتيان. (¬6) و (العصر): استخراج المائع من الشيء بالغمز، وإنّما سمي العنب خمرا لأنّه يؤول إليها. {مِنَ الْمُحْسِنِينَ:} لعلم التعبير. 37 - وقول يوسف: {لا يَأْتِيكُما طَعامٌ تُرْزَقانِهِ. . .} الآية، ليس بجواب عن سؤالهما، ولكنّه دعوة نبوّته، وإظهار المعجزة، فإنّ ذلك عند وجود الفرصة كان أوجب عليه، وأهمّ عنده من تعبير الرؤيا، فلذلك ابتدأ به. (¬7) {بِتَأْوِيلِهِ:} الضمير عائد إلى ما رأياه وسألاه. (¬8) وقيل: إلى الطعام. (¬9) فإن أخذنا بالقول الأوّل، ففائدته سرعة الجواب، وذلك لا يكون إلا بوحي إلهي، فإنّ المستنبط يحتاج إلى تأمّل واستخراج، وإن أخذنا بالقول الثاني، فهو كقول عيسى عليه السّلام: {وَأُنَبِّئُكُمْ بِما تَأْكُلُونَ وَما تَدَّخِرُونَ} (¬10) [آل عمران:49]، في محلّ الرفع (166 ظ) لإسناد الإتيان إليه، أو للابتداء وخبره. ثم أخبر أنّ المعجزة النبوية مختصة بأولياء الله لا يؤتيها الكاذبين؛ لئلا يلتبس النبيّ بالمتنبي، ¬
وقال: {إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ،} وتكرارهم للتأكيد. (¬1) 38 - {مِنْ شَيْءٍ:} أي: شيئا، ف {مِنْ} صلة مؤكدة للنفي. (¬2) {ذلِكَ مِنْ فَضْلِ اللهِ عَلَيْنا:} دليل أنّ أسباب التوحيد مبتدأ من الله، وأن نعمة الدعوة عامة على الموفقين للإجابة والمخذولين عنها بعد التمكين. 39 - {أَأَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ:} سؤال على سبيل الإلجاء، ومزية المدبّر الواحد (¬3) ظاهرة، يقال: لا يصلح سيفان في غمد (¬4)، وروحان في جسد. 40 - {إِلاّ أَسْماءً [سَمَّيْتُمُوها]} (¬5): إن كان المراد عبادة المسمّيات، أو عبادة ذوات الأسماء لم يتوجّه الذم، فإنّ الموحّد يعبد شيئا مسمى، ونفسا ذات اسم، وهو محمود، وإن كان المراد عبادة مسمّيات بغير أسمائها، لم يتوجّه أيضا، فإن تغيير الاسم غير تغيير الصفة، فثبت أنّ المراد بعبادة الأسماء عبادة ألفاظ لا معاني لها؛ لأنّهم توهّموا أرواحا قادرة (¬6) مدبرة، وأنفسا إلهية، فوضعوا الأسماء، وزعموا أنّها تحلّ ما (¬7) استحبوه في المشاهدة من جسد أو حجر أو شجر، وما توهموه معدوم، وما يشاهدونه يكون قبله، فلا يبقى المعدوم إلا ألفاظا مهملة؛ لتدعوها بها، أي: العبادة، أو الأسماء، أو الموهومات المسماة. {سُلْطانٍ} (¬8): بحجة. (¬9) {إِنِ الْحُكْمُ إِلاّ لِلّهِ:} دليل أنّ الله متفرد بمشيئة التكوين والإبقاء والإفناء؛ لينفرد باستحقاق العبادة. 41 - {فَيَسْقِي رَبَّهُ:} سيده خمرا وصاحبه. (¬10) ¬
42 - {ظَنَّ:} تيقّن، وعلم. (¬1) وقيل: أراد غلبة أحد النقيضين من الموهوم؛ لأنّ يوسف لم يتيقّن. (¬2) وإنّما قال: {اُذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ} بأنّ الأمور معلقة بالأسباب، وطلب الخير مباح بالاكتساب، كقوله لأعرابي: «اعقل ناقتك وتوكّل». (¬3) {فَأَنْساهُ الشَّيْطانُ} أي: الغلام الناجي. (¬4) {ذِكْرَ رَبِّهِ:} عند ربّه. (¬5) {بِضْعَ:} ما بين الثلاث إلى التسع، (¬6) وأراد سبع سنين (¬7). وقيل: لبث سبعا بعد خمس سنين. (¬8) 43 - {إِنِّي أَرى:} وإنّما لم يذكر النوم لدلالة الحال، (¬9) وقال إبراهيم (¬10): {إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ} [الصافات:102]؛ لئلا يلتبس الرّأى بالرأي الذي هو العزم. {سِمانٍ:} جمع سمين، كغلاظ وغليظ، وهو ضد المهزول. (¬11) و (العجاف): المهازيل. (¬12) {سُنْبُلاتٍ:} جمع سنبلة، والسنابل جمع تكسير. 44 - {أَضْغاثُ أَحْلامٍ:} خبر مبتدأ محذوف، (¬13) كقوله: {قالُوا أَساطِيرُ} (167 و) ¬
{الْأَوَّلِينَ} [النحل:24]. والضغث: حزمة أو باقة من بقل أو حشيش أو حطب، (¬1) وإنّما وصفوا بها لاختلاطها في الظاهر المعقول. والأحلام: جمع حلم، وأسباب الفكرة الردية في اليقظة، وما رآه الملك كان رؤيا لا حلما، فجعلوه من الأحلام لقصور علمهم. 45 - {بَعْدَ أُمَّةٍ:} بعد أجل معدودة (¬2) وخطاب الغلام إن توجّه الملك، فهو على سبيل التعظيم، كقوله: {رَبِّ اِرْجِعُونِ} [المؤمنون:99]، وإن توجّه للملأ [فهو ظاهر سأ] لوا (¬3)، وقالوا: 46 - {يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ:} سمّوه لتوحيده أو لتأويله (¬4). 47 - {دَأَباً:} لزوما للزراعة، واستمرارا للعادة، (¬5) جمع بين التعبير والنصيحة؛ لأنّه أراد مصالح العباد والبلاد. 48 - {يَأْكُلْنَ:} أسند الأكل إلى السنين على طريق المجاز، (¬6) كقولك: ليل نائم، وسيوف (¬7) قائمة. {قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ:} ادخاره لأجله لأجلهنّ. {إِلاّ قَلِيلاً مِمّا تُحْصِنُونَ:} على سبيل التدرج (¬8) تحرزون. (¬9) 49 - {ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عامٌ:} إنّما توصل إلى هذا العلم لأنّ العجاف والسنبلات اليابسات كنّ عددا محصورا، فعلم أنّ حكم ما وراءهن بخلافهن، وهذه السنون كانت معجزة إلهية ليوسف عليه السّلام بسببها يخلص عن إفك النسوة وكيدهن، وبها تمكّن من فرعون وقومه، وبها تسلّط على إخوته فعفا عنهم، وبها وجد أبويه، فرفعهما على العرش، ودعا نبيّنا عليه السّلام على قريش: «سنين كسنيّ يوسف» (¬10)، فابتلاهم الله بها. 50 - {ما بالُ:} وما شأن؟ سؤال عن حال وأمر، تقديره: ما بالهنّ إذ قطّعن أيديهنّ؟ ¬
51 - {إِذْ راوَدْتُنَّ:} أسند إليهنّ قبل اعترافهنّ؛ لأنّهنّ كنّ قد تعاونّ وتظاهرنّ في المراودة ولذلك اختار (¬1) السجن، وكان الأمر قد فشا (¬2) في البلد واستفاض، ولكن لا يعلمون هل مال إليهنّ يوسف أم لا؟ وهل أطاع بعضهنّ أم لا؟، فكان السؤال لاستبانة هذا المستتر، فبرأنه و {قُلْنَ حاشَ لِلّهِ ما عَلِمْنا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ.} و {قالَتِ اِمْرَأَةُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ:} ظهر وتبيّن الحق، (¬3) أي: حقيقة الأمر، أو حقيقة الأمر ذلك، أي: توقفي في السجن، ومطالبتي بالسوء (¬4). 52 - إنّما كان ليعلم الملك {أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ} بتحريف الغيب الذي أوحاه الله إليّ في تأويل رؤياه، كما لم أخن العزيز، أو ليعلم العزيز أنّي لم أخنه في امرأته فظهر الغيب. وقيل: إنّه من كلام المرأة، أي (¬5): أعترف (¬6) بالمراودة، ليعلم يوسف أنّي لم أخنه (167 ظ) بظهر الغيب في الافتراء عليه، (¬7) إلا أنّه يشكل بقوله: {وَأَنَّ اللهَ} بفتح الهمزة، فإنّه معطوف على المعلوم الأول، وذلك لا يكون إلا من يوسف. 53 - {وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي:} أراد التنبيه على توفيق الله وعصمته، ونفي الرياء (¬8) والعجب. (¬9) {إِلاّ ما رَحِمَ رَبِّي:} استثناء منقطع، (¬10) أي: لكن من رحم ربّي، فهو المعصوم. وقيل: استثناء متصل تقديره: إلا رحمة من ربي. (¬11) وقيل: هو كلام المرأة برّأت يوسف [ولم تبرّئ (¬12) نفسها] (¬13). (¬14) ¬
54 - {أَسْتَخْلِصْهُ:} أجعله من خواصّي كي لا يشغل إلا بمصالح أمري. (¬1) فلمّا دخل عليه يوسف كلّمه بلسان أهل مصر، فجعل الملك يكلّمه بألسنة أخرى، وجعل يوسف يجيبه بتلك الألسنة حتى تكلّما سبعين لغة، ثمّ إنّ يوسف دعا له بالعبرية، وأثنى عليه بالعربيّة، فلم يعرفها الملك، وانقطع عن الجواب، واستحسن جميع ذلك من يوسف، فقال: {إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنا مَكِينٌ أَمِينٌ:} المكين: اسم من المكان والتمكّن. قيل: دعاه إلى توحيد الله، فأجابه الملك في هذا اليوم طائعا راغبا، فقوله: {إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنا مَكِينٌ أَمِينٌ:} إيمان واعتراف منه له. وقيل: جعله مكينا أمينا هذا اليوم في أمور الدنيا، والإسلام تأخر عن ذلك اليوم إلى سنتين. وقيل: تأخر إسلامه إلى سني القحط. 55 - {قالَ اِجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ:} خطب هذا العمل بإذن الله تعالى ليتم القضاء المعدود (¬2) فيه، وفي إخوته، وفي أهل مصر أجمعين. جاء في التواريخ: أن الملك ولاه حفظ خزائن الارتفاعات يومئذ، ومات العزيز بعد ذلك، فولاه جميع ما كان تولاه العزيز، وزوّجه امرأته، فوجدها بكرا لم تفتض، ثم لما تأمل في حسن تدبيره، وكيفية ادخار الميرة وإنفاقها، وبيعها من الناس زاد في رتبته، وسلّم إليه الخاتم والسرير والتاج، فقال يوسف عليه السّلام: أما الخاتم، فأستعمله لإصلاح مملكتك، وأما السرير فأجلس عليه لنظام أمرك، وأما التاج فليس لباسي في الدنيا. قال الملك: إن لم تلبس التاج لم ألبسه إجلالا لك، واستنانا بسنتك، واقتداء بك، فإنّما أنا تابع لك. وبقيا بعد ذلك كذلك (¬3)، أما يوسف فكالملك، وأما الملك فكالطفل المولّى عليه حتى اشترى بالميرة المدخرة صنوف أموال (168 و) أهل مصر: العير (¬4)، والحلي، والمواشي، والعقار (¬5)، والرقيق، ثم استرقّ (¬6) بها أولادهم، ورقابهم، وهم شاكرون له، معترفون برفقه ورحمته، وحسن تدبيره، ثم قال للملك: كيف ترى ما صنع الله بي من لطفه، وما خوّلني من نعمته؟ قال الملك: الرأي لك، والأمر أمرك، وأنا لك كبعض أهل مصر، فعند ذلك (¬7) أعتقهم يوسف لوجه الله تعالى، ورد إليهم أموالهم، ورد الخاتم والسرير إلى الملك بشرط الثبات على الملّة الحنيفية، وحسن الجوار مع أهل ¬
بيته. قالوا: فوفّى له الملك إلى أن توفي هذا الملك، وقام مقامه قابوس بن مصعب فهو الذي نكث العهد، وارتد عن الرشد. (¬1) 56 - {وَلا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ:} عام في المؤمنين وغيرهم، والدليل: استفادة الكافر المحسن في سيرته بقاء (¬2) الملك، وحسن الثناء عليه، ولذلك خص المؤمنين في الآية الثانية بأجر الآخرة، وهو ما أعد الله للمؤمنين في (¬3) الآخرة، فذلك خير. 58 - {وَجاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ:} لما عزّت الميرة بأرض كنعان، وسمعوا بأن رجلا يمير الناس، قصدوه مع كل واحد منهم بعير. {فَدَخَلُوا عَلَيْهِ:} على زيّهم المعهود. {فَعَرَفَهُمْ:} وهم لم يعرفوه؛ لأنهم شاهدوه على غير زيّه المعهود. {وَهُمْ لَهُ:} إياه {مُنْكِرُونَ.} 59 - {وَلَمّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ:} والتجهيز: أن تصحب الغائب حاجته، والجهاز اسم منه. {بِأَخٍ لَكُمْ:} بنيامين، فيه دليل: أن يوسف عليه السّلام بدأ بذكره، ولو بدؤوه لقال: بالأخ لكم، أو بأخيكم. روي: أنه قال لإخوته: من أنتم؟ قالوا: نحن أولاد يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم. فقال: ولدكم ثلاثة من الأنبياء ما تشبهون أن تكونوا كذلك، وأوعز إلى الوكيل بإكرامهم، وحسن قراهم. فلما دخلوا عليه ثانيا من الغد، فقال لهم: من أنتم؟ فقالوا: أخبرناك بالأمس، قال: أنتم باللصوص أشبه، وتجهمهم، ونظر إليهم شزرا (¬4)، فقالوا فيما بينهم: هذا العزيز يكرمنا، ويحسن قرانا إذا غبنا عنه، ويتجهمنا، وينظر إلينا شزرا إذا حضرناه، فلا يكونن سامعا بما صنعنا بأخينا، فإنه قاصمة الظهر، والبلاء الفادح، والأمر الفاضح، ودخلوا عليه بعد ذلك والصاع بين يديه، فقال للحاجب: انقره نقرة، فنقر (168 ظ) الحاجب، فطنّ طنينا، قال لإخوته: أتدرون ما يقول هذا الصاع؟ قالوا: لا، قال: يقول: إنكم خائنون سارقون، خنتم أباكم، وبعتم أخاكم، وأحلتم الذنب على الذئب، ثم أمر الحاجب، فنقر الصاع نقرة أخرى، قال: أتدرون ما يقول؟ قالوا: لا، قال: يقول: طرحتم أخاكم في البئر، وبعتموه بثمن يسير، فتعجبوا، وأفحموا (¬5) عن الجواب، ¬
وخرجوا من عنده، ثم أمر الوكيل بتجهيزهم، ودسّ بضاعتهم في أحمالهم وهم لا يعلمون، وقال لهم: {اِئْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ} ووعدهم على ذلك إيفاء الكيل، وحسن القرى. (¬1) 60 - {فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي} (¬2): هذا وعيد من يوسف عليه السّلام، وإنّما عطف المجزوم على المرفوع حكما لحسن دخول الفاء الموجبة للرفع على هذا المجزوم (¬3). 62 - {فِي رِحالِهِمْ:} جمع رحل، وهو ما ترحل به الدابة من بيت أو أثاث أو طعام. {لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَها:} يميزونها من سائر ما في رحالهم إذا فتحوا، فلا يتعذر عليهم الرجوع، لإعواز البضاعة. 63 - {مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ:} في المستقبل؛ لقوله: {فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلا كَيْلَ لَكُمْ. . .} الآية [يوسف:60]. 64 - {قالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلاّ كَما أَمِنْتُكُمْ عَلى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ:} ذكّرهم حديث يوسف عليه السّلام؛ ليعلم أنّ جريمتهم الأولى حرّمت تهمتهم في سائر الأمور، فيندموا (¬4) عليها، ولا يقدموا على مثلها. 65 - {ما نَبْغِي:} بمعنى الاستفهام، أي: أيش نطلب بعد هذا؟ وقيل: التمسوا بضاعة للرحيل، فلم يقدروا عليها، ثم فتحوا متاعهم وجدوا بضاعتهم الأولى ردّت إليهم، فقالوا: يا أبانا وجدنا الذي كنا نبغيه. (¬5) {نَمِيرُ أَهْلَنا:} نجلب إليهم الميرة، يقال: مار فلان أهله. {وَنَزْدادُ كَيْلَ بَعِيرٍ:} لأن يوسف عليه السّلام ما كان يكيل رجلا واحدا إلا حمل بعير واحد، وذلك إشارة إلى ما حملوه، فيكون اليسير القليل. ويحتمل: أن يكون إشارة إلى ما ازدادوه، فيكون اليسير سهل المأخذ. 66 - {مَوْثِقاً مِنَ اللهِ:} من الحلف بالله، وفيه دلالة على صحة الكفالة بالنفس. {إِلاّ أَنْ يُحاطَ:} يحيط بكم أمر من الله تعالى فيعذركم. {وَكِيلٌ:} المتوكل عليه على حفظ ميثاقنا، أو الشهادة على هذا الميثاق موكولة (¬6) إليه، ¬
لا يشهد عليه أحد سواه. 67 - {وَاُدْخُلُوا مِنْ أَبْوابٍ مُتَفَرِّقَةٍ:} تخوفا من العين. وقال جبريل عليه السّلام لنبينا عليه السّلام: يا محمد، (169 و) صدّق بالعين؛ فإنّ العين حق. (¬1) 68 - {ما كانَ:} أبوهم. {يُغْنِي عَنْهُمْ:} من قضاء الله وقدره شيئا بتحذيره إياهم العين. {إِلاّ حاجَةً:} لكن تحذيره حاجة. {فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضاها:} أمضاها، وأظهرها. والحاجة: قضية النفس، جمعه حوائج. وقيل: أصله حائجة. (¬2) {لِما عَلَّمْناهُ:} لتعليمنا إياه، وللذي علّمناه من الأنبياء. 69 - {آوى إِلَيْهِ أَخاهُ:} قيل: إن يوسف أقعدهم على مائدته، وأخذ كل اثنين قصعة، وجلس بنيامين وحيدا، فسأله يوسف عن حاله؟ فقال: إني مصاب بأخي من أمي، فبقيت فردا، فرقّ عليه يوسف عليه السّلام، وضمه إلى نفسه على المائدة، [وقال] (¬3): أنا وحيد مثلك، ثم تعرف إليه، وقال: لا تبتئس، ولا تكتئب بصنيعهم إليّ، فإن الله قد عصمني، ونصرني، فاستبشر بنيامين بقول أخيه، وسكن إليه، ولم يظهر ذلك على سائر إخوته؛ لاستيحاشه. (¬4) 70 - {جَعَلَ السِّقايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ:} روي: أن بنيامين لما عرف يوسف، ووجده بعد اليأس، اشتد عليه فراقه، وأحب المقام معه، فطلب من يوسف أن يمسكه، فقال له يوسف: قد علمت ما فيه أبونا من الحزن والغم، ولا يمكنني حبسك إلا بأن أتهمك بما لا يحل. قال: لا أبالي بما اتهمتني به، ولست براجع معهم، وفكر (¬5) يوسف في ذلك، فألهمه الله تعالى هذه الحيلة؛ ليتم قضاؤه في ابتلاء آل يعقوب. (¬6) و {السِّقايَةَ:} مكيال الملك، عن مجاهد. وعن أبي عبيدة (¬7): مكيال كان يسمى: سقاية. ¬
ابن عباس، والحسن (¬1)، والضحاك: الصاع والسقاية شيء واحد. (¬2) ويحتمل: أنها كانت مكيالا يكيلون به الخمر، كالدّورق، فاتخذها يوسف عليه السّلام مكيالا للطعام. {أَيَّتُهَا الْعِيرُ:} الإبل والحمير التي يحمل عليها، كقولك: يا خيل الله اركبي. {إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ:} قول المؤذن، لم يكن أمره يوسف إلا بتعريف الصاع فقط. ويحتمل: أنها (¬3) على سبيل الاستفهام. ويحتمل: أنه وصفهم بالسرق؛ لاستراقهم يوسف من أبيه. 71 - {قالُوا:} يعني: إخوة يوسف. {وَأَقْبَلُوا:} على أصحاب يوسف، تقديره: قالوا: وقد أقبلوا. {ماذا تَفْقِدُونَ:} تطلبون الفائت. 72 - {وَلِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ:} وعد بالجعل. {وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ:} تصريح بالكفالة، والتزام للضمان، وإليه يعود قوله: {سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذلِكَ} (169 ظ) {زَعِيمٌ} قال عليه السّلام: «المنحة مردودة، والدّين مقضي، والزعيم غارم» (¬4). الكفالة (¬5) لا تصح إلا بقبول (¬6) المكفول له؛ لأنه عقد ضمان كالبيع، أو عقد تبرع كالهبة. 73 - {تَاللهِ:} يمين. قال الفراء: لا تدخل التاء على غيره من الأسماء، لأنه لما كثر دورها على ألسنتهم بالواو، جعلوا الواو كأنها من سنخ الكلمة، فتارة حذفوها، وتارة أبدلوها بالتاء. (¬7) 74 - {فَما جَزاؤُهُ:} حكمه وحده، والهاء عائد إلى الفعل وهو السرق (¬8)، إنّما سألهم يوسف ليحكموا بشيء، فيأخذ (¬9) بحكمهم، ولا يأخذ بحكم أهل مصر. ¬
75 - {قالُوا جَزاؤُهُ:} أي: السرقة، وحدّها: هو حبس من وجد في رحله واسترقاقه. {نَجْزِي الظّالِمِينَ:} فما بيننا شريعتنا. 76 - الوعاء: الظرف، والمراد به: الجوالق، وإنّما بدأ بأوعيتهم لئلا يعلموا بأنه حيلة. {اِسْتَخْرَجَها:} أي: الصاع، وهو يذكر ويؤنث. {ما كانَ لِيَأْخُذَ أَخاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ:} في سلطان الملك وطاعته إلا بمشيئة الله. قيل: شاء الله ذلك، وأذن له فيها بإلهامه الكيد. (¬1) ويقال: لم (¬2) يشأ الله ذلك؛ ولذلك وفقه لسؤال إخوته: {فَما جَزاؤُهُ إِنْ كُنْتُمْ كاذِبِينَ} [يوسف:74] فأخذ بقولهم، وحكمهم دون حكم الملك. (¬3) 77 - {فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ} يعنون: يوسف. وهب: إنه يخبئ طعاما من المائدة للفقراء إذ (¬4) كان صبيا. (¬5) كعب (¬6): رفع عناقا من (¬7) السائمة إلى السائل. (¬8) قتادة، وابن جبير (¬9): سرق صنما كان لأبي أمه في بيت يعقوب، فألقاه بين الجيف، وغطاه في التراب. (¬10) مجاهد: إن عمته رحمة بنت إسحاق احتضنته بعد موت أمه، فلما شب ألفته، ولم تحب أن ينتزعه يعقوب عليه السّلام منها، فشدّت على وسطه من تحت القميص منطقة أبيها، ثم افتقدتها، فأوهمت أنها وجدتها (¬11) عند يوسف، وأنه كان قد استرقها، فأمسكته عند نفسها بهذه الحيلة. فلما ذكر إخوة يوسف ذلك الأمر بأقبح صورة، فساء يوسف قولهم. (¬12) {قالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكاناً:} منزلة. 79 - {مَعاذَ اللهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلاّ مَنْ وَجَدْنا مَتاعَنا عِنْدَهُ:} ولم يقل: إلا السارق؛ لأنه علم ¬
أن بنيامين ليس بسارق، فلذلك عرّض بقوله: {إِنّا إِذاً لَظالِمُونَ} إن أمسكنا غير بنيامين؛ لأن بنيامين كان راضيا بالإمساك، وغيره لم يكن راضيا به. 80 - {فَلَمَّا اِسْتَيْأَسُوا:} افتعال من اليأس، أو من الإياس. {خَلَصُوا نَجِيًّا:} خرجوا متناجين. {أَلَمْ تَعْلَمُوا:} تفريطكم فيه (170 و) من قبل. {كَبِيرُهُمْ:} كعب: إنه روبيل أكبرهم سنا. (¬1) وهب (¬2): يهوذا كان أرجحهم عقلا. (¬3) {أَبْرَحَ:} أزول. {أَوْ يَحْكُمَ اللهُ:} في تخليص بنيامين، والرجوع معه. 81 - {إِلاّ بِما عَلِمْنا:} أي: بما علمنا من طريق المشاهدة، وهو استخراج الصاع من رحله. {وَما كُنّا لِلْغَيْبِ:} لما لم نشاهده من كيفية الدسّ، أكان كدسّ البضاعة في رحالنا أول مرة، أو كان خيانة من جهة بنيامين؟ كان يعقوب (¬4) عليه السّلام يرده عليهم بقوله: 83 - {بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ:} (¬5): صادقا؛ لأن بنيامين لم يكن سرق في الحقيقة (¬6)، وفي {سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً} [يوسف:18] صادقا أيضا؛ لأنّ هذه الحادثة الثانية كانت من جريرة أنفسهم إياهم أول مرة في شأن يوسف عليه السّلام. {بِهِمْ:} (¬7) بيوسف، وبنيامين، وكبيرهم. 84 - {يا أَسَفى:} تأسّفّ على يوسف، والتأسّف: التلهف؛ لأن المحن توالت بعد غيبته، فتأسف على حالة [عدم] (¬8) وجوده وحضوره عنده. 85 - {تَفْتَؤُا:} لا تفتؤا، أي: لا تزال، وحذف لا مع الأيمان جائز. {تَكُونَ (¬9)} حَرَضاً: والحرض: فساد الذهن والجسم. ¬
86 - {بَثِّي:} البث: أشد الحزن، وإنّما جمع للتأكيد. {وَأَعْلَمُ مِنَ اللهِ:} من لطفه وصنعه. 87 - {يا بَنِيَّ اِذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا:} كان يعقوب عليه السّلام غير شاك في يوسف أنه لم يأكله الذئب، ولم يقتله إخوته، ولم يقبضه ملك الموت بعلمه بأن الله سيجتبيه، ويعلمه تأويل الأحاديث، ويحقّ رؤياه، ولكنه كان يحزن لفقده، فلذلك أمر بنيه أن يتحسسوا من أمره، وإنّما أمر الذين غيبوه لأنه (¬1) لا يجد غيرهم، أو لأنه كان قد أحس بشيء من ندامتهم. والتحسس: طلب الأخبار بالحس. ابن عباس: التحسس والتجسس مقاربان إلا أن (¬2) الحاء (¬3) في الخير، وبالجيم في الشر. (¬4) {مِنْ رَوْحِ اللهِ:} الرّوح: الرحمة، والراحة، والفرح. 88 - {بِبِضاعَةٍ مُزْجاةٍ:} من متاع البادية، وهو الصوف والسمن والأقط، عن عبد الله بن الحارث. (¬5) والصنوبر (¬6)، والحنة الخضراء، عن أبي صالح. (¬7) والغرائر، والحبال، عن (¬8) ابن زيد. (¬9) والمزجاة: القليلة اليسيرة التي يتبلغ بها، ويزجى بها (¬10) العيش، ولا يدخر. وقيل: وهي التي لا تصلح إلا للنقل من يد إلى يد، فهي تصرف إلى الوجوه، ولا تمسك، ولا تكنز. {تَصَدَّقْ عَلَيْنا:} قيل: المحاباة في البيع. (¬11) وقيل: الصدقة الظاهرة؛ لأن الصدقة لم تكن محرمة إلا على آل نبينا، ولو كانت محرمة (¬12) على آل إبراهيم، لحرمت على ربيعة ومضر، ولو ¬
كانت محرمة على آل يعقوب لكانت محرمة على [بني] (¬1) إسرائيل اليوم. (¬2) 89 - {هَلْ عَلِمْتُمْ:} على (170 ظ) سبيل العتاب؛ لئلا يعتقدوا أن لا ملام عليهم في الحقيقة، أو ليفيدهم طهارة بالندامة والخجل عند العتاب، وإنّما ذكر جهلهم ليمهّد لهم عذرا، فلا يخافوا كلّ الخوف، كقوله: {يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ} [النساء:17]، وأراد: علمتم قبح صنيعكم (¬3)، فكأنه يقول: هل تبين؟ هل وضح لكم قبح ما صنعتم بيوسف وأخيه إذ (¬4) كنتم جاهلين؟ فالعامل في إذ صنيعهم (¬5). أما صنيعهم بيوسف فظاهر، وصنيعهم بأخيه: سلبهم أخاه، وتركه فردا وحيدا (¬6)، وتركهم إياه عند يوسف متهما بالسرقة من غير بينة واعتراف، إذ أبيتم أن تقولوا: أنت أمرت بدس الصاع في رحله، كما أمرت بدس بضاعتنا في رحالنا أول مرة. {أَنَا يُوسُفُ وَهذا أَخِي:} زاد الجواب؛ لئلا يفرد نفسه بالثناء عليها، فيتداخله العجب، فيرده من حيّز الشكر إلى حيز الفقر. 91 - {آثَرَكَ:} اختارك. {لَخاطِئِينَ:} آثمين، من الخطأ، والخطيئة: الإثم وتعمد الخطأ. 92 - {لا تَثْرِيبَ:} لا تقريع وتعذير الذنوب. 93 - {اِذْهَبُوا بِقَمِيصِي:} قيل: كان القميص من كسوة الجنة، كساه الله إبراهيم، وإبراهيم إسحق، وإسحاق يعقوب، تمّ طيّه في قصبة، وعلقها (¬7) من يوسف عليه السّلام. (¬8) وقيل: هذا القميص الذي قدّ من دبر جعله الله آية له، ومعجزة على صدق دعواه. {يَأْتِ بَصِيراً:} يعود كما كان لا بياض في مقلته. 94 - {إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ:} إنّما وجد لرفع الله الابتلاء، وكشفه حجب الفراق، وتعويضه منها أسباب الوصال. قال النبي عليه السّلام: «إن لربكم نفحات في أيام دهركم، فتعرضوا لها، فعسى أن تدرككم، فلا تشقون (¬9) أبدا». (¬10) ¬
{تُفَنِّدُونِ:} نسبة إلى الفند، وهو الخرف (¬1)، وضعف الرأي، فكأنّه يقول: إني لأفندكم علما بوجودي ريح يوسف لولا تفنيدكم إياي؛ وذلك لامتناع وقوع العلم لهم بصدق مخبره بعد تفنيدهم إياه. 95 - {إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ:} قول أولاده أولاده، ضللوه مثل آبائهم من قبل. {الْقَدِيمِ:} المقدم كونه. 96 - {جاءَ الْبَشِيرُ:} هو الذي كان ابتدأ بقوله: {فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ} [يوسف:17]، وبقوله: {إِنَّ اِبْنَكَ سَرَقَ} [يوسف:81]. وقيل: هو الذي كان تخلف بأرض مصر، وقال: {فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ} [يوسف:80]. 98 - (¬2) عجّل يوسف الاستغفار عند اعترافهم، وأرجأ (¬3) يعقوب استغفارهم بسوف عند مطالبتهم إياه به؛ لانتفاع من المصلحة، وهذا مثل في وقار المشايخ. 99 - دخلوا عليه في ناحيته ومعسكره، وكان قد استقبلهم في الطريق (171 و) واستقبلهم (¬4) فرعون كذلك إكراما ليوسف. والمراد بأبويه: أبوه، وخالته، وهي بعض إخوته، ولفظة: {اُدْخُلُوا،} على معنى الخبر، كقول الشاعر (¬5) [من الوافر]: لدوا للموت وابنوا للخراب …. . . ولذلك دخله الاستثناء. وقيل: الاستثناء للأمن لا للدخول. (¬6) {آمِنِينَ:} نصب على الحال، وذكر الأمن لئلا يظن إخوته أنهم يكونون في مصر كالأسارى والأرقاء. 100 - {أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ:} ذكر السجن، ولم يذكر البئر؛ لأن البئر كانت سجنا كذلك، فالاسم مشتمل عليهما. وقيل: لئلا يخجل إخوته. (¬7) {مِنَ الْبَدْوِ:} البادية. ¬
{لَطِيفٌ:} ملطف لما يشاء من الأعمال. وقيل: رفيق العمل (¬1) لما يشاء. (¬2) 101 - قوله (¬3): {آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ:} اعتراف بالنعمة، وسكن للمنعم. وقوله: {أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ:} توكل على الله، وانقطاع إليه. وقوله: {تَوَفَّنِي مُسْلِماً:} تقرب إلى الله بسؤال ما أوجبه الله له حتما؛ ليكون الواجب موجودا على سبيل الاختيار دون الاضطرار (¬4). 102 - {لَدَيْهِمْ:} عند إخوة يوسف عليه السّلام. 103 - {وَما أَكْثَرُ النّاسِ:} تعزية للنبي عليه السّلام. 105 - {يَمُرُّونَ عَلَيْها:} المرور على الشيء وبالشيء واحد وهو الطواف، والمراد به مشاهدة هذه للآيات. 106 - {وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ:} إيمان باللسان، وأهل الملك يوحدون الله بألسنتهم، ثم يشركون في المقدمة (¬5). 108 - {هذِهِ:} إشارة إلى السبيل، أي: هذه السبيل سبيلي، وهي الملّة الحنيفية. {عَلى بَصِيرَةٍ:} بيان ويقين. 108 - {وَمَنِ اِتَّبَعَنِي:} خلفاؤه، والأئمة المهديّون، والعلماء الراسخون، والمؤمنون. {وَسُبْحانَ اللهِ:} من أن يشاركه شريك، أو (¬6) يزاحمه مليك. 109 - {وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلاّ رِجالاً نُوحِي:} نزلت لنفي تعجبهم من نبوة نبينا عليه السّلام متوهمين أن النبي عليه السّلام لا يكون بشرا، أو لا يسكن فيما بين العشيرة والأهل، وليس في الآية امتناع ذلك. 110 - {وَظَنُّوا} أي: المنافقين والكفار بأن الرسل قد كذبوا فيما وعدوا، أو ظن الرسل بأنّ أصحابهم كذّبوهم في إظهار الموالاة. ¬
سورة الرعد
سورة الرعد مكية. (¬1) وعن قتادة: مدنية. (¬2) وعن الحسن: مدنية إلا آيتين: {وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا. . .} [الرعد:31]، {وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ. . .} [الرعد:31]. (¬3) الكلبي: مكية (¬4) إلا آية نزلت في عبد الله بن سلام (¬5)، وقوله: (171 ظ) {قُلْ كَفى بِاللهِ شَهِيداً} [الرعد:43]. (¬6) وهي أربع وأربعون آية حجازيّ. (¬7) بسم الله الرّحمن الرّحيم 1 - قوله: {وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ:} رفع بالابتداء، و [خبره] (¬8) {الْحَقُّ:} ثم الجملة عطف على الجملة الأولى. وقيل: خفض بالعطف على الكتاب، و {الْحَقُّ:} خبر مبتدأ محذوف، أي: ذلك الحقّ. (¬9) 2 - {بِغَيْرِ عَمَدٍ:} جمع عماد، كأهبة وإهاب على سبيل الخلقة والطبيعة. وقيل: على سبيل القهر والحبس (¬10). وقيل: بعمد لا ترونها؛ (¬11) لأنّ الفتق بالرياح، وهي أجسام غير ملونة. {لِأَجَلٍ مُسَمًّى:} يوم القيامة. وقيل: وقت الغروب، (¬12) وكذلك قوله: {وَالشَّمْسُ} ¬
{تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها} [يس:38]. 3 - {رَواسِيَ:} هي الجبال الرّاسية، جعلها الله تعالى للأرض كالأوتاد، فهي من السهلة بمنزلة العصب، والعظم من اللحم؛ ليعتمد الرخو الصلب، فلا تنحلّ، والصعيد والأرض يتناول السهل والجبل. {زَوْجَيْنِ اِثْنَيْنِ:} الذكر والأنثى. إن كان المراد بالثمرات ثمرات النفوس، والمتشابهات: المتجانسات. وإن كان ثمرات النبات، ووجه التأكيد: نفي التوحيد، كما في قوله: {لا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اِثْنَيْنِ} [النحل:51]. ويحتمل: أنّ المراد بالزوجين اثنين: الرطب واليابس، أو الجيد والرديء، أو المستطاب والمستبشع، أو الربعيّ والحرفيّ، أو ما يصلح للناس والدواب. 4 - {قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ:} عرصات متلاصقات، وفائدتها: الامتنان، أو التنبيه على لطف الصّنعة في المخالفة مع طبائعها، مع قرب المجاورة في حقّ الطوالع والغوارب، والرياح والأمطار. {صِنْوانٌ:} جمع صنو: مثلها النابت من أصلها. والفائدة في ذكر الصنوان، وغير الصنوان الامتنان بالنوعين، أو التنبيه على أنّ الفرع معدوم وموهوم، أو مظنون. 5 - {وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ:} عجبوا لبعده عن قياس العقل. {أَإِنّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ:} أي: إنّا لنبعث في خلقة جديدة. {أُولئِكَ:} إشارة إلى المتعجبين. {الْأَغْلالُ:} جمع غلّ، وهو طوق أسر وصغار، والمراد به الذنوب، والذي أعدّ لهم من أغلال النار في دار القرار. 6 - {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ:} بإكفار قبل الإيمان لمن قدّر له الإيمان، وقبل امتياز الخبيث من الطيب، وليس ذلك من سنة الله (172 و) تعالى؛ لأنّه (¬1) {قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلاتُ} والأشباه، والنظائر، {وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً} [الأحزاب:62]؛ لأنّ الأمم لم يهلكوا إلا بعد امتيازهم من المؤمنين. عن ابن المسيب (¬2) قال: لّما نزلت {وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ. . .} الآية، قال عليه السّلام: ¬
«لولا عفو الله، وتجاوزه ما هنّأ (¬1) أحدا عيش، ولولا وعيده وعقابه لا تّكل كلّ أحد (¬2)» (¬3). 7 - {لَوْلا أُنْزِلَ:} (¬4) آية (¬5) ملجئة من الله (¬6). {إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ:} قال قتادة: إنّما أنت منذر وهاد لكلّ قوم، ولست بملجئ قاهر. وقال مجاهد: إنّما أنت منذر، ولست بملجئ ولا قاهر. {وَلِكُلِّ قَوْمٍ:} فيما مضى كان هاد ومنذر مثلك. وقيل: إنّما أنت منذر، ولست بقادر على إنزال الآيات، وخلق الهداية فيهم. ولكل قوم هاد واحد لا ثاني له. (¬7) اتصال ما بعدها بها من حيث تكرار التعريف، والتنبيه على التوحيد. 8 - {ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى:} ماهية وكيفية. {وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ وَما تَزْدادُ} (¬8): كمية وتغيّر. {وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ:} دليل أنّ الكمية متناهية إلى المقدار. 9 - {عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ:} قيل: خمس لا يعلمها إلا الله، وهو قوله: {إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السّاعَةِ} الآية [لقمان:34]. (¬9) 10 - {سارِبٌ} (¬10): خارج، يقال: ضلّ سربه، أي: طريقه. 11 - {لَهُ:} عائد إلى الرجلين، ممّن أسرّ القول، أو جهر، أو من استخفى بالليل وسرب بالنهار. {مُعَقِّباتٌ:} جماعات من الملائكة تعقب جماعة جماعة، وتعقيب بعضهم بعضا. ¬
{يَحْفَظُونَهُ:} على الحالة الرضية. وعن الحسن: معقبات أمراء وولاة. (¬1) وقيل: كلمات الأمن والعافية. (¬2) {مِنْ أَمْرِ اللهِ:} بأمر الله لا يغيّر (¬3) ما اقترن بقوم من الثواب العاجل بالعقاب العاجل حتى يغيّروه بتغيير ما أسلفوه وقدّموه؛ وذلك (¬4) لسبق رحمته، ولو شاء لابتدأ الشرّ غير ظالم، ولا استلب الخير غير جائر. 12 - {خَوْفاً وَطَمَعاً:} منصوبان على أنّه مفعول لهما، فالخوف خوف المسافرين والنازلين في مجاز السبيل، ومهابط (¬5) الصواعق، والطمع طمع أصحاب الزروع، ورائدي (¬6) الكلأ. {وَيُنْشِئُ السَّحابَ الثِّقالَ:} قيل: السحاب: شيء متركب من غبار البر، وبخار البحر، فيلبد في الجو، ومن طبعه إلا أن (¬7) الحرارة المنعكسة. وقيل: الريح بعينها تنكدر، وتتلبّد في البعاد من الجو؛ لبعدها عن حرارة الشمس، وإنّما يكون هذا في النواحي الجنوبيّة، والشمس في البروج الشامية حينئذ، والزمان (172 ظ) قيظ، ثم إذا جاوزت الشمس نقطة الاعتدال الميزاني الخريفي، وانحدرت إلى البروج الجنوبيّة أثارت بحرارتها ما تكدّرت هناك، وساقته إلى نحو الشمال. 13 - {وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ:} وقيل: الرعد (¬8): اسم ملك. (¬9) وقيل: صوت ملك يزجر السحاب، (¬10) وهي اضطراب الرياح واضطرامها. وقيل: هي زفرات الشياطين في الهواء. ¬
{الْمِحالِ:} الحوال (¬1)، والحيلة. والميم عند الأزهريّ أصليّة، (¬2) وعند القتيبيّ (¬3) غير أصليّة. (¬4) 14 - {لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ:} العبادة. كان النبيّ عليه السّلام يقول إذا سجد: «سجد وجهي للذي خلقه، وشقّ سمعه وبصره» (¬5). وكان داود عليه السّلام يقول: سجد وجهي متعفّرا في التراب لخالقي، وحقّ له (¬6). {كَباسِطِ كَفَّيْهِ} أي: الداعي كباسط كفّيه. وقال الفراء: هو الظمآن المشرف على الماء في البئر يدعوه بيديه، وليس معه آلة الاستقاء. (¬7) وقال مجاهد: هو الذي يدعو الماء بلسانه، ويشير إليه بيديه. (¬8) ويحتمل: أنّه الذي يعتمد بكفيه على الماء ليبلغ فاه، فلا يتمّ له المقصود؛ لتعذّر الاعتماد. ويحتمل: أنّه الذي شلّت يده مبسوطة لا تنقبض عند الاغتراف. 15 - {يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ:} بمعنى الطاعة والانقياد. عن الأحنف بن قيس (¬9) قال: مررت برجل يصلي، يكثر السجود، قلت: يا عبد الله، على شفع انصرفت أم على وتر؟ فقال: إن أك لا أدري فالله يدري، ثم حدّثني حبيبي أبو القاسم صلّى الله عليه وسلّم: «أنّه ليس عبد يسجد لله سجدة إلا كتب الله له بها حسنة، ورفع بها درجة، وحطّ عنه بها سيئة». قال: قلت: من أنت يا عبد الله؟ قال: أبو ذر (¬10) صاحب رسول الله، فتقاصرت إليّ نفسي. (1) ¬
(¬1) 16 - فائدة قوله: {قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ:} الإفحام. وفائدة الإتيان بالجواب هو الإثبات بعد الزوال، أو بمعنى الاستفهام، وهو متّصل بما مضى. {شُرَكاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ:} أي: خالقين مثله. {فَتَشابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ:} أي: التبس عليهم أقسام المخلوقات، فأوجب ذلك الالتباس عبادتهم، وإشراكهم بالله. {قُلِ اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ:} أخبرنا من طريق الوحي: أنّه خالق الظلمات والنور، والمنافع والمضارّ، والخير والشرّ، والحسن والقبيح، والصامت والناطق، وهو خالق أفعال العباد من الطاعة (¬2) والمعصية، (173 و) والمباح والمضطرّ إليه، وما يخطر ببالهم، لا خالق على سبيل الابتداء والإيجاد إلا هو الله (¬3) الواحد القهّار. 17 - {أَوْدِيَةٌ:} جمع واد، كناد وأندية. {بِقَدَرِها} (¬4): بمقدارها الذي يسعه، ويحتمله. {السَّيْلُ:} ما يسيل من الماء فوق عادته. {زَبَداً رابِياً:} فالزّبد: ما يجتمع على وجه الماء (¬5) من الوسخ والدرن. والربوّ: النموّ، ونما الزبد بانتفاخه وطفوه. {وَمِمّا يُوقِدُونَ (¬6)} عَلَيْهِ فِي النّارِ: واو الاستئناف، أي: ومن الأشياء التي يذيبونها بالنار؛ ليتّخذوا منها حليّا وأمتعة زبدا مثل: زبد الهليل. {كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْحَقَّ وَالْباطِلَ:} أي: المثل الحقّ، والمثل الباطل. {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً:} أي: كلّ واحد من الزبدين يزول على وجه ما تريد عليه متلاشيا، فيصفوا ما تحته، كما تصحو السماء إذا انقشع عنها الغيم. ¬
قال أبو عمرو بن العلاء (¬1): أجفأت القدر، إذا غلت فعلاها الزبد، فإذا سكنت لم يبق منه شيء. (¬2) وقال أبو عبيد الهروي (¬3): جفا الوادي، وأجفأ: إذا ألقى غثاء على جانبيه، وأجفأت القدر: إذا ألقت زبدها. (¬4) {فَيَمْكُثُ:} فيلبث. هذا هو المثل المضروب للحق والباطل، فالماء المنزّل مثل القرآن والوحي والإلهام والرؤيا النبويّة، والأودية مثل القلوب من هذه العلوم، مقدار ما تسعه، والسيل مثل العلم الحاصل من هذه الجهات، وزبده مثل ما يلقي الشيطان في الأمنية، أو يوسوس في التأويل، وما يذوب على النار من جواهر الحليّ والأمتعة مثل العلم المكتسب بالقرائح، وإعمال الفكر في الاعتبار والاجتهاد، وزبده هواجس النفس الأمّارة بالسوء {فَيَنْسَخُ اللهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللهُ آياتِهِ} [الحج:52]، ويهدي الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه، ويبطل الآراء المدخولة بالرأي المتين الحنيفيّ؛ ليتمّ نوره ولو كره الكافرون. 25 - {لَهُمُ اللَّعْنَةُ:} عليهم اللعنة، و (اللام) مكان (على). ويحتمل: أنّ اللام لازدواج الكلام، واعتبار قوله: {لَهُمْ عُقْبَى الدّارِ} [الرعد:22]. ويحتمل: أنّ المراد به: حظّهم ونصيبهم ونعمتهم، وهذه الأشياء تضاف باللام. 26 - {يَبْسُطُ الرِّزْقَ:} يعطي الفضل. {وَيَقْدِرُ:} يعطي ما لا يكفي الأقلّ منه في الآخرة في قياس الآخرة، وإضافتها إليها. 27 - وجه الجواب في قوله: {إِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ. . .} الآية، وهو أنّ إنزال الآية الملجئة المسخرة (173 ظ) غير واجب عليه، فإنّ له أن يضلّ من يشاء بالخذلان واللبس، ويوفّق للهداية إلى دينه من وفّقه الإنابة إلى الاعتبار الصالح أول مرة. 28 - {الَّذِينَ آمَنُوا:} في محلّ الرفع. {أَلا بِذِكْرِ:} عارض. ¬
29 - {الَّذِينَ آمَنُوا:} بدل من المبتدأ الأوّل (¬1)، والخبر قوله: {طُوبى لَهُمْ،} ويحتمل: أن يكون الأوّل في محلّ النصب؛ لوقوع الهداية عليه بدلا عن قوله: {مَنْ أَنابَ} [الرعد:27]، واطمئنان القلب بذكر الله أن يسأم ذكر غيره. {طُوبى:} اسم على وزن فعلى، وهو اسم جامع لكل ما يستطاب، فكأنّها الحياة (¬2) الطيبة بروح الاتحاد. وقيل: هي شجرة الخلد أصلها في دار نبيّنا عليه السّلام، ولا دار في الجنّة إلا وفيها غصن منها، فهي تثمر ما يشاؤون فيها. 30 - {كَذلِكَ:} إشارة إلى قوله: {أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ} [الرعد:17]، أو إلى قوله: {قُلْ إِنَّ اللهَ يُضِلُّ} [الرعد:27]، ويحتمل: إلى ما بعده من البيان والكيفيّة، أي: كما تقول وتبيّن. {يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمنِ:} بالله تعالى. وقيل: هو إنكارهم تسمّيه، وإلحادهم إلى كذّاب اليمامة. (¬3) 31 - {وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً:} جواب متقدم، والفعل المشروط مضمر، اكتفاء بدلالة الاسم عليه، تقديره: وهم يكفرون بالرحمن، ولو أنّ قرآنا موصوفا بهذه الصفات (¬4) أنزل عليهم. فالقرآن دالّ على الإنزال، مجازه: أنّهم يكفرون بالرحمن (¬5)، ويصرّون على كفرهم، وإن أنزل إليهم قرآن موصوف بهذه الصفات. وكذلك قوله: {إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ (96) وَلَوْ جاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ} [يونس:96 - 97]. وقيل: جواب لو محذوف، (¬6) تقديره: ولو أنّ قرآنا موصوفا بهذه الصفات قرئ عليهم، آمنوا على سبيل الإلجاء، ولم يك ينفعهم إيمانهم. ويحتمل: أنّ الكفار قالوا قبل النزول (¬7) على سبيل الاقتراح: ولو أنّ قرآنا كذا ¬
وكذا أنزل علينا لآمنّا، أو كان المؤمنون قالوا على سبيل الاشتهاء والحرص: لو أنّ قرآنا كذا وكذا أنزل إلى (¬1) هؤلاء المشركين لآمنوا. {سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ:} نحّيت عن مواضعها لبرز ما تحت الأرض. {أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ:} السير فيها على غير العادة، والتشديد للتكثير والتّكرار. وقيل: تفجير الينابيع والقنوات والأنهار فيها. {أَفَلَمْ يَيْأَسِ:} أفلم يعلم؟ وقال الفراء: أفلم يقنط؟ (¬2) {قارِعَةٌ} (174 و): مصيبة وداهية، مثل: يوم بدر، وهلاك المستهزئين والقحط. {أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِنْ دارِهِمْ:} بدر الصغرى، وافتتاح خيبر وفدك، وغزوة المريسيع والحديبية، ونحوها. {وَعْدُ اللهِ:} فتح مكّة. ويحتمل: أنّ المراد بالقوارع: إغارة خالد بن الوليد (¬3)، والمثنى بن حارثة (¬4)، وسعد بن أبي وقاص (¬5) على تخوم أرض العجم، وإغارة خالد (¬6)، وأبي عبيدة بن الجراح وغيرهما على أطراف نواحي الروم، وإغارة سائر الغزاة على سائر أطراف بلاد الترك، وحلولها قريبا من دارهم، شحن الثغور بترتيب الجيوش فيها، ووعد الله أن يتمّ نوره، ويظهره على الدين كلّه، ولو كره المشركون. 33 - {أَفَمَنْ هُوَ:} حذف جوابه اكتفاء؛ لأنّه يدلّ على الخبر بصفته، تقديره: أفمن هذه صفته، كمن ليست هذه صفته، أو: أفمن هذه صفته خير وأحقّ بأن يعبد أم من ليست هذه صفته، كقوله: {أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ} [الزمر:9] بالتخفيف. {قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ:} هو تولّي كلّ نفس بتمكينه من كسب ما خلق له، ¬
وتيسيره، ومدّه في ذلك على سبيل التوفيق أو الخذلان. {قُلْ سَمُّوهُمْ:} يجوز أن يكون على سبيل التهديد، كقوله: {اِعْمَلُوا ما شِئْتُمْ} [فصلت:40] و {اِسْتَفْزِزْ} [الإسراء:64]، ويجوز أن يكون على سبيل التحدي بالتعيين؛ لأنّ التعيين إنّما يكون بالإشارة إلى الذات، أو إلى الفعل، أو لتحذير الوصف، وكانوا لا يقدرون على شيء من ذلك؛ لأنّ إشارتهم لو وقعت إلى ذات لوقعت إلى جماد لا يستحقّ العبادة، ولو وقعت إلى فعل لوقعت إلى أفعال الله تعالى، وهم معترفون بذلك، ولو قصدوا تحذيرا بالوصف لأحالوا كلامهم إلى مجهول. {أَمْ تُنَبِّئُونَهُ:} مكان ألف الاستفهام على سبيل الإنكار، أي: أتنبئون الله بما خفي عليه. وقيل: أم بمعنى بل، (¬1) أي: بل تنبئون الله بلا شيء على سبيل الإحالة، أم بظاهر يترتّب على أم الأولى. 34 - {أَشَقُّ:} أكثر مشقة وعناء. 35 - {مَثَلُ الْجَنَّةِ:} صفة الجنّة التي وعدها (¬2) المتّقون. 36 - {وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ:} عن ابن عباس: أنّهم عبد الله بن سلام، وأصحابه فرحوا بنزول تسمية الرحمن. (¬3) 37 - {وَكَذلِكَ:} إشارة {بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ} والضمير عائد إلى القرآن، وإنّما وصف بأنّه حكم لتضمنّه الأحكام. {عَرَبِيًّا:} بلغة العرب، وعبارتهم، ويجوز أن يكون موصوفا (174 ظ) بأنّه عربيّ؛ لمكان الحج والغزو والنحر والقصاص وبيعة الإمامة والأذان والخطبة وهذه الأشياء شعار العرب، وهم معنيون، والناس كالأتباع لهم. 38 - {وَلَقَدْ أَرْسَلْنا:} نزلت في تعجب المشركين من كون رسول الله بشرا مثلهم، وفي تعجّبهم من تأخير العذاب، والآيات الملجئة، فنفى الله تعالى وجه تعجيبهم، وأخبر بسنّته فيمن (¬4) مضى من المرسلين والرسل. واتصال قوله: {إِلاّ بِإِذْنِ اللهِ} ¬
39 - (¬1) والمحو والإثبات عام في الأعيان، والأحكام كلها. و (الكتاب): هو ما قضى الله به من الحوادث في الأفهام أنّها تكون أو تكاد تكون، أو لا تكاد تكون. 39 - و {أُمُّ الْكِتابِ:} كلمة الله التي لا تبديل لها؛ لاختصاصها بحقيقة المراد في علم الله تعالى. 40 - {وَإِنْ ما نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ:} أي: إن أريناك في حياتك بعض ما نتوعّد به الكافرين، ونعدّ للمسلمين، أو إن توفّيناك قبل وجود ذلك، ولم نرك شيئا منه، فأنت مخبر صادق ليس عليك إلا البلاع، وكأنّهم توهموا أنّ النبيّ عليه السّلام لو لم يأت بنفسه بهذه المواعيد لكان كاذبا، فبيّن أنّ صدقه غير متوقف على شيء. 41 - {نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها:} إن كان المراد قريشا (¬2)، فنقصان الأرض من أطرافها فتح القرى حول مكّة، وإن كان الكفّار فتحيّز الكفر إلى أقطار الأرض (¬3) باتساع دولة الإسلام، وإن كان جميع الناس، فتراجع الأعمار إلى القصر، وعود القوى ضعفا وشيبة، واستحالة الصلاح إلى الفساد، وقلّة نماء الحرث والنسل، وذهاب الفقهاء والجياد. قال عليه السّلام: «ما مات مسلم إلا انثلمت في الإسلام ثلمة، لا يسدّها من بعده شيء». (¬4) {لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ:} أي: لا رادّ، ولا راجع، ولا مكرر، ولا مستدرك له. ويحتمل: لا مؤخر. 43 - {قُلْ كَفى بِاللهِ شَهِيداً:} شهادة الله تعالى لنبيّنا عليه السّلام هو فعله الإعجاز له. وشهادة {مَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ} إظهارهم نعته، ودلالتهم عليه، واعترافهم به، منهم عبد الله بن سلام. ¬
سورة إبراهيم
سورة إبراهيم مكية. وعن ابن عباس وقتادة: إلا آيتين منها في قتلى (¬1) بدر، قوله: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ. . .} الآيتين [إبراهيم:28]. (¬2) وهي أربع وخمسون آية في عدد أهل الحجاز. (¬3) (175 و) بسم الله الرّحمن الرّحيم 3 - {الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ:} استحباب الشيء: اعتقاد محبته، وإدخاله في عداد المحبوبات. والمراد به: الاختيار والإيثار، ولذلك وقعت التعدية ب (على). 4 - {إِلاّ بِلِسانِ قَوْمِهِ:} بعبارة قوم الرسول عامّة، مشاهدته ومخاطبته. {لِيُبَيِّنَ لَهُمْ:} بالإعجاز ما يترجمون عنه على سبيل التواتر. {فَيُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشاءُ:} أي: فبعد البيان وقيام الحجّة، يخذل الله من يشاء؛ ليصرّ على الضلالة. {وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ:} ليعترف بالحقّ إن خرج ترجمة للوحي الذي في فحوى الإرسال، أو ترجمة الآيات، أو القول مضمر. 5 - {قَوْمَكَ:} أي: بني إسرائيل. {مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ:} من الشبهات إلى اليقين. {بِأَيّامِ اللهِ:} أيّام أنجى الله إيّاهم من آل فرعون، ومجاوزته بهم البحر، وآيات إصابة القرون الماضية بأنواع العذاب على سبيل الانتقام. وفائدة التذكير بهذه الأيّام هي التنبيه على استحقاق الشكر والخوف (¬4). 7 - {وَإِذْ تَأَذَّنَ:} واذكروا حالة إيذانه (¬5) إيّاكم، والتأذّن والإيذان (¬6) واحد، ¬
كالتوعّد (¬1) والإيعاد، فإنّ (إذ) (¬2) قائم مقام الجزاء، فحواه (¬3): فلا يضرّونه شيئا، فإنّه غير مفتقر إلى إيمانكم وحمدكم. 9 - {أَلَمْ يَأْتِكُمْ:} حكاية عن موسى (¬4). وقيل: خطاب لهذه الأمة. (¬5) {وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ:} الأمم المنقرضة في مشارق الأرض ومغاربها، درست آثارهم وانقطعت أخبارهم. {فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ:} عضّوا أناملهم غيظا. ويحتمل: معنى التعجب على ما جرت به العادة في العامّة، كصكّ الوجه. ويحتمل: معنى الأهلال بالسكوت على سبيل الإشارة. (¬6) ويحتمل: معنى الامتناع عن الإقرار على سبيل التشبيه، أي: كأنّهم أخذوا على أفواههم متناكبين عن الإيمان والإقرار. ويحتمل: منعهم الرسل عن النطق على سبيل التشبيه، فكأنّهم وضعوا أيديهم على أفواه الرسل، وأسكتوهم. (¬7) ويحتمل: معنى ردّهم الشيء القريب. 10 - {مِنْ ذُنُوبِكُمْ:} أي: شيئا، أو كثيرا، أو الكل من ذنوبكم. {وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى:} أي: صرف العذاب العاجل عنهم، وتعميرهم إلى الموت المعهود. {بِسُلْطانٍ مُبِينٍ:} آية ملجئة التي توجب العلم مشاهدة. 11 - {إِنْ نَحْنُ إِلاّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ:} سلّموا للإنصاف في الجدال بما استدركوا الغلط في سائر دعاويهم بإثبات المشيئة لله في تفضيل بعض البشر على بعض بالخصال الحميدة؛ لإفحامهم في الجدال لعجزهم عن إنكار المشاهدة. 14 - {خافَ مَقامِي:} أي: مقامه بين يديّ يوم العرض الأكبر، ولقد صدق (¬8) وعده لرسله، وللخائفين مقامه، والخائفين وعيده، أولياء رسول الله، والخلفاء، والأئمة. ¬
15 - {وَاِسْتَفْتَحُوا:} أي: الأنبياء عليهم السّلام، كقوله (¬1): {رَبَّنَا اِفْتَحْ بَيْنَنا} [الأعراف:89]، وقوله: {مَتى نَصْرُ اللهِ} [البقرة:214]، وقول موسى: {رَبَّنَا اِطْمِسْ} [يونس:88]، وقول لوط: {رَبِّ اُنْصُرْنِي} [العنكبوت:30]، وإليه ذهب مجاهد (¬2)، وقتادة. (¬3) وعن ابن عباس، ومقاتل: استفتاح الكفّار، كقوله: {وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ} [يونس:48]، {فَأْتِ بِآيَةٍ} (¬4) [الشعراء:154]، {فَأْتُونا بِسُلْطانٍ مُبِينٍ} [إبراهيم:10]. (¬5) 16 - {مِنْ وَرائِهِ جَهَنَّمُ:} أي: هو على شفا حفرة (¬6) (175 ظ) منها، ومآله إليها. {مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ:} ممتزج من القيح والدّم، ووصف الماء به لمعنيين: التشبيه أنّه ما أنتن وتكدّر بالإحماء (¬7) والغلي، والعرب تسمّي الماء الحارّ بالشمس: صديدا، والثاني: اعتبار حقيقة العنصر، فإنّ اسم الماء يشتمل على جنس المياهات بهذا (¬8) الاعتبار، ألا ترى سمّوا النطفة ماء؟ 17 - {يَتَجَرَّعُهُ:} يتكلّف الشرب قليلا قليلا، جرعة جرعة. {وَلا يَكادُ يُسِيغُهُ:} يستوخمه (¬9) المتجرع، ولا يكاد يستمريه للتضاد، وعدم الإيجاد، ثمّ تقبله الطبيعة قهرا لعجزها (¬10) عن دفعه، فيفسد المزاج، ولا علاج. {وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَما هُوَ بِمَيِّتٍ:} أي: تعرض له أسباب الموت من كلّ جهة، وفي كلّ عضو وعرق، ولا يموت لوجوب الخلود في النار ذات الوقود. {مِنْ وَرائِهِ:} سوى هذا العذاب {عَذابٌ غَلِيظٌ.} 18 - {مَثَلُ الَّذِينَ:} أي: هذا مثل الذين كفروا على سبيل ترجمة، والفصل في الكتاب، كقوله: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ} [الرعد:35]. وقيل: إنه مبتدأ، وقوله: {أَعْمالُهُمْ} خبره بإضمار أنّ أعمالهم الحسنة التي وقعت لا لوجه الله. (¬11) ¬
{كَرَمادٍ:} ما (¬1) تفتّت بالاحتراق. والمراد بالتشبيه حبوط الأعمال. وإنما يوصف (¬2) اليوم بأنّه عاصف؛ لأنّ اليوم يوصف بما يحدث فيه على سبيل المجاز، وقال الراجز: يومين غيمين … ويوما شمسا (¬3) ونقول: يوم حارّ ويوم بارد، وإنما الحرارة والبرودة للجوهر في الحقيقة (¬4) دون الأحوال، والأيّام جديد محدث، وهو ضدّ القديم العتيق. 20 - {بِعَزِيزٍ:} بصعب ممتنع. 21 - {وَبَرَزُوا لِلّهِ جَمِيعاً:} عرضوا (¬5) على (¬6) الله للحساب. {تَبَعاً:} جمع تابع، كحرس وحارس، ورصد وراصد. {فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنّا:} يحتمل: الإنكار على سبيل التعجيز والاستفهام، والطلب على سبيل نفا (¬7) الجهل، واعتقاد الكفر. وجوابهم بأن {لَوْ هَدانَا اللهُ لَهَدَيْناكُمْ} يحتمل معنيين: لو هدانا الله في الدنيا إلى دين الإسلام، لهديناكم إليه، وهذا على سبيل الاعتذار. والثاني: لو هدانا الله اليوم إلى محيص لهديناكم إليه، ولكنّه لم يهدنا، فنحن باقون في العذاب. عن أبيّ بن كعب (¬8): {يَوْمَ يَقُومُ النّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ} [المطففين:6] قال: يقومون ثلاث مئة عام لا يؤذن (¬9) لهم فيقعدوا، وأما المؤمنون فيهوّن عليهم، كما تهون المكتوبة. (¬10) عن خيثمة (¬11)، قال: كنّا عند ابن عمر، فقلنا: إنّ عبد الله بن مسعود (¬12)، رضي الله عنهما، ¬
قال: إنّ الرجل ليعرق حتى يسبح في عرقه، ثم يدفعه العرق حتى يلحمه. قال: وما ذلك إلا ما يرى الناس يفعل بهم، قال: فقال ابن عمر: هذا للكفار، فما للمؤمنين؟ فقلنا: الله أعلم، وما ندري!، قال: فقال: يرحم الله أبا عبد الرحمن، حدثكم أوّل الحديث، ولم يحدّثكم آخره، إنّ للمؤمنين كراسي يجلسون عليها، ويظلّ عليهم (¬1) الغمام، ويكون يوم القيامة عليهم كساعة من نهار، أو أحد طرفيه. (¬2) 22 - {بِمُصْرِخِكُمْ:} بمغيثكم، وناصركم. {بِما أَشْرَكْتُمُونِ} (¬3): بمن أشركتموني به، يعني: الله، عن الفراء. (¬4) وقيل: (176 و) بإشراككم إيّاي، لم أعتقد في نفسي ما اعتقدتم فيّ. (¬5) وإنما يقّيض الشيطان لهذا القول زيادة في التعيير واللوم والتقريع. 24 - {مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً:} هذا مثل الإيمان، وقيل: المراد بالشجرة الطيبة: النخلة، (¬6) وإنّما شبّه الإنسان [بها] (¬7) من حيث تهلك بقطع رأسها، وأنّها تحمل بالإلقاح. (¬8) وقال عليه السّلام: «أكرموا عمّتكم النخلة». (¬9) وروي: أنّ النخلة خلقت من فضلة طينة آدم. (¬10) وقيل: إنّ البعير خلق من تلك الفضلة أيضا. وروي: أنّه عليه السّلام خرج على أصحابه، وهم يذكرون الشجرة الطيبة، فقال عليه السّلام: «ذلك المؤمن أصله في الأرض، وفرعه في السماء». {كُلَّ حِينٍ:} ستة أشهر. 26 - وقيل: {كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ:} كلمة الكفر. {كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ} (¬11): الحنظلة. (¬12) ¬
{اُجْتُثَّتْ:} اقتلعت وسقطت، ليس لها أصل ثابت في الأرض، ولا في السماء، وهي تتلاشى عن قريب، فكذلك كلمة الكفر. عن البراء، عنه عليه السّلام في قوله: {يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ} قال: «في القبر إذا قيل له: من ربّك، وما دينك، ومن نبيّك» (¬1). وعن عمر في هذه الآية قال: قال عليه السّلام: «إذا أدخل المؤمن قبره أتاه فتّانا القبر، فأجلس في قبره، وإنّه ليسمع خفق نعالهم إذا ولّوا مدبرين، فيقولان له: من ربّك، وما دينك، ومن نبيّك؟ فيقول: ربّي الله، وديني (¬2) الإسلام، ونبيّي محمد عليه السّلام فيقولان: ثبّتك الله، نم قرير العين، وهو قول الله: {يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا. . .».} {وَفِي الْآخِرَةِ:} في القبر. [{بِالْقَوْلِ الثّابِتِ}] (¬3): بالتوحيد. {الثّابِتِ:} الحقّ (¬4). {وَيُضِلُّ اللهُ الظّالِمِينَ:} الكافرين. وقيل: إذا دخل المنافق أو الكافر (¬5) قبره، قالا له: من ربّك، ومن نبيّك؟ فيقول: لا أدري، فيقولان: لا دريت، نم كما ينام المنهوش، ويضرب بمرزبة يسمعها من بين الخافقين إلا الجنّ والإنس، (¬6) وهو قوله: {وَيُضِلُّ اللهُ الظّالِمِينَ} المشركين، {وَيَفْعَلُ اللهُ ما يَشاءُ.} {يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا:} على القول الثابت، أو يثبّت الله قلوب الذين آمنوا؛ بسبب قولهم الثابت، أو بتمكّنهم من القول الثابت. وعن ابن عمر قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كيف بك يا عمر لو (¬7) جاءك فتّانا القبر منكر ونكير، ملكان أسودان أزرقان يبحثان الأرض، ويطان في شعورهما، أصواتهما كالرعد القاصف، وأبصارهما كالبرق الخاطف». قال: يا رسول الله، أمعي عقلي، وأنا على ما أنا عليه اليوم؟ قال: «نعم»، قال: إذا أكفيهما بإذن الله، ¬
فقال عليه السّلام: «إنّ عمر موفّق». (¬1) وفائدة السؤال في القبر: ما علمه الله تعالى كفائدة (¬2) أخذ الميثاق. وقيل: في حق المؤمن تتمّة إبلائه بتمحيص إقراره، وتوفير ثوابه، أو لتجليته على الملائكة أنّه غير معرض عن الله، ولا ناس إيّاه، ولو عظمت بلواه، وفي حقّ الكافر تتمّة ابتلائه؛ لقطع أعذاره، وتوكيد عقابه. 28 - {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا:} نزلت في رؤساء بني أميّة وبني المغيرة يوم بدر. {وَأَحَلُّوا:} حملوهم على الحلول، وهو النزول. و (¬3) {دارَ الْبَوارِ:} (176 ظ) الهلاك. 29 - {جَهَنَّمَ:} بدل من {دارَ الْبَوارِ} [إبراهيم:28]. 31 - {لا بَيْعٌ:} كسب الخير. {وَلا خِلالٌ:} شفاعة. 33 - {دائِبَيْنِ:} ملازمين للعادة. 34 - {مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ:} قيل: بعض مقدار من المسؤول. (¬4) وقيل: كلّ المسؤول، مبذول للجماعة، وإن تفاوت منه آحادها بالتخصيص. (¬5) الإحصاء: الإطاقة. وقيل: إدراك العدد. {الْإِنْسانَ:} المخذول عن التوفيق الإلهاميّ الروحانيّ الموكول إلى الهيجان الأنعاميّ النفسانيّ (¬6). 35 - أهل (¬7) الحجاز يقولون: جنبني فلان شرّه، بالتخفيف. وأهل نجد: جنّبني، وأجنبني، بالتشديد والألف. (¬8) ¬
36 - {إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ:} إن كان المراد بها الأرواح الخبيثة من الشياطين، فإسناد الإضلال إليهنّ كإسناده (¬1) إلى الناس. وإن كان المراد بها الصور المصوّرة، فإسناد الفعل إليهنّ كإسناده إلى الدراهم والدنانير. يقال: أهلك الناس الدرهم والدينار. {فَمَنْ تَبِعَنِي:} في الإعراض عن الأصنام والطواغيت. {وَمَنْ عَصانِي:} فيما دون الشرك، عن مقاتل بن حيّان (¬2). (¬3) {فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ:} تغفر للمشركين، وترحمهم إذا تابوا، عن الكلبي (¬4). ويحتمل: أنّ إبراهيم عليه السّلام ذكر المغفرة والرحمة تنزيها لله عز وجل عن أن يأخذه ومن تبعه بذنب من عصاه. ويحتمل: أنّه تعرض (¬5) على قضية استجازة العقل قبل التوقيف السماعيّ مغفرة الكفّار، كما كان يستغفر لأبيه حتى علم أنّه عدو لله، فتبرّأ منه. 37 - {مِنْ ذُرِّيَّتِي:} بعضا من ذرّيتي. {أَفْئِدَةً:} واحدها فؤاد. {تَهْوِي:} تميل، وتسرع. 41 - {يَقُومُ الْحِسابُ:} كما يقال: قام السوق، والحرب، والصلاة. 42 - {تَشْخَصُ:} ترتفع عن مواضعها، وتجحظ للدهش (¬6). 43 - {مُهْطِعِينَ:} مسرعين إلى (¬7) الداعي، وهو حالة سيلانهم عند الحشر. {هَواءٌ:} خالية عن الخواطر دهشا، واشتغالا بالمشاهدات. 45 - {وَسَكَنْتُمْ:} معطوف على {أَقْسَمْتُمْ} [إبراهيم:44]. {الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ:} من الأمم الماضية الذين تسكن ديارهم، وتشاهد آثارهم، وتسمع أخبارهم. {لَكُمُ الْأَمْثالَ:} أمثال القرآن. ¬
46 - {لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ:} أراد المعاني العامّة المستفخمة العظيمة من الشرائع، والسنن، وقواعد الدين. 47 - {مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ:} أي: مخلفا وعده رسله، وإنّما قدّم الوعد على الرسل؛ لأنّه أليق بالإخلاف، والكلام يستقل به دون المفعول الثاني. 48 - {يَوْمَ:} نصب؛ لوقوع الانتقام فيه (¬1). {تُبَدَّلُ:} يقلب ظهرها بطنا، وترتفع الجبال عنها، وتسطّح من المشرق إلى المغرب. {وَالسَّماواتُ:} تغيّر هيأتها بخسف الشمس والقمر، وتناثر الكواكب، والانفطار. وقرأت عائشة (¬2) هذه الآية، فقالت: يا رسول الله، فأين (¬3) يكون الناس؟ قال: «على الصراط». (¬4) 49 - {الْأَصْفادِ:} جمع صفد، وهو الغلّ والقيد. 50 - {قَطِرانٍ:} ما تطلى به الإبل. (السربال): يشتمل على: القميص، والجبّة، والدرع. 51 - {لِيَجْزِيَ:} بدل عن قوله: {لِيَوْمٍ تَشْخَصُ} [إبراهيم:44]، أو ليوم يجزي الله. وقيل: التعليل: التفريق في الأصفاد. 52 - {هذا:} إشارة إلى القرآن. {بَلاغٌ لِلنّاسِ:} نهاية لهم في الوعظ. ¬
سورة الحجر
سورة الحجر مكيّة. (¬1) وهي تسع وتسعون آية. (¬2) (177 و) بسم الله الرّحمن الرّحيم 1 - {آياتُ الْكِتابِ:} مجاهد، وقتادة: «التوراة والإنجيل». (¬3) وقيل (¬4): الكتاب والقرآن (¬5) واحد. (¬6) 2 - {رُبَما:} [ربّ] حرف جارّ ولا (¬7) يدخل إلا على الأسماء المنكورة، فإن صرف إلى فعل كفّ عن العمل بما الكافّة (¬8)، ولا يدخل إلا على فعل ماض أو حال، وإنما دخل هاهنا على الفعل المستقبل لأنه واجب لا محالة، فكأنه ماض، (¬9) ألا ترى أنّ أكثر أحوال القيامة مذكور في القرآن على لفظ الماضي. عن ابن عباس: يأتي على الكافر يوم يودّ فيه لو كان مسلما. أبو حنيفة (¬10)، عن حماد (¬11)، ¬
عن إبراهيم (¬1): سألت (¬2) عن قول الله عز وجل: {رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ،} قال: يعذّب الله قوما ممن كان يعبده، ولا يعبد غيره، وقوما ممن كان يعبد غيره، ثم يجمعهم في النار، فيعيّر الذين كانوا يعبدون غير الله [الذين] (¬3) كانوا يعبدون الله تعالى فيقول: عذّبنا لأنّا عبدنا غيره، فما أغنى عبادتكم إيّاه، وقد عذّبكم معنا؟ فيأذن الربّ للملائكة (¬4)، فيشفعون، فلا يبقى أحد ممن كان يعبده إلا أخرجه حتى يتطاول للشّفاعة إبليس لعبادته، يعني: الأولى، يقول (¬5): {رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا. . .} الآية. (¬6) 3 - {يُلْهِهِمُ:} يشغلهم. {الْأَمَلُ:} الطمع، كانت أطماعهم الفاسدة تشغلهم عن التوبة والإنابة، فتوعّدهم على ذلك، أي: إصابتهم بعذاب من عنده، أو بأيدي المؤمنين. 4 - {إِلاّ وَلَها:} فذكر الواو بعد الاستثناء، وقد يحذف إذا كان الكلام مستقلا بنفسه مع طرح الاستثناء، فأما إذا لم يستقل لا يجوز إلا بغير واو، كقولك: ما أنت إلا بشرا. {كِتابٌ مَعْلُومٌ:} أجل مسمّى. 6 - {وَقالُوا يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ:} نزلت في عبد الله بن أمية، والنضر بن الحارث، وجماعة من قريش. (¬7) قيل: على زعمك. (¬8) وقيل: على سبيل الاستهزاء. (¬9) (المجنون): المستور قلبه أو دماغه بما يضادّ العقل من خبال الجنّ، أو فساد الطبع، وإنما وصفوه بذلك لخرقه إجماعهم الفاسد (¬10)، وخلافه عادتهم القبيحة. ¬
7 - {لَوْ ما:} بمنزلة لولا. 8 - {ما (¬1)} نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ: ظاهرين يعرفون بسيماهم. {إِلاّ بِالْحَقِّ:} الملجئ الذي يبطل الرأي والاجتهاد. {وَما كانُوا إِذاً مُنْظَرِينَ:} إذا نزّلناهم على هذا الوجه حقّت على قريش كلمة العذاب، وارتفع الإمهال، ولم ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل. واتصالها بأنّ الذكر القرآن في قوله: {نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ} [الحجر:6] وهاهنا. 9 - {وَإِنّا لَهُ لَحافِظُونَ:} قيل: حفظ الله كتابه من الدروس. (¬2) وقيل: حفظه عن الجنون والخبال، والمجون والضلال. (¬3) 10 - {مِنْ قَبْلِكَ:} رسلا. 12 - {نَسْلُكُهُ:} السلك: الإيغال، والسلوك: الوغول، والمسلك: شبه السّرب (¬4). والضمير عائد إلى الاستهزاء. والآية ردّ على المعتزلة. 14 - {فَظَلُّوا:} يقال: ظلّ يفعل إذا كان عامّة نهاره في فعله، (¬5) وبات يفعل إذا (177 ظ) كان عامّة ليله في فعله، (¬6) وإذا لم يرد تخصيص ليل ولا نهار قلت: طفق يفعل. (¬7) {يَعْرُجُونَ:} يصعدون. 15 - {سُكِّرَتْ:} حبست بالتخييل عن حقيقة المشاهدة. 16 - {فِي السَّماءِ بُرُوجاً:} بروج السماء: أقسامها، وأجزاؤها الاثنا عشر، كلّ جزء ¬
بالمساحة على ثلاثين درجة، وهي ستّون دقيقة لا تفاوت بينها، وفي المشاهدة على كواكب من منازل القمر بينها تفاوت، ثم هذه السماء محدقة بالنار والريح والأرض إحداق قشر البيضة بما فيها، تدور على قطبين: قطب معلوم شماليّ، وقطب موهوم جنوبي عند بعض الناس، وهي معلّقة بالقطب الشماليّ من فوق الأرض، كهيئة الكلية لا قطب لها من ناحية الجنوب عند بعض، وهي مختصة ببروج غير (¬1) هذه البروج الاثني (¬2) عشر الفلكية عند بعض. فمن تلك البروج الضراح، وهو بيت المعمور، وسائر البروج مساجد الملائكة ومقاماتهم، ومقامات الأنبياء والصديقين والشهداء. {وَزَيَّنّاها:} حسّنّاها بصفاء لونها، وبالشّمس والقمر والكواكب. 17 - {وَحَفِظْناها:} بالكواكب المنقضّة، التي هي رجوم للشياطين. قيل: لم تزل السماء محفوظة محروسة بهذه الكواكب المنقضة. (¬3) عن ابن عباس: أنّ رجالا من الأنصار أخبروه: أنّه بينما هم جلوس مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليلة من اللّيالي رمي بنجم، فاستنار، فقال لهم رسول الله: ما كنتم تقولون في الجاهلية إذا رمي بمثل هذا؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، كنّا (¬4) نقول: مات اللّيلة عظيم، وولد اللّيلة عظيم، قال عليه السّلام: «إنه لا يرمى لموت أحد، ولا لحياته (¬5)، ولكن ربنا تبارك وتعالى إذا قضى أمرا سبّح حملة العرش، ثم سبّح أهل السماء الذين يلونهم، ثم سبّح أهل السماء الذين يلونهم، حتى يبلغ التسبيح أهل هذه السماء الدنيا، ثم يسأل أهل السماء السابعة حملة العرش: ماذا قال ربكم؟ فيخبرونهم، ثم يسأل أهل السماء السادسة أهل السماء السابعة، وكذلك ينتهي الخبر إلى السماء الدنيا، فيحفظه الجنّي ليقذفه إلى صاحبه، ويرمي به، فما جاؤوا به على وجهه، فهو الحقّ، ولكنّهم يوفّون (¬6) فيه ويزيدون». (¬7) وعن نافع بن جبير (¬8)، ومحمد بن كعب: أمسكت في أيام الفترة، فلما بعث نبيّنا ¬
عاد الأمر كهيئته. (¬1) وقيل: لم تكن النّجوم رميت قط حتى بعث نبينا عليه السّلام. (¬2) 18 - {اِسْتَرَقَ:} افتعال من السّرقة. {شِهابٌ:} شعلة وقبس. 19 - {مَدَدْناها:} فرشناها بكلّيّتها على وجه الأرض. وقيل: أراد به فرش أبعاضها، لإمكان (¬3) التقليب فيها، وهي بكلّيّتها كرة مضرّسة، يعلو (¬4) الماء بعضها، ويعلو بعضها الماء لإمكان الحرث والنسل. {وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ:} تدلّ أنّ الجبال ثابتة ملتصقة بالأرض، غير نابتة منفلقة عنها، فكانت الرّياح اضطربت اضطرابا (178 و) عنيفا، بإفراط ضغط من الفلك عند ابتداء دوره، فأثارت هذه الرياح المضطربة الأرض إثارة (¬5) قريات لوط، فتحجّرت أجزاؤها المماسّة للنار العلوية بالنّضح، ثم انحدرت من تمّ، بإذن الله، فوقعت على وجه الأرض. {مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ:} مقدر. وقيل: متزن؛ (¬6) لكونه مطبوعا على الثقل والانحدار، بخلاف الريح والنار. 20 - {وَمَنْ لَسْتُمْ:} في محلّ النّصب، عطفا (¬7) على {مَعايِشَ،} هم الذّراري والمماليك والسوائم. وقيل: في محل الخفض عطفا على الضمير في {لَكُمْ،} (¬8) وهم الأطفال، والمجانين، والبهائم. 21 - {عِنْدَنا:} في علمنا وحكمنا. 22 - (الرياح اللّواقح): التي تحمل النّدى والثرى؛ ليتكوّن غيوما في أثنائها بإذن الله. وقيل: الملقّحات للغيوم والأشجار. (¬9) وقيل: هي التي ينتفع بها؛ لما ضمّنها الله تعالى من النّفع، ¬
بخلاف العقيم وهي الدبور. (¬1) وقيل: اللواقح ريح واحدة، وهي الجنوب وحدها، (¬2) وإنما جمع على الجنس. وقيل: كلّ ريح أتى بالمطر النافع، فهي من جملة اللواقح. 24 - {الْمُسْتَقْدِمِينَ:} القرون الماضية. و {الْمُسْتَأْخِرِينَ:} القرون الباقية، عن مجاهد. (¬3) وهم المسارعون في الخيرات، والمتثاقلون عنها، عن الحسن. (¬4) وهم من يسلم، ومن لا يسلم، وعن سفيان بن عيينة. (¬5) وروى الكلبي عن ابن عباس: أنّها نزلت بالمدينة في الذين قصدوا بيع دورهم القاصية عن المسجد، واشتروا دورا (¬6) قريبة من المسجد؛ لازدحامهم على الصف الأول. (¬7) فعلى هذا القول مكية إلا هذه الآية، أو (¬8) الآية نزلت مرّتين. وعن أبي الجوزاء (¬9)، عن ابن عباس: نزلت في الذين كانوا يستأخرون في الصلاة إلى الصفّ المؤخر (¬10)؛ لينظروا في سجودهم من تحت آباطهم إلى امرأة حسناء كانت تشهد الجماعة مع النساء. (¬11) وروي موقوفا على أبي الجوزاء. (¬12) 26 - {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ:} اتصالها لّما جرى من ذكر العالم الأكبر حسن عطف العالم الأصغر والنفس عليها. وقيل: لما جرى ذكر المستقدمين والمستأخرين حسن ذكر ابتداء تخليقهم؛ ليكون أول الأمر شاهد الآخرة. {مِنْ صَلْصالٍ:} لمن (¬13) شبه (¬14) الفخّار. ¬
{مَسْنُونٍ} (¬1): متغير. وقيل: مصبوب. (¬2) قيل: خلق الله تعالى قالبا (¬3) من سلالة الأرض على صورة الإنسان، وكان مطروحا على الأرض أربعين سنة، وكان قد صار صلصالا كالفخار، فمرّ عليه إبليس يوما، فدخل جوفه، ثم خرج منه، وتفرّس فيه أنّه يكون ضعيفا يتمكّن منه عدوّه بالغرور لمكان التجويف، وكثرة الاحتياج، ثم نفخ الله فيه الروح، فلمّا حصل في رأسه، واستحال رأسه دماغا ولحما، وروحا على صورته الأولى عطس، فحمد الله تعالى بتلقين جبريل عليه السّلام فشمّته الله تعالى بقوله: رحمك ربّك، فلما حصل الروح في صدره ومعدته، وانحدر إلى سوأته، واستحال كلّ ذلك لحما وعصبا وعظما غلبه الجوع، فقصد للنهوض، وإنّ بعضه لطين بعد، ففي ذلك يقول: {وَكانَ الْإِنْسانُ عَجُولاً} (¬4) [الإسراء:11]، وقوله: {خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ} [الأنبياء:37]. يقال: خلقته (¬5) من الشرّ (178 ظ) وخلقته من الرحمة. وقيل: العجل: الطين، قاله الكلبي، وغيره. (¬6) 27 - {الْجَانَّ:} أبو الجنّ بمنزلة آدم منا، ولم يذكروا من أمّ الجن. وعن جعفر بن محمد الصادق (¬7): أنّ الله تعالى بعد خلق الكلمة قدّ قددا من أنواع الخلق، وذلك قوله: {كُنّا طَرائِقَ قِدَداً} [الجن:11]، فلما خلق الأرض أهبط تلك القدد إلى الأرض، فقدّة النار يسمّون: الجانّ، وقدّة الظّلمة يسمون: الجنّ، وأذن لهم الكلمة أن يفجّروا (¬8) في الأرض الأنهار، وطرح إليهم غرسا، فغرسوا من الحبّ والنوى، فعمروا الأرض دهرا، وكانت الجنّ أصحاب المواشي، والجانّ أصحاب الزروع، ثم تحاسدوا، وصاروا (¬9) أحزابا، واقتتلوا دهرا طويلا، ثم إنّ الله تعالى خلق خلقا يقال (¬10) له: النصر، وخلق خلقا يقال له: الرّعب، فألقى الرّعب في قلوب الجنّ ¬
والجانّ، وأيّد ملائكته، يقال لهم: الكروبيّون، بالنصر، وكانت الجنّ والجانّ تصعد (¬1) إلى مقاعد السمع، فيسترقون السّمع، فيلقون إلى الكهنة. وزعم بعض أهل النجوم: أنّ الله قسّم الدهر من البروج الاثني عشر، فخصّ الحمل منه اثنا (¬2) عشر ألف سنة، وخصّ الثور أحد عشر ألفا، والجوزاء عشرة آلاف، والسرطان تسعة آلاف، وفي كل واحد من هذه الحصص لله تعالى عباد خلقهم من العنصر الذي إليه ينسب البرج، وخصّ الأسد ثمانية آلاف (¬3)، وهو برج ناريّ. زعموا ففي هذه الحصّة يخلق الله تعالى الجانّ من نار جهنّم، وكان إليهم سلطان الأرض، وخصّ السنبلة سبعة آلاف سنة، وهو برج أرض. زعموا ففي هذه السّنة خلق الله آدم عليه السّلام فانتقل سلطان الأرض إليه، وزالت دولة الجنّ، وتفانى أكثرهم، ولم يبق (¬4) منهم إلا شيطان ممسوخ. ويزعم الهند: أنّ بين الجنّ والإنس نفارا (¬5) متصلا، كالنفار بين الماء والدهن غير منفصل، كالنفار بين الماء والنار، وأن التناسل بين القبيلين ممكن، وأنّ هذين مع سائر الحيوان من مواليد برهم وبشن، وهما روحان زوجان ألهمهما الله تعالى أن يتوالد بمواضعه غير المباضعة، وبرهم أفضلهما وأطولهما عمرا، وله نهار مشتمل على ألف حترجوك، وكلّ حترجوك مشتمل على (¬6) أربعة أقسام من الزمان، وكلّ قسم مشتمل على كذا كذا مائة ألف سنة، وليله مثل نهاره، ثم تلاشى بإذن الله تعالى، قالوا: فتوالدا على هذه الصفة، فولدا الملائكة وأهل الجنة والجن والشياطين أولا، ثم ولدا سائر المواليد، وتوالدت من مواليدهما كذلك (¬7). ويشهد لهذا القول تسميات العرب الجنّ (¬8)، وزعموا أنه المتولد بين الجنّ والإنس، كبلقيس، والعملوق بين الجن والآدمي، السعلاه والغيلان (¬9) بين الملك والإنسية، والنّسناس بين الشّق والانسان. وقيل: هم يأجوج ومأجوج، والدوالباي بين بعض الحيوان والنبات (179 و) ولا يوجب شيئا من هذه الأقاويل علماؤنا. (¬10) ¬
{السَّمُومِ:} الريح الحارّة. فيه دليل على أنّهم لم يخلقوا من النار الخالصة، وقال (¬1): {مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ} [الرحمن:15]، وهي المختلط بغيرها من دخان أو ريح أو دهن. وذكر صاحب السنة: أنّ الملائكة مخلوقون من النور والماء، والجنّ من النار والماء، قال الله تعالى: {ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ} [الكهف:51]. 29 - {فَقَعُوا:} فيه دلالة أنّهم كانوا مأمورين بالسجود لآدم عليه السّلام قبل وجوده على شريطة وجوده، وإن حرف، ثم في هذه القصة، وفي سورة الأعراف؛ لترادف الأخبار، أو (¬2) كرّر عليهم الأمر بالسجود. 30 - {كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ:} توكيد بعد توكيد. 34 - {فَاخْرُجْ مِنْها:} من صورته الحسنة، أو رتبته الرفيعة أو الجنة أو السماء. 35 - {إِلى يَوْمِ الدِّينِ:} غاية اللّعنة على المجازية، يريد به زيادة على الموعود، أي: تعاقب بمجرد اللّعنة إلى يوم الدين، ثم يزاد في عقابه نار جهنم، وما فيها من أنواع العقوبات إلى يوم الدين. 38 - {إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ:} إضافة اليوم (¬3) إلى الوقت لإبهام أحدهما، وكون الآخر منصوصا عليه، كقولك: يوم العيد. 39 - {لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ:} الأباطيل والمحظورات في الأرض. 40 - {إِلاّ عِبادَكَ:} خصّ الخبيث بهذا الاستثناء أكثرهم الذين قال فيهم: {وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ} [الأعراف:17]. 41 - {هذا:} إشارة إلى دين الإسلام. 46 - {بِسَلامٍ:} بتسليم وتحية منّا لكم، أو بتسليم بعضكم على بعض. وقيل: بسلامة. (¬4) 48 - {سُرُرٍ:} جمع سرير. 52 - {فَقالُوا (¬5)} سَلاماً: نصب؛ لأنّه من جنس القول. ¬
{وَجِلُونَ:} خائفون، جمع صحة لوجل. 54 - {أَبَشَّرْتُمُونِي} (¬1): على التعجب، أتبشروني (¬2) على حالتي هذه، أتؤملونني غير كائن على ظن أني قد مسني الخوف، أفرح بقولكم (¬3) أم بالحق من عند الله، وإنما سألهم قبل أن عرفهم. 55 - {مِنَ الْقانِطِينَ:} الآيسين. 60 - {قَدَّرْنا} (¬4): أراد تقدير الله تعالى فهو قضاؤه الحتم، وإن كان تقدير الملائكة، فهو تخمين منهم. 62 - {قالَ:} لوط. {إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ:} لأنّه (¬5) لم يعرفهم، فظنّ أنّهم لصوص. 63 - {بِما (¬6)} كانُوا فِيهِ: الهلاك والعذاب. 66 - {وَقَضَيْنا:} أوحينا. {ذلِكَ الْأَمْرَ:} الشأن والقصة (¬7). {أَنَّ دابِرَ هؤُلاءِ مَقْطُوعٌ:} برحمة للأمر المقضيّ. {مُصْبِحِينَ:} أي: حالة إصباحهم. 68 - {فَلا تَفْضَحُونِ:} فلا تخزون. 70 - {عَنِ الْعالَمِينَ:} عن إجارتهم وحمايتهم. 72 - {لَعَمْرُكَ:} مرفوع على الابتداء، تقديره: لعمرك قسمي، والعمر: البقاء. وفي هذا القسم شرف لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم. 73 - {فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ:} الهدة عند انقلاب القريات من نحو السماء، وانحدارها إلى الأرض. ويحتمل: أنّ جبريل صاح بهم حينئذ. وقيل: {الصَّيْحَةُ:} الفزع والهلاك دون الصوت. (¬8) ¬
{مُشْرِقِينَ:} حالة الإشراق، وإنما وقعت العبارة بالإصباح والإشراق جميعا؛ لأنّ رفع القريات كان في وقت الإصباح، وانحدارها في وقت الإشراق. (179 ظ) 75 - {لِلْمُتَوَسِّمِينَ:} المتبصّرين (¬1) المستدلّين بالسّمات والأمارات. قال عليه السّلام: «اتقوا فراسة المؤمن، فإنّه ينظر بنور الله»، ثم قرأ: {إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ.} (¬2) 76 - {وَإِنَّها} (¬3): أي: المؤتفكات. {لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ:} طريق واضح بيّن أثره، كان أهل مكة يمرّون بها في أسفارهم. 79 - {وَإِنَّهُما:} الأيكة والمؤتفكات. وقيل: مدبرين والأيكة. {لَبِإِمامٍ:} طريق، وإنما قيل ذلك لأنّه يتّبع إلى المقصد. قال ابن عمر: مررنا مع النبيّ عليه السّلام على الحجر، فقال لنا: «لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم، إلاّ أن تكونوا باكين حذرا أن يصيبكم مثل ما أصابهم»، ثم زجر، فأسرع حتى خلّفها. (¬4) وإنما أمرهم بالبكاء ليبالغوا (¬5) في التّفكّر والاعتبار، وإنّما حذّرهم لأنّهم لو لم يعتبروا لكانوا مستخفّين بآيات الله في أرضه، فاستحقّوا العقاب. 85 - {وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ:} اتصالها من حيث نفي الجور في إهلاك هؤلاء الأمم الماضية، ومن حيث نفي العبث في التخليق. {الصَّفْحَ الْجَمِيلَ:} إن كان متاركة فهو منسوخ بآية السيف، وإن كان ما يضادّ الإكراه فهو باق (¬6) في حقّ العرب؛ لأنهم إذا قبلوا الجزية صفحنا عنهم، وإن كان المراد به ترك الفحش والشّتم فهو باق في حقّ الكافّة. 87 - {سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي:} عن النبي عليه السّلام: «أنّ السبع المثاني هي سورة {الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ».} (¬7) ¬
88 - {لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ:} ابن عباس: نهى الله (¬1) رسوله عن الرّغبة في الدنيا، فحظر عليه (¬2) النظر إليها بعين الرّغبة. روي عنه عليه السّلام: أنّه مرّت به غنم في أيام الرّبيع، فغطّى كمّه على عينيه، فقيل له في ذلك، فقال: «بهذا أمرني ربّي». (¬3) {أَزْواجاً مِنْهُمْ:} رجالا ونساء، أو ذكورا وإناثا، أو سخيّا وبخيلا، أو المكتسبين والعاجزين. {وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ:} إن لم يؤمنوا. {وَاِخْفِضْ جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ:} تواضع لهم، وليّن جانبك لهم. 90 - {كَما أَنْزَلْنا:} التشبيه عائد إلى قوله: {آتَيْناكَ سَبْعاً.} مجاهد: أهل الكتاب اقتسموا الكتاب فيما بينهم، فحذفوا بعضا، وحرّفوا بعضا (¬4)، واختلفوا في بعض، ونقلوا على الوجه بعضا. (¬5) أي: آتيناك المذكور، كما أنزلنا الكتاب على المقتسمين من قبل. وقال ابن زيد: إنّ {الْمُقْتَسِمِينَ:} هم أصحاب الحجر قوم صالح، {تَقاسَمُوا بِاللهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ} (¬6) [النمل:49]. (¬7) وعن ابن عباس: هم الذين اقتسموا وجوه القرآن فيما بينهم، وهم من قريش، فزعم بعضهم: أنّه شعر، وبعضهم: أنّه سحر، وبعضهم: أساطير الأولين، وبعضهم: أنّه {إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ} [النحل:103]. (¬8) تقديره: آتيناك المذكور كما أنزلنا العذاب على هؤلاء المقتسمين المستهزئين. 91 - {جَعَلُوا الْقُرْآنَ:} مجاهد: التوراة والإنجيل والقرآن. (¬9) وقال ابن زيد: ما أتى به صالح. وهذا القول على إحدى روايتي ابن عباس. {عِضِينَ:} أجزاء، واحدها عضة، أصلها عضوة. 93 - {عَمّا كانُوا يَعْمَلُونَ:} قال: عن لا إله إلا الله: وإنما وقعت العبارة عن قول: لا ¬
إله إلا الله بالعمل؛ لأنّ إظهاره من عمل اللّسان، وإن لم يكن القول في الحقيقة عملا. 94 - {فَاصْدَعْ:} الصدع: الفرق والفصل. 95 - {إِنّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ:} عن عروة بن الزبير (¬1): هم خمسة: الأسود بن عبد يغوث، وأبو زمعة الأسود بن المطلب، والعاص بن وائل، (180 و) والوليد بن المغيرة، وابن غيطلة الحارث بن قيس السهميّ، فجاء جبريل عليه السّلام إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو يطوف بالبيت وقام إلى جنبه، وهم يطوفون، فمرّ به الأسود بن المطلب، فرمى في وجهه بورقة خضراء، فعمي، ومرّ به الأسود بن عبد يغوث، فأشار إلى بطنه، فقام من الليل، فشرب فحنب (¬2) بطنه، فمات حنبا، ومرّ به العاص بن وائل، فأشار جبريل عليه السّلام إلى أخمص (¬3) رجله، فخرج على حمار له يريد الطائف، فربض به حماره على شبرقة (¬4)، فدخلت منه شوكة في أخمص رجله، فنفث عليه، فقتلته، ومرّ به الحارث بن قيس، وهو ابن الغيطلة، فأشار إلى رأسه، فامتخض قيحا، [فقتله] (¬5)، ومرّ به الوليد بن المغيرة، فأشار إلى أثر جرح بأسفل كعبه كان أصابه قبل ذلك، وذلك أنّه مرّ برجل من خزاعة يريش نبلا [له فتعلّق] (¬6) سهم من نبله بإزاره، فخدشه في ذلك الموضع، فلم يك شيئا (¬7) يومئذ، فلمّا أشار إليه انتقض ذلك الخدش، فقتله، وكان قد أوصى بنيه أن يطالبوا خزاعة بدمه، وقال: والله، إنّي لأدري أنّي لم أقتل بسهمهم، ولكن أخاف أن يسبّوا بعدي، وذكرنا في الحديث. (¬8) وعن أبي يزيد المدنيّ (¬9)، قال: جاء جبريل عليه السّلام فأخذ بيد النّبيّ عليه السّلام فأخذه على طريق المشركين، فمرّوا به، قال: فيقول جبريل: من هذا؟ قال: فلان بن فلان، ولم يسمّه، قال: كفيناك هذا في عينه، وقال: ومرّ به آخر، فقال: من هذا؟ قال: فلان بن فلان، قال: كفيناك هذا في كليته، وجبريل أعلم بهم منه، قال: منهم من سالت حدقته على نحره، ومنهم من أخذته في ¬
بدنه، فأمّا صاحب اليدين، فمرّ برجل يرمي، فتعلق سهم بردائه فقطع أكحله فمات. وعن عكرمة: أخذ جبريل بظهر الأسود بن عبد يغوث، فحناه حتى أحقوقف، فقال عليه السّلام: «خالي خالي»، فقال جبريل عليه السّلام: دعه عنك فقد كفيتك. (¬1) وذكر الكلبي: أنّهم ماتوا جميعا في يوم إلا أبا زمعة، فإنه عمي يومئذ، ثم خرج إلى الصحراء ذات يوم، ومعه غلام، فأتاه جبريل عليه السّلام وهو قاعد في أصل شجرة، فجعل ينطح رأسه بالشجر، ويضرب وجهه بالشّوك، فاستغاث بغلامه، فقال غلامه: ما أرى أحدا يصنع بك شيئا غير نفسك حتى مات، وهو يقول: قتلني ربّ محمد. قال: وأكل الحارث بن قيس السهمي حوتا مالحا، ويقال: طريا، فلم يزل (¬2) يشرب عليه الماء حتى انقدّ (¬3) فمات، وهو يقول: قتلني ربّ محمد. قال: وخرج العاص بن وائل في يوم مطير وابنان له، فنزل شعبا من الشّعاب، فلما وضع قدمه على الأرض قال: لدغت، قال: فطلبوا، فلم يجدوا شيئا، وانتفخت رجله حتى صارت مثل عنق البعير، فمات مكانه. قال: وأصاب الأسود بن عبد يغوث سموم، فاسودّ حتى عاد حبشيا، فأتى أهله، فلم يعرفوه، فأغلقوا دونه الباب (180 ظ) حتى مات، وهو يقول: قتلني ربّ محمد. (¬4) 97 - {يَضِيقُ صَدْرُكَ:} عن الحسن: كان عند النبيّ صلّى الله عليه وسلّم رجل، فجعل يعرض عليه الإسلام، قال: فقال: والله إنّي لكاره لما تدعوني إليه، قال: «وأنا، والله، لقد كنت كارها له، ولكني أكرهت عليه، إنّ الله بعثني بالرسالة، فضقت ذرعا، ووعدني فيها: لأبلغنّ أو ليعذبنّي». فقال الحسن: فبلّغ، والله، رسول (¬5) الله حتى عذره الله، فقال: {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَما أَنْتَ بِمَلُومٍ} [الذاريات:54]. 98 - {مِنَ السّاجِدِينَ:} كن ساجدا، وإنما جمع لوفق رؤوس الآي. ويحتمل: أن المراد ب {السّاجِدِينَ:} الأنبياء عليهم السّلام. (¬6) 99 - {يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ:} الموت. ¬
سورة النحل
سورة النحل مكية. عن ابن عباس (¬1)، وعطاء (¬2)، وابن المبارك (¬3)، وجماعة إلا قوله: {وَإِنْ عاقَبْتُمْ. . .} [النحل:126] الآية، فأنزلت في منصرف [النبي، عليه] (¬4) السّلام من أحد. وروى همام (¬5)، ومعمر (¬6)، عن قتادة: أنّها مدنية. (¬7) وكذا عن أبي. وعن الحسن: أنّ أربعين آية من أوّلها مكية، والباقي مدنيّ. (¬8) وعن ابن عباس، وقتادة: أنّ من أوّل السورة إلى قوله: {وَلَكُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ} [النحل:94] مكيّ، ومن قوله: {وَلا تَشْتَرُوا. . .} [النحل:95] إلى قوله: {بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل:97] مدنيّ. (¬9) وهي مئة وثمان وعشرون (¬10) آية. (¬11) والله أعلم. بسم الله الرّحمن الرّحيم 1 - {أَتى أَمْرُ اللهِ:} ابن عباس قال: لمّا نزلت هذه الآية: {اِقْتَرَبَ لِلنّاسِ حِسابُهُمْ. . .} الآية [الأنبياء:1]، ثمّ نزلت: {اِقْتَرَبَتِ السّاعَةُ} [القمر:1]، ثم أمهلت، قالت كفّار قريش: يا محمد، تزعم أنّه قد اقترب للناس حسابهم، والله ما نرى ممّا تقول شيئا، قال: فنزلت {أَتى أَمْرُ اللهِ،} فوثب رسول الله عليه السّلام لا يشك أنّ العذاب قد أتاهم حتى قال له جبريل عليه السّلام: ¬
{فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ،} فجلس رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. (¬1) 2 - {أَنْ أَنْذِرُوا:} المشركين فإنّ إعلامهم توحيد الله هو الموجب للخوف؛ لما هم فيه من الباطل. 4 - {خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ:} عن ابن عباس: أنّ النبيّ عليه السّلام ذكر لقريش القرون الماضية، وماذا أهلكوا به، وقال: «ثم يعيدهم الله خلقا جديدا بعد الموت يوم القيامة»، فأخذ أبيّ بن خلف عظما باليا نخرا يتحات، بلي، فجعل يفتته بيده، ويذريّه في الرياح، ويقول: عجبا لمحمد يزعم: أنّه يعيدنا إذا كنّا عظاما ورفاتا بمنزلة هذا العظم البالي، وأنّا (¬2) نعاد خلقا جديدا إلى الدنيا فينا (¬3) الروح، هذا والله لا يكون أبدا، فنزل في ذلك: {أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسانُ أَنّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ}. . . {وَضَرَبَ لَنا مَثَلاً} [يس:77 - 78]: بالعظم، {وَنَسِيَ خَلْقَهُ:} الأول. (¬4) 5 - {دِفْءٌ:} "نسل كلّ دابة"، عن ابن عباس. (¬5) وقيل: نتاج الإبل وألبانها. (¬6) وقيل: سخونة أوبارها، وأشعارها يستدفئون بها. (¬7) 6 - {جَمالٌ:} حسن المنظر. {حِينَ تُرِيحُونَ:} تردّون الإبل إلى بيوتكم ومنازلكم رواحا. {وَحِينَ تَسْرَحُونَ:} بالغداة إلى المرعى. 7 - {إِلى بَلَدٍ:} قيل: مكة، حرسها الله. وفي الحديث: «لا تشدّ الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، (181 و) و (¬8) مسجد رسول الله، والمسجد الأقصى». (¬9) والظاهر أنّه أيّ بلد كان. 8 - {الْبِغالَ} (¬10): ما يتولّد من الحمار والفرس. ¬
وفي الآية دليل على كراهيّة لحم الفرس. {وَيَخْلُقُ ما لا تَعْلَمُونَ:} عامّ. وعن قتادة: أنّه السوس في النبات، والدود في الفواكه. (¬1) 9 - {وَعَلَى اللهِ قَصْدُ السَّبِيلِ:} أي: إلى الله الهداية إلى سمت. {وَمِنْها:} ومن السبل. {جائِرٌ:} زائغ مائل. 10 - {شَجَرٌ:} كلّه ما ينبت من الأرض. {تُسِيمُونَ:} ترعون (¬2). 13 - {وَما ذَرَأَ:} في محلّ النصب عطفا على {اللَّيْلَ وَالنَّهارَ} [النحل:12]. وقيل: في محلّ الخفض عطفا على قوله: {إِنَّ فِي ذلِكَ} [النحل:12]. (¬3) وقيل: في محلّ الرفع بالابتداء، وخبره الجملة. (¬4) والذرأ: الخلق. و (الألوان): الأجناس مجازا، والأصباع: حقيقة (¬5). 14 - {طَرِيًّا:} جديدا (¬6). وقيل: أراد الطريّ والمالح جميعا، اقتصر على أحد طرفي الكلام، كقوله: و {سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ} [النحل:81]. (¬7) {حِلْيَةً:} يعني: اللؤلؤ والياقوت والمرجان والعنبر. {مَواخِرَ:} فواعل، يقال: مخرت السفينة إذا شقت الماء بصدرها. {وَلِتَبْتَغُوا:} الواو مقحمة. وقيل: للعطف على مضمر، أي: لتتفكروا، ولتبتغوا فضله. (¬8) ¬
15 - {أَنْ تَمِيدَ} أي: كيلا (¬1) وكراهة أن تميد: تميل وتتحرك. {وَأَنْهاراً وَسُبُلاً:} وجعلنا فيها أنهارا وسبلا. 16 - {بِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ:} يعني: أهل البادية والمبحرين للقبلة بضوئها، وتيامنها وتياسرها في الليالي، وأصحاب الزروع بطلوعها (¬2) وغروبها، والمحاسبين بطوالعها وغواربها إذا لم يكن معهم آلة يقدرون بهذا ظلّ الشمس بالنهار. 17 - {كَمَنْ لا يَخْلُقُ:} يعني: الطواغيت كلّها من الجنّ والإنس والأصنام. 21 - {أَمْواتٌ:} أي: الذين تدعونهم من دون الله، وهم الشيطان والفراعنة (¬3) أموات بقلوبهم، ليست لهم حياة الإيمان. ويحتمل: أنّ المدعوين قوم درجوا وانقرضوا من هؤلاء الشياطين والفراعنة. ويحتمل: الأصنام على سبيل الحقيقة (¬4) عند من يجعل الموت والجمود شيئا واحدا، وعلى سبيل المجاز عند من يجعل الموت معنى تعقب الموت (¬5). {أَيّانَ:} أوان. 24 - {وَإِذا قِيلَ لَهُمْ ماذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ:} عن ابن عباس: نزلت في المقتسمين؛ وذلك أنّ المشركين بعثوا ستة عشر رجلا إلى عقبات (¬6) مكة على طريق الناس أيّام الحجّ، على كلّ عقبة أربعة؛ ليصدوا الناس عن رسول الله، وقالوا لهم (¬7): من أتاكم يسألكم عن محمد، فليقل بعضكم: هو شاعر، وبعضكم: هو كاهن، وبعضكم: هو مجنون، وبعضكم: هو يتلو (¬8) علينا أساطير الأولين، وأن لا تروه ولا يراكم خير لكم، فإذا انتهوا إلينا صدقناكم، وبلغ ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فبعث إلى كلّ أربعة أربعة من المسلمين؛ ليكذّبوهم، ويقولوا: هو يهدي إلى الحقّ، ويأمر (¬9) بصلة الرحم، ويأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، ويدعو إلى الخير، فكان الناس يسألونهم: ما هذا الخير الذي يدعوا إليه؟ فكانوا يقولون: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ} [النحل:30]، فكانوا يسألون: ما هذه الحسنة؟ ¬
(181 ظ) فكانوا يقولون: {جَنّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها. . .} الآية [النحل:31]. (¬1) 26 - {قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ:} في التفسير: أنّ نمرود بن كنعان كان بنى صرحا ببابل يمكر به، ويسخر وينمس. (¬2) عن ابن عباس ووهب: كان طوله في السماء خمسة آلاف ذراع. (¬3) وعن كعب: كان فرسخين، فهبّت ريح فألقت رأسه، وخرّ عليهم الباقي من فوقهم. ويحتمل: أنّ ذكر البنيان وهدمه على وجه التمثيل والاستعارة، كنقض القول. 27 - {الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ:} هم الراسخون من جملة المؤمنين. يستدلون بهذا الخطاب يوم القيامة: أن الكفار المخصوصون بالزجر والإنكار وإدخال النار. 33 - {هَلْ يَنْظُرُونَ:} استفهام بمعنى اللوم والتقريع. 35 - {وَلا حَرَّمْنا مِنْ دُونِهِ} (¬4): من دون أمره وإذنه. {كَذلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ:} أي: هكذا احتجّ بالتقدير عند التذكير، ولزوم النكير لرفع التعيير الذين كانوا من قبلهم. وإنما جاز قوله: {فَإِنَّ (¬5)} اللهَ لا يَهْدِي جزاء الشرط المذكور؛ لما فيه من الإعلام، أي: فاعلم أن الأمر على (¬6) هذه الصورة، وتعز (¬7) بهذا العز. 39 - {لِيُبَيِّنَ:} أي: ليبعث الموتى، ليبيّن على طريق المشاهدة. 41 - {وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي اللهِ:} عن ابن عباس: نزلت في ستة نفر من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أسرهم أهل مكة: بلال بن رباح المؤذن (¬8)، وعمار بن ياسر (¬9)، وصهيب بن سنان (¬10)، ¬
وخبّاب بن الأرت (¬1)، وعائش وجبر أسروهم، وعذّبوهم؛ ليردّوهم عن الإسلام، فأمّا صهيب فابتاع نفسه بماله، وفيه نزل: {وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ. . .} الآية [البقرة:207]، وأمّا سائر أصحابه فقالوا بعض ما أرادوا، ثم هاجروا بعد ذلك إلى المدينة. (¬2) 42 - {الَّذِينَ صَبَرُوا:} أي: كانت قلوبهم مطمئنة بالإيمان. 44 - {بِالْبَيِّناتِ:} أي: أرسلنا هؤلاء الرسل بالبيّنات. {لِتُبَيِّنَ:} ما نزّل إليهم، يدلّ: أنّ [من] (¬3) القرآن ما لا يعلم إلا بالتوفيق النبوي. وقوله: {وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} يدلّ: أنّ فيه ما يعلم بالتفكير والتدبر، فأما ما لا (¬4) يعلم تأويله إلا الله، فذلك جنس ثالث، وقد بيّن ذلك في أثناء المحكمات على طريق الإجمال دون اليقين، وما يعلم معناه عند ورود الخطاب من غير توقيف ولا تفكر جنس رابع، وهو الحجة على جميع العقلاء. 45 - {أَنْ يَخْسِفَ اللهُ بِهِمُ الْأَرْضَ:} خسف الأرض: سؤوخها (¬5) بما فيها. ويحتمل: تقليب الأعيان وإفساد الأبنية، وكأنّ المراد بالخسف: حالة القرار والسكون؛ ولذلك انعطف عليها حالة التقلّب. 47 - {أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ:} فالمتقدم حالة الأمن، فانعطف حالة الخوف عليها، وإن أراد الحالتين (¬6)، فمعناه: بتخوف، وهو بأن يلقي الرعب في قلوبهم، فلا يزالون يتخوفون من كلّ شيء لا يطيب لهم. 48 - {داخِرُونَ:} صاغرون. 49 - عديّ بن أرطأة (¬7) قال: ألا أحدثكم بحديث ما بيني وبين رسول الله إلا رجل قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ لله ملائكة في السماء السابعة سجودا منذ خلقهم إلى يوم القيامة ترعد ¬
(182 و) فرائصهم (¬1)، لا تقطر من دموعهم قطرة إلا صارت ملكا قائما، فإذا كان يوم القيامة رفعوا رؤوسهم، فقالوا: سبحانك ما عبدناك حقّ عبادتك» (¬2). 50 - {مِنْ فَوْقِهِمْ:} قيل: من جهة فوقهم، فهم يخافون نزول عذاب ربهم من تلك الجهة. وقيل: يخافون ربّهم الذي فوقهم بلا كيفية. 51 - {اِثْنَيْنِ:} للتأكيد، لا لتعليق الحكم بعدد (¬3) محصور، يدل عليه ما بعده وهو قوله: {إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ.} 52 - {واصِباً:} قال أبو عبيدة: دائما. وقال ابن عرفة: ثابتا دائما. (¬4) 53 - {تَجْئَرُونَ:} ترفعون أصواتكم بتلبية واستغاثة، والمراد به جؤارهم حالة الاضطرار. 56 - {وَيَجْعَلُونَ لِما لا يَعْلَمُونَ نَصِيباً:} كقوله: {وَجَعَلُوا لِلّهِ مِمّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعامِ نَصِيباً} [الأنعام:136]. 57 - {وَيَجْعَلُونَ لِلّهِ الْبَناتِ:} عن ابن عباس: أنّ بني خزاعة وبني كنانة، كانوا يزعمون أنّ الملائكة إناث، فإنّهم بنات الله، تعالى (¬5) عما يقولون. (¬6) {وَلَهُمْ:} قيل: الواو للاستئناف. (¬7) وقيل: للعطف. (¬8) 58 - {ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا:} لكراهتهم البنات، فكانت تجمع همومهم في قلوبهم، وتتزايد أنفاسهم في صدورهم، فيكظمونها، ويختنقون (¬9) بها، والمخنوق يسودّ وجهه باجتماع الدم المخنوق الكثير في بشرته. 59 - {يَتَوارى:} يختفي بما يواري. {أَيُمْسِكُهُ:} وترتب {أَمْ} عليها لإثبات إحدى الحالتين: حقيقة، وضرورة لا ¬
يعنيها (¬1)، ومجازه: إما ليفعلن كذا، وإما ليفعلن كذا. {هُونٍ:} هوان (¬2). والهاء (¬3) عائدة إلى ما بشّر به. والدّسّ: إدخال الشيء في الشيء. كانوا يقتلون أولادهم خشية إملاق، فأنزل: {وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ} [التكوير:8]. {أَلا ساءَ ما يَحْكُمُونَ:} نسبة البنات إلى الله تعالى، أو وأد البنات. 60 - قيل: {السَّوْءِ} وصفهم الباطل والدون (¬4). {وَلِلّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى:} وصفه الصدق والحقّ، قال تعالى: {ما جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ. . .} الآية [الأحزاب:4]. 62 - {وَيَجْعَلُونَ لِلّهِ ما يَكْرَهُونَ:} الذين يصفونه بالتعطيل عن الصفات. 63 - {فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ:} صوّر الجهل عقلا، والأماني براهين، ووسوس بالملاذّ العاجلة حتى يؤثروها (¬5) على المصالح الأدلة. {فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ:} لانعقاد أسباب الاتحاد (¬6) بينه وبينهم، بعد انحدارهم عن التوفيق إلى الخذلان. 64 - {الَّذِي اِخْتَلَفُوا فِيهِ:} هو قيام الساعة، قال الله تعالى: {وَالسَّماءِ ذاتِ الْحُبُكِ (7) إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ} (8) [الذاريات:7 - 8]، وقال: {النَّبَإِ الْعَظِيمِ (2) الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ} (3) [النبأ:2 - 3]. وقيل: هو القرآن. فقيل: إنه سحر وشعر وكهانة. يدلّ عليه قوله: {لِتُبَيِّنَ لِلنّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل:44]، ثم ترتب عليه (¬7) تفصيل آخر فيه التعرف بصفات الفعل بطوته الوحدان؛ لاعتبار أن الجمع والجنس قريبان. 66 - {فَرْثٍ:} رجيع (¬8) في الكرش والأمعاء. ¬
{وَدَمٍ:} في العروق. {لَبَناً:} هو الحليب الطيب، لا يشبه المجاورين الخبيثين في طعم ولا لون ولا رائحة ولا طبيعته، مع لطافته، وسرعة استحالته، وأنّه يجري من الطعام والشراب، ويتخذ منه الحلو (¬1) والحامض والمالح (182 ظ) والرقيق والخاثر والمنعقد، ينفع كلّ واحد لشيء، ويستلذّ بكل شيء، وقال عليه السّلام: «إنّ الله تعالى لم ينزل داء إلا (¬2) أنزل معه دواء، فعليكم بألبان البقر فإنّها ترمّ من كلّ الشجر». (¬3) قال ابن عباس: دخلت أنا وخالد بن الوليد مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على ميمونة (¬4)، فجاءتنا بإناء] من لبن، فشرب النبيّ عليه السّلام وأنا على يمينه، وخالد على شماله، فقال لي: الشربة لك، فإن شئت آثرت بها خالدا، فقلت: ما كنت لأوثر على سؤرك (¬5) أحدا، ثم قال عليه السّلام: «من أطعمه الله طعاما، فليقل: اللهم بارك لنا فيه، وأطعمنا خيرا منه، ومن سقاه الله لبنا، فليقل: اللهم بارك لنا فيه، وزدنا منه». (¬6) وعن أبي هريرة (¬7)، عنه عليه السّلام: «نزل ملكان بأربعة أقداح: لبن وعسل وخمر وماء، فقالا: إن يشرب (¬8) الخمر يغو وتغو أمّته، وإن يشرب العسل يسفه وتسفه أمّته، وإن يشرب الماء يغرق وتغرق أمّته، وكنت رجلا أحبّ اللبن، فأخذت قدح اللبن، فشربت منه ثلاثة أنفاس، فصعد الملكان، وهما يقولان: رشد ورشدت أمته». (¬9) الحمد لله الذي هداه للفطرة لشراب إبراهيم عليه السّلام. 67 - {سَكَراً:} خمرا، وهو نقيع التمر والزبيب إذا اشتدّ قبل الطبخ. عن ابن مسعود: أنّ رجلا به صفار أتاه، فسأله عن السّكر، فنهاه. {وَرِزْقاً حَسَناً:} هو المطبوخ من نبيذ التمر والزبيب. والثلثي من عصير العنب. وقيل: ¬
نزلت قبل تحريم الخمر. (¬1) 68 - {وَأَوْحى:} ألهم، كقوله: {وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ} [المائدة:111]، {وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى} [القصص:7]. {النَّحْلِ:} بين الذباب والزنبور، يذكّر ويؤنّث. 69 - {مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ:} قيل: بعضها، (¬2) كقوله: {وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ} [إبراهيم:34]. وقيل: الجميع، (¬3) كقوله: {كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ} [آل عمران:185]؛ لأنّها لا تجتنب شيئا من الثمرات. {سُبُلَ رَبِّكِ:} الوصول إلى اتخاذ العسل دون سبل الشريعة. {ذُلُلاً:} حال للسبل. وقيل: حال للنحل. (¬4) {بُطُونِها:} وهي الأفواه. وقيل: من بطونها حقيقة. (¬5) {فِيهِ:} في العسل (¬6). وقيل: في القرآن. (¬7) {شِفاءٌ لِلنّاسِ:} من كلّ داء. وقيل: هو خاصّ. (¬8) والعسل تعجن به الترياقات، والمسهلات والحوارسات. وقالت عائشة: كانت أحبّ الشراب إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الحلو البارد (¬9). وقال القتيبي: يعني: العسل. وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من لعق العسل ثلاث غدوات من كل شهر لم يصبه عظيم من البلاء أبدا». (¬10) 70 - {أَرْذَلِ الْعُمُرِ:} الهرم. {لِكَيْ لا يَعْلَمَ:} لا يعقل. وقيل: علم الكسبي. ¬
71 - {وَاللهُ فَضَّلَ:} ابن عباس: نزلت في نصارى نجران، أنهم استقبحوا إشراك مماليكهم معهم في الأموال، فكان إشراكهم عيسى عليه السّلام بالله تعالى أقبح. 72 - ابن عباس في قوله: {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً:} قال: البنون: الصغار، والحفدة: ما قد أعان والده على عمله. (¬1) وقال ابن مسعود: البنون: الأولاد، والحفدة: (183 و) الأختان. (¬2) وقيل: الحفدة: أولاد الأولاد. (¬3) وقيل: الخدم. (¬4) 73 - و {رِزْقاً} (¬5): مصدر نصب بالملك. {شَيْئاً:} اسم نصب بالرزق. وإنما وحّد الفعل في أول الآية، وجمع في آخرها لإبهام (¬6) {ما} كالذي. 74 - {فَلا تَضْرِبُوا لِلّهِ (¬7)} الْأَمْثالَ: قالوا: هي منّا بمنزلة الوالد من الولد، ووصفوه بالكيفية. 75 - {لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ:} على إنفاق شيء، تقديره: من كان عبدا (¬8). 76 - {كَلٌّ:} ثقل وعيال، اشتقاقه من الكلال، وهو العيّ. 77 - {كَلَمْحِ:} كلحظ، وهو أيسر فعل وأسرعه فوقع التشبيه به لتعلموا أنّ ما هو آت آت، وكأن قد وقع. وقيل: التنبيه على أنّ الساعة متصلة (¬9) بأيّام الدنيا ليس بينهما زمان. 78 - {لا تَعْلَمُونَ:} أراد نفي العقل، والعلم الكسبي (¬10). 79 - {جَوِّ السَّماءِ:} الهواء. مجملة تفسيرها: {صافّاتٍ وَيَقْبِضْنَ} [الملك:19]. 80 - {سَكَناً:} موضع سكون وقرار للحاضرة. {مِنْ جُلُودِ الْأَنْعامِ بُيُوتاً:} وهي القباب، والقشوع (¬11) من الأديم. ¬
{ظَعْنِكُمْ:} ارتحالكم. و {إِقامَتِكُمْ:} لبثكم في المنازل. {أَصْوافِها:} شعر الغنم. {وَأَوْبارِها} (¬1): شعر الإبل. {وَأَشْعارِها:} ما لا يتلبّد. و (الأثاث): أمتعة البيت حين زمان الخلوقة والبلى. 81 - {ظِلالاً:} هي ظلال الغيوم، والأشجار والأخبية، ونحوها. {سَرابِيلَ:} قمص، وهذا مقتصر على أحد طرفي الكلام. {وَسَرابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ:} وهو الدروع والجواشن (¬2) والجباب (¬3) المحشوة من القرّ (¬4)، ونحوه. 83 - {يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللهِ:} بأنّها منه. {ثُمَّ يُنْكِرُونَها:} ويسندون اتصالها إلى الأصنام. 84 - {يَوْمَ:} واذكر يوم. {شَهِيداً:} الأنبياء والأئمة. {لا يُؤْذَنُ:} حالة الختم على الأفواه، كقوله: {الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ} [يس:65]. و (الاستعتاب): طلب العتبى، وهو الرضى. 87 - (إلقاء القول): صرفه. {السَّلَمَ:} الاستسلام والخضوع. 88 - {زِدْناهُمْ عَذاباً فَوْقَ الْعَذابِ:} أي: فوق ما هم فيه. 90 - {إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ:} شهادة أن لا إله إلا الله. {وَالْإِحْسانِ:} القيام بالفرائض. {وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى:} صلتهم. ¬
{عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ:} ما لا يعرف في شريعة ولا سنة. وقيل: ما وعد الله عليه النار. {وَالْبَغْيِ:} الاستطالة. 91 - {تَوْكِيدِها:} تشديدها وتوثيقها. 92 - {كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها:} أي: كامرأة تنقض غزلها، ومن شرط الأمثال التصوّر دون الوجود. وزعم الكلبي: أنّها امرأة قرشية حمقاء، كانت في قديم الدهر، تسمى: ريطة، وتلقب: جعر، كانت تغزل بمغزل مثل غلظ الذراع، والصدارة مثل الإصبع، وفلكة (¬1) عظيمة، فأبرمته، أمرت جاريتها فنقضته أنكاثا، فنهى الله هذه (¬2) الأمة أن تكون مثلها. (¬3) و (الأنكاث): جمع نكث. {دَخَلاً:} دغلا ومكرا وخديعة. {أَنْ تَكُونَ:} أو بأن تكون، أو كراهة أن تكون قبيلة أكثر عددا أو عددا من قبيلة. قال ابن عباس: بين كندة وبين مراد قتال حتى كلّ الظهر، ثم تواعدوا ستة أشهر حتى يصلح الظهر، وتحمّ (¬4) الخيل، فلما مضت خمسة أشهر أمر قيس بن معدي كرب قومه بالجهات إليهم، فقالوا: (183 ظ) قد بقي من الأجل شهر، فمكث حتى علم أنّه يأتيهم بعد انقضاء الأجل بيومه، سار إليهم، فإذا هو يوم انقضاء الأجل، فقتلوه، وهزموا قومه. بيّن كيفيّة زلل الأقدام ينقض الأيمان بعد التوثيق والإبرام، لا أنّها نزلت من الفريقين. 96 - {ما عِنْدَكُمْ:} هو ما استفرضنا الله تعالى من العاجل. {وَما عِنْدَ اللهِ:} هو ما وعدناه من الأجل. {يَنْفَدُ:} (¬5). {بِأَحْسَنِ:} الذي لم يختلط به ما يفسده، ويحبط أجره، وهو الإيمان. قال ابن عباس: إنّ وفدا من كندة وحضرموت قدموا على رسول الله، فأسلموا، ولم يهاجروا، وأقرّوا بإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، ثم إنّ رجلا من حضرموت يقال له: عيدان بن ¬
أشوع، قال: يا رسول الله، إنّ امرأ القيس الكندي جاورني في أرضي، فاقتطع أرضي، فذهب بها، وغلبني عليها، فأنكر الكندي، فأنزل: {وَلا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللهِ. . .} الآيتان [النحل:95]، فقرأهما رسول الله على امرئ (¬1) القيس، فقال: أمّا ما عندي فينفد، وأما (¬2) صاحبي فيجزى بأحسن ما كان يعمل، اللهم إنّه صادق فيما قال، يا رسول الله، لقد اقتطعت أرضه، والله ما أدري كم هو، ولكنه يأخذ من أرضي ما يشاء ومثلها معها، إنّما أكلت من ثمرها، فنزل في امرئ القيس: {مَنْ عَمِلَ صالِحاً. . .} [النحل:97]. (¬3) 97 - {حَياةً طَيِّبَةً:} في الجنة. قيل: في الدنيا بكسب الحلال. (¬4) وقيل: بالقناعة. (¬5) وقيل: بأن لا يحوجه إلى (¬6) أحد. 98 - {فَإِذا قَرَأْتَ:} قصدت قراءة القرآن. اتصالها من حيث إنّ الاستعاذة (¬7) من الأعمال الصالحة. 99 - {لَيْسَ لَهُ سُلْطانٌ:} واستثناء إنما كان له (¬8) عليهم سلطان؛ لتمكينهم إياه من أنفسهم أول مرة. 101 - {بَدَّلْنا آيَةً:} ابن عباس: كان عليه السّلام إذا نزلت عليه آية فيها شدّة، أخذ الناس بها، وعملوا بها ما شاء الله أن يعملوا فيشقّ ذلك عليهم فينسخ (¬9) الله هذه الشدة، ويأتيهم بما هو ألين منها وأهون عليهم، رحمة من الله لهم، فيقول كفار قريش: والله، ما محمد إلا يسخر بأصحابه، يأمرهم اليوم بأمر ويأتيهم بما هو أهون عليهم منه، وإنه ليتكد به، ويأتيهم به (¬10) من عند نفسه، وما يعلّمه إلا عائش غلام حويطب (¬11) بن عبد العزى، ويسار أبو فكيهة مولى ¬
ابن الحضرمي (¬1)، وكانا قد أسلما، وكان عليه السّلام يأتيهما، ويحدّثهما، ويعلّمهما، وكانا يقرآن كتابهما بالعبرانية؛ فأنزل: {إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسانُ. . .} الآية [النحل:103]. (¬2) 105 - يزيد بن رومان كان بمكة نصراني يقال [له] (¬3): جبر، وكان يجلس عند المروة (¬4) ببيعة له، وكان عليه السّلام يتحدث عنده، فتقول قريش: ما يعلّم محمدا ممّا يأتي به إلا جبر النصراني. (¬5) وقيل: كان يهوديّا؛ فأنزل: {إِنَّما يَفْتَرِي الْكَذِبَ} (¬6). (¬7) 111 - {يَوْمَ:} نصب بالغفران والرحمة. {تُجادِلُ:} تدافع وتذب عن نفسها. 112 - عن ابن عباس في قوله: {وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً} (¬8)، قال: هي مكة (¬9)، أي: هي مثل مكة، كقوله: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً} [العنكبوت:67]، وقوله: {فَلْيَعْبُدُوا} (184 و) {رَبَّ هذَا الْبَيْتِ} الآية [قريش:3]، وأنّها كانت آمنة مطمئنة، حين تعرّست (¬10) فيها قريش إلى أن ألحد فيها عمرو بن لحي (¬11)، ثم ابتلوا بالقحوط مرّة بعد مرّة، وابتلوا بالفجار الأول، والفجار الثاني، والفيل، ويوم بدر، ويوم الفتح. (أنعم): جمع نعم، وفي الحديث: نادى منادي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إنّها أيّام طعم ونعم، فلا تصوموا. (¬12) (أذاقة اللباس): كإذاقة العذاب والوبال، وفي الحديث: «لا، حتى تذوقي من عسيلته، ويذوق من عسيلتك» (¬13). ¬
116 - {الْكَذِبَ:} نصب (¬1) بوصف (¬2) المضمر، أي: تصف ألسنتكم الوصف الكذب. 120 - {قانِتاً:} بدل من الخبر الأول، ولو كان صفة للخبر لقيل (¬3): قانتة. 124 - {إِنَّما جُعِلَ السَّبْتُ:} قال ابن عباس: أمرهم موسى عليه السّلام بيوم الجمعة، فقال: تفرّغوا إلى الله في كل سبعة أيّام يوم واحدا، فاعبدوه في يوم الجمعة، ولا تعملوا فيه شيئا من صنيعكم، وستة أيام لصناعتكم، فأبوا أن يقبلوا ذلك، وقالوا: لا ينبغي إلا اليوم الذي فرغ فيه من الخلق يوم السبت، فجعل ذلك عليهم، وشددّ عليهم، ثم جاءهم عيسى بن مريم عليه السّلام بالجمعة بعده، فقالوا: لا نريد أن يكون عيدهم بعد عيدنا، يعنون به اليهود، فاتخذوا اليهود بقول الله: {إِنَّما جُعِلَ السَّبْتُ. . .}. (¬4) وقيل: الضمير عائد إلى إبراهيم عليه السّلام اختلفوا أنّه كان يهوديّا أو نصرانيّا. 125 - {اُدْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ:} [قيل:] (¬5) الآية منسوخة بآية السيف. وليس فيها ما يوجب كونها منسوخة. 126 - {وَإِنْ عاقَبْتُمْ:} عن أبي بن كعب: لما كان يوم أحد أصيب من الأنصار أربعة وستون رجلا، ومن المهاجرين ستة منهم حمزة (¬6)، فمثلوا بهم، فقالت الأنصار: لئن أصبنا منهم مثل هذا لنريينّ عليهم، فلما كان يوم فتح مكة، أنزل الله تعالى: {وَإِنْ عاقَبْتُمْ. . .} فقال رجل: لا (¬7) قريش بعد اليوم، فقال عليه السّلام: «كفّوا عن القوم إلا أربعة». (¬8) عن الفرّاء: لمّا مثّل المشركون بحمزة يوم أحد قال عليه السّلام: «لأمثلنّ به سبعين شيخا من قريش»، فأنزل: {وَإِنْ عاقَبْتُمْ. . .} الآية، ثم أمره بالصبر، فقال: {وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ. . .} ثم أمره بما يصبّر عزيمته (¬9)، فقال: {وَاِصْبِرْ وَما صَبْرُكَ إِلاّ بِاللهِ} [النحل:127]. (¬10) ¬
سورة بني إسرائيل
سورة بني إسرائيل (¬1) مكية إلا ثماني (¬2) آيات نزلن بالمدينة في وفد ثقيف، وهو قوله: {وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ. . .} [الإسراء:73] إلى [آخر] (¬3) الآيات الثماني. وعن ابن عباس قوله: {رَبِّ أَدْخِلْنِي. . .} [الإسراء:80] نزلت بين مكة والمدينة. وعن ابن المبارك: قوله: {وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ. . .} [الإسراء:76]، وقوله (¬4): {رَبِّ أَدْخِلْنِي. . .} نزلت (¬5) في اليهود، حيث قالوا لرسول الله: ليست هذه الدار بدار الأنبياء. (¬6) وعن الحسن: أنّ خمس آيات نزلت بالمدينة: {وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي. . .} [الإسراء:33]، {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى} [الإسراء:32]، {أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ} [الإسراء:57]، {أَقِمِ الصَّلاةَ. . .} [الإسراء:78]، {وَآتِ ذَا الْقُرْبى} [الإسراء:26]. وهي مئة وعشر آيات في غير عدد أهل الكوفة، (¬7) والله أعلم. (184 ظ) بسم الله الرّحمن الرّحيم 1 - {سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ:} عن عمرو بن شعيب (¬8)، عن أبيه، عن جده، قال: أسري برسول الله ليلة سبع عشرة من شهر ربيع الأوّل، وذلك قبل الهجرة بثمانية عشر شهرا. وقيل: كان الإسراء قبل الهجرة باثني عشر، أو ثلاثة عشر شهرا، وأنّ الذي كان قبل ¬
الهجرة بثمانية عشر شهرا، إنّما هو المعراج لسبع عشرة من رمضان على ما ذكره الواقدي. (¬1) وسنذكر المعراج في سورة النجم، إن شاء الله، تعالى. وقيل: إن ليلة الإسراء وليلة المعراج واحد. (¬2) وعن أم هانئ بنت أبي طالب (¬3): أسري بالنبي عليه السّلام من شعب أبي طالب. (¬4) وعن ابن عباس: المسجد الحرام: الحرم كلّه. (¬5) وعن أمّ هانئ قالت: ما أسري رسول الله إلا من بيتي. (¬6) عن الكلبيّ عن أبي (¬7) صالح، عن أمّ هانئ بنت أبي طالب: أنّها حدثت: أنّ النبيّ عليه السّلام صلّى في بيتها تلك الليلة العشاء الأخيرة، قالت: فصلّيت معه، ثمّ قمت، وتركته في مصلاه، فلم أنتبه حتى نبّهني لصلاة الغداة، ثمّ قال: قومي يا أمّ هانئ، أحدّثك العجب. قالت: قلت: كلّ حديثك عجب، وصلّى، وصليت معه، قالت: فلما انصرف قال: أتاني جبريل، وأنا (¬8) في مصلاي، فقال: يا محمد، اخرج، فخرجت إلى الباب، ثم ذكر الحديث بطوله. وعن محمد بن كعب القرظيّ (¬9)، قال: قال رسول الله: «بينما أنا نائم في الحجر، إذ أتاني جبريل عليه السّلام فغمزني برجله، فقمت، فلم أر شيئا فقعدت، فغمزني، فقمت، فلم أر شيئا، فقعدت، فغمزني الثالثة (¬10)، فقمت، فأخذ بعضدي، فقمت معه (¬11) إلى باب المسجد، فإذا دابّة (¬12) بيضاء بين الحمار والبغل في فخذيها جناحان يحفر بهما رجليها، فلما دنوت لأركبها شمست، فوضع جبريل عليه السّلام يده على معرفتها (¬13)، ثم قال: ألا تستحين يا براق مما تصنعين، والله ما ركب عليك عبد الله قبل محمد أكرم على الله منه، فاستحيت حتى ارفضّت (¬14) عرقا، ثم ¬
أمرت (¬1) حتى ركبتها، فحملني عليها، ثم خرج معي جبريل لا يفوتني، ولا أفوته، كان منتهى وقع حافرها طرفها، قالوا: وكانت طويلة الظهر طويلة الأذنين، قالوا: قال رسول الله: فإذا مناد (¬2) ينادي عن يميني: أربع (¬3) أستخبرك، فلم أعرّج عليه، وإذا مناد ينادي عن شمالي يقول: يا محمد، أربع أستخبرك، فلم أعرّج عليه (¬4). قال: ثم (¬5) استقبلتني امرأة عليها من كلّ ما زيّن الله به نساء أهل الدنيا، قد ولّى من سنّها، فقالت: يا محمد، على رسلك أستخبرك، فلم أعرّج عليها، فكادت (¬6) تغشاني، فأخبرت جبريل عليه السّلام بما رأيت، فقال: الذي على يمينك داعية اليهود لو ربعت حتى يكلّمك تهودت أمّتك، وأما الذي على يسارك: فداعية النصارى، ولو ربعت عليه حتى يكلّمك تنصّرت أمتك، وأمّا (185 و) المرأة التي استقبلتك: فهي الدنيا، ولو ربعت عليها حتى تكلّمك اخترت الدنيا على الآخرة». (¬7) وعن عكرمة قال: قالت أمّ الفضل (¬8): أتى آت فقال: إنّ محمدا ليس في بيته، فما نراه إلا وقد قتل، قالت: فأيقظت العباس (¬9)، وكان نائما، فقال: ما لك؟ فقلت: هذا ابن أخيك لا يدرى أين هو؟ فخرج العباس في بني عبد المطلب. وعن أبي رافع (¬10) قال: لما كانت تلك الليلة، فقد رسول الله، وتفرقت بنو عبد المطلب ليلتمسوه، فخرج العباس حتى بلغ ذا طوى، فجعل يصيح: يا محمد، فأجابه رسول الله: «لبّيك»، فقال: يا ابن أخي عنّيت قومك منذ الليلة، فأين كنت؟ قال: «أتيت من بيت المقدس»، قال: أفي ليلتك؟! قال: «نعم»، قال: فهل أصابك إلا خير؟ فقال عليه السّلام: «ما أصابني إلا خير»، وذكر القصة بطولها (¬11). (¬12) ¬
2 - {وَآتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ:} اتصالها من حيث ذكر المسجد الأقصى، الذي هو قبلة بني إسرائيل، ومن حيث قوله: {لِنُرِيَهُ (¬1)} مِنْ آياتِنا [الإسراء:1] الكبرى، فإنّ (¬2) رؤية موسى وأنبياء بني إسرائيل عليهم السّلام ليلتئذ من الآيات. 3 - {ذُرِّيَّةَ:} لنريه ذريّة {مَنْ حَمَلْنا،} وهم الأنبياء الذين أراه الله إيّاهم ليلتئذ. والثاني: أنّه بدل من موسى، أو كالصفة له، فإنّه كان من ذريّة نوح عليه السّلام، فعلى هذا الضمير في قوله: {إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً} عائد إلى موسى عليه السّلام. والثالث: أنّ الاتخاذ يقتضي مفعولين مكان (¬3) الذرية {مِنْ دُونِي} [الإسراء:2] أن لا يتوكّلوا على من يجانسهم في الخلقة والحاجة. والرابع: اسم مضاف، فانتصب حرف النداء. وعن عمران بن سليم (¬4): إنّما سمّي نوح عبدا شكورا؛ لأنّه كان إذا أكل طعاما قال: الحمد لله الذي أطعمني، ولو شاء أجاعني، وإذا شرب شرابا قال: الحمد لله الذي سقاني، ولو شاء أظمأني، وإذا اكتسى قال: الحمد لله الذي كساني، ولو شاء أعراني، وإذا احتذى (¬5) قال: الحمد لله الذي حذاني، ولو شاء أحفاني، (¬6) وإذا قضى حاجة قال: الحمد لله الذي أخرج عني أذاه، (¬7) ولو شاء حبسه. (¬8) 4 - {وَقَضَيْنا:} أوحينا وأعلمنا، كقوله: {وَقَضَيْنا إِلَيْهِ ذلِكَ الْأَمْرَ} [الحجر:66]. {لَتَعْلُنَّ (¬9)} عُلُوًّا كَبِيراً: أي: لتعتنّ عتوّا كبيرا، ومنه قوله: {أَلاّ تَعْلُوا عَلَيَّ} [النمل:31] وقوله: {لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ} [القصص:83]. 5 - {وَعْدُ أُولاهُما:} وعيد أولى المرتين. {فَجاسُوا:} تخللوا، فقتلوا (¬10). ¬
و (الوعد المفعول): هو الضمان المأتي. 6 - {لَكُمُ الْكَرَّةَ:} إليكم المنعة والقوّة لتكرّوا عليهم، فتخرجوهم من دياركم. {نَفِيراً:} عشيرة ورهطا. 7 - {فَلَها:} أي: فعليها. و (إذا): ظرف زمان، والعامل مضمر فيه، تقديره: فإذا وعد الآخرة أنجزناه وحقّقناه، وبعثناهم ليكون كذا وكذا. {وَلِيُتَبِّرُوا:} وليهلكوا ما علوه إهلاكا، أو ليهلكوكم (¬1) ما داموا (¬2) عالين إهلاكا. لم يختلف أهل العلم في الموعود الأوّل أنّه بختنصر وأصحابه، ولكنّهم اختلفوا في تعريفه ونسبته، وعاقبة أمره، واختلفوا في الموعود (185 ظ) الثاني. الكلبي (¬3): أنّه كان ملك بابل، غزا بيت المقدس، وقتل أربعين ألفا من قرّاء التوراة، وسبى الباقين، فمكثرا في تلك المحنة تسعين سنة حتى مات بختنصر، واستولى على بابل ملك من همذان اسمه كورش، وأنّه تزوّج من بني إسرائيل امرأة (¬4) اسمها مسحت بنت روبابيل التي تشفّعت إلى زوجها، وسعت في إصلاح قومها، وفي ردّهم إلى أوطانهم فأجابها زوجها إلى ذلك. وذكر أنّ الموعود الثاني ملك من ملوك الروم، اسمه انطياخوس سار فيهم سيرة بختنصر البابلي بعد مئتين وعشرين سنة. قالوا: ثمّ رحمهم الله تعالى وأمّنهم في ديارهم، وبعث إليهم أنبياء حتى عادوا إلى الكفر والطغيان وقتل الأنبياء، وكفروا بالمسيح، فعاد الله إليهم بالعقوبة ثالثا، وسلط اسفسيانوس الرومي، وابنه ططوس بن اسفسيانوس بعد أبيه، فخرب (¬5) بيت المقدس، ولم يزل خرابا إلى أن بناه المسلمون في خلافة عمر بن الخطاب. وحكى الشعبي (¬6) في كتاب «سير الملوك»: أنّ بخت نصر إنما هو بخت نرسي، وهذه كلمة نبطية، ومعناها كثير البكاء والأنين، واسمه بالفارسية لهراسف بن قنوجي بن كنيمش بن (¬7) كتابنه بن كيقباذ. كان كيقيانوس بن كيقباذ (¬8)، طرد أخاه وجفاه وأقصاه، وسيّره إلى مدينة ¬
سوس (¬1)، وهو كتانبه بن كيقباذ، فنزلها، ولم ينزل بها عقبه إلى أن انتشا بخت نرسي، وهو لهراسف، وكان قد مرّ به يهوديّ على عهد سليمان عليه السّلام وهو صبيّ بعد يلعب بالتراب، ويصوّر فيه، فوقف عليه اليهودي، وكان عالما، فتأمّل فيما يصور، فإذا هو يصوّر بيت المقدس ومسجده، وشوارعه (¬2) وسككه لا يغادر منها شيئا، فقال اليهوديّ في نفسه: والله هذا هو الموعود، ثم انتظر ساعة، هل يدع الصبيّ هذه الصورة بحالها أم يفسدها؟ فلما تّمت الصورة، مسح الصبيّ عليها كفّه (¬3)، فطمسها، فتيقّن اليهوديّ أنّه هو الموعود المخرّب لبيت المقدس، فاستخبر الصبيّ: هل له من يكفله؟ فأخبره بأنّ له أمّا وبيتا، فانتهى اليهوديّ إلى بيته، ونزل عندهم ضيفا، وتحرّم بطعامهم، ثم تشفّع إلى الصبيّ بأمّه أن يعطيه الذمّة والأمان، وبشّره بأنّه سيملك (¬4)، ويكون شأنه كذا وكذا، فتمكّن ذلك الحديث في قلب بخت نصر، ودخل ذلك في دماغه، ولم يزل ذلك همته إلى أن توفّي سليمان، ورجع أمر بني إسرائيل إلى رحبعم بن سليمان، وهلك كيكسرى بن سياوش بن كيقانوس (¬5)، ورجع أمر العجم إلى بخت نصر (¬6)، فلما ملك الأمر، وانتظمت أحواله، جمع المرازنة والجنود، وذكّرهم ما كان من استيلاء سليمان عليه السّلام وحذّرهم من جهة رحبعم مثله، وندبهم إلى قتاله، وأجابوه (¬7)، فسار في مئتي (¬8) ألف فارس حتى أوغل في الشام، ولما سمع ذلك رحبعم، وجعل من قبله (¬9) (186 و) من بني إسرائيل في المسجد، وخطب لهم خطبته (¬10) هذه: الحمد لله الذي تفرد بالعظمة، وتوحد بالكبرياء، وتردّى بالعزّ، حمدا بما اصطنع إلينا من أياديه، وأسبغ علينا من نعمه، وأنقذنا من الهلكة والكفر، أيّها الناس، عليكم بتقوى الله (¬11) ربّكم الذي بيده نواصيكم، وإليه منقلبكم، حافظوا على صالح سنّتكم، وجاهدوا في سبيل ربّكم، هذا عدوّكم قد أظلّكم، فحاموا (¬12) عن دينكم، وامنعوا بيضتكم، وتوكّلوا على ربّكم، أقول قولي هذا، واستغفر الله لي ولكم. فبطروا (¬13) عمّا دعاهم إليه، وخذلوه، ورفضوه، ¬
وتفرّقوا عنه. فلما رأى رحبعم ذلك منهم، هاجرهم، ونجا بنفسه إلى فلسطين، وأقبل بخت نصر حتى ورد بيت المقدس لا يمنع عليه صغير ولا كبير، فوضع في بني إسرائيل السيف، وأقام بينهم ميزان الحيف (¬1)، وأذاقهم لباس الخوف، وسبا منهم سبيا كثيرا، وكان من جملة السبايا دانيال عليه السّلام ثم رجع بالغنائم، والأسارى إلى بابل، وأتى على هذا زمان، ثمّ إنّه رأى رؤيا هائلة، فأخبر بها أهل العلم، فقالوا: هذا علم لا يتوصّل إليه إلا نبيّ يوحى إليه، فبعث إلى السجن، واستحضر دانيال عليه السّلام فلمّا دخل عليه دانيال لم يسجد له، فقال بخت نصر: لم لم تسجد كسائر العبيد؟ قال: لأنّ الله تعالى خصّني بالنبوّة، وأمرني أن لا أسجد إلا له، فأيقن بخت نصر أنّه نبيّ، وأعجبه كلامه، ثمّ ذكر له حديث الرؤيا، فقال دانيال عليه السّلام: رأيت صنما عظيما رجلاه في (¬2) الأرض، ورأسه في السماء، رأسه من ذهب، وصدره من فضة، وبطنه من نحاس، وفخذاه من حديد، وساقاه إلى قدميه من فخّار، وبينما (¬3) أنت متأمّله وتتعجب منه إذا سقط عليه حجر من السماء فهشمه، وجعل الحجر يعظم، وينبسط حتى ملأ الأرض، فصرت لا ترى غير الحجر والسماء شيئا، قال بخت نصر: صدقت وبررت، فما تأويلها؟ قال دانيال: أمّا الصنم فبيتكم أيّها العجم، وأما الذهب فملوككم، وأما الفضة فأشرافكم، وأما النحاس فأوساطكم، وأما الحديد فمن دونهم، وأما الفخّار فسفلتكم، وأما الحجر فنبيّ آخر الزمان، يخرج من تهامة، ويهاجر إلى طيبة، اسمه محمد وأحمد، يطحن الله به الكفر، ويفرّق به بين الحق والباطل، ويعزّ به الذليل، ويقوّى به الضعيف، ويغنى به الفقير، ويؤمّن به الخائف، فلا يزال أمره يعظم، وأمّته تزداد، ودينه يعلو، ويملأ الأرض ذات العرض، ويبقى الملك في قومه إلى يوم القيامة. (¬4) قال بخت نصر: ومتى يكون ذلك؟ قال: بعدك بألف (¬5) عام، فلمّا سمع ذلك بخت نصر أطلقه من السجن، وأذن له في الدخول عليه، ولم يأل في إكرامه والإحسان إليه حتى حسده على ذلك مرازبة (¬6) بخت نصر، فأنكروا ذلك، فاتّهموه في ذلك، ورموا دانيال عليه (186 ظ) السّلام بالسحر، فلم يلتفت بخت نصر إلى شيء من قولهم حتى قالوا: إنّه يعبد غير معبودك، فأمر بخت نصر أن يحضر صنمه على رؤوس الناس، ودعا بدانيال (¬7) عليه السّلام، فقال: إذا رأيتني وقومي نسجد لهذا فاسجد معنا، ثم خرّ بخت نصر ساجدا مع قومه أجمعين، وأبى دانيال عليه السّلام أن يسجد، ¬
وقال: قد أعلمتك أيّها الملك أوّل مرّة أنّ الله نهاني أن أسجد لغيره، فغضب عليه (¬1) لمخالفته، وبنى له بنيانا، فألقاه في الجحيم، فجعلها الله عليه (¬2) بردا وسلاما، فلما رأى ذلك بخت نصر منه دعاه، واستصفاه، واعتذر إليه، وأطلق جميع من كان عنده من بني إسرائيل في السجن، فأحسن إليهم، ثم إنّ الله تعالى ابتلاه ثانية برؤيا هائلة، وأنساه إياه (¬3)، فذكر ذلك لدانيال عليه السّلام قال دانيال: رأيت شجرة لفّاء عظيمة، أصلها في الأرض، ورأسها في السماء، ذات فروع باسقة، وأغصان أنيقة، ورأيت عليها كلّ طير في الأرض معششة مع فراخها حتى امتلأت تلك الشجرة وما والاها، فبينا (¬4) أنت تنظر إليها، وتتعجب من عظمها، وكثرة ما اكتنفها من الطير إذا أقبل ملك من السماء، ليجتثّها من أصلها، فنودي من السماء أن اجتث بعضها، ودع بعضها، فأمّها بفأسه، فأبان أغصانها، وبقي ساقها على حالها، ونفرت ما كان عليها من الطير. قال بخت نصر: صدقت، هذه رؤياي، ما خرمت منها شيئا، فما تأويلها؟ قال دانيال عليه السّلام: أمّا الشجرة فملكك الواسع العظيم، وأما الطير فجنودك، وأما الاجتثاث فذهاب ملكك، وإبادة سلطانك، وأنّ الله تعالى ماسخك سبع سنين على صورة كلّ طائر (¬5) ودابّة عقوبة لك على ما كان من هدمك بيت المقدس، ونقلك منبر سليمان، واستخفافك بالأنبياء والأولياء (¬6)، وسفكك دماء المسلمين، غير أنّك لا تمسخ في صورة إلا كنت ملك ذلك الجنس، فتقهر ذلك الجنس بقوّتك كقهرك بني آدم، ثمّ تعود إنسانا. قال بخت نصر: وهل يقبل ربك توبتي؟ قال: أما دون هذه العقوبة فلا. فقام بخت نصر، ودخل دار نسائه، فبينا (¬7) هو جالس إذ نظر إلى الريش قد نبت عليه (¬8)، فكان أول ما مسخ عقابا، وآخر ما مسخ بعوضة، ثمّ (¬9) عاد إلى مملكته، وكان ابنه كليماوس تخلّفه في قومه في هذه الفترة، فلمّا عاد إنسانا، وعاد إلى مملكته اغتسل، ولبس المسوح، وسلّ سيفه، وكسر جفنه، وحرج إلى جنوده يدعوهم إلى توحيد الله تعالى، ويحذّرهم العذاب الأليم، فلما هجم عليه الليل قبض الله روحه، وكان ملكه سبعين عاما، وهو لهراسف بلغة الفرس. وولي الأمر بعده كليماوس، وأساء السيرة في بني إسرائيل، وردّهم إلى السجن، فبينا هو ¬
ذات يوم في مجلسه مع مرازبته وعظماء قومه إذ نظر إلى كف بدت من الحائط بلا معصم، وكتبت ثلاثة (187 و) أحرف (¬1) بالعبرانية، ثمّ غابت، فاضطره الخوف إلى دعاء دانيال عليه السّلام وألطف له (¬2) القول، وأراه تلك الكتابة، واستفسره، فقرأها عليه دانيال: بسم الله العلي الأعظم عزّ هذا الملك فذلّ، ووزن فخفّ، وجمع فتفرّق، وابتلاه الله بعد هذا بملك اليمن ياسر بن ينعم، قصده من صنعاء اليمن حتى نزل في تخوم أرضه، ثم استولى عليها، وكان على دين سليمان عليه السّلام وأنّه غزا ديار بخت نصر منتقما لبني إسرائيل. قال الزهريّ (¬3): ثم ابتلاه الله ببعوضة كبعوضة نمرود، وكانت سبب موته، وكان ملكه خمسين سنة، وملك من بعده أخوه بشتاسب، ثمّ بهمن بن اسفنديار بن بشتاسب، وهو الذي ردّ بني إسرائيل إلى أوطانهم، والسبب في ذلك: أنّه تزوج من سالمال بن رحبعم بن سليمان عليه السّلام وكانت تسمى ابراخت، فلما تزوج بها ملّك أخاها روبابيل بن سالمال بن رحبعم، وسيّره إلى أرض الشام. ثم ذكر الشعبي: أنّ الموعود الثاني ملك من ملوك الأهواز (¬4) كان يسمى بخت نصر أيضا، سلّطه الله بعد قتل يحيى بن زكريا عليه السّلام وكان من نسل بخت نصر الأول، قال: وكان بين المرتين خمس مئة عام. وذكر محمد بن جرير الطبري: أن بخت نصر كان قائدا من قواد سنحاريب الملك، ملك بابل، وكان قد غزا بيت المقدس مع سنحاريب الملك في عهد حزقيا بن أحار، وهو ملك من ملوك بني إسرائيل، وكان بعد رحبعم بن سليمان بزمان طويل، ورجع خائبا خاسرا، فلما هلك سنحاريب تحول بخت نصر إلى لهراسف الملك، وهو ببلخ حينئذ، فذكر له حديث الشام، وطلب منه أن يوجهه إلى تلك النواحي، وضمن له أن يفتتحها له، فأجابه لهراسف إلى ذلك، وأمده بالأموال والرجال، فكان من أمر بخت نصر ما كان، ورجع إلى بابل، فاتخذها دار مملكته في طاعة لهراسف، ولم يكن هو (¬5) للهراسف، ثم إنّ لهراسف هلك، وخلفه ابنه لشتاسف، ورفع إليه حديث الشام، وما كان من فساد بخت نصر في تلك النواحي، فاستقبح ذلك، فكتب إليه يأمره بالرجوع إلى بابل (¬6) وصرفه بكورش، وهو قائد من قوّاده. فلمّا انتهى كورش إلى بابل ¬
أحسن السيرة في بني إسرائيل، وردّهم إلى أوطانهم، وأمر بعمارة بيت المقدس، وبقي الأمر على ذلك حتى أرسل إليهم بهمن [بن] (¬1) اسفنديار بن لشتاسف رسولا يدعوهم إلى تجديد العهد، وإظهار الطاعة، وأداء الخراج، وقتلوا (¬2) رسوله، فغضب، وكان بخت نصر يعيش بعد (¬3)، فوجهه إليهم، وأمره بإساءة السيرة فيهم، فهو الموعود الأوّل والثاني. 8 - {عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ:} قال الضحاك: كانت الرحمة الموعود هو أن يبعث محمدا عليه السّلام. (¬4) [{وَجَعَلْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ حَصِيراً}] (¬5) قال ابن عباس: (187 و) سجنا محصورا فيه كهيئة الزّرب، زرب الغنم. (¬6) 9 - {لِلَّتِي (¬7)} هِيَ أَقْوَمُ: أي: إلى الخصلة التي [هي] (¬8) أصوب الخصال، وهي ملّة الإسلام. 10 - {وَأَنَّ الَّذِينَ:} وبشر الذين لا يؤمنون بالآخرة أنا أعتدنا، ويحتمل: أنهن بشارة المؤمنين أيضا، فإنهم يفرحون بعذاب المخالفين لا محالة. 11 - {وَيَدْعُ الْإِنْسانُ بِالشَّرِّ:} نزلت في النضر بن الحارث (¬9) حيث قال: {إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ} [الأنفال:32]. (¬10) وقيل: هي عامة (¬11) في كلّ من يدعو على نفسه، أو على ولده وأهله في حالة الضجر والغضب، فيجتهد في دعائه بالشرّ، كجهده في دعائه بالخير على هذه (¬12). واتصالها من حيث {إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ،} فمن التي هي أقوم، هو التنبيه على هذه الخصلة المذمومة، وهو الدعاء بالشرّ. ¬
و {يَدْعُ} بغير الواو في محلّ الرفع، [مثل] (¬1) {يَدْعُ الدّاعِ} [القمر:6]، وقوله: {سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ} [العلق:18] {وَيَمْحُ اللهُ الْباطِلَ} [الشورى:24]؛ لاعتبار حالة الوصل، وبني سائر الهجاء على اعتبار حالة الوقف؛ لاستحباب الجمع بين الطريقتين. وقيل: المراد بالانسان هاهنا آدم عليه السّلام. (¬2) و (العجول): المستعجل. 12 - {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ:} في أنفسهما، وآية الليل والنهار: الشمس والقمر ليلة البدر. {فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ:} قال: هو اللطخ (¬3) الذي هو في القمر. (¬4) وروي: أنّه أثر مسحة جبريل. (¬5) وزعم المنجّمون (¬6): أنّ جرم القمر كري ليليّ مائي مظلم مصقول، وفيه حرارة عرضيّة بتسخين الشمس إيّاه. 13 - {أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ:} ردّ على القدرية؛ لأنّ إلزام الطائر قبل وجود الفعل، فلا معنى للطائر بعد وجود الفعل، وقد سبق القول في التطيّر والطائر في سورة الأعراف. وقيل: أصل الكلمة تقال، وذكر العنق على سبيل المجاز؛ لأنّه موضع ما يلزم الإنسان من قلادة أو طوق أو غلّ أو نحوه. (¬7) {وَنُخْرِجُ:} نبرز له (¬8) من الغيب. و (المنشور): ضدّ المطويّ. 14 - {اِقْرَأْ} أي يقال له: {اِقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ. . .} لاستلاب الاختيار والاقتدار، ونسخها بالاضطرار إلى الإقرار. 15 - {وازِرَةٌ:} أي: نفس وازرة وزر نفس أخرى، فلا تحمل نفس حمل نفس إلا أن تكون أكرهها على مأثم، فإنّ الفعل في الإكراه يسند إلى المكره العاني، وإلا أن يكون سنّ (¬9) ¬
سنّة سيئة، فإنّ لها مثل وزر من عمل بها (¬1) إلى يوم القيامة من غير أن ينقص من أوزارهم شيء، (¬2) كقوله: {وَمِنْ أَوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ} [النحل:25]. والمراد ب (العذاب): المنع والخسف (¬3) والمسخ والطوفان والصواعق ونحوها، دون عذاب الآخرة، ألا ترى قال: {وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً} [الإسراء:16]، {وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنَ الْقُرُونِ} [الإسراء:17]. (188 و) 18 - {مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ:} اتصالها بها من حيث أهلكهم الله تعالى من المؤمنين، وهذه الآية مجملة، تفسيرها قوله: {فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلّى عَنْ ذِكْرِنا وَلَمْ يُرِدْ إِلاَّ الْحَياةَ الدُّنْيا} [النجم:29]، وقوله: {بَلْ تُؤْثِرُونَ (¬4)} الْحَياةَ الدُّنْيا [الأعلى:16]، وقوله: {ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اِسْتَحَبُّوا الْحَياةَ الدُّنْيا} [النحل:107]، والدليل على جواز طلب الدنيا بعمل الآخرة هو طلب الغنائم بالجهاد، والاستسقاء بالدعاء (¬5) والاستشفاء، قال عليه السّلام: «يقول الله عز وجل للدنيا: يا دنيا مرّي على أوليائي، ولا تحلولي لهم فتفتنيهم» (¬6). {ما نَشاءُ:} أي: [ما] (¬7) نشاء كائنا، فإنّ الله تعالى ما شاء كان (¬8)، وما لم يشأ لم يكن. {لِمَنْ نُرِيدُ:} أي: ذلك، وهو تخصيص بخصوص الجزاء الموعود، فثبت به جواز تخصيص كلّ وعد ووعيد في القرآن من بعد عمومه، وكذلك نسخه من بعد ثبوته. {مَذْمُوماً:} معيبا. 19 - {وَمَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَسَعى لَها:} وإنّما شرط في إرادة الآخرة السعيّ؛ لأنّ الشرط في العاجلة شرط مجازيّ غير موجب، قصد فيه التنبيه على قبحه وفساده، فلم يكن لتأكيده معنى (¬9)، وشرط الآخرة شرط حقيقيّ موجب قصد منه تعليق الحكم به على التحقيق، ¬
فاستجمع جميع ما يتعلّق به، يدلّ عليه وجود العاجلة ابتداء وابتلاء من غير جزاء وامتناع الآخرة إلا ثوابا أو عقابا. وفي الآية دلالة أنّ غير المؤمن قد سعى للآخرة، وأنّ الإيمان غير العمل، وأنّ الآخرة قيمة سعي المؤمن لا قيمة إيمانه؛ لأنّ جزاء الإيمان أجلّ وأنفع من الآخرة بأسرها، وهو الدخول في جملة الأولياء، يقول الله تعالى: {اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا} [البقرة:257]، {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي} [آل عمران:31]، {ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ} (11) [محمد:11]، وأما قوله عليه السّلام: «من قال: لا إله إلا الله دخل الجنّة» (¬1)، وإنّما ذلك لترغيب العامّة، وقد وعدهم الله على ذلك عصمة الأموال والدماء غير مرّة. 20 - {هؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ:} بدل من كلّ (¬2)، وهو في محلّ النصب. والمراد به مريدو (¬3) العاجلة، ومريدو الآخرة. {مَحْظُوراً:} ممنوعا محبوسا، وقال (¬4) عليه السّلام: «إنّ من ضعف اليقين أن ترضي الناس بسخط الله، وأن تحمدهم على رزق الله، وأن تذمّهم على ما لم يؤتك الله، إنّ رزق الله لا يجرّه حرص حريص، ولا يردّه كره كاره، إنّ الله بحكمته جعل الرّوح والفرح في الرضا واليقين، والهمّ والحزن في الشكّ والسخط». (¬5) 21 - {اُنْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنا:} فائدة النظر إلى تفاوت الناس في مراتبهم: وقوع العلم بأنّها أرزاق (¬6). {وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجاتٍ:} لأنّ خيرها وشرّها موجودان على سبيل الحقيقة دون (188 ظ) الابتلاء، وعلى سبيل البقاء دون الفناء، ولأنّ شريفها لا يحتاج إلى عمل وضيعها، فيشركه في رباعها ومرابيعها، ولا يخاف دسّ مكر منه إليه، فيعود شرفه وبالا عليه. 22 - {لا تَجْعَلْ:} خطاب للنبيّ، والمراد به أمّته. {فَتَقْعُدَ:} فتبقى. ¬
و (الخذلان): ضدّ النّصرة. 23 - {وَقَضى رَبُّكَ:} نزلت في سعد بن أبي وقاص كان قد أسلم، وله أمّ مشركة، تشتمه، وتطرده عن بيتها، وتعود عليه بالجميل أخرى، وكان سعد متقدم الإسلام، لم يتقدمه إلا زيد بن حارثة، وأبو بكر الصديق، وعليّ بن أبي طالب. {فَلا (¬1)} تَقُلْ لَهُما أُفٍّ: نهي عن التأفيف، ونصّ عليه، يدلّ بفحواه على ما فوق ذلك أدخل في النهي، كما أنّ مثقال ذرة ومثقال حبّة يدلاّن أنّ ما فوقهما أدخل في الجزاء والحساب. {وَلا تَنْهَرْهُما:} ولا تزجرهما. {قَوْلاً كَرِيماً:} هو مقالة (¬2) الرجل الكريم. عن أنس (¬3) قال: بعث رسول الله في بعض أمره، فقال: أوصني، فقال: «أوصيك أن تبرّ بوالدتك»، قال: زدني، قال: «أوصيك أن تبرّ بوالدتك»، قال: زدني، قال: «أوصيك أن تبرّ والديك (¬4)، فإنهما جنتاك». وعن أبي هريرة قال: بعد يا رسول، (¬5) من أحقّ بحسن الصحبة منّي؟ قال: «أمك»، قال: ثمّ، قال: «أمّك»، قال: ثمّ من، قال: «أبوك». (¬6) عن محمد بن صدقة: أنّ رجلا أتى النبيّ عليه السّلام فقال: أتيتك لأجاهد معك، وتركت والديّ يبكيان، قال: «فانطلق فأضحكهما كما أبكيتهما». (¬7) 24 - {وَاِخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ:} أي: تواضع، وتذلّل لهما (¬8) من رحمتك عليهما، وهذا أبلغ في الأمر بالتواضع من قوله: {وَاِخْفِضْ جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ} [الحجر:88]. 25 - {رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما فِي نُفُوسِكُمْ:} لأنّه هو الذي خلقها، فسوّاها، وألهمها فجورها وتقواها، وهو الذي يحول بين المرء وقلبه، وإليه المصير. ¬
{إِنْ تَكُونُوا صالِحِينَ:} شرط جوابه: {فَإِنَّهُ كانَ لِلْأَوّابِينَ غَفُوراً} لأنّ الأواب: هو التواب، والتواب: هو الصالح. 26 - {وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ. . .:} حقّهم: ما يستحقونه، ويستأهلونه، لحاجتهم إليه من طعام أو كسوة أو ظهر. {وَلا تُبَذِّرْ:} لا تفرق المال (¬1) على سبيل الإضاعة والإهلاك، كأنّه أخذ من البذر. 27 - {إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ:} هم الذين كانوا ينفقون أموالهم فيما لا يعنيهم رياء الناس، واتباعا لهوى النفس، وكان يتعذّر عليهم القيام بما يعنيهم. 28 - {وَإِمّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ:} عن القتال والسؤال. {اِبْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوها:} أي: انتظار رزق يأتيك لتواسيهم به. {فَقُلْ لَهُمْ قَوْلاً مَيْسُوراً:} عدهم عدة جميلة. عن مسعر (¬2)، عن زبيد اليامي (¬3) [عن مرّة (¬4) عن عبد الله بن مسعود] (189 و) قال: أضاف (¬5) رسول الله ضيفا، فبعث إلى نسائه، فلم يجد عندهنّ شيئا، فقال: «اللهمّ إني أسألك من فضلك ورحمتك، فإنّه لا يملكها أحد غيرك»، قال: فأتي النبيّ عليه السّلام بشاة مشوية، أو قال: مصلية، فقال عليه السّلام: «هذه من فضل الله، ونحن ننتظر رحمته»، (¬6) قال زبيد: تعلمت بهذا، فقلّ ما فقدت شيئا بعده. 29 - {وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ:} عن المنهال بن عمرو (¬7): أنّ امرأة بعثت ابنها إلى رسول الله (¬8) صلّى الله عليه وسلّم يستكسيه درعا، وقالت له: إن قال: حتى يأتيني شيء (¬9)، فقل له: إنّ ¬
أمّي تستكسيك قميصك، فأتى ابنها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وذكر له (¬1) ذلك، فنزع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قميصه، فدفعه إليه، فأنزل. (¬2) وفي الآية نهي عن الإمساك والبخل، ونهي عن الإسراف في النفقة. عن جابر بن عبد الله الأنصاريّ (¬3)، قال: كنّا عند رسول الله إذ جاءه رجل بمثل بيضة من ذهب، فقال: يا رسول الله، أصبت هذه من معدن فخذها، فهي صدقة ما أملك غيرها، فأعرض عنه، ثمّ أتاه من خلفه، فأخذها رسول الله، فحذفه بها، فلو أصابته لأوجعته، أو لعقرته، ثمّ قال عليه السّلام: «يأتي أحدكم بما يملك، فيقول: هذه صدقة، ثمّ يقعد يستكف الناس، خير صدقة ما كان على ظهر غنى» (¬4). 30 - {إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ:} اتصالها بها من حيث قوله: {اُنْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنا} [الإسراء:21]، أو من حيث {اِبْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ} [الإسراء:28]. 31 - {وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ:} كانت العرب تئد البنات خشية العيلة (¬5) عند الإعالة، فأنزل. {إِمْلاقٍ:} كثرة إنفاق. 32 - {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى:} الزنى في اللغة: اسم لوطئ المرأة في قبلها من غير عقد، وإطلاق النبيّ عليه السّلام الزنى على اليدين والرجلين محمول على الإثم دون الحكم لقوله: «ادرؤوا الحدود ما استطعتم» (¬6). 33 - {لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً:} هو تحكيم الوليّ في قتل القاتل إن شاء قتله، وإن شاء عفا عنه. {إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً:} أي: وليّ المقتول كان منصورا حيث جعل له سلطانا. 34 - {وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ:} روي: أنّ رجلا جاء إلى رسول الله، فقال: يا رسول الله، إنّ لي يتيما، فأضربه؟ قال: «نعم، ممّا تضرب منه ولدك»، قال: أفآكل ماله؟ قال: «نعم، ¬
غير متأثّل بماله، ولا واق مالك بماله» (¬1). {إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلاً:} أي: المحافظة به مسؤول عنها يوم القيامة. 35 - {بِالْقِسْطاسِ:} بالقبان، وقال أبو عبيد الهروي: «أيّ ميزان كان». (¬2) 36 - {لا تَقْفُ:} لا تتبع (¬3) يقال: قفوته أقفوه، وقفيته أقفيه، وقفته أقوفه بمعنى (¬4). الكلبي: هو أن يدّعي الإنسان علما لا يحسنه، ويكذب على سمعه وبصره وفؤاده. (¬5) وقال مقاتل: يقول الله تعالى: يا ابن آدم لا ترمني بالشرك، فإنّك لا تعلم لي شريكا. وقيل: هو أن (189 ظ) يستنّ الرجل بسنة لا يعلم أسنة هي أم بدعة؟ {كُلُّ (¬6)} أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً: خبر للاسم المنتصب بإنّ. 37 - {مَرَحاً:} نشاطا وخيلاء. {لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ:} لن تثقبها بشدة وطئك. {وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبالَ طُولاً:} بأن تتعظم وتتشمخ بأنفك، وتركب رأسك. عن جابر بن عتيك (¬7) عنه عليه السّلام: «من الغيرة ما يحبّ الله، ومنها ما (¬8) يبغض الله: فأمّا التي يحبّها فالغيرة في الريبة، وأما التي يبغضها ففي غير ريبة، وإنّ (¬9) من الخيلاء ما يبغض الله، ومنها ما يحبّ الله، فأمّا الخيلاء التي يحبّ الله فاختيال الرجل نفسه عند اللقاء، واختياله عند الصدقة، وأمّا التي يبغض الله فاختياله في البغي». وروي: «في الفخر». (¬10) 39 - {فَتُلْقى:} من الإلقاء، ويجوز من اللقاء. وعن ابن عباس: أنّ هذه الثماني عشر في ألواح موسى عليه السّلام كتب الله له فيها، أنزلها الله تعالى ¬
على نبيّنا عليه السّلام من رأس اثنتين وعشرين آية، قوله: {وَقَضى رَبُّكَ أَلاّ تَعْبُدُوا إِلاّ إِيّاهُ. . .} [الإسراء:23] إلى رأس الأربعين قوله: {وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ. . .} [الإسراء:39] قال: وهي عشر آيات في التوراة، قال: هذه الآيات سبع عشرة آية عند القرّاء، فإن لم يقع سهو من جهة الرواة، فكأنّه عدّ {سُلْطاناً} [الإسراء:33]، أو {بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ} [الإسراء:35] آية. 40 - {أَفَأَصْفاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ} نزلت في بني مليح، ومن ذهب مذهبهم من قريش. (¬1) أي: أفآثركم بالبنين على نفسه، ورضي لنفسه بالبنات، إن كان يليق به الولادة، واتخاد الولد على زعمكم. {قَوْلاً عَظِيماً:} لأنّهم كذبوا، ثمّ لم يرضوا بتكذيبهم حتى جعلوه في غاية القبح والبشاعة. 41 - {وَلَقَدْ صَرَّفْنا:} أي: صرّفنا الآيات. {نُفُوراً:} تباعدا وتوحشا. 42 - {قُلْ لَوْ كانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَما يَقُولُونَ:} وجه الردّ عليهم: أنّ الشيء لا ينفصل عن جنسه إلا قهرا، فلو كانت في العالم لله أجناس، لكانت قاهرة غير مقهورة، ولو كانت كذلك لاتّحدت به، ولرجع الأمر إلى الوحدانية، والثاني: أنّ مساواة الأدنى داعية إلى مزاحمة الأعلى فيما تفرّد به، ومزاحمته تؤدّي إلى فسخ المواضعة، وفسخ المواضعة (¬2) يوجب توحيد الأعلى. 43 - {عُلُوًّا:} أي: تعاليا، كقوله: {فَتَقَبَّلَها رَبُّها بِقَبُولٍ حَسَنٍ} [آل عمران:37]، {وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً} [المزمل:8]. 44 - {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ:} تسبيح الكلّ قريب من صوت الكلّ، وهو الأصوات الدالّة على محدثها، ومحدث ذواتها، وكلّ صامت ناطق بالدلالة على صانعه. وعن الحسن: اللّبنة تسبّح، فإذا بني بها سبّحت مع الأرض. (¬3) وقال النخعي: الطعام يسبّح. (¬4) وقال عكرمة لرجل: قميصك هذا يسبّح. وقال رجل لأبي هريرة: أسمع لبيتي تقعقعا، قال ذلك تسبيح الجدر. (¬5) ¬
45 - {مَسْتُوراً:} ساترا. كقوله: {وَماءٍ مَسْكُوبٍ} [الواقعة:31] ساكب (¬1)، و {يا مُوسى} (190 و) {مَسْحُوراً} [الإسراء:101]: ساحرا. وقيل: معناه حجاب لطيف لا يشاهد (¬2). (¬3) عبد الحميد بن جعفر (¬4)، عن أبيه (¬5): أنّ المشركين قالوا لرسول الله: قلوبنا في أكنّة ممّا تقول، وبيننا وبينك حجاب مستور فأنزل على زعمهم. فكأنّها مستقيمة، أي: أو (¬6) جعلنا، ثم ردّ عليهم بقوله: {نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَسْتَمِعُونَ بِهِ} [الإسراء:47]. وقال مجاهد: (الحجاب): صرف الله أسماعهم عن القرآن عند تلاوة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. وقال كعب: الإخبار به خاصّ من القرآن. كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا قرأ توارى منهم عن ذلك، وصرفت أبصارهم عنه، وذكر آيات الحجاب: {إِنّا جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ} [الكهف:57]، {أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللهُ} [النحل:108]، {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اِتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ} [الجاثية:23]. 47 - {نَحْنُ أَعْلَمُ:} منك. {بِما يَسْتَمِعُونَ:} باستماعهم كيف هو، على أيّ وجه هو حين يستمعون إليك، وحين يتناجون، ويستمع بعضهم إلى بعض؟ {إِذْ يَقُولُ:} نزل في قوله: {إِذْ هُمْ نَجْوى.} 48 - {اُنْظُرْ:} أمر على سبيل التعجب. و (ضربوا له الأمثال): وصفوا إيّاه بما سبق ذكره، واختلافهم في وصفه عليه السّلام. 49 - {رُفاتاً:} فتاتا، ما تناثر من كلّ شيء. وقيل: الرفات: الشيء المتكسر. (¬7) {جَدِيداً:} طريّا. 50 - {قُلْ كُونُوا:} على صيغة (¬8) الأمر، والمراد من الشرط، أي: ستعودون، وإن كنتم ¬
شيئا شاقا صلبا بعيدا من التركيب الحيواني القابل للموت والحياة، كقولهم: عش رجبا ترى عجبا. (¬1) (الحديد): هو الجوهر المنطبع المختصّ بالفرند (¬2). 51 - {أَوْ خَلْقاً مِمّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ:} أو (¬3) شيئا تستعظمونه، وترونه أصبر على مرّ الزمان من الحجارة والحديد. وعن ابن عباس ومجاهد: أنّه الموت يوم بدر، لا بدّ من العود، وإن كنتم عين الموت. (¬4) وقال عبد الله بن عمرو بن العاص (¬5): المراد به البعث. (¬6) {فَسَيُنْغِضُونَ:} فسيحرّكون. 52 - {يَوْمَ يَدْعُوكُمْ:} العامل فيه {عَسى أَنْ يَكُونَ} [الإسراء:51] أي: يكون العود، وهو البعث يومئذ على ما قال عبد الله بن عمرو. {فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ:} أي: فتقومون من قبوركم مستجيبين للداعي، معترفين بأنّ الله هو الإله الواحد المعبود المحمود في صفاته. ويحتمل: أنّ المؤمنين يشكرون لله يومئذ، ويحمدونه، فتلقف (¬7) ذلك منهم المشركون، لا يهتدون إلى كلام غير ذلك حالة البعث من شدّة الهول. {وَتَظُنُّونَ (¬8)} إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاّ قَلِيلاً: لمكان (¬9) شدّة الهول، ينسون عذاب القبر. ويحتمل: لمكان الرقدة التي بين خراب الدنيا وقيام الآخرة، ومدّتها على ما روي أربعون سنة، (¬10) ولا يبعد أن يكون المراد: يوم بدر، وبالدعاء ألقى [في] (¬11) قلوبهم من همّة البروز إلى مصارعهم، وباستجابتهم خروجهم إلى ذلك على نشاط ورضى منهم، مرحين (¬12) غير مكرهين، وبظنّهم أنّهم لم يلبثوا إلا قليلا، استيقانهم عند ذوق السيف، أنّهم لم يؤجّلوا (190 ظ) بعد الوعيد إلا قليلا. ¬
53 - {وَقُلْ لِعِبادِي:} قال ابن عباس: كان أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بمكة (¬1) يؤذيهم المشركون بالقول والفعل، فشكوا ذلك إلى رسول الله عليه السّلام فأنزل. (¬2) {لِعِبادِي:} المسلمين. {هِيَ أَحْسَنُ:} من القول برد السّلام بلا فحش ينزع بينهم وبين الكفّار. 55 - {وَلَقَدْ (¬3)} فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ: قال عليه السّلام: «سألت ربي مسألة وددت أن لم أسألها إيّاه قط، قلت: اتخذت إبراهيم خليلا، وكلّمت موسى تكليما، وسخّرت مع داود الجبال يسبحن، وأعطيت سليمان كذا وكذا، وأعطيت فلانا كذا وكذا، فقال لي: ألم أجدك يتيما فآويتك؟ قال: قلت: بلى، قال: ألم أشرح لك صدرك؟ قال: قلت: بلى، قال: ألم أرفع لك ذكرك. قال: قلت: بلى، قال: ألم أجدك ضالا فهديتك؟ قال: قلت: بلى، قال: ألم أجدك عائلا فأغنيتك؟ قال: قلت: بلى، قال: ألم أضع عنك وزرك؟ قال: قلت: بلى، قال: ألم أوتك ما لم أوت نبيّا قبلك خواتيم سورة البقرة؟ قال: قلت: بلى، قال: ألم أتخذك خليلا كما اتخذت إبراهيم خليلا؟». (¬4) كان سؤاله على وجه التواضع والاعتراف بفضل الأنبياء، ورفعة منازلهم، تعرضا لزيادة رتبه، لا (¬5) أنّه نسي إحسان الله، واستحقر نعم الله تعالى فنبّهه الله تعالى على أنّه بلغّ أجلّ المراتب وأرفّعها، وأنّه لا ينبغي له التعرض لشيء بعدها، وإنّما ندم على هذا السؤال دون سائر الدعوات المأثورة؛ لأنّ تلك إلا سؤلة (¬6) صدر بعضها منه على سبيل التعليم لأمّته، وبعضها على سبيل الاحتياج دون التمنّي والاقتراح. عن جابر بن عبد الله الأنصاريّ: أعطي إبراهيم الصحف الأولى أوّل ليلة من شهر رمضان، وأعطي موسى عليه السّلام التوراة لستّ ليال خلون من رمضان، وأعطي داود عليه السّلام الزبور لثنتي عشرة ليلة من رمضان، وأعطي عيسى عليه السّلام الإنجيل لثماني عشرة ليلة من رمضان (¬7)، وأعطي محمد عليه السّلام الفرقان لأربع وعشرين من رمضان. قال: إما أن أراد شهر (¬8) رمضان شهر صوم كلّ نبيّ في شريعته، أو إعطاء (¬9) شيء على سبيل الافتتاح، فإنّ ميقات الألواح كان في ذي القعدة وعشر من ذي الحجة. ¬
56 - {قُلِ اُدْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ:} قال ابن عباس: إنّ ناسا من خزاعة كانوا يعبدون الجنّ، ويريدون أنّهم هم الملائكة، فأنزل. (¬1) {قُلِ اُدْعُوا. . .:} تقريع. {فَلا يَمْلِكُونَ:} جواب شرط مضمر، أو (¬2) هي جملة معطوفة على ما مضى، والفاء بمعنى الواو. 57 - {أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ} (¬3): من (¬4) صفة الملائكة، عند الكلبي. (¬5) وصفة الجنّ، عند الفراء. (¬6) (191 و) ويحتمل: صفة الفريقين جميعا. {الْوَسِيلَةَ:} الخصلة التي يتقرّب بها العبد إلى سيّده، تقرّب موالاة ومحبة ومودة، لا تقرّب محاذاة أو أخوّة. {أَيُّهُمْ أَقْرَبُ:} مرتفع بحال مضمر تقديره: يبتغون (¬7) إلى ربّهم الوسيلة مستفهمين، أو ناظرين، أو متسائلين أيّهم أقرب؛ وذلك لمسارعتهم في الخيرات. 58 - {نَحْنُ مُهْلِكُوها:} أي: مهلكو أهلها بالموت الذي لا بدّ منه. {أَوْ مُعَذِّبُوها:} معذبوا أهلها بالخسف والمسخ ونحوها. {فِي الْكِتابِ:} اللوح. والفائدة تنبيه أهل مكة؛ لئلا يغترّوا بكونهم في الحرم آمنين، وتنبيه الناس ليتيقّنوا بخراب الدنيا، ويزهدوا فيها. 59 - {وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ:} قال ابن عباس: سأل (¬8) أهل مكة رسول الله (¬9) عليه السّلام أن يجعل لهم (¬10) الصفا ذهبا، وأن ينحّي (¬11) الجبال ليزرعوا فيها، فقيل: إن شئت أن ¬
تستأني بهم لعلّنا نتخيّر منهم، وإن شئت أن نؤتيهم الذي سألوا، فإن [كفروا] أهلكوا كما أهلك من قبلهم، فقال عليه السّلام: «بل استأني بهم»، فأنزل. (¬1) مقاتل: أنّ عبد الله بن أبي أميّة والحارث بن هشام سألا رسول الله أن يريهما آية مثل آيات الأنبياء قبله، فأنزل. واللفظ مجاز وحقيقة، ما منع آياتنا أن تكون مرسلة من عندنا إلا تكذيب الأولين. وفائدة اللفظ ابتلاء المخاطبين ليتميّز العالمون من غيرهم. {مُبْصِرَةً:} جليّة بيّنة، كقوله: {وَالنَّهارَ مُبْصِراً} [يونس:67]. {فَظَلَمُوا بِها:} فكفروا بها، وكذّبوا بها، أو ظلموا أنفسهم بقتلها. {وَما نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلاّ تَخْوِيفاً:} أي: لا نرسل بالآيات إليكم أيّها الآخرون إلا على سبيل الإنذار والوعظ. والثاني: لا نرسل بالآيات الملجئة إلا للتخويف الذي هو الإكراه. 60 - {وَإِذْ قُلْنا:} واذكر إذ قلنا. وفائدة التذكير: التسلية بأنّهم في قبضته، ولو شاء لهداهم أجمعين. واتصالها بما قبلها من حيث ذكر الآيات، فإنّ الرؤيا من جملة الآيات. قال ابن عباس: هي رؤيا عين أريها النبيّ عليه السّلام ليلة أسري به إلى بيت المقدس. (¬2) {وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ:} هي الزقوم، نصب بالعطف على الرؤيا، أي: وما جعلنا الرؤيا والشجرة (¬3) كلتيهما إلا فتنة للناس لمكان الشبهة والالتباس، وإنّما وصفت بالملعونة لكون أهليها (¬4) وآكليها ملعونين، ولكونها (¬5) مكروهة مستبشعة (¬6) خبيثة، تنفر الطّباع منها وتلعنها. 61 - {طِيناً:} نصب لنزع الخافض، أو لأنّه مفعول ثاني لقوله، أي: كونه في الابتداء طينا، أو للحال، أي: قدرته وصورته في حال كونه طينا. 62 - {أَرَأَيْتَكَ:} استفهام بمعنى الإنكار. {هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ:} مبتدأ وخبر في محل الرفع بالاستفهام. {لَأَحْتَنِكَنَّ:} الاحتناك: الإفساد. وقيل: الاحتناك: الاستئصال. (¬7) ¬
63 - {مَوْفُوراً:} (191 ظ) متروكا برمّته، ومن الدعاء: توفر وتحمد (¬1)، أي: لا زلت موفورا محمودا. 64 - {وَاِسْتَفْزِزْ:} واستدع في استخفاف. {بِصَوْتِكَ:} فاستمع (¬2) بحاسة الأذن. {وَأَجْلِبْ:} استجمع واستحث. {وَشارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ:} أمّا الأموال: فالبحيرة والسائبة والوصيلة والحام والربا والرشوة، وسائر الأكساب الخبيثة، والأولاد هي التي (¬3) زيّن إلى آبائها قتلها، ليردوهم وليلبسوا عليهم دينهم، وأولاد الزنى، والتي يهوّدها آباؤها أو ينصّرها، أو يمجّسها بعد الفطرة. 65 - {إِنَّ عِبادِي:} نصف الآية خطاب لإبليس، ونصفها خطاب لنبينا عليه السّلام. 67 - قال: (الكفور): الذي ينزل وحده، ويمنع رفده، ويجلد عبده. (¬4) 68 - {حاصِباً:} هي الريح التي تقلع الحصباء، أو تحصب الناس بالبرد. 69 - {قاصِفاً:} هي الريح التي تكسر الجذع الذي عليه المراوح والشّراع، وعن عبد الله بن عمرو بن العاص: الرياح ثمان: أربع عذاب، وأربع رحمة، أما الرحمة: فالناشرات والمرسلات والمبشرات والذاريات، أما العذاب: فالعاصف والقاصف، وهما في البحر، والصرصر والعقيم، وهما في البر. (¬5) {تَبِيعاً:} بالثأر. 70 - {وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ:} في اللباس الذي يسترهم ويقيهم الحرّ والبرد والبأس، وفي العقل الذي هو دليلهم إلى ما غاب عنهم في الحيل (¬6) التي بها يتسلّطون على من هو أقوى منهم. {وَفَضَّلْناهُمْ:} في كونهم مستأهلين لدين الإسلام مدعوين إلى دار السّلام، بخلاف الشياطين والأنعام. ¬
71 - {يَوْمَ:} نصب على الظرف. {بِإِمامِهِمْ} (¬1): مقدّمهم (¬2) وداعيهم إلى الخير والشرّ، يدلّ عليه ظاهر الخطاب، وقوله: {أَلا بُعْداً لِعادٍ قَوْمِ هُودٍ} [هود:60]، {أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ} [غافر:46]. وقيل: الإمام ما أسلفه كلّ إنسان في كتابه. (¬3) يدلّ عليه فحوى الآية، وقوله: {هُنالِكَ تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ ما أَسْلَفَتْ} [يونس:30]. {وَلا يُظْلَمُونَ:} معطوف على {يَوْمَ نَدْعُوا.} 72 - {فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى:} إنّما جاءت التفضيل على لفظة أعمى عند الفراء، بخلاف التفضيل في الألوان؛ لأنّ المراد به: عمى القلب، وعمى القلب من فعل الإنسان بغفلته. يجوز أن يقال: فلان أعمى من فلان في القلب، ولا يجوز في العين. وقال بعض النحويين: كل نعت على أفعل، والفعل منه ثلاثي عار عن الزيادات الملحقة فالتفضيل (¬4) منه (¬5) على لفظة أفعل جائز. تقول: عمي وزرق وعشي، فهو أعمى وأزرق وأعشى من فلان. وأنكره الفراء؛ لأنّ الكثرة في هذه الأفعال غير متصورة، والتفضيل يكون بعد الكثرة كالمبالغة. (¬6) 73 - {وَإِنْ كادُوا:} بمعنى قد، كقوله: {إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى} [الأعلى:9]، ويجوز بمعنى الجحد، واللام بمعنى الاستثناء. {لَيَفْتِنُونَكَ:} يصرفونك عن الحق إلى الباطل، وعن المطّلب (¬7) بن عبد الله بن حنطب: رأى رسول الله من قومه كفّا عنه، فجلس خاليا يتمنّى أن لا ينزل عليه شيء ينفّرهم عنه، وقاربهم (¬8) وقاربوه، ودنوا منه، وألقى الشيطان (192 و) في أمنيّته في سورة النجم ما ألقى، فرضوا بما تكلّم به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وقالوا: قد عرفنا أنّ الله هو يحيي ويميت ويرزق، ولكنّ آلهتنا ¬
هذه تشفع لنا (¬1)، ولّما سجد في آخر السورة سجدوا معه أجمعون، ورفع الوليد بن المغيرة، وأبو أحيحة سعيد بن العاص (¬2) التراب إلى وجوههما يسجدان عليهما من ضعفهما وعجزهما، وقال أبو أحيحة: يا محمد، إنّ لك أن تراجع، ولقد أصبت حيث ذكرت آلهتنا بخير، فاغتمّ رسول الله، وجلس في بيته حزينا، فلمّا أتاه جبريل عليه السّلام قرأ عليه سورة والنجم (¬3)، قال: ما جئتك بهاتين الكلمتين، فقال عليه السّلام: قلت عليه ما لم أقل فأنزل. (¬4) وعن ابن عباس: قدم رسول الله وفد ثقيف، فأبصرهم المغيرة بن شعبة، وهو يرعى في نوبته، فانصرف إلى رسول الله ليبشره، واستقبله أبو بكر، فأقسم عليه أن لا يسبقه بالبشارة، فرجع المغيرة إلى هؤلاء الوفود يعلمهم التحيّة إذا دخلوا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأبوا عليه إلا تحية أهل الجاهلية، وكان خالد بن سعيد بن العاص يمشي بين يدي رسول الله وبين القوم، وهو الذي كتب كتابهم، فلمّا دخلوا عليه قالوا: يا محمد، نحن أخوالك (¬5) وأصهارك وجيرانك، وخير أهل نجد سلما، وأضرّهم عليك حربا، إن سالمنا سالم من بعدنا، وإن حاربنا حارب من بعدنا، فقال عليه السّلام: ماذا تريدون؟ قالوا: نبايعك على ثلاث خصال: أن لا نجبّي (¬6)، يعنون في الصلاة، وأن (¬7) لا نكسّر أصنامنا بأيدينا، وأن تمتعنا بالطاغية سنة، يعنون اللات، فقال عليه السّلام: لا خير في دين لا صلاة فيه، ولا ركوع ولا سجود، وأمّا أن لا تكسروا أصنامكم بأيديكم، فذلك لكم، وأمّا الطاغية فإنّي غير ممتعكم بها، قالوا: يا رسول الله، إنّا نحبّ أن تسمع العرب بأنّك أعطيتنا ما لم تعط غيرنا، فإن كرهت، وخشيت أن تقول العرب: أعطاهم ما لم يعطنا، فقل: أمرني ربّي بذلك، فسكت عليه السّلام ودعا بوضوء، فقال عمر بن الخطاب: أحرقتم رسول الله، أحرق الله أكبادكم، إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لا يدع الأصنام في أرض العرب، إما أن تسلموا، وإما أن ترجعوا، فلا حاجة لنا فيكم، فأنزل الله. (¬8) ¬
74 - {لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ:} أي: كدت تمتعهم بالطاغية سنة، أو كدت تتمنّى أن لا ينزل عليك ما ينفّرهم عنك. 75 - {إِذاً:} أي (¬1): إن تحقّق ركونك إليهم. {ضِعْفَ:} عذاب {الْحَياةِ.} {وَضِعْفَ:} عذاب {الْمَماتِ.} وإنما يضاعف الوعيد لتضاعف النعمة. 76 - {وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ:} ذكر الواقدي عن جماعة: أنّ قريشا أهلكوا يوم بدر، فلم يلبثوا بعده إلا قليلا. وعن مجاهد: أنّ الآية مكية في قريش، كقوله: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا} [الأنفال:30]. 77 - {سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنا قَبْلَكَ:} أي: سنّتنا فيمن أرسلنا، وانتصاب السنّة بإضمار بيّنّا (192 ظ) وأوضحنا. 78 - {أَقِمِ الصَّلاةَ:} اتصالها بها من حيث وعد النصرة في ضمن قوله: {وَإِذاً لا يَلْبَثُونَ} [الإسراء:76]، والصلاة من أسباب النصرة. وقيل: اتصالها الإعراض، فإنّه إذا أقام (¬2) الصلاة أعرض عنهم، واستراح من شغلهم. (دلوك الشمس): ميلها. وقيل: غروبها. (¬3) {إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ:} ظلمته. {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ:} صلاة الفجر، انتصب على العطف، والفجر: الإصباح. {كانَ مَشْهُوداً:} أبو هريرة (¬4)، عنه عليه السّلام: «يشهده ملائكة الليل، وملائكة النهار». (¬5) على الصلاة في أقم الصلاة. (¬6) 79 - {فَتَهَجَّدْ:} من الهجود نقيض الهجوع. {بِهِ:} بالقرآن. ¬
{نافِلَةً:} صفة لاسم مضمر، واتصالها بها بإضمار جعلناها. وقيل: على الحال. (¬1) قال ابن عباس: ليس لأحد نافلة غير النبيّ عليه السّلام؛ لأنّ كلّ إنسان يخاف على نفسه أن لا تقبل فريضته. (¬2) {مَقاماً مَحْمُوداً:} مقام الشفاعة بين يديّ الله تعالى. وعن كعب بن مالك، عنه عليه السّلام: «يحشر الناس يوم القيامة، فأكون أنا وأمّتي على تلّ، فيكسوني ربّي حلّة خضراء، ثمّ يؤذن لي في الشفاعة، فأقول ما شاء الله أن أقول، فذلك المقام المحمود». (¬3) أبو حنيفة رحمه الله، عن شداد (¬4)، وعطية العوفي (¬5) كليهما، عن أبي سعيد الخدري (¬6): في قوله: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ. . .} الآية، قال: يخرج الله قوما من النار من أهل الإيمان والقبلة بشفاعة محمد عليه السّلام فذلك المقام المحمود، فيؤتى بهم نهرا (¬7) يقال له: الحيوان، فيلقون فيه، فينبتون فيه كما يخرج الشعارير (¬8)، ثم يخرجون منه، فيدخلون الجنة، فيسمون فيها: الجهنميين (¬9)، ثم يطلبون إلى الله أن يذهب ذلك الاسم عنهم، فيذهب. (¬10) 80 - {وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي:} عن ابن عباس، قال: كان النبيّ عليه السّلام بمكة، ثم أمر بالهجرة، فنزلت: {وَقُلْ جاءَ الْحَقُّ} [الإسراء:81]. (¬11) عن ابن مسعود: دخل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مكة عام الفتح، وحول الكعبة ثلاث مئة وستون نصبا، فجعل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يطعنها بمخصرة (¬12) في يده، وربما قال: بعود، ويقول: {جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً} {وَما يُبْدِئُ} ¬
{الْباطِلُ وَما يُعِيدُ} [سبأ:49]. (¬1) قال ابن عمر: ليس في هذا الحديث تاريخ نزول الآية، فإنّ فيه ذكر التلاوة فحسب. 82 - {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ:} اتصالها بها من حيث {وَلا يَزِيدُ الظّالِمِينَ،} وهذه في وصف الظالمين. 83 - {أَعْرَضَ:} عن طاعتنا. 83 - {وَنَأى بِجانِبِهِ:} تباعد بما يقرب فيه حالة اقترابه، وهو جانب من جسده. وقيل: تباعد بقوته ورجاله. (¬2) {يَؤُساً:} من يئس على سبيل المبالغة. 84 - {شاكِلَتِهِ:} ما يشاكله ويليق به من الخصال التي خلقها الله ميسّرة له. وفي الآية ردّ على القدرية. 85 - {وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ:} قال النضر بن الحارث: يا معشر قريش، والله لقد نزل إليكم أمر ما تقدرون قدره، كان محمد فينا حتى بلغ ما ترون، (193 و) ولا أحد أرضى فينا منه، فلمّا جاءكم ما جاءكم به، قلتم: شاعر، والله ما الذي جاءكم بشعر، لقد رأينا الشعر وعرفناه، فما هو قريض (¬3) ولا رجز، وقلتم: سحر، وقد رأينا وسمعنا السحر، فو الله ما هو بسحر، ثمّ قلتم: كاهن، فو الله ما هو بكهانة، ولا سجاعة، وقلتم: مجنون، وقد رأينا المجانين وعرفنا أصناف الجنون، فانظروا في أمركم، فاجتمع رأيهم على أن يبعثوا النضر بن الحارث، وعقبة بن أبي معيط، وأبيّ بن خلف إلى أحبار يهود من أهل يثرب، وقالوا: هم أهل الكتاب الأوّل والعلم بأمر الرسل وصفاتهم في كتبهم، فسألوهم عن محمد وأمره. فخرجوا ثلاثتهم حتى أتوا يهود بني قريظة والنضر وماسكة وقينقاع، فسألوهم (¬4) عن النبي عليه السّلام فوجدوهم قوما حسّدا، فقالوا: سلوا الرجل عن ثلاثة أشياء نأمركم بهنّ، فإن أخبركم عنهنّ فالرجل مرسل، وإن لم يفعل فالرجل متقوّل، فإنّه قد أظلّ زمان نبيّ نسمعكم تصفون صفته، نجده عندنا كما تصفون، فروا رأيكم فيه، إذا سألتموه سلوه عن فتية هلكوا في الزمان الأوّل، كان أمرهم عجبا؟ وسلوه عن طوّاف قد بلغ المشرق والمغرب، قد كان له خبر دنيا وقصص؟ وسلوه عن ¬
الروح؟ فإن أخبركم عنه، فإنّه (¬1) كاذب، وإن لم يخبركم فهو كما قال، وإن عجز عنهما، فهو متقوّل. ثم خرجوا حتى انتهوا إلى فدك، فقالوا لهم مثل هذا سواء. إلا أنّهم قالوا: هذه صفته، ونجد مخرجه من بلادكم، ونجد مهاجره يثرب، فرجع النفر إلى مكة، فلما قدموا على قريش قالوا: قد جئنا بفصل ما بينكم وبين محمد، قد أمرنا أهل الكتاب الأوّل والمعرفة، وجئناهم جميعا أهل يثرب وفدك، فأمرونا أن نسأله عن أمور، فإن أخبرنا عنها، فهو كما قال، وإن عجز عنهما فهو متقوّل، فمشت قريش مع هؤلاء الرسل حتى وقفوا على النبيّ عليه السّلام وهو جالس عند الكعبة قد فرغ من صلاته، فقالوا: إنّا نريد أن نسألك عن أشياء، وتكلم النفر الذين كانوا قدموا، وسألوه عن تلك الخصال الثلاث، فقال: أخبركم غدا، ولم يستثن، فمكث الوحي عن النبيّ عليه السّلام خمس عشرة ليلة لا يأتيه جبريل عليه السّلام بشيء، فكبر ذلك عليه، وأرجف أهل مكة، وقال بعضهم لبعض: الرجل متقوّل، وبطل ما كان يقول، وعدنا أن يخبرنا عما سألناه غدا، واليوم خمس عشرة ليلة، ولم يأتنا بشيء، ثم عادوا، فسألوه عن حديث أصحاب الكهف، فقصّ عليهم حتى بلغ إلى قوله: {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً (23) إِلاّ أَنْ يَشاءَ اللهُ} [الكهف:23] وحتى بلغ قوله: {وَقُلْ عَسى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هذا رَشَداً} [الكهف:24]، ثم جاء بحديث (193 ظ) الطوّاف، وهو ذو القرنين، فأخبرهم عن ذلك كلّه، وقصّه عليهم، ثم سألوه عن الروح؟ وقال مقاتل: {قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي} فانصرفوا، وقد جاءت هذه الأمور كلها ولا (¬2) يؤمنون. وعن ابن عباس: أنّ قريشا اجتمعوا منهم الوليد بن المغيرة، والعاص بن وائل، وأبو جهل بن هشام، وأمية وأبي ابنا (¬3) خلف، والأسود بن عبد المطلب، وسائر قريش، فبعثوا خمسة رهط منهم: عقبة بن أبي معيط والنضر بن الحارث إلى المدينة يسألون اليهود عن رسول عليه السّلام، عن أمره وصفته ومبعثه، وأنّه قد خرج من بين أظهرنا، وأصدقوهم نعته، وقولوا لهم: إنّه يزعم أنّه نبيّ مرسل، واسمه محمد، وهو فقير يتيم، وبين كتفيه خاتم النبوّة، فلما قدموا المدينة أتوا أحبارهم وعلماءهم، فوجدوهم إذ قدموا المدينة قد اجتمعوا في عيد لهم، فسألوهم عنه، ووصفوا لهم صفته ونعته وخاتم النبوّة (¬4)، وقالوا: إنّا (¬5) نزعم أنّه. يتعلّم من مسيلمة الكذّاب! فقالوا: نحن نجده في التوراة كما وصفتموه، فهو نبيّ، وأمره حقّ، فاتّبعوه، ولكن سلوه عن ثلاث ¬
خصال، فإنّه يخبركم بخصلتين، ولا يخبركم بالثالثة (¬1) إن كان نبيّا، فإنّه قد سألنا مسيلمة الكذّاب عن هؤلاء الخصال، فلم يدر ما هو، وقد زعمتم أنّه يتعلّم من مسيلمة الكذّاب (¬2). قال: فرجعت الرسل إلى قريش بما ذكرنا في الحديث، فلما وافق قول اليهود قالوا: {سِحْرانِ (¬3)} تَظاهَرا وَقالُوا إِنّا بِكُلٍّ كافِرُونَ [القصص:48]. 86 - {وَلَئِنْ شِئْنا:} اتصالها بها من حيث إتيان العلم، ويحتمل: أنّها شبه وعيد بعد احتباس على ترك الاستثناء. {ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ:} أي: لا تجد شيئا تتوكّل عليه، واسترداد ما ذهبنا به. 87 - {إِلاّ رَحْمَةً:} قال الفراء: هذا «كقوله: {إِلاّ حاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضاها»} (¬4) [يوسف:68]، ويحتمل: أنّ الاستثناء متصل، وأنّ الرحمة مستثناة من الموجود المنفيّ، وهو أن يتوكّل على رحمة الله، ويستشفع إلى الله برحمته في استرداد ما ذهب به. 88 - {قُلْ لَئِنِ اِجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ:} قال الفراء: لئن بلا مرفوع؛ لأنّه كاليمين. (¬5) وقد جزم بعض القرّاء. {ظَهِيراً:} معينا. وفيها (¬6) دلالة على أنّ ما ألقى الشيطان في سورة النجم (¬7)، وهو قوله (¬8): تلك الغرانيق العلى، منهنّ شفاعة ترتجى، (¬9) لم يكن بمثل القرآن على ما فيه من الفصاحة والجزالة والجريان على لسان ذي الرسالة، والتباسه بالقرآن عند أهل المقالة إلى أن نسخه الله تعالى بقوله: {أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى (21) تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى} [النجم:21 - 22] فاتّصل هذا الناسخ بالإنكار السابق، وهو قوله: {أَفَرَأَيْتُمُ اللاّتَ وَالْعُزّى (19) وَمَناةَ الثّالِثَةَ الْأُخْرى} (20) [النجم:19 - 20]، اتصالا يتبيّن فيه صدر الكلام إليه، وانفتح عوار إجارة الشيطان لديه، واستقامت دعوى الإعجاز من بعد ما كادت (194 و) تميل. ¬
89 - {إِلاّ كُفُوراً:} كفرا بالقرآن. 90 - {وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ:} قال أبو أمامة بن سهل بن حنيف (¬1): اجتمع نفر من قريش، عتبة وشيبة ابنا ربيعة، وأبو سفيان (¬2)، وزمعة بن الأسود، والوليد بن المغيرة، وعبد الله بن أبي (¬3) أمية بن المغيرة، والعاص بن وائل، ونبيه ومنبّه ابنا الحجاج، والأخنس بن شريق، وسهل بن عمرو، فاجتمعوا في الحجر، قال بعضهم لبعض: ابعثوا إلى محمد فخاصموه، وكلّموه حتى تعذروا في أمره، فبعثوا إليه رسولا، فجاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وهو يظنّ أنّهم يريدون خيرا، وكان عليهم حريصا، يحبّ رشدهم، ويكبر عليهم عنتهم، فقالوا: يا محمد، إنّا بعثنا إليك لنعذر فيك، والله لا نعلم رجلا من العرب أدخل على قومه ما أدخلت عليهم، لقد شتمت الآباء، وسببت الآلهة، وسفّهت الأحلام، وفرّقت الجماعة، فإن كنت إنما تطلب بهذا الحديث مالا جمعنا لك من أموالنا حتى كنت أكثرنا مالا، وإن كنت إنّما تطلب الشرف فنحن مشرّفوك علينا، وإن كنت تريد ملكا ملّكناك علينا، وإن كان هذا الذي يأتيك به رييّا، فرييّ (¬4) غلب الرييّ، وكان يسمون تابع الجن الريي (¬5)، فإن كان ذلك بذلنا أموالنا في طلب الطبّ، أو نعذر في أمرك. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما أطلب ما تقولون، ما جئت بما جئت به أطلب أموالكم، ولا الشرف فيكم، ولا الملك عليكم، ولكنّ الله بعثني إليكم رسولا، وأنزل علي كتابا، وأمرني أن أكون لكم بشيرا ونذيرا، فأنا بلغتكم رسالات ربّي، ونصحت لكم، فإن تقبلوا ما جئتكم، فهو حظّكم في الدنيا والآخرة، وإن تردّوه عليّ أصبر لأمر الله». قال أبو جهل: واحدة، فإنّ العرب تقول: آخر الدواء الكيّ، فهذه كلمة آخر ما نكلمك. قال عليه السّلام: «ما هي؟» قال: بلدنا هذا أضيق بلاد الله ساحة وعيشا، فسل لنا ربّك الذي بعثك، فليسوّ (¬6) هذه الجبال التي ضيّقت علينا، وليجر لنا أنهارا كأنهار الشام، أو عيونا كعيون (¬7) اليمن، وليبعث لنا من مضى من آبائنا، وليكن فيمن يبعث لنا قصيّ بن كلاب، فإنّه كان شيخا صدوقا نسأله عمّا تقول أحق هو أم باطل؟ فإن صدّقوك (¬8)، ¬
وصنعت ما سألناك (¬1)، صدّقناك. فقال النبيّ عليه السّلام: «ما بهذا بعثت إنّما جئتكم من الله بما بعثني به، وقد بلّغتكم ما أرسلت به إليكم، ما أنا بفاعل، ولا بالذي أسأل ربّي هذا». قالوا: يا محمد، أيعلم ربّك أنّا سنجلس معك ونسألك عما سألناك، وترجع علينا ما ترجع. قال: نعم، فقال نبيه بن الحجاج: أخرى، بلغنا أنّ هذا إنّما يعلّمك رجل باليمامة يقال له: الرحمن، ثمّ قال لجلسائه: تعلمون ذلك؟ قال القوم: نعم، وإنّا والله لا نؤمن (194 ظ) بالرحمن، فقد أعذرنا إليك يا محمد، إنّا والله لا نتركك حتى نهلكك، أو تهلكنا، فقال الأخنس بن شريق: نحن نعبد الملائكة فهي بنات الله، وقال عبد الله بن أبي أمية: لن نؤمن لك حتى تأتي بالله والملائكة قبيلا، إلى قوله: {بَشَراً رَسُولاً} [الإسراء:93]، فلمّا قام النبيّ عليه السّلام تبعه أبو جهل، فقال: يا محمد، والله لا نعذر إليك بعد هذا المجلس مذلانك، وقام معه عبد الله بن أبي أمية، فقال: يا محمد، عرض عليك قومك أمرا، فلم تقبله، ثم سألوك (¬2) لأنفسهم أمورا، ليعرفوا بها صدقك من كذبك، فلم تأتهم بها، وإنّا نسألك خصلة واحدة، قال عليه السّلام: وما هي؟ قال: تنزل علينا كسفا من السماء، فهذه لا نبالي بها، ولا يبالي ربك، ولم نؤمن بك حتى تتخذ إلى السماء سلما، ثم ترقى فيه، وأنا أنتظر (¬3) حتى تأتينا، ثم تأتي معك بصحيفة منشورة معها أربعة من الملائكة يشهدون أنّها كما تقول، وايم الله لو فعلت ذلك ما ظننت أنّي أصدقك، ثم انصرف، وانصرف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى بيته حزينا لما كان يطمع فيه من قومه. {يَنْبُوعاً:} عينا (¬4). عنوا بقولهم: {كَما زَعَمْتَ} قوله: {أَفَلَمْ يَرَوْا إِلى ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ} الآية [سبأ:9]، وهذا ليس بوعيد كائن، ولكنّه تخويف وتنبيه على القدرة، وقوله: {وَإِنْ يَرَوْا كِسْفاً مِنَ السَّماءِ ساقِطاً يَقُولُوا (¬5)} سَحابٌ مَرْكُومٌ [الطور:44] في معنى قوله: {وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ. . .} الآية (¬6) [الأنعام:111]. ¬
92 - {كِسَفاً:} جمع كسفة، وهي القطعة، وبتسكين السين، إن أريد به الوحدان، فهو الغطاء والغشاوة. قال الأزهري: (القبيل): الجماعة ليسوا من أب واحد، وإذا كانوا من أب واحد فهم قبيلة. (¬1) 93 - {لِرُقِيِّكَ:} الرقي والارتقاء: العروج. {سُبْحانَ رَبِّي:} أي: هو منزّه عن أن يكون محلاّ للاقتراح. 94 - {وَما مَنَعَ النّاسَ:} أهل مكة. {إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى:} القرآن. وقيل: الناس الذين ينكرون النبوّة، وينسبون الأنبياء إلى النواميس من المخاريق، وهم طائفة من الفلاسفة. 95 - {يَمْشُونَ:} يتقلّبون فيها. {مُطْمَئِنِّينَ:} مقيمين غير محتارين، أو مطمئنين على قضية العقل، أو على ملّة واحدة. {عَلَيْهِمْ:} على (¬2) هؤلاء الملائكة الذين يكونون سكان الأرض وأهلها، إنّما (¬3) لا يجوز الإرسال إلا [من] (¬4) جنسهم لأجل اللبس والابتلاء، قال الله تعالى: {وَلَوْ جَعَلْناهُ (¬5)} مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ [الأنعام:9]. 97 - {عُمْياً وَبُكْماً:} قال الكلبيّ والضحاك: عن الحجة، {وَصُمًّا} عن الخبر. {خَبَتْ:} سكنت. وقيل: طفئت. (¬6) وقيل: سكن لهبها (¬7) وهي حية لم تبطل بعد. (¬8) أبو هريرة، عنه عليه السّلام: «يحشر الناس يوم القيامة، ثلاثة أصناف: صنفا (¬9) مشاة، وصنفا ركبانا، وصنفا على وجوههم»، قيل: يا رسول الله، وكيف يمشون على وجوههم؟ قال: «إنّهم يتّقون ¬
(195 و) بوجوههم كلّ حدب وشوك». (¬1) وعن بهز بن حكيم (¬2)، عن أبيه، عن جده، عن النبي عليه السّلام: «إنّكم محشورون (¬3) رجالا وركبانا، وتجرّون على وجوهكم». (¬4) 99 - {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ:} وجه الإلزام أنّهم كانوا معترفين بأنّ (¬5) الله خلق السماوات والأرض، وبأنّه قادر على أن يخلق مثلهم من ماء مهين، وبأنّه جعل لأعمارهم غاية ينتهى إليها، فوجب عليهم الاعتراف بقدرة الله على البعث، فإنّ البعث في الوهم دون ما اعترفوا بالقدرة عليها. 100 - {قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ:} اتصالها من حيث {أَبَعَثَ اللهُ بَشَراً رَسُولاً} [الإسراء:94] بخلوا (¬6) بنعمة الله وإنعامه على بشر مثلهم. {قَتُوراً:} بخيلا. يقال: قتر يقتر، وأقتر يقتر. (¬7) 101 - {وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ:} اتصالها من حيث اقتراحهم الآيات، أي: آتينا موسى تسع آيات من غير اقتراح، كما أنزلنا على محمد القرآن بالحقّ من غير اقتراح. عن صفوان بن عسّال (¬8): أنّ يهوديين قال أحدهما لصاحبه: اذهب بنا إلى هذا النبيّ صلّى الله عليه وسلّم نسأله، فإنّه إن نسمع بقول نبيّ كان له أربعة أعين (¬9)، فأتيا النبيّ عليه السّلام فسألاه عن قوله: {وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ. . .،} فقال رسول الله عليه السّلام: «لا تشركوا بالله شيئا، ولا تزنوا، ولا تقتلوا النفس التي حرّم الله إلا بالحقّ، ولا تسرقوا، ولا تسحروا (¬10)، ولا تمشوا ببريء إلى ¬
السلطان فيقتله، ولا تأكلوا الربا، ولا تقذفوا محصنة (¬1)، ولا تفرّوا من الزحف، وعليكم اليهود خاصة أن (¬2) لا تعدوا في السبت»، فقبّلا يديه ورجليه، وقالا: نشهد أنّك نبيّ (¬3)، قال: «فما يمنعكما أن تسلما؟» قالا: إنّ داود عليه السّلام دعا الله أن لا يزال في ذريته نبيّ، وإنّا نخاف أن يقتلنا اليهود. وقال أبو عيسى (¬4): هذا حديث حسن صحيح. (¬5) لاعتراف اليهوديين به، وشهادة ظاهر القرآن له من وجهين: أحدهما: قوله: {فَسْئَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ إِذْ جاءَهُمْ} وموسى لم يجئ بني إسرائيل بالطوفان والجراد والقمّل، ولكنّه جاءهم بالأمر والنهي. والثاني: قوله: {وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ. . .} [الإسراء:105] على هذه القاعدة، والقرآن النازل بالحق إنّما هو أمر ونهي دون عذاب، ودعوة داود عليه السّلام صحيح أيضا مستجابة؛ لأنّ عيسى بن مريم، صلوات الله عليه، لم يقتل، ولم يصلب، ولم يمت بعد، وأما في سورة النمل عند قوله: {وَأَدْخِلْ (¬6)} يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آياتٍ [النمل:12] فمشكل جدا، يحتمل: أنّ المراد تسع مع اليد والعصا. ويحتمل: سوى اليد والعصا. ويحتمل: سوى العصا. وقد اختلفت الروايات عن ابن عباس، وروى عكرمة: اليد والعصا والطوفان والجراد والقمّل والضفادع والدم والسنون، ونقص من الأموال والأنفس والثمرات، وهو (195 ظ) قول الشعبي ومجاهد والكلبي. (¬7) ولا يبعد أن يكون (¬8) الجراد مع القمّل آية واحدة، والسنون مع نقص الثمرات آية واحدة. وروى سعيد بن جبير، عنه في قوله: {وَفَتَنّاكَ فُتُوناً} [طه:40] جملة الآيات غير محصورة، منها اليد والعصا والطوفان والجراد والقمّل والضفادع والدم، وفلق البحر، ونتق الجبل على بني إسرائيل، وما آتاهم الله في التيه من المطعم والمشرب والملبس. {مَسْحُوراً:} ساحرا، بدليل سائر النظائر. وقيل: مسحورا حقيقة؛ لقوله: {إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ} [الشعراء:27]. (¬9) ¬
102 - {هؤُلاءِ:} إشارة إلى التسع (¬1) اللواتي رواهنّ صفوان. (¬2) وقيل: إشارة إلى اليد والعصا، وسائر البراهين. {بَصائِرَ:} حال لهؤلاء. {مَثْبُوراً:} ممنوعا مصروفا عن الخير، هذا غاية في اللين والحلم والاحتمال. 104 - {اُسْكُنُوا الْأَرْضَ:} أرض مصر. وقيل: الأرض: أردن وفلسطين (¬3). {وَعْدُ الْآخِرَةِ:} هو البعث يوم القيامة. وقيل: هو نزول عيسى عليه السّلام. ويحتمل: خروج موسى بهم من مصر إلى قتال الجبابرة. {لَفِيفاً:} جميعا. 105 - {وَبِالْحَقِّ:} الصدق والصواب. {أَنْزَلْناهُ:} الضمير عائد إلى الهدى في قوله: {وَما مَنَعَ النّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى} [الإسراء:94]. وقيل: المراد به: الوحي. {وَبِالْحَقِّ نَزَلَ:} توكيد. 106 - {وَقُرْآناً:} الواو للعطف على قوله: {وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ} [الإسراء:105] أي: أنزلناه مقرونا أو متركّبا وداعيا بالحق وقرآنا. ويحتمل: أن تكون لعطف الجملة، وينصب القرآن بفعل مضمر كما في قوله: {وَإِيّايَ} (¬4) [البقرة:41]، والثاني (¬5): {فَاتَّقُونِ} [البقرة:41]، ومنه قوله: {وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ} [يس:39]. {عَلى مُكْثٍ:} لبث لتنذر، والمراد به نزول القرآن نجوما متفرّقة على سبيل المهلة والتراخي. 107 - {قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا:} على سبيل التهديد، كقوله: {فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف:29]. {إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ:} مؤمنو (¬6) أهل الكتاب، وورقة بن نوفل كان قد ¬
أدرك الوحي، وسمع القرآن، ووعد النصرة عند الدعوة، فما عاش إلى حين الدعوة، وعن أبي بكر بن حزم (¬1): لمّا هاج اليهوديّ فوق الأطم، يعني: الزبير بن بالما، هذا كوكب أحمر قد طلع، وهو كوكب لم يطلع إلا بالنبوّة. قيل لأبي قيس من بني عديّ بن النجار (¬2)، وكان يترهّب ويلبس المسوح: ما يقول هذا اليهوديّ؟ فقال: انتظاره الذي صنع بي هذا أنا أنتظره (¬3) حتى أصدقه وأتّبعه، قال ابن حزم: وكان أبو (¬4) قيس قد صدّق بالنبيّ عليه السّلام وهو بمكة، وكان (¬5) شيخا كبيرا، فلم يخرج حتى قدم النبيّ عليه السّلام. وعن زيد بن أسلم (¬6): أنّ أساقفة الحبشة استأذنوا النجاشيّ (¬7)، فوفدوا على (¬8) رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فكانوا (¬9) عشرين (¬10) رجلا، فوجدوه (¬11) عند المقام جالسا، فجلسوا إليه، (196 و) فكلّمه أسقف منهم، يقال له: طابور، وقال (¬12): أنت الذي تزعم أنّك رسول الله؟ قال: نعم، قال: إلى ما تدعو؟ قال: أدعو إلى الله وحده لا شريك له، وأنّ محمدا عبده ورسوله، ثم تلا القرآن، فبكوا حتى اخضلّوا لحاهم، فقال طابور: فإنّي أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وشهد أصحابه ما شهد، فلما قاموا اعترضهم أبو جهل وأمية بن خلف، فقالوا لهم: حيّاكم الله من ركب بعثكم من وراءكم (¬13) من أهل دينكم ترتادون لهم لتأتوهم بخبر الرجل، فلم يطمئنّ مجلسكم عنده حتى فارقتم دينكم (¬14)، وصدقتموه بما قال، وهو عندنا منذ عشر سنين ما استجاب له إلا غلام سفيه، وآخر لا مال له، ما نعلم ركبا أحمق منكم، قالوا: سلام عليكم، لا ¬
نجاهلكم، لنا ما نحن عليه، ولكم ما أنتم عليه، لم نأل أنفسنا خيرا، فأقاموا عند النبيّ عليه السّلام ثلاثا يغدون معه، ويروحون معه حتى علموا قرآنا كثيرا، ثم خرجوا مسلمين، وفيهم نزلت: {وَإِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ} [المائدة:83]، ورجعوا إلى النجاشيّ، فأخبروه بإسلامهم، وبأنّه نبيّ، فأسلم النجاشيّ، وأحسن جوار من كان عنده من أصحاب النبيّ عليه السّلام وازداد في دينه رغبة. (¬1) 107 - {وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ:} يقعون على الأذقان سجودا، واحده دقن. والمراد بالأذقان: الوجوه؛ لأنّ الإنسان يعتمد عليه من وجهه. ويحتمل: أنّه كان من أعضاء السجود، ثم نسخ بالجبهة والأنف. 108 - {إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا:} ما كان موعوده إلا موجودا بفعله، كائنا بتكوينه. 109 - قال كعب الأحبار: إنّ العبد لتحطّ عنه الخطايا ما دام ساجدا. 110 - {قُلِ اُدْعُوا اللهَ:} ابن عباس: نزلت الآية ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم مخيف بمكة، فكان إذا صلّى بأصحابه رفع صوته بالقرآن، فكان المشركون إذا سمعوا شتموا القرآن ومن أنزله، ومن جاء به، فقال الله لنبيّه عليه السّلام: {وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ،} أي: بقراءتك، فيسمع المشركون، فيسبوا القرآن، ومن أنزل، ومن جاء به، فقال: {وَلا تُخافِتْ بِها} عن أصحابك، {وَاِبْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً.} (¬2) وعن عروة (¬3)، قال: قالت خالتي عائشة: يا ابن أختي، أتدري فيما أنزلت: {وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها؟} قلت: لا، قالت: بالدعاء، قالت عائشة: {وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ} أي: بدعائك. وهي معنى قوله: {وَاُذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً (¬4)} وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ [الأعراف:205]. 111 - {وَقُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ:} أمر بالتحميد هاهنا؛ لنزول القرآن عليه، وإيمان أهل الكتاب به، وانقطاع المشركين في جداله. وقيل: لم يكن يؤمر بالتحميد، ولكنه أمر بالإخبار عن الله تعالى أنه محمود في صفاته لم يجانس شيئا، فيتخده ولدا، ولم يساوه شيء، فيكون معه شريكا، ولم يكن (196 ظ) ذليلا، فيحتاج من ذلة إلى غيره، فهو محمود في صفاته. ¬
سورة الكهف
سورة الكهف مكية. (¬1) وعن ابن عباس: إلا آية نزلت بالمدينة، وهي قوله: {وَاِصْبِرْ نَفْسَكَ. . .} [الكهف:28]. (¬2) وعن الحسن: إلا هذه الآية وقوله: {وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا} [الكهف:28]، وقصة ذي (¬3) القرنين. وهي مئة وخمس آيات في عدد أهل الحجاز. (¬4) بسم الله الرّحمن الرّحيم عن أبي الدرداء (¬5)، عنه عليه السّلام: «من حفظ أوّل الكهف عصم من فتنة الدجال». (¬6) وعنه مرفوعا: «من قرأ ثلاث آيات من أوّل الكهف عصم من الدجال». (¬7) وروي عنه عليه السّلام: «من قرأ عشر آيات من أوّل الكهف عصم من فتنة الدجال» (¬8). 1 - {وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ:} للكتاب (¬9) صفة عوج. قوله: {عِوَجاً} [الكهف:1] به. (¬10) 2 - {قَيِّماً:} مستقيما، وفيها تقديم وتأخير، تقديرها: أنزل على عبده الكتاب قيّما، ولم يجعله عوجا. (¬11) واتصال قوله: {قَيِّماً} بقوله: {لِيُنْذِرَ} أحسن اتّصال. ¬
5 - {ما لَهُمْ بِهِ:} بالله. {مِنْ عِلْمٍ:} حقيقة؛ لأنّهم لا يعرفونه ولا يعلمونه، وإن تلفّظوا بأسمائه. وقيل: عائد إلى اتخاذ الولد، وأراد به نفي الاتّخاذ (¬1)، ونفي (¬2) الولد، كقوله: ما أرى في الدار أحدا، نفى المرئيّ دون الرؤية. (¬3) {كَبُرَتْ:} كبيرة (¬4) مقالتهم: اتّخذ الله ولدا، فقال لهم مضمرة في هذا الفعل ملتبسة، والتاء دالّة عليه، ومعناه: عظمت كلمة، نصب على التفسير. 6 - {باخِعٌ:} قاتل ومهلك. {آثارِهِمْ:} خلفهم، وهم معرضون عنك. والأثر: رسم الشيء بعد مضيّه. {أَسَفاً:} أخّر لرؤوس الآي، والتقدير: باخع نفسك أسفا. 7 - {زِينَةً:} نصب على الحال، أو القطع، أو المفعول الثاني. {أَحْسَنُ عَمَلاً:} هو الصبر والشكر على موجودها عنده (¬5). عبد الله بن عمرو، عنه عليه السّلام: «خصلتان من كانتا فيه كتبه الله شاكرا صابرا، ومن لم يكونا فيه لم يكتبه الله شاكرا (¬6) ولا صابرا: من نظر في دينه إلى من هو فوقه فاقتدى به، ونظر في دنياه إلى من هو دونه فحمد الله على ما فضّله به عليه، كتبه الله شاكرا صابرا، ومن نظر في دينه إلى من هو دونه، ونظر في دنياه إلى من هو فوقه فأسف على ما فاته منها (¬7) لم يكتب (¬8) شاكرا ولا صابرا». (¬9) وذكر حديث (¬10) ثلاثة من (¬11) بني إسرائيل: أبرص وأعمى وأقرع، على ما في الصحيحين. (¬12) ¬
8 - {جُرُزاً:} مكانا لم يصبه المطر. وقيل: غليظة يابسة لا نبت فيها. (¬1) وقيل: كأنّه أكل نباتها. (¬2) وأوانه: إمّا عند خروج يأجوج ومأجوج، وإمّا عند انقطاع (197 و) الحرث والنسل، وإمّا عند البعث {يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ ما قَدَّمَتْ يَداهُ. . .} الآية [النبأ:40]. 9 - {أَمْ:} بمعنى الاستفهام (¬3). وإنّما لم يكونوا من آيات (¬4) الله عجبا (¬5)؛ لجريان سنة الله بالكرامات. وأصحاب الكهف فتية من اليونانية، واليونانية: حيل من الناس كانوا يسكنون بلاد الروم، ويختلطون بهم، والاختلاف بينهم كالاختلاف بين القحطانية والعدنانية، وكانوا معنيّين بعلم الفلسفة مختلفين فيها، فمنهم موحّد، ومنهم مشرك، وكان ذو القرنين منهم، فلمّا توفّاه الله امتنع ابنه عن المملكة، فورث (¬6) ملكه البطالمة. فاسم بطليموس الأوّل لوغوس، وكان ملكه ثمانيا وثلاثين سنة، واسم بطليموس الثاني دقيانوس، وكان ملكه أربعين سنة، وكان مشركا، فابتدأ أمر هؤلاء الفتية في زمانه، وكانوا قد هربوا منه، وامتدّ سلطان البطالمة من بعد دقيانوس إلى نيّف وستين ومئة سنة، ثمّ زال (¬7) ملكهم، وتحوّل أمر الروم إلى القياصرة من أولاد عيصو بن إسحاق بن إبراهيم (¬8)، وأوّلهم أغسطوس، وفي عصره كان ميلاد عيسى عليه السّلام، وانتهت مدّة هؤلاء الفتية في الكهف إلى نهايتها، والقياصرة يومئذ على النصرانيّة. و {الْكَهْفِ:} الغار. {وَالرَّقِيمِ:} قرية عند الكهف. وقال الفرّاء: اللوح من رصاص فيه قصّتهم وأسماؤهم. (¬9) 10 - {إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ:} الكلبيّ، عن أبي صالح، عن ابن عباس: مدينة بالروم ظهر عليها ملك من الملوك كافر، يقال له: دقيانوس، على قريتهم وأرضهم، وهي تسمّى ¬
أفسوس (¬1)، فجعل يدعوهم إلى عبادة الأوثان، وجعل يقتّلهم، فمن كفر بالله، واتّبع دينه تركه، فهدى الله شابّا من أهل تلك المدينة إلى دين الإسلام، فجعل يدعوهم سرّا حتى تابع على ذلك ستّة أغلمة، ففطن بهم الملك، فأرسل إليهم، فأخذهم، فدفعهم إلى آبائهم يحفظونهم حتى يرسل إليهم من يطلبهم من آبائهم، فأرسل إليهم، فهربوا، فقالت الآباء: والله لقد خرجوا من عندنا بالأمس، فلا ندري أين هم؟ ومرّوا بغلام راع (¬2) ومعه كلب له، فدعوه إلى أمرهم، فأعجبه ذلك، فتابعهم عليه، ومضى معهم، وتبعه (¬3) كلبه، واسم كلبه قطمير، حتى أتوا غار كهف في مفيئه (¬4)، فدخلوا فيه، ثمّ أرسلوا بعضهم إلى السوق يشتري لهم (¬5) طعاما من السوق، قال: وركب الملك (197 ظ) والناس معه لطلبهم يسألون عنهم (¬6)، فسمع رسولهم بذلك، فعجّل أن يشتري لهم كلّ الذي أرادوا، واشترى بعضا، فأتاهم به، فأخبرهم: أنّ الملك والناس في طلبكم، فأكلوا ممّا أتاهم به، ولم يشبعوا، فقالوا: {رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا رَشَداً،} يقول: مخرجا، ثمّ ناموا على جوعهم، فضرب الله على آذانهم بالنوم سنين عددا، ثلاث مئة وتسع سنين. وقال: ويسير الملك والناس معه يقفون آثارهم حتى انتهوا إلى باب الكهف، فوجدوا آثارهم داخلين، ولم يجدوا آثارهم خارجين، فدخلوا الكهف، فطلبوهم، فعمّى الله عليهم أبصارهم، فلم يجدوا شيئا، فقال دقيانوس: سدّوا عليهم باب الكهف حتى يموتوا فيه، فيكون قبورهم إن كانوا فيه نياما، ثلاث مئة وتسع سنين، ويقلّبون في كلّ عام مرّة مخافة أن تأكل الأرض لحومهم. وعن مجاهد: أنّهم مكثوا ثلاث مئة عام على شقّ واحد، وقلّبوا في تسع سنين. قال الكلبيّ: ثمّ انصرف الملك والناس حين سدّوا عليهم الكهف إلى مدينة أفسوس، وعمد رجلان مسلمان يكتمان إيمانهما من دقيانوس الكافر حين انصرف الجبار، وعمدا إلى اللوح من رصاص، فكتبا فيه أسماء الفتية وأسماء آبائهم ومدينتهم، وأنّهم خرجوا فرارا من دقيانوس الملك الكافر، فمن ظهر عليهم فإنّهم مسلمون، ثمّ ألزقاه في السّدّ من داخل الكهف، وكان دقيانوس أظهر علامات الكفر بالمدينة، وقد دخل الفتية وهم يرونها، وكانوا كلّما غزا ملك تلك المدينة (¬7) وظهر عليها أظهر علاماته، إن كان مسلما أظهر علامات ¬
المسلمين، وإن كان كافرا أظهر علامات المشركين، ثمّ إنّ صاحب الأرض التي كان فيها احتاج إلى أن يبني حظيرة (¬1) لغنمه، فهدم ذلك السّدّ (¬2)، فبنى لغنمه، فكان باب السدّ مفتوحا، وقد اختلف الناس، فقال قائلون: لا تقوم الساعة، وليست بشيء، وقال الآخرون: هي كائنة حقّا، ثمّ استيقظوا بعد ثلاث مئة سنة وتسع سنين على جوعهم الذي ناموا عليه، فنظر مكسلمينا وهو سيّدهم إلى الشمس قد زالت (¬3) عن مكانها الذي كانت حين دخلوا، فقال: كم لبثتم؟ فقالوا: لبثنا يوما أو بعض يوم. وأسماؤهم (¬4): يمليخا ومرطوس ونوايس (¬5) وساريبوس وكشفوططيبوط وبطيمونسوس، قالوا: ربّكم أعلم بما لبثتم، وقال مكسلمينا: {فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هذِهِ} (198 و) {إِلَى الْمَدِينَةِ} [الكهف:19]، وهم يرون ملكهم دقيانوس كما هو عليه، {فَلْيَنْظُرْ أَيُّها أَزْكى طَعاماً} [الكهف:19]، يقول (¬6): أيّها أحلّ ذبيحة؛ لأنّ عامّتهم كانوا مجوسا يوم دخلوا الكهف، {فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ} [الكهف:19]، يقول: طعاما منه، {وَلْيَتَلَطَّفْ} في الشراء (¬7)، {وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً} [الكهف:19] يقول: لا يعلمنّ بكم أحدا (¬8) من المجوس، {إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ} [الكهف:20] يقول: في دينهم الشرك بالمجوسيّة، {وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذاً أَبَداً} [الكهف:20]، قال: فخرج رسولهم يمليخا، فلما انتهى إلى باب السدّ إذا حجارة مكسورة على بابه، فقال: إنّ هذا الشيء ما رأيناه، وكان صاحب الكهف هدمه، واسمه زندليس (¬9)، بنى حضيرة لغنمه (¬10)، فقال (¬11): إنّ هذا ما رأيناه أمس حين دخلنا، فكان أوّل شيء أنكره (¬12)، وأنكر الطريق، قال: ¬
فرجع إليهم، فأخبرهم بالحجارة، فأنكروه، وأنكروا (¬1) الطريق، فقال مكسلمينا عند ذلك: {رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما لَبِثْتُمْ} [الكهف:19]، ثمّ مضى يمليخا حتى أتى السوق، ولا يعرف أحدا من أهلها، وإذا ملك من الملوك مسلم، يقال له: يستفاد، قد غزا تلك المدينة، فظهر عليها، وكسّر علاماتها، وأظهر علامات المسلمين، فسأل يمليخا: أيّ مدينة هذه؟ قالوا: هذه مدينة أفسوس، قال: فأيّ رستاق هذا؟ فأخبروه، قال: فقال: لقد أصابنا شيء، إنّ هذه لمدينتنا، وإنّ هذه لرستاقنا ما أعرفهما ولا أهاليهما، قال: ثمّ أتى خبّازا وهو يخبز، فقال: يا خبّاز بعني من طعامك هذا، وأخرج ورقه، فلما رآها الخباز أنكرها، وأنكر الرجل، فقال: إنّي لأنكرك، فمن أين لك هذه الدراهم؟ فقال له يمليخا: ولم؟ قال: لأنّ معك دراهم دقيانوس الملك الكافر، وقد ضربت منذ ثلاث مئة سنة وتسع سنين، وأنكرك؛ لأنّك لا تشبه أهل قريتنا، إمّا أن تعطيني من هذا الكنز الذي وجدت، وإمّا أن أرافعك إلى ملكنا المسلم، يقال له: يستفاد الملك، فإنّك قد وجدت كنزا، إنّ هذه الدراهم لدراهم ما نعرفها، فكان كلّ ملك يحدث بعد آخر يضرب دراهمه كلّها على ضربه، فمن وجد معه غير تلك (¬2) الدراهم علم أنّه موجد كنزا، فلمّا وجدوا معه تلك الدراهم، قالوا: إنّه لكنز، فقال لهم يمليخا: إنّ هذه الدراهم ما خرجت بها (¬3) إلا أمس، فظنّ الخباز أنّه يتجانّ (198 ظ) عليه ليرسله، فقال: إنّك تتجانّ عليّ لأرسلك، والله لا أرسلك (¬4) حتى تعطيني من هذا الكنز، أو أرافعك إلى السلطان، فلمّا رآه لا يعطيه شيئا رفعه إلى ملكهم، فإذا هو رجل متعبّد مجتهد قائم على مسح يجتهد لربّه حين ردّ الله على أهل تلك المدينة دينكم كما كان، وقد جعل قاضيين فقيهين يهيّئان أمر الناس ويدبّرانه، فرفعه الملك إلى ذينك (¬5) القاضيين، فسألاه، فقال يمليخا: يجيء [إخوتي] (¬6) أو بنو عمي، أو بعض معارفي، وجعل يبكي فرقا أن يرفع إلى ملكهم الجبارّ الذي فرّ منه [فلما أدخل على القاضيين ولم ير الجبّار] (¬7) سكن، فقال له القاضيان: دلّنا على هذه الكنز وإلاّ عذّبناك، فقال: ما هذا بكنز، إنّما خرجت أنا وأصحاب لي عشية أمس هاربين من الملك دقيانوس، فقالا له: إنّك رجل شابّ، وذلك الملك قد مضى منذ دهر طويل! قال: فقالوا: مجنون، فرفعوه إلى ملكهم، فسأله (¬8)، فقال له: من أين ¬
لك هذه الدراهم؟ قال: خرجت بها معي عشيّة أمس أنا وأصحاب لي هاربين من دقيانوس، وها هو ذي أصحابي، فانطلقوا إليهم، قال: وجاع أصحابه جوعا شديدا حين أبطأ عليهم، فقال الملك: قد عرفت أنّك إنما ترى أنّك مجنون لأرسلك، وما أنا بالذي أرسلك حتى تخبر من أين هذه الدراهم؟ أخبرنا بقصّتها، فقصّ عليه أمره وأمر أصحابه، فقال أناس من المسلمين قد أخبروا بقصتهم (¬1): إنّ آباءنا قد أخبرونا أنّ فتية خرجوا بدينهم، وهم مسلمون فرارا من دقيانوس، وإنّا والله ما ندري لعلّه صادق، فاركب، فانظر لعلّه شيء أراد الله أن يظهرك عليه، وأن يكون في ولايتك، فركب الملك، وركب معه الناس المسلمون (¬2) والكافرون حتى انتهوا إلى الكهف، فدخل صاحبهم، وهم يبكون، فأخبرهم بأمره الذي لقي، وقال: لقد (199 و) أتاكم الملك فعانق بعضهم بعضا يبكون، ولا يشكّون أنّه الملك الجبار الكافر الأوّل، فدخل عليهم الملك والناس يسألونهم عن أمرهم، وقصّوا عليهم قصّتهم، والذي فرّوا منه، فنظروا فإذا اللوح (¬3) الرصاص الذي كتبه المسلمان فيه أسماؤهم وأسماء آبائهم ودينهم وفرارهم من دقيانوس الملك الكافر، فقال (¬4): قوم هلكوا في زمان دقيانوس، فأحياهم الله في زماني، فحسبوا ذلك، فوجدوا ثلاث مئة وتسع سنين، فلم يبق مع الملك أحد إلا أسلم إذ رآهم، فبينا (¬5) هم إذ ماتوا، فضرب الله على آذانهم بالنوم، ثمّ تنازع فيه المسلمون الأول أصحاب الملك قبل أن يأتوا الكهف، والمسلمون الذين أسلموا حين رأوهم، فقال المسلمون الآخرون: {اِبْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْياناً رَبُّهُمْ أَعْلَمُ} [الكهف:21]، و {قالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلى أَمْرِهِمْ} [الكهف:21] (¬6) الملك والمسلمون الأوّلون معه: {لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً} [الكهف:21]، قال: فبنوا على الكهف مسجدا، ثمّ قال الملك المسلم وأصحابه المسلمون الأوّلون: مكثوا في الكهف ثلاث مئة سنين وتسع سنين، وقال المسلمون الآخرون: بل مكثوا كذا وكذا، فقال المسلمون الذين مع الملك: الله أعلم بما لبثوا في الكهف، فذلك قوله: {ثُمَّ بَعَثْناهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى لِما لَبِثُوا} [الكهف:12]، أيّ الفريقين أحفظ لما لبثوا. (¬7) المراد بالمسلمين النصارى، وإنّما سمّاهم ابن عباس مسلمين؛ لأنّهم لم يكونوا يقولون ¬
في عيسى قول النصارى. 11 - {فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ:} ختما عليها بما يمنعها النوم السمع (¬1). 12 - وهذا النوم {أَمَداً:} غاية، نصب على التفسير {لِما لَبِثُوا.} 13 - {وَزِدْناهُمْ} (199 ظ) {هُدىً:} أي: هدايتهم، أي: هداية قومهم الاعتراف بالصانع، وهدايتهم توحيد الصانع إذا كانوا على مجلس يحويهم. 14 - {شَطَطاً:} جورا. 16 - {وَما يَعْبُدُونَ:} معطوف على الضمير المنصوب المتّصل بالاعتزال، والاستثناء على سبيل المجاز؛ لأنّ المشركين كانوا يعبدون الله على سبيل المجاز بما يظهرون من الخضوع كما يعبدون أوثانهم، وإن كانت عادتهم في الحقيقة تقع معصية بمخالفتهم الأمر. 17 - {تَتَزاوَرُ:} تمايل (¬2) وتزايل. {تَقْرِضُهُمْ:} تحدوهم، يقال: حدوته وقرضته ذات اليمين. {فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ:} فرجة من الكهف. 18 - {أَيْقاظاً:} جمع يقظ، وهو المتنبّه. {وَهُمْ رُقُودٌ:} جمع راقد، وهو النّائم. {ذِراعَيْهِ:} ذراع اسم يشتمل على الكفّ إلى المرفق. {بِالْوَصِيدِ:} فناء البيت عند العتبة. وفائدة ذكر الكلب: بقاؤه في تلك المدّة على تلك الحال من جملة الآيات، فصار كالحمار والبقرة (¬3) المذكورين في سورة البقرة (¬4)، أو ذكر الكلب كان موجودا في قصّتهم عند أهل الكتاب كعدّة الملائكة تسعة عشر. {فِراراً:} هربا، نصب على التفسير. {رُعْباً:} نصب على أنّه مفعول ثان (¬5)، ألبسهم الله المهابة؛ كيلا يدنو منهم أحد. ¬
19 - {بِوَرِقِكُمْ:} دراهمكم. {أَيُّها:} أيّ الأطعمة. {أَزْكى:} أطهر وأنظف. {وَلْيَتَلَطَّفْ:} وليتكلّف اللطف في القول والعمل؛ كيلا نفتضح. 22 - {سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ:} الكلبيّ، عن أبي صالح، عن ابن عباس رضي الله عنهما: أنّ حبري أهل نجران، وهما السيد والعاقب، قدما بمن معهما على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فكان السيد مار يعقوبيا، والعاقب نسطوريا، فسألهم نبيّ الله عن عدد أصحاب الكهف؟ فقال السيد وأصحابه: ثلاثة رابعهم كلبهم، وقال العاقب: خمسة سادسهم كلبهم. (¬1) {رَجْماً:} ظنّا. {بِالْغَيْبِ:} ولا علم لهم به. فلمّا رأى الله ذلك منهم قال لنبيّه عليه السّلام: {سَبْعَةٌ وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ.} {قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ:} قال ابن عباس: أنا من جملة (200 و) أولئك القليل الذي استثنى الله منهم، فهم ثمانية: سبعة سوى الكلب. (¬2) والواو في {وَثامِنُهُمْ} للاستئناف، كما في قصة بلقيس {وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ} [النمل:34]. {مِراءً ظاهِراً:} جدالا على وجه يشترك فيه الخاصّ والعامّ. والنهي عن الاستفتاء (¬3) منهم؛ لقطع الجدال (¬4). 23 - {وَلا تَقُولَنَّ} (¬5): نهي للنبيّ عليه السّلام حين قال: أخبركم غدا الأشياء الثلاثة التي ذكرناها في بني إسرائيل، وكان الوحي قد احتبس لذلك. وفي الآية رد على القدرية، وهي متّصلة بما يليها. 24 - {وَاُذْكُرْ:} الاستثناء بمشيئة الله. {إِذا نَسِيتَ:} الاستثناء والتوقيت من مجاز الكلام، والمراد به الشرط، والحال يدلّ عليه، ¬
فإنّ الذكر والنسيان لا يجتمعان في وقت واحد (¬1)، والتقدير فيه: إن نسيت الاستثناء عند القول فاستثن عقيب قولك. {عَسى أَنْ يَهْدِيَنِ} (¬2): يدلّني إلى ما يكون أقرب إلى الصواب من قولهم. 25 - {وَاِزْدَادُوا تِسْعاً:} قيل: ازدادوا [في] تلبّثهم تسع ليال. وقيل: تسع سنين. (¬3) وقيل: لم يلبثوا إلا ثلاث مئة سنة، ولكنّ الناس ازداودوا عليها تسعا في الاحصاء. (¬4) والمرويّ عن ابن عباس رضي الله عنهما: تسع سنين. (¬5) 26 - {أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ:} صورته صورة الأمر، والمراد به التعجّب، أي: ما أبصره، وهو جامد، يجري مجرى الحروف. 27 - {مُلْتَحَداً:} معدلا وملجأ. 28 - {وَاِصْبِرْ نَفْسَكَ:} نزلت فيمن نزلت [فيهم] (¬6) آيات الأنعام (¬7)، وفيها زيادة إنعام، وهي نهي العينين عن أن يجاوزاهم إلى غيرهم من أبناء الدنيا. وفي ذلك دلالة على كونهم شهداء رسول الله. وقيل: عينيه في الأرض بعد اتّصافه ليلة المعراج بقوله: {إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى} الآية [النجم:16]، ولم يستحقّوا هذه الرتبة إلاّ بعد ما طاشت لدينهم ودنياهم، وتلاشت نفوسهم في محيّاهم. {وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا:} ردّ على القدرية، وهي في شأن أبي جهل وأمثاله. {فُرُطاً:} ضائعا منها ونابه. أبو عبيدة: ندما. (¬8) وقيل: (200 ظ) سرفا. (¬9) 29 - {وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ:} المأمور بالقول لهم هم الذين أمّلوا (¬10) رسول الله ¬
الإيمان به إن أعرض [عن] (¬1) الفقراء، كقوله تعالى: {لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ} [البقرة:256]. و (السّرادق): الحائط من المدر والوبر. {يُغاثُوا:} على سبيل المجاز لازدواج الكلام. و (المهل): ذائب الرصاص والصفر ونحوهما. وقيل: هي درديّ (¬2) الزيت. (¬3) وقيل: الصديد. (¬4) {وَساءَتْ مُرْتَفَقاً:} أي: ساءت النار مرتفقا (¬5). 31 - {مِنْ أَساوِرَ:} من صلة أو تبعيض، و {مِنْ ذَهَبٍ:} من للتجنيس. {أَساوِرَ} جمع إسورة، وإسورة: جمع سوار (¬6)، والسّوار: القلب، وهو زينة الذراعين. {مِنْ سُنْدُسٍ:} رقيق الديباج. {وَإِسْتَبْرَقٍ:} غليظه. {الْأَرائِكِ:} جمع أريكة. ثعلب: هي السرير في الحجلة. (¬7) الأزهريّ: كلّ ما اتكأت عليه. 32 - {وَاِضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً رَجُلَيْنِ:} كانا من بني إسرائيل، وكانا أخوين، اسم أحدهما يهوذا، واسم الآخر يوقطروس، وكان أحدهما مسلما، والآخر كافرا، وقد ورثا من أبيهما مالا، فأمّا المؤمن فأنفق حصّته في سبيل الله حتى افتقر، وأمّا الكافر فاشترى بحصّته الضياع والكراع (¬8) والمتاع حتى كثر ماله، وحسنت حاله، وافتقر أخوه إلى نفقته، فتعرّض له، وكان من قصته (¬9) ما نطق به الكتاب. (¬10) ¬
{وَحَفَفْناهُما:} أي: أحدقنا بهما. 33 - كلا وكلتا: اسمان موحّدان في اللّفظ، ومعناهما التّثنية، وألفهما كألف على (¬1) وإلى، ويكون خبرهما (¬2) منفردا (¬3)، والمعنى: كلّ واحد، أو كلّ واحدة منهما كذا وكذا. 34 - {يُحاوِرُهُ:} يراجعه في الكلام. (النّفر): الخول والولد دون العشيرة، وأنّهما كانا في العشيرة سواء. 35 - {أَنْ تَبِيدَ:} تهلك، قاله حماقة وغفلة، أو اعتقادا في الطوالع. وقيل: {هذِهِ} إشارة، وهذا أشبه بظاهر كلامه وإنكاره قيام الساعة. 36 - {لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْها مُنْقَلَباً:} طمع الخبيث في خير مع كفره بقيام الساعة؛ لاعتقاده بأنّ الساعة إن كانت حقّا فسيشفع له (¬4) شركاؤه الذين يدعوهم من دون الله، أو لاعتقاده بأنّ ابتغاء مرضاة الله في عمارة العالم، وتثمير الأموال دون الإيمان والإحسان. (201 و) 37 - {أَكَفَرْتَ:} هذا حكم بالكفر، وأنكر عليه لإنكاره خراب الدنيا، والتحوّل إلى العقبى، ويحتمل: أنّه لم يحكم به، ولكن استفهم، واستعلمه أهو كافر حيث رآه ينكر البعث والنشور، ولا يعترف بأنّ النعمة من الله إن شاء أسبلها (¬5). 38 - {هُوَ اللهُ (¬6)} رَبِّي: ضمير الأمر والبيان. اسم الله تعالى في محلّ الرفع على سبيل الابتداء، واسم الله كالبدل منه، أو كالبيان به. وقيل: هو ضمير الأمر والشأن. (¬7) 39 - {ما شاءَ اللهُ:} مبتدأ، أي: ما شاء الله كان. وقيل: خبر، أي: هذه ما شاء الله. (¬8) {إِنْ تَرَنِ:} شرط لقوله: {ما شاءَ اللهُ لا قُوَّةَ إِلاّ بِاللهِ} (¬9)؛ لأنّ رؤية المجالس الفقير داعية إلى الشكر والاعتبار. ¬
{أَنَا:} عماد. وقيل: توكيد لا محلّ له من الإعراب كالضمير المتّصل في قوله: {وَإِيّايَ فَاتَّقُونِ} [البقرة:41]. (¬1) 40 - {حُسْباناً:} ابن عرفة: عذابا. (¬2) الأزهريّ: المرامي الصغار من برد أو حجارة أو نحوها. وحسبان: القسيّ معروفة. {صَعِيداً زَلَقاً:} مزلّة (¬3) ملساء لا تثبت فيها قدم، يقال: زلق رأسه إذا حلق. 42 - {يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ:} عبارة عن غاية التأسّف، كما أن صكّ الوجه عبارة عن غاية التعجّب. 44 - {هُنالِكَ:} إشارة إلى الساعة التي أنكر الكافر قيامها، وهذه الإشارة يجوز أن تكون من جهة المؤمن، ويجوز أن تكون من جهة الله تعالى. {هُوَ خَيْرٌ ثَواباً:} مثيب ومعقب، إثابة وإعقابا. و (العقب): العاقبة. 45 - {هَشِيماً:} ما تكسّر وتفتّت من النبات بالدوس وغيره، والهشام الكسر. {تَذْرُوهُ:} أجزاؤه في الهواء بسرعة وتفريق. 46 - إبراهيم في قوله: {وَالْباقِياتُ الصّالِحاتُ} قال: سبحان الله والحمد لله، ولا إله إلا الله والله أكبر. (¬4) أبو هريرة، عنه عليه السّلام: «لأنّ أقول: سبحان الله والحمد لله، ولا إله إلى الله والله أكبر أحبّ إليّ ممّا طلعت عليه الشمس»، وقال: «هنّ الباقيات الصالحات». (¬5) ابن عمر: أنّ النبيّ عليه السّلام خرج على قومه، فقال: «خذوا جنّتكم»، فقالوا (¬6): يا رسول الله، من عدو حضر؟ قال: «بل من النار»، قالوا: وما جنّتنا من النار (¬7)؟ قال: سبحان الله والحمد لله، ولا إله إلا الله، ولا حول ولا قوة إلاّ بالله، فإنّهنّ يأتين يوم القيامة مقدمات ومجنّبات ومعقّبات، وهنّ الباقيات الصالحات». (¬8) وقيل: الباقيات الصالحات: الصلوات الخمس. (¬9) ¬
{أَمَلاً:} طمعا. 47 - {وَيَوْمَ:} واو العطف على قوله: {وَاِضْرِبْ} [الكهف:45]، والتقدير: واذكر يوم كذا. {نُسَيِّرُ الْجِبالَ:} وتسييرها قوله: {وَتَرَى الْجِبالَ. . .} الآية [النمل:88]، والمعنى فيه فسخ نظام الدنيا، وتسطيح العرصات، وتهويل الأمر، وما شاء الله من المعاني اللطيفة الخفيّة. عمرو بن دينار: لتسبيحة بحمد الله في صحيفة مؤمن يوم القيامة خير له من جبال الدنيا ذهبا. (¬1) {فَلَمْ نُغادِرْ:} أي: لم نترك، ولم نخلّف. 48 - {صَفًّا:} مصدر كالاصطفاف. وقيل: اسم (¬2)، وهو ترتّب بعض الأشياء بجنب بعض، والتشبيه بحيرتهم واشتغالهم بأنفسهم. 49 - {وَوُضِعَ الْكِتابُ:} في أيديهم، أو في موازينهم. {مُشْفِقِينَ:} خائفين: (201 ظ) {مالِ هذَا الْكِتابِ:} تعجّب. والاستثناء منقطع (¬3). 51 - {ما أَشْهَدْتُهُمْ:} عائد إلى إبليس وذريّته، وإلى كلّ معبود عبد من دون الله. {عَضُداً:} معينا. 52 - {مَوْبِقاً:} مهلكا، يقال: أوبقه، أي: أهلكه الله، والمراد به: الوصلة التي كانت بين المشركين وآلهتهم في الدنيا، أو النار يوم القيامة فيما بينهم يتهافتون فيها. 53 - {مُواقِعُوها:} النار والبحر اقتحامها. {لِلنّاسِ:} اسم جنس. 54 - {جَدَلاً:} فالجدل طبيعة (¬4) الإنس وإن تفاوتوا في ذلك، وقد وصف الله تعالى ¬
الصحابة بذلك، فقال: {يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ} [الأنفال:6]، قال عليه السّلام: «ثلاثة أتخوّفهم عليكم: فيض المال فيكم، وزلّة عالم (¬1)، ورجال يجادلون بالقرآن، فالنجاة من فيض المال الشكر، والنجاة من زلّة العالم أن ينتظر فتنة ولا يعمل بزلّته، والنجاة من الذين يجادلون بالقرآن أن يعمل بمحكمه، ويؤمن بمتشابهه». (¬2) 55 - {سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ:} قولهم: {أَبَعَثَ اللهُ بَشَراً رَسُولاً} [الإسراء:94]. وقوله: {أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ:} إلى أن يأتيهم العذاب، نظيره: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ} (¬3) [آل عمران:128]. 56 - {لِيُدْحِضُوا:} ليزلّوا، أو ليزلقوا، ومكان دحض، أي: زلق مزلّة. 58 - {لَوْ يُؤاخِذُهُمْ بِما كَسَبُوا:} أي: لو لم يحلم عنهم، وضيّق عليهم الأمر. {مَوْئِلاً:} منجى. قيل لعليّ: هلاّ احترزت من ظهرك؟ قال: فإذا أمكنت من ظهرك، فلا وألت. (¬4) 59 - {وَتِلْكَ:} إشارة إلى القريات التي ذكر إهلاكها في القرآن، ومن جملتها جنّة أحد الرجلين. {مَوْعِداً:} وقتا موقّتا لآجالهم عند الله تعالى. عن ابن عباس: أنّه تمارى هو والحرّ بن قيس بن [حصن الفزاريّ (¬5) في صاحب موسى، قال ابن عباس: هو خضر، فمرّ بهما] (¬6) أبيّ بن كعب، فدعاه ابن عباس فقال: إنّي تماريت وصاحبي هذا في صاحب موسى الذي سأل موسى السبيل إلى لقيه، هل سمعت رسول الله يذكر شأنه؟ قال: نعم، سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: بينا موسى في ملأ من بني إسرائيل إذ قام إليه رجل فقال: هل تعلم أحدا أعلم منك؟ فقال موسى: لا، فأوحى الله إلى موسى: بلى (¬7)، عبدنا خضر (¬8)، فسأل موسى السبيل إليه، فجعل له الحوت آية، وقيل: إذا فقدت الحوت ¬
فارجع، فإنّك ستلقاه، فكان يتبع أثر الحوت، فقال فتاه: {أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَما أَنْسانِيهُ إِلاَّ الشَّيْطانُ أَنْ أَذْكُرَهُ} [الكهف:63]، قال له موسى: {ذلِكَ ما كُنّا نَبْغِ فَارْتَدّا عَلى آثارِهِما قَصَصاً فَوَجَدا} [الكهف:64 - 65]، فكان من شأنهما الذي قصّ الله في كتابه. (¬1) عن سعيد بن جبير قال: قلت لابن عباس: إنّ نوفا البكاليّ يزعم أنّ موسى صاحب بني إسرائيل ليس بموسى صاحب الخضر، قال: كذب عدوّ الله، سمعت أبيّ بن كعب يقول: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: قام موسى خطيبا في بني إسرائيل فسئل أيّ الناس أعلم؟ فقال: أنا أعلم، (202 و) فعتب الله عليه إذ لم يردّ العلم إليه، فأوحى الله إليه أنّ عبدا من عبادي بمجمع البحرين هو أعلم منك، قال موسى عليه السّلام: أي ربّ، فكيف لي به؟ فقال: احمل حوتا في مكتل (¬2)، فحيث تفقد الحوت فهو ثمّ، فانطلق هو، وانطلق معه فتاه يوشع بن نون، فجعل موسى حوتا في مكتل، فانطلق هو وفتاه يمشيان حتى أتيا الصخرة، فرقد موسى وفتاه، فاضطرب الحوت في المكتل حتى خرج من المكتل (¬3)، فسقط في البحر، فقال: وأمسك عنه جرية الماء حتى كان مثل الطّاق، فكان للحوت ولموسى وفتاه عجبا، فانطلقا بقيّة يومهما وليلتهما، ونسي صاحب موسى أن يخبر، فلمّا أصبح {قالَ لِفَتاهُ آتِنا غَداءَنا لَقَدْ لَقِينا مِنْ سَفَرِنا هذا نَصَباً} [الكهف:62]، قال: ولم ينصب موسى حتى جاوز المكان الذي أمر به، فقال: {أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَما أَنْسانِيهُ إِلاَّ الشَّيْطانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاِتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً} [الكهف:63]، قال موسى: {ذلِكَ ما كُنّا نَبْغِ (¬4)} فَارْتَدّا عَلى آثارِهِما قَصَصاً [الكهف:64]، قال: يقصّان آثارهما، فقال سفيان: يزعم ناس أنّ تلك الصخرة عندها عين الحياة (¬5)، لا يصيب ماؤها شيئا إلا عاش. قال: وكان الحوت قد أكل منه، فلمّا قطر عليه الماء عاش، قال: فقفيا آثارهما حتى أتيا الصخرة، فرأى (¬6) رجلا مسجى عليه بثوب، فسلّم موسى، فقال: أنّي بأرضك السّلام، قال: أنا موسى، قال: موسى بني إسرائيل؟ قال: نعم، قال: يا موسى إنّك على علم من الله علّمكه الله لا أعلمه، وأنا على علم ¬
من الله علّمنيه الله لا تعلمه (¬1)، فقال موسى عليه السّلام: {هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمّا عُلِّمْتَ رُشْداً (66) قالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً (67) وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلى ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً (68) قالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ صابِراً وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْراً} قال له الخضر: {فَإِنِ اِتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْئَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً} (70) [الكهف:66 - 70]، قال: نعم، فانطلق الخضر وموسى عليهما السّلام يمشيان على ساحل البحر، فمرّت بهما سفينة، فكلماهم أن يحملوهما، فعرفوا الخضر، فحملوهما بغير نول، فعمد الخضر إلى لوح من ألواح السفينة فنزعه، قال موسى: قوم حملونا بغير نول فعمدت إلى سفينتهم فخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا، {قالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً (72) قالَ لا تُؤاخِذْنِي بِما نَسِيتُ وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً} (73) [الكهف:72 - 73]، ثم خرجا من السفينة، فبينا (¬2) هما يمشيان على الساحل إذا غلام يلعب مع الصبيان، فأخذ الخضر برأسه فاقتلعه بيده فقتله، فقال له موسى: {أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً (74) قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ} (202 ظ) {إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً} (75) [الكهف:74 - 75]، قال: وهذه أشدّ من الأولى (¬3)، {قالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَها فَلا تُصاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْراً (76) فَانْطَلَقا حَتّى إِذا أَتَيا أَهْلَ قَرْيَةٍ اِسْتَطْعَما أَهْلَها فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُما فَوَجَدا فِيها جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ} [الكهف:76 - 77] يقول: مائل، قال الخضر بيده هكذا فأقامه، قال له موسى: قوم أتيناهم فلم يضيّفونا، ولم يطعمونا، ولو شئت لاتّخذت عليه أجرا، {قالَ هذا فِراقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ ما لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً} [الكهف:78]، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: رحم الله موسى، لوددنا أنّه كان (¬4) صبر حتى يقصّ علينا من أخبارهم. وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: الأولى كانت (¬5) من موسى نسيانا. قال: وجاء (¬6) عصفور حتى وقع على حرف السفينة، ثمّ نقر في البحر، فقال له الخضر عليه السّلام: ما نقص علمي وعلمك من علم الله إلا مثل ما نقص هذا العصفور من البحر. (¬7) وذكر الكلبيّ هذا الحديث عن أبي صالح، عن ابن عباس ¬
موقوفا عليه، وذكر أنّ مجمع البحرين بحر فارس والروم، وذكر فيه عين الحياة، وذكر أنّ الخضر عليه السّلام قال لموسى حين التفت إليه: وعليك السّلام يا نبيّ بني إسرائيل، فقال موسى: ومن أخبرك بأنّي نبيّ بني إسرائيل؟ قال له الخضر: أخبر بذلك الذي أخبرك بي، فعرف موسى عند ذلك أنّ الخضر كان أعلم منه، وذكر بعد خرق السفينة: جلس موسى عليه السّلام يقول في نفسه: ما كنت أصنع؟ إن أتبع هذا الرجل يظلم هؤلاء القوم، وينقب سفينتهم، كنت في بني إسرائيل أقرأ عليهم كتاب الله غدوة وعشيّة، يقبلون منّي، فتركت ذلك، وصحبت هذا الذي يظلم هؤلاء، قال: فلمّا خرقها، وأخرج أهل السفينة متاعهم الجد، قال الخضر لموسى: حدّثتك نفسك بكذا وكذا، ثمّ رجعنا إلى تفسير الآية. 60 - {حُقُباً} (¬1): ابن عرفة: دهرا أو زمانا طويلا. (¬2) الأزهريّ في قوله: {لابِثِينَ فِيها أَحْقاباً} [النبأ:23]: جمع حقب، وهو ثمانون سنة. (¬3) صاحب الديوان: الحقبة واحده (¬4) الحقب، وهي السنون. (¬5) 61 - {سَرَباً:} مسلكا الذي يواري (¬6) ما يخفيه. 62 - {غَداءَنا:} طعام الغداة. 63 - {الصَّخْرَةِ:} الكتلة العظيمة من الحجر. {نَسِيتُ الْحُوتَ:} أي: ذكر أمر الحوت أنّه عاد حيّا، وتسرّب في الماء. وإنّما أسند الإنساء إلى الشيطان لكون النسيان سبب فوات المقصد الذي خرجا إليه. و {أَنْ أَذْكُرَهُ:} بدل عن الضمير في {أَنْسانِيهُ،} وتقديره: أن أذكره لك. {وَاِتَّخَذَ سَبِيلَهُ:} خبر منه لموسى عليه السّلام. (203 و) 65 - {رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا:} أي: النبوّة، يقول تعالى: {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ} [الزخرف:32]. وفيه دليل على نبوّة الخضر عليه السّلام، واختصاصه بأيّام مخصوصة. 66 - {أَتَّبِعُكَ:} أصحبك. ¬
68 - {خُبْراً:} علما. 69 - {إِنْ شاءَ اللهُ:} الاستثناء لمعنيين: أحدهما: أنّه سنة الأنبياء والأولياء في مواعيدهم. والثاني: وقوع التوهّم بأنّ طاعته عسى أن تكون طاعة لله تعالى، وأن تكون معصية، فإذا دخل الاستثناء نفي (¬1) الوعد حالة الموافقة، وانتفى حالة المضايقة. 70 - {حَتّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً:} أي: حيث ابتدأنا ذكرا منه. 71 - {إِمْراً:} شيئا عجبا مكروها كالداهية. 73 - {بِما نَسِيتُ:} ابن عباس، عن أبيّ بن كعب: لم ينس موسى، ولكنّه من معاريض الكلام. (¬2) والمراد بالنسيان المثبت فيما تقدم موضع النسيان، والمراد بالنسيان (¬3) المنفيّ هاهنا حقيقة النسيان. {لا تُرْهِقْنِي:} لا تعجلني. {عُسْراً:} نصب لقيامه مقام المصدر. 74 - {غُلاماً فَقَتَلَهُ:} ابن عباس، عن أبيّ بن كعب قال: الغلام الذي قتله الخضر طبع يوم طبع كافرا. (¬4) والجمع بين هذا وبين قوله: «كلّ مولود يولد على الفطرة» (¬5)، أنّ المراد بكفر الغلام كفر النّعمة، لا كفر الديانة، وخبث الطبيعة الراجعة إلى الكفر بعد حين. و (النّكر): ضدّ العرف. 77 - {أَهْلَ قَرْيَةٍ:} أنطاكيّة. {فِيها جِداراً:} بناء على القواعد. {يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ:} من مجاز الكلام، أي: يكاد الله أن يسقطه. والانقضاض: سقوط في انكسار. (¬6) 78 - قال الخضر: {هذا} أي: وقت فراق. ¬
79 - {وَكانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ:} الكلبيّ: اسم الملك جلندا. (¬1) وقيل: إن أولاد (¬2) آمد ميا فارقين من أصله، وهم الأكراد. وقيل: كان هذا الملك بأنطاكيّة، وكان عربيّا، واسمه المنذر بن جليد الأزديّ. 80 - {فَخَشِينا:} علمنا. 81 - {رُحْماً:} قال الكلبيّ: فولدت أمّ الغلام لأبيه جارية، تزوّجها نبيّ من الأنبياء، فولدت له ولدا (¬3) هدى الله به أمّة من الأمم. (¬4) 82 - {وَكانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما:} ابن عباس: كان صحف علم ليس بذهب ولا فضة. (¬5) وكان فيه مكتوب (¬6): عجبت لمن يوقن بالقدر كيف يحزن؟ وعجبت لمن يوقن بالموت كيف يفرح؟ وعجبت لمن يعرف الدنيا وتقلّبها بأهلها كيف يطمئنّ إليها؟ وعنه قال: كان لوحا (¬7) من ذهب فيه بسم الله الرحمن الرحيم، لا إله إلا الله أحمد رسول الله، عجبت لمن يعلم أنّه ميّت كيف يفرح؟ وعجبت لمن يوقن بالقدر كيف يحزن؟ وعجبت لمن يرى الدنيا وتصرّف أهلها حالا بعد حال كيف يطمئنّ إليها. وعن المسيّب، عمّن حدّثه قال: لمّا فارق الخضر موسى عليه السّلام أوصاه، فقال: انتزع، يا موسى، عن (¬8) اللّجاجة، ولا تمش في غير حاجة، ولا تضحك من غير عجب، ولا تعيّر (¬9) الخاطئين بخطاياهم، وابك (203 ظ) على خطيئتك يا ابن عمران. (¬10) ولفقراء (¬11) الله تعالى إشارة لطيفة إلى علمهم المختصّ بهم في مراتب خطاب الخضر عليه السّلام. قالوا: كأنّه خاطب موسى عليه السّلام أوّل مرّة من عندانيّة نفسه التي هي الحجاب، فقال: أردت أن أعيبها، وذلك لكراهية إسناد العيب (¬12) إلى الله تعالى، ولإيناس (¬13) المستمع ¬
بالمجانسة، وكأنّه خاطبه ثانيا من عندانيّة روحه التي هي درجة الاستناد في الإيهام والاتحاد، فقال: أردنا، وذلك لاستدراج المستمع إلى المقصود، وكأنّه خاطبه ثالثا من عند الآنيّة التي لا أينية لها، وهي عين التوحيد، وحقيقة التفريد، ثمّ كأنّه ردّ إلى موقف الحجاب بقوله: {وَما فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذلِكَ تَأْوِيلُ ما لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً،} وأنما ردّه إلى موقف الحجاب للإبقاء عليه حتى يبلغ الكتاب أجله. 83 - {وَيَسْئَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ:} عن عقبة بن عامر (¬1) قال: كنت أخدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فخرجت من عنده، فوجدت ناسا من أهل الكتاب معهم كتب ومصاحف، قالوا: استأذن لنا على محمد رسول الله، قال: فدخلت، فأخبرته بمكانهم، قال: «ما لي ولهم يسألونني عمّا لا أعلم، وإنّما أنا عبد لا أعلم شيئا إلاّ ما علّمني ربّي، أبغني وضوءا»، فتوضّأ، ثمّ دخل في مصلّى بيته، فصلّى ركعتين، فلم ينصرف حتى رأيت البشر في وجهه، فقال: «اخرج إليهم، فأذن لهم، وانظر من كان بالباب من أصحابي، فأدخله»، فلمّا دخلوا قال: «إن شئتم أنبأتكم بالذي جئتم له، وإن شئتم سألتموني فأخبركم»، قالوا: بل أخبرنا لأيّ شيء جئنا؟ وعن أيّ شيء نسألك؟ قال: «جئتموني تسألونني عن ذي القرنين، وكيف كان أوّل شأنه؟ فقال: وسأخبركم (¬2) ما تجدونه في كتابكم إن شاء الله، إنّه غلام من الروم، فأتى ساحلا من سواحل مصر، فبنى له مدينة، يقال لها: الاسكندرية، فلمّا فرغ من بنائه بعث الله إليه ملكا، فرفعه إلى السماء، فقال له: انظر ما ترى؟ فقال: أرى مدينتي قد اختلطت في المدائن، قال: ثم رفعه (¬3)، فقال: انظر ما ترى؟ قال: أرى مدينتي وحدها، ولا أرى غيرها، قال: هذه التي ترى الدنيا، والمدير بها البحر الأخضر، قيل له: فاذهب فحدّث العالم، وعلم الجاهل، قد جعل الله لك سلطانا، فانطلق حتى أتى مغرب الشمس، وأتى مطلعها، وأتى الدين، وهو جبلان زلقان يزلّ عنهما كلّ شيء، فبناهما، ثمّ أتى يأجوج ومأجوج (¬4)، ثمّ جاوزهما، فأتى على قوم قصار يقاتلون يأجوج ومأجوج، ثمّ جاوزهم، فوجد أمّة من الغرانيق (¬5) يقاتلون القوم الذي وجوههم على وجوه الكلاب، ثمّ جاوزهم، فوجد أمّة من الحيّات، الحيّة الواحدة تلتقم الصخرة العظيمة، ثمّ جاوزها حتى انتهى إلى البحر المستدير بالدنيا. فقالوا: نشهد (204 و) أنّا نجده هكذا. (¬6) ¬
قال: كان قد وقع السؤال عن الروح والكهف وذي القرنين، وقد وقع بمكة على ما قدمنا (¬1). والآيات فيها مكيّة، وهذا سؤالهم بالمدينة ثانيا. والاسكندر هو ذو القرنين الثاني، قال عمر بن الخطاب: هو ملك من الملائكة. (¬2) وقيل: متولّد بين عبري، وهو ملك، وبين قبريّ، وهي إنسيّة. وزعم المجوس: أنّه دارا بن بهمن بن أسفنديارين بنت قيلقوس. (¬3) وزعمت النصارى: أنّه من صلب قيلقوس، لا عرق للمجوس فيه. وهذا أصحّ. وذو القرنين الأوّل هو فريدون الذي يسمّى النمرود. وقيل: الضحاك. واختلف في الخضر عليه السّلام أنّه على مقدمة أيّهما كان حين وجد ماء الحيوان، وإنّما سمّي ذو القرنين الأوّل بذلك؛ لأنّه عاش، وامتدّ عمره حتى هلك قرن مع ابنه ابرح، وقرن مع ابنه منو شهرا، أو لأنّه بنى حصنين في (¬4) الدنيا، والحصون تسمّى قرونا وصياصي، أو لأنّه ملّك ابنه توس على المشرق، وابنه سلما على المغرب، فهما من الناس بمنزلة قرني ذوات القرون، أو لحديث الحيّتين على منكبيّ الضحاك. وإنّما سمّي الثاني بذلك لانتهائه إلى قرني المعمورة، وهما (¬5) طرفاها من مطلع الشمس عليها إلى مغربها، أو لطول حميتها على رأسها. وذكر الطحاويّ (¬6) في كتاب مشكل الأخبار (¬7)، عن أبي الطفيل (¬8) قال: قام عليّ على المنبر فقال: سلوني قبل أن لا تسألوني، ولن تسألوا بعدي مثلي، فقام إليه ابن الكوّاء (¬9)، فقال: ما كان ذو القرنين، أملكا كان أم نبيّا؟ قال: لم يكن ملكا ولا نبيّا، ولكنّه كان عبدا صالحا، أحبّ الله، فأحبّه، وناصح الله فناصحه، ضرب على قرنه الأيمن فمات، ثمّ بعثه الله، وضرب على قرنه الأيسر فمات، وفيكم مثله. وأراد بالقرن جانب الرأس. 85 - {فَأَتْبَعَ سَبَباً:} السبب: العلم الذي يوصل به إلى الشيء. ¬
(¬1) نهاية المعمورة من نحو الدبور متياسرة إلى الشمال. 86 - {فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ:} موضع من البحر المستدير، سخن ماؤه من أسن، وكثر فيه الحمأ من حرارة الشمس. قيل: غروبها في العين الحمئة الحقيقية. (¬2) وقيل: مجاز وتمثيل. (¬3) {قُلْنا:} بالإلهام. وقيل: هتف به هاتف بأمر الله تعالى. {إِمّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمّا أَنْ تَتَّخِذَ:} تمكين من الاختيار على الاختبار والابتلاء. 88 - {سَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنا يُسْراً:} من جهته يسرا قولا ميسورا يسكن بذلك، ويذهب رعبه. 90 - {مَطْلِعَ الشَّمْسِ:} نهاية (¬4) المعمورة من نحو الصّبا متيامنة إلى الجنوب. 91 - {كَذلِكَ وَقَدْ أَحَطْنا:} أي: هي كما نقصّه عليك، أو بلغ مطلع الشمس كما بلغ مغربها، أو لم يكن لهم من دونها سترا، كما لم يكن لأهل المغرب. (204 ظ) 94 - {قالُوا:} أي: على لسان التّرجمان. {يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ:} اسمان أعجميان كطالوت وجالوت وهاروت وماروت وهؤلاء القوم. وهذا الفجّ الذي سدّه ذو القرنين من نحو القطب الظاهر المحسوس الذي يسمّى قطب الشمال، وبلادهم باردة، وفيها جبال شامخة. 95 - {ما مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ:} دليل على امتناعه عن أخذ الجعل. {فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ:} بالآلات والرجال (¬5). {رَدْماً:} حاجزا. (¬6) 96 - {زُبَرَ الْحَدِيدِ:} قطع واحدتها زبرة. {جَعَلَهُ ناراً:} أي: كالنار بالإيقاد عليه. {قِطْراً:} نحاسا مذابا. ¬
97 - {أَنْ يَظْهَرُوهُ:} يعلوه. {نَقْباً:} تقبا وخرقا. زعم ابن المقنع: أنّ الاسكندر كتب على السدّ بسم الله الأعز الأكرم، بني هذا السدّ بقوة الله، وسيثبت (¬1) ما شاء الله، فإذا مضى مئة وستون من الألف الأخيرة انفتح هذا السدّ (¬2)، وذلك عند كثرة الخطايا والذنوب، تقطّع الأرحام، وقساوة القلوب، فيخرج من الأمم ما لا يحصيهم إلا الله تعالى، فيبلغون مغرب الشمس، فيأكلون جميع ما يصلون إليه حتى يفيضوا إلى الحشيش وورق الشجر، ويشربون جميع المياه حتى لا يدعوا حياة، فإذا بلغوا أرض كذا هلكوا عن آخرهم بإذن الله وأمره. عن أبي هريرة، عنه عليه السّلام في السّدّ قال: يحفرونه كلّ يوم حتى إذا كانوا يخرقونه قال الذي عليهم: ارجعوا فستخرقون غدا، قال: فيعيده (¬3) كأشدّ ما كان حتى إذا بلغ مدّتهم، وأراد الله (¬4) أن يبعثهم على الناس، قال الذي عليهم: ارجعوا، ستخرقون غدا إن شاء الله، واستثنى، فيرجعون، فيجدونه كهيئته حين تركوه، فيخرقونه، فيخرجون على الناس، فينشّفون المياه، ويفرّ الناس منهم، فيرمون سهامهم في السماء، فترجع مخضّبة بالدماء، فيقولون: قهرنا من في الأرض، وعلونا من في السماء قسوة وعلوّا، قال: فيبعث الله نغفا (¬5) في أقفائهم، فيهلكون، قال: فو الذي نفس محمد بيده، إنّ دوابّ الأرض لتسمن، وتبطر، وتسكر سكرا من لحومهم. (¬6) قال كعب: يمكث الناس بعد خروج يأجوج ومأجوج إلى الرخاء والخصب والدعة عشر سنين حتى الرجلين ليحملان الرمّانة الواحدة، ويحملان العنقود الواحد من العنب، فيمكثون على ذلك عشر سنين، قال: ثمّ بعث الله تعالى ريحا طيّبة لا تدع مؤمنا إلا قبضت روحه، ثمّ يبقى الناس بعد ذلك يتهارجون كما تتهارج الحمر في المروج، فيأتيهم أمر الله والساعة، وهم على ذلك. (¬7) 99 - {وَتَرَكْنا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ:} أراد الزمان. وقيل: بوصول يوم القيامة، فإنّ صدره من الدنيا، وأعجازه من الآخرة. (¬8) ¬
100 - {وَعَرَضْنا جَهَنَّمَ:} في معنى قوله (205 و) {وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغاوِينَ} [الشعراء:91]. 101 - {فِي غِطاءٍ:} وهو ما يستر الشيء كالغشاوة ونحوها. {عَنْ ذِكْرِي:} وهو ما نصبه الله تعالى من العلامات للتذكرة، أراد نفي الاستطاعة التي هي موقوفة على التوفيق دون الاستطاعة التي هي موقوفة على صحة البنية. 103 - {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ:} قال الكلبيّ: الخطاب للمؤمنين، والذي ضلّ سعيهم هم اليهود والنصارى. (¬1) وقيل: الخطاب لهم كما في قوله: {هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكَ} [المائدة:60]. (¬2) وفائدة الاستفهام استدراج المستمعين. 104 - {ضَلَّ:} حبط عند الله، أو عند المؤمنين وفي الآخرة. {سَعْيُهُمْ:} الذي سعوه في الحياة الدنيا، وكان عليّ رضي الله عنه يتأوّل هذه الآية في الخوارج. (¬3) 105 - {فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً:} أراد نفي السعي المتّزن. عن كعب بن عجرة (¬4) قال: يجاء بالرجل يوم القيامة، فيوزن بالحبّة فلا يزنها، ثمّ يوزن بجناح بعوضة فلا يزنها، ثمّ تلا هذه الآية. (¬5) 106 - {ذلِكَ} إشارة إلى النزل، فهو مبتدأ وخبره. وقيل: {ذلِكَ} إشارة إلى ما تقدم، أي: اعلم ذلك، ويكون {جَزاؤُهُمْ} مبتدأ منقطعا عما تقدم. (¬6) 107 - {جَنّاتُ الْفِرْدَوْسِ:} الفردوس: البستان بلغة الشام. قال الكلبيّ: الفردوس: أدنى الجنان منزلا. وزاد أبو حاتم أحمد بن حمدان (¬7) صاحب كتاب الزينة: أنّ طعام أهل ¬
الفردوس رأس الثور الذي عليه الأرض، وكبد النّون (¬1)، فذلك مقيل المؤمنين يوم القيامة، كما قال: {وَأَحْسَنُ مَقِيلاً} [الفرقان:24]. أبو أمامة الباهليّ (¬2): أنّ الفردوس سرّة الجنة. (¬3) وعن كعب: أنّها التي فيها الأعناب. (¬4) 108 - {حِوَلاً:} تحوّلا (¬5) وانتقالا، ولا وصف لطيب المكان أبلغ من نفي ابتغاء التحول عن نازلته، فإنّ الإنسان يسأم الحياة، فكيف بما دونها. 109 - {قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً:} قال الكلبيّ: نزلت في اليهود حيث أنكروا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قوله: {وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاّ قَلِيلاً} [الإسراء:85]. (¬6) والمداد والمدد: مصدران على سعة علمه، وقلّة علوم العالمين في جنب علمه (¬7). 110 - {قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ:} قيل: جاء رجل إلى النبيّ عليه السّلام فقال: يا رسول الله، إنّي لأصلّي (¬8) وأصوم، وأتصدّق وأصنع المعروف، وأنا والله أحبّ أن أذكر بذلك، قال: فسكت النبيّ عليه السّلام، فنزلت: {فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ. . .} الآية، قال: فأرسل النبيّ عليه السّلام إلى الرجل، فتلاها عليه. (¬9) قال: وكان أصحاب النبيّ عليه السّلام يقولون: ما نزلت إلا في الرياء (¬10). وعن سهل بن سعد الساعديّ (¬11) قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «المؤمن نيّته خير من عمله، وعمل المنافق خير من نيّته، وكلّ يعمل على نيّته، وليس من مؤمن يعمل عملا إلا سار في قلبه سورتان، فإن كانت الأولى لله، فلا تهدينّه (¬12) الآخرة» (¬13). ¬
وعن أبي (¬1) سعد بن أبي فضالة (205 ظ) الأنصاريّ قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إذا جمع الناس يوم القيامة ليوم لا ريب فيه نادى مناد (¬2): من كان أشرك في عمل عمله لله أحدا، فليطلب ثوابه عند غير الله، فإنّ الله أغنى الشركاء عن الشريك». (¬3) قال البراء بن عازب (¬4): بينما رجل يقرأ سورة الكهف إذا رأى دابّته تركض، فنظر فإذا مثل الغمامة أو السحابة (¬5)، فأتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فذكر ذلك له، فقال عليه السّلام: «تلك السّكينة نزلت مع القرآن، أو نزلت على القرآن». (¬6) وعن عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّه أوحي إليّ من قال: {فَمَنْ (¬7)} كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً كان له نور من عدن أبين (¬8) إلى مكة حشوه الملائكة». (¬9) ¬
سورة مريم
سورة مريم مكية. (¬1) وهي ثمان (¬2) وتسعون آية في غير عدد أهل مكة وإسماعيل. والله أعلم بذلك. بسم الله الرّحمن الرّحيم 1 - {كهيعص:} ابن عباس: هذه الحروف ثناء أثنى الله بها على نفسه، قال: كاف هاد عليّ صادق. (¬3) وروي عن ابن عباس: كاف من كريم (¬4)، وها من هاد، ويا من أمين، وعين من عليم، وصاد من صادق. (¬5) وعن سعيد بن جبير قال: كاف هاد أمين (¬6) عالم صادق. (¬7) قال الأمير: ويحتمل كفيناك هديناك يمنّاك (¬8) علّمناك صدّقناك، أو عصمناك، وأصلحناك. ويحتمل: أنّه يتّصل بما بعده، والتقدير: كتابنا هدانا بها العالم الصادق. 2 و3 - {ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيّا}. . . {نِداءً خَفِيًّا:} (¬9) قال عليه السّلام: «خير الدّعاء الخفيّ، وخير الرزق ما يكفي». (¬10) 4 - {وَاِشْتَعَلَ الرَّأْسُ:} شبّه بياض الشعر باشتعال (¬11) الفتيلة (¬12). {بِدُعائِكَ:} بعبادتك. {شَقِيًّا:} وإنّما قال ذلك لأحد معان (¬13) أربعة: إما لنفي ما أصابه من وهن العظم، وشيب الرأس أن يكون أصابه لمقاساته شدّة العبادة، واحتماله أعباءها كما في نبيّنا عليه السّلام ¬
{طه (1) ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى} (2) [طه:1 - 2]، وإما لنفي الخيبة عن نفسه، فإنّ الخائب هو الشقيّ، فكأنّه يقول: لم أكن بسبب عبادتي إيّاك، وإيماني بك خائبا من لطائف (¬1) صنعك، وإمّا لنفي الكفر عن نفسه، فكأنّه يقول: لم أكن بعبادتك وتوحيدك كافرا، فأنا متوسّل بذلك إليك، وإمّا لنفي الحرمان عن نفسه، فكأنه يقول: لم أكن في عبادتك محروما، فإنّك وفّقتني لها، ويسّرتها عليّ لأستأهل إجابة الدعوة منك. 5 - {وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ:} أن ينقرضوا، فإنّهم قد خفّوا وقلّوا، وأراد بنو الأعمام دون ذوي الأرحام. {يَرِثُنِي:} العلم والكتاب، فإنّ الأنبياء عليهم السّلام لم يورّثوا دينارا ولا درهما، وإنّما ورّثوا العلم، فمن أخذ العلم فقد أخذ بحظ وافر. (¬2) ويحتمل: أنّه أراد رتبة الحبورة، وشرف النبوّة (206 و) فإنّهما يختصّان بأهل بيت النبيّ عليه السّلام، ويحتمل: أنّه أراد النبوّة بعينها، أي: اجعله اللهمّ وارثا نبوّتي. {رَضِيًّا:} مرضيّ السيرة في حبورته وشرفه بخلاف الأحبار الذين يرتشون، ويحرّفون، ويبدّلون، وبخلاف الأشراف الذين يتعاطون (¬3) ما يحطّ من شرفهم، أو (¬4) اجعله نبيّا يرتضيه (¬5) الناس، فيؤمنوا به. {عَلَيَّ هَيِّنٌ:} يسير غير ممتنع. 9 - وفي قوله: {وَلَمْ تَكُ شَيْئاً} دلالة على أنّ حقيقة اسم الشيء غير منطلق على الموهوم في حدّ الليسيّة، وأنّ المعدوم غير كمين. وفيها ردّ على المعتزلة والدهريّة. 10 - {سَوِيًّا:} تماما. 12 - {يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ:} أي: التوراة والزبور، والوحي المختصّ بيحيى عليه السّلام. والمراد ب {الْحُكْمَ} حكم التوراة والزبور. ويحتمل: حكم انصياع (¬6) التائبين على يديه ¬
بماء الأردنّ، واستغفاره لهم. 13 - {وَحَناناً:} عطفا ورحمة ورزقا وبركة، تقول العرب: حنانك، وحنانيك ربّنا. 14 - {عَصِيًّا:} نعت من العصيان على وزن فعيل. 15 - {سَلامٌ:} مرتفع بالابتداء. أراد (¬1) التحية والدعاء، وذلك من الله تعالى إيجاب، فسلامة الميلاد في إحكام الفطرة، وسلامة الموت في إتمام الفطرة، وسلامة البعث في ختام الفطرة، فمن استحكمت طبيعته بحبّ الإيمان والإحسان، وكراهة الفسوق والعصيان، ومات ووصيّته هذا، بعث (¬2) مبيضّ الوجه، مشروح الجنان، قال: {وَسَلامٌ (¬3)} عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا. 16 - {وَاُذْكُرْ فِي الْكِتابِ مَرْيَمَ إِذِ اِنْتَبَذَتْ:} اعتزلت وجلست نبذة منهم. {مَكاناً:} موضع الكون. {شَرْقِيًّا:} ما يلي الشمس عند طلوعها. قال ابن عباس: لّما (¬4) بلغت مريم سنّة النساء في الحيض كانت تكون في بيتها في المسجد، قال: فبينما مريم في مشرفة لها في ناحية الدار بينها وبين أهلها حجاب، يعني: سترا، لتتطهّر وتمتشط، إذ دخل عليها جبريل عليه السّلام فتشبّه لها بشرا سويّا في صورة شابّ لم ينتقص (¬5)، فدنا منها، وأنكرت مكان الرجل في ذلك المكان، فقالت: {إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمنِ مِنْكَ} [مريم:18] أرادت التذكير والتحذير (¬6)، ألا ترى شرطت التقوى {إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا} [مريم:18] مطيعا لله، قال لها جبريل عليه السّلام: {أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيًّا} [مريم:19]، قالت (¬7) مريم لجبريل (¬8) عليه السّلام: يا سيّدي (¬9)، أنّى يكون لي ولد ولم يقربني زوج، ولم أك فاجرة؟ قال لها جبريل: {كَذلِكِ قالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ} [مريم:21]، أي: خلقه عليّ يسير، {وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنّاسِ} [مريم:21] في ولادته من غير أب، {وَكانَ أَمْراً مَقْضِيًّا} [مريم:21]، ¬
كائنا، فاطمأنّت مريم إلى قوله، فدنا منها فمدّ جيبها بأصبعه، ثمّ نفخ في جيبها، فوصلت تلك النفخة إلى بطنها، فحملت بعيسى عليه السّلام. 22 - {فَحَمَلَتْهُ:} اختلف في مدّة الحمل، فقيل: يوم واحد. (¬1) وقيل: ثمانية أشهر. (¬2) وقيل: تسعة (¬3) أشهر. (¬4) {مَكاناً قَصِيًّا:} هو أقصى دار خالتها. وقيل: موضع مجهول لا يعلم بها زكريّا. وقيل: ناصرة (¬5) دمشق. (206 ظ) وقيل: مصر. 23 - {فَأَجاءَهَا:} تعدية من المجيء. {الْمَخاضُ} (¬6): تمخّض الولد في بطن أمّه، وهو تحركه للخروج. {جِذْعِ النَّخْلَةِ:} ساقها، أراد جذعا يابسا (¬7). وإنّما قالت ذلك (¬8) لكراهتها الطبيعيّة المشقّة والأذى، لا لكراهتها الاعتقادية الكرامة والعلى. 24 - {فَناداها} (¬9): جبريل، كان واقفا في أسفل الربوة. وقيل: المنادي عليها عيسى عليه السّلام. (¬10) وهو الأشبه بظاهر [الآية] (¬11)، ويمكن الجمع، فقال: ناداها جبريل من لسان عيسى. ¬
و (السّريّ): الجدول يسري فيه الماء. وقال الحسن: الولد النجيب، يقال (¬1) [البحر الكامل]: ابن السّريّ إذا سرى أسراهما 25 - {وَهُزِّي} (¬2): حرّكي. {بِجِذْعِ:} الباء مقحمة كهي (¬3) في قوله: {تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ} [المؤمنون:20]. {رُطَباً} (¬4): يصير تمرا بالجفاف. و {جَنِيًّا} (¬5): مجتنى. 26 - {وَقَرِّي عَيْناً} (¬6): أي: طيبي نفسا، نصب على التفسير؛ لأنّ (¬7) الفعل في الحقيقة لها. {لِلرَّحْمنِ صَوْماً} (¬8): صمتا؛ لأنّه إمساك. وقوله: {فَقُولِي (¬9)} إِنِّي (¬10) فالإشارة أوقع نفسك بحيث يسمعونه (¬11) من غير مخاطبتك إيّاهم. 27 - {شَيْئاً فَرِيًّا:} أمرا عظيما مستعظما. وقيل: أمرا عجبا. (¬12) وفي الحديث: «ما رأيت عبقريّا يفري فريه». (¬13) 28 - {يا أُخْتَ هارُونَ} (¬14): قال الكلبيّ: أراد بهارون أخوها من أبيها. (¬15) عن المغيرة بن شعبة قال: بعثني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى أهل نجران، فقالوا لي: ألستم تقرؤون {يا أُخْتَ هارُونَ} بين موسى وعيسى وما كان، فلم أدر ما أجيبهم، فرجعت إلى النبيّ عليه السّلام فأخبرته، فقال: ¬
«ألا أخبرتهم أنّهم كانوا يتسمّون بأنبيائهم والصالحين قبلهم». (¬1) {أُمُّكِ بَغِيًّا:} مساعية بالفاحشة والبغاء، والمساعاة بها من كان حالة الوجود دون ما مضى. 29 - و (الإشارة): الإيماء، وهو النصّ بالدلالة على مشاهد، أو ما يقوم مقامه. {فِي الْمَهْدِ:} حالة المهد. وقيل: مهد في صخرة في بيت اللحم. 31 - {وَأَوْصانِي (¬2)} بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ (¬3) أي: الدعاء والصدقة. ويجوز أن يكون المراد بهما العبادتين المشروعتين على شريطة الإمكان. 32 - {وَبَرًّا:} عطف على قوله: {مُبارَكاً} (¬4) [مريم:31]. عن أمّ سلمة (¬5) زوج النبيّ عليه السّلام قالت: لّما نزلنا بأرض الحبشة جاورنا خير جار، أمنّا على ديننا، وعبدنا الله لا نؤدّى، ولا نسمع شيئا نكرهه حتى قدم عبد الله بن أبي ربيعة (¬6) وعمرو بن العاص (¬7)، فلم يبق بطريق، بطريق وبطارقة (¬8)، إلا وأوصلا إليه هديّة من جهة قريش، وقالا له: إنّه قد ضوى (¬9) إلى الملك، غلمان سفهاء، فارقوا دين (¬10) قومهم، ولم يدخلوا في دين الملك، وجاؤوا بدين مبتدع لا نعرفه نحن ولا أنتم، فإذا كلّمنا الملك فأشيروا عليه بأن يسلمهم إلينا، ولا يكلّمهم، فإنّ قومهم أعلى بهم عينا (¬11)، وأعلم بما كانوا عليه، فضمنت البطارقة لهما ذلك، ثمّ إنّهما دخلا على النجاشيّ، وقرّبا إليه (¬12) هداياه، فقبلها، ثمّ كلّماه، فقالت بطارقته حوله: صدقوا أيّها الملك، سلّمهم إليهم ليردّوهم إلى قومهم، قالت أمّ سلمة: ¬
فغضب النجاشيّ، فقال: لا (¬1) هايم الله، إذا لا أسلّمهم إليهم، (307 و) ولا أكاد حتى أدعوهم، فإنّهم جيراني، وأسألهم ما يقول هذان في أمرهم، فإن كان كما يقولون أسلمتهم، وإن كان غير ذلك منعتهم، وأحسنت جوارهم ما جاوروني، ثمّ أرسل إلى أصحاب النبيّ عليه السّلام، فدعاهم، وقد جمع أساقفته، فنشروا مصاحفهم حوله، فلمّا جاءهم رسوله يدعوهم احتمطوا، فقال بعضهم لبعض: ما نقول للرجل؟ قالوا: نقول والله ما علمنا وما أمرنا به، كائن ما هو كائن، فلمّا جاؤوه قال: ما هذا الدين الذي فارقتم منه (¬2) قومكم، ولم تدخلوا في ديني، ولا في أحد من أهل الملل (¬3)، قالت: وقد كانوا قدّموا جعفر بن أبي طالب يكلّمه، فكان الذي ولي كلامه، فقال: أيّها الملك، إنّا كنّا قوما أهل جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونستقسم بالأزلام، فكنّا على ذلك حتى بعث الله (¬4) إلينا رسولا منّا نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه (¬5)، قال النجاشيّ: من أيّكم هو؟ قال جعفر: هو ابن عمّي أخي أبي، ثمّ دعانا إلى الله لنوحّده ونعبده، ولا نشرك به شيئا، ونخلع ما كنّا نعبد نحن وآباؤنا من دونه، وأمرنا بالصلاة والصدقة (¬6) والصدق، والوفاء بالعهد، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، فآمنّا به، واتّبعناه على ما جاء به من عند الله، وعبدنا الله وحده لا شريك له، وحرّمنا ما حرّم الله علينا، وأحللنا ما أحلّ الله لنا، فعدا علينا قومنا، فعذّبونا، وفتنونا عن ديننا، ليردّونا (¬7) إلى عبادة الأوثان، وأن نستحلّ ما كنّا نستحلّ من الخبائث، فلمّا قهرونا، وحالوا بيننا وبين ديننا (¬8) خرجنا إلى بلادك، واخترناك على من سواك، ورغبنا في جوارك، ورجونا أن لا نظلم عندك، أيّها الملك (¬9)، قال: فاقرأ عليّ، فقرأ عليه: {كهيعص} [مريم:1]، قالت: فبكى النجاشيّ، والله، حتى اخضلّ لحيته، وبكى أساقفته حتى اخضلّوا مصاحفهم حين سمعوا ما يتلى عليهم، قال النجاشيّ: إنّ مخرج هذا الأمر لمن المشكاة التي خرج منها أمر موسى بن عمران، انطلقا فلا والله لا أسلّمهما إليكما، ولا أكاد، فخرجوا من عنده، فقال عمرو بن العاص: والله لآتيه غدا بما ¬
أستأصل به خضراءهم (¬1)، قالت: فقال ابن ربيعة، وكان أتقى الرجلين فينا: لا تفعل، فإنّ لهم أرحاما، وإن خالفونا، فقال: والله لأخبرنّه أنّهم يقولون: إنّ (¬2) عيسى بن مريم عبد، قالت: ثمّ غدا عليه الغد، فقال: أيّها الملك، إنّهم يقولون في عيسى قولا عظيما، فأرسل إليهم، فسألهم ما تقولون فيه؟ قالت: فأرسل إلينا، قالت: ولم ينزل مثلها، قالت: فاجتمع القوم، وقال بعضهم لبعض: ماذا نقول في عيسى إن سألنا؟ فقالوا: نقول فيه الذي جاءنا به نبيّنا من عند الله (¬3)، كائن ما هو كائن، فلمّا دخلوا عليه قال لهم: ماذا تقولون في عيسى بن مريم؟ قال جعفر: نقول فيه الذي جاءنا به نبيّنا (207 ظ) من عند الله، هو رسوله وروحه، وكلمته ألقاها إلى العذراء البتول، قالت (¬4): فضرب يده إلى الأرض، فأخذ منها عودا، قال: ما عدا ابن مريم ما قلت هذا العود، فتناخرت بطارقته حوله حين قال ما قال (¬5) فقال النجاشيّ: وإن نخرتم (¬6) والله، ثمّ قال لجعفر وأصحابه: اذهبوا فأنتم سيوم، والسّيوم الآمنون بلغتهم، من سبّكم غرّم، يقولها ثلاثا. ثمّ ذكرت (¬7) الحديث. (¬8) 37 - {فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ:} أي: من جهة ذات بينهم من غير برهان. 38 - {أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ:} في معنى قوله: {فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ} [ق:22]. 39 - {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ:} عن أبي سعيد الخدريّ قال: قرأ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ} قال: «يؤتى بالموت (¬9) كأنّه كبش أملح حتى يوقف على السور بين الجنة والنار، فيقال: يا أهل الجنّة، فيشرئبّون (¬10)، ويقال: يا أهل النار، فيشرئبّون، فيقال: هل تعرفون هذا؟ فيقولون: نعم، هذا الموت، فيضجع، فيذبح، فلولا أنّ الله تعالى قضى لأهل الجنّة الحياة والبقاء لماتوا فرحا، ولولا أنّ الله تعالى قضى لأهل النار الحياة والبقاء لماتوا ترحا». (¬11) ¬
42 - {يا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ:} فيه بيان غاية القبح والاستحالة، وليس فيه ما يدلّ على جواز عبادة ما يسمع ويبصر. وقوله: {وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً} يدلّ على امتناع جواز عبادة كلّ من هو دون الله. 43 - {يا أَبَتِ إِنِّي (¬1)} قَدْ جاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ: فيه محافظة الأدب من وجهين: أحدهما: التبرؤ من الحول والقوّة لوجه الله تعالى. والثاني: ترك التفضّل على أبيه من ذات نفسه. {فَاتَّبِعْنِي:} اقتد بي في طلب الحقّ، أو في الاستدلال، أو في ترك عبادة ما ظهر قبح عبادته. {أَهْدِكَ:} بعد المتابعة. {صِراطاً سَوِيًّا:} عين الحقّ والمدلول، وهو ما يحسن عبادته. 44 - {يا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطانَ:} إنّما نهاه لأنّ الشيطان يتصوّر للمشركين بصور آلهتهم، فيكلّمهم فيها، فترجع عبادتهم في الحقيقة إليه. 45 - {يا أَبَتِ إِنِّي أَخافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذابٌ:} إنّما خاف أن ينزل عليه العذاب، ولم يتيقّن بذلك؛ لرجائه له الإسلام، وإنّما لم يكن أنّه وليّ الشيطان في الحال لإرجائه أمره إلى الله تعالى كيف يختم عليه فإنّما الأعمال بالخواتيم؟ 46 - {لَأَرْجُمَنَّكَ:} أراد القذف والطرد والإبعاد. وقيل: الرجم بالحجارة. (¬2) {مَلِيًّا:} زمانا طويلا، ومنه قوله: {وَأُمْلِي لَهُمْ} [الأعراف:183]، وقولهم: الملوان وملواه (¬3) من الدهر. وقيل: {مَلِيًّا:} تباعد عني بلغة إبراهيم. 47 - {قالَ سَلامٌ:} أراد الصفح به والمتاركة، وقد سبق جواز استغفار المشركين، وكيفيّته. {حَفِيًّا:} بارّا وصولا. وقيل: عالما، أي: أنّ الله تعالى عالم بهمّتي فيك. (¬4) 49 - {وَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ:} إنّما تأخّر ذكر إسماعيل لكون بني إسرائيل [مقصودون] (¬5) بهذا الخطاب. ¬
50 - {مِنْ رَحْمَتِنا:} من قائم مقام الاسم، تقديره: (208 و) شيئا من رحمتنا، أي: نعمتنا. {لِسانَ صِدْقٍ:} ثناء حسنا من جهة الله تعالى وملائكته وأوليائه وأهل الكتاب أجمعين. {عَلِيًّا:} رفيعا شريفا. 51 - {كانَ مُخْلَصاً:} لتخليص (¬1) الله إيّاه من القتل والغرق، وضلالة فرعون، وجناية القبطيّ. و {رَسُولاً نَبِيًّا:} على التقديم والتأخير، لاعتبار نظم الآي، ومعناه: أنّه كان نبيا مرسلا. 52 - {الْأَيْمَنِ:} نعت الجانب. {وَقَرَّبْناهُ:} بالكرامة. عن عطاء بن السائب (¬2)، عن ميسرة (¬3) قال: قرّبه الله وأدناه حتى سمع صرير القلم الذي يكتب له الألواح، (¬4) إنّما داخل في جملة المرسلين لقوله تعالى: {فَأْتِياهُ فَقُولا إِنّا رَسُولا رَبِّكَ} [طه:47]. 54 - {وَاُذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِسْماعِيلَ:} قيل: أراد به أشمول (¬5) بن هلفانا الذي قال لبني إسرائيل: {إِنَّ اللهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طالُوتَ مَلِكاً} [البقرة:247]؛ لأنّه ذكر بعد موسى وهارون. وهذا لا يصحّ؛ لأنّه قد ذكر بعد يحيى وعيسى وإدريس بعد هؤلاء أجمعين، لأنّ الواو للجمع لا للترتيب، وهو إسماعيل بن إبراهيم عليهما السّلام. وإنّما اختصّ بصفة صدق الوعد لقوله: {سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ مِنَ الصّابِرِينَ} [الصافات:102] عند من جعله الذبيح (¬6). ¬
وعن ابن عباس قال: كان ميعاده الذي واعد فيه صاحبه، فانتظر حتى حال عليه الحول. (¬1) 56 - {وَاُذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِدْرِيسَ:} هو أبو جد نوح عليهما السّلام، واسمه أخنوخ (¬2). وقيل: أنوخ. وسمّي إدريس لكثرة ما يدرس كتب الله وسنن الإسلام، وأنزل الله عليه ثلاثين صحيفة، وهو أوّل من خطّ بالقلم (¬3)، ونظر في علم النجوم والحساب (¬4)، وأوّل من خاط الثياب ولبسها، وكان من قبله يلبسون الجلود (¬5)، واستجاب له ألف إنسان ممّن كان يدعوهم، فلمّا رفعه الله اختلفوا بعده، وأحدثوا الأحداث إلى زمن نوح عليه السّلام، ورفعه وهو ابن ثلاث مئة وخمس وستين سنة. عن الكلبيّ، عن زيد بن أسلم، عن رسول الله: «أنّ إدريس جدّ أبي نوح، وكان أهل الأرض بعضهم يومئذ كافرا، وبعضهم مؤمنا، وكان يصعد لإدريس من العمل مثل ما يصعد لجميع (¬6) بني آدم، فأحبّه ملك الموت، فاستأذن الله تعالى في خلّته، فأذن له، فهبط إليه في صورة غير صورته، صورة آدميّ مثله لكيلا يعرفه (¬7)، فقال: يا إدريس، إنّي أحبّ أن أصحبك، وأكون معك، فقال له إدريس: إنّك لا تطيق ذلك، قال: بلى، أرجو أن يقويني الله على ذلك، فكان معه يصحبه (¬8)، فكان إدريس يسيح النهار كلّه صائما، فإذا جنّه الليل أتاه رزقه حيث يمشي، فيفطر عليه، ثمّ يحيي الليل كلّه، قال: فساحا النهار كلّه صائمين حتى إذا أمسيا أتى إدريس رزقه، فجلس يفطر، فدعا الآخر، فقال: والذي جعلك بشرا لا أشتهيه، فطعم إدريس، ثمّ استقبل الليل كلّه بالصلاة، فإدريس تناله الفترة والسآمة من الليل، والآخر لا يسأم، فجعل إدريس (208 ظ) يتعجّب منه، ثمّ أصبحا صائمين، فساحا حتى إذا أجنّهما من الليل، أتى إدريس رزقه، فجعل يطعم، ودعا الآخر، فقال: لا، والذي جعلك بشرا لا (¬9) أشتهيه، فطعم إدريس، ثمّ استقبل الليل كلّه بالصلاة، فإدريس تناله السآمة والفترة، والآخر لا يسأم ولا يفتر، ¬
فجعل إدريس يتعجّب منه، ثمّ أصبحا يوم الثالث صائمين، فساحا، فمرّا على كرم قد أينع وطاب (¬1)، فقال: يا إدريس، لو أخذنا من الكرم فأكلنا، قال له إدريس: ما أرى صاحبه هاهنا لأشتري منه، وإنّي لأكره أن آخذ بغير ثمن، قال: فمضيا على مراعي غنم، فقال: يا إدريس، لو أخذنا من هذا الغنم شاة، فأكلنا من لحمها، قال له إدريس: فما أرى صاحبها فأشتري منه، وإنّي لأكره أن آخذ شيئا بغير ثمن، وإنّك معي منذ ثلاثة أيّام ما تطعم شيئا، لو كنت لطعمت، وإنّي لأدعوك إلى الحلال كلّ ليلة، فتأباه، فكيف تدعوني إلى الحرام (¬2)، فيملح ما بيني وبينك؟ ألا نبّأتني من أنت؟ قال: إنك ستعلم، قال: لتخبرنّي من أنت؟ قال: أنا ملك الموت، والملح في كلام العرب هي الصحبة، قال: ففزع حيث قال: أنا ملك الموت، قال: فإنّي أسالك حاجة، فقال: وما هي؟ قال: تذيقني الموت، قال: ما إليّ من ذلك شيء، وليس لك بدّ من أن تذوقه، قال: بلى، فإنّه قد بلغني عنه شدّة، فلعلّي أعلم ما شدّته، فأكون له أشدّ استعدادا، وأكثر له عملا وحذرا، قال: فأوحى الله إليه أن يقبض روحه ساعة ثمّ يرسله، قال: فقبض نفسه ساعة، ثمّ أرسله، فقال: كيف رأيت؟ قال: لقد بلغني عنه شدّة، ولقد كان أشدّ ممّا بلغني منه، قال له ملك الموت: ما أحببت أن يصيبك هذا في صحبتي، ولكنّك سألتني فأحببت أن أسعفك، قال: فإنّي أسالك حاجة أخرى، قال: ما هي؟ قال: أحبّ أن تريني النار، قال: ما إليّ من ذلك شيء، ولكنّي سأطلب، فإن قدرت عليه، ففعلت، فبسط جناحه، فحمله عليه حتى صعد به إلى السماء، فانتهى إلى باب من أبواب النار، فدقّه، فقيل له: من هذا؟ قال: أنا ملك الموت، قالوا: مرحبا بأمين الله، هل أمرت فينا بشيء؟ قال: لو أمرت فيكم بشيء لم أناظركم، هذا إدريس استأذنت الله في خلته، فأذن لي، فسألني أن أريه النار، فأحبّ أن تروها إيّاه، قال: ففتح منها شيء، قال: فجاءت بأمر عظيم، وخرّ إدريس مغشيا عليه، قال: فحمله ملك الموت، فأجلسه في ناحية حتى أفاق، وقد ذبل واصفرّ، فقال له ملك الموت: ما أحببت أن يصيبك هذا في صحبتي، ولكنّك سألتني فأحببت أن (209 و) أسعفك، قال: فإنّي أسألك حاجة غيرها، قال: ما هي؟ قال: أحبّ أن تريني الجنّة، قال: ما إليّ من ذلك شيء، ولكني سأطلب، فإن قدرت عليه فعلت، فانطلق به إلى خزنة الجنّة، فدقّ بابا من أبوابها، فقيل: من هذا؟ قال: أنا ملك الموت، قالوا: مرحبا بأمين الله، هل أمرت فينا بشيء؟ قال: لو أمرت فيكم بشيء لم أناظركم، ولكن هذا إدريس سألني أن أريه الجنّة، فأحبّ أن تروها إيّاه، قال: ففتح له الباب، فدخل فيها، فنظر إلى ¬
شيء لم ينظر إلى مثله، فطاف فيها ساعة، ثمّ قال له ملك الموت: انطلق بنا فلنخرج (¬1)، قال: فينطلق (¬2) إلى شجرة، فيتعلّق بها، ثمّ يقول (¬3): والله لا أخرج حتى يكون الله هو يخرجني، قال له ملك الموت: إنّه ليس بحينها ولا زمانها، وإنّما طلبت إليهم لترى، فانطلق بنا، فأبى (¬4)، قال: فقيّض الله له ملكا من الملائكة، قال له ملك الموت: اجعل هذا الملك بيني وبينك، قال: نعم، قال: ما تقول يا ملك الموت؟ قال: أقول: إنّي استأذنت الله في خلّة إدريس، فأذن لي، فهبطت، فكنت معه حينا، ثمّ سألني أن أذيقه الموت، فأذقته، فأصابه من شدّته، ثمّ سألني أن أريه النار، فأري، فأصابه من شدّتها، ثمّ سألني أن أريه الجنة، فطلبت له، فأري، فدخلها، وإنّه أبى أن يخرج، فأخبرته أنّه ليس بحينها ولا زمانها، قال: ما تقول يا إدريس؟ قال: أقول: إنّ الله تعالى قال: {كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ} [آل عمران:185] وقد ذقته، ويقول الله: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاّ وارِدُها} [مريم:71]، أي: النار، وقد وردتها، ويقول الله لأهل الجنة: {وَما هُمْ مِنْها (¬5)} بِمُخْرَجِينَ [الحجر:48]، فو الله لا أخرج منها أبدا حتى يكون الله يخرجني منها، فسمع هاتفا من فوقه: بأمري دخل، وبأمري فعل، فخلّ سبيله، فذلك قوله: {وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا.} وعن الكلبيّ، عن أبي صالح، عن ابن عباس قال: إنّ إدريس كان يصعد له من العمل كلّ يوم مثل ما يصعد لجميع (¬6) الناس، فطلب ملك الموت إلى ربّه، فهبط إليه، قال: فلمّا كلّمه إدريس، قال: اصعد بي إلى السماء، فأصعده (¬7) معه، فلما انتهى إلى السماء السادسة مرّ به ملك، فقال الملك لملك الموت: أين تريد؟ قد بعث إلى رجل من بني آدم أن تقبض روحه في السماء السادسة، فالتفت إلى إدريس، وقبض روحه في السماء السادسة. ويجوز أن يكون المراد ب (المكان العليّ): الرتبة العليّة. 58 - {مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ:} وجده شيث وإدريس. {وَمِمَّنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ:} ابنه الأكبر (209 ظ) سام، والأنبياء من ذريّة سام: هود وصالح وشعيب ولوط وأيوب، والله أعلم بغيره من المحمولين كيافث وحام وغيرهما. ¬
{وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْراهِيمَ:} إسماعيل وإسحاق ومحمد عليهم السّلام. وروي: خالد بن سنان أيضا. (¬1) و (¬2) ومن ذريّة إسرائيل أنبياء بني إسرائيل. {وَمِمَّنْ هَدَيْنا وَاِجْتَبَيْنا:} ومن جملة هؤلاء الخضر إن لم يكن من ذريّة سام. ووصف سعيد بن المسيّب لقمان الحكيم بالنبوّة، وكان من ولد حام، فإنّه كان حبشيا، وهو روميّ، والروم من ولد يافث. وعن النبيّ عليه السّلام أنّه قال: «سام (¬3) أبو العرب، وحام أبو الحبش، ويافث أبو الروم». (¬4) قال الأمير: وظنّي بجرجيس عليه السّلام أنّه من جملة هؤلاء، ولم يكن من بني إسرائيل. وزعم القتيبي (¬5): أنّ الأنبياء كلّهم عربيّهم وعجميّهم من ولد سام بن نوح عليه السّلام. قالوا: وفي قوله: {وَمِمَّنْ هَدَيْنا} يجوز أنّ [الواو] (¬6) للعطف على ذريّة آدم، أو على ذريّة المحمول مع نوح، أو على ذريّة إبراهيم وإسرائيل، ويجوز للاستئناف جملة، والتقدير: ممّن هدينا واجتبينا قوم. عن مجاهد قال: ما رأى إبليس أحدا ساجدا إلا التطم، ودعا بالويل، قال: أمر هذا بالسجود فسجد، فله (¬7) الجنّة، وأمرت فلم أسجد فلي النار. وعن أبي هريرة، عنه عليه السّلام قال: «إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد، اعتزل الشيطان يبكي ويقول: أمر ابن آدم بالسجود فسجد، فله الجنّة، وأمرت بالسجود فعصيت فلي (¬8) النار». (¬9) 59 - {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ:} الخلف ضدّ الخلف، يقال: خلف سوء، وخلف صدق. ¬
{أَضاعُوا الصَّلاةَ:} اشتغلوا بما يلهي عنها من لعب ولهو. {فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا:} غيّهم الذي أسلفوه وقدّموه، كقوله: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة:8]. وقيل: الغيّ: اسم واد في جهنّم. (¬1) وقيل: مأخوذ من الغياية، وهي الظّلّة والسحابة. وعن كعب وأصحابه قال: صفة المنافقين: شاربون للقهوات، لعّانون (¬2) بالكعبات، ركّابون للشهوات، تاركون للجماعات، راقدون عن العتمات، مفرّطون في الغدوات، ثم تلا: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضاعُوا الصَّلاةَ وَاِتَّبَعُوا الشَّهَواتِ} الآية [مريم:59]. (¬3) 61 - {وَعْدُهُ مَأْتِيًّا:} هو القول المفعول. وقيل: أراد الآتي. (¬4) 62 - {إِلاّ سَلاماً:} قيل: استثناء منقطع. (¬5) وقيل: متّصل؛ لأنّ السّلام في دار السّلام من جنس اللغو؛ لأنّه كلام غير محتاج إليه بخلاف الحمد والتسبيح اللذين هما من أهل الإيمان بمنزلة التنفيس من الحيوان. (¬6) {بُكْرَةً:} أي: ابتداء الحالة الممتدّة التي هي لملاقاة الإخوان. {وَعَشِيًّا:} الساعة التي هي قبيل الحالة الممتدّة، التي هي للخلوة مع النسوان. قال قتادة: كانت العرب إذا أصاب أحدهم الغداء والعشاء يعجبه ذلك، فأخبرهم أنّ لهم في الجنّة (210 و) هذه الحالة التي تعجبهم في الدنيا. (¬7) 63 - {تِلْكَ الْجَنَّةُ:} خبر، ويجوز أنّها اسم جنس ولي اسم الإشارة، والخبر ما بعدها (¬8)، ويجوز أن يكون خبر مبتدأ محذوف، التقدير: هذه الجنة التي ذكرنا. {تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبادِنا مَنْ كانَ تَقِيًّا:} والتقيّ ينطلق على كلّ مؤمن. 64 - {وَما نَتَنَزَّلُ:} عن ابن عباس قال: قال النبيّ عليه السّلام: «يا جبريل، مالك لا ¬
تزورنا أكثر ممّا تزورنا»، فأنزل الله. (¬1) قال الكلبيّ: {ما بَيْنَ أَيْدِينا:} الآخرة، {وَما خَلْفَنا:} الدنيا. (¬2) وقال الفراء: {ما بَيْنَ أَيْدِينا:} الدنيا، {وَما خَلْفَنا:} الآخرة، {وَما بَيْنَ ذلِكَ:} ما بين النفختين، وبينهما أربعون سنة يلقّنها جبريل من الله تعالى. (¬3) وقيل (¬4): مقدّر في ابتدائها. (¬5) {نَسِيًّا:} ناسيا، فكأنّ جبريل قال: لم ينسنا الله تعالى ولم ينسك، فلو شاء لأذن لنا في النزول إليك أكثر ممّا نتنزّل. 65 - {رَبُّ السَّماواتِ:} أي: هو ربّ السماوات. وقيل: بدل من قوله: {رَبِّكَ} [مريم:64]. (¬6) {وَاِصْطَبِرْ:} افتعال من الصّبر. {سَمِيًّا:} مجانسا، وهذا يدلّ على أنّ الاسم الحقيقيّ معنى ذووي. 66 - {وَيَقُولُ الْإِنْسانُ:} قال خبّاب: جئت العاص بن وائل السهميّ أتقاضى بمالي عنده، فقال: لا أعطيك حتى تكفر بمحمد عليه السّلام، فقلت: لا، حتى تموت ثمّ تبعث، فقال: وإنّي لميّت ثمّ مبعوث؟ قال: نعم، قال: إنّ لي هناك مالا أقتضيكه، فنزل: {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنا} الآية [مريم:77]. (¬7) وفي الآية دلالة على أنّ الآية في العاص. {أَإِذا ما مِتُّ:} ما: صلة، كقول امرؤ القيس (¬8) [البحر الطويل]: إذا ما بكى من خلفها انصرفت. . . 67 - {أَوَلا يَذْكُرُ الْإِنْسانُ:} نسيانه. 68 - {وَالشَّياطِينَ:} جمع (¬9) الشيطان. ¬
{جِثِيًّا:} جلوسا على الركب، قربت من الجثوم. 69 - {ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ:} لنميزنّ. وقيل: لنقولنّ. {أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا:} فليخرج، ويحتمل: أيّهم كان أشدّ، ويحتمل: أشدّهم. فالأول: تخصيص الوصف بما مضى، والثاني: إخلاص الوصف للحال. 70 - {ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ:} علم الله تعالى الذي تفرّد به علم الأعيان، فأمّا علم الأوصاف فقد رزقنا حيث أخبر أنّ الكبائر (¬1) هي الموجبات للنار، فمن كاد يرتكب الكبائر كاد يصلى النار، ومن كان أقدم على اقتحام الفواحش كان أولى وقودا، ومن كان أشدّ إصرارا كان (¬2) أحرى خلودا. 71 - {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاّ وارِدُها:} ابن عباس، عن كعب قال: ترفع جهنّم يوم القيامة كأنّها متن إهالة، وتستوي أقدام الخلائق، فينادي مناد (¬3): أن خذي أصحابك ودعي أصحابي، فتخسف بهم، ولهي أعرف بهم من الوالدة بولدها، وتمرّ أولياء الله تندى ثيابهم. (¬4) وعن ابن مسعود قال: قال رسول الله عليه السّلام: (210 ظ) «يرد (¬5) الناس النار، ثمّ يصدرون عنها بأعمالهم، فأوّلهم كلمح البرق، ثمّ كالريح، ثمّ كحضر الفرس، ثم كالراكب في رحله، ثمّ كشدّ الرحل، ثمّ كمشيه». (¬6) وعن عبد الله قال: الأرض نار كلّها يوم القيامة، والجنّة من ورائها، يرون كواعبها وأكوابها (¬7)، والذي نفس عبد الله في يده، إنّ الرجل في الأرض يوم القيامة حتى يبلغ أنفه، ثمّ يرتفع، ثمّ يسوخ، وما مسّه الحساب، فقلنا: وبم ذلك يا أبا عبد الرحمن؟ قال: ممّا يرى الناس يلقون. وعن عكرمة، عن ابن عباس قال: إنّ للقيامة أحوالا وأهوالا وزلازل وشدائد وظلماء، إذا انشقّت السماء، وتناثرت النجوم، وذهب ضوء الشمس والقمر، وتقلّعت الأشجار، وتدكدك الاكام، وغارت العيون، ونصبت الموازين، ونشرت الدواوين، وجيء بجهنّم تقاد بسبعين ألف زمام من حديد، كلّ زمام (¬8) أخذ به سبعون ألف ملك، كلّ ملك أعظم ما بين المشرق والمغرب، يجرّونها جرّا حتى إذا كانت من الموقف مسيرة مئة زفرت زفرة لا يبقى ملك مقرّب، ولا نبيّ ¬
مرسل إلا يخرّ جاثيا لركبتيه، ينادي على حياله: نفسي نفسي، ثمّ تزفر أخرى، فلا يبقى في عين أحد قطرة من الدموع إلاّ بدرت، ثمّ تزفر أخرى فتعلو بياض العيون سوادها، وتشخص الأبصار، فلا ينطق أحد، ولا يطرف، ولا يعقل، ثمّ يضرب الصراط على متن (¬1) جهنّم، طوله مسيرة ثلاثة آلاف سنة: ألف سنة صعود، وألف سنة هبوط، وألف سنة سهولة، بين حائطين من نار، عرض كلّ حائط مسيرة ثلاث ليال، على حافّتيه الزبانية، معهم الحسك والكلاليب، فقام رجل من الأزد، يقال له: جندب بن زهير (¬2)، إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله، بأبي أنت وأمّي، إنّي لأرجع من عندك إلى منزلي فما تقرّ عيني في مال ولا ولد حتى أرجع، فأنظر إليك (¬3)، فأنّى لي بك في غمار القيامة؟ قال: يا جندب، انظرني عند عقر حوضي، فإن لم تلقني، فانظرني في مقام الشفاعة، فإن لم تلقني فانظرني على شفير جهنّم والخلائق يمرّون، وأنا أنادي: يا ربّ سلّم سلّم، وجبريل ينادي: يا ربّ سلّم سلّم، وألف ألف وأربع مئة ألف نبيّ من ولد يعقوب ينادون: اللهمّ بشرف محمد سلّم، أي جندب بن زهير، فكم من مخدّش مرسل؟ وكم من مختطف هاو ومكردس في النار؟ وخزّان الجنّة على أبواب الجنّة معهم الحليّ والحلل والتيجان من ألوان الجوهر ينتظرون أولياء الله، ثمّ ذكر باقي الحديث، والجمع بين هذا الحديث وبين قوله: {لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها} [الأنبياء:102]، يعني: لا يسمعون بعد دخول الجنّة، فأمّا ما قبله فالأمر على ما تضمّنه الحديث. {حَتْماً مَقْضِيًّا:} واجبا لازما، (211 و) وإيجاب الله على نفسه مجاز، وحقيقة وجوب وعده، وتأكّد قضائه، وصدق قوله، وانبرام حكمه على وجه لا يليق بربوبيته غيره. وقيل: الورود غير الدخول، كقوله: {وَلَمّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ} [القصص:23]. (¬4) وعن أمّ مبشّر، امرأة زيد بن حارثة (¬5) قالت: كان النبيّ عليه السّلام في بيت حفصة (¬6) وقال: «لن يدخل النار، إن شاء الله، أحد (¬7) شهد بدرا والحديبية»، فقالت: ألا تسمع إلى قول الله تعالى: {وَإِنْ مِنْكُمْ} ¬
{إِلاّ وارِدُها. . .} الآية، فقال: «ألا تسمعين {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اِتَّقَوْا} الآية [مريم:72]». (¬1) وقيل: الورود: الدخول، وهي في حقّ الناجين جامدة. (¬2) 73 - {وَأَحْسَنُ نَدِيًّا:} ناديا، وهو المجلس الذي تشهده العشيرة والجيران، ويشبّه جدال هؤلاء المشركين بقول فرعون: {أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ} [الزخرف:51]، وقول أحد الرجلين في جنتّه: {ما أَظُنُّ (¬3)} أَنْ تَبِيدَ هذِهِ أَبَداً [الكهف:35]، سبحان الله ما أجمعهم على وتيرة واحدة حتى كأنّهم تواصوا بها، أو تواطؤوا عليها مع بعد الديار، واختلاف الأعصار. 75 - {فَلْيَمْدُدْ:} مجاز، فواجب على الله أن يمدّ له في الدنيا، وحقيقته ليظنّ له المدّ من قضاء الله وقدره، وهذه قريبة من قوله: {وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النّاسُ أُمَّةً واحِدَةً لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ. . .} الآية [الزخرف:33]، وفي هذا المعنى قوله عليه السّلام: «مثل المؤمن كالخامة من الزرع تمليها الرياح مرّة هاهنا، ومرّة هاهنا، ومثل المنافق كالأرزة المجدبة لا تحرّكها العواصف حتى يكون انجعافها مرّة». (¬4) فالجمع بين هذه وبين قوله: {وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا. . .} الآية [المائدة:66]، وقوله: {اِسْتَغْفِرُوا (¬5)} رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفّاراً (10) يُرْسِلِ السَّماءَ. . . الآية [نوح:10 - 11]، وهو قوله عليه السّلام لقريش وأمثالهم: «أدعوكم إلى كلمة تملكون بها العرب، ويذلّ لكم بها العجم». هو أنّ الضلالة قد تكون سببا لليسر مرّة والعسر أخرى، وكذلك الهدى ما دامت محنة الالتباس قائمة، وعزيمة الابتلاء باقية، فلا تناقض بين الأحاديث والآيات. 76 - {وَيَزِيدُ اللهُ:} قال الكلبيّ وغيره: {وَيَزِيدُ اللهُ الَّذِينَ اِهْتَدَوْا:} بالمنسوخ، {هُدىً:} بالناسخ. (¬6) 78 - {أَطَّلَعَ الْغَيْبَ:} قال الفرّاء: الاطلاع: البلوع، يقال: اطلعت هذه الأرض، أي: بلغتها. ¬
79 - {كَلاّ:} إن دخلت على كلام فهو ردّ له بمنزلة بلى، وإن جاءت صدر الكلام فهي بمنزلة لا، وهي ردّ لموهوم ربّما ظهر بعده. {نَمُدُّ لَهُ:} نزيده. {مِنَ الْعَذابِ مَدًّا:} زيادة، وتلك (¬1) الزيادة لغلوّه في الضلالة. 80 - {وَنَرِثُهُ ما يَقُولُ:} معنى قول الكلبيّ: أنّ الله تعالى يحقّق قول الكافر: {لَأُوتَيَنَّ مالاً وَوَلَداً} [مريم:77] بأن يجعل شيئا من أموال الجنّة وولدانها باسمه على شريطة الإيمان، ثمّ نرثه في ذلك عند عدم الشريطة، فيورّثه (211 ظ) غيره، ويتركه يوم القيامة فردا. (¬2) وقيل: إنّ الله تعالى يرث الكافر في قوله (¬3) الباطل بعينه بأن يكتبه ويخلّده في كتابه، فهذا القول الباطل تركته، والله عز وجل وارثه إلى أن يحاسبه بها بعد ما نسيها. 82 - {عَلَيْهِمْ ضِدًّا:} مخالفا مناقضا. 83 - {أَرْسَلْنَا الشَّياطِينَ عَلَى الْكافِرِينَ:} سلّطناهم، وقد يعبّر بالإرسال عن التسليط، قال الله تعالى: {وَما أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حافِظِينَ} [المطففين:33]. {تَؤُزُّهُمْ أَزًّا:} تهزّهم نحو المعاصي هزّا (¬4). 84 - {نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا:} ساعات الأجل، ولحظات المهل لرفع الحيل، وقطع الأمل. 85 - {يَوْمَ:} نصب ب {سَيَكْفُرُونَ} [مريم:82]. {وَفْداً:} وهم الذين يفدون على الملك طمعا في برّه وإحسانه (¬5). 86 - {وِرْداً:} وهي الإبل العطاش التي ترد مواردها (¬6). 87 - {لا يَمْلِكُونَ الشَّفاعَةَ:} المالكون الشفاعة. و (المتّخذون (¬7) عند الرحمن عهدا): هم الذين يوفون بعهد الله، ولا ينقضون الميثاق، والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل، ويخشون ربّهم، ويخافون سوء الحساب، يشفعون لمن صلح من آبائهم وأزواجهم وذريّاتهم، والصلاح هو مجرّد الإيمان. ¬
89 - {شَيْئاً إِدًّا:} داهية، قال عليّ: رأيت رسول الله عليه السّلام في المنام، فقلت: يا رسول الله، ماذا لقيت بعدك من الإدد واللدد (¬1) والأود؟ (¬2) 90 - {تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ:} بكلمة الشرك. {هَدًّا:} قال الليث: الهدّة (¬3): الهدم الشديد. (¬4) وقيل: الهدّ: الخسوف. (¬5) 93 - {إِلاّ آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً:} أي: معترفا بالعبودية، وذلك حين يحضر العرض. 96 - {وُدًّا:} محبّة. عن أبي هريرة: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا أحبّ الله عبدا نادى جبريل عليه السّلام: أنّي أحببت فلانا فأحبّه، قال: فينادي في السماء، ثمّ ينزل له المحبة في أهل الأرض، فذلك قوله عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا،} وإذا أبغض الله عبدا نادى: أنّي قد أبغضت فلانا، فينادى في السماء، ثمّ ينزل له البغضاء في الأرض». وعن البراء بن عازب قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لعليّ: «يا عليّ، قل: اللهمّ اجعل لي عندك عهدا، واجعل لي عندك ودّا، واجعل لي في صدور المؤمنين مودّة»، فنزل جبريل بهذه الآية في عليّ رضي الله عنه. وقال أبو سعيد الخدريّ: إن كنّا معشر الأنصار (¬6) لنعرف المنافقين (¬7) ببغضهم عليّ بن أبي طالب. 97 - {لُدًّا:} جمع ألدّ (¬8). عن أبيّ بن كعب، عنه عليه السّلام: «من قرأ سورة مريم أعطي عشر حسنات بعدد من كذّب زكريا، وصدّق به، ويحيى وعيسى وإبراهيم وإسحاق ويعقوب وموسى وهارون وإدريس، وبعدد من دعا لله ولدا، لا إله إلا الله (¬9)، وبعدد من لم يدع لله ولدا». (¬10) ¬
سورة طه
سورة طه مكية. (¬1) عن أبي هريرة، عنه عليه السلام: «أنّ الله تبارك وتعالى قرأ طه ويس قبل أن يخلق آدم بألفي سنة، فلمّا سمعت الملائكة القرآن قالت (¬2): طوبى لأمّة ينزل هذا (¬3) عليها، وطوبى لأجواف تحمل هذا، وطوبى لألسن تتكلّم بهذا» (¬4). (212 و) وهي مئة وأربع وثلاثون آية (¬5) في عدد أهل الحجاز. (¬6) بسم الله الرّحمن الرّحيم 1 و2 - {طه:} قال مجاهد: كان النبيّ عليه السّلام يربط نفسه، ويضع إحدى رجليه على الأخرى، فنزلت: {طه (1) ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى.} (¬7) وعن ابن عباس قال: هي كلمة بالسريانية: يا رجل. (¬8) قال: وكان النبيّ عليه السّلام إذا قام من الليل ربط صدره بحبل كيلا ينام، فأنزل الله: {ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى.} (¬9) وعن ابن عباس قال: لّما نزل (¬10) عليه الوحي بمكة اجتهد في العبادة، فاشتدّت، فجعل يصلّي الليل كلّه زمانا حتى تبيّن ذلك عليه (¬11)، ونحل جسمه، وتغيّر لونه، وتورّمت قدماه حتى نزل. {طه:} يا رجل بلسان عكّة. وقيل: إنّ الحرفين يشيران إلى الطهو الذي هو الإصلاح والإنضاج، والتقدير: أيّها الطاهي. وقيل: يشيران إلى الطهارة والهداية، التقدير: أيّها الطاهر ¬
والهادي. (¬1) وقيل: يشيران إلى الوطء والتنبيه، التقدير: طأ فراشك أيّها الرجل، أو طأ الأرض بقدميك أيّها الرجل. (¬2) وقيل: يشيران إلى الطمأنينة والهدوء، أي: اطمئن واهدأ. وقيل: الطاء تسعة، والهاء خمسة من حساب الجمّل، وهم أربعة عشر، والليلة الرابعة عشر ليلة البدر، فكأنّه قيل: أيّها البدر. (¬3) وسئل (¬4) البراء بن عازب: أكان وجه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مثل السيف؟ قال: لا، مثل (¬5) القمر. (¬6) وقال جابر بن سمرة (¬7): رأيت [النبي] (¬8) في ليلة إضحيان (¬9) وعليه حلّة حمراء، فجعلت أنظر إليه وإلى القمر، فلهو أحسن عندي من القمر. (¬10) وقد وصفه الله بأنّه سراج منير، (¬11) فلا يبعد أن يصفه بأنّه بدر. 3 - {إِلاّ تَذْكِرَةً:} نصب ب (¬12) {ما أَنْزَلْنا} [طه:2]، أي: ما أنزلنا إلا تذكرة، فكأنّه بدل من {لِتَشْقى} [طه:2]. وقيل: استثناء منقطع معناه: لكن أنزلناه تذكرة. (¬13) 4 - {الْعُلى:} جمع كدنيا ودنى. 7 - {وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ:} أو لم تجهر. {يَعْلَمُ السِّرَّ:} ويعلم إخفاءه (¬14)، وهو ما يخطر ببال الإنسان من السرّ من غير أن يعتقده ضميرا، وهذا من عطف الشيء على جنسه. 8 - {اللهُ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ:} ارتفع {اللهُ} بضمير مبتدأ (¬15). عن علي قال: قال عليه ¬
السّلام: «يقول الله: لا إله إلا الله حصني، فمن دخله أمن عذابي». (¬1) 9 - {وَهَلْ أَتاكَ:} فائدة الاستفهام في مثل هذا: استدراج المخاطب به إلى التفكّر والتذكّر؛ ليغتنم المسموع فينجع (¬2) في قلبه. وقيل: معناه قد. (¬3) 10 - {بِقَبَسٍ:} بجذوة، وهي النار التي تأخذها في طرف عود. وقيل: كانت القصّة في زمن كيقباذ بن زاب بن بوذكاب بن ايريج بن نمرود، فانصرف موسى من عند شعيب، فلما كان ببعض الطريق جنّت عليه ليلة باردة ذات رذاذ، وكانت امرأته حاملا، فأخذها الطّلق، فاقتدح موسى فما أروى زنده، فآنس نارا من بعيد، فظنّ أنّها قريبة منه، فتوجه إليها ليقتبس منها، فلمّا أتاها أبصرها نارا في شجرة خضراء، كلما أراد أن يقتبس منها ارتفعت إلى أعاليها، ونودي يا موسى (212 ظ) ففزع من ذلك فزعا شديدا، وكان من أمره ما نطق (¬4) به القرآن، وذكروا أنّ الله تعالى قال لموسى ليلة إذ (¬5): يا موسى أنت جند من جنودي [أبعثك] (¬6) إلى ضعيف من خلقي بطر نعمتي، وأمن مكري، وغرّته الدنيا حتى جحد ربوبيّتي، وأنكر حقّي، وشتمني، وعبد دوني، وإنّي (¬7) أقسم بعزّتي وجلالي لولا إلزام الحجّة عليه والعذر الذي وضعت بيني وبين خلقي لبطشت بطشة جبار تغضب لغضبه السماوات والأرضون والجبال والبحار، إن آذن للسماء اختطفته، وإن آذن للأرض ابتلعته، وإن آذن للبحر غرقته، ولكن هان عليّ وسقط من عيني، ووسعه حلمي، فذكّره أيّامي، وخوّفه عقابي، وأعلمه (¬8) أنّه لا يقوم شيء لغضبي، وقل له بين ذلك قولا ليّنا لعلّه يتذكر أو يخشى، ولا يهولنّك ما عنده من رياش (¬9) الدنيا، فإنّ ناصيته بيدي، ليس يصرف، ولا يتكلّم إلا بإذني، وأعلمه أنّي إلى العفو والمغفرة أقرب منّي إلى الغضب والعقوبة، وقل: أجب ربّك، فإنّه واسع المغفرة، وقد أمهلك منذ أربع مئة سنة، أنت منابذه فيها بالعداوة، وتصدّ عن عبادته، وهو يمطر عليك السماء، وينبت ¬
لك الأرض، لم تقسم (¬1) قط، ولم تهرم، ولو شاء لفعل ذلك لك، ولكنّه ذو أناة وحلم، وجاهده بنفسك وأخيك (¬2) محتسبين صابرين، فإنّي لو شئت أن أؤيدكما بجنود (¬3) لا قبل لهم بها، وسلطان لا قوام لهم به لفعلت، ولكنّي أزوي (¬4) ذلك عنهما، وكذلك أفعل بأوليائي، وإنّي لأزوي عنهم نعم الدنيا وملكها ولذّاتها، كما يزوي الراعي المشفق إبله عن مراتع الهلكة، وأجنّبهم نعيمها ورخاءها، كما يجنّب الراعي المشفق إبله عن مراتع العسرة، وما ذلك من هوانهم عليّ، ولكن ليستوجبوا به نعيم الآخرة، واعلم، يا موسى، أنّه لم يتزيّن المتزيّنون عندي بزينة أحبّ إليّ من الزهد في الدنيا، ولم يتقرب المتقرّبون إليّ (¬5) بشيء أحبّ إليّ من الورع عمّا حرّمت عليهم، ولم يدرك العباد فضل الباكين من خشيتي، أمّا الزاهدون في الدنيا فإنّي أبيحهم الجنّة، وأما الورعون فإنّي أرفع الحساب عنهم، وأما الباكون من خشيتي فهم (¬6) في الرفيق الأعلى من الجنّة لا يشاركون فيها، ولا يلحقهم أحد. 12 - {فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ:} والنعل: ما يقي كفّ القدمين من الأذى، وكانت نعلاه غير مدبوغتين من جلد حمار ميت. (¬7) {طُوىً:} فعل وهو معدول (¬8) من طاوي أو مطوي، طوى الله له الأرض بلطفه حتى قطع المسافة البعيدة مطوية، أو أقدره على سرعة السير (213 و) فقطعها في لحظة كأنّه طوى الأرض بقدميه طيّا. 14 - {أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي:} لوقتها الذي يذكّرنا الله فيه من بعد نسياننا إيّاها (¬9). وقيل: أراد بالذكر التسبيح والتهليل في الصلاة. (¬10) 15 - {لِتُجْزى:} متعلق (¬11) ب {آتِيَةٌ.} (¬12) ¬
16 - {فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْها:} أي: عن الصلاة. {فَتَرْدى:} فتهلك، وهو في [محل] (¬1) النصب؛ لأنّه جواب (¬2) النهي بالفاء. 17 - {وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ:} فائدة تقرير الحال لتفخيم الإحالة. 18 - {أَتَوَكَّؤُا:} أتّكئ. {وَأَهُشُّ بِها:} أخبط بها الشجر ليتناثر ورقها. {مَآرِبُ:} حوائج، وإنّما ذكر منافع العصا ليكون به مؤتمرا غاية الائتمار أو شاكرا. 21 - {سَنُعِيدُها:} نقلبها في هذه الساعة عصا كما كانت. وقيل: نقلبها حيّة عند فرعون كما كانت في هذه الليلة. 22 - {وَاُضْمُمْ:} واجمع. {مِنْ غَيْرِ سُوءٍ:} برص أو بهق. 25 - {رَبِّ اِشْرَحْ لِي صَدْرِي:} إنّما ابتدأ موسى بهذا السؤال لما كان يعرف من حدّته، ويعلم أنّه لا يتمّ أمر (¬3) إلا بالحلم والصبر. 26 - {وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي:} لعلمه أنّ ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، وأنّه لا حول ولا قوّة إلا بالله. وقد مضى سبب العقدة، وقد استجاب الله دعوته، وحلّ من عقدته مقدار ما يفقه قوله من غير كلفة، وأبقى شيئا للالتباس على الناس، فلذلك (¬4) قال فرعون: {وَلا يَكادُ يُبِينُ} [الزخرف:52]. وقيل: بل حلّ الله تلك العقدة، ولم يبق منها أثر، وكان فرعون كاذبا بقوله: {وَلا يَكادُ يُبِينُ} [الزخرف:52]. 29 و30 - {وَزِيراً:} ظهيرا، والتقدير في الآيتين: واجعل لي بعضا من أهلي هارون أخي وزيرا. 31 - {أَزْرِي:} ظهري. 33 - {كَيْ نُسَبِّحَكَ:} تعليل لتيسير الأمر ووزارة هارون جميعا. ¬
36 - {سُؤْلَكَ:} مسألتك وحاجتك (¬1). 38 - {إِذْ أَوْحَيْنا} (¬2): ألهمنا. {إِلى أُمِّكَ ما يُوحى:} كلاما حقا، وصدقا عدلا. 39 - {اِقْذِفِيهِ:} ارميه. {الْيَمِّ:} البحر الذي يقال له: أساف، وفيه غرق فرعون. {عَدُوٌّ لِي:} يعني: فرعون لعنه الله. {وَلِتُصْنَعَ:} صنعة الإنسان: تربيته، تقول لمن ربّاك وأحسن إليك: أنا صنيعك وصنعتك. {عَلى عَيْنِي:} بمرأى وحسن نظر منّي. 40 - {إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ:} وكانت أخت موسى تدخل دار فرعون لخدمة نسائه، فلمّا ألقاه في اليمّ بالساحل من دار فرعون بعثتها أمّها لتأتيها بالخبر فوجدته في حجر امرأة يطلبون ظئرا، فقالت: {هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى مَنْ يَكْفُلُهُ،} وذلك بعد أن أسلموه إلى أظآر أجنبيات، فما ارتضع بقول الله تعالى: {وَحَرَّمْنا عَلَيْهِ الْمَراضِعَ} [القصص:12]. {وَفَتَنّاكَ:} أي: ابتليناك ابتلاء، وذلك حين ورد ماء مدين جائعا خائفا (¬3)، وجاءته إحدى ابنتي شعيب، واستأجره (¬4) شعيب (¬5) على الشرائط المذكورة. {ثُمَّ جِئْتَ عَلى قَدَرٍ:} مقدار مقدّر عندنا، ووقت مؤقت لم تخالفه، ولم يخالفك. 41 - {وَاِصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي:} أي (¬6): اختصصتك (¬7) (213 ظ) لمعرفتي وروح مناجاتي، وخواصّ أمري. 42 - {وَلا تَنِيا:} ولا تضعفا، ولا تفترا، وفائدة الأمر بالقول الليّن: تعبّدهما بتوخّي رشد فرعون، واستمالته، والثاني: قطع أعذار فرعون من كلّ وجه. ¬
45 - {أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا:} أي: يجهل علينا بالبغي والبدار إلى العقوبة. 51 - {قالَ فَما بالُ الْقُرُونِ الْأُولى:} هذا فرار من فرعون إلى ما يتشاغل به عن التوحيد، وهذه سنّة الأجانب عن التوحيد، إذا ذكر الله وحده اشمأزّت قلوبهم. 52 - فلمّا علم موسى أنّ الخبيث متشاغل عن التوحيد أجمل جوابه، وردّه إلى التوحيد الذي فرّ منه {قالَ عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي.} {أَزْواجاً مِنْ نَباتٍ شَتّى:} أجناسا من ضروب مختلفة، فكلّ ضرب متجانس في نفسه مضاد لغيره. وقيل: أراد المشتبهات في الطّعم المختلفات في الصورة. {شَتّى:} فعلى من شتت، واحد (¬1) الأشتات، وتشتّت الأمر تفرّقه وانفساخ تأليفه. 53 - {النُّهى:} جمع نهية، وهو العقل ينهى النفس عمّا لا يليق بها. 55 - {تارَةً:} مرّة. 56 - {كُلَّها:} أي: كلّ ما كان مع موسى سوى صفة المكارة، ومعناه التساوي والتعادل. 59 - {يَوْمُ الزِّينَةِ:} يوم عيد كانوا يتّخذونه، ويتجمّلون فيه بزينتهم. 60 - {فَتَوَلّى فِرْعَوْنُ:} أعرض عن موسى عليه السّلام. {ثُمَّ أَتى:} بعد ذلك، وهو بزوّه (¬2) للعامة يوم الزينة. 61 - {فَيُسْحِتَكُمْ:} يهلككم. ونظم الآية على طريقة مستحسنة غاية للبلاغة وآية للفصاحة، وهي ردّ آخر الكلام على أوّله، وإنّما قال لتقديم الدعوة والإنذار مرّة بعد أخرى. 62 - {فَتَنازَعُوا:} قال الضحاك: تنازعوا في سحرهم كيف ينبذونه؟ وكيف يظهرونه؟ وتناجوا في ذلك. (¬3) 63 - {الْمُثْلى:} تأنيث الأمثل، وهو الأحسن. 64 - {صَفًّا:} نصب على الحال، أي: مصطفّين. {مَنِ اِسْتَعْلى:} استولى. ¬
66 - {يُخَيَّلُ إِلَيْهِ:} يظهر الخيال، والخيال: كيفيّة باطلة تتولّد بين الرائي والمرئي بعلل مختلفة، والأخيل: طائر يتلوّن بألوان مختلفة يتشاءم به العرب. 67 - {فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً:} لأنّ طبيعة الإنسان مجبولة على قلّة احتمال مشاهدة الأشياء الهائلة، وإن كان موقنا ببطلانها، والدليل على ذلك أنّ الإنسان يستأنس بالصور المنقوشة في الجدار إن كانت صور المتصدرين في الغياض (¬1)، والمتماشين في الرياض، ويستوحش (¬2) إن كانت صور القتلى والغرقى والحيات والعقارب. 71 - {إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ:} إنما اتّهمه فرعون بغيبته إلى مدين سنين، وجفا على أهل مصر، وإنّما اجترأ بالتهديد على السحرة دون موسى؛ لأنّه أيقن بتمويهات السحرة، ونفاية (¬3) أمرهم وتأثيرهم، فلم يخف من جانبهم، وأمّا موسى عليه السّلام فكان لا يدرك مدى أمره، فلذلك (214 و) كان يحذره. {فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} أي: عليها. 72 - {وَالَّذِي فَطَرَنا:} قسم، ويجوز أن يكون معطوفا على المجرور من غير تكرار (¬4) الجارّ. (¬5) {ما أَنْتَ قاضٍ:} في محلّ النصب، أي: قاض قضاءك. 73 - {وَما أَكْرَهْتَنا عَلَيْهِ:} إنّما وصفوا فرعون بالإكراه؛ لأنّهم كانوا مستيقنين بأنّ فرعون لا يخلّي من لم يتسارع إلى هواه سالما. وقيل: كان يكلّف الغلمان أن يتعلّموا السحر، ويسلط عليهم المعلمين، فكان ابتداء أمرهم على الإكراه. (¬6) ويحتمل: أنّهم نفوا عنه الإكراه، وإنّ تقدير الآية: أن تغفر لنا خطايانا من السحر ولم تكرهنا عليه، فإن كان كذلك فلم يريدوا بذلك تزكيته، ولكنّهم أرادوا تحقيق الاعتراف بما أوجب الاستغفار، وكيف ما كان تقدير الآية وتفسيرها، ففيها دلالة على انتهاء أعمالهم لم يكن على سبيل الإكراه. {مُجْرِماً} (¬7): بالكفر بدليل الآية التي تليها على سبيل الإطباق (¬8)، وإنّما علموا هذا ¬
العلم لما كانوا سمعوه من موسى وهارون عليهما السّلام، أو لما كان بقي فيهم من يعقوب ويوسف والأسباط عليهم السّلام. 75 - قوله: {مُؤْمِناً} مطابق لقوله: {مُجْرِماً} [طه:74]. وفي قوله: {قَدْ عَمِلَ الصّالِحاتِ} فائدتان: التمييز بين العمل والإيمان؛ لأنّه لو كان العمل إيمانا لكان تقديره: ومن يأته مؤمنا قد آمن، والثانية: تنبيه غير المصلحين عن المؤمنين بالسكوت عنهم، وذلك إشارة إلى خلود، أو إلى جزاء مضمر، أي: ذلك الجزاء جزاء من تزكّى. عن ابن عباس: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مرّ وأبو بكر بن أبي قحافة والدليل الذي معهما حتى هجموا على رجل من العرب وامرأة لهما عنز، ليس لهما غيرها، قال الرجل لامرأته: ألا نذبح هذه العنز لهؤلاء النفر، وإنّي أرى قوما لهم حقّ، فقام فذبحها، فلما قاموا من نومهم أطعمهم، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا سمعت برجل قد ظهر بيثرب فإنّه لعلّ الله يرزقك منه خيرا»، فلمّا سمع الرجل خروجه بيثرب قال: والله لأراه صاحبنا، فاحتمل امرأته، فأتاه، فلما صلّى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم العصر نظر في وجوه الغرباء، فمن كان له حاجة قضاها له، فقام إليه الرجل، فقال: أتعرفني يا محمد؟ قال: نعم، قال: عدتك، قال: أحتكم ثمانين ضانية، فأعطاهنّ إيّاه، ثمّ قال: أما إنّ عجوز بني إسرائيل كانت أحكم عقيدة منك. قال الكلبي: قصة هذه العجوز، وهي سارج بنت اشترقفا بن يعقوب، إنّما كانت رأت أين دفن (¬1) عمّها يوسف عليه السلام، فلمّا أراد موسى عليه السّلام الخروج من مصر توقّفت بنو إسرائيل، وتحيّروا في أمرهم، وتذكّروا وصية يوسف عليه السّلام أن يخرجوا بعظامه متى خرجوا فضمن (¬2) موسى عليه السّلام (214 ظ) لمن يدلّه على قبره حكمه، فدلّته هذه العجوز، واحتكمت على موسى عليه السّلام مرافقته في الجنّة، فضمن لها موسى بإذن الله تعالى. (¬3) 77 - {فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ:} بيّن لهم بضرب العصا. {يَبَساً:} يابسا. 80 - {يا بَنِي إِسْرائِيلَ قَدْ أَنْجَيْناكُمْ (¬4)} مِنْ عَدُوِّكُمْ. . .: الآية إن كانت ترتب قصص موسى عليه السّلام على ما قدمناه في سورة البقرة عند قوله: {وَإِذْ قُلْنَا اُدْخُلُوا هذِهِ} ¬
{الْقَرْيَةَ} [البقرة:58] فالخطاب هنا متوجّه إلى اليهود في عصر نبيّنا عليه السّلام، أو أراد بقوله: {نَزَّلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى:} قضينا وقدّرنا تنزيلهما عليكم، أو سننزلها عليكم فيما بعد. 81 - {فَقَدْ هَوى:} هلك وانحطّ عن درجة السعادة. 82 - {ثُمَّ اِهْتَدى:} رسخ في العلم. قال الضحاك: {ثُمَّ اِهْتَدى:} استقام. (¬1) وعن سعيد بن جبير: أنّه السنة والجماعة. (¬2) 83 - {وَما أَعْجَلَكَ:} إن كان الخطاب متوجّها إلى قوم موسى في عصره فوجه العطف والوصل ظاهر، وإن كان متوجّها إلى اليهود في عصر نبيّنا عليه السّلام فالتقدير (¬3): وقلنا يوم الميعاد: ما أعجلك، وفائدة الاشتباه في مثل هذا: الابتلاء. 84 - {وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ:} أي: إلى ميعادك. 85 - {قَدْ فَتَنّا قَوْمَكَ:} يعني: الفتنة التي أثنى بها موسى عليه السّلام على الله حيث قال: {إِنْ هِيَ إِلاّ فِتْنَتُكَ} [الأعراف:155]. {وَأَضَلَّهُمُ السّامِرِيُّ:} دعاؤه إلى الضلالة بخذلان الله تعالى. والسامريّ: لقب، واسمه موسى بن ظفر (¬4)، وإنّه لم يكن من بني إسرائيل، ولكنّه كان جارا لهم، أصله من باجرما (¬5) وهي قرية بالعراق. وروى الكلبيّ عن أبي صالح، عن ابن عباس: أنّ السامريّ كان من جملة صبيان غيّبهم الآباء والأمهات مخافة أن يذبحهم فرعون، فربّتهم الملائكة، وكان جبريل هو الذي تولى تربية السامريّ، فكان يمصّ إبهام يمينه سمنا، والأخرى عسلا ولبنا، فمن ثمّ عرفه حين رآه، فقبض (¬6) قبضة من أثره. (¬7) 87 - {فَكَذلِكَ أَلْقَى السّامِرِيُّ:} يجوز أن يكون قول عبدة العجل، ويجوز أن يكون كلاما تعقّب كلامهم من جهة الله، أي: فكما نخبرك ألقى السامريّ قبضته. ¬
88 - {فَنَسِيَ:} عن ابن عباس: نسي السامريّ، والمراد به كفر. (¬1) وقال الكلبيّ: نسي موسى عليه السّلام على زعمهم، زعموا أنّه ضلّ طريق الميقات، وأخذ طريقا آخر، فجاءهم إلهه من غير طريق. (¬2) 89 - {أَفَلا يَرَوْنَ:} كلام مبتدأ من جهة الله تعالى، وفي فحواه دلالة أنّ داعي الله يجاب (¬3) لا محالة، إمّا بقضاء الحاجة، وإمّا [بما] (¬4) هو خير منه. 90 - {وَلَقَدْ قالَ لَهُمْ هارُونُ مِنْ قَبْلُ يا قَوْمِ إِنَّما فُتِنْتُمْ بِهِ:} وفائدة الفتنة العظيمة تفرّد هارون عليه السّلام بالدعوة، وبكونه حجة على بني إسرائيل، وكونهم محجوجين في مقابلته وجوه سبيل الخلافة، ولا يبالي الله تعالى أن يهلك زجلة (¬5) ليشبع قملة أو نملة، فكيف (215 و) بفتنة قوم من الأشقياء لإكرام نبيّ من الأنبياء؟ 97 - قوله {لا مِساسَ:} عقوبته الدنياوية (¬6). يحتمل: أنّها كانت على سبيل الإلجاء على سبيل الهذيان. ويحتمل: أنّها كانت على سبيل التكليف والتعبّد. وقيل: إنّ ولد السامريّ بالشام لا يخالطون أحدا. {وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً:} يعني: الموت أو القيامة (¬7)، وهو الوعيد العقباوي، فيه نوع من الإرجاء لكونه مبهما. {ظَلْتَ:} أي: ظللت، وهو تخفيف غير قياسيّ مثاله: حللت في بني فلان وحلت، وهممت بفلان، وهمت، وأحسست فلانا وأحست (¬8). {لَنُحَرِّقَنَّهُ:} بالنار، والنار تحرق الشيء المنطبع بتكرار اتّقادها عليه. {ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ:} لنذرّينّه. 101 - {خالِدِينَ فِيهِ} أي: في العذاب، أو في وبال وزرهم. {حِمْلاً:} اسم لما يحمل. ¬
102 - {زُرْقاً:} جمع أزرق، والأزرق الذي في عينيه خضرة إلى كهبة (¬1). قيل: أراد به قبح المنظر. وقيل: حدّة النظر. (¬2) وقيل: العمى. (¬3) وقيل: شدّة العطش، فإنّ العطشان تزرقّ عيناه من شدّة العطش، وحرارة الصدر. (¬4) 103 - {إِنْ لَبِثْتُمْ:} بالبرزخ. {إِلاّ عَشْراً:} يعني: عشر دقائق من ساعة يذكرونها كدقيقة معاينة البأس، ودقيقة قول أحدهم: {رَبِّ اِرْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ كَلاّ} [المؤمنون:99 - 100]، ودقيقة نزع الروح، وثلاث دقائق لسؤالات منكر ونكير: عن الربوبية، وعن النبوّة، وعن الدين، ودقيقة تقريع منكر ونكير، وثلاث دقائق لنفخات الصور، فهذه عشر دقائق يذكرونها، فيظنون أنّها من ساعة واحدة. ويحتمل: أنّهم يذكرون دقائق أخر سوى هذه العشر (¬5) شاءها الله وقضاها، ثمّ يشكّون في قولهم لمكان الهمدة (¬6)، فيقسمون على ساعة كاملة أنّهم ما لبثوا غيرها. وقيل: المراد بالعشر: عشر ساعات. (¬7) وقيل: عشر ليال. (¬8) وقيل: عشر سنين. (¬9) والعشر بين هذه الأقاويل وبين قوله: {يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ ما لَبِثُوا غَيْرَ ساعَةٍ} [الروم:55] من حيث إنّهم متحيّرون متردّدون يومئذ لا ثبات على قول، كما أنّهم يجحدون مرّة، ويعترفون أخرى، وينطقون مرّة، ويخرسون أخرى. 104 - {أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً:} أحسنهم مذهبا عندهم فيما يظنّون. وقيل: إن كان المراد بالعشر ما فوق اليوم، فمعناه أقربهم مذهبا عندهم إلى قوله (¬10): {الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} [القصص:80]، وإن كان المراد ما دون اليوم، فمعناه أبلغهم مذهبا في وصف سرعة الانقلاب. 105 - {وَيَسْئَلُونَكَ:} ابن عباس: رجال من ثقيف. (¬11) ¬
106 - {فَيَذَرُها:} يعني: الأرض. {قاعاً:} ذكر أبو عبيد (¬1) الهروي: أنّ القاع: المكان المستوي في وطأة من الأرض يعلوه ماء السماء فتمسكه، ويستوي نباته، وجمعه قيعان وقيعة، كجيران وجيرة، ومنه قوله: {كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ} [النور:39]. (¬2) {صَفْصَفاً:} (215 ظ) قريب من القرقر والسّبسب (¬3). 107 - {لا تَرى فِيها عِوَجاً:} أراد بنفي العوج إثبات مسامتة الأقطار، وبنفي الأمت إثبات التمدّد والانتشار، والأمت في اللغة: الثّني، يقال: ملأ مزادته حتى لا أمت فيها، وقد يكون حرزا، وتقديرا، يقال: بيننا وبين الماء ثلاثة أميال على الأمت؛ لأنّ التقدير يتعلّق باعتبار الآثار من الارتفاع والانحدار. (¬4) 108 - {لا عِوَجَ لَهُ:} أي: للداعي، أو لأتباعهم. {هَمْساً:} أنفاسا، وصوت وطء الأقدام. قال أبو الهيثم: يعني ما أسررته وأخفته، ألا ترى {يَتَخافَتُونَ بَيْنَهُمْ} [طه:103]. 111 - {وَعَنَتِ الْوُجُوهُ:} خضعت وذلّت، ومنه الحديث: «استوصوا بالنّساء خيرا فإنّهنّ عندكم عوان». (¬5) {وَقَدْ خابَ:} أيس. 112 - {هَضْماً:} كسرا وقسرا. 113 - واتصال قوله: {وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ} بما قبلها من حيث الوعد والوعيد. {لَهُمْ ذِكْراً:} وعظا وتذكيرا. 114 - {فَتَعالَى اللهُ:} تبرّأ عن الظلم والهضم. ¬
{وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ:} تفسيره قوله: {لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ} [القيامة:16]، كان رسول الله عليه السّلام إذا تلقّف من جبريل تلفّظ، ولم ينتظر فراغه، ولم ينصت، فنهي عن ذلك، وذلك لتوفّر حرصه وخوف زيادته ونقصانه. (¬1) {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً:} أمر به ليعترف بنقص العبوديّة، ويتعرّض لنفحات الربوبيّة. 115 - {وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ} يعني: قوله: {وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ} [البقرة:35]. {فَنَسِيَ:} قال ابن عباس: ترك. (¬2) {وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً:} قال قتادة: صبرا. (¬3) وعن عطية العوفي: حفظا. (¬4) وقيل: جدّا (¬5). واختلف في آدم عليه السلام، هل هو من أولي العزم؟ فمن قال: هو منهم فعلى تأويلين: إمّا أنّ عزمه المنفيّ عنه على المعصية، أي: ألّم بها غير مستحلّ ولا مصرّ، وإمّا أنّه لم يكن ذا عزم في عهده الأوّل، وكان ذا عزم في عهده الثاني: وهو قوله: {فَإِمّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً} [طه:123]. 117 - {فَتَشْقى:} وحّد لنظم رؤوس الآي، ولأنّ الرجل هو المختصّ بشقوة الرعاية والكسب. 119 - وأراد بقوله: {لا تَظْمَؤُا} نفي اعوزاز الشراب. {وَلا تَضْحى:} نفي زوال الظلّ. (¬6) 120 - {لا يَبْلى:} لا يفنى. 121 - {فَغَوى:} فجهل. 123 - وعن عطاء بن السائب قال: من قرأ القرآن فاتّبع [ما] (¬7) فيه هداه الله من الضلالة ¬
في الدنيا، ووقاه الله سوء الحساب يوم القيامة، وذلك بأنّ الله يقول: {فَمَنِ اِتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقى.} (¬1) 124 - {ضَنْكاً:} ضيقا وشدّة، والمراد به عذاب القبر. {وَنَحْشُرُهُ:} قيل: نبعثه. (¬2) وقيل: نسوقه إلى النار. (¬3) 125 - {وَقَدْ كُنْتُ:} أي: في الدنيا. وقيل: في الموقف. (¬4) 126 - {فَنَسِيتَها} (¬5): أعرضت عنها (¬6) وأهنتها. 127 - {وَكَذلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ:} ويحتمل: أنّ الآية الأولى في المرتدين، وهذه في أهل الحرب، أو الأولى في المشركين، وهذه في أهل الكتاب. ويحتمل: أنّهما جميعا في قوم واحد، وإنّما زيد في الوصف للتقريع، ودفع التفضيل في ضنك (216 و) المعيشة. 126 - {كَمْ أَهْلَكْنا:} في محلّ الرفع بإسناد الهداية إليه. (¬7) 129 - {وَأَجَلٌ مُسَمًّى:} معطوف على كلمة {لَكانَ} الهلاك، أو العذاب لزاما غير متأخّر. 130 - {وَسَبِّحْ:} أي: صلّ. وقال مجاهد: المراد به التطوع. 131 - {زَهْرَةَ (¬8)} الْحَياةِ: بهجتها وزينتها، نصب على أنّها مفعول بها (¬9)، وهي في التقدير نكرة، أي: زهرة (¬10) في الحياة، أي: الحياة الدنيا. {وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقى:} إن وقع التفضيل على المتاع والزهرة، فالمراد بالرزق المنفعة ¬
التي لا تكون بعرض الزوال على سبيل العارية، وإن وقع على الرزق فالمراد قوله: 132 - {لا نَسْئَلُكَ رِزْقاً:} أي: لا نطلب منك نصيبا ممّا ذرأنا من الحرث والأنعام. في الآية ردّ على المشركين في البحيرة والسائبة وغيرهما (¬1)، والفرق بينهما وبين العشر والزكاة والخمس والأضاحي أنّ منفعة هذه الأشياء راجعة إلينا بقوله تعالى: {إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ} [الإسراء:7] من خير، {لَنْ يَنالَ اللهَ لُحُومُها وَلا دِماؤُها} [الحج:37]، وكان اعتقاد المشركين يجعلونه نصيب الله، ونصيب شركائهم، خلاف هذا بآية ملجئة التي لا لبس فيها. 133 - {مِنْ رَبِّهِ أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ:} بيان يوجب العلم الضروريّ بأدنى اجتهاد، وهو تفسير الكتب المتقدمة وتصديقها وموافقتها في أصول الدين، وقصص الماضين، وكثير من الفروع. {ما فِي الصُّحُفِ:} جمع (¬2) صحيفة، وهي كل رقعة عريضة مكتوبة، أو مهيأة للكتابة. 134 - {وَلَوْ أَنّا أَهْلَكْناهُمْ بِعَذابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقالُوا:} فهذه حجّة باطلة رفعها الله (¬3) بإرسال الرسول لتأكيد الإلزام. 135 - وقوله: {قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ} جواب كلام سبق منهم، كقوله: {قُلْ (¬4)} هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنا إِلاّ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ [التوبة:52]. ¬
سورة الأنبياء
سورة الأنبياء مكية. (¬1) وهي مئة وإحدى عشرة آية في [غير] (¬2) عدد أهل الكوفة (¬3)، والله أعلم. بسم الله الرّحمن الرّحيم 1 - {اِقْتَرَبَ لِلنّاسِ:} مضى في أوّل النحل. 2 - {مُحْدَثٍ:} حديث (¬4). {إِلاَّ اِسْتَمَعُوهُ:} وكان استماعهم على سبيل التعنّت والإنكار، لا التثبّت والاعتبار. {وَهُمْ:} الواو للحال (¬5). 3 - {لاهِيَةً:} نصب على الحال. {الَّذِينَ ظَلَمُوا:} في محلّ الرفع، والتقدير فيه كما في قوله: {كَثِيرٌ مِنْهُمْ} [71] في المائدة. (¬6) {هَلْ هذا:} بيان نجواهم. {أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ:} إنكار بعضهم على بعض مخافة أن ينجع الكلام في قلوبهم. 4 - في قوله (¬7): {قالَ رَبِّي يَعْلَمُ} تنبيه على إدراك سرّهم ونجواهم أن يقولوا ما لا يرضاه. 5 - {بَلْ} (¬8): في الابتداء للإضراب عن الكلام الأوّل، والإقبال على الثاني، وهو من جهة الله. و {بَلْ:} الثاني، فإنّما هو حكاية قول الكفّار، وإنّما قالوا على سبيل استدراك الغلط، والتردّد في الحكم. ¬
وقالوا: {فَلْيَأْتِنا بِآيَةٍ} لتوهّمهم أنّ تلك الآيات كانت ملجئة ضروريّة (216 ظ) فأخبر الله تعالى أنّ الجحود في مقابلة تلك الآيات كان محكيّا، كالجحود في مقابلة آيات رسل الله. 7 - وقوله: {وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ إِلاّ رِجالاً نُوحِي} في إنكارهم أن يكون الرسول بشرا مثلهم. 8 - وقوله: {وَما جَعَلْناهُمْ جَسَداً} [كما] (¬1) في قولهم: {مالِ هذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ} [الفرقان:7]، وقوله: {نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ} [الطور:30]. 9 - قوله: (¬2) {ثُمَّ صَدَقْناهُمُ الْوَعْدَ. . .:} الآية تهديد للكافرين، وبشارة للمؤمنين، وقد صدق الله لنبيّنا وعده، فنصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، وأنجاه مع صاحبه {ثانِيَ اِثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ} [التوبة:40]، وأهلك صناديد قريش (¬3) بعد ذلك. روي: أنّه عليه السّلام قبل فتح خيبر وفدك، وقبل استقرار أمره، انتخب من وجوه العرب الذين أسلموا سبعة نفر (¬4) منهم: حاطب بن أبي بلتعة (¬5)، وشجاع بن وهب الأسديّ (¬6)، وسليك بن عامر العامريّ، والعلاء بن الحضرميّ (¬7)، وعمرو بن أميّة الضمريّ (¬8)، ودحية بن خليفة الكلبيّ (¬9)، و [أبو] حذافة السهميّ (¬10)، وقال لهم: إنّي مرسلكم إلى ملوك الأرض، فأنتم منّي بمنزلة الحواريين من عيسى عليه السّلام، ثمّ أرسل حاطبا إلى المقوقس ملك القبط، وبعث ¬
شجاعا إلى الحارث بن أبي شمر الغسّاني ملك الشام من تحت يد قيصر، وأرسل سليكا إلى هودة بن خليفة ملك التهامة، وأرسل العلاء إلى المنذر بن امرئ (¬1) القيس ملك البحرين، وبعث عمرا (¬2) إلى النجاشيّ ملك الحبشة، وبعث دحية إلى قيصر، ثمّ إلى ملك عمان، وأرسل حذافة إلى كسرى أفرويز (¬3) الجبار ملك الفرس، وكانت نسخ كتبه عليه السّلام إلى هؤلاء متقاربة، وكان المنافقون يتعجّبون منه، ويقولون: كيف يكاتب الملوك قاطبة، ويستشهر سيوفهم على نفسه، ولم تثبت له قدم بعد، فأمّا المقوقس ملك القبط فأحسن الإجابة، وأهدى إليه هدايا فاخرة من الكسوة والجواري والغلمان والمراكب، ويقال: إنّه أسعد بالإيمان والإسلام، وأمّا ملوك الشام وتهامة والبحرين وعمان فاستحود عليهم الشيطان، وزيّن لهم العصيان، وأما النجاشيّ فشهد الشهادتين، وخطب لرسول الله أمّ حبيبة بنت أبي سفيان (¬4) بوكالة من جهته عليه السّلام، وردّ إليه جعفر بن أبي طالب عزيزا (¬5) مكرّما مع سائر المهاجرين إليه في الهجرة الأولى، فرجعوا شاكرين، وأرسل ابنه في عشرين نقيبا من خواصّه، فغرقت بهم السفينة في البحر، ثمّ إنّه مات على الشهادة، وصلّى عليه رسول الله، وأمّا قيصر فذكر الزهريّ: أنّه بلغه كتاب رسول الله من جهة عظيم بصرى (¬6)، وذلك أنّ دحية دفعه إليه ليوصله إلى قيصر، ففتح الكتاب، فإذا فيه: بسم الله الرحمن الرحيم (217 و) من محمد رسول الله إلى هرقل (¬7) عظيم الروم، سلام على من اتّبع الهدى، أما بعد، فإنّي أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم، وأسلم يؤتك الله الأجر (¬8) مرّتين، وإن توليت فإنّ عليك إثم الإرّيسيّين (¬9)، وأهل (¬10) الكتاب. [فلما فرغ من قراءة الكتاب] (¬11) ارتفعت عنده الأصوات (¬12)، وكثر اللغظ، وقاموا عن مجلسهم، ثمّ دعا هرقل عظماءهم بعد ¬
ذلك، وقال: يا معشر الروم، هل لكم في الفلاح والرشد آخر الأبد، وأن يثبت لكم ملككم. قال: فحاصوا حيصة حمر (¬1) الوحش إلى الأبواب، فوجدوها قد غلّقت، فقال هرقل: عليّ بهم، فرجعوا إليه، فألان لهم القول، وألطف لهم، وقال: إنّما اختبرت شدّتكم على دينكم، فقد رأيت الذي أحببت، فسجدوا له، ورضوا عنه. (¬2) قيل: لّما بلغ رسول الله خبره قال: ضنّ الخبيث بملكه. (¬3) وأمّا كسرى فذكر الخرداد بهمن وغيره: أنّه لّما بلغه الكتاب أمر بأن (¬4) يفتح، ويقرأ عليه، فإذا فيه: بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى كسرى عظيم فارس، سلام على من اتّبع الهدى، وآمن بالله واليوم الآخر، وشهد (¬5) أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأنّ محمدا عبده ورسوله، أدعوك إلى الله، فإنّي أنا رسول الله إلى الناس كافّة، لأنذر من كان حيّا، ويحقّ القول على الكافرين، فأسلم تسلم، فإن أبيت فعليك إثم المجوس، والسّلام. فلمّا قرئ عليه الكتاب ورم أنفه، وامتلأ غيظا، فأطرق على سريره محتنقا بحنقه، منتفخة أوداجه، يدير حدقتيه في حماليقه ساعة طويلة، ثم رفع رأسه، وقال: ليس هذا بأوّل عبد اجترأ على ربّه وسيّده، وإنّما قال: هذه المقالة لاستيلائه على اليمن دار مملكة العرب، ولسجود النّعمان بن المنذر ملك الحيرة بين يديه ولاعتقاده أنّه ملك الملوك والأقاليم كلّها، وأنّه خذايكان (¬6) الأرض، فاغترّ بسلطانه وعلوّه، وأصرّ على طغيانه، وأمر كاتبه بأن يكتب إلى مرزبان اليمن، والمرزبان بلغتهم: الوالي، واسمه باذان مهريبداد، أنّ عبدا لي بالحجاز اسمه محمد كتب إليّ يأمرني أن أترك ديني، وأتّبع دينه، فإذا أتاك كتابي هذا فابعث إليه رجلين جلدين ممّن معك ليأتيا به مربوطا مشدودا، فإن أبى فليأتيا في رأسه، وأمر أن يكتب إلى رسول الله: أن اشخص إلينا لننظر في أمرك، فرجع حذافة [إلى] (¬7) رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأخبره بالقصة، وذكر أنّه أمر بالكتاب، وكان من أديم، أن يمزّق، ويرقع به دلو البئر، فقال عليه السّلام: إنّما مزّق ملكه، ثمّ إنّ باذان لّما بلغه كتاب صاحبه بعث إلى النبيّ عليه السّلام (217 ظ) أشخاصين من قوّاده، وكانا رجلين عاقلين، اسم أحدهما بابويه، واسم الآخر خورخسرة، وأمرهما أن يحذرا سطوة ملك الملوك لئلا يشتغل بالممانعة، فأتيا رسول الله، وأدّيا الرسالة، فأمر عليهم بإنزال الرسولين، وأكرمهما، ثمّ دعاهما ¬
بالغد، وقال: إنّ ربّي قتل ربّكما الليلة، فسألاه شرح القصة، فقال: قد سلّط الله عليه ابنه شيرويه فقتله، وذلك لتسع ساعات مضت من الليل. وقيل: وكانت تلك الليلة ليلة الثلاثاء لعشر خلون من جمادى الأولى، قال: فدهشا، وسقط في أيديهما، ثمّ قال لهما رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: انصرفا إلى باذان، فأعلماه هذا، وقولا له: إن أسلمت قررتك على ولايتك، وخلع على بابويه بردة فاخرة، وأعطى خورخسرة منطقة أهداها إليه المقوقس، فرجعا إليه، وأخبرا باذان بالقصة، وقال بابويه: ما هبت شيئا من الخلق هيبة هذا الرجل، فلم يثبت باذان إلا قليلا أن بلغه كتاب شيرويه، يخبره بالخبر، ويوعز إليه أن لا يتعرض لرسول الله إلى أن يأتيه مقال جديد. (¬1) وكما كاتب رسول الله هؤلاء الملوك، كاتب ملوك الهند والصين. 10 - {فِيهِ ذِكْرُكُمْ:} قال مجاهد: حديثكم. (¬2) وقيل: تذكيركم وذكراكم. (¬3) وقيل: صيرورتكم مذكورين في الغابرين، فإنّه لولا القرآن لم يذكروا بخير ولا شرّ في الأمم في أقطار الأرض، وبهذا فسّر بشر. 11 - {وَكَمْ قَصَمْنا:} أهلكنا، والقصم: أن ينكسر الشيء (¬4) فيبين، ومنه يقال: أقصمت الثنيّة. 12 - {يَرْكُضُونَ:} يعدون ويسيرون هربا، وليس هذا بوصف قرية واحدة، لقوله: {وَكَمْ قَصَمْنا مِنْ قَرْيَةٍ} [الأنبياء:11]، ولكنّ ابن عباس ذكر خبرا موافقا لهذا الوصف. روى الكلبيّ، عن أبي صالح، عن ابن عباس، أنّه قال: إنّ قرية من قرى اليمن يقال لها (¬5): حضورا (¬6)، أرسل إليهم، فكذبوه، ثم قتلوه، فسلّط الله عليهم بختنصر عبدا من عباده ومع جنوده، فقيل له: اغز أرضا يقال له: عربايا، يعني العرب، الذي ليست لبيوتهم أبواب، ولا (¬7) أغلاق، فلا تدع شيئا ممّن له روح من طير أو سبع ولا غيره إلا قتلته، فغزاهم بالجنود، فلمّا بلغهم مسير بختنصر وأصحابه، خرجوا إليهم، فكتّبوا له الكتائب، فقاتلهم قتالا شديدا حتى حوّلوه عن منزله، ثم كتّب الكتائب، فأتوهم من بين أيديهم ومن خلفهم، فهزمهم الله، واتبعهم بختنصر بالجنود ليقتلهم، فمرّوا على دورهم منهزمين، وفيها أهلوهم وذراريهم، فلم يلووا على شيء من ¬
أمرهم، فردّتهم الملائكة إلى دورهم، فرجعوا إليها، ودخل عليهم بختنصر وأصحابه، فجعلوا يقتلونهم وهم يقولون: يا لثارات فلان، يا لثارات فلان، ولا يسمون النبيّ الذي قتلوه (218 و) فلمّا رأوا أنّ الصوت لا يسكت عنهم، وهم يقتلونهم، عرفوا (¬1) أنّ الله هو سلّطهم عليهم بقتلهم النبيّ الذي بعثه إليه، فقالوا: يا ولينا إنّا كنّا ظالمين بقتل النبيّ. (¬2) 15 - يقول الله عز وجل: {فَما زالَتْ تِلْكَ} يعني: الكلمة. {دَعْواهُمْ حَتّى جَعَلْناهُمْ حَصِيداً خامِدِينَ:} فلم يبق منهم عين تطرف من ذكر أو أنثى، ولا صغير ولا كبير، ولا دابة ولا طير. وذكر شيخنا: أنّ اسم هذا النبيّ ويغم. وذكر الخرداد بهمن: أنّ اسمه شعيب بن مهدم بن أبي مهدم بن حضور، قال: وحضور بطن من حمير، قال: فلمّا قتلوه أوحى الله تعالى إلى نبيّ اسمه برخيّا من سبط يهودا بن يعقوب عليهما السّلام: أن ائت بختنصر فمره أن يغزو العرب الذين لا أغلاق لبيوتهم ولا أبواب، فتقتل مقاتلتهم، وتستبيح أموالهم، فأقبل (¬3) برخيّا من حران إلى بابل، فأخبر بختنصر الخبر، فتوجّه لذلك، فأنزل من يلقي مستأمنا الأبيات، ثمّ أتاهم بختنصر، وهتف بهم هاتف [من الطويل]: سيغلب قوم غالبوا الله جهرة … وإن كايدوه كان أقوى وأكيدا كذاك يضلّ الله من كان من قلبه (¬4) … مريضا ومن والى النّفاق وألحدا (¬5) وهربوا يركضون، فحصدوا أجمعين. (¬6) 15 - وقوله: {حَصِيداً} أي: شيئا حصيدا. و (الخمود): الجمود والانطفاء. 16 - {وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ:} اتصالها من حيث ذكر الوبال ينافي العبث والخبال. 17 - {أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً:} قال ابن عباس: ولدا بلغة حضرموت. (¬7) وقيل: صاحبة. (¬8) ¬
{لاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنّا} يعني: الملأ الأعلى، وهم الذين {لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ} [الأعراف:206]، وإنّما وصفهم بأنّهم عنده لأتمارهم بأمره، واتّحادهم بذكره، ودوام مراقبتهم إيّاه، مخلصين له الدين، قاهرين بإذنه الملحدين، بخلاف الأرواح الخبيثة الملابسة للأصنام والطواغيت، يدلّ عليه قوله: {لاصْطَفى مِمّا يَخْلُقُ ما يَشاءُ} [الزمر:4]، ووجه الإنكار على اليهود والنصارى والمجوس ظاهر، وعلى بني مليح من حيث إنّهم كانوا يسمّون الملائكة، ويصفون الشياطين، فكأنّ قولهم في الحقيقة عائد إلى الشياطين دون الملائكة. 18 - {فَيَدْمَغُهُ:} فيهلكه، والدمغ: إصابة الدماغ، ووصف عليّ رسول الله فقال: دامغ جيشات الأباطيل. (¬1) 19 - {يَسْتَحْسِرُونَ:} يحصرون، وهو الإعياء والانقطاع. 20 - {لا يَفْتُرُونَ:} لا يضعفون ولا يملّون. 21 - {أَمِ:} بمعنى ألف الاستفهام. {يُنْشِرُونَ:} يخلقون، وهذه قريبة من قوله: {أَمْ جَعَلُوا لِلّهِ شُرَكاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ} الآية [الرعد:16]. 22 - وقوله: {لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلاَّ اللهُ لَفَسَدَتا} دليل على صحة قياس العكس على وحدانية الله تعالى. 23 - وقوله: {لا يُسْئَلُ عَمّا يَفْعَلُ} دليل على أنّه لا علّة لفعل الله تعالى، وأنّه غير داخل (¬2) (218 ظ) تحت حكم، ولا مفض إلى ظلم أيّ شيء فعل لعلمه الغيوب، وسبقه العيوب. 24 - {بُرْهانَكُمْ} أي: الوحي المفخر بالإذن، واتخاذ الشركاء، في نحوه قوله: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً} [الحج:71]. {هذا:} يعني: القرآن. و {ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ:} من المؤمنين واليهود والنصارى وعيسى والخضر وإلياس. {وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي:} من الرسل الماضين وأتباعهم الذين قصّهم الله تعالى في القرآن. ¬
25 - {وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ:} إخبار عن عامّة الرسل على طريق الإجمال. 27 - {لا يَسْبِقُونَهُ (¬1)} بِالْقَوْلِ: غاية الإخبات والإنصات، وترك الافتيات (¬2). 28 - {لِمَنِ اِرْتَضى} أي: من ارتضاه الله أن يشفعوا له، هم الذين خلقهم الله لذلك، فإنّه يقول عزّ وجلّ مخبرا عنهم: {رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا وَاِتَّبَعُوا سَبِيلَكَ} [غافر:7]. {مِنْ خَشْيَتِهِ:} من مهابته. {مُشْفِقُونَ:} خائفون. 29 - {وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلهٌ. . .} الآية، فائدة الوعيد: تفخيم الأمر، وتعظيم الشأن، وقد ذكرنا أنّ الوعيد: إيجاب حكم معلق بشرط موهوم. وعن الضحاك وغيره: أنّ إبليس كان فيهم، فارتكب الشرط المشروط، فوجب (¬3) عليه الحدّ. (¬4) 30 - {كانَتا رَتْقاً:} يمسك المطر والنبات، والرّتق، بفتح التاء: الانغلاق والانطباق، ومنه المرأة الرتقاء، والرّتق، بسكون التاء: متعدّ، ومنه يقال: فاتق راتق. وعن أبي صالح الحنفي (¬5): أنّ السماوات كنّ واحدة، والأرضين كنّ واحدة في ابتداء الخلق، ثمّ جعل الله كلّ واحدة منهم في سبعة أطباق. (¬6) {وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ:} قال الكلبيّ: كلّ شيء حيّ أنبتته الأرض. وقال الكلبيّ أيضا: بقاء النبات وحياة حي من الماء. وقال أبو العالية (¬7): المراد بالماء النطفة. (¬8) وأطلق قتادة (¬9) والضحاك، وهو ظاهر الآية. 31 - {فِجاجاً:} جمع فجّ، والفجّ: الفرجة من جبلين، وتفاجّت النّاقة إذا فرجت بين ¬
رجليها لتبول أو لتحلب. 33 - {كُلٌّ فِي فَلَكٍ:} قال الكلبيّ (¬1) والفرّاء (¬2): الفلك موج مكفوف. وقال أبو عبيد الهرويّ: الفلك في اللّغة: موج البحر إذا جاء وذهب واضطرب، (¬3) وهذا يقتضي أنّ الفلك فلك واحد، وكلّ (¬4) يسعون فيه. وقيل: الفلك: الشيء المستدير، ومنه سمّيت القطعة المستديرة من الأرض فلكا، (¬5) وهذا يحتمل ما ذكرنا، ويحتمل: أنّ كلّ واحد في فلك على حدة، وكلّ يسبّحون، وهذا قول المنجّمة والفلاسفة، وزعموا: أنّ الأفلاك الدائرة بالنجوم سبعة، وأنّها لطيفة لا تشاهد، ولكن يستدلّ عليها بالكواكب السيّارة، ومع كلّ فلك من هذه الأفلاك سوى فلك الشمس فلك آخر مائل عن فلك الشمس هي علّة عدم الكسوف في كلّ شهر، وعلّة (¬6) رجوع الخمسة عن سيرها المستقيم تجاه فلك البروج، و (¬7) في ذلك الحق المعصومي بفصول الفرغاني (219 و) من مقالة أبي الريحان، أمّا على التحقيق والتحصيل إذا أتيا الحكم بالتفصيل، فإنّ ما يجري من الكواكب يقطع البروج في المسارب، هي النجوم الثاقبات الثابتة، والشمس أيضا معها مسامتة هذا، فأمّا الخمسة السيّارة والقمر المدار فإنّها تجري على أقطاب من قطبي (¬8) البروج في اقتراب وميلها، أمّا الذي خصّ القمر منه فميل واحد من القدر، وما يخصّ الخمسة المذكورة مختلف ألوانها، تعيي من استفرغ فيها جهده؛ لأنّها من حركات. قال رضي الله عنه: وهذا اعتراف منه بالعجز عن إدراك كيفيّة حركات النجوم كلّها في أفلاكها، وفوق هذه الأفلاك السبعة فلكان آخران: أحدهما: فلك البروج والكواكب الثابتة (¬9)، وهو لطيف لا يشاهد، ولكن يستدلّ عليه بالكواكب الثابتة. زعموا أنّ هذه الكواكب الثابتة تزول عن مواضعها، وأنّ هذا الفلك يدور دور هذه السبعة من نحو المغرب إلى المشرق، إلا أنّ سيره بطيء لا يقطع في مئة سنة إلا جزءا واحدا من ثلاث مئة وستين جزءا في رأي بطليموس، وقال أصحاب الممتحن وأصحاب ¬
الأرصاد: لا يقطع في ستّ وستين سنة إلا جزءا واحدا من ثلاث مئة وستين جزءا من أجزاء الفلك الأعظم. والآخر فلك الأقطاب، وهو كالضدّ للفلك الأعظم المستقيم المحوط المكوّر لسائر الأفلاك من نحو المشرق إلى المغرب، وهذا الفلك الأعظم لطيف لا يشاهد، ولكن يستدلّ عليه بالمجرّة، أو تسير الطوالع والغوارب من نحو المشرق إلى المغرب على أدبارها. ثمّ (¬1) اختلفوا فيما بينهم، فزعم بعضهم أنّ الأفلاك السبعة في السماوات السبع التي أخبر الله تعالى عنهنّ أنّه سواهنّ سبع سماوات، وأنّ فلك البروج هو الكرسيّ، وأنّ فلك الأعظم هو العرش، وزعم آخرون: أنّ هذه الأفلاك التسعة بين السماء والأرض، وأنّ السماوات فوق هذه الأفلاك التسعة، وأنّ هذه الأفلاك التسعة لم تكن حاجزة بيننا وبين السماء، ولا ساترة إيّاها للطافتها، ولكن تسمّى الأفلاك سماء، كما يسمّى السحاب سماء، والمطر سماء (¬2)، السقف سماء. واختلفوا في ماهيّة هذه الأفلاك، فزعم أفلاطون وأصحابه: أنّ السماء متركّبة من الطبائع الأربع. وزعم قوم منهم: أنّ السماء نار. وزعم قوم: أنّها مركب من نار وريح، يعنون كلّهم بالسماء: الفلك، وزعم أبسطاليس (¬3) وأصحابه: أنّ السماء جرم خامس ليس من الطبائع الأربع، فإنّها لو كانت نارا أو ريحا لعلت، ولو كانت أرضا أو ماء لهبطت، وأجمعوا أنّها متناهية (219 ظ) محدودة، والله أعلم بالحقيقة. (¬4) {يَسْبَحُونَ:} يجرون ويطردون. 35 - {كُلُّ نَفْسٍ} (¬5): أراد مادّة التنفيس، وهي نسمة كالنسيم، وهي خلاصة الجسد، ومركب الروح. {ذائِقَةُ الْمَوْتِ:} كقوله: {كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ} [الرحمن:26]، أراد حيوانات السماء والأرض، واختلفوا في حيوانات الجنّة والنار. قيل: خلقها الله تعالى للبقاء، فلا يتناولها حكم الفناء. وقيل: لا بدّ لهم (¬6) من سبات أو وفاة. وقيل: يوم القيامة. 36 - {آلِهَتَكُمْ:} بالذمّ والعيب والسوء والشتم. ¬
{وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمنِ:} وهم يكفرون، كفرهم إنكارهم تسمية الرحمن، وأنّه هو الذي يذكر آلهتهم بالسوء. ويحتمل: أنّها في معنى قوله: {وَكَيْفَ أَخافُ ما أَشْرَكْتُمْ وَلا تَخافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللهِ} [الأنعام:81]. 37 - {مِنْ عَجَلٍ:} من طين، إنّما عبّر للتجنيس اللفظي. وقيل: هو مجاز، كما يقال: خلق فلان من الرفق والحكمة، وفلان من الخرق والطيش، (¬1) وهذه حروف مؤخرة لما بعدها في التقدير مقدّمة في التلاوة. 40 - {تَأْتِيهِمْ:} عائدة إلى الإناث، وفي قوله: {سَأُرِيكُمْ آياتِي.} 42 - {يَكْلَؤُكُمْ:} يحفظكم ويحرسكم. {بَلْ:} للإضراب. 43 - {يُصْحَبُونَ:} يحفظون من قولك: صحبك الله، أي: حفظك، وقال المازني: هو من الإصحاب وهو المنع. (¬2) 44 - {حَتّى طالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ:} أراد أحد أشياء ثلاثة (¬3): إمّا التنبيه على قساوة القلب باعتياد الكفر والإنكار، فإنّ طول العمر على عادة واحدة مما يؤكّد العادة (¬4)، وإمّا التنبيه على بلوغهم نهاية الأجل، فإنّ الشيء إذا طال بلغ نهايته، وإذا بلغ نهايته انقضى. (¬5) 46 - {نَفْحَةٌ:} فورة من الخير والشرّ، ونفح الريح: بردها، ونفح العرق إذا (¬6) نعر، ونفحت أردان (¬7) الجارية بالمسك، وفلان نفّاح بالخير. 47 - {الْقِسْطَ:} صفة الموازين. {خَرْدَلٍ:} حبّ في حجم (¬8) بزر قطونا في غاية الحراقة، يتغرغر به من في دماغه فضل ¬
رطوبة، والمراد به القلّة (¬1) على ما يتعارفه الناس. 48 - {وَضِياءً:} ونورا. {لِلْمُتَّقِينَ:} أنبياء بني إسرائيل، ومن سلك منهاجهم. وكان دانيال الحكيم عليه السّلام منهم. عن عبد الله بن أبي الهذيل (¬2) قال: ضرّى بختنصر أسدين، وألقاهما في جبّ، وجاء بدانيال، فألقاه عليهما (¬3)، فلم يهيّجاه، فمكث ما شاء الله، ثمّ اشتهى ما يشتهي الآدميون من الطعام والشراب، فأوحى الله إلى أرميّا عليه السّلام أن اتخذ طعاما وشرابا لدانيال (¬4)، فقال: يا ربّ، أنا بالأرض المقدسة، ودانيال بأرض بابل من أرض العراق (¬5)، فأوحى الله إليه أن اتخذ ما أمرنا، سنرسل إليك من يحملك، ويحمل ما أعددت، ففعل، فأرسل الله إليه من حمله، وحمل ما أخذ حتى وقف على رأس الجبّ، فقال دانيال: من هذا؟ قال: أرميّا، قال: ما جاء بك؟ (220 و) قال: أرسلني إليك ربّك عز وجل، قال: وقد ذكرني؟ قال: نعم (¬6)، قال: الحمد لله الذي لا ينسى من ذكره، والحمد لله الذي لا يخيّب من رجاه، والحمد لله الذي من وثق به لم يكله إلى غيره، والحمد لله الذي يجزي بالإحسان إحسانا، والحمد لله الذي يجزي بالصبر نجاة، والحمد لله الذي يكشف ضرّنا بعد كربنا، والحمد لله الذي هو ثقتنا حين يسوء ظنّنا بأعمالنا (¬7)، والحمد لله الذي هو رجاؤنا حين تنقطع الحيل عنّا. 51 - {إِبْراهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ:} موسى وهارون. وقيل: أراد تقديم الرشد على النبوّة والرسالة. (¬8) 52 - {التَّماثِيلُ:} جمع واحدها تمثيل وتمثال، فالأوّل مصدر، والثاني الصّنم، بمثالة التمساح. عكرمة، عن ابن عباس قال: كان آزر يصنع أصناما يبيعها، يطبع عليها بطابعه، فكلّ صنم يوجد ليس عليه طابع آزر. روي: أنّه خلاف لما أمر به الملك وقبل عليه، فكان آزر يبعث بها، فيطاف بها في الأسواق والقرى التي حولهم، فيبيعون، ويرجعون إليه بالأثمان، ويبعث مع ¬
إبراهيم، فينادي بأعلى صوته: من يشتري ما يضرّه ولا ينفعه، ويضرب رؤوسها بقرّاعة معه، ويقول: يا لك غرورا، ثمّ يأتي بها إلى النهر، فينكّس رؤوسها، فيقول: ألا تشربن؟! ما رأيت كاليوم أمرا أعجب يعبدون ما لا يسمع ولا يبصر، ولا ينطق، ولا يدري من عبده أو كفر به! فيقول بعض من يسمع إبراهيم ويقول هذا: أرأيت آزر وهو ثقة الملك على هذه الأصنام، كيف يبعث بها مع هذا المجنون يقول ما يقول من إظهار عيبها؟ فبعضهم يقولون: مجنون، وبعضهم يقولون: ضعيف، وبعضهم يقولون: هو صاحب نمرود، قال (¬1): وبلغ نمرود كلّ ما يقول واسمه، وحسب له ميلاده، فإذا هو يكون الشهر في الذي تخوّف، والذي (¬2) ذبح عليه الولدان، وقد ذبح أكثر من ألف من الولدان، قال: فنظر إبراهيم عليه السّلام نظرة في النجوم {فَقالَ إِنِّي سَقِيمٌ} [الصافات:89]، والسقيم عندهم المطعون، وعرف أنّهم يهربون من الطاعون فرقا من العدوى، فخرجوا من عنده هاربين. (¬3) 57 - {وَتَاللهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ:} عن الواقديّ، عن أشياخه قال: كان آلهتهم العظمى عشرة من نحاس على سرر من ذهب مكلّلة بالياقوت والزبرجد، أعينها حمر، لها لهب كلهب النار، لكلّ واحد منها (¬4) عينان تتوقّدان في الظلمة، وساتر ملبس بصفائح الذهب، مكلّل (¬5) بالياقوت، فلمّا دخل عليها إبراهيم عليه السّلام وجد عندها (220 ظ) طعاما كثيرا قد وضعوه، وشرابا من خمر، فأقبل عليها ضربا باليمين، أي: بيمينه التي حلف بها لأكيدنّ أصنامكم، ويقال: بيمينه، أي: بيده، وجعل يقول: ألا تأكلون؟ ألا تشربون؟ وهراق ذلك الطعام، وجعل يكسرها بفأس، ثمّ عمد إلى أعظم العشرة الأصنام، يقال له: براح، فعلّق الفأس عليه، وتركه والفأس معلّقة عليه، وكان فعل إبراهيم هذا بهم وافق عيدا لهم يخرجون إليه، يقيمون فيه (¬6) ثلاثا يعكفون، فلمّا رجعوا إلى مدينتهم، وكانوا إذا دخلوا من مغيب، أو خرجوا إلى مغيب سفر لم (¬7) يدخل أحد بيتها حتى يسجد لها، وإذا خرجوا (¬8) لم يخرجوا حتى يسجدوا لها، وإذا نزل بأحدهم أمر ذهب إليها. ¬
58 - {جُذاذاً:} قطعا. {إِلاّ كَبِيراً لَهُمْ:} الضمير راجع إلى الأصنام. وقيل: إلى الناس. 59 - {قالُوا مَنْ فَعَلَ هذا:} قال: لّما رجعوا من عيدهم بدؤوا بها قبل بيوتهم، فرأوا ما فعل بها، فقال نمرود: من فعل هذا؟ قال رجل من خزّان آلهتهم سمع إبراهيم عند خروجهم يقول: لأكيدنّ أصنامكم، سمعت فتى يذكرهم يقال له: إبراهيم، يقول ذلك، فأخبر الملك، فدعا إبراهيم فقال له: أرأيت إلهك هذا الذي تعبده، وتدعو إلى عبادته، وتذكر من قدرته وعظمته وربوبيّته التي تعظّم بها على غيره، ما هي؟ صفها لي، قال إبراهيم (¬1) عليه السّلام: إنّ ربّي يحيي ويميت، قال نمرود: فأنا أحيي وأميت، ثم ذكرنا في الحديث. (¬2) 61 - {عَلى أَعْيُنِ النّاسِ:} أي: جهارا نهارا. {لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ:} على إقراره. وقيل: يشهدون على الإنكار عليه، فيرتدعون (¬3) عن الإقدام على مثل صنيعه. 63 - {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ:} عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لم يكذب إبراهيم قطّ إلا ثلاث كذبات: قوله: {إِنِّي سَقِيمٌ} [الصافات:89]، وقوله: {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ،} وقوله لسارة: أختي». (¬4) قال: لهذا النوع من الكذب رتبة الصدق، قال عليه السّلام: «لا كذب إلا في اثنتين: في إصلاح ذات البين، [و] (¬5) في حديث الرجل لامرأته، وحديث المرأة لزوجها». (¬6) 65 - {ثُمَّ نُكِسُوا عَلى رُؤُسِهِمْ:} صرفوا بالخذلان على أدبارهم، فانصرفوا عن تلاومهم إلى جدال إبراهيم عليه السّلام. و (المنكوس): المعكوس. {ما هؤُلاءِ:} للجحد، كقوله: {ما لَنا فِي بَناتِكَ مِنْ حَقٍّ} [هود:79]، {وَظَنُّوا ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ} [فصلت:48]. ¬
68 - {قالُوا حَرِّقُوهُ:} عن الواقديّ، عن شيوخه قالوا: أمر نمرود بإبراهيم إلى السجن أولا، فجلس سبع سنين، وجعل إبراهيم يدعو أهل السجن إلى الله وعبادته حتى فشا أمره، وأحبّه قوم على دينه، ولم يدخلوا معه، فجاء السجّان إلى الملك، فقال: إنّ الملك (221 و) كان قد غضب على قوم في جيشه خالفوه، فكانوا يطلبون رضاه، ويأبى الملك، فدخل إبراهيم السجن، فدعاهم إلى عبادة إلهه، فقد رأيتهم قد ركنوا إلى قوله وأحبوه، وأنا أخاف أن يتّبعوا دينه، ويتركوا دين الملك، ما يرى في السجن صنما إلا كسره حتى هانت عليهم موجدة (¬1) الملك، قالوا: ما نبالي لو قتلنا على هذا الدين، فبلغ نمرود من ذلك ما شقّ عليه، واغتاظ غيظا شديدا. وعن عكرمة، عن ابن عباس قال: قال نمرود لإبراهيم عليه السّلام: يا إبراهيم (¬2)، أيّة قتلة أقتلك، وقد صنعت بآلهتنا ما صنعت؟ قال: فقال رجل من الأعراب، وهم أكراد (¬3) الجبل: حرّقوه بالنار، قال نمرود: أصبت، أصبت ما في نفسي، ما رأيت كلمة أشفى لما أجد من كلمتك. وعن جابر، عن عبد الله قال: سمعت الهرمزان يحدّث في عهد عمر رضي الله عنه قال: لّما أرادوا أن يحرقوا إبراهيم عليه السّلام جعلوا له جيرا خمسين (¬4) في خمسين، وطوله ستون (¬5) ذراعا، وعرضه عشرة أذرع، وله أساس في الأرض عشرون ذراعا، ثمّ نادى مناد: بعزيمة الملك على أهل مملكته أن يحملوا جزل الحطب (¬6)، فيلقوه في الجير، فطرحوا فيه جزل الحطب خمس عشرة ليلة، فلم يبق أحد إلا ألقى في الحطب، فلما ساوى الحطب رأس الجيرة، وجعل له بابان من حديد: باب يدخل فيه، وباب يخرج منه لحمل الحطب، فلما بني كذلك، والبابان مسدودان أذاب عليهما النحاس، وأوقد النار في الحطب حتى غشي اللهب المدينة، وأظلم عليهم الدخان، فصار كالسحاب، وسمع للنار مثل وقع الحديد على الحديد، وارتفع في السماء لهبها، فلمّا أرادوا يلقونه (¬7) فيها صاحت السماء والأرض وما بينهما إلا الثقلين: ربّنا ليس في أرضك هذه الواسعة سهلها وجبلها وبرّها وبحرها أحد يعبدك غيره يحرق بالنار؟ فأذن لنا في نصره، فقال تبارك وتعالى: إن دعا أحدا منكم فأغيثوه، فإنّي قد أذنت لكم في ذلك، وإن لم يدع غيري فأنا ¬
وليّه، خلّوا بيني وبينه، وأقبل إبراهيم عليه السّلام على الدعاء يقول: ربّ أنت واحد في السماء، وأنا واحد في الأرض، لا يعبدك أحد غيري، يا أحد يا صمد، بك أستعين، وبك أستغيث، وعليك أتوكّل، حسبي الله، لا إله إلا هو، ونعم الوكيل، إنّك تعلم أنّما عداوتي قومي فيك، فانصرني عليهم، ونجّني اليوم من النار (¬1)، قال: فأوحى الله عز وجل إلى النار أن كوني بردا وسلاما، فكانت (¬2) كما قال الله تعالى (¬3)، فمكث في النار سبعة أيّام، وبعث الله إليه ملك الظلّ في صورة إبراهيم، فقعد فيها إلى جنب إبراهيم يؤنسه، ثمّ إنّ عدوّ الله ركب مركبا له، فمرّ بالنار وقد خبت، وقد احترقت (221 ظ) الجدر، وذاب النحاس والحديد، وصار الوقد والبناء رمادا وأعاصير، وكان الوطاويط، يعني: الخطاطيف، يومئذ تطفئ عن إبراهيم النار، وكان الأوزاع تنتفخ عليه، وتلهب عليه، قال أصحاب الملك: ما بقي شيء قد أراحنا الله من عدوّنا، وأهلكه بأسوء قتلة، وشفى الملك منه، وشفانا منه، وصارت النار رمادا، فأنغض نمرود برأسه وقال: إنّي رأيت في المنام كأنّما هدّ الجير، وخرج إبراهيم من النار سليما، يجمر (¬4) لم (¬5) يكلم، وأنّا طلبناه فلم نقدر عليه، فانظروا، فإنّه سيخرج منها سليما لم يكلم، قال أصحابه: أين ذهب الملك؟ إنّ الحلم (¬6) ليصدق ويكذب، ونظنّ (¬7) ذلك يكذب، قال نمرود: فابنوا لي صرحا على أشرف النار، فأنظر في قعرها، ففعلوا، فأشرف عليها، ورأى أنّ إبراهيم عليه السّلام جالسا، ورأى رجلا مثله على صورته يروّح إبراهيم عليه السّلام فناداه نمرود: يا إبراهيم، الذي بلغت قدرته أن حال بينك وبين النار، هل تستطيع أن تخرج؟ قال إبراهيم: نعم (¬8)، فخرج إبراهيم، فاجتمع الناس، فقالوا: من الرجل الذي كان معك؟ قال: ملك الظلّ، وهو الذي أيّدني ربّي به، وأوحى الله إلى النار فقال: {يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً} فكانت عليّ كما قال، ثمّ خرج إبراهيم إلى أمّه حتى قعد إلى جنبها، وهي في المجمع، فأقبلت سارة بنت هارون، وكانت أوّل من آمن بإبراهيم حتى جلست إلى جنبه إيمانا به، وتعجّبا لما صرف عنه، وقالت: إنّي آمنت بالذي جعل النار عليك بردا وسلاما، فقالت لها أمّ إبراهيم: احذري القتل على نفسك، قالت: وكيف ¬
أخاف شيئا وقد آمنت بربّ إبراهيم؟ إنّ الذي منع إبراهيم ممّا ترين لقادر على أن يمنعني، قال: وقال نمرود لأصحابه: قد أخبرتكم بالرؤيا التي رأيت مع ما كنّا نجد في النجوم من ذكر إبراهيم وخلافه، ما يبعد أنّه سيظهر، وكانت حول إبراهيم عليه السّلام حين خرج من النار جماعة من الناس لا يحصى عددهم، فهم يأتمرون به ليجدّدوا له عذابا آخر، فأرسل الله تعالى ريحا عاصفا، فنسفت رماد تلك النار عن وجه الأرض، ثمّ ذرّته في وجوههم، فخرجوا هاربين (¬1) مولّين، وأرسل نمرود إلى إبراهيم عليه السّلام: أنّي مقرّب إلى ربّك قربانا لما رأيت (¬2) من قدرته، ولما صرف عنك ممّا أردناه بك وصنعنا بك من أشدّ أصناف العذاب، وأهول (¬3) القتل، فأذبح له أربعة ألاف بقرة، فقال إبراهيم: إذا لا يقبل منك شيئا ما كنت على دينك (222 و) قال نمرود: يا إبراهيم، لا تطيّب نفسي بفراق ملكي، ولو أنّ قومي تركوا ملكي في يدي لتبعتك، ولكنّ قومي يأبون، وأنا أضنّ بملكي، ولك أن لا تؤذى ولا تهاج، فلم يهجه يومئذ، ولم يتعرّض له. (¬4) وعن سفيان بن عيينة قال: لمّا وضع إبراهيم في المنجنيق جاءه جبريل عليه السّلام فقال: ألك حاجة؟ قال: أمّا إليك فلا، ليست لي حاجة إلا إلى الله تعالى، فأوحى الله تعالى إلى النار لئن نلت من إبراهيم أكثر من حلّ وثاقه لأعذبنّك عذابا لا أعذبه (¬5) أحدا من خلقي. (¬6) قال: البرد خلاف الحرّ، ويذكر ويراد به العافية والراحة، كقولهم في الدعاء: اللهمّ أذقنا برد عفوك. قال: لو قال للنار: كوني بردا، ولم يقل: سلاما لجمدت وأجمدت إبراهيم عليه السّلام، ولو لم يقل: على إبراهيم لبطلت النار في الدنيا، ولم تحرق (¬7) شيئا بعد ذلك. 70 - {فَجَعَلْناهُمُ الْأَخْسَرِينَ:} خسارهم: بقاؤهم في الضلالة، وزوال ملكهم عند انقضاء آجالهم إلى بدل سوء. روى الكلبيّ عن أبي صالح، عن ابن عباس: أنّ إبراهيم لمّا خرج من النار سالما قال عمّه هارون (¬8) أبو لوط: إنّما لم تحرقه النار لعبادتي إيّاها، فحفظته فيّ، فابنوا له أتونا، واهلكوه بالدخان، فإنّ الدخان لا وفاء له ولا حفاظ، فبنوا أتونا، وأوقدوا فيه نارا، وأدخلوا فيه إبراهيم ¬
ولوطا وسارة، فخرجت عنق من النار (¬1) وأصابت لحية هارون فاحترق بها، وفتح الله طريقا (¬2) لإبراهيم ولوط وسارة، فخرجوا سالمين. (¬3) 72 - {وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ:} خصّه؛ لأنّ ولادته كانت بعد شيخوخة إبراهيم ويأس سارة، فكانت آية من آيات الله تعالى، وخصّ يعقوب لمكان نبوّته، وكونه إسرائيل الله. {نافِلَةً:} عطية زائدة. 75 - {وَأَدْخَلْناهُ فِي رَحْمَتِنا:} نعمتنا، وهو مواساة إبراهيم إيّاه في الدنيا، والجنّة في العقبى. 76 - {وَنُوحاً:} نصب بفعل مضمر، أي: ونجّينا نوحا. {مِنَ الْكَرْبِ:} شدة الحزن. 78 - وانتصاب {داوُدَ} بفعل مضمر. و {نَفَشَتْ:} انتشرت السائمة، وأرتعت بالليل من غير راع (¬4). واللام في {الْقَوْمِ} للتعريف؛ لأنّ القصّة معروفة عند أهل الكتاب، أو للتعويض (¬5) عن الإضافة، أي: قومهما. {لِحُكْمِهِمْ:} أي: على حكمهم. {شاهِدِينَ:} مطّلعين، والضمير عائد إلى داود وسليمان وقومهما. 79 - وقوله: {فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ} دليل على أنّهما حكما (¬6) باجتهاد الرأي لا بالنصّ، وللنبيّ أن يجتهد في حادثة علم أصولها بالوحي، والهاء عائد إلى القصة. وعن ابن عباس قال: إنّ غنم قوم وقعت في كرم قوم ليلا حين خرج عناقيده (¬7) (222 ظ) فأفسدتها، فاختصموا [إلى] (¬8) داود بن أنشا النبيّ عليه السّلام، فقوّم داود الغنم والكرم، فكانت القيمتان سواء، فدفع الغنم إلى صاحب الكرم بما أفسدت، ولم يكن حمل الكرم ¬
كلّه، قال: فخرجوا من عند داود عليه السّلام، فمرّوا على سليمان فقال: بم قضى بينكم الملك؟ فأخبروه، فقال: نعم ما قضى به، وغير هذا كان أوفق بالفريقين جميعا، فرجع أصحاب الغنم إلى داود عليه السّلام (¬1)، فأخبروه بما قال سليمان، فأرسل داود إلى سليمان، فقال: كيف رأيت قضائي بين هؤلاء؟ قال: نعم ما قضيت، قال: عزمت عليك بحقّ النبوّة، وبحقّ الملك، وبحقّ الوالد على ولده إلاّ ما أخبرتني، فقال سليمان: غير هذا كان أوفق بالفريقين جميعا، قال: ما هو؟ قال: يأخذ أهل الكرم الغنم بما أفسدت كرمهم، فينتفعون بألبانها وسمنها وأصوافها ونسلها، ويعمل أهل الغنم لأهل الكرم في كرمهم حتى يعود كهيئته يوم أفسدت، فقال داود عليه السّلام: نعم ما قضيت، فقضى داود بينهم بذلك، فقوّموا بعد ذلك الكرم، وقوّموا ما أصاب أهل الكرم من الغنم (¬2)، فوجدوه مثل ثمن الكرم، فقضى به داود عليه السّلام، وحكم سليمان عليه السّلام وهو ابن أحدى عشرة (¬3) سنة. قول سليمان: غير هذا كان أوفق، دليل على جواز مشاركة النبيّ والإمام في الاجتهاد؛ لقوله تعالى: {وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} [آل عمران:159]. وقول داود: عزمت عليك، دليل على وجوب طلب الأحسن ما أمكن، ولهذا رجع أبو حنيفة من قول إلى قول. وفي قضائه بقضاء سليمان دليل على أنّه كان على سبيل الفتوى، ولم يبرم قضاءه، أو كان من شريعته فسخ الاجتهاد (¬4)، أو أوحى الله أنّ الحقّ ما قاله سليمان، فصار فسخ الاجتهاد بالنصّ. والحكم في شريعتنا على ما روى أبو هريرة، عنه عليه السّلام: «العجماء جبار، والمعدن جبار» (¬5)، وفي بعض الروايات: «جرح العجماء جبار» (¬6)، فيستعمل الخبرين العامّ على عمومه، والخاصّ على خصوصه. {وَكُلاًّ آتَيْنا حُكْماً وَعِلْماً:} دليل على حسن حكم داود، وإن كان حكم سليمان أحسن منه، وإنّ أقاويل المجتهدين كلّها دين لله تعالى. {وَسَخَّرْنا مَعَ داوُدَ الْجِبالَ يُسَبِّحْنَ (¬7)} وَالطَّيْرَ: لمحاومة داود كان خلاف العددة (¬8) ¬
متميزا لأولي الألباب بإذن الله. 80 - {صَنْعَةَ لَبُوسٍ:} ما يلبس كالرّكوب ما يركب، والسّحور ما يتسحّر به، يعني: الدّرع من الحديد. 81 - {وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ عاصِفَةً:} كانت ريحه عليه السّلام تجري مرّة رخاء، ومرّة عاصفة على مقدار المراد من مصلحة الحال، وذكروا في قوله: {غُدُوُّها شَهْرٌ وَرَواحُها شَهْرٌ} [سبأ:12] كان يقيل باصطخر (¬1) فارس، ثم يروح إلى كابل (¬2)، ثم يرجع إلى بلاده، قالوا: وكان والي خراسان يومئذ كسرى بن سياوش بن (223 و) كيقابوس تزحزح لسليمان عن ممالك العراق وفارس حتى انتهى إلى بلخ، فنزلها، ثم غاب غيبته، واستخلف لهراسف. وروي: أنّ سليمان عليه السّلام حجّ على سريره تحمله الريح. 82 - {وَمِنَ الشَّياطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ:} إلى قعر الماء لاستخراج اللؤلؤ والياقوت ونحوهما. {وَيَعْمَلُونَ عَمَلاً دُونَ ذلِكَ:} من المحاريب والتماثيل والطواحين والحمّامات، وقد عملوا السيوف المعجونة السليمانيّة، وبنوا له تدمر (¬3) بالشام. {وَكُنّا لَهُمْ حافِظِينَ} أي: حابسين في طاعته وسلطانه، أو عاصمين من عاجل العقوبة والهلاك. ويحتمل: أنّ الضمير عائد إلى داود وسليمان وأوليائهما. 83 - وذكر أبو الحسن أحمد بن محمد البلخيّ: أنّ أيوب هو ابن أموص بن زرح بن عيصو (¬4) بن إسحاق، وامرأته رحمة بنت أفراييم بن يوسف، وكان بالبتنيّة، وهي أرض من ديار الشام، بين دمشق ورملة، فلبث في قومه سبع سنين يدعوهم إلى الله، فلم يجبه إلا ثلاثة نفر، وكان كثير المال والولد، مباركا عليه فيهما، يملك ألف رأس ثور للحراثة، مع كلّ رأس ثور أتان تحمل ألات الحراثة، خلف كلّ أتان جحشان وثلاثة، والفدّادون كلّهم كانوا عبيدا له، وكان يملك من الغنم ألف ألف، وكان الرعاة عبيدا له، وكانت أولاده عشرة من الذكور وسبعة من الإناث، وكان أعبد خلق الله وأشكر خلقه في زمانه، فحسده إبليس، واعتقد أنّ سبب ¬
عبادته وشكره هي (¬1) النعمة الظاهرة، فلو انتزعت منه لكفر بالله عز وجل، وأحبّ الله أن يبتلي عبده باستلاب النعمة الظاهرة ليجلّيه في حلية البؤس والفقر، كما جلاّه في حلية الثروة والغنى، ليظهر فساد اعتقاد عدوّه، فسلّطه الله على أمواله وأهله حتى أهلك الحرث والنسل شيئا بعد شيء، ثمّ سلطه على جسده، فمسّه ونفخ فيه، فمن شؤمه انفتخ جسد أيوب عليه السّلام، وخرج منه الجدريّ، ثمّ تدوّدت قروحه بعد ذلك من داخل وخارج، ولم يسلم منه إلا قلبه ولسانه ودماغه، ولبث في ذلك البلاء (¬2) سبع سنين، وكلّ ذلك من جهة إبليس بإذن الله وتخليته، وأيوب عليه السّلام في (¬3) ذلك صابر شاكر بإذن الله ولطفه وحسن توفيقه، وكان لم يبق معه أحد من أصحابه وخوله إلا امرأته، كانت تطوف على أبواب الناس وتسأل، فبعضهم ينهرها، وبعضهم يتصدق عليها، فتجيء وتنفق عليه، فتراءى لها إبليس لعنه الله في صورة آدميّ شابّ صبيح مليح، وقال لها: أيّتها المرأة، أنت امرأة من أولاد الأنبياء، فما بالك تحت رجل من الأشقياء، قد قلاه الله وابتلاه، (223 ظ) قالت: بل هو نبيّ الله وصفيّه، لست بمؤثرة عليه أحدا أبدا، ثمّ جاءت فذكرت ذلك لأيوب، فقال أيوب: إنّما ذلك الشيطان فلا تكلّميه، ولا تجيبيه بشيء، ثمّ تراءى لها بعد ذلك، وكلّمها بمثل كلامه (¬4) الأوّل، وأجابته بمثل جوابها الأوّل، فأخبرت بذلك أيوب، فقال: إنّما ذلك الشيطان فلا تكلّميه، ولا تجيبيه بشيء، ثمّ تراءى لها بعد ذلك وكلّمها، وأجابته كذلك، وأخبرت بذلك أيوب، فقال: أما قلت لك مرّة بعد مرّة: إنّه الشيطان لا تكلّميه، ولا تجيبيه، وحلف (¬5) بالله تعالى أن يضربها (¬6) مئة جلدة إن شفاه الله تعالى. وعن ابن عباس قال: قال أيوب عليه السّلام: كان الركض (¬7) برجلي أشدّ عليّ من البلاء الذي كنت فيه، فأتاه جبريل عليه السّلام وقال: {اُرْكُضْ بِرِجْلِكَ هذا مُغْتَسَلٌ بارِدٌ وَشَرابٌ} [ص:42]، ففعل، ففجرّت له عين، فاغتسل منها، فصحّ جسده، ثمّ قيل له: اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب، ففجرت له عين (¬8)، فشرب فالتأم ما في جوفه، وبرئ قدمه. ¬
84 - قوله: {فَكَشَفْنا ما بِهِ مِنْ ضُرٍّ} يقول: برأنا ما به من وجع شديد في جسده. {وَآتَيْناهُ أَهْلَهُ:} فكانت امرأته ولدت له سبع بنين وسبع بنات، فنشروا له ما كان قد مات (¬1) في ذلك البلاء. {وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ:} وضعفهم معهم (¬2)، ولدت له امرأته سبع بنين وسبع بنات. {رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَذِكْرى لِلْعابِدِينَ} أي: عظة للمتّقين، وهذه الرجعة ليست بأعجب من رجعة عزير وعاميل والسبعين والألوف. وعن أبي حنيفة رضي الله عنه قال: ردّ الله على أيوب أهله، وولده من صلبه، ومثل أمور ولده. (¬3) 85 - وذو الكفل نبيّ من بني إسرائيل بعثه الله تعالى إلى ملك يقال له: كنعان، فدعاه إلى الإيمان، وكفل له بالجنّة، وكتب له كتابا (¬4) ذكر حق (¬5) الله، وآمن الملك، وأوصى بأن يدرج ذلك الكتاب معه في طيّ أكفانه، ففعلوا، ودفنوا ذلك الملك، فردّ الكتاب إلى ذي الكفل، وقيل له: إنّ الله يقرئك السّلام، وقد أوفى الملك (¬6) ما وكدت (¬7) في عنقك (¬8). وذكر الكلبيّ: أنّ إلياس عليه السّلام كان في أربع مئة من الأنبياء، فقتل الملك منهم ثلاث مئة نبيّ، فكفل ذو الكفل في مئة نبيّ، فكفلهم وخبّأهم عنده يطعمهم، ويسقيهم حتى خرجوا من عنده، فسمّي ذو الكفل؛ لكفالة طعامهم وشرابهم حتى أفلتوا. (¬9) وذكر الحدادي: أنّ اسم ذي الكفل عايوذا. وكان نبيّا، عند الحسن. (¬10) ورجلا صالحا كفل لنبيّ عبادته، عند قتادة. (¬11) 87 - {وَذَا النُّونِ:} قال النبيّ عليه السّلام: لّما بدا ليونس عليه السّلام أن يدعو الله عز وجل بالكلمات حين نادى وهو في بطن الحوت، فقال: اللهم لا إله إلا أنت سبحانك إنّي كنت من الظالمين، فأقبلت الدعوة تحت العرش، فقال الملائكة: (224 و) يا (¬12) ربّ هذا صوت ¬
ضعيف معروف من مكان غريب، فقال: ما تعرفون؟ ذلك عبدي يونس الذي لم يزل يرفع له (¬1) عمل متقبّل، ودعوة مجابة، قالوا: يا ربّ، أفلا ترحم ما كان يصنع في الرخاء، فتنجيه من البلاء، فأمرت الحوت وطرحته بالعراء. (¬2) 88 - وعن سعد قال: قال النبيّ عليه السّلام: «من دعا بدعاء يونس استجيب له» (¬3)، قال (¬4): يريد {وَكَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ.} 90 - {وَوَهَبْنا لَهُ يَحْيى:} عن ابن عباس قال: بعث عيسى عليه السّلام يحيى بن زكريا عليهما السّلام في اثني عشر من الحواريين يعلّمون الناس، فكان فيما يعلّمونهم أن ينهوهم عن نكاح ابنة الأخت، وكان لملكهم ابنة أخت تعجبه، وكان يريد أن يتزوّجها، وكان لها كلّ يوم حاجة يقضيها، فلما بلغ ذلك أمّها أنّهم نهوا عن نكاح ابنة الأخت، فقالت لها: إذا دخلت على الملك، فقال: لك حاجة؟ فقولي: حاجتي أن تذبح يحيى بن زكريا (¬5)، فلما دخلت عليه، فسألها حاجتها، فقالت: حاجتي أن تذبح يحيى بن زكريا، فقال: سليني سوى هذا، قالت: ما أسألك إلا هذا، فلما أبت عليه دعا بطست، ودعا به، فذبحه، فبدرت قطرة من دمه على الأرض، فلم تزل تغلي حتى بعث الله بختنصر عليهم، فألقى في نفسه أن يقتل على ذلك منهم حتى تسكن نفسه، فقتل عليه منهم سبعين ألفا. (¬6) وعن شهر بن حوشب قال: لّما قتله رفع رأسه، فجعلته في طست من ذهب، فأهدته إلى أمّها، فجعل الرأس يتكلّم في الطست، أنّها لا تحلّ له ولا يحلّ لها، ثلاث مرات، فلمّا رأت الرأس فقالت (¬7): اليوم قرّت عيني، وأمنت على ملكي، فلبست درعا من حرير، وخمارا من حرير، وملحفة من حرير، ثمّ صعدت قصرا لها، وكانت لها كلاب تضرّيها بلحوم الناس، فجعلت تمشي على قصرها، فبعث الله تعالى عليها ريحا عاصفا، فلفّتها في ثيابها، فالقتها إلى كلابها، فجعلن (¬8) ينهشنها، وهي تنظر، وكان آخر ما أكلن منها عينيها (¬9). (¬10) ¬
91 - {وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها:} عورتها. {فَنَفَخْنا فِيها:} قيل: إنّ جبريل عليه السّلام نفخ في جيبها. (¬1) وقيل: في كمّها. وقيل: في ذيلها. (¬2) وفي التحريم {فَنَفَخْنا فِيهِ} [التحريم:12] هاهنا راجع إلى العورة، وهناك إلى لفظ الفرج. وقيل: التأنيث راجع إلى الوالدة، والتذكير إلى الولد. {وَجَعَلْناها وَاِبْنَها آيَةً:} وهما اثنان؛ لأنّ كرامة مريم كانت معجزة ولدها، كقوله: {لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ} [البقرة:61]. 92 - والقول مضمر في قوله: {إِنَّ هذِهِ (¬3)} أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً يعني: قوم عيسى عليه السّلام. 93 - {وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ} (224 ظ) {بَيْنَهُمْ:} قيل: إنّ الله تعالى لّما رفع (¬4) عيسى بن مريم عليه السّلام، وزعمت اليهود أنّهم قتلوه وصلبوه، وشكّ فيه كثير ممّن اتّبعه أيضا إلا نفر من الحواريين وأربعة من تلامذته، والخمسة النفر ويهودا بن نبي، فإنّهم لم يشكّوا أنّ الله رفعه، وكان عليه السّلام قد أوصى تلامذته أن يخرجوا دعاة إلى الله تعالى، وسمّى لكلّ رجل بلدة، وقال: إذا أتى الرجل منكم البلدة التي سمّيت له، فليقل: إنّي رسول المسيح عيسى بن مريم رسول الله، أدعوكم إلى توحيد الله وعبادته، وإنّ آية كلّ رجل منكم أن ينطق الله لسانه بلغة القوم الذين أرسل إليهم، فلمّا رفعه الله إليه خرج كلّ رجل إلى البلدة التي سمّيت له داعيا إلى توحيد الله وعبادته، وأقام بقية الحواريين والتلامذة على منهاج عيسى عليه السّلام وشريعته حتى مات خيارهم من أولئك الرسل وغيرهم من الحواريين والتلامذة، ومات أهل الدين والورع منهم، وبقي أتباع الحواريين وتلامذة التلامذة، فاختلفوا (¬5)، وتنازعوا الرئاسة فيما بينهم، وابتدع كلّ رجل منهم بدعة ضلال، فضلّوا وأضلّوا. 94 - (كفران السّعي): تركه بلا ثواب، كما أنّ كفران النعمة تركها بلا ثناء. 95 - {أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ:} كالترجمة للتحريم، إذ التحريم في معنى القول كقوله: {قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ} [الأنعام:151]، والتحريم قد يكون تحريم إلجاء، وقد يكون تحريم ابتلاء، والرجوع قد يكون توبة كقوله: {وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنا} [الإسراء:8]، وقد يكون ¬
موتا كقوله: {ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ} [السجدة:11] وقد يكون رجعة إلى الدنيا، كقوله: {قالَ رَبِّ اِرْجِعُونِ} [المؤمنون:99]، فإن كان تحريم إلجاء فمجازه مع رجوع التوبة: كانوا محرومين مخذولين عن التوفيق للتوبة، ومجازه مع رجوع الموت: كان حراما عليهم في قضائنا، وتقديرنا أن يخلّدوا ولا يموتوا كقوله (¬1): {كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنا تُرْجَعُونَ} [الأنبياء:35]، ومجازه مع الرجوع إلى الدنيا: كان حراما (¬2) على القرى التي أهلكناها أن لا يرجعوا إلى الدنيا، أي: سيرجعون، وهذا باطل لقوله: {كَلاّ إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها. . .} الآية [المؤمنون:100]. والثاني: أن يكون ترجمة للتحريم، أمّا التحريم في معنى القول، أي: تحريمنا عليهم هو أنّهم لا يرجعون إلى الدنيا، وإن كان تحريم ابتلاء فمجازه مع تحريم رجوع التوبة: كان حراما على القرى التي أهلكناها أن يصرّوا ولا يتوبوا، ومع رجوع الموت لم يمنعني الكلام إلى الدنيا، لم يمنعني الكلام أيضا. 96 - {حَتّى إِذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ:} يعني: ردمهم. عن زينب بنت جحش (¬3) قالت: استيقظ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من النوم محمرّا وجهه وهو يقول: «لا إله إلا الله، يردّدها ثلاثا، ويل للعرب من شرّ قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذا»، (225 و) وعقد عشرا، وقالت زينب: قلت: يا رسول الله، أفنهلك وفينا الصالحون؟ قال: «نعم إذا كثر الخبث». (¬4) ويحمل الفتح والظفر بغنائمهم (¬5) وأموالهم إذا هلكوا، كقولنا: فتحنا الهند والسند، وسنفتح قسطنطينية بإذن الله. {مِنْ كُلِّ حَدَبٍ:} مرتفع من الأرض. {يَنْسِلُونَ:} يخرّبون (¬6). 97 - {فَإِذا هِيَ:} كناية عن الإبصار في محلّ الرفع بالابتداء، وخبرها {شاخِصَةٌ} {أَبْصارُ الَّذِينَ كَفَرُوا:} بيان لها، كقوله: {فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ} [الحج:46]. وقيل: ¬
عماد، وعائدة إلى الحالة الخصلة. (¬1) 98 - {حَصَبُ:} ما يرمى، تقول: حصبته بكذا. وقال قتادة: {حَصَبُ جَهَنَّمَ:} حطب جهنّم، وقال: هو بالحبشيّة. (¬2) 99 - {لَوْ كانَ هؤُلاءِ آلِهَةً:} يعني: الشياطين والأصنام. 101 - وقوله: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى:} مخصّصة لما قبلها. وقيل: ردّ على المحتجّ بعمومها. (¬3) وقيل: ناقلة للعموم عن المجاز إلى الحقيقة. وعن ابن عباس: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أتى قريشا وهم في المسجد مجتمعون، وثلاث مئة وستون صنما مصفوفة في الحجر، كلّ قوم بحيالهم، فقال: «إنّكم وما تعبدون من دون الله من هذه الأصنام في النار»، ثمّ انصرف عنهم، فشقّ ذلك عليهم مشقّة شديدة، وأتاهم عبد الله (¬4) بن الزبعريّ السهميّ، وكان شاعرا، فقال: ما لي أراكم بحال لم أركم عليها قبل؟ فقالوا: إنّ محمدا يزعم أنّا وما نعبد في النار، فقال: أنا والذي جعلها بيته أن لو كنت هاهنا لخاصمته، قالوا: فهل لك أن نرسل إليه؟ فبعثوا إليه، فأتاهم، فقال له عبد الله بن الزبعريّ: أرأيت، يا محمد، ما قلت لقومك آنفا خاصّ أم عامّ؟ قال: «بل عامّ لمن عبد من دون الله، فهو وما يعبد في النار»، قال: أرأيت عيسى بن مريم؟ هذه النصارى تعبده (¬5)، فعيسى والنصارى في النار، وهذا عزير يعبده اليهود، فعزير واليهود في النار، وهذا حيّ من العرب يقال لهم: بنو مليح يعبدون الملائكة، فالملائكة (¬6) وهي في النار، ما آلهتنا خير من هؤلاء، قال: فسكت ولم يجبهم، قال ابن الزّبعريّ: خصمتك وربّ الكعبة، وضجّ أصحابه وضحكوا، فقال الحارث بن قيس: حسبك يا محمد، إي والذي جعلها بيته، فنزل قوله: {وَلَمّا ضُرِبَ اِبْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ (57) وَقالُوا أَآلِهَتُنا خَيْرٌ أَمْ هُوَ ما ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاّ جَدَلاً} [الزخرف:57 - 58]، يقول: هم أجدل قوم بالباطل {بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ} [الزخرف:58] بالباطل، ونزل في ¬
عيسى وعزير (¬1) والملائكة: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ} فقالوا: فهلاّ قلت هذا إذ سألناك؟ ولكنّك تذكر إذ خلوت. 103 - {لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ:} الموت (¬2)، لأنّهم مستعدون له، والدنيا (225 ظ) سجنهم. وقال الكلبيّ: الأطباق (¬3) على النار بعد خروج المؤمنين منها، وذبح الموت بين الجنّة والنار في صورة كبش أملح. 104 - {يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ:} ندرجها. و {السِّجِلِّ:} الصكّ يطوى. وقيل: {السِّجِلِّ:} الوراق اكاتب. وعن أبي الجوزاء قال: {السِّجِلِّ:} كاتب للنبيّ عليه السّلام. (¬4) وذكر أبو عبيد الهروي: أنّه اسم ملك من الملائكة. (¬5) وعن ابن عباس قال: قام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالموعظة، فقال: «أيّها الناس، إنّكم محشورون إلى الله تعالى عراة غرلا»، ثمّ قرأ: {كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ. . .} الآية، قال: «أوّل من يكسى يوم القيامة إبراهيم، وإنّه سيؤتى برجال من أمّتي فيؤخذ بهم ذات الشمال، فأقول: ربّ أصحابي، فيقال: إنّك لا تدري ما (¬6) أحدثوا بعدك، فأقول كما قال العبد الصالح: {وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ} [المائدة:117] إلى قوله: {الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [المائدة:118]، فيقال: هؤلاء لم يزالوا مرتدّين على أعقابهم منذ فارقتهم». (¬7) 105 - وعن ابن عباس في قوله: {أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها:} الجنّة. {فِي الزَّبُورِ:} زبور داود عليه السّلام. {مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ:} التسبيح والتهليل والوعظ. ويحتمل: أنّ المراد بالذكر التوراة، ¬
وبالزبور كتاب داود. ويحتمل: أنّ المراد (¬1) بالذكر اللوح المحفوظ، و (¬2) بالزبور كتاب يعلمه الله. 107 - {وَما أَرْسَلْناكَ إِلاّ رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ:} كونه رحمة لنا شيء لا يخفى، ولكفار قريش فمن حيث قوله: {وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ} [الأنفال:33]، ولأهل الذمّة فإيجابه حمايتهم والذبّ عنهم، ولأهل العرب وأئمة الضلال فمن حيث تخفيفه عنهم بمحو سنّتهم السيئة، ومحوها لولا هو ودعوته (¬3) تتضاعف عليهم أوزارهم بإضلالهم الناس كافّة. 109 - {آذَنْتُكُمْ عَلى سَواءٍ:} أخبرتكم بخبر يقع لكم به علم إن تفكرتم، كما وقع علمي وعلم من آمن بي. {أَقَرِيبٌ:} أقرب ما يتصوّر. {أَمْ بَعِيدٌ:} دونه، لعلّه: الضمير عائد إلى كتمان الموعود وتأخيره. 112 - أراد بقوله: {اُحْكُمْ بِالْحَقِّ} استنجاز الوعد، كقوله: {آتِنا ما وَعَدْتَنا} [آل عمران:194]، وقوله: {وَاُنْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ} [البقرة:250]. عن أبيّ، عنه عليه السّلام (¬4): «من قرأ سورة الأنبياء حاسبه الله حسابا يسيرا، وصافحه وسلّم عليه كلّ نبيّ اسمه فيها». (¬5) ¬
سورة الحج
سورة الحج مكية. وعن عطاء: إلا ثلاث آيات نزلن في ثلاثة من المؤمنين: حمزة وعليّ وعبيدة، وثلاثة من الكافرين: عتبة وشيبة والوليد بن عتبة، من قوله: {هذانِ خَصْمانِ. . .} [الحج:19]. (¬1) وعن ابن المبارك: الآيات قوله: {وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلى حَرْفٍ. . .} [الحج:11] الآيتان، وقوله: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اِرْكَعُوا. . .} [الحج:77]. وعن الحسن وهمام، وعن قتادة والمعدّل: أنّها مدنية إلا بعضها نزل في السفر. (¬2) وقيل: بين مكة والمدينة. وهي ست وسبعون آية في عدد أهل الحجاز. (¬3) بسم الله الرّحمن الرّحيم 1 - {يا أَيُّهَا النّاسُ:} عن جابر بن عبد الله (¬4) الأنصاري قال: بينما نحن نسير مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في بعض المسير إذ نزلت عليه: {يا أَيُّهَا النّاسُ اِتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ،} فتفاجّت ناقة رسول الله عليه السّلام من ثقلها، فنادى بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثلاث مرّات، ثم قال: يا أيّها الناس، أتدرون أيّ يوم ذلك؟ فقلنا: الله ورسوله أعلم، فقال (¬5): ذلك يوم يشيب فيه الصغير من غير كبر، ويسكر فيه الكبير من غير شراب، وتضع الحوامل ما في بطونها، وينادي مناد (¬6): يا آدم، ابعث بعثا من ذريّتك إلى النار، فيقول آدم: من كلّ كم كم؟ فيقال: من كلّ ألف تسع مئة وتسعة وتسعين إلى النار، وواحد إلى الجنّة، قال: فشقّ ذلك على أصحابه مشقّة شديدة، وحزنوا له، فلمّا نزلوا راحوا إلى النبيّ عليه السّلام كأنّما على رؤوسهم الطير من هول ما سمعوا في مسيرهم، فقالوا: يا رسول الله، ما نزل فيما مضى أشدّ ممّا نزل عليك في مسيرك هذا، فلمّا رأى رسول الله مشقّة ذلك عليهم قال: أيسرّكم أن تكونوا ¬
ثلث أهل الجنّة؟ قالوا: نعم يا رسول الله، ثمّ قال: أيسرّكم أن تكونوا شطر أهل الجنّة؟ قالوا: نعم يا رسول الله، فقال لهم: إنّي لأرجو أن تكونوا أكثر من شطر أهل الجنّة، إنّ معكم أمّتين لا تكونان مع قوم إلا كثّرتاهما يأجوج ومأجوج سوى من أهلك الله قبلهم، وسوى من هو مهلك بعدهم، ثمّ قال: بينا [أنا] (¬1) بين النائم واليقظان إذ عرضت (¬2) عليّ الأمم، فرأيت النبيّ يأتي في الواحد من قومه، وهو ياسين، ورأيت النبيّ يأتي في الأربعة من قومه، ورأيت النبيّ يجيء في أقلّ من ذلك وأكثر، حتى رأيت أمّة أعجبتني، فقلت: أي ربّ، أمّتي هذه؟ فقيل لي: هذه أمة عيسى ابن مريم (¬3)، ثمّ رأيت أمّة أعجبتني كثرتها، فقلت: أي ربّ، أمّتي هذه؟ فقيل لي: هذه أمّة موسى بن عمران (¬4)، ثمّ رأيت أمّة أعجبتني، فقلت: أي ربّ، أمّتي هذه؟ فقيل لي: هذه أمة يونس بن متى، ثمّ قيل لي: انظر، فنظرت قبل مكّة فإذا سواد كثير، ثمّ قيل لي: انظر قبل الشام، فنظرت فإذا هو سواد كثير، ثمّ قيل لي: انظر، فنظرت قبل العراق، فإذا هو سواد كثير، ثمّ قيل لي: انظر، فنظرت تحتي، فإذا هو شيء ينتعش كثيرة، فقيل لي: هؤلاء أمّتك، وسبعين ألفا يدخلون الجنّة بغير حساب، قال: فقام عكاشة بن محصن الأسديّ، أحد بني غنم بن دودان (¬5)، فقال: يا رسول الله، ادع الله أن يجعلني منهم، فدعا له رسول الله (¬6)، ثمّ قام رجل من الأنصار، فقال: يا رسول الله، ادع الله أن يجعلني منهم، قال: «سبقك بها عكاشة» (226 ظ)، قال جابر بن عبد الله الأنصاريّ: وظننّا (¬7) أنّ الأنصاريّ كان منافقا، فقالوا: لولا ذلك لم يسأله أحد إلا قال: نعم، ثمّ دخل رسول الله والمسلمون يخوضون في السبعين الألف، فقال بعضهم: هؤلاء قوم أدركوا النبيّ عليه السّلام، وآمنوا به، وجاهدوا معه، وقال بعضهم: هؤلاء قوم ولدوا في الإسلام، وماتوا عليه، وقال بعضهم: هؤلاء قوم آمنوا به ولم يروه، قال: فأكثرنا في ذلك، فخرج إلينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ونحن نخوض في ذلك، ما قلتم في هؤلاء السبعين الألف؟ قالوا: يا رسول الله، قال بعضنا: كذا، وبعضنا كذا، فقصّوا عليه القصّة، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ¬
«بل هم قوم لا يكتوون، ولا يسترقون، ولا يتطيّرون، وعلى ربّهم يتوكّلون». (¬1) فيه بيان نزول الآية أنّها نزلت يومئذ، وهكذا الحسن، عن عمران بن حصين. (¬2) وعن (¬3) علقمة قال: إنّ الزّلزلة قبل (¬4) الساعة، وهو الاضطراب الشديد، وأصله من الزّلل. (¬5) 2 - {يَوْمَ تَرَوْنَها:} أراد التخيّل والحسبان (¬6). {تَذْهَلُ:} تسلي عمّا لا يتسلّى عنه. و (الحمل) بالفتح: ما اتّصل من الثمار، والحمل بالكسر: ما أحمل من الأوزار. (¬7) 3 - {وَمِنَ النّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ:} قال ابن عباس: إنّ النضر بن الحارث بن كلدة يقول: ما يأتيكم محمد إلا بمثل ما كنت آتيكم به، فنزلت. (¬8) فتقديرها: من يجادل في آيات الله وفي كتابه. 5 - {إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ:} من جواز البعث وإمكانه. {لِنُبَيِّنَ لَكُمْ:} أنّ البعث جائز ممكن متصوّر غير مستحيل، وقد وجب لاتّصاله بوعد الله. وفي الاية دليل أنّ الخبر المتواتر يفيد العلم الضروريّ كالمشاهدة. {مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ:} مصوّرة وغير مصوّرة. وقيل: مصورة خلقا بعد خلق، وغير المخلقة ما لم يكن ترابا ولا نطفة. (¬9) وعن عامر الشعبيّ، عن عبد الله قال: النطفة إذا استقرّت في الرحم أخذها ملك بكفّه فقال: أي ربّ، أمخلّقة أم غير مخلّقة؟ فإن قيل: غير مخلّقة لم تكن نسمة، وقذفتها الأرحام دما، وإن قيل: مخلّقة، قال: أي ربّ، أذكر أم أنثى؟ شقيّ أم سعيد؟ وما ¬
الأثر؟ وما الرزق؟ وبأيّ أرض تموت؟ قال: فيقال للنطفة: من ربّك؟ فتقول: الله، فيقال: من رازقك؟ فتقول: الله، فيقال للملك: اذهب إلى الكتاب فإنّك ستجد فيه قصة هذه النطفة، قال: فتخلق، فتعيش في أجلها، وتأكل رزقها، وتطأ أثرها حتى [إذا] (¬1) جاء أجلها ماتت، فدفنت في ذلك المكان، (¬2) ثمّ تلا عامر: {يا أَيُّهَا النّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ. . .} إلى قوله: {وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ،} فإذا بلغت مضغة نكست في الخلق الرابع، فكانت نسمة، وإن كانت غير مخلّقة قذفتها الرحم دما، (227 و) وإن كانت مخلّقة نكست نسمة. وعن أبي سعيد الخدريّ قال: بلغ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّ اليهود يقولون: إنّ العزل هو الموءودة الصغرى، فقال: كذبت يهود، وقال: لو أفضيت لم يكن إلا بقدر. (¬3) وقال: لا يكون موءودة حتى تمرّ بالتارات السبع، ثمّ تلا: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ} الآية [المؤمنون:12]. (¬4) {وَنُقِرُّ:} واو الاستئناف. {طِفْلاً:} أي: أطفالا. {ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ:} اللامّ لمضمر (¬5)، أي: ثمّ يحييكم لتبلغوا، أي: ثم يبقّيكم لتبلغوا. {أَرْذَلِ الْعُمُرِ:} حالة الخرف (¬6). {وَتَرَى الْأَرْضَ:} الواو لعطف الجملة، وهي تدلّ على جواز البعث. {هامِدَةً:} جامدة خامدة. {بَهِيجٍ:} اسم من البهجة، وهي الطراوة والنضارة. 9 - {ثانِيَ عِطْفِهِ:} أي: ثانيا عطفه، والثّني بالفتح العطف، وعطفا الإنسان: جانباه، يقال: ثنى فلان عطفه، وثنى جيده، وصعّر ولوى عنقه إذا تكبّر. 11 - وعن ابن عباس في قوله: {وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلى حَرْفٍ} قال: نزل في بني ¬
الحلاّف من بني أسد بن خزيمة، والحلاّف هو الحارث بن سعد منهم: سوادة بن الحارث، ومرّة بن الحارث، وصنة بن الحارث، ومالك بن الحراث من بني (¬1) سعد بن ثعلبة أصابتهم سنة شديدة، فأجدبوا فيها وقحطوا، فاحتملوا بالعيال حتى قدموا على رسول الله، ثمّ جعلوا يغدون على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ويروحون، فأغلوا الأسعار، وأفسدوا طرق المدينة، وجعلوا يمنّون على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بإسلامهم، فيقولون: أتتك العرب بأنفسها فآمنت، ونحن أتيناك بالأنفس والذراري والأثقال فاعطنا، فإن أعطوا من الصدقة، وولدت نساؤهم الغلمان، ونتجت خيولهم المهور، قالوا: نعم الدين هذا، ما رأينا منذ دخلنا فيه إلا ما نسرّ به، وإن لم يعطوا (¬2) من الصدقة ما يرضيهم، وولدت نساؤهم الجواري، وأزلفت خيولهم، وسقمت أجسامهم قالوا: بئس الدين هذا، ما رأينا منذ دخلنا فيه ما نسرّ به، فأنزل (¬3). {حَرْفٍ:} جهة، وفي الحديث: «أنّ اليهود يأتون النساء على حرف واحد»، (¬4) ومنه قوله عليه السّلام: «أنزل القرآن على سبعة أحرف كلّها شاف كاف» (¬5). 13 - {لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ:} ضرّ الأصنام أقرب من نفعها؛ لأنّ الله تعالى خلقها أسبابا للمنافع. و {الْعَشِيرُ:} الخليط، من (¬6) المعاشرة. 14 - {إِنَّ اللهَ يُدْخِلُ:} اتصالها من حيث اعتبار مزيّة داعي الله على داعي الأصنام. 15 - قال ابن عباس: {مَنْ كانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللهُ} برزقه (¬7)، فليأخذ حبلا يربطه في سماء بيته فليختنق به، فلينظر هل ينفعه ذلك، أو يأتيه رزقه؟ (¬8) وهذا تأويل ممكن؛ لأنّ ¬
النصر قد يكون بمعنى إيصال المنفعة. {ثُمَّ (¬1)} لْيَقْطَعْ: ثمّ ليهلك (¬2). و [عدم] (¬3) الاستراحة من ضنك المعيشة (¬4) (227 ظ) مما يغيظ. وذكر الكلبيّ: أنّها نزلت في المنافقين الذين يظنّون أنّ الله لا ينصر (¬5) رسوله في الدنيا والآخرة. (¬6) وذلك تأويل ممكن؛ لأنّهم كانوا يتغيّظون على رسول الله وعلى أنفسهم، ويتأسّفون على إيمانهم به لما يرون من الفقر والمصائب، ويحتمل: أنّها لقوله: {فَإِنِ اِسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي السَّماءِ} [الأنعام:35] حقيقة، وفيها الرزق إن استطاع، ثمّ ليقطع ذلك إن استطاع، فلينظر هل ينفعه أحدها؟ (¬7) 17 - {وَالْمَجُوسَ:} عبدة النيران، واحدهم مجوسيّ، وهم الذين ينكحون الأمهات والأخوات، نسبوا إلى رئيس لهم يسمّى: موكوش، فعرّبته العرب فجعلته مجوس. 18 - وعن ابن عباس قال في سجود الحجّ: الأولى عزيمة (¬8) والأخرى تعليم. (¬9) 19 - عن قيس بن عبّاد قال: {هذانِ خَصْمانِ اِخْتَصَمُوا} الذين تبارزوا يوم بدر. (¬10) 20 - {يُصْهَرُ:} يذاب. 21 - {مَقامِعُ:} واحدها مقمعة، وهي كالهراوة العظيمة، تسمّى: جرزا (¬11). وقيل: مشتقّ من قولهم: قمعته فانقمع، أي: أدللته فذلّ. (¬12) 23 - {وَلُؤْلُؤاً:} ما يحجر من القطر في جوف الصّدف في البحر، سمّي لتلألئه (¬13) ¬
وبراقته، ويسمّى الكبار دون الصغار مرجانا. {حَرِيرٌ:} ما رقّ من ثياب الأبرسيم. 24 - {وَهُدُوا:} معطوف على قوله: {آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ} [الحج:23]. {الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ:} الكلمة الطيبة: لا إله إلا الله. {صِراطِ الْحَمِيدِ:} الإسلام. 25 - {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا:} عن ابن عباس: أنّها نزلت في أبي سفيان بن حرب وأصحابه، منعوا رسول الله عن الحجّ والمسجد الحرام أن يدخلوا زمن الحديبية، وأن ينحروا الهدي في المنحر، قال: فبعث رسول الله إليهم عثمان بن عفّان أن يخلّوا بينهم وبين دخول مكة، فأبوا ذلك فكره النبيّ عليه السّلام قتالهم وهو محرم بعمرة، فسألوه أن يرجع عامه ذلك على بدئه على أن يخلّوا عاما قابلا ثلاثة أيّام، فلمّا كان من العام القابل أخليت له مكة، وخرجت قريش منها كهيئة البداء مثقلة، فطافوا بالبيت، وقضوا المناسك، ثمّ انصرف رسول الله، ورجع قريش إلى الحرم. (¬1) {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ} أي: وهم يصدّون، أو أنّ الذين يكفرون ويصدّون. وقيل: الواو مقحمة. (¬2) وقيل: التقدير: إنّ الذين كفروا وفي عزمهم أن يصدّوا. {سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ:} يدلّ على أنّ المقيم برباع مكّة ليس بأولى من الحاجّ. عن عبد الله بن عمرو بن العاص، عن النبيّ عليه السّلام قال: «حرّم مكة فحرام بيع رباعها، وأكل ثمنها». (¬3) وفي رواية: «وحرام أجر بيوتها». (¬4) {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ:} يعتقد ويصرّ. {بِإِلْحادٍ (¬5)} بِظُلْمٍ أي: إلحاد ظلما، فالباء مقحمة، والظلم: بدل من الإلحاد وبيان له، وتخصيص المسجد الحرام كتخصيص الأشهر الحرام بقوله: {فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} [التوبة:36]. ¬
26 - {وَإِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ:} عن ابن عباس قال: لّما كان بعد الطوفان الذي أغرق الله (228 و) قوم نوح، ورفع البيت المعمور إلى السماء السادسة الذي كان بناه آدم عليه السّلام، أمر إبراهيم عليه السّلام أن يأتي موضع البيت، فيبني على أساسه، فانطلق، فلم ير له أثرا، وأخفي له مكانه، فبعث الله تعالى سحابة على قدر البيت الحرام في العرض والطول، فيها رأس يتكلّم له لسان وعينان، فقامت على ظهر البيت بحياله، ثمّ قالت (¬1): يا إبراهيم، ابن (¬2) على قدري وحيالي، فأخذ إبراهيم عليه السّلام قدرها وحيالها، فأسّس عليه البيت الحرام، وذهبت السحابة، ثمّ بناه حتى فرغ، وطاف به أسبوعا، وأوحى الله تعالى إليه أن يا إبراهيم لا تشرك (¬3) بي (¬4) شيئا. (¬5) {طَهِّرْ بَيْتِيَ:} أي: مسجدي من عبادة الأوثان. {لِلطّائِفِينَ:} بالبيت من غير أهل مكة. {وَالْقائِمِينَ:} أي: المقيمين من أهل مكّة. {وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ:} من أهل الصلاة من كلّ وجه. وقيل: إنّه ترجمة للوحي في فحوى قوله: {بَوَّأْنا.} 27 - {وَأَذِّنْ فِي النّاسِ:} قال مجاهد: هو إبراهيم عليه السّلام، فلمّا أذّن لم يبق شيء سمع صوته إلا أقبل ملبّيّا. (¬6) وقال عطاء: هو إبراهيم ومحمد عليهما السّلام. (¬7) وعن ابن عباس قال: لّما فرغ إبراهيم عليه السّلام من بناء البيت قال: يا ربّ، قد فرغت من بنائه، وهو أعلم، قال: {أَذِّنْ فِي النّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالاً} على أرجلهم، {وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ} ركبانا، يأتون من كلّ فجّ عميق، قال: ربّ، لا أسمع أحدا، قال: أذّن وعليّ البلاغ، فصعد الصفا، فقال: أيّها الناس، عليكم حجّ البيت العتيق، فسمعه ما بين السماء والأرض، فما بقي من سمع صوته إلا أقبل يلبّي: اللهمّ لبيك، ألا ترى أنّهم يجيئون من كلّ فجّ عميق؟ يقولون: ¬
لبّيك اللهمّ لبّيك. (¬1) {ضامِرٍ:} ضدّ البطين من الإبل والخيل. {فَجٍّ:} فضاء بين الجبال. {عَمِيقٍ:} بعيد، وإنّما عبّر عنه لارتفاع شأن مكة، كقولك: رفعت حاجتي إلى المجلس العالي، وإن كنت أعلى منه في رأي العين. 28 - {لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ:} قال مجاهد: التجارة، وما رضي الله من أمر الدنيا. (¬2) وقيل: المغفرة. وقال ابن عباس: أسواق كانت لهم، ما ذكر الله منافع إلا للدنيا. (¬3) {وَيَذْكُرُوا اِسْمَ اللهِ} (¬4): التحميد (¬5) والتهليل والثناء عليه، والشكر ما على رزقهم من السوائم والهدي، أو البسملة عند الذبح. {فَكُلُوا مِنْها:} قال إبراهيم النخعي: كان المشركون لا يأكلون من ذبائحهم، فرخّص للمسلمين، فمن شاء أكل ومن شاء ترك. (¬6) {الْبائِسَ الْفَقِيرَ} (¬7): الذي يبسط يده، مشتقّ من البؤس وهو شدّة الفقر. 29 - {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ:} دليل على أنّ قضاء التفث والنّذر والطواف بالبيت مترتبة على ذكر اسم الله تعالى في الأيّام المعلومات، لا يجوز شيء منها إلا بعد ذلك، وهو يوم النحر. وقال ابن عباس: (228 ظ) التفث: الرمي والذبح والحلق والتقصير والأخذ من الشارب واللّحية والأظفار. (¬8) وقال ابن عرفة: التفث: الدرن. (¬9) وقال النضر بن شميل: قضاء التفث: إزالة الشعث. (¬10) {وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ:} وهو ما أوجبه الإنسان على نفسه من الهدي. ¬
{وَلْيَطَّوَّفُوا:} طواف الزيارة يوم النحر. وإنما قيل: البيت العتيق لقوله: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ} [آل عمران:96]، أو لأنّه أعتق من تملّك الناس إيّاه، وفي الحديث: «لأنّه أعتق من الجبابرة، ولم يدّعه جبار قط [يقدر]» (¬1). 30 - {ذلِكَ:} إشارة إلى ما تقدم، أي: الأمر أو الحكم. {ذلِكَ وَمَنْ:} الواو لعطف الجملة. وعن النبيّ عليه السّلام قال: «لن يزال (¬2) هذا الأمر بخير ما عظّموا هذه الحرمة حقّ تعظيمها»، يعني: مكة. (¬3) وقال عمر بن الخطاب: لخطيئة أصبتها بمكة أعزّ عليّ من سبعين خطيئة أصبتها بركبة (¬4). (¬5) واتصال قوله: {وَأُحِلَّتْ لَكُمُ} بقوله: {فَكُلُوا مِنْها} [الحج:28]. {إِلاّ ما يُتْلى عَلَيْكُمْ} يعني: في سورة المائدة (¬6). وعن عبد الله قال: عدلت شهادة الزور بالإشراك بالله [ثم قرأ] (¬7) قوله: {فَاجْتَنِبُوا (¬8)} الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ وَاِجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ. (¬9) 31 - {سَحِيقٍ:} بعيد، ومنه سحقا للشيطان. وإنّما وقع تشبيه المشرك بهذا المثال؛ لأنّه انحطّ عن درجة السعداء، وتعرّض للسيف ¬
والجلاد وأنواع البلاء، فإن سلم فلا بدّ من أن ينتهي به عمره إلى البوار ودخول النار. 32 - {ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللهِ:} قال محمد بن أبي موسى (¬1): الوقوف بعرفة من شعائر الله، ومن يعظمها فإنّها من تقوى القلوب. (¬2) 33 - {إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى:} إلى حالة تعيينها وتقليدها من غير كراهة ولا ضرورة. وللمضطر أن ينتفع بها بعد التعيين والتقليد والإشعار. عن أنس: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رأى رجلا يسوق بدنة قد جهد، قال: «اركبها»، قال: يا رسول الله، إنّها بدنة، قال: «اركبها»، (¬3) قال: قال عليه السّلام: «اركبوا الهدي بالمعروف حتى تجدوا ظهرا». (¬4) {إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ:} يعني: حريم البيت العتيق، وهو الحرم كلّه، وكان المشركون ينحرون عند زمزم، وهي اليوم في المسجد الحرام، والمسجد ينزّه عن القاذورات. 34 - {جَعَلْنا مَنْسَكاً:} قال الكلبيّ: المراد به الأضاحي، وذلك يدلّ على وجوبها. {الْمُخْبِتِينَ:} المتواضعين والساكنين، والخبت: المكان المطمئنّ من الأرض، والإخبات: التواضع والسكون. 35 - {إِذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ:} وهذا صفة أوليائه على بساط الغيب، فإذا أكرموا بالمشاهدة اطمأنّوا، وقد جمع الصفتين في قوله: {اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللهِ} [الزمر:23]. {وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ:} [الألف و] (¬5) اللام لكون إضافة الصلاة (¬6) غير محضة (¬7) بدليل حسن دخول النون أو التنوين في المضاف، وانتصاب المضاف إليه. ¬
36 - {وَالْبُدْنَ:} (229 و) جمع بدنة، والبدنة: البعير أو البقرة، واللّفظ لا يدلّ على اختصاصه بمكة بخلاف الهدي. {صَوافَّ:} جمع صافّة كالدابّة والدوابّ، والحاسّة والحواسّ. {فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها:} سقطت فلصقت بالأرض بعد الذبح والنحر وسكنت. {فَكُلُوا:} أمر إباحة، وهو عامّ في كلّ بدنة بلغت محلّها، وكانت دم فدية (¬1)، ولم يكن دم جناية. {وَأَطْعِمُوا الْقانِعَ وَالْمُعْتَرَّ:} عامّ في أهل مكة وغيرهم. قال مجاهد: القانع: جارك وإن كان غنيا. (¬2) وقال مرة: القانع أهل مكة، والمعترّ: الذي يعتريك ولا يسألك. (¬3) 37 - {لَنْ يَنالَ اللهَ لُحُومُها:} لن ينال ثواب الله وفضله ونعمته لحوم الهدايا ودماؤها. {وَلكِنْ يَنالُهُ التَّقْوى مِنْكُمْ:} وفي زبور داود عليه السّلام: ليس الأعمال أعمال الجوارح، إنّما الأعمال أعمال القلوب وعين الفؤاد (¬4). وقال النبيّ عليه السّلام: «إنّ الله تعالى لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أعمالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم». (¬5) وقال: «إنّما الأعمال بالنيّات، ولكل (¬6) امرئ ما نوى». (¬7) وعن الكلبي (¬8) والفراء (¬9): أنّ الكفّار كانوا ينضحون البيت (¬10) بالدماء، ويقولون: اللهمّ تقبلها منّا، وقصد المسلمون بمثل ذلك، فأنزل الله تعالى. يدفع (¬11) اتصالها من حيث الأمر بالمناسك، وذلك لا يتصوّر وجوده إلا بعد تمكين المأمورين والذبّ عنهم. 39 - {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ:} في القتال. ¬
{بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا:} تعليل وتسبيب للإباحة، وذلك لأنّ أهل مكة كانوا يستضعفون المؤمنين، وينالون منهم، وهم يستأذنون في القتال. 40 - {الَّذِينَ أُخْرِجُوا:} في محلّ الخفض بدلا من الذين ظلموا. {بِغَيْرِ حَقٍّ:} بغير (¬1) سبب أو علّة، فعلى هذا الاستثناء متّصل (¬2). وقيل: بغير عدل، وعلى هذا الاستثناء منقطع، ومثله قوله: {وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى (19) إِلاَّ اِبْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى} (20) [الليل:19 - 20]. {صَوامِعُ:} جمع صومعة. {وَبِيَعٌ:} جمع بيعة، وهي المدرسة. {وَصَلَواتٌ:} جمع صلاة. وقيل: صوامع الرهبان، وبيع النصارى، وصلوات كنائس اليهود، ومساجد المسلمين. (¬3) وهذه المواضع أشرف وأعظم حرمة من غيرها، يدلّ عليه إجماع المسلمين على استحباب أن يتّخذوا هذه البقاع من ديار الكفار مساجد إذا فتحها (¬4) الله لهم. 41 - والمراد {وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ} (¬5) أمة محمد عليه السّلام، وقد اختصت بها الخلفاء الأربعة وبنو عمه الأئمة المهديون. 45 - {وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ:} فارغة مهملة، التي باد أهلها المستقون منها. {وَقَصْرٍ مَشِيدٍ:} حصن حصين، وهما معطوفان على القرية، فيكون نصب؛ لأنّها جواب الاستفهام بالفاء، والمعنى: استفادة التجارب والعبر بالسياحة في الأرض. 46 - {وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ:} وهو (¬6) الذي لا يغني عنه شيء. 47 - {وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ:} ذكر لنفي الاستعجال عمّن شأنه الحلم والإمهال. وعن ابن أبي مليكة (¬7) قال: مررت أنا وعبد الله بن فيروز مولى عثمان على ابن ¬
عباس (229 ظ) فسلّمنا عليه، (¬1) فقال لصاحبي: من أنت؟ فانتسب له فعرفه (¬2) فقال: يا أبا العباس، {تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} [المعارج:4]، أيّ يوم هذا؟ فقال: إنّما سألتك لتخبرني، قال: فهي أيّام سمّاها الله تعالى في كتابه، وهو أعلم بها، أكره أن أقول في كتاب الله ما لا أعلم، قال ابن أبي مليكة: فضرب الدهر ضربة، فجلست إلى سعيد بن المسيّب، سئل عن المسألة، فلم يدر ما يقول، فقلت له: ألا أخبرك بما شهدته من ابن عباس؟ ثمّ ذكرته له، فسرّى ذلك عنه (¬3)، وقال: هذا ابن عباس قد اتّقى أن يقول فيها وهو أعلم منّي. (¬4) 51 - {وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا} (¬5): بالتكذيب أو التحريف (¬6) والتبديل. 53 - {لِيَجْعَلَ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ:} مثل {ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ} [البقرة:102]. 54 - {وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ:} الملهمون الراسخون (¬7) في العلم. {أَنَّهُ الْحَقُّ:} الضمير عائد إلى نسخ ما ألقى الشيطان في أمنيّته. 55 - {يَوْمٍ عَقِيمٍ:} أيس عن خيره، ويحتمل: يوم بدر في حقّ قريش، فإنّه أعقم نساءهم بقتل رجالهم. وقيل: المراد بالساعة انقراض الدنيا، وباليوم العقيم افتتاح الآخرة. 60 - {ذلِكَ وَمَنْ عاقَبَ:} في المقتصّ بالحقّ. {ثُمَّ بُغِيَ:} بعد اقتصاصه (¬8). واتّصالها بما قبلها من حيث نعي الكفار على المؤمنين بعد انتصارهم بالحقّ والعدل والإنصاف، فقول الله: {الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ} [البقرة:194]. وقوله: {بِمِثْلِ ما عُوقِبَ بِهِ:} لازدواج الكلام. ¬
61 - {ذلِكَ:} إشارة إلى النصر الموعود، أي: ذلك باقتضاء قدرته وسمعه ونصره (¬1). وقيل: إشارة إلى الحكم، أي: هو بقضيّة حكمته الموجبة إيلاج اللّيل في النهار. 63 - {فَتُصْبِحُ:} رفع؛ لأنّه خبر منفصل عمّا قبله، أو جواب شرط مضمر تقديره: أنّ الله أنزل الماء من السماء فتصبح الأرض مخضرّة، وكذلك التقدير في قوله: {فَكَأَنَّما خَرَّ مِنَ السَّماءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ} [الحج:31]. 65 - وقوله: {وَيُمْسِكُ السَّماءَ:} دليل على أنّ إمساكه في الهواء على سبيل القهر والإلجاء، إمّا بوصل الإلحاد، وإما باصطدام الأجزاء، وإمّا بمعنى خفيّ، على آراء، ولم يذكر الله تعالى سقوطها إلا بعد انفطارها وانقلابها. 67 - {لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً:} قال الكليم: نزلت في الأضحية، وفي مجادلة الكفّار في الذبيحة. 72 - {يَكادُونَ يَسْطُونَ:} يبطشون، إشارة إلى سطوهم وبطشهم، وإشارة إلى ما يتلى. {بِشَرٍّ:} أي: مكروه، أي: النار، أبلغ في كراهتهم إيّاها ممّا يتلى عليكم. 73 - {يا أَيُّهَا النّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ:} متشابهة فوجب التماس حكمها من المحكمات. والذباب: طائر يشبه النملة. وذكر القتيبيّ: أنّ الذباب ثلاثة أجناس: القمعة والنّعرة واليراع، (¬2) ويضرب المثل (230 و) بالذباب، فيقال: فلان أجرأ من الذباب؛ لأنّه يقع على أنف وجفن الأسد ولا يبالي، (¬3) ويقال: فلان كالذباب، إذا كان ذا وجهين، ونيمه (¬4) على السواد بياض وعلى البياض سواد. 75 - {اللهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ:} اتّصالها من حيث قوله: {وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ} [الحج:42]. وفيها ردّ على اليهود والروافض من حيث عداوتهم لجبريل ولأبي بكر وعمر. 77 - {اِرْكَعُوا وَاُسْجُدُوا:} وتخصيصهما مع ذكر العبادة لتشريف الصلاة، وذكر فعل ¬
الخير بعد العبادة للتأكيد أو للتفعل المندوب إليه بعد الغرض المنصوص (¬1)، والآية مختصة بقريش وأمثالهم عند بعض الناس، عامّة في المؤمنين (¬2) عند بعضهم. 78 - {مِلَّةَ أَبِيكُمْ:} نصب كانتصاب {صِبْغَةَ اللهِ} [البقرة:138]، وقيل: لنزع الخافض، أي: في ملّة أبيكم. (¬3) واختلفوا في المخاطبين بالبنوّة، قال بعضهم: ربيعة ومضر؛ لأنّهما من أولاد نزار بن معد. وقيل: جميع أولاد معد بن عدنان. وقيل: قضاعة وقنص وإياد ونزار وأربعة آخرون. وقيل: جميع أولاد عدنان بن أدد مثل: عك ومعد، واختلفوا في نسبة عدنان بن أدد. وقد روى ابن عباس: أنّ النبيّ عليه السّلام كان إذا انتهى إلى معد بن عدنان أمسك، وقال: «كذب النسّابون، قال الله تعالى: {وَقُرُوناً بَيْنَ ذلِكَ كَثِيراً} [الفرقان:38]». (¬4) وقيل: المخاطبون بها عامّة المسلمين؛ لأنّهم أبناء لأزواج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأمّهات المؤمنين بنات إبراهيم لا شكّ، والجدّ أب الأمّ لا محالة. (¬5) {لِيَكُونَ الرَّسُولُ:} اللام عائدة إلى قوله: {وَجاهِدُوا} أو إلى قوله: {هُوَ اِجْتَباكُمْ.} وعن أبيّ بن كعب، عنه عليه السّلام أنّه قال: «من قرأ سورة الحجّ أعطي من الأجر حجّة وعمرة بعدد من حجّ واعتمر فيما مضى وفيما بقي». (¬6) ¬
سورة المؤمنون
سورة المؤمنون مكية في قولهم. (¬1) وهي مئة وتسع عشرة (¬2) آية في غير عدد أهل الكوفة. (¬3) بسم الله الرّحمن الرّحيم 1 - {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ:} وعن كعب قال: لم يخلق الله بيده إلا ثلاث أشياء: خطّ التوراة بيده، وخلق آدم بيده، وغرس الجنّة بيده، ثم قال: تزيّني، فتزيّنت، قالها ثلاث مرّات، ثمّ قال لها: تكلّمي، فتكلّمت، فقالت: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ.} (¬4) وعن عمر بن الخطاب قال: كان النبيّ عليه السّلام إذا نزل عليه الوحي سمع عند وجهه دويّ كدويّ النحل، فأنزل عليه يوما فمكثنا ساعة فسرّي عنه، فاستقبل (¬5) الكعبة، فرفع يديه وقال: «اللهمّ زدنا ولا تنقصنا، وأكرمنا ولا تهنّا، وأعطنا ولا تحرمنا، وآثرنا ولا تؤثر علينا، وأرضنا وارض عنّا»، ثمّ قال: «أنزل عليّ عشر آيات من أقامهن دخل الجنّة (¬6)» (230 ظ) ثمّ قرأ: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} حتى ختم عشر آيات. (¬7) قيل: الخبر محمول على أنّ الآيات قبل فرض الحجّ والصوم. (¬8) وقيل: فرضها دخل في جملة قوله: {وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ} [المومنون:8]. وعن أبي هريرة: رأى رسول الله رجلا يلعب بلحيته في الصلاة فقال: «لو خشع قلبه لخشعت جوارحه». (¬9) ¬
7 - {فَمَنِ اِبْتَغى وَراءَ ذلِكَ:} إشارة إلى ما أبيح. {العادُونَ:} جمع عاد في قوله: {باغٍ وَلا عادٍ} [البقرة:173]. {راعُونَ:} رعايته: مراعاته ومحافظته. وعن مجاهد، عن ابن عمر قال: أوّل ما خلق الله من ابن آدم فرجه، قال: هذه أمانتي فأمسك عليها، وإنّ الفرج أمانة، والسمع أمانة، والبصر أمانة، ولا إيمان لمن لا أمانة له. (¬1) وقال عليه السّلام لأبي ذرّ: «الإمارة أمانة، وهي يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقّها، وأدّى [الذي] (¬2) عليه فيها، وأنّى له ذلك يا أبا ذرّ». (¬3) وعن ميمون بن مهران (¬4) قال: ثلاث تؤدّى إلى البرّ والفاجر: العهد يوفّى إلى البرّ والفاجر، والأمانة تؤدّى إلى البرّ والفاجر (¬5)، والرحم تصلها برّة كانت (¬6) أو فاجرة. (¬7) ابتدأ الله تعالى بذكر الخضوع في الصلاة، وانتهى بذكر المحافظة عليها؛ لتشريفها وتأكيدها. 12 - {سُلالَةٍ:} ما أنسل من الطين المبلول. وروي: الفعالة مختصّة بالقليل كالقلامة والفضالة. (¬8) 13 - {قَرارٍ:} مكان مطمئنّ. {مَكِينٍ:} موضع التمكّن فيه. وقيل: متمكن في مكان آخر كتمكّن أوعية المنيّ فيما بين الصلب والترائب، وتمكّن الرحم في البطن. 14 - {فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً:} من الغذاء، ولذلك لا تحيض الحبلى. {ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ:} أي: نسمة وجسدا (¬9) مصورا (¬10). ¬
{فَتَبارَكَ:} تعالى وتعظّم. وقال ابن عرفة (¬1): هي تفاعل من البركة، وهي كثرة الخير والسّعة. (¬2) روي: أنّ عبد الله بن سعد بن أبي سرح (¬3) كان يكتب لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم هذه الآية فجرى على لسانه: {فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ،} فقال عليه السّلام: «اكتب ما جرى على لسانك»، فقال: إنّما هو كلامي (¬4)، فقال عليه السّلام: «كذلك أنزل عليّ»، فكتب، ثمّ ارتاب في أمر النبوّة، وكان ذلك سبب ارتداده. وقال القتيبيّ: كان يكتب مكان (¬5) العزيز الحكيم الغفور الرحيم، وكان ذلك سبب ارتداده. (¬6) 17 - {سَبْعَ طَرائِقَ:} قال أبو عبيد الهرويّ: الطرائق سماوات واحدتهنّ طريقة؛ لأنّها طرائق الملائكة والأنبياء. (¬7) 19 - {فَواكِهُ:} جمع فاكهة، وهو ما يتعلّل به من الثمار على سبيل الاقتيات. 20 - {طُورِ سَيْناءَ:} جبل بالشام، والشجرة الخارجة منها هي الزيتونة. ووجه التخصيص الاشتهار والغلبة. {بِالدُّهْنِ:} المائع الذي يعلو الماء، ولا يمتزج به. {وَصِبْغٍ:} إدام. 24 - {يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ:} يتشرّف ويتمجّد (¬8) عليكم. (¬9) وإنّما أنكروا سماعهم، لدروس أثر إدريس عليه السّلام ومن تقدّمه، أو لظنّهم أنّهم لم يكونوا أمثال نوح عليه السّلام، أو لوقاحتهم. 31 - {قَرْناً} (231 و) {آخَرِينَ:} قبل عاد ورسولهم هود عليه السّلام. ويحتمل: ¬
غيرهم وغيره، يقول الله تعالى: {لا يَعْلَمُهُمْ (¬1)} إِلاَّ اللهُ [إبراهيم:9]. 36 - ذكر أهل اللغة في {هَيْهاتَ} سبع لغات: هيهات بالفتح بغير تنوين، وهيهاتا بالفتح والتنوين، وهيهات بالضمّ من غير تنوين، وهيهات بالضمّ والتنوين، وهيهات بالكسر من غير تنوين، وهيهات بالكسر والتنوين، وإيهات بإبدال الهمزة من الهاء الأولى، (¬2) ومعناها النهي والنفي، وفيها شيء من معنى كلاّ. 39 - {بِما كَذَّبُونِ:} أي: بسبب تكذيبهم. 41 - {فَجَعَلْناهُمْ غُثاءً:} مذريّا، أي: شذاذا وعشيرته، قال الله تعالى: {غُثاءً أَحْوى} [الأعلى:5]. 44 - {تَتْرا:} من المتواترة والتواتر. 47 - {مِثْلِنا:} وحّد لموازنته غيرا. 50 - {وَمَعِينٍ:} ماء طاهر معيون، وهو المرئيّ بالعين. عن سعيد بن المسيّب في قوله: {إِلى رَبْوَةٍ ذاتِ قَرارٍ وَمَعِينٍ} (¬3) أنّها دمشق. (¬4) وقيل: إنّها مصر. (¬5) وقيل (¬6): إنّها ناصرة، وهذه هجرة من عيسى عليه السّلام، وقال عليه السّلام: «بشّر الفرّارين بدينهم إيمانا واحتسابا من مدينة إلى مدينة، ومن قرية إلى قرية أنّهم معي أو (¬7) مع إبراهيم عليه السّلام يوم القيامة كهاتين»، وجمع بين أصبعيه الوسطى والتي تليها. (¬8) 51 - وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله عليه السّلام: «إنّ الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين (¬9) فقال: {يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ. . .} الآية، وقال: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ} [البقرة:172]، قال: وذكر الرجل يطيل (¬10) السفر ¬
أشعث أغبر يمدّ يده إلى السماء يا ربّ يا ربّ، ومطعمه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنّى يستجاب لذلك». (¬1) 52 - {أُمَّةً:} نصب على الحال، والمراد به: الأمة النبويّة الحنيفية (¬2) المستمعة إلى الوحي الإلهيّ. 53 - {فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ:} إلى اليهود والنصارى والصابئون بعد أن كانوا حنفاء في الأصل. {زُبُراً} إن كان زبور [جمع] (¬3) فهي كتبهم المختلقة من تلقاء أنفسهم، وإن كانت جمع زبرة فهو أنّهم صاروا فرقا (¬4) وقطعا. {كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ:} لأنّ الله تعالى لم ييسر لهم ما يسره لهم إلا على سبيل الاختيار دون الاضطرار والإجبار. 54 - {غَمْرَتِهِمْ:} غشوتهم وسكرتهم. 56 - {نُسارِعُ لَهُمْ:} يعني: المسارعة في الخيرات بإمداد المال والبنين لكونهما على سبيل الوقف والمراعاة إلى مقابلتهما بشكر أو كفر. قال (¬5): {هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ} [النمل:40]، فمن رآهما ابتلاء حسنا، واستوثق الله تعالى بلا صلاح (¬6) فيهما (¬7) تمحّضا خيرا، ومن كانا مبلغه من العلم كانا مبلغه من الغمّ، وكفر بهما كانا وبالا حينئذ. 57 و58 - (¬8) وفي تأخير الإيمان عن الخشية دليل على وجود الإيمان بالعقل قبل وجوده بالسماع، ولولا ذلك لما تقدّم الإشفاق من خشية الله على الإيمان بالآيات، فإنّما تأخّر نفي الشرك عن إثبات الإشفاق (231 ظ) والإيمان لوجود الشرك في أهل الكتاب بعد ادعائهم الخشية والإيمان. ¬
60 - {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ:} صفة أولياء الله تعالى المعتقدين أنّه لا حول ولا قوّة إلا بالله، وأنّ موجب السعادة والشقاوة هو التقدير الأزلي (¬1) دون السبب العلميّ (¬2)، وعلى هذا (¬3) قال عليه السّلام: «ما أدري ما يفعل بي ولا بكم إن أتبع إلا ما يوحى إليّ». (¬4) وقال عليه السّلام: «أيّكم ينجّيه عمله؟» قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: «ولا أنا إلا أن يتغمّدني الله برحمته». (¬5) وعن عائشة قالت: سألت رسول الله عن قوله: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ} فقلت: أهم الذين يشربون الخمور ويسترقون؟ قال: «لا يا بنت الصدّيق، ولكنّهم الذين يصومون، ويصلّون ويتصدقون، وهم يخافون لا يقبل منهم». (¬6) 61 - {أُولئِكَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ:} وعن شقيق بن إبراهيم (¬7): الزاهد العاقل لا يخرج من هذه الثلاثة الأخوف: أوّلها: أن يكون خائفا لما سلف منه من الذنوب، والثاني: لا يدري ما ينزل به ساعة بعد ساعة، والثالث: يخاف من إبهام العاقبة. 63 - {بَلْ قُلُوبُهُمْ:} {بَلْ} للإضراب عن قوله: {إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ} [المؤمنون:57]. وقيل: مرتب على قوله: {بَلْ لا يَشْعُرُونَ} [المؤمنون:56]. {وَلَهُمْ أَعْمالٌ مِنْ دُونِ ذلِكَ:} من الأعمال الفاسدة القبيحة من دون الكفر والجهل. وقيل: أعمالهم المقدّرة عليهم أن يكسبوها في المستقبل من أعمارهم. (¬8) 64 - {بِالْعَذابِ:} قال مجاهد: هو يوم بدر. (¬9) وقال الكلبي: هو القحط سبع سنين. (¬10) ويحتمل: معاينة البأس، ورفع الالتباس. ¬
{يَجْأَرُونَ:} يرفعون أصواتهم. 67 - و (الهجر): الهذيان، و (الإهجار): الإفحاش. {مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ} (¬1): بالبيت العتيق. وقيل: الضمير عائد إلى نكوصهم إن كنتم مستكبرين بنكوصهم. (¬2) {سامِراً:} جمع كالباقر والحامل، وفي حديث قيلة: إذا جاء زوجها من السامر، (¬3) أي: من السّمّر. 68 - {أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ:} القرآن، فيعلموا أنّه ليس من جنس كلام الناس، بلى قد تدبّروه فسمّوه سحرا يؤثر. {أَمْ جاءَهُمْ ما لَمْ يَأْتِ آباءَهُمُ الْأَوَّلِينَ:} في معنى قوله: {قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ} [الأحقاف:9]. وقيل: في معنى قوله: {قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتابَ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسى} [الأنعام:91]. 69 - {أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ:} بالأبوّة والأمانة والمروءة والصيانة، ومجانبة الكتابة والكهانة. 71 - {وَلَوِ اِتَّبَعَ الْحَقُّ:} عن الدين. وقيل: عن الديّان. (¬4) 74 - {لَناكِبُونَ:} لمائلون ومنحرفون، ومنه: تنكّب فلان عن الطريق، ومنه النكباء (¬5) والمنكبّ. 75 - {وَلَوْ رَحِمْناهُمْ:} أراد الرحمة الظاهرة، وما بعدها بيان لها [{لَلَجُّوا}] (¬6): لتمادوا. 76 - {بِالْعَذابِ:} بالجوع والخوف. {فَمَا اِسْتَكانُوا:} تضرّعوا وتذلّلوا. ¬
81 - {بَلْ قالُوا مِثْلَ ما قالَ الْأَوَّلُونَ:} إنّما يلامون على ما علموا أنّما حلّ بأولئك الماضين، ولا قدوة في الشعر. 84 - {قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيها:} الاضطرار بالإقرار لعامّة الكفّار لإجماعهم أنّ العالم (232 و) مستند إلى صانع (¬1) ما. 94 - {رَبِّ فَلا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظّالِمِينَ:} الاستعاذة من حيث ما أوهم (¬2) قوله: {وَاِتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} [الأنفال:25]. 97 - {هَمَزاتِ:} غمزات، وفي الحديث: «أمّا الهمزة فالموتة». (¬3) قيل لأعرابيّ: من يهمز الفأرة؟ قال: السّنور يهمزها. (¬4) 98 - {أَنْ يَحْضُرُونِ:} أن يتدنّوا منّي. 99 - {حَتّى:} غاية لقولهم (¬5): {وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ} [المؤمنون:90]. 100 - {بَرْزَخٌ:} حاجز لطيف بين الشيئين المجتمعين المتضايقين. 101 - {فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ:} لأنّ ليوم القيامة أحوالا مختلفة، وأهوالا مؤتلفة، فإذا كانت النفخة الأولى لم يبق أحد إلا هلك (¬6) {فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ} ولانقطاع الأنساب وجوه: أحدها: قوله: {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ} [عبس:34] إلى قوله: {لِكُلِّ اِمْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} [عبس:37]. والثاني: قوله: {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اُتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اِتَّبَعُوا} [البقرة:166]، والثالث: انتقال التعريف يومئذ إلى الأعمال والملك. والرابع: كون كلّ واحد مبعوثا من التراب مثل آدم عليه السّلام غير متولّد من أحد، وقد قال عليه السّلام: «كلّ سبب ينقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي». (¬7) 104 - {تَلْفَحُ:} تصيب أشدّ من النفخ. ¬
وعن أبي سعيد الخدريّ، عنه عليه السّلام قال (¬1): {وَهُمْ فِيها كالِحُونَ} قال: تشويه النار، فتقلص شفته العليا حتى تبلغ (¬2) وسط رأسه، وتسترخي شفته السفلى حتى تضرب سرّته». (¬3) قال عبد الله: مثل الرأس النضيج. (¬4) 110 - {سِخْرِيًّا:} أي: شيئا سخريا. 112 - وفائدة السؤال من قوله: {كَمْ لَبِثْتُمْ. . .} هو التنبيه على الحيرة. 113 - {فَسْئَلِ الْعادِّينَ:} قيل: الكرام الكاتبين. (¬5) وقيل: {فَسْئَلِ} معطوف على قوله: {كَمْ لَبِثْتُمْ} [المؤمنون:112] دون جوابهم. 115 - {عَبَثاً:} لعبا. 116 - {فَتَعالَى:} الفاء للعطف على معنى الاستفهام، وهو إنكار العبث (¬6)، تعالى عن الاتصاف بالعبث. عن أبي بكر الصدّيق، عنه عليه السّلام قال (¬7): «لم يصر من استغفر، ولو عاد في اليوم سبعين مرّة». (¬8) ينبغي أن يكون استغفاره على الحقيقة غفر الله له، لقوله عليه السّلام لما روي في الخبر: «أنّ (¬9) المستغفر المصرّ كالمستهزئ بربّه» (¬10)، وإن ندم على الحقيقة غفر له، لقوله عليه السّلام: «من ساءه ذنبه غفر له وإن لم يستغفر». (¬11) وعن أبيّ بن كعب، عنه عليه السّلام: «من قرأ سورة المؤمنون بشّره الملائكة بروح وريحان، وتقرّ به عينه عند نزول ملك الموت». (¬12) ¬
سورة النور
سورة النور مدنية. (¬1) وهي اثنتان وستون (¬2) آية في عدد أهل الحجاز. (¬3) بسم الله الرّحمن الرّحيم 1 - {سُورَةٌ:} رفع بتقدير مبتدأ محذوف، أي: هذه سورة. عن أبي عطية (¬4) قال: كتب عمر: علّموا نساءكم سورة النور. (¬5) 2 - {الزّانِيَةُ وَالزّانِي:} مجملة محتملة موقوفة على التفسير كآية السرقة. {فَاجْلِدُوا:} فاضربوا بالسياط. عن عمر بن الخطاب قال: ادرؤوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم، فإنّ الإمام أن يخطئ في العفو (232 ظ) خير من أن يخطئ في العقوبة، فإذا وجدتم للمسلم مخرجا فادرؤوا عنه. (¬6) وقال ابن مسعود في البكر يفجر بالبكر: إنّهما (¬7) يجلدان، وينفيان (¬8) سنة. (¬9) وقال عليّ: نفيهما فتنة. (¬10) {وَلا تَأْخُذْكُمْ (¬11)} بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ أي: لا تمنعكم الرأفة عن إقامة الحدّ عليهما في طاعة الله. {طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ:} رجل فما فوقه. 3 - {الزّانِي لا يَنْكِحُ إِلاّ زانِيَةً. . .:} الآية مجملة محتملة كالأولى موقوفة (¬12) على ¬
التفسير. عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده قال: كان رجل يقال له: مرثد بن أبي مرثد (¬1) يحمل الأسرى من مكة حتى يأتي بهم المدينة، وكانت (¬2) امرأة بغيّ بمكة يقال لها: عناق، وكانت صديقة له، فذهب مرثد ليحمل رجلا من أسراء مكة، فعرفته، فقالت: مرثد؟ قال: مرثد، قالت: مرحبا وأهلا، هلمّ فبت عندنا الليلة، قال: يا عناق، حرّم الله الزنا، قالت: يا أهل الخيام، هذا الرجل يحمل أسراكم، فتبعه (¬3) ثمانية إلى غار، فعمّاهم الله عنه، ثمّ ذهب وحمل الرجل حتى قدم المدينة، فأتى رسول الله فقال: أنكح عناقا؟ فسكت رسول الله حتى نزلت الآية (¬4). وعن ابن عباس: أنّ المهاجرين لمّا قدموا المدينة نزل في صفّة مسجد رسول الله عليه السّلام أناس من المهاجرين، لم يكن لهم مساكن في المدينة ينزلون بها، ولا عشائر يأتونوهم، وكانوا نحوا من أربع مئة رجل يلتمسون (¬5) الرزق بالنهار، فإذا أمسوا رجعوا إلى المسجد، فكانوا فيه، وكان المسلمون من أراد أن يأتيهم بشيء أتاهم به، وكان في المدينة بغايا يبغين بأنفسهنّ متعالمات بالفجور، لهنّ علامات كعلامات البياطرة، تصبن الطعام والشراب والكسوة، فقال أولئك الذين ليس لهم مساكن ولا عشائر من المهاجرين: لو أنّا تزوجنا من هؤلاء، فسكّنّنا معهنّ في منازلهن، وأصبنا من طعامهنّ وكسوتهنّ، فإذا ارتحلنا من المدينة خلينا سبيلهنّ، قال: فأتوا رسول الله فذكروا ذلك من شأنهم، فنزل فيها نهي عن البغايا المعروفات. (¬6) وعن ابن عباس قال: الزاني لا يجامع إلا زانية أو مشركة. (¬7) وسئل ابن عباس عن رجل ألمّ بامرأة، فأتى منها ما حرّم الله، فرزقه الله تعالى من تلك توبة، فأراد أن يتزوّجها؟ فقال له ناس: {الزّانِي لا يَنْكِحُ إِلاّ زانِيَةً،} فقال ابن عباس: ليست هذه الآية في ذلك، انكحها، فما كان في ذلك من إثم فعليّ. (¬8) وعن سعيد بن المسيب: أنّ الآية منسوخة بقوله (¬9): {وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ} [النور:32]. (¬10) ¬
4 - {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ:} يقذفون بصريح الزنا. {الْمُحْصَناتِ:} الحرائر المسلمات العفائف، وليس لها أن تطالب بالحدّ حتى تثبت حرّيتها، وهذا الحدّ يسقط بعفو الخصم. وفي الآية دليل على إباحة (¬1) (233 و) تعمّد النظر إلى فرج المسافحين لتحمّل الشهادة، واجتماع الشهود الأربعة قبل إذ الشهادة شرط. وضرب القاذف دون ضرب الزاني، (¬2) واستيفاء الحدود إلى السلطان، ولا اعتبار لعدد (¬3) المقذوفات، ونفي قبول شهادة القاذف المحدود على التأبيد. (¬4) 5 - {فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ:} يغفر فسقهم. {رَحِيمٌ:} يرحمهم بالتوبة عليهم. 6 - {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ:} المحصنات. {وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلاّ أَنْفُسُهُمْ:} دليل على أنّ حكم اللعان إنّما يجب على من هو من جنس الشهداء دون المحدودين والعبيد ونحوهم. (¬5) وعن ابن عمر: أنّ رجلا سأل النبيّ عليه السّلام فقال: يا رسول الله، أرأيت لو أنّ أحدنا رأى امرأته (¬6) على فاحشة كيف يصنع؟ إن تكلّم تكلّم بأمر عظيم، وإن سكت سكت عن أمر عظيم! فسكت النبيّ عليه السّلام ولم يجبه، فلمّا كان بعد الأيّام، فأتى النبيّ عليه السّلام فقال: إنّ الذي سألتك عنه ابتليت به، فأنزل الله الآيات، فدعاه، فتلاهنّ عليه، ووعظه وذكّره، وأخبره أنّ عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة، فقال: والذي بعثك بالحقّ ما كذبت عليها، ثمّ ثنّى بالمرأة، ووعظها وذكّرها، وأخبرها أنّ عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة، فقالت: لا والذي بعثك بالحقّ، قال: فبدأ بالرجل فشهد أربع شهادات بالله إنّه لمن الصادقين، والخامسة أنّ لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين، ثمّ ثنّى بالمرأة، فشهدت أربع شهادات بالله إنّه لمن الكاذبين، والخامسة أنّ غضب الله عليها إن كان من الصادقين، ثمّ فرّق بينهما. (¬7) وفيه حديث سهل بن ¬
سعد الساعديّ في عويمر العجلانيّ وامرأته. (¬1) 11 - {إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ:} مسطح (¬2)، وحسان بن ثابت (¬3)، وعبد الله بن أبيّ بن سلول المنافق (¬4)، وحمنة بنت جحش (¬5). روي: أنّ عائشة قالت: كان رسول الله عليه السّلام إذا أراد أن يخرج سفرا أقرع بين نسائه، فأيّتهنّ خرج سهمها خرج بها معه، فأقرع بيننا في غزوة غزاها، فخرج سهمي، فخرجت مع رسول الله، وذلك بعد ما أنزل الحجاب، فأنا أحمل في هودج، وأنزل فيه (¬6)، فسرنا حتى فرغ رسول الله من غزوه وقفل، ودنونا من المدينة، آذن ليلة بالرحيل، فقمت حتى آذنوا بالرحيل، فمشيت حتى جاوزت الجيش، فلمّا قضيت شأني أقبلت إلى الرحل، فلمست صدري، فإذا عقدي من جزع ظفار قد انقطع، فرجعت، فالتمست، فحبسني ابتغاؤه، وأقبل الرهط الذين كانوا يحملونني، فحملوا هودجي، (233 ظ) فرحّلوه على بعيري الذي كنت أركب، وهم يحسبون أنّي فيه، قالت: وكان النساء إذ ذاك خفافا لم يهبلن، ولم يغشهنّ اللّحم، إنّما يأكلن العلقة من الطعام، فلم يستنكر القوم ثقل الهودج حين رفعوه ورحّلوه، وكنت جارية حديثة السنّ، فبعثوا الجمل، وساروا، ووجدت عقدي بعد ما استمرّ الجيش، فجئت منازلهم، وليس بها داع ولا مجيب، فتيمّمت منزلي الذي كنت فيه، وظننت (¬7) أنّ القوم سيفقدونني، فيرجعون إليّ، فبينا أنا جالسة في منزلي غلبتني عيناي فنمت، وكان صفوان بن المعطّل السّلميّ ثمّ الذكوانيّ قد عرّس (¬8) من وراء الجيش، فأدلج، فأصبح عند منزلي، فرأى سواد إنسان نائم، فأتاني فعرفني حين رآني، وقد كان يراني قبل أن يضرب عليّ الحجاب، فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني، ¬
وخمّرت وجهي بجلبابي، ووالله ما يكلّمني بكلمة، ولا سمعت منه غير استرجاعه حتى أناخ راحلته، فوطئ على يديها فركبتها، فانطلق يقود بي (¬1) الراحلة حتى أتينا (¬2) الجيش بعد ما نزلوا موغرين في بحر الظهيرة، فهلك من هلك فيّ، وكان الذي تولى كبره عبد الله بن أبيّ بن (¬3) سلول، فاشتكيت حين قدمتها شهرا، والناس يفيضون في قول أهل الإفك، ولا أشعر بشيء من ذلك، وهو يريبني في وجعي أنّي لأعرف من رسول الله اللطف الذي كنت أرى منه حين كنت أشتكي، إنّما يدخل رسول الله فيسلم، ثمّ يقول: كيف تيكم؟ فذلك يحزنني، ولا أعرف بالشرّ حتى خرجت بعد ما نقهت (¬4)، وخرجت معي أمّ مسطح (¬5) قبل المناصع، وهو متبرّزنا، ولا نخرج إلا ليلا إلى الليل، وذلك قبل أن تتّخذ الكنف (¬6) قريبا من بيوتنا، وأمرنا أمر العرب الأوّل في التبرّز، وكنّا نتأدّى بالكنف أن نتّخذها عند بيوتنا، فانطلقت أنا وأمّ مسطح، وهي ابنة أبي رهم بن عبد المطّلب بن عبد مناف، وأمّها ابنة صخر بن عامر خالة أبي بكر الصدّيق، وابنها مسطح بن أثاثة بن عبّاد بن عبد المطلب، فأقبلت وابنة أبي رهم قبل بيتي حين فرغنا من شأننا، فعثرت أمّ مسطح فقالت: تعس مسطح، فقلت لها: بئس ما قلت، أتسبين رجلا قد شهد بدرا؟ قالت: أي هنتاه، أو لم تسمعي ما قال؟ قلت: وماذا قال؟ قالت: فأخبرتني بقول أهل الإفك، فازددت مرضا إلى مرضي، فلمّا رجعت إلى بيتي فدخل عليّ رسول الله فسلّم، ثمّ قال: كيف تيكم؟ قلت: تأذن لي أن آتي أبويّ؟ قال: نعم، قالت: وأنا أريد أن أتيقّن الخبر من قبلهما، فأذن لي رسول الله، فجئت أبويّ، فقلت لأمّي: يا أمّه، ما يتحدّث الناس؟ قالت: أي بنيّة، هوّني عليك فو الله لقلّ ما كانت امرأة قطّ وضيئة عند رجل يحبّها (234 و) ولها ضرائر إلا كثّرن، قالت: قلت: سبحان الله، وقد يحدّث الناس بهذا، قالت: فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ لي دمع، ولا أكتحل بنوم، ثمّ أصبحت أبكي، ودعا رسول الله عليّ بن أبي طالب وأسامة بن زيد حين استلبث الوحي يستشيرهما في فراق أهله، قالت: فأمّا أسامة فأشار على رسول الله بالذي يعلم من براءة أهله، وبالذي يعلم من نفسه لهم من الودّ، فقال: يا رسول الله، هم أهلك، ولا نعلم إلا خيرا، وأما عليّ فقال: لم يضيّق الله عليك، والنساء سواها كثير، وأن تسأل الجارية تصدقك، قالت: فدعا رسول الله بريرة فقال: يا بريرة، هل رأيت شيئا يريبك من عائشة؟ ¬
فقالت بريرة: والذي بعثك بالحقّ، إن رأيت عليها أمرا (¬1) قط اغمضه عليها من أنّها جارية حديثة السنّ، تنام عن عجين أهلها، فتأتي الداجن فتأكله، قالت: فقام رسول الله فاستعذر من عبد الله بن أبيّ بن سلول (¬2)، فقالت: قال رسول الله وهو على المنبر: يا معشر المسلمين، من يعذرني من رجل قد بلغ أذاه في أهل بيتي، فو الله ما علمت عليها إلا خيرا، ولقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلا خيرا، وما كان يدخل على أهلي إلا معي، فقام سعد بن معاذ الأنصاريّ فقال: أعذرك منه يا رسول الله إن كان من الأوس ضربنا عنقه، وإن كان من الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك، قالت: فقام سعد بن عبادة، وهو سيد الخزرج، وكان رجلا صالحا، ولكن اجتلبته الحميّة، قال لسعد: لعمر الله لا تقتله (¬3) ولا تقدر على قتله، فقام سعد بن حضير وابن سعد بن معاذ فقال لسعد بن عبادة: كذبت لعمر الله لنقتلنّه، فإنّك منافق يجادل (¬4) عن المنافقين، فثار الحيّان الأوس والخزرج، وهمّوا أن يقتتلوا ورسول الله على المنبر، ولم يزل رسول الله يخفّضهم (¬5) حتى سكتوا وسكت. قالت (¬6): وبكيت يومي ذلك لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم، ثمّ بكيت ليلتي المقبلة لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم (¬7)، وأبواي يظنّان أنّ البكاء فالق كبدي، قالت: فبينا هما جالسان عندي، وأنا أبكي استأذنت عليّ امرأة من الأنصار، فأذنت لها، فجلست تبكي معي، قالت: فبينا نحن على ذلك دخل علينا رسول الله، فسلّم، ثمّ جلس، ولم يجلس عندي منذ قيل ما قيل، ولقد لبثت شهرا لا يوحى إليه في شأني شيء، قالت: فتشهّد رسول الله حين جلس، ثمّ قال: أمّا بعد، يا عائشة، فإنّه (¬8) بلغني عنك كذا وكذا، فإن كنت بريئة فسيبرّئك الله، وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله، وتوبي إليه، فإنّ العبد إذا اعترف بذنبه ثمّ تاب، تاب الله عليه، قالت: فلمّا قضى رسول الله مقالته قلص دمعي حتى ما أحسّ منها، فقلت لأبي: أجب عنّي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم (234 ظ) فيما قال، فقال: والله ما أدري ما أقول لرسول الله، فقلت لأمّي: أجيبي عنّي رسول الله، فقالت: والله ما أدري ما أقول لرسول الله، فقلت وأنا جارية حديثة السنّ لا أقرأ كثيرا من القرآن: والله لقد عرفت أنّكم سمعتم هذا حتى استقرّ في أنفسكم، وصدّقتم به، فلئن (¬9) قلت لكم: إنّي بريئة، والله يعلم أنّي بريئة، لا تصدقونني بذلك، ¬
ولئن اعترفت لكم بأمر (¬1)، والله يعلم أنّي بريئة، لتصدقونني، والله ما أجد لي ولكم مثلا إلا كما قال أبو (¬2) يوسف: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ} [يوسف:18]، قالت: ثمّ تحوّلت فاضطجعت على فراشي، قالت: وأنا والله حينئذ أعلم أنّي بريئة، والله يبرّئني ببراءتي، ولشأني أحقر في نفسي من أن يتكلّم الله جلّ جلاله فيّ بأمر يتلى، ولكن كنت أرجو أن يرى رسول الله في النوم رؤيا يبرّئني الله بها، قالت: فو الله ما رام رسول الله مجلسه، ولا خرج من أهل البيت أحد حتى أنزل الله على نبيّه عليه السّلام، فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء عند الوحي، إنّه لينحدر منه مثل الجمان من العرق في اليوم الشاتي من ثقل القول الذي أنزل عليه، قالت (¬3): فلمّا سرّي عن رسول الله، وهو يضحك، فكان أول كلمة تكلّم بها أن قال: أبشري يا عائشة، أما والله فقد برّأك الله، فقالت لي أمّي: فقومي إليه، فقلت: والله لا أقوم ولا أحمد إلا الله، هو الذي أنزل براءتي، قالت: فأنزل الله تعالى ذكره: {إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ} عشر آيات، فأنزل جلّ ذكره هذه الآيات براءتي، وقال أبو بكر، كان ينفق على مسطح لقرابته منه وفقره: والله لا أنفق عليه شيئا أبدا بعد الذي قال لعائشة ما قال، فأنزل الله عز وجل: {وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ} إلى قوله: {أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النور:22]، فقال أبو بكر: والله إنّي لأحبّ أن يغفر الله عز وجل لي، ورجع إلى مسطح النفقة التي كان ينفق عليه، وقال: لا أنزعها منه أبدا، قالت عائشة (¬4): وكان رسول الله سأل زينب بنت جحش، زوج النبيّ عليه السّلام، عن أمري ما علمت، أو ما رأيت، قالت: يا رسول الله، أحمي سمعي وبصري، والله ما علمت إلا خيرا، وهي التي كانت تساميني من أزواج النبيّ عليه السّلام، فعصمها الله بالورع، وطفقت أختها حمنة بنت جحش تحارب لها، فهلكت فيمن هلك. (¬5) وهذا الحديث أتمّ من سائر الأحاديث. 26 - {الْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ:} من الرجال. {وَالْخَبِيثُونَ:} من الرجال (¬6). {لِلْخَبِيثاتِ:} من النساء. ¬
{وَالطَّيِّباتُ:} من النساء. {لِلطَّيِّبِينَ:} من الرجال. {وَالطَّيِّبُونَ:} من الرجال. {لِلطَّيِّباتِ:} من النساء. 12 - {الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ} (235 و) {بِأَنْفُسِهِمْ:} أي: ظنّ بعضهم ببعض خيرا، والبعض هاهنا الصدّيقة بنت الصدّيق أمّ المؤمنين، وصفوان بن المعطل الذي زكّاه رسول الله، وقال: «ما علمت عليه من سوء قط، ولا غبت في سفر إلا غاب معي». وقال: ما كشفت كنف أنثى قط (¬1). وأكرمه الله بالشهادة في سبيله، وإنّما توجّه عليهم الملام بتركهم قولهم: {هذا إِفْكٌ مُبِينٌ} على سبيل الظنّ مع كون الخبر ممكنا متصوّرا موهوما لتواتر أدلة الكذب. 13 - {فَأُولئِكَ عِنْدَ اللهِ هُمُ الْكاذِبُونَ:} أي: في دين الله وحكمه، ولولا ذلك لما كان كونهم (¬2) كاذبين في علم الله موقوفا على عدم إتيانهم بأربعة شهداء. وفي الآية دليل على أنّهم كانوا مطالبين بأربعة شهداء (¬3)، ولولا (¬4) الإعجاز الإلهيّ لكان يمكنهم أن يأتوا بعد المطالبة بشهداء الزور مع كثرة المنافقين، وفرط عصبيّتهم. وعن عروة، عن عائشة قالت: لّما نزل عذري قام رسول الله على المنبر، وتلا القرآن، فلمّا نزل، أمر برجلين وامرأة، فضربوا حدّهم. (¬5) 14 - يحتمل أنّ قوله: {وَلَوْلا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ} على سبيل التكرار. وأنّ قوله: {لَمَسَّكُمْ} جواب لما تقدّم. 19 - {تَشِيعَ الْفاحِشَةُ:} تستفيض، وأراد هاهنا الزنا والقذف، وإنّما كانوا يحبّون ذلك من حيث إرادتهم الترخّص والتساهل في هذا الباب، فلمّا كانوا متلوّثين أحبّوا أن يلوّثوا بالتهمة غيرهم، كقوم قال الله فيهم: {وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَما كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَواءً} [النساء:89]. ¬
21 - وقوله: {وَلَوْلا فَضْلُ اللهِ} معطوفة على نظيرها قبل الجواب، ويجوز أن يكون الجواب مضمرا، ويجوز أن يكون جوابه: {ما زَكى.} 23 - عن ابن عباس: {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ} نزلت في عائشة خاصّة، (¬1) واللعنة في المنافقين عامّة. 25 - {دِينَهُمُ الْحَقَّ:} أي: جزاؤهم الحقّ. {وَيَعْلَمُونَ:} على الضرورة والمشاهدة. 26 - {الْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ:} يجوز أن يكون لفظها خبرا، ومعناها أمرا وحكما، كما في قوله: {الزّانِي لا يَنْكِحُ إِلاّ زانِيَةً} [النور:3]، ويجوز أن يكون المراد بالخبث الكفر، وبالطّيب الإيمان، وبالطيبات الكلمات الطيّبة. 27 - {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً:} روي: أنّ امرأة جاءت إلى رسول الله، فقالت: يا رسول الله (¬2)، إنّي أكون في بيتي على الحال التي لا أحب أن يراني أحد، والد ولا ولد، فيأتيني الأب فيدخل عليّ، فكيف أصنع؟ فقال: ارجعي، فنزل، فأرسل إليها، فقرأها عليها. (¬3) {حَتّى تَسْتَأْنِسُوا:} تستعلموا إذن صاحب البيت. وجوابه: {لَكُمْ.} وكان عبد الله إذا دخل داره استأنس وتكلّم. (¬4) وعن ابن عباس: تستأذنوا. (¬5) وفيه تقديم وتأخير، أي: حتى تسلّموا و (¬6) تستأنسوا، السّلام عليكم أأدخل؟ (235 ظ) وقال عبد الله بن مسعود: عليكم أن تستأذنوا على أمّهاتكم. (¬7) وقال جابر: استأذن على أمّك، وإن كانت عجوزا. (¬8) وعن أبي سعيد الخدريّ قال: استأذن أبو موسى على عمر، فلم يؤذن له، فانصرف، فقال عمر: مالك لم تأتني؟ قال: قد جئت، فاستأذنت ثلاثا (¬9)، فلم يؤذن لي (¬10)، فرجعت، وقد قال رسول الله: «من ¬
استأذن ثلاثا، فلم يؤذن له، فليرجع»، فقال له: أقم بيّنة وإلا أوجعتك، فقال أبو سعيد: فأتانا أبو موسى وهو مذعور فزع، قال: جئت أستشهدكم، فقال أبيّ بن كعب: اجلس، لا يقوم معك إلا أصغر القوم، قال أبو سعيد: فكنت أصغر القوم، فشهدت له عند عمر: أنّ رسول الله عليه السّلام قال: «من استأذن ثلاثا فلم يؤذن له، فليرجع (¬1)». (¬2) 28 - {فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيها أَحَداً:} أي: فإن تؤنسوا، ولم تحسّوا صوت أحد. {هُوَ أَزْكى لَكُمْ:} أي: الأخذ بهذا الحكم أزكى. 29 - عن محمد بن الحنفية في قوله: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيها مَتاعٌ لَكُمْ:} قال (¬3): هي الخانات تكون على الطريق ينزلها الناس، وبيوت السوق. (¬4) وقالت عائشة: هي بيوت التجّار لا إذن فيها. (¬5) وقال جابر بن زيد: لم يعن بالمتاع الجهاز، ولكن ما سواه من حاجة، إمّا منزل ينزله قوم في ليل أو نهار، أو دار ينظر إليها رجل، أو خربة يدخلها رجل لحاجة، فهذا المتاع الذي ذكر الله عز وجل، وكلّ منافع الدنيا متاع. (¬6) 30 - {يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ:} الغضّ في اللغة: النقص، وغض الطرف: خفضه وتقليل الالتفات، وغضّ الصوت: خفضه وتقليله. (¬7) وعن عليّ: أنّ النبيّ عليه السّلام قال له: «يا عليّ، إنّي أحبّ لك ما أحبّ لنفسي، وأكره لك ما أكره لنفسي، لا تتبعنّ النظرة الأولى». (¬8) {ذلِكَ:} أي: العفاف. 31 - {إِلاّ ما ظَهَرَ مِنْها:} قال ابن عمر: ما ظهر منها: الكفّان والوجه (¬9). وقال ابن عباس: الوجه والكفّ والخاتم. (¬10) وقال ابن مسعود: هي القرط والدملج والخلخال والقلادة. (¬11) يعني: مواضع هذه الزينة، ولهذا قلنا: لا بأس للرجل أن ينظر إلى ذوات المحارم إلى ¬
ما فوق سرّتهن، ودون ركبتهنّ إذا أمن الشهوة. والمراد ب {نِسائِهِنَّ:} المؤمنات دون الكتابيّات. {أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ:} من المتشابه المختلف في تأويله، وكذلك (التابعون). ويجوز أن يكون {غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ} صفة الفريقين، أو استثناء منهما. وقال الحسن (¬1) والسفيانان (¬2): يكره أن ينظر العبد إلى شعر مولاته. وقال مجاهد: {غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ:} الذين لا يهمّهم إلا بطونهم، ولا يخافون على عورات النساء، ولا يدرون ما هنّ من الصغر قبل الحلم. (¬3) قال أبو مالك في قوله: {وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ ما يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ:} كنّ نساء الجاهلية يجعلن في أرجلهن خرزا، فإذا مررن بالمجالس حرّكنه. (¬4) {الْإِرْبَةِ:} المأربة. (236 و) 32 - {وَأَنْكِحُوا الْأَيامى:} وهو جمع أيّم، وهي التي لا زوج لها، سواء كانت بكرا أو ثيّبا مات عنها زوجها، أو لم تتزوج، ومنه قوله: «الأيّم أحقّ بنفسها من وليّها» (¬5)، فقال عمر: ما رأيت (¬6) من قعد أيّما بعد هذه الآية. وقال عمر: ابتغوا الغنى في النكاح. (¬7) وكان بعض الكبار يكثر النكاح والطلاق، فسئل عنه قال: ألتمس الغنى في هاتين الخصلتين، لقوله تعالى: {إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ،} ولقوله: {وَإِنْ يَتَفَرَّقا يُغْنِ اللهُ كُلاًّ مِنْ سَعَتِهِ} (¬8) [النساء:130]. 33 - وفي قوله: {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكاحاً} دليل على أنّ الإنسان لا يفتقر ولا يضطرّ إلى الفاحشة، كافتقاره إلى أكل الميتة. {حَتّى يُغْنِيَهُمُ اللهُ:} إمّا يرزقه زوجة أو جارية، وإمّا يرفع الشهوة. قال (¬9) الكلبيّ: قوله: {وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتابَ مِمّا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ} نزل في غلام ¬
لحويطب بن عبد العزّى، (¬1) وقوله: {وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ} نزل في مسيكة وعائذ ومعوّذة، ثلاث جوار لعبد الله بن أبيّ بن سلول المنافق، لعنه الله. (¬2) {فَكاتِبُوهُمْ:} أمر ندب وإرشاد. {فِيهِمْ خَيْراً:} قال إبراهيم النخعيّ: صدقا. (¬3) وقال الحسن: دينا وأمانة. (¬4) عبيدة السلماني (¬5): إقامة الصلاة. (¬6) سعيد بن جبير: إرادة الخير. (¬7) مجاهد وعطاء: المال. (¬8) وهذا القول محمول على استفادته المال بعد عقد الكتابة. والمراد بالعلم (¬9) غلبة الظنّ قبل عقد (¬10) الكتابة جائز معجّلا ومؤجّلا؛ لأنّه عقد على موجود مشار إليه كالبيع والخلع بخلاف السلم. والمكاتب عبد ما بقي عليه شيء، قال عليه السّلام: «المكاتب عبد ما بقي عليه من كتابه درهم». (¬11) روى معبد (¬12) الجهنيّ عن عمر بن الخطّاب. (¬13) مجاهد، عن زيد بن ثابت (¬14): كذلك. (¬15) {وَآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللهِ الَّذِي آتاكُمْ:} يعني: من الصدقات، كما قال: {وَفِي الرِّقابِ} [التوبة:60]، أو يدفع مولاه بضاعة يستعين بها على أداء الكتابة، والحطّ عندنا على سبيل الندب ¬
والاستحباب دون الوجوب. وعن عائشة: وقعت جويريّة بنت الحارث بن المصطلق (¬1) في سهم ثابت بن قيس بن شماس (¬2)، أو ابن عمّ له، فكاتبت على نفسها، وكانت ملاحة (¬3) تأخذها العين، فجاءت تسأل رسول الله في كتابتها، فلمّا قامت على الباب فرأيتها كرهت مكانها، وعرفت أنّ رسول الله سيرى ذلك منها مثل الذي رأيت، فقالت: يا رسول الله، أنا جويريّة بنت الحارث، وكان من أمري ما لا يخفى، وإنّي وقعت في سهم ثابت بن قيس بن شماس، وإنّي كاتبت على نفسي، فجئت أسألك في كتابتي، فقال رسول الله: هل لك إلى ما هو خير منه؟ قالت: وما ذلك يا رسول الله؟ قال: أأدّي عنك كتابتك وأتزوّجك، قالت: قد فعلت، (236 ظ) قالت: فتسامع الناس أنّ رسول الله قد تزوّج جويريّة، فأرسلوا ما في أيديهم من السبي، فأعتقوهم، فقالوا: أصهار رسول الله، فما رأينا امرأة كانت أعظم بركة على قومها منها، أعتق في سببها مئة أهل بيت من بني المصطلق. (¬4) وقوله: {إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً:} لاعتبار حال من نزلت فيه لا لتعليق الحكم بالشرط. {وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ:} اتصالها من حيث اعتبار بيان الأحكام والزجر عن الآثام. {مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ:} الذين قصصهم في القرآن. 35 - {اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ:} وصفه بها من المتشابهات التي لا ينبغي تأويلها بعد الاعتقاد بأنّه متعال عن مجانسة الشمس والقمر وما في معناهما لقوله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:11]، والنور في اللّغة: ما يبيّن المحسوس أو المعقول، وليس من شرط الضياء والشعاع، قال عليه السّلام مخبرا عن الله: «الشيب نوري». (¬5) وقال: «اللهمّ اجعل النور في بصري». (¬6) وقال: «من أراد أن ينظر إلى رجل نوّر الله قلبه، فلينظر إلى حارثة». (¬7) ¬
فالله نور لا كسائر الأنوار مبيّن كلّ محسوس ومعقول، ونوره غيره، ألا ترى أنّه قال: {مَثَلُ نُورِهِ،} ولم يقل: مثل نوره. وقال الكلبيّ وغيره: {اللهُ نُورُ السَّماواتِ} هادي أهل السماوات، لأنّه قال: {يَهْدِي اللهُ (¬1)} لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ. (¬2) وقال ابن عرفة: نور، أي: منوّر السماوات، ألا ترى ذكر المصباح والكواكب، وقوله: {يَكادُ سَنا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصارِ} [النور:43]. (¬3) وقال: الأزهريّ: {نُورُ السَّماواتِ:} مدبّر أمرها لحكمة بالغة، وحجة نيّرة، ألا ترى {أَنَّ اللهَ يُزْجِي سَحاباً} الآية [النور:43]. وقال: {وَاللهُ خَلَقَ (¬4)} كُلَّ دَابَّةٍ [النور:45]. وقيل: الله جاعل نور السماوات والأرض، حذف المضاف، وأقام المضاف إليه مقامه، ألا ترى قال: {وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ} [النور:40]. ثمّ اختلاف الفريقين (¬5) في النور المضاف (¬6). قيل: إنّه محمد عليه السّلام. (¬7) وقيل: هو القرآن. (¬8) وقيل: هو المعرفة. (¬9) {كَمِشْكاةٍ:} ككوّة لا منفذ لها. وقيل: موضع الفتيلة. (¬10) {مِصْباحٌ:} سراج. {فِي زُجاجَةٍ:} وهي خلاصة شفّافة من الرمل والحجّر. {مِنْ شَجَرَةٍ:} زيت. {زَيْتُونَةٍ:} شجرة بالشام ثمرتها كالتوت إلا أنّها (¬11) تنعصر دهنا، والزيت هذا الدهن. {لا شَرْقِيَّةٍ:} فتزول عنها الشمس بعد الزوال. {وَلا غَرْبِيَّةٍ:} فلا تصل إليها الشمس قبل الزوال، ولكنّها شجرة في ربوة من الأرض ¬
لا تفارقها الشمس من أوّل النهار إلى آخره، وزيتونة هذه الشجرة ألطف وأنضج. وقيل: هي التي لا تصيبها الشمس قبل الزوال ولا بعد الزوال، فيغلظ زيتها، وتتغيّر رائحتها، ولكنّها في الظلّ، وزيتها دقيق لطيف، ورائحتها طيّبة. (¬1) ويحتمل: أنّها التي لا تكون في ديار الشرق ولا في ديار الغرب، ولكنّها في وسط الأرض في الشام، فإنّ الشام منبت الزيتون (237 و) وموضعه. {كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ:} تشبيه التشبيه، وتمثيل التمثيل، كقولك: مثل زيد مثل زينب العذراء التي كأنّها الشمس في بيوت مطروفة. {الزُّجاجَةُ:} والمشكاة، أو {يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ} أو {نُورٌ عَلى نُورٍ،} أو {يُسَبِّحُ لَهُ} [النور:36] {أَذِنَ اللهُ:} أمر الله ووفقه. وعن ابن بريدة قال: هي أربعة (¬2) مساجد لم يبنهنّ إلا نبيّ: الكعبة بناها إبراهيم وإسماعيل عليهما السّلام، فجعلاها (¬3) قبلة، وبيت أريحا بيت المقدس بناها داود وسليمان عليهما السّلام، ومسجد المدينة بناه محمد عليه السّلام، ومسجد قباء أسّس على التقوى بناه رسول الله عليه السّلام. 37 - {لا تُلْهِيهِمْ:} لا تشغلهم. وقيل: هم (¬4) قوم في بيوعهم وتجاراتهم يقومون للصلاة عند مواقيت الصلاة. {يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ:} في الجوف، فلا تقدر تخرج حتى تقع في الحنجرة لقوله: {إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ} [غافر:18]. وقيل: نقلها (¬5) عن طبائعها {يَوْمَ يَجْمَعُ اللهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ ماذا أُجِبْتُمْ} الآية [المائدة:109]. (¬6) و (تقلّب الأبصار): شخوص أبصارهم، أو نظرهم في طرف خفيّ. 39 - {كَسَرابٍ:} شعاع منعكس من وجه الأرض يتلألأ (¬7) كالماء. {الظَّمْآنُ:} كالعطشان من العطش، وإنّما تكون أعمالهم كذلك لاعتمادهم عليها دون فضل الله ورحمته. ¬
{وَوَجَدَ اللهَ عِنْدَهُ:} في المثل دون الممثّل به. 40 - {لُجِّيٍّ:} منسوب إلى اللّجّة، وهي قاموس (¬1) البحر. {إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ:} مسند إلى {الظَّمْآنُ} [النور:39]، كأنّه ابتلي بالسّراب مرّة، وبالظلام أخرى. وقيل: مسند إلى مضمر. وقيل: فيه تقديم وتأخير، تقديره: ظلمات بعضها فوق بعض، ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور إذا أخرج يده لم يكد يراها. عن عبد الله بن المسور (¬2) قال: تلا رسول الله عليه السّلام: {فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ} [الأنعام:125]، قالوا: يا رسول الله، ما هذا الشرح؟ قال: «يقذف به في القلب»، قالوا: يا رسول الله (¬3)، هل لذلك من (¬4) أمارة يعرف بها؟ قال: «نعم، الإنابة إلى دار الخلود، والتجافي عن دار الغرور، والاستعداد للموت قبل الموت». (¬5) 41 - {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُسَبِّحُ لَهُ:} اتصالها من حيث اعتبار {اللهُ نُورُ السَّماواتِ. . .}. {وَالطَّيْرُ:} معطوف على {مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ،} رفع بالتسبيح. {صَافّاتٍ:} نصب على الحال، وصفّ الطائر: إذا بسط (237 ظ) جناحه وحلّق، ولم يقبضها، وتخصيص هذه الحالة لقرار الطائر عليها في مكان واحد من الجوّ، أو لحسنه عليها في رأي العين. وقيل: المراد بها الاصطفاف والانتظام في خطّ كالكركيّ ونحوها. والهاء في {صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ} عائد إلى الله تعالى. وقيل: إلى {كُلٌّ.} (¬6) 43 - {ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ:} أي: بين أجزائه، فيجعله ركاما. {فَتَرَى الْوَدْقَ:} المطر. {مِنْ بَرَدٍ:} هو القطر الجامد. قيل: ينزّل من السماء بردا من جبال في السماء الدنيا. (¬7) من جبال من برد قد فنينا، وجبل باق إلى يوم القيامة ¬
وقال ابن عمر: جبال السماء أكثر من جبال الأرض، ثم تلا الآية. بعد هذه الأقاويل يحتمل أربعة أوجه: أحدها: أراد بالجبال السحاب، فإنّها تشبه الجبال، والثاني: أراد الرياح الشديدة التي اعتمد بعض أجزائها على بعض، وتلوّنت بالغبار (¬1)، والثالث: أراد نفس البرد، أي: وينزّل من السحاب جبالا من برد، والرابع: أراد الشواهق التي كانت رؤوسها في السماء لشدة ارتفاعها، وطول سمكها، وهذه الشواهق قلّ ما تخلو من الثلج والسحاب. 45 - والذي يعوم في الماء داخل في جملة من يمشي على بطنه، والطير داخلة في جملة من يمشي على رجلين، والذي يزحف على أرجل كثيرة داخل في جملة من يمشي على أربع، وإنّما قيل: من ومنهم لتغليب العقلاء. 46 - {لَقَدْ أَنْزَلْنا آياتٍ مُبَيِّناتٍ:} وجه تكراره حسن ردّ الكلام على صدره، فإنّ الفضل كان فضلا واحدا (¬2) في بيان المحسوسات والمعقولات والموهومات على مقدار الحاجة في تعمية بعضها على بعض على سبيل الابتلاء. 47 - {وَيَقُولُونَ آمَنّا:} فصل مبتدأ، واتصالها من حيث اعتبار الأئمة أهل الإفك، فإنّهم كانوا جماعة من المنافقين والفاسقين، فكذلك (238 و) هذا الفصل في جماعة المنافقين. وعن ابن عباس قال: لّما قدم رسول الله المدينة، سأل الأنصار بور أرضهم التي لا تزرع للمهاجرين، قال: فدفعوها إليه، وقالوا: هي لك يا رسول الله، فاصنع بها ما شئت، قال: فجعل يقسّمها بين المهاجرين، فجعل يعطي الرجل الأرض، ويعطي الرجلين يعتملانها ويزرعانها، ويقومان عليها، فأعطى (¬3) عثمان بن عفان وعليّ بن أبي طالب أرضا بينهما، فاقتسماها بينهما، فوقع نصيب عثمان في عمارتها وجيّد أرضها، ووقع لعليّ في مكان منها لا يصيبه الماء إلا بمشقّة ونفقة وعلاج، لا يكاد ينالها الماء، فقال عثمان لعليّ: بعني أرضك، فباعها إيّاه، فقبض الثمن، وسلّم الأرض، قال: فندّم عثمان قومه، وقالوا: أيّ (¬4) شيء صنعت؟ عمدت إلى أرض سبخة لا ينالها الماء فاشتريتها، ردّها (¬5) عليه، فلم يزالوا به حتى أتاه فقال: اقبض منّي أرضك، فإنّي قد اشتريتها، فلم أرضها على أرض لا ينالها الماء، فقال عليّ: بل اشتريتها، ورضيتها، وقبضتها منّي (¬6)، وأنت تعرفها، ¬
وتعلم ما هي، فلا أقبلها منك، فدعاه عليّ أن يخاصمه إلى رسول الله، فقال قوم عثمان: لا تخاصمه إلى رسول الله (¬1)، فإنّك إن خاصمته إليه قضى له عليك، فهو ابن عمّه، وأكرم عليه منك، ثمّ اختصما إلى رسول الله، وقصّا عليه القصة، فقضى لعليّ على عثمان رضي الله عنهما، وألزمه الأرض، ونزل في قوم عثمان: {وَيَقُولُونَ آمَنّا بِاللهِ وَبِالرَّسُولِ. . .} الآية. (¬2) 48 - {وَإِذا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ:} الرسول (¬3). {بَيْنَهُمْ:} بالقرآن. قال الفراء: الحكم للرسول، وذكر الله للتعظيم. (¬4) {إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ:} عن رسول الله والقرآن. 49 - {وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ:} القضاء. {يَأْتُوا إِلَيْهِ} (238 ظ) {مُذْعِنِينَ:} طائعين، والإذعان: الإسراع مع الطاعة. وقال الفراء: «مطيعين غير مستكرهين». (¬5) 50 - {أَفِي قُلُوبِهِمْ:} نفاق. {أَمِ اِرْتابُوا:} شكّوا في الله ورسوله والقرآن وإيمانهم. {أَمْ يَخافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللهُ:} يجور (¬6) الله عليهم ورسوله في الحكم. {بَلْ أُولئِكَ هُمُ الظّالِمُونَ:} وإنما حسن الجمع بألف الاستفهام، وأم المترتبة عليها بين شيئين متغايرين، كقولك: إنّها لإبل أم (¬7) شاء، لتصوّر المغايرة بين المعاني هاهنا، فإنّ مرض القلب يتصوّر بالحيرة المتولّدة من السّفه، ومجرّد الجهل دون الشبهات، وباليأس عن روح (¬8) الله، والمقت له من غير ارتياب وخوف حيف، ويتصوّر الارتياب في أمر القرآن والنبوّة من غير حيرة ¬
في ظاهر التوحيد، ويأس عمّن هو الخالق الرازق، ومقت له، ويتصور خوف الحيف بالتسخّط على قضاء الله وقدره من غير حيرة ويأس ومقت وارتياب في الظاهر. وقيل: مرض القلب: أن يضمر الرجل خلاف ما يظهره، ويعتقد نقيض ما (¬1) يعلنه. والارتياب: أن يرتاب في حقّ أو باطل من غير اعتقاد. وخوف الحيف: أن يعتقد جواز كون الظلم من صفاته. وقيل: تقدير الآية: أفي قلوبهم مرض سابق باق أم ارتابوا آنفا أم يخافون ظلم الله من غير هذين. ويحتمل: أنّ الآية الأولى في شأن المنافقين من قوم عثمان (¬2)، وهذه الآية في شأن الفاسقين منهم. 51 - {إِنَّما كانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ} أي (¬3): إلى كتاب الله ورسوله. {لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ:} ليقضي بينهم (¬4). وقيل: هذه الآية متأخرة عن قول عثمان، وأنّها (¬5) مدح له، وثناء عليه. {أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنا:} أجبنا. {وَأَطَعْنا:} ما أمرنا به، {وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ.} 52 و53 - {وَمَنْ يُطِعِ اللهَ. . .} الآية، فلمّا نزلت (¬6) فيهم أقبل عثمان بن عفان إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: يا رسول الله، لئن شئت، والله، لأخرجنّ من أرضي كلّها، ولأدفعنّها إليه، فأنزل: {وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ} {لَيَخْرُجُنَّ. . .:} من أرضهم (¬7). {قُلْ لا تُقْسِمُوا:} لا تحلفوا فإنّ الله لو بلغ منكم الجهد لم تبلغوه. ثم (¬8) قال: {طاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ} أي: أطيعوه وقولوا له المعروف، أي: الائتمار بأمر رسول الله. {طاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ:} غير منكرة، أو عليكم طاعة معروفة، لا إصر ولا تقل فيها، أو طاعتكم معروفة مقبولة، (239 و) هذا في المؤمنين المصلحين خاصّة. ¬
54 - ونزل {قُلْ أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا:} تتولّوا. {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا:} أي: وإن تطيعوا الله ورسوله تهتدوا من الضلالة. {وَما عَلَى الرَّسُولِ} (¬1): محمد. {إِلاَّ الْبَلاغُ:} بالرسالة. {الْمُبِينُ:} يبيّن لكم. وذكر الضحاك: أنّ هذه الخصومة كانت بين عليّ وبين المغيرة بن وائل. (¬2) 55 - {وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا:} قال الكلبيّ: إنّ عثمان في جملة الموعود لهم الاستخلاف. {وَمَنْ كَفَرَ:} أي: كفر النعمة التي ضدّه الشكر، ولا شكّ أنّ عثمان من جملة الخلفاء الراشدين. وقيل: أراد بالكفر الشرك الذي هو ضدّ الإيمان، وكذلك المراد بالفسق (¬3)، كما في قصة إبليس. وأوّل من نقض عهد الخلافة وغيّرها وبدّلها قوم عثمان حين استحوذوا عليه، واستضعفوه، وتسلّطوا على عباد الله، وصدقت فراسة عمر بن الخطاب، فزوّدوا مروان بن الحكم كتابا، وختمه بخاتمه، وبعث به غلامه على ناقته إلى أن تمّ سعيه في دمه، وما الله بغافل عمّا يعمل الظالمون. وعن عليّ قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول لعثمان: «لو أنّ لي أربعين بنتا لزوّجتك (¬4) واحدة بعد واحدة». (¬5) وسأل قوم الحسن بن عليّ (¬6) عن عثمان بن عفان؟ فقال: اجلسوا حتى يخرج أمير المؤمنين، فخرج عليّ رضي الله عنه، فسألوه، فقال: كان عثمان من الذين آمنوا وعملوا الصالحات، ثمّ اتّقوا وآمنوا، ثم اتّقوا وأحسنوا. (¬7) وعن عبد خير (¬8) قال: وضّأت ¬
عليّ بن أبي طالب برحبة الكوفة، فقال: يا عبد خير، سلني، فقلت: عمّا أسألك يا أمير المؤمنين، فضحك، ثمّ قال: وضّأت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كما وضّأتني، فقلت: يا رسول الله، من أوّل من يدعى إلى الحساب؟ فقال: «أقف بين يدي ربّي عز وجلّ يوم القيامة ما شاء الله، ثمّ أخرج وقد غفر لي»، قلت: ثمّ (¬1) من يا رسول الله؟ قال: «ثمّ أبو بكر يقف مثل ما وقفت مرّتين، أو كما وقفت، ثمّ يخرج وقد غفر له» (¬2)، قلت (¬3): ثمّ من يا رسول الله؟ قال: «ثمّ عمر بن الخطاب يقف كما يقف أبو بكر مرّتين (¬4)، ثمّ يخرج وقد غفر الله ثمّ قلت: ثمّ من يا رسول الله؟ قال: «ثمّ أنت يا عليّ»، قلت: يا رسول الله (¬5)، فأين عثمان بن عفان؟ قال: عثمان رجل ذو حياء، سألت ربّي عز وجل أن لا يوقفه للحساب، فشفّعني. (¬6) {يَعْبُدُونَنِي} (239 ظ) {لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً:} قال مجاهد: عن ابن عباس: يعبدونني ولا يخافون غيري. (¬7) 57 - {لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا:} نزلت في المذكورين بقوله: {وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ. . .} [النور:55]، ولا يبعد كون يزيد بن معاوية وأشياعه والقداحين وأتباعهم مرادين به. 58 - {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ:} قال ابن عباس: بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم غلاما من الأنصار يقال له: مدلج، [إلى عمر] (¬8) ظهيرة ليدعوه، فانطلق الغلام إليه، فوجده نائما قد أغلق على نفسه الباب، فسأل الغلام عنه، فأخبر أنّه في البيت، قال: فدفع الغلام الباب على عمر، وسلّم، فلم يستيقظ، فرجع الغلام، وردّ الباب، فقام من خلفه وحرّكه، فاستيقظ عمر، فجلس وانكشف منه شيء، فرآه الغلام، وعرف عمر أنّ الغلام قد رأى ذلك منه، فقال: وددت، والله، أنّ الله نهى أبناءنا ونساءنا وخدمنا أن يدخلوا (¬9) هذه الساعة علينا إلا بإذن، ثمّ انطلق معه إلى رسول الله، فوجده وقد نزل عليه الآية، فحمد الله عمر، فقال رسول الله: وما ذاك يا عمر؟ فقال: يا رسول الله، الغلام عندك فسله، فسأله، فأخبره كيف أتاه، قال: فعجب رسول الله من صنع الغلام، فقال: «ممّن أنت يا غلام؟» فقال: يا ¬
رسول الله، اسمي مدلج، وأنا غلام من الأنصار، فقال رسول الله: «أنت مدلج تلج الجنّة في طاعة الله وطاعة رسوله، وأنت ممّن يلج الجنّة، لئن كنت استحييت من عمر إنك لمن قوم شديد حياؤهم، رفقاء في أمرهم، يسبق صغيرهم كبيرهم»، (¬1) ثمّ قال رسول الله: «إنّ الله يحبّ الحليم المتعفّف، ويبغض البذيّ الجريء السائل الملحف». وسأل رجلان ابن عباس عن الاستئذان في الثلاث العورات؟ قال: إنّ الله ستّير يحبّ الستر، وكان الناس ليس لهم ستور على أبوابهم ولا حجال في بيوتهم، وربّما فاجأ الرجل ولده وخادمه، أو يتيم في حجره، وهو مع أهله، فأمرهم الله عز وجل أن يستأذنوا في الثلاث (¬2) الساعات التي سمّى الله عز وجل، ثمّ جاء الله عزّ وجلّ باليسر، وبسط عليهم الرزق، فاتّخذوا الستور والحجاب، فرأى الناس أنّ ذلك قد كفاهم عن الاستئذان الذي أمروا. (¬3) وسئل الشعبيّ عن قوله: {لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ} قال: لم (¬4) تنسخ؛ لأنّ ابن عباس ذكر ما يجزئ من الاستئذان، ولم يخبر عن نسخ الآية. (¬5) {ثَلاثُ عَوْراتٍ:} الساعات المعورة التي يفترضها ويتحيّنها المفسدون، فإنّهنّ من الأيام والليالي كالحلل في الدور، يقال: داره عورة معورة. وأراد بالمماليك الصغار؛ لأنّ (¬6) العادة أنّ الناس يستخدمون الغلمان دون الفحول. (الظهيرة): الهاجرة. 59 - {وَإِذا بَلَغَ الْأَطْفالُ:} عن أبي هريرة قال: قال رسول الله (¬7) عليه السّلام: «رسول الرجل إلى الرجل إذنه». (¬8) 60 - {وَالْقَواعِدُ:} اللّوازم. {اللاّتِي لا يَرْجُونَ نِكاحاً:} لكبرهنّ، واحدتهنّ قاعد، كحائض وطامث. {أَنْ يَضَعْنَ ثِيابَهُنَّ:} خمارهنّ. (240 و) ¬
{غَيْرَ مُتَبَرِّجاتٍ:} متبرّزات، والمعنى: في نهيهنّ كون الزينة مشهية (¬1) للناظرين فيما لا يشتهى. {وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ:} عن وضع (¬2) الثياب. {خَيْرٌ لَهُنَّ:} للاحتياط. 61 - {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ:} وعن سعيد بن المسيّب، وعبيد (¬3) الله بن عبد الله بن عتبة بن [مسعود] (¬4): أنّ المسلمين كانوا يرغبون في النّفر مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فيعطون متاعهم رجالا يتخلّفون من أهل العلّة، ومن كان لا يستطيع الخروج مع رسول الله عليه السّلام، ويستخلفونهم عليها مالا، فقدموا من بعض أسفارهم، فشكوا إليهم الحاجة، وما أصابهم بعدهم، قالوا: فهلاّ أصبتم ممّا في بيوتنا إذا أصابكم مثل ذلك، قال: فأصابوا منها، فضاقت من ذلك (¬5)، وقالوا: نخشى أن لا تكون أنفسهم بذلك طيبة وإن قالوا بألسنتهم ما قالوا، فنزلت. (¬6) وعن مقسم (¬7): كانوا يكرهون الأكل مع الأعمى والأعرج والمريض؛ لأنّهم لا ينالون كما ينال الصحيح، فإنّ الأعمى لا يبصر جيد الطعام والمختار، والأعرج ربّما لا يتمكّن من الجلوس متهيّئا للاستيفاء، والمريض لا يقدر على سرعة الأكل، ولا على أكل ممتدّ لما يعرض له من الألم والعلّة، فنزلت. (¬8) فعلى هذين الآية عامّة. وعن مجاهد: كان رجال زمنى (¬9) عمي عرج، أولو حاجة، يستتبعهم رجال إلى بيوتهم، فإن لم يجدوا لهم طعاما ذهبوا بهم إلى بيوت آبائهم وسائر المعدودين في الآية، فكره ذلك المستتبعون، فأنزل هذه الآية مختصة بالمتبسّطين في بيوت أهل المعروف والسماحة. (¬10) وقال الفراء: {عَلَى} هاهنا مكان ¬
في، أي ليس في الأعمى حرج، ولا في الأعرج حرج، ولا في المريض حرج، يعني: في مؤاكلتهم. (¬1) و (العرج في الرجل): يمنع عن المشي المستوي. {أَوْ صَدِيقِكُمْ:} حبيبكم ومؤاخيكم. {أَوْ أَشْتاتاً:} جمع شتّ، وهو المتفرّق. {فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ:} كان ابن عمر (¬2) إذا دخل بيتا ليس فيها (¬3) أحد أو (¬4) بيته (¬5)، وليس فيها أحد يقول: السّلام علينا، وعلى عباد الصالحين. (¬6) وعن إبراهيم النخعيّ: مثله. (¬7) وذكر سفيان، عن أبي سنان (¬8)، عن باذان (¬9)، قال: يقولون: السّلام علينا من ربّنا. (¬10) وقال مجاهد: إذا دخلت بيتا ليس فيها أحد فقل: بسم الله، والحمد لله، والسّلام علينا من ربّنا، وعلى عباد الله الصالحين. (¬11) وقال الفرّاء: من دخل مسجدا ليس فيه أحد فليقل: السّلام على رسول الله، السّلام علينا من ربّنا، السّلام على عباد الله الصالحين. (¬12) 62 - {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ:} عن ابن عباس قال: كان رسول الله إذا خطب يوم الجمعة عرّض بالمنافقين يعنيهم في خطبته، ويجولهم رجبا (¬13)، فإذا سمعوا ذلك منه عرفوا لمكانهم، ثمّ نظروا يمينا وشمالا، فإذا أبصرهم إنسان، لم يقوموا، ولبثوا حتى يصلّوا الجمعة معه، فإن لم يبصرهم أحد (240 ظ) تسلّلوا فخرجوا من المسجد، ولم يصلّوا الجمعة معه (¬14)، فأنزل. (¬15) ¬
وكان دحية بن خليفة الكلبيّ يقدم المدينة إذا قدم كلّ ما يحتاج إليه الناس من بزّ ودقيق وغير ذلك، لا يبقى أحد إلا أتاه من بين ناظر وبين مبتاع، فكان المسلمون لا يخرجون بعد نزول هذه الآية حتى يستأذنوا رسول [الله] (¬1)، وأما المنافقون (¬2) فكانوا يخرجون بغير إذن. (¬3) 63 - {لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً:} اتّصالها من حيث اعتبار توقير رسول الله. قيل: هو النداء من وراء الحجرات. (¬4) وقيل: التصريح بمجرّد اسمه من غير ذكر الرسالة والنبوّة. (¬5) وقيل: هو التسوية بينه وبين سائر الناس بالدعاء له. (¬6) وعن عكرمة، عن ابن عباس قال: لا ينبغي الصلاة (¬7) على أحد إلا على النبيّ عليه السّلام. (¬8) ولذلك كرهنا إطلاق لفظة الصلاة على سبيل الابتداء في دعاء غير الأنبياء. {يَتَسَلَّلُونَ:} ينسلّون. {لِواذاً:} استتارا والتجاء، وذلك لأنّ بعض المنافقين كان يختفي وراء بعض. {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ:} دليل على وجوب الأمر، على جواز نسخ الكتاب بالسنّة، وإنّما قيل: {عَنْ أَمْرِهِ} لاعتبار المعنى، وهو الإعراض. 64 - {أَلا إِنَّ لِلّهِ ما فِي السَّماواتِ:} قد بينّا الكلام في العدول عن المغايبة إلى المخاطبة. {وَيَوْمَ:} معطوف على {ما.} وقيل: ظرف لمضمر. (¬9) {فَيُنَبِّئُهُمْ:} معطوف على {يَعْلَمُ،} أو على مضمر، والمضمر: يجمعهم، أو نحوه. وعن أبيّ بن كعب، عنه عليه السّلام: «من قرأ سورة النور كان له عشر حسنات بعدد كلّ مؤمن ومؤمنة». (¬10) وعن أحمد بن حنبل قال: إذا روينا عن رسول الله في الحلال والحرام والسنن والأحكام تشدّدنا في الأسانيد، وإذا روينا في فضائل الأعمال، وما لا يضع حكما ولا يرفعه تساهلنا في الأسانيد. (¬11) ¬
سورة الفرقان
سورة الفرقان مكية في أكثر الأقاويل. (¬1) وروى المعدّل عن ابن عباس: أنّ قوله: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلهاً (¬2)} آخَرَ [الفرقان:68] إلى انتهاء ثلاث آيات نزلن بالمدينة. (¬3) وهي سبع وسبعون آية بلا اختلاف. (¬4) بسم الله الرّحمن الرّحيم 1 - {تَبارَكَ:} تفاعل من البركة، وهو للواحد كالتمالك والتماسك بخلاف التضاحك والتشارك. والتبارك: صفة ذووية؛ لأنّ العبارة عنه ثابتة لا تنافيها عبارة في وصف الله تعالى بوجه، فهو متبارك حميد مجيد، لم يزل ولا يزال، سبحانه من متبارك (¬5) متفاعل. 3 - {وَاِتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً:} الآية عامّة (¬6) في المشركين من عبدة الأرواح والأشخاص، يدلّ عليه قوله في المائدة: {قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً} [المائدة:76]. وفي الآيتين ردّ على القدرية. 4 - {وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا:} نزلت في النضر بن الحارث بن كلدة. (¬7) 5 - {اِكْتَتَبَها:} من الكتابة، كالتقوّل من القول. وقيل: (241 و) استكتبها. (¬8) 6 - {الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ:} تخصيصه به هو التنبيه على الاستدلال بما في القرآن من الأحكام، تكون الكوائن في المستقبل، مثل اللّزام، (¬9) وغلبة الروم، (¬10) والدخان، (¬11) وكفاية ¬
المستهزئين، (¬1) وبما كان يخبر رسول الله من الغيب، مثل أخبار ليلة الإسراء، (¬2) وأكل الأرضة صحيفة (¬3) قريش لّما تكاتبت (¬4) على بني هاشم حين أبوا أن يدفعوا رسول الله إليهم، وذلك أنّهم كانوا يتّهمون رسول الله أنّه يتعلّم من جبر ويسار وعائش، (¬5) فبرّأه الله تعالى مرّة بقوله: {قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ،} ومرّة بقوله: {لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ} [النحل:103]، فلمّا نبّههم على هذا رموه بالشعر والسحر والكهانة. وقوله: {إِنَّهُ كانَ غَفُوراً رَحِيماً:} ترغيب وتعريض بقبول التوبة إن تابوا. 7 - {وَقالُوا (¬6)} مالِ هذَا الرَّسُولِ: عن الكلبيّ، عن أبي صالح، عن ابن عباس: أنّ نفرا من قريش، وهم ستة عشر رجلا، وهم المقتسمون: ثلاثة نفر من بني عبد شمس: حنظلة (¬7) بن أبي سفيان، وشيبة وعتبة ابنا ربيعة، وسبعة (¬8) من بني مخزوم: أبو جهل، والعاص بن وائل، وأبو قيس بن الوليد، وقيس بن الفاكه (¬9)، وزهير بن أبي أمية، وهلال بن الأسد، والسائب بن صيفي (¬10)، ورجلان من بني أسد: أبو البختريّ، وعبد الله بن أبي أمية، ورجل من بني عبد الدار وهو النضر بن الحارث، ورجل من بني سهم وهو نبيه بن الحجاج، ورجلان من بني (¬11) جمح: أميّة بن خلف، وأوس بن المغيرة، اجتمعوا لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم عند الكعبة قد توافقوا على الكفر، وبعثوا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليكلّموه، فجاءهم مسرعا، وهو يظنّ أنّه قد بدا (¬12) لهم فيه بداء، وكان حريصا عليهم يحبّ (¬13) رشدهم وهداهم، فلمّا جلس إليهم قالوا: يا محمد، قد بعثنا إليك ¬
لحاجة، فاستمع منّا، وأجبنا بالذي نسألك عنه، فقال لهم رسول الله: إن شاء الله، قال: فبدأ (¬1) أبو جهل بن هشام فقال: يا محمد، أنت ابن عمّنا ومن عشيرتنا، وأنت فينا فقير عائل ضعيف، ولا نحبّ أن نقول لك إلا ما يعرف قومك، وقد أتيتنا بأمر لم يواطئك عليه (¬2) أحد من عشيرتك [فيه خير] (¬3)، ولا أحد (¬4) ممّن سواهم معه غفلة، ونراك قلت قولا ما قاله أبوك، ولا أحد ممّن سواهم معه عقله، وقد تعلم أنّ الشياطين يحضرون سفهاء الناس، فلا تكن ممّن يضع قومه، وتسمّع بهم الناس، فيكون لنا ذلك (¬5) وضيعة ما بقينا، وقد علمنا أنّ الله جليل عظيم لا ينبغي لرسوله أن يمشي بيننا فقيرا (241 ظ) عائلا، وهو ذا أنت تمشي في الطريق معنا، وتأكل الطعام كما نأكل، ولو شاء الله لجعل ملائكة من عنده، يقضون من أمره، إنّه على ذلك قدير. قال: ثمّ تكلّم عتبة بن ربيعة فقال: يا ابن عبد المطلب، انظر الذي تكلمت فيه، فراجعنا فيه (¬6)، فإنّا لك ناصحون، وإن أنت مضيت على الذي أنت لم تضرّ بذلك إلا نفسك، ونحرّض الناس على قتلك، ونعلم أن قد عصيتنا وعصيت أمرنا، ورفضت نصيحتنا، فراجعنا، فإنّا قد علمنا أنّ الله ربّ كلّ شيء، فما لك لا تراجعنا؟ وما لكلامنا يغلب كلامك؟ وأنت تزعم، يا ابن عبد المطلب، أنّه كلام الله، أفكلامنا يغلب كلام الله؟ هذا لتعلم، يا محمد، أنّك مغرور مسحور، ألست تعلم أنّ الله يعلم غيب كلّ شيء؟ قال: بلى، حقا ويقينا، وأنا على ذلك من الشاهدين، قال: فإن كنت كما تزعم أنّك رسوله، فما منعه أن يخبرك أنّ قريشا سيقولون كذا وكذا، فردّ عليهم كذا وكذا؟ هذا لتعلم، يا محمد، أنّك قد أتيت بأمر عظيم باطل لا نصبر عليه، يا ابن عبد المطلب، ألست تعلم أنّ الله يضلّ من يشاء ويهدي من يشاء؟ قال: بلى، حقا ويقينا، وأنا على ذلك من الشاهدين، قال: أفلا يليّن قلوبنا لنصدقك (¬7) بما تقول فنؤمن لك؟ هذا لتعلم أنّك لتأتي (¬8) بأمر عظيم، أفلا ألقي إليك كنز من ذهب، فتستغني به عن الناس؟ قال: ثمّ تكلّم أمية بن خلف الجمحيّ فقال (¬9): يا ابن عبد المطلب، لا عليك، ألست تعلم أنّ الأرض والخلق والجبال كلّها لله؟ فقال رسول الله: بلى، حقا ويقينا، وأنا على ذلك من الشاهدين، قال: فهلمّ ¬
فاجعل في أرضنا زرعا وينبوعا، وإنّها أرض ضيّقة جدبة، شديد (¬1) عيشها، بعيد ماؤها، وإلا فاعطنا مالا نتبعك عليه، فإنّ المال يفتن الناس عن دينهم، فاعطنا مالا لعلّنا نفتتن عن ديننا، ونتّبع دينك، فإن لم تستطع ذلك فاسند لنا إلى السماء سلّما نكلّم الله ثمّ نراه، أو ائتنا بالملائكة، إن كنت من الصادقين، وإلا فإنّا تقدمنا إليك بالمعذرة، وإن نراك فقيرا ضعيفا، إن تعد لمقالتك نهلكك (¬2)، أفعجز الله أن يجعل في الأرض نبيّا من خيرته، أو يبعث من الملائكة من يصطفي، أو يختار رجلا من القريتين عظيما، إمّا من مكة وإمّا من الطائف؟ لقد جئت قومك بأمر عظيم، أجبنا يا ابن عبد المطلب، فقال رسول الله: إنّي آمنت بربّي وربّكم، لي عملي ولكم عملكم، أنتم بريؤون ممّا أعمل، وأنا بريء ممّا تعملون، ثمّ قال عبد الله بن أبي أميّة: با ابن عبد المطلب، أما تستطيع أن تأتي قومك بما يقولون لك؟ قال: لا، قال: فأتنا بالله والملائكة قبيلا حتى يشهدوا أنّك رسوله، فو الله لا أؤمن لك حتى تسند سلّما (242 و) إلى السماء، ثمّ تصعد عليه وأنا أنظر، ثمّ تأتي بكتاب منشور من عند الله أقرؤه، وتأتي بأربعة من الملائكة يشهدون لك أنّه من الله، وايم الله أن لو فعلت لظننت أنّي لا أصدقك، ثمّ قال العاص بن وائل السهميّ وقريش معه: قد تعلم، يا محمد، أنّه لا بلاد أضيق من بلادنا، ولا أقلّ أنهارا أو زروعا، ولا أشدّ عيشا، فادع ربّك أن يسيّر عنّا هذه الجبال التي في أرضنا، فقد ضيّقت علينا لتنفسخ بلادنا، فنعرف فضلك عند ربّك، وابعث لنا من مضى من آبائنا لنسألهم عمّا تقول، فيصدّقوك أو يكذّبوك، وليكن ممّن يبعث لنا قصيّ بن كلاب، وإنّه كان شيخا صدوقا، وقد جئتنا بذكر الرحمن، ونحن لا نعرف إلا الله، فأمّا الرحمن فقد علمنا أنّه كذّاب باليمامة يعلّمك هذه الأحاديث، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: الرحمن اسم من أسمائه (¬3) كريم شريف، ولم أبعث بما سألتموني، وإنّما بعثت داعيا إلى الله، قالوا: فخذ لأهل بيتك بعض ما سألناك لنعرف فضلهم، أو فليكن لك جنّة من نخيل وعنب فتفجر الأنهار خلالها تفجيرا، قال: لا أقدر على ذلك، وليس ذلك إليّ، قال: فخذ حذرك فإنّا نراك يصيبك من الزلازل ما يصيبنا، ونراك تمشي في الأسواق معنا، تبتغي من يسير العيش (¬4)، فسل ربك أن يجعل لك جنانا وقصورا وكنوزا من ذهب، وليبعث معك من (¬5) يصدّقك ويكلّمنا دونك، فقال رسول الله: ما ذاك إليّ، إنّما أدعو إلى الله عز وجل يصنع فيه ما يشاء، قالوا: يا محمد، إنّا ناظروك بسحرك هذا ثلاث ليال، ففكّر بينك وبين نفسك، فلا تبقينّ إلا عليها، إمّا أن نتّخذك لنا عدوّا، وإمّا أن نجعلك من المهلكين، وإمّا أن تأتينا بأمر شاف ¬
نرضاه، فرجع رسول الله مهتمّا حزينا قد شقّ عليه ما قال قومه، وما ردّوا عليه من أمره، فأنزل. (¬1) {يَمْشِي فِي الْأَسْواقِ:} جمع سوق، والسوق موضع البيع والشراء، يذكّر ويؤنّث. 9 - {ضَرَبُوا لَكَ (¬2)} الْأَمْثالَ: ضربهم الأمثال لرسول الله وصفهم إيّاه بأنّه ساحر ومسحور وشاعر وصنبور (¬3). {فَلا يَسْتَطِيعُونَ:} ضربت عليهم الضلالة، أي: ما داموا مصرّين على الضلالة لم يستطيعوا أن يصدقوا في وصفك، فقال: لا يستطيعون حيلة في أمرك، أي: في قهرك. 10 - {تَبارَكَ الَّذِي إِنْ شاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً:} عن خيثمة قال: قيل للنبيّ عليه السّلام: نعطيك خزائن الأرض ومفاتيحها، لم نعطها أحدا قبلك، لا ينقصك ذلك عند الله شيئا، فقال: اجمعها لي في الآخرة، فقال الله: {تَبارَكَ الَّذِي إِنْ شاءَ.} (¬4) (242 ظ) وعن ابن عباس قال: بينما رسول الله جالس وجبريل معه، قال جبريل: هذا ملك قد نزل من السماء لم ينزل قطّ، استأذن ربّه في زيارتك، فلم يمكث إلا قليلا حتى جاء الملك وقال: السّلام عليكم يا رسول الله، إنّ الله يخيّرك أن يعطيك خزائن كلّ شيء، ومفاتيح كلّ شيء لم يعطه أحدا (¬5) قبلك، ولا يعطيه أحدا بعدك من غير أن ينقص لك ممّا دخر (¬6) لك شيئا، فقال النبيّ عليه السّلام: بل يجمعها لي جميعا يوم القيامة، فنزلت. (¬7) وعن ابن عباس قال: قال النبيّ عليه السّلام: عرض عليّ جبريل بطحاء مكة ذهبا، فقلت: بل شبعة وثلاث جوعات، وذلك أكثر لذكري (¬8) (¬9) مستجازه تقول: ذلك الجبل ينظر إلينا، ويحتمل: أنّ الله تعالى يحدث للنار رؤية كما يحدث لها نطقا. و (سماع التّغيّظ): لغليان صدر المتغيّظ واحتناقه، وتتابع أنفاسه. 13 - {مَكاناً ضَيِّقاً} أي: في مكان ضيّق. ¬
{مُقَرَّنِينَ:} (¬1) مسلسلين، أيمانهم عند أعناقهم. وقيل: يجمع بين ناصية الكافر وعقبيه (¬2). وقيل: يجمع بينه وبين شيطانه وقرينه. (¬3) {ثُبُوراً:} هلاكا، وحرمانا من خير، ودعاؤهم واثبوراه، والثّبور مصدر، ولذلك لم يجمع. 16 - {لَهُمْ (¬4)} فِيها ما يَشاؤُنَ: دليل على أهل الجنة مخيّرون في أنواع ما يخطر ببالهم من الخير. 18 - {نَسُوا الذِّكْرَ:} تغافلوا وأعرضوا عن الاتّعاظ بالموعظة. {بُوراً:} جمع بائر وهو الهالك. 19 - {وَمَنْ يَظْلِمْ:} بالإصرار (¬5) على الشركاء والزيادة على الكفر. وقيل: جحودهم يوم القيامة بقولهم: {وَاللهِ رَبِّنا ما كُنّا مُشْرِكِينَ} [الأنعام:23]، ليكون العذاب الكبير الختم على الأفواه، وإنطاق الجلود. (¬6) 20 - {أَتَصْبِرُونَ:} أمر كقوله: {هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ} [الصافات:54]. وقيل: على سبيل الاختصار، أي: فتصبرون فنقرّكم عليها أم لا تصبرون فنهلككم ونستخلف قوما غيركم. (¬7) 21 - {لا يَرْجُونَ:} لا يخافون. ويحتمل: أنّه حقيقة الرجاء؛ لأنّ ضدّه الإياس، والإياس كفر. 22 - {يَوْمَ:} نصب على الظرف (¬8). {لا بُشْرى:} لكم بالأمن (¬9) ودخول الجنّة. {حِجْراً مَحْجُوراً:} حراما محرما على سبيل الإيجاب والدعاء. ¬
23 - عن الكلبيّ، عن أبي صالح، عن ابن عباس في قوله: {وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا} أي: وعهدنا إلى ما عملوا من عمل لغير الله في الدنيا، فجعلناه في الآخرة هباء، يقول: بطلت أعمالهم فلم تقبل، جعلت كالهباء المنثور. و (الهباء): ما يدخل من شعاع الشمس من الكوّة. 24 - {مَقِيلاً:} وقت قيلولة في نصف النهار. 25 - {يَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ:} قال الفرّاء: بالغمام وعن الغمام كقولك: رميت بالقوس وعن القوس، فهذا الغمام فوق السماء. (¬1) 27 - {يَعَضُّ} (¬2): يمضغ (¬3)، وهو الكدم (¬4) من ذوي الخفّ، واللّسع من الحيّة، والمراد به: التأسّف. والمراد ب {الظّالِمُ} الجنس، أي: كلّ ظالم، كقوله: {وَيَقُولُ الْكافِرُ} (¬5) [النبأ:40]، وقال ابن عباس (243 و) في رواية الكلبيّ: نزلت في عقبة بن أبي معيط، وذلك أنّه لا يقدم من سفر إلا صنع طعاما، فدعا عليه جيرانه وأهل مكة كلّهم، قال: وكان (¬6) يكثر مجالسة النبيّ عليه السّلام، ويعجبه حديثه، ويغلب عليه الشقاء، فقدم ذات يوم من سفره، فصنع طعاما، ثمّ دعا رسول الله إلى طعامه فقال: ما أنا بالذي آكل من طعامك حتى تشهد أن لا إله إلا الله وأنّي رسول الله، فقال: اطعم يا أخي (¬7)، فقال: ما أنا بالذي أفعل حتى تقول، فشهد بذلك، قال: وطعم من طعامه، قال: وبلغ ذلك أبيّ بن خلف (¬8)، فأتاه فقال له: صبوت يا عقبة، وكان خليله، فقال: لا والله ما صبوت، ولكن دخل عليّ رجل فأبى أن يطعم من طعامي إلا أن أشهد له، واستحييت أن يخرج من بيتي قبل أن يطعم، فقال أبيّ بن خلف: ما أنا بالذي أرضى عنك أبدا حتى تأتيه فتبزق في وجهه، وتطأ على عنقه، قال: ففعل عقبة ذلك، وأخذ رهم دابة وألقى به (¬9) بين كتفيه، فقال رسول الله: لا ألقاك خارجا من مكة إلا علوت رأسك بالسيف، فأنزل. ثمّ أسر عقبة بن أبي معيط يوم بدر، فقتله ثابت بن الأفلح صبرا، ولم يقتل من الأسارى يومئذ ¬
غيره، وغير النضر بن الحارث بن كلدة. (¬1) ذكر الواقديّ وعن ابن عباس قال: كان أميّة بن خلف صديقا لعقبة بن أبي معيط وخليلا، وكان قد غشي رسول الله حتى كاد يسلم (¬2)، فلقيه أميّة بن خلف، فقال: بلغني أنّك صبوت واتّبعت دين محمد؟ فقال عقبة: ما فعلت، قال أميّة: وجهي من وجهك حرام إلا أن تأتيه فتتفل في وجهه، وتبرأ من دينه، وتعلم قومك أنّك عدوّ لمن عاداهم، وفرّق جماعتهم، قال: فخرج عقبة، فلمّا نظر في وجهه تفل في وجهه، فلم يصب وجه النبيّ عليه السّلام، ثمّ رجع إلى أميّة فأخبره، فسرّ بذلك، فأنزل. (¬3) 28 - {فُلاناً خَلِيلاً:} أبيّ (¬4) بن خلف، وقال الزجاج: أبيّ بن خلف (¬5) على ما ذكره الواقديّ، والظاهر أنّ فلانا اسم مبهم ينطلق على كلّ قرين سوء مضلّ. 29 - {لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ:} أي: الشهادة بالتوحيد والرسالة. 30 - {وَقالَ الرَّسُولُ يا رَبِّ:} قيل: قاله رسول الله حين أيس (¬6) من قومه، فأخبر الله عنه. (¬7) {مَهْجُوراً:} متروكا. وقال مجاهد: مهجورا فيه؛ (¬8) لأنّه قال: {وَاِلْغَوْا فِيهِ} [فصلت:26]. ويحتمل: أنّه سيقوله رسول الله في القيامة حين يشهد على أمّته بالكفر والإيمان. 32 - {جُمْلَةً واحِدَةً:} الجملة: تأليف الأجزاء المتفرّقة، تقديره: بل ننزّله متفرّقا، أو تقديره: لولا أنزل عليه القرآن جملة واحدة. {كَذلِكَ:} أي: كالتوراة بل ننزّله متفرّقا. و (رتّلنا): فصّلنا. 33 - {وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ:} اتصالها من حيث اعتبارهم وصفهم ما يتمنونه من القرآن أنّ (¬9) تنزّله جملة واحدة، واعتبار ردّ الله ذلك عليهم (243 ظ) بعلّة (¬10) معقولة وهي ¬
تثبيت الفؤاد بحفظ القرآن؛ لأنّ التوراة أنزلت مكتوبة، ولم يكن إعجاز موسى في كونه أميّا، وكان هذا معجزة نبيّنا عليه السّلام، فهيّأ الله له أسباب الحفظ منها: أن يتلقّن شيئا بعد شيء على سبيل التراخي. {وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً} (¬1): أي: كشف المراد عن اللفظ المشكل، مأخوذ من الفسر وهو الكشف. وقيل: مقلوب من قوله: سفرت البيت، أي: كنست. (¬2) 34 - {وَأَضَلُّ سَبِيلاً:} وقع التفضيل على زعم الكفّار من إضافة الشرّ والضلالة إلى المؤمنين. 36 - {اِذْهَبا:} يعني: أنت وأخوك. 37 - {وَقَوْمَ:} نصب بالتدمير. وقيل: بالإغراق المضمر. (¬3) 38 - {الرَّسِّ:} البئر الذي لم يطو. وقال عكرمة: أصحاب الرسّ رسّوا نبيّهم في بئر. (¬4) وقال الكلبي: قوم كانوا باليمامة بفلج. (¬5) 39 - {وَكُلاًّ:} نصب ب {ضَرَبْنا.} وقيل: على سبيل اتباع اللفظ. (¬6) 40 - {عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ:} أي: قرية لوط. 43 - {مَنِ اِتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ:} اتّخاذهم ذلك، عبادتهم للخواطر التي يتوهّمونها بالشّبهات، فيتمنّونها بالشهوات. 45 - {كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ:} هو أن يمتلئ بالليل جوف كلّ واد، ويغيب الأفق، قال الله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً. . .} الآية [القصص:71]. {ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً:} هو انفلاق الصبح ليبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود، والصبح من مقدّمات ضياء الشمس لا محالة، فلا يزال ينبسط، وينتشر هذا، وينزوي ويستتر هذا إلى أن يفيض الليل كلّه فيضا سهلا رفيعا من غير فزع ولا خطر، وقد بدى الشمس على ظلال الأشخاص بالنهار أيضا. ¬
46 - {ثُمَّ قَبَضْناهُ إِلَيْنا:} إلى حكمنا الغيب. 47 - {اللَّيْلَ لِباساً:} التشبيه من حيث وقوع التّستّر به. {سُباتاً:} استراحة في استرخاء. {نُشُوراً:} أي: وقت نشور وانتشار. 49 - {مِمّا خَلَقْنا:} مقدّم في اللفظ مؤخّر في المعنى؛ لاعتبار نظم رؤوس الآي. {وَأَناسِيَّ كَثِيراً:} قال الفرّاء: أصل إنسان إنسيان؛ لأنّ (¬1) تصغيره أنيسيان، فالأناسيّ في الأصل أناسين أبدلوا [من] (¬2) النون ياء كزبرقان وزباريق. (¬3) وقيل: جمع إنسان كقرطاس وقراطيس. (¬4) وقيل: جمع إنسيّ على النسبة ككرسيّ وكراسيّ. (¬5) 50 - {وَلَقَدْ صَرَّفْناهُ:} أي: القرآن. وقيل: الماء الطهور. (¬6) 52 - {وَجاهِدْهُمْ بِهِ:} أي: بالقرآن، والكلام دون السيف؛ لأنّ الآية مكية. 53 - {مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ:} مزج. {هذا} (¬7): إشارة إلى ما يتصوّره المخاطب في قلبه (¬8) كأنّه ينظر إليه، قال الله تعالى: {هذا مِنْ شِيعَتِهِ وَهذا مِنْ عَدُوِّهِ} [القصص:15]. {مِلْحٌ:} ماء فيه ملوحة. {أُجاجٌ:} ماء في غاية الملوحة. و (العذب): الماء الطيّب. (الفرات): (244 و) في غاية العذوبة. {بَرْزَخاً:} يعني: الجزائر الواسعة. ويحتمل: أنّ المراد بالبحرين بحر مجاور للساحل، وبحر كمين في الساحل. وقيل: بحر بحراء ¬
وبحر قلزم، فإنّ سواحلهما غير محاط بهما. وفيه إشارة إلى الدمع فيه ملوحة (¬1)، واللعاب فيه عذوبة، والمملوح التي فيه قراره، والالتحام الذي سنح لم يفسد شيء بمجاورة غيره، وإلى اللبن الحليب من بين فرث ودم. 54 - {نَسَباً وَصِهْراً} أي: مناسبا ومصاهرا يناسب بعضه بعضا (¬2)؛ لتبقية الإلفة وحفظ الأصل، وتصاهر بعضه بعضا (¬3) لاستفادة الإلفة، وإنشاء النسل. 55 - {ظَهِيراً:} معينا لمثله على إنكار ربّه، وتبديل دينه، ومعاداة نبيّه. 57 - {إِلاّ مَنْ شاءَ:} استثناء كقوله: {إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى} [الشورى:23]؛ لأنّ ذلك يوجب حسن الظنّ به، وقوله: {ما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ} [سبأ:47] أي: على زعمكم فهو مردود عليكم ما أريد منكم ذلك. وقيل: المودة في القربى هو لكم، أي: حظّكم ونصيبكم. وقيل: طالبهم بالمودة في القربى، ثمّ ترك واقتصر على المودة في الله. (¬4) 59 - {الرَّحْمنُ:} رفع بإسناد الاستواء إليه، أو لتقديره مبتدأ. {فَسْئَلْ بِهِ:} أي: عنه، والضمير عائد إلى السماوات والأرض، أو إلى الاستواء على العرش (¬5)، أو اسم الرحمن. 60 - قال عليه السّلام: «إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد اعتزل الشيطان يبكي ويقول: ويله، أمر ابن آدم بالسجود». (¬6) محجلون من الوضوء. 61 - {سِراجاً:} مصباحا. 62 - وفي قوله: {جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً} دلالة على جواز قضاء صلاة الليل بالنهار، وقضاء صلاة النهار بالليل. 63 - {وَعِبادُ:} مبتدأ. {الَّذِينَ يَمْشُونَ:} خبره، والمراد بهم أولياؤه وخاصّته. ¬
{هَوْناً:} متواضعين. {سَلاماً:} أي: قولا يؤدّي إلى المسالمة والمتاركة. وقيل: منسوخة بآية السيف. (¬1) 65 - {غَراماً:} لزوما. وقال بعضهم: هلاكا. (¬2) وهو غير مشهور. 67 - الإقتار والقتر والتّقتير: تضييق النفقة. وكان إنفاقهم {بَيْنَ ذلِكَ قَواماً:} عدلا. وقيل: قوام الأمر قوامه ونظامه وملاكه. (¬3) 68 - {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ:} عن الكلبيّ، عن أبي صالح، عن ابن عباس: أي: وحشيّا، لمّا قتل حمزة مكث زمانا، ثمّ وقع في قلبه الإسلام، فأرسل إلى رسول الله يعلم أنّه وقع في قلبه الإسلام، ويقول: سمعتك تقول: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ. . .} الآية، وإنّي فعلتهنّ فهل من رخصة؟ فنزل جبريل فقال: قل له يا محمد: {إِلاّ مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صالِحاً. . .} الآية، فأرسل إليه، فلمّا قرئت عليه قال: أرى في هذه الآية شروطا أخشى أن لا آتي بها، ولا أجدني أطيق أن أعمل صالحا، فهل عندك شيء ألين من هذا؟ فأنزل جبريل قوله: {إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} (244 ظ) {وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ} [النساء:48]، فأرسل بها رسول الله إليه، فقرئت عليه، فقال: إنّه يقول: {لِمَنْ يَشاءُ} (¬4) وأنا لا يدرى لعلّي لا أكون ممّا يشاء؟ فنزل جبريل بقوله: {قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ. . .} الآية [الزمر:53]، فأرسل بها رسول الله إليه، فقرئت عليه، فأسلم، وأرسل إلى رسول الله أنّي أسلمت، فأذن لي في إتيانك، فأرسل إليه أن وار وجهك، فإنّي لا أستطيع أن أملأ عيني من قاتل عمّي حمزة. ¬
{ذلِكَ:} إشارة إلى جميع ما تقدّم، أو إلى الإشراك، أو إلى فعل شيء متقدّم على سبيل الاستحلال. {أَثاماً:} جزاء الإثم، يقال: أثمه يأثمه إذا جازاه جزاء إثمه. (¬1) 70 - {يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ:} لها وجوه منها إنابته (¬2) الندامة مقام ما كانت الندامة منه، ومنها التوفيق للكفّارات والأعمال الصالحة، ومنها الابتلاء بالمصائب والمكاره الممحّصة للذنوب الموجبة للثواب، ومنها تقلب المباحات من أفعاله المقترنة بالكفر طاعات بعد التوبة كالأكل والشرب، ولهذا قال عليّ: بقية عمر المرء لا ثمن له، يصلح فيه ما أفسد، ويستدرك به ما فات. (¬3) 71 - {وَمَنْ تابَ وَعَمِلَ صالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ:} إنّما جزاء التوبة التوبة؛ لاتّصالها بزيادة وهي ذكر الله، كأنّه قيل: ومن يتب عن المعاصي فإنّما يتوب إلى الله. 72 - {الزُّورَ:} الشرك، عن الضحّاك، (¬4) وعن محمد بن الحنفية، (¬5) وأبي الجحاف (¬6). (¬7) (اللّغو): الغناء. (¬8) عن إبراهيم بن ميسرة (¬9): أنّ ابن مسعود مرّ بلهو فلم يقف عليه، فقال رسول الله: «لقد أصبح ابن مسعود كريما، إذا مشى كريما» (¬10)، إذا لم يستقرّوا، ولم يصرّوا على تكذيبها. 73 - {صُمًّا وَعُمْياناً:} لأنّ الاستقرار غاية السقوط، وقضيته كالوجوب. 74 - {قُرَّةَ أَعْيُنٍ:} عبارة عن المرضيّ، وضدّه سخنة العين، وسخين العين. {وَاِجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً:} أي: وفّقنا للتقوى، وأتبعنا ذرّيّاتنا بالتقوى، وإنّما لم يقل ¬
لاعتبار كلّ واحد من الراعين، أو لاعتبار المصدر، أو لاعتبار كون الاسم مشتقّا من الفعل، كقوله: {إِنّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ} [الشعراء:16]. 75 - {الْغُرْفَةَ:} العلّيّة، وهي المنزل الرفيع. 77 - {يَعْبَؤُا:} يبالي، فكأنّه قيل: هل يبالي الله بكم؟ وهل يراعي جانبكم بإصلاح المعيشة، ورفع الآفات؟ {لَوْلا دُعاؤُكُمْ:} دعاء بعضكم (¬1) (245 و) يعني: المؤمنين. قال النبيّ عليه السّلام: «لولا رجال خشّع، وصبيان رضّع، وبهائم رتّع لصبّ عليكم العذاب صبّا». (¬2) وقيل: لولا دعاء بعضكم الذي ستدعون (¬3) في علم الله أنّه سيؤمن. وقيل: لولا دعاؤه إيّاكم إلى التوحيد على سبيل الوعظ والتمكين من الاختيار، قاله الفراء. (¬4) وقال القتيبي: معناه: ما يصنع الله بعذابكم لولا دعاؤكم من دونه شركاء. (¬5) {لِزاماً:} هلاكا، أو العذاب لازما، يعني: يوم بدر. أبيّ بن كعب، عنه عليه السّلام: «من قرأ الفرقان بعثه الله يوم القيامة وهو موقن أنّ الساعة آتية لا ريب فيها، و (¬6) دخل الجنّة بغير حساب». (¬7) ¬
سورة الشعراء
سورة الشعراء مكية. وعن ابن عباس: سوى أربع آيات من آخرها. (¬1) وهي مئتان (¬2) وسبع وعشرون آية، كوفيّ شاميّ ومدنيّ أوّل (¬3). (¬4) بسم الله الرّحمن الرّحيم 1 - {طسم:} قال ابن عباس: عمي على العلماء (¬5) علمه. (¬6) وعن قتادة (¬7) وأبي روق (¬8): اسم من أسماء القرآن. (¬9) وعن الأنماري: أنّه الظاهر المطلع على الغيوب، السميع الساتر للعيوب، المجيد بإعطاء السيوب (¬10). وقيل: هو «قسم بطول الله وسنائه وملكه». (¬11) وقيل: قسم بطور سينين ومكة وهي البلد الأمين. (¬12) وقيل: أيّها الطاهر السعيد المجيد. (¬13) 4 - {إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ:} الشرط والجزاء على لفظ الاستقبال، والمنسوخ على لفظ الماضي لاعتبار المعنى، إذ المعنى واحد في نحو قولك: إن أكرمتني أكرمك. {فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ:} وجوههم وأشرافهم، عن مجاهد. (¬14) وقال الفرّاء: الطوائف العصائب، من قولهم: رأيت الناس إلا فلانا عنقا (¬15). وقال الكسائي (¬16): هي الأعضاء التي ¬
عليها الرؤوس، وإنّما جمعت بخاضعين لاعتبار الأعناق، أو لمّا وصفت العقلاء وهو الخضوع للآيات، جمعت جمع العقلاء. (¬1) 7 - {كَرِيمٍ:} طيّب، يقال: نخلة كريمة (¬2)، وشاة كريمة. 8 - {ذلِكَ:} إشارة إلى القرآن، أو إلى الإنبات (¬3). {أَكْثَرُهُمْ:} أكثر المستمعين للذّكر (¬4)، أو المشاهدين المذكورين. 9 - ووصف الله بأنّه: {الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} للدعوة على سبيل الترهيب والترغيب. 11 - {أَلا يَتَّقُونَ:} (¬5) استفهام بمعنى الإنكار على المستفهم عن حالهم، كقوله: {أَوَلا يَعْلَمُونَ} [البقرة:77]. 13 - {فَأَرْسِلْ إِلى هارُونَ:} أيضا ليؤازرني ويعينني، والرسول يقع على الواحد والجماعة كالعدوّ. 18 - {نُرَبِّكَ} (¬6): ننمّيك ونصلحك. {وَلِيداً:} مولودا (¬7) وهو الطفل المربّى. وقال القتيبيّ: التليد: الذي ولد في بلاد العجم، ونشأ في بلاد العرب، والمولّد: الذي ولد في الإسلام. (¬8) وقال ابن شميل: هما واحد، وهو الذي ولد (245 ظ) عندك. (¬9) 19 - {وَأَنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ:} أي: كفران النعمة. 20 - {فَعَلْتُها إِذاً:} أي: يومئذ. {وَأَنَا مِنَ الضّالِّينَ:} الجاهلين، من الجهالة في شرائع دين الله، لا الجهالة في الله، ولا الجهالة في دين فرعون. 21 - {خِفْتُكُمْ:} أن تصيبوني بشرّ، ويكون سبب مكروه قضاء الله وقدره. ¬
22 - {وَتِلْكَ:} إشارة إلى تربيته وليدا؛ لأنّه لم يكن يربّي أولاد بني إسرائيل إلا لتعبيدهم وإذلالهم، وهو على وجه الاستفهام تقديره: أو تلك. {نِعْمَةٌ تَمُنُّها:} المنّ: تذكير المنعم نعمته، ولا يحسن ذلك إلا من الله تعالى؛ لأنّه هو المنعم على الحقيقة، وأما غيره إذا منّ على أحد فقد تحلّى بما ليس له، إذ هو سبب في تلك النعمة، والمنعم في الحقيقة هو الله. سمّاه به (¬1) للزومه جوابا واحدا مع تفنّن فرعون في السؤال، وإنّما فعل موسى ذلك ليقرّر (¬2) عندهم التسمية ويوقعها في قلوبهم بالمبالغة في التعريف. 28 - {إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ:} تعريض بأنّهم أولى بصفة الجنون منه؛ لأنّهم لم يكونوا يعقلون ما ينبّئهم عليه من المشاهدات من الأفاعيل الإلهية، فلمّا فرّ فرعون من الجدال إلى التهديد، قابله موسى بالبرهان العتيد. 32 - {ثُعْبانٌ:} حيّة بين الأفعوان والتنّين. 39 - {هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ:} استفهام بمعنى الأمر. 40 - {لَعَلَّنا نَتَّبِعُ (¬3)} السَّحَرَةَ: في طاعة فرعون نتّبع السحرة (¬4). 44 - {بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ:} قسم السحرة، وعزته: قلّة إذنه للناس أن يدخلوا عليه، واحتجابه عنهم. 50 - {لا ضَيْرَ:} لا بأس. 54 - {لَشِرْذِمَةٌ:} لقطعة وفرقة، وثوب شراذم، أي: مقطع قطعا. ووجه الجمع بالقليلين حسن وصف كلّ بعض من أبعاض الجملة بالقليل. 55 - {لَغائِظُونَ:} لمغضبون (¬5). 56 - {حاذِرُونَ} (¬6): مخلوقون على صفة الحذر، والحاذر: حامل السلاح والذي يحذر في الحال. 60 - {مُشْرِقِينَ:} مصبحين. ¬
62 - {كَلاّ:} ردّ لكلام قومهم: {إِنّا لَمُدْرَكُونَ} (¬1) [الشعراء:61]. {سَيَهْدِينِ:} إلى طريق النجاة. 63 - {فَانْفَلَقَ:} فانشقّ. {كَالطَّوْدِ:} كالجبل. 64 - {وَأَزْلَفْنا:} قرّبنا. {ثَمَّ:} إشارة إلى بقعة يتوهمها المقصوص عليه ضرورة. 77 - {إِلاّ رَبَّ الْعالَمِينَ:} استثناء متصل على اعتبار الظاهر وهو المجاز، أو منقطع على اعتبار الناظر وهو الحقيقة. 80 و81 - وقوله: {وَإِذا مَرِضْتُ:} فيه أدب حسن حيث لم يقل: والذي يمرّضني (¬2)، وليس كذلك {وَالَّذِي يُمِيتُنِي؛} لأنّ الإماتة قد تكون إراحة، وقد تكون إبادا. 84 - {لِسانَ صِدْقٍ:} هو الذّكر الجميل، وإنّما تمنّى ذلك ليؤمنوا به، فيسعدوا، ويصلوا عليه، فيزاد بصلاتهم خيرا ورحمة. 88 - {يَوْمَ لا يَنْفَعُ:} أي: لا ينفع المال والبنون أحدا، والاستثناء يدلّ على هذا المضمر. (246 و) 89 - {بِقَلْبٍ سَلِيمٍ:} مخلص ليس فيه مرض الكفر والنفاق، ويسمّى المسلم الذي فيه بلاهة: سليم القلب؛ لبعده عن الجدال والشقاق والخبث وسوء الأخلاق، وإنّما ينفع سليم القلب وبنوه ليصرف ماله إلى الصدقات والقربات، وكون أولاده تابعين له بإيمان داعين له بخير. 90 - {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ:} عطف على يوم، وهو {يَوْمَ لا يَنْفَعُ} [الشعراء:88]، ويجوز أن يكون استئنافا بتقدير يومئذ، أي: وأزلفت الجنّة يومئذ. 94 - {فَكُبْكِبُوا:} فكبّوا على الوجوه، وتكرار الحرف للمبالغة كالذبذبة والحثحثة. 101 - {وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ:} خليل خاصّ، وحامّة الرجل خاصّته. 102 - {فَلَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً:} جواب لو (¬3) مضمر، وتقديره: فنكون لكنّا مفلحين، والكرّة: الرجعة. ¬
103 - و {ذلِكَ:} إشارة إلى القرآن، أو إلى شأن إبراهيم عليه السّلام. 105 - {قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ:} إنكارهم رسالة رسولهم المرسل إليهم تكذيب للجميع (¬1)، فإنّ سائر المرسلين يشهدون لا محالة برسالته، وهم ينكرونها، فهم مخالفون مكذّبون بهم أجمعين. 106 - {أَخُوهُمْ:} للتنبيه، أو لطول المجاورة. 107 - {رَسُولٌ أَمِينٌ:} مأمون (¬2) في نفسه بصفات يستحقّ بها أن يؤتمن من الأمارات الدالّة على صدقه، والبراهين الموجبة لدعواه. 112 - {بِما كانُوا يَعْمَلُونَ:} فيما مضى من أعمارهم قبل الإسلام والتوبة. ويحتمل: أنّ لفظة {كانُوا} صلة، أي: بما (¬3) يعملون. 119 - {فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ:} المملوء. 121 - و {ذلِكَ:} إشارة إلى القرآن، أو إلى شأن نوح عليه السّلام. 128 - {رِيعٍ:} طريق مشرف، قال إبراهيم (¬4). وقيل: ما ارتفع من الأرض. (¬5) 129 - {مَصانِعَ:} جمع مصنع، وهو البناء المحكمة صنعته بتشييد الحجارة والتجصيص ونحوهما، يتّخذ للماء وغيره. 130 - {بَطَشْتُمْ:} أخذتم على سبيل القهر (¬6). 132 - {أَمَدَّكُمْ بِما تَعْلَمُونَ:} هو إلزام حجة، فإنّ التذكير لو وقع بإمدادهم بالهواء الذي فيه يتنفّسون، وأمّا بالقوى (¬7) التي بها يتحرّكون، وبالحرّ والبرد اللذين بهما يتنعّمون، وبالليل والنهار اللذين فيهما يتقلّبون لما كادوا يفهمون. 137 - {إِنْ هذا:} إن كان إشارة إلى رسومهم وعاداتهم، فهو كقولهم: {وَجَدْنا آباءَنا كَذلِكَ يَفْعَلُونَ} وإن كان إشارة إلى قول هود عليه السّلام، فهو كقولهم: {إِنْ} ¬
{هذا إِلاّ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ} [الأنعام:25]. 139 - و {ذلِكَ:} إشارة إلى القرآن، أو إلى شأن هود عليه السّلام. 146 - {أَتُتْرَكُونَ:} إنذار بعذاب الله إن لم يؤمنوا، أو تزهيد (¬1) في الدنيا (¬2) والآخرة. 148 - {طَلْعُها:} طلع النخلة كفراها (¬3)، وهو أوّل (¬4) ما يبدو من ثمرها. {هَضِيمٌ:} منضمّ لم يتقشّر عنه جلده، يقال: أهضم الكشحين. وقيل: الذي يتهشهش. (¬5) 158 - و {ذلِكَ:} إشارة إلى القرآن، أو إلى شأن صالح عليه السّلام. 168 - {مِنَ الْقالِينَ:} الكارهين الماقتين، قال الله: {ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى} [الضحى:3]، وفي حديث أبي الدرداء: «وجدت النّاس أخبر تقله» (¬6). 169 - {مِمّا يَعْمَلُونَ:} أي: من عموم عذاب ما يعملون. وقيل: نجني (¬7) من مشاهدة ما (¬8) يعملون. 174 - و {ذلِكَ:} إشارة إلى القرآن، أو إلى شأن لوط عليه السّلام. 184 - {الْجِبِلَّةَ:} الخلق. 192 - {وَإِنَّهُ:} أي: القرآن. 193 - {الرُّوحُ الْأَمِينُ:} جبريل عليه السّلام ائتمنه الله على تبليغ رسالاته، ولم يأتمنه الروافض، لعنهم الله. 196 - {وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ:} دليل على أنّ القرآن (246 ظ) هو هذا المعنى المنظوم المكتسى بلفظ موسوم، سواء كان عربيّا أو غير عربيّ، معجزا أو غير معجز، وإنّما أنزله ¬
الله في ألفاظ عربيّة، ليكون أبين للمخاطبين في عصر النزول، وإنّما جعله معجزا ليكون برهانا كاليد والعصا، وإبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى. 197 - {يَعْلَمَهُ عُلَماءُ بَنِي إِسْرائِيلَ:} لأنّهم وجدوه مصدّقا لما بين يديه من التوراة، وموعود على سبيل التعريض والتصريح. 198 - {بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ:} إن أراد الذين لا يحسنون تأدية حروف الهجاء، وإقامة الإعراب لآفة في ألسنتهم، فهو كقوله: {وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتى وَحَشَرْنا عَلَيْهِمْ} [الأنعام:111]، وإن أراد الأعجمين الذين لا يحسنون العربيّة والنطق بالحروف المختصّة بها، كالضاد وحروف الإطباق، فهو كقوله (¬1): {إِنَّما أُنْزِلَ الْكِتابُ عَلى طائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنا وَإِنْ كُنّا عَنْ دِراسَتِهِمْ لَغافِلِينَ} [الأنعام:156]. 207 - {ما أَغْنى:} نفي على سبيل الاستفهام والسؤال. 208 - {إِلاّ لَها مُنْذِرُونَ:} يدلّ على أنّ مشارق الأرض ومغاربها لم تخل من منذر وحجة لله (¬2) تعالى على خلقه إلى ختم النبوّة بمحمد عليه السّلام، وجعل دعوة الإسلام شائعة سابقة مستفيضة. 209 - {ذِكْرى:} في محلّ النصب، أي: منذرون (¬3) تذكرة، أو في محلّ الرفع بإضمار مبتدأ. 210 - {وَما تَنَزَّلَتْ بِهِ:} نفي الكهانة. 211 - {وَما يَنْبَغِي لَهُمْ} (¬4): في نفي استيهالهم (¬5) استغواء محمد عليه السّلام لطهارته وأمانته وعفّته وصدق لهجته. {وَما يَسْتَطِيعُونَ:} في نفي قدرتهم، وذلك لعصمة الله تعالى، وكونها حائلة بينه وبينهم. 212 - {إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ:} مصروفون بالرجم بالثواقب إذا أراد استراق السمع. ¬
214 - {عَشِيرَتَكَ:} عشيرة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولد عدنان (¬1)، ثمّ ولد مضر منهم، ثمّ خنذف أقرب، ثمّ الحمس، ثمّ قريش، ثمّ الأباطيح، ثمّ المطّلبيون، ثمّ بنو عبد مناف، ثمّ بنو هاشم لا أقرب منهم. وعن ابن عباس قال: لّما أنزل الله تعالى: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ} أتى رسول الله الصّفا، فصعد عليه، ثمّ نادى: يا صباحاه، فاجتمع الناس إليه، فبين رجل يجيء، وبين رجل يبعث رسوله، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: يا بني عبد المطلب، يا بني فهر، يا بني. . أرأيتم لو أخبرتكم أنّ خيلا بسفح هذا الجبل يريدون أن يغيروا عليكم مصدقيّ أنتم؟ قالوا: نعم، قال: فإنّي نذير لكم بين يدي عذاب شديد، فقال أبو لهب: تبّا لكم سائر اليوم، إنّما دعوتمونا لهذا؟ فنزلت: {تَبَّتْ يَدا (¬2)} أَبِي لَهَبٍ [المسد:1]. (¬3) 218 - {حِينَ تَقُومُ:} للصلاة، كقوله: {قُمِ اللَّيْلَ إِلاّ قَلِيلاً} [المزمل:2]، وقيامه للجهاد والجدال كقوله: {يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا} [الصف:4]، وقوله: {قُمْ فَأَنْذِرْ} [المدثر:2]، أو قيامه للدعاء والوعظ، كقوله: {وَتَرَكُوكَ قائِماً} [الجمعة:11]، وفائدة التنبيه على رؤية قيامه هي البشارة بأنّ سعيه مقبول. 219 - {وَتَقَلُّبَكَ فِي السّاجِدِينَ} أي: في جملة المصلّين معه من حال إلى حال، ومن ركن (¬4) إلى ركن، أو تقلّبه لمعاشه فيما بين المؤمنين بعد رجوعه عن مجاهدة (¬5) المشركين ومجادلتهم (247 و) وإنذارهم، وأراد حركاته في مدّة حياته، وأراد تقلّبه من صلب إلى صلب، وسجود آبائهم كسجود الظلال يصرفونها. 224 - {وَالشُّعَراءُ:} جمع شاعر، كعلماء وعالم. 225 - {فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ:} في كلّ فنّ من المدح والهجاء وغير ذلك. {يَهِيمُونَ:} يخوضون ولا يبالون، هام الرجل يهيم: إذا مضى على وجهه راكبا رأسه لا يثنيه شيء. ¬
227 - {إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا. . .:} الآية في معنى قوله: {لا يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ. . .} الآية [النساء:148]. روي أنّ عبد الله بن رواحة (¬1) وحسّان بن ثابت أتيا رسول الله حين نزلت: {وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ} [الشعراء:224]، فقال عليه السّلام وهو يقرؤها عليهم: {وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ} حتى إذا بلغ المقولة: {إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ} قال: أنتم، {وَذَكَرُوا اللهَ كَثِيراً} قال: أنتم، {وَاِنْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا} قال: أنتم (¬2). ¬
سورة النمل
سورة النمل مكيّة. (¬1) وهي خمس وتسعون آية في عدد أهل الحجاز. (¬2) بسم الله الرّحمن الرّحيم 8 - {مَنْ فِي النّارِ:} من في طلب النّار. وقيل: المراد به روح من أمر الله. (¬3) وفي مصحف عبد الله وأبيّ بن كعب: (بوركت النّار ومن حولها). (¬4) والعرب تقول: باركك الله، وبارك فيك، وبارك عليك. 9 - {يا مُوسى إِنَّهُ:} عائد إلى المنادى، أو إلى جاعل النّار في الشجرة. وقال الفراء: هو عماد. (¬5) 10 - {لَمْ يُعَقِّبْ:} أي: لم يكر (¬6) على ما (¬7) وراءه. قال شمر (¬8): كلّ راجع معقب. (¬9) وعن سفيان: «لم يمكث». (¬10) وفي الحديث: «من عقّب [في صلاة] فهو في صلاة» (¬11)، أي: من أقام بعد ما يفرع من الصلاة في مجلسه. {لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ:} نفى (¬12) الخوف عنهم على سبيل الإطلاق لزوال قدرتهم واختيارهم والاتجائهم (¬13) بروح الله تعالى وبنزول (¬14) الوحي عليهم، أو لاستيفائهم الكرامة، وإرادة الخير كأهل الجنّة في الجنّة. ويحتمل: نفي الخوف عنهم على سبيل التقييد، أي: ¬
لا يهابون في مراقبته شيئا من مخلوقاته. 11 - {إِلاّ مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً:} استثناء متصل، من المستثنيين آدم عليه السّلام. وقيل: الاستثناء متصل (¬1)، والمراد بالظلم الخوف نفسه لا غير. وقيل: استثناء منقطع، والمراد به الأنبياء عليهم السّلام. (¬2) وفائدة اللفظ تنبيه موسى عليه السّلام على الاستغفار من خطيئته. 12 - {جَيْبِكَ:} وهو الشقّ في القميص يخرج الإنسان منه (¬3) رأسه. 14 - {وَجَحَدُوا:} والجحود ضدّ الإقرار، والتقدير: وجحدوا بها ظلما وعلوّا. {وَاِسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ:} عرفتها وتيقّنت بكونها معجزة الإلهية، ألا ترى قالوا: {اُدْعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِنْدَكَ} [الأعراف:134]. 16 - {وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ:} قيل: كان لداود عليه السّلام تسعة عشر ابنا، فلم يرته إلا سليمان عليه السّلام. (¬4) {مَنْطِقَ الطَّيْرِ:} أخص من القول، وأعمّ من التّكلّم، فظاهر الاستعمال؛ لأنّ القول يوصف به الجماد، والنطق لا يوصف به إلا ذوات الأرواح، والتكلّم لا يوصف به إلا القادر على تضمينه مقولة حروف التهجّي. 17 - {يُوزَعُونَ:} يحبسون، (247 ظ) يحبس أوّلهم على آخرهم لئلا ينقطع بعضهم عن بعض. (¬5) وقيل: فهم يحبسون في طاعته، أي: يسخّرون له. 18 - {وادِ النَّمْلِ:} كان معروفا في ذلك الزمان، أو ذكره معروفا (¬6) فيما بين العرب؛ لأنّ الله تعالى سلّط النمل على كثير من الأمم، فجلاهم عن ديارهم، وإنّما خاطبت خطاب [العقلاء] (¬7) لتكليفها إياهن تكليف العقلاء. (مساكنهم): قراهنّ وحجرهنّ. {لا يَحْطِمَنَّكُمْ:} لا يكسّرنّكم. ¬
{وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ:} تمهيد لعذر سليمان وجنوده، أو تحقيق (¬1) للإنذار كي لا تقول واحدة: لا تظلمنا، وهو نهر، أو تقبيح لتركهنّ الحذر، فإنّ (¬2) من تعرض لسهم غرب (¬3) كان أجهل وأشدّ لوما ممّن (¬4) تعرّض لمتعهّد القتال. وعن الشعبيّ: أنّ النملة التي فقّه سليمان عليه السّلام كلامها كانت ذات جناحين. (¬5) 19 - {فَتَبَسَّمَ:} أظهر الضّواحك من الأسنان فرحا للشّكر على تفهيم الله إيّاه كلام النملة، أو على إلهام الله النملة عذر سليمان، أو لتعجيبه على قضيّة الطبيعة. {أَوْزِعْنِي:} ألهمني واجعلني مولعا بشكرك وبالعمل (¬6) الصالح. وفي الحديث (¬7): «كان موزعا بالسّواك» (¬8)، أي: مولعا به. 20 - {وَتَفَقَّدَ:} طلب المفقود، يجوز أن يكون مترتّبا على مقدار، أي: صرف (¬9) عن رؤيته. {أَمْ كانَ مِنَ الْغائِبِينَ:} وقيل: أم بمعنى الاستفهام (¬10). وقيل: بمعنى بل. (¬11). وفي الآية دليل على وجوب (¬12) التفقّد والتيقّظ على الإمام والرئيس. والهدهد: جنس من الطير ملوّن في حجم الصّلصّلة، له عرف ورائحة منتنة، وكان الهدهد معجزة لسليمان كغراب نوح، وصرد إبراهيم، (¬13) وحمار عزير (¬14). روى الشعبيّ عن عبد الله بن سلام قال: أعطي سليمان عليه السّلام من عظيم الملك ما ¬
كان يخبز له في مطبخه كلّ يوم ستّ مئة كرّ (¬1) حنطة، ويذبح له كلّ غداة ستة آلاف ثور، وعشرون ألف شاة، فكان يطعم الناس، ويجلس معه على مائدته خاصّة اليتامى والمساكين وأبناء (¬2) السبيل، ويقول: مسكين بين مساكين، قال: ولّما فرع سليمان من بناء بيت المقدس ومسجدها، تجهّز فسار تحمله وجنوده الريح، وتظلّهم الطير، فوغل في البادية حتّى جعل وراءه أرض تهامة، ووافى الحرم، فذبح للبيت طول مقامه بمكة كلّ يوم خمسة آلاف ناقة، وخمسة آلاف ثور، وعشرين ألف شاة، وقال لمن حوله من أشراف قومه: إنّ هذا مكان (¬3) يخرج منه نبيّ عربيّ، صفته كذا وكذا يعطى النصر على جميع من ناوأه، ويكون سيفه سطوة على من خالفه، وتبلغ هيبته مسيرة شهر، القريب والبعيد عنده في الحقّ سواء، لا تأخذه في الله لومة لائم، ثمّ قالوا: فبأيّ دين يخرج؟ قال: بدين الحنيفية، فطوبى لمن أدركه وآمن به وصدّقه، قالوا: وكم بيننا وبينه؟ قال: زهاء ألف عام، فليبلّغ الشاهد منكم الغائب، فإنّه سيّد الأنبياء وخاتم الرسل، وإنّ اسمه لمكتوب (248 و) في زبر الأنبياء الماضين عليهم السّلام. فأقام بمكة أيّاما حتى قضى حجّه، ثمّ سار نحو أرض اليمن يوم نجم سهيل، فخرج من مكة صباحا، فوافى أرض صنعاء وقت الزوال، وذلك مسيرة شهر، فتفقّد الطير التي كانت تظلّه، وجمع من كان معه من أصحابه، فرأى مكان الهدهد خاليا ليس فيه الهدهد، فقال (¬4): {ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ. . .} إلى آخر الآيتين، قال: وكان تعذيبه الطير نتفه ريشه لئلا يقدر على الطيران، وكانت قصّة الهدهد أنّه نظر إلى هدهد ساقطا على شجرة، فانقضّ نحوه ليسأله عن خبر تلك الأرض، فقال له: أيّة أرض هذه؟ قال: هذه أرض سبأ، قال: فمن هذا الملك الذي سخّر له ما أرى من الريح والشياطين والطير؟ فإنّي لم أر من الناس أعطي مثل ما أعطي هذا؟ قال: هذا سليمان بن داود عليهما السّلام، قال: وإنّه لهو؟ قال: نعم، قال: فأين هو من ملكة هذه الأرض؟ قال هدهد سليمان (¬5): ومن هي؟ قال: بلقيس بنت الهدهاد (¬6) الحميريّة، فإنّها أعطيت من الملك والسلطان ما لم يعط أحد ممّن مضى من ملوك هذه الأرض، قال: فانطلق حتى ترينيها، فانطلق معه، فأراها (¬7) إيّاها، وهي في قصر لها بصنعاء، أمرت ببنائه على رؤوس الأساطين من الرخام، كلّ أسطوانة طولها خمسون ذراعا قد نصبت فوق، وحملتها خمس مئة، وبين كلّ اسطوانتين عشرة أذرع، وعليها ¬
سقف من ألواح الرخام، ألحم (¬1) بعضها إلى بعض بالرصاص، والقصر فوق ذلك السقف الذي (¬2) فيه مجالس مطلية بالذهب والفضّة، مفضضة بألوان الجواهر، وللقصر شرف مطلية بماء الذهب الأحمر (¬3)، مفضضة بألوان الجواهر، وباب القصر ممّا يلي المدينة، وله درج من الرخام الأبيض والأخضر والأحمر، وكانت الشمس إذا طلعت على ذلك القصر التهب ذلك الذهب وتلك الجواهر كالتهاب النيران، تكاد تغشى العيون، وتحار منها الأبصار، وبني لها في أسفل التلّ من قرار الأرض حائط بالصخور المنحوتة حتى ارتفع ذلك الحائط إلى دروة التلّ، فكان ارتفاع باب القصر من القرار مئة ذراع، وبني حول التلّ قصر مشيد مقطّع بالحجر، ولكلّ قصر (¬4) باب يشرع إلى التلّ، يسكن فيها أحراسها وخدمها، فكان إذا دخل عليها قوّادها ورؤساء أهل مملكتها من وراء حجاب، فإذا حزبها أمر أو حرب اسفرت لهم عن وجهها، وكان لها أربعة وعشرون قائدا، تحت كلّ قائد ثلاثون ألف رجل، وكان اثنان (¬5) وعشرون وزيرا، فقالت لوزرائها: ما كان يعبد آبائي الماضين؟ قالوا: كانوا يعبدون إله السماء، قالت: وأين هو؟ قالوا: في السماء، وعلمه في جميع الأرض، فقالت: كيف أعبده وأنا لا أراه؟ ولست أعرف شيئا (248 ظ) أنور من الشمس فهي أولى بالعبادة، ثم عبدت الشمس من دون الله، وحملت قومها على عبادتها، فكانوا يسجدون لها إذا طلعت وإذا غربت، فانصرف الهدهد إلى سليمان عليه السّلام، فأخبره بأمرها، فكتب إليها: بسم الله الرحمن الرحيم ألا تعلوا علي وأتوني مسلمين، فحمل الهدهد الكتاب، وأقبل به حتى دخل عليها وهي في مجلسها بينها وبين قومها ستارة تكلّمهم من ورائها، فكان دخوله عليها من كوّة في جدار ذلك المجلس، فقذف الكتاب في حجرها، ففزعت منه، فلمّا قرأته قالت (¬6) للهدهد: من أرسلك بهذا الكتاب؟ قال: أرسلني نبيّ الله سليمان بن داود عليهما السلام، قالت: وأين هو؟ قال: معسكر بجنوده من الجنّ والإنس والطير على تخوم أرضك، فعندها قالت: {يا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي} [النمل:32] إلى قوله: {فَناظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ} [النمل:35]، فأهدت (¬7) سليمان ألفي فرس مجلّلة بالحرير، وألف وصيف، وألف وصيفة، وركبوا تلك الخيول، منها ألف فرس ذكور وعليها الوصفاء، وألف إناث وعليهن الوصائف، مسوّرين بإسورة الذهب، مكلّلين بالتيجان، وأرسلت ¬
إليه بحقّ مصمت لا ثقب فيه، وفي جوفها مئة ياقوتة، فانبرت للحقّ دودة تكون اليوم في الخشب فثقبته بأسنانها، وذلك أنّها قالت للرسل: سلوه أن يثقبه بغير حديد، وأهدت إليه درّة على عظم البيضة لم يكن في ذلك العصر مثلها، وكانت غير مثقوبة، فقالت للرسل (¬1): سلوه أن يثقبها بغير حديد، فانبرت دودة حمراء تكون في الماء، فقالت: يا نبي الله، أنا أثقبها على أن تسأل الله أن يجعل رزقي في الماء، قال: ذلك لك، فثقبتها بأسنانها، وأرسلت إليه بدرّة لها ثقب معوج، وقالت للرسل: سلوه أن يدخل في الثقب خيطا، فانبرت دودة فقالت: أنا أدخل فيها خيطا على أن تسأل الله أن يجعل رزقي في الفواكه، قال: ذلك لك، فلوت خيطا على رأسها، ودخلت في ذلك الذي في الدرّة تتخلّل حتى خرجت من الجانب الآخر، فلما أتته الهدية قال: {أَتُمِدُّونَنِ بِمالٍ. . .} [النمل:36] إلى قوله: {وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْها أَذِلَّةً وَهُمْ صاغِرُونَ} [النمل:37]، فلما ردّ عليها الهدية (¬2) عزمت على إتيانه وقالت لقومها (¬3): إنّي صائرة إليه، وممتحنة إيّاه بمسائل، فإن أصابها فهو نبيّ، ولا طاقة لنا به، وإن كان ملكا عزمنا على محاربته، فسارت إليه في مئة وعشرين رجلا من عظماء قومها، ومع كلّ واحد منهم مئة رجل من حشمه وغلمانه، وبلغ سليمان توجّهها إليه، فعند ذلك قال: {أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِها} [النمل:38]. قال الشعبي: فسألت ابن عباس رضي الله عنه عن الذي عنده علم الكتاب، قال: كان ذلك آصف، وكان يعرف اسم الله الأعظم، فقال سليمان: (249 و) {نَكِّرُوا لَها عَرْشَها} [النمل:41]، فجعلوا مكان الذهب فضة، ومكان الفضة ذهبا، وكذلك بدّلوا الجواهر، ونزلت بلقيس على علوة من معسكر سليمان عليه السّلام، ورأت ما أعطي سليمان من عظم الملك، فتقاصر إليها ملكها، وأقامت ثلاثة أيّام لا تبرح مكانها، فقال لها قومها: ألا تأتين هذا الملك فتنظري ما عنده؟ قالت: أنا صائرة إليه اليوم لأعرف كنه أمره، قالوا: وبم تعرفين ذلك؟ قالت: إنّ الملوك لا يجلس إليهم إلا بإذنهم، فإن أمرني بالجلوس إليه فإنّه ملك، وأمره هيّن، وإن لم يأمرني بالجلوس إليه، ولم ينهني عن القيام فهو نبيّ، ولا طاقة لي به، وسأمتحنه بثلاث مسائل، فإن أصابهنّ لم أشك في نبوّته، وإن لم يصبهنّ علمت أنّه ملك صاحب دولة، وإنّ سليمان عليه السّلام أمر الجنّ فبنوا عن يمين مجلسه وشماله رواقا بلبن الذهب، مفروشا به، وتركوا من فرشه موضع لبنة، ثم أقبلت ومعها خادم لها على عنقه لبنة من ذهب لتجلس بلقيس عليها، فلمّا دخلت الرّواق فأبصرت ما أبصرت، ونظرت إلى موضع اللّبنة التي ليست بمكانها، كرهت أن ¬
يظنّ القوم أنّ اللبنة المنزوعة التي هي معها، وأمرت الخادم بوضع اللّبنة التي كانت معها في ذلك الموضع، فاستوى فرش الرحبة بتلك اللّبنة، ثمّ وقفت أمام (¬1) سليمان، فحيّته بتحية الملوك، وقامت ساعة لا يأمرها بالجلوس، ولا ينهاها عن القيام، ثم رفع طرفه إليها، وقال: يا هذه، إنّ الأرض بساط الله، وإنّ العباد عباد الله، فمن شاء فليقم، ومن شاء فليقعد، فقعدت أمامه على كرسيّ من ذهب، والإنس على يمين سليمان والجنّ على شماله، ما يلفظ أحد منهم بكلمة، ونظرت إلى عرشها، فأنكرته، فقيل لها: {أَهكَذا عَرْشُكِ قالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ} [النمل:42]، فقال لها سليمان: أمة الله، أدعوك إلى توحيد الله وتعظيمه، وخلع ما تعبدين من دونه ليكون لك ما لنا وعليك ما علينا، فإن أبيت فأذني بحرب من الله ورسوله، ولن تعجزيهما، فقالت: قد فهمت مقالتك أيّها الملك، ولست أعرف كنه (¬2) أمرك أنك نبيّ أم ملك؟ وإنّي سائلتك عن ثلاثة (¬3) أمور، فإن أخبرتني بها علمت أنك نبيّ، ودخلت في دينك، وإن لم تعرفها علمت أنك ملك ثم أنظر في محاربتك ومسالمتك، قال: سلي ما بدا لك لأخبرك بما يوحي إليّ فيه ربّي، قالت: أخبرني عن شبه الولد بأبيه وآخر بأمّه، وائتني بماء ليس من أرض ولا سماء (¬4)، وصف لي صفة ربّك لأعرفه؟ فقال: أما صفة الولد وشبهه فإنّ نطفة المرأة إذا سبقت نطفة الرجل أشبه الولد أمّه، (249 ظ) وإذا سبقت نطفة الرجل نطفة المرأة أشبه الولد أباه، وأمّا الذي سألت أن ليس من أرض ولا سماء، فإنّي آتيك به الساعة، فأمر رضّة (¬5) الخيل، فأجروا الخيل حتى عرقت، فملؤوا من ذلك العرق قلّة، فأتوها بها، فأمّا الثالثة، قالت: فأخبرني عن المسألة، قال: حتى يوحى إليّ فيها، فأوحى الله تعالى إليه أنّي قد أنسيتها المسألة الثالثة، فقل لها: ما كانت مسألتك الثالثة؟ قالت: ما سألتك غير هاتين المسألتين، وقد أجبت عنهما، وأنا ناظرة يومي هذا في أمري، وعادية (¬6) عليك غدا بما أرى (¬7)، ثم قامت فيمن كان معها من عظماء قومها، فانصرفت إلى معسكرها، فجمعت إليها من كان معها فقالت: إنّ هذا الرجل نبيّ مكرّم، فما الذي ترون؟ قالوا: أنت أفضلنا رأيا، فافعلي (¬8) ما بدا لك وفيه صلاحك وصلاح قومك، قالت: قد رأيت أن أسأله وأدخل في طاعته؛ لئلا يستبيح بلدتي، ولا يسبي الذراري، ولا يقتل ¬
المقاتلين، قالوا: الرأي ما رأيت، قالوا (¬1): ثم إنّ الجنّ الذي كانوا مع سليمان كرهوا أن يتزوجها سليمان؛ لأنّها كانت منتسبة من جهة أمها إلى الجنّ، واحتالوا وقالوا لسليمان: يا نبيّ الله، إنّ هذه المرأة من جنيّة، وإنّ الجنيّة لم تلد إنسيّة [إلا] (¬2) وكان قدم الولد كحافر الحمار، فأمر سليمان الجنّ فاتخذوا أمام مجلسه صرحا من قوارير تحته الماء، وفي الماء (¬3) سمك، ففعلوا ذلك، واعتذروا إلى سليمان ممّا قالوا في بلقيس، وأقرّوا أنّهم كذبوا عليها، فأعجب سليمان ذلك الصرح، وقال لهم: أحسنتم قد عفوتكم عمّا قلتم، فلا تعودوا إلى مثله، قال: وأقبلت بلقيس حتى قربت من الصرح، وسليمان قاعد من ذلك الجانب من الصرح، فنظرت إليه وقالت لقومها: هذا الرجل إنّما دعانا ليغرقنا في هذه اللّجة، فقال لها قومها: مرينا بأمرك فإنّا لا نبالي أفي الماء غرقنا أم بالسيوف قتلنا؟ ثم سلّ القوم سيوفهم، فقال آصف لبعض العفاريت: صح بهم صيحة، فصاح بهم ذلك العفريت، فخرّوا على وجوههم، ثمّ وثبوا وهم فزعون، قال: وتقدمت بلقيس إلى الصرح لتعبر، وهي تظنّ أنّه ماء جار، قال الله تعالى: {فَلَمّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَ (4) كَشَفَتْ عَنْ ساقَيْها} [النمل:44] لتخوضه، ونظر إلى قدميها، فإذا هما أحسن قدم تكون على امرأة، فأمر مناديا فناداها: أن غطّ (¬4) ساقيك، فإنّه صرح ممرد من قوارير، فاستحيت (¬5) بلقيس، وأرسلت ثوبها على ساقيها، ثم قالت: {رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمانَ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ} [النمل:44]، وأقبلت حتى جلست على كرسي أمام سرير سليمان، وقالت: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وحملت الريح صوتها إلى قومها، قالوا بأجمعهم: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، قال: ونظر سليمان إليها وتأمّلها لحسنها وجمالها فقال لها: ويحك يا بلقيس، (250 و) أفنيت شبابك في عبادة الشمس من دون الله، قالت: يا نبيّ الله، دع ما مضى، فالآن قد دخلت في دينك، وقلت بمقالتك، وشهدت بشهادتك غير أنّي أرى خاتمك (¬6) منوقشا بلا حفر ولا كتابة، فما الذي على خاتمك؟ قال سليمان عليه السلام: لا إله إلا الله محمد رسول الله، قالت بلقيس: من محمد؟ قال سليمان: محمد رسول الله يكون في آخر الزمان، قالت بلقيس: فلم صار اسمه على خاتمك دون اسمك؟ فقال: لأنّه أكرم على الله منّي، ¬
ولن ينفعك الإيمان، ولن يقبل الله منك صرفا ولا عدلا حتى تؤمني بمحمد صلّى الله عليه وسلّم فآمنت بلقيس ومن معها بنبيّنا محمد عليه السّلام من قبل أن يولد بدهر طويل، قال: وهمّ سليمان بتزوجها، وكره ما رأى من تلك الشعر، وعرفت ذلك منه، فقالت: يا نبيّ الله، إنّ الرمانة لا تدري ما طعمها حتى تكسر، فقال سليمان: ما لا يحلو في العين لا يحلو في القلب، فقال بعضهم من نصحاء سليمان من الجنّ: يا نبيّ الله، هل كرهت منها إلا هذا الشعر، أنا أحتال لها حتى تكون كالفضّة البيضاء، قال: دونك، فعمل لها عند ذلك النورة، فتنوّرت، فخرجت بيضاء نقيّة، وكان ذلك أوّل ما اتّخذت النورة، فأمّا الحمامات فقد كانت قبل ذلك بزمان ودهر طويل في ملك جم بن نونجهان (¬1)، وكان قد سخّر له الجنّ والشياطين، ولم يسخّر له الريح والطير، قال: فتزوج بها سليمان ووقعت من قلبه موضع محبّته، فأقرّها على ملكها، وأمر الجنّ فابتنوا له بأرض اليمن ثلاثة (¬2) حصون لم ير الناس مثلها ارتفاعا وحسنا ومجالس وقبابا، ما نظر من الخلق في سالف الدهر إلى مثلها، قال: وجعلوا لهذه البنيان وهذه (¬3) القباب أبوابا من ألوان الجواهر، واتخذوا بين تلك (¬4) الأبينة نخيلا وأشجارا وكروما من الذهب والفضّة، ثمرها الزبرجد والياقوت، قال: ونظرت بلقيس إلى ذلك البنيان، فبقيت متحيّرة لا تقدر على الكلام ساعة، ثم قالت: إنّ هذه القدرة لقدرة جبار عظيم لا تدركه (¬5) العيون، ولا تصفه الألسن، ولكنّه له الملك والقدرة والسلطان، لا تدركه الأبصار، ولا تحيط به الأفكار والأقطار، ثم أقبلت على سليمان، فقالت: يا نبيّ الله، أشهد لقد فضّلك (¬6) ربّ السماء والأرض على جميع خلقه فضيلة لا يطفأ نورها، ولا يبيد ذكرها آخر الأبد، ولن أصلح إلا لمثلك، وكان أسامي ما كانت تتولاه بأرض اليمن: سليجين وبينون و (¬7) غمدان، فكان سليمان عليه السّلام يزورها في كلّ شهر مرّة، فيقيم عندها ثلاثا، ثم يتنكّر فيمشي بالشام. قال الشعبي: وحكي لنا أنّ بلقيس رضي الله عنها لم تجلس على سرير الملك بعد إيمانها بالله، ولا لبست حريرا ولا ديباجا، ولا تحلّت بالذهب، وكانت تقول: حسبي من الحسن والجمال والنور (250 ظ) والبهاء توحيدي وإسلامي وإيماني بربي وسجودي له، وحسبي من الفخر تزويجي لسليمان نبيّ الله ورسوله، لا جلست إلا مثل ¬
جلوس سليمان، ولا أكلت إلا مثل أكله، ولا لبست إلا مثل لباسه، ولا نظرت [إلى] (¬1) السماء حياء من ربّي إذ عبدت الشمس من دونه، قال: وكانت كذلك حتى قرأت التوراة والإنجيل (¬2)، وكانت مع ذلك لا تفتر من القنوت والسجود في الليل والنهار. 21 - وفي قوله: {لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً} دليل على كون (¬3) ذلك الهدهد عاقلا مخاطبا مكلّفا. (¬4) وفي قوله: {لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ} دليل وجوب قبول العذر على الإمام والرئيس. (¬5) وعن فروة بن مسيك المرادي (¬6) قال: أتيت (¬7) النبي عليه السّلام، فقلت: يا رسول الله، ألا أقاتل من أدبر من أهل اليمن بمن (¬8) أقبل منهم، فأذن لي في قتالهم، فأمّرني عليهم، فلمّا خرجت من عنده سأل عنّي ما سأل الغطيفي؟ فأخبر أنّي قد سرت، فأرسل في إثري، فردّني، فأتيته وهو في نفر من أصحابه فقال: «ادع القوم، فمن أسلم فاقبل، ومن لم يسلم فلا تعجل حتى أحدث لك»، قال: وأنزل في سبأ ما نزل، فقال رجل: يا رسول الله، وما سبأ أرض أم امرأة؟ قال: «ليس بأرض ولا امرأة، ولكنّه رجل ولد عشرة من العرب، فتيامن منهم ستة، وتشاءم منهم أربعة، فأمّا الذين تشاءموا: فلخم وجذام وغسان وعاملة، وأما الذين تيامنوا: فالأزد والأشعريون (¬9) وحمير وكندة ومذحج وأنمار»، فقال رجل: يا رسول الله، وما أنمار؟ قال: «الذين منهم خثعم وبجيلة». قال أبو عيسى هذا حديث حسن غريب (¬10). وروي عن النبيّ نحوه. وقوله: «منهم خثعم وبجيلة» يحتمل: النسبة (¬11) الحقيقية، ويحتمل: الموالاة، كما في قوله: «سلمان منّا أهل البيت (¬12)»، و (¬13) يحتمل: أن يكون وحيا، ¬
ويحتمل: أن يكون (¬1) مسموعا على سبيل الاستفاضة. 22 - وقوله: {أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ:} لأنّ سليمان عليه السّلام كان مصروفا عنه فيما (¬2)، والصّرفة حقّ كاحتباس بني إسرائيل في التيه، وكونهم مصروفين عمّا حواليه أربعين سنة. 25 - {الْخَبْءَ:} المخبوء، وهو المستور. وفائدته أن عبدة الشمس إنما يعبدونها لتبيينها المحسوسات، وإظهارها المستورات، والله تعالى هو المبيّن لكل محسوس ومعقول، فعبادته أولى. وعن معدان بن طلحة (¬3) قال: لقيت ثوبان (¬4) مولى رسول الله فقلت له: دلني على عمل ينفعني الله به، أو يدخلني الجنة، فسكت عني ثلاثا، ثم التفت إليّ فقال (¬5): عليك بالسجود، فإني سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «ما من عبد يسجد لله سجدة إلا رفعه الله بها درجة، وحطّ عنه بها خطيئة» قال: معدان: فلقيت أبا الدرداء فسألته عما سألته ثوبان، فقال: عليك بالسجود، فإني سمعت رسول الله عليه السّلام يقول: «ما من عبد يسجد لله سجدة إلا رفعه الله بها درجة، وحط عنه بها خطيئة». (¬6) 27 - {سَنَنْظُرُ:} سنمتحن ونختبر. 28 - {ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ} أي: اعتزلهم وتنحّ عنهم. وقيل: ما فيه تقديم (¬7) وتأخير. {فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ}. . . {فَانْظُرْ ماذا يَرْجِعُونَ:} (251 و) عن ابن العباس، عن النبيّ عليه السّلام قال: «كرامة الكتاب ختمه». (¬8) 32 - وفي قوله: {أَفْتُونِي فِي أَمْرِي} دليل على حسن المشاورة. وقولها: {ما كُنْتُ قاطِعَةً أَمْراً} أي: ممضية حكما. ¬
33 - وفي قولهم: {نَحْنُ أُولُوا قُوَّةٍ} دليل على حسن إظهار الجند بأسهم. وفي قولهم: {وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ} دليل على حسن طاعة الرعيّة للإمام. 34 - وفي قولها: {إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً} دليل (¬1) على وجود (¬2) حسن النظر في عواقب الأمور، وتركهم قضية السّورة (¬3) والفورة. {وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ:} يجوز أن يكون الكلام من بلقيس على سبيل التأكيد. ويجوز أن يكون كلاما مبتدأ من جهة الله على سبيل التصديق. وعن بعض الملوك: أنّها احتجّ بها على بعض النّسّاك فقال: اقرأ الآية التاسعة عشرة (¬4) من هذه: {فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خاوِيَةً بِما ظَلَمُوا} [النمل:52]. 35 - ففي قوله: {وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ:} أدلّة على صحة امتحان رجال الآخرة ورجال الدنيا بالدنيا. 37 - {لا قِبَلَ لَهُمْ بِها:} لا طاقة بها، ولا يقاتلونها بشدّة وبأس. 39 - {عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ:} نافر (¬5) قويّ مع خبث ودهاء، يقال: رجل عفر وعفريت. 41 - {نَكِّرُوا:} غيّروا، وإنّما يوجب نكره. وفائدة (¬6) الامتحان ظهور الفطنة وذكاء القريحة، فإنّ (¬7) من كان أخرق في معيشته وعاجلته، فأخلق به أن يكون أخرق في ديانته وآجلته، وليس يميّز السفيه بين البرهان والتمويه، وعلى هذا تأوّل الجاحظ (¬8) قوله: {وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى وَأَضَلُّ سَبِيلاً} [الإسراء:72] في كتاب المعاش والمعاد (¬9) غير أنّه فاسد؛ لأنّ من شغله الشعير عن الشعر، والآخرة عن الأولى، وأصبح متألّها لم يعرف ¬
قيم السلع في السوق، وله في التوحيد والفقه رتبة لا يدري مداها، ولا يبلغ أعلاها (¬1). 43 - {وَصَدَّها:} يعني: من شؤم إشراكها صدّها عن صواب القول. وقيل: صدّ سليمان. (¬2) وهذا خلاف الظّاهر. 44 - {الصَّرْحَ:} البناء العالي كالقصر. {مُمَرَّدٌ:} مملّس. وقيل: مطوّل. (¬3) {مِنْ قَوارِيرَ:} جمع قارورة، وهو الزجاج. ولو شاء سليمان عليه السّلام لاطّلع على ساقيها من غير هذه الكلفة لكن أمر بالاحتيال إكراما لها واحتراما إيّاها، وتنبيها لها على ما آتاه الله من البسطة والتمكين. وفي الآية دليل على جواز النظر إلى الأجنبية على نيّة النكاح. (¬4) 45 - {فَإِذا هُمْ فَرِيقانِ:} المؤمنون والكافرون. {يَخْتَصِمُونَ:} يختلفون في أمر صالح عليه السّلام. 46 - {لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ:} بنزول العذاب قبل أن تتمّ العاقبة المقدرة في الكتاب. 47 - {قالُوا اِطَّيَّرْنا بِكَ وَبِمَنْ (¬5)} مَعَكَ: كانوا يتطيرون بصالح والمؤمنين، ويسندون الأمراض والآفات إليهم لكراهتهم مكانهم، فأخبر صالح عليه السّلام: أنّ الشؤم من عند الله تعالى كما أنّ البركة من عنده، لا خير إلا خيره، ولا طيرة إلا طيره، ولا إله غيره، بل (¬6) ردّ عليهم، (251 ظ) أي: لستم تصابون بالشرّ من جهتنا. [{تُفْتَنُونَ}] (¬7): تختبرون بالشرّ لشقوتكم. 48 - {وَكانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ:} قدار وأصحابه من بني عمير. 49 - {أَهْلَهُ:} آله وهم المؤمنون. {ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ:} عصبة الكافر المتعصّب له، مثل أبي طالب. ¬
{مَهْلِكَ أَهْلِهِ:} مهلكه ومهلك أهله. 50 - {وَمَكَرُوا مَكْراً:} وقتلوا الناقة. {وَمَكَرْنا:} دمّرناهم. وقيل: مكرهم تقاسم هؤلاء التسعة رهط، ومكر الله إرسال الجبل عليهم، وهم في غار من الجبل. (¬1) قيل: هؤلاء التسعة غير قدار وأصحابه. 52 - {خاوِيَةً} (¬2): خالية. 54 - {وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ:} كونها مخالفة الناس (¬3) لفطرة الله تعالى. وقيل: إنّ بعضهم كان يأتي بعضا في الأندية. (¬4) 55 - {بَلْ:} للإضراب. 59 - (أم:) مترتبة على الاستفهام، وفي (ما) بعدها بمعنى بل. 60 - {حَدائِقَ:} جمع حديقة، وهي البستان الذي أحدق به البناء، والبناء الذي أحدقت به الأشجار. {ذاتَ بَهْجَةٍ:} حسن ونضارة. 61 - {الْأَرْضَ قَراراً:} موضع (¬5) قرار، كقوله: {وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ} [البقرة:36]. وقيل: وجعل الأرض مستقرّة، كقوله: {أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ} [النحل:15]. (¬6) 66 - {بَلِ اِدّارَكَ:} أم ادراك على سبيل الاستفهام، ثمّ الشكّ حقيقة حالهم، ثمّ العمى لنفي توهم الشك علما، فإن الشكّ جهل وليس بعلم. وقيل: هو كقوله: {ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ} [الدخان:49]، ثمّ الشكّ (¬7) والعمى. وقيل: أدرك علمهم في الآخرة إيمان أكثرهم بها على سبيل الإجمال، والشكّ شك بعضهم والعمى عمى، وبل للإضراب دون الاستدراك. وقيل: الكلام على ظاهره، والتناقض في أحوالهم المخبر عنها دون الخبر؛ لأنّهم أيقنوا بانتهاء أيّام الدنيا في أوّل فكرهم ونظرهم على سبيل البديهة التي هي من قضية الفطرة، ثمّ شكوا فيها ¬
لتمكينهم الشبهات من قلوبهم، ثمّ عموا عنها باتباع الشهوات بقوله: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصارَهُمْ كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ (¬1)} أَوَّلَ مَرَّةٍ [الأنعام:110]، وبل للإضراب. وقيل: أدرك علمهم في الآخرة حصل لهم بتواتر الأخبار والآيات النبويّة، يدلّ عليه قولهم: {لَقَدْ وُعِدْنا هذا نَحْنُ وَآباؤُنا مِنْ قَبْلُ} [النمل:68]، وشكّهم يشككهم على سبيل المكابرة، وعماهم اعتقادهم خلاف العلم الضروريّ باعتقاد السوفسطائية (¬2) في العالم، واعتقاد الروافض في القرآن. 72 - {رَدِفَ لَكُمْ:} أي: ردفكم، (¬3) واللام مقحمة كما في قوله: {وَيَبْغُونَها عِوَجاً} [الأعراف:45] (¬4). 74 - {تُكِنُّ:} تخفي. 76 - {يَخْتَلِفُونَ:} أي: بنو إسرائيل أنّه من سليمان أنه كان نبيا مرضيّا أم ملكا مقارفا للمعصية، وقد زكّاه الله وأثنى عليه. {إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى:} ولكنّ الله أسمعهم كلامه على سبيل التقريع وهم في قليب بدر. (¬5) 80 - {وَإِذا وَقَعَ الْقَوْلُ:} وجب العذاب الموعود عليهم، والضمير عائد إلى غاية المحجوجين المخالفين بكفر أم ببغي. {دَابَّةً:} جنس من الحيوان لم يعرف بعد. {تُكَلِّمُهُمْ:} بلسان معهود معروف فيما بين الناس. عن أنس بن مالك قال في دابّة الأرض: إنّ فيها من كلّ أمّة، سيماها من هذه الأمّة، إنّها تتكلّم بلسان عربيّ (252 و) مبين (¬6) قابل. (¬7) والظاهر من هذه الدابّة أنّها آية ملجئة غير ملتبسة لاعتبار وقوع. عن أبي هريرة: أنّ النبيّ عليه السّلام قال: «تخرج الدابّة معها خاتم سليمان ¬
وعصا موسى عليهما السّلام، فتجلو وجه المؤمن، وتختم أنف الكافر بالخاتم حتى إنّ أهل الخوان (¬1) يجتمعون، فتقول (¬2): هذا ها يا مؤمن، وتقول: هذا ها يا كافر». (¬3) قال أبو عيسى: هذا حسن صحيح (¬4). قال إبراهيم: تخرج دابّة الأرض من مكة. (¬5) وقال ابن عباس: الدابّة التي يخرج الله تعالى للناس تكلّمهم أنّ الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون، هو الثعبان الذي كان في البيت، فأرسل الله عقابا فاختطفه. (¬6) وقال مجاهد: اختطف العقاب الثعبان، فألقاه بحراء (¬7) بمخسف العماليق بقية عاد. وقال مجاهد: عن ابن عباس: ألقاه العقاب بأجياد، فمن أجياد تخرج الدابّة (¬8). وعن مجاهد، عن عبد الله بن عمرو قال: تخرج الدابّة من تحت الصفا، فتستقبل المشرق، فتصرخ صرخة يبلغ صوتها منقطع الأرض من المشرق، ثمّ تستقبل المغرب، فتصرخ صرخة يبلغ صوتها منقطع الأرض من المغرب، ثمّ تستقبل اليمن فتصرخ صرخة كذلك، ثمّ تستقبل الشام وكذلك، ثم تغدو فتقيل بعسفان. (¬9) عكرمة، عن ابن عباس: إنّما جعل المسبق من أجل الدابّة، فإنّها تخرج قبل التروية بيوم، أو يوم التروية، أو يوم عرفة، أو يوم النحر، أو الغد من يوم النحر. (¬10) وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «خمس يبدرن السّاعة لا أدري أيّتهنّ قبل، وأيّتهنّ جاءت لم ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا: الدابّة، ويأجوج ومأجوج، والدجّال، وطلوع الشمس من مغربها، وعيسى بن مريم». (¬11) 83 - {وَيَوْمَ نَحْشُرُ:} واذكر يوم نحشر يوم جماعة. 87 - {داخِرِينَ:} صاغرين. 88 - {جامِدَةً:} ضدّ سائلة، والجماد ضدّ الحيوان، تكون هذه يوم القيامة، كقوله: {وَإِذَا الْجِبالُ سُيِّرَتْ} [التكوير:3]، {وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ} [القارعة:5]، وذلك الحسبان لقصور الرؤية عن الاحتواء بأطرافها. ¬
93 - و {سَيُرِيكُمْ آياتِهِ} أي: الملجئة. وعن أبي بن كعب قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من قرأ طس سليمان أعطاه الله عشر حسنات، ومحى عنه عشر سيئات، ورفع له عشر (¬1) درجات بعدد كلّ من كذّب موسى وصدّقه، وداود وسليمان وصالحا ولوطا، وخرج يوم القيامة وهو ينادي بشهادة أن لا إله إلا الله». (¬2) ¬
سورة القصص
سورة القصص مكية. وروى المعدل عن ابن عباس: أنّ آية واحدة نزلت بالجحفة، ورسول الله مهاجر إلى المدينة، قوله: {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ} [القصص:85]. (¬1) وهي ثمان وثمانون آية. (¬2) (252 ظ) بسم الله الرّحمن الرّحيم 8 - {هامانَ:} رجل من آل فرعون، كان (¬3) عزيز مصر في زمانه، مثل فوطيفر، ولم يبلغنا في نسبته ما نعتمد عليه. {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ:} جواريه. واللام لام العاقبة. (¬4) {وَحَزَناً} أي: سبب حزن امرأة فرعون آسية (¬5)، ولم يبلغنا أنّها كانت من العمالقة أم من القبطة، أوزعها الله محبة موسى عليه السّلام، وأكرمها بالإيمان، ورزقها الشهادة، وهي التي قالت: {رَبِّ اِبْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ} [التحريم:11]، وكانت لها ماشطة إسرائيلية، فهي التي كانت توحي إليها علم التوحيد والإسلام فيما يروى، وهي امرأة حزبيل (¬6) النجّار مؤمن آل فرعون. قيل: وصلت آسية كهنة فرعون صلات عظيمة ليلبسوا أمر موسى على فرعون. 10 - {فارِغاً:} ضدّ شاغل، وإنّما فرغ قلبها بعد التقاطهم، وإنّما كادت تبدي به حين ألقته في اليمّ، أو حين دعت لتكفله وترضعه، واسم أمّ موسى يوخابذ بنت لاوي، واسم أخته مريم. 15 - عكرمة، عن ابن عباس في قوله: {وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها} قال: وهم قائلون. (¬7) قيل: المدينة عين الشمس. (¬8) وقال مقاتل: هي قرية تدعا حابين على ¬
فرسخين من مصر. (¬1) {فَوَكَزَهُ:} فضربه بجميع (¬2) كفّه. {فَقَضى عَلَيْهِ:} فأمضى موسى عليه السّلام القتل بوكزه. {قالَ هذا:} إشارة إلى قتل النفس بغير إذن الله. {فَاغْفِرْ لِي:} أي: استر الخيانة على آل فرعون؛ لئلا يؤاخذوني عاجلا. 17 - {أَنْعَمْتَ عَلَيَّ:} أراد إنشاؤه في حجر عدوّه. وقيل: ستر الخيانة، وترك المؤاخذة عاجلا عليّ. {أَكُونَ:} معطوف على مقدّر (¬3)، أي: تبت فلن أكون. قال ابن عباس: إنّ موسى عليه السّلام لم يستثن في كلامه، فابتلي بالبطش ثانيا. (¬4) 18 - {بِالْأَمْسِ:} اليوم الماضي، مبنيّ على كسرة آخره. قال الكسائي: بني على الأمر من أمسى يمسي، فإذا دخلته لام التعريف أعرب. (¬5) وإنّما قال للمستصرخ: {إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ} لاستنصاره موسى عليه السّلام، وتركه التقية والرفق، وهو يعلم ما ابتلي به موسى عليه السّلام بالأمس من جهته. 19 - {فَلَمّا (¬6)} أَنْ أَرادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُما: بوجوب إغاثة الملهوف، والذبّ عن المؤمنين. وإنّما قال: {أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي} لخوفه بجهله وحماقته. وقيل: الصديق الجاهل شرّ من العدوّ العاقل. 20 - {وَجاءَ رَجُلٌ:} أي: حزبيل النجار مؤمن آل فرعون من الجانب الآخر من المدينة، من جهة باب فرعون. {يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ:} لأنّ القبطيّ حيث سمع قول الإسرائيليّ خلاّه، ومضى على وجهه يخبر فرعون بالقصة. ¬
23 - {اِمْرَأَتَيْنِ:} هما ابنتا شعيب عليه السّلام. وقال الكلبي: هما ابنتا يثرون ابن أخي شعيب، رجل صالح شاخ وعمي في آخر عمره (¬1). {تَذُودانِ:} تحبسان (253 و) عن الماء. {الرِّعاءُ} (¬2): جمع راع (¬3)، وليس بالقياس. 24 - عكرمة عن ابن عباس: وقوله: {إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ} قال: ما سأل إلا الطعام. (¬4) 25 - {تَمْشِي عَلَى اِسْتِحْياءٍ:} متستّرة بكمّها وذيلها. 26 - وإنما قالت: {الْقَوِيُّ الْأَمِينُ} لاستقائه وحده بدلو ما كان يطيقها إلا عشرة (¬5) من الرجال أو أربعون (¬6)، ولغضّه البصر، فإنّه قال للمرأة: تخلّفي عنّي فإن ضللت الطريق فناديني من ورائي. (¬7) شرط المنفعة لوليّ المرأة غير المهر، وجعل ما يستحقّ على الوليّ مهرا للمرأة. 27 - {فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً:} دليل على جواز الزيادة بالمهر. 28 - {ذلِكَ:} إشارة إلى كلامه جملة، أو إلى (¬8) قوله: {وَما أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ.} {أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ:} سئل ابن عباس: أيّ الأجلين قضى موسى؟ قال: أكثرهما. (¬9) وعن النبي عليه السّلام قال: «سألت جبريل: أيّ الأجلين قضى موسى؟ قال: أتّمهما وأكملهما». (¬10) ¬
29 - {بِخَبَرٍ:} أي: خبر الطريق، فإنّهم كانوا محتاجين إليه. {أَوْ جَذْوَةٍ:} خشبة يشعل فيها النار. 30 - {شاطِئِ الْوادِ:} وشطّه شقّيه (¬1). {الْأَيْمَنِ:} ضدّ الأشأم، وهو نعت (الشاطئ)، وأيمن الوادي من يسلكه ويعبره. {الْبُقْعَةِ:} القطعة المتميزة من الأرض، جمعها بقع، كتحفة وتحف، ونطفة ونطف، والبقاع جمع بقعة، بفتح الباء، كقصعة وقصاع. 32 - {وَاُضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ مِنَ الرَّهْبِ:} يحتمل معنيين: التجمع والنقيض؛ لاستدراك القوة، وإزالة الرهبة من الحيّة، والثاني: التضاؤل والتواضع من رهب الله تعالى. يحتمل قوله: {وَاُضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ} متصلا بقوله: {اُسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ} (¬2) [القصص:32]. وقوله: {مِنَ الرَّهْبِ} عائد إلى قوله: {وَلّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ.} وعن مقاتل: {الرَّهْبِ} الكمّ، قال: وضعت الشيء في الرهب (¬3)، أي: في الكمّ (¬4)، وهذا تأويل بعيد. 34 - {أَفْصَحُ:} أقدر على البيان. 36 - {بِآياتِنا:} يجوز أن يتّصل بما قبله، وأن يتّصل بما بعده. 38 - {فَأَوْقِدْ لِي يا هامانُ عَلَى الطِّينِ:} لتتّخذ آجرّا فتبني الصّرح منه. وتعدية الاطلاع (¬5) تجوز بعلى وإلى. أراد أن يلبّس الأمر على الجهّال من قومه، أو لجهالته وسفهه (¬6)، وكأنّه كان يتوهّم كون السماء مقرونة بالسحاب دون الأفلاك ودون النار. 42 - {الْمَقْبُوحِينَ:} المطرودين المبعدين، وفي حديث عمار (¬7): «اسكت مقبوحا ¬
مشقوحا منبوحا». (¬1) 44 - {وَما كُنْتَ بِجانِبِ الْغَرْبِيِّ:} فائدة النفي التنبيه على كونه عليه السّلام مخبرا عن الغيب الذي لا يعلمه مثله إلا بوحي إلهيّ. {وَلكِنّا كُنّا:} وجه العطف تبعيد ما بين موسى ونبيّنا عليهما السّلام باعتداد الزمان، وتطاول العمر، واستطالته وطوله (¬2)، بمعنى قال الله تعالى: {فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ} [الحديد:16]. 45 - {وَما كُنْتَ ثاوِياً فِي أَهْلِ مَدْيَنَ:} أي: ما أنت بالذي كان فيما بينهم. {تَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا:} فرجعت إلى عادتك. {وَلكِنّا كُنّا مُرْسِلِينَ:} إيّاه كما أرسلناك (¬3). 46 - عن الضحّاك بن مزاحم، عن ابن عباس في قوله: {وَما كُنْتَ بِجانِبِ الطُّورِ إِذْ نادَيْنا} قال: لمّا أخذ موسى الألواح ونظر فيها قال: إلهي (253 ظ) لقد أكرمتني بكرامة لم تكرم بها أحدا من قبلي، فأوحى الله: يا موسى، إنّي اطّلعت على قلوب عبادي فلم أجد أشدّ تواضعا من قلبك {اِصْطَفَيْتُكَ عَلَى النّاسِ بِرِسالاتِي وَبِكَلامِي فَخُذْ ما آتَيْتُكَ} [الأعراف:144] بجدّ ومحافظة، وكن من الشاكرين، يعني: شهادة أن لا إله إلا الله، ومت على التوحيد، يعني: حبّ محمد عليه السّلام، قال موسى: إلهي، وما محمد؟ فأوحى الله تعالى إليه: محمد مكتوب على ساق العرش من قبل أن أخلق السماء والأرض بألفي عام، إنّه نبيّي وصفيّي وخيرتي من خلقي، وهو أحبّ إليّ من جميع خلقي ومن (¬4) ملائكتي، فقال موسى: إلهي إن كان محمد أكرم عليك من جميع خلقك، وجميع ملائكتك، فهل خلقت أمّة أكرم من أمّتي؟ ظلّلت عليهم الغمام، وأنزلت عليهم المنّ والسلوى، فأوحى الله تبارك وتعالى: يا موسى، إنّ فضل أمّة محمد عليه السّلام على سائر الأمم كفضلي على خلقي، قال موسى: يا ليتني رأيت أمّة محمد عليه السّلام، قال: يا موسى، لن تراهم، ولكن تحبّ أن تسمع كلامهم، قال: نعم يا ربّ، فنادى ربّنا عز وجل: يا أمّة محمد، فأجابوه بالتلبية، لبّيك اللهم لبّيك، لبّيك لا شريك لك، إنّ الحمد ¬
والنعمة لك والملك، لا شريك لك، فجعل ذلك إجابة (¬1) شعائر الحجّ، ثم نادى: يا أمّة محمد، إنّ رحمتي سبقت غضبي، قد غفرت لكم من قبل أن تدعوني، وأعطيتكم من قبل أن تسألوني، وغفرت لكم من قبل أن تعصوني، فمن جاء منكم بشهادة أن لا إله إلا الله صادقا من قلبه أدخله (¬2) الجنّة وإن كانت ذنوبه أكثر من زبد البحر. (¬3) {وَلكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ:} أي: ولكن أخبرناك بالغيب رحمة عليك وعلى المتذكرين من قومك. 47 - {وَلَوْلا أَنْ تُصِيبَهُمْ:} جواب مضمر في آخر الآية: لما أرسلناك إليهم. {لَوْلا أَرْسَلْتَ:} هلا أرسلت. 48 - {قالُوا لَوْلا أُوتِيَ مِثْلَ ما أُوتِيَ مُوسى:} المراد بالكتابين التوراة والقرآن، وبالنبيين موسى ومحمد عليهما السّلام، وقيل: التوراة والإنجيل، (¬4) وموسى وعيسى عليهما السّلام، (¬5) وقيل: إنّه موسى وهارون (¬6) والنبيين هما عليهما السّلام. (¬7) 49 - {قُلْ فَأْتُوا بِكِتابٍ مِنْ عِنْدِ اللهِ:} المراد بالكتاب الذي وقع به (¬8) التحدّي بالإتيان به كتاب مخالف لهما غير كتاب مصدق لهما، وفحوى الخطاب دالة عليه. 52 - {الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ:} هم مؤمنو أهل الكتاب يؤتون أجرهم مرّتين لإيمانهم (¬9). 54 - {وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ:} يدفعون الكفر بالإيمان، والإنكار بالإقرار. 56 - عن أبي هريرة (¬10) قال: قال رسول الله عليه السّلام لعمّه: «قل: لا إله إلا الله أشهد لك بها يوم القيامة»، قال: لولا أن تعيّرني قريش، إنّما يحمله عليه الجزع لأقررت بها عينك، ¬
فأنزل الله تعالى: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ.} (¬1) وعن ابن (¬2) عمر قال: نزلت {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} (¬3) (254 و) في أبي طالب. وعن سعيد بن المسيّب، عن أبيه (¬4) قال: لمّا حضرت أبا (¬5) طالب الوفاة جاءه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فوجد عنده أبا جهل وعبد الله بن أبي أميّة بن المغيرة، قال: أي عم، قل: لا إله إلا الله كلمة أحاجّ لك بها عند الله، فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أميّة: أترغب عن ملّة عبد المطّلب؟ فلم يزل رسول الله يعرضها عليه، ويعاودانه بتلك المقالة حتى قال أبو طالب آخر ما كلّمهم: على ملّة عبد المطلب، وأبى أن يقول: لا إله إلا الله، قال رسول الله: لأستغفرنّ لك ما لم أنه عنك، فأنزل الله: {ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ} [التوبة:113]، فأنزل الله بأبي طالب، فقال لرسول (¬6) الله: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} إيمانه، مثل أبي طالب، لكنّ الله يهدي من يشاء، مثل حمزة والعباس وأروى وصفيّة وعاتكة. 57 - {وَقالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ:} كانوا يعتذرون إلى رسول الله بأنّهم لا يقاومون العرب قاطبة حواليهم إن خالفوا دينهم، فردّ الله عليهم عذرهم بأنّه هيّأ أسباب الحرمة، وهم (¬7) كفّار جهّال، فكيف لو اعتصموا بالعروة الوثقى. {يُجْبى:} يجمع ويحمل. 58 - {إِلاّ قَلِيلاً:} إلا سكونا قليلا. 61 - {مِنَ الْمُحْضَرِينَ:} في النار (¬8). 63 - {الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ:} المتبوعين في الضلالة دون المعبودين. 64 - {وَرَأَوُا الْعَذابَ:} وودوا، أي: وتمنّوا أنّهم كانوا يهتدون. ويحتمل: أنّ المراد به ¬
رؤية العذاب عن الذين يحشرون على وجوههم عميا وبكما وصمّا. 68 - {وَيَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ:} الخيرة والخيرة كالطيرة والطيرة. والآية في ردّ قولهم: {لَوْلا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} [الزخرف:31]. فيها دلالة أنّ المختار للإمامة من ميّزه الله تعالى بالتوفيق دون من ميّزه بالتخليق، وعلى فساد اختيار الناس إماما غير موافق للسنّة والجماعة. 71 - {سَرْمَداً:} دائما أبديّا. 75 - {شَهِيداً:} أي: يشهد عليهم. {فَقُلْنا هاتُوا بُرْهانَكُمْ:} يجوز أن يكون خطابا للشهداء على سبيل التوفيق، ويجوز أن يكون خطابا للمشهود عليه على سبيل التحدّي والتقريع. 76 - {إِنَّ قارُونَ كانَ مِنْ قَوْمِ مُوسى:} ذكر الحدادي (¬1) في تاريخه: أنّ قارون ابن عمّ موسى، وكان فرعون قد ملّكه على بني إسرائيل حين كان بمصر، فلما قطع موسى البحر ببني إسرائيل ومعه قارون، وأغرق (¬2) الله فرعون وجنوده، وجعلت الحبورة لهارون، وهو الرئيس الذي يقرّب القربان وبيده المذبح، وجعلت الرسالة لموسى عليه السّلام، وجد قارون في ذلك من نفسه، فلم يزل كذلك حتى دخل التيه، فقال قارون لموسى: يا موسى، لك الرسالة، ولهارون الحبورة، ولست في شيء من ذلك، لا أصبر على هذا، قال موسى: (254 ظ) والله ما أنا صنعت (¬3) ذلك لهارون بل جعله الله له، قال: لا، والله لا أصدّقك أبدا حتى تريني آية أعرف بها أنّ الله جعل ذلك لهارون، قال: فأمر موسى رؤساء بني إسرائيل أن يجيء كلّ رجل منهم بعصا، ثم يحزمها، ثمّ ألقى في القبّة التي كان يوحى إليه فيها، ودعا موسى ربّه أن يريهم بيان ذلك، فباتوا يحرسون عصيّهم، فأصبحت عصا هارون تهتزّ لها ورق، وكان من شجرة اللّوز، قال موسى: يا قارون، أترى أنّ الله صنعه لهارون، قال قارون لموسى: ما هذا بأعجب ممّا يصنع من السحر؟ واعتزل قارون (¬4) على حدة، وولّي هارون الحبورة، فكان معه القربان والمذبح، فكان بنو (¬5) إسرائيل يأتون بهديهم إلى هارون فيضعها إلى المذبح، فتنزل نار من السماء فتأكلها، فقال قارون: والله ما هذه النار إلا مثل نارنا، فإن (¬6) شئت، يا موسى، جئتك بنار، فإن لم تفعل ¬
مثل ما (¬1) تفعل (¬2) هذه النار فأنا كذّاب، فقال موسى: فابعث إذا بنار، فانتدب لقارون خمسون ومئتا (¬3) رجل يأخذون نارا من أوّل نارهم، ثمّ يجعلونها في مجامرهم، فجاؤوا بها إلى القربان، فلمّا انتهوا إلى القربان (¬4) نزلت نار من السماء، فأكلتهم كلّهم، فجعل ابنان لقارون يسكّنان النار، فلما انتهيا إلى النار أحرقتهما (¬5)، فقيل لأبيهما: إنّي قد قضيت أن لا يجيء رجل بنار غريبة إلا أحرقته، وإنّي قد جعلتهما شهيدين. فاعتزل (¬6) قارون ومن تبعه، وكان كثير المال والتبع من بني إسرائيل، فاعتزل موسى، فلم يكن يأتيه ولا يجالسه، فقال موسى: يا رب، إنّ قارون قد أفسد عليّ بني إسرائيل، فمر الأرض أن تطيعني فيه وفيمن معه، فأمرت أن تطيعه، فأقبل موسى إلى قارون ومن معه حتى انتهى إليهم، قال: يا بني إسرائيل، إنّ الله بعثني إلى قارون كما بعثني إلى (¬7) فرعون، فإن مات بغير ما يموت الناس (¬8)، أو تغيّرت به الأرض عن حالها، فإنّي صادق فيما قلت، فمن كان معي فليعتزل، ومن كان معه فيلثبت مكانه، فلمّا سمعوا ذلك عرفوا أنّ موسى صادق، فاعتزلوا غير رجلين من بني روبيل، فقال موسى عليه السّلام: يا أرض التقميهم (¬9) فابتلعتهم، فقال: يا موسى أنشدك الله والرحم، فلم يرقّ بهم (¬10)، فقال الله: أما وعزّتي لو إيّاي دعا لنجّيته، ثم دعا أيضا موسى على ماله (¬11)، فخسف به، قال: فهو يتجلجل (¬12) بها كلّ يوم قدر قامته إلى أن تقوم الساعة. وعن الحسن البصري قال: أوّل من شرّف الشرف قارون، وإنّه لّما بنى داره وفرغ منها وشرّفها صنع للناس طعاما سبعة أيام، يجمعهم كلّ يوم فيطعمهم، ثمّ (¬13) أرسل إلى بغيّ من بني إسرائيل لم تكن في بني إسرائيل امرأة أجمل منها، فقال لها قارون: لك عندي كلّ (255 و) شيء نطقت به وأردته على أن تفعلي ما آمرك، فقالت له: وما (¬14) هو؟ قال: أنا (¬15) ¬
إذا جلست (¬1) للناس غدا، وأذنت له، فأتيني فاستعدي على موسى، وقولي: إنّه أرادني على نفسي (¬2)، قالت: نعم، فلمّا كان الغد، واجتمع الناس في داره حتى ملؤوها أبطأت عليه، فلم تجئه، فأرسل إليها، فجيء بها، ثمّ أرسل إلى موسى، فجيء به (¬3)، فقال له قارون: ما لهذه المرأة تشكوك؟ قال له موسى: ما أدري ما لها؟ قال لها قارون: أخبريه، فقالت المرأة: يا موسى، إنّ هذا جعل لي ما نطقت به وما أردته على أن أزعم على رؤوس الناس أنّك تراودني عن نفسي، وإنّي، والله، ما كنت لأفعل، معاذ الله، لقد برّأك الله من ذلك، فغضب موسى عليه السّلام، واشتدّ غضبه، ثمّ قال: يا عدوّ الله، قد بلغ جرأتك على هذا، وقال له قولا غليظا، فخرج من عنده مغضبا، فدعا الله تعالى، فقال: عبدك قارون الذي عبد دونك وجحدك، وأنكر ربوبيّتك، ثمّ قد أراد أن يرميني به (¬4) حتى متى تمهله، يا رب، فأوحى الله إلى موسى: أن قد أمرت الأرض أن تطيعك فمرها بما شئت، فجاء موسى وهو فرح، فدخل على قارون حين اجتمع الناس في داره وملؤوها، فقال: يا عدوّ الله، كربتني، وجحدت الله، وعبدت من دونه في كلام غليظ حتى غضب قارون، وأقبل عليه بكلام شديد، وهمّ به، فلمّا رأى ذلك موسى عليه السّلام فقال: يا أرض خذيهم، وكان قارون على فرش على سرير مرتفع في السماء، فأخذت الأرض بأقدامهم، وغاب سريره ومجلسه في الأرض، وأخذت الأرض بقدميه، وقد دخل من الدار في الأرض مثل ما أخذت منهم على قدرها، وأقبل موسى يوبّخهم، ويغلظ لهم المقالة، فلمّا رأى القوم ما نزل بهم عرفوا أنّ هذا أمر ليس لهم به قوة، قال: فنادوا يا موسى، ارحمنا وكفّ عنّا، وجعلوا يتضرّعون، ويطلبون إليه، وهو لا يزداد إلا غضبا وتوبيخا لهم، ثمّ قال: يا أرض خذيهم، فأخذتهم إلى أوراكهم، فجعلوا يتضرّعون إليه ويسألونه، ثمّ قال: يا أرض خذيهم (¬5)، فأخذتهم الى أوساطهم، ثم قال: يا أرض خذيهم، فأخذتهم إلى (¬6) آباطهم، فمدوا أيديهم على وجه الأرض رجاء أن يمتنعوا بها، ثمّ قال: يا أرض خذيهم، فأخذتهم إلى أعناقهم، فلم يبق على وجه الأرض إلا رؤوسهم، ولم يبق من الدار إلا شرفها، وكانت الأرض تأخذ من الدار كلّ مرّة مثل ما تأخذه منهم، وهم يتضرّعون في ذلك إلى موسى عليه السّلام ويسألونه، ثمّ قال: يا أرض خذيهم، فاستوت عليهم وعلى الدار، فانطلق موسى وهو فرح بذلك (255 ظ) فأوحى الله إليه أن يا موسى تضرّع عبادي إليك ودعوك وسألوك فلم ترحمهم، ¬
أما وعزّتي وجلالي وكرمي لو أنّ إيّاي دعوا واستغاثوا لأخرجتهم (¬1) منها، ولكنهم تركوا أن يجعلوا رغبتهم ودعاءهم (¬2) إليّ، ومسألتهم منّي، وجعلوها إليك فتركتهم. (¬3) {لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ:} لا تنوء إلا بالعصبة، أي: لا تنهض إلا بنهوضهم. وقيل: لتميل بهم من ثقلها. (¬4) وذكر الكلبي (¬5): أنّ خزائنه (¬6) كانت أربع مئة ألف يحملها أربعون رجلا. {إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ:} بما يلهي عن الحقّ. 77 - {وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ} (¬7): في معنى قوله: «يقول ابن آدم: مالي، وهل لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدّقت فأمضيت؟». (¬8) وقوله: {وَأَحْسِنْ} في معنى قوله عليه السّلام: «إذا أنعم الله على عبد نعمة أحبّ أن يرى أثرها عليه». (¬9) 78 - {عَلى عِلْمٍ عِنْدِي:} قيل: إنّ قارون كان يقرأ التوراة كلّها، فادّعى أنّه إنّما أوتي ما أوتي كرامة له على علمه. (¬10) وقيل: إنّه كان يقول: فيّ علم وشيء، فلذلك أكرمني بهذا المال. وقيل: إنّ الله تعالى علّم موسى عليه السّلام الكيمياء، فعلّم موسى ثلث ذلك العلم هارون عليه السّلام، وثلثه يوشع عليه السّلام، وثلثه قارون لعنه الله لا يقدر أحد الثلاثة إلا بإعانة صاحبيه، فاحتال قارون في تحصيل العلم، فذلك العلم الذي أدّعاه. (¬11) {وَلا يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ} أي: ولا يسأل المجرمون عن ذنوبهم (¬12)، ولكنّهم يعرفون بسيماهم. وهذه إحدى حالتيهم يوم القيامة. ¬
79 - {فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ:} ركوبه الخيل الشهب في ثلاث مئة من الجواري والغلمان، لباسهم الأرجوانيّ، وتحت كلّ واحد منهم قطيفة حمراء. 82 - {وَيْكَأَنَّ:} معناه: ويلك إنّ الله، أي: اعلم أنّ الله. وأنكر الفراء (¬1) وقال: لا يجوز إضمار الأعلام في أوّل الكلام، وليس ببعيد كون لفظة ويلك قائمة مقام قوله: اعلم؛ لما في الدعاء بالويل من التنبيه؟ وقيل: وي منفصلة من كأنّ على سبيل التعجّب والتخمين. (¬2) وقيل: ويكأنّ كلمة على حدتها، (¬3) ومعناها التقدير إلى معاد. {الدّارُ الْآخِرَةُ:} وهي الفردوس منها خرج وإليها عاد. قال العباس (¬4) [من الوافر]: من قبلنا (¬5) … طبت في الظّلال وفي مستودع حيث يخصف الورق 85 - وقال ابن عباس: أراد بالمعاد (¬6) مكة. هاجر منها مختفيا، ثم عاد إليها يوم الفتح ظاهرا مستوليا بفضل من الله ورحمته. 86 - {إِلاّ رَحْمَةً} (¬7): استثناء منقطع. 88 - {إِلاّ وَجْهَهُ:} من الأعمال الصالحة، كقوله: {وَالْباقِياتُ الصّالِحاتُ} [الكهف:46]. وقيل: كلّ شيء يجوز عليه الهلاك والفساد إلا هو. (¬8) ويجوز دخول الآخرة في عموم هذه الآية؛ لأنّها ممّا يتوهم هلاكها، لولا تبقية الله إيّاها، فالبقاء (¬9) في الحقيقة لله الذي يبقيهما. عن أبيّ بن كعب، عنه (256 و) عليه السّلام: «من قرأ طسم القصص كان له من الأجر بعدد من صدّق موسى وكذّبه، ولم يبق ملك في السماوات والأرض إلا شهد له يوم القيامة أنّه كان صادقا في قوله: {كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلاّ وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [القصص:88]». (¬10) ¬
سورة العنكبوت
سورة العنكبوت مكية. (¬1) وعن الحسن: أنّ عشر آيات من أوّلها مدنيّات. (¬2) وعن المعدّل، عن ابن عباس: أنّ هذه السورة مدنيّة. (¬3) وهي تسع وستون آية. (¬4) بسم الله الرّحمن الرّحيم 2 - {أَنْ يَقُولُوا آمَنّا:} بيان للترك الذي حسبوه، وهذه كقوله: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمّا يَأْتِكُمْ. .} الآية [البقرة:214]. 3 - {وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ:} ما ذكر في أثناء القرآن من الأقاصيص العجيبة. عن عبد الله، عنه عليه السّلام: «يكون في هذه الأمة أربع فتن في آخرها الفناء». (¬5) عبد الله بن عمر: كنّا قعودا عند رسول الله فذكر الفتن، فأكثر في ذكرها حتى ذكر فتنة الاحلاس، فقال قائل (¬6): وما فتنة الأحلاس يا رسول الله؟ قال: «هي هرب وحرب، ثم فتنة السّرّاء دخنها من تحت (¬7) قدمي رجل من أهل بيتي، يزعم أنّه منّي (¬8) وليس منّي، إنّما أوليائي المتّقون، ثمّ يصلح (¬9) الناس على رجل كورك على ضلع، ثمّ فتنة الدّهيماء (¬10)، لا تدع (¬11) أحدا من هذه الأمّة إلا لطمته لطمة، فإذا قيل: انقضت تمادت، يصبح الرجل فيها مؤمنا، ويمسي كافرا حتى يصير الناس إلى فسطاطين: فسطاط إيمان لا نفاق فيه، وفسطاط نفاق لا إيمان فيه، إذا كان ذلكم فانتظروا الدّجال من يومه أو من غد (¬12)» (¬13). ¬
4 - {أَمْ حَسِبَ:} مترتّبة على ألف الاستفهام. وفي الآية ما يدلّ على وجوب الرهبة والرغبة جميعا. وذكر الكلبيّ: أنّ الآية نزلت في عتبة وشيبة ابني ربيعة والوليد بن عتبة (¬1). وهي عامّة. 5 - {مَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ اللهِ:} بشارة لأولياء الله خاصّة ولأهل السنّة والجماعة. واتصالها (¬2) من حيث اعتذار صبر المؤمنين على الفتنة ابتغاء وجه ربّهم. 8 - مصعب بن سعد يحدّث عن أبيه سعد قال: أنزلت فيّ أربع آيات، فذكر قصّته، فقالت أمّ سعد: أليس قد أمر الله بالبرّ؟ والله لا أطعم طعاما ولا أشرب شرابا حتى أموت أو تكفر، قال: فكانوا إذا أرادوا أن يطعموها شجروا (¬3) فاها، فنزلت: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً.} (¬4) 10 - عن عمرو بن دينار (¬5)، عن عكرمة: خرج من مكة ناس يريدون المدينة، فأدركهم المشركون يفتنوهم، فأعطوهم الفتنة، فنزلت: {وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنّا.} (¬6) وذكر الكلبيّ: أنّها نزلت في عيّاش بن أبي ربيعة المخزوميّ، وهو ابن عمّ أبي جهل والحارث بن هشام وأخوهما (256 ظ) لأمّهما، وكان قد أسلم مع النبيّ عليه السّلام، فخرج من مكة هاربا منهم إلى المدينة، وذلك قبل قدوم النبي عليه السّلام المدينة، وبلغ أمّهم الخبر، فجزعت من ذلك جزعا شديدا، فقالت لأبي جهل والحارث: لا والله لا يؤيني بيت، ولا يدخل بطني طعام ولا شراب حتى تأتوني به، فخرجوا في طلبه، فظفروا به، فلم يزالوا به حتى تابعهم، فحملوا به إلى أمّه، فعهدت إليه وقيدته، وقالت: لا أحلّك من وثاقك حتى تكفر بمحمد عليه السّلام، ثمّ أقبلت تجلده بالسياط وتعذّبه حتى كفر بمحمد عليه السّلام جزعا من ضرب أمّه، فنزلت. (¬7) وبقي محبوسا هو ورهط من المسلمين إلى أن هاجر رسول الله، فلما بلغهم نزول هذه الآية أظهروا الإيمان، وناصحوا الله ورسوله، وكان رسول الله دعا لهم ليالي، كلما قنت، فقال: «اللهمّ نجّ المستضعفين بمكة، اللهم اشدد وطأتك (¬8) على مضر، اللهمّ سنين ¬
كسنيّ يوسف». (¬1) ثم هاجر عيّاش بن أبي ربيعة، وحسن (¬2) إسلامه، إنّما لم يكونوا معذورين في التقية؛ لأنّهم لا يخافون بذلك التلف على أنفسهم. 12 - {وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا:} وذكر (¬3) الكلبيّ: أنّ أبا سفيان بن حرب وأمية بن خلف وعتبة وشيبة ابني ربيعة هم الذين قالوا هذه المقالة لعمر بن الخطاب وخبّاب بن الأرت وجماعة من المؤمنين، فمنهم من لم يقبل قولهم، وثبت على دينه، ومنهم من افتتن بقولهم ورجع عن الإسلام. (¬4) {وَلْنَحْمِلْ:} أمر منهم لأنفسهم. {وَما هُمْ بِحامِلِينَ:} نفى عزمهم وقدرتهم، أو نفى تخفيفهم عن تابعيهم. 13 - {وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ:} في معنى قوله عليه السّلام: «من سنّ سنّة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سنّ سنّة سيّئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة من غير أن ينقص من أوزارهم شيء». (¬5) {وَأَثْقالاً:} جمع ثقل، وهو الوزر. 17 - {إِنَّما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ:} ما الكافّة. 29 - {وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ:} يحتمل: إغارتهم على مارّة الطريق، ويحتمل: الطريق، ويحتمل: قطع سبيل الولادة باللواطة. عن أمّ هانئ، عنه عليه السّلام في قوله: {وَتَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ} قال: «كانوا يحذفون أهل الأرض، ويسخرون منهم». (¬6) ونادي القوم: مجلسهم الذي يجتمعون فيه. 38 - {مِنْ مَساكِنِهِمْ:} (من) قائمة مقام [بعض] (¬7)، كما تقدّم. {مُسْتَبْصِرِينَ:} مستيقنين. وقال قتادة: متعجّبين بضلالتهم يرون أنّها بصيرة. (¬8) ¬
41 - {الْعَنْكَبُوتِ:} بوزن فعللوت (¬1)، كالعنزروت والعضرفوط، وتصغيره: عنيكب، و [جمعه] (¬2): عناكب، والعنكبوت: دويبة تنسج نسجا طبيعيا، وتنصب الحبائل للذباب. وإن كان بيته أوهن البيوت لمعان خمسة (¬3): إمّا لكونه (¬4) شيئا طبيعيا غير كسبيّ ليس فيه من (¬5) أمارات الفطنة والذكاء (257 و) شيء، [و] (¬6) إمّا لخسّة صورته كالهباء، وإمّا لخسّة قيمته وقلّة من فعته، فإنّه لا يساوي شيئا، وإمّا لسوء (¬7) اختيارها مواضع البناء، وسوء تهذّبها في ذلك، وإمّا لكون بيته غير ظلّ ظليل ولا كنّ (¬8) كنين، ولا حصن حصين. 45 - {إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ:} كونها منافية لهما وجودها فإنّها موقوفة على شرائط، فيها الإيمان المضادّ للكفر، والعقد مضادّ للكسر، والطهارة المضادّة للجنابة المتصوّرة من الزنا واللّواطة، والإنصات للكلام المتصوّر بهتانا (¬9) وغيبة وشتما وجدالا، وترك الأكل المتصور حراما، والسّترة المضادّة للكشف، وترك الفعل المتصوّر قتالا. وفيما راعني عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم تزد صلاته عند الله إلا مقتا». (¬10) قيل لسلمان (¬11): أيّ العمل أفضل؟ قال: ذكر الله أكبر. وعن ابن عباس قال: ذكر الله عند طعامك ومنامك، فقيل له: أي فلانا يقول عنّي ذلك؟ قال: فأيّ شيء يقول؟ قال (¬12): قال الله تعالى: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} [البقرة:152]، فلذكر الله أكبر من ذكرنا إيّاه، قال: صدق. (¬13) عن عبد الله بن ربيعة (¬14)، قال: سأل من ابن عباس عن قول الله عز وجل: {وَلَذِكْرُ اللهِ؟} فقلت: هو التسبيح والتهليل والتقديس، فقالوا: لو قلت شيئا عجيبا، ¬
قال: وإنّما ذكر الله عز وجل العباد أكبر من ذكر (¬1) العباد إيّاه. (¬2) 48 - {وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ:} هو بيان البيان، وهو تقييد العلم بالقلم، والعرب تسمّي كلّ أثر طويل خطا. 51 - {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ:} عن يحيى بن جعدة (¬3): أنّ النبيّ عليه السّلام أتي بكتاب في كتف، فقال: «كفى بقوم حمقا أو ضلالا أن يرغبوا عمّا جاء به نبيّهم إلى نبيّ غير نبيّهم، أو كتاب غير كتابهم»، فنزلت. (¬4) وإنّما الاشتغال بسائر الكتب مكروها؛ لأنّ علم القرآن فريضة، والاشتعال بسائر الكتب يمنع عن القيام بالفريضة، ولاستغنائهم به عنها. 55 - {وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ:} تشبيه بغشي السحاب الشمس، أو لاعتبار الإحاطة. عن الحسن قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من فرّ بدينه من أرض إلى أرض، وإن كان شبرا، استوجب الجنّة، وكان رفيق أبيه إبراهيم». (¬5) 60 - وفي قوله: {وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ} ردّ (¬6) على القدرية. 64 - {وَما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاّ لَهْوٌ وَلَعِبٌ:} واجب لأنّ اعتدال طبائعها على ضعف، وتفاوتها إلى حتف، ومسارّها مضارّها، وانتظامها اخترامها، قال: يبشّرني الهلال بهدم عمري … وأفرح كلّما طلع الهلال والمراد ب {الْحَيَوانُ} (¬7) الحياة. قال الفراء: كلّ فعل فيه ذهاب ومجيء أو حركة، فأنت في إثبات الألف والنون في مصدره بالخيار كالضّربان واللهيان والحدثان. 69 - {وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا:} المجاهدة افتقرت إلى (257 ظ) التوفيق، كالاهتداء يفتقر إلى الهداية، والجهد غير متقدّم عن التوفيق، ولا متأخّر عنه. وعن أبيّ بن كعب، عنه عليه السّلام: «من قرأ سورة العنكبوت كان له من الأجر عشر حسنات بعدد المؤمنين والمنافقين». (¬8) ¬
سورة الروم
سورة الروم مكية. وعن الحسن إلا آية، وهي قوله: {حِينَ تُمْسُونَ} [الروم:17]. (¬1) وهي ستّون آية، وغير المكيّ والمدنيّ الأخير. (¬2) بسم الله الرّحمن الرّحيم 1 و 2 - عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس في قوله: {الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ} قال: غلبت، وغلبت. (¬3) كان المشركون يحبّون أن يظهر أهل فارس (¬4) على الروم؛ لأنّهم وآباءهم أهل الأوثان، وكان المسلمون يحبّون أن يظهر الروم على فارس؛ لأنّهم أهل الكتاب، فذكروه (¬5) لأبي بكر، فذكر أبو بكر لرسول الله فقال: «أما إنّهم سيغلبون»، فذكره أبو بكر لهم، فقالوا: اجعل بيننا وبينك أجلا، فإن ظهرنا كان لنا كذا وكذا، وإن ظهرتم كان لكم كذا وكذا، فجعل الأجل خمس سنين، فلم يظهروا، فذكر ذلك لرسول الله فقال: «ألا جعلته إلى دون»، قال: «أراه العشرة». قال: قال سعيد: والبضع: ما دون العشرة. ثمّ ظهرت الروم بعده، فذلك قوله: {الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ.} قال سفيان: سمعت أنّهم ظهروا عليهم يوم بدر. (¬6) 3 - {مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ:} قال الفراء: غلبتهم، سقطت الهاء للإضافة. (¬7) 4 - {لِلّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ:} في معنى قوله: {وَتِلْكَ الْأَيّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النّاسِ} [آل عمران:140]. ويحتمل: أنّ معناه لتمكين دين الله كلا الأمرين، فإنّه شغل (¬8) بعضهم بعضهم (¬9) ليظهر الإسلام على الدين كلّه ولو كره المشركون. عن أبي هريرة قال: قال رسول الله عليه السّلام: «إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده، وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده، ¬
والذي نفسي بيده لينفقنّ كنوزهما في سبيل الله». (¬1) يتفرّقون و (¬2) يتميّزون. 15 - {رَوْضَةٍ:} مرج، وهي البقعة التي قلّ ما يفارقها الماء والعشب. وقيل: للحوض روضة، قال (¬3) [من الرجز]: وروضة سقيت فيها نضوتي (¬4) …. . . واستراض المكان أي: اتسع. {يُحْبَرُونَ} (¬5): تسرّون، رجل محبور ويحبور (¬6): مسرور. 17 - {فَسُبْحانَ:} نصب على المصدر، وأراد بالتسبيح الصلاة المكتوبة. سأل نافع بن الأزرق ابن عباس فقال: أخبرني (¬7) بالصلوات الخمس في القرآن، قال ابن عباس: {فَسُبْحانَ اللهِ حِينَ تُمْسُونَ:} المغرب، {وَحِينَ تُصْبِحُونَ:} الصبح، {وَعَشِيًّا} [الروم:18]: العصر، {وَحِينَ تُظْهِرُونَ} [الروم:18]: الظهر، قال: {وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشاءِ ثَلاثُ عَوْراتٍ لَكُمْ} [النور:58]. دلّ أنّ لكلّ صلاة وقتا (¬8). (¬9) وقيل: المراد بالتسبيح في أدبار الصلوات الخمس على سبيل الندب. عن عبد الله بن عمرو (¬10) قال: قال رسول الله: «خلقان هما يسير، ومن يعمل بهما قليل، ولا يواظب عليها مسلم إلا دخل الجنّة، يسبّح دبر كلّ صلاة عشرا، ويكبّر عشرا، ويحمد عشرا، فذلك خمسون ومئة على اللسان، وألف وخمس مئة في الميزان، وإذا آوى إلى فراشه حمد الله وسبّحه وكبّره مئة، فذلك مئة على اللسان، وألف في الميزان»، قال عبد لله بن عمرو: (258 و) فلقد (¬11) رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يعقدهنّ ويقول: «أيّكم يعمل في اليوم ¬
والليلة ألفين (¬1) وخمس مئة سيئة». (¬2) 18 - {وَعَشِيًّا:} معطوفا على {حِينَ تُمْسُونَ} [الروم:17]. {وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ:} كالعارض في أثناء الكلام. 20 - {وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ:} أقام خلقنا من تراب مقام المشاهدات في كونه آية الإلهيّة بعلمنا الضروريّ، أي: أنفسنا هي خلاصة أجسادنا، وأجسادنا خلاصة الأرض من الأرض (¬3). 25 - {إِذا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ:} أقام الخروج مقام المشاهدات؛ لاعتبار كونه مشاهدا يومئذ، أو لاعتبار ما دخل في حيّز المشاهدات، أو من رجعة الطيور، وعاميل وقوم حزقيل، ومن أحياه عيسى بإذن الله. 27 - {وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ:} أي: هيّن عليه، قال الشاعر (¬4) [من الطويل]: تمنّى رجال أن أموت وإن أمت … فتلك سبيل لست فيها بأوحد والضمير عائد إلى الأبد أو الإعادة جميعا. وقيل: إلى الإعادة أهون عليه، أي: أيسر من البداءة في خواطركم وأوهامكم، وإن كلا الأمرين عنده واحد. (¬5) وقيل: الضمير عائد إلى الخلق الذي هو المخلوق، (¬6) وأهون من الهوان. أي: المخلوق أهون على الله من أن يعتديه (¬7) في صفاته العلى، ويتعرّف به إلى من قدّر له الهدى. 28 - {ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً:} في مجادلة العرب، وهم يقولون: العبد يقرع بالعصا، والحرّ تكفيه الملامة، (¬8) وفي مجادلة سائر الأقوياء. {فَأَنْتُمْ} أي: أنتم [و] (¬9) عبيدكم سواء، أي: بالتملّك والتصرّف دون الاستمتاع. ¬
28 - {تَخافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ:} أي: تخافون العيب عليهم كخوفكم العيب على أنفسكم. 30 - {فِطْرَتَ:} انتصابه كانتصاب {صِبْغَةَ} [البقرة:138]، (¬1) والفطرة: الخلقة المستوية والطبيعة المعتدلة التي فطر الله عليها آدم وحوّاء وأولادهما إلى أن أفسد قابيل ما أفسد (¬2). 35 - {أَمْ أَنْزَلْنا:} بمعنى الاستفهام. {سُلْطاناً:} كتابا معجزا ناطقا بإباحة الشرك المضادّ للقرآن وسائر الكتب المنزّلة على الأنبياء عليهم (¬3) السّلام وهكذا، عن الضحاك. 39 - {وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِباً:} مجازه: من يؤت منكم ليربو في أموال الناس فلا يربو عند الله، ومن يؤت منكم زكاة يريد بها وجه الله، ولا اعتبار هذا المجاز. قيل: {فَأُولئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ.} 41 - {ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ:} الظاهر من فساد البرّ خرابه، وغور مياهه، وقلة نباته وخيره، وكثرة السباع العادية، والحشرات المؤذية فيه، والظاهر من فساد البحر كثرة الرياح القاصفة، وقلة السلامة، وكثرة الحيوان العادية فيه، وكلا الفسادين بشؤم ما كسبت أيدي الناس من المعاصي والذنوب. وقيل: المراد بالفساد المعاصي والذنوب ظهر في الأرض بكسب الناس إيّاها. (¬4) وقيل: بالبرّ: البوادي، وبالبحر: الأمصار. (¬5) 43 - {لا مَرَدَّ:} لا ردّ، له معنيان: أحدهما: يأتي يوم قضاه الله وأمضاه وأنفذه (258 ظ) ليس في حكمه ردّ لذلك اليوم، والثاني: يأتي يوم من حكم الله وقضائه وقدره لا مردّ له عند واحد، ولا تنافي بين المعنيين، فإنّ ما ردّه الله لم ينفذه أحد، وما نفذه الله لم يرده أحد. {يَصَّدَّعُونَ:} يتصدّعون ويتفرّقون. 44 - {يَمْهَدُونَ:} المهد والتمهيد بمعنى، وهي توطئة المسير، وأصله من توثير الفراش. ¬
49 - {وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلِ:} قال قطرب (¬1): {قَبْلِ} التنزيل، {مِنْ قَبْلِهِ} للمطر (¬2). وقيل: تكرار للتأكيد. {فَرَأَوْهُ:} أي: أثر رحمة الله وهو الزرع والثمر. 51 - {مُصْفَرًّا:} جافّا قبل أوانه. وقيل: مصفرّا: مدركا. {يَكْفُرُونَ:} يزرعون. 54 - {مِنْ ضَعْفٍ} (¬3): من ضعيف كقوله: {مِنْ ماءٍ مَهِينٍ} [المرسلات:20]. وقيل: هو كقوله: {خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ} [الأنبياء:37] {وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً} [النساء:28]، وضعف الطرفين دليل على الحدوث والفناء والابتداء والانتهاء. 60 - {وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ:} كقوله: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ} [النور:63]، واستخفاف الإنسان ضدّ توقيره. عن أبيّ بن كعب، عنه عليه السّلام: «من قرأ (¬4) سورة الروم كان له من الأجر عشر حسنات بعدد كلّ من يسبّح الله بين السماء والأرض، وأدرك ما صنع من ليلته». (¬5) ¬
سورة لقمان
سورة لقمان مكية. (¬1) وعن ابن عباس: ما خلا ثلاث آيات، وهنّ قوله: {وَلَوْ أَنَّما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ. . .} [لقمان:27] الآيات. (¬2) وهي ثلاث وثلاثون آية في عدد أهل الحجاز. (¬3) بسم الله الرّحمن الرّحيم 6 - عن ابن عباس في قوله: {وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ} قال: الغناء. (¬4) وزاد ابن فضيل: الاستماع إليه. (¬5) عن أبي أمامة، عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تبيعوا القينات، ولا تشتروهنّ، ولا تعلّموهنّ، ولا خير في التجارة فيهنّ، وثمنهنّ حرام، في مثل هذا نزلت: {وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ. .} الآية» (¬6). ومن قرأ قوله عليه السّلام: «لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحا حتى يريه (¬7) خير له من أن يمتلئ شعرا». (¬8) وكلّ شعر مله (¬9) عن ذكر الله وعن الصلاة؛ لأنّ النّبيّ عليه السّلام استمع الشّعر وقال: «إنّ من الشّعر حكمة». (¬10) 10 - {بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها:} كما خلقها الله تعالى. 12 - {وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ:} كان لقمان عبدا حبشيّا لرجل من بني إسرائيل، فأعتقه وأعطاه مالا، واسم ابنه ثاران، ولم يكن نبيّا في قول أكثرهم. (¬11) وعن سعيد بن ¬
المسيّب: كان لقمان النبيّ عليه السّلام خيّاطا. قال طاوس (¬1): الحكمة التي أوتيها [العقل] (¬2)، فمن كان عاقلا فهو عند الله حكيم. (¬3) عن أنس: أنّ النبيّ عليه السّلام قال: «رأس العقل بعد الإيمان بالله التودّد إلى الناس». (¬4) وعن أنس، عنه عليه السّلام أنّه قال: «من أعطي أربع خصال فقد أعطي الدنيا والآخرة: قلب شاكر، ولسان ذاكر، وبدن صابر، وزوجة صالحة». (¬5) إنّما خصّ لقمان ابنه من بين سائر الناس لاعتبار الأهمّ فالأهمّ ألا ترى قال: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} [الشعراء:214]، وقال عليه السّلام: «ما نحل والد ولدا أحسن من أدب حسن». (¬6) وقال عليه السّلام: «لأن يؤدّب [الرجل] (¬7) ولده خير (259 و) من أن يتصدّق كلّ يوم بصاع». (¬8) 13 - وعن علقمة (¬9)، عن عبد الله قال: لّما نزلت: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ} [الأنعام:82] شقّ ذلك على أصحاب النبيّ عليه السّلام، فقالوا: أيّنا لا يظلم نفسه؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ليس كما تظنّون، إنّما قال لقمان لابنه: {لا تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ».} (¬10) كفى برسول الله، فإنّ الشرك أخفى في هذه الأمّة من أثر النملة في الصخرة الصمّاء، ولهذا كره (¬11) للإمام الراكع إذا سمع خفق نعل أن ينتظره. 14 - {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ:} نزلت في شأن سعد بن أبي وقّاص، (¬12) وحسن كونه ¬
عارضا في أثناء الكلام من ثلاثة أوجه: أحدها: اعتبار ما يجري بين لقمان الوالد وولده، والثاني: اعتبار النهي عن الشكّ، والثالث: الأمر بالشكر الذي هو حكمة لقمان. وإنّما لم يكن للوالدين إلا حق المصاحبة في الدنيا بمعروف؛ لأنّ الولد ليس يفزع للوالدين (¬1) إلا على حكم المشاهدة فأمّا في المعقول: فكلّ مخلوق مفرد بالإنشاء، يقول الله تعالى: {فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ} [المؤمنون:101]. 16 - الضمير في {إِنَّها} عماد كما في قوله: {فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ} [الحج:46]. وما تبت قوله: {إِنْ تَكُ} لاعتبار الحبّة، وهذه الآية كقوله: {أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً} [البقرة:148]. {فِي صَخْرَةٍ:} من الصخور، وفي التفسير المراد بالصخرة: السجّين، وهي تحت، وفيها تنسخ أعمال الفجّار. (¬2) 17 - {وَأْمُرْ (¬3)} بِالْمَعْرُوفِ وَاِنْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ: حقيقة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عند (¬4) العلماء بالقول ألا ترى: أنّ نوحا وهودا وصالحا وإبراهيم وإسماعيل وإسحاق ولوطا وشعيبا وغيرهم من الأنبياء يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر بألسنتهم. وعن ابن عمر قال: قال رسول الله عليه السّلام: «مروا بالمعروف وإن لم تعملوا به، وانهوا عن المنكر وإن لم تنتهوا عنه». (¬5) ولأنّهم لو لم يفعلوا إلا أن يهذّبوا أنفسهم لتعطّلت الأحكام، وخربت دار الإسلام. 18 - {لا تُصَعِّرْ:} لا تتكبّر على الناس، ولا تعرض عنهم تكبّرا. {خَدَّكَ} يعني: ما تحت الوجنة العارض. {مَرَحاً:} أشرا (¬6) وبطرا. 19 - (¬7) كون صوت الحمير أنكر؛ لأنّه يكلّف خلقه من الصوت ما يختنق به. عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ليس المؤمن بالطعّان (¬8) ولا اللعّان ولا الفحّاش ¬
ولا البذيء». (¬1) وعن عائشة قالت: قال رسول الله عليه السّلام: «إنّ هذه الأخلاق منائح، فإذا أحبّ عبدا منحه خلقا حسنا، وإذا أبغض عبدا منحه خلقا (¬2) سيّئا». (¬3) 20 - {وَأَسْبَغَ:} أتمّ. قال: كانت الآية عامّة، فالنعمة الظاهرة صحّة الجسد وكثر العدد والعدد، والنعمة الباطنة تيسير اعتبار، والاختيار والتمكين من الاختيار. وإن كانت خاصّة فالنعمة الظاهرة هو التوفيق لإذلال الطبيعة على استعمال الشريعة، والنعمة الباطنة هو التوفيق للاتّحاد بعد حسن الاعتقاد. 27 - {وَلَوْ أَنَّ ما (¬4)} فِي الْأَرْضِ (259 ظ) {مِنْ شَجَرَةٍ:} قال ابن عباس: هذه الآية مدنيّة. (¬5) والسبب في نزولها: أنّ النبيّ عليه السّلام لّما (¬6) قرأ قوله: {وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاّ قَلِيلاً} (¬7) أتته أحبار اليهود فقالت (¬8): إنّك إن عنيت بها قومك فأنت أعلم (¬9) بهم، وإن عنيتنا فكيف تقول ذلك وأنت تعلم أنّ الله أنزل التوراة على موسى وفيها أنباء كلّ شيء، وخلّفها موسى فينا، وهي معنا؟ فقال النبي عليه السّلام لليهود: «التوراة وما فيها من الأنباء قليل في علم الله عز وجلّ»، فأنزل. (¬10) وذكر الكلبيّ: أنّ السبب في نزولهنّ دعوى المشركين التناقض بين قوله: {وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً} وقوله: {وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاّ قَلِيلاً} فبيّن بهذه (¬11) الآية أنّ الحكمة خير كثير في جنب علم العالمين، وهي قليل في جنب كلمات الله. 28 - {إِلاّ كَنَفْسٍ واحِدَةٍ:} (¬12) قال الفراء (¬13): التشبيه واقع بمضاف مضمر تقديره (¬14): كخلق نفس واحدة وبعثها. ¬
ووجه الاتصال من حيث ذكر الكلمات التي هي علم الله. 29 - {إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى:} وهو وقت استقرار (¬1) الطوالع. 32 - {خَتّارٍ كَفُورٍ:} قال ابن عرفة: «الختر: الفساد، يكون ذلك في الغدر (¬2) وغيره، يقال: ختره الشراب إذا فسد نفسه». (¬3) قال الأزهريّ: الختر أقبح الغدر. (¬4) قال أحمد بن فارس (¬5): الختر: الغدر، والتّختّر: مشية الكسلان. (¬6) 33 - {الْغَرُورُ:} الشيطان. 34 - {إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السّاعَةِ:} قال مقاتل: أتى وارث بن عمرو المحاربيّ (¬7) رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فسأله عن هذه المسائل، فأنزل. (¬8) واتصال الآية من حيث قوله: {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ،} و (¬9) من حيث قوله: {وَلَوْ أَنَّما فِي الْأَرْضِ.} عن ابن عمر، قال النبيّ عليه السّلام: «مفاتيح الغيب خمس: {إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السّاعَةِ} إلى آخر الآية». (¬10) وعن ابن مسعود قال: من (¬11) كلّ شيء أوتي نبيّكم علما إلا من خمس: قول الله: {إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السّاعَةِ.} (¬12) «من قرأ سورة لقمان كان له لقمان رفيقا يوم القيامة، وأعطي من الحسنات بعدد (¬13) من أمر بالمعروف، ونهى عن المنكر». (¬14) ¬
سورة السجدة
سورة السجدة مكية (¬1). وقيل: عن ابن عباس (¬2) وعطاء (¬3) والكلبيّ (¬4): إلا ثلاث آيات نزلن بالمدينة في عليّ والوليد بن عقبة بن أبي معيط، {أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً. . .} الآيات [السجدة:18]. وهي ثلاثون آية في غير عدد أهل البصرة. (¬5) بسم الله الرّحمن الرّحيم 5 - ذكر الكلبيّ عن أبي صالح، عن ابن عباس في قوله: {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّماءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ} قال: في يوم من أيّام الدنيا (¬6)، ولو سار أحد من بني آدم لم يسره في ألف سنة. (¬7) وهذه الرواية (¬8) مخالفة لما سبق عن ابن عباس في هذا الباب، فإن صحّت فيحمتل: أنّه فسّر هذه الآية لتوقيف، أو لدلالة قامت له. ويحتمل: أنّ ما سبق قوله (260 و) الأوّل، وهذه قوله الثاني استفاده من عليّ أو أبيّ أو غيرهما، أو فتح عليه بالإلهام، وأدركته دعوة النبيّ عليه السّلام: «اللهمّ فقّهه في الدين وعلّمه التأويل». (¬9) {مِنَ السَّماءِ إِلَى الْأَرْضِ:} ويحتمل: أنّ كلّ من يحدث في العالم ما بين السماء والأرض، كقولك: فلان يسوس الرعية من جيحون إلى فرات. 7 - {أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ:} عند صيانة شكله إليه، ويعطف مثله إليه، وإن كان قبيحا من وجه كما قيل: القرنبى (¬10) في عين أمّها حسنة. ¬
8 - {مَهِينٍ} (¬1): حقير ذليل. 10 - {ضَلَلْنا:} أي: ضعنا وغبنا، يقال: ضلّ الماء في اللبن إذا صار مستهلكا فيه. 11 - {مَلَكُ الْمَوْتِ:} عزرائيل عليه السّلام يتوفّى الأنفس بحول الله وقوّته. 13 - {كُلَّ نَفْسٍ هُداها:} أي: الإيمان الاختياريّ الذي شاءه الله للمؤمنين، ويسّره لهم، لم يشأه للكفار، فعسّره عليهم، دون الضروريّ عند معاينة البأس. وفيها ردّ على القدرية. 16 - عن أنس بن مالك: أنّ قوله: {تَتَجافى جُنُوبُهُمْ} نزلت في انتظار الصلاة، التي تدعى العتمة. (¬2) أنس، عنه (¬3) عليه السّلام: «ما من إنسان يصلّي في بيت مظلم ركعتين بركوع تامّ وسجود تامّ إلا وجبت له الجنة بلا حساب ولا عذاب». (¬4) وعن جابر، عنه عليه السّلام: «أنّ في الليل ساعة لا يوافقها عبد يسأل الله فيها شيئا إلا أعطاه، وهي في كلّ ليلة». (¬5) عن أسماء بنت يزيد (¬6)، عنه عليه السّلام قال: «يحشر الناس في صعيد واحد يسمعهم الداعي، وينفذهم البصر، ثمّ يقوم مناد ينادي: سيعلم أهل الجمع اليوم من أولى بالكرم، فيقولون: أين (¬7) الذين يحمدون الله في السرّاء والضرّاء؟ فيقومون، وهم قليل، فيدخلون الجنّة بغير حساب، ثمّ يقوم فينادى: أين الذين لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله؟ فيقومون، وهم قليل، فيدخلون الجنّة بغير حساب (¬8)، ثمّ ينادى: أين الذين تتجافى جنوبهم عن المضاجع؟ فيقومون، وهم قليل، فيدخلون الجنّة بغير حساب، ثمّ يؤمر بسائر الناس فيحاسبون». (¬9) {تَتَجافى:} تتنحّى (¬10) وتتباعد. ¬
{فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ. . .:} عن أبي هريرة يبلغ به النبيّ عليه السّلام قال: «قال الله عزّ وجلّ: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر»، وتصديق [ذلك] (¬1) في كتاب الله عزّ وجلّ: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ. . .} الآية. (¬2) 18 - {أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً:} ظاهرها عامّة، ولذلك قال: {لا يَسْتَوُونَ} وقيل: إنّ الوليد بن عقبة قال لعليّ: أنا أفصح منك لسانا، وأحد سنانا (¬3)، وأردّ للكتيبة منك. فقال عليّ: اسكت فإنّك فاسق، فأنزل الله (¬4). وذلك لا يبطل مذهب العموم؛ لأنّ أكثر آي القرآن على هذا السبيل. 19 - {فَلَهُمْ جَنّاتُ الْمَأْوى نُزُلاً:} المغيرة بن شعبة، عنه عليه السّلام: (260 ظ) «أنّ موسى عليه السّلام سأل ربّه أي رب، أيّ أهل الجنّة أدنى منزلة؟ قال: رجل يأتي بعد ما يدخل أهل الجنّة الجنّة (¬5)، فيقال له: ادخل، فيقول: كيف أدخل، نزلوا منازلهم (¬6)، وأخذوا أخذاتهم، فيقال: أترضى أن يكون لك ما كان لملك من ملوك الدنيا؟ فيقول: نعم، أي رب قد رضيت، فيقال له (¬7): إنّ لك هذا ومثله، فيقول: قد رضيت أي رب رضيت، فيقال له: إنّ لك هذا وعشرة أمثالها، فيقول: رضيت أي رب، فيقال له: فإنّ لك مع هذا ما اشتهت نفسك، ولذّت عينك». (¬8) 21 - عن مسروق، عن عبد الله قال: {الْعَذابِ الْأَدْنى} يوم بدر. (¬9) وقال إبراهيم النخعي: إنّه السنون. (¬10) 23 - لقوله: {فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقائِهِ} ثلاثة أوجه: أحدها: أن يعود إلى قوله: ¬
{بَلْ هُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ كافِرُونَ} [السجدة:10]، والثاني: أن يكون ملاقاة محمد رسول الله وموسى عليهما السّلام ببيت المقدس ليلة الإسراء، والثالث: أن يكون المراد ملاقاتهما يوم السبت، وذلك يوم الجمع يوم لا ريب فيه. ويحتمل: أن يكون المراد به لقاء موسى الجبل الذي جعله الله دكّا، وتلقيه الكتاب من عند الله. 26 - {أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ:} الهداية (¬1) مسندة إلى الكميّة تقديره: أفلم يبيّن لهم كمّية هلاك من أهلكنا، أولم يروا علمه في الظاهر. 27 - وعن ابن عباس في قوله: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنّا نَسُوقُ الْماءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ} قال: «هي أرض باليمن». (¬2) 29 - {هذَا الْفَتْحُ:} فتح بدر (¬3)، وقيل: فتح مكّة. (¬4) وقيل: يوم القيامة. (¬5) وهي ظرف حلّ محلّ الخبر المقدّم على المبتدأ، التقدير: هذا الفتح متى كان، أو متى يكون؛ لأنّ الظرف لا يصحّ أن يكون خبرا. {يَوْمَ الْفَتْحِ:} نصب بالظرف، والعامل {لا يَنْفَعُ،} فإن حملنا الآية: الأوّل على يوم بدر فنفي النفع نفي العفو عنهم بغير فداء، وإن حملناه على فتح مكة فنفي النفع هي كونهم مهاجرين غير طلقاء. وذكر الكلبي: أنّ المراد بالفتح فتح مكة، وبنفي نفع الإيمان قتل خالد بن الوليد يومئذ جماعة من خزاعة بعد ما أسلموا لأحنة كانت بينه وبينهم في الجاهليّة، وكان أبو قتادة مع خالد يومئذ فاعتزل الحرب، ثمّ أخبر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فوداهم (¬6) من غنائم خيبر حتى أرضاهم. وإن حملنا على يوم القيامة، فنفي النّفع نفي دخولهم الجنّة وخلاصهم من النّار. عن أبيّ بن كعب، عن عليه السّلام: «من قرأ سورة ألم تنزيل السجدة وتبارك الذي بيده الملك كان له من الأجر كأنّما أحيا ليلة القدر». (¬7) ¬
سورة الأحزاب
سورة الأحزاب مكيّة. (¬1) وهي ثلاث وسبعون آية. (¬2) بسم الله الرّحمن الرّحيم عن زرّ قال: قال لي أبي بن كعب (¬3): كأين تعدّ الأحزاب؟ قلت: اثنتين وسبعين، أو ثلاثا وسبعين، قال: فإنها تعدل سورة البقرة، كانت فيها آية الرّجم، قلت: وما آية الرّجم؟ فقال: الشّيخ والشّيخة إذا زنيا فارجموهما نكالا من الله، والله عزيز (261 و) حكيم. (¬4) وعن عائشة قالت: كانت سورة الأحزاب تعدّ على عهد رسول الله مئتي آية، فإذا كتب المصحف لم يقدر منها (¬5) إلا على ما هي الآن. (¬6) قال أبو بكر الأنباريّ: اللّفظ المذكور في آية الرّجم ترجمة التّنزيل لا عين (¬7) التنزيل؛ لأنّ عين التّنزيل (¬8) معجز، وهذا غير معجز. قال رضي الله عنه: ولا يبعد أن يكون (¬9) اللّفظ لفظ القرآن بعينه، لكنّه لمّا نسخت تلاوته نسخ إعجازه. ذكر الكلبيّ: أنّ أبا سفيان بن حرب وعكرمة بن أبي جهل وأبا الأعور السلميّ قدموا على رسول الله المدينة (¬10) في الموادعة التي كانت بينهم، فنزلوا على ابن أبيّ بن سلول ومعتب بن قشير وجدّ بن قيس (¬11)، فتكلّموا فيما بينهم، فلمّا أجمعوا أمرهم أتوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فعرضوا أشياء كرهها منهم، فهمّ بهم رسول الله والمسلمون أن يقتلوهم، فأنزل: {يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اِتَّقِ اللهَ.} (¬12) ¬
4 - {ما جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ:} في إحالة مجاز القوم، وذلك لنقلهم أحكام الحقائق إلى المجاز، كمن يسمّي إنسانا هابا، ثم يعتقده أنّه نار، فيرفع إليه فتيلة مستوقدا، ويعتقد [أنّ] (¬1) الشّهاب الحقيقيّ إنسان ويأمره وينهاه، واتصالها من حيث {وَلا تُطِعِ،} فإن النّفل كان من صنيعهم. وسئل ابن عباس عن (¬2) هذه الآية فقال: قام نبي الله عليه السّلام يوما (¬3) يصلّي، فخطر (¬4) خطرة، فقال المنافقون الّذين يصلّون معه: ألا ترى له قلبين: قلبا معكم، وقلبا معهم، وأنزل، بمعنى قوله. (¬5) وقال ابن جريج: هو رجل من بني فهر كان يقول: إنّ لي قلبين: أعقل بأحدهما ما يعقل محمد بقلبه، وكذّب. (¬6) زاد الكلبيّ: بيان اسم الرّجل معمر بن أسد، قال: وتلقاه أبو سفيان بن حرب يوم بدر، وهو معلّق إحدى نعليه، والأخرى في رجليه، فقال: يا أبا معمر، ما يعمل الناس؟ فقال: انهزموا، فقال: ما بال إحدى نعليك في يدك والأخرى في رجلك؟ قال: أبو معمر: ما شعرت إلا أنهما جميعا في رجلي، فعرفوا يومئذ جميعا أنّه ذو قلب واحد، ولو كان له قلبان لما نسي نعله في يده من شدّة الخوف. وهذا التأويل يروى عن مجاهد (¬7) وابن بريدة (¬8) وغيرهما. ويحتمل: نفي اجتماع عقيدتين مختلفين في قلب واحد، على سبيل الإنكار على المنافقين الذين كانوا يلقون رسول الله بوجه والكفار بوجه (¬9). {وَما جَعَلَ أَزْواجَكُمُ اللاّئِي تُظاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهاتِكُمْ:} سنذكر (¬10) أحكامها في سورة المجادلة. {وَما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ:} فستذكر (¬11) في قصّة زيد. والأدعياء: جمع دعيّ، وهذا (¬12) الذي يدّعيه على سبيل الاتّخاذ والاتّحاد، وسبيل الافتراء والإلحاد (¬13). ¬
5 - عن سالم بن أبي الجعد: لّما نزل: {اُدْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ} لم يعرف لسالم أب، فقال: سالم من الصالحين. (¬1) وعن ابن عمر: (261 ظ) ما كنّا ندعو زيد بن حارثة إلا زيد بن محمد حتى نزل القرآن {اُدْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ.} (¬2) 6 - {النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ} (¬3): في تشريف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والمجاوزة (¬4) به من رتبة إلى رتبة الولاية، وكان (¬5) أولى بنا لكونه في غاية الاتحاد بروح (¬6) الله، وكون الشهادة به شطر الإيمان. وأزواجه أمهاتنا (¬7)؛ لأنّ الأمومة غاية مراتب الحرمة والتّعظيم في حقّ النّساء. {كانَ ذلِكَ فِي الْكِتابِ مَسْطُوراً:} اللّوح المحفوظ. (¬8) {مَسْطُوراً} (¬9): مكتوبا في كتاب الوصيّة على سبيل اعتبار غالب أحوال الوصيّة. 7 - {وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ:} عن قتادة: كان النّبي عليه السّلام آخرا وبدئ (¬10) به أوّلا. (¬11) 8 - {لِيَسْئَلَ الصّادِقِينَ:} عن تبليغهم وتأديتهم الصدق لوجه الله. (¬12) 9 - {إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ:} عن مجاهد قال: كانت الصّبا تكبّ القدور على أفواهها، وتقطع الفسطاط حتى أظعنتهم. (¬13) وعنه عليه السّلام قال (¬14): «نصرت بالصّبا، وأهلكت عاد ¬
بالدّبور». (¬1) قال الأمير رضي الله عنه: كانت هذه الواقعة سنة خمس في غزوة الأحزاب، وهي غزوة الخندق. وكان سببها: أنّ النّبيّ عليه السّلام لمّا أجلى بني النّضير ساروا إلى خيبر ورأسهم (¬2) أبو رافع سلام بن أبي الحقيق، فخرج حييّ بن أخطب وكنانة بن (¬3) الربيع وأبو عمّار اليهوديّ في بضعة عشر رجلا إلى مكة، فدعوا قريشا إلى حرب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ودعوا سائر القبائل كذلك، فسارت قريش وأتباعها في (¬4) أربعة آلاف قائدهم أبو سفيان، وفيهم ثلاث مئة فرس، وألف وخمس مئة بعير، وسارت غطفان وفزارة في ألف يقودهم عيينة بن حصين الفزاريّ، وسارت سليم في تسع مئة يقودهم أبو الأعور السلميّ، وسارت بنو أسد في عدد كثير يقودهم طليحة [بن] (¬5) خويلد، وسارت أشجع في أربع مئة يقودهم مسعر بن دحيلة، وأقبلت يهود في عدد كبير، فلما انتهوا إلى المدينة استعانوا ببني قريظة، فأعانوهم (¬6)، وصاروا معهم إلى أن فرّق الله بينهم، وعسكر رسول الله عليه السّلام خارج المدينة نحوهم يوم الثلاثاء لثمان خلون من ذي القعدة، ثمّ شاور (¬7) أصحابه بإذن الله، فأشار عليه سلمان الفارسيّ بحفر الخندق، فأعجب المسلمون (¬8) رأيه، فجعل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سلعا (¬9) خلفه، وخندق بين يديه مقدار ما كان عورة، وكان سائر المدينة كالحصن من جهة البنيان، وأرسل النّسوان والصّبيان (¬10) إلى الآطام. (¬11) وعن البراء بن عازب: كان النبيّ عليه الصلاة والسّلام ينقل معهم التراب يوم الخندق، وهو يقول: «اللهمّ لا عيش إلا عيش الآخرة … فاغفر للأنصار والمهاجرة (¬12)» (¬13) ¬
ويقول: «اللهمّ (¬1) … لولا أنت ما اهتدينا ولا تصدّقنا ولا صلّينا فأنزلن سكينة علينا … وثبّت الأقدام إن لاقينا إنّ الأولى قد بغوا علينا … إذا أرادوا فتنة أبينا» ورفع بها صوته، (¬2) بأبينا. وقتل عليّ (262 و) رضي الله عنه يومئذ عمرو بن عبدودّ، وقد أعطاه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سيفه (¬3)، فقتله، (¬4) وقتل الزبير نوفل [بن] (¬5) عبد الله المخزوميّ، ورمى حبان بن العرقة سعد بن معاذ فقطع أكحله، (¬6) ولم يمت حتى حكم (¬7) حكمه في بني قريظة بإذن الله عز وجل، ثم سأل الله الشهادة، فانفجرت الجراحة. (¬8) وجاء نعيم بن مسعود الأشجعيّ، فقال: يا رسول الله، إنّي قد أسلمت، وإنّ قومي لم (¬9) يعلموا بإسلامي، فمرني بما شئت، فقال له رسول الله: «إن استطعت أن تخذّل عنّا النّاس فافعل»، فأتى نعيم بن مسعود بني قريظة فأشار عليهم أن لا يقاتلوا مع قريش وغطفان حتى يأخذوا منهم رهائن يستوثقون بهم، فصوّبوا رأيه، ثمّ أتى أبا سفيان فأعلمه أنّ قريظة قد عزمت على أن تأخذ رهائن منكم، وتسلّمهم إلى محمّد عليه السّلام، وحذّرهم أن يدفعوا إليهم الرّهائن، ثمّ أتى غطفان، فقال لهم مثل ذلك، فوقع بين القوم، وآيس بعضهم من بعض، وأرسل الله ريح الصّبا، فأطفأت نيرانهم، وقطعت أطناب فساطيطهم، وأظلم الجوّ عليهم بقسطل (¬10) سدّ الأفق، فكان الرّجل لا يهتدي إلى رحله، فارتحلوا منهزمين (¬11). (¬12) ¬
وكان من دعاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يومئذ (¬1): «اللهمّ منزّل الكتاب، سريع الحساب اهزم أهل الأحزاب» (¬2). وكان المشركون قد شغلوا رسول الله عليه الصلاة والسّلام يومئذ عن صلاة الظّهر والعصر والمغرب والعشاء حتى كشفهم الله تعالى، فأمر عليه الصلاة والسّلام بلالا فأدّن، وأقام الظّهر، وأقام لكل صلاة بعدها، فقضاهنّ على التّرتيب، (¬3) ورجع إلى المدينة، وقد استخلف عليها عبد الله بن أمّ مكتوم، (¬4) وكان زيد بن حارثة يومئذ يحمل لواءه الأعظم لواء المهاجرين، وكان سعد بن عبادة صاحب لواء الأنصار. (¬5) وكان حسّان بن ثابت قد التجأ إلى حصن مع جماعة من النّساء فيهم صفيّة بنت عبد المطلب، فقصده عشرة من اليهود يرمون، وصفيّة تقول: دونك يا أبا الوليد، وهو يأبى، ولا يتجانس عليهم، فدنا أحدهم من الباب يريد أن يدخل، وآيست صفيّة وسائر النّساء من حسّان، فاحتجزت صفيّة بثوبها، وأخذت خشبة، ونزلت إليه. (¬6) غزوة الخندق على سبيل الاختصار. 10 - {إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ:} قال الكلبيّ: هذه في مجيء أبي الأعور السّلميّ من أسفل الوادي، واعترض إلى أبي سفيان من قبل الخندق. {وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ:} هما عبارتان عن شدّة الخوف. (¬7) و (الحناجر): جمع حنجرة، وهي رأس الغلصمة. (¬8) {وَإِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ:} قال الكلبيّ: هو رجل واحد معتب بن قشير، وإنّما قال ذلك حين أخبرهم (262 ظ) بفتح فارس وملك الرّوم. (¬9) ¬
13 - {وَإِذْ قالَتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ} (¬1): في المخلّفين (¬2) عن المعسكر، والراجفين إلى الحصن، والمشيرين على أصحابهم بذلك، يريدون به خذلان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فكانوا يعتذرون (¬3) إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بأنّ بيوتنا عورتنا (¬4). {عَوْرَةٌ:} يخاف عليها السّرق، وهم كاذبون (¬5) فيما يقولون. (¬6) {يَثْرِبَ:} اسم المدينة في الجاهليّة، سمّاها رسول الله طيبة، (¬7) فكانوا يلحدون إلى الاسم الأوّل لنفاقهم وبغضهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. 24 - {وَلَوْ دُخِلَتْ:} أي: المدينة. (¬8) {مِنْ أَقْطارِها:} أطرافها ونواحيها. (¬9) {ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ:} أي: طلبوا الكفر. (¬10) {وَما تَلَبَّثُوا بِها إِلاّ يَسِيراً:} أي: لو آتوا الفتنة لما مهلّهم (¬11) الله إلا قليلا. ويحتمل: أنهم آتوها، ولم يتلبّثوا يروها وبالثّبات (¬12) على الإيمان إلا قليلا. 15 - {عاهَدُوا اللهَ مِنْ قَبْلُ:} يعني: بيعة العقبة قبل الهجرة، معقد عليهم ذلك العقد العبّاس (¬13) بن (¬14) عبد المطلب لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم بإذن الله تعالى. (¬15) 18 - {الْمُعَوِّقِينَ:} المثبّطين، والعائق: الصارف عن القصد. (¬16) ¬
{هَلُمَّ:} كلمة دعوة، قيل: أصلها هل الاستفهام والأمر من أمّ يؤمّ. (¬1) 19 - {أَشِحَّةً:} الظّاهر أنّه الشّحّ يمنع الموالاة والنّصر. (¬2) وذكر الكلبيّ: أنّه يمنعهم النّفقة عن إخوانهم الذين كانوا في المعسكر. {تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ:} في حماليقهم. {كَالَّذِي يُغْشى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ:} للدّهش والحيرة. {سَلَقُوكُمْ:} سلخوكم، تقول: سلقته بالسّوط، وسلقت اللّحم عن العظم، ومنه السّلاق وهو يقشر جلد اللّسان، ولكنّه مستعار في الجهر بالقول السّيّئ ورفع الصّوت، ومنه خطيب مسلاق، (¬3) وفي الحديث: «ليس منّا سلق أو حلق» (¬4)، وفي الحديث: «لعن الله السّالقة» (¬5). {حِدادٍ} (¬6): جمع حديد، وهو ذا (¬7) الحدّة. 20 - {يَحْسَبُونَ الْأَحْزابَ لَمْ يَذْهَبُوا:} في الذين خبّتوا (¬8) عن القتال، ولم يصدّقوا المؤمنين في انهزام الأحزاب. (¬9) {وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزابُ:} مرّة أخرى (¬10). يودّ (¬11) هؤلاء المنافقون أن يكونوا متميّزين (¬12) عنكم. {لَوْ أَنَّهُمْ بادُونَ فِي الْأَعْرابِ يَسْئَلُونَ:} يستخبرون النّاس. {عَنْ أَنْبائِكُمْ:} كالأجانب. 21 - {أُسْوَةٌ:} قدوة، والتأسّي: الاقتداء. (¬13) ¬
22 - {وَلَمّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ قالُوا هذا ما وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ:} لأنّ النّبيّ عليه السّلام كان قد أخبرهم مجيء الأحزاب بسبع أو بتسع أنّهم يجيئون. (¬1) 23 - عن أنس بن مالك: أن عمّه النضر بن أنس غاب عن قتال بدر، فقال: غبت عن أوّل قتال قاتله رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المشركين، لئن أشهدني قتالا للمشركين ليريّنّ الله كيف كيف (¬2) أصنع؟ فلما كان يوم الأحد انكشف المسلمون، فقال: اللهمّ إنّي أبرأ إليك ممّا جاء به هؤلاء، يعني: المشركين، وأعتذر إليك ممّا صنع هؤلاء، يعني: أصحابه، ثمّ تقدّم فلقيه سعد، فقال: يا أخي، ما فعلت فأنا معك، (263 و) قال: فلم أستطع أن أصنع ما صنع، فوجد فيه بضع وثمانون من بين ضربة بسيف وطعنة برمح ورمية بسهم، قال: فكنّا نقول فيه وفي أصحابه نزلت قوله: {فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ.} (¬3) وعن عائشة في قوله: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ:} منهم طلحة بن عبيد الله، (¬4) ثبت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم أحد، فأصيب (¬5) فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أوجب طلحة الجنّة». (¬6) {لِيَجْزِيَ اللهُ:} اللام عائدة إلى قوله: {فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً،} [أو] (¬7) إلى قوله: {وَكانَ عَهْدُ اللهِ مَسْؤُلاً.} الأوّل أظهر؛ لأنّ الآية تليها: {وَرَدَّ اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا} [الأحزاب:25] عائدة إلى أوّل القصّة على سبيل ردّ عجز الكلام على صدره. 26 - {وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظاهَرُوهُمْ:} نزلت في غزوة بني قريظة. (¬8) والسّبب في ذلك: أنّ النّبيّ عليه السّلام لمّا علم بقدوم (¬9) الأحزاب أرسل إليهم سعد بن معاذ الأنصاريّ وخوّات بن جبير يستنصرهم على الأحزاب على قضيّة الصّلح الذي كان بينهم ¬
وبين المسلمين، فأبوا أن ينصروه، ونقضوا العهد، وشتموا الرّسول والمرسل، وأظهروا حقدهم وتعصّبهم لبني النّضير الذين كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أجلاهم إلى الشّام قبل ذلك بسنتين، فلما نزل المشركون بساحتهم استنصرهم حييّ بن أخطب، وكان من بني النّضير، فامتنعوا منه (¬1) بعض الامتناع، ثمّ أجابوه، وضمنوا إعانته على شريطة أن يدخل معهم الحصن، إن كانت الدائرة (¬2) عليهم، ثمّ تخلّفت اليهود عن المشركين لمكان السبت، وغضب أبو سفيان بن حرب، فلم ينتظرهم، فهزم الله الأحزاب بما (¬3) ذكرنا. (¬4) ودخل حييّ بن أخطب الحصن مع بني قريظة، (¬5) ورجع رسول الله إلى المدينة فجعل يغسل رأسه ممّا لقي يوم الخندق، فقالت عائشة يا رسول الله: إنّي لأرى دحية الكلبيّ عند المنبر، فنظر عليه السّلام فإذا هو جبريل يمسح الغبار عن وجهه، فقال له (¬6) جبريل: والله، يا محمد، ما وضع أهل السماء أسلحتهم، وقد وضعتم أسلحتكم، اخرج إلى بني قريظة، فقال النّبيّ عليه السّلام: كيف أصنع بهم وهم في حصنهم؟ قال: اخرج إليهم، والله لأدقّنّهم بالخيل والرّجال كما تدقّ البيضة على الصّفا، ولأخرجنّهم من حصنهم، فنادى رسول الله في النّاس يأمرهم بالخروج إلى بني قريظة، وخرج هو بنفسه، على مقدمته عليّ بن أبي طالب، وعلى الميمنة زيد بن حارثة، وعلى الميسرة ثابت بن أثرم الأنصاريّ، واستخلف على المدينة أبارهم كلثوم بن الحصين (263 ظ) الغفاريّ، فما انتهى إليهم استنزلهم، فقال: انزلوا على حكم الله ورسوله يا إخوة القردة، فنزل أسد وأسيد وثعلبة بنو شعبة بن عمرو مسلمين مؤمنين، وامتنع الباقون عن النّزول، فأرسل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أبا لبابة بن عبد المنذر، وقال: قل لحلفائك (¬7) ينزلون على حكم الله ورسوله، فأشار إليهم أبو لبابة ووضع يده على حلقه ينذرهم بالذّبح إن نزلوا، وقالوا: لا ننزل، فقال رسول الله: يا أبا لبابة، خنت الله ورسوله، قال: نعم يا رسول الله، وندم على صنيعه، فارتبط على سارية من سواري المسجد بضع عشرة ليلة حتى نزلت توبته، فلبثوا خمسا (¬8) وعشرين ليلة، ثم استنزلهم على حكم سعد بن معاذ، فنزلوا، وكان سعد بن معاذ حكما، فحكم بقتل مقاتلتهم، وسبي ذراريهم ونسائهم، وقسّموا أموالهم، وقتل سراتهم، وكانوا ¬
تسع مئة وخمسين رجلا، وقيل: أربع مئة وخمسين، وجيئ بحييّ بن أخطب، وعليه معطفة (¬1) حمراء، فشقّها على نفسه مخافة أن يسلب، فأمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بضرب عنقه، وكانت الخيل في هذه الغزوة في عسكر رسول الله ستة وثلاثين فرسا. (¬2) وروي في بعض التّاريخ: أنّ النّبيّ عليه السّلام اصطفى من السّبي ريحانة بنت عمرو بن خنافة، (¬3) وليس بمعروف. وكان يحمل رايته عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه. (¬4) وكانت امرأة من قريظة ألقت رحا من فوق الحصن فقتلت خلاّد بن سويد، فأمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بقتل تلك المرأة، فقتلت. (¬5) ونهى في هذه الغزوة أن يفرّق بين الأمّ وولدها، وبين الأختين إذا كانتا صغيرتين، وبلغ عدد السّبي تسع مئة. (¬6) {مِنْ صَياصِيهِمْ:} جمع صيصية، وهي كلّ ما يقع به الامتناع والتّحصّن، وصياصيّ البقر قرونها، وصيصيتا الدّيك شوكتاه، (¬7) وفي حديث أبي هريرة: «أصحاب الدّجال شواربهم كالصّياصيّ» (¬8). 27 - {وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ:} مزارعهم وبساتينهم. (¬9) {وَأَرْضاً لَمْ تَطَؤُها:} بيوتهم وخزائنهم. وذكر الكلبيّ: أنّ الأرض التي لم يطؤوها خيبر. (¬10) أي: سيورّثكم. ويحتمل: أنّ الآية نزلت بعد فتح خيبر، وأراد بالأرض ممّا أفاء الله على رسوله من أهل القرى لم يوجفوا (¬11) خيلا ولا ركابا (¬12). 28 - {يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ:} جابر بن عبد الله قال: مكث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوما في بيته لم يخرج، فحضر النّاس في المسجد ينتظرونه، فجاء أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، ¬
وقالوا: لو أنّ أبا بكر استأذن على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فاستأذن أبو بكر، فردّ، ثم استأذن عمر، فردّ، فجلسا مع النّاس ساعة، فقال القوم لأبي [بكر] (¬1): استأذن، فاستأذن، فأذن (264 و) له، ثم استأذن عمر، فدخلا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ونساؤه كلّهن حوله وهو ناكس رأسه، ثم رفع رأسه، فقال عمر: يا رسول الله، لو رأيت ابنة زيد وقد سألتني النّفقة والكسوة، فقمت إليها، فوجأت رقبتها وجأة فخرّت (¬2)، فضحك رسول الله حتّى بدا نواجذه، ثمّ قال: والله ما حبسني عنكم منذ اليوم إلا من تسألني النّفقة والكسوة، فقام أبو بكر إلى عائشة فضربها، فأمسكه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وقام عمر إلى حفصة فقال: والله لا تسألين بعد هذا اليوم شيئا، ثمّ خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فصلّى، ثمّ نزل التّخيير، فبدأ بعائشة، فقال: يا عائشة، إنّي عارض عليك أمرا فلا تعجلي حتى يأتيك أبوك وأمّك فتسأليهما، فلمّا عرض عليها (¬3)، قالت: أنّى استشير فيك أبي وأمّي، أنا أختار الله ورسوله والدار الآخرة، وأحرّج (¬4) عليك أن تخبر أحدا من صواحباتي ماذا قلت، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: معاذ الله من ذلك، إنّ الله لم يبعثني معنّفا ولا متعنّتا، ولكن بعثني معلّما ميسّرا، فلا تسألني امرأة إلا أخبرتها أنّك اخترت الله ورسوله والدار الآخرة، فعرض عليهن، فقلن ما قالت عائشة؟ فأخبرهنّ (¬5) ما قالت، فقلن: ونحن اخترنا الله ورسوله والدار الآخرة. (¬6) 30 - {يا نِساءَ النَّبِيِّ:} أزواجه وبناته وسائر الهاشميّات، والخطاب قد تناولهنّ (¬7) جميعا. {يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ:} لأن المحنة على قدر النّعمة، (¬8) بدليل اختلاف المحصن وغير المحصن (¬9) في حكم الزّنا. 32 - {فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ:} فلا تليّنّ الكلام، ولا تلطّفن الصوت. (¬10) {وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً:} لا تغنّج فيه ولا ريبة. 32 - عن ابن عباس قال: {الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى} كانت بين إدريس ونوح عليهما السّلام، ¬
وكانت ألف سنة. (¬1) وقيل: إنّ الجاهلية الأولى كانت في أيّام نمرود. (¬2) وعن عمر بن سلمة ربيب النّبيّ عليه السّلام قال: لمّا نزلت: {يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً} كان في بيت أمّ سلمة فدعا فاطمة والحسن والحسين فجلّلهما (¬3) بكساء، وعليّ خلف ظهره، فجلّلهم بكساء، ثمّ قال: «اللهمّ هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرّجس وطهّرهم تطهيرا»، قالت أمّ سلمة: وأنا معهم يا نبيّ الله، قال: «إنّك على مكانك، وأنت على خير». (¬4) وفي بعض الروايات: قالت أمّ سلمة: ألست من أهل بيتك يا رسول الله؟ قال: بلى، فأدخلها معهم في كسائه. ولكن الرّواية الأولى أشهر، فإن لم يدخلها فلاستغنائها بظاهر الكتاب، فليطمئنّ قلبها، أو كونها متأخرة في تزوجه عن نزول الآية. 35 - وعن أمّ سلمة (264 ظ) قالت: قلت: يا رسول الله، تذكر الرّجال في كلّ شيء، ولا نذكر، فأنزل الله: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ. . .} الآية. (¬5) وإنما أحبّت أمّ سلمة إفراد النّساء بالذّكر على سبيل الإتباع والإجمال ليتشرفن بذلك ويتبركن، لا (¬6) لأنّ ظاهر الخطاب لا يتناولهنّ، فإنّ طريقة العرب مشهورة أنّهم إذا جمعوا بين مذكّر ومؤنّث، وعاقل وغير عاقل، ومفرد ومضاف أن يغلّبوا المذكّر والمؤنّث والعاقل والمفرد. {وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ:} نزلت في شأن زينب بنت جحش (¬7) بن رياب بن أعصر بن ضمرة بن مرّة بن كثير بن عثم بن داود بن أسد بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر الأسديّة، وأمّها أميمة بنت عبد المطّلب عمّة رسول الله، توفّيت زينب في زمن عمر بن الخطّاب، فسترت على جنازتها بنعش، وهي أوّل من سترت بنعش، فشيّع الجنازة عمر رضي الله عنه، فلمّا رأى النّعش استحسن ذلك، وقال: نعم حنا الظّعينة. (¬8) وكان السّبب في ذلك أنّ النّبيّ عليه السّلام أمرها أن تتزوّج بمولاه زيد بن (¬9) حارثة بن ¬
شراحيل بعد وفاة أمّ أيمن مولاة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، أو أسامة بن زيد (¬1)، وزيد هذا هو الذي ابتلاه الله تعالى بنفي نسبه عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعد ثبوته، وابتلاه الله بمزاجّة رسوله إيّاه وامرأته على ما سنذكره، وكان راضيا عن الله تعالى مطمئنا بقلبه على الإيمان، فعوّضه الله من مجاز النّسبة والمرأة الفاتنة ذكرا مخلّدا، وهو أن صرّح باسمه ووصفه بالجميل في كتابه المعجز، وهو حيّ مكلّف يأكل الطعام، ويمشي في الأسواق، وهذه رتبة كانت مختصة برسول الله صلّى الله عليه وسلّم قبل ذلك، لم ينلها حمزة وعباس وعليّ، ولا أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، ولا فاطمة والحسن والحسين، ولا خديجة وعائشة وحفصة. وسئل الزّهريّ: من أوّل من أسلم؟ قال: من النّساء خديجة، ومن الرّجال زيد بن حارثة. (¬2) وعن سليمان بن يسار قال: أوّل من أسلم زيد بن حارثة. (¬3) روي: أنّ حارثة (¬4) تزوج إلى طيء بامرأة من بني نبهان (¬5)، فأولدها جبلة وزيدا وأسماء، فتوفّيت أمّهم، وبقوا في حجر جدّهم (¬6) لأمّهم، وأراد أبوهم حملهم، فأبى عليه جدّهم، ثمّ تراضوا على أن حمل جبلة وأسماء، وترك زيدا عند جدّه، فجاءت خيل من تهامة، فأغارت على طيء، فسبت زيدا، وطاروا به إلى سوق عكاظ، فرآه النّبيّ (¬7) عليه السّلام من قبل أن يبعث، فقال لخديجة: «يا خديجة، رأيت في السّوق غلاما صفته كيت وكيت، يصف عقلا وأدبا وجمالا (¬8)، (265 و) لو أنّ لي مالا لاشتريته»، فأمرت خديجة ورقة بن نوفل، فاشتراه من مالها، فقال لها النّبيّ عليه السّلام: «يا خديجة، هذا الغلام بطيبة من نفسك»، فقال: يا محمد، إني رأيت غلاما رضيّا، وأحبّ أن أتبنّاه، وأخاف أن تبيعه، أو تهبه، فقال: «يا موفّقة، ما أردت إلا أن أتبنّاه»، فقالت له (¬9): خذه يا محمد، فربّاه وتبنّاه، وكان يقال له: زيد بن محمد، فجاء رجل من الحيّ فرأى زيدا، فعرفه، فقال: ألست زيد بن حارثة؟ قال: لا، أنا زيد بن محمد، قال: بلى أنت زيد بن حارثة، نسبة أبيك وعميك (¬10) وإخوتك كيت وكيت، وقد أتعبوا الأبدان، وأنفقوا ¬
الأموال في سبيلك، فقال (¬1): ألكني إليّ قومي وإن كنت نائيا … يأبى قطين البيت عند المشاعر فكفّوا عن الوجد الذي قد شجاكم … ولا تعلموا في الأرض نصّ الأباعر فإنّي بحمد الله في خير أسرة … خيار معد كابر بعد كابر وإنّي مولى للنّبيّ (¬2) … محمد حويت بهم سهم القريع المفاخر فمضى الرجل وأخبر حارثة، ولحارثة في ذلك شعر [من الطويل]: (¬3) بكيت على زيد ولم أدر ما فعل … أحيّ يرجى أم أتى دونه الأجل فو الله ما أدري وإنّي لسائل … أغالك سهل الأرض أم غالك الجبل فيا ليت شعري هل لك (¬4) … الدّهر رجعة فخير من الدّنيا رجوعك لي بجل سأعمل نصّ العيس في الأرض جاهدا (¬5) … ولا نسأم التّطواف إذ تسأم الإبل وإن هبّت الأرياح هيّج ذكره … فيا طول أحزاني عليه ويا وجل تذكّرنيه الشّمس عند طلوعها … وتعرض ذكراه إذا عسعس الطفل حياتي أو تأتي عليّ منيّتي … وكلّ أمرئ (¬6) فان وإن غرّه الأمل ثمّ إن حارثة أقبل مكة وأخواه وولده وبعض عشيرته، فإذا النّبيّ عليه السّلام في فناء الكعبة في نفر من أصحابه، وزيد فيهم، فلمّا نظروا إليه عرفوه وعرفهم، فقالوا: يا زيد، فلم يجبهم انتظارا منه لرأي رسول الله عليه السّلام، فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: من هؤلاء يا زيد؟ فقال: يا رسول الله، هذا أبي وهذان عمّاي، وهذا أخي، وهؤلاء عشيرتي، فقال له: قم يا زيد، فسلّم عليهم، وسلّموا عليه، فقال (¬7): امض معنا يا زيد، فقال: ما أريد برسول الله بدلا، (265 ظ) ولا أوثر عليه أحدا، قالوا: يا محمد، إنّا معطوك بهذا الغلام ديّات، فسمّ ما شئت، فإنّا حاملوه إليك، فقال: أسألكم أن تشهدوا أن لا إله إلا الله وأنّي خاتم أنبيائه ورسله (¬8)، فأبوا وتلكؤوا (¬9)، ¬
وتلجلجوا، وقالوا: نعطي ما عرضنا عليك يا محمد، قالوا: هاهنا (¬1) خصلة غير هذه، قد جعلت الأمر إليه، إن شاء فليرحل، قالوا: يا محمد، ما بقي، قضيت ما عليك، يا زيد (¬2) فانطلق معنا، قال: هيهات هيهات، ما أريد برسول الله بدلا، ولا أوثر عليه أحدا، قال أبوه: يا نبيّ الله، أمّا أنا (¬3) فأقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسوله، فآمن حارثة، وأبى الباقون، ورجعوا إلى البريّة. والحديث مختصر. (¬4) وعن أبي عمرو الشيبانيّ: أنّ جبلة بن حارثة قال: قدمت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقلت له: يا رسول الله، ابعث معي أخي زيدا، قال: هو ذا، فإن انطلق معك لم أمنعه، قال زيد: يا رسول الله، والله لا أختار عليك أحدا، قال جبلة بن حارثة: فرأيت رأي أخي أفضل. (¬5) وعن عمر: أنّه فرض لأسامة بن زيد في ثلاثة آلاف وخمس مئة، وفرض لعبد الله بن عمر في ثلاثة آلاف، فقال عبد الله لأبيه: لم فضّلت أسامة عليّ، فوالله ما سبقني إلى مشهد، قال: لأنّ زيدا كان أحبّ إلى رسول الله من أبيك، وكان أسامة أحبّ إلى رسول الله (¬6) منك، فآثرت حبّ رسول الله على حبّي. (¬7) وعن ابن عمر: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعث بعثا وأمّر عليهم أسامة بن زيد، وطعن (¬8) النّاس في إمرته (¬9)، فقال: إن تطعنوا في إمرته فقد كنتم تطعنون في إمرة أبيه من قبل، وايم الله، إن كان لخليقا للإمارة، وإن كان لمن أحبّ النّاس إليّ، وإنّ هذا من أحبّ النّاس إليّ بعده. (¬10) فلمّا كان زيد من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بهذه المنزلة أحبّ إكرامه وتشريفه بأن تزوّج منه بنت عمّته، فترفعت المرأة عن ذلك، فأنزل الله هذه الآية، فسلّمت لحكم الله، وتزوّجت بزيد بن حارثة. 37 - {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ:} إنعام الله توفيقه للإيمان، وإنعام رسول الله هو عتقه وتزويجه. (¬11) ¬
{وَاِتَّقِ اللهَ:} من كلام رسول الله له. {وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ:} معطوف على بلغ (¬1). والسّبب في نزولها: أنّ المرأة مكثت عند زيد ما شاء الله، ثمّ إنّ رسول الله أتى بيت زيد ذات يوم وهو غائب عن بيته، فوقع بصره على المرأة وهي قائمة في درع وخمار، فألقى الله حبها في حبه (¬2)، فأعرض عنها مدبرا وهو يقول: سبحان الله (¬3) مقلّب القلوب، (266 و) فلمّا سمعت المرأة تلك اللّفظة علمت بما ابتلي به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فجلست متستّرة، ولم تكلّم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ورجع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى بيته، ورجع زيد إلى بيته (¬4)، فأخبرته المرأة بالقصّة، فلم يثبت زيد أن جاء إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو يشكو زينب بأنّها متكبّرة ذات نخوة، ما تطيعه في أمر، ولا تبرّ قسمه، وأنّه (¬5) يريد أن يطلّقها، فزجره النّبيّ عليه السّلام تمسّكا بالنّصيحة الشّرعيّة، وفي قلبه ما في قلبه، فأظهر الله ذلك عليه. (¬6) وعن عائشة رضي الله عنها قالت: لو كان النّبيّ كاتما شيئا من الوحي لكتم هذه الآية. (¬7) فلمّا نزلت الآية (¬8) أذن النّبيّ عليه السّلام لزيد في طلاقها، وفي أن خطبها بعد ذلك لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فرجع زيد وأخبر المرأة بأنّه شكا منها إلى رسول (¬9) الله صلّى الله عليه وسلّم، فاستأذن في طلاقها، فأذن له في ذلك، ثمّ قال لها: جزاك الله خيرا إن كنت لتطيعيني (¬10) وتبرّين قسمي، فبكت المرأة، ثمّ أخبرها بأنّه وكيل من جهة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في أن يخطبها له، فضحكت. (¬11) {فَلَمّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً:} أي: استوفى حاجته من النّظر والمفاكهة والملاعبة إلى ما وراء ذلك من المسيس وغيرها. الوطر: الأرب والحاجة. (¬12) ¬
وعن الشّعبيّ: أنّ زينب بنت جحش قالت للنّبيّ عليه السّلام: إنّي لأدلّ عليك بثلاث، ما من نسائك امرأة تدلّ بهن: إحداهنّ: أنّ جدّي وجدّك واحد، والثاني: أنّ الله تعالى زوجنيك من السماء، والثالث: أنّ السفير جبريل (¬1) عليه السّلام. (¬2) {لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ:} يبين أنّ فعل النّبيّ عليه السّلام كان فعلا طاهرا يدلّ على جوازه لأمّته ما لم تقم دلالة لتخصيص فيها فرض الله له، وفي استباحة ما خصّه الله بالإباحة (¬3) له ممّا يراه النّاس محظورا عليه بعقولهم أو بأوهامهم. 38 - {سُنَّةَ اللهِ:} نصب على المصدر، أي: سنّ الله فيك سنّته. (¬4) {وَكانَ أَمْرُ اللهِ قَدَراً (¬5)} مَقْدُوراً: أي: كان قضاؤه مقدّرا. (¬6) 39 - {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ:} في محلّ الخفض بدلا من {الَّذِينَ خَلَوْا} (¬7) [الأحزاب:38]. 40 - {مِنْ رِجالِكُمْ:} أي: من رجال الدّنيا، فإنّ الله استأثر نبيّه أطفالا لم يبلغوا مبلغ الرّجال. (¬8) وقال الشّعبيّ: ما كان ليعيش فيكم له ولد ذكر (¬9). (¬10) وتسمية الفاطميّة بني رسول الله على المجاز، كقوله عليه السّلام لأغيلمة (¬11) ليلة الجمع حين قدّم ضعفة أهله: «أبنيني لا ترموا جمرة العقبة حتى تطلع الشّمس» (¬12). 41 - {اُذْكُرُوا اللهَ ذِكْراً كَثِيراً:} عن عبد الله بن بسر (266 ظ) أنّ رجلا قال: يا رسول الله، إنّ شرائع الإسلام قد كثرت عليّ، فأخبرني بشيء أتشبّث به، فقال: «لا يزال لسانك رطبا من ذكر الله» (¬13)، وعن أنس قال: قال رسول الله عليه السّلام: «ذكر الله علم ¬
الإيمان (¬1)، وبراءة من النّفاق، وحصن من الشّيطان، وحرز من النّار» (¬2). 44 - {تَحِيَّتُهُمْ:} من عند الله. (¬3) فكفى للجيفة البالية فخرا بأن يحيّيها محيّيها، وينجّيها منجّيها. 46 - {إِلَى اللهِ بِإِذْنِهِ:} يحتمل: الوحي فرقا للنّبيّ عليه السّلام. ويحتمل: التّوفيق (¬4). 48 - {وَدَعْ أَذاهُمْ:} واترك مراعاة جانبهم والتودّد إليهم باحتمال مشقّتهم، (¬5) وإنّما أمره بذلك لأنّ النّبيّ عليه السّلام ما كان يحتمل أذاهم إلا لوجه الله تعالى. 50 - {يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنّا أَحْلَلْنا لَكَ:} فيه دليل على أنّ جواز الجمع بين الحقيقة في لفظ إذا تجانسا (¬6)، ولم يتنافيا؛ لأنّ قوله: {أَحْلَلْنا:} حقيقة في حقّ أزواجه في غيرهنّ إذ هو في معنى قوله: {وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ.} فأمّا أزواجه (¬7) اللّواتي آتاهنّ أجورهنّ: فخديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزّى بن قصيّ بن كلاب توفّيت قبل الهجرة، وسودة بنت زمعة (¬8)، ومعه من مهاجري الحبشة، تزوجها بمكة، وطلقها بالمدينة، فسألته لوجه الله أن يراجعها بمكة، وبنى (¬9) بها بالمدينة، وحفصة بنت عمر تزوّج بها بالمدينة بعد موت خنيس بن حذافة، وكان رسول الله أرسله إلى كسرى، وزينب بنت خزيمة من بني عبد مناف بن هلال بن عامر بن صعصعة توفّيت قبل رسول الله، وكانت تدعى أمّ المساكين، وزينب بنت جحش الأسدية، وأمّ حبيبة بنت أبي سفيان الأمويّة، وأمّ سلمة بنت أبي أميّة بن المغيرة المخزوميّة، وميمونة بنت الحارث الهلاليّة أمّ الفضل التي هي أمّ الخلفاء رضي الله عنهم، وصفية بنت حييّ النضيرية أعتقها، ثمّ تزوّج بها، وجويرية بنت الحارث المصطلقيّة، فهؤلاء إحدى عشرة (¬10) امرأة أمّهات المؤمنين، توفّيت ثنتان قبله، ومات عن تسع منهن. (¬11) ¬
وروي: أنّه عليه السّلام تزوّج بحمنة بنت ذي اللّحية من بني بكر بن كلاب، فدخل بها ليلة، فطلّقها، فخبّر أنّها تظلع فطلّقها. وتزوّج بأميمة (¬1) بنت النّعمان الكندية، فقالت: ملكة تحت سوقة، فلم يطأها، وطلّقها. (¬2) وتزوّج بامرأة فلمّا دخل عليها وبسط يده إليها قالت: أعوذ بالله منك، فقال عليه السّلام: لقد عذت بمعاذ، فطلّقها. (¬3) وأما ما ملكت يمينه من السّواري فمارية القبطية أمّ إبراهيم احتجبت بعد نزول آية الحجاب، وريحانة بنت شمعون (267 و) القرظيّة، قيل: إنّها احتجبت بعد نزول آية الحجاب. {مِمّا (¬4)} أَفاءَ اللهُ عَلَيْكَ: الإفاء في اللّغة الرّدّ، (¬5) وإنّما سمّيت الغنيمة فيئا؛ لأنّ النّعمة يستحقها المؤمنون، فكأنّ الكفّار اغتصبوها، أو جميع ما في الأرض للمؤمنين في عصر آدم عليه السّلام وبنيه فما يغنمه المسلمون، فكأنهم يرتجعونه. {وَبَناتِ عَمِّكَ:} فضباعة بنت الزبير بن عبد المطّلب كانت تحت المقداد (¬6)، وأمّ الحكم بنت الزبير بن عبد المطّلب كانت تحت الرّبيعة بن الحارث بن عبد المطّلب (¬7)، وأمّ هانئ فاختة بنت أبي طالب (¬8)، وجمانة (¬9) بنت أبي طالب لا نعرف لهما زوجا (¬10)، وأمّ حبيب بنت عبّاس من أمّ الفضل، وآمنة وصفية ابنتا (¬11) عبّاس من أمهات الأولاد لا نعرف أزواج بنات عبّاس، وأمّ أبيها بنت حمزة لا نعرف زوجها، وهند بنت المقدم بن عبد المطّلب كان تحت عبد الله بن أبي مسروح أخي بنتي سعد بن بكر بن هوازن، وبنات لأبي لهب، وأروى بنت الحارث بن عبد المطّلب لم يتزوج رسول الله بواحدة من هؤلاء فيما مضى، ولا فيما استقبل من عمره، وأما بنات عمّاته فغير مسمّيات في المعارف والتّاريخ ما خلا زينب بنت جحش فإنّها ابنة عمّة رسول الله عليه السّلام، وأما بنات خاله فغير مسمّيات، لا يعرف لوالدة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولا لمرضعته أخ ¬
من أروام، ولكن (¬1) بني زهرة أخوال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على طريق الإجمال لمكانة آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرّة، وبنو سعد بن بكر بن هوازن أخواله لمكان مرضعته حليمة بنت أبي ذويب السعديّة، وأما بنات خالاته فغير مسمّيات، ولا تعرف أخت لوالدة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولا لمرضعته، ولكنّ الزهريّات والسّعديات خالاته على طريق الإجمال لمكان آمنة وحليمة. والظاهر من قوله: {اللاّتِي هاجَرْنَ مَعَكَ:} وصف لبنات الخالات. (¬2) وروي: {أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ اللاّتِي. .} الآية، فلم أكن أحلّ له؛ لأنّي لم أهاجر، كنت من الطلقاء. (¬3) فالظاهر من قوله: {وَاِمْرَأَةً مُؤْمِنَةً:} أنّه عامّ في جميع المؤمنات مهاجرات وغير مهاجرات (¬4). وقال ابن عباس: نهي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن أصناف النّساء إلا ما كان من المؤمنات المهاجرات. (¬5) وقوله: {خالِصَةً لَكَ:} منصوبة بمضمر، أي: جعلنا هذه الخصلة (¬6)، أو هذه الفريضة خالصة لك، (¬7) والتّخصيص هو عدم العوض؛ لأنّ (¬8) الواهبة معطوفة على ذوات الأجور، والمعطوف عليه في الظاهر يدلّ عليه ما روي: أنّ خولة بنت حكيم وهبت نفسها للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم (267 ظ) وكانت من المهاجرات الأول. (¬9) قالت عائشة: كنت إذا ذكرت [قلت:] (¬10) استحيي امرأة تهب نفسها لرجل بغير مهر، وكانت من أغير النّاس، وفيها نزلت: {تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ،} قلت: يا رسول الله، إنّ ربّك ليسارع في هواك. (¬11) ¬
وعن ابن عباس قال: ألقى الله في قلب أمّ شريك بنت جابر الإسلام، فأسلمت وهي بمكّة، وهي إحدى نساء قريش، ثمّ إحدى بني عامر بن لؤيّ، وكانت تحت أبي الغلواء (¬1) الدّوسيّ، فأسلمت وجعلت تدخل على نساء قريش سرّا تدعوهنّ، وترغبهنّ في الإسلام حتى ظهر أمرها لأهل مكّة، فأخذوها فقالوا: لولا قومك لفعلنا بك، ولفعلنا، لكن سنؤدّك إليهم، قالت (¬2): فحملوني على بعير ليس تحتي شيء من (¬3) وطاء ولا غيره، ثمّ تركوني ثلاثا لا يطعمونني ولا يسقونني، قالت: فما أتت عليّ ثلاث صرما (¬4) في الأرض شيء أسمعه، قالت: فنزلوا، وكانوا إذا نزلوا منزلا أوثقوني في الشّمس، ثمّ استظلوا، فهم فيها حتى يرتحلوا، قالت: فبيناهم قد نزلوا منزلا، وأوثقوني في الشّمس إذ أتي ببرد على صدري فتناولته، فإذا هو دلو من ماء، فشربت منه قليلا، قال: فصنع بي ذلك مرارا، ثمّ تركت فشربت منه حتى رويت، ثمّ أفضت سائره على جسدي وثيابي، فإذا استيقظوا إذا هم بأثر الماء، ورأوني حسنة الهيئة، فقالوا لي: أتحلّلت فأخذت سقانا فشربت منه حتى رويت؟ قلت: ما فعلت، ولكنّه من الأمر كذا وكذا، قالوا: إن كنت صادقة فدينك خير من ديننا، فلمّا نظروا إلى أسقيتهم وجدوها كما تركوها، فأسلموا عند ذلك، قال: فأقبلت إلى النّبيّ عليه السّلام ووهبت نفسها للنّبيّ عليه السّلام بغير مهر، فقبلها، ودخل بها فرآها قد علتها كبرة فطلّقها. (¬5) وفي وقوله: {إِنْ أَرادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَها} دليل على أنّ لفظة الهبة من ألفاظ النّكاح. (¬6) 51 - والظاهر من قوله: {تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ:} إرجاء الواهبات أنفسهنّ ليبقين موقوفات غير مقبولات ولا مردودات، وذكر الخردادنهى (¬7) في تاريخه: أنّ النّبيّ عليه السّلام أرجى سودة وصفيّة وجويريّة وأمّ حبيبة وميمونة، وآوى عائشة وحفصة وزينب بنت جحش وأمّ سلمة. (¬8) فالإرجاء على هذا القول الإخراج من القسمة والنّوبة من غير طلاق، فإن كان كذلك لم ¬
يكن إلا برضاهن على سبيل المصالحة (¬1)، كما في قصّة سودة بنت زمعة. (¬2) {وَمَنِ اِبْتَغَيْتَ:} إيواءها (¬3). {مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُناحَ عَلَيْكَ:} في إيوائها (¬4). و {ذلِكَ أَدْنى أَنْ تَقَرَّ} (¬5) (268 و) {أَعْيُنُهُنَّ:} أي: الإيواء بعد الإرجاء أقرب من مسرّتهنّ (¬6). {كُلُّهُنَّ:} تأكيد للضّمير المكتسبي بقوله: {وَيَرْضَيْنَ} (¬7) دون الضّمير في قوله: {آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ.} 52 - {لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ:} في (¬8) تحريم ذوات المهور في المستقبل من غير الأصناف المذكورة دون الواهبات أنفسهن، وما تملكه يمينه في باقي عمره، إن رزقه الله تعالى. (¬9) ولم يبلغنا أنه قبل نفس واهبة، أو ملك سرية (¬10) ملك اليمين بعد هذه الآية، ما كان فعل شيئا من ذلك. وفائدة الآية استعمالها، وإلا فائدتها اعتقادها. وعن مجاهد: {لا يَحِلُّ (¬11)} لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ: أي: من بعد ما سمّى لك من يهوديّة ولا كافرة. (¬12) ويمنع كون الذّميّة في رتبة المؤمنين، أو (¬13) تحريم عسيلته على أهل النّار، فإنّ أبا طيبة شرب دمه وحرّمت عليه النّار. (¬14) وعن عائشة قالت: ما مات رسول الله حتى أحلّ له النّساء. (¬15) فقد فهمت ¬
من الآية تحريم الحرائر بعد التّسع، ثمّ شاهدت من سنّته ما استدلّت (¬1) به على نسخ الآية بالسّنة. 53 - {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ:} عن أنس بن مالك قال: تزوّج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فدخل بأهله، فصنعت، أي: أمّ سليم، حيسا، فجعلته في تور، فقالت: يا أنس، اذهب بهذا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقل له: وجّهت بهذا إليك أمّي، وهي تقرئك السّلام، وتقول: إنّ هذا لك منّا قليل، قال: فذهبت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقلت: إنّ أمّي تقرئك السّلام، وتقول: إنّ هذا لك منّا قليل، فقال: «ضعه»، ثمّ قال: «اذهب فادع فلانا وفلانا ومن لقيت»، وسمّى رجالا، فدعوت من سمّى ومن لقيت، قال: قلت لأنس: كم عددا كانوا؟ قال: زهاء ثلاث مئة، قال: فقال رسول الله: «يا أنس، هات التّور»، قال: فدخلوا حتى امتلأت الصّفّة والحجرة، فقال رسول الله: «ليتحلّق عشرة عشرة، وليأكل كلّ إنسان ممّا يليه»، قال: فأكلوا حتى شبعوا، قال: فخرجت طائفة، ودخلت طائفة حتى أكلوا كلّهم، قال: قال: «يا أنس، ارفع»، قال: رفعت فما أدري حين وضعت كان أكثر أم حين رفعت، قال: وجلس طوائف منهم يتحدّثون في بيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ورسول الله (¬2) جالس وزوجته مولّية وجهها إلى [الحائط] (¬3)، فثقلوا على رسول الله، فخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فسلّم على نسائه، ثمّ رجع، فلمّا رأوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد رجع (¬4) ظنّوا أنّهم ثقّلوا عليه، قال: فابتدروا الباب، فخرجوا كلّهم، وجاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتى أرخى السّتر ودخل، فأنا جالس في الحجرة، فلم يلبث إلا يسيرا حتى خرج عليّ، وأنزلت عليه هذه الآية، فخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقرأها على النّاس، قال أنس: (268 ظ) أنا أحدث النّاس عهدا بهذه الآيات، وحجبن نساء النّبيّ. (¬5) {وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ:} في محلّ الخفض معطوفا على قوله: {غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ} وعن عائشة قالت: كنت آكل أنا ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم حيسا في قعب، فمرّ عمر بن (¬6) [الخطاب] (¬7)، فدعاه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأكل معنا، فأصابت أصبعه أصبعي، فقال: أوّه لو أطاع فيكون ما رأتكنّ عين، فنزل الحجاب (¬8). ¬
وعن الشّعبيّ: أنّ نبيّ الله عليه السّلام تزوّج قتيلة بنت قيس، ومات عنها، ثمّ تزوّجها عكرمة بن أبي جهل، فأراد أبو بكر أن يقتله، فقال له عمر: إنّ النّبيّ عليه السّلام لم يحجبها، ولم يقسم لها (¬1)، ولم يدخل بها، وارتدّت مع أخيها عن الإسلام، وبرئت من الله ورسوله، فلم يزل به حتى تركه. (¬2) وما روي عن طلحة في عائشة، لا نراه إلا فرية بعض روافض أهل الكوفة، أخذ الكلبيّ منهم، ثمّ تابعه عليه مقاتل (¬3)، ثمّ أخذه الفرّاء (¬4) من تفاسيرهما. وكلّ تحريم ثبت بالنّسب يثبت (¬5) بالرّضاع لقوله عليه السّلام: «يحرم من الرّضاع ما يحرم من النّسب» (¬6)، لما روى عن عائشة قالت (¬7): جاء عمّي من الرّضاع بعد ما ضرب علينا الحجاب، فقلت: والله لا آذن لك حتى يأتي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأستأذنه، فجاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقلت: جاء عمّي من الرّضاعة، فأبيت أن آذن له حتى أستأذنك، قال: «فليلج عليك عمّك»، قالت: قلت: إنّما أرضعتني المرأة، ولم يرضعني الرّجل، فقال عليه السّلام: «إنّه (¬8) عمّك فليلج عليك». (¬9) 56 - {إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ:} عليه السّلام، عن كعب بن عجرة قال: لمّا نزلت هذه الآية قلنا: يا رسول الله، [كيف] (¬10) الصّلاة عليك، قال: «قولوا: اللهمّ صلّ على محمد وعلى آل محمد، كما صلّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم (¬11)، إنّك حميد مجيد» (¬12). وعن ابن عبّاس، عنه عليه السّلام قال: «من قال: جزى الله عنّا محمدا ما هو أهله أتعب سبعين كاتبا ألف صباح» (¬13). وقال عليه السّلام: «من ذكرت عنده فلم يصلّ عليّ فقد خطئ (¬14) طريق الجنّة» (¬15). ¬
57 - {يُؤْذُونَ اللهَ:} إيذاء الله على سبيل المجاز، كخداع الله. (¬1) 59 - {يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ. . .} الآية: قيل: كانت الحرائر والإماء يخرجن من بيوتهنّ في زيّ واحد، وكانت السّفهاء يتعرّضون للحرائر والنّظر إلى وجوههنّ، كما يتعرّضون للإماء لا يميزون (¬2) بينهنّ، فيتأدّى الحرائر بذلك، فأنزل. (¬3) {جَلابِيبِهِنَّ:} جمع جلباب، وهي الإزار. (¬4) 60 - {وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ:} المولّدون للأقوال المضطربة التي لا قرار لها، ولا حقيقة، وأرجف الناس في الشّيء: إذا خاضوا فيه واضطربوا. {إِلاّ قَلِيلاً:} إلا قليلين، أو إلا زمانا قليلا. (¬5) {مَلْعُونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا أُخِذُوا:} فعلى قوله: إلا قليلين، أو إلا زمانا قليلا، نصب على الحال أو البدل (¬6)، وعلى قوله: إلا زمانا قليلا نصب على الذمّ (269 و) والشّتم (¬7) كقوله: {حَمّالَةَ الْحَطَبِ} [المسد:4]. وفي الآية دليل على جواز قتل المنافق إذا أظهر (¬8) نفاقه. 62 - {الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ:} أنبياء الله الذين نصرهم على من آذاهم. (¬9) وقيل: {الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ:} بني قريظة والنّضير. 63 - {يَسْئَلُكَ (¬10)} النّاسُ عَنِ السّاعَةِ: كان النّاس يكثرون السؤال عن الساعة متى هي؟ فلذلك كثر الجواب. 69 - {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسى:} لم يذكر سبب نزول الآية، والظّاهر أنّ سبب نزولها قول السّفهاء: تزوّج رسول الله بامرأة ابنه، أو قول المنافقين: هو ذو قلبين في جوفه، أو كراهة من كره الحجاب. ¬
وأما الذين آذوا موسى عليه السّلام إنّهم (¬1) الذين اتّهموه بقتل هارون عليه السّلام، فأراهم الله هارون مضطجعا على سريره من أسرّة الجنّة، انشقّ عنه قبره، ثمّ عاد إلى مكانه. وقيل: اتّهموه بالطّمع في مال قارون، فخسف الله به وبداره وبماله (¬2) الأرض. وعن أبي هريرة، عنه عليه السّلام: «أنّ موسى عليه السّلام كان حييّا ما يرى من جلده شيء (¬3) استحياء منه، فآذاه من آذاه من بني إسرائيل، قالوا: ما تستّر هذا التّستّر إلا من عيب بجلده، إمّا برص، وإمّا أدرة، وإمّا آفة، وإنّ الله تعالى أراد تبرئته ممّا قالوا، فخلا موسى يوما وحده، فوضع ثيابه على حجر ثمّ اغتسل، فلمّا فرغ أقبل إلى ثيابه ليأخذها (¬4)، وإنّ الحجر عدا بثيابه فطلب موسى [الحجر] (¬5)، فانتهى إلى ملأ (¬6) من بني إسرائيل فرأوه أحسن النّاس خلقا، وأبرأه ممّا كانوا يقولون، قال: وقام الحجر فأخذ ثوبه ولبسه (¬7)». (¬8) الذين آذوه هم الذين اتّهموه في التّوراة، وقالوا: {لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً} [البقرة:55]. 70 - {قَوْلاً سَدِيداً:} لا خلل فيه لصدقه ومتانته، وأسدّ الأقوال قول: لا إله إلا الله محمد رسول الله، (¬9) ولا حول ولا قوة إلا بالله. 71 - {يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمالَكُمْ:} تبديل سيئاتنا حسنات، أو قبوله صالح أعمالنا بعد الشّهادتين. 72 - {إِنّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ:} إن كان المراد أهلوها وسكانها العقلاء من الملائكة والجنّ فالعرض على سبيل التّخيير، والإباء والإشفاق على سبيل الاجتهاد، وإن كان المراد سائر الحيوان فالعرض ابتلاء طبائعها، والإباء والإشفاق على سبيل الكراهة الطبيعيّة، وإن كان المراد أعيانها التي هي جماد، فالعرض على سبيل الإخبار والاضطرار، والإباء والإشفاق كذلك. فائدة العرض الأوّل: بيان اجتهاد. وفائدة (¬10) العرض الثّاني: بيان التّفاوت بين الطّبائع لا ¬
يحملها الحرص على المخاطر، وطبائع يحملها (¬1) الحرص عليها. وفائدة العرض الثّالث: تفخيم الأمر. والظاهر من الأمانة في هذه الأقوال كلّها: أنّها الذّمة الصحيحة التي يتعلق بها الحقوق، والظّاهر من حملها: اعتذار الإنسان (269 ظ) بصحّة (¬2) ذمّته أنّها فضيلة لا يرضى بعدمها البتة، فأوّل ما ثبت ذمّة الإنسان اعتزال الشّجرة، لم يتضرّع إلى الله ليحول بينه وبينها، ثمّ ثبت في ذمته رعاية امرأته، لم يتضرّع (¬3) إلى الله ليكفيه أمرها، فأكل من الشّجرة، وقصّر في رعاية المرأة حتى أكلت من الشّجرة، فسرى شؤم المعصية إلى [بني آدم] (¬4) في صلبه. 73 - {الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ:} وعن ابن عبّاس قال: الأمانة المعترض على العباد عرض ذلك على السّماوات والأرض والجبال فقلن: و (¬5) ما هي؟ قيل: إن أحسنتنّ جزيتنّ، وإن أسأتنّ عوقبتنّ. (¬6) 72 - {فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ} (¬7): يعني: آدم عليه السّلام. (¬8) وقال قتادة في قوله: {ظَلُوماً} أي: لنفسه، {جَهُولاً} بما حمل. (¬9) أي: جهولا (¬10) بثقل ما (¬11) حمل. اللاّم في قوله: {لِيُعَذِّبَ} لتنسيب العرض أو الحمل، (¬12) أو كينونة الإنسان ظلوما جهولا. (¬13) وعن أبي حاتم السّجستانيّ: أنّه لام قسم سقطت نونها فانكسرت. (¬14) وعن أبيّ بن كعب، عنه عليه السّلام: «من قرأ سورة الأحزاب، وعلّمها (¬15) أهله وما ملكت يمينه أعطي الأمان من عذاب والجواز على الصّراط» (¬16). ¬
سورة سبأ
سورة سبأ مكيّة. (¬1) وهي أربع وخمسون آية في غير عدد أهل الشّام. (¬2) بسم الله الرّحمن الرّحيم 6 - الواو في: {وَيَرَى:} للاستئناف، (¬3) وهو عطف الجملة. (¬4) و {الَّذِينَ:} في محلّ الرّفع؛ لأنّه مفعول ما لم يسمّ فاعله. و (¬5) {الْعِلْمَ:} نصب لأنّه مفعول (¬6) ثان (¬7). و {الَّذِي أُنْزِلَ:} في محلّ النّصب لوقوع الرّؤية عليه، وكذلك {الْحَقَّ؛} (¬8) لأنّ الرّؤية إذا كانت في معنى العلم أو الظنّ اقتضت مفعولين. 7 - {مُزِّقْتُمْ:} بلي أجسامكم. (¬9) والتّمزيق: تفريق الأجزاء، وفسخ التآليف. (¬10) {إِنَّكُمْ:} بالكسر؛ لأنّ قوله: {يُنَبِّئُكُمْ} في معنى القول. (¬11) {أَفْتَرى:} لم يدخل المدّ؛ فلأن (¬12) الهمزتين (¬13) مختلفتان، وفي قوله: {آلذَّكَرَيْنِ} [الأنعام:144] متّفقتان. (¬14) 10 - {أَوِّبِي:} سبّحي معه كلّ النّهار إلى اللّيل، ورجّعي بالتّسبيح. (¬15) ¬
{وَأَلَنّا:} والإلانة: تصييره سهل المشي، سهل الثني (¬1)، سهل الاستعمال، ضدّه الخشن والصّعب والشّديد (¬2). 11 - و {السَّرْدِ:} تنسيق حلقها، وتمييزها (¬3). 12 - {وَأَسَلْنا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ:} أي: عين الصّفر، فسالت ثلاثة أيام يعمل بها ما أحبّ، كما يعمل بالطين. (¬4) هكذا ذكر الكلبي لا أبو (¬5) عبيد (¬6) الهروي: أنّ القطر النحاس. (¬7) {وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنا نُذِقْهُ مِنْ عَذابِ السَّعِيرِ:} حكاية (¬8) أحوالهم التي كانوا عليهما. 13 - {وَجِفانٍ:} جمع جفنة، وهي شيء أعظم من الصّحفة يجتمع عليها جماعة. (¬9) {كَالْجَوابِ:} جمع جابية. (¬10) وقال مجاهد: الجابية حوض الإبل. (¬11) وقال ابن عرفة: الجابية كالحوض. (¬12) وعن (270 و) مسعر (¬13) بن كدام قال: إنّه لّما قيل: {اِعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً} لم يأت عليهم ساعة من ليل ولا (¬14) نهار إلا ومنهم مصل يصلّي. (¬15) 14 - {فَلَمّا قَضَيْنا عَلَيْهِ الْمَوْتَ:} وعن ابن عباس: أنّ سليمان عليه السّلام كان لا يصلّي صلاة إلا وجد شجرة نابتة بين يديه، فيقول لها: ما اسمك؟ فتقول: كذا وكذا، فيقول: ¬
لما (¬1) أنت؟ فتقول: لكذا وكذا، وإن كانت لغرس غرست، وإن كانت لدواء علم ذلك الدّواء، قال: فصلّى ذات يوم، فإذا شجرة بين يديه نابتة (¬2)، فقال: ما اسمك؟ قالت: الخرنوب، قال: لما (¬3) أتيت؟ قالت: لخراب (¬4) هذا البيت، يعني: بيت المقدس، فقال سليمان: اللهمّ غيّب الجنّ موتي حتى يعلم الإنس أنّهم كانوا لا يعلمون الغيب، قال: فنحتها عصى، فتوكّأ عليها حولا [ميتا] (¬5)، ثمّ أكلتها الأرضة، فسقط، فعلموا عند ذلك بموته، فشكرت الشّياطين ذلك الأرضة، وأينما كانت الأرضة جاءها الشّياطين، قال: قدّروا مقدار أكل العصا فكان سنة. (¬6) والأرضة: دويبة تأكل الخشب. (¬7) {الْعَذابِ الْمُهِينِ:} سخره سليمان عليه السّلام، وتكليفه بإذن الله. 15 - {آيَةٌ:} اسم كان، وخبره في الجار والمجرور. (¬8) {جَنَّتانِ:} رفع على أنّهما بيان الآية. (¬9) {كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ:} يدلّ على كون حجة الله فيهم من رسول الله أو نبيّ أو صديقّ أو صالح أو عاقل يذكّرهم بآلاء الله ونعمائه. وذكر الكلبيّ: أنّ الله تعالى بعث إليهم ثلاثة عشر نبيا، وكانوا في ثلاث عشرة قرية. (¬10) {بَلْدَةٌ:} أي: هذه بلدة طيّبة الطّين. (¬11) {وَرَبٌّ غَفُورٌ:} أي: ولكم رب غفور إن شكرتموه. (¬12) 16 - {فَأَعْرَضُوا:} عن الشّكر. (¬13) {سَيْلَ الْعَرِمِ:} سيل مصدر قائم مقام الاسم. و {الْعَرِمِ:} المسنّاة التي هي السدّ ¬
والسّكر (¬1). وقيل: {الْعَرِمِ:} اسم واد. (¬2) وقال ابن الأعرابيّ: العرم والبرّ من أسماء الفأرة. (¬3) وقيل: {الْعَرِمِ:} المطر الشديد. (¬4) ذكروا في الاريخ: أنّ الله تعالى لما هيّأ أسباب سيل العرم (¬5)، وذلك في ملك ذي الأذغار بن ذي جيشان، أقبلت طريفة الكاهنة إلى عمرو بن عامر بن أمّ أخيه عمران بن عامر بن حارثة بن امرئ (¬6) القيس بن ثعلبة، وكان بينه وبين كهلان (¬7) بن سبأ، وكان جالسا في نادي قومه، فوقفت على رأسه، ثمّ قالت: والظّلمة والضّياء ليقبلنّ إليكم الماء كالبحر إذا طما، فيدع أرضكم يسفي عليها الصّبا، قالوا: ومتى يكون؟ قالت: بعد سنين شدائد يقطع فيها الولد الوالد، فيأتيكم السّيل (¬8) (270 ظ) بغيض هميل، وخطب جليل، وأمر وبيل، فتخرب الديار، ويضمحلّ القرار، قال لها عمران: ويحك يا طريفة، لقد أفجعتنا بأموالنا، فبيّني مقالك، فقالت: آتيكم بأمر (¬9) عظيم، وسيل ركيم، ودهر وخيم، وخطب جسيم، فاحرسوا السّدّ لئلا يمتدّ، وإن كان لا بدّ من الأمر المعدّ، فانطلقوا إلى رأس الوادي، فسترون العادي يجرّ كلّ حجر صيخاد، بأنياب له حداد. فانطلق عمران بن عامر في نفر من قومه حتى أتوا رأس الوادي، فإذا بجرذ يحفر الجبل بأنيابه، ويدفع برجله الحجر الذي يستثقله مئة رجل، فيسدّ مسيل الوادي ممّا يلي البحر، ويفتح ممّا يلي البلاد، فاستشار (¬10) عمران عظماء بني كهلان، فأجمعوا أن يكتموا الأمر إخوانهم من أولاد حمير؛ ليبيعوا منهم حدائقهم وضياعهم، ثمّ يرتحلوا عن تلك، ففضّلوا ذلك، ثمّ جاء السّيل (¬11). (¬12) {وَبَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ:} وهم الذين بقوا في ديارهم. وقيل: الذين نزلوا الحجاز وأرض تهامة وسائر البوادي المتاخمة لهذه الدّيار. ¬
و {خَمْطٍ:} ثمر الأراك (¬1)، وكلّ شجر لا شوك له، (¬2) ويقال له: البرير (¬3). وقيل: البرير ثمر الإثل. (¬4) و (الإثل): شجر يشبه الطّرفاء، (¬5) يصنع منه النّضار، والنّضار: القدح المتّخذ من شجر الإثل. (¬6) و {سِدْرٍ:} شجر (¬7) يستظلّ به، ويؤكل ثمره. وذكر الفرّاء عن بعضهم: أنّه السّمر. (¬8) ولا تبعد ألطاف الله لهؤلاء المعاقبين بأن يكونوا رزقوا من هذه الأشجار في أيّامهم رزقا صالحا يتبلّغ به، كما رزق بني إسرائيل في التّيه من المنّ، والمواضع (¬9) التي ينبت فيها هذه الأشجار في أيّامنا المفاوز دون البساتين. 17 - {ذلِكَ:} إشارة إلى {سَيْلَ الْعَرِمِ،} وتبديل الذي هو خير بالذي هو أدنى. {جَزَيْناهُمْ:} الجزاء والمجازاة بمعنى، والجزاء يتعدّى (¬10) إلى مفعولين، قال تعالى: {يُجْزاهُ الْجَزاءَ الْأَوْفى} [النجم:41]. 18 - قال: {وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ (¬11)} الْقُرَى: قال الكلبيّ: إنّهم ندموا على صنيعهم ومقاومتهم الرياح، فوعدوا الرّسل أن يؤمنوا إن كشف الله عنهم الشّرّ، فدعت لهم الرّسل، فكشف الله عنهم، وجعل من أرض سبأ إلى أرض فلسطين قرى متّصلة يبيتون بقرية ويقيلون بقرية، لا يحلّ المسافر عقدة حتى يرجع إلى أهله، وكان مقدار سيرهم شهرا في أمن وسلامة، يمتارون الميرة إلى أهليهم حتى نكثوا العهد، ورجعوا إلى الكفر والطّغيان. (¬12) 19 - {فَقالُوا رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا:} لسؤالهم معنيان: أحدهما: أنّهم سألوا ذلك ¬
على سبيل الاستهزاء وقلّة المبالاة، كقول آخرين: {فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصّادِقِينَ} [الأحقاف:22]، وقال: {إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ} (271 و) {مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ (¬1)}. . . الآية [الأنفال:32]. والثاني: أنّهم تبرّموا بالعافية، فحملهم السّفاهة على أن يشتهوا البلاء، كقول بني إسرائيل: {لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ. . .} الآية [البقرة:61]. (¬2) {فَجَعَلْناهُمْ (¬3)} أَحادِيثَ: له معنيان على سبيل المجاز: أحدهما: أنّ الله عز وجل جعل أخبارهم مستفيضة يتحدّث النّاس على سبيل الاعتبار. (¬4) والثاني: أنّ الله تعالى خرّب ديارهم ومحا آثارهم وأبقى أخبارهم، فكأنّهم صاروا أحاديث، يعني (¬5): على الحقيقة، وهو تقليب الجوهر عرضا، وبقاء العرب من سبيل هؤلاء، ليس يخالف الآية؛ لأنّ الله تعالى إذا أهلك قوما أنشأ من ذرّيّتهم قوما آخرين، هذه سنّة الله في عباده. 20 - {وَلَقَدْ (¬6)} صَدَّقَ عَلَيْهِمْ: الظاهر أنّهم في شأن آل سبأ. (¬7) ويحتمل: في شأن جميع النّاس. (¬8) 21 - {وَما كانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطانٍ:} له معنيان: أحدهما: التّمكّن من غرورهم ووسوستهم (¬9) بتمكين. (¬10) والثاني (¬11): الشّبهة التي خلقها الله تعالى ليستدلّ بها الشّيطان فيما يوسوس به النّاس، فيريه (¬12) أنّها البرهان. 22 - {زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ:} أنّهم آلهة (¬13)، فبيّن الله تعالى أنّهم لا يملكون شيئا، وهم ¬
مملكون (¬1)، ولا يعينون الله على شيء، وهم معانون. (¬2) 23 - عن (¬3) أبي هريرة رضي الله عنه، عنه عليه السّلام قال: «إذا قضى الله [في السّماء] أمرا [ضربت] الملائكة بأجنحتها خضعانا لقوله، كأنّها سلسلة على صفوان، فإذا (¬4) فزّع عن قلوبهم قالوا (¬5): ماذا قال ربكم؟ قالوا: الحقّ وهو العليّ الكبير، قال: والشّياطين بعضهم فوق بعض، فإذا سمع الأعلى منهم الكلمة رمى بها إلى الذي تحته، وربّما أدرك الشّهاب قبل أن يذبذبها (¬6) [وربّما ألقاها] (¬7) قبل أن يدركه، فينبذها بعضهم إلى بعض حتى تنتهي إلى الأرض، فيلقى على لسان الكاهن أو السّاحر، فيكذب، فيصدق بالكلمة التي يسمع من السماء» (¬8). {حَتّى إِذا فُزِّعَ:} غاية للحالة الغائبة (¬9) المتقدّمة عليها، (¬10) والغاية لا تدلّ على مخالفة حكم ما وراءها. {فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ:} يعنى: خلا الفزع عن قلوبهم. (¬11) {قالُوا:} يعني: ملك الملائكة دون الملأ الأعلى. (¬12) {ماذا قالَ رَبُّكُمْ قالُوا:} جواب الملأ الأعلى (¬13) للذين يلونهم. {الْحَقَّ:} يحتمل: الإجمال لقطع السّؤال، ويحتمل (¬14): البيان لاستراق الشّيطان، ويحتمل: أنّهم يجهلون الجواب مرّة، ويفسرونه بإذن الله. 24 - {قُلِ اللهُ وَإِنّا أَوْ إِيّاكُمْ:} على سبيل الإيجاز، تقديرها: وإنا لعلى هدى أو في ضلال مبين، وإنّا أو إيّاكم لعلى هدى أو في ضلال مبين، وهذا كقولك لخصمك: الله يعلم أن ¬
أحدنا لكاذب. (¬1) 25 - {قُلْ لا تُسْئَلُونَ عَمّا أَجْرَمْنا:} المراد بالسّؤال: الأخذ والمطالبة. 27 - {أَلْحَقْتُمْ بِهِ:} أي: بالله (¬2). {شُرَكاءَ:} على زعمكم أنّ الملائكة (271 ظ) متولّدة منه، وأنّ الانفعال قديم بقدم الفعل، وأنّ المعدوم شيء لا أوّل له، وأنّ المكان قديم بقدم الآنيّة، وأن الإيجاد واقع بين الله والعباد. {كَلاّ بَلْ هُوَ اللهُ الْعَزِيزُ:} الذي عزّ فلا يطاق، وعزّ فلا يناله الإلحاق. {الْحَكِيمُ:} الذي تعالى بحكمته عن تمكين المخاذيل من صفته. 28 - {إِلاّ كَافَّةً لِلنّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً:} أي: إلا جامعة للنّاس بالبشارة والإنذار، والهاء في كافّة: للمبالغة، (¬3) كما هي في النسّابة والعلاّمة والرّاوية. 33 - {وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ:} في أوّل أمرهم، وحسرتهم بعد ذلك. (¬4) {الْأَغْلالَ:} جمع غلّ، (¬5) وهو طوق ذلّ وصغار. 36 - {قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ:} في ردّ استدلالهم بكثرة الأموال والأولاد على نفي العذاب في المعاد. 37 - {بِالَّتِي} (¬6): إشارة إلى الأشياء، (¬7) إن شاء الله، أو إلى الخصلة (¬8)، أو إلى الحسنة. {إِلاّ مَنْ آمَنَ:} إن كان الاستثناء متصلا، فالتقدير فيه: الأموال للذين عملوا الصالحات وأولادهم، وذلك لكون أموالهم منفقة في سبيل الله، وكون أولادهم تابعة بإيمان، وإن كان الاستثناء منقطعا لمن آمن وعمل صالحا شرط، وقوله: {فَأُولئِكَ} (¬9) جزاء. ¬
عن أنس، عن النّبيّ عليه السّلام قال: «ينادي مناد (¬1) كلّ ليلة: لدوا للموت، وينادي آخر: ابنوا للخراب، ونادى مناد: اللهمّ هب للمنفق خلفا، وينادي آخر: اللهمّ وللممسك تلفا، وينادي مناد: ليت الخلق لم يخلقوا معشار عشير، وقيل: عشير العشير» (¬2)، وهذه الآية في معنى قوله: {مَكَّنّاهُمْ فِي الْأَرْضِ ما لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ} [الأنعام:6]. 46 - {بِواحِدَةٍ:} بخصلة واحدة. (¬3) {أَنْ تَقُومُوا:} بيان لتلك الخصلة. (¬4) {ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا:} أي: في محمد هل هو مجنون أم ليس بمجنون؟ وقوله: {ما بِصاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ:} كلام مبتدأ على هذا التقدير، وهو تزكية (¬5) من الله تعالى لمحمد عليه السّلام، ويحتمل: أنّ التقدير فيه: ثمّ تتفكروا أيّ شيء بصاحبكم من جنون، فإن كان التقدير هكذا لم يحسن الوقف على قوله: {ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا.} 48 - {قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ:} على الباطل فيدمغه. 49 - الواو في {وَما يُبْدِئُ} لعطف الجملة، (¬6) وهذه الآية في معنى قوله: {قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ} [يونس:34]. 50 - {إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّما أَضِلُّ عَلى نَفْسِي:} أي: إن سلكت طريق الشّرّ ودعوتكم إلى الشّرّ فأنا شريككم فيه. {وَإِنِ اِهْتَدَيْتُ فَبِما يُوحِي إِلَيَّ:} أي: إن سلكت طريق الخير، ودعوتكم إلى الخير فبوحي الله وإذنه، وإن كان تلك من جهة الله تعالى لزمكم قبوله. 51 - {وَلَوْ تَرى إِذْ فَزِعُوا:} تذكير وقت إحساس اليأس، واليأس عن النّاس وانقطاع الأنفاس، وذلك حين ينخفض الصّوت (272 و) ويتقرّب الموت (¬7)، ويتعذّر الفوت. عن سمرة قال: قال عليه السّلام: «مثل الذي يفرّ من الموت كالثّعلب، فطالبته الأرض بدين ¬
يسعى، حتى إذا عيي وانبهر، دخل جحره، فقالت (¬1) له الأرض عند سبلته: أيا ثعلب، ديني ديني، فخرج، فلم يزل كذلك حتى انقطع عنقه، فمات» (¬2). 52 - {وَقالُوا آمَنّا بِهِ:} إنّه الذي قال الله: {فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمّا رَأَوْا بَأْسَنا} [غافر:85]. {وَأَنّى لَهُمُ التَّناوُشُ:} كيف لهم منازل الإيمان، وبطلب الأمان؟ (¬3) {مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ:} لبعد معاينة اليأس عن رتبة الاختيار والاختبار. 53 - {وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ:} مثل رجمهم بالغيب، وهو ظنّهم بالنّبيّ عليه السّلام الظّنون الفاسدة. (¬4) {مِنْ مَكانٍ:} لبعد السّفهاء عن إصابة العقلاء. 54 - {وَحِيلَ بَيْنَهُمْ:} في المشركين، متصلة بما قبلها يدلّ عليه فحوى الخطاب، ولكن عموم قوله: {ما يَشْتَهُونَ} جعل ممّا يجوز اقتباسه (¬5) لوصف المؤمنين، وذلك لأنّ كلّ واحد من النّاس يشتهي أن يعيش، ويشكّ في ساعة موته الذي يبقى به، وهذا النّوع من الاقتباس (¬6) كاقتباس عليّ رضي الله عنه قوله: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى} الآية [الأنبياء:101]. وعن أبيّ بن كعب، عنه عليه السّلام: «من قرأ سورة سبأ لم يبق رسول ولا نبيّ إلا كان له يوم القيامة مصافحا» (¬7). ¬
سورة الملائكة (فاطر)
سورة الملائكة (فاطر) مكيّة. (¬1) وهي خمس وأربعون آية في غير عدد (¬2) أهل الشّام والمدنيّ الآخر، (¬3) والله أعلم. بسم الله الرّحمن الرّحيم 1 - {أُولِي أَجْنِحَةٍ:} في محلّ النّصب على أنّه نعت للرسل. (¬4) ويحتمل: أنّه في محلّ الخفض بدلا من الملائكة، ويجوز إبدال النّكرة من المعرفة. وقوله: {مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ:} عائد إلى الملائكة (¬5) أو الرّسل (¬6). {يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ} (¬7): أي في الأجنحة. (¬8) عن عقيل بن شهاب: أنّ النّبيّ (¬9) عليه السّلام سأل جبريل أن يتراءى له في صورته (¬10)؟ فقال له (¬11) جبريل: إنّك لن تطيق ذلك، قال: فإنّي أحبّ أن تفعل، فخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى المصلّى [في] (¬12) ليلة مقمرة، فأتاه جبريل عليه السّلام في صورته، فغشي على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين رآه، ثمّ أفاق وجبريل مسنده واضعا إحدى يديه على صدره والأخرى بين كتفيه، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: وما كنت أرى أنّ شيئا من الخلق هكذا؟! فقال جبريل عليه السّلام: كيف لو رأيت إسرافيل؟ إنّ له اثني عشر جناحا، جناح بالمشرق، وجناح بالمغرب، وإنّ العرش لعلى كاهله، وإنه ليتضاءل الأحايين لعظمة الله حتى يعود مثل الوصع، والوصع عصفور صغير، حتى ما يحمل عشرة إلا عظمته. (¬13) (272 ظ) ¬
وعن ابن مسعود (¬1) قال: إنّ لله ملكا، يقال له: صندفيل، البحار كلّها في نقرة إبهامه. (¬2) وعنه عليه السّلام قال: «أذن لي أن أحدّث عن ملك من حملة العرش، رجلاه في الأرض السّفلى، وعلى قرنيه العرش، وبين شحمة أذنه إلى عاتقه خفقان الطّير سبع مئة سنة، يقول ذلك الملك: سبحانك حيث كنت». (¬3) 8 - {أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً:} كمن يعرف الخير من الشّرّ، (¬4) وقد سبق القول في الاقتصار على أحد طرفي الكلام. وقيل: تقديره: أفمن زيّن له سوء عمله ذهبت نفسك عليه حسرات، إنّ الله يضلّ من يشاء ويهدي من يشاء، (¬5) كقولك لأخيك: أحمار عصاك، فإنّ الله لم يجعل له عقلا، فلا يضجر منه، يريد بذلك أحمار عصاك، فضجرت منه، فلا يضجر منه، إنّ (¬6) الله لم يجعل له عقلا (¬7)، ولكنّك اكتفيت بما أبقيت دليلا على ما ألقيته. 10 - {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ:} ذهب الكلبيّ: أنّ العمل الصالح رافع الكلم الطّيب. (¬8) وروى الأشج عن الضّحاك موافقة للكلبيّ. (¬9) وروى صالح بن محمد عنه مخالفته. (¬10) وكلا (¬11) القولين محتمل؛ لأنّ عمل اللّسان هو رافع الكلم الطّيب الذي في الصّدر، والكلم الطّيب على لسانه هو رافع أعماله الصّالحة بالأركان، والكلم الطّيب (¬12) الشّهادتين. والصعود إلى الله الارتفاع إلى محلّ الكرامة والقبول، ويحتمل التقدير: إلى الله يصعد الكلم الطّيب، والله يرفع العمل الصّالح. {وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئاتِ:} والذين يعملون السّيئات. قال سعيد (¬13) بن جبير: هم ¬
الذين يعملون بالرّياء. (¬1) وهكذا عن مجاهد. (¬2) وهذا لأنّ المرائي يظهر محبوب الطّاعة، ويضمر مكروه النّفاق. وعن أبيّ بن كعب، عنه عليه السّلام: «بشّر هذه الأمة بالسّناء والرّفعة، والتّمكين في البلاد، ما لم يعملوا عمل الآخرة للدّنيا، ومن يعمل عمل الآخرة للدّنيا لم (¬3) يقبل منه، وليس له في الآخرة من نصيب» (¬4). {هُوَ يَبُورُ:} أي: يحبط العمل. 12 - {وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيًّا:} واللّحم الطّريّ موجود في البحرين، (¬5) وأطيبه الذي في بحر الملح (¬6). واللؤلؤ غير معهود وجوده في العذاب؛ (¬7) لامتناع أن يصل الغوّاص إلى قعره ولسائر الافات، وأمّا الصدف فلا يبعد تقلبه في البحرين جميعا، وأما الياقوت والعنبر وسائر ما يتحلّى به من الشّدّ والخرز فغير ممتنع وجوده في كلّ واحد من البحرين. عن أبي هريرة رضي الله عنه، عنه عليه السّلام قال: «كلم البحران، فقيل للبحر الذي بالشّام (¬8): يا بحر، إنّي قد خلقتك وأكثرت فيك من الماء، وإنّي حامل فيك عبادا لي يسبحونني، ويحمدونني ويهلّلونني (273 و) ويكبرونني، فما أنت صانع بهم؟ قال: أغرقهم؟ قال الله تعالى: إنّي أحملهم على ظهرك، وأجعل بأسك في نواحيك، وقال للبحر الذي باليمن: إنّي قد خلقتك وأكثرت فيك من الماء، وإنّي حامل (¬9) فيك عبادا لي يسبحونني ويحمدونني ويهلّلونني ويكبّروني، فما أنت صانع بهم؟ قال: أسبّحك وأحمدك وأهلّلك وأكبرك معهم، وأحملهم في بطني، قال الله تعالى: فإنّي أفضّلك على البحر الآخر بالحلية والطّريّ. (¬10) ومعنى الحمل في بطن الماء حمل (¬11) الغوّاصين. ¬
13 - {قِطْمِيرٍ} (¬1): حبّة في بطن نواة التّمر. وقيل: لفافة نواة التّمر. (¬2) يضرب به المثل في القلّة والخسّة، (¬3) كالنّقير والفتيل. 14 - {وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ:} معطوف على مضمر تقديره: أحطنا بالغيب والشّهادة خبرا، ولا ينبئك بالأمر أحد مثل خبير به، كالمثل السّائر: ما حكّ جلدك مثل ظفرك (¬4). 16 - {وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ:} ليس بعطفه على قوله: {إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ؛} لكونه موقوفا (¬5) عليه، ولكنّ العطف للتّنبيه على كمال القدرة، والحثّ على العبرة، يدلّ عليه قوله: {كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ (26) وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ} (27) [الرحمن:26 - 27]. 17 - {وَما ذلِكَ:} إشارة إلى الشّرط الذي هو المشيئة لم يكن ذلك على الله بعزيز؛ لكونه شايئا على سبيل الاختصار دون الاضطرار. ويحتمل: أنّه إشارة إلى الإذهاب أو الإتيان بخلق جديد، أو إلى الإذهاب والإتيان جميعا، نسخ الشّيء بالشّيء فعل واحد. 18 - {الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ:} هم العلماء، (¬6) وهم الموصوفون بالنّضرة والنّور والحياة، المشبهون بالظلّ، وهم المعتبرون بمخالفة الألوان ومجانسة الأعيان. وقوله: {وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى:} على سبيل المبالغة، أي: وإن كان المدعو قريبا للنفس المثقلة الدّاعية إلى تحمّل شيء من أوزارها. 21 - {الْحَرُورُ:} باللّيل كالسّموم بالنّهار. (¬7) 22 - {وَما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ:} له معنيان: أحدهما: وصف الجهّال المتقلّبين على وجه الأرض، شبّهوا بأصحاب القبور كما شبّهوا بالأموات؛ لتأكيد وصفهم بأنّهم في أشباحهم كالأموات لا يكسبون حسنة، ولا يدفعون سيئة، (¬8) والثاني: أنّه في أصحاب القبور حقيقة؛ (¬9) وذلك للتّنبيه على استحالة مطالبة المشركين رسول الله بأن يأتي بالموتى شهداء ¬
يشهدون له، فيهم قصيّ بن كلاب، وكان شيخا صدوقا على ما سبق. 24 - {وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلاّ خَلا فِيها نَذِيرٌ:} فيه دليل أنّه عمّ العباد بالإنذار بالمعاد، وإن كانوا في الأقطار والأبعاد، {لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ} (273 ظ) {عَنْ بَيِّنَةٍ} [الأنفال:42]. 27 - {جُدَدٌ:} جمع جدّة، وهي الخطّة والطّريقة. (¬1) {وَحُمْرٌ:} جمع أحمر، الذي لونه حمرة، وهو لون العقيق، بين الشّقرة والكتمة، والعرب تسمّي الأبيض أحمر. {وَغَرابِيبُ:} جمع غربيب، وهو شديد السّواد، (¬2) وإنّما تأخّر ذكر السّواد لبيان اللّفظ الغريب، أو لاعتبار نظم الآي. 28 - {إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ:} إنّما خصّهم بالخشية لاختصاصهم بالهيبة، واختصاصهم بالهيبة؛ لاختصاصهم بتجلّي ذي الجلال لهم. 32 - والضّمير في قوله: {فَمِنْهُمْ} عائد إلى {الَّذِينَ اِصْطَفَيْنا.} (¬3) ويجوز أنّه عائد إلى {عِبادِنا} (¬4). عن ابن عباس: أنّه سأل كعبا عن قوله: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اِصْطَفَيْنا} الآية؟ قال: تحاكّت مناكبهم، ورب الكعبة، ثمّ أعطوا الفضل بأعمالهم. (¬5) وعن البراء، عنه عليه السّلام: «كلّهم ناج، وهي لهذه الأمّة» (¬6). وعن [أبي] (¬7) مسعود البدري: كلّهم في الجنّة. وقال عطاء: إنّي لأحسبهم كلّهم يدخلون الجنّة. سئلت عائشة (¬8) عن هذه الآية (¬9)، قالت: نعم، يجتمعون في الجنّة، فالسّابق بالخيرات على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، والمقتصد من اتبع أثره من ¬
أصحابه حتى لحق به، والظالم لنفسه مثلي ومثلك. (¬1) وعن جهم بن زجر (¬2) قال: قدمت المدينة زائرا قبر النّبيّ عليه السّلام، فرأيت أبا الدرداء رضي الله عنه قال: أما إنّي سأحدّثك بحديث سمعته من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لم أحدّث به أحدا قبلك، ولا أحدّث به أحدا بعدك، قال رسول الله عليه السّلام: «تجيء في هذه الأمّة غدا على ثلاثة أصناف أو فرق: فصنف يدخلون الجنّة بغير حساب، وصنف يحاسبون حسابا يسيرا، وصنف تصيبهم شدائد وزلازل وأهوال، ثمّ يصيرون إلى الجنّة، فذلك قوله: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ} (¬3) الآية». (¬4) وعن عمرو بن دينار، عن ابن عباس في هذه الآية قال: الظّالم لنفسه الكافر. (¬5) وروى (¬6) مجاهد عن ابن عباس في هذه الآية قال: الظّالم لنفسه أصحاب المشأمة، والمقتصد اليمين، والسابق الناس كلّهم من سبق منهم، هؤلاء في الجنّة، ولا أبالي، وهؤلاء في النار، ولا أبالي. وإلى هذا ذهب الحسن البصريّ (¬7) ومجاهد (¬8) والكلبيّ. 33 - {يَدْخُلُونَها} (¬9): الضّمير عائد إلى الظّالم، والمقتصد، والسّابق، (¬10) أو عائد إلى {الَّذِينَ اِصْطَفَيْنا.} 35 - {دارَ الْمُقامَةِ:} بقعة الإقامة، (¬11) كما أنّ المقسمة بقعة القسمة. {لُغُوبٌ:} {نَصَبٌ} [الحجر:48]، جمعا للتأكيد. (¬12) 36 - {وَالَّذِينَ كَفَرُوا:} صريح لفظة الكفر دليل على نجاة الظّالم. ¬
37 - {يَصْطَرِخُونَ} (¬1): يستغيثون، افتعال من الصّراخ. (¬2) والقول مضمر عند قوله: {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ.} (¬3) 37 - عن مجاهد (274 و) قال: سألت ابن عباس عن قوله: {حَتّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ} [الأحقاف:15]؟ قال: ما بين الثلاث والثلاثين إلى الأربعين (¬4)، وسأله (¬5) عن العمر الذي عبّر به: {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ ما يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ؟} قال: ستون سنة، (¬6) وسألته عن قوله: {وَجاءَكُمُ النَّذِيرُ؟} قال: الشّيب. (¬7) عن أبي هريرة، عنه عليه السّلام: «من أتت عليه ستون سنة فقد أعذر الله إليه» (¬8). 42 - {وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ:} قال الكلبيّ: المراد ب {إِحْدَى الْأُمَمِ} هاهنا: اليهود والنصارى، لّما سمع مشركو قريش بقتل أنبيائهم، وباختلاف النّصارى في المسيح، فقالوا: لعن الله اليهود والنّصارى، والله لئن أتانا رسول لكنّا أهدى منهم. (¬9) وإنما كانت اليهود والنّصارى إحدى الأمم؛ لأنّهم جميعا أولاد إسحاق عليه السّلام، أو خصّت قريش إحدى القبيلتين: إما اليهود، وإما النصارى. 43 - {وَمَكْرَ السَّيِّئِ:} إضافته كإضافة الحقّ إلى اليقين. (¬10) 45 - {وَلَوْ يُؤاخِذُ اللهُ النّاسَ:} المراد بالمؤاخذة المعالجة بالعقوبة، والوجه في إهلاك كلّ دابّة على ظهر الأرض عند مؤاخذة النّاس. (¬11) {بِما كَسَبُوا:} إنّما هو كون دوابّ الأرض كلّها لمنافع (¬12) بني آدم واعتبارهم بها لا ¬
لمعنى مفرد، أوجب إهلاكهم (¬1) إهلاكها. وفي الآية دلالة أنّ غضب الله غير مضادّ رحمته، فإنّه يريد الخير والشّرّ على قضيّة حكمه (¬2) لا على قضيّة رقة محرقة أو حدة مقلقة. عن أبيّ بن كعب، عنه عليه السّلام: «من قرأ سورة الملائكة دعته يوم القيامة ثمانية أبواب الجنّة يدخل من أيّها شاء» (¬3). قال ابن جريج: للجنة ثمانية أبواب: فباب للمرسلين والنّبيّين، وباب للصّدّيقين، وباب للشّهداء، وباب للصّالحين، وباب للصّائمين، وباب للصّابرين، وباب للمتصّدقين، وباب لسائر المؤمنين. ¬
سورة يس
سورة يس مكية. (¬1) وقيل: أية واحدة نزلت بالمدينة، وهي قوله: {وَإِذا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا} [يس:47]. (¬2) وهي اثنتان وثمانون آية في غير عدد أهل الكوفة، وآيتها الأولى: {الْحَكِيمِ} [يس:2]. (¬3) بسم الله الرّحمن الرّحيم 1 - {يس:} قال: يا إنسان (¬4)، إلا أنّ حرف النّداء لا (¬5) يمال (¬6)، واسم النّداء (¬7) لا يكون ساكنا، بل يكون مرفوعا، أو مبنيّا على الضّم، (¬8) ولو قيل: (يا) من أيّ، و (السّين) من الإنسان، وهم حرفان مشيران إلى اسمين، والتقدير: أيّها الإنسان، لكان أقرب. وعن مجاهد: اجتمعت قريش رؤساؤهم، وهم أميّة بن خلف، والوليد بن المغيرة، والعاص بن وائل وعتبة وشيبة ابنا ربيعة، وأبو جهل بن هشام في رجال من قريش، فبعثوا عتبة بن ربيعة فقالوا: لو رأيت هذا الرجل (274 ظ) فقل له: إنّ قومك يقولون: إنّك جئت بأمر عظيم، ولم يكن عليه آباؤنا، ولا يتبعك عليه أحد، وإنّك إنّما صنعت هذا لأنّك ذو حاجة، فإن كنت تريد المال فإنّ قومك سيجمعون لك يعطونك، فدع ما ترى، وعليك (¬9) بما كانت عليه آباؤك، فانطلق إليه عتبة، فقال له الذي أمروه، فدخل عليه بيته، فلمّا فرغ [من قوله] (¬10) وسكت، قال رسول ¬
الله صلّى الله عليه وسلّم: بسم الله الرحمن الرحيم {حم (1) تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ} (2) [فصلت:1 - 2]، فقرأ عليه من أوّلها حتى بلغ: {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ} [فصلت:13] إلى آخر الآية، فرجع عتبة، وأخبرهم الخبر، وقال: لقد كلّمني بكلام ما هو بشعر، وإنّي لشاعر أعرف الشّعر، ولا هو بسحر، وإنّه لكلام عجب (¬1) ما هو بكلام النّاس وما وقفوا به، قالوا: نذهب إليه بأجمعنا، فلمّا أرادوا ذلك طلع عليهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فعمد لهم حتى قام على (¬2) رؤوسهم وقال: بسم الله الرحمن الرحيم {يس (1) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (2) إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ} (3) [يس:1 - 3] حتى بلغ إلى قوله: {جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالاً} [يس:8]، فضرب الله بأيديهم إلى أعناقهم، فجعل من بين أيديهم سدّا، ومن خلفهم سدّا، {فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ} [يس:9]، فلمّا انصرف عنهم رأوا الذي صنع بهم، فتعجّبوا وقالوا: ما رأينا أحدا قطّ أسحر منه، انظروا ما صنع بنا. (¬3) 3 - وفي قوله: {إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ} صريح ما في قوله: {قُلْ كَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ (¬4)} الْكِتابِ. 5 - {تَنْزِيلَ:} رفع اللاّم التي في التنزيل (¬5)، وبتقدير مبتدأ (¬6)، والنّصب على القطع، (¬7) أو على التّحريض، أي: أقبل واتل عليهم. 8 - {مُقْمَحُونَ:} رافعون رأسهم، والقموح والقماح رفع الإبل رأسها من الماء امتناعا عن الشّرب، (¬8) والإقماح فعل عن القامح به وذلك. 12 - {فِي إِمامٍ مُبِينٍ:} أمّ الكتاب، وهو اللّوح المحفوظ. (¬9) عن أبي سعيد الخدري قال: كانت بنو سلمة في ناحية المدينة، فأرادوا النّقلة إلى قرب ¬
المسجد، فنزلت الآية فقال عليه السّلام: «إنّ آثاركم تكتب، فلا تنتقلوا». (¬1) قال: نزول الآية متقدّم على هذه الحادثة. والحديث محمول، إمّا على نزول الآية مرّتين، وإمّا لم يكن سمع أبو سعيد الخدريّ هذه الآية فيما قبل، فظنّ أنّها نزلت يومئذ. 13 - {وَاِضْرِبْ لَهُمْ:} اقصص لهم القصّة، كقوله: {وَاِضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً رَجُلَيْنِ} [الكهف:32]. {أَصْحابَ الْقَرْيَةِ:} أهل أنطاكية. (¬2) 14 - {إِذْ أَرْسَلْنا إِلَيْهِمُ اِثْنَيْنِ:} على عهد عيسى عليه السّلام، وهما تومان وبالوس، (¬3) وهما من الحواريين، فجعلا يدعوان (¬4) إلى توحيد الله حتى اطّلع الملك على أمرهما (275 و) فحبسهما فجاء شمعون الصّفا، وهو من عظماء الحواريين، في إثرهما مسجونين، فجعل نفسه كواحد من أهل أنطاكية، وجاء بطعام؛ ليطعم أهل السّجن، فأطعم كلّ واحد من أهل السّجن شيئا شيئا، فلمّا انتهى إلى صاحبيه قال: إنّي أسعى في تقويتكما وإخراجكما، ثمّ خرج من السّجن، ودخل بيت الأصنام، فاعتكف فيه أيّامّا يصلّي لله عزّ وجلّ ويتضرّع إليه، وأهل أنطاكية يرونه متقرّبا إلى (¬5) أصنامهم، فسكنوا إليه، ووثقوا به، ورفعوا خبره إلى الملك، فدعاه الملك، واستخلصه (¬6)، ثمّ إنّه قال للملك: إنّي سمعت أنّك سجنت رجلين مخالفين لك في دينك، فأخرجهما لأخاصمهما، فأخرجهما (¬7) الملك، [. . .] (¬8) فقال لهما شمعون: وأنا أفعل ذلك، قالا: نحن نحيّي الموتى، قال شمعون: عندنا ميّت قد مات منذ سبعة أيّام، فأحيياه (¬9)، فدعوا الله جهرا، ودعا شمعون سرّا، فأحيا الله ذلك الميّت، فقال شمعون: أشهد أنّهما صادقان، ¬
وأنّ إلههما حقّ، فآمن عند ذلك حبيب النّجار، ودعا الناس إلى الإيمان بهم، فوطئوه بأرجلهم حتى قتلوه، فأدخله الله الجنّة، قال: يا ليت قومي يعلمون. واختلف الروايات، قيل: آمن الملك وطائفة من النّاس معه، فصاح جبريل عليه السّلام بالباقين. (¬1) وقيل: لم يؤمن الملك ولا أحد سوى حبيب النّجار، ولكن رجموا الأنبياء، فصاح جبريل بهم أجمعين. (¬2) وروي: أنّ الرّجل الذي آمن بهؤلاء الرسل عليهم السّلام لم يكن نجّارا، ولكنّه كان راعيا من رعاتهم، وهو أب الميت الذي أحيوه بإذن الله، وهو الذي قتلوه، فقال: يا ليت قومي يعلمون. 30 - {يا حَسْرَةً:} لبيان موضع التّحسّر، كأنّه قيل: يا متحسّرّا، أي (¬3): هل من متحسّر فيكم؟ (¬4) 31 - {أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ:} في الاستدلال بانتفاء الرّجعة العامّة المطلقة على ثبوت المعاد؛ لأنّ الأرواح لا تدبر بالإجماع، فلا بدّ له من محلّ ما، والمحلّ محلاّن، فإذا انتفى أحدهما ثبت الثاني، بخلاف رجعة قوم معذورين؛ لأنّها كانت مخصوصة مقيّدة، وقد مات أصحاب تلك الرّجعة بعد رجعتهم، فلم يرجعوا. 35 - {مِنْ ثَمَرِهِ:} من ثمر ما ذكرنا. (¬5) {وَما عَمِلَتْهُ:} للحجر على الحقيقة، أي: لم توجده أيديهم (¬6). وعن ابن عباس: أنّ (ما) بمعنى الذي. (¬7) والمراد تلقيح النّخل، وهو على سبيل كسب الفعل. 36 - {خَلَقَ الْأَزْواجَ:} الأجناس. (¬8) 38 - {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها:} قيل: لا مستقرّ لها كلّ ليلة، ولكنّ مستقرّها في آخر الزّمان، تغرب الشّمس فتمكث (¬9) ما شاء الله (¬10) غير طالعة، ثمّ تطلع من نحو الغرب يوما واحدا، ثمّ تعود بهيأتها إلى انتهاء أيّام الدّنيا؛ (¬11) لقوله تعالى: {وَسَخَّرَ لَكُمُ} ¬
{الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دائِبَيْنِ} [إبراهيم:33] (275 ظ) وقراءة ابن مسعود: (والشّمس تجري لا مستقرّ (¬1) لها). وقيل: إنّها تستقرّ كلّ ليلة ساجدة تحت العرش (¬2) حتى يؤذن لها إلى الرجوع إلى الدّنيا؛ لقوله: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها.} وعن أبي ذرّ قال: سألت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن قوله تعالى: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها؟} قال: «مستقرّها تحت العرش» (¬3). وعن أبي ذرّ قال: كنت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في المسجد حين وجبت الشّمس، فقال: «يا أبا ذرّ أتدري أين تذهب الشّمس؟» قلت: الله ورسوله أعلم، قال: «إنّها (¬4) تذهب حتى تسجد بين يدي ربّها، فتستأذن بالرّجوع، فيؤذن لها، وكأن قد قيل لها: ارجعي من حيث جئت، فترجع إلى مطلعها، فذلك مستقرّها»، ثمّ قرأ: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها.} (¬5) وعن ربيعة الجرشيّ قال: عشر آيات بين يدي السّاعة: خسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسف بحجاز العرب، والرابعة: الدّجال، والخامسة: نزول عيسى بن مريم، والسادسة: الدابّة، والسابعة: الدّخان، والثّامنة: يأجوج ومأجوج، والتاسعة: ريح بارد لا تبقى نفس مؤمنة إلا قبضت في تلك الرّيح، والعاشرة: طلوع الشّمس من مغربها. (¬6) 39 - {وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ:} وهي النّجوم، هي أجزاء (¬7) من البروج، وهي ثمانية وعشرون منزلا فيما يشاهد. (¬8) {كَالْعُرْجُونِ:} قال الفراء: العرجون ما بين الشّماريخ (¬9) إلى النّابت في النّخلة من العذق. (¬10) 40 - {لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ:} فيه ما يبطل قول المنجّمة في الكسوف والاحتراق، إلا أنّهم لا يسمّون ليالي الهلال والمحاق قمرا. ¬
41 - {وَآيَةٌ لَهُمْ:} لقريش وأمثالهم. (¬1) {ذُرِّيَّتَهُمْ:} ذرّيّة من حمل مع نوح. (¬2) 42 - {وَخَلَقْنا لَهُمْ:} للذّرّية. {مِنْ مِثْلِهِ:} مثل الفلك المشحون. (¬3) عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: أتدرون ما المشحون؟ قلنا (¬4): لا، قال: الموقّر، قال: جعلت سفينة نوح عليه السّلام على مثالها. (¬5) وعن السّدّيّ، عن أبي مالك: {أَنّا حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ} [يس:41] قال: سفينة نوح حمل فيها من كل زوجين اثنين، وقال: {ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ} [الإسراء:3]، قال: {خَلَقْنا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ ما يَرْكَبُونَ} [يس:42]، قال: السّفن التي في البحر والأنهار التي يركب (¬6) النّاس فيها. (¬7) 44 - {إِلاّ رَحْمَةً:} نصب؛ لأنّه مفعول لها، (¬8) وتقديره: إلا أن ننقذ (¬9) نحن لرحمة منّا. 45 - {وَإِذا قِيلَ:} جوابه مضمر، والتقدير فيه: أعرضوا. (¬10) 50 - عن أبي هريرة قال: تقوم السّاعة والرّجل يدّرع الثّوب، والرّجل يحلب النّاقة، ويتبايعون في السّوق، ثمّ قرأ: {فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلا إِلى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ.} (¬11) 51 - {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ:} عن أبي هريرة (¬12) قال: أخبرنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ونحن طائفة من أصحابه، فقال: «إنّ الله (¬13) تبارك وتعالى (276 و) لمّا فرغ من خلق السّماوات والأرض خلق الصّور، وأعطاه إسرافيل، [فهو] واضعه (¬14) على فيه، شاخص ببصره إلى العرش ينتظر متى ¬
يؤمر»، فقال أبو هريرة: فقلت: يا رسول الله، وما الصّور؟ قال: «قرن»، قلت: وكيف هو؟ قال: «عظيم، والذي نفسي بيده، إنّ عظم دارة [فيه] (¬1) كعرض السّماء والأرض، فينفخ فيه ثلاث نفخات: الأولى: نفخة الفزع، والثانية: نفخة الصّعق، والثّالثة: نفخة القيام لربّ العالمين، يأمر الله تعالى إسرافيل بالنفخة الأولى، فيقول: انفخ نفخة الفزع، فيفزع أهل السماء والأرض إلا من شاء الله، ويأمره فيمدها ويديمها ويطوّلها، يقول الله عز وجل: {وَما يَنْظُرُ هؤُلاءِ إِلاّ صَيْحَةً واحِدَةً} [ص:15]، فيسيّر الله الجبال، فتمر مر السحاب، ثم تكون سرابا (¬2)، ثم يرجّ الأرض بأهلها رجّا، وهي التي يقول الله عز وجل: {يَوْمَ تَرْجُفُ الرّاجِفَةُ (6) تَتْبَعُهَا الرّادِفَةُ (7) قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ واجِفَةٌ} (8) [النازعات:6 - 8]، فتكون الأرض كالسفينة في البحر تضربها الأمواج، فيميد الناس على ظهرها، وتذهل المراضع، وتضع الحوامل ما في بطونها (¬3)، وتشيب الولدان، وتطير (¬4) الشياطين هاربة حتى تأتي الأقطار، فتتلقاها الملائكة تضرب وجوهها، فترجع، [ويولي] (¬5) الناس مدبرين ينادي بعضهم، وهي التي يقول الله عز وجل: {يَوْمَ التَّنادِ (32) يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ (¬6)} ما لَكُمْ مِنَ اللهِ مِنْ عاصِمٍ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ (33) [غافر:32 - 33]، فبينا (¬7) هم على ذلك إذ تصدعت الأرض من قطر إلى قطر، فرأوا أمرا عظيما، فيأخذهم من ذلك الكرب ما الله به عليم، ثم ينظرون (¬8) إلى السماء، فإذا هي كالمهل، ثم انشقت، وانخسفت شمسها وقمرها، وانتثرت نجومها، ثم كشطت السماء عنهم، ثم قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: فالموتى لا يعلمون بشيء من ذلك، وإنما يصل الفزع إلى الأحياء، قال: قلت: يا رسول الله، فمن استثنى الله حيث يقول: {فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلاّ مَنْ شاءَ اللهُ} [النمل:87]؟، قال: أولئك الشهداء أحياء عند ربهم يرزقون، ويقيهم (¬9) الله شر ذلك اليوم، ويؤمّنهم منه، وهو عذاب يلقيه الله شرار خلقه، وهو الذي يقول تبارك وتعالى: {يا أَيُّهَا النّاسُ اِتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (1) يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها} إلى ¬
قوله: {عَذابَ اللهِ شَدِيدٌ} (2) [الحج:1 - 2]، فيمكثون في ذلك ما شاء الله، الآية بطول، ثم يأمر الله إسرافيل بنفخة الصعقة، فيصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا ما شاء الله (276 ظ) فإذا هم خمود، فيجيء ملك الموت إلى الجبار عز وجل، فيقول: قد مات أهل السماء وأهل الأرض، فيقول الله، وهو أعلم: فمن بقي؟ فيقول: بقيت أنت الحيّ الذي لا يموت، وبقي حملة عرشك، وبقي جبريل وميكائيل وإسرافيل وأنا، قال: وليمت جبريل وميكائيل وإسرافيل، فيتكلّم العرش، فيقول: أي ربّ، أيموت جبريل وميكائيل وإسرافيل (¬1)، فيقول له: اسكت، فإنّي كتبت على من تحت عرشي الموت، فيموتون، ويأتي ملك الموت إلى الجبّار عزّ وجلّ، فيقول: أي ربّ، مات جبريل وميكائيل وإسرافيل، فيقول الله، وهو أعلم: فمن بقي؟ فيقول: أي ربّ، بقيت أنت الحيّ الذي لا يموت، وحملة عرشك، وبقيت أنا، فيقول: وليمت حملة عرشي، فيموتون، ثمّ يأتي ملك الموت إلى الجبّار، فيقول: أي ربّ، قد مات حملة عرشك، فيقول، وهو أعلم: فمن بقي؟ فيقول: قد بقيت أنت الحيّ الذي لا يموت، وبقيت أنا، فيقول: أنت خلق من خلقي، خلقتك لما قد رأيت، فمت، ثمّ لا يحيى فيموت، فإذا لم يبق أحد إلا الله عزّ وجلّ، ليس بوالد ولا ولد، كان آخرا كما كان أوّلا، يقول: لي (¬2) لا موت على أهل الجنّة، ولا موت على أهل النّار، فتطوى السّماء كطيّ السّجلّ للكتاب، ثمّ دحاهما، ثمّ يتلقّفهما، ثمّ يقول: أنا الجبّار، أنا الجبّار، أنا الجبّار، ثمّ يهتف بصوته: لمن الملك اليوم، لمن الملك اليوم، لمن الملك اليوم، ثمّ يقول: لله الواحد القهّار، ثمّ ينادي: ألا من كان لي (¬3) شريكا فليأت، ألا من كان شريكا فليأت، فلا يأتي أحد، ثمّ تبدّل السّماء (¬4) والأرض غير الأرض، ويبسطها، ويسطّحها، ويبطحها، ويمدّها مدّ الأديم العكاظيّ، لا ترى فيها عوجا ولا أمتا، ثمّ يزجر الله الخلق زجرة واحدة، فإذا هم في هذه المبدّلة في مثل مواضعهم من الأولى في بطنها وعلى ظهرها، ومن كان في بطنها كان في بطنها، ومن كان على ظهرها كان على ظهرها، ثمّ ينزل الله عليهم من تحت العرش ماء، يقال له: الحيوان، فتمطر السّماء عليكم أربعين سنة حتى يكون الماء فوقكم اثني عشر ذراعا، ثمّ يأمر الله الأجساد، فتنبت كنبات الطّراثيث، وكنبات البقل، حتى إذا تكاملت أجسادكم، فكانت كما كانت، يقول الله جلّ ثناؤه: ليحيى حملة عرشي، فيحيون، ثمّ يقول: ليحيى جبريل وميكائيل وإسرافيل، فيحيون، فيأمر الله إسرافيل، فيأخذ الصّور، ثمّ يدعو ¬
الله الأرواح، فيؤتى بها، فتوهّج أرواح المسلمين نورا، والأخرى مظلمة (¬1)، فيأخذها، فيلقيها (277 و) في الصّور، ثمّ يقول لإسرافيل: انفخ نفخة البعث، فينفخ، فتخرج الأرواح كأمثال النّحل قد ملأت ما بين السماء والأرض، فيقول الله عز وجل: وعزّتي وجلالي، لترجعنّ كلّ روح إلى جسده، فتدخل الأرواح إلى الأجساد، فيدخل في الخياشيم، فتمشي في الأجساد مشي السّمّ في اللّديغ، ثمّ تنشقّ الأرض عنكم، وأنا أوّل من تنشقّ الأرض عنه، فتخرجون منها شبابا كلّكم أبناء ثلاث وثلاثين (¬2)، واللّسان يومئذ بالسّريانيّة، سراعا (¬3) إلى ربّهم ينسلون، {مُهْطِعِينَ إِلَى الدّاعِ (¬4)} يَقُولُ الْكافِرُونَ هذا يَوْمٌ عَسِرٌ، {ذلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ،} {وَحَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً} فتوقفون في موقف حفاة عراة غرلا مقدار سبعين سنة، لا ينظر الله إليكم، ولا يقضي بينكم، فتبكي الخلائق حتى تنقطع الدّموع، ثمّ تدمع دماء، ويعرقون حتى يبلغ منهم الأذقان، أو يلجمهم، فتضجّون، فتقولون: من يشفع لنا إلى ربّنا؛ ليقضي بيننا؟ فيقولون: من أحقّ بذلك من أبيكم آدم، خلقه الله بيده، ونفخ فيه من روحه، وكلّمه قبلا؟ فيؤتى آدم يطلب ذلك إليه، فيأبى، ثمّ يستقرون (¬5) الأنبياء نبيّا نبيّا، كلمّا جاءوا نبيّا أبى، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: حتى يأتوني، فإذا جاؤوني، انطلقت حتى آتي الفحص، فأخرّ قدّام العرش لربّي ساجدا حتى يبعث الله إليّ ملكا، فيأخذ بعضدي، فيرفعني، فقال أبو هريرة: فقلت: يا رسول الله، وما الفحص؟ قال: قدّام العرش، فإذا رفعني الملك، [فيقول لي: يا محمد، فأقول: لبّيك يا ربّ، فيقول الله عز وجل] (¬6) ما شأنك يا محمد؟ وهو أعلم، فأقول: يا ربّ، وعدتني الشّفاعة، فشفّعني في خلقك، فاقض بينهم، فيقول الله عز وجل: قد شفّعتك، أنا آتيكم، وأقضي بينكم، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: فأرجع وأقف مع النّاس، فبينا نحن وقوف إذ سمعنا حسّا شديدا من السماء، فهالنا، ونزل أهل السّماء الدّنيا بمثلي (¬7) من فيها من الإنس والجنّ حتى إذا دنوا من الأرض، وأخذوا مصافّهم، قلنا: أفيكم ربّنا؟ فيقولون: لا، وهو آت، ثمّ ينزلون على قدر ذلك من التّضعيف حتى ينزل الجبّار جلّ جلاله في ظلل من الغمام، يحمل عرشه يومئذ ثمانية، وهم اليوم أربعة، أقدامهم في تخوم الأرض السّفلى والأرضون والسّماوات إلى حجرهم (¬8)، والعرش على منكبهم، لهم زجل ¬
بالتّسبيح، وتسبيحهم: سبحان ذي الملك والملكوت، سبحان ذي العزّة والجبروت، سبحان الحيّ الذي لا يموت، سبحان الذي يميت الخلائق، سبّوح قدّوس، ربّ الملائكة والرّوح (277 ظ) قدّوس قدّوس، سبحان ربّنا الأعلى، سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة سبحانه أبد الأبد، ثمّ يضع عرشه حيث شاء (¬1) من الأرض، ثمّ يقول: وعزّتي وجلالي (¬2)، لا يؤتى اليوم أحد يظلم، ثمّ ينادي نداء يسمع الخلائق: يا معشر الجنّ والإنس، إنّي قد أنصتّ لكم منذ خلقتكم إلى يومكم هذا، أبصر أعمالكم، وأسمع أقوالكم، فأنصتوا لي (¬3)، فإنّما هي صحفكم وأعمالكم تقرأ عليكم، فمن وجد خيرا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومنّ إلا نفسه، ثمّ يأمر الله جهنّم، فيخرج منها عنق ساطع، ثم يقول: {وَاِمْتازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ (59) *أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (60) وَأَنِ اُعْبُدُونِي هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ (61) وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلاًّ كَثِيراً أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ (62) هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} (63) [يس:59 - 63]، ثمّ يقضي الله بين خلقه كلّهم إلا الثّقلين: الجنّ والإنس، ويقيد بعضهم حتى إنّهم ليقيد الجلحاء من القرناء حتى إذا لم يبق تبعة لواحد عند آخر، قال الله: كوني ترابا، فعند ذلك يقول الكافر: {يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً} [النبأ:40]، ثمّ يقضي الله بين الثّقلين، فيكون أوّل من (¬4) يقضي فيه الله الدّماء، فيؤتى بالذي كان يقاتل في سبيل الله بأمر الله وكتابه، ويأتيه من قتل كلّهم، يحتمل رأسه تشخب أوداجه دما يقولون: ربّنا، قتلنا هذا، فيقول الله عزّ وجلّ، وهو أعلم: لم قتلتهم؟ فيقول: أي ربّ، قتلتهم لتكون العزّة لك، فيقول الله: صدقت، فيجعل الله لوجهه مثل نور الشّمس، ثمّ تشيّعه الملائكة إلى الجنّة، ويؤتى بالذي كان يقاتل في الدّنيا على غير طاعة الله، وعلى غير أمر الله تعزّزا في الدّنيا، ويأتي من قتل كلّهم، يحمل رأسه تشخب أوداجه دما، يقولون: ربّنا قتلنا هذا، فيقول، وهو أعلم: لم قتلتهم؟ فيقول: أي ربّ، قتلتهم؛ لتكون العزّة لي، فيقول الله: تعست، ويسودّ وجهه، وتزرقّ عيناه، ثمّ لا تبقى نفس قتلها إلا قتل بها، ثمّ يقضي الله بين خلقه، حتى إنّه ليكلّف الشائب اللّبن بالماء بخلص الماء من اللّبن، حتى إذا لم يبق لأحد عند أحد تبعة نادى مناد، فأسمع الخلائق كلّهم: ليلحق كلّ قوم بآلهتهم، وما كانوا يعبدون من دون الله، فلا يبقى أحد عبد من دون الله شيئا إلا مثلت لهم آلهتهم بين أيديهم، ويجعل ملك يومئذ من الملائكة على ¬
صورة عيسى، فتتبعه النّصارى، ثمّ تقودهم آلهتهم إلى [النّار] (¬1) وهي التي يقول الله تعالى: {لَوْ كانَ هؤُلاءِ آلِهَةً ما وَرَدُوها وَكُلٌّ فِيها خالِدُونَ} (99) [الأنبياء:99]، حتى إذا لم يبق (278 و) إلا المؤمنون وفيهم المنافقون، جاءهم الله سبحانه فيما شاء من هيئة، فيقول: أيّها النّاس، الحقوا بآلهتكم، فيقولون: ما لنا من (¬2) إله إلا الله، وما كنّا نعبد غيره، ويتجلّى لهم من عظمته ما يعرفون أنّه ربّهم، فيخرّون له سجّدا، فيسجدون ما شاء الله، ويجعل الله أصلاب المنافقين كصياصيّ البقر، فيخرون (¬3) على أقفيتهم، ثمّ يأذن الله، فيرفعون رؤوسهم، ثمّ يضرب بالصّراط في كنفي جهنّم، كقدّ الشّعر، وكحدّ السّيف، عليه كلاليب وخطاطيف، وحسك كحسك السّعدان، دونه جسر دحض مزلّة، فيمرون كخطوف العين، وكلمح البرق، وكمرّ الرّيح، وكأجاود الخيل، وكأجاود الركاب، وكأجاود الرّجال، [فناج] (¬4) سالم (¬5)، وناج مخدوش مكدوش في جهنّم، فيقع خلق من خلق الله، أوقعتهم أعمالهم، فمنهم (¬6) تأخذ النّار قدميه لا تجاوز ذلك، ومنهم من تأخذه إلى أنصاف ساقيه، ومنهم من تأخذه إلى حقويه (¬7)، ومنهم من تأخذ كلّ جسده إلا صورهم يحرّمها الله تعالى على النّار، فإذا أفضى أهل الجنّة إلى الجنّة، وأهل النّار إلى النّار، قالوا: من يشفع لنا إلى ربّنا؛ ليدخلنا (¬8) الجنّة؟ فيقولون: من أحقّ بذلك من أبيكم آدم (¬9)، خلقه الله بيده، ونفخ فيه من روحه، وكلمه قبلا؟ فيؤتى آدم، فيطلب، فيذكر ذنبا فعله، فيقول: عليكم بنوح، فإنّه أوّل رسل الله، فيؤتى نوح، فيطلب منه، فيذكر ذنبا، فيقول: عليكم بإبراهيم، فإنّ الله عز وجل اتخذه خليلا، فيؤتى إبراهيم، فيطلب، فيقول: عليكم بموسى، فإنّ الله تعالى قرّبه نجيّا، وأنزل عليه التوراة، فيؤتى موسى، فيطلب إليه، فيقول: عليكم بروح الله وكلمته عيسى بن مريم، فيؤتى عيسى، فيطلب إليه (¬10)، فيقول: سأدلّكم على صاحب ذلك، ويقول: عليكم بمحمد، صلّى الله عليه وعلى جميع الأنبياء (¬11)، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: فيأتوني، ولي ¬
عند الله ثلاث شفاعات وعدتهنّ، ثمّ ذكرنا في الحديث، وفيه طول. (¬1) وعن عائشة قالت: إذا خرج أوّل الآيات طرحت الأقلام، وحبست الحفظة، وشهدت الأجساد على الأعمال. (¬2) 51 - {مِنَ الْأَجْداثِ:} جمع جدث، وهو القبر. (¬3) 52 - {مِنْ مَرْقَدِنا:} يجوز أن يكون تمام الكلام، فيحسن الوقف عليه. (¬4) ويجوز أن يكون (هذا) إشارة إلى المرقد على سبيل التّأكيد. (¬5) 55 - وعن ابن عباس في قوله: {إِنَّ أَصْحابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فاكِهُونَ} قال: في افتضاض الأبكار. (¬6) عن زيد بن الأرقم قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الرجل ليعطى قوّة مئة رجل في الأكل والشّرب والجّماع»، فقال رجل من أهل الكتاب: (278 ظ) إنّ الذي يأكل ويشرب يكون له حاجة! فقال رسول الله عليه السّلام: «يغيض من جسد أحدهم عرق مثل المسك، فيضمر لذلك بطنه». (¬7) وعن أبي أمامة قال: سئل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أينكح أهل الجنّة؟ قال: «نعم، دحما دحما (¬8)، ولا منيّ ولا منيّة». (¬9) وعن أبي هريرة: هل يقرب أهل الجنّة نساءهم؟ قال: «نعم، بذكر (¬10) لا يملّ، وفرج لا يحفى، وشهوة لا تنقطع» (¬11). وعن أبي سعيد الخدري، قلنا: يا رسول الله، إنّ الولد من القرّة العين، وتمام السّرور، فهل يولد لأهل الجنّة؟ فقال: «والذي نفسي بيده، إنّ العبد أو الرجل ليشتهي أو ليتمنّى، فيكون حمله ووضعه وسنّه الذي ينتهي إليها في ساعة واحدة». (¬12) وقال ابن عباس: إن اشتهوا ولد لهم. و (الفكاهة) (¬13): ¬
غاية السّرور والبشاشة. 58 - {سَلامٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ:} قال الفرّاء (¬1) وغيره (¬2): المراد بالسّلام المسلّم، أي: دعوته مسلّمة لا منازعة فيها. وقوله: {قَوْلاً} أي: وعدناهم هذه الأشياء وعدا. (¬3) وقيل (¬4): التقدير: ولهم ما يدّعونه (¬5) قولا مسلّما من ربّ رحيم. 66 - {وَلَوْ نَشاءُ لَطَمَسْنا عَلى أَعْيُنِهِمْ:} هذه الآية في تهديد قريش أن يصيبهم الله ببلاء في الدّنيا. (¬6) 68 - {وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ:} كأنّهم استنكروا الطّمس والمسخ، فذكرهم الله عزّ وجلّ بنكس الشباب العاقل المستوي إذا صار شيخا ضعيفا هرما على سبيل الاستدلال. (¬7) 72 - {فَمِنْها رَكُوبُهُمْ:} الرّكوب: ما يركب، (¬8) كالقعود: ما يقعد عليه، والطّهور: ما يطهّر به. 75 - {مُحْضَرُونَ:} مأخوذون مأسورون غير ممتنعين ولا منتصرين. 76 - {فَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ:} غير مفسّر هاهنا. {إِنّا نَعْلَمُ:} كلام مبتدأ من جهة الله. 77 - عن الكلبيّ، عن مجاهد قال: أتى أبيّ بن خلف الجمحيّ إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعظم بال (¬9) ففتّه بيده، ثمّ قال: يا محمد، أتعدنا إذا متنا وكنّا مثل هذا بعثنا؟ فأنزل الله {أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسانُ أَنّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ} الآية. (¬10) عن أبيّ بن كعب، عنه عليه السّلام قال: «إنّ لكلّ شيء قلبا، وقلب القرآن يس، ومن قرأ ¬
يس يريد الله بها (¬1) غفر له، وأعطي من الأجر كأنّما قرأ القرآن ثنتي عشرة مرّة، وأيّما مسلم قرئ (¬2) عنده، إذا نزل به ملك الموت، كان له بعدد كلّ حرف في سورة يس عشرة (¬3) أملاك يقومون بين يديه صفوفا يصلّون عليه، ويشهدون دفنه، وأيّما مسلم قرأ سورة يس وهو في سكرات الموت، أو من قرئت عليه لم يقبض ملك الموت روحه إلا وهو ريّان، فيمكث في قبره (¬4) ريّان، ويبعث يوم القيامة وهو ريّان، ولا يحتاج إلى حوض من حياض الأنبياء حتى يدخل الجنّة وهو ريّان (¬5)» (¬6). وعن عليّ، عنه عليه السّلام: «من كتب يس، ثمّ شربها دخل جوفه ألف نور، وألف رحمة، وألف بركة، وألف دواء (279 و) وأخرج (¬7) منه ألف داء (¬8)». (¬9) ¬
سورة الصافات
سورة الصافّات مكيّة. (¬1) وهي مئة واثنتان وثمانون آية في غير عدد أهل البصرة. (¬2) بسم الله الرّحمن الرّحيم 1 - {وَالصَّافّاتِ صَفًّا:} للعرب طريقة في القسم بالأشياء الكريمة عندهم، العزيزة عليهم من غير ضرورة، يريدون بذلك تأكيد أخبارهم، وأن يبلغ كلامهم من المخاطبين كلّ مبلغ، فأقسم الله لتأكيد الأمر وتفخيمه بأنفس صافّات، وأنفس زاجرات، وأنفس تاليات من خلقه، فذهب أكثر المفسّرين إلى أنّها الملائكة (¬3)، فإن كان كذلك فال (تا) للمبالغة، كما في علاّمة ونسّابة، والصّافّات من الملائكة هم الذين في صفوف الصّلاة (¬4). 2 - {فَالزّاجِراتِ:} هم الذين يزجرون السّحاب بإذن الله، (¬5) والزّجر كالنّهي والرّدّ، والازدجار افتعال منه (¬6). 3 - و (التاليات): هم الذين يتلون رسالات الله على أنبيائه عليهم السّلام. (¬7) [. . .] (¬8) 5 - {وَرَبُّ الْمَشارِقِ:} مشارق النّجوم، ومشارق الشّمس على حدتها، فإنّها تطلع كلّ يوم من مشرق آخر. (¬9) 8 - {لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلى:} قال الفرّاء: معنى (لا) يجمعناها (¬10) في قوله: {فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ (12) لا يُؤْمِنُونَ بِهِ} [الحجر:12 - 13]، ولو كان في موضع (لا) (¬11) (أن) ¬
يصلح ذلك، كما في قوله: {يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا} [النساء:176]. (¬1) يريد الفرّاء كون الفعل المتأخّر المنتفي معلولا بالفعل المتقدّم المثبت مرتفعا، بحذف النّاصبة معنى، قال الحجّاج في ابن عبّاس: إن كان لمثقبا، يريد: ثاقب العلم. (¬2) والفضل ما شهدت به الأعداء. 11 - {أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمْ مَنْ خَلَقْنا:} تقرير ضعفهم، وتقريب إعادتهم من أفهامهم على ما يتصوّر في أوهامهم (¬3)، كقوله: {أَأَنْتُمْ (¬4)} أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ بَناها [النازعات:27]. {طِينٍ لازِبٍ:} [. . .] (¬5) 22 - وعن النّعمان بن بشير {اُحْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْواجَهُمْ} قال: أمثالهم. (¬6) 23 - {فَاهْدُوهُمْ:} أمر بالسّوق. (¬7) 24 - {وَقِفُوهُمْ:} أمر بالوقف بعد الأمر بالسّوق، (¬8) إنّما هو، إن شاء الله، لتكرار الأمر بالسّوق، وتضعيف الخوف والهول عليهم. 28 - {عَنِ الْيَمِينِ:} اقتصار على أحد طرفي الكلام، ومعناه عن اليمين أو الشّمال. وقيل: المراد باليمين جهة الدّين والحقّ، (¬9) أي: كنتم تأتوننا من قبل الحقّ، فتلبّسونه علينا، والعرب تنسب الحقّ والخير إلى اليمين. 29 - {لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ:} باختياركم. (¬10) 32 - {فَأَغْوَيْناكُمْ:} دعوناكم إلى الغواية من غير (¬11) إكراه. (¬12) ¬
38 - {إِنَّكُمْ لَذائِقُوا الْعَذابِ} (¬1): خطاب يتوجّه إلى كفار قريش. (¬2) 45 - {بِكَأْسٍ:} بقدح ممتلئ بالشّراب. (¬3) 46 - {بَيْضاءَ:} صفة للكأس. (¬4) {لَذَّةٍ:} أي: ذات لذّة. (¬5) 47 - {لا فِيها غَوْلٌ:} غليله (¬6). قال أبو الهيثم: يقال: غالب الخمر بفلان إذا ذهب بعقله (279 ظ) أو صحة بدنه. (¬7) 48 - {قاصِراتُ الطَّرْفِ:} غاضّات البصر. (¬8) {عِينٌ:} جمع عيناء، وهي الواسعة العين. (¬9) 49 - {كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ:} جمع بيضة، وهي التي فيها فرخ (¬10) الطائر، (¬11) و (المكنون): الذي في رحم الأنثى بعد، وإنّما شبّه بالبيض، إن شاء الله، لبياض لونه، وملابسته، وكونه غير مثقوب، وطيب مذاقه، وقرّبه من طباع الحيوان، وبالمكنون لرقّة قشره ولطافته. وقال الكلبيّ: المراد بالمكنون المصون عن الحرّ والبرد؛ لئلا يفسد، ولا يتغيّر. وعن ابن مسعود: أنّ المرأة من نساء أهل الجنّة من الحور العين لتكون عليها سبعون حلّة، وإنّه ليرى مخ ساقها من فوق عظمها ولحمها وثيابها، كما يبدو الشّراب الأحمر من الزّجاجة البيضاء. (¬12) 52 - {إِنِّي (¬13)} كانَ لِي قَرِينٌ: مثل يهودا أو قرينه، مثل قطروس على ما بيّنّا في سورة الكهف. ¬
54 - {هَلْ (¬1)} أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ: أمر في غاية الرّفق. 58 - {أَفَما نَحْنُ بِمَيِّتِينَ:} سؤال منه لأصحابه الذين معه [في] (¬2) الجنّة أو للملائكة على سبيل التّقدير (¬3) يريد به تقريع قرينة الكافر. (¬4) 59 - {إِلاّ مَوْتَتَنَا الْأُولى:} تأكيد للكلام (¬5) من حيث قطع توهّم السّامع أن يكون الكلام عامّا في اللّفظ خاصّا في المعنى مطلقا على نيّة الاستثناء، كقولك لغريمك: ما لي عليك حقّ إلا الذي أخذته منك، وقريب منه قوله: {وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إِلاّ ما قَدْ سَلَفَ} [النساء:22]. 62 - {الزَّقُّومِ:} حمل شجرة عقباويّة ليست في الدّنيا، (¬6) كما أنّ طوى شجرة جنّويّة. 63 - {فِتْنَةً لِلظّالِمِينَ:} من وجهين: أحدهما: كون عينها عذابا لأهل النّار، (¬7) والثاني: كون اسمها سببا لضلالة الكفّار؛ لأنّه موافق لاسم الزّبد مع التّمر (¬8) على لغة حمير أو الحبشة. 65 - {كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ:} لرؤية المخاطبين الغيلان والسعالي (¬9) في أسفارهم في الفلوات، أو لقبح تصوّر الشياطين في الأوهام (¬10). وقيل: أراد بالشياطين الحيّات؛ فإنّ العرب تسمّي الحيّة شيطانا، (¬11) قال الراجز: عنجرد سليطة وثابة … كمثل شيطان الحماط أعرف (¬12) 67 - {لَشَوْباً:} مزجا وخلطا. (¬13) ¬
68 - {ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ:} كأنّهم يخرجون عند أكل الزّقوم. ومن الجحيم في سواء، أي: في ضحضاح الجحيم أو (¬1) النّار، ثمّ يرجعون إلى سواء الجحيم، ويحتمل: أنّ الضمير في قوله: {مَرْجِعَهُمْ} عائد إلى الأحياء من كفّار قريش وأمثالهم دون الأموات الذين دخلوا النّار. 78 - {وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ:} من قولهم: {سَلامٌ} [الصافات:79]، أو تركنا عليه الصّيت والذّكر في الآخرين، (¬2) أو تركنا عليه (¬3) البركة في أعقابه؛ ليكون قوله: {سَلامٌ} [الصافات:79] ابتداء من جهة الله تعالى. 101 - الظاهر من كتاب الله (280 و) أنّ الغلام الحليم هو إسماعيل عليه السّلام، وأنّ البشارة بإسحاق، وهو الغلام العليم، غير البشارة الأولى، وإذا كان كذلك (¬4) فقضيّة الظاهر أنّ الذي بلغ معه السّعي، وكان من أمره ما كان هو إسماعيل عليه السّلام، وكذلك قوله عليه (¬5) السّلام: «أنا ابن الذّبيحين» (¬6). وعن عطاء (¬7) بن يسار قال (¬8): سألت خوّات بن جبير (¬9) عن ذبيح الله أيّهما كان؟ فقال: إسماعيل لّما (¬10) بلغ معه السّعي رأى إبراهيم في منزله بالشّام أن يذبح إسماعيل بمكة، فركب إبراهيم إليه على البراق حتى جاءه فوجده (¬11) عند أمّه، فأخذ بيده، ومضى به لما أمر به، وجاء الشّيطان في صورة رجل يعرفه، فقال: يا إبراهيم، أين تريد؟ قال إبراهيم عليه السّلام: في حاجتي، قال: تريد أن تذبح إسماعيل؟ قال إبراهيم عليه السّلام: وهل رأيت والدا يذبح ولده؟ قال: نعم، أنت، قال إبراهيم عليه السّلام: ولم؟ قال: تزعم أنّ الله أمرك بذلك، قال إبراهيم عليه السّلام: فإن كان الله أمرني (¬12) بذلك، فقد أطعت الله، وأحسنت، فانصرف عنه، وجاء إبليس إلى هاجر، فقال: أين يذهب إبراهيم بابنك؟ قالت: ذهب في حاجته، قال: فإنّه يريد أن يذبحه، قالت: وهل رأيت والدا يذبح ولده؟ قال: نعم هو، ¬
قالت: ولم؟ قال: يزعم أنّ الله أمره بذلك، قالت: فقد أحسن حين أطاع ربّه، ثمّ أدرك إسماعيل عليه السّلام، قال يا إسماعيل: أين يذهب بك أبوك؟ قال: لحاجته، قال: فإنّه يذهب بك ليذبحك، قال: وهل رأيت والدا يذبح ولده؟ قال: نعم، هو، قال: ولم؟ قال: يزعم أنّ الله أمره بذلك، قال: فقد أحسن حين أطاع ربّه، قال: فخرج به حتى انتهى إلى منى، إلى حيث أمر، ثمّ انتهى إلى منحر البدن اليوم، فقال: يا بنيّ، إنّ الله قد أمرني أن أذبحك، قال إسماعيل عليه السّلام: فأطع ربّك، فإنّ في طاعة ربّك كلّ خير، ثمّ قال إسماعيل عليه السّلام: هل أعلمت أمّي بذلك؟ قال: لا، قال: أصبت إنّي أخاف أن تحزن، ولكن إذا قرّبت السّكين، فأعرض عنّي، فإنّه أحرى أن تصبر، ولا تراني، ففعل إبراهيم عليه السّلام، فذهب يحزّ في حلقه، فإذا هو يحزّ في نحاس، ما تحتكّ الشّفرة، فيشحذها مرتين أو ثلاثا بالحجر، كلّ (¬1) ذلك لا يستطيع أن يحتكّ (¬2)، قال إبراهيم عليه السّلام: هذا الأمر لله، فرفع رأسه، فإذا هو بوعل واقف بين يديه، فقال إبراهيم عليه السّلام: قم يا بنيّ، قد نزّل فداؤك، فذبحه هناك. (¬3) وعن سعيد بن المسيّب: أنّ الذّبيح إسحاق، (¬4) قال: فلمّا بلغ معه السّعي كان إسحاق معه وإسماعيل لم يكن معه، ولكنّه كان بمكة. وعن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن النّبيّ عليه السّلام قال: «الذّبيح هو إسحاق». (¬5) وعن الأحنف بن قيس، عن النّبيّ عليه السّلام. (¬6) وعن الأحنف، عن العبّاس بن عبد المطّلب (¬7). وعن يوسف بن مهران، عن ابن عباس. (¬8) وعن عطاء بن دينار، عن عمر بن الخطّاب. (¬9) وعن كثير بن كليب الجهنيّ، عن عثمان بن عفان. (¬10) وعن بسر بن سعيد الحضرميّ، عن أبيّ بن كعب. (¬11) وعن القاسم، عن أبي الدّرداء. وعن قتادة، عن ابن مسعود (¬12) وابن عمر (¬13). وعن الزّهريّ، عن أبي هريرة: مثله. (¬14) وعن سعيد بن جبير، عن ¬
ابن عباس قال: إنّ الصّخرة التي في أصل ثبير هي التي ذبح عليها إبراهيم عليه السّلام. (¬1) وعن عبد الله بن سلام قال: أراد أن يذبحه في جبل بيت المقدس. إلا أنّ قبول الأخبار بذبح إسماعيل وكون المذبح بمنى أسرع إلى قبول غيرها. وسبب الاختلاف ما روي عن عبد الله بن سلام قال: كنّا نتعلم في كتاب يهوذا الذي لم يبدّل هو إسماعيل عليه السّلام. (¬2) ففي هذا الحديث ما يدلّ على أنّ سبب الاختلاف هو (¬3) تحريف اليهود وتبديلهم، فإن كان النبي عليه السّلام ذكر أنّه إسحاق فإنّما يكون ذكر ذلك على زعم اليهود من غير توقيف إلهيّ حتى أخبره الله بعد ذلك، أو أخبره عبد الله بن سلام بحقيقة الأمر، كما أخبره بقصّة الرّجم. ثمّ نجمع بين الأحاديث فنقول: يجوز أنّ ذبح إسماعيل في بعض الأحوال والمحالّ، وفداه الله إيّاه، وذبح أخيه في بعض الأحوال والمحالّ، وفداه الله إيّاه، وإخبار الله تعالى عن ذبح إبراهيم أحد ابنيه لا يدلّ على نفي الآخر. 88 - ونظر إبراهيم في النّجوم: قيل: رمى ببصره إلى السّماء ليتذكّر حيلة. وقيل: أطرق ورمى ببصره إلى نجوم الأرض متفكرا. (¬4) وقيل: نظر في نجوم رأيه، وهي خواطره التي تنجم له. (¬5) وقيل: كان قومه يتعاظمون علم النجوم، فتشبّه بهم؛ ليعذروه في قوله: {سَقِيمٌ} [الصافات:89]، أي: سأسقم. (¬6) 91 - {فَراغَ:} انصرف خفية على سبيل الاستراق، ومنه روغان الثّعلب. (¬7) 93 - {بِالْيَمِينِ:} وهي اليد اليمنى. (¬8) وقيل: القوّة. (¬9) وقيل: الجلد، وهو قوله: {وَتَاللهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ} [الأنبياء:57]. (¬10) 103 - {وَتَلَّهُ:} صرعه وأناخه. (¬11) ¬
{لِلْجَبِينِ:} وهو أحد جانبي الجبهة. (¬1) 107 - {بِذِبْحٍ:} وهو ما أعدّ للذّبح. (¬2) 143 - عن ابن عبّاس {فَلَوْلا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ} قال: من المصلّين. (¬3) 147 - وعن أبيّ بن كعب قال: سألت رسول الله عن قوله: {وَأَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ} قال: «عشرون ألفا». (¬4) 140 - {أَبَقَ:} على سبيل المعصية، وكان يونس قد فرق من الملك على ما سبق. 142 - {مُلِيمٌ:} الذي يأتي لما يلام عليه. (¬5) 145 - {بِالْعَراءِ:} الفضاء والهواء. 158 - {وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً:} إن كان المراد بالجنّة (¬6) الملائكة (¬7) فعلمهم أنّهم محضرون، علمهم أنّهم ميّتون بحكم الله تعالى، ثمّ مبعوثون بإذنه ليوم الجمع لا ريب فيه، أو علمهم أنّ المشركين (281 و) محضرون في النّار، (¬8) وإن كان المراد بالجنّة الشّياطين (¬9) فعلمهم بأنّهم محضرون علمهم، بأنّهم يدخلون النّار؛ لكونهم آيسين من رحمة الله. 160 - {إِلاّ عِبادَ اللهِ:} استثناء من المحضرين. (¬10) وقيل: من الواصفين. (¬11) 162 - {ما أَنْتُمْ:} الضمير (¬12) عائد إلى {ما تَعْبُدُونَ} [الصافات:161]. 163 - وعن إبراهيم قال في قوله: {إِلاّ مَنْ هُوَ صالِ الْجَحِيمِ:} إنّ (¬13) الأمر قدّر عليه ¬
أن يصلى الجحيم. (¬1) وقيل: إنّكم لا تفتنون بآلهتكم إلا من سبق عليه القول (¬2) منّي أنّه يصلى الجحيم. (¬3) 171 - وفي قوله: {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنَا. . .} الآيات، دلالة على أنّ الله تعالى أعلى كلمة جميع عباده المرسلين، وأهلك أعداءهم. 177 - {الْمُنْذَرِينَ:} بمرأى من عين أوليائهم. 177 - {بِساحَتِهِمْ:} بفناء دارهم. (¬4) روي: أنّ النّبيّ عليه السّلام لّما حاصر خيبر قال: «الله أكبر، الله أكبر، إنّا إذا نزلنا بساحة قوم ساء صباح المنذرين» (¬5). 180 - عن موسى بن طلحة قال: سئل رسول الله عن سبحان الله؟ قال: «تنزيه الله عن الشّرّ» (¬6). وسأل ابن الكوّا [عليّا رضي الله عنه عن سبحان الله] (¬7)، قال: رضيها الله لنفسه. (¬8) وعن أبيّ بن كعب، عن النّبيّ عليه السّلام قال: «من قرأ سورة الصّافّات أعطي عشر حسنات بعدد كلّ جنّيّ وشيطان، وتباعدت عنه مردة الشّياطين، وشهد له حافظاه أنّه مؤمن بالمرسلين» (¬9). والله أعلم. ¬
سورة ص
سورة ص مكيّة. (¬1) وهي ست وثمانون آية في عدد أهل الحجاز والشّام. (¬2) بسم الله الرّحمن الرّحيم عن سعيد بن جبير، عن ابن عبّاس قال: اشتكى أبو طالب فعاده أبو جهل في نفر من قريش، فشكوا إليه النّبيّ عليه السّلام، فأرسل إلى النّبيّ عليه السّلام، فجاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وبجنب أبي طالب مجلس رجل، فلمّا رآه أبو جهل قام فجلس في ذلك المجلس، فجلس رسول الله على عتبة الباب، وقال أبو طالب: إنّ بني عمّك يشكونك، قال: أريد منهم أن يتكلّموا بكلمة تدين لهم (¬3) العرب، وتعطي العجم بها جزية، قال: وما هي؟ قال: لا إله إلا الله، قال: فقاموا منه عزين، ونزلت: {ص وَالْقُرْآنِ.} (¬4) 1 - {ذِي الذِّكْرِ:} أي: ذي الشّرف. (¬5) 2 - {بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقاقٍ:} والتّقدير: في الصّاد على قضيّة هذا الحديث أنّها إشارة إلى جواب القسم، فكأنّه قيل: صدقت والقرآن ذي الذّكر. وقيل: جواب القسم مضمر، (¬6) تقديره: والقرآن ذي الذّكر إنّك لناصح. وقيل: {بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا} جواب القسم، (¬7) كقولك لخصمك: والله أنّك مبطل. وقيل: جواب القسم (281 ظ) {كَمْ أَهْلَكْنا} [ص:3]، (¬8) كقولك لأخيك (¬9): أقسم عليك بالله هل رأيت فلانا. وقيل: جواب القسم {إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ،} ولا يحتمل هذا إلا أن يخرج الكلام من الحكاية، ويجعله كلاما مبتدأ من ¬
جهة الله تعالى. وقيل: جواب القسم (¬1) {إِنَّ هذا لَشَيْءٌ يُرادُ} [ص:6]، على احتمال كلام المبتدأ. وقيل: جواب القسم {جُنْدٌ ما هُنالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزابِ} [ص:11]. وقيل: جواب القسم {إِنَّ ذلِكَ لَحَقٌّ تَخاصُمُ أَهْلِ النّارِ} (¬2) [ص:64]. (¬3) وامتنع الفرّاء عن إجازة هذا القول. (¬4) 3 - {وَلاتَ:} التّاء زائدة في لا النّفي كما زيدت في (¬5) ثّمّ وربّ (¬6)، وقال سيبويه (¬7): هي مشبّهة بليس. (¬8) وقال الفرّاء: معناها: ليس. (¬9) ولو كان كذلك (¬10) [لكان] (¬11) الاسم مرتفعا. وقيل: التّاء زائدة في حين، وأنشد (¬12) [من الكامل]: العاطفون تحين ما (¬13) … من عاطف والمطعمون تحين ما من مطعم {مَناصٍ:} والنّوص (¬14) بالنون، والبوص بالباء العرض (¬15). [. . .] (¬16) 6 - {أَنِ اِمْشُوا:} ترجمة للانطلاق. (¬17) وقيل: ترجمة للمضمر، تقديره: وانطلقوا قائلين: ¬
أن امشوا، (¬1) ترجمة ككبار (¬2). 5 - {إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ:} إن كان جواب القسم فالإشارة واقعة إلى شقاق المشركين، وإن كان (¬3) قول المشركين فالإشارة إلى أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. 6 - {إِنَّ هذا لَشَيْءٌ:} إن كان جواب [القسم] (¬4) فالإشارة واقعة إلى ما وعدهم النّبيّ عليه السّلام على كلمة الإخلاص من طاعة العرب، واستسلام العجم، وإن كان من قول المشركين، فالإشارة واقعة إلى الضّمير على الآلهة (¬5)، أي: هو شيء يرضاه الله، ويجوز أن تكون الإشارة على قوله واقعة إلى خلاف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، أي: هو شيء يتمناه كلّ أحد ليذكر، وليتشرّف به على غيره. 7 - {فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ:} قال مجاهد: النّصرانية. (¬6) وقال الحكم بن عتيبة: ملّة محدثة في أيّام الفترة. وقال (¬7) الكلبيّ: اليهوديّة والنصرانيّة. (¬8) وقيل: ملّة قريش (¬9) التي أحدثها (¬10) لهم عمرو بن لحي. 11 - {جُنْدٌ ما هُنالِكَ:} (ما) للنّفي على لغة تميم، وتقديره: جند هنالك ما هو مهزوم من الأحزاب، أو جند ما هو هنالك بمهزوم، أو (¬11) جند ما هو بمهزوم (¬12) هنالك، فإن صح هذا المعنى فالمراد بالجند (¬13) الملائكة، و (هنالك) إشارة إلى الأسباب، و (من) للتسبيب كما في قوله: ما زيد بمنهزم من عمرو. والثاني: أن تكون (ما) صلة (¬14)، دخولها كخروجها، وتقديره: جند هنالك مهزوم من الأحزاب، أو هم جند مهزوم هنالك. (¬15) والثالث: أن تكون (ما) التي ¬
يجوز بها كون المنكورة على أنّه صفة تدركها الأوهام، تقديره: جندنا كان كيف كان (¬1). فإن صحّ أحد هذين المعنيين فالإشارة بهنالك واقعة إلى بدر (¬2) أو بعض المشاهد التي انهزم (282 و) فيه المشركون، (¬3) وتكون (من) للجنس، أي: جند من جنس الأحزاب (¬4). و {الْأَحْزابِ:} الذين تحزّبوا على أنبياء الله عليهم السّلام. (¬5) 12 - {ذُو الْأَوْتادِ:} جمع وتد، وهي ما نركزه (¬6) في الأرض. (¬7) وقيل: المراد بالأوتاد قصوره الثابتة في الأرض مثل الجبال. (¬8) وقيل: أربعة أوتاد كان يمدّ بينها من يعذبه من النّاس. (¬9) وقيل: كانت أوتادا (¬10) تلعب (¬11) السّحرة عليها بين يديه. (¬12) 15 - {فَواقٍ:} مقدار استراحة النّاقة بين الحلبتين، (¬13) وعنه عليه السّلام: «العيادة مقدار فواق النّاقة» (¬14). 16 - {وَقالُوا رَبَّنا عَجِّلْ لَنا قِطَّنا:} اتصاله صرف الله نبيّه (¬15) عن أذى قومه إلى ما يتسلّى بها، أو يذكر الله ما ابتلي به داود عليه السّلام؛ ليهوّن على رسول الله على (¬16) كلمة الإخلاص أن تدين لهم بها العرب وتعطي العجم جزيتها، فإنّ داود عليه السّلام أوتي ما أوتي بكلمة لا إله إلا الله، وكانت قريش وسائر العرب يعرفون داود عليه السّلام، ويعترفون بسلطانه في الأرض. 18 - وعن ابن عبّاس: لم أدر ما صلاة الضّحى حتى أتيت على هذه الآية: {يُسَبِّحْنَ} ¬
{بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْراقِ،} (¬1) إذا أشرقت الشّمس. 20 - {وَفَصْلَ الْخِطابِ:} فصل القضاء بالشّهود والأيمان، عند مجاهد (¬2) والحسن (¬3). وعن الشّعبيّ، عن زياد: أنّه قول الخطيب: أمّا بعد. (¬4) 21 - {وَهَلْ أَتاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ:} مصدر، (¬5) ويجوز أن يكون اسما كالضّيف. {إِذْ تَسَوَّرُوا:} تسلّقوا. (¬6) 22 - {إِذْ دَخَلُوا:} يعني: ملكان، مع كل واحد عنزة معين له. وقيل: لم يدخل عليه إلا ملكان، لكن كنّى بلفظ الجماعة لاعتبار وجود معنى الجمع والضّمّ، (¬7) قال الله تعالى: {إِذْ يَحْكُمانِ فِي الْحَرْثِ،} ثم قال: {وَكُنّا لِحُكْمِهِمْ شاهِدِينَ} [الأنبياء:78]، وقال لآدم وحواء: {اِهْبِطُوا} [البقرة:38]، وكون الاثنتين والأختين كما فوقهما في الميراث. {خَصْمانِ:} أي: نحن خصمان. (¬8) 23 - {نَعْجَةً:} وهي الأنثى من الضّأن والبقر أو البقر الوحش والشّاء الجبليّ، وجمعها نعاج، (¬9) وهذا مثل ضرباه (¬10) للنّساء، (¬11) وكان داود تحته تسع وتسعون امرأة، وكانت (¬12) عند أوريا امرأة واحدة. {أَكْفِلْنِيها:} أي: سلّمها إليّ، واجعلني كفيلها. (¬13) والقصة فيه: أنّ داود عليه السّلام دعا ربّه ذات يوم، فقال: في دعائه: يا ربّ، اجر ذكري ¬
بعد وفاتي في أفواه بني إسرائيل، ليذكرونني في صلاتهم، كما يذكرون إبراهيم وإسماعيل وإسحق ويعقوب عليهم السّلام، فأوحى الله تعالى: أن هؤلاء ابتليتهم، وأنت لم تبتل (¬1) بشيء من بلوائه، فقال: إلهي، وبم ابتليتهم؟ فأوحى الله إليه: أنّي ابتليت إبراهيم فصبر على النّار، فصيّرتها عليه بردا وسلاما، وابتليت إسماعيل (282 ظ) بالغربة عن أبيه، فصبر، فآويته وأحسنت مثواه ومثوبته، وأوفدت إليه أمّة من النّاس، فأمّنت بهم وحشته، وأغنيت بهم فقره، ولممت بهم شعثه، وابتليت إسحاق بالذّبح، فصبر لأمري، ورضي بقضائي، ففديته بذبح عظيم، ونجّيته من الكرب الشّديد، وابتليت يعقوب بفقد حبيبه يوسف، فقال داود: إلهي فابتليني واجعل اسمي مع أسمائهم في أفواه بني إسرائيل عند صلاتهم، فأوحى الله إليه: إذ (¬2) لم تقبل العافية فستأتيك البليّة، ثمّ أمهله الله عز وجل حتى نسي مسألته، فبينا هو ذات يوم في مسجده (¬3) يقرأ الزّبور، وكان ذلك المسجد مشرفا على بستان من بساتين بني إسرائيل، وفي ذلك البستان عين ماء تنتهي إلى حوض معمول لنساء بني إسرائيل ليغتسلن فيه عند حيضتهنّ، فبينا هو كذلك إذا سقط حمامة أمامه كأنّها من ذهب، وجناحاه كالياقوت الأحمر، وذنبها كالزّمرد (¬4) الأخضر، ومنقارها كالدّرّ الأبيض، ومخالبها كالفيروزج (¬5) الأزرق، فلمّا رآها أعجبه حسنها، فظنّ أنّها من طيور الجنّة، فقام ليأخذها، فطارت حتى سقطت على حائط ذلك البستان، فمشى نحوها، وأهوى بيده إليها، فأصاب طرف أصابعه جناحها، وانقضت في البستان، فظنّ أنّه صرعها، فأشرف على البستان، فإذا هو بامرأة من نساء بني إسرائيل تغتسل في ذلك الحوض من أجمل ما يكون من النّساء، فبقي مسترخيا ينظر إلى جمالها، وحسن خلقها، ونظرت المرأة إلى صورة رجل في الماء، فرفعت رأسها فإذا هي بداود عليه السّلام مشرفا عليها، فأرخت شعرها، فجلّل ما بين رأسها إلى قدميها، فوقعت بقلب داود عليه السّلام، وسأل عنها، فأخبر أنّها امرأة أوريا، وكان أوريا بناحية من أرض الشّام في خيل عظيمة عليها ابن أخت لداود يقاتل خيلا من كفّار ذلك العصر، ومعهم التّابوت (¬6) التي ذكره الله في كتابه: {فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمّا تَرَكَ آلُ مُوسى وَآلُ هارُونَ} [البقرة:248]، فكان من تقدّم من بني إسرائيل على التّابوت يوم القيامة، لم ينصرف حتى يقتل أو يظفر، فكتب داود إلى ابن أخته يأمره أن يقدّم أوريا أمام التابوت، فلمّا قرئ الكتاب على أوريا قال: إنّ نبيّ الله داود لم يقدّمني إلا وقد علم ¬
أنّني مقتول، فتقدّم حتى قتل هو و (¬1) من كان معه، فأمهل داود (283 و) المرأة حتى انقضت عدتها، ثمّ تزوج بها، فبينا يصلّي داود عليه السّلام ذات يوم في المحراب إذ تسوّر عليه الملكان المحراب حتى هبطا عليه في صورة رجلين، فخاف أنّهما يريدانه بسوء، وغضب على أحارسه، فقالا: لا تخف، فإنّا خصمان، قال لهما: ارجعا ليس هذا يوم قضاء، قالا: حاجتنا يسيرة، قال: هاتيا، قال أحدهما: {إِنَّ هذا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً} إلى آخر الآية، فحكم بينهما، فارتفعا في السّماء، وهو ينظر إليهما، وهما يقولان: يا داود حكمت على نفسك، فعلم عند ذلك أنّه مفتون، فخرّ مغشيا عليه، ثمّ أفاق وهو يقول: إلهي، كيف أعمل، ولست تغفل عنّي؟ إلهي، كيف أعمل إن لم تقبل توبتي؟، إلهي، كيف أعمل؟ وكيف أتوب؟ وكيف توبتي؟ إلهي، كيف أعتذر ولا عذر لي؟ إلهي، كيف ألقاك وأنا صاحب الخطيئة؟ إلهي، كيف ألقاك وأنا صاحب البليّة؟ إلهي، ما حجّتي يوم ألقاك وأنا صاحب الزّلّة؟ إلهي، ما حجّتي يوم ألقاك وأنا صاحب أوريا؟ إلهي ما حجّتي يوم (¬2) ألقاك وأنا صاحب الذّنب العظيم؟ فأوحى الله إليه: أجائع أنت فأشبعك؟ أم عطشان فأرويك؟ أم عار فأكسوك؟ فقال: إلهي، أنت أعلم بحاجتي، قال: فأوحى الله تعالى أن انطلق إلى قبر أوريا، فإنّي قد أذنت له في كلامك، فاستوهبه الذّنب، فإن وهبه لك غفرته لك، فانطلق داود عليه السّلام إلى قبر أوريا، وكان قد نقل إلى بيت المقدس، فدعاه داود عليه السّلام، فأجاب أوريا: من الذي أيقظني من نومي، وقطع عليّ لذّتي؟ قال داود عليه السّلام: أنا أخوك داود، قال: مرحبا بك يا نبيّ الله، فما حاجتك إليّ؟ قال: ذنب كان منّي إليك، قال: جعلتك في حلّ، قال: فانصرف داود، وقد ذهب بعض همّه، فبينا هو يمشي منصرفا إذ أوحى الله إليه: يا داود، إنّي حكم عدل لا أحكم بالغيب، فانصرف إليه، وبيّن له الذّنب، فانصرف داود عليه السّلام على فوره إلى قبره، ثمّ دعاه، فأجابه: من هذا الذي أيقظني من نومتي وقطع عليّ لذّتي؟ قال: أنا أخوك داود، قال: فيما عدت إليّ يا نبيّ الله؟ قال: أستوهبك الذّنب الذي كان منّي إليك، قال: أولم أجعلك في حلّ؟ قال: إنّ ربّي أمرني أن أخبرك به، قال: وما هو؟ قال: إنّي عرّضتك للمكاره والمهالك (¬3) من أجل امرأتك، قال: صنعت لماذا (¬4) قال: لأتزوج من بعدك، قال: فهل تزوّجت بها؟ قال: نعم، قال: لست أجعلك في حلّ حتى أخاصمك يوم القيامة بين يدي (¬5) الله عزّ وجلّ، فوضع يده على رأسه، وخرّ ¬
صائحا سائحا (283 ظ) والها حيران يبكي وينتحب، ثمّ سقط مغشيا عليه يوما وليلة، ثمّ أفاق حتى أصبح، فمكث بذلك المكان شهرا يبكي بدمع هتين (¬1)، وقلب حزين حتى نبت العشب في ذلك المكان من دموع عينه، فرحم الله طول بكائه وتضرعه، فأوحى الله إليه أن ارفع رأسك يا داود، فقد غفرنا لك، فقال: إلهي، وكيف تغفر لي وأنت عدل لا تجور؟ فأوحى الله إليه: أن أري أوريا (¬2) في الجنّة ما لا عين رأت ولا أذن سمعت، فيسألني لمن هذا يا ربّ؟ فيقول: لمن غفر لأخيه ذنبه إليه، فقال: إلهي وسيّدي، علمت الآن أنّك غفرت لي، ثمّ لم يزل باكيا على خطيئته أيام حياته، وكان يلبس الصّوف، ويفترش الشعر، ويصوم يوما، ويفطر يوما على خبز شعير بملح جريش، وكان إذ ذكر خطيئته خرّ مغشيّا عليه حتى ربط الله [قلبه] (¬3) بالصّبر والإيمان، فألقى الله في قلوب بني إسرائيل أن يخرجوا في طلبه، ويردّوه إلى دار مملكته، فإنّ داود عليه السّلام ولد له سليمان من تلك المرأة، واسمها بتشايع. (¬4) 24 - {قالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ:} خاطب الذي يصوّر له أنّه مظلوم دون الذي تصوّر له أنّه ظالم، إعزاز الذليل وإهانة الظالم (¬5). {وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ:} يجوز أن يكون من كلام داود عليه السّلام، ويجوز أن يكون كلاما عارضا في أثناء القصّة من جهة الله، ويجوز أن يكون من كلام الخصمين بإضمار القول. {الْخُلَطاءِ:} جمع خليط، وهو الشّريك. (¬6) {وَظَنَّ داوُدُ} أي: علم وتيقّن. (¬7) {وَقَلِيلٌ ما هُمْ:} يجوز أن تكون (ما) صلة، (¬8) ويجوز أن تكون اسما، (¬9) أي: قليل الذين يؤمنون، وإنّما هي التي تدخل الحرف النّاصب على الأفعال. ¬
عن أبي سعيد الخدريّ: أنّ رسول الله عليه السّلام أنّه سجد في ص. (¬1) وعن مجاهد قال: قلت لابن عباس: السجدة في ص من أين أخذت؟ فتلا عليّ هؤلاء الآيات من الأنعام: {وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ} [الأنعام:84] إلى قوله: {فَبِهُداهُمُ اِقْتَدِهْ} [الأنعام:90]، فقال: كان داود عليه السّلام ممّن أمر نبيكم أن يقتدي به. (¬2) وعن ابن عباس قال أتى (¬3) رجل إلى النّبيّ عليه السّلام قال: يا رسول الله، إنّي رأيت اللّيلة، وأنا نائم، كأنّي أصلّي خلف شجرة، فسجدت فسجدت الشجرة لسجودي، فسمعتها وهي تقول: اللهم اكتب لي بها عندك أجرا، وضع عني بها وزرا، واجعلها لي عندك دخرا، وتقبّلها منّي كما تقبّلتها (¬4) من عبدك داود. (¬5) وعن الكلبيّ: أنّه بلغه عن عبد الرحمن بن سابط قال: بلغني أنّ داود عليه السّلام يبعث يوم القيامة من قبره (284 و) وهو ينتفض انتفاض العصفور شفقا (¬6) من خطيئته، فلا يزال كذلك حتى يدنيه ربّه فيمسّ بعض جوانبه، فيطمئنّ. تعالى الله عن المسيس الذي نعرفه، ولكنّه يظهر سلطانه على ما شاء الله ممّن شاء. 28 - {أَمْ نَجْعَلُ:} بمعنى ألف الاستفهام. (¬7) وذكر الكلبيّ قوله: {أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا} (¬8) نزلت في حمزة وعليّ وسفيان وبني عبد المطّلب وعتبة وشيبة والوليد، فإن كان كذلك فالآية مدنيّة. (¬9) 31 - العامل في {إِذْ} مضمر. (¬10) وقيل: قوله: {أَوّابٌ} [ص:30]. (¬11) {الصّافِناتُ:} القائمات على ثلاث قوائم، (¬12) والصّافن من الرّجال الذي يصفّ قدميه. {الْجِيادُ:} الخيل العتاق. (¬13) ¬
32 - و (¬1) {حُبَّ الْخَيْرِ:} المال. (¬2) ووجه التعدية ب (عن) إضمار الميل، تقديره: ملت إلى حبّ الخير عن ذكر ربّي. وذكر أبو عبيد (¬3) الهرويّ وغيره: أنّ المراد بالمحبّة الإيثار (¬4)، وأنّ (عن) بمعنى (على). (¬5) والقصّة في ذلك: أنّ قبائل من قبائل العرب النّازلين بحدود دمشق ونصيبين تحزّبوا على سليمان ليقاتلوه، فأظفره الله تعالى عليهم، وأخذ ألف رأس من خيلهم، فلما راح من المعركة إلى منزله عرض الخيول، فكان الله قد أتاه (¬6) من الهيبة ما لا يبدأ بكلام، ولا يذكر شيئا حتى يكون هو الذي يبدأ ويذكر، فابتلاه الله يوم عرض الخيل بنسيان العصر حتى توارت بالحجاب، فغضب على نفسه، وعاقبها بأن فوّت عليها ما أعجبها. (¬7) 33 - {مَسْحاً:} قطعا. (¬8) قيل: إنّه عقر يومئذ تسع مئة فرس، وترك مئة، فما أبدى النّاس من الخيل العراب فمن نسل تلك المئة. (¬9) 36 - {رُخاءً:} ريحا طيبة. (¬10) وقيل: لينة. (¬11) والقصّة فيه: أنّ الجنّ أخبرت سليمان عليه السّلام بأمر ملك أندلس وطنجة وفرنجة وأفريقية، وما آتاه الله من النّعمة والسلطان، وهو كافر بربه يعبد الأصنام من دونه، فسار سليمان نحوه تحمله الرّيح وتظلّه الطّير، فلمّا انتهى إليه أرسل إليه رسولا يدعوه إلى توحيد الله ودين الإسلام، فاستشار ذلك الملك قومه، فأشاروا عليه بالطاعة، فتكبّر عنها، وقال: لو كلّفني خراجا لتحمّلته، وأما ترك الآلهة فلا أتركها، وأمر قومه بأن يستعدّوا للقتال، فاستعدوا وقاتلوا سليمان عليه السّلام، فلم يلبثوا إلا ساعة من نهار قتل الملك فيمن معه (¬12)، واستسلم سائر الأرض، وكان (¬13) لذلك بنت تسمّى سحور، وكانت أجمل من بلقيس، فلمّا رآها سليمان عليه ¬
السّلام تسرّى بها، وترفّعت المرأة أن تكون سرّية له فطلبت من سليمان عليه السّلام أن يتزوّجها، فتزوجها سليمان، وهو كالمنهيّ من جهة (¬1) الله تعالى بعد بلقيس بامرأة غير إسرائيليّة، فكان ذلك سبب الفتنة، ثمّ إنّ المرأة أظهرت بكاء وتأسّفا على أبيها وأمّها، (284 ظ) وقالت لسليمان عليه السّلام: حاجتي إليك أن تأمر (¬2) الجنّ ليصورهما (¬3) لي، فأمر سليمان بذلك، فصورهما لها، فعبدتهما من دون الله تعالى، ودعت جواريها وخدمها إلى عبادة هاتين الصّورتين، فأجابوها إلى ذلك، واتّصل ذلك الخبر سائر نساء سليمان وسراريه، فلم يحسنوا أن يخبروا سليمان عليه السّلام بذلك، وبلغ الخبر آصف بن برخيا، فدخل على سليمان عليه السّلام وقال: يا نبيّ الله، إنّه قد كبر سنّي، ورقّ جلدي، ودقّ عظمي، فأذن لي أن أخطب بني إسرائيل خطبة قبل موتي، فأذن له سليمان عليه السّلام، فقال: يا نبيّ الله، أحبّ أن أخطب وأنت حاضر، فحضر سليمان عليه السّلام، فلما صعد المنبر حمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، وصلّى على أنبيائه ورسله عليهم السّلام، يذكر نبيّا بعد نبيّ من آدم عليه السّلام، وأمسك عن ذكر سليمان، ثمّ نزل عن المنبر، فعاتبه سليمان على فعله، فقال آصف: يا نبيّ الله، لم يتهيأ إليّ أن أذكرك، قد (¬4) تزوجت بامرأة لم يؤذن لك في تزوّجها، وأنّها تعبد الصّورة في دارك من دون الله تعالى، فهذا الذي منعني من أن أذكرك بالجميل، قال: ففزع سليمان من ذلك، واغتمّ غمّا شديدا حتى ظهر ذلك عليه، فطلّقها وأخرجها من بيته، وأمر بالصّورتين فكسرتا، واغتمّت الجارية لذلك غمّا شديدا، فماتت من شدّة الغمّ، واغتمّ سليمان غمّا، فأوحى الله إليه يا ابن داود، أتغتم (¬5) وتظهر الغمّ على امرأة لم آذن لك في تزوّجها، وقد عبدت الصّورة في دارك من دوني، فاستعد الآن للفتنة والبلاء، فلأبلونّك بليّة أنسيك فيها بلية أبيك داود، ثمّ إنّ الله تعالى قيّض له شيطانا بصورة جارية لسليمان عليه السّلام، تسمّى الأمينة، وكان سليمان إذا أراد الخلوة مع نسائه دفع الخاتم إلى هذه الجارية، فدفع يومئذ إلى الشّيطان على ظنّ أنّه الأمينة (¬6)، واسم ذلك الشيطان صخر، فلما صار الخاتم في يده لم يستقر في يده، فرمي في البحر، وجاء حوت وابتلع الخاتم، ومضى صخر الجنّيّ، وقد ألقي عليه شبه سليمان، فجلس على كرسيّ سليمان، وخرج سليمان وقد تصوّر للأمينة بصورة صخر الجنّيّ، فقالت: أعوذ بالله منك، إنّي قد دفعت الخاتم ¬
إلى سليمان، فعلم (¬1) أنّه مفتون، فلم يدر ما يفعل، كلّما قال: أنا سليمان بن داود استهزأ النّاس به، وسخروا منه (¬2)، وطردوه وشتموه، وجعل آصف يقول: أقسم بالله، لقد بلي سليمان بأمر عظيم، وذلك أنّ (¬3) ثرى الطيّب قد نفرت، فلسنا نسمع لها حسّا، قالوا: قال ابن عبّاس رضي الله عنه: إنّ صخرا الجنّي لم يقدر على امرأة من نسائه (¬4) ولا على شيء من ماله وخدمه وحشمه، وإنّما كان جالسا على ذلك الكرسيّ، فلمّا لم يدخل على النّساء أنكرن (¬5) ذلك منه، وعلمن أنّه (285 و) ليس سليمان على الكرسيّ، وكانوا يهابونه أن يعترضوا حتى دخل سليمان عليه السّلام قرية (¬6) من القرى، وفي تلك (¬7) القرية بيت ملك، فجعل سليمان يقول: أيّها النّاس، أطعموني شيئا من الطّعام، فأيّكم أطعمني، وأشبع جوعي فله عليّ أنّ إعطاءه كذا وكذا إن ردّ الله عليّ ملكي، فإنّي أنا سليمان بن داود نزع الله منّي ملكي، وجعله لعدوّ من أعدائي بسبب خطيئة أتيتها، وأنا أرجو ربّي أن يردّ عليّ ملكي، قال: فأشرفت عليه تلك الجارية، فقالت: يا هذا، إنّا رأينا الكاذبين فما رأينا أكذب على الله منك، أتزعم أنّك سليمان مع هذه الخلقة الوحشيّة، وسليمان (¬8) في منزلة على كرسيّة، اخرج من قريتنا وإلا أمرت بدوس بطنك يا كذا (¬9) وكذا، فقال سليمان: إلهي وسيّدي، إنّك قد ابتليت الأنبياء من قبل غير أنّك لم تحبس عنهم رزقك، ولم تلق لهم البغضاء في قلوب النّاس، إلهي وسيّدي، أسألك وأرجوك ولا أرجو سواك، فاعف عنّي، واغفر لي، فإنّي لا أعود لشيء كرهته منّي، فلم يزل كذلك أربعين يوما، ثمّ إنّه وجد قرصا يابسا، فلم يقدر على كسره، فأتى ساحل البحر ليبلّ ذلك القرص، ثمّ يأكله، فجاءت موجة فحملت ذلك القرص ومرّت به، فقال: إلهي وسيدي، رزقتني قرصا من طعام على رأس أربعين يوما، فانتزعه البحر منّي، إلهي وسيّدي، أنت المتكفّل، يا رزّاق العباد، وأنا عبدك المذنب فلا تحبس عنّي رزقك، فإنّك أنت الرّزاق الكريم، وجعل يمشي على البحر، وهو يبكي، فإذا هو بقوم صيّادين، فسألهم أن يطعموه سمكة، فقالوا: انصرف منا (¬10)، فما رأينا أقبح منك وجها، فقال سليمان: وما عليكم من قبحي، إنّما سألتكم سمكة أسدّ بها جوعي، قالوا: وحقّ نبيّ الله ¬
سليمان، لئن لم ترجع قمنا إليك، وضربناك، فلمّا رآهم يحلفون باسمه، أما إنّكم لو علمتم من أنا لأطعمتموني قالوا: من أنت (¬1)؟ قال: أنا سليمان، فجعلوا يضحكون ويتغامزون به، ثمّ أقبل عليه بعض القوم، فضربه بعصا كانت في يده، وقال: مثلك (¬2) يزعم أنّه سليمان النّبيّ، فبكى سليمان، وبكت الملائكة في السماوات، قالوا: إلهنا وسيّدنا، عبدك ونبيّك أذنب ذنبا، وأنت الغفور الرّحيم، فقال الله تبارك وتعالى: ملائكي (¬3)، هذه بليّة الرّحمة، وليست بليّة العذاب، وسأردّ عليه ملكه، وأظهره على عدوّه، وأنا الذي لا أخلف الميعاد، ثمّ إنّ الله ألقى في قلوب الصّيّادين رحمة عليه، فقالوا: يا هذا، لقد قرّحت قلوبنا ببكائك، وإنّك لفي موضع رحمة، خذ هذه السّمكة وهذه السّكين، فشقّها بها، واغسلها وأت بها إلى هذه النّار، فاشوها، فأخذ سليمان تلك السّمكة، فلمّا شقّ بطنها وجد خاتمه، فتختم به سريعا، وسمع الأصوات من كل جانب (285 ظ) لبيك يا ابن داود، ومضى يريد قصره، فجعل يمرّ بتلك القرى، التي كانوا يطردونه منها إذا نظروا إليه تعادوا إليه، وخرّوا سجّدا، وبلغ ذلك صخر الجنّيّ فهرب، وأقبل سليمان عليه السّلام حتى دخل إلى قصره، واجتمعت عليه الإنس والجنّ، والوحش والسّباع، والطّير والهوام، ووفقه الله تعالى ليزداد لربّه عبادة وذكرا وخشوعا، ثمّ بعث العفاريت في طلب صخر الجنّيّ، فطلبوه حتى قدروا عليه، فأمر سليمان بأن ينقر له بين صخرتين، وصفّده بالحديد، وألقاه بين الصخرتين (¬4)، وأمر الشياطين بأن سدّوا عليه الصخرتين بالحديد، ثمّ أمر أن يلقى في بحيرة الطّبريّة. (¬5) 45 - {أُولِي الْأَيْدِي:} القوة (¬6) أو الصّنائع (¬7)، إن شاء الله. 46 - {ذِكْرَى الدّارِ:} ذكراهم دار الآخرة، (¬8) وهي إيمانهم بالبعث والثّواب والعقاب، فمعنى الآية: وقضاهم بهذه الخصلة الخالصة. 48 - {وَكُلٌّ:} لعطف الجملة. ¬
49 - {هذا:} إشارة إلى ما سبق ذكره. (¬1) 50 - {الْأَبْوابُ:} رفع لتقدير الإضافة فيها، أي: مفتّحة أبوابها. (¬2) 52 - {أَتْرابٌ:} جمع ترب، وهي اللّدة (¬3) والقرين. 56 - {حَمِيمٌ:} رفع على أنّه خبر {هذا،} والأمر عارض بين المبتدأ والخبر، (¬4) كقولك: هذا فاضربه زيدا، وارتفع بتقدير من، أي: منه حميم ومنه غسّاق. 58 - {مِنْ شَكْلِهِ:} أي: من مثل العذاب الأوّل. (¬5) 59 - فالقول مضمر عند قوله: {هذا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ،} (¬6) (الاقتحام): الدّخول على خطر أو مشقّة من غير تثبّت. (¬7) والقول عند قوله: {لا مَرْحَباً بِهِمْ:} مضمر. (¬8) (مرحبا): اسم من الرّحب استعمله العرب في الخير والشّرّ، فكلّ من رضيت بمكانه قالت: مرحبا به، على سبيل الدّعاء له، وكلّ من لم ترض بمكانه قالت: لا مرحبا به، على سبيل الدّعاء عليه. 63 - وحسن دخول الاستفهام وكونه مرادا {أَتَّخَذْناهُمْ سِخْرِيًّا} إنّما هو لكونهم غير متّخذين إيّاهم سخريا (¬9) لو كانوا أشرارا على الحقيقة داخلين معهم النّار؛ لأنّ الاتخاذ يدلّ على صرف الشّيء عن حقيقته في الغالب، فكأنّهم قالوا: أسأنا الظنّ بهم والقول فيهم: أتخذناهم سخريا أم صدقناهم فهم معنا في النّار قد زاغت عنهم الأبصار. 64 - {تَخاصُمُ:} رفع بتقدير ضمير، أي: هو تخاصم. (¬10) عن معاذ بن جبل قال: احتبس عنّا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ذات غداة عن صلاة الصّبح حتى كدنا نتراءى عين الشّمس، فخرج سريعا، فثوّب (¬11) بالصّلاة، فصلّى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وتجوّز في ¬
صلاته، فلمّا سلّم دعا بصوته، فقال (¬1) لنا: «على مصافّكم كما أنتم»، ثمّ انفتل (¬2) إلينا فقال: «أما إنّي سأحدّثكم ما حبسني عنكم الغداة: إنّي قمت من اللّيل فتوضّأت وصلّيت ما قدّر لي فنعست في صلاتي حتى استثقلت، (286 و) فإذا أنا بربي تبارك (¬3) وتعالى في أحسن صورة، فقال (¬4): يا محمد، قلت: لبيك يا ربّ، قال: فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت: لا أدري، قالها ثلاثا، قال: فرأيته وضع كفّه بين كتفيّ حتى وجدت برد أنامله بين ثدييّ، فتجلّى كلّ شيء وعرفت يده (¬5)، فقال: يا محمد، قلت: لبيك يا رب، قال: فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت: في الكفّارات، يا ربّ، قال: ما هو؟ قلت: مشي الأقدام إلى الجماعات، والجلوس في المساجد بعد الصّلوات، وإسباع الوضوء حين الكريهات، قال: ثمّ فيم؟ قال: قلت: إطعام الطّعام، ولين الكلام، والصّلاة والنّاس نيام، قال: سل، قلت: اللهم إنّي أسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحبّ المساكين، وأن تغفر لي وترحمني، وإذا أردت فتنة في قومي فتوفّني غير مفتون، وأسألك حبّك وحبّ من يحبّك، وحبّ عمل يقرّب إلى حبّك، فقال: رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إنّها حقّ فادرسوها، ثمّ تعلّموها» (¬6). قال: تعالى الله عن التّصوّر والتقدر والتّحيّز إلى الجهات والحلول في الصّور، ولكنه عز وجل يحلّ روح خطابه محلا محسوسا كإحالة القرآن في المصاحف، والتوراة في الألواح، ثمّ يظهر على المحسوس من آياته ما يفيد علما ضروريا. 75 - {قالَ يا إِبْلِيسُ ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ:} لم يكن إبليس، لعنه الله، بعد إنكاره على الله سبحانه وتعالى تفضيل آدم عليه السّلام عارفا إيّاه على الحقيقة، ولكنّه كان يخاطب مخاطبا له من الغيب على سبيل الظّنّ، ويحلف باسمه (¬7) على سبيل العرف والعدة من قبل إنكاره، كهؤلاء المشركين من أهل الكتاب في أدعيتهم بعد إنكارهم على الله إنزال القرآن على رسوله، ونسخ الشرائع المتّقدّمة. 86 - {مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ:} المقوّلين للقرآن، والمخترعين من ذات نفسه. (¬8) ويحتمل: أنّه نفى التّعرّض لعلم الغيب بالكسب والحيلة على طريقة الكهنة والمنجّمة. ¬
سورة الزمر
سورة الزمر مكيّة. (¬1) وعن ابن عبّاس وعطاء: إلا ثلاث آيات نزلن بالمدينة في وحشيّ، قوله: {قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا. . .} [الزمر:53]. (¬2) وهي اثنتان وسبعون آية في عدد أهل الحجاز والبصرة. (¬3) بسم الله الرّحمن الرّحيم 4 - قالوا: {لاصْطَفى مِمّا يَخْلُقُ} لهذه الرّتبة بأتراب الوحدانيّة والقهر اللّذين هما إيتاء الإلهية من يشاء. 5 - {يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهارِ:} يلفّ، من كوّر العمامة، (¬4) أو الإلقاء، من قولهم: طعنته فكورته. (¬5) 6 - {ثُمَّ جَعَلَ مِنْها} (¬6): لترتيب الخبر دون المخبر عنه. (¬7) والمراد بالخلق الخلق الأوّل حين أخرج بني آدم من صلب آدم (286 ظ) أمثال الذّرّ فقال: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ} [الأعراف:172]. 7 - {وَلا يَرْضى:} ليس بنفي للمشيئة، تنطلق على المرضيّ والمكروه. 8 - {وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ:} نزلت في أبي حذيفة بن المغيرة، وفي كلّ من كان مثله. وقيل: في أبي جهل. ف {إِذا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ:} أعطاها وأفادها، (¬8) والخول: الخدم. (¬9) {ما كانَ يَدْعُوا:} دعاؤه. (¬10) ¬
والضّمير في {إِلَيْهِ} عائد إلى ربّه تعالى، (¬1) وتقدير الكلام عند الزّجاج (¬2): نسي تضرّعه الذي كان يتضرّع إلى ربّه عز وجل. {تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً:} خبر بلفظ الأمر (¬3). 10 - {قُلْ يا عِبادِ الَّذِينَ آمَنُوا} (¬4): فحوى الآيات: أنّهن نزلن (¬5) بمكة في المفتونين (¬6) على سبيل الدّلالة على الهجرة، أو الصّبر على الأذيّة، وفي أعدائهم المشركين. 18 - وذكر الكلبيّ في قوله: {الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ:} أنّه الرّجل يجلس مع القوم يستمع (¬7) الحديث من الرّجال فيه محاسن ومساوئ، فيحدّث (¬8) بأحسن ما يسمع، ويكفّ عمّا سوى ذلك. (¬9) 22 - {أَفَمَنْ شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ:} كالذي لم يشرح، فقسا قلبه. (¬10) 24 - {أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذابِ يَوْمَ الْقِيامَةِ:} وهو المشرك الذي غلّت يداه، (¬11) كالذي هو مؤمن آمن. (¬12) 23 - {مُتَشابِهاً مَثانِيَ:} المكررات من القصص والأحكام والأمثال بعضها مثل بعضها. (¬13) وفائدة ذلك: التّنبيه على كون ما وقع به التّحدّي ممكنا غير محال لولا الإعجاز الإلهيّ. عن عبد الله بن المسور قال: لّما (¬14) نزلت هذه الآية {أَفَمَنْ شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ} [الزمر:22] قالوا: يا رسول الله، وكيف ذلك؟ قال: «إذا دخل النّور في القلب انفسح وانشرح»، قالوا: هل لذلك من علم يعرف به؟ قال: «نعم، التّجافي عن دار الغرور، والإنابة إلى ¬
دار الخلود، والاستعداد للموت قبل نزول الموت» (¬1). {تَقْشَعِرُّ:} ترتعد. (¬2) {يَهِيجُ:} تجفّ وتصفرّ. (¬3) وعن عليّ: لا يهيج على التّقوى زرع قوم. (¬4) {حُطاماً:} تكسّر وتصير بمنزلة ما تحطّم، (¬5) والحطم الفاعل، والحطم المنفعل. 29 - {سَلَماً:} وسالما مسلما، الذي لا دعوى فيه لأحد. (¬6) {مُتَشاكِسُونَ:} التّشاكس: سوء الخلق وصعوبته. (¬7) وإنما قيل: {مَثَلاً} لأنّهما جعلا مثلا واحدا، قاله الفرّاء. (¬8) 30 - {إِنَّكَ مَيِّتٌ:} أطلق اسم المآل على الحال، كقوله: {أَعْصِرُ خَمْراً} [يوسف:36]، قال: أنا ميّت، وعزّ من لا يموت، قد تيقّنت أنّي سأموت، وعلى هذا حمل الفرّاء قوله: {بِغُلامٍ عَلِيمٍ} [الحجر:53]. ويجوز أن يكون عليما في حال الصّغر. 31 - عن عبد الله بن الزّبير، عن أبيه قال: لّما نزلت {ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ} قال الزّبير: أتكرّر (¬9) علينا الخصومة (¬10) بعد الذي كان بيننا في الدّنيا، قال: نعم، فقال: إنّ الأمر إذا لشديد. (¬11) وعن إبراهيم (287 و) قال: لّما نزلت قال أصحاب رسول الله: ما خصومتنا ونحن إخوان، فلمّا قتل عثمان قالوا: هذه خصومتنا. (¬12) ¬
30 - وقال عليّ لأبي بكر بعد وفاته: سمّاك الله عزّ وجلّ في التنزيل (¬1) صدّيقا قوله: {وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ} أبو بكر. (¬2) 36 - {يُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ:} ثمّ قال: {هَلْ هُنَّ} [الزمر:38]؟ لأنّه إن كان المراد بهما الأرواح فالرّوح تذكّر وتؤنّث، وإن كان المراد الأصنام (¬3) فالصّورة مؤنّثة للفظها. 42 - {وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ:} في محلّ النّصب لوقوع التوفّي عليه. (¬4) {مَنامِها:} ظرف لقوله: {يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ،} وهذه الآية كقوله: {وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفّاكُمْ بِاللَّيْلِ} [الأنعام:60]. 45 - {اِشْمَأَزَّتْ:} نفرت (¬5) وانقبضت (¬6). 46 - قيل: دخل على الرّبيع بن خثيم رجل ممّن شهد قتل الحسين، وكان ممّن يقاتله، قال ابن خثيم: جئتم بها بعليتها (¬7)، يعني: الرؤوس، ثمّ أدخل يده في حنكه تحت لسانه، فقال: والله، لقد قتلتم صبية (¬8) لو أدركهم رسول الله لقبّلهم [من] (¬9) أفواههم، وأجلسهم في حجره، قرأ: {اللهُمَّ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ عالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبادِكَ فِي ما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} (¬10) أي: يختصمون. 49 - {بَلْ هِيَ:} أي: النّعمة. (¬11) 50 - {قَدْ قالَهَا:} أي: المقالة أو الكلمة. وعن الضّحّاك: أنّ الآية في النضر ب الحارث بن كلدة. وقيل: في أبي حذيفة بن المغيرة. وقيل: إنّها عامّة في كلّ كافر هذه صفته. 53 - عن أسماء بنت يزيد قالت: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقرأ (¬12): {قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ} ¬
{الرَّحِيمُ،} ولا يبالي» (¬1). {قَدْ جاءَتْكَ:} بتذكير الخطاب لذي النّفس دون النّفس، ومن أنّث جعل الخطاب للنّفس (¬2). 63 - {مَقالِيدُ:} جمع مقليد أو مقلود، فالمقليد لغة في الإقليد وهو المفتاح، (¬3) والمقلود: هو الحبل المفتول، (¬4) وهو السّبب، وفي الحديث: «قلدتنا السّماء قلدا في كلّ أسبوع وضاقت عليه» (¬5). 65 - {لَيَحْبَطَنَّ:} أراد النّكال والفضيحة العاجلة، كما في قوله: {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ.} 67 - وعن إبراهيم، عن عبيدة، عن عبد الله قال: جاء يهوديّ إلى النّبيّ عليه السّلام فقال: يا محمد، إنّ الله يمسك السّماوات على إصبع، والأرضين على إصبع، والخلائق على إصبع (¬6)، ثمّ يقول: أنا الملك، قال: فضحك النّبيّ عليه السّلام حتى بدت نواجذه، قال: {وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ.} (¬7) وعن عائشة قالت: يا رسول الله، {وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ مَطْوِيّاتٌ بِيَمِينِهِ} فأين المؤمنون يومئذ؟ قال: «على الصّراط يا عائشة». (¬8) وعن أبي سعيد الخدريّ قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كيف أنعم وقد التقم صاحب القرن وحنى (287 ظ) جبهته، وأصغى سمعه ينتظر أن يؤمر أن ينفخ في الصّور، فينفخ»، فقال المسلمون: يا رسول الله، كيف نقول؟ قال: «قولوا: حسبنا الله ونعم الوكيل، توكّلنا على الله»، وربّما قال: «على الله توكّلنا». (¬9) عن أبي هريرة، عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «ينادي مناد (¬10)، يعني: في الجنّة، لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبدا، وإنّ لكم أن تصحّوا فلا تسقموا أبدا، وإنّ لكم أن تشبّوا فلا تهرموا أبدا، وإنّ لكم أن تنعموا فلا تبؤسوا أبدا، وذلك قوله: {وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الزخرف:72]». (¬11) ¬
سورة المؤمن (غافر)
سورة المؤمن (غافر) مكيّة. (¬1) وعن ابن عباس: إلا آيتين، قوله: {إِنَّ الَّذِينَ يُجادِلُونَ} [غافر:56 - 57] نزلتا بالمدينة. (¬2) وهي أربع وثمانون آية حجازي. (¬3) بسم الله الرّحمن الرّحيم 1 - {حم:} عن ابن عباس فيه ثلاثة أقوال: أحدها: أنّه اسم الله الأعظم؛ لما روي عن النّبيّ عليه السّلام قال: «إذا بيّتم فقولوا: حم لا ينصرون» (¬4). قال أبو عبيد (¬5): معناه اللهمّ لا ينصرون. والثاني: أنّه قسم (¬6) قياسا على سائر الحروف. والثالث: أنّه من جملة الحروف (¬7) المقطّعة التي يركّب فيها اسم الله عزّ وجلّ، (¬8) كالألف واللام والرّاء والحاء والجيم والميم والنّون. (¬9) وعن مجاهد، عن ابن مسعود قال: حم ديباج القرآن. (¬10) وعن زرّ بن حبيش (¬11) قال: قرأت على عليّ بن أبي طالب القرآن في المسجد الجامع بالكوفة، فلمّا بلغت الحواميم قال: يا زرّ بن حبيش، قد بلغت عرائس القرآن. (¬12) وسأل عمر بن الخطاب رجالا من إخوانه كانوا بالشام، فسأل عن رجل قالوا: ذاك أخو ¬
الشياطين، أتى الشام فخالط أهل هذه الأشربة وجفا، فكتب إليه: من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى فلان بن فلان، سلام عليكم، فإني أحمد الله إليك الذي لا إله إلا هو غافر الذنب وقابل التوب، شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير، فلما جاءه الكتاب رجع عن فعله وتاب، ثم قال: صدق الله، ونصح لي عمر، ثم أقبل على طريقة حسنة. (¬1) 3 - {غافِرِ الذَّنْبِ:} وغيره (¬2)، يجوز أن يكون بدلا (¬3)، ويجوز أن يكون صفة (¬4)؛ لأنّ التّنكير متمحّض فيه؛ لكونه مضافا إلى معرفة، فكأنّه قيل: الغافر للذنب، القابل للتّوب، الشّديد عقابه. وعن الأخفش: أنّ التّوب جمع التوبة (¬5). وهذا محمول على أنّ التّوب فعل عام، وهو المصدر، والتّوبة فعل مرّة. 4 - {ما يُجادِلُ فِي آياتِ اللهِ:} اتصالها من حيث قوله: {شَدِيدِ الْعِقابِ} [غافر:3]. {ما يُجادِلُ فِي آياتِ اللهِ:} تسمية آيات القرآن شعرا وسحرا وسجعا، وأساطير الأولين، وأنّها (¬6) خالقة أو مخلوقة. (¬7) 7 - {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ:} اتصالها من حيث قوله: {قابِلِ التَّوْبِ} [غافر:3]. وذكر الكلبيّ: أنّ ابتداء استغفار الملائكة للمؤمنين، إنّما كان من لدن أمر هاروت وماروت. (288 و) 10 - {يُنادَوْنَ لَمَقْتُ اللهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ:} يوم القيامة إذا رأوا العذاب، ولاموا أنفسهم ومقتوها. (¬8) 11 - {اِثْنَتَيْنِ:} أي: مرّتين على ما سبق. (¬9) 12 - {ذلِكُمْ:} إشارة إلى البداء (¬10). ¬
15 - {رَفِيعُ:} رفع بقوله: {هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ} [غافر:13]. (¬1) {يَوْمَ التَّلاقِ:} تلاقي الخصوم (¬2) يوم الجمع، أو تلاقي المحسوس والمعقول، {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ} [القلم:42]. 16 - والقول مضمر عند قوله: {لِمَنِ الْمُلْكُ،} وكذلك عند قوله: {لِلّهِ الْواحِدِ الْقَهّارِ.} (¬3) وعن الحسن، عنه عليه السّلام: «من قال: الحمد لله الذي تعزّز بالقدرة، وقهر العباد بالموت، نظر الله إليه، ومن نظر الله إليه لم يعذبه، واستغفر له كلّ ملك في السّماء، وكلّ ملك في الأرض» (¬4). 18 - {يَوْمَ الْآزِفَةِ:} وهو يوم الصّيحة، الآزفة أو الرجفة، الآزفة أو البعثرة، الآزفة أو الزلزلة. الآزفة وأزف يأزف أزوفا إذا دنا. (¬5) {خائِنَةَ:} مصدر كالعافية، (¬6) وراغية الإبل، وثاغية الشاء. 24 - {إِلى فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَقارُونَ:} فيها دلالة على أنّ قارون لم يزل عدوّا لموسى عليه السّلام، باغيا على قومه، متعصّبا لفرعون إلى أن أهلكه الله. وفيها دلالة على أنّ فرعون ما كان يكفّ عن موسى عليه السّلام؛ لحلمه وكرمه، ولكنّه يخاف اختلاف قومه في أمره إن قتله. (¬7) 26 - وقوله: {وَلْيَدْعُ رَبَّهُ:} على سبيل الاستهزاء، وقلّة المبالاة، أي: يمنعني عن قتله إلا مكانكم، فإن أجمعتم على قتله، وأشرتم عليّ بذلك، فليدع ربّه حينئذ هل يمنعني عن قتله؟ {فِي الْأَرْضِ الْفَسادَ:} أي: فساد مملكته الفاسدة. 28 - {رَجُلٌ مُؤْمِنٌ:} هو حزبيل النّجار. (¬8) {يَكْتُمُ إِيمانَهُ:} إنّما يكتم قطعه بصدق موسى عليه السّلام في دعوى الرّسالة ¬
بوحدانيّة الله تعالى وبالأنبياء الماضين عليهم السّلام، وإنّما يكتم لخوفه القتل على نفسه، ولم يخف في سائر الخصال إلا محرما لجدال، وإنّما دعاهم إلى طاعة موسى عليه السّلام على سبيل الشّكّ، أو غلبة الظّنّ؛ لأنّ موسى عليه السّلام كان يدعوهم إلى إنجاء بني إسرائيل، وذلك فعل لم يكن مخالفا للمعقول، فكان يجوز فعله من غير اعتقاد. وإنّما قال: {بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ} لأنّ موسى عليه السّلام قد وعدهم بأشياء، وخوّف بأشياء [على سبيل] (¬1) التّخيير، كقوله: {أَنْ يُصِيبَكُمُ اللهُ بِعَذابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينا} [التوبة:52] قوله: {قُلْ هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ. . .} الآية [الأنعام:65]. والثاني: أنّ المراد بالبعض الكلّ. (¬2) 29 - وقول فرعون: {ما أُرِيكُمْ إِلاّ ما أَرى:} يدل على أن [. . .] (¬3) بين الغرور والإكراه. 31 - {وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ:} أي: لا يريد أن يظلم هو بنفسه على (¬4) عباده لتعاليه عن الاتّصاف (¬5) بالظّلم، بدليل اتصاله (288 ظ) يديم (¬6) إهلاك القرون الماضية بالغرق والصّيحة والرّيح ونحوها، وقال: {وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ} [هود:101]. (¬7) وقيل (¬8): {يُرِيدُ} أي: يحبّ. 37 - {تَبابٍ:} خسار. (¬9) 32 - {يَوْمَ التَّنادِ:} تناديهم: ما لها {إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها} (1) [الزلزلة:1]، (¬10) أو محاجّتهم في النّار. (¬11) ¬
43 - {لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ:} أي: شفاعة. (¬1) وقيل: دعوة مبرهنة (¬2) صحيحة. 44 - {وَأُفَوِّضُ:} أسلّم. (¬3) 46 - {النّارُ:} رفع؛ لكونه بيانا بالسّوء (¬4) العذاب (¬5)، أو يكون مبتدأ، وخبره في الفعل المتّصل بالضّمير العائد إليها. (¬6) 53 - {وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْهُدى:} على سبيل ردّ عجز الكلام على صدره. 56 - {إِنَّ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللهِ:} روي: أنّ الآيتين نزلتا في اليهود الذين أعظموا القول في الدّجال الذي ينتظرونه، فزعموا: أنّه نبيّ آخر الزّمان، وأنّه يسخّر السّماء والأرض والشّمس والقمر والنّجوم، ويحيي ويميت، فردّ الله عليهم قولهم. (¬7) 58 - {وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى:} قيل: اليهود ونحوهم. {وَالْبَصِيرُ:} مثل المؤمن المتعوّذ بالله من فتنة الدّجال، ومعرّة الجدال. 60 - عن النّعمان بن بشير قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الدّعاء هو العبادة، ثمّ قرأ: {وَقالَ رَبُّكُمُ اُدْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} الآية (¬8)». (¬9) 71 - {السَّلاسِلُ:} جمع سلسلة، وهي الحلق المتّصلة بعضها ببعض ليكون كالحبل، وهو من الحديد ونحوه، وهي معطوفة على {الْأَغْلالُ} (¬10). {يُسْحَبُونَ:} يجرّون، (¬11) وسمّي السّحاب سحابا لانسحابه. (¬12) ¬
72 - {يُسْجَرُونَ:} يرسلون، من قولهم: شعر منسجر، أي: مرسل. (¬1) وقيل: توقدون من قولهم: سجرت (¬2) التّنور بالسّجور، أي: بالوقود. (¬3) وقيل: يملؤون بطونهم من الحميم، من قوله: {وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ} [الطور:6]، أي: المملوء. (¬4) 73 - {أَيْنَ ما} (¬5): في محلّ الرّفع. {تُشْرِكُونَ:} أي (¬6): يشركونه، أو يشركونهم. ¬
سورة حم السجدة (فصلت)
سورة حم (¬1) السجدة (فصلت) مكيّة. (¬2) وهي ثلاث وخمسون في عدد أهل الحجاز. (¬3) بسم الله الرّحمن الرّحيم 1 و 2 - {حم (1) تَنْزِيلٌ:} عن جابر بن عبد الله قال: قال أبو جهل والملأ من قريش: قد التبس علينا أمر محمد، فلو ابتغيتم من يعلم السّحر والكهانة والشّعر، فأتاه فكلّمه، ثمّ أتانا ببيان من أمره، فقال عتبة بن ربيعة: والله لقد سمعت السّحر والكهانة والشّعر، وعلمت من ذلك علما ما يخفى، فلمّا خرج إليه قال له عتبة: أنت، يا محمد، خير أم هاشم؟ أنت خير أم عبد المطلب؟ أنت خير أم عبد الله؟ أن (¬4) تشتم آلهتنا، وتضلّل آباءنا، فإن كنت إنّما بك الرئاسة عقدنا لك ألويتنا فكنت رأسا ما بقيت، وإن كان بك الباه زوّجناك خير نسوة تختارهنّ من أيّ بنات قريش شئت، وإن كان إنّما بك المال جمعنا لك من أموالنا ما تستغني أنت وعقبك من بعدك، ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم ساكت لا يتكلّم، فلمّا فرغ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (289 و) بسم الله الرّحمن الرّحيم {حم (1) تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ} (2) إلى قوله: {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ} [فصلت:13]، فأمسك عتبة على فيه، وناشده بالرّحم أن يكفّ، ورجع إلى أهله، فلم يخرج إلى قريش، واحتبس عنهم، فقال أبو جهل: يا معشر قريش، والله، ما نرى عتبة إلا قد صبأ، وأعجبه كلام محمد، وما ذلك إلا من حاجة أصابته، فانطلقوا (¬5) بنا إليه، فأتوه، فقال أبو جهل: يا عتبة، ما حبسك عنّا إلا أنّك قد صبوت إلى محمد، وأعجبك أمره، فإن كان لك حاجة جمعنا لك من أموالنا ما يغنيك عن ماله، فغضب، وأقسم أن لا يكلّم محمدا أبدا، وقال: لقد علمتم أنّي أكثر قريش مالا، ولكنّي قد أتيته فقصصت عليه القصّة، فأجابني، والله، بشيء ما هو بسحر ولا كهانة ولا شعر، قرأ اسم الله الرحمن الرحيم {حم (1) تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ} (2) إلى قوله: {فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ} [فصلت:13]، فأمسكت، وناشدته بالرّحم أن يكفّ، وقد علمتم أنّ ¬
محمدا إذا قال شيئا لم يكذب، فخفت أن ينزل بكم العذاب. (¬1) 9 - وعن عكرمة، عن (¬2) ابن عبّاس في قوله: {أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ} قال: خلق الأرض يوم الأحد ويوم الاثنين، وجعل فيها رواسي، وقدّر فيها أقواتها في أربعة أيّام، قال: شقّ الأنهار، وغرس الأشجار، ووضع الجبال، وجعل فيها المنافع يوم الثلاثاء، ويوم الأربعاء قدّر الأقوات {ثُمَّ اِسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ} [فصلت:12 - 13]: يوم الخميس ويوم الجمعة، فمن شاء سألك في كم خلقت السماوات والأرض؟ فقل: في ستة أيّام. 8 - {غَيْرُ مَمْنُونٍ:} مقطوع، (¬3) من قولهم: حبل متين، أو منقوص (¬4) من قوله: {رَيْبَ الْمَنُونِ} [الطور:30]، أو منغص (¬5) بتذكره وبعده (¬6) من قوله: {وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّها عَلَيَّ} [الشعراء:22]. 16 - {نَحِساتٍ:} ضدّ سعود. (¬7) 17 - {فَهَدَيْناهُمْ:} أراد هداية الدّلالة والتّمكين، دون الإرشاد، وخلق الاهتداء (¬8) كقوله: {وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ} [البلد:10]. (¬9) 22 - وعن ابن مسعود وقال: اختصم عند البيت ثلاث: قريشيان وثقفيّ، أو ثقفيان وقريشيّ قليل فقه قلوبهم، وكثير شحم بطونهم، وقال أحدهم: أترون الله يسمع ما نقول؟ فقال آخر: يسمع إن جهرنا، ولا يسمع إن أخفينا، وقال الآخر: إن كان يسمع إذا جهرنا، فهو يسمع إن أخفينا (¬10)، فأنزل الله: {وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ} الآية. (¬11) ¬
29 - وعن عليّ رضي الله عنه في قوله: {رَبَّنا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلاّنا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ،} قال: ابن آدم (289 ظ) قتل (¬1) أخاه من الإنس، وإبليس الأبالسة من الجنّ. (¬2) وعن أبي جعفر قال (¬3): ابن آدم الذي قتل أخاه والشّيطان الذي سوّل. 27 - {أَسْوَأَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ:} شركهم وكفرهم. (¬4) 25 - {وَقَيَّضْنا:} أتحنا وقدّرنا وسبّبنا. (¬5) 30 - وعن أبي بكر الصّديق رضي الله عنه في قوله: {إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اِسْتَقامُوا} قال: على أنّ الله ربّهم. (¬6) وعن عمر بن الخطّاب رضي الله عنه: لم يروغوا روغان الثّعالب. (¬7) وعن سفيان بن عبد الله الثّقفيّ أنّه قال للنّبيّ عليه السّلام: قل لي قولا في الإسلام قولا لا أسأل عنه أحدا بعدك، قال: «قل: آمنت بالله، ثم استقم» (¬8) على هذه المقالة. وعن ابن عبّاس قال: ثمّ استقاموا على ما افترض الله عليهم. (¬9) 33 - {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً:} ذكر الكلبيّ: أنّ الآيات نزلت في نبيّنا عليه السّلام وأبي جهل لعنه الله. والأقرب أنّه في نبيّنا عليه السّلام وفي بعض المؤلّفة. وعن عائشة قالت: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعا إِلَى اللهِ} قالت: المؤذنون. (¬10) {وَعَمِلَ صالِحاً:} بين الأذان والإقامة. (¬11) 35 - الضّمير في {يُلَقّاها:} عائد إلى الحالة الموعودة، وهي حالة يودّ العدوّ أنّه وليّ حميم، أو يشبّه بوليّ حميم. ¬
38 - {لا يَسْأَمُونَ:} لا يملّون. (¬1) وعن ابن عباس: أنّه كان يسجد بآخر الآيتين من (حم). (¬2) 41 - {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا:} مبتدأ وخبره في جملة. (¬3) 44 - قوله: {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفاءٌ} أي: قل لهم. وعن الحارث الأعور، عن عليّ رضي الله عنه قال: قيل: يا رسول الله، إنّ أمّتك ستفتن من بعدك، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، أو سئل ما المخرج منها؟ قال: «كتاب الله العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، من ابتغى العلم في غيره (¬4) أضلّه الله، ومن ولي هذا الأمر من جبّار فحكم بغيره قصمه الله، وهو الذّكر الحكيم، والنّور المبين، والصّراط المستقيم، فيه خبر من قبلكم، وبيان من بعدكم، و (¬5) حكم ما بينكم، وهو الفصل، ليس بالهزل، وهذا الذي سمعته الجنّ، فلم تتناه قالوا: {إِنّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ} [الجن:1 - 2]، لا يخلق عن كثرة الرّدّ على طول الدّهر (¬6)، ولا تنقضي عبره، ولا تفنى عجائبه». ثم قال للحارث (¬7): «خذها إليك يا أعور» (¬8). 43 - {ما يُقالُ لَكَ:} معنى قوله: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ} [الزمر:65]. والثاني: من معنى قوله: {وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ} [فاطر:4]. (¬9) 47 - {أَكْمامِها:} جمع كمّ، وهو وعاء الطّلع، ويقال: كمّ العسل إذا ستر (¬10) من الهواء حتى يقوى، والأكمام (¬11): أغطية النّور. (¬12) ¬
53 - {الْآفاقِ:} النّواحي، واحده (¬1) أفق، (¬2) فمن جملة ما رأت قريش من الآيات في الآفاق على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إيمان النّجاشيّ، وفيروز الدّيلمي، وبادان والي اليمن، وهلاك كسرى أنرواز والأسود (290 و) (¬3) العنسيّ، واستئصال اليهود، ومخافة هرقل، وأخذ أكيد صاحب دومة الجندل. وما رأوه (¬4) بعد ذلك: هلاك مسيلمة، وأخذ طليحة الأسديّ، وفتح العراق والشّام، وما والاهما من ديار الشّرق والغرب. وممّا سيرونه بإذن الله: فتح (¬5) قسطنطينية، وهلاك الدّجال، وسائر ما هو مأمول من فضل الله ورحمته، والذي رأوه من الآيات في أنفسهم على عهد رسول الله عليه السّلام: غزواته المعروفة إلى يوم فتح مكة، والذي رأوه (¬6) بعد ذلك: ما رآه بنو أمية من السّفاح والمنصور والمهديّ رضي الله عنه. ¬
سورة حم عسق (الشورى)
سورة حم عسق (الشورى) مكيّة. (¬1) وعن ابن عبّاس وقتادة: إلا أربع آيات: {قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ. . . الْمَوَدَّةَ} الآية [الشورى:23]، فلمّا نزلت قال رجل من المنافقين: والله، ما أنزل الله هذه الآية، فأنزل الله تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ اِفْتَرى عَلَى اللهِ} [الشورى:24]، ثمّ إنّ الرجل تاب من ذلك وندم، فأنزل: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ} [الشورى:25] الآيتان. (¬2) وهي خمسون آية عند [غير] أهل الكوفة. (¬3) بسم الله الرّحمن الرّحيم 1 و 2 - {حم (1) عسق:} قيل: في العين إشارة إلى العلم، وفي السّين إشارة إلى سرّ الله في إفتراق الفرق (¬4)، وفي القاف إشارة إلى قول الله في وصف الجماعة، وفي السّين إشارة إلى المتشبّهات بالرجال من النّساء، والمتشبّهين بالنّساء من الرّجال، والقاف إشارة إلى القوم المنقادين لقائدهم. وقيل: السّين إشارة الشّماس، والقاف إشارة إلى (¬5) الوفاق. وعن أبي عبيدة: أنّ العين إشارة إلى العذاب، والسّين إشارة إلى السّنين، والقاف فيها العجب. وقال الضّحّاك (¬6): {حم (1) عسق} قضي العذاب الذي سيكون، وأرجو أن يكون قد مضى يوم بدر والسّنون التي أصابت أهل مكّة أخذه من حمّ الأمر (¬7)، أي: قدّر، ومن الحمام الذي هو الموت. 5 - {يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ:} أي: وجود ابتداء حالة الانفطار من جهاتهنّ اللّواتي هي من فوقهنّ لثقل ما فوقهن من العرش، أو ممّا شاء الله، (¬8) أو لهيبة الله تعالى فوقهنّ لتصدّع (¬9) الجبال من خشية الله. (¬10) وقيل: الضّمير في {فَوْقِهِنَّ} عائد إلى الأنفس المعبودات من دون ¬
الله على ظنّ أنّه بنات الله، تعالى الله عمّا يقولون، فالسّماوات تكاد يتفطّرن من فوقهن، أي: من فوق هؤلاء الأنفس (¬1) لعظم قول المشركين فيهنّ، هؤلاء الأنفس إنّما هنّ الأرواح الخبيثة من الشّياطين دون الملائكة الذين {يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ. . .}. (¬2) 6 - {حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ:} شهيد عليهم. (¬3) 7 - {أُمَّ الْقُرى:} مكّة. (¬4) 8 - {أُمَّةً واحِدَةً:} أي: مجتمعين على دين واحد، هدى (290 ظ) أو ضلالة (¬5). (¬6) 11 - {يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ:} أي: في حال الازدواج. (¬7) 13 - {ما وَصّى بِهِ (¬8)} نُوحاً: من شريعتنا تحريم ذوات الأرحام. (¬9) {وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ:} لعطف الجملة وهو مبتدأ، وخبره {أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ،} فكذلك إشارة إلى إقام الدّين، وترك التّفرق فيه. 15 - {لا حُجَّةَ:} في ترك إقامة الدّين، وفي تركيب (¬10) بما أنزله (¬11) الله تعالى، ولم ينسخه. 16 - {يُحَاجُّونَ (¬12)} فِي اللهِ: يجادلون في دين الله. (¬13) {مِنْ بَعْدِ ما اُسْتُجِيبَ لَهُ:} من بعد ما وجد الجواب. (¬14) 13 - {الدِّينِ:} إنّه دين نوح وسائر الأنبياء عليهم السّلام، وإنّه موافق لما (¬15) أنزل الله من كتاب غير مخالف لبعض الكتب المنزلة، ولا يبعد أن يكون الجواب هو الإعجاز الإلهيّ. ¬
20 - عن قتادة قال: إنّ الله تعالى يعطي على نيّة الآخرة ما يشاء من أمر الدّنيا، ولا يعطي على نيّة الدّنيا إلا الدّنيا، ثمّ قرأ: {مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ. . .} الآية. (¬1) عن أبي هريرة، عنه عليه السّلام: «يخرج في آخر الزّمان رجال يلبسون جلود الضّأن من اللّين، وألسنتهم أحلى من السّكّر، وقلوبهم قلوب الذّئاب، فيقول الله: أبي تغترون أم عليّ تجترؤون، فبي (¬2) حلفت، لأبعثنّ على أولئك فتنة تدع الحليم فيهم حيران». (¬3) 21 - إنّ {كَلِمَةُ الْفَصْلِ:} هي التي أوجب الله تأخيرها إلى يوم الفصل. (¬4) 22 - عن زرّ بن حبيش الأسديّ قال: قرأت على عليّ بن أبي طالب القرآن في المسجد الجامع بالكوفة، فلمّا بلغت رأس العشرين من حم عسق {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ فِي رَوْضاتِ الْجَنّاتِ. . .} الآية، قال: بكى حتى ارتفع نحيبه، ثمّ رفع رأسه إلى السّماء، فقال: يا زرّ (¬5) أمّن على دعائي، ثمّ قال: اللهم إنّي أسألك إخبات المخبتين، وإخلاص المؤمنين، وموافقة الأبرار، واستحقاق حقائق الإيمان، ووجوب رحمتك، وعزائم مغفرتك، والغنيمة من كلّ برّ، والسلامة من كلّ إثم، والفوز بالجنّة، والخلاص من النّار، يا زرّ، (¬6) إذا ختمت القرآن فادع بهؤلاء الدّعوات، فإنّ حبيبي رسول الله أمرني أن أدعو بهن عند ختم القرآن. (¬7) 23 - وعن أبي زكريا الفرّاء قال: إنّ الأنصار جمعوا نفقة، فأتوا بها إلى رسول الله وقالوا: إنّ الله قد هدانا بك، وأنت ابن أختنا، فاستغن بهذه النّفقة على ما ينوبك، فلم يقبلها النّبيّ عليه السّلام، فأنزل الله: {قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى} (¬8) أي: في قرابتي من قريش. وعن أبي مالك قال: لم يكن فخذ من قريش إلا للنّبيّ عليه السّلام فيهم قرابة، فقال: «إن لم تتّبعوني على ما آتيكم فاحفظوا قرابتي فيكم» (¬9). قيل: سئل ابن عباس عن هذه الآية، فقال سعيد بن جبير: القربى آل محمد، فقال ابن عباس: أعجلت؟! إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم (¬10) ¬
(291 و) لم يكن بطن من قريش إلا كان له فيهم قرابة، فقال: «ألا تصلوا بيني وبينكم من القرابة» (¬1). 24 - {يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ:} يصيّره غير سامع ولا قابل للوحي. (¬2) والواو في قوله: {وَيَمْحُ اللهُ} لعطف (¬3) الجملة لا للعطف على المجزوم، وسقوط الواو هاهنا كسقوطها من قوله: {وَيَدْعُ الْإِنْسانُ} [الإسراء:11]، إذ لو كان معطوفا لما ذكر اسم الله تعالى، وإن محو الباطل واجب بالإجماع غير موقوف على جزاء وشرط. (¬4) وعن عليّ قال: خصلتان حفظتهما من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأنا (¬5) أحبّ أن تحفظوهما، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما عاقب الله عليه عبدا في الدّنيا من ذنب، فالله أرحم من أن يثنّي عليه عقوبته في الآخرة، وما عفا الله عن عبده في الدّنيا من ذنب (¬6)، فالله أكرم من أن يعود في شيء عفا عنه». (¬7) وعن أبي موسى الأشعريّ، عنه عليه السّلام: «لا يصيب عبدا نكبة فما فوقها أو دونها إلا بذنب، وما يعفو الله عنه أكثر، ثم قرأ: {وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى:30]. (¬8) 32 - {كَالْأَعْلامِ:} الجبال. (¬9) 33 - {فَيَظْلَلْنَ:} في محلّ الجزم؛ لأنّه معطوف على مجزوم. (¬10) {رَواكِدَ:} سواكن. (¬11) 38 - {شُورى:} اسم من المشاورة، (¬12) ووجه المدح على كون الأمر شورى بينهم ¬
قبح الاستبداد والتّضادّ، كقول الله تعالى: {وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} [آل عمران:159]. وقال عمر بن الخطّاب في بيعة أبي بكر الصديق رضي الله عنهما: إنّها كانت فلتة (¬1)، وقد وقى الله شرّها، فلا تكون الإمارة من بعد إلا عن مشورة. (¬2) 39 - {وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ:} وجه المدح على الانتصار عند البغي كراهة الذّلّة والتّمسكن، وتمكين العدوّ من الأهل والنّفس. عن عليّ، عنه عليه السّلام: «أنّ الله ليبغض من يدخل عليه بيته ولا يقاتل» (¬3). وهذا محمول على من لم يقاتل فشلا وجبنا وخذلانا لأهله وعياله دون من سلّم الله أمره، وكره الفتنة كهابيل وعثمان والحسن بن عليّ رضي الله عنهم، «المستبّان ما قالا من شيء فعلى [البادئ] حتى يعتدي المظلوم» (¬4). 45 - {يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ:} لأنّهم يحشرون على وجوههم فطمس على أعينهم، وإنّما ينظرون إلى العرش، أو إلى النّار. (¬5) 47 - {مِنْ نَكِيرٍ:} إنكار، أي: لا يستطيعون الإنكار يومئذ. (¬6) 50 - {أَوْ (¬7)} يُزَوِّجُهُمْ: أي: يجعل الأولاد أزواجا (¬8) ذكورا وإناثا. (¬9) 51 - {إِلاّ وَحْياً:} إلهاما. (¬10) {أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ:} وهو إلقاء الكلام في مسامع البشر من غير واسطة. (¬11) {أَوْ يُرْسِلَ:} من الملائكة {رَسُولاً.} (¬12) ¬
والكلام الذي هو ممتنع (¬1) عن إدراك البشر إيّاه كلام الله تعالى حالة مشاهدة العبد إيّاه، وذلك لوجوب الاضمحلال عند تجلّي ذي الجلال. 52 - {ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلا الْإِيمانُ:} أي: لست تعرف إيمانا سماعيّا من جهة الكتاب، ولا إيمانا عقليا من جهة الاعتبار بحولك وقوّتك وقضيّة طبيعتك. (¬2) {وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً:} {رُوحاً مِنْ أَمْرِنا.} {نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ} (291 ظ) {مِنْ عِبادِنا:} بالإلهام (¬3) مرة، وبالرّسالة أخرى كما هديناك. وقيل: لم يكن فيما مضى من الزّمان يعرف القرآن، ولا الإيمان السّماعيّ. (¬4) ¬
سورة حم الزخرف
سورة حم الزخرف مكيّة. (¬1) وهي تسع وثمانون آية في غير عدد أهل الشّام. (¬2) بسم الله الرّحمن الرّحيم 5 - {أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً:} أفنعرض بالذّكر عنكم، تقول: ضربت عن فلان، وأضربت عنه إذا أعرضت عنه. (¬3) 8 - {مَثَلُ الْأَوَّلِينَ:} سنّتهم (¬4)، وهي سنّة الله فيهم. 9 - {لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ:} تقديره: ليسندنّ خلقهنّ إلى العزيز العليم (¬5)، وإنّما يحتاج إلى هذا التّقدير إذا وصلنا التي تليها، وإذا (¬6) فصلنا فالتّقدير في الثانية: أجل هو الذي جعل لكم. 13 - {عَلى ظُهُورِهِ:} إلى ضمير عائد إلى (ما) فيه، (¬7) وإنما جمع الظّهور مع كونها مضافة إلى واحد لكون الواحد في معنى الجمع، كقولهم: كثر أوباش الجنود، وقلّت أوباشه. (¬8) {مُقْرِنِينَ:} مستطيعين، والاقتران: الاستطاعة والإطاقة والاقتدار. (¬9) 18 - {أَوَمَنْ يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصامِ غَيْرُ مُبِينٍ:} يجوز أن يكون كلاما مبتدأ عن جهة الله على سبيل الإنكار، ويجوز أن يكون حكاية قوله: من بشّر بالأنثى من الكفّار. 21 - وليس في قوله: {أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً} {فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ:} ما يمهّد لليهود والنّصارى عذرا؛ لأنّهم محرّفون مبدّلون غير مستمسكين، ولو كانوا مستمسكين لكانوا مستسلمين في محوه وإثباته وتصريفه آياته. 23 - {عَلى أُمَّةٍ:} سنّة وطريقة. (¬10) ¬
26 - {بَراءٌ:} مصدر كالسّواء والخلاء، (¬1) والمعنى: إنّني (¬2) بريء ممّا تعبدون، وأنّه سيهدين للإسلام. 28 - {وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ:} بأنّه وضع في تلبية الحجّ لبّيك لا شريك لك (¬3)، وبأنّه قال: {فَلا تَمُوتُنَّ إِلاّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [البقرة:132]. {لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ:} أي: يعرضون عن الكفر ويعتزلونه. وقيل: جعلها كلمة باقية في عقبه، لعلّ عقبه يرجعون إلى قضية تلك الكلمة إذا اختلفت بهم الأهواء. (¬4) 31 - {لَوْلا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ:} نزل في الوليد بن المغيرة حيث قال: لولا أنزل هذا القرآن عليّ بمكة أو على [أبي] (¬5) مسعود الثقفيّ بالطائف. (¬6) 33 - {وَمَعارِجَ} (¬7): سلالم. (¬8) 34 - {وَسُرُراً:} جمع سرير، وهو مجلس يتّخذ من الألواح ونحوها في البيوت. (¬9) وإنّما وجب صبّ هذه النّعم على الكفّار {وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النّاسُ أُمَّةً واحِدَةً} [الزخرف:33] بكرم الله ومحبّته أن لا يخلّي عبدا من إحسانه إمّا عاجلا وإمّا آجلا. وعن ابن عبّاس، عنه عليه السّلام: «لولا أن يجزع عبدي المؤمن لعصبت الكافر بعصابة من حديد، ولصببت الدّنيا عليه صبّا». (¬10) وعن كعب قال: إنّي لأجد في بعض الكتب: لولا أن يجزع عبدي المؤمن لكلّلت رأس الكافر بإكليل، فلا يصدع، ولا ينبض منه عرق يوجع. (¬11) 36 - {وَمَنْ يَعْشُ:} يميل، قال أبو الهيثم: يقال: عشوت إلى الشّيء (292 و) إذا ملت إليه، وعشوت عنه إذا أعرضت عنه، وأصله تبيين الطّريق في اللّيل بضوء النّار في الظّلمة، ولا يكون ذلك إلا على ضعف. (¬12) ¬
45 - وعن الزّهري: لّما أسري بالنّبيّ عليه السّلام صلّى خلفه كلّ نبيّ كان أرسل، فقال للنّبيّ عليه السّلام: {وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا.} (¬1) ويجوز أن يكون التّقدير: سل آل من أرسلنا، أو سل ذوي من أرسلنا. (¬2) 47 - {يَضْحَكُونَ:} يستهزؤون. (¬3) 52 - {أَمْ:} بمعنى بل، (¬4) ويحتمل: أنّه مترتّب على ألف الاستفهام، كأنّه قال: أفلا تبصرون مزيّتي على موسى أم تبصرونها، فأنا خير منه عندكم. (¬5) 55 - {آسَفُونا:} أغضبونا. (¬6) 57 - {وَلَمّا ضُرِبَ اِبْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً:} أي: وضع وخلق آية وعزّة. وقد سبق القول في كيفية جدال قريش، وكيفية الردّ عليهم. (¬7) 58 - عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما ضلّ قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدال»، ثمّ تلا: {ما ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاّ جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ.} (¬8) 61 - وعن عكرمة، عن ابن عباس قال: إن كان ما يقول أبو هريرة حقّا فهو عيسى بن مريم، {وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسّاعَةِ فَلا تَمْتَرُنَّ،} قال سفيان: يقول أبو هريرة: حقّا، أقرئوه منّي السّلام. (¬9) عني في الحديث: نزول عيسى بن مريم لقتل الدّجال في آخر الزّمان. (¬10) ولكان يجوز أن يقول: الضّمير عائد إلى عيسى بن مريم قبل ما رفع [إلى] (¬11) السماء، فإنّه لم يبعث إلا في آخر الزّمان، ولكان يجوز أن يقول: الضّمير عائد إلى القرآن، (¬12) أو إلى نبيّنا عليه السّلام (¬13). ¬
والقول عند قوله: {وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ} مضمر، يدلّ عليه قوله (¬1): {وَاِتَّبِعُونِ} (¬2). 71 - {بِصِحافٍ:} صحيفة، وهي القصعة المسلنطحة (¬3). {وَأَكْوابٍ:} جمع كوب (¬4)، وهو القدح الذي لا عروة له. (¬5) {تَلَذُّ الْأَعْيُنُ:} تستطيب. 75 - {لا يُفَتَّرُ:} لا يحدث الفتور فيه. 77 - {لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ:} بالموت، (¬6) كقولهم: {يا لَيْتَها كانَتِ الْقاضِيَةَ} [الحاقة:27]، ومالك: اسم خازن النّيران، (¬7) وهو رئيس الزّبانية. وعن عبد الله بن عمرو (¬8) قال: نادى أهل النّار: {يا مالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ} قال: فخلّى عنهم أربعين عاما، ثمّ أجابهم: {إِنَّكُمْ ماكِثُونَ} فقالوا: {رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْها} [المؤمنون:107]، فخلّى عنهم مثلي الدنيا، ثمّ أجابهم: {اِخْسَؤُا (¬9)} فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ [المؤمنون:108]، فأطبقت عليهم ثانية، فلم ينبس القوم بعد هذه بكلمة، فإن كان إلا الزفير والشهيق. (¬10) 79 - {أَمْ:} بمعنى ألف الاستفهام. (¬11) {أَبْرَمُوا:} أحكموا (¬12)، نزلت الآية في شأن الذين تشاوروا في كيد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في دار النّدوة، أو في أمثالهم (¬13). (¬14) وهو استفهام بمعنى الإنكار يدلّ عليه قوله: {فَإِنّا مُبْرِمُونَ،} أي: لم تبرموا أمرا فإنّا مبرمون. 7 ¬
81 - {قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ:} قال الكلبيّ: إنّ النضر بن الحارث بن علقمة بن كلدة بن عبد الدّار بن قصيّ، لعنه الله تعالى، كان يهزأ بالقرآن، وأنكر عليه عثمان بن مظعون وقال: اتق الله، فإنّ محمدا ما يقول إلا حقا، قال النّضر بن الحارث: وأنا والله (292 ظ) ما أقول إلا حقا، قال النّضر بن حارث: وأنا، والله، فإنّي أقول: لا إله إلا الله، كما يقول محمد لا إله إلا الله، ولكنني أقول: إنهنّ بنات الله، أي: الأصنام، فأنزل، فلمّا سمعها النّضر بن الحارث فهم منها ما أعجبه، وقال: إنّ محمدا قد صدّقني، فقال الوليد بن المغيرة: ما صدّقك، ولكنّه كذّبك، فإنّه يقول: ما كان للرحمن ولد (¬1) لا يعني من أن يكون له ولد، فغضب النّضر بن الحارث عند ذلك، وقال: {اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ. . . عَلَيْنا} الآية [الأنفال:32]، فأنزل الله تعالى: {سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ} [المعارج:1]. (¬2) قال: ذهب إلى هذا أهل التّفسير والمعاني. وقال (¬3) ابن عرفة: إنّما يقول: عبد يعبد، فهو عبد، وقلّ ما يقال: عابد، والتّقدير: عبده إن كان في أوهامكم وآرائكم للرحمن ولد، فأنا أول عابد لله بالتوحيد الخالص. (¬4) وقيل: التّقدير: لو كان يجوز أن يكون للرحمن ولد، لكنت أول عابد لذلك الولد. (¬5) وقد ذكرنا قضية لفظ أو، ولو كان هذا تقدير الآية فهي قريبة من قوله: {لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنّا} [الأنبياء:17]، {لَوْ أَرادَ اللهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً لاصْطَفى مِمّا يَخْلُقُ ما يَشاءُ} [الزمر:4]، وإنّما يكون مثل هذا الكلام للتّنبيه على غاية الاستحالة. ¬
سورة الدخان
سورة الدخان مكيّة. (¬1) وهي ست وخمسون آية في عدد أهل الحجاز والشّام. (¬2) بسم الله الرّحمن الرّحيم 3 - {فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ:} هي ليلة القدر. (¬3) وعن عكرمة: أنّها ليلة النّصف من شعبان. (¬4) ولا يصحّ هذا القول، إلا أن يكون ليلة القدر دوّارة في السّنة للتّفاوت الذي بين الحساب الشّمسيّ والقمريّ، أو لمعنى لطيف إلهيّ. وقال ابن مسعود: من يقم الحول يصب ليلة القدر. (¬5) وعن عبد الله بن عمرو بن العاص: نزلت صحف إبراهيم في أوّل ليلة من رمضان، ونزلت التّوراة لستّ ليال خلون من رمضان، والزّبور لثماني عشرة ليلة خلت من رمضان، والإنجيل نزلت لثلاث عشرة ليلة (¬6) خلت من رمضان، والقرآن لأربع وعشرين مضت من رمضان. (¬7) وعن ابن عبّاس: نزل القرآن جملة واحدة إلى بيت العزّة في السّماء الدّنيا، ثمّ كانت تنزل بعد كيف ما شاء الله، وذلك قوله: {فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ} [الواقعة:75]. (¬8) 5 - {أَمْراً مِنْ عِنْدِنا:} نصب على أنّه حال للمنزّل، أي: أنزلناه أمرا من عندنا. (¬9) 10 - {بِدُخانٍ:} وهي آية منتظرة من الآيات العشر. وعن ابن أبي مليكة قال: دخلت على ابن عبّاس فقال: لم أنم هذه اللّيلة، فقلت: لم؟ قال: طلع الكوكب ذو الذّنب، فخشيت أن يطرق الدّخان، وسلوني عن سورة (293 و) البقرة، وعن سورة يوسف فإنّي قرأت القرآن وأنا صغير. (¬10) وعن مسروق قال: جاء رجل إلى عبد الله بن ¬
مسعود قال: إنّ قاصّا يقصّ يقول: يخرج من الأرض الدّخان، فيأخذ بمسامع الكفّار، ويأخذ المؤمن كهيئة الزّكام، قال: فغضب، وكان متّكئا فجلس، ثمّ قال: إذا سئل أحدكم عمّا يعلم فليقل به، وإذا سئل عمّا لا يعلم فليقل: الله أعلم، فإنّ من علم الرّجل إذا سئل عما لا يعلم أن يقول: الله أعلم (¬1)، وإنّ الله قال لنبيه: {قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ} [ص:86]، إنّ رسولّ الله لّما رأى قريشا استعصوا عليه قال: «اللهم أعنّي بسبع كسبع يوسف»، فأخذهم سنة، فأحصت كلّ شيء حتى أكلوا الجلود والميتة، ورويّ: العظام، قال: وجعل يخرج من الأرض كهيئة الدّخان، قال: وأتاه أبو سفيان فقال: إنّ قومك قد هلكوا، فادع الله لهم، قال: فهذا لقوله: {يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ يَغْشَى النّاسَ} الآية. وقيل: هذا لقوله: {رَبَّنَا اِكْشِفْ عَنَّا الْعَذابَ} [الدخان:12]، قال: فهل يكشف عذاب الآخرة، وقد مضى البطشة، واللّزام يوم بدر، والدّخان؟ (¬2) هذا مخالف لما تقدم، والله أعلم بالصحيح. 18 - {أَدُّوا إِلَيَّ عِبادَ اللهِ:} في معنى قوله: {فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي} [الأعراف:105]. (¬3) 20 - {تَرْجُمُونِ} {فَاعْتَزِلُونِ:} فاتركوني واهجروني. (¬4) 24 - {رَهْواً:} سكونا (¬5)، أو متتابعا (¬6)، تقديره: اترك البحر ساكنا على حالته وعلى حالة الانفلاق غير مضطرب ولا ملتطم، أو اترك البحر متتابعة أمواجه في الهواء كلّ فرق كالطود العظيم. 29 - {فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ:} أي: أهل السماء، {وَالْأَرْضُ،} أراد مبالغة وصفهم في الهوان. وسئل ابن عباس (¬7): أتبكي السّماء والأرض على أحد؟ قال: نعم، إنّه ليس من الخلائق أحد إلا وله باب من السّماء أو في السّماء يصعد فيه عمله، وينزل رزقه، فإذا مات المؤمن بكت عليه معادنه من الأرض التي يذكر الله فيها، ويصلّي، وبكى بابه الذي يصعد منه، وأما قوم فرعون فلم يكن لهم في الأرض آثار صالحة، ولم يكن يصعد إلى الله منهم خير، فلم ¬
تبك عليهم السّماء والأرض. (¬1) وإنّما كان فرعون بدلا من العذاب المهين، لكون المراد ذا العذاب المهين، أو يكون فرعون نفسه عذابا من الله على بني إسرائيل. 37 - {قَوْمُ تُبَّعٍ:} التّبابعة ثلاثة من حمير: أوّلهم: تبّع بن الأقرن بن شمر، وهو الذي سار على جبلي (¬2) طيء، ثمّ الأنبار، فأتى أذربيجان، وقاتل التّرك، فهزمهم، وسبا منهم، ثمّ إنّه غزا الصين بعد ذلك، فترك (¬3) طائفة من قومه بأرض تبت. (¬4) والثاني: تبّع بن كليلرب كان يغزو (¬5) بالنّجوم، (293 ظ) ويسير بها، ويمضي أموره بدلالتها (¬6)، فطالت مدّته، واشتدّت وطأته، فملّته حمير، فقتلته، وملّكوا (¬7) ابنه حسّانا على أنفسهم. وقيل: إنّ هذا التّبّع الثّاني كان مؤمنا بنبيّنا عليه السّلام، ثمّ إنّ حسان بن تبّع سار إلى اليمامة لينصر طمسا على حديس وهو ظالم، فأهلكهم أجمعين، ووثب عليه قومه بعد ذلك، فقتلوه برضا أخيه. (¬8) والثّالث: تبّع بن حسّان وهو الذي سلّط جدّ امرئ القيس على بني معد بن عدنان، وقتل من اليهود جماعة بيثرب، ثمّ تهوّد، وكسا الكعبة الأنطاع، وبقي الملك في أهل بيته (¬9) إلى أن ملك ذا نوّاس، وهو صاحب الأخدود فيما زعموا. (¬10) 47 - {فَاعْتِلُوهُ:} فادفعوه بشدّة. (¬11) ¬
سورة حم الجاثية
سورة حم الجاثية مكيّة. (¬1) وعن ابن عبّاس وقتادة: إلا آية نزلت بالمدينة، وهي قوله تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا} الآية [الجاثية:14]. (¬2) وهي ستّ وثلاثون آية في غير عدد أهل الكوفة. (¬3) بسم الله الرّحمن الرّحيم 4 - {وَفِي خَلْقِكُمْ:} معطوف على الضّمير المحذوف، التّقدير: وفي خلقكم وخلق ما يبث من دابّة. (¬4) 6 - {بَعْدَ اللهِ} (¬5): بعد تسميته وذكره. 7 - {وَيْلٌ لِكُلِّ أَفّاكٍ:} نزلت الآية في النّضر بن الحارث (¬6) وأمثاله، والمبتدعون الذين يلازمون مجالس العلماء ليتحمّلوا بهم متّصفون بالآية الأولى، والذين يتعاظمون محاكاة العلماء والفقراء في أنفسهم متّصفون، أقلّ الله أعدادهم، وقطع أمدادهم منتقما لدينه وذويه. 12 - {اللهُ الَّذِي سَخَّرَ:} نزلت فيمن نزلت: {كُفُّوا (¬7)} أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ [النساء:77]. وقيل: نزلت في عمر بن الخطّاب خاصّة حيث شتمه رجل من بني غفار. (¬8) 14 - {يَغْفِرُوا:} يتركوا المجازاة إلى الله تعالى. 21 - {سَواءً مَحْياهُمْ:} وسواء محياهم (¬9)؛ لأنّ المؤمن يعيش راضيا شاكرا، والكافر ساخطا كافرا، ومماتهم؛ لأنّ المؤمن يعرج به إلى العليين، والكفار يتسفّل إلى سجين. (¬10) 23 - {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اِتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ:} قال ابن عبّاس: كان أحدهم يعبد الحجر، ¬
فإذا رأى ما هو أحسن منه رمى به، وعبد الآخر من بعد الله (¬1)، من بعد ما فعل الله به هذا الفعل. (¬2) 24 - {وَما يُهْلِكُنا إِلاَّ الدَّهْرُ:} أي: كّل الزّمان. (¬3) وفي حديث: «فإنّ ذا الدّهر أطوار دهارير» (¬4). وقوله عليه السّلام: «لا تسبّوا الدّهر فإنّ الدّهر هو الله» (¬5). قيل: معناه لا تسبّوا فاعل الكون والفساد، وخالق الخير والشّر، فإنّ الله هو ذلك. (¬6) وقيل: لا تسبّوا الدّهر، فإنّ الله هو منشئ (¬7) الدهر وخالقه، فكان سبّهم في الحقيقة يرجع إلى الله، (¬8) فنهاهم النّبيّ عليه السّلام عن ذلك. 29 - {إِنّا كُنّا نَسْتَنْسِخُ:} قال ابن عبّاس: كتاب في السّماء عليه ملائكة، والملائكة (¬9) الذين مع بني آدم يستنسخون من ذلك الكتاب ما كان يعمل بنو آدم. (¬10) وروي: ينسخون في ذلك الكتاب ما يعمل بنو آدم. (¬11) عن ابن عمر رضي الله عنه، عنه عليه السّلام: «أنّ أوّل خلق الله القلم، فكتب ما يكون في الدّنيا من عمل معمول برّا وفجورا، ورطب أو يابس (294 و) أو حصاه (¬12) في الذّكر، واقرؤوا إن شئتم: {هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنّا كُنّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} فهل تكون النّسخة إلا من شيء قد فرغ منه؟» (¬13). 36 - {فَلِلّهِ الْحَمْدُ:} دائما كان هذا الموضع موضع حمد لفرق الله بين المؤمنين والكافرين، وانتصافه (¬14) للمظلومين من الظّالمين. والله أعلم. ¬
سورة الأحقاف
سورة الأحقاف مكيّة. (¬1) وعن ابن عبّاس وقتادة: إلا آية نزلت في عبد الله بن سلام، وهي قوله: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللهِ} [الأحقاف:10]. (¬2) وهي أربع وثلاثون آية في غير عدد أهل الكوفة. (¬3) بسم الله الرّحمن الرّحيم 4 - التقدير في قوله: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَرُونِي ماذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ:} أرونيه. {أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ:} مصدر كالسّماحة والشّجاعة. (¬4) سئل رسول الله عليه السّلام عن الخطّ؟ قال: «علمه نبي، فمن وافق علمه علم»، قال صفوان: فحدّثت به أبا سلمة بن عبد الرحمن، قال: فحدثت به ابن عبّاس، فقال: هو أثرة من علم. (¬5) 9 - {ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ:} أي: ما أنا أوّل رسول على سنّة الأولين. (¬6) وقوله: {وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ:} في الذين شكوا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أذى المشركين. (¬7) والقصّة في ذلك: أنّ النّبيّ عليه السّلام كان قد رأى في منامه أنّه سيهاجر إلى أرض ذات نخل، فقصّ رؤياه على أصحابه، ثمّ مضى زمان ولم يهاجر، فاستعجلوه، فقال: «إنّما قصصت عليكم رؤيا رأيتها، ولم أقصّ عليكم وحيا لست أدري هل يؤذن لي في الهجرة أم لا؟» هكذا ذكر الكلبيّ وغيره. (¬8) وفحوى الخطاب: أنّه متوجّه إلى المشركين في معنى قوله: {هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنا إِلاّ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ} الآية [التوبة:52]. 10 - {وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ:} وهو عبد الله بن سلام، (¬9) شهد ¬
على مثل القرآن، وهو التّوراة: أنّها ناطقة برسالة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وشهد أنّ القرآن من عند الله على مثل ما شهد به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وإنّما دخلت شهادته في حيّز التّواتر، وهو رجل واحد لأسباب مجتمعة، أحدها: ما نطقت به أحبار اليهود وعلماء النّصارى والكهّان برسالة رسول الله قبل مبعثه، والثاني: اعتراف عامّة أحبار اليهود بأنّ عبد الله بن سلام أفضلهم علما، وأصدقهم حديثا، فكانوا صدّقوه في شهادته هذه، والثّالثة: فحامة (¬1) غيره عند قراءته بعث نبيّنا عليه السّلام، وآية الرّجم من التّوراة في المصحف، والرّابع: كونه غير دافع ضررا عاجلا عن (¬2) نفسه، وغير جارّ منفعة إلى نفسه بشهادته (¬3) هذه إلا ابتغاء وجه الله، والخامس: استقامته على شهادته في تقلّب أحواله. وقيل: إنّ شهادته لم تكن حجة، ولم توجب علما إلا بعد تزكية الله إيّاه بالقرآن المعجز. 11 - {وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا} (¬4): قال الكلبيّ: نزلت في اليهود حيث قال لهم عبد الله بن سلام: لم لا تؤمنون بهذا النّبيّ؟ فقالوا: لو كان خيرا ما سبقونا إليه رعاة الشّاة. وقال الفرّاء: (294 ظ) نزل في بني عامر وغطفان وأشجع حيث قالوا: هذا في مدينة وغفار وجهينة (¬5). 15 - {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ:} قال الكلبيّ: نزلت في أبي بكر الصّدّيق رضي الله عنه. (¬6) 17 - {وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍّ} (¬7): قال الكلبيّ: نزلت الآيتان في عبد الرحمن بن أبي بكر حالة كفره، وهو بمكة يومئذ. (¬8) {أَنْ أُخْرَجَ:} أن أبعث من قبري. (¬9) ¬
21 - {بِالْأَحْقافِ:} [الأحقاف: جمع حقف، وهو رمل مستطيل مرتفع، فيه انحناء، من احقوقف الشيء إذا اعوج، وكانت عادة أصحاب العمد يسكنون بين رمال، مشرفين على البحر بأرض يقال لها: الشّحر، من بلاد اليمن، وقيل: بين عمان ومهرة. (¬1)] (¬2) قال الأزهريّ (¬3): الأحقاف رمال (¬4) مستطيلة بناحية شجر. (¬5) وقال ابن عرفة: يقال للرّمل العظيم المستدير: حقف. (¬6) وعن عليّ رضي الله عنه قال: خير واديين في النّاس: وادي مكّة، وواد نزل به آدم عليه السّلام بالهند، وشرّ واديين بين النّاس: وادي الأحقاف، وواد بحضرموت يدعى برهوت يلقى فيه أرواح الكفّار، وخير بئر في النّاس زمزم، وشرّ بئر (¬7) في النّاس ملهوت وهو في ذلك الوادي. (¬8) 24 - وعن عائشة قالت: كان النبيّ عليه السّلام إذا رأى مخيلة أقبل وأدبر، فإذا أمطرت سرى عنه، فقلت له، قال: وما أدري لعلّه كما قال عز وجل: {فَلَمّا رَأَوْهُ عارِضاً مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قالُوا هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا.} (¬9) 29 - {وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ:} عن كعب الأحبار قال: لّما انصرف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من الطّائف انصرف النّفر السبعة من أهل نصيبين من بطن نخلة، وهم: حسا ومسا وشاصر وناصر والأردنيان والأحقب، جاؤوا قومهم منذرين، فخرجوا وافدين على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وهم ثلاث مئة، فانتهوا إلى الحجون، فجاء الأحقب وسلّم على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: إنّ قومنا قد حضروا الحجون، يلقونك، فواعده رسول الله لساعة من اللّيل الحجون (¬10). (¬11) وعن ابن مسعود قال: كنت مع رسول الله عليه السّلام ليلة صرف إليه النّفر من الجنّ إذ جاءه عفريت من الجنّ بشعلة من نار يريد بها رسول الله عليه السّلام، فقال له جبريل عليه السّلام: ¬
ألا أعلمك كلمات إذا أنت قلتهن طفئت شعلته وانكبّ لنحره (¬1)؟ قال: قل: أعوذ بوجه الله الكريم، وكلمة الله التّامّة التي لا يجاوزها برّ ولا فاجر من شرّ ما نزل من السّماء، ومن شرّ ما يعرج، ومن شرّ ما ذرأ في الأرض، ومن شرّ ما يخرج منها، ومن شرّ فتن (¬2) اللّيل والنّهار، ومن شرّ طوارق اللّيل والنّهار إلا طارقا يطرق بخير، يا رحمن، فطفئت شعلته، وانكبّ لنحره، ولم يعي، ولم يكلّ. (¬3) 35 - {بَلاغٌ:} أي: هذا بلاغ. (¬4) {يُهْلَكُ:} يمات، على سبيل الإهانة والعذاب. (¬5) ¬
سورة محمد عليه السلام
سورة محمد عليه السّلام مدنيّة. (¬1) وروي عن ابن عباس: إلا آية (¬2) نزلت عليه وهو يريد التّوجّه من مكة إلى المدينة، وهو قوله: {وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ} [محمد:13]. (¬3) وهي تسع وثلاثون آية في عدد أهل الحجاز والشّام. (¬4) بسم الله الرّحمن الرّحيم 1 - {الَّذِينَ كَفَرُوا:} نزلت الآيات في غزوة بدر. (¬5) 4 - {فَإِمّا} (295 و) {مَنًّا بَعْدُ وَإِمّا فِداءً:} للتّخيير، (¬6) وليست بمتناقضة لقوله: {ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى} [الأنفال:67] لأنّ (¬7) هذه أفادت الحكم بعد الإثخان، وتلك تثبت الحكم قبل الإثخان، ولكنّه منسوخ عند [. . .] (¬8) بقوله: {فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} [التوبة:5]. وعن السّدي وابن جريج: أنّه منسوخ بآية السّيف. (¬9) {حَتّى تَضَعَ:} لامتداد الحكم إلى الغاية المذكورة وقت وضع أهل (¬10) الحرب أسلحتهم، والألف واللاّم في {الْحَرْبُ} للتّعريف والمعهود. وقيل: للجنس. (¬11) وفيه نزل قوله تعالى: {وَقاتِلُوهُمْ حَتّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ. . .} الآية [الأنفال:39]. وقال سعيد بن جبير: إنّما يكون هذا الوقت عند نزول المسيح، وهلاك الدّجّال. (¬12) ¬
6 - {عَرَّفَها:} أي: جعلها معروفة لهم بما جعل الله بينها وبينهم من المناسبة الطّبيعيّة. (¬1) 8 - {وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْساً لَهُمْ:} جملة متركّبة من شرط وجزاء، الجزاء دعاء. وتعس الرّجل: إذا سقط. (¬2) 10 - {وَلِلْكافِرِينَ:} من أهل مكة ونحوها. (¬3) {أَمْثالُها:} أمثال عاقبة الذين من قبلهم. (¬4) 15 - {مَثَلُ الْجَنَّةِ:} قيل: الاستفهام معروفة، فكأنّه قيل: مثل المتّقين فيما وعدوا من الجنّة الموصوفة بهذه الصّفات كمثل من هو خالد في النّار. (¬5) {آسِنٍ:} آجن، وهو المتغيّر. (¬6) {لَبَنٍ (¬7)} لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ: إنّما وصفه به (¬8) لكون الحليب أحبّ إلى العرب من الفارض (¬9)، أو للدّلالة على طيب الهواء، فإنّ الشّيء لا يتغيّر في الهواء الطّيب، أو لكون الحليب أوفق لطبائع الحيوان على العموم. {لَذَّةٍ:} ذات لذّة، وشراب لذّ ولذيذ بمعنى. (¬10) {عَسَلٍ:} ما رزقنا الله في الدّنيا من بطون النّحل. {مُصَفًّى:} لا شمع فيه. (¬11) {فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ:} واحدها معى، وهو مجرى الطّعام والشّراب في البطن، وزبن المعدة. 16 - {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ:} قيل: إنّ جماعة من المنافقين كانوا يستمعون إلى ¬
رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ابتغاء هفوة منه، فإذا لم يجدوها وسمعوا الموعظة (¬1) تصامموا عنها كأنّهم لم يسمعوها، وسألوا المؤمنين: {ماذا قالَ آنِفاً.} (¬2) فمن جملة المنافقين رفاعة (¬3) بن زيد والحارث بن عمرو، وفي جملة الذين أوتوا العلم عبد الله (¬4). {آنِفاً:} أي: الإيمان، مأخوذ من استئناف. 17 - {زادَهُمْ:} قول النّبيّ عليه السّلام {هُدىً.} (¬5) 18 - {أَشْراطُها:} علاماتها. (¬6) قال الأصمعيّ: ومنه الاشتراط الذي يشترط بعض النّاس على بعض، إنّما هي علامات بينهم. (¬7) قال: هذا بيان للاشتقاق، فأمّا (¬8) حقيقة الشّرط، فالخصلة الموجبة للحكم. 19 - {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ اللهُ:} إنّه الأمر للاستقامة (¬9) على العلم. (¬10) {وَاِسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ:} وعن الأعمش قال: ما قعدت إلى أحد أكثر استغفارا من أبي صالح، وقال أبو صالح: ما قعدت إلى أحد كان أكثر استغفارا من أبي هريرة، وقال أبو هريرة: ما قعدت إلى أحد كان أكثر استغفارا من النّبيّ عليه السّلام، قلت: فكم كان يستغفر؟ قال: كان يستغفر الله (¬11) في اليوم واللّيلة مئة مرّة. (295 و) 20 - {وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا:} ذكر الكلبيّ وغيره: أنّ المؤمنين كانوا يشتهون (¬12) نزول آيات من القرآن، وكان المنافقون من جملة المؤمنين يكرهون نزول آي القتال، ويشكّكون فيها، فتوعّدهم الله عزّ وجلّ على ذلك. ¬
{فَأَوْلى لَهُمْ:} تهديد، ومثله قوله: {أَوْلى لَكَ فَأَوْلى} [القيامة:34]. (¬1) وقال الأصمعيّ: أولى له: قاربه ما يهلكه. (¬2) أي: نزل به. وقيل: أولى: تحسّر. 21 - {طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ:} أي: ظاهر المنافقين طاعة وقول معروف. (¬3) {فَإِذا عَزَمَ الْأَمْرُ:} أي: جدّ. (¬4) 22 - {فَهَلْ عَسَيْتُمْ:} كدتم. {إِنْ تَوَلَّيْتُمْ:} إن أعرضتم عن الإسلام، (¬5) ألا ترى (¬6) قال: {إِنَّ الَّذِينَ اِرْتَدُّوا} [محمد:25] {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ} [محمد:38]. والمراد بقوله: {أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ} ما كان بين الأوس والخزرج قبل الإسلام. 24 - {أَقْفالُها:} جمع قفل، مثل جزء وأجزاء (¬7)، وقرص وأقراص، وهو آلة من الحديد ونحوه (¬8) يغلق به الباب، فلان منقفل (¬9) اليدين إذا كان بخيلا. (¬10) 31 - {وَنَبْلُوَا:} عطف على قوله: {حَتّى (¬11)} نَعْلَمَ، وإنّما حسن العطف عليه لكون البلاء الأوّل مسندا إلى الله في اللّفظ والمعنى، والبلاء الثّاني مسند إلى الله في اللّفظ وإلى أوليائه في المعنى (¬12)، أو المراد بالأوّل: الإصابة بالبلايا والمكاره، والثاني: الاختيار. 29 - {أَضْغانَهُمْ} (¬13): حقدهم. (¬14) ¬
30 - {فِي لَحْنِ الْقَوْلِ:} صرف الكلام عن ظاهره (¬1) قصدا أو خطأ. (¬2) 35 - {لَنْ يَتِرَكُمْ:} لن ينقصكم، (¬3) وفي الحديث: «من فاتته العصر فإنّما وتر أهله وماله» (¬4). 37 - {فَيُحْفِكُمْ:} يبالغوا في السّؤال عنكم. (¬5) وعن أبي هريرة قال: قال أناس من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: من هؤلاء الذين ذكرهم الله إن تولينا يستبدلوا، ثمّ لم يكونوا أمثالنا؟ وكان سلمان بجنب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فضرب رسول الله فخذ سلمان قال: «هذا وأصحابه، والذي نفسي بيده، لو كان الإيمان منوطا بالثّريا لتناوله رجال من فارس». وروي: «معلّقا بالثّريا». (¬6) وعن عطاء بن أبي رباح قال: قال رسول الله عليه السّلام: «الأبدال من الموالي» (¬7). ¬
سورة الفتح
سورة الفتح مدنيّة. (¬1) وهي تسع وعشرون آية بلا خلاف. (¬2) بسم الله الرّحمن الرّحيم 1 - {إِنّا فَتَحْنا:} عن عمر: أنّه كان يساير رسول الله في بعض أسفاره فسأله عن شيء، فلم يجبه، قال: قلت: ثكلتك أمّك يا عمر، سألت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثلاث مرّات كلّ ذلك لا يجيبك، فحرّكت بعيري، وتقدّمت بين يدي، فلم ألبث أن سمعت صارخا ينادي، فأتيت رسول الله، وقد خشيت أن يكون نزل فيّ قرآن، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «قد أنزلت عليّ سورة هي أحبّ [إليّ] (¬3) ممّا طلعت عليه الشّمس» ثمّ قرأ: {إِنّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً.} (¬4) 2 - {لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ:} وعن المغيرة بن شعبة: أنّ النّبيّ عليه السّلام صلّى حتى انتفخت قدماه، فقيل له: أتتكلّف هذا، وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخّر؟ قال: «أفلا أكون عبدا شكورا؟» (¬5). قيل: المراد بالفتح هو حكم الموادعة بين رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وبين المشركين عام الحديبية، (¬6) ويحتمل: أنّه معنى قوله: {ما يَفْتَحِ اللهُ لِلنّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ} [فاطر:2]. وعن أنس قال: أنزل على النّبيّ عليه السّلام: {لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ} مرجعه من الحديبية، وقال النّبيّ عليه السّلام: «لقد نزلت عليّ آية أحبّ إليّ ممّا على الأرض»، ثمّ قرأها عليه السّلام عليهم، فقالوا: هنيئا مريئا، قد بين الله لك ماذا يفعل بك، فماذا يفعل بنا؟ فنزلت عليه: {لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنّاتٍ تَجْرِي} [الفتح:5] حتى بلغ: {فَوْزاً عَظِيماً} [الفتح:5]. (¬7) وذكر الكلبيّ: أنّ الله تعالى لّما أنزل في المؤمنين من كتابه ما أنزل، وذلك في الحديبية قبل رجوع ¬
رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى المدينة بلغ ذلك ابن أبيّ بن سلول، فقال لأصحابه: هيهات، ما نحن إلا كهيئتهم، فأنزل الله: {وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ} [الفتح:6]. وعن معاذ بن جبل قال: قال النّبيّ عليه السّلام: «ثلاث من كنّ فيه فهو منافق، وإن صام وصلّى، وزعم أنّه مؤمن: إذا حدّث كذب، وإذا اؤتمن خان، وإذا وعد أخلف» (¬1)، فقيل: يا رسول الله، هذا للمسلمين؟ قال: «إنّما حدثت عن رجال من المنافقين، حدّثوا أنّهم أسلموا، فكذبوا، وائتمنتهم عليّ فخانوا، ووعدوا الله فأخلفوا». 6 - {ظَنَّ السَّوْءِ:} ظنّ أسد وغطفان (¬2) أنّه {لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلى أَهْلِيهِمْ أَبَداً} [الفتح:12] سالمين. (¬3) 9 - {وَتُسَبِّحُوهُ:} الضّمير عائد إلى الله تعالى. (¬4) 10 - {فَمَنْ نَكَثَ:} ذكر الكلبيّ: أنّ جدّ بن قيس كان من الذين نكثوا العهد، وكان قد توارى تحت إبط بعيره، ولم يسر مع القوم. (¬5) قال جابر بن عبد الله رضي الله عنه: بايعنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تحت الشّجرة على الموت وعلى أن لا نفرّ، فما نكث أحد منّا العهد إلا جدّ بن قيس، وكان منافقا، اختبأ تحت إبط بعيره، ولم يسر مع القوم. (¬6) 11 - {سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرابِ:} الآيات نزلن في مزينة وجهينة وغطفان وأمثالهم. (¬7) 15 - {ذَرُونا نَتَّبِعْكُمْ (¬8)} يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللهِ: فلن تتبعونا (¬9). أراد بنفي خروجهم بعد ذلك نفي تكليفهم وتشريكهم في الغنائم، فخرج جماعة منهم إلى خيبر متبرّعين لا غنيمة لهم. وقيل: لم تكن غنيمة خيبر إلا لأهل الحديبية خاصّة. (¬10) ¬
16 - {سَتُدْعَوْنَ:} قد سبق في سورة التوراة (¬1). قيل: المراد بالدعاء دعاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم النّاس إلى فتح مكة بعد غزوة خيبر، وإنّما يصحّ هذا التأويل بعد أن يكون المخلّفون عن الحديبية غير المخلّفين عن تبوك. 18 - {لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ:} كان السّبب في بيعة الرّضوان. {تَحْتَ الشَّجَرَةِ:} أنّ النّبيّ عليه السّلام خرج من المدينة يريد العمرة، وتجهّز معه ناس كثير من أصحابه، ومعهم هدي، فهم يسوقون الهدي معهم، فبلغ ذلك قريشا، فاستعدّوا ليصدّوه وأصحابه، وبعثوا خالد بن الوليد في عصابة لذلك، فلما بلغ النّبيّ عليه السّلام (296 ظ) مسير خالد بن الوليد، أحبّ أن يأخذ طريقا لا يعلم به أحد من المشركين، فقال: أيّ رجل منكم يأخذ بنا نحو السّيف؛ لعلّنا نطوى مسلحة القوم؟ فقال رجل: أنا يا رسول الله، قال: امض على بركة الله، فنزل الرّجل عن راحلته، فلمّا نزل لم يثق النّبيّ عليه السّلام بهدايته، ثمّ عاد فقال: أيّ رجل يأخذ بنا الطّريق نحو السّيف؛ لعلّنا نطوي مسلحة القوم؟ فقال رجل آخر: أنا يا رسول الله، قال: امض على بركة الله (¬2)، فمضى على راحلته، وطوى برسول الله خالدا وأصحابه، فلم تشعر بهم قريش حتى نزلوا الحديبية، ففزع المشركون لنزول النّبيّ عليه السّلام الحديبية فجأة، فاستعدوا ليصدّوه، فأراد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أن يبعث عمر بن الخطّاب رضي الله عنه، فقال عمر: يا رسول الله، لو بعثت عثمان بن عفّان رضي الله عنه كانوا له أرقّ منهم لي، فبعث النّبيّ عليه السّلام عثمان، فسار إليهم، فتلقّاه أبان بن سعيد بن العاص، فأجاره، وحمله بين يديه على الفرس (¬3)، فلم يقربه أحد بأذى، ثمّ إنّ قريشا بعثوا عروة بن مسعود إلى النّبيّ عليه السّلام وأصحابه ليأتيهم بالخبر، فلمّا أتاهم عروة أبصر قوما عمّارا لم يأتوا للقتال، فرجع إلى قريش، فقال لهم: لم أر قوما مثل قوم صدّوا هؤلاء عن الكعبة، فشتموه واتّهموه، ثمّ بعثوا بديل بن ورقاء الخزاعيّ ورباب بن الحليس أخا بني الحارث بن عبد مناة، فلمّا قدما قال: النّبيّ عليه السّلام لأصحابه: ابعثوا الهدي في وجوههما، ولبّوا، فلمّا فعلوا ذلك رجع بديل وصاحبه إلى قريش، فقالا لهم مثل مقالة عروة بن مسعود، فآذوهما واتّهموهما وشتموهما، ثمّ بعثوا سهيل بن عمرو، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عند ما أبصر سهيلا: هذا رجل فاجر وما أرى (¬4) إلا وقد سهّل ¬
من أمركم، فلمّا أتاهم سهيل ذاكرهم الهديّة والمواعدة، فاطمأنّ النّبيّ عليه السّلام، وانطلق أناس من المسلمين إلى عشائرهم بمكة، فحبسوهم عندهم بمكة، فلمّا كان من أوسط النّهار، والقوم في الرّحال، أمر النّبيّ عليه السّلام بأخذ البيعة، فنادى منادي رسول الله عليه السّلام في القوم ألا إنّ روح القدس جبريل عليه السّلام منزل على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يأمره بأخذ البيعة، فأتوا رسول الله فبايعوه، وكبرت تلك البيعة في صدور المشركين، وعهد أناس من المسلمين كانوا ببطن النّخلة، فأتوا عصابة من المشركين ووجدوهم جلوسا، فأخذوهم حتى أتوهم الرّحال رهائن من أصحابهم الذين في أيدي المشركين، فأمسوا وهم على ذلك، فرمى رجل من المشركين من تحت اللّيل في أصحاب رسول الله، فثار المسلمون عليهم بالحجارة، فرموا أعداء الله بها حتى أدخلوهم البيوت، وهزموهم بإذن الله، فأقبل أشرافهم إلى النّبيّ عليه السّلام فقالوا: يا محمد، لم يكن من رضى منّا، وإنّما فعله سفهاؤنا، وعرضوا الصّلح عليه، فقبله بعد، قهر المسلمون المشركين بالحجارة، فأرسل كلّ واحد من الفريقين من كان في أيديهم، (297 و) وكتبوا القضيّة بينهم وبين رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وكان (¬1) سهيل (¬2) بن عمرو أمير المشركين على قضيّتهم، وكتبوا: إنّا نتوادع سنتين، بعضنا لبعض آمن، فمن لحق بالنّبيّ عليه السّلام لم يقبله حتى تنقضي المدّة، ومن لحق بالمشركين من أصحابه فهو منهم، وإنّكم لتسوقون الهدي، فإذا حبسناه نحرتموه، ليس لكم أن تجاوزوا موضعا نحبسه، وإنّكم إن شئتم اعتمرتم عاما قابلا في هذا الشّهر الذي حبسناكم فيه، ولا تحملوا (¬3) بأرضنا سلاحا إلا سلاحا في قراب، وهو القوس والسّيف، فأجابهم النّبيّ إلى ذلك، ووجد رجال من المسلمين من ذلك الشّرط وجدا شديدا، فقال النّبيّ عليه السّلام: أمّا من لحق بهم فأبعده الله، فهم أولى بمن (¬4) كفر، وأمّا من أراد أن يلحق بنا منهم فسيجعل الله [له] (¬5) مخرجا، وكان الكاتب عليّ بن أبي طالب كرّم الله وجهه، فكان قد كتب في أوّل الصّحيفة: هذا ما قضى عليه رسول الله، فأبت قريش ذلك وقالوا: إن علمنا أنّك رسول الله لم نمنعك عن بيت الله، بل أنت محمد بن عبد الله، فقال رسول الله: أنا رسول الله، وأنا محمد بن عبد الله (¬6)، فاكتب، يا عليّ، محمد بن عبد الله، وامح ما كتبت، فعظم (¬7) على عليّ رضي الله عنه أن يمحو ¬
اسم رسول الله، فمحاه النّبيّ عليه السّلام بيده، فلمّا فرغوا من كتاب الموادعة، وختموا عليه أقبل أبو جندل بن سهيل (¬1) وهو يرسف في قيوده كان قد أسلم وقيّده أبوه، فقال: إنّي مسلم، وإنّي أعوذ بالله أن ترجعوني إلى الكفّار، فتحرّك عند ذلك رجال من المسلمين، وكاد يكون شر، فقال النّبيّ عليه السّلام: خلّوا بينه وبينهم، فإن يعلم الله من أبي جندل الصّدق يجعل له مخرجا، فانطلق به أبوه، وساق النّبيّ عليه السّلام وأصحابه الهدي حتى قال المشركون جلب الهدي، ونحر عند ذلك، وحلق النّبيّ عليه السّلام رأسه، وحلّ من إحرامه، وعهد (¬2) أناس من أصحابه فقصروا، أو كرهوا أن يحلقوا، ولم يطوفوا بالبيت، فبلغ ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأخرج رأسه من القبّة قد حلقه، فقال: اغفر اللهمّ (¬3) للمحلّقين، فقيل: يا رسول الله، وللمقصّرين، فقال: اللهمّ اغفر للمحلّقين، فقيل: يا رسول الله، وللمقصّرين، فقال: اللهمّ اغفر للمحلّقين، ثمّ استغفر للمقصّرين بعد ثلاث مرّات، فلبث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في غزوة الحديبية شهرا ونصف، فوعدهم خيبر أن يفتحها لهم، ثمّ رجع النّبيّ عليه السّلام إلى المدينة، ونزل عليه القرآن: {لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ} [الفتح:18]. (¬4) وعن جابر في هذه الآية قال: بايعنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على أن لا نفرّ، ولم نبايعه على الموت. (¬5) وعن يزيد بن أبي عبيدة قال: قلت لسلمة بن الأكوع: على أيّ شيء بايعتم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم الحديبية؟ قال: على الموت. (¬6) وعن ابن عمر قال: كنّا نبايع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على السّمع والطّاعة (297 ظ) في العسر واليسر والمنشط والمكره، وأن لا ننازع الأمر (¬7) أهله، وأن نقوم بالحقّ حيث ما كنّا، وأن لا نخاف في الله لومة لائم، يقول (¬8) النّبيّ عليه السّلام: فيما استطعتم. (¬9) ثمّ إنّ الله تعالى جعل لأبي جندل بن سهيل مخرجا، فهرب من قومه، ولم يأت رسول الله ¬
صلّى الله عليه وسلّم مخافة أن يردّه إليهم على شرط، ولكنّه عمد إلى ذي عروة، فكان به، واجتمع إليه قريب من سبعين رجلا (¬1) من المسلمين فعمدوا إلى عير لقريش مقبلة من الشّام، أو ذاهبة إليها فأخذوها، وجعلوا يقطعون الطّريق على المشركين، فأرسل المشركون (¬2) إلى النّبيّ عليه السّلام يناشدونه، فيضمهم ويأويهم (¬3)، وأنّه في حلّ من كتاب (¬4) الموادعة، فكتب إليهم رسول الله، فلحقوا به، وعلم الذين كرهوا كتاب القضّية كيف صنع الله لرسوله (¬5) وللمستضعفين من المؤمنين. 22 - {وَلَوْ قاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبارَ:} أسد وغطفان حيث اعترضوا لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم في مسيره إلى خيبر، فناصبهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم دون خيبر، فعلموا أنّه لا طاقة لهم به، فألقوا إليه السّلم أن لا يكونوا معه ولا عليه. (¬6) 24 - {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ. . .:} الآية نزلت في الوقعة بين المسلمين والمشركين (¬7) بالحديبية. (¬8) والحديبية على أربعة أميال (¬9) من مكة. 25 - {رِجالٌ مُؤْمِنُونَ:} الوليد بن المغيرة وسلمة بن هشام وعباس بن ربيعة وأبو جندل بن سهيل وغيرهم كانوا بمكة. {لَوْ تَزَيَّلُوا:} لو تخلّص المؤمنون منهم، وتميّزوا. (¬10) 26 - {وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى:} عن عليّ رضي الله عنه: كلمة التّقوى لا إله إلا الله. (¬11) وعن ابن عمر: أنّ الكلمة التي ألزمناها ليلة الحديبية كلمة التّقوى لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، يحيي ويميت، بيده الخير، وهو على كلّ شيء قدير. 27 - {لَقَدْ صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا:} كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قد رأى في منامه أنّه دخل المسجد الحرام مع أصحابه {مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخافُونَ،} وكان رؤياه هذه قبل الحديبية، فخرج إلى الحديبية، وهو يطمع في تأويل رؤياه، والمؤمنون كذلك، وكان تأويل الرّؤيا ¬
عند الله مؤجلا إلى سنة بعد ذلك، فلما صدّهم المشركون دخل (¬1) في قلوب أناس من المؤمنين، فأنزل الله، ووعدهم عمرة القضاء على نحو ما رأى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في منامه. (¬2) 27 - {فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ فَتْحاً قَرِيباً:} وهو فتح خيبر. (¬3) 29 - والواو في قوله: {وَالَّذِينَ مَعَهُ} لعطف الجملة. (¬4) {سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ:} خشوعهم وخضوعهم. (¬5) وقيل: بياض في وجوههم يوم القيامة. (¬6) وقيل: هو الذي ينعقد على أكفّهم وجباههم وركبهم كنفثات البعير، ولهذا سمّي زين العابدين ذا النّفثات (¬7). {ذلِكَ مَثَلُهُمْ:} أي: هذا الذي ذكرنا صفتهم. (¬8) {شَطْأَهُ:} فرخ الزّرع، وهو ما ينبت من الزّرع أصغر منه، وهذا (¬9) الفرع يؤازر الزّرع ليقوم على سوقه، (¬10) ف (الزرع) رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، و (الشّطء) أصحابه، (¬11) و (الكفّار) هم الذين يقاتلون المؤمنين. ¬
سورة الحجرات
سورة الحجرات مدنيّة. (¬1) وهي ثماني عشرة آية بلا خلاف. (¬2) بسم الله الرّحمن الرّحيم 1 - (298 و) {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا:} عن ابن جريج قال: أخبرني ابن أبي مليكة: أنّ عبد الله بن الزّبير أخبرهم: أنّه قدم ركب من بني تميم على النّبيّ عليه السّلام، فقال أبو بكر: بل أمّر القعقاع بن معبد (¬3) بن زرارة، وقال عمر: بل أمّر الأقرع بن حابس، فقال أبو بكر: ما أردت (¬4) إلا خلافي، فقال: ما أردت إلاّ (¬5) خلافك، فتماريا حتى ارتفعت أصواتهما، فنزلت في ذلك: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا} الآية. (¬6) وعن مسروق بن الأجدع قال: كنّا عند عائشة أمّ المؤمنين يوم عرفة، والنّاس يشكّون، يرون أنّه يوم النّحر، فقالت لجارية لها: أخرجي لمسروق سويقا وحلّيه، فلولا أنّي صائمة لذقته، قال: قلت: ما بك صمت هذا اليوم وهو يشك فيه؟ فقالت: نزلت هذه (¬7) الآية في مثل هذا: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ} كان قوم يتقدّمون رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في الصّوم وما أشبهه، فنهوا عن ذلك. (¬8) وعن الحسن: أنّ قوما ذبحوا قبل أن يصلّي النّبيّ عليه السّلام يوم النّحر، فأمرهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن يذبحوا ذبحا آخر، فأنزل الله عز وجل: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا.} (¬9) وعن الكلبيّ: أنّ الآية نزلت في المنذر بن عمرو السّاعديّ وأصحابه حين قتلوا رجلين من أهل الميثاق، فوداهما رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. (¬10) ¬
وإنّما اختلفوا في سبب نزول الآية لعمومها، واشتمالها على هذه المعاني كلّها، وتلاوة رسول الله عليه السّلام إيّاها عند كلّ حادثة في هذه الحوادث، فمن سمعها عند حادثة ظنّ أنّها نزلت فيها خاصّة، وقد جمع مجاهد هذه الأقوال وقال: لا تقدّموا بين يدي الله، أي: لا تفتاتوا (¬1) على رسول الله بشيء حتى يقضيه الله على لسانه. (¬2) 3 - {اِمْتَحَنَ اللهُ:} ابتلى الله. 4 - {إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ:} الآيتان نزلتا في حيّ من بني العنبر وهم من بني عمرو بن تميم كان قد أغار عليهم عيينة بن حصن الفزاريّ بأمر رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وسبى منهم سلبا كثيرا، فحضروا المدينة وقت الهاجرة، فوجدوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد دخل إلى أهله للقيلولة، فجعلوا ينادونه من المسجد: يا محمد، يا محمد، حتى أيقظوه، فخرج إليهم وهو يمسح النّوم عن وجهه، فجعل حكمهم إلى سبرة بن عمرو (¬3)، وهو رجل منهم وعلى دينهم، فحكم بفداء نصف السّبي وعتق النّصف، ولو كانوا صبروا حتى يخرج إليهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لأعتق جميعهم، وكان ذلك خيرا لهم. (¬4) 6 - {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ:} السّبب في نزول هذه الآية: أنّ النّبيّ عليه السّلام استعمل الوليد بن عقبة بن أبي معيط، وهو الفاسق، على صدقات بني المصطلق، وكان بينه وبينهم عداوة في الجاهليّة، فلمّا توجّه إليهم استقبلوه بالطّاعة لوجه الله تعالى ولرسوله عليه السّلام، فظنّ الفاسق أنّهم استقبلوه ليقتلوه، فانهزم إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وزعم أنّهم خرجوا من الطّاعة، فهمّ النّبيّ عليه السّلام أن يغزوهم، فقدموا عليه معتذرين، فلم يصدّقهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتى نزلت الآية. (¬5) 7 - قرأ أبو سعيد الخدريّ: (298 ظ) {وَاِعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ} قال: هذا نبيّكم يوحى إليه، وخيار أئمتكم لو أطاعهم في كثير من الأمر لعنتوا، فكيف بكم اليوم؟ (¬6) [. . .] (¬7) ¬
9 - {وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اِقْتَتَلُوا:} عن أنس قال: قيل للنّبيّ عليه السّلام: لو أتيت عبد الله بن أبيّ، فانطلق إليه فركب حمارا، وانطلق المسلمون يمشون، وهي أرض سبخة، فلمّا أتاه وثار الغبار قال: إليك عنّي فو الله لقد آذاني نتن حمارك، فقال رجل من الأنصار: لحمار رسول الله عليه السّلام أطيب ريحا منك، قال: فغضب لعبد الله رجل من قومه، وغضب لكلّ واحد منهما أصحابه، فكان بينهم ضرب بالجريد والأيدي والنّعال، فأنزل الله هذه الآية. (¬1) [عن ابن عبّاس رضي الله عنه قال: وقف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على مجلس بعض الأنصار وهو على حمار، فبال الحمار، فأمسك عبد الله بن أبيّ بأنفه، وقال: خلّ مسك حمارك، فقد آذانا نتن حمارك، فقال عبد الله بن رواحة، والله، إنّ بول حماره لأطيب من مسكك، وروي: حماره أفضل منك، وبول حماره أفضل من مسكك، ومضى رسول الله، وطال الخوض بينهما حتى استبّا [وتجالدا] (¬2) وجاء قومهما، وهما الأوس والخزرج، فتجالدوا بالعصيّ، وقيل: بالأيدي، والنّعال والسّعف، فرجع إليهم رسول الله عليه السّلام، فأصلح بينهم، ونزلت الآية. (¬3) وعن مقاتل: قرأها عليهم فاصطلحوا.] (¬4) وعن أبي مالك قال: حيّان من الأنصار بينهم تلاحي وقتال بغير سلاح، فأمر الله أن يصلح بينهما. وعن أبي مالك قال: اقتتل رجلان، فأقبل حيّاهما، فاقتتلوا بالنّعال والعصيّ، فأنزل الله فيهم. (¬5) قال: هذه الآية أصل في قتال أهل البغي، وقد أقتتلت طائفتان من المؤمنين بعد رسول الله إحداهما أصحاب والأخرى أهل مصر، فجاء الحسين بن عليّ ليصلح بينهما، فلم يقدر، فغلب أهل مصر (¬6)، وقتلوا عثمان رضي الله عنه، ثمّ إنّهم تركوا البغي، وبايعوا عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه، فثارت فتنة أخرى، ثمّ أخرى، ثمّ أخرى، حتى صار عليّ رضي الله عنه إماما في معرفة قتال أهل البغي؛ لأنّه قتل الناكثين والباغين والمارقين، وقد قال أبو حنيفة رحمه الله: لولا علي بن أبي طالب لما عرفنا قتال أهل البغي. 11 - {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ:} قيل: حضر ثابت بن قيس ¬
مجلس رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعد امتلاء المجلس بالنّاس، فلم يمر بأحد إلا يفسح له إلا رجلا واحدا قال له: أصبت مكانك فاجلس، فذكر ثابت أمّه، وكان يعيّر بها. (¬1) وشبّهت إحدى أمهات المؤمنين طرف إزار الأخرى بلسان الكلب، فأنزل الله الآية. وعن أبي جبيرة بن الضّحّاك قال: نزلت الآية فينا {وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ} جاءنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وللرّجل الاسمان والثلاثة، فجعل يدعو الرّجل فيقول (¬2): يا رسول الله، إنّه ليغضب منه، فنزلت. (¬3) [وعن عبد الله بن مسعود: البلاء موكل بالمنطق، لو سخرت من كلب لخشيت أن أحوّل كلبا. (¬4) وفي قراءة عبد الله: (عسوا أن يكونوا وعسين أن يكنّ). (¬5)] (¬6) [فقال: النّبز والنّزب: اللّقب السّوء، والتّلقيب المنهيّ عنه، فما ما يحبه المدعو به فلا بأس، (¬7) لما روي عن النّبيّ عليه السّلام: «من حقّ المؤمن على أخيه: تسميته بأحبّ أسمائه إليه» (¬8)، ولهذا كانت التّكنية من السّنّة، ولقد لقّب أبو بكر بالصّديق، وعمر بالفاروق، وحمزة بأسد الله [. . .] (¬9)، وخالد بسيف الله.] (¬10) 12 - {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اِجْتَنِبُوا:} قال الكلبيّ: نزلت الآية في رجلين من أصحاب رسول الله عليه السّلام قد ضمّ كلّ واحد من الفقراء إلى رجلين من الأغنياء ليخدمهما ولينفقا عليه، فهذان الرّجلان قدّما صاحبهما (¬11) في سفر ليهيّئ لهما المنزل والطّعام، فغلبه النّوم، فلم يفعل شيئا ممّا أمراه به، فأرسلاه إلى النّبيّ عليه السّلام ليسأله فضل طعام، فلمّا غاب قال ¬
أحدهما للآخر: والله لو أرسلناه إلى سميحة أو سميحة، وهي بئر ذات ماء كثير، لقال: ليس فيها ماء، فهذه عيبتهما، ثمّ إنّ الفقير أتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأدّى الرّسالة، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: انطلق (¬1) إلى أسامة بن زيد، وكان أسامة يحفظ طعام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأتاه فلم يجد عنده شيئا، فرجع إلى صاحبيه وأخبرهما بالقصّة، فاتّهما أسامة بن زيد وقالا: هو رجل بخيل، (299 و) أمره رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولم يعط، فهذا ظنّهما الذي هو الإثم، ثمّ إن الرجلين راحا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقد أنزل الله هذه الآية: {إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ،} (¬2) لحلوله محلّ الاعتقاد الفاسد. {أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً:} لأنّ المغتاب ينال من أخيه في حال لا يمكنه الامتناع كالذي يأكل لحم أخيه ميتا. (¬3) 13 - {شُعُوباً:} وهي الأجيال التي تشعّبت من أولاد نوح عليه السّلام. [والشّعب: الطّبقة الأولى من الطّبقات السّتّ التي عليها العرب، وهي: الشّعب، والقبيلة، والعمارة، والبطن، والفخذ، والفصيلة، فالشّعب يجمع القبائل، والقبيلة تجمع العمائر، والعمارة تجمع البطون، والبطن يجمع الأفخاد، والفخذ يجمع الفضائل، خزيمة شعب، وكنانة قبيلة، وقريش عمارة، وقصيّ بطن، وهاشم فخذ، والعبّاس فصيلة، وسمّيت الشّعوب قبائل؛ لأنّ القبائل تشعّبت منها. (¬4)] (¬5) {وَقَبائِلَ:} هي البيوت من كلّ جيل. والآية نزلت في ثابت بن قيس. (¬6) وعن ابن عبّاس قال: ما تعدّون الكرام فيكم وقد بيّن الله: {أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ} وما تعدّون الحسب فيكم؟ أحسنكم أخلاقا أكرمكم إحسانا، فقال عليه السّلام: «لينتهينّ رجال يفتخرون برجال من الجاهليّة قد صاروا حمما في النّار، أو ليجعلنّهم الله أذلّ من الجعل يدفع النّتن بأنفه» (¬7). وقيل: الفخر بالهمم العالية لا ¬
بالرّمم البالية. (¬1) 14 - {قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا:} أراد به نفي الإيمان. {وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا:} أبيت (¬2) الدّخول في ظاهر عقد الإسلام بظاهر التّصديق على سبيل النّفاق. والآية نزلت في نفر من بني الحلاّف، والحلاّف: مرّة بن الحارث بن سعد، أجدبت (¬3) بلادهم، فحضروا المدينة بذراريهم، ونزلوا في طريق المدينة، وأفسدوا الطّرق بالنّجاسة، وأغلوا الأسعار، ولم يزالوا يأتون رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ويقولون: اعطنا يا محمد اعطنا، فإنّا آمنّا بك إيمانا (¬4) لم يؤمن به أحد من العرب؛ لأنّهم أتوك مثنى وثلاث، ونحن انتقلنا إليك بالأهل والذّرّيّة حتى أنزل الله فيهم. (¬5) ¬
سورة ق
سورة ق مكيّة. (¬1) وعن ابن عبّاس: إلا آية (¬2) نزلت بالمدينة، وهي قوله: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ} [ق:38]. (¬3) وهي خمس وأربعون آية بلا خلاف. (¬4) بسم الله الرّحمن الرّحيم 1 و 2 - {ق:} جواب قسم مقدّم عليه، تقديره: قرب الأمر والقرآن المجيد. وقيل: جوابه {بَلْ عَجِبُوا} مرتّب على كلام سابق، (¬5) تقديره: أنّ (¬6) النّبيّ عليه السّلام قال قبل نزول السّورة (¬7): اللهمّ اهد قومي، أو المؤمنين قالوا قبل نزولها (¬8): والله لو جاءتهم آية ليؤمننّ بها، أو المشركين قالوا قبل نزولها: لئن جاءتنا آية لنؤمننّ بها ليكون قوله: {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ (1) بَلْ عَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ} جملة متركّبة من قسم وجواب، وتلك الجملة ردّا لكلام سابق أو إضرابا عن كلام سابق (¬9). وقيل: جواب القسم في آخر السّورة {إِنَّ فِي ذلِكَ (¬10)} لَذِكْرى [ق:37]. (¬11) وعن عبد الله بن بريدة قال: {ق:} جبل محيط بالأرض من زمرّدة عليه كنفا (¬12) السّماء. (¬13) ¬
5 - {مَرِيجٍ:} مختلط ملتبس. (¬1) 9 - {وَحَبَّ الْحَصِيدِ:} أضيف إلى نفسه، ويجوز أن يكون الزّرع هو الحصيد. (¬2) 10 - {باسِقاتٍ:} طوال (¬3)، وفي حديث ابن عبّاس: أنّ عبد المطّلب قال لسيف بن ذي يزن: ثبت أصله، وبسق فرعه. (¬4) 11 - وإنّما قال: {مَيْتاً} لاعتبار المعنى، وهو البلد أو المكان. (¬5) 15 - {أَفَعَيِينا:} الاستفهام للإلزام، (¬6) (299 ظ) والعياء: الكلال. {خَلْقٍ جَدِيدٍ:} نشأة الآخرة. (¬7) 16 - قال الفرّاء: {حَبْلِ الْوَرِيدِ} مضاف إلى نفسه، والوريد: عرق من الحلقوم والعلباوين. (¬8) والله تعالى أقرب إلى كلّ نفس منها إليها، قائمة بأمره لا بنفسها. 17 - {قَعِيدٌ:} قال ابن عبّاس: قعود. وقال الفرّاء (¬9): ويجوز إرادة الجمع بلفظ واحد، كقول موسى: {إِنّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ} [الشعراء:16]، ويجوز أن يكون واحدا اكتفي به عن صاحبه، أي: قعيدان، كقوله (¬10): نحن بما عندنا وأنت بما … عندك راض والرّأي مختلف 19 - {وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ:} أي: بالموت، والدّليل عليه قراءة عبد الله: (وجاءت [سكرة] الحقّ بالموت) (¬11). {تَحِيدُ:} تميل (¬12) وتحذر. ¬
21 - {سائِقٌ وَشَهِيدٌ:} {سائِقٌ:} يسوقها إلى الله، {وَشَهِيدٌ} (¬1): شاهد عليها بعملها (¬2). وقال أبو هريرة: السّائق الملك، والشهيد العمل. (¬3) وقيل: السائق العمل، والشهيد الأعضاء. (¬4) 23 - {وَقالَ قَرِينُهُ:} تابعته من الشّياطين. (¬5) {هذا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ:} لمخافة أن يؤخذ أحد الكفيل. 24 - {أَلْقِيا:} أمر للملكين. (¬6) وقيل: لملك واحد، أي: ألقين بنون خفيفة. (¬7) {كُلَّ كَفّارٍ عَنِيدٍ:} كليهما (¬8) إيّاه وقرينه. 28 - {لا تَخْتَصِمُوا:} بعد وجود الاختصام لا يدلّ على نفيه كالنّهي عن الكفر. وقيل: قوله: {لا تَخْتَصِمُوا} في الكفّار، وقوله: {ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ} [الزمر:31] في المؤمنين. (¬9) 29 - {ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ} أي: لا مردّ لقولي: {أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفّارٍ عَنِيدٍ} [ق:24]. (¬10) 30 - {يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ اِمْتَلَأْتِ:} قال ابن عبّاس: ما امتلأت؟ تقول: وهل (¬11) في مكان يزاد فيّ. (¬12) 36 - {فَنَقَّبُوا:} مشوا في النّقوب، وهي الطّرق، وواحده (¬13) نقب. (¬14) ¬
37 - و {ذلِكَ:} إشارة إلى القرآن. {قَلْبٌ:} سليم غير مريض. {أَوْ} (¬1): بمعنى الواو، أي: لمن كان له قلب وألقى (¬2) السّمع وهو شهيد. وقيل: أراد بذي القلب من استنارت أعشار قلبه، فلم يبق فيه لغير الله حظ، وبمن ألقى السّمع وهو شهيد: من يستمع إلى روح الله وندائه، وهو يشاهد بروق التّوحيد بسويدائه. 38 - {مِنْ لُغُوبٍ:} عياء وتعب. (¬3) والآية ردّ على اليهود قولهم في السّبت. (¬4) 40 و 49 - وعن عمر قال: (إدبار النجوم): الركعتان قبل الفجر، {وَأَدْبارَ السُّجُودِ:} الركعتان بعد المغرب. (¬5) وعن عليّ: {وَأَدْبارَ السُّجُودِ:} الركعتان بعد المغرب. (¬6) ¬
سورة الذاريات
سورة الذاريات مكيّة. (¬1) وهي ستون آية بلا خلاف. (¬2) بسم الله الرّحمن الرّحيم 1 و2 و3 و4 - سأل ابن الكوّا (¬3) عليّ بن أبي طالب (¬4) رضي الله عنه عن (الذاريات ذروا)؟ قال: هي الرّياح، وعن (الحاملات وقرا)؟ قال: السّحاب، وعن (الجاريات يسرا)؟ قال: السّفن (¬5)، وعن (المقسمات أمرا)؟ قال: الملائكة. (¬6) 3 - {يُسْراً:} أي: سهلا. (¬7) 6 - {الدِّينَ:} الجزاء (¬8). 7 - {ذاتِ الْحُبُكِ:} قال ابن عرفة: ذات الخلق الوثيق. يقال: حبكه إذا جاد صنعته. وقيل: ذات الطّرائق. وقال مجاهد: ذات البنيان. وقال الأزهريّ: هي الطّرائق المحكمة. وكلّ شيء أجيد عمله فهو محبوك، وكلّ ما يراه من درج الرّمل والماء إذا صفّقته الرياح فهو حبك، واحدها حباك (300 و) أو حبيكة. (¬9) 8 - {قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ:} في رسول الله عليه السّلام. (¬10) 9 - {يُؤْفَكُ عَنْهُ:} يصرف عن الإيمان به، الأسباب (¬11) اليوم من صرف عنه بالإقرار في الأزل. (¬12) ¬
10 - {قُتِلَ الْخَرّاصُونَ:} على سبيل الدّعاء والإيجاب، لعن وأهلك الكذّابون، فكلّ قائل بالظّنّ والتّخمين خارص. (¬1) 11 - {غَمْرَةٍ:} وغشيه (¬2). {ساهُونَ:} غالطون. 13 - {يَوْمَ هُمْ (¬3)} عَلَى النّارِ يُفْتَنُونَ: أي: يوم يفتن هؤلاء على النّار، وهو جواب سؤالهم: أيّان يبعثون؟ 14 - والقول عند قوله: {ذُوقُوا} مضمر. (¬4) 17 - {كانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ:} وعن ابن عبّاس قال: كانوا قلّ ليلة تمرّ بهم إلا صلّوا فيها. (¬5) 18 - {وَبِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} قال [أنس بن مالك]: كنّا نؤمر بالسحريّة وبالاستغفار سبعين مرّة. (¬6) وعن الضّحّاك قال: أدركت أقواما يستحيون من الله في سواد اللّيل من طول الضّجعة. (¬7) وعن أبي الجويريّة قال: صحبت حماد بن أبي سليمان، وعلقمة بن مريد، ومحارب بن دثار، وعون بن عبد الله، وأبا حنيفة، فما كان في القوم أحسن ليلا من أبي حنيفة صحبته ستة أشهر، فما رأيته ليلة واحدة وضع جنبه فيها. (¬8) 19 - {وَفِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ:} نصيب معدّ دون الواجب (¬9)؛ لأنّ الأسخياء والبخلاء (¬10) في الوجوب سواء لا يستحقّون المدح. 20 - {وَفِي الْأَرْضِ آياتٌ:} آثار (¬11) القدرة والحكمة والرّحمة لمتفّرد بالقدم والبقاء، قاضي الحدوث والفناء، مستحق للعبادة والدّعاء. ¬
23 - وإنّما قال: {مِثْلَ ما أَنَّكُمْ} ولم يقل: مثل ما تنطقون؛ لأنّ التّشبيه واقع بكونهم ناطقين حقا لا لكون نطقهم حقا (¬1) لأنّ نطقهم في أعلى مراتب النّطق، وأبعد من الالتباس، فإنّ البهائم ناطقة من وجه غير وجه، وسائر النّاس فيهم عجمة، والعرب في فصاحتهم قصور، وقريش هم الغاية في الفصاحة. وقيل: المراد بالتّشبيه تشبيه نطق رسول الله عليه السّلام عن الغيب بنطقهم عن المشاهدات. 29 - {فِي صَرَّةٍ:} صيحة وضجّة. (¬2) وقيل: صرير الباب. (¬3) وقيل: صرير النّعل. ومنه الاصطكاك. 38 - {وَفِي مُوسى:} معطوف على قوله: {وَفِي الْأَرْضِ} [الذاريات:20]، أو قوله: {تَرَكْناها آيَةً} [القمر:15]. (¬4) 50 - {فَفِرُّوا إِلَى اللهِ:} أي: الاتحاد بروحه، والاعتصام بروحه. 59 - (الذّنوب): الدّلو العظيمة، وهاهنا عبارة عن النّوبة والنّصيب. (¬5) ¬
سورة الطور
سورة الطور مكيّة. (¬1) وهي سبع وأربعون آية في عدد أهل الحجاز. (¬2) بسم الله الرّحمن الرّحيم 1 - عن ابن عبّاس في قوله: {وَالطُّورِ} يقول: والجبل. (¬3) وكلّ جبل طور، ولكن عنى الله بهذا الجبل الذي كلّم الله موسى عليه السّلام عليه، وهو بمدين، واسمه زبير، وكان حجابا بين الله وبين موسى، فسمع صرير القلم حين كتب له التّوراة. (¬4) 4 - {وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ:} قال ابن عبّاس: (البيت المعمور): بيت في السّماء حيال الكعبة، يحجّه كلّ يوم سبعون ألف ملك لا يعودون فيه حتى تقوم السّاعة (300 ظ) يسمّى الضّراح. (¬5) 5 و6 - وعن عليّ رضي الله عنه في {السَّقْفِ الْمَرْفُوعِ:} السّماء، {وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ} قال: هو بحر تحت العرش. (¬6) 3 - {فِي رَقٍّ:} جلد يكتب عليه. (¬7) 9 - {تَمُورُ:} تدور وتضطرب. (¬8) 13 - {دَعًّا:} دفعا (¬9). 15 - و {هذا:} إشارة إلى العذاب، (¬10) وهو جزاء (¬11) قولهم: {إِنَّما سُكِّرَتْ أَبْصارُنا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ} [الحجر:15]. ¬
21 - {أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} (¬1): أدركناهم إيّاهم. وعن ابن عبّاس قال: إنّ الله تعالى ليرفع ذرّية المؤمن في درجته، وإن كانوا لم يبلغوا في العمل؛ لتقرّ به عينه، ثمّ قرأ: {وَالَّذِينَ آمَنُوا (¬2)} وَاِتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ (¬3) الآية. (¬4) 24 - والمراد ب (الغلمان) الوصفاء، وتشبيههم باللّؤلؤ لفرق بينهم وبين المشبّهات بالبيض المكنون، فإنّ اللّؤلؤ نصيب العيون، والبيض نصيب العيون والبطون، فكذلك غلمان الجنّة لا ينتفع بهم إلا بالرّؤية، وينتفع بالجواري بالرّؤية والمجامعة. 29 - {بِكاهِنٍ:} بزاجر ومنجّم وعرّاف. 35 - ولقوله: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ} معنيان: أحدهما: أو وجدوا منفعلين من غير فاعل، أم هم فاعلوا أنفسهم، (¬5) والثاني: أهم مخلوقون محدثون من لا شيء (¬6) أم هم خالقون غير محدثين من لا شيء من تغرّمض غرامة. والله أعلم. ¬
سورة النجم
سورة النجم مكيّة. (¬1) وعن ابن عبّاس وقتادة: إلاّ (¬2) آية نزلت بالمدينة: {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ} الآية [النجم:32]. (¬3) وعن الحسن البصريّ: أنّ السّورة كلّها مدنية. (¬4) وهي إحدى وستون (¬5) آية في غير عدد أهل الكوفة. (¬6) بسم الله الرّحمن الرّحيم 1 - {وَالنَّجْمِ إِذا هَوى:} قال مجاهد: الثّريّا إذا سقط (¬7)؛ لقوله عليه السّلام: «إذا طلعت النّجم رفعت العاهة عن كلّ بلد». (¬8) فلمّا جاز كون طلوعه معتبرا جاز كون نوئه في المغرب معتبرا. وذكر أبو بكر بن دريد (¬9): أنّ الثّريّا تسقط لثلاث عشرة ليلة تخلو (¬10) من تشرين الثّاني، وتطلع من المشرق رقيبها الإكليل، وتكون الشّمس حينئذ بالممتحن في أربع وعشرين درجة من العقرب، ويكون طول النّهار عشر ساعات، وخمس ساعة، ولسقوط الثّريّا توسيع ليال. وقال الضّحّاك: أراد بالنّجم المنجوم. وقال الكلبيّ: أراد القرآن إذا نزل؛ لأنّ القرآن نزل نجوما منجّمة. (¬11) وهو رواية الأعمش عن مجاهد قال: أراد (¬12) نجوم القرآن آية آية، وسورة سورة. (¬13) 5 - {عَلَّمَهُ:} لقّنه. (¬14) ¬
{شَدِيدُ الْقُوى:} جبريل عليه السّلام. (¬1) 6 - {ذُو مِرَّةٍ:} قوّة. (¬2) {فَاسْتَوى:} في صورته. (¬3) وعن عبد الله قال: رأى رسول الله عليه السّلام جبريل عليه السّلام له ستّ مئة جناح، كلّ جناح قد سدّ الأفق. (¬4) {وَهُوَ:} يعني: جبريل، رآه بالأفق الأعلى قبل مطلع الشّمس. (¬5) وقيل: فوق السماوات السّبع. 9 - {قابَ قَوْسَيْنِ:} قدر قوسين عربيّتين. (¬6) وقيل: القوس الذّراع بلغة أزد شنوءة، (¬7) وهذه المسافة كانت بين جبريل وبين نبيّنا عليه السّلام حين {دَنا فَتَدَلّى} [النجم:8]، ثمّ صار أدنى من ذلك. 10 - {فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى:} وهو القرآن، وما شاء الله (301 و) من شيء بعد. 11 - وعن ابن عبّاس {ما كَذَبَ (¬8)} الْفُؤادُ ما رَأى: رآه بقلبه. (¬9) قال: كانت هذه الرّؤية قبل المعراج، ورسول الله عليه السّلام بأجياد، أجياد مكة. 12 - {أَفَتُمارُونَهُ:} أفتجحدونه. (¬10) 13 - {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى:} قال ابن عبّاس: رآه بفؤاده مرّتين (¬11). وقال كعب: ¬
إنّ الله قسم رؤيته وكلامه بين محمد وموسى (¬1)، فكلّم موسى مرّتين، ورآه محمد مرّتين. (¬2) قال: وكانت هذه الرّؤية ليلة المعراج، وهو مرفوع إلى سدرة المنتهى. قال ابن مسعود: انتهى إليها ما يعرج من الأرض. (¬3) وقيل: ينزل من فوق. وقيل: ينتهي علم الخلق إليها، لا علم لهم بما فوق ذلك. 15 - {عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى:} جنّة من الجنان. وقيل: هي التي تأوي إليه روح الشّهداء. (¬4) 16 - {إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ:} في السّماء السّادسة. (¬5) قال سفيان: فراش من ذهب. (¬6) وعن الضّحّاك، عن ابن عبّاس: {إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى} قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «رأيتها حتى استثبتّها، ثمّ حال دونها فراش من ذهب» (¬7). وعن الحسن: غشيها النّور من دون النّور كجراد الذّهب. (¬8) قال الأمير: إنّما لم يزع بصره عن رؤية آيات (¬9) ربّه الكبرى؛ لأنّه لم يزع فؤاده عن مشاهدة ربّه الأعلى. وما روي عن عرباض بن سارية قال: رأى رسول الله فراشا من ذهب، ومن زعم أنّ محمدا قد رأى ربّه فقد أعظم الفرية، وعن عائشة كذلك (¬10)، فهما محمولان على نفي الرّؤية بالعينين. 19 و20 - {أَفَرَأَيْتُمُ اللاّتَ وَالْعُزّى وَمَناةَ:} واشتقاق اللاّت من اسم الله تعالى، والعزّى من العزيز (¬11)، فإنّها تأنيث الأعزّ، ومناة تأنيث منّا وهو القدّ. وقيل: سمّيت لاتا؛ لأنّ قيّمها (¬12) يلتّ السّويق للنّاس. (¬13) ولو كان كذلك لكان التاء مشدّدة. وقيل: مناة تسمية أعجميّة عرّبتها العرب، وإنّما اتّصفت بالثّالثة وبالأخرى جميعا؛ لأنّها ثالثة الثلاث المعبودات ¬
دون الله تعالى، وثانية الظّلمات كونها صخرة مثلها. وأمّا العزّى كانت شجرة، قطعها خالد بن الوليد بإذن الله تعالى، وبأمر رسول الله. (¬1) وقيل: اتّصافها بالأخرى؛ لأنّ كلّ واحدة ثانية ما يتقدّمها، كقولك: هذه واحدة وهذه أخرى وهذه أخرى، وكانت الشّياطين تحلّ هذه المحالّ الثلاثة فتكلّم منها أولياءهم وهم يظنّون أنّها ذات أرواح، ويعتقدون الأرواح ملائكة، وأنّها بنات الله، ففي ذلك قوله: {أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى (21) تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى} (22) [النجم:21 - 22]. 28 - {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ:} اتباعهم الظنّ عبادتهم على قضيّة أوهامهم، واتّباعهم أهواء أنفسهم استباحتهم على قضيّة شهواتهم. 23 - {وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدى:} القرآن والرّسول، (¬2) فلزمهم الإيمان بالقرآن والرّسول. 24 - {أَمْ:} مرتبة على ألف الاستفهام (301 و). {لِلْإِنْسانِ:} الكافر. (¬3) {ما تَمَنّى:} شفاعة الملائكة بغير إذن الله تعالى. 30 - {ذلِكَ:} إشارة إلى الظّنّ، أو إلى إيثار الحياة الدّنيا (¬4). 31 - {لِيَجْزِيَ:} [اللاّم متعلّق بما دلّ] عليه الكلام (¬5) [في] قوله: {فَأَعْرِضْ} [النجم:29]، أو قوله: {لِلّهِ ما فِي السَّماواتِ} (¬6) تقديره: لم يكن لله ما في السماوات وما في الأرض إلا ليجزي. 32 - وعن ابن عبّاس قال: {اللَّمَمَ:} ما بين حدّ الدّنيا والآخرة. (¬7) وسئل ابن عبّاس عن اللّمم؟ فقال: إنّي لم أر شيئا أشبه من قول أبي هريرة: كتب على ابن آدم حظه من الزّنا أدرك ذلك لا محالة، فزنا العين النّظر، وزنا اليد البطش، وزنا الرّجلين المشي، وزنا اللّسان المنطق، والنّفس تهمّ وتتمنّى، ويصدق ذلك الفرج ويكذبه. (¬8) ولو شاء الله لم يذكر اللّمم ¬
بالاستثناء، ولكنّه أحبّ ترجية المذنبين من المؤمنين. وعن ابن عبّاس في هذه الآية قال: قال رسول الله: «إن تغفر اللهمّ تغفر جمّا … وأيّ عبد لك لا ألمّا» (¬1). {فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اِتَّقى:} لا تثنوا عليها. 33 - {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلّى:} قال مقاتل: نزلت الآيات في الوليد بن المغيرة. (¬2) وقصّته: أنّ الله تعالى لّما أنزل على رسوله {إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ} [النحل:90] إن كان محمدا قاله من تلقاء نفسه، فنعمّا قاله، وإن كان أنزله عليه ربّه فنعمّا أنزله. (¬3) أعطي هذا المقدار بلسانه من الإقرار بالمعروف، ثمّ قطع إقراره بالمعروف، واستمرّ على كفره (¬4). وقال الكلبيّ (¬5): نزلت في عثمانّ بن عفّان رضي الله عنه حين لامه عبد الله بن أبي السّرح على إنفاقه في سبيل الله، واعتذر عليه عثمان بأنّه ينفق لأجل ذنوبه وخطاياه، فخدعه ابن أبي سرح وقال: أعطني بعيرك هذا بخطامه لأتحمّل عنك خطاياك، فأعطاه عثمان بعيره، ثمّ أمسك على النّفقة بعد ذلك. (¬6) 34 - (¬7) والذي انتهى عن العمل من انتهاء حافر البئر إلى الكدية (¬8) في الأرض. 42 - {وَأَنَّ إِلى رَبِّكَ:} خطاب لكلّ واحد من المخاطبين، ألا ترى قال: {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكَ تَتَمارى} [النجم:55]. وجملة هذا الفصل ممّا هو في صحف موسى وإبراهيم. (¬9) 37 - {وَفّى:} ما (¬10) ذكرنا في قوله: {فَأَتَمَّهُنَّ} [البقرة:124]. ¬
43 - {أَضْحَكَ وَأَبْكى:} ردّ على القدريّة؛ لأنّ الغالب من الضّحك والبكاء أن يكونا في طاعة أو معصية. 46 - {تُمْنى:} ينزل المني. (¬1) 48 - {أَقْنى:} أعطى القنية، والقنية أصل من المال يقناه الرّجل، أي: يلزمه. (¬2) 49 - {رَبُّ الشِّعْرى:} كوكب في السّماء وهما شعريان: العبور؛ لأنّها عبرت المجرّة، أو شبّهه بالعين العبرى، وهي تسيل عبرتها، والأخرى الغميصاء؛ لأنّها تشبه العين الغميصة (¬3)، وكان أبو كبشة الخزاعي يعبد الشّعرى العبور، (¬4) فأنزل الله هذه الآية ليبيّن أنّه أحقّ بالعبادة منها، وتسمّى الشّعرى العّبور: مرزم الجوزاء (¬5)، ومرزم الذّراع. 50 - و {عاداً الْأُولى:} هم الذين أهلكهم الله بالصّيحة مع شدّاد، والذين أهلكهم الله بالرّيح مع خلجان، وعاد الثانية هم العماليق، فإنّهم كانوا من بقيّتهم. 53 و54 - (¬6) وتغشية المؤتفكات إنّما كانت بالحجارة التي أمطرت عليها. (¬7) 56 - {هذا نَذِيرٌ:} إشارة إلى (302 و) نبيّنا عليه السّلام. (¬8) {مِنَ النُّذُرِ:} من حسبهم أو صلبهم. 57 - {أَزِفَتِ الْآزِفَةُ:} قربت السّاعة. (¬9) 60 - (¬10) القائم في تحيّر (¬11)؛ لما روي أنّ عليّا خرج فرأى أصحابه قياما، فقال: ما لي أراكم سامدين؟ (¬12) وقال أحمد بن فارس: كلّ رافع رأسه سامد. يدلّ عليه تفسير ابن عبّاس: سامدين: مستكبرين. (¬13) ¬
عن الأسود، عن (¬1) عبد الله: أنّ النّبيّ عليه السّلام قرأ: {وَالنَّجْمِ} [النجم:1] فلم يبق أحد إلا سجد إلا شيخا كبيرا أخذ من تراب فقال: هذا يكفيني، قال عبد الله: فقد رأيته قتل كافرا (¬2). (¬3) 62 - {فَاسْجُدُوا لِلّهِ وَاُعْبُدُوا:} سمعنا وأطعنا غفرانك ربّنا وإليك المصير. ¬
سورة القمر
سورة القمر مكيّة. (¬1) وعن الحسن: مدنيّة. وهي خمس وخمسون آية بلا خلاف. (¬2) بسم الله الرّحمن الرّحيم 1 - {اِقْتَرَبَتِ السّاعَةُ:} بمجيء رسول آخر (¬3) الزّمان، وبختم النّبوّة، وكان عليه السّلام يقول: «بعثت والسّاعة كهاتين». (¬4) وعن ابن مسعود قال: بينما نحن مع رسول الله بمنى فانشقّ القمر فلقتين، فلقة من وراء الجبل، وفلقة دونه، فقال لنا رسول الله عليه السّلام: «اشهدوا». (¬5) يعني: قد اقتربت السّاعة وانشقّ القمر. وروى إثبات انشقاق القمر عليّ بن أبي طالب (¬6) رضي الله عنه، وعبد الله بن مسعود، وعبد الله (¬7) بن عباس (¬8)، وأنس بن مالك (¬9)، وحذيفة بن اليمان (¬10)، وجبير بن مطعم (¬11)، وعبد الله بن عمر (¬12) رضي الله عنهم. 2 - {سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ:} قويّ دائم، قال الزّجاج (¬13) وغيره (¬14). وقال الفرّاء: هو السّحر الذاهب الذي سيمضي ويبطل. (¬15) 3 - {أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ:} ثابت حقّ غير مضطرب. 4 - {مُزْدَجَرٌ:} محلّ الازدجار (¬16)، وقد يكون الازدجار بمعنى الزّجر (¬17)، ويكون ¬
بمعنى الانزجار (¬1). 6 - والعامل في {يَوْمَ يَدْعُ:} {يَخْرُجُونَ} [القمر:7] (¬2) و {يَقُولُ الْكافِرُونَ} [القمر:8]. 9 - {وَاُزْدُجِرَ:} أي: زجر بالشّتم. (¬3) وقيل: انتهى عن الإيمان، ينهى بعض القوم بعضا. 11 - {مُنْهَمِرٍ:} منصبّ على كثرة. (¬4) 13 - {وَدُسُرٍ:} مسامير، واحدها دسار، تقول: دسرت المسمار أدسره. (¬5) 14 - {لِمَنْ كانَ كُفِرَ:} نوح عليه السّلام، كانت نصرة الله جزاء له. (¬6) 15 - {وَلَقَدْ تَرَكْناها آيَةً:} يعني: الفلك المتّخذة على مثال سفينة نوح عليه السّلام، (¬7) أو قصّته (¬8). 17 - {يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ:} مكنّا النّاس من تعلّمه وقراءته، واستخراج معانيه. 18 - {تَنْزِعُ النّاسَ:} جلودهم عن رؤوسهم، أو نزعها إيّاهم بعد ما رسخوا في الأرض، وساخت أقدامهم فيها بقوّتهم. {أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ:} أسفالها منقطع. (¬9) 24 - {ضَلالٍ وَسُعُرٍ:} جنون، وناقة مسعورة إذا كان بها جنون. (¬10) وقال ابن عرفة: أي: في أمر يسعرنا، يعني: يلهينا. (¬11) 25 - {أَشِرٌ:} لجوج، وإذا قيل: بطر أشر أريد به اللّجوج في بطرة. (¬12) 28 - {الْمُحْتَظِرِ:} صاحب الحظار (¬13)، والحظار: المزرعة المحاط عليها (¬14). ¬
36 - {فَتَمارَوْا (¬1)} بِالنُّذُرِ: وتشكّكوا بأمر النذر. (¬2) 44 - {جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ:} {جَمِيعٌ:} موحّد، و {مُنْتَصِرٌ:} نعته. 45 - {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ:} وقد هزم بحمد الله يوم بدر (¬3) وغيره إلى أن فتح الله مكة، وأسلمت قريش إلى أن يهلك الدّجال. 46 - {بَلِ:} للإضراب عن الوعيد الدّنياويّ إلى الوعيد العقباويّ. (¬4) (302 ظ) {أَدْهى:} أنكر، والدّواهي: النكر، أي: أشدّ إصابة، والدّواهي: المصائب. {أَمَرُّ:} أشدّ مرارة، يقال: لقيت (¬5) فيه الأمرّين، أي: الدّواهي، (¬6) وكأنّه أخذه من مرارة الطّعم، وهي طعم المرّة الصّفراء. 47 - عن أبي هريرة قال: جاء مشركو قريش إلى النّبيّ عليه السّلام يخاصمون في القدر، فنزلت {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ.} (¬7) 48 - {سَقَرَ:} اسم من أسماء جهنّم، مأخوذ من سقرته الشّمس. (¬8) 50 - {إِلاّ واحِدَةٌ:} إلا كلمة واحدة وهي قوله: كن. (¬9) وأمر الله أقرب من لمح البصر. 54 - {وَنَهَرٍ:} جمع نهر، جمع نهار. (¬10) 55 - {فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ:} صالح (¬11)، وهو الجنّة (¬12). {عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ:} في حكمه وجوار عرشه، وفي رتبة القربة والكرامة بإذنه. (¬13) ¬
سورة الرحمن
سورة الرحمن مكيّة عند (¬1) ابن عبّاس وعطاء. (¬2) وعن المعدّل (¬3)، عن ابن عبّاس: إلا آية نزلت بالمدينة، وهي قوله: {يَسْئَلُهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ} [الرحمن:29] نزلت في اليهود حيث قالوا في السّبت. (¬4) وعن الحسن وقتادة (¬5): أنّها مدنية. وهي سبع (¬6) وسبعون آية في عدد أهل الحجاز. (¬7) بسم الله الرّحمن الرّحيم 1 و2 - {الرَّحْمنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ:} ردّ لقول المشركين: {إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ} [النحل:103]. (¬8) 3 - {الْإِنْسانَ:} آدم عليه السّلام. (¬9) 4 - {عَلَّمَهُ الْبَيانَ:} أسماء الأشياء من الخير والشّرّ. (¬10) 5 - {الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ:} أي: مسيرهما وبقاؤهما بحساب معلوم لا يجاوز (¬11). (¬12) 6 - {وَالنَّجْمُ:} ما نجم من الأرض من اليقطين (¬13)، أو نجوم السّماء (¬14). والتّثنية (¬15) للجنسين. ¬
7 - {وَوَضَعَ الْمِيزانَ:} العدل (¬1) الذي جعله الله في قضيّة العقول بإلهامه، وفي الحديث: «العدل ميزان الله في الأرض» (¬2). وقيل: هو الميزان المعروف. (¬3) 8 - {أَلاّ تَطْغَوْا:} نصب، أي: أن لا تطغوا. (¬4) وقيل: مجزوم على النّهي، (¬5) ترجمة للقرآن أو للبيان. 9 - {وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ:} قال عبد الله بن مسعود: لسان (¬6) الميزان. (¬7) 10 - {لِلْأَنامِ} (¬8): الجنّ والإنس، (¬9) ألا ترى قال: {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ} [الرحمن:13]. 12 - {وَالْحَبُّ:} البذر. (¬10) {الْعَصْفِ:} القصيل. (¬11) {الرَّيْحانُ:} الثّمر. (¬12) 14 - {كَالْفَخّارِ:} نوع من الحرف. 17 - {رَبُّ:} خبر (¬13) لمبتدأ مضمر، (¬14) أو لإسناد (¬15) الخلق المتقدّم إليه. (¬16) ¬
{الْمَشْرِقَيْنِ:} مشرقا الصّيف والشّتاء. (¬1) وقيل: مشرقا الشّمس والقمر. (¬2) وقيل: مشرقا السّيّارة والثّابتة. {وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ:} كذلك. 26 - {عَلَيْها:} أي: على الأرض (¬3)، والسّماء مبنيّة عليها داخلون في حكم الفناء، والفناء بطلان وهلاك. 27 - {وَيَبْقى:} يمتنع عن الفناء. {وَجْهُ رَبِّكَ:} أي: يبقى الله. (¬4) {ذُو الْجَلالِ:} والجلالة والجليل: الكبير بشأنه، أو بمعنى من معانيه. 29 - {يَسْئَلُهُ:} سؤالهم إيّاه عزّ وجلّ عند الاضطرار. وقيل: احتياجهم الطبيعيّ إلى صانعهم دون غيره. (¬5) وقيل: سؤالهم القادر على إجابتهم على طريق الإجمال، وإن أخطؤوا في الإشارة والإقبال. [يسأله أهل السّماء أربعة أشياء: العفو والعافية والغفران والكرم، ويسأله أهل الأرض خمسة أشياء: العفو والعافية والغفران والكرم والرّزق.] (¬6) {كُلَّ يَوْمٍ:} وقت ممتد. {هُوَ فِي شَأْنٍ:} أي: أمره في شأن (303 و) حال. وعن كعب الأحبار قال: لولا آيتان من كتاب الله تعالى أخبرتكم بما يكون إلى يوم القيامة، وهما قوله: {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ،} وقوله: {يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ} [الرعد:39]. 31 - {سَنَفْرُغُ:} سنخلو عن الشّغل، وذكر الفراغ هاهنا على المجاز، والمراد به انتهاء الأحوال المقدّرة في الأجل المضروب للثّقلين، فإنّها إذا انتهت انتهى الأجل، ولم [يحل] (¬7) بين الثّقلين وبين أمر الله المقضيّ فيهم حائل. ¬
{الثَّقَلانِ:} الجنّ والإنس، (¬1) سمّيا بذلك لكونهما محمولين في السّفر، فالسّفر سفر القيامة، وحاملهما أمر الله المنتهى بهم، وقال عليه السّلام: «إنّي تارك فيكم الثّقلين كتاب الله وعترتي» (¬2). 33 - فحوى قوله: {لا تَنْفُذُونَ إِلاّ بِسُلْطانٍ:} أن تنفذوا منهما (¬3) من له سلطان، و (السلطان): إذن الله لمن شاء من أوليائه. 35 - {شُواظٌ} (¬4): لهب لا دخان معه. (¬5) {وَنُحاسٌ:} صفر. (¬6) وقيل: دخان. (¬7) وعن الضّحّاك: أنّ نارا تجيء من قبل المشرق، وأخرى من قبل المغرب، فتحشران النّاس إلى المحشر. 37 - {وَرْدَةً:} مهرة: التي (¬8) تنقلب حمراء بعد أن كانت صفراء، رواه ابن عرفة، عن ثعلب. (¬9) وقال الأزهريّ: أي: صارت كالوردة تتلوّن ألوانا. (¬10) {كَالدِّهانِ:} جمع دهن، والمراد بها: المهل (¬11). 39 - {لا يُسْئَلُ (¬12)} عَنْ ذَنْبِهِ: ملائكة العذاب إيّاهم بعد قراءة الصّحف والفراغ من الحساب. 44 - {حَمِيمٍ:} أن بلغ غاية الحرارة من شدّة غليانه، وكأنّه من قوله: {غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ} [الأحزاب:53]. (¬13) ¬
46 - {وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ:} أي: مقامه بين يدي ربّه فيتّقيه، (¬1) وهو عامّ في الجنّ والإنس على الظّاهر. 48 - {أَفْنانٍ:} جمع فنن، وهو الغصن، وشجرة فنواء، أي: ذات أفنان. (¬2) 54 - {بَطائِنُها:} جمع بطانة، وهي باطن الثّوب، وذكر بطائن الفراش دون ظواهرها كذكر عرض الجنّة دون طولها. (¬3) {وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دانٍ:} قريب (¬4)، ومنه قوله: {قُطُوفُها دانِيَةٌ} [الحاقة:23]. 56 - {فِيهِنَّ:} أي: في الجنان. (¬5) {يَطْمِثْهُنَّ:} ينكحهنّ بالتّدمية. (¬6) 58 - {الْياقُوتُ:} ما شفّ من حصا البحر وأحمره أجوده، والرّمّانيّ غايته، والحال يدلّ على أنّه هو المراد بالتّشبيه دون الأكهب والأصفر، كما في الورد في الحبيب، والبحر في السّخيّ. 60 - وعن محمد بن عليّ في قوله: {هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ} قال: هي مسجّلة في البرّ والفاجر، يعني: يجزيهما بإحسانهما. (¬7) 62 - {وَمِنْ دُونِهِما:} ورائهما. (¬8) 64 - {مُدْهامَّتانِ:} خضراوتان في سواد. (¬9) 66 - {نَضّاخَتانِ:} فوّارتان كثير في الماء. (¬10) 70 - {خَيْراتٌ:} جمع خيرة، وهي المختارة. (¬11) ¬
72 - {الْخِيامِ:} جمع خيمة، وهي البيت بني بالعمد والطّنب. (¬1) قال عثمان: أتدرون ما {حُورٌ مَقْصُوراتٌ فِي الْخِيامِ} قال: الدرّ المجوّف. وعن الحسن: محبوسات لسن بطوّافات في الطّرق، و {الْخِيامِ:} الدرّ المجوّف. (¬2) 76 - {رَفْرَفٍ:} ما فضل من الفرش في أطرافه. (¬3) {وَعَبْقَرِيٍّ:} منسوب إلى عبقر، وهو موضع تنسب إليه الجنّ العبقريّة، ثمّ نسب كلّ عمل جليل وصنعة دقيقة إليه كان الجنّ (¬4) تعمله. (¬5) وقال الفرّاء: هي الطّنافس الثّخان (¬6)، واحدتها عبقريّة (¬7). وقيل: (303 ظ) السّحاب، وهي تلألؤه. عن جابر بن عبد الله: أنّ النّبيّ عليه السّلام خرج على أصحابه، فقرأ عليهم سورة الرّحمن من أوّلها إلى آخرها، فسكتوا، فقال: «لقد قرأتها على الجنّ ليلة الجنّ، فكانوا أحسن مردودا منكم، كلّما أتيت على قوله: {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ} [الرحمن:73 وغيرها]، قالوا: لا بشيء من نعمك ربّنا نكذّب، فلك الحمد». (¬8) ¬
سورة الواقعة
سورة الواقعة مكيّة. (¬1) وعن ابن عبّاس وقتادة: إلا آية نزلت بالمدينة، وهي قوله: {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ} [الواقعة:82]. (¬2) وهي تسع وتسعون آية في عدد أهل الحجاز والشّام (¬3). (¬4) بسم الله الرّحمن الرّحيم 1 - {الْواقِعَةُ:} القيامة (¬5). 2 - {كاذِبَةٌ:} كذب، وهو مصدر كالعاقبة واللاغية، (¬6) والمراد به الصرف والمثنوية. 3 - {خافِضَةٌ:} خبر مبتدأ محذوف، أي: هي خافضة (¬7) قوما إلى النّيران. {رافِعَةٌ:} قوما إلى الجنان. (¬8) 4 - {إِذا رُجَّتِ:} بدل من قوله: {إِذا وَقَعَتِ} [الواقعة:1]، (¬9) والرّجّ: الزلزلة، والرّجرجة: الاضطراب، وجارية رجراجة يترجرج كفلها. (¬10) 5 - {وَبُسَّتِ:} من قولهم: بسست (¬11) الإبل إذا زجرتها، أو من بسبست الحنطة إذا فتتّها (¬12)، وهي البسيسة. (¬13) 7 - {أَزْواجاً ثَلاثَةً:} أصنافا (¬14) وأجناسا (¬15) ثلاثة. ¬
8 و 27 - {أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ} {وَأَصْحابُ الْيَمِينِ:} هم الذين يعطون كتبهم بأيمانهم، (¬1) أو كانوا على يمين آدم يوم الميثاق، (¬2) أو يكونون على يمين العرش يوم العرض، (¬3) أو أملوا على الملائكة الذين كانوا عن أيمانهم في دار الدّنيا. 9 و 41 - {وَأَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ} {أَصْحابُ الشِّمالِ:} وهم أضداد (¬4) أصحاب الميمنة. 8 - و {ما:} لتفخيم الأمر، وتعجيب المخاطبين. (¬5) 10 - وكذلك تكرار قوله: {وَالسّابِقُونَ} (¬6) وهم من أصحاب اليمين، ولكنّهم أفردوا بالذّكر لشرفهم، ولأنّهم عبدوا الله تعالى لله لا لعاجلة ولا لآجلة. 13 - {ثُلَّةٌ:} جماعة، وإنّما كانت السابقون ثلّة من الأوّلين وقليل من الآخرين؛ لكثرة الأنبياء في الأوّلين وقلّتهم في الآخرين. (¬7) وقيل: الأوّلون والآخرون كلا الفريقين من هذه الأمّة. (¬8) 15 - {مَوْضُونَةٍ:} منسوجة كالدّرع وغيره. (¬9) 17 - {وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ:} وصفاء مبقون على حدّ الوصافة أبدا لا يهرمون ولا يموتون، يقال للذي لا يشيب: مخلّد. (¬10) وقيل: {مُخَلَّدُونَ:} مقرّطون، والخلد: القرط، جمع خلدة. (¬11) 18 - {أَبارِيقَ:} قماقم (¬12) التي لها عرى (¬13) وخراطيم، (¬14) وفي الحديث: «كأنّ جيده (¬15) إبريق فضّة» (¬16). ¬
19 - {لا يُصَدَّعُونَ:} بالتّخفيف، لا يصرفون، من قولك: ما صدعك (¬1) من هذا الأمر، أي: ما صرفك، وبالتّشديد (¬2) يحتمل هذا، ويحتمل من الصّداع، أي: لا يأخذهم الخمار والصّداع منها. (¬3) 21 - {وَلَحْمِ طَيْرٍ:} لكونه أشهى وأمرأ، وأسرع استحالة إلى الدّم القرمزيّ الذي هو مادة الشّباب والفرح. 26 - {إِلاّ قِيلاً:} استثناء منقطع. (¬4) 28 - {سِدْرٍ مَخْضُودٍ:} هو الذي كسر شوكه. (¬5) 29 - {طَلْحٍ:} موز. (¬6) وقيل: شجر مستطاب ظلّه. (¬7) 30 - عن أبي هريرة قال: إنّ في الجنّة لشجرة يسير الرّاكب في ظلّها مئة عام لا يقطعها، ثمّ قال: اقرؤوا إن شئتم: {وَظِلٍّ مَمْدُودٍ.} (¬8) وعن أنس قال: إنّ في الجنّة لشجرة يسير الرّاكب في ظلّها مئة عام لا يقطعها، وإن شئتم فاقرؤوا: {وَظِلٍّ مَمْدُودٍ وَماءٍ مَسْكُوبٍ.} (¬9) 33 - {لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ:} لا ينصرف (304 و) إبّانها (¬10)، ولا يمنع عنها. (¬11) 34 - وعن أبي سعيد الخدريّ، عنه عليه السّلام في قوله: {وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ} قال: ارتفاعها كما بين السّماء والأرض، مسير ما بينهما خمس مئة عام. (¬12) وعن أبي أمامة: ¬
{وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ} قال: لو هوى فراش منها ما بلغ قرار الأرض ثمانين (¬1). 36 - {أَبْكاراً:} عذارى. (¬2) 37 - {عُرُباً:} محبّات لأزواجهنّ، محببات إليهم. (¬3) {أَتْراباً:} لدات أصحاب اليمين الذين يساوينهم في السّنّ. (¬4) وعن كعب قال: إنّ أدنى أهل الجنة منزلة من يؤتى بغدائه في سبعين ألف صحيفة من ذهب ليس فيها لون يوافق صاحبه، وليس فيها رذل (¬5). وعن ابن عمر (¬6): أنّ أدنى أهل الجنّة منزلة من ينظر إلى ملك ألفي سنة نعيمه وسروره، ينظر إلى أقصاه كما ينظر إلى أدناه، وإنّ أفضل أهل الجنّة منزلة لمن ينظر إلى وجه الله كلّ يوم مرّتين. (¬7) 43 - {وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ:} قال ابن عبّاس: من دخان جنّهم. (¬8) 44 - {لا بارِدٍ وَلا كَرِيمٍ:} بدل {مِنْ يَحْمُومٍ} [الواقعة:43]، وهو كقوله: لا بارد ولا كرامة. 46 - {يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ:} يثبتون على قسمهم بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت. (¬9) 53 - {فَمالِؤُنَ مِنْهَا:} من الشّجر، والمراد به الجمع. (¬10) 55 - (الهيم): الإبل التي أصابها الهيام، وهو العطاش، واحدها أهيم وهيمان (¬11). وقيل: (الهيم): الرّمال التي لا يرويها ماء السّماء، يقال: كثيبة أهيم وهيمان. (¬12) ¬
61 - والمراد بقوله: {وَنُنْشِئَكُمْ فِي ما لا تَعْلَمُونَ:} المسخ. (¬1) 67 - {تَحْرُثُونَ:} تلقون البذور. (¬2) 64 - {تَزْرَعُونَهُ:} تنشئون الزّرع، ومجازه: شقّ الزّرع، والتّسبيب للنّبت. عن أبي هريرة، عنه عليه السّلام: «لا يقول أحدكم: زرعت، ولكن ليقل: حرثت»، ثمّ قرأ أبو هريرة (¬3): هذه الآية. (¬4) 65 - {تَفَكَّهُونَ:} تندمون. (¬5) 66 - والقول مضمر عند قوله: {إِنّا لَمُغْرَمُونَ.} (¬6) 69 - {مِنَ الْمُزْنِ:} السّحاب. (¬7) 71 - {تُورُونَ:} تقدحون. (¬8) 72 - {شَجَرَتَها:} كلّ شجرة إلا العناب والصّندل والآبنوس، والعرب تقول: في كلّ شجر نار، واستمجد المرخ والعفار (¬9). 73 - {تَذْكِرَةً:} آية وعبرة. {لِلْمُقْوِينَ:} النازلين تقى (¬10) من الأرض، أمر لإظهار الشّكر على نعم الله. 75 - {فَلا أُقْسِمُ:} (لا) ردّ لكلام سابق (¬11)، كقولك: لا والله، وبلى الله. ¬
79 - روي: أنّ الكتاب الذي كتبه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لعمر بن حزم: أن لا تمسّ القرآن إلا طاهرا. (¬1) 81 - {مُدْهِنُونَ:} مداهنون (¬2)، وهم الذين يتكلّفون موافقة على النّفاق. 82 - {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ:} أي: تجعلون حظّكم من تقدير الله التّكذيب بالقرآن وباليوم الآخر. (¬3) 83 - {الْحُلْقُومَ:} الحلق، والتي تبلغ الحلقوم هي النّفس عند النّزع. (¬4) وتكرار {فَلَوْلا} لطول الصّلة والعارض. 89 - (¬5) فله روح. 91 - {فَسَلامٌ:} أي: فيقال له عند النّزع: سلام لك أنت من أصحاب اليمين. (¬6) أو فيقال له: سلام لك، تحيّة لك من أصحابك، وهم أصحاب اليمين. (¬7) ¬
سورة الحديد
سورة الحديد مدنيّة. (¬1) وهي ثمان وعشرون آية في [عدد] (¬2) أهل الحجاز والشّام. (¬3) (304 ظ). بسم الله الرّحمن الرّحيم 3 - {هُوَ الْأَوَّلُ:} لمستقرّ (¬4) الأحوال. {وَالْآخِرُ:} لقوية (¬5) الآجال. {وَالظّاهِرُ:} بالقدرة والجلال. (¬6) {وَالْباطِنُ:} بأن لا ينال. (¬7) وهو معنا أينما كنّا من غير حلول في المحالّ، ولا انتقال، ولا ارتحال. 10 - عن زيد بن أسلم، عنه عليه السّلام: «سيأتي قوم بعدكم تحقرون أعمالكم مع أعمالهم»، فقيل: يا رسول الله، نحن أفضل أم هم؟ قال: «لو أنّ أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما أدرك مدّ (¬8) أحدهم (¬9) ولا نصيفه»، فرقت هذه الآية بيننا وبين النّاس {لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ} الآية. (¬10) 12 - {بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ:} اقتصار على أحد طرفي الكلام. (¬11) ويحتمل: أنّ الذي يتقدّمهم نور إيمانهم، والذي عن أيمانهم نور أعمالهم الصّالحة، فلا يحتاجون (¬12) إلى نور آخر. (¬13) قوله: {رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا} [التحريم:8] أي: اجعله باقيا معنا إلى أن ينتهي بنا ¬
إلى الجنّة. ويحتمل: أن يكون سؤالهم الإتمام، وسؤال النّور عن شمائلهم. 13 - {بِسُورٍ:} هو الأعراف. (¬1) {بابٌ:} باب الجنّة. {الرَّحْمَةُ:} الجنّة. (¬2) {مِنْ قِبَلِهِ:} أي: من قبل السّور، كما يمنع المنافقين عن الوصول إليه. {قِيلَ:} يعني: المؤمنين للمنافقين. (¬3) {اِرْجِعُوا (¬4)} وَراءَكُمْ: أي: إلى الدّنيا، إن استطعتم، فاكتسبوا النّور كما اكتسبنا بإذن الله. (¬5) 16 - {أَلَمْ يَأْنِ:} ألم يحن (¬6) {لِلَّذِينَ آمَنُوا:} بألسنتهم. {أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ:} بقلوبهم. {فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ:} هم (¬7) اليهود. عن نافع قال: ما سمعت ابن عمر أتى على هذه الآية: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا} إلا بكى حتى ينشج. (¬8) 18 - {إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقاتِ وَأَقْرَضُوا اللهَ:} إنّما جاز عطف الفعل على الاسم؛ لكون الاسم في معنى الفعل، (¬9) كالعطف على صلة الاسم الموصول. 19 - (¬10) وعن مجاهد قال: من آمن بالله ورسله فهو صدّيق وشهيد، ثمّ قرأ هذه الآية. (¬11) ¬
20 - {وَزِينَةٌ:} زخارف الدّنيا. {وَتَفاخُرٌ:} تذاكر بالشّرف القديم، وأوّل من فخر إبليس. {أَعْجَبَ الْكُفّارَ:} الزّرّاع. (¬1) وقيل: أضداد المؤمنين لاختصاصهم بالسّرور العاجل، وقلّة نظرهم في العواقب. (¬2) {وَفِي الْآخِرَةِ عَذابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللهِ وَرِضْوانٌ:} أي: في الآخرة شر محض، وخير محض على غير سبيل الابتلاء. 23 - {لِكَيْلا:} أخبرناكم وبيّنّا لكم. {لِكَيْلا تَأْسَوْا:} والمراد بالأسى الأسى المضجر، وبالفرح الفرح المبطر، ما يعرض فيعرض عنه. وعن ابن عبّاس: أنّه ليس أحد (¬3) إلا يفرح ويحزن، فمن أصابته مصيبة فليجعلها صبرا، ومن أصابه خير فليجعله شكرا. (¬4) {وَرَهْبانِيَّةً:} تخلّيا عن الأهل والمال لعبادة الله. (¬5) 27 - {ما كَتَبْناها:} أي: لم نوجب الرهبانية عليهم. (¬6) {إِلاَّ اِبْتِغاءَ رِضْوانِ اللهِ:} لكن كتبنا (¬7) عليهم ابتغاء رضوان الله على سبيل الإجمال (¬8). والثّاني: لكن ابتدعوها لابتغاء رضوان الله. (¬9) {فَما رَعَوْها حَقَّ رِعايَتِها:} أي: قصّروا في إقامتها ومحافظة شرائطها بعد وجوبها عليهم بنذرهم. (¬10) 28 - {كِفْلَيْنِ:} تضعيف الأجر، (¬11) كقوله: {مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها} [الأنعام:160]. ¬
29 - {لِئَلاّ:} (لا) (¬1) زائدة، (¬2) (305 و) وفي جزء عبد الله: (لكي يعلم). (¬3) قال الفرّاء: تجعل العرب (لا) صلة في كلام فيه جحد، قال الله: {ما مَنَعَكَ أَلاّ تَسْجُدَ} [الأعراف:12]، {وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ} [الأنعام:109] {وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ} [الأنبياء:95]. (¬4) 29 - {أَهْلُ الْكِتابِ. . .:} (¬5) بعضهم حالة الاختيار، أو كلّهم حالة الاضطرار. ¬
سورة المجادلة
سورة المجادلة مدنيّة. (¬1) وهي اثنتان وعشرون آية في غير عدد أهل مكّة وإسماعيل. (¬2) بسم الله الرّحمن الرّحيم 1 - {قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ:} روي: أنّ أوس بن (¬3) الصّامت قال لامرأته خولة بنت ثعلبة الأنصارية: أنت عليّ كظهر أمّي، وكانت هذه الكلمة يطلّق (¬4) بها أهل الجاهليّة، فأتت النّبيّ عليه السّلام فقالت: إنّ أوسا تزوّجني وأنا شابّة مرغوب فيّ (¬5)، فلمّا خلا سني، ونثرت بطني جعلني عليه كأمّه، فقال عليه السّلام: «ما أراك إلا حرمت عليه»، وروي: «ما عندي من أمرك شيء»، فقالت: زوجي وابن عمّي وأحبّ النّاس إليّ، وهو شيخ كبير لا يستطيع أن يخدم، أشكو إلى الله تعالى، وقالت فيما قالت: إنّ لي صبية صغارا، إن ضممتهم إليه ضاعوا، وإن ضممتهم إليّ جاعوا، وكانت عائشة تغسل رأس النّبيّ عليه السّلام فقالت: يا خويلة، أقصري حديثك ومجادلتك مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، أما ترين إلى وجه النّبيّ عليه السّلام تربّد ليوحى (¬6) إليه، فما تحوّلت عنه إلى جانب آخر حتى نزل جبريل عليه السّلام بآية الظّهار. (¬7) فجعله تحريما مؤقّتا بالتكفير. (¬8) أو شبّه امرأته بظهر أمّه أو بطنها أو فخذها أو فرجها، أو قال: رقبتك أو رأسك وفرجك يكون ظهارا. (¬9) ولا يجوز الظّهار من الذميّ. (¬10) والأمة لا تدخل في الظّهار. (¬11) ¬
3 - وفي قوله: {ثُمَّ (¬1)} يَعُودُونَ لِما قالُوا أربعة أقوال: أحدها: اللاّم بمعنى من، أي: ممّا قالوا كقوله: {اِقْتَرَبَ لِلنّاسِ حِسابُهُمْ} [الأنبياء:1]. والثّاني: ثمّ يعودون إلى إبطال أو رفع أو استدراك ما قالوا. (¬2) والثّالث: المراد بالعود النّدامة، واللاّم بمعنى على، أي: يندمون على ما قالوا. والرابع: على التّقديم والتّأخير، تقديره: والذين يظاهرون من نسائهم ثمّ يعودون فتحرير رقبة لما قالوا (¬3) {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسّا.} (¬4) وقد أخطأ من فسّر العود بتكرار لفظة الظّهار؛ لأنّه لم يرد فيه توقيف، ولا هو من قضيّة اللّغة، (¬5) ولفظ (ثمّ) يدلّ على تأخّر العود عن الظّهار بزمان، فإن مسّها قبل الكفّارة فعليه الكفّارة (¬6)؛ لما روي: أنّ سلمة بن صخر جاء إلى النّبيّ عليه السّلام فقال: تظاهرت من امرأتي فرأيتها في ليلة قمرا فأعجبتها، فواقعتها، فقال عليه السّلام: «استغفر الله، ولا تعد حتى تكفّر» (¬7)، وإن مسّها في أثناء الكفّارة فعليه الاستقبال؛ لأنّ إيجاب جميع الصّوم قبل المسيس أمر بإخلاء الشّهرين عن المسيس، وهو قادر على ذلك، والذي لا يستطيع شيئا من الكفّارات الثلاث، فلسنا نرى له أن يقرب امرأته بوجه من الوجوه. 5 و 20 - {إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللهَ وَرَسُولَهُ:} الآيتان في الوعيد. {الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ:} كفّار بدر. (¬8) وقيل: كفّار الخندق. (¬9) 7 - {ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلاّ هُوَ رابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلاّ هُوَ سادِسُهُمْ} (305 ظ) من مجاز الكلام، وحقيقته استحالة اجتماعهم من غير أن يجمع، وتناجيهم من غير أن يسمع، فهو واحد قبلهم، وواحد معهم، وواحد بعدهم، تعالى عن كلّ اتّصال وانفصال وانعقاد وانحلال. 8 - {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوى:} كان المنافقون يرجفون في المدينة على ¬
سبيل التّناجي إذا خرجت سريّة من المسلمين، فكان (¬1) يحزن من ذلك أولياء الغزاة، ويظنّون أنّهم سمعوا مكروها من جهة الغزاة، أو عندهم خبر سبق، فنهاهم الله عن ذلك، فلم ينتهوا، فأنزل الله. (¬2) وعن عائشة قالت: دخل على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يهود فقالوا (¬3): السّام عليكم با أبا القاسم، قالت عائشة: فقلت: عليكم السّام ونلت منهم، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله لا يحبّ الفحش والتّفحّش»، قالت: أو ما سمعتهم يقولون: السّام عليك؟ قال عليه السّلام: أو ما تسمعينني ما أقول؟ عليكم، فأنزل الله: {وَإِذا جاؤُكَ حَيَّوْكَ بِما لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللهُ.} (¬4) 11 - {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قِيلَ لَكُمْ:} نزلت فيمن لم يتفسّح لثابت بن قيس. (¬5) التّفسّح: التّوسّع في المجلس، والفسحة: الوسعة. (¬6) {يَفْسَحِ اللهُ لَكُمْ:} قبوركم، (¬7) أو يبارك لكم في مجلسكم. {وَإِذا قِيلَ اُنْشُزُوا:} انهضوا للعدوّ. (¬8) وقيل: قيام الرّجل عن المجلس لمن هو أفضل منه قرآنا وعلما. 12 و 13 - وعن مجاهد في قوله: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً} قال: نهوا عن مناجاة النّبيّ عليه السّلام إلا يقدّموا صدقة، فلم يناجه إلا عليّ بن أبي طالب قدّم دينارا، أو تصدّق به، ثمّ أنزل الله: {أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ} فشقّ ذلك على المسلمين، فوضعت، وأمر بمناجاته بغير صدقة. (¬9) 14 - {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا. . .} الآيات: نزلت الآيات في المنافقين الذين كانوا يتولّون اليهود والمشركين في الشّرّ. (¬10) ¬
16 - {اِتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً:} ترسا. (¬1) 22 - {لا تَجِدُ قَوْماً:} نزلت في إبطال عذر حاطب بن أبي بلتعة حيث قال: لم أتقرّب إلى قريش إلا لمكان أهل بيتي منهم. (¬2) {أُولئِكَ:} إشارة إلى قوم مؤمنين. (¬3) {كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ:} أوجده وأوجبه فيه (¬4). {وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ} [الصف:8]. ¬
سورة الحشر
سورة الحشر مدنيّة. (¬1) وهي أربع وعشرون آية بلا خلاف. (¬2) بسم الله الرّحمن الرّحيم 1 - {سَبَّحَ لِلّهِ:} الآيات نزلت في بني قينقاع، أو في بني النّضر. (¬3) والقصّة في (¬4) ذلك: أنّ النّبيّ عليه السّلام هاجر إلى المدينة، صالحته اليهود على أن لا يكونوا له (¬5) ولا عليه، فلمّا غزا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بدرا، وظفر بالمشركين قالت: والله هذا النّبيّ الذي وجدنا لا تردّ له راية، ثمّ إنّ طائفة من اليهود، وهم بنو قينقاع، نقضوا العهد وحسدوا رسول الله عليه السّلام، وخافوا على أنفسهم فقالوا للمسلمين: والله لو قاتلناكم لرأيتم منّا غير الذي رأيتم (¬6) من أهل بدر، فبلغ ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأرسل إليهم أن اخرجوا من جوارنا، فأبوا وتحصّنوا وتهيّؤوا للقتال، فحاصرهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتى نزلوا (206 و) على حكمه، فغنم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رقابهم وأموالهم، ولم تكن لهم نخل ولا مزارع، ثمّ استوهبهم ابن أبيّ بن سلول، فأرسلهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى أذرعات، وكانت هذه الغزوة في شوّال سنة اثنتين. (¬7) وكان كعب بن الأشرف، وهو رجل من طي بن نبهان، ولكنّه من جهة أخواله، فإنّ أمّه كانت من بني النّضير، قد نقض العهد، وهجا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ورثى قتلى بدر، وحرّض المشركين على المسلمين، ثمّ ارتحل إلى مكة، وحالف قريشا تحت أستار الكعبة، أن يكون معهم على عداوة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأرسل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم محمد بن مسلمة الأنصاريّ في أربعة من الأوس منهم عبّاد بن بشر وأبو نائلة (¬8) سلكان بن سلامة والحارث بن أوس وأبو عبس (¬9) بن جبر ¬
ليغتالوه، فأتوه في جوف اللّيل، واستنزله محمد بن سلمة من قصره، وشكا إليه رسول الله واستقرضه طعاما، ثمّ تشبّث برأسه، فكبّر، فخرج أصحابه من وراء الحائط وضربوه حتى برد، وفي ذلك يقول عبّاد بن بشر [من الوافر]: (¬1) صرخت به فلم يجعل لصوتي … وأوفى طالعا من فوق قصر (¬2) فعدت فقال: من هذا المنادي … فقلت: أخوك عبّاد بن بشر وأقبل نحونا يهوي سريعا … وقال لنا: قد جئتم لأمر فعانقه ابن مسلمة المرادى (¬3) … له الكفّار (¬4) كاللّيث الهزبر وشدّ بسيفه صلتا عليه … فقطّره أبو عبس بن جبر وصلت وصاحباي في مكان لّما … قتلناه الخبيث كذبح عير وكان الله سادسنا فأبنا … بأفضل نعمة وأعزّ نصر وكانت هذه الواقعة في صفر سنة ثلاث، وبعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في سنة أربع جبر بن عتيك في ثلاثة من أصحابه إلى خيبر ليغتالوا لما فيه من خيبر، وهو [أبو] (¬5) رافع بن سلام بن أبي الحقيق، فاغتالوه، وكانوا قد دخلوا عليه وهو سكران، والذي تولّى قتله عبد الله بن أنيس الأنصاريّ، ورجعوا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سالمين. (¬6) ثمّ انطلق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى بني النّضير يستعينهم في دية رجلين من بني كلاب قتلهما عمرو بن أميّة، وكان لهما عهد، ومعه أبو بكر وعمر وعليّ وطلحة والزّبير وسعد بن معاذ وأسيد بن حضير وسعد بن عبادة، فاستقبلته اليهود، ورحّبوا به فقالوا: قد آن لك أن تزورنا يا أبا القاسم، ولك عندنا ما تحبّ، ولكن احتبس عندنا ساعة نطعمك، فاستنزل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى بيت من بيوتهم، وجلس معه أصحابه، ورجعت اليهود بعضها إلى بعض يتآمرون في أمره، فأشار عليهم حييّ بن أخطب أن يلقوا عليه رحا من فوق السّطح، فأعلم الله نبيّه كيدهم، فوثب كأنّه يريد حاجة، وخرج حتى رجع إلى المدينة، وتبعه أصحابه من بعده، ثمّ أرسل إليهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يأمرهم بالخروج من جواره، وأجّلهم عشرة أيّام (306 ظ) فأخذوا يتجهّزون للخروج، ثمّ ¬
أرسل إليهم ابن أبي [بن] (¬1) سلول المنافق أن لا تبرحوا مكانكم ننصركم، فاغترّوا بذلك، وأرسلوا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لسنا بخارجين عن ديارنا، فاصنع ما أنت صانع، فكبّر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وسار بأصحابه نحوهم، وهم مشاة على أرجلهم على المقدّمة الفضل بن عبّاس، وعلى الميمنة عكاشة بن محصن، وعلى الميسرة ثابت بن أقرم الأنصاريّ، فصلّى العصر بفنائهم، وهم يرمون بالنّبل والحجارة إلى اللّيل، وانصرف (¬2) رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى بيته في عشرة من أصحابه الدّرع، وهو على فرس، وقد استعمل عليّا رضي الله عنه على العسكر، والمسلمون يكبّرون حتى أصبحوا، ثمّ سار النبيّ عليه السّلام، وحمل معه قبّة من أديم ليبيت فيها، فحاصرهم خمسة عشر يوما، وسعد بن عبادة يحمل إليهم التّمر من المدينة، وبينهم وبين المدينة مقدار ميلين، وكان المسلمون يتّقون دورهم (¬3) وهم بها على المسلمين، ففي ذلك قوله تعالى: {يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ،} وأمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بقطع نخلهم، وكانت خير أموالهم العجوة، فأخذوا يعيبون المسلمين على ذلك، ويقولون: إنّكم معشر المسلمين تزعمون أنّكم لا تحبّون الفساد في الأرض، فكيف تقطعون النّخيل، وإنّما هي لنا إن ظفرنا، ولكم إن ظفرتم؟ وطمع بعض المسلمين في ذلك فلم يقطع منها شيئا، ثمّ اختلفوا فيما بينهم بعد ما استولوا، فأنزل الله: {ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ. . .} الآية [الحشر:5]؛ لأنّ من قطعها قطعها إضرارا باليهود، ومن تركها تركها نفعا للمسلمين، وأسلم من بني النّضير يامين بن عمير وأبو سعد (¬4) بن وهب، فأحرزا أموالهما، وشرط النّبيّ عليه السّلام لليهود أن يخرجوا ولهم ما حملت إبلهم إلا الحلقة، وهي السلاح، فخرجوا على ذلك، وغنم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سلاحهم وسائر أموالهم سوى ما حملت الإبل. (¬5) 2 - واختلفوا في قوله: {لِأَوَّلِ الْحَشْرِ} فقال القتبيّ (¬6): {الْحَشْرِ:} هو الجلاء. (¬7) وهؤلاء اليهود أوّل قوم أجلوا عن ديارهم. وقال الأزهريّ: هو أوّل حشر إلى الشّام، ثمّ يحشر إليها يوم القيامة. (¬8) وقد روى عكرمة، عن النّبيّ عليه السّلام قال: «من شكّ أنّ الحشر ليس بالشام فليقرأ: أوّل ¬
الحشر»، وهو قوله: {هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ دِيارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ} [الحشر:2]، فلمّا قال لهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اخرجوا من المدينة»، قالوا: إلى أين؟ قال: «إلى أرض المحشر» (¬1). وعن الحسن قال: لّما (¬2) أجلى النّبيّ عليه السّلام بني النّضير [قال]: «هذا أوّل الحشر، وأنا على الأثر» (¬3). 6 - {وَما أَفاءَ اللهُ عَلى}. . . {رَسُولِهِ:} الآية في قطع أطماع الصّحابة عن قسمة أرض بني النّضير على حكم الجاهليّة، وكان حكم الجاهليّة أنّ كلّ سريّة خرجت عن خيل أو ركاب وغنمت شيئا دفعوا (307 و) المرباع إلى رئيسهم، وقسموا سائرها بينهم، فقالوا: هذا اليوم لك المرباع يا رسول الله، فخلّ بيننا وبين الباقي. (¬4) فبين الله تعالى أنّهم لا يستحقّونها (¬5) بحكم جاهليةو لا إسلام، أما حكم الجاهليّة فلأنّهم لم يكونوا أوجفوا عليه خيلا ولا ركابا، وأما حكم الإسلام فإنّ الأمر لله يحكم كيف يشاء، وقد حكم (¬6) بالفرق بين الفيء وبين الغنيمة (¬7). (إيجاف الخيل): كإيضاع الإبل، وذلك إسراعها، لكنّ الإيجاف أعمّ من الإيضاع (¬8). 7 - {ما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ:} الآيات في صرف الأرضين المفتتحة إلى رأي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليحكم فيها خلاف حكمه في سائر الأموال المغنومة، فحبس رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعضها لنفسه وقرابته ولفقراء المسلمين ولسائر مواليه (¬9)، وقسم بعضها بين الغزاة، وكان ممّا قسم النّصف من خيبر جعلها على ثمانية عشر سهما، واستنّ عمر بن الخطّاب رضي الله عنه بهذه السّنّة. {كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً:} شيئا متداولا. (¬10) 9 - {وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ:} حاجة وفقر. (¬11) {مِمّا أُوتُوا:} ممّا آتاهم الله من الرّضا والصّبر، أو بما أوتي المهاجرون من الغنيمة. (¬12) ¬
11 - {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نافَقُوا:} فهذا فصل آخر في ذمّ المنافقين وتوهين (¬1)، ووعظ المؤمنين (¬2). 14 - {بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ:} أي: إذا قاتل بعضهم بعضا كان بأسهم بينهم شديد. (¬3) {وَقُلُوبُهُمْ شَتّى:} تأنيث شتّ، وإنما كانت قلوبهم شتّى لكونهم على أديان مختلفة. (¬4) 15 - و {الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ:} كفّار بدر. (¬5) {قَرِيباً} (¬6): أي: من مكان قريب وزمان قريب (¬7). وقيل: فيه تقديم وتأخير تقديره: ذاقوا وبال أمرهم قريبا. (¬8) 16 - والظّاهر من قول الشّيطان: {لِلْإِنْسانِ اُكْفُرْ} كقوله: {وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ وَقالَ لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النّاسِ} [الأنفال:48]. عن عبيد بن رفاعة، يرفعه: أنّ امرأة ابتليت فألقى الشّيطان (¬9) بحنقها إلى أهلها أنّ شفاءها أن تأتوها إلى فلان الرّاهب، قال: فذهبوا بها إليه، فكلّموه أن يضعوها عنده في صومعته، فكره ذلك، فلم يزالوا به حتى فعل بمكثه (¬10) ما شاء الله عنده، ثمّ إنّ الشّيطان أوقعها في نفسه فوقع بها، فحملت، فلمّا حملت أتاه الشّيطان فقال: تفتضح الآن، اعمد إليها فاقتلها وادفنها، فإذا أتاك أهلها فسألوك، فقل: ماتت، فدفنتها، ففعل، فجاءها أهلها فأخبرهم أنّها ماتت فدفنتها، فصدّقوه، وانصرفوا، فأتاهم الشّيطان، فأوقع في أنفسهم أنّه قتلها، فأتوه ليقتلوه، فسبق إليه الشّيطان فقال: إنّ أهلها يأتوك ليقتلوك، وقد علمت أنّي صاحب هذا أوله وآخره، فأطعني أنحك منهم، اسجد لي سجدتين تنج منهم، ففعل، ففيه نزلت: {كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اُكْفُرْ} (¬11). (¬12) ¬
21 - {لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللهِ وَتِلْكَ:} هذا فصل من السّورة، اتصالها من حيث التّنبيه والوعظ السّابق في قوله: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اِتَّقُوا اللهَ} [الحشر:18]. 22 - {هُوَ اللهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلاّ هُوَ} (307 ظ) هذا فصل آخر في الثّناء على الله، واتّصالها بذكر المؤمنين ليتجدّد إيمانهم، فينجع الوعظ السّابق في (¬1) قلوبهم. 23 - {الْقُدُّوسُ:} اسم عظيم من أسماء الله تعالى، اشتقاقه من القدس. (¬2) وقال أبو عليّ الفسويّ (¬3): أصله من السّريانيّة قديس. {الْمُؤْمِنُ:} من أسماء الله تعالى لإيمانه المؤمنين ظلمه، وإيمانه الوحوش في الحرم، ونصبه بيتا في الدّنيا من دخله كان آمنا. و {الْمُهَيْمِنُ:} اسم من اسماء الله تعالى (¬4) مشتقّ. 24 - {الْبارِئُ:} الذي برئ النّسمة فهي البريّة، واشتقاقه من البرء، وهو الفصل، فالله (¬5) تعالى فصل بين الحق والباطل، والحسن والقبح، والحيوان والجماد، (¬6) وقد استوفينا الكلام في الأسماء في مفتاح (¬7) الهدى. ¬
سورة الممتحنة
سورة الممتحنة مدنيّة. (¬1) وهي ثلاث عشرة آية بلا خلاف. (¬2) بسم الله الرّحمن الرّحيم 1 - عن عليّ بن أبي طالب قال: بعثنا (¬3) رسول الله عليه السّلام أنا والزّبير والمقداد، قال: «انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإنّ بها ظعينة معها كتاب، فخذوا منها»، فانطلقنا يتعادى بنا خيلنا حتى أتينا [الرّوضة، فإذا نحن بالظعينة] (¬4)، فقلنا: لتخرجنّ (¬5) الكتاب أو لنلقينّ الثياب، فأخرجت من عقاصها، فأتينا به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم [فإذا فيه] (¬6) من حاطب بن أبي بلتعة إلى المشركين من أهل مكة يخبرهم ببعض أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يا حاطب، ما هذا؟» فقال: يا رسول الله، لا تعجل عليّ، إنّي كنت أمرأ (¬7) ملصقا من قريش، ولم أكن من أنفسهم، وكان معك من المهاجرين لهم قرابات بمكة يحمون قراباتهم وأهليهم، ولم تكن لي قرابة أحمي بها أهلي، فأحببت [إذ فاتني] (¬8) ذلك من النّسب أن أتّخذ منهم يدا يحمون بها قرابتي وأهلي، ما فعلت ذلك كفرا، ولا ارتدادا عن ديني، ولا رضى بالكفر بعد الإسلام، فقال النّبيّ عليه السّلام: «إنّه قد صدق»، فقال عمر رضي الله عنه: دعني أضرب عنق هذا المنافق، فقال النّبيّ عليه السّلام: «إنّه قد شهد بدرا وما يدريك يا عمر، لعلّ الله قد اطّلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم قد غفرت لكم»، فأنزل الله تعالى (¬9): {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ.} (¬10) {بِالْمَوَدَّةِ:} صفة للاسم المنكور، (¬11) كقولك: لا تتخذوا (¬12) صديقا يفشي إليك ¬
سرّك (¬1)، والباء زائدة (¬2). {يُخْرِجُونَ:} في معنى الحال للذين كفروا. (¬3) {أَنْ تُؤْمِنُوا:} تعليل لإخراجهم. (¬4) {إِنْ كُنْتُمْ:} شرط للنّهي. (¬5) 7 - {عَسَى اللهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ:} الآية في الذين حسن (¬6) إسلامهم من المؤلّفة قلوبهم، ومن سائر الطّلقاء. (¬7) 8 - وعن عبد الله بن الزّبير قال (¬8): قدمت قتيلة بنت عبد العزّى بن أسيد (208 و) على ابنتها أسماء بنت أبي بكر بهدايا من صباب وسمن وقرظ، فلم تقبل هداياها، ولم تدخلها منزلها، فسألت لها عائشة، فأنزل الله تعالى: {لا يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ.} (¬9) {أَنْ تَبَرُّوهُمْ} أي: تحسنوا إليهم. (¬10) {وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ} أي: تؤمنوا إليهم عهودهم. (¬11) 10 - {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا:} قال مقاتل (¬12) وغيره (¬13): نزلت الآية في سبيعة بنت الحارث الأسلميّة، وكانت تحت صيفيّ بن راهب، فهربت منه عام الحديبية بعد الموادعة، ولحقت بالمسلمين وهم بالحديبية، فجاء صيفيّ ليستردها وهو يقول: العهد بيننا وبينكم أن تردّوا علينا، من لحق بكم فلا تغدروا بنا قبل أن تجفّ طينة الكتاب، وشنّع، فقال النّبيّ عليه السّلام: «ذلك الكتاب في الرّجال دون النّساء»، فأنزل الله الآية. ورضي الفريقان به جميعا. وقيل: لم يرض المشركون بشيء، (¬14) فأنزل الله تعالى ¬
على رسوله (¬1) بقوله: {وَسْئَلُوا ما أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْئَلُوا ما أَنْفَقُوا.} {فَامْتَحِنُوهُنَّ:} قيل: استوصفوا الإيمان. وقيل: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يستحلف المرأة بالله أنّها لم تخرج مغاضبة لبعض أهلها، ولا متعشّقة لبعض المسلمين، ولا طالبة للدّنيا، ولكنّها خرجت لوجه الله وحده لا شريك له. (¬2) فإيمانهنّ إيمان القلب. {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ:} إيمان اللّسان. وحكم قوله: {فَلا (¬3)} تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ: باق. وحكم قوله: {وَآتُوهُمْ ما أَنْفَقُوا:} منسوخ. (¬4) وحكم قوله: {وَسْئَلُوا ما أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْئَلُوا ما أَنْفَقُوا:} منسوخ، والنّسخ بالسّنّة المتواترة بعد انتهاء الموادعة. وحكم قوله: {وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ:} باق (¬5). وذهب الشيخ أبو جعفر إلى أنّ هذه الآية متأخرة عن قوله: {وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ} [البقرة:221]. 11 - ولقوله (¬6): {وَإِنْ فاتَكُمْ} معنيان: أحدهما: أن تريد مسلمة (¬7) أن تلحق بدار الحرب، ثمّ يغير المسلمون على الكفّار، ويسبوا تلك المرأة، فيجب عليهم أن يعطوا من القسمة زوجها الأوّل المسلم، مثل ما كان أنفق قبل ردّتها، ثمّ يسترقّوا، والثاني: أن تلحق مسلمة بالكفّار مرتدة، فيرونها المشركون، ويقابلهم المسلمون بإيواء مهاجرة من غير أن يسألوا ما أنفقوا، ويؤتوا ما أنفقوا، ويعطوا نفقة الكفّار، فلا يحلّ لهم نكاح تلك المهاجرة على سبيل المهاجرة، ولكنّ الواجب عليهم أن يسألوا ما أنفقوا، أي: يعطوا يوم (¬8) الكفّار على ما سبق في الآية، وأيّ المعنيين (¬9) صحّ فهو منسوخ بالسّنّة المتواترة. 12 - {يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ:} نزلت بعد فتح مكّة، وكانت هند بنت ¬
عتبة امرأة أبي سفيان، أمّ معاوية، في جملة المبايعات، فلمّا بلغ رسول الله عليه السّلام إلى قوله: {وَلا يَسْرِقْنَ} قالت: إنّ أبا سفيان رجل شحيح، فهل (¬1) لي في الأخذ من ماله مقدار ما يكفيني ويكفي أولادي، فأذن لها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالمعروف، لا وكس ولا شطط، فلمّا بلغ إلى قوله: {وَلا يَزْنِينَ} قالت: وهل (¬2) تزني الحرّة؟ فتبسم عمر بن الخطّاب رضي الله عنه، (208 ظ) ثمّ قال: لا، والله، لا تزني الحرّة، فلمّا بلغ قوله: {وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ} قالت: ربّيناهم صغارا، فقلتموهم كبارا (¬3) فضحك عمر حتى استلقى على قفاه. (¬4) {بِبُهْتانٍ:} لقيط. (¬5) وعن أمّ سلمة الأنصاريّة قالت: قالت امرأة: ما هذا المعروف الذي لا ينبغي لنا أن نعصيك فيه؟ قال: لا تنحن، قلت: يا رسول الله، إنّ بني فلان قد أسعدوني على عمّي، ولا بدّ لي من قضائهن، فأبى عليّ، فعاتبته مرارا، فأمر لي في قضائهن، فلم أنح بعد في قضائهن ولا غيره حتى السّاعة، ولم يبق من النّسوة امرأة إلا وقد ناحت غيري. (¬6) قال طاوس: ما مسّت يد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يد امرأة إلا امرأة يملكها. (¬7) 13 - {قَوْماً غَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ:} قيل: اليهود. (¬8) {يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ:} بسحرهم وكهانتهم وتحريفاتهم. كما يئس المشركون من موتاهم. (¬9) وقيل: المشركون يئسوا من خير (¬10) الآخرة لإيثارهم البعث، كما يئس الذين سبقوهم بالكفر، وماتوا عليه لمشاهدتهم العذاب. (¬11) ونزلت الآية ردا لعجز الكلام على صدره. والله أعلم. ¬
سورة الصف
سورة الصف مكيّة (¬1)، عن عطاء. (¬2) مدنيّة، عن الحسن وعكرمة وقتادة. (¬3) وهي أربع عشرة آية بلا خلاف. (¬4) بسم الله الرّحمن الرّحيم 2 - {لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ:} هم: {كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ فَلَمّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ} [النساء:77] (¬5)، تولّوا إلا قليلا منهم، والشّعراء الذين يقولون ما لا يفعلون. 3 - (¬6) قيل لميمون بن مهران: أهو الذي يقرّظ نفسه، أو هو الذي يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر وفيه تقصير؟ قال: كلاهما ممقوت. (¬7) 5 - {فَلَمّا زاغُوا:} تهيؤوا للزّيغ مختارين له بخذلان الله تعالى، خلق الله فيهم الزّيغ. (¬8) 6 - وعن عطاء ومقاتل والضّحّاك، عن ابن عبّاس: اسمه في التوراة أحمد الضّحوك القتّال، يركب البعير، ويلبس الشّملة، ويجتزئ بالكسرة، سيفه على عائقه. (¬9) {فَلَمّا جاءَهُمْ بِالْبَيِّناتِ:} عيسى أو نبيّنا عليهما السّلام. (¬10) 11 - {تُؤْمِنُونَ} {وَتُجاهِدُونَ:} رفع بحذف النّاصبة (¬11)، تقديره: هو أن تؤمنوا وتجاهدوا، (¬12) ويحتمل: أنّه خبر بمعنى الأمر. (¬13) والله أعلم. ¬
سورة الجمعة
سورة الجمعة مدنيّة. (¬1) وهي إحدى عشرة آية بلا خلاف. (¬2) بسم الله الرّحمن الرّحيم 3 - عن أبي هريرة قال: كنّا جلوسا عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقرأ علينا سورة الجمعة، فلمّا قرأ: {وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمّا يَلْحَقُوا بِهِمْ} وفينا سلمان قال: فوضع يده على سلمان، ثمّ قال: «لو كان الإيمان عند الثّريّا لنالته رجال من موالي». (¬3) 5 - {حُمِّلُوا التَّوْراةَ:} كلّفوا حملها قهرا بنتق الجبل فوقهم. {ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها:} حقّ حملها. (¬4) {أَسْفاراً:} جمع سفر (¬5)، وهو الكتاب. (¬6) 8 - {الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ:} صفة الموت (¬7)، أو بدل منه، وليس بالخبر، والخبر مضمون فيه لن يعجزوه. وقيل: {فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ} خبر، وإنّما دخلت الفاء لأنّ الاسم الموصول (220 و) كالشّرط، فكان الخبر كأنّه الجزاء. (¬8) 9 - وعن جابر قال: بينما النّبيّ عليه السّلام يخطب يوم الجمعة قائما إذا قدمت (¬9) عير المدينة، فابتدرها أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتى لم يبق منهم إلا اثنا عشر رجلا فيهم أبو بكر وعمر، فنزلت. (¬10) ¬
{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا:} والخطاب لجماعة سوى ذاكر (¬1) الله يسعون إليه، وأقل الجمع الصحيح ثلاثة. (¬2) {نُودِيَ:} أدّن بعد زوال الشمس يوم الجمعة. (¬3) والجمعة العروبة بين الخميس والسبت، سميت جمعة؛ لاجتماع الناس فيه. (¬4) (السعي): المضيّ دون العدو، (¬5) كقوله: {وَأَمّا مَنْ جاءَكَ يَسْعى} [عبس:8]. و {ذِكْرِ اللهِ:} الخطبة. (¬6) وظاهر الآية يدل على جواز الاقتصار على تسبيحة. (¬7) {وَذَرُوا الْبَيْعَ:} اتركوا التبايع في الأسواق حالة النداء لتدركوا الخطبة والصلاة. والبيع منهيّ عنه ساعتئذ (¬8)، وجائز؛ لأن النهي لمعنى في غيره. (¬9) 10 - {فَانْتَشِرُوا} {وَاِبْتَغُوا:} أمر إباحة. (¬10) {مِنْ فَضْلِ اللهِ:} التجارة. (¬11) وعن جابر بن سمرة قال: كان رسول الله عليه السّلام يخطب قائما، ثم يقعد، ثم يقوم. (¬12) ¬
سورة المنافقين
سورة المنافقين مدنيّة. (¬1) وهي إحدى عشرة آية بلا خلاف. (¬2) بسم الله الرّحمن الرّحيم 1 - عند قوله: {لَرَسُولُ اللهِ} وقف حسن؛ لأنّ قوله: {وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ} (¬3) ليس من كلام المنافقين. (¬4) 4 - {خُشُبٌ:} جمع خشبة (¬5)، وهو ما صلب من نبات الأرض، (¬6) والمراد به الأصنام المنحوتة من الخشب. (¬7) {مُسَنَّدَةٌ:} مردودة إلى الجدار ليعتمد عليها، فلا تخرّ. وفائدة التّشبيه إثبات صورة حسنة لا خير فيها. وعن زيد بن أرقم قال: غزونا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وكان معنا أناس من الأعراب، وكنّا نبتدر الماء، والأعراب يسبقوننا إليه، فيسبق الأعرابيّ (¬8) أصحابه، فيملأ الحوض، ويجعل حوله (¬9) حجارة، ويجعل النّطع (¬10) عليه حتى يجيء أصحابه، قال: فأتى رجل من الأنصار أعرابيّا، فأرخى زمام ناقته ليشرب، فأبى أن يدعه، فانتزع [حجرا] (¬11) فغاض (¬12) الماء، فرفع الأعرابيّ خشبة فضرب بها [رأس الأنصاريّ] (¬13)، فشجّه، فأتى عبد الله بن أبيّ رأس المنافقين، فأخبره (¬14)، وكان من أصحابه، فغضب عبد الله، فقال: لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ¬
ينفضّوا من حوله، يعني: الأعراب، فكانوا (¬1) يحضرون عند النّبيّ عليه السّلام عند الطّعام، قال عبد الله: إذا انفضّوا من عند محمد، فأتوا محمدا بالطعام ليأكله هو وأصحابه، ثمّ قال لأصحابه: لئن رجعتم إلى المدينة فليخرج الأعزّ منكم الأذلّ، قال زيد: وأنا أردف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: فسمعت عبد الله، فأخبرت عمّي، فانطلق، فأخبر رسول الله عليه السّلام، فحلف وجحد، قال: فصدّقه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وكذّبني، قال: فجاء عمّي إليّ فقال: ما أردت (309 ظ) إلا مقت (¬2) رسول الله وكذّبك المسلمون، قال: فوقع عليّ من أقوالهم ما لم يقع على أحد قال: فبينما أنا مع النّبي عليه السّلام في سفر قد خفقت رأسي من الهمّ إذا أتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فعرّك أدني، ثمّ ضحك في وجهي، فما كان يسرّني أنّ لي بها الخلد في الدّنيا، ثمّ إنّ أبا بكر لحقني فقال: ما قال لك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قلت: ما قال شيئا إلا أنّه عرّك أدني وضحك في وجهي، فقال: أبشر، ثمّ لحق عمر، فقلت له مثل قولي لأبي بكر، فلمّا أصبحنا قرأ النّبيّ عليه السّلام سورة المنافقين. (¬3) وعن أبي هارون المدنيّ قال: قال عبد الله بن عبد الله بن أبي سلول لأبيه: والله لا تدخل المدينة حتى تقول: رسول الله الأعزّ، وأنا الأذلّ، قال: وجاء النّبيّ عليه السّلام فقال: إنّه بلغني أنّك تريد أن تقتل أبي، والذي بعثك بالحقّ ما تأملت في وجهه قطّ هيبة له، ولئن شئت أن آتيك برأسه لآتينّك به، فإنّي أكره أرى قاتل أبي، فتركه النّبيّ عليه السّلام. (¬4) 9 - {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا:} فصل آخر، اتّصالها من حيث سبق ذكر النّفقة، وفحوى الخطاب: أنّ المراد بالصالحين المتصدّقون أو الصّدّيقون أو المصدّقون (¬5). 10 - وعن الضّحّاك، عن ابن عبّاس قال: من أخذ يموت ولم يحجّ، ولم يؤدّ زكاة ماله ممّن وجب عليه الحجّ إلا سأل الرّجعة، فقالوا: يا أبا عبّاس، ما نزال نسمع منك الشّيء لا نذر ما هو، قال: ما هو؟ قال: فأنا أقرأه عليكم قرآنا، فقرأ عليهم: {وَأَنْفِقُوا مِنْ ما رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي} قال: أحجّ. (¬6) ¬
سورة التغابن
سورة التغابن مدنيّة. (¬1) وعن ابن عبّاس مكيّة إلا ثلاث آيات من قوله: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ} [التغابن:14]، نزلن في عوف بن مالك. (¬2) وهي ثماني عشرة آية بلا خلاف. (¬3) بسم الله الرّحمن الرّحيم 9 - {ذلِكَ يَوْمُ التَّغابُنِ:} أي: يوم ظهور التّغابن، وإنّما كان التّغابن في يوم القيامة بترك مزاحمة المصلحين المفسدين في شهواتهم في الدّنيا، واغتنامهم العبادة الموجبة للدّرجات الجنّويّة مسلّمة لهم عند الله. وقيل: أراد بالتّغابن أخذ بعض الخصماء حسنات بعض من المظلمة. وأصل الغبن النّقص. (¬4) وعن الضّحّاك: أنّ التّغابن من أسماء القيامة. (¬5) وعن الضّحّاك قال: قال عبد الله: ما أحد بأكسب من أحد (¬6)، قسم الله المصيبة والأجل، وقسم المعيشة والعمل، والنّاس يجرون إلى منتهى. (¬7) 14 - وعن عكرمة، عن ابن عبّاس: أنّ رجلا سأله عن قوله: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ} قال: هؤلاء رجال من أهل مكّة أرادوا أن يأتوا النّبيّ عليه السّلام، فأبى أزواجهم وأولادهم أن يدعوهم أن يأتوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فلمّا أتوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رأوا النّاس قد فقهوا في الدّين فهمّوا في (¬8) الذين [منعوهم] (¬9) أن يعاقبوهم، فأنزل الله الآية. (¬10) ¬
سورة الطلاق
سورة الطلاق مدنيّة. (¬1) وهي اثنتا عشرة آية في غير عدد أهل البصرة (¬2). (¬3) بسم الله الرّحمن الرّحيم (210 و) 1 - {لِعِدَّتِهِنَّ:} اللاّم للتّاريخ، أي: طلّقوهنّ لوقت يحتسبنه من عدّتهنّ، وهو الطّلاق في طهر لا جماع (¬4) فيه. (¬5) وعن أبي الأحوص، عن عبد الله: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} قال: طاهرا من غير جماع. (¬6) و {لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ:} في غير المبتوتات، (¬7) بدليل قوله: {لا تَدْرِي لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً} {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [الطلاق:2]، ولكنّ المبتوتات دخلن من وجه آخر وهو أنّه لو طلّق امرأته بطلقتين فيما مضى، وأمسكها سنون، وولدت أولادا، ثمّ عزم على طلاقها لا شكّ أن يطلّقها للعدّة. عن الأسود: أنّ عمر بن الخطّاب و (¬8) عبد الله بن مسعود قالا في المطّلقة ثلاثا: لها السّكنى والنّفقة. (¬9) وعن أبي إسحاق قال: كنت مع الأسود بن يزيد في المسجد الأعظم ومعنا الشّعبيّ، فذكروا المطلّقة ثلاثا، فقال الشّعبيّ: حدثتني فاطمة بنت قيس: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا سكن لك ولا نفقة»، قال: فرمى الأسود بحصى، ثمّ قال: ويلك أتحدّث بمثل هذا، قد رفع ذلك إلى عمر بن الخطّاب فقال: لسنا بتاركي كتاب ربّنا وسنّة نبيّنا [لقول] (¬10) امرأة لا ندري لعلّها ¬
كذبت، قال الله تعالى: {لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلاّ أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ.} (¬1) وعن الأسود قال: ذكر لعائشة أمر فاطمة بنت قيس فقالت: إنّما أمرها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن تعتدّ في بيت ابن أمّ مكتوم لسوء خلقها. وعن ابن عبّاس قال: الفاحشة المبيّنة أن تبذو على أهلها. (¬2) وعن عكرمة، عنه: الفاحشة المبيّنة أن تفحش على أهل الرّجل وتؤذيهم. (¬3) وعن ابن مسعود: أن تزني فيخرجوها لإقامة الحدود. (¬4) قال أبو يوسف: وعن ابن عمر: أنّها تعصي فتخرج بنفسها. (¬5) والاستثناء على هذا منقطع، وبه أخذ إبراهيم النّخعي، وهو رواية عن أبي حنيفة رحمه الله. والمراد بقوله: {لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً:} مودة المطلّقة (¬6)، والنّدامة عن (¬7) الطّلاق ليرتجعها (¬8). 2 - {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ:} أمر للأخذ بالاحتياط كقوله: {وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ} [البقرة:282]، وفائدته قطع أسباب التّجاحد. وعن ابن سيرين، عن (¬9) عمران بن حصين في رجل طلّق امرأته، ولم يشهد، وراجع ولم يشهد (¬10)، قال: بئس ما صنع طلّق في عدّة (¬11)، وراجع في غير سنّة، ليشهدوا (¬12) على ما صنع. (¬13) ولا يخالف له من (¬14) الصحابة. 2 و 3 - {وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً (3) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ:} في أمر النّكاح والطّلاق. وعن الكلبيّ، عن أبي صالح، عن ابن عبّاس: أسر المشركون ابن رجل من المسلمين، فشكا ذلك إلى النّبيّ عليه السّلام قال: «أرسل إليه فليكثر من قول: لا حول ولا قوّة ¬
إلا بالله»، ففعل، فغفلوا عنه، فركب فحلا لهم، وأتبعته الإبل، فأنزل الله تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً (3) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ.} (¬1) {لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً:} لكلّ مخلوق مقدارا. (¬2) 4 - {يَئِسْنَ:} الآيسات (¬3) القواعد اللاّتي انقطع دم حيضهنّ. (¬4) {إِنِ اِرْتَبْتُمْ} (310 ظ): في فراغ أرحامهن لاعتبار غالب (¬5) الأحوال. والأصحّ إن ارتبتم في حكمهن فاعلموا أنّ أرحامهنّ. {ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللاّئِي لَمْ يَحِضْنَ:} إن كان معطوفا على {وَاللاّئِي يَئِسْنَ} (¬6) فالارتياب فيهنّ كالارتياب في الآيسات، وإن كان معطوفا على الضّمير المجرور في قوله: {فَعِدَّتُهُنَّ} فلا ارتياب فيهنّ. وعن عمر بن الخطّاب: إن وضعت ما في بطنها وزوجها على السّرير قبل أن يدلّى في حفرته فقد انقضت عدّتها. (¬7) وروي: أنّ سبيعة بنت الحارث وضعت بعد وفاة زوجها بعشرين ليلة، فأتت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فأمرها أن تتزوّج. (¬8) 6 - {أَسْكِنُوهُنَّ:} خطاب للأزواج (¬9). {مِنْ وُجْدِكُمْ:} ما تملكونه، ويبطل ذلك عدّتهم لانتقال الملك إلى الورثة. {وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ:} شرط لامتداد نفقتهنّ إلى وضع الحمل وانقطاعها بالوضع، طالت أو قصرت، أو لبيان حكم النّفقة قبل الوضع أنّه مخالف لحكم النّفقة بعد الوضع من الأولى نفقة عدّة يلزم الأزواج، ويلزم سائر الورثة، وهذا الشّرط لا يدلّ على سقوط نفقة سائر المعتدّات، لقول عمر رضي الله عنه وابن مسعود رضي الله عنه، وردّهما حديث فاطمة بنت قيس. وعن ابن عبّاس: إذا مات عن المرأة زوجها وهي حبلى أو غير حبلى، فنفقتها من ¬
نصيبها. (¬1) وعن جابر بن عبد الله: ليس للمتوفّى عنها زوجها نفقة، حسبها الميراث. (¬2) {تَعاسَرْتُمْ:} تضايقتم في نفقة الرّضاع، وهو أن لا ترضى الوالدة بنفقة ترضى بها مثلها. (¬3) 10 و 11 - {قَدْ أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً (10) رَسُولاً:} قال الحسن البصريّ: الذّكر هو الرّسول. (¬4) مصدر بمعنى الاسم، أي: ذاكرا أو مذكرا. 11 - {رَسُولاً:} نصب على البدل، (¬5) ويحتمل: بفعل مضمر، أي: أنزلنا ذكرا وأرسلنا رسولا، (¬6) سقط الواو؛ لأنّه رأس آية. 12 - {وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ:} أي: خلق من الأرض مثلهنّ (¬7)، والمماثلة في الكمّيّة. (¬8) وقيل: في الطبيعة. وقيل: في كون بعضهن فوق بعض. (¬9) وقيل: في كون بعضهنّ منفصلا عن بعض بالهواء المتخلّل بينهنّ. وقيل: بالتدوير. وقيل: بالتسطيح. وقيل: في كون كلّ جنس منهنّ محلاّ للحيوان، وللأمر والنّهي. (¬10) وعن ابن عباس قال: مثل السّماوات والأرضين، وبما وراءهن من الهواء حيث لا سماء ولا أرض إلا كمثل فسطاط ضربته بصحراء من الأرض. وعن مجاهد، عن ابن عبّاس في قوله: {خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ} قال: لو أخبرتكم تفسيرها لكفرتم، وكفركم تكذيبكم. (¬11) ¬
سورة التحريم
سورة التحريم مدنيّة. (¬1) وهي اثنتا عشرة آية بلا خلاف. (¬2) بسم الله الرّحمن الرّحيم 1 - ذكر الكلبيّ: أنّ النّبيّ عليه السّلام دخل بيت حفصة ذات يوم، واليوم يوم عائشة، فوجد (¬3) البيت خاليا، وحفصة خارجة إلى بيت أبيها زائرة، فاغتنم ذلك مارية القبطيّة، وجلس معها خاليا، فرجعت حفصة بعد ساعة (¬4)، وأبصرت الجارية، وأخذت (311 و) تعاتبه، وتقول: قد رأيت من (¬5) كانت عندك، فقال لها النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: حرّمت هذه الجارية على نفسي، فاكتمي على هذا الحديث، ولا تخبري عائشة، ولك عندي بشارة، قالت: وما هي؟ قال: إنّ أبا بكر وأباك سيملكان هذه الأمة بعدي، ولا تخبري هذه البشارة أحدا، فلم تصبر حفصة حتى أخبرت عائشة بالأمرين جميعا، فأظهر الله نبيّه على إفشائها، فعاتبها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على حديث مارية؛ لأنّه لم يبال بإظهاره وتكراره، ولم يتعرّض بحديث (¬6) البشارة منعا، فلاعنها؛ لأنّه لم يحب إظهارها (¬7) وتكرارها، ثمّ اعتزل نساءه جميعا شهرا، وظنّ بعض النّاس (¬8) أنّه طلقهنّ، فدخل عمر بن الخطّاب على ابنته حفصة، وبالغ في لومها والإنكار عليها، وقال لها: والله لئن كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد طلّقك تطليقة لما كلّمتك أبدا، فقالت: لم يطلقني، وإنّي لعلى شرف ذلك، وهي تبكي، فأنزل الله: {يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ. . . تُحَرِّمُ} الآيات. واختار رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لكفارة يمينه عتق رقبة. واليمين هي تحريم ما أحلّ الله له من صحبة مارية القبطيّة، فأعتق رقبة ورجع إلى مارية، وهي أمّ إبراهيم بن محمد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. وعن سعيد بن جبير، عن ابن عبّاس، عن عمر بن الخطّاب: أنّ النّبيّ عليه السّلام طلّق حفصة، ثمّ راجعها. (¬9) وصححه الطّحّاويّ في ¬
تأويل مشكل الأخبار (¬1)، وهذا يصدّق قصّة الكلبيّ من قول عمر. وعن عبيد بن عمير قال: سمعت عائشة زوج النبي عليه السّلام: أن النبي عليه السّلام كان يمكث عند زينب بنت جحش، ويشرب عندها عسلا، فتواصيت أنا وحفصة أيّتنا ما دخل عليها النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فلتقل: إني لأجد منك مغافير، فدخل صلّى الله عليه وسلّم على إحداهما فقالت ذلك له، فقال: بل شربت عسلا عند زينب بنت جحش، ولن أعود له، فنزلت (¬2): {لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللهُ لَكَ.} (¬3) 4 - {إِنْ تَتُوبا:} لعائشة وحفصة. (¬4) وعن ابن عبّاس قال: لم أزل حريصا أن أسأل عمر عن المرأتين من أزواج النّبيّ عليه السّلام، قال الله تعالى: {إِنْ تَتُوبا إِلَى اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما} حتى حجّ عمر، وحججت معه، فصببت عليه من الإداوة، فتوضأ، فقلت: يا أمير المؤمنين، من المرأتان (¬5) من أزواج النبي عليه السّلام اللّتان قال الله: {إِنْ تَتُوبا إِلَى اللهِ؟} فقال لي: وا عجبا لك يا ابن عبّاس، قال الزهري: وكره والله، ما سأل عنه، ولم يكتمه، فقال: هي عائشة وحفصة، ثمّ أنشأ يحدّثني الحديث، قال: كنّا معشر قريش نغلب النّساء، فلمّا قدمنا المدينة وجدنا قوما تغلبهم نساؤهم، وطفق (¬6) نساؤنا يتعلّمن من نسائهم، فتغضّبت على امرأتي يوما، فإذا هي تراجعني، فأنكرت من أن تراجعني، فقالت: ما تنكر ذلك؟ فو الله إنّ أزواج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ليراجعنه، وتهجره إحداهنّ اليوم إلى اللّيل، (311 ظ) قال: فقلت في نفسي قد خابت مّن فعل ذلك منهنّ وخسرت، قال: وكان منزلي بالعوالي في بني أميّة، وكان لي (¬7) جار من الأنصار كنّا نتناوب النزول إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: فينزل يوما، فيأتيني بخبر الوحي وغيره، وأنزل يوما، فآتيه بمثل ذلك، قال: فكنّا نحدّث أنّ غسّان تنقل الخيل (¬8) لتغزونا، قال: فجاء يوما عشاء، وهو يضرب عليّ الباب، فخرجت إليه، فقال: حدث أمر عظيم، قلت: أجاءت غسّان؟ قال: أعظم من ذلك، طلّق ¬
رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نساءه، فقلت في نفسي: قد خابت حفصة وخسرت، قد كنت أظنّ أنّ هذا كائن، فلمّا صلّيت الصبح شددت عليّ ثيابي، ثمّ انطلقت حتى دخلت على حفصة، فإذا هي تبكي، فقلت: أطلقكنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قالت: لا أدري، هو ذا (¬1) معتزل في هذه المشربة، قال: فانطلقت إليه، فأتيت غلاما أسودا (¬2)، فقلت: استأذن لعمر، فدخل، ثمّ خرج إليّ قال: فذكرتك له، فلم يقل شيئا، فانطلقت إلى المسجد، فإذا حول المنبر نفر يبكون، فجلست إليهم، ثمّ غلبني ما أجد، فأتيت الغلام، فقلت: استأذن لعمر، فدخل، ثمّ خرج قال: فذكرتك له، فلم يقل شيئا، قال: فانطلقت إلى المسجد أيضا، فجلست، ثمّ غلبني (¬3) ما أجد، فأتيت الغلام، فقلت: استأذن لعمر، فدخل، ثمّ خرج إليّ قال: فذكرتك فلم يقل شيئا، فولّيت منطلقا، فإذا الغلام يدعوني قال: ادخل قد أذن لك، فدخلت فإذا النّبيّ عليه السّلام يتكئ على رمل حصير رأيت أثره في جنبه، فقلت: يا رسول الله، أطلقت نساءك؟ قال: لا، قلت: الله أكبر، لو رأيتنا يا رسول الله، وكنّا معشر قريش نغلب النّساء، فلمّا قدمنا المدينة وجدنا قوما تغلبهم نساؤهم، فطفق نساؤنا يتعلّمن من نسائهم، فتغضّبت يوما على امرأتي، فإذا هي تراجعني، فأنكرت ذلك، فقالت: ماذا تنكر؟ فو الله إنّ أزواج النّبيّ عليه السّلام ليراجعنه، وتهجره إحداهنّ اليوم إلى اللّيل، قال: فقلت: لحفصة تراجعين رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قالت: نعم، تهجره إحدانا اليوم إلى اللّيل، قال: فقلت (¬4): قد خابت من فعل ذلك منكنّ وخسرت، أتأمن إحداكنّ أن يغضب الله عليها بغضب رسول (¬5) الله صلّى الله عليه وسلّم، فإذا هي قد هلكت، فتبسّم النّبيّ عليه السّلام، قال: فقلت لحفصة: لا تراجعي رسول الله، ولا تسأليه شيئا، وسليني ما بدا لك، فلا يغرّنّك أنّ صاحبتك أوسم منك، وأحبّ إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: فتبسّم أخرى، قلت: يا رسول الله، أستأنس، قال: نعم، قال فرفعت رأسي فما رأيت إلا أهبة بيته، فقلت: يا رسول الله، ادع الله أن يوسّع على أمّتك، فقد وسّع على فارس والرّوم، وهم لا يعبدونه، فاستوى جالسا فقال: أو في شكّ أنت يا ابن الخطّاب؟ أولئك قوم عجّلت لهم طيباتهم في الحياة الدّنيا، (312 و) قال: وكان أقسم أن لا يدخل على نسائه شهرا، فعاتبه الله في ذلك، فجعل له كفّارة اليمين. قال الزهري: حدثني عروة عن عائشة قال: فلمّا مضت تسع وعشرون ليلة دخل عليّ بدأ بي، قال (¬6): عائشة، إنّي ذاكر لك شيئا، فلا ¬
تعجلي حتى تستأمري أبويك، ثمّ قرأ: {يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ} [الأحزاب:28]، على ما سبق. (¬1) {صَغَتْ قُلُوبُكُما} (¬2): مالت قلوبكما عن الحقّ، (¬3) وجزاؤه مضمر، (¬4) تقديره: إن تتوبا إلى الله توبا أو فأسرعا. {وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ:} أبو بكر وعمر وعليّ، (¬5) فتقديره: ومن صلح من المؤمنين. {ظَهِيرٌ:} كالقعيد. 5 - وعن عمر بن الخطّاب: وافقت الله في ثلاث، ووافقني (¬6) في ثلاث (¬7)، قلت: يا رسول الله، لو اتّخذت من مقام إبراهيم مصلّى، فأنزل الله: {وَاِتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة:125]، فقلت: يا رسول الله، إنّه يدخل عليك البرّ والفاجر، فلو أمرت أمّهات المؤمنين، فأنزل الله آية الحجاب، وبلغني بعض معاتبة النّبيّ عليه السّلام نساءه، فاستقريت أمّهات المؤمنين، فدخلت عليهنّ، فجعلت أستقريهنّ واحدة واحدة، فقلت: لئن (¬8) انتهيتنّ أو ليبدلنّ الله رسوله أزواجا خيرا منكنّ حتى انتهيت إلى زينب، أو بعض أزواجه، فقالت: يا عمر، أما في رسول الله ما يعظ (¬9) أزواجه حتى تعظهنّ أنت، فأنزل الله: {عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ.} (¬10) {سائِحاتٍ:} مهاجرات (¬11) إلى الله ورسوله. وقيل: صائمات. (¬12) وقيل: حاجّات ومعتمرات. وقيل: سائحات بقلوبهنّ في ملكوت الله تعالى. ¬
{ثَيِّباتٍ:} اللّواتي (¬1) كانت لهنّ أزواج. (¬2) {وَأَبْكاراً:} اللّواتي لم يكن لهنّ أزواج. (¬3) 6 - وكان عليّ رضي الله عنه إذا قرأ: {قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً} يقول: علّموهم وأدّبوهم. (¬4) وعن ابن مسعود: {وَالْحِجارَةُ:} حجارة من كبريت خلقه الله كبريتا كما شاء. (¬5) والقول مضمر عند قوله: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} أي: يقال لهم. 8 - ابن عبّاس في قوله: {تَوْبَةً نَصُوحاً} قال: النّدم بالقلب، والاستغفار باللّسان، والإقلاع بالبدن، والإضمار على أن لا يعود. (¬6) وقال عمر: يتوب من الذّنب، ثمّ لا يعود فيه. (¬7) 10 و 11 - وفائدة ضرب هذين المثلين هو الإعلام أنّه {لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى} [فاطر:18]، {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلاّ ما سَعى} [النجم:39] الآيات. ¬
سورة الملك
سورة الملك مكيّة. (¬1) وهي ثلاثون آية في غير عدد أهل مكّة والمدنيّ الأخير. (¬2) بسم الله الرّحمن الرّحيم وعن ابن (¬3) بريدة، عن أبيه قال: السّماء الدّنيا موج مكفوف (¬4)، والثّانية مرمرة بيضاء، والثّالثة حديد، والرّابعة صفر، والخامسة نحاس، والسّادسة فضّة، والسّابعة ذهب، وما بين السّماء السّابعة إلى الحجب صحارى من نور. (¬5) (312 ظ) وعن كعب: كذلك، غير أنّه قال: السّماء السّابعة من ياقوتة حمراء. (¬6) 3 - {مِنْ تَفاوُتٍ:} أن يفوت كلّ واحد من شيئين صاحبه في الإنفاق والانتظام، فتختلفا. (¬7) {ما تَرى:} أن أبصر ما ترى. {فُطُورٍ:} شقوق. (¬8) 4 - {كَرَّتَيْنِ:} رجعتين. (¬9) 7 - {تَفُورُ:} تغلي، وتشتدّ حركته. (¬10) 8 - {تَمَيَّزُ:} تفرق وتشتت. (¬11) ¬
11 - وإنّما لم يجمع الذّنب؛ لأنّه فعل. (¬1) {فَسُحْقاً:} وبعدا (¬2) إهلاكا (¬3). 15 - {مَناكِبِها:} جبال الأرض. (¬4) وقيل: طرقها. (¬5) 16 - {مَنْ (¬6)} فِي السَّماءِ: {أَتى أَمْرُ اللهِ} [النحل:1]، ينزّل الأمر من السّماء إلى الأرض. وعن ابن غنم قال: سيكون حيّان متجاورين يشقّ بينهما نهر، يستقيان (¬7) منه قبسهم واحدة، فيصبحان يوما من الأيّام قد خسف بأحدهما والآخر حيّ، ويوشك أن تقعد أمتان على ثفال (¬8) رحا يطحنان، يخسف بأحدهما، والأخرى تنظر. (¬9) 20 - {هذَا الَّذِي:} إشارة إلى موهوم لا شيء، كقولك للّذي نطق أنّه محترم: من هذا الذي يحترمك، وهو من مجاز الكلام. 21 - {لَجُّوا:} من اللّجاجة، وهو الإصرار. (¬10) 22 - {أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا:} قال الكلبيّ: نزلت الآية في نبيّنا عليه السّلام وفي أبي جهل. (¬11) 28 - {إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللهُ:} في تربّصهم الدّوائر بالمؤمنين، يقول النّبيّ عليه السّلام: هب كأنّما هلكنا، فهل للمجرمين من عذاب الله نجاة. (¬12) ¬
30 - {غَوْراً:} مصدر من معنى الجمع كالصّيف والدور. (¬1) {بِماءٍ مَعِينٍ:} قال ابن عبّاس: بماء ظاهر. (¬2) وعن عليّ، عن النّبيّ عليه السّلام قال لعليّ: «يا عليّ، من قرأ سورة {تَبارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ} جاء يوم القيامة راكبا أجنحة الملائكة ووجهه في الحسن كوجه يوسف الصّدّيق عليه (¬3) السّلام، وله بكلّ آية قرأها مثل ثواب شعيب عليه السّلام». وعن ابن مسعود قال: من قرأ سورة {تَبارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ} كلّ ليلة عصم من فتنة القبر، يؤتى من قبل رأسه فتقول: لا سبيل لكم إليه كان يقرأني، ثم يؤتى من قبل رجله فتقول: لا سبيل لكم إليه قد كان يقرأني. (¬4) ¬
سورة القلم
سورة القلم مكيّة. (¬1) وعن ابن عبّاس وقتادة: الفصل الأوّل إلى {الْخُرْطُومِ} [القلم:16] مكيّ، والفصل الثّاني إلى قوله: {لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ} [القلم:33] مدنيّ، والفصل الثّالث إلى قوله: {فَهُمْ يَكْتُبُونَ} [القلم:47] مكيّ، والفصل الرّابع إلى قوله: {مِنَ الصّالِحِينَ} [القلم:50] مدنيّ، والفصل الخامس مكيّ. (¬2) وهي اثنتان وخمسون آية بلا خلاف. (¬3) بسم الله الرّحمن الرّحيم 1 - عن أبي الضّحى، عن ابن عبّاس قال: أول شيء خلق ربّي القلم، ثمّ قال له: اكتب، فكتب ما هو كائن إلى أن تقوم السّاعة، ثمّ خلق النّون فوق الماء، ثمّ كبس الأرض عليه. (¬4) وعن ابن عبّاس قال: الأرض على النّون، وهو الذي ذكره الله تعالى: {ن وَالْقَلَمِ،} والنّون على بحر، والبحر على صخرة خضراء، فخضرة ما ترون من السّماء من خضرة تلك الصّخرة التي ذكر الله تعالى في القرآن: {يا بُنَيَّ إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّماواتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللهُ} [لقمان:16]. (¬5) والنّون إشارة إلى اسم الحوت. (313 و) وعن ابن عبّاس: النّون: الدّواة (¬6). وعن قتادة ومجاهد: أنّها اسم للسّورة. وعن سهل التّستريّ: أنّها اسم من أسماء الله. (¬7) وعن عبادة (¬8) بن الصّامت، عنه عليه السّلام: «أنّ أوّل ما خلق الله القلم، فقال له: اكتب، فجرى بما هو كائن إلى الأبد» (¬9). ¬
4 - {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ:} وعن سعد (¬1) بن هشام بن عامر قال: أتيت عائشة فقلت: يا أمّ المؤمنين، أخبريني عن خلق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقالت: أما تقرأ القرآن {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ،} قالت: كان خلقه القرآن. (¬2) وعن أبي سعيد الخدريّ: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أشدّ حياء من العذراء في خدرها، فكان إذا كره الشّيء عرفنا في وجهه. (¬3) وعن عائشة قالت: ما ضرب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بيده شيئا إلا أن يجاهد في سبيل الله، ولا ضرب خادما ولا امرأة. (¬4) 9 - {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ:} أي: يحبّون أن تكفّ عن ذكر آلهتهم وكفرهم، فيكفّوا عنك. 10 - {حَلاّفٍ:} كثير الحلف في الجدّ والهزل، (¬5) وهو عيب؛ لأنّه إن كان باسم الله عزّ وجلّ، فاسم الله لا يذكر بالهزل، وإن كان باسم من دونه فالحلف به [. . .] (¬6)، إذ قريب منه، ولا شكّ فيمن كثر حلفه أن يكثر حنثه. {مَهِينٍ:} حقير (¬7) عند الله أو عند النّاس (¬8). 11 - {هَمّازٍ:} غمّاز (¬9)، كأنّه يغمز بغمز جفنه، يهمز حدقته، أي: يضغطها، وهو اللّمّاز. وقيل: الهمز بظهر الغيب، واللّمز في حضرة الرّجل. (¬10) {بِنَمِيمٍ:} بنميمة، (¬11) وهو الحديث المنقول المسوق من مجلس إلى مجلس، والنّمام: القتّات، (¬12) وفي الحديث: «لا يدخل الجنّة قتّات» (¬13). ¬
13 - {عُتُلٍّ:} الذي هو كالمنتفخ من سعة جوفه، يقال (¬1): رمح عتلّ إذا كان كذلك. (¬2) {زَنِيمٍ:} الذي في نسبه خلل. (¬3) وهذه الآيات عامّة في قضيّة الظّاهر، وروي: أنّها نزلت في الوليد بن المغيرة، (¬4) وستأتي قصّته في سورة المدّثر، إن شاء الله. 16 - {سَنَسِمُهُ:} الوسم: الكيّ والعلامة. (¬5) {الْخُرْطُومِ:} الأنف (¬6)، ولا يكاد يطلق هذا اللّفظ إلا على أنف فاحش وحش مثل الكلب والخنزير والفيل والبعوضة، والمراد بالوسم معنى يتميّز به الموسوم عن سائر المعذّبين. 17 - {إِنّا بَلَوْناهُمْ:} نزلت الآيات في سنوات الدّخان حين دعا رسول الله على قريش بسبع كسبع يوسف عليه السّلام، أكلوا العلهز (¬7) والرّمّة من الحمير والمجاعة. (¬8) ضرب الله مثلا (¬9) أصحاب الجنّة، وهم ثلاثة إخوة باليمن في قرية (¬10) تسمّى صروان، وكان أبوهم قد رسم للفقراء كلّ ما أخطأ المنجل من الزّرع، وكلّ ما سقط عنش البسط من النّخل (¬11)، وكلّ ما أخطأه القطّاف من الكرم، فكانوا يتعيّشون به، فلما مات أبوهم ورثه هؤلاء البنون الثلاثة، بخلوا بما رسمه أبوهم، وقالوا: كانت يد أبينا يدا واحدة، وفي العيال قلّة حين رسم هذا الرّسم، وأما اليوم فلا نفعل، وتواعدوا وتقاسموا ليصرمنّها مصبحين، ولم يقولوا: إن شاء الله، والصّرام (¬12) الحصاد، فأرسل الله على أموالهم (313 ظ) باللّيل آفة، {فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ} [القلم:20]، وهو الحصيد، وأصبحت الإخوة باكرين (¬13) من بيوتهم يتنادون: {أَنِ اُغْدُوا عَلى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صارِمِينَ (22) فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخافَتُونَ} [القلم:22 - 23]، أن لا تخلّوا ¬
مسكينا يدخل عليكم اليوم. (¬1) 25 - {عَلى حَرْدٍ:} قصد (¬2). {قادِرِينَ:} مستطيعين للصّرام، (¬3) أن أدركوا. 26 - {فَلَمّا رَأَوْها:} كالحصيد. (¬4) {قالُوا إِنّا لَضَالُّونَ:} الطّريق خاطئين جنّتنا. (¬5) 27 - ثمّ تيقّنوا أنّها جنّتهم أرسل الله عليها آفة فقالوا: {بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ.} (¬6) 28 - {قالَ أَوْسَطُهُمْ:} أعدلهم قولا (¬7). {أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ:} هلاّ تقولون إن شاء الله. (¬8) ورجعوا إلى تسبيح الله واعترفوا بالطّغيان، وأحسنوا الظّنّ بالله في التّعويض. (¬9) 33 - يقول الله تعالى: {كَذلِكَ الْعَذابُ وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ:} لو كانت قريش تعلم. 42 - {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ:} عبارة عن شدّة الأمر. (¬10) 49 - {لَنُبِذَ بِالْعَراءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ:} غير مغفور له، (¬11) فلما سبقت الرّحمة، وغفرت له الزّلّة نبذ بالعراء وهو سقيم غير مذموم. 51 - {إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ:} أطلق قريش اسم الجنون على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لمعنيين: أحدهما: أنّهم استبعدوا سيرته من قضيّة عقولهم الفاسدة، والثّاني: أنّهم رأوه كاهنا تأتيه الجنّ بالأسجاع العجميّة، فبرأه الله عزّ وجلّ ممّا قالوا من الوجهين. ¬
سورة الحاقة
سورة الحاقة مكيّة. (¬1) وهي اثنتان وخمسون آية في غير عدد (¬2) أهل الشّام والبصرة. (¬3) بسم الله الرّحمن الرّحيم 1 - {الْحَاقَّةُ:} هي السّاعة، سمّيت حاقّة؛ لأنّها تحقّ لا محالة، (¬4) ورفع بالابتداء، والاستفهام قائم مقام الخبر، (¬5) تقديره: الحاقّة ما هي (¬6)؟ وذلك لتضمّنه معنى الخبر. 3 - {وَما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ:} للتّعجّب وتفخيم الأمر. (¬7) ما (¬8) القارعة؟ والحاقة (¬9) سمّيت قارعة؛ لأنّها تقرع الجبابرة. (¬10) 5 - {بِالطّاغِيَةِ:} بالصّيحة المجاوزة عن الحدّ. (¬11) 6 - {عاتِيَةٍ:} ريح مجاوزة عن الحدّ المعهود (¬12)، سخّرها الله للهبوب. (¬13) {حُسُوماً:} متتابعة (¬14)، لا واحد لها. وعن ابن مسعود: {حُسُوماً:} متتابعات. (¬15) 11 - {إِنّا لَمّا طَغَى الْماءُ:} زمان طوفان نوح عليه السّلام. (¬16) ¬
12 - {أُذُنٌ واعِيَةٌ:} بين الحفظ والإدراك والتّحصيل. 16 - {واهِيَةٌ:} الوهي: زوال التماسك، واقتراب التأليف من الانفساخ، يقال: سقاء واه (¬1) إذا انفتق خرزه. (¬2) 17 - {أَرْجائِها:} نواحيها (¬3)، واحدها رجى (¬4). 18 - وعن عبد الله بن قيس قال: يعرض النّاس ثلاث عرضات: فأمّا عرضتان فجدال ومعاذير، وأما الثّالثة: فتطاير الكتب، فآخذ باليمين وآخذ بشماله. (¬5) 19 - {هاؤُمُ اِقْرَؤُا كِتابِيَهْ:} أي: خذوا (¬6)، ومن العرب من يقول: هايا رجل، وهاؤما للاثنين، وهاؤم للجماعة، ومنهم من يقول: هاك وهاكما وهاكم. (¬7) 21 - {عِيشَةٍ راضِيَةٍ:} أي: مرضيّة. (¬8) عن سلمان الفارسيّ، عنه عليه السّلام: «يعطى المؤمن جوازا على الصّراط ببسم الله الرّحمن الرّحيم هذا الكتاب من الله العزيز الحكيم لفلان بن فلان أدخلوه جنّة عالية» (¬9). 23 - {قُطُوفُها دانِيَةٌ:} والقطف كالصّرم والجزّ، والقطوف: ما يقطف من عنقود. (¬10) 24 - وعن ابن عبّاس: (314 و) أنّ قوله: {كُلُوا وَاِشْرَبُوا هَنِيئاً بِما أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيّامِ الْخالِيَةِ} قال: نزلت في الصّائم خاصّة. قال [رسول الله صلّى الله عليه وسلّم]: «من صام يوما تطوّعا لا يطّلع عليه (¬11) إلا الله لم يرض الله له ثوابا دون الجنّة» (¬12). ¬
والهاءات المتّصلة بياء المتكلّم هاءات التّنفّس. (¬1) 27 - {يا لَيْتَها:} أي: النّفخة، يقول: يا ليتها نفخة إماتة، ولم (¬2) تكن نفخة بعث. 32 - {ذَرْعُها:} مقدارها، والذّرع: التقدير بالذّراع. (¬3) 36 - عن ابن عبّاس: ما أدري ما {غِسْلِينٍ.} (¬4) وذكر أحمد بن فارس (¬5) وأبو عبيد الهرويّ (¬6): أنّ {غِسْلِينٍ} ما ينغسل من أبدان الكفّار من النّار، وهو الصّديد المضاف إلى الزّقوم ليكونا طعاما واحدا كالمنّ (¬7) والسّلوى. 38 - {فَلا (¬8)} أُقْسِمُ: القسم بالمحسوس والمعقول، والمراد خلقها. 40 - و {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ:} وهو جبريل عليه السّلام، (¬9) أو نفس نطقت بالقرآن وصدرت حروفه من صدرها. 43 - {تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ:} لأنّه إنشاؤه إيّاه قولا من غير فعل، ثمّ ألقاه في مسامع جبريل عليه السّلام. 44 - {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا:} يعني: محمد عليه السّلام. (¬10) وقيل: جبريل. 46 - قال أحمد بن فارس: {الْوَتِينَ:} عرق يسقي القلب. (¬11) وقيل: {الْوَتِينَ} النّياط. (¬12) وقال صاحب الدّيوان: {الْوَتِينَ:} عرق في القلب إذا انقطع مات صاحبه. وأراد إماتة متميّزة عن المعهود على سبيل النّكال. 50 - {وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ:} أي: القرآن حسرة عليهم يوم القيامة من حيث لم يؤمنوا به. (¬13) ¬
سورة المعارج
سورة المعارج (¬1) مكيّة. (¬2) وهي أربع وأربعون (¬3) آية في غير عدد أهل الشّام (¬4). (¬5) بسم الله الرّحمن الرّحيم 1 - {سَأَلَ سائِلٌ:} دعا داع. (¬6) وعن عطاء قال: هو النّضر بن الحارث. (¬7) 3 - {ذِي الْمَعارِجِ:} معارج الملائكة والأنبياء وأرواح الشّهداء. 8 - وعن الحسن: أنّ عبد الله بن مسعود رجل أكرمه الله بصحبة محمد عليه السّلام، وأنّ عمر بن الخطّاب استعمله على بيت المال، وأنّه عمد إلى عمد فضّة مكسّرة، فخدّ لها أخدودا، ثمّ أمر بحطب فحركه، فأوقده عليها حتى أماعت وتزبدت، وعادت ألوانها، ثم قال: انظروا من بالباب فادخلوه، قال: هذه أشبه ما (¬8) رأينا في الدنيا بالمهل. (¬9) 9 - {كَالْعِهْنِ:} كالصّوف المصبوغ. (¬10) 11 - {يُبَصَّرُونَهُمْ:} يرونهم ويعرّفونهم، (¬11) وذلك بالنّداء على رؤوس الخلائق: ألا إنّ هذا فلان بن فلان كان من عمله كذا وكذا. 13 - أبو عبيد الهرويّ: الفصيلة أقرب العشيرة، فعبّاس بن عبد المطّلب فصيلة النّبيّ عليه السّلام، وأصل الفصيلة قطعة من لحم الفخذ. (¬12) ¬
15 - {إِنَّها لَظى (15) نَزّاعَةً لِلشَّوى:} لهب (¬1) النّار. (¬2) 16 - {لِلشَّوى:} واحدتها شواة، وهي جلدة الرّأس خاصّة. (¬3) 18 - {فَأَوْعى:} المتاع، كما وعى الكلام. (¬4) 19 - {هَلُوعاً:} يعني: الذي فسّره الله تعالى، وهو الجزوع (¬5) الذي إذا مسّه الشّرّ. (¬6) 21 - و (المنوع إذا مسّه الخير): فهو الضّجر (¬7) البخيل (¬8). {(خُلِقَ الْإِنْسانُ)}: يعني: الجمع. (¬9) (314 ظ) 22 - والاستثناء في {إِلاَّ الْمُصَلِّينَ} متّصل. (¬10) 23 - وعن عقبة بن عامر في {الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ} قال: هم الذين إذا صلّوا لم يلتفتوا خلفهم، ولا عن أيمانهم، ولا عن شمائلهم. (¬11) 33 - وعن ابن عبّاس في قوله: {بِشَهاداتِهِمْ قائِمُونَ} قال: الشّهادة بين على (¬12) ما كانت من قريب أو بعيد. 37 - {عِزِينَ} (¬13): جمع عزة، وهي الحلق. (¬14) ¬
39 - {كَلاّ:} ردّ لأطماعهم الفاسدة، ونفي لدخولهم الجنّة. (¬1) {إِنّا خَلَقْناهُمْ مِمّا يَعْلَمُونَ:} كلام غير متعلّق بما تقدمه، ويجوز أن يكون كالعلّة لما تقدمه من جهة أنّ الجنّة تستحقّ بالطاعة كالمؤمنين، وبالخلقة أخرى كحور العين. (¬2) 43 - {نُصُبٍ:} علم. (¬3) {يُوفِضُونَ:} يسرعون. (¬4) ¬
سورة نوح (عليه السلام)
سورة نوح (عليه السّلام) (¬1) مكيّة. (¬2) وهي ثلاثون آية عند أهل الحجاز. (¬3) بسم الله الرّحمن الرّحيم 7 - {جَعَلُوا أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ وَاِسْتَغْشَوْا ثِيابَهُمْ:} لتبرّمهم بنوح عليه السّلام، واستخفافهم به، فدعاهم جهارا، ثمّ أعلن لهم الوعد والوعيد، وأسرّهم إسرارا، فلم ينجح فيهم كلامه. 13 - {ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلّهِ وَقاراً:} لا تخشون لله عظمة، (¬4) ما لكم لا ترجون لوعد الله موقّرين إيّاه. 14 - {وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْواراً:} أي (¬5): خلقكم من تراب من نطفة، ثمّ من علقة، ثمّ من مضغة (¬6) مخلّقة وغير مخلّقة. (¬7) وقيل: خلق أرواحهم جنودا مجنّدة أوّل مرّة، وإخراجهم من صلب آدم عليه السّلام كأمثال الذّرّ للميثاق ثانيا، وتوليدهم من آبائهم وأمّهاتهم أطفالا للقدرة والاختيار ثالثا. وقيل: أراد تنميتهم والزّيادة في أجزائهم كلّ يوم. وقيل: أراد تصرّفهم من حال إلى حال. والطّور: المرّة (¬8). 23 - {وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُواعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً:} زيّن الشّيطان لعمرو بن لحيّ حتى اتّخذ أصناما على هذه الأسماء، وفرّقها في قبائل العرب، وزعم أنّه استخرجها من الأرض، وأنّها تلك الأصنام القديمة، فكانت ودّ لكلب بدومة الجندل، وسواع لهذيل برهاط، ويغوث لقبائل من اليمن بجرش، ويعوق لهمدان (¬9)، وفيه شيطان يكلّمهم إذا تحاكموا إليه، ¬
ونسر (¬1) لذي الكلاع بأرض حمير. 24 - ودعوة نوح عليه السّلام: {وَلا تَزِدِ الظّالِمِينَ إِلاّ ضَلالاً} كدعوة موسى عليه السّلام. {مِمّا:} (ما (¬2)) صلة (¬3) كما في قوله: {فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ} [آل عمران:159]. 26 - (ديّار): فيعال من الدّور. (¬4) وقيل: المراد بالدّيّار: صاحب الدّار. (¬5) وعن عبد الرّحمن بن عبد الله، عن أبيه قال: إذا كان يوم القيامة دعي نوح إلى (¬6) الحساب، فيقول قومه: لا، والله ما جاءنا، فيقول نوح: بلى والله قد بلّغت، فيقال له: من يعلم؟ فيقول: أمّة محمد، فيجيبون، ويشهدون له، ثمّ كذلك، ثمّ كذلك. ¬
سورة الجن
سورة الجن مكيّة. (¬1) وهي ثمان وعشرون آية بلا خلاف. (¬2) بسم الله الرّحمن الرّحيم 1 - {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ:} إنّها عماد، وهو ضمير الأمر والشّأن. وهذه السّورة في النّفر السّبعة الذين استمعوا لقراءة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم (315 و) ببطن نخلة، (¬3) وهو راجع من الطّائف، دون الذين أتوه بالحجون (¬4) بعد ذلك. 2 - وقوله: {فَآمَنّا (¬5)} بِهِ يدلّ على أنّهم لم يكونوا مؤمنين قبل ذلك مع معرفتهم موسى عليه السّلام، كان قد استزلّهم سفيههم بالشّبهات عن خالص التّوحيد (¬6)، كما استزلّ اليهود والنّصارى مع معرفتهم موسى وعيسى عليهما السّلام، وكما استزلّ [العرب] (¬7) مع معرفتهم إبراهيم عليه السّلام، واستعمالهم طائفة من شريعته. 3 - {تَعالى جَدُّ رَبِّنا:} أي: عظمة ربّنا، (¬8) والجدّ في النّاس السّعادة، وفي صفات الله ما ينفي الشّقاوة. 4 - {سَفِيهُنا:} إبليس الأبالسة، (¬9) فظنّهم الأوّل، والثّاني: اعتقادهم الفاسد، وظنّهم الثّالث: حقيقة العلم عند إيمانهم. 8 - {حَرَساً:} جمع حارس، وهو الرّقيب باللّيل. ¬
11 - (قدد (¬1)): جمع قدّة، وهي الرّهط والفرقة. (¬2) 13 - {رَهَقاً:} عيبا وخطأ. 14 - {تَحَرَّوْا:} طلبوا. (¬3) {وَمِنَّا الْقاسِطُونَ:} الجائرون (¬4) الذين يأخذون قسط غيرهم. عن أنس بن مالك قال: الجنّ لا يثابون ليس لمحسنهم ثواب، ولا لمسيئهم عقاب. وعن ابن عبّاس: مثله. وعن عبد الله بن عمرو بن العاص: لمحسنهم الثّواب، وعلى مسيئهم العقاب. 16 - {وَأَنْ لَوِ اِسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ:} على الكفر (¬5) من معنى قوله: {نُمْلِي (¬6)} لَهُمْ [آل عمران:178]، وقوله: {لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ} (¬7) [الزخرف:33]، وقال القيتبيّ: هي استقامتهم على طريقة الإسلام (¬8) في معنى قوله: {وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ (¬9)} وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ. . . الآية [المائدة:66]. وقيل: هي الطريقة الواحدة (¬10) من خير أو شرّ، لا يعنيها في معنى قوله: {وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلاّ مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ} [هود:118 - 119]. {ماءً غَدَقاً:} كثيرا واسعا، وهو عبارة عن المال وحسن الحال. (¬11) 17 - {عَذاباً صَعَداً:} شاقا (¬12) أخذ من الصّعود، وهي العقبة. (¬13) ¬
18 - {الْمَساجِدَ:} بيوت الله. (¬1) وقيل: أعضاء السّجود. (¬2) 19 - و {لِبَداً:} متلبّدين، وذلك من اجتماعهم وازدحامهم. (¬3) 24 - {حَتّى:} غاية للغيبة إن شاء الله. (¬4) 26 - {فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً:} لا يطلع على حقيقة غيبته باليقين أحدا؛ لأنّ الكهنة يزيدون وينقصون، وأصحاب الفراسة يخطئون ويصيبون. (¬5) 27 - {إِلاّ مَنِ اِرْتَضى:} إلا أحدا ارتضاه لرسالته، فإنّه تعالى يسلكه. (¬6) {رَصَداً:} من الملائكة (¬7) يرصدون الشياطين من بين يديه ومن خلفه؛ كيلا يلبّسوا الأمر عليه، (¬8) وهذا بعد ما ينسخ الله ما يلقي الشّيطان، ويحكم (¬9) الله آياته ليعلم الرّسول أن قد أبلغت الرّسل كلّهم رسالات الله بإذنه من غير زيادة ولا نقصان، وأنّ ربّهم تعالى قد أحاط بما لديهم وأحصى كل شيء عددا. ¬
سورة المزمل
سورة المزمل مكيّة. (¬1) وعن ابن عبّاس وعطاء: إلا آية (¬2): {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ} [المزمل:20]. (¬3) والمعدل وقتادة: إلا آيتين: {وَاِصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ} الآيتان [المزمل:10 - 11]. (¬4) وهي عشرون آية في عدد أهل مكّة والمدنيّ الأوّل والكوفة والشّام. (¬5) (315 ظ) بسم الله الرّحمن الرّحيم 20 - عن ابن عبّاس قال: كان بين أوّل المزمّل وآخرها سنة. (¬6) قال في قوله: {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ:} كانوا يقومون كنحو قيام شهر رمضان حتى نزل: {فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ.} (¬7) وعن الكلبيّ، عن أبي صالح، عن ابن عبّاس قال: فرض الله القيام في أوّل هذه السّورة، فقام النّبيّ عليه السّلام وأناس من أصحابه سنين حتى انتفخت أقدامهم، فأنزل الله اليسر والتّخفيف في هذه السّورة: {فَتابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} فنسخ قيام اللّيل، ثمّ أحسن عليهم الثّناء في قيامهم سنين، فقال: {كانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ} [الذاريات:17]: ما ينامون. 1 - {الْمُزَّمِّلُ:} المتزمّل في ثيابه، وكلّ شيء لفّ في شيء فقد زمّل. (¬8) 3 - {نِصْفَهُ:} بدل من اللّيل، (¬9) والأمر بالزّيادة والنّقصان لنفي الحرج. 4 - {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً:} قال ابن عبّاس: بيّنه تبيينا. (¬10) وعن ابن مسعود: لا ¬
تهذّوا القرآن هذّا كهذا الشّعر، ولا تنثروه كنثرة الدّقل. (¬1) وشعر رتل: مستوى النّبات. (¬2) 5 - {قَوْلاً ثَقِيلاً:} كلاما راجحا (¬3) مخالفا لشهوات النّفس. (¬4) 6 - وعن ابن أبي مليكة قال: سألت ابن عبّاس وابن الزّبير (¬5) عن {ناشِئَةَ اللَّيْلِ} (¬6)، فقالا: إذا قمت فهو ناشئة، أيّ اللّيل أنشأته فهو ناشئة. (¬7) 7 - {سَبْحاً:} قال ابن الأعرابيّ: إضطرابا (¬8) وتصرّفا للمعاش. (¬9) 8 - {وَتَبَتَّلْ:} انقطع إلى الله عزّ وجلّ. (¬10) 11 - {وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ:} أي: اكتف (¬11) بي كافيا (¬12) لأمرهم. (¬13) {أُولِي النَّعْمَةِ:} التّنعّم. (¬14) 12 - {أَنْكالاً:} جمع نكل، بكسر النّون وسكون الكاف، وهو قيد الدّابّة (¬15)، أو حديد اللّجام. (¬16) 13 - {ذا غُصَّةٍ:} شجا. (¬17) 14 - {كَثِيباً مَهِيلاً:} الكثبة المصبوبة من الرّمل. (¬18) ¬
16 - {وَبِيلاً:} ثقيلا (¬1). يقال: ماء وبيل، وطعام وبيل. (¬2) 17 - عن أبي سعيد الخدريّ، عنه عليه السلام: «يقول الله لآدم عليه السّلام يوم القيامة: قم وابعث بعث النّار، فيقول: يا ربّ، وما بعث النّار؟ قال: من كلّ ألف تسع مئة وتسع (¬3) وتسعون، فعند ذلك يشيب الصّغير. . .»، وذكر باقي الحديث. (¬4) 18 - {مُنْفَطِرٌ:} لأنّ السّماء تذكّر وتؤنّث. (¬5) {بِهِ:} بأمر الله، (¬6) أو باليوم الذي يجعل الولدان شيبا، (¬7) وهو من أمر الله تعالى. 20 - {ثُلُثَهُ:} واحد من الثلاثة. {وَنِصْفَهُ:} جزء من جزأين. وفي الآية دليل على جواز الصّلاة بقراءة ما تيسّر من القرآن من غير تخصيص فاتحة أو غيرها. وعن ابن مسعود قال: من اقترى منكم بالثّلاث الآيات التي في سورة البقرة فقد أكثر وأطاب. (¬8) وعن ابن عمر، عنه عليه السّلام: «لا يقبل الله الإيمان والصّلاة إلا بالزّكاة» (¬9). وعن علقمة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما من جالب يجلب طعاما من بلد إلى بلدان المسلمين بسعر يومه إلا كان منزلته عند الله منزلة الشّهداء»، (316 و) ثمّ قرأ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: {وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللهِ وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ.} (¬10) ¬
سورة المدثر
سورة المدثر مكيّة. (¬1) وهي ست وخمسون آية في غير عدد أهل الشّام [وأهل مكّة] والمدنيّ الأخير. (¬2) بسم الله الرّحمن الرّحيم 1 - عن أبي سلمة قال: سألت جابرا: أيّ القرآن أنزل أوّلا؟ قال: {يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ،} ثمّ أيّة آية؟ قال: {اِقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق:1]، ثمّ قال: ألا أخبرك بما حدّثنا به رسول الله عليه السّلام؟ قال: «كنت في حراء، فلمّا هبطت نوديت، فنظرت أمامي وخلفي، وعن يميني وعن شمالي فلم أر شيئا. . .» إلى أن قال: «فأتيت خديجة فقلت (¬3): دثّروني وصبّوا عليّ (¬4) ماء باردا، فأنزل: {يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ»} (¬5). و (التّدثير): استغشاء الدّثار، والدّثار من الثّياب ما فوق الشّعار. (¬6) 4 - وسئل (¬7) ابن عبّاس عن قوله: {وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ؟} قال: لا تلبسها على غدرة ولا فجور؟ (¬8) وقيل: هو أمر بقطع القلب عن العلائق. (¬9) وقيل: أمر بتنقية النّفس. (¬10) وقيل: أمر بتطهير الكسوة من النّجاسات الشّرعية. (¬11) وقيل: أمر بتهذيب الأخلاق. (¬12) ويجوز أن يكون أمرا بهذه المعاني كلّها، تقديره: كلّ ما يعبّر عنه بلفظ الثّياب؛ لأنّ كلّ ¬
واحدة من هذه العبادات حقيقة في موضعها (¬1) كالأخ. 5 - {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ:} على اجتناب أعيان النّجاسة بحكم الشّريعة، وعلى اجتناب الأصنام والآثام بحكم (¬2) الحقيقية. 6 - {وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ:} لا تعط عطيّة وهي كثيرة في عينك معجبة إيّاك. (¬3) وقيل: لا تعط عطيّة تبتغي عليها كثرة الجزاء. (¬4) 7 - وعن الكلبيّ، عن أبي صالح، عن ابن عبّاس: {وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ} يقول: اصبر نفسك في طاعة ربّك. 8 - {فَإِذا نُقِرَ:} قال أحمد بن فارس: النّقران تصوب بلسانك حتى تلصقه بحنكك. وقال: صاحب الدّيوان: نقر به إذا صفّر. و {النّاقُورِ:} الصّور (¬5) ينفخ فيه الملك بأمر الله عزّ وجلّ. وعن عون بن ذكوان: صلّى بنا زرارة بن أوفى صلاة الصّبح وقرأ: {يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} [المدثر:1]، فلمّا بلغ {فَإِذا نُقِرَ فِي النّاقُورِ} خرّ ميّتا. (¬6) 11 - وعن عكرمة قال: قال الوليد بن المغيرة لقريش: إنّي قد سمعت الشّعر رجزه وهزجه وقريظه ومحمسه ما سمعت شيئا (¬7) مثل هذا القرآن، وإنّ له لقرعا، وإنّ عليه لطلاوة، فقال بعضهم: هو سحر، قال الوليد بن المغيرة: ولكنّي سأنظر، قال: فنظر وفكّر، ثمّ قال: هو سحر، فنزل القرآن: {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً} إلى قوله: {سِحْرٌ يُؤْثَرُ} [المدثر:24]. (¬8) 17 - وعن أبي سعيد في قوله: {سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً} قال: هو صخر في جهنم، إذا وضع أحدهم عليها يده ذابت، وإذا رفعها (¬9) عادت اقتحامها {فَكُّ رَقَبَةٍ (13) أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي} ¬
{مَسْغَبَةٍ} [البلد:13 - 14]. (¬1) 11 - {وَحِيداً:} نصب على الحال، أي: منفردا. (¬2) 12 - {مالاً مَمْدُوداً:} ضيعة معروفة بالطّائف. (¬3) وعن الضّحّاك: أنّه أربعة آلاف دينار كانت موضوعة عنده. (¬4) (316 ظ) 13 - {وَبَنِينَ شُهُوداً:} سبعة ذكور كانوا حاضرين عنده. (¬5) 24 - {يُؤْثَرُ:} ينقل عن (¬6) المتقدّمين. (¬7) 22 - {عَبَسَ وَبَسَرَ:} أي: كلح. (¬8) 30 - وعن الشّعبيّ قال: قال ناس من اليهود لأناس من أصحاب النّبيّ (¬9) عليه السّلام: هل يعلم نبيّكم عدد خزنة جهنّم؟ قالوا: لا ندري حتى نسأله، فجاء رجل إلى النّبيّ عليه السّلام فقال: يا محمد، أغلب (¬10) أصحابك، قال: «فلما غلبوا». قال: سألهم يهود هل يعلم نبيّكم خزنة جهنّم؟ قال: «فما قالوا؟» قالوا: لا ندري حتى نسأل نبيّنا، قال: «أفغلب قوم سئلوا عمّا لا يعلمون؟ قالوا: لا نعلم حتى نسأل نبيّنا؟ لكنّهم قد سألوا (¬11) نبيّهم فقالوا: أرنا الله جهرة، عليّ بأعداء (¬12) الله، إنّي سائلهم عن تربة الجنّة، وهي الدّرمك (¬13)»، فلمّا جاؤوا قالوا: يا أبا القاسم، كم عدد خزنة جهنم؟ قال: «هكذا وهكذا»، في مرّة: عشرة وفي مرّة: تسع، قال لهم النّبيّ عليه السّلام: «ما تربة الجنّة؟» فسكتوا هنيهة، ثمّ قالوا: أخبزة (¬14) يا أبا القاسم؟ فقال عليه السّلام: ¬
«الجنّة (¬1) من الدّرمك» (¬2). 31 - {وَما هِيَ:} أي: الآيات المنزّلة من القرآن. (¬3) 34 - {وَالصُّبْحِ إِذا أَسْفَرَ:} تبيّن. (¬4) 35 - {الْكُبَرِ:} جمع كبرى. (¬5) 36 - {نَذِيراً:} إنذارا (¬6)، ويجوز إطلاق الاسم بمعنى المصدر، كقوله: {عَذابِي وَنُذُرِ} (¬7) [القمر:16]. 39 - أي عن المنهال علي (¬8) في قوله: {إِلاّ أَصْحابَ الْيَمِينِ:} قال: هم الولدان. (¬9) 51 - وعن ابن عبّاس في قوله: {فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ} قال: هو ركز النّاس. (¬10) قال سفيان: يعني: حسّهم وأصواتهم. (¬11) وعن أبي هريرة قال: الأسد. (¬12) وقال ابن عبّاس: الرّماة. (¬13) 56 - وعن أنس، عنه عليه السّلام في قوله: {هُوَ أَهْلُ التَّقْوى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ} قال: «قال الله تعالى: أنا أهل أن أتّقى، فمن اتّقى ولم يجعل معي إلها فأنا أهل أن أغفر له» (¬14). ¬
سورة القيامة
سورة القيامة مكية. (¬1) وهي تسع وثلاثون آية في غير عدد أهل الكوفة. (¬2) بسم الله الرّحمن الرّحيم 1 و 2 - عن موسى بن يسار: أن النبي علي السّلام قرأ هاتين الآيتين {لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ (1) وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوّامَةِ} قال: «ليس يوم القيامة أحد إلا يلوم نفسه، إن كان محسنا ألا يكون ازداد، وإن كان مسيئا فهو ألوم». 3 - {أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ:} عديّ بن ربيعة. (¬3) 4 - {قادِرِينَ:} نصب على الحال. (¬4) {نُسَوِّيَ بَنانَهُ:} نسوّي مفاصله عن نظامها الطبيعي. (¬5) وقيل: نصيّر الكفّ مثل خفّ الإبل. (¬6) 5 - عن ابن عباس {لِيَفْجُرَ أَمامَهُ} قال: قول الإنسان سوف أتوب. (¬7) فأمام الشيء: ما يستقبله. (¬8) 8 - {وَخَسَفَ الْقَمَرُ:} الخسوف: النقصان، والخسف: التذليل. (¬9) 11 - {كَلاّ لا وَزَرَ:} حصن ملجأ. (¬10) وعن السدي، عن أبي سعيد، عن ابن مسعود: ¬
لا حصن. (¬1) وعند السدي عن أبي مالك، عن ابن عباس: لا نجاة. (¬2) 12 - {إِلى رَبِّكَ:} إلى حكم ربّك. (¬3) 14 - {بَصِيرَةٌ:} الهاء للمبالغة، (¬4) مجازه: شاهد على نفسه، عارف بما فعل، وإن جحد وتناكر. 15 - {مَعاذِيرَهُ:} (317 و) جمع معذرة. (¬5) 16 - عن ابن عباس قال: كان النبي عليه السّلام إذا نزل عليه القرآن تعجل ليحفظه، فأنزل الله: {لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ.} (¬6) التحريك ضدّ التسكين. 18 - والقرآن مصدر كالقراءة. (¬7) 19 - {بَيانَهُ:} تفسير المجملات. (¬8) 22 - {ناضِرَةٌ:} النّضرة: البهجة والطراوة. (¬9) 23 - وفي تعدية النظر ب {إِلى} دليل على أن المراد به النظر بالعين. (¬10) 25 - {فاقِرَةٌ:} داهية تكسر فاقرة الظهر. (¬11) 26 - {إِذا بَلَغَتِ:} أي: النفس المنزوعة. (¬12) {التَّراقِيَ:} جمع ترقوة. (¬13) 28 - {وَظَنَّ:} تيقن بالموت (¬14) دون أصحابه على رأسه. ¬
{الْفِراقُ} (¬1): الموت، قال عليّ (¬2): لكلّ اجتماع من خليلين فرقة … وكلّ الذي دون الفراق قليل 29 - {وَاِلْتَفَّتِ السّاقُ بِالسّاقِ:} من الوهي وزوال التّماسك والفزع. وقيل: انضمام شدّة إلى شدّة. (¬3) 31 - {فَلا صَدَّقَ وَلا صَلّى:} نزلت الآيات في أبي جهل. (¬4) 33 - {يَتَمَطّى:} يتمدد على سبيل التبختر أو الكسل. (¬5) 36 - {سُدىً:} إهمالا وتخلية. (¬6) ¬
سورة الإنسان
سورة الإنسان مكيّة. (¬1) وقيل: مدنيّة. (¬2) وعن الحسن: آية مدنية: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ} [الإنسان:8]. (¬3) وقيل: {إِنّا نَحْنُ نَزَّلْنا} [الإنسان:23] إلى آخر السّورة مكيّ. (¬4) وعن الكلبيّ: أنّ قوله: {وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً} [الإنسان:24] مكيّ في الوليد بن المغيرة وعتبة بن ربيعة. (¬5) وهي إحدى وثلاثون آية بلا خلاف. (¬6) بسم الله الرّحمن الرّحيم 1 - {هَلْ:} بمعنى قد. (¬7) 2 - {أَمْشاجٍ نَبْتَلِيهِ:} عن ابن عبّاس قال: ماء الرّجل وماء المرأة حين يختلطان. (¬8) وعنه: ماء الرّحم والفرج. 5 - {كافُوراً:} الله أعلم بكافور الجنّة، ما هو؟ وكيف هو؟ فأمّا كافور الدّنيا فطيب، هو صمغ شجرة يصعد بالنّار حبل (¬9)، وهو بارد جامد مجمّد، وفي أدنى حرارة من جهة المرارة، وماء الكافور في غاية الحرارة، وهو من جملة الطّيب أيضا. 7 - {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ:} عنه عليه السّلام: «النّذر ما ابتغي به وجه الله» (¬10). وعنه عليه السّلام: «لا نذر في غضب، وكفّارته كفارة يمين» (¬11). 8 - وعن مجاهد وأبي صالح: مرض الحسن والحسين فعادهما رسول الله مع أبي بكر ¬
وعمر، قال: عمر: يا عليّ لو نذرت في ابنيك، فنذر عليّ صوم ثلاثة أيّام، فأنزل الله. وقيل: إنّ عليا لم يجد بعد صوم ثلاثة أيّام إلا ثلاثة أرغفة، فجاء مسكين ويتيم وأسير يسألونه، فتصدّق بها عليهم ولم يفطر، فأنزل الله. وقيل: مرضا فنذر فاطمة وعليّ والجارية صوم ثلاثة أيّام متتابعات، فاشترى عليّ ثلاثة أصوع من شعير من يهوديّ على غزل جزّة صوف اليهوديّ (¬1)، فلمّا كان وقت الإفطار جاءهم مسكين فأطعموه، وباتوا جياعا لم يفطروا إلا على الماء، وفي اليوم الثّاني جاءهم يتيم فأطعموه كذلك، وفي اليوم الثالث جاءهم أسير فأطعموه كذلك، فأنزل الله: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ.} (¬2) وعن ابن الحنفيّة قال: كان الأسير يومئذ من أهل الشّرك. 10 - {قَمْطَرِيراً:} مقبضا بين عينيه من العبوس. (¬3) 14 - {وَذُلِّلَتْ:} سخّرت تسخيرا للنّيل (¬4) منها. (¬5) (317 ظ) وعن عليّ رضي الله عنه قال: ينطلق بهم حتى يأتوا بابا من أبواب الجنّة، فإذا عند شجرة يخرج من تحت ساقها عينان، فيتوضّؤون من أحدهما، فيجري بنضرة النعيم، فلا يتغيّر إنسان بعدها أبدا، ولا تشعث أشعارهم بعدها أبدا، ويشربون من الأخرى، فيخرج ما في بطونهم من أذّى، ثم يأتون خزنة الجنّة فيقولون: {سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوها خالِدِينَ} [الزمر:73]، ويتلقاهم الولدان حتى يأتي بعضهم أزواج الرّجل فيبشرهنّ، ويقول: جاء فلان، ¬
باسمه، فيقلن: أنت رأيته؟ فيقول: نعم، فيستخفّها الفرح حتى (¬1) تقوم إلى باب بيتها، فيدخل بيتا بني أسفله من جندل اللّؤلؤ، وحيطانه من كلّ لون، ثمّ ينظر إلى سقفه فلولا أنّه شيء قدّر الله له أن يذهب لم يبصره، فإذا هو بسرر مرفوعة، وأكواب موضوعة، ونمارق مصفوفة متّكئين عليها، ثمّ يقول: {الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا} (¬2) الآية [الأعراف:43]. (¬3) 15 - وعن ابن عبّاس في قوله: {كانَتْ قَوارِيرَا} قال: لو أنّك أخذت من فضّة الدّنيا فصنعتها حتى تكون مثل جناح الذّباب ما رأيت الماء من ورائها، ولكن قوراير الجنّة في بياض الفضّة في صفاء القوارير. (¬4) 16 - {قَدَّرُوها:} أي: الخدم قدّروا الأواني والكؤوس. (¬5) {تَقْدِيراً:} على مقدار ريّ المسقيّ لا نقص ولا عجز. (¬6) ويحتمل: أنّ أهل الجنّة يقدّرون القوارير من فضّة فيتوهّمونها كذلك لصفائها وبياضها توهّما حقّا. 17 - و (الزّنجبيل): في الدّنيا يزكّى بالعسل كالشقاقل، وهو غاية الحرارة والحدّة، والله أعلم بزنجبيل الجنّة. 18 - {سَلْسَبِيلاً:} عذبا سلسالا. (¬7) 20 - {ثَمَّ:} إشارة إلى المكان كهناك. (¬8) 24 - {وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً:} في عرض قريش الأموال والبنات، وعقد اللّواء على رسول الله على أن يكفّ عن آلهتهم. (¬9) 28 - {أَسْرَهُمْ:} فقدهم وحبسهم، والمراد به الخلقة هاهنا. (¬10) ¬
سورة المرسلات
سورة المرسلات مكيّة. (¬1) وعن ابن عبّاس: إلا آية نزلت في ثقيف حين قالوا: لا ننحني، وهو قوله: {وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اِرْكَعُوا} الآية [المرسلات:48]. (¬2) وهي خمسون آية من غير خلاف. (¬3) بسم الله الرّحمن الرّحيم 1 و 2 و 3 و 4 - عن الأسود، عن عبد الله قال: كنّا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في غار، فأنزل عليه: {وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً} فنحن نأخذ من فيه رطبة (¬4)، إذا خرجت حيّة، فقال: «اقتلوها»، فسبقت، فقال: «وقاها الله شرّكم، كما وقاكم الله شرّها» (¬5). وسئل (¬6) عبد الله بن مسعود عن (المرسلات)، قال: الرّيح، {فَالْعاصِفاتِ عَصْفاً:} قال: الرّيح، {وَالنّاشِراتِ نَشْراً:} قال: الرّيح، {فَالْفارِقاتِ فَرْقاً:} قال: حسبك (¬7). (¬8) يعني: هبوب السّهلة. وقيل: الملائكة المرسلة. (¬9) و (الفارقات): الآيات التي تفرق بين الحقّ والباطل. (¬10) و (الملقيات): الملائكة. (¬11) 6 - {عُذْراً أَوْ نُذْراً:} كالبدل من الذّكر. (¬12) 7 - {إِنَّما تُوعَدُونَ:} يعني: القيامة. (¬13) ¬
25 و 26 - عن أبي هريرة في قوله: {أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفاتاً أَحْياءً وَأَمْواتاً} قال: ظهرها للأحياء وبطنها للأموات. (318 و) وأخذ ابن مسعود قملة في الصّلاة فدفنها ثم قال: {أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفاتاً أَحْياءً وَأَمْواتاً.} (¬1) ذات كفت وهو الجمع والضمّ. (¬2) 27 - {شامِخاتٍ:} عاليات. (¬3) 30 - {شُعَبٍ:} جمع شعبة. 32 - {بِشَرَرٍ:} وهو ما ينتفض من النّار، واحدتها شرارة. (¬4) {كَالْقَصْرِ:} شبّهة؛ لاشتباكه كاشتباك بروج القصر وشرفه. وقيل: القصر اسم جنس، والمراد به القصور المتلاصقة. {كَأَنَّهُ:} أي: كأنّ القصر من قصور مياه العرب، (¬5) وشبّه القصر أو (¬6) القصور بالجمالات الصّفر؛ لأنّ تخيّل الأبنية في الأقضية كالسّائمة للمتأمّل من بعيد، لا سيّما في القيظ عند تلألؤ الرّمال، وتغيّر الظّلال. وقيل: التّشبيهين جميعا يتشردون القصر على سبيل إبدال أحد التّشبيهين من الآخر. 36 - {فَيَعْتَذِرُونَ:} عطف على {لا يَنْطِقُونَ (35) وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ} (¬7) في النّطق والاعتذار. 50 - عن إسماعيل بن أميّة: أنّ النّبيّ عليه السّلام كان إذا قرأ (¬8): {فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ} قال: «آمنت بالله وبما أنزل» (¬9). والله أعلم. ¬
سورة التساؤل (النبأ)
سورة التساؤل (النبأ) مكيّة. (¬1) وهي أربعون آية في عدد [غير] أهل مكة والبصرة. (¬2) بسم الله الرّحمن الرّحيم 1 - 12 - نزلت في قريش، كانوا يتساءلون عن القرآن وما فيه: خبر القيامة؟ أهو شعر أم سحر أم كهانة؟ والقيامة كائنة أم غير كائنة؟ فكان يقع تساؤلهم في الحقيقة عن شيء واحد، فافتتح (¬3) الله هذه السّورة بالسّؤال على سبيل الإنكار والتّعجب، فتقدير الكلام (¬4): عن ماذا يتساءلون، أعني النّبأ العظيم الذي هم فيه مختلفون، كلا سيعلمونه علما ضروريا، ثمّ كلا سيعلمون (¬5) أنّ يوم الفصل كان ميقاتا، وما بين الفصلين كالعارض من الكلام. 13 - {وَهّاجاً:} متوهّجا متوقّدا. (¬6) 14 - {مِنَ الْمُعْصِراتِ:} الرّياح. (¬7) {ماءً ثَجّاجاً:} سيّالا. (¬8) 16 - {أَلْفافاً:} ملتفّة. (¬9) 23 - {أَحْقاباً:} عن عليّ: أنّه سأل الهجري، وكان صاحب كتب، كم تجدون الحقب؟ قال: سبعين. (¬10) وعن عبد الله بن عمرو بن العاص: الحقب ثمانون سنة، السّنة ثلاث مئة ¬
وستون يوما (¬1)، اليوم كألف سنة ممّا تعدّون. (¬2) 24 - {بَرْداً:} برد العفو والعافية. وقيل: نوما. (¬3) 28 - {كِذّاباً:} لغة يمانية فصيحة مصدر (¬4) التّكذيب. (¬5) 33 - {وَكَواعِبَ:} جمع كاعب، وهي الجارية التي نهد ثديها (¬6) كالرّمّانة. (¬7) 34 - (¬8) وعن الكلبيّ، عن أبي صالح: أنّ العبّاس بن عبد المطّلب يقول: كنّا في جاهليتنا نقول: اسقنا دهاقا (¬9). يقول فلان: متتابعات. (¬10) وعن ابن عبّاس: مملوءة سائغة. (¬11) وعن أبي هريرة: دمدما. (¬12) 37 - {لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ:} من دونه ومن غير إذنه {خِطاباً.} 38 - {وَقالَ صَواباً:} لا إله إلا الله محمد رسول الله. (¬13) 40 - {وَيَقُولُ الْكافِرُ:} كلّ كافر يتمنّى أن يصير ترابا، أي: هباء منثورا مثل سائر الحيوان. (¬14) وقيل: الكافر إبليس يودّ لو كان ترابا، مخلوقا من تراب (318 ظ) مثل آدم عليه السّلام. (¬15) ¬
سورة النازعات
سورة النازعات مكيّة. (¬1) وهي خمس وأربعون آية في غير عدد أهل الكوفة. (¬2) بسم الله الرّحمن الرّحيم 1 - {وَالنّازِعاتِ غَرْقاً:} هم الملائكة (¬3) الذين ينزعون الأرواح من الأشباح بإذن الله مدّا شديدا كإغراق النشّاب في القوس، (¬4) وإغراقا للنّفس في ريقها عند ما يغرغر الإنسان. 2 - {وَالنّاشِطاتِ:} هم الملائكة يعقدون على أطراف من حضره الموت مثل العقد على الذّبيحة لئلا تضطرب، تقول: نشطت: إذا عقدت، وأنشطت: إذا حللت. (¬5) والذين يقشرون الرّوح قشرا، تقول: نشطت الشّيء إذا قشرته (¬6). 3 - {وَالسّابِحاتِ:} هم الملائكة كانوا يسبحون في الهواء إلى السّماء بروح الميّت، والأنفس تسبح في الأشباح إلى أن تنزع. 4 - و (السّابقات): هي الأنفس (¬7)، أو الملائكة (¬8). 5 - و (المدبّرات): هي الأنفس المدبّرة بغير ما قدّر الله عليها، والملائكة الذين يدبّرون بأمر الله (¬9). وقيل: (النّازعات): الرّماة (¬10) الغزاة (¬11) نزعوا القسيّ، فاغرقوا النّشّاب فيها نشاطهم، أو نشاط خيلهم، و (السّابحات): هي الخيل التي كأنّها تسبح عند الرّكض، (¬12) و (السّابقات): في ¬
جياد الخيل، (¬1) و (المدّبرات): أمراء السّرايا. وجواب القسم مضمر عند الفرّاء، تقديره: لأنتم مردودون في الحافرة مبعوثون للحساب. (¬2) وقيل: جواب القسم {قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ واجِفَةٌ} [النازعات:8]، تقديره: لقلوب، أو أوجفت (¬3) القلوب. ويحتمل: أنّ جواب القسم: {إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشى} [النازعات:26]. (¬4) 6 - {يَوْمَ تَرْجُفُ:} تزلزل (¬5). {الرّاجِفَةُ:} الأرض. (¬6) 7 - {تَتْبَعُهَا} أي: تتبع الرّجفة أو النفخة التي هي سبب الرجفة رادفة النّفخة الثّانية إن شاء الله. وقيل: هما رجفتان الأولى: لموت الحيوان، والثّانية: لتدكدك الجبال، وانقلاب الأرض ظهرا عن بطن. 8 - {واجِفَةٌ:} مضطربة من الهول. (¬7) 10 - {يَقُولُونَ} (¬8): كلام مبتدأ على سبيل الحكاية على الكفّار في الدّنيا. {لَمَرْدُودُونَ فِي الْحافِرَةِ:} يعني: الرّجعة إلى الشباب وعنفوان الأمر، يقال: رجع الأمر إلى حافرته، وهي حافرته. وقيل: {الْحافِرَةِ:} الحفرة المحفورة، وهي القبر. (¬9) 12 - {تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خاسِرَةٌ:} أي: رجعة خاسرة، أي: رجعة ذات خسر. (¬10) 13 - {فَإِنَّما (¬11)} هِيَ: يعني: الكرّة. (¬12) {زَجْرَةٌ:} صوتة، والزّجر بالسّائمة، والصّيد هو الصّوت بها. ¬
14 - {بِالسّاهِرَةِ:} بالأرض. (¬1) 18 - {هَلْ لَكَ:} هل فيك من رغبة وميل إلى أن تزكى؟ (¬2) 25 - {نَكالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولى:} أما نكاله في الآخرة فحين يقدم قومه إلى النّار، وأما نكاله في الدّنيا فعندما قذفه البحر إلى نجوة من الأرض. 28 - {سَمْكَها:} علوّها الدّاخل في المساحة. (¬3) 29 - {وَأَغْطَشَ:} أظلم الله اللّيل، والأغطش: الذي في عينيه شبه العمش. (¬4) 30 - {دَحاها:} بسطها ووسّعها. (¬5) عن عبد الله بن عمرو قال: أوّل ما وضع الله الكعبة دحى الأرض من تحتها، ثمّ بنى السّماء بعدها بألف عام، ثمّ قال الله تعالى: {وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ} دحئها. وعن ابن عبّاس: خلق الله (319 و) الأرض قبل أن يخلق السّماء، ودحى الأرض بعد ما خلق السّماء. (¬6) 34 - {الطَّامَّةُ:} الخصلة العالية الغالبة القاهرة، يقال: طمّ الأمر إذا غلب وعلا وهي من أسماء القيامة. (¬7) 43 و 44 - عن عروة بن الزّبير قال: لم يزل النّبيّ عليه السّلام يسأل عن السّاعة حتى نزلت: {فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْراها (43) إِلى رَبِّكَ مُنْتَهاها} فانتهى ولم يسأل عنها. (¬8) وعن عروة، عن عائشة قالت: لم يزل النّبيّ عليه السّلام يسأل عن السّاعة حتى نزل (¬9) عليه: {فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْراها (43) إِلى رَبِّكَ مُنْتَهاها} فانتهى. (¬10) ¬
سورة عبس
سورة عبس مكيّة. (¬1) وهي اثنتان وأربعون آية في عدد أهل الحجاز والكوفة. (¬2) بسم الله الرّحمن الرّحيم 1 - عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت: أنزلت {عَبَسَ وَتَوَلّى} في ابن أمّ مكتوم الأعمى، أتى رسول الله فجعل يقول: يا رسول الله، أرشدني، وعند رسول الله من عظماء المشركين، فجعل رسول الله يعرض [عنه] (¬3)، ويقبل على (¬4) الآخرين، ويقول: أترى بما أقول بأسا؟ فيقول: لا، ففي هذا أنزل. (¬5) 5 و 6 - وعن عروة بن الزّبير قال: جاء ابن أمّ مكتوم إلى النّبيّ، وهو أعمى، فقال: يا رسول الله، علّمني ممّا علمك الله، وجاءه أميّة بن خلف وابن أمّ مكتوم يكلّمه، فأقبل رسول الله على أميّة، وأعرض عن ابن أمّ مكتوم، وعبس في وجهه، فأنزل. (¬6) 5 و 6 - {أَمّا مَنِ اِسْتَغْنى (5) فَأَنْتَ لَهُ تَصَدّى:} يعني: أميّة بن خلف. (¬7) 7 - {أَلاّ يَزَّكّى:} يقول: يهتدي. (¬8) 15 و 16 - {بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (15) كِرامٍ بَرَرَةٍ} (16) يعني: الملائكة. (¬9) 19 - {فَقَدَّرَهُ:} في الرّحم. قال الأمير: التّصدّي للشّيء استشرافه والنّظر إليه، والتلهّي عن الشّيء التّشاغل عنه. ¬
17 - قال الكلبيّ: {الْإِنْسانُ} هاهنا عتبة بن أبي لهب. (¬1) {ما أَكْفَرَهُ:} كفر بالنّجم إذا هوى. 20 - {ثُمَّ السَّبِيلَ:} سبيل الولادة (¬2)، أو سبيل التنفس، أو سبيل الطّعام والشّراب، أو سبيل الخير والشرّ (¬3). 21 - {فَأَقْبَرَهُ:} أي: جعل له قبرا يواري سوأته. (¬4) 23 - {كَلاّ لَمّا يَقْضِ ما أَمَرَهُ:} يجوز أن يتناول كلّ (¬5) إنسان، على معنى قوله: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ} [النساء:129]. (¬6) 28 - {قَضْباً:} رطبة، وكلّ ما يقضب من النّبات رطبا. (¬7) 30 - {غُلْباً:} غلاظا (¬8) طوالا (¬9). 31 - {وَأَبًّا:} مرعى. (¬10) 33 - و {الصَّاخَّةُ:} الصّيحة التي تصخّ الأسماع وتصمّها، وهي صيحة يوم القيامة. (¬11) 37 - عن ابن عبّاس، عنه عليه السّلام: «يحشر الناس حفاة عراة غرلا»، فقالت امرأة: يبصر ويرى بعضنا عورة بعض؟ قال: «يا فلانة، {لِكُلِّ اِمْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} (¬12). 40 - (القترة): صفة من الغبار. (¬13) ¬
سورة التكوير
سورة التكوير مكيّة. (¬1) وهي ثمان وعشرون آية في عدد المدنيّ الأوّل. (¬2) بسم الله الرّحمن الرّحيم عن ابن عمر قال: قال رسول الله عليه السّلام: «من سرّه أن ينظر إلى يوم القيامة رأي عين فليقرأ: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} و {إِذَا السَّماءُ اِنْفَطَرَتْ»} (¬3). 1 - وعن ابن عبّاس في قوله: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} قال: يكوّر الله الشمس والقمر يوم القيامة، ثمّ يبعث عليها ريح الدّبور (¬4) (319 ظ) فيصرفها، فتصير نارا، فذلك (¬5) قوله: {وَإِذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ} [التكوير:6]. (¬6) وفي قوله: {وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ} [التكوير:5] ليحشرنّ كلّ شيء حتى الذّباب. وقال أيضا: حشرها موتها. (¬7) 7 - وعن عمر بن الخطّاب رضي الله عنه في قوله: {وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ} قال: هما الرّجلان يعملان العمل فيدخلان به الجنّة. (¬8) وعنه قال: الفاجر مع الفاجر، والصالح مع الصالح. (¬9) 4 - {الْعِشارُ:} جمع عشراء، وهي النّاقة التي قربت ولادتها. (¬10) ¬
{عُطِّلَتْ:} تركت وأهملت. (¬1) 5 - و {الْوُحُوشُ:} جمع وحش، وهو ما توحّش من الصّيد. 8 - {الْمَوْؤُدَةُ:} المدفونة قبل الموت. (¬2) قيل: وأد البنات من المكرمات. (¬3) {سُئِلَتْ:} كسؤال عيسى عليه السّلام. (¬4) 11 - {كُشِطَتْ:} نحيّت عنها. (¬5) 16 - عن عمرو بن شرحبيل: {الْجَوارِ الْكُنَّسِ:} الظّباء تكنس بالنّهار من الحرّ في الكنّ تسكن. وقال الفرّاء (¬6) وغيره (¬7): وهي النّجوم الخمسة في الكنّاس، وهو بيت الظّباء. 17 - {وَاللَّيْلِ إِذا عَسْعَسَ:} أقبل. (¬8) وقيل: أدبر. (¬9) من الأضداد، (¬10) وعسعست السّحابة إذا دنت من الأرض باللّيل. (¬11) 18 - {وَالصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ:} انفلق، من قولهم: تنفّست القوس إذا انشقّت. (¬12) ¬
سورة الانفطار
سورة الانفطار مكيّة. (¬1) وهي تسع عشرة آية بلا خلاف. (¬2) بسم الله الرّحمن الرّحيم 4 - {بُعْثِرَتْ:} بحثرت، فتّشت، وقلبت. (¬3) 5 - وعن ابن عبّاس في قوله: {عَلِمَتْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ:} يقول: ما علمت من خير أو شرّ، فإن كان شرّا كان عليه مثل (¬4) أوزار من عمل به من غير أن ينقص من أوزارهم شيء، وإن كان خيرا كان له مثل أجر من يعمل به من غير أن ينتقص من أجورهم شيء. (¬5) 8 - {رَكَّبَكَ:} ألّفك (¬6). ¬
سورة التطفيف
سورة التطفيف مكيّة. (¬1) وعن ابن عبّاس وقتادة: مدنيّة إلا ثمان آيات من قوله: {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا} [المطففين:29]. (¬2) وهي ست وثلاثون آية بلا خلاف. (¬3) بسم الله الرّحمن الرّحيم 1 - عن ابن عبّاس قال: لّما (¬4) خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من مكة مهاجرا إلى المدينة نزل عليه جبريل بالمدينة بقوله: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ} واقترأها رسول الله عليهم، فأحسنوا كيلهم ووزنهم بعد. (¬5) 2 - قوله: {يَسْتَوْفُونَ:} يعني: على غيرهم يستوفون الكيل والوزن، والاكتيال والاتزان. (¬6) 3 - {وَإِذا كالُوهُمْ:} لغيرهم. {أَوْ وَزَنُوهُمْ:} لغيرهم. (¬7) {يُخْسِرُونَ:} ينقصون (¬8)، وضمير الجمع متّصل كقوله: كلتك طعاما، ووزنتك مئة، فهو عائد إلى النّاس، ولهذا لم تكتب الألف بعد الواو كقوله (¬9): {تَبْغُونَها عِوَجاً} [آل عمران:99]، {يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ} [التوبة:47]. (¬10) 4 - يقول الله عز وجل: {أَلا يَظُنُّ:} ألا يعلم. (¬11) ¬
4 و 5 - {أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ (4) لِيَوْمٍ عَظِيمٍ:} وهو يوم القيامة (¬1)، فيسألون عن كيلهم ووزنهم. 6 - وعن ابن عبّاس في قوله: {يَوْمَ يَقُومُ النّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ:} وهو يوم (¬2) القيامة للحساب، فيقومون بين يدي ربّ العالمين مقدار ثلاث مئة سنة، ويهوّن على المؤمنين كقدر انصرافهم من الصّلاة. (¬3) وعن أبيّ بن كعب: يقومون ثلاث مئة عام لا يؤذن لهم فيقعدوا، فيهوّن (320 و) عليهم كما تهوّن عليهم المكتوبة. (¬4) وعن سلمان قال: الصّلاة مكيال، فمن أوفى (¬5) أوفى الله له، وقد سمعتم ما قال الله في الكيل: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ} [المطففين:1]. (¬6) وعن ابن عمر، عنه عليه السّلام: «يقوم أحدهم في الرّشح إلى أنصاف أذنيه» (¬7). 14 - وعن أبي هريرة، عنه عليه السّلام: «إذا أذنب العبد نكت (¬8) في قلبه نكتة سوداء، فإن تاب صقل منها، وإن عاد ازداد حتى يعظم في قلبه، فذلك الرّان الذي قال الله تعالى: {كَلاّ بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ»} (¬9). 15 - وفحوى قوله: {إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ:} أن يكون أهل الجنّة غير محجوبين. (¬10) 20 - {مَرْقُومٌ:} مكتوب. (¬11) 18 - {عِلِّيِّينَ:} من العلوّ. عن أسامة بن زيد، عن أبيه قال: السّماء السّابعة. (¬12) 7 - {سِجِّينٍ:} من السّجن (¬13). عن سعيد قال: تحت حدّ إبليس. (1) ¬
25 و 26 و 27 - عن مسروق، عن عبد الله: {رَحِيقٍ:} خمر، {مَخْتُومٍ:} ممزوج، {خِتامُهُ مِسْكٌ:} طعمه وريحه، {تَسْنِيمٍ} قال: عين في الجنة {يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ} صرفا، وتمزج لأصحاب اليمين. (¬2) 26 - قال الأمير: خاتم الشّيء وختامه آخره، أي: آخر طعم الشّراب. {فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ:} فليتفاضل في الرّغبة والإيثار. 27 - {تَسْنِيمٍ:} شراب متسنّم إلى الغرف. 33 - {وَما أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حافِظِينَ:} أي: ما جعل الله الكفّار رقباء على المؤمنين. (¬3) 30 - {يَتَغامَزُونَ:} يتلامزون. (1) تفسير الطبري 12/ 488، وإعراب القرآن للنحاس 5/ 176، وتفسير الثعلبي 10/ 152. ¬
سورة الانشقاق
سورة الانشقاق مكيّة. (¬1) وهي خمس وعشرون آية في عدد أهل الحجاز والكوفة. (¬2) بسم الله الرّحمن الرّحيم 1 - {إِذَا السَّماءُ اِنْشَقَّتْ:} بالغمام. (¬3) 2 - {وَأَذِنَتْ:} يعني: الأرض، إذنها: سمعها وطاعتها في الانفعال. 3 - {مُدَّتْ:} سوّيت قاعا صفصفا. (¬4) 4 - {وَأَلْقَتْ ما فِيها:} أخرجت ما فيها من الكنوز والموتى من بطنها إلى ظهرها، وذلك تخلّيها. (¬5) 5 - {وَحُقَّتْ:} أي: حق لها أن تسمع وتطيع. (¬6) 6 - {يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ:} كلّ واحد من النّاس. (¬7) وذكر الكلبيّ: أنّه أبيّ بن خلف. (¬8) وذكر مقاتل: أنّه الأسود بن (¬9) عبد الأسود. (¬10) عن ابن عمر، عنه عليه السّلام: «أنا أوّل من تنشقّ عنه الأرض يوم القيامة، فأجلس جالسا في قبري، ثمّ يفتح لي باب إلى السّماء بحيال رأسي حتى أنظر إلى عرش ربّي، ثمّ يفتح لي باب إلى الأرض السّفلى حتى أنظر إلى الثّور والثّرى، ثمّ يفتح لي باب عن يميني حتى أنظر إلى الجنّة، وإلى منازل أصحابي، وإنّ الأرض تحرّكت تحتي فقلت: ما لك أيّتها الأرض؟ قالت: إنّ ربّي أمرني أن ألقي ما في جوفي وأن أتخلى فأكون كما كنت إذ لا شيء فيّ، وذلك قوله ¬
تعالى: {وَأَلْقَتْ ما فِيها وَتَخَلَّتْ (4) وَأَذِنَتْ لِرَبِّها وَحُقَّتْ:} أي: سمعت وأطاعت وحقّ لها أن تسمع وتطيع (¬1)» (¬2). {يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ:} قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أنا ذلك الإنسان». قال الأمير: رواته مجهولون. {كادِحٌ:} ساع. (¬3) 9 - {مَسْرُوراً:} فرحا. (¬4) 14 - {لَنْ يَحُورَ:} يرجع (¬5) ويهلك. وعن عائشة قالت: من حوسب دخل الجنّة، يقول الله (320 ظ): {فَأَمّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ (7) فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً (8) وَيَنْقَلِبُ إِلى أَهْلِهِ مَسْرُوراً} (9) [الانشقاق:7 - 9]، ويقول للآخرين (¬6)، يعني: الكفّار: {فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ} [الرحمن:39]. وعن القاسم بن محمد، عن عائشة قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من نوقش الحساب لم يغفر له»، قلت: يا رسول الله، فأين قوله: {فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً؟} قال: «ذلك العرض». (¬7) وعن أنس بن مالك قال: من حوسب عذّب. (¬8) 16 - (الشّفق): هو اسم لشعاع الشّمس بعد غروبها، ومأخذه من الشّفقة، وهي رقّة القلب، والشّفق من كلّ شيء أرذله، ويقال: فلان في شفق من حياة إذا كان في النّزع. (¬9) 18 - {وَالْقَمَرِ إِذَا اِتَّسَقَ:} اجتمع ليلة البدر. (¬10) ¬
21 - عن الأسود قال: رأيت عمر بن الخطّاب وعبد الله بن مسعود يسجدان في {إِذَا السَّماءُ اِنْشَقَّتْ.} (¬1) وعن أبي رافع قال: صلّيت خلف أبي هريرة بالمدينة فقرأ: {إِذَا السَّماءُ اِنْشَقَّتْ} فسجد فيها، فلمّا فرغ من صلاته لقيته فقلت: أتسجد فيها؟ فقال: رأيت رسول الله عليه السّلام يسجد فيها، فلن أدع ذلك. (¬2) 23 - {يُوعُونَ:} يجمعون في صدورهم ويضمرونه، من العداوة والمكر. (¬3) ¬
سورة البروج
سورة البروج مكيّة. (¬1) وهي اثنتان وعشرون آية بلا خلاف. (¬2) بسم الله الرّحمن الرّحيم 1 - {وَالسَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ:} جواب القسم مضمر (¬3) عند البصريين، وعند الكوفيين جوابها: {قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ} [البروج:4] (¬4) على سبيل التّقديم والتّأخير، أي: قتل هؤلاء والسّماء ذات البروج، كقولك لخصمك: خصمتك والله. 3 - عن ابن عبّاس قال: المشهود يوم القيامة، يقول الله تعالى: {ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النّاسُ وَذلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ} [هود:103]، والشاهد [محمد] (¬5) لقوله تعالى: {وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً} [النساء:41]. (¬6) وقيل: الشاهد جبريل، والمشهود محمد عليه السّلام لقوله تعالى: {ثُمَّ دَنا فَتَدَلّى} إلى قوله: {ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى} [النجم:8 - 11]. وقيل: الشاهد يوم الجمعة والمشهود يوم عرفة. (¬7) 4 - {الْأُخْدُودِ:} شقّ في الأرض. (¬8) {أَصْحابُ الْأُخْدُودِ:} الذين أحرقوا المؤمنين من الصّابئين، كانوا على حقيقة دين عيسى عليه السّلام، كلّمت النّصارى قيصر الرّوم حتى كتب إلى صاحب اليمن بأمره بإحراقهم، وهذا فيما رواه أبو جعفر الإنجيليّ. وعن ابن عبّاس قال: إنّ الله خلق لوحا (¬9) محفوظا (¬10) من درّة بيضاء، دفتاه ياقوتة حمراء، ¬
قلمه نور (¬1)، كتابته نور، وعرضه ما بين السّماء والأرض، ينظر فيه كلّ (¬2) [يوم] ثلاث مئة وستين نظرة، يخلق بكلّ نظرة، ويحيى ويميت، ويعزّ ويذلّ، ويفعل ما يشاء. (¬3) والله أعلم. ¬
سورة الطارق
سورة الطارق مكية. (¬1) وهي ستّ عشرة آية في عدد المدني. (¬2) بسم الله الرّحمن الرّحيم 1 - عن ابن عبّاس في قوله تعالى: {وَالسَّماءِ وَالطّارِقِ} وقال: نزلت في أبي طالب، وذلك أنّه رأى نجما انحطّ من السّماء، فامتلأ ما ثمّت نارا، ففزع أبو طالب، وقال: أيّ شيء هذا؟ فقال رسول الله: هذا نجم قد رمي به، وهو آية من آيات الله تعالى، (321 و) فعجب أبو طالب، ونزل: {وَالسَّماءِ وَالطّارِقِ.} (¬3) {وَالطّارِقِ} (¬4): الآتي باللّيل. (¬5) 6 - {دافِقٍ:} مندفع. (¬6) 7 - {الصُّلْبِ:} الظهر. (¬7) {وَالتَّرائِبِ:} جمع تريبة، وهو عظم الصّدر. (¬8) وعن ابن عبّاس قال: صلب الرّجل، وترائب المرأة. (¬9) 8 - {إِنَّهُ عَلى رَجْعِهِ:} قال ابن عبّاس: أن يجعل الشّيخ شابّا والشّابّ شيخا. (¬10) 9 - {السَّرائِرُ:} جمع سريرة، وهي الضّمير. (¬11) 11 - {وَالسَّماءِ ذاتِ الرَّجْعِ:} بالسّحاب والمطر. (¬12) وقيل: هو ردّ الفلك النّجوم من ¬
بطن الأرض إلى ظهرها. 12 - {ذاتِ الصَّدْعِ:} الشّقّ بالنّبات. (¬1) 13 - {فَصْلٌ:} الذي يفصل بين الحقّ والباطل. (¬2) 14 - {وَما هُوَ بِالْهَزْلِ:} وهو نقيض الجدّ. (¬3) 15 - {إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ:} يتآمرون في دار النّدوة في شأن رسول الله. (¬4) 17 - {أَمْهِلْهُمْ:} بدل من قوله: {فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ.} (¬5) {رُوَيْداً:} نعت المصدر، أي: إمهالا رويدا، (¬6) وهو تصغير رود، يقال: أرود بفلان، أي: أرفق، أصله من رادت الرّيح ترود رودانا إذا تحرّكت خفيفة. (¬7) ¬
سورة الأعلى
سورة الأعلى مكيّة. (¬1) وهي تسع عشرة آية بلا خلاف. (¬2) بسم الله الرّحمن الرّحيم 5 - (الأحوى): المدهامّ على سبيل التّقديم والتّأخير. (¬3) وقيل: المسودّ من الاحتراق في حرّ (¬4) أو برد، والحوّة السّواد (¬5)، يقال: شعر أحوى. عن أبي ذرّ، عنه عليه السّلام: «أنّ الله ضرب ما يخرج من [ابن] (¬6) آدم مثلا للدّنيا، وأنّ ملحه وقزحه (¬7) قد علم إلى ما يصير» (¬8). 9 - {إِنْ نَفَعَتِ:} بمعنى قد، وظاهرها للشّرط. (¬9) 14 - {مَنْ تَزَكّى:} قال أبو العالية: أدّى صدقة الفطر. (¬10) وقال عطاء بن أبي رباح: آمن. (¬11) 15 - {وَذَكَرَ اِسْمَ رَبِّهِ فَصَلّى:} يقتضي افتتاح الصّلاة بذكر الله بأيّ لفظ ذكر، وبأيّ عبارة نطق. وعن أبي ذرّ قال: أتيت النّبيّ عليه السّلام وهو في المسجد، فاغتنمت خلوته، فقال: «يا أبا ذرّ، للمسجد تحية، وتحيته ركعتان»، فلمّا صلّيت قلت: يا نبيّ الله، ما الصّلاة؟ قال: «خير موضوع، فاستكثر واشتغل»، قلت: فأيّ العمل أفضل؟ قال: «إيمان بالله وجهاد في ¬
سبيله»، قلت: فأيّ المؤمنين أكمل إيمانا؟ قال: «أحسنهم خلقا»، قلت: فأيّ المسلمين (¬1) أسلم؟ قال: «من سلم المسلمون من يده ولسانه»، قلت: فأيّ الهجرة أفضل؟ قال: «من هجر السّيئات»، قلت: فأيّ الصّلاة أفضل؟ قال: «طول القنوت»، قلت: فأيّ الصّدقة أفضل؟ قال: «جهد من مقلّ يمشي به إلى فقير»، قلت: فأيّ الجهاد أفضل؟ قال: «من عقر جواده وأهريق دمه»، قلت: يا نبيّ الله، كم كتاب أنزل الله؟ قال: «مئة كتاب وأربعة كتب»، قلت: فما كانت صحف إبراهيم؟ قال: «أمثالا كلّها»، قال: «فكان فيها {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكّى (14) وَذَكَرَ اِسْمَ رَبِّهِ فَصَلّى} إلى آخر السّورة، وفيها: أيّها الملك المسلّط المبتلى المغرور، إنّي لم أبعثك لتجمع الدّنيا بعضها إلى بعض، (321 ظ) ولكن بعثتك لتردّ عنّي دعوة المظلوم، فإنّي لا أردّها، ولو كانت من كافر، وفيها: على العاقل ما لم يكن مغلوبا على عقله أن تكون له ساعة يناجي فيها ربّه، وساعة يتفكّر في صنع الله، وساعة يحاسب فيها نفسه فيما قدّم وأخّر، وساعة يخلو فيها لحاجته من الحلال في المطعم والمشرب، وعلى العاقل أن لا يكون ظاعنا إلا في ثلاث: تزود لمعاد، أو مرمّة (¬2) لمعاش، أو لذّة في غير محرّم، وعلى العاقل أن يكون بصيرا بزمانه، مقبلا على شأنه، حافظا للسانه، ومن حسب الكلام من عمله (¬3) أقلّ (¬4) الكلام إلا فيما يعنيه»، قلت: يا نبيّ الله، فما كانت صحف موسى؟ (¬5) قال: «كانت عبرا كلّها، عجبت لمن أيقن بالموت كيف يفرح، وعجبت لمن أيقن بالنّار كيف يضحك، وعجبت لمن أيقن بالحساب كيف يجمع، وعجبت لمن أيقن بالقدر ثمّ ينصب، وعجبت لمن رأى الدّنيا وتقلّبها بأهلها كيف يطمأنّ إليها و (¬6) عجبت لمن أيقن بالحساب وهو لا يعمل»، قلت: يا رسول الله، أوصني قال: «أوصيك بتقوى الله، فإنّه رأس أمرك، وعليك بتلاوة القرآن، وذكر الله عزّ وجلّ، وعليك بالجهاد، فإنّها رهبانية أمّتي»، قلت: زدني، قال: «عليكّ بالصّمت إلا من خير، فإنّه مطردة الشّيطان، وعون على أمر دينك»، قلت: زدني، قال: «انظر إلى من تحتك، ولا تنظر إلى من هو (¬7) فوقك، فإنّها أجدر أن لا تزدرى نعمة (¬8) الله عليك»، قلت: زدني، قال: «أحبّ المساكين، وجالسهم»، قلت: ¬
زدني قال: «صل قرابتك، وإن قطعوك، ولا تخف في الله (¬1) لومة لائم»، قلت: زدني، قال: «ليردّك عن النّاس ما تعلم من نفسك، ولا تجد عليهم فيما تأتي»، ثمّ ضرب يديه على صدري فقال: «يا أبا ذرّ، لا عقل كالتّدبير، ولا ورع كالكفّ، ولا حسب كحسن الخلق» (¬2). وبالله التوفيق. ¬
سورة الغاشية
سورة الغاشية مكيّة. (¬1) وهي ستّ وعشرون آية من غير خلاف. (¬2) بسم الله الرّحمن الرّحيم 1 - {الْغاشِيَةِ:} اسم من أسماء القيامة. (¬3) 2 - {وُجُوهٌ:} ذو الوجوه، وعملهم يومئذ طوافهم بين الجحيم {وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ} [الرحمن:44]، ويكلّفهم في الجواز على الصّراط، واقتحام العقبة، والعقد بين شعيرتين (¬4)، ونحو هذا، وكلّ ذلك عذاب. وقيل: في الكلام تقديم وتأخير، تقديره: وجوه عاملة ناصبة يومئذ خاشعة، (¬5) وهي وجوه الرّهبان والبراهمة، ونسّاك الرّوافض والمعتزلة، وسائر الملحدين. 4 - وإنّما جاز وصف النّار ب (الحامية) لتصوّر وجودها غير حامية، كنار إبراهيم عليه السّلام، ونار اليراع (¬6)، ونار الكمينة في الأشجار والأحجار. ويحتمل: أنّ المراد بالحامية التي في غاية الحمى، (¬7) لقوله عليه السّلام: «ناركم هذه جزء من سبعين جزءا من نار جهنّم، ضربت بالماء مرّتين، ولولا ذلك لما انتفع به بنو آدم» (¬8). 6 - {ضَرِيعٍ:} هو الشّبرق إذا يبس في الدّنيا، (¬9) وهذا طعام قوم مخصوصين من أهل النّار سوى الذين طعامهم من غسلين، (¬10) أو طعام أهل النّار في زمان مخصوص، أو هو يضمّ إلى الزّقوم والغسلين ليكون الجميع طعاما واحدا، ويحتمل: أنّ هذه الألفاظ كلّها عبارة عن طعام واحد (¬11) كثرب (¬12)، والعبارة عنه (322 و) ليضمّنه بشاعة هذه الأشياء كلّها. ¬
7 - {لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ:} لا يفيد السّمن والشبع؛ لكونه مخالفا للطّبيعة. (¬1) 8 - {ناعِمَةٌ:} والشّيء النّاعم هو الذي استجمع (¬2) الرّقة والملوسة والطّراوة في نفسه، وهذه [. . .] (¬3) الخشن والخشب. 11 - {لاغِيَةً:} لغوا. (¬4) 15 - {وَنَمارِقُ:} جمع نمرقة، وهي الوسادة، (¬5) قالت هند (¬6): نحن بنات طارق … نمشي على النّمارق 16 - {وَزَرابِيُّ:} طنافس. (¬7) 17 - {أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ:} خصّ هذه الأشياء لكونها من الأعراب يوم ظعنهم، ويوم إقامتهم، وفي نهارهم وليلهم، ومصيفهم ومشتاهم، وحالة اجتماعهم وتفرّقهم. وقيل: تخصيص الإبل لتيسير قودها ورعيها وسقيها، وشدّ الأحمال عليها، فهي قربة تمر، وقربة تدر، لحومها طعام، وألبانها شراب، ورغاؤها غناء، وأوبارها وطاء وكساء وخباء، وأبوالها لقوم دواء، وأبعارها وقود، وفيها غناء يعني: غناء الحصن باللّيل (¬8) والسّفن في السّيل. (¬9) 20 - {سُطِحَتْ:} بسطت (¬10). (¬11) 21 و 22 و 23 - وعن جابر، عنه عليه السّلام قال: «أمرت أن أقاتل النّاس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوا عصموا منّي دماءهم وأموالهم إلا بحقّها وحسابهم على الله»، ثم قرأ: {إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ (21) لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ (22) إِلاّ مَنْ تَوَلّى} إلى آخر السورة. (¬12) ¬
سورة الفجر
سورة الفجر مكيّة. (¬1) وهي اثنتان وثلاثون آية في عدد أهل الحجاز. (¬2) بسم الله الرّحمن الرّحيم 1 - {وَالْفَجْرِ:} اسم جنس في الظّاهر، (¬3) ويجوز أن يكون المراد الفجر الطّالع من ليلة القدر، أو فجر يوم النّحر، أو فجر يوم الفطر، أو فجر يوم الحشر. 2 - {وَلَيالٍ عَشْرٍ:} الظّاهر أنّهنّ ليالي (¬4) الأيام المعلومات، (¬5) ويجوز أن يكون المراد بهنّ ليلة الجائزة، وهي ليلة الفطر، وليلة المزدلفة، وهي ليلتا النّحر، وليالي منى، وهي ثلاث، وليلة النّصف من شعبان، وهي ليلة البراءة، وأربع ليال في العشر الأواخر من شهر رمضان اللّواتي إحداهن ليلة القدر. 3 - {وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ:} ظاهر أنّ أحدهما أنّهم كمّية (¬6) خلق الله عزّ وجلّ، والثّاني الشّفع عبارة عن القائل للمثل، وهو الخلق، والوتر عبارة عن الذي {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ} [الشورى:11]. وعن عمران بن حصين، عنه عليه السّلام: أنّه سئل عن الشّفع والوتر (¬7) يقال، فقال: «هي الصّلاة بعضها شفع، وبعضها وتر» (¬8). 4 - {وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ:} أي: يسرى فيه، (¬9) وهو عامّ إن شاء الله، ويحتمل: أنّه ليلة الإسراء من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى. 5 - {هَلْ:} [. . .] (¬10). ¬
عن ابن عبّاس في قوله: {لِذِي حِجْرٍ} قال: لذي النّهى و (¬1) العقل. (¬2) وكأنّه قيل: هذه الأقسام كفاية لذي العقل بأن يعتمد عليها. 14 - جواب القسم قوله: {إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ.} (¬3) 7 - {إِرَمَ:} بدل من عاد. (¬4) {الْعِمادِ:} جمع عمود وهي أجسادهم، (¬5) (322 ظ) إن شاء الله. 9 - {جابُوا:} قطعوا وثقبوا. (¬6) {الصَّخْرَ:} الحجارة. 13 - {سَوْطَ عَذابٍ:} نصيب (¬7)، أو نوع منه (¬8). 14 - (المرصاد): المردّ. (¬9) 15 - {فَأَمَّا الْإِنْسانُ:} عن ابن عبّاس: نزلت الآيات في أبّيّ بن خلف. (¬10) 18 - {تَحَاضُّونَ:} تحثّون. (¬11) 19 - {التُّراثَ:} [الميراث]. (¬12) {لَمًّا:} جمعا (¬13)، و (الأكل): يحتمل الخبيث والطّيب. 20 - و (الجمّ): الكثير. (¬14) 27 - {النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ:} هي المتّحدة بالقرآن. ¬
سورة البلد
سورة البلد مكيّة. (¬1) وهي عشرون آية بلا خلاف. (¬2) بسم الله الرّحمن الرّحيم 1 - {الْبَلَدِ:} مكّة. (¬3) 2 - وفائدة قوله: {وَأَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ} هي البشارة بأنّه سيدخلها حلالا غير محرم بإذن الله، وهي منزلة لم ينلها أحد من العالمين. (¬4) وقيل: معناه: وأنت نازل بهذا البلد، كقولك: حي حلة بمكان كذا، أي: نازلة به. (¬5) وفائدته (¬6) هي الزّيادة في تشريف المخلوق به، وفي تعظيمه، كقولك لخليلك: تحتي هذه الدّار وأنت ساكنها لأفعلنّ كذا، أو بحرمة هذه التّربة وأنت واطئها لأفعلنّ كذا. 4 - {فِي كَبَدٍ:} مشقّة. (¬7) وعن ابن عبّاس {فِي كَبَدٍ} قال: منتصبا. (¬8) وعن عبد الله بن شدّاد: معتدلا. (¬9) {الْإِنْسانَ:} المذكور في الفصل الأوّل كلدة بن أسيد، فكان يضع تحت قدميه الأديم العكاظيّ، ويضمن لمن نزعه من تحت قدميه مالا بطرا ورياء النّاس، ويزعم أنّه لا يقدر على ذلك أحد (¬10)، ويزعم أنّه ورث مالا كثيرا فأنفقه (¬11) في عداوة محمد عليه السّلام، كان يتصلّف بذلك، فكان يكذب فإنّه كان فقيرا قبل ذلك، ثمّ استفاد المال، فأنزل الله تعالى هؤلاء الآيات في ¬
تكذيبه وذمّه وتقريعه. (¬1) 9 - {وَشَفَتَيْنِ:} شفو (¬2) فم الحيوان، تصغيرها: شفيهة، وجمعها: شفاه، كأنّها في الأصل شفهة، ومنها المشافهة بالكلام. (¬3) 8 - {النَّجْدَيْنِ:} الطريقين، والنّجد ما ارتفع من الأرض. (¬4) وعن ابن عبّاس: {النَّجْدَيْنِ:} الثّديين. (¬5) وعن عبد الله بن مسعود: الخير والشّرّ. (¬6) وهو رواية أبي صالح عن ابن عبّاس. (¬7) 11 - {فَلا اِقْتَحَمَ:} دعاء. (¬8) وقيل: نفي فعل ماض (¬9) معناه: فلم تقتحم. (¬10) 14 - {مَسْغَبَةٍ:} مجاعة. (¬11) 15 - {مَقْرَبَةٍ:} قرابة. (¬12) 16 - {مَتْرَبَةٍ:} خلوّ يد من الخير، من قولهم: تربت يداه. (¬13) ¬
سورة الشمس
سورة الشمس مكيّة. (¬1) وهي ستّ عشرة آية في عدد أهل مكّة والمدنيّ الأوّل. (¬2) بسم الله الرّحمن الرّحيم 1 و 2 و 3 و 4 - الضّمير في {وَضُحاها} و {تَلاها} و {جَلاّها} و {يَغْشاها:} عائدة إلى الشّمس. أمّا إضافة الضّحى إلى الشّمس فلا يخفى جوازها. وكذلك تلو القمر الشّمس. (¬3) أما تجلية النّهار اللّيل (¬4) فمن مجاز الكلام، وذلك إذا نويت بالنّهار الوقت دون الضّياء، قال طرفة (¬5) [الطويل]: ستبدي لك الأيّام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد وقيل: يجوز كون النّهار ضياء منفردا يحدثه الله تعالى في الآفاق لا من ضياء الشّمس (323 ظ) ليجلّي الشّمس، وإن كان متّحدين، وأما تغشية اللّيل ظلمة مفردة يحدثها الله تعالى في العالم ليغشاها، وإن كان الظّلّ والظّلمة متّحدين. وقال الفرّاء: الضّمير في {جَلاّها} عائد إلى الظّلمة. (¬6) فعلى قياسه الضّمير و {يَغْشاها} عائد إلى الأرض والسّماء، و (ما (¬7)) بعده بمعنى المصدر (¬8)، وقيل: بمعنى من. (¬9) ¬
10 - {دَسّاها:} دسسها (¬1) فقلبت إحدى السّينات ياء كما في تقضّى وتصدّى، والتّدسيس الإخفاء والتّعليل، ذكر أبو عبيد الهرويّ. (¬2) وقال أحمد بن فارس: هو من دسا يدسوا إذا غمّض وقلّ (¬3). والمزكّى والمدسّى على سبيل التّقدير هو الله تعالى (¬4)، وعلى سبيل مباشرة الفعل هو الإنسان ذو (¬5) النّفس. (¬6) 13 - {سُقْياها:} للنّاقة شربها. (¬7) 14 - {فَدَمْدَمَ:} العذاب، والدّمدمة: تكرار الإطباق والتّغشية. (¬8) ¬
سورة الليل
سورة الليل مكيّة. (¬1) وهي إحدى وعشرون آية بلا خلاف. (¬2) بسم الله الرّحمن الرّحيم 5 - 9 - عن جابر قال: سأل سراقة بن جعشم رسول الله عليه السّلام فقال: يا رسول الله، أخبرنا عن عمرتنا هذه لعامنا هذا أم للأبد؟ قال: «بل للأبد»، قال: أخبرنا عن ديننا هذا كأنّا خلقنا له [السّاعة] (¬3)، في أيّ شيء العمل، في شيء قد جرت (¬4) فيه الأقلام، وثبتت (¬5) فيه المقادير، أم في شيء نستأنف فيه العمل؟ [قال: «بل فيما تثبت فيه الأقلام»] (¬6)، قال: ففيم العمل يا رسول الله؟ فقال عليه السّلام: «اعملوا فكلّ عامل ميسّر لعمله، ومن كان من أهل الجنّة يسّر لعمل أهل الجنّة، ومن كان من أهل النّار يسّر لعمل أهل النّار»، ثمّ تلا هذه الآية: {فَأَمّا مَنْ أَعْطى وَاِتَّقى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى (7) وَأَمّا مَنْ بَخِلَ وَاِسْتَغْنى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى (9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى.} (¬7) 12 - {إِنَّ عَلَيْنا لَلْهُدى:} كلام مقتصر على أحد طرفيه، يعني: الهدى والإضلال. (¬8) وقيل: {لَلْهُدى:} لمن قدّرنا له الهدى على قصد السّبيل. (¬9) 11 و 17 و 18 - ذكر الكلبيّ أبا سفيان في قوله: {وَما يُغْنِي عَنْهُ مالُهُ إِذا تَرَدّى} وأبا بكر الصّدّيق في قوله: {وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى (17) الَّذِي يُؤْتِي مالَهُ يَتَزَكّى} (18). (¬10) 19 - {وَما لِأَحَدٍ:} أي: ليست لفقير عنده يد تجب عليه. (¬11) ¬
سورة الضحى
سورة الضحى مكيّة. (¬1) وهي إحدى عشرة آية بلا خلاف. (¬2) بسم الله الرّحمن الرّحيم 1 - عن جندب بن سفيان البجليّ قال: كنت مع النّبي عليه السّلام في غار (¬3)، فدميت إصبعه، فقال: «هل أنت إلاّ إصبع دميت … في سبيل الله ما لقيت» قال: وأبطأ جبريل عليه السّلام فقال المشركون: قد ودّع، فأنزل الله: {وَالضُّحى.} (¬4) 2 - {سَجى:} السّجوّ: الهدوء. (¬5) 3 - {وَدَّعَكَ:} تركك. (¬6) {وَما قَلى:} بغض. (¬7) 5 - {فَتَرْضى:} به، وهو الشّفيع في أمّته أجمعين. (¬8) 6 - {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى:} إلى بيت عبد المطّلب، ثمّ إلى بيت أبي طالب. (¬9) 7 - {وَوَجَدَكَ ضَالاًّ:} لا على الطّبيعة البشريّة التي هي النّفس الأمّارة بالسّوء، (323 ظ) فهداك بالعقل قبل الوحي بالكتاب. 8 - {وَوَجَدَكَ عائِلاً:} محتاجا. (¬10) ¬
{فَأَغْنى:} باطنه بالتّوفيق للتّفويض والرّضا بالقضاء، وأغنى ظاهره بأن حرّم عليه الصّدقة، وجعل يده العليا، ومدّه بمال خديجة وأبي بكر (¬1)، وخمس المغنم، فكان ينفق ولا يخاف من ذي العرش إقلالا، وهو يعيش في خاصّة نفسه عيشة الفقراء يجوع يوما وينفق يوما. 9 - {فَلا تَقْهَرْ:} تبخس حقّه، واستخدامه. 10 - {فَلا تَنْهَرْ:} تزجره. (¬2) عن عبد الرّحمن السّلمانيّ، عنه عليه السّلام: «إذا سأل السّائل فلا تقطعوا عليه مسألته حتى يفرغ منها، ثمّ ردّوا عليه بوقار ولين، [أو] ببذل يسير أو بردّ جميل، فإنّه قد يأتيكم من ليس بإنس ولا جانّ ينظرون كيف صنيعكم فيما خوّلكم الله» (¬3). 11 - {وَأَمّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ:} في معنى قوله: «إذا أنعم الله تعالى على عبده نعمة أحبّ أن يرى (¬4) أثرها عليه» (¬5). والحديث بالنّعمة: هو الشّكر. (¬6) ¬
سورة ألم نشرح
سورة ألم نشرح مكيّة. (¬1) وهي ثمان آيات بلا خلاف. (¬2) بسم الله الرّحمن الرّحيم 1 - عن أنس، عن مالك بن (¬3) صعصعة رجل من قومه: أنّ النّبيّ عليه السّلام قال (¬4): «بينا أنا عند البيت بين النّائم واليقظان إذا سمعت قائلا يقول: أحد بين ثلاثة، فأتيت بطست من ذهب فيها ماء زمزم، فشرح الله صدري إلى كذا وكذا»، قال قتادة: قلت لأنس: ما يعني؟ قال: إلى أسفل بطني، قال: «فاستخرج قلبي فغسل (¬5) بماء زمزم، ثمّ أعيد مكانه، ثمّ حشي إيمانا وحكمة»، وفي الحديث قصة. (¬6) 2 - {وِزْرَكَ:} وزره قبل الوحي: أنّه لم يكن يتجنّب ما ذبحت على الأنصاب، وبعد الوحي أنّه {عَبَسَ وَتَوَلّى (1) أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى} (2) [عبس:1 - 2]، ولولا رحمة ربّه لكان يركن إليهم شيئا قليلا. 3 - {أَنْقَضَ ظَهْرَكَ:} أثقل وأوقر، من النّقض وهو البعير الذي أتعبه السّفر ونقض لحمه، قاله ابن عرفة. (¬7) 4 - {وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ:} يعني في شهادة الإسلام، والأذان والإقامة، والصّلوات في الشّرق والغرب، والسّماء والأرض. (¬8) 5 و 6 - وعن ابن عبّاس: لا يغلب يسرين عسر واحد. (¬9) وعن الحسن بلغني: أنّه لّما نزل على النّبيّ عليه السّلام: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً} (6) (¬10) قال: «لن ¬
يغلب عسر يسرين» (¬1). 7 - وعن عمران بن حصين في قوله: {فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ} أي: إذا فرغت من الصّلاة وقعدت فانصب في الدّعاء. (¬2) قال: النّصب: التّعب والإعياء (¬3). ¬
سورة التين
سورة التين مكية. (¬1) وعن ابن عباس وقتادة: مدنية. (¬2) وهي ثمان آيات بلا خلاف. (¬3) بسم الله الرّحمن الرّحيم 1 - عن ابن عبّاس في {التِّينِ وَالزَّيْتُونِ} قال: هو تينكم وزيتونكم هذا. (¬4) وقال (¬5): هما مسجدان بالشّام. (¬6) وروى الفرّاء عن رجل شاميّ: التّين جبال ما بين حلوان إلى همدان، والزّيتون جبال الشّام. (¬7) {وَطُورِ سِينِينَ:} جبل. (¬8) وقيل: (324 و) هو طور سيناء. (¬9) وقيل: جبل آخر. (¬10) 3 - {وَهذَا الْبَلَدِ:} مكّة. (¬11) {الْأَمِينِ:} يأمن فيه الناس. (¬12) 6 - وعن أنس، عنه عليه السّلام: «يكتب للصّغير الحسنات، ولا يكتب عليه السّيئات، وتكون حسناته لأبويه، فإذا بلغ كتب عليه السيئات، وكتب له الحسنات، ثمّ يقول الله لملائكته: تحفّظا وسدّدا وحقّقا، فإذا بلغ أربعين سنة آمنه من البلايا الثلاث: البرص والجنون والجذام، فإذا بلغ خمسين سنة خفّف الله حسابه ما لم يتعمّر، فإذا بلغ ستين سنة، وكان في علم الله أنّه سعيد، رزقه الله الإنابة إليه بما يحبّ الله، فإذ بلغ سبعين سنة أحبّه الله وحبّبه إلى أهل السّماء، وإذا أحبّ عبدا دعا جبريل فقال الله (¬13): إنّي أحبّ فلانا، فيحبّه جبريل، ثمّ ينادى (1) في السّماء ¬
السّماء أنّ الله يحبّ فلانا فأحبّوه، فيحبّه أهل السّماء، ويوضع [له] (¬2) القبول في الأرض، فيحبّه من سمع به في الأرض، وإنّ الرّجل ليحبّه إذا سمع به وما رآه قطّ، وهو قوله: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا} [مريم:96]، يعني: المحبّة في الإسلام، فإذا بلغ ثمانين سنة أثبت الله له حسناته، ومحا عنه سيّئاته، فإذا بلغ تسعين سنة غفر الله له ما تقدّم من ذنبه ما عمل وهو عامله، وشفّع في أهل بيته، وكان (¬3) اسمه في السّماء أسير الله في الأرض، إن عمل خيرا كتب له، وإن ضعف عن شيء محي عنه، فإذا ذهب عقله وضعف عن العمل كتب له صاحب اليمين مثل ما كان يكتب له من صالح عمله، وأمسك عنه صاحب الشّمال فلم يكتب عليه بسيئة» (¬4)، وهو قول الله: {ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ} يعني: أرذل العمر، فمن قرأ القرآن لم يرد في أرذل العمر لكيلا يعلم بعد علم شيئا. {إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا:} قبل ذلك. {فَلَهُمْ (¬5)} أَجْرٌ: إذا بلغوا ذلك. {غَيْرُ مَمْنُونٍ:} ممّا يكتب لهم صاحب اليمين. 7 - {فَما يُكَذِّبُكَ:} فمن الذي يكذبك على سبيل الإنكار على التّكذيب، (¬6) أو فأيّ معنى يدلّ على كذبك؟ على سبيل نفي الأدلّة، أو فأيّة حجة تحملك على الكذب أيّها الكافر؟ (¬7) 8 - كان النّبيّ عليه السّلام إذا قرأ: {أَلَيْسَ اللهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ} قال: «سبحانك، فبلى»، وإذا قرأ: {أَلَيْسَ ذلِكَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى} [القيامة:40]، قال: «سبحانك، فبلى». (¬8) (1) أ: فينادى. ¬
سورة العلق
سورة العلق مكيّة. (¬1) وهي عشرون آية في عدد أهل الحجاز. (¬2) بسم الله الرّحمن الرّحيم 1 - عن أبي جعفر قال: نزل ملك على رسول الله يوم الاثنين نحو السّبع عشرة ليلة خلت من رمضان، ورسول الله يومئذ ابن أربعين سنة، وجبريل كان الذي ينزل عليه بالوحي، قالوا: وكان قبل ذلك يرى ويسمع. وعن عائشة قالت: كان أوّل ما بدئ (¬3) بالنّبيّ عليه السّلام بالوحي الرّؤيا الصّادقة، فكان لا يرى (¬4) رؤيا (324 ظ) إلا كانت (¬5) مثل فلق الصّبح، قال: فمكث على ذلك ما شاء الله، وحبّب إليه الخلوة، فلم يكن شيء أحبّ إليه من الخلوة، وكان يخلو بغار حراء، وكان يتحنّث فيه، وهو التّعبّد اللّيالي ذوات العدد قبل أن يرجع إلى أهله، ثمّ يرجع إلى خديجة، فيتزوّد لمثلها حتى جاءه (¬6) الحقّ أو فجئه الحقّ، وهو في غار حراء، وفي رواية أخرى: فجاءه الملك، قال: اقرأ، فقال رسول الله: «فقلت له: ما أنا بقارئ» قال: «فأخذني فغطّني حتّى (¬7) بلغ منّي الجهد، ثمّ أرسلني، فقال: اقرأ، فقلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني الثّالثة حتى بلغ منّي الجهد، ثمّ أرسلني، فقال: {اِقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} حتى بلغ {ما لَمْ يَعْلَمْ} [العلق:5]»، فرجع بها ترجف بوادره حتى دخل على خديجة، فقال: «زمّلوني زمّلوني»، حتى ذهب عنه الرّوع، فقال: «يا خديجة، ما لي؟»، وأخبرها الخبر، وقال: «قد خشيت على [نفسي] (¬8)»، فقالت له خديجة: كلا، أبشر فو الله لا يخزيك الله أبدا، إنّك لتصل الرّحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكلّ، وتقري الضّيف، وتعين على نوائب الحقّ. ثمّ انطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزّى بن قصيّ، وهو ¬
ابن عمّ خديجة أخي أبيها، وكان امرأ قد تنصّر في الجاهليّة، وكان يكتب الكتاب العربيّ، فكتب بالعربية من الإنجيل ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخا كبيرا قد عمي، فقالت له خديجة: يا ابن عمّي، اسمع من ابن أخيك، فقال له: ابن أخي، ما ترى؟ فأخبره النّبيّ عليه السّلام، فقال ورقة: هذا النّاموس الذي أنزل على موسى، يا ليتني فيها جذعا (¬1)، أكون حيّا حين يخرجك قومك، وقال عليه السّلام: «أمخرجيّ هم؟»، قال ورقة: نعم، لم يأت رجل قطّ بمثل ما جئت به إلا عودي (¬2) وأوذي، وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزّرا. ثمّ لم ينشب ورقة أن توفّي، وفتر الوحي فترة حتى حزن رسول الله، فيما بلغنا، حزنا شديدا غدا منه مرارا كي يتردّى من رؤوس شواهق الجبال، فكلّما أوفى ذروة لكي يلقي بنفسه منها تبدّى له جبريل عليه السّلام، فقال: يا محمد، إنّك رسول الله حقّا، يسكّن بذلك جأشه وتقرّ نفسه، فيرجع، فإذا طال ذلك فترة الوحي غدا بمثل ذلك، فإذا أوفى ذروة جبل تبدّى له جبريل عليه السّلام، فقال له مثل ذلك. (¬3) 6 - {كَلاّ إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى:} ذكر الكلبيّ: أنّ أبا جهل لّما سمع بهذه الآيات أقبل إلى النّبيّ عليه السّلام فقال: يا محمد، فادع لنا ربّك يحوّل هذه الجبال ذهبا لعلّنا نستغني فنطغى في ديننا، ونتّبعك في دينك، فأذن الله لنبيّه أن يأخذ عليهم شرطا كشرط عيسى عليه السّلام على أصحاب المائدة، فأمسك رسول الله عن ذلك نظرا لقومه، وشفقة وإبقاء عليهم. (¬4) 16 و 17 - وعن ابن عبّاس قال: كان رسول صلّى الله عليه وسلّم يصلّى (¬5) فجاءه أبو جهل فقال: ألم أنهك (325 و) عن هذا؟ فانصرف إليه النّبيّ عليه السّلام، فزجره (¬6)، فقال: والله إنّك لتعلم (¬7) أنّ ما بها أكثر ناديا منّي، فأنزل الله: {فَلْيَدْعُ نادِيَهُ (17) سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ} (18)، قال ابن عبّاس: لو دعا ناديه لأخذته زبانية الله سبحانه وتعالى. (¬8) 11 - الذي {كانَ عَلَى الْهُدى:} النّبيّ عليه السّلام. (¬9) ¬
13 - والذي {كَذَّبَ وَتَوَلّى:} أبو جهل. (¬1) 15 - {لَنَسْفَعاً:} لنأخذن. (¬2) {بِالنّاصِيَةِ:} وهو شعر مقدّم الرّأس. (¬3) 16 - {كاذِبَةٍ خاطِئَةٍ:} صاحب النّاصية. (¬4) 18 - {الزَّبانِيَةَ:} مشتقّ من الزّبن وهو الدّفع والصّدم، ورجل ذو زبّونة، أي: مانع جانبه. (¬5) عن أبي هريرة: سجدنا مع رسول الله عليه السّلام في: {اِقْرَأْ بِاسْمِ،} {إِذَا السَّماءُ اِنْشَقَّتْ.} (¬6) وسجد فيها عمرو بن العاص، فقيل له ذلك، فقال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يسجد فيهما. ¬
سورة القدر
سورة القدر مكيّة. (¬1) وقيل: مدنيّة. (¬2) وهي خمس آيات في عدد أهل مكّة والشّام. (¬3) بسم الله الرّحمن الرّحيم عن أنس قال: خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يخبر بليلة القدر، فرأى رجلين متلاحيين (¬4)، قال: «خرجت أخبركم بليلة القدر، فتلاحيتم فرفعت» (¬5). قال الأمير: يعني: رفع حكمها أو تركتها. وعن أبيّ بن كعب قال: ليلة القدر ليلة سبع وعشرين، وذلك أنّ الشّمس تطلع صبيحة ذلك وليس لها شعاع، كأنها طست ترقرق. (¬6) 1 - {أَنْزَلْناهُ:} الهاء عائد إلى القرآن. (¬7) {لَيْلَةِ الْقَدْرِ:} هي ليلة (¬8) التي لها قدر وشرف، (¬9) أو اللّيلة التي يلتزم فيها التّقدير إلى سنة. (¬10) 4 - وعن ابن عبّاس قال: العمل في ليلة القدر خير من العمل في ألف شهر لا يوافق ليلة القدر. (¬11) وعن ابن [أبي] (¬12) نجيح: أنّ النّبيّ عليه السّلام ذكر أنّ رجلا من بني إسرائيل لبس السّلاح في سبيل الله ألف شهر، قال: فتعجّب المسلمون من ذلك فأنزل: {تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ.} (¬13) ¬
{بِإِذْنِ رَبِّهِمْ:} وفيهم الرّوح من أمر الله. {مِنْ كُلِّ أَمْرٍ:} ف (من) لتبيين الجنس، أي: من كل أمر قضي في تلك السّنة. وقد قيل: غير هذا. (¬1) 5 - {هِيَ:} إشارة إلى ليلة القدر. {سَلامٌ:} ذات سلامة (¬2) وأمن وراحة ويمن، وكونها وقت تسليم الملائكة على (¬3) المؤمنين بإذن الله (¬4). ¬
سورة لم يكن (البينة)
سورة لم يكن (البينة) مكيّة. (¬1) وقيل: مدنيّة. (¬2) وهي ثمان آيات في غير عدد أهل البصرة. (¬3) بسم الله الرّحمن الرّحيم 1 - {مُنْفَكِّينَ:} متفرّقين (¬4)، يقول (¬5): لم يكونوا متفرّقين (¬6) في انتظار نبيّ آخر الزّمان، أو في مللهم، فإنّ أهل كلّ ملّة كانوا لازمين طريقة واحدة وجدوا آباءهم عليها حتى أتاهم رسول الله فمنهم من آمن، ومنهم من كفر. 2 - {رَسُولٌ مِنَ (¬7)} اللهِ: مرتفع على البدل من {الْبَيِّنَةُ} [البينة:1]، (¬8) أو البيان (¬9) ل {الْبَيِّنَةُ} (¬10). 3 - (الكتب القيّمة): هي سور القرآن. (¬11) 4 - {وَما تَفَرَّقَ:} أي: ما انفكّ بعض اليهود من بعض، وبعض النّصارى من بعض في وصف رسول الله ونعته (¬12)، والإيمان به والشّهادة له إلا بعد (¬13) ظهوره عليه السّلام، ولزوم حجّته إيّاهم. (¬14) 5 - {دِينُ الْقَيِّمَةِ} (¬15): دين الأمّة، (¬16) (325 ظ) ¬
{الْقَيِّمَةِ:} (¬1) المستقيمة (¬2) على (¬3) الإسلام. 7 - عن أنس قال: قال رجل للنّبيّ عليه السّلام: يا خير البريّة، قال: «ذاك إبراهيم» (¬4). 8 - وعن مجاهد قال: قرأ عمر بن الخطّاب على المنبر {جَنّاتُ عَدْنٍ} قال: يا أيّها النّاس، أتدرون ما جنّات عدن؟ قصر في الجنّة له عشرة (¬5) آلاف باب، على كلّ باب خمس وعشرون ألفا من الحور العين لا يدخله إلا نبيّ، وهنيئا يا صاحب القبر، وأشار إلى قبر رسول الله، وهنيئا لأبي بكر، أو شهيد، وأنّى لعمر الشّهادة، وإنّ الذي أخرجني من منزلي بالجثمة قادر على أن يسوقها إليّ، قال يزيد بن هارون: فساقها الله إليه. (¬6) ¬
سورة إذا زلزت
سورة إذا زلزت مدنيّة. (¬1) وقيل: مكيّة. (¬2) وهي ثمان آيات في عدد المدنيّ الأوّل وأهل الكوفة. (¬3) بسم الله الرّحمن الرّحيم 5 - {أَوْحى لَها:} إليها. (¬4) 3 و 4 - وعن سعيد بن جبير قال عبد الله بن عبّاس (¬5): زلزلت الأرض على عهد رسول الله فقال لها: «ما لك؟ أما لو أنّها لو تكلّمت لقامت»، يعني: القيامة (¬6)، ثمّ قرأ: {وَقالَ الْإِنْسانُ ما لَها (3) يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها.} (¬7) عن أبي هريرة قال: قرأ رسول الله هذه الآية قال: «أتدرون ما أخبارها؟» قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: «فإنّ أخبارها أن تشهد على كلّ عبد وأمة بما عمل على ظهرها، تقول: عمل يوم كذا وكذا، فهذه أخبارها» (¬8). 7 - وعن ابن عبّاس قال: إذا وضعت راحتك على الأرض، ثمّ رفعتها فكلّ شيء أخذت بها، فكلّ واحد من ذلك مثقال ذرّة. (¬9) ¬
سورة العاديات
سورة العاديات مكيّة. (¬1) وقيل: مدنيّة. (¬2) وهي إحدى عشرة آية بلا خلاف. (¬3) بسم الله الرّحمن الرّحيم 1 - عن عبد الله بن مسعود في قوله: {وَالْعادِياتِ} قال: هي الإبل. (¬4) وقال ابن عبّاس: هي الخيل، فبلغ قول ابن عبّاس عليّا، فقال: ما كانت لنا خيل يوم، إنّما هي الإبل، فقال ابن عبّاس: إنّما كان ذلك في سريّة بعثت. (¬5) {ضَبْحاً:} صوت أنفاسها. (¬6) وقيل (¬7): صوت أجوافها. (¬8) وقيل: هو عدوها على التّقريب. 2 - {قَدْحاً:} استخراج من المقدح. 4 - والضّمير في {بِهِ} عائد إلى القدح، أو إلى فناء العدو. (¬9) {نَقْعاً:} غبارا. (¬10) 5 - {فَوَسَطْنَ بِهِ:} بالمكان. (¬11) {جَمْعاً:} مجتمعات. وقيل: وسطن بالضّبح أو الإيراء أو القدح جمعا من جموع الأعداء. 6 - {لَكَنُودٌ:} كفور. (¬12) 8 - والمراد ب {الْخَيْرِ} خير الدّنيا. ¬
10 - {حُصِّلَ:} الحصول: خلوص الشّيء للهجوم عليه، كخلوص الذّهب من المعدن المحصلة. (¬1) وبالله التوفيق. ¬
سورة القارعة
سورة القارعة (¬1) مكيّة. (¬2) وهي عشر آيات في عدد أهل الحجاز. (¬3) بسم الله الرّحمن الرّحيم 1 - {الْقارِعَةُ:} ما يقرع النّاس من هول يوم القيامة. (¬4) 4 - {يَوْمَ:} ظرف للقارعة. (¬5) {كَالْفَراشِ:} الهمج التي تتهافت في النّار. (¬6) 5 - {كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ:} كالقطن المندوف. (¬7) (326 و) 9 - {فَأُمُّهُ:} قراره. (¬8) {هاوِيَةٌ:} مهواه، وتفسيرها في كتاب الله تعالى: {نارٌ حامِيَةٌ} [القارعة:11]. ¬
سورة الهاكم
سورة الهاكم مكيّة. (¬1) وهي ثمان آيات بلا خلاف (¬2). (¬3) بسم الله الرّحمن الرّحيم 1 - {أَلْهاكُمُ:} شغلكم. (¬4) قال الكلبيّ: تفاخر حيان من بني عبد مناف وبني سهم بكثرة الرّجال، فكثّرهم [بنو] (¬5) عبد مناف، فقال بنو سهم: إنّما قلّلنا البغي (¬6)، فرجعوا إلى عدّ المقابر، فأنزل الله. (¬7) 2 - {زُرْتُمُ:} جدّدتم العهد بلقاء. 5 - {كَلاّ:} جواب (¬8) لو مضمر، (¬9) تقديره (¬10) لّما ألهاكم التكاثر. 6 - {لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ:} جواب قسم مضمر. (¬11) 5 و 7 - والفرق بين {عِلْمَ الْيَقِينِ} و {عَيْنَ الْيَقِينِ:} أنّ {عِلْمَ الْيَقِينِ} يؤثّر في القلب لا في النّفس (¬12)، {عَيْنَ الْيَقِينِ} يؤثّر فيهما جميعا على ما سبق في قصّة إبراهيم حيث قال: {وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} [البقرة:260]، وفي قوله: {فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى} [طه:67]. 8 - أبو هريرة، عنه عليه السّلام: «أوّل ما يسأل عنه يوم القيامة {عَنِ النَّعِيمِ،} أن يقال: ألم نصحّ لك جسمك، ونروك من الماء البارد» (¬13). ¬
سورة العصر
سورة العصر مكيّة. (¬1) وقيل: مدنيّة. (¬2) وهي ثلاث آيات بالإجماع. (¬3) بسم الله الرّحمن الرّحيم 1 - ذكر الكلبيّ والفرّاء (¬4) والعزيزيّ: أنّ العصر المحلوف به هو الدّهر. ويحتمل: صلاة العصر، (¬5) أو وقت صلاة العصر من كلّ يوم. 2 - {إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ:} لأنّه إن زهد في الآخرة ورغب عنها لم ينج رأسا برأس لا له ولا عليه. 3 - وقيل: (التّواصي بالحقّ): هو طلب العلم. قال أبو حنيفة النّعمان بن ثابت رضي الله عنه: قدمت مكة مع أبي فرأيت النّاس متقصّفين على رجل، فقلت: من هذا؟ فقالوا: عبد الله بن الحارث صاحب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فسمعته يقول: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من تفقّه لله كفاه الله ما أهمّه من أمر دينه ودنياه» (¬6). ¬
سورة الهمزة
سورة الهمزة مكيّة. (¬1) وهي تسع آيات بلا خلاف. (¬2) بسم الله الرّحمن الرّحيم 1 - {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ:} قال الكلبيّ: نزلت في الأخنس بن شريق. (¬3) وعن مقاتل: نزلت في الوليد بن المغيرة. (¬4) 2 - {وَعَدَّدَهُ:} يجوز أن يكون من إعداد، ويجوز أن يكون من عدد المعدود. 4 - {الْحُطَمَةِ:} اسم من أسماء جهنّم، (¬5) فكأنّها مشتقّة من الحطم وهو الكسر، وراعي حطمة وحطم، أي: عنيف يثني الرّعية. (¬6) 9 - {فِي عَمَدٍ:} سرادق النّار. {مُمَدَّدَةٍ} (¬7): مدّها بالسّرادق، إن شاء الله، ويحتمل: أنّ (العمد) عمدا. ¬
سورة الفيل
سورة الفيل مكيّة. (¬1) وهي خمس آيات بلا خلاف. (¬2) بسم الله الرّحمن الرّحيم لم تزل (¬3) مكّة محروسة ممنوعة منذ نزلتها قريش، لم يظفر بها أحد، وقد قصدها تبّع في الزّمان الأوّل، فحذرته اليهود، فرجع عن رأيه، وكسا البيت الأنطاع (¬4)، وآمن برسول الله عليه السّلام في أصلاب الآباء، (¬5) ولكنّ الله تعالى جعل بأصحاب الفيل (326 ظ) ما صاروا به عبرة (¬6) للعالمين ليكون ذلك من مقدّمات إعجاز رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مثل خمود النّيران، وسقوط الإيوان، ورؤيا الموبذان، وهذه سنّة الله في أنبيائه؛ لأنّ الله لّما أراد أن يظهر عيسى عليه السّلام أظهر آياته في مريم عليها السّلام، فولد رسول الله سنة الفيل بعد الوقعة بخمسين ليلة، (¬7) ولم تزل قريش وأهل الحجاز قاطبة من يومئذ يؤرّخون كتبهم من عام الفيل (¬8) حتى كانت سنة الفجار الأول، فمنهم من أرّخ كتبهم منها، ومنهم من أرّخ كتبهم سنة الفيل، ثمّ أرّخت كتبها من سنة بناء الكعبة، حتى أرّخ المسلمون من سنة الهجرة (¬9). 1 - و (أصحاب الفيل): هم الحبشة الذين كانوا قد ملكوا بلاد اليمن، وطردوا منها ذا يزن. والفيل: دابّة عظيمة يعتلف بخرطومه، وناباه قرناه، وتسمّى أنثاه العثيوم. (¬10) 2 - {فِي تَضْلِيلٍ:} ضلال، وهو الهلاك. (¬11) 3 - {أَبابِيلَ:} جماعات في تفرقة (¬12) لا واحد لها (¬13). وقيل: واحدها إبّيل قياسا (¬14) لا ¬
سماعا. (¬1) وقيل: إبّول مثل عجّول وعجاجيل، (¬2) وكانت مع كلّ طائر ثلاثة أحجار: واحدة في منقاره، واثنتان في رجليه، وهي أمثال الحمّص والعدس، لم يصب شيء منها إلا أهلكته، (¬3) فتولّوا مدبرين، وفي الحادثة أشعار وأخبار (¬4). ¬
سورة لإيلاف
سورة لإيلاف (¬1) مكيّة. (¬2) وهي خمس آيات في عدد أهل الحجاز. (¬3) بسم الله الرّحمن الرّحيم 1 - اللاّم في {لِإِيلافِ} لمقدّر، قال الفرّاء (¬4) وابن الأنباريّ تقديره: اعجب لإيلاف قريش. وإنّما سمّيت قريش لغلبتهم في الحجاز. و (قريش): حيوان في البحر يغلب على سائر الحيوان فيه. (¬5) وقيل: سمّيت لتقرّشهم، أي: تجمّعهم بمكة بعد ما كانوا تفرّقوا. (¬6) 3 - {الشِّتاءِ:} أيام كون الشّمس في الدّلو والجدي والحوت. {وَالصَّيْفِ:} القيظ. (¬7) وقيل: الرّبيع. (¬8) 4 - {مِنْ جُوعٍ:} {مِنْ} لنقلهم إلى حالة الشّبع من حالة الجوع. وقيل: {مِنْ} هاهنا مكان بعد. (¬9) ¬
سورة الماعون
سورة الماعون مكيّة. (¬1) وقيل: مدنيّة. (¬2) وقيل: بعضها مكيّ في العاص بن وائل السهميّ، وبعضها مدنيّ في المنافقين. (¬3) وهي ستّ آيات في عدّة أهل الحجاز والشّام. (¬4) بسم الله الرّحمن الرّحيم 5 - {ساهُونَ:} غافلون (¬5)، والسّهو في الصّلاة عين السّهو عن الصّلاة (¬6). 7 - {وَيَمْنَعُونَ الْماعُونَ:} قال عليّ: الزّكاة (¬7) المفروضة. (¬8) ومثله عن ابن عمر. (¬9) وعن ابن عبّاس: عارية المتاع. (¬10) وعن ابن مسعود: الفأس والدّلو والقدر. (¬11) ومثله عن سفيان. وعن أبي عبيد البغداديّ: {الْماعُونَ} في الجاهليّة: العطاء والمنفعة، وفي الإسلام: الزّكاة والطّاعة. (¬12) وقيل: {الْماعُونَ:} الماء. (¬13) والله أعلم. ¬
سورة الكوثر
سورة الكوثر مكية. (¬1) وقيل: مدنية. (¬2) وهي ثلاث آيات (¬3) بلا خلاف. (¬4) بسم الله الرّحمن الرّحيم 1 - {الْكَوْثَرَ:} قال صاحب من الرجال (¬5): الرجل الكثير الخير، ومن الغبار الكثير. (¬6) وعن ابن عمر، عنه عليه السّلام: قال: «الكوثر نهر في الجنة حافتاه (¬7) من الذهب، يجري على الدرّ والياقوت، تربته أطيب من ريح المسك، وماؤه أشد بياضا من الثلج، وأحلى من العسل» (¬8). وعن عائشة قالت: (الكوثر) نهر في الجنة على (¬9) شاطئيه در مجوّف. (¬10) وعن ابن عباس: (الكوثر): الخير الكثير. (¬11) 2 - {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَاِنْحَرْ:} فالظاهر أنه صلاة العيد، ونحر الجزور. (¬12) وعن عائشة قالت (¬13): ما عمل آدمي من عمل يوم النحر أحب إلى الله عز وجل من إهراق الدم. (¬14) وقال علي: الأمر بالنحر أمر بوضع اليمين على الشمال في الصلاة. (¬15) وقال ابن عباس: ¬
المراد به الانتصاب بعد الركوع. (¬1) والأصل لهذين القولين لأنا لم نجد في القرآن أمرا بالصلاة (¬2) عطف عليها ركنا من أركانها، أو سنّة من سننها، ووجدنا المعطوف على الصلاة في أكثر المواضع عبادة مالية، وهي الزكاة، فالقياس في الأمر بالنحر كذلك، وهذا قول الضحاك وعطية، ثم إن ثبت قول علي وابن عباس ضممناه إلى ما دلّ عليه الظاهر، ولم نترك الظاهر كضمّنا الهدية إلى التحية والخلوة الصحيحة إلى الدخول. 3 - {إِنَّ شانِئَكَ:} نزلت في العاص بن وائل، (¬3) وذلك أنه شمت بموت طاهر بن رسول الله وسماه الأبتر، فردّ الوصف عليه. (¬4) ¬
سورة الكافرون
سورة الكافرون مكيّة. (¬1) وقيل: مدنيّة. (¬2) وهي ستّ آيات بلا خلاف. (¬3) بسم الله الرّحمن الرّحيم التّكرار يجوز على ما سبق، ويجوز أن يكون بعضها نفي العزيمة، وبعضها نفي الحال، وبعضها الحكم بالنّفي في المستقبل من الزّمان. (¬4) عن فروة بن نوفل، عن أبيه: أنّ النّبيّ عليه السّلام قال لنوفل: «اقرأ {قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ} إلى خاتمتها، فإنّها براءة من الشّرك» (¬5). وعن عبد الرّحمن بن نوفل، عن أبيه قال: قلت لرسول الله: إنّي حديث [عهد] بشرك (¬6)، فما (¬7) يبرّئني من الشّرك؟ قال: {قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ»،} قال: فما أخطأها (¬8) ليلة حتى مات. (¬9) ¬
سورة النصر
سورة النصر مكيّة. (¬1) وهي ثلاث آيات بلا خلاف. (¬2) بسم الله الرّحمن الرّحيم 1 - عن ابن عبّاس في قوله: {إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ} أخبر رسول الله عن الموت. (¬3) وعنه في قوله: {إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ} قال: قال النّبيّ عليه السّلام: «نعيت إليّ نفسي، فإنّي مقبوض في تلك السّنة» (¬4). 3 - وعن عائشة قالت: ما رأيت رسول الله صلّى صلاة إلا قال: «سبحانك ربّنا وبحمدك، اللهمّ اغفر لي» (¬5). ¬
سورة تبت
سورة تبت مكيّة. (¬1) (327 ظ) وهي خمس آيات بلا خلاف. (¬2) بسم الله الرّحمن الرّحيم 4 - {الْحَطَبِ:} الحصب، (¬3) قيل: المراد به هاهنا النّميمة. (¬4) وقيل: حملت الشّوك ذات يوم وألقته في طريق رسول الله مكايدة له. (¬5) 5 - {فِي جِيدِها:} رقبتها. (¬6) {مَسَدٍ:} ممسّد، وهو المفتول، والمراد بها سلسلة في جهنّم إن شاء الله. (¬7) عن ابن عبّاس قال: صعد رسول الله ذات يوم على الصّفا، فنادى: يا صباحاه، فاجتمع إليه قريش، فقال: «إنّي نذير لكم بين يدي عذاب شديد، أرأيتم لو أنّي أخبرتكم أنّ العذاب ممسّيكم ومضحّيكم، أكنتم تصدّقونني (¬8)»، فقال أبو لهب: ألهذا جمعتنا؟ تبّا لك، فنزلت. (¬9) 2 - وعن ابن عبّاس: أتاه إنسان من ولد أبي لهب يصلح بينهما، فرما أحدهما الآخر، فقال ابن عبّاس: أمّا أنا فأشهد أنّكما ممّا كسب. (¬10) ¬
سورة الإخلاص
سورة الإخلاص مكيّة. (¬1) وقيل: مدنيّة. (¬2) وهي أربع آيات في غير عدد أهل مكّة والشّام. (¬3) بسم الله الرّحمن الرّحيم 1 - عن أبيّ بن كعب: أنّ المشركين قالوا لرسول الله: انسب لنا ربّك، فأنزل الله: [{قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ (1) اللهُ] (¬4)} الصَّمَدُ (2)، [فالصّمد] (¬5): الذي لم يلد ولم يولد؛ لأنّه ليس شيء يولد إلا سيموت، وليس شيء يموت إلا سيورث، وإنّ الله لا يموت ولا يورث. {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ:} لم يكن له شبيه، ولا عدل، و {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:11]. (¬6) وعن أبي العالية، عنه عليه السّلام: أنّه ذكر آلهتهم، فقالوا: انسب لنا ربّك، فأتاه جبريل عليه السّلام بهذه السّورة. (¬7) وعن ابن مسعود قال: قال رسول الله عليه السّلام: «أيعجز أحدكم أن يقرأ ثلث القرآن في ليلة؟»، قال: ومن يطيق ذلك؟ قال: {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ} ثلث القرآن» (¬8). وبالله التوفيق. ¬
سورة الفلق
سورة الفلق مكيّة. (¬1) وقيل: مدنيّة. (¬2) وهي خمس آيات بلا خلاف. (¬3) بسم الله الرّحمن الرّحيم عن عقبة بن عامر الجهنيّ، عن النّبيّ عليه السّلام قال: «قد أنزل الله عليّ آيات لم ير مثلهن {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النّاسِ} إلى آخر السّورة، و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} إلى آخر السّورة» (¬4). وعن أبي نضرة: أنّ رسول الله كان يتعوّد من أعين النّاس والجنّ حتى نزلت المعوّذتان (¬5)، فترك ذلك. (¬6) 1 - {الْفَلَقِ:} فلق الصّبح. (¬7) روى الكلبيّ وغيره: أنّ الفلق بيت في النّار إذا فتح تعوّد منه أهل النّار. (¬8) 3 - {غاسِقٍ:} غسق اللّيل. (¬9) وعن النّبيّ عليه السّلام: أنّه أشار إلى القمر، وقال لعائشة: «تعوّذي بالله من هذا فإنّه هو الغاسق» (¬10). {إِذا وَقَبَ:} دخل. (¬11) 4 - {النَّفّاثاتِ فِي الْعُقَدِ:} السّاحرات، والنّفث: التّفل. (¬12) 5 - {حاسِدٍ:} لبيد بن أعصم اليهوديّ. (¬13) وذكر الكلبيّ وغيره: أنّه كان سحر سحرا ¬
أثّر ذلك في نفس النّبي عليه السّلام، فقالوا بينا رسول الله بين النّائم واليقضان إذ أتاه ملكان، قعد أحدهما عند رأسه، والآخر عند رجليه، فقال الذي عند رأسه للذي (328 و) عند رجليه: أيّ شيء به؟ قال: طبّ الرّجل، قال: ومن طبّه؟ قال: لبيد بن أعصم اليهوديّ، قال: فأين جعله؟ قال: في بئر بني أروان تحت مشط ومشاقة (¬1)، فبعث رسول الله بعض أصحابه إلى تلك البئر، فإذا نخلها كأنّها رؤوس الشّياطين، وإذا ماؤه كأنّه نقاعة الحنّاء، وأتوا بالسّحر إلى رسول الله، فقرأ رسول الله المعوّذتين إحدى عشرة آية، فكلمّا قرأ آية انحلّت عقدة، حتى (¬2) انحلت العقد كلّها، وقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كأنّما أنشط من عقال. (¬3) ¬
سورة الناس
سورة الناس مدنيّة. نزولها مع نزول الفلق. (¬1) وهي ستّ آيات في غير عدد أهل مكّة والشّام. (¬2) بسم الله الرّحمن الرّحيم 4 - {الْوَسْواسِ:} والوسوسة (¬3) من الصّوت الخفيّ، ومنه وسواس الحلي، (¬4) والمراد به هاهنا: الموسوس (¬5)، وفحوى الخطاب أنّ الموسوسين من الفريقين جميعا من الجنّ والإنس. 5 و 6 - عن أبي بكر الأنباريّ في تفسير قوله: {فِي صُدُورِ النّاسِ (5) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنّاسِ} جنّهم وأنسهم. وقال الفرّاء: قال بعض العرب في كلامه، فجاء قوم من الجنّ فوقفوا، فقيل لهم: من أنتم؟ قالوا: أناس من الجنّ. (¬6) وهذا في ترجمة الثّقلين. وروينا عن ابن عبّاس في أوّل الكتاب: أنّ العالمين الجنّ والإنس. وأستدللنا على صحّته بقوله: {لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً} [الفرقان:1]. (¬7) وفي التّعوّذ معنى الحمد، وهو يدلّ على الرّبوبيّة؛ لأنّ غير المحمود يتعوّد منه، ولا يتعوّد به، وغير المتّصف بالرّبوبيّة يتعوّد، ولا يعيذ غيره، ولّما كانت الكفّار يعتقدون في الجنّ أنّها آلهة يقولون إذا نزلوا منزلا: نعوذ بربّ هذا الوادي من شرّ سفهائه، ثبت أنّ التّعوّذ يتضمّن معنى الحمد، ويدلّ على الرّبوبيّة، وأنّ العالمين هم الجنّ والإنس، وكان عليه السّلام أمر ب {الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ} [الفاتحة:2]. تمّ الكتاب بعون الله وتوفيقه والصلاة على محمد نبيّه وصدّيقه. (¬8) ¬
المصادر والمراجع أولا القرآن الكريم، ثم
المصادر والمراجع (¬1) أولا القرآن الكريم، ثم: 1 - ائتلاف النصرة في اختلاف نحاة الكوفة والبصرة: الشرجي الزبيدي، عبد اللطيف بن أبي بكر، ت 802 هـ، تحقيق: د. طارق الجنابي، ط 1، عالم الكتب، مكتبة النهضة العربية، بيروت،1407 هـ-1987 م. 2 - أبجد العلوم: صديق بن حسن القنوجي (1307 هـ)، تحقيق: عبد الجبار زكار، دار الكتب العلمية، بيروت،1978 م. 3 - ابن عرفة ومنهجه في تفسيره: خليل إسماعيل الشطي، رسالة ماجستير، الجامعة الإسلامية، بغداد،1420 هـ-1999 م. 4 - إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة: تأليف الإمام أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل البوصيري (840 هـ)، تحقيق: أبي عبد الرحمن عادل بن سعد وأبي إسحاق السيد بن محمود بن إسماعيل، مكتبة الرشد، الرياض،1419 هـ- 1998 م. 5 - إتحاف فضلاء البشر في قراءات الأربعة عشر: الدمياطي البنّاء، شهاب الدين أحمد بن محمد، ت 1117 هـ، وضع حواشيه: الشيخ أنس مهرة، ط 1، دار الكتب العلمية، بيروت،1419 هـ -1998 م. 6 - الإتحافات السنية بالأحاديث القدسية: زين الدين عبد الرؤوف بن تاج العارفين بن علي بن زين العابدين الحدادي ثم المناوي (1031 هـ)، تحقيق: محمد عفيف الزعبي، مؤسسة الرسالة، بيروت. 7 - اتفاق المباني وافتراق المعاني: سليمان بن بنين الدقيقي النحوي، ت 614 هـ، تحقيق: د. يحيى عبد الرؤوف جبر، ط 1، دار عمار، عمان، 1405 هـ-1985 م. 8 - الإتقان في علوم القرآن: السيوطي، جلال الدين عبد الرحمن، ت 911 هـ، دار الندوة الجديدة، بيروت، (لا، ت). 9 - آثار البلاد وأخبار العباد: زكريا بن محمد القزويني، دار صادر ودار بيروت، بيروت، 1960 م. 10 - الآثار: أبو يوسف الأنصاري، يعقوب بن إبراهيم، ت 182 هـ، تحقيق: أبو الوفا الأفغاني، دار الكتب العلمية، بيروت،1355 هـ. 11 - إثبات عذاب القبر: لأبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي (458 هـ)، تحقيق: د. شرف محمود القضاة، دار الفرقان، الأردن، ط 2،1405 هـ. 12 - أثر ابن جني في عبد القاهر وابن الأثير: أحمد مطلوب، مجلة المجمع العلمي العراقي، بغداد، المجلد 41،1990 م، ج 1، ص 58 - 87. 13 - الآحاد والمثاني: ابن أبي عاصم، أبو بكر، أحمد بن عمرو بن الضحاك، ت 287 هـ، تحقيق: باسم فيصل الجوابرة، ط 1، دار الراية، الرياض،1411 هـ-1991 م. 14 - الآحاد والمثاني: لأبي بكر أحمد بن عمرو بن الضحاك الشيباني (287 هـ)، تحقيق: د. باسم فيصل أحمد الجوابرة، دار الراية، الرياض، 1411 هـ-1991 م. 15 - أحاديث أبي الزبير: لأبي الشيخ عبد الله بن جعفر بن حيان الأصبهاني، تحقيق: بدر بن عبد الله البدر، مكتبة الرشيد، الرياض. 16 - أحاديث أبي عروبة الحراني: لأبي عروبة الحسين بن محمد بن أبي معشر مودود الحراني (318 هـ)، تحقيق: د. عبد الرحيم محمد أحمد القشقري، شركة الرياض، الرياض،1419 هـ. 17 - أحاديث الشعر: لأبي محمد بن عبد الواحد بن علي المقدسي (600 هـ)، تحقيق: حسان عبد المنان الجبالي، المكتبة الإسلامية، الأردن، 1410 هـ، ¬
18 - الأحاديث الطوال: الطبراني، أبو القاسم، سليمان بن أحمد بن أيوب، ت 360 هـ، تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، ط 1، دار الكتب العلمية، بيروت،1412 هـ-1992 م. 19 - الأحاديث المختارة: أبو عبد الله المقدسي، محمد بن عبد الواحد بن أحمد، ت 643 هـ، تحقيق: عبد الملك بن عبد الله بن دهيش، ط 1، مكتبة النهضة الحديثة، مكة المكرمة، 1410 هـ-1990 م. 20 - الاحتجاج: أحمد بن علي الطبرسي (560 هـ)، تحقيق: السيد محمد باقر الخرسان، دار النعمان. 21 - الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان: تأليف الأمير علي بن بلبان الفارسي (ت 739 هـ)، تحقيق: الشيخ شعيب الأرنؤوط وغيره، مؤسسة الرسالة، بيروت،1412 هـ-1991 م 22 - أحكام القرآن: الجصاص، أبو بكر، أحمد بن علي الرازي، ت 370 هـ، تحقيق: محمد الصادق قمحاوي، دار إحياء التراث العربي، بيروت،1405 هـ-1985 م. 23 - أحكام القرآن: الشافعي، أبو عبد الله، محمد بن إدريس، ت 204 هـ، تحقيق: عبد الغني عبد الخالق، دار الكتب العلمية، بيروت،1400 هـ-1980 م. 24 - أحكام القرآن: للإمام أبي بكر محمد بن عبد الله المعروف بابن العربي (543 هـ)، تحقيق: عبد الرزاق المهدي، دار الكتاب العربي، بيروت، 1421 هـ-2000 م. 25 - الإحكام في أصول الأحكام: ابن حزم، علي بن أحمد بن سعيد، ت 456 هـ، ط 1، دار الحديث، القاهرة،1404 هـ-1984 م. 26 - الإحكام في أصول الأحكام: الآمدي، علي بن محمد، ت 631 هـ، تحقيق: عبد الرزاق عفيفي، ط 2، المكتب الإسلامي، دمشق، بيروت، 1402 هـ-1982 م. 27 - أحوال الرجال: لأبي إسحاق إبراهيم بن يعقوب الجزجاني (259 هـ)، تحقيق: صبحي البدري السامرائي، موسسة الرسالة، بيروت، 1405 هـ. 28 - الأخبار الطوال: أبو حنيفة الدينوري، أحمد بن داود، ت 282 هـ، تحقيق: عبد المنعم عامر، ط 1، دار إحياء الكتب العربية،1960 م. 29 - أخبار المدينة: لأبي زيد النميري البصري، تحقيق: علي محمد دندل، دار الكتب العلمية، بيروت. 30 - أخبار النحويين البصريين: لأبي سعيد الحسن بن عبد الله السيرافي (368 هـ)، تحقيق: طه محمد الزيني ومحمد عبد المنعم خفاجي، مصطفى البابي الحلبي، مصر،1274 هـ-1955. 31 - أخبار مكة: أبو عبد الله الفاكهي، محمد بن إسحق بن العباس، ت 275 هـ، تحقيق: د. عبد الملك عبد الله دهيش، ط 2، دار خضر، بيروت، 1414 هـ-1994 م. 32 - أخبار مكة: لأبي الوليد محمد بن عبد الله بن أحمد الأزرقي، تحقيق: رشدي الصالح ملحس، دار الأندلس للنشر، بيروت،1416 هـ-1996 م. (أ) 33 - اختلاف القراء السبعة في الياءات والتاءات والنونات والباءات والثاءات: أبو الطيب، عبد المنعم بن غلبون، ت 389 هـ، تحقيق: د. سر الختم الحسن عمر، ط 1، الرياض، 1416 هـ-1995 م. 34 - الإخوان: لأبي بكر عبد الله بن محمد القرشي (281 هـ)، تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت. 35 - آداب الصحبة: لأبي عبد الرحمن السلمي (412 هـ)، تحقيق: مجدي فتحي السيد، دار الصحابة للتراث، طنطا،1410 هـ-1990 م. 36 - أدب الكاتب: لأبي محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الكوفي المروزي الدينوري (376 هـ)، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد، المكتبة التجارية، مصر، ط 4،1963 م.
37 - الأدب المفرد: البخاري، محمد بن إسماعيل، ت 256 هـ، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، ط 3، دار البشائر الإسلامية، بيروت، 1409 هـ-1989 م. 38 - الأدلة الرضية: الشوكاني، محمد بن علي بن محمد، ت 1250 هـ، تحقيق: محمد صبحي الحلاق، ط 1، دار الندى، بيروت،1413 هـ- 1993 م. 39 - الأربعين في مناقب أمهات المؤمنين: لأبي منصور عبد الرحمن بن محمد بن هبة الله بن عساكر (571 هـ)، تحقيق: محمد مطيع الحافظ وغزوة بدير، دار الفكر، دمشق،1406 هـ. 40 - إرشاد العقل السليم إلى مزايا القرآن الكريم: أبو السّعود، محمد بن محمد العماديّ، ت 951 هـ، دار إحياء التراث العربي، بيروت، (لا، ت). 41 - الأزهية في علم الحروف: الهروي، علي بن محمد، ت 415 هـ، تحقيق: عبد المعين الملوحي، مجمع اللغة العربية، دمشق،1391 هـ-1971 م. 42 - أسباب النزول القرآني: تأليف د. غازي عناية، دار الجليل، بيروت. 43 - أسباب نزول الآيات: الواحدي، أبو الحسن، علي بن أحمد، ت 468 هـ، مؤسسة الحلبي وشركاه، القاهرة،1388 هـ-1968 م. 44 - أسباب نزول القرآن (دراسة وتحليل): إعداد الطالب: عبد الرحيم فارس أبو عليلة، إشراف د. أحمد فريد، الجامعة الأردينة، كلية الشريعة، 1410 هـ-1989 م. 45 - الاستغناء في أحكام الاستثناء: شهاب الدين القرافي، أحمد بن عبد الرحمن، ت 682 هـ، تحقيق: د. طه محسن، مطبعة الإرشاد، بغداد، 1402 هـ-1982 م. 46 - الاستيعاب في معرفة الأصحاب: ابن عبد البر، يوسف بن عبد الله، ت 463 هـ، تحقيق: علي محمد البجاوي، ط 1، دار الجيل، بيروت، 1412 هـ-1992 م. 47 - الاستيعاب في معرفة الأصحاب: يوسف بن عبد الله بن عبد البر (ت 463 هـ)، تحقيق: علي محمد البجاوي، دار الجيل، بيروت،1412 هـ. 48 - أسد الغابة: لابن الأثير (630 هـ): انتشارات اسماعيليان، طهران. 49 - أسرار البلاغة: عبد القاهر بن عبد الرحمن الجرجاني (471 م)، تحقيق: هلموت ريتر، مطبعة وزارة الأوقاف، استانبول،1954 م. 50 - أسرار التكرار في القرآن (المسمى البرهان في توجيه متشابه القرآن لما فيه من الحجة والبيان): أبو القاسم الكرماني، محمود بن حمزة بن نصر، ت نحو 505 هـ، تحقيق: عبد القادر أحمد عطا، ط 1، دار بو سلامة، تونس،1983 م 51 - أسرار العربية: الأنباري، أبو البركات، عبد الرحمن بن محمد، ت 577 هـ، تحقيق: د. فخر صالح قدارة، ط 1، دار الجيل، بيروت،1415 هـ -1995 م. 52 - أسرار النحو: ابن كمال باشا، أحمد بن سليمان، ت 940 هـ، تحقيق: أحمد حسن حامد، دار الفكر، عمان، (لا، ت). 53 - إسعاف المبطأ برجال الموطأ: لأبي الفضل عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي (911 هـ)، المكتبة التجارية، مصر،1389 هـ-1969 م. 54 - أسماء السور القرآنية (جمع ودراسة وتحليل)، إعداد الطالب عبد الله بن سالم بن حمد الهنائي، إشراف د. زياد الدغامين، جامعة آل البيت، كلية الدراسات الفقهية والقانونية، قسم أصول الدين، 1403 هـ-2002 م. 55 - أسماء من يعرف بكنيته: لأبي الفتح محمد بن الحسين الأزدي الموصلي (374 هـ)، تحقيق: أبو عبد الرحمن إقبال، الدار السلفية، الهند،1410 هـ- 1989 م. 56 - الأشباه والنظائر في النحو: السيوطي، تحقيق: د. عبد العال سالم مكرم، ط 1، مؤسسة الرسالة، بيروت،1406 هـ-1985 م.
57 - الاشتقاق: ابن دريد، محمد بن الحسن، ت 321 هـ، تحقيق: عبد السّلام هارون، ط 2، مكتبة المثنى، بغداد،1399 هـ-1979 م. 58 - الإشراف في منازل الأشراف: لأبي عبد الله بن محمد بن عبيد ابن أبي الدنيا (281 هـ)، تحقيق: د. نجم عبد الرحمن خلف، مكتبة الرشد، الرياض، 1411 هـ-1990 م. 59 - الإصابة في تمييز الصحابة: ابن حجر العسقلاني، أحمد بن علي، ت 852 هـ، تحقيق: عادل أحمد عبد الموجود وعلي محمد معوض، ط 1، دار الكتب العلمية، بيروت، 1415 هـ-1995 م. 60 - الإصابة في تمييز الصحابة: تأليف شيخ الإسلام شهاب الدين أبي الفضل أحمد بن علي بن محمد الكناني العسقلاني، المعروف بابن حجر (ت 852 هـ)، دار العلوم الحديثة، بيروت، لبنان، 1328 هـ. (أ) 61 - إصلاح المنطق: ابن السكيت، أبو يوسف، يعقوب بن إسحق، ت 244 هـ، تحقيق: أحمد محمد شاكر، وعبد السّلام محمد هارون، ط 4، دار المعارف، القاهرة،1949 م. 62 - إصلاح غلط المحدثين: أبو سليمان الخطابي البستي، حمد بن محمد بن إبراهيم، ت 388 هـ، تحقيق: د. محمد علي عبد الكريم الرديني، ط 1، دار المأمون للتراث، دمشق،1407 هـ-1987 م. 63 - أصول السرخسي: أبو بكر، محمد بن أحمد بن أبي سهل، ت 490 هـ، تحقيق: أبو الوفاء الأفغاني، ط 1، دار الكتب العلمية، بيروت، 1414 هـ-1993 م. 64 - أصول الشاشي: أبو علي، أحمد بن محمد بن إسحق، ت 344 هـ، دار الكتاب العربي، بيروت،1402 هـ-1982 م. 65 - الأضداد: ابن السكيت، نشر أوغست هفنر، (ضمن ثلاثة كتب في الأضداد)، بيروت، 1913 م. 66 - الأضداد: الأصمعي، عبد الملك بن قريب، ت 216 هـ، نشر أوغست هفنر، (ضمن ثلاثة كتب في الأضداد)، بيروت،1913 م. 67 - أطراف الغرائب والأفراد: المقدسي، تحقيق: محمود حسن نصار، دار الكتب العلمية، بيروت. 68 - اعتقاد أهل السنة: اللالكائي، أبو القاسم، هبة الله بن الحسن بن منصور، ت 418 هـ، تحقيق: د. أحمد سعد حمدان، دار طيبة، الرياض،1402 هـ. 69 - اعتقاد أهل السنة: لأبي القاسم هبة الله بن الحسن بن منصور اللالكائي (418 هـ)، تحقيق: د. أحمد سعد حمدان، دار طيبة، الرياض،1402 هـ. 70 - الاعتقاد: البيهقي، أبو بكر، أحمد بن الحسين، ت 458 هـ، تحقيق: أحمد عصام الكاتب، ط 1، دار الآفاق الجديدة، بيروت،1401 هـ- 1981 م. 71 - إعجاز القرآن: الباقلاني، أبو بكر، محمد بن الطيب، ت 403 هـ، تحقيق: السيد أحمد صقر، ط 3، دار المعارف، القاهرة، (لا، ت). 72 - إعراب القراءات السبع وعللها: ابن خالويه، تحقيق: د. عبد الرحمن بن سليمان العثيمين، ط 1، مكتبة الخانجي، القاهرة،1413 هـ -1992 م. 73 - إعراب القراءات السبع وعللها: الحسين بن أحمد ابن خالويه (370 هـ)، تحقيق: د. عبد الرحمن بن سليمان العثيمين، ط 1، مكتبة الخانجي، القاهرة، 1413 هـ-1992 م. 74 - إعراب القراءات الشواذ: أبو البقاء العكبري، عبد الله بن الحسين، ت 616 هـ، تحقيق: السيد أحمد عزوز، عالم الكتب، بيروت، 1417 هـ-1997 م. 75 - إعراب القرآن وبيانه: محيي الدين الدرويش، اليمامة ودار ابن كثير، دمشق، ط 5، 1417 هـ 1996 م. 76 - إعراب القرآن: أبو جعفر النحاس، أحمد بن محمد بن إسماعيل، ت 338 هـ، تحقيق:
د. زهير غازي زاهد، ط 3، عالم الكتب، بيروت، 1409 هـ-1988 م. 77 - إعراب القرآن: لأبي جعفر أحمد بن محمد بن إسماعيل النحاس (338 هـ)، تحقيق: د. زهير غازي، مطبعة العاني، بغداد (بلا. ت). (أ) 78 - إعراب ثلاثين سورة من القرآن الكريم: ابن خالويه، دار التربية، بغداد، (لا، ت). 79 - الأعلام: الزركلي، خير الدين، ت 1976 م، ط 5، دار العلم للملايين، بيروت، 1980 م. 80 - إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان: لشمس الدين أبي عبد الله محمد بن أبي بكر بن قيم الجوزية (751 هـ)، تحقيق: محمد حامد الفقي، دار المعرفة، بيروت،1986 م. 81 - الأغاني: أبو الفرج الأصفهاني، علي بن الحسين، ت 356 هـ، تحقيق: سمير جابر، ط 2، دار الفكر، بيروت. 82 - الإغفال فيما أغفله الزّجّاج من المعاني: أبو علي الفارسي، الحسن بن أحمد بن عبد الغفار، ت 377 هـ، تحقيق: محمد حسن محمد إسماعيل، رسالة ماجستير، كلية الآداب، جامعة عين شمس، 1974 م. 83 - الأفعال: لأبي القاسم علي بن جعفر السعدي (515 هـ)، عالم الكتب، بيروت، 1403 هـ-1983 م. 84 - الاقتراح في علم أصول النحو: السيوطي، ط 1، جمعية دار المعارف العثمانية، 1359 هـ. 85 - الإقناع في القراءات السبع: أحمد بن علي ابن الباذش (540 هـ)، تحقيق: د. عبد المجيد قطامش، ط 1، مركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي، جامعة أم القرى، مكة المكرمة،1403 هـ. 86 - الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع: شمس الدين محمد بن أحمد الشربيني الخطيب (960 هـ)، دار المعرفة بيروت، (بلا. ت). 87 - الاكتفاء بما تضمنه من مغازي رسول الله والثلاثة الخلفاء: الكلاعي الأندلسي، أبو الربيع، سليمان بن موسى، ت 634 هـ، تحقيق: د. محمد كمال الدين عز الدين علي، ط 1، عالم الكتب، بيروت،1417 هـ-1997 م. 88 - الإكليل في استنباط التنزيل: للإمام جلال الدين السيوطي (911 هـ)، دراسة وتحقيق: د. عامر بن علي العرابي، دار الأندلس الخضراء، جدة،1422 هـ-2002 م. 89 - الإكمال في ذكر من له رواية في مسند الإمام أحمد من الرجال سوى من ذكر في تهذيب الكمال: أبو المحاسن شمس الدين الحسيني الشافعي، محمد بن علي بن الحسن بن حمزة، ت 765 هـ، تحقيق: د. عبد المعاطي أمين قلعجي، جامعة الدراسات الإسلامية، كراتشي، (لا، ت). 90 - الإكمال في رفع الارتياب عن المؤتلف والمختلف في الأسماء والكنى والأنساب: تأليف الأمير الحافظ ابن ماكولا (ت 475 هـ)، اعتنى بتصحيحه والتعليق عليه: الشيخ عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني، الناشر محمد أمين دمج، بيروت، لبنان، (د. ت). 91 - الآلة والأداة وما يتبعهما من الملابس والمرافق والهنات: تأليف معروف الرصافي، تحقيق وتعليق: عبد الحميد الرّشودي، دار الرشيد للنشر، بغداد، 1980. 92 - الأم: الشافعي، ط 2، دار الفكر، بيروت،1403 هـ-1983 م. 93 - الأم: للإمام أبي عبد الله محمد بن إدريس الشافعي (204 هـ)، دار المعرفة، بيروت، ط 2، 1393 هـ. 94 - أمالي الزجاجي: عبد الرحمن بن إسحق، ت 340 هـ، تحقيق: عبد السّلام هارون، ط 2، دار الجيل، بيروت،1407 هـ-1987 م. 95 - أمالي السهيلي في النحو واللغة والحديث والفقه: السهيلي، أبو القاسم، عبد الرحمن بن عبد الله، ت 581 هـ، تحقيق: محمد
إبراهيم البنا، ط 1، مطبعة السعادة، القاهرة، 1390 هـ-1970 م. 96 - الأمالي الشجرية: ابن الشجري، هبة الله بن علي، ت 542 هـ، دار المعرفة، بيروت، (لا، ت). 97 - أمالي المحاملي: الحسين بن إسماعيل الضبي، ت 330 هـ، تحقيق: د. إبراهيم القيسي، ط 1، المكتبة الإسلامية، عمان، دار ابن القيم، الدمام،1412 هـ-1992 م. 98 - أمالي المرتضى: الشريف المرتضى، علي بن الحسين، ت 436 هـ، تحقيق: محمد بدر الدين النعساني الحلبي وأحمد بن الأمين الشنقيطي، ط 1، مكتبة المرعشي النجفي، قم،1403 هـ. 99 - الأمالي المطلقة: لأحمد بن حجر العسقلاني (852 هـ)، تحقيق: حمدي بن عبد المجيد السلفي، المكتب الإسلامي، بيروت،1416. 100 - الأمالي: محمد بن الحسن الطوسي (ت 460 هـ)، تحقيق: قسم الدراسات الإسلامية مؤسسة البعثة، دار الثقافة، قم،1414 هـ. 101 - أمثال الحديث: ابن خلاد الرامهرمزي، أبو الحسن بن عبد الرحمن، ت 576 هـ، تحقيق: أحمد عبد الفتاح تمام، ط 1، مؤسسة الكتب الثقافية، بيروت،1409 هـ. 102 - أمثال الحديث: لأبي الحسن بن عبد الرحمن بن خلاد الرامهرمزي (567 هـ)، تحقيق: أحمد عبد الفتاح تمام، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1409 هـ. 103 - إنباه الرواة على أنباه النحاة: القفطي، جمال الدين، علي بن يوسف، ت 646 هـ، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، ط 1، دار الكتب المصرية،1369 - 1374 هـ-1950 - 1955 م. 104 - إنباه الرواة على أنباه النحاة: لأبي الحسن علي بن يوسف القفطي (646 هـ)، تحقيق: محمد أبو الفضل، مطبعة دار الكتب المصرية، القاهرة،1369 - 1374 هـ-1950 - 1955 م. 105 - الأنساب: السمعاني، عبد الكريم بن محمد بن منصور، ت 562 هـ، تحقيق: عبد الله عمر البارودي، ط 1، دار الجنان، بيروت،1408 هـ-1988 م. 106 - الأنساب: للإمام أبي سعد عبد الكريم بن محمد بن منصور التميمي السمعاني (ت 562 هـ)، حقق نصوصه وعلق عليه: الشيخ عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني، الناشر محمد أمين دمج، بيروت، لبنان،1400 هـ-1980 م. (أ) 107 - الإنصاف في مسائل الخلاف بين النحويين البصريين والكوفيين: أبو البركات الأنباري، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد، المكتبة العصرية، صيدا، بيروت، 1407 هـ-1987 م. 108 - أهل العصر: لأبي منصور عبد الملك بن محمد الثعالبي (429 هـ)، تحقيق: مفيد قحمية، دار الكتب العلمية، بيروت،1403 هـ-1983 م. 109 - الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف: لأبي بكر محمد بن إبراهيم بن المنذر النيسابوري (318 هـ)، تحقيق: د. أبو حماد صغير أحمد بن محمد حنيف، دار طيبة، الرياض، 1412 هـ-1991 م. 110 - الأوسط: أبو بكر النيسابوري، محمد بن إبراهيم بن المنذر، ت 318 هـ، تحقيق: د. صغير أحمد بن محمد حنيف، ط 1، دار طيبة، الرياض، 1405 هـ-1985 م. 111 - أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك: ابن هشام الأنصاري، جمال الدين، عبد الله بن يوسف، ت 761 هـ، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد، ط 5، دار الجيل، بيروت،1979 م. 112 - إيجاز البيان عن معاني القرآن: للإمام محمود بن أبي الحسين النيسابوري (553 هـ)، دراسة وتحقيق: د. حنيف بن حين القاسمي، دار الغرب الإسلامي، بيروت،1995 م.
113 - الإيضاح في النحو: أبو علي الفارسي، تحقيق: د. كاظم بحر المرجان، ط 3، عالم الكتب، بيروت،1416 هـ-1996 م. 114 - الإيضاح في شرح المفصل: ابن الحاجب، أبو عمرو، عثمان بن عمر، ت 646 هـ، تحقيق: د. موسى بناي العليلي، بغداد،1982 م. 115 - الإيضاح في علوم البلاغة: القزويني، محمد بن سعد الدين بن عمر، ت 739 هـ، ط 4، دار إحياء العلوم، بيروت،1998 م. 116 - الإيمان: ابن منده، محمد بن إسحق بن يحيى، ت 395 هـ، تحقيق: د. علي محمد ناصر الفقيهي، ط 2، مؤسسة الرسالة، بيروت،1406 هـ-1986 م. 117 - الإيمان: العدني، محمد بن يحيى بن أبي عمر، ت 243 هـ، تحقيق: حمد حمدي الجابري الحربي، ط 1، الدار السلفية، الكويت،1407 هـ -1987 م. 118 - بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار: محمد باقر المجلسي، ت 1111 هـ، ط 2، مؤسسة الوفاء، بيروت،1403 هـ-1983 م. 119 - البحر الرائق شرح كنز الدقائق: ابن نجيم المصري، زين الدين بن إبراهيم بن محمد، ت 970 هـ، تحقيق: زكريا عميرات، ط 1، دار الكتب العلمية، بيروت،1418 هـ-1997 م. 120 - البحر المحيط في أصول الفقه: الزركشي، بدر الدين محمد بن عبد الله، ت 794 هـ، قام بتحريره: الشيخ عبد القادر العاني، ود. عمر سليمان الأشقر، ط 1، الكويت،1409 هـ- 1988 م. 121 - البحر المحيط: أبو حيان الأندلسي، محمد بن يوسف، ت 745 هـ، تحقيق: عادل أحمد عبد الموجود، وآخرين، ط 1، دار الكتب العلمية، بيروت،1413 هـ-1993 م. 122 - البحر المحيط: محمد بن يوسف الشهير بأبي حيان الأندلسي (ت 754 هـ)، بعناية: الشيخ عرفات العشا حسونة، دار الفكر، بيروت، 1412 هـ-1992 م. (أ) 123 - البحر المديد في تفسير القرآن المجيد: تأليف العلامة أبي العباس أحمد بن محمد بن المهدي ابن عجيبة الحسني (1224 هـ)، تحقيق: عمر أحمد الراوي، دار الكتب العلمية، بيروت، 1423 هـ-2002 م. 124 - البدء والتاريخ: مطهر بن طاهر المقدسي، ت 507 هـ، مكتبة الثقافة الدينية، القاهرة، (لا، ت). 125 - بدائع التفسير الجامع لتفسير الإمام ابن قيم الجوزية، جمعه ووثق نصوصه وخرج أحاديثه: يسري السيد محمد، دار ابن الجوزي، الرياض جدة،1414 هـ. 126 - بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع: الكاساني، أبو بكر، علاء الدين بن مسعود، ت 587 هـ، ط 1، المكتبة الحبيبية، باكستان، 1409 هـ-1989 م. 127 - بدائع الفوائد: ابن قيم الجوزية، محمد بن أبي بكر، ت 751 هـ، تحقيق: هشام عبد العزيز عطا، وآخرين، ط 1، مكتبة نزار مصطفى الباز، مكة المكرمة،1416 هـ-1996 م. 128 - بداية المبتدي: المرغيناني، أبو الحسين، علي بن أبي بكر بن عبد الجليل، ت 593 هـ، تحقيق: حامد إبراهيم كرسون، ومحمد عبد الوهاب بحيري، ط 1، مطبعة محمد علي صبيح، القاهرة، 1355 هـ. 129 - بداية المجتهد ونهاية المقتصد: ابن رشد، أبو الوليد، محمد بن أحمد بن محمد، ت 595 هـ، دار الفكر، بيروت، (لا، ت). 130 - البداية والنهاية: ابن كثير، أبو الفداء، إسماعيل بن عمر الدمشقي، ت 774 هـ، تحقيق: علي شيري، ط 1، دار إحياء التراث العربي، بيروت،1408 هـ-1988 م. 131 - البداية والنهاية: تأليف الحافظ أبي الفداء ابن كثير (ت 774 هـ)، دقق أصوله وحققه:
د. أحمد أبو ملحم وغيره، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان،1405 هـ-1985 م. (أ) 132 - البدر الطالع لمحاسن من بعد القر، السابع، محمد بن علي بن محمد الشوكاني، دار المعرفة، بيروت، (بلا. ت). 133 - البديع: ابن خالويه، الحسين بن أحمد، ت 370 هـ، تحقيق: جايد زيدان مخلف، ضمن أطروحته للدكتوراه (اتجاهات التأليف في القراءات القرآنية مع تحقيق كتاب البديع لابن خالويه)، كلية الآداب، جامعة بغداد،1406 هـ-1986 م. 134 - البر والصلة: لأبي عبد الله الحسين بن الحسن بن حرب المروزي (246)، تحقيق: د. محمد سعيد بخاري، دار الوطن، الرياض،1419. 135 - البرهان في علوم القرآن: الزركشي، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، دار المعرفة، بيروت،1391 هـ-1971 م. 136 - البرهان في علوم القرآن: بدر الدين محمد بن بهادر الزركشي (794 هـ)، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، دار المعرفة، بيروت. 137 - البسيط في شرح جمل الزجاجي: ابن أبي الربيع، عبيد الله بن أحمد، ت 688 هـ، تحقيق: د. عياد بن عيد الثبيتي، ط 1، دار الغرب الإسلامي، بيروت،1407 هـ-1986 م. 138 - بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز: تأليف مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزأبادي (718 هـ)، تحقيق: الأستاذ محمد علي النجار، المكتبة العلمية، بيروت، (بلا. ت). 139 - بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة: السيوطي، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، ط 1، مطبعة عيسى البابي الحلبي بمصر،1384 هـ- 1964 م. 140 - بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة: للحافظ جلال الدين عبد الرحمن السيوطي، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، دار الفكر، بيروت، لبنان، ط 2،1399 هـ-1979 م. (أ) 141 - البلاغة فنونها وأفنانها-علم البيان والبديع: د. فضل حسن عباس، دار الفرقان، عمان، ط 2،1417 هـ-1996 م. 142 - البلاغة فنونها وأفنانها-علم المعاني: د. فضل حسن عباس، دار الفرقان، عمّان، ط 4، 1417 هـ-1997 م. 143 - بلدان الخلافة الشرقية: كي لسترنج، ترجمة بشير فرنسيس وكوركيس عواد، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط 2،1985 م. 144 - البلغة في تاريخ أئمة اللغة: الفيروز آبادي، مجد الدين محمد بن يعقوب، ت 817 هـ، تحقيق: محمد المصري، دمشق،1392 هـ-1972 م. 145 - بيان الوهم والإيهام الواقعين في كتاب الأحكام: للحافظ أبي الحسن علي بن محمد بن عبد الملك المعروف بابن القطان الفاسي (628 هـ)، دراسة وتحقيق: د. حسين آيت سعيد، دار طيبة، الرياض،1418 هـ-1997 م. 146 - البيان في عد آي القرآن: لأبي عمرو الداني (ت 444 هـ)، تحقيق: د. غانم قدوري، مركز المخطوطات والتراث والوثائق، الكويت، ط 1. 147 - البيان في غريب إعراب القرآن: أبو البركات الأنباري، تحقيق: د. طه عبد الحميد طه، دار الهجرة، قم، إيران،1403 هـ. 148 - البيان في غريب إعراب القرآن: تأليف الإمام أبي البركات عبد الرحمن بن الأنباري (577 هـ)، ضبطه وعلق حواشيه: بركات يوسف هبّود، دار الأرقم، بيروت (بلا. ت). 149 - البيان والتبيين: لأبي عثمان عمرو بن بحر بن محبوب الجاحظ (255 هـ)، تحقيق: حسن السندوبي، دار الفكر، بيروت. 150 - البيان والتعريف في أسباب ورود الحديث الشريف: صنّفه العلامة المحدّث السيد إبراهيم بن محمد الشهير بابن حمزة الحسيني (1220 هـ)، راجعه وأعدّ فهارسه: سيف الدين
الكاتب، دار الكتاب العربي، بيروت،1401 هـ- 1981 م. 151 - تاج العروس من جواهر القاموس: الزّبيدي، محمد مرتضى الحسيني، ت 1205 هـ، مكتبة الحياة، بيروت (لا، ت). 152 - تاريخ ابن خلدون المسمى بكتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر: عبد الرحمن بن محمد الحضرمي، ت 808 هـ، مؤسسة الأعلمي، بيروت،1391 هـ -1971 م. 153 - تاريخ ابن معين رواية الدوري: أبو زكريا، يحيى بن معين، ت 233 هـ، تحقيق: د. أحمد محمد نور سيف، ط 1، مركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي، مكة المكرمة،1399 هـ -1979 م. 154 - تاريخ أصبهان: لأبي نعيم الأصبهاني (430 هـ)، تحقيق: محمود الطحان، مكتبة المعارف، الرياض،1404 هـ-1974 م. 155 - تاريخ الأدب العربي: فؤاد سزكين، نقله إلى العربية: محمود فهمي حجازي، إدارة الثقافة والنشر، جامعة الإمام محمد بن سعود، 1991 م. 156 - تاريخ الأدب العربي: كارل بروكلمان، ترجمة رمضان عبد التواب، دار المعارف، مصر، ط 3. 157 - تاريخ الأدب في إيران من الفردوسي إلى السعدوي: إدوارد براون، ترجمة إبراهيم الشواري، مطبعة السعادة، مصر،1954 م. 158 - تاريخ الإسلام السياسي، الديني والثقافي والاجتماعي، حسن إبراهيم حسن، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، ط 2،1986 م. 159 - تاريخ الإسلام: للإمام الذهبي، تحقيق: عمر عبد السّلام تدمري، دار الكتاب العربي، بيروت،1190 هـ. 160 - التاريخ الأوسط: للإمام أبي عبد الله محمد بن إبراهيم بن إسماعيل البخاري الجعفي (256 هـ)، تحقيق محمود إبراهيم زايد، دار الوعي، حلب،1397 هـ-1977 م. 161 - تاريخ الخلفاء: للإمام عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي (911 هـ)، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد، مطبعة السعادة، مصر، 1371 هـ-1952 م. 162 - تاريخ الصحابة الذين روي عنهم الأخبار: لأبي حاتم محمد بن حبان (354 هـ)، تحقيق: بوران الضناوي، دار الكتب العلمية، بيروت،1408 هـ-1988 م. 163 - التاريخ الصغير: للإمام الحافظ أبي عبد الله محمد بن إسماعيل، تحقيق: محمد إبراهيم زايد، دار الباز، مكة المكرمة،1406 هـ-1986 م. 164 - تاريخ الطبري (تاريخ الأمم والملوك): الإمام محمد بن جرير الطبري (ت 310 هـ)، مؤسسة عز الدين، بيروت، لبنان،1405 هـ- 1985 م. (أ) 165 - تاريخ الطبري: (تاريخ الأمم والملوك): أبو جعفر، محمد بن جرير، ت 310 هـ، تحقيق: نخبة من العلماء، مؤسسة الأعلمي، بيروت، (لا، ط)، (لا، ت). 166 - التاريخ الكبير: البخاري، تحقيق: هاشم الندوي، دار الفكر، بيروت، (لا، ت). 167 - تاريخ المدينة المنورة: النميري، أبو زيد، عمر بن شبة، ت 262 هـ، تحقيق: فهيم محمد شلتوت، ط 2، دار الفكر، قم،1410 هـ. 168 - تاريخ اليعقوبي: أحمد بن أبي يعقوب بن جعفر، ت 284 هـ، دار صادر، بيروت، (لا، ت). 169 - تاريخ بغداد: الخطيب البغدادي، أبو بكر، أحمد بن علي بن ثابت، ت 463 هـ، دار الكتب العلمية، بيروت، (لا، ت). 170 - تاريخ خليفة بن خياط: أبو عمرو الليثي العصفري، ت 240 هـ، تحقيق: د. أكرم ضياء
العمري، ط 2، دار القلم، دمشق، مؤسسة الرسالة، بيروت،1397 هـ-1977 م. 171 - تاريخ مدينة دمشق: ابن عساكر، علي بن الحسن، ت 571 هـ، تحقيق: علي شيري، دار الفكر، بيروت،1415 هـ-1995 م. 172 - التاريخ: يحيى بن معين، دراسة وترتيب وتحقيق: د. أحمد محمد نور سيف، جامعة الملك عبد العزيز، مكة المكرمة،1399 هـ-1979 هـ. 173 - تالي تلخيص المتشابه: لأبي بكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي (463 هـ)، تحقيق: مشهور بن حسن آل سلمان، وأحمد الشقيرات، دار الصميعي، الرياض،1417 هـ. 174 - التأويل اللغوي في القرآن الكريم دراسة دلالية: حسين حامد الصالح، رسالة دكتوراه، كلية الآداب، الجامعة المستنصرية،1416 هـ-1995 م. 175 - تأويل مختلف الحديث: ابن قتيبة، عبد الله بن مسلم، ت 276 هـ، تحقيق: محمد زهدي النجار، دار الجيل، بيروت،1393 هـ-1972 م. 176 - تأويل مشكل القرآن: ابن قتيبة، شرحه: السيد أحمد صقر، ط 3، المكتبة العلمية، المدينة المنورة،1401 هـ-1981 م. 177 - التبصرة في القراءات: مكي بن أبي طالب القيسي، ت 437 هـ، تحقيق: د. محيي الدين رمضان، ط 1، معهد المخطوطات العربية، الكويت،1405 هـ-1985 م. 178 - التبصرة والتذكرة: لأبي محمد عبد الله بن علي بن إسحاق الصّيمري (من نحاة القرن الرابع)، تحقيق د. فتحي أحمد مصطفى علي الدين، جامعة أم القرى، مكة المكرمة،1402 هـ- 1982 م. 179 - التبصرة: الفيروزآبادي الشيرازي، إبراهيم بن علي بن يوسف، ت 476 هـ، تحقيق: د. محمد حسن هيتو، ط 1، دار الفكر، دمشق، 1403 هـ-1983 م. 180 - التبيان في إعراب القرآن: أبو البقاء العكبري، تحقيق: علي محمد البجاوي، ط 2، دار الجيل، بيروت،1407 هـ-1987 م. 181 - التبيان في إعراب القرآن: لأبي البقاء العكبري (ت 616 هـ)، وضع حواشيه: محمد حسين شمس الدين، دار الكتب العلمية، بيروت، ط 2،1419 هـ-1998 م. (أ) 182 - التبيان في أقسام القرآن: لأبي عبد الله بن محمد بن أبي بكر أيوب الزرعي المعروف بابن قيم الجوزية (751 هـ)، دار الفكر. 183 - التبيان في تفسير القرآن: الطوسي، أبو جعفر، محمد بن الحسن، ت 460 هـ، تحقيق: أحمد حبيب قصير العاملي، ط 1، دار إحياء التراث العربي، بيروت،1409 هـ. 184 - التبيان في تفسير غريب القرآن: الهائم المصري، شهاب الدين أحمد بن محمد، ت 815 هـ، تحقيق: د. فتحي أنور الدابولي، ط 1، دار الصحابة للتراث، القاهرة،1992 م. 185 - التجريد لبغية المريد في القراءات السبع: ابن الفحّام الصقلي المقرئ، أبو القاسم، عبد الرحمن بن عتيق، ت 516 هـ، دراسة وتحقيق: د. ضاري إبراهيم العاصي، رسالة دكتوراه، كلية العلوم الإسلامية، جامعة بغداد،1418 هـ- 1997 م. 186 - تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي: المباركفوري، أبو العلا، محمد عبد الرحمن بن عبد الرحيم، ت 1353 هـ، ط 1، دار الكتب العلمية، بيروت،1410 هـ-1990 م. 187 - تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي: للإمام الحافظ أبي العلى محمد عبد الرحمن بن عبد الرحيم المباركفوري، ضبطه وراجع أصوله وصححه: عبد الرحمن محمد عثمان، دار الفكر، بيروت، ط 3،1399 هـ-1979 م. (أ) 188 - تحفة التحصيل في ذكر رواة المراسيل: لأبي زرعة ولي الدين أحمد بن عبد الرحيم بن
الحسين العراقي (826 هـ)، تحقيق: عبد الله نوارة، مكتبة الرشد، الرياض،1999 م. 189 - تحفة الفقهاء: أبو منصور السمرقندي، محمد بن أحمد بن أبي أحمد، ت 539 هـ، ط 1، دار الكتب العلمية، بيروت،1405 هـ-1985 م. 190 - تحفة المحتاج: عمر بن علي بن أحمد الوادياشي الأندلسي (804 هـ)، تحقيق: عبد الله بن سعاف اللحياني، دار حراء، مكة المكرمة، 1406 هـ. 191 - التحقيق في أحاديث الخلاف: ابن الجوزي، عبد الرحمن بن علي، ت 597 هـ، تحقيق: مسعد عبد الحميد السعدني، ط 1، دار الكتب العلمية، بيروت،1415 هـ-1995 م. 192 - تخريج الأحاديث والآثار: لجمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي (762 هـ)، تحقيق: عبد الله بن عبد الرحمن السعد، دار بن خزيمة، الرياض، 1414 هـ. 193 - تخريج الفروع على الأصول: الزنجاني، محمود بن أحمد، ت 656 هـ، تحقيق: د. محمد أديب صالح، ط 2، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1398 هـ-1978 م. 194 - التخويف من النار: ابن رجب الحنبلي، عبد الرحمن بن أحمد، ت 795 هـ، ط 1، مكتبة دار البيان، دمشق،1399 هـ،1979 م. 195 - التدوين في أخبار قزوين: عبد الكريم بن محمد الرافعي، تحقيق عزيز الله العطاري، دار الكتب العلمية، بيروت،1987 م. 196 - تذكرة الأريب في تفسير الغريب: ابن الجوزي، (لا، ط)، (لا، ت). 197 - تذكرة الأريب في تفسير الغريب: لأثير الدين أبي حيان محمد بن يوسف بن علي الأندلسي (745 هـ)، تحقيق: سمير المجدوب، المكتب الإسلامي، بيروت،1403 هـ. (أ) 198 - تذكرة الحفاظ: الذهبي، أبو عبد الله، شمس الدين محمد بن أحمد، ت 748 هـ، ط 4، دار إحياء التراث العربي، بيروت، (لا، ت). 199 - تذكرة الحفاظ: محمد بن طاهر بن القيسراني (507 هـ)، تحقيق حمدي عبد المجيد السلفي، دار الصميعي، الرياض،1415 هـ. 200 - التذكرة في القراءات الثمان: تأليف الشيخ أبي الحسن طاهر بن عبد المنعم بن غلبون (399 هـ)، حققه وراجعه وعلق عليه: د. سعيد صالح زعيمة، دار الكتب العلمية، بيروت، دار ابن خلدون، الاسكندرية،1422 هـ-2001 م. 201 - الترادف في اللغة: حاكم مالك لعيبي، دار الحرية للطباعة، بغداد،1400 هـ-1980 م. 202 - الترغيب والترهيب من الحديث الشريف: تأليف الإمام الحافظ زكي الدين عبد العظيم بن عبد القوي المنذري (656 هـ)، حققه وقدم له وعلق عليه: محيي الدين ديب مستو وغيره، دار بن كثير، دمشق، ط 3،1420 هـ- 1999 م. (أ) 203 - الترغيب والترهيب: المنذري، أبو محمد، عبد العظيم بن عبد القوي، ت 656 هـ، تحقيق: إبراهيم شمس الدين، ط 1، دار الكتب العلمية، بيروت،1417 هـ-1997 م. 204 - تسمية فقهاء الأمصار: للإمام أبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي (303 هـ)، تحقيق: محمود إبراهيم زايد، دار الوعي، حلب 1369 هـ. 205 - تسمية من أخرجهم البخاري ومسلم: لأبي عبد الله بن حمدويه النيسابوري الحاكم (405 هـ)، تحقيق: كمال يوسف الحوت، مؤسسة الرسالة، بيروت،1407 هـ. 206 - التسهيل لعلوم التنزيل: ابن جزي الكلبي، محمد بن أحمد، ت 741 هـ، الدار العربية للكتاب، (لا، ت). 207 - التعاريف: محمد عبد الرؤوف المناوي (1031 هـ)، تحقيق: د. محمد رضوان الداية، دار الفكر المعاصر، بيروت،1410 هـ. 208 - تعجيل المنفعة بزوائد رجال الأئمة الأربعة: لشيخ الإسلام أبي الفضل شهاب الدين أحمد بن علي بن محمد ابن حجر العسقلاني
(ت 852 هـ)، تحقيق: السيد هشام يماني المدني، مكتبة ابن تيمية، القاهرة، (د. ت). 209 - التعديل والتجريح: لأبي الوليد سليمان بن خلف بن سعد الباجي (474 هـ)، تحقيق: د. أبو لبابة حسين، دار اللواء للنشر، الرياض، 1406 هـ-1986 م. 210 - التعريفات: الشريف الجرجاني، علي بن محمد بن علي، ت 816 هـ، تحقيق: إبراهيم الأبياري، ط 1، دار الكتاب العربي، بيروت، 1405 هـ-1985 م. 211 - تعظيم قدر الصلاة: أبو عبد الله المروزي، محمد بن نصر بن الحجاج، ت 294 هـ، تحقيق: د. عبد الرحمن عبد الجبار، ط 1، مكتبة الدار، المدينة المنورة،1406 هـ. 212 - تعظيم قدر الصلاة: لأبي عبد الله محمد بن نصر بن الحجاج المروزي (294 هـ)، تحقيق: د. عبد الرحمن عبد الجبار الفريوائي، مكتبة الدار، المدينة المنورة،1406 هـ. 213 - تغليق التعليق: ابن حجر العسقلاني، تحقيق: سعيد عبد الرحمن موسى القزقي، ط 1، المكتب الإسلامي، بيروت، دار عمار، عمان، 1405 هـ-1985 م. 214 - تفسير ابن أبي زمنين وهو مختصر تفسير يحيى بن سلام: تأليف أبي عبد الله بن عيسى بن أبي زمنين المرّي (399 هـ)، تحقيق: محمد محمد حسن إسماعيل وأحمد فريد المزيدي، دار الكتب العلمية، بيروت،1424 هـ-2003 م. 215 - تفسير ابن عباس المسمى صحيفة علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في تفسير القرآن الكريم، اعتنى بها وحققها وخرجا: راشد عبد المنعم الرجال، مؤسسة الكتب الثقافية، بيروت، 1411 هـ-1991 م. 216 - تفسير أبي السعود أو إرشاد العقل السليم إلى مزايا القرآن الكريم: للقاضي أبي السعود محمد بن محمد بن مصطفى العمادي الحنفي (982 هـ)، وضع حواشيه عبد اللطيف عبد الرحمن، دار الكتب العلمية، بيروت، 1419 هـ-1999 م. 217 - تفسير أسماء الله الحسنى: الزجاج، أبو إسحق، إبراهيم بن السري، ت 311 هـ، تحقيق: أحمد يوسف الدقاق، دار الثقافة العربية، دمشق، 1974 م. 218 - تفسير الباقيات الصالحات: لأبي سعيد خليل بن كيكلدي بن عبد الله العلائي (761 هـ)، تحقيق: بدر الزمان محمد شفيع النيالي، مكتبة الإيمان، المدينة المنورة،1407 هـ-1987 م. 219 - تفسير البغوي (معالم التنزيل): للإمام أبي محمد الحسين بن مسعود البغوي (ت 516)، حققه وخرج أحاديثه: محمد عبد الله النمر وآخرون، دار طيبة للنشر والتوزيع، الرياض، ط 4، 1417 هـ-1997 م. (أ) 220 - تفسير البغوي المسمى معالم التنزيل: البغوي، أبو محمد، الحسين بن مسعود، ت 516 هـ، تحقيق: خالد عبد الرحمن العك، ومروان سوار، ط 3، دار المعرفة، بيروت،1413 هـ- 1992 م. 221 - تفسير البيضاوي المسمى أنوار التنزيل وأسرار التأويل: البيضاوي، أبو سعيد، عبد الله بن عمر بن محمد الشيرازي، ت 791 هـ، تحقيق: عبد القادر عرفات العشا حسونة، دار الفكر، بيروت، 1416 هـ-1996 م. 222 - تفسير التحرير والتنوير: سماحة الشيخ محمد الطاهر بن عاشور، دار سحنون، تونس، (د. ت) 223 - تفسير الثوري. لأبي عبد الله سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري (161 هـ)، دار الكتب العملية، بيروت،1403 هـ. 224 - التفسير الحديث: تأليف محمد عزة دروزة (1404 هـ)، دار الغرب الإسلامي، بيروت، ط 2،1421 هـ-2000 م.
225 - تفسير الحسن البصري: جمع وتوثيق ودراسة: د. محمد عبد الرحيم، دار الحديث، القاهرة، (د. ت). 226 - تفسير الخازن المسمى لباب التأويل في معاني التنزيل: الخازن، علاء الدين علي بن محمد، ت 725 هـ، ضبطه وصححه: عبد السّلام محمد علي شاهين، ط 1، دار الكتب العلمية، بيروت، 1415 هـ-1995 م. 227 - التفسير الصافي: محسن الفيض الكاشاني (1091 هـ)، تحقيق: الشيخ حسين الأعلمي، مكتبة الصدر، طهران، ط 2،1416 هـ. 228 - تفسير الطبري (جامع البيان عن تأويل آي القرآن): الطبري، ضبط وتوثيق وتخريج: صدقي جميل العطار، دار الفكر، بيروت،1415 هـ-1995 م. 229 - تفسير الطبري: الإمام محمد بن جرير الطبري (ت 310 هـ)، دار الكتب العلمية، بيروت، ط 3،1420 هـ-1999 م. (أ) 230 - تفسير العياشي: النضر بن مسعود بن عياش السلمي السمرقندي (320 هـ)، تحقيق: الحاج هاشم الرسولي المحلاتي، المكتبة العلمية الإسلامية، طهران. 231 - تفسير القاسمي المسمى محاسن التأويل: تأليف علامة الشام محمد جمال الدين القاسمي (1322 هـ)، تحقيق: الأستاذ محمد فؤاد عبد البافي، اعتنى به وصححه: الشيخ هشام سمير البخاري، مؤسسة التاريخ العربي، بيروت،1415 هـ- 1994 م. 232 - تفسير القرآن العزيز (المسمى تفسير عبد الرزاق): للإمام عبد الرزاق الصنعاني، حقق نصوصه وخرج أحاديثه وعلق عليه: د. عبد المعطي القلعجي، دار المعرفة، بيروت، لبنان، 1411 هـ-1991 م. 233 - تفسير القرآن العظيم: ابن كثير، دار المعرفة، بيروت،1412 هـ-1992 م. 234 - تفسير القرآن العظيم: للإمام الحافظ عماد الدين أبي الفداء إسماعيل بن كثير القرشي الدمشقي (774 هـ)، اعتنى به أحمد عبد السّلام الزعبي، دار الأرقم، بيروت،1419 هـ-1998 م. (أ) 235 - تفسير القرآن الكريم (بحر العلوم): أبو الليث السمرقندي، نصر بن محمد بن أحمد، ت 375 هـ، تحقيق: د. عبد الرحيم أحمد الزقة، ط 1، مطبعة الإرشاد، بغداد،1405 هـ-1985 م. 236 - تفسير القرآن الكريم لأبي حمزة الثمالي، ثابت بن دينار: ت 148 هـ، جمع وتأليف: عبد الرزاق محمد حسين حرز الدين، راجعه: محمد هادي معرفة، ط 1، مطبعة الهادي، قم،1420 هـ. 237 - تفسير القرآن: الصنعاني، عبد الرزاق بن همام، ت 211 هـ، تحقيق: د. مصطفى مسلم محمد، ط 1، مكتبة الرشد، الرياض،1410 هـ. 238 - تفسير القرآن: للإمام العلامة أبي المظفر السمعاني منصور بن محمد بن عبد الجبار التميمي المروزي (489 هـ)، تحقيق: أبي تميم ياسر بن إبراهيم وأبي بلال غنيم بن عباس بن غنيم، دار الوطن، الرياض،1418 هـ-1997 م. 239 - تفسير القرآن: للشيخ سلطان العلماء عز الدين عبد العزيز بن عبد السّلام السلمي الدمشقي الشافعي (660 هـ)، قدم له وحققه وعلق عليه: د. عبد الله بن إبراهيم بن عبد الله الوهيبي، دار ابن حزم،1416 هـ-1996 م. 240 - تفسير القرطبي (الجامع لأحكام القرآن): لأبي عبد الله بن أحمد الأنصاري القرطبي (ت 671 هـ)، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان،1405 هـ-1985 م. 241 - تفسير القرطبي (الجامع لأحكام القرآن): القرطبي، أبو عبد الله، محمد بن أحمد، ت 671 هـ، تحقيق: إبراهيم اطفيش، دار إحياء التراث العربي، بيروت،1966 م.
242 - التفسير الكبير: الفخر الرازي، محمد فخر الدين، ت 606 هـ، ط 2، دار الكتب العلمية، طهران، (لا، ت). 243 - التفسير الكبير: للإمام الفخر الرازي، إعداد مكتب تحقيق دار إحياء التراث العربي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط 2،1417 هـ- 1997 م. (أ) 244 - تفسير النسفي (مدارك التنزيل وحقائق التأويل): تأليف أبي البركات عبد الله بن أحمد بن محمود النسفي (710 هـ)، حققه وخرج أحاديثه: يوسف علي بديوي، بيروت،1419 هـ-1998 م. (أ) 245 - تفسير النسفي المسمى بمدارك التنزيل وحقائق التأويل: النسفي، عبد الله بن أحمد بن محمود، ت 710 هـ، تحقيق: الشيخ إبراهيم محمد رمضان، ط 1، دار القلم، بيروت،1408 هـ- 1989 م. 246 - تفسير روح البيان: تأليف الإمام العالم الشيخ إسماعيل حقي البروسوي (1137 هـ)، تعليق وتصحيح: الشيخ أحمد عبيد وعناية، دار إحياء التراث العربي، بيروت،1421 هـ-2001 م. 247 - تفسير سفيان الثوريّ: أبو عبد الله، سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري الكوفي، ت 161 هـ، تحقيق: لجنة من العلماء، ط 1، دار الكتب العلمية، بيروت،1403 هـ-1983 م. 248 - تفسير غرائب القرآن ورغائب الفرقان: تأليف العلامة نظام الدين الحسن بن محمد القمي النيسابوري (727 هـ)، دار الكتب العلمية، بيروت،1416 هـ-1996 م. 249 - تفسير غريب القرآن الكريم: فخر الدّين الطّريحي، ت 1087 هـ، تحقيق: محمد كاظم الطريحي، قم، (لا، ت). 250 - تفسير غريب القرآن: ابن قتيبة، تحقيق: السيد أحمد صقر، دار الكتب العلمية، بيروت، (لا، ت). 251 - تفسير كتاب الله العزيز: للشيخ هود بن محكم الهواري (من علماء القرن الثالث هجري)، تحقيق: بالحاج بن سعيد شريفي، دار الغرب الإسلامي، بيروت،1990 م. 252 - تفسير كنز الدقائق: الميرزا محمد المشهدي القمي (1125 هـ)، تحقيق الحاج آقا مجتبى العراقي، مؤسسة النشر الإسلامي،1407. 253 - تفسير مبهمات القرآن الموسوم بصلة الجمع وعائد التذييل لموصول كتابي الإعلام والتكميل: للإمام أبي عبد الله محمد بن علي البلنسي (782 هـ)، دراسة وتحقيق: د. حنيف بن حسن القاسمي، دار الغرب الإسلامي، بيروت، 1411 هـ-1991 م. 254 - تفسير مجاهد: للإمام المحدث المفسر أبي الحجاج مجاهد بن جبر التابعي المكي المخزومي (103 هـ)، قدم له محققه: عبد الرحمن الطاهر بن محمد السورتي، طبع على نفقة الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني، قطر. (أ) 255 - تفسير مجاهد: مجاهد بن جبر المكي، ت 104 هـ، تحقيق: عبد الرحمن الطاهر بن محمد السورتي، مجمع البحوث الإسلامية، إسلام آباد، (لا، ت). 256 - تفسير نور الثقلين: العروسي الحويزي، عبد علي بن جمعة، ت 1112 هـ، تحقيق: هاشم الرسولي المحلاتي، ط 4، مؤسسة إسماعيليان، قم، (لا، ت). 257 - التفسير والمفسرون: محمد حسين الذهبي، قام بضبط نصوصه وخرج آياته وأحاديثه ووضع فهارسه: الشيخ أحمد الزعبي، دار الأرقم، بيروت، (بلا. ت). 258 - تفسير البيضاوي (أنوار النزيل وأسرار التأويل): تأليف ناصر الدين أبي الخير عبد الله بن عمر بن محمد الشيرازي البيضاوي (691 هـ)، إعداد وتقديم: محمد عبد الرحمن المرعشلي، دار إحياء التراث العربي، بيروت،1418 هـ-1998 م.
259 - تقريب التهذيب: ابن حجر العسقلاني، تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، ط 2، دار الكتب العلمية، بيروت،1415 هـ-1995 م. 260 - تقريب التهذيب: شيخ الإسلام أحمد بن حجر العسقلاني (ت 852 هـ)، حققه: عبد الوهاب عبد اللطيف، دار المعرفة، بيروت، 1395 هـ-1975 م. (أ) 261 - تكملة الإكمال: للحافظ أبي بكر محمد بن عبد الغني البغدادي الحنبلي المعروف بابن نقطة (ت 629 هـ)، تحقيق: عبد القيوم عبد رب النبي، مركز إحياء التراث الإسلامي في جامعة أم القرى، مكة المكرمة،1408 هـ-1987. 262 - التكملة: أبو علي الفارسي، تحقيق: د. كاظم بحر المرجان، الموصل،1401 هـ- 1981 م. 263 - تلخيص البيان في مجازات القرآن: الشريف الرضي، أبو الحسن، محمد بن الحسين بن موسى، ت 406 هـ، صححه: مكي السيد جاسم، المكتبة العلمية، بغداد،1375 هـ-1955 م. 264 - تلخيص الحبير: ابن حجر العسقلاني، تحقيق: السيد عبد الله هاشم اليماني، المدينة المنورة،1384 هـ-1964 م. 265 - تلخيص العبارات بلطيف الإشارات في القراءات السبع: ابن بليمة، أبو علي، الحسن بن خلف، ت 514 هـ، تحقيق: سبيع حمزة حاكمي، ط 1، دار القبلة للثقافة الإسلامية، جدة، مؤسسة علوم القرآن، بيروت،1409 هـ-1988 م. 266 - تلخيص المفتاح في المعاني والبيان والبديع: محمد عبد الرحمن الخطيب القزويني، مطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده، مصر، 1975 م. 267 - التلخيص في القراءات الثمان: للإمام أبي معشر عبد الكريم بن عبد الصمد الطبري (478 هـ)، دراسة وتحقيق: محمد حسن عقيل موسى، الجماعة الخيرية لتحفيظ القرآن، جدة، 1412 هـ-1992 م. 268 - التلخيص في علوم البلاغة: لأبي عبد الله جلال الدين محمد بن عبد الرحمن القزويني (739 هـ)، التحقيق من علماء الأزهر الشريف، القاهرة، (بلا. ت). 269 - التمهيد: ابن عبد البر، تحقيق: مصطفى بن أحمد العلوي، ومحمد عبد الكبير البكري، المغرب،1387 هـ. 270 - التنبيه والأشراف: المسعودي، علي بن الحسين بن علي، ت 345 هـ، (لا، ط)، (لا، ت). 271 - التنبيه والإيضاح عما وقع في الصحاح: لأبي عبد الله بن بري، تحقيق: مصطفى حجازي، الهيئة المصرية العامة للكتاب،1980 م. (أ) 272 - التنبيه: الفيروزآبادي الشيرازي، تحقيق: عماد الدين أحمد حيدر، ط 1، عالم الكتب، بيروت، 1403 هـ-1983 م. 273 - تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأخبار الشنيعة الموضوعة: لأبي الحسن علي بن محمد بن عراق الكتاني (963 هـ)، حققه وراجع أصوله وعلق عليه: عبد الوهاب عبد اللطيف وعبد الله محمد الصّديق، دار الكتب العلمية، بيروت، 1401 هـ-1981 م. 274 - تنوير الحوالك: السيوطي، المكتبة التجارية الكبرى، مصر،1389 هـ-1969 م. 275 - تهذيب إصلاح المنطق: الخطيب التبريزي، أبو زكريا، يحيى بن علي، ت 502 هـ، تحقيق: د. فخر الدين قباوة، ط 1، دار الآفاق الجديدة، بيروت،1403 هـ-1983 م. 276 - تهذيب الآثار وتفصيل معاني الثابت عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من الأخبار: تأليف الإمام محمد بن جرير الطبري (310 هـ)، تحقيق: الدكتور ناصر بن سعد الرشيد وعبد القيوم عبد رب النبي، مطابع الصفا، مكة المكرمة،1403 هـ. 277 - تهذيب الأسماء واللغات: أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي (ت 676 هـ)، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، (د. ت)
278 - تهذيب التهذيب: ابن حجر العسقلاني، ط 1، دار الفكر، بيروت،1404 هـ-1984 م. 279 - تهذيب التهذيب: للإمام الحافظ شهاب الدين أبي الفضل أحمد بن علي ابن حجر العسقلاني (852 هـ)، دار صادر، بيروت، (بلا. ت). (أ) 280 - تهذيب الكمال في أسماء الرجال: المزي، أبو الحجاج، يوسف بن الزكي عبد الرحمن، ت 742 هـ، تحقيق: د. بشار عواد معروف، ط 1، مؤسسة الرسالة، بيروت،1413 هـ-1992 م. 281 - تهذيب الكمال في أسماء الرجال: للحافظ جمال الدين أبي الحجاج يوسف المزي (ت 742 هـ)، حققه: د. بشار عواد معروف، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط 2، 1405 هـ-1985 م. (أ) 282 - تهذيب اللغة: لأبي منصور محمد بن أحمد الأزهري (370 هـ)، تحقيق: د. رياض زكي قاسم، دار المعرفة، بيروت،1422 هـ-2001 م. 283 - التواضع والخمول: ابن أبي الدنيا، أبو بكر، عبد الله بن عبيد، ت 281 هـ، تحقيق: محمد عبد القادر أحمد عطا، ط 1، دار الكتب العلمية، بيروت،1409 هـ-1989 م. 284 - التوقيف على مهمات التعاريف: المناوي، محمد عبد الرؤوف، ت 1031 هـ، تحقيق: د. محمد رضوان الداية، ط 1، دار الفكر المعاصر، بيروت، دار الفكر، دمشق،1410 هـ-1990 م. 285 - تيجان البيان في مشكلات القرآن: محمد أمين بن خير الله الخطيب العمري، ت 1203 هـ، تحقيق: حسن مظفر الرزو، ط 1، بغداد،1985 م. 286 - تيسر التفسير للقرآن الكريم: للعلامة الفقيه محمد يوسف اطفيش، وزارة التراث القومي والثقافة، سلطنة عمان، (بلا. ت). 287 - التيسير في القراءات السبع: أبو عمرو الداني، عثمان بن سعيد، ت 444 هـ، تحقيق: أوتو برتزل، ط 3، دار الكتاب العربي، بيروت، 1406 هـ-1985 م. 288 - الثقات: ابن حبان، أبو حاتم، محمد بن حبان بن أحمد التميمي البستي، ت 354 هـ، تحقيق: السيد شرف الدين أحمد، ط 1، دار الفكر، بيروت،1395 هـ-1975 م. 289 - جامع التحصيل: لأبي سعيد بن خليل بن كيكلدي العلائي (761 هـ)، تحقيق: حمدي عبد المجيد السلفي، عالم الكتب، بيروت، ط 2، 1407 هـ-1986. 290 - جامع الدروس العربية: الشيخ مصطفى الغلاييني، راجع الطبعة ونقحها: د. محمد أسعد النادري، المكتبة العصرية، صيدا، بيروت، لبنان، 1422 هـ-2001 م. 291 - الجامع الصحيح وهو سنن الترمذي: لأبي عيسى محمد بن عيسى بن سورة الترمذي (297 هـ)، تحقيق أحمد محمد شاكر، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان،1408 هـ-1987 م 292 - جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثا من جوامع الكلم: تأليف زين الدين أبي الفرج عبد الرحمن بن شهاب الدين بن أحمد بن رجب الحنبلي البغدادي، تحقيق: د. محمد الأحمدي أبو النور، دار السّلام، القاهرة،1419 هـ- 1998 م. 293 - جامع العلوم والحكم: ابن رجب الحنبلي، ط 1، دار المعرفة، بيروت،1408 هـ- 1988 م. 294 - جامع المسانيد والسنن الهادي لأقوم سنن: للإمام الحافظ عماد الدين أبي الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي الشافعي (774 هـ)، وثق أصوله وخرج أحاديثه وعلق عليه: د. عبد المعطي أمين قلعجي، دار الفكر، بيروت،1415 هـ-1994 م. 295 - الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع: الخطيب البغدادي، تحقيق: د. محمود الطحان، مكتبة المعارف، الرياض،1403 هـ.
296 - الجامع: معمر بن راشد الأزدي (151 هـ)، تحقيق: حبيب الأعظمي، المكتب الإسلامي، بيروت، ط 2،1403 هـ. مطبوع مع كتاب المصنف للصنعاني. 297 - الجرح والتعديل: ابن أبي حاتم الرازي، عبد الرحمن بن محمد، ت 327 هـ، ط 1، دار إحياء التراث العربي، بيروت،1371 هـ-1952 م. 298 - الجرح والتعديل: الإمام أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم محمد بن إدريس التميمي الرازي (ت 327 هـ)، دار الكتب العلمية، بيروت، المصورة عن دائرة المعارف العثمانية بحيدر أباد، الهند. (أ) 299 - جزء ابن غطريف: محمد بن أحمد بن الغطريف الجرجاني (377 هـ)، تحقيق: د. عامر حسن صبري، دار البشائر الإسلامية، بيروت، 1417 هـ-1997. 300 - جزء أبي الطاهر: لأبي الحسن علي بن عمر بن أحمد الدارقطني (367 هـ)، تحقيق: حمدي عبد المجيد السلفي، دار الخلفاء للكتاب، الكويت، 1406 هـ. 301 - جزء أشيب: الأشيب البغدادي، أبو علي، الحسن بن موسى، ت 209 هـ، ط 1، دار علوم الحديث، الإمارات العربية المتحدة،1410 هـ-1990 م. 302 - جزء البطاقة: أبو القاسم الكناني، حمزة بن محمد بن علي، ت 357 هـ، تحقيق: عبد الرزاق عبد المحسن العباد، ط 1، مكتبة دار السّلام، الرياض،1412 هـ-1992 م. 303 - جزء الحيمري: أحمد بن محمد بن عيسى البرتي (280 هـ)، تحقيق: صلاح بن عايض الشلاحي، دار ابن حزم، بيروت،1414 هـ. 304 - جزء فيه أحاديث ابن حيان: لأبي بكر أحمد بن محمد بن أبي بكر بن مردويه (498 هـ)، تحقيق: بد الدين بن عبد الله البدر، مكتبة الرشد، الرياض،1414 هـ. 305 - جزء مؤمل: لأبي عبد الرحمن مؤمل بن إيهاب بن عبد العزيز الرملي (254 هـ)، تحقيق: عماد بن فرة، دار البخاري، بريدة،1413. 306 - الجليس الصالح الكافي والأنيس الناصح الشافي: أبو الفرج الجريري، معافى بن زكريا بن يحيى، ت 390 هـ، تحقيق: د. محمد مرسي الخولي، ط 1، عالم الكتب، بيروت، 1981 - 1983 م. 307 - جمال القراء وكمال الإقراء: لأبي الحسن علي بن محمد بن عبد الصمد المعروف بعلم الدين السخاوي (643 هـ)، دراسة وتحقيق: عبد الحق عبد الدايم سيف القاضي، مؤسسة الكتب الثقافية، بيروت،1419 هـ-1999 م. 308 - الجمل في النحو: الخليل بن أحمد الفراهيدي، ت 175 هـ، تحقيق: د. فخر الدين قباوة، ط 5، دار الجيل، بيروت،1415 هـ-1995 م. 309 - جمهرة الأمثال: أبو هلال العسكري، الحسن بن عبد الله، ت 395 هـ، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، وعبد المجيد قطامش، ط 2، دار الفكر، بيروت،1988 م. 310 - جمهرة اللغة: ابن دريد، ط 1، مكتبة المثنى، بغداد، مصورة عن طبعة حيدر آباد الدكن، 1345 هـ. 311 - الجنى الداني في حروف المعاني: المرادي، الحسن بن قاسم، ت 749 هـ، تحقيق: د. فخر الدين قباوة، ومحمد نديم فاضل، ط 2، دار الآفاق الجديدة، بيروت،1403 هـ-1983 م. 312 - الجنى الداني في حروف المعاني: حسن بن قاسم المرادي، تحقيق: طه محسن، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، (بلا. ت). (أ) 313 - الجهاد: ابن أبي عاصم، تحقيق: مساعد بن سليمان الراشد، ط 1، مكتبة العلوم والحكم، المدينة المنورة،1409 هـ.
314 - جهار مقالة: النظامي العروضي السمرقندي، ترجمة عبد الوهاب عزام، لجنة التأليف والترجمة والنشر، القاهرة. 315 - جوامع الجامع: الطبرسي، أبو علي، الفضل بن الحسن، ت 560 هـ، تحقيق: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم، ط 1،1418 هـ. 316 - الجواهر الحسان في تفسير القرآن: الثعالبي، عبد الرحمن بن محمد بن مخلوف، ت 875 هـ، تحقيق: د. عبد الفتاح أبو سنة وعلي محمد معوض وعادل أحمد عبد الموجود، ط 1، دار إحياء التراث العربي، مؤسسة التاريخ العربي، بيروت، 1418 هـ-1997 م. 317 - الجواهر الحسان في تفسير القرآن: للإمام العلامة الشيخ سيدي عبد الرحمن الثعالبي، حققه وخرج أحاديثه: أبو محمد الغماري الإدريسي الحسني، بيروت،1416 هـ-1996 م. (أ) 318 - حاشية ابن القيم: لأبي عبد الله محمد بن أبي بكر أيوب الزرعي (751 هـ)، دار الكتب العلمية، بيروت، ط 2،1415 هـ-1995 م، 319 - حاشية الشهاب المسماة (عناية القاضي وكفاية الراضي للقاضي شهاب الدين أحمد بن محمد بن عمر الخفاجي (1069 هـ) على تفسير البيضاوي): ضبطه وخرج آياته وأحاديثه: الشيخ عبد الرزاق المهدي، دار الكتب العلمية، بيروت، 1417 هـ-1997 م. 320 - حاشية الصاوي على تفسير الجلالين: شرح العلامة الشيخ أحمد بن محمد الصاوي المصري الخلوني المالكي (1241 هـ)، ضبطه وصححه: محمد عبد السّلام شاهين، دار الكتب العلمية، بيروت،1415 هـ-1995 م. 321 - حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح: أحمد بن محمد بن إسماعيل، ط 3، مكتبة البابي الحلبي، مصر،1318 هـ. 322 - حاشية القونوي عصام الدين إسماعيل بن محمد الحنفي (1195 هـ)، على تفسير الإمام البيضاوي، ضبطه وصححه: عبد الله محمد عمر، دار الكتب العلمية، بيروت،1422 هـ-2001 م. 323 - حاشية رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الأبصار: ابن عابدين، محمد أمين، ت 1232 هـ، دار الفكر، بيروت،1415 هـ- 1995 م. 324 - حاشية محيي الدين زاده: محمد بن مصلح القوجوي الحنفي (951 هـ)، على تفسير البيضاوي، ضبطه وصححه وخرج آياته: محمد عبد القادر شاهين، دار الكتب العلمية، بيروت، 1419 هـ-1999 م. 325 - حجة القراءات: أبو زرعة، عبد الرحمن بن محمد بن زنجلة، توفي في أواخر القرن الرابع الهجري، تحقيق: سعيد الأفغاني، ط 3، مؤسسة الرسالة، بيروت،1402 هـ-1982 م. 326 - الحجة في القراءات السبع: ابن خالويه، تحقيق: د. عبد العال سالم مكرم، ط 5، مؤسسة الرسالة، بيروت،1410 هـ-1990 م. 327 - الحجة للقراء السبعة أئمة الأمصار بالحجاز والعراق والشام الذين ذكرهم أبو بكر بن مجاهد: أبو علي الفارسي، تحقيق: بدر الدين قهوجي، وبشير جويجاتي، ط 1، دار المأمون للتراث، دمشق، بيروت،1404 هـ-1984 م. 328 - الحجة: الشيباني، أبو عبد الله، محمد بن الحسن، ت 189 هـ، تحقيق: مهدي حسن الكيلاني، ط 3، عالم الكتب، بيروت،1403 هـ- 1983 م. 329 - حدائق الأنوار ومطالع الأسرار في سيرة النبي المختار صلّى الله عليه وعلى آله المصطفين الأخيار: تأليف: وجيه الدين عبد الرحمن بن علي بن محمد بن الديبع الشيباني الشافعي (ت 994 هـ)، حققه: عبد الله بن إبراهيم الأنصاري، إدارة إحياء التراث الإسلامي، قطر، ط 2،1403 هـ-1982 م. 330 - حدود العالم من المشرق إلى المغرب: لمؤلف مجهول، تحقيق يوسف الهادي، الدار الثقافية.
331 - الحديث النبوي الشريف وأثره في الدراسات اللغوية والنحوية: د. محمد ضاري حمادي، بغداد،1402 هـ-1982 م. 332 - حروف المعاني: الزجاجي، تحقيق: د. علي توفيق الحمد، ط 1، مؤسسة الرسالة، بيروت،1404 هـ-1984 م. 333 - حقائق التأويل في متشابه التنزيل: السيد الشريف الرضي (406 هـ)، شرحه: محمد الرضا آل كاشف الغطاء، دار المهادر، بيروت. 334 - حلية الأولياء وطبقات الأصفياء: أبو نعيم الأصبهاني، أحمد بن عبد الله، ت 430 هـ، ط 4، دار الكتاب العربي، بيروت،1405 هـ- 1985 م. 335 - حلية الأولياء وطبقات الأصفياء: للحافظ أبي نعيم أحمد بن عبد الله الأصفهاني (430 هـ)، دار الفكر، بيروت، لبنان، (د. ت). (أ) 336 - خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب: البغدادي، عبد القادر بن عمر، ت 1093 هـ، تحقيق: عبد السّلام هارون، ط 3، مكتبة الخانجي، القاهرة،1409 هـ-1989 م. 337 - خزانة العرب ولب لباب لسان العرب: عبد القادر بن عمر البغدادي، تحقيق: عبد السّلام هارون، الهيئة المصرية العامة للكتاب، مصر، 1976 م. (أ) 338 - الخصائص الكبرى (كفاية الطالب اللبيب في خصائص الحبيب)، للشيخ الإمام العلامة أبي الفضل جلال الدين عبد الرحمن السيوطي الشافعي (911 هـ)، منشورات مكتبة 30 تموز، (بلا. ت). 339 - خصائص علي: أحمد بن شعيب النسائي (303 هـ)، تحقيق: أحمد ميرين البلوشي، مكتبة المعلا، الكويت،1406 هـ. 340 - الخصائص: ابن جني، أبو الفتح عثمان، ت 392 هـ، تحقيق: محمد علي النجار، عالم الكتب، بيروت. 341 - الخصائص: لأبي الفتح عثمان ابن جني (392 هـ)، تحقيق: محمد علي النجار، عالم الكتب بيروت. 342 - خلاصة البدر المنير: ابن الملقن الأنصاري الواديآشي، تحقيق: حمدي عبد المجيد السلفي، ط 1، مكتبة الرشد، الرياض،1410 هـ -1990 م. 343 - خلق أفعال العباد: البخاري، تحقيق: د. عبد الرحمن عميرة، دار المعارف السعودية، الرياض،1398 هـ-1978 م. 344 - الدر المصون في علوم الكتاب المكنون: السمين الحلبي، أحمد بن يوسف، ت 756 هـ، تحقيق: أحمد محمد الخراط، ط 1، دار القلم، دمشق، 1406 هـ-1986 م. 345 - الدر المصون في علوم الكتاب المكنون: تأليف الإمام شهاب الدين أبي العباس بن يوسف بن محمد بن إبراهيم المعروف بالسمين الحلبي (756 هـ)، تحقيق الشيخ علي محمد عوض وآخرون، دار الكتب العلمية، بيروت،1414 هـ- 1994. (أ) 346 - الدر المنثور في التفسير بالمأثور: السيوطي، دار المعرفة، بيروت، (لا، ت). 347 - الدر المنثور في التفسير بالمأثور: للإمام جلال الدين السيوطي (ت 911 هـ)، صححها وخرج أحاديثها: الشيخ نجدت نجيب، دار إحياء التراث العربي،1421 هـ-2001 م. (أ) 348 - الدراري المضية: الشوكاني، دار الجيل، بيروت،1407 هـ-1987 م. 349 - دراسات في التفسير وأصوله: محيي الدين بلتاجي، دار الهلال، بيروت، (بلا. ت). 350 - دراسات في اللغة والنحو: د. عدنان محمد سلمان، بغداد،1991 م. 351 - الدراية في تخريج أحاديث الهداية: ابن حجر العسقلاني، تحقيق: عبد الله هاشم اليماني، دار المعرفة، بيروت، (لا، ت).
352 - الدراية في تخريج أحاديث الهداية: لأبي الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (852 هـ)، تحقيق: السيد عبد الله هاشم اليماني المدني، دار المعرفة، بيروت. 353 - درج الدرر في تفسير القرآن العظيم: الجرجاني، عبد القاهر بن عبد الرحمن بن محمد، ت 471 هـ، مصورة عن نسخة محفوظة بالمايكروفلم في مكتبة الجامعة الأردنية بعمّان، رقم 1169، عن نسخة مكتبة كوبريلي بإستانبول، تركيا، رقم 95. 354 - الدر اللوامع على همع الهوامع شرح جمع الجوامع في العلوم العربية: الشنقيطي، أحمد بن الأمين، ت 1331 هـ، تحقيق: عبد العال سالم مكرم، ط 1، دار البحوث العلمية، الكويت، 1401 هـ-1981 م. 355 - الدعاء: أبو عبد الرحمن الضبي، محمد بن فضيل بن غزوان، ت 195 هـ، تحقيق: د. عبد العزيز سليمان، ط 1، مكتبة الرشيد، الرياض، 1419 هـ-1999 م. 356 - دفع شبه التشبيه بأكف التنزيه: لأبي الفرد عبد الرحمن بن الجوزي الحنبلي (597 هـ)، دار الإمام النووي، عمان، الأردن، ط 3، 1413 هـ. 357 - دقائق التفسير الجامع لتفسير الإمام ابن تيمية، أحمد بن عبد الحليم، ت 728 هـ، تحقيق: د. محمد السيد، ط 2، مؤسسة علوم القرآن، دمشق، 1404 هـ-1984 م. 358 - دلائل الإعجاز: عبد القاهر الجرجاني، تحقيق: د. محمد التنجي، ط 1، دار الكتاب العربي، بيروت،1415 هـ-1995 م. 359 - دلائل الإعجاز: لأبي بكر عبد القاهر بن عبد الرحمن الجرجاني (471 هـ)، قرأه وعلّق عليه: محمود محمد شاكر، دار المدني، جدة، ط 3، 1992 م. (أ) 360 - دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة: لأبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي (458 هـ)، وثق أصوله وخرج حديثه وعلق عليه: د. عبد المعطي قلعجي، دار الكتب العلمية، بيروت،1405 هـ-1985 م. 361 - دلائل النبوة: التيمي الأصبهاني، إسماعيل بن محمد بن الفضل، ت 535 هـ، تحقيق: محمد محمد الحداد، ط 1، دار طيبة، الرياض،1409. 362 - دلائل النبوة: لأبي نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني (430 هـ)، مكتبة النهضة، بغداد، (بلا. ت). 363 - دمية القصر وعصرة أهل العصر: لأبي الحسن علي بن الحسن بن علي الباخرزي (467 هـ)، تحقيق: عبد الفتاح الحلو، دار الفكر العربي، مطبعة المدني، القاهرة. 364 - الديات: ابن أبي عاصم، إدارة القرآن والعلوم الإسلامية، كراتشي،1407 هـ-1987 م. 365 - الديباج على صحيح مسلم: السيوطي، تحقيق: أبو إسحق الحويني الأثري، ط 1، دار ابن عفان، الخبر، السعودية،1416 هـ-1996 م. 366 - ديوان أبي الأسود الدؤلي: تحقيق: عبد الكريم الدجيلي، ط 1، بغداد،1373 هـ-1954 م. 367 - ديوان أبي العتاهية: دار صادر، بيروت، 1400 هـ-1980 م. 368 - ديوان أبي قيس صيفي بن الأسلت: تحقيق: د. حسن محمد باجودة، دار التراث، القاهرة،1391 هـ. 369 - ديوان أبي محجن الثقفي: نشره: صلاح الدين المنجد، ط 1، دار الكتاب الجديد، بيروت، 1970 م. 370 - ديوان الأعشى الكبير (ميمون بن قيس): شرح وتعليق: د. محمد محمد حسين، ط 7، مؤسسة الرسالة، بيروت،1403 هـ-1983 م.
371 - ديوان الحطيئة برواية وشرح ابن السكيت: تحقيق: د. نعمان أمين طه، ط 1، مكتبة الخانجي بمصر،1407 هـ-1987 م. 372 - ديوان الحماسة: أبو تمام، حبيب بن أوس الطائي، ت 331 هـ، برواية أبي منصور الجواليقي، موهوب بن أحمد، ت 540 هـ، تحقيق: د. عبد المنعم أحمد صالح، دار الرشيد، بغداد، 1980 م. 373 - ديوان الخنساء (تماضر بنت عمرو): رواية ثعلب، أحمد بن يحيى، ت 291 هـ، تحقيق: أنور أبو سويلم، ط 1، دار عمار، عمّان،1408 هـ-1988 م. 374 - ديوان الشافعي: جمع وتحقيق وشرح: إميل يعقوب، ط 1، دار الكتاب العربي، بيروت، 1411 هـ-1991 م. 375 - ديوان الشافعي: راجعه وعلق حواشيه وزاد عليه: د. محمد زهدي يكن، دار يكن للنشر ودار منيمنة، بيروت،1400 هـ-1979 م. (أ) 376 - ديوان العجّاج برواية الأصمعي: تحقيق: د. عزة حسن، دار الشرق، بيروت،1971 م. 377 - ديوان الفرزدق: شرح عبد الله الصاوي، القاهرة،1354 هـ-1936 م. 378 - ديوان النابغة الذبياني: تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، ط 2، دار المعارف، القاهرة، 1985 م. 379 - ديوان الهذليين: تصحيح: أحمد الزين، الدار القومية للطباعة والنشر، القاهرة،1385 هـ -1965 م. 380 - ديوان امرئ القيس: تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، ط 4، دار المعارف، القاهرة، 1984 م. (أ) 381 - ديوان امرؤ القيس: تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، دار المعارف، القاهرة، ط 4، 1969 م. 382 - ديوان أمية بن أبي الصلت: تحقيق: د. عبد الحفيظ السطلي، دمشق،1974 م. 383 - ديوان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، دار النجم، بيروت،1994 م. 384 - ديوان جميل بثينة: تحقيق: إميل يعقوب، دار الكتاب العربي، بيروت،1992 م. 385 - ديوان حاتم الطائي: تحقيق: د. عادل سليمان جمال، ط 2، مكتبة الخانجي، القاهرة، 1410 هـ-1990 م. 386 - ديوان حميد بن ثور الهلالي: صنعة: عبد العزيز الميمني، دار الكتب المصرية، القاهرة،1371 هـ-1951 م. 387 - ديوان ذي الرّمّة (غيلان بن عقبة): شرح أحمد بن حاتم الباهلي، رواية أبي العباس ثعلب، تحقيق: د. عبد القدوس أبو صالح، ط 1، مؤسسة الإيمان، بيروت،1402 هـ-1982 م. 388 - ديوان طرفة بن العبد: دار صادر، بيروت،1380 هـ-1961 م. 389 - ديوان عبيد بن الأبرص: تحقيق: د. حسين نصار، ط 1، مصطفى البابي الحلبي، القاهرة،1377 هـ-1957 م. 390 - ديوان عدي بن زيد العبادي: تحقيق وجمع: محمد جبار المعيبد، دار الجمهورية، بغداد، 1965 م. 391 - ديوان علقمة بن عبدة الفحل: تحقيق: لطفي الصقال، ودرية الخطيب، راجعه: فخر الدين قباوة، ط 1، دار الكتاب العربي، حلب،1969 م. 392 - ديوان عمرو بن كلثوم: جمعه وحقّقه وشرحه: د. إميل بديع يعقوب، ط 1، دار الكتاب العربي، بيروت،1411 هـ-1991 م. 393 - ديوان عمرو بن معدي كرب الزبيدي: تحقيق: هاشم الطعان، مطبعة الجمهورية، بغداد، 1390 هـ-1970 م. 394 - ديوان لبيد بن ربيعة العامري: دار صادر، بيروت،1386 هـ-1966 م. 395 - الذرية الطاهرة: الدولابي، أبو بشر، محمد بن أحمد بن حماد، ت 310 هـ، تحقيق: سعد
المبارك الحسن، ط 1، الدار السلفية، الكويت، 1407 هـ-1987 م. 396 - ذكر أسماء التابعين ومن بعدهم: لأبي الحسن علي بن عمر بن أحمد الدارقطني (385 هـ)، تحقيق: بوران الضناوي، وكمال يوسف الحوت، مؤسسة الكتب، بيروت،1406 هـ. 397 - ذكر أسماء من تكلم فيه وهو موثق: للإمام شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي، تحقيق وتعليق: محمد شكور محمود امرير المياديني، مكتبة المنار، الزرقاء،1406 هـ-1986 م. 398 - رجال صحيح البخاري: أحمد بن محمد بن الحسين البخاري الكلاباذي (ت 398 هـ)، تحقيق: عبد الله الليثي، دار المعرفة، بيروت، 1407 هـ. 399 - رجال مسلم: لأبي بكر بن علي بن منجويه الأصبهاني (428 هـ)، تحقيق: عبد الله الليثي، دار المعرفة، بيروت،1407 هـ. 400 - الرد على الزنادقة والجهمية: أحمد بن حنبل، ت 241 هـ، تحقيق: محمد حسن راشد، المطبعة السلفية، القاهرة،1393 هـ-1973 م. 401 - الرسالة: الشافعي، تحقيق: أحمد محمد شاكر، القاهرة،1358 هـ-1939 م. 402 - رصف المباني في شرح حروف المعاني: أحمد بن عبد النور المالقي (702 هـ)، تحقيق: أحمد محمد الخراط، دار القلم، دمشق، ط 2،1405 هـ- 1985 م. 403 - رصف المباني في شرح حروف المعاني: المالقي، أحمد بن عبد النور، ت 702 هـ، تحقيق: أحمد محمد الخراط، دمشق،1395 هـ-1975 م. 404 - رواة الآثار: ابن حجر العسقلاني (852 هـ)، تحقيق: سيد كسروي حسن، دار الكتب العلمية، بيروت،1413 هـ. 405 - الرواة الثقات المتكلم فيهم بما لا يوجب ردهم: للذهبي، تحقيق: محمد إبراهيم الموصلي، دار البشائر الإسلامية، بيروت،1412 هـ. 406 - روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني: الآلوسي، أبو الفضل، شهاب الدين محمود، ت 1270 هـ، دار إحياء التراث العربي، بيروت، (لا، ت). 407 - روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني: العلامة أبو الفضل شهاب الدين السيد محمود الآلوسي البغدادي (ت 1270 هـ)، ضبطه وصححه: علي عبد الباري عطية، دار الكتب العلمية، بيروت،1415 هـ-1994 م. (أ) 408 - الروض الأنف في تفسير السيرة النبوية لابن هشام: السهيلي، تحقيق: مجدي منصور، ط 1، دار الكتب العلمية، بيروت،1418 هـ-1997 م. 409 - الروض الأنف في تفسير السيرة النبوية لابن هشام: للفقيه المحدث أبي القاسم عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد بن أبي الحسن الخثعمي السهيلي (581 هـ)، قدم له وعلق عليه وضبطه: طه عبد الرؤوف سعد، دار المعرفة، بيروت، 1398 هـ-1978 م. (أ) 410 - الروض الداني إلى المعجم الصغير للطبراني: تحقيق: محمد شكور محمود الحاج امرير، المكتب الإسلامي، بيروت، ودار عمار، عمان، 1405 هـ-1985 م. 411 - الروض المعطار في خير الأقطار: محمد بن عبد المنعم الحميري، تحقيق: إحسان عباس، مكتبة لبنان، بيروت،1975 م. 412 - روضات الجنّات في أحوال العلماء والسادات: محمد باقر الموسوي الخوانساري الأصبهاني، تحقيق: أسد الله اسماعيليان، مكتبة إسماعيليان، طهران،1392 هـ. 413 - روضة العقلاء ونزهة الفضلاء: ابن حبان، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد، دار الكتب العلمية، بيروت،1397 هـ-1977 م. 414 - روضة الناظر: ابن قدامة المقدسي، عبد الله بن أحمد، ت 620 هـ، تحقيق: د. عبد
العزيز عبد الرحمن السعيد، ط 2، الرياض،1399 هـ. 415 - زاد المسير في علم التفسير: ابن الجوزي، تحقيق: محمد بن عبد الرحمن عبد الله، ط 1، دار الفكر، بيروت،1407 هـ-1987 م. 416 - زاد المسير في علم التفسير: للإمام أبي الفرج جمال الدين عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي القرشي البغدادي (597 هـ)، خرج آياته وأحاديثه ووضع حواشيه: أحمد شمس الدين، دار الكتب العلمية، بيروت، ط 2،1422 هـ-2002 م. 417 - الزاهر في غريب ألفاظ الشافعي: الأزهري، أبو منصور، محمد بن أحمد بن الأزهر، ت 370 هـ، تحقيق: د. محمد جبر الألفي، ط 1، الكويت،1399 هـ-1979 م. 418 - الزاهر في معاني كلمات الناس: أبو بكر بن الأنباري، محمد بن القاسم، ت 328 هـ، تحقيق: د. حاتم الضامن، ط 2، بغداد،1987 م. 419 - زبدة البيان في أحكام القرآن: المحقق الأردبيلي (993 هـ)، تحقيق: محمد باقر البهبوي، مكتبة المرتضوية لأحياء الآثار الجعفرية. 420 - الزهد الكبير: لأبي بكر أحمد بن الحسين بن علي بن عبد الله البيهقي (458 هـ)، تحقيق: عامر أحمد حيدر، مؤسسة الكتب، بيروت، 1996 م. 421 - الزهد: ابن المبارك، عبد الله، ت 181 هـ، تحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي، دار الكتب العلمية، بيروت، (لا، ت). 422 - الزهد: لأبي بكر أحمد بن عمرو بن أبي عاصم الشيباني (287 هـ)، تحقيق: عبد العلي عبد الحميد حامد، دار الريان للتراث، القاهرة، 1408 هـ. 423 - الزهد: هناد بن السري الكوفي، ت 243 هـ، تحقيق: عبد الرحمن عبد الجبار الفريوائي، ط 1، دار الخلفاء، الكويت،1406 هـ-1986 م. 424 - زهر الأكم في الأمثال والحكم: الحسن اليوسي، القرن الحادي عشر الهجري، تحقيق: د. محمد حجي، ود. محمد الأخضر، ط 1، دار الثقافة، الدار البيضاء، المغرب،1401 هـ- 1981 م. 425 - الزينة في الكلمات الإسلامية العربية: أبو حاتم الرازي، أحمد بن حمدان، ت 322 هـ، تحقيق: حسين بن فيض الله الهمداني، القاهرة، 1957 م. 426 - السابق واللاحق في تباعد ما بين وفاة راويين عن شيخ واحد: للحافظ أبي بكر أحمد بن علي البغدادي (463 هـ)، تحقيق: محمد بن مطر الزهراني، دار طيبة، الرياض،1402 هـ-1982 م. 427 - السبعة في القراءات: ابن مجاهد، أبو بكر، أحمد بن موسى، ت 324 هـ، تحقيق: د. شوقي ضيف، ط 2، دار المعارف، مصر،1400 هـ-1980 م. 428 - السبعة في القراءات: أبو بكر، أحمد بن موسى ابن مجاهد (ت 324 هـ)، تحقيق: د. شوقي ضيف، ط 2، دار المعارف، مصر،1400 هـ- 1980 م. 429 - سبل السّلام: الكحلاني الصنعاني، محمد بن إسماعيل، ت 1182 هـ، تحقيق: محمد عبد العزيز الخولي، ط 4، دار إحياء التراث العربي، بيروت،1379 هـ-1960 م. 430 - سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد: الصالحي الشامي، محمد بن يوسف، ت 942 هـ، تحقيق: عادل أحمد عبد الموجود، وعلي محمد معوض، ط 1، دار الكتب العلمية، بيروت،1414 هـ-1993 م. 431 - سبل الهدى ولارشاد في سيرة خير العباد: للإمام محمد بن يوسف الصالحي الشامي (942 هـ)، تحقيق: د. مصطفى عبد الواحد، لجنة إحياء التراث الإسلامي، القاهرة 1392 هـ- 1972 م. (أ)
432 - سر صناعة الإعراب: ابن جني، تحقيق: د. حسن هنداوي، ط 1، دار القلم، دمشق،1405 هـ-1985 م. 433 - السلاجقة في التاريخ والحضارة: أحمد حلمي، دار البحوث العلمية، الكويت،1975 م. 434 - سلاح المؤمن في الدعاء: محمد بن محمد بن علي بن همام بن داود (745 هـ)، تحقيق: محيي الدين ديب مستو، دار ابن كثير، دمشق-بيروت، 1414 هـ-1993. 435 - سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفائدها: محمد ناصر الدين الألباني، المكتبة السلفية عمان، الدار السلفية الكويت، ط 2، 1404 هـ. 436 - سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيء في الأمة: محمد ناصر الألباني، مكتبة المعارف، الرياض،1408 هـ-1988 م. 437 - السنة: ابن أبي عاصم، تحقيق: محمد ناصر الدين الألباني، ط 3، المكتب الإسلامي، بيروت،1413 هـ-1993 م. 438 - السنة: أبو عبد الله المروزي، تحقيق: سالم أحمد السلفي، ط 1، مؤسسة الكتب الثقافية، بيروت،1408 هـ-1988 م. 439 - السنة: عبد الله بن أحمد بن حنبل، ت 290 هـ، تحقيق: د. محمد سعيد سالم القحطاني، ط 1، دار ابن القيم، الدمام،1406 هـ. 440 - السنة: لأبي عبد الله أحمد بن أحمد بن حنبل الشيباني (241 هـ)، دار المنار، الخرج، 1411 هـ. (أ) 441 - سنن ابن ماجه: أبو عبد الله، محمد بن يزيد القزويني، ت 275 هـ، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار الفكر، بيروت، (لا، ت). 442 - سنن أبي داود: سليمان بن الأشعث السجستاني الأزدي، ت 275 هـ، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد، دار الفكر، بيروت، (لا، ت). 443 - السنن الأبين والمورد الأمعن في المحاكمة بين الإمامين في السند المعنعن: الفهري، أبو عبد الله، محمد بن عمر بن محمد، ت 721 هـ، تحقيق: صلاح بن سالم المصراتي، ط 1، مكتبة الغرباء الأثرية، المدينة المنورة،1417 هـ-1997 م. 444 - سنن الترمذي: محمد بن عيسى، ت 279 هـ، تحقيق: أحمد محمد شاكر، دار إحياء التراث العربي، بيروت، (لا، ت). 445 - سنن الدارقطني: علي بن عمر، ت 385 هـ، تحقيق: مجدي بن منصور بن سيد الشورى، ط 1، دار الكتب العلمية، بيروت،1417 هـ- 1996 م. 446 - سنن الدارقطني: للإمام الكبير علي بن عمر الدارقطني (385 هـ)، عني بتصحيحه وتنسيقه وتحقيقه: السيد عبد الله هاشم يماني المدني، 1386 هـ-1966 هـ. 447 - سنن الدارمي: أبو محمد، عبد الله بن عبد الرحمن، ت 255 هـ، تحقيق: فواز أحمد زمرلي، وخالد السبع العلمي، ط 1، دار الكتاب العربي، بيروت،1407 هـ-1987 م. 448 - السنن الصغرى: البيهقي، تحقيق: د. محمد ضياء الرحمن الأعظمي، ط 1، مكتبة الدار، المدينة المنورة،1410 هـ-1989 م. 449 - السنن الكبرى: البيهقي، تحقيق: محمد عبد القادر عطا، مكتبة دار الباز، مكة المكرمة، 1414 هـ-1994 م. 450 - السنن الكبرى: النسائي تحقيق: د. عبد الغفار سليمان البنداري وغيره، دار الكتب العلمية، بيروت،1411 هـ-1991 م. (أ) 451 - السنن الكبرى: للإمام الحافظ أبي بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي (458 م)، دار الفكر، بيروت، (بلا. ت). 452 - السنن المأثورة: الشافعي، تحقيق: د عبد المعطي أمين قلعجي، ط 1، دار المعرفة، بيروت، 1406 هـ-1986 م.
453 - سنن النسائي: تحقيق: عبد الفتاح أبو غدة، ط 2، مكتب المطبوعات الإسلامية، حلب، 1406 هـ-1986 م. 454 - السنن الواردة في الفتن: أبو عمرو الداني، تحقيق: د. ضياء الله بن محمد إدريس المباركفوري، ط 1، دار العاصمة، الرياض،1416 هـ. 455 - سنن سعيد بن منصور: ت 227 هـ، تحقيق: د. سعد بن عبد الله بن عبد العزيز، ط 1، دار العصيمي، الرياض،1414 هـ. 456 - سير أعلام النبلاء: الذهبي، تحقيق شعيب الأرناؤوط وآخرين، ط 9، مؤسسة الرسالة، بيروت،1413 هـ-1993 م. 457 - سير أعلام النبلاء: تصنيف الإمام شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي (ت 748 هـ)، تحقيق: الشيخ شعيب الأرنؤوط وغيره، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط 2،1402 هـ- 1982 م. (أ) 458 - السيرة الحلبية في سيرة الأمين المأمون: علي بن برهان الدين الحلبي (1044 هـ)، دار المعرفة، بيروت،1400 هـ. 459 - السيرة النبوية: ابن هشام المعافري، أبو محمد، عبد الملك بن هشام بن أيوب، ت 213 هـ، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد، مكتبة محمد علي صبيح وأولاده، مصر،1383 هـ -1963 م. 460 - السيرة النبوية: لابن كثير (774 هـ)، تحقيق: مصطفى عبد الواحد، دار المعرفة، بيروت، 1396 هـ. 461 - السيرة النبوية: للإمام أبي محمد عبد الملك بن هشام المعافري (ت 213 هـ)، قدم له وعلق عليه وضبطه: طه عبد الرؤوف سعد، دار المعرفة، بيروت،1398 هـ-1978 م. 462 - السيل الجرار: الشوكاني، تحقيق: محمود إبراهيم زايد، ط 1، دار الكتب العلمية، بيروت، 1405 هـ-1985 م. 463 - شذرات الذهب في أخبار من ذهب: للمؤرخ الفقيه الأديب أبي الفلاح عبد الحي بن العماد الحنبلي (1089 هـ)، دار المسيرة، بيروت، 1399 هـ-1979 م. 464 - شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك: بهاء الدين، عبد الله بن عقيل، ت 769 هـ، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد، ط 20، دار التراث، القاهرة،1400 هـ-1980 م. 465 - شرح الحدود النحوية: الفاكهي، عبد الله بن أحمد بن علي، ت 972 هـ، تحقيق: د. زكي فهمي الآلوسي، بغداد،1988 م. 466 - شرح الزرقاني: محمد بن عبد الباقي بن يوسف، ت 1122 هـ، ط 1، دار الكتب العلمية، بيروت،1411 هـ. 467 - شرح السنة: تأليف المحدث الفقيه أبي محمد الحسين بن مسعود الفراء البغوي (516 هـ)، حققه وعلق عليه وخرج أحاديثه: شعيب الأرناؤوط، المكتب الإسلامي،1397 هـ- 1977 م. 468 - شرح القصائد التسع المشهورات: أبو جعفر النحاس، تحقيق: أحمد خطاب، بغداد، 1393 هـ-1973 م. 469 - شرح الكافية في النحو: رضي الدين الاستراباذي، تصحيح وتعليق: يوسف حسن عمر، جامعة قاريونس، ليبيا،1398 هـ-1978 م. 470 - شرح اللمع: صنعة الإمام أبي القاسم عبد الواحد بن علي الأسدي ابن برهان العكبري (456 هـ)، حققه فائز فارس، المجلس الأعلى للثقافة والفنون، الكويت،1405 هـ-1984 م. 471 - شرح المراح في التصريف: العيني، بدر الدين، محمود بن أحمد، ت 855 هـ، تحقيق: د. عبد الستار جواد، مطبعة الرشيد، بغداد، 1990 م.
472 - شرح المعلقات السبع: الزوزني، أبو عبد الله، الحسين بن أحمد، ت 486 هـ، مكتبة دار البيان، بيروت،1990 م. 473 - شرح جمل الزجاجي: ابن عصفور، علي بن مؤمن، ت 669 هـ، تحقيق: د. صاحب أبو جناح، بغداد،1402 هـ-1982 م. 474 - شرح جمل الزجاجي: ابن هشام الأنصاري، تحقيق: د. علي محسن مال الله، ط 1، عالم الكتب، بيروت،1405 هـ-1985 م. 475 - شرح ديوان الأخطل التغلبي: صنفه وكتب مقدماته وشرح معانيه وأعد فهارسه: إيليا سليم الحاوي، دار الثقافة، بيروت،1968 م. 476 - شرح ديوان جرير: محمد إسماعيل عبد الله الصاوي، مكتبة الحياة، بيروت،1353 هـ. 477 - شرح ديوان حسان بن ثابت الأنصاري: ضبط وتصحيح: عبد الرحمن البرقوقي، ط 3، دار الأندلس، بيروت،1983 م. 478 - شرح ديوان زهير بن أبي سلمى: صنعة: ثعلب، أحمد بن يحيى، ت 291 هـ، نسخة مصورة عن طبعة دار الكتب، القاهرة،1363 هـ -1944 م. 479 - شرح سنن ابن ماجه: السيوطي، والدهلوي، عبد الغني بن أبي سعيد العمري، ت 1296 هـ، قديمي كتب خانة، كراتشي. 480 - شرح شافية ابن الحاجب: رضي الدين الاستراباذي، محمد بن الحسن، ت 686 هـ، تحقيق: محمد نور الحسن، ومحمد الزفزاف، ومحمد محيي الدين عبد الحميد، دار الكتب العلمية، بيروت،1395 هـ-1975 م. 481 - شرح شذور الذهب: ابن هشام الأنصاري، تحقيق: عبد الغني الدقر، ط 1، الشركة المتحدة للتوزيع، دمشق،1984 م. 482 - شرح شواهد الشافية: عبد القادر البغدادي، مطبوع مع شرح الشافية للرضي. 483 - شرح شواهد المغني: السيوطي، تصحيح وتعليق: محمد محمود الشنقيطي، مكتبة الحياة، بيروت، (لا، ت). 484 - شرح فتح القدير: السيواسي، محمد بن عبد الواحد، ت 681 هـ، ط 2، دار الفكر، بيروت. 485 - شرح قطر الندى وبل الصدى: لأبي محمد عبد الله جمال الدين بن هشام الأنصاري (761 هـ)، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد، القاهرة، ط 11،1382 هـ. 486 - شرح مسند أبي حنيفة: ملا علي القاري، ت 1014 هـ، دار الكتب العلمية، بيروت،1404 هـ-1984 م. 487 - شرح مشكل الآثار: تأليف الإمام المحدث الفقيه المفسّر أبي جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الطحاوي (321 هـ)، حققه وضبط نصّه وخرج أحاديثه وعلق عليه: شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت،1415 هـ-1994 م. 488 - شرح معاني الآثار: الطحاوي، أبو جعفر، أحمد بن محمد بن سلامة، ت 321 هـ، تحقيق: محمد زهدي النجار، ط 1، دار الكتب العلمية، بيروت،1399 هـ-1979 م. 489 - شرح نهج البلاغة: ابن أبي الحديد، عز الدين عبد الحميد، ت 656 هـ، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، ط 1، عيسى البابي الحلبي، القاهرة،1378 هـ-1959 م. 490 - شعب الإيمان: البيهقي، تحقيق: محمد السعيد بسيوني زغلول، ط 1، دار الكتب العلمية، بيروت،1410 هـ-1990 م. 491 - شعر الراعي النميري: تحقيق: د. نوري حمودي القيسي، ود. هلال ناجي، مطبعة المجمع العلمي العراقي، بغداد،1400 هـ-1980 م. 492 - شعر النابغة الجعدي (قيس بن عبد الله): تحقيق: عبد العزيز رباح، ط 1، المكتب الإسلامي، بيروت،1384 هـ-1964 م.
493 - الشفا بتعريف حقوق المصطفى: القاضي عياض، أبو الفضل بن موسى بن عياض اليحصبي، ت 544 هـ، دار الفكر، بيروت،1409 هـ-1988 م. 494 - شفاء العليل في إيضاح التسهيل: السلسيلي، محمد بن عيسى، ت 770 هـ، تحقيق: د. الشريف عبد الله البركاتي، ط 1، مكة المكرمة، 1406 هـ-1986 م. 495 - الشكر لله: الحافظ أبو بكر عبد الله بن عبيد بن أبي الدنيا (ت 218 هـ)، تحقيق: ياسين محمد السواس وغيره، دار ابن كثير، ط 2، 1407 هـ-1987 م. 496 - الشمائل المحمدية: لأبي عيسى محمد بن عيسى بن سورة الترمذي (279 هـ)، تحقيق: سيد عباس الجليمي، مؤسسة الكتب، بيروت، 1412 هـ. 497 - شمس العلوم ودواء كلام العرب من الكلوم: لؤلفه اللغوي الإخباري القاضي العلامة: نشوان بن سعيد الحميري (573 هـ)، تحقيق: أ. د. حسين عبد الله العمري وآخرون، دار الفكر المعاصر بيروت، ودار الفكر دمشق،1420 هـ- 1999 م. 498 - الصاحبي: أحمد بن فارس، ت 395 هـ، تحقيق: السيد أحمد صقر، عيسى البابي الحلبي، القاهرة،1977 م. 499 - صبح الأعشى في صناعة الإنشا: أحمد بن علي القلقشندي (821 هـ)، تحقيق: د. يوسف علي طويل، دار الفكر، دمشق،1987 م. 500 - الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية: تأليف إسماعيل بن حماد الجوهري (ت 393 هـ)، تحقيق: أحمد عبد الغفور، القاهرة،1402 هـ- 1982 م. (أ) 501 - الصحاح، تاج اللغة وصحاح العربية: الجوهري، إسماعيل بن حماد، ت نحو 400 هـ، تحقيق: أحمد عبد الغفور عطار، ط 4، دار العلم للملايين، بيروت،1407 هـ-1987 م. 502 - صحيح ابن حبان: بترتيب ابن بلبان الفارسي، علاء الدين علي، ت 739 هـ، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، ط 2، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1414 هـ-1993 م. 503 - صحيح ابن خزيمة: أبو بكر، محمد بن إسحق، ت 311 هـ، تحقيق: د. محمد مصطفى الأعظمي، المكتب الإسلامي،1390 هـ-1970 م. 504 - صحيح البخاري: تحقيق: د. مصطفى ديب البغا، ط 3، دار ابن كثير ودار اليمامة، بيروت،1407 هـ-1987 م. 505 - صحيح البخاري: للإمام أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، تحقيق: الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، المطبوع مع فتح الباري، دار الفكر، بيروت، (د. ت). (أ) 506 - صحيح مسلم بشرح الإمام محيي الدين النووي (676 هـ) المسمى المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج، حقق نصوصه وخرج أحاديثه على الكتب الستة: الشيخ خليل مأمون شيحا، دار المعرفة، بيروت،1420 هـ-1999 م. (أ) 507 - صحيح مسلم بشرح النووي: محيي الدين بن شرف، ت 676 هـ، ط 2، دار الكتاب العربي، بيروت،1407 هـ-1987 م. 508 - صحيح مسلم: للإمام أبي الحسين مسلم ابن الحجاج القشيري النيسابوري (ت 261 هـ)، حققه: محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء الكتب العربية، القاهرة، (د. ت) 509 - صحيفة همام: همام بن منبه الصنعاني (132 هـ)، تحقيق: علي حسن علي عبد المجيد، المكتب الإسلامي، بيروت،1407 هـ 1987 م. 510 - الصراط المستقيم إلى مستحقّي التّقديم: العاملي النباطي البياضي، أبو محمد علي بن يونس، ت 877 هـ، تحقيق: محمد الباقر البهبودي، ط 1، مطبعة الحيدري، إيران،1384 هـ. 511 - صفة الصفوة: ابن الجوزي، تحقيق: محمود فاخوري، خرّج أحاديثه: د. محمد روّاس
قلعه جي، ط 2، دار المعرفة، بيروت،1399 هـ- 1979 م. 512 - الصمت: لأبي بكر عبد الله بن محمد بن عبيد بن أبي الدنيا (281 هـ)، تحقيق: أبو إسحاق الحويني، دار الكتاب العربي، بيروت،1410 هـ. 513 - صورة الأرض: لأبي القاسم ابن حوقل النصيبي، دار ومكتبة الحياة، بيروت. 514 - الضعفاء الصغير: للإمام أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري (256 هـ)، تحقيق: محمود إبراهيم زايد، دار الوعي، حلب،1396 هـ. 515 - الضعفاء الكبير: العقيلي، أبو جعفر، محمد بن عمرو بن موسى، ت 322 هـ، تحقيق: د. عبد المعطي أمين قلعجي، ط 2، دار الكتب العلمية، بيروت،1418 هـ-1998 م. 516 - الضعفاء والمتروكين: لأبي الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (579 هـ)، تحقيق: عبد الله القاضي، دار الكتب العلمية، بيروت،1406 هـ. 517 - الضعفاء: لأبي نعيم أحمد بن عبد الله بن أحمد الأصبهاني الصوفي (430 هـ)، تحقيق: فاروق حمادة، دار الثقافة، الدار البيضاء، 1405 هـ-1984 م. 518 - الضوء اللامع لأهل القرن التاسع: السخاوي، شمس الدين، محمد بن عبد الرحمن، ت 902 هـ، القاهرة،1354 هـ. 519 - طبقات الحفاظ: السيوطي، ط 1، دار الكتب العلمية، بيروت،1402 هـ- 1982 م. 520 - طبقات الحفاظ: لأبي الفضل عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي (911 هـ)، راجع النسخة وضبط أعلامها: لجنة من العلماء بإشراف الناشر، دار الكتب العلمية، بيروت،1403 هـ. 521 - طبقات الشافعية الكبرى: السبكي، تاج الدين عبد الوهاب بن علي، ت 771 هـ، تحقيق: د. عبد الفتاح محمد الحلو، ود. محمود محمد الطناحي، ط 2، هجر للطباعة والنشر، القاهرة، 1412 هـ-1992 م. 522 - طبقات الشافعية الكبرى: تاج الدين أبو نصر عبد الوهاب بن علي بن عبد الكافي السبكي (771 هـ)، تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت،1959 م. (أ) 523 - طبقات الشافعية: ابن قاضي شهبة، تقي الدين بن أحمد بن محمد، ت 851 هـ، تحقيق: د. الحافظ عبد العليم خان، ط 1، عالم الكتب، بيروت،1407 هـ-1987 م. 524 - طبقات الشافعية: عبد الرحيم بن الحسن الإسنوي (772 هـ)، تحقيق: د. عبد الفتاح محمد الحلو، ود. محمود محمد الطناجي، دار هجر، القاهرة،1412 هـ-1992 م. (أ) 525 - طبقات الفقهاء: لأبي إسحاق إبراهيم بن علي الشيرازي (467 هـ)، تصحيح: الشيخ خليل الميس، دار القلم، بيروت، (بلا. ت). 526 - الطبقات الكبرى: ابن سعد، محمد، ت 230 هـ، دار صادر، بيروت،1376 هـ-1957 م. 527 - طبقات المحدثين بأصبهان: لأبي محمد عبد الله بن محمد بن جعفر بن حيان الأنصاري (369 هـ)، تحقيق: عبد الغفور عبد الحق حسين البلوشي، مؤسسة الرسالة، بيروت،1412 هـ- 1992 م. 528 - طبقات المفسرين: أحمد بن محمد الأدنروي، تحقيق: سليمان بن صالح الخزي، مكتبة العلوم والحكم، المدينة المنورة،1997 م. 529 - طبقات المفسرين: الحافظ شمس الدين محمد بن علي بن أحمد الداوودي (ت 945 هـ)، راجع النسخة وضبط أعلامها: لجنة من العلماء بإشراف الناشر، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان،1403 هـ-1983 م. 530 - طبقات المفسرين: تأليف أحمد بن محمد الأدنه وي (من علماء القرن الحادي عشر)، تحقيق:
سليمان بن صالح الخزي، مؤسسة الرسالة، بيروت،1417 هـ-1997 م. 531 - الطبقات: ابن خياط: تحقيق: د. أكرم ضياء العمري، ط 2، دار طيبة، الرياض،1402 هـ -1982 م. 532 - الطراز المتضمن لأسرار البلاغة وعلوم حقائق الإعجاز، يحيى بن حمزة العلوي، دار الكتب العلمية، بيروت،1980 م. 533 - طرق تنمية الألفاظ في اللغة: محاضرات ألقاها: د. إبراهيم أنيس، مطبعة النهضة الجديدة، القاهرة،1966 - 1967 م. 534 - عالم اللغة عبد القاهر الجرجاني المفتن في العربية ونحوها، البدراوي زهران، دار المعارف، القاهرة، ط 2،1981 م. 535 - العباب الزاخر واللباب الفاخر (حرف الهمزة): الصغاني، الحسن بن محمد بن الحسن، ت 650 هـ، تحقيق: محمد حسن آل ياسين، ط 1، بغداد،1397 هـ-1977 م. 536 - عبد القاهر الجرجاني بلاغته ونقده، أحمد مطلوب، وكالة المطبوعات، الكويت، 1973 م. 537 - عبد القاهر الجرجاني وجهوده في البلاغة العربية: أحمد أحمد بدوي، مكتبة مصر، القاهرة، ط 2. 538 - العبر في خبر من غبر: الذهبي، تحقيق: د. صلاح الدين المنجد، ط 2، الكويت،1984 م. 539 - العبر في خبر من غبر: للإمام الذهبي (ت 748 هـ)، حققه وضبطه: أبو المهاجر محمد السعيد بن بسيوني زغلول، دار الكتب العليمة، بيروت،1405 هـ-1985 م. (أ) 540 - العجاب في بيان الأسباب: ابن حجر العسقلاني، تحقيق: عبد الحكيم محمد الأنيس، ط 1، دار ابن الجوزي، الدمام،1417 هـ- 1997 م. 541 - العجالة في الأحاديث المسلسلة: أبي الفيض محمد ياسين بن محمد عيسى الفاداني المكي، دار البصائر، دمشق، ط 2،1985 م. 542 - العرش وما روي فيه: محمد بن أبي شيبة العبسي (297 هـ)، تحقيق: محمد بن حمد الحمود، مكتبة المعلا، الكويت،1406 هـ. 543 - العظمة: أبو محمد الأصبهاني، عبد الله بن محمد بن جعفر، ت 369 هـ، تحقيق: رضاء الله بن محمد إدريس المباركفوري، ط 1، دار العاصمة، الرياض،1408 هـ. 544 - العقد الثمين في أخبار البلد الأمين: للإمام تقي الدين محمد بن أحمد الحسيني الفاسي المكي (832 هـ)، تحقيق: فؤاد سيد، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط 2،1406 هـ-1986 م. 545 - العقد المذهب في طبقات حملة المذهب: سراج الدين أبو حفص عمر بن علي ابن الملقن، تحقيق: أيمن الأزهري وسيد فهمي، دار الكتب العلمية، بيروت،1417 هـ-1997 م. 546 - العقل وفضله: لأبي عبد الله بن محمد بن عبيد ابن أبي الدنيا البغدادي (281 هـ)، دار الراية، الرياض،1409 هـ، تحقيق: لطفي محمد الصغير. 547 - علل الحديث: لأبي محمد عبد الرحمن بن محمد بن إدريس بن مهران الرازي (327)، تحقيق: محب الدين الخطيب، دار المعرفة، بيروت، 1405 هـ. 548 - علل الدارقطني: تحقيق: د. محفوظ الرحمن زين الله السلفي، ط 1، دار طيبة، الرياض، 1405 هـ-1985 م. 549 - العلل المتناهية في الأحاديث الواهية: للإمام أبي الفرج عبد الرحمن بن علي ابن الجوزي التميمي القرشي (597 هـ)، حققه وعلق عليه: الأستاذ إرشاد الحق الأثري، الناشر إدارة العلوم الأثرية، فيصل أباد، باكستان،1401 هـ-1981 م. (أ)
550 - العلل المتناهية: ابن الجوزي، تحقيق: خليل الميس، ط 1، دار الكتب العلمية، بيروت، 1403 هـ-1983 م. 551 - علل النحو: ابن الوراق، أبو الحسن، محمد بن عبد الله، ت 381 هـ، تحقيق: د. محمود جاسم الدرويش، بيت الحكمة، بغداد،2002 م. 552 - العلل الواردة في الأحاديث النبوية: علي بن عمر بن أحمد بن مهدي الدارقطني البغدادي (385 هـ)، تحقيق: د. محفوظ الرحمن زين الله السلفي، دار طيبة، الرياض،1405 هـ- 1985 م. 553 - العلل ومعرفة الرجال: أحمد بن حنبل، تحقيق: وصي الله بن محمد عباس، ط 1، المكتب الإسلامي، بيروت، دار الخاني، الرياض،1408 هـ-1988 م. 554 - العلل: للعلامة علي بن عبد الله بن جعفر السعدي المديني (234 هـ)، تحقيق: محمد مصطفى الأعظمي، المكتب الإسلامي، بيروت، ط 2،1980 م. 555 - علم البيان بين عبد القاهر والسكاكي: علي محمد العماري، مجلة الأزهر، القاهرة، مجلد 18، عدد 574، ص 569 - 577. 556 - علم المعاني: عبد العزيز عتيق، دار النهضة العربية، بيروت،1985 م. 557 - عمدة الحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ (معجم لغوي لألفاظ القرآن الكريم): صنفه أحمد بن يوسف المعروف بالسمين الحلبي، حققه وعلق عليه: د. محمد ألتونجي، عالم الكتب، بيروت، 1414 هـ-1993 م. 558 - عمدة القاري في شرح صحيح البخاري: بدر الدين محمود بن أحمد العيني (855 هـ)، دار إحياء التراث، بيروت، (بلا. ت). 559 - العمدة في غريب القرآن: مكي بن أبي طالب، تحقيق: يوسف عبد الرحمن المرعشلي، ط 1، مؤسسة الرسالة، بيروت،1401 هـ-1981 م. 560 - عمل اليوم والليلة: النسائي، تحقيق: د. فاروق حمادة، ط 2، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1406 هـ-1986 م. 561 - العنوان في القراءات السبع: أبو طاهر، إسماعيل بن خلف، ت 455 هـ، تحقيق: د. زهير غازي زاهد، ود. خليل العطية، ط 1، عالم الكتب، بيروت،1405 هـ-1985 م. 562 - عون المعبود على سنن أبي داود: العظيم آبادي، أبو الطيب، شمس الحق، محمد بن علي ابن مقصود علي الصديقي، ت 1329 هـ، ط 2، دار الكتب العلمية، بيروت،1415 هـ- 1995 م. 563 - العين: الخليل بن أحمد، تحقيق: د. مهدي المخزومي، ود. إبراهيم السامرائي، دار الرشيد، بغداد،1982 م. 564 - غاية الاختصار في قراءات العشرة أئمة الأمصار: أبو العلاء العطار، الحسن بن أحمد، ت 569 هـ، تحقيق: د. أشرف محمد فؤاد طلعت، ط 1، جدة،1414 هـ-1994 م. 565 - غاية النهاية في طبقات القراء: ابن الجزري، أبو الخير، محمد بن محمد الدمشقي، ت 833 هـ، عني بنشره: ج. برجشتراسر، ط 3، دار الكتب العلمية، بيروت،1401 هـ-1982 م. 566 - غريب الحديث: ابن سلام، أبو عبيد الهروي، القاسم، ت 224 هـ، تحقيق: محمد عبد المعيد خان، ط 1، دار الكتاب العربي، بيروت، 1396 هـ. 567 - غريب الحديث: ابن قتيبة، تحقيق: د. عبد الله الجبوري، ط 1، دار الكتب العلمية، بيروت،1408 هـ-1988 م. 568 - غريب الحديث: الحربي، إبراهيم بن إسحق، ت 285 هـ، تحقيق: د. سليمان إبراهيم محمد العاير، ط 1، جدة،1405 هـ-1985 م. 569 - غريب القرآن وتفسيره: اليزيدي، أبو عبد الرحمن، عبد الله بن يحيى بن المبارك، ت 237
هـ، تحقيق: محمد سليم الحاج، ط 1، عالم الكتب، بيروت،1405 هـ-1985 م. 570 - الغريبين في القرآن والحديث: تصنيف العلامة أبي عبيد أحمد بن محمد الهروي صاحب الأزهري (401 هـ)، تحقيق: أحمد فريد المزيدي، المكتبة العصرية، صيدا-بيروت،1419 هـ- 1999 م. 571 - غوامض الأسماء المبهمة: لأبي القاسم خلف بن عبد الملك بن بشكوال (478 هـ)، تحقيق: د. عز الدين علي السيد ومحمد كمال الدين عز الدين، عالم الكتب، بيروت،1407 هـ. 572 - الفائق في غريب الحديث: الزمخشري، جار الله، محمود بن عمر، ت 538 هـ، تحقيق: علي محمد البجاوي، ومحمد أبو الفضل إبراهيم، ط 2، دار المعرفة، بيروت. 573 - فتح الباري بشرح صحيح الإمام أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري: للإمام الحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (ت 852 هـ)، تصحيح وتحقيق وإشراف ومقابلة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، دار الفكر، بيروت، لبنان، (د. ت). (أ) 574 - فتح الباري: ابن حجر العسقلاني، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، ومحب الدين الخطيب، دار المعرفة، بيروت،1379 هـ. 575 - فتح البيان في مقاصد القرآن: للعلامة أبي الطيب صديق بن حسن بن علي الحسين القنوجي البخاري (1307 هـ)، عني بطبعه وقدم له: عبد الله بن إبراهيم الأنصاري، إدارة إحياء التراث الإسلامي بدولة قطر، قطر،1410 هـ 1989 م. 576 - فتح الرحمن بكشف ما يلتبس من القرآن: شيخ الإسلام أبو يحيى زكريا الأنصاري، حققه وعلق عليه: محمد علي الصابوني، عالم الكتب، بيروت،1405 هـ-1985 م 577 - الفتح السماوي: للعلامة المحدث محمد المدعو بعبد الرؤوف المناوي، تحقيق: أحمد مجتبى، دار العاصمة، الرياض. 578 - فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير: الشوكاني، عالم الكتب، بيروت. 579 - فتح القدير الجامع بين فنّي الرواية والدراية من علم التفسير: تأليف محمد بن علي بن محمد الشوكاني (1250 هـ)، تحقيق: فريال علوان، مكتبة الرشد، الرياض،1420 هـ-1999 م. (أ) 580 - فتح المعين لشرح قرة العين بمهمات الدين: المليباري الفناني الهندي، زين الدين بن عبد العزيز، ت 987 هـ، ط 1، دار الفكر، بيروت، 1418 هـ-1997 م. 581 - فتح الوهاب بشرح منهج الطلاب: أبو يحيى الأنصاري، زكريا بن محمد بن أحمد، ت 926 هـ، ط 1، دار الكتب العلمية، بيروت، 1418 هـ-1998 م. 582 - الفتن: لأبي عبد الله نعيم بن حماد المروزي (288 هـ)، تحقيق: سمير أمين الزهيري، مكتبة التوحيد، القاهرة،1412 هـ. 583 - الفتن: نعيم بن حماد المروزي، ت 228 هـ، تحقيق: د. سهيل زكار، دار الفكر، بيروت، 1414 هـ-1993 م. 584 - فتوح البلدان: البلاذري، أحمد بن يحيى بن جابر، ت 279 هـ، تحقيق: رضوان محمد رضوان، دار الكتب العلمية، بيروت،1403 هـ- 1983 م. 585 - الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين للدقائق الخفية: تأليف الإمام سليمان بن عمر العجيلي الشافعي الشهير بالجمل (1204 هـ)، ضبطه وصححه وخرج آياته: إبراهيم شمس الدين، دار الكتب العلمية، بيروت، 1416 هـ-1996 م.
586 - الفرائد الحسان في عد آي القرآن للشيخ عبد الفتاح بن عبد المغني (ت 1403 هـ)، مكتبة الدار، المدينة المنورة،1404 هـ. 587 - الفردوس بمأثور الخطاب، الديلمي (509 هـ)، تحقيق: السعيد بن بسيوني زغلول، دار الكتب العلمية، بيروت،1406 هـ-1986 م. 588 - الفروق اللغوية: أبو هلال العسكري، مؤسسة النشر الإسلامي، قم،1412 هـ. 589 - الفريد في إعراب القرآن المجيد: المنتجب الهمذاني، حسين بن أبي العز، ت 643 هـ، تحقيق: د. فهمي حسن النمر، ود. فؤاد علي مخيمر، دار الثقافة، الدوحة،1411 هـ-1991 م. 590 - فصل الخطاب في سلامة القرآن الكريم: د. أحمد السيد الكومي ود. محمد أحمد يوسف القاسم، دار إحياء الكتب العربية، مصر، 1974 م. 591 - فصل المقال في شرح كتاب الأمثال: أبو عبيد البكري، تحقيق: د. إحسان عباس وغيره، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان، ط 3،1983 م. 592 - فصل المقال في شرح كتاب الأمثال: أبو عبيد البكري، عبد الله بن عبد العزيز، ت 487 هـ، تحقيق: د. إحسان عباس، ود. عبد المجيد عابدين، ط 3، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1403 هـ-1983 م. 593 - الفصل للوصل المدرج: أبو بكر البغدادي، أحمد بن علي بن ثابت، ت 463 هـ، تحقيق: محمد مطر الزهراني، ط 1، دار الهجرة، الرياض،1418 هـ. 594 - الفصول المفيدة في الواو المزيدة: صلاح الدين خليل بن كيكلدي العلائي، تحقيق: حسن موسى الشاعر، دار البشير، عمّان،1410 هـ- 1990 م. 595 - الفصول في الأصول: الجصاص، تحقيق: د. عجيل جاسم النشمي، ط 1، الكويت،1405 هـ-1985 م. 596 - فصول في فقه العربية: د. رمضان عبد التواب، ط 3، مكتبة الخانجي، القاهرة،1408 هـ -1987 م. 597 - فضائل الأعمال: ضياء الدين محمد بن عبد الواحد بن أحمد بن عبد الرحمن السعدي المقدسي (643 هـ)، دار الغد العربي، القاهرة. 598 - فضائل الصحابة: للإمام أحمد بن حنبل (241 هـ)، حققه وخرج أحاديثه: وصي الله بن محمد عباس، مؤسسة الرسالة، بيروت،1403 هـ- 1983 م. 599 - فضائل القرآن: النسائي، تحقيق: د. فاروق حمادة، ط 2، دار إحياء العلوم، بيروت، 1412 هـ-1992 م. 600 - فضائل المدينة: الجندي اليمني، أبو سعيد، الفضل بن محمد بن إبراهيم، ت 308 هـ، تحقيق: محمد مطيع الحافظ وغزوة بدير، ط 1، دار الفكر، دمشق،1407 هـ-1987 م. 601 - فضائل بيت المقدس: ضياء الدين محمد عبد الواحد بن أحمد الحنبلي (643 هـ)، تحقيق: محمد مطيع الحافظ، دار الفكر، سورية،1405 هـ. 602 - فنون الأفنان في عجائب علوم القرآن: لأبي الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي (597 هـ)، تقديم وتحقيق ودراسة: د. رشيد عبد الرحمن العبيدي، مطبعة المجمع العلمي العراقي، بغداد،1408 هـ-1988 م. 603 - الفهرست: النديم، محمد بن إسحق، ت 380 هـ، تحقيق: رضا تجدد، طهران،1391 هـ- 1971 م. 604 - فهم القرآن ومعانيه: المحاسبي، الحارث بن أسد بن عبد الله، ت 243 هـ، تحقيق: حسين القوتلي، ط 2، دار الكندي، ودار الفكر، بيروت، 1398 هـ. 605 - الفوائد البهية في تراجم الحنفية: تأليف العلامة أبي الحسنات محمد عبد الحي اللكنوي الهندي، دار المعرفة، بيروت، (بلا. ت).
606 - فوائد العراقيين: النقاش، محمد بن علي بن عمرو، ت 414 هـ، تحقيق: مجدي السيد إبراهيم، مكتبة القرآن، القاهرة، (لا، ت). 607 - الفوائد: لأبي القاسم تمام بن محمد الرازي (414 هـ)، مكتبة الرشد، الرياض،1412، تحقيق حمدي عبد المجيد السلفي. 608 - في أصول النحو: سعيد الأفغاني، ط 2، دمشق،1383 هـ-1964 م. 609 - في اللهجات العربية: د. إبراهيم أنيس، ط 2، مطبعة لجنة البيان العربي، القاهرة، 1371 هـ-1952 م. 610 - في ظلال القرآن: بقلم سيد قطب. 611 - فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير: المناوي، تحقيق: أحمد عبد السّلام، ط 1، دار الكتب العلمية، بيروت،1415 هـ-1994 م. 612 - فيض القدير شرح الجامع الصغير: للعلامة محمد المدعو بعبد الرؤوف المناوي، دار الفكر، بيروت،1391 هـ-1972 م. 613 - القاموس المحيط: الفيروزآبادي، ضبط وتوثيق: يوسف الشيخ محمد البقاعي، دار الفكر، بيروت،1415 هـ-1995 م. 614 - القاموس المحيط: محمد بن يعقوب الفيروزآبادي (817 هـ)، مؤسسة الرسالة، بيروت. 615 - القراءة خلف الإمام: البيهقي، تحقيق: محمد السعيد بسيوني زغلول، ط 1، دار الكتب العلمية، بيروت،1405 هـ-1985 م. 616 - قصة الأدب الفارسي: حامد عبد القادر، مكتبة نهضة مصر، مصر، (بلا. ت). 617 - قصص الأنبياء: ابن كثير، تحقيق: مصطفى عبد الواحد، ط 1، دار الكتب الحديثة، القاهرة،1388 هـ-1968 م. 618 - القطع والائتناف: أبو جعفر النحاس، تحقيق: د. أحمد خطاب العمر، ط 1، مطبعة العاني، بغداد،1398 هـ-1978 م. 619 - قلائد المرجان في بيان الناسخ والمنسوخ في القرآن: الكرمي، أبو بكر، مرعي بن يوسف، ت 1033 هـ، تحقيق: سامي عطا حسن، دار القرآن الكريم، الكويت،1400 هـ-1980 م. 620 - قلائد المرجان في بيان الناسخ والمنسوخ في القرآن: مرعي بن يوسف بن أبي بكر الكرمي (1033 هـ)، تحقيق: سامي عطا حسن، دار القرآن الكريم، الكويت،1400 هـ. 621 - قواطع الأدلة في الأصول: أبو المظفر السمعاني، منصور بن محمد بن عبد الجبار، ت 489 هـ، تحقيق: محمد حسن إسماعيل، ط 1، دار الكتب العلمية، بيروت،1417 هـ-1997 م. 622 - القواعد والفوائد الأصولية: البعلي الحنبلي، علي بن عباس، ت 803، تحقيق: محمد حامد الفقي، مطبعة السنة المحمدية، القاهرة، 1375 هـ-1956 م. 623 - الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب الستة: الذهبي، تحقيق: محمد عوامة وأحمد محمد الخطيب، ط 1، دار القبلة ومؤسسة علوم القرآن، جدة،1413 هـ-1992 م. 624 - الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب الستة: للإمام الذهبي (748 هـ)، تحقيق وتعليق: علي عيد عطية وموسى محمد علي الموشى، دار الكتب الحديثة، القاهرة، (بلا. ت). (أ) 625 - الكافي في القراءات السبع: الرعيني، محمد بن شريح، ت 476 هـ، البابي الحلبي، القاهرة،1354 هـ-1935 م. 626 - الكامل في التاريخ: ابن الأثير، عز الدين علي بن محمد بن عبد الكريم، ت 630 هـ، تحقيق: عبد الله القاضي، ط 2، دار الكتب العلمية، بيروت،1415 هـ-1995 م. 627 - الكامل في التاريخ: ابن الأثير، عز الدين علي بن محمد بن عبد الكريم، ت 630 هـ،
تحقيق: عبد الله القاضي، ط 2، دار الكتب العلمية، بيروت،1415 هـ-1995 م. 628 - الكامل في اللغة والأدب: المبرد، أبو العباس، محمد بن يزيد، ت 285 هـ، شرح وتصحيح: لجنة من المحققين، مكتبة المعارف، بيروت، (لا، ت). 629 - الكامل في ضعفاء الرجال: أبو أحمد الجرجاني، عبد الله بن عدي، ت 365 هـ، تحقيق: يحيى مختار غزاوي، ط 3، دار الفكر، بيروت، 1409 هـ-1988 م. 630 - الكبائر: محمد بن عثمان الذهبي (748 هـ)، دار الندوة الجديدة، بيروت. 631 - كتاب الآثار: لأبي يوسف يعقوب بن إبراهيم الأنصاري (182 هـ)، تحقيق: أبو الوفا، دار الكتب العلمية، بيروت،1355 هـ. 632 - كتاب الثقات: للإمام الحافظ محمد بن حبان بن أحمد أبي حاتم التميمي البستي (354 هـ)، دار الفكر، بيروت،1398 هـ-1978 م. 633 - كتاب سيبويه: لأبي البشر عمرو بن عثمان بن قنبر سيبويه (180 هـ)، تحقيق: عبد السّلام هارون، دار الجيل، بيروت. (أ) 634 - الكتاب: سيبويه، أبو بشر، عمرو بن عثمان، ت 180 هـ، تحقيق: عبد السّلام محمد هارون، ط 3، مكتبة الخانجي، القاهرة،1408 هـ- 1988 م. 635 - كشاف القناع: البهوتي الحنبلي، منصور بن يونس، ت 1051 هـ، عن متن الإقناع: الحجاوي الصالحي، موسى بن أحمد، ت 960 هـ، تحقيق: محمد حسن إسماعيل، ط 1، دار الكتب العلمية، بيروت،1418 هـ-1998 م. 636 - الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل: تأليف أبي القاسم محمود بن عمر الزمخشري الخوارزمي (ت 538 هـ)، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان، ط 2، 1421 هـ-2001 م. (أ) 637 - الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل: الزمخشري، رتبه وضبطه وصححه: مصطفى حسين أحمد، ط 3، دار الكتاب العربي، بيروت،1407 هـ- 1987 م. 638 - كشف الأستار عن زوائد البزار على الكتب الستة: تأليف الحافظ نور الدين على بن أبي بكر الهيثمي (ت 807 هـ)، تحقيق: المحدث حبيب الرحمن الأعظمي، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط 2،1404 هـ-1984 م 639 - كشف الخفاء ومزيل الإلباس عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس: العجلوني، إسماعيل بن محمد، ت 1162 هـ، تحقيق: أحمد القلاش، ط 4، مؤسسة الرسالة، بيروت،1405 هـ-1985 م. 640 - كشف الخفاء ومزيل الإلباس عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس: للمفسر المحدث الشيخ إسماعيل بن محمد العجلوني الجراحي (1162 هـ)، تصحيح وتعليق: أحمد القلاش، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط 3، 1403 هـ-1983 م. 641 - كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون: حاجي خليفة، مصطفى بن عبد الله، ت 1067 هـ، دار الكتب العلمية، بيروت،1413 هـ-1992 م. 642 - كشف المشكل في النحو: لعلي بن سليمان الحيدرة اليمني (599 هـ)، تحقيق: د. هادي عطية مطر، وزارة الأوقاف والشؤون الدينية، العراق،1984. 643 - كشف المشكلات وإيضاح المعضلات في إعراب القرآن وعلل القراءات: لنور الدين أبي الحسن علي بن الحسين الباقولي الملقب جامع العلوم النحوي (543 هـ)، دراسة وتحقيق: د. عبد القادر عبد الرحمن السعدي، دار عمار، عمّان، 1421 هـ-2001 م.
644 - الكشف عن وجوه القراءات السبع وعللها وحججها: مكي بن أبي طالب، تحقيق: د. محيي الدين رمضان، ط 2، مؤسسة الرسالة، بيروت،1401 هـ-1981 م. 645 - الكفاية في علم الرواية: لأبي بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي (463 هـ)، دار الكتب العلمية، بيروت،1409 هـ-1988 م. 646 - الكلم الطيب: لشيخ الإسلام العلامة تقي الدين أبي العباس أحمد بن تيمية الحرّاني (727 هـ)، تحقيق: محمد عبد الرحمن عوض، دار الكتاب العربي، بيروت،1405 هـ-1985 م. 647 - الكليات: لأبي البقاء أيوب بن موسى الحسيني الكفوي (1094 هـ)، قابله على نسخة مخطوطة ووضع فهارسه: د. عدنان درويش ومحمد المصري، مؤسسة الرسالة، بيروت،1412 هـ- 1992 م. 648 - كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال: المتقي الهندي، علاء الدين، علي المتقي بن حسام الدين، ت 975 هـ، تحقيق: بكري حياني وصفوة السقا، مؤسسة الرسالة، بيروت،1409 هـ- 1989 م. 649 - كنز الفوائد: أبو الفتح الكراجكي، محمد بن علي، ت 449 هـ، ط 2، مكتبة المصطفوي، قم،1410 هـ-1990 م. 650 - الكنى والأسماء: للإمام مسلم بن الحجاج القشيري (ت 261 هـ)، تحقيق: عبد الرحيم محمد أحمد القشقري، الجامعة الإسلامية، المدينة المنورة،1404 هـ 651 - الكنى والألقاب: عباس القمي، المطبعة الحيدرية، النجف، ط 3،1970 م. 652 - الكواكب النيرات فيمن اختلط من الرواة الثقات: لأبي البركات محمد بن أحمد المعروف بابن الكيال (939 هـ)، تحقيق ودراسة: عبد القيوم عبد رب النبي، دار المأمون للتراث، دمشق،1401 هـ-1981 م. 653 - اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة: جلال الدين السيوطي (911 هـ)، دار المعرفة، بيروت،1403 هـ-1983. 654 - لب اللباب في تحرير الأنساب: السيوطي، دار صادر، بيروت، (لا، ت). 655 - لباب النقول في أسباب النزول: السيوطي، ضبطه وصححه: أحمد عبد الشافي، دار الكتب العلمية، بيروت، (لا، ت). 656 - اللباب في علل البناء والإعراب: أبو البقاء العكبري، تحقيق: غازي مختار طليمات، ط 1، دار الفكر، دمشق،1415 هـ-1995 م. 657 - اللباب في علوم الكتاب: تأليف الإمام أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي (ت 880 هـ)، تحقيق وتعليق: الشيخ عادل عبد الموجود، وآخرين، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان،1419 هـ-1998 م. 658 - لسان العرب: ابن منظور، محمد بن مكرم، ت 711 هـ، دار صادر، بيروت،1968 م. 659 - لطائف الإشارات لفنون القراءات (الجزء الأول): شهاب الدين القسطلاني، ت 923 هـ، تحقيق: عامر السيد عثمان، ود. عبد الصبور شاهين، القاهرة،1392 هـ-1972 م. 660 - اللغات في القرآن: رواية ابن حسنون المقرئ عن ابن عباس، تحقيق: د. صلاح الدين المنجد، ط 3، دار الكتاب الجديد، بيروت،1398 هـ-1978 م. 661 - اللغة العربية الثقافة العامة: لمحمد عبد الغني المصري ومجد محمد الباكير البرازي، دار المستقبل للنشر، عمان،1988 م. 662 - اللمع في أصول الفقه: أبو إسحق الشيرازي، إبراهيم بن علي، ت 476 هـ، ط 1، دار الكتب العلمية، بيروت،1405 هـ-1985 م. 663 - اللمع في العربية: ابن جني، تحقيق: حامد المؤمن، ط 1، مطبعة العاني، بغداد،1402 هـ-1982 م.
664 - اللمع في العربية: لأبي الفتح عثمان بن جني الموصلي النحوي (392 هـ)، تحقيق: فائز فارس، دار الكتب الثقافية، الكويت،1972 م. (أ) 665 - المؤتلف والمختلف: محمد بن طاهر بن علي بن القيسراني (507 هـ)، تحقيق: كمال يوسف الحوت، دار الكتب العلمية، بيروت، 1411 هـ. 666 - ما جاء على فعلت وأفعلت بمعنى واحد: موهوب بن أحمد بن محمد بن الخصر (540 هـ)، تحقيق: ماجد الذهبي، دار الفكر، دمشق،1402 هـ-1982 م. 667 - ما اتفق لفظه واختلف معناه من القرآن المجيد: المبرد، تحقيق: عبد العزيز الميمني، المطبعة السلفية، القاهرة،1350 هـ. 668 - ما قيل في كلمة أشياء: د. هاشم طه شلاش، (ضمن مجلة المورد، م 26، ع 3)،1419 هـ-1998 م. 669 - المبدع في التصريف: أبو حيان الأندلسي، تحقيق: عبد الحميد السيد طلب، ط 1، مكتبة دار العروبة، الكويت،1982 م. 670 - المبسوط: السرخسي، دار المعرفة، بيروت،1406 هـ-1986 م. 671 - المبسوط: لشمس الأئمة أبي بكر محمد بن أبي سهل السرخسي، دار المعرفة، بيروت، 1414 هـ-1993 م. 672 - المبسوط: الشيباني، تحقيق: أبو الوفا الأفغاني، إدارة القرآن والعلوم الإسلامية، كراتشي، (لا، ت). 673 - المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر: ضياء الدين بن الأثير، محمد بن محمد بن عبد الكريم، ت 637 هـ، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد، المكتبة العصرية، بيروت،1415 هـ- 1995 م. 674 - مجاز القرآن: أبو عبيدة، معمر بن المثنى، ت 210 هـ، تحقيق: د. محمد فؤاد سزكين، ط 1، مكتبة الخانجي، مصر،1381 هـ-1962 م. 675 - المجازات النبوية: الشريف الرضي، تحقيق: د. طه محمد الزيني، مكتبة بصيرتي، قم، (لا، ت). 676 - المجروحين من المحدثين والضعفاء والمتروكين: ابن حبان، تحقيق: محمود إبراهيم زايد، دار الوعي، حلب، (لا، ت). 677 - مجمع الأمثال: أبو الفضل أحمد بن محمد الميداني النيسابوري (ت 518 هـ)، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، دار المعرفة، بيروت، (د. ت). 678 - مجمع البحرين ومطلع النيرين: فخر الدين الطّريحي، تحقيق: أحمد الحسيني، ط 2، مكتب نشر الثقافة الإسلامية، إيران،1408 هـ-1988 م. 679 - مجمع البيان في تفسير القرآن: الطبرسي، تحقيق: لجنة من العلماء، ط 1، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت،1415 هـ. 680 - مجمع البيان في تفسير القرآن: تأليف أبي علي الفضل بن الحسن بن الفضل الطبرسي (من علماء القرن السادس)، وضع حواشيه: إبراهيم شمس الدين، دار الكتب العلمية، بيروت، 1418 هـ-1997 م. (أ) 681 - مجمع الزوائد ومنبع الفوائد: الهيثمي، نور الدين، علي بن أبي بكر، ت 807 هـ، دار الكتب العلمية، بيروت،1408 هـ-1988 م. 682 - مجمل اللغة: ابن فارس، تحقيق: هادي حسن حمودي، ط 1، الكويت،1405 هـ-1985 م. 683 - المجموع (شرح المهذب): النووي، دار الفكر، بيروت، (لا، ت). 684 - المجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث: للإمام الحافظ أبي موسى محمد بن أبي بكر بن أبي عيسى المديني الأصفهاني (581 هـ)، تحقيق: عبد الكريم العزباوي، جامعة أم القرى، مكة المكرمة،1406 هـ-1986 م.
685 - المجيد في إعراب القرآن المجيد (إعراب البسملة وسورة الفاتحة): السفاقسي، تحقيق: د. حاتم الضامن، (ضمن نصوص محققة في علوم القرآن الكريم)، بغداد،1411 هـ-1991 م. 686 - المجيد في إعراب القرآن المجيد (سورة الفاتحة والجزء الأول من سورة البقرة): السفاقسي، تحقيق: موسى محمد زنين، منشورات كلية الدعوة الإسلامية، طرابلس، ليبيا، 1411 هـ-1992 م. 687 - المجيد في إعراب القرآن المجيد من أول سورة هود إلى آخر سورة النحل: السّفاقسي، دراسة وتحقيق: طلعت صلاح الفرحان، رسالة ماجستير، كلية التربية ابن رشد، جامعة بغداد، 1421 هـ-2000 م. 688 - المجيد في إعراب القرآن المجيد: السّفاقسي، آل عمران والنساء والمائدة، دراسة وتحقيق: د. عطية أحمد محمد، رسالة دكتوراه، كلية التربية، الجامعة المستنصرية، 1420 هـ-1999 م. 689 - المجيد في إعراب القرآن المجيد: السّفاقسي، الأنعام والأعراف والأنفال والتوبة ويونس، دراسة وتحقيق: د. إبراهيم حمد مهاوش الدليمي، رسالة دكتوراه، كلية التربية ابن رشد، جامعة بغداد،1421 هـ-2000 م. 690 - المجيد في إعراب القرآن المجيد: السّفاقسي، من الجزء 23 إلى نهاية الجزء 30، دراسة وتحقيق: د. ناهدة محمد محمود الكبيسي، رسالة دكتوراه، كلية الآداب، الجامعة المستنصرية، 1423 هـ-2002 م. 691 - المجيد في إعراب القرآن المجيد: السّفاقسي، من سورة المؤمنين إلى سورة ص، دراسة وتحقيق: د. شنشول فريج عسكر، رسالة دكتوراه، كلية التربية ابن رشد، جامعة بغداد، 1423 هـ-2002 م. 692 - المجيد في إعراب القرآن المجيد: السّفاقسي، إبراهيم بن محمد بن إبراهيم، ت 742 هـ، دراسة لغوية ونحوية مع تحقيق سورة الفاتحة وسورة البقرة: د. عبد الرزاق عباس أحمد الأحبابي، رسالة دكتوراه، كلية الآداب، جامعة بغداد،1418 هـ-1998 م. 693 - محاضرة الأوائل ومسامرة الأواخر: تأليف الشيخ علاء الدين علي دده السالستواري البسنوي، دار الكتاب العربي، بيروت،1398 هـ- 1978 هـ. 694 - المحتسب في تبيين وجوه شوادّ القراءات والإيضاح عنها: ابن جني، تحقيق: علي النجدي ناصف، وآخرين، ط 2، دار سزكين للطباعة والنشر، إسطنبول،1406 هـ-1986 م. 695 - المحتسب في تبيين وجوه شواذ القراءات والإيضاح عنها: تأليف أبي الفتح عثمان بن جنّي (392 هـ)، دراسة وتحقيق: محمد عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت،1419 هـ-1998 م. 696 - المحتضر: حسن بن سليمان الحلي (القرن 9 هـ)، المطبعة الحيدرية النجف،1370 هـ- 1950. 697 - المحدث الفاصل بين الراوي والواعي: الرامهرمزي، الحسن بن عبد الرحمن، ت 360 هـ، تحقيق: د. محمد عجاج الخطيب، ط 3، دار الفكر، بيروت،1404 هـ-1984 م. 698 - المحرّر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز: ابن عطية، عبد الحق بن غالب، ت 541 هـ، تحقيق: عبد السّلام عبد الشافي محمد، ط 1، دار الكتب العلمية،1413 هـ-1993 م. 699 - المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز: لأبي محمد عبد الحق بن عطية الأندلسي (ت 542 هـ)، تحقيق وتعليق: عبد الله بن إبراهيم الأنصاري وغيره، الدوحة، قطر،1404 هـ- 1984 م. (أ) 700 - المحصول في علم أصول الفقه، فخر الدين الرازي، تحقيق: د. طه جابر فياض العلواني، ط 2، مؤسسة الرسالة، بيروت،1412 هـ- 1992 م.
701 - المحكم والمحيط الأعظم: تأليف أبي الحسن علي بن إسماعيل بن سيده المعروف بابن سيده (458 هـ)، تحقيق: د. عبد الحميد الهنداوي، دار الكتب العلمية، بيروت،1421 هـ-2000 م. 702 - المحلى: ابن حزم، تحقيق: لجنة إحياء التراث العربي، دار الآفاق الجديدة، بيروت، (لا، ت). 703 - مختصر اختلاف العلماء: الطحاوي، تحقيق: د. عبد الله نذير أحمد، ط 2، دار البشائر الإسلامية، بيروت،1417 هـ-1997 م. 704 - مختصر العين: أبو بكر الزبيدي، محمد بن الحسن، ت 379 هـ، تحقيق: د. صلاح مهدي الفرطوسي، ط 1، بغداد،1991 - 1993 م. 705 - مختصر في شواذ القراءات من كتاب البديع (مختصر في شواذ القرآن): ابن خالويه، تحقيق: ج. برجشتراسر، دار الهجرة،1934 م. 706 - مختصر في شواذ القراءات من كتاب البديع (مختصر في شواذ القرآن): الحسين بن أحمد ابن خالويه (370 هـ)، تحقيق: ج. برجشتراسر، المطبعة الرحمانية،1934 م. 707 - مختصر كتاب الوتر: المقريزي، أحمد بن علي، ت 845 هـ، تحقيق: إبراهيم محمد العلي، ومحمد عبد الله أبو صعليك، ط 1، مكتبة المنار، الزرقاء، الأردن،1413 هـ-1993 م. 708 - مدخل لدراسة القرآن والسنة: للشيخ محمد أبي شهبة، دار اللواء، الرياض،1987 م. 709 - المدونة الكبرى: مالك بن أنس، ت 179 هـ، دار صادر، بيروت، (لا، ت). 710 - مرآة الجنان وعبرة اليقظان في معرفة حوادث الزمان: اليافعي، أبو محمد، عبد الله بن أسعد، ت 768 هـ، حيدر آباد الدكن،1337 - 1339 هـ. 711 - مراتب النحويين: لأبي الطيب عبد الواحد بن علي اللغوي (351 هـ)، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، مكتبة نهضة مصر، القاهرة، (بلا. ت). 712 - مراح لبيد لكشف معنى القرآن المجيد: تأليف العلامة الشيخ محمد بن عمر الجاوي (1316 هـ)، ضبطه وصححه ووضع حواشيه: محمد أمين الضناوي، دار الكتب العلمية، بيروت، 1417 هـ-1997 م. 713 - المراسيل: أبو داود السجستاني، تحقيق: شعيب الأرناؤوط، ط 1، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1408 هـ-1988 م. 714 - المرجع في الإملاء: إعداد: راجي الأسمر، راجع قواعده: د. إميل بديع يعقوب، ط 1، جروس برس، طرابلس، لبنان،1988 م. 715 - مرشد الخلان إلى معرفة عد آي القرآن: عبد الرزاق علي إبراهيم موسى، المكتبة العصرية، صيدا بيروت،1409 هـ-1989 م. 716 - المزهر في علوم اللغة وأنواعها: السيوطي، تحقيق: فؤاد علي منصور، ط 1، دار الكتب العلمية، بيروت،1418 هـ-1998 م. 717 - المزهر في علوم اللغة وأنواعها: جلال السيوطي (911 هـ)، تحقيق: د. محمد الشاطر أحمد محمد أحمد، مطبعة المدني، القاهرة،1405 هـ- 1985 م. (أ) 718 - المسائل المشكلة المعروفة بالبغداديات: أبو علي الفارسي، تحقيق: صلاح الدين عبد الله السنكاوي، مطبعة العاني، بغداد،1983 م. 719 - المساعد على تسهيل الفوائد: ابن عقيل، تحقيق: د. محمد كامل بركات، دار الفكر، دمشق، 1400 هـ-1980 م. 720 - المسالك والممالك: لأبي إسحاق إبراهيم بن محمد الفارسي الاصطخري، تحقيق: محمد الحسيني، دار القلم، مصر،1961 م. 721 - مسانيد فراس المكتب: لأبي يحيى فراس بن يحيى المكتب الخارفي الكوفي، تحقيق: محمد بن حسن المصري، مضابع ابن تيمية، القاهرة، 1413 هـ. 722 - المستدرك على الصحيحين في الحديث: للحافظ إمام المحدثين أبي عبد الله محمد بن عبد الله
المعروف بالحاكم (405 هـ)، دار الفكر، 1398 هـ-1978 م. (أ) 723 - المستدرك على الصحيحين: الحاكم النيسابوري، أبو عبد الله، محمد بن عبد الله، ت 405 هـ، تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، ط 1، دار الكتب العلمية، بيروت،1411 هـ- 1990 م. 724 - المستدرك على معجم المؤلفين، عمر رضا كحالة، مؤسسة الرسالة، بيروت،1985 م. 725 - المستصفى في علم الأصول: الغزالي، أبو حامد، محمد بن محمد، ت 505 هـ، تحقيق: محمد عبد السّلام عبد الشافي، ط 1، دار الكتب العلمية، بيروت،1413 هـ-1993 م. 726 - المستطرف في كل فن مستظرف: الأبشيهي، شهاب الدين محمد بن أحمد، ت 850 هـ، تحقيق: د. مفيد محمد قميحة، ط 2، دار الكتب العلمية، بيروت،1406 هـ-1986 م. 727 - المستقصى في أمثال العرب: الزمخشري، ط 2، دار الكتب العلمية، بيروت، 1987 م. 728 - مسند إبراهيم بن أدهم: محمد بن إسحاق بن محمد بن يحيى (395 هـ)، تحقيق مجدي السيد إبراهيم، مكتبة القرآن القاهرة، (بلا. ت). 729 - مسند ابن الجعد: أبو الحسن، علي بن الجعد بن عبيد، ت 230 هـ، تحقيق: عامر أحمد حيدر، ط 1، مؤسسة نادر، بيروت،1410 هـ- 1990 م. 730 - مسند أبي حنيفة: أبو نعيم الأصبهاني، تحقيق: نظر محمد الفاريابي، ط 1، مكتبة الكوثر، الرياض،1415 هـ. 731 - مسند أبي حنيفة: للإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان بن ثابت الكوفي (150 هـ)، مع شرحه، قدم له وضبطه: الشيخ خليل محيي الدين الميس، دار الباز للنشر والتوزيع، مكة المكرمة، 1405 هـ-1985 م. (أ) 732 - مسند أبي داود الطيالسي: سليمان بن داود، ت 204 هـ، دار الحديث، بيروت (لا، ت). 733 - مسند أبي عوانة: للإمام الجليل أبي عوانة يعقوب بن إسحاق الاسفراييني (316 هـ)، دار المعرفة، بيروت، (بلا. ت). 734 - مسند أبي عوانة: يعقوب بن إسحق الأسفراييني، ت 316 هـ، تحقيق: أيمن عارف الدمشقي، ط 1، دار المعرفة، بيروت،1998 م. 735 - مسند أبي يعلى: أحمد بن علي بن المثنى، ت 307 هـ، تحقيق: حسين سليم أسد، ط 1، دار المأمون للتراث، دمشق،1404 هـ-1984 م. 736 - مسند أبي يعلى: للإمام الحافظ أحمد بن علي بن المثنى التميمي (ت 307 هـ)، حققه وخرج أحاديثه: حسين سليم أسد، دار الثقافة العربية، دمشق،1413 هـ-1993 م. (أ) 737 - مسند أحمد: أحمد بن حنبل، دار صادر، بيروت، (لا، ت). 738 - مسند إسحاق بن راهويه: إسحاق بن إبراهيم بن مخلد بن راهويه الحنظلي (238 هـ)، تحقيق: د. عبد الغفور بن عبد الحق البلوشي، مكتبة الإيمان، المدينة المنورة،1412 هـ-1991 م. (أ) 739 - مسند إسحق بن راهويه: ت 238 هـ، تحقيق: د. عبد الغفور عبد الحق البلوشي، ط 1، مكتبة الإيمان، المدينة المنورة،1412 هـ-1991 م. 740 - مسند البزار: أبو بكر، أحمد بن عمرو بن عبد الخالق، ت 292 هـ، تحقيق: د. محفوظ الرحمن زين الله، ط 1، مؤسسة علوم القرآن، بيروت، مكتبة العلوم والحكم، المدينة المنورة،1409 هـ. 741 - مسند الحارث (زوائد الهيثمي): الحافظ نور الدين الحارث بن أبي أسامة الهيثمي (282 هـ)، تحقيق: د. حسين أحمد صالح الباكري، مركز خدمة السنة، المدينة المنورة،1413 هـ- 1992 م.
742 - مسند الحميدي: أبو بكر، عبد الله بن الزبير، ت 219 هـ، تحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي، ط 1، دار الكتب العلمية، بيروت، 1409 هـ-1988 م. 743 - مسند الربيع: بن حبيب بن عمر الأزدي البصري، تحقيق: محمد إدريس، وعاشور بن يوسف، ط 1، دار الحكمة، بيروت، مكتبة الاستقامة، عمان،1415 هـ-1995 م. 744 - مسند الروياني: أبو بكر، محمد بن هارون، ت 307 هـ، تحقيق: أيمن علي أبو يماني، ط 1، مؤسسة قرطبة، القاهرة،1416 هـ-1996 م. 745 - مسند الشاشي: أبو سعيد، الهيثم بن كليب، ت 335 هـ، تحقيق: د. محفوظ الرحمن زين الله، ط 1، مكتبة العلوم والحكم، المدينة المنورة، 1410 هـ. 746 - مسند الشافعي: دار الكتب العلمية، بيروت، (لا، ت). 747 - مسند الشاميين: الطبراني، تحقيق: حمدي عبد المجيد السّلفي، ط 2، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1417 هـ-1996 م. 748 - مسند الشهاب: القضاعي، أبو عبد الله، محمد بن سلامة بن جعفر، ت 454 هـ، تحقيق: حمدي عبد المجيد السّلفي، ط 2، مؤسسة الرسالة، بيروت،1407 هـ-1986 م. 749 - مسند الصحابة المعروف بمسند الروياني: للإمام الحافظ أبي بكر محمد بن هارون الروياني (307 هـ)، تحقيق: أيمن علي أبو يماني، مؤسسة قرطبة، القاهرة،1416 هـ. 750 - مسند الطيالسي: لأبي داود سليمان بن داود الفارسي البصري الطيالسي (204 هـ)، دار المعرفة، بيروت، (بلا. ت). 751 - المسند المستخرج على صحيح الإمام مسلم: أبو نعيم الأصبهاني، تحقيق: محمد حسن إسماعيل، ط 1، دار الكتب العلمية، بيروت، 1416 هـ-1996 م. 752 - مسند سعد: لأبي عبد الله أحمد بن إبراهيم بن كثير للدورقي (246 هـ)، تحقيق: عامر حسن صبري، دار البشائر الإسلامية، بيروت، 1407 هـ. 753 - مسند عبد الله بن عمر: لأبي أمية محمد بن إبراهيم الطرسوسي (273 هـ)، تحقيق: أحمد راتب عرموش، دار النفائس، بيروت،1393 هـ. 754 - مسند عبد بن حميد: لأبي محمد عبد بن حميد بن نصر الكسي (249 هـ)، تحقيق: صبحي البدري السامرائي ومحمود محمد خليل الصعيدي، مكتبة السنة، القاهرة،1408 هـ-1988 م. 755 - مسند عبد الله بن عمر: الطرسوسي، أبو أمية، محمد بن إبراهيم، ت 273 هـ، تحقيق: أحمد راتب عرموش، ط 1، دار النفائس، بيروت، 1393 هـ-1973 م. 756 - المسند: للإمام أحمد بن حنبل (241 هـ)، المكتب الإسلامي، ط 4،1403 هـ- 1983 م (والرقم الذي بين قوسين هو من طبعة مؤسسة الرسالة، تحقيق شعيب الأرنؤوط وغيره، 1416 هـ-1996 م). 757 - المسند: للإمام الحافظ الكبير أبي بكر بن عبد الله بن الزبير الحميدي (219 هـ)، حقق أصوله الأستاذ المحدث الشيخ: حبيب الرحمن الأعظمي، المكتبة السلفية، المدينة المنورة، (بلا. ت). 758 - مشارق الأنوار: القاضي أبي الفضل عياض بن موسى بن عياض اليحصبي السبتي (544 هـ)، المكتبة العتيقة. 759 - مشاهير علماء الأمصار: لأبي حاتم محمد بن أحمد التميمي البستي (354 هـ)، تحقيق: م. فلا يشهمر، دار الكتب العلمية، بيروت،1959 م. 760 - مشتبه أسامي المحدثين: لأبي الفضل عبيد الله بن عبد الله بن أحمد الهروي (405)، تحقيق: نظر محمد الفاريابي، مكتبة الرشد، الرياض،1411 هـ.
761 - مشكل إعراب القرآن: تأليف الإمام أبي محمد مكي بن طالب القيسي القيرواني (437 هـ)، حققه وعلق عليه: ياسين محمد السواس، اليمامة للطباعة والنشر والتوزيع، دمشق، ط 2،1421 هـ-2000 م. 762 - مشكل إعراب القرآن: مكي بن أبي طالب، تحقيق: د. حاتم الضامن، ط 2، مؤسسة الرسالة، بيروت،1405 هـ-1985 م. 763 - مصباح الزجاجة: الكناني، أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل، ت 840 هـ، تحقيق: محمد المنتقى الكشناوي، ط 2، دار العربية، بيروت، 1403 هـ-1983 م. 764 - مصباح الشريعة المنسوب إلى الإمام جعفر الصادق، ت 148 هـ، ط 1، مؤسسة الأعلمي، بيروت،1400 هـ-1980 م. 765 - المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للرافعي: المقري الفيومي، أحمد بن محمد بن علي، ت 770 هـ، صححه: مصطفى السقا، دار الفكر، (لا، ت). 766 - مصطلح الإشارات في القراءات الزوائد المروية عن الثقات: ابن القاصح، علي بن عثمان، ت 801 هـ، تحقيق: عطية أحمد محمد، رسالة ماجستير، كلية الآداب، الجامعة المستنصرية، 1416 هـ-1996 م. 767 - المصفى بأكف أهل الرسوخ من علم الناسخ والمنسوخ: ابن الجوزي، تحقيق: د. حاتم صالح الضامن، ط 1، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1415 هـ-1995 م. 768 - المصفى بأكف أهل الرسوخ من علم الناسخ والمنسوخ: لأبي الفرج عبد الرحمن بن الجوزي (597 هـ)، تحقيق: د. حاتم الضامن، مؤسسة الرسالة، بيروت،1415 هـ. 769 - مصنف ابن أبي شيبة: أبو بكر، عبد الله بن محمد، ت 235 هـ، تحقيق: كمال يوسف الحوت، ط 1، مكتبة الرشد، الرياض،1409 هـ. 770 - مصنف عبد الرزاق: الصنعاني، تحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي، ط 2، المكتب الإسلامي، بيروت،1403 هـ-1983 م. 771 - المصنف: الحافظ الكبير أبي بكر عبد الرزاق بن همام الصنعاني (ت 211 هـ)، تحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي، المكتب الإسلامي، بيروت، ط 2،1403 هـ-1983 م، و772 - المصنوع في معرفة الحديث الموضوع: القاري الهروي، علي بن سلطان محمد، ت 1014 هـ، تحقيق: عبد الفتاح أبو غدة، ط 4، مكتبة الرشد، الرياض،1404 هـ. 773 - المعارف: عبد الله بن مسلم بن قتيبة (276 هـ)، تحقيق: د. ثروت عكاشة، دار المعارف، القاهرة، ط 4،1981 م. 774 - معاني الحروف: الرماني، علي بن عيسى، ت 384 هـ، تحقيق د. عبد الفتاح شلبي، ط 3، دار الشروق، جدة،1404 هـ-1984 م. 775 - معاني القراءات: أبو منصور الأزهري، تحقيق: د. مصطفى عيد درويش، ود. عوض حمد القوزي، ط 1، دار المعارف، القاهرة،1412 هـ- 1991 م. 776 - معاني القرآن: الأخفش الأوسط، سعيد بن مسعدة، ت 215 هـ، تحقيق: د. عبد الأمير محمد أمين الورد، ط 1، عالم الكتب، بيروت، 1405 هـ-1985 م. 777 - معاني القرآن الكريم: أبو جعفر النحاس، تحقيق: الشيخ محمد علي الصابوني، ط 1، مكة المكرمة،1409 هـ-1988 م. 778 - معاني القرآن وإعرابه: الزجاج، تحقيق: د. عبد الجليل عبده شلبي، ط 1، عالم الكتب، بيروت،1408 هـ-1988 م. 779 - معاني القرآن: الفراء، أبو زكريا، يحيى بن زياد، ت 207 هـ، تحقيق: محمد علي النجار، وأحمد يوسف نجاتي، ط 3، عالم الكتب، بيروت، 1403 هـ-1983 م.
780 - معاني القرآن: تأليف أبي زكريا يحيى بن زياد الفراء (ت 207 هـ)، تحقيق: الأستاذ محمد علي النجار، الدار المصرية للتأليف والترجمة، مصر، (بلا. ت). (أ) 781 - معاني النحو: د. فاضل صالح السامرائي، ط 1، دار الفكر، عمان،1422 هـ- 2000 م. 782 - المعتصر من المختصر من مشكل الآثار: لأبي المحاسن يوسف بن موسى الحنفي، عالم الكتب، (بلا. ت). 783 - معجم الأدباء (إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب): ياقوت الحموي، أبو عبد الله، ياقوت بن عبد الله، ت 626 هـ، دار المأمون بمصر،1357 هـ-1938 م. 784 - معجم الأدباء: لأبي عبد الله ياقوت بن عبد الله الرومي الحموي، راجعته وزارة المعارف العمومية، مصر، دار إحياء التراث العربي، بيروت، (بلا. ت). (أ) 785 - المعجم الأوسط: الطبراني، تحقيق: طارق بن عوض الله بن محمد، وعبد المحسن بن إبراهيم الحسيني، دار الحرمين، القاهرة،1415 هـ -1995 م. 786 - معجم البلدان: للشيخ الإمام شهاب الدين أبي عبد الله ياقوت بن عبد الله الحموي الرومي البغدادي (626 هـ)، دار إحياء التراث العربي، بيروت،1399 هـ-1979 م. 787 - معجم السفر: لأبي طاهر أحمد بن محمد السّلفي الأصبهاني (576)، تحقيق عبد الله بن عمر البارودي، المكتبة التجارية، مكة المكرمة. 788 - معجم الشيوخ: الصيداوي، أبو الحسين، محمد بن أحمد بن جميع، ت 402 هـ، تحقيق: د. عمر عبد السّلام تدمري، ط 1، مؤسسة الرسالة، بيروت، ودار الإيمان، طرابلس،1405 هـ-1985 م. 789 - معجم الصحابة: ابن قانع، أبو الحسين، عبد الباقي، ت 351 هـ، تحقيق: صلاح سالم المصراتي، ط 1، مكتبة الغرباء الأثرية، المدينة المنورة،1418 هـ-1998 م. 790 - معجم الصحابة: أبو الحسين عبد الباقي بن قانع (ت 351 هـ)، ضبط نصه وعلق عليه: أبو عبد الرحمن صلاح الدين بن سالم المصراتي، مكتبة الغرباء، المدينة المنورة،1418 هـ. 791 - المعجم الكبير: الطبراني، تحقيق: حمدي عبد المجيد السّلفي، ط 2، مكتبة العلوم والحكم، الموصل،1404 هـ-1983 م. 792 - معجم المؤلفين تراجم مصنفي الكتب العربية: تأليف عمر رضا كحالة، مكتبة المثنى بيروت ودار إحياء التراث العربي بيروت، (بلا. ت). 793 - المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم: محمد فؤاد عبد الباقي، دار الفكر، بيروت، 1407 هـ-1987 م. 794 - معجم شيوخ أبي بكر الإسماعيلي: لأبي بكر أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل (371 هـ)، تحقيق: د. زياد محمد منصور، مكتبة العلوم والحكم، المدينة المنورة،1410 هـ. 795 - المعجم في أسامي شيوخ أبي بكر الإسماعيلي: أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل الإسماعيلي، ت 371 هـ، تحقيق: د. زياد محمد منصور، ط 1، مكتبة العلوم والحكم، المدينة المنورة، 1410 هـ. 796 - معجم ما استعجم: أبو عبيد البكري، تحقيق: مصطفى السقا، ط 3، عالم الكتب، بيروت، 1403 هـ-1983 م. 797 - معجم مفردات ألفاظ القرآن: تأليف العلامة أبي القاسم الحسين بن محمد بن المفضل المعروف بالراغب الأصبهاني (503 هـ)، ضبطه وصححه: إبراهيم شمس الدين، دار الكتب العلمية، بيروت.
798 - المعرّب من الكلام الأعجمي على حروف المعجم: الجواليقي، تحقيق: أحمد محمد شاكر، ط 2، دار الكتب، القاهرة،1389 هـ- 1969 م. 799 - معرفة أسامي أرداف النبي: لأبي زكريا يحيى بن عبد الوهاب بن بنده (511 هـ)، تحقيق: يحيى مختار غزاوي، المدينة للتوزيع، بيروت، 1410 هـ. 800 - معرفة الثقات: الحافظ العجلي، أبو الحسن، أحمد بن عبد الله بن صالح، ت 261 هـ، تحقيق: عبد العليم عبد العظيم البستوي، ط 1، مكتبة الدار، المدينة المنورة،1405 هـ-1985 م. 801 - معرفة الصحابة: لأبي نعيم الأصبهاني (430 هـ)، تحقيق ودراسة: د. محمد راضي بن حاج عثمان، مكتبة الدار، المدينة المنورة-مكتبة الحرمين، الرياض،1408 هـ-1988 م. 802 - معرفة القراء الكبار على الطبقات والأعصار: الذهبي، تحقيق: د. بشار عواد معروف، وشعيب الأرناؤوط، ود. صالح مهدي عباس، ط 1، مؤسسة الرسالة، بيروت،1404 هـ- 1984 م. 803 - معرفة علوم الحديث: الحاكم النيسابوري، تحقيق: السيد معظم حسين، ط 2، دار الكتب العلمية، بيروت،1397 هـ-1977 م. 804 - المعرفة والتاريخ: لأبي يوسف يعقوب بن سفيان الفسوي (277 هـ)، وضع حواشيه: خليل منصور، دار الكتب العلمية، بيروت، 1419 هـ-1999 هـ. 805 - المعين في طبقات المحدثين: لأبي عبد الله محمد بن عثمان الذهبي (748 هـ)، تحقيق: همام عبد الرحيم سعيد، دار الفرقان، عمان،1404 هـ. 806 - مغني اللبيب عن كتب الأعاريب: ابن هشام الأنصاري، تحقيق: د. مازن المبارك، ومحمد علي حمد الله، ط 6، دار الفكر، بيروت،1985 م. 807 - مغني اللبيب عن كتب الأعاريب: لجمال الدين بن هشام الأنصاري (ت 761 هـ)، حققه وعلق عليه: د. مازن المبارك وغيره، مكتبة سيد الشهداء، قم، إيران، ط 4،1410 هـ. (أ) 808 - مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج: شرح الشربيني الخطيب، محمد، ت 977 هـ، على متن المنهاج للنووي، مصطفى البابي الحلبي، مصر،1377 هـ-1958 م. 809 - المغني في النحو: ابن فلاح اليمني، تقي الدين أبو الخير منصور، ت 680 هـ، تحقيق: د. عبد الرزاق السعدي، ط 1، بغداد،1999 - 2000 م. 810 - المغني: ابن قدامة المقدسي، ط 1، دار الفكر، بيروت،1405 هـ-1985 م. 811 - مفاتيح الأغاني في القراءات والمعاني: أبو العلاء الكرماني، محمد بن أبي المحاسن، ت بعد 563 هـ، تحقيق: د. عبد الكريم مصطفى مدلج، ط 1، دار ابن حزم، بيروت،1422 هـ- 2001 م. 812 - المفتاح في الصرف: عبد القاهر الجرجاني، تحقيق: د. علي توفيق الحمد، ط 1، مؤسسة الرسالة، بيروت،1407 هـ-1987 م. 813 - مفردات ألفاظ القرآن: الراغب الأصفهاني، الحسين بن محمد، ت نحو 425 هـ، تحقيق: صفوان عدنان داوودي، ط 1، دار القلم، دمشق، الدار الشامية، بيروت،1412 هـ- 1992 م. 814 - المفصل في صنعة الإعراب: الزمخشري، تحقيق: د. علي بو ملحم، ط 1، دار ومكتبة الهلال، بيروت،1413 هـ-1993 م. 815 - المفضليات: للمفضل الضبي، تحقيق: أحمد محمد شاكر وعبد السّلام هارون، دار المعارف، مصر،1383 هـ. 816 - مقاييس اللغة: لأبي الحسين أحمد بن فارس بن زكريا (395 هـ)، بتحقيق وضبط: عبد السّلام محمد هارون، دار الفكر، بيروت، (بلا. ت).
817 - المقتصد الأرشد في ذكر أصحاب الإمام أحمد: برهان الدين إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن مفلح (884 هـ)، تحقيق: عبد الرحمن بن سليمان العثيمين، مكتبة الرشد، الرياض،1990 م. 818 - المقتصد في شرح الإيضاح: عبد القاهر الجرجاني (471 هـ)، تحقيق: كاظم مرجان، منشورات وزارة الثقافة والإعلام، العراق، 1982 م. 819 - المقتضب: المبرد، تحقيق: محمد عبد الخالق عضيمة، عالم الكتب، بيروت،1382 هـ- 1963 م. 820 - المقتنى في سرد الكنى: الذهبي، تحقيق: محمد صالح عبد العزيز المراد، مطابع الجامعة الإسلامية، المدينة المنورة،1408 هـ-1988 م. 821 - مقدمة فتح الباري: ابن حجر العسقلاني، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي ومحب الدين الخطيب، دار المعرفة، بيروت،1379 هـ. 822 - مقدمة في أصول التفسير: شيخ الإسلام ابن تيمية، حققه وخرج أصوله وفهرسه: عصام فارس الحرستاني ومحمد شكور حاجي امرير، دار عمار، عمّان،1418 هـ-1997 م. 823 - المقرب: ابن عصفور، تحقيق: أحمد عبد الستار الجواري، وعبد الله الجبوري، بغداد،1986 م. 824 - مكارم الأخلاق: أبو بكر القرشي، عبد الله بن محمد، ت 281 هـ، تحقيق: مجدي السيد إبراهيم، مكتبة القرآن، القاهرة،1411 هـ -1990 م. 825 - مكارم الأخلاق: لأبي بكر عبد الله بن محمد القرشي (208 هـ)، تحقيق: مجدي السيد إبراهيم، مكتبة القرآن، القاهرة،1411 هـ- 1990 م. 826 - المكرر فيما تواتر من القراءات السبع وتحرر: النّشّار، عمر بن القاسم الأنصاري، ت 900 هـ، مطبعة البابي الحلبي، القاهرة،1354 هـ-1935 م. 827 - ملاك التأويل القاطع بذوي الإلحاد والتعطيل في توجيه المتشابه اللفظ من آي التنزيل: ابن الزبير الغرناطي، أحمد بن إبراهيم، ت 708 هـ، تحقيق: سعيد الفلاح، ط 1، دار الغرب الإسلامي، بيروت،1403 هـ-1983 م. 828 - الممتع في التصريف: ابن عصفور، تحقيق: د. فخر الدين قباوة، ط 5، الدار العربية للكتاب، ليبيا،1403 هـ-1983 م. 829 - من حديث خيثمة بن سليمان القرشي الأطرابلسي: ت 343 هـ، تحقيق: د. عمر عبد السّلام تدمري، ط 1، دار الكتاب العربي، بيروت، 1400 هـ-1980 م. 830 - من حديث خيثمة: محمد بن إسحاق بن محمد بن يحيى (395 هـ)، تحقيق: مجدي السيد إبراهيم، مكتبة القرآن، القاهرة، (بلا. ت). (أ) 831 - من رمي بالاختلاط: إبراهيم بن محمد بن خليل الطرابلسي (841 هـ)، تحقيق: علي حسن علي عبد الحميد، الوكالة العربية، الزرقاء. 832 - منار الهدى في الوقف والابتدا: تأليف أحمد بن محمد بن عبد الكريم الأشموني (من علماء القرن الحادي عشر الهجري)، علق عليه شريف أبو العلا العدوي، دار الكتب العلمية بيروت،1422 هـ-2002 م. 833 - مناهل العرفان في علوم القرآن: محمد عبد العظيم الزرقاني، راجعه: محمد علي قطب ويوسف الشيخ، المكتبة العصرية، بيروت، 1996 م. 834 - المنتخب من كتاب أزواج النبي: لأبي عبد الله الزبير بن بكار بن عبد الله بن مصعب الزبيري (256 هـ)، تحقيق: سكينة الشهابي، مؤسسة الرسالة، بيروت،1403 هـ. 835 - المنتخب من مسند عبد بن حميد: ت 249 هـ، تحقيق: صبحي البدري السامرائي، ومحمود محمد خليل الصعيدي، ط 1، عالم الكتب، ومكتبة النهضة العربية، بيروت، 1408 هـ-1988 م.
836 - المنتظم في تاريخ الملوك والأمم: ابن الجوزي، تحقيق: محمد عبد القادر عطا، ومصطفى عبد القادر عطا، ط 1، دار الكتب العلمية، بيروت، 1412 هـ-1992 م. 837 - المنتقى من السنن المسندة: ابن الجارود النيسابوري، أبو محمد، عبد الله بن علي، ت 307 هـ، تحقيق: عبد الله عمر البارودي، ط 1، مؤسسة الكتاب الثقافية، بيروت،1408 هـ- 1988 م. 838 - المنتقى: لابن الجارود تحقيق: عبد الله عمر البارودي، مؤسسة الكتاب الثقافية، بيروت، لبنان،1408 هـ-1988 م. 839 - المنخول من تعليقات الأصول: الغزالي، تحقيق: د. محمد حسن هيتو، ط 3، دار الفكر المعاصر، بيروت، دار الفكر، دمشق،1419 هـ- 1998 م. 840 - المنمق في أخبار قريش: محمد بن حبيب البغدادي، ت 245 هـ، عالم الكتب، بيروت، (لا، ت). 841 - المهذب في علم التصريف: د. هاشم طه شلاش، ود. صلاح مهدي الفرطوسي، ود. عبد الجليل عبيد حسين، مطبعة التعليم العالي، الموصل،1989 م. 842 - موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان: للحافظ نور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي (807 هـ)، حققه ونشره: محمد عبد الرزاق حمزة، دار الكتب العلمية، بيروت، (بلا. ت). 843 - مواهب الجليل لشرح مختصر خليل: الحطاب الرعيني، أبو عبد الله، محمد بن محمد بن عبد الرحمن، ت 954 هـ، ضبطه وخرج آياته وأحاديثه: زكريا عميرات، ط 1، دار الكتب العلمية، بيروت،1416 هـ-1995 م. 844 - موسوعة حياة الصحابة من كتب التراث: إعداد وتنسيق وإخراج: محمد سعيد مبيض، مكتبة دار الفتح، قطر،1421 هـ- 2000 م. 845 - موضح أوهام الجمع والتفريق: أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي (463 هـ)، دار المعرفة، بيروت،1407 هـ، تحقيق: د. عبد المعطي أمين قلعجي. 846 - الموضح في وجوه القراءات وعللها: ابن أبي مريم الشيرازي، نصر بن علي بن محمد، ت بعد 565 هـ، تحقيق: د. عمر حمدان الكبيسي، ط 1، جدة،1414 هـ-1993 م. 847 - الموضوعات من الأحاديث المرفوعات: تأليف الإمام أبي الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد بن جعفر ابن الجوزي، حقق نصوصه وعلق عليه: د. نور الدين بن شكري بن علي بوياجيلار، أضواء السلف الرياض، مكتبة التدمرية، 1418 هـ-1997 م. 848 - الموطأ: لإمام دار الهجرة مالك بن أنس (179 هـ)، رواية أبي مصعب الزهري المدني (242 هـ)، تحقيق: د. بشار عواد معروف، ومحمود محمد خليل، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط 3، 1418 هـ-1998 م. 849 - الموطّأ: مالك بن أنس، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي، بيروت،1406 هـ-1985 م. 850 - موقف النحاة من الاحتجاج بالحديث الشريف: د. خديجة الحديثي، دار الرشيد، بغداد، 1401 هـ-1981 م. 851 - مولد العلماء ووفياتهم: محمد بن عبد الله بن أحمد بن سليمان بن زبر الربعي (397 هـ)، تحقيق: د. عبد الله أحمد سليمان الحمد، دار العاصمة، الرياض،1410 هـ. 852 - ميزان الاعتدال في نقد الرجال: تأليف الإمام الذهبي، تحقيق: علي محمد البجاوي، دار المعرفة، بيروت،1382 هـ-1963 م. 853 - ناسخ القرآن العزيز ومنسوخه: ابن البارزي، هبة الله بن عبد الرحيم بن إبراهيم، ت 738 هـ، تحقيق: د. حاتم الضامن، ط 3، مؤسسة الرسالة، بيروت،1405 هـ-1985 م.
854 - الناسخ والمنسوخ في القرآن العزيز: لأبي محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الظاهري (456 هـ)، تحقيق: د. عبد الغفار سليمان البنداري، دار الكتب العلمية، بيروت،1406 هـ- 1986 م. 855 - الناسخ والمنسوخ: المقري، هبة الله بن سلامة بن نصر، ت 410 هـ، تحقيق: زهير الشاويش، ومحمد كنعان، ط 1، المكتب الإسلامي، بيروت،1404 هـ-1984 م. 856 - الناسخ والمنسوخ: قتادة بن دعامة السدوسي، ت 117 هـ، تحقيق: د. حاتم الضامن، ط 1، مؤسسة الرسالة، بيروت،1404 هـ- 1984 م. 857 - الناسخ والمنسوخ: لأبي جعفر أحمد بن محمد بن إسماعيل المرادي النحاس (339 هـ)، تحقيق: د. محمد عبد السّلام محمد، مكتبة الفلاح، الكويت،1408 هـ. 858 - النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة: تأليف جمال الدين أبي المحاسن بوسف بن تغري بردي الأتابكي (ت 874 هـ)، نسخة مصورة عن طبعة دار الكتب، المؤسسة المصرية العامة، مصر، (د. ت). 859 - نزهة الألباء في الألقاب: أحمد بن علي بن محمد المشهور بابن حجر العسقلاني (852 هـ)، تحقيق: عبد العزيز محمد بن صالح السديري، مكتبة الرشد،1989 م. 860 - نزهة الألباء في طبقات الأدباء: لأبي البركات كمال الدين عبد الرحمن بن الأنباري (ت 577 هـ)، تحقيق: د. إبراهيم السامرائي، مكتبة المنار، الزرقاء، الأردن، ط 3،1405 هـ-1985 م. 861 - نزهة الحفاظ: لأبي موسى محمد بن عمر الأصبهاني المديني (581 هـ)، تحقيق: عبد الرضى محمد عبد المحسن، مؤسسة الكتب، بيروت، 1406 هـ. 862 - نزهة المشتاق في اختراق الآفاق: لأبي عبد الله محمد بن محمد بن عبد الله الإدريسي، بيروت،1989 م. 863 - نزهة الناظر وتنبيه الخاطر: الحسين بن محمد بن الحسن بن نصر الحلواني (في القرن الخامس الهجري)، تحقيق: مدرسة الإمام المهدي، 1408 هـ. 864 - نسب قريش: أبو عبد الله مصعب بن عبد الله الزبيري (ت 236 هـ)، تحقيق: بروفنسال، ط 3، دار المعارف، القاهرة،1982 م. 865 - نسخة وكيع: لأبي سفيان وكيع بن الجراح بن مليح الرؤاسي (197 هـ)، تحقيق: عبد الرحمن عبد الجبار الفريوائي، الدار السلفية، الكويت، ط 2،1406 هـ. 866 - نشأة التفسير في الكتب المقدسة والقرآن الكريم، السيد أحمد خليل،1954 م. 867 - النشر في القراءات العشر: ابن الجزري، صححه: علي محمد الضباع، مطبعة مصطفى محمد، مصر، (لا، ت). 868 - نصب الراية لأحاديث الهداية: للإمام الحافظ جمال الدين أبي محمد عبد الله بن يوسف الحنفي الزيلعي (762 هـ)، تحقيق: محمد يوسف بن السيد محمد البنوري، دار الحديث، القاهرة، (بلا. ت). (أ) 869 - نصب الراية: الزيلعي، عبد الله بن يوسف، ت 762 هـ، تحقيق: أيمن صالح شعبان، ط 1، دار الحديث، القاهرة،1415 هـ-1995 م. 870 - نصب المجانيق لنسف قصة الغرانيق: تأليف ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، بيروت، ط 3،1417 هـ-1996 م. 871 - نصوص محققة في علوم القرآن الكريم: د. حاتم الضامن، بغداد،1411 هـ-1991 م. 872 - نظام الحكومة النبوية المسمى التراتيب الإدارية: عبد الحي الكتاني الإدريسي الحسني الفاسي، دار الكتاب العربي، بيروت، (لا، ت).
873 - نظم المتناثر من الحديث المتواتر: الكتاني، محمد بن جعفر، ت 345 هـ، ط 2، دار الكتب السلفية، مصر، (لا، ت). 874 - نفائس البيان شرح الفوائد الحسان: عبد الفتاح القاضي، مطبعة عيسى البابي، مصر، 1950 م. 875 - نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب: المقري التلمساني، أحمد بن محمد، ت 1041 هـ، تحقيق: د. إحسان عباس، دار صادر، بيروت،1388 هـ-1968 م. 876 - نفوذ السلاجقة: محمد بن مسفر الزهراني، مؤسسة الرسالة، بيروت،1982 م. 877 - النكت والعيون (تفسير الماوردي): أبو الحسن علي بن حبيب الماوردي البصري (ت 450 هـ)، راجعه وعلق عليه: السيد بن عبد لا مقصود بن عبد الرحيم، مؤسسة الكتب الثقافية ودار الكتب العلمية، بيروت،1412 هـ-1992 م. 878 - النهاية في غريب الحديث والأثر: ابن الأثير: مجد الدين، المبارك بن محمد الجزري، ت 606 هـ، تحقيق: صلاح محمد عويضة، ط 1، دار الكتب العلمية، بيروت،1418 هـ-1997 م. 879 - النهاية في غريب الحديث والأثر: للإمام مجد الدين أبي السعادات المبارك بن محمد الجزري ابن الأثير (ت 606 هـ)، تحقيق: طاهر أحمد الزاوي وغيره، دار إحياء الكتب العربية، القاهرة، (د. ت)، 880 - نهج البيان عن كشف معاني القرآن: محمد بن الحسن الشيباني (من أعلام الشيعة في القرن السابع)، تحقيق: حسين دركاهي، نشر الهادي، قم، إيران،1419 هـ. 881 - نوادر الأصول في أحاديث الرسول: الحكيم الترمذي، أبو عبد الله، محمد بن علي بن الحسن، ت بعد 285 هـ، تحقيق: د. عبد الرحمن عميرة، ط 1، دار الجيل، بيروت،1992 م. 882 - نواسخ القرآن: لأبي الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد بن الجوزي (597 هـ)، دار الكتب العلمية، بيروت،1405 هـ-1985 م. 883 - النور المبين في قصص الأنبياء والمرسلين، السيد نعمة الله الجزائري (1112 هـ). 884 - نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار من أحاديث سيد الأخيار: للشيخ الإمام محمد بن علي بن محمد الشوكاني (1255 هـ)، دار الكتب العلمية، بيروت،1403 هـ 1983 م. (أ) 885 - نيل الأوطار من أحاديث سيد الأخيار شرح منتقى الأخبار: الشوكاني، دار الجيل، بيروت،1973 م. 886 - نيل السائرين في طبقات المفسرين: للعلامة محمد طاهر، دار القرآن، بنج بير ضلع مردان، باكستان. 887 - هبة الرحمن الرحيم في فضائل القرآن الكريم: اختصار وتحقيق وتخريج: محمد شكور محمود الحاجي امرير المياديني، مكتبة المنار، الزرقاء، 1407 هـ-1987 م. 888 - الهداية شرح البداية: المرغيناني، المكتبة الإسلامية، بيروت، (لا، ت). 889 - هدية العارفين، أسماء المؤلفين وآثار المصنفين: إسماعيل باشا البغدادي، ت 1339 هـ، إستانبول،1951 - 1955 م. 890 - همع الهوامع في شرح جمع الجوامع: جلال الدين السيوطي (911 هـ)، تحقيق: عبد الحميد هنداوي، المكتبة التوفيقية، مصر، (بلا. ت). 891 - الهواتف: لأبي عبد الله بن محمد بن عبيد ابن أبي الدنيا (281 هـ)، تحقيق: د. نجم عبد الرحمن خلف، مكتبة الرشد، الرياض،1411 هـ- 1990 م، 892 - واو العطف وأثره في اختلاف الأصوليين والفقهاء: د. أحمد محمد فروح، (ضمن مجلة كلية العلوم الإسلامية)، جامعة بغداد، العدد العاشر، السنة السابعة،1422 هـ-2002 م.
893 - الوجوه والنظائر في القرآن الكريم: هارون بن موسى، ت نحو 170 هـ، تحقيق: د. حاتم الضامن، دار الحرية للطباعة، بغداد،1409 هـ-1988 م. 894 - الوجيز في تفسير الكتاب العزيز: الواحدي، تحقيق: صفوان عدنان داوودي، دار القلم، دمشق، الدار الشامية، بيروت، ط 1،1415 هـ-1995 م. 895 - الوحشيات: أبو تمام، تحقيق: عبد العزيز الميمني ومحمود شاكر، دار المعارف، مصر،1963 م. 896 - الوسيط في تفسير القرآن المجيد، أبو الحسن علي بن أحمد الواحدي النيسابوري (ت 468 هـ)، تحقيق: الشيخ عادل أحمد عبد الموجود، وغيره، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان،1415 هـ-1994 م. 897 - وفيات الأعيان وأبناء أبناء الزمان: ابن خلكان، أحمد بن محمد، ت 681 هـ، تحقيق: د. إحسان عباس، دار الثقافة، بيروت،1968 م. 898 - وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان: لأبي العباس شمس الدين أحمد بن محمد بن أبي بكر بن خلكان (681 هـ)، تحقيق: د. إحسان عباس، دار الثقافة، بيروت، لبنان، (د. ت). 899 - ياقوتة الصراط في تفسير غريب القرآن: لأبي عمر محمد بن عبد الواحد البغدادي المعروف بغلام ثعلب (345 هـ)، حققه وقدم له: د. محمد بن يعقوب التركستاني، مكتبة العلوم والحكم، المدينة المنورة،1423 هـ-2002 م.
المحتويات الموضوع الصفحة المقدمة القسم الأول: الدراسة تمهيد 5 الفصل الأول: منهج المؤلف في «درج الدرر» المبحث الأول: التفسير بالمأثور 17 المبحث الثاني: عنايته بعلوم اللغة 27 المبحث الثالث: عنايته بعلوم القرآن 47 المبحث الرابع: متفرقات 67 الفصل الثالث: نسخ الكتاب المخطوطة ومنهج التحقيق المبحث الأول: نسخ الكتاب المخطوطة 85 المبحث الثاني: منهج التحقيق 87 المبحث الثالث: الرموز والمصطلحات 89 الخاتمة 90
القسم الثاني: النص المحقق «درج الدرر في تفسير القرآن العظيم» سورة هود عليه السّلام 93 سورة يوسف 119 سورة الرعد 147 سورة إبراهيم عليه السّلام 158 سورة الحجر 167 سورة النحل 181 سورة بني إسرائيل (الإسراء) 197 سورة الكهف 236 سورة مريم 263 سورة طه 284 سورة الأنبياء 300 سورة الحج 328 سورة المؤمنون 344 سورة النور 353 سورة الفرقان 378 سورة الشعراء 392 سورة النمل 401 سورة القصص 418 سورة العنكبوت 430 سورة الروم 435 سورة لقمان 440 سورة السجدة 445 سورة الأحزاب 449 سورة سبأ 477
سورة فاطر 487 سورة يس 495 سورة الصافات 509 سورة ص 518 سورة الزمر 533 سورة غافر 538 سورة حم السجدة (فصلت) 544 سورة حم عسق (الشورى) 549 سورة حم الزخرف 555 سورة الدخان 560 سورة حم الجاثية 563 سورة الأحقاف 565 سورة محمد عليه السّلام 569 سورة الفتح 574 سورة الحجرات 581 سورة ق 587 سورة الذاريات 591 سورة الطور 594 سورة النجم 596 سورة القمر 603 سورة الرحمن 606 سورة الواقعة 612 سورة الحديد 618 سورة المجادلة 622 سورة الحشر 626
سورة الممتحنة 632 سورة الصف 636 سورة الجمعة 637 سورة المنافقين 639 سورة التغابن 641 سورة الطلاق 642 سورة التحريم 646 سورة الملك 651 سورة القلم 654 سورة الحاقة 658 سورة المعارج 661 سورة نوح 664 سورة الجن 666 سورة المزمل 669 سورة المدثر 672 سورة القيامة 676 سورة الإنسان 679 سورة المرسلات 682 سورة التساؤل (النبأ) 684 سورة النازعات 686 سورة عبس 689 سورة التكوير 691 سورة الانفطار 693 سورة التطفيف 694 سورة الانشقاق 697
سورة البروج 700 سورة الطارق 702 سورة الأعلى 704 سورة الغاشية 707 سورة الفجر 709 سورة البلد 711 سورة الشمس 713 سورة الليل 715 سورة الضحى 716 سورة الشرح 718 سورة التين 720 سورة العلق 722 سورة القدر 725 سورة لم يكن (البينة) 727 سورة إذا زلزلت 729 سورة العاديات 730 سورة القارعة 732 سورة ألهاكم (التكاثر) 733 سورة العصر 734 سورة الهمزة 735 سورة الفيل 736 سورة لإيلاف (قريش) 738 سورة الماعون 739 سورة الكوثر 740 سورة الكافرون 742
سورة النصر 743 سورة تبت (المسد) 744 سورة الإخلاص 745 سورة الفلق 746 سورة الناس 748 المصادر والمراجع 749 المحتويات 797